مستند الشيعة في أحكام الشريعة

اشارة

سرشناسه : نراقي، احمدبن محمد مهدي، 1185-1245ق.

عنوان و نام پديدآور : مستند الشيعه في احكام الشريعه/ تاليف احمدبن محمدمهدي النراقي؛ تحقيق موسسه آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث.

مشخصات نشر : مشهد: موسسه آل البيت (عليهم السلام) لاحياء الثرات، 1415ق. = 1373-

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : موسسه آل البيت لاحياء التراث؛ 156، 157، 158، 160، 165، 166، 167، 168، 171، 242.

شابك : 2500ريال: ج.1 964-5503-75-2 : ؛ : ج.3: 964-5503-78-7 ؛ 4000 ريال: ج.5: 964-5503-80-9 ؛ 4000 ريال (ج.6) ؛ 4000 ريال (ج.7) ؛ 5000 ريال: ج.8 964-5503-83-3 : ؛ 5000 ريال: ج.10 964-319-014-5 : ؛ 6000 ريال: ج.11 964-319-015-3 : ؛ 5500 ريال: ج.12: 964-319-038-2 ؛ 5500 ريال: ج.13: 964-319-073-0 ؛ 7500 ريال: ج.16: 964-319-125-7 ؛ 7500 ريال (ج.17) ؛ 35000 ريال: ج.20 978-964-319-502-1 :

وضعيت فهرست نويسي : برونسپاري

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول: 1415ق. = 1373).

يادداشت : ج. 6 (چاپ اول: 1415ق. = [1373]).

يادداشت : ج. 7 (چاپ اول:1416ق. = [1374]).

يادداشت : ج. 8 (چاپ اول: 1416ق. = 1375).

يادداشت : ج.10و 11و 12(چاپ اول: 1417ق. = 1376).

يادداشت : ج. 13 (چاپ اول: 1417ق. = 1375).

يادداشت : ج. 16 و 17 (چاپ اول: 1419ق. = 1377).

يادداشت : ج.20 (چاپ اول: 1431ق. = 1389).

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : v. 5):)ISBN 964-5503-75-2 (set): ISBN 964-5503-75-2 (8 vols): ISBN 964-5503-82-5 (v.7): ISBN 964-5503-81-7 (v. 6): ISBN 964-5503-80-9

موضوع : فقه جعفري -- قرن 13ق.

شناسه افزوده : موسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث (قم)

رده بندي كنگره : BP183/3/ن4م5 1373

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 74-1256

مستند الشيعة في أحكام الشريعة الجزء 0١

المقدّمة

اشاره

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

بعد حمد اللّه على عظيم منّه و إفضاله و الصلاة و السلام على مفخر قطّان أرضه و سمائه

محمّد و آله خير البريّة أجمعين.

لا ريب أنّ لكلّ أمّة- تريد المجد و تنشد الرقي- أن ترسم لنفسها دستورا للعمل و منهجا في الحياة، و الأمم الإلهيّة- بما فيها الأمة الإسلامية- أخذت دستور عملها و منهاجها من تعاليم السماء، و هي أجدر و أسمى من القوانين الوضعية التي رسمتها كثير من الأمم لغرض إيصال الإنسان إلى مجده و رقيّة.

و هذا الهدف الذي يجسّد السعادة بذاتها لا يمكن تحقّقه إلّا عبر الجمع بين مفردات الفكر و واقع الممارسة، فالعالم الذي لا يعمل بعلمه لا أنّه لن يصل إلى غايته و مطلوبه فحسب، بل يكون العلم وبالا عليه، و قد جعل اللّه سبحانه و تعالى إبليس المثال البارز للعالم غير العامل.

إذن، فالعمل هو الخطوة الثانية بعد المعرفة و العلم، و ذلك طبق المفاهيم المستوحاة من القرآن الكريم .. و نعني بالعمل: إتيان ما أمر اللّه أن يؤتى به و الانتهاء عمّا نهى عنه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 6

هذا، و المعروف من التعاليم السماوية أنّها تعطي للجانب العملي أهمية خاصة مع الحفاظ على تقوية الجانب الروحي في آن واحد، و بهما يرتفع الإنسان من حضيض النفس البهيميّة إلى ذروة المجد و المراتب الكماليّة، حتى يعدّ بمنزلة الملائكة، بل بمنزلته تبارك و تعالى، كما ورد في قوله عزّ من قال: «عبدي أطعني تكن مثلي، أو مثلي».

و لقد تألّق علماؤنا و فقهاؤنا في عكس الصورة الواضحة و السليمة عن أسس و مبادئ الدين الإسلامي الحنيف الذي يمثّل مرحلة الكمال في التعاليم السماوية، فهو الناسخ لكل الأديان و الرسالات التي انتشرت قبله، ثمَّ إنّه لا شريعة بعده مطلقا.

و إنّنا و الحال هذه نجد أنفسنا أمام كنز غني من الفكر

و الثقافة يدعو أهل الفن و الخبرة إلى السعي لإظهاره بالشكل المطلوب، بل إنّ التضلّع بإحيائه يعدّ محورا مهما من محاور تحقق المجد و السعادة.

و للمناسبة فإنّ إطلاق لفظة «الإحياء» كان من باب الكناية و المجاز، و إلّا فإن التراث حيّ حاضر لا غبار عليه، سيّما و أنّه مستنبط من شريعة خاتم المرسلين و الأئمّة الميامين صلوات اللّه عليهم أجمعين، التي تكاملت بحذافيرها- على المشهور من مذهب الأصوليين- في زمنه صلّى اللّه عليه و آله، أو أنّ خطوطها العريضة و كلياتها قد بيّنها بنفسه صلّى اللّه عليه و آله و أوكل التفصيل و التوسعة فيها إلى الأئمة عليهم السلام، كما هو رأي البعض.

و يشهد للقول المشهور، قوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً «1».

______________________________

(1) المائدة: 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 7

و النصّ المرويّ عن مولانا الباقر عليه السّلام، قال: «خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حجة الوداع، فقال: يا أيّها النّاس، ما من شي ء يقرّبكم من الجنّة و يباعدكم عن النار إلّا و قد أمرتكم به، و ما من شي ء يقرّبكم من النار و يباعدكم عن الجنّة إلّا و قد نهيتكم عنه» «1» الخبر.

أضف إلى ذلك، فإنّ الأمّة في الظرف الراهن على الخصوص محفوفة بالمخاطر و الدسائس من كلّ جانب، بل عاد النضوج المعنوي و الحسّ الروحي منحصرا، و غدا التعقّل و التدبّر و الاشتغال بالعلم مرتبطا بفئة قليلة جدّا، و صار السواد الأعظم يهوى التطوّر الكاذب، و يلهث وراء الدنيا و مظاهرها، تاركا القيم السامية و المبادئ الرفيعة وراء ظهره.

و من هنا فقد برزت بوضوح ضرورة تجاوز هذه الاخفاقات الغريبة عن

الفكر الإسلامي و عقيدته المتكاملة من خلال التصدي لجملة من المناهج التربوية، و اهمهما الاغتراف من المعين الصافي للتراث الإسلامي، و المتمثل بمدرسة أهل البيت عليهم السلام.

ثمَّ إنّ التعامل مع التراث يحتاج إلى منهجية عمل متكاملة ذات أسس و قواعد متينة تضمن قطف أينع الثمار، و لضيق المجال، فإننا نكتفي بالإشارة إلى أهم محاورها، فنقول:

لا بدّ أولا من تشخيص ماهية التراث و تثبيت موضوعه، فما وصل بأيدينا منه مختلف ألوانه، و الذي نقصده هو ما يعكس هوية الأمة الحقيقية، و يوضّح قيمها و تعاليمها، و يحفظها من كيد أعدائها، و يصون أصالتها الإلهيّة، و بالتالي هو ما يشكّل القناة الرئيسية التي توصل الإنسان إلى الرقيّ المعنوي و الغنى الدنيوي و الأخروي.

______________________________

(1) الكافي 2: 60- 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 8

فالمطلوب إذن مراعاة أعلى مراحل الدقّة في الانتخاب، حيث فيه خدمة عظيمة للأمّة، و إلّا فإنّ التهاون فيه سيترك أسوأ الأثر و تكون له عواقب وخيمة لا تحمد عقابها.

و أمّا ثانيا: فهو تهيئة الكادر المتخصّص الذي يلقى على عاتقه تنفيذ هذه المهمة الحسّاسة، و هذا ما يستدعي توفّر عدّة مواصفات و مميّزات، كالعشق و الغيرة و الدقّة و الذكاء و التواضع و الصبر و الأمانة و الذوق الرشيق و الالتزام الديني و الاستعانة بأهل الخبرة، و غير ذلك.

و نجد لزاما أن نقول: إنّنا بالقدر الذي ندعو فيه إلى إحياء التراث، ندعو إلى السعي الحثيث لتدعيم جانب التصنيف و التأليف، فالعصر الحاضر- بمستحدثاته و مستجداته، و بما يحمل من تساؤلات و شبهات مصدرها التآمر الفكري الثقافي الذي يتّسع يوما بعد آخر ضد الدين الإسلامي و فيمه الرفيعة، و غير ذلك من العوامل و الأسباب- يبرز

الحاجة الملحّة لردم الهوّة الفاصلة بينه و بين التراث، و نؤيد دعوانا هذه بأنّ التغاير المكاني و الزماني لهما أقوى الأثر في توسيع الثغرة بينهما. لذا لا بدّ من مسايرة أحدهما للآخر من أجل عكس الصورة الكاملة و المتينة عن الثقافة الإسلامية، و هو مما يشكّل بطبيعته الخطوة الأساس على سبيل تحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف الأصعدة، سيّما الصعيد الفكري منها.

و لكون إحياء التراث هو مدار البحث، ارتأينا عطف الضوء على بعض زواياه تاركين الخوض في باب التصنيف لفرص أخرى.

و لنا الجرأة بأن ندّعي بالدليل القاطع: أنّ الأمة الإسلامية تمتلك تراثا هائلا من الآثار النفيسة التي حرّرت في مختلف ألوان العلم و المعرفة، كالفقه و الأصول و الأدب و الكلام و الطبّ و الهندسة و الفلك و الرياضيات، حتى عاد المخزون الثقافي لها من أهم ما اعتمدته النهضات المختلفة في برامج

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 9

عملها، بل إنّ الأمة الإسلامية بذاتها لمّا كانت رائدة العلم و التطور، كان الفضل الأول و الأخير في ذلك يعود إلى اعتمادها الإسلام كفكر و ممارسة، و لخصوصية تكيّفه مع مختلف الأعصار و الأماكن فإنه يجدر بنا أن نستلهم و نستنبط من كنوزه نظاما أرقى و واقعا أعزّ و أرفع.

و في نفس الوقت الذي نشدّ فيه على الأيدي التي طرقت هذا الجانب- أي عملية إحياء التراث- من مؤسسات و مجامع و معاهد علمية و أفراد، وسعت لنشره بعد إجراء سلسلة من مراحل التصحيح و التحقيق و الطبع و تسهيل مهمة إيصاله بين أيدي القرّاء بالوفرة المطلوبة بعد ما كان مغمورا مخطوطا لا تتجاوز نسخه عدد الأصابع.

نؤكّد على ممارسة أعلى مراحل الدقة و الأمانة المقترنين بالالتزام الديني، لما لهذه

المميزات من أثر بارز في عرض تراث سليم يترجم الطموحات المرجوة على أحسن الوجوه و أكملها.

و لسنا في مقام التعريض أو المساس بهذا النتاج أو ذاك، بل غاية مقصودنا هو الدعوة إلى الاهتمام التام بالكيفية و النوعية، و أن لا تكون الوفرة و التسابق على حسابهما، فلا ضرورة- مثلا- في البدء بمشروع قطع الآخرون منه شوطا طويلا، فإنه لدينا من التراث المخزون ما يحتاج معه إلى سنين طوال لانجازه، فاللازم ان تنسّق كافة الجهات أعمالها بالنحو الذي يرتفع معه التكرار و إضاعة الوقت، و أن يتم تبادل الآراء و تلاقح الأفكار، كي لا تكون بضاعة مزجاة و تجارة قد تبور. و إلّا فكم من المصنّفات قد نالتها يد التحقيق و التصحيح و يا ليتها لم تنلها، و كم من غيرها ينتظر فرصة الظهور بشوق لا يوصف، لكنه شوق مشوب بالخوف من عاقبة ما آل إليها نظيره.

و بحكم التخصّص، فلا نرى بدّا من الميل بالبحث إلى علم الفقه من حيث الأهمية و المكانة. فهو أشرف العلوم و أفضلها، و قد وردت به

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 10

الروايات المستفيضة الدالّة بوضوح على علوّ مرتبته و عظم منزلته، كيف لا؟! و هو برنامج الحياة المتكامل و الموجّه لكلّ الأفعال و الممارسات على النحو الصحيح.

و القوانين التشريعية التي صاغها الفقه الإسلامي تعدّ من أرقى القوانين التي تضمن سعادة الإنسان المطلقة و توفر له كامل حقوقه و تبين وظائفه من الواجبات و المنهيات و المباحات، بل و الوضعيات من الأحكام، بشكل يعطي لنظام الحياة رونقا خاصّا.

و لذا قد ورد عن مولانا الصادق عليه السلام أنّه قال: «لوددت أنّ أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقوا» «1».

و قال عليه السلام

أيضا: «تفقّهوا في الدين فإنّه من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي، إنّ اللّه يقول في كتابه لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ «2»» «3».

و كذا قال عليه السلام: «عليكم بالتفقّه في دين اللّه و لا تكونوا إعرابا، فإنّه من لم يتفقّه في دين اللّه لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة و لم يزكّ له عملا» «4».

و عنه أيضا: «إذا أراد اللّه بعبد خيرا فقّهه في الدين» «5».

و عن أبيه الباقر عليه السّلام أنّه قال: «الكمال كلّ الكمال التفقّه في الدين» الخبر «6».

______________________________

(1) الكافي 1: 31- 8.

(2) التوبة: 122.

(3) الكافي 1: 31- 6.

(4) الكافي 1: 31- 7.

(5) الكافي 1: 32- 3.

(6) الكافي 1: 32- 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 11

و قد روت العامّة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قوله: «من يرد اللّه به خيرا فقّهه في الدين» «1».

و غير ذلك من النصوص الدالّة على شرف الفقه و رفيع مكانته و مقدار أهميّته.

و الفقه الإمامي يمثّل الوجه الناصع و الانعكاس الحقيقي لما ورد في القرآن و السنة من مفاهيم و أحكام، فقد جاء عن الإمام الباقر عليه السّلام قوله: «يا جابر، لو كنّا نفتي الناس برأينا و هوانا لكنّا من الهالكين، و لكنّا نفتيهم بآثار من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أصول علم عندنا نتوارثها كابرا عن كابر، نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم و فضّتهم» «2».

و التصانيف الفقهيّة التي ألّفها علماء الشيعة الإماميّة- بمختلف الطرق و الأساليب- تعدّ النموذج الأرقى للفقه الإسلامي، و البرهان الساطع على علوّ كعب هذه الطائفة، سواء كان ذلك من حيث الكمّ أو الكيف، و لقد جدّت الخطى و

تآزرت الجهود و بذلت أقصى الإمكانيات لإظهار ما جادت به أقلام عباقرة العلم و المعرفة و الفكر و الفضيلة بلباس جديد مسبوقا بالتصحيح و التحقيق، مراعا فيه الذوق الرشيق و الفن المبتكر و الجاذبية العالية.

و لا يخفى على أهل الفن و الخبرة من المتخصصين و الباحثين و المحققين ما لمؤسسة آل البيت عليهم السلام من دور فعّال و نشاط ملموس و أكبار لمسؤولية إحياء تراث و نتاجات فقهاء مدرسة آل البيت عليهم السلام.

و قد شهد لها القريب و الداني من كل حدب و صوب أن عنوانها لم يكن

______________________________

(1) صحيح البخاري 1: 27، صحيح مسلم 3: 1524- 175، سنن ابن ماجه 1: 80 ب 13، موطإ مالك 2: 900- 8، سنن الترمذي 4: 137- 2783، مسند أحمد 1: 306.

(2) بصائر الدرجات 320- 4 ب 14، الاختصاص: 280 بتفاوت يسير، و عنهما في البحار 2 172- 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 12

مجرّد رؤية أو شعار، بل أثبتت على مستوى التطبيق و الإنجاز أنّها تتحسّس الضرورة و تؤمن إيمانا عميقا بالاهداف التي شيّدت لأجلها، فكان أنه جائت نتاجاتها رفيعة المستوي، متينة العرض، فريدة الأسلوب، حسنة الذوق، يهفو إليها الجميع. و هذا ما يعكس الهوية الحقيقية لها.

و يشغل الجانب الفقهي حيّزا واسعا و مهمّا من برنامج عملها، يلمس ذلك بوضوح ممّا صدر عنها من نتاج، و ما هو في طور الصدور أو قيد التحقيق. و هذا ما يؤكد حجم اهتمامها بلزوم رفع المستوي الفقهي عموما و على صعيد الحوزات العلمية خصوصا، و كذا إحساسها بعلوّ مرتبة الفقه و شرفه و منزلته.

و لعل السبب الأساس في نجاحها يعود و بفضل اللّه تبارك و تعالى إلى سلامة المنهجية التحقيقية

التي سلكتها في إنجاز أعمالها و هو ما نقصد به أسلوب العمل الجماعي.

و إن كانت المؤسسة قد استطاعت أن ترفد المكتبة الإسلامية بما تفتقره من آثار نفيسة- بعد ما علا عليها غبار الدهر و بنى- و بحلّة قشيبة، محققة، مصحّحة، تختزل عناء البحث و لوازمه، فإنّها و للّه الحمد تكون قد ترجمت أهدافها إلى واقع ملموس، مع أن الطموح يرقى يوما بعد آخر.

و أقلّ ما يقال: إنّ المؤسسة قد أحكمت القدم على طريق إحياء تراث آل البيت عليهم السلام.

نحن و الكتاب:

صنّف فقهاؤنا العظام الكثير في الفقه الاستدلالي، و لكلّ واحد من هذه الكتب سماته و مميّزاته، من متانة الاستدلال و الجامعية و كثرة التفريعات و نقل الأقوال و الإيجاز و غيرها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 13

و يمتاز كتاب مستند الشيعة بالإضافة إلى ذلك بالدقة البليغة و الأسلوب العميق، مع فرز جهات المسألة و جوانبها المختلفة و بيان تعارض الآراء و أسانيدها بالنقض أو الإبرام، كلّ ذلك ببضع أسطر أو صفحات.

و قد قال بعض الأعلام في مقدّمة الطبعة الحجرية من الكتاب ما نصّه:

لا يعادله كتاب في الجامعية و التمامية، لاشتماله على الأقوال، مع الإحاطة بأوجز مقال، من غير قيل و قال، و ارتجاله في الاستدلال، و ما به الإناطة بأخصر بيان و مثال، من دون خلل و إخلال، فلقد أجمل في الإيجاز و الإعجاز، و فصّل في الإجمال حقّ الامتياز، فهو بإجماله فصيل، و في تفصيله جميل، سيّما في كتاب القضاء، فقد اشتهر بين الفضلاء أنّه لم يكتب مثله.

ثمَّ إنّه لا يدع برهانا أو دليلا إلّا و استقرأه و استقصاه إثباتا لمختاره و مدّعاه، غير غافل عن التعرض لما تمسّك به للأقوال الأخرى من الوجوه

و الأسانيد خائضا فيها خوض البحر المتلاطم ناقضا عليها بألوان الوجوه و الحجج.

و لعل ما يكسب الكتاب قيمة و مكانة تفرّسه- رحمه اللّه- في سائر العلوم، كالفلك و الرياضيات، و ترى آثار هذه المقدرة الفذة بارزة في بحث القبلة و كتاب الفرائض و المواريث و غيرها من المباحث التي يشتمل عليها الكتاب.

و المشهور و المعروف عن مستند الشيعة أنّه اختصّ و امتاز بكثرة تفريعاته إلى غاية ما يمكن، و ذلك بعد تحقّق أصل المسألة عنده و إثبات مشروعيتها، و على سبيل المثال لا الحصر تراه في مبحث: أنّ نصف الخمس لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من أهله عليه السّلام دون غيرهم،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 14

يذكر أولا اعتبار السيادة أو عدمها، ثمَّ يعرّف السادة و يبيّن أدلّة استحقاقهم الخمس، ثمَّ يتناول كيفية النسبة إلى بني هاشم. هذا، مع أنّه يذكر لكلّ فقرة من فقرات البحث الأقوال المختلفة فيها مع ذكر أدلتها ثمَّ الإشكال و الردّ على المخالف منها و تدعيم و توجيه المختار.

و حكي عن الفقيه المتتبع آية اللّه العظمى السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي صاحب الأثر الجليل كتاب العروة الوثقى أنّه كان يراجع كتاب المستند في تفريعاته الفقهية، و يأمر تلامذته بالاستخراج منها.

هذا و يستفاد من مطاوي الكتاب عدّة مبان للمؤلّف، فإنّا نشير إليه لا بنحو الاستقصاء، بل هي شوارد جالت للبصر و في فترة كتابتنا للمقدّمة.

منها: انقلاب النسبة فيما كان التعارض بين أكثر من دليلين.

منها: أنّ الشهرة الفتوائيّة جابرة و كاسرة لسند الرواية.

منها: أنّ قاعدة التسامح تفيد الاستحباب و تجري حتى لفتوى الفقيه.

منها: أنّ الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضدّه الخاصّ.

منها: أنّ الجملة الخبريّة لا تفيد الوجوب و التحريم.

منها: ذهابه

إلى عدم اجتماع الأمر و النهي.

منها: أنّ مقتضى القاعدة في تعارض الخبرين بعد فقدان المرجّح هو التخيير لا التساقط.

منها: عدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلّي.

ترجمة المؤلّف:

اشاره

هو المولى أحمد بن المولى مهدي بن أبي ذرّ النراقي الكاشاني.

ولد في قرية نراق من قرى كاشان، في 14 من جمادى الآخرة سنة 1185 ه. ق، الموافق لسنة 1150 ه. ش، و قيل سنة 1186 ه. ق.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 15

أخذ مقدّمات دروسه من النحو و الصرف و غيرهما في بلده، ثمَّ درس المنطق و الرياضيات و الفلك على أساتذة الفنّ حتى برع فيها و بلغ درجة عالية غبطة عليها زملاؤه.

ثمَّ قرأ الفقه و الأصول و الحكمة و الكلام و الفلسفة عند والده المولى مهدي النراقي كثيرا.

و قد امتاز من أوائل عمره الشريف بحدة الذهن النقّاد و الذكاء الوقّاد، و هذا ما أعانه في تسلّمه مراحل الفضل و العلم بالسرعة المذهلة.

ألقى دروسه في «المعالم» و «المطوّل»، مرات عديدة، و كان يجمع بغيرته الكاملة مستعدي الطلّاب، و في ضمن التدريس لهم يلتقط من ملتقطاتهم ما رام، و يأخذ من أفواههم ما لم يقصدوا فيه الإفهام إلى أن بلغ من العلم ما أراد وفاق كل أستاذ ماهر.

رحل إلى العراق سنة 1205 ه، لغرض الزيارة و مواصلة الدراسة و التلمّذ على فقهاء الطائفة و زعماء الأمّة، فحضر في النجف مجلس درس السيد محمّد مهدي بحر العلوم و الشيخ جعفر كاشف الغطاء، و الفتوني كما قيل، و كان حضوره حضور المجدّ المثابر، حتى ارتوى من نمير منهلهم العذب بقدر ما أراد.

ثمَّ قصد كربلاء لغرض الاستفادة، و الاستزادة من نور العلم أكثر فأكثر، فحضر دروس السيّد على الطباطبائي صاحب الرياض و السيّد

ميرزا محمّد مهدي الشهرستاني، و حكى في «نجوم السماء» عن «الروضة البهية» قوله: سمعت أنّ ملّا أحمد كان يحضر درس أستاذ الكلّ الوحيد البهبهاني برفقة والده.

عاد إلى كاشان: فانتهت إليه الرئاسة بعد وفاة والده سنة 1209 ه-، و حصلت له المرجعية، و كثر إقبال الناس عليه و صار من أجلّة العلماء

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 16

و مشاهير الفقهاء.

و أقوى دليل و أسطع برهان على مكانته العلمية و شهرته الطائلة أن الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري رحل إليه للحضور عليه و الإفادة منه.

غادر بلده مرة أخرى قاصدا العراق، و ذلك في سنة 1211 ه- لغرض الزيارة و الاتصال بالشخصيات العلمية هناك.

هذا، و من جملة صفاته أنّه كان- قدّس سرّه- وقورا غيورا صاحب شفقة على الرعيّة و الضعفاء و همّة عالية في كفاية مئوناتهم و تحمّل أعبائهم و زحماتهم.

و كان له من البنين ثلاثة، أشهرهم و أعظمهم ملّا محمّد، فقد كان عالما جليلا فاضلا نبيلا، صاحب تصنيف، توفي بكاشان سنة 1297 ه.

و الآخر ميرزا نصير الدين، له مصنّفات، منها شرحه على الكافي.

و الثالث ملّا محمّد جواد، و هو عالم فاضل تقي نقي، فقيه فطين، و كان لا يتوانى عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مواظبا على إقامة صلاة الجماعة، يطمئن الناس في الائتمام به، توفي سنة 1278 ه- عن عمر يناهز السادسة و الخمسين.

و من البنات واحدة، هي حليلة ملّا أحمد النطنزي، و من أبنائها الميرزا أبو تراب.

تلامذته:

و قد تلمّذ عليه الكثير من طلبة العلم و المعرفة، أعظمهم و أجلّهم و أشهرهم حجّة الحق شيخ الطائفة الأعظم الشيخ الأنصاري أعلى

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 17

اللّه مقامه الذي يروي عنه أيضا.

و من تلامذته

ابنه ملّا محمّد.

و ميرزا حبيب اللّه المعروف ب: ميرزا بابا، جدّ ملّا حبيب اللّه لأمه، صاحب «لباب الألقاب».

السيّد محمّد تقي البشت المشهدي.

و أخوه ميرزا أبو القاسم النراقي.

و ملّا محمّد حسن الجاسبي.

وفاته:

توفي رحمه اللّه تعالى في نراق احدى قرى كاشان اثر الوباء الذي اجتاح تلك البلاد آنذاك، غير انه لم يحصل القطع في تاريخها، إلّا ان الأقوى كونها في ليلة الأحد 23 ربيع الآخر عام 1245 ه- «1»، و يعضدها ما ذهب اليه تلميذه الملا محمّد حسين الجاسبي في قصيدته التي ارخ فيها عام وفاته، و التي يقول فيها:

أضحى فؤادي رهين الكرب و الألم

أضحى فؤادي أسير الداء و السقم.

تلك الضحى أورثت ما قد فجعت به

يا ليتها لم اصادفها و لم أدم.

لو حملت كربات قد أصبت به

مطية الفلك الدوار لم تقم.

ما ذاك إلّا لرزء قد نعيت به

للعالم العلم ابن العالم العلم.

علامة في فنون الفقه و الأدب

مجموعة الفضل و الأخلاق و الشيم.

مبدئ المناهج هادي الخلق مستند

الأنام في جمل الأحكام للأمم.

______________________________

(1) و قيل إنّه توفّي عام 1244 ه-، و قيل غير ذلك.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 18

جزاه خيرا عن الإسلام شارعة

جزاء رب و في العهد بالذمم.

إلى أن قال:

قضى على الحقّ أعلى اللّه منزله

و أ يتم الناس من عرب و من عجم.

من النراق سرى صبح الفراق إلى

كل العراق صباحا غير منكتم.

بل عمّ أهل الولا هذا المصاب فما

لواحد منهم شمل بمنتظم.

لم يبق للخلق جيب لم يشقّ و لا

عمامة لحدوث الحادث العمم.

لا بل على ما روينا الدين ينثلم

لمثل ذاك فيا للدين من ثلم.

لي سلوة أنّ شمس العلم إن أفلت

بدت كواكب منها في دجى الظلم.

إن شئت تدري متى هذا المصاب جرى

و قد تحقق هذا الحادث الصمم.

عام مضى قبل عام الحزن

يظهر من

قولي (له غرف) تخلو من الألم.

فقد أرّخ الشاعر العام السابق لعام الحزن (عام الوفاة)، بقوله (عام مضى) و أنّ هذا (العام) يظهر من قوله (له غرف- تخلو من- الألم) حيث يكون الحساب الأوّلي للحروف العبارة (له غرف) 1315، و بطرح 71 لعبارة (الألم) يكون الباقي 1244، فيلحقه العام التالي (عام الحزن) و هو سنة وفاته، فيكون عام 1245 ه-، و هو ما ذهبنا إليه آنفا.

و حمل رحمه اللّه تعالى إلى النجف الأشرف حيث دفن في الصحن العلوي بجانب والده في الايوان جهة باب الطوسي من أبواب الحضرة الشريفة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 19

مؤلّفاته:
اشاره

قد صنّف المحقّق ملّا أحمد النراقيّ الكثير من الكتب الفقهيّة و الأصوليّة و الأخلاقيّة، طبع منها البعض و بقي الآخر ليرى النور، فإنّا نسجّل قائمة بأسمائها وفق ما جاء في كتاب الذريعة و غيره:

1: مناهج الأحكام في أصول الفقه «1»: في مجلّدين، و قد طبع بطهران سنة 1269 بعنوان (مناهج الأصول).

2: مفتاح الأحكام في أصول الفقه «2».

3: أساس الأحكام في تنقيح عمدة مسائل الأصول بالأحكام «3».

4: وسيلة النّجاة «4»: رسالتان كبيرة و صغيرة، و هما فتوائيتان عمليّتان فارسيّتان، الكبيرة في مجلّدين، و أورد فيها الضروريّات في الأعمال.

______________________________

(1) منه مخطوطة في مكتبة مدرسة المروي في طهران رقم 280 كتبت سنة 1229 و صححت سنة 1232 و اخرى في مكتبة سبهسالار رقم 894 كتبت سنة 1241 و ثالثة في مكتبة شاه چراغ في شيراز رقم 331 كتبت سنة 1246 و مخطوطة في مكتبة المرعشي رقم 6132 كتبت سنة 1242 و اخرى فيها رقم 7050 كتبت سنة 1251، مصححة و عليها تعليقات للمؤلف منقولة من خطه، و فيها اخرى رقم 8096 كتبت سنة

1256، و اخرى في جامعة طهران برقم 7640 و 7667- 2 و 7704- 2 و 8709. و منها نسخ في مكتبات اخرى.

(2) منه مخطوطة في مكتبة شاه چراغ في شيراز رقم 349 ربما هي بخط المؤلف، و اخرى في مكتبة مدرسة نمازي في خوي رقم 316 تاريخها سنة 1228 و في مكتبة المرعشي رقم 7147 م كتبت سنة 1228 و رقم 6322 م كتبت سنة 1249 و رقم 5193 كتبت سنة 1257، و اخرى في مكتبة جامعة طهران برقم 2926 و 973 كما في فهرستها ج 5: 1724.

(3) منه مخطوطة في مكتبة كلية الإلهيات في مشهد رقم 965 و في مكتبة الامام الرضا عليه السلام في مشهد، رقم 9623 كتبت سنة 1217 و منه مخطوطتان في المرعشية 4805 و 6428.

(4) منه مخطوطة في جامعة طهران برقم 9114.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 20

5: سيف الأمّة و برهان الملّة «1»: فارسي، كتبه باسم السلطان فتح عليّ شاه القاجاري، مرتّبا على ثلاثة أبواب، و طبع بإيران سنة 1267 و سنة 1300 و سنة 1330. و هو في الردّ على البادري النصراني الذي أورد الشبهات على دين الإسلام. و كان من أفضل ثلاثة كتب صنّفت في هذا المورد.

6: عين الأصول، في أصول الفقه «2».

7: مشكلات العلوم، و قد جاء في الروضات بعنوان: (كتاب في مشكلات العلوم)، و هو غير مشكلات العلوم الذي لوالده، و غير الخزائن.

8: الخزائن «3»، فارسيّ بمنزلة التتميم و الذيل لمشكلات العلوم تأليف والده، و كلاهما مطبوعان، و الخزائن طبع مكرّرا منها سنة 1290، 1295، 1307، 1308، 1310، و 1380 ه.

9: شرح تجريد الأصول: شرح كبير في 7 مجلدات، مشتمل على جميع ما يتعلّق بعلم

الأصول، فرغ منه سنة 1222 ه.

10: عوائد الأيّام في مهمّات أدلّة الأحكام «4»، و قد طبع بإيران في سنة 1245 و 1266 ه-، و عليه بعض الحواشي للشيخ الأنصاري سنة 1321

______________________________

(1) منه مخطوطة في مكتبة البرلمان الايراني السابق رقم 2071 قوبلت و صححت بإشراف المؤلّف و فيها اخرى برقم 4982 م كتبت سنة 1243 في حياة المؤلف، و في جامعة طهران برقم 2720 و 930 كما هو مذكور في فهرستها ج 3: 584.

(2) فرغ منه المؤلّف 25 جمادى الآخرة سنة 1208 منه مخطوطة في مكتبة البرلمان السابق رقم 5538 من مخطوطات القرن 13.

(3) منه مخطوطة في جامعة طهران برقم 837 كما جاء في فهرستها 3: 258.

(4) منه مخطوطة في مكتبة جامعة طهران رقم 9337 كتبت سنة 1260 ذكرت في فهرسها 17- 350، و مخطوطة برقم 8688 و رقم 8- 1053 و في مكتبة المرعشي 7148 كتبت في عهد المؤلف و مصححة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 21

و طبع بالتصوير عليها أيضا.

11: هداية الشيعة «1»: في الفقه مختصرا، ذكره نقلا عن خطّه في لباب الألباب، فرغ المؤلّف من كتاب الصلاة 13 شهر رمضان 1234 ه.

12: معراج السعادة: فارسي «2» في الأخلاق، مأخوذ من كتاب والده:

(جامع السعادات)، و مرتّب على ترتيبه، و طبع بإيران مكرّرا، و توجد منه نسخ متعدّدة بإيران و العراق، و أقدم نسخة في النجف في مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام العامة: كتابتها سنة 1238 ه-، و اخرى: كتابتها 1265 ه، في كليّة الإلهيّات بمشهد خراسان.

13: حجّية المظنّة: ذكر في فهرس تصانيفه.

14: أسرار الحجّ: فارسيّ في أسراره و حكمه الباطنيّة و آدابه و أعماله الظاهريّة من الأدعية و بعض الزيارات، طبع سنة 1321

ه.

15: رسالة في اجتماع الأمر و النهي.

16: طاقديس: مثنوي فارسي، لطيف في الحكم و المواعظ، و قد طبع في طهران و غيرها أكثر من عشر مرات من سنة 1271 إلى سنة 1374.

17: خلاصة المسائل: رسالة عمليّة فارسيّة في الطهارة و الصلاة أحال في أواخره إلى (تذكرة الأحباب) له.

18: الرسائل و المسائل: فارسيّ في أجوبة المسائل ينقل فيه عن

______________________________

(1) منه مخطوطة في مكتبة المرعشي رقم 125 كتبت سنة 1235 و عليها حواشي منه مد ظله و في مكتبة سبهسالار رقم 2224، و في جامعة طهران برقم 3- 4407.

(2) منه مخطوطة في مكتبة جامعة طهران رقم 6321 كتبت سنة 1264 ذكرت في فهرسها 16- 241 و اخرى في مكتبة سبهسالار رقم 5854 كتبت سنة 1275.

و قد طبع في طهران و تبريز و بمبئي أكثر من ثلاثين مرة أقدمها طبعة سنة 1265 و آخرها و أحسنها طبعة دار الهجرة في قم سنة 1413.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 22

كتب والده و عن (كشف الغطاء) لأستاذه، و هو في مجلّدين.

أولهما: في الفروع التي سألها السلطان فتح علي شاه القاجار و غيره.

و ثانيهما: في بعض المسائل الأصوليّة و حلّ المشكلات، صرّح باسم الكتاب في أول المجلّد الثاني، نسخة كتابتها سنة 1230 ه-، في مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام في النجف.

19: ديوان شعره الكبير بالفارسية. و كان يتلقب في شعره (صفائي) و ذكر في الذريعة 9- 612 باسم ديوان صفائي نراقي و قال: ترجمه في ض (رياض العارفين و هو معجم الشعراء الفرس) ص 463 و في مع (مجمع الفصحاء و هو أيضا معجم الشعراء) 2- 33 و ذكر انه رأى ديوانه و نقل عنه قرب مائة بيت.

20: شرحه على

كتاب لأبيه في الحساب.

21: تذكرة الأحباب.

22: كتاب في التفسير.

23: لسان الغيب، و هو منظومة فارسية مطبوعة.

24: منظومة فارسية اخرى اسمها جهار صفر.

المستند و عملنا فيه:
نسخ الكتاب:

اعتمدنا في تحقيقنا للكتاب على المخطوطات التالية:

الأولى: نسخة مكتبة (ملك) برقم 1317، و هي من أول الطهارة إلى أواخر صلاة المسافر، كتبها مهدي بن محمّد حسين بن أبي طالب الاراني، فرغ منها في صفر 1253 ه و عليها تعليقات و تصحيحات لابن المصنّف الشيخ محمّد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 23

الثانية: نسخة مكتبة (ملك) برقم 2240، من مطلق الكسب إلى آخر المواريث، نسخ بعضها مهدي بن محمّد حسين بن أبي طالب الاراني، فرغ منه في العشر الأواخر من شهر ربيع الآخر سنة 1258 ه-، و بعضها أبو القاسم بن حاج ملّا عبد الرحيم الكاشاني الاراني، فرغ منه في سنة 1258 ه.

الثالثة: نسخة مكتبة (ملك) برقم 1437، و هي من أول كتاب الزكاة إلى آخر كتاب الحجّ، نسخها أبو القاسم بن حاج ملّا عبد الرحيم الكاشاني الاراني، فرغ منها في سنة 1248 ه.

و قد رمزنا لهذه النسخ بحرف «ق».

الرابعة: نسخة مدرسة سپهسالار (مطهّري) برقم 2231، و هي مشتملة على كتاب الصلاة بأكمله، نسخها رمضان علي بن دوست محمّد الكاشاني على نسخة الأصل في عهد المؤلّف، فرغ منها في 26 شعبان سنة 1235 ه.

الخامسة: نسخة مدرسة سپهسالار (مطهّري) برقم 2331، و هي من أول كتاب الزكاة إلى أواخر كتاب الحجّ، لم نشاهد عليها اسم الناسخ أو تاريخ النسخ.

السادسة: نسخة مدرسة سپهسالار (مطهّري) برقم 2330، و تشتمل على كتاب الفرائض و قسم من كتاب المطاعم و المشارب، بدون اسم الناسخ و تاريخ النسخ. و عليها بعض القرائن ما يفيد بأنّها كتبت في حياة المؤلّف، كما

هو المشاهد في التعليقات: منه دام مجده، دامت توفيقاته، مدّ ظلّه.

و قد رمزنا لهذه النسخ بحرف «س».

السابعة: نسخة مكتبة غرب في (همدان) من أول الطهارة إلى آخر

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 24

الصلاة، كتبها مهدي بن محمّد حسين الاراني، فرغ منها في يوم السبت 5 ربيع الآخر سنة 1264 ه-، نسخا عن الأصل الذي بخطّ المصنّف.

و قد رمزنا لهذه النسخة بحرف «ه-».

الثامنة: نسخة مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي (قده)، برقم 5947، و هي من أول كتاب المطاعم و المشارب إلى آخر كتاب النكاح، كتبها المؤلّف (قده)، بخطّه الشريف، و قد فرغ منها في سنة 1242 ه. و أشرنا إليها بنسخة الأصل.

هذا، و قد استفدنا من النسختين الحجريتين المطبوعتين في سنة 1273 ه- و سنة 1335 ه-، حيث طبعت الأولى على نسخة المصنّف أمّا الثانية فقد صحّحها ثلّة من الأعلام، منهم: سماحة آية اللّه السيد أحمد الصفائي الخوانساري (قدّس سرّه)، و جعلناها نسخة تاسعة، و رمزنا لها بحرف «ح».

قال العلّامة الشيخ آقا بزرك الطهراني في الذريعة (21: 15): أنّ نسخة المصنّف توجد عند السيّد محمّد المحيط الطباطبائي بطهران.

و إنّا على أثر اتّصالاتنا المتكرّرة بالأستاذ المذكور علمنا أنّ النسخة الموجودة عنده هي ليست المستند، بل جزء من كتاب شرائع الإسلام بخطّ النراقي، و لا يمكن إثبات ذلك للمولى النراقي، حيث يحتمل أن يكون ذلك نراقيّا آخر.

و عند ما تعسّر الحصول على نسخة المصنف في أغلب أبواب الكتاب انتهجنا أسلوب التلفيق بين النسخ لتحقيق نصّه.

منهجيّة التحقيق:

سلكت المؤسّسة في تحقيقها لهذا السفر الشريف أسلوب العمل

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 25

الجماعي، فكان أن انبثقت عدّة لجان لإنجازه، و هي كالتالي:

1- لجنة المقابلة: و مهمّتها مقابلة النسخ الخطّية

و ضبط الاختلافات الواردة بينها، كي يتسنى للجنة تقويم النصّ الوقوف عليها و تثبيت الراجح منها و الإشارة إلى المرجوح مع الحاجة.

و قد تألّفت من الاخوة الأماجد: محمّد الأنصاري، السيّد محمّد جواد الحسيني البغدادي، كما أنيطت به مهمّة صياغة الهامش أيضا.

2- لجنة التخريج: و مهمّتها تخريج الآيات القرآنية و الأحاديث الشريفة و الأقوال الفقهيّة عند الفريقين، و المفردات التي تحتاج إلى بيان لغوي، و سائر التخريجات المهمّة.

و كان منهجنا في تخريج الروايات كالتالي:

1- خرّجنا جميع روايات الكتاب، سواء المصرّح فيها باسم الراوي و المرويّ عنه، أم جاءت مجملة، كقوله (للموثّقة) أو (للصحيحة)، أو (للرواية) أو .. و ذلك على أوثق عدد ممكن من المصادر.

2- خرّجنا الروايات العاميّة من الصحاح و السنن، و ذلك بحسب الأهميّة.

3- الروايات المنسوبة إلى مصدر معيّن كما في (رواه في الكافي) أو (ما رواه الشيخ) خرّجناها من ذلك المصدر فقط، مع الإشارة إلى الوسائل أو المستدرك.

4- ضبطنا روايات المتن مع المصدر، و أشرنا إلى الاختلاف الموجود بينهما إن كان ضروريّا.

5- أشرنا إلى جملة (و الروايات فيه مستفيضة) أو (عليه الأخبار) و ما شابههما إلى الباب منه في الوسائل.

و أمّا الأقوال فكان منهجنا فيها كالتالي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 26

1- خرّجنا الأقوال المنسوبة إلى بعض فقهائنا القدماء الذين فقدت مصنّفاتهم، كالعماني و البصروي و الإسكافي و .. عن أول مصدر نقل عنهم، و غالبا ما يكون المختلف أو الذكرى أو المعتبر.

2- الأقوال المحكيّة عن الفقهاء أو الكتب، استخرجت من كتب المحكيّ عنه إن وجد، و إلّا فمن كتب الحاكي.

3- خرّجنا الإجماعات و الشهرات المنقولة.

4- خرّجنا غالبا كلّ (قيل) و (أجيب) و (استدلّ) و (ردّ) و (قول) و (مرّ) و (و

يأتي) و (بعض) و (بعض المحقّقين) و (بعض الأجلّة) و (و بعض مشايخنا الأخباريّين) و (بعض الأساطين) و (بعض مشايخنا المعاصرين) و (بعض المعاصرين) و (بعض سادة من مشايخنا) و ..

5- إذا ذكر اسم أحد العلماء بنحو الإطلاق مثل (قال العلّامة) أو (الشيخ) أو .. فخرّجناه من ثلاثة كتب من كتبه إن وجدت.

6- خرّجنا صيغة (قال به أكثر من واحد) من مصدرين أو أكثر.

7- خرّجنا للصيغ التالية (عامّة المتأخّرين) و (أكثر المتقدّمين) و (جمع من المتأخّرين) من ثلاثة كتب لثلاثة علماء من تلك الطبقة، أمّا (جماعة) و (جمع غفير) و .. فمن ثلاثة علماء من أعصار متفاوتة.

8- الأقوال المنسوبة إلى العامّة استخرجت من كتب أئمّتهم، و إلّا فمن كتب علماء ذلك المذهب و إلّا فمن بقيّة العامّة.

9- الأقوال المحكيّة عن بعض فقهاء العامّة خرّجناها من كتابه، و إن لم يوجد فمن كتب أهل مذهبه، و إلّا فمن كتب بقيّة العامّة الناقلين عنه.

10- أعطينا بعض الكلمات التي تحتاج إلى تفسير لغويّ معنى مناسبا لها، و أشرنا إلى المصدر اللغوي.

11- لم نشر إلى المصادر التي لم نحصل عليها، و لم نصرّح بأسماء

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 27

الكتب إلّا في بعض الحالات.

12- أهملنا بعض التخريجات، و لم نترجم لإعلام الكتاب، و ذلك لقلّة الفائدة.

هذا، و قد واجهنا أثناء التخريج وجود حوالي عشرين رمزا مشتركا استفاد منها المصنّف (ره) في اختصار أسماء الكتب التي يتعرّض إليها خلال البحث، و استطعنا حلّها بواسطة القرائن و الشواهد و غيرهما.

و من تلك المشتركات:

1. رمز (عد) لقواعد الشهيد و العلّامة.

2. رمز (يه) للفقيه و نهاية الشيخ و نهاية العلّامة.

3. رمز (في) لكافي الكليني و لكافي الحلبي و الوافي.

كلّ ذلك مع ما

يختصّ به المؤلّف من اصطلاحات لم تعرف عند الآخرين، فإنّه يطلق على متأخّري المتأخّرين من الفقهاء اسم الثلاثة حيث قسّم طبقات الفقهاء إلى ثلاثة، و سمّى القدماء بالأولى و المتأخّرين بالثانية و متأخّرين المتأخّرين بالثالثة، و هذا غالبا ما يختلط بالمسائل فيحتاج إلى دقّة في التمييز بين كونه للمسائل أو للطبقة.

و كذا يصطلح الأولين و الثانيين، و يريد بالأولين: الشهيد الأول و المحقّق الأول، و الثانيين: الشهيد الثاني و المحقّق الثاني، و يشذّ في حين آخر عن الاصطلاح العامّ للفقهاء، فإنّه مثلا: يريد بالحلبيّين علاء الدين و ابن زهرة، و هذا خلاف ما هو معروف عند الفقهاء حيث يطلق على أبي الصلاح و ابن زهرة، أو يسمّي كتاب فقه القرآن للراوندي بالأحكام، في حين أنّ الأحكام قد اختلف في كونه فقه القرآن أم أنّه كتاب آخر له. و غيرها الكثير من الاصطلاحات.

و قد عمل في هذه اللجنة أصحاب السماحة حجج الإسلام

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 28

الشيخ محمّد علي زينلي، الشيخ مجتبى فرحناكي، الشيخ محمّد حسين أميني، الشيخ محمّد صبحي، الشيخ علي مقنّي، الشيخ رمضان علي ضيائي.

و الاخوة الأفاضل: عبد الرضا مجيد الروازق، السيّد عبد العزيز كريمي، عبد الحسين الحسّون، السيد طالب الموسوي، السيّد محمّد النيشابوري، عبّود أحمد النجفي.

3- لجنة تقويم النصّ:

و هي من أهمّ مراحل تحقيق المخطوطات، حيث يتمّ بها تجريد النصّ من الأخطاء العلميّة و النحويّة و الإمائيّة، و تقديم نصّ مضبوط سالم من الإغلاق و الإبهام، مع التعليق على الموارد الغامضة و بيانها، و غير ذلك، و قد قام بمهمّتها أصحاب الفضيلة الأعلام حجج الإسلام:

الشيخ علي مرواريد، الشيخ محمّد بهره مند، الشيخ محسن قديري، الشيخ عبّاس تبريزيان، و الأخ كريم الأنصاري.

4- الملاحظة

النهائية:

و هي لتفادي ما قد يكون حدث من سهو أو نسيان في المراحل السابقة، أو لزوم إضافة بعض الاستدراكات أو التعديلات على الكتاب متنا و هامشا.

و قد قام بهذه المهمّة سماحة حجّة الإسلام و المسلمين العلّامة الشيخ مهدي مرواريد.

و لا يفوتنا إلّا ان نتقدم بالشكر و الثناء الكبيرين لأصحاب السماحة آيات اللّه:

الشيخ محمّد صادق السعيدي الكاشمري، الشيخ مصطفى الاشرفي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 29

الشاهرودي، الشيخ محمد إسماعيل فقيه المحقق، لما بذلوه من جهد جهيد في مراجعة الكتاب و تدقيقه.

كما و نخصّ بالشكر سماحة حجة الإسلام الشيخ علي السيّاح لمشاركته في متابعة عمل اللجان و التنسيق بينها و إدارتها.

سائلين المولى القدير دوام اللطف و العناية لأجل مواصلة الدرب و تقديم المزيد، إنّه سميع مجيب.

و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف خلقه محمّد و آله الطيبين المعصومين.

مؤسسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التّراث

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 31

مصادر ترجمة المؤلف:

و له- أعلى اللّه مقامه- ذكر و ترجمة في:

1: الإسناد المصفى: 7.

2: أعلام الزركلي 1: 260 و وقع فيه خطأ في نسبته، فذكر الزاقي- بالزاي- بدل النراقي، و تبعه في هذا الخطأ كحاله في معجم المؤلفين.

3: أعيان الشيعة 3: 183.

4: إيضاح المكنون 1: 331 و 2: 20، 130، 478، 523، 563.

5: تاريخ ادبيّات ايران (تأليف دكتر رضا زاده شفق): 201.

6: تاريخ ادبيّات ايران: 4: 286.

7: تاريخ اجتماعى كاشان: 161 و 245 و 248 و 283 و 289.

8: تاريخ سياسى و ديبلماسى ايران، انتشارات دانشكاه ج 1 و 2: 200 و 206 و 211 و مقدّمة ج 2.

9: الذريعة 1: 145 و 267 و 371، 2: 4، 43، 4:

364، 5:

58، 6: 151 و 376، 7: 152، 9: 612، 11: 12 و 13 و 212، 12:

181، 286، 13: 138 و 172 و 195 و 286، 14: 55 و 253، 15:

134 و 208 و 354، 16: 203، 17: 140، 18: 309، 19: 155 و 238 و 275، 21: 13 و 14 و 66 و 151 و 229 و 315 و 317 و 385 و 392، 22: 340 و 350، 23: 16 و 152، 25: 85 و 177 و 287، 26: 86 و 109 و 266 و 290 و 315.

10: روضات الجنات 1: 95- 99 رقم 23.

11: الروضة البهية: 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 32

12: رياض العارفين: 463- 465.

13: ريحانة الأدب 4: 183- 186.

14: زندگانى و شخصيت شيخ انصارى: 162- 165.

15: سير فرهنك در ايران و مغرب زمين ص 567 و 572.

16: طرائف المقال 1: 57.

17: الفهرس الألفبائي لمكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد:

41 و 90 و 314 و 315 و 392 و 413 و 555 و 603 و 674.

18: الفوائد الرضوية: 41.

19: قصص العلماء: 103.

20: الكرام البررة 1: 116- 117.

21: لباب الألقاب: 94- 97.

22: لغت نامه- حرف الالف- 1372 و 1467 و ج 20: 419.

23: مئاثر سلطانية: 146.

24: مجمع الفصحاء 2: 330.

25: مرآة الأحوال 1: 235.

26: مرآة قاسان- تاريخ كاشان:

27: مستدرك الوسائل 3: 383.

28: مصفى المقال: 72- 73.

29: معجم مؤلفي الشيعة: 415- 416.

30: معجم المؤلفين 2: 185 و لكنه ضبطه صحيحا في ص 162 منه.

31: مقتبس الأثر 3: 270.

32: راجع: مقدمة جامع السعادات.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المقدمة، ص: 33

33: الخزائن مقدمة طبعة علي أكبر غفاري.

34: مقدمة كتاب طاقديس لحسن نراقى.

35: مقدمة

كتاب قرة العيون.

36: مكارم الآثار: 1235- 1242.

37: وحيد بهبهاني: 209، 227.

38: هدية الأحباب: 180.

39: نجوم السماء: 343.

40: نخبة المقال: 233- 234.

41: نقش روحانيت پيشرو در جنبش مشروطيت ص 144- 148.

42: مقدمة معراج السعادة، طبعة قم سنة 1413 ه- للشيخ محمّد نقدي.

43: مجلة ارمغان الطهرانية، العدد السابع ص 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 3

[خطبة المؤلف ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه على كثير نواله، و الشكر له على إنعامه و إفضاله، و الصلاة على سيّدنا محمّد مبيّن حرامه و حلاله، و على المعصومين من عترته و آله.

و بعد، يقول المحتاج إلى عفو ربه الباقي، أحمد بن محمّد مهدي بن أبي ذر النراقي:

هذا كتاب مستند الشيعة في أحكام الشريعة، جعلته تذكرة لنفسي، و ذخيرة ليوم فاقتي و فقري، مقتصرا فيه من المسائل على أهمّها، و من الدلائل على أتمّها، و ما اقتفيت فيه أثر أكثر من تقدّم عليّ من بيان المسائل الغير المهمّة، و إيراد الفروع الشاذّة النادرة. و احترزت عن الاشتغال بوجوه النقض و الإبرام، و الإكثار فيما لا اعتناء بشأنه و لا اهتمام. و تركت فيه ذكر المؤيّدات الباردة، و ردّ القياسات الضعيفة الفاسدة، بل أوردت فيه أمّهات المسائل الشرعية، و أودعت فيه مهمات الأحكام الفرعية. و ذكرت عند كل مسألة من المسائل، ما ثبت عندي حجيته من الدلائل، و لم أتجشّم في المسائل الوفاقية غالبا لعدّ النصوص و الأخبار، و طلبت في كل حال ما هو أقرب إلى الإيجاز و الاختصار. و طويت عن ذكر المروي عنه في

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 4

الأخبار، لعدم حاجة إليه و لا افتقار.

و رمزت إلى فقهائنا الأطياب، بما هو أقرب إلى الأدب و أبعد من الإطناب،

و إلى كتبهم المشهورة بطائفة من أوائل حروفها منضمة معها لام التعريف، أو أواخرها بدونها، و ربما عبرت عن بعضها بتمام اسمه حسب ما يقتضيه المقام. و من اللّه استمدّ في الإتمام، فإنّه جدير ببذل هذا الإنعام، و إليه أبتهل للتوفيق، و هو حسبي و نعم الوكيل.

و رتبته على كتب ذوات مقاصد، و أبواب، و مطالب، و فصول، و أبحاث، و مسائل، و فروع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 5

كتاب الطهارة

اشاره

و لانقسامها إلى الطهارة من الخبث و الحدث، و توقّفهما غالبا على المياه التي لها أقسام، و لكل قسم أحكام، جعلته مرتّبا على ثلاثة مقاصد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 7

المقصد الأوّل: في المياه

اشاره

و ينقسم إلى المطلق و المضاف فهاهنا بابان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 9

الباب الأوّل: في المطلق
اشاره

و ينقسم باختلاف الأحكام، إلى الجاري، و المطر، و ماء الحمّام، و الواقف، و البئر، و المستعمل، و المشتبه، و السؤر، نذكرها مع نبذة من متفرقات [1] مسائل المياه في عشرة فصول:

______________________________

[1] في «ه» و «ح»: متفرّقات.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 11

الفصل الأوّل: الماء المطلق
اشاره

ما يصح إطلاق الاسم عليه عرفا، و بعبارة أخرى: كل ما [1] لا يلزم تقييده في العرف، و بثالثة: ما لا يخطّئ أهل الاستعمال من أطلق الاسم عليه من دون قيد.

و له أحكام نذكرها في مسائل:

المسألة الأولى: [الماء] [2] كلّه طاهر في أصل الخلقة
اشاره

بالأصل و الإجماع و الكتاب و السنّة، و مطهر من الحدث و الخبث بالثلاثة الأخيرة. و تنجسه مطلقا، بتغير ريحه أو طعمه أو لونه بالنجاسة، إجماعي، و حكاية الإجماع عليه متكررة «3» و الأخبار فيه مستفيضة:

فتدل على النجاسة بالأول: صحيحة ابن سنان: عن غدير أتوه و فيه جيفة، فقال: «إذا كان الماء قاهرا و لا يوجد فيه الريح فتوضأ» «4».

و بالثانيين: صحيحة القمّاط: في الماء يمرّ به الرجل و هو نقيع «5» فيه الميتة الحيفة، فقال: «إن كان الماء قد تغيّر ريحه أو طعمه فلا تشرب و لا تتوضأ منه» «6».

و صحيحة حريز: «كلّما غلب الماء ريح الجيفة فتوضأ منه و اشرب، فإذا تغيّر الماء و تغيّر الطعم فلا تتوضأ منه و لا تشرب» «7».

______________________________

[1] في «ه» و «ح»: ماء.

[2] ما بين المعقوفين أثبتناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(3) انظر المعتبر 1: 40، المنتهى 1: 5، الرياض 1: 2.

(4) الكافي 3: 4 الطهارة ب 3 ح 4، الوسائل 1: 141 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 11.

(5) النقيع: الماء الراكد الذي طال مكثه- العين 1: 171.

(6) التهذيب 1: 40- 112، الاستبصار 1: 9- 10، الوسائل 1: 138 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 4.

(7) التهذيب 1: 216- 625 و فيه: أو تغيّر، الاستبصار 1: 12- 19، الوسائل 1: 137 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 1، و رواها في الكافي 3: 4 الطهارة ب 3 ح 3 عن حريز عمّن أخبره.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 12

و بالثالث: رواية ابن الفضيل: عن الحياض يبال فيها، قال: «لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول» «1».

و بالطرفين: الصحيح المروي في البصائر: «جئت لتسأل عن الماء الراكد في البئر قال: فإذا لم يكن فيه تغيير أو ريح غالبة- قلت: فما التغيير؟ قال:

الصفرة- فتوضأ منه، و كلما غلب عليه كثرة الماء فهو طاهر» «2».

و اختصاص السؤال بالراكد من البئر بعد عموم الجواب غير ضائر.

و بالثلاثة رواية أبي بصير: «عن الماء النقيع تبول فيه الدواب، فقال: إن تغير الماء فلا تتوضأ منه، و إن لم تغيره أبوالها فتوضأ منه، و كذلك الدم إذا سال في الماء و أشباهه» «3».

و النبوي المتواتر بتصريح العماني «4»، المتفق على روايته بشهادة الحلّي «5»:

«خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي ء، إلّا ما غير طعمه أو لونه أو رائحته» «6».

و المرتضوي المروي في الدعائم: «و ليس ينجسه شي ء ما لم يتغير أوصافه، طعمه و لونه و ريحه» «7».

و فيه أيضا: «فإن كان قد تغير لذلك طعمه أو ريحه أو لونه فلا تشرب منه و لا تتوضأ و لا تتطهر منه» «8».

______________________________

(1) التهذيب 1: 415- 1311، الاستبصار 1: 22- 53، الوسائل 1: 139 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 7.

(2) بصائر الدرجات: 238- 13، الوسائل 1: 161 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 11 و فيه بتفاوت.

(3) التهذيب 1: 40: 111، الاستبصار 1: 9- 9، الوسائل 1: 138 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 3.

(4) نقل عنه في المختلف: 2.

(5) السرائر 1: 64.

(6) بدائع الصنائع 1: 71، و ورد مؤداه في: سنن ابن ماجه 1: 174، سنن الدارقطني 1: 28، كنز العمال 9: 395.

(7) الدعائم 1:

111، البحار 77: 20- 13، المستدرك 1: 188 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 1 (بتفاوت يسير).

(8) الدعائم 1: 112، المستدرك 1: 188 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 13

و الرضوي: «و كل غدير فيه من الماء أكثر من كر لا ينجسه ما يقع فيه من النجاسات، إلّا أن يكون فيه الجيف فتغير لونه و طعمه و رائحته» «1».

و تعارض بعضها مع بعض مفهوما أو منطوقا غير ضائر، لكونه على سبيل العموم و الخصوص مطلقا، فيخصّص العام.

و بما مر ظهر ضعف ما قيل من أنّ الأخبار الخاصيّة أو المعتبرة منها خالية عن ذكر اللون «2»، مع أنّ غيرها أيضا يكفي في المحل، لانجباره بالعمل.

نعم لا عبرة بالتغير في غير الثلاثة إجماعا، للأصل و العمومات و اختصاص غير رواية أبي بصير من أدلة التنجيس بالثلاثة، و هي و إن عمت و لكنها بالبواقي مخصوصة.

فروع:
الأوّل: المعتبر في التغيّر بالثلاثة

هل هو حصول كيفية النجاسة، أو يكفي التغيير بسببها و إن كان بحصول كيفية ثالثة؟ مقتضى الإطلاقات المتقدمة هو الثاني، فعليه الفتوى.

الثّاني: إذا تغيّر بأحد أوصاف المتنجس

، فإن غيّره بوصف النجاسة ينجس إجماعا، و إلا فلا على الأظهر الأشهر، للأصل و الاستصحاب، خلافا للمحكي عن ظواهر المبسوط و المعتبر و السرائر «3»، لاستصحاب نجاسة المتنجس، و اتحاده مع النجاسة [1] في التنجيس، و عموم النبوي، و أحد المرتضويين، و صحيحة القمّاط، و رواية أبي بصير.

و يضعف الأوّل: بمعارضته باستصحاب طهارة الماء. و قيل بتغيّر الموضوع أيضا، لفرض إطلاق الماء. و فيه نظر.

______________________________

[1] في «ه-»: النجس.

______________________________

(1) فقه الرضا: 91، المستدرك 1: 189 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 7.

(2) المدارك 1: 57، الذخيرة: 116، مشارق الشموس: 203.

(3) المبسوط 1: 5، المعتبر 1: 40، السرائر 1: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 14

و الثاني: بمنعه إن أريد الكلية، و عدم الفائدة إن أريد في الجملة.

و الثالثان: بمنع إفادتهما العموم، لكون لفظة «ما» الموصولة في منطوق أحدهما، و الشي ء في مفهوم الآخر، نكرة في سياق الإثبات.

و الأخيران: بظهورهما في الميتة و البول، مع أنّ قوله: «لا تشرب و لا تتوضّأ» فيهما للنفي محتمل، فيكون قاصرا عن إفادة النجاسة، لعدم ثبوت كون الإخبار في مقام الإنشاء مفيدا للحرمة.

الثّالث: المعتبر في التغيّر: الحسي

، وفاقا للمعظم، للأصل و الاستصحاب و العمومات المتقدمة الحاصرة للتنجيس بالتغيّر الذي هو حقيقة في الحسي، للتبادر و صحة السلب بدونه.

و خلافا للفاضل «1»، و ولده «2»، و الكركي «3»، و المحكي عن الموجز «4»، و استقر به بعض المتأخرين «5»، فاكتفوا بالتقديري، لكون التغيير حقيقة في النفس الأمري، و هو في التقديري موجود. و كون سبب التنجيس غلبة النجاسة، و الإناطة بالتغيّر لدلالته عليها، و هي هنا متحقّقة. و إفضاء عدم الاكتفاء به إلى جواز الاستعمال مع زيادة النجاسة أضعافا.

و يجاب عن الأول: بمنع

وجود التغيير النفس الأمري، فإنّه ما تبدل الوصف في الخارج.

و عن الثّاني: بمنع سببية مطلق الغلبة، و لذا ينجس بما كانت رائحته مثلا أشدّ بأقل مما كانت أخف.

______________________________

(1) المنتهى 1: 8، القواعد 1: 4، و حكاه في المدارك 1: 29 و مفتاح الكرامة 1: 67 عن المختلف و لم نجده فيه و ذكر في المقابس: 57 أن النسبة سهو.

(2) الإيضاح 1: 16.

(3) جامع المقاصد 1: 118.

(4) حكاه عنه في الحدائق 1: 183.

(5) الحبل المتين: 106، و حكاه في مفتاح الكرامة 1: 67 عن مجمع الفوائد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 15

و عن الثالث: بمنع الإفضاء إن أريد زيادتها بحيث يستهلكه، و تسليم الجواز إن أريد غيره.

ثمَّ الظاهر عدم الفرق في عدم اعتبار التقديري [1] بين ما إذا كانت النجاسة مسلوبة الأوصاف، أو عرض للماء مانع عن ظهور التغير مخالف للنجاسة في الوصف، أو موافق لها.

و الأكثر في الثاني على النجاسة، محتجا بتحقق التغير و إن كان مستورا عن الحس.

و فيه: أنّه إن أريد تغيّر الماء المعروض لهذا المانع فتحققه ممنوع، و إن أريد تغيره لولاه فهو تقديري غير معتبر.

و عدم صلاحية المانع لدفع النجاسة أو سببها محض استبعاد.

قيل: لو سلب المانع، لكان الماء متغيّرا، و لو لا تحقّقه أو لا لما كان كذلك قلنا: لو سلب لتغير الماء لا أن يظهر كونه متغيّرا.

[نعم يشترط في الطهارة على جميع الصور بقاء الإطلاق ] [2] و عدم (حصول) [3] الاستهلاك، و إلّا فينجس قولا واحدا.

و لو فقد الإطلاق خاصة فهل تزول الطهارة؟ الظاهر نعم، لزوال استصحاب الطهارة باستصحاب النجاسة، فإنّ ما يستصحب طهارته لخروجه عن الإطلاق لا يصلح للتطهير، بخلاف ما تستصحب نجاسته، فإنّه يوجب التنجيس.

المسألة الثانية: تطهّر الماء النجس

مطلقا

غير البئر بالكثير و الجاري و ماء المطر، بعد زوال التغيّر إن كان متغيّرا و إلّا فمطلقا، إجماعي، و نقل الإجماع عليه متكرر،

______________________________

[1] في «ق» و «ه-»: التقدير.

[2] في «ه» و «ق» و «ح»: نعم يشترط الطهارة في جميع الصور على بقاء الإطلاق. و هي غير مستقيمة و صححناها على النحو المذكور.

[3] لا توجد في «ه».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 16

و هو دليل عليه، مع قوله عليه السّلام في مرسلة الكاهلي: «كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» «1».

و اختصاصه بالمطر بعد ضمّ الإجماع المركب لا يضر.

و قوله عليه السّلام: «ماء النهر يطهّر بعضه بعضا» «2».

و كذا البئر على الأصح (للروايتين) [1].

و في اشتراط الممازجة و عدمه قولان: الأول- و هو الأقوى- للتذكرة «4».

و الأولين «5»، و الثاني للنهاية و التحرير «6» و الثانيين «7».

لنا: أصالة عدم المطهرية، و استصحاب النجاسة. و كون مجرد الاتصال رافعا غير ثابت، و المرسلة لإثباته قاصرة، إذ غير ما مزج معه لم يره، و طهارة بعض من ماء دون بعض ممكنة، فطهارة السطح الفوقاني لتطهير ما سواء غير مستلزمة.

و تطهير ماء النهر بعضه بعضا لا يفيد العموم، فإنّ تطهير ماء النهر بعضه بعضا لا يفيد أزيد من أنّه يطهره، أما أنّ تطهيره إياه هل بالملاقاة أو الممازجة أو بهما؟ فلا دلالة عليه.

للمخالف: كفاية الاتصال في الدفع فيكفي للرفع.

و امتناع الممازجة الحقيقية فتكفي العرفية- أي ملاقاة بعض الأجزاء للبعض- فالبعض الآخر يطهر بالاتصال فيكون مطهرا مطلقا.

و استحالة المداخلة فلا يوجد [2] سوى الاتصال.

______________________________

[1] لا توجد في «ق».

[2] في «ح»: فلا يوجب.

______________________________

(1) الكافي 3: 13 الطهارة ب 9 ح 3، الوسائل 1: 146 أبواب الماء المطلق ب 6 ح

5.

(2) الكافي 3: 14 الطهارة ب 10 ح 1، الوسائل 1: 150 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 7. بتفاوت يسير.

(4) التذكرة 1: 4.

(5) يعني المحقق الأول في المعتبر 1: 50، و الشهيد الأول في الدروس 1: 121، و الذكرى: 9.

(6) نهاية الاحكام 1: 232، التحرير 1: 4.

(7) يعني المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 137 و الشهيد الثاني في الروضة 1: 32.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 17

و طهارة المتصل بالملاقاة لطهورية الماء، فيطهّر ما يتصل به أيضا.

و استلزام الاتصال للامتزاج في الجملة، فيطهر بعض النجس، و هو لامتزاجه بما يليه يطهّره، و هكذا ..

و عدم اختلاف حكم المتصلين من أجزاء الكر و النجس لامتزاجهما لا محالة، فأمّا تنجس أجزاء الطاهر أو تطهر أجزاء النجس، و الأول باطل، فتعين الثاني، فننقل الكلام إلى ما يلي الأجزاء المطهرة، و هكذا ..

و يجاب عن الأول: بكونه قياسا مع تغاير حكمي الأصل و الفرع.

و عن الثاني: بأنّه لا يلزم من ترتب حكم على الاتصال مع الامتزاج العرفي ترتّبه عليه بدونه، لجواز مدخلية ملاقاة أكثر الأجزاء.

و منه يظهر الجواب عن الثالث.

و عن الرابع: بمنع عموم طهورية الماء.

و عن الخامس: بمنع امتزاج الأجزاء المتصلة، و مغايرته- مع التسليم- للامتزاج الذي وقع الإجماع عليه.

و عن السادس: بالمعارضة بالزائد على الكر المتغير بعضه الزائد بالنجاسة.

و منع امتزاج المتصلين هنا اعتراف بانفكاكه عن الاتصال، فيحتمل في محل النزاع. مضافا إلى منع عدم جواز اختلاف حكم الممتزجين.

ثمَّ بما ذكرنا يظهر اشتراط الدفعة العرفية في إلقاء الكر، كما هو مذهب المحقق في الشرائع «1»، و الفاضل في جملة من كتبه «2»، و هو المشهور بين المتأخرين.

و لا يكفي إلقاء الكر تدريجا مع اتصال

أجزائه، كالذكرى «3» و والدي في اللوامع.

و صدق الوحدة لا يفيد، لأن الثابت عليتها للدفع دون الرفع.

______________________________

(1) الشرائع 1: 12.

(2) قواعد الأحكام 1: 5، التذكرة 1: 3، المختلف 1: 3، التحرير 1: 4.

(3) الذكرى: 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 18

و التفصيل باعتبار الدفعة على القول باشتراط مساواة السطوح في تقوّي بعض أجزاء الماء بالبعض، و عدمه على القول بعدمه- كما في المعالم «1»- ضعيف من وجوه.

و هذا الشرط إنّما هو في الكر دون أخويه، للإجماع، و لأنه لا يتصور الدفعة فيهما.

و المراد بالجاري هنا هو النابع، لأنّه مورد الإجماع، و لأنّه الظاهر من ماء النهر.

و لا يبعد اشتراط مساواة السطوح أو علوّ المطهّر، عند التطهير بالجاري، اقتصارا على موضع الوفاق.

المسألة الثالثة: الحقّ عدم تنجس الماء مطلقا

، قليلا كان أم كثيرا، جاريا أم راكدا، بالورود على النجاسة، كما يأتي بيانه في بحث القليل «2».

______________________________

(1) المعالم: 21.

(2) في ص: 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 19

الفصل الثاني: في الجاري
اشاره

و هو- لغة-: ماء يجري على الأرض مطلقا، سواء كان نابعا أم لا. بل و كذلك في العرف العام و الشرعي، لصدقه على ما لا نبع فيه من الشطوط المذابة من الثلوج، و السيول، و المياه المجتمعة في موضع الجارية بعده.

و في العرف الخاص للفقهاء: النابع غير البئر، إما بشرط الجريان على الأرض كبعضهم «1»، أو بدونه كآخر «2».

و هنا ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: الجاري النابع لا ينجس بالملاقاة إجماعا

، إن كان كرّا، للأصل و الاستصحاب و الأخبار الخالية عن المعارض. «3»

و إلّا فعلى الأشهر الأظهر، و عليه الإجماع في الغنية و المعتبر و شرح القواعد «4»، بل عن ظاهر الخلاف «5» أيضا، و في الذكرى: لم نقف على مخالف في ذلك ممّن سلف «6»، لما مر من الأصلين المؤيدين بالمحكي من الإجماع.

مضافا إلى عمومات طهارة كل ماء لم يعلم نجاسته، كالأخبار الثلاثة للحمادين «7» و اللؤلؤي «8».

______________________________

(1) كشف اللثام 1: 26.

(2) الذخيرة: 116.

(3) راجع الوسائل 1: 143 أبواب الماء المطلق ب 5.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 551، المعتبر 1: 41، جامع المقاصد 1: 111.

(5) الخلاف 1: 195.

(6) الذكرى: 8.

(7) الكافي 3: 1 الطهارة ب 1 ح 3، التهذيب 1: 215، 216- 620، 621، الوسائل 1: 134 أبواب الماء المطلق ب 1 ح 5.

(8) الكافي 3: 1 الطهارة ب 1 ح 2، الوسائل 1: 134 أبواب الماء المطلق ب 1 ملحق بحديث 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 20

أو غير متغير، أو غالب على النجاسة كما تقدم «1».

أو ملاق لها، كخبر ابن مسكان أو صحيحته: عن الوضوء ممّا ولغ فيه الكلب و السنور، أو شرب منه جمل أو دابة أو غير ذلك، يتوضأ منه أو يغتسل؟

قال: «نعم» «2».

و خبر سماعة: عن الرجل

يمر بالميتة في الماء، قال: «يتوضأ من الناحية التي ليس فيها الميتة» «3».

و المروي في الدعائم: عن الماء ترده السباع و الكلاب و البهائم، فقال: «لها ما أخذت بأفواهها و لكم ما بقي» «4».

أو كل ماء جار مطلقا أو ملاق للنجاسة، كالمرويين في نوادر الراوندي:

أحدهما: «الماء الجاري لا ينجسه شي ء» «5».

و الآخر: «الماء يمر بالجيف و العذرة و الدم، يتوضأ منه و يشرب و ليس ينجّسه شي ء» «6».

و الرضوي: «كل ماء جار لا ينجسه شي ء» «7».

أو مع عدم التغير، كالمروي في الدعائم: «الماء الجاري يمر بالجيف و العذرة و الدم، يتوضأ منه و يشرب، و ليس ينجسه شي ء ما لم يتغير أوصافه: طعمه و لونه و ريحه» «8».

أو كل ماء قليل، كخبر ابن ميسر: عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل

______________________________

(1) في ص 11- 12.

(2) التهذيب 1: 226- 649، الوسائل 1: 228 أبواب الأسئار ب 2 ح 6.

(3) التهذيب 1: 408- 1285، الاستبصار 1: 21- 51، الوسائل 1: 144 أبواب الماء المطلق ب 5 ح 5.

(4) الدعائم 1: 113 المستدرك 1: 197 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 4.

(5) نوادر الراوندي: 39، المستدرك 1: 191 أبواب الماء المطلق ب 5 ح 4.

(6) نوادر الراوندي: 39، المستدرك 1: 191 أبواب الماء المطلق ب 5 ح 4.

(7) فقه الرضا: 91، المستدرك 1: 192 أبواب الماء المطلق ب 5 ح 6.

(8) الدعائم 1: 111، المستدرك 1: 188، أبواب الماء المطلق ب 3 ح 1 و فيه بتفاوت

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 21

في الطريق، و يريد أن يغتسل منه، و ليس معه إناء يغترف به، و يداه قذرتان، قال: «يضع يده و يتوضأ و يغتسل» «1».

و عدم

ثبوت الحقيقة الشرعية في القليل لا يضر الشمول.

و يؤيده: الأخبار المصرحة بأن ماء الحمام كماء النهر أو الجاري «2»، أو بمنزلته «3»، أو سبيله سبيله «4».

و لا يضر ضعف سند بعض هذه الروايات، لانجبارها بالعمل و اعتضادها بحكايات الإجماع.

و الاستدلال بصحيحتي ابن بزيع: «ماء البئر واسع لا يفسده شي ء، إلّا أن يتغير» «5»، و زيد في إحداهما: «ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح و يطيب طعمه، لأنّ له مادة» «6» حيث إن العلة موجودة في المورد أيضا، و صحيحة الفضيل: «لا بأس أن يبول الرجل في الماء الجاري، و كره أن يبول في الراكد» «7» مردود.

أمّا الأول: فلجواز أن يكون التعليل لما يفهم من الأمر بالنزح من التطهير

______________________________

(1) الكافي 3: 4 الطهارة ب 3 ح 2، التهذيب 1: 149- 425، الاستبصار 1: 128- 436، الوسائل 1: 152 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 5. و في الاستبصار يرويها عن (محمد بن عيسى) بدل (محمد بن ميسر) و الظاهر أنه مصحف كما نبه عليه في معجم الرجال 17: 290 و يظهر من جامع الأحاديث 2: 26 اختلاف نسخ الاستبصار، فراجع.

(2) الوسائل 1: 150 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 7.

(3) الوسائل 1: 148 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 1.

(4) المستدرك 1: 194 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 2.

(5) الكافي 3: 5 الطهارة ب 4 ح 2، الوسائل 1: 140 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 10.

(6) الاستبصار 1: 33- 87، الوسائل 1: 172 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 6.

(7) التهذيب 1: 31- 87، الاستبصار 1: 13- 23، الوسائل 1: 143 أبواب الماء المطلق ب 5 ح 1. استدلّ بالصحيحة الاولى في المدارك

و المعالم و بالصحيحة الثانية في المدارك و تنظّر فيه. راجع: المدارك 1: 31- 32، المعالم: 111.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 22

بزوال التغير، حيث إنه بإطلاقه لا يوجب التطهر، لا لعدم الإفساد، أو الحكمين.

و التمسك بالأولوية- حيث إنّ المادة لو صلحت للرفع فصلوحها للدفع و المنع أولى- ضعيف، لمنع الأولوية.

مع أنّه يمكن أن يكون تعليلا لذهاب الريح و طيب الطعم بالنزح، حيث إنّ مجرد النزح لا يستلزم ذلك، و ليس ذلك معلوما، إذ ما ليس له مادة ربما لم يزل تغيره بالنزح إلى أن لا يبقى منه شي ء، فترتبه على النزح كليا إنما هو مع وجود المادة.

و أما الثاني: فلأنّ عدم البأس في البول لا يستلزم عدم التنجس.

خلافا للمحكي عن جمل السيد [1]، و الفاضل في أكثر كتبه، و منها:

المنتهى «2»، و نفيه [2] عنه اشتباه، و أسنده في الروضة «4» إلى جماعة و مال إليه، و في الروض «5» إلى جملة من المتأخرين، و تردد فيه بعض من تأخّر «6».

لما دل على تنجس كل ماء بالملاقاة، كموثقتي الساباطي، إحداهما: «كل شي ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه، إلا أن ترى في منقاره دما فلا تتوضأ منه و لا

______________________________

[1] جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 22، و حكاه في كشف اللثام 1: 25، مفتاح الكرامة 1: 62 عن ظاهر جمل السيد، و منشأ الاستظهار أنه قسّم الماء الى قليل و كثير و حكم بنجاسة القليل بمخالطة النجس و إطلاق كلامه شامل للجاري فلاحظ.

[2] قال صاحب المعالم: 110 نسخ المنتهى مختلفة في هذه المباحث كثيرا فربما في زيد في بعضها ما نقص في الآخر و ربما عكس و هاهنا يوجد زيادة ..

و عليه يمكن ان يكون منشأ النفي المشار إليه في المتن اختلاف النسخ.

______________________________

(2) التحرير 1: 4، القواعد 1: 4، التذكرة 1: 3، المنتهى 1: 6.

(4) الروضة 1: 31.

(5) روض الجنان: 135.

(6) راجع كشف اللثام 1: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 23

تشرب» «1» و قريبة منها الأخرى «2» و صحيحة ابن عمار: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء» «3».

و رواية علي: عن الحمامة و الدجاجة و أشباههن تطأ العذرة ثمَّ تدخل في الماء، يتوضأ منه للصلاة؟ قال: «لا، إلا أن يكون الماء كثيرا» «4»، و غير ذلك من المستفيضة الآتية.

و منع عموم الماء في الصحيحة، إما لمنع إفادة المفرد المعرف له، أو لأنّ عمومه في المفهوم غير معلوم، لكفاية نجاسة بعض أفراد غير الكر في صدقه كمنع عموم المنجس، حيث إنّ لفظ شي ء في المفهوم مثبت فلا يعمّ، فيحمل على المغير، ضعيف:

أما الأول فلثبوت عموم المفرد المعرّف في موضعه، و لولاه لم يتم التمسك بكثير من أخبار الطهارة أيضا. و وجوب تنزيل الماء في المفهوم على المراد منه في المنطوق، ضرورة اتحادهما في الموضوع و المحمول.

و أما الثاني فلأنّ الشي ء في المنطوق مخصوص بغير المغير، للإجماع على تنجس الكر بالتغير. فكذا في المفهوم، لما مر.

و عدم عمومه حينئذ غير ضائر، لعدم القول بالفصل.

و الجواب: أنّ بعد ملاحظة اختصاص غير أخبار الجاري من الروايات

______________________________

(1) الكافي 3: 9 الطهارة ب 6 ح 5، التهذيب 1: 228- 660، الوسائل 1: 230 أبواب الأسآر ب 4 ح 2.

(2) الفقيه 1: 10- 18، التهذيب 1: 284- 832، الاستبصار 1: 25- 64، الوسائل 1: 231 أبواب الأسآر ب 4 ح 4.

(3) التهذيب 1: 40- 109، الاستبصار 1: 6-

2، الوسائل 1: 158 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 2.

(4) التهذيب 1: 419- 1326، الاستبصار 1: 21- 49، الوسائل 1: 159 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 24

الطهارة بغير القليل الراكد «1»، و اختصاصها بغير المتغير، و اختصاص الموثقتين «2» من أخبار النجاسة بغير الكر، كل ذلك بقرينة الإجماع و الأخبار، و كون غير الموثقتين مخصوصا بالقليل يتعارض الفريقان بالعموم من وجه.

فإن رجحنا الأولى بالأصل، و الاستصحاب، و الشهرة، و الأكثرية، و الإجماعات المنقولة، و إلا فيكون المرجع إلى الأصل، و هو أيضا مع الطهارة.

المسألة الثانية: ظاهر الأكثر بل صريحهم إلحاق الجاري لا عن نبع بالواقف

، و عليه الإجماع في شرح القواعد «3» و غيره «4».

و ألحقه بعض المتأخرين من المحدثين [1] بالنابع، فلا ينجس إلا بالتغيّر، و نقله في الحدائق «6» عن المعالم، و جعل هو المسألة محل إشكال، و الأصل يعاضده، و عمومات الطهارة المتقدمة «7» بأسرها تشمله.

و تخصيص أخبار الجاري منها «8» بالنابع لا شاهد له، و تبادره منه- لو سلم- عرف طار، فالأصل تأخره.

و خروجه عنها بعمومات النجاسة غير ثابت، لتعارضها مع الاولى بالعموم من وجه، فيرجع إلى أصل الطهارة.

مضافا إلى ترجح عمومات الطهارة بأخبار أخر، كصحيحة حنّان: إنّي أدخل الحمام في السحر، و فيه الجنب و غير ذلك، و أقوم فاغتسل فينضح علىّ بعد ما أفرغ من مائهم، قال: «أ ليس هو جار؟» قلت: بلى، قال: «لا بأس» «9».

______________________________

[1] الظاهر أنّه المحدث الأمين الأسترابادي في حاشية المدارك على ما حكى عنه في الحدائق 1: 332.

______________________________

(1) انظر الوسائل 1: 158 أبواب الماء المطلق ب 9.

(2) موثقتا الساباطي تقدمتا ص 23 رقم 1- 2.

(3) جامع المقاصد 1: 110.

(4) المدارك 1: 28.

(6) الحدائق 1: 332.

(7)

المتقدمة ص 19- 20.

(8) المتقدمة ص 19- 20.

(9) الكافي 3: 14 الطهارة ب 10 ح 3، التهذيب 1: 378- 1169، الوسائل 1: 213 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 8: و في التهذيب أسقط حنّان.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 25

و صحيحة محمد: «لو أنّ ميزابين سالا، أحدهما ميزاب بول و الآخر ميزاب ماء، فاختلطا، ثمَّ أصابك، ما كان به بأس» «1».

و التخصيص بماء المطر لا دليل عليه، مع أنّه أيضا أعمّ من حال التقاطر، فيدل عليه أيضا صحيحة ابن الحكم: «في ميزابين سالا، أحدهما بول و الآخر ماء المطر، فأصاب ثوب رجل، لم يضره ذلك» «2».

و على هذا فالترجيح للطهارة، إلا أن يثبت الإجماع على خلافها، و الاحتياط في كل حال طريق النجاة.

المسألة الثالثة: لو تغيّر بعض الجاري فنجاسة المتغير منه إجماعي.

كطهارة ما يتصل منه بالمنبع، و عموم أدلة الحكمين يدل عليه.

و ما تحته مع الكثرة أو عدم قطع النجاسة لعمود الماء كالثاني و مع القلة و قطع العمود كالأول عند الأكثر، لكونه قليلا لاقى النجاسة، فتشمله أدلة نجاسته.

و يخدشه: أنّه إن أريد أنّه قليل راكد فممنوع، و إن أريد غيره فلا دليل على نجاسته بخصوصه. و العام- لو سلم- لم يفد، لتعارضه مع بعض ما مر من عمومات الطهارة بالعموم من وجه، فيرجع إلى أصل الطهارة، فالحق طهارته أيضا، وفاقا لبعض من تأخر «3».

______________________________

(1) الكافي 3: 12 الطهارة ب 9 ح 2، التهذيب 1: 411- 1296، الوسائل 1: 144 أبواب الماء المطلق ب 5 ح 6.

(2) الكافي 3: 12 الطهارة ب 9 ح 1، التهذيب 1: 411- 1295، الوسائل 1: 145 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 4.

(3) مشارق الشموس: 207.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 26

الفصل الثالث: في ماء الغيث
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لا خلاف في أنّه حال التقاطر مع الجريان كالجاري

، فلا ينجس بملاقاة النجاسة و إن وردت عليه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 1    26     المسألة الاولى: لا خلاف في أنه حال التقاطر مع الجريان كالجاري ..... ص : 26

يدل عليه- مع الإجماع و العمومات- صحيحة ابن الحكم المتقدمة «1».

و صحيحة علي: عن البيت يبال على ظهره و يغتسل من الجنابة ثمَّ يصيبه المطر، أ يؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة؟ فقال: «إذا جرى لا بأس» «2».

و المروي في المسائل: عن المطر يجري في المكان فيه العذرة فيصيب الثوب، أ يصلّى فيه قبل أن يغسل؟ قال: «إذا جرى به المطر لا بأس» «3».

و فيه و في قرب الإسناد: عن الكنيف يكون فوق البيت فيصيبه المطر فكيف [1] فيصيب الثياب أ يصلى فيها قبل أن يغسل؟ قال: «إذا جرى من ماء المطر لا بأس» «5».

و صحيحة أخرى لعلي: عن رجل يمر في ماء المطر و قد صبّ فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلي فيه قبل أن يغسله؟ فقال: «لا يغسل ثوبه و لا رجليه و يصلي فيه و لا بأس» «6».

و صحيحة ابن سالم: عن السطح يبال عليه فيصيبه السماء فكيف فيصيب

______________________________

[1] يكف: يقطر.

______________________________

(1) ص 25.

(2) الفقيه 1: 7- 6، التهذيب 1: 411- 1297، الوسائل 1: 145 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 2.

(3) مسائل علي بن جعفر: 130- 115، الوسائل 1: 148 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 9.

(5) قرب الاسناد: 192- 724، الوسائل 1: 145 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 3.

(6) الفقيه 1: 7- 7، التهذيب 1: 418- 1321، الوسائل 1: 145 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 27

الثوب، قال:

«لا بأس، ما أصابه من الماء أكثر منه» «1».

و كذا بدون الجريان على الحق المشهور، للصحيحتين الأخيرتين من جهة الإطلاق فيهما، و مع التعليل في الثانية، مضافا إلى العمومات.

خلافا للمحكي عن التهذيب و المبسوط و ابني حمزة و سعيد «2»، فاشترطوا الجريان من الميزاب- و لعله من باب التمثيل، لاستدلالهم بما هو أعمّ منه- لما تقدم على الأخيرتين.

و الجواب: أنّ الاولى و إن اختصت بالجاري و لكنها لا تثبت الاشتراط.

و الثانية لم تثبت إلّا البأس في التوضؤ، و هو أعمّ من النجاسة، كيف و قد ادّعى في المعتبر و المنتهى «3» الإجماع على أنّ ما يزال به الخبث لا يرفع الحدث. و هو الحق أيضا، كما يأتي.

فإن قيل: ذلك ينافي منطوقه، حيث جوّز التوضؤ بما جرى منه.

قلنا: ما جرى عير ما أزيل به النجاسة، إذ المطر يطهّر بمجرد الاتصال كما يأتي، فما ينزل بعده- و هو الذي يجري- لم يرفع خبثا.

مع أنّ إرادة الجريان من السماء المعبّر عنه بالتقاطر ممكنة.

و به يجاب عن روايتي المسائل، مضافا إلى ضعفهما الخالي عن الجابر في المقام و إن انجبر منطوقهما بالعمل.

و قد يفرّق بين ما ترد النجاسة عليه و ما يرد عليها، فيحكم بنجاسة الأول مع عدم الجريان، التفاتا إلى اختصاص أكثر الروايات بوروده، فيرجع في عكسه إلى القواعد «4».

و صحيحة علي- الأخيرة- صريحة في ردّه.

______________________________

(1) الفقيه 1: 7- 4، الوسائل 1: 144 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 1.

(2) التهذيب 1: 411، المبسوط 1: 6، الوسيلة: 73، الجامع للشرائع: 20.

(3) المعتبر 1: 90، المنتهى 1: 23.

(4) كما في الذخيرة: 121.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 28

مع أنّ الرجوع إلى القواعد أيضا يقتضي الطهارة. لا لاختصاص ما

دلّ على انفعال القليل بغير موضع النزاع كما قيل «1»، لمنع الاختصاص كلّيا. بل لما مر من التعارض بين بعض العمومات المتقدمة و أخبار انفعال القليل بالعموم من وجه، على ما مر في الجاري.

المسألة الثانية: يطهر بماء الغيث ما جرى عليه حال التقاطر

، بلا خلاف ظاهر. و كذا بدون الجريان إذا زالت به العين و استوعب المحل النجس، لآيتي التطهير «2». و مرسلة الكاهلي المتقدمة في المطلق «3». و الإطلاق في نفي البأس و في مفهوم الاستثناء في مرسلة محمد بن إسماعيل: في طين المطر، أنّه «لا بأس به أن يصيب الثوب، إلّا أن يعلم أنّه قد نجّسه شي ء بعد المطر» «4» و مرسلة الفقيه: عن طين المطر يصيب الثوب، فيه البول و العذرة و الدم، قال: «طين المطر لا ينجس» «5».

و هل يشترط في التطهّر «6» به أكثرية الماء من النجاسة إذا كانت ذات عين؟

الظاهر: نعم لصحيحة ابن سالم «7».

و جعل التخصيص، لأجل أنّه الغالب، أو حمل الأكثر على الأقوى خلاف الأصل، مضافا إلى أنّ الأقل أمّا يستهلك بالنجاسة أو يتغير.

هذا في غير الماء، و أما الماء فيشترط تطهره بالنجاسة بالامتزاج به، كما مر.

و منه يظهر ضعف ما نقله الشهيد عن بعض معاصريه من كفاية وصول

______________________________

(1) مشارق الشموس: 211.

(2) الأنفال: 11، الفرقان: 48.

(3) المتقدمة ص 16.

(4) الكافي 3: 13 الطهارة ب 9 ح 4، التهذيب 1: 267- 783، الوسائل 1: 147 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 6. و في الجميع: «أنّه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيام، إلا أن يعلم ..».

(5) الفقيه 1: 7- 5، الوسائل 1: 147 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 7.

(6) في «ح»: التطهير.

(7) المتقدمة ص 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 29

مثل القطرة

في تطهير الماء النجس «1»، مضافا إلى عدم تبادر مثل ذلك من المطر.

المسألة الثالثة: لا شك في تقوّي القليل المجتمع من المطر به حين النزول،

للعمومات.

و أما المجتمع من غيره فهل يتقوّى به؟ فيه وجهان، الأظهر: العدم، لاستصحاب الحكم الثابت له قبل الاتصال بالإطلاقات، من تنجّسه بالملاقاة، و لعمومات تنجّس القليل بورود النجاسة عليه «2»، الشامل أكثرها بل جميعا لمثل ذلك بالإطلاق أو العموم. و منع الشمول ضعيف، فالقول بالتقوّي لأجله «3» سقيم.

و معارضة تلك العمومات مع بعض عمومات طهارة الماء «4»- على ما مر- غير مفيدة، لأنّ هذه أخص مطلقا مما مر، فتخصيصه بها لازم.

و توهم العموم من وجه- لاختصاص ما مر بالقليل الغير المتصل بالمطر قطعا- باطل، لأنّ اختصاصه به لأجل أدلة تنجّس القليل الشامل للمتصل أيضا، و عدم تحقق ما هو أخص منه، و ذلك بخلاف ما مر في الجاري، فإنّ ما يختص بغيره كثير.

و قد يتمسك للتقوّي: بأن حال النزول فيه شي ء من ماء المطر، فهو مطر مع شي ء زائد، فيصير بذلك أقوى.

و هو فاسد، لأنّ مقتضاه عدم تنجّس ماء المطر إن تميز، دون القليل أو الممتزج، لمنع القوة فيهما.

و أفسد منه: اعتبار النجاسة حينئذ بمقدار ماء المطر، حتى لو فرض التغير

______________________________

(1) روض الجنان: 139، و أراد ببعض معاصريه السيد حسن بن السيد جعفر على ما ذكره في حاشية الحدائق 1: 221.

(2) يأتي ذكرها في بحث الماء القليل ص 35- 51 و قد تقدم بعضها في بحث الماء الجاري ص 23.

(3) كما في مشارق الشموس: 214.

(4) المتقدمة ص 11- 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 30

لو انحصر فيه لصار نجسا، فإنه مبني على اعتبار التقدير في التغيّر، و قد عرفت فساده.

المسألة الرابعة: إذا انقطع تقاطره، فإن لم يبق جريانه على الأرض، فكالواقف

إجماعا.

و إن كان جاريا بعد، فظاهر العمومات المتقدمة و الاستصحاب: عدم تنجّسه و إن قلنا بتنجس القليل الجاري لا عن مادة، مع أنّه أيضا

لا ينجس، فيشمله ما دل عليه أيضا.

و هو الظاهر من المنتهى، حيث شرط في إلحاقه بالواقف مع الانقطاع الاستقرار على الأرض، قال: أمّا إذا استقر على الأرض و انقطع التقاطر ثمَّ لاقته نجاسة اعتبر فيه ما يعتبر في الواقف، لانتفاء العلة التي هي الجريان. انتهى «1».

و هو جيّد جدّا.

______________________________

(1) المنتهى 1: 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 31

الفصل الرابع: في ماء الحمّام
اشارة

و المراد به هنا ما في حياضه الصغار الذي لم يبلغ كرّا، فإنّ أمر ما بلغه ظاهر.

و فيه مسألتان:

المسألة الأولى: ماء «1» الحياض إما يكون مع المادة، أو بدونها.

و الثاني في الانفعال بالملاقاة كالراكد إجماعا، لاختصاص أدلة عدم انفعاله بذي المادة بحكم التعارف.

و الأول إن بلغت مادته وحدها كرا، فلا ينفعل على المشهور، بل بلا خلاف يحضرني الآن، و الأخبار الآتية تدل عليه، و إلّا فكذلك أيضا، سواء بلغ مجموع المادة و الحوض كرا أولا، و سواء تساوى سطحاهما الظاهران أو اختلفا بالانحدار أو غيره، على الأقوى، وفاقا لظاهر الشيخ في النهاية، و الحلّي، و المعتبر، و النافع، و الشرائع «2»، و مال إليه طائفة من المتأخرين «3»، و نسبه بعضهم إلى الأكثر «4»، للأصل، و الاستصحاب، و عمومات طهارة الماء «5».

و رواية ابن الفضيل «6» المتقدمة في الجاري.

______________________________

(1) في «ح» و «ق»: ما في.

(2) النهاية: 5، السرائر 1: 90، المعتبر 1: 42، النافع: 2، الشرائع 1: 12.

(3) منهم الشيخ البهائي في الحبل المتين: 115، و المحدث الكاشاني في الوافي 4: 9، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 120.

(4) لم نجد هذه النسبة. و الموجود في كلام المسالك 1: 3 و الحبل المتين نسبت الاشتراط إلى الأكثر فلاحظ.

(5) الوسائل 1: 133 أبواب الماء المطلق ب 1.

(6) كذا في النسخ و هو غير صحيح فإنه لم تتقدم في الماء الجاري رواية بهذا العنوان نعم تقدمت رواية الفضيل. و قد ناقش المصنف في دلالتها مضافا إلى كونها أجنبيّة عن ماء الحمام و التي يناسب الاستدلال بها هي رواية حنان المتقدمة في ذاك البحث فراجع ص 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 32

و خصوص المستفيضة كصحيحة ابن سرحان: ما تقول في ماء الحمام؟

قال: «هو بمنزلة [الماء] الجاري»

«1».

و رواية بكر بن حبيب: «ماء الحمام لا بأس به إذا كانت له مادة» «2».

و المروي في قرب الإسناد: «ماء الحمام لا ينجّسه شي ء» «3».

و الرضوي: «ماء الحمام سبيله سبيل [الماء] «4» الجاري إذا كانت له مادة» «5».

و حمل هذه الأخبار على ما كانت مادته كثيرة، لأنه الغالب المتعارف «6»، مردود: بمنع ثبوت الغلبة في عهدهم.

و لو سلّمت، فإنما هي حين كونها مملوّة، و بعد جريانها إلى الحوض يقلّ آنا فآنا حتى يصير أقل من الكر، فلا تكون الكثرة غالبة في جميع الأوقات.

خلافا للمحكي عن الأكثر «7»، فقالوا بالانفعال في الصورتين كأكثرهم، أو الثانية خاصة كطائفة «8» منهم: والدي العلّامة رحمه اللّه.

لصحيحة محمد: عن ماء الحمام، قال: «ادخله بإزار و لا تغتسل من ماء آخر، إلّا أن يكون فيه جنب أو يكثر أهله، فلا يدري فيه جنب أم لا» «9».

______________________________

(1) التهذيب 1: 378- 1170، الوسائل 1: 148 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 1، و ما بين المعقوفين من المصدر.

(2) الكافي 3: 14 الطهارة ب 10 ح 2، التهذيب 1: 378- 1168، الوسائل 1: 149 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 4.

(3) قرب الاسناد: 309- 1205، الوسائل 1: 150 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 8.

(4) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(5) فقه الرضا: 86، المستدرك 1: 194 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 2.

(6) المدارك 1: 34، مشارق الشموس: 209.

(7) حكاه في المسالك 1: 3 عن الأكثر، و في الذخيرة: 121 عن المشهور، و في المدارك 1: 34 عن أكثر المتأخرين.

(8) منهم صاحب الروض: 137، صاحب المدارك 1: 35 فإنه رجّح أخيرا الاكتفاء بكون المجموع كرّا و إن اختار في صدر كلامه اعتبار الكرّية

في المادة.

(9) التهذيب 1: 379- 1175، الوسائل 1: 149 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 33

و رواية علي: عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام، قال: «إذا علم أنه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام، إلّا أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثمَّ يغتسل» «1».

و لعموم أدلّة تنجّس القليل «2» الصادق على الحوض، لعدم اتّحاده مع المادة عرفا.

و لأنّ المادة الناقصة عن الكر كالعدم، خرج عن مجموع ذلك ما كان مادته كرا عند الأكثر بالروايات المتقدمة من جهة ظهورها في ذلك كما مر، و ما كان المجموع كرا عند الآخرين، بروايات الكر «3» الشاملة لذلك، إمّا لعدم اعتبار الوحدة أو لصدقها.

و يضعف الأول: بعدم الدلالة على النجاسة، لعدم صراحته في نجاسة بدن الجنب، و عدم العلم باستناد النهي إلى تنجسه بها لو كانت، مع أنّ آخر الرواية لا يلائم حمل النهي على الحرمة، بل لا قطع بكونه نهيا، لاحتمال النفي، و هو لا يفيد أزيد من الاستحباب.

و به يضعف الثاني.

مضافا إلى معارضتهما مع ما هو أخص منهما مما يشتمل على ذكر المادة مما تقدم من أخبار الحمام، فيخصّصان به. بل معارضتهما مع ما لا يشتمل عليه أيضا تكفي في الرجوع إلى الأصل و ترجيح الطهارة، بل مع بعض عمومات طهارة الماء المتقدمة [1] بالتقريب المتقدم.

و منه يظهر ضعف الثالث أيضا.

مضافا إلى صراحة أكثر أخبار انفعال القليل بغير ماء الحمام، و إلى منع عدم

______________________________

[1] عمومات طهارة ماء المطر و عمومات طهارة مطلق الماء (منه رحمه اللّه تعالى).

______________________________

(1) التهذيب 1: 223- 640، الوسائل 3: 421 أبواب النجاسات ب 14 ح 9.

(2) راجع ص 36- 40.

(3) الوسائل 1: 158 أبواب الماء المطلق

ب 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 34

الاتحاد مع كرية المجموع.

و الرابع: بالمنع.

ثمَّ إن منهم من اعتبر مع كرية المادة أو المجموع تساوي السطحين «1»، و منهم من اعتبره أو كون اختلافهما بالانحدار. و هو مبني على ما يأتي من الاختلاف في اعتبار تساوي سطوح الكر و عدمه، و ستعرف عدم اعتباره.

المسألة الثانية: لو تنجّس الحوض بالتغيّر أو بعد انقطاعه عن المادة

، فلا خلاف في طهره بما يطهر به غيره، و لا فيه بوصله إلى المادة، و زوال تغيره إن كان.

و تدلّ عليه رواية ابن أبي يعفور: ماء الحمام يغتسل منه الجنب و اليهودي و النصراني؟ فقال: «إنّ ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا» «2».

و يؤيده [1]: جعله بمنزلة الجاري في جملة من الأخبار «4».

و إنما الخلاف في اشتراط الممازجة و كرية من المادة.

و الحق في الأول: الاشتراط، لما مر، و في الثاني: العدم، لإطلاق الرواية، إلّا أن يثبت على اشتراطها الإجماع، كما ادّعاه والدي العلّامة في اللوامع، و نفى بعضهم الخلاف فيه «5».

و منهم من شرط زيادتها على الكر بمقدار ما يحصل به الممازجة، أو بمقدار الماء المنحدر «6». و إطلاق الرواية يدفعه.

______________________________

[1] و جعله مؤيدا بناء على منع عموم المنزلة فيحتمل أن يكون في عدم قبول النجاسة (منه رحمه اللّه تعالى).

______________________________

(1) اعتبره في الروض: 137، و جامع المقاصد 1: 112.

(2) الكافي 3: 14 الطهارة ب 10 ح 1، الوسائل 1: 150 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 7.

(4) راجع الوسائل 1: 148 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 1.

(5) الرياض 1: 4.

(6) جامع المقاصد 1: 113، راجع الحدائق 1: 211.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 35

الفصل الخامس: في الواقف
اشارة

و هو أمّا قليل أو كر، فهاهنا بحثان:

البحث الأول: في القليل
اشاره

و فيه ثلاث مسائل:

المسألة الاولى: في نجاسته و عدمها بالملاقاة أقوال:

النجاسة مطلقا إلّا ما استثني، ذهب إليه جماعة «1».

و عدمها كذلك، قال به العماني «2» و تبعه بعض المتأخرين «3».

و التفصيل بالأول في غير ما لا يدركه الطرف من النجاسات، و الثاني فيه مطلقا عن المبسوط «4»، و من الدم خاصة عن الاستبصار «5»، و يشعر به: كلام النافع في بحث الأسآر «6».

و بالأول فيما وردت عليه النجاسة، و الثاني في عكسه، اختاره في الناصريات و الحلّي «7» مدّعيا عليه الإجماع ظاهرا، و صاحب المعالم «8»، و استوجهه في المدارك «9»، و استحسنه في الذخيرة في هذه المسألة، و جعله الأقرب في مسألة الغسالة «10»، و نسبه في بحث ماء المطر من الحدائق إلى جملة من الأصحاب،

______________________________

(1) ذهب إليه في الخلاف 1: 194، المعتبر 1: 48، التذكرة 1: 3.

(2) حكاه عنه في المختلف: 2.

(3) المحدّث الكاشاني في الوافي 6: 19، المفاتيح 1: 81.

(4) المبسوط 1: 7.

(5) الاستبصار 1: 23.

(6) النافع: 4.

(7) الناصريات (الجوامع الفقهية): 179، السرائر 1: 181.

(8) المعالم: 123.

(9) المدارك 1: 40.

(10) الذخيرة: 125، 143.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 36

و جعله الظاهر من الأخبار و إن تردّد في بحث القليل «1»، و مال إليه بعض معاصرينا. و هو الحق.

لنا على النجاسة فيما وردت عليه- بعد الإجماع المحقق و المنقول في الناصريات «2» و الانتصار «3» و الخلاف «4» و اللوامع و المعتمد و غيرها «5» صريحا، و الأمالي «6» ظاهرا-: المستفيضة من الصحاح و غيرها، (بل) «7» المتواترة معنى الواردة في موارد مختلفة.

منها: روايات الكر، كصحاح محمد «8»، و ابن عمار «9»، و زرارة «10»، و حسنته «11»، و مرسلة ابن المغيرة «12»، المصرحة بأنه إذا كان الماء

قدر كر- كالأوليين- أو أكثر من رواية- كالثانيتين- أو قدر قلتين [1]- كالخامسة- لم

______________________________

[1] القلّة: إناء للعرب كالجرّة الكبيرة شبه الحبّ و الجمع قلال. قال أبو عبيد: القلّة: حبّ كبير.

المصباح المنير: 514.

______________________________

(1) الحدائق 1: 220، 329.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 178.

(3) الانتصار: 9.

(4) الخلاف 1: 194.

(5) المختلف: 2، المدارك 1: 38.

(6) الأمالي للصدوق: 514. المجلس: 93 فإن الصدوق عدّ من دين الإمامية أن الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شي ء.

(7) لا توجد في «ق».

(8) الكافي 3: 2 الطهارة ب 2 ح 2، الفقيه 1: 8- 12، التهذيب 1: 39- 107، الاستبصار 1:

6- 1، الوسائل 1: 158 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 1.

(9) التهذيب 1: 40- 108، الاستبصار 1: 6- 2، الوسائل 1: 158 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 2.

(10) الكافي 3: 2 الطهارة ب 2 ح 3، التهذيب 1: 42- 117، الاستبصار 1: 6- 4، الوسائل 1:

140 أبواب الماء المطلق ب 3 ملحق ح 9.

(11) التهذيب 1: 412- 1298، الوسائل 1: 140 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 9.

(12) الفقيه 1: 6- 3، التهذيب 1: 415- 1309، الوسائل 1: 166 أبواب الماء المطلق ب 10 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 37

ينجّسه شي ء.

و منع حجية المفهوم ضعيف، و كون الشي ء في المفهوم مثبتا لا يضر، لاختصاصه بغير المغيّر، كما مر، و يتم المطلوب بالإجماع المركب.

و منع ثبوت الحقيقة الشرعية في النجاسة يدفعه: الحدس و الوجدان، مضافا إلى فهم الأصحاب، مع عدم ملائمة المعني اللغوي- و هو الحالة الموجبة لتنفر الطباع- للإرادة هنا، لحصوله للكر أيضا كثيرا مع عدم التغير، و عدم اختلافه بمجرد نقصان قطرة أو ازديادها، و عدم كون بيان

ذلك من وظيفة الشارع.

و منها: روايات سؤر نجس العين، أو ما في منقاره قذر أو دم.

فمن الأولى: صحيحة البقباق: عن فضل الهرة و الشاة- إلى أن قال- حتى انتهيت إلى الكلب فقال: «رجس نجس، لا تتوضأ بفضله و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب أوّل مرة ثمَّ بالماء» «1».

و رواية أبي بصير: «و لا تشرب من سؤر الكلب إلّا أن يكون حوضا كبيرا» «2».

و صحيحة محمد: عن الكلب يشرب من الإناء، قال: «اغسل الإناء» «3».

و تقرب منهما معنى روايتا حريز «4» و ابن شريح [1].

______________________________

[1] التهذيب 1: 225- 647، الاستبصار 1: 19- 41، الوسائل 1: 226 أبواب الأسآر ب 1 ح 6.

______________________________

(1) التهذيب 1: 225- 646، الاستبصار 1: 19- 40، الوسائل 1: 226 أبواب الأسآر ب 1 ح 4.

(2) التهذيب 1: 226- 650، الاستبصار 1: 20- 44، الوسائل 1: 226، أبواب الأسآر ب 1 ح 7.

(3) التهذيب 1: 225- 644، الاستبصار 1: 18- 39، الوسائل 1: 225 أبواب الأسآر ب 1 ح 3.

(4) التهذيب 1: 225- 645، الوسائل 1: 226 أبواب الأسآر ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 38

و صحيحة علي: عن خنزير شرب من الإناء، كيف يصنع به؟ قال:

«يغسل ثلاث مرات» «1».

و رواية الأعرج: عن سؤر اليهودي و النصراني، قال: «لا» «2».

و إطلاق الكل يدفع ما أورد «3» من الاحتمالات.

و من الثانية: موثّقتا الساباطي، إحداهما: عن ماء شربت منه الدجاجة، قال: «إن كان في منقارها قذر لم يتوضأ منه و لم يشرب» «4» و قريب منها الأخرى «5».

و حملهما على المتغير غير ممكن، لعدم صلاحية ما في المنقار له.

و منها: الواردة في اليد القذرة تدخل في الإناء، كصحيحة البزنطي: عن

الرجل يدخل يده في الإناء [و هي قذرة] قال: «يكفى الإناء» «6».

و موثّقتي سماعة، إحداهما: «و إن كان أصابته جنابة، فأدخل يده في الماء فلا بأس به إن لم يكن أصاب يده شي ء من المني، و إن كان أصاب يده فأدخل يده في الماء قبل أن يفرغ على كفيه فليهرق الماء كله» «7».

و الأخرى: «إذا أصابت الرجل جنابة، فأدخل يده في الإناء، فلا بأس إن

______________________________

(1) التهذيب 1: 261- 760، الوسائل 1: 225 أبواب الأسآر ب 1 ح 2: الّا أن فيهما «سبع مرّات).

(2) الكافي 3: 11 أبواب الطهارة ب 7 ح 5، التهذيب 1: 223- 638، الوسائل 1: 229 أبواب الأسآر ب 3 ح 1.

(3) في «ق» ورد.

(4) الفقيه 1: 10- 18، التهذيب 1: 284- 832، الوسائل 1: 231 أبواب الأسآر ب 4 ح 3.

(5) و الأخرى عن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب- الى أن قال-: و إذا رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه و لا تشرب (منه ره)، الكافي 3: 9 أبواب الطهارة ب 6 ح 5، التهذيب 1: 228- 660، الوسائل 1: 230 أبواب الأسآر ب 4 ح 2.

(6) التهذيب 1: 39- 105، الوسائل 1: 153 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 7 و ما بين المعقوفين من المصدر.

(7) التهذيب 1: 38- 102، الوسائل 1: 154 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 39

لم يكن أصاب يده شي ء من المني» «1».

دلّت بالمفهوم على وجود البأس- الذي هو العذاب أو الشدة- إن أصاب يده المني.

و روايتي أبي بصير، إحداهما: عن الجنب يحمل الركوة أو التور [1] فيدخل إصبعه فيه، فقال: «إن كانت يده قذرة

فأهرقه» «3».

و الأخرى: «إن أدخلت يدك في الإناء قبل أن تغسلها فلا بأس، إلّا أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة، فإذا أدخلت يدك في الماء و فيها شي ء من ذلك فأهرق ذلك « «4».

و حسنة ابن عبد ربه: في الجنب يغمس يده في الإناء قبل أن يغسلها، أنّه:

«لا بأس إذا لم يكن أصاب يده شي ء» «5».

أو في ماء وقع فيه دم أو قذر كصحيحة علي: عن رجل رعف و هو يتوضأ فقطر قطرة في إنائه، هل يصلح الوضوء منه؟ قال: «لا» «6».

و موثّقتي الساباطي «7» و سماعة «8»: عن رجل معه إناء ان وقع في أحدهما قذر لا يدري أيّهما هو، و ليس يقدر على ماء غيرهما، قال: «يهريقهما جميعا و يتيمم».

______________________________

[1] الركوة: دلو صغيرة. المصباح المنير: 238. التور: إناء صغير من صفر أو حجارة كالإجانة، تشرب العرب فيه و قد تتوضأ منه. لسان العرب 4: 96.

______________________________

(1) التهذيب 1: 37- 99، الاستبصار 1: 20- 47، الوسائل 1: 153 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 9.

(3) التهذيب 1: 37- 100 و 229- 661، الوسائل 1: 154 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 11.

(4) الكافي 3: 11 الطهارة ب 8 ح 1، الوسائل 1: 152 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 4.

(5) الكافي 3: 11 الطهارة ب 8 ح 3، الوسائل 1: 152 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 3.

(6) الكافي 3: 74 الطهارة ب 46 ح 16، الوسائل 1: 150 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 1.

(7) التهذيب 1: 248- 712، الوسائل 1: 155 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 14.

(8) الكافي 3: 10 الطهارة ب 6 ح 6، التهذيب 1: 249- 713، الوسائل 1:

151 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 40

و رواية الأعرج: عن الجرّة «1» تسع مائة رطل يقع فيها أوقية من دم، أشرب منه و أتوضأ؟ قال: «لا» «2».

و رواية علي المروية في المسائل: عن حبّ ماء فيه ألف رطل وقع فيه أوقية «3» بول، هل يصلح شربه أو الوضوء منه؟ قال: «لا يصلح» «4».

أو في ماء، دخلت فيه الدجاجة الواطية للعذرة، كرواية علي المتقدمة في الجاري «5».

أو لاقى النبيذ، أو المسكر، كرواية أبي بصير: في النبيذ «ما يبلّ الميل، ينجّس حبّا من ماء» «6».

و رواية ابن حنظلة: في المسكر «و لا قطرت قطرة في حبّ إلّا أهريق ذلك الماء» «7».

أو في القليل الذي ماتت فيه فأرة، كموثّقة الساباطي: عن الرجل يجد في إنائه فأرة، و قد توضّأ من ذلك الإناء مرارا، أو غسل منه و اغتسل منه، و قد كانت الفأرة متسلّخة، فقال: «إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضّأ أو يغسل ثيابه، يغسل كل ما أصابه ذلك الماء، و يعيد الوضوء و الصلاة» «8».

______________________________

(1) الجرّة: إناء من خزف و الجمع جرّ و جرار. لسان العرب 4: 131.

(2) التهذيب 3: 418- 1320، الاستبصار 1: 23- 56، الوسائل 1: 153 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 8. بتفاوت.

(3) الأوقية: ما يعادل أربعين درهما. المصباح المنير: 669. و في الصحاح 6: 2528: و كذلك كان فيما مضى فأمّا اليوم فيما يتعارفها الناس .. فالأوقية عندهم وزن عشرة دراهم و خمسة أسباع الدرهم.

(4) مسائل علي بن جعفر: 197- 420، الوسائل 1: 156 أبواب الماء المطلق ب 168.

(5) ص 23.

(6) الكافي 6: 413 الأشربة ب 23 ح 1، الوسائل

3: 47 أبواب النجاسات ب 38 ح 6.

(7) الكافي 6: 410 الأشربة ب 21 ح 15، التهذيب 9: 112- 485، الوسائل 25: 341 أبواب الأشربة المحرمة ب 18 ح 1 مع اختلاف يسير في الألفاظ.

(8) الفقيه 1: 14- 26، التهذيب 1: 418- 1322، الوسائل 1: 142 أبواب الماء المطلق ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 41

و رواية ابن حديد، و فيها: فاستقى غلام أبي عبد اللّه عليه السلام دلوا.

فخرج فيه فأرتان، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «أرقه» فاستقى آخر، فخرجت فيه فأرة، فقال عليه السّلام: «أرقه» «1». إلى غير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتتبّع.

و قد جمع منها بعض الأصحاب مائتي حديث «2»، و دلالة كلّ منها على الانفعال بجميع النجاسات، مطلقا، أو بضميمة عدم الفصل، كدلالة المجموع عليه، و دلالة كثيرة منها على الانفعال بكلّ قذر من القذر بالإطلاق ظاهرة.

و الإيراد على الكلّ: بإمكان الحمل على المتغيّر، أو على الكراهة، و على ما فيه لفظ القذر: بإمكان الحمل على اللغويّ، مردود.

فالأول: بالإطلاق، مضافا إلى عدم إمكانه إلّا في قليل، فإنّ التغيّر بشرب الحيوان، أو بما في المنقار، أو اليد، أو الإصبع، سيّما البول، أو المنيّ، أو بقطرة من المسكر، أو بما يبلّه الميل منه، غير معقول، كاشتباه ما تغيّر بغيره، أو عدم حصول العلم بوقوع الفأرة لو تغيّر.

و الثاني: بكونه مجازا مخالفا للأصل في الأكثر، مع كونه إحداث ثالث، كما صرّح به والدي- رحمه اللّه- في اللوامع.

مضافا إلى امتناعه في بعضها، كموثّقتي الساباطي الأخيرتين «3».

و الثالث: بمنافاته للنهي عن الاستعمال، سيّما مع الأمر بالتيمّم.

لنا على الطهارة في الوارد على النجاسة- بعد الأصل، و الاستصحاب

______________________________

(1) التهذيب 1: 239- 693،

الاستبصار 1: 40- 112، الوسائل 1: 174 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 14.

(2) هكذا نقل في الرياض 1: 5 عن بعض الأصحاب و لم نعثر عليه.

(3) تقدمتا ص 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 42

المؤيّدين بالإجماع المنقول عن الحلّي «1»، السالمين عن المعارض-: عمومات طهارة الماء «2» بأنواعها المتقدمة و إطلاقاتها، الخالية عن المخصّص و المقيّد، لاختصاص أدلّة انفعال القليل- كما مرّ- بورود النجاسة.

و يؤيّدها: أخبار طهارة ماء الاستنجاء «3». و رواية غسل «4» الثوب النجس في المركن [1]، و موارد التطهير [2] و الغسالات.

استدلّ القائلون بالنجاسة مطلقا أمّا فيما وردت النجاسة فيما تقدّم، و هو كذلك.

و أمّا في عكسه: فبمفهوم روايات الكرّ «7».

و إطلاق «ما يبلّ الميل ينجس حبّا» «8».

و حديث استقاء غلام أبي عبد اللّه عليه السلام المتقدّم «9».

و ما ورد بعد السؤال عن دنّ [3] يكون فيه خمر أو إبريق كذلك، هل يصلح أن يكون فيه الخل أو الماء أو غيره؟: «أنّه إذا غسل لا بأس» «11».

و ما تقدّم في ماء الغيث «12»، من المفاهيم المثبتة للبأس فيه، إذا لم يجر على

______________________________

[1] المركن: الإجانة التي يغسل فيها الثياب.

[2] في «ه» و «ح»: التطهّر.

[3] الدّن: كهيئة الحبّ الا أنه أطول منه و أوسع رأسا و الجمع دنان. المصباح المنير: 201.

______________________________

(1) السرائر 1: 181.

(2) راجع ص 11- 12.

(3) الوسائل 3: 501 أبواب النجاسات ب 60.

(4) التهذيب 1: 250- 717، الوسائل 3: 397 أبواب النجاسات ب 2 ح 1.

(7) الوسائل 1: 158 أبواب الماء المطلق ب 9.

(8) الوسائل 3: 47 أبواب النجاسات ب 38 ح 6.

(9) ص 41.

(11) الكافي 6: 427 الأشربة ب 33 ح 1، التهذيب 1: 283- 830، الوسائل 3: 494

أبواب النجاسات ب 51 ح 1.

(12) ص 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 43

القذر مع كونه واردا. و تمام المطلوب يثبت بالأولوية، أو عدم الفصل.

و رواية ابن سنان: «الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يجوز أن يتوضّأ به و أشباهه» «1».

و رواية العيص المرويّة في طائفة من كتب الأصحاب مثل الخلاف و المعتبر و المنتهى: عن رجل أصابته قطرة من طست فيه وضوء، فقال: «إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه» «2».

و الروايات الآتية «3» الناهية عن الغسل بغسالة الحمّام، معلّلة: بأنّه يغتسل فيه الجنب و ولد الزنا و الناصب و من الزنا. و في بعضها المروي في العلل: «اليهودي و أخواه» «4».

و بأنّ السبب في الانفعال ملاقاة النجاسة، و قابليّة القليل من حيث القلّة، و لا مدخليّة للورود و عدمه.

و بأنّ [1] أخبار النجاسة و إن كانت خاصّة إلا أنّه لخصوصية السؤال و هي لا تخصّص.

و بكونه مشهورا عند الأصحاب.

و الجواب عن الأول: أن المفهوم لا يدل إلا على التنجس ببعض ما من شأنه التنجيس، فيمكن أن يكون النجاسة الواردة، و لا يمكن التتميم بعدم الفصل، لوجوده.

و أيضا: المراد بتنجيسه له ليس فعليته، بل معناه أن من شأنه التنجيس،

______________________________

[1] هذا الاستدلال يظهر من الحدائق (منه ره).

______________________________

(1) التهذيب 1: 221- 630، الاستبصار 1: 27- 71، الوسائل 1: 215 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 13.

(2) الخلاف 1: 179، المعتبر 1: 90، المنتهى 1: 24.

(3) في ص 108، و انظر الوسائل 1: 218 أبواب الماء المضاف ب 11.

(4) علل الشرائع: 292- 1، الوسائل 1: 220 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص:

44

بوقوع ارتباط بينهما و قرب خاص، و لا دلالة لذلك على التنجيس بمطلق الملاقاة فيكتفي بالمتيقن.

هذا، مع أنّ بعد تسليم الدلالة يعارض مع بعض عمومات الطهارة «1» بالعموم من وجه، لتخصيصها بالقليل الوارد عليه النجاسة بما مر قطعا، فيرجع إلى الأصل.

و من هذا و سابقة يظهر الجواب عن الثاني أيضا.

و عن الثالث: منع شموله لورود الماء، بل الظاهر دخول الفأرة في الدلو بعد شي ء من الماء، أو ينفصلان من البئر معا، فتختص الرواية بما انتفى الورود من الطرفين، و يأتي حكمه.

و لو سلّم الشمول فيحصل التعارض المذكور، و يجاب بما مر.

و عن الرابع: أن إثبات نوع من البأس- كما هو مقتضى المفهوم- لا يثبت النجاسة، لجواز أن يكون هو عدم الصلاحية لرفع الحدث، فإنّ ما يغسل الخبث لا يرفعه، كما يأتي.

و هو الجواب عن الخامس، مع عدم عمل أكثر المخالفين به، كما مر، و معارضته مع ما مرّ، و عدم صلاحيته لإثبات النجاسة، كما تقدّم في بحث ماء الغيث «2».

و مما مر من عدم ارتفاع الحدث برافع الخبث، يظهر الجواب عن السادس أيضا، زيادة على أنّه لا إشعار فيه بملاقاة الماء للنجاسة، إلّا أن يضمّ معه الإجماع على جواز الوضوء مما يغسل به الطاهر.

و عن السابع: بأنّه لا يثبت أزيد من رجحان الغسل، مع أنّ الوضوء أعمّ من الموارد، فقاعدة التعارض المذكور جارية.

______________________________

(1) المتقدمة ص 11- 12.

(2) ص 27.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 45

و عن الثامن: مع معارضته لأخبار أخر منافية له، كما يأتي «1» في بحث غسالة الحمام، أنّ النّهي عن الاغتسال بل عن مطلق الاستعمال- كما قيل «2»- أعمّ من النجاسة، و لو ثبت يمكن أن يكون تعبديا أيضا، لا لأجل

الملاقاة للنجس، و لذا حكم أكثر القائلين «3» بنجاسة غسالة الحمام بها، ما لم يعلم خلوّها عن النجاسة الشامل لعدم العلم بالملاقاة أيضا.

هذا، مضافا إلى خلوّ أكثر هذه الأخبار عن ملاقاة الماء للنّجس، و هذا أيضا يؤكّد التّعبد به لو ثبتت [1] النجاسة.

و عن التاسع: بالمنع، و يؤكّده استثناء ماء الاستنجاء.

و عن العاشر: بمنع عموم الجواب، مع خلوّ البعض عن تقديم السؤال.

و عن الأخير: بمنع الشهرة إن لم ندعها على الخلاف، كيف و الماء الوارد هو الغسالة غالبا! و المشهور بين الطبقتين: الاولى و الثالثة، طهارتها مطلقا، مع أن الشهرة للحجية غير صالحة.

للعماني- بعد الأصل و الاستصحاب و العمومات- خبر ابن ميسر المتقدم «5»، و صحيحة علي: عن اليهودي و النصراني يدخل يده في الماء أ يتوضأ منه للصلاة؟ قال: «لا، إلّا أن يضطرّ إليه» «6». و النهي يقيّده بالقليل.

و موثقة عمار: عن الرجل يتوضأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب منه على أنه

______________________________

[1] في «ق»: و لو تثبت.

______________________________

(1) في ص 106.

(2) الحدائق 1: 497.

(3) منهم الشيخ في النهاية: 5، و المحقق في النافع 5، و العلامة في التذكرة 1: 5.

(5) ص 20.

(6) التهذيب 1: 223- 640، البحار 10: 278، الوسائل 3: 421 أبواب النجاسات ب 14 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 46

يهودي، فقال: «نعم» فقلت: من ذلك الماء الذي شرب منه؟ قال: «نعم» «1».

و صحيحة زرارة: عن الحبل يكون من شعر الخنزير، يستقى به الماء من البئر، هل يتوضأ من ذلك الماء؟ قال: «لا بأس» «2».

و روايته: عن جلد الخنزير يجعل دلوا يستقي به الماء، قال: «لا بأس» «3».

و رواية بكّار: الرجل يضع الكوز الذي يغرف به من الحب في

مكان قذر ثمَّ يدخله الحبّ، قال: «يصب من الماء ثلاث أكفّ ثمَّ يدلك الكوز» «4».

و رواية عمر بن يزيد: أغتسل في مغتسل يبال فيه و يغتسل من الجنابة، فيقع في الإناء ماء ينزو من الأرض، فقال: «لا بأس به» «5».

و مرسلة الوشاء: «أنه كره سؤر اليهودي و النصراني» «6» و غير ذلك.

و أنّه لو انفعل القليل، لاستحال إزالة الخبث به، و الانفعال بعد الانفصال غير معقول، لاستلزامه تأثير العلّة بعد عدمها، مع عدمه حين وجودها.

و الجواب: أما عن الثلاثة الأولى: فظاهر. و كذا عن الرابع، لالتحاقه بالعمومات لشموله للجاري، بل لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة في القليل أيضا.

و أمّا عن بواقي الروايات: فبجواز أن يراد من الاضطرار ما توجبه التقية في الصحيحة الاولى، بل هو معنى الاضطرار إلى التوضؤ منه، و أمّا حال انحصار

______________________________

(1) التهذيب 1: 223- 641، الاستبصار 1: 18- 38، الوسائل 1: 229 أبواب الأسآر ب 3 ح 3.

(2) الكافي 3: 6 الطهارة ب 4 ح 10، التهذيب 1: 409- 1289، الوسائل 1: 170 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 2.

(3) التهذيب 1: 413- 1301، الفقيه 1: 9- 14 مرسلا، الوسائل 1: 175 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 16.

(4) الكافي 3: 12 الطهارة ب 8 ح 6، الوسائل 1: 164 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 17.

(5) الكافي 3: 14 الطهارة ب 9 ح 8، الوسائل 1: 159 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 7.

(6) الكافي 3: 11 الطهارة ب 7 ح 6، التهذيب 1: 223- 639، الاستبصار 1: 18- 37، الوسائل 1: 229 أبواب الأسآر ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 47

الماء فهو ليس اضطرارا إلى الوضوء أو

الماء، لإمكان التيمّم، مضافا إلى احتمال التقية.

و هو الجواب عن الموثّقة، مع إمكان إرادة ما إذا ظنّ أنّه يهوديّ و لا يعلم، بل هو الظاهر من قوله: «على أنّه» إلى آخره.

و باحتمال رجوع الإشارة إلى ماء البئر دون المستقى في صحيحة زرارة، مع عدم دلالتها على ملاقاة الحبل لماء الدلو، أو المتقاطر منه عليه.

و كون الاستقاء للزرع و شبهه في روايته.

و بعدم دلالة رواية بكار على رطوبة أسفل الكوز، مع أنّ أمره بصبّ الماء عليه يمكن ان يكون لتطهيره.

و عدم دلالة رواية عمر على نزو الماء من المكان النجس مع أنّه وارد.

و باحتمال إرادة الحرمة من الكراهة في المرسلة، لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة فيها، و يؤيّدها ذكر ولد الزنا في الحديث أيضا.

ثمَّ مع تسليم دلالة الجميع و معارضته لأخبار النجاسة، فالترجيح لها، لعدم حجّيته، لمخالفته لشهرة القدماء «1»، و لمذهب رواته، بل للإجماع، مع كونه بين عامّ، و ضعيف، و موافق لمذهب العامّة [1].

و منه يظهر الجواب عن سائر الأخبار المناسبة للطهارة أيضا.

و أمّا عن الأخير: فبأنّ التطهير بإيراد الماء و هو لا ينجّس، مع أنّ الإزالة بالمتنجّس ممكنة، كحجر الاستنجاء.

و قد ينتصر المخالف: بوجوه هيّنة سخافتها بيّنة.

للشيخ على القولين «3»: صحيحة علي: عن رجل رعف فامتخط فصار ذلك

______________________________

[1] كموثقة عمار و صحيحة زرارة بملاحظة تجويز التوضؤ أو الشرب من سؤر اليهودي. و جمهور العامة قائلون بطهارة أهل الكتاب راجع نيل الأوطار 1: 88، المغني 1: 98.

______________________________

(1) راجع مفتاح الكرامة 1: 72.

(3) المتقدمين ص 35 رقم 4، 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 48

الدم قطع صغارا فأصاب إناءه، هل يصلح الوضوء منه؟ قال: «إن لم يكن شي ء يستبين في الماء فلا بأس، و إن

كان شيئا بيّنا فلا يتوضأ منه» «1» بضميمة تنقيح المناط للأول.

و عدم إمكان التحرّز منه.

و كون تعميم أخبار انفعال القليل بالإجماع المركّب المنفيّ هنا.

و يضعّف الأول- مع مخالفته للشهرتين- باحتمال كون «يستبين» خبرا لا صفة، و يؤيّده زيادة لفظة «في الماء» فيكون نفي البأس للبناء على يقين الطهارة.

و تأييد كونه صفة بقوله: «شيئا بيّنا» معارض- مع ما مرّ- بظهور كون «إن لم يكن» ناقصة بقرينة «إن كان».

على أنّها أيضا لا تفيد، لجواز استناد نفي البأس إلى أصالة عدم الوصول، حيث إنّ المعلوم عادة عدم حصول العلم بوقوع ما لا يستبين غالبا.

و الثاني: بالمنع.

و الثالث: بعموم كثير مما تقدم.

فروع:

أ: ورود الماء و عكسه أعمّ من أن يكون من الفوق، أو التحت، أو أحد الجانبين، للأصل في الأول، و إطلاق طائفة من الأخبار [1] في الثاني.

ب: لو تواردا، فالظاهر النجاسة، لوجود المقتضي و هو ورود النجاسة [2].

ج: ظاهر كلام الحلّي، و السيّد «4»، و مقتضى الأدلّة عموم الحكم بالطهارة

______________________________

[1] أي الأخبار الدالة على انفعال القليل بورود النجاسة عليه.

[2] فرع: لو ورد الماء على مائع نجس فامتزجا فالظاهر النجاسة لعدم قول بطهارة النجس حينئذ، و لا باختلاف حكم الممتزجين. مع أن مثل ذلك لا ينفك عن ورود النجاسة على الماء و لو عن الأسفل على بعضه (منه رحمه اللّه).

______________________________

(1) الكافي 3: 74 الطهارة ب 46 ح 16، التهذيب 1: 412- 1299، الاستبصار 1: 23- 57، الوسائل 1: 150، أبواب الماء المطلق ب 8 ح 1.

(4) السرائر 1: 181، الناصريات (الجوامع الفقهية): 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 49

في كل ماء وارد، سواء كان غاسلا لمتنجّس، أو راجعا و مترشّحا من نجس، أو مستدخلا فيما فيه نجاسة،

أو واردا على ما لا يقبل التّطهير. و هو كذلك، إلّا أن الأول «1» صرّح بنجاسة الثاني، و هو للاحتياط موافق.

د: لو تلاقيا من غير ورود لأحدهما، كما إذا وصل بين مائين أحدهما نجس بانبوبة، و أزيل ما بينهما من مانع الملاقاة، أو وقع ذو نفس في ماء فمات، أو أخذ من كثير قليل مع ما فيه من النجاسة دفعة، أو صار الكثير الذي فيه عين نجاسة غير مغيّرة أقلّ من الكر، فظاهر الأكثر التنجّس و هو كذلك، لرواية ابن حديد «2»، لظهور أنّ انفصال ماء الدلو و الفأرة عن ماء البئر، لا يكون إلّا معا، و هي و إن اختصّت ببعض الصور، إلّا أنّ التعميم بعدم الفصل.

و أمّا الموثّقة المتقدّمة عليها «3»، فهي و إن عمّت المورد من جهة ترك الاستفصال: إلّا أنّ العموم هنا غير مفيد، لما مرّ غير مرّة.

المسألة الثانية: لا خلاف في سراية النجاسة من الأعلى، و هل تسري إليه؟

صرّح في المدارك «4» و اللّوامع بالعدم مدّعيين عليه الإجماع، و هو ظاهر بعض آخر أيضا، و لم أعثر على مصرّح ممّن تقدم على الأوّل.

و القول الفصل: أن علوّ بعض الماء إمّا أن يكون في العلوّ بالهواء، كالمتنسّم [1] من الميزاب. أو في الأرض، كالمنحدر في المنحدرة منها. أو في الإناء، إمّا بكونه في إناءين مختلفين سطحا اتّصل أحدهما بالآخر من أسفله، أو في إناء فيكون جزء أعلى و جزء أسفل.

______________________________

[1] سنّم الشي ء: رفعه. و سنّم الإناء: إذا ملأه حتى صار فوقه كالسنام. و سنّم الشي ء و تسنّمه: علاه و كل شي ء علا شيئا فقد تسنّمه. لسان العرب 12: 307.

______________________________

(1) السرائر 1: 181 صرح بنجاسة الغسلة الأولى من الولوغ.

(2) المتقدمة ص 41.

(3) ص 40.

(4) المدارك 1: 45.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص:

50

فما كان من أحد الأولين- و لا يكون إلّا مع الجريان- فلا سراية، للإجماع القطعي، بل الضرورة في الجملة، المعلومة من الطريقة المستمرّة في التطهير [1]، و لأنّ العالي فيهما جار و وارد، و قد عرفت عدم تنجّسهما.

و ما كان من الأخير فالظاهر فيه السراية، مع عدم ورود الماء، لإطلاقات كثير من أخبار النجاسة «2»، و ظهور حكايات الإجماع في الأوّلين.

نعم للقائل بانصراف المطلق إلى الشائع الوجوديّ مطلقا، النظر في تلك الإطلاقات، و لكنّه خلاف التحقيق

المسألة الثالثة: لا يطهر القليل النجس بإتمامه كرّا و لو بالطاهر

، وفاقا للإسكافي «3»، و الشيخ «4»، و الفاضلين «5»، و الشهيدين «6»، و أكثر المتأخرين «7»، للأصل، و الاستصحاب.

خلافا للسيد، و الحلّي «8»، و ابن سعيد، و القاضي «9»، و الديلمي، و الكركي «10» مطلقا، و لابن حمزة «11» إن تمَّ بالطاهر، للنبوي «12» المجمع على

______________________________

[1] في «ه» و «ق»: التطهّر.

______________________________

(2) المتقدمة ص 36 إلى 41.

(3) نقله عنه في المختلف: 3.

(4) الخلاف 1: 194، المبسوط 1: 7.

(5) المحقق في المعتبر 1: 51، و الشرائع 1: 12، و العلامة في التذكرة 1: 4، و التحرير 1: 4، و المنتهى 1: 11.

(6) الأول في الدروس 1: 118، و الثاني في الروضة 1: 35.

(7) منهم صاحبا المدارك 1: 41، و الذخيرة: 125.

(8) رسائل السيد المرتضى (المجموعة الاولى): 361، السرائر 1: 63.

(9) الجامع للشرائع: 18، المهذب 1: 21.

(10) المراسم: 21، جامع المقاصد 1: 134.

(11) الوسيلة: 73.

(12) عوالي اللئالي 1: 76 و 2: 16، المستدرك 1: 198 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 51

صحّتها عند الفريقين بشهادة الحلّي «1»: «إذا بلغ الماء كرّا لم يحمل خبثا».

و دعوى الإجماع من الحلّي «2».

و الأوّل مندفع: بعدم الدلالة.

و الثاني:

بعدم الحجية.

و قد ينتصر لذلك: بوجوه أخر ضعفها ظاهر.

______________________________

(1) السرائر 1: 63.

(2) السرائر 1: 63.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 52

البحث الثاني: في الكرّ
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لا ينفعل الكرّ بمجرّد الملاقاة

، وفاقا للمعظم، للأصل، و العمومات «1»، و خصوص ما تقدّم من المستفيضة «2»، و منها ما يصرّح بعدم تنجّس الحياض «3».

خلافا للمفيد، و الديلمي «4»، فخصّاه بما عدا الحياض و الأواني، و لظاهر النهاية «5»، فبغير الثاني، لعموم النهي عن استعمال مائه مع الملاقاة.

و هو- مع كونه أخصّ من مدّعى الأولين- مخصوص بالقليل بشاهد الحال.

و لو سلّم فمعارض بعموم ما دلّ في الكرّ على عدم الانفعال، فلو رجّحناه بالكثرة، و موافقة الشهرة، و ظهور الدلالة، و إلّا فالمرجع أصل الطهارة. مع أنّ ورود كلام المخالف مورد الغالب محتمل، كما فهمه الشيخ «6» من كلام أستاذه، و هو أعرف بمذهبه.

و ممّا ذكر يظهر الجواب عن موثّقة أبي بصير: عن كرّ ماء مررت به و أنا في سفر قد بال فيه حمار، أو بغل، أو إنسان، قال: «لا تتوضأ منه و لا تشرب» «7».

مضافا إلى عدم صراحتها في النهي، و معارضتها مع ما دلّ على طهارة بول الأولين.

______________________________

(1) عمومات طهارة الماء المتقدمة في ص 11.

(2) راجع ص 36.

(3) التهذيب 1: 417- 1317، الوسائل 1: 162 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 12.

(4) المقنعة: 64، المراسم: 36.

(5) النهاية: 5.

(6) التهذيب 1: 218، لتوضيح الحال فيه راجع الحدائق 1: 226.

(7) التهذيب 1: 40- 110، الاستبصار 1: 8- 8، الوسائل 1: 139 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 53

و هل يشترط في عدم انفعاله تساوي سطوحه الظاهرة؟ أم يكفي الاتصال مطلقا؟ أو مع الانحدار خاصّة دون التسنّم؟ أو في تقوّي الأسفل بالأعلى دون العكس؟

الأظهر الثاني، و هو صريح الروض «1» و ظاهر الأكثر، كما فيه و في اللوامع، للأصل،

و عمومات طهارة الكرّ، السالمين عمّا يصلح للمعارضة، لعدم عموم في أكثر أدلّة انفعال القليل، لاختصاصه بصور مخصوصة ليس المورد منها، و ظهور ما لم يكن كذلك في غير ذلك.

و جعل عمومات الكرّ مختصّة بما لم يحتمل العهد، لعدم كون عمومها وضعيّا، من حيث ورودها بلفظ المفرد المحلّى، و تقدّم السؤال عن الماء المجتمع عهد «2». مدفوع: بمنع عدم كون عموم المفرد وضعيّا أوّلا، و منع تقدّم السؤال في الجميع ثانيا، و منع كون المسؤول عنه متساوي السطوح ثالثا، و جريان مثله في طرف النجاسة فيختصّ بغير متّصل بالكرّ و ينفى في المتّصل بالأصل رابعا.

للأول- و هو لبعض المتأخرين «3»-: ظهور اعتبار الاجتماع في الماء، و صدق الوحدة و الكثرة عليه من أكثر الأخبار المتضمّنة لحكم الكرّ «4» اشتراطا أو كمّيّة، و تطرّق النظر إلى ذلك مع عدم المساواة.

و الجواب أولا: أنّ هذا الظهور ليس ظهورا بعنوان الاشتراط، و إنّما هو ناش من كون المورد كذلك، و هو لا ينافي العموم.

و ثانيا: أنّ اللازم منه اعتبار صدق الاجتماع العرفيّ دون المساواة، فإنّه ليس دائرا مدارها، بل قد يتحقّق مع الاختلاف، كما قد ينتفي مع المساواة كالغديرين المتّصلين بانبوبة ضيّقة ممتدّة.

______________________________

(1) الروض: 135.

(2) كما في المعالم: 12.

(3) المعالم: 12.

(4) الوسائل 1: 158، 164 أبواب الماء المطلق ب 9، 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 54

و أكثريّة صور الانتفاء في الأوّل لا توجب اشتراط عدمه مع أنّها ممنوعة.

بيانه: أنّ الاختلاف إمّا لأجل وصل الغديرين المختلفين، أو التسنّم، أو الانحدار. و المؤثّر في الانتفاء- لو سلّم- ليس إلّا امتداد الثقبة الواصلة، أو ضيقها في الأوّل، و امتداد سطح الماء و بعد أوّله عن آخره في الثانيين، لظهور

أنّ أصل التسنّم و الانحدار لا يوجب نفي الوحدة، و كلّ من الأمرين يجتمع مع التساوي أيضا، مع أنّ الجريان في الثانيين أيضا يمنع عن الانفعال.

و قد يجاب «1» أيضا: بأنّ أخبار الكرّ كما دلّت على اعتبار الوحدة منطوقا، فاعتبرت لأجله المساواة، كذلك دلّت على اعتبارها مفهوما فيما نقص عنه، فيختصّ الانفعال بصورة الوحدة و الاجتماع، فيكون المفروض خارجا عن عموم المنجّسات، يبقى الأصل سليما عن المعارض.

و فيه: أنّ مدلول المفهوم حينئذ أنّ الماء الواحد المجتمع الناقص ينفعل، و لا يضرّ فيه اتّصاله بما يصير معه كرّا لو لم يوجب كريّته، و كانت الوحدة منفيّة معه.

و للثالث: صدق الوحدة و الاجتماع مع الانحدار دون التسنّم «2».

و جوابه ظهر ممّا مر.

و للرابع- و هو للتذكرة و الذكرى و الدروس و البيان و شرح القواعد «3»-: عدم تنجّس الأعلى بنجاسة الأسفل فلا يطهر بطهره، إمّا لعدم معقوليّة التأثير فيه دونها، أو لدلالته على عدم اتّحادهما في الحكم و عدم وحدتهما، أو لاستلزامه عدم اندراج مثل ذلك إذا كان قليلا في مفهوم روايات الكرّ، فلا يشمله منطوقها أيضا إذا كان كثيرا.

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 3.

(2) كما في المدارك 1: 44.

(3) التذكرة 1: 4، الذكرى: 9، الدروس 1: 121، البيان: 99، جامع المقاصد 1: 115.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 55

و الجواب: أنّ عدم المعقولية ممنوع.

و دلالته على عدم الاتّحاد في جميع الأحكام غير مسلّمة، لإمكان عدمه في البعض خاصّة، و عدم السراية مع الوحدة لدليل آخر.

و عدم تنجّس الأعلى كلّما «1» ثبت فإنّما هو للتخصيص في المفاهيم، دون عدم الاندراج، على أنّه يوجب عدم نجاسة الأسفل أيضا و عدم تقوّيه.

و الوجوه التي ذكروها للفرق ضعيفة جدّا.

و

إذ عرفت كفاية الاتّصال، فهل يشترط معه أن لا يكون باختلاف فاحش، كالصبّ من الجبل و لا بمثل انبوبة ضيّقة ممتدّة، أم لا؟

الظاهر الثاني، لعموم «إذا بلغ» و صدق الوحدة، و منع ظهور اشتراط الاجتماع العرفي.

و تردّد في اللوامع، لما ذكر، و لوجوب الحمل على المتعارف.

و فيه: منع التعارف، سيّما بحيث يصلح لتخصيص العام و تقييد المطلق.

المسألة الثانية: قد مرّ أنّه يطهر- إذا تنجّس- بالجاري

مع زوال التغيّر به أو قبله، و بإلقاء كرّ عليه فكرّ حتى يزول إن كان باقيا، و إلّا فكرّ مع اشتراط الامتزاج فيهما و المساواة، أو العلوّ في الأوّل و الدفعة في الثاني. و يشترط فيه أيضا عدم تغيّر بعض الملقى ابتداء في الكرّ الأخير.

و لا يطهر بزوال التغيّر من قبل نفسه أو الرياح، للاستصحاب لا لعموم أدلّة نجاسة المتغيّر، لمنع التغيّر. و لا لدلالة النهي عن الوضوء و الشرب على الدوام، لتقييده بما دام كونه متنجّسا قطعا.

خلافا لصاحب الجامع، و احتمله في النهاية «2»، للأصل، و انتفاء المعلول بانتفاء علّته.

______________________________

(1) في «ق»: كما.

(2) الجامع للشرائع: 18، نهاية الإحكام 1: 258.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 56

و الأصل بما ذكر ساقط، و عليّة التغيّر ممنوعة، و إنّما هو أمارة. سلّمناها و لكنّه علّة للحدوث، و البقاء معلول للاستصحاب.

المسألة الثالثة: للأصحاب في معرفة الكرّ طريقان:
أحدهما: الوزن،

و هو ألف و مائتا رطل، للإجماع المحقّق، و المنقول مستفيضا، و عدّه الصدوق في أماليه من دين الإمامية «1»، و مرسلة ابن أبي عمير:

«الكرّ من الماء، الذي لا ينجّسه شي ء، ألف و مائتا رطل» «2».

و إرسالها على أصلنا غير قادح، و كذا على غيره، للإجماع على تصحيح ما يصحّ عن مرسلها [1]، و شهادة جماعة بأنّه لا يرسل إلّا عن ثقة «4».

مضافا إلى انجبارها بالعمل، بل في المعتبر: لا أعرف من الأصحاب رادّا لها «5».

و لا تنافيها صحيحة محمد «6»، و مرفوعة ابن المغيرة: «الكر ستمائة رطل» «7» (كما يأتي) [1]. و لا الأخبار المقدّرة له بحب مخصوص، أو قلّتين أو أكثر من رواية،

______________________________

[1] كما ادّعاه الكشي في رجاله 2: 830 راجع لتحقيق أصحاب الإجماع خاتمة المستدرك 3: 757 و مقدمة معجم الرجال: 59.

[1] لا

توجد في «ق».

______________________________

(1) أمالي الصدوق: 514 (المجلس 93).

(2) الكافي 3: 3 الطهارة ب 2 ح 6، التهذيب 1: 41- 113، الاستبصار 1: 10- 15، الوسائل 1: 167 أبواب الماء المطلق ب 11 ح 1.

(4) عدة الأصول 1: 386، الذكرى: 4، النهاية للعلامة على ما حكى عنه في خاتمة المستدرك 3:

649.

(5) المعتبر 1: 47.

(6) التهذيب 1: 414- 1308، الاستبصار 1: 11- 17، الوسائل 1: 168 أبواب الماء المطلق ب 11 ح 3.

(7) التهذيب 1: 43- 119، الاستبصار 1: 11- 16، الوسائل 1: 168 أبواب الماء المطلق ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 57

و ما يشبهها «1»، لأنّ منها ما يسعها، كما تشهد به رواية المسائل المتقدمة في القليل «2»، و قلال هجر [1]، بضميمة تفسير اللغويين كلا منها بما يقرب الآخر، فهي إمّا مطلقة، أو مجملة، فتحمل على المقيد أو المبيّن، مع أنّ الحمل على التقية ممكن.

و الأرطال على الحق المشهور: عراقية، دون المدنيّة التي تزيد عليها بنصفها، كما عن الفقيه، و السيّد في المصباح، و الانتصار، و الناصريات «4».

لا للأصل، و الاستصحاب، و عمومات الطهارة «5»، و خصوص كل ماء طاهر «6»، و تعيّن الأخذ بالأقلّ عند الشكّ في الأكثر عند تعلق حكم بالكر، كوجوبه في بعض المنزوحات، و الاحتياط في وجه، و الأقربية إلى الأشبار، سيما على قول القميين [2]، و إلى الحب و مثله، و الموافقة لعرف السائل «8».

لأنّ الأربعة الأولى مردودة: بأنّ غاية ما ثبت منها طهارة ما بلغ هذه الأرطال بالعراقيّة لو لاقت نجاسة، لا كونه كرّا، لانتفاء الملازمة، فيترتّب عليه ما يتبع الطهارة، كجواز الاستعمال، دون الكرية، كتطهير الكر أو القليل به. و حينئذ فيعارضها أصالة

عدم المطهرية، و استصحاب نجاسة ما يراد تطهيره.

و ضمّ الإجماع المركب مع الطهارة لإثبات الكرية معارض بضمّه مع عدم

______________________________

[1] القلّة، قال أبو عبيده: «القلّة: حب كبير» و هجر بفتحتين بلد بقرب المدينة .. و هجر أيضا ..

من بلاد نجد، و في تحديد قلال هجر اختلاف، راجع المصباح المنير: 514، 634.

[2] و هو أن الكر ما بلغ تكسيره بالأشبار سبعة و عشرين و سيأتي التعرض له في ص 60.

______________________________

(1) الوسائل 1: 137 أبواب الماء المطلق ب 3 و ص 164 ب 10 و راجع ص 36 من الكتاب.

(2) مسائل علي بن جعفر: 197- 420، الوسائل 1: 156 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 16 و تقدمت ص 40 رقم 4.

(4) الفقيه 1: 6، الانتصار: 8، الناصريات (الجوامع الفقهية): 178.

(5) الوسائل 3: 466 أبواب النجاسات ب 37.

(6) الوسائل 1: 133 أبواب الماء المطلق ب 1.

(8) هذه وجوه استدلّ بها في الرياض 1: 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 58

المطهرية لنفيها.

على أنها إنما تفيد لو لم يشمل أدلة النجاسة مثل ذلك الماء، و شمول كثير من غير المفاهيم له لا شكّ فيه، فيسقط الاستدلال بها رأسا.

و الخامس: بمعارضته بأصالة بقاء البئر على الحالة السابقة على النزح.

و السادس: بالمعارضة بالمثل مع عدم كونه دليلا.

و السابع: بأنّ ما يفيد، هو القرب دون الأقربيّة، إذ الاختلاف بعد ما كثر لا يختلف بالكثرة و القلّة فيما يفيد هنا، مع أنّ أقربيّته إلى ما هو المشهور بالمحسوس ممنوع، و كذا إلى الحبّ و القلتين فإنّه قد حكي «1» أنّ من قلال هجر ما يسع تسع قرب.

و الثامن: بمنع الحمل على عرف السائل إذا علم المخالفة و علم المتكلّم علمه- كما هو الظاهر

في المورد- سيما إذا خالف عرف بلد السؤال، مع أنّ السائل هنا غير معلوم.

بل للصحيحة و المرفوعة المتقدمتين «2»، لعدم إمكان حملهما على غير المكية الموافقة لضعفها من العراقية قطعا، لمخالفته الإجماع، فيتعين.

و تجويز العاملي «3» حملها على المدينة لقربها من قول القميين في الأشبار مدفوع: بأنّ المراد مخالفة الإجماع في الأرطال، مع أنّ القرب بدون الموافقة غير مفيد.

و لأنّ اجتماعهما مع المرسلة قرينة على إرادة المكية منهما كالعراقية منها.

و يؤيده: الاشتهار، لا الشيوع في الأخبار كما قيل «4». و رواية الشنّ «5»

______________________________

(1) لم نعثر عليه، نعم حكى في المعتبر 1: 45 عن ابن دريد أنه يسع خمس قرب. راجع الحدائق 1:

252، المصباح المنير: 514.

(2) ص 56.

(3) الروض: 140.

(4) الرياض 1: 5.

(5) الكافي 6: 416 الأشربة ب 24 ح 3، التهذيب 1: 220- 629، الاستبصار 1: 16- 29، الوسائل 1: 203 أبواب الماء المضاف ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 59

معارضة بأكثر منها و أصح من أخبار «1» المد و الصاع «2».

ثمَّ للمخالف: الاحتياط، و موافقة عرف البلد، و اشتراط عدم الانفعال بالكريه، فما لم يعلم يحكم به، و أصالة عدم الكرية، و التكليف بالاجتناب عن النجس و استعمال الطاهر، و اليقين بالبراءة لا يحصل إلّا بالاجتناب عمّا نقص من الأرطال المدنية الملاقي للنجاسة و استعمال ما بلغها.

و يرد الأولان: بما مر. و البواقي: بسقوط الأصل، و حصول العلم بالكريه و القطع بالبراءة بما ذكرنا من الدليل.

مضافا إلى ما في الثالث من التعارض بالمثل، مع أنه غير مفيد، لأنّ المفروض انتفاء العلم بالشرط دون نفسه، فينتفي العلم بعدم المشروط، فيرجع إلى الأصل.

و في الرابع: بالمعارضة بما إذا كان زائدا عن الكر

فنقص تدريجا.

و قد يرد ذلك أيضا: بمنع صحة أصالة عدمها. و في صحته «3» كليا نظر ظاهر.

ثمَّ العراقي مائة و ثلاثون درهما كما عليه الأكثر، لأنّ المدني الذي مثله و نصفه- للإجماع و روايتي علي بن بلال «4» و جعفر الهمداني «5»- مائة و خمسة و تسعون

______________________________

(1) الوسائل 9: 340 أبواب زكاة الفطرة ب 7، و الوسائل 1: 481 أبواب الوضوء ب 50.

(2) كصحيحة زرارة في قدر ماء الوضوء، و المد رطل و نصف الصاع ستة أرطال فان الرطل فيها مدني قطعا (منه ره).

(3) في «ه»: صحّتها.

(4) الكافي 4: 172 الصوم ب 75 ح 8، التهذيب 4: 83- 242، الاستبصار 2: 49- 162، الوسائل 9: 341 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 2.

(5) الكافي 4: 172 الصوم ب 75 ح 9، الفقيه 2: 115- 493، التهذيب 4: 83- 243، الاستبصار 2: 49- 163، الوسائل 9: 340 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 60

درهما، لتصريح الأصحاب «1» و روايتي جعفر «2» و إبراهيم الهمدانيين «3».

خلافا لبعض [1] فقال: مائة و ثمانية و عشرون «5». و لم أعثر على دليله.

و في رواية المروزي: «المد مائتان و ثمانون درهما» «6».

و يستفاد منها، بضميمة ما يصرح من الأخبار بكونه ربع الصاع و كون الصاع تسعة أرطال عراقية «7»: أنّ كلّ رطل مائة و أربعة و عشرون درهما و أربعة أتساعه، و لم أقف على قائل به.

ثمَّ لكون كلّ درهم سبعة أعشار المثقال الشرعي و كونه ثلاثة أرباع الصيرفي، يكون العراقي ثمانية و ستّين مثقالا بالصّيرفي. و لكون المنّ الشاهي المتعارف اليوم في بلدنا و ما قاربه ألفا و مائتين و ثمانين صيرفية،

يكون الكر أربعة و ستين منّا إلّا عشرين صيرفيا.

و ثانيهما: المساحة

، و هي على المشهور: ما بلغ تكسيره بالأشبار اثنين و أربعين و سبعة أثمان.

و عند الصدوق و القمّيين ما بلغ سبعة و عشرين «8»، و اختاره في المختلف «9»، و المحقق الثاني في حواشيه عليه، و ثاني الشهيدين في الروضة و الروض «10»، و ظاهر

______________________________

[1] في «ق»: لبعضهم.

______________________________

(1) يراجع الحدائق 1: 245.

(2) المتقدمة في ص: 59 رقم 5.

(3) التهذيب 4: 79- 226، الاستبصار 2: 44: 140، الوسائل 9: 342 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 4.

(5) التحرير 1: 62.

(6) التهذيب 1: 135- 374، الاستبصار 1: 121- 410، الوسائل 1: 481 أبواب الوضوء ب 50 ح 3.

(7) الوسائل 9: 332 ب 6 و 340 ب 7 من أبواب زكاة الفطرة.

(8) المقنع: 10، المختلف: 3.

(9) المختلف: 4.

(10) الروضة 1: 34، الروض: 140.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 61

الأردبيلي «1»، و والدي العلامة طاب ثراه.

و الإسكافي: أنّه ما بلغ نحو مائة شبر «2».

و الراوندي: أنّه ما بلغ أبعاده عشرة و نصفا «3».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 1    61     و ثانيهما: المساحة ..... ص : 60

الشلمغاني أنّه ما لا يتحرك جنباه بطرح حجر في وسطه «4». و ابن طاوس اكتفى بكلّ ما روي «5».

و في المعتبر مال إلى ما بلغ تكسيره ستة و ثلاثين «6»، و استوجهه في المدارك «7».

للأول: موثقة أبي بصير: «إذا كان الماء ثلاثة أشبار و نصفا في مثله ثلاثة أشبار و نصف في عمقه في الأرض، فذلك الكر من الماء» «8».

و رواية الثوري «9»: «إذا كان الماء في الركي «10» كرا لم ينجسه شي ء» قلت:

و كم الكر؟ قال: «ثلاثة أشبار و

نصف عمقها في ثلاثة أشبار و نصف عرضها» «11».

و في الاستبصار بزيادة: «ثلاثة أشبار و نصف طولها» «12».

و تضعيف سند الأولى: بجهالة أحمد بن محمد بن يحيى، و اشتراك أبي

______________________________

(1) مجمع الفائدة 1: 260.

(2) نقله عنه في المختلف: 3.

(3) نقله عنه في المختلف: 3.

(4) نقله عنه في المختلف: 3.

(5) نقل عنهم في الذكرى: 9.

(6) المعتبر 1: 45.

(7) المدارك 1: 51.

(8) الكافي 3: 3 الطهارة ب 2 ح 5، التهذيب 1: 42- 116، الاستبصار 1: 10- 14، الوسائل 1:

166 أبواب الماء المطلق ب 10 ح 6. الموجود في الكافي و الاستبصار: (و نصف) و في التهذيب كما في المتن.

(9) الحسن بن صالح الثوري (منه رحمه اللّه).

(10) الرّكيّة: البئر و جمعها ركيّ و ركايا (الصحاح 6: 2361).

(11) الكافي 3: 2 الطهارة ب 2 ح 4، التهذيب 1: 408- 1282، الوسائل 1: 160 أبواب الماء.

المطلق ب 9 ح 8.

(12) الاستبصار 1: 33- 88 و لا يخفى أن الزيادة إنما هي في بعض نسخ الاستبصار.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 62

بصير، و سند الثانية بالثوري «1» ضعيف، لأنّ أحمد هذا و إن لم يعدل و لكنّه من المشايخ، و هو كاف في تعديله، مع أنّ في الكافي: محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد، و هو ابن محمد بن عيسى بقرينة طرفيه «2»، و أبا بصير هو البختري «3» لذلك «4».

و الثانية مشتملة على السراد، الذي أجمعوا على صحة ما صح عنه. مع أنّ الشهرة للضعف جابرة لو كان.

و اعترض عليهما: بعدم الدلالة، لعدم تحديد أحد الأبعاد فيهما «5».

و ردّ: بمنعه لشيوع الاكتفاء بمثل ذلك في تحديد الأبعاد الثلاثة، لدلالة سوق الكلام عليه، و جريان مثله في محاوراتهم

«6»، و لفهم الأصحاب «7»، مع إمكان إرجاع الضمير في «عمقه» إلى المقدار المدلول عليه بثلاثة أشبار و نصف، فتشمل الاولى على بيان الثلاثة، و كذا الثانية، لاستلزام تحديد العرض بهذا المقدار تحديد الطول به أيضا، و إلّا لما كان طولا، و وجب بيانه لو زاد، مع أنّ في الاستبصار صرّح به و هو كاف.

و الجميع منظور فيه:

______________________________

(1) المدارك 1: 49.

(2) طرفه الأول محمد بن يحيى العطار و الثاني عثمان بن عيسى (منه رحمه اللّه).

(3) هو ليث المرادي البختري (منه رحمه اللّه).

(4) طرفه الأول ابن مسكان و الثاني الصادق (ع) (منه رحمه اللّه).

(5) الروض: 140.

(6) الحبل المتين: 108، الذخيرة: 122 (و عدّوا منه قول جرير:

كانت خثيمة أثلاثا فثلثهم

من العبيد و ثلث من مواليها.

و قوله عليه السلام: «حبّب إليّ من دنياكم ثلاث. الطيب و النساء و قرّة عيني في الصلاة» و قوله سبحانه: «فيه آيات بيّنات مقام إبراهيم» (منه رحمه اللّه).

(7) كما ادعاه في الحدائق 1: 266.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 63

فالأول: لمنع الشيوع «1».

و الثاني: لمنع الحجية ما لم يصل حد الوفاق.

و الثالث: بعدم إفادته المطلوب، لعدم وجوب مساواة عمق المقدار له إلّا بجعل الإضافة بيانية، أو «في الأرض» حالا من المدلول، و كلاهما خلاف الظاهر، مع أنّ الجميع احتمال لا يكفي في الاستدلال.

و منه يظهر أيضا عدم إمكان الاستناد إلى ما في بعض نسخ الكافي من جرّ لفظ «نصف» في الموضعين بجعله جرّ الجوار، أو بحذف المضاف إليه و إعطاء إعرابه المضاف، و جعل «ثلاثة أشبار و نصف» الثاني خبرا بعد خبر ل «كان» «2»، فإنّه أيضا محض احتمال.

و الرابع: بإمكان إرادة القطر من العرض، بل هو الظاهر، لاستدارة الركي، فيبلغ تكسيره

ثلاثة و ثلاثين و نصفا تقريبا.

و بهذا يظهر وجه آخر لردّ الأولى، لأنّ الشيوع لو سلّم، إنّما يفيد لو كان المحدود غير المستدير، و هو غير معلوم، بل يمكن جعل الاكتفاء بالحدين- مضافا إلى شيوع المستدير في زمان المعصوم و بلده- قرينة على إرادته.

و كذا يظهر أيضا عدم دلالة الثانية على ما في الاستبصار، و ذكر الأبعاد لا يفيد، لتحقّقها في المستدير أيضا، غاية الأمر أنّها متساوية، و فيما نحن فيه أيضا كذلك.

و قد يستدلّ أيضا: بأنّ الفريقين مجمعون على اعتبار ألف و مائتي رطل، و لا ريب أنّ الثاني أقلّ من ذلك، فيسقط، بخلاف الأول، فإنّه يزيد عليه بشي ء يحمل على الاستحباب، فلا مناص عن العمل بالمشهور، و يكون التحديد به توسعة فيه بأخذ جانب الاحتياط غالبا «3».

______________________________

(1) مع أن الأمثلة التي ذكروها للشيوع لا يتّحد غير المذكور فيها مع المذكور (منه رحمه اللّه).

(2) غنائم الأيام: 85.

(3) غنائم الأيام: 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 64

و فيه:- مع كونه اعترافا بكون الكرّ غير ذلك- أنّه لم لا يجعل الثاني كرا و تحمل الزيادة في الوزن على الاستحباب؟ و جعل الوزن أصلا، لأجل كونه أضبط مما لا يصلح معولا عليه في الأحكام، إلّا أن يجعل الإجماع معيّنا للوزن، و عدم كونه أقلّ من ذلك.

للثاني: صحيحة ابن جابر: قلت: و ما الكر؟ قال: «ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار» «1».

و ردّ: بالضعف في السند. و هو ليس في موقعه [1].

و في الدلالة، لما مرّ.

و أجيب: بالشيوع المتقدم.

و فيه: ما سبق من أنّه يثمر لو اختص المحدود بغير المستدير، و إلّا فيبلغ التكسير واحدا و عشرين و سبعا و نصف، و لا شاهد على الاختصاص.

و هو بعينه

الجواب عن رواية المجالس: «الكر، هو ما يكون ثلاثة أشبار طولا في ثلاثة أشبار عرضا في ثلاثة أشبار عمقا» «3». و ذكر الأبعاد غير مفيد كما مر

______________________________

[1] بيانه: أنه رواها في التهذيب عن أحمد بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن سنان عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه (ع) و في موضع آخر: عن محمد بن سنان مكان عبد اللّه، قال: في المنتقى: إن اختلاف محمد و عبد اللّه في الطبقة يدل على خطأ أحدهما، و الممارسة تحكم بأن الخطأ في عبد اللّه، فالرواية ضعيفة، فإنّ محمد بن خالد البرقي، و محمد في طبقة واحدة فإنّهما من أصحاب الرضا (ع)، و أمّا عبد اللّه فليس من طبقة البرقي لأنه من أصحاب الصادق (ع)، و أيضا الواسطة بين الصادق (ع) و بينه تدل على أنه محمد لأنه متأخر عن زمانه (ع) بخلاف عبد اللّه. و لا يخفى ما فيه، فإنّ شيخنا البهائي صرّح بأن البرقي قد أدرك كثيرا من أصحاب الصادق (ع) و نقل عنهم، كما روى عن داود بن أبي يزيد حديث من قتل أسدا في الحرم، و عن ثعلبة حديث الاستمناء، و عن زرعة حديث صلاة الأسير، مع أن الشيخ عد البرقي من أصحاب الكاظم (ع). و أما الواسطة بينه و بين الصادق (ع) فكثير كتوسط عمر بن يزيد في دعاء آخر سجدة من نافلة المغرب. و توسط حفص الأعور في تكبيرات الافتتاح (منه رحمه اللّه).

______________________________

(1) الكافي 3: 3 الطهارة ب 2 ح 7، التهذيب 1: 41- 115 و 37- 101، الاستبصار 1: 10- 13، الوسائل 1: 159

أبواب الماء المطلق ب 9 ح 7.

(3) مجالس الصدوق: 514 (المجلس 93)، الوسائل 1: 165 أبواب الماء المطلق ب 10 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 65

هذا، مع عدم حجيتها، سيما مع المعارضة مع الأقوى.

و قد يؤيد بصحيحة أخرى لابن جابر: قلت له: الماء الذي لا ينجسه شي ء؟ قال: «ذراعان عمقه في ذراع و شبر سعته» «1» بحمل السعة على القطر.

و فيه:- مضافا إلى أنّه احتمال- أن التكسير يبلغ حينئذ ثمانية و عشرين و سبعين.

للثالث: رواية المقنع: «الكر ذراعان و شبر في ذراعين و شبر» «2» بحمله على المستدير، كما يقتضيه الاكتفاء، فتكسيره يكون ثمانية و تسعين و سبع و نصف.

و فيه: مع عدم حجيّته و إجماله لما مرّ، المعارضة مع الأقوى.

للرابع: ما للأول لو أراد الجمع عند تساوي الأبعاد، أو مطلقا، مع عدم [دلالة] [2] لفظ «في» على الضرب.

و فيه: ما مر، مع ما في الثاني من شدة الاختلاف، فقد يكون تكسيره موافقا للمشهور، و قد يكون خمسة أثمان شبر، بل أقل. و لا مستند له ظاهرا لو أراد التكسير، كالخامس، مع ما فيه من عدم الانضباط.

للسادس: الجمع بين الروايات بحمل الزائد على الفضيلة، أو الكر على القدر المشترك، لعدم نفي شي ء منها إطلاقه على غير ما فيه.

و فيه:- مع أنّ الأول جمع بلا شاهد- أنّه مخالف للإجماع إن أريد بكلّ ما روي ما يشمل رواية القربة «4» و أمثالها. و الجهل بما روي، إن أريد ما يختص بالرطل و الشبر، أو الأخير، لما مرّ من الجهل بالمحدود. [على ] [1] أنّ من الروايات

______________________________

[2] ما بين المعقوفين أثبتناه لاستقامة المعنى.

[2] في جميع النسخ «عن» و ما أثبتناه هو الأنسب.

______________________________

(1) التهذيب 1: 41- 114،

الاستبصار 1: 10- 12، الوسائل 1: 164 أبواب الماء المطلق ب 10 ح 1. و فيها: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام ..».

(2) المقنع: 10، الوسائل 1: 165 أبواب الماء المطلق ب 10 ح 3.

(4) التهذيب 1: 412- 1298، الاستبصار 1: 7- 7، الوسائل 1: 139 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 66

ما لا يصلح للحجيّة.

للسابع: صحيحة ابن جابر الأخيرة، باستفادة تحديد الطول منها بأحد الوجوه المتقدمة، أو حمل السعة على البعدين.

و فيه: أنّه إنما يتم لو لم يكن المحدود المستدير.

و ممّا ذكرنا ظهر ضعف الجميع. و قد يرجح الأقل بالأصل و فيه ما سبق.

و الوجه عندي التوقف في المساحة و الاكتفاء في الكر بالوزن.

فائدة: نقل بعض المتأخرين [1] أنّه قدر ظرفا كان شبرا في شبر، فوسع ألفين و ثلاثمائة و ثلاثة و أربعين صيرفيا، و على هذا فيكون أقرب المساحات إلى الوزن المتقدم ما مال إليه المعتبر، فإنّه يكون ستة و ستين منّا بالمتقدم، و مائة و اثني و ثلاثين صيرفيا، و على المشهور أربعا و ثمانين منّا تقريبا، و على قول القميين واحدا و أربعين كذلك.

______________________________

[1] الظاهر أنه السيد الداماد (منه رحمه اللّه) و وجدنا التقدير المذكور بعينه في «الأربعين» للعلامة المجلسي ص 490.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 67

الفصل السادس: في البئر
اشاره

و هي معروفة و فيه مسائل:

المسألة الأولى: اختلفوا- بعد اتفاقهم على نجاسة مائها بالتغير

، تمسّكا به، و بعمومات نجاسة المتغير [1]، و خصوصاتها- في تنجسه بالملاقاة.

فالمشهور بين القدماء: التنجّس، و في الانتصار «2» و الغنية «3» الإجماع عليه، و في السرائر «4»، و عن المصريّات عدم الخلاف فيه «5»، بل في التهذيب أيضا «6»، و لكنه في ملاقاة البعير و الحمير، و في النكت و الروضة كاد أن يكون إجماعا «7»، و تبعهم جمع من الطبقة الثانية «8».

و بين المتأخرين: عدمه، تبعا للعماني «9»، و ابن الغضائري «10»، و هو مذهب الفاضل في أكثر كتبه «11»، و ولده «12»، و شيخه ابن الجهم «13»، و شرح القواعد «14»، و جعل أحد قولي الشيخ «15»، و لعله ظاهر بعض كلماته في كتابي

______________________________

[1] راجع المسألة الاولى من الفصل الأول ص 12.

______________________________

(2) الانتصار: 11.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 551.

(4) السرائر 1: 96.

(5) المصريات للمحقق نقل عنه في مفتاح الكرامة 1: 78.

(6) التهذيب 1: 240.

(7) الروضة 1: 35.

(8) المعتبر 1: 54، اللمعة (الروضة) 1: 35، الروض: 147.

(9) نقل عنه في المختلف: 4.

(10) حكى عنه الشهيد في غاية المراد بواسطة أبي يعلى الجعفري على ما في مفتاح الكرامة 1: 79.

(11) المختلف: 1، التذكرة 1: 4، التحرير 1: 4، القواعد 1: 5.

(12) الإيضاح 1: 17.

(13) راجع مفتاح الكرامة 1: 79.

(14) جامع المقاصد 1: 121.

(15) كما في المختلف: 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 68

الحديث «1»، و لكن صريح بعض آخر منها ينادي بالنجاسة «2»، فحمله على ما لا ينافيها متعين.

و فصّل البصروي: بالكريه و عدمها «3»، و الجعفي: ببلوغ الذراعين في كل من الأبعاد و عدمه «4».

و المختار هو الثاني، للأصل، و الاستصحاب، و عمومات طهارة الماء مطلقا،

أو مع عدم التغير، أو الكرية «5».

و خصوص المستفيضة، كصحيحتي ابن بزيع المتقدمتين «6» في الجاري، نفى فيهما مطلق الإفساد الذي هو التنجيس، أو ما «7» يستلزم نفيه نفيه «8»، بقرينة الكلام و شهادة المقام [1]، أو ما يشمله.

و حمله على ما يمنع الانتفاع إلا بعد نزح الجميع «10»، أو على التعطيل «11» تخصيص بلا دليل موجب لتخصيصات أخر.

و تخصيص الشي ء بغير ما ورد، أو الإفساد على غير النجاسة، فرع وجود ما يصلح له، و ستعرف انتفاءه.

و جهالة المجيب- مع كونها ممنوعة لشهادة الحال- إنما هي في إحداهما على

______________________________

[1] المراد بقرينة الكلام قوله «الا أن يتغير» و قوله «فينزح حتى يذهب ريحه» فإنه أعم من أن ينزح مقدار النجاسة أولا، و بشهادة المقام أن غير ما ذكر ليس من وظيفة الشارع (منه رحمه اللّه).

______________________________

(1) التهذيب 1: 232، و لم نعثر على كلام له في الاستبصار ظاهر في الطهارة.

(2) التهذيب 1: 240، 234، 408 ..، الاستبصار 1: 32، 36.

(3) نقله في غاية المراد على ما حكى عنه في مفتاح الكرامة 1: 79.

(4) نقل عنه في الذكرى: 9.

(5) راجع ص 11، 12، 23 من الكتاب.

(6) ص 21.

(7) أي عدم جواز الاستعمال (منه رحمه اللّه).

(8) في «ح» خ ل: بعينه.

(10) كما في التهذيب 1: 409، الاستبصار 1: 33.

(11) كما في المعتبر 1: 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 69

بعض طرق التهذيب «1»، و أما البعض الآخر كطريق الاستبصار «2» لا جهالة فيه.

و صحيحة البصائر المتقدمة «3» في المطلق.

و صحيحة علي: عن بئر ماء وقع فيها زنبيل من عذرة رطبة أو يابسة، أو زنبيل من سرقين، أ يصلح الوضوء منها؟ قال: «لا بأس» «4».

و العذرة إما مختصة بالنجس

أو شاملة له بالإطلاق. و الحمل على نفي البأس بعد التطهر خلاف الأصل، لا تأخير عن وقت الحاجة كما قيل «5»، لجواز كون السؤال فرضيّا بل يعينه الترديدان.

و صحيحة ابن عمار: «لا يغسل الثوب و لا تعاد الصلاة مما وقع في البئر إلا أن ينتن، فإن أنتن غسل الثوب و أعاد الصلاة و نزحت البئر» «6» و التقييد بغير النابع لا شاهد له، و الأمر بالنزح لا يلائمه.

و رواية محمد بن أبي القاسم: في البئر يكون بينها و بين الكنيف خمسة أذرع أو أقل أو أكثر، يتوضأ منها؟ قال: «ليس يكره من قرب و لا بعد، يتوضأ منها و يغتسل ما لم يتغير الماء» «7».

و موثقة الشحام و ابن عيثم: «إذا وقع في البئر الطير، و الدجاجة، و الفأرة،

______________________________

(1) التهذيب 1: 234- 676.

(2) الاستبصار 1: 33- 87.

(3) ص 12.

(4) التهذيب 1: 246- 709، الاستبصار 1: 42- 118، قرب الاسناد 180- 664، الوسائل 1:

172 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 8.

(5) المدارك 1: 58.

(6) التهذيب 1: 232- 670، الاستبصار 1: 30- 80، الوسائل 1: 173 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 10.

(7) الكافي 3: 8 الطهارة ب 5 ح 4، الفقيه 1: 13- 23، التهذيب 1: 411- 1294، الاستبصار 1: 46- 129، الوسائل 1: 171 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 70

فانزح منها سبع دلاء» قلنا: فما تقول في صلاتنا، و وضوئنا، و ما أصاب ثيابنا؟

فقال: «لا بأس» «1».

و الحمل على غير الميتة يمنعه الأمر بالنزح، و على عدم العلم: الإطلاق، و نفي البأس عما أصاب الثوب بل عن الوضوء و الصلاة.

و من هذا تظهر صحة الاستدلال بموثقة أبي

بصير: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: بئر يستقى منها، و يتوضأ به، و يغسل منه الثياب، و يعجن منه، ثمَّ يعلم أنّه كان فيها ميت، فقال: «لا بأس، و لا يغسل منه الثوب، و لا تعاد منه الصلاة» «2» إلى غير ذلك من الأخبار.

و تؤيد المطلوب روايات أخر أيضا، كرواية ابن حديد المتقدمة «3»، و مرسلة الفقيه في البئر التي يتوضأ منها النبي «4»، و روايتي حسين بن زرارة «5» و أبيه «6».

و ما يدل على عدم إعادة الصلاة بالتوضؤ من البئر التي وقعت فيها الفأرة، كصحيحة ابن عمار «7»، و موثقة أبان «8»، و رواية أبي عيينة «9».

______________________________

(1) التهذيب 1: 233- 674، الاستبصار 1: 31- 84، الوسائل 1: 173 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 12.

(2) الكافي 3: 7 الطهارة ب 4 ح 12، الفقيه 1: 11- 20، التهذيب 1: 234- 677، الاستبصار 1: 32- 85، الوسائل 1: 171 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 5.

(3) ص 41.

(4) الفقيه 1: 15- 33، الوسائل 1: 176 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 3.

(5) الكافي 6: 258 الأشربة ب 9 ح 3، الوسائل 1: 171 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 3.

(6) الكافي 3: 6 الطهارة ب 10 ح 10، التهذيب 1: 409- 1289، الوسائل 1: 170 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 2.

(7) التهذيب 1: 233- 671، الاستبصار 1: 31- 82، الوسائل 1: 173 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 9.

(8) التهذيب 1: 233- 672، الاستبصار 1: 31- 82، الوسائل 1: 173 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 11.

(9) التهذيب 1: 223- 673، الاستبصار 1: 31- 83، الوسائل 1: 174 أبواب الماء المطلق ب

14 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 71

و جعلها مؤيدة لكون بعضها قضية في واقعة، فكون البئر جارية ممكن، و احتمال بعضها كون الواقع فيها غير ميتة.

و قد يتأيد باعتبارات أخر لا بعد في التأيد ببعضها.

للأول: عمومات انفعال القليل «1».

و الأمر بالنزح في وقوع كثير من النجاسات فيها «2»، مع دلالة بعض الروايات على عدم جواز الوضوء و الشرب قبله «3»، و التفرقة في بعض آخر بين ما له دم و ما ليس له «4».

و صحيحة ابن بزيع: عن البئر يكون في المنزل للوضوء، فتقطر فيها قطرات من بول، أو دم، أو يسقط فيها شي ء من عذرة، كالبعرة و نحوها، ما الذي يطهرها حتى يحلّ الوضوء منها للصلاة؟ فوقع بخطه عليه السلام في كتابي «ينزح منها دلاء» «5».

و صحيحة ابن يقطين: عن البئر تقع فيها الدجاجة، و الحمامة، و الفأرة و الكلب، و الهرة، فقال: «يجزيك أن تنزح منها دلاء، فإنّ ذلك يطهرها إن شاء اللّه» «6».

فإنّ تعليق التطهر على النزح صريحا في الثانية، و ضمنا في الاولى مع تقرير السائل فيها أيضا، يفيد نجاستها قبله.

و صحيحة ابن أبي يعفور: «إذا أتيت البئر و أنت جنب فلم تجد دلوا و لا شيئا

______________________________

(1) المتقدمة في بحث الماء القليل ص 38- 41.

(2) الوسائل 1: أبواب الماء المطلق ب 15، 22.

(3) الوسائل 1: 183، 184 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 5، 6.

(4) الوسائل 3: 463 أبواب النجاسات ب 35.

(5) الكافي 3: 5 الطهارة ب 4 ح 1، التهذيب 1: 244- 705، الاستبصار 1: 44- 124، الوسائل 1: 176 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 21.

(6) التهذيب 1: 237- 686، الاستبصار 1: 37- 101، الوسائل 1:

182 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 2 بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 72

تغرف به فتيمم بالصعيد، فإنّ رب الماء رب الصعيد، و لا تقع في البئر، و لا تفسد على القوم ماءهم» «1».

فإنّ الإفساد كناية عن النجاسة، كما اعترف به الخصم في أخبار الطهارة، و لا يسوغ التيمم إلّا مع فقد الماء الطاهر.

و حسنة الفضلاء الثلاثة: قلنا: بئر يتوضأ منها، يجري البول قريبا منها، أ ينجسها؟ فقال: «إن كانت البئر في أعلى الوادي، و الوادي يجري فيه البول من تحتها، و كان بينهما قدر ثلاثة أذرع أو أربعة أذرع لم ينجس ذلك، و إن كان أقل من ذلك ينجسها» «2» الحديث.

و يجاب عن الأول- مع كونه أخص من المطلوب-: بأنّ تعارضه مع أخبار طهارة البئر بالعموم من وجه، فالمرجع في المجتمع الأصل، لو لا ترجيحها بموافقتها الكتاب و السنة، و مخالفتها- كما قيل «3»- لأكثر العامة [1]، و كونها بالمنطوق دالة.

و عن الثاني: بمنع الدلالة، لأنها فرع كون تلك الأوامر للوجوب، و ثبوت التلازم بينه و بين النجاسة، و هو ممنوع، و لذا ورد فيما ليس بنجس إجماعا. و منع عدم تجويز الوضوء و الشرب قبل النزح، فإنّ الوارد في بعض الروايات «5» الأمر بهما بعده، و هو هنا للإباحة، فيكون المعنى إباحتهما بعده، فقبله لا يكون مباحا، و هو

______________________________

[1] يظهر بمراجعة كتبهم أن معظم القائلين بنجاسة البئر مطلقا هم الحنفيّة راجع: أحكام القرآن للجصاص 3: 340، المغني لابن قدامة 1: 54، 66، نيل الأوطار للشوكاني 1: 34، بداية المجتهد 1: 24، بدائع الصنائع 1: 74، 76.

______________________________

(1) الكافي 3: 65 الطهارة ب 41 ح 9، التهذيب 1: 185- 535، الاستبصار 1: 127-

435 (بتفاوت يسير)، الوسائل 1: 177 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 22.

(2) الكافي 3: 7 الطهارة ب 5 ح 2، التهذيب 1: 410- 1293، الاستبصار 1: 46- 128، الوسائل 1: 197 أبواب الماء المطلق ب 24 ح 1.

(3) الحدائق 1: 352.

(5) الوسائل 1: 183 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 73

أعم من الحرمة.

و كذا عن الثالثين، لأنّ دلالتهما فرع ثبوت الحقيقة الشرعية للطهارة، مع كون دلالة الرابع بالتقرير الذي حجيته موقوفة على عدم احتمال مانع من الرد، و هو في المقام ثابت، لاحتمال كون الوجه فيه التقية، لما مر، و يشهد له كونه مكاتبة.

و عن الخامس: بأنّ الفساد أعم من النجاسة، لجواز إرادة التغير أو تنفّر الطبع منه. و حمله عليها أو على ما يعمها في أخبار الطهارة، لوجود القرينة، أو الوقوع موقع النفي. و لا تلازم بين صحة التيمم و النجاسة، لجواز أن تكون مشقة الوقوع في البئر أو خوف الهلاك من أحد الأعذار، بل يمكن أن يكون لأجل عدم العلم بالإذن من القوم في الوقوع، حيث يفسد ماءهم.

و عن السادس: بأنّه غير باق على ظاهره وفاقا، لعدم تنجس باحتمال وصول النجاسة بل بظنه أيضا، فلا بدّ من تقدير أو تجوّز، و تقدير العلم ليس بأولى من تقدير التغير أو حمل النجاسة على الاستقذار.

مع أنّه على فرض دلالة تلك الأخبار يتعين حملها على التجوّز بقرينة أخبار الطهارة. و مع الإغماض عنه فالترجيح للثانية لما مر.

و موافقة الاولى للشهرة الاجتهادية و الإجماعات المحكية غير ناهضة للترجيح.

لأول المفصّلين: عموم انفعال القليل، و رواية الثوري المتقدمة «1».

و موثقة عمار: من البئر يقع فيها زنبيل عذرة يابسة أو رطبة، فقال:

«لا بأس إذا كان فيها ماء كثير» «2».

و الرضوي: «كل بئر عمقها ثلاثة أشبار و نصف في مثلها فسبيلها سبيل

______________________________

(1) ص 61.

(2) التهذيب 1: 416- 1312، الاستبصار 1: 42- 117، الوسائل 1: 174 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 74

الجاري، إلا أن يتغير لونها و رائحتها و طعمها» [1].

و الأول بما مرّ من أخبار الطهارة- لموافقتها الأصل- مخصوص. و غيره بعدم الحجية- لمخالفته لمذهب القدماء أجمع بل المتأخرين- مردود، مع أنّ راوي الاولى بتري [2]، صرّح الشيخ بترك ما يختصّ بروايته «3»، و دلالة الثانيتين ممنوعة، فأولاهما، لفقد الحقيقة الشرعية في الكثير، فيمكن أن يكون إثبات البأس في غيره لتغيّره بالزنبيل غالبا، و ثانيتهما، لضعف مفهومها.

و لم أعثر لثانيهما على دليل.

المسألة الثانية: و إذا عرفت عدم نجاستها، فهل يجب نزح ما قدّر أم يستحب؟

الأكثر على الثاني. و هو الحق. لا للاختلاف في المقدّرات، لعدم دلالته على الاستحباب. بل لعدم تعقّل الوجوب مع الطهارة، إذ الشرعي منه منتف بالإجماع، و الشرطيّ بالأخبار المتقدمة، الدالّة على جواز الوضوء و الاستعمال قبل النزح من غير معارض. و ما يتوهم معارضته معها قد عرفت دفعه [3]. و لا يتصور معنى آخر له.

مع أنّ أكثر أخبار النزح إنما ورد بلفظ الإخبار. و إفادته للوجوب حيث يستعمل في الإنشاء سيّما في عرف الشارع ممنوع.

و ما ورد بلفظ الأمر على الندب محمول، لما مرّ، مع أنّ بعضه معارض [بما

______________________________

[1] فقه الرضا (ع): 91 و فيه: «أو طعمها أو رائحتها» و في نسخة كما في المتن و هو المطابق لما في المستدرك 1: 201 أبواب الماء المطلق ب 13 ح 3، و البحار 77: 25.

[2] البترية: (بضم الباء و قيل بكسرها) جماعة من الزيدية قالوا بخلافة الشيخين قبل

علي عليه السلام فيمكن اعتبارهم من العامة راجع مقباس الهداية 2: 349، رجال الكشي 2: 449.

[3] في جواب أدلة القائلين بنجاسة البئر (منه رحمه اللّه).

______________________________

(3) التهذيب 1: 408.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 75

ينفيه ] [1]، بل الجميع معارض لمفهوم صحيحة ابن عمار المتقدمة «2».

خلافا للمنتهى فأوجبه، لكون الأمر حقيقة في الوجوب «3».

و جوابه قد ظهر، مع أنّ الثابت كونه حقيقة في الوجوب الشرعيّ، المنتفي ضرورة، و الشرطيّ مجاز أيضا كالاستحباب.

المسألة الثالثة: اختلفت الأخبار كأقوال علمائنا الأخيار، في أكثر مقدرات النزح من الآبار.

و لتحقيق المقام نقول أولا: إنّ الأخبار في أكثرها كأقوال الأصحاب و إن كانت في غاية الاختلاف، و لكن الإشكال في الجمع، و التصحيح، و النقد، و التزييف، و الترجيح، و التضعيف، إنّما هو على القول بالوجوب.

و أمّا على الاستحباب- فبعد ملاحظة التسامح الواقع في أدلة الندب، و التفاوت المتحقق في مراتب الفضل، و عدم استلزام إثبات مرتبة منه لنفي اخرى دونها أو فوقها، و عدم تحقّق إجماع، بل و لا شهرة على نفي مرتبة مما روي أو قيل و إن تحقّق على ثبوت بعض المراتب- فلا إشكال أصلا.

فيحمل أقل ما روي في مقدر على أقلّ مراتب الرجحان، و أكثره على أكثرها، و ما بينهما على ما بينهما.

و لا ينفي عدم ظهور قول من الأصحاب على بعضها رجحانه، و لا إجماعهم على استحباب مرتبة استحباب غيرها.

و على هذا فلك أن تعمل فيها بكل ما روي أو بأقلّه أو بأكثره.

و لو عملت بأكثرها لأفضليّته، أو بأشهرها، أو بما أجمعوا عليه لكونه مظنّة

______________________________

[1] في «ح»: بما يعنيه، و في «ق»: بما يعينه، و في «ه»: بمانعيته. و الأنسب ما أثبتناه. و ذكر المصنف في الهامش: كالأمر بنزح عشرة دلاء للعقرب و سبع لسام أبرص المنتفخ المعارض

لما يصرّح بأنّ ما ليس له دم كالعقرب و الخنافس لا بأس به (منه رحمه اللّه).

______________________________

(2) ص 69.

(3) المنتهى 1: 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 76

أو ضحيّة مأخذه و أوثقيّة مدركه، لكان حسنا. و كذا لو قدّمت الخاص أو المقيد على العام أو المطلق لمظنّة أكثرية الاهتمام به.

و إذ عرفت ذلك أقول معرضا عن الإطناب، و عن أكثر ما ذكره الأصحاب، لكون المقام مقام الاستحباب، مقتصرا على ما هو أهمّ، و الاحتياج إليه أعمّ:

إنّه يستحب نزح الكل لموت البعير، الذي هو من الإبل بمنزلة الإنسان يشمل الذكر و الأنثى، و الصغير و الكبير.

و غير القطرة من الخمر، بالإجماع و المستفيضة «1».

و لها أيضا على الأشهر، للإطلاق. خلافا فيها للمقنع و ظاهر المعتبر فعشرون «2»، لرواية زرارة «3». و هو حسن، لكونها خاصّة، مع منع الإطلاق، حيث ورد بلفظ الصبّ، و إطلاقه على القطرة غير ثابت.

و لموت الثور على الأشهر [1]، لصحيحة ابن سنان «5». خلافا للحلّي فقال بالكرّ «6». و لا دليل له.

و البقرة، وفاقا للمعتبر [2] و المعتمد، لكونها نحو الثور المذكور في الصحيحة.

و خلافا للأكثر فقالوا بالكرّ [3]. و لا مستند له ظاهرا.

______________________________

[1] كما اختاره في المختصر النافع: 2، و المنتهى 1: 12، و اللمعة (الروضة 1): 36.

[2] لم نعثر عليه بل فيه 1: 62 ان الأوجه أن يجعل الفرس و البقرة في قسم ما لا يتناوله نص على الخصوص. فراجع.

[3] منهم الشيخ في النهاية: 6، و العلامة في القواعد 1: 6، و الشهيد في اللمعة: (الروضة 1): 36.

______________________________

(1) الوسائل 1: 179 أبواب الماء المطلق ب 15.

(2) المقنع: 11، المعتبر 1: 58.

(3) التهذيب 1: 241- 697، الاستبصار 1: 35- 96، الوسائل

1: 179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 3.

(5) التهذيب 1: 241- 695، الاستبصار 1: 34- 93، الوسائل 1: 179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 1.

(6) السرائر: 1: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 77

و للمني و دم الحدث على الأشهر، لنقل الإجماع في السرائر و الغنية «1». و كونه على الوجوب غير ضائر لتضمّنه نقل الثواب الموجب للتسامح في المقام. و في صحيحة ابن بزيع المتقدّمة «2» دلاء لمطلق قطرات الشامل للثاني أيضا، و لم أعثر على قائل به.

و كرّ للحمار على الأشهر «3»، بل بلا خلاف كما قيل «4»، لرواية ابن هلال «5» و الرضوي «6».

و احتمل «7» الجميع، لكونه نحو الثور، و الدلاء، لكونه من الدابة الواردة لها الدلاء في الأخبار «8». و تقديم الخاص يرجح العمل بالأول.

و للبغل، لزيادة في الرواية المتقدمة في بعض نسخ التهذيب و في المعتبر «9»، فإنّ هذا القدر سيّما مع الاشتهار بل نقل الإجماع- كما عن الغنية «10»- كاف لما نحن بصدده، و لكونه خاصا يترجّح على روايتي الدابة و نحو الثور «11».

و للفرس على الأشهر «12»، لنقل الإجماع عن الغنية «13». خلافا للمعتبر «14»

______________________________

(1) السرائر 1: 70، الغنية (الجوامع الفقهية): 552.

(2) ص 71.

(3) اختاره في المقنعة: 66، و الغنية (الجوامع الفقهية): 552، و القواعد 1: 6، و الدروس 1: 119

(4) الرياض 1: 7.

(5) التهذيب 1: 235- 679، الوسائل 1: 180 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 5.

(6) فقه الرضا (ع): 94، المستدرك 1: 202 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 1.

(7) كما في الذخيرة: 130.

(8) الوسائل 1: 184 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 6.

(9) المعتبر 1: 60.

(10) الغنية (الجوامع الفقهية): 552.

(11) التهذيب

1: 241- 695، الوسائل 1: 179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 1.

(12) كما اختاره المذكورون في رقم 3.

(13) الغنية (الجوامع الفقهية): 552.

(14) المعتبر 1: 61.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 78

و المعتمد، فدلاء، لكونه دابة قطعا.

و هو و إن كان كذلك، و به يثبت مرتبة الفضل [1] للدلاء أيضا، إلا أن العمل بنقل الإجماع الخاص في مقام الاستحباب أحسن.

و سبعين دلوا لموت المسلم مطلقا، ذكرا أو أنثى، صغيرا أو كبيرا، إذا كان نجسا، بلا خلاف، للمستفيض من نقل الإجماع «2»، و غير واحد من الأخبار «3».

و أمّا الكافر فالمشهور أنّه كذلك أيضا «4»، للإطلاق.

و في شموله له نظر، و لو سلّم فقيد الحيثيّة معتبر، كما في جميع موجبات النزح، فإن أثبتنا الاستحباب بالاشتهار فهو، و إلّا فيلحق بما لا نص فيه، و لذا اختار الحلي فيه نزح الجميع «5». و الثانيان، كالمشهور في وقوعه ميتا، و كالحلي في موته فيه، على فرض نزح الكل لما لا نص فيه، و بدونه فالسبعون على التداخل، و مع الأربعين أو الثلاثين على عدمه «6».

و الروايات في الفأرة و الشاة و ما أشبههما «7»، و ما بينهما عموما و خصوصا مختلفة جدا، حتى أنّ أقل ما روي لبعضها دلوان، و الأكثر الكل.

فأقل ما روي في الأول مطلقا ثلاث دلاء، و مع التفسّخ سبع، و هو المشهور «8»، بل على الثاني نفي الخلاف في كلام بعضهم، و في الغنية الإجماع «9»

______________________________

[1] في «ق» و «ه»: للفضل.

______________________________

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 552، المعتبر 1: 62، المدارك 1: 75.

(3) الوسائل 1: 193 أبواب الماء المطلق ب 21.

(4) كما اختار في المعتبر 1: 63، التذكرة 1: 4، الروضة 1: 38.

(5) السرائر 1:

77.

(6) جامع المقاصد 1: 140، الروضة 1: 37.

(7) الوسائل 1: 186 باب 18، 187 باب 19.

(8) فمن القائلين به الشيخ في النهاية: 7، و المحقق في المختصر النافع: 3، و العلامة في القواعد 1: 6.

(9) الغنية (الجوامع الفقهية): 552.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 79

على السبع مع الانتفاخ.

و في الثاني السبع، و به أفتى في المقنع «1»، و الأكثر جعلوه كموت الكلب «2»، و الفقيه قدّر له تسعا إلى عشر «3»، و هو أيضا مروي «4».

و في ما أشبه الأول سبع، و الثاني تسع أو عشر، و المشهور في الثاني أنّه كموت الكلب.

و فيما بينهما عموما سبع. و لكنّ الأكثر- كالشيخين، و المراسم، و الوسيلة، و المهذب، و الإصباح- جعلوا الخنزير، و الغزال، و الثعلب، و الأرنب، و شبهه في قدر جسمه «5»، كالمشهور في موت الكلب.

و زاد في السرائر «6» النصّ على ابن آوى و ابن عرس. «7»

و في خصوص السنور مع عدم التفسّخ خمس، و معه عشرون، بحمل أخبار مطلق الدلاء «8» على هذا المقيّد. و المشهور فيه أربعون مطلقا «9».

و في (حيّ) «10» الكلب و مطلق الطير خمس مع الحمل المذكور، و هو قول المحقق في الثاني في غير النافع «11».

______________________________

(1) المقنع: 10.

(2) ذهب إليه في النهاية: 1، و الغنية (الجوامع الفقهية): 552، و التذكرة 1: 4، و الدروس 1: 120.

(3) الفقيه 1: 15.

(4) التهذيب 1: 237- 683، الاستبصار 1: 38- 105، الوسائل 1: 186 أبواب الماء المطلق ب 18 ح 3.

(5) المقنعة: 66، النهاية: 6، المراسم: 35، الوسيلة: 75، المهذب 1: 22.

(6) السرائر 1: 76.

(7) ابن عرس: بالكسر دويبة تشبه الفأر و الجمع بنات عرس (المصباح المنير: 402).

(8) الوسائل 1:

182 أبواب الماء المطلق ب 17.

(9) ذهب إليه الجماعة المتقدم ذكرهم في رقم 2 في نفس المصادر.

(10) لا توجد في «ق».

(11) المعتبر 1: 70، و في «ق» «الشرائع» بدل «النافع».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 80

و المشهور سبع فيه و في الحيّ من الأول، و في ميته أربعون «1».

و في الدجاجة و مثلها دلوان. و المشهور فيهما: السبع.

و يستحب نزح ثلاث للحية، لظاهر الوفاق و الرضويّ «2».

و للوزغة [1]، لصحيحة ابن عمار «4».

و للعقرب على المشهور «5». و المروي في موته عشر دلاء «6».

و للعصفور: واحد بلا خلاف (ظاهر) [2]، لموثّقة الساباطي «8»، و لشبهة في المشهور.

و المروي للدابّة الصغيرة: سبع دلاء «9».

و خمسون أو أربعون للعذرة الذائبة، أي المتقطعة أو المائعة، وفاقا للصدوق و المحقق «10»، و إن تعيّن الأول في المشهور [3] بلا مستند ظاهر إلا نقل الإجماع عن

______________________________

[1] الوزغة: سام أبرص.

[2] لا توجد في «ق» و «ح».

[3] اختاره في النهاية: 7، و الغنية (الجوامع الفقهية): 552، الشرائع 1: 13، القواعد 1: 3، اللمعة (الروضة 1): 38 و لا يخفى أن الموضوع في كلام غير واحد منهم هو العذرة الرطبة و لم يذكروا قيد الذوبان.

______________________________

(1) ذهب إليه في النهاية: 7، و الشرائع 1: 13.

(2) فقه الرضا (ع): 94، المستدرك 1: 205 أبواب الماء المطلق ب 18 ح 2 و فيهما: «و إن وقعت فيها حية. فاستق للحيّة أدل» و استفادة الثلاثة انما تكون بملاحظة أقل الجمع.

(4) التهذيب 1: 238- 688، الاستبصار 1: 39- 106، الوسائل 1: 187 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 2.

(5) اختاره في النهاية: 7، اللمعة (الروضة 1): 43، القواعد 1: 6.

(6) التهذيب 1: 231- 667، الوسائل 1: 196

أبواب الماء المطلق ب 22 ح 7.

(8) التهذيب 1: 234- 678، الوسائل 1: 194 أبواب الماء المطلق ب 21 ح 2.

(9) التهذيب 1: 241- 695، الاستبصار 1: 34- 93، الوسائل 1: 179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 1.

(10) المقنع: 10، المعتبر 1: 64، النافع: 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 81

الغنية «1».

و عشرة لغيرها، لروايتي ابن أبي حمزة «2» و أبي بصير «3»، بل الإجماع، كما في السرائر و الغنية «4» في الثاني. و إلحاق الرطبة بالأولى- كما عن النهاية «5»، (و المبسوط) «6» و المراسم، و الوسيلة «7»، و الإصباح- لا وجه له إلّا أن يقال باستلزام الرطوبة للذوبان غالبا.

و لكثير الدم غير الثلاثة: ثلاثون إلى أربعين. و لقليله: دلاء يسيرة، وفاقا للصدوق، و المعتبر، و الذكرى «8»، لصحيحة علي «9»، و موثّقة الساباطي «10»، و صحيحة ابن بزيع المتقدمة «11».

و الأفضل منه خمسون للكثير و عشرة للقليل، لنقل الإجماع عليه في الغنية، بل السرائر «12»، ثمَّ عشرون في القطرة، ثمَّ ثلاثون، لروايتي زرارة «13»، و كردويه «14».

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 552.

(2) الكافي 3: 7 الطهارة ب 4 ح 11، الوسائل 1: 191 أبواب الماء المطلق ب 20 ح 2.

(3) التهذيب 1: 244- 702، الاستبصار 1: 41- 116، الوسائل 1: 191 أبواب الماء المطلق ب 20 ح 1.

(4) السرائر 1: 79، الغنية (الجوامع الفقهية): 552.

(5) النهاية: 7.

(6) المبسوط 1: 12، و ما بين القوسين ليس في «ق».

(7) المراسم: 35، الوسيلة: 75.

(8) الفقيه 1: 13، المعتبر 1: 65، الذكرى: 11.

(9) الكافي 3: 6 الطهارة ب 4 ح 8، الفقيه 1: 15- 29، التهذيب 1: 409- 1288، الاستبصار 1: 44- 123، الوسائل 1: 193

أبواب الماء المطلق ب 21 ح 1.

(10) التهذيب 1: 234- 678، الوسائل 1: 194 أبواب الماء المطلق ب 21 ح 2.

(11) المتقدمة ص 71.

(12) الغنية (الجوامع الفقهية): 552، السرائر 1: 79.

(13) التهذيب 1: 241- 697، الاستبصار 1: 35- 96، الوسائل 1: 179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 3.

(14) التهذيب 1: 241- 698، الاستبصار 1: 45- 125، الوسائل 1: 179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 82

و لبول الرجل و المرأة: أربعون، للمستفيضة «1» في الأول مضافة إلى الاشتهار، بل الإجماع، كما في الغنية، و شهادة الحلي بتواتر الأخبار به «2» لبول مطلق الإنسان الشامل للثاني، و دعوى بعضهم «3» الإجماع على إلحاقه بالأول.

و لبول الصبي المغتذي: ثلاث، و الرضيع: واحد، على الأشهر، كما في البحار «4»، للرضوي «5».

و قال جماعة بالسبع للأول «6». و نسب إلى الأكثر «7»، بل في الغنية، الإجماع عليه «8»، كما على الثلاث في الثاني و قيل بالسبع فيهما «9»، و عليه رواية «10».

فمرتبة من الرجحان فوق الاولى لهما ثابتة، كما أنّ الأفضل من الكل نزح الكل في غير القطرة، كما في المدارك «11». و يشهد له بعض الأخبار «12».

و ثلاثون: لماء المطر المخالط للبول و العذرة و خرء الكلاب، على المشهور،

______________________________

(1) الوسائل 1: 181 أبواب الماء المطلق ب 16.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 552، السرائر 1: 78.

(3) لم نعثر عليه. نعم ادعى في الغنية الإجماع على الأربعين في بول الإنسان الشامل بإطلاقه للمرأة.

(4) البحار 77: 27 و فيه: و في الرضيع، المشهور الدلو الواحد ..

(5) فقه الرضا (ع): 95، المستدرك 1: 203 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 2.

(6) صاحب المقنعة: 67، و

النهاية: 9، و القواعد 1: 6.

(7) كشف اللثام 1: 37.

(8) الغنية (الجوامع الفقهية): 552.

(9) لعل المراد قول من أثبت للصبي- بنحو الإطلاق- السبع و لم يذكر مقابلا له بناء على شمول الصبي للرضيع كما في المراسم: 36، و اللمعة (الروضة 1): 41.

(10) التهذيب 1: 243- 701، الاستبصار 1: 33- 89، الوسائل 1: 181 أبواب الماء المطلق ب 16 ح 1 و دلالتها مبنية على ما ذكرناه آنفا- فلاحظ.

(11) المدارك 1: 82.

(12) الوسائل 1: 179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 83

كما في المعتمد، لرواية كردويه «1».

و الظاهر اختصاص الحكم بالمورد، فينتفى بالتبدّل أو النقص (أو الزيادة) «2». و التعدية إلى سائر المياه محتملة.

و لا نزح لغير المنصوص عندنا، و وجهه ظاهر.

و لقائلين بالنجاسة، فيه أقوال غير واضحة الدلالة، سوى نزح الجميع فإنّه مقتضى الاستصحاب.

و صغير كلّ حيوان ككبيره، إن عمّه الاسم، و إلّا فيدخل فيما لا نصّ فيه، أو عموم لو وجد، و جزؤه فيما «3» لا نصّ فيه و إن تعدّد.

و في تضاعف النزح بتضاعف النجس أقوال: أظهرها: التضاعف، لأصالة عدم تداخل الأسباب.

و لو تعذّر نزح الكلّ في مورده، تراوح عليه قوم في يوم، بأن يتراوح كلّ اثنين البواقي، للموثّق «4»، و الرضوي «5».

و لا بدّ فيه من عدد، و إجزاء الأربعة مجمع عليه، و إطلاق الأول كصريح الثاني المنجبر ضعفه بالعمل يرشد إليه.

و الأصح الأشهر: أجزاء الأكثر، للإطلاق.

و تخصيص الثاني بالأربعة لا يقيّده، لضعفه الغير المنجبر في الموارد، مع أنّ كونه لبيان الأقلّ ممكن.

و لا يكفي الأقلّ و إن نهض بالعمل، اقتصارا على مورد النص. و لا النساء

______________________________

(1) الفقيه 1: 16- 35 و فيه «ماء الطريق»،

التهذيب 1: 413- 1300، الاستبصار 1:

43- 120، الوسائل 1: 133 أبواب الماء المطلق ب 16 ح 3.

(2) لا توجد في «ق».

(3) في «ه» و «ق» ممّا.

(4) التهذيب 1: 242- 699، الوسائل 1: 196 أبواب الماء المطلق ب 23 ح 1.

(5) فقه الرضا (ع): 94، المستدرك 1: 207 أبواب الماء المطلق ب 22 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 84

و الصبيان على الأشهر، للثاني بل الأول بناء على المشهور من عدم صدق القوم عليهم.

و اليوم يوم الصوم، على الأظهر الأشهر، اتّباعا للّغة و عرف الشرع. دون الأجير من حيث إنّه المتبادر، لأصالة تأخّره. و إدخال جزء من الطرفين من باب المقدّمة واجب، أو مستحبّ. و لا يجزي مقداره من الليل، أو الملفّق، لخروجه عن النص.

و لا تجوز لهم الصلاة جميعا، و لا الأكل كذلك، لعدم صدق نزح اليوم.

و دلو النزح هو المعدّ، أو المعتاد، و وجهه ظاهر.

و استيفاء العدد لازم في تحقّق الامتثال. و لا يكفي الوزن. خلافا للفاضل، و الذكرى «1» لحصول الغرض. و يردّه إمكان حكمة في العدد.

المسألة الرابعة: إذا تغيّرت البئر بالنجاسة فتطهر بالنزح حتّى يذهب التغيّر

، للمستفيضة، كصحيحة ابن بزيع المتقدّمة «2» المعللة.

و صحيحة الشحام، و فيها: «و إن تغيّر الماء فخذ منه حتّى يذهب الريح» «3».

و موثّقة سماعة: «و إن أنتن حتى يوجد الريح النتن في الماء، نزحت البئر حتى يذهب النتن من الماء» «4».

و رواية زرارة: «فإن غلبت الريح نزحت حتى تطيب» «5».

______________________________

(1) التذكرة 1: 4، القواعد 1: 6، الذكرى: 10.

(2) ص 21.

(3) الكافي 3: 5 الطهارة ب 4 ح 3، التهذيب 1: 237- 684، الاستبصار 1: 37- 102، الوسائل 1: 184 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 7.

(4) التهذيب 1: 236- 681، الاستبصار 1: 36- 98،

الوسائل 1: 183 أبواب الماء المطلق ب 17 ح 4.

(5) التهذيب 1: 241- 697، الاستبصار 1: 35- 96، الوسائل 1: 179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 85

و لا تنافيها صحيحة ابن عمّار المتقدّمة «1» في المسألة الأولى، لأنّ نزح البئر يجوز في نزح مائها كلا أو بعضا، و الأخبار المذكورة معيّنة للثاني.

و أمّا رواية منهال: «و إن كانت جيفة قد اجتفت فاستق منها مائة دلو، فإن غلب عليه الريح بعد مائة دلو فانزحها كلّها» «2». و رواية أبي خديجة: «في الفأرة فإن انتفخت و أنتنت نزح الماء كلّه» «3». و قريب منهما الرضوي «4». فلإطلاقهما بالنسبة إلى عدم ذهاب التغيّر قبل نزح الكلّ مقيّدتان به، للأخبار المتقدّمة، و في أوّلهما إشعار بذلك أيضا، مضافا إلى عدم دلالة الثانية على الوجوب.

و للمنجّسين بالملاقاة هنا أقوال متكثّرة، لا طائل في ذكرها.

و لا يعتبر دلو و لا عدد و هنا، و كذا في نزح الكرّ و الجميع، و الوجه ظاهر.

و إن زاد المقدّر عن مزيل التغيّر فالظاهر استحباب الزائد، لإطلاق أدلّته، مع عدم المقيّد، حيث إنّ وجوب نزح المزيل لا ينافي استحباب غيره.

و لو زال التغيّر بنفسه، فهل يطهر به أم لا؟ فيه وجهان، أوجههما: الثاني، للأصل.

و عليه ففي وجوب نزح الجميع حينئذ، أو الاكتفاء بما يعلم معه زوال التغير لو كان، و الجميع لو لم يعلم، قولان. أوّلهما للفاضل «5» و ابنه [1]، و قوّاه في الذكرى «7»، للأصل، و تعذّر ضابط تطهيره.

______________________________

[1] إيضاح الفوائد 1: 22.

______________________________

(1) ص 69.

(2) التهذيب 1: 231- 667، الاستبصار 1: 27- 70، الوسائل 1: 196 أبواب الماء المطلق ب 22 ح 7.

(3) التهذيب 1:

239- 692، الاستبصار 1: 40- 111، الوسائل 1: 188 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 4.

(4) فقه الرضا (ع): 92، البحار 77: 25- 3.

(5) القواعد 1: 6، التذكرة 1: 4.

(7) الذكرى: 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 86

و ثانيهما- و هو الأقوى- للبيان، و ثاني الشهيدين و المعالم «1» و جماعة أخرى «2»، لفحوى ما دلّ على الاكتفاء به مع وجوده، فمع عدمه بطريق أولى.

و في تطهّر البئر بعد التنجّس، بغير النزح من مطهّرات الماء المتقدّمة، خلاف.

و لا يبعد التطهّر، لدلالة مرسلة الكاهلي المتقدّمة «3» على التطهير بماء المطر، و عدم الفصل يتمّم المطلوب.

المسألة الخامسة: لا تنجس البئر بالبالوعة التي ترمى فيها المياه النجسة

و إن تقاربتا ما لم تتغيّر بها أو تتّصل، بالإجماع، و هو الحجّة، مضافا إلى الأصل، و خبر محمّد بن أبي القاسم المتقدّم «4» المنجبر.

و كذا مع الثاني على الأظهر، لما مرّ من الأصل و الخبر، مضافا إلى غيرهما ممّا سبق.

و بهما تقيّد حسنة الفضلاء المتقدّمة «5»، أو يرجع بعد تعارضهما إلى الأصل.

نعم يستحبّ تباعدهما بخمسة أذرع مع صلابة الأرض أو فوقيّة البئر قرارا، و السبعة بدونهما، لرواية ابن رباط: عن البالوعة تكون فوق البئر، قال:

«إذا كانت فوق البئر فسبعة أذرع، و إذا كانت أسفل من البئر فخمسة أذرع من كلّ ناحية» «6».

______________________________

(1) البيان: 101، الروض: 143، المعالم: 92.

(2) الرياض 1: 9، مشارق الشموس: 242.

(3) ص 16.

(4) ص 69.

(5) الكافي 3: 7 الطهارة ب 5 ح 2، التهذيب 1: 410- 1293، الاستبصار 1: 46- 128، الوسائل 1: 197 أبواب الماء المطلق ب 24 ح 1.

(6) الكافي 3: 7 الطهارة ب 5 ح 1، التهذيب 1: 410- 1290، الاستبصار 45- 126، الوسائل 1: 199 أبواب الماء المطلق ب 24 ح 3.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 87

و مرسلة قدامة: كم أدنى ما يكون بين البئر- بئر الماء- و البالوعة؟ فقال: «إن كان سهلا فسبعة أذرع و إن كان صلبا فخمسة أذرع» «1».

بالرجوع إلى الأصل، و الأخذ بالمتيقّن في مورد تعارضهما، و خلوّهما عن مقتضى الوجوب أوجب حملهما على الاستحباب، مضافا إلى عدم قائل بالوجوب من الأصحاب.

و ورد في بعض الروايات الفصل باثني عشر ذراعا مع كون البالوعة في جهة شمال البئر. و بسبعة مع كونهما مستويين في مهبّ الشمال «2».

و الأكثر أعرضوا عنه لمعارضته مع ما مرّ. و حمله على مرتبة من الأفضليّة ممكن، و يمكن ذلك في مورد تعارض الأوّلين أيضا.

______________________________

(1) الكافي 3: 8 الطهارة ب 5 ح 3، التهذيب 1: 410- 1291، الاستبصار 1: 45- 127، الوسائل 1: 198 أبواب الماء المطلق ب 24 ح 2. و فيها: «جبلا» بدل «صلبا».

(2) التهذيب 1: 410- 1292، الوسائل 1: 200 أبواب الماء المطلق ب 24 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 88

الفصل السابع: في المستعمل
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: الماء المستعمل في إزالة النجاسة غير الاستنجاء، إذا لم يتغيّر، طاهر مطلقا
اشاره

، إن قلنا بعدم تنجّس القليل بالملاقاة مطلقا، أو بعدم تنجّسه إلّا مع ورود النجاسة، و قلنا باشتراط التطهير بإيراد الماء على المحلّ، كالسيد، و الحلي «1»، و من تبعهما «2».

و نسبة التفصيل في المستعمل إليهما و تخصيص قولهما بطهارة الغسالة بصورة ورود الماء غلط، لأنّ غيرها ليس غسالة عندهما، لشرطهما الورود في الإزالة.

و أمّا لو قلنا بتنجّسه بها مطلقا، أو بورود النجاسة خاصّة، مع حصول التطهير بإيراد المحلّ على الماء أيضا، ففي نجاسة الغسالة و طهارتها مطلقا على الأول، و مع الورود المحلّ على الثاني، أقوال:

الأول: الطهارة مطلقا، و هو مذهب الشيخ في المبسوط «3»، و المنقول عن ابن حمزة «4» و البصروي «5»، و المحقق الثاني في بعض فوائده، و القاضي «6»، و عزاه في المعالم «7» إلى جماعة من متقدّمي الأصحاب، و في شرح القواعد: أنّه الأشهر بين المتقدّمين «8»، و يشعر به كلام الصدوق «9»، و يميل إليه ظاهر الذكرى،

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 179، السرائر 1: 181.

(2) كفاية الأحكام: 11.

(3) المبسوط 1: 92.

(4) الوسيلة: 74. راجع مفتاح الكرامة 1: 90 لبيان دلالة كلامه.

(5) حكى عنه في حاشية الدروس على ما في مفتاح الكرامة 1: 90.

(6) لم نعثر على كلامه في كتبه الموجودة.

(7) المعالم: 123.

(8) جامع المقاصد 11: 128.

(9) الفقيه 1: 10، راجع الحدائق 1: 483 لبيان النسبة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 89

و المدارك «1» و اختاره بعض المتأخّرين من المحدّثين «2» أيضا.

نعم جعل في المبسوط الأحوط في الثياب النجاسة مطلقا، و في الأواني في الغسلة الاولى «3».

و القاضي قال بالاحتياط في غسالة الولوغ «4».

الثاني: النجاسة كذلك، اختاره الفاضلان «5»، و المحقّق الثاني في شرح القواعد «6»،

و هو المنقول عن الإصباح، و ظاهر المقنع، و الشهيد «7»، و مال إليه المحقّق الأردبيلي «8»، و نسب إلى أكثر المتأخّرين «9»، بل ظاهر المنتهى الإجماع عليه، حيث ادّعاه على نجاسة غسالة بدن الجنب و الحائض إذا كان نجسا «10»، و لا قائل بالفصل.

الثالث: الطهارة مطلقا في غسل الأواني، و النجاسة في غير الأخيرة في الثياب، نقل عن الخلاف «11».

الرابع: النجاسة مطلقا في غير الأخيرة، و هو اختيار والدي العلّامة رحمه اللّه.

______________________________

(1) الذكرى: 9، المدارك 1: 122.

(2) الظاهر أنّ المراد به المحدّث الأسترابادي على ما حكى عنه في الحدائق 1: 480، 487.

(3) المبسوط 1: 92، 36.

(4) المهذب 1: 29.

(5) المحقق في المختصر النافع: 4، و الشرائع 1: 16، و العلّامة في المنتهى 1: 24، و المختلف:

13، و التحرير 1: 5، و القواعد 1: 5.

(6) جامع المقاصد 1: 129.

(7) المقنع: 6، الدروس 1: 122.

(8) مجمع الفائدة 1: 287.

(9) نسبة المحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 129، إلى المشهور بين المتأخرين.

(10) المنتهى 1: 23.

(11) الخلاف 1: 181.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 90

الخامس: النجاسة بعد انفصال الماء عن المحلّ، نقل عن المختلف «1».

و نقل أقوال أخر ترتقي مع ما ذكر إلى اثنى عشر، و لكن لا يعرف قائل لأكثرها.

و الحقّ هو الثاني.

أمّا في صورة ورود المحلّ على الماء: فلطائفة من الأخبار المتقدّمة في بحث انفعال القليل، كصحيحة البزنطي، و موثّقتي سماعة و روايتي أبي بصير «2» الواردة في إهراق الماء القليل إذا أدخل فيه الإصبع أو اليد إذا كان قذرا.

و القول بأنّ الظاهر منها أنّه لأخذ الماء دون الغسل، و يمكن تفاوت الحكم من أجل صدق الاسم و عدمه، واه جدّا، لعدم توقّف صدق الغسل

على قصده عرفا قطعا و إجماعا، و لذا يحكم بالطهارة مع زوال العين، أو إذا لم تكن ثمّة عين، بمجرّد ذلك الإدخال في الكرّ و الجاري، و لو لم يقصد الغسل.

و جعل الأمر بالإهراق كناية عن عدم الطهوريّة لا وجه له، فإنّ الأمر حقيقة في الوجوب، و هو إنّما يتمشّى إذا قلنا بنجاسة ذلك الماء، إذ لولاها لم يجب إهراقه إجماعا، و أمّا معها فيمكن القول بوجوبه، بل هو الأظهر، من جهة حرمة حفظ الماء النجس، كما يأتي في بحث المكاسب.

و كون الظاهر من بعض هذه الأخبار أنّه يريد التوضؤ به- لو سلّم- لا يفيد.

و أمّا في صورة ورود الماء: فلأنّ أدلّة انفعاله حينئذ و إن لم تكن تامّة، و لكنّها لو تمّت لكانت نسبتها إلى الغسالة و غيرها متساوية، فإمّا يجب ردّها و القول بعدم الانفعال حينئذ مطلقا، كما هو الحق، أو قبولها في الغسالة و غيرها.

و قد يستدلّ: بالإجماع المنقول في المنتهى «3»، و بروايتي ابن سنان و العيص

______________________________

(1) المختلف: 13.

(2) المتقدمة ص 39.

(3) تقدم ص 89.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 91

المتقدّمتين في القليل «1»، و بوجوب تعدّد الغسل و إهراق الغسلة الغير الأخيرة من الأواني، و بوجوب العصر فيما يجب فيه، و بعدم تطهّر ما لا يخرج منه الماء إلّا بالكثير أو الجاري «2».

و يضعّف الأوّل: بعدم الحجّية. و الثانيان: بما مرّ في البحث المذكور، و البواقي: بعدم دلالتها على النجاسة، لجواز التعبّد بها، و لذا يقول بها بعض من يقول بالطهارة أيضا.

احتجّ القائل بالطهارة مطلقا: بالأصل، و عمومات طهارة الماء «3».

و خصوص صحيحة محمد في الغسل في المركن «4».

و عدم دلالة أخبار نجاسة القليل «5» على نجاسة الغسالة.

و بالتعليل

المستفاد من قوله: «ما أصابه من الماء أكثر» و «أنّ الماء أكثر من القذر» في تعليل نفي البأس عن إصابة ماء المطر الذي أصاب البول الثوب، أو وقوع الثوب في ماء الاستنجاء، في صحيحة هشام «6»، و رواية العلل «7».

و بالأخبار الدالة على الأمر بالرشّ و النضح فيما يظنّ فيه النجاسة «8»، حيث إنه لو تنجّس الماء، لكان ذلك زيادة في المحذور.

و بإطلاق الأخبار الواردة في تطهير البدن من البول «9»، و النافية للبأس عما

______________________________

(1) ص 43.

(2) و بهذه الوجوه استدل في مجمع الفائدة 1: 286.

(3) المتقدمة ص 19 و راجع الوسائل 1: 133 أبواب الماء المطلق ب 1.

(4) التهذيب 1: 250- 717، الوسائل 3: 397 أبواب النجاسات ب 2 ح 1.

(5) المتقدمة ص 36 إلى 41.

(6) المتقدمة ص 27.

(7) علل الشرائع: 287- 1، الوسائل 1: 222، أبواب الماء المضاف ب 13 ح 2.

(8) أوردها في الوسائل في أبواب مختلفة من كتابي الطهارة و الصلاة فراجع ج 3 ص 400 أبواب النجاسات ب 5 ح 2 و ص 519 ب 73 ح 3 و إن شئت العثور عليها مجتمعة فراجع جامع الأحاديث 2: 132 باب 22.

(9) الوسائل 3: 395 أبواب النجاسات ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 92

ينزو من الأرض النجسة في إناء المغتسل «1»، يدلّ بمفهوم الموافقة على نفيه عما يترشّح من الغسالة.

و الأولان مدفوعان: بما مرّ.

و الثالث: بعدم دلالته إلّا على طهر المحلّ، و أمّا على طهارة الماء، فلا.

و الرابع: بأنّه و إن صحّ في أدلّة نجاسة الماء الوارد على النجاسة، و لكن المنقيّ حينئذ عدم دلالتها على النجاسة مطلقا، لا على اختصاصها بغير الغسالة، فاللازم إمّا القول بعدم تنجّس الماء

الوارد مطلقا، أو تنجّسه كذلك. و أمّا في أدلّة نجاسة الماء الواردة عليه النجاسة فلا يصحّ كما مرّ.

و القول بأنّ الأمر و إن كان كذلك، لكن الغسالة بدليل لزوم العسر و الحرج عنها مستثناة، مردود: بمنع اللزوم، و لذا قال جماعة بنجاستها، و لم يقعوا في عسر و لا حرج.

و الخامس: بأنّه يدلّ على أنّ كلّ ماء أكثر من القذر لا ينجس به.

و أدلّة انفعال القليل أخصّ منه، فيخصّص بها، مع أنّه لو تمَّ لم يختصّ بالغسالة، فلازمه عدم انفعاله بالملاقاة إذا كان أكثر من القذر.

و السادس: بأنّ ما ينضح أو يرشّ ليس مزيلا للنجاسة، بل المحلّ مظنّتها، فهو أمر تعبّد به.

و السابع: بعدم الدلالة، لأنّ محطّها إن كان لزوم تنجّس البدن، ففيه ما يأتي من أنّ دليل تنجس الملاقي للمتنجس مطلقا هو الإجماع المركّب، و انتفاؤه في المورد ظاهر، و إن كان لزوم نجاسة الماء فتلتزم، فهو كالنجاسة المحمولة و ترتفع بالجفاف.

و الثامن: بأنّ العمل بالمفهوم إنّما هو إذا لم يترك المنطوق، و هو عدم تنجّس الماء الوارد مطلقا، و حينئذ فيخرج عن محل النزاع، لأنّه إنّما هو على القول بنجاسة

______________________________

(1) الوسائل 1: 211 أبواب الماء المضاف ب 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 93

الوارد.

و نقلوا عن الخلاف «1» الاحتجاج للثالث: بما ظاهره الاختلال و التناقض، و إن أمكن توجيهه بعناية و تكلّف، و معه فدفعه ظاهر أيضا.

و قد يستدلّ له: بما يأتي للرابع، و لكنّه يأبى عن الفرق بين الأواني و غيرها.

و استدلّ للرابع: أمّا على النجاسة في غير الأخيرة: فبأدلّة انفعال القليل.

و أمّا على الطهارة فيها: فبطهر الماء المتخلف (في المحل) [1] بعده إجماعا، لطهارة المحل، فيكون المنفصل أيضا كذلك، إذ

اختلاف أجزاء ماء واحد غير معقول.

هذا في الثياب، و أمّا في الأواني فلا منفصل، بل يكون الجميع طاهرا، لكونه في المحل مع طهارته.

و فيه: منع اختلاف أجزاء الماء الواحد، بل منع الوحدة. و يمكن منع طهارة المتخلّف أيضا و إن لم ينجس به المحل، فإذا جفّ يصير المحل خاليا عن النجاسة مطلقا.

و احتج للخامس: بأنّ دليل نجاسة القليل يقتضي نجاسة الغسالة مطلقا، بل عدم صحة التطهّر به، و لكن لما قام الدليل على صحّة التطهّر به، و توقّف طهارة المحل على عدم نجاسة الماء، اقتصر فيه على موضع الضرورة، و هو ما قبل الانفصال.

و فيه: منع توقّف طهارة المحل على عدم نجاسة الماء، مع أنّه لو سلّم ذلك، و لزوم طهارة الماء لأجل التطهّر به، فاللازم طهارته بعد الانفصال أيضا، لانتفاء تأثير الملاقاة التي هي العلّة لأجل الضرورة و عدم تحقّق مؤثر بعده.

ثمَّ إنّه قد ظهر بما ذكرنا: أنّ الحق- على ما اخترناه من التفصيل في الماء القليل، لو قلنا بحصول التطهّر بكلّ من الورودين- هو التفصيل في الغسالة،

______________________________

[1] لا توجد في «ه».

______________________________

(1) الخلاف 1: 181.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 94

و كونها طاهرة مع ورود الماء، نجسة مع العكس.

و الظاهر أنّ النجس حينئذ هو القدر الزائد من الماء المرسوب في المحل، على النحو الآتي في بحث تطهير النجاسات بالماء، إذ لم يثبت من أدلّة انفعال القليل انفعال ذلك أيضا.

و قد يقال: إنّ الماء إذا دخل في الثوب، ليس واردا على النجاسة، و حينئذ و إن لم ينجس بالاتصال، و لكن ينجس بعد الدخول، إذ ما فوقه من أجزاء الثوب وارد عليه، فينجس الماء الداخل فيه.

و أمّا المنفصل، فنجاسته إمّا لما مر من عدم

الاختلاف، أو لأنّه أيضا انفصل بعد الدخول، و ما لم يدخل منه فامتزج بالخارج بعد الدخول، و هذا لا يجري في الأخيرة، لطهارة أجزاء الثوب حينئذ.

و فيه: مضافا إلى أنّه لا يجري في غير مثل الثياب، منع كون أجزاء الثوب واردة على الماء، فإنّ ما ثبت من الأدلّة من تأثير النجاسة في الماء إنّما هو إذا دخلت أو وقعت فيه، و مثل ذلك لا يسمّى دخولا و لا وقوعا عرفا، و لا ورودا. مع أنّ الثابت من الأخبار النجاسة ببعض أفراد الورود، و إنّما يتعدّى بعدم الفصل، و هو هنا غير متحقّق.

فرعان:

أ: على القول بنجاسة الغسالة، ففي الاكتفاء في تطهير ما يلاقيها بالمرة مطلقا، للأصل، و إطلاق الغسل في رواية العيص المتقدمة «1»، أو وجوب المرتين كذلك، لوجوبهما في جميع النجاسات، أو كونها كالمحل قبل الغسل، لاستصحاب نجاسة ما لاقاها إلى أن يعلم الطهارة، و لتخفيف نجاستها بخفة نجاسة المحل، أو بعده، لما مرّ دليلا على طهارة الغسالة الأخيرة، في القول الرابع: و قياس ما قبلها عليها، أقوال أقواها: أوّلها، لما ذكر.

______________________________

(1) ص 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 95

و وجوب المرتين للجميع ممنوع. و الاستصحاب بما ذكر مدفوع، مع عدم انطباقه كلية على المطلوب. و عدم إيجاب خفة نجاستها- لو سلّمت- للمدّعى.

و دليل طهارة الأخيرة بما سبق مردود، مع أنّ القياس حجة باطلة.

ب: على القول بطهارتها، كلا أو بعضا، فهل يكون مطهّرا أم لا؟

لا ريب في طهوريته من الخبث، للاستصحاب، و عمومات طهورية الماء، و صدق الغسل المأمور به إذا غسل به نجس.

و بهما يضعّف معارضة استصحاب الخبث لاستصحاب المطهّرية، مع أنّ الأول يزول بالثاني لو لا المعاضد له أيضا، كما بيّناه

وجهه في الأصول.

و أمّا الحدث: فالظاهر العدم، وفاقا لجماعة «1»، و في المعتبر و المنتهى «2» الإجماع عليه، لرواية ابن سنان المتقدمة «3»، المعتضدة بالمحكي من الإجماع، و بها يندفع الاستصحاب و تخصص العمومات.

ثمَّ لو مزجت بغيرها من الماء المطلق، فإن استهلك أحدهما فالحكم للآخر، و إلا ففي رفع الحدث به إشكال.

و الأظهر الارتفاع، لأنّه غير ما علم خروجه من عمومات طهورية الماء، و لم يعلم خروجه.

و هل يختص المنع بالقليل، أو يشمل الكرّ و الجاري أيضا؟

و التحقيق: أنّ عموم قوله في الرواية: «الماء الذي يغسل به الثوب» و إن عمّ الجميع، و لكنّه يمنع عن التطهّر عمّا غسل به، لا ما غسل فيه.

و على هذا، فلو غسل ثوب أو غيره في كر، لا يغسل إلّا بجزء منه، و هو عند الباقي مستهلك، فلا يمنع.

______________________________

(1) الذخيرة: 143، مشارق الشموس: 253، غنائم الأيام: 74.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 1    96     المسألة الثانية: غسالة الاستنجاء الغير المتغيرة طاهرة ..... ص : 96

(2) المعتبر 1: 90، المنتهى 1: 24.

(3) ص 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 96

نعم لو فرض تكثّر المغسول، بحيث تحقّق الغسل بكل جزء من الكرّ، أو عدا ما يستهلك، يمنع من الجميع، و كذا الجاري.

و تحقّق الإجماع على خروجهما- لو سلّم- ففي مثل ذلك الفرض ممنوع.

المسألة الثانية: غسالة الاستنجاء الغير المتغيرة طاهرة
اشاره

، بمعنى عدم وجوب الاحتراز عنه في مشروط الطهارة إجماعا، و نقله عليه متكرّر «1»، و الأخبار به معتبرة مستفيضة.

كصحيحة الهاشمي: عن الرجل، يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به، أ ينجّس ذلك ثوبه؟ قال: «لا» «2».

و صحيحة الأحول: قلت له: أستنجي ثمَّ يقع فيه ثوبي و أنا جنب، قال:

«لا بأس به» «3».

و حسنته: أخرج

من الخلاء فأستنجي في الماء، فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به، قال: «لا بأس» «4».

و هي و إن كانت مختصّة بالثوب، إلّا أن المطلوب يتمّ بعدم الفصل. مع أنّ الحكم موافق للأصل السالم عن المعارض.

أمّا مع ورود الماء: فلعدم تحقّق ما يوجب عنه الاحتراز، حيث إنّ الماء طاهر حينئذ.

و أمّا مع ورودها و قلنا بحصول التطهّر به: فلأنّه ليس في أخبار نجاسة القليل ما يشمل بإطلاقه أو عمومه لكلّ نجاسة، أو لماء الاستنجاء أيضا، بل

______________________________

(1) السرائر 1: 98، الروض: 160، الرياض 1: 11، و في المدارك 1: 123 نسبه الى الأصحاب.

(2) التهذيب 1: 86- 228، الوسائل 1: 223 أبواب الماء المضاف ب 13 ح 5.

(3) التهذيب 1: 86- 227، الوسائل 1: 222 أبواب الماء المضاف ب 13 ح 4.

(4) الكافي 3: 13 الطهارة ب 9 ح 5، الفقيه 1: 41- 162، التهذيب 1: 85- 223، الوسائل 1:

221 أبواب الماء المضاف ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 97

كانت إمّا مخصوصة بموارد أو غير عامة، و عديت بعدم القول بالفصل، و هو هنا موجود.

و أمّا إطلاق رواية العيص «1»، فمع قصورها عن إفادة الوجوب- كما مرّ- فبالأخبار المذكورة مقيّد.

و هل هذا الماء نجس معفوّ عنه في المباشرة، كالمنتهى «2»، و الذكرى «3». أو طاهر، كالأكثر؟

الثابت من الأخبار الثلاثة، و سائر ما ورد بخصوص المقام، ليس أزيد من الأوّل.

و تصريح صحيحة الهاشمي بعدم تنجّس الثوب ليس تصريحا بعدم نجاسته، لجواز كونه نجسا غير منجّس.

و لكن ما ذكرنا من الأصل يثبت الثاني، و ربما يشعر به التعليل المروي في العلل: «أنّ الماء أكثر من القذر» «4».

و هل هو مطهّر من الخبث و الحدث؟

الظاهر نعم، وفاقا للأردبيلي «5»، و الحدائق «6»، لصدق الماء الطاهر عليه و عدم المخرج.

و منهم من لم يجعله مطهّرا مطلقا «7»، و هو مبني على القول بالعفو، و قد عرفت ضعفه.

و منهم من يرفع به الخبث، دون الحدث، و هو مذهب والدي- رحمه اللّه-، و لم يظهر له دليل، سوى نقل الإجماع من الفاضلين على عدم جواز رفع الحدث بما

______________________________

(1) المتقدمة ص 43.

(2) المنتهى 1: 24.

(3) الذكرى: 9.

(4) علل الشرائع: 287- 1، الوسائل 1: 222 أبواب الماء المضاف ب 13 ح 2.

(5) مجمع الفائدة 1: 289.

(6) الحدائق 1: 477.

(7) كما في الذكري: 9، المدارك 1: 124.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 98

تزال به النجاسة مطلقا «1». و هو ليس بحجة عندنا.

فروع:

أ: يشترط في طهارته- مضافا إلى ما مرّ من عدم التغيّر- عدم ورود نجاسة خارجة، أو منفصلة متميزة عن المحل عليه، و لا وروده عليها، على القول بانفعال القليل مطلقا. و لا عدم مصاحبة الخارج عن المحل لنجاسة أخرى. و الوجه في الكل واضح.

و إطلاق أخبار الاستنجاء- لو سلّم- فإنّما هو من حيث إنّه ماء استنجاء، لا مطلقا.

ب: لو سبقت اليد فتنجّست، فإن كان لأجل الاستنجاء، بحيث تعدّ عرفا آلة له، لا تنجس الماء، و إلّا تنجّسه، و الوجه ظاهر.

و اشتراط عدم سبقها مطلقا- لأجل تنجّسها و عدم كون غسلها استنجاء- باطل، لتنجّسها مع التأخّر أيضا.

ج: لا فرق بين المخرجين، للأصل، و صدق الاستنجاء. و لا بين الغسلة الاولى و الثانية في البول على التعدّد، لذلك. خلافا للمحكي عن الخلاف [1] في الأولى منه. و لا بين المتعدّي و غيره، لما مرّ أيضا، إلّا مع التفاحش الرافع لصدق الاسم. قالوا: و لا

بين الطبيعي و غيره. و لا بأس به، مع انسداد الطبيعي لا مطلقا.

د: لا عبرة بالشكّ في حصول بعض ما تقدّم، لأصلي الطهارة و العدم.

و جعل الأصل تنجّس القليل إلّا ما قطع بخروجه ضعيف، لما مرّ.

______________________________

[1] حكاه في مفتاح الكرامة 1: 93 عن الخلاف و لا يخفى أنه لم يعنون في الخلاف مسألة بعنوان ماء الاستنجاء. نعم فصّل في مسألة غسالة الثوب النجس بين الغسلة الأولى فحكم فيها بالنجاسة و بين الغسلة الثانية، و استدل على الطهارة في الثانية بروايات ماء الاستنجاء فقد يستفاد من كلامه أنه يرى اختصاص روايات ماء الاستنجاء بالغسلة الثانية، فلاحظ.

______________________________

(1) تقدم ص 59.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 99

المسألة الثالثة: المستعمل في الحدث الأصغر طاهر مطهّر

، بالأصول، و الإجماعين «1»، و العمومات [1]، و خصوص المستفيضة «3».

و ربما نسب إلى المفيد «4» استحباب التنزه عنه، بل عن المستعمل في الغسل المستحب أيضا، لرواية محمد بن علي بن جعفر [2]، الغير الدالّة من وجوه. كما ينسب إلى بعضهم استحباب التوضؤ منه، لتهجّم الناس على التوضؤ من مستعمل وضوء النبي، كما ورد في بعض الأخبار «6». و هو غير قابل للتعميم.

المسألة الرابعة: المستعمل في الأكبر طاهر، بالثلاثة الاولى [3]، و خصوص المعتبرة.
اشارة

منها: صحيحة الفضيل: عن الجنب يغتسل، فينضح من الأرض في الإناء؟ فقال: «لا بأس» «8».

و لا يعارضها خبر حنّان، و فيها- بعد السؤال عما ينتضح على البدن من غسالة الجنب-: «أ ليس هو بجار؟» قلت: بلى، قال: «لا بأس» «9» فإنّ الظاهر

______________________________

[1] عمومات طهارة كل شي ء و طهارة الماء. راجع ص: 19.

[2] ما رواه عن الرضا (ع) «قال: من اغتسل من الماء الذي اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومنّ إلّا نفسه. قال: فقلت له: إن أهل المدينة يقولون إنه شفاء من العين، فقال: كذبوا يغتسل فيه الجنب و الزاني و الناصب الذي هو شرّهما». و هي مخصوصة بماء الغسل و بالاغتسال فيه، و غيرها يدلّ على أنه لأجل الأمور المذكورة (منه رحمه اللّه). راجع الكافي 6: 503 الزي و التجمل ب 43 ح 38، الوسائل 1: 219 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 2.

[3] يعني بها: الأصول، و الإجماعين، و العمومات.

______________________________

(1) المحصّل و المنقول و ممن نقله: المنتهى 1: 22، الروض: 156، و الرياض 1: 10.

(3) راجع الوسائل 1: 209 أبواب الماء المضاف ب 8.

(4) المقنعة: 64.

(6) الوسائل 1: 209 أبواب الماء المضاف ب 8 ح 1.

(8) التهذيب 1: 86- 225، الوسائل 1: 211 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 1.

(9)

الكافي 3: 14 الطهارة ب 10 ح 3، التهذيب 1: 378- 1169 (و حذف منه: عن حنان)، الوسائل 1: 213 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 100

أنّه استفهام إنكار، و المراد أنّ ماءهم جار على أبدانهم البتّة، فلا بأس فيها.

و مطهّر من الخبث بلا خلاف، كما في ظاهر السرائر، و المعتبر و التذكرة، و المختلف، و النهاية «1»، بل بالإجماع، كما في المنتهى، و الإيضاح «2»، و اللوامع، و المعتمد.

و الخلاف المنقول في الذكرى «3» لا يقدح فيه، مع أنّ الظاهر أنّه من العامة «4»، كما قيل «5». فهو الحجة في المقام، مضافا إلى ما مرّ من الأصل و العموم.

و أمّا الحدث، ففي ارتفاعه به و عدمه قولان:

الأوّل: للسيد و الحلبيين «6» و هو المشهور بين المتأخّرين «7»، لاستصحاب المطهريّة، و إطلاقات استعمال الماء، و الناهية عن التيمم مع التمكّن منه.

و صحيحة الفضيل المتقدمة، و ما يؤدّي مؤدّاها من المستفيضة النافية للبأس عما يقطر، أو ينضح، من ماء الغسل في الإناء «8».

و صحيحة محمد: الحمام يغتسل فيه الجنب و غيره، أغتسل من مائه؟ قال:

«نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب، و لقد اغتسلت فيه، ثمَّ جئت فغسلت رجلي، و ما غسلتها إلّا لما لزق بها من التراب» «9» فإنّ ترك الاستفصال عن الماء

______________________________

(1) السرائر 1: 61، المعتبر 1: 90، التذكرة 1: 5، المختلف: 13، نهاية الاحكام 1: 241.

(2) المنتهى 1: 23، الإيضاح 1: 19.

(3) الذكرى: 12.

(4) راجع المغني 1: 43، نيل الأوطار 1: 33، بداية المجتهد 1: 27.

(5) المعالم: 135.

(6) الناصريات (الجوامع الفقهية): 179، الكافي في الفقه: 130، الغنية (الجوامع الفقهية):

552.

(7) كما اختاره في: القواعد 1: 5، الإيضاح

1: 19، الروض: 158.

(8) الوسائل 1: 212، 213 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 6، 8.

(9) التهذيب 1: 378- 1172، الوسائل 1: 211 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 101

المسئول عنه، يفيد العموم.

و صحيحة علي: عن الرجل يصيب الماء في ساقية، أو مستنقع، أ يغتسل منه للجنابة، أو يتوضّأ منه للصلاة، إذا كان لا يجد غيره، و الماء لا يبلغ صاعا للجنابة، و لا مدّا للوضوء، و هو متفرق، إلى أن أجاب بقوله: «فإن خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات، ثمَّ مسح جلده بيده، فإنّ ذلك يجزيه» إلى أن قال: «و إن كان الماء متفرقا فقدر أن يجمعه، و إلّا اغتسل من هذا و هذا، فإن كان في مكان واحد و هو قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه أن يغتسل و يرجع الماء فيه، فإنّ ذلك يجزيه» «1».

و موضع الاستدلال قوله: «فلا عليه» إلى آخره.

و مرسلة ابن مسكان: عن الرجل ينتهي إلى الماء القليل في الطريق، يريد أن يغتسل، و ليس معه إناء و الماء في وهدة، فإن هو اغتسل يرجع غسله في الماء، كيف يصنع؟ قال: «ينضح بكفّ بين يديه، و كفّا من خلفه، و كفّا عن يمينه، و كفّا عن شماله، ثمَّ يغتسل» «2».

و صحيحة ابن بزيع: عن الغدير، يجتمع فيه ماء السماء، و يستقى فيه من بئر، فيستنجي فيه إنسان من البول، أو يغتسل فيه الجنب، ما حدّه الذي لا يجوز؟ فكتب: «لا تتوضأ من مثل هذا إلّا عن [1] ضرورة إليه» «4» فإنّ تجويزه التوضّؤ حال الضرورة دليل على أنّ النهي للتنزّه.

______________________________

[1] في «ق»: من.

______________________________

(1) التهذيب 1: 416- 1315، الاستبصار 1: 28-

73، الوسائل 1: 216 أبواب الماء المضاف ب 10 ح 1.

(2) التهذيب 1: 417- 1318، الاستبصار 1: 28- 72، الوسائل 1: 217 أبواب الماء المضاف ب 10 ح 2.

(4) التهذيب 1: 150- 427، الاستبصار 1: 9- 11، الوسائل 1: 163 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 102

و الثاني للصدوقين «1»، و الشيخين «2»، بل أكثر الأصحاب، كما في الخلاف «3»، و اختاره والدي العلامة- رحمه اللّه- و نسبه في اللوامع إلى أعيان القدماء، و في المعتمد إلى معظمهم، و جعله المحقّق في المعتبر أولى، و في الشرائع أحوط «4»، و إن كان ظاهره فيهما و في النافع التوقف «5».

لاستصحاب الحدث.

و رواية ابن سنان المتقدّمة «6». و رواية حمزة بن أحمد: عن الحمام قال:

«ادخله بمئزر، و غضّ بصرك، و لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام، فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب، و ولد الزنا، و الناصب» «7» الحديث، المعتضدتين بالشهرة المتقدمة، و بتكرر السؤال في الأخبار عن الماء الذي يرجع فيه غسالة الجنب، و أنّه كيف يصنع به حينئذ «8»؟ و اقترانها بما و لغت فيه الكلاب «9»، و غير ذلك بحيث يتحدس [1] فيه وضوح عدم جواز التوضؤ و الاغتسال منها، عند الأصحاب الأطياب.

و احتمال النفي في الأخيرة فلا يفيد عدم الجواز خلاف الظاهر، بقرينة المعطوف عليه.

و تجويز كون النهي لغلبة احتمال وجود النجاسة في المغتسل من الجنابة- كما

______________________________

[1] في «ق»: يحدس.

______________________________

(1) الفقيه 1: 10، و نقل عنهما في المختلف: 12.

(2) المفيد في المقنعة: 64، و الطوسي في المبسوط 1: 11، و النهاية: 4.

(3) الخلاف 1: 172.

(4) المعتبر 1: 88، الشرائع 1: 16.

(5) المختصر

النافع: 4.

(6) ص 43.

(7) التهذيب 1: 373- 1143، الوسائل 1: 218 أبواب الماء المطلق ب 11 ح 1.

(8) الوسائل 1: 216 أبواب الماء المضاف ب 10.

(9) الوسائل 1: 158 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 1، 5، 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 103

يستفاد من الأخبار المتضمنة لكيفية غسل الجنابة، الآمرة بغسل الفرج «1»- خلاف الإطلاق بل الصريح، لأنّ ما يغتسل به الجنب غير ما يغسل به فرجه قطعا.

و تدلّ أيضا عليه صحيحة محمد: عن ماء الحمام، فقال: «ادخله بإزار، و لا تغتسل من ماء آخر إلّا أن يكون فيه جنب، أو يكثر أهله، فلا يدرى فيه جنب أم لا» «2».

و التقريب ما تقدم في صحيحته المذكورة «3» للقول الأوّل.

و عدم وجوب التنزّه عن المستعمل في إحدى صورتي المستثنى إجماعا- كما قيل- مع كونه كالإجماع المدّعى ممنوعا- كما يأتي- لا يضر، إذ الخروج عن ظاهر بعض أجزاء الرواية بدليل، لا يقتضيه في غيره.

و نفي دلالتها على وجوب التنزه- لكون الاستثناء عن النهي عن الاغتسال بماء آخر في صورتي المستثنى، أعمّ من الأمر بالاغتسال به فيهما، للاكتفاء في رفع النهي بالإباحة- واه جدّا، لأنّ النهي في المستثنى منه ليس للحرمة، و لا الكراهة قطعا، بل المراد نفي وجوب الاغتسال عن ماء آخر لعدم صلاحيته لمعنى غيره، فرفعه يكون بالوجوب، و به يثبت المطلوب.

ثمَّ إنّ هؤلاء بهذه الأدلّة يعارضون الأولين بأدلّتهم، فيدفعون استصحابهم باستصحابهم و بأخبارهم، و إطلاقاتهم بقسميها بمقيداتهم، بعد نفيهم دلالة سائر أخبارهم «4».

فالصحيحة الأولى: بأنّ ما ينزو، أو ينضح، أو يقطر، يستهلك في الإناء، فلا منع فيه. مع أنّه لا إشعار بنفي البأس عن الغسل، لجواز أن يكون السؤال عن نجاسة الإناء، و

كان النزو بعد تمام الغسل.

______________________________

(1) الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26.

(2) التهذيب 1: 379- 1175، الوسائل 1: 149 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 5.

(3) ص 100- 101.

(4) المتقدمة ص 99.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 104

و الثانية: بأنّ الظاهر كون السؤال عن الماء الجاري في الحياض، دون الغسالة. مع أنّها معارضة بغيرها، مما مرّ و يأتي، و مع ذلك فهي عامة يجب تخصيصها بما مرّ.

و الثالثة: بجواز كون «أن» في قوله: «لا عليه أن يغتسل» مصدرية، و كون المصدر اسما للفظة «لا»، و المشار إليه في قوله: «فإنّ ذلك يجزيه» ما ذكره أوّلا من غسل الرأس و مسح الجلد.

بل يتعيّن أن يكون المراد ذلك، لأنّ السؤال قد تضمّن أمرين: عدم كفاية الماء، و تفرقته. و قد أجاب عن الأوّل بغسل الرأس و مسح الجلد، و عن الثاني بالجمع مع القدرة، و الاغتسال من هذا بدونها، و المحكوم عليه في قوله:

«فإن كان» و قوله: «فإن خشي» واحد، فيلزم اتّحاد الحكم لئلّا يلزم التناقض. مع أنّه على الاحتمال الآخر يحتاج إلى إضمار اسم لا، و هو خلاف الأصل.

و المرسلة: باحتمال أن يكون السؤال عن فساد الماء، برجوع ماء الغسل بعد تمامه فيه، لا عن الغسل بالماء الراجع. بل احتمال أن يكون الأمر بنضح الأكف لئلّا يحصل العلم بالرجوع، و لا يمكن منه الغسل، كما صرح به كثير من الأصحاب.

مضافا إلى ضعف سندها، و إرسالها، و مخالفتها لعمل راويها، و لشهرة القدماء، و هما مخرجان للرواية عن الحجيّة.

و الأخيرة: بجواز رجوع المجرور في قوله: «إليه» إلى التوضؤ، أي: لا تتوضأ إلّا مع الضرورة إلى التوضؤ، من تقيّة، أو نحوها.

و على هذا فتكون تلك كسابقتيها دليلا

للقول الثاني أيضا. فهو الأقوى، و بالعمل عليه أليق و أحرى.

فروع:

أ: هل الحكم مختص بالمستعمل في غسل الجنابة، أم يعمّ سائر الأغسال الواجبة أيضا؟

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 105

المصرح به في كلام الأكثر- و منهم الشيخ «1»- التعميم. و لكن الأخبار و بعض كلمات الأصحاب- و منهم الصدوق في الفقيه «2»- مخصوص. و منه يظهر انتفاء الإجماع على الاشتراك، فالاختصاص أظهر. و تنزيل الأخبار على التمثيل يحتاج إلى الدليل. و اشتراك الحائض و من في حكمها مع الجنب في كثير من الأحكام، لا يثبت الاشتراك في الجميع.

ب: من وجب عليه الغسل من حدث مشكوك- كواجد المني في ثوبه المختص، و المتيقّن للحدث و الغسل و الشاك في المتأخّر- كالمتيقّن، لأنّه جنب شرعي.

و استشكل فيه الفاضل في النهاية، و المنتهى «3». و هو غير جيّد.

ج: يشترط في رفع الطهورية الانفصال عن البدن، لأنّه القدر الثابت من الأخبار، دون غيره. و لا يبعد كفاية الانفصال عن العضو المرتب في الترتيبي، و أمّا في الارتماسي، فلا يتحقّق الاستعمال في رفع الحدث إلّا بعد تمام الغسل، و الوجه فيه ظاهر.

د: الكر المجتمع من القليل المستعمل كالقليل، للاستصحاب. و خلاف المبسوط و المنتهى «4» ضعيف.

ه: محل الكلام فيما اغتسل به، فلا حرج فيما يبقى بعده في الإناء. و لا يضرّ إدخال الجنب يده فيه بقصد الأخذ، للأصل، و الأخبار المتضمنة لغسل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع عائشة في إناء واحد «5».

و لا انتضاح شي ء من الغسالة في الأثناء فيه، للروايات النافية للبأس

______________________________

(1) المبسوط 1: 11، النهاية: 4.

(2) الفقيه 1: 10.

(3) نهاية الأحكام 1: 243، المنتهى 1: 24.

(4) المبسوط 1: 11، المنتهى 1: 23.

(5)

الوسائل 1: 208 أبواب الماء المضاف ب 7 ح 1 و ج 2: 242 أبواب الجنابة ب 32.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 106

عنه «1»، و قد تقدّم بعضها.

و: هل الحكم مختص بالقليل، أو يشمل الكثير أيضا؟

المصرّح به في كلام جماعة الأوّل «2»، و ربما يستفاد من جمع عدم الخلاف فيه «3»، بل ادعى جماعة، منهم: الوالد العلّامة- رحمه اللّه- الإجماع عليه، و يؤيّد الإجماع عمل الناس في الأعصار و الأمصار من غير إنكار.

و تدلّ عليه صحيحة الجمّال: عن الحياض التي ما بين مكة إلى المدينة، تردها السباع، و تلغ فيها الكلاب، و تشرب منها الحمير، و يغتسل فيها الجنب، أ يتوضأ منها؟ قال: «و كم قدر الماء؟» قلت: إلى نصف الساق، و إلى الركبة، و أقل، قال: «توضأ» «4».

و ذكر ولوغ الكلب (فيها) «5» قرينة على الكريّة، بل هي المتبادرة من الاستفصال. و يمكن تنزيل صحيحة ابن بزيع المتقدمة «6» عليه أيضا.

هذا، مع أنّ الظاهر استهلاك المستعمل في الكرّ غالبا.

المسألة الخامسة: المشهور بين الأصحاب: عدم جواز رفع الحدث من غسالة الحمام

، و هم بين مصرّح بالنجاسة مطلقا، كما عن بعضهم. و بعدم جواز استعمالها كذلك، كالشيخ في النهاية، و الحلّي «7»، مدّعيا عليه الإجماع.

و ظاهر المنتهى، كصريح بعض آخر: اتّحاد هذا القول مع الأوّل «8». و لكن

______________________________

(1) الوسائل 1: 211 أبواب الماء المضاف ب 9.

(2) كما في المنتهى 1: 23، الروض: 158، غنائم الأيام: 28.

(3) كما في المدارك 1: 126، الروض: 158، مشارق الشموس: 250.

(4) الكافي 3: 4 الطهارة ب 3 ح 7، التهذيب 1: 417- 1317، الاستبصار 1: 22- 54، الوسائل 1: 214 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 12. و لا توجد في غير الكافي لفظة «و أقل».

(5) لا توجد في

«ق».

(6) ص 101.

(7) النهاية: 5، السرائر 1: 91.

(8) المنتهى 1: 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 107

في شرح القواعد جعله مغايرا له «1».

و بعدم جواز الاستعمال في التطهّر كذلك، كالصدوقين «2».

و بالأوّل مقيّدا بما لم يعلم خلوّها عن النجاسة، كالفاضل في الإرشاد «3».

و بالثاني كذلك، كالقواعد، و التحرير، و التذكرة، و البيان «4»، و بالثالث كذلك، كالمعتبر «5».

و صرّح في المنتهى «6» بالطهارة، و ظاهر استدلاله يعطي جواز التطهير منها «7» أيضا.

و جعلها في شرح القواعد كما كان قبل الاستعمال «8»، و مفاده الطهارة و الطهورية، و مال إليه في المعالم، و المدارك «9»، و نسبه المجلسي في شرحه الفارسي على الفقيه، إلى أكثر المتأخّرين «10» (مع الكراهة) «11». و في روض الجنان أنّه الظاهر «12»، إن لم يثبت الإجماع على خلافه.

و كيف كان، فالكلام إمّا في الطهورية، أو الطهارة.

و الحق في الأول: النفي، لاستفاضة النصوص، كرواية حمزة بن أحمد

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 132.

(2) الصدوق في الفقيه 1: 10، و والده في الرسالة على ما حكاه في الحدائق 1: 497.

(3) مجمع الفائدة 1: 289.

(4) القواعد 1: 5، التحرير 1: 6، التذكرة 1: 5، البيان: 103.

(5) المعتبر 1: 92.

(6) المنتهى 1: 25.

(7) في «ق»: بها.

(8) جامع المقاصد 1: 132.

(9) المعالم: 147، و لم نعثر عليه في المدارك.

(10) اللوامع القدسية 1: 57.

(11) لا توجد في «ه».

(12) الروض: 161.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 108

المتقدمة «1».

و رواية ابن أبي يعفور: «لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمام، فإنّ فيها غسالة ولد الزنا، و هو لا يطهر إلى سبعة آباء، و فيها غسالة الناصب» «2».

و موثقته المروية في العلل: «إيّاك و أن تغتسل من غسالة

الحمام، ففيها تجتمع غسالة اليهودي، و النصراني، و المجوسي، و الناصب لنا أهل البيت، و هو شرّهم، فإنّ اللّه تبارك و تعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب، و أنّ الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه» «3».

و في الثاني: الإثبات، للأصل السالم عن المعارض، بل المعاضد بالموافق، و هي مرسلة الواسطي: «عن مجتمع الماء في الحمام من غسالة الناس يصيب الثوب، قال: «لا بأس به» «4».

و موثقة زرارة: رأيت أبا جعفر يخرج من الحمام فيمضي كما هو لا يغسل رجليه حتى يصلي «5».

و الصحيحة الأولى لمحمد، المتقدمة «6» في المسألة السابقة.

و المناقشة في الأخيرتين: بأنّ محل النزاع ماء البئر التي تجتمع فيها الغسالة، و موردهما المياه المنحدرة في سطح الحمام واهية، لأنّ المجتمع هو المنحدر، مع أنّ علّة النهي المذكورة في الأخبار من أنّ فيها غسالة المذكورين، مشتركة.

للمخالف في الأول: الأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة، لضعف ما مرّ

______________________________

(1) ص 102.

(2) الكافي 3: 14 الطهارة ب 10 ح 1، الوسائل 1: 219 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 4.

(3) علل الشرائع: 292- 1، الوسائل 1: 220، أبواب الماء المضاف ب 11 ح 5.

(4) الكافي 3: 15 الطهارة ب 10 ح 4، الفقيه 1: 10- 17، التهذيب 1: 379- 1176، الوسائل 1: 213 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 9.

(5) التهذيب 1: 379- 1174، الوسائل 1: 211 أبواب الماء المضاف ب 9 ح 2.

(6) ص 100

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 109

من الأخبار، و صحيحة محمد، المذكورة.

و الأول مندفع: بما مرّ من المعارض، المنجبر ضعفه سندا بالعمل لو كان ضائرا، مع أنّ فيها الموثّق.

و الثاني: بأنّ الظاهر من مائه ماء الحياض، و هو غير محل النزاع،

و لو منع ظهوره، فغايته العموم، فليخصّ بما مرّ.

و في الثاني: النهي عن الاغتسال، و هو مثبت للنجاسة، كما تثبت بالأمر بغسل الملاقي و نحوه. و تعليل النهي بوجود النجس فيه من الغسالات المذكورة.

و يرد على الأوّل: منع الملازمة، و قياسه مع الفارق، و هو الإجماع المركب في الثاني دون الأوّل.

و على الثاني: منع إيجاب التعليل للنجاسة. فلعلّه لكونه غسالة للنجاسة، مع أنّ فيها غسالة الجنب، و ولد الزنا، و هما طاهران.

ثمَّ النفي في الأول هل هو مطلق، أو مقيّد بعدم العلم بالخلوّ عن النجاسة، أو عن الغسالات المذكورة كلا أو بعضا، أو بالعلم بعدم الخلو؟

لا ينبغي الريب في سقوط الأول، لمكان التعليل. فإن كان المراد منه أنّه معرض لمثل هذه الأمور، و محتمل له، فيتّجه الثاني. و إن أريد أنّه معرض لها خاصة فالثالث. و إن كان المراد انّها تتحقّق قطعا فالرابع، و الأصل مع إرادة الأخير، كما أنّه مع الرابع أيضا، فهو الأقوى.

ثمَّ المصرح به في أكثر الأخبار، ماء البئر التي تجتمع فيها الغسالة، فهل يختص الحكم بها، أو يعمّها قبل دخولها فيها أيضا؟

مقتضى التعليل: الثاني، بل يدل عليه عموم الموثقة «1» أيضا، فهو المتّجه.

و لا يختص بما يصب على البدن، بل يشمل ما ارتمس فيه أيضا بشرط أن يكون قليلا، ليصدق عليه الغسالة.

______________________________

(1) المتقدمة ص 108.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 110

الفصل الثامن: في السؤر
اشاره

و هو لغة: البقية من كلّ شي ء، أو من الطعام و الشراب، أو من الشراب أو الماء مطلقا، أو مع القلة بعد الشرب أو مطلقا.

و عرفا: قيل: إنّه ما لاقاه (جسم) «1» حيوان. و منهم من بدّل الموصول بالمائع «2». و منهم من بدّله بالماء، و هو بين من

أطلقه، و من خصّه بالقليل «3»، و على التقادير، قد يبدّل الجسم بالفم «4».

و قد أطلق على بعض هذه الأقسام في الأخبار، و لكنه لا يثبت الحقيقة، و تعيينها لغة أو عرفا مشكل، إلّا أنّ الظاهر من التبادر و أصالة عدم النقل: اعتبار القلة.

و على هذا، فما ورد من الأسئار في الأخبار إن علم المراد منه بقرينة فهو، و إلّا فالمرجع الأصل، فلا يثبت الحكم إلّا لما قطع بكونه سؤرا، و هو الماء القليل الملاقي للفم.

ثمَّ الكلام فيه إمّا لأجل الخلاف في نجاسة ذي السؤر، أو انفعال القليل، أو لأجل كونه سؤرا، و المقصود هنا الثالث، و التكلّم فيه في مسائل:

المسألة الأولى: السؤر من نجس العين نجس بالإجماع

، و من الطاهر طاهر، يجوز استعماله، و التطهّر به مطلقا على الأقوى، وفاقا للمصباح، و الخلاف «5»، بل معظم الأصحاب، و في الغنية «6» الإجماع عليه.

______________________________

(1) لا توجد في «ه».

(2) كما في السرائر 1: 85.

(3) كما في المسالك 1: 3، الرياض 1: 12.

(4) كما في الذخيرة: 141.

(5) الخلاف 1: 187.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 551.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 111

و خلافا للمنقول عن الاستبصار، و التهذيب، و المبسوط، و السرائر «1»، فمنعوا من سؤر ما لا يؤكل. إلّا أنّ الأوّل استثنى الفأرة، و البازي، و الصقر.

و الثاني: السنور، و الطير. و الأخيرتين: ما لا يمكن التحرّز عنه، و الوحش، و زاد الأخير: الطير أيضا.

و الإسكافي «2»، فمنع من سؤر الجلال و المسوخ. و السيد، و القاضي [1]، فالأوّل فقط. و النهاية «4» فعن سؤر آكل الجيف من الطير.

و قد ينقل أقوال أخر، و قد يختلف الانتساب فيما ذكر أيضا. ثمَّ منع هؤلاء يمكن ان يكون للنجاسة، أو التعبّد.

لنا- بعد الأصول-: المستفيضة من

المعتبرة، و هي بين ما يدلّ على طهارة الجميع، كصحيحة البقباق: عن فضل الهرة، و الشاة، و البقرة، و الإبل، و الحمار، و الخيل، و البغال، و الوحش، و السباع، فلم أترك شيئا إلّا سألته عنه، فقال: «لا بأس به» «5» الحديث.

و سؤر كلّ الطيور، كموثّقة عمار: سئل عن ماء تشرب منه الحمامة، فقال:

«كلّ ما أكل لحمه يتوضّأ من سؤره و يشرب» و عن ماء شرب منه باز، أو صقر، أو عقاب، فقال: «كلّ شي ء من الطيور، يتوضأ ممّا يشرب منه» «6» الحديث.

و رواية أبي بصير: «فضل الحمامة و الدجاجة لا بأس به و الطير» «7».

______________________________

[1] المهذّب 1: 25، و لم نعثر على كلام السيد في كتبه.

______________________________

(1) الاستبصار 1: 26، التهذيب 1: 224، المبسوط 1: 10، السرائر 1: 85.

(2) نقله عنه في المختلف: 12.

(4) النهاية: 5.

(5) التهذيب 1: 225- 646، الاستبصار 1: 19- 40، الوسائل 1: 226 أبواب الأسآر ب 1 ح 4.

(6) الكافي 3: 9 الطهارة ب 6 ح 5، الوسائل 1: 230 أبواب الأسآر ب 4 ح 2.

(7) الكافي 3: 9 الطهارة ب 6 ح 2، التهذيب 1: 228- 659، الوسائل 1: 230 أبواب الأسآر ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 112

و السباع، كصحيحة محمد: عن السنور، قال: «لا بأس أن يتوضأ من فضلها، إنّما هي من السباع» «1».

و رواية معاوية بن شريح: عن سؤر السنّور [و الشاة] و البقرة، و البعير، و الفرس، و الحمار، و البغل، و السباع، يشرب منه أو يتوضأ؟ قال: «نعم اشرب منه، و توضأ» «2».

و الهرة، و قد مرّ، و يأتي.

و جميع الدّوابّ، كصحيحة جميل: عن سؤر الدواب، و البقر، و الغنم، أ

يتوضأ منه و يشرب؟ قال: «لا بأس» «3».

و الفأرة، كخبر عمار: «لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت من الإناء، أن يشرب و يتوضأ منه» «4» إلى غير ذلك.

حجة المخالفين: مرسلة الوشاء: «إنّه كان يكره سؤر ما لا يؤكل لحمه» [1].

و صحيحة ابن سنان: «لا بأس بأن يتوضأ مما يشرب منه ما يؤكل لحمه» «6».

و موثقتا عمّار، إحداهما: «كلّ ما يؤكل فليتوضأ منه و ليشربه» «7». و قريبة منها

______________________________

[1] الكافي 3: 10 الطهارة ب 6 ح 7، الوسائل 1: 232 أبواب الأسآر ب 5 ح 2. يظهر من الوسائل أن الشيخ أيضا نقلها لكنها غير موجودة في النسخ التي بأيدينا من التهذيبين، كما نبّه عليه أيضا في جامع الأحاديث 2: 62.

______________________________

(1) التهذيب 1: 225- 644، الاستبصار 1: 18- 39، الوسائل 1: 227 أبواب الأسآر ب 2 ح 3.

(2) التهذيب 1: 225- 647، الاستبصار 1: 19- 41، الوسائل 1: 226 أبواب الأسآر ب 1 ح 6، و ما بين المعقوفين من المصدر.

(3) التهذيب 1: 227- 657، الوسائل 1: 332 أبواب الأسآر ب 5 ح 4.

(4) الفقيه 1: 14- 28، التهذيب 1: 419- 1323، الاستبصار 1: 26- 65، الوسائل 1: 239 أبواب الأسآر ب 9 ح 2، و في جميع المصادر: إسحاق بن عمار.

(6) الكافي 3: 9 الطهارة ب 6 ح 1، الوسائل 1: 231 أبواب الأسآر ب 5 ح 1.

(7) التهذيب 1: 284- 832، الوسائل 1: 231 أبواب الأسآر ب 4 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 113

الأخرى «1».

و الأوّل «2» استثنى الفأرة و أخويها بموثّقة عمار «3»، و خبره. و الثاني: السنور، و الطير، بالموثقة، و صحيحة محمد «4». و الأخيران: الوحش، بصحيحة البقباق

«5»، و ما لا يمكن التحرّز عنه، بنفي الحرج. و الأخبر: الطير، بما مر، كما أنّ الخامس و السادس: غير الجلال و المسوخ، أو غير الأوّل فقط، به.

و يضعّف المرسلة: بكون الكراهة في اللغة أعم من الحرمة.

و لو سلّم الاختصاص، فالحمل على التجوّز- لما مرّ- متعين.

و به يضعّف الصحيحة و الموثقتان أيضا، مضافا إلى عدم حجية مفهوم الوصف.

المسألة الثانية: يكره من سؤر الطاهر: سؤر الخيل، و البغال، و الحمير

، إجماعا، كما في المعتمد، للتفصيل القاطع للشركة في مضمرة سماعة: هل يشرب سؤر شي ء من الدواب، و يتوضأ منه؟ قال: «أمّا البقر، و الإبل، و الغنم، فلا بأس» «6». و البأس المثبت للباقي، ليس حرمة إجماعا، فيكون مكروها.

و لخبر ابن مسكان: عن التوضؤ أو الاغتسال مما ولغ فيه الكلب، و السنور، أو شرب جمل، أو دابة، أو غير ذلك، قال: «نعم، إلّا أن تجد غيره فتنزه عنه» «7».

و هو و إن كان ظاهرا في الكثير، لمكان ولوغ الكلب، إلّا أنّ المطلوب يثبت

______________________________

(1) الكافي 3: 9 الطهارة ب 6 ح 5، الوسائل 1: 230 أبواب الأسآر ب 4 ح 2.

(2) أراد به الاستبصار، و بالثاني التهذيب .. و بالأخيرين المبسوط و السرائر.

(3) المتقدمة ص 111، و تقدم خبر (إسحاق بن عمار) في الصفحة السابقة رقم 4.

(4) المتقدمة ص 112.

(5) المتقدمة ص 111.

(6) الكافي 3: 9 الطهارة ب 6 ح 3، التهذيب 1: 227- 656، الوسائل 1: 232 أبواب الأسآر ب 5 ح 3.

(7) التهذيب 1: 226- 649، الوسائل 1: 228 أبواب الأسآر ب 2 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 114

و بالأولوية، و عدم الفصل.

و الدجاج، لفتوى الشيخ و الفاضل و المعتبر «1»، و إن قيّده الأخير بالمهملة.

و كل ما لا يؤكل، و منه: الجلال

و آكل الجيف و المسوخ، للمرسلة.

و لا ينافي الكراهة في بعض ما ذكر نفي البأس عنه أو تجويز استعماله في بعض الأخبار، لاجتماعهما معا.

و ينبغي استثناء السنّور مما لا يؤكل، كما فعله جماعة «2»، لصحيحة زرارة:

«إنّ الهر سبع، و لا بأس بسؤره، و إنّي لأستحيي أن أدع طعاما لأنّ هرّا أكل منه» «3».

و رواية الكناني: «لا تدع فضل السنور أن تتوضأ منه، إنّما هي سبع» «4».

و يؤيّدهما: المروي في نوادر الراوندي، قال، علي عليه السلام: «بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يتوضأ إذ لاذ به هرّ البيت، و عرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه عطشان، فأصغى [1] إليه الإناء حتى شرب منه، و توضأ بفضله» «6».

و بهذه يخصّص عموم المرسلة «7».

و لا يعارضها خبر ابن مسكان «8»، لعطف السنور فيها على الكلب بحرف الجمع. مع أنّ منطوقة في السنور متروك قطعا، لأنّ الكثير لا يكره بذلك، فلا

______________________________

[1] أصغاه: أماله و حرّفه على جنبه ليجتمع ما فيه.

______________________________

(1) المبسوط 1: 10، المنتهى 1: 25، التذكرة 1: 6، التحرير 1: 5، المعتبر 1: 99.

(2) كما في التهذيب 1: 226، المبسوط 1: 10، التذكرة 1: 6، المعتبر 1: 99.

(3) الكافي 3: 9 الطهارة ب 6 ح 4، التهذيب 1: 227- 655، الوسائل 1: 227 أبواب الأسآر ب 2 ح 2.

(4) التهذيب 1: 227- 653، الوسائل 1: 228 أبواب الأسآر ب 2 ح 4.

(6) نوادر الراوندي: 39، المستدرك 1: 220 أبواب الأسآر ب 2 ح 2.

(7) المتقدمة ص 112.

(8) المتقدم ص 113.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 115

يبقى المفهوم، لتقومه به.

و المستفاد من رواية الكناني: استثناء مطلق السباع، و لا

بأس به.

المسألة الثالثة: يكره ما وقع فيه الحية، و العقرب، و الوزغة

، و إن خرجت حيا، لروايات دالّة عليه «1»، و الكراهة في الأخير أشدّ.

و استظهر في المدارك عدمها في الأوّل «2»، لصحيحة على: عن العظاية [1]، و الحية، و الوزغ، يقع في الماء، فلا يموت يتوضأ منه للصلاة؟ فقال: «لا بأس فيه» «4».

و فيه: ما مرّ من عدم منافاة نفي البأس للكراهة مع الدليل، و هو رواية أبي بصير: عن حية دخلت حبّا فيه ماء و خرجت منه، قال: «إن وجد ماء غيره فليهرقه» «5».

المسألة الرابعة: الأقوى: المنع من سؤر الحائض الغير المأمونة
اشاره

، كما في التهذيب و الاستبصار «6»، و كراهة سؤر المأمونة و المجهولة.

أمّا الأول: فلموثقة ابن يقطين: في الرجل يتوضأ بسؤر الحائض، قال:

«إذا كانت مأمونة فلا بأس» «7».

دلّت بمفهومها على ثبوت البأس- الذي هو العذاب و الشدة- في سؤر غير المأمونة.

______________________________

[1] العظاية: و هي دويبة أكبر من الوزغة. الصحاح 6: مادة- عظا.

______________________________

(1) الوسائل 1: 238 أبواب الأسآر ب 9.

(2) المدارك 1: 137.

(4) التهذيب 1: 419- 1326، الوسائل 1: 238 أبواب الأسآر ب 9 ح 1.

(5) الكافي 3: 73 الطهارة ب 46 ح 15، التهذيب 1: 413- 1302، الاستبصار 1: 25- 63، الوسائل 1: 239 أبواب الأسآر ب 9 ح 3.

(6) التهذيب 1: 222، الاستبصار 1: 17.

(7) التهذيب 1: 221- 632، الاستبصار 1: 16- 30، الوسائل 1: 237 أبواب الأسآر ب 8 ح 5.

و فيها: «بفضل» بدل: «بسؤر».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 116

و بمفهومها يخصّ ما دلّ على الجواز مطلقا، كموثّقة العيص: عن سؤر الحائض؟ قال: «توضأ منه، و توضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة» «1» حيث إنّ الأصل اختصاص الشرط بالأخيرة.

أو على الكراهة كذلك، كرواية أبي هلال- التي هي دليلنا على الجزء الثاني-: «المرأة الطامث اشرب من

فضل شرابها و لا أحبّ أن تتوضأ منه» «2».

كما أنّ بمنطوقها يخصّ عموم ما دلّ على المنع، كرواية عنبسة: «اشرب من سؤر الحائض، و لا تتوضأ منه» «3».

و صحيحة الحسين بن أبي العلاء: عن الحائض يشرب من سؤرها؟ قال:

«نعم، و لا يتوضأ منه» «4».

و صحيحة العيص: عن سؤر الحائض، فقال: «لا توضأ منه، و توضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة» «5».

و رواية ابن أبي يعفور: «و لا تتوضأ من سؤر الحائض» «6».

و موثّقة أبي بصير: هل يتوضأ من فضل الحائض؟ قال: «لا» «7».

مع أنّ دلالة الجميع على المنع فرع كون الأفعال فيها نهيا، مع أنّ النفي القاصر عن إفادة الزائد عن المرجوحية في كثير منها محتمل، فلا يعارض شيئا مما يدل على المنع أو الجواز لجمعها معهما. بل يكون دليلا آخر لنا على الجزء الثاني،

______________________________

(1) التهذيب 1: 222- 633، الاستبصار 1: 17- 31، الوسائل 1: 234 أبواب الأسآر ب 7 ح 1.

(2) التهذيب 1: 222- 637، الاستبصار 1: 17- 35، الوسائل 1: 238 أبواب الأسآر ب 8 ح 8. في الاستبصار و الوسائل: «و لا أحبّ أن أتوضأ منه».

(3) الكافي 3: 10 الطهارة ب 7 ح 1، الوسائل 1: 236 أبواب الأسآر ب 8 ح 1.

(4) الكافي 3: 10 الطهارة ب 7 ح 3، الوسائل 1: 236 أبواب الأسآر ب 8 ح 2.

(5) الكافي 3: 10 الطهارة ب 7 ح 2، الوسائل 1: 234 أبواب الأسآر ب 7 ح 1.

(6) الكافي 3: 11 الطهارة ب 7 ح 4، الوسائل 1: 236 أبواب الأسآر ب 8 ح 3.

(7) التهذيب 1: 222- 636، الاستبصار 1: 17- 34 الوسائل 1: 237 أبواب الأسآر ب 8 ح 7.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 117

بل لو لا تقدّم التخصيص على التجوّز، لأمكن الاستناد فيه إلى تلك العمومات على تضمنها النهي أيضا، بحملها على الكراهة، بمقتضى الجمع بينها و بين موثّقة العيص، سيّما مع شهادة رواية أبي هلال بذلك الجمع.

و كيف كان، يظهر ضعف الاستناد إليها في المنع من التوضؤ، و الشرب، عن سؤر الحائض مطلقا، كما عن المقنع «1».

كما يظهر ضعف القول بكراهة سؤرها كذلك، كما عن الإسكافي «2»، و المبسوط «3»، و المصباح «4»، و الفقيه «5»، بل الأكثر، كما في المدارك «6».

أو مقيّدا بالمتهمة، كما عن الشيخ في النهاية، و الديلمي، و الحلّي [1]، و الفاضلين «8»، و الوسيلة، و شرح القواعد «9»، بل أكثر المتأخّرين.

أو بغير المأمونة، كما عن المقنعة، و المراسم، و الجامع، و المهذّب «10»، و جماعة من المتأخّرين «11».

أو بنجاسته مع التهمة، كما تشعر عبارة الغرر [2] بوجود القول بها، بل نجاسة سؤر كل متّهم.

______________________________

[1] النهاية: 4، السرائر 1: 62، و لم نعثر عليه في المراسم.

[2] لعل المراد به غرر المجامع في شرح المختصر النافع للسيد نور الدين علي أخي صاحب المدارك «مخطوط».

______________________________

(1) المقنع: 10.

(2) نقل عنه في كشف اللثام 1: 30.

(3) المبسوط 1: 10.

(4) نقل عنه في المختلف: 12.

(5) الفقيه 1: 9.

(6) المدارك 1: 135.

(8) المحقق في المعتبر 1: 99، و العلامة في المنتهى 1: 37، و التحرير 1: 5، و التذكرة 1: 6.

(9) الوسيلة: 76، جامع المقاصد 1: 124.

(10) المقنعة: 584، المراسم: 37، الجامع للشرائع: 20، المهذّب 2: 430.

(11) منهم المحقق في الشرائع 1: 16، الشهيد في الذكرى: 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 118

ثمَّ الحكم في الأخبار مختص بالوضوء، فلا يتعدّى إلى غيره

في المنع قطعا.

و قد يتعدّى في الكراهة، للاحتياط، و هو ضعيف.

نعم يمكن التعدّي فيها في غير المأمونة، بإطلاق فتوى كثير من الأصحاب «1»، بل دعوى بعضهم «2» أنّ الظاهر الاتفاق عليه، باعتبار التسامح في أدلّة السنن.

و به يخصّ عموم رواية أبي هلال، في نفي الكراهة عن الشرب، باعتبار التفصيل القاطع للشركة.

فرع: ألحق بعضهم بالحائض المتهمة كلّ متّهم

، و هو المحكي عن الشيخين، و الحلّي، و البيان «3»، و أطعمة المختصر النافع [1].

و لا دليل عليه، إلّا أن يكتفى بفتوى هؤلاء الأعلام في إثبات الكراهة، و لا بأس به في المقام.

نعم يدل بعض ما مرّ على المنع من التوضؤ من سؤر غير المأمونة من الجنب.

و بعد نفي التحريم فيه بظاهر الإجماع لا مناص عن القول بالكراهة فيه.

المسألة الخامسة: لا يكره سؤر المؤمن

، لما روي من أنّ فيه الشفاء «5». و هو و إن كان ظاهرا في الشرب، إلّا أنّه لا قائل بالفصل ظاهرا.

و تدلّ على بعض المطلوب: صحيحة العيص و موثقته «6»، سيما مع ضمّ الأولوية بالنسبة إلى غير الجنب، و غير المرأة.

______________________________

[1] لم يوجد فيه ما يناسب المقام، نعم في أطعمة الشرائع (3: 228):- و كذا يكره أكل ما يعالجه من لا يتوقّى النجاسات.

______________________________

(1) كما في المقنع: 6.

(2) نقله صاحب مفتاح الكرامة 1: 84 عن أستاذه.

(3) المفيد في المقنعة: 584، و الطوسي في النهاية: 89، السرائر 3: 123، البيان 101.

(5) الوسائل 25: 263 أبواب الماء الأشربة المباحة ب 18.

(6) المتقدمتان ص 116.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 119

الفصل التاسع: في الماء المشتبه
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: لا خلاف في وجوب الاجتناب عن الإناءين المشتبهين
اشاره

اللذين أحدهما طاهر و الآخر نجس، و عليه الإجماع في [1] الخلاف، و السرائر، و الغنية، و المعتبر، و التذكرة، و نهاية الإحكام، و المختلف «2»، و هو الحجة عليه، مضافا إلى موثقتي سماعة و الساباطي، المتقدّمتين في بحث القليل «3». و الطعن في حجّيتهما ضعيف من وجوه.

و الاحتجاج للمطلوب، بأنّ يقين الطهارة في كل منهما معارض بيقين النجاسة، فلا دليل على الطهارة المجوّزة للاستعمال. و بأنّ اجتناب النجس واجب، و هو لا يتمّ إلّا باجتنابهما، معا. و بأنّ اشتغال الذمّة بالصلاة يستدعي البراءة اليقينيّة، و هي لا تحصل إلّا بالطهارة بغير هذا الماء. و بأنّ النجس القطعي موجود، فالحكم بطهارة الجميع حكم بطهارة النجس، و بطهارة واحد، ترجيح بلا مرجّح. ضعيف جدّا.

أمّا الأوّل: فبأنّ مورد يقين النجاسة أحدهما لا بعينه، و مورد الطهارة كلّ منهما معيّنا بدلا، فاختلف المحل، فلا يتحقّق التعارض. مع أنّ أصالة الطهارة الشرعية عن المعارض خالية.

و أمّا الثاني: فبمنع وجوب اجتناب النجس مطلقا، بل اللازم الثابت وجوب الاجتناب عن العلم باستعمال النجس، و هو يحصل باجتنابهما معا، و إن لم

______________________________

[1] في «ه»: عن.

______________________________

(2) الخلاف 1: 197، السرائر 1: 85، الغنية (الجوامع الفقهية): 552، المعتبر 1: 103، التذكرة 1: 10، نهاية الاحكام 1: 248، المختلف: 15.

(3) ص 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 120

يجتنب عن كلّ منهما بدلا.

و أمّا الثالث: فبأنّ اللازم تحصيل البراءة الشرعية، و هي تحصيل- بملاحظة الأصل لو لا الإجماع و الأخبار- مع الطهارة بذلك الماء.

و أمّا الرابع: فبأنّ المحكوم به طهارة كل منهما على البدليّة، فلا ترجيح بلا مرجّح.

ثمَّ الحكم هل يختص بالإناءين أو ينسحب إلى الأكثر أيضا؟

و كلماتهم بين المطلق في المشتبه،

كما في الشرائع، و الدروس «1». و مقيّد بالإناءين، مثل النافع، و الإرشاد «2». و مصرّح بالانسحاب، نحو التحرير، و غرر المجامع بل المعتبر «3». و ناصّ على نفيه، كجماعة من المتأخرين [1]، منهم: والدي العلّامة في كتابيه.

و القائل بالانسحاب يخصّص بالمحصور، لتصريح الجماعة بخروج غيره عن هذا الحكم. ففي المسألة قولان:

عدم الانسحاب مطلقا، بمعنى جواز الاستعمال غير المساوي للنجس، للأصل الخالي عن المعارض، و هو الحق.

و الإيراد: بأنّ التمسّك بالأصل في كل فرد ينتج الحكم بطهارة الجميع، ضعيف، لأنّه إنّما هو إذا لم يكن في كل فرد ممّا يساوي النجس على سبيل البدلية.

و الانسحاب في الزائد المحصور، للأدلّة الأربعة الأخيرة المردودة، و للإجماع المنقول في التحرير، الغير القابل للإخراج عن الأصل، لعدم حجيته، و لتنقيح المناط المردود بعدم قطعيّة العلة.

هذا، مع أنّ ما ذكروه في الفرق بين المحصور و غيره غير ناهض، كما بيّنا

______________________________

[1] منهم صاحب المشارق: 282.

______________________________

(1) الشرائع 1: 15، الدروس 1: 123.

(2) المختصر النافع: 4، مجمع الفائدة 1: 281.

(3) التحرير 1: 6، المعتبر 1: 104.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 121

في موضعه.

و من المتأخّرين من استند في الانسحاب و الفرق إلى الاستقراء، و عدّ مواضع قليلة في المحصور و غيره، لإثباته «1».

و لا إشعار في شي ء منها بالتغاير بين المحصور و غيره، مضافا إلى أنّ بمثلها لا يثبت الاستقراء، و لو ثبت لا يكون إلّا ظنيا، و لا حجية فيه.

فروع:

أ: لا فرق فيما ذكر بين ما لو كان الاشتباه حاصلا أوّلا، و بين ما لو حصل بعد التعيّن.

و احتمل في المدارك الفرق: بتحقّق المنع من استعمال المتعيّن، فيستصحب «2».

و ضعفه ظاهر جدا، لأنّ المتعيّن غير متحقّق حتى يستصحب منعه، و

غيره غير متحقّق المنع فيه.

ب: لو كان الاشتباه للشك في وقوع النجاسة، أو في نجاسة الواقع، لا يجب الاجتناب بالإجماع و الأصل.

ج: في اختصاص الحكم بالإنائين، كما عن جملة من المتأخرين «3»، و به صرّح والدي رحمه اللّه، أو انسحابه إلى مثل الغديرين أيضا، كالشيخين، و الفاضلين، بل كثير من الأصحاب [1] قولان:

الأوّل، و هو الأظهر، للأصل. و الثاني، لأنّه مقتضى بعض الأدلّة المقتضية

______________________________

[1] لم نعثر على قول الشيخين و الفاضلين بالانسحاب إلى غير الإناء، بل نسبه في المعالم إلى بعضهم.

نعم، المنسوب إليهم و إلى كثير من الأصحاب هو الانسحاب إلى الأكثر من الإناءين كما مرّ حكمه في ص 120. راجع المعالم: 162، و الحدائق 1: 515.

______________________________

(1) الحدائق 1: 503.

(2) المدارك 1: 108.

(3) منهم صاحب المشارق: 282.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 122

للحكم في الإناءين. و قد عرفت ضعفها.

د: المشتبه بالمشتبه بالنجس كالطاهر، للأصل، و اختصاص الدليل بغيره.

و كون المشتبه بالنجس في حكمه كليّا، ممنوع.

ه: لو لاقى أحد المشتبهين طاهرا لا ينجّسه، وفاقا للثانيين «1»، و المعالم، و المدارك «2»، و جملة من المتأخرين «3»، للأصل.

و خلافا للمنتهى «4»، و السرائر [1]، و الحدائق «6»، لأنّ المشتبه بالنجس في حكمه. و قد مرّ دفعه.

و لأنّ الطاهر بملاقاته المشتبه صار مشتبها، فيجب اجتنابه.

و فيه: منع وجوب الاجتناب عن مثل ذلك المشتبه.

و: لو لم يتمكّن من غير الإناءين يجب التيمّم، دون الصلاة مع كل منهما بعد غسل موضع الملاقاة مع الأوّل إن أمكن، كما إذا وجد ماء مغصوب، بلا خلاف ظاهر فيه، كما في الحدائق «7»، للموثّقين.

ز: ظاهر الموثّقين: اختصاص المنع في الإناءين بالطهارة. و لكن الظاهر عدم الفصل بينها و بين غيرها، من رفع الخبث

و الشرب.

المسألة الثانية: صرّح جماعة من الأصحاب [2]: بأنّ المشتبه بالمغصوب كالمشتبه بالنجس

، فلا يجوز الاستعمال إذا كانا اثنين أو مع الحصر.

______________________________

[1] لم نعثر عليه، و ليس في «ه».

[2] منهم صاحبا المنتهى 1: 31، و الإيضاح 1: 23.

______________________________

(1) ربما يستفاد من جامع المقاصد 1: 151، و الروض: 224.

(2) المعالم: 284، المدارك 1: 108.

(3) منهم صاحب الذخيرة: 138.

(4) المنتهى 1: 30.

(6) الحدائق 1: 514.

(7) الحدائق 1: 518.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 123

و استشكل في الذخيرة «1» و المعتمد، و هو في محله، للأصل، و قوله: «كل شي ء فيه حلال و حرام، فهو لك حلال، حتى تعرف الحرام بعينه» «2».

للمحرّم: ما مرّ من الأدلّة الأربعة التي مرّ ردّها.

و الاشتباه هنا للشك في الغصبية غير معتبر قطعا، لأصالة عدمها.

المسألة الثالثة: إذا اشتبه إناء مطلق أو أكثر بمضاف أو أكثر يتطهر بكل من الكل وجوبا مع الانحصار

، على المصرّح به في كلام القوم، بل في المعتمد:

الإجماع عليه، لتوقّف العلم بالطهارة بالمطلق الواجب عليه. و جوازا مع عدمه، لصدق الامتثال و عدم المانع.

خلافا لظاهر المعتبر و الروض «3» في الثاني، فلا يجوز، لتمكّنه من الجزم في النية.

و فيه: منع وجوبه.

و لو انقلب أحدهما تيمّم، وفاقا لوالدي- رحمه اللّه- في اللوامع و المعتمد، لعدم الوجدان ما يعلم إطلاقه، و هو المأمور بالطهارة به، دون المطلق في نفس الأمر، لتقييد التكليف بالعلم.

و قيل «4» بالطهارة به- لاستصحاب وجوبها- و التيمم، لما مرّ. و لتوقّف العلم برفع الحدث الواجب بالجمع. و بأنّه يحتمل أن يكون مطلقا فتجب الطهارة، و مضافا فالتيمّم و لا مرجّح، فيجب الجمع.

و يضعّف الاستصحاب: بعدم حجيّته هنا، لجواز أن يكون الواجب هو الطهارة به بشرط الاجتماع مع الآخر، بل هو القدر الثابت.

______________________________

(1) الذخيرة: 138.

(2) الفقيه 3: 216- 1002، التهذيب 9: 79- 337، الوسائل 17: 87 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 1.

(3) المعتبر 1:

104، الروض: 156.

(4) جامع المقاصد 1: 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 124

و الباقيان: بمنع توقف العلم برفع الحدث بالجمع، لارتفاعه بالتيمّم مع عدم وجدان ما علم إطلاقه قطعا. و بمنع وجوب الطهارة مع احتمال المطلق، مع أنّه لو تمَّ الأوجب التخيير، دون الجمع.

و الاشتباه هنا يحصل بالتباسهما مع القطع بإطلاق أحدهما. و أمّا الشك فيه أوّلا فكالقطع بعدم الإطلاق، لأصالة عدم الطهورية، و استصحاب الحدث و الخبث.

و في حكم المشتبه بالمضاف المشتبه بالمستعمل في رفع الحدث، إلّا في الشك أوّلا، فإنّه هنا كالقطع بعدم الاستعمال، لأصالة عدمه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 125

الفصل العاشر: في متفرقات من أحكام المياه
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: الماء النجس لا يرفع الحدث مطلقا، و لا الخبث إن كان نجسا ابتداء [1].

و لا يجوز استعماله في الشرب، و إدخاله في المأكول و المشروب اختيارا.

و لو انحصر، تيمّم في الطهارة، و شربه في الشرب، لعدم المندوحة عنه.

المسألة الثانية: الماء المغصوب يرفع الخبث

، لصدق الماء المطلق، و إن حرم استعماله. دون الحدث، للنهي المفسد للعبادة، إلّا مع الجهل أو النسيان، كما يأتي في محله.

المسألة الثالثة: لا كراهة في استعمال ماء العيون الحمية

، للأصل. خلافا للإسكافي «2»، و لا حجّة له.

نعم يكره التداوي به، للنهي المعلّل بأنّه من فوح جهنّم [2].

المسألة الرابعة: يكره الطهارة بالماء المشمّس

بالإجماع المحقّق، و المحكي في الخلاف «4»، و اللوامع، و المعتمد، و هو الحجّة، مع الروايات.

كرواية السكوني: «الماء الذي يسخّنه الشمس لا توضؤوا به و لا تغتسلوا به و لا تعجنوا به، فإنّه يورث البرص» «5».

______________________________

[1] في «ق»: زيادة: (و أما النجس برفع الخبث فيرفعه كما يأتي).

[2] الكافي 6: 389 الأشربة ب 10 ح 1، الوسائل 1: 221 أبواب الماء المضاف ب 12 ح 3. الفيح:

سطوع الحرّ و فورانه، و يقال بالواو. لسان العرب 2: 550.

______________________________

(2) نقله عنه في الذكرى: 8.

(4) الخلاف 1: 54.

(5) الكافي 3: 15 الطهارة ب 10 ح 5، التهذيب 1: 379- 1177، العلل: 281، الوسائل 1:

207 أبواب الماء المضاف ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 126

و المروي في العلل: «خمس تورث البرص» و عدّ منها: «التوضؤ و الاغتسال بالماء الذي يسخّنه الشمس» [1].

و موثّقة إبراهيم بن عبد الحميد: «دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على عائشة و قد وضعت قمقمتها في الشمس، قال: «يا حميراء ما هذا؟ قالت:

أغسل رأسي و جسدي، قال: لا تعودي فإنّه يورث البرص» «2».

و ضعف الأخبار- لو سلّم- لا يضرّ، للتسامح، و الانجبار.

و الإجماع على عدم الحرمة- كما عن الخلاف «3» أيضا- مع مرسلة ابن سنان المنجبر ضعفها لو كان: «لا بأس بأن يتوضأ في الماء الذي يوضع في الشمس» «4».

و النهي عن العود في الموثّقة، دون التطهير في الحال، أوجب حمل النهي على الكراهة.

و يلحق بالطهارة التعجين، لرواية السكوني.

و في الاختصاص بهما، كجماعة منهم: الصدوق «5»، و الدروس [2]،

وقوفا على ظاهر النص، أو التعدّي إلى مطلق الاستعمال، كالنهاية، و المهذّب [3]،

______________________________

[1] لم نعثر عليها في العلل، و هي مرويّة في الخصال: 270- 9، الوسائل 7: 367 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 38 ح 6.

[2] لم نعثر عليه فيه، بل وجدناه في الذكرى: 8.

[3] نسبه إلى النهاية و المهذّب .. في كشف اللثام 1: 32. و الموجود فيهما خلافه كما نبه عليه في مفتاح الكرامة 1: 96.

______________________________

(2) التهذيب 1: 336- 1113، الاستبصار 1: 30- 79، الوسائل 1: 207 أبواب الماء المضاف ب 6 ح 1.

(3) الخلاف 1: 54.

(4) التهذيب 1: 366- 114، الوسائل 1: 208 أبواب الماء المضاف ب 6 ح 3.

(5) الفقيه 1: 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 127

و الجامع «1»، و المعتمد، و اللوامع، استنادا إلى التعليل المذكور في الأخبار لظهور عدم مدخلية الاستعمال الخاص فيه، قولان:

أظهرهما: الثاني إن أرادوا استعماله في البدن، كما هو ظاهر استنادهم إلى التعليل، لا لأجله- لمنع اقتضائه للتعميم، لجواز اختصاصه بما نهي عنه- بل لترك الاستفصال في الموثّقة، بل ظهور قولها: «رأسي و جسدي» في غير الاغتسال.

و الأوّل مع انضمام غسل البدن، إن أرادوا الأعمّ.

و لا فرق في الكراهة على الأشهر الأظهر بين التسخين و التسخّن، لإطلاق الروايتين. خلافا للمحكي عن الخلاف، و السرائر، و الجامع «2»، و هو الظاهر من المختصر النافع «3»، فخصّوا بالأول. و لا وجه له.

و لا بين الأواني المنطبعة، و الخزفيّة، و البلاد الحارة، و الباردة، و الماء الكثير، و القليل، و ما يسخن بالإشراق، أو القرب، لما مر.

و ربما يخص ببعض ما ذكر، لاعتبارات غير مسموعة في مقابلة الإطلاق.

بل ظاهره عدم الفرق بين الآنية، و الحوض، و

النهر، و الساقية، كما يظهر الميل إليه من بعض المتأخرين «4»، إلّا أنّ الفاضل في نهاية الأحكام و التذكرة «5»، ادّعى الإجماع على الاختصاص بالأوّل، و كذا في الغرر.

و لا تزول الكراهة بزوال السخونة، على الأظهر المصرّح به في كلام جماعة من المتأخرين «6»، و استظهره في المنتهى، و احتمله في التذكرة، و قطع به في الذكرى «7»، للاستصحاب، و إطلاق الروايتين. و البناء على اشتراط بقاء المبدأ في

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 20.

(2) الخلاف 1: 54، السرائر 1: 95، الجامع للشرائع: 20.

(3) المختصر النافع: 4.

(4) مجمع الفائدة 1: 292.

(5) نهاية الأحكام 1: 226، التذكرة 1: 3.

(6) منهم صاحب الروض: 161، و الرياض 1: 12.

(7) المنتهى 1: 5، التذكرة 1: 3، الذكرى: 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 128

صدق المشتق و عدمه فاسد، لأنّ هذا النزاع في المشتقّات الخالية عن الزمان.

و لا بانحصار الماء فيه، لما ذكر.

و الأكثر على الزوال حينئذ، لوجوب استعماله فلا يجتمع مع الكراهة.

و يضعف: بأنّ الكراهة في أمثال ذلك بمعنى المرجوحية الإضافية، دون المعنى المصطلح. و لو أريد ذلك، امتنع مع عدم الانحصار أيضا، لامتناع اجتماعه مع الوجوب التخييري أيضا.

المسألة الخامسة: لا يكره استعمال الماء المسخّن في النار، في غير غسل الميت

، بالإجماع، كما في اللوامع، و المعتمد، للأصل.

و يكره فيه كذلك، كما عن الخلاف، و المنتهى «1»، لصحيحة زرارة: «لا يسخن الماء للميت» «2».

و مراسيل ابن المغيرة، و يعقوب بن يزيد، و الفقيه:

و الاولى: «لا يقرب الميت ماء حميما» «3».

و الأخرى: «لا يسخن للميت الماء، لا تعجل له بالنار» «4».

و الثالثة: «لا يسخن الماء للميت الّا أن يكون شتاء باردا» «5».

و الرضوي: «و لا يسخن له ماء إلّا أن يكون باردا جدّا، فتوقي الميت مما توقي منه نفسك، و لا يكون الماء

حارّا شديدا، و ليكن فاترا» «6».

______________________________

(1) الخلاف 1: 692، المنتهى 1: 430.

(2) التهذيب 1: 322- 938، الوسائل 1: 208 أبواب الماء المضاف ب 7 ح 1.

(3) التهذيب 1: 322- 939، الوسائل 2: 499 أبواب غسل الميت ب 10 ح 2.

(4) الكافي 3: 147 الجنائز ب 21 ح 2، التهذيب 1: 322- 937، الوسائل 2: 499 أبواب غسل الميت ب 10 ح 3.

(5) الفقيه 1: 86- 397 و 398، الوسائل 2: 499 أبواب غسل الميت ب 10 ح 4 و 5.

(6) فقه الرضا (ع): 167، المستدرك 2: 174 أبواب غسل الميت ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 129

و تزول الكراهة- كما هو مقتضى الأخيرين- مع البرد الشديد المتعذّر أو المتعسّر معه التغسيل أو الإسباغ. و ينبغي الاقتصار في السخونة على ما يندفع به الضرورة، كما ذكره المفيد، و بعض القدماء [1]، اتّباعا للأخير.

و ربما يلحق بالبرد: تليين أعضائه و أصابعه، بل قيل بتجويزه لذلك من دون ضرورة، لخروجه عن الغسل «2».

و هو مردود: بإطلاق النصوص من دون تعليق على التغسيل.

______________________________

[1] قال في المقنعة: 82 فإن كان الشتاء شديد البرد فليسخن له قليلا. و قال علي بن بابويه في الرسالة على ما في كشف اللثام 1: 32 و ليكن فاترا و استفاد منهما كاشف اللثام القول المذكور.

______________________________

(2) كما في المهذّب 1: 57.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 130

الباب الثاني: في المضاف
اشاره

و هو ما يلزم تقييده، أو لا يتناوله إطلاق الاسم، أو يصحّ سلبه عنه.

و فيه مسائل:

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 1    130     المسألة الاولى: لا يرفع شي ء منه الحدث و لو اضطرارا ..... ص : 130

المسألة الاولى: لا يرفع شي ء منه الحدث و لو اضطرارا

، للإجماع المحقق، و المحكي في المبسوط، و الاستبصار، و التهذيب، و السرائر، و الشرائع، و التذكرة، و نهاية الأحكام، و الغنية، و التحرير «1». و الاستصحاب. و أصالة عدم الطهورية.

و الآية «2». و المستفيضة من النصوص «3».

و خلاف الصدوق في ماء الورد مطلقا «4»، و العماني «5» في المضاف بما سقط في الماء عند الضرورة- مع إمكان إرجاع الثاني الى ما لا يخالف- شاذّ.

و صحيحة ابن المغيرة «6»، و رواية يونس «7»، لا حجيّة فيهما و لا دلالة.

و دعوى صدق الماء المطلق على ماء الورد، كما صدرت عن بعض المتأخّرين «8»، يكذّبها العرف.

______________________________

(1) المبسوط 1: 5، الاستبصار 1: 14، التهذيب 1: 219، السرائر 1: 59، الشرائع 1: 15، التذكرة 1: 5، نهاية الأحكام 1: 236، الغنية (الجوامع الفقهية): 552، التحرير 1: 5.

(2) الفرقان: 50.

(3) الوسائل 1: 201 أبواب الماء المضاف ب 1.

(4) الهداية: 13، الأمالي: 514، و يظهر أيضا من الفقيه 1: 6 بناء على نسخة الأصل حسب ما ذكره المولى التقي المجلسي في روضة المتقين 1: 41.

(5) نقل عنه في المختلف: 10.

(6) التهذيب 1: 219- 628، الاستبصار 1: 15- 28، الوسائل 1: 201 أبواب الماء المضاف ب 1 ح 2.

(7) الكافي 3: 73 الطهارة ب 46 ح 12، التهذيب 1: 218- 627، الاستبصار 1: 14- 27، الوسائل 1: 204 أبواب الماء المضاف ب 3 ح 1.

(8) صاحب المفاتيح (منه رحمه اللّه) 1: 47.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 131

و لا الخبث، للثلاثة الأول، ورود الأمر بالغسل، و هو حقيقة فيما يكون بالماء، للتبادر، و صحة السلب.

و لو منع، فلتقييد مطلقات الغسل بمقيّداته- منضما مع الإجماع المركّب- كقوله عليه السلام: «لا يجزي في البول غير الماء» «1» و «كيف يطهر من غير الماء» «2» و في الصحيح: عن رجل أجنب في ثوب و ليس معه غيره، قال: «يصلّي فيه إلى حين وجدان الماء» «3».

خلافا للمنقول عن المفيد، و السيد «4» مطلقا، و للعماني «5» في حال الضرورة، لأدلّة ضعفها في مقابلة ما ذكر، ظاهر.

المسألة الثانية: ينجس المضاف بالملاقاة مع النجاسة مطلقا

، قليلا كان أو كثيرا، مع تساوي السطوح أو علوّ المنجّس، بالإجماع، كما في المعتبر و المنتهى، و التذكرة «6»، و عن الشهيدين «7»، و هو الحجّة فيه.

مضافا إلى رواية السكوني: عن قدر طبخت، فإذا في القدر فأرة، قال:

«يهراق مرقها، و يغسل اللحم و يؤكل» «8».

و رواية زكريا بن آدم: عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر، قطرت في قدر فيه لحم

______________________________

(1) التهذيب 1: 50- 147، الاستبصار 1: 57- 166، الوسائل 1: 316 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 6 بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 1: 273- 805، الاستبصار 1: 193- 678، الوسائل 3: 453 أبواب النجاسات ب 29 ح 7.

(3) الفقيه 1: 40- 155، و التهذيب 1: 271- 799، و الاستبصار 1: 187- 655، الوسائل 3:

484 أبواب النجاسات ب 45 ح 1 (بتفاوت يسير).

(4) نقل عن المفيد في المدارك 1: 112، الناصريات (الجوامع الفقهية): 183.

(5) نقل عنه في المختلف: 10.

(6) المعتبر 1: 84، المنتهى 1: 22، التذكرة 1: 5.

(7) الأول في الذكرى: 7، و الثاني في الروض: 133، و الروضة 1: 45.

(8) الكافي 6: 261 الأطعمة ب

14 ح 3، التهذيب 9: 86- 365، الوسائل 1: 206 أبواب الماء المضاف ب 5 ح 3. (و في الجميع بتفاوت يسير).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 132

كثير، و مرق كثير. قال: «يهراق المرق، أو يطعم أهل الذمة، أو الكلب، و اللحم اغسله و كله» «1».

و الاختصاص ببعض المضافات، أو النجاسات، غير ضائر، لعدم القول بالفصل، بل هو متحقق «2» بين المضاف «3» و سائر المائعات أيضا.

و على هذا فتدل على المطلوب الصحاح الواردة في السمن الذائب، أو الزيت إذا ماتت فيه فأرة «4». و أكثرها يعمّ الكثير و القليل، فلا وجه لما قيل «5» من أنّ الأوّل خال عن الدليل.

و أمّا مع اختلاف السطوح و دنو المنجّس، ففي المدارك «6» و اللوامع:

التصريح بعدم تنجّس الأعلى.

و في المعتمد: التردّد.

و فصّل بعض سادة مشايخنا «7» بين ما كان بالجريان و عدمه، فقال بالعدم في الأول، و بالتنجّس في الثاني. و هو الحق.

______________________________

(1) التهذيب 1: 279- 820، الوسائل 3: 470 أبواب النجاسات ب 38 ح 8.

(2) في «ق»: يتحقق.

(3) في «ق»: المضافات.

(4) الوسائل 24: 194 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43.

(5) الرياض 1: 10 قال: لا دليل عليه سوى الإجماع.

(6) المدارك 1: 114.

(7) هو بحر العلوم (منه رحمه اللّه).

قال في الدرّة على ما في الجواهر 1: 323

و ينجس القليل و الكثير

منه و لا يشترط التغيير

إن نجسا لاقى عدا جار علا

على الملاقي باتفاق من خلا

فيستفاد منه التفصيل المذكور في المتن، و لكن البيت الأخير يغاير ما في (المطبوع) ص: 6 ففيها: إن نجسا لاقى عدا ما قد علا ..

فلا يفيد التفصيل المذكور.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 133

أما الأول: فللأصل السالم عن المعارض، لاختصاص الأدلّة بغيره، و

تنجّس كل ما لاقى نجسا مع الرطوبة كيف كان غير ثابت.

و أمّا الثاني: فلعموم الرواية الأولى، الحاصل من ترك الاستفصال، مع احتمال غمس الفأرة و موته بعده، و علوّ المرق عليه كلا أو بعضا، بل و كذلك روايات السمن، و الزيت.

للقائل بعدم تنجّس الأعلى مطلقا: الإجماع على عدم سراية النجاسة إلى الأعلى.

و فيه: أنّه بإطلاقه غير محقّق، و منقوله غير حجّة، مع أنّه مذكور في بحث المطلق، فيمكن اختصاصه به.

المسألة الثالثة: لا يطهر بعد التنجّس إلّا بصيرورته مطلقا

، كما يأتي في بحثه.

المسألة الرابعة: لو مزج المضاف بالمطلق، فمع المخالفة في الصفات يعتبر إطلاق الاسم

إجماعا، و كذا مع الموافقة على الأظهر، لدوران الأحكام مع الاسم.

و المناط إطلاق المطّلع على الحال، كما هو كذلك في سائر الإطلاقات، فالمقام خال عن الإشكال.

و الشيخ أناط الحكم بالأكثرية، و مع التساوي أثبت له أحكام المطلق، لأصالة الإباحة «1».

و يضعّفه: فقد الدليل على الإناطة، و استصحاب الحدث و الخبث، و منع الأصل مع عدم صدق الاسم.

و في المختلف اعتبر التقدير «2». و هو خال عن الدليل.

______________________________

(1) المبسوط 1: 8.

(2) المختلف: 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 134

و جعل طائفة من المتأخرين المناط الاستهلاك [1].

و فيه: مع أنّه لا يعلم منه حكم التساوي، أنّه قد يرتفع الإطلاق مع عدم الاستهلاك.

و القاضي جوّز استعماله في غير رفع الحدث و الخبث مطلقا «2». و هو راجع إلى جعله مضافا

المسألة الخامسة: لو أمكن تتميم ما لا يكفي من المطلق للتطهّر بالمزج مع المضاف بشرط بقاء الإطلاق

، جاز وفاقا.

و في وجوبه- كالمشهور- لصدق الوجدان، و منع شمول موجبات التيمّم مع فقد الماء لمثل المقام، أو عدمه- كما عن الشيخ «3»- لعدم الوجود، و كونه اكتسابا كتحصيل الاستطاعة و النصاب، قولان، أحوطهما: الأول.

______________________________

[1] منهم صاحبا الحدائق 1: 410، و المشارق: 261.

______________________________

(2) المهذب 1: 24.

(3) المبسوط 1: 9، 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 135

المقصد الثاني: في الطهارة من الخبث

اشاره

و لتوقفها على معرفة أقسام النجاسات، و لوازمها الشرعية، و أقسام المطهرات، رتّبته على ثلاثة أبواب

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 136

الباب الأول: في أقسام النجاسات
اشاره

و هي عشرة: البول، و الغائط، و المني، و الميتة، و الدم، و الكلب، و الخنزير، و الكافر، و الخمر، و الفقاع. و نذكرها مع بعض ما يناسبها في فصول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 137

الفصل الأول: في البول و الغائط
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لا خلاف في نجاستهما من كلّ ذي نفس سائلة غير مأكول اللحم، سوى الطير، و الرضيع

، فإنّ فيهما خلافا يأتي، و على ذلك الإجماع محقّقا و منقولا في كلام جمع من المحقّقين «1»، بل في البعض «2»: بالضرورة من الدين.

و هو الحجّة.

مضافا إلى المستفيضة الدالّة على الحكم في مطلق البول، كالمروي عن النبي المنجبر بالعمل: «تنزّهوا عن البول» «3»، و الروايات الآمرة بغسل الثوب و الجسد من البول إذا أصابه مرّة أو مرّتين «4».

أو في بول كل ما لا يؤكل لحمه، كحسنة ابن سنان: «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» «5».

المؤيدة في الجملة بحسنة زرارة: «لا تغسل ثوبك من بول شي ء ممّا يؤكل لحمه» «6» و المروي في قرب الإسناد: «لا بأس ببول ما أكل لحمه» «7».

أو في بعض الأبوال، الدالّ على المطلوب بضميمة الإجماع المركّب،

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 550، المعتبر 1: 410، المنتهى 1: 159 و 160.

(2) قال في غنائم الأيام: 59 بل ضروري في بول الإنسان.

(3) سنن الدار قطني 1: 127- 2: و فيه «تنزهوا من البول ..».

(4) الوسائل 3: 395 أبواب النجاسات ب 1.

(5) الكافي 3: 57 الطهارة ب 37 ح 3، التهذيب 1: 264- 770، الوسائل 3: 405 أبواب النجاسات ب 8 ح 2.

(6) الكافي 3: 57 الطهارة ب 37 ح 1، التهذيب 1: 246- 710، الوسائل 3: 407 أبواب النجاسات ب 9 ح 4.

(7) قرب الإسناد: 156- 573، الوسائل 3: 410 أبواب النجاسات ب 9 ح 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 138

كالواردة في بول الإنسان، كالأخبار الآمرة بغسل مخرجه «1»، و بغسل بول الصبيّ الذي أكل «2»، و صبّ بول الرضيع «3»، و بإعادة الصلاة بعد غسله إذا نسيه و صلّى، كرواية الحسن بن زياد: عن الرجل يبول

فيصيب بعض فخذه نكتة من بوله، فيصلّي ثمَّ يذكر بعد أنّه لم يغسله قال: «يغسله و يعيد صلاته» «4».

أو بول السنّور، كرواية سماعة «إن أصاب الثوب شي ء من بول السنّور فلا يصلح للصلاة فيه حتى يغسله» «5».

و الدالّة عليه في خرء كل ما لا يؤكل، كالمروي في المختلف عن كتاب عمّار، المنجبر بالعمل: «خرء الخطاف لا بأس به، هو مما يؤكل لحمه» «6» دلّ بالتعليل على انتفاء المعلول بانتفائه.

أو في عذرة الإنسان كرواية علي- المتقدمة- في الجاري «7».

و صحيحة علي بن محمد: عن الفأرة، و الدجاجة، و الحمامة، و أشباهها، تطأ العذرة ثمَّ تطأ الثوب، أ يغسل؟ قال: «إن كان استبان من أثره شي ء فاغسله» «8».

و الاستدلال على عذرة كل ما لا يؤكل بهما غير جيّد، لعدم ثبوت إطلاق العذرة على غير غائط الإنسان، فإنّ كلام جمع من اللغويين- كابن الأثير «9»،

______________________________

(1) الوسائل 1: 294 أبواب نواقض الوضوء ب 18 و 315 أبواب أحكام الخلوة ب 9.

(2) الوسائل 3: 397 أبواب النجاسات ب 3.

(3) الوسائل 3: 397 أبواب النجاسات ب 3.

(4) الكافي 3: 17 الطهارة ب 12 ح 10، التهذيب 1: 268- 789، الاستبصار 1: 181- 632، الوسائل 3: 428 أبواب النجاسات ب 19 ح 2.

(5) الكافي 3: 58 الطهارة ب 37 ح 8، التهذيب 1: 420- 1329، الوسائل 3: 404 أبواب النجاسات ب 8 ح 1.

(6) المختلف: 679، الوسائل 3: 411 أبواب النجاسات ب 9 ح 20.

(7) ص 23.

(8) التهذيب 1: 424- 1347، قرب الإسناد: 193- 729، الوسائل 3: 467 أبواب النجاسات ب 37 ح 3.

(9) النهاية 3: 199.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 139

و الهروي، و غيرهما- صريح في الاختصاص، و لا

تصريح لأحد منهم بالعموم.

نعم فسّر في الصحاح، و القاموس «1»، الخرء بالعذرة. و هو يفيد التعميم لو كان الخرء عامّا حقيقة.

و فيه تأمّل، إذ فسره في المصباح و المجمع «2»: بالغائط الذي هو بفضلة الإنسان مخصوص، على ما صرّحوا به و يستفاد من وجه تسميته.

مع [أن ] «3» تصريح البعض بالعموم- لو كان- لم يكن حجّة، للتعارض.

و الاستعمال في بعض الروايات «4» في غير فضلة الإنسان لا يثبت الحقيقة.

و على هذا فإثبات المطلوب من مثلهما، بل ممّا ورد في عذرة الإنسان، و السنّور، و الكلب، كصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه: عن الرجل يصلي و في ثوبه عذرة من إنسان، أو سنّور، أو كلب، أ يعيد صلاته؟ قال: «إن كان لم يعلم فلا يعيد» «5» بضميمة عدم القول بالفصل، كما أنّ بعد ثبوت الحكم في بول ما لا يؤكل يثبت في روثة (به) «6» أيضا.

ثمَّ تخصيص الدليل على المطلوب بالإجماع، و الحكم بالطهارة في موضع وقع فيه النزاع، و ردّ دلالة الأخبار بعدم الملازمة بين ما ورد فيها و بين النجاسة، لاحتمال كونها من جهة استصحاب المصلّي فضلات ما لا يؤكل، مضافا إلى أخصّيتها من المدّعى، إذ غايتها الإطلاق في البول، أو العذرة، المنصرف إلى المتبادر منهما و هو بول الإنسان، كما فعله بعض معاصرينا «7».

______________________________

(1) الصحاح 1: 46، القاموس المحيط 1: 14.

(2) المصباح المنير: 167، مجمع البحرين 1: 167.

(3) أضفناه لاستقامة المعنى.

(4) كصحيحة عبد الرحمن الآتية.

(5) الكافي 3: 406 الصلاة ب 66 ح 11، التهذيب 2: 359- 1487، الاستبصار 1:

180- 630، الوسائل 3: 475 أبواب النجاسات ب 40 ح 5.

(6) لا توجد في «ه».

(7) الرياض 1: 82.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 140

فاسد،

لثبوت الملازمة بين الغسل و النجاسة بالإجماع المركّب، و عدم صلاحية حرمة استصحاب المصلّي لفضلة ما لا يؤكل جهة له، لأنّها غير موجبة للغسل إجماعا، بل غاية ما يلزمها إزالة العين كيف ما كان، سيّما مع الفرق بين بول الرضيع و غيره: بالصبّ و الغسل، و الأمر «1» بالغسل و عدم جواز الصلاة قبله في بول كل أحد نفسه، مع أنّ الفضلة الطاهرة من كلّ أحد في صلاته معفوّة قطعا.

مضافا إلى أنّ النهي في رواية علي «2» إنّما هو عن التوضؤ بماء دخله مثل الدجاجة الواطية للعذرة، و الجهة المذكورة فيه غير جارية.

و أمّا الأخصّية فهي بإطلاقها ممنوعة، كيف و البول حقيقة في المطلق؟! و أكثريّة كون ما في الثوب، أو الجسد بول الإنسان- لو سلّم- لا يوجب انصراف السؤالات الفرضية إليه، سيّما مع التصريح بكون غيره فيه أيضا في الأخبار المستفيضة، كحسنتي ابن سنان و زرارة، و موثّقة سماعة «3»، و صحيحة عبد الرحمن «4»، هذا.

ثمَّ الاستدلال على المطلوب، بروايات النزح «5»، و بما دلّ على وجوب إخراج خرء الفأر عن الدقيق، كالمروي في الدعائم «6»، و المسائل «7»، غير جيّد، لضعف الأوّل: بعدم الملازمة بين استحباب النزح، بل وجوبه، و بين النجاسة، و الثاني:

بجواز كونه للحرمة.

______________________________

(1) في «ق» و «ه»: الآمرة.

(2) المتقدمة ص 23.

(3) المتقدمة ص 138.

(4) المتقدمة ص 139.

(5) الوسائل 1: أبواب الماء المطلق من ب 15- 22.

(6) الدعائم 1: 122، المستدرك 16: 195 أبواب الأطعمة المحرمة ب 31 ح 4.

(7) البحار 10: 276، و رواه في الوسائل 24: 236 أبواب الأطعمة المحرمة ب 64 ح 3 عن قرب الاسناد: 275- 1093.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 141

المسألة الثانية: الحقّ طهارة بول الطير و ذرقه مطلقا

، وفاقا فيهما

للصدوق «1»، و العماني، و الجعفي «2»، و المعالم «3»، من المتأخرين، و الحدائق «4»، من متأخّريهم، و في الثاني للمدارك، و الذخيرة، و كفاية الأحكام، و البحار «5»، مع نفي البعد عن طهارة الأول في الأول، و التردّد في الثانيين، و الاستشكال في الرابع، و للمبسوط «6»، في غير الخشّاف. للأصل.

و حسنة أبي بصير: «كلّ شي ء يطير فلا بأس بخرئه و بوله» «7».

و كونها مخصوصة «8» بالخشاف [إجماعا] «9» فيختصّ بما شاركه في العلّة، و هو: عدم كونه مأكولا، مردود: بمنع الإجماع المدّعى أولا، و عدم تعليله بما ذكر- لو سلّم- ثانيا.

و موثّقة غياث: «لا بأس بعدم البراغيث و البق و بول الخشاشيف» «10» المثبتة لتمام المطلوب بالإجماع المركّب.

المؤيّدتين بالمرويين في البحار، أحدهما عن جامع البزنطي: «خرء كل شي ء يطير و بوله لا بأس به» «11» و الآخر عن نوادر الراوندي: عن الصلاة في الثوب الذي

______________________________

(1) الفقيه 1: 41، المقنع: 5.

(2) نقله عنهما في الذكرى: 13.

(3) المعالم: 198.

(4) الحدائق 5: 11.

(5) المدارك 2: 262، الذخيرة: 145، الكفاية: 11، البحار 77: 111.

(6) المبسوط 1: 39.

(7) الكافي 3: 58 الطهارة ب 37 ح 9، التهذيب 1: 266- 779، الوسائل 3: 412 أبواب النجاسات ب 10 ح 1.

(8) كما عن المختلف: 56.

(9) أضفناه لاستقامة المعنى.

(10) التهذيب 1: 266- 778، الاستبصار 1: 188- 659، الوسائل 3: 413 أبواب النجاسات ب 10 ح 5.

(11) البحار 77: 110، المستدرك 2: 560 أبواب النجاسات ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 142

فيه أبوال الخفافيش؟ فقال: «لا بأس» «1».

و الاستدلال بترك الاستفصال في صحيحة علي: عن رجل في ثوبه خرء الطير أو غيره، هل يحكّه و هو في صلاته؟

قال: «لا بأس به» «2» ضعيف، لأنّه إنّما يتمّ لو كان السؤال عن خرء الطير، و كان المعنى لا بأس بخرئه.

و الظاهر أنّ السؤال عن الحك في الصلاة، و ذكر ما ذكر من باب التمثيل.

و المعنى: لا بأس بالحك.

و يؤيده: عدم الاستفصال في الغير، و قوله بعد ذلك: «و لا بأس أن يرفع الرجل طرفه إلى السماء و هو يصلي» و إيراد الأصحاب لها في مسألة ما لا يجوز للمصلي فعله.

خلافا للشيخ في المبسوط «3»، في الخشاف، لرواية الرقي: عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي فأطلبه و لا أجده، قال: «اغسل ثوبك» «4» فإنّه يخصّص بها عموم ما مرّ، المخصّص للعمومات السابقة عليه.

و يضعف: بالمعارضة مع موثّقة غياث «5» المؤيّدة بما مرّ.

و الاولى و إن رجحت بالشهرة فتوى، و لكن الثانية ترجّح بالعلوّ سندا، و الأوثقيّة رجالا، و الأظهريّة دلالة، و للأصل موافقة فلو لا ترجيح الثانية لتساويا، و يكون المرجع: الأصل و عمومات الطير.

و جعل الموثّقة شاذّة، أو حملها على التقية- كما في التهذيب «6»- لا وجه له،

______________________________

(1) البحار 77: 110- 13، لم نجده في النوادر المطبوع.

(2) الفقيه 1: 164- 775، الوسائل 7: 284 أبواب قواطع الصلاة ب 27 ح 1.

(3) المبسوط 1: 39.

(4) التهذيب 1: 265- 777، الاستبصار 1: 188- 658، الوسائل 3: 412 أبواب النجاسات ب 10 ح 4.

(5) المتقدمة ص 141.

(6) التهذيب 1: 266.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 143

لعمل جماعة من القدماء «1» بها، و عدم قرينة على التقيّة فيها.

نعم المظنون كون الموثقة لشهرة القدماء مخالفة، و حينئذ فالاحتياط عن بول الخشاف أولى.

و للمشهور- كما في الخلاف «2» و المعتبر «3»- في غير المأكول من الطير مطلقا، لنقل الإجماع من

الفاضلين «4»، و توقّف حصول البراءة اليقينية عليه، و عمومات البول، و العذرة المتقدمة «5».

و حسنة ابن سنان «6»، بضميمة الإجماع المركّب في الخرء.

و رواية المختلف «7».

و يرد على الأول:- مضافا إلى منع حجية الإجماع المنقول- أن ذكرهما الخلاف في الطير بعد ادّعائهما الإجماع في مطلق ما لا يؤكل بقولهما: أجمع علماء الإسلام، قرينة على إرادتهما غير الطير، فإنّه كيف يصح هذا القول منهما مع مخالفة جماعة من عظماء الإمامية؟

و مما يوضح ذلك: أن المحقق بعد ما قال: البول و الغائط ممّا لا يؤكل نجس و هو إجماع علماء الإسلام، قال: و في رجيع الطير للشيخ قولان- إلى أن قال- و الآخر أن كل ما أكل فذرقه طاهر، و ما لا يؤكل فذرقه نجس، و به قال أكثر الأصحاب، و محمد بن الحسن الشيباني «8». فإن قوله: و به قال أكثر الأصحاب،

______________________________

(1) و هم الصدوق و العماني و الجعفي المتقدم ذكرهم ص 141 رقم 1، 2.

(2) الخلاف 1: 485 ادعى الإجماع على نجاسة بول و روث و ذرق كل ما لا يؤكل لحمه.

(3) المعتبر 1: 411.

(4) أراد به الإجماع على نجاسة البول و الغائط من كل حيوان غير مأكول اللحم كما تقدم ص 137، رقم 1.

(5) ص 137- 138.

(6) المتقدمة ص 137.

(7) المتقدمة ص 138.

(8) المعتبر 1: 410، 411.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 144

قرينة واضحة على أنّ مراده من قوله: و هو إجماع علماء الإسلام، في غير الطير.

و على الثاني: بحصول البراءة اليقينية شرعا بعد الدليل الشرعي على الطهارة.

و على الثالث:- مضافا إلى عدم ثبوت إطلاق العذرة على غير الغائط من الإنسان- أنه إما عام مطلق بالنسبة إلى أخبار الطير، فيجب تخصيصه بها،

أو أعم من وجه، لخروج بول ما يؤكل منه إجماعا، فيجب الرجوع إلى الأصل.

و ترجيح العمومات بعمل الأكثر معارض بما مر من موافقة أخبار الطير للأصل، و عمومات الطهارة، و أظهريّة الدلالة، مع أنّ إيجاب مثل هذه المرجحات للترجيح عندنا غير ثابت، و الأشهرية المنصوص عليها هي ما في الرواية، دون الفتوى.

و بهذا يردّ الأخيران أيضا.

مضافا إلى ما في أولهما من منع الإجماع المركب بالنسبة إلى بول الطير و خرئه، كما عرفت من قطع جماعة في حكم خرئه، و التردد في بوله.

و من أن الطير إما فاقد للبول، كما هو الظاهر في أكثر الطيور، حيث لم يطّلع أحد على بول له و يستبعد وجوده، و عدم الاطلاع عليه سيّما في المأنوسة.

و أما ذكره في الأخبار فلا يدلّ على وجوده لكل طير، بل غايته وجوده لنوع، هو الخشاف المذكور بوله فيها، و المحكي مشاهدته منه، و اختلاف الطيور في ذلك ممكن، كما في الولودية. فيسقط الاستدلال به رأسا، أما على نجاسة البول:

فظاهر، و أما الرجيع: فلأنّ عدم الفصل إنما يكون لو كان له بول.

و القول: بأنه لو فرض له بول يكون نجسا، و كل ما كان كذلك فرجيعه نجس بالإجماع المركّب، باطل، لمنع أنّه لو فرض له بول يكون نجسا، لأنّ الأحكام لا ترد على الموضوعات الفرضية المحضة.

سلّمنا، و لكن نمنع تحقق الإجماع المركب في مثله و إنما «1» هو [في ]

______________________________

(1) في «ه»: انما.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 145

[المتحقق ] «1» و الحكم بنجاسته.

أو بوله «2» مشكوك فيه، فالكلام فيه أيضا كالفاقد.

و من هذا يظهر جواب آخر عن عمومات البول.

و ما في ثانيهما «3» من أنّ دلالته على نجاسة الخرء مما لا يؤكل، بالعليّة الموجبة

لانتفاء المعلول بانتفاء العلة، و هو إنما يكون لو لم تقم علة أخرى مقامها. و نفي قيام الأخرى لا يكون إلا بالأصل الزائل بعمومات الطهارة في الطير. مع أن مفهومه ليس إلا ثبوت نوع بأس في خرء ما لا يؤكل، فلعلّه لمنع استصحابه في الصلاة، دون النجاسة.

المسألة الثالثة: بول الرضيع نجس على الأشهر الأظهر

، للإجماع المحقق و المحكي «4» مستفيضا، و المروي عن النبي المتقدم «5» المنجبر بالعمل.

و الاستدلال بجعل مطلق البول كالمني، في إعادة الصلاة منه، كما في صحيحة محمد «6»، أو بموجبات الصب أو غسل مطلق البول- ضعيف، لجواز كون الإعادة من جهة كونه فضلة غير المأكول، و عدم الملازمة بين وجوب الصبّ و النجاسة، بل الظاهر إيجاب المخالف له أيضا، و لذا جعل بعضهم نزاعه لفظيّا، و إن لم يكن كذلك. و عدم وجوب الغسل هنا إجماعا.

و دعوى صدقه على الصب: بمخالفة العرف، و صحة السلب، و تبادر الغير، و تقابلهما في الأخبار- مردودة، مع أن غالب موجبات الغسل بين موجب

______________________________

(1) في جميع النسخ تحقّق و ما أثبتناه لاستقامة المعنى.

(2) عطف على قوله: إما فاقد ..

(3) عطف على قوله: ما في أولهما.

(4) التذكرة 1: 6، و لعله يستفاد من الناصريات (الجوامع الفقهية): 181. و حكى غير واحد دعوى الإجماع من السيد المرتضى.

(5) ص 137 الهامش (3).

(6) الفقيه 1: 161- 758، التهذيب 1: 252- 730، الوسائل 3: 424 أبواب النجاسات ب 16 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 146

للمرتين المنفيين هنا إجماعا، و بين مصرح ببول الرجل.

و من ذلك يظهر عدم صحة الاستدلال بموثقة سماعة الآمرة بغسل الثوب عن بول الصبي «1».

و أضعف منها: الاحتجاج بالمرويّ عن كتاب الملهوف عن أم الفضل: أنها جاءت بالحسين عليه السلام

إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فبال على ثوبه، فقرضته، فبكى، فقال: «مهلا يا أم الفضل، فهذا ثوبي يغسل، و قد أوجعت ابني» «2» فإنّه مع عدم دلالته على وجوب الغسل، غير دال أنه كان قبل أن يعلم.

خلافا للإسكافي «3»، لرواية السكوني و الرضوي: «لبن الغلام لا يغسل منه الثوب و لا بوله» «4».

و المروي في نوادر الراوندي: «بال الحسن و الحسين على ثوب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبل أن يطعما، فلم يغسل بولهما من ثوبه» «5».

و يضعفان- بعد عدم صلاحيتهما للحجية-: بمنع الملازمة بين انتفاء الغسل و الطهارة. و الجمع بين البول و اللبن لا يدل على أزيد من اتحادهما في عدم الغسل.

المسألة الرابعة: بول كل مأكول اللحم و روثه طاهر

، بالإجماع، حتى الدجاج على الأشهر، للأصل، و الاستصحاب، و للمستفيضة، كحسنة زرارة،

______________________________

(1) التهذيب 1: 251- 723، الاستبصار 1: 174- 604، الوسائل 3: 398 أبواب النجاسات ب 3 ح 3.

(2) الملهوف: 6، الوسائل 3: 405 أبواب النجاسات: ب 8 ح 5.

(3) نقل عنه في المختلف: 56.

(4) التهذيب 1: 250- 718، الاستبصار 1: 173- 601، الوسائل 3: 398 أبواب النجاسات ب 3 ح 4، فقه الرضا (ع): 95، المستدرك 2: 554 أبواب النجاسات ب 2 ح 1.

(5) نوادر الراوندي: 39، المستدرك 2: 554 أبواب النجاسات ب 2 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 147

و روايتي قرب الإسناد، و المختلف المتقدمة «1»، و صحيحة البصري، و روايته الآتيتين في المسألة الخامسة «2».

و الموثّقتين، إحداهما للساباطي: «كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه» «3».

و الأخرى لابن بكير: «و إن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره، و بوله، و شعره، و

روثه، و ألبانه، و كل شي ء منه، جائزة» «4».

و رواية وهب بن وهب: «لا بأس بخرء الحمام و الدجاج يصيب الثوب» «5».

خلافا للمنقول عن الصدوقين «6»، و الشيخين «7»، في ذرق الدجاج، لرواية فارس: كتب إليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج تجوز الصلاة فيه؟ فكتب:

«لا» «8».

و هي لمخالفتها لشهرة القدماء، و معارضتها لرواية وهب، غير صالحة لتخصيص العمومات و دفع الأصل.

و الحمل على الجلال ممكن، فإن المصرّح به في كلامهم نجاسة ذرقه، بل في المختلف، و اللوامع: الإجماع عليها «9»، و في التذكرة، و التنقيح: نفي الخلاف

______________________________

(1) ص 137- 138.

(2) سيأتي في ذكرهما في 151.

(3) التهذيب 1: 226- 781، الوسائل 3: 409 أبواب النجاسات ب 9 ح 12.

(4) الكافي 3: 397 الصلاة ب 65 ح 1، التهذيب 2: 209- 818، الاستبصار 1: 383- 1454، الوسائل 4: 345 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1.

(5) التهذيب 1: 283- 831، الاستبصار 1: 177- 618، الوسائل 3: 412 أبواب النجاسات ب 1 ح 2.

(6) المقنع: 5.

(7) المقنعة: 71، التهذيب 1: 266، المبسوط 1: 36.

(8) التهذيب 1: 266- 782، الاستبصار 1: 178- 619، الوسائل 3: 412 أبواب النجاسات ب 10 ح 3.

(9) المختلف: 55.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 148

عنها «1». إلا أن أخبار طهارة بول الطير و خرئه. من غير معارض من الأخبار- لما عرفت من عدم ثبوت بول له، و عدم دلالة ما فيه ذكر الخرء- تنفيها [1]، فإن ثبت الإجماع عليها، و إلا فالأصل يقتضي الطهارة.

المسألة الخامسة: و من المأكول اللحم: الدواب الثلاث، فأبوالها و أرواثها طاهرة

، وفاقا للمعظم، و منهم: الشيخ في المبسوط و التهذيب، بل في غير النهاية «3»، كما في الذخيرة «4»، و فيه: أن عليها اتفاق من عدا الإسكافي، و في

المعتبر: أن عليها عامة الأصحاب «5». بل عليها الإجماع المحقق لندور [2] المخالف.

و هو الحجة عليها، مضافا إلى ما مر من الأصل، و الاستصحاب، و عمومات طهر ما يؤكل.

و احتمال إرادة ما يعتاد أكله، أو جعله اللّه للأكل، حيث إن المراد منه معناه المجازي قطعا، و هو كما يمكن أن يكون ما من شأنه، أو يجوز أن يؤكل شرعا، يمكن أن يكون أحد المعنيين، بل الأخير هو المستفاد من بعض الأخبار «7»، المؤكد بأخبار أخر «8»، عاطفة لما يؤكل على هذه الدواب- مدفوع: برواية المختلف المتقدمة «9»، و عدم دلالة ما أشار إليه من الأخبار على أن مراد الإمام مما يؤكل

______________________________

[1] في «ح» و «ق»: بنفسها و في «ه»: بنفيها، و الظاهر انهما تصحيف لما أثبتناه، و الضمير راجع الى النجاسة، و الجملة خبر لقوله: ان أخبار طهارة.

[2] في «ق»: لندرة.

______________________________

(1) التذكرة 1: 6، التنقيح 1: 146.

(3) المبسوط 1: 36، التهذيب 1: 265، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 171.

(4) الذخيرة: 145.

(5) المعتبر 1: 413.

(7) كرواية زرارة المروية في تفسير العياشي 2: 255- 6 و راجع الحدائق 5: 27.

(8) كصحيحة البصري الآتية في ص 151.

(9) ص 138.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 149

(الذي حكم بطهارة بوله و روثه) [1] ما جعله اللّه للأكل. و إرادته منه في بعض الأخبار بقرينة العطف، لا تدلّ على إرادته في غيره أيضا.

و قد يدفع احتمال الاعتياد: بأنه لو كان المراد، لشمل مثل الخنزير، و الأرنب، و اليربوع.

و فيه: أن الاعتياد المأخوذ في معاني الألفاظ هو ما في عرف المتكلم، أو المخاطب، أو هما، أو البلد.

و منه يضعّف تتميم الدليل على احتمال الاعتياد: باعتياد أكل الفرس، بضم الإجماع المركب في

أخويه.

و يدل على المطلوب أيضا: خصوص رواية المعلى و ابن أبي يعفور: كنا في جنازة و قربنا حمار، فبال، فجاءت الريح ببوله حتى صكّت وجوهنا و ثيابنا، فدخلنا على أبي عبد اللّه فأخبرناه، فقال: «ليس عليكم شي ء» «2».

و اختصاصها بالحمار- لعدم الفصل- غير ضائر.

و رواية أبي الأغر: إني أعالج الدواب ربما خرجت بالليل و قد بالت و راثت فتضرب إحداهما برجلها أو يدها، فينضح على ثيابي، فأصبح فأرى أثره فيه، فقال: «ليس عليك شي ء» «3».

و الصحيحتان المرويّتان في قرب الإسناد: إحداهما لابن رئاب، المصرّحة بجواز الصلاة في ثوب أصابه الروث الرطب «4».

و الأخرى لعلي: عن الثوب يوضع في مربط الدابة على أبوالها و أرواثها،

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ه».

______________________________

(2) التهذيب 1: 425- 1351، الاستبصار 1: 180- 628، الوسائل 3: 410 أبواب النجاسات ب 9 ح 14.

(3) الكافي 3: 58 الطهارة ب 37 ح 10، الفقيه 1: 41- 164، الوسائل 3: 407 أبواب النجاسات ب 9 ح 2.

(4) قرب الاسناد: 163- 597، الوسائل 3: 410 أبواب النجاسات ب 9 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 150

قال: «إن علق به شي ء فله غسله [1]، و إن أصابه شي ء من الروث أو الصفرة التي معه فلا يغسله من صفرة» «2».

و في جامع البزنطي عن الصادق عليه السلام: «أنا و اللّه ربما وطئت على الروث ثمَّ أصلّي و لا أغسله» «3».

و موثّقة الحلبي: في السرقين الرطب أطأ عليه؟ فقال: «لا يضرّك مثله» «4».

و ضعف بعضها سندا، كاختصاص البعض بالروث، غير ضائر، لانجبار الأول بالعمل، و الثاني بالإجماع المركب، كما هو المحقق، و المصرح به في المختلف، و الذخيرة «5»، و اللوامع، و في الناصريات: إنه لم

يقل أحد من الأمة أن الروث طاهر، و البول نجس «6». و مخالفة بعض المتأخرين- كما يأتي- لا يوجب قدحا فيه.

و منه يتّجه الاستدلال بالمستفيضة الآتية «7»، الآمرة بغسل الثوب عن بولها، دون روثها.

و لا يمكن المعارضة فيها بالعكس، لإمكان توجيه الأخبار على الأول، بحمل الأمر على الاستحباب بقرينة طهارة الروث، بل يتعين ذلك، لأن الحمل على الحقيقة إنما هو مع خلوّ الكلام عما يصلح قرينة للتجوّز، و لا يمكن ذلك في العكس.

و ممّا يثبت المطلوب: لزوم العسر و الحرج المنفيّين لولاه، كما علّل به الإمام

______________________________

[1] في المصدر: فليغسله.

______________________________

(2) قرب الاسناد: 282- 1119، الوسائل 3: 411 أبواب النجاسات ب 9 ح 19.

(3) رواها في مستطرفات السرائر عن نوادر البزنطي: 27- 28.

(4) الكافي 3: 38 الطهارة ب 24 ح 3، الوسائل 3: 407 أبواب النجاسات ب 9 ح 3.

(5) المختلف: 56، الذخيرة: 146.

(6) الناصريات (الجوامع الفقهية): 180.

(7) في ص 154.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 151

طهارة الأرواث في بعض الأخبار، و أبوالها أيضا كذلك، بل أشدّ، لترشّحها في الأغلب- سيّما في الأسفار- على الراكب و الأحمال و ما قاربها.

خلافا للإسكافي، و الشيخ في النهاية «1»، فقالا بالنجاسة في أبوالها و أرواثها- و هو مذهب أبي حنيفة، و الشافعي، كما في الناصريات و الانتصار، و المعتبر «2»، و أبي يوسف أيضا، كما في الأولين- لعمومات نجاسة البول و العذرة مطلقا، و نجاستهما ممّا لا يؤكل «3»، بالتقريب المذكور في المراد ممّا يؤكل.

و خصوص صحيحة البصري، و روايته، الاولى: عن الرجل يمسّ بعض أبوال البهائم أ يغسله أم لا؟ قال: «يغسل بول الفرس، و البغل، و الحمير، و أما الشاة، و كل ما يؤكل لحمه، فلا بأس

ببوله» «4». و قريبة منها الثانية «5».

و روايتي أبي بصير، إحداهما: عن الماء النقيع تبول فيه الدواب، فقال:

«إن تغيّر الماء فلا يتوضأ منه» «6».

و الأخرى: عن كر من ماء مررت فيه و أنا في سفر، قد بال فيه حمار، أو بغل، أو إنسان، قال: «لا تتوضأ منه» «7».

و صحيحة محمد: عن الماء تبول فيه الدواب، و تلغ فيه الكلاب، و يغتسل فيه الجنب، قال: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء» «8».

______________________________

(1) نقل عن الإسكافي في المختلف: 56، النهاية: 51.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 180، الانتصار: 201، المعتبر 1: 411.

(3) المتقدمة ص 137- 138.

(4) التهذيب 1: 247- 711، الاستبصار 1: 179- 624، الوسائل 3: 409 أبواب النجاسات ب 9 ح 9: و في المصادر: يمسّه.

(5) التهذيب 1: 422- 1337، الوسائل 3: 409 أبواب النجاسات ب 9 ح 10.

(6) التهذيب 1: 40- 111، الاستبصار 1: 9- 9، الوسائل 1: 138 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 3.

(7) التهذيب 1: 40- 110، الاستبصار 1: 8- 8، الوسائل 1: 139 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 5.

(8) الكافي 3: 2 الطهارة ب 2 ح 2، التهذيب 1: 39- 107، الاستبصار 1: 6- 1، الوسائل 1:

158 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 152

و صحيحتي علي، المرويتين في قرب الإسناد، إحداهما: عن الدابة تبول فيصيب بولها المسجد، أو حائطه، أ يصلّي فيه قبل أن يغسل؟ قال: «إذا جفّ لا بأس» «1» و الأخرى: ما تقدم «2».

و رواية علي المروية في كتابه: عن الثوب يقع في مربط الدابة على بولها، و روثها، كيف يصنع؟ قال: «إن علق به شي ء فليغسله، و إن كان جافا

فلا بأس» «3».

و حسنة محمد: عن أبوال الدواب، و البغال، و الحمير، فقال: «اغسله، فإن لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كله، و إن شككت فانضحه» «4».

و صحيحة الحلبي: عن أبوال الخيل، و البغال، قال: «اغسل ما أصابك منه» «5».

و موثّقة سماعة: عن بول السنّور، و الكلب، و الحمار، و الفرس، قال:

«كأبوال الإنسان» «6».

و بضميمة عدم الفصل يتمّ الاستدلال بما يختص منها بالبول.

و الجواب: أمّا عن عموم الأوّل: فمع منع صدق العذرة على المورد، بتخصيصه بما مرّ.

و أمّا عن الثاني: فيه، و بما مرّ من فساد التقريب المذكور.

______________________________

(1) قرب الاسناد 205- 794، الوسائل 3: 411 أبواب النجاسات ب 9 ح 18.

(2) ص 126.

(3) الوسائل 3: 411 أبواب النجاسات ب 9 ح 21.

(4) الكافي 3: 57 الطهارة ب 37 ح 2، التهذيب 1: 264- 771، الاستبصار 1: 178- 620، الوسائل 3: 403 أبواب النجاسات ب 7 ح 6.

(5) التهذيب 1: 265- 774، الاستبصار 1: 178- 622، الوسائل 3: 409 أبواب النجاسات ب 9 ح 11.

(6) التهذيب 1: 422- 1336، الاستبصار 1: 179- 627، الوسائل 3: 406 أبواب النجاسات ب 8 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 153

و أمّا عن الخصوصات: فبمنع دلالة غير الأخيرتين (منها) [1].

أمّا الأوليان: فلخوّهما عمّا يفيد وجوب الغسل المفيد للنجاسة.

و كذا الثانيتان، لاحتمالهما النفي الغير المفيد إلّا للمرجوحيّة الشاملة للكراهة، بل يتعين حملهما عليها، لتصريح الثانية بكرية الماء، و ظهور الاولى فيها أيضا، كما هي المستفادة من النقيع، و من كونه معرضا لهذه الأمور.

مضافا: إلى أن لشمول الدواب لغير الثلاثة أيضا- مما لا خلاف في طهارة فضلته، كالبعير و البقرة- تكون دلالته موقوفة على تخصيص الدابة، و أولويته من حمل النهي

على الكراهة غير ثابتة.

و منه يظهر عدم دلالة البواقي أيضا، مضافا إلى ما في أولاها من ظهور تحقق الأمور الثلاثة من بول الدواب، و ولوغ الكلب، و غسل الجنب. و في ثانيتها، من عدم دلالة البأس مع عدم الجفاف على النجاسة بوجه. و في ثالثتها من ظهور قوله: «فله غسله» [2]. في عدم الوجوب.

و أما الأخيرتان و إن دلّتا بظاهريهما و لكن حملهما على مطلق رجحان الغسل متعيّن، لما ذكرنا من الأدلّة، لا لأجل أن أحد المتعارضين يحمل على الاستحباب، كما توهم و طعن به على المجتهدين بأنه من أين علم أن الحمل على الاستحباب من وجوه الجمع «3»؟ بل لأنّ مثل ما ذكر قرينة عرفا على إرادة مطلق الرجحان، كما في العام و الخاص المطلقين.

و لو أغمض عن ذلك، و بني على التعارض، فالترجيح لما ذكرنا أيضا، لمخالفة معارضة لشهرة القدماء و عمل صاحب الأصل، بل للإجماع، الموجبة لخروجه عن الحجية، و مع ذلك موافق لمذهب العامة، و مناف لقاعدة نفي الحرج، فتعين تركه.

______________________________

[1] لا توجد في «ق».

[2] كذا في جميع النسخ، و لكن المذكور في رواية علي: «فليغسله».

______________________________

(3) الحدائق 5: 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 154

مع أنّه لو لا الترجيح أيضا، لكان المرجع إلى الأصل، و هو معنا.

و منه يظهر الجواب عن غير الأخيرتين، على فرض دلالته أيضا.

و لطائفة من متأخري المتأخرين، منهم: الشيخ جواد الكاظمي، و صاحب الحدائق «1» ناقلا إياه عن بعض مشايخه، في أبوالها خاصة، و استشكل فيه الأردبيلي، و توقف في المدارك «2».

لما مر من أخبار نجاسة أبوالها «3»، مع الأصل في الروث، و منع الإجماع المركب.

و لصحيحة الحلبي: «لا بأس بروث الحمير و اغسل أبوالها» «4».

و

روايتي أبي مريم، و عبد الأعلى، الاولى: في أبوال الدواب و أرواثها، قال: «أما أبوالها فاغسل ما أصابك، و أما أرواثها فهي أكثر من ذلك» «5».

و الثانية: عن أبوال الحمير، و البغال، قال: «اغسل ثوبك» قال، قلت:

فأرواثها؟ قال: «هو أكثر من ذلك» «6».

و قد مرّ جواب الأول.

و منه يظهر الجواب عن الأخبار المفصلة، مضافا إلى ما سبق في طيّ الاستدلال على المختار.

المسألة السادسة: المقطوع به في كلام الأكثر: طهارة رجيع ما لا نفس له

______________________________

(1) الحدائق 5: 21.

(2) مجمع الفائدة 1: 301، المدارك 2: 303.

(3) في ص 151.

(4) الكافي 3: 57 الطهارة ب 37 ح 6، التهذيب 1: 265- 773، الاستبصار 1: 178- 621، الوسائل 3: 406 أبواب النجاسات ب 9 ح 1.

(5) الكافي 3: 57 الطهارة ب 37 ح 5، التهذيب 1: 265- 775، الاستبصار 1: 178- 623، الوسائل 3: 408 أبواب النجاسات ب 9 ح 8.

(6) التهذيب 1: 265- 776، الاستبصار 1: 179- 625، الوسائل 3: 409 أبواب النجاسات ب 9 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 155

و بوله، و عليه الإجماع في اللوامع، و عدم الخلاف في الحدائق «1»، و نسب الخلاف في التذكرة «2» إلى بعض العامة، و هو بعدمه عندنا مشعر، و تردد في الشرائع «3».

و في الدروس «4» و إن لم يقيد البول و الغائط النجس بماله نفس- و لذا توهّم منه التعميم- إلا أن الظاهر أنه اكتفى في التخصيص بما يذكره في الدم و المني.

و كيف كان فلا ريب فيها في رجيعه، للأصل السالم عن المعارض.

و أما رواية المختلف «5» ففيها- مع ما مرّ- أن حجيّتها لضعفها مخصوصة بموضع الانجبار.

و يدلّ عليه أيضا في كثير نفي الحرج، و يتعدّى إلى الجميع بعدم الفصل.

و منه يظهر الوجه في طهارة

بوله (أيضا) «6».

و به يعارض حسنة ابن سنان «7» و يرجع إلى الأصل، مع أن شمولها له- مع ندوره الموجب لتردّد جماعة في ثبوت بول له- مشكل، و مع ذلك كلّه فالأمر فيه- لعدم ثبوته- سهل.

فروع:

أ: لو اشتبه بول، أو رجيع، أنه هل من الحيوان النجس بوله أو رجيعه، أو من الظاهر؟ فهو طاهر، للأصل.

و لو اشتبه حيوان غير مأكول، بأنه مما له نفس أولا؟ فالظاهر طهارة رجيعه، لذلك أيضا.

و يحتمل نجاسة بوله، لعموم الحسنة. و طهارته، للإجماع المركب.

______________________________

(1) الحدائق 5: 13.

(2) التذكرة 1: 6.

(3) الشرائع 1: 51.

(4) الدروس 1: 123.

(5) المتقدمة ص 138.

(6) لا توجد في «ق» و «ه».

(7) المتقدمة ص 137.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 156

ب: لو خرج البول أو الغائط- مما ينجسان منه- عن غير الموضعين المعتادين، فينجسان، لصدق الاسم. و يلزم من يخصّهما بالشائع المعتاد، القول بالطهارة.

ج: ما يخرج مع الغائط من الدود و الحب ليس نجسا ما لم يكن غائطا عرفا، للأصل.

و قد يحكم بالطهارة إن كان صلبا ينبت لو زرع، و النجاسة إن لم يكن كذلك.

و لا دليل عليه، إذ ربما تزول الصلبيّة و يفسد بحيث لا ينبت، و لا يصدق عليه الغائط.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 157

الفصل الثاني: في المني
اشاره

و لا خلاف في نجاسته من الإنسان، و الأخبار فيها مستفيضة «1».

و ما ينافيها مطلقا، أو مع الجفاف ظاهرا مؤوّل، أو متروك.

و كذا من غيره مما له نفس، على المعروف من مذهب الأصحاب، بل عليه الإجماع في كلام جماعة «2»، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى المطلقات، الآمرة بغسل الثوب إذا أصابه المني، و المصرحة بكونه أشد من البول «3».

و الخدش فيه «4»: بعدم استلزام لزوم الغسل للنجاسة، أو انصرافها إلى مني الإنسان، بما مرّ في البول مدفوع.

و إثبات النجاسة بما جعله أشدّ من البول، مع تسليم انصرافه إلى مني الإنسان- كما في المعالم «5»- في غاية الضعف.

و أما ما لا نفس له،

فالمقطوع به في كلام جملة من القوم طهارته «6».

و يظهر من بعضهم وقوع الخلاف فيه، حيث نسبها إلى جماعة «7». و من آخر حيث جعلها الأصح أو الأقرب «8». و تردّد فيها في المعتبر، و المنتهى «9»، لما مرّ و إن

______________________________

(1) راجع الوسائل 3: 423 أبواب النجاسات ب 16.

(2) التذكرة 1: 6، المدارك 2: 265، الرياض 1: 83.

(3) الوسائل 3: 423 أبواب النجاسات ب 16.

(4) الرياض 1: 83.

(5) المعالم: 208.

(6) منهم العلامة في التذكرة 1: 6، و الشهيد في البيان: 90.

(7) المعالم: 208.

(8) المنتهى 1: 162.

(9) المعتبر 1: 415، قال في المنتهى 1: 162 ما لا نفس له سائلة الأقرب طهارته فتأمّل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 158

رجّحاها ثانيا.

و الاستدلال عليها بنفي الحرج- كما في اللوامع- ضعيف، إذ قلّما يمكن حصول العلم بإصابة مني غير ذي النفس.

فرعان:

أ: المذي- و هو ماء لزج رقيق، يخرج بلا دفع عقيب الشهوة. و قيل: بعد التقبيل و الملاعبة «1». و قال الصدوق: قبل المني «2». و الظاهر: أنّهما تفسيران «3» بالأخص- طاهر، و نقل الإجماع عليه مستفيض «4»، و الأصل و النصوص المعتبرة «5» معه يدلّان عليه.

خلافا للمنقول عن الإسكافي «6»، لروايتي ابن أبي العلاء «7».

و حملهما على الاستحباب- بعد تصريح طائفة من الصحاح و غيرها المعتضدة بعمل الأصحاب- متعين، مع عدم حجّيتهما لشذوذهما. و مع ذلك، فإحداهما غير صريحة في وجوب الغسل الذي هو مستند النجاسة.

و أما الودي- بالمهملة- و هو ما يخرج بعد البول- و بالمعجمة- و هو على ما ذكره الصدوق: ما يخرج بعد المني «8»، و في مرسلة ابن رباط: «أنّه ما يخرج من الأدواء» «9»- فهما طاهران بلا خلاف، للأصل.

______________________________

(1) المدارك 2:

266.

(2) الفقيه 1: 39.

(3) في «ق»: يفسّران.

(4) كما في الخلاف 1: 118، و المختلف: 57.

(5) الوسائل 1: 276 أبواب نواقض الوضوء ب 12.

(6) نقل عنه في المختلف: 57.

(7) التهذيب 1: 253- 731 و 732، الاستبصار 1: 174- 606 و 607، الوسائل 3: 426، 427 أبواب النجاسات ب 17 ح 3 و 4.

(8) الفقيه 1: 39.

(9) التهذيب 1: 20- 48، الاستبصار 1: 93- 301، الوسائل 1: 278 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 159

ب: كل رطوبة خارجة من المخرجين- سوى ما ذكر و الدم- طاهر، بالإجماع، و الأصل، و تدلّ عليه صحيحة إبراهيم بن أبي محمود «1» أيضا.

ب 12 ح 6.

______________________________

(1) التهذيب 1: 16- 34، الاستبصار 1: 84- 266، الوسائل 1: 262 أبواب نواقض الوضوء ب 6 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 160

الفصل الثالث: في الميتة
اشاره

و هي نجسة من كلّ ذي نفس، بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في الخلاف «1»، و الانتصار، و الغنية، و المنتهى، و التذكرة «2»، و الشهيدين «3»، و اللوامع، و المعتمد، و غيرها «4»، و هو الحجة.

مضافا في الجميع إلى روايتي محمد بن يحيى، و حفص.

أولاهما: «لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس» «5». و كذا الثانية مع زيادة «سائلة» «6».

و الحمل على إفساده بنحو بوله خلاف الظاهر، إلا أن في عموم لفظة «ما» فيها نظرا، لاحتمال الوصفية.

و في الآدميّ إلى رواية إبراهيم بن ميمون: عن الرجل يقع ثوبه على جسد الميت، فقال: «إن كان غسّل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه، و إن كان لم يغسّل الميت فاغسل ما أصاب ثوبك منه» «7» و زاد في نسخ الكافي: «يعني إذا برد

الميت» «8».

دلّت على غسل ما أصاب الثوب و تعدّى من الميت إليه، و لو لم يكن

______________________________

(1) الخلاف 1: 60، و في «ح» و «ق»: (المختلف): 60.

(2) الانتصار: 12، الغنية (الجوامع الفقهية): 551، المنتهى 1: 164، التذكرة 1: 7.

(3) الذكرى: 13، الروض 1: 162.

(4) كالمعتبر 1: 420، و الذخيرة: 147.

(5) الكافي 3: 5 الطهارة ب 4 ح 4، الوسائل 3: 464 أبواب النجاسات ب 35 ح 5.

(6) التهذيب 1: 231- 669، الاستبصار 1: 26- 67، الوسائل 3: 464 أبواب النجاسات ب 35 ح 2.

(7) الكافي 3: 161 الجنائز ب 31 ح 7، التهذيب 1: 276- 811، الوسائل 3: 461 أبواب النجاسات ب 34 ح 1.

(8) الكافي 3: 61 الطهارة ب 39 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 161

نجسا بالذات، كالريم «1» و لعاب الفم و سائر الرطوبات، فيكون هو نجسا، و نجاسته ليست إلّا لملاقاة الميت إجماعا، فيكون هو أيضا نجسا.

و الحمل على الرطوبات النجسة ذاتا- مثل الدم و البول- خلاف ظاهر العموم، و يمنعه تعليق غسله على عدم الغسل، فإنّ مثلها يغسل و لو بعد الغسل.

و تؤيّد المطلوب: حسنة الحلبي: عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت، فقال: «يغسل ما أصاب ثوبه» «2».

و رواية زرارة: بئر قطرت فيها قطرة دم أو خمر، فقال: «الدم، و الخمر، و الميت، و لحم الخنزير في ذلك واحد، ينزح منها عشرون دلوا، فإن غلب الريح نزحت حتى تطيب» «3».

و مطلقات نجاسة الميتة و الجيفة الآتية.

و التوقيعان الآتيان «4» الآمران بغسل اليد بعد مس الميت بحرارته.

و المروي في العلل: «إنّما أمر بغسل الميت لأنّه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة و الأذى، فأحبّ أن يكون طاهرا» «5».

و إنّما جعلناها

مؤيّدة، لإمكان المناقشة في الأولين: بعدم دلالتهما على الوجوب، لخلوّهما عمّا يدلّ عليه.

و في الثالث: بعدم ثبوت شمول الميتة و الجيفة لغة. و عموم المشتقّ منه في

______________________________

(1) أي الفضل و الزيادة.

(2) الكافي 3: 161 الجنائز ب 31 ح 4، التهذيب 1: 276- 812، الاستبصار 1: 192- 671، الوسائل 3: 462 أبواب النجاسات ب 34 ح 2.

(3) التهذيب 1: 241- 697، الاستبصار 1: 35- 96، الوسائل 1: 179 أبواب الماء المطلق ب 15 ح 3.

(4) سيأتي ذكرهما ص 166.

(5) علل الشرائع: 267.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 162

الأول- بعد حصول التغير في الهيئة و المعنى- لا يفيد، لعدم تعيّن معنى الهيئة، بل المستفاد من الأخبار- سيّما صحيحتي الحلبي «1»، و محمد «2»- عدم استعمال الميتة في الإنسان.

و في الرابع: بعدم الملازمة هنا بين وجوب غسل اليد بالمسّ، و بين النجاسة العينيّة، كما يظهر ممّا سيأتي. و دعوى الإجماع المركب هنا مشكلة. مع أن المستفاد منهما وجوب غسل اليد بالمس و لو مع اليبوسة. و كونه من لوازم النجاسة العينيّة ممنوع.

و في الخامس: بعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة للنجاسة في العينية، بل المستفاد من جعلها علّة للغسل: أنها غير العينية، إذ هي لا توجب الغسل، بل الغسل.

و في غير الآدمي إلى المستفيضة الدالة بعضها صريحا، كالمروي في الدعائم المنجبر ضعفه بعمل الكلّ: «الميتة نجسة و لو دبغت» «3».

و بعضها بانضمام الإجماع المركّب، كموثّقتي الساباطي: إحداهما في القليل الذي ماتت فيه فأرة، و قد تقدمت في بحث القليل «4»، و الأخرى: «اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرد ميتا سبعا» «5».

و رواية السكوني: عن قدر طبخت، و إذا في القدر فأرة، قال: «يهراق مرقها، و يغسل اللحم» «6».

______________________________

(1) التهذيب

1: 431- 1375، الوسائل 3: 299 أبواب غسل المس ب 6 ح 2.

(2) التهذيب 1: 430- 1374، الوسائل 3: 299 أبواب غسل المس ب 6 ح 1.

(3) الدعائم 1: 126، المستدرك 3: 195 أبواب لباس المصلي ب 1 ح 1.

(4) ص 40.

(5) التهذيب 1: 284- 832، الوسائل 3: 496 أبواب النجاسات ب 53 ح 1.

(6) الكافي 6: 261 الأطعمة ب 14 ح 3، التهذيب 9: 86- 365، الوسائل 24: 196 أبواب الأطعمة المحرمة ب 44 ح 1. و في الجميع بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 163

و الرضوي المنجبر: «و إن مسست ميتة فاغسل يديك» «1».

و الأخبار الناهية عن الشرب، و الوضوء، في كثير غلبه ريح الجيفة، كصحاح ابن سنان، و القماط، و حريز «2»، و موثّقة سماعة «3»، و روايتي أبي خالد، و عبد اللّه بن سنان، و غيرها، المتقدّم شطر منها في بحث الجاري.

أو الموجبة لنزح جميع البئر لو غلبها ريح الجيفة، كرواية منهال «4».

أو للنزح، أو حتى تطيّب لو تغيّرت بموت الفأرة و أشباهها، كصحيحة أبي بصير «5».

أو حتى يذهب الريح إذا تغيّر الطعم بموت الفأرة، و السنور، و الدجاجة، و الطير، كصحيحة الشحام «6».

أو الآمرة بإلقاء ما يلي الفأرة، أو الدابة إذا ماتت في الأشياء الرطبة الجامدة، و عدم أكلها مطلقا إذا ماتت في المائعة، كصحاح زرارة «7»، و الحلبي «8»،

______________________________

(1) فقه الرضا (ع): 174، المستدرك 2: 579 أبواب النجاسات ب 27 ح 7.

(2) المتقدمة ص 11.

(3) التهذيب 1: 216- 24، الاستبصار 1: 12- 18، الوسائل 1: 139 أبواب الماء المطلق ب 3 ح 6.

(4) المتقدمة ص 85.

(5) الكافي 3: 6 الطهارة ب 4 ح 6، الوسائل 1: 185

أبواب الماء المطلق ب 17 ح 11. لا يخفى أنّه.

قد وقع في سند الرواية ابن سنان الذي يروي عن ابن مسكان، و يروي عنه الحسين بن سعيد، و الذي يظهر بملاحظة الطبقات أنه محمد بن سنان و لهذا يشكل الحكم بصحته، و لم نعثر على صحيحة لأبي بصير مشتملة على المضمون المذكور غيرها.

(6) المتقدمة ص 84.

(7) الكافي 6: 261 الأطعمة ب 14 ح 1، التهذيب 9: 85- 360، الوسائل 24: 194 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 ح 2.

(8) التهذيب 9: 861- 361، الوسائل 24: 195، أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 164

و الأعرج «1»، و روايات معاوية بن وهب «2»، و سماعة «3»، و جابر «4».

أو الناهية عن الأكل في آنية أهل الذمة إذا كانوا يأكلون فيه الميتة، كصحيحة محمد «5». إلى غير ذلك من المستفيضة، بل المتواترة، في مواضع متفرقة.

و العجب عن صاحب المدارك حيث جعل المسألة قوية الإشكال، و ظنّ عدم الدليل على النجاسة «6»، مع أنّه في نجاسة البول احتجّ بالأمر بغسل الملاقي، و قال: لا نعني بالنجس إلّا ما وجب غسل الملاقي له. و هو هنا متحقّق مع غيره.

و فرّع عدم مجال التوقّف في نجاسة مني ذي النفس على كونه مقطوعا به في كلام الأصحاب مدعى عليه الإجماع. مع أنّ الأمر هنا أيضا كذلك. و صرح في بحث الأسآر بأنّ نجاسة الميتة من ذي النفس، و نجاسة الماء القليل بها موضع وفاق «7».

و أمّا ممّا لا نفس له فطاهرة، بالإجماع كما في الخلاف، و المعتبر، و المنتهى «8».

و يدلّ عليه- مضافا إلى الأصل، و نفي الحرج، و روايتي ابن يحيى و حفص، المتقدّمتين «9»-

العاميّ المرويّ في الناصريات، المنجبر بالعمل: «كلّ طعام أو

______________________________

(1) التهذيب 9: 86- 362، الوسائل 24: 195، أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 ح 4.

(2) الكافي: 261 الأطعمة ب 14 ح 2، التهذيب 9: 85- 359، الوسائل 24: 194 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 ح 1.

(3) التهذيب 9: 85- 358، الوسائل 24: 195 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 ح 5.

(4) التهذيب 1: 420- 1327، الاستبصار 1: 24- 60، الوسائل 1: 206 أبواب الماء المضاف ب 5 ح 2.

(5) الفقيه 3: 219- 1017، التهذيب 9: 88- 371، الوسائل 24: 211 أبواب الأطعمة المحرمة ب 54 ح 6.

(6) المدارك 2: 269.

(7) المدارك 1: 138.

(8) الخلاف 1: 188، المعتبر 1: 101، المنتهى 1: 164.

(9) ص 160.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 165

شراب وقعت فيه دابّة ليس لها دم، فهو الحلال أكله و شربه، و الوضوء منه» «1».

و موثقة عمار: عن الخنفساء، و الذباب، و الجراد، و النملة، و ما أشبه ذلك، يموت في البئر، و الزيت، و السمن و شبهه، قال: «كلّ ما ليس له دم فلا بأس» «2».

و المرويّ في قرب الإسناد للحميري: عن العقرب، و الخنفساء، و أشباه ذلك يموت في الجرّة، و الدنّ، يتوضأ منه للصلاة؟ قال: «لا بأس» «3».

و ظاهر الشيخ في النهاية: نجاسة ميتة الوزغ و العقرب «4»، و هو المحكيّ عن ابن حمزة، و عن القاضي: أنه إذا أصاب شيئا وزغ، أو عقرب، فهو نجس «5».

و ما ذكروه في الوزغ مبنيّ على حكمهم بنجاسته مطلقا، كما يأتي.

و أما العقرب: فيحتمل أن يكون لذلك، لعدّة من المسوخ و الحكم بنجاسته، أو لبعض الروايات الآمرة بإراقة الماء الذي وقع فيه العقرب «6»، المحمولة على الكراهة

جمعا، بل القاصرة عن إفادة النجاسة، لجواز أن يكون للسميّة.

و هاهنا مسائل:
المسألة الأولى: هل تختصّ نجاسة الميت الآدمي بما بعد البرد الذي هو محل الإجماع، أو ينجس قبله أيضا.

المنسوب إلى الأكثر- كما في الحدائق «7»، و منهم: الفاضل في بعضه كتبه،

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 182، راجع سنن الدار قطني 1: 37.

(2) التهذيب 1: 230- 665، الاستبصار 1: 26- 66، الوسائل 3: 463 أبواب النجاسات ب 35 ح 1.

(3) قرب الاسناد: 178- 657، الوسائل 3: 464 أبواب النجاسات ب 35 ح 6.

(4) النهاية: 6.

(5) الوسيلة: 80، شرح جمل العلم و العمل: 56، المهذب 1: 26.

(6) الوسائل 1: 240 أبواب الأسآر ب 9 ح 5.

(7) الحدائق 5: 67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 166

و الذكرى، و الدروس «1» و جماعة من المتأخّرين «2»- الأول، و عن الشيخ الإجماع عليه «3»، للأصل، و انتفاء الإجماع الذي هو العمدة في أدلّة نجاسته في المقام، و التفسير المتقدّم في آخر رواية ابن ميمون «4».

و نفي البأس في طائفة من الأخبار عن مسّه بحرارته.

و تغسيل الصادق ابنه إسماعيل، مجيبا عن السؤال من أنّه: أ ليس ينبغي أن يمس الميت بعد ما يموت، و من مسّ فعليه الغسل؟: «إنّه إذا برد، و أما بحرارته فلا بأس» «5».

و يضعّف الأول: بالمزيل، و هو إطلاق رواية ابن ميمون، و خصوص التوقيعين المرويين في الاحتجاج.

و أحدهما: كتبت إليه: روي عن العالم، سئل عن إمام صلّى بقوم بعض صلاتهم و حدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه؟ فقال: «يؤخّر، و يتقدّم بعضهم، و يتمّ صلاتهم، و يغتسل من مسّه» التوقيع: «ليس على من مسّه إلّا غسل اليد» «6».

و الآخر: و كتب إليه: روي عن العالم، أنّ من مسّ ميتا بحرارته غسل يده، و من مسّه و قد برد، فعليه الغسل، و هذا الميت

في هذه الحالة لا يكون إلّا بحرارته فالعمل في ذلك على ما هو؟ التوقيع: «إذا مسّه في هذه الحالة لم يكن عليه إلّا غسل يده» «7».

______________________________

(1) نهاية الأحكام 1: 172، الذكرى: 79، الدروس 1: 117.

(2) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 458، و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 209.

(3) الخلاف 1: 701.

(4) المتقدمة ص 160.

(5) التهذيب 1: 429- 1366، الوسائل 3: 290 أبواب غسل المس ب 1 ح 2.

(6) الاحتجاج: 482، الوسائل 3: 296 أبواب غسل المس ب 3 ح 4 (بتفاوت يسير).

(7) الاحتجاج: 482، الوسائل 3: 296 أبواب غسل المس ب 3 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 167

و يضعف الثاني أيضا، لأنّ بعد وجود ما ذكر، انتفاء الإجماع غير مضرّ.

و الثالث: باحتمال كون التفسير من الراوي، فلا حجّية فيه.

و الرابع: بعدم الدلالة، إذ لا يدل انتفاء البأس في المسّ قبل الحرارة على عدم التنجّس، لإمكان جواز مسّ النجس، و لذا لا يحرم بعد البرد أيضا إجماعا.

و ممّا ذكرنا ظهر دليل القول الثاني، و هو المحكي عن العماني، و المبسوط، و التذكرة، و الروض، و كفاية الأحكام «1»، و اختاره والدي العلّامة، بل عليه إجماع الطائفة عن الخلاف، و المعتبر، و المنتهى، و التذكرة «2». و هو الحقّ، لما ذكر.

و ردّ دلالة رواية ابن ميمون: بمنع القطع بالموت قبل البرد، مناف لما صرّح به في جملة من الأخبار «3»، من تحقّقه مع الحرارة.

و تسليمه و منع قطع تعلّق الروح بالكليّة غير مفيد، لأنّ الموجب هو الموت، دون قطع التعلّق بالكليّة.

المسألة الثانية: نجاسة الميتة عينيّة، متعدية مع الرطوبة و لو بوسائط

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 1    167     المسألة الثانية: نجاسة الميتة عينية، متعدية مع الرطوبة و لو

بوسائط ..... ص : 167

بلا خلاف يعرف، بل بالإجماع، و هو- مع أكثر ما ذكرنا لإثبات نجاستها، سيّما موثّقة الساباطي المتقدمة «4» في القليل- عليه دليل، فنفي البعد عن عدم التعدّي- كبعض المتأخّرين «5»- سقيم عليل.

و استدلاله بمرسلة الفقيه: عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن، و السمن، و الماء، ما ترى فيه؟ فقال: «لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء، أو لبن، أو سمن، و تتوضأ، و تشرب، و لكن لا تصلّ فيها» «6»- لمخالفتها لعمل الأصحاب،

______________________________

(1) المبسوط 1: 179، التذكرة 1: 59، الروض: 113، الكفاية: 11.

(2) الخلاف 1: 700، المعتبر 1: 420، المنتهى 1: 164، التذكرة 1: 7. و لا يخفى أن معقد الإجماع في كلامهم هو نجاسة الميت و هو بإطلاقه يشمل قبل البرد و بعده- فتأمل.

(3) منها رواية الاحتجاج المتقدمة.

(4) ص 40.

(5) المحدث الكاشاني في المفاتيح 1: 67، و في «ه» و «ق»: متأخري المتأخرين.

(6) الفقيه 1: 9- 15، الوسائل 3: 463، أبواب النجاسات ب 34 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 168

و معارضتها للمستفيضة- ضعيف.

دون اليبوسة، وفاقا للمعظم، للأصل، و عموم موثّقة ابن بكير: «كل [شي ء] يابس ذكيّ» «1».

لا لصحيحتي علي، إحداهما: عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت، هل تصلح الصلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال: «ليس عليه غسله و ليصل فيه» «2».

و الأخرى: عن الرجل وقع ثوبه على كلب ميت، فقال: «ينضحه و يصلي فيه و لا بأس» «3».

لأنّ الظاهر أنّ الملاقي للثوب، الشعر الذي هو غير مورد النزاع، دون الميتة.

خلافا للفاضل في النهاية، و المنتهى «4»، فأوجب غسل اليد بمسّ الميتة و لو مع اليبوسة، لمرسلة يونس: هل يجوز أنّ يمسّ الثعلب، و الأرنب،

أو شيئا من السباع، حيا أو ميتا؟ قال: «لا يضرّه، و لكن يغسل يده» «5».

و الرضوي، و الموثّقة الأخرى للساباطي المتقدّمتين «6».

و الاولى مع عدم دلالتها على الوجوب، لا يمكن حملها عليه، للإجماع على عدمه حال الحياة، و عدم استعمال اللفظ في معنييه. مضافة إلى أنّها أعمّ من المسّ

______________________________

(1) التهذيب 1: 49- 141، الاستبصار 1: 57- 167 (و فيه زكيّ)، الوسائل 1: 351 أبواب أحكام الخلوة ب 31 ح 5، و ما بين المعقوفين من المصدر.

(2) التهذيب 1: 276- 813، الاستبصار 1: 192- 672، الوسائل 3: 442 أبواب النجاسات ب 26 ح 5.

(3) الفقيه 1: 43- 169، التهذيب 1: 277- 815، الاستبصار 1: 192- 674، الوسائل 3:

442 أبواب النجاسات ب 26 ح 7.

(4) نهاية الاحكام 1: 173، المنتهى 1: 128.

(5) الكافي 3: 60 الطهارة ب 39 ح 4، التهذيب 1: 262- 763، الوسائل 3: 462 أبواب النجاسات 34 ح 3.

(6) ص 162.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 169

رطبا و يابسا، فتعارض موثّقة ابن بكير، بالعموم من وجه، و يرجع إلى الأصل.

و هو الجواب عن الأخيرين.

مضافا إلى ضعف الثاني، و خلوّه عن الجابر في المقام، و وجوب حمل الثالث على الاستحباب، أو وجود مائع في الإناء، و إلّا لزم وجوب الغسل بملاقاة الشعر، و هو منفيّ إجماعا.

مع أنّ اختصاص خلاف الفاضل بغسل اليد، دون ملاقيها أيضا و لو مع الرطوبة و دون غيرها ممكن، كما يظهر من المنتهى «1»، حيث استقرب كون النجاسة حينئذ حكميّة، و لذا قيل: إنّ المنتهى موافق للمشهور و إن أوجب غسل اليد تعبّدا، فتكون الموثّقة حينئذ خارجة عن موضوع نزاعه.

و كذا الميت، فتتعدّى نجاسته مع الرطوبة، لإطلاق التوقيعين، و عموم

خبر إبراهيم بن ميمون، حيث دلّ على وجوب غسل الثوب ممّا أصاب من الميت، و إن كان غير الرطوبات النجسة ذاتا، فيكون نجسا بملاقاته الميت، و تتعدّى إلى غيره بعدم الفصل في ذلك، و إن كان في غسل اليد القول بالفصل محقّقا. بل وجوب غسله من الثوب يدلّ على نجاسة الثوب به أيضا، و إلّا لم يكن وجه لغسله.

و كونه فضلة ما لا يؤكل لا يوجب الغسل كما مر. و كذلك كونه نجسا دون الثوب، إذ لا منع في تحمّل النجس الغير المسري في الصلاة.

دون اليبوسة، للأصل، و الموثّقة «2».

وفاقا في الحكمين «3» للكركي، و صاحب الحدائق «4»، و والدي العلّامة، و إن لم يكن بعد في وجوب غسل اليد خاصّة تعبّدا مع المسّ باليبوسة أيضا، لإطلاق التوقيعين، و لا تعارضهما الموثّقة، إذ وجوب الغسل تعبّدا لا ينافي كونها ذكية.

______________________________

(1) المنتهى 1: 128.

(2) موثقة ابن بكير المتقدمة ص 168.

(3) يعني تعدي النجاسة مع الرطوبة و عدم تعدّيها مع اليبوسة، في الميت.

(4) جامع المقاصد 1: 461، الحدائق 5: 67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 170

خلافا في الثاني خاصّة للمنتهى، و ظاهر الروض، و المعالم «1»، و نسب إلى التذكرة، و الذكرى، و المعتبر «2»، بل المشهور، فتتعدّى مع اليبوسة أيضا، إلّا أنّ الأوّل «3» جعل نجاسة الماسّ يابسا حكميّة، أي غير متعدّية إلى غيره و لو مع الرطوبة، و البواقي جعلوها أيضا عينيّة متعديّة مع الرطوبة، لإطلاق رواية إبراهيم و ما في معناها، و التوقيعين.

و يضعف الأول: بأنّ الرواية لا تدل إلّا على غسل ما أصاب الثوب من الميت، و ظاهر أنه لا يصيبه منه إلا الرطوبات.

و الثاني: بأنه لا يدل إلا على وجوب غسل

اليد خاصّة، و لا نمنعه، و هو غير النجاسة، و غير وجوب غسل كل ماسّ له.

ثمَّ حكم المنتهى «4» بعدم التعدّي من الماسّ اليابس، للأصل.

و حكم البواقي بالتعدّي، لأنّه شأن النجس، أو لإطلاق الرواية، مع خروج الماسّ مع الماسّ يابسا بالإجماع.

و أصل المنتهى قويّ، لو كان لأصل حكمه أصل.

و خلافا فيهما للسيد، كما نسبه إليه جماعة، منهم فخر المحقّقين، و الكركي، و العاملي «5»، و والدي العلّامة، فقال: تكون نجاسته حكمية، فلا تتعدّى مطلقا، لا مع الرطوبة، و لا مع اليبوسة، بل يجب غسله نفسه خاصّة.

و هو مذهب القواعد «6»، على ما فهمه صاحب الإيضاح «7» من كلام والده،

______________________________

(1) المنتهى 1: 128، الروض: 116، المعالم: 278.

(2) التذكرة 1: 59، الذكرى: 16، المعتبر 1: 350.

(3) يعني المنتهى.

(4) المنتهى 1: 127.

(5) الإيضاح 1: 66، جامع المقاصد 1:، 461، و لم نعثر عليه في كتب الشهيد الثاني.

(6) القواعد 1: 22، قال فيه: و الظاهر أن النجاسة ها هنا حكمية، فلو مسّه بغير رطوبة ثمَّ مسّ رطبا لم ينجس.

(7) الإيضاح 1: 65.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 171

و جعله مع مذهب السيد واحدا.

و لكنه خلاف ظاهره، و لذا ردّه المحقّق الثاني في شرحه «1».

و اختاره أيضا بعض متأخّري المتأخرين «2». بل هو مذهب الحلّي «3»، كما تدلّ عليه كلماته في السرائر، و الأردبيلي «4»، إلّا أنّهما أوجبا غسل الملاقي له تعبّدا، لا لكونه نجسا، كما هو صريح الثاني، و ظاهر الأول، حيث ادّعى الإجماع و عدم الخلاف بين الإمامية في جواز دخول من غسّل ميتا المساجد، بعد دعواه عدم الخلاف بين الأمّة على وجوب تنزّهها عن النجاسات مطلقا.

و استدلّ أيضا: بوجوب غسل الملاقي للميت دون ملاقيه، بكون الأول

ملاقيا لجسد الميت دون الثاني، و إنّا متعبّدون بغسل ما لاقى جسد الميت.

ثمَّ إنّ دليلهم و ردّه يظهر ممّا تلونا عليك.

المسألة الثالثة: أجزاء الميتة ممّا تحلّه الحياة نجسة بالإجماع

، و إطلاق كثير من الأخبار، من غير فرق بين اتّصالها بها، و قطعها منها.

و يدلّ على نجاسة الأجزاء المقطوعة منها- مع الاستصحاب- في الإنسان:

إطلاق مرفوعة أيوب: «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة» «5».

فإنّ المستفاد منها ثبوت جميع أحكام الميتة- التي منها النجاسة- للقطعة، لأنّه مقتضى الحمل الحقيقي فيما لم يعلم المعنى الغير الصالح للحمل للمحمول و إن لم نقل بذلك في الشركة المبهمة بالإطلاق.

مع أنّه لمّا لم يكن حكم ثابت للميتة- سواء قلنا باختصاصها بغير الآدمي

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 262.

(2) المفاتيح 1: 67.

(3) السرائر 1 163.

(4) مجمع الفائدة 1: 209.

(5) الكافي 3: 212 الجنائز ب 76 ح 4، التهذيب 1: 429- 1369، الاستبصار 1: 100- 325، الوسائل 3: 294 أبواب غسل المس ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 172

أو بعمومها- صالح لإثباته للقطعة المبانة من الرجل سوى النجاسة، فاستفادتها من المرفوعة مطلقا مما لا ريب فيه.

و الحمل على وجوب الغسل- مع عدم كونه حكم الميتة، بل حكم بعض أفرادها على احتمال عمومها- تمنعه تتمّة الحديث، من نفي وجوب الغسل إن لم تكن هذه القطعة ذات عظم.

و هو الدليل في غير الإنسان أيضا، بضميمة عدم الفصل، مضافا إلى ما تقدّم من النهي عن الأكل في آنية أهل الذمة إذا كانوا يأكلون فيها الميتة «1».

و من جملة أجزائها النجسة: جلدها بالإجماع، كما في المنتهى «2».

و يدلّ على نجاسته أيضا ممّا تقدم: صريح رواية الدعائم المنجبرة «3»، و ظاهر الموثّقة الثانية للساباطي «4»، و الرضوي «5»، و الأخبار الآمرة بإلقاء ما

يلي الفأرة إذا كانت جامدة، و ما وقعت فيه إذا كانت مائعة «6».

و من غيره: رواية القاسم الصيقل: إنّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة، فتصيب ثيابي، أ فأصلّي فيها؟ فكتب إليّ: «اتّخذ ثوبا لصلاتك» «7».

و رواية أبي القاسم الصيقل و ولده: إنّا قوم نعمل أغماد السيوف- إلى أن قال-: و إنّما علاجنا من جلود الميتة من البغال، و الحمير الأهليّة، لا يجوز في أعمالنا غيرها، فيحلّ لنا عملها، و شراؤها، و بيعها، و مسّها بأيدينا، و ثيابنا، و نحن نصلّي في ثيابنا؟- إلى أن قال-: فكتب عليه السلام: «اجعلوا ثوبا للصلاة» «8».

______________________________

(1) ص 164.

(2) المنتهى 1: 164.

(3) راجع ص 163- 164.

(4) راجع ص 163- 164.

(5) راجع ص 163- 164.

(6) راجع ص 163- 164.

(7) الكافي 3: 407 الصلاة ب 66 ح 16، التهذيب 2: 358- 1483، الوسائل 3: 462 أبواب النجاسات ب 34 ح 4.

(8) التهذيب 6: 376- 1100، الوسائل 17: 173 أبواب ما يكتسب به ب 38 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 173

و رواية عبد الرحمن بن الحجاج: إنّي أدخل سوق المسلمين، أعني هذا الخلق الذي يدّعون الإسلام، فأشتري منهم الفراء للتجارة، فأقول لصاحبها:

أ ليس هي ذكيّة؟ فيقول: بلى، فهل يصلح لي أن أبيعها على أنّها ذكيّة؟ فقال:

«لا، و لكن لا بأس أنت تبيعها و تقول: قد شرط الذي اشتريتها منه أنّها ذكيّة» قلت: و ما أفسد ذلك؟ قال: «استحلال أهل العراق الميتة، و زعموا أنّ دباغ الميتة ذكاتها ثمَّ لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلّا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» «1». و يقرب منها غيرها أيضا.

دلّت على عدم كون جلد الميتة ذكيا، و

أنّه لا يذكّى بالدباغ.

و أمّا تجويز شرائه و بيعه فيها: فلأنّ بناء الذبائح على الأخذ بالظاهر.

و أمّا التقرير على معاملته في خبري الصيقل فلا حجيّة فيه، لأنّ حجيّته إنّما هو مع عدم المانع و التقيّة، سيّما في المكاتبات من أقوى الموانع، و يشعر بها ترك الجواب عن المعاملة، و العدول إلى بيان حكم الصلاة.

و أمّا مرسلة الفقيه المتقدّمة «2» في المسألة السابقة فهي- لضعف سندها، و مخالفتها لعمل جميع الأصحاب- عن معارضة ما مرّ قاصرة، و لموافقتها لمذهب العامة، و لو بعد الدباغة- كما هو في الحديث مصرّح به- مطروحة، و على التقيّة محمولة، و كذا بعض الروايات الأخر المذكور في المسألة الآتية، فالاستشكال في نجاسته- كما في المدارك، و قوله بعدم وقوفه على نصّ يعتدّ به فيها «3»- غير جيد.

و يظهر من كلامه كغيره «4»: نسبة الطهارة إلى الصدوق «5»، حيث ذكر

______________________________

(1) الكافي 3: 398 الصلاة ب 65 ح 5، التهذيب 2: 204- 798، الوسائل 3: 503 أبواب النجاسات ب 61 ح 4.

(2) ص 167.

(3) المدارك 2: 268.

(4) كما في الذخيرة: 147.

(5) الفقيه 1: 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 174

المرسلة، و هو لا يذكر إلّا ما يفتي بصحته.

و قد يحمل قوله على ما بعد الدبغ، فيرجع إلى القول بطهارة جلد الميتة بالدبغ، و يأتي الكلام فيها.

هذا في أجزاء الميتة، و أمّا ما قطع ممّا تحلّه الحياة، في حال الحياة من الحيوان الذي ينجس بالموت، فهو أيضا نجس، مات الجزء أو لم يمت بعد.

أمّا من الإنسان: فلإطلاق المرفوعة «1». و أمّا في غيره: فله بانضمام عدم القول بنجاسة القطعة المبانة من الإنسان دون غيره.

مضافا إلى المستفيضة المصرّحة بأنّ «ما أخذت الحبالة و قطعت

منه، فهو ميتة، و ما أدركته من سائر جسده حيا، فذكّه، و كل منه» «2».

و بأنّ أليات الغنم المقطوعة لثقلها ميتة «3»، بالتقريب المتقدّم في المرفوعة.

و إلى أنّ القطعة إذا كانت كبيرة، بحيث يطلق عليها الميتة أو الجيفة عرفا، تدخل في عمومات نجاسة الماء إذا غلبت عليه الميتة أو الجيفة، ريحا أو طعما.

و لو مات الجزء من غير قطع، فالظاهر طهارته، لعدم القطع، و عدم صدق الميت و الميتة قطعا، و خروج مثله عن الروايات الدالّة على نجاستهما.

و الاستدلال على نجاسته برواية عبد اللّه بن سليمان: «ما أخذت الحبالة و انقطع منه شي ء، أو مات فهو ميتة» «4» غير جيد، لجواز كون المستتر في قوله:

«مات» راجعا إلى الصيد، دون الشي ء، و الحكم بكونه ميتة، لدفع توهم كون الأخذ بالحبالة في حكم التذكية.

و لو قطع هذا العضو الميت فهل ينجس؟ الظاهر نعم، لما مرّ من إطلاقات القطع.

______________________________

(1) المتقدمة ص 171.

(2) الوسائل 23: 376 أبواب الصيد ب 24.

(3) الوسائل 24: 91 أبواب الذبائح ب 40.

(4) الكافي 6: 214 الصيد ب 7 ح 4، الوسائل 23: 377 أبواب الصيد ب 24 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 175

و لو قطع بعض القطع و مات، و لكن لم ينفصل بعد عن الحي بالكلّية، ففيه إشكال. و الطهارة أظهر، لصحّة سلب القطع.

هذا في غير الأجزاء الصغيرة المنفصلة عن بدن الإنسان، مثل البثور «1»، و الثؤلول «2»، و نحوهما، و أمّا هي، فطاهرة، بل قيل: لا خلاف في طهارتها «3»، للأصل، لعدم صدق القطعة عرفا، و لا يفيد عموم المبدأ، كما سبق.

و صحيحة علي: عن الرجل يكون به الثؤلول و الجرح، هل يصلح له أن يقطع الثالول و هو

في صلاته، أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح و يطرحه؟

قال: «إن لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس، و إن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله» «4».

و ترك الاستفصال عن كونه باليد أو غيرها، و عن كون المسّ بالرطوبة أو اليبوسة، يفيد العموم.

و تضعيف دلالتها بمثل ما مرّ في صحيحته الأخرى المتقدمة «5» في ذرق الطير، ضعيف، لظهور الفرق بينهما، و لذا استفصل هنا عن خوف سيلان الدم.

و هل يختصّ ذلك بالإنسان، أو يتعدّى إلى غيره أيضا؟ الظاهر الثاني، لعدم دليل على النجاسة فيه.

المسألة الرابعة: ما لا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة-

و حصروه في الصوف، و الشعر، و الوبر، و البيض، و الإنفحة، و اللبن، و العظم، و السن، و القرن، و الحافر، و الريش، و الظلف «6»، و الظفر، و الناب، و المخلب- ظاهر، بلا خلاف

______________________________

(1) البثور: خرّاج صغار و خص بعضهم به الوجه- لسان العرب 4: 39.

(2) الثؤلول: الحبة التي تظهر في الجلد كالحمصة فما دونها- النهاية 1: 205.

(3) الحدائق 5: 77.

(4) التهذيب 2: 378- 1576، الاستبصار 1: 404- 1542، الوسائل 7: 284 أبواب قواطع الصلاة ب 27 ح 1.

(5) ص 142.

(6) الظلف: ظفر كل ما اجتر، و الجمع أظلاف. لسان العرب 9: 229.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 176

يعرف، بل عليه حكاية الإجماع في كلام غير واحد من الأصحاب «1».

و تدلّ عليه- بعد ظاهر الإجماع، و الأصل السالم عن المعارض في بعضها، لانتفاء عموم أو إطلاق يشمل الجميع- المستفيضة الدالّة على طهر جميعها، إمّا مستقلا، أو بضميمة الإجماع المركّب.

كرواية الثماني، و فيها- بعد السؤال من الجبن، و أنّه ربما جعلت فيه إنفحة الميتة-: «ليس بها بأس، إنّ الإنفحة ليس لها عروق، و لا فيها دم، و لا

لها عظم» «2» مقتضى التعليل: طهارة ما ليس له شي ء من الثلاثة، و الجميع كذلك.

و حسنة حريز: «اللبن، و اللبأ، و البيضة، و الشعر، و الصوف، و الناب، و الحافر، و كل شي ء يفصل من الشاة و الدابة، فهو ذكيّ، و إن أخذته بعد أن يموت فاغسله و صلّ فيه» «3».

و صحيحة الحلبي: «لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة، إنّ الصوف ليس فيه روح» «4» فإنّ تعليلها صريح في طهر كل ما ليس فيه روح.

و الاستدلال على طهارة الجميع بهما مستقلّين غير جيد، لأنّ معنى «كل شي ء يفصل» في الأولى: ما يعتاد انفصاله، مع كون المحل حيّا، و لا شك أنّ العظم، و الإنفحة ليسا كذلك. بل في عمومها لجميع غيرهما أيضا نظر، إذ اختصاص ضمير «اغسله و صلّ فيه» بما يمكن غسله و الصلاة فيه يمنع الأخذ بعموم المرجع. و مقتضى التعليل في الثانية اختصاص الحكم بما يمكن الصلاة فيه.

و المروي في المحاسن: «و ما يحلّ من الميتة: الشعر، و الصوف، و الوبر،

______________________________

(1) المنتهى 1: 164، المدارك 2: 272، الحدائق 5: 99.

(2) الكافي 6: 256 الأطعمة ب 9 ح 1، الوسائل 24: 179 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 1.

(3) الكافي 6: 258 الأطعمة ب 9 ح 4، التهذيب 9: 75- 321، الوسائل 24: 180 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 3.

(4) التهذيب 2: 368- 1530، الوسائل 3: 513 أبواب النجاسات ب 68 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 177

و الناب، و القرن، و الضرس، و الظلف، و البيض، و الإنفحة، و الظفر، و المخلب، و الريش» «1».

و مرسلة الفقيه: «عشرة أشياء من الميتة ذكيّة: القرن، و الحافر، و العظم،

و السن، و الإنفحة، و اللبن، و الشعر، و الصوف، و الريش، و البيض» «2». و مثلها رواية الخصال «3»، إلّا في الترتيب.

و المروي في العلل: «و أطلق في الميتة عشرة أشياء: الصوف، و الشعر، و الريش، و البيضة، و الناب، و القرن، و الظلف، و الإنفحة، و الإهاب «4»، و اللبن [و ذلك ] إذا كان قائما في الضرع» «5».

و حسنتي حسين بن زرارة: إحداهما: عن السنّ من الميتة، و اللبن، و البيض من الميتة، و إنفحة الميتة. قال: «كل هذا ذكي» «6».

و الأخرى: عن الإنفحة تكون في بطن العناق، أو الجلدي، و هو ميت، فقال: «لا بأس به» و عن الرجل يسقط سنّه، فيأخذ من أسنان ميت فيجعله مكانه، فقال: «لا بأس- إلى أن قال- العظم، و الشعر، و الصوف، و الريش، و كل نابت، لا يكون ميتا» و عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة، فقال: «لا بأس بأكلها» «7».

______________________________

(1) المحاسن: 471- 464، الوسائل 24: 177 أبواب الأطعمة المحرمة ب 31 ح 20.

(2) الفقيه 3: 219- 1011، الوسائل 24: 182 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 9.

(3) الخصال: 434- 19، راجع الوسائل 24: 182.

(4) الإهاب: الجلد قبل أن يدبغ و بعضهم يقول: الجلد. المصباح المنير: 28.

(5) العلل: 562- 1، الوسائل 24: 175 أبواب الأطعمة المحرمة ب 31 ح 11 و ما بين المعقوفين من المصدر.

(6) الكافي 6: 258 الأطعمة ب 9 ح 3، التهذيب 9: 75- 320، الوسائل 24: 180 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 4، في الكافي و التهذيب: «اللبن» بدل «السن»، و في الوسائل كما في المتن بدون زيادة: اللبن.

(7) التهذيب 9: 78- 332، الوسائل 24: 183 أبواب الأطعمة المحرمة

ب 33 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 178

و رواية يونس: «خمسة أشياء ذكية ممّا فيها منافع الخلق: الإنفحة، و البيض، و الصوف، و الشعر، و الوبر» «1».

و صحيحة زرارة: عن الإنفحة تخرج من [1] الجلدي الميت، قال: «لا بأس به» قلت: اللبن يكون في شرع الشاة بعد ما ماتت، قال: «لا بأس به» قلت:

و الصوف و الشعر، و عظام الفيل، و الجلد، و البيض يخرج من الدجاجة؟ قال:

«كل هذا لا بأس به» «3».

فروع:

أ: جمهور الأصحاب على اشتراط طهارة البيضة على اكتسائها القشر الأعلى، لمفهوم رواية غياث بن إبراهيم: في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة، قال: «إن كانت اكتسب البيضة الجلد الغليظ، فلا بأس بها» «4».

و يخدشه: عدم العموم في البأس الثابت بالمفهوم، و لعلّه الحرمة، فإطلاقات طهارتها، مع أصالتها- عن المعارض خالية.

و نجاستها بملاقاة الميتة لميعانها، بمانعة الجلد الرقيق غبّ اكتسائه مدفوعة، مع أنّه لا دليل على تنجس كل ملاق للنجاسة، سوى أحد الإجماعين المنتفي في المورد، أو بعض ما لا يشمله، فإطلاق القول بالطهارة- كما عن المقنع [2]، و ظاهر المدارك، و المعالم «6»- متّجه.

______________________________

[1] في «ه» و «ق»: عن.

[2] لم نعثر عليه بل وجدناه في الهداية: 79.

______________________________

(1) الكافي 6: 257 الأطعمة ب 9 ح 2، التهذيب 9: 75- 319، الوسائل 24: 179 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 2.

(3) الفقيه 3: 216- 1006، التهذيب 9: 76- 324، الاستبصار 4: 89- 339، الوسائل 24:

182 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 10.

(4) الكافي 6: 258 الأطعمة ب 9 ح 5، التهذيب 9: 76- 322، الوسائل 24: 181 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 6.

(6) المدارك 2: 272، المعالم: 299.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 179

و ممّا ذكر ظهر الوجه فيما هو ظاهر الأكثر [1] من طهارة ظاهر البيضة مطلقا.

خلافا لصريح الفاضل في نهاية الاحكام، و المنتهى «2»، و ظاهر طائفة من متأخّري المتأخّرين «3»، فقالوا بنجاسته بالملاقاة، استنادا إلى أنّ سياق الإطلاقات لبيان الطهارة الذاتيّة، فلا يلزم التعرّض للعرضيّة.

و يدفعه: أنّ أصل الطهارة كاف لإثباتها، مع أنّ عدم لزوم التعرّض للعرضيّة، إنّما هو إذا لم يكن لازما للمعروض، و إلّا فلازم.

ب: لا فرق في طهارة الصوف، و الشعر، و الريش، و الوبر، بين قطعها بالجزّ، أو القلع.

و عن الشيخ في النهاية: اختصاصها بالأوّل «4»، لرواية فتح بن يزيد «5».

و هي مجملة لا تفيد معنى صالحا للحكم.

ثمَّ مقتضى حسنة حريز «6»: وجوب غسلها مطلقا، سواء قلعت، أو جزت.

و خصّه الأكثر بالأول، لظهور عدم الاحتياج إليه في الثاني. و لا وجه له بعد إطلاق الأمر.

ج: الإنفحة- بكسر الهمزة و سكون النون و فتح الفاء و الحاء المهملة، المخففة، أو المشدّدة- قيل: كرش الحمل و الجدي ما لم يأكل العلف «7».

______________________________

[1] منهم صاحب الذخيرة: 147، و المدارك 2: 272، و المعالم: 228، و المفاتيح 1: 67.

______________________________

(2) نهاية الاحكام 1: 270، المنتهى 1: 166.

(3) تجد التصريح به في كلام المشارق: 320، و الحدائق 5: 91.

(4) النهاية: 585.

(5) الكافي 6: 258 الأطعمة ب 9 ح 6، التهذيب 9: 76- 323، الاستبصار 4: 89- 341، الوسائل 24: 181 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 7.

(6) المتقدمة ص 176.

(7) الصحاح 1: 413 نقله عن أبي زيد، و قال به من الفقهاء ابن إدريس في السرائر 3: 112، و غيره.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 180

و الكرش- بكسر الكاف و سكون

الراء، أو فتح الأول و كسر الثاني- من كل مجتر: بمنزلة المعدة للإنسان.

و قال أكثر الفقهاء [1] و اللغويين «2»: أنّها شي ء أصفر يستخرج من بطن الحمل و الجدي قبل العلف، يعصر في صوفه، تبله في اللبن فيغلظ كالجبن، و محله الكرش.

و يعاضد ذلك: ما في رواية الثمالي: «انّه ربما جعلت فيه- أي في الجبن- إنفحة الميتة و إنّها إنّما تخرج من بين فرث و دم» «3». فلعلّه الأظهر.

و الكلام في تنجّسه بملاقاة الكرش، كتنجّس الكرش لو كان هو الإنفحة بملاقاة الميتة، كما مرّ، و يكون الكرش على الأول نجسا، و ما في جوفه على الثاني- لكونه غير ذي روح- طاهرا.

د: لا ينجس اللبن بملاقاة الضرع، وفاقا للأكثر، منهم: الصدوق في المقنع [2]، و الشيخ في أكثر كتبه «5»، و الذكرى، و المدارك، و المعالم «6»، و جمع من متأخّري المتأخّرين [3]، بل في الخلاف، و الغنية «8»: الإجماع عليه، للأصل، و أكثر الأخبار المتقدّمة.

و كونها في مقام بيان الطهارة الذاتيّة مدفوع: بما مرّ.

خلافا للحلّي «9»، فنجّسه مدّعيا عدم الخلاف فيه بين المحصّلين، و تبعه

______________________________

[1] لم تثبت الأكثرية، فلاحظ مفتاح الكرامة 1: 155.

[2] لم نعثر عليه بل وجدناه في الهداية: 79.

[3] منهم صاحب المشارق: 321، و الذخيرة: 148.

______________________________

(2) القاموس 1: 262، المغرب 2: 220.

(3) المتقدمة ص 176.

(5) النهاية: 575، الخلاف 1: 519، التهذيب 9: 77، الاستبصار 4: 89.

(6) الذكرى: 14، المدارك 2: 274، المعالم: 231.

(8) الخلاف 1: 520، الغنية (الجوامع الفقهية): 619.

(9) السرائر 3: 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 181

على ذلك جماعة، منهم: الفاضلان «1»، و في المنتهى: أنّه المشهور عند علمائنا «2».

لأنّه مائع ملاق للميتة، و كلّ ما كان كذلك فهو نجس.

و

لرواية وهب بن وهب: عن شاة ماتت فحلب منها لبن، فقال عليه السلام: «هذا الحرام محضا» «3».

و الأول مصادرة.

و الثانية- مع كونها موافقة لمذهب العامة، كما في التهذيب «4»، و غير مثبتة للنجاسة، لعدم الملازمة بينها و بين الحرمة- معارضة مع ما هو أكثر منها و أصح، و بما مرّ أرجح، مع أنّه لولاه فأصل الطهارة هو المرجع.

______________________________

(1) الشرائع 3: 223، المختصر النافع: 253، التحرير 1: 161، التذكرة 1: 7.

(2) المنتهى 1: 165.

(3) التهذيب 9: 76- 325، الاستبصار 4: 89- 340، الوسائل 24: 183 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 11.

(4) التهذيب 9: 77.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 182

الفصل الرابع: في الدم
اشاره

و هو نجس من كل ذي نفس، عدا ما يستثنى. و عليه الإجماع في المعتبر، و المنتهى، و التذكرة «1» و غيرها «2».

و تدلّ عليه- مضافا إلى الإجماع- النصوص المستفيضة:

كصحيحة علي: عن رجل رعف و هو يتوضأ، فقطرت قطرة في إنائه، هل يصلح الوضوء منه؟ قال: «لا» «3».

و موثّقة عمّار: «كلّ شي ء من الطير يتوضأ عما يشرب منه، إلّا أن ترى في منقاره دما، فلا تتوضأ منه و لا تشرب» «4».

و صحيحة زرارة: أصاب ثوبي دم رعاف، أو غيره، أو شي ء من مني، فعلّمت أثره إلى أن أصيب الماء، فأصبت، و حضرت الصلاة، فنسيت أنّ بثوبي شيئا و صلّيت، ثمَّ إنّي ذكرت بعد ذلك، قال: «تعيد الصلاة و تغسله» «5».

و الظاهر عطف «غيره» على «رعاف» لكونه أقرب، و لئلّا يلزم التخصيص [1] بالنجاسات في «غيره» و لا عطف الخاص على العام، فيثبت بها الحكم في جميع الدماء، بل يثبت ذلك على عطفه على دم أيضا، لشموله له أيضا.

______________________________

[1] يعني إذا قلنا بان كلمة «غيره»

عطف على دم الرعاف، فبما انها تشمل الأشياء الطاهرة يلزم تخصيصها بالنجاسات و يلزم أيضا عطف الخاص و هو (أو شي ء من مني) على العام و كلاهما خلاف الأصل.

______________________________

(1) المعتبر 1: 420، المنتهى 1: 163، التذكرة 1: 7.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

(3) الكافي 3: 74 الطهارة ب 46 ح 16، الوسائل 1: 150 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 1.

(4) التهذيب 1: 284- 832، الوسائل 1: 231 أبواب الأسآر ب 4 ح 4.

(5) التهذيب 1: 421- 1335، الاستبصار 1: 183- 641، الوسائل 3: 402 أبواب النجاسات ب 7 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 183

و حسنة محمد: الدم يكون في الثوب عليّ و أنا في الصلاة، قال: «إن رأيت و عليك ثوب غيره، فاطرحه و صلّ» «1» الحديث.

و صحيحة ابن أبي يعفور الواردة في نقط الدم: «يغسله و لا يعيد صلاته، إلّا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا، فيغسله و يعيد الصلاة» «2».

إلى غير ذلك من المستفيضة الدالّة على المنع من الصلاة في ثوب لاقاه، أو على إعادتها إن صلّى مع العلم به، أو غسل الثوب من الدم مطلقا،. أو دم الرعاف كذلك، أو في الصلاة، أو بعض دماء آخر «3».

و أمّا بعض الأخبار «4» المفهم لطهارته في بادئ النظر، فليس بعد التأمّل كذلك، مع أنّه لو كان، فلشذوذه المخرج له عن الحجيّة لا يضرّ.

ثمَّ مقتضى إطلاق الروايتين الأولين، بل خصوص الثانية: نجاسته و لو كان أقلّ من الدرهم أو الحمصة، كما عليها المعظم، و تشملها الإجماعات المنقولة.

خلافا للمنقول عن الإسكافي «5» في الأوّل، و الصدوق «6» في الثاني، للأخبار المجوّزة للصلاة في نحو من ذلك، أو النافية لوجوب غسله.

و هما غير مستلزمتين للطهارة

في المورد، لتحقّق القول بالفصل و إن حكمنا بها لمثلهما في غيره لعدم تحقّقه، كما هو متحقّق فيما عدا العفو في الصلاة، و عدم وجوب الغسل من لوازم النجاسة أو الطهارة في المورد أيضا.

______________________________

(1) الكافي 3: 59 الطهارة ب 38 ح 3، الفقيه 1: 161- 758، التهذيب 1: 254- 736، الاستبصار 1: 175- 609، الوسائل 3: 431 أبواب النجاسات ب 20 ح 6.

(2) التهذيب 1: 255- 740، الاستبصار 1: 176- 611، الوسائل 3: 429 أبواب النجاسات ب 20 ح 1.

(3) راجع الوسائل 3: أبواب النجاسات ب 42، 43، 44.

(4) الوسائل 1: 265 أبواب نواقض الوضوء ب 7 ح 4 و 11 و ج 3: 499 أبواب النجاسات ب 56 ح 1 و غيرها.

(5) نقل عنه في المعتبر 1: 420.

(6) الفقيه 1: 42.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 184

و قد يستدلّ على ردّهما: بمطلقات غسل الدم، أو إعادة الصلاة عنه.

و ليس في محلّه، لعدم وجوب غسل ما دون المقدارين، و كون الأمر بالإعادة قرينة على إرادة ما زاد عليهما.

ثمَّ إنّ المستفاد من الإطلاقات و إن كان نجاسة مطلق الدم من ذي النفس، إلّا أنّه خصّ منه عند أصحابنا الدم المتخلّف في الذبيحة المأكول اللحم، بعد القذف المعتاد، فهو طاهر، و عليه الإجماع محقّقا و محكيّا في كلام جمع، منهم:

الناصريات، و السرائر، و المختلف، و الحدائق «1»، و اللوامع، و غيره «2».

و بضرورة حلّية اللحم الغير المنفك عنه و لو غسل مرات- كما يظهر عند الغسل و الطبخ- و عدم وجوب غسل ما يلاقي هذا اللحم، و عمل المسلمين في الأعصار و الأمصار، تقيّد الإطلاقات، لا بقوله سبحانه قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَ «3»

لأنّ مفهومها مفهوم وصف غير معتبر، و منطوقها عامّ غير مقاوم، مع أنّه لا يفيد أزيد من عدم كون غير الثلاثة ممّا اوحي تحريمه حين نزول الآية، فيمكن الوحي بتحريم غيرها بعده، أو تحريمه بغير الوحي، كما وقع التصريح به في الأخبار، من أنّ من المحرّمات ما حرّمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلا يصلح إلّا لتأسيس الأصل، فلا يحرم ما لا دليل على حرمته. و هو الوجه فيما ورد عنهم من التمسّك بها في حليّة بعض الأشياء.

و ظهر ممّا ذكر: لزوم الاقتصار في التخصيص بما ثبت فيه الإجماع، فينجس ما جذبته الذبيحة بالنفس، أو بقي في جوفه لارتفاع، موضع رأسه، أو استقرّ في العضو المحرّم كالطحال، أو تخلّف في الذبيحة الغير المأكول، و غيرها من غير المسفوحات، كدم الشوكة و العثرة و نحوهما، من غير خلاف يعرف في شي ء منها.

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 181، السرائر 1: 174، المختلف: 59، الحدائق 5: 45.

(2) المفاتيح 1: 66، المسالك 2: 245.

(3) الانعام: 145.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 185

و كما قيّدت إطلاقات النجاسة [1] بما مرّ، كذلك اخرج منها دم غير ذي النفس بالمستفيضة المعتبرة «2» و لو بضميمة الإجماع المركّب، فهو أيضا طاهر، و عليه الإجماع في الخلاف، و الغنية، و السرائر، و المعتبر، و المنتهى، و التذكرة، و الذكرى «3».

نعم يظهر من تقسيم الشيخ في الخلاف، و الجمل، و المبسوط «4»، و الديلمي، و ابن حمزة «5» النجاسة إلى الدم و غيره، ثمَّ تقسيمه إلى ما تجب إزالته و ما لا تجب، و هو دم البق، و البراغيث، و السمك: اعتقادهم النجاسة.

و منع ظهوره- لجواز تقسيم الشي ء إلى قسمين، كلّ

منهما أعم من وجه من آخر، ثمَّ تقسيم أحدهما إلى أقسام، بعضها خارج عن المقسم- مكابرة، إلّا أنّ ادّعاء الإجماع في الخلاف على طهارة مثل دم البق قبل التقسيم بسطر «6»، يوهنه.

و كيف كان فهم بما مرّ محجوجون

فرع: المصرّح به في كلام جماعة [2]: نجاسة العلقة

، و عليها الإجماع في الخلاف «8»، و يدلّ عليها صدق الدم، و منعه ضعيف، و لذلك ينجس دم البيض أيضا.

و كونه من الفرد النادر بعد الصدق، غير ضائر، لأنّ الندور الوجودي إنّما يفيد الخروج عن المطلق في الأحكام على الوقائع الواقعة. و عدم كونه دما بعد

______________________________

[1] في «ح» النجاسات.

[2] منهم المحقق في المعتبر 1: 422.

______________________________

(2) راجع الوسائل 3: 435 أبواب النجاسات ب 23.

(3) الخلاف 1: 476، الغنية (الجوامع الفقهية): 550، السرائر 1: 174، المعتبر 1: 430، المنتهى 1: 163، التذكرة 1: 7، الذكرى: 13.

(4) الخلاف 1: 476، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 170، المبسوط 1: 35.

(5) المراسم: 55، الوسيلة: 76.

(6) الخلاف 1: 476.

(8) الخلاف 1: 490.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 186

الصدق العرفي، غير مسموع.

و في تنجّس البيضة به، لميعانها، و عدمه، للأصل، و عدم ثبوت تنجّس مثل ذلك بالملاقاة، إشكال. و الاجتناب أحوط.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 187

الفصل الخامس: في الكلب و الخنزير

و هما نجسان عينا و لعابا، بل بجميع أجزائهما حتى ما لا تحلّه الحياة، بالإجماع المحقّق و المنقول [1]، و المستفيضة من الصحاح و غيرها.

و منها: الآمرة بغسل الثوب و الجسد بمس الكلب، أو إصابته برطوبة، الصادقتين على مسه و إصابته [2] بشعره «3».

و بغسل اليد بعد ملاقاتها لشعر الخنزير، كالروايات الثلاث للإسكافين «4»، و رواية زرارة «5».

و أمّا صحيحته: عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر، أ يتوضأ من ذلك الماء؟ قال: «لا بأس» «6». و موثّقة ابنه. فشعر الخنزير يعمل حبلا، يستقى به من البئر التي يشرب منها، و يتوضأ منها؟ قال: «لا بأس» «7» فلا تنافيها، لاحتمال أن يكون المنفي عنه البأس ماء البئر، بل

هو الظاهر من الثانية، أو يكون نفيه لعدم استلزام الاستقاء للملاقاة.

______________________________

[1] لعل المراد نقل الإجماع على نجاستهما بقول مطلق فقد تكرر نقله في كتب الأصحاب. و أما دعوى الإجماع على نجاستهما بجميع أجزائهما حتى ما لا تحلّه الحياة فلم نعثر عليها في كلماتهم صريحا.

[2] في «ح»: أو أصابته.

______________________________

(3) الوسائل 3: 414 أبواب النجاسات ب 12.

(4) أ- التهذيب 9: 85- 357، الوسائل 3: 418 أبواب النجاسات ب 13 ح 3.

ب- التهذيب 6: 382- 1130، الوسائل 17: 228 أبواب ما يكتسب به ب 58 ح 2.

ج- الفقيه 3: 220- 1019، التهذيب 9: 85- 356، الوسائل 17: 228 أبواب ما يكتسب به ب 58 ح 4.

(5) التهذيب 6: 382- 1129، الوسائل 17: 227 أبواب ما يكتسب به ب 58 ح 1.

(6) الكافي 3: 6 الطهارة ب 4 ح 10، التهذيب 1: 409- 1289، الوسائل 1: 170 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 2.

(7) الكافي 6: 258 الأطعمة ب 9 ح 3، الوسائل 1: 171 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 188

خلافا للناصريات «1»، و البحار [1] في الأخير [2]، للأخيرتين. و عمومات طهارته من الميتة الشاملة لما كان من نجس العين أيضا. و لأنّ ما لا تحلّه الحياة من أجزائه ليس من جملته و إن كان متصلا به.

و الأول لا دلالة فيه، كما مرّ، و مع ذلك موافق- لحكاية السيد «4»- لمذهب أبي حنيفة، المشتهر في زمان صدوره، معارض مع الأربعة المذكورة المعتضدة بالشهرة، الظاهرة في الدلالة.

و الثاني- لكونه أعمّ مطلقا- مخصوص بما ذكرنا البتة.

و الثالث مردود- بعد عدم التفرقة في ذلك بين ما تحلّه الحياة و ما لا تحلّه- بعدم

الملازمة بينه و بين الطهارة، لإمكان إثبات النجاسة بغير ما يدلّ على نجاسة الجملة.

ثمَّ المتولّد منهما أو من أحدهما يتبع الاسم، و مع عدم صدق اسم عليه طاهر، للأصل، ككلب الماء و خنزيره، على الأظهر الأشهر، لعدم ثبوت كونه حقيقة إلّا في البريّ، كما في الذخيرة «5»، بل صرّح الفاضل في النهاية، و التحرير، و التذكرة [3] بكونه مجازا في غيره، بل هو الظاهر من الأكثر حيث خصّ التبادر [4] بالبرّي.

______________________________

[1] الموجود في البحار 77: 120، و 63: 55 خلافه. قال في مفتاح الكرامة 1: 139: يظهر من كثير أنّ المخالف إنما هو السيد فقط.

[2] أي في الأجزاء التي لا تحلّها الحياة.

[3] نهاية الأحكام 1: 272 و الموجود فيها: كلب الماء طاهر لانصراف الإطلاق إلى المتعارف، التحرير 1: 24، التذكرة 1: 8.

[4] في «ه»: المتبادر.

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 182.

(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 182.

(5) الذخيرة: 150.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 189

و يظهر من المنتهى: الاشتراك اللفظي «1». و الحكم معه الطهارة أيضا، لعدم جواز استعمال المشترك في معنييه، و عدم الحمل بدون القرينة- على القول بجوازه- عليه.

و مع ذلك في بعض الروايات عليها دلالة، كصحيحة البجلي: عن جلود الخز، فقال: «ليس بها بأس» فقال الرجل: جعلت فداك إنّما هي في بلادي، و إنّما هي كلاب تخرج من الماء، فقال: أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا خرجت من الماء تعيش خارجه؟» فقال الرجل: لا، فقال: «لا بأس» «2».

و رواية ابن أبي يعفور عن أكل لحم الخزّ، قال: «كلب الماء إن كان له ناب، فلا تقربه، و إلّا فاقربه» «3».

فخلاف الحلي، و حكمه بنجاسة البحري تبعا للاسم «4»، ضعيف.

______________________________

(1) المنتهى 1: 166.

(2) الكافي 6: 451 الزي

و التجمل ب 9 ح 3، الوسائل 4: 362 أبواب لباس المصلي ب 10 ح 1.

(3) التهذيب 9: 49- 205، الوسائل 24: 191 أبواب الأطعمة المحرمة ب 39 ح 3.

(4) السرائر 2: 220.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 190

الفصل السادس: في الخمر و الفقاع

أمّا الثاني، و هو ما سمّي عرفا، أو (ما) [1] يؤخذ من ماء الشعير فقط، أو مع غيره، نجس بالإجماع المحقّق، و المحكي عن المبسوط، و الخلاف، و الانتصار، و الغنية «2»، و المنتهى «3»، و التذكرة، و النهاية للفاضل «4»، و غيرها «5»، سواء أسكر، أم لا.

و تدلّ عليه روايتا أبي جميلة «6»، و القلانسي «7»، المنجبرتان بالعمل.

و أمّا الأوّل: فهو أيضا نجس عند السواد الأعظم من الفريقين، و عليها الإجماع عن الخلاف، و المبسوط، و النزهة، و السيد، و الحلي، و ابن زهرة، و الفاضل، و ولده «8»، و غيرهم «9»، بل الخامس نسب إلى المخالف خلاف إجماع المسلمين. و هو الحجّة فيه.

مضافا إلى قوله سبحانه فَاجْتَنِبُوهُ «10» فإنّ الاجتناب الامتناع عمّا

______________________________

[1] لا توجد في «ق».

______________________________

(2) المبسوط 1: 36، الخلاف 2: 484، الانتصار: 197، الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

(3) المنتهى 1: 167. قال فيه أجمع علماؤنا على أن حكم الفقاع حكم الخمر فتأمل.

(4) التذكرة 1: 7، نهاية الأحكام 1: 272.

(5) التنقيح 1: 145.

(6) الكافي 6: 423 الأشربة ب 30 ح 7، التهذيب 9: 125- 544، الاستبصار 4: 96- 373، الوسائل 25: 361 أبواب الأشربة المحرمة ب 27 ح 8.

(7) الكافي 6: 422 الأشربة ب 30 ح 3، التهذيب 9: 125- 543، الاستبصار 4: 96- 372، الوسائل 25: 361 أبواب الأشربة المحرمة ب 27 ح 6.

(8) الخلاف 2: 484، المبسوط 1: 36، نزهة الناظر: 18،

الناصريات (الجوامع الفقهية): 181، السرائر 1: 178، الغنية (الجوامع الفقهية): 550، التذكرة 1: 7، الإيضاح 4: 155.

(9) المسالك 1: 17.

(10) المائدة: 92.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 191

يوجب القرب منه مطلقا، و لا معنى للنجس إلّا ذلك.

و حمل الاجتناب المطلق على بعض أفراده تحكّم.

و عدم وجوب الاجتناب عن النجس في جميع الأحوال، أو عن ملاقاة الأنصاب و الأزلام بدليل لا يوجب خروج باقي الأفراد. و إخراج ملاقاة النجس عن الأفراد المتعارفة، مكابرة.

و الأخبار المستفيضة بل المتواترة معنى، الواردة في موارد متعدّدة المتضمّنة للأمر بغسل الثوب منها، أو إعادة الصلاة مع الثوب الذي أصابته، أو غسل إنائها ثلاثا، أو سبعا، أو إهراق حبّ أو قدر فيه لحم و مرق كثير قطرت فيه قطرة منها مع كونها مستهلكة فيه.

و للنهي عن الأكل في آنية أهل الذمة التي يشربون فيها الخمر، و عن الصلاة في ثوب أصابته، معلّلا بأنّها رجس.

و لأنّ ما يبلّ الميل منها ينجّس حبّا من ماء «1»، إلى غير ذلك.

خلافا للمحكي عن الصدوق «2»، و العماني «3»، و الجعفي «4»، فقالوا:

بطهارتها، و يظهر من جماعة من المتأخّرين كالأردبيلي «5»، و صاحبي المدارك و الذخيرة، و المحقّق الخوانساري «6»: الميل إليها، لأخبار متكثّرة أيضا، أصرحها دلالة: ما يدلّ على جواز الصلاة في الثوب الذي أصابته قبل غسله، و في بعضها:

«إنّ اللّه حرّم شربها، دون لبسها و الصلاة فيها» «7» بترجيح هذه الأخبار بموافقة

______________________________

(1) الوسائل 3: 468 أبواب النجاسات ب 38 و 494 ب 51 و 517 ب 72 ح 2.

(2) الفقيه 1: 43.

(3) نقل عنه في المعتبر 1: 422.

(4) نقل عنه في الذكرى: 13.

(5) مجمع الفائدة 1: 312.

(6) المدارك 2: 292، الذخيرة: 153، المشارق: 333.

(7)

الوسائل 3: أبواب النجاسات ب 38 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 192

الأصل و الاستصحاب، و كونها قرينة لحمل الأخبار المتقدّمة على التقيّة، أو الاستحباب.

و فيه- مع عدم صلاحيّة كثير منها للتقيّة، حيث يتضمّن حرمة الجرّي، أو النبيذ، أو نجاسة أهل الكتاب، و لا للحمل على الاستحباب، للأمر بإعادة الصلاة المنفي استحبابها بعد صحّتها بالإجماع-: أنّ الحمل على أحدهما، أو الرجوع إلى الأصل، إنّما يكون فيما لم يكن هناك دليل على علاج آخر، و أمّا معه فكيف يمكن طرحه؟! و العجب من هؤلاء المائلين إلى طهارتها، أنّ رجوعهم إلى أحد هذه الأمور في مقام التعارض لا يكون إلّا بعد اليأس عن العلاجات الواردة في الأخبار العلاجية العامة.

مع أنّ الخبر العلاجي في خصوص اختلاف الأخبار في المقام وارد، و هي:

صحيحة علي بن مهزيار: قال: قرأت في كتاب عبد اللّه بن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك، روى زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام، في الخمر يصيب ثوب الرجل: أنّهما قالا: «لا بأس أن يصلّي فيها، إنّما حرّم شربها». و روى غير زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا أصاب ثوبك خمر، أو نبيذ،- يعني المسكر- فاغسله إن عرفت موضعه، و إن لم تعرف موضعه فاغسله كله، و إن صليب فيه فأعد صلاتك» فأعلمني ما آخذ به، فوقّع بخطه عليه السلام: «خذ بقول أبي عبد اللّه عليه السلام» «1».

و ظاهر أنّ المراد قوله منفردا.

و خبر خيران الخادم من أصحاب أبي الحسن الثالث صلوات اللّه عليه:

كتبت إلى الرجل عليه السلام أسأله عن الثوب يصيبه الخمر، و لحم الخنزير،

______________________________

(1) الكافي 3: 407 الصلاة ب 66 ح 14، التهذيب

1: 281- 826، الاستبصار 1: 190- 669، الوسائل 3: 468 أبواب النجاسات ب 38 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 193

أ يصلي فيه أم لا؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه، فقال بعضهم: صلّ فيه، فإنّ اللّه إنّما حرّم شربها، و قال بعضهم: لا تصلّ فيه، فكتب عليه السلام: «لا تصلّ فيه فإنّه رجس» «1».

هذا، مع أنه لو قطع النظر عن ذلك، و انحصر الأمر بالمرجّحات العامّة، لكان الترجيح مع أخبار النجاسة أيضا، لموافقة الكتاب، التي هي أقوى المرجّحات المنصوصة، و المخالفة لمذهب أكثر العامة- كما هي عن الاستبصار محكيّة [1] و إن كان الظاهر من كلام جماعة [2] خلافه- و لما هو أميل إليه حكام أهل الجوز، و ذوو الشوكة منهم، من طهارة الخمر، حيث إنّ ولوعهم بشربها، و تلوّثهم غالبا (بها) [3] مع نجاستها يورث مهانة لهم في أنظار العوام، و الحكم ببطلان صلاتهم، و صلاة من كان يقتدي بهم، و الإزراء و الاستخفاف بهم، فالحكم بالنجاسة مخالف للتقية، بخلاف الحرمة حيث كانت ضروريّة من الدين، منسوبا مخالفه إلى الإلحاد، فلم تكن بهذه المثابة.

و اعتضادها بالشهرة القويّة التي كادت أن تبلغ حدّ الإجماع، مع أنّ من المرجّحات المنصوصة التي عمل بها جماعة من الأصحاب: الأخذ بالأخير، و لا ريب أنّ صحيحة ابن مهزيار، و خبر خيران، قد تضمّنا ذلك. فالمسألة بحمد اللّه واضحة غاية الوضوح.

و في حكم الخمر سائر المسكرات المائعة بالأصالة، على المعروف من الأصحاب، و في الخلاف و المعتبر: الإجماع على نجاسته «5»، و في المعالم: لا نعرف

______________________________

[1] الاستبصار 1: 190، قال فيه لأنها موافقة لمذاهب كثيرة من العامة قال في بداية المجتهد 1: 76.

و أكثرهم على نجاسة الخمر و

في ذلك خلاف عن بعض المحدّثين.

[2] منهم صاحبا الحدائق 5: 106، و المشارق: 333.

[3] لا توجد في «ق».

______________________________

(1) الكافي 3: 405 الصلاة ب 66 ح 5، التهذيب 2: 358- 1485، الاستبصار 1: 189- 662 (بتفاوت يسير)، الوسائل 3: 469 أبواب النجاسات ب 38 ح 4.

(5) الخلاف 2: 484، المعتبر 1: 424.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 194

في ذلك خلافا بين الأصحاب «1»، و الظاهر أنّ مراده من قال بنجاسة الخمر. إلّا أنّه قال في الناصريات، في الشراب المسكر: إنّ كل من قال بأنّه محرّم الشرب ذهب إلى أنّه نجس كالخمر، إلى أن قال: لا خلاف في أنّ نجاسته تابعة لتحريم شربه «2».

و تدلّ عليه- بعد الإجماع المركّب- الأخبار، كصحيحة علي بن مهزيار المتقدمة، و مرسلة يونس الواردة في النبيذ المسكر «3».

و النبيذ: كل ما يعمل من الأشربة، كما صرّح به الجوهري، و الطريحي «4».

و لو قيل باختصاصه بنوع خاصّ منه- كما استعمل في بعض الأخبار- يتمّ المطلوب بعدم الفصل.

مع أنّ الآية تعمّ الجميع، بضميمة ما ورد في تفسيره- المنجبر بالعمل بل بإجماع المفسرين- كالمروي في تفسير القمي في بيان قوله تعالى إِنَّمَا الْخَمْرُ .. إلى آخره: «أما الخمر، فكل مسكر من الشراب إذا خمّر فهو خمر» «5».

و يدلّ عليه أيضا تصريح الأخبار: «بأنّ كل مسكر خمر» «6» بالتقريب المتقدّم في الميتة «7»، لا كونه خمرا لوجود علّة التسمية، أو للاستعمال فيه مطلقا، أو بدون القرينة، لضعف الجميع.

و أمّا نفي البأس في بعض الأخبار عن إصابة المسكر و النبيذ الثوب، فغير،

______________________________

(1) المعالم: 239.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 181.

(3) الكافي 3: 405 الصلاة ب 66 ح 4، التهذيب 1: 287- 818، الوسائل 3: 469 أبواب النجاسات ب

38 ح 3.

(4) مجمع البحرين 3: 189، و لم نعثر عليه في الصحاح.

(5) تفسير القمي 1: 180- بتفاوت يسير- الوسائل 25: 280 أبواب الأشربة المحرمة ب 1 ح 5.

(6) الوسائل 25: 326 أبواب الأشربة المحرمة ب 15 ح 5.

(7) ص 169- 170.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 195

دالّ على الطهارة.

و تجويز الصلاة في ثوب أصابه مطلق النبيذ، أو الشرب من حب قطرت فيه قطرة منه، محمول على النبيذ الحلال.

نعم، في قرب الإسناد للحميري: عن الخمر و النبيذ المسكر يصيب ثوبي أغسله، أو أصلي فيه؟ قال: «صلّ فيه إلّا أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر» «1».

و هو مع ضعفه، و موافقته لمذهب أبي حنيفة «2» في المائعات المسكرة، الذي هو المتداول في زمانهم، بل لكلّ العامة في خصوص النبيذ، معارض لما تقدّم، مرجوح منه بما ذكر.

و إنّما خصّصنا بالمائعة بالأصالة، لطهارة غيرها من المائعة عرضا، أو غير المائعة، بالأصل السالم عن المعارض، لأنّ ما يدلّ من الأخبار على النجاسة مخصوص بالنبيذ، الصريح في المائع بالأصالة، و ما ليس بمخصوص غير صالح لإثبات النجاسة، لخلوّه عن دالّ على وجوب الغسل.

نعم، نقل شيخنا البهائي- و تبعه جمع ممّن تأخّر عنه- عن التهذيب موثّقة الساباطي: «لا تصلّ في ثوب أصابه خمر، أو مسكر، و اغسله إن عرفت موضعه، فإن لم تعرف موضعه فاغسل الثوب كله، فإن صليت فيه فأعد صلاتك» «3».

و لكني لم أعثر عليها لا في التهذيب، و لا في غيره من كتب الأخبار.

و أمّا الجامد بالعرض فهو نجس، للاستصحاب.

______________________________

(1) قرب الإسناد 163- 595، الوسائل 3: 472 أبواب النجاسات ب 38 ح 14.

(2) راجع بداية المجتهد 1: 33، 471.

(3) الحبل المتين: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1،

ص: 196

الفصل السابع: في الكافر
اشاره

و له أقسام:

القسم الأول: غير الكتابي الذي لم ينتحل الإسلام.

و نجاسته عند الإماميّة إجماعيّة، و حكاية الإجماع على نجاسته بخصوصه من المحقّق «1»، و جماعة [1]، و على نجاسة مطلق الكافر الشامل له من طائفة، منهم: الشيخ، و الناصريات، و الانتصار، و السرائر، و الغنية، و المنتهى، و التذكرة، و النهاية «3» مستفيضة. و هو الحجة عليها، مع فحوى ما يأتي من المستفيضة الدالّة على نجاسة الكتابي، بل منطوقه بضميمة الإجماع المركب.

و الاستدلال «4» عليها بقوله عزّ شأنه إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ «5» بالتعدّي إلى غير المشرك، بعدم القول بالتخصيص غير تام، لعدم ثبوت إرادة المعنى الاصطلاحي من لفظ «نجس» في زمن الخطاب. و دعوى تبادره منه فيه غير مسموعة.

و إثباتها، بقرينة تعليل المنع عن دخول المسجد الحرام لعدم صلاحيّة الأعمّ- الذي هو المعنى اللغوي- للعلّية بالإجماع، و مخالفة جعل العلّة مطلق قذارة المشرك للظاهر، كما صرّحوا به في حجية منصوص العلة، كمخالفة جعل المعلول النهي التنزيهي الصالح لمعلوليّة الأعمّ، للإجماع على حرمة دخول المشركين المسجد

______________________________

[1] منهم المجلسي في البحار 77: 44.

______________________________

(1) المعتبر 1: 95.

(3) الخلاف 1: 70، التهذيب 1: 223، الناصريات (الجوامع الفقهية): 180، الانتصار: 10، السرائر 1: 10، الغنية (الجوامع الفقهية): 551، المنتهى 1: 168، التذكرة 1: 8، نهاية الاحكام 1: 273.

(4) كما استدل عليها في الانتصار و الخلاف و المنتهى و الروض: 163 و غيرها.

(5) التوبة: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 197

الحرام، مستدلّين بهذه الآية، ضعيف جدا، لأنّ عدم صلاحيّة الأعم للعلّيّة يوجب المصير إلى التجوّز، و لكنه لا يعيّن المطلوب، لجواز أن يكون هو حدّا معيّنا من الخباثة الباطنية، كما أنّ المطلوب حدّ معيّن من الظاهرية.

و عدم كونها من المعاني المعهودة للفظ

النجاسة، حتى ينصرف إليها مع القرينة الصارفة عن اللغوية «1»، مردود. بعدم ثبوت كون المعنى المصطلح أيضا في زمن الخطاب معروفا منه، فيتساويان.

هذا، مع أن تقدير كلمة «ذو» في صحة التوصيف- لكون النجس مصدرا لازما- فاستناد الحكم إلى نجاستهم العرضيّة الحاصلة من عدم التطهّر، و الاغتسال، و شرب الخمر، ممكن.

و كون التقدير خلاف الأصل، و شيوع الإخبار عن الذات بالمصادر للمبالغة، لا يفيد، لأنّه خلاف الأصل أيضا. و غلبته على الحذف غير ثابتة و إن رجّحه ظاهر الحصر في الجملة. مع أنّ المبالغة في النجاسة العرضيّة أيضا ممكنة.

إلّا أن يقال بأن المطلوب مع تفسيره بذي النجاسة أيضا ثابت، لعدم إمكان استناد الحكم إلى العرضيّة إلّا بارتكاب خلاف أصل [1]، لإمكان دخولهم الماء قبل دخول المسجد، فإرادة كونهم ذوي النجاسة العرضيّة دائما خلاف الواقع، فلا بدّ من تقدير: «غالبا» أو «أغلبهم» إلّا أنّه بعد ما ذكرنا من عدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة في زمان الخطاب لا يفيد.

القسم الثاني: الكتابيّون.

و نجاستهم عندنا مشهورة، و الإجماع عليها في عبارات جملة من الأجلّة

______________________________

[1] في «ح»: الأصل.

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 198

مذكورة، و هو مذهب الصدوقين «1»، و الشيخين «2» و السيّدين «3» و الحلبيّين [1]، و الفاضلين «5»، و الشهيدين «6»، و الحلي، و الديلمي، و الكركي «7»، و كافّة المتأخّرين «8».

و أمّا قول الشيخ في النهاية: يكره أن يدعو الإنسان أحدا من الكفار إلى طعامه فيأكل معه، و إن دعاه فليأمره بغسل يديه ثمَّ يأكل معه «9»، فمحمول على حال الضرورة، أو ما لا يتعدّى. و غسل اليد للتعبد، لوروده في الأخبار، أو زوال الاستقذار الحاصل من النجاسات الخارجية، لتصريحه قبل ذلك بأسطر:

بعدم جواز مؤاكلة الكفّار على اختلاف مللهم، و لا استعمال أوانيهم إلّا بعد غسلها، و أنهم أنجاس ينجس الطعام بمباشرتهم.

و قد ينسب الخلاف إلى العماني «10» و المفيد «11» في الرسالة العزّية أيضا، و هو غير ثابت.

أما الأول: فلأنّ من نسب الخلاف إليه استفاده من تصريحه بطهارة سؤره،

______________________________

[1] الحلبيان في مصطلحهم هما أبو الصلاح و ابن زهرة، و لا يناسب إرادته في المقام، للزوم التكرار، حيث أنه نقله أيضا عن السيدين و هما (المرتضى و ابن زهرة) فيمكن أن يريد بالحلبيين في المقام أبا الصلاح و علاء الدين الحلبي فإن القول موجود في الكافي في الفقه: 131، و في إشارة السبق: 79.

______________________________

(1) الفقيه 1: 8، 10، المعتبر 1: 96- نقله عن ابني بابويه.

(2) المقنعة: 65، المبسوط 1: 14، التهذيب 1: 223.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 180، الانتصار: 10، الغنية (الجوامع الفقهية): 551.

(5) المعتبر 1: 96، الشرائع 1: 53، التحرير 1: 24، المنتهى 1: 168، التذكرة 1: 8.

(6) الذكرى: 13، الدروس 1: 124، البيان 31، الروض: 163، الروضة 1: 49.

(7) السرائر 1: 73، المراسم: 209، جامع المقاصد 1: 162.

(8) الحدائق 5: 172، الرياض 1: 85، كشف اللثام 1: 46.

(9) النهاية: 589.

(10) نقل عنه في البحار 77: 44.

(11) نقل عنه في المعتبر 1: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 199

و لعله- بعد تخصيص السؤر بالماء، كما عليه جملة من الأصحاب «1»- مبني على أصله من عدم انفعال القليل.

و أما الثاني: فلأنّه إنما حكم بالكراهة، و إرادة المعنى اللغوي منها في عرف القدماء شائعة، و هي الملائمة لدعوى الإجماع على النجاسة من تلاميذه «2» مع كونه رئيس الفرقة.

و من ذلك- مع عدم قدح مخالفة الإسكافي «3» لكونه نادرا-

يظهر الإجماع على النجاسة هنا أيضا، فهو الدليل عليها، مضافا إلى المستفيضة، كموثقة ابن أبي يعفور المرويّة في العلل المتقدمة «4» في غسالة الحمام، و رواية علي المتقدمة في بحث القليل «5» في دليل العماني.

و رواية ابن أبي يعفور: أخبرني عن ماء الحمام يغتسل منه الجنب و اليهودي و النصراني و المجوسي، فقال: «إنّ ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا» «6».

و لو لا نجاسة القليل بملاقاة المذكورين، للغا التعليل، و ليست هي لاغتسال الجنب و الصبي لأصالة كونهما طاهرين، فتكون للبواقي.

و موثقة الأعرج: عن سؤر اليهودي و النصراني أ يؤكل أو يشرب؟ قال:

«لا» «7».

و تؤيد المطلوب: صحيحتا علي و محمد:

______________________________

(1) كما تقدم في بحث الآسار ص 75.

(2) كما تقدم نقل الإجماع من السيد و الشيخ ص 196 رقم 3.

(3) نقل عنه في كشف اللثام 1: 46.

(4) ص 108.

(5) ص 45.

(6) الكافي 3: 14 الطهارة ب 10 ح 1، الوسائل 1: 150 أبواب الماء المطلق ب 7 ح 7. و تقدمت في ص 34.

(7) الفقيه 3: 219- 1014، الوسائل 24: 210 أبواب الأطعمة المحرمة ب 54 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 200

الاولى: عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام؟ فقال: «إذا علم أنه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام، إلّا أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثمَّ يغتسل» «1».

و الثانية: عن رجل صافح مجوسيا، قال: «يغسل يده و لا يتوضأ» «2».

و المستفيضة الناهية عن الأكل من آنيتهم مطلقا، أو قبل الغسل، و عن طعامهم مطلقا، أو الذي يطبخ، و عن مصافحتهم، و مسهم، و الرقود معه على فراش واحد، و إقعاده على الفراش، و عن الصلاة في الثوب الذي اشتراه من نصراني حتى

يغسل «3»، و المخصصة لما يحل من طعام أهل الكتاب بالحبوب «4»، و الدالّة على نجاسة النواصب، فإنّ أهل الكتاب في غاية العداوة لنبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عترته، و ربما قالوا في حقهم ما يجب التحرز عن حكايته.

و إنما جعلناها مؤيدة لا أدلة كما فعله الأكثر «5»، لإمكان المناقشة في الجميع.

أما في الأخيرة: فلأنّ المراد بالناصبي ليس معناه الحقيقي، و مجازه يمكن أن يكون طائفة من المسلمين مظهرة لعداوة أهل البيت، و يعاضده جعله في كثير من الأخبار «6» قسيما لليهودي و النصراني.

و أما في ما قبلها: فلعدم دلالة التخصيص على نجاسة غير الحبوب، مع أنه لو دل عليها، للزم التخصيص بما علم ملاقاتهم معه بالرطوبة، و هو تجوّز لا

______________________________

(1) التهذيب 1: 223- 640، الوسائل 3: 421 أبواب النجاسات ب 14 ح 9.

(2) الكافي 2: 650 العشرة ب 11 ح 12، التهذيب 1: 263- 765، الوسائل 3: 419 أبواب النجاسات ب 14 ح 3.

(3) راجع الوسائل 3: 419 أبواب النجاسات ب 14 و 517 ب 72 و ج 24: 206 أبواب الأطعمة المحرمة ب 52.

(4) راجع الوسائل 24: 203 أبواب الأطعمة المحرمة ب 51.

(5) منهم صاحب المدارك 1: 298، و الذخيرة: 152، و الحدائق 5: 166.

(6) راجع الوسائل 1: 220 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 5 و ص 229 أبواب الأسآر ب 3 ح 2 و ج 3:

420 أبواب النجاسات ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 201

ترجيح له على غيره مما يمكن في المقام.

و منه يعلم وجه المناقشة في البواقي غير الأولى أيضا، فإنّها لا تثبت المطلوب إلّا بحمل الآنية، و الطعام، و الفراش، و

الثوب على ما علم ملاقاتهم بالرطوبة معه، و المصافحة على صورة رطوبة اليد، و لا ترجيح لشي ء من ذلك على حمل النهي على الكراهة، سيما مع معارضتها مع مفهوم صحيحة محمد: عن آنية أهل الكتاب، فقال: «لا تأكلوا في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة، و الدم، و لحم الخنزير» «1».

و رواية زكريا بن إبراهيم: إني رجل من أهل الكتاب، و إني أسلمت، و بقي أهلي كلهم على النصرانية، و أنا معهم في بيت واحد لم أفارقهم بعد، فآكل من طعامهم؟ فقال لي: «يأكلون لحم الخنزير؟» قلت: لا و لكنّهم يشربون الخمر، فقال (لي) «2»: «كل معهم و اشرب» «3» إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في تجويز استعمال أوانيهم، و استعمال ثيابهم، الآتي بعضها.

مضافا إلى التصريح بالكراهة في صحيحة إسماعيل بن جابر: ما تقول في طعام أهل الكتاب؟ فقال: «لا تأكله» ثمَّ سكت هنيئة، ثمَّ قال: «لا تأكله» ثمَّ سكت هنيئة، ثمَّ قال: «لا تأكله، و لا تتركه تقول: إنه حرام، و لكن تتركه تنزها عنه، إنّ في آنيتهم الخمر و لحم الخنزير» «4».

هذا، مع أن الثانية بل كثير من غيرها لا يفيد بنفسه أزيد من الكراهة، للخلوّ عن صريح النهي.

______________________________

(1) الفقيه 3: 219- 1017، التهذيب 9: 88- 371، الوسائل 24: 211 أبواب الأطعمة المحرمة ب 54 ح 6.

(2) لا توجد في «ه».

(3) التهذيب 9: 87- 369، الوسائل 24: 211 أبواب الأطعمة المحرمة ب 54 ح 5.

(4) الكافي 6: 264 الأطعمة ب 16 ح 9، التهذيب 9: 87- 368، الوسائل 24: 205 أبواب الأطعمة المحرمة ب 54 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 202

دليل القائل بالطهارة: الأصل، و قوله عز و جل

وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ «1» فإنه شامل لما باشروه بالرطوبة، و الأخبار المتكثرة.

و الأصل بما ذكرنا مندفع.

«و طعامهم» «2»- مع أنّ عمومه لكل طعام غير معلوم، بل قال بعض أهل اللغة: إنه البرّ خاصّة، كما نقله في المجمل «3»، و شمس العلوم، و الصحاح «4»، و القاموس «5»، و في المغرب، أنه غلب علي البرّ خاصّة «6»، و في النهاية الأثيريّة عن الخليل: أنّ الغالب في كلام العرب أن الطعام هو البرّ خاصّة «7»، و في المصباح المنير: و إذا أطلق أهل الحجاز لفظ الطعام عنوا به البرّ خاصة «8»، و يؤيده: حديث أبي سعيد المروي في طريق العامة: «كنا نخرج صدقة الفطرة صاعا من طعام، أو صاعا من شعير» «9» الحديث. بالحبوب- لو سلّم عمومه لغة- بالمستفيضة مخصوص:

ففي مرسلة الفقيه عن قول اللّه عزّ و جل وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ قال: «يعني الحبوب» «10».

و في رواية أبي الجارود: عن قول اللّه تعالى وَ طَعامُ الَّذِينَ الآية، فقال: «الحبوب» «11».

______________________________

(1) المائدة: 5.

(2) مبتدأ يأتي خبره بعد أسطر، و هو: بالحبوب .. مخصوص.

(3) المجمل 3: 323.

(4) الصحاح 5: 1974.

(5) القاموس 4: 145.

(6) المغرب 2: 14.

(7) النهاية 3: 127.

(8) المصباح المنير: 373.

(9) صحيح مسلم 2: 678- 17: و فيه: كنّا نخرج زكاة الفطر ..

(10) الفقيه 3: 219- 1012، الوسائل 24: 205 أبواب الأطعمة المحرمة ب 51 ح 6.

(11) الكافي 6: 264 الأطعمة ب 16 ح 6، الوسائل 24: 204 أبواب الأطعمة المحرمة ب 51 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 203

و صحيحة قتيبة وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إلى آخره، فقال: «كان أبي يقول: إنما هي الحبوب و أشباهها»

«1».

و قريبة منها موثقتا سماعة «2»، و صحيحة هشام «3».

و على هذا، فذكر طعامهم بعد الطيبات لدفع ما يتوهم من لزوم الاجتناب عنه، لاحتمال ملاقاتهم بما يوجب التنجيس عند التصفية و غيرها، أو من لزوم قطع الوصلة بين الفريقين للمباينة الدينية.

و التخصيص بأهل الكتاب، لعله لكون أهل المدينة منهم، مع أن حلّية طعامهم من حيث إنّه طعامهم لا تنافي نجاسته من حيث مباشرتهم.

و أما الأخبار، فإن أمكن المناقشة في دلالة كثير منها، و قرب التأويل في طائفة اخرى، كأن يقال: إن السؤال عن طعامهم أو مؤاكلتهم أو إخدامهم أو عملهم إنما هو من حيث هي هي، و الحكم بطهارة بعض ما يخرج من أيديهم لعدم العلم بمباشرتهم مع الرطوبة، أو بكونه كافرا، أو نحو ذلك. و لكن الإنصاف ظهور دلالة بعض منها إلّا أنها بمعزل عن الحجية، لترك ناقليها العمل بها، و مخالفتها للشهرة العظيمة بين من تقدم و تأخر، بل للمحقق من الإجماع، كيف لا و نجاستهم بين عوام العامة و الخاصّة و خواصهم معدودة من خواص الخاصّة، و هما من أقوى الأسباب المخرجة للخبر عن الحجية، كما بيّناه في موضعه.

و مع ذلك كله فهي لمذهب العامة موافقة باعتراف جميع الخاصة، حتى أن السيد جعل القول بالنجاسة من منفردات الإمامية «4»، و كانوا بذلك عند المخالفين

______________________________

(1) الكافي 6: 240 الذبائح ب 15 ح 10، التهذيب 9: 64- 270، الاستبصار 4: 81- 303، الوسائل 24: 205 أبواب الأطعمة المحرمة ب 51 ح 4.

(2) الكافي 6: 263 الأطعمة ب 16 ح 1، 2، التهذيب 9: 88- 375، الوسائل 24: 203، 204 أبواب الأطعمة المحرمة ب 51 ح 1، 2.

(3) التهذيب 9: 88- 374، الوسائل 24: 205

أبواب الأطعمة المحرمة ب 51 ح 5.

(4) الانتصار: 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 204

معروفين مطعونين، و كثرة اختلاط العامة لأهل الكتاب في جميع الأعصار، و شدة عداوتهم لمن يجتنب عنهم بيّنة واضحة، فترجيح أخبار النجاسة بالمخالفة للعامة متعين، و حمل ما يدل على الطهارة على التقية لازم، و بعضه به مشعر:

ففي حسنة الكاهلي- بعد سؤاله عن دعوة المجوسي إلى المؤاكلة. «أما أنا فلا أدعوه و لا أؤاكله، و لأني لأكره أن أحرّم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم» «1» فإن المعنى قطعا: ما تضطرون إلى صنعة.

القسم الثالث: المنتحلون للإسلام.

و لا ريب في نجاسة الناصب منهم، و هو: من أظهر بغض أحد من أهل البيت، للإجماع، و موثقة العلل المتقدمة «2».

و الأئمة كلهم داخلون في أهل البيت، لقول الصادق عليه السلام في الموثقة: «لنا أهل البيت».

و من النواصب: الخوارج، بل هم شر أقسامهم.

و كذا لا ينبغي الريب في نجاسة الغلاة، و هم القائلون بالوهية عليّ أو أحد من الناس، للإجماع.

و المستفاد من كثير من العبارات بل المصرح به في كلام جماعة «3» نجاسة المنكر لما يعلم ثبوته أو نفيه من الدين ضرورة.

و هو مشكل، لأنا و إن قلنا بكفر ذلك، و لكن لا دليل على نجاسة الكافر مطلقا بحيث يشمل المقام.

و شمول الإجماعات المنقولة لمثله غير معلوم، فإن ظاهر بعض كلماتهم أن

______________________________

(1) الكافي 6: 263 الأطعمة ب 16 ح 4، التهذيب 9: 88- 370، الوسائل 3:، 419 أبواب النجاسات ب 14 ح 2 و ج 24: 208 أبواب الأطعمة المحرمة ب 53 ح 2.

(2) ص 108.

(3) منهم العلامة في التحرير 1: 24، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 47، و نقله في مفتاح الكرامة 1: 143.

عن عدة من الفقهاء.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 205

مرادهم من الكفار بالإطلاق غير فرق الإسلام، ألا ترى الفاضل قال في المنتهى- بعد دعوى الإجماع على نجاسة الكفّار-: حكم الناصب حكم الكفّار، لأنه ينكر ما يعلم من الدين ضرورة «1»، و كذا تشعر بذلك عبارة المعتبر «2» و غيره «3» أيضا.

و مع ذلك يعاضده عدم التبادر، و تبادر الغير.

و يؤكد ذلك أن منهم من حكم بكفر المخالفين لإنكاره الضروري، و مع ذلك قال بطهارتهم، كالفاضل، فإنه صرح في زكاة المنتهى «4» و شرح فصّ الياقوت بأنّ المخالفين لإنكارهم ضروري الدين كفرة، و مع ذلك هم طاهرون عنده.

و لذا قيل في رد استدلال من يقول بنجاسة المخالفين بكفرهم: إنه على تقدير إطلاق الكفر عليهم حقيقة فلا دليل على النجاسة كلية، و إن هو إلّا مصادرة محضة «5».

فالطهارة هنا قوية، للأصل. و القياس على غير المنتحل مردود. و الآية على فرض تماميتها غير نافعة، لعدم تحقق الشرك مطلقا، و عدم ثبوت الإجماع المركب.

و أما المخالفون لنا في الإمامة، فالحقّ المشهور: طهارتهم.

و عن السيد «6» القول بالنجاسة مطلقا.

و عن الحلّي في غير المستضعفين منهم «7»، و اختاره بعض مشايخ والدي «8»

______________________________

(1) المنتهى 1: 168.

(2) المعتبر 1: 98.

(3) مجمع الفائدة 1: 283.

(4) المنتهى 1: 522.

(5) الرياض 1: 85.

(6) الانتصار: 82.

(7) السرائر 1: 84.

(8) الحدائق 5: 177، 181.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 206

- طاب ثراهما- و أصرّ عليه.

لنا: الأصل السالم عن المعارض، مضافا إلى شدّة مخالطة الأئمة صلوات اللّه عليهم و أصحابهم طرا معهم، و مباشرتهم و ملاقاتهم إياهم مع الرطوبة، و المؤاكلة معهم في ظرف واحد من المائعات، و نكاح نسائهم، و غير ذلك مما لا

يمكن حمل جميعها على التقية، مع أن الحمل عليها بلا دلالة باطل.

دليل القائل بالنجاسة: أنهم كفرة و نصّاب، و كل أولئك أنجاس.

أما الأول: فلإنكارهم ما علم من الدين ضرورة، و لتواتر الأخبار معنى به، و لذا صرح جماعة بكفرهم، كابن نوبخت مسندا له إلى جمهور أصحابنا، و الشيخ في التهذيب، و السيد، و الحلي «1»، و الفاضل في بعض كتبه «2»، و هو الظاهر من المفيد و القاضي «3».

و أما الثاني: فلرواية عبد اللّه بن سنان: «ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت، لأنك لا تجد أحدا يقول أنا أبغض محمدا و آل محمد، و لكن الناصب لكم، و هو يعلم أنكم تتولّونا، و أنكم من شيعتنا» «4».

و قريب منها خبر المعلى المروي في معاني الأخبار «5».

و مكاتبة محمد بن علي بن عيسى إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام، المروية في مستطرفات السرائر: كتبت إليه أسأله عن الناصب، هل احتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت و الطاغوت و اعتقاده بإمامتهما؟ فرجع الجواب:

«من كان على هذا فهو ناصب» «6».

______________________________

(1) التهذيب 1: 335، الانتصار: 82، السرائر 1: 356.

(2) المنتهى 1: 522.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 1    207     القسم الثالث: المنتحلون للإسلام. ..... ص : 204

(3) المقنعة: 85، المهذب 1: 54، 56.

(4) ثواب الأعمال: 248.

(5) معاني الأخبار: 365.

(6) مستطرفات السرائر: 68- 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 207

و يردّ الأول أولا: بمنع كفرهم، و إنكار الضروري إنما يوجبه لو وصل عند المنكر حد الضرورة، و أنكره إنكارا لصاحب الدين، أو عنادا أو استخفافا أو تشهّيا، و كون جميع المخالفين كذلك ممنوع، و الأخبار بمثلها معارضة:

ففي رواية سفيان بن السمط: «الإسلام هو الظاهر

الذي عليه الناس:

شهادة أن لا إله إلا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و إقامة الصلاة، و إيتاء الزكاة، و حج البيت، و صيام شهر رمضان. فهذا الإسلام.

و قال: الإيمان معرفة هذا الأمر مع هذا، فإن أقرّ بها و لم يعرف هذا الأمر كان مسلما و كان ضالا» «1».

و أصرح من الجميع: ما رواه في الكافي في باب ارتداد الصحابة، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام و فيها: «فأما من لم يصنع ذلك و دخل فيما دخل فيه الناس على غير علم و لا عداوة لأمير المؤمنين عليه السلام، فإن ذلك لا يكفره، و لا يخرجه عن الإسلام» «2» الحديث.

و ثانيا: بعدم دليل على نجاسة مطلق الكافر سوى الإجماع المنتفي هنا قطعا.

و الثاني: بأنّ مناط نجاسة الناصب الإجماع الظاهر انتفاؤه في المقام، و الأخبار المقيّدة بقوله: «لنا أهل البيت» و لم يعلم ذلك من جميع المخالفين، و كونهم نصّابا بمعنى آخر غير مقيد.

و مما ذكرنا ظهر أن الحقّ طهارة المجبّرة و المجسّمة أيضا، وفاقا للأكثر «3»، و خلافا للمحكي عن الشيخ في الأول «4»، و عنه و عن جماعة منهم المنتهى،

______________________________

(1) الكافي 2: 24 الايمان و الكفر ب 14 ح 4.

(2) الكافي 8: 295- 454.

(3) المعتبر 1: 97، 98، التذكرة 1: 8.

(4) المبسوط 1: 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 208

و التحرير، و القواعد، و الدروس، و البيان «1» في المجسمة الحقيقية، و عن الثانيين «2» في الثاني. و قد يستدل لهم بما ضعفه ظاهر.

فروع:

أ: لو ألجأت ضرورة التقية إلى ملاقاة أهل النجاسة بالرطوبة، و فعل المشروط بانتفائها جاز، كما أوجبته شريعة التقية، و بعد

زوالها يجب التطهير «3» لمشروطه ما لم يلزمه الحرج، للأمر المطلق بالغسل الموجب له مطلقا.

و عدم وجوبه حال التقية لا يرفعه بعد رفعها، فإن الثابت عدم وجوب الغسل حال التقية، لا عدم وجوب غسل ما لاقى حال التقية. و عدم ورود مثل الأمر في جميع النجاسات بعدم عدم الفصل بينها، غير ضائر. و استصحاب العفو غير نافع، لأن الثابت هو العفو المقيد بحال العذر.

ب: ما لا تحله الحياة من الكافر نجس على المشهور. و نسب الخلاف فيه إلى السيد، و كلامه في الناصريات «4» بالكلبين مخصوص. و في البحار صرح بطهارته من كل نجس العين «5»، و يظهر من المعالم الميل إلى طهارته من الكافر «6»، و استحسنه في المدارك «7».

و هو في موقعه، لعدم الدليل على النجاسة. و الحكم بنجاسة المشرك أو اليهودي أو النصراني لا يدل على نجاسة كل جزء منه.

ج: ظاهر الأكثر تبعية ولد الكافر لهما «8»، لأنه متفرع من نجسين فله

______________________________

(1) المنتهى 1: 168، التحرير 1: 24، القواعد 1: 7، الدروس 1: 124، البيان: 91.

(2) الشهيد الثاني في الروض: 163، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 164.

(3) في «ه»: التطهر.

(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 182.

(5) الموجود في البحار 77: 120، و 63: 55 خلافه، كما مرّ في ص 188 رقم (2).

(6) المعالم: 261.

(7) المدارك: 2: 276.

(8) كما في التذكرة 1: 8، الذكرى: 14، الحدائق 5: 200.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 209

حكمهما، كالمتولد من الكلب و الخنزير، و لتبعيته لهما في الكفر كما يظهر من الأخبار.

و يظهر من نهاية الإحكام وجود الخلاف فيه «1». و ظاهر المدارك و المعالم التوقف «2»، للأصل، و منع تبعية المتفرع من الحيوان عليه مطلقا،

و إنما هو من جهة صدق الاسم المنتفي هنا قطعا قبل البلوغ، و مع تسليم الصدق فلانحصار دليل نجاسة الكافر على الإجماع الغير المتحقق في المقام لا يفيد. و منه يظهر ضعف دليل التبعية أيضا.

أقول: لو سلّم عدم صدق الكافر، فلا ينبغي الريب في أن الظاهر من العرف إطلاق اليهودي و النصراني و الناصبي على أطفالهم، سيما إذا كانوا مميزين مظهرين لملة آبائهم تابعين لهم، سيما الأخير إذا علم منه النصب و العداوة، فتثبت نجاستهم- سيما المميّزين- بإطلاقات نجاسة الثلاثة مسراة بعدم الفصل إلى غير المميزين و إلى أطفال سائر الكفار.

نعم يشكل الحكم فيما لو كانوا مميزين، و أظهروا عن دين آبائهم التبري، و تلقّوا الإسلام و ولاء أهل البيت. و الظاهر حينئذ طهارتهم، لانتفاء الصدق عرفا، و عدم ثبوت الإجماع المركب.

ثمَّ لو سبى النجس من أطفالهم مسلم، فهل يطهر بالتبعية؟

المحكي عن الأكثر: نعم «3»، لأن نجاسته إما للإجماع عليها، أو على نجاسة مطلق الكافر الذي هذا منه، و كلا الإجماعين في المورد منتفيان، و استصحاب النجاسة ضعيف، إذ لم يثبت أمر زائد على النجاسة المقيدة بقبل السبي.

أقول: مع التميز و التبري عن ملة آبائهم لا إشكال ظاهرا في الطهارة، كما

______________________________

(1) نهاية الأحكام 1: 274.

(2) المدارك 2: 298، المعالم: 259، 260.

(3) قال الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح- مخطوط- ان ظاهر الأصحاب لحوق الطفل المسبي منفردا بالسابي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 210

لا إشكال في النجاسة كذلك مع إظهار ملتهم، و الإشكال إنما هو مع انتفاء أحد الأمرين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 211

الفصل الثامن: في نبذ مما اختلفوا في نجاسته
اشاره

و هي أمور:

منها: المذي

، و قد مر.

و منها: الأرنب، و الثعلب، و الفأرة، و الوزغة

. و الحقّ المشهور: طهارة الجميع، للأصل.

و صحيحة البقباق: عن فضل الهرة، و الشاة، و البقرة، و الإبل، و الحمار، و البغال، و الوحش، و السباع، فلم أترك شيئا إلّا سألته عنه، فقال: «لا بأس» حتى انتهيت إلى الكلب فقال: «رجس نجس» «1».

مضافا في الثاني إلى المستفيضة الدالة على قبوله التذكية، و طهر جلده بها «2».

و في الثالث إلى صحيحتي الأعرج «3» و إسحاق بن عمار «4»، و رواية الغنوي «5» و غيرها.

و في الرابع إلى صحيحة علي: عن العظاية، و الحية، و الوزغ يقع في الماء فلا يموت يتوضأ منه للصلاة؟ قال: «لا بأس» و عن فأرة وقعت في حب دهن

______________________________

(1) التهذيب 1: 225- 646، الاستبصار 1: 19- 40، الوسائل 1: 226 أبواب الآسار ب 1 ح 4.

(2) الوسائل 4: 355 أبواب لباس المصلي ب 7.

(3) الكافي 6: 261 الأطعمة ب 14 ح 4، التهذيب 9: 86- 362.

(4) الفقيه 1: 14- 28، التهذيب 1: 419- 1323، الاستبصار 1: 26- 65، الوسائل 1: 239 أبواب الأسآر ب 9 ح 2.

(5) التهذيب 1: 238- 690، الاستبصار 1: 41- 113، الوسائل 1: 188 أبواب الماء المطلق ب 19 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 212

فأخرجت منه قبل أن تموت، أ يبيعه من مسلم؟ قال: «نعم و يدهن منه» «1».

خلافا للمحكي عن الشيخ في موضع من المبسوط «2»، و موضع من النهاية «3» في الجميع، و عن الحلبيين «4» مدّعيا أحدهما الإجماع في الأولين، و عن الصدوق «5»، و المفيد، و الديلمي «6» في الأخيرين، و عن والد الصدوق «7» في الأخير، و عن القاضي «8» في غيره.

كل ذلك لبعض الأخبار «9»

القاصر عن إفادة النجاسة، إما لكون الحكم فيه بلفظ الإخبار الغير المثبت للزائد عن الرجحان، أو لعدم ثبوت الملازمة بين ما حكم به و بين النجاسة.

نعم، في صحيح علي: عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء تمشي على الثوب أ يصلى فيه؟ قال: «اغسل ما رأيت من أثرها» «10».

و حملها على الاستحباب بقرينة المذكورات متعين.

و منها: العصير العنبي

كما في كلام جماعة «11»، أو بدون القيد كما في كلام

______________________________

(1) التهذيب 1: 419- 1326، الاستبصار 1: 24- 61، الوسائل 1: 238 أبواب الأسآر ب 9 ح 1.

(2) المبسوط 1: 37.

(3) النهاية: 52.

(4) الكافي في الفقه: 131، الغنية (الجوامع الفقهية): 551.

(5) الفقيه 1: 8، المقنع: 5.

(6) المقنعة: 70، المراسم 56.

(7) نقله عنه في المختلف: 57.

(8) يستفاد من المهذب 1: 51، 53 خلافه و هو القول بنجاسة الثعلب و الأرنب و الوزغ و طهارة الفأرة.

(9) راجع الوسائل 1: 187 أبواب الماء المطلق ب 19 و ج 3: الباب 34- 36 من أبواب النجاسات.

(10) التهذيب 1: 261- 761، الوسائل 3: 460 أبواب النجاسات ب 33 ح 2.

(11) كما في الروض: 164، و الرياض 1: 86، و الحدائق 5: 121.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 213

الأكثر «1»، و اختلفوا في نجاسته و طهارته.

و الأول: مختار الفاضلين «2» في أكثر كتبهما، و عن الشهيد في الرسالة «3» و ابن حمزة «4» إن كان الغليان بنفسه، و عليه دعوى شهرة المتأخرين خاصة في المدارك «5» و أشربة المسالك «6»، و مطلقا في طهارته «7»، و عن المختلف «8».

و إرادة المقيد من الأول بقرينة ما ذكره في الأشربة متعينة، و دلالة كلام الثاني على الشهرة في العصير محل نظر.

و عن الكنز «9» دعوى الإجماع عليها،

و نسب إلى ظاهر الكليني و الصدوقين «10» أيضا، و ليس كذلك.

______________________________

(1) منهم المحقق في المعتبر 1: 424، و الشرائع 1: 52، و العلامة في التذكرة 1: 7، و المختلف:

58، و القواعد 1: 7.

(2) راجع رقم 1.

(3) حكى عنه في المدارك 2: 293.

(4) الوسيلة: 365. (الجوامع الفقهية): 733.

(5) المدارك 2: 292.

(6) المسالك 2: 244.

(7) يعني: ادّعى في طهارة المسالك الشهرة المطلقة. و لكن الموجود في المسالك 1: 17 دعوى شهرة المتأخرين أيضا كما في الأشربة منه.

(8) المختلف: 58.

(9) كنز العرفان 1: 53.

(10) نسبه إليهم المحقق البهبهاني (ره)، في حاشية المدارك (مخطوط): 84 في التعليق على قوله «و لا نعلم مأخذه» قال (ره): و لعل المأخذ هو الأخبار التي رواها في الكافي في باب أصل تحريم الخمر و بدوه، و رواه الصدوق في العلل أيضا، إذ يظهر من تلك الاخبار ان العصير بمجرد الغليان يدخل في حد الخمر، و الصدوق في الفقيه في باب حد الخمر قال: قال أبي في رسالته إليّ: اعلم أن أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار أو على من غير أن تمسه فيصير أعلاه أسفله فهو خمر فلا يحل شربه إلا أن يذهب ثلثاه. ثمَّ أتى بعبارات أخر صريحة بأن مراده الخمر المعهود الحقيقي ثمَّ قال: و لها خمسة أسامي: العصير من الكرم .. إلخ- و الظاهر من الصدوق أيضا ذلك في الفقيه و العلل معا و هو الظاهر أيضا من الكليني فلاحظ الكافي و تأمل. و هو الظاهر من البخاري من العامة في صحيحة فلاحظ ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 214

و الثاني: مذهب العماني «1» و أكثر الثالثة كالشهيد الثاني في حواشي القواعد، و الأردبيلي «2»، و صاحبي

المدارك و المعالم «3»، و كفاية الأحكام، و الذخيرة «4» و عن النافع، و الدروس، و التبصرة «5»، بل صرح في الذكرى «6» بعدم الوقوف على قول بالنجاسة لغير الفاضلين و ابن حمزة.

و عن الفاضل في النهاية «7» التوقف في الحكم، و هو ظاهر الذكرى، و البيان، و المسالك، و الكركي «8».

و الذي يظهر لي: أنّ المشهور بين الطبقة الثالثة: الطهارة، و بين الثانية:

النجاسة، و أما الأولى فالمصرّح منهم بالنجاسة أمّا قليل أو معدوم.

نعم ذكر الحلي في بحث المياه في رفع استبعاد تطهر الماءين النجسين المتفرقين بعد جمعهما إذا بلغا كرا: ألا ترى أن عصير العنب قبل أن يشتد حلال طاهر، فإذا حدثت الشدة حرمت العين و نجست، و العين التي هي جواهر على ما كانت عليه، و إنما حدث معنى لم يكن كذلك، و كذلك إذا انقلب خلّا زالت الشدة عن العين و طهرت و هي على ما كانت عليه «9».

و أما في بحث النجاسات فمع ذكره الخمر «10»، و إلحاقه الفقاع بها لم يذكر

______________________________

(1) نقله عنه في المختلف: 58.

(2) مجمع الفائدة 1: 312.

(3) المدارك 2: 293، المعالم: 242.

(4) الكفاية: 12، الذخيرة: 155.

(5) المختصر النافع: 18، الدروس 1: 124، التبصرة: 17 لا يخفى أن وجه نسبة القول بالطهارة إلى هؤلاء المذكورين إنهم لم يذكروا العصير في النجاسات.

(6) الذكرى: 13.

(7) نسب في الذكرى إلى نهاية العلّامة التوقف في الحكم و لكن الموجود فيه 1: 272، القول بنجاسته صريحا.

(8) الذكرى: 13، البيان: 91 المسالك 1: 17، جامع المقاصد 1: 162.

(9) السرائر 1: 66.

(10) السرائر 1: 179- 178.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 215

العصير أصلا.

و الذي أراه أنّ مراده بشدته ليس غلظته و ثخانته، بل المراد

هو القوة الحاصلة للمسكر، فيكون المراد منه الخمر، و لذا لم يذكر الغليان، و لا قبل ذهاب الثلاثين، و رتّب زوال الشدة على الانقلاب خلّا.

و يؤيده: أنه في مقام ذكر الأمثلة التي يتغير حكم الطهارة و النجاسة فيها بالتغير المعنوي، فمثّل بالإيمان و الكفر، و الموت و الحياة، و لو أريد بالشدة الثخانة لم تكن الجواهر على ما كانت عليه، مع أنه لم يفسّر الشدة من اللغويين أحد بالثخانة، و فسّروها بالقوة، و الحملة، و الصلابة، و غيرها.

و يؤيده أيضا، رواية عمر بن حنظلة: «ما ترى في قدح من مسكر يصبّ عليه الماء حتى تذهب عاديته و يذهب سكره» «1» و فسّرت العادية بالشدة.

و لو لا أن غيره من المتأخرين الذين ذكروا العصير ذكروه بعد الخمر أو فسّروا الاشتداد بالثخانة «2»، لقلت: إنّ مراد جميعهم ما ذكرنا، و يختلج ببالي أن يكون جماعة من القدماء عبّروا عن الخمر بمثل ذلك، و لأجله وقع في العصير الخلاف.

و كيف كان، فالحق هو الطهارة، للأصول السالمة جدا عن المعارض، المعتضدة بأنّ العصير المتكرر ذكره في النصوص «3»، و استفاضتها على حرمته، و عموم الحاجة إليه- حيث ليس بلد و لا قرية إلّا و يعملونه و يباشرونه و يحتاجون إليه- لو كان نجسا، لكان في الأخبار من نجاسته عين أو أثر، مع تكرر سؤال أصحابهم عن أحكامهم، و عدم محذور و لا تقية فيه.

و أما إطلاق الخمر عليه، فلا يدلّ بعد تسليمه على نجاسته، و لو جاز

______________________________

(1) الكافي 6: 410 الأشربة ب 21 ح 15، التهذيب 9: 112- 485، الوسائل 25: 341 أبواب الأشربة المحرمة ب 18 ح 1.

(2) كما في المسالك 2: 244، جامع المقاصد 1: 162، المدارك

2: 292.

(3) راجع الوسائل 25: 282 أبواب الأشربة المحرمة ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 216

الاكتفاء في بيان أحكامه بذلك، لكان في الحرمة أولى، لأن حرمة الخمر من أحكامها الضرورية بخلاف نجاستها.

احتجّ القائل بالنجاسة: بالإجماع المنقول عن الكنز «1».

و بكونه خمرا، لحملها عليه في الأخبار.

كما في موثقة ابن عمار: الرجل من أهل المعرفة يأتيني بالبختج «2» و يقول:

قد طبخ على الثلث، و أنا أعرفه أنه يشربه على النصف، فقال: «خمر لا تشربه» «3».

و في حسنة عبد الرحمن: «الخمر من خمسة: العصير من الكرم ..» «4».

و في الرضوي: «أصل الخمر من الكرم، إذا أصابته النار أو غلى من غير أن تصيبه النار فهو خمر» «5».

و بالنهي عن بيعه، كما في رواية أبي كهمس: لي كرم و أنا أعصره كل سنة و أجعله في الدّنان و أبيعه قبل أن يغلي، قال: «لا بأس، و إن غلى فلا يحل بيعه» «6».

و بنفي الخير مطلقا- و منه الطهارة- عنه كما في روايتي محمد بن الهيثم و أبي بصير:

الاولى: عن العصير يطبخ في النار حتى يغلي من ساعته فيشربه صاحبه،

______________________________

(1) كنز العرفان 1: 53.

(2) البختج: العصير المطبوخ- النهاية الأثيرية 1: 101.

(3) الكافي 6: 421 الأشربة ب 28 ح 7، التهذيب 9: 122- 526، الوسائل 25: 293 أبواب الأشربة المحرمة ب 7 ح 4.

(4) الكافي 6: 392 الأشربة ب 12 ح 1، التهذيب 9: 101- 442، الوسائل 25: 279 أبواب الأشربة المحرمة ب 1 ح 1.

(5) فقه الرضا (ع): 280، المستدرك 17: 39 أبواب الأشربة المحرمة ب 2 ح 5.

(6) الكافي 5: 232 المعيشة ب 107 ح 12، الوسائل 17: 230 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 6.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 217

قال: «إذا تغير عن حاله و غلى فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» «1».

و الثانية: «إن طبخ حتى يذهب منه اثنان و يبقى واحد فهو حلال، و ما كان دون ذلك فليس فيه خير» «2».

و جوابنا عن الأول: بمنع حجية الإجماع المنقول، سيما مع معارضته بما مر من الذكرى «3».

و عن الثاني: أنّ حمل الخمر يدل على كونه خمرا لو لم يثبت لها معنى آخر، حيث إنّ مقتضى أصالة الحقيقة في الحمل و المحمول حينئذ: كونه خمرا حقيقيا.

و لكن إذ ثبت له معنى آخر فتعارض تلك الأصالة أصالة عدم النقل و عدم وضع آخر، فلا يعلم كونه خمرا.

و قد ثبت بحكم التبادر كونها حقيقة في المسكر من مطلق العصير أو العنبي، و اتّفقت عليه كلمات الفقهاء الذين ذكروا العصير بعد الخمر، و قالوا:

و يلحق بها العصير. و قد صرح به أهل اللغة أيضا «4»، بل هو المستفاد من المستفيضة المصرحة بأنه «لم يحرم الخمر لاسمها و لكن لعاقبتها، فما كانت عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر» أو «ما فعل فعل الخمر فهو خمر» «5» و بأن «الخمر سميت خمرا لاختمارها العقل» «6».

و على هذا فالمعنى: أن حكمه حكم الخمر، أو هو خمر مجازي، أو مجازا، و لا يثبت بذلك جميع أحكامها له، لشيوع الحرمة فيها جدا فينصرف إليها. و لو

______________________________

(1) الكافي 6: 419 الأشربة ب 27 ح 2، التهذيب 9: 120- 517، الوسائل 25: 285 أبواب الأشربة المحرمة ب 2 ح 7.

(2) الكافي 6: 420 الأشربة ب 28 ح 1، الوسائل 25: 285 أبواب الأشربة المحرمة ب 2 ح 6.

(3) الذكرى: 13.

(4) القاموس 2: 23.

(5) راجع الوسائل

25: 342 أبواب الأشربة المحرمة ب 19.

(6) ظاهر العبارة يعطي أن الجملة المذكورة وردت في حديث و لكن لم نعثر عليه، نعم هي موجودة في كلمات اللغويين. راجع الصحاح 2: 649.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 218

قطع النظر عن الشيوع أيضا فانصراف الشركة المبهمة إلى جميع الأحكام عندنا غير ثابت.

هذا، مضافا إلى ما في الرواية الاولى من العلة، حيث إنها مذكورة بهذا السند و المتن في الكافي و التهذيب، و الأول خال عن لفظ «خمر» و لذا لم يذكره صاحبا الوافي و الوسائل.

و في الثانية من عدم الدلالة، لجواز أن يكون العصير بدلا من خمسة، و يكون الخمر من العصير الحاصل من الكرم، و النقيع الحاصل من الزبيب إلى آخره، و لو كان بدلا من الخمر أيضا، لدلّ على أنّ العصير يطلق على الخمر التي من الكرم، لا أن الخمر يطلق على العصير.

و في الثالثة من الضعف الخالي عن الجابر.

و عن الثالث- بعد منع ثبوت النجاسة بعدم حلية البيع، و لذا لا يحل بيع أشياء كثيرة طاهرة-: أنه بأقوى منه معارض، كصحيحة رفاعة: عن بيع العصير ممن يخمره، فقال: «حلال» «1».

و رواية البزنطي: عن بيع العصير فيصير خمرا، إلى أن قال: «و أما إذا كان عصيرا فلا يباع إلّا بالنقد» «2».

و هاتان الروايتان و إن كانتا أعمّين من جهة الغليان، و لكن رواية أبي كهمس أيضا عامة من جهة السكر، و لو لا ترجيحهما بالصحة، فالمرجع أصل الحلية.

و عن الرابع- مضافا إلى الاختصاص بما غلى بالنار-: بمنع كون الطهارة أيضا من أفراد الخير، مع أن المتبادر من نفيه فيها نفي الحلية، كما يشعر به قوله:

______________________________

(1) التهذيب 7: 136- 603، الاستبصار 3: 105- 370، الوسائل

17: 231 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 8.

(2) الكافي 5: 230 المعيشة ب 107 ح 1، التهذيب 7: 138- 611، الوسائل 17: 229 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 219

«فيشربه» و قوله: «فهو حلال».

و منها: ولد الزنا.

و الأظهر الأشهر: طهارته، للأصل.

و عن الصدوق «1» و السيد «2» و الحلّي «3» نجاسته. و في المعتبر عن بعض الأصحاب الإجماع عليها «4»، لروايتي حمزة بن أحمد و ابن أبي يعفور المتقدمتين «5» في غسالة الحمام، و المرويات في عقاب الأعمال و ثواب الأعمال، و المحاسن، و العلل.

[الأوليان ] «6»: «إنّ نوحا حمل في السفينة الكلب و الخنزير، و لم يحمل فيها ولد الزنا» «7».

و الثالثة: «لا خير في ولد الزنا، و لا في بشره، و لا في شعره، و لا في لحمه، و لا في دمه، و لا في شي ء منه» «8».

و الرابعة و فيها مخاطبا له يوم القيامة: «و أنت رجس، و لن يدخل الجنة إلّا طاهر» «9».

______________________________

(1) الفقيه 1: 8، الهداية: 14.

(2) الانتصار: 273.

(3) السرائر 1: 357، قال: ولد الزنا قد ثبت كفره. و هو بضميمة حكمه بنجاسة الكافر يصحح النسبة.

(4) المعتبر 1: 98.

(5) ص 108.

(6) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة ليحصل الانسجام مع قوله: «و الثالثة و الرابعة» و قوله بعد سطور في مقام الجواب: «و عن الروايات الأربع» مشيرا الى هذه الروايات. و لكن لا يخفى أنه يظهر من هذه العبارة أن الرواية: «أن نوحا ..» مروية في كتابين هما ثواب الاعمال و عقاب الاعمال، و عليه تكون الثالثة إشارة إلى رواية المحاسن- كما هي موجودة فيها- و هذا خلاف الواقع فإن الرواية الأولى مروية

في عقاب الاعمال فقط، فعليه ينبغي تبديل الأوليين بالأولى و الثالثة بالثانية و الرابعة بالثالثة.

(7) عقاب الاعمال: 252.

(8) المحاسن: 108.

(9) العلل: 564.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 220

و مرسلة الوشاء: «كره سؤر ولد الزنا، و اليهودي، و النصراني، و كل ما خالف الإسلام» «1». فإن المراد بالكراهة فيها الحرمة، بقرينة البواقي لئلّا يلزم استعمال اللفظ في الحقيقة و المجاز.

مع أن سياقها يدلّ على مخالفته الإسلام، فيكون كافرا، كما تدلّ عليه أيضا استفاضة الأخبار «بأنّه لا يدخل الجنة إلّا من طابت ولادته» «2» و «بأنّ ديته كدية اليهودي و النصاري» «3» و هذا وجه آخر لنجاسته.

و يجاب عن الروايتين: بأنهما تنفيان الطهورية دون الطهارة، و لا تلازم بينهما كما مرّ.

و الطهارة المنفية في ثانيتهما غير ما يوجب انتفاؤه النجاسة قطعا، لنفيها عن سبعة آبائه.

و عن الروايات الأربع «4»: بعدم الدلالة، لأن حمل الكلبين دونه لمطلوبية بقاء نوعهما دون نوعه، لا لكونه أنجس منهما.

و نفي الخير لا يثبت النجاسة.

و ثبوت الرجسية أو نفي الطهارة عنه يوم القيامة لا يدلّ عليه في الدنيا، مع أن كون الرجس و الطهارة بالمعنى المفيد هنا لغة غير ثابت.

و عن المرسلة: بأن الكراهة غير الحرمة، و ذكر البواقي لا يثبت إرادتها، لجواز إرادة القدر المشترك الذي هو معناها اللغوي. و دلالة سياقها على كفره ممنوعة.

و عدم دخوله الجنة- لو سلّم و خلا ما يدلّ عليه عن المعارض- لا يستلزم

______________________________

(1) الكافي 3: 11 الطهارة ب 7 ح 6، التهذيب 1: 223- 639، الاستبصار 1: 18- 37، الوسائل 1: 229 أبواب الأسآر ب 3 ح 2.

(2) راجع البحار 5: 285- 287.

(3) راجع الوسائل 29: 222 أبواب ديات النفس ب 15.

(4) يظهر بملاحظة ما

ذكرناه في التعليقة رقم 6 ص 219 أنه ينبغي تبديل الأربع بالثلاث.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 221

الكفر، إذ غايته عدم الإيمان، و قد أثبت بعضهم له الواسطة. كما لا يستلزمه كون ديته كدية الكافر لو سلّم، مع أنّ نجاسة كل كافر ممنوعة كما مر.

و منها: عرق الجنب من الحرام.

فالمفيد في رسالته إلى ولده صريحا كما نقل عنه في السرائر [1]، و في المقنعة [2] ظاهرا، و الشيخ في المبسوط «3» كما في الذكرى، و الديلمي، و الحلي «4»، و الفاضلان «5»، و الشهيدان [3]، و عامة المتأخرين «7» إلى طهارته، و عليه الإجماع في السرائر «8»، و في المختلف و الذكرى و كفاية الأحكام «9» أنه المشهور.

و هو الحق، للأصل، و عموم حسنة أبي أسامة «10» و رواية أبي بصير «11»

______________________________

[1] السرائر 1: 181، الموجود فيه هكذا: و شيخنا المفيد رجع عمّا ذكره في مقنعته و في رسالته الى ولده ..

و الظاهر أن الواو في قوله: و في رسالته من زيادة النساخ و يشهد عليه التأمل في مجموع كلامه الذي سيتعرض له المصنف ص 224.

[2] المقنعة: 71 و فيها: و لا بأس بعرق الحائض و الجنب و لا يجب غسل الثوب منه إلا أن تكون الجنابة من حرام فيغسل ما أصاب من عرق صاحبها من جسد و ثوب و يعمل في الطهارة بالاحتياط.

فتأمّل، و لاحظ ما يشير اليه المصنف ص 224.

[3] الذكرى: 14، البيان: 91، و الشهيد الثاني و إن لم يصرح بطهارته فيما عثرنا عليه من كتبه، الا أنه يمكن استظهار ذلك من شروحه على الشرائع و الإرشاد و اللمعة بملاحظة عدم الإشارة فيها الى نجاسته تبعا للمتون.

______________________________

(3) المبسوط 1: 91.

(4) الذكرى: 14، المراسم: 56، السرائر

1: 181.

(5) المحقق في المختصر النافع: 18، و الشرائع 1: 53، و العلامة في المختلف: 57، و المنتهى 1:

170.

(7) كما في الإيضاح 1: 29، و التنقيح 1: 146، و كشف اللثام 1: 50.

(8) السرائر 1: 181.

(9) المختلف: 57، الذكرى: 14، الكفاية: 12.

(10) الكافي 3: 52 الطهارة ب 34 ح 1، التهذيب 1: 268- 786، الاستبصار 1: 184- 644، الوسائل 3: 444 أبواب النجاسات ب 27 ح 1.

(11) التهذيب 1: 269- 791، الاستبصار 1: 185- 647، الوسائل 3: 446 أبواب النجاسات ب 27 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 222

و غيرها.

و عن الصدوقين «1»، و الشيخ في غير المبسوط «2»، و الإسكافي «3»، و القاضي «4»: نجاسته. بل عدّها أحد الأولين في أماليه من دين الإمامية «5»، و ادّعى عليها في الخلاف إجماع الفرقة «6».

و أسندها الديلمي و ابن زهرة «7» إلى أصحابنا مع فتوى الأول بالطهارة، و تردّد الثاني ظاهرا في المسألة.

و اختارها من متأخري المتأخرين والدي العلّامة، و بعض مشايخنا رحمهم اللّه «8».

و اشتهر نسبتها إلى المقنعة، و هي غير جيدة، لتصريحه بأنّ غسله بالاحتياط.

و استدلّ عليها بالإجماع المنقول عن الخلاف «9» صريحا، و عن ابن زهرة و الديلمي «10» ظاهرا.

و فيه- مضافا إلى عدم حجيته- أنه معارض بمثله عن الحلّي «11»، و بدعوى الشهرة على خلافه من الفاضل و الشهيد «12»، مع أنّ فتوى الديلمي عقيب كلامه

______________________________

(1) الفقيه 1: 40، و في المقنع: 14 نقله عن والده.

(2) النهاية: 53، التهذيب 1: 271.

(3) نقل عنه في المعالم: 270.

(4) شرح جمل العلم و العمل: 56، المهذب 1: 51.

(5) أمالي الصدوق: 516.

(6) الخلاف 1: 483.

(7) المراسم: 56، الغنية (الجوامع الفقهية): 551.

(8) كما في الرياض

1: 86.

(9) الخلاف 1: 483.

(10) الغنية (الجوامع الفقهية): 551، المراسم: 56.

(11) السرائر 1: 181.

(12) المختلف: 57، الذكرى: 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 223

بالطهارة صريحة في أنه لم يرد الإجماع من قوله، و هو يوهن إرادته في كلام ابن زهرة أيضا، لاتّحاد مؤدّاهما مضافا إلى تردّده أيضا.

و بصحيحة محمد الحلبي «1» و رواية أبي بصير «2».

و عدم دلالتهما في غاية الظهور.

و بروايتي علي بن الحكم و محمد بن علي بن جعفر:

الاولى: «لا يغتسل من غسالة الحمام، فإنه يغتسل فيه من الزنا» «3».

و الثانية: إنّ أهل المدينة يقولون إنّ فيه- أي في ماء الحمام- شفاء العين، فقال: «كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام» «4» الحديث.

و فيهما- مع خلوّهما عن ذكر العرق- عدم الملازمة بين عدم جواز الاغتسال و انتفاء الشفاء و النجاسة، مضافا إلى أنّ أولادهما خالية عما تحقق كونه نهيا.

و بالرضوي: «إن عرقت في ثوبك و أنت جنب، و كانت الجنابة من حلال فتجوز الصلاة فيه، و إن كانت حراما لا تجوز الصلاة فيه حتى يغتسل «5»» «6».

و المروي في الذكرى، عن الكفرثوثي، عن أبي الحسن: عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب أ يصلي فيه؟ فقال: «إن كان من حلال فصلّ فيه، و إن كان من حرام فلا تصل فيه» «7».

______________________________

(1) الفقيه 1: 40- 155، التهذيب 1: 271- 799، الاستبصار 1: 187- 655، الوسائل 3:

447 أبواب النجاسات ب 27 ح 11.

(2) التهذيب 1: 421- 1331، الاستبصار 1: 188- 656، الوسائل 3: 447 أبواب النجاسات ب 27 ح 10.

(3) الكافي 6: 498 الزي و التجمل ب 43 ح 10، الوسائل 3: 448 أبواب النجاسات ب 27 ح 13.

(4) الكافي 6: 503 الزي و التجمل ب

43 ح 38، الوسائل 1: 219 أبواب الماء المضاف ب 11 ح 2.

(5) في «ه»: يغسل.

(6) فقه الرضا (ع): 84، البحار 77: 117.

(7) الذكرى: 14، الوسائل 3: 447 أبواب النجاسات ب 27 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 224

و في البحار عن مناقب ابن شهرآشوب عنه أيضا: «إن كان عرق الجنب في الثوب و جنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه، و إن كانت جنابته من حلال فلا بأس» «1».

و نقله في البحار [1] عن كتاب عتيق من قدماء أصحابنا مسندا فيه عن علي ابن مهزيار، بأدنى تغيير.

و فيها: أنها إخبار ضعيفة غير ثابت المأخذ، و لم يثبت كونها في كتاب معتبر، أو أصل معتمد.

و دعوى انجبارها بالشهرة سيما العظيمة من القدماء فاسدة، إذ لم ينقل النجاسة من القدماء إلّا من قليل.

و الشيخ له القولان، و كذا المفيد إن قلنا بأنه يقول بالنجاسة في المقنعة.

و كلام الحلي في السرائر يعطي عدم قول من القدماء بالنجاسة إلّا ما نسب إلى المقنعة و أحد قولي الشيخ، حيث ذكر أولا أنّ كلام الشيخ في المبسوط محمول على التغليظ في الكراهة، و صرّح برجوع المفيد.

ثمَّ قال: و الغرض من هذا التنبيه بأنّ من قال: إذا كانت الجنابة من حرام، وجب غسل ما عرق فيه، رجع عن قوله في كتاب آخر، فقد صار ما اخترناه إجماعا «3».

و أما إثبات الشهرة بنقل طائفة الإجماع، فضعفه- بعد معارضتها بنقل الإجماع و الشهرة على خلافه- واضح جدا، مع أن انجبار الخبر الضعيف بالشهرة، إنما هو إذا لم تعارضها شهرة اخرى.

و شهرة الطهارة بين الطبقتين: الثانية و الثالثة معارضة، مع رجحانها من جهة كونها قطعية، بخلاف شهرة النجاسة بين القدماء فليست- لو

سلّمت- إلّا

______________________________

[1] البحار 77: 118- 6. و السند فيه، عن علي بن يقطين بن موسى الأهوازي.

______________________________

(1) البحار 77: 117- 5.

(3) السرائر 1: 181.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 225

ظنية.

و لا ينبغي الريب في استحباب التنزه و الاجتناب عنه، بل هو الأحوط.

و منها: عرق الإبل الجلالة

، نجّسه الصدوقان «1»، و الشيخان «2»، و القاضي «3»، و المنتهى «4». و هو الأقوى، لحسنة حفص بن البختري، بل صحيحته: «لا تشرب من ألبان الإبل الجلالة، و إن أصابك من عرقها شي ء فاغسله» «5».

و صحيحة هشام بن سالم: «لا تأكلوا اللحوم الجلالة، و إن أصابك عرقها فاغسله» «6».

و دلالتها على ما لم يعمل به من نجاسة عرق كل جلال لا تخرجه عن الحجية، إذ خروج بعض أفراد العام لمعارض لا يمنع حجيته في الباقي. مع أنّ عدم عمل أحد بعمومها ممنوع، بل صرح بعض الأصحاب بالعموم، و حكي عن النزهة «7» أيضا.

خلافا للفاضل في أكثر كتبه «8»، بل ادّعى في المختلف أنّه المشهور، و عزاه إلى الديلمي و الحلي «9»، للأصل، و بعض العمومات. و جوابهما ظاهر.

______________________________

(1) الفقيه 3: 214، نسبه في اللوامع الى الصدوقين على ما في الجواهر 6: 77.

(2) المفيد في المقنعة: 71، و الطوسي في النهاية: 53، و المبسوط 1: 38، و التهذيب 1: 263.

(3) شرح جمل العلم و العمل: 56.

(4) المنتهى 1: 170.

(5) الكافي 6: 251 الأطعمة ب 6 ح 2، التهذيب 1: 263- 767، الوسائل 3: 423 أبواب النجاسات ب 15 ح 2.

(6) الكافي 6: 250 الأطعمة ب 6 ح 1، التهذيب 1: 263- 768، الوسائل 3: 423 أبواب النجاسات ب 15 ح 1.

(7) نزهة الناظر: 19.

(8) كالقواعد 1: 7، التحرير 1: 24.

(9) المختلف: 57.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 226

و منها: المسوخ.

فالمشهور المنصور طهارته، للأصل، و عموم صحيحة البقباق المتقدمة «1»، و خصوص النصوص الواردة في بعضها كالعقرب و الفأرة و الوزغة «2» و العاج [1] و نحوها «4».

مضافا إلى الضرورة في بعض أفرادها كالزنبور و نحوه، مما يوجب القول بوجوب التحرز عنه مخالفة الطريقة المستمرة بين المسلمين في الأعصار و الأمصار، مع استلزامه العسر و الحرج المنفيين.

خلافا للمحكي عن الإسكافي «5»، و الخلاف، و المبسوط، و المراسم، و الوسيلة «6»، و الإصباح، استنادا إلى حرمة بيعها، و ليست إلّا لنجاستها. و هما ممنوعان.

و إلى الإجماع المنقول في المبسوط «7»، و ليس بحجة، مع أن إرادته الخباثة من النجاسة ممكنة، و القرائن في كلامه عليها قائمة.

______________________________

[1] العاج: عظم أنياب الفيل.

______________________________

(1) ص 211.

(2) المتقدمة ص 212- 211.

(4) راجع الوسائل 2: 122 أبواب آداب الحمام ب 72.

(5) نقل عنه في المعالم: 149.

(6) الخلاف 2: 538، المبسوط 2: 166، المراسم: 55، الوسيلة: 78.

(7) المبسوط 2: 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 227

الفصل التاسع:
اشاره

ها هنا أمور ليست نجسة، و لكن وردت الأخبار بالنضح منها، و جملة منها قد وقع الخلاف فيها في كونه على الوجوب أو الاستحباب.

فمنها: الثوب الملاقي للكلب أو الخنزير الحيّين أو الميّتين جافا

، سواء كان كلب صيد أو غيره. فالمشهور على ما في الحدائق «1» و اللوامع، بل ظاهر المعتبر:

إجماع علمائنا على استحباب الرش فيه «2».

و ذهب الشيخان في النهاية و المقنعة «3»، و الصدوق في الفقيه «4»- إلا أنه خصه بغير كلب الصيد- و ابن حمزة و الديلمي «5» إلى الوجوب، و اختاره والدي العلّامة- رحمه اللّه- في اللوامع صريحا و في المعتمد ظاهرا، و قواه في الحدائق «6».

و هو الحق، بمعنى وجوبه تعبدا و إن لم ينجس الملاقي، للنصوص المستفيضة:

كصحيحة الفضل: «إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله، و إن مسّه جافا فاصبب عليه الماء» «7».

و مرسلة حريز: «إذا مس ثوبك كلب فإن كان يابسا فانضحه» «8» و قريبة منها

______________________________

(1) الحدائق 5: 391.

(2) المعتبر 1: 439.

(3) النهاية: 52، المقنعة: 70.

(4) الفقيه 1: 43.

(5) الوسيلة: 78، المراسم: 56.

(6) الحدائق 5: 391.

(7) التهذيب 1: 261- 759، الوسائل 3: 414 أبواب النجاسات ب 12 ح 1.

(8) الكافي 3: 60 الطهارة ب 39 ح 1، التهذيب 1: 260- 756، الوسائل 3: 441 أبواب النجاسات ب 26 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 228

رواية علي «1».

و صحيحته: عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر و هو في صلاته كيف يصنع به؟ قال: «إن كان دخل في صلاته فليمض، و إن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب ثوبه» «2».

و أما ما في المختلف «3» من ترجيح الاستحباب، بأن النجاسة لا تتعدّى مع اليبوسة إجماعا، و إلّا لوجب غسل المحل، فتعيّن حمل الأمر

على الاستحباب، ففيه- مضافا إلى منع إيجاب تعدّي النجاسة للغسل كليا كما في بول الرضيع-:

أن الحمل على الوجوب لا ينحصر وجهه في النجاسة، لجواز التعبّد.

و قد يستدلّ للاستحباب: بسياق الأخبار، و فهم الأصحاب، و الأمر بالرش في مواضع أجمعوا فيها على حمله عليه، و هو قرينة عليه في جميع الموارد.

و دلالة السياق جدا ممنوعة. و فهم طائفة و عملهم مع مخالفة جمع آخر- سيما الذين هم أساطين المذهب- غير حجة. و الحمل في بعض المواضع على خلاف الأصل لمعارض لا يوجبه فيما لا معارض له.

ثمَّ ظاهر القوم: اختصاص الوجوب أو الاستحباب بالثوب. و هو كذلك.

اقتصارا فيما خالف الأصل عن موضع النص.

و منها: الثوب الملاقي لبدن الكافر

كذلك، ذكر استحباب الرش فيه جماعة [1]، و ظاهر المعتبر «5» الإجماع عليه، و في اللوامع أنه المشهور.

و لا بأس به بعد شهرته أو فتوى جماعة به، بل فتوى فقيه، للتسامح في

______________________________

[1] منهم العلامة في القواعد 1: 8، و سلّار في المراسم: 56.

______________________________

(1) التهذيب 1: 260- 757، الوسائل 3: 442 أبواب النجاسات ب 26 ح 4.

(2) الكافي 3: 61 الطهارة ب 39 ح 6، التهذيب 1: 261- 670، الوسائل 3: 417 أبواب النجاسات ب 13 ح 1.

(3) المختلف: 63.

(5) المعتبر 1: 439.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 229

السنن.

و منه يظهر عدم البأس في القول باستحبابه في ملاقاة الثوب للنجاسة الجافة مطلقا، كما ندبه الشيخ في المبسوط «1»، و بعض سادة مشايخنا قدّس اللّه سرّه العزيز في منظومته «2».

و في ملاقاته للفأرة و الوزغة كذلك، ذكره الشيخ في النهاية «3» و المفيد و الديلمي «4» موجبين له.

و منها: الثوب أو البدن الذي شكّ في نجاسته أو ظنّ بظنّ غير ثابت الحجية

، فالمشهور استحباب رشّه، لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج في البول:

«و ينضح ما يشك فيه من حسده و ثيابه» «5».

و حسنتي الحلبي و ابن سنان في المني:

الأولى: «فإن ظن أنه أصابه و لم يستيقن و لم ير مكانه فلينضحه بالماء» «6».

و الثانية: «و إن كان يرى أنه أصابه شي ء فنظر فلم ير شيئا أجزأه أن ينضحه بالماء» «7».

و رواية إبراهيم بن عبد الحميد: عن الثوب يصيبه البول فينفذ إلى الجانب الآخر، و عن الفرو و ما فيه من الحشو، قال: «اغسل ما أصاب منه [و مسّ ]

______________________________

(1) المبسوط 1: 38.

(2) الدرة النجفية: 58.

(3) النهاية: 52.

(4) المقنعة: 70، المراسم: 56.

(5) التهذيب 1: 421- 1334، الوسائل 3: 466 أبواب النجاسات ب 37 ح 2.

(6) الكافي 3: 54 الطهارة ب 35 ح

4، التهذيب 1: 252- 728، الوسائل 3: 424 أبواب النجاسات ب 16 ح 4.

(7) الكافي 3: 406 الصلاة ب 66 ح 9، التهذيب 2: 359- 1488، الوسائل 3: 475 أبواب النجاسات ب 40 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 230

الجانب الآخر، فإن أصبت مسّ شي ء منه فاغسله و إلّا فانضحه بالماء» «1».

و اختصاصها ببعض النجاسات كظهور بعضها في الوجوب غير مضرّ في الحكم بالعموم و الاستحباب، للإجماع المركّب في الأول، مع إمكان التعميم بالحسنة الأخيرة، و البسيط في الثاني.

و خلاف الحلبي و الديلمي «2»، و إيجاب الأول للرش مع الظن، و الثاني للغسل في الإجماع غير قادح، فبه يخرج الأمر عن حقيقته لا بما قيل من المعارضة مع أصالة الطهارة أو عمومات النهي عن العمل بغير علم، لكون ذلك خاصّا، مع أنّ النضح غير مستلزم للنجاسة.

و منها: الثوب
اشاره

إذا كان للمجوسي «3»، أو مشت عليه الفأرة الرطبة و لا يرى فيه أثرها «4»، أو أصابه المذي «5»، أو عرق الجنب «6»، أو بول البعير، أو الشاة «7»، أو دم غير ذي النفس «8»، أو شكّ في إصابة بول الدواب الثلاث إليه «9»، كل ذلك للروايات.

و كذا يستحب الرش لذي الجرح في مقعدته، يجد الصفرة بعد الاستنجاء و التوضؤ، إذا أراد الصلاة فيها «10»، و لثوب الخصي الذي يبول و يرى البلل بعد

______________________________

(1) الكافي 3: 55 الطهارة ب 36 ح 3، الوسائل 3: 400 أبواب النجاسات ب 5 ح 2- و في جميع النسخ: «من» بدل «مسّ».

(2) الكافي في الفقه: 140، المراسم: 56.

(3) الوسائل 3: 519 أبواب النجاسات ب 73 ح 3.

(4) الوسائل 3: 460، أبواب النجاسات ب 33 ح 2.

(5) الوسائل 3: 423 أبواب النجاسات

ب 16 ح 1.

(6) الوسائل 3: 445 أبواب النجاسات ب 27 ح 4 و 8 و 10.

(7) الوسائل 3: 409 أبواب النجاسات ب 9 ح 10.

(8) الوسائل 3: 436 أبواب النجاسات ب 23 ح 3.

(9) الوسائل 3: 403 أبواب النجاسات ب 7 ح 6.

(10) الوسائل 1: 292 أبواب نواقض الوضوء ب 16 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 231

البلل، فإنه يتوضأ و ينضح في النهار مرة «1».

فرعان:

الأول: أوجب الشيخ في النهاية مسح اليد بالتراب من مس الكلبين، و الثعلبين، و الفأرتين، و الكافرين «2»، و عن ابن حمزة في الطرفين «3». و ذكره المفيد في غير الثاني «4». و كلامه لكل من الوجوب و الاستحباب محتمل.

و عن المبسوط استحبابه في مس كل نجاسة يابسة «5».

و ذكر جمع أنهم لم يعرفوا لشي ء من ذلك وجها. و هو كذلك، إلّا أن إثبات الاستحباب بفتوى هؤلاء ممكن، و لذا نفي عنه البعد في اللوامع.

الثاني: الظاهر أنّ وجوب النضح أو استحبابه في تلك المواضع ليس بنفسي، بل هو غيري للصلاة أو كل مشروط الطهارة.

و هل يجتزئ عنه بالغسل؟ فيه إشكال.

و هل يحصل الامتثال برش الغير أو ارتشاش المطر؟ فيه تأمّل.

______________________________

(1) الوسائل 1: 285 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 8.

(2) النهاية: 52.

(3) الوسيلة: 77.

(4) المقنعة: 71.

(5) المبسوط 1: 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 232

الباب الثاني: في اللوازم الشرعية للنجاسات و أحكامها
اشاره

و هي أمور نذكرها في مسائل:

المسألة الأولى: يحرم أكلها، و شربها، و بيعها، و شراؤها في الجملة

، على التفصيل الآتي في محله.

و يبطل الصلاة و الطواف معها و إن كانا مندوبين، كما نذكر في محله مع تفصيله.

المسألة الثانية: تجب إزالتها عن الثوب و البدن للصلاة و الطواف الواجبين، إلّا ما عفى عنه
اشارة

على التفصيل الآتي في مواضعه.

و عن المأكول و المشروب و أوانيهما مع ملاقاتهما له برطوبة.

و عن مسجد الجبهة على الأشهر.

و عن مكان المصلّي بأسره عند السيد «1»، و المساجد السبعة عند الحلبي «2»، كما يأتي.

و عن المساجد بالإجماع المحقّق و المحكي في كلام جمع من الأصحاب «3»، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى مرسلة الفقيه: عن بيت كان حشا [1] زمانا، هل يصلح أن يجعل مسجدا؟ فقال: «إذا نظف و أصلح، فلا بأس» «5» دلّت بالمفهوم على ثبوت البأس مع عدم التنظيف.

______________________________

[1] الحشّ- بالفتح-: الكنيف و موضع قضاء الحاجة. راجع النهاية لابن الأثير: 1: 390.

______________________________

(1) كما نسبه إليه في الذكرى: 150.

(2) الكافي في الفقه: 140.

(3) يمكن استفادته من الخلاف 1: 518، و السرائر 1: 163 و الذكرى: 157.

(5) الفقيه 1: 153- 712، الوسائل 5: 210 أبواب أحكام المساجد ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 233

و رواية محمد الحلبي المروية في آخر السرائر: إن طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه، فربما مررت فيه و ليس علي حذاء فيلصق برجلي من نداوته، قال:

«أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟» قلت: بلى، قال: «فلا بأس، إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا» «1». دلّت بالتنبيه على انتفاء البأس- الذي هو حقيقة في العذاب- مع المشي في الأرض اليابسة، فبدونه يكون فيه الموجب للحرمة.

و قد يستدلّ أيضا: بقوله سبحانه إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ «2» دلّ على كون النجاسة علّة لنهيهم عن قرب المسجد الحرام، فيتحقق في كل نجس.

و خصوصية المحل منفية بالتبادر،

كما صرحوا به في حجية كل منصوص العلة.

مع أنه لا قائل بالفصل بين نجاسة المشرك و غيره، كما أنه لا قائل به بين المسجد الحرام و غيره، فلا يضرّ الاختصاص به.

و كذا لا يضرّ عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في زمن الخطاب للنجاسة في المصطلح، لشمول اللغوي له أيضا، بل هو أشدّ أفراده، فالعلة هي الأعم و هو صادق على ذلك أيضا، و هو للمطلوب أثبت.

و بقوله عليه السلام: «جنّبوا مساجدكم النجاسة» [1].

و ضعفه غير ضائر، لموافقته للعمل، و تمسك الأكثر بها في المحل.

و لا عدم ثبوت الحقيقة الشرعية للنجاسة، لما مر.

و بمرسلة العلاء: «إذا دخلت المسجد و أنت تريد أن تجلس، فلا تدخله إلّا طاهرا، و إذا دخلته فاستقبل القبلة، ثمَّ ادع اللّه، و اسأله، و سمّ حين

______________________________

[1] أرسله العلامة في المنتهى 1: 388، و التذكرة 1: 90 قال الشهيد في الذكرى: 157 و لم أقف على إسناد هذا الحديث النبوي.

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 27- 8، الوسائل 3: 459 أبواب النجاسات ب 32 ح 9.

(2) التوبة: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 234

تدخله» «1».

و موثقة الحلبي: نزلنا في مكان بيننا و بين المسجد زقاق قذر، فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام، فقال: «أين نزلتم؟» قلت: نزلنا في دار فلان، فقال:

«إن بينكم و بين المسجد زقاقا قذرا» أو قلنا له: إنّ بيننا و بين المسجد زقاقا قذرا، فقال: «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا» «2».

و الكلّ ضعيف.

أمّا الأول: فلأنّ حرمة إدخال كل نجس بالمعنى الأعم في المسجد خلاف الإجماع. فإن أمكن حمل النهي على التنزيه، لم يتم الدليل، و أولوية التخصيص عنه عندي غير ثابتة. و إن لم يمكن بل كان للحرمة- كما هو الظاهر منهم-

فالنجس لا يكون باقيا على حقيقته اللغوية، و مجازه لا ينحصر في النجاسة المصطلحة كما مرّ سابقا.

و أما الثاني: فلعدم ثبوت الحقيقة الشرعية حال الخطاب في المسجد، فإرادة مواضع السجدة محتملة، و الإضافة إلى ضمير المخاطب بها ألصق. مع أنّ بعد حمل النجاسة على الأعم، يتردد بين التخصيص فيها أو التجوّز في الأمر، و لا ترجيح.

و أما الأخيران: فلاحتمال النفي القاصر عن إفادة الحرمة في أولهما و إن رجّح سياق الأوامر المتعقبة له النهي.

مضافا إلى تعارض مفهومه مع منطوقه، و احتمال كون قوله: «إنّ الأرض» إلى آخره- عليه السّلام- في الثاني- لبيان ارتفاع الكراهة.

و أضعف من هذه الوجوه في الدلالة: قوله عز شأنه وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ «3»

______________________________

(1) التهذيب 3: 263- 743، الوسائل 5: 245 أبواب أحكام المساجد ب 39 ح 2.

(2) الكافي 3: 38 الطهارة ب 24 ح 3، الوسائل 3: 458 أبواب النجاسات ب 32 ح 4.

(3) الحج: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 235

و ثِيابَكَ فَطَهِّرْ «1» و الأمر بتعظيم شعائر اللّه، و بتعاهد النعل عند دخول المساجد، و جعل المطاهر على أبوابها، و منع المجانين و الصبيان عنها، و الإجماع على منع الكفار من دخولها.

نعم بعضها يصلح للتأييد.

ثمَّ المنع عن إدخال النجاسة المساجد هل يختص بالمتعدية الملوثة للمسجد؟

كما عن الشهيدين «2» و جمع ممن تأخر «3»، أو يعم غيرها أيضا؟ كما صرّح به الحلي «4» و الفاضلان «5»، و في كفاية الأحكام و اللوامع أنه مذهب الأكثر «6»، بل ظاهر الخلاف و صريح السرائر عدم الخلاف فيه «7».

الظاهر هو الأول، لا لتجويز الاجتياز فيه للحائض و الجنب مع عدم انفكاكهما عن النجاسة غالبا.

و لا لموثقة عمار: عن الدمل يكون بالرجل فينفجر

و هو في الصلاة. قال:

«يمسحه و يمسح يده بالحائط أو بالأرض، و لا يقطع الصلاة» «8» حيث يشمل إطلاقها ما لو كانت في المسجد.

و لا لصحيحة معاوية بن عمار: «في المستحاضة إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت و دخلت المسجد و صلّت كل صلاة بوضوء واحد» «9».

______________________________

(1) المدثر: 4.

(2) الأول: في الذكرى: 157، و البيان: 136، و الثاني: في المسالك 1: 47، و الروض: 238.

(3) كما في جامع المقاصد 2: 154، و الكفاية: 12.

(4) السرائر: 1: 163.

(5) المحقق في الشرائع 1: 53، و العلامة في المنتهى 1: 171، و التحرير 1: 24، و القواعد 1: 7.

(6) الكفاية: 12.

(7) الخلاف 1: 518، السرائر 1: 163.

(8) التهذيب 1: 349- 1028، الوسائل 3: 435 أبواب النجاسات ب 22 ح 8.

(9) الكافي 3: 88 الحيض ب 9 ح 2، التهذيب 1: 170- 484، الوسائل 2: 371 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 236

لضعف الأول: بأنّ مجوزاته إنما هي في بيان حكم كل من الحائض و الجنب من حيث هو، فلا تدل على الأمور الخارجة، كما صرّحوا به في أمثال ذلك.

و الثاني: بأن انفجار الدماميل، لا يستلزم وجود الدم، بل الغالب العدم، مع أنه لو سلّم، لدلّ على جواز التلويث، و هو للإجماع مخالف.

و الثالث: بأن الدم إذا لم يثقب الكرسف يكون عن الباطن غير خارج، و مثله عن محل النزاع خارج.

مضافا إلى أنه يعارض بما في هذه الصحيحة أيضا مقدّما على ما ذكر من قوله: «فإذا جازت أيامها و رأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت» إلى أن قال:

«و تحتشي و تستثفر و تحشي [1] و اضم فخذيها في المسجد و سائر جسدها خارج».

مع

أن حمل المسجد على المصلّى ممكن، بل هو الظاهر بقرينة ما ذكرنا من جزئها المتقدم، حيث حملوه على المصلّى، و جعلوا الأمر بخروج سائر الجسد، للاحترام له.

و مع ذلك كله، فثبوت الحكم في المستحاضة لا يثبته في غيرها، و عدم الفصل غير ثابت، بل خلافه ثابت، فإنّ الأكثر «2» مع منعهم عن إدخال النجاسة الغير المتعدّية، صرّحوا بأنّ المستحاضة إذا فعلت ما يجب عليها، يجوز لها دخول المساجد، و صرّح والدي- رحمه اللّه- في اللوامع بعدم الخلاف فيه، و اختاره مع منعه عن إدخال الغير المتعدية أيضا.

بل [2] للاقتصار في موضع الخلاف المخالف للأصل على المتيقن، حيث قد عرفت انحصار الدليل في الإجماع و روايتي الفقيه و الحلبي «4».

و اختصاص الأولين بالملوثة ظاهر.

______________________________

[1] في نسخ المصادر: «لا تحني» «لا تحيي» «تحتبي» راجع هامش الكافي 3: 89.

[2] راجع إلى قوله في الصفحة المتقدمة: لا لتجويز.

______________________________

(2) كما في السرائر 1: 153، و المعتبر 1: 428، و المنتهى 1: 121.

(4) المتقدمتين ص 232 و ص 233.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 237

و أما الثالث: فلأنه لا يدل إلّا على علّية المشي في الأرض في الأرض اليابسة لانتفاء البأس مطلقا، و لازمها عدم انتفائه كذلك مع عدم المشي، و هو يتحقق مع ثبوته في الجملة، كما في صورة بقاء رطوبة الرجل الملوثة للمسجد.

و تدلّ عليه أيضا: عمومات حضور المساجد في الجمعة و الجماعات، الشاملة لصاحب السلس و الجروح و الشقاق الدامية، فتعارض مع عمومات حرمة إدخال النجاسة لو وجدت بالعموم من وجه، فيرجع في محل التعارض إلى الأصل، و يسري إلى غيره من النجاسات الغير المتعدية بعدم الفصل.

دليل القائل بالتعميم: النهي و الأمر في الآية و الرواية عن

تقريب النجاسة [1] و تجنيبها المسجد، و الأول صادق عرفا على إدخالها كيف كان، و الثاني لا يتحقق كذلك إلّا بإخراجها عنه، و لا يقال لمن أدخلها و لو بمصاحبتها: إنّه جنّبها، و استناد المنع في الآية إلى معرضية الكفّار للتلويث مكابرة. و مرسلة العلاء «2».

و قد عرفت عدم دلالة شي ء منها، فلا حظر في إدخال غير المتعدية من غير فرق بين المماسة و غيرها.

و ممّن عاصرناه من فصّل بينهما [2]، فحرّم إدخال الاولى- و إن لم تتعدّ- دون الثانية. و نظره إلى صدق القرب و عدم صدق التجنّب مع المماسة.

و هو ضعيف جدا، لأنّ المناط في صدق الألفاظ: العرف، و هو لا يفرق هاهنا بين المماسة و غيرها، فلو تمَّ ما ينهى عن القرب و ما يأمر بالتجنّب، لدلّ على حرمة الأعم من المماسة.

ثمَّ ما تجب إزالته هل يختص وجوبها بأرض المسجد؟ أو يسري إلى جداره

______________________________

[1] في «ح» و «ق»: النجاسات.

[2] هو المحقق القمي في غنائم الأيام: 69.

______________________________

(2) المتقدمة ص 234.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 238

و سقفه أيضا؟

مقتضى الآية و الرواية النبوية «1»: السريان إليهما أيضا بسطحهما الداخل و الخارج، و كذا إلى سائر أجزاء المسجد و فرشه و آلاته الداخلة فيه. و لكن قد عرفت عدم تمامية دلالتهما.

و أما ما تمّت دلالته من الإجماع و الروايتين، فلا يقتضي السراية إلى شي ء مما ذكر، و الأصل دليل قوي مقتض للعدم، بل الثابت من الثلاثة ليس إلّا وجوب إزالة الملوثة و أما غيرها و لو كان واقعا على أرض المسجد مماسّا لها كالعذرة اليابسة، ففيه إشكال. و الاحتياط لا يترك مهما أمكن، سيما في مظانّ الإجماع، كتلويث السطح الداخل.

فروع:

أ: لو تلوّث المسجد

أو أدخلت النجاسة فيه و وجب إزالتها، فتجب كفاية لا عينا، للأصل و الإجماع.

و الظاهر اتّفاقهم على أن وجوبها فوري أيضا، و لكن القدر الثابت من الإجماع هو الفورية العرفية.

و لا يبطل واجب موسّع أو مضيّق لو فعله قبل الإزالة و لو قلنا باقتضاء الأمر بالشي ء للنهي عن ضدّه. بل لم يثبت الإجماع على الوجوب الفوري حين دخول وقت واجب موسّع أو مستحب كذلك، فلا يحكم ببطلانه إذا فعله على القول بالاقتضاء المذكور أيضا.

و لا يختص ذلك بما إذا كان دليل وجوب الإزالة الإجماع، بل كذا و لو كان دليله الآية و الأخبار، لاستناد الفورية معهما إلى الإجماع، لعدم دلالة الأمر بنفسه على الفور، بل و كذا لو قلنا بدلالته على الفور أيضا، لحصول التعارض بين دليل

______________________________

(1) المتقدمتين ص 233.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 239

وجوب الإزالة المستلزم للنهي عن غيرها، و بين دليل تلك العبادة بالعموم من وجه، و لو فقد المرجّح يحكم بالتخيير المستلزم للصحّة.

نعم لو ثبت الإجماع على الفورية مطلقا، لبطلت العبادة على القول بالاقتضاء المتقدم، و لكن من أين يثبت ذلك؟! نعم لو ارتكب مباحا، يكون عليه حراما.

و ظهر مما ذكرنا ما في كلام جماعة من أصحابنا المتأخرين، حيث اختلفوا- بعد حكمهم بوجوب الإزالة- في بطلان العبادة الموسّعة المزاحمة للإزالة و صحتها.

و يظهر من الأكثر [1] الأول و لو وقعت العبادة خارج المسجد. و صرّح جماعة [2] بالثاني، و بنوا ذلك على أنّ الأمر بالشي ء هل يقتضي النهي عن ضده الخاص أم لا؟ فمن اختار الأول قال بالبطلان، و من قال بالثاني قال بالصحة.

ب: هل يلحق بالمسجد قبور الحجج أم لا؟

ظاهر جماعة «3» الأول، بل ألحقوا به ضرائحهم، بل داخل

قبابهم المقدسة «4»، و قد يتعدّى إلى قبور أولادهم الأطهار، بل العلماء الأبرار، بل الكمّل من الأخيار.

و لا دليل عليه سوى مظنة الإجماع، و تعظيم شعائر اللّه. و شي ء منهما لا يتم، لعدم ثبوت الإجماع، و عدم وجوب جميع أفراد تعظيمها.

ج: لا فرق في وجوب الإزالة عمّا تجب عنه الإزالة بين قليل النجاسات

______________________________

[1] لم يثبت بل يظهر من المدارك 2: 307 عكسه فإنه نسب إلى الأكثر القول بعدم اقتضاء الأمر بشي ء للنهي عن ضده الخاص. نعم قال بالبطلان جمع منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 325، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 157.

[2] منهم الشهيدان في الذكرى: 157، و الروض: 165.

______________________________

(3) المسالك: 1: 17، الحدائق 5: 292، كشف اللثام 1: 50، كشف الغطاء: 174.

(4) كما في كشف الغطاء: 174.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 240

و كثيرها، سوى الدم في الصلاة- كما يأتي- إجماعا، إلّا من الإسكافي «1»: فما دون الدرهم من غير دم الحيض و المني على المعروف منه و إن كان ظاهر كلامه يعطي عدم نجاسته.

و يدفعه: إطلاق الأدلة، كما يدفع ما حكاه في السرائر عن بعض الأصحاب، من نفي البأس عمّا يترشّح على الثوب و البدن من النجاسات مطلقا مثل رؤوس الابر، أو مقيدا بالبول خاصة عند الاستنجاء «2»، كما عن الميافارقيات «3».

المسألة الثالثة: كل ما لاقى نجاسة عينية فلا ينجس إن كانا يابسين

، للأصل، و الموثقة: «كل [شي ء] يابس زكي» «4».

و المروي في قرب الإسناد: عن الرجل يمشي في العذرة و هي يابسة، فيصيب ثوبه و رجليه، هل يصلح له أن يدخل المسجد فيصلي و لا يغسل ما أصابه؟

قال: «إذا كان يابسا فلا بأس» «5».

و في كتاب المسائل: عن الرجل يمر بالمكان فيه العذرة، فتهب الريح، فتسفي عليه من العذرة، فيصيب

ثوبه و رأسه، أ يصلي قبل أن يغسل؟ قال: «نعم ينفضه و يصلي، فلا بأس» «6» و غير ذلك.

بل عليه الإجماع في غير الميتة.

و إن كان أحدهما رطبا بالرطوبة المتعدية إلى الملاقي- و لو باعتبار شدة

______________________________

(1) نقل عنه في المختلف: 59.

(2) السرائر 1: 180.

(3) رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الأولى): 288.

(4) التهذيب 1: 49- 141، الاستبصار 1: 57- 167، الوسائل 1: 351 أبواب أحكام الخلوة ب 31 ح 5.

(5) قرب الاسناد: 204- 790، الوسائل 3: 442 أبواب النجاسات ب 26 ح 8.

(6) مسائل علي بن جعفر: 155- 214، الوسائل 3: 443 أبواب النجاسات ب 26 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 241

التلاقي و دوامه- فينجس الملاقي إن كان من الظاهر، بالإجماع بل الضرورة، و تشهد له الأخبار الواردة في موارد متفرقة.

و أما مع الرطوبة الغير المتعدية لقلتها جدا، و مرور الملاقي عليها خفيفا، فلا ينجس، كما صرّح به جمع من الأصحاب [1]، للأصل، و عدم ثبوت تأثير مثل ذلك من الإجماع و الأخبار.

و الاستدلال «2» لعدم التأثير مع قلّة الرطوبة: بأخبار موت الفأرة في الدهن الجامد و نحوه، الآمرة بطرح ما حولها خاصة «3»، و طهارة الباقي مع ملاقاته لما حولها بشي ء من الرطوبة. غير جيد، إذ لو تمَّ التقريب، لجرى فيما حولها أيضا. بل طهارة الباقي هنا لبطلان السراية في المتنجس إلى مجاوره قبل التنجس كما يأتي، و نجاسة ما حولها، لشدة التلاقي بينه و بينها الموجبة لتعدي الرطوبة منه إليها.

و أما البواطن فلا تنجس أصلا، للأصل، و اختصاص ما دلّ على التنجّس بالظواهر. و كذا ما يدخل في البواطن من الظواهر، و يأتي بيانه في آخر بحث المطهرات.

و المتنجّس كالنجس منجّس لما

يلاقيه مع الرطوبة المذكورة بالإجماع، و خلاف بعض الطبقة الثالثة «4» فيه غير قادح. و هو الدليل عليه بل الضرورة على ما قيل [2].

مضافا إلى المستفيضة من الأخبار بل المتواترة المتفرقة في تضاعيف أبواب الطهارات، كالدالة على تنجّس القليل بإدخال يد أو إصبع قذرة فيه، الشاملة

______________________________

[1] منهم الشهيد الثاني في الروض: 168، و صاحبا الذخيرة: 166، و الحدائق 5: 240.

[2] قال الوحيد البهبهاني: الظاهر اتفاق الأصحاب بل إجماعهم على وجوب غسله- أي الملاقي لملاقي النجس- بل هو ضروري الدين. شرح المفاتيح (مخطوط).

______________________________

(2) كما في الحدائق 5: 240.

(3) راجع الوسائل 24: 194 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43.

(4) مفاتيح الشرائع 1: 75، 6: 149.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 242

لصورة بقاء العين فيها و عدمه، و الواردة في غسل مطلق الأواني بولوغ الكلب و الخنزير و الميتة و الخمر «1» و غير ذلك، فتشمل ما فيه المائع و غيره، بل منها ما يصرّح فيه بصبّ الماء و غسل الإناء، كصحيحة البقباق «2».

و الدالة على وجوب غسل اللحم إذا وقعت فأرة، أو قطرة مسكر في القدر «3».

و على غسل الثوب من استعمال البئر المنتن، كصحيحة ابن عمار «4»، أو غسل كلّ ما أصاب الماء الذي ماتت فيه فأرة، كموثقة الساباطي «5».

أو على أنه إذا خرج خنزير من ماء فسال منه الماء في الطريق، و وضعت الرجل عليه ترتفع نجاستها بالمشي في الأرض، كرواية المعلّى «6».

أو على غسل الفخذين إذا عرق الذكر بعد تمسّحه من البول، كصحيحة العيص: رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر و قد عرق ذكره و فخذاه، قال: «يغسل ذكره و فخذيه» و عمّن مسح ذكره بيده ثمَّ عرقت يده فأصاب

ثوبه، يغسل ثوبه؟ قال: «لا» «7».

و نفي الغسل في الجزء الأخير غير ضائر، لأن السؤال عن مسح الذكر، و نجاسته لم يذكر.

أو على إعادة الصلاة إذا مسح كفّه من البول و مسّها بدهن، فمسح بها

______________________________

(1) راجع الوسائل 1: 150 أبواب الماء المطلق ب 8 و ص 225 أبواب الأسآر ب 1 و ج 3: 494 أبواب النجاسات ب 51.

(2) التهذيب 1: 225- 646، الاستبصار 1: 19- 40، الوسائل 3: 415 أبواب النجاسات ب 12 ح 2.

(3) راجع الوسائل 1: 206 أبواب الماء المضاف ب 5 ح 3 و ج 3: 470 أبواب النجاسات ب 38 ح 8.

(4) المتقدمة ص 69 رقم 6.

(5) المتقدمة ص 40 رقم 8.

(6) الكافي 3: 39 الطهارة ب 24 ح 5، الوسائل 3: 458 أبواب النجاسات ب 32 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 1    243     المسألة الثالثة: كل ما لاقى نجاسة عينية فلا ينجس إن كانا يابسين ..... ص : 240

(7) التهذيب 1: 421- 1333، الوسائل 3: 441 أبواب النجاسات ب 26 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 243

بعض الأعضاء ثمَّ توضأ و صلّى. كصحيحة ابن مهزيار: إنّه بال في ظلمة الليل، و إنه أصاب كفه رد نقطة من البول لم يشك أنه اصابه و لم يره، و أنه مسحه بخرقة، ثمَّ نسي أن يغسله، و تمسّح بدهن، فمسح به كفيه و وجهه و رأسه، ثمَّ توضّأ وضوء الصلاة. فأجابه بجواب قرأته بخطه: «أما ما توهّمت مما أصاب يدك فليس بشي ء إلّا ما تحقّقت، فإن حقّقت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلوات التي كنت صلّيتهنّ بذلك الوضوء بعينه ما كنّ منها في وقتها، و ما

فات وقتها فلا إعادة عليك لها، من قبل أن الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلّا ما كان في وقت، و إذا كان جنبا أو صلّى على غير وضوء فعليه إعادة الصلاة التي فاتته» «1» الحديث.

وجه الدلالة: أنه لا يمكن أن يكون الأمر بالإعادة من جهة نجاسة الكف من البول، و إلّا لبطل الوضوء، و لزمت الإعادة في غير الوقت أيضا، فالمراد نجاسة ما لم يبلغه ماء الوضوء أي الرأس.

أو على عدم تنجس الثوب الواقع في ماء الاستنجاء معللا له: «بأن الماء أكثر من ذلك» «2» إلى غير ذلك من الأخبار.

ثمَّ تلك الأخبار و إن وردت في موارد كثيرة، و لكن في تعدّي الحكم إلى جميع الموارد يرجع إلى الإجماع المركّب.

و على هذا، ففي كل مورد لم تشمله الأخبار، و تحقّق فيه بخصوصه الخلاف، أو لم يتحقّق فيه الإجماع، لا يمكن الحكم بالتنجيس.

و منه الملاقي لغسالته على القول بنجاستها.

و منه أحد المتجاوزين الملاقيين اللذين ينجس أحدهما فلا ينجس الآخر و إن كانا رطبين ما لم يكونا أو أحدهما مائعا، و لا يصدق على الرطوبة المائع أو الماء

______________________________

(1) التهذيب 1: 426- 1355، الاستبصار 184- 643، الوسائل 3: 479 أبواب النجاسات ب 42 ح 1.

(2) راجع الوسائل 1: 222 أبواب الماء المضاف ب 13 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 244

القليل حتى تشملها أدلة نجاستها بالملاقاة.

و تدلّ عليه الأخبار الواردة في السمن أو العسل أو الزيت الجامد إذا ماتت.

فيه فأرة على ما سبق.

مع أنّ النجس هنا لو كان، لكان بالسراية المنفية عند أصحابنا طرّا.

و يظهر من المنتهى و الخلاف «1» أنّه لا خلاف فيه.

و لا يتوهم أنّ منه أيضا: المتنجّس المستصحب نجاسته، حيث

إنّه قد يناقش في تنجيس النجس أو المتنجّس الاستصحابي، فيكون موردا للخلاف، لأنّ دليل تنجيسه هو دليل تنجيس أصله مع ضمّ الاستصحاب، فلا يحتاج إلى إجماع مركّب، هذا.

ثمَّ إنّ الأخبار التي استدلّ بها المخالف، فإن لم تتمّ دلالتها- كما هو في أكثرها- فلا نفع فيها. و إن تمّت، فلا تصلح للاستناد إليها، لمخالفتها لعمل الأصحاب و رواتها، و متروكيّتها عندهم، و هو من أقوى أسباب خروج الأخبار عن الحجّية.

المسألة الرابعة: النجاسة- كالتنجّس- للأصل مخالفة
اشاره

، بالإجماع، و المستفيضة المقبولة المعتضدة بالأصول العقلية.

كموثقة عمار: «كلّ شي ء نظيف حتى تعلم أنه قذر، فإذا علمت فقد قذر، و ما لم تعلم فليس عليك» «2».

و صحيحة ابن سنان: إنّي أعير الذمي ثوبي و أنا أعلم أنه يشرب الخمر، و يأكل لحم الخنزير، فيردّه عليّ، فأغسله قبل أن أصليّ فيه؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «صلّ فيه و لا تغسله من أجل ذلك، فإنّك أعرته إيّاه و هو طاهر و لم

______________________________

(1) المنتهى 1: 22 و في ظهور اشكال، الخلاف 1: 185.

(2) التهذيب 1: 284- 832، الوسائل 3: 467 أبواب النجاسات ب 37 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 245

تستيقن أنه نجّسه، فلا بأس أن تصلّي فيه حتى تستيقن أنّه نجّسه» «1».

و رواية حفص بن غياث: «ما أبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم أعلم» «2».

و صحيحة زرارة: «فإن ظننت أنّه قد أصابه و لم أتيقن ذلك، فنظرت فلم أر شيئا، ثمَّ صلّيت فيه فرأيت فيه، قال: «تغسله و لا تعيد الصلاة» قلت: لم ذلك؟ قال: «لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثمَّ شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا» «3».

و ما ورد في الخبر من قوله عليه السلام: «ما علمت

أنه ميتة فلا تأكله، و ما لم تعلم فاشتر و بع و كل» إلى أن قال: «و اللّه إني لأعترض السوق فأشتري بها اللحم و السمن و الجبن، و اللّه ما أظنّ كلّهم يسمّون هذه البربر و هذه السودان» «4» إلى غير ذلك مما سيأتي بعضها أيضا.

و على هذا، فالأصل في جميع الأشياء ما لم تثبت نجاسته الطهارة، و لازمه عدم اعتبار الشك في النجاسة.

و منه: المشتبه بالنجس، فيجوز استعماله ما لم يقطع باستعمال النجس، فاللازم منه اجتناب ما يساوي المقطوع بنجاسته أو غسله خاصة، إلّا فيما ثبت الاجتناب عن الجميع بنصّ أو إجماع أو أصل «5».

و تفرقة الأكثر هنا بين المحصور و غيره باطلة، و حجتهم «6» عليها موهونة،

______________________________

(1) التهذيب 2: 361- 1495، الاستبصار 1: 392- 1497، الوسائل 3: 521 أبواب النجاسات ب 74 ح 1.

(2) التهذيب 1: 253- 735، الاستبصار 1: 180- 629، الفقيه 1: 42- 166 مرسلا، الوسائل 3: 467 أبواب النجاسات ب 37 ح 5.

(3) التهذيب 1: 421- 1335، الاستبصار 1: 183- 641، الوسائل 3: 466 أبواب النجاسات ب 37 ح 1.

(4) المحاسن 495- 597، الوسائل 25: 119 أبواب الأطعمة المباحة ب 61 ح 5.

(5) ذلك كما في قطعة اللحم المشتبه بغير المذكى (منه رحمه اللّه).

(6) في «ق»: و حججهم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 246

و قد مرّت في بحث الماء المشتبه «1».

و ما ثبت فيه الاجتناب عن الجميع كالنجس في وجوب الاجتناب خاصة لا مطلقا، فلا ينجس ما يلاقيه، للأصل و الاستصحاب.

و كذا «2» الظن الغير المنتهي إلى العلم، الذي هو أيضا علم حقيقة، أي الثابت حجيته عموما «3» أو في خصوص المقام، للأصل، و العمومات المتقدمة، و خصوص

المستفيضة:

و منها: صحيحة زرارة السابقة «4».

و منها: صحيحة الأخرى: «إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه مني فليغسل الذي أصابه، و إن ظن أنه أصابه مني و لم يستيقن، و لم ير مكانه، فلينضحه بالماء» «5».

و موثقة عمار: «الرجل يجد في إنائه فأرة و كانت متفسخة و قد توضّأ من ذلك الإناء مرارا أو اغتسل و غسل ثيابه، قال: «ليس عليه شي ء، لأنه لا يعلم متى سقطت» ثمَّ قال: «لعلّه إنما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها» حيث إنّ

______________________________

(1) في ص 119.

(2) عطف على قوله قبل سطور: .. «الشك في النجاسة» يعني لا يعتبر الشك في النجاسة و لا الظن الغير المنتهى إلى العلم.

(3) المراد بالشمول عموما أن يعلم شموله لذلك، فلو حصل التعارض و لم يكن مرجّح لا يعلم العموم.

كما إذا علم ترجيح المعارض يعلم عدم العموم. و إذا علم ترجيح الدليل يعلم العموم و ذلك كما في الأخبار الواردة في النجاسات فإنها مع كونها ظنا راجحة على تلك العمومات بالإجماع البسيط و المركّب (منه ره).

(4) في ص 245.

(5) لم نعثر على صحيحة لزرارة بهذا المتن في كتب الحديث. و الموجود حسنة الحلبي، الكافي 3: 54.

الطهارة ب 35 ح 4 و فيه: «شي ء» بدل: «مني»، التهذيب 1: 252- 728، الوسائل 3: 424 أبواب النجاسات ب 16 ح 4.

الفقيه 1: 14- 26، التهذيب 1: 418- 1322، الاستبصار 1: 32- 86 عن إسحاق بن عمار، الوسائل 1: 142 أبواب الماء المطلق ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 247

المظنون سبق موت الفأرة، لمكان التفسّخ، و احتمال السقوط متفسّخا بعيد.

و صحيحة الحلبي: عن الصلاة في ثوب المجوسي، قال: «يرش بالماء» «1» فإنّ المظنون في ثوب كلّ

شخص ملاقاته معه بالرطوبة، سيما مع طول مدة المباشرة.

و على هذا، فلا اعتبار في الحكم بالنجاسة بمطلق الظن، و لا إذا كان مستندا إلى شهادة عدلين، و لا إذا استند إلى شهادة عدل واحد، لعدم ثبوت حجية شي ء منها في خصوص المقام، أو عموما بحيث يشمله.

وفاقا للقاضي «2» في الثلاثة، بل المفيد «3»، و اختاره بعض المتأخرين «4» و غير واحد من مشايخنا المعاصرين «5».

و خلافا للمحكي، عن الحلبي في الأول «6».

لأنّ الشرعيات ظنية كلّها.

و أنّ العمل بالمرجوح مع قيام الراجح باطل.

و أنّ الصلاة مشروطة بالثوب الطاهر مثلا، و الألفاظ للمعاني النفس الأمرية، فلا أقلّ من تحصيل الظن بالطهارة، فكيف مع الظن بالنجاسة، و لو منع دليل اشتراط الطاهر، فلا أقلّ من اشتراط عدم ملاقاة القذر للثوب، فحصول ذلك في نفس الأمر مضر أيضا، و لا أقلّ من كفاية الظن.

و لبعض الأخبار الناهية عن الصلاة قبل الغسل في الثوب الذي أعاره لمن

______________________________

(1) التهذيب 2: 362- 1498، الوسائل 3: 519 أبواب النجاسات ب 73 ح 3.

(2) جواهر الفقه: 9.

(3) المقنعة: 71 يستفاد من إطلاق كلامه قال: و إذا ظنّ الإنسان أنه قد أصاب ثوبه نجاسة و لم يتيقّن ذلك، رشه بالماء فإن تيقّن حصول النجاسة فيه و عرف موضعها غسله بالماء.

(4) مفاتيح الشرائع 1: 78.

(5) منهم الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك (مخطوط) 26، و صاحب الرياض 1: 97.

(6) الكافي في الفقه: 140.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 248

يأكل الجري و يشرب الخمر، كصحيحة ابن سنان «1»، أو اشتراه من نصراني كصحيحة علي «2»، و المروي في مستطرفات السرائر «3»، أو اشتراه ممن يستحل جلد الميتة و يزعم أن دباغه ذكاته، كرواية أبي بصير «4»، و

نحو ذلك، فإنّ الظاهر منها البناء على الظن.

و يضعّف الأول: بأنه إن أريد أنّ الشرعيات مستندة إلى ظنون غير منتهية إلى القطع بحجيتها، خالية عن الدليل عليها، فهو ممنوع، بل بطلانه واضح.

و إن أريد أنها مستندة إلى ظنون ثبتت حجّيتها و اعتبارها قطعا، فهو كذلك، و لكن المنتهى إلى القطع و لو بوسائط قطع، فلا تلزم منه ظنّية شي ء من الشرعيات، فضلا عن كلها، مع أنّ اعتبار ظنون في مواقع بدليل لا يوجب اعتبارها في غيرها، أو اعتبار غيرها و لو بلا دليل.

و الثاني: بأنّ الراجح هنا ليس إلّا ملاقاة الثوب للقذر مثلا، و رجحانها إنما كان مفيدا لو كان الشرط عدم الملاقاة واقعا، أو المانع الملاقاة كذلك، و لم يعلم شي ء من ذلك، بل الثابت من الأخبار: اشتراط عدم العلم بالملاقاة، و مانعية العلم بها.

و كون بعض الأخبار عن التقييد بالعلم خاليا غير مفيد، ضرورة تقييد التكاليف به مطلقا.

سلّمنا عدم ثبوت التقييد المطلق، و لكنّه في المقام لا مفرّ عنه، للمستفيضة المتقدمة.

______________________________

(1) التهذيب 2: 361- 1494، الاستبصار 1: 393- 1498، الوسائل 3: 521 أبواب النجاسات ب 74 ح 2.

(2) التهذيب 1: 263- 766، الوسائل 3: 421 أبواب النجاسات ب 14 ح 10.

(3) مستطرفات السرائر 53- 3، الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50 ذيل حديث 1.

(4) الكافي 3: 397 الصلاة ب 65 ح 2، التهذيب 2: 203- 796، الوسائل 4: 462 أبواب لباس المصلّي ب 61 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 249

و بذلك يضعّف الثالث أيضا.

و الرابع: بخلوّ تلك الأخبار عما يفيد التحريم، فإنها واردة بلفظ الإخبار الغير المفيد له.

و لو سلّم فالحمل على الاستحباب متعين، لمعارضتها بأكثر منها و أقوى

للاعتضاد بالعمل.

كصحيحة معاوية بن عمار «1»، و رواية أبي جميلة «2» في الثياب السابرية، و رواية قرب الإسناد «3» و معلّى «4» في الثياب التي يعملها اليهود و المجوس و النصارى، و صحيحة ضريس «5» عن السمن و الجبن نجده في أرض المشركين .. إلى غير ذلك، مع التصريح بالاستحباب في رواية أبي علي البزاز عن أبيه: عن الثوب يعمله أهل الكتاب أصلّي فيه قبل أن أغسله؟ قال: «لا بأس، و إن يغسل أحبّ إليّ» «6».

و للحلي «7»، و الفاضلين «8»، و المجامع «9»، و جلّ المتأخّرين في الثاني.

لاعتبار العدلين في شريعتنا عموما. و في نجاسة الماء المبيع بعد ادّعاء

______________________________

(1) التهذيب 2: 362- 1497، الوسائل 3: 518 أبواب النجاسات ب 73 ح 1.

(2) الفقيه 1: 168- 794، الوسائل 3: 520 أبواب النجاسات ب 73 ح 7.

(3) قرب الاسناد: 86- 283 الوسائل 3: 521 أبواب النجاسات ب 74 ح 3.

(4) التهذيب 2: 361- 1496، الوسائل 3: 519 أبواب النجاسات ب 73 ح 2.

(5) التهذيب 9: 79- 336، الوسائل 24: 235 أبواب الأطعمة المحرمة ب 64 ح 1.

(6) التهذيب 2: 219- 862، الوسائل 3: 519 أبواب النجاسات ب 73 ح 5.

(7) يعني و خلافا للحلّي .. السرائر 1: 86.

(8) المحقق في المعتبر 1: 54، و العلامة في المنتهى 1: 9، و التذكرة 1: 4.

(9) كذا في جميع النسخ- و القول موجود في جامع المقاصد 1: 154. فيمكن أن تكون الكلمة مصحفة عنه. و إن كان في الغالب يعبر عنه ب (شرح القواعد). و احتمال كونها مصحفة عن الجامع لابن سعيد. بعيد. حيث لم نعثر عليه فيه. بقي احتمال ثالث و هو أن تكون إشارة إلى غرر المجامع

للسيد نور الدين أخي صاحب المدارك كما نقل عنه فيما سبق و هو ليس عندنا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 250

نجاسته ليردّ بالعيب خصوصا بعموم: «البيّنة على المدّعي» «1».

و للزوم حمل أقوال المسلمين على الصدق.

و موثّقة مسعدة: «كلّ شي ء لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه» إلى أن قال: «و الأشياء كلها على هذه حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة» «2».

و المروي في الكافي و التهذيب بسنديهما عن الصادق عليه السلام: في الجبن قال: «كلّ شي ء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهد ان عندك أنّ فيه ميتة» «3».

و صحيحة الحلبي: الخفاف عندنا في السوق نشتريها فما ترى في الصلاة فيها؟ فقال: «صلّ فيها حتى يقال لك إنها ميتة بعينها» «4».

و الأول مردود: بمنع العموم.

و الثاني: بعدم ما يدل على ثبوت النجاسة في المبيع بشهادتهما خصوصا.

و أما العموم فلو سلم وجوده، فمع ما مرّ معارض، و المرجع أصل الطهارة، و لا يعلم شمول العموم للمورد.

مضافا إلى أنّ مع وجوده فللنجاسة غير مثبت، بل غايته ترتّب الحكم بالرد على شهادتهما، و أما الحكم بالنجاسة الواقعية حتى يترتب عليه سائر لوازمها فلا.

و عدم الفصل غير ثابت. و باعث الحكم بالرد يكون هو الشهادة بالعيب دون نفس العيب.

و بالأول منهما يجاب عن الثالث. كما أنّ بهما ترد الأخبار، لعموم الأول في الأشياء كلّها، و الثانيين في الميتة النجسة و غيرها، و لأن الثابت منها ليس إلّا

______________________________

(1) راجع الوسائل 27: 233 أبواب كيفية الحكم .. ب 3.

(2) الكافي 5: 313 المعيشة ب 159 ح 40، التهذيب 7: 226- 989، الوسائل 17: 89 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 4.

(3) الكافي 6: 339 الأطعمة ب 89

ح 2، الوسائل 25: 118 أبواب الأطعمة المباحة ب 61 ح 2.

(4) الكافي 3: 403 الصلاة ب 65 ح 28، التهذيب 2: 234- 920، الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 251

الحرمة، أو كونها ميتة مانعة من الأكل أو الصلاة (بها) [1]، و أما النجاسة فلا.

و لا عجب فيه، لأنّ الأحكام مختلفة جدا في الثبوت و عدمه باعتبار الشهود، فمنها ما يثبت بواحد، و منها ما لا يثبت إلّا بأربعة. بل كون الخف مما لا يتم الصلاة فيه يعني أنّ الاستثناء في الثالثة ليس للنجاسة.

و للمنقول [2] عن موضع من التذكرة و محتمل النهاية «3» في الثالث، و استقواه بعض من تأخر من المتأخرين «4»، لآية النبإ «5»، و القياس على الرواية و بعض الأخبار الواردة في قبول الواحد في غير ذلك الموضع، كرواية إسحاق بن عمار في الوصية «6»، و صحيحة هشام بن سالم في الوكالة «7».

و ضعف الجميع ظاهر.

و من تقييد الظن الغير المعتبر في المقام بغير الثابت حجيته خرج (الظن) [3] المستند إلى قول المسالك بالنجاسة، بل قوله مطلقا و إن لم يفد الظن ما لم يعلم كذبه، فيقبل فيها و إن لم يكن عدلا.

وفاقا للمنتهى «9»، و المجامع «10»، و والدي العلّامة رحمه اللّه، للدليل على قبوله في المقام.

______________________________

[1] لا توجد في «ه».

[2] أي و خلافا للمنقول.

[3] لا توجد في «ح» و «ه».

______________________________

(3) التذكرة 1: 10، نهاية الأحكام 1: 252.

(4) الحدائق 5: 251.

(5) الحجرات: 6.

(6) الكافي 7: 64 الوصايا ب 37 ح 27، التهذيب 9: 237- 923، الوسائل 19: 433 أبواب الوصايا ب 97 ح 1.

(7) الفقيه 3: 49- 170، التهذيب 6: 213-

503، الوسائل 19: 162 أبواب الوكالة ب 2 ح 1.

(9) المنتهى 1: 10.

(10) لاحظ ص 249 رقم 9 و القول موجود في جامع المقاصد 1: 154.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 252

و ليس هو حمل أقوال المسلمين على الصدق.

و لا المستفيضة الواردة في عدم الحاجة إلى المسألة في شراء الفراء، و الخف، و الجبن من سوق المسلمين «1».

و لا الواردة في شرب البختج إذا أخبر من لا يعلم أنّه يشربه على الثلث، و لا يستحله على النصف، أنّه طبخه على الثلث، أو إذا كان الآتي به مسلما عارفا، أو مسلما ورعا مأمونا «2».

و لا المروي في قرب الإسناد للحميري: عن رجل أعار رجلا ثوبا يصلّي فيه و هو لا يصلّي فيه، قال: «لا يعلمه» قلت: فإن أعلمه؟ قال: «يعيد» «3».

لضعف الأول: بما مر.

و الثاني: بعدم الدلالة، فإنّ عدم الحاجة إلى السؤال إنّما يدلّ على الحمل على التذكية و الطهارة بدون إخباره بهما، بل مع أخباره أيضا، فلعلّه مبني على أصل الطهارة، و الأخذ بظاهر الحال في الذبائح، كما صرح به في مرسلة يونس [1]، و أين هذا من قبول قوله في النجاسة و عدم التذكية؟! و الثالث: بأنّ قبول قوله في مورد- سيما فيما كان موافقا لأصالة الحلّية و الطهارة- لا يدلّ على قبوله في غيره، سيما فيما كان مخالفا لأصالة الطهارة.

مع أنّ اشتراط الورع و المأمونية، بل الإسلام و المعرفة لعموم المطلب منافية.

و الرابع: بعدم دلالته على وجوب الإعادة، و عدم صراحته في أنّ عدم الصلاة للنجاسة.

______________________________

[1] مرسلة يونس: «خمسة أشياء يحب على الناس أن يأخذوا فيها بظاهر الحال، الولايات و التناكح و المواريث و الذبائح و الشهادات» منه ره. الكافي 7: 431

القضاء و الأحكام ب 19 ح 15، التهذيب 6: 288- 798، الوسائل 27: 289 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 22 ح 1.

______________________________

(1) راجع الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50.

(2) راجع الوسائل 25: 292 أبواب الأشربة المحرمة ب 7.

(3) قرب الاسناد: 169- 620، الوسائل 3: 488 أبواب النجاسات ب 47 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 253

مع أنّه مع أقوى منه معارض، و هي صحيحة العيص: عن رجل صلّى في ثوب رجل أياما ثمَّ إنّ صاحب الثوب أخبره أنّه لا يصلّي فيه، قال: «لا يعيد شيئا من صلاته» «1».

بل الدليل صحيحة أبي بصير و موثّقة معاوية بن وهب، المنضمتان مع عدم الفصل.

الاولى: عن الفأر يقع في السمن أو في الزيت، فيموت فيه، قال: «إن كان جامدا فتطرحها و ما حولها، و يؤكل ما بقي، و إن كان ذائبا فأسرج به و أعلمهم إذا بعته» «2».

و الثانية: في جرذ مات في زيت ما تقول في بيع ذلك الزيت؟ قال: «بعه و بيّنه لمن اشتراه ليستصبح به» «3».

و يؤيدهما: النهي عن السؤال في بعض الأخبار عند شراء الجبن و الفراء، و نحوهما «4».

و المتبادر من الأعلام و البيان المطلوبين من شخص مجرّد قوله، فتوهّم إرادة جعله مقطوعا به فاسد، و عدم وجوب القبول مع وجوب الإعلام غير معقول، بل الظاهر تبادر وجوبه من وجوبه، فهو من اللوازم الوضعية كالمفهوم، مع أنّ ترتّب الاستصباح في الموثقة بالبيان عين القبول.

فرعان:

الأول: لو أخبر المالك بالنجاسة و قد استعملت العين و تلفت، فقد صرّح

______________________________

(1) الكافي 3: 404 الصلاة ب 66 ح 1، التهذيب 2: 360- 1490، الاستبصار 1: 180- 631، الوسائل 3: 475 أبواب النجاسات ب

40 ح 6.

(2) التهذيب 7: 129- 562، الوسائل 17: 98 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 3.

(3) التهذيب 7: 129- 563، الوسائل 17: 98 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 4.

(4) راجع ص 252 رقم 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 254

والدي- رحمه اللّه- في الكتابين تبعا للتذكرة «1»: بأنه لا يعتبر قوله. و هو كذلك، للاقتصار فيما خالف الأصل.

و لو أخبر بها بعد استعمالها و هي باقية، فيعتبر قوله فيما بعد قطعا، و أمّا فيما مضى فلا يعتبر فيما يعتبر فيه عدم العلم بالنجاسة، و يعتبر في غيره، فلا يعيد الصلاة الواقعة في الثوب الكذائي قبل الإخبار، و يغسل ملاقيه رطبا كذلك.

و الوجه في الجميع ظاهر، و بعض الأخبار المتقدمة على الحكم الثاني أيضا شاهد.

الثاني: و مما يترتب على أصالة الطهارة: عدم وجوب إعلام الغير لو وجد في ثوبه الذي يصلّي فيه نجاسة، كما صرّح به في المعالم «2» و بعده في الحدائق «3». بل الأخير كره الإعلام، لصحيحة محمد: عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما و هو يصلّي، قال: «لا يؤذنه حتى ينصرف» «4» و رواية قرب الإسناد المتقدمة «5».

و عن الفاضل- في جواب المسائل السيد مهنّا- الحكم بوجوب الإعلام، لكونه من باب الأمر بالمعروف «6».

و هو بعد دلالة النص الخاص ضعيف، مع أنّ عدم توجّه الخطاب إلى الجاهل بالموضوع ينفي المنكر و المعروف بالنسبة إليه.

المسألة الخامسة: الأصل نجاسة كل ما ثبتت نجاسته حتى تثبت طهارته

،______________________________

(1) نقل عنه في المعالم: 163، و مفتاح الكرامة 1: 131، و الذي عثرنا عليه في التذكرة 1: 4 لا يخلو من إجمال.

(2) المعالم: 283.

(3) الحدائق 5: 261.

(4) الكافي 3: 406 الصلاة ب 66 ح 8، التهذيب 2: 361- 1493، الوسائل 3: 474

أبواب النجاسات ب 40 ح 1.

(5) ص 252.

(6) أجوبة المسائل المهنائية: 48.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 255

بالإجماع و الاستصحاب. و لازمه عدم اعتبار الشك في التطهّر [1] و لا الظن إلّا ما ثبت اعتباره (بثبت) [2] كإخبار المالك الثابت اعتباره هنا باعتباره في النجاسة، منضما إلى عدم القول بالفصل، بل الأولوية، مؤيدا بل مدلّلا- مضافا إلى ظاهر الإجماع- بإطلاقات تجويز الصلاة في الثياب المبتاعة من المسلم و غيره، الشاملة بإطلاقها للمقام من غير مقيد لها، سوى عمومات عدم نقض اليقين «3» التي لو لا مرجوحيتها بالنسبة إلى الأولى، لوجب الرجوع إلى أصل الطهارة.

و قد يستدلّ: بأخبار البختج المتقدمة «4»، و هو مع أخصيته من المطلوب كما مر، نجس على القول بنجاسة العصير قبل ذهاب الثلاثين.

و لا يثبت بإخبار العدلين على الأقوى، لعدم دليل عليه.

و قيل بالثبوت «5»، لبعض ما مر في النجاسة مع ما فيه.

بل في الثبوت بإخبار العدل الواحد أيضا قول، اختاره والدي العلّامة رحمه اللّه، لعموم آية التثبت «6».

و في دلالتها نظر.

و لقولهم: «المؤمن وحده حجّة» «7».

و هو لضعفه غير معتبر، و بالشهرة غير منجبر.

و لو سلّم ففي المراد من المؤمن هنا و في معنى الحجة كلمات كثيرة، و مع ذلك مع أخبار أخر معارضة.

______________________________

[1] في «ق»: التطهير.

[2] لا توجد في «ق».

______________________________

(3) راجع الوسائل 1: 245، أبواب نواقض الوضوء ب 1 و ج 3: 482 أبواب النجاسات ب 44.

(4) ص 252 رقم 9.

(5) نسبه صاحب الحدائق 5: 285 إلى المعالم و لم نعثر عليه فيه.

(6) الحجرات: 6.

(7) الفقيه 1: 246- 1096، الوسائل 8: 297 أبواب صلاة الجماعة ب 4 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 256

و لحمل أقوال المسلمين

على الصدق.

و عمومه عندنا غير ثابت، فعدم الثبوت به كما هو مقتضى الاستصحاب أقوى.

و الأولى بعدم الثبوت منه: إخبار من لا يعرف عدالته، كأكثر المباشرين لغسل الثياب من القصّارين، و الجواري، و النسوان، سيما إذا لم يكونوا مواضع الاطمئنان.

و الإثبات به «1»، بكون كل ذي عمل مؤتمن في عمله، و بدعوى عمل العلماء و الفقهاء في الأعصار و الأمصار، بل أصحاب الأئمة الأخيار، ضعيف.

و أما الأول: فلعدم ثبوت تلك القاعدة كلية، و إنما هو كلام جار على أقلام بعض الفقهاء، و ثبوت ائتمان بعضهم كالقصّاب و الحجّام لا يثبت الكلية.

مضافا إلى أنّ المتبادر من ذي العمل هو صاحب الصناعة و الشغل، لا من يفعل على سبيل الاتفاق، كأكثر من ذكر.

و أما الثاني: فلعدم ثبوت ذلك منهم في الثياب النجسة، بحيث يعلم الإجماع على قبول مثل ذلك و لو بدون ضمّ قرينة موجبة للعلم، فإنّ ثبوته يتوقف على العلم بتنجّس ثوب جميع العلماء أو غير نادر منهم، ثمَّ بالاكتفاء في التطهر بقبول قول واحد ممن ذكر، ثمَّ خلوّ المقام عن القرينة الموجبة للعلم، و شي ء منها لم يثبت بعد.

بل الظاهر من رواية ميسر: آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني، فلا تبالغ في غسله، فأصلي فيه فإذا هو يابس، فقال: «أعد صلاتك، أما إنّك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي ء» «2»: أنّ أنفسهم أيضا كانوا يغسلون.

______________________________

(1) كما في الحدائق 5: 286.

(2) الكافي 3: 53 الطهارة ب 35 ح 2، التهذيب 1: 252- 726، الوسائل 3: 428 أبواب النجاسات ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 257

بل هذه الرواية دالّة على عدم القبول، بتقريب أنّ الأمر بالإعادة لا يخلو إمّا يكون لأجل كون

حكم الجاهل بالنجاسة الإعادة، أو لأجل عدم الاعتداد بغسل الجارية، و كونه في حكم العامد.

و لكن الأول باطل كما يأتي في كتاب الصلاة، و يدل عليه نفي الإعادة لو كان نفسه هو الغاسل، فتعيّن الثاني.

و بتقرير آخر: لو كان يقبل قول الجارية لكان الثوب له في حكم الطاهر، و هو كالجاهل بالنجاسة، فلا تلزم عليه إعادة، كما إذا غسله نفسه.

و حمله «1» على أن نفسه إذا كان هو الغاسل لبالغ و أزال النجاسة، تأويل بلا دليل.

و هل يفيد الهبة لهم أو البيع معهم حتى يصيروا ملّاكا و يقبل قولهم، كما يحكى عن بعض الأخباريين [1]؟ الظاهر نعم، للإطلاقات المذكورة لقبول قول المالك.

و توهّم عدم تحقق المالكية لعدم القصد إلى الانتقال ضعيف، لتحقّق القصد قطعا، غايته أنّه لمصلحة نفسه، كما قالوا في بيع ما تتعلق به الزكاة قبل حولان الحول.

______________________________

[1] حكاه الأمين الأسترابادي و السيد نعمة اللّه الجزائري عن جملة من علماء عصريهما كما في الحدائق 5: 285.

______________________________

(1) كما في الحدائق 5: 288.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 258

الباب الثالث: في أقسام المطهّرات و ما يتطهّر بكلّ منها، و كيفية التطهير به
اشاره

و هي أمور نذكرها مع ما يتعلّق بها في فصول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 259

الفصل الأول: في الماء
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لا إشكال في تطهر الثوب و البدن بالماء مطلقا
اشاره

، كثيرة و قليله، راكده و جارية، و عليه الإجماع بل الضرورة، و الأخبار المصرحة به الواردة في موارد غير محصورة، معنى متواترة.

و لا في تطهر الأرض بالكثير، أو الجاري، أو المطر، و لا خلاف فيه كما قيل «1».

و تدل عليه: مرسلة الكاهلي «كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» «2».

و هي و إن اختصت بالمطر، إلّا أنه يتعدّى منه إلى الكثير و الجاري باتّحاد حكمهما معه إجماعا.

و موثّقة عمّار: عن الموضع القذر يكون في البيت و غيره فلا تصيبه الشمس و لكنه قد يبس الموضع القذر، قال: «لا يصلّى عليه، و أعلم موضعه حتى تغسله» «3» دلّت بمفهوم الغاية على حصول التطهر بمجرد الغسل المتحقق بكل من الثلاثة.

و منها، و من الرواية العامية «4» الواردة في الذنوب [1]- المنجبرة ضعفها

______________________________

[1] الذنوب: الدلو العظيمة و قيل لا تسمى ذنوبا إلا إذا كان فيها ماء «النهاية الأثيرية 2: 171».

______________________________

(1) الحدائق 5: 378.

(2) الكافي 3: 13 الطهارة ب 9 ح 3، الوسائل 1: 146 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 5.

(3) التهذيب 2: 372- 1548، الوسائل 3: 452 أبواب النجاسات ب 29 ح 4.

(4) صحيح البخاري 1: 65، و رواها الشيخ في الخلاف 1: 494 و عبر عنها الشهيد في الذكرى:

15 بالحديث المقبول.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 260

بالشهرة- يظهر تطهّرها بالقليل أيضا، كما صرّح به جماعة «1». بل ظاهر بعضهم «2» عدم الإشكال فيه على القول بطهارة الغسالة، كما هو الحقّ في المورد، لورود الماء لا محالة. بل هو ظاهر كثير من القائلين بنجاستها أيضا، كالخلاف، و المعتبر، و الذكرى «3»، بل نفى عنه الخلاف في الحدائق مع غلبة الماء و قهره

للنجاسة «4».

و قد يستدلّ (له) [1] أيضا بروايات الرشّ في الكنائس «6».

و بالتعليل المستفاد من قوله: «ما أصابه من الماء أكثر» و «أنّ الماء أكثر من القذر» في تعليل نفي البأس عن إصابة ماء المطر- الذي أصاب البول- الثوب، أو وقع الثوب في ماء الاستنجاء في صحيحة هشام «7» و رواية العلل «8».

و في الأول: أنّ نجاسة المحل غير معلوم، فالرش إما تعبد أو لزوال النفرة.

و في الثاني: أنّ المستفاد من التعليل طهارة الماء لا طهارة المحلّ.

ثمَّ لا فرق فيما ذكر بين الرخوة من الأرض و الصلبة.

نعم مع الرّخاوة و نفوذ النجاسة في الأعماق، ففي تطهّر الباطن مطلقا بنفوذ الماء، سيما القليل نظر، يظهر وجهه فيما سيأتي.

و لا يضرّ ذلك في تطهّر الظاهر المتّصل به قطعا، لبطلان السراية، كما مرّ.

و كذا لا إشكال في تطهّر المتنجّسات التي يعلم وصول الماء- مع بقائه على صدق الماء عليه- إلى جميع مواضعها النّجسة. و تطهّر ما وصل إليه في غير المائعات

______________________________

[1] لا توجد في «ه».

______________________________

(1) في جميع النسخ: الجماعة، و منهم صاحب المعالم: 331، و الحدائق 5: 378 و استجوده في المدارك 2: 378 على القول بعدم نجاسة الغسالة.

(2) الحدائق 5: 378.

(3) الخلاف 1: 494، المعتبر 1: 448، الذكرى: 15.

(4) الحدائق 5: 382.

(6) راجع الوسائل 5: 138 أبواب مكان المصلّي ب 13.

(7) الفقيه 1: 7- 4، الوسائل 1: 144 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 1.

(8) علل الشرائع: 287، الوسائل 1: 222 أبواب الماء المضاف ب 13 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 261

- إن لم يعلم الوصول إلى جميع مواضعه- بماء المطر و أخويه بعد العلم بوصول الماء، للمرسلة المتقدّمة بالتقريب المتقدم، و الظاهر عدم

الخلاف فيه أيضا.

و إنّما الإشكال في تطهّره بالقليل [1]. و الأصل- بملاحظة خلوّ المقام عن نصّ خاصّ بكلّ موضع أو عام- و إن اقتضى العدم، و لكن روايتي السكوني و زكريا بن آدم المتقدّمتين «2» في بحث المضاف، تدلّان على تطهر اللحم المطبوخ بالغسل المتحقق في القليل أيضا، و الظاهر عدم الفصل بين اللحم و ما يشابهه مما يرسب فيه نفس الماء من غير اختلاطه بأجزائه، فالقول بتطهر مثله مطلقا بالقليل قوي، و يقوى لأجله التطهر به فيما لا يرسب النجاسة فيه أيضا بالإجماع المركب.

نعم، في الأخبار الواردة في السمن و الزيت و العسل إذا ماتت فيه الفأرة «3»:

أنها إذا كانت جامدة تلقى الفأرة و ما حولها.

و اللازم منها و لو بضميمة الإجماع المركّب: عدم قبول ما حولها للتطهر و لو بالمطر و أخويه، و هو و إن كان مستبعدا بالمقايسة إلى اللحم، و لكن بعد دلالة النص عليه، و عدم تحقق إجماع بسيط أو مركب على خلافه، لا محيص عن العمل بمقتضاه.

و في تعدي الحكم إلى غير الثلاثة مما يشبهها احتمال، و الأوجه العدم.

فرع: الثوب المصبوغ بالمتنجّس المائع كغيره من الأثواب المتنجسة بالمائعات

، فيطهر بغسله المزيل للعين إن كان للصبغ عين، و إلّا فمطلقا. و لا عبرة باللون كما يأتي.

______________________________

[1] خصوصية القليل إذ لا دليل على التطهّر به هنا سوى حديث الغسل، و صدق غسل الباطن بمجرد نفوذ الماء غير معلوم، و اما غير القليل فيمكن الاستدلال بالتطهر به بمرسلة الكاهلي و إن كان فيه أيضا نظر يأتي. (منه ره).

______________________________

(2) ص 131- 132.

(3) راجع الوسائل 24: 194 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 262

و لا فرق فيه بين حالتي الرطوبة و الجفاف، و لا في غسله بالقليل

و غيره.

و قيل: إذا أريد تطهيره قبل جفافه، فالظاهر أنه لا يمكن إلّا في الكثير على وجه يضمحل ماء الصبغ فيه، و أما في القليل فتحصل الإضافة فيما يصل إلى باطن الثوب بملاقاة ماء الصبغ، فلا يفيد الثوب تطهيرا.

و أما بعد الجفاف فيذهب الماء النجس من الثوب، و لم يبق إلّا نجاسة الثوب خاصة.

فإن كان ما فيه من الصبغ لا ينفصل في الماء على وجه يسلبه الإطلاق، فلا إشكال في الطهارة، و إلّا ففيها إشكال، فإنّه بأول الملاقاة يتغيّر، و لا يداخل الثوب إلّا متغيرا فلا يحصل التطهير به «1».

أقول: حصول الإضافة في قليل من الماء الواصل إلى باطن الثوب أولا لا يوجب انتفاء تطهّره [1] بالقليل مطلقا، فإنّه و إن تغيّر بعض ذلك الماء و لكنه يطهر بغيره.

مع أن لنا منع مانعية الإضافة الحاصلة للتطهر مع الإطلاق الابتدائي بعد صدق الغسل.

مضافا إلى أن بعد الجفاف أيضا قد تبقى في الثوب أجزاء جافة من الصبغ، فقد لا تنفصل هذه الأجزاء، و لا يعلم وصول الماء إلى جميعها، و إن وصل تحصل الإضافة المتقدمة، فلا يتفاوت حاله في الحالين.

المسألة الثانية: الحقّ عدم قبول غير الماء من المائعات للتطهر

[2]، سواء في ذلك الدهن و غيره، وفاقا لجماعة [3]، للأصل، و الاستصحاب، و انتفاء الدليل

______________________________

[1] في «ه» و «ق»: تطهيره.

[2] في «ه» و «ق»: للتطهير.

[3] منهم صاحبا المدارك 2: 332، و الذخيرة: 164.

______________________________

(1) قاله في الحدائق 5: 383.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 263

على قبوله التطهر [1] سوى ما دلّ على تطهر ما رآه الماء، و هو هنا غير ممكن.

أمّا غير الدهن: فلأنه إنما يعقل حصول الطهارة له مع إصابة الماء جميع أجزائه، و عدم خروج الماء عن إطلاقه، و ذلك إنما يتحقق بشيوعه في

الماء و استهلاكه فيه، بحيث لا يبقى شي ء من أجزائه ممتازا، إذ مع الامتياز عدم نفوذ الماء في ذلك الجزء معلوم، و إذا حصل الامتزاج الكذائي يخرج المائع عن حقيقته.

فإن قيل: خروج الماء عن إطلاقه بعد تطهر المائع بملاقاته- كما مرّ- غير ضائر، فلا يحتاج إلى الاستهلاك.

قلنا: نعم إذا علم مسبوقية الخروج عن الملاقاة لكل جزء، و هو غير معلوم، بل عدمه قطعا معلوم، فيستصحب نجاسة جزء مثلا، و به ينجس الجميع، لعدم كونه ماء مطلقا.

و أمّا الدهن: فلأنّ العلم بوصول الماء إلى جميع أجزائه غير ممكن، لشدة اتّصال أجزائه بعضها ببعض. بل يعلم خلافه، لأنّ الدهن يبقى في الماء مودعا فيه غير مختلط به، و إنّما يصيب سطحه الظاهر.

بل قيل «2» باستحالة مداخلة الماء لجميع أجزائه، و إنه مع الاختلاط لا يحصل له إلّا ملاقاة سطوح الأجزاء المنقطعة.

و تؤيده بل تدلّ أيضا على عدم قبوله الطهارة: الأخبار الواردة في السمن و الزيت الذائبين، و في العسل في الصيف إذا ماتت فيها فأرة، الناهية عن أكلها، الآمرة بالإسراج و بإهراق المرق النجس «3».

و الظاهر أنّ القائل «4» بقبولها التطهير لا ينكر توقّفه على العلم بوصول الماء

______________________________

[1] في «ق»: التطهير.

______________________________

(2) المعالم: 380.

(3) راجع الوسائل 17: 97 أبواب ما يكتسب به ب 6 و ج 24: 194، 196 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 و 44.

(4) العلامة في التذكرة 1: 8، و المنتهى 1: 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 264

إلى جميع الأجزاء، و لا عدم حصول ذلك في غير الدهن إلّا بخروجه عن حقيقته، فيرجع النزاع لفظيا.

و مثل المائعات في عدم قبول التطهير، الكاغذ المعمول من الماء النجس، إذ لا دليل على تطهّره بالقليل مطلقا.

و أمّا

الكثير و أخواه فإن دلّت على التطهير بها مرسلة الكاهلي «1»، و لكن دلالتها عليه تتوقّف على العلم بوصول نفس الماء- دون رطوبته- إلى جميع أجزائه الموجب لتشتتها المخرج إياه عن حقيقته.

و مثله الطين المعمول من الماء النجس، و العجين المعجن به و ما شابههما.

نعم بعد إلقاء أمثال ذلك في الجاري و نحوه، و تفرّق أجزائها بحيث علم وصوله إلى جميعها لو جمعت تكون طاهرة.

و أمّا مثل الصابون، و الخبز، و الحبوبات المستنقعة في الماء النجس، فلا خفاء في عدم تطهره قبل الجفاف، مطلقا لا في القليل و لا في غيره، لعدم العلم بوصول الماء إلى جميع أجزائه، لمزاحمة ما فيه من الماء النجس للطاهر.

و أمّا بعد الجفاف: فظاهر جماعة [1] تطهّره باستنقاعه في الماء الطاهر حتى ينفذ في أجزائه.

و فيه إشكال، إذ لا دليل على تطهّره بالماء، سوى المرسلة و عموم قولهم: الماء يطهّر، على ما قيل، و التطهر به موقوف على العلم بوصول الماء إلى جميع أجزائه، و هو لا يحصل البتة، لأنّ غاية ما يعلم هو وصول الرطوبة إلى جوفه، و أمّا وصول الماء بحيث يصدق عرفا أنّه رآه الماء فممنوع.

و الحاصل: أنّ بالاستنقاع و إن نفذت الرطوبة في جوفه، و لكن لا على وجه يعلم صدق الماء على كل جزء من الماء النافذ، فإنّه إنما يختلط مع أجزائه و يسري

______________________________

[1] منهم الشهيد في الذكرى: 15، و البيان: 95.

______________________________

(1) المتقدمة ص 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 265

في جوفه، و صدق الماء على ذلك المختلط ممنوع.

و الاستدلال «1»: بأخبار «2» اللحم المشار إليها هنا غير ممكن، لظهور الفرق، فإنّ الماء ينفذ في اللحم و يخرج منه حال كونه ماء مطلقا و

لا يختلط مع الأجزاء اللحمية، بخلاف الحبوبات، و القول بالفصل بين اللحم و الحبوبات متحقّق. مع أنّ الغسل المذكور في أحاديث اللحم لا يتحقق في أعماق الحبوبات لتحققه [بالجريان ] [1] المنتفي هناك.

و قد يستدلّ للخبز: بمرسلة الفقيه: دخل أبو جعفر الباقر عليه السلام الخلاء، فوجد لقمة خبز في القذر و أخذها و غسلها و دفعها إلى مملوك كان معه فقال له: «يا غلام اذكرني هذه اللقمة إذا خرجت» «4» الحديث.

و فيه نظر، إذ لم يعلم رطوبة القذر الواقع فيه الخبز بحيث تسري النجاسة إلى جوفه، فلعلّه لم يكن كذلك.

و لو تنجّس ما ينعقد بعد ذوبانه- كالفلزات- حال الذوبان و الميعان ثمَّ انعقد، فالظاهر عدم الإشكال في طهر ظاهره بالغسل، لما مر.

و أمّا بجميع أجزائه، فالظاهر تعذّره، لتوقّفه على العلم بوصول الماء إلى جميعها، و هو غير ممكن و لو مع الذوبان ثانيا.

هذا، و بما ذكرنا تحصل لك الإحاطة بجزئيات ما يتطهر بالماء و ما لا يتطهر به، و تقدر على إجزاء الحكم فيها.

و قد يقال: إنّ التحقيق أنّ الطهارة بالغسل لا خصوصية له ببعض الجزئيات التي وردت به النصوص حتى يحتاج فيها إلى طلب الدليل، بل تلك

______________________________

[1] في جميع النسخ: على الجريان، و ما أثبتناه أنسب.

______________________________

(1) كما في المنتهى 1: 180.

(2) راجع ص 261 رقم 2.

(4) الفقيه 1: 18- 49، بتفاوت يسير، الوسائل 1: 361 أبواب أحكام الخلوة ب 39 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 266

الجزئيات الواردة خرجت مخرج التمثيل، و حينئذ فيصير الحكم كليا «1».

و فيه: أنّ التعدّي من جزئي إلى غيره، و جعله من باب التمثيل يحتاج إلى الدليل، و تحقّقه في المقام بحيث يثبت الحكم في جميع الجزئيات و

في جميع المياه أول الكلام.

المسألة الثالثة: المشهور
اشاره

- كما في اللوامع و المعتمد، و في الثاني: عليه الشهرة القوية، بل المعروف بين الأصحاب كما في كلام جماعة [1]، بل من غير خلاف يعرف كما في الحدائق «3»، بل بإجماعنا كما هو ظاهر المنتهى «4»، حيث نسب الخلاف فيه إلى ابن سيرين، بل بلا ريب كما في شرح القواعد «5»-: توقّف طهارة الثياب و غيرها مما يرسب فيه الماء على العصر.

و تردّد فيه جماعة من المتأخرين «6»، بل حكم والدي- رحمه اللّه- في اللوامع و المعتمد بالعدم فيما لم تتوقّف إزالة عين النجاسة عليه.

و استشكل في التذكرة فيما لو جفّ الثوب بعد الغسل من غير عصر «7».

و ظاهر البيان: وجود الخلاف أيضا [2].

و الحقّ هو الأول، للرضوي المنجبر ضعفه بالشهرة القوية: «و إن أصابك بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرة، و من ماء راكد مرتين، ثمَّ أعصره» «9».

و اختصاصه بالبول و الثوب- لعدم الفصل- غير ضائر.

______________________________

[1] منهم صاحبا المعالم: 323، و الذخيرة: 162.

[2] حيث قال: لو أخلّ بالعصر في موضعه فالأقرب عدم الطهارة (منه ره) البيان: 94.

______________________________

(1) قاله في الحدائق 5: 373.

(3) الحدائق 5: 365.

(4) المنتهى 1: 176.

(5) جامع المقاصد 1: 173.

(6) مجمع الفائدة 1: 335، المدارك 2: 327، الذخيرة: 162.

(7) التذكرة 1: 8.

(9) فقه الرضا (ع): 95، المستدرك 2: 553 أبواب النجاسات ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 267

و الاستدلال: بأنّ النجاسة ترسخ فلا تزول إلّا بالعصر. و بأن الغسالة نجسة فيجب إخراجها. و بأنّ الغسل إنّما يتحقّق في الثوب و نحوه بالعصر، لأنّه داخل في مفهومه، و بدونه صبّ، كما يدلّ عليه التفصيل بينهما في بعض الروايات، كصحيحة البقباق «1»،

و رواية ابن أبي العلاء «2»، مع أنّ في الأخيرة تصريحا بالعصر أيضا، فإنّ فيها: عن الصبي يبول في الثوب قال. يصب عليه الماء قليلا ثمَّ يعصره». و باستصحاب النجاسة. ضعيف.

أمّا الأول: فلاختصاصه بالنجاسة الراسخة، و منها بما كانت لها عين، و أما ما لا عين لها كالبول، فيمنع وجوب إخراجها، بل يطهر بوصول الماء حيث بلغت النجاسة.

و أما الثاني: فلمنع نجاسة الغسالة مطلقا.

سلّمنا، لكن طريق إزالتها بالعصر غير منحصر، فلعلها تحصل بالجفاف، و يعفى عن ملاقاة المحل لها، كما يعفى عنها مع العصر.

على أن العصر لا يشترط فيه إخراج جميع الرطوبة، و قد اعترفوا بطهارة المتخلّف بعد العصر و إن أمكن إخراجه بعصر أشدّ.

لا يقال: بعد تسليم النجاسة يجب الاقتصار في العفو على محل الوفاق، و هو ما إذا أخرجت الغسالة بالعصر.

إذ لنا أن نقول: الأصل عدم تنجّس المحل و إن خالطته الغسالة، و الثابت من أدلة نجاسة الملاقي للنجس لا يعمّ المقام، فالغسالة النجاسة تخرج بالجفاف، و المحل يكون طاهرا.

و أما الثالث: فلمنع الدخول لغة أو عرفا، و لذا يصح أن يقال: غسلته و ما

______________________________

(1) التهذيب 1: 261- 759، الوسائل 3: 441 أبواب النجاسات ب 26 ح 2.

(2) الكافي 3: 55 الطهارة ب 36 ح 1، التهذيب 1: 249- 714، الاستبصار 1: 174- 603، الوسائل 3: 397 أبواب النجاسات ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 268

عصرته، و لذا يصدق على الوضوء و الغسل و تطهير البدن عن الخبث من غير الدلك الذي هو في البدن بمنزلة العصر في الثوب، و يحصل في الماء الجاري بدون العصر، و كذا في الجلود و الثقيل من الخبايا مع عدم العصر، و عسره

لا يوجب تحقق غسله، بل اللازم منه إيجابه مهما أمكن، أو الحكم [1] بالعفو.

و التفصيل في الروايات لا يدلّ على اعتبار العصر في الغسل، بل غايته مغايرته للصبّ، فلعلّها بأمر غيره، كأن يشترط في الغسل الاستيلاء و الجريان و الانفصال في الجملة دون الصبّ.

و أمّا ما قيل: من أنّ انفصال الماء و إجزاءه داخل في مفهوم الغسل لغة و عرفا، و تحقق المعنيين قد لا يحتاج إلى أمر خارج من الصب، كما في البدن و الأجسام الصلبة، فيتحقق الغسل في مثله من غير عصر، و قد يحتاج إليه فيتوقف على العصر و التغميز لإجراء الماء على جميع أجزاء ذلك الجسم و فصله عنه، فيكون العصر، شرطا لذلك، لا داخلا في مفهوم الغسل «2».

ففيه: أنّا لو سلّمنا اشتراط المعنيين في تحقق الغسل، فنمنع توقفهما على العصر في نحو الثياب مطلقا، فإنّ الصفيقة من الثياب، سيما إذا كانت حريرا، إذا أخذت معلّقة، أو لفّت على جسم صلب، إذا صب عليها الماء، يجري عليها و ينفصل سريعا، فيتحقق المعنيان، فيطهر من غير عصر لو لم ترسخ فيها النجاسة.

و أيضا: الثياب الرقاق كالكتان و نحوه إذا بسطت و صبّ عليها الماء، يجري عليها و ينفصل عنها دفعة.

مع أنّ الإجزاء و الانفصال في الجملة مع غلبة الماء يحصل في كل ثوب و إن لم يعصر لا محالة، و انفصال جميع أجزائه غير واجب، و لذا لا يجب العصر الأشد

______________________________

[1] في «ه»: و الحكم.

______________________________

(2) قال في غنائم الأيام: 75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 269

بعد حصول الأدون.

و أيضا: إذا صب الماء المستولي على الثوب، ينفصل عنه أكثر أجزاء الماء لا محالة و إن كان حصوله بالعصر أسرع، و اشتراط الانفصال

سريعا لا دليل عليه، على أنّه يوجب عدم تحقق الغسل في الجاري و الكثير بدون العصر، مع أنّهم لا يقولون به.

و التفرقة بأنّه إذا دخل الجسم في الماء متدرّجا، فكل جزء يدخل في الماء فيمرّ الماء عليه و ينفصل منه، ثمَّ يمر على الجزء الآخر، و هكذا. واهية جدا، لأنّه إذا صبّ الماء على جزء أيضا، يمر عليه الماء و ينفصل منه و يمر على آخر، سيما إذا صبّ مع الغلبة و الاستيلاء، فإن المعتبر من الانفصال هو العرفي، و هو حينئذ متحقق، بل تحقق الانفصال العرفي في الجاري و الكثير غير معلوم.

هذا، مع أنّ صريح الرضوي المتقدم «1»: خروج العصر عن الغسل.

و أما التصريح بالعصر في الرواية فهو لا يثبت الوجوب، مع أنه لو قلنا بكون الإخبار في مقام الإنشاء دالا على الوجوب، لوجب تخصيص الصبي فيها بالمغتذي، و هو ليس بأولى من حمل العصر على الاستحباب.

و أما الرابع: فلزوال الاستصحاب بالغسل المزيل شرعا.

هذا، ثمَّ العصر الواجب هل يختص بالقليل من الراكد، أو يجب في غيره أيضا؟ الظاهر عدم الخلاف في عدم اعتباره في الجاري.

و وجهه على ما ذكرناه من استناد العصر إلى الرضوي ظاهر، لعدم ثبوت تعلق جملة «ثمَّ أعصره» بالجملتين، فتختص بالأخيرة المتيقّنة. مع أنّه على فرض التعلّق بهما لا يثبت به الحكم في الجاري، لانتفاء الشهرة الجابرة فيه.

و منه يظهر اتّجاه عدم اعتباره في الكثير من الراكد أيضا، وفاقا للأكثر،

______________________________

(1) ص 266.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 270

و خلافا لظاهر الصدوقين «1»، و الشرائع، و الإرشاد «2»، إمّا لإطلاق الراكد في الخبر، و يدفع: بما مرّ من الضعف الذي في المقام غير منجبر. أو لأحد الاعتبارات التي لاعتبار العصر ذكروها،

و قد عرفت ضعفه.

و لا يمكن الاستدلال للتعدّد في الكثير: بصحيحة ابن مسلم الآتية «3» الآمرة بغسل الثوب في المركن مرتين، بتقريب: أنّ المركن شامل بحسب المعنى اللغوي لكل محل ماء راكد و إن كان كثيرا، و لا يضر تفسيره بالإجّانة، لأنه إن سلّمنا ثبوته فهو معنى طار يقتضي الأصل تأخّره.

لأنّا لو سلّمنا عموم معناه اللغوي، فليس المراد منه في الصحيحة حقيقته الشاملة لمركن الماء و غيره، بل هو مجاز، و إذا فتح باب التجوّز فهو غير منحصر بالمعنى العام، فلعلّه الإجّانة.

فروع:
أ: الواجب فيما يجب غسله مرتين: عصران

، بعد كل غسل عصر عند المحقق «4»، و عصر بين الغسلتين عند اللمعة «5»، و بعدهما عند الصدوقين «6» و طائفة من الطبقة الثالثة «7».

و لعل الأول ناظر إلى اعتبار العصر في الغسل، و الثاني أنّه لإخراج النجاسة الراسخة، و الثالث إلى كون العصر لنجاسة الغسالة مطلقا، فلا فائدة في العصر الأول، أو إلى دلالة الرضوي «8» عليه، و لكنها إنما تفيد عند من يقول بحجيته في

______________________________

(1) الفقيه 1: 40، و نقله في الهداية: 14 عن رسالة والده.

(2) الشرائع 1: 54، مجمع الفائدة 1: 333.

(3) في ص 274.

(4) المعتبر 1: 435.

(5) اللمعة (الروضة 1): 61.

(6) تقدم ذكرهما في نفس الصفحة رقم 1.

(7) المدارك 2: 328، الحدائق 5: 368.

(8) تقدم ص 266.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 271

نفسه، و أما على ما ذكرنا من أنّها لانجباره بالشهرة، فيقتصر في الاستناد إليه بما اشتهر و هو أصل العصر، و أما تأخيره فلا.

و على هذا مع ملاحظة ضعف سائر المباني و أصالة عدم وجوب الزائد على عصره، فالمتّجه كفاية عصرة واحدة مخيرا بين توسيطها بينهما، و تأخيرها عنهما [1].

ب: لا يجب الدلك في الجسد و نحوه من الأجسام الصلبة إذا لم تتوقف عليه إزالة العين

، وفاقا للمعتبر و المنتهى «2» و أكثر الثالثة [2]، للأصل، و إطلاقات التطهير و الغسل.

و دعوى دخوله فيهما ضعيفة.

و خلافا للفاضل في نهاية الاحكام و التحرير «4»، للاستظهار، و موثّقة عمار:

عن القدح الذي يشرب فيه الخمر: «لا يجزيه حتى يدلكه بيده، و يغسله ثلاث مرات» «5».

و الأول لا يصلح لإثبات الوجوب، و الثاني- لاختصاصه بالخمر و عدم ثبوت الإجماع المركب- أخص من المطلوب، و لعلّه لعدم العلم بزوال العين في الخمر، لما لها من شدة اللصوق بمحلها [3].

ج: لا عصر فيما يعسر عصره من البسط، و الفراش، و الوسائد، و نحوها

، للأصل، و اختصاص الخبر المذكور بالثوب، بل إن تنجّس [4] ظاهره من غير نفوذ

______________________________

[1] و يرد على مبنى القول الثاني أيضا أنه لا دليل على وجوب إخراج النجاسة قبل الغسلة الثانية (منه ره).

[2] منهم صاحبا المدارك 2: 329 و الحدائق 5: 369.

[3] و قد يرد الموثقة أيضا بأنها معارضة مع ما رواه هذا الراوي أيضا من الاكتفاء في غسل الإناء من الخمر بالمرة الخالية عن الدلك (منه ره).

[4] في «ح»: يتنجّس.

______________________________

(2) المعتبر 1: 435، المنتهى 1: 176.

(4) نهاية الأحكام 1: 278، التحرير 1: 24.

(5) الكافي 6: 427 الأشربة ب 33 ح 1، التهذيب 1: 283- 830، الوسائل 3: 494 أبواب النجاسات ب 51 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 272

فيه يغسل الظاهر بإجراء الماء عليه، من غير حاجة إلى مسح أو دقّ أو تغميز، إلّا مع توقف العلم بإزالة عين النجاسة عليه، و لا إلى إنفاذ الماء إلى باطنه، لتحقق غسل الموضع النجس.

و لرواية إبراهيم بن أبي محمود: الطنفسة و الفراش يصيبهما البول كيف يصنع بهما و هو ثخين كثير الحشو؟ قال: «يغسل ما ظهر منه في وجهه» «1» و إن نفذت النجاسة

في باطنه، فإن لم تسر إلى الجانب الآخر و أريد تطهير الظاهر و الباطن، يجري الماء على الموضع النجس من الظاهر و الباطن حتى يخرج من الجانب الآخر فيطهران، ليتحقق الغسل.

و المروي في قرب الإسناد للحميري و كتاب علي: عن الفراش يكون كثير الصوف فيصيبه البول كيف يغسل؟ قال: «يغسل الظاهر ثمَّ يصب عليه الماء في المكان الذي أصابه البول حتى يخرج من جانب الفراش الآخر» «2».

و إن أريد تطهير الظاهر خاصة- و لا بأس به- فيجري الماء على الظاهر فقط فيطهر، لتحقق الغسل، و رواية إبراهيم.

و لا تضر مجاورته للباطن النجس، لبطلان السراية كما مر.

المسألة الرابعة: لا شك في حصول التطهر [1] بالقليل

بإيراده على المحل النجس أو عكسه على القول بعدم تنجسه بالملاقاة.

و كذا لا خلاف فيه بإيراد الماء على القول بتنجسه مطلقا أو مع ورود النجاسة.

و أما في حصوله على القولين الأخيرين لو عكس، بأن يورد المحل على الماء،

______________________________

[1] في «ه»: التطهير.

______________________________

(1) الكافي 3: 55 الطهارة ب 36 ح 2، الفقيه 1: 41- 159، التهذيب 1: 251- 724، الوسائل 3: 400 أبواب النجاسات ب 5 ح 1.

(2) قرب الإسناد: 281- 1114، مسائل علي بن جعفر: 192- 397، الوسائل 3: 400، أبواب النجاسات ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 273

و عدمه قولان: الثاني- و هو الحق- للسيد «1» و جماعة [1].

لا لأدلّة تنجّس القليل بالملاقاة مطلقا أو مع ورود النجاسة، و النجس لا يطهر، و لذا يجب كون الماء المغسول به طاهرا.

و لا لاستلزام نجاسته تنجّس المحل فلا يفيد طهارته.

لضعف الأول: بعدم ثبوت التنافي بين النجاسة و تطهير [2] المحلّ كما في حجر الاستنجاء.

و وجوب طهارة الماء المغسول به مطلقا ممنوع، و لا دليل عليه سوى الإجماع،

و الثابت منه هو اشتراط الطهارة ابتداء أي قبل ملاقاة النجس.

و الحاصل: أنّ الممنوع من التطهير به ما كان نجسا قبل التطهير، لا ما ينجّس به، و قد صرّح بهذه المقالة جمع من المتأخرين كالمحقق الأردبيلي، و شارح الدروس، و صاحبي الذخيرة و الحدائق «4»، و لذا ترى كثيرا من القائلين «5» بنجاسة القليل بالملاقاة مطلقا يحكمون بنجاسة الغسالة و يقولون بتطهير المحل.

و الثاني: بمنع تنجّس المحل به، فإنّ تنجّس مثل هذا الملاقي لمثل هذا النجس غير ظاهر، و دليل التنجيس عن إفادته قاصر، و استبعاده مدفوع: بوجود النظائر، كاللبن في ضرع الميتة، و الإنفحة منها، و الصيد المجروح لو وجد في ماء قليل على ما قيل، و الغسالة الواردة على القول بنجاستها.

بل لأصالة عدم الطهورية و استصحاب النجاسة، و المستفيضة الآمرة بالصبّ على الجسد من البول «6»، المقيدة بالنسبة إلى مطلقات الغسل، الواجب

______________________________

[1] منهم الحلّي في السرائر 1: 181، و العلامة في المنتهى 1: 176.

[2] في «ه»: و تطهّر.

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 179.

(4) مجمع الفائدة 1: 287، مشارق الشموس: 255، الذخيرة: 163، الحدائق 1: 305 و ج 5:

40.

(5) كالمحقق في الشرائع 1: 55، و العلامة في القواعد 1: 5.

(6) راجع الوسائل 3: 395 أبواب النجاسات ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 274

حملها عليها، المتعدّية حكمها من البول و الجسد إلى غيرهما بعدم الفصل.

خلافا لطائفة من الطبقة الثالثة [1]، فاختاروا الأول، و استوجهه في الذكرى «2»، لتحقق الغسل عرفا، و ترتّب الطهارة عليه بالأخبار الغير العديدة، كالنهاية عن الصلاة في الثوب النّجس حتى يغسل «3»، فإنها تدل بالمفهوم على جواز الصلاة المستلزم للطهارة هنا إجماعا مع الغسل، و الآمرة بغسل الثوب و البدن

«4»، المقتضية للإجزاء في تحقق فائدته التي هي الطهارة بتحقق الغسل.

و لخصوص صحيحة ابن مسلم: عن الثوب يصيبه البول قال: «اغسله في المركن مرتين» «5» و المركن هي الإجّانة التي تغسل فيها الثياب، و بضميمة الإجماع المركب يثبت الحكم في غير الثوب أيضا.

و لرواية السرّاد في مطهّرية النار «6»، و موثّقة عمّار في غسل الأواني «7».

و يجاب عن الأول: بما مرّ من وجوب حمل المطلق على المقيد.

و هو الجواب عن الثاني، إذ لو سلّمنا دلالته فإنّما هو من جهة إطلاق الغسل في المركن، و أمّا الخصوصية فلا، إذ الغسل في المركن كما يكون بإدخال الماء فيه ثمَّ وضع الثياب عليه، يكون بالعكس أيضا، فيصبّ عليها فيه الماء و تعصر.

و لا يضر اجتماع الماء فيه و ملاقاته للثوب قبل تمام غسله، الموجبة لتنجسه الموجب لتنجس الثوب، لمنع إيجابها تنجس الماء أولا، لعدم تحقق ورود النجاسة عليه، و منع تنجس الثوب به ثانيا، على ما مر، و اعترف به المخالف في خصوص

______________________________

[1] منهم صاحب الحدائق 5: 400.

______________________________

(2) الذكرى: 15.

(3) راجع الوسائل 3: 428 أبواب النجاسات ب 19.

(4) راجع الوسائل 3: 395 أبواب النجاسات ب 1.

(5) التهذيب 1: 250- 717، الوسائل 3: 397 أبواب النجاسات ب 2 ح 1.

(6) الكافي 3: 330 الصلاة 27 ح 3، الفقيه 1: 175- 829، التهذيب 2: 235- 928، الوسائل 3: 527 أبواب النجاسات ب 81 ح 1.

(7) التهذيب 1: 284- 832، الوسائل 3: 496 أبواب النجاسات ب 53 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 275

المورد.

مع أنه- كما مر «1»- محتمل عموم المركن للكثير أيضا، فيخصّ بأخبار الصب، لاختصاصها بالقليل قطعا كما يأتي. و لا يضر ذلك فيما ذكرنا من عدم

اعتبار التعدد في الكثير، لأنّ ذلك مجرّد الاحتمال لدفع الاستدلال.

و أما الثالث و الرابع: فعدم دلالتهما ظاهر واضح.

ثمَّ بما ذكرنا ظهر وجه التفرقة بين الورودين على القول بتنجس القليل مطلقا، و اندفع ما استشكل من أنّ وجه التفرقة بينهما على التفرقة في الانفعال ظاهر، إذ يمكن أن يكون بناء المانع من التطهير على ورود المحل تنجس الماء، و عدم صلاحية المتنجس للتطهير عنده. و أما على القول بالانفعال المطلق فلا وجه لها.

و يمكن أيضا أن يكون الوجه: أن الماء و إن تنجس في الصورتين، و المتنجس عنده غير قابل للتطهير، إلّا أنّ الإجماع و الضرورة دلّا على التطهر بالقليل أيضا، فهو مخالف للقاعدة، ثابت بالضرورة، فيجب الاكتفاء فيه بمحلها و هي [1] ورود الماء.

المسألة الخامسة: مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا
اشاره

كما في المعتبر «3» و غيره «4»، بل في الناصريات و الخلاف «5»: الإجماع عليه، و ادّعاه والدي في المعتمد و اللوامع أيضا: أنّه يكفي صب الماء مرة في بول الصبي الذي لم يأكل.

و الحجة فيه- بعد الإجماع- المستفيضة التي منها الحسن بل الصحيح: عن بول الصبي، قال: «يصبّ عليه الماء، فإن كان قد أكل فاغسله غسلا، و الغلام

______________________________

[1] في «ه» و «ق»: مع ورود الماء

______________________________

(1) ص 269.

(3) المعتبر 1: 436.

(4) المفاتيح 1: 74، الذخيرة: 164، الحدائق 5: 384.

(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 181، الخلاف 1: 484.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 276

و الجارية شرع سواء» «1».

و الرضوي: «و إن كان بول الغلام الرضيع فتصب عليه الماء صبا، و إن كان قد أكل فاغسله، و الغلام و الجارية سواء» «2».

و رواية السكوني: «لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم، لأنّ لبنها يخرج من مثانة أمها، و لبن الغلام

لا يغسل منه الثوب و لا بوله قبل أن يطعم، لأنّ لبن الغلام من العضدين» «3».

و العاميّان المرويان عن النبي في الناصريات و غيره:

أحدهما: «يغتسل من بول الجارية، و ينضح على بول الصبي ما لم يأكل الطعام» «4».

و ثانيهما: أنّ النبي أخذ الحسن بن علي «5» فأجلسه في حجره، فبال عليه، قال: فقلت له: لو أخذت ثوبا فأعطيتني إزارك فأغسله، فقال: «إنما يغسل من بول الأنثى، و ينضح من بول الذكر» «6» و إن كان في الاستدلال بهما نظر تأتي الإشارة اليه.

و بهذا الأخبار المنجبر ضعف بعضها بالعمل تخصّص عمومات غسل

______________________________

(1) الكافي 3: 56 الطهارة ب 36 ح 6، التهذيب 1: 249- 715، الاستبصار 1: 173- 602، الوسائل 3: 397 أبواب النجاسات ب 3 ح 2.

(2) فقه الرضا (ع): 95، المستدرك 2: 554 أبواب النجاسات ب 2 ح 1.

(3) التهذيب 1: 250- 718، الاستبصار 1: 173- 601، الوسائل 3: 398 أبواب النجاسات ب 3 ح 4.

(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 181، و راجع سنن أبي داود 1: 103، سنن ابن ماجه 1:

174- 525- بتفاوت يسير- سنن البيهقي 2: 415.

(5) كذا في النسخ، و في المصادر: الحسين بن علي.

(6) الناصريات (الجوامع الفقهية): 181، و راجع سنن أبي داود 1: 102- 375، سنن ابن ماجه 1 174- 522، سنن البيهقي 2: 414.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 277

البول، أو بول ما لا يؤكل لحمه «1»، أو بول الصبي كموثّقة سماعة «2»، بل حسنة ابن أبي العلاء أيضا و هي: عن الصبي يبول على الثوب، قال: «يصب عليه الماء قليلا ثمَّ يعصره» «3» على القول بكون الفارق بين الغسل و الصب هو العصر، و إلّا فلا دلالة لها

على الغسل.

و يجاب عن دلالتها على العصر: بعدم كونها مفيدة لوجوبه، و غاية ما تفيده استحبابه و هو كذلك، لذلك.

و قيل بوجوبه، بل وجوب الإجزاء أو الانفصال أيضا، مع توقّف إزالة عين البول عليه «4».

و هو خروج عن مقتضى النصّ، فإنّه يقتضي الاكتفاء بالصب مطلقا، و لا دليل على وجوب الزائد من إخراج الماء المصبوب، أو البول المختلط معه.

ثمَّ الحقّ الموافق للظاهر كلام الأكثر- كما صرّح به جماعة [1]- اختصاص الحكم بالصبي، فلا يجري في بول الصبية و يجب غسله، لأنّه مقتضى الروايات الأخيرة المنجبرة بالشهرة، فيعارض بها قوله: «و الغلام و الجارية سواء» في الأوليين إن كان حجة و دلّ على خلاف المطلوب، و يرجع إلى الأصل الثابت بعمومات غسل البول، مع أنّهما في معرض المنع.

أما الأول: فلأن الاولى و إن كانت في نفسها حجة، و لكن جزاه الأخير

______________________________

[1] منهم العلامة في المنتهى 1: 176، و صاحبا الذخيرة: 165 و الحدائق 5: 385.

______________________________

(1) راجع الوسائل 3: 395 أبواب النجاسات ب 1، و ص 404 ب 8.

(2) موثقة سماعة: «عن بول الصبي يصيب الثوب، فقال: اغسله، قلت: فان لم أجد مكانه؟ قال:

اغسل الثوب كله» (منه ره)، التهذيب 1: 251- 723، الاستبصار 1: 174- 604، الوسائل 3: 402 أبواب النجاسات ب 7 ح 3.

(3) الكافي 3: 55 الطهارة ب 36 ح 1، التهذيب 1: 249- 714، الاستبصار 1: 174- 603 الوسائل 3: 397 أبواب النجاسات ب 3 ح 1.

(4) نسب في مفتاح الكرامة 1: 177 لزوم الانفصال إلى بعض الحواشي (يعني الحواشي على القواعد).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 278

لمخالفته الشهرة العظيمة عن الحجية خارجة. و الثانية في نفسها ضعيفة، و الشهرة الجابرة لها في

المورد مفقودة.

و أما الثاني: فلأنّ المساواة الكلّية من التسوية المطلقة غير ثابتة، و إرادة التسوية في الحكم الأخير الذي هو وجوب الغسل مع الأكل ممكنة، يعني إذا أكل.

و بهذا و سابقة مع الأصل المذكور يتمّ الحكم بالاختصاص لو نوقش في دلالة الروايات الأخيرة على وجوب الغسل في بول الأنثى.

و نسب إلى الظاهر الصدوقين «1»: التسوية، و لكنّها عبّرا في الرسالة «2» و الهداية «3» و الفقيه «4» بمثل ما عبّر به في الرضوي «5»، فما ذكرنا من الاحتمال في يجري في كلامهما أيضا بل هو في كلام الصدوق ظاهر، لأنه قال- بعد حكمه بالصب في بول الغلام قبل الأكل، و الغسل بعد الأكل-: و الغلام و الجارية في هذا سواء.

فروع:
أ: صرح الفاضلان بتعليق الحكم على الأكل و الطعام و عدمهما «6».

و منهم [1] من علّقه على الاغتذاء بغير اللبن، مساويا له أو زائدا عليه و عدمه، و الحلي «8» على تجاوز الحولين و عدمه.

و نظر الأولين إلى ظاهر الروايات.

______________________________

[1] لم نعثر عليه، نعم كثير منهم علّقوا عليه و على الحولين كما في جامع المقاصد 1: 173، و الروض: 167.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 1: 177.

(2) نقله في المعتبر 1: 437.

(3) الهداية: 15.

(4) الفقيه 1: 40.

(5) تقدم ص 276.

(6) المحقق في المعتبر 1: 436، و العلامة في المنتهى 1: 176.

(8) السرائر 1: 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 279

أما الثانيان، فلعلّ نظر أولهما إلى التعليل المذكور في رواية السكوني «1»، فإنّه يمكن أن يستفاد منه أنّ أخفّية بول الغلام لأجل نظافة أصله الذي هو لبن امّه، فيثبت ذلك ما لم يعلم حصول بوله من غير اللبن، و ذلك إنّما يكون ما لم يساو غير اللبن له. و نظر ثانيهما إلى أنّ المراد بالأكل و الطعام ترك اللبن

و الفطام عنه، و هو في الشرع مقدّر بالحولين.

و الأوجه هو الأول، لما مرّ. و ضعف ما للثاني بأنّ مقتضاه انتفاء الحكم إذا انتفى العلم بحصوله من اللبن، و هو ينتفي بالاغتذاء بغيره و لو كان أقل. و ما للثالث بمنع كون المراد من الأكل ما ذكر.

ثمَّ لا شكّ في أنّ المعتبر في الأكل ما يكون مستندا إلى شهوته و إرادته، كما صرح به في المنتهى «2»، لأنّه المفهوم من نسبة الأكل و الطعام إليه، و لولاه، لتعلّق الغسل [1] بساعة الولادة، لاستصحاب التحنيك بالتمر، فلا عبرة بما يعلق دواء من غير ميل إليه.

و لا يلزم أن يكون إطعامه إياه لأجل كونه غذاء له، فلو اطعم بشي ء دواء و أكله الصبي بالشهوة و الإرادة، يجب الغسل، لصدق الأكل و لو كان نادرا، كما هو ظاهر المنتهى «4».

و صرّح في المعتبر بعدم اعتبار النادر و لو بالشهوة «5». و الأظهر الأول.

ب: لو أرضع الغلام بلبن الجارية أو بالعكس

، فمقتضى تعليل رواية السكوني: تعلّق حكم من له اللبن بالمرتضع، سيما إذا غلب إرضاعه من لبنه عليه من لبن نفسه.

______________________________

[1] في هامش «ح»: الحكم خ ل.

______________________________

(1) المتقدمة ص 276.

(2) المنتهى 1: 176.

(4) المنتهى 1: 176.

(5) المعتبر 1: 436.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 280

و لا يبعد المصير إليه في الجارية المرتضعة من لبن الغلام، إذ لا دليل على وجوب الغسل في بول الجارية، سوى عمومات غسل البول، الواجب تخصيصها بذلك، الدال على كفاية الصبّ، و أما الروايات الأخيرة فهي عن إفادة الوجوب قاصرة.

و أمّا الغلام المرتضع بلبن الجارية، فلمّا لم يثبت من الرواية سوى إيجاب التعليل لرجحان الغسل من لبن الجارية، فلا يثبت وجوب الغسل فيه، فالحكم فيه باق على أصله.

ج: الصبّ اللازم هنا هو إراقة الماء و سكبه

، و هو أعم من وجه من الغسل.

و أما من النضح و الرش المترادفين بنصّ أهل اللغة [1] الموافق للعرف، فإمّا أعمّ منهما مطلقا، بأن يصدق الصب مع استيعاب الماء كل جزء من الموضع المصبوب عليه و بدونه، و مع إراقة الماء مجتمعة الأجزاء و بدونها، و اشتراط عدم الثاني [2] أو عدمهما [3] فيهما [4]، أو أخص كذلك باشتراط الاستيعاب فيه دونهما، أو مغاير لهما باشتراطه [5]- أو مع الإراقة المجتمعة- فيه [6]، و عدمه فيهما.

و الكل محتمل، و استصحاب نجاسة الموضع يقتضي الإتيان بالمقطوع به و هو ما صب مجتمع الأجزاء عرفا، مع استيعاب كلّ جزء من المحلّ.

و جعل الصبّ مرادفا لهما لغة أو شرعا- كبعضهم «7»- ضعيف، كجعل الرشّ أخصّ من النضح.

______________________________

[1] كصاحب الصحاح و القاموس و النهاية و المجمع (منه ره)، الصحاح 1: 411، القاموس 1:

262، النهاية الأثيرية 5: 69، مجمع البحرين 2: 419.

[2] و هو إراقة الماء

مجتمعة الأجزاء.

[3] أي عدم الاستيعاب و عدم إراقة الماء مجتمعة الأجزاء.

[4] أي في النضح و الرش.

[5] أي اشتراط الاستيعاب.

[6] أي في الصّب.

______________________________

(7) الحدائق 5: 388.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 281

و مما ذكرنا ظهر أنّ الاستدلال بالعاميين «1» على الصبّ ليس في موقعه، و لضعفهما و عدم جابر لهما لإثبات النضح و التعارض مع أخبار الصبّ غير صالح.

د: الثابت من أدلة الصبّ هنا كفايته لا تعيينه

، لأنّ غير الرضوي لا يشتمل على ما يفيد وجوبه، و هو إن تضمن الأمر، و لكن الشهرة على وجوبه غير ثابتة.

و على هذا فيكفي الغسل الغير المتضمن للصب [1] إذا كان في غير القليل، لعموم: «كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» «3».

و أما في القليل فإشكال، حيث إنّ الأخبار الدالّة على الطهارة بالغسل به خصوصا أو عموما من البول وقع بلفظ الأمر الدالّ على تعيّن الغسل المنتفي هنا قطعا، و أمّا في غير البول و إن كان ما يمكن إثبات كفاية الغسل به مطلقا، و لكن الاستدلال به يحتاج إلى ضميمة عدم الفصل، و تحققه هنا غير معلوم.

ه: الحكم يعم الثياب و غيرها، لإطلاق كثير من الأدلّة.
المسألة السادسة: لو علم موضع النجاسة في ثوب أو غيره فتطهّره بغسله خاصة.

و إن اشتبه فتتوقف طهارة جميع ما وقع فيه الاشتباه على غسله، فلا يطهر الجميع بغسل موضع منه أو فرد، لاستصحاب النجاسة، و تدل عليه المستفيضة من الأخبار «4».

و لا فرق في ذلك بين الثوب و غيره، الواحد و المتعدد، و المحصور و غيره.

و أمّا كل جزء أو فرد منه فيحكم بطهارته مع غسله بخصوصه قطعا، و بدونه أيضا، لأصالة الطهارة.

______________________________

[1] كالحاصل بوضع الثوب في الماء (منه ره).

______________________________

(1) المتقدمين ص 276.

(3) الكافي 3: 13 الطهارة ب 9 ح 3، الوسائل 1: 146 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 5.

(4) راجع الوسائل 3: 402 أبواب النجاسات ب 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 1    282     المسألة السادسة: لو علم موضع النجاسة في ثوب أو غيره فتطهره بغسله خاصة. ..... ص : 281

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 282

و قولهم بتوقف الطهارة على غسل كلّ جزء، فمرادهم طهارة الجميع، كما يدلّ عليه تصريحهم بعدم التطهير بغسل جزء منه، مع أنّ هذا الجزء يطهر بغسله

قطعا.

ثمَّ المراد بنجاسة الجميع، هو ما يقال في سائر النجاسات، فينجس ملاقيه، أي ملاقي الجميع، لا كل جزء، و لا يجوز استعمال الجميع في مشروط الطهارة [1]، لأنّ النجاسة كانت في ضمن الجميع متحققة، و زوالها- و لو غسل جزء- غير معلوم، فيجب استصحابها الموجب لترتّب جميع أحكامها عليها، إلّا عند من يقول بعدم ترتب أحكام النجاسات على النجاسة الاستصحابية، و هو ضعيف جدا.

نعم، لو ثبت بعض أحكام النجاسات لكل جزء منه أيضا، كما في الثوبين [2]، و الإنائين [3]، فهو لا يوجب ثبوت سائر الأحكام له أيضا.

و التوضيح: أنّ الكلام في المشتبه يقع في مواضع أربعة:

أولها: في طهارة كل جزء على البدلية.

و ثانيها: في تطهير الجميع و زوال النجاسة المتحققة.

و ثالثها: في حكم كل جزء بالنسبة إلى مشروط الطهارة، أو في تنجّس ملاقيه و نحوه.

و رابعها: في حكم الجميع بالنسبة إلى ذلك.

أما الأول: فلا كلام فيه، لطهارة كلّ جزء بالأصل، و تطهره قطعا بالغسل.

و ما في كلامهم «4» من أنّه يجب غسل كلّ جزى فهو لتحصيل العلم بطهارة

______________________________

[1] كالثوب في الصلاة و الأرض في السجود و التيمم و الماء في الطهارة (منه ره).

[2] حيث إنه لا يجوز مع واحد منهما (منه ره).

[3] حيث لا تتم الطهارة بكل واحد منهما (منه ره).

______________________________

(4) كما في المعتبر 1: 437، و الشرائع 1: 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 283

الجميع.

و أما الثاني: فهو الذي يذكرونه في بحث إزالة النجاسات، و يذكرون أنّه لا يطهر بغسل جزء منه، بل يتوقف على غسل الجميع، و الحكم في هذا و سابقة باق على ما يقتضيه الأصل و القاعدة.

و أما الثالث: فهو الذي يذكرونه في طيّ أحكام ثوب المصلّي و الأواني

المشتبهة، و يفرّق طائفة «1» فيه بين المحصور و غيره.

و مقتضى الأصل فيه: كون كل جزء في الحكم كالطاهر، إلّا أنه تخلّف في الثوبين و الإناءين عند الجميع، و في المحصور مطلقا عند جماعة، لأجل الدليل الخارجي. و الواجب الاكتفاء في التخلّف بما يقتضيه دليله، و إبقاء الزائد على مقتضى الأصل.

و أما الرابع: فمقتضى الأصل فيه كون حكمه حكم النجس ما لم يغسل الجميع، و لم يثبت التخلف فيه.

و قد اختلط الأمر في هذه المقامات على بعض المتأخرين، فخلط و لم يفرق بين المقامين: الثاني و الثالث، و ذكر بعض ما يتعلق بأحد المقامين في الآخر.

المسألة السابعة: يجب غسل الثوب و البدن من بول غير الرضيع مرتين

، و لا يكفي المرة، وفاقا للمعظم، بل في المعتبر الإجماع عليه «2»، للاستصحاب، و الصحاح المستفيضة و غيرها.

كصحيحة ابن أبي يعفور: عن البول يصيب الثوب، قال: «اغسله مرتين» «3».

و صحيحتي ابن مسلم:

______________________________

(1) منهم المحقق في الشرائع 1: 73، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 18، و صاحب الحدائق 5:

276.

(2) المعتبر 1: 435.

(3) التهذيب 1: 251- 722، الوسائل 3: 395 أبواب النجاسات ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 284

الاولى: عن الثوب يصيبه البول، قال: «اغسله في المركن مرتين، فإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة» «1».

و الأخرى: عن البول يصيب الثوب، قال: «اغسله مرتين» «2».

و حسنة ابن أبي العلاء: عن البول يصيب الجسد، قال: «صبّ عليه الماء مرتين، فإنّما هو ماء» و سألته عن الثوب يصيبه البول، قال: «اغسله مرتين» «3».

و قريب منها المروي في السرائر عن البزنطي «4».

و الرضوي: «و إن أصابك بول في ثوبك، فاغسله من ماء جار مرة و من ماء راكد مرتين» «5».

و صحيحة أبي إسحاق: عن البول يصيب الجسد، قال:

«صب عليه الماء مرتين» «6».

و جعل المرتين في الثوب غسلا و في البدن صبا، إما لمجرد تغيير العبارة، أو لاشتراط زيادة الاستيلاء في الأول لتحقق الجريان و الانفصال المشترطين [1] في الغسل، أو لرسوخ النجاسة فيه (أيضا) [2] بخلاف الثاني.

خلافا فيهما للمنتهى، و القواعد، و الدروس، و البيان، و عن المبسوط «9»،

______________________________

[1] في «ح»: الشرطين.

[2] لا توجد في «ه» و «ق».

______________________________

(1) التهذيب 1: 250- 717، الوسائل 3: 397 أبواب النجاسات ب 2 ح 1.

(2) التهذيب 1: 251- 721، الوسائل 3: 395 أبواب النجاسات ب 1 ح 1.

(3) الكافي 3: 55 الطهارة ب 36 ح 1، التهذيب 1: 249- 714، الوسائل 3: 395 أبواب النجاسات ب 1 ح 4.

(4) مستطرفات السرائر: 30- 21، الوسائل 3: 396 أبواب النجاسات ب 1 ح 7.

(5) فقه الرضا (ع): 95، المستدرك 2: 553 أبواب النجاسات ب 1 ح 1.

(6) التهذيب 1: 249- 716، الوسائل 3: 395 أبواب النجاسات ب 1 ح 3.

(9) المنتهى 1: 175، القواعد 1: 8، الدروس: 1: 125، البيان: 95، المبسوط 1: 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 285

و في البدن خاصة لظاهر التحرير، بل الفقيه و الهداية «1»، و بعض آخر «2»، فتكفي المرّة إلّا أنّ في الدروس قيّدها بما بعد زوال العين، للأصل. و حصول الغرض، أعني الإزالة. و ضعف ما دلّ على التعدد سيما في البدن. و إطلاقات الغسل من النجاسات، أو البول مطلقا، أو من أحدهما المتناول للمرة.

و الأول مدفوع بما مرّ.

و الثاني: بمنع كون الغرض الإزالة، بل هو الطهارة.

و الثالث: بمنع الضعف، و عدم كونه ضائرا لو كان، و انجباره بالعمل لو أضرّ.

و الرابع: بقاعدة حمل المطلق على المقيّد، أو الرجوع

إلى الاستصحاب بعد تعارضهما و تساقطهما.

نعم لو لم يكن هناك مقيد، لصح ما ذكروه، كما في غسل البول من غير البدن و الثوب، و غسل غيره من النجاسات عنهما و عن غيرهما، فإنّ الأمر بمطلق الغسل فيهما متحقق.

أما في الثاني فظاهر.

و أما في الأول فصحيحة إبراهيم بن أبي محمود: «في الطنفسة و الفراش يصيبهما البول» و موثقة عمار: «في موضع من البيت يصيبه القذر» المتقدمتان «3».

و رواية نشيط: «يجزي من البول أن يغسل بمثله» «4».

و حسنة الحلبي أو صحيحته في بول الصبي الآكل المتقدمة «5».

______________________________

(1) التحرير 1: 24، الفقيه 1: 43، الهداية 14.

(2) كما في المدارك 2: 339.

(3) ص 272 و ص 259.

(4) التهذيب 1: 35- 94، الاستبصار 1: 49- 140، الوسائل 1: 344 أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 7.

(5) ص 276.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 286

و اختصاص الاولى بالطنفسة و الفراش، و الثانية بموضع من البيت، و الثالثة بما يتحقق فيه الغسل من مثل البول- بعد إطلاق الرابعة- غير ضائر مع تمامية المطلوب بعدم القول بالفصل.

فالقول بكفاية المرة في غسل البول من غير الثوب و البدن، و في غير سائر النجاسات مطلقا هو الأصح المتعيّن، وفاقا فيهما للأكثر.

و خلافا في الأول للمحكي في الذخيرة عن جمع من الأصحاب «1»، فطردوا الحكم بالمرتين في البول إلى ما يشبه الثوب و البدن، للاستصحاب، و للمشابهة، أو الأولوية.

و الأول بما مرّ مندفع. و الثاني قياس. و الثالث ممنوع.

فإن قيل: لا يثبت من الإطلاق عدم لزوم الزائد إلّا بضميمة الأصل، و هو لا يدفع الاستصحاب، بل الاستصحاب يدفعه، كما بيّن في موضعه.

قلنا: نعم في الواجبات و المستحبات و نحوهما مما لا يوجب تعلق الحكم بالماهية

إلّا ثبوته لها في الجملة، و أمّا في السببية و المانعية و الحرمة و نحوها، فمقتضى نفس ثبوت الحكم للمطلق ثبوته له أينما وجد، أي بجميع أفراده، فلزوم الزائد ينافي مقتضى نفس الإطلاق.

ألا ترى أن قوله: يجب الغسل، لا ينافي: لا يجب الغسل مرتين، بخلاف: الغسل سبب للطهارة، فإنه ينافي: الغسل مرة أو مرتين ليس سببا لها.

و قوله في رواية نشيط: «يجزي من البول أن يغسل» من قبيل الثاني، بل جميع أوامر الغسل، فإنها بمنزلة قوله: غسله سبب لتطهيره إجماعا، و لأنّ الأمر به ليس إلّا للتطهير قطعا، و ليس تعبّدا محضا، فالغسل من الأسباب، و لذا ترى العلماء كافّة يحكمون بالتطهّر بما ورد الأمر به في باب الطهارات و النجاسات.

و للروضة، فحكم بالمرتين فيه مطلقا «2»، للاستصحاب، و احتمال خروج

______________________________

(1) الذخيرة: 162.

(2) الروضة 1: 61.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 287

الثوب و البدن في الأخبار مخرج التمثيل، بناء على أنّهما الغالبان في ملاقاة النجاسة، و لأنّ خصوص السؤال عنهما لا يخصص.

و فيه: أنّ الاستصحاب بما مرّ زال، و محض الاحتمال غير صالح للاستدلال، و عدم التخصيص بالسؤال إنما هو إذا كان عموم في الجواب، و هو منتف في المقام.

و لمن يحكم [1] بالمرتين في جميع النجاسات في مطلق المحال، كما يأتي، لما يأتي مع دفعه.

و خلافا في الثاني لظاهر المعتبر حيث قال: يكفي المرة بعد إزالة العين «2» فإنّه يفيد عدم كفاية المرة المزيلة، لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في دم الحيض: «حتّيه ثمَّ اغسليه» [2].

و فيه: أنّ الرواية- لضعفها- عن إفادة الوجوب قاصرة.

و للتحرير و ظاهر المنتهى «4» فأوجبا التعدد فيما له قوام و ثخن [3]، للاستصحاب.

و قوله: «إنما

هو ماء» في حسنة ابن أبي العلاء المتقدمة «6»، فإنّ مفهومه اشتراط الأزيد في غيره.

و صحيحة ابن مسلم: ذكر المني فشدّده و جعله أشدّ من البول «7».

و ما في المعتبر بعد إيراد الحسنة عقيب قوله: مرتين: الأول للإزالة و الثاني

______________________________

[1] عطف على المتقدم. أي و خلافا لمن يحكم ..

[2] سنن أبي داود 1: 99- 362. و فيه: «حتّيه ثمَّ اقرصيه».

[3] قال في المنتهى: النجاسات التي لها قوام و ثخن كالمني و شبهه أولى بالتعدد في الغسلات (منه ره).

______________________________

(2) المعتبر 1: 435.

(4) التحرير 1: 24، المنتهى 1: 175.

(6) ص 267.

(7) التهذيب 1: 252- 730، الوسائل 3: 424 أبواب النجاسات ب 16 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 288

للإنقاء «1».

و الأول بما مرّ مدفوع.

و دلالة الثانيتين ممنوعة، إذ غاية ما يفهم منهما توقف الإزالة في بعض ما هو غير البول على أمر زائد، و لا يلزم منه اعتبار التعدّد، فلعلّه ما يحتاج إليه إزالة العين من ذلك، أو عصر، أو اهتمام في الإزالة، أو أمثال ذلك، مع أنّ التشديد في الثاني في المني تأكيد في إزالته ردّا على جمع من العامّة.

و الرابع: مع عدم تماميته فيما أزيل عينه بغير الماء- ضعيف، لعدم وروده [1] في المعتمدة من كتب الأخبار، و إنما أورده المحقق في المعتبر، بل قيل «3»: إنّ الظاهر أنّه من كلامه توهّم نسبته إلى الرواية غفلة، و يؤيد ذلك عدم وروده في كتب الأخبار.

و للشهيد في اللمعة و الرسالة «4» فأوجبه في النجاسات في غير الأواني مطلقا، كما في الحدائق «5»، أو في الثوب خاصة كما في اللوامع.

و عبارة اللمعة غير مطابقة لشي ء منهما، فإنها مطلقة بالنسبة إلى النجاسات، مختصة بالثوب و البدن.

و

هو مختار المحقق الثاني في الجعفرية، بل في شرح القواعد، حيث قال- بعد الحكم بالمرتين في غسل البول عن الثوب و البدن-: و تعدية هذا الحكم إلى غيره من النجاسات- إما بطريق مفهوم الموافقة، أو بما أشير إليه في بعض الأخبار من أنّ غسلة تزيل و اخرى تطهر- هو الظاهر «6».

______________________________

[1] في «ح»: ورود، و «ق»: الورود.

______________________________

(1) المعتبر 1: 435.

(3) الذخيرة: 161.

(4) اللمعة (الروضة 1): 61 الرسالة (الألفية): 38.

(5) الحدائق 5: 363.

(6) جامع المقاصد 1: 173.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 289

و من هذا يظهر دليل هذا القول أيضا. و يضعف المفهوم: بأنّ تحققه فرع ثبوت الأولوية، و هي ممنوعة. و الخبر: بعدم ثبوته كما مرّ.

المسألة الثامنة: المشهور: أنّ أواني الخمر قابلة للتطهير جائز استعمالها بعده (مطلقا)

«1»، لعموم مرسلة الكاهلي: «كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» «2».

و موثقة عمار: عن الكوز و الإناء يكون قذرا كيف يغسل و كم مرة يغسل؟

قال: «يغسل ثلاث مرات» «3».

و خصوص الموثقين الآخرين له:

أحدهما: عن الدنّ يكون فيه الخمر، هل يصلح أن يكون فيه خلّ أو ماء أو كامخ «4» أو زيتون؟ قال: «إذا غسل فلا بأس» و عن الإبريق و غيره يكون فيه خمر أ يصلح أن يكون فيه ماء؟ قال: «إذا غسل فلا بأس» و قال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر؟ قال: «يغسله ثلاث مرات» «5».

و الآخر: في الإناء الذي يشرب فيه النبيذ، قال: «يغسله سبع مرات» «6».

و رواية الأعور: إني آخذ الركوة، فيقال: إنّه إذا جعل فيها الخمر و غسلت كانت أطيب لها، فيأخذ الركوة فيجعل فيها الخمر فيخضخضه ثمَّ يصبه و يجعل فيها البختج، فقال: «لا بأس» «7».

أقول: إن أرادوا طهارة الظاهر، فهو كذلك، و إن أرادوا مطلقا، ففي دلالة

______________________________

(1) لا توجد

في «ق».

(2) المتقدمة ص 259.

(3) التهذيب 1: 284- 832، الوسائل 3: 496 أبواب النجاسات ب 53 ح 1.

(4) الكامخ: الذي يؤتدم به، معرب «الصحاح 1: 430».

(5) الكافي 6: 427 الأشربة ب 33 ح 1، الوسائل 3: 494 أبواب النجاسات ب 51 ح 1.

(6) التهذيب 9: 116- 502 و زاد في آخره: و كذلك الكلب، الوسائل 25: 368 أبواب الأشربة المحرمة ب 30 ح 2.

(7) الكافي 6: 430 الأشربة ب 35 ح 5، الوسائل 25: 368 أبواب الأشربة المحرمة ب 30 ح 3- بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 290

الأخبار نظر، لمنع حصول العلم بوصول الماء إلى جميع الأجزاء الباطنية، سيما مع مزاحمة ما فيها من الأجزاء الخمرية، و عدم قوة ما ينفذ فيها من الماء.

مع أن كون النافذ ماء عرفا غير معلوم، بل هي الرطوبة، فلا تتم دلالة المرسلة.

و يمكن أن يكون الغسل لحصول طهارة الظاهر الكافية في جواز الاستعمال، لبطلان السراية، فلا تفيد الموثّقة الاولى في المطلوب.

و منه يظهر عدم انتهاض البواقي لإثباته أيضا.

خلافا للمحكي عن الإسكافي «1» فقال بعدم طهارة غير الصلب منها، لنفوذ النجاسة في الأعماق، فلا يقبل التطهر، و مجرد نفوذ الماء أيضا من غير علم بزوال عين النجاسة غير كاف في التطهير، مع أنه لا يحصل بالنفوذ الغسل العرفي حتى تشمله أحاديث الغسل. بل في صدق ملاقاة الماء أيضا نظر، لمنع صدق الماء على تلك الرطوبة النافذة.

و للروايات:

إحداها: صحيحة ابن مسلم، فقال: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الدباء و المزفّت، و زدتم أنتم الحنتم «2»- يعني الغضار «3»- و المزفَّت» يعني الزفت الذي يكون في الزق و يصب في الخوابي ليكون أجود

للخمر، قال: و سألته عن الجرار الخضر و الرصاص فقال: «لا بأس بها» «4».

و الأخرى: رواية أبي الربيع: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن

______________________________

(1) حكاه عنه في المعتبر 1: 467.

(2) الحنتم: جرار مدهونة خضر كانت تحمل الخمر فيها إلى المدينة ثمَّ اتسع فيها، فقيل للخزف كلّه حنتم «النهاية الأثيرية 1: 448».

(3) الغضارة: الطين اللازب الأخضر الحرّ كالغضار (القاموس 2: 106) و المراد هنا الإناء الذي يعمل منه.

(4) الكافي 6: 418 الأشربة ب 25 ح 1، التهذيب 9: 115- 500، الوسائل 25: 357 أبواب الأشربة المحرمة ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 291

كل مسكر فكل مسكر حرام» فقلت له: فالظروف التي يصنع فيها منه، فقال:

«نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الدبا «1»، و المزفّت، و الحنتم، و النقير» قلت: و ما ذاك؟ قال: «الدبا: القرع، و المزفت: الدنان، و الحنتم:

جرار خضر، و النقير: خشب كانت الجاهلية ينقرونها حتى يصير لها أجواف ينبذون فيها» «2».

و الثالثة: رواية الجراح: «منع النقير و نبيذ الدبا» «3».

أقول: إن أراد عدم طهارة الباطن، فلا وجه، و إن أراد مطلقا، فضعفه ظاهر، و مستنده غير ناهض.

أما الأول: فلأنّه لا يفيد إلّا نجاسة الأعماق، و سريان النجاسة من الباطن إلى الظاهر باطل، و تنجّس ما يجعل في الإناء من المائعات بملاقاتها لما في الباطن من النجاسة غير عدم تطهر الظاهر أولا، مع أنّه ممنوع جدا، إذ ليس إلّا بالسراية، فإنّه يتّصل المائع بالنجس بواسطة رطوبته النافذة، و لا نسلّم التنجّس بذلك.

و أما الروايات: فلعدم انحصار وجه النهي في نجاسة الظاهر، بل و لا الباطن، إذ من الجائز أن يكون

لاحتمال بقاء شي ء من أجزاء الخمر فيتصل بما فيه، فنهى عن ذلك تعبّدا.

و أن يكون النهي متوجها إلى الانتباذ فيها، لاحتمال تحقق الإسكار به، لا لسراية النجاسة في أعماقها، كيف لا؟! و من جملتها المزفّت المفسر بالمقيّر، و الحنتم المفسر بالمدهّن، و لا تجري فيهما السراية، و إن هما إلّا كالأجسام الصلبة، الغير القابلة لنفوذ شي ء فيها، المتّفق على قبولها التطهير مطلقا، فليس الخبران من فرض

______________________________

(1) قال الجوهري: الدباء، بضم الدال المهملة ثمَّ الباء المشدّدة الممدودة: القرع (منه ره).

(2) الكافي 6: 418 الأشربة ب 25 ح 3، التهذيب 9: 115- 499، الوسائل 3: 496 أبواب النجاسات ب 52 ح 2.

(3) الكافي 6: 418 الأشربة ب 25 ح 2، الوسائل 25: 357 أبواب الأشربة المحرمة ب 25 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 292

المسألة قطعا.

خلافا للمحكي عن القاضي «1» و للشيخ في مشارب النهاية «2» أيضا، فقالا بعدم جواز استعمال غير الصلب منها و إن غسل، للروايات المذكورة.

و هي لمخالفتها للشهرة القديمة و الجديدة عن الحجّية خارجة، فلمعارضة ما مرّ غير صالحة، سيما مع اشتمال الأولين على الصلب الذي هو غير محل النزاع (أيضا) «3».

و ظهر ممّا ذكرنا أنّ الحق طهارة الظاهر دون الباطن، و جواز الاستعمال و لو في المائع. و يمكن حمل كل من المشهور و مذهب الإسكافي على ذلك، فنعم الوفاق إن كان كذلك.

ثمَّ لا يخفى أنه لا يختص ما ذكرنا بإناء الخمر، بل الحكم كذلك في كل إناء رخو لنجاسة مائعة.

المسألة التاسعة: غسل إناء الخمر المطهر لظاهره مع الرخاوة

، و مطلقا مع الصلابة ثلاث مرات- وفاقا للشيخ في الخلاف و التهذيب «4» على ما حكى، و في موضعين من مشارب النهاية «5»، و للنافع، و الشرائع، و

المنتهى «6»، و اللوامع- لموثّقة عمّار في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر، قال: «يغسل ثلاث مرات» و سئل: يجزيه أنّ يصبّ فيه الماء؟ قال: «لا يجزيه حتى يدلكه بيده و يغسله ثلاث مرات» «7».

دلّت على عدم الإجزاء لو انعدم أحد الأمرين، فيكونان لازمين. و جعل

______________________________

(1) المهذب 2: 434.

(2) النهاية: 592.

(3) لا توجد في «ه».

(4) الخلاف 1: 182، التهذيب 9: 117.

(5) النهاية: 592، 589.

(6) المختصر النافع: 20، الشرائع 1: 56، المنتهى 1: 189.

(7) الكافي 6: 427 الأشربة المحرمة ب 33 ح 1، التهذيب 1: 283- 830، الوسائل 3: 494 أبواب النجاسات ب 51 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 293

الواو في قوله: «و يغسله» مستأنفة خلاف الحقيقة و الظاهر.

خلافا للمعتبر، و المختلف، و التذكرة، و البيان، و الروض، و المدارك، و المعالم، و كفاية الأحكام «1»، فاكتفوا بالمرة إما بعد الإزالة كالأولين، أو بالمرة المزيلة كالبواقي، لإطلاق موثّقة عمار الثانية «2».

و يجاب عنه: بوجوب تقييد المطلق بالمقيد.

و للمفيد «3»، و الشيخ في المبسوط و الجمل و طهارة النهاية «4»، و المحقق الشيخ علي «5»، و الدروس «6»، و جمع من المتأخرين «7»، بل قيل: الظاهر أنه المشهور «8»، فأوجبوا السبع، لموثقته الأخرى: في الإناء يشرب فيه النبيذ. قال: «يغسله سبع مرات و كذلك الكلب» «9».

و يجاب عنها: بعدم دلالتها على الوجوب، لمكان لفظ الإخبار.

و للّمعة «10» فأوجب المرتين، قياسا على الثوب و البدن. و ضعفه ظاهر.

و الحق اختصاص الحكم بالخمر، فلا يتعدى إلى كل مسكر، للأصل.

المسألة العاشرة: يجب غسل الإناء من ولوغ الكلب [ثلاث مرّات ]
اشارة

«11» على الحقّ المشهور، بل عليه الإجماع محقّقا و منقولا في الانتصار، و المنتهى،

______________________________

(1) المعتبر 1: 462، المختلف: 64، التذكرة 1: 9، البيان: 93، الروض: 172، المدارك

2: 396، المعالم: 352، الكفاية: 14.

(2) المتقدمة 289 رقم 5. و المراد الاستدلال بغير الجملة الأخيرة منها.

(3) المقنعة: 73.

(4) المبسوط 1: 15، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 171، النهاية: 53.

(5) جامع المقاصد 1: 191.

(6) الدروس 1: 125.

(7) على ما في الحدائق 5: 493.

(8) يستفاد دعوى الشهرة من جامع المقاصد 1: 191.

(9) التهذيب 9: 116- 502، الوسائل 25: 368 أبواب الأشربة المحرمة ب 30 ح 2.

(10) اللمعة (الروضة 1): 61.

(11) ما بين المعقوفين أضفناه، و الوجه فيه واضح بالتأمل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 294

و الذكرى «1»، و عن الغنية «2»، إلّا أنّ الثاني استثنى الإسكافي، و هو الحجّة فيه.

مضافا إلى العاميين و الخاصيين المنجبر ضعفها بالشهرة العظيمة، بل الإجماع.

أحد الأولين: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله ثلاث مرات» «3».

و كذا الآخر إلّا أنّ فيه: «فليغسله ثلاثا أو خمسا أو سبعا» «4» و ظاهره أنّ الزائد مستحب، إذ التخيير خلاف الإجماع، كما صرح به في المنتهى «5».

و أحد الثانيين: الرضوي: «إن وقع الكلب في الماء أو شرب منه، أهريق الماء و غسل الإناء ثلاث مرات، مرّة بالتراب و مرتين بالماء» «6».

[و الآخر] «7» رواية البقباق المروية في المعتبر، و المنتهى، و موضع من الخلاف- على النخسة التي رأيتها- و غيرها من كتب الجماعة: عن الكلب، فقال: «رجس نجس لا يتوضأ بفضله، و اغسله بالتراب أول مرة ثمَّ بالماء مرتين» «8».

و اختلاف الحديث مع ما في كتب الحديث المشهورة «9» في اشتماله على ذكر المرتين دونه غير ضائر، إذ لعلّه أخذه من الأصول الموجودة عنده.

و لا يعارضه الحذف في كتب الحديث، لاحتمال التعدد، بل هو الظاهر، للاختلاف في الأمر بالصبّ أيضا، فإنّ ما في كتب

الحديث متضمّن له أيضا، مع

______________________________

(1) الانتصار: 9، المنتهى 1: 187، الذكرى: 15.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 551.

(3) سنن الدار قطني 1: 66.

(4) سنن الدار قطني 1: 65.

(5) المنتهى 1: 188.

(6) فقه الرضا (ع): 93، و زاد في آخره: ثمَّ يجفف، المستدرك 2: 602 أبواب النجاسات ب 45 ح 1.

(7) ما بين المعقوفين أضفناه لانسجام العبارة.

(8) المعتبر 1: 458، المنتهى 1: 188، الخلاف 1: 174، الروض: 172، جامع المقاصد 2: 190.

(9) انظر الوسائل 1: 226 أبواب الأسآر ب 1 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 295

أنّ احتمال الحذف أظهر، سيما مع أنّ الشيخ في التهذيب استدلّ به على المرتين «1».

و خلافا للمحكي عن الإسكافي فأوجب السبع «2»، للعامي: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا، أوّلهن بالتراب» «3» و موثّقة عمار المتقدمة «4».

و هما بمخالفتهما للعمل عن حيّز الحجية خارجان، مع ضعف الأول بنفسه سندا و عدم الجابر، و الثاني دلالة، لكونه خبرا.

و يجب أن يكون اولى الثلاث بالتراب، وفاقا للشيخ، و الديلمي، و القاضي «5»، و بني حمزة و إدريس و زهرة «6»، و الفاضلين «7»، و جلّ المتأخرين، بل أكثر الأصحاب، كما صرّح به غير واحد «8»، بل عن الغنية الإجماع عليه «9» لصحيحة البقباق على جميع النسخ.

و لا يعارضها إطلاق الرضوي، لوجوب تقييده، سيما مع ما فيه من التقديم الذكري المحتمل لإرادة الترتيب، كما في كلام الصدوقين «10»، بل يمكن إرادة ذلك من كلام من أطلق من غير تقديم في الذكر أيضا، كالانتصار، و الجمل، و الخلاف «11».

______________________________

(1) التهذيب 1: 225.

(2) نقله عنه في المعتبر 1: 458.

(3) سنن البيهقي 1: 241.

(4) ص 292.

(5) النهاية: 53، المراسم: 36، المهذب 1: 28.

(6) الوسيلة:

80، السرائر 1: 91، الغنية (الجوامع الفقهية): 551.

(7) المحقق في المعتبر 1: 458، و الشرائع 1: 56، و المختصر النافع: 20، و العلامة في المنتهى 1:

187، و التذكرة 1: 9، و القواعد 1: 9.

(8) المعتبر 1: 458، التنقيح 1: 157، المدارك 2: 390.

(9) الغنية (الجوامع الفقهية): 551.

(10) المقنع: 12، الفقيه 1: 8، و نقله في المنتهى 1: 188 عن والد الصدوق.

(11) الانتصار: 9، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 23، الخلاف 1: 175.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 296

نعم، عن المقنعة أنه أوجب توسيط التراب «1».

و لا ريب في ضعفه. و جعله في الوسيلة رواية «2» لا يفيد، إذ غايته أنّه رواية مرسلة شاذّة غير صالحة لمنازعة الصحيحة المؤيدة بعمل السواد الأعظم.

فروع:
أ: في وجوب مزج التراب بالماء

، أو وجوب عدمه إلّا مع عدم إيجابه لخروج التراب عن الاسم، أو عدم وجوب شي ء منهما أقوال.

الأول: عن الراوندي «3» و الحلي «4»، و جعله في المنتهى قويّا «5»، تحصيلا لحقيقة الغسل، كما صرّح به الحلي «6»، حيث جعلها جريان المائع على المحل، أو لأقرب المجازات (إليها) «7»، كما قيل «8»، حيث إنّ الغسل بالماء المطلق أو مثله من المائعات.

و الثاني: للعاملي «9»، تحصيلا لحقيقة التراب.

و الثالث: عن المختلف، و الذكرى، و الدروس، و البيان «10»، لإطلاق النص، و إيجاب تحصيل إحدى الحقيقتين لترك الأخرى، فلا ترجيح.

و نحن نضعّف الأول: بأنّ تحصيل حقيقة الغسل غير ممكن، لعدم صدقه

______________________________

(1) المقنعة 68.

(2) الوسيلة: 80.

(3) نقله عنه في الذكرى: 15.

(4) السرائر 1: 91.

(5) المنتهى 1: 188.

(6) السرائر 1: 91.

(7) لا توجد في «ق».

(8) الروض: 172- ذكره في مقام الاستدلال على قول ابن إدريس. و كذلك في المدارك 2: 392، و الحدائق 5:

479.

(9) الروض: 173.

(10) المختلف: 63، الذكرى: 15، الدروس 1: 125، البيان: 93.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 297

مع الامتزاج كيف ما كان، إلّا مع استهلاك التراب بحيث لا يصح التجوّز عنه أيضا.

و تحصيل الأقرب مع إيجابه التجوّز في التراب لا يصلح للاستناد، إذ لا دليل على وجوبه.

و كون مجازين قريبين خيرا من حقيقة و مجاز بعيد- بعد صحته- ممنوع.

و منع التجوز في التراب لإمكان حمل الباء على الملابسة و المصاحبة غير مفيد، لإيجابه مجاز الحذف في متعلّق الظرف، بل لا ينفك عن التجوز في التراب أيضا، إذ لا تتحقق مصاحبته و ملابسته حال الغسل بمعناه الحقيقي، و على هذا فحقيقة الغسل متروكة قطعا.

و منه يعلم ضعف الثالث أيضا، لأنّ تحصيل حقيقة الغسل غير ممكن، بخلاف حقيقة التراب، فلا وجه لتركها. و إطلاق النص ممنوع، لتعليقه على التراب الواجب حمله على الحقيقة، فخير الأقوال و أقواها: أوسطها.

ب: حكم في المنتهى باشتراط طهارة التراب

«1»، و تبعه جملة من الأصحاب [1]، منهم والدي العلّامة- رحمه اللّه- معلّلا بأنّ المطلوب منه التطهير، و هو غير مناسب بالنجس. و بلزوم الاقتصار فيما خالف الأصل على الفرد المتبادر و هو الطاهر لأنه الغالب.

و يضعفان: بمنع عدم المناسبة و التبادر. و أضعف منهما: التمسك بقوله:

«جعلت لي الأرض مسجدا و ترابها طهورا» «3».

و لذا احتمل في النهاية أجزاء النجس «4»، و يظهر من المدارك و المعالم الميل إليه «5». و هو قوي.

______________________________

[1] منهم الشهيدان في الدروس 1: 125، و الروض: 172.

______________________________

(1) المنتهى 1: 189.

(3) راجع الوسائل 3: 349 أبواب التيمم ب 7، و جامع الأحاديث 3: 53.

(4) نهاية الأحكام 1: 293.

(5) المدارك 2: 392، المعالم: 340.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 298

ج: الحق عدم جواز العدول إلى غير التراب مما يشبهه

، لا اختيارا كما جوّزه الإسكافي على ما حكاه عنه في المختلف «1»، و لا اضطرارا كما جوّزه في المبسوط، و الدروس، و البيان «2»، استصحابا للنجاسة، و اقتصارا على النص، و تضعيفا للعلّة المستنبطة.

و الاضطرار لا يوجب طهارة النجس بغير المطهر الشرعي، و لا يلزم تكليف بما لا يطاق، إذ لا تكليف باستعمال الإناء، و غاية ما يثبت من نفي الضرر- لو تمَّ هنا- العفو دون الطهارة.

و منه يظهر عدم بدلية الماء كما في القواعد «3» و عدم جواز الاكتفاء بالمرتين في التطهر مع تعذّر التراب أو خوف فساد المحل به كالتذكرة و المنتهى و التحرير «4»، أو مع الأخير خاصة كالأول، كما يظهر عدم التطهر لو فقد الماء رأسا.

د: لا يلحق بالولوغ اللّطع

، كالطائفة «5» منهم: والدي العلّامة رحمه اللّه.

و لا وقوع لعاب فمه، أو عرقه، أو سائر رطوباته، كالفاضل في النهاية «6». و لا مباشرته بفمه، من غير ولوغ، أو بباقي أعضائه، كالصدوقين «7» و المقنعة «8». و لا وقوع غسالة الولوغ، كالكركي «9»، لعدم الدليل، فحكمه حكم سائر النجاسات الغير المنصوصة بخصوصها كما يأتي.

و الأولوية المدّعاة في بعضها ممنوعة. و استصحاب النجاسة إنما يفيد الإلحاق

______________________________

(1) المختلف: 64.

(2) المبسوط 1: 14، الدروس 1: 125، البيان: 93.

(3) القواعد 1: 9.

(4) التذكرة 1: 9، المنتهى 1: 188، التحرير 1: 26.

(5) جامع المقاصد 1: 190. المعالم: 336، المدارك 2: 393، الحدائق 5: 475.

(6) نهاية الاحكام 1: 294.

(7) المقنع: 12، الفقيه 1: 8، و نقله في المنتهى 1: 188 و المعالم: 336 عن والد الصدوق.

(8) المقنعة 68.

(9) جامع المقاصد 1: 190.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 299

لو لا القول بما يباين حكم الولوغ في غير المنصوصة من النجاسات،

و هو متحقق، فإنّ منهم من يقول بوجوب ثلاث مرات بالماء فيه، فله أن يستصحب النجاسة بعد الغسل مرتين بالماء و مرة بالتراب.

و تصريح الرضوي بإلحاق الوقوع- لضعفه الخالي عن الجابر في المقام- غير مفيد.

و صدق الفضل المذكور في صحيحة البقباق على بعض ما ذكر لمرادفته للسؤر ممنوع، بل معنى السؤر ما يفضل من شربه المستلزم للولوغ.

نعم، صدقه على ماء الولوغ مما لا ريب فيه، فوقوعه في إناء كالولوغ فيه، كما ذهب إليه الفاضل في نهاية الإحكام «1»، و والدي رحمه اللّه.

و يؤيده عدم تعقل الفرق بين تأخر الولوغ عن كون الماء في الإناء و تقدمه عليه.

ه: لا يسقط التعفير في الجاري و الكثير

، وفاقا لظاهر الأكثر، و صريح المنتهى و المعتبر «2»، استصحابا للنجاسة، و عملا بالإطلاق.

خلافا لظاهر المحكي عن الخلاف، و المبسوط، و المختلف «3»، و إن أمكن حمل كلامهم على المشهور أيضا، و هم محجوجون بما مر.

و عموم: «كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» «4» مخصوص بروايات الولوغ.

و بقاء حكم النجاسة مع ملاقاة الكثير و إن لم تبق العين غير مستبعد، و نظيره في الشرع يوجد.

و في سقوط التعدد و عدمه أقوال يأتي ذكرها.

و: إن وقعت في الإناء نجاسة قبل تمام غسله

تداخلت مع الولوغ فيما

______________________________

(1) نهاية الأحكام 1: 295.

(2) المنتهى 1: 189، المعتبر 1: 460.

(3) الخلاف 1: 178، المبسوط 1: 14، المختلف: 64.

(4) المتقدم ص 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 300

يتساويان فيه، و يزاد الزائد للزائد، بالإجماع.

و في المدارك: و به قطع الأصحاب، و لا أعلم في ذلك مخالفا «1» و في الذخيرة: لا أعلم مصرحا بخلافهم «2»، و في اللوامع: و الظاهر وفاقهم عليه.

و هو الحجة، مضافا إلى إطلاق ما يدلّ على زوال إحدى النجاستين، و حصول التطهّر منها بما له من العدد، فإنّ قوله: اغسله كذا، في معنى أنّ الغسل الكذائي يطهّره، و هو أعم من أن تزول به نجاسة أخرى أيضا، و مع التطهر و زوال النجاسة لا يحتاج إلى غسل إجماعا، و بذلك تزول أصالة عدم تداخل الأسباب.

و قد يقال: إنّ التداخل هنا لا ينافي أصالة عدم تداخلها، لأنّ الظاهر أنّ الوجوب هنا توصّلي و العلّة ظاهرة «3».

و هذا إشارة إلى ما ذكروه من اختصاص ذلك الأصل بما إذا لم يكن المقصود حصول أصل الفعل كيف اتفق، و الواجب التوصلي كذلك.

و لكن يرد عليه: أن هذا إنما يتم لو علم حصول المقصود المتوصل إليه، و

للمانع منعه هنا، إذ له أن يقول: إن المقصود التطهر، و حصوله مع التداخل غير معلوم، و لذا قيل: إنّ التداخل في أبواب الطهارة إنما يتم فيما علم فيه أنّ المقصود تحصيل مهيّة الغسل لغرض الإزالة، فإنّه مع التداخل حاصل، لا ما علمت فيه خصوصية أخرى أيضا.

و من ثمَّ اختار في المعالم عدم التداخل فيما يثبت فيه التعدد بالنص «4».

و قال والدي العلّامة- رحمه اللّه- في اللوامع: و هو متجه لو لا وفاقهم عليه.

و مثل النجاسة الواقعة ولوغ آخر، لما مر، و لأنّ كلا من الولوغ و الكلب

______________________________

(1) المدارك 2: 395.

(2) الذخيرة: 178.

(3) غنائم الأيام: 72.

(4) المعالم: 347.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 301

جنس يقع على القليل و الكثير، فإن كان قبل التعفير يعفّر و يغسل مرتين لهما، و إن كان بعده يعفّر للأخير و يغسل لهما، و إن كان بعد غسله مرة يعفّر، و يغسل مرتين، واحدة لهما، و الأخرى للأخير.

ز: هل الحكم يعمّ جميع المائعات أو يختصّ بالماء؟

ظاهر إطلاقات أكثر الفتاوي الأول، و لكن الروايتين المتضمنتين للتعفير مختصتان بالماء.

و العاميان و إن كانا مطلقين، لتحقق الولوغ في كل مائع يشربه الكلب بلسانه، و لكنّهما خاليان عن ذكر التعفير.

و كون إحدى الثلاث في الماء تعفيرا لا يفيد، لدوران الأمر بين التخصيص بغير الماء و إبقاء الغسل على حقيقته، أو التجوز في الغسل، و لا مرجح.

و على هذا فإن ثبت الإجماع على التعميم، و إلّا فيكون حكم غير الماء حكم النجاسات الغير المنصوصة، و الاحتياط جمع الحكمين متداخلين.

ح: لا يجب الدلك في التعفير، للأصل.

فيكفي صبّ التراب في الإناء و تحريكه حتى يعلم وصوله إلى جميع مواضعه. و لا التجفيف بعد الغسل، لما ذكر.

خلافا للمقنعة في الأخير «1»، للرضوي «2». و لا حجية فيه بدون الانجبار.

ط: ولوغ الخنزير كسائر النجاسات الغير المنصوصة عليها بخصوصها

- وفاقا للمحقق «3» و الحلي «4»، بل أكثر من تقدم عليهما «5»، لعدم تعرضهم له بخصوصه- للأصل، و عدم دليل على وجوب عدد فيه بخصوصه.

______________________________

(1) المقنعة: 68.

(2) المتقدم ص 294 رقم 6.

(3) المعتبر 1: 459.

(4) السرائر 1: 92.

(5) كالمفيد في المقنعة: 68، و سلّار في المراسم: 36، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 182.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 302

و خلافا للفاضل «1» و أكثر من تأخّر عنه «2» فأوجبوا السبع، لصحيحة علي:

عن خنزير يشرب من الإناء كيف يصنع به؟ قال: «يغسل سبع مرات» «3».

و يضعّف: بعدم دلالتها على الوجوب.

و للمحكي عن الخلاف، فجعله كالكلب، حملا له عليه «4». و ضعفه ظاهر.

المسألة الحادية عشرة: يغسل لموت الجرذ- و هو كبير الفأر- سبع مرّات

، لموثقة عمار: «اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ سبعا» «5».

و قيل: بالثلاث «6». و قيل: مرّتان «7». و قيل: مرة مزيلة «8». و قيل: بعد الإزالة «9». و لا مستند تام لشي ء منها.

و لا يلحق به غيره من أنواع الفأر، للأصل.

المسألة الثانية عشرة: يغسل الإناء من النجاسات الغير المنصوصة عليها
اشاره

بخصوصها- سوى الخنزير و ما الحق بولوغ الكلب من وقوع رطوباته أو مباشرته- ثلاثا، وفاقا للصدوق [1]، و الإسكافي «11»، و المبسوط، و الخلاف «12»، و الكركي،

______________________________

[1] لم نعثر عليه في كتبه و لا على من نسبه إليه قبل المصنف.

______________________________

(1) المنتهى 1: 189، التذكرة 1: 9، المختلف: 64.

(2) كالشهيد الأول في الذكرى: 15، و الثاني في الروض: 172، و الكركي في جامع المقاصد 1: 191.

(3) التهذيب 1: 261- 760، الوسائل 1: 225 أبواب الأسآر ب 1 ح 2.

(4) الخلاف 1: 186.

(5) التهذيب 1: 284- 832، الوسائل 3: 496 أبواب النجاسات ب 53 ح 1- بتفاوت يسير.

(6) القواعد 1: 9.

(7) الروضة 1: 63.

(8) الكفاية: 14.

(9) المختلف: 64، المدارك 2: 396.

(11) نقله عنه في المعتبر 1: 461.

(12) المبسوط 1: 15، الخلاف 1: 182.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 303

و الدروس، و الذكرى «1»، و والدي- رحمه اللّه- في اللوامع و المعتمد، للاستصحاب المؤيد بالموثق: عن الكوز و الإناء يكون قذرا، كيف يغسل و كم مرة يغسل؟ قال: «ثلاث مرات، يصبّ فيه الماء فيحرك فيه ثمَّ يفرغ منه ذلك الماء، ثمَّ يصبّ فيه ماء آخر ثمَّ يفرغ منه ذلك الماء، ثمَّ يصبّ فيه ماء آخر ثمَّ يفرغ منه و قد طهر» «2».

لا مرتان، كاللمعة و رسالة الشهيد «3»، قياسا على البول في الثوب و الجسد.

و لا المرة المزيلة، كالعاملي «4» و ولديه [1]، و الفاضلين

في أكثر كتبهما [2]، بل نسب إلى الأشهر «7»، لمطلقات الأمر بالغسل، و أصالة البراءة، و استصحاب طهارة الملاقي له بعدها.

و لا بعد الإزالة كالمعتبر و المختلف و البيان «8»، لذلك مع عدم التأثير للماء مع وجود المنجس، فالغسل بعد إزالته لازم.

لضعف الأول: ببطلان القياس.

و الثاني: بمنع وجود مطلق يشمل الإناء. و اندفاع الأصل بالاستصحاب.

و معارضة استصحاب طهارة الملاقي لاستصحاب نجاسة الإناء، و غلبة الثاني على الأول، لكونه مزيلا له.

و الثالث: بذلك أيضا، مع ما فيه من منع عدم التأثير لو لم يمنع المنجس

______________________________

[1] المعالم: 356، المدارك 2: 396 (أطلق عليه الولد باعتبار كونه سبطا للشهيد الثاني)

[2] الشرائع 1: 56، و المختصر النافع: 20. لم يصرّح فيهما بالمزيلة و لكنه يستفاد من إطلاق الكلام.

المنتهى 1: 190، التذكرة 1: 9، التحرير 1: 26.

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 192، الدروس 1: 125، الذكرى: 15.

(2) التهذيب 1: 284- 832، الوسائل 3: 496، أبواب النجاسات ب 53 ح 1.

(3) اللمعة (الروضة 1): 62، الألفية: 38.

(4) الروض: 172.

(7) نسبة في الرياض 1: 99.

(8) المعتبر 1: 462، المختلف: 64، البيان: 93.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 304

من ملاقاة الماء للإناء، و إلّا فعن الكلام خارج.

و أما الخنزير فيغسل لولوغه- بل لوقوع رطوباته و مباشرته- سبعا، للاستصحاب، حيث إنّ بالسبع يحصل اليقين بالطّهارة، لعدم قول بالزائد دون ما دونها. و هذا و إن وافق قول الفاضل و من تأخر عنه عددا، و لكنه يخالفه سندا «1».

و أما فيما الحق بالكلب: فيشكل الحكم فيه، لمباينة الثلاث الترابيّة للثلاث المائية، فلا يحصل اليقين بالطهارة بإحداهما.

و مقتضى النظر: التخيير بينهما، و الاحتياط الجمع بين ثلاث مرات مائية و واحدة ترابية، و الأحوط: ضمّ واحدة ترابية

مع السبع المائية في الخنزير أيضا، لوجود قول بإلحاقه بالكلب «2» و إن شذّ جدا.

فرع: لو كان الإناء مثبتا يشق قلعه

، يملأ ماء في كل مرة و يفرغ، أو يصب فيه ماء و يحرك بمعونة اليد و نحوها حتى يعلم وصوله إلى كل موضع منه، أو يؤخذ نحو إبريق و يغسل كلّ جزء منه، مبتدئا من الأعلى أو الأسفل إلى أن يغسل جميعه، فيفرغ ماءه ثمَّ يغسله ثانيا كذلك.

هذا على القول بطهارة الغسالة كما هو الحقّ، و إلا فينبغي أن يبدأ من الأسفل و يختم بالأعلى في كل مرة، أو يملأ ماء دفعة عرفية.

المسألة الثالثة عشرة: التعدد في البدن و الثوب هل يختص بالقليل؟

أو به و بالكثير؟ أو يجب فيهما و في الجاري؟

الأول: للتذكرة، و الذكرى «3» نافيا عنه الريب، و اللمعة، و الشهيد الثاني،

______________________________

(1) راجع ص 302.

(2) الخلاف 1: 186.

(3) التذكرة 1: 9، الذكرى: 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 305

و المدارك، و الحدائق «1»، و اللوامع حاكيا له عن المشهور، و نسب إلى المحقق الثاني، و ما رأينا من كلامه في شرح القواعد «2» و الرسالة خال عن التخصيص.

و الثاني: للفقيه، و الهداية «3»، و عن الجامع للشيخ نجيب الدين [1].

و الثالث: ظاهر المعتبر، و الشرائع، و المنتهى، و التحرير «5»، و عن الشيخ «6».

و نقل في اللوامع عن بعضهم ما يظهر منه الميل الى التفصيل باختيار الثاني في الثوب و الثالث في غيره.

و الذي يقتضيه الدّليل هو الأول في البدن و الثاني في الثوب.

أمّا الأول: فلمطلقات الأمر بغسل البدن من البول، المقتضية لإجزاء الماهية فيه، كحسنة الحلبي المتقدمة «7».

و صحيحة البجلي: عن رجل يبول بالليل فيحسب أنّ البول أصابه، فلا يستيقن، فهو يجزيه أن يصبّ على ذكره إذا بال و لا ينشف؟ قال: «يغسل ما استبان أنّه أصابه، و ينضح ما يشك فيه من جسده أو ثيابه» «8».

إلى غير ذلك

من الأخبار الواردة في من نسي غسل ذكره و صلّى «9»، و غيرها.

و أما أخبار المرتين المتقدمة «10» في الجسد، فهي لمكان الأمر بالصبّ صريحة

______________________________

[1] الجامع للشرائع: 22، قال فيه: يغسل البدن من البول مرتين، و الثوب مرة في الجاري، و مرتين في الراكد.

______________________________

(1) اللمعة (الروضة 1): 62، الروضة: 1: 62، المدارك 2: 339، الحدائق 5: 362.

(2) جامع المقاصد 1: 173. نسبه إليه في المدارك 2: 339.

(3) الفقيه 1: 40، الهداية: 14.

(5) المعتبر 1: 435، الشرائع 1: 54، المنتهى 1: 175، التحرير 1: 24.

(6) المبسوط 1: 14.

(7) المتقدمة ص 276.

(8) التهذيب 1: 421- 1334، الوسائل 3: 466 أبواب النجاسات ب 37 ح 2.

(9) راجع الوسائل 1: 294 أبواب نواقض الوضوء ب 18.

(10) ص 283- 284.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 306

في القليل، إذ لا صبّ في غيره إلّا بعد إفراز القليل منه.

و أمّا الثاني: فللأمر بغسل الثوب من البول مرتين في المستفيضة المتقدّمة، الشاملة بإطلاقها للغسل في كلّ من الثلاثة، خرج الجاري بصحيحة ابن مسلم و الرضوي المتقدّمين «1» و بقي الباقي.

و دعوى ظهور المستفيضة في القليل ممنوعة.

و هذا هو المتعمد عندي، و عدم الفصل في ذلك بين الثوب و البدن غير ثابت.

احتجّ الأوّلون: بالأصل، و إطلاقات الغسل.

و الأوّل- مع معارضة الاستصحاب- مدفوع: بما مرّ، كما أنّ الثاني مقيّد به.

و قد يستدلّ أيضا ببعض اعتبارات ضعفها ظاهر.

و أما الثاني [فليس ] [1] حكمه بالتعدّد في الكثير مطلقا، لعدم قوله بالتعدد في غير الثوب كما هو ظاهر الفقيه و الهداية «3»، و إلا فلا وجه له إلا بجعل حكم البدن و الثوب واحدا بالإجماع المركّب، أو مفهوم الموافقة، و ضعفهما ظاهر.

و لا وجه ظاهر للثالث إلّا

استصحاب النجاسة، المندفع بما مر.

و أمّا الرابع: فنظره في الثوب إلى الصحيحة، و هو صحيح، و في البدن إلى ظاهر أخبار التعدّد فيه، و هو لما ذكرنا ضعيف.

هذا في الثوب و البدن، و أمّا الإناء فكالبدن في ولوغ الكلب، فيسقط التعدد في غير القليل، لضعف روايات التعدد فيه، و عدم الجابر في المورد، فيبقى

______________________________

[1] في جميع النسخ: فلعلّ، بدّلناه لاستقامة المعنى.

______________________________

(1) تقدم ذكرهما ص 284 رقم 1، 5.

(3) الفقيه 1: 40، الهداية: 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 307

إطلاق مرسلة الكاهلي و صحيحة البقباق «1» على ما في كتب الحديث خاليا عن المعارض.

و كالثوب في البواقي، فيسقط في الجاري، للمرسلة بضميمة عدم الفصل بين الجاري و المطر.

و تعارضها في الخمر مع إحدى الموثّقتين «2» بالعموم من وجه غير ضائر، لإيجابه الرجوع إلى إطلاق الأخرى، دون الكثير، لاستصحاب النجاسة، و إطلاق دليل التعدّد.

و عدم الفصل بينه و بين ماء المطر في هذا المقام غير ثابت.

المسألة الرابعة عشرة: المعتبر فيما يعتبر فيه التعدّد الحسي

، بأن يغسل و يقطع فيغسل ثانيا، للاقتصار على موضع اليقين، و لأنّ المتبادر من المرّتين ما حصل بينهما فصل و انقطاع، فلا يصدقان بدونهما، وفاقا لظاهر الأكثر، و في المدارك: أنّه ظاهر عبارات الأصحاب «3»، و عن جماعة منهم: الشهيد الثاني: التصريح به «4».

خلافا للذكرى، فاكتفى بالتقديري كالماء المتصل «5»، و نسبه في المعالم إلى جماعة «6»، للزيادة المتقدّمة في خبر ابن أبي العلاء «7». و قد عرفت ما فيها.

و للمدارك: فقال بإمكان الاكتفاء بالتقديري لو كان الاتصال بقدر زمان الغسلتين و القطع فيما لا يعتبر تعدّد العصر فيه، لدلالة فحوى كفاية الحسي عليه، إذ وجود الماء لا يكون أضعف حكما من عدمه «8».

______________________________

(1) المتقدمتين ص 259، 294.

(2) المتقدمتين

ص 289.

(3) المدارك 2: 339.

(4) حكى عنهم و عن الشهيد الثاني في الحدائق 5: 361.

(5) الذكرى: 15.

(6) المعالم: 322.

(7) ص 267.

(8) المدارك 2: 339.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 308

و يضعّف: بأنّها موقوفة على العلم بعلّة الحكم و كونها في الفرع أقوى، و هي في المورد غير معلومة، و ربما كان لخصوص القطع مدخلية.

ثمَّ لا يكفي في الكثير على اعتبار التعدد فيه وضع المحل فيه و خضخضته و تحريكه، بحيث يمر عليه أجزاء من الماء غير التي كانت ملاقية له، و لا في الجاري مرور جريات من الماء عليه، كما قال به في المنتهى في أحكام الأواني «1»، لعدم صدق المرتين بمجرد ذلك عرفا.

المسألة الخامسة عشرة: توقّف زوال حكم النجاسة على زوال عينها ظاهر

، مقطوع به في كلام الأصحاب، مدلول عليه بالأخبار.

و الحق المشهور- كما في المعتمد و اللوامع- عدم العبرة ببقاء اللون و الريح بعد القطع بزوال العين، و عليه إجماع العلماء في المعتبر «2».

خلافا للمنتهى و التذكرة و نهاية الأحكام «3»، فقيّدوهما بعسر الإزالة.

لنا: مضافا إلى صدق الغسل بزوال العين و إن بقيا، حسنة ابن المغيرة، في الاستنجاء: قلت: فإنّه ينقى ما ثمّة و يبقى الريح، قال: «الريح لا ينظر إليها» «4».

و المستفيضة الدالة على جواز إخفاء لون دم الحيض الذي لا يزول بالغسل بصبغ الثوب بمشق لأجل إزالة صورته «5»، و لو نجس الأثر لغا الصبغ.

و اختصاصها بلون دم الحيض غير ضائر، لعدم الفصل.

و العامي المذكور في المعتبر و المنتهى، المروي عن خويلة بنت يسار عن

______________________________

(1) المنتهى 1: 189.

(2) المعتبر 1: 436.

(3) المنتهى 1: 171، التذكرة 1: 9، نهاية الإحكام 1: 279.

(4) الكافي 3: 17 الطهارة ب 12 ح 9، التهذيب 1: 28- 75، الوسائل 1: 322 أبواب أحكام الخلوة

ب 13 ح 1.

(5) راجع الوسائل 3: 439 أبواب النجاسات ب 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 309

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أرأيت لو بقي أثره؟ فقال: «الماء [1] يكفيك و لا يضرّ أثره» «2» و ضعفه بالشهرة منجبر.

[إن ] [2] قيل: انتقال العرض محال لا يجوز، فبقاؤه كاشف عن بقاء العين.

قلنا: ممنوع، لجواز حصوله بإيجاد اللّه سبحانه بعد استعداد المحلّ بالمجاورة، مع أنّ الأحكام الشرعية تابعة للأسماء، و اللون و الريح لا يسميان عذرة مثلا كيفما كانا. و استصحاب حكم النجاسة بما مرّ مندفع.

و التقييد بعسر الإزالة يمكن أن يكون لأجل أنّ ما يسهل إزالته لا ينفك عن العين، و فيه منع ظاهر.

نعم، الظاهر بقاء العين مع كون اللون بحيث ينشر من المحل، و يتعدّى إلى غيره بالمجاورة، و أما الريح فليس كذلك، و لذا يتعدّى إلى الغير من غير تعدّي العين، كما يتعدّى من الورد إلى مجاوره، و يشعر به ما نفى البأس عن بقاء الريح في محلّ الاستنجاء، فإنّ الظاهر أنّ بقاءه إنّما يعلم من تعدّيه إلى يد و نحوها.

و أمّا الطعم، و اللزوجة، و الملاسة، و الدسومة، فالظاهر وجوب إزالتها كما صرح به الشيخ في الأول في النهاية و الخلاف [3]، للزوم تحصيل اليقين بزوال العين، و الظاهر عدم حصوله مع بقاء واحد منها، فيستصحب بقاء العين المستلزم للنجاسة. مع أنّ الأدلة غير شاملة لها. و عموم الأثر في العامي غير مفيد، لعدم انجباره في غير الوصفين.

هذا إذا كان أحد هذه الأعراض من أوصاف ما تنجس به المحل، أما لو لم يكن منه فلا تجب إزالة الوصف. مثلا: إذا تنجس محل بالشي ء الدسم، تجب إزالة الدسومة، لا

ما إذا تنجس المحل الدسم بغيره، أو دسم محل نجس، فإنّه

______________________________

[1] كلمة «الماء» لا توجد في «ق».

[2] أضفناها لاقتضاء السياق.

[3] لم نعثر عليه فيهما.

______________________________

(2) المعتبر 1: 436، المنتهى 1: 175، و سنن البيهقي 2: 408.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 310

لا يضرّ حينئذ بقاء الدسومة إلّا مع ميعان الشي ء الدسم، بحيث ينجس جميع أجزاء الدهن الواقعة فيه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 311

الفصل الثاني: في الشمس
اشاره

و هي و إن كانت من المطهّرات عند جمهور أصحابنا، إلّا أنّهم اختلفوا فيها في ثلاثة مواضع:

الأول: في الطهارة الحاصلة منها، هل هي حقيقية أو حكمية؟

الثاني: فيما يطهر منها.

الثالث: فيما تطهّره.

و نذكرها في مسائل:

المسألة الأولى: اختلفوا في أنّ ما جففته الشمس هل هو طاهر حقيقة

، أو في حكمه في جواز الاستعمال و السجود عليها مع اليبوسة؟

فالحق الموافق لمذهب الشيخين «1»، و الحلّي «2»، و المحقق في الشرائع «3»، و الفاضل في جملة من كتبه «4»، و معظم المتأخّرين «5»، بل هو الأشهر كما نصّ عليه جماعة «6»، بل عليه الإجماع في ظاهر السرائر «7» كالمحكي عن الخلاف «8»: الأول:

و عن الراوندي «9» و ابن حمزة «10»: الثاني. و يظهر من الإسكافي «11» كبعض

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 71، و الطوسي في المبسوط 1: 38، و الخلاف 1: 218.

(2) السرائر 1: 182.

(3) الشرائع 1: 55.

(4) كالمختلف: 61، و المنتهى 1: 177، و التذكرة 1: 8.

(5) كما في التنقيح 1: 155، و جامع المقاصد 1: 178، و البحار 77: 151.

(6) منهم صاحب المفاتيح 1: 79، و الحدائق 5: 436، و الرياض 1: 94.

(7) السرائر 1: 182.

(8) الخلاف 1: 218- 495.

(9) نقله عنه في المعتبر 1: 446.

(10) الوسيلة: 79.

(11) نقله عنه في المعتبر 1: 446.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 312

المتأخرين «1» الميل إليه، و استجوده في المعتبر «2»، و هو ظاهر المختصر النافع «3»، و توقف في المدارك «4».

لنا: صحيحة زرارة: عن البول يكون على السطح، أو في المكان الذي أصلّي فيه، فقال: «إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه، فهو طاهر» «5».

و رواية الحضرمي: «ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر» «6».

و الرضوي: «ما وقعت عليه الشمس من الأماكن التي أصابها شي ء من النجاسات مثل البول و غيره طهرتها،

و أما الثياب فلا تطهر إلا بالغسل» «7».

و الخدشة في الثانية- بعموم الموصول الشامل لما لا يقول به أحد، من التطهير بمطلق الإشراق، الشامل لما قبل التجفيف- بشيوع التقييد [1] مع الدليل مندفعة.

و فيها و في الثالثة- بالضعف لو سلّم- بالشهرة منجبرة.

و فيهما و في الأولى- بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية للطهارة- بظهور ثبوتها في زمن الصادقين عليهما السلام مردودة.

مضافا إلى أنّ إرادة المعنى اللغوي- الذي هو عدم القذارة- في نفي النجاسة الشرعية كافية، لكونها أعظم الأقذار و أشدّها.

و مع ذلك، فالقرينة على إرادة المعنى المعهود في الثالثة- و هي أنّه الذي لا

______________________________

[1] في «ح»: المقيّد.

______________________________

(1) المفاتيح 1: 80.

(2) المعتبر 1: 446.

(3) المختصر النافع: 19.

(4) المدارك 2: 366.

(5) الفقيه 1: 157- 732، الوسائل 3: 451 أبواب النجاسات ب 29 ح 1.

(6) التهذيب 1: 273- 804، الاستبصار 1: 193- 677، الوسائل 3: 452 أبواب النجاسات ب 29 ح 5.

(7) فقه الرضا (ع): 303، المستدرك 2: 574 أبواب النجاسات ب 22 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 313

يحصل للثياب إلّا بالغسل- قائمة، بل و كذا في الأولى أيضا، لأنّه الذي يصلح علّة لجواز الصلاة عليه، و هو المعتبر في أحكامها مكانا و لباسا، دون غيره، سيما مع تعلّق السؤال بالنجاسة، هذا.

على أنّ إطلاق الأمر بالصلاة عليه مع التجفيف في الأولى الظاهرة في السجدة عليه، أو الشامل لها البتة، و إلا انتفى التأثير عن الشمس رأسا، و لغا ما طابقت النصوص عليها من التقييد بها، يدلّ على المطلوب أيضا و لو رفعت اليد عن قوله: «فهو طاهر» لشموله لكونه بعد التجفيف رطبا و يابسا، و كذا لباس المصلي و أعضاؤه.

و من هذا تظهر صحة الاستدلال على المطلوب:

بإطلاق الحكم بجواز الصلاة على ما جفّ مطلقا من المواضع النجسة، من دون اشتراط عدم رطوبة العضو، كما اشترطه القائلون بالعفو.

كصحيحتي علي: إحداهما: عن البواري يصيبها البول، هل تصلح الصلاة عليها إذا جفّت من غير أن تغسل؟ قال: «نعم لا بأس» «1».

و الأخرى: عن البواري يبلّ قصبها بماء قذر أ يصلّي عليه؟ قال: «إذا يبست لا بأس» «2».

أو على ما جفّ بالشمس كذلك، كموثّقة الساباطي: عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس، و لكنّه قد يبس الموضع القذر. قال:

«لا تصلّ عليه، و أعلم موضعه حتى تغسله» و عن الشمس هل تطهّر الأرض؟

قال: «إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس، ثمَّ يبس الموضع، فالصلاة على الموضع جائزة، و إن أصابته الشمس و لم ييبس الموضع القذر، و كان رطبا، فلا تجوز الصلاة فيه حتى ييبس، و إن كانت رجلك رطبة،

______________________________

(1) التهذيب 1: 273- 803، الاستبصار 1: 193- 676، الوسائل 3: 451 أبواب النجاسات ب 29 ح 3.

(2) التهذيب 2: 373- 1553، الوسائل 3: 453 أبواب النجاسات ب 30 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 314

أو جبهتك رطبة، أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر، فلا تصلّ على ذلك الموضع، و إن كان عين الشمس أصابه حتى يبس، فإنّه لا يجوز ذلك» [1].

و يندفع بما ذكرنا ما أورد على الاستدلال بالموثّقة من عدم كونها صريحة في الطهارة، إذ غايته الحكم بجواز الصلاة عليه الأعم منها و من العفو عنه في الصلاة خاصة، كما قال به جماعة «2».

و لا حاجة في دفعه إلى التمسّك بالتلازم بين الطهارة و جواز الصلاة هنا، لأجل كون السؤال عن الطهارة،

و لزوم التطابق بين السؤال و الجواب، و لأجل أنه لولاه، لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، و لأجل أمره بإعلام الموضع ليغسله عند جفافه بغير الشمس، و عدم أمره به في صورة يبسه بها، مع أولوية الأمر هنا، لتوهّم الطهارة من حيث تجويز الصلاة فيه، و لأجل اشتراط طهارة موضع السجود بالأخبار و الإجماعات المحكية.

لضعف الأول: بعدم لزوم التطابق مطلقا، لاقتضاء المصلحة العدول أحيانا، بل العدول هنا إلى جواز الصلاة ربما كان مشعرا بعدم الطهارة.

و الثاني: بمنع الاحتياج في الوقت. و أصالة اتّحاد وقت الخطاب و الحاجة- كما قد يقال- ممنوعة.

و الثالث: بمنع أولوية الأمر بالغسل، بل التساوي هنا، فإنّ الموضع إذا جازت فيه الصلاة لا حاجة كثيرا إلى غسله.

و الرابع: بجواز تخصيص المجفف بالشمس عن مواضع السجود.

و ربما يستدلّ «3» للمطلوب أيضا: بعدم القطع ببقاء النجاسة بعد زوال عينها بالشمس بالمرة، فإنه يحتاج إلى دلالة، و هي هنا مفقودة، إذ لا آية و لا رواية

______________________________

[1] التهذيب 1: 272- 802، الاستبصار 1: 193- 675، الوسائل 3: 452 أبواب النجاسات ب 29 ح 4. و فيها «غير الشمس» بدل «عين الشمس» كما سيشير إليه المصنف في ص 317.

______________________________

(2) المدارك 2: 364، و المفاتيح 1: 80، و الحدائق 5: 446.

(3) كما في الرياض 1: 95.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 315

و لا إجماع فيه. و الاستصحاب على تقدير تسليم اقتضائه بقاء النجاسة هناك، فمقتضاه النافع نجاسة الملاقي. و هو حسن إن خلا عن المعارض بالمثل، و ليس كذلك، لأنّ الأصل أيضا بقاء طهارة الملاقي، و لا وجه لترجيح الأول بل هو به أولى، فيتعارض الاستصحابان و يتساقطان و تبقى أصالة الطهارة العقلية باقية.

و لا يخفى

أنه مبني على عدم ترجيح استصحاب النجاسة على استصحاب طهارة الملاقي، و عدم زوال الثاني بالأول، و هو كما بيّناه في موضعه خلاف التحقيق جدّا.

مع أنّه يوجب الحكم بالطهارة في كلّ موضع وقع الخلاف في بقاء نجاسة، إذ لا دليل غالبا سوى الاستصحاب، و لا أظنّ أنّ هذا المستدلّ يسلّم ذلك على الإطلاق.

ثمَّ إنّ ذلك إنّما هو إذا كان بناؤه على تعارض الاستصحابين و تساقطهما، و لو كان منظورة إعمال الاستصحابين، فهو أظهر فسادا، إذ حينئذ تكون نجاسة الموضع التي هي المتنازع فيها مستصحبة و إن لم يحكم بنجاسة ملاقيه، و لا تنحصر الثمرة في تنجيس الملاقي، بل هي تظهر في موارد كثيرة «1» أخرى أيضا.

دليل المخالف: الاستصحاب، و النهي عن الصلاة في الموضع مع رطوبة العضو في آخر الموثقة و إن يبس بإصابة عين الشمس.

و في صحيحة ابن بزيع: عن الأرض و السطح يصيبه البول أو ما أشبهه هل تطهره الشمس من غير ماء؟ قال: «كيف يطهر من غير ماء؟» «مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 19    463     المسألة التاسعة: هل يختص هذا الحكم بالغرقى و الهدمى؟ ..... ص : 462

______________________________

(1) كالسجود مع الرطوبة و بناء المسجد على ذلك الموضع (منه ره).

(2) التهذيب 1: 273- 805، الاستبصار 1: 193- 678، الوسائل 3: 453 أبواب النجاسات ب 29 ح 7.

(3) الكافي 3: 392 الصلاة ب 63 ح 23، التهذيب 2: 376- 1567، الوسائل 3: 451 أبواب

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 316

بالمفهوم على أنه إن لم يكن جافا، لا تجوز الصلاة فيه و لو جفّ أولا بالشمس.

و الجواب: أمّا عن الاستصحاب: فبأنّه بما مرّ مندفع.

و أما الجواب عنه: بأنّ دليل ثبوت الحكم

في الحالة الأولى: الإجماع، فلا يتم استصحابه بعدها، إما لاشتراطه بجريان الدليل فيما بعد أيضا، و الإجماع لا يجري في محلّ الخلاف، أو لأنّ الثابت من الإجماع نجاسته حال بقاء العين، و تقييدها بها ممكن، بل هو الأصل في كلّ حكم ثبت في حال وصف بواسطة الإجماع، كما بيّن في محله، و مع التقييد لا يمكن الاستصحاب.

فمردود: بمنع اشتراط الاستصحاب بجريان دليله فيما بعد زمان الشك أيضا.

و أنّ التتبع و الاستقراء، بل المعلوم من طريقة العلماء في باب الطهارات و النجاسات بل من إجماعهم يعطي أنّ النجاسة إذا ثبتت في موضع لا ترتفع إلّا بما ثبت كونه مزيلا لها، فيحتاج رفعها إلى ثبوت المزيلة لها لشي ء و ثبوت وجوده، و لا يكون [1] ثبوتها مغيى بغاية و مقيّدا بوصف أو حالة.

و تحقيق المقام و توضيحه: أنّ الأمور الشرعية على قسمين:

أحدهما: ما يمكن أن يكون المقتضي لثبوته مقتضيا له في الجملة، أو إلى وقت كالوجوب و الحرمة و نحوها، فإنّه يمكن إيجاب شي ء أو تحريمه ساعة، أو يوما، أو إلى زمان، أو مع وصف.

و ثانيهما: ما ليس كذلك، بل المقتضي يقتضي وجوده في الخارج، فإذا وجد فيه لا يرتفع إلّا بمزيل.

و بتقرير آخر: أحدهما ما يكون وجوده أولا مغيى و مقيّدا، و ثانيهما ما لا يوجد في الخارج إلّا بلا قيد، فيكون باقيا حتى يزيله مزيل، و ذلك كالملكية، فإنّ

______________________________

[1] النجاسات ب 29 ح 2.

(1) في «ح»: خ ل- يمكن.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 317

البيع مثلا سبب للملكية المطلقة، فلا تزول إلا بمزيل، و لا يمكن أن يكون سببا للملكية في ساعة، بمعنى أنه ليس كذلك شرعا و إن أمكن عقلا.

و مثال الأول في

غير الشرعيات: الإذن، فإنّه يمكن أن يتحقق أولا الإذن في ساعة، أو يوم، أو شهر، أو في حالة لشخص من آخر.

و مثال الثاني: السواد، فإنّه لا يمكن أن يوجد أولا السواد في ساعة، بل يصير موجودا ثمَّ يرتفع بمزيل، و شأن النجاسة في الشرعيات من هذا القبيل، بمعنى أنه يثبت بالاستقراء بل إجماع العلماء أنه كذلك و إن كان غير ذلك ممكنا عقلا.

و على هذا، فبعد ثبوت النجاسة في الموضع يحتاج رفعها إلى مزيل، و ما لم يعلم المزيل تستصحب، و لا يمكن أن يقال: إن الثابت أولا هو وجودها حال بقاء العين.

هذا، مضافا إلى أن الإجماع و الأخبار ينفيان تقييدها بوجود العين، لدلالتهما على نجاسة المحل بعد زوال العين إن لم تجففه الشمس.

و من هذا يندفع ما يشعر به كلام بعضهم «1» في دفع الاستصحاب، من أنا لا نسلم نجاسة الموضع حتى تستصحب، بل يتعلق به أحكام النجس ما دامت العين فيه، لأنّها فيه لا لتأثيرها في المحل.

و أما عن الموثقة: فبأنّ المذكور في الاستبصار «2» و في بعض نسخ التهذيب «3» و الموافق المذكور في كثير من كتب العلماء، كالمنتهى، و المدارك «4»، و غيرهما «5»: «غير الشمس» بالغين المعجمة و الراء، دون «عين الشمس» بالعين المهملة و النون،

______________________________

(1) المختلف: 61.

(2) الاستبصار 1: 193- 675.

(3) التهذيب 1: 272- 802.

(4) المنتهى 1: 177، المدارك 2: 364.

(5) مجمع الفائدة 1: 353.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 318

و حينئذ لا تبقى حجيّة لبعض آخر من النسخ.

و لا دلالة للبعض الأول على عدم الطهارة، لأنّه يكون المعنى أن مع رطوبة الرجل أو الجبهة لا تصل في الموضع و إن يبس بغير الشمس، و يكون فرده الأجلى

عدم اليبس، و لا يمكن أن يكون هو اليبس بالشمس، لأنه ليس بالأجلى قطعا، فيختل الكلام، فهذا مثل قول القائل: أكرم زيدا و لو أهانك بغير القذف، فإنّ الفرد الأجلى حينئذ هو عدم الإهانة لا الإهانة بالقذف، بل هذا يدل بمفهوم الوصف على عدم الإكرام مع القذف، و قد بيّنا في الأصول أنّ مفهوم الوصف المستفاد من لفظ الغير الوصفي حجة و إن لم نقل بحجية مطلق مفهوم الوصف، و على هذا فيكون هذا الجزء أيضا دليلا على الطهارة.

و احتمال فصل جملة قوله: «و إن كان» إلى آخره عن سابقها، و كونه شرطا جزاؤه قوله: «فإنّه لا يجوز ذلك» و حينئذ يقتضي سابقها عدم الطهارة أما لعمومه أو لارتباطه بصورة يبوسة الموضع بالشمس لا صورة رطوبته. مندفع: بأن محض الاحتمال غير كاف في الاستدلال، سيما مع أظهرية الوصل هنا.

مع أنه على الفصل يعارض عمومه عموم جملة: «إذا كان الموضع قذرا» إلى آخره، و ارتباطه بما ذكر معارض باحتمال ارتباطه بصورة الرطوبة.

و أما عن صحيحة ابن بزيع: فبأنّ غايته أن معنى قوله: «كيف يطهر بغير ماء؟» أنه لا يطهر بغير ماء، و هو عام شامل لما إذا كان رطبا أو يابسا بغير الشمس، و قوله في صحيحة زرارة: «إذا جففته الشمس» إلى آخره أخص منه فيخصصه و كذا الموثقة، و يكون المعنى: أنه إذا كان يابسا لا يطهر بغير ماء، بل يجب إما غسله بالماء، أو بلّ الموضع ثانيا حتى تجففه الشمس.

و أما عن الصحيحة الأخيرة: فبأن عموم المفهوم فيها يعارض عموم المنطوق، فإنه يدل على جواز الصلاة إذا كان الموضع جافا سواء كان العضو جافا أيضا أو رطبا.

مضافا إلى أن مقتضى المفهوم عدم جواز الصلاة

و لو جف بالريح

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 319

و الشمس، و يمكن أن يكون ذلك لعدم العلم باستناد الجفاف إلى الشمس خاصة.

فإن قيل: فعلى هذا ينبغي عدم جواز الصلاة مع الجفاف أيضا، و هو خلاف المنطوق.

قلنا: نعم كذلك إن ابقى المنطوق على عمومه، و لكن يجب تخصيصه بما إذا كان العضو يابسا، أو يكون الموضع غير محل السجود.

و احتمال تخصيصه بما إذا علم الجفاف بالشمس خاصة غير كاف في تمامية الاستدلال.

المسألة الثانية: ما تطهّره الشمس من النجاسات- حقيقة أو حكما- هل هو البول خاصة؟

كما عن المقنعة «1»، و موضع من المبسوط «2»، و الديلمي «3»، و الراوندي «4»، و ابن حمزة «5»، و استجوده في المنتهى «6». أو هو و شبهه؟ كما في الخلاف، و التذكرة، و القواعد، و الإرشاد، و الذكرى «7»، بل نسب إلى المشهور بين المتأخرين «8». أو كل نجاسة مائعة؟ كما عن موضع آخر من المبسوط «9» و [1] في

______________________________

[1] المظنون ان «الواو» من زيادة النساخ و المراد أن المنتهى حكى هذا القول عن موضع من المبسوط كما هو الموجود في المنتهى 1: 178.

______________________________

(1) المقنعة: 71.

(2) المبسوط 1: 38.

(3) المراسم: 56.

(4) نقله عنه في المختلف: 61.

(5) لم يصرّح بالبول فيما عثرنا عليه من كلامه في الوسيلة: 79 و ذكر النجاسة المائعة و هو القول الثالث.

(6) المنتهى 1: 178.

(7) الخلاف 1: 218، التذكرة 1: 8، القواعد 1: 8، مجمع الفائدة 1: 351، الذكرى: 15.

(8) نسبه إليهم في الذخيرة: 170.

(9) المبسوط 1: 90.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 320

المنتهى، و صريح السرائر «1»، و اختاره والدي في اللوامع و المعتمد. أو يعمّ النجاسات كلها إذا أزيلت العين و بقيت الرطوبة و إن لم تكن مائعة؟ كما في الشرائع «2»، و النافع [1]،

و البيان «4»، بل نسب «5» أيضا إلى الشهرة المتأخرة [2].

الحق هو الأخير، للموثقة، و رواية الحضرمي، المؤيدتين بالرضوي «7».

و ردّ الاولى: بضعف الدلالة، لاختصاصها بجواز الصلاة، مردود بما مرّ.

مضافا إلى أنّ تجويز الصلاة فيها في البول و غيره إمّا للطهارة في الجميع، أو العفو فيه، أو الطهارة في البعض و العفو في آخر. و الثاني مدفوع: بصحيحة زرارة «8». و الثالث: بعدم القائل، فتعين الأول.

المسألة الثالثة: ما تطهّره الشمس من المواضع هو الأرض، و الحصر، و البواري

، و كل ما لا ينقل عادة من الأبنية، و الأبواب، و الأوتاد المثبتة، و النباتات القائمة، وفاقا لصريح الشرائع، و التذكرة، و التحرير، و القواعد، و المنتهى «9»، و الإرشاد، و شرح القواعد، و الدروس، و الذكرى، و البيان «10»، و في اللوامع أنّه المشهور مطلقا، و في الحدائق بين المتأخرين «11»، لعموم رواية الحضرمي، خرج منه المنقول بالفعل عادة بالإجماع و الرضوي المنجبر بالعمل الدال على عدم تطهّر شي ء

______________________________

[1] المختصر النافع: 19، و في النسخ: «اللوامع» و الظاهر أنه تصحيف «النافع».

[2] و ظاهر المعتبر و التحرير التردّد (منه ره)، راجع المعتبر 1: 446، التحرير 1: 25.

______________________________

(1) السرائر 1: 182.

(2) الشرائع 1: 55.

(4) البيان: 92.

(5) كما نسبه في الحدائق 5: 437.

(7) المتقدمة في ص 314 و ص 312.

(8) المتقدمة ص 312.

(9) الشرائع 1: 55، التذكرة 1: 8، التحرير 1: 25، القواعد 1: 8، المنتهى 1: 178.

(10) مجمع الفائدة 1: 351، جامع المقاصد 1: 178، الدروس 1: 125، الذكرى: 15، البيان: 92.

(11) الحدائق 5: 437.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 321

من المنقولات بضميمة عدم الفصل، فيبقى الباقي.

و يدل على المطلوب في أكثر ما ذكر: إطلاق الموضع في الموثّقة، و قد يستدلّ أيضا بوجوه أخر ضعيفة.

و خلافا لنهاية الإحكام،

فأخرج الثمرة على الشجرة مما يطهر «1» أو للسرائر، و المختصر النافع، و عن المقنعة، و المبسوط، و الخلاف «2»، و الراوندي «3»، و ابن حمزة «4» و الديلمي «5»، فخصّ بالثلاثة الاولى، و للمعتبر فتردّد في غيرها «6»، استنادا في الثلاثة إلى ما تقدّم من صحاح زرارة و علي و الموثقة «7»، و في التخصيص إلى ضعف الرواية «8» سندا.

و هو عندنا غير ضائر، مع أنّ الاشتهار المدّعى لضعفه- لو كان- جابر، مضافا إلى أنّ الموثقة لغير الثلاثة قطعا شاملة، و معه فيتعدّى إلى سائر ما لا يشمله بعدم الفاصل.

المسألة الرابعة: لا يطهر شي ء من النجاسات بالجفاف بغير الشمس

، و عليه إجماعنا كما في المنتهى «9».

و تدل عليه صحيحة زرارة مفهوما، و الموثقة منطوقا، و صحيحة ابن بزيع «10» عموما.

______________________________

(1) نهاية الاحكام 1: 290.

(2) السرائر 1: 182، المختصر النافع: 19، المقنعة: 71، المبسوط 1: 38، الخلاف 1: 495.

(3) نقله عنه في المختلف: 61.

(4) الوسيلة: 79.

(5) المراسم: 56.

(6) المعتبر 1: 447.

(7) المتقدمة ص 312 و 313- 314.

(8) يعني رواية الحضرمي المتقدمة ص 312.

(9) المنتهى 1: 177.

(10) المتقدمة في ص 315.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 322

و بها يخصّص بعض المطلقات المجوزة للصلاة في كلّ موضع جفّ، أو يحمل على غير السجدة عليه مع جفاف الأعضاء.

و عن الخلاف القول بالطهارة بزوال العين بهبوب الرياح مدّعيا عليه إجماع الفرقة «1».

و رجوعه عنه في غير ذلك الكتاب «2»، بل في موضع آخر منه «3» يقدح في إجماعه، بل يوجب عدم قدح خلافه في الإجماع.

فروع:
أ: لو جفّ بالشمس و غيرها معا كالهواء

، فإن تأخر التجفيف بأحدهما، بأن يكون ارتفاع الرطوبة رأسا من أحدهما و إن نقصت أولا بالآخر، فالحكم للمتأخر، لصدق التجفيف بالشمس مع تأخره، و عدمه لا معه.

و صدق الإشراق كما في الرواية «4»، و إصابة الشمس ثمَّ الجفاف كما في الموثقة و إن أوجبا التطهّر في الصورة الثانية أيضا، و لكن يعارضهما مفهوم الصحيحة بالعموم من وجه، فيرجع إلى استصحاب النجاسة، و مع الشك يستند الجفاف إلى المتأخر لاستصحاب الرطوبة.

و إن شاركا في التجفيف في زمان، فظاهر القواعد و التذكرة عدم الطهارة «5».

و صرح في المدارك «6» و اللوامع بالطهارة. و هو كذلك، لصدق التجفيف بالشمس و إشراقها إلا إذا علم أن التأثير من غير الشمس.

______________________________

(1) الخلاف 1: 218.

(2) المبسوط 1: 38.

(3) الخلاف 1: 495.

(4) المراد بها رواية الحضرمي المتقدمة ص

312.

(5) القواعد 1: 8، التذكرة 1: 8.

(6) المدارك 2: 367.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 323

ب: زوال العين في تطهير الشمس معتبر إجماعا

، و لأنّ مع بقائها لا تصدق إصابة الشمس و لا إشراقها على الموضع غالبا، بل قد يشكّ في صدق التجفيف بالشمس أيضا. و الكلام في زوال اللون و الطعم و الريح كما مر.

ج: لو جفّ بحرارة الشمس من غير إشراقها لم يطهر

، لصدر الموثقة، و لعدم صدق الإشراق و لا الجفاف بالشمس، ألا ترى أنه إذا جفّ شي ء بمقابلته مع النار يقال: جففته النار، و لو كان بينهما حائل لا يقال ذلك و إن جفّفته حرارتها.

د: لو جفّ بغير الشمس و بلّ بوجه غير مطهر يطهر بالجفاف بالشمس

، و الوجه ظاهر.

ه: لو اتصلت النجاسة من الظاهر إلى الباطن في شي ء واحد

، فصرّح جماعة [1] بأنّه يطهر بإشراق الشمس على الظاهر و تأثيرها في الباطن، لأنه مع الوحدة يصدق على المجموع أنه ما شرقت الشمس عليه و أصابته، بل جفّفته.

و هو كذلك إن علم أنّ آخر جفاف الرطوبة الباطنية حصل بالشمس. و إلّا فإن علم أنّ آخره حصل بغير الشمس، فالظاهر اختصاص الطهارة بالظاهر، لمفهوم الصحيحة المعارض لما مرّ بالعموم من وجه، فيرجع إلى استصحاب النجاسة.

و إن لم يعلم شي ء منهما، فالحكم لاستصحاب الرطوبة الباطنية، فإن انقطع الاستصحاب في زمان الجفاف بالشمس، يكون طاهرا، و إن انقطع في غيره، يكون نجسا.

و تقييد منطوق الصحيحة بالعلم، فجميع صور الشك يدخل في المفهوم غلط، لأن الألفاظ للمعاني النفس الأمرية، و لا يقيّد بالعلم إلّا في مقام الأوامر

______________________________

[1] منهم الشهيد الثاني في الروض: 170، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 171، و صاحب الحدائق 5: 450.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 324

و النواهي، و ليس المقام منها.

مع أنّ بعد ملاحظة ما ذكرنا من استصحاب الرطوبة لا يبقى محل شك.

و الحكم باختصاص الطهارة مطلقا بالظاهر- كما هو ظاهر المنتهى «1»- غير جيّد.

و أما لو كان شيئان نجسان وضع أحدهما فوق الآخر و جفّ التحتاني بحرارة الشمس، فلا يطهر مطلقا.

و: تطهر اللبنة النجسة بالشمس، و إن كانت منقولة

، إما لصدق الأرض عليها، أو لعدم العلم بخروجها عن العموم. و كذا التراب، و المدر، و الحجر، و الحصى، و الرمل، و نحوها. و الكلام في بواطنها إذا كانت نجسة كما سبق.

______________________________

(1) المنتهى 1: 177.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 325

الفصل الثالث: في الاستحالة
اشاره

و المراد منها تبدل الحقيقة عرفا، و المناط في تبدّلها تبدل الاسم، بحيث يصح سلب الاسم الأول عنه، كما أشار إليه الإمام في موثّقة عبيد بن زرارة، الآتية «1»، فكلما تبدل اسمه كذلك ينكشف تبدل حقيقته و يختلف حكمه.

و أما القول بعدم كفاية تبدل الاسم، لأجل أنه لا يتفاوت الحكم الثابت للحنطة بعد صيرورتها دقيقا، و لا للدقيق بعد صيرورته عجينا، و لا للعجين بعد صيرورته خبزا، و كذا في القطن و الغزل و الثوب، و جعل المناط تبدّل الحقيقة، و الكاشف عنه تبدل الآثار و الخواص «2».

فمردود بأنه لو كان كذلك، لزم تطهر اللبن النجس بصيرورته جنبا أو أقطا، ضرورة تبدل الخواص فيهما، و لا يلزم ذلك على ما ذكرنا.

و أما مثال الحنطة و القطن فنمنع ثبوت الحكم و عدم اختلافه لو ثبت، فإنه لو قال الشارع: لا تسكن البيت ما دام فيه الحنطة، فلا يحرم السكون بعد تبدّلها دقيقا. و كذا لو نذر أحد أن يصوم ما دام عنده القطن، لا يجب عليه الصيام بعد تبدله غزلا أو ثوبا. و كذا لو قال: اغسل ثوبك من ملاقاة الحنطة أو القطن، فيحكم لأجله بنجاستهما ما داما حنطة و قطنا.

و أما ما ترى من استصحاب نجاسة الحنطة المتنجسة بعد صيرورتها دقيقا و كذا في القطن و اللبن، فإنما هو لعدم كون النجاسة معلّقة على هذا الاسم شرعا، فإنّ الشارع لم يقل: إنّ

الحنطة نجسة، و لا: إنّ الحنطة الملاقية للنجاسة نجسة، إنما هي جزئي من جزئيات المحكوم عليه، لا لكونه حنطة، بل لأنّه جسم ملاق للنجاسة، فمناط الجزئية أيضا هذا الملاقي، و لو كان الشارع يقول: الحنطة

______________________________

(1) سيأتي ذكرها ص 332.

(2) قاله في غنائم الأيام: 81.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 326

نجسة، لكنّا نحكم بطهارتها بعد صيرورتها دقيقا أو خبزا.

و قد ظهر مما ذكرنا أنّ المراد بالاستحالة هنا استحالة موضوع الحكم شرعا، و تبدل حقيقة ما جعله الشارع مناطا للحكم و موضوعا له، و المناط في تبدل الحقيقة هو تبدل الاسم عرفا.

ثمَّ إن للاستحالة أنواعا كلّها مشتركة في إيجابها لتطهّر الأعيان النجسة ذاتا، للأصل، و عمومات طهارة ما استحيل إليه، و عدم دليل على نجاسته سوى الاستصحاب الذي لا يمكن التمسك به في المقام، لتبدل الموضوع. و الشك في التبدل كاللاتبدل، للأصل و الاستصحاب.

دون المتنجسات على الأقوى، للاستصحاب، و عدم تغير الموضوع كما أشرنا إليه، و بينا تفصيله في موضعه من الأصول.

و من لم يفرق بين الموضعين فقد بعد عن التحقيق، و أبعد منه من أجرى الحكم في الثاني بمفهوم الموافقة.

فمن أنواعها: الاستحالة بالنار

، و هي تطهر الأعيان النجسة ذاتا بإحالتها إلى الدخان و الرماد و الفحم على الأقوى و الأشهر مطلقا في الأولين، و عند المتأخرين خاصة في الأخير، بل على الأول الإجماع في المنتهى و التذكرة «1»، و على الثاني عن الخلاف «2»، و عليهما عن السرائر «3».

و نسبة دعوى الإجماع إلى المعتبر خطأ «4»، لأنه ذكره في دواخن السراجين النجسة، و المراد الأبخرة المتصاعدة عنها، لأنه قال: لا يتوقّى الناس عنها «5»، و ما أجمعوا على عدم التوقّي عنها هي الأبخرة، مع أنّه قال في

باب الأطعمة من

______________________________

(1) المنتهى 1: 180، التذكرة 1: 8.

(2) الخلاف 1: 499.

(3) السرائر 3: 121.

(4) كما نسبه في مفتاح الكرامة 1: 186.

(5) المعتبر 1: 452.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 327

الشرائع: و دواخن الأعيان النجسة طاهرة عندنا، و كذا ما أحالته النار و صيّرته رمادا أو دخانا على تردّد «1».

و يدلّ على الحكم في الجميع- بعد الإجماع في الجملة- الأصل السالم عن المعارض، سوى الاستصحاب الغير المفيد هنا كما مرّ.

و قد يستدلّ أيضا: بصحيحة السراد: عن الجص يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى و يجصّص به المسجد، أ يسجد عليه؟ فكتب إليه بخطه: «إنّ الماء و النار قد طهّراه» «2».

و المروي في قرب الإسناد: عن الجصّ يطبخ بالعذرة أ يصلح به المسجد؟

قال: «لا بأس» «3».

و ليس المراد من الاولى تطهر الجص المتنجس بالنار و الماء حتى يرد أن النار لم تجعله رمادا، و الماء أحيل إليه بمجرد ملاقاته له فلا يصلح للتطهير.

بل المراد أن النار أحالت العذرة المختلطة معه إلى الرماد فطهرته، و الماء طهر ظاهر الجص الملاقي لعذرة المحتملة لرطوبة بعض أجزائها، فلا يلزم حمل التطهر على الحقيقي و المجازي أو عموم المجاز.

و إحالة الماء إليه غير ضائر، لأنه أحيل بعد التطهر، و المانع هو ما إذا كان قبله. مع أنها تدل على المطلوب من باب الإشارة أيضا، حيث لم يمنع من تجصيص المسجد به، و حينئذ يمكن حمل التطهير فيها على المعنى المجازي أعني التنظيف.

و لا يخفى أن الاستدلال بهما إنّما يتمّ على ما هو متعارف بعض بلاد العرب، من وضع الوقود على الجصّ و إحراقه عليه، و أما على ما هو متعارف أكثر بلاد

______________________________

(1) الشرائع 3: 226.

(2) الكافي 3: 330 الصلاة

ب 27 ح 3، الفقيه 1: 175- 829، التهذيب 2: 235- 928، الوسائل 3: 527 أبواب النجاسات ب 81 ح 1.

(3) قرب الإسناد: 290- 1147، الوسائل 5: 291 أبواب أحكام المساجد ب 65 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 328

العجم من إيقاده تحته من غير امتزاج فلا، بل يكون المراد بالتطهّر في الأولى رفع التنفر و القذارة، و على هذا فيشكل التعويل على الروايتين.

خلافا للمحكي عن المبسوط في دخان الدهن النجس، فحكم بنجاسته لوجه اعتباري لا يتم «1»، و المنع عن الإسراج به تحت الظلال، و هو أيضا على مطلوبه غير دال.

و للمعتبر و باب الأطعمة و الأشربة من الشرائع في الثلاثة، فحكم في الأول بعدم التطهر «2» و في الثاني تردد «3». و للعاملي «4» في الثالث. و لا وجه لشي ء منها.

و أما استحالة المتنجسات، فألحقها جماعة «5» باستحالة النجس في حصول التطهر بها.

و نفى بعضهم «6» الإلحاق، و هو كذلك في غير الدخان، لما ذكرنا.

و أما الدخان فالظاهر طهارته، لخروج الجسم به عن قابلية النجاسة، فلا يجري فيه الاستصحاب، فإنّه ليس جسما عرفا، و لذا لا ينجس الدخان الطاهر حيث يمر على النجاسات الرطبة.

و بما ذكرنا يظهر عدم تطهر الطين النجس بصيرورته آجرا أو خزفا و إن خرج عن مسمّى التراب، وفاقا لجماعة «7». و خلافا لآخرين «8»، لما ذكر من التبدل، و قد عرفت ضعفه. و لنقل الإجماع من الخلاف «9»، و هو ليس بحجّة. و لإطلاق.

______________________________

(1) حكاه في الرياض 1: 95، و لكن الموجود في المبسوط 6: 286 التصريح بعدم نجاسته.

(2) المعتبر 1: 451.

(3) الشرائع 3: 226.

(4) الروض: 170.

(5) صاحب المعالم: 403، و كشف اللثام 1: 56، و كشف

الغطاء: 181.

(6) الحدائق 5: 462.

(7) منهم الشهيد الثاني في الروض: 170، و الروضة 1: 67.

(8) منهم الشيخ في الخلاف 1: 499، و الشهيد في البيان: 92.

(9) الخلاف 1: 500.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 329

صحيحة السراد، و هي على مطلوبهم غير دالة. و لأصالة الطهارة، و هي بالاستصحاب مندفعة.

و ردّ الاستصحاب هنا بمثل ما مرّ في التطهير بالشمس يعرف جوابه ممّا ذكر هناك.

و كذا يظهر عدم تطهّر خبز العجين النجس، كما هو المشهور، لما ذكر، و للأمر بدفنه أو بيعه ممّن يستحلّ الميتة في صحيحتي ابن أبي عمير «1».

و خلافا للمحكي عن الشيخ في الاستبصار «2» و موضع من النهاية- مع حكمه بالعدم في موضع آخر «3»- لصحيحة ابن أبي عمير: في عجين عجن و خبز ثمَّ علم أن الماء كانت فيه ميتة قال: «لا بأس، أكلت النار ما فيه» «4».

و رواية ابن الزبير: عن البئر تقع فيها الفأرة أو غيرها من الدواب فتموت فيعجن من مائها، أ يؤكل ذلك الخبز؟ قال: «إذا أصابته النار لا بأس» «5».

و الاولى لشمولها لميتة غير ذات النفس أعم مطلقا ممّا مرّ، فتختص لا محالة به.

و الثانية مبنية على نجاسة البئر بالملاقاة، و قد عرفت ضعفها.

و أما التعليل بأكل النار في الاولى، و التقييد بإصابتها في الثانية: فلرفع استقذار الطبع.

و منها: الاستحالة إلى الدود أو التراب

، على المشهور بين الأصحاب

______________________________

(1) التهذيب 1: 414- 1305، الاستبصار 1: 29- 76 و 77، الوسائل 1: 242، 243 أبواب الأسآر ب 11 ح 1 و 2.

(2) الاستبصار 1: 29.

(3) النهاية: 8، 590.

(4) التهذيب 1: 414- 1304، الاستبصار 1: 29- 75، الوسائل 1: 175 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 18.

(5) التهذيب 1: 413- 1303، الاستبصار 1: 29-

74، الوسائل 1: 175 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 330

(للأصل) «1».

و توقف الفاضلان «2» في الثاني. و عن الشيخ «3» الحكم بنجاسته.

و لعل نظرهم إلى الاستصحاب، و قد عرفت ما فيه.

و هذا أيضا كالاستحالة بالنار يختصّ بالأعيان النجسة دون المتنجّسة، لما مرّ، إلّا أن يكون هناك عموم أو إطلاق دال على طهارة كل حيوان أو تراب، بحيث يشمل المورد أيضا، كما هو المظنون في التراب، فحينئذ ترفع اليد عن الاستصحاب.

و لا تطهر الأرض الملاقية للعذرة الرطبة بعد استحالتها، للاستصحاب، و عدم الموجب.

و قيل: تطهر، لإطلاق الفتاوي بالنسبة إلى العذرة المستحالة، و لو لم يطهر محلها، لخصت باليابسة.

قلنا: الإطلاق إنما هو بالنسبة إلى ارتفاع النجاسة الثابتة، فلا ينافيه عروض نجاسة من الخارج، مع أنه لا إطلاق هناك لدليل يمكن كالتشبث به.

و مثل الاستحالة إلى التراب و الدود الاستحالة إلى غيرهما من الأجسام.

و منها: استحالة الكلب و الخنزير الواقعين في المملحة ملحا، و العذرة الواقعة في الماء حمأة.

و الأقرب فيها أيضا الطهارة، وفاقا للفخري «4»، و الكركي «5»، و الشهيدين «6»، و معظم الثالثة «7»، للدليل المطرد في كل استحالة، و أدلة طهر

______________________________

(1) لا توجد في «ق».

(2) المحقق في المعتبر 1: 452، و العلامة في التذكرة 1: 8.

(3) المبسوط 1: 93.

(4) الإيضاح 1: 31.

(5) جامع المقاصد 1: 181.

(6) الأول في الدروس 1: 129، و الثاني في حواشيه على ما نسبه إليه في مفتاح الكرامة 1: 191.

(7) كما قال به في المفاتيح 1: 80، و كشف اللثام 1: 58، و الذخيرة: 172.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 331

الملح.

و خلافا للمعتبر و المنتهى، ناسبا له إلى أكثر أهل العلم «1»، و تردد في التذكرة «2»، لتخريج ضعيف، و استصحاب مردود.

و منها: استحالة النطفة حيوانا طاهرا

، و البول النجس بولا، أو لبنا، أو عرفا، أو لعابا لحيوان يطهر منه تلك الأمور، و الغذاء النجس جزءا له.

و الظاهر عدم الخلاف في شي ء من ذلك، فإن ثبت فهو، و إلّا ففي طهارة المتنجس بذلك فيما لم يكن فيه معارض للاستصحاب نظر يظهر وجهه مما ذكر، إلّا أن يحكم بطهارة الجميع بضم عدم الفصل بين المذكورات إلى عمومات طهارة بول مأكول اللحم أو لحمه.

و منها: انتقال الدم النجس العين- كدم الإنسان- إلى بدن ما لا نفس له

، و استحالته إلى دمه عرفا، و الظاهر عدم الخلاف في طهارته.

و تدلّ عليه- بعد الأصل و لزوم العسر و الحرج- عمومات طهارة دمه.

و استصحاب النجاسة قد عرفت ما فيه، و الحكم في ذلك أيضا كنظائره المتقدمة، للاستحالة، أي تغير الاسم عرفا، فإنّ موضوع النجاسة دم الإنسان مثلا، فبعد عدم صدق ذلك عليه لا يمكن الاستصحاب.

و أما ما قيل: من أن الظاهر أنه لأجل عدم صدق الاسم فقط فهو في العرف دم البق مثلا، لا دم الإنسان، و دم ما لا نفس له طاهر، فالطهارة إنما هي لتغيّر الحكم بالشرع بسبب تغيّر الاسم، يعني أنّ الشارع نصّ على تفاوت الحكم بتفاوت الاسمين، و هذا غير تغيّر الحكم بمجرّد الاستحالة «3»، فلا وجه له.

و الظاهر أنّ نظره في الاستحالة إلى تغيّر الحقيقة، و أنّه غير متحقّق بمجرّد تغيّر الاسم. و هو غير صحيح كما أشرنا إليه.

______________________________

(1) المعتبر 1: 451، المنتهى 1: 179.

(2) التذكرة 1: 8.

(3) غنائم الأيام: 81.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 332

و منها: انقلاب الخمر خلا

، و هو أيضا مطهّر بالإجماع مع الانقلاب بنفسه، كما في التنقيح «1» و اللوامع، و معه بالعلاج على المشهور، بل عليه و على الأول الإجماع في الانتصار و المنتهى «2»، للعلة المطّردة، و النصوص المستفيضة:

كموثقتي عبيد بن زرارة: عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلا، قال: «لا بأس» «3».

و الأخرى: في الرجل باع عصيرا فحبسه السلطان حتى صار خمرا فجعله صاحبه خلا، فقال: «إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس به» «4».

و صحيحة عبد العزيز بن المهتدي: العصير يصير خمرا فيصب عليه الخلّ و شي ء يغيّره حتى يصير خلا، قال: «لا بأس به» «5».

و حسنة زرارة: عن الخمر العتيقة تجعل خلا،

قال: «لا بأس» «6».

و الرضوي المنجبر ضعفه بالعمل: «فإن تغيّر بعد ذلك و صار خمرا فلا بأس أن يطرح فيه ملحا أو غيره حتى يتحول خلا» «7».

و المروي في السرائر: عن الخمر يعالج بالملح و غيره ليتحول خلا، قال: «لا بأس بمعالجتها» «8» الحديث.

و الثالثة كالأخيرين صريحة في العلاج، و البواقي ظاهرة فيه، فإنّ جعل

______________________________

(1) التنقيح 4: 61.

(2) الانتصار: 200، المنتهى 1: 167.

(3) الكافي 6: 428 الأشربة ب 34 ح 3، التهذيب 9: 117- 505 و 507، الاستبصار 4:

93- 356 و 357، الوسائل 25- 370، 371 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 3 و 5.

(4) الكافي 6: 428 الأشربة ب 34 ح 3، التهذيب 9: 117- 505 و 507، الاستبصار 4:

93- 356 و 357، الوسائل 25- 370، 371 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 3 و 5.

(5) التهذيب 9: 118- 509، الاستبصار 4: 93- 359، الوسائل 25: 372 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 8.

(6) الكافي 6: 428 الأشربة ب 34 ح 2، التهذيب 9: 117- 504، الاستبصار 4: 93- 355، الوسائل 25: 370 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 1.

(7) فقه الرضا (ع): 280، المستدرك 17: 73 أبواب الأشربة المحرمة ب 21 ح 1.

(8) مستطرفات السرائر: 60- 31، الوسائل 25: 372 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 333

الخمر خلا ظاهر في العلاج.

فتوقف العاملي في الصورة الثانية، و تعليله: بأنّه ليس في الأخبار المعتبرة ما يدلّ على علاجها بالأجسام و تحقّق الطّهر بها، و إنما هو عموم أو مفهوم مع قطع النظر عن الإسناد «1». لا وجه له، لما عرفت من وجود خصوص النصوص التي منها الصحيح و

الموثق، مع أن العموم أو المفهوم حجّة.

و أما حديث الإسناد فالأخبار معتبرة بنفسها، و مع ذلك فالجميع بالشهرة المتحققة و المحكيّة في كلامه بنفسه «2» و كلام غيره «3» معتضدة.

و أمّا صحيحة أبي بصير: عن الخمر يجعل فيها الخلّ، فقال: «لا إلا ما جاء من قبل نفسه» «4»، فهي عن إفادة الحرمة قاصرة، و على فرض الدلالة، فلشذوذها عن إثبات الحرمة عاجزة، و لإثبات محض كراهته للتسامح في أدلّتها صالحة. و مع قطع النظر عما ذكر يجب الحمل عليها، للمعارضة مع ما مرّ.

و كذا المروي في العيون: «كلوا خل الخمر ما انفسد، و لا تأكلوا ما أفسدتموه أنتم» «5».

مع أن حمل الصحيحة على أنّ مجرّد جعل الخلّ في الخمر لا يكفي في الاستحالة- ردا على أبي حنيفة القائل به «6»- ممكن.

و لا فرق بين ما كان المعالج به مائعا أو جامدا، باقيا أو هالكا، لإطلاق الأدلّة المتقدمة.

______________________________

(1) المسالك 2: 248.

(2) المسالك 2: 248.

(3) المفاتيح 1: 80.

(4) التهذيب 9: 118- 510، الاستبصار 4: 93- 360، الوسائل 25: 371 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 7.

(5) العيون 2: 39- 127، الوسائل 25: 25 أبواب الأطعمة المباحة ب 10 ح 24.

(6) بدائع الصنائع 5: 114.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 334

قالوا: و يطهر ظرفها بطهرها «1»، لعدم انفكاك الخمر عن الظرف ضرورة، فلو لم يطهر، لزم عدم طهر الخمر أيضا، فما يدلّ على تطهرها يدل على تطهره بدلالة الإشارة.

فإن ثبت الإجماع، و إلا ففيه نظر، إذ يمكن أن يكون ذلك لعدم تنجسها بملاقاة الظرف، كما في اللبن في ضرع الميتة، بل هذا أوفق بالقواعد، إذ تنجس الخمر بعد الخلية بملاقاة الظرف عن الدليل خال، لأنّ تنجس كل

ملاق للنجس ليس إلّا بواسطة الإجماع المركّب، و هو هنا غير معلوم، بخلاف نجاسة الظرف، فإنّها مقتضى الاستصحاب.

و احتمال تقييد نجاسته بحال ملاقاته للخمر يدفعه: ما ذكرنا في مسألة التطهر بالشمس.

______________________________

(1) كما في جامع المقاصد 1: 180، و كشف اللثام 1: 57.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 335

الفصل الرابع: في الأرض
اشاره

و هي تطهّر باطن النعل، و الخفّ، و القدم، بلا خلاف ظاهر في الأول و إن اقتصر بذكر الأخيرين في النافع «1»، و على الأشهر الأظهر فيهما، بل في المدارك «2»:

أن الحكم في الثلاثة مقطوع به بين الأصحاب و أن ظاهرهم الاتفاق عليه، و في شرح القواعد الإجماع عليها «3».

للمرويين عن النبي: أحدهما: «إذا وطئ أحدكم بنعليه الأذى، فإن التراب له طهور» «4».

و الآخر: «إذ وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب» «5».

و صحيحتي زرارة و الأحول، الاولى: «جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان و لا يغسله، و يجوز أن يمسح رجليه و لا يغسلهما» «6».

و الأخرى: في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف، ثمَّ يطأ بعده مكانا نظيفا، قال: «لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعا أو نحو ذلك» «7».

و رواية المعلّى: عن الخنزير يخرج من الماء فيمر على الطريق فيسيل منه الماء أمر عليه حافيا؟ فقال: «أ ليس وراءه شي ء جاف؟» قلت: بلى، قال: «لا بأس إن الأرض يطهّر بعضها بعضا» «8» أي: يطهّر ما يمشى عليه بعضا آخر من الرجل، كقوله: الماء يطهّر البول.

______________________________

(1) المختصر النافع: 20.

(2) المدارك 2: 372.

(3) جامع المقاصد 1: 179.

(4) سنن أبي داود 1: 105- 385 و 386.

(5) سنن أبي داود 1: 105- 385 و 386.

(6) التهذيب 1: 46- 129، الوسائل 1: 348 أبواب أحكام

الخلوة ب 30 ح 3.

(7) الكافي 3: 38 الطهارة ب 24 ح 1، الوسائل 3: 457 أبواب النجاسات ب 32 ح 1.

(8) الكافي 3: 39 الطهارة ب 24 ح 5، الوسائل 3: 458 أبواب النجاسات ب 32 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 336

و موثقة الحلبي و المروي في السرائر عن محمد الحلبي المتقدمتين «1» في مسألة إزالة النجاسة عن المسجد.

و أما الاستدلال بالعامي: «إذا جاء أحدكم إلى المسجد، فإن «2» رأى في نعله أثرا أو أذى فليمسحها، و ليصل فيها» «3».

و رواية حفص: إني وطئت عذرة بخفّي و مسحته حتى لم أر فيه شيئا، ما تقول في الصلاة فيه؟ فقال: «لا بأس» «4».

و صحيحة زرارة: «رجل وطئ على عذرة فساخت رجله فيها، أ ينقض ذلك وضوءه؟ و هل يجب عليه غسلها؟ فقال: «لا يغسلها إلا أن يقذرها، و لكنه يمسحها حتى يذهب أثرها و يصلي» «5».

فغير جيد، لجواز كون الحكم في الأوليين لكون الخف مما لا تتم الصلاة فيه دون الطهارة، و الأمر بالمسح في الأولى لعله للاجتناب عن السراية إلى المسجد، و كون العذرة في الثالثة أعم من الرطبة و اليابسة، بل النجسة أيضا على قول، فيمكن أن يكون معنى قوله: «لا يغسلها إلا أن يقذرها» أي: ينجسها بأن تكون رطبة نجسة، و الا فيمسحها حتى يذهب ما لصق بها من الأجزاء اليابسة، و قوله:

«ساخت» «6» لا يدل على الرطوبة لأنه بمعنى غابت و خسفت.

ثمَّ ما ذكرنا من الأخبار- المنجبر ضعف ما هو ضعيف منها بالشهرة- كما ترى بين نص في النعل كالأولى، و في الخف كالثانية، و في القدم كرواية المعلى و الأخيرة، أو ظاهر فيه كالثالثة، أو مطلق في

الثلاثة كالباقيتين.

______________________________

(1) ص 233- 234

(2) في «ق»: فإذا.

(3) سنن أبي داود 1: 175- 650.

(4) التهذيب 1: 274- 808، الوسائل 3: 458 أبواب النجاسات ب 32 ح 6.

(5) التهذيب 1: 275- 809، الوسائل 3: 458 أبواب النجاسات ب 32 ح 7.

(6) كما يقال ساخت قوائمه في الأرض (منه ره).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 337

فالخلاف في الثاني، كما عن ظاهر الخلاف «1»، و هو ظاهر الدروس «2»، و البيان، و القواعد، و اللمعة «3» لتخصيصهما الطرفين بالذكر، إلا أن يقال بدخول الوسط في الأول كما هو ظاهر الروضة «4». أو في الثالث، كما عن ظاهر المفيد و الديلمي «5»، أو التوقف فيه كما في المنتهى «6» بعد حكمه بالطهارة قبله، أو الاستشكال فيه كما في التحرير «7» و إن حكم بالطهارة بعده. لا وجه له.

بل ظاهر صحيحة الأحول: التعدّي من الثلاثة إلى كلّ ما يوطأ معه من حذاء الخشب و الخرقة، وفاقا للإسكافي «8»، و الروض، و الروضة «9»، بل الجورب و الجلد إن لم نقل بصدق النعل على جميع أفراد الأخير.

و في التعدّي إلى مثل خشبة الأقطع و الكف و الركبتين لمن يمشي بها نظر.

و العدم أظهر، للشك في صدق الوطأة، فإنها موضع القدم كما في كتب اللغة «10».

خلافا لجماعة، فتعدّوا إليها «11»، إما لصدق الوطأة. و قد عرفت عدم ثبوته، و لو ثبت فلما اشتهر من انصراف المطلق إلى الشائع مطلقا غير ملائم. أو لإطلاق الموثقة. و هو لا يفيد، لاختصاصها بأشخاص خاصة. أو للتعليل المستفاد من قوله: «إن الأرض يطهر بعضها بعضا».

______________________________

(1) الخلاف 1: 217.

(2) الدروس 1: 125.

(3) البيان: 92، القواعد 1: 8، اللمعة (الروضة 1): 65.

(4) قال في الروضة: المراد بالنعل

ما يجعل أسفل الرجل للمشي وقاية من الأرض (منه ره) الروضة 1:

66.

(5) المقنعة: 72، المراسم: 56.

(6) المنتهى 1: 179.

(7) التحرير 1: 25.

(8) نقله عنه في المنتهى 1: 179.

(9) الروض: 170، الروضة 1: 66.

(10) النهاية الأثيرية 5: 200، لسان العرب 1: 196.

(11) كما في الروضة 1: 66، و الذخيرة 173، و الرياض 1: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 338

بل قد يتعدى لذلك إلى غير ذلك أيضا من كعب العصاء و الرمح، بل- كما عن الموجز- إلى الحافر، و الخف، و الظلف.

و الحق أنّ في معناه إجمالا لا يمكن الاستناد إليه في إثبات حكم.

و هل يلزم في تطهر ما ذكر المشي به، أو يطهر و لو بمسحها على الأرض و لو بالدلك باليد؟

الحق هو الثاني، وفاقا لجماعة منهم الإسكافي «1»، و المفيد، و الديلمي «2»، لإطلاق صحيحة زرارة.

و قد ينسب الأول إلى الأول، بل مع التقييد بما في صحيحة الأحول من كونه نحوا من خمسة عشر ذراعا.

و صدر كلامه و إن وافق ذلك، و لكن قوله أخيرا: و لو مسحها حتى تذهب عين النجاسة و أثرها بغير ماء أجزأه «3»، يدل على أن مراده مقدار المشي الذي تزول به النجاسة غالبا.

و عليه تحمل الصحيحة أيضا، و في قوله: «أو نحو ذلك» إيماء إليه.

و في إجزاء أخذ مثل التراب و دلكه بالموضع احتمال قريب، لصدق المسح.

و أقرب منه الاجتزاء بالمشي في غير الأرض كالآجر، و الحصير، و النبات، و الخشب، لما ذكر، و لقوله في صحيحة الأحول: «ثمَّ يطأ مكانا نظيفا» و مع ذلك فلعدم الاجتزاء أحوط.

و في اشتراط كلّ من طهارة الممسوح به و جفافه، و عدمه وجهان.

الحق في الأول، الثاني، وفاقا لجماعة «4»، بل

الأكثر، لإطلاق ما مر.

______________________________

(1) نقله عنه في المنتهى 1: 178، و المعالم: 389.

(2) المقنعة: 72، المراسم: 56.

(3) نقله عنه في المعالم: 389.

(4) كما قال به في كشف اللثام 1: 57، و الكفاية: 14، و الرياض 1: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 339

و خلافا للإسكافي «1»، و الذكرى «2»، و بعض آخر «3»، لصحيحة الأحول.

و لا دلالة فيها أصلا، و لا لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «جعلت لي الأرض مسجدا و ترابها طهورا» «4» و إن قلنا: إن الطهور هو الطاهر المطهر.

و قيل: لأن النجس لا يطهر «5».

و فيه منع ظاهر، و إثباته بالغلبة و الاستقراء ضعيف.

نعم، لو كان الممسوح مع نجاسة الممسوح به رطبا، ينجس بنجاسة الممسوح به و إن تطهّر من النجاسة الحاصلة لنفسه.

و انصراف الإطلاق إلى انتفاء مثل هذه النجاسة أيضا ممنوع.

و في الثاني: الأول، وفاقا للإسكافي «6» بل جماعة «7»، لروايتي المعلى، و السرائر «8»، الموجودتين في الأصول المعتبرة، الجابر ذلك لضعف سنديهما.

و حمل الاولى على الجفاف من الماء المتقاطر من الخنزير، و الثانية على اليبوسة من البول تقييد بلا دليل.

فبهما تقييد الإطلاقات، حيث إن المستفاد منهما عدم التطهر بالرطب، و إلا لزم كون التقييد لغوا محضا، لعدم الواسطة بين الرطب و الجاف. و لا يرد مثل ذلك في التقييد بالأرض في رواية السرائر، لأنه لا يصير لغوا، لجواز أن يكون المطهر الأرض و شيئا آخر غيرها، و ذكر البعض لا يدل على نفي الآخر إلا إذا غيره فيه

______________________________

(1) نقله عنه في المنتهى 1: 178.

(2) الذكرى: 15.

(3) جامع المقاصد 1: 179.

(4) الفقيه 1: 155- 724 و لم يذكر فيه «ترابها» و في جامع الأحاديث 3: 53 عن نسخة من

الفقيه كما في المتن. و انظر الوسائل 3: 349 أبواب التيمم ب 7.

(5) الروض: 170.

(6) نقله عنه في المنتهى 1: 178.

(7) كما قال به في جامع المقاصد 1: 179، و الحدائق 5: 458، و الرياض 1: 96.

(8) المتقدمتين ص 335 و ص 233.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 340

الحصر «1».

و هل يشترط جفاف الممسوح قبل الوطء؟ الظاهر لا، للإطلاق.

و كذلك لذلك لا يشترط حصول التجفيف له بعد المسح، و إزالة العين لو كان رطبا، و لا وجود العين و الأثر المحسوس للنجاسة، فلو كانت الرجل مثلا نجسة بالبول و يبست منه، تطهر بالمسح.

فرع: المصرّح به في عباراتهم أسفل النعل و أخويه

، و لا شك في تطهّره و لا في عدم تطهّر ظهرها، للإجماع، و به يخصص إطلاق صحيحة زرارة «2».

و أمّا أطرافها المجاورة للأسفل فلا يبعد تطهرها، لعدم ثبوت إجماع فيها، فلا مخرج لها عن الإطلاق، و لوصولها إلى الأرض عند الوطء غالبا، و الاحتياط لا ينبغي أن يترك.

______________________________

(1) مثال الأول: كما إذ سئل عن الماء الذي يغير بالنجاسة فهل ينجس؟ فقال: أ ليس بقليل؟ قال:

نعم، فقال: ينجس، فإنه يدل على انحصار المتنجس بالقليل. و مثال الثاني: إذا سئل عن الماء لاقى النجاسة فهل ينجس؟ فقال أ ليس يغيّر به؟ قال: «نعم، قال: ينجس، فإنه لا يدل على الانحصار إذ ينجس القليل أيضا (منه ره).

(2) المتقدمة ص 335.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 341

الفصل الخامس: في سائر المطهرات

و هي أمور:

منها: الإسلام، و هو مطهّر لنجاسة الكافر ضرورة.

و منها: الغسل، و به يطهّر ميت الآدمي عن نجاسته، و يأتي كيفيته.

و منها: التبعيّة، قالوا: يطهر ولد الكافر الذي سباه مسلم بتبعيّته السابي، و ظرف الخمر التي انقلبت خلا بتبعيّتها، و قد مرّ تحقيقهما «1»، و ظرف العصير و ما تنجّس به قبل ذهاب الثلاثين على القول بنجاسته، بتبعيّته بعد ذهابهما، و لا دليل عليه يصلح لمعارضة الاستصحاب، و كذا في غير ذلك ممّا قيل بطهارته بالتبعيّة.

و منها: النقص، و به يطهر العصير إذا غلى، بعد نقص ثلثيه، على القول بنجاسته.

و منها: زوال العين، فعن الشيخ «2»، و الفاضلين «3»، و غيرهم «4»: طهارة فم الهرة بزوال عين النجاسة، غابت أم لا، لمطلقات طهارة سؤرها، مع أنّ فاها لا ينفكّ عن النجاسة غالبا، و أصالة طهارة ما لاقاه فوها، و أصالة عدم التعبّد بغسل فيها، فليس إلّا الحكم بالطهارة بزوال

العين.

بل الحق جملة المتأخرين «5» بها كل حيوان غير الآدمي، للأخيرين.

مضافا إلى الموثّقتين: أحدهما: عمّا يشرب منه باز، أو صقر، أو عقاب، قال: «كل شي ء من الطير يتوضّأ ممّا يشرب منه، إلّا أن ترى في منقاره دما فلا

______________________________

(1) في ص 209 و ص 334. 203.

(2) المبسوط 1: 10، الخلاف 1: 203.

(3) المحقق في المعتبر 1: 99، و العلّامة في المنتهى 1: 27.

(4) كما في الذخيرة: 141، و الحدائق 1: 433.

(5) كصاحب المدارك 1: 133، و الذخيرة: 141، و الحدائق 1: 434.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 342

تتوضأ و لا تشرب» «1».

و الآخر: عن ماء شربت منه الدجاجة، قال: «إن كان في منقارها قذر لم تتوضأ منه و لم تشرب، و إن لم تعلم أن في منقارها قذرا توضأ منه و اشرب» «2».

و إلى لزوم العسر و الحرج الشديدين لولاه، و عمل الأصحاب، و الإجماع المنقول في الخلاف «3»، حيث إنّه بعد ما قال: إنّ الهرّة لو أكلت ميتا ثمَّ شربت من الماء القليل لم ينجس، استدلّ بإجماع الفرقة على طهارة سؤر الهرّ و عدم فصلهم.

و يضعف الأول: بأنّ الإطلاقات إنما هي من جهة السؤرية لها، فلا تنافي النجاسة لأمر آخر، مع أنّها مخصصة بما إذا لم يكن فمها نجسا بالإجماع، و لذا يحكمون بالنجاسة قبل زوال العين، فاللازم تحقق نجاسة الفم و طهارته أولا.

و الحاصل أن نجاسة الفم إما لا تستلزم نجاسة السؤر، أو تستلزمها، فعلى الأول لا تثبت من طهارة السؤر طهارة الفم، و على الثاني تكون الإطلاقات مخصصة بما إذا لم يكن الفم نجسا، فلا تفيد الإطلاقات هنا، لوجود دليل النجاسة كما يأتي.

و الثاني: بمعارضته بأصالة نجاسة الفم، المقدمة على أصالة طهارة

ما لاقاه، لكون الأولى مزيلة للثانية.

و الثالث: بأنّا لا نقول بالتعبد بالغسل إذ لم يؤمر به إلا في (مثل) «4» الثوب و البدن.

و أما التفريع الذي ذكره، فلا وجه له، لمنع الحصر، لجواز الحكم بالنجاسة مع عدم وجوب غسله.

و الرابع: بدلالة الروايتين على خلاف المطلوب، لدلالتهما على المنع من

______________________________

(1) التهذيب 1: 284- 832، الوسائل 1: 231 أبواب الأسآر ب 4 ح 4.

(2) الاستبصار 1: 25- 64، الوسائل 1: 231 أبواب الأسآر ب 4 ح 3.

(3) الخلاف 1: 203.

(4) لا توجد في «ه».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 343

الشرب و التوضؤ إن ترى الدم أو القذر، أو كان، سواء كان باقيا حال الشرب أو لا.

و الخامس: بمنع لزوم الحرج، فإنّ العلم بنجاسة أعضاء الحيوانات ثمَّ بملاقاتها بعد ذلك قبل حصول الطهارة لها، سيّما على القول بتطهّر الوارد على القليل أيضا، لا يبلغ حدّا يلزم منه حرج.

و السادس: بمنع عمل الأصحاب.

و السابع: بمنع حجية الإجماع المنقول، مع أنّه ليس على المطلق، بل على طهارة السؤر، و لا كلام فيه.

و بضعف تلك الوجوه، يظهر ضعف القول في الأصل و فيما الحق به، مع اندفاع الأخير بإطلاق صحيحة علي المتقدمة «1» في بحث الجاري أيضا.

كما يضعف القول بالطهارة أيضا فيما ذكر مع الغيبة خاصة- كما ذهب إليه الفاضل في نهاية الإحكام «2»- بعدم دليل على ذلك التفصيل.

و مقتضى الاستصحاب النجاسة مطلقا، كما هو مختار ابن فهد في موجزه، و غيره «3»، فهو الحقّ.

هذا في غير الآدمي، و أمّا فيه، فالمشهور: أنّه إذا نجس عضو منه يحكم بنجاسته حتّى يعلم الإزالة.

و قيل بالطهارة مع الغيبة المحتملة للإزالة «4»، و اختاره والدي- رحمه اللّه- في المعتمد.

و قيل: مع التلبّس بمشروط

الطهارة مطلقا «5».

______________________________

(1) ص 23.

(2) نهاية الأحكام 1: 239.

(3) كما قال به في مجمع الفائدة 1: 297.

(4) الحدائق 1: 435.

(5) المدارك 1: 134.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 344

و قيل بالثاني بشرط علمه بالنجاسة و أهليّته للإزالة «1».

و قيل بالثالث كذلك.

و الاستصحاب يوافق الأول، و لكن الإجماع القطعي، بل الضرورة الدينية تحققت على جواز الاقتداء و المباشرة و المصافحة مع الناس، و اشتراء ما تلاقيه أيديهم بالرطوبة، مع العلم بنجاستهم كلّ يوم بالبول و الغائط.

فالطهارة مع الغيبة مجمع عليها، و لكن المعلوم منه هو مع علمه بالنجاسة و أهليّته للإزالة. فالحقّ هو الرابع.

و الحكم مختصّ بالبدن دون غيره من الثياب و أمثالها، لعدم العلم بالإجماع فيه.

و يطهر بزوال العين البواطن كالفم، و الأنف، على المشهور بين الأصحاب، قال في البحار: لا نعلم في ذلك خلافا «2».

و استدل عليه: بموثّقة الساباطي: عن رجل يسيل من أنفه الدم، هل عليه أن يغسل باطنه؟ يعني: جوف الأنف، قال: «إنّما عليه أن يغسل ما ظهر منه» «3».

و في دلالتها على الطهر بزوال العين نظر، بل يدلّ على عدم وجوب الغسل و لو بقيت العين أيضا.

فإن دلّ عدم وجوب الغسل على الطهارة، لدلّت الموثقة على عدم تنجّس البواطن مطلقا، و هو الأقوى، فلا يحكم بنجاسة البواطن بملاقاتها النجاسة الداخلية أو الخارجية، للأصل و عدم الدليل، فإنّ ثبوت نجاسة المتنجّسات إنّما هو بالأمر بالغسل في الأكثر، و هو ليس في المورد، لعدم وجوب غسله إجماعا، بل

______________________________

(1) نسبه في مفتاح الكرامة 1: 191 إلى المقاصد العليّة.

(2) البحار 77: 131.

(3) الكافي 3: 59 الطهارة ب 38 ح 5، التهذيب 1: 420- 1330، الوسائل 3: 438 أبواب النجاسات ب 24 ح 5.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 345

نحن لا نعلم من النجس إلّا ما تترتّب عليه الأحكام المعهودة الشرعية، و لا دليل على ترتب شي ء منها على البواطن، فلا يحتاج الطهر بزوال العين فيها إلى دليل.

و لا يمكن استصحاب نجاستها، إذ كلّ ما يدلّ على ثبوت اللوازم للنجاسات فجريانه في البواطن غير معلوم.

بل الظاهر عدم تنجّس ما يدخل البواطن من الخارج- كالخبز يوضع في الفم- بملاقاته النجس، لما ذكر.

و تظهر الفائدة في ما لو خرج بعد زوال العين فيكون طاهرا. نعم، لو خرج ملوّثا بالعين ينجس بعد الخروج إجماعا، و تدلّ عليه الإطلاقات أيضا. فلا تنجس الحشفة بالإنزال في الفرج، و لا الذكر بالتلوث بالمني فيه، إلّا إذا أخرج ملوّثا بعينه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 346

ختام في ما يتعلّق بالجلود
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: عدم جواز استعمال جلود نجس العين، و جلود الميتة

- على القول بنجاستها- في مشروط الطهارة واضح.

و أمّا في غيره كالاستقاء فيها للزرع، أو استعمالها في اليابسات فكذا على المشهور، المدّعى على الأول الإجماع في التذكرة «1».

بل بلا خلاف أجده إلّا من الاستبصار [1]، في الأول، حيث نقل فيه الموثق الثالث الآتي «3»، و وجّه نفي البأس فيها إلى نفس الاستعمال، لا إلى الطهارة.

و يمكن أن يعمّم خلافه في الثاني أيضا، لعدم ورود التذكية على نجس العين.

______________________________

[1] لم نعثر عليه في الاستبصار. نعم ذكره في التهذيب 1: 413- 1301 في ذيل رواية زرارة الاتية ص 348 رقم 4.

______________________________

(1) التذكرة 1: 68.

(3) ص 348 رقم 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 347

و من المحكيّ عن الصدوق «1» في الثاني، باعتبار نقله المرسلة الآتية «2».

و هو غير جيّد، لأنّه لو دلّ على كونه مذهبا له، لدلّ على قوله بالطهارة.

و كيف كان، فالعمل على المشهور، لظاهر الإجماع، و روايات عامية «3» منجبر ضعفها بالعمل.

و رواية الجرجاني: «لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب» «4».

و صحيحة علي بن أبي المغيرة كما في الكافي، و إن رواها في التهذيب عن علي ابن المغيرة، مع أنّه أيضا في حكم الصحيحة، لصحّتها عن السّراد المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه: الميتة ينتفع منها بشي ء؟ فقال: «لا» «5».

و موثّقتي سماعة: الأولى: عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال: «إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده، و أمّا الميتة فلا» «6».

و الثانية: عن أكل الجبن أو تقليد السيف و فيه الكيمخت و الغراء، قال:

«لا بأس بما لم يعلم أنّه ميتة» [1].

و المرويّ في تحف العقول، و رسالة المحكم و المتشابه، للسيّد، و الفصول المهمة، المنجبر ضعفه بالعمل: «كل أمر يكون

فيه الفساد ممّا هو منهي عنه، من جهة أكله و شربه، أو كسبه، أو نكاحه، أو ملكه، أو هبته، أو عاريته، أو

______________________________

[1] التهذيب 9: 78- 331، الاستبصار 4: 90- 342، الوسائل 24: 185 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 5، الكيمخت بالفتح فالسكون: جلد الميتة المملوح، الغراء: شي ء يتخذ من أطراف الجلود يلصق به.

______________________________

(1) الفقيه 1: 9.

(2) ص 348.

(3) سنن البيهقي 1: 14.

(4) الكافي 6: 258 الأطعمة ب 9 ح 6، التهذيب 9: 76- 323، الاستبصار 4: 89- 341، الوسائل 24: 181 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 7.

(5) الكافي 6: 259 الأطعمة ب 9 ح 7، التهذيب 2: 204- 799، الوسائل 24: 184 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 1.

(6) التهذيب 9: 79- 339، الوسائل 24: 185 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 348

إمساكه، أو شي ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد، نظير البيع بالرّبا، و البيع.

للميتة، و الدم، و لحم الخنزير، أو لحوم السباع من جميع صنوف سباع الوحش، أو الطير، أو جلودها، أو الخمر. أو شي ء من وجوه النجس، فهذا كله حرام محرّم، لأنّ ذلك كلّه منهي عن أكله، و شربه، و لبسه، و ملكه، و إمساكه، و التقلب فيه، فجميع تقلّبه في ذلك حرام» [1] الحديث.

و الأخيرتان صريحتان في التحريم، و بهما ينجبر [2] ضعف دلالة الثلاثة الأولى عليه، لمكان لفظ الإخبار.

و أمّا الموثّقة: عن جلد الخنزير يجعل دلوا يستقى به عن البئر التي يشرب منها أو يتوضأ؟ قال: «لا بأس» [3].

و رواية زرارة: عن جلد الخنزير يجعل دلوا يستقى به الماء، قال: «لا بأس» «4».

و المرسلة: عن جلود الميتة يجعل فيها الماء و

السمن ما ترى فيه؟ قال: «لا بأس أن تجعل فيها ما شئت من ماء، أو سمن و تتوضأ منه، و تشرب، و لكن لا تصلّ فيها» «5».

و ما مرّ في بحث الميتة من روايتي الصيقل «6».

فعن مقاومة ما مرّ قاصرة، لمخالفتها للشهرة، بل لما عليه كافّة العلماء

______________________________

[1] تحف العقول: 333، و نقله في الوسائل 17: 83 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1، عن تحف العقول و رسالة المحكم و المتشابه للسّيد المرتضى، و لكنا لم نجده في النسخة التي بأيدينا من الرسالة.

[2] في «ه» و «ق»: يجبر.

[3] الكافي 6: 258 الأطعمة ب 9 ح 3، الوسائل 1: 171، أبواب الماء المطلق ب 14 ح 3 و فيهما:

قلت له: شعر الخنزير يعمل حبلا و يستقى به .. إلى آخره.

______________________________

(4) التهذيب 1: 413- 1301، الوسائل 1: 175، أبواب الماء المطلق ب 14 ح 16.

(5) الفقيه 1: 9- 15، الوسائل 3: 463، أبواب النجاسات ب 34 ح 5.

(6) المتقدمتين ص 172.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 349

و اتفقوا عليه في جميع الأعصار- كما في الحدائق «1»- الموجبة لخروجها عن الحجية سيما مع موافقتها لمذهب العامة [1].

مع أنّ الظاهر أنّ السؤال في الأولى عن حال البئر و الماء الذي فيها، دون الاستقاء، و يمكن حمل الثانية عليه أيضا، فلا تدلّان على جواز الانتفاع، كما لا تدلّ روايتا الصيقل أيضا، كما بينا وجهه في باب المكاسب. و الثالثة لدلالتها على الطهارة تعارض أخبار أخر مرّت في بحث الميتة أيضا، فهي عن الحجيّة أبعد.

المسألة الثانية: لا يطهر جلد الميتة بالدباغ بالإجماع

، لعدم مخالفة من شذّ فيه على التحقيق. فهو الحجّة، مع استصحاب النجاسة، و عدم جواز الانتفاع به، و المستفيضة المتقدّمة المانعة عن الانتفاع

بجلود الميتة مطلقا. و روايتي الصيقل المنجسة لها على الإطلاق.

و خصوص رواية الدعائم: «الميتة نجسة و لو دبغت» «3». و روايتي.

البصري، و أبي بصير.

و في الأولى بعد سؤاله عن سبب فساد الجلود: قال: «استحلال أهل العراق الميتة و زعموا أنّ دباغ الميتة ذكاته ثمَّ لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلّا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» [2].

و في الثانية بعد السؤال عن إلقاء الفراء و القميص الذي يليه: «أنّ أهل العراق يستحلون لباس جلود الميتة و يزعمون أنّ ذكاته دباغه» «5».

______________________________

[1] لعل المراد جماعة منهم فإنهم مختلفون في المسألة على أقوال شتى. راجع بداية المجتهد 1: 87، و نيل الأوطار 1: 74.

[2] الكافي 3: 398 الصلاة ب 65 ح 5، التهذيب 2: 204- 798، الوسائل 3: 503 أبواب النجاسات ب 61 ح 3: و في الجميع عبد الرحمن بن الحجاج المعروف بالبجلي و في نسخة من التهذيب على ما في جامع الأحاديث 1: 161 عبد اللّه بن الحجاج و أما البصري فهو عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه و لم نجد له رواية في المقام.

______________________________

(1) الحدائق 5: 522.

(3) الدعائم 1: 126، المستدرك 2: 592 أبواب النجاسات ب 39 ح 6.

(5) الكافي 3: 397 الصلاة ب 65 ح 2، الوسائل 4: 462 أبواب لباس المصلّي ب 61 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 350

و ضعف بعض ما ذكر سندا لا يضرّ بعد انجباره بالإجماع المحقق و المحكي عن الخلاف «1»، و في الناصريات، و الانتصار، و الذكرى «2» مطلقا، و عن المختلف «3»، و في المنتهى و التذكرة «4» عمّن عدا الإسكافي «5».

خلافا له، و للشلمغاني «6» من قدماء أصحابنا، و

إن كان قوله خارجا من عداد علمائنا، لما ظهر له من المقالات المنكرة. و قد ينسب إلى الصدوق أيضا، لما مرّ «7»، و يظهر من المدارك، و المعالم «8»، الميل إليه. للمرسلة المتقدمة «9».

و رواية الحسين بن زرارة: جلد شاة ميتة يدبغ، فيصب فيه اللبن و الماء، فأشرب منه و أتوضأ؟ قال: «نعم» و قال: «يدبغ و ينتفع به و لا يصلّى فيه» «10».

و الرضوي: «و كذلك الجلد، فإنّ دباغته طهارته و ذكاة الجلود الميتة دباغتها» «11».

و شي ء منها لا يصلح للاستناد، لشذوذها الموجب لخروجها عن الحجيّة، سيّما مع المعارضة مع ما يرجّح عليها ممّا تقدّم بمخالفته للعامة، و موافقتها لهم بتصريح الروايات كما مرّ، و بصحّة السند، بل بالأصل الذي هو استصحاب النجاسة، و على هذا فكذلك الحكم لو لا الترجيح أيضا.

______________________________

(1) الخلاف 1: 60.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 182، الانتصار 12، الذكرى: 16.

(3) المختلف: 64.

(4) المنتهى 1: 191، التذكرة 1: 68.

(5) نقله عنه في المختلف: 64.

(6) نسبه إليه في الذكرى: 16.

(7) في ص 347.

(8) المدارك 2: 386، المعالم: 411.

(9) ص 348.

(10) التهذيب 9: 78- 332، الاستبصار 4: 90- 343، الوسائل 24: 186 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 7.

(11) فقه الرضا (ع): 302، 303، البحار 77: 226- 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 351

المسألة الثالثة: إن علمت حال الجلد من حيث التذكية و عدمها فحكمه ظاهر

، و إلّا فالأصل فيه عدم التذكية- سواء في ذلك أن تكون عليه يد مسلم، أو كافر، أو مجهول، في سوق المسلمين، أو الكفار، من بلد غالب أهله المسلمون، أو الكفّار، أو تساويا، أو جهل حال البلد، أو في غير السوق من بلد كذلك، أو في غير البلد، و سواء أخبر ذو اليد بالتذكية، أو بعدمها، أو لم يخبر

بشي ء، أو لا تكون عليه يد، بل كان مطروحا في سوق، أو بلد، أو برّ، من أراضي المسلمين، أو الكفّار، سواء كانت عليه علامة جريان اليد عليه، أم لا لتوقّف التذكية مطلقا على أمور بالعدم مسبوقة.

و لا يعارض ذلك الأصل، أصالة الطهارة، لأنّها به زائلة مندفعة.

و يدلّ عليه أيضا مفهوم حسنة ابن بكير: «و إن كان ممّا يؤكل لحمه، فالصلاة في وبره، و بوله، و شعره، و روثه، و ألبانه، و كلّ شي ء منه، جائزة إذا علمت أنّه مذكّى قد ذكّاه الذبح» «1» يدلّ بالمفهوم على عدم جواز الصلاة في كلّ شي ء منه ما لم يعلم أنّه مذكى.

و لا يضرّ اختصاصها بالصلاة، و لا تحقق السلب الكلي بعدم الجواز في بعض شي ء منه، لعدم الفصل بين الصلاة و غيرها و لا بين شي ء منه في عدم الجواز و بين الجلد.

و كذا تدلّ عليه رواية علي بن أبي حمزة: عن لباس الفراء و الصلاة فيها؟

فقال: «لا تصلّ فيها إلّا فيما كان منه ذكيا» «2» الحديث.

و مكاتبة عبد اللّه بن جعفر: هل يجوز للرجل أن يصلّي و معه فأرة المسك؟

______________________________

(1) الكافي 3: 397 الصلاة ب 65 ح 1، التهذيب 2: 209- 818، الاستبصار 1: 383- 1454، الوسائل 4: 345 أبواب لباس المصلّي ب 2 ح 1.

(2) الكافي 3: 397 الصلاة ب 65 ح 3، التهذيب 2: 302- 797، الوسائل 4: 348 أبواب لباس المصلّي ب 3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 352

فكتب: «لا بأس به إذا كان ذكيّا» «1».

و ظاهر أنّه فرق بين ما كان ذكيت و بين ما جاز كونه ذكيا.

و لا تفيد في دفع الأصل، المستفيضة الدالّة على جواز الصلاة في الجلد

و اشترائه ما لم يعلم أنّه ميتة، كموثّقة سماعة المتقدّمة «2»، و مكاتبة يونس: عن الفرو و الخفّ ألبسه و أصلّي فيه و لا أعلم أنّه ذكي، فكتب: «لا بأس به» «3» و غير ذلك مما يأتي بعضها، لمعارضتها مع الحسنة، فتتساقطان.

و لا تفيد خصوصية المستفيضة في ما جرت عليه اليد، و بما لم تكن عليه يد كافر لخروجه بالإجماع، لاختصاص الحسنة أيضا بما لم تكن عليه يد مسلم بالإجماع، كما يأتي، فيتعارضان بالعموم من وجه.

و لا تفيد أكثرية المستفيضة و أصحّيتها، لأنّهما لو سلّمتا لا تفيدان في مقام الترجيح عندنا، مع أنّ الحسنة أبعد عن مذهب العامّة.

ثمَّ إنّه يجب الحكم بخروج ما في يد مسلم من تحت الأصل ما لم يخبر عن عدم التذكية، بالإجماع القطعي المعلوم من طريقة المسلمين في الأعصار و الأمصار.

و كذا ما أخذ في سوق المسلمين و لو من يد مجهول الحال، لصحيحتي الحلبي: إحداهما: الخفاف عندنا في السوق نشتريها فما ترى في الصلاة فيها؟

فقال: «صلّ فيها حتّى يقال لك إنّها ميتة بعينها» «4».

و الأخرى: عن الخفاف التي تباع في السوق، فقال: «اشتر و صلّ فيها حتّى تعلم أنّه ميّت بعينه» «5».

______________________________

(1) التهذيب 2: 362- 1500، الوسائل 4: 433 أبواب لباس المصلي ب 41 ح 2.

(2) ص 347 رقم 7.

(3) الفقيه 1: 167- 789، الوسائل 4: 456 أبواب لباس المصلّي ب 55 ح 4.

(4) الكافي 3: 403 الصلاة ب 65 ح 28.

(5) التهذيب 2: 234- 920، الوسائل 4: 427 أبواب لباس المصلي ب 38 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 353

و رواية ابن الجهم: أعترض السوق فأشتري خفّا لا أدري أ ذكي هو أم لا؟

قال: «صلّ فيه» قلت:

فالنعل؟ قال: «مثل ذلك» قلت: إنّي أضيق من هذا، قال: «أ ترغب عمّا كان أبو الحسن عليه السلام يفعله» «1».

و صحيحة البزنطي: عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء لا يدري أ ذكيّة هي أم غير ذكية أ يصلّي فيها؟ قال: «نعم ليس عليكم المسألة» «2» الحديث، و قريبة منها صحيحته الأخرى «3»، و صحيحة الجعفري «4».

و إطلاقها و إن شمل سوق الكفّار، و مجهول الحال أيضا، إلّا أنّهما خرجا بمفهوم حسنة الفضلاء الثلاثة: عن شراء اللحم من الأسواق ما يدري ما يصنع القصابون، قال عليه السلام: «كل إذا كان في سوق المسلمين و لا تسأل عنه» «5».

و كون المسؤول عنه اللحم غير ضائر، لعدم الفضل.

بل قد يقال: إنّ الظاهر من السوق في الروايات أيضا سوق المسلمين، لأنّه المتداول عندهم و إن كان ذلك محلا للمنع.

كما أنّه خرج ما أخذ عن يد الكافر في سوق المسلمين عن تحت تلك الإطلاقات، بالإجماع.

و كذا خرج ما إذا كان سوق المسلمين في بلد غالب أهله الكفّار- لو قلنا إنّ سوق المسلمين ما كان أهله، أو غالبهم المسلمين، و إن كان في بلد الكفر، أو بلد غالب أهله الكفر- بصحيحة إسحاق بن عمار: «لا بأس بالصلاة في الفراء

______________________________

(1) الكافي 3: 404 الصلاة ب 65 ح 31، التهذيب 2: 234- 921، الوسائل 3: 493 أبواب النجاسات ب 50 ح 9.

(2) التهذيب 2: 368- 1529، الوسائل 3: 491 أبواب النجاسات ب 50 ح 3.

(3) التهذيب 2: 371- 1545، الوسائل 3: 492 أبواب النجاسات ب 50 ح 6.

(4) الفقيه 1: 167- 787، الوسائل 24: 491 أبواب النجاسات ب 50 ذيل حديث 3.

(5) الكافي 6: 237 الذبائح ب 13 ح 2، الفقيه 3:

211- 976، التهذيب 9: 72- 307، الوسائل 24: 70 أبواب الذبائح ب 29 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 1    354     المسألة الثالثة: إن علمت حال الجلد من حيث التذكية و عدمها فحكمه ظاهر ..... ص : 351

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 354

اليماني و في ما صنع في أرض الإسلام» قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟

قال: «إذا كان الغالب عليها المسلمون لا بأس» «1» دلّت على ثبوت البأس في ما لم يكن غالب أهله الإسلام و إن كان في سوق المسلمين.

و لتعارضها مع ما مرّ بالعموم من وجه، يرجع إلى أصالة عدم التذكية. كما إذا أخذ في سوق الكفار، أو مجهول الحال، في بلد غالب أهله المسلمون، فإنّه يرجع فيه بعد تعارض الصحيحة و حسنة الفضلاء إلى ذلك الأصل إلّا أن يعمّم السوق في إطلاقاته و يرجع إليه، و لا بأس به.

و كذا خرج بمنطوق الصحيحة ما أخذ في أرض المسلمين، أو أرض كان الغالب عليها المسلمون، و إن لم يكن في السوق.

و لا يعارضه مفهوم الحسنة، إذ المحكوم عليه فيها ما يشترى من الأسواق.

و كذا خرج ما يؤخذ من يد مجهول الحال مطلقا إذا أخبر بالتذكية، برواية الأشعري: ما تقول في الفرو يشترى من السوق؟ قال: «إذا كان مضمونا فلا بأس» «2».

و لا ضير في تعارضها مع الحسنة، لإيجابه الرجوع إلى عمومات جواز الأخذ من السوق. مع أنّ الظاهر من قوله في الحسنة: «و لا تسأل عنه» أنّه إذا أخذ من غير سوق المسلمين مع السؤال و الإخبار بالتذكية، لم يكن فيه بأس. بل لو لا الإجماع على عدم جواز الأخذ من الكافر، لقلنا بجواز الأخذ منه مع

ضمانه، لتلك الرواية.

و لا تضرّ معارضته تلك الروايات المخرجة لما ذكر عن تحت الأصل، مع الأخبار المتقدّمة أولا، الموافقة لذلك الأصل، لأنّها لمعارضتها مع المستفيضة المذكورة المخالفة له، معزولة عن التأثير.

______________________________

(1) التهذيب 2: 368- 1532، الوسائل 4: 456 أبواب لباس المصلّي ب 55 ح 3.

(2) الكافي 3: 398 الصلاة ب 65 ح 7، الوسائل 4: 463 أبواب لباس المصلّي ب 61 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 355

ثمَّ إنّه لم يخرج غير ما ذكر من الأقسام المذكورة عن تحت الأصل المذكور، على الحق المشهور.

خلافا لشرذمة من المتأخّرين، فحكموا بالطهارة ما لم يعلم أنّه ميتة مطلقا «1»، للأصل، و الأخبار، المتقدّم جوابهما.

و أمّا رواية السكوني: عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة، كثير لحمها، و خبزها، و جبنها، و بيضها. و فيها سكين. قال أمير المؤمنين عليه السلام: «يقوّم ما فيها ثمَّ يؤكل، لأنّه يفسد و ليس له بقاء، فإن جاء طالبها غرموا له الثمن» قيل:

يا أمير المؤمنين لا ندري سفرة مسلم، أو سفرة مجوسي، قال: «هم في سعة حتى يعلموا» «2».

فبعد ملاحظة ظهورها في أنّ المدلول عليه فيها في حكم ما عليه يد، و معارضتها مع صحيحة ابن عمار، لا يثبت منها أزيد من خروج ما أخذ من يد مجهول في أرض المسلمين.

و أمّا رواية إسماعيل بن عيسى: عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل، أ يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟ قال:

«عليكم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، و إذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه» «3».

فمعناها: أنّه عليكم السؤال عن المسلم البائع إذا كان المشركون أيضا يبيعون الجلد، لا أن المشرك كان بائعه، فلا

يدلّ على خروج ما أخبر المشرك البائع بذكاته.

و هل يجب السؤال عن المسلم حينئذ، فلا يجوز الأخذ بدونه؟ الظاهر نعم،

______________________________

(1) كما قال به في المفاتيح 1: 108، و المدارك 2: 387، و الحدائق 5: 526.

(2) الكافي 6: 297 الأطعمة ب 48 ح 2، الوسائل 3: 493 أبواب النجاسات ب 50 ح 11.

(3) الفقيه 1: 167- 788، التهذيب 2: 371- 1544، الوسائل 3: 492 أبواب النجاسات ب 50 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 356

عملا بالنص، بشرط أن يكون المسلم غير عارف، أي غير المؤمن، كما هو مورد الرواية، و لا يجب السؤال في غير ذلك.

و [أما] [1] مفهوم رواية الأشعري، فيخصّص بمنطوق حسنة الفضلاء، و الصحاح الثلاث المتقدّمة عليها الناهية عن السؤال.

و لا فرق في جواز الأخذ من غير سؤال في غير مورد الرواية ممّا يجوز الأخذ منه بين كون المأخوذ منه ممّن يستحلّ الميتة بالدبغ، أو لا، وفاقا لصريح جماعة مستندين إلى إطلاق المستفيضة المتقدّمة، بل العموم الناشئ عن ترك الاستفصال في جملة منها.

خلافا للمنتهى و التذكرة و التحرير، فمنع عمّا يؤخذ من يد مستحلّ الميتة بالدبغ و إن أخبر بالتذكية «2». و للدروس إن لم يخبر بها «3». و للذكرى إن أخبر بعدم التذكية. و يقبل إن أخبر بالتذكية، و تردّد في صورة السكوت «4»، لأصالة عدم التذكية.

و هي بما مرّ مندفعة.

و أما الخبران «5»: أحدهما في إلقاء علي بن الحسين الفراء عند الصلاة، و الثاني في عدم جواز البيع بشرط أنها ذكية، فغير مفيدين لهم.

أما الأول: فلأن غاية ما يستفاد منه أنه كان ينزع فرو العراق حال الصلاة، فيجوز أن يكون على (وجه) [2] الأفضلية و أما الثاني: فلأن النهي

فيه عن بيع ما أخبر بذكاته إنما هو بشرط أنه

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

[2] لا توجد في «ه» و «ق».

______________________________

(2) المنتهى 1: 226، التذكرة 1: 94، التحرير 1: 30.

(3) الدروس 1: 150.

(4) الذكرى: 143.

(5) المتقدمان ص 349 رقم 4، 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 357

مذكى، و هو غير دال على مطلوبهم، بل لبسها في غير حال الصلاة- كما في الأول- و نفي البأس عن بيعه أخيرا- كما في الثاني- يشعر بل يدل على عدم كونه ميتة.

المسألة الرابعة: يكره استعمال الجلد إذا كان مما لا يؤكل
اشارة

ممّا تقع عليه الذكاة في غير الصلاة قبل الدبغ، حذرا عن خلاف من يأتي.

و لا يحرم على الأظهر الأشهر بين المتأخرين، لإطلاق النصوص بجواز الاستعمال من دون تقييد بالدبغ.

ففي الموثق: عن لحوم السباع و جلودها، فقال: «أما اللحوم فدعها، و أما الجلود فاركبوا عليها» «1».

و فيه: عن جلود السباع ينتفع بها؟ فقال: «إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده» «2».

و الصحيح: عن لباس الفراء، و السمور، و السنجاب، و الحواصل، و ما أشبهها، و المناطيق [1]، و الكيمخت، و الحشو بالفراء، و الخفاف من أصناف الجلود. فقال: «لا بأس بهذا كله إلا بالثعالب» «4».

و يستفاد منه البأس في الثعالب، و هو للكراهة، للتصريح بالجواز في كثير من الروايات الآتية في كتاب الصلاة.

خلافا للشيخ في النهاية، و المبسوط، و الخلاف «5»، و السيد في المصباح، بل عن المفيد، و الحلي، و القاضي، و ابن سعيد «6». فمنعوا عن قبل الدبغ، إما

______________________________

[1] في «ق»: و المناطق.

______________________________

(1) الفقيه 1: 169- 801، التهذيب 2: 205- 802، الوسائل 4: 353 أبواب لباس المصلي ب 5 ح 3، 4 بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 9: 79- 339، الوسائل 3: 489 أبواب النجاسات ب 49

ح 2.

(4) التهذيب 2: 369- 1533، الوسائل 4: 352 أبواب لباس المصلّي ب 5 ح 2.

(5) النهاية: 586، المبسوط 1: 15، الخلاف 1: 64.

(6) السرائر 3: 114، المهذب 1: 31، الجامع المقاصد: للشرائع: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 358

للنجاسة، كما يحكى عنهم تارة «1»، أو للمنع تعبدا، كما يحكى اخرى.

و مستندهم غير واضح، إلا ما يحكى عن الأول من الإجماع على الجواز بعده. و ليس هو و لا غيره قبله «2».

و فيه: أن النجاسة إلى الدليل محتاجة، و لم تثبت نجاسة الجلد، لعدم صدق الميتة بعد ورود التذكية.

نعم، في الرضوي: «دباغة الجلد طهارته» «3» و هو- مع عدم الحجية و احتمال التقية- غير دال على الحكاية الثانية.

فرعان:

أ: يجوز أخذ الجلد من المسلم و لو علم أخذه من الكافر، على الأظهر، إذا كان في سوق المسلمين في بلد غالب أهله الإسلام، للعمومات المتقدّمة، و عدم ثبوت الإجماع على خروج مثل ذلك أيضا، سيّما على القول بحمل فعل المسلم على الصحّة، فلعله علم بالتذكية.

و كذا يجوز الأخذ من الكافر إذا علم أنه أخذه من المسلم إذا كان في السوق المذكور، لما ذكر.

ب: الجلد الذي لم يعلم أنه مما ترد عليه التذكية أم لا إذا أخذ من يد المسلم، فالظاهر كونه في حكم المذكى.

و ما لم يعلم أنه مما يؤكل لحمه أم لا، يأتي حكمه في بحث لباس المصلي إن شاء اللّه سبحانه.

______________________________

(1) حكى عنهم في كشف اللثام 2: 258.

(2) حكاه في المدارك 2: 388.

(3) فقه الرضا (ع): 302.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 359

المقصد الثالث: في الطهارة من الحدث

اشاره

و فيه مقدمة و أبواب.

المقدمة في أحكام الخلوة و آدابها

، و فيها ثلاثة فصول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 360

الفصل الأول: في واجباتها
فمنها: ستر العورة عن الناظر المحترم الذي يحرم وطؤه

، لا لكون الكشف إعانة على النظر المحرم قطعا، كما قيل «1»، لمنع كونه إعانة مطلقا، لاعتبار القصد فيها، بل للإجماع المحقّق و المنقول «2»، و المستفيضة من النصوص:

كمرسلة الفقيه- بعد السؤال عن قول اللّه عز و جل قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ «3»-: كل ما كان في كتاب اللّه عز و جل من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا، إلا في هذا الموضع، فإنه الحفظ من أن ينظر إليه» «4».

و الأخرى: «إذا اغتسل أحدكم في فضاء من الأرض، فليحاذر على عورته» «5».

و الثالثة: «لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الناظر و المنظور إليه في الحمام بلا مئزر» «6».

و رواية أبي بصير: يغتسل الرجل بارزا؟ قال: «إذا لم يره أحد لا بأس» «7».

و التقييد بالحمام و التخصيص بالاغتسال غير ضائر، لعدم مدخليتهما، بالإجماع.

و المروي في الدعائم: روينا عن أهل البيت أنهم أمروا بستر العورة، و غض البصر عن عورات المسلمين، و نهوا المؤمن أن يكشف العورة، و إن كان بحيث لا

______________________________

(1) الذخيرة: 15.

(2) كما نقله العلامة في التحرير 1: 31، و الشهيد في الذكرى: 15.

(3) النور: 30.

(4) الفقيه 1: 63- 235، الوسائل 1: 300 أبواب أحكام الخلوة ب 1 ح 3.

(5) الفقيه 4: 2- 1، الوسائل 1: 299 أبواب أحكام الخلوة ب 1 ح 2.

(6) الكافي 6: 503 الزي و التجمل ب 43 ح 36، الوسائل 2: 56 أبواب آداب الحمام ب 21 ح 1.

(7) التهذيب 1: 374- 1148، الوسائل 2: 43 أبواب آداب الحمام ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 361

يراه أحد «1».

و

تؤيده أيضا، بل تدل عليه المستفيضة الناهية عن دخول الحمام بلا مئزر «2».

و المروي في الاحتجاج: أين يضع الغريب في بلدتكم هذه؟ قال: «يتوارى خلف الجدار، و يتوقى أعين الجار، و شطوط الأنهار، و مسقط الثمار، و لا يستقبل القبلة و لا يستدبرها» «3» الحديث.

و ضعف بعضها بالعمل مجبور، فتجويز استحباب الستر مطلقا، كما عن بعض المتأخرين، لضعف سند الأخبار، ضعيف.

و التصريح بالكراهة في بعض الروايات «4»، لا يفيد، لكونها أعم من الحرمة في العرف السابق.

ثمَّ [1] القدر الثابت من الإجماع و إن لم يكن إلا وجوب الستر مع العلم بالناظر عمدا، إلا أن إطلاق الأخبار المتقدمة يثبت الوجوب و لو مع النظر سهوا.

كما إن إطلاق المرسلتين الأوليين، و رواية الدعائم، يثبته مع الظن بالنظر أيضا، بل الشك، لأن الحفظ عن النظر و الحذر عنه لا يكون عرفا إلا مع الستر و لو مع الشك بوجود النظر، كما في قولك: احفظ المتاع عن السارق. فهو الحق كما رجحه والدي- رحمه اللّه- مع الظن، و احتمله مع الشك.

و أما مع الوهم به، أو العلم بعدمه فلا، للأصل، و الإجماع، و رواية أبي بصير.

______________________________

[1] في «ق»: ثمَّ إن.

______________________________

(1) الدعائم 1: 103، المستدرك 1: 245 أبواب أحكام الخلوة ب 1 ح 2.

(2) راجع الوسائل 2: 38، 41 أبواب آداب الحمام ب 9، 10.

(3) الاحتجاج: 388، الوسائل 1: 326 أبواب أحكام الخلوة ب 15 ح 7.

(4) راجع الوسائل 2: أبواب آداب الحمام ب 3 ح 3 و ب 9 ح 8 و ب 10 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 362

و بالأخيرتين [1] تخصص روايته الأخرى: «إذا تعرى أحدكم نظر إليه الشيطان فيطمع فيه فاستتروا» «2» مع

أن مخالفة إطلاقها لعمل المعظم، مخرجة لها عن الحجية.

و بها يجاب عن رواية الدعائم المتقدمة، مع أنها في نفسها أيضا ضعيفة، فقول الإسكافي بوجوبه مطلقا، كما عنه في التنقيح «3»، ضعيف.

نعم، الظاهر استحبابه حين عدم الناظر، لرواية الدعائم.

و منها: ترك استقبال القبلة، و استدبارها، عند التخلي مطلقا

، وفاقا للشيخ «4»، و الحلي «5»، و الفاضلين «6»، و القاضي «7»، و الشهيدين «8»، و الكركي «9».

و كلام المفيد «10» غير آب عن الحمل عليه، كما حمل عليه (شارح الدروس) [2].

و اختاره والدي العلّامة- رحمه اللّه- في اللوامع، و المعتمد، بل هو المشهور، كما صرح به غير واحد «12».

و عن الخلاف و الغنية «13»: الإجماع عليه.

______________________________

[1] في «ه» و «ق»: الأخيرين.

[2] هو المحقق الخوانساري في مشارق الشموس: 17، و ما بين القوسين ليس في: «ه» و «ق».

______________________________

(2) التهذيب 1: 373- 1144، الوسائل 2: 38 أبواب آدام الحمام ب 9 ح 2.

(3) التنقيح 1: 69.

(4) المبسوط 1: 16، الخلاف 1: 151، النهاية: 9.

(5) السرائر: 1: 95.

(6) المحقق في الشرائع 1: 18، و المعتبر 1: 122، و العلامة في المختلف: 19، و التحرير 1: 7.

(7) المهذب 1: 41.

(8) الأول في الدروس: 1: 88، و البيان: 41، و الثاني في الروضة 1: 83، و الروض: 22.

(9) جامع المقاصد 1: 99.

(10) المقنعة: 39.

(12) كما صرّح به في الذكرى: 20، و الذخيرة: 16.

(13) الخلاف 1: 102، الغنية (الجوامع الفقهية): 549.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 363

للمستفيضة المصرّحة بالنهي، كرواية الحسين بن يزيد: «إذا دخلتم الغائط فتجنبوا القبلة» «1» و نحوها المروي في مجالس الصدوق «2».

و مرسلة الفقيه: نهى النبي عن استقبال القبلة ببول أو غائط «3».

و المروي في نوادر الراوندي: نهى أن يبول الرجل و فرجه باد للقبلة «4».

و

في الدعائم: نهى عن استقبال القبلة و استدبارها في حال الحدث و البول «5».

و في العلل: «و إذا أراد البول أو الغائط، فلا يجوز له أن يستقبل القبلة بقبل و لا دبر» «6».

و رواية الهاشمي: «إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة، و لا تستدبرها، و لكن شرقوا أو غربوا» «7».

و مرفوعات محمد و عبد الحميد و علي: اولياها: ما حدّ الغائط؟ قال: «لا تستقبل القبلة، و لا تستدبرها، و لا تستقبل الريح، و لا تستدبرها» «8» أ و الثالثة: أين يضع الغريب ببلدكم؟ فقال: «اجتنب أفنية المساجد، و شطوط الأنهار، و مساقط الثمار، و منازل النزال، و لا تستقبل القبلة بغائط و لا

______________________________

(1) الفقيه 4: 2- 1، الوسائل 1: 302 أبواب أحكام الخلوة ب 2 ح 3.

(2) مجالس الصدوق: 345.

(3) الفقيه 1: 180- 851، الوسائل 1: 302 أبواب أحكام الخلوة ب 2 ح 4.

(4) نوادر الراوندي: 54، المستدرك 1: 247 أبواب أحكام الخلوة ب 2 ح 4.

(5) الدعائم: 1: 104، المستدرك 1: 246 أبواب أحكام الخلوة ب 2 ح 1.

(6) نقلها في البحار 77: 194- 53 عن كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم

(7) التهذيب 1: 25- 64، الاستبصار 1: 47- 130، الوسائل 1: 302 أبواب أحكام الخلوة ب 2 ح 5.

(8) الكافي 3: 15 الطهارة ب 11 ح 3، التهذيب 1: 26- 65، الاستبصار 1: 47- 131، الوسائل 1: 301، 302 أبواب أحكام الخلوة ب 2 حديث 2 و 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 364

بول» «1».

و ضعف تلك الأخبار كلّا أو بعضا، بعد الانجبار بالشهرة المحققة و المحكية و الإجماع المنقول، كاحتمال بعضها للنفي الغير الصريح في التحريم، بعد اشتمال

جملة على النهي الصريح، و اقتران النهي في بعضها بما هو مكروه، بعد عدم إيجابه لخروج النهي عن حقيقته، غير ضائر.

فالقول بالكراهة مطلقا، لبعض ما ذكر أو كله، مضافا إلى دعوى إشعار بعض الأخبار بالكراهة- المردودة بالمنع، مع احتماله التقية كما يستفاد من الأخبار العامية «2»- كجماعة من المتأخرين «3»، و يحتمله كلام المفيد «4» أيضا، كما عليه حمله السلطان في حواشي المختلف. أو التردد كبعضهم «5»، ضعيف.

و مقتضى الإطلاقات: عدم الفرق في ذلك بين الصحاري و البنيان.

و وجود كنيف مستقبل القبلة في منزل الرضا (ع)- كما في حسنة محمد بن إسماعيل «6»- لا يدلّ على كونه من فعله، أو جلوسه عليه، مع احتمال كون بابه إليها.

فالتفرقة بالتحريم في الأول، و الكراهة في الثاني، كالديلمي «7»، و لذلك حمل المحقق «8»، و الشهيد «9» كلام المفيد عليه، أو الكراهة في الأول، و الإباحة في

______________________________

(1) الكافي 3: 16 الطهارة ب 11 ح 5، التهذيب 1: 30- 79، الوسائل 1: 301 أبواب أحكام الخلوة ب 2 ح 1.

(2) سنن أبي داود 1: 4.

(3) كما في مجمع الفائدة 1: 89، 1: 158، المفاتيح 1: 43.

(4) المقنعة: 39.

(5) الذخيرة: 16.

(6) التهذيب 1: 352- 1043، الاستبصار 1: 47- 132، الوسائل 1: 303 أبواب أحكام الخلوة ب 2 ح 7.

(7) المراسم: 32.

(8) المعتبر 1: 123.

(9) الذكرى: 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 365

الثاني، كالإسكافي «1» له أيضا، و حمل قول المفيد في المختلف عليه «2»، باطلة.

و مقتضى روايتي الدعائم، و العلل- المنجبرتين بما مر- بل ظاهر رواية الهاشمي: وجوب ترك كل من الاستقبال و الاستدبار في كل من حالتي البول و الغائط و إن اختص سائر الروايات المتضمنة للاستدبار بالغائط،

فتوهم اختصاصه به فاسد.

و الظاهر المتبادر من الاستقبال و الاستدبار ما كان بجملة البدن، لا بالعورة خاصة، فتجويز زوال المنع بتحريفها عن القبلة، كبعضهم «3» غير صحيح.

و هل يحرم تحريفها إليها؟ قال والدي رحمه اللّه: نعم، لظاهر قوله في المرسلة: «ببول و لا غائط» و في المروي عن النوادر: «و فرجه باد للقبلة».

و يضعف الأول: بجواز كون الباء للمصاحبة، أو الملابسة، أو بمعنى «في» و الثاني: بضعفة الغير المنجبر في المورد، فالعدم كما هو مقتضى الأصل أقوى.

و الواجب هو: ترك الاستقبال و الاستدبار خاصة، دون التشريق و التغريب، للأصل.

و قوله في رواية الهاشمي: «شرقوا أو غربوا» «4» لا يثبته، لأن إرادة المواجهة منه غير معلومة، و إرادة الميل- كما في التيامن و التياسر- ممكنة، و كون حقيقته الأول- كما قيل- ممنوعة.

و رواية: «ما بين المشرق و المغرب قبلة» «5» على ظاهرها- بالإجماع و النص- غير باقية، فالقول بوجوبهما ضعيف، بل لا دليل على استحبابهما أيضا.

______________________________

(1) نقله عنه في المختلف: 19.

(2) المختلف: 19.

(3) التنقيح 1: 69.

(4) المتقدمة ص 362.

(5) الفقيه 1: 180- 855، الوسائل 4: 300 أبواب القبلة ب 2 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 366

و الوجوب مختصّ بحال الحدث، للأصل. دون الاستنجاء.

و موثقة الساباطي: الرجل يريد أن يستنجي كيف يقعد؟ قال: «كما يقعد للغائط» «1» لا تفيد الوجوب. فإيجابه- كبعضهم «2»- غير جيد. نعم، الظاهر استحبابه، لذلك.

و لو اشتبهت القبلة يجب الفحص عنها مع الإمكان. لا لتوقف تجنب القبلة أو العلم به عليه، لمنع توقف الأول و وجوب الثاني. و لا لاستدعاء الشغل بالتجنب للبراءة اليقينية، لمنع الشغل حال الاشتباه. بل لشهادة العرف بإرادة الفحص مع الإمكان عمّا أمر باجتنابه أو ارتكابه.

و

قيل: لا «3». و اختاره والدي رحمه اللّه، لأنّ الظاهر من الأخبار أنّ الواجب عدم العلم بالمواجهة.

و فيه: منع الظهور.

و إذا تعارض كلّ من الاستقبال و الاستدبار مع الآخر، يتخير، كما إذا تعارضا أو أحدهما مع محرّم آخر. و يسقط التحريم عن المضطر. و وجه الكلّ بالتأمل يظهر.

و منها: غسل مخرج البول بالماء
اشارة

، فلا يطهّره غيره، بالإجماعين «4»، و النصوص المستفيضة، بل المتواترة معنى.

منها: الصحيح: «لا يجزي من البول إلا الماء» «5».

______________________________

(1) الكافي 3: 18 الطهارة ب 12 ح 11، التهذيب 1: 355- 1061، الوسائل 1: 360 أبواب أحكام الخلوة ب 37 ح 2.

(2) الحدائق 2: 41.

(3) المدارك 1: 160.

(4) ادعى الإجماع عليه في الانتصار: 16، و الخلاف 1: 103، و التذكرة 1: 13 و غيرها.

(5) التهذيب 1: 50- 147، الاستبصار 1: 57- 166، الوسائل 1: 316 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 367

و الآخر: «و أما البول فلا بدّ من غسله» «1».

و منها: المستفيضة الآمرة بغسل الذكر «2».

و بعض الأخبار المنافي لذلك ظاهرا «3» لا ينافيه في نظر التحقيق. و لو سلم فشاذ متروك، و على التقية محمول، لأنّ القول بمفاده عند العامة مشهور «4»، و لذلك لا يقاوم ما مرّ لو عارضه.

و الواجب منه مثلا ما على الحشفة من البلل «5»، فلا يجزي الأقل، وفاقا للصدوقين «6»، و المقنعة، و النهاية و المبسوط و الديلمي «7»، و المحقق، و القواعد و التذكرة «8»، و الشهيدين «9»، و نسبه في شرح القواعد، و الذخيرة، إلى المشهور «10»، لخبر نشيط: كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال:

«مثل ما على الحشفة من البلل» «11».

و المتبادر من إجزاء شي ء لشي ء- بعد السؤال

عن كمية ما يجزي- أنه أقل ما يلزم فيه، مع أن معنى أجزاء شي ء حصول الامتثال به، و هو حقيقة في حصوله بالمجموع، لا بجزئه، فالإيراد بعدم صراحتها ساقط، و الخبر، معتبر الإسناد،

______________________________

(1) التهذيب 1: 49- 144، الاستبصار 1: 55- 160، الوسائل 1: 315 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 1.

(2) راجع الوسائل 1: 294 أبواب نواقض الوضوء ب 18.

(3) راجع الوسائل 1: 283، 284 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 7- 4.

(4) انظر بداية المجتهد 1: 83.

(5) في «ه»: البول.

(6) الفقيه 1: 21، و في نسخة من المختلف: 20 نسبته إلى الصدوقين.

(7) المقنعة: 42، النهاية: 11، المبسوط 1: 17، المراسم: 33.

(8) الشرائع 1: 18، القواعد 1: 3، التذكرة 1: 13.

(9) الأول في البيان: 41، و الثاني في المسالك 1: 5.

(10) جامع المقاصد 1: 93، الذخيرة: 16.

(11) التهذيب 1: 35- 93، الاستبصار 1: 49- 139، الوسائل 1: 344 أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 368

فالقول بضعفها ضعيف، مع أنّه بالشهرة مجبور.

و لا ينافيه خبره الآخر: «يجزي من البول أن يغسل بمثله» «1» لكونه أعم من الاستنجاء بل البدن، فتخصيصه بغيرهما متعين. مع أنّ إرادة الإجزاء في الغسلة الواحدة من الغسلتين اللازمتين هنا- كما يأتي- ممكنة، إذ يجوز أن يكون معنى قوله: «يجزي من البول» يجزي من غسله، أي في تحقّق غسله، لا من الاستنجاء منه، و الغسل يصدق على كل مرة أيضا، فيكون بيانا لأقل ما يجزي في صدق الغسل في البول، لا في الاستنجاء منه، فلا يتعين إرادة الإجزاء من الغسلتين.

و به يجاب عن مرسلة الكافي: يجزي أن يغسل بمثله إذا كان على رأس الحشفة و غيره»

«2» مع احتمال كون التعميم من كلام الكليني، فتكون عامة كسابقها.

هذا، مع أنّهما لو تعارضا و تساقطا أيضا، لكان المرجع إلى الغسل مرّتين، و هو لا يتحقق بالأقلّ من المثلين.

و كذا لا تنافيه إطلاقات الغسل في الاستنجاء من البول، لوجوب حمل المطلق على المقيد.

و لا حسنة ابن المغيرة: للاستنجاء حد؟ قال: «لا، حتى ينقى ما ثمّة» قلت: فإنّه ينقى ما ثمّة و يبقى الريح، قال: «الريح لا ينظر إليه» «3» لكونها ظاهرة في الاستنجاء من الغائط من وجوه.

و يجب أن يغسل المخرج مرتين، كما هو صريح الصدوق، و الكركي «4»،

______________________________

(1) التهذيب 1: 35- 94، الاستبصار 1: 49- 140، الوسائل 1: 344 أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 7.

(2) الكافي 3: 20 الطهارة ب 20 ح 14 ملحق ح 7، الوسائل 1: 343 أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 2.

(3) الكافي 3: 17 الطهارة ب 12 ح 9، الوسائل 1: 322 أبواب أحكام الخلوة ب 13 ح 1.

(4) الفقيه 1: 21، جامع المقاصد 1: 93.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 369

و الشهيدين «1»، بل ظاهر المعتبر الإجماع عليه «2»، لعمومات وجوب المرتين إذا أصاب البول الجسد، المتقدمة «3».

و دعوى: ظهورها في العروض من الخارج- بعد الصدق لغة، بل عرفا- ممنوعة. و تخصيصها بغير المخرج- لرواية نشيط الأخيرة، و حسنة ابن المغيرة- فاسد، لما مرّ.

نعم تعارضها إطلاقات غسل المخرج، فيجب إما تخصيص العمومات، أو تقييد الإطلاقات، و إذا لا مرجّح، و لا تخيير إجماعا، فتتساقطان و يرجع إلى استصحاب النجاسة.

و أما أصل البراءة عن الزائد فمع الاستصحاب غير مؤثر.

و إجزاء المثلين لا ينافي وجوب المرتين- كما قد يقال «4»- بناء على اشتراط الغلبة في المطهّر، فتجعل

المرتان كناية عن الغسلة الواحدة، لمنع اشتراط الغلبة، و تحقق الغسل في كل مرة مع المماثلة.

و دعوى: لزوم الأكثرية ممنوعة، إذ لا يلزم في تحققه عرفا إلا الجريان، و هو في المثل متحقق، و لذا يجزي نحوه في غسل الأعضاء في الطهارة، فإن المراد بمثل ما على الحشفة مثل القطرة المتخلفة فيها غالبا، و لا شك في جريانه. دون رطوبة الحشفة، لأنها عرض لا يمكن تقدير مثله و [1] مثليه في الماء الذي هو جوهر، و لو كان جسما أيضا لا يمكن تقديره، و لو أمكن فتحقّق الغسل به عرفا ممنوع، فالمراد مثل القطرة، و تحقق الغسل به في كلّ مرة ظاهر. و لو اشترط فيه أمر لا يتحقق بالقطرة، لم يتحقق بالقطرتين أيضا إلا الغلبة و الأكثرية، و قد عرفت منع

______________________________

[1] في «ق»: أو.

______________________________

(1) الأول في الذكرى: 21. و الثاني في المسالك 1: 5.

(2) المعتبر 1: 126.

(3) ص 284.

(4) المدارك 1: 163، الحدائق 2: 19.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 370

اشتراطهما، و التعليل الوارد في بعض الأخبار «1» يدلّ على أنّ الأكثر من القذر له مطهّر، لا أن غيره لا يطهّر.

و من ذلك ظهر ضعف القول بالاكتفاء فيه بالمرة، كما هو مذهب جماعة [1]، بل هو لازم قول كلّ من نفى وجوب المثلين و اكتفى بمسمى الغسل، كالحلي و الحلبي و القاضي، و المنتهى و المختلف «3»، و أكثر الثالثة [2].

و الظاهر اختصاص التعدّد بالغسل في القليل، فلا يجب في الجاري و الكثير، كما ذكرنا وجهه في بحث كيفية التطهير، و [3] وجه اعتبار التعدد الحسي في ما يعتبر فيه التعدد و عدم كفاية التقديري.

فرع: الأغلف المرتتق يكشف الحشفة و يغسلها، لكونها من الظواهر عرفا.
و منها: الاستنجاء من الغائط.
اشارة

و يجوز بالماء و بالأحجار، و الأول أفضل،

و الجمع أكمل، و مع التعدي يتعين الأول.

أما الأولان [4]: فبالإجماع القطعي و النصوص المستفيضة.

فممّا [5] يدل على الأول إطلاقا: حسنة ابن المغيرة المتقدمة «8».

و موثّقة يونس: عن الوضوء الذي افترضه اللّه على العباد لمن جاء من الغائط

______________________________

[1] منهم صاحبا المدارك 1: 164، و الذخيرة: 17.

[2] أي الطبقة الثالثة و هم متأخر و المتأخرين منهم صاحبا المدارك و الذخيرة كما مر.

[3] في «ق»: مع.

[4] المراد بهما جواز الاستنجاء بالماء و الأحجار.

[5] في «ق» و «ح»: فما.

______________________________

(1) العلل: 287، الوسائل 1: 222 أبواب الماء المضاف ب 13 ح 2.

(3) السرائر 1: 97، الكافي في الفقه: 127، شرح جمل العلم و العمل: 59، المنتهى 1: 44، المختلف: 20.

(8) ص 367.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 371

أو بال، قال: «يغسل و يذهب بالغائط ثمَّ يتوضأ» «1».

و خصوصا: رواية مسعدة: «مري نساء المؤمنين أن يستنجين بالماء و يبالغن فإنّها مطهّرة للحواشي» «2».

و صحيحة هشام: «يا معشر الأنصار إنّ اللّه قد أحسن عليكم الثناء فما ذا تصنعون؟» قالوا: نستنجي بالماء «3».

و مرسلة الفقيه- بعد قول رجل: فاستنجيت بالماء-: «أبشر فإنّ اللّه تبارك و تعالى قد أنزل فيك إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ «4».

و المتبادر من الاستنجاء كونه المطهر لا جزءه. و غير ذلك.

و مما يدل على الثاني- (بعد الإطلاقين المتقدمين) [1]- صحيحة زرارة:

«يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» «6».

و الأخرى: «جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان و لا يغسله» «7».

و رواية العجلي: «يجزي من الغائط المسح بالأحجار» «8» و غير ذلك ممّا يذكر

______________________________

[1] لا توجد في «ق».

______________________________

(1) التهذيب 1: 47- 134، الاستبصار 1:

52- 151، الوسائل 1: 316 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 5.

(2) الكافي 3: 18 الطهارة ب 12 ح 12، الفقيه 1: 21- 62، التهذيب 1: 44- 125، الاستبصار 1: 51- 147، الوسائل 1: 316 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 3.

(3) التهذيب 1: 354- 1052، الوسائل 1: 354 أبواب أحكام الخلوة ب 34 ح 1.

(4) الفقيه 1: 20- 59، الوسائل 1: 354 أبواب أحكام الخلوة ب 34 ح 3 و الآية في البقرة: 222.

(6) التهذيب 1: 49- 144، الاستبصار 1: 55- 160، الوسائل 1: 315 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 1.

(7) التهذيب 1: 46- 129، الوسائل 1: 348 أبواب أحكام الخلوة ب 30 ح 3.

(8) التهذيب 1: 50- 147، الاستبصار 1: 57- 166، الوسائل 1: 348 أبواب أحكام الخلوة ب 30 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 372

بعضه أيضا.

و مثل الأحجار في الإجزاء كل جسم طاهر- سوى ما يستثنى- على الأظهر الأشهر، المستفيضة عليه دعوى الشهرة «1»، بل عن الخلاف، و السرائر، و الغنية، و المنتهى: الإجماع عليه [1]، لعموم الحسنة و الموثقة السابقتين «3»، و النبويين المنجبرين بما مر:

أحدهما: «إذا جلس أحدكم لحاجة فليمسح ثلاث مسحات» [2].

و الآخر: «و استطب بثلاثة أحجار، أو ثلاثة أعواد، أو ثلاث حثيات من تراب» «5».

و المروي في الدعائم: «لا بأس بالاستنجاء بالحجارة، و الخرق، و القطن، و أشباه ذلك» «6».

و خصوص المستفيضة في الكرسف، و المدر، و الخرق، و الخزف «7».

خلافا للإسكافي «8» في الآجر و الخزف إلّا أن يلابسه طين أو تراب يابس، و الديلمي «9» فيما ليس من الأرض، للأصل. و ما تقدم له دافع.

______________________________

[1] الخلاف 1: 106، السرائر 1: 96: لم

نعثر على دعوى الإجماع فيه، الغنية (الجوامع الفقهية):

487، المنتهى 1: 45.

[2] لم نعثر عليه، نعم، نقله العلامة في التذكرة 1: 13، و ورد مضمونه في مجمع الزوائد للهيثمي 1:

211.

______________________________

(1) راجع مفتاح الكرامة 1: 44.

(3) ص 367، و ص 370.

(5) سنن البيهقي 1: 111.

(6) الدعائم 1: 105، المستدرك 1: 279 أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 1.

(7) الوسائل 1: 357 أبواب أحكام الخلوة ب 35.

(8) نقله عنه في الذكرى: 21.

(9) المراسم: 32.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 373

و أمّا الثالث [1]: فلفتوى المعظم، و رواية مسعدة و تالييها «2»، و صحيحة جميل: «كان الناس يستنجون بالكرسف و الأحجار، ثمَّ أحدث الوضوء، و هو خلق كريم فأمر به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و صنعه، و أنزله اللّه في كتابه بقوله إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ «3» و غير ذلك من المستفيضة «4».

و لا تنافيه صحيحة زرارة: «كان علي بن الحسين عليهما السلام يتمسح من الغائط بالكرسف و لا يغسل» «5»، لإمكان ترك الأفضل منهم.

و لا الأخرى المتقدمة المتضمنة لقوله: «و لا يغسله» إذ معناها الإخبار عن جريان الطريقة على المسح الخالي عن الغسل، و هو غير مناف لفضيلة الغسل، فإنّا أيضا نسلّم جريان الطريقة بذلك.

و أمّا الرابع [2]: فلمرفوعة أحمد: «جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار، و يتبع بالماء» «7» و مقتضاها استحباب تأخير الماء. و هو كذلك.

و أمّا الخامس [3]: فبالإجماع المحقق، و المحكي في المعتبر، و التذكرة، و الذكرى، و الحدائق «9»، و اللوامع، و المعتمد.

و هي الحجة، مضافا إلى الاستصحاب، إذ لا يثبت من الأخبار إجزاء مثل الأحجار إلّا من الاستنجاء، و لم يعلم صدقه على موضع

التعدّي.

______________________________

[1] يعني به أفضلية الماء من الأحجار.

[2] يعني أكمليّة الجمع بين الماء و الأحجار.

[3] يعني تعين الماء مع التعدّي.

______________________________

(2) المتقدمة ص 370.

(3) الكافي 3: 18 الطهارة ب 12 ح 13، الوسائل 1: 355 أبواب أحكام الخلوة ب 34 ح 4، البقرة:

222.

(4) راجع الوسائل 1: 354 أبواب أحكام الخلوة ب 34.

(5) التهذيب 1: 354- 1055، الوسائل 1: 358 أبواب أحكام الخلوة ب 35 ح 3.

(7) التهذيب 1: 46- 130، الوسائل 1: 349 أبواب أحكام الخلوة ب 30 ح 4.

(9) المعتبر 1: 128، التذكرة 1: 13، الذكرى: 21، الحدائق 1: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 374

و لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «يكفي أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز محل العادة» [1].

و قوله: «كنتم تبعرون بعرا، و أنتم اليوم تثلطون ثلطا فأتبعوا الماء الأحجار» [2].

و ضعفهما منجبر بالعمل.

و المراد بالمتعدي: المتجاوز عن المحل المعتاد، كما صرح به في الرواية، فيكون بحيث لا يصدق على إزالته اسم الاستنجاء، فلا يتعين الماء مع التجاوز القليل عن المخرج، لمطلقات كفاية غيره.

فالقول بعدم إجزائه مع ذلك أيضا، استنادا إلى عموم وجوب غسل الموضع النجس و لم يخرج غير نفس المخرج، ضعيف. و إلى رواية مسعدة «3» أضعف، إذ ليس إلّا استنادا بمفهوم اللقب، مع أنّ إرادة حواشي محل الاستنجاء دون الدبر ممكنة. و ظنّ الإجماع على عدم الإجزاء مع مطلق التعدّي- كما في اللوامع- بعيد.

و مثل التعدّي في تعيّن الماء استصحاب الخارج نجاسة خارجة، لعدم صدق الاستنجاء.

و الظاهر في صورة التعدي وجوب غسل الجميع دون مجرد المتعدي، و في صورة الاستصحاب وجوب غسل الخارجة خاصة لو تميزت عن الخارج، و إلا فالجميع، و وجه الكل ظاهر.

فروع:
أ: الواجب غسل الظاهر دون الباطن

، بالإجماع و

النصوص «4»، و إزالة

______________________________

[1] لم نعثر عليه، و الموجود في كتب العامة لم ترد فيه: «إذا لم يتجاوز ..» راجع سنن البيهقي 1:

102، 103، و نقله في المعتبر 1: 128 نحو ما في المتن.

[2] سنن البيهقي 1: 106، رواه عن علي عليه السلام، الثلط: الرقيق من الرجيع.

______________________________

(3) المتقدمة ص 370.

(4) راجع الوسائل 1: 347 أبواب أحكام الخلوة ب 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 375

العين دون الأثر، (للأصل) [1] وفاقا- على ما في اللوامع- عند الاستنجاء بمثل الحجر. و كذلك مع الغسل على الأظهر، إذ ليس (في الأخبار من الأثر أثر) [2].

و مع ذلك وقع الخلاف في المراد منه، فيفسر تارة: باللون، و اخرى:

بالأجزاء الصغار اللطيفة اللزجة العالقة بالمحل، التي لا تزول إلا بالماء، و اخرى بمعنى آخر.

و لا دليل على اعتبار شي ء منها يعتبر إلا عدم العلم بزوال العين معه، و هو- إن سلّم- يرجع إلى الأول، مع أنّه محل منع و نظر.

و أمّا الرائحة: فالظاهر عدم الخلاف في عدم العبرة بها، و في بعض الأخبار «3» تصريح به.

ب: لا خلاف في عدم وجوب التعدد في الغسل، و لا في وجوبه في المسح

مع عدم حصول النقاء بدونه.

و أمّا مع حصوله: فالحق وجوبه (أيضا) [3] ثلاثا في المسح بالحجر، فلا يجزي الأقل، وفاقا للحلي «5»، و المحقق «6»، و المنتهى و الإرشاد «7» و الذكرى و التنقيح «8» و اللوامع و المعتمد. بل نسبه جماعة [4] إلى المشهور، و ظاهر السرائر الإجماع عليه «10»، لاستصحاب النجاسة.

______________________________

[1] لا توجد في «ه» و «ق».

[2] في «ق»: من الأثر في الأخبار أثر.

[3] لا توجد في «ق».

[4] منهم صاحبا المدارك 1: 168، و الذخيرة: 18.

______________________________

(3) راجع الوسائل 1: 322 أبواب أحكام الخلوة ب 13.

(5) السرائر 1: 96.

(6) المعتبر 1: 33، الشرائع

1: 19، المختصر النافع: 5.

(7) المنتهى 1: 45، مجمع الفائدة 1: 89.

(8) الذكرى: 21، التنقيح 1: 71.

(10) السرائر 1: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 376

و صحيحة زرارة و رواية العجلي المتقدمتين «1»، بملاحظة ما مرّ من معنى الإجزاء، و كون الثلاثة أقل الجمع.

و النبويين السابقين «2» بضميمة جبر ضعفهما بالشهرة و الإجماع المحكيين، كانجبار آخرين عاميين أيضا بهما:

أحدهما: «لا يكفي أحدكم دون ثلاثة أحجار» [1].

و الآخر: «لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار» «4».

و خبر سلمان: نهانا النبي أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار «5».

و الاستدلال بالاقتصار في استصحاب الأجزاء الباقية بعد الاستجمار في الصلاة على القدر المجمع عليه «6» ضعيف جدا، لأنّ اللازم الاقتصار في منع الاستصحاب على المتيقن، و لا يقين في الأجزاء المذكورة.

خلافا للمنقول عن المفيد [2]، و القاضي، و المختلف «8»، و جماعة من المتأخرين [3]، فاكتفوا بالواحد مع النقاء، للأصل المندفع بما ذكر، و الحسن و الموثق السابقين «10»، المعارضين لما مرّ بالعموم المطلق، لأعمّيتهما عن الغسل و المسح،

______________________________

[1] لم نعثر على هذا المتن في جوامعهم الحديثيّة التي بأيدينا، نعم، في المغني 1: 173 عن ابن المنذر:

ثبت أن رسول اللّه قال «لا يكفي أحدكم ..».

[2] نسبه في السرائر 1: 96 إلى المفيد، و قال في مفتاح الكرامة 1: 45 و لم أجد له في المقنعة نصا و لعله ذكره في غيرها.

[3] منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 90، و المحدث الكاشاني في المفاتيح 1: 42، و صاحبا المدارك 1: 169، و الذخيرة: 19.

______________________________

(1) ص 370.

(2) ص 371.

(4) صحيح مسلم 1: 224.

(5) صحيح مسلم 1: 223.

(6) كما استدلّ به في الرياض 1: 15.

(8) المهذب 1: 40، المختلف: 19.

(10) ص

367، و 370.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 377

فيجب تخصيصهما به، و المرجوحين بالنسبة إليه- لو تساويا- باعتبار الموافقة للعامة، كما صرّح به في السرائر «1»، المخالفين للاستصحاب الذي هو المرجع مع فرض عدم الترجيح أيضا.

نعم، يحسن الاستدلال بالحسن و الموثق لعدم وجوب التعدد و رفع استصحاب النجاسة في المسح بغير الحجر من الأجسام، حيث إنّه لا دليل على التعدّد فيه يعارض إطلاقهما.

و ما في النبويين «2» من ثلاث مسحات و ثلاثة أعواد و حثيات غير مفيد، لضعفهما الموجب للاقتصار في الاستدلال بهما على موضع الانجبار الغير المعلوم في هذا المضمار، كيف و الأكثر اقتصروا على ذكر التعدّد في الأحجار! و الورود بلفظ: «الخرق» في بعض الأخبار «3» الموجب لأقلّ الجمع معارض لورود لفظ: «الكرسف و القطن» في بعض آخر، الموجب لكفاية المطلق، مع أنّه ليس في الخرق و المدر و نحوهما في الأخبار إلّا أن الإمام كان يفعل كذلك، و هو غير دال على أنّه كان يستعمل الجميع في وقت واحد، فيمكن أن تكون الجمعية باعتبار الأوقات.

فالحق إلحاق المسح بغير الحجر بالغسل، و عدم لزوم التعدد فيه.

و دعوى عدم القول بالفصل بين الحجر و غيره- كما تظهر من اللوامع- ممنوعة.

و لا يجب في الحجر استيعاب الكل للكل، بل يكفي توزيع الثلاثة على

______________________________

(1) السرائر 1: 96.

(2) المتقدمين ص 372.

(3) راجع الوسائل 1: 357 أبواب أحكام الخلوة ب 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 378

المحل، وفاقا لغير المحقق [1]، بل عن المعالم الوفاق عليه «2»، لإطلاق الحسنة و الموثّقة، و حصول التعدّد اللازم، و إرادة الاستيعاب منه غير معلومة.

و هل يكفي ذو الجهات الثلاث منه أم لا؟ الحق العدم- وفاقا للمحقق «3»، و والدي

و جماعة [2]- للاستصحاب، و تبادر التغاير من ثلاثة أحجار.

و خلافا للمفيد «5»، و القاضي «6»، و الشهيد «7»، و بعض آخر «8»، فذهبوا إلى كفايته. لأنّ المتبادر من ثلاثة أحجار ثلاث مسحات، كما في: اضربه عشرة أسواط.

و لعدم تعقل الفرق بين اتّصال الأحجار و انفصالها. و كون المقصود إزالة النجاسة و قد حصلت. و إجزائه عن واحد لو استجمر به ثلاثة فهو في حكم الثلاثة.

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «ثلاث مسحات».

و إطلاق الحسنة و الموثقة.

و يضعف الأول: بمنع المتبادر، و تحققه في المثال- لو سلّم- للقرينة، و لذا لا يتبادر ذلك في: اضرب عشرة أشخاص. و لو سلّمنا فهو مخالف للمعنى اللغوي، فالأصل تأخره.

و الثاني: بأنّ عدم تعقل الفرق لا يثبت العدم، مع أنّ الدليل فارق.

______________________________

[1] الشرائع 1: 19. فإنه قد يستظهر من كلامه الاستيعاب- كما استفادة في المدارك 1: 170- و أما في المعتبر 1: 130 فقد صرح بعدم لزوم الاستيعاب.

[2] منهم الشيخ في المبسوط 1: 17، و الشهيد في الروضة 1: 84، و صاحب المدارك 1: 171.

______________________________

(2) المعالم: 451.

(3) المعتبر 1: 131، الشرائع 1: 19.

(5) راجع ص 375.

(6) المهذب 1: 40.

(7) الذكرى: 9، الدروس 1: 89، البيان: 43.

(8) انظر التذكرة 1: 14، و المنتهى 1: 45.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 379

و الثالث: بأنّه مصادرة.

و الرابع: بمنع الملازمة.

و الخامس: كما مرّ، مع أنّه إطلاق لا يقاوم التقييد.

و به يضعّف السادس، مع أنّه لا دلالة له بعد ثبوت التثليث.

و مما ذكر [1] يظهر عدم كفاية الاستجمار بالواحد في وقت واحد بعد غسله مرة بعد اخرى. و في كفايته بعد كسره احتمال قوي.

و هل يجوز استعمال الواحد في وقتين لشخص أو

شخصين بعد غسله، أو كسره، أو استعمال موضع آخر منه طاهر؟ قال والدي العلّامة: نعم. و هو الحق، للأصل.

و قيل: لا، لمرفوعة أحمد المتقدمة «2».

و هي غير دالة على الوجوب، نعم يثبت الرجحان و هو مسلّم.

ج: لا يجزي التمسح بالنجس

إجماعا على ما في المنتهى، و المدارك «3»، و اللوامع، و المعتمد. و لو استجمر به يتعيّن الماء بعده، لاختصاص الاستجمار بنجاسة المحلّ فلا يتعدّى إلى غيره.

و يجزي الرطب على الأصح، للإطلاق. خلافا للفاضل «4»، و والدي، لتنجّسه بالملاقاة، فيكون استعمالا للنجس.

و فيه: أنّ الممنوع استعمال النجس قبل الاستجمار لا به.

و كذا الصيقل مع قلعه النجس، لما ذكر. خلافا للمحكي عن الأكثر.

د: يحرم الاستنجاء بالعظم، و الروث، و المطعوم، و المحترم. و على الأولين

______________________________

[1] في «ق»: ذكرنا.

______________________________

(2) ص 372.

(3) المنتهى 1: 46، المدارك 1: 172.

(4) المنتهى 1: 46، التذكرة 1: 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 380

الإجماع عن المعتبر، و المنتهى، و ظاهر الغنية «1»، و في اللوامع، و المعتمد. و على الثالث عن الثاني «2».

أما الأولان: فللمستفيضة المنجبر ضعفها بالإجماعات المحكية، و الشهرة المحققة.

منها: الخبران: أحدهما: «من استنجى برجيع أو عظم فهو برئ من دين محمد صلّى اللّه عليه و آله» «3».

و الآخر: «لا تستنجوا بالروث و العظام» «4».

و المروي في الدعائم: نهوا عن الاستنجاء بالعظام، و البعر، و كل طعام «5».

و في المجالس الصدوق: نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله أن يستنجي الرجل بالروث و الرمة أي العظم البالي [1].

و خبر ليث: عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعر- إلى أن قال-: و قال:

«لا يصلح بشي ء من ذلك» «7» و لكن نفي الصلاحية يحتمل نفي الجواز و نفي التطهر، فالاستدلال به على أحدهما مشكل.

و أما الثالث:

فلخبر الدعائم المجبور بما ذكر، و الأخبار الواردة في حكاية أهل الثرثار في استنجائهم بالخبز و العجين «8»، الظاهر كثير منها في الحرمة.

______________________________

[1] مجالس الصدوق: 345 (المجلس 66): كلمة (و الرمة) ساقطة من المجالس المطبوعة، و هي موجودة في البحار 77: 210- 24 نقلا عن المجالس، و في جامع الأحاديث 2: 208 نقلا عن المجالس أيضا، و كذا في الفقيه 4: 2 في حديث مناهي النبي «ص».

______________________________

(1) المعتبر 1: 132، المنتهى 1: 46، الغنية (الجوامع الفقهية): 549.

(2) المنتهى 1: 46.

(3) سنن أبي داود 1: 10 (بتفاوت يسير).

(4) سنن الترمذي 1: 15.

(5) الدعائم 1: 105، المستدرك 1: 279 أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 1.

(7) التهذيب 1: 354- 1053، الوسائل 1: 357 أبواب أحكام الخلوة ب 35 ح 1.

(8) الكافي 6: 301 الأطعمة ب 50 ح 1، المحاسن: 586، الوسائل 1: 362 أبواب أحكام الخلوة ب 40 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 381

و فحوى الخبر: عن صاحب له فلاح يكون على سطحه الحنطة و الشعير و يعملون عليه، فغضب عليه السلام و قال: «لو لا أرى أنّه من أصحابنا للعنته» «1».

و أما الرابع: فلإيجابه هتك الشريعة و الاستخفاف بها، مضافا إلى فحوى المستفيضة الناهية عن الاستنجاء أو دخول الكنيف و في اليد خاتم عليه اسم اللّه «2»، و فحوى ما دلّ على منع مسّ المحدث بالجنابة لبعض أقسامه «3».

و في الإجزاء و التطهر باستعمال شي ء من الأربعة و عدمه قولان:

الأول: للفاضل «4» و بعض الثلاثة «5»، لإطلاق الموثق و الحسن.

و الثاني: عن السيد و الشيخ و الحلي و ابن زهرة [1]، مدعيا عليه الإجماع، و المحقق «7»، و اختاره والدي العلامة- رحمه اللّه-

في الكتابين مدّعيا عليه الشهرة في أحدهما، للاستصحاب، و نقل الإجماع.

و قوله: «لا يصلح» في خبر ليث. و المروي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله «لا تستنجوا بعظم و لا روث فإنّهما لا يطهّران» «8»، و دلالة النهي على الفساد.

و يضعف الأول: باندفاعه بالإطلاق، و الثاني: بمنع الحجية، و الثالث:

بما مر من الإجمال، و الرابع: بالاختصاص بالأولين مع الضعف، و الخامس:

______________________________

[1] المبسوط 1: 17، السرائر 1: 96، الغنية (الجوامع الفقهية): 549، و أمّا السيد فلم نعثر على كلامه.

______________________________

(1) المحاسن: 588، الوسائل 24: أبواب آداب المائدة ب 79 ح 3، و فيهما: «يطؤونه و يصلّون عليه» بدل: «يعملون عليه».

(2) راجع الوسائل 1: 330 أبواب أحكام الخلوة ب 17.

(3) راجع الوسائل 2: 214 أبواب الجنابة ب 18.

(4) نهاية الأحكام 1: 89، المنتهى 1: 46، التذكرة 1: 13.

(5) كصاحب المدارك 1: 173.

(7) المعتبر 1: 133، الشرائع 1: 19.

(8) سنن الدار قطني 1: 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 382

بالمنع في أمثال المقام.

نعم، لانجبار ضعف الرابع بحكاية الشهرة و الإجماع يثبت الحكم في مورده، و يمكن التعدّي بعدم الفصل إن ثبت، و هو غير معلوم.

ه: الاستنجاء المرخّص فيه الاستجمار و المحكوم بطهارة [غسالته ]

[1] عند القائلين بنجاسة الغسالة هو الوارد على المخرج الطبيعي، فلا يجري حكمه في غيره و لو مع انسداد الطبيعي، للاستصحاب، و عدم معلوميّة صدق الاستنجاء.

______________________________

[1] في جميع النسخ: غسله، و ما أثبتناه لاستقامة المعنى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 383

الفصل الثاني: في مستحباتها زيادة على ما علم ممّا سبق
فمنها: الاستتار عن الناس في الغائط خاصة

بحيث لا يراه أحد، بأن يبعد أو يدخل بيتا أو يلج حفيرة، لاشتهاره بين العلماء، و التأسي بالنبي، فإنّه لم ير على غائط قطّ، و المروي في الاحتجاج المتقدم ذكره «1».

و في شرح النفلية للشهيد، قال عليه السلام: «من أتى الغائط فليستر» «2».

و المروي في الدعائم: «من فقه الرجل ارتياد مكان الغائط و البول و النخامة» يعنون عليهم السلام أن لا يكون ذلك بحيث يراه الناس- إلى أن قال: «ينبغي أن يكون المخرج في أستر موضع في الدار» «3».

و يستفاد منه استحباب استتار الغائط و البول أيضا، فهو مستحب آخر.

و منها: تغطية الرأس

، لفتوى الأصحاب، و نقل الوفاق عن المعتبر «4» و الذكرى «5».

و المروي في الدعائم: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا دخل الخلاء تقنّع و غطّى رأسه» «6».

و يستفاد منه استحباب التقنع أيضا.

و يدلّ عليه: المروي في المجالس، و المكارم: «يا أبا ذر استحي من اللّه، فإنّي و الذي نفسي بيده لأظل حين أذهب إلى الخلاء مقنعا بثوبي» «7».

______________________________

(1) في ص 360.

(2) روى عنه في الوسائل 1: 306 أبواب أحكام الخلوة ب 4 ح 4.

(3) الدعائم 1: 104، المستدرك 1: 249 أبواب أحكام الخلوة ب 4 ح 4.

(4) المعتبر 1: 133.

(5) الذكرى: 20.

(6) الدعائم 1: 104، المستدرك 1: 247 أبواب أحكام الخلوة ب 3 ح 1.

(7) مجالس الطوسي،: 545، مكارم الأخلاق 2: 372، الوسائل 1: 304 أبواب أحكام الخلوة ب 3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 384

و لا تكفي التغطية عنه. و هل يكفي عنها؟ ظاهر العطف في رواية الدعائم: العدم.

و منها: الدعاء بالمأثور عند التقنع سرّا في نفسه

، و عند إرادة الدخول واقفا ملتفتا يمينا و شمالا إلى ملكيه تارة، و مطلقا اخرى، و عند الدخول، و الكشف، و الجلوس، و الحدث، و النظر، و الاستنجاء، و الفراغ، و الخروج مطلقا تارة، و بعد مسح البطن اخرى، لورود جميع ذلك في الأخبار «1». و في ما اختلفت فيه الروايات من الدعوات يتخير.

و يستصحب خصوص التسمية عند كشف العورة لبول أو غيره، للخبرين:

«إذا انكشف أحدكم لبول أو غير ذلك فليقل بسم اللّه، فإنّ الشيطان يغضّ بصره» «2».

و منها: تقديم اليسرى عند الدخول و اليمنى عند الخروج

في البنيان، لاشتهاره بين الأصحاب [1].

و لا يبعد إجزاء الحكم في موضع الجلوس في غير البنيان، لفتوى بعضهم «4».

و منها: الاعتماد على اليسرى حال الجلوس

، لشهادة غير واحد «5» بكونه مرويا.

و منها: اختيار موضع مرتفع أو كثير التراب للبول

، لمرسلة الفقيه: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أشدّ الناس توقيا عن البول، حتى أنّه كان إذا أراد

______________________________

[1] منهم الشيخ في المبسوط 1: 18، و المحقق في المعتبر 1: 134، و العلّامة في التذكرة 1: 13.

______________________________

(1) راجع الوسائل 1: 306 أبواب أحكام الخلوة ب 5.

(2) الفقيه 1: 18- 43، التهذيب 1: 353- 1047، الوسائل 1: 307، 308 أبواب أحكام الخلوة ب 5 ح 9، 4.

(4) العلامة في نهاية الاحكام 1: 81، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 20.

(5) العلامة في نهاية الاحكام 1: 81، و الشهيد في الذكرى: 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 385

البول عمد إلى مكان مرتفع من الأرض، أو مكان يكون فيه التراب الكثير، كراهة أن ينضح عليه البول» «1» و غيرها من الأخبار.

و منها: تأخير كشف العورة حتى يدنو من الأرض

، للتأسي، كما قيل «2».

و تقديم الدبر على الذكر في الاستنجاء، لموثّقة الساباطي: عن الرجل إذا أراد أن يستنجي بأيما يبدأ بالمقعدة أو بالإحليل؟ فقال: «بالمقعدة ثمَّ بالإحليل» «3».

و الأولى مع خوف سراية نجاسة الإحليل إلى اليد أو الكم غسله أولا، ثمَّ غسل الدبر، ثمَّ الاستبراء من البول، ثمَّ غسل الإحليل ثانيا.

و منها: الاستبراء للرجل
اشارة

. و رجحانه ثابت بالإجماع، و فتاوى الأصحاب، و المعتبرة من النصوص.

ففي صحيحة البختري: في الرجل يبول قال: «ينتره ثلاثا، ثمَّ إن سال حتى يبلغ الساق فلا يبالي» «4».

و حسنة ابن مسلم: رجل بال و لم يكن معه ماء، فقال: «يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات و ينتر طرفه، فإن خرج بعد ذلك شي ء فليس من البول، و لكنه من الحبائل» «5».

و المروي في نوادر الراوندي: «من بال فليضع إصبعه الوسطى في أصل العجان ثمَّ ليسها ثلاثا» «6».

______________________________

(1) الفقيه 1: 16- 36.

(2) التذكرة 1: 13.

(3) الكافي 3: 17 الطهارة ب 12 ح 4، التهذيب 1: 29- 76، الوسائل 1: 323 أبواب أحكام الخلوة ب 14 ح 1.

(4) التهذيب 1: 27- 70، الاستبصار 1: 48- 136، الوسائل 1: 283 أبواب أحكام الخلوة ب 13 ح 3.

(5) الكافي 3: 19 الطهارة ب 13 ح 1، التهذيب 1: 28- 71، الاستبصار 1: 49- 137، الوسائل 1: 320 أبواب أحكام الخلوة ب 11 ح 2.

(6) نوادر الراوندي: 39، المستدرك 1: 260 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 386

و آخر: «كان النبي صلّى اللّه عليه و آله إذا بال نتر ذكره ثلاث مرات» «1».

و العامي: «إنّ أحدكم يعذّب في قبره فيقال: إنّه لم يكن يستبرئ عند بوله» [1].

و يؤيده: إيجابه

التوقّي عند النجس و نقض الطهارتين، كما صرّح به فيما مرّ من الروايتين، و في حسنة عبد الملك: في الرجل يبول ثمَّ يستنجي ثمَّ يجد بعد ذلك بللا. قال: «إذا بال فخرط ما بين المقعدة و الأنثيين ثلاث مرات و غمز ما بينهما ثمَّ استنجى، فإن سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي» «3».

و اختلفوا في استحبابه و وجوبه.

فالحق المشهور هو الأول، لظاهر الإجماع، حيث لا يقدح مخالفة الشاذ فيه، و الأصل، لعدم دلالة غير روايتي النوادر و العامي على الوجوب من جهة خلوّه عن الدالّ عليه. بل في دلالته على الاستحباب أيضا تأمّل، لاحتماله الإرشاد لأجل التوقي.

و أمّا هما فلضعفهما الخالي عن الجابر لا يصلحان لإثبات ما عدا الاستحباب.

فالقول بالوجوب- كما عن الاستبصار و الغنية مدعيا عليه الإجماع «4»- ضعيف غايته، و إرادتهما الوجوب الشرطي- كما قيل «5»- ممكنة.

و أمّا كيفيته فقيل: إنّه أن يعصر من أصل المقعدة إلى الأنثيين أي أصل الذكر ثلاثا، و منه إلى طرفه أي رأسه كذلك، ثمَّ ينتر رأسه «6»- و هو عصره بجذبه

______________________________

[1] روى بمضمونه أحاديث متعددة في كنز العمال 9: 344- 345.

______________________________

(1) نوادر الراوندي: 54، البحار 77: 210.

(3) التهذيب 1: 20- 50، الاستبصار 1: 94- 303، الوسائل 1: 283 أبواب أحكام الخلوة ب 13 ح 2.

(4) الاستبصار 1: 48، الغنية (الجوامع الفقهية): 549.

(5) الرياض 1: 31.

(6) الشرائع 1: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 387

بقوّة، كما صرّح به في البحار «1» كذلك، و هذه تسع مسحات.

و قيل: ست، بإسقاط الثلاث الأخيرة «2».

و نسب كلّ من هذين القولين إلى الشهرة «3»، و يمكن إرجاعهما إلى واحد.

و عن والد الصدوق: أنّه الثلاث الاولى «4».

و عن السيد «5» و المهذب

«6»: أنّه الثلاث الوسطى. و اختاره والدي العلّامة- رحمه اللّه- في اللوامع و المعتمد، و حمل الزائد على الأفضلية.

و عن المفيد: أنّه أربعة. بإسقاط الثلاثة الأخيرة و مرة من كل من الأوليين «7»، و قد ينسب إليه أنّه اثنان. بإسقاط مرتين من الأوليين مع تمام الأخيرة «8».

و الأصل في الجميع: الأخبار السابقة، فالأولون يستدلون للستة الاولى:

بحسنة عبد الملك، بإرجاع ضمير التثنية إلى الأنثيين مع إرادة الذكر منه، و المراد ما بين طرفيه. مضافا إلى الاستدلال للثلاثة الاولى: بالمروي عن النوادر أولا.

و للواسطى: بصحيحة البختري، بإرجاع الضمير إلى الذكر، و بها يقيد إطلاق الغمز في الأول، و بحسنة ابن مسلم، بإرادة رأس الذكر من طرفه الأول، و بالمروي في النوادر أخيرا. و للثلاثة الأخيرة: بقوله في الحسنة: «و ينتر طرفه» بإرادة رأسه منه.

______________________________

(1) البحار 77: 206.

(2) المراسم: 32.

(3) في الذكرى: 30، و المدارك: 301، و الذخيرة: نسب القول الأول إلى الشهرة، و في الرياض 1:

31 نسب الأول إلى الأشهرية.

(4) نقله عنه في مفتاح الكرامة 1: 51.

(5) نقله عنه في المعتبر 1: 134.

(6) المهذب 1: 41.

(7) المقنعة: 40.

(8) نسبه في الذخيرة: 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 388

و منهم من استخراج التسعة من هذه الحسنة بإرادة العراق الواصل بين الدبر و الأنثيين من أصل الذكر و رأس الذكر من طرفه.

و منهم من استنبط الثلاثة الوسطى من حسنة عبد الملك خاصة، بإرجاع ضمير التثنية إلى المقعدة و الأنثيين، و ذكر الغمز لبيان لزوم العصر، حيث إنّ الخرط مجرّد مدّ اليد.

و القائلون بالثاني استنبطوا الستّ بأحد الوجوه المتقدّمة، و جعلوا قوله: «ينتر طرفه» بيانا لما أهمل في قوله: «إلى طرفه» من جهة احتمال خروج المغيّى.

و منهم «1» من

فسر الطرف بالذكر كما في قولهم: لا يدري أيّ طرفيه أطول لسانه أو ذكره؟

و الثالث: استند إلى صحيحة البختري، مع تضعيف سائر الروايات سندا، أو إليها و إلى حسنة ابن مسلم بجعل نتر طرفه بيانا، كما ذكر، و ردّ الحسنة الأخيرة: بمعارضتها مع مفهوم الحسنة الاولى، و ترجيح الاولى بمعاضدة الصحيحة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 1    389     و منها: الاستبراء للرجل ..... ص : 385

و الرابع: تمسك بالحسنتين بجعل أصل الذكر في الأولى العرق المذكور، و جعل طرفه أصل الذكر، و نتر الطرف بيانا، كما ذكر، و ردّ الصحيحة بإجمال المرجع فيها، فيمكن رجوعه إلى الذكر، و رأسه، و البول، و ما بين المقعدة.

و الخامس: حمل التعدّد على الأفضلية، و لا أعرف مستند المرتين إن صحت النسبة.

و مقتضى القواعد: رفيع اليد عن الصحيحة، لإجمالها كما ذكر، و قطع النظر عن التأويلات البعيدة التي أوّلوا الحسنتين بها و قصرهما على ما هو الظاهر منهما، و هو إرادة منتهى الذكر في جانب الأنثيين من أصله، و رأسه من طرفه في الحسنة الأولى، فيكون بيانا للثلاثة الوسطى من العصرات، و يكون نتر الطرف عصر

______________________________

(1) ذكره في كشف اللثام 1: 21 على وجه الاحتمال.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 389

الذكر الحاصل من العصرات المذكورة أيضا و إرجاع ضمير التثنية في الثانية إلى المقعدة و الأنثيين، و جعل الغمز بيانا للزوم العصر في الخرط، فيكون بيانا للثلاثة الأولى. فتكون الحسنة الأولى دليلا للثلاثة الثانية، و الثانية للأولى.

و لكن لتضمّنهما الشرط يحصل التعارض في حصول نقض الطهارة و عدمه بين منطوق كل منهما و مفهوم الآخر، و إذ لا مرجّح لأحدهما في محلّ التعارض و هو ما

إذا أتى بإحدى الثلاثتين دون الأخرى، و لا قول بالتخيير بين الحكم بكفاية إحداهما في النقض و عدمها، فيجب الحكم بالتساقط و الرجوع إلى الأصل، و هو مع كفاية كلّ ثلاثة من الثلاثتين الاولى و الوسطى، لأصالة عدم تنجس الثوب و البدن، و عدم انتقاض الطهارة بعد تحقق إحدى الثلاثتين، كما ذكروا «1» في الأنثى فإنّه لا استبراء عليها، و لا تنقض طهارتها بالخارج المشتبه. فهو الحق، أي حصول الاستبراء بكلّ ثلاثة من الثلاثتين.

و لا يلزم خرق إجماع مركب معلوم سيما في حق من تعارضت عنده الأدلة، مع أنّ التخيير المجوز في المدارك «2» هو بعينه ذلك.

و الأحوط: الجمع بين الثلاثين: بل هو الأفضل، للمرويين في النوادر المتقدمين «3» أو غاية الاحتياط الإتيان بالتّسعة.

و ينبغي الابتداء بالثلاثة الأولى حتى يخرج ما بين المقعدة و الأنثيين إلى الذكر، ثمَّ بالوسطى حتى يخرج ما في الذكر أيضا، ثمَّ بالثلاثة الأخيرة.

و يتخير بين إتمام الثلاثة الاولى ثمَّ تعقيبها بالوسطى ثمَّ بالأخيرة، و بين تعقيب كل مرة من الاولى بمثلها من الوسطى منفصلة أو متصلة، و كذا في الأخيرة.

______________________________

(1) كما في القواعد 1: 4، و الروض: 25، و كشف اللثام 1: 21.

(2) المدارك 1: 301.

(3) في ص 384- 385.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 390

فروع:

أ: يستحب أن يكون الاستبراء باليسار، لمرسلة الفقيه: «إذا بال الرجل لم يمسّ ذكره بيمينه» «1».

و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «أنه كانت يمناه لطهوره و طعامه، و يسراه لخلائه و ما كان من أذى» «2».

و يستحب أن يجعل اليمين لما علا من الأمور و اليسار لما دنى.

ب: لو خرج شي ء بعد الاستبراء ليس ينجس [1] و لا ينقض الطهارة، للأصل و

منطوق الحسنتين «4». و قبله ينجس و ينقض، لمفهومهما.

ج: الحكم كما أشير إليه يختصّ بالذكر، فلا استبراء على الأنثى. و المشتبه.

الخارج منها لا ينجس و لا ينقض، للأصل.

______________________________

[1] في «ق» و «ح»: بنجس.

______________________________

(1) الفقيه 1: 19- 55، الوسائل 1: 322 أبواب أحكام الخلوة ب 12 ح 6.

(2) سنن أبي داود 1: 9.

(4) المتقدمتين ص 384- 385.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 391

الفصل الثالث: في مكروهاتها
اشاره

و هي أيضا أمور:

منها: التخلّي مطلقا- بالغائط كان أو البول- في الطرق النافذة.

و أما المرفوعة فهي ملك لأربابها، يحرم التخلّي فيها بدون إذنهم و يباح معه.

و المشارع- و هي موارد المياه من شطوط الأنهار و رؤوس الآبار- و أفنية المساجد، و على القبور، و بينها، و أبواب الدور، و منازل النزّال، و تحت المثمرة من الأشجار.

كل ذلك للاشتهار، مضافا إلى المستفيضة من الأخبار المتضمنة جميعها لجميعها، كمرفوعة علي و رواية الاحتجاج المتقدمتين «1».

و صحيحة عاصم: أين يتوضأ الغرباء؟ فقال: «يتّقي شطوط الأنهار و الطرق النافذة و تحت الأشجار المثمرة و مواضع اللعن» فقيل له: و أين مواضع اللعن؟ فقال: «أبواب الدور» «2».

و رواية الكرخي: [ثلاث خصال ملعون من فعلهنّ ]: المتغوط في ظل النزّال، ..» [1].

و خبر السكوني: «نهى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أن يتغوط على شفير بئر ماء يستعذب منها، أو نهر يستعذب، أو تحت شجرة فيها ثمرتها» «4».

و المروي في الخصال: «يا علي، ثلاث يتخوف منهن الجنون: التغوط بين

______________________________

[1] الكافي 3: 16 الطهارة ب 11 ح 6، التهذيب 1: 30- 80، الوسائل 1: 325 أبواب أحكام الخلوة ب 15 ح 4، بدل ما بين المعقوفين في النسخ: «ثلاثة ملعون ملعون من فعلهن» و ما أثبتناه موافق للكافي.

______________________________

(1) في ص 363 و 360.

(2) الكافي 3: 15 الطهارة ب 11 ح 2، التهذيب 1: 30- 78، الوسائل 1: 324 أبواب أحكام الخلوة ب 15 ح 1.

(4) التهذيب 1: 353- 1048، الوسائل 1: 325 أبواب أحكام الخلوة ب 15 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 392

القبور ..» «1».

و فيه و في المجالس: «إنّ اللّه كره لكم أربعا و عشرين خصلة و نهاكم عنها إلى أن قال: «كره البول على شط

نهر جار، و كره أن يحدث الرجل تحت شجرة قد أينعت يعني أثمرت» «2».

و في الأخير أيضا: «أنّه نهى أن يبول رجل تحت شجرة مثمرة أو على قارعة الطريق» «3».

و في الدعائم: «البول في الماء القائم من الجفاء، و نهي عنه و عن الغائط فيه و في النهر، و على شفير البئر يستعذب من مائها، و تحت الشجرة المثمرة، و بين القبور، و على الطرق و الأفنية» «4».

و في جامع البزنطي عن الباقر عليه السلام: «و لا تبل في الماء، و لا تخلّ على قبر» «5».

و صحيحة ابن مسلم: «من تخلّى على قبر أو بال قائما أو بال في ماء قائم ..

فأصابه شي ء من الشيطان لم يدعه إلا أن يشاء اللّه» «6» إلى غير ذلك.

و رواية الخصال و المجالس و سائر ما يتعقبها يتضمن البول أيضا صريحا أو إطلاقا، فاختصاص بعض ما تقدم عليها بالغائط و إجمال بعض آخر غير ضائر، و القول بالتخصيص بالتغوط- كبعضهم- ساقط.

و الإجماع على انتفاء التحريم في هذه المواضع- إذ لا يقدح مخالفة النادر- يوجب حمل الأمر بالاجتناب و النهي في جملة من تلك الأخبار على الاستحباب

______________________________

(1) الخصال: 125، الوسائل 1: 329 أبواب أحكام الخلوة ب 16 ح 2.

(2) الخصال: 520، مجالس الصدوق: 248، 344، الوسائل 1: 327، 328 أبواب أحكام الخلوة ب 15 ح 10 و 11.

(3) الخصال: 520، مجالس الصدوق: 248، 344، الوسائل 1: 327، 328 أبواب أحكام الخلوة ب 15 ح 10 و 11.

(4) الدعائم 1: 104، المستدرك 1: 270 أبواب أحكام الخلوة ب 19 ح 1 و ص 261 ب 12 ح 2.

(5) نقلها عنه في البحار 77: 191.

(6) الكافي 6: 533 الزي و التجمل ب

69 ح 2، الوسائل 1: 329 أبواب أحكام الخلوة ب 16 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 393

و الكراهة، فنفي الجواز فيها كما عن المفيد «1»، أو في الأخيرين كما عن الصدوق في الهداية و الفقيه «2» ضعيف.

و لو لم يثبت الإجماع على خلافه، فلا أقل من الشهرة العظيمة المخرجة للأخبار المحرمة عن الحجية، فلا تصلح إلّا لإثبات الكراهة، مع أنّ إرادتهما المعنى الأخص من الجواز ممكنة.

و المثمر و مسقط الثمر- كما في الثلاثة الأولى- يصدقان على المنقضي عند المبدأ أيضا حقيقة، بل على ما من شأنه ذلك و إن لم يتلبس (به بعد) «3»، كما بيّنا في موضعه، فالكراهة تعم الأشجار المثمرة مطلقا.

و اختصاص بعض آخر بما فيه الثمر لا يثمر، لعدم حجية مفهوم الوصف على الأظهر، فالتخصيص استنادا إلى ذلك أو إلى اختصاص المشتق بالمتلبس لا يصح.

و الاستشهاد بمرسلة الفقيه المعلّلة للكراهة: بمكان الملائكة حين وجود الثمر «4» لا يتم، لأن وجود علة في مورد لا ينافي وجود أخرى في آخر:

و دعوى: أصالة عدمها- بعد دلالة الإطلاق- لا تسمع.

مع أنّ ذلك التعليل لا يفيد الاختصاص، لجواز أن يكون كونهم هناك في وقت موجبا للنهي عن التخلّي فيه مطلقا تعظيما لهم و استنظافا لمكانهم قبل ذلك و بعده.

و منها: البول في الأرض الصلبة

، للتصريح بكراهة نضح البول في مرسلة الفقيه «5»، و ملزوم المكروه و لو في الأغلب مكروه، و لأنه تحقير و تهاون في البول

______________________________

(1) المقنعة:

(2) الهداية 15، الفقيه 1: 21.

(3) في «ه» و «ق»: بعد به.

(4) الفقيه 1: 22- 64، الوسائل 1: 327 أبواب أحكام الخلوة ب 15 ح 8.

(5) الفقيه 1: 16- 36، الوسائل 1: 338 أبواب أحكام الخلوة ب 22 ح 2.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 394

و نهي عنهما في المستفيضة «1»، و لاستحباب ارتياد الموضع المناسب، و الصلب غير مناسب، و ضد المستحب المكروه.

و في ثقوب الحشرات، لورود النهي عنه في بعض الأخبار، كما صرّح به جماعة «2».

و في الحمام، للمروي في الخصال: «البول في الحمام يورث الفقر» «3». و المراد منه ما يدخل فيه عرفا، لا نفس المغسل كما قد يتوهّم.

و حالة القيام، لصحيحة ابن مسلم المتقدمة «4» و غيرها.

و مطمحا به أي راميا به إلى الهواء، كأن يبول من سطح في الهواء، لرواية السكوني: «نهى النبي أن يطمح الرجل ببوله من السطح أو من الشي ء المرتفع في الهواء» «5».

و المروي في الخصال: «لا يبولن الرجل من سطح في الهواء» «6».

و منه البول في البلاليع العميقة.

و لا يتحقق التطميح بالبول في مكان ثمَّ جريانه بميزاب و نحوه في الهواء.

و لا ينافي ذلك ما تقدم من استحباب ارتياد مكان البول كمرتفع، إذ الارتفاع المعتبر هناك هو بقدر ما يؤمن معه من الترشح. و النهي عن التطميح من

______________________________

(1) راجع الوسائل 1: 338 أبواب أحكام الخلوة ب 22.

(2) أي صرّحوا بورود النهي، منهم الشهيد في الذكرى: 20، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 23 و لم نعثر عليه من طرقنا، و هو موجود في كتب الجمهور، انظر سنن أبي داود 1: 8. نعم روى في مستدرك الوسائل 1: 286 أبواب أحكام الخلوة ب 29 ح 10 نقلا عن أعلام الدين للديلمي 302: «و قال الباقر عليه السلام لبعض أصحابه و قد أراد سفرا .. و لا تبولن في نفق ..» فتأمل.

(3) الخصال: 504، الوسائل 15: 347 أبواب جهاد النفس ب 49 ح 21.

(4) في ص

391.

(5) الكافي 3: 15 الطهارة ب 11 ح 4، الوسائل 1: 351 أبواب أحكام الخلوة ب 33 ح 1.

(6) الخصال: 613، الوسائل 1: 352 أبواب أحكام الخلوة ب 33 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 395

السطح أو مكان مرتفع يدل على أن المراد منه ما ذكرنا.

و يظهر من بعض كتب اللغة أنه الرمي إلى فوق «1». و من علّل الحكم بخوف الرد حمله عليه.

و منها: استقبال الشمس أو القمر في البول

، للنهي عنها في المستفيضة المحمولة على الكراهة، لما «2» سبق.

كرواية السكوني: «نهى أن يستقبل الرجل الشمس و القمر بفرجه و هو يبول» «3».

و رواية الكاهلي: «لا يبولن أحدكم و فرجه باد للقمر يستقبل به» «4».

و في المجالس: «و نهى أن يبول الرجل و فرجه باد للشمس و القمر» «5».

و في الغائط، لما في الكافي- بعد مرفوعة محمد السابقة في القبلة «6»-: و روي أيضا في حديث (آخر) «7»: «لا تستقبل الشمس و لا القمر» «8» فإنّه يظهر منه أنّه أيضا حكم الغائط.

و في العلل: «فإذا أراد البول و الغائط- إلى أن قال-: و لا تستقبل الشمس أو القمر» «9».

و كذا استدبار القمر حال الغائط، لما في الفقيه- بعد مرفوعة علي

______________________________

(1) الصحاح 1: 389، مجمع البحرين 2: 393.

(2) في «ه»: كما.

(3) التهذيب 1: 34- 91، الوسائل 1: 342 أبواب أحكام الخلوة ب 25 ح 1.

(4) التهذيب 1: 34- 92، الوسائل 1: 342 أبواب أحكام الخلوة ب 25 ح 2.

(5) مجالس الصدوق: 345 «المجالس 66».

(6) في ص 362.

(7) لا توجد في «ق».

(8) الكافي 3: 15 الطهارة ب 11 ملحق ح 3، الوسائل 1: 343 أبواب أحكام الخلوة ب 25 ح 5.

(9) نقلها في البحار 77: 194- 53 عن كتاب العلل

لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 396

السابقة «1»- و في خبر آخر: «لا تستقبل الهلال و لا تستدبره» «2» لما ذكر.

بل الشمس أيضا حينئذ، كما هو الظاهر ممّا في العلل في حكم بيان حدود من أراد البول أو الغائط: «و علة اخرى أنّ فيهما- أي في الشمس و القمر- نورا مركبا، فلا يجوز أن يستقبل بالعورتين و فيهما نور من نور اللّه» «3» الحديث.

و الاستقبال بالدبر- الذي هو إحدى العورتين- هو الاستدبار.

و أما استدبارهما في البول: فلم يرد كراهته في الأخبار، و الأصل عدمها، فهو الأظهر. و التعدّي بالأولوية باطل جدا.

و ظاهر النافع، و النهاية، و المدارك «4»: اختصاص الكراهة بالاستقبال خاصة، كما أن ظاهر الاقتصاد، و الجمل، و المصباح «5» و مختصره، و الديلمي «6»، و ابن سعيد «7» و محتمل الإرشاد، و البيان، و النفلية «8»: التخصيص بالبول، و ظاهر القواعد «9»: الاختصاص بالاستقبال في البول و الاستدبار في الغائط. و الصحيح ما ذكرنا.

ثمَّ المكروه في الاستقبال حال البول على الأظهر الأشهر: الاستقبال بالفرج، لأنّه الثابت من الروايات، دون البدن كما في القبلة.

و أما حال الغائط و في الاستدبار بالقمر فالظاهر أنّ المكروه هو الاستقبال و الاستدبار بالبدن، لأنّه مقتضى أخبارهما، فتأمل.

______________________________

(1) في ص 363.

(2) الفقيه 1: 18- 48، الوسائل 1: 342 أبواب أحكام الخلوة ب 25 ح 3.

(3) راجع ص 394.

(4) المختصر النافع: 5، النهاية: 10، المدارك 1: 178.

(5) الاقتصاد: 241، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 157، مصباح المتهجد: 6.

(6) المراسم: 33.

(7) الجامع للشرائع: 26.

(8) مجمع الفائدة 1: 94، البيان: 41، النفلية: 5.

(9) القواعد 1: 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 397

و منها: استقبال الريح و استدبارها في الغائط، للمرفوعتين المتقدمتين «1».

و استقباله

في البول، لأخبار النهي عن احتقاره و التهاون به «2»، و الأمر بالتحفّظ و التوقّي عنه.

و لما في العلل: «و لا تستقبل الريح لعلتين: إحداهما أنّ الريح يردّ البول فيصيب الثوب و لم يعلم ذلك، أو لم يجد ما يغسله، و العلة الثانية: أنّ مع الريح ملكا فلا يستقبل بالعورة» «3».

و يظهر من العلّة الثانية: كراهة الاستدبار في الغائط أيضا مع سرّها.

و أما الاستدبار في البول فلم أجد فيه نصا.

و الشيخ «4» و الفاضلان «5» خصّا الكراهة بالاستقبال و البول.

و منها: البول في الماء

، للمروي عن جامع البزنطي المتقدمة «6»، و إطلاقه يشمل الراكد و الجاري.

مضافا في الأول إلى صحيحة ابن مسلم المتقدمة «7»، و المروي في العلل:

«و لا تبل في ماء نقيع» «8».

و مرسلة الفقيه: «البول في الماء الراكد يورث النسيان» «9». و في جنّة الأمان:

______________________________

(1) في ص 362.

(2) راجع الوسائل 1: 339 أبواب أحكام الخلوة ب 23.

(3) نقله في البحار 77: 194- 53 عن كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم.

(4) مصباح المتهجد 6، النهاية: 10، الاقتصاد: 241.

(5) المحقق في الشرائع 1: 19، و المختصر النافع: 5، و العلامة في التحرير 1: 7، و القواعد 1: 4.

(6) في ص 391.

(7) في ص 391.

(8) علل الشرائع. 283، الوسائل 1: 341 أبواب أحكام الخلوة ب 24 ح 6.

(9) الفقيه 1: 16- بعد ح 35، الوسائل 1: 341 أبواب أحكام الخلوة ب 24 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 398

«أنه ميراث الهموم» «1». و في غيره: «أنه من الجفاء» «2». «و أنه يورث الفقر» «3».

و في الثاني إلى رواية مسمع: «نهى أن يبول الرجل في الماء الجاري إلا من ضرورة» «4».

و المروي في الخصال: «و

لا تبولن في ماء جار» إلى أن قال: «فإنّ للماء أهلا» «5».

و روي: «أنه يورث السلس» «6».

خلافا للمحكي عن ظاهر الصدوقين «7» و المفيد «8»، فحرّموه في الأول، لظاهر النهي، و جعله بعضهم أحوط «9». و هو كذلك.

و للأولين، فخصّا الكراهة أو الحرمة بالأول، لموثقة ابن بكير: «لا بأس في البول في الماء الجاري» «10». و في معناها موثقة سماعة «11».

و صحيحة الفضيل: قال: «لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري، و كره

______________________________

(1) نقله في البحار 77: 195- 55.

(2) الدعائم 1: 104، المستدرك 1: 270 أبواب أحكام الخلوة ب 19 ح 1.

(3) غوالي اللئالي 2: 187، المستدرك 1: 271 أبواب أحكام الخلوة ب 19 ح 6. و فيهما: «يورث الحصر».

(4) التهذيب 1: 34- 90، الاستبصار 1: 13- 25، الوسائل 1: 341 أبواب أحكام الخلوة ب 24 ح 3.

(5) الخصال: 613.

(6) غوالي اللئالي 2: 187.

(7) الفقيه 1: 16، الهداية: 15، و في كشف اللثام 1: 22 نقله عن والد الصدوق.

(8) المقنعة: 41.

(9) الرياض 1: 17.

(10) التهذيب 1: 43- 122، الاستبصار 1: 13- 24، الوسائل 1: 143 أبواب الماء المطلق ب 5 ح 3.

(11) التهذيب 1: 34- 89، الاستبصار 1: 13- 21، الوسائل 1: 143 أبواب الماء المطلق ب 5 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 399

أن يبول في الماء الراكد» «1» فصلّ عليه السلام، و التفصيل قاطع للشركة.

و رواية عنبسة: عن الرجل يبول في الماء الجاري، قال: «لا بأس به إذا كان الماء جاريا» «2» فإنّ البأس الثابت بالمفهوم لغير الجاري هو الكراهة، فيكون هو المنفي في المنطوق.

و الجواب عنها على القول بالحرمة في الراكد ظاهر.

و على الكراهة، أمّا عن الموثّقتين: فبأنّ نفي

البأس- الذي هو العذاب- لا ينافي الكراهة.

و أمّا عن الصحيحة: فبجواز عطف «كره» على «قال» فلا يكون في كلامه تفصيل، فلعلّه- عليه السلام- قال بالكراهة في الراكد في وقت، و نفى البأس عن الجاري في آخر، فجمعهما الراوي.

و أمّا عن الرواية: فبأنّه يمكن أن يكون المراد بالبأس المجازي المثبت في المفهوم مرتبة من الكراهة مشابهة- لشدة مرجوحية- للحرمة، و بالمنفي في المنطوق، الأعمّ منها و من العذاب، و لهذا خصّص نفي البأس في كثير من الأخبار بالجاري، و على هذا فيكون الكراهة فيه أخفّ، و هو كذلك. كما أنّه يشتد فيهما بالليل، لما ينقل من أن الماء بالليل للجن، فلا يبال فيه و لا يغتسل حذرا من إصابة آفة من جهتهم «3».

ثمَّ إنّ النصوص مخصوصة بالبول ككلام جماعة «4».

و تعدّى الأكثر- و منهم الشيخان «5»- إلى الغائط أيضا فكرهوه فيه. و لا بأس

______________________________

(1) التهذيب 1: 31- 81، الاستبصار 1: 13- 23، الوسائل 1: 143 أبواب الماء المطلق ب 5 ح 1.

(2) التهذيب 1: 43- 120، الاستبصار 1: 13- 22، الوسائل 1: 143 أبواب الماء المطلق ب 5 ح 2.

(3) رواه في غوالي اللئالي 2: 187.

(4) كما في الفقيه 1: 16، و الشرائع 1: 19، و القواعد 1: 4.

(5) المفيد في المقنعة: 42، و الطوسي في النهاية: 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 400

به، لفتوى هؤلاء الأعاظم، و التعليل المذكور في رواية الخصال.

و قد يتمسك في التعدّي: بالأولوية أو تنقيح المناط، و هو كما ترى.

و يستثنى حال الضرورة، للضرورة، و رواية مسمع «1».

و استثناء المياه المعدة لذلك مدفوع بإطلاق النصوص.

و منها: استصحاب الخاتم في اليد عند الخلوة و فيه اسم اللّه تعالى

أو شي ء من القرآن، لرواية الخزاز: أدخل الخلاء و في يدي خاتم فيه اسم من

أسماء اللّه؟

قال: «لا» «2».

و رواية أبي القاسم: الرجل يريد الخلاء و عليه خاتم فيه اسم اللّه تعالى، فقال: «ما أحب ذلك» قال: فيكون اسم محمد، قال: «لا بأس» «3».

و موثّقة الساباطي: «لا يمسّ الجنب درهما و لا دينارا فيه اسم اللّه، و لا يستنج و عليه خاتم فيه اسم اللّه، و لا يجامع و هو عليه، و لا يدخل المخرج و هو عليه» «4» و المستتر في «يستنجي» و نظائره إلى الرجل المدلول عليه في ضمن الجنب لا الجنب.

و المروي في قرب الإسناد: عن الرجل يجامع و يدخل الكنيف و عليه الخاتم فيه ذكر اللّه، أو شي ء من القرآن، يصلح ذلك؟ قال: «لا» «5».

و هذه الروايات كما ترى مختصة بالخاتم في اليد صريحا كالأول، و ظاهرا كالبواقي، فلا يفيد تعميم الكراهة بالنسبة إلى مطلق الاستصحاب كما قد يذكر.

______________________________

(1) التهذيب 1: 34- 90، الاستبصار 1: 13- 25، الوسائل 1: 341 أبواب أحكام الخلوة ب 24 ح 3.

(2) الكافي 3: 56 الطهارة ب 36 ح 8، الوسائل 1: 330 أبواب أحكام الخلوة ب 17 ح 1.

(3) التهذيب 1: 32- 84، الاستبصار 1: 48- 135، الوسائل 1: 332 أبواب أحكام الخلوة ب 17 ح 6.

(4) التهذيب 1: 31- 82، الاستبصار 1: 48- 133، الوسائل 1: 331 أبواب أحكام الخلوة ب 17 ح 5.

(5) قرب الإسناد: 293- 1157، الوسائل 1: 333 أبواب أحكام الخلوة ب 17 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 401

و التعدّي بتنقيح المناط موقوف على القطع بالعلة. و التمسك بمنافاته التعظيم لا يثبت إلّا استحباب عدم الاستصحاب بقصد التعظيم، و لا كلام فيه «و لكل امرئ ما نوى» «1» و فتوى البعض «2» أيضا

لا يثبت أزيد من ذلك، فالحكم بالكراهة مطلقا لذلك لا وجه له.

و المستفاد من الأخبار أنّ الكراهة إنّما هي عند دخول الخلاء سواء كان للتغوّط أو البول، فلا كراهة عند البول في غيره، بل و لا عند التغوّط في مثل الصحراء، لعدم صدق الخلاء و الكنيف، بل و لا المخرج، لأنّ الظاهر منه أيضا البيت المعدّ له.

و يشتد الكراهة إذا كان الخاتم في اليسار حال الاستنجاء، للموثّقة.

و رواية أبي بصير: «من نقش على خاتمه اسم اللّه فليحوله عن اليد التي يستنجي بها» «3».

و رواية الحسين بن خالد: قلت له: إنّا روينا في الحديث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يستنجي و خاتمه في إصبعه، و كذلك كان يفعل أمير المؤمنين عليه السلام، و كان نقش خاتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: محمد رسول اللّه. قال:

«صدقوا» قلت: و ينبغي لنا أن نفعل ذلك؟ فقال: «إنّ أولئك كانوا يتختمون في اليد اليمنى و أنتم تتختمون في اليد اليسرى» «4». و قريب منها المروي في العيون «5».

و أما خبر وهب: «كان نقش خاتم أبي: العزة للّه جميعا، و كان في يساره يستنجي بها، و كان نقش خاتم أمير المؤمنين عليه السلام: الملك للّه، و كان في يده

______________________________

(1) راجع الوسائل 1: 46 أبواب مقدمة العبادات ب 5.

(2) كالصدوق في الفقيه 1: 20.

(3) الكافي 6: 474 الزي و التجمل ب 27 ح 9، الوسائل 1: 331 أبواب أحكام الخلوة ب 17 ح 4.

(4) الكافي 6: 474 الزي و التجمل ب 27 ح 8، الوسائل 1: 331 أبواب أحكام الخلوة ب 17 ح 3.

(5) العيون 2: 55- 206، الوسائل 1: 333 أبواب أحكام الخلوة ب 17

ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 402

اليسرى يستنجي بها» «1». فمحمول على التقية، مع أنّه لا ضير في صدور المكروه عنهم أحيانا، فليحمل الخبر عليه.

و به يندفع المنافاة بينه و بين ما دلّ على أنهم كانوا يتختّمون باليمنى.

و لا كراهة في اسم الحجج، للأصل. و لو تجنّب عنه تعظيما لشعائر اللّه كان حسنا.

هذا كله بشرط عدم التلويث حال الاستنجاء، و إلّا فيحرم قطعا.

و منها: التكلّم في حال الحدث مطلقا بغير ما يتعبّد اللّه سبحانه

، و به أيضا إلّا آية الكرسي، و التحميد، و حكاية الأذان، و ما يجب كردّ السلام و الأدعية المأثورة للخلوة.

و تدلّ على الأول: رواية صفوان: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يجيب الرجل آخر و هو على الغائط أو يكلمه حتى يفرغ» «2».

و مرسلة الفقيه: «لا يتكلم على الخلاء» «3».

و المروي في المحاسن: «ترك الكلام في الخلاء يزيد في الرزق» «4».

و في الدعائم عن أهل البيت عليهم السلام: أنهم نهوا عن الكلام في حال الحدث و البول، و أن يردّ سلام من سلّم عليه و هو في تلك الحالة «5».

و به يثبت التعميم الذي ذكرناه و إن خصّ غيره بالغائط أو الخلاء.

و عموم غير الأولى حجة الثاني، مضافا إلى المروي في الخصال: «سبعة لا يقرؤون القرآن» و عدّ منهم: من في الكنيف «6».

______________________________

(1) التهذيب 1: 31- 83، الاستبصار 1: 48- 134، الوسائل 1: 332 أبواب أحكام الخلوة ب 17 ح 8.

(2) التهذيب 1: 27- 69، الوسائل 1: 309 أبواب أحكام الخلوة ب 6 ح 1.

(3) الفقيه 1: 21- ملحق ح 60، الوسائل 1: 310 أبواب أحكام الخلوة ب 6 ح 2.

(4) نقله في مشكاة الأنوار: 129 عن المحاسن، المستدرك 1: 257 أبواب أحكام الخلوة ب 6

ح 3.

(5) الدعائم 1: 104، المستدرك 1: 256 أبواب أحكام الخلوة ب 6 ح 1.

(6) الخصال: 357، الوسائل 6: 246 أبواب قراءة القرآن ب 47 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 403

و صحيحة عمر بن يزيد: عن التسبيح في المخرج و قراءة القرآن، فقال: «لم يرخص في الكنيف أكثر من آية الكرسي و تحميد اللّه، أو آية: الحمد للّه رب العالمين» [1].

و الإجماع على الجواز في الكل، و شذوذ الرواية [لو] [2] أبقيت على ظاهرها الموجب لضعفها أوجب حمل ما ظاهره الحرمة على الكراهة.

ثمَّ الأخيرة هي الحجة في استثناء الأولين، و ظاهرها عدم استثناء غير ما ذكر. و استبعاد استثنائها خاصة مع فضيلتها على كثير من الآيات مجرّد وهم.

نعم، لم يذكر في التهذيب قوله: «الحمد للّه رب العالمين» و ختم بقوله:

«آية» و مقتضاه: استثناء كل آية، و لا بأس به و إن ضعّفه وجوده في الفقيه «3».

و صحيحة الحلبي: أ تقرأ النفساء و الحائض و الرجل يتغوط، القرآن؟ قال:

«يقرؤون ما شاؤوا» «4» لا تثبت إلّا الجواز الغير المنافي للكراهة.

و يستثنى الثالث برواية [3] سليمان بن مقاتل المروية في العلل: لأيّ علة يستحب للإنسان إذا سمع الأذان أن يقول كما يقول المؤذّن و إن كان على البول أو الغائط؟ قال: «إنّ ذلك يزيد في الرزق» «6».

و بصحيحة محمد: «لا تدعن ذكر اللّه على كل حال، و لو سمعت المنادي ينادي بالأذان و أنت على الخلاء فاذكر اللّه عز و جل و قل كما يقول» «7».

______________________________

[1] الفقيه 1: 19- 57، التهذيب 1: 352- 1042، حذف منه «الحمد للّه رب العالمين»، الوسائل 1: 312 أبواب أحكام الخلوة ب 7 ح 7.

[2] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة

المعنى.

[3] في «ه» و «ق»: لرواية.

______________________________

(3) الفقيه 1: 19.

(4) التهذيب 1: 128- 348، الاستبصار 1: 114- 381، الوسائل 1: 313 أبواب أحكام الخلوة ب 7 ح 8.

(6) علل الشرائع: 284، الوسائل 1: 314 أبواب أحكام الخلوة ب 8 ح 3.

(7) الفقيه 1: 187- 892، الوسائل 1: 314 أبواب أحكام الخلوة ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 404

و خبر أبي بصير: «إن سمعت الأذان و أنت على الخلاء فقل مثل ما يقول المؤذّن، و اذكر اللّه في تلك الحال، فإنّ ذكر اللّه حسن على كل حال» «1».

و هو مع سابقته حجة من استثنى التكلّم بمطلق ذكر اللّه، مضافا إلى المروي في عدة الداعي: «لا بأس بذكر اللّه و أنت تبول، فإنّ ذكر اللّه حسن على كل حال» «2».

و ما ورد من وحيه سبحانه إلى موسى [من ] [1] حسن الذكر في كل حال بعد سؤاله عن عروض حالات يجلّه تعالى عن الذكر فيها «4».

و فيه: أنّ الذكر حقيقة في التذكّر القلبي، و استعماله في الآيات و الأخبار فيه أيضا شائع، فلا يثبت من تجويزه تجويز الكلام الذكري الذي هو مجاز قطعا.

و عطف الذكر في خبر أبي بصير على قول مثل ما يقول المؤذّن، و عكسه في الصحيحة، لا يدل على اتّحادهما، بل حقيقة العطف التغاير، مع أنّ الاتّحاد أيضا لا يفيد التعميم.

و يستثنى الرابع بالإجماع، و بمعارضة أدلّة وجوبه مع العمومات المتقدمة- لعدم اجتماع الوجوب و الكراهة- بالعموم من وجه، الموجبة للرجوع إلى أصالة الجواز، المستلزمة لضم فصل الوجوب بالإجماع المركب، فإنّه لا قول بجواز رد السلام من غير وجوب.

و أمّا رواية الدعائم المتقدمة «5» فلضعفها غير ناهضة لرفع الواجب.

و وجه استثناء الخامس

واضح كاستثناء مطلق الكلام حال الضرورة.

ثمَّ إنّه لا شك في أنّ الكراهة هنا في غير ما يتعبّد به اللّه بالمعنى المصطلح.

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) علل الشرائع: 284، الوسائل 1: 314 أبواب أحكام الخلوة ب 8 ح 2.

(2) عدة الداعي: 239.

(4) الكافي 2: 497 الدعاء ب 21 ح 8، الوسائل 1: 310 أبواب أحكام الخلوة ب 7 ح 1.

(5) في ص 401.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 405

و هل فيه أيضا بهذا المعنى أم لا؟ بل بمعنى المرجوحية الإضافية حتى يكون فيه ثواب أيضا؟ الظاهر الثاني، إذ ليس دلالة شي ء من الأخبار المتقدمة على الكراهة- سوى رواية المحاسن «1»- مقتضى الحقيقة، فمجازه كما يمكن أن يكون الكراهة المصطلحة يمكن أن يكون المرجوحية.

و أمّا هي فلا تدل على نوع ثواب على ترك مطلق الكلام، و هو لا ينافي ترتب ثواب آخر على فعل نوع منه.

و منها: الاستنجاء باليمين

، للنهي عنه في المستفيضة «2». و الظاهر أنّه إن لم يمس المحل باليد و اكتفى بمجرد الصبّ، فاليد التي يصبّ بها الماء يحصل بها الاستنجاء. و كذا إن مس بها بمجرد الأخذ كما في أخذ القضيب بيد و صبّ الماء بأخرى، فالاستنجاء يحصل بالأخرى. و لو غسل بها النجاسة، فالاستنجاء يحصل باليد الغسالة دون ما يصبّ بها الماء.

و منها: طول الجلوس في الغائط

، لإيجابه الباسور و فجع الكبد، كما ورد في الأخبار «3».

و السواك عند الغائط أو مطلقا، لإيراثه البخر [1] كما في المرسل «5».

و الأكل و الشرب كذلك، للشهرة بل الإجماع، و تضمّنهما المهانة.

و الاستناد إلى المرسلة الواردة في لقمة وجدها أبو جعفر عليه السلام في الخلاء «6» غير جيد.

و التعجيل في القيام عن الغائط قبل تمام الفراغ، للمروي في الخصال: «لا

______________________________

[1] البخر: نتن رائحة الفم.

______________________________

(1) المتقدمة ص 401.

(2) راجع الوسائل 1: 321 أبواب أحكام الخلوة ب 12.

(3) الوسائل 1: 336 أبواب أحكام الخلوة ب 20.

(5) الفقيه 1: 32- 110، الوسائل 1: 337 أبواب أحكام الخلوة ب 21 ح 1.

(6) الفقيه 1: 18- 49، الوسائل 1: 361 أبواب أحكام الخلوة ب 39 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 1، ص: 406

يعجّل الرجل عند طعامه حتى يفرغ، و لا عند غائطه حتى يأتي على حاجته» «1».

______________________________

(1) الخصال: 625.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، الجزء 02

[تتمة كتاب الطهارة]

[تتمة المقصد الثالث في الطهارة من الحدث ]

الباب الأوّل: في الوضوء
اشارة

و البحث عن أسبابه، و أقسامه، و واجباته، و آدابه، و أحكامه يقع في فصول خمسة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 7

الفصل الأوّل: في أسبابه

و هي ستة:

الأوّل و الثاني و الثالث: البول و الغائط و الريح من الموضع الطبيعي المعتاد خروجه منه لعامة الناس و إن لم يعتد لشخص. و النقض بها إجماعي، و نقل الإجماع عليه مستفيض «1»، و المستفيضة عليه دالّة:

ففي صحيحة زرارة: ما ينقض الوضوء؟ فقالا: «ما يخرج من طرفيك الأسفلين من الدبر و الذكر، غائط أو بول أو مني أو ريح، و النوم حتى يذهب العقل، و كل النوم يكره إلّا أن تكون تسمع الصوت» «2».

و الأخرى: «لا يوجب الوضوء إلّا غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ريحها» «3» و رواية زكريا: «إنّما ينقض الوضوء ثلاث: البول و الغائط و الريح» «4».

و صحيحة أبي الفضل: «ليس ينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك الأسفلين اللذين أنعم اللَّه عليك بهما» «5».

______________________________

(1) كما نقله في المعتبر 1: 106، و التذكرة 1: 10، و المدارك 1: 142.

(2) الكافي 3: 36 الطهارة ب 23 ح 6، التهذيب 1: 8- 12، 9- 15، الوسائل 1: 249 أبواب نواقض الوضوء ب 2 ح 2.

(3) التهذيب 1: 10- 16، 346- 1016، الوسائل 1: 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 2.

(4) الكافي 3: 36 الطهارة ب 23 ح 2، التهذيب 1: 10- 18، الاستبصار 1: 86- 272، الخصال:

21- 47، الوسائل 1: 250 أبواب نواقض الوضوء ب 2 ح 6.

(5) الكافي 3: 35 الطهارة ب 23 ح 1، التهذيب 1: 10- 17، الاستبصار 1: 85- 271، الوسائل 1: 249 أبواب نواقض الوضوء ب 2 ح 4.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 8

و صحيحة زرارة: «لا ينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك أو النوم» «1» إلى غير ذلك.

و تقييد الريح الناقض (في الثانية) [1] بأحد الوصفين محمول على صورة حصول الشك بدونهما، و فائدته بيان لزوم تيقّن الخروج و عدم كفاية الشك بل الظن.

و أمّا مع التيقن فلا ريب في ناقضيته مطلقا، للإجماع، و المروي في مسائل علي: عن رجل في صلاته، فيعلم أنّ ريحا قد خرجت و لا يجد ريحها و لا يسمع صوتها، قال: يعيد الوضوء و الصلاة و لا يعتدّ بشي ء ممّا صلّى إذا علم ذلك يقينا» «2».

و الرضوي: «و إن استيقنت أنّها خرجت منك فأعد الوضوء سمعت وقعها أو لم تسمع، و شممت ريحها أو لم تشم» «3».

و ضعفهما منجبر بالإجماع المنقول بل المحقّق، فبهما و به [2] يخصص عموم الثانية و ينزّل [3].

و احتمال بعض المتأخّرين «4» اشتراط الناقضية بأحد الوصفين- كما ذكره بعض مشايخنا [4]، بل نقل الفتوى به عن بعض علماء زمانه- ضعيف جداً. كما

______________________________

[1] لا توجد في «ق».

[2] أي بهاتين الروايتين و بالإجماع يخصّص عموم صحيحة زرارة الثانية «لا يوجب الوضوء إلا غائط ..».

[3] في «ه» و «ق» يترك.

[4] الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح: (مخطوط).

______________________________

(1) التهذيب 1: 6- 2، الاستبصار 1: 79- 244، الوسائل 1: 248 أبواب نواقض الوضوء ب 2 ح 1.

(2) مسائل علي بن جعفر: 184- 358، الوسائل 1: 248 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 2.

(3) فقه الرضا (عليه السلام): 67، المستدرك 1: 277 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 2.

(4) كما في المدارك 1: 142.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 9

أنّ ردّ الصحيحة: بكون دلالتها على عدم

النقض (بدون أحد الوصفين) [1] بمفهوم الوصف و هو ليس بحجة- كما قاله بعض مشايخنا «1»- غريب كذلك.

و في حكم الطبيعي غيره إن كان خلقيّاً أو انسدّ الطبيعي، لظاهر الوفاق، بل عليه الإجماع في المنتهى و المدارك «2».

و في اعتبار الاعتياد هنا كنهاية الإحكام «3»، أو عدمه كظاهر المنتهى «4» احتمالان، أظهرهما: الأول.

و مع انتفاء الأمرين: ففي عدم النقض مطلقا، كظاهر الشرائع «5» و طائفة من متأخّري المتأخّرين «6» منهم والدي العلّامة، أو النقض كذلك، كالسرائر و التذكرة «7»، أو التفصيل بالاعتياد و عدمه، كما في المعتبر [2] و القواعد و الدروس و الذكرى «8»، بل نسب إلى المشهور «9»، و بالخروج عن تحت المعدة فينقض، و فوقها فلا ينقض، كما عن المبسوط و الخلاف «10»، أقوال.

و الحق هو الأوّل، للأصل، و فقد المانع كما يأتي.

______________________________

[1] لا توجد في «ق».

[2] في «ه» و «ق»: المنتهى.

______________________________

(1) حاشية المدارك: 32، شرح المفاتيح: (مخطوط).

(2) المنتهى 1: 32، المدارك 1: 144.

(3) نهاية الاحكام 1: 71.

(4) المنتهى 1: 32.

(5) الشرائع 1: 17.

(6) منهم صاحب المدارك 1: 143، و صاحبا الرياض 1: 14، و كشف الغطاء: 107.

(7) السرائر 1: 106، التذكرة 1: 10.

(8) المعتبر 1: 107، القواعد 1: 3، الدروس 1: 87، الذكرى: 25.

(9) كما نسبه في الحدائق 2: 86.

(10) المبسوط 1: 27، الخلاف 1: 115.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 10

للثاني: (عموم) [1] قوله سبحانه إِذا قُمْتُمْ و أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ «1» و عموم الروايتين: الثانية و الثالثة، و احتياج الشغل اليقيني إلى البراءة اليقينية، و تنقيح المناط.

و يضعّف الأوّل: بأنّ المراد القيام من النوم كما في الأخبار، فهي المخصص لعمومه لو كان.

مضافا إلى تعارضه مع الأخبار المصرّحة

بأنّ يقين الوضوء لا ينقضه إلّا يقين الحدث، و الناهية عن الوضوء إلّا مع يقينه، و الحاصرة للنقض بالخارج عن السبيلين «2».

و الثاني: بعدم إرادة الحقيقة من المجي ء عن الغائط الذي هو المكان المنخفض، فيمكن أن يكون مجازه التخلّي للتغوّط المتعارف.

و الثالث: بمنع العموم فيهما سيما في أولهما، و لو كان فإطلاقه ينصرف إلى الشائع. مع أنّه لا بدّ فيهما من ارتكاب تجوّز أو تقدير مضاف، ضرورة عدم كون نفس البول و أخويه ناقضا، فيمكن أن يكون البول مثلا مجازا عن فرد خاص هو البول الخارج على نحو خاص حال كونه كذلك، أو عن خروجه على نحو خاص.

مضافا إلى معارضته مع الصحيحتين الأخيرتين بالعموم من وجه فيرجع إلى الأصل.

و الرابع: بعدم القطع بالاشتغال بأزيد من الصلاة مع مثل هذا الوضوء.

و الخامس: بمنع كونه قطعيا، لعدم العلم بالعلة.

للثالث: صدق الطرفين اللذين أنعم اللَّه بعد الاعتياد، و عدم منافاة

______________________________

[1] لا توجد في «ق».

______________________________

(1) المائدة: 6.

(2) راجع الوسائل 1: 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 11

الانصراف إلى المعتاد له.

و الأوّل ممنوع، مع أنّ التقييد بالأسفلين ينافي عموم المطلوب.

و الثاني مردود: بأنّ ما ينصرف إليه المطلق هو المعتاد من أفراد المهية لا لشخص واحد.

للرابع على الجزء الأوّل: بعض ما مرّ مع جوابه.

و على الثاني: عدم صدق الاسم على الخارج من الفوق، و ضعفه ظاهر.

ثمَّ الشائع المتبادر من الريح ما خرج من الدبر، فلا ينقض الخارج من القبل مطلقا، وفاقا للمنقول عن السرائر و المنتهى و المهذب و البيان «1».

و عن التذكرة القطع بنقض الخارج منه من قبل المرأة «2»، و استقر به في المعتبر و الذكرى «3» مع الاعتياد. و مستندهما ضعيف.

و قد

يقال باعتبار الشيوع في نفس الخروج أيضا لتبادر الخروج المعتاد من المطلقات، و يفرّع عليه: أنّه [لو] [1] خرجت المقعدة ملوثة بالغائط ثمَّ عادت و لم ينفصل لم ينقض «4».

و لا يخفى أنّ بعد تفريع ذلك على اعتبار الشيوع في الخروج لا وجه للتقييد بالعود و عدم الانفصال، إذ الخروج الكذائي غير شائع عادت المقعدة أم. لا، انفصل الغائط أم لا. مع أنّ ذلك الاعتبار في نفس الخروج يوجب عدم النقض بالخارج بالإصبع و نحوها، و بالاحتقان و دوس البطن و تناول المسهل و الدود المتلطخ و نحوها إلّا بدليل آخر.

و التحقيق- كما بيّنّا في موضعه-: أنّ الانصراف إلى المتعارف إنّما هو إذا بلغ

______________________________

[1] أثبتناه لاستقامة المعنى.

______________________________

(1) السرائر 1: 107، المنتهى 1: 31 و 32، المهذب 1: 249، البيان: 40.

(2) التذكرة 1: 11.

(3) المعتبر 1: 108، الذكرى: 25.

(4) الرياض 1: 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 12

التعارف بحيث يتبادر معه إرادة المتعارف و يكون قرينة معينة لإرادته، و هو هنا ليس كذلك، و لذا يحكم بالنقض بالغائط الأسود و الأبيض و البول الأحمر و نحوها. فالحقّ: النقض بالمقعدة المذكورة أيضا.

الرابع: النوم المعطل للسمع و العقل و لو تقديرا مطلقا، بالإجماع المحقّق و المحكي في الخلاف و التهذيب و المعتبر «1» و غيرها «2»، و عن الانتصار و الناصريات «3»، و جعله في الخصال من دين الإمامية [1].

و خلاف ابني بابويه في مطلقه «4» كأحدهما في غير حالة الانفراج «5» لم يثبت، و كلامهما لو دلّ عليه بظاهره، يجب فيه التأويل: بأنّ المراد عدم ناقضيته في نفسه، بل لكونه مظنة الريح غالبا، فلذلك ينقض و لو عدم خروج الريح لما في الخصال، مع أنّه لو

ثبت، ففي الإجماع لا يقدح، فهو الحجة.

مضافا إلى المستفيضة كصحيحتي زرارة المتقدمتين «6»، و الأخرى: «يا زرارة قد تنام العين و لا ينام القلب و الاذن، فإذا نامت العين و الاذن و القلب وجب الوضوء» قلت: فإن حرّك إلى جنبه شي ء و لم يعلم به؟ قال: «لا حتى يستيقن أنّه قد نام حتى يجي ء من ذلك أمر بيّن، و إلّا فإنّه على يقين من وضوئه، و لا ينقض اليقين أبدا بالشك، و لكن ينقضه بيقين آخر» «7».

______________________________

[1] هكذا نقل في الرياض 1: 14 عن الخصال، و لم نعثر عليه فيه نعم في المجالس: 514 المجلس 93 عدّ ناقضية النوم إذا ذهب العقل، من دين الإمامية، و روى في الخصال في حديث شرائع الدين «لا ينقض الوضوء الا البول و الريح و النوم و الغائط و الجنابة».

______________________________

(1) الخلاف 1: 109، التهذيب 1: 5، المعتبر 1: 109.

(2) كالتذكرة 1: 11، و المنتهى 1: 32.

(3) الانتصار: 30، الناصريات (الجوامع الفقهية): 186.

(4) لاحظ المقنع: 4، الهداية: 18، و نقل في المختلف: 17 كلاما عن علي بن بابويه في ذلك.

(5) لاحظ الفقيه 1: 38- 144.

(6) في ص 7 و 8.

(7) التهذيب 1: 8- 11، الوسائل 1: 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 13

و صحيحة ابن الحجاج: «من وجد طعم النوم قائما أو قاعدا فقد وجب عليه الوضوء» «1».

و صحيحة عبد الحميد: «من نام و هو راكع أو ساجد أو ماش على أيّ الحالات فعليه الوضوء» «2».

و صحيحة ابن المغيرة: عن الرجل ينام على دابته، فقال: «إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء» «3».

و صحيحة ابن خلّاد: عن رجل به علّة لا يقدر على

الاضطجاع، و الوضوء يشتد عليه، و هو قاعد مستند بالوسائد، فربما أغفى و هو قاعد على تلك الحال، قال: «يتوضأ» قلت: إنّ الوضوء يشتد عليه، قال: «إذا خفي عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء» «4».

و موثقة ابن بكير: قلت: ينقض النوم الوضوء؟ فقال: «نعم إذا غلب على السمع و لا يسمع الصوت» «5».

و رواية سعد: «أذنان و عينان، تنام العينان و لا تنام الأذنان و ذلك لا ينقض الوضوء، فإذا نامت العينان و الأذنان انتقض الوضوء» «6» إلى غير ذلك.

و إطلاق بعضها بالنسبة إلى غير الغالب على السمع و العقل مقيد بالمقيدات،

______________________________

(1) الكافي 3: 37 الطهارة ب 23 ح 15، الوسائل 1: 254 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 9.

(2) التهذيب 1: 6- 3، الاستبصار 1: 79- 247، الوسائل 1: 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 3.

(3) التهذيب 1: 6- 4، الاستبصار 1: 79- 245، الوسائل 1: 252 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 2.

(4) الكافي 3: 37 الطهارة ب 23 ح 14، التهذيب 1: 9- 14، الوسائل 1: 257 أبواب نواقض الوضوء ب 4 ح 1.

(5) التهذيب 1: 7- 9، الاستبصار 1: 80- 251، الوسائل 1: 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 7.

(6) الكافي 3: 37 الطهارة ب 23 ح 16، الوسائل 1: 247 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 14

مع أنّه سنة لا نوم. و تعطيل السمع و العقل متلازمان كما يومئ إليه صحيحتا زرارة «1» أيضا، فالاكتفاء بأحدهما في بعضها غير ضائر.

و بتلك الأخبار يخصّص ما دلّ على انتفاء الناقض غير ما يخرج عن السبيلين مطلقا، فالحصر فيه إضافي بالنسبة إلى ما يخرج.

و

بعض الظواهر النافي للنقض في بعض الحالات، كموثّقة سماعة: عن الرجل يخفق رأسه و هو في الصلاة قائما أو راكعا، قال: «ليس عليه وضوء» «2».

و رواية عمران: «من نام و هو جالس لم يتعمد النوم فلا وضوء عليه» «3».

و مرسلة الفقيه: «عن الرجل يرقد و هو قاعد، عليه الوضوء؟ فقال: لا وضوء عليه ما دام قاعدا إن لم ينفرج» «4».

و رواية الحضرمي: «إذا نام الرجل و هو جالس مجتمع فليس عليه وضوء، و إذا نام مضطجعا فعليه الوضوء» «5».

لا يضر، لضعفها بالشذوذ، و مخالفتها للشهرة بل الإجماع.

مع أنّ المذكور في الأولى الخفق و هو النعاس أي ابتداء النوم، و في الثانية عدم التعمد، و يمكن أن يكون بالغين المعجمة فيراد به ما لم يعطل العقل.

و لو قطع النظر عن ذلك كله يتعارض مع بعض ما مر، و الترجيح لنا، لموافقة أخبارنا الكتاب و مخالفتها العامة «6».

و أمّا الصحيح: في الرجل هل ينقض و ضوؤه إذا نام و هو جالس؟ قال: «إن

______________________________

(1) المتقدمتان ص 7 و 12.

(2) الفقيه 1: 38- 143، الوسائل 1: 255 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 12.

(3) التهذيب 1: 7- 6، الاستبصار 1: 80- 248، الوسائل 1: 256 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 14.

(4) الفقيه 1: 38- 144، الوسائل 1: 254 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 11.

(5) التهذيب 1: 7- 7، الاستبصار 1: 80- 249، الوسائل 1: 256 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 15.

(6) راجع المغني 1: 197، بداية المجتهد 1: 36.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 15

كان يوم الجمعة و هو في المسجد فلا وضوء عليه، و ذلك بأنّه في حال الضرورة» «1».

فمحمول إمّا على عدم إمكان

الخروج من المسجد فيتيمّم حينئذ- كما يأتي في بابه [1]- أو على التقية، لعدم الضرورة في غيرهما. و لو منع الحملان فيكون متروك الظاهر عند الأصحاب كلا، فلا حجية فيه.

ثمَّ النوم ناقض بنفسه، لظاهر الأخبار المتقدمة، و صريح حسنة الأشعري: «لا ينقض الوضوء إلّا حدث، و النوم حدث» «2».

لا لكونه مظنة الريح كما يظهر من بعض الروايات «3»، لضعفه و موافقته العامة، و تصريح صحيحة زرارة المتقدمة «4» بعدم النقض باحتمال طروّ الناقض ظنا أو شكا. مع أن التعليل بكونه مظنته غالبا لا ينافي النقض به مطلقا، فإنّ أمثال هذه التعليلات في الشرع كثيرة، فإنّ هذه العلّة صارت علة للكلية كما في الخمر.

و أمّا رواية الكناني: عن الرجل يخفق في الصلاة، قال: «إن كان لا يحفظ حدثا منه- إن كان- فعليه الوضوء و إعادة الصلاة، و إن كان يستيقن أنّه لم يحدث فليس عليه وضوء و لا إعادة» «5» فلا ينافي ما ذكرنا، لأنّ المراد أنّه إن غلب على العقل، فعليه الوضوء و إلّا فلا، لأنّ عدم حفظ الحدث في الصلاة يستلزم ذهاب العقل، كما أنّ استيقان عدمه لا يكون إلّا مع بقاء العقل.

______________________________

[1] سيأتي في المسألة الرابعة من الفصل الخامس من التيمم.

______________________________

(1) التهذيب 1: 8- 13، الاستبصار 1: 81- 253، الوسائل 1: 256 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 16.

(2) التهذيب 1: 6- 5، الاستبصار 1: 79- 246، الوسائل 1: 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 4.

(3) الوسائل 1: 255 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 13.

(4) في ص 12.

(5) التهذيب 1: 7- 8، الاستبصار 1: 80- 250، الوسائل 1: 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2،

ص: 16

الخامس: كل مزيل للعقل من جنون أو سكر أو إغماء، بالإجماع المحقق و المحكي في التهذيب «1» و الخصال [1] و المعتمد و غيرها «2»، و في المنتهى: لا نعلم فيه مخالفا «3».

و يؤيد بعض المطلوب: رواية الدعائم: «إنّ المرء إذا توضأ صلى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلاة ما لم يحدث أو ينم أو يجامع أو يغم عليه» «4».

و الاستدلال بصحيحة ابن خلّاد «5» من جهة الإغفاء، أو عموم: «إذا خفي عليه الصوت»، أو تعليق نقض النوم بذهاب العقل من باب التنبيه أو الأولوية، أو بالنقض بالنوم من باب تنقيح المناط، ضعيف.

السادس: بعض أفراد الاستحاضة كما يأتي في محله. و أمّا الحدث الأكبر فهو و إن كان ناقضا للوضوء إلّا أنّه ليس من أسبابه.

فرع: الشك في تحقق الناقض لا عبرة به، و كذا الظن، لأنّ اليقين بالطهارة لا ينقض إلّا بيقين مثله كما صرّح به في الأخبار «6».

و لصحيحة ابن عمار «7» و خبر البصري «8» في الريح، و إحدى صحاح زرارة

______________________________

[1] لم نعثر عليه فيه، و لكن نقل عنه في الرياض 1: 14، و مفتاح الكرامة 1: 37 أنه عده من دين الإمامية، نعم ربما يستفاد من كلامه في المجالس حيث إنه عدّ من دين الإمامية ناقضية النوم المزيل للعقل- فتأمّل.

______________________________

(1) التهذيب 1: 5.

(2) كالمدارك 1: 149.

(3) المنتهى 1: 34.

(4) الدعائم 1: 101، المستدرك 1: 229 أبواب نواقض الوضوء ب 2 ح 4.

(5) المتقدمة ص 13.

(6) راجع الوسائل 1: 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1.

(7) التهذيب 1: 347- 1017، الاستبصار 1: 90- 289، الوسائل 1: 246 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 3.

(8) الفقيه 1: 37- 139، التهذيب 1: 347- 1018، الاستبصار

1: 90- 288، الوسائل 1:

246 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 17

في النوم «1».

و الشك في سماع الصوت كالشك في النوم.

و لا اعتبار بالرؤيا، لإمكان تحققه مع عدم بطلان العقل و السمع إذا قوي الخيال.

تذنيب: ليس للوضوء غير ما ذكر سبب موجب على الأظهر الأشهر رواية و فتوى، و إن اختلفت الأخبار بل الأقوال في أشياء.

منها: المذي. خالف فيه الإسكافي، فقال بنقضه للوضوء إن خرج بشهوة «2».

و يشعر كلام التهذيب بالنقض مع الكثرة «3»، و ذهب [1] العامة إلى النقض به مطلقا «4».

لنا- بعد الأصل و الإجماع المحقق و المحكي في التذكرة «5» و غيرها- «6» المستفيضة المتواترة معنى من الصحاح و غيرها المصرّحة بعدم النقض بالمذي مطلقا، كالصحاح الثلاث للشحّام «7» و ابن بزيع «8» و ابن سنان «9»، و حسنة بريد

______________________________

[1] في «ق» و ذهبت.

______________________________

(1) التهذيب 1: 8- 11، الوسائل 1: 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1.

(2) نقله عنه في المختلف: 18.

(3) التهذيب 1: 18.

(4) بداية المجتهد 1: 34، الأم للشافعي 1: 39.

(5) التذكرة 1: 11.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 549.

(7) التهذيب 1: 17- 40، الاستبصار 1: 91- 293، الوسائل 1: 277 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 5.

(8) التهذيب 1: 18- 43، الاستبصار 1: 92- 296، الوسائل 1: 297 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 9.

(9) التهذيب 1: 20- 49، الاستبصار 1: 94- 302، الوسائل 1: 280 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 18

ابن معاوية «1»، و موثقة ابن عمّار «2». أو و لو مع السيلان، كصحيحة الفضلاء «3». أو و لو بلغ عقبيك، أو الفخذ كحسنتي

زرارة «4» و محمّد «5». أو مع الشهوة كمرسلتي ابن أبي عمير «6» و ابن رباط، و في الأخيرة: «يخرج من الإحليل المني و الودي و الوذي» إلى أن قال: «و أمّا المذي فهو الذي يخرج من الشهوة و لا شي ء فيه» «7» و غير ذلك، و في كثير منها أنّه بمنزلة النخامة.

و المصرّح به في كلام جماعة من الفقهاء «8»، و طائفة من أهل اللغة- كصاحبي الصحاح و القاموس و ابن الأثير و الهروي «9»- أنّ المذي هو الخارج عقيب الشهوة، و تدل عليه مرسلة ابن رباط. فتوصيفه في مرسلة ابن أبي عمير بقوله:

«من الشهوة» للتوضيح. و الاستعمال في الأعم في بعض الأخبار تجوّز.

و يكون ما يتمسك به للإسكافي- كصحيحة ابن يقطين: عن المذي أ ينقض الوضوء؟ قال: «إن كان بشهوة نقض» «10» و بمضمونها روايتا أبي بصير «11»

______________________________

(1) الكافي 3: 39 الطهارة ب 25 ح 3، الوسائل 1: 276 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 1.

(2) التهذيب 1: 17- 39، الاستبصار 1: 91- 292، الوسائل 1: 277 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 7.

(3) التهذيب 1: 21- 52، الاستبصار 1: 94- 305، الوسائل 1: 276 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ملحق ح 2.

(4) الكافي 3: 39 الطهارة ب 25 ح 1، الوسائل 1: 276 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 2.

(5) الكافي 3: 40 الطهارة ب 25 ح 4، الوسائل 1: 277 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 3.

(6) التهذيب 1: 19- 47، الاستبصار 1: 93- 300، الوسائل 1: 270 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 2.

(7) التهذيب 1: 20- 48، الاستبصار 1: 93- 301، الوسائل 1: 278 أبواب نواقض الوضوء ب 12

ح 6.

(8) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 4.

(9) الصحاح 6: 2490، القاموس 4: 391، النهاية 4: 312، غريب الحديث 2: 55.

(10) التهذيب 1: 19- 45، الاستبصار 1: 93- 298، الوسائل 1: 279 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 11.

(11) التهذيب 1: 19- 44، الاستبصار 1: 93- 297، الوسائل 1: 279 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 19

و الكاهلي «1»، و صحيحة يعقوب: عن الرجل يمذي في الصلاة من شهوة أو من غير شهوة، فقال: «المذي منه الوضوء» «2» و غير ذلك- معارضا لما تقدّم بالتساوي، و مطابقا لمذهب العامة، و لأجله يرجّح ما تقدّم، بل و لولاه أيضا، لموافقته للأصل.

مع أنّ هذه الأخبار ليست بحجة، لمخالفتها للشهرة القديمة و الجديدة، و لعمل راويها، و بعضها كالأخيرة على الوجوب غير دالّة.

و بهذا يجاب لو عمّم المذي لغة حتى يكون من تعارض المطلق و المقيد، مضافا إلى تساويها مع المرسلتين فتقدّمان، لما مرّ.

و ضعفهما سندا عندنا غير ضائر، و لو كان، فالعمل لهما جابر، مع أنّ ابن أبي عمير ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، و مراسيله كالمسانيد.

و منها: تقبيل المرأة بشهوة، و مسّ الفرجين من الغير كذلك، و مسّ باطنهما مطلقا.

خالف فيها الإسكافي «3»، و في الأخير الصدوق «4» أيضا مع ضم فتح الإحليل، لرواية أبي بصير «5» و موثقة عمّار «6».

______________________________

(1) التهذيب 1: 19- 46، الاستبصار 1: 93- 299، الوسائل 1: 279 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 12.

(2) التهذيب 1: 21- 53، الاستبصار 1: 95- 306، الوسائل 1: 281 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 16.

(3) نقله عنه في المختلف: 17.

(4) الفقيه 1: 39.

(5)

التهذيب 1: 22- 56، الاستبصار 1: 88- 280، الوسائل 1: 272 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 9.

(6) التهذيب 1: 45- 127، الاستبصار 1: 88- 284، الوسائل 1: 272 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 20

و هما- مع عدم دلالة أولاهما على الأزيد من الاستحباب، و معارضتهما مع مرسلة ابن أبي عمير «1» و الصحاح الخمس للحلبي «2» و زرارة «3» و معاوية «4» و رواية عبد الرحمن «5»- لا تصلحان للحجية، لمخالفتهما لعمل معظم الطائفة بل إجماع الفرقة على التحقيق.

و منها: القهقهة في الصلاة متعمدا للنظر إلى المضحك أو سماعه، و الحقنة، و الدم الخارج من السبيلين المشكوك في مصاحبة الناقض له.

خالف فيها الإسكافي «6» أيضا، لمضمرتي ابن أبي عمير «7» و سماعة «8» في الأوّل.

و جوابه ما مر من الشذوذ المخرج عن الحجية، مع معارضتهما لحسنة زرارة «9»، مضافا إلى ضعف الأولى من جهة الدلالة.

______________________________

(1) المتقدمة في ص 18.

(2) التهذيب 1: 22- 58، الاستبصار 1: 88- 279، الوسائل 1: 271 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 5.

(3) أ- الكافي 3: 37 الطهارة ب 23 ح 12، الوسائل 1: 270 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 3.

ب: التهذيب 1: 23- 59، الوسائل 1: 270 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ملحق ح 3.

ج: التهذيب 1: 21- 54، الاستبصار 1: 87- 277، الوسائل 1: 270 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 3.

(4) التهذيب 1: 346- 1014، الاستبصار 1: 88- 282، الوسائل 1: 271 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 7.

(5) التهذيب 1: 22- 57، الاستبصار 1: 88- 281، الوسائل 1: 271 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 6.

(6) نقله

عنه في المختلف: 18.

(7) التهذيب 1: 12- 24، الاستبصار 1: 86- 274، الوسائل 1: 263 أبواب نواقض الوضوء ب 6 ح 10.

(8) التهذيب 1: 12- 23، الاستبصار 1: 86- 273، الوسائل 1: 263 أبواب نواقض الوضوء ب 6 ح 11.

(9) الكافي 3: 364 الصلاة ب 50 ح 6، التهذيب 2: 324- 1324، الوسائل 1: 261 أبواب نواقض الوضوء ب 6 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 21

و لم أعثر له في الباقيين على حجة، بل الأخبار على عدم النقض بالثاني مصرّحة «1».

و منها: الحيض فيظهر من بعضهم كونه ناقضا للوضوء «2».

و تظهر الفائدة في ما إذا كانت متوضّئة و حاضت و أرادت الاشتغال بما يشترط فيه الوضوء وجوبا و لا يمنعه الحيض، كالنوم، و في النفساء حيث إنّ لا أقل للنفاس.

و الظاهر عدم كونه بنفسه ناقضا له، للأصل و عدم الدليل.

و مثل قوله: «كل غسل فيه وضوء» «3» لا يثبت ناقضية الحيض، لأنّه مع عدم إفادته الوجوب- كما يأتي [1]- لا يدل إلّا على مطلوبية تقدم الوضوء على الغسل، و هو لا يدل على مطلوبية وضوء آخر غير ما تقدم على سبب الغسل إلّا بعد ثبوت انتقاضه.

و منها: مس الميت.

و الحقّ: عدم الانتقاض به أيضا، كما يأتي في بحث غسل المس.

ثمَّ إنا قد ذكرنا أنّ هذه الأمور ليست أسبابا موجبة للوضوء، و أمّا استحبابه بعروضها فالظاهر ثبوته في الجميع، غير الحقنة و الدم الخارج من السبيلين، لما مرّ.

و يستحب أيضا للرعاف، و القي ء، و التخليل السائل منه الدم إذا استكره شي ء منها، لصحيحة الحذّاء «4» في الجميع، و الوشاء «5» أيضا في الأوّل.

______________________________

[1] سيأتي في المسألة من البحث السادس من غسل الجنابة.

______________________________

(1) راجع

الوسائل 1: 264 أبواب نواقض الوضوء ب 7.

(2) كابن حمزة في الوسيلة: 53، و العلامة في التحرير 1: 6.

(3) التهذيب 1: 143- 403، الوسائل 2: 248 أبواب الجنابة ب 35 ح 2.

(4) التهذيب 1: 13- 26، الاستبصار 1: 83- 263، الوسائل 1: 263 أبواب نواقض الوضوء ب 6 ح 12.

(5) التهذيب 1: 348- 1024، الوسائل 1: 267. أبواب نواقض الوضوء ب 7 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 22

و خروج البلل بعد الاستبراء، لمكاتبة محمّد بن عيسى «1».

و بعد الاستنجاء بالماء من الغائط و البول للمتوضّئ قبله و لو كان قد استجمر، لموثّقتي عمّار «2» و سماعة «3».

و الظلم، و الكذب، و الزائد من الأربعة من باطل الشعر، لموثقة سماعة «4».

و الغيبة، لرواية الحسين بن زيد- الطويلة- في جمل المعاصي «5».

و الغضب، للمروي في دعوات الراوندي: «إن غضب أحدكم فليتوضأ» «6».

و لمس الكلب، و مصافحة المجوسي، للخبر فيهما «7».

و بعد الوضوء الناقص لعذر بعد رفعه كالتقية و الجبيرة، خروجا من خلاف من أوجبه

______________________________

(1) التهذيب 1: 28- 72، الاستبصار 1: 49- 138، الوسائل 1: 285 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 9.

(2) التهذيب 1: 45- 127، الاستبصار 1: 52- 149، الوسائل 1: 317 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 1.

(3) الكافي 3: 19 الطهارة ب 12 ح 17، الوسائل 1: 319 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 5.

(4) التهذيب 1: 16- 35، الاستبصار 1: 87- 276، الوسائل 1: 269 أبواب نواقض الوضوء ب 8 ح 3.

(5) الفقيه 4: 2، أمالي الصدوق: 355.

(6) دعوات الراوندي: 52، المستدرك 1: 274 أبواب الوضوء ب 47 ح 1.

(7) الوسائل 1: 274 أبواب نواقض الوضوء ب 11 ح 1،

2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 23

الفصل الثاني: في أقسامه
اشاره

و هو على قسمين: واجب و مندوب.

فهاهنا بحثان.

البحث الأوّل: في الواجب منه.

و هو يجب للصلاة الواجبة، بالإجماع بل الضرورة و الكتاب و السنة المتواترة معنى.

و كما يجب لها شرعا يجب شرطا، فيتوقف صحتها عليه أيضا بالأربعة.

و يكفيك في ذلك: قول أبي جعفر المروي في الفقيه و التهذيب: «لا صلاة إلّا بطهور» «1» و الروايات الواردة في وجوب إعادة الصلاة بترك الوضوء و نسيانه أو نسيان جزء منه «2».

و ذلك أيضا دليل آخر على وجوبه الشرعي، لوجوب مقدمة الواجب، كما أنّ الأوّل أيضا دليل على الثاني باعتبار كون الأمر بالشي ء نهيا عن ضده، فالأمر بالوضوء حال إرادة الصلاة نهي عنها موجب لفسادها.

ثمَّ أكثر ما ذكر دليلا على الوجوبين يعم جميع الصلوات الواجبة يومية كانت أو غيرها، فوجوبه شرعا و شرطا له مما لا شك فيه.

و أمّا صلاة الجنازة فليست صلاة حقيقة، فلا ينافي العموم عدم وجوبه لها.

مع أنه على فرض كونها صلاة تكون مخصّصة بالأدلة الآتية في موضعه.

و الحق بالصلاة أجزاؤها المنسية، و سجود السهو «3». و قيل: سجود

______________________________

(1) الفقيه 1: 35- 129، التهذيب 1: 49- 144، الوسائل 1: 315 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 1.

(2) راجع الوسائل 1: 370 أبواب الوضوء ب 3.

(3) كما في روض الجنان: 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 24

التلاوة «1». و يأتي الكلام في كل منها في محله.

و للطواف الواجب دون المندوب، و ليس شرطا له (أيضا) [1] كما يأتي في بحثه.

و لمسّ خط المصحف، و وجب، لحرمة مسّها بدونه كما يأتي.

و لنذر و شبهه. و متعلقه إن تعين من وضوء أو غسل أو تيمم تعين، و إلّا كفى المسمّى مع مشروعيته في الصورتين، فلا يكفي الوضوء مع غسل الجنابة، أو

غسل الجمعة يوم الأربعاء، أو التيمم مع الماء، لعدم كونه طهارة، بل عدم ثبوت مشروعيته، فلو نذره بخصوصه لم ينعقد.

ثمَّ لو نذره في وقت معيّن قيل: فإن صادف أحد أسبابه وجب «2».

و فيه نظر، لأنّه موقوف على صحة النذر، و هو بإطلاقه ممنوع، بل إطلاقه يصح إن كان المنذور راجحا مطلقا، و إلّا فلا، فلا يصح نذر التيمم في وقت معين بالإطلاق.

و إن لم يصادفه، فمع تعذّر تحصيله يسقط قطعا، كنذر غسل الجنابة غدا مع تعذّر تحصيل الجنابة، أو نذر التيمم عند النوم مع تعذّر إعدام الماء على القول باشتراط عدمه حينئذ أيضا.

و مع إمكانه، فإن كان فعل تلك الطهارة راجحا على ما هي عليه قبل حصول موجبه، يجب تحصيل الموجب ما لم يكن محرما، سواء كان تحصيل الموجب أيضا راجحا في نفسه كالجنابة لغسله، أو لا كالحدث للوضوء الرافع على القول بكونه أفضل من التجديدي.

و إن لم يكن راجحا على ما هو عليه، لم يجب، لأنّ النذر إن شمل مثل تلك

______________________________

[1] لا توجد في «ه».

______________________________

(1) المختلف: 96.

(2) مشارق الشموس: 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 25

الحال أيضا، لم ينعقد، لعدم الرجحان، كالتيمم مع إهراق الماء لمن يجده، فإنّ التيمم حينئذ ليس راجحا على الوضوء.

و قال والدي العلّامة- رحمه اللّه- بعدم وجوب تحصيل الموجب مطلقا. و هو غير جيد.

قيل: و يجب الوضوء أيضا للتحمل عن الغير «1».

فإن أريد ما يجب لأجل تحمل الصلاة، فهو داخل في الوجوب لها، و إن أريد غيره كما إذا نذر أحد الوضوء و مات قبل أن يأتي به، فلم تثبت مشروعية التحمل فيه، و لذا لم يذكره الأكثر.

تذنيب: لا يجب الوضوء بنفسه على المعروف من مذهب الأصحاب، كما في

المدارك «2»، و عن التذكرة «3» و المحقق [1] و الكركي «4» و العاملي «5» و في اللوامع و المعتمد: الإجماع عليه، بل ظاهر [2] أمالي الصدوق كون وجوبه لغيره خاصة من دين الإمامية «6».

و يدلّ عليه: الأصل [3]، و الإجماع الثابت من التتبع، و ممّا يعهد من فقهاء

______________________________

[1] لم نعثر في كتب المحقق على دعوى المعروفية من مذهب الأصحاب و لم ينسب إليه في كتب المتأخرين، و المظنون زيادة «الواو» بين المحقق و الكركي. كما يؤيده تقديم التذكرة عليه في الذكر.

قال الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك: بل نقل جمع من الفقهاء الإجماع مثل العلامة في التذكرة و المحقق الشيخ علي و الشهيد الثاني و نحوه في الذخيرة: 2.

[2] في «ه» و «ق» بل عن ظاهر.

[3] أي أصالة عدم وجوبه لأجل نفسه لوفاق الكل على وجوبه لغيره أو عدم وجوبه في غير وقت وجوب مشروط الطهارة إن قلنا بعدم تحقق الوجوب الغيري قبل وقت الغير (منه ره).

______________________________

(1) الألفية للشهيد: 26.

(2) المدارك 1: 9.

(3) التذكرة 1: 15.

(4) كما نقل عنه في الذخيرة و حاشية المدارك، و في مفتاح الكرامة 1: 5 نقل عنه في شرح الإرشاد.

(5) روض الجنان: 51.

(6) أمالي الصدوق: 514- 515.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 26

الأعصار من عدم التزامهم رفع الحدث الأصغر عند ظن الوفاة لأنفسهم أو غيرهم، و مفهوم الشرط في الآية «1».

و الإيراد عليه: بأنّه يدل على وجوبه عند إرادتها، لعدم إمكان إبقاء القيام على حقيقته، و الإرادة تتحقق قبل الوقت أيضا.

مردود [1] بأنّ غايته وجوبه قبل الوقت أيضا، و لا مانع من كون الواجب لغيره واجبا قبل دخول وقت الغير كما يأتي «2».

مع أنّ عدم إمكان إبقاء القيام على

حقيقته ممنوع، فإنّه إنّما هو إذا قال:

قمتم في الصلاة، حتى تكون حقيقته هو القيام الذي هو جزؤها، و لكنه قال: إلى الصلاة، و المتبادر من القيام إلى الشي ء: التوجّه إلى إيجاده، و ظاهر أنّ ذلك لا يكون الّا وقت تأتّي ذلك الشي ء و إمكان إيجاده.

و بأنّ حجية مفهوم الشرط إذا لم تظهر له فائدة غيره.

______________________________

[1] و قيل: يتعيّن الإرادة المتصلة لكونها أقرب المجازات، بل قيل بعدم إمكان إرادة القيام منه إطلاقا لاسم السبب على المسبب، إذ لا بدّ من إرادة الصلاة من القيام أيضا لعدم وجوبه لجزء الصلاة بل لنفسها، فيلزم استعمال لفظ في استعمال واحد في مجازين بعلاقتين متغايرتين و هو غير جائز.

و الحاصل: أن قوله: «قمتم» لا يمكن أن يكون مستعملا في «أردتم» بإطلاقه، لعدم العلاقة، فيكون مستعملا في أردتم القيام، و لا يمكن أن يكون المراد بالقيام حقيقته، لعدم وجوبه له بل للصلاة، فيلزم المحذور المذكور، مضافا إلى أنّه يصير المعنى: إذ أردتم الصلاة إلى الصلاة. و هو فاسد.

و فيه نظر، لأنّ المستعمل في الصلاة هو القيام المأخوذ في المعنى المجازي دون قوله:

«قمتم» فهو من قبيل سبك المجاز من المجاز.

نعم يمكن أن يمنع جواز مثل ذلك أيضا. و أيضا يمنع عدم وجوب الوضوء للقيام الذي هو جزء، فيمكن إبقاء القيام المأخوذ في المعنى المجازي على حقيقته. غاية الأمر أن الآية لا تصريح فيها بالوجوب للصلاة، و لا ضير فيه، بل يمكن أن يقال: الوجوب يستلزم الوجوب للكل، فتأمل. (منه ره).

______________________________

(1) المائدة: 6.

(2) في ص 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 27

مردود: بمنع الاختصاص، و إنّما هو إذا استدلّ عليها بأنّه لولاها لانتفت فائدة الشرط، و هو غير تام، بل المناط الفهم

العرفي.

و يؤيد المطلوب أيضا: بعض الأخبار الواردة في علل الوضوء، و أنّه للقيام بين يدي اللَّه سبحانه «1»، و مفهوم صحيحة زرارة: «إذا دخل الوقت وجب الصلاة و الطهور» «2» حيث إنّ الظاهر منه تعلّق الحكم بكلّ من المتعاطفين بانفراده حتى يكون رفعه برفعه عنهما، لا على سبيل الاستغراق الأفرادي حتى يكون المراد مجرد صدق الكلية عند دخول الوقت، و عدمه المتحقق بانتفاء الوجوب عن الصلاة وحدها قبله.

مضافا إلى أنّ إرادة مجرد صدق الكلية يلغي ذكر الطهور لاستقلال الصلاة في الاشتراط، إلّا أنّ ذلك محتمل أيضا.

و قد يستدل أيضا: بأخبار دالّة على الوجوب الغيري مثبتة له «3».

و هو غير جيد، للوفاق على ثبوت الغيري، و النزاع إنّما هو في نفي النفسي.

و ثبوته معه، و تلك الأخبار لا تنفيه، لعدم المنافاة بين الوجوبين.

نعم، في بعضها إشعار إلى نفيه، كقول الصادق عليه السّلام: «أنا أنام على ذلك- يعني حدث الجنابة- حتى أصبح» «4» مع قوله في خبر أبي بصير:

«الإمام لا يبيت ليلة و للَّه في عنقه حق» «5».

خلافا لمجهول نقله عنه في الذكرى «6»، و الظاهر- كما قاله جماعة و يظهر من

______________________________

(1) الوسائل 1: 367 أبواب الوضوء ب 1 ح 9، علل الشرائع: 257، 268، عيون الأخبار 2:

104، 115.

(2) التهذيب 1: 140- 546، الوسائل 1: 372 أبواب الوضوء ب 4 ح 1.

(3) راجع الوسائل 1: 372 أبواب الوضوء ب 4 ح 1.

(4) الفقيه 1: 47- 180، الوسائل 2: 227. أبواب الجنابة ب 25 ح 2.

(5) الكافي 1: 408 الحجة ب 105 ح 4.

(6) الذكرى: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 28

قواعد الشهيد- أنّه العنبري من العامة [1]، و إن كان ظاهر المدارك «1» و بعض من

تأخر عنه «2» الميل إليه، لاستفاضة النصوص الدالّة على وجوب الطهارة مطلقا- الظاهر في النفسي- بحصول أحد نواقضها.

و فيه: أنّه إن أريد ظهور الوجوب بنفسه في النفسي فهو ممنوع، لأنّ الوجوب هو مطلوبية الشي ء حتما، سواء كان مطلوبيته لأجل نفسه أو غيره.

فإن قيل: الغيري يحتاج إلى ملاحظة مصلحة الغير و الأصل عدمها.

قلنا: النفسي أيضا يحتاج إلى ملاحظة مصلحة في ذلك الشي ء.

فإن قيل: الأوّل يحتاج إلى ملاحظة الغير أيضا.

قلنا: غاية الأمر أنّه يكون في أحد الطرفين مخالف أصل، و في الآخر مخالفين، و لا ترجيح عندنا حينئذ، مع أنّ في النفسي أيضا يحتاج إلى ملاحظة حيثية نفس ذلك الشي ء.

و إن أريد ظهور إطلاق الوجوب نحو قوله: إذا أحدثت توضّأ، أو يجب عليك الوضوء، فهو كذلك لو قلنا باختصاص الوجوب الغيري لشي ء بوقت ذلك الغير و حال وجوب فعله كما هو المشهور إذ وجوبه الغيري حينئذ يوجب تخصيص ذلك الإطلاق بوقت أو حال هو وقت ذلك الغير، و الأصل عدمه:

و أمّا لو لم نقل بذلك، و قلنا بوجوبه بعد وجوب ذلك الغير و إن لم يدخل وقته- كما اختاره الأردبيلي «3» و جماعة ممّن تأخّر عنه «4» و هو الحق- فليس كذلك، إذ يكون الوضوء بعد الحدث حينئذ واجبا على المكلّف، دخل وقت الصلاة أم لا،

______________________________

[1] القواعد و الفوائد 2: 65، قال: ذهب إلى ذلك القاضي أبو بكر العنبري و ذكر محقق الكتاب في الهامش: لعل الصحيح أبو بكر العربي فراجع.

______________________________

(1) المدارك 1: 10.

(2) كالمحقق السبزواري في الذخيرة: 2، و الكفاية: 2.

(3) مجمع الفائدة 1: 67.

(4) منهم صاحب المشارق: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 29

فلا يرتكب تخصيص في المطلقات.

و الحاصل: أنّ الواجب واجب، نفسيا كان

أم غيريا، فلا ينصرف إلى أحدهما إلّا بدليل، و لا دليل على الانصراف إلى النفسي إلّا تخصيص المطلقات على الغيري خاصة، و لا تخصيص على ذلك القول.

و أمّا ما قلنا من أن الحقّ: عدم توقّف وجوب ما يجب لغيره على دخول وقت ذلك الغير، بل يتوقّف على وجوبه، فتوضيحه بعد مقدمة هي: أنّه إذا قال الآمر:

صم أول رجب، تحصل للمأمور حالة غير ما كانت عليه قبل ذلك الأمر، و هي صيرورته مكلّفا بصوم أول رجب، فيصير صوم أول رجب واجبا عليه و إن لم يدخل بعد وقت فعله، إذ لا يتوقّف وجوب الشي ء على دخول وقته، فإنّ الوجوب هو المطلوبية الحتمية، و يصدق على هذا الشخص أنّه مطلوب منه صوم أول رجب حتما، و على صوم أول رجب أنّه مطلوب حتما، بخلاف ما إذا قال: إذا دخل أول رجب آمرك بصومه، فإنّه لم يجب بعد.

نظير ذلك: ما قاله الفقهاء في التوكيل التنجيزي و التعليقي، فقالوا: يصح أن يقول الموكل: أنت وكيلي أن تفعل في الشهر الآتي كذا، بأن يكون الآتي ظرفا للفعل دون التوكيل، و لا يصح أن يقول: إذا دخل الشهر الآتي أنت وكيلي، بأن يكون الشهر ظرفا للتوكيل، فإنّ التوكيل في الأوّل تنجيزي و في الثاني تعليقي.

و بعد ذلك نقول: إذا وجب شي ء لشي ء آخر، فما لم يجب ذلك الآخر لا يجب هذا البتة، إذ وجوبه تبعي، و هو فرع وجوب متبوعه، أي تعلّق الأمر به، و لكن لا دليل على توقّف وجوبه على دخول وقته، بل يرى أنّه لو أتى بذلك الغير قبل وقت ذلك يكفي و يعدّ ممتثلا، فلو أمر المستطيع الذي بينه و بين مكة عشرة أيام بالحج، فذهب إلى

مكّة قبل الموسم بشهرين كفى و لو أمره بوجوب المقدمة صريحا أيضا. و لأنّ الأصل عدم تقييد وجوبه بوجوب ذلك الغير، فلو قال: إذا أحدثت يجب عليك الوضوء من جهة الصلاة، فالأصل عدم تقييد وجوبه بوقت الصلاة، و كذا لو قال: يجب عليك ستر العورة لأجلها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 30

غاية الأمر أنّ وجوبه موسّع لا يتضيّق إلّا بحال إرادة الصلاة المتصلة، و لذا لو توضأ أو ستر العورة قبل وقتها يمتثل، فهو واجب موسّع من أول حدوث السبب إلى أوّل زمان التلبس بذلك الغير، و هو مخيّر بين جميع أفراده.

فإن قلت: لا عقاب لو تركه قبل وقت الغير.

قلنا: كذلك بعده قبل تضيق وقت الغير، و ذلك لأجل أنّ هذا شأن الموسّع.

فإن قلت: قد سلّمت أنّ وجوب شي ء لغيره يتوقف على وجوبه، و هو قبل الوقت غير معلوم لإمكان عدم البقاء.

قلنا: العلم الاستصحابي كاف في ذلك.

و ظهر مما ذكرنا أنّه لا تترتب ثمرة نافعة على ذلك الخلاف، إذ أنفع ما قالوه جواز نية الوجوب قبل الوقت، و على ما ذكرنا يجوز مطلقا.

لا يقال: الوجوب الغيري و إن لم يتوقف على وقت ذلك الغير، و لكن خصوص الوضوء كذلك، لقوله: «إذا دخل الوقت ..»، لعدم صراحة دلالته على ذلك و احتمال غيره كما مر.

البحث الثاني: في الوضوء المستحب.

و هو على قسمين:

أحدهما: ما يستحب باعتبار السبب، و هو ما ندبه الشارع للمتطهّر بحصول سبب موجب له.

و ثانيهما: باعتبار الغاية و هو ما ندبه للمكلّف للتوصّل إلى أمر.

أمّا الأوّل: فأقسامه ما مرّ في بحث أسباب الوضوء، و الكلام ها هنا في الثاني.

ثمَّ ثبوت هذا القسم من الوضوء المستحب، إمّا يكون بتصريح الشارع

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 31

بمطلوبيته

للأمر الفلاني، أو يتوقف حصول مندوب أو جوازه عليه، لأنّ مقدمة المندوب مندوبة، و لا فرق في ذلك بين كون ما يتوقف عليه نفس فعل مطلوب، أو مرتبة من مراتب كماله. و أمّا مرجوحية فعل مباح بدون الوضوء، فهي لا تدل على مطلوبية الوضوء لأجل فعل ذلك، إذ غايتها توقف ارتفاع كراهة المباح على الطهارة، و لا دلالة لذلك على مطلوبيتها له بوجه.

و قد أدرج جماعة بعض ما من هذا القبيل في أقسام الوضوء المستحب «1» و هو في غير موقعه.

و تظهر الفائدة في مشروعية ضم تلك الغاية في النية.

و على هذا فالأولى أن نذكر ما كان من هذا القبيل بعنوان آخر، أو يدرج في أحكام الوضوء كما فعلوه في الغسل.

و قد ظهر من ذلك أنّ ها هنا ثلاث عنوانات:

الأوّل: الوضوء المستحب باعتبار الأسباب.

و الثاني: المستحب باعتبار الغايات.

و الثالث: الوضوء الرافع لكراهة بعض المباحات للمحدث.

أمّا الأوّل: فقد مرّ.

و أمّا الثاني: فله أقسام كثيرة باعتبار الغايات، و هي أمور:

منها: الصلاة المندوبة، لاشتراطها به بالإجماع.

و عموم قوله: «لا صلاة إلّا بطهور» «2» و قوله: «الصلاة ثلاثة أثلاث، ثلث طهور ..» «3» و قوله: «ثمانية لا تقبل منهم صلاة و منهم تارك الوضوء» «4» و قوله عليه

______________________________

(1) انظر المنتهى 1: 177، و كشف اللثام 1: 7، و الحدائق 2: 138- 140.

(2) التهذيب 1: 209- 605، الاستبصار 1: 55- 160، المحاسن: 78، الوسائل 1: 365 أبواب الوضوء ب 1 ح 1.

(3) الفقيه 1: 22- 66، الوسائل 1: 366 أبواب الوضوء ب 1 ح 8.

(4) الفقيه 1: 36- 131، و 4: 258- 824، المحاسن: 12- 36، الوسائل 1: 369 أبواب الوضوء ب 2 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2،

ص: 32

السلام: «إن ذكرت و أنت في صلاتك أنّك تركت شيئا من وضوئك فانصرف» «1» إلى غير ذلك.

و شرط المستحب مستحب. و الاستدلال على الاشتراط بإطلاق ما دل على وجوب إعادة الصلاة على من نسي الوضوء أو شيئا منه و نحوه غير جيّد، لعدم الوجوب في النوافل.

و منها: صلاة الجنازة كما يذكر في محله.

و منها: الطواف المندوب كما يأتي في موضعه.

و منها: ما لا يشترط فيه الطهارة من مناسك الحج، لصحيحة ابن عمار: «لا بأس أن يقضي المناسك كلها على غير وضوء إلّا الطواف فإنّ فيه صلاة، و الوضوء أفضل» «2».

و منها: مسّ كتابة المصحف المندوب، و تلاوته، و كتابته، و تعليقه و حمله، للشهرة الكافية في إثبات الاستحباب في الجميع.

مضافا في الأوّل إلى اشتراط جواز مسه به، و في الثاني إلى المرويات في قرب الإسناد و عدة الداعي و الخصال:

الأوّل: أقرأ المصحف ثمَّ يأخذني البول، فأقوم و أبول و أستنجي و أغسل يدي و أعود إلى المصحف، فأقرأ فيه؟ قال: «لا حتى تتوضأ للصلاة» «3» دلّ على مرجوحية التلاوة المستحبة بدون الوضوء، فيتوقف كمالها- الذي هو مطلوب- على الوضوء فيكون مطلوبا.

و الثاني: «لقارئ القرآن بكل حرف يقرؤه في الصلاة قائما مائة حسنة،

______________________________

(1) الكافي 3: 34 الطهارة ب 22 ح 3، التهذيب 1: 101- 263، الوسائل 1: 371 أبواب الوضوء ب 3 ح 6.

(2) التهذيب 5: 154- 509، الاستبصار 2: 241- 841، الوسائل 1: 374 أبواب الوضوء ب 5 ح 1.

(3) قرب الإسناد: 395- 1386، الوسائل 6: 196 أبواب قراءة القرآن ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 33

و قاعدا خمسون، و متطهرا في غير الصلاة خمس و عشرون حسنة، و غير

متطهر عشر حسنات» «1» دل على توقف بعض كمال القراءة عليه، فيستحب.

و الثالث: «لا يقرأ العبد القرآن إذا كان على غير طهور حتى يتطهر» «2».

و في بعض النسخ: «لا يقرب» مقام: «لا يقرأ» و عليه لا يتم الاستدلال، و استلزام بعض أفراد القراءة للقرب لا يستلزم الاستحباب للقراءة.

ثمَّ ظاهر إطلاق كلام الأصحاب و مقتضى إطلاق باقي الروايات: عدم التفرقة بين التلاوة من المصحف أو من ظهر القلب، فيستحب الوضوء لهما.

و في الثالث إلى مطلقات ما دل على مرجوحية مس المصحف- الصادق على مس الورق اللازم للكتابة الراجحة بنفسها- [على غير وضوء]. «3»

و الاستدلال له بصحيحة علي: عن الرجل أ يحل له أن يكتب القرآن و هو على غير وضوء؟ قال: «لا» «4» غير جيد، لأنّ حمل عدم الحلية على الكراهة ليس بأولى من تقييد الكتابة بما كان معها مس الخط.

و في الرابع إلى خبر ابن عبد الحميد: «لا تمسه على غير طهر و لا جنبا، و لا تمس خطه، و لا تعلّقه» «5».

و الاستدلال به و بالمروي في المنتهى و الذكرى: «لا يمس المصحف إلّا الطاهر» «6» للخامس مخدوش: بأنّ الحمل غير المس، و بينهما عموم من وجه، كالاستدلال برواية الخصال على النسخة الأخيرة: باختلاف النسخ.

______________________________

(1) عدة الداعي: 269، الوسائل 6: 196 أبواب قراءة القرآن ب 13 ح 3.

(2) الخصال: 627، الوسائل 6: 196 أبواب قراءة القرآن ب 13 ح 2.

(3) في جميع النسخ: على الوضوء، غيّرناه لاستقامة المعنى، و هو متعلق بقوله: مسّ المصحف.

(4) التهذيب 1: 127- 345، الوسائل 1: 384 أبواب الوضوء ب 12 ح 4.

(5) التهذيب 1: 127- 344، الاستبصار 1: 113- 378، الوسائل 1: 384. أبواب الوضوء ب 12 ح 3.

(6)

المنتهى 1: 76، الذكرى: 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 34

و منها: دخول المساجد، للمروي في مجالس الصدوق: «من أتاها متطهرا طهّره اللَّه من ذنوبه و كتب من زوّاره» «1».

و في مصباح الشريعة: «إذا قصدت باب المسجد فاعلم أنّك قصدت باب ملك عظيم لا يطأ بساطه إلّا المطهّرون» «2».

و مرسلة الفقيه: «إنّ بيوتي في الأرض المساجد، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثمَّ زارني» «3».

و قول أمير المؤمنين عليه السلام: «من أحسن الطهور ثمَّ مشى إلى المسجد فهو في الصلاة ما لم يحدث» «4».

و الإيراد عليها: بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في الطهارة في المعنى المراد ممكن، إلّا أنّ قوله في الأخير: «ما لم يحدث» كالقرينة على إرادته، و لكن الثابت منه استحباب الوضوء ثمَّ المشي الى المسجد دون الوضوء لدخول المسجد، و كذا المروي في إعلام الدين للديلمي: «من توضأ ثمَّ خرج إلى المسجد فقال حين يخرج من بيته: بسم اللَّه الذي خلقني فهو يهدين، هداه اللَّه للإيمان» «5».

فالاقتصار في الاستدلال على الاشتهار أولى.

و التمسك باستحباب صلاة التحية المتوقفة على الوضوء غير جيد، و قد يضم معه استحباب المبادرة إليها و كراهة الوضوء في المسجد، و لا بأس به.

قالوا: و يتأكد الاستحباب إذا أراد الجلوس، لمرسلة العلاء: «إذا دخلت المسجد و أنت تريد الجلوس فلا تدخله إلّا طاهرا» «6».

______________________________

(1) مجالس الصدوق: 293- 8، الوسائل: 380 أبواب الوضوء ب 10 ح 2.

(2) مصباح الشريعة: 86.

(3) الفقيه 1: 154- 721، الوسائل 1: 381 أبواب الوضوء ب 10 ح 4.

(4) الدعائم 1: 100.

(5) أعلام الدين: 352 و عنه في المستدرك 1: 297 أبواب الوضوء ب 10 ح 2.

(6) التهذيب 3: 263- 743، الوسائل 5: 245 أبواب أحكام المساجد

ب 39 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 35

و فيه- مضافا إلى ما مرّ- أنّ دلالتها على التأكيد «1» إنما تتم لو دلّت على اختصاص الاستحباب به حتى يحمل على مرتبة مؤكدة منه، و لا تدل عليه إلّا بمفهوم وصف لا حجية فيه، و لعله لذلك لم يذكره جماعة.

و ألحق ابن حمزة بالمسجد كل مكان شريف «2».

و منها: الكون على الطهارة، أي لمجرد كونه غير محدث ذا حالة يصلح معها ما يشترط به من دون قصد شي ء آخر من غاياته، فيكون الغرض منه هذا الأثر في نفسه خاصة.

و الحاصل أنّ الكون على الوضوء أمر مستحب، و هو موقوف على التوضؤ توقف المسبب على السبب، فيستحب لأجل ذلك و إن لم يكن له غاية أخرى.

و الحجة في استحباب ذلك الكون صحيحة ابن عمار: «الوضوء أفضل على كل حال» «3».

فإنّ الظاهر منها الكون على الوضوء لا الإتيان به، لمكان قوله: «على كل حال» و الكون عليه يتوقف على الإتيان به.

و المروي في مجالس ابن الشيخ: «إن استطعت أن تكون في الليل و النهار على طهارة فافعل، فإنّك تكون إذا متّ على طهارة شهيدا» «4».

و الظاهر أن المراد بالطهارة فيه الطهارة من الحدث و إن لم تثبت الحقيقة الشرعية.

و المروي في نوادر الراوندي: «كان أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إذا بالوا توضؤوا مخافة أن تدركهم الساعة» «5» يعني مخافة أن تدركهم و هم محدثون،

______________________________

(1) في «ق» التأكد.

(2) الوسيلة: 49.

(3) قد تقدم تمام الرواية في ص 32.

(4) لم نجده فيه، بل وجدناه في أمالي المفيد: 46.

(5) نوادر الراوندي: 39، البحار 77: 312- 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 36

فتدل على استحباب الكون على

الطهارة في كل وقت.

و الاستدلال بمرغبات التطهير و الوضوء، و الدالّة على الثواب على كل فعل منه على ذلك غير جيد، إذ لا يثبت منها إلّا استحباب هذا الفعل لا لأجل ذلك الأثر الخاص، فإنّها تدل على الثواب عليه و لو كان تجديديا، مع أنّه غير محصّل لذلك الأثر، و استحبابه بنفسه غير استحباب ذلك الأثر.

و أمّا ما ذكره بعضهم منهم والدي- قدّس سرّه- من أنّ هذا القسم من الوضوء مراد من قال: إنّه مستحب بنفسه، فمراده من الوضوء ليس نفس الفعل، بل الكون على الوضوء، فإنّهم بعد ما يذكرون غايات ذلك الكون يقولون إنه بنفسه أيضا مستحب، فلا يرد ما قيل من أنّ هذا غير الاستحباب بنفسه.

و هل يستحب هذا الفعل بنفسه أم لا؟ مقتضى الأصل و عدم الدليل:

الثاني.

و الاستدلال عليه بمطلقات الأمر بالوضوء و مرغباته، سيما بعد الحدث كقوله: «من أحدث و لم يتوضّأ فقد جفاني» «1» و الدالّة على الثواب عليه لا يفيد، إذ يمكن أن يكون ذلك لاستحبابه الغيري الثابت في كل حال.

و منها: التأهب للفريضة قبل وقتها، لاستحباب الصلاة في أول وقتها الحقيقي الموقوفة على الوضوء قبله، لا لأجل مطلق أخبار فضيلة أول الوقت، لأنّ المراد منه الأوّل العرفي الغير المتوقف على الوضوء قبله، بل للأمر بالمسارعة و الاستباق و لما دل على أفضلية الأوّل فالأوّل المثبت لأفضلية الحقيقي أيضا.

و هل يختص الاستحباب بمن يتمكن من إيقاعها في أول الوقت و إن لم يرده، حيث ان استحباب شي ء لا يتوقف على إرادته، أو يستحب لمن يعلم عدم تمكنه منه أيضا؟ مقتضى الدليل المذكور و بضميمة الأصل: الأوّل.

______________________________

(1) إرشاد القلوب: 94، الوسائل 1: 382 أبواب الوضوء ب 11 ح 2.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 37

و قيل بالثاني «1»، للأمر بالمسارعة و إطلاق المروي في الذكرى: «ما وقّر الصلاة من أخّر الطهارة حتى يدخل وقتها» «2». و فيهما نظر.

و قد يخصّ استحباب التأهب بمن علم عدم تيسّر الوضوء له بعد دخول الوقت أو خاف ذلك. و لا يخفى أنّ ذلك ليس تأهّبا، مع أنّ الظاهر حينئذ وجوب التوضؤ.

و منها: التجديد لكل صلاة، للاشتهار و المستفيضة.

منها: المروي في الدعائم عن النبيّ و الوصيّ: أنّهما [كانا] يجدّدان الوضوء لكل صلاة، يبتغيان بذلك الفضل «3».

و رواية سماعة: كنت عند أبي الحسن عليه السّلام فصلى الظهر و العصر بين يدي، و جلست عنده حتى حضرت المغرب فدعا بوضوء فتوضأ للصلاة، ثمَّ قال لي: «توضأ» فقلت: جعلت فداك أنا على وضوء، فقال: «و إن كنت على وضوء» «4».

و مرسلة الفقيه: «تجديد الوضوء لصلاة العشاء يمحو لا و اللَّه و بلى و اللَّه» «5» و ضعفها سندا غير ضائر لوجوه.

بل مطلقا «6»، لمرسلة الفقيه: «الوضوء على الوضوء نور على نور» «7».

و أخرى: «من جدد وضوءه لغير حدث جدد اللَّه توبته من غير استغفار» «8»

______________________________

(1) كما قال به في غنائم الأيام: 8.

(2) الذكرى: 119.

(3) الدعائم 1: 100، المستدرك 1: 294، 295 أبواب الوضوء ب 8 ح 1، 2.

(4) الكافي 3: 72، الطهارة ب 46 ح 9، الوسائل 1: 376 أبواب الوضوء ب 8 ح 2.

(5) الفقيه 1: 26- 81، الوسائل 1: 377 أبواب الوضوء ب 8 ح 6.

(6) عطف على قوله: لكل صلاة يعني: يستحب تجديد الوضوء مطلقا و لو مع عدم إرادة الصلاة.

(7) الفقيه 1: 26- 82، الوسائل 1: 377 أبواب الوضوء ب 8 ح 8.

(8) الفقيه 1: 26- ملحق بحديث

82، الوسائل 1: 377 أبواب الوضوء ب 8 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 38

و مرسلة سعدان: «الطهر على الطهر عشر حسنات» «1».

و لا تعارضها موثقة ابن بكير: «إذا استيقنت أنك قد توضأت فإياك أن تحدث وضوءا أبدا حتى تستيقن أنك قد أحدثت» «2»، لأنها أعم مطلقا منها باعتبار شمولها للتوضؤ على جهة الابتداء و الوجوب و اعتقاد بطلان الأوّل.

ثمَّ المستحب لكل صلاة إنما هو مرة واحدة، لأنها الظاهرة من الروايات، و الثابتة اشتهاره بين العلماء. و أما مطلقا «3» فالظاهر استحبابه مطلقا، للإطلاقات. و قد يستثنى الكثرة المفرطة بحكم العرف و العادة، و لا بأس به.

و منها: طلب الحاجة الراجحة شرعا، لخبر ابن سنان: «من طلب حاجة و هو على غير وضوء فلم تقض فلا يلومنّ إلّا نفسه» «4».

و يظهر وجه تخصيصنا بالراجحة مع إطلاق الجماعة مما مر في صدر المبحث.

و منها: زيارة قبور المؤمنين، لقول بعضهم: إنّ فيه رواية «5». و هو كاف في المقام، سيما مع الشهرة.

و منها: النوم، لرواية الصدوق: «من تطهر ثمَّ آوى إلى فراشه بات و فراشه كمسجده» «6».

و مثله في ثواب الأعمال و المحاسن، و زاد في الأخير: «فإن ذكر أنه ليس على وضوء فيتيمم من دثاره كائنا ما كان، لم يزل في صلاة ما ذكر اللَّه» «7».

______________________________

(1) الكافي 3: 72 الطهارة ب 46 ح 10، الوسائل 1: 376 أبواب نواقض الوضوء ب 8 ح 3.

(2) الكافي 3: 33 الطهارة ح 1 و فيه «إذا استيقنت انك قد أحدثت فتوضأ ..»، التهذيب 1:

102- 268، الوسائل 1: 247 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 7.

(3) أي الوضوء التجديدي الذي يستحب و لو مع عدم إرادة الصلاة، استحبابه

مطلق غير مقيد بالمرّة.

(4) التهذيب 1: 359- 1077، الوسائل 1: 374 أبواب الوضوء ب 6 ح 1.

(5) الذكرى: 23. قال في كشف اللثام 1: 7: لم أظفر لخصوصه بنصّ.

(6) الفقيه 1: 296- 1353، الوسائل 1: 378 أبواب الوضوء ب 9 ح 2.

(7) ثواب الأعمال: 18، المحاسن: 47- 64، الوسائل 1: 378 أبواب الوضوء ب 9 ح 1، 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 39

و تلك الزيادة قرينة على إرادة الوضوء من الطهارة، فلا يرد عدم ثبوت الحقيقة الشرعية فيها.

و يتأكد لنوم الجنب، لا لصحيحة الحلبي: عن الرجل، أ ينبغي له أن ينام و هو جنب؟ فقال: «يكره ذلك حتى يتوضأ» «1»، لما مر في أول المبحث، بل لما في الغنية و المنتهى و ظاهر التذكرة و المعتبر [1] من الإجماع عليه.

مضافا إلى موثقة سماعة: عن الرجل يجنب ثمَّ يريد النوم، قال: إن أحب أن يتوضأ فليفعل و الغسل أفضل» «2».

و منها: ذكر الحائض، كما يأتي في باب الحيض.

و منها: تغسيل الجنب الميت و جماع غاسله، لحسنة شهاب: عن الجنب يغسّل الميت أو غسّل ميتا، أ له أن يأتي أهله ثمَّ يغتسل؟ فقال «سواء، لا بأس بذلك إذا كان جنبا غسل يديه و توضأ و غسل الميت، و إن غسل ميتا توضأ ثمَّ أتى أهله، و يجزيه غسل واحد لهما» «3».

و الرضوي: «إذا أردت أن تغسل جنبا فتوضأ للصلاة ثمَّ اغسله، و إذا أردت الجماع بعد غسلك الميت من قبل أن تغتسل من غسله فتوضأ ثمَّ جامع» «4».

______________________________

[1] الغنية (الجوامع الفقهية): 550، المنتهى 1: 89 التذكرة 1: 25، المعتبر 1: 191.

و لا يخفى أن معقد الإجماع في كلام المذكورين هو كراهة النوم للجنب قبل أن

يتوضأ و قد ناقش المصنف في صدر البحث في كفايتها لإثبات استحباب الوضوء و لهذا لم يستدل بصحيحة الحلبي، و المظنون أنه اعتمد في نقل الإجماع عن هؤلاء على نقل كشف اللثام حيث قال- بعد الاستدلال بصحيح الحلبي-: و في الغنية و المنتهى و ظاهر المعتبر و التذكرة الإجماع عليه. كشف اللثام 1: 7.

______________________________

(1) الفقيه 1: 47- 179، الوسائل 1: 382 أبواب الوضوء ب 11 ح 1.

(2) التهذيب 1: 370- 1127، الوسائل 2: 228 أبواب الجنابة ب 25 ح 6.

(3) الكافي 3: 250 الجنائز ب 95 ح 1، التهذيب 1: 448- 1450، الوسائل 2: 262 أبواب الجنابة ب 43 ح 3- بتفاوت.

(4) فقه الرضا (عليه السلام): 173، المستدرك 2: 194. أبواب غسل الميت ب 29 ح 1، و فيهما «إذا أردت أن تغسل ميتا و أنت جنب ..».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 40

و منه يظهر ضعف تخصيص بعض المتأخرين الثاني بما إذا كان كالأول [1]، لاختصاص ظاهر الحسنة.

و منها: إدخال الميت في قبره، لخبر محمّد و الحلبي: «توضأ إذا أدخلت الميت القبر» «1».

و الرضوي: «تتوضأ إذا أدخلت القبر الميت» «2».

و لا يخفى أنّ دلالتهما موقوفة على تجوز أن إضمار لا قرينة عليه، إلّا أن يدّعى الإجماع على عدم استحباب الوضوء بعد الإدخال.

و منها: وطء جارية بعد أخرى، لمرسلة التميمي: «إذا أتى الرجل جاريته ثمَّ أراد أن يأتي الأخرى توضأ» «3».

و لعل منها يطرّد الحكم في غير الجارية من النسوان أيضا- كما ذكروه- لتنقيح المناط.

و يؤيده خبر الوشاء: «كان أبو عبد اللَّه عليه السّلام إذا جامع و أراد أن يجامع أخرى توضأ و إذا أراد أيضا توضأ للصلاة» [2].

______________________________

[1] حاصل المراد: أن بعض المتأخرين

لم يحكم باستحباب الوضوء لجماع الغاسل للميت على نحو الإطلاق بل خصصه بما إذا كان جنبا، أخذا بظاهر السؤال في حسنة شهاب حيث إنّ الضمير في قوله: «أو غسل ميتا ..» راجع الى الجنب. و لكن الرضوي كاف في إثبات التعميم.

[2] لا يخفى ان هذه الرواية هي التي سيتعرض لها المصنف بقوله: للمروي في كشف الغمة 2: 302 و فيه:

«عن دلائل الحميري عن الحسن بن علي الوشاء قال: قال فلان بن محرز: بلغنا أن أبا عبد اللَّه (عليه السلام) كان إذا أراد أن يعاود أهله للجماع توضأ وضوء الصلاة فأحب أن تسأل أبا الحسن الثاني (عليه السلام) عن ذلك، قال الوشاء: فدخلت عليه فابتدأني من غير أن أسأله فقال: كان أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا جامع و أراد أن يعاود توضأ وضوء الصلاة، و إذا أراد أيضا توضأ للصلاة» و هكذا نقل عنه في البحار 49: 63، و الحدائق 2: 139- 140، و الوسائل 1: 385 أبواب الوضوء ب 13 ح 2.

______________________________

(1) التهذيب 1: 321- 934، الوسائل 3: 221 أبواب الدفن ب 53 ح 1.

(2) فقه الرضا (عليه السلام): 183، المستدرك 2: 361 أبواب الدفن ب 44 ح 1.

(3) التهذيب 7: 459- 1837، الوسائل 21: 200 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 84 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 41

بل تعدّوا إلى معاودة المجامع إلى الجماع قبل الغسل مطلقا، للمروي في كشف الغمة: «كان أبو عبد اللَّه عليه السلام إذا جامع و أراد أن يعاود توضأ للصلاة» «1».

و في دلالته على الاستحباب نظر، لجواز أن يكون لارتفاع الكراهة، و لذا جعلنا خبر الوشاء مؤيدا.

نعم، عن المبسوط نفي الخلاف فيه «2»، و هو

كاف في المقام.

و منها: جماع المحتلم، كما في نهاية الشيخ و المهذب و الوسيلة و المعتبر و النزهة «3» و غيرها «4»، لفتوى هؤلاء الأجلة، لا لمرسلة الفقيه: «يكره أن يغشى الرجل المرأة و قد احتلم حتى يغتسل من احتلامه» «5» كما قيل «6»، فإنّ الاستدلال بها له غفلة.

و منها: دخول المرأة على زوجها ليلة زفافها، فيستحب التوضؤ، لخبر أبي بصير: «إذا دخلت إن شاء اللَّه فمرها قبل أن تصل إليك أن تكون متوضئة، ثمَّ لا تصل إليها حتى تتوضأ» «7».

و منها: جلوس القاضي في مجلس القضاء، كما ذكره في النزهة «8».

______________________________

(1) راجع التعليقة رقم 5 من ص 40.

(2) المبسوط 4: 243.

(3) النهاية: 482، المهذب 2: 222، الوسيلة: 314، المعتبر 1: 193، نزهة الناظر: 9.

(4) كالقواعد 1: 2، و البيان: 37.

(5) الفقيه 3: 256- 1212، الوسائل 20: 139 أبواب مقدمات النكاح ب 70 ح 1.

(6) يستفاد الاستدلال بها من الروض: 15.

(7) الكافي 5: 500 النكاح ب 50 ح 1، التهذيب 7: 409- 1636، الوسائل 20: 115 أبواب مقدمات النكاح ب 55 ح 1، بتفاوت يسير.

(8) نزهة الناظر: 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 42

و لا بأس بإثبات الاستحباب به، و إلّا فلم أظفر فيه على نص.

و منها: تكفين الميت إذا كفّنه من غسّله قبل اغتساله، كما يأتي.

و منها: قبل الأغسال المسنونة، كما في الكافي و البيان و النفلية «1»، لمرسلة ابن أبي عمير: «كل غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة» «2».

و لعلك تظفر بمواضع أخرى يستحب فيه الوضوء لو تتبعت أخبار الأطهار و كلمات العلماء الأخيار.

و أما الثالث: و هو: الوضوء الرافع لكراهة بعض المباحات للمحدث، فله أيضا أنواع:

منها: لقدوم المسافر من سفر على

أهله، للرواية: «من قدم من سفر فدخل على أهله و هو على غير وضوء فرأى ما يكره فلا يلومن إلّا نفسه» «3».

و منها: لجماع الحامل، للمروي في العلل و [المجالس ] «4»: «إذا حملت امرأتك فلا تجامعها إلّا و أنت على وضوء» «5».

و منها: لطلب الحاجة مطلقا، لخبر ابن سنان، المتقدم «6».

و منها: قبل الأكل و بعده، كما يأتي في كتاب المطاعم. و في غير ذلك مما لعلك تظفر به في مطاوي الأخبار.

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 135، البيان: 38، النفلية: 6، و فيه: مع الأغسال المسنونة.

(2) الكافي 3: 45 الطهارة ب 29 ح 13، التهذيب 1: 139- 391، الاستبصار 1: 126- 428، الوسائل 2: 248 أبواب الجنابة ب 35 ح 1.

(3) نقلها ابن سعيد في نزهة الناظر: 10 عن مقنع الصدوق، و لكنا لم نعثر عليها فيه.

(4) الموجود في النسخ: المحاسن و الصواب ما أثبتناه. كما في الوسائل 1: 385 أبواب الوضوء ب 13 ح 1، و الحدائق 2: 140، و البحار 10: 280.

(5) العلل: 516، أمالي الصدوق: 456.

(6) تقدم في ص 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    43     الأول: النية. ..... ص : 43

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 43

الفصل الثالث: في واجباته من الأفعال و الشرائط
اشاره

و هي أمور:

الأوّل: النية.
اشاره

و هي: القصد إلى الفعل لغة و عرفا و شرعا، إذ لم تثبت لها حقيقة شرعية، بل و لا المتشرعة، و وجوب بعض القيود فيها شرعا لا يجعله جزءا لها.

قيل: النية بهذا المعنى لا يمكن انفكاكها عن الفعل الاختياري، إذ لا يمكن صدور الاختياري بغير قصد، و لو كلّف به كان تكليفا بالمحال، فلا معنى لاشتراطها، و الفرق فيها بين العبادات و غيرها كما وقع في عبارات الأصحاب، فالمراد منها فيها ليس هذا المعنى، بل قصد الفعل إطاعة للَّه، أو مع قيد آخر أيضا مما يجوز انفكاكها و يصح اشتراطها، فتكون النية من الألفاظ المنقولة «1».

و فيه: أنّ عدم إمكان صدور الفعل الاختياري من غير قصد لا ينافي إمكان صدور الفعل من غير اختيار، كالوقوع في الماء اضطرارا في الغسل، و إصابة المطر إلى الثوب في الغسل، فمرادهم من اشتراط النية بمعناها الحقيقي- أي القصد- أنه لا يكفي ذلك في حصول الامتثال الذي تحصيله واجب في العبادات و إن أمكن كفايته في ترتب الأثر الذي هو المطلوب في غيرها، فمرادهم من الفرق بين العبادات و غيرها التوقف الكلي و عدمه.

و ها هنا مسائل:
المسألة الأولى:

النية بالمعنى المذكور واجبة في الوضوء، فلو أتى ببعض أفعاله لا عن قصد بطل إجماعا حتى من الإسكافي كما في المعتبر «2»، و عليه الإجماع

______________________________

(1) قاله الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط).

(2) المعتبر 1: 138.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 44

في الخلاف و المختلف و الغنية و التذكرة «1».

و الحجة فيه- بعد الإجماع و توقف صدق الامتثال الواجب تحصيله في العبادات عليه- قوله عليه السلام في حسنة الثمالي و غيرها من المستفيضة: «لا عمل إلّا بنية» «2» بل في رواية ابن عيينة: «ألا و

إنّ النية هو العمل» «3» و هو تأكيد.

و معنى الأوّل أنه لا يتحقق العمل إلّا مع القصد. و هو كذلك، لأنّ ما لا قصد فيه ليس عملا لشخص، إذ عمل الشخص ما صدر عنه بقصده، فإنّ من وقع في ماء بلا اختيار لا يقال: أنه غسل جسده، فإنّ كل ما يتحقق في الخارج ليس عملا، بل هو ما عمله عامل، و لا ينسب عمل إلى عامل إلّا مع صدوره عنه بالقصد و الاختيار، و يلزمه أنّه إذا طلب الشارع عملا من غيره لا يتحقق إلّا مع القصد إليه.

و استعماله في العرف في غيره أحيانا- لو سلّم- لا يضر، لأنّه أعم من الحقيقة، غايته احتمال الاشتراك المعنوي، و تعارضه مع التجوز، و هو أيضا غير ضائر، لأن الحق فيه التوقف، فلا يعلم صرف الحديث عن حقيقته التي هي نفي العمل، فيحمل عليها.

مع أنّه لو سلّم صدق العمل عرفا على ما لا نيّة فيه أيضا نمنع كونه كذلك في زمان الشارع، و العمل بأصالة عدم النقل مع تلك الأحاديث باطل.

مع أنّ ها هنا كلاما آخر، و هو: أنه مما لا شك فيه أنّه لا بدّ من نسبة العمل إلى شي ء من كونه مؤثرا فيه، و هذا بديهي، و التأثير قد يكون مع المباشرة، و قد يكون بالأمر و البعث، كما يقال: قتل السلطان فلانا. و الأفعال المطلوبة من المكلف لمّا كان مطلوبا مما هو إنسان أي النفس دون البدن، و تأثيره لا يكون إلّا

______________________________

(1) الخلاف 1: 71، المختلف: 20، الغنية (الجوامع الفقهية): 552، التذكرة 1: 14.

(2) الكافي 2: 84 الايمان و الكفر ب 43 ح 1، الوسائل 1: 46 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 1.

(3) الكافي

2: 16 الايمان و الكفر ب 11 ح 4، الوسائل 1: 51 أبواب مقدمة العبادات ب 6 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 45

بالأمر و البعث للبدن، و هما لا يتصوران إلّا مع القصد و الشعور، و يلزمه أن لا يصدر عمل عما هو المكلف حقيقة أي النفس إلّا بالقصد. و لمّا كان الحديث مقصورا على أفعال المكلفين بقرينة المقام، لا يراد من النفي فيه إلّا معناه الحقيقي و إن قلنا بعدم توقف مطلق العمل على القصد، و يكون المراد بيان أنه لا عمل مطلقا أو من أفعال المكلفين إلّا مع القصد.

و يمكن أن يكون المراد أنه لا عمل من الأعمال الشرعية إلّا مع القصد، فلا وضوء و لا غسل و لا صلاة و هكذا إلّا ما صدر بقصد و شعور، فلا يتحقق الامتثال بدونه.

و مما ذكر ظهر أنه لا حاجة إلى صرف المستفيضة عن حقيقتها، و لا يرد ما استشكله بعضهم من اقتضائه اشتراط النية في المعاملات، مع أنه خلاف الإجماع، فإنه إنما يرد على من اعتبر القيود في النية، و أما بهذا المعنى فيشترط في المعاملات إجماعا، إلّا في ما ليس الأثر مترتبا على العمل، بل على تحقق السبب في الخارج كيف ما كان.

ثمَّ لو سلّم عدم بقاء الأخبار على حقيقتها، فالمتبادر من مثلها- كما صرحوا به- نفي الصحة أو الأثر، و هو أيضا مثبت للمطلوب.

و يدل عليه أيضا: ما يأتي من اشتراط قصد القربة، حيث إنّ الخاص مستلزم للعام.

المسألة الثانية:

و يجب اشتمالها على القربة بأن يكون فعله للَّه سبحانه، بالإجماع و الكتاب و المستفيضة.

منها: الخبران: «الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به، فإذا صعد بحسناته يقول اللَّه تعالى: اجعلوها في سجّين

إنه ليس إياي أراد بها» «1».

______________________________

(1) الكافي 2: 294 الايمان و الكفر ب 116 ح 7، الوسائل 1: 71 أبواب مقدمة العبادات ب 12 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 46

و المروي في عدة الداعي: «و يصعد الحفظة بعمل العبد بفقه و اجتهاد و ورع» إلى أن قال: «فيقول الملك: قفوا و اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، أنا ملك الحجاب أحجب كل عمل ليس للَّه» إلى أن قال: «أمرني ربي أن لا أدع عملا يجاوزني إلى غيري ما لم يكن خالصا للَّه. و يصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجا به من صلاة و زكاة و صيام و حج و عمرة» إلى أن قال: «فيقول: أنتم حفظة عمل عبدي و أنا رقيب على ما في نفسه، إنّه لم يردني بهذا العمل، عليه لعنتي» «1».

و خبر علي بن سالم: «قال اللَّه تعالى: أنا خير شريك، من أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلّا ما كان خالصا لي» «2».

و رواية عقبة: «اجعلوا أمركم هذا للَّه، و لا تجعلوه للناس، فإنه ما كان للَّه فهو للَّه، و ما كان للناس فلا يصعد إلى اللَّه» «3».

دل كل ذلك على عدم قبول عمل ليس للَّه، و هو يستلزم عدم الإجزاء، للتلازم بينهما، و هو يستلزم عدم الصحة لترادفهما.

و رواية أبي بصير: عن حد العبادة التي إذا فعلها فاعلها كان مؤديا، فقال:

«حسن النية بالطاعة» «4».

و البحث باحتمال عدم كون الوضوء عبادة مدفوع بالإجماع بل الضرورة، بل عليه دلت الروايات.

كالصحيح [1]: «إنما الوضوء حد من حدود اللَّه ليعلم اللَّه من يطيعه و من

______________________________

[1] في «ه» و «ق» الصحيحة.

______________________________

(1) عدة الداعي: 228- 229، المستدرك 1: 112 أبواب مقدمة العبادات ب 12

ح 9.

(2) الكافي 2: 295 الايمان و الكفر ب 116 ح 9، الوسائل 1: 61 أبواب مقدمة العبادات ب 8 ح 9.

(3) الكافي 2: 293 الايمان و الكفر ب 116 ح 2، الوسائل 1: 71 أبواب مقدمة العبادات ب 12 ح 5.

(4) الكافي 2: 85 الايمان و الكفر ب 43 ح 4، الوسائل 1: 49 أبواب مقدمة العبادات ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 47

يعصيه» «1».

و الخبر، و فيه- بعد إرادة الراوي صب الماء على يده للوضوء-: «أما سمعت اللَّه يقول فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً و ها أنا ذا أتوضأ للصلاة و هي العبادة» «2».

و آخر: «كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا توضأ لم يدع أحدا يصب عليه الماء، فقال بعد السؤال عنه: لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا، و قال اللَّه تعالى:

(فَمَنْ كانَ يَرْجُوا ..) الآية» «3».

دلّا على أنّ الصلاة عبادة و الوضوء منها، كما ورد في المعتبرة أن: «افتتاح الصلاة الوضوء و تحريمها التكبير و تحليلها التسليم» «4» و أن «الصلاة ثلاثة أثلاث:

ثلث طهور» «5».

بل دلّا على أنّ الإشراك في الوضوء إشراك في العبادة فيكون عبادة.

و من ذلك يظهر وجه آخر لاشتراط القربة، و هو أنّ العبادة لغة اسم لما تتحقق به العبادة المصدرية، و هي الإتيان بلوازم العبودية، و الأصل عدم النقل، و لا يكون ذلك بشهادة العرف و اللغة إلّا فيما كان مطلوبا للمعبود وجوبا أو ندبا، (مأتيا به) [1] لأجل إطاعته و أنه مطلوبه، و هذا معنى القربة، و من هذا يعلم أنّ كل مطلوب للشارع (يعتبر) [2] فيه نية القربة فهو عبادة و بالعكس.

______________________________

[1]

في «ه»: بإتيانه.

[2] في «ه»: يطلب.

______________________________

(1) الكافي 3: 21 الطهارة ب 14 ح 2، التهذيب 1: 138- 387، الوسائل 1: 484 أبواب الوضوء ب 52 ح 1.

(2) الكافي 3: 69 الطهارة ب 46 ح 1، التهذيب 1: 365- 1107، الوسائل 1: 476 أبواب الوضوء ب 47 ح 1، الكهف: 110.

(3) الفقيه 1: 27- 85، الوسائل 1: 477 أبواب الوضوء ب 47 ح 2.

(4) الفقيه 1: 23- 68، الوسائل 1: 366 أبواب الوضوء ب 1 ح 7.

(5) الفقيه 1: 22- 66، الوسائل 1: 366 أبواب الوضوء ب 1 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 48

و مما يدل دلالة واضحة على اشتراطها و اعتبارها: بداهة وجوب امتثال أوامر اللَّه سبحانه، و هو متوقف عرفا على قصد الطاعة و الإتيان بالفعل لأجل الأمر بالضرورة، فإنّ العبد إذا فعل ما أمر به مولاه و غيره لا لأنه أمره بل لأجل أنه أمره غيره لا يعدّ ممتثلا للمولى البتة، بل قد يعدّ عاصيا بالفعل، كما إذا أمره عدو مولاه معلقا قتل المولى عليه، و لذا لو فعل أحد مطلوب اللَّه سبحانه واقعا الذي ظن حرمته يعد عاصيا مستحقا للعقاب، و لذا لا يجب فيما لا امتثال فيه كالوضعيات من المعاملات و نحوها مما ليس المقصود فيه الإطاعة.

و يظهر مما ذكر أنّ الأصل في كل ما تعلق الأمر به كونه عبادة، لأنّ ما تعلق به يجب امتثاله المتوقف على القربة، و ما تعتبر فيه القربة فهو عبادة كما مر.

و تدل على المطلوب أيضا الآيات و الروايات الناهية عن الرياء في الأعمال، و المصرحة بعدم قبول ما يتضمنه و بطلانه «1».

ثمَّ المراد بقصد القربة كما عرفت: قصد كون الفعل للَّه

سبحانه، أي امتثالا لأمره، أو موافقة لطاعته، أو انقيادا لحكمه، أو إجابة لدعوته، أو أداء لشكره، أو تعظيما لجلالة، أو نحو ذلك، أو طلبا للرفعة عنده بواسطته تشبيها بالقرب المكاني و نيل ثوابه، أو الخلاص من عقابه.

فتصح العبادة مع أحد تلك القصود، لصدق كون العمل للَّه و الخلوص اللذين هما الثابت اعتبارهما و اشتراطهما من أدلة القربة المتقدمة مع واحد منها. أمّا مع غير الأخيرين (منها) [1] فبالإجماع بل ضرورة العرف و اللغة.

و أمّا مع واحد منهما فعلى الأصح بل الأشهر، كما صرح به والدي- رحمه اللَّه- في اللوامع، لقوله سبحانه (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً. إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) «2» جمع بين كون الإطعام لوجه

______________________________

[1] لا توجد في «ق».

______________________________

(1) راجع الوسائل 1: 64، 70 أبواب مقدمة العبادات ب 11، 12.

(2) الدهر: 8- 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 49

اللَّه الذي هو معنى الخلوص و بين تعليله بالخوف منه سبحانه، و للأخبار المتكثرة.

منها: خبر ابن سالم السابق «1» (حيث) [1] دل على أنّ العمل الخالص ما لم يشرك فيه غير اللَّه سبحانه، فهو كاف في تحقق الخلوص، و لا شك في أنّ ما يفعل لأجل نيل ثواب اللَّه أو الخلاص من عقابه لم يشرك فيه غيره.

و أصرح منه: صحيحة ابن مسكان، و رواية ابن عيينة:

الأولى: في قول اللَّه عزّ و جلّ حَنِيفاً مُسْلِماً «2» قال: «خالصا مخلصا ليس فيه شي ء من عبادة الأوثان» «3».

و الثانية: «العمل الخالص: الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلّا اللَّه عزّ و جلّ» «4».

و هي صريحة في عدم منافاة قصد الثواب للخلوص، إذ من يقصده خاصة لم يقصد حمد

الغير، و لأنّ حمد اللَّه سبحانه ثواب منه له.

و يدل أيضا على حصول الامتثال بقصد أحدهما: كلّ ما دل (من الآيات المتكثرة و الأخبار المتواترة) [2] على مدح العمل بأحد القصدين و الأمر به المستلزمين للقبول الملازم للصحة.

فمن الآيات ما تقدم، سيما مع تفريع قوله فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ «5» عليه، و قوله سبحانه يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً «6»،

______________________________

[1] لا توجد في «ه» و «ق».

[2] ما بين القوسين ليس في «ق».

______________________________

(1) في ص 46

(2) آل عمران: 67.

(3) الكافي 2: 15 الايمان و الكفر ب 11 ح 1، الوسائل 1: 59 أبواب مقدمة العبادات ب 8 ح 1، و الآية في الروم: 67.

(4) الكافي 2: 16 الايمان و الكفر ب 11 ح 4، الوسائل 1: 60 أبواب مقدمة العبادات ب 8 ح 4.

(5) الدهر: 10.

(6) السجدة: 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 50

وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً «1»، وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «2» و الفلاح: الفوز بالثواب، وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ «3» و غير ذلك.

و من الروايات: رواية جابر و ابن أبي سارة و علي بن محمّد:

الأولى: «اعملوا لما عند اللَّه» «4».

و الثانية: «لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون خائفا راجيا، و لا يكون خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف و يرجو» «5».

و الثالثة: و فيها- بعد تكذيبه الذين يعصون و يقولون نرجو-: «من رجا شيئا عمل له، و من خاف شيئا هرب منه» «6».

و يدل عليه: كتاب أمير المؤمنين عليه السلام لبعض ما وقفه: «هذا ما أوصى به و قضى به في ماله عبد اللَّه عليّ ابتغاء وجه اللَّه ليولجني به الجنة و يصرفني به عن النار و

يصرف النار عني» «7».

فلو لم تكن العبادة بهذه النية صحيحة لم يصح له أن يفعل ذلك و يلقن به غيره و يظهره في كلامه.

و حسنة خارجة: «العبّاد ثلاثة: قوم عبدوا اللَّه خوفا فتلك عبادة العبيد، و قوم عبدوا اللَّه طلب الثواب فتلك عبادة الأجراء، و قوم عبدوا اللَّه حبا له فتلك عبادة الأحرار، و هي أفضل العبادة» «8».

______________________________

(1) الأنبياء: 90.

(2) الحج: 77.

(3) آل عمران: 133.

(4) الكافي 2: 74 الايمان و الكفر ب 36 ح 3.

(5) الكافي 2: 71 الايمان و الكفر ب 33 ح 11.

(6) الكافي 2: 68 الايمان و الكفر ب 33 ح 6.

(7) الكافي 7: 49 الوصايا ب 35 ح 7، التهذيب 9: 146- 608، الوسائل 19: 199 أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ب 10 ح 3.

(8) الكافي 2: 84 الايمان و الكفر ب 42 ح 5، الوسائل 1: 62 أبواب مقدمة العبادات ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 51

فإنّ قضية التفضيل أنّ للأولين أيضا فضلا، بل قوله: «عبادة العبيد» و «عبادة الأجراء» دال على الصحة، إذ لولاها لما كانت عبادة.

و الأخبار المصرحة بأنّ «من بلغه ثواب على عمل فعمله التماس ذلك الثواب أوتيه» «1».

و لو لم يكن العمل صحيحا لم يترتب عليه ثواب، و لا شك أنّ كلّ ما أمر به الشارع و منه الوضوء موعود به الثواب خصوصا أو عموما، صريحا أو التزاما.

و ما ورد من وعد الثواب و التحذير عن العقاب، و الوعد و الوعيد في مقابلة الطاعات و ترك الواجبات، مثل مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً 2: 245 «2» و:

ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ «3» و مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ «4» و لَئِنْ شَكَرْتُمْ «5».

و

ما ورد: أنّ صلاة الليل تزيد في الرزق «6»، و الزكاة تحفظ المال «7»، و الصدقة تردّ البلاء «8» إلى غير ذلك عموما، و خصوصا كل فعل فعل من أفعال الوضوء، فإنّها ظاهرة في التشويق في العمل، و ليس ذلك إلّا بفعله لأجله، فلو كان مفسدا لكان الوعد و الوعيد بل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر عبثا، بل مخلا، حيث إنّ الوعد على فعل بما هو من عظيم المقصود للعقلاء ثمَّ إرادة فعله لا لأجله كأنّه تكليف بما لا يطاق.

و عدم دلالة بعض ما مرّ على صحة كل ما فعل بقصد الثواب أو رفع العقاب غير ضائر، لعدم القول بالفصل.

______________________________

(1) الوسائل 1: 80 أبواب مقدمة العبادات ب 18.

(2) البقرة: 244.

(3) البقرة: 110.

(4) الزلزلة: 6.

(5) إبراهيم: 6.

(6) راجع الوسائل 8: 145 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 39.

(7) راجع الوسائل 9: 9 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 1.

(8) الوسائل 9: 383، 386 أبواب الصدقة ب 8، 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 52

هذا كله، مضافا إلى تعذر فهم ما هو من ذلك لأكثر الناس فضلا عن تعاطيه، فإنّ تخليص القصد من الثواب و العقاب و قصر النظر إلى جناب الحق ليس شريعة لكل وارد، فتكليف عامة الناس به كأنّه تكليف بما لا يطاق.

خلافا فيهما لجماعة منهم السيّد الجليل علي بن طاوس [1]، فقالوا بوجوب قصد مجرد الامتثال و ما بمعناه، و بطلان العبادة بقصد نيل الثواب أو الخلاص من العقاب.

و نسبه غير واحد «1» إلى المشهور، و الشهيد في قواعده «2» أسنده إلى الأصحاب مؤذنا بدعوى الوفاق عليه، و نقل الرازي في تفسيره «3» اتفاق المتكلمين عليه.

استنادا إلى الخبرين الأوّلين، و ما يؤدي مؤداهما

من وجوب كون العمل للَّه أو خالصا له.

و هو بعد دلالة بعض ما مر على أنّ العمل بالقصدين أيضا عمل خالص له لا وقع له، سيما مع معارضته مع سائر ما تقدم، مع أنّه لا معنى محصّل للعمل للَّه إلّا بتقدير مثل الطاعة أو الرضا أو الأمر أو غير ذلك، و لا يتعين المقدّر، فيمكن أن يكون ما يشمل الوصول إلى ثوابه أو الخلاص من عقابه أيضا، فلا يعلم منافاة الخبرين لما ذكرنا.

و المراد من الثواب هو ما قرره اللَّه أجرا للعمل دنيويا كان أم أخرويا، لعموم كثير مما تقدم، بل ورود خصوص الدنيوي أيضا كما مر، فلا يبطل بقصد طلب الأغراض الدنيوية التي وعدها اللَّه سبحانه منه إذا كانت من المباحات. و أمّا إذا

______________________________

[1] اشتهرت في كلماتهم نسبة هذا القول اليه، و يمكن ان يستفاد من مواضع من كتابه «فلاح السائل» ص 56، 81، 88، 131، و يستفاد أيضا من العلامة في أجوبة المسائل المهنائية: 89.

______________________________

(1) كصاحب الحدائق 2: 77.

(2) القواعد و الفوائد 1: 77.

(3) التفسير الكبير 14: 134 في ذيل قوله تعالى: و ادعوه خوفا و طمعا (الأعراف: 56).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 53

كانت من غيرها كقتل عدوّ لم يستحقه، أو التوصّل إلى محرّم آخر فيصلي صلاة الحاجة مثلا له فيبطل العمل و إن لم يعلم قطعا ترتّب المحرّم عليه، لأنّ هذا العمل يعدّ عصيانا عرفا، فيكون منهيا عنه، و أيضا هو اتّباع للهوى و متابعة للشيطان، و هما منهيان.

ثمَّ المراد بالقربة اللازم قصدها هو ما يؤدّي ذلك المؤدي، كالطاعة و موافقة الإرادة و نحوها، و لا يلزمه ملاحظة لفظ القربة، فإنّ العبرة بالحقائق دون الألفاظ.

فائدة: قد استشكل جماعة «1» في

وجه اشتراط النية في الطهارة عن الحدث دون الخبث، و سبب التفرقة بينهما، حتى ارتكبوا في التوجيه تمحلات و تكلّفات، و مع ذلك لم يذكروا شيئا تاما.

و لا يخفى أنّ المراد بالطهارة عن الخبث إن كان ترتّب الثواب عليها أو امتثال الشارع (لنيل الثواب) [1] و نحوه فلا نسلّم عدم توقفها على النية بل توقفها عليها إجماعي، مع أنّ الامتثال لا يتحقق عرفا إلّا بفعل صادر عن الممتثل بقصده الامتثال، و أيضا الامتثال لا يتحقق إلّا بعمل منه و لا عمل إلّا بنية.

و إن كان المراد حصول الطهارة و زوال الخبث فعدم توقفها على النية مسلّم.

و الاستشكال فيه إن كان في تفرقة الشارع بينهما، و سبب فرقه بإيجابه النية في الأوّل دون الثاني، فهو كالاستشكال في السؤال من فرقه بين صلاة الصبح و الظهر بجعل الأولى ركعتين و الثانية أربع، و مثله لا يصدر عن فقيه.

و إن كان في تفرقة الفقهاء و إجماعهم على ذلك و كان السؤال عن مستندهم فيه، فمع أنّه إجماعي، و لا يتعارف الاستشكال و السؤال عن مأخذ الإجماع بل هو بنفسه كاف في وجه الفرق، مستنده واضح، و ذلك لدلالة الإجماع و الأخبار على

______________________________

[1] في «ح»: كغسل الثوب.

______________________________

(1) راجع المدارك 1: 184، و حاشيته للوحيد البهبهاني: 42، و الحدائق 2: 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 54

كون الوضوء و الغسل عبادة، و قد عرفت أنّ العبادة متوقفة على النية.

و أيضا: ما ورد في الطهارة عن الحدث كله أوامر يطلبها من المكلف، فلا يتحقق إلّا بعمل منه و لا عمل إلّا بنية، و يجب امتثالها و لا امتثال إلّا بقصد، و ليس هناك دليل شرعي دال على حصول الطهارة الحدثية

من غير استناد إلى فعل المكلف.

بخلاف الطهارة عن الخبث فإنّه و إن ورد فيها الأمر بالغسل و أمثاله، و لكن الأدلة متوافرة على حصولها من غير ذلك أيضا، كقولهم عليهم السلام: «كل شي ء يراه ماء المطر فقد طهر» «1».

و صحيحة هشام: عن السطح يبال عليه فيصيبه السماء فكيف فيصيب الثوب، قال: «لا بأس به ما أصابه من الماء أكثر منه» «2».

و المستفيضة الواردة في «أنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا» «3». و في أنّ من وطئ العذرة و مشى في الأرض تطهر رجله «4» و إن لم يشعر بالقذارة و الطهارة و: «إنّ كل ما أشرقت الشمس عليه فقد طهر» «5» إلى غير ذلك.

و بعد وجود مثل تلك الأدلة في الطهارة من الخبث- مضافة إلى عدم القول بالفصل- و عدمها في الحدث لا وجه للاستشكال.

فإن قيل: قد ورد الأمر بغسل الثوب و أمثاله، و قد ذكرت عدم حصول الامتثال إلّا بالنية، و لازمه ترتّب العقاب على عدم الغسل و إن طهر بغيره.

قلنا: الأمر بالغسل أمر مقيد مشروط ببقاء النجاسة، فبعد زوالها بأمر آخر يسقط الوجوب فلا ثواب و لا عقاب.

______________________________

(1) الكافي 3: 13 الطهارة ب 9 ح 3، الوسائل 1: 146 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 5.

(2) الفقيه 1: 7- 4، الوسائل 1: 144 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 1.

(3) راجع الوسائل 3: 457 أبواب النجاسات ب 32.

(4) الوسائل 3: 457 أبواب النجاسات ب 32.

(5) الوسائل 3: 451 أبواب النجاسات ب 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 55

المسألة الثالثة:

و يجب اشتمالها أيضا على قصد ما لا يتحقق من أجزاء المأمور به إلّا بالقصد، يعني إذا كان المأمور به مركبا من أجزاء لا وجود

لبعضها إلّا بقصده يجب قصده، كما إذا قال: أعط درهما لأجل الكفارة، بأن يكون التعليل قيدا للمأمور به و جزءا له، لا مجرد أن يكون سببا، أو يقول: افعل كذا تطوعا أو وجوبا، مع كون الوصفين قيدين.

و منه مثل قوله: تصدّق و كفّر و آت الزكاة، و توضأ و اغتسل، فلا بدّ من قصد الصدقة و الكفارة و الزكاة عند الإعطاء، و التوضؤ و الاغتسال عند الغسل (لتحقق الوصف المأمور به) [1].

و الوجه في اشتراطه ظاهر، فإنّ الإتيان بتمام المأمور به، و إيجاده واجب، و الامتثال عليه متوقف، و المفروض عدم وجود هذا الجزء إلّا بالقصد، فلو لم يقصده لم يأت بتمام المأمور به، فلا يوافقه فلا يكون صحيحا.

و أيضا: إذا كان القيد مما لا وجود له إلّا بالقصد، فأمر الشارع بالفعل مقيدا أمر به مع قصد القيد.

و يكفي في قصده العلم بأنّه هو، و لا يجب الإخطار.

و لا فرق في ذلك بين اتحاد المأمور به كما مر، أو تعدده و اشتراكه بين أمرين، كأن يقول مع ما مر: أعط درهما تصدقا.

و يستفاد من كلامهم أنّ اعتبار قصده إنّما هو في الثاني خاصة، و لا يعتبر في الأوّل.

فإن كان نظرهم إلى أنّ فيه لوحدة المأمور به يكون مقصوده هو لا محالة، و يستلزم الاتحاد لكونه مقصودا، فهو تصريح باعتبار القصد أيضا، و يرجع النزاع لفظيا، مع أنّ اللزوم كليا ممنوع.

و إن كان نظرهم الى غير ذلك فلا وجه له.

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ق» و «ه».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 56

فإن قلت: اعتباره إنّما هو للتميز و هو إنّما يحتاج إليه مع الاشتراك.

قلنا: لا نسلّم أنّه لذلك، بل لأجل أنّه جزء المأمور

به، فلا يتحقق تمامه بدونه.

نعم، لو ثبت التداخل في الفعل (و كفاية) [1] فعل واحد لهما بمعنى إسقاطه لهما لا انطباقه عليهما لامتناعه، يسقط قصد الجزء المذكور، لأنّ مرجعه إلى أنّ الفعل بدون القصدين مسقط له مع كلّ منهما، و أمّا التداخل بمعنى إجزاء واحد منهما عن الآخر و إسقاطه إيّاه، فلا يسقط وجوب قصد القيد، إذ لا يتحقق واحد منهما بدون قصد القيد.

المسألة الرابعة:

قالوا: يجب اشتمالها على المميز أيضا إذا اشترك الفعل بين فعلين أمر بهما و لم يتميزا إلّا بالقصد. و زاد بعضهم: إن لم يتداخلا أيضا.

و استدلّوا عليه: بأنّه لا يتحقق الامتثال عرفا إلّا به.

و بمثل قوله: «و لكل امرئ ما نوى» «1».

و بأن الصحة عبارة عن موافقة الأمر، و هذا الفعل الواحد الواقع بدون قصد المميز لو صح لكان إما موافقا للأمر بهذا الفعل، أو لمشاركة، أو لهما معا، و الأوّلان مستلزمان للترجيح بلا مرجّح، مع أنّ المفروض عدم تميزه لأحدهما إلّا بالقصد، و الثالث محال، لعدم انطباق الواحد على المتعدد، و زيد إلّا مع التداخل المفروض انتفاؤه، فلا يكون موافقا لأمر و هو معنى البطلان.

و يرد على الأوّل: منع توقف الامتثال عليه، فإنّه لو قال المولى لعبده:

امسح وجهك، ثمَّ قال أيضا كذلك، و أراد بكلّ مسحا على حدة، و مسح العبد وجهه مرتين لأجل إطاعة مولاه و لم يقصد في شي ء منهما أنّه للأمر الأوّل أو الثاني يعدّ ممتثلا عرفا، و يستحق ما وعد له من الأجر، و لو مسح مرة من غير قصد أحد

______________________________

[1] في «ح»: بمعنى كفاية.

______________________________

(1) أمالي الطوسي: 629، الوسائل 1: 48 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 57

الأمرين يعدّ

ممتثلا لأحدهما، و هذا مما لا يرتاب فيه أصلا.

و على الثاني: بظهوره في نية التقرب و نحوه. سلّمنا و لكن إذا قصد الفعل يكون ذلك له و هو كاف، إذ [1] لم يجب عليه غيره.

و على الثالث: أنّه لا يخلو إمّا لا تكون بين الفعلين جهة مغايرة أصلا أو تكون، فإن لم تكن- كمثال المسح المذكور- نختار شقا غير الشقوق المتقدمة و نقول: إنّ الفعل الواقع موافق لكل واحد منهما منفردا، كما إذا قال من عنده ذراع من خشب و ذراع آخر منه لعبده: ايتني بمساو لهذا و بمساو لذلك من النحاس، فأتى بذراع من نحاس، فهو مطابق لكلّ منهما منفردا دون المجموع، و تلزمه البراءة من أحدهما لا بعينه، و لا ضير فيه أصلا، فلو قال للمكلف: صم يوما من رجب، ثمَّ قال: صم يوما منه أيضا، و علم أنّ المطلوب يومان، فلو صام يوما واحدا بقصد طاعته امتثل أحد الأمرين، و انطبق الفعل على كل واحد منهما منفردا، لتساويهما من جميع الوجوه الداخلة في ذات المأمور به. و تقدّم أحدهما على الآخر غير مؤثر في تغاير المأمور به.

و إن كانت بينهما جهة تغاير يتوقف تحققها على قصدها، فإن كانت من الحيثيات التقييدية للمأمور به، أي يكون قيدا له و جزءا منه كما مر في المسألة السابقة، فلا شك في اشتراط قصده، و لكن لا لأجل توقف حصول التميز عليه، بل لعدم تحقق تمام المأمور به بدونه كما مر، و لا يختص ذلك بصورة الاشتراك و التعدد، بل يعتبر مع الوحدة أيضا ضرورة كما سبق.

و إن لم تكن من الحيثيات التقييدية له، فنختار الموافقة لكل منفردا، و تلزمه البراءة من أحدهما لا بعينه أيضا،

سواء كانت جهة المغايرة من أسباب الأمر بأن يكون سبب أحد الأمرين هذا و سبب الآخر ذاك، أو من غاياته بأن تكون غاية أحدهما شيئا و غاية الآخر آخر، أو من كيفيات الأمر دون المأمور به كأن يكون أحد

______________________________

[1] في «ق»: إذا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 58

الأمرين على سبيل الوجوب و الآخر على الندب، أو من آثار المأمور به و توابعه، كأن يكون لأحدهما أثر غير ما للآخر، بشرط أن لا يكون شي ء من تلك الجهات قيدا (للمأمور به) [1] فإنّ ذاتي المأمور بهما تكون مساوية حينئذ غير مغايرة، فلا وجه لعدم موافقة المأتي لشي ء منهما.

فإذا قال: صم يوما، ثمَّ قال: صم يوما أيضا، فليس المأمور به سوى الصوم، و إن كان سبب أحد الأمرين شيئا و سبب الآخر آخر، أو كان أحد الطلبين حتميا و الآخر ندبا، فلو صام يوما فلم لا ينطبق على أحدهما؟ مع أنّه لا ينقص من المأمور به شي ء.

نعم، لا ينطبق عليهما معا، لعدم انطباق الواحد على الاثنين، و لعدم حصول التكرر الذي هو أيضا مأمور به.

فإن قلت: إذا كانت المغايرة حينئذ باعتبار الآثار و التوابع، فأيّ أثر يترتب على الفعل الواحد الذي أتى به؟ كما إذا كان أحدهما وجوبيا و الآخر ندبيا، فأتى بواحد من غير تميز بين الوجوب و الندب، فكيف يمكن القول بالبراءة من أحدهما لا بعينه؟ مع أنّ أحدهما أقلّ ثوابا، و تركه مستلزم للعقاب دون الآخر، فإن أثبتّ له العقاب و الثواب الأقل فقد أطبقته على الوجوب، و إن قلت: إنّه غير معاقب، و له الثواب الأكثر، فقد أطبقته على الندب، و كلاهما ترجيح بلا مرجّح، و إن أطبقته عليهما فقد أطبقت الواحد

على الاثنين و إن لم تطبقه على شي ء منهما اعترفت بالبطلان، فما فائدة الانطباق على كلّ منفردا؟

و كذا لو نذر من عليه غسل واجب- كالجنابة- أن يرتمس في الماء زائدا على الغسل فارتمس مرة، فإن قلت: إنّه برئ من النذر، أو طهر من الجنابة، ارتكبت الترجيح بلا مرجّح، و إن قلت: حصل الأمران، أطبقت الواحد على الاثنين،

______________________________

[1] لا توجد في «ق».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 59

و إن قلت: لم يحصل شي ء منهما، حكمت بالبطلان.

قلنا: لا نسلّم أنّ عدم الحكم بحصول شي ء من الأمرين حكم بالبطلان، فإنّ الصحة في العبادات هي موافقة المأمور به، و هي حاصلة قطعا، و لا يلزم من عدم تعيّن ما يستتبعه خروجه عن موافقة المأمور به، أو خروج الصحة عن كونه موافقة المأمور به، فإنّ الصحة أمر و تعيّن ما يستتبعه (أو نفس الاستتباع) [1] أمر آخر، و الأوّل يتحقق بالموافقة، و الثاني إمّا بقصد المستتبع أوّلا نظرا إلى مثل قوله عليه السلام: «لكل امرئ ما نوى» و: «إنّما الأعمال بالنيات» أو بالإتيان بالفعلين معا، و لا يلزم من عدم قصد المعيّن أوّلا البطلان و إن لزم عدم ترتب التوابع.

و تظهر الثمرة فيما لو فعل الآخر أيضا بلا قصد، فعلى البطلان لا يترتب عليهما شي ء من التوابع، و على ما ذكرنا يترتب التابعان، و ذلك كما إذا استسلف زيد من كل من عمرو و بكر غنما، و رهن كل منهما متاعا عنده لما استسلف، فوكّلا خالدا في إعطاء الغنم بعد حلول الأجل، فأعطى غنما بلا قصد تعيين أنّه من عمرو أو بكر، فإنّه لا يترتب عليه فك رهانة أحدهما و لا يستتبع أثرا، بل هو موقوف إمّا على القصد

أوّلا، أو إعطاء الغنم الآخر أيضا. و كذا إذا فعل المأمور أحد الفعلين مع قصد المعيّن و نسيه، فإنّه لا يحكم بالبطلان و لا يترتب شي ء من آثار أحدهما، كمن عليه صوم نذر و كفارة فصام يوما بقصد معيّن و نسيه، فيحكم بمقتضى الأصل بعدم سقوط شي ء منهما، مع أن صومه صحيح.

و القول بأنّه سقط أحدهما واقعا، و لكن لم يسقط ظاهرا، للأصل، كلام خال عن التحقيق، إذ لا واقع في حقّ المكلّف إلّا حكمه الظاهري كما بيّنا في الأصول.

______________________________

[1] لا توجد في «ه».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 60

نعم، لو كان عدم استتباع الفعل للتوابع مستندا إلى عدم موافقة المأمور به، لكان مستلزما للبطلان، و أمّا مطلقا و لو لمانع فلا.

هذا، مع أنّه يمكن أن يقال: إنّه كما تحصل البراءة عن أحدهما لا بعينه، كذلك يستتبع توابع أحدهما لا بعينه بمعنى التخيير، فإن كان التابع مما يستند إلى المكلّف الآمر كإعطاء الثواب و نحوه فالتخيير له، و إن كان مما يستند إلى المأمور كحصول التطهر له، أو الوفاء بالنذر و نحوه، فالتخيير له، بمعنى أنّ له أن يجعله من أيّهما شاء، فإنّ الفعل إذا انصرف إلى أحدهما بتعيينه المقارن للفعل يمكن الانصراف إليه بتعيينه المتأخّر، فإنّ مثل قوله: «لكل امرئ ما نوى» يشمل ظاهرا مثل ذلك أيضا و إن كان الظاهر منه النية المقارنة، فتأمّل.

و ظهر من ذلك عدم وجوب قصد المميز في تحقق صحة الفعل للأصل، إلّا إذا كان المميز قيدا للمأمور به و جزءا له فيجب، لما مر، إلّا مع ثبوت التداخل بالمعنى المذكور.

و لكن ها هنا أمرا آخر و هو أن كما أنه يجب الإتيان بالفعل الصحيح يجب تحصيل البراءة

و الإجزاء عن المأمور به أيضا، و لا يمكن حصول البراءة و الإجزاء عن واحد لا بعينه مع تعدد المأمور به و اختلاف آثارهما أو غايتهما، إذ لا معنى للبراءة و الإجزاء عن شي ء له آثار و توابع إلّا حصولها و ترتّبها، و لا يتأتّى ذلك في واحد لا بعينه من الأمرين المختلفين في الآثار، فيجب تعيين كلّ منهما تحصيلا للبراءة عنه و الإجزاء، و لكن لثبوت التداخل بالمعنى المذكور في الوضوء بل الأغسال لا يجري ذلك فيهما، مع عدم التعدد في الوضوء المأمور به في حالة أبدا، لأنّه إنما كان لو وقع الأمر بإحداث الوضوء لهذا و لذاك و هكذا، و ليس كذلك، بل لم يثبت إلّا مطلوبية كونه متطهرا عند هذا و ذاك ندبا أو وجوبا، و إنّما يجري في الصلاة و نحوها، و سيأتي تحقيق ذلك في بحث نية الصلاة.

المسألة الخامسة:

لا يشترط في نية الوضوء قصد الوجه، وفاقا لكلّ من لم

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 61

يشترط سوى القربة، كما عن المفيد «1»، و البصروي «2» و التستري [1]، و النهاية «3»، و المحقق في بعض رسائله، و بعض من اشترط غيرها أيضا، كالسيّد «4»، و المبسوط «5»، و المعتبر «6» و هو مختار أكثر المتأخرين.

للأصل السالم عن المعارض، المؤيد بأمرهم عليهم السلام بجميع أنواع الوضوء من الواجب و المندوب بطريق واحد من غير تعرض للوجوب و الندب.

و خلافا للحلبي، و الحلّي، و القاضي «7»، و الراوندي «8»، و ابني زهرة و حمزة «9»، و الفاضل «10»، و الكركي، و الجامع، و الشرائع، و الذكرى «11»، فأوجبوه وصفا أو غاية.

لاستصحاب الحدث إلى تحقق الرافع اليقيني.

و لوجوب الامتثال المتوقف على إيقاع الفعل

على وجهه، و هو لا يتم إلّا بنية الوجه.

و لأنّ الوضوء تارة يقع على وجه الوجوب، و أخرى على الندب، فحيث كان أحد الأمرين مطلوبا اشترط تشخيصه لتحصيل الامتثال، و ليتحقق الموافقة

______________________________

[1] هكذا في جميع النسخ و المظنون انه تصحيف «البشرى» للسيد جمال الدين بن طاوس كما نقل عنه في الذكرى: 80.

______________________________

(1) المقنعة: 46.

(2) نقله عنه في الذكرى: 80.

(3) النهاية: 15.

(4) نقل عنه في كشف اللثام 1: 62.

(5) المبسوط 1: 19.

(6) المعتبر 1: 139.

(7) الكافي في الفقه: 132، السرائر 1: 98، المهذب 1: 43.

(8) نقله عنه في الذكرى: 80.

(9) الغنية (الجوامع الفقهية): 553، الوسيلة: 51.

(10) التذكرة 1: 14، القواعد 1: 10.

(11) جامع المقاصد 1: 201، الجامع للشرائع: 35، الشرائع 1: 20، الذكرى: 80.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 62

للمأمور به.

و القول بأنه في وقت العبادة الواجبة المشروطة به لا يكون إلّا واجبا و بدونه مندوب، فيكون متعينا أبدا، مردود بأنه لا شك في وقوع الأمر الاستحبابي به لبعض الغايات و الوجوبي لآخر، و لا يرتفع الأوّل حال الثاني، فلا بدّ من التعيين كما في الصلاتين: الواجبة و المندوبة، و الغسلين.

و الجواب عن الأوّل: أنّه لم يثبت في حق من صدر عنه أحد الموجبات إلّا وجوب إتيانه بالأفعال المعهودة التي هي الوضوء شرعا أو استحبابه، فإن أريد بالحدث كونه بحيث يجب عليه هذه الأفعال للمشروط بالوضوء، فالإتيان بها يكون مزيلا للاستصحاب يقينا، و إن أريد غير ذلك فلا نسلّم ثبوته.

و الحاصل: أن حدوث حالة لمن عليه الوضوء سوى كونه يجب أو يستحب عليه الإتيان بالأفعال المقررة غير ثابت من دليل حتى يستصحب.

سلّمناه و لكن الوضوء الشرعي رافع له بالإجماع بل الأخبار، و هو ما ثبت

كونه وضوءا بدليل شرعي.

و المستفيضة الحاكية لوضوء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله «1».

و نحو رواية زرارة: عن الوضوء الذي افترضه اللَّه على العباد لمن جاء من الغائط أو بال، قال: «يغسل ذكره و يتوضأ مرتين مرّتين» [1].

و رواية ابن فرقد بعد السؤال عن حد الوضوء، قال: «تغسل وجهك و يديك و تمسح رأسك و رجليك» «2»- مضافة إلى الأصل- دالّة على كون هذه الأفعال وضوءا، غاية الأمر ثبوت لزوم قصده مع القربة من الخارج أيضا، فتكون هي معه رافعة، ضرورة تحقق اللازم مع الملزوم.

______________________________

[1] لم نعثر على رواية لزرارة بهذا المضمون. الموجود رواية يونس بن يعقوب: التهذيب 1: 47- 134، الاستبصار 1: 52- 151، الوسائل 1: 316 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 5.

______________________________

(1) راجع الوسائل 1: 271 أبواب الوضوء ب 15.

(2) الكافي 3: 21 الطهارة ب 14 ح 3، الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 63

و عن الثاني: بمنع توقف الامتثال على ما ذكر و إن هو إلّا مصادرة.

و عن الثالث: أنّ الامتثال إنّما يحصل بالموافقة للمأمور به التي هي معنى الصحة، و معنى المطابقة أن يكون المأتي به بأجزائه و شرائطه، موافقا للمأمور به كذلك، بمعنى أنّ ما اتي به لو طوبق مع ما أمر به لم ينقص منه شي ء، فإذا كان المأتي به كذلك يكون صحيحا، و الآتي به ممتثلا، و لا يحتاج إلى شي ء آخر.

و على هذا، فيكون فرق بين قول الشارع: توضأ وجوبا أو ندبا، و قوله:

يجب أو يستحب التوضؤ، فالمأمور به في الأوّل هو أفعال الوضوء بزيادة الوجوبية أو الندبية، و في الثاني أفعال الوضوء مجردة عن غيرها،

غاية الأمر أن أمره بها إيجابي أو ندبي، فإن كان (الحال في الوضوء) [1] الإيجابي و الندبي من قبيل الأوّل فلا شك في وجوب نية الوجه، كما مر في المسألة السابقة، و إن كان من الثاني لا تجب، لعدم دخوله في المأمور به، فالمأتي به موافق لكلّ من الأمرين منفردا، موجب للبراءة من أحدهما لا بعينه.

ثمَّ لمّا كان الأمر في الوضوء من قبيل الثاني، إذ لم يرد إلّا أنه يستحب الكون على الوضوء حال كذا، و يجب حال كذا، و لم يرد أنه توضأ تطوّعا لكذا و وجوبا لكذا، لم يلزم في صحته قصد الوجه، بل و لا في ترتّب الآثار الوجوبية أو الندبية، حيث ثبت فيه التداخل، و ترتّب جميع الآثار على وضوء واحد.

المسألة السادسة:

لا تشترط فيه نية الاستباحة أو الرفع، وفاقا لمن ذكر في المسألة السابقة من المكتفين بالقربة، و للشرائع، لما ذكره.

و خلافا للسيد «1»، فأوجب الأوّل.

و للمبسوط و السرائر و الجامع و المعتبر و الذكرى، و الفاضل، و الكركي، فأحدهما.

______________________________

[1] في «ح»: الحاكي للوضوء.

______________________________

(1) يمكن استفادته من الناصريات (الجوامع الفقهية): 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 64

و للحلبي و القاضي و الراوندي و ابني زهرة و حمزة «1»، فالأمران معا.

احتجّ الأوّل: بالاستصحاب. و جوابه مرّ.

و بمثل قوله عليه السلام: «لكل امرئ ما نوى».

و يضعّف بأنه يدلّ على أنّ ما نوى له، لا على أنّ ما لم ينو ليس له إذا كان مما لم يثبت توقف تحققه على النية.

و بقوله سبحانه إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ «2» الآية.

قيل «3»: وجه الدلالة أنّ المفهوم منه وجوب إيقاع الوضوء لأجل الصلاة، فيكون التعليل قيدا للمأمور، فلا يتم إلّا بإيجاده، و هو ليس إلّا بقصده.

و

فيه: أنّه إنّما يصح لو كان التعليل متعلقا بالإيقاع، و أمّا إذا كان متعلقا بالوجوب فلا، فإن أريد أنّ المفهوم من الآية الأوّل فممنوع، و إن أريد أنّ المفهوم منها الثاني أو أحدهما لا يفيد.

و من هذا يظهر فساد ما قيل- في دفع إيراد من أورد أنّ وجوب الوضوء للصلاة لا يستلزم وجوب قصد التعليل- من أنّه أيّ فرق بين كون الفعل للصلاة و كونه للَّه أو لأجل أنّ اللَّه أمرني أو لأجل أنّي مطيع له و نحوها؟ حيث لا يوجب الأول قصد التعليل، و البواقي توجبه «4».

فإنا لا نقول بالفرق بين وجوب كون الفعل للصلاة و بين وجوب كونه للَّه و نحوه، بل نقول بالفرق بين قوله: إذا قمتم للصلاة فافعلوا و بين وجوب كونه للَّه، أو قوله: اعملوا للَّه، أو يجب أن يكون العمل خالصا للَّه، فإنّ الأوّل يحتمل علّية الصلاة للوجوب دون البواقي. بل فرق بين قوله: يجب إيقاع الفعل لأجل الصلاة و بين ما ذكر، لاحتمال كون التعليل علّة للإيجاب دون البواقي، فإنّه لا

______________________________

(1) مرت الإشارة إلى مصادر الأقوال في ص 61 فراجع.

(2) المائدة: 6.

(3) المختلف: 20.

(4) شرح المفاتيح: (مخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 65

يحتمل أن يكون مراده أنّ اللَّه علّة للإيجاب، أو إطاعة أمره علّة له.

قيل: لو قال المولى لعبده: أعط الحاجب درهما ليأذن لك، فأعطاه لا لأجل ذلك، بل لغرض آخر، لم يكن ممتثلا و لا آتيا بما أمره به مولاه، إذ الامتثال العرفي لا يتحقق إلّا بقصد ما هو مطلوب الآمر، و أنّ ارتكابه لأجل أنّ الآمر أمره لا لغيره، و لو أتى به لا لأمره لا يمتثل البتّة «1».

قلنا: لا شك أنّه لو أعطى لا

لأجل أنّ مولاه أمره، لم يكن ممتثلا، و ليس الكلام فيه، بل فيما إذا أعطى لأجل أنّه أمره مولاه من غير قصد أنه لأجل الإذن بل ذاهلا عنه.

و لا نسلّم عدم الامتثال حينئذ، بل هو ممتثل آت بما أمره به مولاه إلّا إذا علم يقينا أنّه أراد الإعطاء بقصد الإذن.

و المناسب للمقام ما إذا قال المولى أعطه درهما ليأذن لك، و درهما ليحفظ دابتك، فأعطى الدرهمين لأجل أمر المولى من غير قصد العلّتين، إما للذهول و الغفلة أو لنسيان العلّة، فإنّه يعدّ ممتثلا قطعا، و لو أعطى درهما من غير قصد، امتثل أحد الأمرين، مع أنّه فرق بين قوله: أعطه ليأذن لك، و إذا أردت الإذن فأعطه درهما، و ما نحن فيه من الثاني.

قيل: فرق بين أن يقول: لا بدّ من الوضوء حال الصلاة، و أن يقول: إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ، و لذا يفيد الثاني التكرار بتكرار الصلاة دون الأوّل «2».

قلنا: الفرق بينهما من الجهة التي كلامنا فيها ممنوع جدا، و أما إفادة الثاني للتكرار فلأجل دلالة الفعل على التجدّد، و لذا لو قال: لا بدّ أن يتوضأ حين الصلاة، يفيده، بل و كذا لا بدّ من الوضوء إذا أخذ بالمعنى المصدري.

و استدلّ الثاني بما مر أيضا بضميمة اتحاد مئال الاستباحة و رفع الحدث.

______________________________

(1) شرح المفاتيح: (مخطوط).

(2) شرح المفاتيح: (مخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 66

و احتج الثالث- بعد دعوى تغايرهما، لانفكاك كلّ منهما عن الآخر في التيمم و وضوء الحائض [1]- بشرعية الوضوء لأجل الأمرين، فيجب قصدهما كما مر. و جوابهما ظهر.

و اعلم أن التخصيص بالرفع و الاستباحة، لأن الكلام في الوضوء للصلاة، و يعلم منه الحال في الغايات الأخر.

المسألة السابعة:
اشاره

قد ظهر

من وجوب نية القربة، و عدم حصول الامتثال بدونها، أنه لو نوى غيرها منفردا بطل العمل.

و لو ضمّه معها، فلو كان رياء- و هو العمل بمرأى لإراءته لا لغرض شرعي، و منه السمعة، و هو العمل بمسمع أحد لإسماعه كذلك- بطل مطلقا سواء كلّ منهما مقصودا ذاتا أو كلاهما معا، أو أحدهما خاصة و قصد الآخر بالعرض، بالإجماع من غير السيد «1» الغير القادح في تحققه، و هو الحجة.

مضافا إلى خبري علي بن سالم و عقبة المتقدمين «2» الدالّين على عدم قبول ما لم يكن خالصا للَّه، و الرياء بجميع أقسامه ينافيه، مع تصريح الأوّل بعدم قبول ما أشرك فيه غير اللَّه معه، و في رواية ابن عيينة السالفة «3» ما يصرّح بذلك أيضا.

و إلى النهي عن الرياء كلّه إجماعا و كتابا و سنّة:

______________________________

[1] قال الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 61- في مقام حكاية الاستدلال على وجوب القصد إلى الاستباحة و الرفع-: لافتراقهما معنى، و وجودا في دائم الحدث و المتيمم، لاستباحتهما خاصة، و الحائض لرفع غسلها الأكبر من غير استباحة. و قال المحقق القمي في غنائم الأيام: 21 و بأن الرفع و الاستباحة قد يتفارقان في غسل الحائض بدون الوضوء، و المتيمم. و بالتأمل في هاتين العبارتين يظهر قصور عبارة المتن، و الأنسب تبديل «الوضوء» بالغسل، حتى يكون موردا لانفكاك الاستباحة عن الرفع كما أن التيمم مورد لانفكاك الرفع عن الاستباحة فتدبر.

______________________________

(1) الانتصار: 17.

(2) في ص 46.

(3) في ص 49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 67

أثبت اللَّه سبحانه في كتابه الكريم الويل للذين يراءون «1» و قال أيضا في مقام الذمّ يُراؤُنَ النَّاسَ «2».

و في الخبر: «كل رياء شرك» «3».

و في آخر:

«إياك و الرياء، فإنّه من عمل لغير اللَّه و كله اللَّه إلى من عمل له» «4».

و في ثالث: «اعملوا للَّه في غير رياء و سمعة» «5».

و في رواية داود: «من أظهر للناس ما يحب اللَّه و بارز اللَّه بما كرهه لقي اللَّه و هو ماقت له» «6».

و لا شك أنّ المرائي جامع للوصفين، إذ نفس الإظهار للناس من غير غرض صحيح مما يكرهه اللَّه.

و في صحيحة زرارة: عن الرجل يعمل الشي ء من الخير فيراه إنسان فيسّره ذلك، فقال: «لا بأس، ما من أحد إلّا و هو يحبّ أن يظهر اللَّه له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك» «7».

دل بمفهوم الشرط على ثبوت البأس- الذي هو العذاب- إذا صنع ذلك

______________________________

(1) الماعون: 6.

(2) النساء: 142.

(3) الكافي 2: 293 الايمان و الكفر ب 116 ح 3، الوسائل 1: 70 أبواب مقدمة العبادات ب 12 ح 4.

(4) الكافي 2: 293 الايمان و الكفر ب 116 ح 1، الوسائل 1: 65 أبواب مقدمة العبادات ب 11 ح 6.

(5) الكافي 2: 297 الايمان و الكفر ب 116 ح 17، الوسائل 1: 66 أبواب مقدمة العبادات ب 11 10.

(6) الكافي 2: 295 الايمان و الكفر ب 116 ح 10، الوسائل 1: 64 أبواب مقدمة العبادات ب 11 ح 3.

(7) الكافي 2: 297 الايمان و الكفر ب 116 ح 18، الوسائل 1: 75 أبواب مقدمة العبادات ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 68

لذلك.

هذا، مع أنّ العمل رياء بأقسامه متابعة للهوى، و هو منهي عنه في الكتاب و السنّة، و النهي في العبادة يوجب الفساد.

و منه يظهر البطلان مطلقا لو كانت الضميمة محرّما آخر غير الرياء.

و لا

فرق فيها [1] بين ما إذا كان الضمّ في تمام العبادة أو جزئها الواجب أو وصفها اللازم، و بالجملة كلّ ما يبطل العمل بانتفائه.

و كذا بين ما إذا كان في ماهية التمام أو الجزء أو الوصف، أو في أحد أفراد واحد منها الذي يوجد به المأمور به، لعدم اجتماع الوجوب و الحرمة في واحد شخصي و لو من جهتين بينهما عموم و خصوص مطلقان أو من وجه.

فيبطل الوضوء لو توضّأ بالماء البارد، و الصلاة لو صلّى في المسجد، رياء أو بقصد محرّم آخر، أي: إذا كان كونه في المسجد كذا و إن لم يكن في نفس صلاته رياء، لأنّ الكون جزء الصلاة، كما في الصلاة في الدار المغصوبة. أو صلّى في أول الوقت رياء، لأن هذه الصلاة أحد أفراد المخيّر، فيتعلّق به النهي، و محل الرياء هو الصلاة في أول الوقت.

و كذا لو قرأ سورة معينة رياء، أو أحسن القراءة، أو أجهر فيها، أو تأنى فيها، أو صلّى جماعة لذلك.

و بالجملة: كل ما يتأدّى به الواجب تبطل الصلاة بقصد الرياء، أو محرّم آخر فيه.

و أمّا في غير ذلك فلا و لو كان وصفا قائما بواجب، لعدم تعلّق النهي عن الوصف بموصوفه، فلا يبطل الوضوء بالرياء في الاستقبال فيه، و لا الغسل بالرياء في الخروج من الماء في الارتماس، و لا الصلاة بالرياء في التخشّع فيه، كإطراق الرأس، و غمض العين، و ضم اليدين إلى الفخذين، و مدّ العنق في الركوع،

______________________________

[1] في «ه» و «ق» فيهما.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 69

و التطويل في السجود بعد التقرّب في القدر الواجب، و نحو ذلك.

خلافا للسيّد «1»، فلم يبطل العمل بقصد الرياء مطلقا و إن قال بعدم

استحقاقه الثواب، و هو مبني على أصله من عدم توقف الإجزاء على القبول، و رده في الأصول.

و قوّى ما ذكره بعض متأخّري المتأخّرين، فقال: الواجب أمران: فعل المأمور به، و الإخلاص في نيته، و لا يوجب الإخلال بالأخير الإخلال بالأوّل و إن أوجب الإثم «2».

و لا يخفى أنّ ما ذكره إنّما كان صحيحا لو كان المأمور به هو قصد التقرب و الخلوص، و المنهي عنه هو إرادة إراءة الناس دون العمل المرائي فيه. و ليس كذلك، بل المأمور به- كما هو مدلول الأخبار السابقة- العمل الخالص و العمل للَّه، فما لم يكن كذلك لم يكن مأمورا به، و المنهي عنه هو العمل لغير اللَّه، و هو الذي اثبت فيه البأس في رواية زرارة «3»، و فيه متابعة الهوى.

مع أنّه قد صرّح فيما مرّ بعدم قبول ما أشرك فيه غير اللَّه، و ما لم يكن خالصا، و لازمه عدم كونه مأمورا به فيفسد قطعا.

و أيضا: لا بدّ في صحة العمل من كونه بحيث يصدق معه الامتثال، و هو لا يتحقق إلّا بما فعل بقصد الإطاعة.

و لو كانت الضميمة غير الرياء أو محرّم آخر، كالتبرّد، أو التسخّن، أو نحوهما، ففيها أقوال:

الصحة مطلقا، اختاره في المعتبر و الشرائع «4»، و عن المبسوط و الجامع «5».

______________________________

(1) الانتصار: 17.

(2) كشف اللثام 1: 64.

(3) المتقدمة ص 67.

(4) المعتبر 1: 140، الشرائع 1: 20.

(5) المبسوط 1: 19، الجامع للشرائع: 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 70

و قيل: الظاهر أنّه المشهور «1».

و البطلان كذلك، حكي عن ظاهر نهاية الإحكام «2» و الإيضاح و البيان و الروض و شرح الإرشاد للأردبيلي «3».

و التفصيل بالصحة مع رجحانها، و البطلان بدونه، و قد تزاد فيه

ملاحظة الرجحان أيضا.

و بها [1] إن كانت القربة الباعث الأصلي، و عرض قصد الضميمة، و البطلان في غيره، احتمله الشهيد في قواعده و الذكرى «4»، و اختاره والدي العلّامة- رحمه اللَّه- مع التخصيص بغير الراجح، و أمّا معه فالصحة مطلقا، و ادّعى عليها الإجماع تبعا لجمع آخر «5» منهم صاحب المدارك «6».

و التحقيق فيها: أن متعلّق الضميمة إمّا نفس مهية المأمور به من العبادة أو جزؤها أو شرطها أو وصفها المطلوبة، أو خصوصياتها و أوصافها الغير اللازمة.

فإن كان الأوّل [2]، فإن كانت الضميمة مقصودة بالذات، أي باعثا أصليا فالحقّ البطلان مطلقا، سواء كانت القربة أيضا كذلك، بأن يكون كلّ منهما سببا مستقلا أو يكونا معا كذلك حتى يكون كلّ منهما جزء السبب، أو لم تكن القربة كذلك.

أمّا الأوّل: فلعدم انصراف الفعل إلى القربة، لعدم المرجّح.

______________________________

[1] عطف على: بالصحة و الضمير راجع إليها، يعني: و التفصيل بالصحة ان كانت القربة ..

[2] مراده من الأوّل كون متعلق الضميمة نفس الماهية أو جزأها أو شرطها أو وصفها المطلوبة.

______________________________

(1) قاله في الحدائق 2: 188.

(2) نهاية الاحكام 1: 33.

(3) الإيضاح 1: 36، البيان: 44، الروض: 30، مجمع الفائدة 1: 99.

(4) القواعد و الفوائد 1: 80، الذكرى: 81.

(5) كصاحبي الذخيرة: 25، و المفاتيح 1: 49.

(6) المدارك 1: 191.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 71

و أمّا الثاني [1]: فلذلك أيضا، لأنّ جزء السبب لا يعد سببا، و الفعل للمركب ليس فعلا لكل جزء، مع أنّ الفعل فيهما لا يستند إلى القربة عرفا.

و أمّا الثاني [2] فظاهر.

هذا إذا لم تكن الضميمة راجحة، و أمّا مع رجحانها فإن [3] أمكن الاستناد إلى القربة، و لكن لا يتحقق امتثال هذا الأمر في هذه الصورة

عرفا، بل لا دليل على موافقته لهذا المأمور به، فلو صام و كان باعثه الحمية و النذر معا أو كل منهما منفردا، فلا دليل على أنّه لامتثال الأمر بالصوم دون الأمر بالحمية، فلا يصح بل يبطل إلّا مع ثبوت التداخل فيصح.

و إن لم تكن الضميمة مقصودة ذاتا، بل عرض قصدها تبعا بحيث لولاها لفعل و لو انحصر المقصود بها لم يفعل، فمع الرجحان لا إشكال في الصحة، لعدم المنافاة للقربة و صدق الامتثال في العرف و العادة و وجود المرجّح للموافقة، و بدونه ففيه إشكال، ينشأ من تصريح الأخبار بعدم قبول العمل الغير الخالص، و عدم خلوص مثل ذلك لغة و عرفا، و من تفسير العمل الخالص في خبر ابن عيينة بما لا يريد فيه حمد غير اللَّه، فيختص بالخالي عن الرياء، و في بعض الصحاح ما يشعر بأنّه ما ليس فيه شي ء من عبادة الأوثان «1»، و المفروض كذلك. و الثاني أقوى، و الأوّل أحوط.

و إن كان الثاني [4]، فلا يبطل أصلا و لو كانت الضميمة مستقلة، كأن ينوي التبرد من اختيار الماء البارد في التوضؤ، لا أن يتوضّأ لذلك، أو التسخن لاختيار الحار، و الاستسخان من الصلاة في موضع حار إذا كان الباعث على أصل الوضوء

______________________________

[1] يعني ما إذا كان كل منهما جزء السبب.

[2] يعني إذا لم يكن التقرّب باعثا أصليا.

[3] إن وصلية، و الأنسب تغيير العبارة هكذا: فإنه حينئذ و إن أمكن الاستناد ..

[4] و هو ما إذا كان متعلق الضميمة الخصوصيات و الأوصاف غير اللازمة.

______________________________

(1) الكافي 3: 15 الايمان و الكفر ب 11 ح 1، الوسائل 1: 59 أبواب مقدمة العبادات ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص:

72

و الصلاة هو القربة.

و الحاصل: أنّه إذا [1] لم يضم [2] مع القربة في الإتيان بأصل الواجب- الذي هو المطلق- شي ء، لا يضر قصد آخر في التعينات و التشخصات و الخصوصيات أصلا.

و الظاهر أنه إجماع بل ضرورة، فهما الحجتان فيه.

مضافا إلى الأصل، و إلى أن الترجيح بلا مرجّح باطل، فلا بدّ في تعيين أحد الأمكنة أو الأزمنة أو اللباس أو المياه من مرجح، و لا يجب أن يكون المرجح أمرا راجحا شرعا ضرورة، بل قد لا يتحقق غالبا، بل يصح مع المرجوحية الإضافية أيضا كالصلاة في الحمام.

و إلى أنّ الخصوصية أمر وراء المطلق الذي هو المأمور به و إن اتحدت معه في الوجود، فيكون هذا الفعل متعلّقا للقربة من حيث المهية، و للضميمة من حيث الخصوصية، فاختلاف الحيثيتين أوجب تعلق القصدين، فهذا متقرب به من حيث إنّه كون للصلاة- مثلا- و مسخّن منه من حيث إنّه الكون في الشمس.

و لا يقاس ذلك بالصلاة في الدار المغصوبة و نحوها، لأن الوجوب و الحرمة و سائر الأحكام الخمسة أمور متضادة لا يجتمع اثنان منها في محل إلّا بحيثيتين تقييديتين، بخلاف التقرب و التسخّن مثلا، فإنهما ليسا من المتضادين، و لذا يبطل فيما كان من هذا القبيل إذا كانت الضميمة محرمة مطلقا.

فروع:

أ: لو لم يقصد الرياء ذاتا و لا عرضا، و لكن سرّه إذا رآه إنسان أو سمعه لم يضر، لعدم صدق الرياء عليه، و قد صرّح به في صحيحة زرارة المتقدمة «1».

______________________________

[1] في «ق» ان.

[2] في «ه» و «ق» ينضم.

______________________________

(1) في ص 67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 73

ب: لو أتى ببعض الأجزاء المستحبة كالقنوت في الصلاة، و المضمضة أو الغسلة الثانية في الوضوء و

نحو ذلك رياء يبطل المستحب قطعا، و لكن لا يبطل الصلاة و الوضوء لأجل ذلك.

نعم، قد يبطل المسح ببطلان التثنية أو تكون لمعة من الموضع جافا لم تغسل من الأولى فيبطل الوضوء لأجله، كما أن قد تبطل الصلاة ببطلان القنوت من جهة الفصل [1] الكثير لو وصل إليه، أو من جهة التكلم بالمحرم. و قيل: من جهة عدم اتصال نية الصلاة «1». و فيه نظر.

ج: سيأتي أن حقيقة النية هي الداعي المحرك دون المخطر بالبال، فربما كان الباعث غير امتثال أمر اللَّه و يخطر بباله القربة مع العلم بأنها ليست الباعث أو للغفلة أو الجهل به، و العبادة حينئذ باطلة، سيما في الأخيرة قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا «2» الآية. و ربما يكون الأمر بالعكس، فلا باعث له على العمل إلّا وجه اللَّه، و لكن يشكك و تخطر بباله خطرات من غير أن تكون لها مدخلية في التأثير، و عبادته حينئذ صحيحة. و لو شك في الباعث و المحرك لم يصح العمل، للزوم العلم بالانبعاث من القربة.

د: لو طرأ الرياء في أثناء العبادة يفسد و لو في آخرها إذا كانت مرتبطة الإجزاء.

نعم، لو حصل بعد الفراغ لم يضر فيها و إن استفيد من الأخبار حبطها لو أظهرها.

المسألة الثامنة:
اشاره

المعتبر في النية هي الداعية إلى الفعل المحركة للإنسان

______________________________

[1] في «ه» و «ق» الفعل.

______________________________

(1) شرح المفاتيح (مخطوط).

(2) الكهف: 103.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 74

إليه، اللازمة لفعل كل عاقل مختار، دون الصورة المخطرة بالبال.

و لتوضيح الفرق بينهما و تحقيق الحال في المعتبر منهما نقول: إنّ من يسافر إلى الكوفة لتحصيل نفع، لا بدّ له أن يتصور أولا الكوفة، و النفع، و حصوله فيها، و توقفه على المسافرة

إليها، و المسافرة، فإذا حصلت تلك التصورات، تحصل للنفس حالة تبعث الأعضاء و الجوارح على المسافرة إليها. و هذه الحالة هي المعبّر عنها بالداعي و الباعث، و هي قد تحصل للنفس من غير التفاتها إليها و إلى أنها الباعثة، و قد يكون ملتفتا إليها، فيتصور و ينتقش في باله أن يسافر إلى الكوفة لأجل النفع، و ذلك الالتفات و التصوير هو الإخطار.

ثمَّ الحالة الداعية إذا حصلت للنفس تبقى فيها إلى الفراغ عن العمل، و تبعث الجوارح على كل جزء من أجزائه التدريجية، أو إلى قصده ترك العمل، أي قصد المنافي، و لكن قد تبقى معها التصورات المذكورة، و قد لا يبقى منها معها شي ء، كما أن الخارج إلى الكوفة قد يشتغل قلبه حين الذهاب بأمور شاغلة له، بحيث يذهل عن نفسه فضلا عن الكوفة و السفر إليها و تحصيل النفع فيها، و مع ذلك هو في الحركة و الذهاب، و المحرك هو هذه الحالة المخزونة في النفس و إن كان ذاهلا عنها، بل الغالب في أفعال الناس ذلك.

ألا ترى أنّه إذا كنت جالسا و دخل عليك من يستحق التواضع تقوم له حين دخوله عليك من غير أن تتصوّر و تلتفت في بالك إني أقوم تواضعا لفلان لاستحقاقه ذلك.

ثمَّ الأولى و هي الحالة مع بقاء التصورات تسمّى بالنية الفعلية، و الثانية هي النية الحكمية، و هي ترتفع إما بتمام العمل، أو بقصد منافيه، و هي كافية في وقوع الفعل بالنية، و لذا يعدّ المسافر قاصدا في كل جزء من حركته ذهابا و إيابا، و لا يقال: إنّه متحرك بلا نية و قصد، و إن لم يلتفت في كل جزء إلى الذهاب و المقصد، و لا يعدّ

تواضعك خاليا عن القصد و النية، و يترتب عليه ثوابه، بل لو تكلّف الالتفات و تخيل ذلك يستقبحه كل أحد اطّلع عليه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 75

و من هذا ظهر وجه ما ذكرنا من اعتبار مجرد الداعي و كفايته الذي هو تلك الحالة، إذ لا يثبت من أدلة وجوب نية القربة في العبادات سواها، لصدق النية معها، و تحقق الامتثال عرفا، و عدم الدليل على الزائد، فينفى بالأصل.

نعم، لمّا كان يتوقف حصولها ابتداء على التصورات المتقدمة، فلو لم يخطر بالبال أولا الكوفة و النفع و السفر، أو الشخص الوارد و التواضع، لما أمكن انبعاث الأعضاء و الجوارح إلى السفر و القيام، فلا بدّ من النية الفعلية في ابتداء العمل لتحصيل تلك الحالة- أي النية الحكمية- و إن لم يتوقف بقاؤها عليها، فلا يضر عزوب التصورات بعده، لبقاء الحالة بدونها.

و هذا هو الباعث على اتفاقهم على اشتراط النية الفعلية في الابتداء و الاكتفاء بالحكمية بعدها، فإنّه لو لا الفعلية ابتداء لما حصلت الحكمية أيضا بخلاف الأثناء، فإنّ الفعلية الابتدائية كافية في حصول الحكمية و بقائها إلى الانتهاء أو قصد المنافي.

و ممّا ذكرنا ظهر معنى الاستدامة الحكمية المشروطة في العبادات، و وجه اشتراطها في جميع أجزائها، فإنّها لو تخلّفت عن جزء صدر بلا نية. و معنى النية الفعلية المشروطة في أول أجزائه، و وجه اشتراطها فيه، فإنّه لمّا كان حصول الحكمية موقوفا عليها و امتنع تحققها بدون سبقها، فلو تأخّر جزء عنها لصدر بلا نية فيبطل، و ببطلانه يبطل العمل، و ليس اشتراطها لأجل أنّها النية خاصة.

و ظهر من جميع ما ذكر أنّ ها هنا أمورا ثلاثة: التصورات المذكورة و هي النية بمعنى الإخطار، إذ

ليس هو إلّا خطور الفعل و أنّه يفعله لما ذا، و التصورات المقارنة مع الحالة الباعثة للنفس على الاشتغال و هي النية الفعلية، و الحالة المذكورة مع عدم الالتفات و هي النية الحكمية، و هي لازمة البقاء بعد حصول الفعلية و عدم الانتقال إلى مخالفها كما يأتي. و على هذا فمرجع الاستدامة الحكمية إلى عدم الانتقال من الفعلية إلى نية مخالفها.

و هذا المعنى لها هو الذي ذكره الأكثر و حكي عنهم، كما عن المبسوط

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 76

و الشرائع و المنتهى و الجامع و التذكرة و نهاية الأحكام «1»، و نسبه الشهيد إلى الأكثر «2».

بل- كما قيل «3»- يرجع إليه ما عن الغنية و السرائر «4» من أنّها أن يكون ذاكرا للفعل غير فاعل لنية مخالفها، بجعل قولهم غير فاعل مفسّرا لسابقه.

و قد يجعل هذا المعنى مغايرا لسابقه و يجعل مجموع الفقرتين تفسيرا لها.

و لا يخفى أنّه على هذا يكون عين النية الفعلية، لأنّها أيضا ليست شيئا سوى التذكر للأمور المذكورة مع الحالة المحركة اللازمة على كل تقدير، و قد عرفت عدم دليل على لزومها في تمام الأجزاء، بل هي ليست معتبرة في نفسه في جزء من الأجزاء و إن اعتبرت لأجل حصول الحكمية، إلّا أن يكون المراد التذكر للفعل فقط، دون سائر التصورات من أنّه يفعله و لما ذا يفعله، و ذلك أيضا لا دليل على اعتباره أصلا.

و قد يقال في توجيه وجوبه [1]: إنّه كما تجب النية في أول الفعل تجب في كل جزء منه أيضا، و لمّا كانت النية عندهم هو الإخطار أو الفعلية، و يتعذّر اعتبارها في جميع الفعل إذ ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ

«5» يتوجه بأحدهما إلى الإخطار و بالآخر إلى إحداث الأجزاء و الحركات و السكنات، فلا بدّ من الاكتفاء بمجرد التذكر، إذ «ما لا يدرك كله لا يترك كله» «6» بل ذلك هو الوجه في اعتبار

______________________________

[1] أي وجوب التذكر للفعل فقط.

______________________________

(1) المبسوط 1: 19، الشرائع 1: 20، المنتهى 1: 55، الجامع للشرائع: 35، التذكرة 1: 15، نهاية الاحكام 1: 449.

(2) في الذكرى: 81.

(3) كشف اللثام 1: 63.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 553، السرائر 1: 98.

(5) الأحزاب: 4.

(6) غوالي اللئالي 4: 58.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 77

الحكمية بالتفسير الأوّل أيضا.

نعم، من لم يجعل النية هي الإخطار أو الفعلية، بل اكتفى بمجرد الداعي، كما هو مقتضى الأدلة، اعتبرها بنفسها في تمام العمل لإمكانها، و لا صارف عنها يوجب المصير إلى الحكمية بأحد المعنيين.

و فيه: أنّ الحكمية بمعنى كونه ذاكرا للفعل لا تتحقق أيضا إلّا بعد قلبين، يتذكّر بأحدهما الفعل، لأنّ التذكّر أيضا من فعل القلب، و لا يتفاوت في ذلك تذكّر الفعل خاصة أو مع غيره.

نعم، يصلح ذلك توجيها لاعتبارها بالمعنى الأوّل [1]، لأنّه لا يحتاج إلى تذكّر، و لكنه ليس أمرا غير الداعي و المحرّك المخزون في النفس و إن لم يلتفت إليه، إذ مجرد عدم الانتقال من غير كون الداعي لا يؤثّر في الفعل أصلا، و على هذا فلا يحتاج في وجه اعتباره إلى ذلك التكلف الركيك، بل هو عين النية الثابتة بالأدلّة، و لذا ترى العامل يقال: إنّه عامل بالقصد إذا نواه أولا و إن ذهل في الأثناء إذا كان مشتغلا غير منتقل بنيته هذا.

ثمَّ إنّه بقي ها هنا شي ء، و هو أنّ الثابت ممّا ذكر وجوب عدم تأخّر الفعلية عن أول جزء من

العمل، و أمّا لزوم عدم تقدّمها عليه فلم يثبت، فإنّه قد تحصل النية الفعلية قبل العمل ثمَّ تبقى الحالة التي هي الحكمية حتى تقارن أول الجزء، و على ما ذكر يجب أن يكون العمل حينئذ صحيحا مع أنّ الأكثر صرّحوا بوجوب مقارنة الفعلية التي يعبّرون عنها بالنية لأوّل جزء.

أقول: هذا المقام هو محل غرور جماعة من المتأخرين، حتى قال بعضهم:

بسقوط البحث عن كلفة المقارنة، و تقديمها في الوضوء عند غسل اليدين «1».

و آخر: بأنّه لا أدري ما الباعث للتفرقة بين أول الجزء و الأثناء مع تساوي الأجزاء

______________________________

[1] و هو عدم الانتقال من النية إلى مخالفها.

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 78

فيما يشترط به من نحو النية «1». و طعن ثالث «2» بأكثر الفقهاء الذين يبحثون عن أول وقت النية و بمن يحصرها بين حاصرين [1]. و رابع: بأنّ اشتراط المقارنة إنّما هو على مذاق الموجبين للإخطار على ما هو الحري بالاعتبار «3».

و نحن نقول لحسم مادة الإشكال: إنّه مما لا شك فيه أنّ حصول تلك الحالة الداعية- التي تسمى مع عدم الالتفات إليها بالنية الحكمية- موقوف على التصورات المذكورة، و بقاءها على الاشتغال بالعمل نفسه أو بمقدماته، و لا يمكن بقاؤها بدون ذلك، فلو لم يشتغل بشي ء منها و لم يحضر التصورات لم يمكن بقاء الحالة، و لذا ترى أنّ من تصوّر زيدا في يوم و تصوّر بيته و لقاءه و الذهاب إلى بيته للقائه، و حصلت في نفسه حالة باعثة على الذهاب غدا إلى بيته للقائه، فلا يمكن ذهابه في الغد إلّا بتجديد التصورات، و لو ذهل عنها بالكلية و اشتغل قلبه بأمر آخر امتنع منه الذهاب، بخلاف

من اشتغل بالذهاب فإنّه يذهب مع الذهول عن زيد و بيته، بل عن ذهابه لو لم يقصد غيره مما ينافيه.

و هذا هو السر فيما ترى من أنّك تقصد اشتغال أمر في الغد و تتركه للذهول عمّا قصدت، و إذا اشتغلت به لا تتركه و إن ذهلت عنه.

و توهم إمكان بقاء الحكمية بدون الاشتغال أيضا فاسد جدّا، فإنّ من يقصد قبل الزوال الوضوء بعد الزوال، ثمَّ يشتغل بأمر آخر لا يمكن أن يتوضّأ بعد الزوال إلّا بشعوره بالوضوء و بفعله.

و لعل السرّ في ذلك احتياج الباقي في البقاء إلى المؤثر، فمع الاشتغال يكون هو المؤثّر في البقاء، بمعنى أن التصوّرات علة لحدوث الحالة و هي للاشتغال بأول

______________________________

[1] إشارة الى ما ذكره العلامة و غيره: نية الصلاة يجب أن تكون محصورة بين الألف و الراء في تكبيرة الإحرام (منه ره).

______________________________

(1) يستفاد هذا الإشكال من مشارق الشموس: 93.

(2) الحدائق 2: 174.

(3) كما في شرح المفاتيح (مخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 79

جزء، و هو لبقاء الحالة حين الاشتغال، هي للاشتغال بالجزء الثاني، و هو لبقائها و هكذا، و أمّا إذا لم يشتغل و عزبت التصورات، فلا علة لبقاء الحالة فتنتفي.

و إذ ظهر لك توقف الحكمية على الاشتغال، فلو لم تقارن الفعلية لأوّل جزء مما يتعلّق بالعمل بل تقدّمت عليها فتنتفي الحكمية بعدها و قبل الاشتغال، فيكون الفاعل حال الاشتغال بأول جزء خاليا عن النية، فلا بدّ من تجديد التصورات لتحصيل الحالة، و هذا هو المقارنة.

و به يظهر لك سبب التفرقة و إمكان الحصر و عدم توقف اشتراط المقارنة على وجوب الإخطار، و يرتفع الطعن عن العلماء الأخيار، بل ملاحظة ما ذكرنا يتّضح أمر النية بالتمام، و يندفع

بعض الإشكالات و الإيرادات عن المقام.

فروع مما يتعلق بالنية:

أ: إذ قد عرفت وجوب مقارنة النية الفعلية لأوّل فعل ما [1] يتعلق بالعبادة، تعلم أنّ وقت نية الوضوء عند غسل الوجه، و يجوز تقديمها عند غسل اليدين المستحب للوضوء التفاتا إلى كونه من الأجزاء المندوبة له.

و لا يجوز عند جماعة «1»، لعدم كونه من الوضوء عندهم و إن استحب.

فالجواز مبني على كونه من الوضوء أو مستحبا برأسه، و كذا المضمضة و الاستنشاق.

و لا يبعد القول بكفاية النية عند غسل اليد للوضوء و لو لم يكن جزءا، بل عند التهيّؤ للوضوء و لو بتحصيل الماء و أمثاله، و كذا كل عبادة، فإنّه ظهر مما ذكرنا أنّ وقت النية الفعلية هو ابتداء الاشتغال بالعمل نفسه أو بما يتعلق به، و لا يحتاج إلى الاشتغال بجزء معين منه.

نعم، لا بدّ حينئذ من كون نفس العبادة لا يحتمل غيرها من غير العبادات،

______________________________

[1] في «ه» و «ق» ممّا.

______________________________

(1) راجع مجمع الفائدة 1: 100، و المدارك 1: 192.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 80

إمّا بنفسها أو بما يميزها من الأمور الخارجية حتى يصدق الامتثال، و لا من العبادات حتى تتعين الآثار المترتبة على ما يريد فعله، و إلّا لاحتاجت في أول جزء منها إلى قصدها لتميزها عن غيرها، و لذا يحتاج الذاهب من بيته إلى الحمام قاصدا للغسل تجديد النية عند الارتماس، إلّا إذا لم يكن من عادته الارتماس لغير الغسل.

ب: و إذ عرفت عدم العبرة بالإخطار، و أنّ الداعي هو محل الاعتبار، تعلم أنّه لو أراد فعلا معيّنا و حرّكه الداعي إليه كصلاة الظهر، ثمَّ خطر بباله حين المقارنة غيرها كالصبح أو العصر لم يضر.

ج: و إذ عرفت اشتراط القربة و الخلوص

في نية العبادات، و أنّه ربما يشتبه الأمر أو تحصل الغفلة فعليك بالمجاهدة، و معرفة الرياء و آثاره و علاماته و المعالجة، و عدم الغفلة عن مكائد النفس الأمّارة، فإنّ تحصيل الخلوص أمر صعب لا يتأتى في الأغلب إلّا مع المجاهدات الصعبة، كما يدلّ عليه قول الأمير عليه السلام:

«تخليص العمل من الفساد أشد من طول الجهاد» «1».

و ما ورد عنهم من أنّ «الرياء شرك خفي و أخفى من دبيب النملة» «2» إلى غير ذلك.

و من ذلك ظهر فساد ما ذكره بعض المتأخّرين «3» من سهولة الخطب في النية، و أنّ المعتبر فيها محض تخيل المنوي بأدنى توجه، و هذا القدر لا ينفك عنه أحد من العقلاء.

و كذا ظهر مما ذكرنا- من الأخبار الواردة في النية و القربة و من معنى النية- فساد ما قيل: من أنّ اشتراط النية بالمعنى المعروف من بدع فقهائنا المتأخرين

______________________________

(1) الكافي 8: 24 خطبة الوسيلة لأمير المؤمنين عليه السلام، بتفاوت يسير.

(2) تحف العقول: 487 بتفاوت يسير.

(3) منهم صاحبا المدارك 1: 185، و المفاتيح 1: 48.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 81

تبعا للعامة، و إلّا فالرّواة و القدماء ما كانوا يذكرونها و يتعرضون لها.

د: لو زاد في النية على ما يجب، فإمّا يكون من الأوصاف المتحققة في المنوي، كأن ينوي الوجوب في الواجب، أو الندب في المندوب على المختار من عدم اشتراط نية الوجه، أو ينوي القصر في صلاة السفر، أو الإتمام في الحضر و نحوه، فلا محذور فيه أصلا.

أو يكون مما ليس فيه، كأن ينوي الواجب مندوبا، أو الأداء قضاء، أو الظهر عصرا، أو غسل الجنابة جمعة أو بالعكس، بمعنى أن يعتقده كذلك، لا مجرد الإخطار- فإنّه لا عبرة به-

فلا يخلو إمّا يتعين مقصوده و الفعل الذي يأتي به، إمّا لأجل كون المأمور به أمرا واحدا معينا لا يشتبه بغيره و يقصده بعينه، و ليس أمر آخر غيره يشتبه به، أو لأجل ضمّ ما يميزه عن غيره- إن كان- إلّا أنّه أخطأ في اعتقاده الذي زاد، كأن يتوضأ للصلاة وجوبا باعتقاد دخول الوقت و لم يدخل، أو ندبا باعتقاد عدمه و قد دخل، أو ينوي الصلاة قضاء باعتقاد خروج الوقت و لم يخرج، أو أداء باعتقاد عدم خروجه و قد خرج، أو توضأ بنية وجوبه أو ندبه نفسا مع أنّه واجب و مندوب لغيره و نحو ذلك مما لا يحصل فيه الاشتباه لأجل تلك النية فلا محذور أيضا، كما صرّح به بعضهم «1»، لأنّه قصد الأمر المعيّن الذي عليه واقعا، إلّا انّه أخطأ في اعتقاده، و هو غير مضر، لأنّه أتى بذلك المعيّن المطلوب منه. و الخطأ في اعتقاده لا يخرجه من المطلوب المعين. و كذا لو كان الخطأ لأجل الغفلة بل و لو تعمد ذلك، لأنّه قصد لغو لا يضر في صدق الامتثال العرفي.

و قيل بالبطلان مع العمد «2». و لا وجه له.

أو يكون هناك أمران و يريد وصف أحدهما في النية مع أنّ المأمور به هو الآخر، كأن ينوي الظهر باعتقاد أنّه لم يفعله، ثمَّ ظهر أنّه فعله، و كانت عليه

______________________________

(1) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط).

(2) كشف اللثام 1: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 82

صلاة العصر، أو قصد نافلة الصبح زعما منه أنّه ما فعلها فظهر أنّه فعلها و كانت عليه فريضة، أو غسل الجمعة باعتقاد أنّ ما فعله غسل الجنابة ثمَّ ظهر أنّه اغتسل للجمعة، فالظاهر البطلان، لأنّه

لا يوافق المأمور به، و ما وافقه ليس مأمورا به، و لأنّ قصد إطاعة المأمور به شرط في تحقق الامتثال، و ما قصد إطاعته ليس مأمورا به، و ما هو مأمور به لم يقصد إطاعته.

ه-: إذا وجب أو استحب أمر كالوضوء أو الغسل لغايات، فإمّا لا يعلم أنّ الإتيان به مقيدا بكونه لأجل الغاية أيضا من المأمور به أو يعلم.

فإن لم يعلم، مثل أن يقول: يستحب أن يكون النائم متطهرا و القارئ متطهرا و المجامع متطهرا و الداخل في بيته متطهرا، إلى غير ذلك، أو ما يؤدّي هذا المؤدّى، فيكفي للمجموع وضوء واحد، لأصالة البراءة، و صدق التوضؤ و التطهر و نحوهما، إلّا أن تثبت من الخارج مطلوبية التعدّد.

و إن علم أنّ التقييد بالإتيان لأجل كذا جزء المأمور به، يلزم في امتثال المجموع التعدد، لتعدّد المأمور به حينئذ، إلّا أن يثبت التداخل و كفاية واحد للمجموع.

ثمَّ ما كان من الأوّل فلا تلزم فيه نية الغاية أصلا كما أشير إليه سابقا، بل لو فعل فعلا واحدا بنية القربة يكفي لجميع الغايات، و حينئذ لو نوى غاية معينة تكون من قبيل الزائد الذي لا يبطل به الفعل، و لا يصرفه إلى الفعل لتلك الغاية بخصوصها، للأصل، فيترتب عليه جميع الغايات، و إن ثبت التعدد فيه يمتثل بواحد أمرا واحدا لا بعينه، و الأمر في ترتب الآثار لو اختلفت كما مر.

و ما كان من الثاني لا يكفي واحد بنية القربة، و لا يكفي المأتي به بنية إحدى الغايات للأخرى إلّا بدليل، كما ظهر وجهه فيما سبق.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّه لما لم يعلم في الوضوء تقييد الأمر بشي ء من أفراده بغاية من غاياته، بل غاية ما ثبت وجوب

الكون على الوضوء أو استحبابه لأمور، و الأصل عدم التعدّد في المأمور به أيضا، فيكفي الوضوء الواحد بنية

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 83

القربة لجميع الغايات، و كذا لو توضّأ بقصد غاية معيّنة، و وجهه يظهر مما مر، و ستأتي زيادة تفصيل لذلك في بحث الأحكام.

هذا، و قد ظهر بما ذكرنا أنّ من اشتغلت ذمته بطهارة واجبة، فنوى الندب أو نوى إحدى غاياته الموجبة لاستحبابه يصح الوضوء، إذ ليس المطلوب منه إلّا وضوء واحد واجب، غايته أنّه زاد في النية أمرا لغوا، فلا يبطل به الوضوء.

و عن المنتهى و التذكرة و نهاية الإحكام و القواعد و الشهيد: البطلان «1»، و لعله مبني على اشتراط نية الوجه.

و: لو نوى نقض الطهارة بعد الإكمال لم تبطل قطعا، للأصل. و لو نواه في الأثناء بطل الباقي لو أوقعه، إلّا إذا رجع إلى النية قبل فوات الموالاة في الوضوء، و مطلقا في الغسل، و أوقعه بعده، فيصح.

ز: لو أخلّ في الوضوء بلمعة، و غسلها في الغسلة الثانية المندوبة، صحّ عندنا، و وجهه ظاهر.

و على اشتراط قصد الوجه لا يصحّ، وفاقا لأهله إن علم به، و إن لم يعلم ففيه قولان.

ح: ظهر لك مما ذكرنا أنّه يكفي وضوء واحد لرفع جميع الأحداث، سواء نواه أو لم ينوه أو نوى رفع حدث معيّن، بل لو نوى عدم رفع حدث.

ط: لا يجوز الترديد في النية فيما يجب قصده إذا كان عنده معيّنا، فيبطل لو تردد، لعدم الإتيان بالمأمور به. فلو أعطى شيئا و تردّد في قصد الزكاة أو الخمس بطل. و كذا لو صلّى مترددا بين الفريضة و النافلة. و كذا الحكم في الوجه و الرفع عند مشترطي قصدهما.

و أمّا لو

لم يكن معيّنا عنده إما لتردّد [1] في المسألة، أو للنسيان أو للجهل،

______________________________

[1] في «ه» و «ق» للتردد.

______________________________

(1) المنتهى 1: 55، التذكرة 1: 15، نهاية الاحكام 1: 32، القواعد 1: 10، الدروس 1: 90.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 84

مثل أن صلّى ركعتين و نسي أنّه صلّى الأداء أو القضاء، أو أعطى شيئا و نسي أنّه أعطى للزكاة أو الخمس مع اشتغال ذمته بهما، أو لم يعلم أنّ الزكاة حينئذ واجبة عليه أو مستحبة، أو غسل الجمعة على اشتراط نية الوجه، فالظاهر- كما صرّح به بعضهم «1»- كفاية قصد ما في الذمة، إذ معناه هو المطلوب المعيّن في الواقع.

و لو تردّد بين إباحة فعل و وجوبه أو استحبابه ينوي الاحتياط، لأنّ الاحتياط مطلوب للشارع.

ي: على ما اخترناه يكفي مجرد قصد القربة في كل عبادة واجبة مشتملة على بعض الأجزاء المستحبة، و لا يلزم قصد الوجه مطلقا فضلا عن قصد الوجوب في الواجبة و الندب في المندوبة، و لو نوى الوجوب للجميع لم يضر.

و للمشترطين لنية الوجه في مثلها قولان: وجوب قصد الوجوب في الواجبة، و الندب في المندوبة. قيل: هو ظاهر جمع من الفقهاء «2»، و كفاية قصد الوجوب، نقل عن صريح بعض المتأخّرين «3»، و لكلّ وجه، و الأحوط الأوّل.

يا: لو شرع فعلا لأسباب متعدّدة فنوى عدم بعضها، كأن يتوضّأ بقصد عدم كونه لتلاوة القرآن، فإن كان السبب ممّا علم وجوب قصدها بأن يكون قصدها قيدا للمأمور به، فلا يجزي عمّا نوى عدمه قطعا.

و لو لم يكن كذلك، فإن لم يكن المأمور به إيقاع الفعل عند ذلك السبب، بل كان المطلوب وجوده كيف ما كان، كما في الوضوء، حيث إنّه لم يثبت استحباب

إيقاع الوضوء لكلّ من غاياته، بل المطلوب تحقّقه كيف كان، فإن المستحب تلاوة القرآن متطهرا لا التوضّؤ مطلقا عند تلاوته، فيكفي ذلك الفعل لجميع أسبابه، و الوجه واضح.

و إن كان المأمور به نفس الفعل عند السبب كالغسل للجمعة و التوبة و الحاجة و غيرها، فالظاهر عدم الكفاية عمّا نوى عدمه إلّا مع دليل شرعي، لعدم

______________________________

(1) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (مخطوط).

(2) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (مخطوط).

(3) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (مخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 85

صدق امتثال ذلك الأمر عرفا، فإنّ قصد عدم امتثال أمر يوجب انتفاء صدق امتثاله عرفا قطعا.

يب: لو لم يعلم جزئية بعض الأجزاء للعبادة، و لكن أتى به من باب الاتفاق كالطمأنينة في الصلاة أو المسح في الوضوء أو الطواف بالبيت في الحج، بطل ذلك الجزء، لاشتراط القربة، و ببطلانه تبطل العبادة، سيما إذا كانت تلك الأجزاء من مقوّمات ماهيّة العبادة كالإمساكات المخصوصة بالنسبة إلى الصوم، فلو لم يعلم أحد من الصوم إلّا الإمساك من الأكل و الشرب و الإنزال، و لم يقصد ترك الإدخال من غير إنزال أو غيره من مبطلات الصوم، بطل صومه، لعدم قصد موافقة المأمور به، لأنّه لم يقصد القربة فيه، فلم يقصد فيما هو الصوم، و لا شك أنّه لو قصد- من يعلم أنّ الصوم إمساك عن الأكل و الوقاع- من الصوم الإمساك من الأكل دون الوقاع، لم يصح صومه، فكذا من لم يعلم، لعدم مدخلية العلم في ذلك.

هذا إذا لم يعلم جميع الأجزاء و علم انحصارها فيما قصده، أمّا لو جوّز أجزاء أخر غير ما يعلمه و قصد جميع ما هو جزء له في الواقع، فالظاهر الصحة إذا أتى بالجميع و لو اتفاقا، فلو

نوى من الصوم الإمساك من كلّ ما يعتبر الإمساك عنه في الصوم و أمسك عنه صحّ و لو لم يعلم الجميع.

الثاني من واجبات الوضوء: غسل الوجه.
اشاره

و وجوبه ثابت بالضرورة و النص.

و حدّ الوجه الواجب غسله طولا: ما بين القصاص و الذقن من الوجه.

و عرضا: ما حوته الإبهام و الوسطى، بالإجماع المحقّق و المحكي عن المبسوط و الخلاف و الغنية و المعتبر و المنتهى «1» و المعتمد و غيرها، و هو الحجة.

______________________________

(1) المبسوط 1: 20، الخلاف 1: 76، الغنية (الجوامع الفقهية): 553، المعتبر 1: 141، المنتهى 1: 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 86

مضافا إلى رواية إسماعيل بن مهران: عن حد الوجه، فكتب «من أول الشعر إلى آخر الوجه، و كذلك الجبينين» «1».

و صحيحة زرارة: «الوجه الذي قال اللَّه عزّ و جلّ و أمر بغسله، الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه و لا ينقص منه، إن زاد عليه لم يؤجر و إن نقص منه أثم:

ما دارت عليه الإبهام و الوسطى من قصاص شعر الرأس إلى الذقن، و ما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديرا، فهو من الوجه، و ما سوى ذلك فليس من الوجه» فقال: الصدغ من الوجه؟ قال: «لا» «2».

و انطباقها على المدّعى ظاهر، فإنّه إذا وضعت الإصبعان على موضع القصاص عرضا شبيه قوس- لأن وضعهما عليه لا يكون إلّا كذلك- و حدرت بهما كذلك إلى الذقن، يصدق عليه أنه ما دار عليه، أي أحاط دوره أو حرّك دوره الإصبعان، مبتدئا من القصاص إلى الذقن، و أنّه ما جرتا عليه من الوجه حال كونه أو الجري عليه مستديرا. و هو إشارة إلى وضعهما على القصاص مستديرا، لكون القصاص كذلك، و إلى ما يخرج من حد الوجه مما

تحويه الإصبعان لو لم تستديرا عند انتهائهما إلى الذقن.

و احتمال إرادة جعل الإصبعين خطّا واصلا بين القصاص و الذقن، دائرا على نفسه مع ثبات وسطه- كبعض المتأخرين- «3» بعيد من الفهم جدّا، و مع فهم المعظم خلافه يصير أبعد، بل يبطله أنه على ذلك يكون ابتداء دوران إحدى الإصبعين من القصاص و الأخرى من الذقن دفعة واحدة، و كذلك انتهاؤهما، فلا يكون ابتداء من قصاص و لا انتهاء من ذقن.

______________________________

(1) الكافي 3: 28 الطهارة ب 18 ح 4، التهذيب 1: 55- 155، الوسائل 1: 404 أبواب الوضوء ب 17 ح 2.

(2) الكافي 3: 27 الطهارة ب 18 ح 1، الفقيه 1: 28- 88، التهذيب 1: 54- 154، الوسائل 1:

403 أبواب الوضوء ب 17 ح 1.

(3) الشيخ البهائي في الحبل المتين: 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 87

مضافا إلى عدم كون ما بين القصاص و الذقن بقدر الإصبعين غالبا، بل إمّا يزيد أو ينقص، فيلزم خروج ما اتّفق على دخوله أو عكسه، بل يلزم الأوّل على فرض التطابق أيضا، إذ مقتضى الحركة الدورية بهذا الطريق انفصال طرف الإصبع الموضوع على القصاص منه مع ازدياد ميله إلى السفل، فيخرج ما يتصل من الجبهة و الجبين من الطرفين بالقصاص سوى قدر طرف إصبع، و ذلك باطل إجماعا.

و منه يظهر وجوب المصير إلى المشهور على ذلك الاحتمال أيضا، لعدم اختلاف [1] على الاحتمالين إلّا فيما يخرج من الجبهة (و الجبين) [2] من الطرف الأعلى، و إدخاله واجب بالإجماع.

و توهّم دخول النزعتين، و هما البياضان المكتنفان للناصية في أعلى الجبين- على التفسير المشهور- و كذا جميع مواضع التحذيف، و هي منابت الشعر الخفيف بين النزعة و الصدغ، أو ابتداء

العذار، باطل، لتصريح الرواية بوجوب كون المحدود من الوجه، و الأوّل و بعض الثاني أو تمامه من الرأس عرفا.

و يؤكّده خروج الأوّل عن التسطيح الذي ينفصل به الوجه عن الرأس.

و أمّا الصدغ فهو مشترك في الاحتمالين في خروج بعضه و دخول البعض، لاتّحاد موضع طرفي الإصبعين على الاحتمالين في قرب الوصول إلى طرف الحاجب. هذا على بعض تفاسيره، و يخرج كلّا على البعض عليهما. و من هذا يظهر ضعف ما أيّد به الاحتمال الأخير.

ثمَّ إنّه لا يجب غسل ما زاد على التحديد المذكور طولا و عرضا، و لا يجوز ترك ما دخل فيه كذلك.

فلا يغسل النزعتان و لا ما استرسل من اللحية طولا و عرضا إجماعا.

______________________________

[1] في «ح» الخلاف.

[2] لا توجد في «ه».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 88

و لا شي ء من الصدغ لو فسّر بما فوق العذار من الشعر خاصة، كما هو ظاهر الصحيح المتقدم «1»، و جمع من الأصحاب «2». و لا جميعه لو فسّر بمجموع ما بين العين و الاذن، كما عن بعض أهل اللغة «3»، أو المنخفض الذي بين أعلى الاذن و طرف الحاجب، كما عن بعض الفقهاء «4»، أو الشعر المتدلي بين العين و الاذن أو منبت ذلك الشعر كما قيل «5».

و لا من مواضع التحذيف. و العذار، و هو ما حاذى الاذن من الشعر.

و العارض، و هو الشعر المنحط عن المحاذي للأذن إلى الذقن إلّا ما دخل من الأربعة [1] في التحديد، وفاقا لجماعة «6»، و خلافا في الأوّل منها للمحكي عن الراوندي، فأدخله جميعا «7»، و صريح الصحيح يردّه.

و للأكثر، بل قيل: إنه إجماعي [2]. و في الذخيرة: ذهب إليه جمهور العلماء «8»، فأخرجوه كذلك لذلك مطلقا،

و به يخصّون التحديد على غير التفسير الأوّل.

و يمكن دفعه بعدم التعارض، إذ لا يدخل على هذا إلّا بعض الصدغ، و ما صرّح بخروجه هي الصدغ، و بعض الشي ء غير الشي ء.

و لو سلّم التعارض فليس تخصيص المحدود بأولى من تخصيص الصدغ،

______________________________

[1] و هي الصدغ، و مواضع التحذيف، و العذار، و العارض.

[2] قال في الرياض 1: 19 خروجه مطلقا أو في الجملة إجماعي.

______________________________

(1) في ص 86 رقم 2.

(2) كما فسّره به في المنتهى 1: 57، و الذخيرة: 27، و كشف اللثام 1: 66.

(3) انظر الصحاح 4: 1323، العين 4: 371.

(4) فسّره به في مشارق الشموس: 101.

(5) القاموس 3: 113.

(6) انظر المعتبر 1: 141، و نهاية الإحكام 1: 36، و كشف اللثام 1: 66.

(7) نقله عنه في الذكرى: 83، و راجع فقه القرآن 1: 13.

(8) الذخيرة: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 89

بل هو أولى، حيث إنّ الظاهر دخول ما تحويه الإصبعان منه في الوجه العرفي.

و في الثاني لبعضهم «1»، فأدخلها، بل نسبه إلى غير شاذ من الفقهاء، للدخول في الوجه.

و يضعّف: بأنّ الصحيح يخصّها كلّا أو بعضا لو سلّم الدخول.

و للمنقول عن التذكرة و المنتهى «2»، فأخرجها، للدخول في الرأس لنبات الشعر عليه. و لا دلالة له على الدخول أصلا.

و في الثالث للمنتهى و التحرير «3»، و نسب إلى المعظم، فأخرجوه مطلقا، بل نفي الأوّل استحباب غسله، و الثاني حرّمه مع اعتقاد شرعيته. و للمحكي عن المبسوط، و الخلاف، و المسالك «4»، و الكركي في شرح الشرائع «5»، فأدخلوه كذلك، لأدلّة ضعفها بعد تصريح الصحيح السابق ظاهر.

و الجمع بين كلام الفريقين بإرادة البعض الخارج من التحديد و الداخل فيه- كما عن المعتبر و التذكرة و

نهاية الإحكام «6»- ممكن، إلّا أنّ الظاهر خروج العذار من المحدود، لعدم وصول الإصبعين من مستوى الخلقة إليه.

و في الرابع للمنقول عن الإسكافي «7» و الشهيدين «8»، فأدخلوه، بل عن ثانيهما عدم الخلاف فيه. و للمنتهى «9» فأخرجه.

و إرادة الأوّلين ما نالته الإصبعان منه، و الثاني ما يخرج مما تنالانه- كما هو

______________________________

(1) شرح المفاتيح: (مخطوط).

(2) التذكرة 1: 16، المنتهى 1: 57.

(3) المنتهى 1: 57، التحرير 1: 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    90     الثاني من واجبات الوضوء: غسل الوجه. ..... ص : 85

(4) المبسوط 1: 20، الخلاف 1: 77، المسالك 1: 5.

(5) نسبه إليه في شرح المفاتيح: (مخطوط).

(6) المعتبر 1: 141، التذكرة 1: 16، نهاية الاحكام 1: 36.

(7) نقله عنه في المختلف: 21.

(8) الأول في الدروس 1: 91، و الثاني في الروضة 1: 73، و المسالك 1: 5.

(9) المنتهى 1: 57.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 90

ظاهر نهاية الإحكام «1»- ممكنة، فلا يكون اختلاف.

و الاستناد [1] في إخراجه بعدم شمول الإصبعين له- لأن اعتبارهما في الوسط، و في غيره بما يحاذي موضعه منه، و إلّا لوجب غسل ما تنالانه و إن تجاوز العارض- ضعيف، إذ لا دليل على هذا التخصيص.

و خروج ما ذكره بالإجماع لا يوجب خروج غيره، مع أنّ قوله: «من الوجه» في الصحيح يخرج ما ذكره، لأن المتجاوز عن العارض ليس من الوجه.

فروع:

أ: القصاص منتهى منبت الشعر من الناصية دون النزعتين، لأنهما من الرأس، و هو عند انتهاء استدارة الرأس و ابتداء تسطيح الجبهة.

و المعتبر إنما هو من مستوى الخلقة، لأنّه المتبادر حين يطلق، و كذا في التحديد العرضي بالإصبعين، فيرجع فاقد شعر الناصية المعبّر عنه بالأنزع، و

أشعر الجبهة المسمّى بالأغم، و قصير الأصابع و طويلها بالنسبة إلى وجهه، إلى مستوى الخلقة.

ب: يجب استيعاب الوجه المحدود بالغسل إجماعا، بل ضرورة من الدين، كما صرّح به بعض مشايخنا المحققين [2].

تدلّ عليه صحيحة زرارة المتقدمة «2»، و صحيحته الأخرى: إلا تخبرني من أين علمت و قلت: إنّ المسح ببعض الرأس و ببعض الرجلين؟ فضحك، فقال:

«يا زرارة قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و نزل به الكتاب من اللَّه بقوله:

______________________________

[1] كما في المدارك 1: 198 قال: و قد يستدل على الوجوب ببلوغ الإبهام و الوسطى بهما فيكونان داخلين في تحديد الوجه. و ضعفه ظاهر، فإن ذلك إنما يعتبر في وسط التدوير من الوجه خاصة و إلّا لوجب غسل كل ما نالته الإبهام و الوسطى و ان تجاوز العارض و هو باطل إجماعا.

[2] هو الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط).

______________________________

(1) نهاية الاحكام 1: 36.

(2) في ص 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 91

فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فعرفنا أنّ الوجه كلّه ينبغي أن يغسل» «1».

و حسنة زرارة و بكير: «إنّ اللَّه عزّ و جلّ يقول يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ فليس له أن يدع شيئا من وجهه إلّا غسله، و أمر بغسل اليدين إلى المرافق، فليس له أن يدع شيئا من يديه إلى المرفقين إلّا غسله» «2» و تظهر منها دلالة الآية عليه أيضا.

ج: لا خلاف في عدم وجوب تخليل ما كان كثيفا، أي ساترا للبشرة من اللحية، سواء كان كلّها أو بعضها، و عليه الإجماع عن الخلاف و الناصريات «3».

و إنّما الخلاف في الخفيفة، و فسّروها بما يتراءى البشرة من خلالها في مجلس التخاطب.

فعن الشيخ في

المبسوط «4»، و المحقق «5»، و الفاضل في المنتهى و الإرشاد و التلخيص و التحرير «6»، و الشهيد في بعض كتبه «7»: عدم الوجوب.

بل قيل: إنّه المشهور «8».

و عن العماني «9»، و الإسكافي «10»، و السيّد «11»، و الفاضل في المختلف

______________________________

(1) الكافي 3: 30 الطهارة ب 19 ح 4، الفقيه 1: 56- 212، التهذيب 1 61- 168، الاستبصار 1: 62- 186، الوسائل 1: 412 أبواب الوضوء ب 23 ح 1.

(2) الكافي 3: 25 الطهارة ب 17 ح 5، الوسائل 1: 388 أبواب الوضوء ب 15 ح 3. و الآية في المائدة: 6.

(3) الخلاف 1: 75، الناصريات (الجوامع الفقهية): 184.

(4) المبسوط 1: 20.

(5) المختصر النافع: 6.

(6) المنتهى 1: 57، مجمع الفائدة 1: 102، التحرير 1: 9.

(7) الدروس 1: 91.

(8) الذكرى: 84.

(9) نقله عنه في التذكرة 1: 16، و الرياض 1: 67.

(10) نقله عنه في المختلف: 21.

(11) الناصريات (الجوامع الفقهية): 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 92

و التذكرة «1»: الوجوب.

و اضطربت كلمات المتأخّرين في تحرير محل النزاع، حتى آل إلى دعوى بعضهم [1] الإجماع على ما جعله الآخر موضع الخلاف.

و منهم من جعل النزاع لفظيا، و قال: إنّ كل من قال بوجوب التخليل فأراد الكثيفة، إذ ليس في الخفيفة تخليل، بل هو إيصال الماء «2». أو قال: إنّ من نفى التخليل في الخفيفة نفاه لغسل البشرة المستورة بها أصالة، و أما غسلها من باب المقدمة لغسل الظاهرة خلالها الواجب غسلها البتة فلا ينفيه.

و من أثبته أراد الأعم من التبعي «3».

و منهم من جعله ذا احتمالات حكم في بعضها بالوجوب و في آخر بالعدم «4».

و التحقيق: أنّ مقتضى استصحاب الحكم الثابت قبل نبات اللحية وجوب غسل البشرة

حتى يعلم الرافع، و ما يصلح رافعا هنا صحيحتا محمّد و زرارة و روايته [2].

أولاها: أ رأيت ما أحاط به الشعر؟ فقال: «كل ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه، فلا يبحثوا عنه، و لكن يجري عليه الماء» «5».

______________________________

[1] يظهر من الشهيدين في الذكرى: 84، و الروض: 32 اتفاق جميع الفقهاء على وجوب غسل البشرة الظاهرة خلال الشعر، و صرّح في جامع المقاصد 1: 214 بوجود الخلاف فيه، و في المشارق:

103 جعله موردا للخلاف بين الأصحاب، و استظهر من الشيخ و المحقق و العلامة القول بعدم وجوبه.

[2] لا يخفى عدم تطابق المتون الثلاثة التي أوردها المصنف مع ما أشار إليه في المقام بحسب الترتيب، فالمتن الأول صحيحة زرارة، و الثاني صحيحة محمّد بن مسلم و الثالث رواية زرارة، فلاحظ.

______________________________

(1) المختلف: 21، التذكرة 1: 15.

(2) قاله في الحدائق 2: 239.

(3) قاله في الرياض 1: 19.

(4) كما في الذخيرة: 28.

(5) الفقيه 1: 28- 88، الوسائل 1: 476 أبواب الوضوء ب 46 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 93

و ثانيتها: عن الرجل يتوضّأ أ يبطن لحيته؟ قال: «لا» «1».

و ثالثتها: «إنّما عليك أن تغسل ما ظهر» «2».

و لا شك في رفعها الوجوب في الكثيفة، فيرفع فيها بها، مضافا إلى الإجماع.

و رفعه بالأصل- كما قيل «3»- غير جيد، لما عرفت من الاستصحاب.

و أمّا الخفيفة- على ما فسّروها به- فلا يرفع الوجوب في جميع أفرادها بها، لأنّ منها ما تصدق عليها الإحاطة عرفا، و على تخليلها التبطين، و منها ما ليس كذلك بل تعدّ عرفا مما ظهر.

فالحق التفصيل بذلك، و القول بأنّ كلّما كان الشعر محيطا بالبشرة بحيث يقال: إنها تحته و باطنه، لا يجب إيصال

الماء إلى تحته، و لو كان بحيث يتراءى أحيانا و في بعض الأوضاع، و كلّما لم يكن كذلك يجب الإيصال، و ما كان موضع الشك يعمل فيه بمقتضى الاستصحاب.

و لا ينافي وجوبه [1] في بعض أفرادها المستفيضة الدالّة على كفاية الغرفة «4»، لوصول الماء بها إلى البشرة فيه، بل يمكن إيصالها إليها في جميع أفرادها، كيف مع أنها كافية لليد مع وجوب التخليل فيها عند الأكثر «5» مع كون المغسول فيها أوسع.

و أيضا: قد صرّحت الأخبار بكفاية ثلاث أكف في الغسل «6»، مع ما فيه

______________________________

[1] يعني وجوب التخليل في بعض أفراد الخفيفة.

______________________________

(1) الكافي 3: 28 الطهارة ب 18 ح 2، التهذيب 1: 360- 1084، الوسائل 1: 476 أبواب الوضوء ب 46 ح 1.

(2) التهذيب 1: 78- 202، الاستبصار 1: 67- 201، الوسائل 1: 431 أبواب الوضوء 29 ح 6.

(3) كما في الخلاف 1: 76، و الرياض 1: 19.

(4) الوسائل 1: 435 أبواب الوضوء ب 31.

(5) ممن صرّح بوجوب التخليل فيها الشهيد في الذكرى: 85، و الدروس 1: 91، و اختاره في الذخيرة: 29، و المشارق: 109.

(6) الوسائل 2: 241 أبواب الجنابة ب 31 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 94

من سعة المحل و وجوب تخليل الشعر فيه و إن كثف.

هذا، و لا يبعد تنزيل كلام الأصحاب على ذلك أيضا.

ثمَّ إنّ حكم كل ما في الوجه من الشعور غير اللحية، كالشارب، و الخد، و العذار، و الحاجب، و العنفقة [1]، و الهدب [2]، حكم اللحية بعينه، لعموم الصحيحة الأوّلى و الرواية.

و في عدم استحباب تخليل ما لا يجب تخليله، كما عن المحقق «1»، و النفلية، و البيان [3]، للأصل، و ظاهر الصحيحين، و احتمال

دخوله في التعدي المنهي عنه و كونه مذهب العامة كما صرّح به جماعة [4]، و يستفاد من المروي في كشف الغمة- فيما كتب مولانا الكاظم إلى علي بن يقطين اتّقاء-: «اغسل وجهك و خلّل شعر لحيتك» ثمَّ كتب إليه: «توضّأ كما أمر اللَّه اغسل وجهك مرة فريضة و اخرى إسباغا» إلى أن قال: «فقد زال ما كنّا نخاف عليك» «2» و لم يتعرض له ثانيا، و لو كان مستحبا لذكره كالإسباغ.

أو استحبابه، كما عن التذكرة، و نهاية الإحكام «3»، و الشهيد «4»، للاحتياط، قولان: أظهرهما: الأوّل، لما مرّ.

______________________________

[1] العنفقة: شعيرات بين الشفة السفلى و الذقن. القاموس 3: 278.

[2] هدب العين، بضم الهاء و سكون الدال و بضمّتين: ما نبت من الشعر على أشفارها.

[3] النفلية: 6، البيان: 45، و لا يخفى انّه لم يصرّح فيهما بعدم الاستحباب. و يمكن استظهاره بملاحظة عدم ذكرهما التخليل في عداد المستحبات، و لهذا قال في كشف اللثام 1: 67 و هو ظاهر النفلية و البيان.

[4] قال في المعتبر 1: 142 و أطبق الجمهور على الاستحباب، و راجع المغني لابن قدامة 1: 161، و المهذّب للشيرازي 1: 16.

______________________________

(1) المعتبر 1: 142.

(2) كشف الغمة 2: 225- 226.

(3) التذكرة 1: 16، نهاية الاحكام 1: 58.

(4) الذكرى: 94.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 95

و الاحتياط إنما يتم مع الريبة و ليست في الكثيفة، للإجماع على عدم الوجوب فيها. و فتوى هؤلاء لا تثمر مع الظواهر المذكورة.

نعم، يجب غسل شي ء من المستورة فيما يجب تخليله من الخفيفة من باب المقدمة.

و المرأة كالرجل لو نبت شعر في وجهها على ما نقل عن المبسوط، و المهذب، و الجواهر «1»، و المعتبر «2»، بل عليه دعوى الإجماع،

لإطلاق بعض ما سبق من الأخبار.

د: من بوجهه آثار الجدري يجب عليه إيصال الماء إلى جوفها، لكونها من الظواهر. فلو حشا بعضها بحشو يمنع الماء يبطل، بخلاف ما تعارف لبعض النسوان، حيث يحككن موضعا من جسدهن و يحشينه بالنيل و مثله، فإنّه ليس من الظواهر.

ه: تجب البدأة في غسله بالأعلى، وفاقا للمبسوط، و الوسيلة «3»، و الإصباح، و الشرائع، و المعتبر «4»، و كتب الفاضل «5»، و نسبه في التذكرة «6» و غيره إلى الأكثر، للمروي في قرب الإسناد: «و لا تلطم وجهك بالماء لطما، و لكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحا» «7».

و ضعفه منجبر بالشهرة، و لا أقلّ من المحكية و هي في الجبر كافية.

و احتمال تحديد الوجه دون بيان مبدأ الغسل و منتهاه خلاف أصل الحقيقة

______________________________

(1) المبسوط 1: 22، المهذب 1: 43، جواهر الفقه: 10.

(2) المعتبر 1: 142.

(3) المبسوط 1: 20، الوسيلة: 50.

(4) الشرائع 1: 21، المعتبر 1: 143.

(5) المنتهى 1: 58، التحرير 1: 9، المختلف: 21.

(6) التذكرة 1: 15.

(7) قرب الإسناد: 312- 1215، الوسائل 1: 398 أبواب الوضوء ب 15 ح 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 96

في الحرفين، و لما يتبادر منهما عند عدم القرينة، كما يظهر من قول القائل: ذهبت من البصرة إلى الكوفة.

و يدل عليه خبر التميمي الآتي «1» في غسل اليد، حيث فرّق عليه السلام بين التفسيرين. و فهم التحديد أحيانا بالقرينة لا يفيد.

و يؤيده: مفهوم صحيحة حمّاد: «لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا» «2».

و المستفيضة الحاكية لوضوء رسول اللَّه صلّى اللّه عليه و آله، ففي إحداهما: «و أخذ كفا من ماء، فأسدله على وجهه من أعلى الوجه» «3».

و في الأخرى: «فملأها ماء،

فوضعه على جبينه» «4».

و في الثالثة المروية في تفسير العياشي: «فصبّها على جبهته» «5».

و الاستدلال بها، لأنّ فعله إذا كان بيانا لمجمل وجب، مع أنه لو لم يجب لم تكن فائدة في ذكر خصوص الغسل من الأعلى، و إنه نقل عنه أنه لما أكمل وضوءه قال: «هذا وضوء لا يقبل اللَّه صلاة إلّا به»، غير تام.

كالاستدلال باستصحاب الحدث، و بافتقار تيقّن الشغل إلى تيقّن البراءة، و بوجوب البدأة بالأعلى في اليدين و لا فصل، و بانصراف إطلاق الأمر بغسل الوجه إلى الشائع.

لضعف الأوّل: بمنع دلالته على بدأة الرسول بالأعلى أيضا، لعدم العلم بمدخليتها فيه، بل يجوز أن يكون من قبيل طلب القدح و كيفية حركة اليد، فهو أحد جزئيات الغسل الذي لا بدّ من واحد منها.

______________________________

(1) ص: 86.

(2) التهذيب 1: 58- 161، الاستبصار 1: 57- 169، الوسائل 1: 406 أبواب الوضوء ب 20 ح 1.

(3) الكافي 3: 24 الطهارة ب 17 ح 1، الوسائل 1: 390 أبواب الوضوء ب 15 ح 6.

(4) الكافي 3: 24 الطهارة ب 17 ح 4، الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15 ح 2.

(5) تفسير العياشي 1: 298- 51، المستدرك 1: 302 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 97

سلّمنا و لكن نمنع كونه بيانا، لجواز أن يكون حكاية وضوئه غالبا.

سلّمنا و لكن لا نسلّم وجوب كلّ ما كان بيانا للمجمل و إن علم وجهه، كما بيّنا في موضعه.

و أمّا ذكر خصوص الأعلى فمع أنّه ليس من الإمام، يجوز أن يكون لاستحبابه، أو من قبيل ذكر طلب القدح و مل ء الكف و أمثالهما.

و ما نقل عنه لم يثبت أنه بعد ذلك الوضوء.

و القول بأنّ الظاهر

أنّ ما كان قبله كان من الأعلى، لشيوعه، و مرجوحية غيره، و عدم حصول الالتزام به، مردود: بمنع شيوعه و إن شاع غير الأسفل، فيحتمل الغسل من الوسط. و منع مرجوحيته، مع أنّ المرجوح قد يرتكب لبيان الجواز. و عدم حصول الالتزام بالغير، لعدم ثبوت كونه من العبادة.

على أنّه لا بدّ أن يحمل على المثل لا الشخص، و المثلية تحصل بالاشتراك فيما يعلم انّه ليس من العادات، و حمل المماثلة المطلقة على العموم ممنوع. و لو سلّم فلو لم يكن هناك ما يرجح أمرا خاصا و هو في الحديث موجود، إذ هو هكذا: قال الصادق عليه السلام: «و اللَّه ما كان وضوء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إلّا مرّة مرّة، و توضّأ النبي صلّى اللَّه عليه و آله مرّة مرّة، فقال: هذا وضوء لا يقبل اللَّه الصلاة إلّا به» «1» و المتبادر منه أنّ مثل هذا في كونه مرّة مرّة.

هذا، مع أنّ الثانيتين لا تدلّان على البدأة بأعلى الجبهة و الجبين. بل يمكن أن يراد بالأعلى في الأولى أيضا العرفي، فلا يثبت المطلوب إن كان الأعلى الحقيقي.

و الثاني: بما مر في مسألة نية الوجه و الرفع.

و الثالث: بعدم تيقّن الشغل إلّا بمطلق الغسل و قد حصل.

فإن قيل: عدم الاشتغال بالوضوء الصحيح و لم يعلم حصوله.

______________________________

(1) الفقيه 1: 25- 76، الوسائل 1: 438 أبواب الوضوء ب 31 ح 10- 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 98

قلنا: الوضوء في الأخبار مبيّن كما مرّ و أطلق فيها الغسل، و الأصل عدم التقييد.

و أيضا: ورد في المعتبرة أنّ الوضوء في القرآن مذكور «1» و الغسل فيه مطلق، فيحصل الوضوء به، و يلزمه تيقّن البراءة.

و الرابع: بمنع

عدم الفصل كما سيظهر، كيف و اقتصر بعضهم بذكره في اليدين خاصة.

و الخامس: بمنع الشيوع الذي يوجب الانصراف إليه، سلّمناه و لكنه في غير الذقن كما مر.

و لضعف تلك الأدلة- التي هي مستند الأكثر- ذهب جماعة من المتأخرين [1] إلى عدم وجوبها. و هو صريح السيد «2»، و الحلي «3»، و ابن سعيد «4»، و ظاهر الصدوق في الهداية «5»، و محتمل النافع و اللمعة «6»، للأصل، و إطلاق الآية و الأخبار، و صدق الامتثال، و صحيحة حمّاد السابقة «7»، بتقريب: انّ المسح في اللغة يصدق على إمرار اليد و لو في الغسل، و استعمل فيه أيضا في الروايات كرواية قرب الإسناد، المتقدّمة «8»، و في صحيحة زرارة- بعد قوله: «فأسدله على

______________________________

[1] كما نسبه إليهم في الحدائق 2: 230، و نفى عنه البعد في الكفاية: 2، و يظهر الميل إليه في المدارك 1: 200، و استظهره في المشارق: 103- ثمَّ قال: لكن الشهرة بين الأصحاب و التكليف اليقيني بالغسل انما يقتضيان ملازمة الاحتياط.

______________________________

(1) الوسائل 1: 412 أبواب الوضوء ب 23 ح 1.

(2) الانتصار: 16.

(3) السرائر 1: 99.

(4) الجامع للشرائع: 35.

(5) الهداية: 17.

(6) النافع: 7، اللمعة: 18.

(7) ص 96.

(8) ص 95.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 99

وجهه»-: «ثمَّ مسح وجهه من الجانبين جميعا، ثمَّ أعاد يده اليسرى في الإناء فأسدلها على يده اليمنى ثمَّ مسح جوانبها» «1» و في صحيحة محمّد: «فأخذ كفا من ماء، فصبه على وجهه، ثمَّ مسح جانبيه حتى مسحه كله» «2».

و الأصل و الإطلاق بما ذكرنا مندفع و مقيّد. و صدق الامتثال بعد الأمر بالبدأة من الأعلى فيما مرّ ممنوع.

و المسح و إن صدق على مطلق إمرار اليد، و لكنه أعمّ

من وجه من الغسل، و الواجب في الوجه الغسل دون المسح، فلا مسح في الوضوء إلّا في الرأس و الرجلين، فهو المراد من مسح الوضوء قطعا.

ثمَّ الواجب هو البدأة بالأعلى بحيث يصدق عرفا أنّه بدأ منه منتهيا إلى الأسفل. و أما غسل كلّ جزء من الأعلى قبل الأسفل فلا، بل فيه العسر المنفي.

بل الثابت ممّا ذكرنا ليس إلّا البدأة بما هو الأعلى عرفا، لأنّ الألفاظ موضوعة للمعاني العرفية حقيقة، و هو يصدق بالابتداء من الجبهة مطلقا. و أمّا وجوب البدأة بمبدإ القصاص حقيقة فلا دليل عليه أصلا، و الأصل ينفيه.

و: يجوز غسل الوجه بكلّ من اليدين، للأصل، و إن كان الفضل في اليمنى كما يأتي. و بهما معا، للأصل، و موثّقة بكير و زرارة و فيها: «ثمَّ غمس كفّه اليمنى في التور فغسل وجهه بها، و استعان بيده اليسرى بكفّه على غسل وجهه» «3».

الثالث: غسل اليدين من المرفقين إلى رؤوس الأصابع
اشاره

. و وجوبه أيضا ضروري منصوص عليه في الكتاب و السنّة المتواترة.

و يجب استيعابهما إلى المرفقين، بحيث لا يشذّ منهما شي ء إجماعا.

______________________________

(1) المتقدمة في ص 96 الرقم (3).

(2) الكافي 3: 24 الطهارة ب 17 ح 3، الوسائل 1: 391 أبواب الوضوء ب 15 ح 7.

(3) التهذيب 1: 56- 158، الاستبصار 1: 57- 168، الوسائل 1: 392 أبواب الوضوء ب 15 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 100

و تدلّ عليه حسنة زرارة و بكير المتقدّمة «1»، و صحيحة زرارة في السوار و الدّملج و الخاتم الآتية [1]، و المروي في تفسير العياشي: «و أمر بغسل اليدين إلى المرفقين، فليس ينبغي له أن يدع من يديه إلى المرفقين شيئا إلّا غسله» «2».

و المرفق إمّا مفصل عظمي الذراع و العضد فيكون خطا

هو الحد المشترك بينهما، أو مجمعهما فشي ء منه داخل في العضد و شي ء في الذراع، أو كلّه يكون من كلّ منهما.

و لا دلالة للصحاح الآمرة بغسل المكان المقطوع منهما «3» إطلاقا أو خصوصا على ترجيح المعنى الثاني كما قيل «4».

و يجب إدخالهما في الغسل أيضا، وفاقا كما عن الجوامع، و التبيان «5»، و المنتهى، و البيان «6»، و إن اختلفوا في مأخذه فقيل: للظواهر من الآية و الأخبار البيانية، و ما ورد في وضوء الأقطع فيكون وجوبه أصليا نفسيا «7».

و قيل: لتوقّف تحصيل الواجب عليه «8»، فيكون الوجوب تبعيا غيريا.

و هو الحقّ على التفسير الأوّل مطلقا، للأصل، و عدم تمامية دلالة شي ء ممّا ذكر للأوّل.

أما الآية: فظاهرة.

و أمّا البيانيات: فلعدم ثبوت الوجوب منها كما مرّ.

______________________________

[1] لم نعثر على صحيحة لزرارة بهذا المضمون، و الآتية هي صحيحة علي بن جعفر كما في ص 106.

______________________________

(1) ص 91.

(2) تفسير العياشي 1: 298- 51، المستدرك 1: 302 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.

(3) الوسائل 1: 479 أبواب الوضوء ب 49.

(4) الرياض 1: 19.

(5) الجوامع للطبرسي: 105، التبيان 3: 450- 451.

(6) المنتهى 1: 58، البيان: 46.

(7) استدلّ في الرياض 1: 19 بما ذكر سوى الآية.

(8) كما في مفاتيح الشرائع 1: 45.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 101

و أما أخبار وضوء الأقطع: فلعدم التلازم بين مدلولها و بين ما قصدوه.

و في غير ما يدخل منه في الذراع على التفسير الثاني، لتصريح الأخبار بوجوب غسل جميع الذراع.

و أمّا على الثالث: فالحقّ الأوّل، لذلك.

قالوا: و تظهر فائدة الخلاف في وضوء الأقطع و في وجوب إدخال جزء من العضد «1».

و فيه تأمل، سيما الأوّل.

و تجب في غسلهما البدأة من المرفقين، وفقا للأكثر حتى

ابن سعيد [1]، بل عليه الإجماع في التبيان «2»، لا لمثل بعض ما مر في الوجه، لما عرفت من ضعفه.

بل لخبر التميمي: عن قول اللَّه تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ فقلت: هكذا و مسحت من ظفر كفي إلى المرفق، فقال: «ليس هكذا تنزيلها، إنّما هي فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ من الْمَرافِقِ ، ثمَّ أمرّ يده من مرفقه إلى أصابعه» «3».

و المروي في كشف الغمة، و فيه: «فعلّمه جبرئيل الوضوء على الوجه و اليدين من المرفقين و مسح الرأس و الرجلين إلى الكعبين» «4».

و المروي فيه و في الخرائج في حكاية وضوء علي بن يقطين، و فيه: «و اغسل يديك من المرفقين» «5».

______________________________

[1] فإنه و ان قال بعدم وجوب البدء بالأعلى في غسل الوجه و لكن قال بوجوبه في المقام. الجامع للشرائع:

35.

______________________________

(1) الرياض 1: 19، شرح المفاتيح (مخطوط).

(2) التبيان 3: 451.

(3) الكافي 3: 28 الطهارة ب 18 ح 5، التهذيب 1: 57- 159، الوسائل 1: 405 أبواب الوضوء ب 19 ح 1.

(4) كشف الغمة 1: 88، الوسائل 1: 399 أبواب الوضوء ب 15 ح 24.

(5) كشف الغمة 2: 225- 226، الخرائج و الجرائح 1: 335- 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 102

و في تفسير العياشي: «قلت له: قال: اغسلوا أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ فكيف الغسل؟ قال: «هكذا أن يأخذ الماء بيده اليمنى فيصبه في اليسرى ثمَّ يفيضه على المرفق ثمَّ يمسح إلى الكف» إلى أن قال: قلت: يرد الشعر؟ قال: «إذا كان عنده آخر فعل، و إلّا فلا» «1» أراد بالآخر من يتقيه.

و فيه أيضا في حكاية وضوء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: «يغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكف لا يردها إلى

المرفق» «2».

و ضعف ما كان منها ضعيفا منجبر بالشهرة.

و لا ينافيه الآية، و مثل المروي في الخصال: «هذه شرائع الدين لمن تمسّك بها و أراد اللَّه هداه: إسباغ الوضوء كما أمر اللَّه عزّ و جلّ في كتابه الناطق، غسل الوجه و اليدين إلى المرفقين، و مسح الرأس و القدمين إلى الكعبين» «3».

و في العلل و مجالس الصدوق، و فيهما: «و أمره بغسل الساعدين إلى المرفقين» «4».

و في تفسير العياشي: «و أمر بغسل اليدين إلى المرفقين» «5».

لأنّ النكس ليس واجبا و لا مندوبا إجماعا. و حمل الأمر على الجواز تجوّزا ليس أولى من التجوّز في: «إلي» مع أنّ في تفسير العياشي- كما مرّ- فسّر الغسل إلى المرفق بما يوافق المشهور.

خلافا لأكثر من خالف في الوجه، و منهم: السيد في الناصريات

______________________________

(1) تفسير العياشي 1: 300- 54، المستدرك 1: 311 أبواب الوضوء ب 18 ح 2.

(2) تفسير العياشي 1: 298- 51، المستدرك 1: 302 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.

(3) الخصال: 603، الوسائل 1: 397 أبواب الوضوء ب 15 ح 18.

(4) علل الشرائع: 280 و فيه: «بغسل اليدين» مجالس الصدوق: 160 المجلس 35، الوسائل 1:

395، 396 أبواب الوضوء ب 15 ح 16 و 17.

(5) تفسير العياشي 1: 298- 51.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 103

و الانتصار «1»، و الحلّي «2»، و في كفاية الأحكام أنّه يلوح من كلام الشيخ في التهذيب [1]، فجوّزوا غسلهما منكوسا، لضعف جميع ما استند المشهور إليه إمّا دلالة أو سندا.

و يضعف بما مرّ من انجبار الضعيف منه سندا بالعمل.

فروع:

أ: قطع اليد إن كان من تحت المرفق، غسل الباقي إليه إجماعا محقّقا و منقولا في المنتهى «3» و غيره «4».

و هو الحجة

فيه، مؤيّدا بحسنة محمّد: عن الأقطع اليد و الرجل، قال:

«يغسلهما» «5» خرج ما خرج منها بالإجماع، فيبقى الباقي.

و صحيحة رفاعة: عن الأقطع اليد و الرجل كيف يتوضّأ؟ قال: «يغسل ذلك المكان الذي قطع منه» «6».

و حسنته و فيها: «يغسل ما قطع منه» «7».

و جعلها دليلا غير جيّد، لعدم دلالتها على الزائد على مطلق الرجحان. مع أنّ في الأولى- لاشتمالها على الرجل الموجب لعدم إرادة الظاهر قطعا- إجمالا، و الأخيرتين لا تثبتانه في الزائد عن موضع القطع. و كذا الاستدلال باستصحاب ما دلّ عليه الأمر بغسل المجموع تبعا، و هو وجوب غسل كلّ جزء، لأنّ الثابت له

______________________________

[1] لم نعثر عليه في كفاية الأحكام و لا في التهذيب.

.______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 184، الانتصار: 16.

(2) السرائر 1: 99.

(3) المنتهى 1: 59.

(4) المدارك 1: 205.

(5) الكافي 3: 29 الطهارة ب 18 ح 7، التهذيب 1: 360- 1085، الوسائل 1: 480 أبواب الوضوء ب 49 ح 3.

(6) التهذيب 1: 359- 1078، الوسائل 1: 480 أبواب الوضوء ب 49 ح 4.

(7) الكافي 3: 29 الطهارة ب 18 ح 8، الوسائل 1: 479 أبواب الوضوء ب 49 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 104

ليس إلّا الوجوب التبعي الغيري، و هو يزول بزوال وجوب الغير و المتبوع قطعا.

و إن كان من المرفق، فإن فسّرناه بأحد الأخيرين، و بقي شي ء من الذراع، وجب غسله، لما مرّ، و إلّا يستحب غسل موضع القطع، للروايتين الأخيرتين.

و لا يجب وفاقا للمنتهى و المعتبر و التحرير «1» و الإرشاد «2»، للأصل. و خلافا للمحكي عن الإسكافي «3» و القاضي و الشيخ «4»، و التذكرة و الذكرى «5»، فأوجبوا غسل رأس العضد.

و كأنّه للاستصحاب المتقدّم ضعفه، أو

الروايتين الغير المثبتتين للوجوب.

بل الظاهر حينئذ استحباب غسل الباقي من اليد، للصحيح: عن رجل قطعت يده من المرفق، قال: «يغسل ما بقي من عضده» «6».

و إن كان من فوقه، سقط الوجوب إجماعا.

و هل يستحب غسل موضع القطع، أم تمام الباقي، أم لا يستحب شي ء منهما؟

ظاهر الروايتين: الأوّل، و هو كذلك.

و عن المنتهى و التذكرة و النهاية و الدروس: الثاني «7».

و لا دليل عليه إلّا إطلاق حسنة محمّد «8»، و قد عرفت إجمالها.

______________________________

(1) المنتهى 1: 59، المعتبر 1: 144، التحرير 1: 10.

(2) مجمع الفائدة 1: 102.

(3) نقله عنه في المختلف: 23.

(4) المهذب 1: 44، المبسوط 1: 21.

(5) التذكرة 1: 16، الذكرى: 85.

(6) الكافي 3: 29 الطهارة ب 18 ح 9، التهذيب 1: 360- 1086، الوسائل 1: 479 أبواب الوضوء ب 49 ح 2.

(7) المنتهى 1: 59، التذكرة 1: 16، و لكن فيه استحباب غسل موضع القطع، نهاية الاحكام 1:

38، الدروس 1: 91.

(8) المتقدمة ص 103.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 105

و عن المبسوط: استحباب مسح الباقي «1».

و الظاهر أنّ مراده أيضا الغسل، و إلّا فلعلّ مستنده الحسنة بحمل الغسل على المسح، لبطلان إبقائه على حقيقته، و عدم تجويز استعمال اللفظ في معنييه.

و يضعفه إمكان حمل آخر كالتقية.

ب: الزائد إن كان ما دون المرفق أو معه، وجب غسله، وفاقا ظاهرا، سلعة كان أو إصبعا أو ذراعا أو لحما، له [1] و لتوقّف العلم بغسل جميع الأجزاء الأصلية عليه، حيث إنّ الزائد واقع فيها مشتمل على جزء منها، و لصدق الجزئية، و إن كان فيها في الجميع محلّ كلام.

و أمّا الثقبة الواقعة فيه، فإن كانت من الظواهر عرفا، بأن كانت مكشوفة، نابتا عليها الجلد، وجب غسلها للجزئية،

و إلّا فلا.

و إن كان فوقه، فإن لم يكن يدا لا يجب غسله إجماعا.

و إن كان، فإن لم يتميز عن الأصلية وجب غسله من غير خلاف يعرف، و في المنتهى و التذكرة «2» الإجماع عليه.

لا لإيجاب تخصيص إحداهما للتحكّم، و لا لتوقّف العلم بغسل الأصلية عليه، لاندفاع التحكّم بالتخيير، و جواز عدم اتّصاف واحدة منهما بالأصلية، و كون الحكم في مثله التخيير.

بل لعموم الجمع المضاف في قوله: «أَيْدِيَكُمْ ».

و كذا إن تميّز، وفاقا للتلخيص و المختلف و المنتهى و الإرشاد «3»، و محتمل التذكرة و الشرائع «4»، لما مرّ.

______________________________

[1] أي للوفاق، إشارة إلى دليل الحكم.

______________________________

(1) المبسوط 1: 21.

(2) المنتهى 1: 21، التذكرة 1: 16 لم نعثر فيهما على دعوى الإجماع.

(3) المختلف: 23، المنتهى 1: 59، مجمع الفائدة 1: 102.

(4) التذكرة 1: 16، الشرائع 1: 21.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 106

خلافا للمنقول عن المبسوط و المهذّب و الجواهر و المعتبر «1» فلم يوجبوا غسله، لخروجه عن اليد المأمور بغسلها. و فيه نظر.

ج: يجب إيصال الماء تحت جميع ما في محل الغسل من سوار و دملج و خاتم و غيرها، للإجماع، و عموم حسنة زرارة و بكير، و رواية العياشي المتقدّمتين «2».

و خصوص صحيحة علي: عن المرأة عليها السوار و الدملج في بعض ذراعها، لا تدري يجري الماء تحتها أم لا، كيف تصنع إذا توضّأت أو اغتسلت؟

قال: «تحرّكه حتى يدخل الماء تحته أو تنزعه» و عن الخاتم الضيق لا يدري هل يجري الماء تحته إذا توضّأ أم لا، كيف يصنع؟ قال: «إن علم أنّ الماء لا يدخله فليخرجه إذا توضّأ» «3».

و لا ينافي المطلوب مفهوم جزئها الأخير، لأنّ مفادها أنّ مع عدم العلم لا يجب الإخراج،

و هو كذلك، فإنّه مع العلم بعدم وصول الماء تحته لا محيص عن إخراجه فيجب، و أمّا إذا لم يعلم عدم وصوله، فإن علم الوصول فهو، و إلّا فيحرّك حتى يدخل أو ينزعه، كما صرّح به في صدرها، فلا يجب الإخراج حينئذ.

و أمّا حسنة ابن أبي العلاء: عن الخاتم إذا اغتسلت، قال: «حوّله من مكانه» و قال في الوضوء: «تديره، و إن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة» «4» فمحمولة على ما إذا لم يعلم عدم الوصول، جمعا بينها و بين الأخبار المستفيضة المصرّحة بوجوب الإعادة بنسيان جزء من موضع الغسل «5»، بل بين الصحيحة التي هي أخص منها مطلقا، فإنّه حينئذ لا تعاد الصلاة مع

______________________________

(1) المبسوط 1: 21، المهذب 1: 44، جواهر الفقه: 10، المعتبر 1: 144.

(2) في ص 91، و 100.

(3) الكافي 3: 44 الطهارة ب 29 ح 6، التهذيب 1: 85- 222، الوسائل 1: 467 أبواب الوضوء ب 41 ح 1.

(4) الكافي 3: 45 الطهارة ب 29 ح 14، الوسائل 1: 468 أبواب الوضوء ب 41 ح 2.

(5) الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 107

النسيان، أمّا مع العلم بالوصول فظاهر، و أمّا بدونه فلرجوعه إلى الشك بعد الفعل و هو لا يعبأ به، كما يأتي.

و كذا [1] الشعر مع خفّته إجماعا. و كذا مع الكثافة عند جماعة «1»، استنادا إلى وجوب غسل كلّ جزء، كما هو المصرّح به في الأخبار «2».

إلّا أنّ مقتضى صحيحة زرارة، المتقدّمة «3» في شعر الوجه: عدم وجوبه، و وجوب غسل الشعر خاصة.

و تخصيصها بالوجه لا وجه له.

و المراد [2] بغسل كلّ جزء من اليد كما يمكن

أن يكون كلّ جزء من ظاهر جلده، يمكن أن يكون كلّ جزء من ظاهر أجزائها كما في الوجه، و منه شعرها المحيط بها، و مع العموم فالصحيحة للتخصيص صالحة. و لذا استشكل في غرر المجامع و غيره «4» في الفرق بين الوجه و اليد. و هو في محلّه، و الإجماع الرافع له غير ثابت و إن ادّعاه الكركي في باب غسل الجنابة من شرح القواعد «5». و أمر الاحتياط واضح.

و أما الأظفار: فلا إشكال في وجوب غسلها ما لم يخرج عن حد اليد، أي:

عن محاذاة رأس الإصبع. و كذا معه، وفاقا للفاضل في بعض كتبه «6»، و الشهيد «7»، و والدي العلّامة، لجزئيتها عرفا.

______________________________

[1] يعني و كذا يجب غسل ما تحت الشعر.

[2] مناقشة في الاستدلال الذي أشار إليه بقوله: استنادا الى وجوب غسل كل جزء.

______________________________

(1) منهم الشهيد في الذكرى: 85، و الدروس 1: 91، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 28.

(2) راجع الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15.

(3) في ص 92.

(4) كالحدائق 2: 249.

(5) جامع المقاصد 1: 278.

(6) كالقواعد 1: 11.

(7) الدروس 1: 91.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 108

و التجاوز عن رأس الإصبع لا يوجب خروجها عنها أصلا.

خلافا لبعضهم فلم يوجبه [1].

و عن التذكرة و نهاية الإحكام، و في المنتهى، و شرح القواعد للمحقق الثاني «1»: التردّد فيه، للأصل.

و هو مندفع بما مرّ.

و أمّا ما تحتها من البشرة فمنها ما ليس من الظواهر عرفا، و هي الجلدة الرقيقة تحت الظفر الغير المتجاوز عن حد الإصبع، لأنّ المراد بالظاهر ما كان ظاهرا غالبا، و لا شك أنّ هذه الجلدة تكون تحت الظفر غالبا، لندور قص الظفر بحيث تظهر تلك الجلدة، و لو قص لنبت

في أسرع وقت.

و منها ما هو الظاهر كذلك، و هو ما تجاوز عمّا ذكر.

فما كان من الأوّل لا يجب غسله، لرواية زرارة المتقدمة «2»: «إنما عليك أن تغسل ما ظهر».

و العلة المنصوصة في رواية الحضرمي: «ليس عليك مضمضة و لا استنشاق لأنها من الجوف» «3».

و ما كان من الثاني يجب و لو وقع تحت الظفر، بأن تجاوز عن حد اليد، للاستصحاب، و لكونه من الظواهر عرفا.

و من هذا يظهر حكم الوسخ المجتمع تحت الظفر، فإنه يجب نزعه لو منع من غسل الثاني، و لا يجب في غيره.

______________________________

[1] نقل في مفتاح الكرامة 1: 246 عن المشكاة عدم وجوب غسلها على إشكال. و الظاهر أن المشكاة للسيّد بحر العلوم كما يستفاد من الذريعة 21: 51.

______________________________

(1) التذكرة 1: 16، نهاية الاحكام 1: 40، المنتهى 1: 59، جامع المقاصد 1: 217.

(2) ص 92.

(3) الكافي 3: 24 الطهارة ب 16 ح 3، التهذيب 1: 131- 359، الاستبصار 1: 117- 395، الوسائل 1: 432 أبواب الوضوء ب 29 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 109

و وجوب النزع مطلقا- كالمنتهى «1»- كعدمه كذلك- كما احتمله فيه- لا وجه له.

و صدق غسل اليد بدونه، و عدم أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الأعراب مع عدم الانفكاك فيهم غالبا «2»- بعد ورود الأمر بغسل الظواهر و عدم جواز ترك جزء من اليد- لا وقع له.

نعم، لو كان الوسخ الواقع في محل الفرض شبه الدخان لا يمنع الماء، اتّجه عدم وجوب نزعه.

الرابع: مسح الرأس
اشاره

. و وجوبه أيضا ثابت بالثلاثة.

و القدر الواجب فيه المسمى، و لو بجزء من إصبع، ممرا له على الممسوح ليتحقّق اسمه، وفاقا للأكثر كما في المدارك «3» و الغرر، و

منهم التبيان، و المجمع، و روض الجنان لأبي الفتوح «4»، و أحكام القران للراوندي «5»، و الغنية [1]، و المبسوط، و الجمل و العقود «6»، و السرائر «7»، و المصباح للسيّد «8»، و الإصباح، و الجامع، و المعتبر «9»، و الشرائع، و النافع «10»، و القواعد، و المنتهى «11»، بل سائر

______________________________

[1] الموجود في الغنية (الجوامع الفقهية): 53: و الأفضل ان يكون مقدار الممسوح ثلاث أصابع مضمومة و يجزي مقدار إصبع واحدة بالإجماع المذكور.

______________________________

(1) المنتهى 1: 59.

(2) كما في الذخيرة: 29.

(3) المدارك 1: 207.

(4) التبيان 3: 451، مجمع البيان 2: 164، روض الجنان 4: 125.

(5) فقه القرآن 1: 17.

(6) المبسوط 1: 21، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 159.

(7) السرائر 1: 101.

(8) نقله عنه في المنتهى 1: 60.

(9) الجامع للشرائع: 36، المعتبر 1: 144.

(10) الشرائع 1: 21، المختصر النافع: 6.

(11) القواعد 1: 11، المنتهى 1: 59.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 110

كتب الفاضل «1»، و الكركي «2»، و الشهيدين [1]، و أكثر المتأخرين «3»، بل عن الخمسة الأولى الإجماع عليه «4».

و نسب بعض مشايخنا المحققين «5» هذا القول إلى العماني، و الإسكافي، و الديلمي، و الحلبي، و القاضي، و الحلي.

للأصل، و الإطلاقات، و خصوص الصحاح.

منها: صحيحة زرارة و بكير: «و إذا مسحت بشي ء من رأسك أو بشي ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك» «6».

و أخرى: «فإذا مسح بشي ء من رأسه و بشي ء من رجليه ما بين الكعبين إلى آخر أطراف الأصابع فقد أجزأه» «7».

و قيل: يجب مقدار إصبع، و هو المحكي عن المقنعة، و التهذيب، و الخلاف «8»، و جمل السيد، و الراوندي «9» في موضع من الكتاب المذكور، و في

______________________________

[1] قال

الشهيد الأول في اللمعة: 18 ثمَّ مسح مقدم الرأس بمسماه و هو بإطلاقه يدل على الاجتزاء بأقل من إصبع و لهذا قال الثاني في شرحها (الروضة 1: 75): و لو يجزئ من إصبع و اما كلماته في الدروس و البيان و الذكرى فلا تفيد الاجتزاء بالأقل- كما سيأتي من المصنف- بل تفيد العكس.

______________________________

(1) التذكرة 1: 16، التحرير 1: 10، تبصرة المتعلّمين: 6.

(2) جامع المقاصد 1: 218.

(3) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 104، و صاحبا المدارك: 207، و الذخيرة: 29.

(4) راجع ص 109- رقم 4، 5، 6.

(5) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح: (مخطوط).

(6) التهذيب 1: 90- 237، الاستبصار 1: 61- 182، الوسائل 1: 414 أبواب الوضوء ب 23 ح 4.

(7) الكافي 3: 25 الطهارة ب 17 ح 5، التهذيب 1: 76- 191، الوسائل 1: 388 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.

(8) المقنعة: 48، التهذيب 1: 89، الخلاف 1: 82.

(9) جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 24، فقه القرآن 1: 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 111

الدروس «1»، و هو الظاهر من البيان و الذكرى «2»، و نسبه في المختلف إلى المشهور «3».

و قد ينسب إلى جمع ممّن نسب اليه الأوّل كالقديمين و الأربعة المتعقبة لهما «4».

و قد يجمع بينهما: باتّحاد القولين «5»، لأنّ المراد بالمسمّى ما هو بحسب العرف، و المتبادر أنّ المسمّى أقلّه الإصبع.

و كيف كان، فاستدلّوا بالأخبار:

أحدها: في الرجل يتوضّأ و عليه العمامة، قال: «يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدم رأسه» «6».

و ثانيها: عن الرجل يمسح رأسه من خلفه- و عليه عمامة- بإصبعه، أ يجزيه ذلك؟ فقال: «نعم» «7».

و ثالثها: رجل توضّأ و هو معتم و ثقل

عليه نزع العمامة لمكان البرد، فقال:

«ليدخل إصبعه» «8».

و فيها- مضافا إلى ما في الأوّل من الخلوّ عن الدالّ على الوجوب، بل و كذا الثاني، حيث إنّ الإجزاء لا يدلّ عليه كما يأتي. و ما في الثاني من الخلل في المتن-:

______________________________

(1) الدروس 1: 92.

(2) البيان: 47، الذكرى: 86.

(3) المختلف: 23.

(4) تظهر النسبة من المختلف: 23.

(5) كما في شرح المفاتيح: (مخطوط).

(6) التهذيب 1: 90- 238، الاستبصار 1: 60- 178، الوسائل 1: 411 أبواب الوضوء ب 22 ح 3.

(7) التهذيب 1: 90- 240، الاستبصار 1: 60- 179، الوسائل 1: 411 أبواب الوضوء ب 22 ح 4.

(8) الكافي 3: 30 الطهارة ب 19 ح 3، الوسائل 1: 416 أبواب الوضوء ب 24 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 112

أنّه لا دلالة فيها على وجوب المسح بتمام الإصبع، لتوقّف المسح بالبعض أيضا على إدخال الإصبع، و لا يمكن إدخال بعض الإصبع، فيمكن أن يكون لتحصيل المسمّى، و قد حمل [عليه ] [1] أيضا كلمات القائلين بالإصبع، إلّا أنّ بعضها [2] مما لا يحتمله.

و ربما يعكس، فيحمل كلام الأوّلين على إرادتهم من المسمّى خصوص الإصبع كما مرّ [3]، زعما عدم حصوله إلّا به.

و هو مع بعده لا وجه له، سيما مع تصريح بعضهم بالأقلّ «1».

و قيل: يجب مقدار ثلاث أصابع مضمومة، اختاره بعض الأخباريين «2»، و هو المروي عن حريز «3»، و المحكي عن الفقيه «4»، و السيّد في خلافه، و الشيخ في عمل يومه و ليلته «5».

لصحيحة زرارة: «المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه مقدار ثلاث أصابع، و لا تلقي عنها خمارها» «6».

و رواية معمر بن عمر: «يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع،

______________________________

[1] أضفناه لاستقامة

المعنى.

[2] و هو كلام التهذيب 1: 89 فإنه استدل بإطلاق الآية على إجزاء الإصبع. ثمَّ قال: لا يلزم على ذلك ما دون الإصبع، لأنّا لو خلّينا و الظاهر لقلنا ذلك، و لكن السنّة منعت منه. و نحوه كلام الراوندي في فقه القرآن 1: 29. نبه عليه في كشف اللثام 1: 68.

[3] في قوله قبل سطور: و قد يجمع بينهما ..

______________________________

(1) الروضة 1: 75.

(2) مفاتيح الشرائع 1: 44، و قال في الحدائق 2: 265 و الى هذا القول يميل المحدّث الأمين الأسترآبادي.

(3) رجال الكشي: 336 و 385.

(4) الفقيه 1: 28.

(5) عمل اليوم و الليلة (الرسائل العشر): 142.

(6) الكافي 3: 30 الطهارة ب 19 ح 5. التهذيب 1: 77- 195، الوسائل 1: 416 أبواب الوضوء ب 24 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 113

و كذلك الرجل» «1».

حيث إنّ الإجزاء أمّا الامتثال، أو حصول أقلّ الواجب، فعلى الأوّل يكون مقتضاهما حصول الامتثال بالثلاث فيتوقّف عليها، و على الثاني لا يؤدّى أقلّ الواجب إلّا به.

و فيهما- مضافا إلى ما في الأولى من الاختصاص بالمرأة، و عدم ثبوت الإجماع المركّب، بل ثبوت عدمه كما يأتي، و من جواز كون الحكم بالإجزاء بالنظر إلى عدم إلقاء الخمار-: أنّ إرادة ذلك القدر في الطول تحصيلا لحصول المسح ممكنة، حيث إنّهم لا يوجبونه في الطول و العرض معا، فيراد التحديد به في أحدهما، و لا تصريح فيهما بكون ذلك في العرض كما هو مطلوبهم.

مضافا إلى أنّ الإجزاء إن كان هو الامتثال: فيكون المعنى أنّه يحصل بها، و لا يدلّ على عدم حصوله بغيرها إلّا بالأصل الذي لا يصلح للتمسّك بعد الإطلاقات المتقدّمة.

و إن كان حصول الأقلّ: فيمكن أن يكون أقلّ المندوب،

كما في قولك:

يجزي في الصلاة مسمّى الدعاء في القنوت، حيث إنّ للمسح واجبات و مندوبات، و يكون الإجزاء في كلّ منهما، فتخصيصه بأحدهما لا دليل عليه، بل لا يبعد ظهور الأخير بملاحظة رواية معمّر، فإنّ عدم التفصيل في ذلك بين الرأس و الرجل- مع استحبابه في الرجل وفاقا كما يأتي- قرينة واضحة على كون الإجزاء بالنسبة إلى الرأس أيضا كذلك.

و أمّا تفسير الإجزاء: بأنه حصول أقلّ الواجب، فهو ممّا لا وجه له، لتحقّقه و استعماله في المندوب أيضا.

______________________________

(1) الكافي 3: 29 الطهارة ب 19 ح 1، التهذيب 1: 60- 167، الاستبصار 1: 60- 177، الوسائل 1: 417 أبواب الوضوء ب 24 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 114

مع أنّ ذلك القول محكي عن أبي حنيفة و بعض آخر من العامة «1»، فيمكن الحمل على التقية.

و لا بأس بالحمل على الاستحباب، كما عن المقنعة «2»، و المبسوط، و الخلاف، و الجمل و العقود «3»، و الغنية، و المراسم، و الوسيلة، و السرائر «4»، و مصباح السيّد و جمله «5»، و المهذّب، و المعتبر، و الشرائع، و المنتهى «6»، و غيرها.

و المستحب مسح موضعها لا المسح بها، لعدم دليل عليه.

و المراد من موضعها ما تحويه الثلاثة بعرضها و طولها الذي هو طول إصبع، لأنّ الإصبع حقيقة في تمام العضو المخصوص، سواء كان عرضها من عرض الرأس و طولها من طوله أو بالعكس.

و قد يخص استحباب ذلك المقدار بالعرض، نقل ذلك عن ظاهر المقنعة، و المهذب، و الجامع «7»، و الشرائع، و النفلية «8»، و صرّح به الكركي «9».

و هو غير جيد.

ثمَّ المستفاد من الخبرين استحباب مجموع الثلاث، فيكون أفضل أفراد المخيّر، لا استحباب القدر الزائد

على المسمّى. و على هذا فلا يتّصف الزائد بنفسه

______________________________

(1) حكاه العلامة في التذكرة 1: 16 عن أبي حنيفة. و راجع بدائع الصنائع 1: 4، أحكام القرآن للجصاص 2: 344.

(2) المقنعة: 48.

(3) المبسوط 1: 21، الخلاف 1: 81، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 159.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 553، المراسم: 37، الوسيلة: 52، السرائر 1: 101.

(5) جمل العلم و العمل: (رسائل المرتضى 3): 24.

(6) المهذب 1: 44، المعتبر 1: 144، الشرائع 1: 21، المنتهى 1: 60.

(7) المقنعة: 48، المهذب 1: 44، الجامع للشرائع: 34.

(8) الشرائع 1: 21، النفلية: 7.

(9) جامع المقاصد 1: 218.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 115

بوجوب و لا استحباب.

نعم، يتّصف بالوجوب التخييري التبعي من حيث كونه جزءا للمجموع إذا قصد الامتثال بالمجموع، و بالاستحباب بمعنى الراجحية الإضافية كذلك حينئذ.

و عن نهاية الشيخ: وجوب هذا القدر اختيارا، و الاكتفاء بالإصبع الواحدة حال الاضطرار، إلّا أنّ المصرّح به في كلامه الاكتفاء بها إن خاف البرد من كشف الرأس «1»، و لعلّهم استنبطوا التعميم من عدم التفرقة بين أنواع الاضطرار. و نسب ذلك إلى الدروس [1] أيضا، كما عن الإسكافي تخصيص وجوبه بالمرأة و الاكتفاء في الرجل بالواحدة «2».

و مستند الأوّل: الجمع بين أخبار الإصبع و الثلاث بذلك، بشهادة ثالثة روايات الإصبع المتقدّمة «3».

و دليل الثاني: الجمع بينها بذلك، بشهادة صحيحة زرارة المتقدمة «4».

و يضعف الأوّل: بما مرّ من عدم دلالة روايات الثلاث على وجوبها، مع عدم تصريح في الشاهد بالإصبع الواحدة عند الخوف، بل أراد بيان عدم وجوب النزع و جواز الإدخال، فيحتمل الاكتفاء بالمسمّى، و وجوب الثلاث، و الإطلاق إنّما يحكم به إذا كان في مقام بيان حكمه.

و الثاني: بما مرّ من عدم دلالة

الصحيحة على وجوب ذلك على المرأة.

______________________________

[1] نسبه في كشف اللثام 1: 68، و الموجود في الدروس: ثمَّ مسح مقدم الرأس بمسماه و لا يحصل بأقل من إصبع و قيل ثلاث مضمومة للمختار.

______________________________

(1) النهاية: 14.

(2) نقله عنه في الذكرى: 86.

(3) ص 111.

(4) ص 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 116

فرعان:

أ: يجب أن يكون المسح على مقدّم الرأس، بالإجماع المحقّق و المنقول مستفيضا «1»، و النصوص.

ففي الصحيح: «مسح الرأس على مقدّمه» «2».

و في آخر: «امسح الرأس على مقدّمه» «3».

و في الحسن: «امسح على مقدّم رأسك» «4».

و بها تقيّد الإطلاقات.

و ما في شواذّ أخبارنا ممّا يخالف ذلك ظاهرا، و يثبت المسح على المقدّم و المؤخّر أو على الرقبة «5»، ضعيف بالشذوذ، متروك بالإجماع، محمول على التقية أو غيرها من المحامل المحتملة في بعضها قريبا.

و ممّا يقرّب الحمل على التقية: ما في رواية علي بن يقطين، المروية في كشف الغمة و غيره «6» من أمره عليه السلام إيّاه أوّلا اتّقاء بمسح ظاهر الأذنين و باطنهما، ثمَّ بعد ارتفاع التقية أمره بالوضوء الصحيح، و قال فيه: «و امسح مقدّم رأسك».

و قول بعض أصحابنا باستحباب المقدّم- كما حكاه بعض مشايخنا المحقّقين «7»- غريب جدّا.

______________________________

(1) كما في المعتبر 1: 144، و التذكرة 1: 17، و الذكرى: 86.

(2) التهذيب 1: 62- 171، الاستبصار 1: 60- 176، الوسائل 1: 410 أبواب الوضوء ب 22 ح 1.

(3) التهذيب 1: 91- 241، الوسائل 1: 410 أبواب الوضوء ب 22 ح 2.

(4) الكافي 3: 29 الطهارة ب 19 ح 2، الوسائل 1: 418 أبواب الوضوء ب 25 ح 1.

(5) راجع الوسائل 1: 411، 412 أبواب الوضوء ب 22 ح 5، 6.

(6) كشف الغمة 2: 226،

الخرائج و الجرائح 1: 335- 26.

(7) شرح المفاتيح: (مخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 117

و المراد بالمقدّم ما قابل المؤخّر، لأنّه المفهوم منه عرفا و لغة، لا خصوص ما بين النزعتين المعبّر عنه بالناصية، فالقول بتعيّن الثاني ضعيف.

و صحيحة زرارة: «فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات: واحدة للوجه و اثنتان للذراعين، و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك و بما بقي من بلّة يمناك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلّة يسراك ظهر قدمك اليسرى» «1»، لا تفيد الوجوب. مع أنه يمكن أن يكون المعنى: يجزيك ذلك، فلا يدلّ على عدم إجزاء غيره.

مضافا إلى أنّ الناصية ربما تفسّر: بمطلق شعر مقدّم الرأس أيضا.

و في كتب جماعة من أهل اللغة أنّها خصوص القصاص «2». و به تخرج عن صلاحية تقييد الأخبار المطلقة في المقدّم.

ب: المقدّم يشمل البشرة و الشعر، للإجماع المحقّق و المحكي مستفيضا «3»، و نفي الحرج اللازم على تقدير الاختصاص بالأوّل قطعا، و إطلاقات المسح على الرأس و على مقدّمه الشامل للأمرين. و المراد بالشعر المختص بالمقدّم، دون غيره من النابت عن غيره مطلقا، أو عنه مع استرساله، أو خروجه بمدّه عن حدّه، لظاهر الوفاق، و عدم صدق المناط، و استصحاب عدم إباحة الصلاة.

و لا يجوز على الحائل بالإجماعين، لعدم صدق الامتثال، و للمستفيضة، منها: أخبار رفع العمامة و القناع ثمَّ المسح «4».

و خصوص الصحيح: عن المسح على العمامة و على الخفين، قال: «لا تمسح عليها» «5».

و المرفوع: في الذي يخضب ثمَّ يبدو له في الوضوء، قال: «لا يجوز حتى

______________________________

(1) التهذيب 1: 360- 1083، الوسائل 1: 306 أبواب الوضوء ب 31 ح 2.

(2) كما في القاموس 4: 398، المصباح المنير: 609، مجمل اللغة 4: 406.

(3) كما

حكاه في التذكرة 1: 17، و المدارك 1: 215، و شرح المفاتيح: (مخطوط).

(4) راجع الوسائل 1: 416 أبواب الوضوء ب 24.

(5) التهذيب 1: 361- 1090، الوسائل 1: 459 أبواب الوضوء ب 38 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 118

يصيب بشرة رأسه الماء» «1».

و المراد ببشرة الرأس فيها بشرته بالنسبة إلى الحناء الشامل للشعر أيضا.

و المروي في كتاب علي عن أخيه: عن المرأة هل يصلح لها أن تمسح على الخمار؟ قال: «لا يصلح حتى تمسح على رأسها» «2».

و تجويزه في الصحيحتين «3» على فوق الحناء- مع شذوذهما المخرج لهما عن الحجية- محمول على لونه أو عدم استيعاب الحناء للمقدّم أو على الضرورة، فإنّ المنع عن المسح على الحائل يخصّ حال الاختيار.

و يجوز على الحائل اضطرارا اتّفاقا- كما قيل «4»- لعموم أدلّة المسح على الجبائر و الدواء، كما يأتي.

الخامس: مسح الرجلين، إلى الكعبين.
اشاره

و وجوبه أيضا ممّا اتّفقت عليه الكلمة، و نطق به الكتاب و السنة.

و الكعبان عند العامّة هما: العظمان الناتئان عن جانبي عظم الساق فوق المفصل «5».

و أمّا الخاصة: فقد اتّفقوا على أنّهما غير ذلك، و إن اختلفوا في تعيينهما، و هم بين مصرّح بأنّهما قبّتا القدمين أمام الساقين ما بين المفصل و المشط، و هو: شيخنا المفيد «6». و يشعر به بل بالإجماع عليه كلام التهذيب «7»، و تبعهما جماعة من

______________________________

(1) الكافي 3: 31 الطهارة ب 19 ح 12، التهذيب 1: 359- 1080، الوسائل 1: 455 أبواب الوضوء ب 37 ح 1.

(2) مسائل علي بن جعفر: 110- 22، الوسائل 1: 456 أبواب الوضوء ب 37 ح 5.

(3) التهذيب 1: 359- 1079، 1081، الاستبصار 1: 75- 232 و 233، الوسائل 1: 455، 456 أبواب الوضوء ب 37

ح 3 و 4.

(4) الرياض 1: 22.

(5) راجع المغني لابن قدامة 1: 173، و بدائع الصنائع 1: 7، و مغني المحتاج 1: 53.

(6) المقنعة: 44.

(7) التهذيب 1: 74- 75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 119

المتأخّرين «1».

و مصرّح بأنّهما مفصل الساق و القدم، أي: ملتقاهما، و هو الإسكافي «2»، و الفاضل «3»، و الشهيد في الرسالة «4»، و صاحب الكنز «5»، و الأردبيلي رحمه اللَّه «6»، و نسب في البحار ذلك إلى جماعة من أهل اللغة «7»، و في التذكرة الإجماع عليه «8».

و قائل بأنّ الكعب هو العظم المائل إلى الاستدارة الواقع في ملتقى الساق و القدم، الناتئ في وسط القدم العرضي نتوا غير محسوس كثيرا لارتكاز أعلاه في حفرتي الساق، له زائدتان في أعلاه تدخلان حفرتي قصبة الساق، و زائدتان في أسفله تدخلان حفرتي العقب، و هو الذي يكون في رجل البقر و الغنم أيضا، و ربما يلعب به الناس.

ذكره شيخنا البهائي «9» و طائفة من المتأخّرين «10»، و هو الذي عبّر عنه بعض الأجلّة بأنّهما عظمان مكعبان موضوعان على حدّ المفصل بين الساق و القدم «11»،

______________________________

(1) المختصر النافع: 6، الروضة: 1: 76، الذكرى: 88، المدارك: 1: 216، الذخيرة: 33.

(2) نقله عنه في المختلف: 24.

(3) القواعد 1: 11، و التحرير 1: 10، و المختلف: 24.

(4) الألفية: 29.

(5) كنز العرفان 1: 11.

(6) مجمع الفائدة 1: 107.

(7) البحار 77: 276.

(8) التذكرة 1: 17.

(9) الحبل المتين: 18.

(10) منهم المحدّث الكاشاني في الوافي 6: 245، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 69.

(11) كشف اللثام 1: 69.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 120

و نسبه إلى ظاهر العين و الصحاح و المجمل و مفردات الراغب «1» من كتب

اللغة.

و محتمل كلامه للمعاني الثلاثة، و هو أكثر المتقدّمين، حيث إنّه فسّر الكعب في بعض كلماتهم: بالناتئ في ظهر القدم عند معقد الشراك «2». و في آخر:

بما في ظهر القدم «3». و في ثالث: بمعقد الشراك «4». و في رابع: بالناتئ في وسط القدم «5»، و في خامس: بما في ظهر القدم عند معقد الشراك «6».

و جماعة من القائلين بالأوّل «7» حملوا الرابع [1] عليه، و حملوا الوسط على الطولي، و الفاضل «8» حمله على قوله، و صبّ عبارات الأصحاب عليه، و نسب من حمله على غيره إلى عدم التحصيل.

و القائل «9» بالثالث حمل الرابع [2] على الثاني بعد إرجاعه إلى مختاره.

و من متأخّري المتأخّرين «10» من أرجع الثاني إلى الأوّل، و ذكر كلّ لما قاله مؤيّدات.

______________________________

[1] المراد بالرابع: الكلمات التي حكاها عن المتقدمين و قال إنها محتملة للمعاني الثلاثة.

[2] يعني حمل الكلمات المحتملة، على المعنى الثاني و هو المفصل. بعد أن أرجعه إلى مختاره و هو المعنى الثالث أي العظم الواقع في ملتقى الساق و القدم.

______________________________

(1) العين 1: 207، الصحاح 1: 213، المجمل 4: 233، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني: 432.

(2) السيد المرتضى في الانتصار: 28.

(3) نقله في المختلف: 44 عن ابن ابي عقيل.

(4) الكافي في الفقه: 132.

(5) النهاية: 13.

(6) السرائر 1: 100.

(7) منهم صاحبا المدارك 1: 216، و الذخيرة: 33.

(8) المختلف: 24.

(9) الحبل المتين: 18.

(10) مجمع الفائدة 1: 108، الذخيرة: 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 121

أقول: رجوع كلّ من الثانيين [1] إلى الآخر بحسب الموضع [2] و المحل ممّا لا إشكال فيه و لا خفاء، كعدم رجوع الثاني إلى الأول.

و إنّما الإشكال في الرابع، و الحقّ احتماله لكلّ من الأول

و الثالث، لكون كلّ ظهرا و وسطا طوليا أو عرضيا و ناتئا، و إن كان ظهور النتو الواقع في بعض العبارات في المحسوس مؤيّدا للأول، و لكن تعريف جمع من علماء التشريح الذين هم أهل الخبرة في المقام بالثالث مقيّدا بالناتئ- و ديدن الفقهاء الرجوع في الموضوعات إلى أهل خبرتها- يضعّفه، مع أن نتوّه أيضا محسوس سيما بالملامسة، بل هو أرفع من القبة، كما يظهر بعد نصب الساق.

و أمّا المعقد: فلا ظهور له في الأول، بل الظاهر أنّ موضع عقد الشراك هو الوسط في العرض، أي: يقع عقد الشراكين فيه دون القبة، و لم يعلم أيضا أنّه كان يعقد تحت المفصل.

هذا، ثمَّ إنّه استدلّ الأولون: بإجماع لغوي الخاصة و كثير من العامة، سيما قول صاحب الصحاح: الكعب هو العظم الناشز في ظهر القدم عند ملتقى الساق و القدم، و نسبه إلى الناس ما عدا الأصمعي «1»، بل قيل: الظاهر أنّه مذهب جميعهم «2»، لعدم الخلاف بينهم في تسمية ذلك كعبا، و إنّما الخلاف في تسمية ما عداه به.

و دعوى جماعة من الفقهاء الإجماع عليه كما هو المحكي عن الانتصار، و التبيان، و الخلاف «3»، و المجمع، و المعتبر، و المنتهى، و الغنية، و الذكرى «4».

______________________________

[1] يعني بهما الثاني و الثالث فان المفصل و العظم الواقع في ملتقى الساق و القدم متحدان بحسب المحل.

[2] التقييد به لان المفصل من حيث هو غير العظم المذكور الا أن موضعهما واحد (منه ره).

______________________________

(1) الصحاح 1: 213.

(2) الرياض 1: 21.

(3) الانتصار: 28، التبيان 3: 456، الخلاف 1: 92.

(4) مجمع البيان 2: 167، المعتبر 1: 151، المنتهى 1: 64، الغنية (الجوامع الفقهية): 553، الذكرى: 88.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص:

122

و صحيحة البزنطي، و فيها: فوضع كفه على الأصابع، فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم «1».

و رواية ميسر، و فيها: ثمَّ وضع يده على ظهر القدم ثمَّ قال: «هذا هو الكعب» «2».

فإنّ الظاهر و الظهر فيهما ليسا بالمعنى المقابل للباطن قطعا، لعدم كونه بإطلاقه كعبا فهو بمعنى ما ارتفع.

و صحيحة الأخوين و فيها: فقلنا (له) [1] أين الكعبان؟ قال: ها هنا، يعني المفصل دون عظم الساق، فقلنا: هذا ما هو؟ قال: هذا (من) [2] عظم الساق، و الكعب أسفل من ذلك «3». فإنّ المفصل المعهود ليس دون عظم الساق و لا أسفل منه، فإنّهما يقتضيان بعدا فليس إلّا القبة.

و بعدم وجوب تبطين الشراك كما ورد في الأخبار «4»، و لو كان الكعب هو المفصل، للزم تبطينه.

و بما ورد في الصحيح: «إنّ أمير المؤمنين إذا قطع الرجل قطعها من الكعب» «5».

و روي أيضا في الكافي و الفقيه و التهذيب: «إنّما يقطع الرجل من الكعب

______________________________

[1] لا توجد في «ه» و «ق».

[2] لا توجد في «ه» و «ق».

______________________________

(1) الكافي 3: 30 الطهارة ب 19 ح 6، التهذيب 1: 91- 243، الاستبصار 1: 62- 184، الوسائل 1: 417 أبواب الوضوء ب 24 ح 4.

(2) التهذيب 1: 75- 190، الوسائل 1: 391 أبواب الوضوء ب 15 ح 9.

(3) الكافي 3: 25 الطهارة ب 17 ح 5، التهذيب 1: 76- 191، الوسائل 1: 388 أبواب الوضوء ب 15 ح 3 بتفاوت يسير.

(4) الوسائل 1: 415 أبواب الوضوء ب 23 ح 8.

(5) الفقيه 4: 46- 157، الوسائل 28: 254 أبواب حد السرقة ب 4 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 123

و يترك من قدمه ما يقوم عليه و يصلّي و

يعبد اللَّه» «1».

فإنّ موضع القطع عند معقد الشراك إجماعا منّا، كما نقله جماعة «2».

مع أنّه لا يبقى مع القطع من غير القبة من معاني الكعب ما يقوم به.

مع أنّه في رواية سماعة: «السارق إن عاد قطع رجله من أوسط القدم» «3» و ليس كعب في الأوسط إلّا القبة.

و في الكلّ نظر:

أمّا الأول: فلمنع الإجماع، بل أكثر كلمات اللغويين محتمل للمعنيين:

الأول و الثالث، ألا ترى قول صاحب الصحاح: عند ملتقى الساق و القدم «4» و النشوز ظهر القدم لا يعيّن القبة، لأنّ الثالث أيضا كذلك، و لا يضرّ عدم إحساس نشوزه كثيرا، فإنّ أهل اللغة يعرفون الأجزاء الباطنية بأوصافها الغير المحسوسة، و غرضه الردّ على الأصمعي حيث جعل الكعب في الجانبين، مع أنّ نتوّ الثالث حسّا كما ذكرنا ليس أقلّ من نتوّ الأول.

نعم، لمّا كان الأول مبدأ النتو، قد يتخيّل أنّه أظهر أو أكثر. و قد عرفت أنّ بعض الأجلّة قد استشهد لإثبات الثالث بقول صاحب الصحاح و غيره من أهل اللغة «5»، و ذلك أوضح شاهد على أنّه لا أقلّ محتمل للمعنيين.

و منه يظهر حال سائر كلمات اللغويين كالقاموس، و النهاية «6»، و الغريبين،

______________________________

(1) الكافي 7: 225 الحدود ب 36 ح 17، الفقيه 4: 49- 171، التهذيب 10: 103- 401، الوسائل 28: 257 أبواب حد السرقة ب 5 ح 8.

(2) الخلاف 2: 469، الغنية (الجوامع الفقهية): 623، المهذب 2: 545، السرائر 3: 489.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    124     الخامس: مسح الرجلين، إلى الكعبين. ..... ص : 118

(3) الكافي 7: 223 الحدود ب 36 ح 8، التهذيب 10: 103- 400، الوسائل 28: 252 أبواب حد السرقة ب 4 ح 3.

(4) الصحاح 1:

213.

(5) تقدم ص 120.

(6) القاموس 1: 129، النهاية الأثيرية 4: 178.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 124

و عميد الرؤساء «1»، و غيرهم «2»، فإنّهم لم يذكروا في بيانه إلّا أنّه الناشز ظهر القدم.

و قد عرفت حاله.

و أمّا الثاني: فلذلك أيضا، فإنّ أكثر كلمات المدّعين للإجماع ممّا لا يعلم اختصاصه بالقبة، هذا كلام المنتهى و المعتبر «3»، فإنّهما ذكرا أنّ الكعبين هما العظمان الناتئان في وسط القدم، و هما معقد الشراك، و هذا كما ترى محتمل للمعنيين، بل صرّح في المنتهى بعد ذلك أنّه المفصل دون عظم الساق، و نسب من فهم غيره إلى عدم التحصيل. بل لا يحضرني الآن من كلام فقهائنا المتقدّمين و المتوسّطين من ذكر القبة إلّا نادرا، كالمفيد «4»، و الشرائع، و النافع «5».

و أمّا الثالث و الرابع: فلأنّ المعنى الثالث أيضا ما ارتفع، بل هو غاية ارتفاع القدم و أرفع مواضعه.

مع أنّه يمكن أن يكون الغرض الردّ على العامة «6» حيث يجعلون الكعب في الجانبين، فيكون المراد من الظاهر و الظهر المعنى المقابل للباطن و الجانب ردّا عليهم، و لحصول الغرض بمطلق الظهر أطلقه و لم يعيّن موضعه.

و أمّا الخامس: فلاحتمال كون لفظ «دون» بمعنى الغير، و المشار إليه في ذلك و في هذا في الموضعين ما قال العامة بكونه كعبا.

مع أنّ المعنى الثالث أيضا غير عظم الساق و أسفل منه فلا ينافيه. و اقتضاء الأسفلية للبعد ممنوع.

و أمّا السادس: فلجواز أن يكون المراد الشراك المعقود طولا- كما قيل-

______________________________

(1) نقله عنه في الذكرى: 88.

(2) انظر لسان العرب 1: 718.

(3) المنتهى 1: 64، المعتبر 1: 151.

(4) المقنعة: 44.

(5) الشرائع 1: 22، النافع: 6.

(6) راجع ص 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2،

ص: 125

و يتعارف الآن أيضا، و جواز كون مبدأي الشراك و الكعب بالمعنى الثالث واحدا.

مع أنّه قيل بجواز المسح على الشراك و قيامه في ذلك مقام البشرة «1».

و أما السابع: فلمنع كون معقد الشراك هو القبة، و منع أنّ غيرهما لا يبقى مع القطع منه ما يقام به، فإنّ مع القطع من المعنى الثالث أيضا يبقى العقب و شي ء من القدم، بل صرّح في بعض الأخبار- كما يأتي- أنه يقطع من المفصل و يترك العقب يطأ عليه «2»، و هو صريح في أنّ القيام على العقب، و هو يبقى قطعا مع القطع من المعنى الثالث، بل من المفصل بين الساق و القدم.

هذا، مع أنّه لو تمَّ لا يدلّ على أزيد من الاستعمال، و هو لا يفيد الاختصاص، سيما مع تصريح جماعة «3» بالاستعمال في غيره أيضا.

و استدلّ الثانيان [1]: بقول بعض أهل اللغة و صحيحة الأخوين.

و في الأول: منع الحجية أولا، و الاختصاص ثانيا.

و في الثاني: أنه يمكن أن يكون المراد بالمفضل، المفصل الشرعي، أي:

محلّ القطع، بل قيل: هو الظاهر من بعض الأخبار «4» كالرضوي: «يقطع السارق من المفصل و يترك العقب يطأ عليه» [2] فإنه مشعر بمعروفية المفصل عند الإطلاق في ذلك الزمان.

و فيه نظر، و يعلم وجهه ممّا ذكرنا.

و زاد الثالث «5»: تصريح أرباب التشريح، و نسبة بعض العامة هذا المعنى

______________________________

[1] أي القائلون بالقول الثاني و الثالث (العلامة و الشيخ البهائي و من تبعهما).

[2] لم نعثر عليه في فقه الرضا «ع»، و هو موجود في نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 151- 388 عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، الوسائل 28: 254: أبواب حد السرقة ب 4 ح 7.

______________________________

(1) التذكرة 1: 18.

(2) راجع

الوسائل 28: 254 أبواب حد السرقة ب 4 ح 7.

(3) منهم صاحبا البحار: 77: 276، و الحبل المتين: 18.

(4) شرح المفاتيح: (مخطوط).

(5) الشيخ البهائي في الحبل المتين: 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 126

إلى الشيعة.

و ضعفهما ظاهر، فإنّهما معارضان بما مرّ من تصريح جمع آخر بخلافه.

و ظهر من ذلك كلّه عدم دليل واضح على تعيين معناه، و الاحتياط في المسح إلى مبدإ عظم الساق أي المفصل، كما صرّح به جماعة، منهم: صاحب البحار «1» و غيره «2»، و يوجبه ضرب من الاستصحاب أيضا.

فروع:

أ: محل المسح ظاهرهما، إجماعا منّا، و استفاضت عليه الروايات «3».

و ما في الخبرين من مسح الظاهر و الباطن أمرا في أحدهما «4» و فعلا في الآخر «5»، لا حجّية فيه، للشذوذ، و على التقية محمول، لأنه مذهب العامة، كما عن التهذيب «6».

و حدّه أما طولا: فمن رؤوس الأصابع إلى الكعبين على الحقّ المشهور، بل عليه الإجماع عن الخلاف و الانتصار و التذكرة و الذكرى، و في ظاهر المنتهى و المعتبر «7»، لظاهر الكتاب.

و تخصيص دلالته بكون «إلى» غاية للمسح، فالإيراد عليه: بأنّ جواز النكس ينفيه.

______________________________

(1) البحار 77: 277.

(2) الحدائق 2: 302.

(3) انظر الوسائل 1: 412 أبواب الوضوء ب 23.

(4) التهذيب 1: 82- 215، الاستبصار 1: 61- 181، الوسائل 1: 415 أبواب الوضوء ب 23 ح 7.

(5) التهذيب 1: 92- 245، الاستبصار 1: 62- 185، الوسائل 1: 415 أبواب الوضوء ب 23 ح 6.

(6) التهذيب 1: 92.

(7) الخلاف 1: 92، الانتصار: 27، التذكرة 1: 18، الذكرى: 18، المنتهى 1: 63، المعتبر 1: 150.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 127

مردود: بعدم الاختصاص، بل على كونها غاية للممسوح يثبته أيضا، إذ مقتضى

وجوب مسح شي ء مغيّى بغاية مسح تمام ذلك الشي ء، كما إذا قال: اكنس من عند الباب إلى الصدر، و كانت هناك قرينة على عدم إرادة الابتداء من عند الباب، فيكون الحرفان لتحديد الموضع، مع أنه يفهم قطعا وجوب كنس جميع ما بين الحدّين، فدلالة الآية على وجوب المسح إلى الكعب تامّة على التقديرين، نعم لا يتعيّن الطرف الآخر منها، و لا ضير فيه للإجماع المركّب.

و يدلّ عليه أيضا: المرويان في الخصال و كشف الغمة، المتقدّمان في غسل اليدين «1».

و حسنة ابن أذينة المروية في الكافي و العلل في حديث المعراج، و فيها:

«و امسح بفضل ما في يديك من الماء رأسك و رجليك إلى كعبيك» «2» الحديث.

و في كتاب الطرف للسيد ابن طاوس بإسناده عن أبي الحسن موسى عليه السلام، في شرائع الإسلام، و عدّ منها: المسح على الرأس و القدمين إلى الكعبين «3».

و ضعف بعضها بما مرّ منجبر.

و قد يستدلّ أيضا: بالوضوءات البيانية.

و بصحيحة البزنطي: عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفّه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم، قلت: جعلت فداك لو أنّ رجلا قال بإصبعين من أصابعه هكذا فقال: «لا إلّا بكفه كلّها» «4».

______________________________

(1) ص 101 و 102.

(2) الكافي 3: 485 الصلاة ب 105 ح 1، علل الشرائع: 312، الوسائل 1: 390 أبواب الوضوء ب 15 ح 5.

(3) الطرف: 5، الوسائل 1: 400 أبواب الوضوء ب 15 ح 25.

(4) الكافي 3: 30 الطهارة ب 19 ح 6، التهذيب 1: 91- 243، الاستبصار 1: 62- 184، الوسائل 1: 417 أبواب الوضوء ب 24 ح 4- بتفاوت- راجع التهذيب 1: 64- 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 128

و حسنة عبد الأعلى: عثرت

فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ فقال: «يعرف هذا و أشباهه من كتاب اللَّه عزّ و جلّ، قال اللَّه ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ امسح عليه» «1» دلّت على وجوب مسح رأس الإصبع، فيتمّ المطلوب بالإجماع المركّب.

و يضعف الأول: بما مرّ مكرّرا.

و الثاني: بكونه محمولا على الاستحباب قطعا، لعدم وجوب الكف إجماعا كما يأتي.

و كذا الثالث، فإنّه لا يجب مسح ما عليه المرارة إلّا على وجوب الاستيعاب العرضي.

و الحمل على انقطاع جميع الأظفار بعيد جدّا، و لو احتمله، لاحتمل إرادة ظفر اليد أيضا، فيبطل الاستدلال.

خلافا لبعض المتأخّرين [1]، فاكتفى في الطول بالمسمّى، و احتمله في المعتبر و الذكرى «2»، للمستفيضة الدالّة على عدم وجوب استبطان الشراكين «3»، و صحيحتي الأخوين المتقدّمتين «4» في قدر الوجوب من مسح الرأس.

و في الأول: جواز كون الشراك فوق الكعب أو قيامه مقام البشرة، كما صرّح به في بعض المعتبرة [2].

______________________________

[1] قال في الحدائق 2: 291: و به جزم المحدّث الكاشاني في المفاتيح. و نفى عنه البعد صاحب رياض المسائل و حياض الدلائل و لا يخفى أن الموجود في المفاتيح 1: 44 خلافه.

[2] الظاهر ان المراد به ما يجوّز المسح على نفس النعل- كما في معتبرة زرارة. الوسائل 1: 414 أبواب الوضوء ب 23 ح 4.

______________________________

(1) الكافي 3: 33 الطهارة ب 21 ح 4، التهذيب 1: 363- 1097، الاستبصار 1: 77- 240، الوسائل 1: 464 أبواب الوضوء ب 39 ح 5، الآية: 78 الحج.

(2) المعتبر 1: 152، الذكرى: 89.

(3) راجع الوسائل 1: 412 أبواب الوضوء ب 23.

(4) في ص 110.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 129

و في الثاني: أنّه معارض مع ما مرّ بالإطلاق

و التقييد، فيحمل المطلق على المقيّد الموافق للكتاب.

و قد يردّ أيضا: باحتمال موصوفية «ما» المفيدة للعموم، و الإبدال من شي ء، فيفيد بمفهوم الشرط توقّف الإجزاء على مسح مجموع المسافة الكائنة بينهما «1».

و فيه: أنّ هذا الاحتمال موجب للاستيعاب في العرض، و هو باطل، إلّا أن يتمّم بإلغاء ما خرج بالدليل، و هو أيضا يوجب خروج الأكثر على كفاية المسمّى في العرض.

و أمّا عرضا: فالمسمّى، و عليه الإجماع في المعتبر و المنتهى «2» و ظاهر التذكرة «3»، و هو في الأولين و إن كان على الاكتفاء و لو بإصبع واحدة، و لكن المستفاد من استدلالهما إرادة المسمّى.

ثمَّ الدليل عليه: الأصل، و صدق الامتثال، و إطلاق الآية، سيما بملاحظة صحيحة زرارة، المفسّرة لها، و فيها: «فعرفنا حين وصلهما بالرأس أنّ المسح على بعضهما» «4». بل إطلاق صحيحتي الأخوين، و فقد ما يصلح مخرجا و مقيدا، إذ ليس شي ء سوى صحيحتي الأخوين على جعل «ما» موصولة، و هو مجرد احتمال غير كاف في الاستدلال.

و صحيحة البزنطي و حسنة عبد الأعلى، و هما شاذّتان، إذ لم يقل بمضمونهما أحد، كما صرّح به جماعة «5»، فلذلك تخرجان عن الحجية.

مع أنّهما معارضتان: برواية معمّر بن عمر، المتقدّمة «6» في مسح الرأس،

______________________________

(1) حكاه في الحدائق 2: 293 عن شيخه صاحب الرياض المسائل.

(2) المعتبر 1: 150- 152، المنتهى 1: 63.

(3) التذكرة 1: 18.

(4) الكافي 3: 30 الطهارة ب 19 ح 4، الفقيه 1: 56- 212، التهذيب 1: 61- 168، الاستبصار 1: 62- 186، الوسائل 1: 412 أبواب الوضوء ب 23 ح 1.

(5) منهم الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح: (مخطوط)، و صاحب الرياض 1: 21.

(6) ص 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 130

و

لا مرجّح لهما.

و أصحّيتهما سندا معارضة بمخالفتهما للقوم عملا.

و رواية معمّر المشار إليها، و هي لإثبات الوجوب غير ناهضة، لما ذكرنا في معنى الإجزاء.

خلافا لبعض- كما في التذكرة- فأوجب ثلاث أصابع «1»، و كأنّه لرواية معمّر السابق جوابها.

و للمحكي عن النهاية و أحكام الراوندي «2»، فأوجبا الإصبع، و كأنّه لما سبقت إليه الإشارة من أنّها المسمّى عرفا. و لا وجه له.

و عن الإشارة «3» و ظاهر الغنية «4»، فحدّداه بالإصبعين. و لا يتّضح مستندهما.

و المستحب المسح بالكف كلّه، كما عن النهاية و المقنعة و الجمل و العقود، و المبسوط و الوسيلة و الألفية «5»، لما مرّ من الصحيحة بل الحسنة.

و عن الإشارة: استحباب تفريج الأصابع «6»، و لا بأس به، إذ المقام يتحمّل التسامح.

ثمَّ إنّه هل يجب إدخال الكعبين أم لا؟ فيه قولان، أظهرهما: الثاني، وفاقا للمعتبر «7»، للأصل.

و قوله في صحيحة الأخوين: «ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع».

______________________________

(1) التذكرة 1: 18.

(2) النهاية: 14، فقه القرآن 1: 30.

(3) الإشارة: 70.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 553.

(5) النهاية: 14، المقنعة: 48، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 159، المبسوط 1: 22، الوسيلة:

52، و لم نجده في الألفية و المظنون انها تصحيف النفلية: 7.

(6) الإشارة: 71.

(7) المعتبر 1: 152.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 131

و خلافا للمنتهى و التحرير «1»، فاختار الأول، لما ذكره بعض النحاة من دخول الغاية في المغيّى إذا كانت من جنسه.

و هو غير ثابت، و لو ثبت فليس بحجة.

و كذا لا يجب مسح أطراف الأصابع، لما مرّ، فلا يضرّ تجاوز الظفر عن حد الإصبع، و لا اجتماع الوسخ تحته. و لا يجب مسح ما تحت الظفر المتجاوز أو الوسخ.

ب: لا يجوز المسح على حائل، كخف

و جورب و نحوهما اختيارا إجماعا، و حكاية الإجماع عليه في كلمات أصحابنا متواترة، و أخبارنا على النهي عنه متظافرة، و عدم صدق الامتثال معه يمنعه، و استصحاب الحدث ينفيه.

و يجوز مع الاضطرار، كخوف عدوّ، أو برد، أو التخلّف من رفقة، أو عدم التمكّن من نزع الخف، و غيره، بلا خلاف معروف.

و قال والدي- رحمه اللَّه- في اللوامع: إنه المعروف منهم.

لحسنة عبد الأعلى، المتقدّمة «2»، و رواية أبي الورد، فيها: فقلت: هل فيهما- أي في الخفين- رخصة؟ فقال: «لا إلّا من عدوّ تتقيه أو ثلج تخاف على رجليك» «3».

و الرضوي: «و لا تمسح على جوربك إلّا من عدوّ [1] أو ثلج تخاف على رجليك» «4».

و أمّا الأخبار النافية للتقية في المسح على الخفين «5»، فلا تصلح للمعارضة

______________________________

[1] في «ه»: عذر.

______________________________

(1) المنتهى 1: 64، التحرير 1: 10.

(2) في ص 128.

(3) التهذيب 1: 362- 1092، الاستبصار 1: 76- 236، الوسائل 1: 458 أبواب الوضوء ب 38 ح 5.

(4) فقه الرضا عليه السلام: 68، المستدرك 1: 331 أبواب الوضوء ب 33 ح 1.

(5) الوسائل 1: 457 أبواب الوضوء ب 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 132

مع ما مرّ، لرجحانه بموافقة الكتاب و السنّة في انتفاء العسر و الحرج و الضرر.

مع إمكان حملها على اختصاص نفي التقية فيه بالإمام، كما نقل عن زرارة أنّه فسّره به «1»، أو على عدم الحاجة في التقية إليه بملاحظة تجويز العامة الغسل المجامع مع المسح بضرب من التدبير سيما مع كفاية المسمّى عرضا في المسح.

و لا يجوز مع العذر المنتفي بالمسح على الحائل، الانتقال إلى التيمم، لعدم ثبوت مشروعيته حينئذ.

ج: إطلاق الآية و الروايات يعطي جواز المسح على الشعر ما لم يكثر

بحيث يخرج عن المعتاد، لصدق مسح الرجلين عليه، فلا يجب مسح تحت ما يقع منه بين رؤوس الأصابع و الكعب، بل مقتضى ما ذكر: جوازه مع الكثرة المفرطة الساترة لتمام البشرة أيضا، إلّا أنّ ندور مثل ذلك يوجب الوهن في شمول المطلقات له.

و صحيحتا زرارة «2» و محمّد «3» الناهيتان عن البحث عما أحاط به الشعر لا تشملان محل المسح، لقوله فيهما: «و لكن يجري عليه الماء» و كأنّ تخصيص الأكثر محلّه بالبشرة بعد تعميمهم في مسح الرأس، للاحتراز عن مثل ذلك أو مثل الخف.

د: يجب أن يكون مسح كلّ من الرأس و الرجلين ببقية نداوة اليدين من الوضوء، وفاقا للأكثر «4» بل لغير شاذ [1] لا يقدح خلافه في الإجماع، فعليه الإجماع

______________________________

[1] المخالف هو ابن الجنيد كما سيأتي في ص: 135.

______________________________

(1) الكافي 3: 32 الطهارة ب 20 ح 2، التهذيب 1: 362- 1093، الاستبصار 1: 76- 237، الوسائل 1: 457 أبواب الوضوء ب 38 ح 1.

(2) التهذيب 1: 364- 1106، الوسائل 1: 476 أبواب الوضوء ب 46 ح 2.

(3) الكافي 3: 28 الطهارة ب 18 ح 2، التهذيب 1: 360- 1084، الوسائل 1: 476 أبواب الوضوء ب 46 ح 1.

(4) منهم الشيخ في المبسوط 1: 22، و العلامة في التذكرة 1: 16، و المحقق السبزواري في الكفاية:

3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 133

كما عن السيدين «1» و الشهيد «2» أيضا، فهو الحجة فيه.

مضافا إلى المستفيضة كمرسلة الفقيه: «إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه و على رجليك من بلّة وضوئك، فإن لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شي ء فخذ ما بقي منه في لحيتك و امسح به رأسك و رجليك، و إن

لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك و أشفار عينيك و امسح به رأسك و رجليك، و إن لم يبق من بلّة وضوئك شي ء أعدت الوضوء» «3».

و رواية مالك بن أعين: «من نسي مسح رأسه ثمَّ ذكر أنه لم يمسح رأسه، فإن كان في لحيته بلل، فليأخذ منه و يمسح رأسه، و إن لم يكن في لحيته بلل، فلينصرف و ليعد الوضوء» «4».

و رواية خلف: الرجل ينسى مسح رأسه و هو في الصلاة، قال: «إن كان في لحيته بلل فليمسح به» قلت: فإن لم يكن له لحية؟ قال: «يمسح من حاجبه و من أشفار عينيه» «5».

و اختصاص الأخيرة بحال الصلاة صريحا و الثانية ظاهرا، فيمكن معه أن يكون الأمر بالمسح بالبقية لأجل عدم الخروج منها، و بالإعادة، لانتفاء الموالاة مع انتفاء البلل مطلقا.

مدفوع: بمنع توقف تجديد البلّة على الخروج مطلقا، فهما بإطلاقهما تعمّان الحالين، مع أنّ الخروج لعدم الطهارة متحقّق.

______________________________

(1) السيد المرتضى في الانتصار: 19، و مسائل الميافارقيات (رسائل المرتضى 1): 278، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 554.

(2) الذكرى: 86.

(3) الفقيه 1: 36- 134، الوسائل 1: 409 أبواب الوضوء ب 21 ح 8.

(4) التهذيب 2: 201- 788، الوسائل 1: 409 أبواب الوضوء ب 21 ح 7.

(5) التهذيب 1: 59- 165، الاستبصار 1: 59- 175، الوسائل 1: 407 أبواب الوضوء ب 21 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 134

و ضعف إسنادهما سيما مع الانجبار بما مرّ غير قادح، كاختصاصهما بالنسيان، لعدم القائل بالفرق.

و حسنة ابن أذينة المتقدّمة «1».

و الرضوي: «إنّ جبرئيل هبط على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، بغسلين و مسحين: غسل الوجه و الذراعين بكف كف، و مسح الرأس

و الرجلين بفضل النداوة التي بقيت في يديك من وضوئك» «2».

و المروي في إرشاد المفيد و كشف الغمة و خرائج الراوندي فيما ورد على علي ابن يقطين: «و امسح مقدّم رأسك و ظاهر قدميك من نداوة وضوئك» «3».

و قد يستدلّ أيضا: باستصحاب عدم جواز دخول الصلاة، و الممنوعية منه بعد حدوث الحدث إلى أن يحصل المجوّز، حيث إن إطلاقات المسح لا تدلّ على وجوب نداوة اليد، لصدقه مع جفافها أيضا، و إنّما هو يثبت بالإجماع، و القدر المعلوم كونه مبيحا هو نداوة الوضوء، فبدونها يستصحب عدم الإباحة و الممنوعية المغيّاتان قطعا بحصول المجوّز.

و بالوضوءات البيانية. و صحيحة زرارة و فيها: «و تمسح ببلة يمناك ناصيتك و بما بقي من بلّة يمناك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلّة يسراك ظهر قدمك اليسرى» «4».

و يردّ الأوّل: معارضته مع أصالة عدم وجوب هذا الخصوص الموجب لحصر المأمور به في الوضوء بالمسح بمطلق البلّة، الموجب لرفع الحدث بالإجماع، حيث إنّ القدر الواجب من الوضوء رافع للممنوعية إجماعا، فهذا الأصل مزيل للاستصحاب المذكور.

______________________________

(1) ص 127.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 80، البحار 77: 268- 33.

(3) إرشاد المفيد 2: 229، كشف الغمة 2: 227، الخرائج و الجرائح 1: 335- 26.

(4) الكافي 3: 25 الطهارة ب 17 ح 4، الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 135

و الثانيين: ما مرّ من عدم دلالتهما على الزائد من الجواز و الاستحباب «1».

نعم، يعارض بهما ما يدلّ بظاهره على نفي الجواز، كموثّقة أبي بصير: قلت:

أمسح بما في يدي من الندى رأسي؟ قال: «لا، بل تضع يدك في الماء ثمَّ تمسح» «2» و قريبة من معناها صحيحة معمّر «3»

و رواية أبي عمارة «4».

و يرجّحان عليه بمخالفة العامة. مع أنّه ليس بحجّة حتى يصلح للمعارضة، لمخالفة عمل الأصحاب كافة، حيث يدلّ على وجوب الاستئناف مع البلّة.

و منه يظهر أنّها لا تصلح حجة للإسكافي الذي هو المخالف في المسألة، فيجوز المسح بالماء الجديد إمّا مطلقا، كما حكي عنه، أو إذا لم تبق نداوة الوضوء، كما هو ظاهر كلامه «5»، و لا إطلاق الآية، لأنّها بالنسبة إلى ما مر مطلقة فيجب التقييد به.

و قد يستدلّ له: بحسنة منصور: عمّن نسي أن يمسح رأسه حتى قام في الصلاة، قال: «ينصرف و يمسح رأسه و رجليه» «6» حيث إنّه لو كان ببقية البلل، لما احتاج إلى الانصراف. و قريبة منها رواية الكناني «7».

و فيه: أنّ المراد بالانصراف قطع الصلاة، و هو لأجل عدم تمامية الوضوء لا لتجديد الوضوء.

______________________________

(1) في ص 97 و ص 117.

(2) التهذيب 1: 59- 164، الاستبصار 1: 59- 174، الوسائل 1: 408 أبواب الوضوء ب 21 ح 4.

(3) التهذيب 1: 58- 163، الاستبصار 1: 58- 173، الوسائل 1: 409 أبواب الوضوء ب 21 ح 5.

(4) التهذيب 1: 59- 166، الوسائل 1: 409 أبواب الوضوء 21 ح 6.

(5) حكاه عنه المحقق في المعتبر 1: 147، و العلامة في التذكرة 1: 17، و المختلف: 24.

(6) التهذيب 1: 88- 233، 97- 254، الاستبصار 1: 75- 230، الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 35 ح 3.

(7) التهذيب 2: 200- 785، الوسائل 1: 370 أبواب الوضوء ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 136

و أمّا ما في رواية أبي بصير: فيمن نسي مسح رأسه و هو في الصلاة: «و إن شك فلم يدر مسح [أو لم يمسح ]

فليتناول من لحيته إن كانت مبتلّة و يمسح على رأسه، و إن كان أمامه ماء فليتناول منه فليمسح به رأسه» «1»، فهو خارج عن الوضوء قطعا، لعدم اعتبار هذا الشك.

ثمَّ مقتضى المرسلة و حسنة ابن أذينة و الرضوي، المتقدّمة «2» مؤيّدا بصحيحة زرارة «3»: وجوب كون المسح ببقية بلّة اليدين خاصة، و عدم جواز أخذها من مظانها من سائر أعضاء الوضوء أيضا مع بقائها في اليد.

و هو كذلك على الأظهر الأشهر، كما صرّح به بعض من تأخّر «4»، لما مرّ.

و به يقيّد بعض المطلقات المتقدمة «5».

و حمل المطلقات ككلمات الأصحاب على الغالب- كما في المدارك «6» و غرر المجامع- لا دليل عليه.

و أمّا مع جفافها: فيجوز الأخذ منها إجماعا، كما تدلّ عليه المرسلة، و روايتا مالك و خلف «7». و لا يلزم الاقتصار على الأشفار و الحاجب و اللحية، بل يجوز الأخذ من غيرها كالوجه و الذراع أيضا، لمفهوم قوله في المرسلة: «و إن لم يبق من بلّة وضوئك شي ء أعدت الوضوء».

و هل يقتصر من اللحية على موضع الوضوء منها، أم يتعدّى إلى غيره أيضا كالمسترسل؟

______________________________

(1) التهذيب 2: 201- 787، الوسائل 1: 471 أبواب الوضوء ب 42 ح 8. و ما بين المعقوفين من المصدر.

(2) في ص 133، 134.

(3) المتقدمة في ص 134.

(4) المفاتيح 1: 46.

(5) في ص 133.

(6) المدارك 1: 213.

(7) تقدم جميعها في ص 133.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 137

مقتضى إطلاق كثير مما مرّ: الثاني، و لكن المرسلة تخصّه بالأوّل، لمكان قوله: «فخذ ما بقي منه في لحيتك» حيث إنّ كون ما في غير محل الفرض منه ممنوع، فإذا حمل المطلق على المقيد- كما هو القاعدة- يفيد الاقتصار منها على موضع

الوضوء.

مع أنّ مقتضى منطوق قوله فيها: «و إن لم يبق من بلّة وضوئك» إلى آخره:

عدم جواز التعدّي، فيعارض الإطلاق بالعموم من وجه، و لعدم مرجّح يرجع إلى المقيّد، و مقتضاه الاقتصار، فعليه الفتوى.

و كون ماء المسترسل أيضا من نداوة الوضوء- كما قيل «1»- غير معلوم، إذ يمكن أن يكون المراد بالوضوء فيه ما حصل به الوضوء لا ما أخذ لأجله، بل الظاهر هو الأوّل، و لا شك أن ما في غير محل الفرض لم يحصل به الوضوء، أي الطهارة، و لو كان ما في المسترسل من بقية الوضوء، لجاز الأخذ مما تقاطر منه على الثوب أيضا، و لعلّه لا يقول به.

و منه يظهر عدم جواز الأخذ من الماء الذي في موضع مسح الرأس من غسل الوجه، إلّا في القدر المحتاج إليه من باب المقدمة، فإنّ الظاهر أنّه من نداوة الوضوء.

هذا، ثمَّ إنّ وجوب المسح بالبلة إنّما هو مع الإمكان. و أمّا لو تعذّر بقاؤها لريح أو حرّ أو نحوهما، فيلزم استئناف الماء الجديد له، لاستصحاب وجوب الغسلتين و المسحتين، و عدم تحقّق الأخيرين إلّا في ضمن جفاف الماسح، أو بلّته بنداوة الوضوء، أو بالماء الجديد، و بطلان الأوّل بالإجماع، و الثاني بالتعذّر، فلم يبق إلّا الثالث.

و منه يظهر ضعف تجويز الانتقال إلى التيمّم، لاستصحاب وجوب الغسل و المسح مع أصالة عدم مشروعيته.

______________________________

(1) شرح المفاتيح: (مخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 138

ه: لا تضرّ نداوة محل المسح قبله إن استهلكت في نداوة الماسح إجماعا.

و أمّا بدونه ففيه أقوال: صحة المسح معها، ذهب إليه الحلّي، و المحقق، و الفاضل في بعض كتبه «1»، و نسبه والدي إلى الأكثر، بل عن الثاني جواز إخراج الرّجل من الماء

و المسح عليه. و عدمها كذلك، اختاره الفاضل في المختلف، و والده «2»، و والدي طاب ثراهم. و الأول مع غلبة بلّة الماسح، و الثاني مع عدمها.

و ظاهر التذكرة و المنتهى: التردّد «3».

و الحقّ الثاني، لوجوب كون المسح ببلّة الوضوء، و تمتزج البلّتان بمجرد الوضع، فيصير ما في اليد غير نداوة الوضوء، إذ المركّب غير جزئه، و الماسح بالسكنجبين ليس ماسحا بالخلّ.

و أيضا: الضرورة قاضية بعدم الفرق بين المزج بالصب و بوضع اليد على البلّة، فعدم صدق المسح بالبقية في الثاني كما في الأوّل ممّا لا ريب فيه.

و ممّا ذكرنا يظهر عدم الفرق بين الماء و العرق و غيرهما.

للأوّل [1]: صدق الامتثال.

و فيه: أنّه إن أريد امتثال أوامر المسح فمسلّم، و لكن هنا أمرا آخر هو المسح بالبقية. و إن أريد امتثال جميع الأوامر فممنوع.

فإن قيل: الأمر الآخر ليس إلّا الأمر بالمسح باليد المبتلّة ببقية الوضوء و قد حصل.

قلنا: بل هو المسح ببلّة اليد، لا اليد المبتلّة، فإنّه معنى المسح بالبلّة و منها، و ذلك لا يكون إلّا بأن يمسح ببلّة اليد منفردة.

______________________________

[1] أي الدليل للقول الأوّل.

______________________________

(1) الحلي في السرائر 1: 104، و المحقق في المعتبر 1: 160، و العلامة في المنتهى 1: 64.

(2) المختلف: 26 و نقله عن والده.

(3) التذكرة 1: 18، المنتهى 1: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 139

و للثالث [1]: أنّ المزج القليل لا يمنع صدق المسح بالبلة.

قلنا: مسلّم في الصدق المجازي دون الحقيقي.

نعم، لو كانت بلّة الممسوح قدرا لا ينفصل منها شي ء يمتزج مع بلّة الماسح، اتّجه القول بالصحة، و إن كانت هي أيضا مساوية لها، إن قلنا بكفاية هذا القدر من البلة في المسح.

و: في اشتراط تأثير بلّة

الماسح في الممسوح، أي حصول بلّة منه فيه قولان، أحوطهما بل أظهرهما: الاشتراط، لأنّه المتبادر من المسح بالبلّة.

ز: يجب أن يكون المسح باليد. و هل يتعيّن فيه الكف، أو باطنه مطلقا، أو بلا ضرورة؟ فيه أقوال.

فالظاهر من الذكرى: تعيّن الكف بلا ضرورة، مع أولوية باطنه، و معها ينتقل إلى الذراع «1».

و منهم من قال بتعيّن الباطن، و مع العذر ينتقل إلى الظاهر ثمَّ إلى الذراع «2».

و منهم من قدّم التيمّم على الذراع.

أقول: مدلول صحيحة زرارة (و حسنته) [2] و الرضوي، المتقدّمة «3» بل المرسلة «4»: وجوب المسح باليد، و لكنّ في معنى اليد إجمالا، لاحتمال أن يكون المراد بها الكف كما في يد التيمم، أو مع الذراع كما في يد الوضوء، و مقتضى

______________________________

[1] أي الدليل للقول الثالث.

[2] لا توجد في «ه» و على تقدير صحة ما في المتن فلعلها إشارة إلى نفس الصحيحة حيث انها رويت بسندين أحدهما مشتمل على إبراهيم بن هاشم، و لأجله تعد حسنة.

______________________________

(1) الذكرى: 87.

(2) المدارك 1: 212.

(3) في ص 134.

(4) المتقدمة في ص 133.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 140

استصحاب وجوب المسح باليد و الحدث: تعيّن الكف.

و تؤيّده صحيحة البزنطي، المتقدّمة «1»، و صحيحة الأخوين، و فيها: «ثمَّ مسح رأسه و قدميه ببلل كفه» «2».

و ما في تفسير العياشي في وصف وضوء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله:

«و مسح رأسه بفضل كفيه و قدميه» «3».

و الطريقة المعهودة من الناس، فعليه الفتوى.

و أمّا تعيين الباطن: فلا دليل عليه و إن كان أحوط.

هذا مع عدم العذر، و أمّا معه فيجزي الذراع أيضا، لمطلقات المسح التي لم يعلم تقييدها بالكف إلّا في صورة عدم العذر.

ح: الظاهر جواز المسحين مقبلا و مدبرا،

وفاقا فيهما للعماني و المبسوط، و الإصباح، و الشرائع، و النافع، و المعتبر «4»، و جلّ المتأخّرين «5»، بل للمشهور، كما صرّح به غير واحد «6»، و في الرأس خاصة للحلّي «7»، و في الرّجل للنهاية، و الاستبصار، و المراسم، و المهذّب، و الجامع، و الإشارة «8».

______________________________

(1) في ص 127.

(2) الكافي 3: 25 الطهارة ب 17 ح 5، التهذيب 1: 76- 191، الوسائل 1: 388 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.

(3) تفسير العياشي 1: 298، المستدرك 1: 302 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.

(4) نقله عن العماني في المختلف: 24، المبسوط 1: 22، الشرائع 1: 22، المختصر النافع: 6، المعتبر 1: 151.

(5) منهم العلامة في المنتهى 1: 61، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 218، و الشهيد الثاني في الروضة 1: 76.

(6) منهم صاحب الرياض 1: 22 و 20.

(7) السرائر 1: 100.

(8) النهاية: 14، الاستبصار 1: 58، المراسم: 38، المهذب 1: 44، الجامع: 36، الإشارة:

71.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 141

للأصل، و الإطلاقات «1»، و صحيحة حماد: «لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا» «2».

و تزيد في الثاني صحيحته أيضا: «لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا» «3».

و صحيحة يونس: أخبرني من رأى أبا الحسن عليه السلام بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب و من الكعب إلى أعلى القدم، و يقول:

«الأمر في مسح الرجلين موسّع، من شاء مسح مقبلا و من شاء مدبرا، فإنّه من الأمر الموسّع» «4».

و خلافا فيهما للمحكي عن الصدوق «5»، و في الأوّل خاصة عن السيد، و النهاية، و الخلاف، و الاستبصار، و الوسيلة «6»، بل عن الخلاف و الانتصار الإجماع عليه، و في الثاني عن

الحلّي «7».

للاحتياط، و الوضوءات البيانية، و افتقار اليقين بالشغل إلى اليقين بالبراءة فيهما، و للإجماع المنقول في الأوّل، و لظاهر الآية «8» في الثاني.

و الأوّل غير صالح لإثبات الوجوب، و كذا الثاني. مع أنّه لا دلالة في البيانيات على ذلك. و الثالث مندفع: بحصول اليقين بما مرّ. و الرابع ليس

______________________________

(1) الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15.

(2) التهذيب 1: 58- 161، الاستبصار 1: 57- 169، الوسائل 1: 406 أبواب الوضوء ب 20 ح 1.

(3) التهذيب 1: 83- 217، الوسائل 1: 406 أبواب الوضوء ب 20 ح 2.

(4) الكافي 3: 31 الطهارة ب 19 ح 7، التهذيب 1: 83- 216، الاستبصار 1: 58- 170، قرب الإسناد: 306- 1200، الوسائل 1: 407 أبواب الوضوء ب 20 ح 3.

(5) الهداية: 17، الفقيه 1: 28.

(6) السيد في الانتصار: 19، النهاية: 14، الخلاف 1: 83، الاستبصار 1: 58، الوسيلة: 50.

(7) السرائر 1: 100.

(8) المائدة: 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 142

بحجة، سيما مع مخالفة العمدة. و الخامس محتمل لكون إلى غاية للممسوح.

إلّا أنه يكره النكس فيهما، للتفصّي عن الخلاف. و في خصوص الأوّل، لاتّباع الإجماع المنقول عن الانتصار و الخلاف. و في خصوص الثاني، لظهور الآية في كونها غاية للمسح.

و منه يظهر أنّ الأحوط فيه، بل الأظهر: عدم النكس، لعدم حجية الخبر المخالف لظاهر الكتاب، سيما مع معارضته لأخبار أخر متضمّنة للمسح إلى الكعبين، كما مرّت «1».

ط: الغسل لا يجزي عن المسح، و وجهه ظاهر. إلّا إذا تحقق معه، بأن كانت البلّة الباقية مشتملة على ما يتحقّق معه الجريان لو مسح بها، فإنّ الأظهر حينئذ الإجزاء إذا لم يقصد الغسل، لصدق الامتثال، فإنّ النسبة بين الغسل و المسح العموم

من وجه، فمادّة الاجتماع تجزي عن كلّ منهما، و وجود الآخر لا ينافيه.

و تدلّ عليه صحيحة النخعي: عن المسح على القدمين، فقال: «الوضوء بالمسح و لا يجب فيه إلّا ذلك، و من غسل فلا بأس» «2».

و مفهوم صحيحة زرارة: «لو أنك توضّأت و جعلت موضع مسح الرجلين غسلا ثمَّ أضمرت أنّ ذلك هو المفترض، لم يكن ذلك بوضوء» «3» فتأمّل.

و لا ينافيه التفصيل في الآية، لأنّه يقتضي المغايرة دون المباينة.

و لا مثل رواية ابن مروان: «يأتي على الرجل ستون و سبعون سنة ما قبل اللَّه منه صلاة» قلت: و كيف ذلك؟ قال: «لأنّه يغسل ما أمر اللَّه بمسحه» «4»، لأنّه

______________________________

(1) في ص 127.

(2) التهذيب 1: 64- 180، الاستبصار 1: 65- 195، الوسائل 1: 421 أبواب الوضوء ب 25 ح 13.

(3) الكافي 3: 31 الطهارة ب 19 ح 8، التهذيب 1: 65- 186، الاستبصار 1: 65- 193، الوسائل 1: 420 أبواب الوضوء ب 25 ح 12.

(4) الكافي 3: 31 الطهارة ب 19 ح 9، التهذيب 1: 65- 184، الاستبصار 1: 64- 191، و فيه بدل ابن مروان: محمّد بن سهل، علل الشرائع: 289، الوسائل 1: 418 أبواب الوضوء ب 25 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 143

لا يدلّ على النهي عن الغسل، بل على عدم كونه مأمورا به بنفسه، و لا ينافي ذلك الأمر به لأجل ما يتحقّق معه. مع أنّه ردّ على العامة الذين لا يقصدون إلّا الغسل.

ي: لو قطع بعض موضع المسح، مسح الباقي إجماعا. و لو قطع الكلّ، سقط كذلك، و يكتفي بسائر الأفعال، لأصالة بقاء وجوبها. و لا ينتقل إلى التيمّم، لعدم ثبوت التوقيف حينئذ.

السادس: الترتيب

، بأن يبدأ بالوجه ثمَّ

اليمنى ثمَّ اليسرى ثمَّ الرأس ثمَّ الرجلين، للإجماع، و استصحاب الحدث، و صريح النصوص «1».

فلو خالفه، أعاد الوضوء مع الجفاف، لفوات الموالاة. و ما [1] يحصّله بدونه، و يحصل بإعادة ما قدّمه بما بعده [2] دون ما قبله لو غسله بعده [3]، لحصول المطلوب، و ظاهر الوفاق، و المستفيضة. نعم لو لم يغسله بعد، غسله مقدما.

و يكفي قصد الترتيب مع عدمه حسّا بوقوع الوضوء في المطر، فينوي الأوّل فالأوّل، إذ بالقصد يتحقّق الغسل للوضوء. و عليه يحمل الخبر المجوّز له في المطر «2».

و الترتيب ركن يبطل الوضوء بتركه و لو نسيانا أو جهلا إجماعا، لاستصحاب

______________________________

[1] عطف على الوضوء، و الضمير الأوّل راجع إلى الترتيب و الثاني راجع إلى الجفاف، فالمراد أنه مع عدم الجفاف لا يعيد الوضوء بل يعيد ما يحصل به الترتيب.

[2] أي مع ما بعده.

[3] فإذا غسل وجهه- مثلا- بعد غسل اليدين يحصل الترتيب بإعادة غسل اليدين و لا حاجة إلى إعادة غسل الوجه، نعم لو بدأ بغسل اليدين و لم يغسل وجهه فاللازم عليه أن يغسله مقدما ثمَّ يغسل اليدين.

______________________________

(1) الوسائل 1: 448 أبواب الوضوء ب 34.

(2) التهذيب 1: 359- 1082، الاستبصار 1: 75- 231، الوسائل 1: 454 أبواب الوضوء ب 36 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 144

الحدث، و عدم الإتيان بالمأمور به، و الأخبار الواردة في خصوص الناسي «1».

و في وجوب الترتيب بين الرجلين بتقديم اليمنى على اليسرى و عدمه أقوال:

الأوّل: للمحكي عن الصدوقين «2»، و القديمين «3»، و الديلمي، و الكركي، و الشهيدين في اللمعة و الروضة، بل الشيخ في الخلاف مدّعيا عليه الإجماع «4»، إلّا أنه قال بعض الأجلة: إنّ ظاهره اليمين و اليسار من اليدين

«5».

للاستصحاب، و حسنة محمد: «و ذكر المسح فقال: امسح على مقدّم رأسك و امسح على القدمين و ابدأ بالشقّ الأيمن» «6».

و عموم المروي في رجال النجاشي: «إذا توضّأ أحدكم فليبدأ باليمين قبل الشمال من جسده» «7».

و المروي عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: إنّه كان إذا توضأ بدأ بميامنه» «8».

و الوضوءات البيانية «9».

و الثاني: للحلّي «10»، و الفاضلين «11»، و النفلية، و البيان «12»، و والدي- رحمه

______________________________

(1) الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 35.

(2) علي بن بابويه حكاه عنه في المختلف: 25، و الصدوق في الفقيه 1: 28.

(3) هما ابن أبي عقيل و ابن الجنيد حكاه عنهما في المختلف: 25.

(4) المراسم: 38، جامع المقاصد 1: 224، اللمعة: 18، الروضة 1: 77، الخلاف 1: 96.

(5) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 70.

(6) الكافي 3: 29 الطهارة ب 19 ح 2، الوسائل 1: 418 أبواب الوضوء ب 25 ح 1.

(7) رجال النجاشي: 5، الوسائل 1: 449 أبواب الوضوء ب 34 ح 4.

(8) مجالس الطوسي: 397، الوسائل 1: 449 أبواب الوضوء ب 34 ح 3.

(9) أنظر الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15.

(10) السرائر: 102.

(11) المحقق في الشرائع 1: 22، و المختصر النافع: 6، و المعتبر 1: 154، العلامة في المنتهى 1:

69، و التحرير 1: 10، و التذكرة 1: 18.

(12) النفلية: 5، البيان: 48.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 145

اللَّه- و نسب إلى الفقيه و المراسم «1»، و أضافه في غرر المجامع إلى الصدوقين أيضا، و نسبه جماعة منهم: المدارك و البحار و غيرهما إلى الشهرة المطلقة «2»، بل عن الحلّي أنه قال: لا أظنّ أحدا منّا يخالفنا في ذلك، و عن بعض فتاويه نفي

الخلاف فيه صريحا.

للأصل، و إطلاق الأوامر، و صدق الامتثال.

و الثالث، و هو: التفصيل بجواز المعية دون تقديم اليسرى، نقله في الذكرى «3» عن بعض، و اختاره جمع من متأخّري المتأخّرين «4».

للتوقيع المروي في الاحتجاج: عن المسح على الرجلين يبدأ باليمين أو يمسح عليهما جميعا؟ فخرج التوقيع: «يمسح عليهما جميعا معا، فإن كان بدأ بإحداهما قبل الأخرى فلا يبدأ إلّا باليمين» «5».

أقول: و لا يخفى أنه لا يثبت من قوله: «فلا يبدأ إلّا باليمين» إلّا مرجوحية الابتداء بغير اليمين، و أمّا الحرمة فلا. و لا من مفهومه إلّا رجحان الابتداء باليمين لو بدأ بإحداهما دون وجوبه، فلا يصلح التوقيع إلّا لنفي وجوب الترتيب و تجويز المعية. و على هذا فهو بالشهرة و نفي الخلاف المحكيين مجبور، مع أنه في نفسه صحيح و حجة، فيصلح لمعارضة ما مرّ دليلا للترتيب.

و تعارضه مع غير الحسنة بالخصوص المطلق، و كذا معها لو جعل قوله «و ابدأ» حكما برأسه من أحكام الوضوء شاملا للمسح و غيره، كما هو أحد الاحتمالين، فيجب تخصيص الجميع بالتوقيع و تجويز المعية.

و لو جعل متعلّقا بالمسح- كما هو الظاهر- فيحصل التعارض بالتساوي،

______________________________

(1) الفقيه 1: 27، المراسم: 38.

(2) المدارك 1: 222، البحار 77: 263.

(3) الذكرى: 89.

(4) منهم الحر العاملي في الوسائل 1: 448، و بداية الهداية 1: 10.

(5) الاحتجاج: 492، الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 34 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 146

و الترجيح للتوقيع، للأحدثية و موافقة إطلاق الكتاب. بل لو قطع النظر عن الترجيح فإما نقول بالتخيير بين المعية و الابتداء باليمين، أو يتساقطان و يرجع إلى الإطلاقات المجوّزة للمعية، فتجويزها ممّا لا مناص عنه.

و منه يظهر جواز البدأة باليسرى أيضا،

إذ بعد سقوط موجبات اليمين بمجوّزات المعية يبقى الأصل و الإطلاقات في البدأة باليسرى خاليا عن المعارض.

و توهّم أنّ الموجبات تمنع عن المعية و البدأة باليسرى، و بعد خروج الأول بالتوقيع يبقى الثاني، فاسد، إذ منعها منهما إنّما كان بلزومه لوجوب البدأة باليمين، فدلالتها على المنع التزامية ساقطة بعد سقوط المطابقة.

و كذا توهّم أنّها تدلّ على وجوب تقديم اليمنى مطلقا، خرج ما إذا أراد المعية فيبقى الباقي، إذ تجويز المعية عين نفي وجوب تقديم اليمين مطلقا، لجواز تركه في كلّ وقت، و ليس ذلك من باب الإطلاق من شي ء.

نعم، مع الاقتصار على تجويز المعية يكون الوجوب في الموجبات تخييريا، و هو أيضا مجاز لا ترجيح له على الحمل على الاستحباب.

السابع: الموالاة
اشاره

، و هي- بمعنى مراعاة عدم الجفاف بالمعنى الآتي «1»- واجبة بالإجماع المحقق و المحكي في الناصريات و المدارك «2» و غيرهما «3»، و النصوص:

كالموثّق: «إذا توضّأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوؤك فأعد وضوءك، فإنّ الوضوء لا يتبعّض» «4».

______________________________

(1) في ص 154.

(2) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 185، المدارك 1: 226.

(3) كالمنتهى 1: 70، و كشف اللثام 1: 70، و الرياض 1: 22.

(4) الكافي 3: 35 الطهارة ب 22 ح 7، التهذيب 1: 87- 230، الاستبصار 1: 72- 220، علل الشرائع: 289، الوسائل 1: 446 أبواب الوضوء ب 33 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 147

و الصحيح: ربما توضّأت فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت عليّ بالماء فيجفّ وضوئي، فقال: «أعد» «1».

و الرضوي: «فإن فرغت من بعض وضوئك و انقطع بك الماء قبل أن تتمه.

ثمَّ أوتيت بالماء فأتمم وضوءك إذا كان ما غسلته رطبا، فإن كان قد جفّ فأعد الوضوء، و إن

جفّ بعض وضوئك قبل أن تتم الوضوء من غير أن ينقطع عنك الماء فامض عليه، جفّ وضوؤك أم لم يجفّ» «2».

و إطلاقها كإطلاق بعض الأخبار الآمرة بإعادة الوضوء بنسيان بعضها «3» يشمل حال الاضطرار و الجهل أيضا.

و الموالاة بذلك المعنى أيضا ركن في الوضوء يبطل بتركها عمدا أو غير عمد.

و أما بمعنى المتابعة العرفية، بأن يعقب كلّ عضو بالسابق عليه عند كماله من دون مهلة عرفا، فهي ليس بركن قطعا، و لا تجب مراعاتها في حال الاضطرار، و لا يبطل بتركها الوضوء بالإجماع، للأصل، و مفهوم الموثّق، و منطوق الرضوي.

و كذا في حال الاختيار على الأصح، وفاقا للمحكي عن الكليني «4»، و الصدوقين، و الإسكافي «5»، و السيد في شرح الرسالة «6»، و القاضي، و الحلبي «7»، و الكيدري «8»، و الحلّي «9»، و الجمل و العقود، و المراسم، و الغنية، و الكامل،

______________________________

(1) الكافي 3: 35 ب 22 ح 8، التهذيب 1: 87- 231، الاستبصار 1: 72- 221، الوسائل 1:

447 أبواب الوضوء ب 33 ح 3.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 68، المستدرك 1: 328 أبواب الوضوء ب 29 ح 1.

(3) الوسائل 1: 446، 450 أبواب الوضوء ب 33 و ب 35.

(4) حكاه عنه في شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (مخطوط).

(5) حكاه عنهما و عن الإسكافي الشهيد في الذكرى: 91، و ما وجدناه من كلامهما مما يشعر به في الفقيه 1: 35.

(6) حكاه عنه العلامة في المنتهى 1: 70.

(7) القاضي في المهذب 1: 45، و الحلبي في الكافي في الفقه: 133.

(8) نقله عنه في الذكرى: 92.

(9) السرائر 1: 103.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 148

و الوسيلة، و الشرائع، و في النافع، و اللمعة، و الروضة، و

الذكرى، و الدروس، و البيان، و الألفية «1»، و اللوامع، بل هو المشهور كما به صرّح غير واحد «2».

للأصل، و صدق الامتثال، و الإطلاقات، سيما إطلاقات مصحّحات الوضوء، المتروك بعضه إذا اتي به بعده «3»، و مفهوم الموثّق.

خلافا للمنقول عن المقنعة، و النهاية، و التهذيب، و الخلاف، و الاقتصاد، و أحكام الراوندي، و المعتبر «4»، و كتب الفاضل «5»، و المبسوط «6»، فقالوا بوجوبها مع عدم إيجاب الإخلال بها لبطلان الوضوء، كما عن غير الأخير، أو مع إيجابه كما عنه.

للاحتياط، و أصل الاشتغال، و الوضوء البياني، و الفورية المستفادة في الآية «7» من الأمر أو الفاء أو الإجماع، فيجب إتمام الوضوء دفعة، و لعدم إمكانه يحمل [1] على الممكن، و هو تعقيب أفعاله بعضها لبعض من دون فصل.

و للأمر بإتباع أفعال الوضوء، كما في حسنة الحلبي: «أتبع وضوءك بعضه

______________________________

[1] في «ق» فيحمل.

______________________________

(1) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 159، المراسم: 38، الغنية (الجوامع الفقهية): 554، و الكامل نقله عنه في الذكرى: 91، الوسيلة 50، الشرائع 1: 22، المختصر النافع: 6، اللمعة: 18، الروضة 1: 77، الذكرى: 91 و 92، الدروس 1: 93، البيان: 49، الألفية:

29.

(2) منهم الشهيد الثاني في الروضة 1: 77، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 35.

(3) الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 35.

(4) المقنعة: 47، النهاية: 15، التهذيب 1: 87، الخلاف 1: 93، الاقتصاد: 243، فقه القرآن 1: 29، المعتبر 1: 156.

(5) منها المنتهى 1: 70، و التذكرة 1: 190، و القواعد 1: 11.

(6) المبسوط 1: 23.

(7) المائدة: 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 149

بعضا» «1» و خبر ابن حكيم: «إنّ الوضوء يتبع بعضه بعضا» «2».

و للنهي عن تبعيضه، كما في ذيل موثّقة

أبي بصير: «فإنّ الوضوء لا يتبعّض» «3».

و للأمر بإعادة الوضوء بترك بعض أفعاله نسيانا، كما في صدر خبر ابن حكيم: عن رجل نسي من الوضوء الذراع و الرأس، قال: «يعيد الوضوء».

و موثّقة سماعة: «من نسي مسح رأسه أو قدميه أو شيئا من الوضوء كان عليه إعادة الوضوء و الصلاة» «4» فإنّ الحكم بالإعادة يوجب المتابعة، إذ الترتيب لا يتوقّف عليها.

و للأمر بإعادة غسل الوجه إذا قدّم الذراع في صحيحة زرارة: «تابع بين وضوئك كما قال اللَّه، ابدأ بالوجه، فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه و أعد على الذراع، و إن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرّجل ثمَّ أعد على الرّجل» «5».

و في موثّقة أبي بصير: «إن نسيت فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك ثمَّ اغسل ذراعيك بعد الوجه، فإن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد غسل الأيمن ثمَّ اغسل الأيسر، و إن نسيت مسح رأسك حتى تغسل

______________________________

(1) الكافي 3: 34 الطهارة ب 22 ح 4، التهذيب 1: 99- 259، الاستبصار 1: 74- 228، الوسائل 1: 466 أبواب الوضوء ب 33 ح 1.

(2) الكافي: 3: 35 الطهارة ب 22 ح 9، علل الشرائع: 289- 1، الوسائل 1: 448 أبواب الوضوء ب 33 ح 6.

(3) الكافي 3: 35 الطهارة ب 22 ح 7، التهذيب 1: 87- 230، الاستبصار 1: 72- 220، علل الشرائع: 289، الوسائل 1: 446 أبواب الوضوء ب 33 ح 2.

(4) التهذيب 1: 102- 266، الوسائل 1: 370 أبواب الوضوء ب 3 ح 3.

(5) الكافي 3: 34 الطهارة ب 22 ح 5، الفقيه 1: 28- 89، التهذيب 1: 97- 251، الاستبصار 1: 73- 223، الوسائل 1: 448 أبواب الوضوء ب

34 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 150

رجليك فامسح رأسك ثمَّ اغسل رجليك» «1» و لو لا وجوب المتابعة، لما أمر بإعادة غسل الوجه.

و يضعّف الأول: بمنع كونه دليلا.

و الثاني: بعدم ثبوت الاشتغال بغير أفعال الوضوء.

و الثالث: بعدم إشعار في البيانيات بتحقّق المتابعة العرفية، و لو أشعرت، لما دلّت على وجوبها.

و أما قوله: «هذا وضوء لا يقبل اللَّه الصلاة إلّا به» فكونه بعد تلك البيانيات غير ثابت، و لو ثبت فدخول المتابعة في الإشارة غير مسلّم، لجواز كونها من الاتّفاقيات. مع أنّه لا ينطبق على قول أكثرهم «2» من عدم إيجاب تركها بطلان الوضوء.

و الرابع: بمنع استفادة الفورية من الآية، لعدم إفادة الأمر لها، و كون الفاء جزائية و هي لا تفيد التعقيب. مع أنّها لو أفادته، لكان مفادها فورية غسل الوجه بالإضافة إلى إرادة القيام، و لا قائل به.

و منه يظهر فساد دعوى الإجماع على كون هذا الأمر للفور «3»، مع أنّه في نفسه ممنوع.

و الخامس: باحتمال أن يكون المراد بإتباع الوضوء الترتيب، بل هو الذي يشهد به سياق ما يتضمّنه، و يدلّ عليه بيانه به في صحيحة زرارة، المذكورة.

و السادس: بأنّ عدم التبعيض لا يدلّ على وجوب المتابعة، إذ يمكن أن يكون المراد عدمه في إبقائه، بأن يترك البعض حتى يجف ما قبله، فإنّ ما جفّ فكأنّه انعدم. بل تعليل الإعادة مع التفريق حتى ييبس به قرينة على أنّ المراد منه

______________________________

(1) الكافي 3: 35 الطهارة ب 22 ح 6، التهذيب 1: 99- 258، الاستبصار 1: 74- 227، الوسائل 1: 452 أبواب الوضوء ب 35 ح 8.

(2) منهم الشيخ في الاقتصاد: 243، و الراوندي في فقه القرآن 1: 29، و العلامة في

المنتهى 1: 70.

(3) ادعاه العلامة في المنتهى 1: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 151

ذلك دون مطلق التفريق، فإنّه لا يناسب مفهوم الغاية.

مع أنّه لو أريد المطلق، لزم البطلان بدون الجفاف، حيث علّل الإعادة بأنّ الوضوء لا يتبعّض، و أكثرهم لا يقولون به.

و السابع: بعدم تعيّن كون إعادة الوضوء أو الوجه لأجل فوت الموالاة، بل لعلّها تعبدية، أو لعلّة اخرى. و بالمعارضة مع ما نفى الإعادة عند تقديم بعض الأعضاء أو نسيانه من الأخبار «1».

مضافا إلى عدم دلالة صدر خبر ابن حكيم على وجوب الإعادة، و دلالة الموثّقة الأولى على أنّ التذكّر بعد الصلاة، لأنّه المتبادر من الأمر بإعادة الصلاة، و معه يحصل الجفاف المبطل قطعا، و جواز كون المراد بالبدأة بالوجه في الصحيحة جعله ابتداء للوضوء لا إعادة غسله لو كان غسله، أو كون علّتها تحصيل مقارنة النية دون المتابعة، و هو المحتمل في الموثّقة الأخيرة أيضا.

مع أنّ المستفاد من ذيلهما: عدم كون إعادة الوجه لفوات الموالاة، و إلّا وجب في الصورتين الأخيرتين أيضا.

و أيضا: ليس فيهما إشعار بوقوع فصل بعد غسل الوجه، فالحكم بأنّ إعادته لفوات المتابعة لا يتمّ إلّا بارتكاب تقييد ليس أولى من ارتكاب التقييد بالجفاف، أو التجوّز في الإعادة، و كذا تخصيص ما يعمّ صورة الاضطرار من تلك الأخبار بحال الاختيار الذي هو محل الخلاف.

فروع:

أ: الجفاف المبطل هو جفاف جميع ما تقدّم، فلا يبطل بجفاف البعض على الأظهر الأشهر، وفاقا للمحكي عن ظاهر الخلاف، و النهاية «2»، و الكامل «3»،

______________________________

(1) انظر الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 35.

(2) الخلاف 1: 94، النهاية: 15.

(3) حكاه عن الكامل في الرياض 1: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 152

و الكافي

للحلبي «1»، و المعتبر، و المنتهى، و التذكرة، و نهاية الإحكام، و البيان «2»، و والدي العلّامة رحمه اللَّه.

لاستصحاب بقاء الصحة، و جواز أخذ البلل من الوجه للمسح إن لم يبق على اليدين، بالنصّ كما مرّ «3»، بل قيل بالإجماع أيضا «4»، و فيه نظر [1]، و ظاهر الأخبار المصرّحة بالبطلان بجفاف الوضوء «5» أو ما غسل، الظاهر في جفاف الجميع أو المحتمل له، و هو كاف أيضا، و مفهوم الشرط في قوله: «و إن لم يبق من بلّة وضوئك شي ء» و قوله: «و إن لم يكن في لحيته بلل» في مرسلة الفقيه، و رواية مالك المتقدّمتين «6» في مسألة المسح بالبلّة، و لا يضرّ اختصاصهما بالناسي، لعدم الفاصل، و صحيحة حريز الآتية «7».

و خلافا للناصريات، و السرائر، و عن المراسم، و المهذب، و الإشارة «8»، فقالوا: هو جفاف العضو السابق المتصل، لأنّ الموالاة اتباع الأعضاء بعضها بعضا، فالجفاف و عدمه إنّما يعتبران في العضوين المتّصلين.

و يردّ: بأنّ تماميتها فرع وجود دليل على اعتبار مطلق الموالاة، و استلزامها لما ذكر و الأول مفقود، و الثاني ممنوع.

______________________________

[1] لأن الإسكافي بل المعتبر لنداوة الأقرب لا يسلّمه البتة، و إن سلّمه فهذا لا يصلح دليلا لأنّه يكون مستثنى عن محل النزاع «منه رحمه اللَّه».

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 133.

(2) المعتبر 1: 157، المنتهى 1: 70، التذكرة 1: 19، نهاية الأحكام 1: 49، البيان: 49.

(3) في ص 136.

(4) القائل هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 71، و صاحب الرياض 1: 23.

(5) الوسائل 1: 446 أبواب الوضوء ب 33.

(6) في ص 133.

(7) في ص 153.

(8) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 185، السرائر 1: 103، المراسم: 38، المهذب 1: 45، الإشارة: 71.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 153

و للإسكافي «1»، فجفاف البعض مطلقا، ليقرب من الموالاة الحقيقية، و لإطلاق جفاف الوضوء المبطل بالأخبار، و العلّة المنصوصة في الموثّقة بقوله: «فإنّ الوضوء لا يتبعّض» «2» فإنّها جارية في جفاف البعض أيضا.

و يجاب عنه: بمنع اعتبار الموالاة الحقيقية، ثمَّ ما يقرب منها عند تعذّرها لو اعتبرت، و منع إطلاق الجفاف كما مرّ «3»، و لزوم تقييده بجفاف الكلّ- لما مرّ- لو كان، كتخصيص العموم المستفاد من قوله: «لا يتبعّض» الشامل لجميع أنواع التبعض.

مع أنّ التحقيق أنّ في معنى عدم تبعّض الوضوء هنا إجمالا لا يتم الاستدلال به في غير موضع النص.

ب: مقتضى إطلاقات الغسل و المسح، و استصحاب صحة ما فعل:

الاقتصار في الإبطال بجفاف الكلّ على القدر الثابت من أدلّته، و هو البطلان بالجفاف مع التأخير خاصّة. فلا يبطل به بدونه، كما في شدّة الحرّ أو الريح أو مثلهما، وفاقا للصدوقين في الرسالة و المقنع «4»، بل الظاهر عن الذكرى «5»- كما قيل «6»- كونه وفاقيا بين الأصحاب.

و يدلّ عليه أيضا: ذيل الرضوي المتقدّم «7»، و صحيحة حريز عن الصادق عليه السلام، كما عن مدينة العلم، و إن وقف على حريز في التهذيب و غيره: في الوضوء يجفّ، قال: قلت: فإن جفّ الأوّل قبل أن أغسل الذي يليه، قال:

______________________________

(1) نقله عنه في الذكرى: 17.

(2) المتقدمة في ص 149.

(3) في ص 152.

(4) نقله عن الرسالة في الفقيه 1: 35، المقنع: 6.

(5) الذكرى: 92.

(6) الرياض 1: 23.

(7) ص 147.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 154

«جفّ أو لم يجف اغسل ما بقي» «1».

و حمله على التقية- كما قيل «2»- غير سديد، إذ لا يحتاج توجيه ما ليس باقيا على إطلاقه

إليه، فإن التقييد توجيه أحسن و أشهر.

خلافا للمحكي عن الشهيد عند الاختيار «3»، لأخبار البطلان بالجفاف «4».

و يضعف: باختصاصها بصورة التأخير، مع أنّها لو تمّت لعمّت حالة الضرورة أيضا، و انتفاء الحرج لا يفيد، لأنّ الانتقال الى التيمّم ممكن.

و لا يختص البطلان بالجفاف مع التأخير بغير صورة النسيان، لعموم الموثّقة الأولى، و خصوص الثانية «5». و لا بغير حال الضرورة، للأول.

ثمَّ الصحة مع الجفاف إنّما هي إذا لم تتمّ الغسلات، و إلّا اتّجه البطلان لئلّا يستأنف الماء للمسح.

ج: التأخير الذي لم يجامعه الجفاف لا يبطل و لا يحرم و لو تفاحش، كما صرّح به والدي رحمه اللَّه، للأصل.

و الشهيد «6» حرّمه مع التفاحش في الاختيار، للنهي «7» عن تبعيض [1] الوضوء الصادق عليه.

و يضعّفه: منع الصدق.

______________________________

[1] في «ح» و «ق» تبعض.

______________________________

(1) التهذيب 1: 88- 232، الاستبصار 1: 72- 222، الوسائل 1: 447 أبواب الوضوء ب 33 ح 4، و رواها في الذكرى: 91 عن مدينة العلم للصدوق.

(2) القائل هو الشيخ في الاستبصار 1: 72.

(3) الدروس 1: 193.

(4) الوسائل 1: 446 أبواب الوضوء ب 33.

(5) المتقدمتين في ص 146 و 149.

(6) الدروس 1: 93، البيان: 49.

(7) تقدم في ص 149.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 155

و قال والدي طاب ثراه: لو بلغ التفاحش حدّا يبطل الوحدة و الصورة، لم يبعد الحكم بالبطلان و الحرمة.

و هو أيضا خال عن الحجّة، و الأصل معه مستند في غاية القوة.

د: المعتبر في الجفاف الحسّي. فلو لم يحصل لعارض، كرطوبة الهواء أو إسباغ الوضوء في مدة لو اعتدل لجفّ قبلها و لو بكثير، صحّ الوضوء، لتعليق الإعادة على الجفاف الغير الصادق على التقديري لغة و عرفا.

و أمّا ما اعتبره الأكثر

في الجفاف من اعتدال الهواء «1»، فالظاهر- كما قاله المتأخّرون «2»- أنّه لإخراج طرف الإفراط في الحرّ حيث إنّ زوال البلل حينئذ مغتفر، إلّا أن يقال في العرف إنّه أخّر لا لإخراج طرف رطوبة الهواء.

ثمَّ مقتضى عدم اعتبار التقديري و لا الحسّي بدون التأخير: أنّه لو جفّف ما غسله أولا أو جفّ لشدة الحرّ ثمَّ أخّر، لم يبطل. و لا بأس بالتزامه و إن استبعد ظاهرا.

الثامن: مباشرة المكلّف أفعال الوضوء بنفسه حال الاختيار
اشارة

إجماعا، كما عن نهاية الإحكام، و روض الجنان، و في الانتصار، و المعتبر، و المنتهى «3» و اللوامع، لأنّها مقتضى أمر المكلّف بها في الكتاب و السنّة، لاقتضائه الامتثال المتوقّف على المباشرة، مؤيّدا بالوضوءات البيانية.

و خلاف الإسكافي «4» و عدّها من السنن شاذ.

و استدلاله بأصل البراءة مدفوع: بما ذكر.

و بالقياس على إزالة الخبث: بوجود الفارق، و هو اختلاف الوجوب فيهما بالشرعية و الشرطية.

______________________________

(1) منهم الشيخ في المبسوط 1: 23، و المحقق في المعتبر 1: 157، و صاحب الحدائق 2: 356.

(2) منهم الشهيد في الذكرى: 92، و صاحب الرياض 1: 23.

(3) روض الجنان: 43، الانتصار: 29، المعتبر 1: 162، المنتهى 1: 72.

(4) حكاه عنه في المختلف: 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 156

و بالمروي في تفسير العياشي: «أنّ قنبر مولى أمير المؤمنين عليه السلام ادخل على الحجاج فقال له: ما الذي كنت تلي من أمر علي بن أبي طالب عليه السلام؟

قال: كنت أوضّيه» «1»: بعدم حجيته، لضعفه، مع احتمال إرادة الصب من التوضئة.

و وجوب المباشرة مخصوص بأفعال الوضوء الواجبة أصلا، فلا بأس بتولية الغير في غيرها ممّا يجب من باب المقدّمة، كتحصيل الماء و إحضاره، بل صبّه على الكف، للأصل، و عدم تعلّق أمر بها على المكلّف بخصوصه، بل

وجوبها من باب المقدمة، فلا تجب مع تحقّقها كيف ما كان.

مضافا في الأول إلى استفاضة النصوص بأنّهم كانوا يأمرون بإحضار الماء للوضوء «2».

و في الثاني إلى أنّه ليس إلّا مثل أخذ الماء من نحو الميزاب، و إلى صحيحة الحذّاء: «وضّأت أبا جعفر عليه السلام و قد بال فناولته ماء فاستنجى، ثمَّ صببت عليه كفّا غسل به وجهه، و كفّا غسل به ذراعه الأيمن، و كفّا غسل به ذراعه الأيسر، ثمَّ مسح بفضل الندى رأسه و رجليه» «3».

و المروي في مجالس الصدوق: «كانت جارية لعلي بن الحسين عليه السلام تسكب الماء عليه و هو يتوضّأ للصلاة، فسقط الإبريق من يد الجارية» «4» الحديث.

و كون الصب فيهما في حال الضرورة و إن كان محتملا و لكنه بعيد، لأنّها لو كانت، لذكرها.

و لا ينافي ما ذكر: خبر الوشاء: دخلت على الرضا عليه السلام و بين يديه

______________________________

(1) تفسير العياشي 1: 359، المستدرك 1: 322 أبواب الوضوء ب 24 ح 10.

(2) الوسائل 1: 401 أبواب الوضوء 16.

(3) التهذيب 1: 79- 204، الاستبصار 1: 58- 172، الوسائل 1: 391 أبواب الوضوء ب 15 ح 8.

(4) أمالي الصدوق: 168، المستدرك 1: 345 أبواب الوضوء ب 41 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 157

إبريق يريد أن يتهيّأ منه للصلاة، فدنوت لأصبّ عليه، فأبى ذلك و قال: «مه» فقلت: لم تنهاني أن أصبّ عليك، تكره أن أوجر؟ قال: «تؤجر أنت و أوزر أنا» فقلت له: و كيف ذلك؟ فقال: «أما سمعت اللَّه يقول فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً «1» و ها أنا ذا أتوضّأ للصلاة و هي العبادة، فأكره أن يشركني فيها أحد»

«2».

و المروي في الفقيه و العلل و المقنع: كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا توضّأ لم يدع أحدا يصبّ عليه الماء، و قال: «لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا» «3».

و في إرشاد المفيد: «دخل الرضا عليه السلام يوما و المأمون يتوضّأ للصلاة و الغلام يصبّ على يده الماء، فقال: «لا تشرك يا أمير المؤمنين بعبادة ربك أحدا» فصرف المأمون الغلام و تولّى تمام الوضوء بنفسه «4».

لاحتمال أن يكون الصب على أعضاء الغسل الذي يحصل به الغسل.

مع أنّ في إثبات التحريم بها نظرا.

أمّا الأولان: فلأنّ غاية ما يدلّان عليه منعه- عليه السلام- عن الصب عليه، و عدم رضاه به، و هو لا يدلّ على حرمته شرعا، فإنّ طلبه لترك الصب حتما قد يكون لإرادته اجتنابه عن المكروه.

و أمّا قوله: «و أوزر» فالمراد منه ليس حقيقته التي هي الثقل، فيمكن أن يكون مجازه ارتكاب المكروه و حطّ الأجر، فلا يدلّ على الحرمة.

و كذا قوله: «و لا يشرك» لأنّه وقع جزاء لرجاء اللقاء، فلا يثبت منه شي ء

______________________________

(1) الكهف: 110.

(2) الكافي 3: 69 الطهارة ب 46 ح 1، التهذيب 1: 365- 1107، الوسائل 1: 476 أبواب الوضوء ب 47 ح 1.

(3) الفقيه 1: 27- 85، علل الشرائع: 278- 1، المقنع: 4، الوسائل 1: 477 أبواب الوضوء ب 47 ح 2.

(4) إرشاد المفيد 2: 269، الوسائل 1: 478 أبواب الوضوء ب 47 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 158

سوى الاستحباب.

و أمّا الثالث: فلضعفه و عدم ثبوت الجابر له.

و على هذا، فيمكن القول بجواز الصب على العضو أيضا لو لم يكتف بالغسل الحاصل منه في جزء من العضو، بل غسل هو نفسه بالماء المصبوب إن تحقّق معه أقلّ

الجريان.

و الأحوط تركه، بل لا شك في كراهته، لما مرّ. بل في كراهة الصب على اليد أيضا، لفتوى جماعة من العلماء «1»، و إطلاق المروي في الفقيه و أخويه.

و تجوز التولية حال الاضطرار على ما صرّح به الأصحاب «2»، بل في المعتبر أنّه متّفق عليه بين الفقهاء «3»، و في المنتهى أنّه إجماعي «4».

و الحجة فيه- بعد الإجماع- صحيحة ابن خالد و فيها: إنّ الصادق عليه السلام ذكر أنّه كان وجعا شديد الوجع، فأصابته جنابة و هو في مكان بارد، و كانت ليلة شديدة الريح باردة [قال:] «فدعوت الغلمة فقلت لهم: احملوني فاغسلوني، فقالوا: إنّا نخاف عليك، فقلت: ليس بدّ، فحملوني و وضعوني على خشبات ثمَّ صبوا عليّ الماء فغسلوني» «5».

و الأخبار الواردة بتولية الغير تيمّم المجدور و الكسير «6»، و لا قائل بالفرق بين الطهارات.

و الاستدلال بمثل قوله عليه السلام: «الميسور لا يسقط بالمعسور» «7» و بأنّه

______________________________

(1) منهم الشيخ في النهاية: 17، و الشهيد في الدروس 1: 93، و صاحب الرياض: 27.

(2) منهم السيد في الانتصار: 29، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 43، و صاحب المدارك 1: 240.

(3) المعتبر 1: 162.

(4) المنتهى 1: 73.

(5) التهذيب 1: 198- 575، الاستبصار 1: 162- 563، الوسائل 1: 478 أبواب الوضوء ب 48 ح 1.

(6) الوسائل 3: 346 أبواب التيمم ب 5 ح 1 و 10 و 12.

(7) عوالي اللئالي 4: 58- 205.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 159

توصّل إلى الطهارة بالممكن فيكون واجبا، ضعيف.

فروع:

أ: لو أمكنت المباشرة في البعض، وجبت إذا كان عضوا تاما، للأمر بغسله المقتضي للمباشرة، كما مرّ.

و في وجوبها إن أمكنت في بعض من عضو احتمال، و عدمه أظهر.

ب: لو احتاجت

التولية إلى أجرة مقدورة وجبت، لوجوب مقدمة الواجب، إلّا إذا كان بذلها مضرّا بحاله.

ج: النية عند تولية الغير على المكلّف نفسه، وفاقا للقواعد «1» و اللوامع، لأنّ الواجب عليه، فينوي القبول، لا على المباشر، كما هو ظاهر المدارك «2».

د: لو أمكن الغمس في الماء، وجب، و لا تجوز التولية، و وجهه ظاهر.

ه: لو توقفت تولية الغير على إجباره أو لمس غير المحرم، فالظاهر سقوطها. [ثمَ ] [1] لو استنابه مع ذلك أثم، بل الأظهر بطلان وضوئه، لأنّ القبول لا يحصل إلّا بمسّ عضو المجبور أو غير المحرم، و هما منهيان عنهما.

و: لو كان المنوب عنه أعمى لا يرى عمل النائب، وجب عليه تحصيل العلم بصحة العمل. و لو لم يمكن، وجب استنابة العدل أو إقامة ناظر عدل.

و حمل أفعال المسلم على الصحة مطلقا حتى في مثل المقام غير ثابت.

ز: لا بأس بتعدّد النوّاب و لو في عضو واحد، للأصل. و لا يلزم على المستنيب تجديد النية بتجدد النائب.

ح: لو تمكن من الغسل و لم يتمكّن من رفع اليد، يجب عليه الاقتصار في الاستنابة على الرفع، و الوجه ظاهر. و لو لم يتمكّن من الغسل مستقلّا و لكن أمكنه الشركة مع النائب، بحيث لم يكن كلّ منهما غاسلا، فالظاهر عدم وجوب

______________________________

[1] في «ح» نعم. و في «ق» كلمة متشابهة. و لا توجد في «ه». و ما أثبتناه أنسب.

______________________________

(1) القواعد 1: 10.

(2) المدارك 1: 240.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 160

التشريك.

و كذا لو لم يتمكّن بنفسه من إمرار اليد على العضو و لكن أمكن أن يمرّ أحد يده عليه، لا يجب عليه ذلك.

ط: يتحقق الاضطرار بعدم الإمكان و بحصول العسر و الحرج، و على الثاني لو تحمّله

و توضّأ بنفسه، فالظاهر البطلان، إذ ليس الحرج من الدين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    160     الثاني عشر: أن يكون في المكان المباح ..... ص : 160

التاسع: أن يكون بالماء المطلق

، فلا يجوز بالمضاف و لو اضطرارا، و تدلّ عليه الآيات و الأخبار المصرّحة بوجوب التيمّم عند عدم الماء «1» الذي هو حقيقة في المطلق، و قد مرّ في بحث المياه «2».

العاشر: أن يكون بالماء الطاهر

، فلا يجوز بالنجس بالإجماع، بل الضرورة، و استفاضة النصوص المعتبرة «3» المتقدّمة كثير منها في بحث المياه، و منها المروي في تفسير النعماني- المنجبر بما ذكر- عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام:

«إنّ اللَّه تعالى فرض الوضوء على عباده بالماء الطاهر» «4».

الحادي عشر: أن يكون بالماء المباح

، فلا يجوز بالمغصوب، للنهي المفسد للعبادة.

الثاني عشر: أن يكون في المكان المباح

، فيبطل الوضوء في المغصوب من المكان إذا كان مجموع الهواء المحيط بالمتوضّئ مغصوبا. و لا يبطل الوضوء بالاستقرار على شي ء مغصوب كآجر أو فرش أو نعل ممّا يختص الغصب به و لا يتبعه الهواء.

و يأتي الوجه في ذلك و في التفرقة في بحث التيمّم في المكان المغصوب.

تتميم: هل يشترط في صحة الوضوء طهارة العضو قبل التوضؤ أم لا؟

الظاهر الثاني. و يأتي تحقيقه في بحث الغسل.

______________________________

(1) الوسائل 3: 342 أبواب التيمم ب 2.

(2) ج 1 ص 130 المسألة الأولى.

(3) الوسائل 1: 169 أبواب الماء المطلق ب 13.

(4) تفسير النعماني (المطبوع في البحار) 93: 28، المستدرك 1: 289 أبواب الوضوء ب 1 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 161

الفصل الرابع: في آدابه.
اشارة

و هي بين مستحبة و مكروهة نذكرهما في بحثين:

البحث الأول: في مستحباته

، و هي أمور:

منها: وضع الإناء على اليمين، للشهرة «1»، بل الإجماع كما في اللوامع، و النبويين أحدهما: «إنّ اللَّه يحبّ التيامن في كلّ شي ء» «2» و الآخر: «إنّه كان يحبّ التيامن في طهوره و فعله و شأنه كله» «3».

و لا ينافيه ما في الصحيح: «فدعا بقعب فيه شي ء من ماء ثمَّ وضعه بين يديه» «4»، لجواز تركه المستحب، و عدم دلالته على الاستحباب.

مع إمكان حمل الوضع بين يديه على الوضع على اليمين، لصدقه عليه عرفا. فالقول بأولوية الوضع بين الجانبين اتّباعا للرواية- كما في الغرر و غيره «5»- غير جيّد.

و المصرّح به في كلام جماعة: اختصاص الحكم بما يغترف منه باليد «6»، و أمّا

______________________________

(1) و من القائلين به المحقق في المعتبر 1: 164، و العلامة في القواعد 1: 11، و الشهيد الثاني في الروض: 40.

(2) عوالي اللئالي 2: 200- 101، و ورد مضمونه في مسند احمد 6: 94، 130، 202.

(3) سنن النسائي 1: 78 باب بأي الرجلين يبدأ بالغسل.

(4) الكافي 3: 25 الطهارة ب 17 ح 4، الفقيه 1: 24- 74، الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15 ح 2.

(5) مجمع الفائدة و البرهان 1: 114.

(6) منهم العلامة في القواعد 1: 11، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 229، و صاحب المدارك 1: 224.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 162

ما يصبّ منه من الإناء الضيّق الرأس، فقيل باستحباب وضعه على اليسار «1».

و التحقيق: أنّ كلام القوم في مثله مختلف، فلا يثبت منه حكم بالشهرة و نحوها، و لا بأحاديث التيامن، لعدم صدقه على وضعه باليسار و هو ظاهر.

و أسهليّة صبّ الماء على اليمين

حينئذ غير كافية في إثبات استحبابه. و لا على وضعه باليمين، لاحتياجه إلى صبّ الماء منه في اليسار أو أخذه بها. فكون محض وضعه على اليمين من التيامن المحبوب غير معلوم، فالحقّ عدم ثبوت استحباب فيه.

و منها: الاغتراف من الماء باليمين، لما مرّ، و للمروي في الكافي في باب علّة الأذان: «فتلقّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، الماء بيده اليمنى، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين» «2» و الوضوءات البيانية المتضمّنة لاغترافهم بها «3».

و إطلاق أكثرها يشمل ما لو كان الاغتراف بالأخذ من الإناء، أو بالصبّ منه في الكف.

و إطلاق كلام جماعة- بل ربما نسب إلى المشهور- استحبابه و لو لغسل اليمنى بالإدارة إلى اليسار «4». و هو كذلك.

لا لما قيل من إطلاق التيامن «5»، و لا لصحيحة محمّد في الوضوء البياني: «إلا أحكي لكم وضوء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله؟ قلت: بلى، قال: فأدخل يده في الإناء» إلى قوله: «ثمَّ أخذ كفا آخر بيمينه فصبّه على يساره ثمَّ غسل به ذراعه الأيمن» الحديث «6».

______________________________

(1) القائل هو العلامة في نهاية الإحكام 1: 53.

(2) الكافي 3: 485 الصلاة ب 105 ح 1، الوسائل 1: 390 أبواب الوضوء ب 15 ح 5.

(3) الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15.

(4) نسبه الى المشهور في الحدائق 2: 154.

(5) الرياض 1: 25.

(6) الكافي 3: 24 الطهارة ب 17 ح 3، الوسائل 1: 391 أبواب الوضوء ب 15 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 163

لضعف الأول: بمنع شمول التيامن لمثل ذلك أيضا. و الثاني: بأنّه إنّما يتم لو كان المستتر في «قال» راجعا إلى الإمام حتى يكون البيان بالقول، فإنّ الظاهر حينئذ استحباب ذلك، لبعد

ذكر الإمام له لولاه. و أمّا لو كان راجعا إلى الراوي حتى يكون بالفعل فلا، إذ غايته أنّ الإمام فعل كذلك، و يمكن أن يكون اتّفاقيا. مع أنه تعارضه أخبار أخر مصرّحة باغترافه صلّى اللَّه عليه و آله باليسرى لليمنى «1».

بل للمروي في تفسير العياشي عن مولانا الرضا عليه السلام: قلت: فإنّه قال: اغسلوا أيديكم إلى المرافق فكيف الغسل؟ قال: «هكذا أن يأخذ الماء بيده اليمنى فيصبّه في اليسرى ثمَّ يفيضه على المرفق ثمَّ يمسح إلى الكف» «2» الحديث.

و لا تعارضه أحاديث اغترافه باليسرى لليمنى، لعدم دلالتها على الاستحباب، و معارضتها مع مخالفتها كما مرّ.

و منها: غسل كلّ من الوجه و اليسرى و مسح الرأس و الرجل اليمنى باليمنى. و أمّا الرجل اليسرى فيستحب مسحها باليسرى.

و الظاهر عدم الخلاف في شي ء منه.

مضافا إلى الوضوءات البيانية في الغسلين، و إلى صحيحة زرارة: «و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك، و بما بقي من بلّة يمينك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلّة يسارك ظهر قدمك اليسرى في المسحين» «3».

و لا يجب ذلك، للأصل، و خلوّ الأخبار عن الدالّ على الوجوب. و يجوز غسل الوجه باليدين، كما مرّ «4».

و منها: التسمية حين إرادة الوضوء قبل مس الماء، و عند وضع اليد فيه،

______________________________

(1) الوسائل 1: 387، أبواب الوضوء ب 15.

(2) تفسير العياشي 1: 300- 54، المستدرك 1: 311 أبواب الوضوء ب 18 ح 2.

(3) الكافي 3: 25 الطهارة ب 17 ح 4، الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15 ح 2.

(4) في ص 99.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 164

بأن يقول في كلّ من الحالين: «بسم اللَّه و باللَّه، اللهم اجعلني من التوّابين و اجعلني من المتطهّرين».

أمّا الأول: فللمروي في

الخصال: «لا يتوضأ الرجل حتى يسمّي، يقول قبل أن يمسّ الماء: بسم اللَّه و باللَّه» «1» إلى آخره.

و أما الثاني: فلصحيح زرارة: «إذا وضعت يدك في الماء فقل: بسم اللَّه و باللَّه» «2» إلى آخره.

و عند [1] وضع الماء على الجبين يقول: بسم اللَّه، لصحيحته أيضا: «ثمَّ غرف ملأها ماء فوضعها على جبينه ثمَّ قال: بسم اللَّه، و سدله» «3».

و تستحب التسمية على النحو المذكور في الحالات المذكورة من حيث هي هي.

و يستحب قول: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم» في أول الوضوء أيضا، للمروي في تفسير الإمام: «و إذا قال في أول وضوئه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، طهرت أعضاؤه كلّها من الذنوب» «4».

و يدلّ عليه أيضا: ظاهر ما دلّ على استحباب التسمية على الوضوء، كموثّقة عيص «5»، و مرسلة ابن أبي عمير «6»، أو استحبابها مع الدعاء إذا توضّأ،

______________________________

[1] في «ح» حين.

______________________________

(1) المحاسن: 46- 62، الخصال: 628، الوسائل 1: 426 أبواب الوضوء ب 26 ح 10.

(2) التهذيب 1: 76- 192، الوسائل 1: 423 أبواب الوضوء ب 26 ح 2.

(3) الكافي 3: 25 الطهارة ب 17 ح 4، الفقيه 1: 24- 74، الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15 ح 2.

(4) تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 521.

(5) الفقيه 1: 31- 101، التهذيب 1: 358- 1073، الاستبصار 1: 67- 203، الوسائل 1:

423 أبواب الوضوء ب 26 ح 3.

(6) الكافي 3: 16 الطهارة ب 12 ح 2، التهذيب 1: 358- 1074، الاستبصار 1: 67- 204، الوسائل 1: 424 أبواب الوضوء ب 26 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 165

كمرسلة الفقيه «1».

و أمّا ما دلّ على استحبابها في الوضوء، كمرسلة ابن أبي عمير فيدلّ على الاستحباب حال الوضوء

مطلقا، لا في حالة معيّنة، و ظاهره الأثناء، و في بعض الأخبار كمرسلة الفقيه، و خبر أبي بصير: «أنّه يتوضّأ فيذكر اسم اللَّه» «2» و ظاهره استحبابه بعده.

و المتحصّل: أنّ المذكور في أخبار التسمية في الوضوء بين ثمان حالات: قبل مس الماء، و عنده، و عند وضع الماء على الجبين، و الابتداء، و بعد الوضوء، و عليه، و فيه، و إذا توضّأ. و الرابع يتداخل مع ما تقدّمه، و السادس ظاهر في الرابع، كالسابع في الأثناء، و الثامن يحتمل القبل و الأثناء و البعد.

ثمَّ ظهور بعض الأخبار في الوجوب لا يفيده، للشذوذ، و عدم القائل.

و لو تركها في الابتداء يأتي بها في الأثناء، لاستحبابها فيه. لا لتدارك ما ترك، لعدم الدليل. و ثبوته في الأكل لا يفيد، لحرمة القياس. و عدم سقوط الميسور بالمعسور غير دالّ جدا.

و منها: غسل اليدين من الزندين- اقتصارا على المتيقّن- قبل الوضوء مرّة من حدثي النوم و البول، و مرّتين من الغائط، وفاقا للمعظم «3»، بل في المعتبر اتّفاق فقهائنا و أكثر أهل العلم عليه «4».

للصحيح: كم يفرغ الرجل على يده قبل أن يدخلها في الإناء؟ قال:

______________________________

(1) الفقيه 1: 31- 102، علل الشرائع: 289- 1، الوسائل 1: 424 أبواب الوضوء ب 26 ح 7.

(2) التهذيب 1: 358- 1076، الاستبصار 1: 68- 205، الوسائل 1: 423 أبواب الوضوء ب 26 ح 4.

(3) منهم العلامة في القواعد: 1: 11، و الشهيد الثاني في الروض: 21، و المحقق السبزواري في الكفاية: 3.

(4) المعتبر 1: 165.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 166

«واحدة من حدث البول، و اثنتان من الغائط، و ثلاث من الجنابة» «1».

و الخبر: عن الرجل يبول و لم يمس يده اليمنى

شي ء، أ يدخلها في وضوئه قبل أن يغسلها؟ قال: «لا، حتى يغسلها» قلت: فإنّه استيقظ من نومه و لم يبل، أ يدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها؟ قال: «لا، لأنه لا يدري حيث باتت يده فليغسلها» «2».

و مرسلة الفقيه: «اغسل يدك من البول مرّة، و من الغائط مرّتين، و من الجنابة ثلاثا» و قال: «اغسل يدك من النوم مرّة» «3».

و أمّا رواية حريز: «يغسل الرجل يده من النوم مرّة، و من الغائط و البول مرّتين» «4» فلا تنافي ما تقدّم، إذ يمكن أن يكون الأمر بالمرّتين للأخبثين معا، بل هو الظاهر، لأنّه الغالب مع الغائط.

و ظهور بعض تلك الأخبار في الوجوب غير مفيد له، لعدم القول به، مع وجود ضرب من المعارض.

و خلافا للنفلية و البيان، فأطلق المرّة في الجميع [1]، و اللمعة فالمرّتين فيه «5»، و لم نعثر على مستندهما.

ثمَّ هذا الغسل هل هو لدفع النجاسة المتوهّمة فلا يكون في غير القليل و لا

______________________________

[1] النفلية: 6 و فيه: و غسل اليدين من الزند مرة من النوم و البول و الغائط و المشهور فيه مرتان، البيان:

11.

______________________________

(1) الكافي 3: 12 الطهارة ب 8 ح 5، التهذيب 1: 36- 96، الاستبصار 1: 50- 141، الوسائل 1: 427 أبواب الوضوء ب 27 ح 1.

(2) الكافي 3: 11 الطهارة ب 8 ح 2، التهذيب 1: 39- 106، الاستبصار 1: 51- 145، الوسائل 1: 428 أبواب الوضوء ب 27 ح 3.

(3) الفقيه 1: 29- 91 و 92، الوسائل 1: 428 أبواب الوضوء ب 27 ح 4، 5.

(4) التهذيب 1: 36- 97، الاستبصار 1: 50- 142، الوسائل 1: 427 أبواب الوضوء ب 27 ح 2.

(5) اللمعة: 18.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 2، ص: 167

مع تيقّن الطهارة، و لا يحتاج إلى النية، أم تعبّد محض، فيعمّ الجميع و يلزم فيه النية؟

الأقرب الثاني، وفاقا لجماعة «1»، لإطلاق ما عدا ذيل الخبر الثاني، و صريح صدره، و عدم معارضتها له [1]، لعدم تضمّنها ما يوجب التقييد، مع معارضتها- لو أوجبه- مع صدره [2].

و منه ظهر عدم اختصاص الحكم بالإناء الذي يغترف منه، و إن اختص الأوّلان به، لإطلاق الأخير، و عدم موجب للتقييد للمنافاة.

خلافا لوالدي- رحمه اللّه- و المدارك، و بعض آخر «2»، فخصّصوا الحكم به، للأولين، و انصراف إطلاق الأخير إلى الشائع من إناء الوضوء عندهم، و هي الظروف الواسعة، و اقتصارا على المتيقّن.

و يضعف الأول: بعدم إيجابه للاختصاص. و الثاني: بمنع الشيوع بحيث يوجب الانصراف، مع أنّه لا يفيد مع تيقّن الطهارة. و الثالث: بأنّ المتيقّن هو المطلق، للإطلاق المذكور.

و لا يستحب الغسل لحدث الريح و لا للمجدّد، لعدم المدرك.

و هل تتداخل الأسباب؟ فيه إشكال: من أصالة عدمه، و ممّا مرّ من رواية حريز. نعم، الظاهر التداخل مع اتّحاد السبب.

و منها: المضمضة، و هي: تحريك الماء في الفم، ذكره الجوهري و غيره «3».

و الاستنشاق، و هو: اجتذابه إلى داخل الأنف.

______________________________

[1] أي مع عدم معارضة الذيل للإطلاق.

[2] حاصل المراد انه لو كان الذيل مشتملا على ما يوجب التقييد يتعارض مع صدره حيث ان صدره مصرّح بغسل اليد و لو مع العلم بعدم الملاقاة للنجس.

______________________________

(1) منهم العلامة في المنتهى 1: 49، و صاحب الرياض 1: 26.

(2) المدارك 1: 224، و كالمحقق السبزواري في الذخيرة: 42.

(3) الصحاح 3: 1106، الفيروزآبادي في القاموس 2: 357.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 168

للإجماع المحقّق، و المحكي في اللوامع، و عن الغنية

«1»، و نهاية الإحكام «2»، و في المدارك: أنّه المعروف من المذهب «3».

و للمروي في الكافي في وصف وضوء مولانا أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه:

«ثمَّ استنشق فقال: اللهم ..» إلى أن قال: «ثمَّ تمضمض فقال:

اللهم ..» «4».

و نحوه في مجالس الصدوق، و المقنع، و ثواب الأعمال، و فلاح السائل، و المحاسن، و فقه الرضا، إلّا أنّ فيها تقديم التمضمض على الاستنشاق «5».

و رواية عبد اللَّه بن سنان: «المضمضة و الاستنشاق مما سنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله» «6».

و موثّقة سماعة: سألته عنهما، فقال: «هما من السنة، فإن نسيتهما لم يكن عليك إعادة» «7».

و موثّقة أبي بصير: «هما من الوضوء، فإن نسيتهما فلا تعد» «8».

و المروي في مجالس أبي علي و النهج: «فانظر إلى الوضوء فإنه من تمام

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 554.

(2) نقله عن نهاية الإحكام في الذخيرة: 42، نهاية الإحكام 1: 55 ليس فيها دعوى الإجماع.

(3) المدارك 1: 247.

(4) الكافي 3: 70 الطهارة ب 46 ح 6.

(5) أمالي الصدوق: 445- 11، المقنع: 4، ثواب الأعمال: 16، فلاح السائل: 52، المحاسن:

45، فقه الرضا عليه السلام: 69.

(6) التهذيب 1: 79- 203، الاستبصار 1: 67- 202، الوسائل 1: 430 أبواب الوضوء ب 29 ح 1.

(7) التهذيب 1: 78- 197، الاستبصار 1: 66- 197، الوسائل 1: 430 أبواب الوضوء ب 29 ح 2.

(8) التهذيب 1: 78- 200، الاستبصار 1: 67- 200، الوسائل 1: 431 أبواب الوضوء ب 29 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 169

الصلاة، تمضمض ثلاث مرات، و استنشق ثلاثا، و اغسل وجهك» [1] الحديث.

و في ثواب الأعمال «و ليبالغ أحدكم في المضمضة و الاستنشاق» «1».

و في مجالس الصدوق في علل الوضوء: «ثمَّ سنّ

على أمتي المضمضة لينقي القلب من الحرام، و الاستنشاق ليحرم عليهم رائحة النار» «2».

و في خصاله: «المضمضة و الاستنشاق سنّة و طهور للفم و الأنف» «3».

و قصور بعضها سندا مع التسامح منجبر بما مرّ.

فقول العماني: إنّهما ليسا بفرض و لا سنّة «4»، ضعيف شاذ. و كذا الأخبار الموافقة له «5». مع أنّ المصرّح به في أكثرها أنها ليسا من الوضوء، و الظاهر منه أفعاله الواجبة، بل قيل: إنّ الوضوء ليس إلّا الواجب «6».

و يشهد له: المروي في قرب الإسناد: عن المضمضة و الاستنشاق، قال:

«ليس بواجب» «7».

أو المراد أنهما ليسا من أفعال الوضوء مطلقا و إن كانا مستحبين، كالسواك، كما صرّح به الصدوق في الهداية، قال: إنّهما مسنونان خارجان عن الوضوء «8».

و أما رواية الحضرمي: «ليس عليك مضمضة و لا استنشاق، لأنهما من

______________________________

[1] الرواية موجودة في مجالس الشيخ الطوسي: 29، و ليست في مجالس أبي علي و هو ابن الشيخ، و رواها في الوسائل 1: 397 أبواب الوضوء ب 15 ح 19 من مجالس أبي علي، و كثيرا ما يرى مثل هذه النسبة أو عكسها، انظر لتوضيح الحال مقدمة مجالس الطوسي (الطبعة الثانية 1401) للعلامة المرحوم السيد محمّد صادق آل بحر العلوم. و لم نعثر على الرواية في النهج.

______________________________

(1) ثواب الأعمال: 19، الوسائل 1: 432 أبواب الوضوء ب 29 ح 11.

(2) أمالي الصدوق: 160- 1، الوسائل 1: 396 أبواب الوضوء ب 15 ح 17.

(3) الخصال: 611، الوسائل 1: 433 أبواب الوضوء ب 29 ح 13.

(4) نقله عنه في الذكرى: 93.

(5) الوسائل 1: 430 أبواب الوضوء ب 29.

(6) الرياض 1: 26.

(7) قرب الإسناد 176- 648، الوسائل 1: 433 أبواب الوضوء ب 29 ح 14.

(8) الهداية: 17.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 170

الجوف» «1» فلا يفيد إلّا نفي الوجوب.

و كذا رواية زرارة: «ليس المضمضة و الاستنشاق فريضة و لا سنّة» «2» لاحتمال كون المراد بالسنّة الواجبة النبوية كما هو الشائع في الصدر الأول، و لا أقلّ من عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في المعنى المصطلح لها، بل و لا المتشرّعة عند القدماء، و منه يظهر إمكان حملها في كلام العماني عليها أيضا.

ثمَّ أكثر أخبار المقام و إن كان مطلقا إلّا أنّ مقتضى رواية النهج «3»:

استحباب التثليث، و قد حكى في الغنية الإجماع عليه «4»، و في اللوامع: أنّه المعروف منهم، و هو كاف في إثبات الاستحباب. فما قيل من أنّه لا شاهد عليه «5» غير جيّد.

و تدلّ عليه أيضا الرواية المشهورة في حكاية علي بن يقطين، المتقدّمة بعضها: «تمضمض ثلاثا و استنشق ثلاثا» «6».

و ثبوت التقية في بعض ما ذكر معهما لا يضرّ بعد عدم ثبوتها فيهما.

و الاستدلال على التثليث بخبر المعلّى: إن نسي- أي السواك- حتى يتوضّأ، قال: «يستاك- أي بعد الوضوء- ثمَّ يتمضمض ثلاث مرات» «7» ضعيف.

و يجوز الاكتفاء في كلّ منهما بالأقلّ أيضا، لإطلاق أكثر الأخبار، و عدم استلزام استحباب التثليث، لعدم استحباب المطلق.

______________________________

(1) الكافي 3: 24 الطهارة ب 16 ح 3، التهذيب 1: 78- 201، الوسائل 1: 432 أبواب الوضوء ب 29 ح 10.

(2) التهذيب 1: 78- 202، الاستبصار 1: 67- 201، الوسائل 1: 431 أبواب الوضوء ب 29 ح 6.

(3) المتقدمة في ص 169 رقم 1.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 554.

(5) المدارك 1: 248.

(6) كشف الغمة 2: 226، الخرائج و الجرائح 1: 335- 26.

(7) الكافي 3: 23 الطهارة ب 15 ح 6، الوسائل 2: 18 أبواب السواك ب 4

ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 171

و هل الأفضل إيقاع الثلاث في كلّ منهما بثلاث غرفات، كما عن التذكرة، و نهاية الإحكام «1»، و في اللوامع، أو لا فيقتصر بغرفة لكلّ منهما كما في نهاية الشيخ، و عن مصباحه و مختصره، و المقنعة، و المهذب، و الوسيلة، و الإشارة «2»، أو بغرفة لهما معا، كما عن ظاهر الاقتصاد، و الجامع، و المبسوط «3» و الإصباح، و في الأخيرين التخيير بين الغرفة و الغرفتين لهما بزيادة الثلاث في كلّ في الأخير؟

مقتضى ظواهر الإطلاقات: جواز الكلّ و تساويه في الفضيلة.

و تستحب المبالغة فيهما بإدارة الماء في جميع الفم و جذبه إلى أعلى الأنف، كما صرّح به في المنتهى و التذكرة «4»، لرواية ثواب الأعمال «5»، و لأنها السبب [1] للتنظيف المعلّل به في خبر الخصال «6».

و لا يلزم إخراج الماء في المضمضة، فلو ابتلعه حصل الامتثال.

ثمَّ مقتضى إطلاق أكثر الأخبار بملاحظة عدم دلالة الترتيب الذكري على الخارجي: عدم الترتيب بينهما، فيجوز تقديم كلّ منهما على الآخر، أو توسيط بعض دفعات كلّ بين الآخر، كما في بعض كتب الفاضل «7».

و عن المشهور تقديم المضمضة بدفعاتها الثلاثة، و هو المحكي عن المقنعة، و المصباح، و مختصره و الوسيلة، و الجامع، و التحرير، و التذكرة، و نهاية الإحكام،

______________________________

[1] في «ح»: أنسب.

______________________________

(1) التذكرة 1: 21، نهاية الإحكام 1: 56.

(2) النهاية: 12، مصباح المتهجد: 7، المقنعة: 43، المهذب 1: 43، الوسيلة: 52، الإشارة:

71.

(3) الاقتصاد: 242، الجامع للشرائع: 34، المبسوط 1: 20.

(4) المنتهى 1: 51، التذكرة 1: 21.

(5) المتقدمة في ص 169.

(6) المتقدم في ص 169.

(7) المنتهى 1: 51.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 172

و الذكرى، و النفلية، و البيان

«1»، بل في المبسوط أنه لا يجوز تقديم الاستنشاق «2»، و قيل: إنّه كذلك مع قصد المشروعية، لعدم ثبوتها «3».

للشك في شمول الإطلاق له، سيما مع دلالة ظاهر الرواية الأولى «4»- على ما في غير الكافي- على الترتيب، و سيما مع الترتيب الذكري في كثير من الأخبار.

أقول: إثبات استحباب تقديم المضمضة و إن لم يمكن من الأخبار، للأصل، و عدم دلالة الترتيب الذكري على الخارجي، بل عدم دلالة الفعلي المذكور في الأولى على ما في غير الكافي، لجواز كونه أحد فردي المستحب، مع تعارضها بما في الكافي، و لكن لا بأس بإثباته بالشهرة المحكية و فتوى الأجلّة، لأنّ المقام مقام المسامحة، فيكون مستحبا. و لكن لا يثبت منه تقييد استحباب مطلقهما به حتى لا يستحب غير تلك الهيئة و يأثم بقصد المشروعية في غيرها، إذ استحباب التقديم غير مناف لاستحباب المطلق، بل غايته أنه مستحب آخر، فمن تركه أتى بأحد المستحبين. و الشك في شمول الإطلاق لو سلّم لم يضرّ، لمكان الأصل. فالحقّ- كما صرّح في اللوامع- جواز الأمرين و إن استحب تقديم المضمضة.

و يستحب كونهما باليمنى، لما تقدّم.

و يجوزان للصائم و إن كان الأفضل له ترك المضمضة، لمضمرة يونس: «إنّ الأفضل للصائم أن لا يتمضمض» «5».

______________________________

(1) المقنعة 43، مصباح المتهجد 7، الوسيلة: 52، الجامع للشرائع: 34، التحرير 1: 8، التذكرة 1: 21، نهاية الإحكام 1: 56، الذكرى: 93، النقلية: 6، البيان: 50.

(2) المبسوط 1: 20.

(3) القائل هو صاحب الرياض 1: 26.

(4) المتقدمة في ص 168.

(5) الكافي 4: 107 الصيام ب 26 ح 4، التهذيب 4: 205- 593، الاستبصار 2: 94- 304، الوسائل 10: 71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 3.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 173

و منها: الدعاء عند كلّ من المضمضة و الاستنشاق و غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين و بعد الوضوء بالمأثور، و قول: «الحمد للَّه رب العالمين» بعده.

و كذا تستحب قراءة آية الكرسي في أثر الوضوء، رواه في جامع الأخبار «1» و إنا أنزلناه، رواه في البلد الأمين و اختيار ابن الباقي «2». و في بعض الأدعية اختلاف في كتبه، و الداعي مخير.

و محل الدعاء في المضمضة و الاستنشاق بعد الفعل، لمكان قوله في رواية وضوء أمير المؤمنين عليه السلام: «تمضمض فقال .. و استنشق فقال» «3» بل المستفاد من تلك الرواية كون الدعاء في كلّ فعل بعد الفراغ منه.

و قال والدي- رحمه اللَّه-: و الظاهر تأدّي السنّة بقراءته بعده و في الأثناء أيضا فيما يمكن.

و منها: تثنية الغسلات في كلّ من الوجه و اليدين، كما يأتي بعد ذلك «4».

و منها: بدأة الرجل بظاهر ذراعيه، و المرأة بباطنهما، لخبر ابن بزيع: «فرض اللَّه على النساء في الوضوء أن يبتدئن بباطن أذرعهن و في الرجل بظاهر الذراع» «5» و مثله في الخصال «6».

و يمكن أن يكون المراد منها في الرواية البدأة في كلّ من الغسلتين، كما ذكره

______________________________

(1) جامع الأخبار: 45، المستدرك 1: 321 أبواب الوضوء ب 24 ح 8.

(2) البلد الأمين: 3، و نقله عن اختيار ابن الباقي في البحار 77: 328- 14.

(3) الكافي 3: 70 الطهارة ب 46 ح 6، الفقيه 1: 26- 84، التهذيب 1: 53- 153، الوسائل 1: 401 أبواب الوضوء ب 16 ح 1.

(4) في ص 181.

(5) الكافي 3: 28 الطهارة ب 18 ح 6، التهذيب 1: 76- 193، الوسائل 1: 466 أبواب الوضوء ب

40 ح 1.

(6) الخصال: 585- 12 و فيه: «و تبدأ (أي المرأة) في الوضوء بباطن الذراع و الرجل بظاهره» المستدرك 1: 338 أبواب الوضوء ب 35 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 174

جماعة «1»، أو في الغسل حتى تكون الثانية مسكوتا عنها.

و يحتمل الأمران في كلام المشهور أيضا، حيث أطلق فيه البدأة بالظاهر للرجل و بالباطن للمرأة.

و اختار في المبسوط بدأة الرجل في الأولى بالظاهر و في الثانية بالباطن «2»، و هو مختار الإصباح، و الإشارة، و السرائر، و الشرائع، و الغنية، و التذكرة «3»، و في الأخيرين الإجماع عليه، و هو كاف في إثبات المطلوب، للمسامحة. و لا ينافيه اشتهار الإطلاق، لا سيما مع الاحتمال المتقدم.

و منها: إسباغ الوضوء [بمدّ] [1] بالإجماعين «4» و المستفيضة من الروايات، كمرسلتي الفقيه «5»، و صحيحتي زرارة «6» و محمّد «7»، و موثّقة سماعة «8»، و رواية أبي بصير «9».

و لا دلالة في شي ء منها على الوجوب. و لو كان فيجب الحمل على الاستحباب، للاتّفاق و استفاضة الروايات بكفاية مثل الدهن و كف واحد «10».

______________________________

[1] أضفناها لاقتضاء سياق البحث كما يظهر من ملاحظة الروايات التي استدل بها و ما أفاد في المتن حولها، و انظر الرياض 1: 26.

______________________________

(1) منهم العلامة في المنتهى 1: 51، و صاحب المدارك 1: 249، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 42.

(2) المبسوط 1: 20.

(3) الإشارة: 71، السرائر 1: 101، الشرائع 1: 24، الغنية (الجوامع الفقهية): 554، التذكرة 1: 20.

(4) كما نقله في الرياض 1: 26.

(5) الفقيه 1: 23- 69، 70، الوسائل 1: 481، 483 أبواب الوضوء ب 50 ملحق ح 3 و ح 6.

(6) التهذيب 1: 136- 379، الاستبصار 1: 121- 409،

الوسائل 1: 481 أبواب الوضوء ب 50 ح 1.

(7) التهذيب 1: 136- 377، الوسائل 1: 481 أبواب الوضوء ب 50 ح 2.

(8) التهذيب 1: 136- 376، 378، الاستبصار 1: 121- 411 و 120- 408، الوسائل 1:

482 أبواب الوضوء ب 50 ح 4.

(9) التهذيب 1: 136- 376، 378، الاستبصار 1: 121- 411 و 120- 408، الوسائل 1:

482 أبواب الوضوء ب 50 ح 5.

(10) انظر الوسائل 1: 484 أبواب الوضوء ب 52، و الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 175

و الحمل على ما يدخل فيه ماء الاستنجاء أيضا، لأنّ المدّ لا يبلغه الوضوء، كما في الذكرى «1». أو استفادة وجوب غسل الرجلين منه كالعامة، فاسد جدا، لأنّ الوضوء الكامل يكون بأربع عشرة كفا أو ثلاث عشرة، و المدّ لا يزيد على ذلك قطعا، لأنّه رطل و نصف بالمدني و هو مائتان و اثنان و تسعون درهما و نصف درهم، ربع الصاع، و مائة و ثلاثة و خمسون و نصفا، و نصف ثمن بالمثاقيل الصيرفية، و هو أقلّ من ربع المن التبريزي المتعارف الآن في بلدنا، و ما يقاربه، الذي هو ستمائة مثقال صيرفي و أربعون مثقالا. و قد مرّ بيانه في بحث الكر «2».

و منها: السواك، و استحبابه عندنا في نفسه و للوضوء مجمع عليه، و النصوص به في الموضعين مستفيضة «3».

فمن الثاني صحيحة ابن عمار: «عليك بالسواك عند وضوء كل صلاة» «4».

و مرسلة الفقيه: «السواك شطر الوضوء» «5».

و رواية المعلّى: عن السواك بعد الوضوء، فقال: «الاستياك قبل أن يتوضّأ» قلت: أ رأيت إن نسي حتى يتوضّأ؟ قال: «يستاك ثمَّ يتمضمض ثلاث مرات» «6».

و رواية السكوني: «التسويك بالإبهام و المسبحة

عند الوضوء سواك» «7».

و المروي في المحاسن: «إذا توضّأ الرجل و سوّك ثمَّ قام فصلّى، وضع الملك [فاه على فيه فلم يلفظ شيئا إلّا التقمه» و زاد فيه بعضهم: «فإن لم يستك قام الملك

______________________________

(1) الذكرى: 95.

(2) المتقدمة ج 1 في ص 56.

(3) الوسائل 2: 5، 15، 16 أبواب السواك ب 1 و 2 و 3.

(4) الكافي 8 (الروضة): 79- 33- بتفاوت-، الوسائل 2: 16 أبواب السواك ب 3 ح 1.

(5) الفقيه 1: 32- 114، الوسائل 2: 17 أبواب السواك ب 3 ح 3.

(6) الكافي 3: 23- 6، المحاسن: 561- 947، الوسائل 2: 18 أبواب السواك ب 4 ح 1.

(7) التهذيب 1: 357- 1070، الوسائل 2: 24 أبواب السواك ب 9 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 176

جانبا] [1] يستمع إلى قراءته» «1».

و مقتضى الرواية كونه من سنن الوضوء، و ليس فيما دلّ على استحبابه على الإطلاق منافاة لذلك.

و مقتضى الثالثة: كون محلّه قبل الوضوء، فمن نسيه فبعده. و لعلّه مراد من استحبه قبله و بعده.

و يمكن القول بالاستحباب في الموضعين أيضا، لاستفاضة النصوص باستحبابه لكلّ صلاة «2»، فتأمّل.

و الأولى تقديمه على غسل اليدين، لفتوى طائفة من الأعيان بأفضليته «3» و مقتضى الرابعة: جواز الاكتفاء فيه بالإصبع، و تدلّ عليه أيضا مرسلة الكافي: «أدنى السواك أن تدلك بإصبعك» «4».

و لا تنافيها صحيحة علي: عن الرجل يستاك مرة بيده إذا قام إلى صلاة الليل و هو يقدر على السواك، قال: «إذا خاف الصبح فلا بأس به» «5» لجواز أن يكون الشرط للمرة.

و منها: فتح العين، وفاقا للصدوق «6» و جماعة «7»، لمرسلة الفقيه: «افتحوا عيونكم عند الوضوء، لعلّها لا ترى نار جهنم» «8».

و المروي في

نوادر الراوندي: «اشربوا أعينكم الماء عند الوضوء، لعلّها لا

______________________________

[1] ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر.

______________________________

(1) المحاسن: 561، الوسائل 2: 19 أبواب السواك ب 5 ح 4.

(2) الوسائل 2: 18 أبواب السواك ب 5.

(3) منهم الشهيد في الذكرى: 93، و صاحب الرياض 1: 27.

(4) الكافي 3: 23 الطهارة ب 15 ح 5، الوسائل 2: 24 أبواب السواك ب 9 ح 3.

(5) الفقيه 1: 34- 122، قرب الاسناد: 207- 806، الوسائل 2: 24 أبواب السواك ب 9 ح 1.

(6) المقنع: 7، الهداية: 18، الفقيه 1: 31.

(7) منهم ابن سعيد في الجامع للشرائع: 34، و الشهيد في الذكرى: 94.

(8) الفقيه 1: 31- 104، الوسائل 1: 486 أبواب الوضوء ب 53 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 177

ترى نارا حامية» «1».

و الأمر هنا للندب، لانتفاء الوجوب إجماعا و نصّا في الجوف.

ذكر والدي- رحمه اللّه- في اللوامع: أنّ مرادهم بالفتح و الإشراب ما يحصل به غسل نواحيها، دون ما يوجب إيصال الماء إليها، لنفي الشيخ استحبابه، محتجّا بالإجماع و إيجابه الضرر غالبا «2»، و قد روي أنّ ابن عمر كان يفعله فعمى لذلك «3». و لا بأس به.

و منها: إمرار اليد بالغسل، وفاقا للمشهور، تأسّيا بالحجج، و للمروي في قرب الإسناد: «و لا تغمس في الوضوء، و لا تلطم وجهك بالماء لطما، و لكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله مسحا، و كذلك فامسح بالماء ذراعيك» «4».

و ضعفه مع عدم القائل يأبى عن إثبات الوجوب به.

و يستحب الاستقبال حال الوضوء أيضا، لقولهم: «خير المجالس ما استقبل به القبلة» «5». و عدم الجلوس في مظان النجاسة، و وجهه ظاهر. و لكن في عدّهما من مستحبات الوضوء بخصوصه- كما فعله

بعضهم- نظر.

البحث الثاني: في مكروهاته

، و هي أيضا أمور:

و منها: الاستعانة بصبّ الماء على الكف، لما مرّ في مسألة المباشرة «6». لا في إحضار الماء و إسخانه، و رفع الثوب عن العضو و نحوها، للأصل و الخروج عن

______________________________

(1) نوادر الراوندي: 39، البحار 77: 336- 9.

(2) الخلاف 1: 85، المبسوط 1: 20.

(3) المغني 1: 118.

(4) قرب الإسناد: 312- 1215.

(5) الشرائع 4: 73، الوسائل 12: 109 أبواب أحكام العشرة ب 76 ح 3.

(6) في ص 158.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 178

الصبّ المصرّح به في الأخبار «1»، و الشك في شمول التعليل فيها لمثلها.

و منها: التمندل، و هو تجفيف ماء الوضوء من الأعضاء المغسولة بالمنديل، للشهرة بين الأصحاب، بل ظاهر الوفاق كما في اللوامع، و خبر ابن حمران: «من توضّأ فتمندل كانت له حسنة، و إن توضّأ و لم يتمندل حتى يجف وضوؤه، كان له ثلاثون حسنة» «2».

و ضعفه- لو كان- غير ضائر في مقام المسامحة، مع أنّه منجبر بالشهرة.

و مدلوله رجحان ترك التمندل على فعله، و هو بعينه الكراهة بالمعنى المعهود، و الحسنة الواحدة إنّما هي على الوضوء دون التمندل. فالإيراد بأنّه يدلّ على قلّة الثواب دون الكراهة المصطلحة ضعيف.

و أضعف منه: دفعه بأنّ الكراهة في العبادات بهذا المعنى، لأنّ التمندل أمر وراء العبادة.

و الاستدلال على كراهته: بقوله في ثواب الوضوء: «خلق اللَّه من كلّ قطرة ..» «3» باطل، إذ لا يلزم أن تكون القطرة متقاطرة، بل المراد قطرات ماء الوضوء.

خلافا للسيد في شرح الرسالة «4»، و عن الشيخ في أحد قوليه «5» فلم يكرهاه، للأصل، و صحيحة محمّد: «عن التمسح بالمنديل قبل أن يجف، قال: لا بأس به» «6».

______________________________

(1) الوسائل 1: 476 أبواب الوضوء ب 47.

(2)

الكافي 3: 70 الطهارة ب 46 ح 4، المحاسن: 429- 250، ثواب الأعمال: 16، الوسائل 1:

474 أبواب الوضوء ب 45 ح 5.

(3) تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 521.

(4) نقله عنه في الذكرى: 95.

(5) المبسوط 1: 23، الخلاف 1: 97.

(6) التهذيب 1: 364- 1101، الوسائل 1: 473 أبواب الوضوء ب 45 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 179

و رواية الحضرمي: «لا بأس بمسح الرجل وجهه بالثوب إذا توضأ إذا كان الثوب نظيفا» «1».

و موثّقة ابن الفضل: رأيت أبا عبد اللَّه عليه السلام توضّأ للصلاة ثمَّ مسح وجهه بأسفل قميصه، ثمَّ قال: «يا إسماعيل افعل هكذا، فإني هكذا أفعل» «2».

و صحيحة ابن حازم: رأيت أبا عبد اللَّه عليه السلام و قد توضّأ و هو محرم أخذ منديلا فمسح به وجهه «3».

و المروي في المحاسن: عن التمندل بعد الوضوء، فقال: «كان لعلي عليه السلام خرقة في المسجد ليست إلّا للوضوء يتمندل بها» «4».

و آخر: «كانت لعلي عليه السلام خرقة يعلقها في مسجد بيته لوجهه، إذا توضّأ يتمندل بها» «5».

و ثالث: «كانت لأمير المؤمنين خرقة يمسح بها وجهه إذا توضّأ للصلاة، ثمَّ يعلّقها على وتد و لا يمسها غيره» «6».

و الثانيان لا ينفيان إلّا البأس الذي هو الحرمة، مع أنّ في ثانيهما نفي البأس عن المسح بالثوب، و هو غير التمندل. و منه يظهر ما في الرابع، مع أنه قضية في واقعة، فيجوز أن يكون لضرورة، كشقاق أو خوف شين أو للتقية، فإنه- كما صرّح به جماعة «7»- متداول عند العامة مشتهر بينهم.

______________________________

(1) التهذيب 1: 364- 1102، الوسائل 1: 474 أبواب الوضوء ب 45 ح 2.

(2) التهذيب 1: 357- 1069، الوسائل 1: 474 أبواب الوضوء ب 45

ح 3.

(3) الفقيه 2: 226- 1065، الوسائل 1: 474 أبواب الوضوء ب 45 ح 4.

(4) المحاسن: 429- 247، الوسائل 1: 475 أبواب الوضوء ب 45 ح 7. و فيهما «للوجه» بدل للوضوء.

(5) المحاسن: 429- 248، الوسائل 1: 475 أبواب الوضوء ب 45 ح 8.

(6) المحاسن: 429- 249، الوسائل 1: 475 أبواب الوضوء ب 45 ح 9.

(7) منهم صاحب الرياض 1: 27.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 180

و منه يظهر دفع البواقي، إذ يترجّح ما مرّ عليها، لموافقتها العامة و مخالفتها الشهرة.

و المكروه- كما أشرنا إليه- إنّما هو التمندل كما هو مورد الشهرة و محل الرواية، فلا كراهة في التمسح بالثوب و الذيل و الكم و القميص و التجفيف بالشمس و النار، للأصل.

و منها: نفض المتوضّئ يده، للنبوي العامي: «إذا توضّأتم فلا تنفضوا أيديكم» «1». و كونه عاميا غير ضائر، للمسامحة.

و منها: التوضؤ من إناء فيه تماثيل، للموثّق: عن الطست يكون فيه التماثيل، أو الكوز أو التور يكون فيه تماثيل أو فضة، قال: «لا تتوضّأ منه و لا فيه» «2».

و منها: الوضوء في المسجد عن البول و الغائط، للخبر: عن الوضوء في المسجد، فكرهه من البول و الغائط «3».

و لا ينافي إطلاقه مفهوم خبر بكير: «إذا كان الحدث في المسجد فلا بأس بالوضوء في المسجد» «4»، لأنّه إنّما هي إذا كان البأس مستعملا فيما يعم الكراهة مجازا، و هو ليس بأولى من كون المفهوم غير معتبر كذلك.

و منه يظهر عدم إمكان الاستدلال به على كراهة الوضوء من شي ء من الأحداث الواقعة خارجه أيضا.

و منها: التوضؤ ببعض المياه المكروه استعمالها، المتقدم في بحث المياه «5».

______________________________

(1) كنز العمال 9: 453- 26934.

(2) التهذيب 1: 425- 1353، الوسائل 1:

491 أبواب الوضوء ب 55 ح 1.

(3) الكافي 3: 369 الصلاة ب 53 ح 9، التهذيب 3: 257- 719، الوسائل 1: 492 أبواب الوضوء ب 57 ح 1.

(4) التهذيب 1: 353- 1049، الوسائل 1: 492 أبواب الوضوء ب 57 ح 2.

(5) المتقدمة ج 1 في ص 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 181

الفصل الخامس: في أحكامه
اشاره

و هي أمور نذكرها في مسائل:

المسألة الأولى: لا خلاف في وجوب المرة الواحدة في الغسلات،
اشاره

و لا ريب في أداء الواجب بها، للإجماع، و الأصل، و صدق الامتثال، و الوضوءات البيانية، و النصوص المعتبرة، كصحيحة زرارة، و فيها: «فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات، واحدة للوجه و اثنتان للذراعين» «1».

و اخرى: «في الوضوء، إذا مس جلدك الماء فحسبك» «2».

و رواية ابن بكير: «من لم يستيقن أنّ الواحدة من الوضوء تجزيه لم يؤجر على الثنتين» «3» و غير ذلك.

و لا في عدم جواز الزائد على الثلاث، لتوقيفية العبادة، و إنّما الخلاف فيما بينهما من الثانية و الثالثة.

أمّا الثانية: فاختلفوا في استحبابها و عدمه، فالأظهر الأشهر، بل عليه الإجماع في الانتصار «4» و السرائر، و عن الغنية «5»، و نفى عنه الخلاف بعض المحقّقين، و حكاه عن أمالي الصدوق «6»: الأول، للإجماعات المنقولة و الشهرة

______________________________

(1) التهذيب 1: 360- 1083، الوسائل 1: 436 أبواب الوضوء ب 31 ح 2.

(2) الكافي 3: 22 الطهارة ب 14 ح 7، التهذيب 1: 137- 381، الاستبصار 1: 123- 417، الوسائل 1: 485 أبواب الوضوء ب 52 ح 3.

(3) التهذيب 1: 81- 213، الاستبصار 1: 71- 218، الوسائل 1: 436 أبواب الوضوء ب 31 ح 4.

(4) الانتصار: 28.

(5) السرائر 1: 100، الغنية (الجوامع الفقهية): 554.

(6) قد يظهر ذلك من الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك: 40.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 182

الكافيتين في مقام المسامحة.

و للمستفيضة من المعتبرة، كصحيحتي ابن وهب «1» و صفوان «2»، و رواية زرارة: «الوضوء مثنى مثنى» «3» و زاد في الأخيرة: «من زاد لم يؤجر عليه».

و رواية يونس: «الوضوء الذي افترضه اللَّه» إلى أن قال: «يغسل ذكره و يذهب الغائط، ثمَّ يتوضّأ مرتين مرتين» «4».

و رواية حكاية

وضوء علي بن يقطين، المشهورة «5»، و فيها بعد أمره بالثلاث و غسل الرجلين و تبطين اللحية تقية و ظهور ارتفاعها: «الآن توضّأ كما أمر اللَّه تعالى، اغسل وجهك مرة فريضة و اخرى إسباغا، و اغسل يديك من المرفقين كذلك» «6» الحديث.

و المروي في تفسير العياشي كيف يتوضّأ؟ قال: «مرتين مرتين» قلت: كيف يمسح؟ قال: «مرة مرة» «7».

و في رجال الكشي عن داود الرقي بعد أمره- عليه السلام- داود الزربي بالثلاث تقية و ارتفاعها: «يا داود بن زربي! توضّأ مثنى مثنى، و لا تزدن عليه، فإنّك إن زدت عليه فلا صلاة لك» «8».

______________________________

(1) التهذيب 1: 80- 208، الاستبصار 1: 70- 213، الوسائل 1: 441 أبواب الوضوء ب 31 ح 28.

(2) التهذيب 1: 80- 209، الاستبصار 1: 70- 214، الوسائل 1: 442 أبواب الوضوء ب 31 ح 29.

(3) التهذيب 1: 80- 210، الاستبصار 1: 70- 215، الوسائل 1: 436 أبواب الوضوء ب 31 ح 5.

(4) التهذيب 1: 47- 134، الوسائل 1: 316 أبواب الوضوء ب 9 ح 5.

(5) المروية في إرشاد المفيد و خرائج الراوندي و كشف الغمّة (منه رحمه اللَّه).

(6) إرشاد المفيد 2: 228- 229، كشف الغمة 2: 226، الوسائل 1: 444 أبواب الوضوء ب 32 ح 3.

(7) تفسير العياشي 1: 301- 58، المستدرك 1: 327 أبواب الوضوء ب 28 ح 4.

(8) رجال الكشي 2: 600- 564، الوسائل 1: 443 أبواب الوضوء ب 32 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 183

و قول القائم عليه السلام في مكاتبة العريضي: «إنّ الوضوء كما أمر اللَّه غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين واحدة، و اثنان إسباغ، و من زاد على الاثنين أثم» [1].

و

قول مولانا الرضا عليه السلام في مكاتبة المأمون كما في العيون: «واحدة فريضة و اثنتان استحباب» «1».

و يدلّ عليه أيضا: مفهوم الشرط في رواية ابن بكير، المتقدّمة «2».

و حمل مرّتين مرّتين و مثنى مثنى في رواياتهما على الغسلتين و المسحتين، أو التجديد، أي: تجويزه مرة و عدم مشروعية وضوءين تجديدا، أو منتهى مرتبة الجواز- كما قيل «3»- بعيد جدّا، بل لا يتحمّله بعضها، كروايات علي بن يقطين و العياشي و الكشي، بل أخبار مثنى مثنى «4»، لمكان مقتضى حقيقة الحمل.

و على الغرفتين- كما في الوافي «5»- غير صحيح، إذ فضلهما لا قول به، و جوازهما لا حدّ له، و الزائد على الثلاث فيه لا إثم عليه.

و على التقية- كما في المنتقى «6»- لا يلائم روايتي علي بن يقطين و الكشي.

خلافا للمحكي عن البزنطي و الكليني، فجعلا الفضل في واحدة واحدة «7».

و أمّا قولهما بعد ذكر ذلك: إنّ من زاد على مرتين لم يؤجر، فلا يفيد ثبوت

______________________________

[1] لم نعثر عليها.

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 120، الوسائل 1: 440 أبواب الوضوء ب 31 ح 22.

(2) في ص 181.

(3) الحبل المتين: 24، الذخيرة: 41.

(4) الوسائل 1: 435 أبواب الوضوء ب 31.

(5) الوافي 6: 322.

(6) منتقى الجمان 1: 148.

(7) الكافي 3: 27، نوادر البزنطي (مستطرفات السرائر): 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 184

الأجر للمرتين، إذ مرادهما أنه لم يؤجر على الوضوء، بل وضوؤه باطل، للنهي عنه بخصوصه، و مفهومه: أنه من لم يزد يؤجر على الوضوء، و هذا أعم من أن تكون الثانية مستحبة أم لا. أو مرادهما أنه يؤجر على المرتين، لأنه أحد أفراد المخيّر.

فما ذكره والدي- رحمه اللَّه- من أنّ ما نسب إليهما من

عدم استحباب الثانية خلاف الواقع لذلك، ليس كذلك.

ثمَّ إنه تبعهما على ذلك جماعة من متأخّري المتأخّرين، و هو الظاهر من المدارك، و المنتقى، و البحار، و الوافي، و الهندي في شرح القواعد «1».

للمستفيضة كالرواية: «الوضوء واحدة واحدة» «2».

و الأخرى: عن الوضوء للصلاة، فقال: «مرة مرة» «3».

و الثالثة: عن الوضوء، فقال: «ما كان وضوء علي عليه السلام إلّا مرة مرة» «4».

و مثلها الرابعة، في وضوء النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلم، و زاد فيها:

«و توضّأ النبي مرة مرة، فقال: هذا وضوء لا يقبل اللَّه الصلاة إلّا به» «5».

و الخامسة: «إنّ اللَّه وتر يحبّ الوتر، فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات، واحدة للوجه و اثنتان للذراعين» «6».

______________________________

(1) المدارك 1: 233، منتقى الجمان 1: 148، البحار 77: 273، الوافي 6: 321، كشف اللثام 1: 73.

(2) الكافي 3: 26 الطهارة ب 17 ح 7، التهذيب 1: 75- 189 بتفاوت يسير، الاستبصار 1:

69- 210، الوسائل 1: 435 أبواب الوضوء ب 31 ح 1.

(3) الكافي 3: 26 أبواب الطهارة ب 17 ح 6، التهذيب 1: 80- 206، الاستبصار 1: 69- 211، الوسائل 1: 437 أبواب الوضوء ب 31 ح 6.

(4) الكافي 3: 27 الطهارة ب 17 ح 9، التهذيب 1: 80- 207، الاستبصار 1: 70- 212، الوسائل 1: 437 أبواب الوضوء ب 31 ح 7.

(5) الفقيه 1: 25- 76، الوسائل 1: 438 أبواب الوضوء ب 31 ح 11.

(6) التهذيب 1: 360- 1083، الوسائل 1: 436 أبواب الوضوء ب 31 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 185

و السادسة: «الوضوء واحدة فرض، و اثنتان لا يؤجر، و الثالثة بدعة» «1».

و السابعة: «من توضّأ مرتين لم يؤجر» «2».

و الثامنة المروية

في العيون: «الوضوء كما أمر اللَّه في كتابه غسل الوجه و اليدين إلى المرفقين، و مسح الرأس و الرجلين مرة واحدة» «3».

و التاسعة المروية في البصائر: إني سألت أباك عن الوضوء، فقال: «مرّة مرة» فما تقول أنت؟ فقال: «إنك لن تسألني من هذه المسألة إلّا و أنت ترى أني أخالف أبي، توضّأ ثلاثا و خلّل أصابعك» «4».

و العاشرة المروية في السرائر عن نوادر البزنطي: «وضع يده في الإناء فمسح رأسه و رجليه. و اعلم أنّ الفضل في واحدة واحدة، و من زاد على اثنتين لم يؤجر» «5».

هذا كلّه، مضافا إلى الوضوءات البيانية.

و يجاب عن الأولين: بأنّ مقتضى هذا التركيب: بيان حقيقة الوضوء التي لا تحقّق له بدونها، و نحن نسلّم أنّ حقيقته ذلك، و ذلك لا ينافي استحباب شي ء آخر، كما في قولهم: «الوضوء غسلتان و مسحتان» «6» مع استحباب أمور كثيرة فيه.

نعم، قوله: «مثنى مثنى، و مرتين مرتين» يدلّ على الاستحباب، للإجماع على عدم وجوب التعدّد.

______________________________

(1) التهذيب 1: 81- 212، الاستبصار 1: 71- 217، الوسائل 1: 436 أبواب الوضوء ب 31 ح 3.

(2) الفقيه 1: 26- 83، الوسائل 1: 436 أبواب الوضوء ب 31 ح 14.

(3) عيون الأخبار 2: 121، الوسائل 1: 440 أبواب الوضوء ب 31 ح 22.

(4) البصائر لسعد بن عبد اللَّه نقل عنه في البحار 77: 295- 52، الوسائل 1: 445 أبواب الوضوء ب 32 ح 4، و وجدناها في مختصر البصائر: 94.

(5) مستطرفات السرائر: 25- 2، الوسائل 1: 441 أبواب الوضوء ب 31 ح 27.

(6) التهذيب 1: 63- 176، الوسائل 1: 420 أبواب الوضوء ب 25 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 186

و عن الثالثة و الرابعة- مع

معارضتهما مع مرسلة ابن أبي المقدام: «إني لأعجب ممّن يرغب أن يتوضّأ اثنتين و قد توضّأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله اثنتين» «1» و مع إمكان إرادة أنّ وضوء النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم لكلّ صلاة ما كانت إلّا مرة، و لذا توقّف الشهيد في استحباب التجديد لصلاة واحدة «2»-:

أنه يمكن أن يكون ذلك لبيان الجواز. بل قيل: إنّ المعلوم من حال النبيّ الاقتصار في العمل على ما وجب، اشتغالا بالأهم، و إظهارا للاستحباب و جواز الترك «3».

مع أنّ في مرسلة مؤمن الطاق: «فرض اللَّه الوضوء واحدة واحدة، و وضع رسول اللَّه للناس اثنتين اثنتين» «4» و في المروي في رجال الكشي: كم عدّة الطهارة؟

فقال: «ما أوجبه اللَّه فواحدة، و أضاف إليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم واحدة لضعف الناس، و من توضّأ ثلاثا فلا صلاة له» «5».

و مقتضاهما: أنّ إضافة الثانية للناس لضعفهم و تقصيرهم، فلعلّ الحجج لبراءتهم عنهما لم يقصدوا إليها، و اختص استحبابها بغيرهم، كما احتمله والدي في اللوامع، بل هو الظاهر من كلام العماني و الإسكافي بل المفيد «6».

و أما قوله: «هذا وضوء» إلى آخره، فالظاهر منه أنه لا يصح أقلّ منه، لا أن يجب الاقتصار عليه.

مع أنّه لو أريد عدم الصحة، لخالف مذهب المستدلّ، و خرج الخبر عن الحجية بالشذوذ، و إن أريد المرجوحية، فهي مجاز ليس أولى من غيره، كبيان

______________________________

(1) الفقيه 1: 25- 80، الوسائل 1: 439 أبواب الوضوء ب 31 ح 16.

(2) الذكرى 96.

(3) القائل هو صاحب الرياض 1: 24.

(4) الفقيه 1: 25- 77، الوسائل 1: 439 أبواب الوضوء ب 31 ح 15.

(5) رجال الكشي 2: 600- 564، الوسائل

1: 443 أبواب الوضوء ب 32 ح 2.

(6) المقنعة: 46، و نقل عن العماني في المختلف: 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 187

الأقل. بل للخبر تتمة في طرق العامة تؤكّد ذلك و هو أنّه: «ثمَّ توضّأ مرتين و قال:

وضوء من ضاعف له الأجر هذا» «1».

مع أنّ حمل الإضافة في الروايتين على العهد و إرادة الوضوء البياني و كونه في مقام بيان أقلّ الواجب ممكن، بل قوله: «هذا وضوء» إلى آخره، يومئ إليه، و به يجمع بينهما و بين مرسلة ابن المقدام.

و عن الخامسة: بعدم منافاة حبّ الوتر من حيث هو لحبّ غيره من جهة أخرى.

مع أنّ نفيه حبّ الغير ليس إلّا بالمفهوم الضعيف، و مع أنه أعم مطلقا من المسألة، فيجب تخصيصه بأخبارها. و الإجزاء المذكور فيه لا يبيّن إلّا منتهى الوجوب.

و عن السادسة و السابعة: بمعارضتهما مع رواية ابن بكير، المتقدّمة «2» بالعموم المطلق، فيجب حملهما على من لم يستيقن إجزاء الواحدة، و زعم وجوب الثانية.

مع إمكان إرادة الوضوء الواحدة لكلّ صلاة، فجوّز التجديد و إن لم يترتّب عليه بخصوصه أجر، بل كان مخيّرا بين الوضوء و الوضوءين، و حرّم الثالثة، كما اختاره الشهيد في الثالثة «3» و احتمله الفاضل فيها «4». و حينئذ و إن عارضتهما إطلاقات التجديد، و لكن على الحمل على الغسلة أيضا تعارضهما أخبار الغسلة الثانية.

و عن الثامنة و التاسعة: بما أجيب عن الأولين.

______________________________

(1) سنن البيهقي 1: 80.

(2) في ص 181.

(3) الذكرى: 94، البيان: 50، الدروس: 93.

(4) التحرير 1: 10، المختلف: 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 188

و عن العاشرة: بالمعارضة المذكورة مع الموثّقة [1] فتخصّص بها.

مع أنّ الظاهر أنّ قوله: «و اعلم ..» من كلام البزنطي، و

لا أقلّ من احتماله، فلا حجّية فيه في مقابلة ما مرّ.

و أما البيانيات، فهي في بيان الواجبات، لخلوّها عن كثير من المستحبات.

هذا و قد يردّ هذا القول أيضا: بأنّه لا يجتمع مع رجحان العبادة، إذ جزؤها إمّا واجب أو مستحب، و لا معنى لاتّصافه بالإباحة المطلقة من دون رجحان.

و فيه: أنّ اللازم في العبادة الرجحان الذاتي، و يمكن أن يكون الكلام هنا في الإضافي بالنسبة إلى الواحدة كما في أحد فردي المخيّر.

و يمكن أيضا أن يكون مرادهما بجواز الثانية جوازها لا بقصد الوضوء.

و الحاصل أن يكون كلامهما في هذا الفعل في الوضوء من غير ملاحظة قصد كونه منه، كما قالوا في تكرار المسح «1»، فحرّموا الثالثة فصاعدا و لو بدون قصد الوضوء، للنصوص، كالتكفير في الصلاة، و جوّزوا الثانية إمّا مع المرجوحية كالتمندل، أو بدونها.

و للمحكي في الخلاف و السرائر عن بعض الأصحاب، فقال بعدم مشروعية الثانية «2». و الظاهر- كما صرّح به والدي- رحمه اللَّه- و نقله جماعة «3»- أنه هو الصدوق، فإنّ كلامه في الفقيه صريح في عدم الجواز:

قال: قال الصادق عليه السلام: «ما كان وضوء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إلّا مرة مرة، و توضّأ النبي مرة مرة فقال: هذا وضوء لا يقبل اللَّه الصلاة إلا

______________________________

[1] كذا في النسخ، و لا يخفى أن المراد بها رواية ابن بكير المتقدمة و هي ليست بموثقة- كما لم يعبر عنها المصنّف بهذا الوصف فيما تقدم- لاشتمالها على زياد بن مروان القندي، و الظاهر ان الكلمة مصحفة: «المتقدمة».

______________________________

(1) سيأتي في ص 192.

(2) الخلاف 1: 87، السرائر 1: 100.

(3) منهم الشهيد في الدروس 1: 93، و الشهيد الثاني في الروضة 1: 79.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 2، ص: 189

به» فأما الأخبار التي رويت في أنّ الوضوء مرتين مرتين، فأحدها بإسناد منقطع- فنقل مرسلة مؤمن الطاق المتقدمة «1»- فقال: هذا على جهة الإنكار لا الإخبار، كأنه يقول: حد اللَّه حدا، فتجاوز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و تعدّاه، و قد قال اللَّه عزّ و جلّ وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ و قد روي: أنّ الوضوء حدّ من حدود اللَّه و أنّ المؤمن لا ينجّسه شي ء و إنّما يكفيه مثل الدهن. و قال الصادق عليه السلام: «من تعدّى في وضوئه كان كناقضه». و في ذلك حديث آخر بإسناد منقطع- ثمَّ نقل رواية ابن أبي المقدام، السابقة «2»- فقال: إنّ النبي كان يجدّد الوضوء لكلّ صلاة. فمعنى هذا الحديث هو: إني لأعجب ممّن رغب عن تجديد الوضوء و قد جدّده النبي. و الخبر الذي روي أنّ من زاد على مرتين لم يؤجر، يؤكد ما ذكرته. و معناه أنّ تجديده بعد التجديد لا أجر له، كالأذان: من صلّى الظهر و العصر بأذان و إقامتين أجزأه، و من أذّن للعصر كان أفضل، و الأذان الثالث بدعة لا أجر له. و كذلك ما روي أنّ المرتين أفضل، معناه التجديد. و كذلك ما روي في مرتين أنه إسباغ- ثمَّ ذكر أحاديث فضل التجديد، فقال: و قد فوّض اللَّه إلى نبيه أمر دينه و لم يفوّض إليه تعدّي حدوده. و قول الصادق عليه السلام: «من توضّأ مرتين لم يؤجر» يعني به أنه أتى بغير الذي أمر به و وعد الأجر عليه، فلا يستحق الأجر. انتهى «3».

و حاصله: حمل أخبار المرة و مرجوحية المرتين على الغسلة و الغسلتين، و أخبار فضل المرتين على التجديد،

و أنّ الثانية في الغسلة غير مأمور بها، و أنّ فاعلها كناقض الوضوء، و أنّ جعلها من الوضوء تعدّ عن حدود اللَّه، فتكون منهيّا عنها و إن لم تكن بنية الوضوء. و لا فرق في ذلك بينها و بين الثالثة و الرابعة فتكون

______________________________

(1) في ص 186.

(2) في ص 186.

(3) الفقيه 1: 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 190

حراما.

و على هذا فما ذكره والدي- رحمه اللَّه- من أن نسبة الحرمة إلى الصدوق مخالف للواقع، و ما قاله كثير من المتأخّرين من نسبة جوازها إليه، ليس من موقعه.

و الباعث على ذلك: قوله في باب حدّ الوضوء: و الوضوء مرة مرة، و من توضّأ مرتين لم يؤجر، و من توضّأ ثلاثا فقد أبدع، حيث إنه فرّق بين الثانية و الثالثة بعدم الأجر على الثانية و ارتكاب البدعة في الثالثة.

و الظاهر أنّ مراده من قوله «أبدع» دخل فيما هو بدعة، حيث إن الثالثة مستحبة عند العامة «1»، فهي من بدعهم. أي: ارتكب ما هو بدعة من العامة، و منهي عنه بخصوصه في الروايات، سواء قصد به الوضوء أم لا كما مرّ.

و أما الثانية فلم يبتدعها أحد بخصوصها، و لم ينه عنها كذلك، بل هي غير مأمور بها و غير داخلة في الوضوء. و يلزمها عدم جواز إدخالها فيه بقصد الوضوء، لكونه تعدّيا عن حدود اللَّه.

و كيف كان، فالظاهر عدم الريب في ضعف ذلك القول. و يدلّ عليه أيضا بعد ظاهر الوفاق ما تقدّم من أخبار رجحان الثانية «2». مضافا إلى مستفيضة أخرى دالّة على جوازها و مشروعيتها، كمرسلة مؤمن الطاق «3».

و حملها على الإنكار- كما في الفقيه «4»- خلاف الأصل و الظاهر، و مخالف لما صرّح به في

روايات أخر كما مرّ «5»، و مرسلة ابن أبي المقدام، و المروي في رجال الكشي كما مرّ «6».

______________________________

(1) المهذب في فقه الإمام الشافعي 1: 18، الأمّ 1: 32، المغني 1: 158.

(2) في ص 182.

(3) المتقدمة في ص 186.

(4) الفقيه 1: 25.

(5) المتقدمة في ص 182.

(6) في ص 186.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 191

و في الخصال: «هذه شرائع الدين» إلى أن قال: «غسل الوجه و اليدين إلى المرفقين، و مسح الرأس و القدمين إلى الكعبين مرة مرة، و مرتان جائز» «1».

و مستند الصدوق: الأصل أخبار عدم الأجر على المرتين، بانضمام حمل أخبار رجحانهما على التجديدي. و قد عرفت ضعف الكلّ.

هذا كلّه في الغسلة الثانية، و أمّا الثالثة فاختلفوا في حرمتها و عدمها. و الحقّ هو الأول كما عليه المعظم، للأصل في العبادات، و المعتبرة المنجبرة المتقدّمة، كمرسلة ابن أبي عمير «2» و روايات الكشي «3» و العريضي «4» و زرارة «5» و السرائر «6».

خلافا لظاهر من شذ- من دون مستند ظاهر- كالمفيد، حيث جعلها تكلّفا، و الزائد عليها بدعة «7». و القديمين، فجعلاها غير محتاج إليها «8».

قيل: و مال إليه في المعتبر «9»، و هو فرية، لأنّه قال بعد حكمه باستحباب الثانية و كون الثالثة بدعة و نسبة استحبابها إلى العامة: و أما كون الثالثة بدعة:

فلأنّها ليست مشروعة، فإذا اعتقد التشريع أثم، و لأنه يكون إدخالا في الدين ما ليس منه، فيكون مردودا «10».

نعم، قال بعد إتمام المسألة في الفرع الثاني: هل تبطل الطهارة لو غسل

______________________________

(1) الخصال: 603- 9، الوسائل 1: 397 أبواب الوضوء ب 15 ح 18.

(2) التهذيب 1: 81- 212، الاستبصار 1: 71- 217، الوسائل 1: 436 أبواب الوضوء ب 31 ح

3.

(3) المتقدمة في ص 186.

(4) المتقدمة في ص 183.

(5) المتقدمة في ص 182.

(6) المتقدمة في ص 185.

(7) المقنعة: 49.

(8) نقله عنهما في المختلف: 22.

(9) القائل هو صاحب الرياض 1: 24.

(10) المعتبر 1: 158.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 192

يديه ثلاثا؟ قيل: نعم، لأنه مسح لا بماء الوضوء. و الوجه: الجواز، لأنه لا ينفك من ماء الوضوء الأصلي. انتهى.

و لا يخفى أنه غير جوازها، و لذا قال بعض من صرّح بحرمتها بعدم بطلان الوضوء معها على الإطلاق، و عدم البأس بمزج ماء الوضوء بغيره في المسح بعد بقاء مائه، و لذا نسب الجماعة إلى المعتبر، القول بعدم إبطال الثالثة للوضوء «1».

و هو كذلك إن لم يحصل المسح بمائها. و لزومه إذا كانت في اليسرى ظاهر، و في الوجه و اليمنى غير ظاهر، لاضمحلاله بما يرد عليه من بقية ماء الوضوء.

فروع:

أ: تحريم الثالثة إنّما هو إذا كان بقصد الوضوء، كما هو ظاهر بعض أخباره.

و إطلاق بعض آخر لا يفيد، لوجوب الاقتصار على موضع انجباره. فلا يحرم لو غسل لا بقصده إلّا أنه يبطل الوضوء بها لو أتى بها في اليسرى.

ب: لا تكرار في المسح عندنا لا وجوبا و لا استحبابا، للأصل، و الإجماعين، و بعض النصوص المتقدّمة «2» المؤيدة بالوضوءات البيانية. و بذلك يقيّد إطلاق ما مرّ من أنّ الوضوء مثنى مثنى أو مرتين.

و لو كرّره لم يأثم إلّا مع قصد المشروعية، و عليه ينزل إطلاق التحريم في كلام الشيخين «3» و ابني حمزة و إدريس «4»، بل كلام الأخير صريح فيه. و يكون حينئذ وضوؤه صحيحا بغير خلاف، كما في السرائر و عن الذكرى «5»، بل إجماعا كما في اللوامع.

و هل يكره بدون ذلك

القصد؟ صرّح به في اللوامع، مدّعيا عليه الشهرة بل

______________________________

(1) منهم صاحب المدارك 1: 234، و صاحب الحدائق 2: 347، و يستفاد من المعتبر 1: 160.

(2) في ص 183- 182.

(3) المفيد في المقنعة: 49، و الطوسي في المبسوط 1: 23، و الخلاف 1: 89، و المصباح: 8.

(4) الوسيلة: 51 السرائر 1: 100.

(5) الذكرى: 95.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 193

الإجماع. و لا بأس به، لكفاية الدعوى في إثباته.

ج: صرّح في اللوامع بجواز التثنية في بعض الأعضاء دون بعض. و هو كذلك، للأمر بالتثنية في كلّ منها على حدة، سيما في روايتي علي بن يقطين و العريضي «1»، و الأصل عدم الارتباط و التوقّف.

و أمّا في جزء من البعض فلا شك في عدم استحبابها، و لا في عدم جوازها بقصد المشروعية، و لا في جوازها لا بقصدها. و لكن يخدش في صحة الوضوء لو أتى به في اليسرى لمكان المسح.

و المناط صدق التثنية عرفا، فلا يضرّ عدم الاستيعاب الحقيقي في الغسلة الأولى إذا صدق غسل كلّ ذلك العضو عرفا.

و كذلك يحرم تثليث بعض الأعضاء بل البعض من البعض. و على هذا فيحصل الإشكال في الغرفات المتعدّدة، سيما إذا استوعب كلّ منها أكثر العضو أو كثيرا منه، إذ لا يشترط إمرار اليد في تحقّق الغسل. و ظاهر الأردبيلي الميل إلى ترك الغرفة الثالثة مطلقا «2»، لعدم معهوديتها.

المسألة الثانية: اللازم في الغسل في الوجه و اليدين مسمّاه عرفا،

فيشترط الجري فيه اختيارا إجماعا، و مطلقا على الأصح بل الأشهر، بل قيل: كاد أن يكون إجماعا «3».

للأصل، و استصحاب الحدث، و عدم صدق الغسل المأمور به بدونه، لعدم حصوله إلّا به فيثبته أوامر الغسل.

و بها و بما دلّ على اشتراط الجري كمفهوم حسنة زرارة، الآتية، و الأخرى:

«فما جرى عليه

الماء فقد أجزأه» «4» و صحيحة محمد في اغتسال الجنب: «فما جرى

______________________________

(1) المتقدمتين في ص 183- 182.

(2) مجمع الفائدة 1: 116.

(3) قاله في الرياض 1: 19.

(4) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 3، التهذيب 1: 133- 368، الوسائل 1: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 194

عليه الماء فقد طهر» «1» تقيّد إطلاقات الدهن و كفاية مسّ الماء للجلد «2».

و تؤيد المطلوب أيضا: صحيحة علي: فيمن أصابه المطر و ابتلّت أعضاء وضوئه: «إن غسله فإنّ ذلك يجزيه» «3».

و يكفي أقلّه، بأن ينتقل كلّ جزء من الماء من محله إلى غيره، كما ذكره الفقهاء إمّا صريحا، أو بتمثيلهم بالدهن الذي لا يزيد عنه غالبا، لصدق الغسل معه، و لذا ورد كفاية مثل ما على الحشفة في غسل البول «4».

و لحسنة زرارة: «الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله و كثيره فقد أجزأه» «5».

و صحيحته في الوضوء: «إذا مس جلدك الماء فحسبك» «6».

و مرسلة الكليني: في رجل كان معه من الماء مقدار كف و حضرت الصلاة فقال: «يقسّمه أثلاثا ثلث للوجه، و ثلث لليد اليمنى، و ثلث لليسرى» «7».

و الأخبار المصرّحة بكفاية مثل الدهن في الوضوء أو الغسل «8»، فإنّ التدهين يتحقّق بمثل هذا الجري أيضا، فتشمله أخباره.

______________________________

(1) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 1، التهذيب 1: 132- 365، الاستبصار 1: 123- 420، الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.

(2) الوسائل 1: 484 أبواب الوضوء ب 52.

(3) التهذيب 1: 359- 1082، الاستبصار 1: 75- 231، الوسائل 1: 454 أبواب الوضوء ب 36 ح 1.

(4) الوسائل 1: 343 أبواب أحكام الخلوة ب 26.

(5) الكافي 3: 21 الطهارة

ب 14 ح 4، التهذيب 1: 137- 380، الاستبصار 1: 123- 416، الوسائل 2: 24 أبواب الجنابة ب 31 ح 3.

(6) الكافي 3: 22 الطهارة ب 14 ح 7، التهذيب 1: 137- 381، الاستبصار 1: 123- 417، الوسائل 1: 485 أبواب الوضوء ب 52 ح 3.

(7) الكافي 3: 27 الطهارة ب 17 ح 9، الوسائل 1: 438 أبواب الوضوء ب 31 ح 9.

(8) الوسائل 1: 484 أبواب الوضوء ب 52.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 195

و الرواية الواردة في بقاء لمعة من جسد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و أخذه الماء من بلل شعره و مسحه ذلك الموضع مروية في نوادر الراوندي و غيره «1».

و الرضوي: «و أدنى ما يكفيك و يجزيك من الماء ما يبلّ به جسدك مثل الدهن» «2».

خلافا في الأول [1] للمقنعة و النهاية «3» و صريح والدي العلّامة، فاكتفوا بمجرد البلل الخالي عن الجري حال الضرورة، مع إمكان حمل كلام الأولين على الاجتزاء بأقلّ الجري حال الضرورة، فيوافقان في حال الاضطرار لما عليه الشهرة، و في الاختيار لما يأتي من مختار الناصرية «4».

و استدلّ والدي- رحمه اللَّه- بمطلقات أوامر الغسل المتوقّف على الجريان، و إطلاقات كفاية البل، كخبري الغنوي: «يجزيك من الغسل و الاستنجاء ما بلّت يمينك» «5» كما في أحدهما و «ما بللت يدك» «6» كما في الآخر.

و صحيحة زرارة، المتقدّمة «7»، و صحيحة محمّد: «يأخذ أحدكم الراحة من الدهن فيملأ بها جسده، و الماء أوسع من ذلك» «8» و أخبار الدهن الظاهرة فيما لا يتحقق معه الجريان.

بتخصيص أول الإطلاقين بحال الاختيار، للإطلاقات الثانية المقيدة بحال

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    196     المسألة الثانية:

اللازم في الغسل في الوجه و اليدين مسماه عرفا، ..... ص : 193

____________________________________________________________

[1] المراد من الأوّل، اعتبار الجري، و المراد من الثاني- الآتي في كلامه- كفاية أقلّ الجري و لو بمثل التدهين.

______________________________

(1) نوادر الراوندي: 39.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 83، المستدرك 1: 348 أبواب الوضوء ب 44 ح 1.

(3) النهاية: 15، و لم نعثر عليه في المقنعة.

(4) في ص 198.

(5) الكافي 3: 22 الطهارة ب 14 ح 6، الوسائل 1: 241 أبواب الجنابة ب 31 ح 4.

(6) التهذيب 1: 138- 386، الاستبصار 1: 122- 415.

(7) في ص 194.

(8) الكافي 3: 24 الطهارة ب 17 ح 3، الوسائل 1: 391 أبواب الوضوء ب 15 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 196

الاضطرار إجماعا، فتكون أخص منه، فيقيّد بها.

و لما [1] بعد الاستثناء في صحيحة الحلبي: «أسبغ الوضوء إن وجدت ماء و إلّا فإنّه يكفيك اليسير» «1» قال- رحمه اللَّه-: و اليسير بإطلاقه يتناول ما لا جري معه.

و لمرسلة الكليني، السابقة «2»، و صحيحة علي: عن الرجل الجنب أو على غير وضوء لا يكون معه ماء و هو يصيب ثلجا و صعيدا، أيّهما أفضل أ يتيمّم أم يتمسّح بالثلج وجهه؟ قال: «الثلج إذا بلّ رأسه و جسده أفضل، فإن لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمّم» «3».

و خبر ابن شريح: يصيبنا الدمق و الثلج و نريد أن نتوضّأ و لا نجد إلّا ماء جامدا، فكيف أتوضّأ أدلك به جلدي؟ قال: «نعم» «4».

و تخصيص [2] ثانيهما بحال الاضطرار، للإجماع، و لما قبل الاستثناء من صحيحة الحلبي، و للإطلاقات الأولى المقيّدة بحال الاختيار بالأخبار المذكورة.

و يجاب عنه: بضعف كلّ من التخصيصين.

أما الأول: فلعدم صلاحية ما ذكر له.

أما الإطلاقات

الثانية: فلأنها إنما يعلم تقييدها بحال الاضطرار إجماعا لو اختصّت بالبلّ الخالي عن الجريان المباين للغسل، و ليس كذلك بل أعم منه.

______________________________

[1] عطف على قوله: «للإطلاقات» و هكذا قوله الآتي: «و لمرسلة».

[2] عطف على قوله قبل سطور: «بتخصيص أوّل الإطلاقين ..».

______________________________

(1) التهذيب 1: 138- 388، الاستبصار 1: 123- 418، الوسائل 1: 485 أبواب الوضوء ب 52 ح 4.

(2) في ص 194.

(3) التهذيب 1: 192- 554، الاستبصار 1: 158- 547، الوسائل 3: 357 أبواب التيمم ب 10 ح 3.

(4) التهذيب 1: 191- 552، الاستبصار 1: 157- 543، الوسائل 3: 357 أبواب التيمم ب 10 ح 2 الدمق- محرّكة-: ريح و ثلج. القاموس 3: 240.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 197

أمّا ما تقدّم على صحيحة محمّد فظاهر. و أمّا هي و ما يعقبها: فلتحقّق أقل الجري بالتدهين أيضا- كما مرّ «1»- و لو كان بقدر الراحة كما في الصحيحة. مع أنّه لا دلالة فيها على مطلوبهم، لعدم خلوّها عن ضرب من الإجمال، و على هذا فتقييدها بالبلّ المشتمل على الجري المتضمّن مع الغسل، و إبقاء الحالة على عمومها بالإجماع، ليس بأولى من تقييدها بحالة الاضطرار به [1]، فلا يعلم منافاتها للإطلاق [2] الأول حتى يقيّد بها.

و أما ما بعد الاستثناء في الصحيحة «2»: فلاحتمال أن يراد منه اليسير من الغسل و لا شك أنّه أيضا لا يتحقّق إلّا مع الجريان.

مع أنّه لو أريد اليسير من الماء أيضا، لم يكن مقيّدا، لأنّه أعمّ ممّا يتحقق معه الجري، فيعارض الإطلاق الأول بالعموم من وجه، فلا يكون أخصّ منه حتى يقيده، و الترجيح للإطلاق [3]، لموافقة الكتاب و الأصل و الشهرة.

و أمّا المرسلة «3»: فلأنّ الظاهر تحقّق أقلّ الجريان

في كلّ موضع بثلث الكف، كيف مع أنّه تظهر من صحيحة محمد كفاية أقلّ من كف من الدهن لتمام الجسد «4».

و أما الخبران الأخيران: فلأنّ ظاهرهما المسح بالثلج و الجمد. و لم يقل به أحد، كما يأتي في بحث التيمم.

______________________________

[1] كذا في جميع النسخ، و لعلّ المناسب تغيير العبارة هكذا: و على هذا فتقييدها بحالة الاضطرار بالإجماع، ليس بأولى من تقييدها بالبلّ المشتمل على الجري المتضمّن مع الغسل، و إبقاء الحالة على عمومها.

[2] في «ق» للإطلاقات.

[3] في «ق» للإطلاقات.

______________________________

(1) في ص 194.

(2) يعني صحيحة الحلبي المتقدمة في 196 رقم 2.

(3) يعني مرسلة الكليني المتقدمة في ص 194.

(4) المتقدمة ص 195.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 198

مع أنّهما معارضان مع صحيحتين أخريين آتيتين في ذلك البحث، دالّتين على وجوب الانتقال إلى التيمم في مثل تلك الحال.

و أمّا التخصيص الثاني: فلمثل ما مرّ أيضا من عدم صلاحية ما ذكر لبيانه.

أمّا الإجماع: فلما عرفت.

و أمّا ما قبل الاستثناء من الصحيحة: فلأنّ الإسباغ غير الغسل، بل هو نوع منه غير واجب إجماعا فتوى و نصا.

و أمّا الإطلاقات: فلعدم ثبوت تقييدها بحال الاختيار كما مرّ.

و إذ عرفت ضعف التخصيص فيحصل التعارض بين الإطلاقين بالعموم من وجه. و الترجيح للأول، لما مرّ من موافقة الكتاب و الشهرة، بل الإجماع، لما عرفت من الاحتمال في كلام الشيخين «1»، مع أنّه لولاه لكان المرجع إلى أصل الاشتغال و استصحاب الحدث.

و خلافا في الثاني لظاهر المدارك، فإنّ ظاهره عدم صدق الغسل عرفا بمثل ذلك الجري «2»، و هو ظاهر الناصريات حيث قال- بعد ذكر وجوب فعل ما يسمّى غسلا-: و أما الأخبار الواردة بأنّه يجزئك و لو مثل الدهن، فإنّها محمولة على دهن

يجري على العضو و يكثر عليه حتى يسمّى غسلا و لا يجوز غير ذلك. انتهى «3».

فإنّ الظاهر من قوله: و يكثر عليه، اشتراط أكثر من هذا الجري، فإنه لا يقال للقدر من الماء الذي ينتقل من جزء واحد: إنه يكثر عليه.

و هو الظاهر من الحلّي «4» أيضا.

و دليلهم- كما أشير إليه- عدم صدق الغسل عرفا على مثله. و هو ممنوع كما

______________________________

(1) المتقدم في ص 195.

(2) المدارك 1: 235.

(3) الناصريات «الجوامع الفقهية»: 188.

(4) السرائر 1: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 199

مرّ «1»، بل الظاهر أنه لولاه، لما تحقّق الغسل الواجب لكلّ جزء من كلّ عضو بالغرفة الواحدة المجزية إجماعا.

ثمَّ إنه يجب العلم بحصول أقلّ الجري في كلّ جزء جزء من المواضع، كما تدلّ عليه الروايات المتقدّمة في غسل اليد «2»، المصرّحة بوجوب غسل كلّ جزء و إجراء الماء أو إدخاله تحت الخاتم و نحوه، و الأولى بلّ الموضع أوّلا ليجري عليه الماء بسهولة.

المسألة الثالثة: إذا كان بعض أعضاء الطهارة مؤوفا بغير القطع،
اشاره

من نحو كسر أو قرح أو جرح: فإمّا يكون في موضع الغسل أو المسح.

فإن كان في موضع الغسل: فإما لا تكون عليه جبيرة من خشب أو خرقة أو دواء أو غيرها أو تكون، فإن كانت عليه، فإمّا لا يمكن غسل ما تحتها بنزع أو تكرير أو وضع في الماء من غير ضرر و لا مشقة أو يمكن، فإن أمكن ذلك بأحد الوجوه الثلاثة، وجب إجماعا، اتّباعا لأوامر الغسل.

و في التخيير بين الثلاثة، كجماعة منهم: الفاضل في التحرير و النهاية «3»، و الكركي «4»، و الدروس و البيان «5»، بل في اللوامع الإجماع عليه، للأصل، و حصول الغسل، و إطلاق موثّقة عمّار: في الرجل ينكسر ساعده أو موضع من مواضع الوضوء فلا

يقدر أن يمسح عليه لحال الجبر إذا جبر، كيف يصنع؟ قال:

«إذا أراد أن يتوضّأ فليضع إناء فيه ماء و يضع الجبيرة في الماء حتى يصل الماء إلى جلده، و قد أجزأه ذلك من غير أن يحلّه» «6».

______________________________

(1) في ص 194.

(2) في ص 100.

(3) التحرير 1: 10، نهاية الإحكام 1: 64.

(4) جامع المقاصد 1: 233.

(5) الدروس 1: 94، البيان: 51.

(6) التهذيب 1: 426- 1354، الاستبصار 1: 78- 242، الوسائل 1: 465 أبواب الوضوء ب 39 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 200

أو الترتيب فينزع وجوبا مع الإمكان، و إلّا فالتكرير أو الوضع، كالتذكرة «1»، بل ظاهر التهذيب [1] و النهاية [2]، بل المعتبر و المنتهى «2»، بل عليه دعوى الإجماع كما ذكره في اللوامع، و جعله جمع من مشايخنا الأحوط «3».

لحسنة الحلبي: عن الرجل تكون القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من مواضع الوضوء فيعصبها بالخرقة و يتوضّأ و يمسح عليها إذا توضّأ؟ فقال: «إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة، و إن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثمَّ ليغسلها» و عن الجرح كيف يصنع به في غسله؟ قال: «يغسل ما حوله» «4».

و الرضوي: «إن كان بك في المواضع التي يجب عليها الوضوء قرحة أو دماميل و لم يؤذك فحلّها و اغسلها، و إن أضرّك حلّها، فامسح يدك على الجبائر و القروح، و لا تحلّها و لا تعبث بجراحتك» «5».

قولان [3]، أظهرهما: الأخير، لما ذكر. و به يدفع الأصل و إطلاق الغسل.

و لا يعارضه الموثّق، لتقييده بعدم القدرة على المسح على الموضع لأجل الجبيرة، و لا يكون ذلك، إلّا مع تعذّر النزع. و أمّا مجرد وجوده فغير مناف للقدرة كما لا تنتفي بوجود

حائل آخر ممكن الرفع.

و ها هنا قول آخر محكي عن الذخيرة، و هو: تقدّم النزع و التكرير على

______________________________

[1] التهذيب 1: 426، و فيه: وجوب النزع إن أمكن و الا فيمسح على الجبائر، نعم يستحب في صورة عدم إمكان النزع وضع موضع الجبيرة في الماء.

[2] النهاية: 16 و فيها وجوب النزع إن أمكن و الا فالمسح عليها و لم يذكر الوضع و لا التكرير.

[3] هذا مبتدأ مؤخر و خبره قوله «و في التخيير» المتقدم.

______________________________

(1) التذكرة 1: 21.

(2) المعتبر 1: 161، المنتهى 1: 72.

(3) منهم صاحب الرياض 1: 24.

(4) الكافي 3: 33 الطهارة ب 21 ح 3، التهذيب 1: 362- 1095، الاستبصار 1: 77- 239، الوسائل 1: 463 أبواب الوضوء ب 39 ح 2. و في الجميع: «اغسل ما حوله» بصورة الأمر.

(5) فقه الرضا عليه السلام: 69، المستدرك 1: 337 أبواب الوضوء ب 34 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 201

الوضع «1».

و لم أقف على دليل له إلّا ما ادّعاه من الإجماع، و هو غير ثابت.

نعم، لم يذكر جماعة الوضع أصلا «2».

و عن الشيخ في كتابي الحديث عدم وجوبه، حيث حمل الموثّق على الاستحباب عند المكنة و عدم الضرورة «3».

و إن لم يمكن غسل ما تحتها بأحد الوجوه الثلاثة، يمسح على الجبيرة و يغسل ما حولها وجوبا، سواء أمكن مع ذلك حلّ الجبيرة أولا، اتّفاقا محققا و منقولا، كما عن الخلاف «4» و في المعتبر، و المنتهى، و التذكرة، و المدارك «5»، مع عدم إمكان الحل، و على الأظهر معه.

للإجماع في الأول، و للمستفيضة فيهما، منها: الحسنة و الرضوي المتقدّمان و حسنة كليب و الوشاء.

الأولى: عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال: «إن

كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره» «6».

و الثانية: عن الدواء إذا كان على يد الرجل يجزيه أن يمسح عليه؟ قال:

«نعم، يجزيه أن يمسح على طلي الدواء» «7».

و المروي في تفسير العياشي: عن الجبائر تكون على الكسير كيف يتوضّأ صاحبها، و كيف يغتسل إذا أجنب؟ قال: «يجزيه المسح بالماء عليها في الجنابة

______________________________

(1) الذخيرة: 37.

(2) منهم الشهيد في الدروس 1: 94، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 233.

(3) التهذيب 1: 426، و الاستبصار 1: 78.

(4) الخلاف 1: 159.

(5) المعتبر 1: 161، و 162، المنتهى 1: 72، التذكرة 1: 21، المدارك: 37.

(6) التهذيب 1: 363- 1100، الوسائل 1: 465 أبواب الوضوء ب 39 ح 8.

(7) التهذيب 1: 364- 1105، الاستبصار 1: 76- 235، الوسائل 1: 465 أبواب الوضوء ب 39 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 202

و الوضوء» «1».

و لا تعارض تلك الأخبار روايات التيمّم «2»، لأنّها بين ظاهرة في المجرد عن الجبيرة أو مطلقة بالنسبة إليه، و هذه خاصة بذي الجبيرة.

و لا الروايات المقتصرة بغسل ما حول الجرح، كذيل حسنة الحلبي، المتقدّمة، و صحيحة ابن سنان: عن الجرح كيف يصنع به صاحبه؟ قال: «يغسل ما حوله» «3».

و مرسلة الفقيه: و روي في الجبائر أنه يغسل ما حولها «4».

و صحيحة البجلي: عن الكسير تكون عليه الجبائر أو تكون به الجراحة كيف يصنع بالوضوء و عند غسل الجنابة و غسل الجمعة؟ قال: «يغسل ما وصل إليه الغسل ممّا ظهر مما ليس عليه الجبائر و يدع ما سوى ذلك مما لا يستطيع غسله، و لا ينزع الجبائر و لا يعبث بجراحته» «5».

لأنّ إيجاب غسل ما حوله و عدم العبث بالجراحة و عدم غسلها لا ينافي وجوب

المسح إذا كان ثابتا من دليل آخر.

و قوله في الصحيحة: «و يدع ما سوى ذلك» أي من الجسد بقرينة قوله:

«ممّا لا يستطيع غسله و لا يعبث بجراحته» فلا ينافي المسح على الجبيرة التي هي غير الجسد.

مع أنّ الظاهر منه أنه يدع غسله فلا منافاة أصلا، و لو منع الظهور فلا أقلّ

______________________________

(1) تفسير العياشي 1: 236- 102، الوسائل 1: 466 أبواب الوضوء ب 39 ح 11.

(2) الوسائل 3: 346 أبواب التيمم ب 5.

(3) الكافي 3: 32 الطهارة ب 21 ح 2، التهذيب 1: 363- 1096، الوسائل 1: 464 أبواب الوضوء ب 39 ح 3.

(4) الفقيه 1: 29- 94، الوسائل 1: 464 أبواب الوضوء ب 39 ح 4.

(5) الكافي 3: 32 الطهارة ب 21 ح 1، التهذيب 1: 362- 1094، الاستبصار 1: 77- 338، الوسائل 1: 463 أبواب الوضوء ب 39 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 203

من الاحتمال فلا يعارض.

مع أنه على فرض الدلالة فللمعارضة مع ما مرّ غير صالحة، لمخالفته في الجملة لعمل المعظم بل الكلّ الموجبة لشذوذها.

و توهّم فتوى الصدوق و الكليني- طاب ثراهما- بمضمونها «1» و حمل أخبار المسح على الاستحباب فاسد.

نعم، اختاره واحد من متأخري المتأخرين «2» و مال إليه آخر «3»، و لا يعبأ بهما.

و بذلك الإجماع تقدّم تلك الأخبار على الآية فيما إذا صدق على صاحب الكسر أو نحوه المريض و إن تعارضا بالعموم من وجه. مع أنّ المرض (لغة) [1] إما هو السقم خاصة- كما هو صريح بعض اللغويين «4»- فلا تعارض بينهما أصلا، لتغاير السقم و الكسر و نحوه كما هو ظاهر، أو يكون شاملا لجميع الآفات حتى الكسر و نحوه- كما هو المحتمل- و يكون

المتّصف بها أيضا مريضا لغة و إن لم يكن كذلك عرفا، و لا يضرّ لتأخّر الحادث، فتكون الآية أعم مطلقا يجب تخصيصها.

و إن لم تكن على الموضع جبيرة و آذاه الماء، فالحقّ فيه التخيير بين أحد الأمور الثلاثة: المسح على الجبيرة بوضع شي ء على الموضع و مسحه، و إمّا التيمم، و إمّا الاكتفاء بغسل ما حول الموضع.

أمّا جواز المسح على شي ء وضعه على الموضع: فلحسنة الحلبي، المتقدّمة «5»، دلّت بإطلاقها على المسح بالخرقة المعصوبة مع إيذاء الماء، سواء كانت على الموضع قبل إرادة الوضوء، أو عصبها حينها مع تجرّد الموضع أوّلا.

______________________________

[1] لا توجد في «ه».

______________________________

(1) كما في الذخيرة: 37، و الحدائق 2: 382.

(2) مجمع الفائدة 1: 111.

(3) المدارك 1: 238.

(4) منهم الجوهري في الصحاح 3: 1106.

(5) في ص 200.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 204

و أمّا عدم تعيّن ذلك حتى يجب الوضع: فللأصل و عدم الدليل.

فإن قلت: قوله: «فليمسح على الخرقة» يدلّ على وجوبه المتوقّف امتثاله على الوضع.

قلنا: الثابت منه وجوبه على من سئل عنه أي من يعصبها (و يتوضّأ، الذي هو مرجع المستتر) [1] و هو كذلك، لا على من لم يعصبها.

فإن قلت: فيلزم أنّ من عليه جبيرة يمكن حلّها لو حلّها كان حكمه التخيير أيضا، و لم يتعيّن عليه المسح على الجبيرة، لعدم دليل على وجوب الوضع.

قلت: الدليل فيه استصحاب وجوب المسح على الخرقة الموقوف على وضعها، بخلاف من ليست عليه، فإنّه لم يثبت وجوب عليه حتى يستصحب.

و أمّا جواز التيمم: فلمطلقاته كالمرسلة: «يؤمم المجدور و الكسير إذا أصابتهما الجنابة» «1».

و الأخرى: «المجدور و الكسير يؤممان و لا يغسلان» «2».

و الثالث: «يتيمّم المجدور و الكسير بالتراب إذا أصابته الجنابة» «3».

و الرابعة: «في

الكسير و المبطون يتيمّم و لا يغتسل» «4».

و الصحيحة: في الرجل تصيبه الجنابة و به قروح أو جروح، أو يخاف على نفسه من البرد، فقال: «لا يغتسل و يتيمم» «5».

و الأخرى: عن الرجل يكون به القرح و الجراحة يجنب، قال: «لا بأس بأن

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ق».

______________________________

(1) التهذيب 1: 185- 533، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 5 ح 10.

(2) الفقيه 1: 59- 217، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 5 ح 12 بتفاوت يسير.

(3) الكافي 3: 68 الطهارة ب 45 ح 2، الوسائل 3: 347 أبواب التيمم ب 5 ح 4.

(4) الكافي 3: 68 الطهارة ب 45 ح 5، الفقيه 1: 59- 217، و 218، التهذيب 1: 184- 529، الوسائل 2: 346 أبواب التيمم ب 5 ح 2.

(5) التهذيب 1: 196- 566، الوسائل 3: 347 أبواب التيمم ب 5 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 205

لا يغتسل، يتيمّم» «1».

و الموثّقة: في الرجل تكون به القروح في جسده فتصيبه الجنابة، قال: «لا يتيمم» «2».

و المروي في الدعائم: «من كانت به قروح أو علّة يخاف منها على نفسه يتيمّم» «3».

دلّت على جواز التيمم لكلّ من كانت به قروح أو كسر أو علّة، خرج من به جبيرة أو خرقة بما مرّ، و أمّا الخالي عنهما فتبقى فيه مطلقات التيمّم خالية عن المعارض، فيجوز له التيمّم، لها. و وضع شي ء و عصبه على الموضع، للأصل الخالي عن المعارض أيضا. و بعده يجب عليه المسح عليها، للحسنة «4».

و لا يندفع ذلك الأصل بمطلقات التيمّم، لعدم دلالتها على الزائد على مشروعيته، لخلوّها عن الدالّ على وجوبه و حرمة الغسل.

و منه يظهر وجه عدم تعيّن التيمم عليه

أيضا.

و أمّا جواز الاكتفاء بغسل ما حول الموضع فقط حينئذ: فلمطلقاته المتقدّمة «5»، فإنها شاملة بإطلاقها للمجرد عن الجبيرة و المشغول بها، زيد في الثاني المسح على الجبيرة لأوامره، و أما الأوّل فلا دليل على وجوب أمر آخر فيه من وضع الخرقة و المسح عليها.

و لا تنافيها أخبار التيمّم، لعدم إثباتها الأزيد من المشروعية كما مرّ. كما لا تنافي أخبار غسل ما حوله أيضا أخبار التيمم، لذلك.

______________________________

(1) الكافي 3: 68 الطهارة ب 45 ح 1، التهذيب 1: 184- 530 بتفاوت يسير، الوسائل 2: 347 أبواب التيمم ب 5 ح 5.

(2) التهذيب 1: 185- 532، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 5 ح 9.

(3) الدعائم 1: 121، المستدرك 2: 527 أبواب التيمم ب 4 ح 2.

(4) أي حسنة الحلبي المتقدمة في ص 200.

(5) في ص 202.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 206

لا يقال: «اغسل ما حوله» في آخر الحسنة- كما في أكثر النسخ- أمر مفيد للوجوب فيعيّنه و يعارض مشروعية التيمم.

لأنّا نقول: إنّ السؤال إنّما وقع في غسله، حيث قال: كيف يصنع به في غسله؟ فلا يفيد إلّا وجوب غسل ما حولها إذا غسل لا مطلقا.

و الحاصل: أنّ ها هنا أمورا ثلاثة كلّها واردة على المورد من دون مدافعة بعضها لبعض: أصالة جواز العصب و الوضع الموجب للمسح على الجبيرة بضميمة الحسنة، و مجوّزات التيمّم، و مطلقات غسل ما حول الموضع، فيجوز العمل بكلّ منها فيه و هو معنى التخيير.

هذا إذا كان عدم إمكان غسل الموضع لإيذاء الماء، و إلّا كما إذا لم يحتبس الدم ففي شمول الحسنة له محل كلام، فينحصر الأمر بين التيمّم و غسل ما حوله، إلّا إذا قلنا بعدم اشتراط طهارة

محل الوضوء فيتوضّأ إن أمكن.

لا يقال: القول بالتخيير و إن كان موجودا، و لكنه إمّا في المجبور مطلقا بين التيمّم و الجبيرة، أو بينه و بين غسل ما حولها، أو في المجرد بين الأوّلين، كما هو محتمل كلام المبسوط في مبحثي الوضوء و التيمم «1»، أو فيه بين الأخيرين، فالقول بالتخيير بين الثلاثة خرق للإجماع.

لأنّا نقول: دعوى الإجماع في مثل المقام شطط من الكلام و جزاف تام، فإنّ في كلام كثير منهم في المسألة إجمالا لا يحصل منه تمام المرام.

و دعوى أنّ التيمّم إنّما هو مع العجز عن المائية مطلقا دعوى بلا بيّنة، و للمطلقات السالفة مخالفة، بل نقول: إنّه يشرع معه، و قد يشرع أيضا مع العجز عن إكمال المائية، كما قد لا يشرع معه أيضا كما في المسح على الخفين، أو بالبلّة الجديدة، أو في المواضع المقطوعة.

______________________________

(1) المبسوط 1: 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 207

هذا، ثمَّ لو أمكن في المجرد مسح العضو من غير ضرر و إن لم يمكن غسله فهل يجب أو الحكم التخيير المتقدّم؟

الحق هو الثاني، لعدم دليل على وجوب المسح بل و لا على مشروعيته.

و الرضوي غير دالّ عليه، لأنّ فيه أنّه «و إن أضرّك حلّها، فامسح على الجبائر و القروح» «1» و هو يدلّ على وجود شي ء، فالمراد بالمسح على القروح المسح على ما عليها.

و قيل بالأوّل «2»، تحصيلا للأقرب إلى الحقيقة، و لتضمّن الغسل إيّاه، فلا يسقط بتعذّر أصله، و لمثل قوله: «الميسور لا يسقط بالمعسور» «3».

و في الأوّل: منع وجوب تحصيل الأقرب.

نعم، قد يقال بذلك في معاني الألفاظ و هو غير المورد، مع أنّ فيه أيضا كلاما.

و في الثاني: منع تضمّن الغسل إيّاه، فإنّه قد

يتحقّق بدون المسح فلا أمر بالمسح أصلا.

سلّمنا و لكن الأمر به تبعي يفوت بفوات الأصل.

و في الثالث: ضعف الدلالة كما بيّناه في محلّه.

و من هذا يظهر فساد التمسك بتلك الأدلّة لإيجاب المسح على الجبيرة في المجرد أيضا، مع أنّ صدق الجبيرة الواردة في الأخبار على كلّ خرقة محل كلام.

و إن كانت الآفة في موضع المسح و كانت عليه جبيرة، فأمكن نزعها و مسح الموضع، وجب.

و إن لم يمكن، فإن أمكن تكرير الماء أو الوضع فيه فالظاهر التخيير بينه

______________________________

(1) تقدم ص 200.

(2) الرياض 1: 24.

(3) عوالي اللئالي 4: 58- 205.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 208

و بين المسح على الجبيرة، لدلالة الموثقة «1» على الأول، و أخبار الجبيرة «2» على الثاني، و التعارض بالعموم من وجه، لاختصاص الأولى بما أمكن فيه التكرير و الوضع، و الثانية بما لم يمكن في مواضع الغسل، و لا ترجيح، فالحكم التخيير.

و إن لم يمكن شي ء من الأمرين، مسح على الجبيرة وجوبا، لأخبارها.

و إن لم تكن عليه جبيرة، فالظاهر التيمم، لأخباره الفارغة عن المعارض في المقام «3».

و أمّا وضع شي ء و المسح عليه فلا دليل له.

و أمّا حسنة الحلبي «4» فالظاهر من قوله في آخرها: «فليغسلها» أنّ القرح في موضع الغسل، بل يحتمله قوله: «و نحو ذلك من مواضع الوضوء» بأن تكون لفظة «من» تبعيضية، و المراد نحوه من مواضع الغسل.

هذا كلّه إذا كانت الجبيرة أو الموضع المجرد عنها و ما حولهما خالية عن النجاسة. و إلّا فإن كانت النجاسة مما لا جرم لها يمنع من وصول الماء، فعلى القول بعدم ثبوت اشتراط طهارة موضع الوضوء سيما على الإطلاق الشامل للمقام أيضا- كما هو الظاهر- فالحكم ما مرّ من غير

تفاوت، فمع الجبيرة يمسح عليها وجوبا، و بدونها يتخيّر بين الثلاثة.

و أما على القول باشتراط طهارة موضعه حتى الجبيرة، فقالوا: إن كانت النجاسة متعدية إلى ما حول الموضع أيضا، يتيمّم. و إن كانت مختصة بالجبيرة أو الموضع دون ما حوله، يجب وضع شي ء طاهر على أحدهما و المسح عليه، و ادّعوا عليه الإجماع، فإن ثبت، و إلّا فلا دليل على ذلك الوضع.

و مقتضى القاعدة: التخيير بين الاكتفاء بغسل ما حوله و بين التيمّم،

______________________________

(1) المتقدمة في ص 199.

(2) المتقدمة في ص 201.

(3) راجع ص 204.

(4) المتقدمة في ص 200.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 209

لخلوّهما عن المعارض، حيث إنّ أخبار المسح على الجبيرة لا تكون شاملة للمقام حينئذ قطعا.

و تحصيل الأقرب إلى الحقيقة، و الخروج عن الشبهة، و طلب اليقين بالبراءة غير مفيدة.

أمّا الأول: فلمنع وجوبه أولا، و عدم أقربيته من غسل ما حولها ثانيا.

و أمّا الثاني و الثالث: فلإمكان وجوب المسح على النجس أو التيمّم، فلا يحصل اليقين بمجرد ما ذكر.

و إن كان للنجاسة جرم لم يمكن إزالته، فإن كانت على الجبيرة، فالظاهر التخيير بين التيمّم و غسل ما في الحول خاصة، لمطلقاتهما الخالية عن معارضة أخبار الجبيرة، لعدم فائدة في المسح عليها، و عدم دليل على وضع شي ء عليها.

و إن كانت على الجرح المجرد، فالتخيير بينهما و بين شدّ العصابة، لإطلاق الحسنة «1».

و إن كانت فيما حول الموضع فالتيمم خاصة، لمطلقاته الخالية عن معارضة شي ء مما مرّ، و وجهه ظاهر.

فروع:

أ: ذكر جماعة أنّ في حكم الكسر و أخويه مرضا آخر في موضع الوضوء يضرّه الماء كورم أو وجع أو رمد أو سلعة إذا كانت عليه جبيرة. و أما بدونها فحكموا بالتيمم.

و هو

في الثاني كذلك، لرواية الدعائم «2» المنجبرة في المورد، فإنّه تثبت منها مشروعية التيمّم له و لم تثبت مشروعية غيره.

و أمّا في الأوّل فهو مشكل، لعدم دليل على مشروعية الجبيرة في مثله، فإنّ

______________________________

(1) يعني حسنة الحلبي المتقدمة ص 200.

(2) المتقدمة ص 205.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 210

كلام كثير من الأصحاب مختص بالكسر و أخويه، فلا يثبت منه إجماع في المورد، و أكثر أخبار الجبيرة مخصوصة بها أيضا.

و أمّا حسنة الوشاء «1»: فإن عمّت مثل ذلك أيضا إلّا أنّها لا تدلّ على المطلوب، لجواز أن يكون المراد منها المسح الذي في التيمّم، و لذا استدلّوا على المسح على الجبيرة في التيمّم بها.

و شمول إطلاق اليد فيها لغير الكفّين- الموجب لتعيّن المسح بالماء للوضوء، إذ لا تيمّم على غيرهما، و بضميمة عدم الفصل يثبت فيهما أيضا- غير مفيد، لجواز أن يريد الإجزاء عن الأمر الندبي بالمسح على الذراع في التيمّم. مع أنّ كون اليد مشتركة معنوية بين الكفّين و ما فوقهما محلّ كلام، و الاستعمال في الآية غير مفيد.

و أما رواية عبد الأعلى: عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: «يعرف هذا و أشباهه من كتاب اللَّه، قال اللَّه تعالى:

ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «2» امسح عليه» «3» فخارجة عن المقام، لأنّ الظاهر أنّ انقطاع الظفر من الجرح.

و ليست هناك رواية عامة أو مطلقة أخرى من أخبار الجبائر يتوهّم شمولها لما نحن فيه، مع أنّ في صدق الجبيرة على المعصوب عليه نظرا.

فالتحقيق فيه: أنّه إن كان العذر مما يقطع معه بكون صاحبه مريضا كالمجدور و نحوه، فحكمه التيمم، للآية و روايات المجدور «4». و إن لم يقطع فيحتمل الجبيرة

و التيمم، و الأحوط الجمع، بل هو الأظهر، لاستصحاب الاشتغال.

______________________________

(1) المتقدمة ص 201.

(2) الحج: 78.

(3) الكافي 3: 33 الطهارة ب 21 ح 4، التهذيب 1: 363- 1097، الاستبصار 1: 77- 240، الوسائل 1: 464 أبواب الوضوء ب 39 ح 5.

(4) الوسائل 3: 346 أبواب التيمم ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 211

و أمّا رواية الدعائم فلا تفيد هنا، لضعفها الخالي عن الجابر في المقام.

هذا إذا كان العذر متعلّقا بموضع خاص. و أما إذا لم يكن كذلك كالسقيم و المبطون و خائف البرد و نحوها، فحكمه التيمم، لأخباره. دون المسح على الخرق و إن لم يتضرر به، لعدم التوقيف.

ب: لو لصق بالعضو شي ء و لم يمكن إزالته من غير أن يكون مجروحا أو مريضا، ففي وجوب المسح عليه إن كان طاهرا، أو وضع شي ء عليه إن كان نجسا، أو التيمّم إشكال.

و قد يرجّح الأوّل بوجوب غسل كلّ عضو، فلا ينتفي بتعذّر بعضه.

و يضعف بثبوت الربط بالإجماع.

نعم، يمكن ترجيحه في صورة الطهارة بإطلاق صحيحة محمّد و رواية عمر ابن يزيد.

الأولى: في الرجل يحلق رأسه ثمَّ يطليه بالحناء و يتوضأ للصلاة، فقال: «لا بأس أن يمسح رأسه و الحناء عليه» «1».

و الثانية: عن الرجل يخضب رأسه بالحناء ثمَّ يبدو له في الوضوء، قال:

«يمسح فوق الحناء» «2».

بل و كذا مع النجاسة على القول بعدم اشتراط طهر المحل، كما هو الأظهر، فيمسح على ذلك الشي ء النجس. و أما على القول الآخر فلا. و مقتضى قاعدة أصالة الاشتغال: الجمع، بل هو الأحوط على القول الأول أيضا، بل في الصورة الأولى.

ج: الحقّ: أنّه لا يشترط الجريان في المسح هنا سواء كان في موضع الغسل

______________________________

(1) التهذيب 1: 359- 1081، الاستبصار 1:

75- 233، الوسائل 1: 456 أبواب الوضوء ب 37 ح 4.

(2) التهذيب 1: 359- 1079، الاستبصار 1: 75- 232، الوسائل 1: 455 أبواب الوضوء ب 37 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 212

أو المسح، لصدق الامتثال. و لا عدمه، لذلك، حيث إنّ المسح أعمّ مما يتضمّنه.

و اشتراط الثاني في الثاني لوجوبه في مبدله، كالأوّل في الأوّل، لأنّ المأمور به أوّلا هو الغسل و مع تعذّره يتعين أقرب المجازات- كما عن نهاية الإحكام- ضعيف، و إن اختاره والدي في اللوامع أيضا، لمنع الوجوب في المبدل كما مرّ «1»، و منع تعيّن الأقرب في مثل تلك المواضع، سيما مع وجود الإطلاق.

د: لا يجب استيعاب الجبيرة بالمسح إن كانت في موضع المسح، وفاقا كما في اللوامع، أو موضع الغسل كما في الذكرى و عن المبسوط «2»، لصدق المسح على الجبيرة إذا مسح بعضها، أ لا ترى أنّه إذا مسحت اليد على الوجه يقال: مسح يده على وجهه، و إن لم يستوعب.

خلافا للفاضلين «3»، لظهور الحسنتين «4» فيه، و هو ممنوع، و لثبوته في مبدله. و فيه: منع الدلالة.

نعم، هو الأحوط، و كيف كان فلا ينبغي الريب في عدم وجوب تخليلها بالمسح إذا كانت لها خلل و فرج و ثقوب و نحوها.

ه: لو عمّت الجبيرة تمام عضو أو كلّ الأعضاء، مسح على الجميع و سقط الغسل، وفاقا لصريح التذكرة و المنتهى «5»، لإطلاق كثير من الروايات «6»، إلّا أن يتضرّر به فيتيمّم.

و يظهر من بعض من عاصرناه التأمل في استغراق الجميع أو تمام عضو أو

______________________________

(1) في ص 143.

(2) الذكرى: 97، المبسوط 1: 23.

(3) المعتبر 1: 409، التذكرة 1: 22.

(4) أي حسنتي كليب و الوشاء المتقدمتين ص 201.

(5)

التذكرة 1: 21، المنتهى 1: 72.

(6) الوسائل 1: 463 أبواب الوضوء ب 39.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 213

الأبعاض المتكثّرة «1».

و هل يجب حينئذ استيعاب جبيرة كلّ عضو بالمسح؟ الظاهر لا، لما مرّ، و الأحوط نعم.

و: لو زادت الجبيرة عن محل الجرح و لم يمكن غسل ما تحت الزائد بنزع أو تكرير يمسح عليه، لعموم ما تقدّم من الروايات، لعدم الاستفصال، أو الإطلاق، سيما مع أنّ الغالب في الجبائر اشتمالها على زائد لا يمكن غسل ما تحته، بل المساوي أو الناقص غير متحقّق أو شاذّ غير ملتفت إليه.

ز: إذا كان الجرح و ما في حكمه في غير موضع الطهارة و لكن تضرّر بغسل مواضعها، يتعيّن التيمّم، لعموم أخباره «2»، و عدم شمول روايات الجبيرة له.

ح: لو توضّأ جبيرة فهل يجب إبقاء الجبيرة حال الصلاة أم يجوز حلّها إن أمكن؟ مقتضى الأصل: عدم الوجوب، و عليه الفتوى.

ط: هل يجب أن يكون المسح برطوبة أو يجوز مع جفاف اليد أيضا؟ المتبادر من الروايات: الأوّل، بل يصرّح به في رواية العياشي، المتقدّمة «3» المنجبرة بظاهر عمل الأصحاب.

و هل يجب أن تكون الرطوبة من ماء الوضوء إذا كانت الجبيرة في محل المسح؟ الأحوط ذلك، بل يستفاد تعيينه من أخبار المسح بنداوة الوضوء «4».

ي: المصرّح في الرضوي أنّه يجب مسح الجبيرة باليد «5»، فلا يجوز بعضو آخر أو بغير العضو. و الظاهر أنّ عليه بناء الأصحاب، فالرواية به منجبرة فعليه العمل. و يجب كون الجبيرة ممسوحة، كما هو مقتضى رواياتها، فلا يجزي مسحها

______________________________

(1) هو الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط).

(2) الوسائل 3: 346 أبواب التيمم ب 5.

(3) في ص 201.

(4) الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15.

(5) تقدم في

ص 200.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 214

على اليد كما قيل «1».

يا: الفصد و الحجامة و الشقوق الصغار من الجرح، فحكمها حكمه.

يب: لا يجب تجفيف الجبيرة و ترقيقها و لو أمكن، للأصل، إلّا أن يشدّ على فوقها شي ء من غير حاجة إليه فيحلّ، للشك في صدق اسم الجبيرة عليه. و لا يجوز وضع شي ء عليها بلا ضرورة.

يج: لو كانت الجبيرة على المرفق أو أعلى الوجه، يبدأ بها فيمسحها أوّلا، ثمَّ يغسل الباقي.

يد: لا يعيد ما صلّى بالوضوء جبيرة و إن بقي وقتها إجماعا.

و هل يعيد وضوءه لو زال العذر أم لا؟ الظاهر: العدم و لو كان قبل الصلاة، لاستصحاب الوضوء، و أخبار حصر الناقض، و النهي عن التوضّؤ إلّا مع اليقين بالحدث «2».

و لو زال العذر قبل تمام الوضوء بعد الجبيرة في عضو فيه إشكال.

و أشكل منه: ما لو زال قبل تمام العضو الذي فيه الجبيرة. و الاحتياط في الإعادة.

المسألة الرابعة: ما يجب له الوضوء أو يستحب إنّما يجب أو يستحب

- في غير التجديد- إذا كان المكلّف محدثا، و إلّا يكفي وضوؤه الذي عليه لتلك الأمور كلّا، و لا يحتاج إلى وضوء آخر و لو كان وضوؤه ندبيا و أراد فعل الواجب المشروط به، بالإجماع المحقّق و المنقول «3»، و هو الحجة.

مضافا إلى موثّقة ابن بكير: «إياك أن تحدث وضوءا حتى تستيقن أنّك قد أحدثت» «4».

______________________________

(1) الرياض 1: 24.

(2) الوسائل 1: 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1.

(3) السرائر 1: 98.

(4) الفروع 3: 33 الطهارة ب 22 ح 1، التهذيب 1: 102- 268، الوسائل 1: 472 أبواب الوضوء ب 44 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 215

و المروي في الدعائم: «المرء إذا توضّأ صلّى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلوات ما لم يحدث

أو ينم أو يجامع أو يكون منه ما يجب منه إعادة الوضوء» «1».

و ما ورد في أنّ من كان على وضوء لا يجب عليه الوضوء للمغرب «2»، و في أنّ من تيقّن الطهارة و شك في الحدث لا يتوضّأ «3»، و ما دلّ على أنّ الوضوء لا ينقضه إلّا حدث كصحيحة الأشعري «4» و غيرها مما مرّ في بحث النواقض «5».

و يدلّ عليه أيضا أنّه لم يثبت من أدلّة وجوب الوضوء أو استحبابه لغايات إلّا مطلوبية كون المكلّف عندها مع الوضوء، الذي هو غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين، غاية ما في الباب ثبوت قصد الامتثال أيضا، فإذا حصل ذلك يحصل المطلوب، و لم يثبت اعتبار قصد الغاية أو تجديد الوضوء عند الغاية.

و يؤكّده: ما ورد في الكافي في الصحيح من أنّه أمر اللَّه سبحانه، النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ليلة المعراج بالوضوء ثمَّ بالصلاة «6» و علّمه بالتفصيل، و لم يأمر أوّلا بالوضوء للصلاة.

و أمّا قوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ «7» فالمتبادر منه أنّه إن لم يكن متطهرا، كما في قولك: إذا لقيت الأسد فخذ سلاحك، يعني إذا لم تكن مسلّحا.

مع أنّ الآية مفسّرة في الصحيح بالقيام من النوم «8»، مع أنّه على فرض شمولها

______________________________

(1) الدعائم 1: 101، المستدرك 1: 294 أبواب الوضوء ب 7 ح 3.

(2) الوسائل 1: 375 أبواب الوضوء ب 8.

(3) الوسائل 1: 472 أبواب الوضوء ب 44.

(4) التهذيب 1: 6- 5، الاستبصار 1: 79- 246، الوسائل 1: 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 4.

(5) ص: 7.

(6) الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1.

(7) المائدة: 6.

(8) التهذيب 1: 7- 9، الاستبصار 1: 80- 251،

الوسائل 1: 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 216

للجميع فتخصيصها بمثل موثّقة ابن بكير و سائر ما مرّ لازم.

و منه يعلم الحال في نحو قوله: «من تطهّر ثمَّ آوى إلى فراشه» «1» سيما مع معارضته بمثل قوله: «و لا تدخل على الزوجة إلّا متوضّئا» [1] و قوله: «لقارئ القرآن متطهّرا خمس و عشرون حسنة» «2» و نحوها، بضميمة عدم الفصل بين الغايات.

نعم، الوضوء المجامع للحدث الأكبر كوضوء المحتلم للجماع و الحائض لا يعبأ به لغاياته بعد الطهارة من الحيض و الجنابة بالإجماع.

و يتفرع على ذلك: كفاية وضوء واحد لجميع غاياته، كما مرّ «3».

المسألة الخامسة: لا يجوز للمحدث مسّ كتابة القرآن،
اشاره

وفاقا للخلاف، و التهذيب، و الصدوق «4»، و عن الكليني [2]، و الحلبي، و أحكام الراوندي، و ابن سعيد «5»، و الفاضلين «6»، و محتمل المبسوط «7»، و معظم من تأخّر عنهم.

للمروي عن الباقر عليه السلام في مجمع البيان: «لا يجوز للجنب، و الحائض، و المحدث، مس المصحف» «8».

______________________________

[1] لم نعثر عليه بنصه، و قد يستفاد مضمونه مما ورد في: الكافي 5: 500 المتعة ب 50 ح 1، التهذيب 7: 409- 1636، الوسائل 20: 115 أبواب مقدمات النكاح ب 55 ح 1. و قد تقدم ص 41.

[2] يمكن ان يكون وجه النسبة إلى الكليني نقله رواية تدل على النهي عن مسّ الكتاب من دون الوضوء، فلاحظ الكافي 3: 50 الطهارة ب 33 ح 5.

______________________________

(1) الكافي 3: 468 الصلاة ب 97 ح 5، الوسائل 1: 378 أبواب الوضوء ب 9 ح 1.

(2) عدة الداعي: 269، الوسائل 6: 196 أبواب قراءة القرآن ب 13 ح 3.

(3) في ص 83.

(4) الخلاف 1: 99، التهذيب 1: 126، الفقيه

1: 48.

(5) الكافي في الفقه: 126، فقه القرآن 1: 50، الجامع للشرائع 36.

(6) المعتبر 1: 175، الشرائع 1: 23، المختصر النافع 1: 7، المنتهى 1: 76، التذكرة 1: 14، القواعد 1: 12.

(7) المبسوط 1: 23 قال: و يكره للمحدث مسّ كتابة المصحف.

(8) مجمع البيان 5: 226، الوسائل 1: 385 أبواب الوضوء ب 12 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 217

و ضعفه منجبر بالشهرة المحقّقة و المحكية مستفيضة «1»، بل بالإجماع المصرّح به في الخلاف و عن ظاهر التبيان و مجمع البيان «2».

و الاستدلال بقوله سبحانه لا يَمَسُّهُ «3» ضعيف لا لاحتمال رجوع الضمير إلى الكتاب المكنون بل هو أقرب للأقربية، أو لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في الطهارة، إمّا مطلقا أو عند نزول الآية، لأنّهما و إن كانا كذلك إلّا أنّ المستفاد من روايات الأئمة إرادة القرآن و الطهارة الشرعية:

ففي رواية ابن عبد الحميد: «المصحف لا تمسّه على غير طهر و لا جنبا، و لا تمسّ خطه، و لا تعلّقه، إن اللَّه يقول لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ » «4».

و في المجمع عن الباقر عليه السلام: في قوله لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ قال: «من الأحداث و الخباثات» «5».

و ضعفهما- لو كان- منجبر بدعوى الإجماع عليه في المجمع، و باشتهاره بين الأصحاب.

بل لعدم ثبوت دلالة الجملة الخبرية على الوجوب، كما بيّنّا في موضعه، و صرّح به جماعة منهم الأردبيلي، و في المدارك و البحار «6».

و منه يظهر عدم دلالة خبر ابن عبد الحميد، لجواز كون قوله: «لا تمسّه» خبرا. مع وقوع النهي فيه عن التعليق أيضا، و هو ليس حراما إجماعا. فظاهر اتّحاد السياق يشعر بعدم إرادة الوجوب في المس أيضا، و تخصيصه بالتعليق المستلزم

______________________________

(1) المعتبر 1:

176، الذخيرة: 1.

(2) الخلاف 1: 100، التبيان 9: 510، مجمع البيان 5: 226.

(3) الواقعة: 79.

(4) التهذيب 1: 127- 344، الاستبصار 1: 113- 378، الوسائل 1: 384 أبواب الوضوء ب 12 ح 3.

(5) راجع الرقم ص 216 الرقم (10).

(6) المدارك 1: 241، البحار 77: 256.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 218

لمباشرة الجسد لا دليل عليه.

و لا يعارضه نهي الجنب أيضا، حيث إنّه محرّم إجماعا، فيتعارض السياقان و يبقى ظهور التحريم باقيا بحاله، إذ حرمة مسّ الجنب لا تدلّ على إرادتها هنا أيضا، فلعلّه أريد مطلق رجحان الترك المتحقق مع كلّ من الكراهة و التحريم، مع أنّ الإجماع في الجنب غير معلوم.

و كذا يظهر الحال في سائر الأخبار الواردة في هذا المضمار «1»، فإنّها بين المشتملة على الجملة الخبرية و المحتملة لها.

و أمّا صحيحة علي: عن الرجل يحلّ له أن يكتب القرآن في الألواح و الصحيفة و هو على غير وضوء؟ قال: «لا» «2» فإخراجها عن ظاهرها لازم، لمخالفته للإجماع، و معارضته لحسنة داود: عن التعويذ يعلّق على الحائض؟ قال:

«نعم، لا بأس» قال: و قال: «تقرؤه و تكتبه و لا تصيبه يدها» «3».

و حملها على مس الكتابة ليس بأولى من الحمل على الكراهة.

و القول بدلالتها على حرمة مسّ الكتابة من باب المقدّمة، لعدم انفكاك الكتابة عنه غالبا، فلا يضرّ انتفاؤه عن ذي المقدمة، فاسد جدّا، لانتفاء التابع بانتفاء المتبوع، مع أنّ عدم الانفكاك في الغالب، ممنوع.

و خلافا للحلّي، و المدارك «4»، و غرر المجامع، و محتمل المبسوط «5»، و عن القاضي «6»، للأصل، و ضعف الروايات من حيث السند و الدلالة، كالآية من حيث الدلالة. و جوابه ظاهر مما مرّ.

______________________________

(1) الوسائل 1: 383 أبواب الوضوء ب

12.

(2) التهذيب 1: 127- 345، الوسائل 1: 384 أبواب الوضوء ب 12 ح 4.

(3) الكافي 3: 106 الحيض ب 19 ح 5، الوسائل 2: 342 أبواب الحيض ب 37 ح 1.

(4) السرائر: 57، المدارك 1: 241.

(5) تقدم ص 216 رقم 9.

(6) المهذب 1: 32 و نقله عنه في المختلف: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 219

فروع:

أ: التحريم مختص بالمكلّف، فلا يحرم على الصبي و المجنون وفاقا.

و في وجوب منعهما على الولي قولان، الأظهر: العدم، للأصل.

و قيل بالوجوب «1»، و لا دليل عليه.

و لا يبعد استحباب منعه على الولي تمرينا.

ب: لا تحريم في مسّ غير القرآن من الكتب المنسوخة، و التفسير، و الحديث، و أسماء الحجج، و لا ما نسخ تلاوته من القرآن، للأصل. دون نسخ حكمه دون تلاوته.

و كذا لا تحريم في مس الورق، و الحمل، و التعليق، للأصل، و الإجماع، و مرسلة حريز الصحيحة عن حماد المجمع على تصحيح ما يصح عنه: «لا تمسّ الكتاب و مسّ الورق» «2».

و منها يظهر اختصاص المصحف المنهي عن مسّه بالخط.

نعم، يكره التعليق، لخبر ابن عبد الحميد «3».

ج: مسّ كتابة المصحف يتحقّق بمسّ جزء منه و لو قليلا، فيحزم مسّ كلّ آية منها و أبعاضها و لو كلمة، بل و لو حرفا، و لو مثل المدّ و التشديد، وفاقا للأكثر كما في اللوامع، لصدق مس المصحف.

و في التعدّي إلى الأعراب نظر، و الشهرة المحقّقة أو المحكية الجابرة في مثله غير معلومة، بل صدق الكتابة و الخط عليه مشكوك فيه، و يؤكّده خلوّ المصاحف

______________________________

(1) المعتبر 1: 176، المنتهى 1: 76.

(2) التهذيب 1: 126- 342، الاستبصار 1: 113- 376، الوسائل 1: 383 أبواب الوضوء ب 12 ح 2.

(3)

تقدم ص 217.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 220

السابقة عنه.

و هل يشترط التحريم بكون الممسوس مكتوبا في المصحف، أو يحرم مسّها و لو في غيره؟ الأحوط بل الأقرب: الثاني، وفاقا للأكثر كما في اللوامع، لتنقيح المناط، و لتحريم مسّها بالاستصحاب لو فصلت آية أو كلمة من المصحف، و يسري إلى غير المفصول بعدم الفصل.

و توهّم تغيّر الموضوع خطأ، لأنّ المفصول مصحف، و لو شك فيه فتستصحب المصحفية أيضا.

و منه يظهر الجواب لو عورض استصحاب الحرمة باستصحاب حال العقل.

خلافا للذكرى «1» في الثانية في الدراهم، للزوم الحرج، و هو ممنوع، و خبر ابن مسلم «2»، و هو غير دالّ.

نعم، يشترط في المكتوب في غير المصحف عدم احتمال كونه غير القرآن.

فلو احتمله لا يحرم و لو رقم بنية القرآن، للأصل، و الشك في الصدق، و احتمال مدخلية الامتياز الخارجي.

نعم، لو فصل غير الممتاز عن المصحف، فبقاء الحرمة للاستصحاب محتمل بل راجح، و لا يسري إلى غيره، لعدم ثبوت عدم القول بالفصل.

د: الظاهر اختصاص التحريم بالكتابة المتعارفة، فلا يحرم مسّ ما كتب مقلوبا، أو محكوكا، أو غير ظاهر، و إن ظهر بعد عمل كمقابلة النار و نحوها. و في الكتابة المجسّمة إشكال، و الاجتناب أحوط.

و لا يختص التحريم بخط دون خط، فيحرم مسّ المصحف المكتوب بالخط الهندي، و الكوفي، و العجمي، من الخطوط المتعارفة. و في التعدّي إلى الخطوط

______________________________

(1) الذكرى: 34.

(2) المعتبر 1: 188، الوسائل 1: 492 أبواب الجنابة ب 18 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 221

المجعولة و المقطعة نظر، و الشهرة الجابرة غير معلومة.

ه: هل تجوز كتابته على جسد المحدث؟ الظاهر نعم، لعدم صدق المس.

و كذا تجوز كتابة المحدث له بالإصبع، لأن ما

كتب لا يمسّ، و ما لم يكتب بعد ليس بمصحف.

و: لا يختص التحريم بالمسّ بالكف و لا بما تحلّه الحياة خاصة، بل يحرم المسّ بجزء من البدن مطلقا و لو بالظفر و السن، لصدق المسّ المحرّم بالخبر «1» المنجبر فيهما. نعم، الظاهر عدم تحريم اصابة الشعر، للشك في صدق المس و عدم حصول الخبر.

ز: لا يجوز المس بما غسل من أعضائه قبل تمام الوضوء، لعدم ارتفاع الحدث أصلا إلّا بتمامه.

المسألة السادسة: السلس- و هو من يتقاطر بوله و لا يقدر على استمساكه

- إن لم تكن له فترة تسع الطهارة و بعض الصلاة، يجب عليه الوضوء لكلّ صلاة، و يعفى عن الخارج في أثنائها، على الأظهر الأشهر، كما في الذخيرة و غيره «2».

أمّا وجوب الوضوء لكلّ صلاة: فلناقضية الخارج.

و الشك في نقض القطرات الخارجة بغير اختيار- باعتبار الشك في شمول إطلاقات ناقضية البول لها لندرتها- ضعيف، لأنّ انصراف المطلق إلى الشائع الوجودي إنّما هو إذا صلح الشيوع قرينة لإرادته و كانت مفهمة لها، و هو هنا غير معلوم. و لو كان كذلك لم يحتج إلى التقييد بعدم الفترة بقدر الصلاة كما قيّده الأصحاب، و لم تكن القطرة الخارجة من غير صاحب السلس بلا اختيار ناقضا.

و أما العفو عن الخارج في الأثناء: فللإجماع، و لزوم التكليف بما لا يطاق إن وجب لكلّ خارج، و الترجيح بلا مرجّح إن وجب للبعض، مع أنّه لا يقدر على

______________________________

(1) يعني الخبر المروي في مجمع البيان المتقدم في ص 216.

(2) الذخيرة: 39، الكفاية: 3، الرياض 1: 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 222

الطهارة بشي ء من الصلاة.

خلافا في الأول للمحكي عن المبسوط «1»، و مال إليه طائفة من مشايخنا «2»، فيصلّي بوضوء واحد عدّة صلوات و لا يتوضّأ إلّا مع البول اختيارا، لاستصحاب

صحة الوضوء مع الشك في الناقضية كما مرّ. و ضعفه قد ظهر.

و لظاهر موثّقة سماعة: عن رجل يأخذه تقطير في فرجه إما دم و إما غيره، قال: «فليضع خريطة و ليتوضّأ و ليصلّ، فإنما ذلك بلاء ابتلي به، فلا يعيدن إلّا من الحدث الذي يتوضّأ منه» «3».

و لا ظهور لها في مطلوبهم، لعدم تعيّن الوضوء المأمور به. و لا يفيد التعليل، إذ لعلّه علّة للعفو عن الخبث أو عن الحدث في الأثناء. و لا آخر الحديث، لجواز أن يكون المراد بالحدث الذي يتوضّأ البول و الغائط.

و لحسنة ابن حازم: في الرجل يعتريه البول و لا يقدر على حبسه قال: «إذا لم يقدر على حبسه فاللَّه سبحانه أولى بالعذر، يجعل الخريطة» «4».

قيل: ترك الاستفصال مع قيام احتمال كون السؤال عن الأحداث و الأخباث، و الجواب بأنّه معذور ليس عليه شي ء سوى جعل الخريطة، يفيد عدم كون الخارج حدثا «5».

و فيه: أنه لم يجب إلّا بجعل الخريطة لعدم سراية الخبث، و لم ينف عنه وجوب شي ء آخر بأدلّته.

و للمنتهى فيه أيضا، فأوجب لكلّ صلاة وضوءا إلّا للعصر و العشاء،.

______________________________

(1) المبسوط 1: 68.

(2) الرياض 1: 25، الدرة النجفية: 12، شرح المفاتيح (مخطوط).

(3) التهذيب 1: 349- 1027، الوسائل 1: 226 أبواب نواقض الوضوء ب 7 ح 9.

(4) الكافي 3: 20 الطهارة ب 13 ح 5، الوسائل 1: 297 أبواب نواقض الوضوء ب 19 ح 2.

(5) شرح المفاتيح (مخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 223

فاكتفى بواحد للظهرين و بآخر للعشاءين، بأن يجمع بينهما «1».

لصحيحة حريز: «إذا كان الرجل يقطر منه البول و الدم إذا كان حين الصلاة اتخذ كيسا و جعل قطنا ثمَّ علقه عليه و أدخل ذكره فيه

ثمَّ صلّى يجمع الظهر و العصر، يؤخّر الظهر و يعجّل العصر بأذان و إقامتين، و يؤخّر المغرب و يعجّل العشاء بأذان و إقامتين، و يفعل مثل ذلك في الصبح» «2».

فإنّ الجمع له ظهور في كونهما بوضوء واحد. و فيه منع ظاهر.

و إن كانت له فترة تسع الطهارة و بعض الصلاة بأن يتقاطر في الأثناء مثل مرة أو مرتين، فظاهر الأكثر أنّه أيضا كمن لا فترة له.

و هو مشكل، إذ قد عرفت أنّ المعوّل فيه هو الإجماع، و تحقّقه فيما نحن فيه غير معلوم، و التكليف بما لا يطاق، و انتفاؤه فيه معلوم.

و جوّز بعض مشايخنا أن يلحق بالمبطون، فيتوضّأ كلّما أحدث و يبني على صلاته «3».

و هو كذلك، بل عليه الفتوى، لخبر القماط: فيمن يجد غمزا أو أذى أو عصرا من البول و هو في الصلاة المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة، قال: فقال: «إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك فيتوضّأ، ثمَّ ينصرف إلى مصلّاه الذي كان يصلّي فيه فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته» «4» الحديث.

فإنّ إطلاقها يشمل السلس و غيره، خرج الأخير بالإجماع فيبقى الباقي.

______________________________

(1) المنتهى 1: 73.

(2) الفقيه 1: 38- 146، التهذيب 1: 348- 1021، الوسائل 1: 297 أبواب نواقض الوضوء ب 19 ح 1.

(3) الدرة النجفية: 12.

(4) التهذيب 2: 355- 1468، الوسائل 7: 237 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 224

و لزوم الفعل الكثير غير ضائر، كما يأتي في المبطون «1».

و إن كانت له فترة تسع الطهارة و تمام الصلاة معتادة أو مظنونة بل أو محتملة يجب عليه التأخير إلى زمانها إن

تعيّن، و إلى آخر الوقت إن لم يتعيّن، لعمومات اشتراط الوضوء المنتقض بخروج البول مطلقا لعمومات ناقضيته و إطلاقاتها.

و لو فجأ مثل ذلك الحدث في زمان الفترة، ففي الوضوء و البناء، أو إعادة الصلاة في فترة اخرى إن كانت له، أو العفو، احتمالات. أظهرها: الأوّل، لخبر القمّاط. و لا يعارضه اشتراط الطهارة و منافاة الفعل الكثير، كما يأتي.

المسألة السابعة: حكم المبطون كالسلس بأقسامه على ما اخترناه.

فالخالي عن الفترة بقدر الوضوء و بعض الصلاة يتوضّأ وضوءا واحدا، للإجماع، كما صرّح به في اللوامع أيضا، و لنفي العسر و الحرج.

و ذو الفترة الكلية أي بقدر الطهارة و تمام الصلاة و لو احتمالية يؤخّرهما إلى زمان الفترة أو آخر الوقت، لما مرّ.

و لو لم يؤخّر و اتّفق التمام ففي صحة عمله إشكال. و الظاهر العدم، لعدم ثبوت مشروعية صلاته.

و ذو الفترات الجزئية التي تسع الوضوء و شيئا من الصلاة يتوضّأ و يبني. و كذا ذو الفترة الكلية إن اتّفق الحدث في زمانها فجأة على الأظهر الأشهر. و لا يجب عليه التأخير إلى فترة أخرى لو كانت له، لخبر القمّاط المتقدّم، و موثّقة محمّد: «صاحب البطن يتوضّأ ثمَّ يرجع في صلاته فيتمّم ما بقي» «2».

و تخصيصها بإرادة تجديد الوضوء بعد ما صلّى صلاة ثمَّ يرجع في الصلاة الباقية تخصيص بلا مخصّص، لشمول إطلاقها الأثناء أيضا.

______________________________

(1) في ص 226.

(2) التهذيب 1: 350- 1036، الوسائل 1: 298 أبواب نواقض الوضوء ب 19 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 225

و صحيحة الفضيل: أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني، أو أذى، أو ضربانا، فقال: «انصرف ثمَّ توضّأ و ابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمّدا» «1» الحديث، فإنّها بإطلاقها تشمل المبطون أيضا.

و

خروج غيره بالإجماع- لو كان- لا يضر، و عدم التصريح فيها بخروج الحدث لا يقدح، لأنّ المراد من لا يقدر على الإمساك قطعا، لوجوب التحفّظ مع إمكانه، و وجوب الإعادة لو لم يتحفّظ.

و القول بعدم مقاومة تلك الأخبار لما دلّ على اشتراط الصلاة بالطهارة، و عدم وقوع الفعل الكثير فيها، فتجب الإعادة فيما أمكن لذي الفترة الكلية الذي فجأه الحدث، مدفوع:

أمّا الأوّل: فبمنع ثبوت اشتراط الطهارة الحاصلة أولا مطلقا، و لا دليل عليه، [و أما] [1] مطلقها فيحصل في الأثناء (أيضا) [2]، و لم يثبت اشتراط استمرارها إلى آخر الصلاة مطلقا.

و بعض الأخبار الشاملة للمقام إمّا معارضة بمثلها أو عامة بالنسبة إلى ما مرّ، أو غير صريح الدلالة على الخلاف، كرواية ابن الجهم: عن رجل صلّى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة، فقال: «إن كان قال: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه و أنّ محمّدا- صلّى اللَّه عليه و آله- رسول اللَّه فلا يعيد، و إن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد» «2».

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

[2] لا توجد في «ق».

______________________________

(1) الفقيه 1: 240- 1060، التهذيب 2: 332- 1370، الاستبصار 1: 401- 1533، الوسائل 7: 235 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 9.

(2) التهذيب 1: 205- 596، الاستبصار 1: 401- 1531، الوسائل 7: 234 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 226

فإنّها معارضة مع صحيحة زرارة «1»، و موثّقته «2»، و موثّقة ابنه عبيد «3»، و أعم من البطن، و محتملة لأن يراد منها إعادة الوضوء دون الصلاة.

و أمّا الثاني، فبمنع كون الوضوء فعلا كثيرا، و منع إيجاب مطلقه و لو مثل ذلك- لو

قلنا به- للبطلان.

مع أنّه لو سلّم الأمران جميعا، فالموثّقة مقيّدة لأخبارهما قطعا فيجب العمل بها.

و قد يستدلّ أيضا للمطلوب بمثل صحيحة محمّد: «صاحب البطن الغالب يتوضّأ و يبني على صلاته» «4».

و فيه نظر، لاحتمال أن يراد بالوضوء الوضوء المأمور به أولا قبل الدخول في الصلاة، و بالبناء عدم القطع، أي يبني على صحة صلاته و لا يقطعها بالحدث في الأثناء، و لم يعلم انفهام المعنى المتعارف بين المتفقّهة الآن من البناء في زمان المعصوم، و إنّما حملناه على المتعارف في رواية الفضيل، لقرينة قوله: «ما لم ينقض الصلاة» «5» إلى آخره.

و غير القادر على حفظ الريح كالبطن، لخبر القمّاط «6» و رواية الفضيل.

المسألة الثامنة: لو تيقّن الطهارة أو الحدث و شك في الآخر بنى. على المتيقّن

إجماعا، و هو مع الاستصحاب حجة، مضافا فيهما [1] إلى الرضوي المنجبر: «فإن

______________________________

[1] أي في تيقن الطهارة و تيقن الحدث.

______________________________

(1) الكافي 3: 347 الصلاة ب 33 ح 2، التهذيب 1: 318- 1301، الاستبصار 1:

402- 1535، الوسائل 6: 410 أبواب التشهد ب 13 ح 1.

(2) التهذيب 2: 318- 1300.

(3) الكافي 3: 346 الصلاة ب 33 ح 1، الوسائل 6: 412 أبواب التشهد ب 13 ح 4.

(4) التهذيب 1: 350- 1036، الوسائل 1: 298 أبواب نواقض الوضوء ب 19 ح 4.

(5) المتقدمة في ص 224.

(6) تقدم في ص 223.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 227

شككت في الوضوء و كنت على يقين من الحدث فتوضّأ، و إن شككت في الحدث و كنت على يقين من الوضوء فلا ينقض الشك اليقين إلّا أن تستيقن» «1».

و في الأوّل [1] إلى المستفيضة:

منها: صحيحة زرارة: فإن حرّك إلى جنبه شي ء و لم يعلم به، قال: «لا، حتى يستيقن أنّه قد نام، حتى يجي ء من ذلك أمر بيّن، و

إلّا فإنّه على يقين من وضوئه، و لا ينقض اليقين أبدا بالشك، و لكن ينقضه يقين آخر» «2».

و موثّقة ابن بكير: «إذا استيقنت أنّك قد توضّأت فإياك أن تحدث وضوءا أبدا حتى تستيقن أنك قد أحدثت» «3».

و خبر البصري: أجد الريح في بطني حتى أظن أنّها قد خرجت، فقال:

«ليس عليك وضوء حتى تسمع الصوت أو تجد الريح» «4» و غير ذلك.

و أمّا المروي في قرب الإسناد: عن رجل يكون على وضوء و شك على وضوء هو أم لا، قال: «إذ ذكر و هو في صلاته انصرف و توضّأ و أعادها، و إن ذكر و قد فرغ من صلاته أجزأه ذلك» «5»، فمع ضعفه بنفسه و شذوذه غير مفيد للوجوب، و الإجزاء بعد الصلاة يؤكّده أيضا.

و في الثاني [2] إلى إطلاقات وجوب الوضوء للصلاة و عموماته، خرج ما خرج

______________________________

[1] أي مضافا في الأوّل يعني به تيقن الطهارة.

[2] أي مضافا في الثاني يعني تيقن الحدث.

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 67، المستدرك 1: 342 أبواب الوضوء ب 38 ح 1.

(2) التهذيب 1: 8- 11، الوسائل 1: 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1.

(3) الكافي 3: 33 الطهارة ب 22 ح 1، التهذيب 1: 102- 268، الوسائل 1: 472 أبواب الوضوء ب 44 ح 1.

(4) الفقيه 1: 37- 139، التهذيب 1: 347- 1018، الاستبصار 1: 90- 288، الوسائل 1:

246 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 5.

(5) قرب الإسناد 177- 651، الوسائل 1: 473 أبواب الوضوء ب 44 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 228

فيبقى الباقي.

و أمّا صحيحة محمّد: رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة قال:

«يمضي على صلاته و لا يعيد» «1» فهي إنما

فيما بعد الصلاة، و لا اعتبار بالشك في الوضوء بعدها ظاهرا- كما يأتي في بحث الصلاة- و إن وجب الوضوء لصلاة أخرى. مع أنّها أعم من الشك بعد اليقين، فيجب التخصيص بالمروي في قرب الإسناد المنجبر في المقام الذي هو أخص.

و في حكم الشك في الصورتين الظن على الأظهر الأشهر، بل نسب إلى ظاهر الأصحاب «2»، و أكثر ما مرّ يدلّ عليه.

و ممّن جعل مبنى الحكم الاستصحاب و توهّم انحصار دليله في ظن البقاء، من توهّم ابتناء الحكم على الظن ببقاء الوضوء و دورانه معه.

و فيه: عدم انحصار المبنى و دليله.

و قد يتوهّم تعارض مفهومي ينقضه يقين آخر و لا ينقض اليقين بالشك، و ربما يرجع الثاني في الثاني باعتضاده بالأصل.

و فيه: أنّ المفهومين من باب اللقب فلا اعتبار بهما، فالاستصحاب الثابت حجيته و لو مع ظن الزوال دالّ على الحكم في الصورتين بلا معارض، مضافا إلى العمومات، و خصوص خبر البصري.

ثمَّ اليقين و الشك و إن اجتمعا في الزمان، و لكن زمان متعلّقهما مختلف فلا يرد إشكال، و لا حاجة في رفعه [1] إلى حمل اليقين على الظن أو الحدث على السبب، مع أنّهما لا يفيدان أصلا كما لا يخفى.

المسألة التاسعة: لو تيقّنهما و شك في المتأخّر تطهّر مطلقا، وفاقا للمشهور،

______________________________

[1] في «ق» دفعه.

______________________________

(1) التهذيب 1: 101- 264 و 102- 267، الوسائل 1: 470 أبواب الوضوء ب 42 ح 5.

(2) كما نسبه في مشارق الشموس: 142.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 229

لتكافؤ الاحتمالين الموجب لتساقطهما الرافع لليقين بالطهارة الواجب للمشروط بها، و لعمومات وجوب الوضوء و إطلاقاته، و الرضوي المنجبر بالشهرتين «1»: «و إن كنت على يقين من الوضوء و الحدث و لا تدري أيّهما أسبق فتوضّأ» «2».

و إطلاقه يشمل ما لو علم

وقت الحدث بالخصوص، فلا يضرّ عدم تكافؤ الاحتمالين حينئذ، لأصالة تأخّر الوضوء الحادث عن وقت الحدث.

و لا تنافيه الموثّقة المتقدّمة «3» حيث لا يقين بالحدث، لمنع عدم اليقين به، بل هو متيقّن لا محالة في زمان، و لا دليل على اشتراط تيقّن لحوقه بالطهارة.

ثمَّ ما ذكرنا من الأدلّة يعمّ صورتي الجهل و العلم بالحالة السابقة على الأمرين، فالحكم ثابت في الصورتين.

خلافا للكركي، و ظاهر المعتبر «4»، فمع العلم يأخذ بضد السابقة، لانتقاضها بورود ضدّها يقينا، و لا يعلم ارتفاع الضد لجواز تعاقب المثلين فيجب استصحابه.

و يضعف: بأنّ ورود ضد الضدّ أيضا متيقّن و ارتفاعه غير معلوم، فيستصحب.

فإن قيل: المعتبر من الأمرين أثرهما دون نفسهما، و تحقّق أثر ضدّ الضد غير معلوم لجواز التوالي فيستصحب أثر الضدّ.

و بعبارة أخرى: الضدّ هو الأثر، و حصول ضدّ الضدّ غير معلوم.

و الحاصل: أنّ في صورة تيقن الطهارة تكون هناك طهارتان بمعنى الأثر:

متيقّنة و مشكوكة، و حدث بمعناه متيقّن، و المتيقّنة قد ارتفعت بالمتيقّن، و المشكوكة لا تعارضه فيبنى عليه، و قس عليه صورة تيقّن الحدث.

.______________________________

(1) المحققة و المحكية، كما حكاها في كشف اللثام 1: 75.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 67، المستدرك 1: 342 أبواب الوضوء ب 38 ح 1.

(3) ص 227.

(4) جامع المقاصد 1: 236، المعتبر 1: 171.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 230

و بعبارة أخرى: الحالة السابقة مرتفعة قطعا، و المضادّة له متحقّقة كذلك، و تحقّق المماثلة للثانية مشكوك فيه، فتستصحب المضادة.

قلنا: وجود المماثلة بعد زمان الحالة السابقة يقيني أيضا، لحصول الفعل المماثل بعده، و هو إمّا قبل الضدّ أو بعده، و على التقديرين يكون الأثر المماثل متحققا في زمانه، و ارتفاعه مشكوك فيه، لاحتمال البعدية فيستصحب.

و

لظاهري [1] المنتهى، و المختلف «1»، فيأخذ بمثل السابقة مع العلم، فلا يتطهر مع العلم بالطهارة لتيقّن نقضها، و عدم إمكان الطهارة عن حدث مع بقاء السابقة، فتكون الطهارة الثانية بعد الحدث و نقضها مشكوك فيه. و قس عليه صورة العلم بالحدث.

قيل: ذلك إنّما يكون مع العلم بالتعاقب و عدم احتمال التوالي فيخرج عن مسألة الشك «2».

قلت: و لكن قوله: و نقضها مشكوك فيه، يدخله فيها.

و الظاهر أنّ مراده صورة العلم بالتعاقب مع احتمال التعدد في كلّ من الأمرين المتحقّقين بعد الحالة السابقة، فيدخل في مسألة الشك، و لكن لا يكون من المسألة المبحوث عنها، بل من السابقة، أي: تيقّن الطهارة أو الحدث و الشك في رفعه، و حكمه حكمه.

المسألة العاشرة: لو تيقّن ترك غسل عضو أو بعضه أو مسحه،

أتى به و بما بعده إن كان، سواء كان في أثناء الوضوء أو بعده.

و يدلّ على وجوب الإتيان به وجوب الإتيان بالمأمور به، و صحيحة زرارة:

«و إن تيقّنت أنك لم تتم وضوءك فأعد على ما تركت يقينا» «3».

______________________________

[1] عطف على قوله: خلافا للكركي.

______________________________

(1) المنتهى 1: 74، المختلف: 27.

(2) روض الجنان: 43.

(3) الكافي 3: 33 الطهارة ب 22 ح 2، التهذيب 1: 100- 261، الوسائل 1: 469 أبواب الوضوء ب 42 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 231

و حسنة الحلبي: «إذا ذكرت و أنت في صلاتك أنك قد تركت شيئا من وضوئك المفروض عليك فانصرف و أتمّ الذي نسيته من وضوئك و أعد صلاتك» «1».

و عليه [1] و على الإتيان بما بعده وجوب الترتيب، و صحيحة زرارة: «و إن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه و أعد على الذراع، و إن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس ثمَّ أعد على الرجل» «2».

و الأخرى:

عن رجل بدأ بيده قبل وجهه و برجليه قبل يديه، قال: «يبدأ بما بدأ اللَّه و ليعد ما كان فعل» «3».

و صحيحة ابن حازم: في الرجل يتوضّأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين، قال:

«يغسل اليمين و يعيد اليسار» «4».

و حسنة الحلبي: «إذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله و مسح رأسه و رجليه و ذكر بعد ذلك غسل يمينه و شماله و مسح رأسه و رجليه، و إن كان إنّما نسي شماله فليغسل الشمال و لا يعيد على ما كان توضّأ» «5» أي غسل، لأنّه معنى

______________________________

[1] عطف على قوله: وجوب الإتيان به .. يعني يدلّ على وجوب الإتيان به و بما بعده وجوب الترتيب ..

______________________________

(1) الكافي 3: 34 الطهارة ب 22 ح 3، التهذيب 1: 101- 263، الوسائل 1: 470 أبواب الوضوء ب 42 ح 3.

(2) الكافي 3: 34 الطهارة ب 22 ح 5، الفقيه 1: 28- 89، التهذيب 1: 97- 251، الاستبصار 1: 75- 223، الوسائل 1: أبواب الوضوء ب 34 ح 1.

(3) التهذيب 1: 97- 252، الاستبصار 1: 73- 224، الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 35 ح 1.

(4) التهذيب 1: 97- 253، الاستبصار 1: 73- 225، الوسائل 1: 451 أبواب الوضوء ب 35 ح 2.

(5) الكافي 3: 34 الطهارة ب 22 ح 4، التهذيب 1: 99- 259، الاستبصار 1: 74- 228، الوسائل 1: 452 أبواب الوضوء ب 35 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 232

الوضوء.

و موثّقة أبي بصير: «إن نسيت فغسلت ذراعك قبل وجهك فأعد غسل وجهك ثمَّ اغسل ذراعيك بعد الوجه، فإن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد غسل اليمين ثمَّ اغسل اليسار، و إن نسيت مسح رأسك حتى تغسل

رجليك فامسح رأسك ثمَّ اغسل رجليك» «1».

و أمّا ما دلّ بظاهره على إعادة الوضوء كخبر ابن حكيم: عن رجل نسي من الوضوء الذراع و الرأس، قال: «يعيد الوضوء إنّ الوضوء يتبع بعضه بعضا» «2».

و موثّقة سماعة: «من نسي مسح رأسه أو قدميه أو شيئا من الوضوء الذي ذكره اللَّه في القرآن كان عليه إعادة الوضوء و الصلاة» «3».

أو على عدم إعادة ما بعد المنسي كمرسلة الفقيه: عن الرجل يبقى من وجهه إذا توضّأ موضع لم يصبه الماء، فقال: «يجزيه أن يبلّه من بعض جسده» «4».

و صحيحة علي: عن رجل توضأ و نسي غسل يساره، فقال: «يغسل يساره وحدها و لا يعيد وضوء شي ء غيرها» «5».

أو على عدم غسل شي ء لا المنسي و لا ما بعده كرواية محمّد: «كلّ ما مضى من صلاتك و طهورك فذكرته تذكّرا فامضه و لا إعادة عليك فيه» «6».

______________________________

(1) الكافي 3: 35 الطهارة ب 22 ح 6، التهذيب 1: 99- 258، الاستبصار 1: 74- 227، الوسائل 1: 452 أبواب الوضوء ب 35 ح 8.

(2) الكافي 3: 35 الطهارة ب 22 ح 9، العلل: 289- 1، الوسائل 1: 448 أبواب الوضوء ب 33 ح 6.

(3) التهذيب 1: 102- 266، الوسائل 1: 451 أبواب الوضوء ب 35 ح 5.

(4) الفقيه 1: 36- 133، عيون الأخبار 2: 22- 49، الوسائل 1: 472 أبواب الوضوء ب 43 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    233     المسألة العاشرة: لو تيقن ترك غسل عضو أو بعضه أو مسحه، ..... ص : 230

(5) التهذيب 1: 98- 257، الاستبصار 1: 73- 226، قرب الإسناد 177- 650، الوسائل 1: 452 أبواب الوضوء ب 35 ح 7.

(6) التهذيب

1: 364- 1104، الوسائل 1: 471 أبواب الوضوء ب 42 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 233

فلا يصلح [1] للاحتجاج، لمخالفتها لعمل الكلّ الموجب لشذوذها، المخرج إيّاها عن الحجية.

مضافا إلى ما في الأوّل، من عدم الدلالة على الوجوب.

و في الثاني، من ظهوره في حال جفاف الكلّ الموجب للإعادة إجماعا بقرينة إعادة الصلاة، إذ مع الإتيان بها لا يبقى البلل غالبا.

و في الثالث، أنه غير دالّ على عدم غسل ما بعده، فإنّه يحتمل أن يكون المراد الإجزاء في غسل هذا الموضع المنسي ببلّة بعض جسده و عدم الاحتياج إلى ماء آخر.

و في الرابع، أنّ الوضوء حقيقة في الغسل، فمفاده أنه لا يعيد غسل شي ء آخر، و لا ينافي وجوب المسح عليه بعد ذلك.

و في الخامس، من الإجمال المسقط للاستدلال، فإنّ قوله: «ذكرته» كما يمكن أن يراد به تذكّر تركه، يمكن أن يراد به تذكّر فعله تذكّرا ما، أي و لو بالاحتمال البعيد، و لم يتيقّن بتركه. و يكون المراد بقوله: «مضى» الخروج عنه.

و تكون لفظة «من» بيانية أو تبعيضية. و المراد بالمضي الفراغ من الفعل، فيكون مرجعه إلى الشك بعد الفراغ.

و خالف الإسكافي في إعادة ما بعده إذا كان المتروك دون الدرهم، و اكتفى بغسل المتروك خاصة «1»، و استند برواية [2] غير ثابتة عندنا.

هذا إذا ذكر قبل الجفاف المبطل، و إلّا استأنف إجماعا، و وجهه ظاهر.

______________________________

[1] خبر لقوله قبل سطور: و اما ما دل بظاهره ..

[2] نقل في المختلف عن ابن الجنيد أنه قال: قد روى توقيت الدرهم ابن سعيد عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، و ابن منصور عن زيد بن علي. و منه حديث أبي أمامة عن النبي صلّى اللَّه

عليه و آله. و قال الشهيد في الذكرى- بعد نقل كلام ابن الجنيد-: إن الأصحاب لم يعتبروا مذهب أبي علي و الأخبار لم تثبت عندهم. و راجع سنن البيهقي 1: 84.

______________________________

(1) نقله عن الإسكافي في المختلف: 27.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 234

و يدلّ عليه إطلاق خبر ابن حكيم، و موثقة سماعة، الخالي عن الشذوذ في المقام.

و به و بما مرّ في مسألة الموالاة «1» تقيّد الإطلاقات، مع عدم تصريح فيها بما ينافي المطلوب.

المسألة الحادية عشرة: لو شك في فعل من أفعال الوضوء،

فإمّا يكون قبل الفراغ أو بعده. فعلى الأوّل يأتي به و بما بعده، و لا يستأنف إلّا مع جفاف ما قبله، للإجماع في الكلّ، و الأصل، و الاستصحاب في الأوّل [1]، و أدلّة الترتيب في الثاني، و الأصل و عدم المقتضي في الثالث، و أدلّة الإعادة مع الجفاف في الرابع.

مضافا في الأوّل إلى صحيحة زرارة: «إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أ غسلت ذراعيك أم لا، فأعد عليهما و على جميع ما شككت فيه أنك لم تغسله أو تمسحه مما سمى اللَّه ما دمت في حال الوضوء» «2».

بل في الثاني أيضا حيث إنّ الشك في السابق يوجب الشك في الغسل و المسح الصحيحين اللذين هما المرادان منهما في اللاحق أيضا.

و لا ينافيها موثّق ابن أبي يعفور: «إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء، إنّما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه» «3» حيث دلّ صدره على عدم إعادة شي ء مع الدخول في غيره، و مفهوم ذيله على عدم اعتبار الشك في شي ء إذا لم يكن فيه، لجواز رجوع ضمير «غيره» في صدره إلى الوضوء،

______________________________

[1] المراد بالأول، وجوب الإتيان بالمشكوك المستفاد من قوله:

«يأتي به»، و المراد بالثاني وجوب الإتيان بما بعده، و بالثالث عدم استيناف الوضوء في غير صورة الجفاف، و بالرابع وجوب الاستيناف في صورة الجفاف.

______________________________

(1) في ص 146.

(2) الكافي 3: 33 الطهارة ب 22 ح 2، التهذيب 1: 100- 261، الوسائل 1: 469 أبواب الوضوء ب 42 ح 1.

(3) التهذيب 1: 101- 262، مستطرفات السرائر: 25- 3، الوسائل 1: 469 أبواب الوضوء ب 42 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 235

و عدم إفادة ذيله الحصر إن أريد مفهوم الحصر كما بيّنا في الأصول [1]، مع عدم لزوم اتّحاد الشيئين، فيمكن أن يراد بالأخير الكلّ، و تغايرهما مع التنكير جائز، بل راجح كما قيل في تكرر العسر و اليسر في الآية «1»، و منه يعلم عدم الدلالة لو أريد مفهومه الشرطي.

و لو سلّم الجميع فيكون الموثّق أعم مطلقا من الصحيحة، فيجب تخصيصه بها. و لو قطع النظر عنها فهو لا يقاومها، لشذوذه. و لو سلّم فالمرجع إلى الأصل، و هو معها.

و ممّا ذكر ظهر عدم ضرر في مرسلة الواسطي أيضا: أغسل وجهي ثمَّ أغسل يدي و يشكّكني الشيطان أنّي لم أغسل ذراعي و يدي، قال: «إذا وجدت برد الماء على ذراعك فلا تعد» «2» مع أنّ مع وجدان برد الماء يخرج عن الشك.

و كذا يظهر الجواب عن المعتبرة الدالّة على عدم العبرة بالشك مع تجاوز المحل، كموثقة ابن مسلم: «كلّما شككت فيما مضى فامضه كما هو» «3» و صحيحة زرارة: «إذا خرجت من شي ء ثمَّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ء» «4» لكون الجميع أعم مطلقا ممّا مر.

مع أنّ الظاهر من بعض تلك الأخبار إرادة الشك في جزء الفعل و الدخول في غير الفعل،

فإنّ الخروج من شي ء و الدخول في غيره لا يكون إلّا مع العلم بالتلبّس به، و حصوله في الوضوء ظاهر، و أما في الفعل المشكوك فمعلوم الانتفاء، فلا يعلم شمول تلك الروايات لمثل المقام.

______________________________

[1] من أنّ لفظة إنما لا تفيد الحصر على الأقوى «منه ره».

______________________________

(1) حكاه عن الفرّاء في مجمع البيان 5: 509.

(2) التهذيب 1: 364- 1103، الوسائل 1: 470 أبواب الوضوء ب 42 ح 4.

(3) التهذيب 2: 344- 1426 بتفاوت يسير، الوسائل 8: 237 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 3.

(4) التهذيب 2: 352- 1459، الوسائل 8: 237 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 236

و لا فرق فيما ذكر بين النية و غيرها، فلو شك فيها، أتى بها و بما بعدها، للأصل و الاستصحاب المذكورين، مضافا إلى الإجماع المركّب، و عدم المعارض، لما عرفت في الأخبار من عدم الدلالة.

و هل الحكم يعم كثير الشك أيضا، أم يخصّ بمن عداه و هو لا يلتفت إلى شكه؟

الحق: هو الثاني، وفاقا لصريح السرائر، و الكركي، و الذكرى «1»، و اللوامع مصرّحا فيه بعدم العثور على مصرّح بالخلاف، و استقر به في نهاية الإحكام «2»، و نفى عنه البعد في المدارك «3»، لنفي العسر و الحرج.

و مفهوم التعليل في صحيحة زرارة، و أبي بصير في كثير الشك في الصلاة، بعد الأمر بالمضي في الشك فيها: «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عود، فليمض أحدكم في الوهم و لا تكثرن نقض الصلاة، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليك» «4».

و ظاهر خصوص صحيحة ابن سنان: ذكرت له رجلا مبتلى بالوضوء

و الصلاة و قلت: هو رجل عاقل، فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «و أيّ عقل له و هو يطيع الشيطان؟» فقلت: و كيف يطيع الشيطان؟ فقال: «سله هذا الذي يأتيه من أي شي ء؟ فإنّه يقول لك: إنه من عمل الشيطان» «5».

و صرّح في مرسلة الواسطي، المتقدّمة أيضا: «إنّ الشك من الشيطان».

بل يدلّ عليه التعليل في رواية علي بن أبي حمزة- بعد السؤال عن رجل شك في

______________________________

(1) السرائر 1: 104، جامع المقاصد 1: 237، الذكرى: 98.

(2) نهاية الإحكام 1: 61.

(3) المدارك 1: 257.

(4) الكافي 3: 358 الصلاة ب 43 ح 2، التهذيب 2: 188- 747، الاستبصار 1: 374- 1422، الوسائل 8: 228 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 2.

(5) الكافي 1: 12 العقل و الجهل ح 10، الوسائل 1: 63 أبواب مقدمة العبادات ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 237

صلاته، و جوابه بأنه يمضي في صلاته و يتعوّذ باللَّه من الشيطان الرجيم- بقوله:

«فإنه يوشك أن يذهب عنه» «1».

و في صحيحة محمّد: «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك، فإنه يوشك أن يدعك، إنما هو من الشيطان» «2» و ظاهر أنّ المراد بالسهو فيها الشك بالإجماع. علّل الإمضاء بقوله: «يوشك أن يدعك»، و هو جار في ذلك المورد أيضا. و يؤكّده بعض العمومات المتقدّمة «3»، الخالي في المقام عن الشذوذ.

خلافا لظاهر إطلاق من أطلق و هو جماعة، فالأوّل، للأصل، و الاستصحاب، و إطلاق الصحيحة المتقدّمة «4».

و يندفع الأولان، و يقيّد الثالث بما مرّ، مع إمكان الخدش في الأخير باعتبار كون المواجه بالخطاب خاصّا، و كونه كثير الشك غير معلوم، و الإجماع على الاشتراك و التعميم منتف قطعا.

و كثرة الشك هنا

تناط إلى العرف، و لا يبعد كون من شك ثلاثا متواليا كثير الشك في الصلاة.

و على الثاني، أي: كون الشك بعد الفراغ لم يلتفت إليه إجماعا محقّقا و محكيا مستفيضا «5»، و هو الحجة.

مضافا إلى مفهوم ما مرّ في صحيحة زرارة، المتقدّمة «6»، و منطوق ما بعده

______________________________

(1) الفقيه 1: 230- 1022، التهذيب 2: 188- 746، الاستبصار 1: 374- 1421، الوسائل 8: 228 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 4.

(2) الكافي 3: 359 الصلاة ب 43 ح 8، الفقيه 1: 224- 989 بتفاوت يسير، التهذيب 2:

343- 1424 بتفاوت يسير، الوسائل 8: 227 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 1.

(3) في ص 235.

(4) في ص 234.

(5) حكاه في المنتهى 1: 75، و الإيضاح 1: 42.

(6) في ص 234.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 238

من قوله: «فإذا قمت من الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال أخرى في الصلاة أو في غيرها، فشككت في بعض ما سمّى اللَّه ممّا أوجب اللَّه عليك فيه وضوءا فلا شي ء عليك».

و ما مرّ من موثّقتي ابن أبي يعفور و مسلم «1»، و الصحيحة الأخرى لزرارة «2»، و صحيحتي بكير، و محمّد:

الأولى: الرجل يشك بعد ما يتوضّأ، قال: «هو حين ما يتوضّأ أذكر منه حين يشك» «3».

و الثانية: رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة، قال: «يمضي على صلاته و لا يعيد» «4».

و أمّا ما تضمّنته صحيحة زرارة الأولى من المسح عند الشك بعد الفراغ لو وجد البلل، فهو بالإجماع ليس بواجب.

و المعتبر في الحكم إنّما هو إتمام الوضوء دون الانصراف من الحالة المتحقّقة حين الوضوء من القيام أو الجلوس، على الأشهر الأظهر، كما

صرّح به جمع ممّن تأخّر «5»، بل في المدارك و عن جدّه: الإجماع عليه «6»، للموثّقتين، و الصحيحتين المتعقّبتين لهما.

و لا تنافيها صحيحة زرارة الأولى «7».

أما مفهوم قوله: «إذا كنت قاعدا على وضوئك» فلأنّ المراد منه الاشتغال

______________________________

(1) في ص 234 و 235.

(2) الاستبصار 1: 73- 224، الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 35 ح 1.

(3) التهذيب 1: 101- 265، الوسائل 1: 471 أبواب الوضوء ب 42 ح 7.

(4) التهذيب 1: 101- 264، الوسائل 1: 470 أبواب الوضوء ب 42 ح 5.

(5) منهم صاحب الرياض 1: 27.

(6) المدارك 1: 257، الروضة 1: 81.

(7) المتقدمة في ص 234.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 239

بقرينة التعدية ب «على»، و لظهور عدم اعتبار القعود في الوضوء. مع أنّ مفهومه لو اعتبر، لكان مدلوله أنه لو توضّأ فإنّما لم يكن الحكم كذلك، و هو كما ترى.

و بالجملة لو أريد منه ظاهره لاحتاج إلى تجوّزات ليست أولى من الحمل على الفراغ.

و أمّا منطوق قوله: «ما دمت في حال الوضوء» فلاحتمال كون الإضافة بيانية.

و أمّا مفهوم قوله: «فإذا قمت» إلى آخره: فلأنّ معنى القيام من شي ء الفراغ منه، و لو سلّم، فيحتاج إلى تجوّز و تخصيص ليس بأولى من حمله على الفراغ.

و من ذلك يظهر ضعف قول من اشترط القيام من الوضوء و لو تقديرا، مستندا إلى الصحيحة.

ثمَّ إتمام الوضوء و الفراغ منه إنّما يتحقّق بإكمال العضو الأخير منه و لو لم يدخل بعد في فعل آخر، فلا يلتفت إلى الشك بمجرده إذا كان الشك في غير العضو الأخير.

و أمّا إذا كان فيه فعدم الالتفات إليه إنّما هو بالإعراض عن الوضوء، أو الدخول في فعل آخر غير الوضوء، فإنه لا يلتفت

حينئذ، لصدق الفراغ، و الخروج، و الدخول في الغير، و المضي، و بعد التوضّؤ، المعلّق على كلّ منها الحكم فيما تقدّم من الأخبار.

و أمّا ما لم يتحقّق الإعراض و لا الدخول في فعل آخر فيجب الإتيان به، لعدم القطع بالفراغ و الإتمام.

المسألة الثانية عشرة: من ترك غسل أحد المخرجين عمدا و صلّى،

أعاد الصلاة إجماعا. و كذا لو تركه نسيانا على الأظهر، وفاقا للأكثر، كما صرّح به جماعة «1»، للمستفيضة كصحيحتي زرارة، و ابن أبي نصر، و مرسلة ابن بكير،

______________________________

(1) منهم العلامة في المنتهى 1: 43، و نسبه في الذخيرة: 19، و الحدائق 2: 22 إلى الشهرة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 240

الواردة في مخرج البول:

الأولى: توضّأت يوما و لم أغسل ذكري ثمَّ صلّيت، فسألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن ذلك، فقال: «اغسل ذكرك و أعد صلاتك» «1».

و الثانية: أبول و أتوضّأ و أنسى استنجائي ثمَّ أذكر بعد ما صلّيت، قال:

«اغسل ذكرك و أعد صلاتك و لا تعد وضوءك» «2».

و الثالثة: في الرجل يبول و ينسى أن يغسل ذكره حتى يتوضّأ و يصلّي، قال:

«يغسل ذكره و يعيد الصلاة و لا يعيد الوضوء» «3».

و موثّقة سماعة، الواردة في البول و الغائط: «إذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء، ثمَّ توضّأت و نسيت أن تستنجي، فذكرت بعد ما صلّيت، فعليك الإعادة. و إن كنت أهرقت الماء فنسيت أن تغسل ذكرك حتى صلّيت، فعليك إعادة الوضوء و الصلاة و غسل ذكرك، لأنّ البول مثل البراز» «4» و في بعض نسخ الكافي كما نقله بعض الأجلّة: «ليس مثل البراز».

فإنّ قوله أوّلا: «فعليك الإعادة» و إن احتمل إرادة إعادة الوضوء أو مع الصلاة الموجبة للحمل على الاستحباب، لعدم وجوب إعادة الوضوء عند جلّ الأصحاب، إلّا أنّ أصالة

الحقيقة في قوله: «فعليك» التي هي الوجوب المختص بالصلاة تعيّن الحمل على إرادة إعادة الصلاة.

______________________________

(1) الكافي 3: 18 الطهارة ب 12 ح 14، التهذيب 1: 47- 135، الاستبصار 1: 53- 152، الوسائل 1: 295 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 7.

(2) التهذيب 1: 46- 133، الاستبصار 1: 52- 150، الوسائل 1: 294 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 3.

(3) الكافي 3: 18 الطهارة ب 12 ح 16، الوسائل 1: 294 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 2.

(4) الكافي 3: 19 الطهارة ب 12 ح 17، التهذيب 1: 50- 146، الاستبصار 1: 55- 162، الوسائل 1: 319 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 5. البراز: كناية عن ثفل الغذاء، و هو الغائط.

الصحاح 3: 864.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 241

[و لا يضرّ في وجوب إعادتها في البول ضمّ إعادة الوضوء المستحبة مع الصلاة في قوله ثانيا «فعليك ..»] [1] إذ إرادة مطلق الرجحان في موضع مجازا بقرينة لا تنافي الوجوب الثابت بدليل آخر.

و منه يظهر أنه لا يضرّ في وجوب إعادتها في الغائط أيضا جعله مثل البول، لتحقّق المماثلة في مطلق الرجحان بينهما.

خلافا للمنقول عن العماني، فلم يوجب الإعادة مطلقا «1»، بل جعلها أولى بحمل رواياتها على الأولوية، لمعارضة أخبار الإعادة في البول مع خبري ابن أبي نصر و هشام.

الأولى: صلّيت فذكرت أنّي لم أغسل ذكري بعد ما صليت أ فأعيد؟ قال:

«لا» «2».

و الثانية: في الرجل يتوضّأ و ينسى غسل ذكره و قد بال، فقال: «يغسل ذكره و لا يعيد الصلاة» «3».

و في الغائط مع صحيحة علي و موثّقة عمّار.

الأولى: عن رجل ذكر و هو في صلاته أنّه لم يستنج من الخلاء، قال:

«ينصرف و يستنجي

من الخلاء و يعيد الصلاة، و إن ذكر و قد فرغ من صلاته، أجزأه ذلك و لا إعادة عليه» «4».

______________________________

[1] ما بين المعقوفين في جميع النسخ هكذا: و لا يضر المستحبة ضم إعادة الوضوء في وجوب إعادتها في البول مع الصلاة في البول في قوله ثانيا «فعليك». و هي كما ترى مشوشة، فأصلحناها بما في المتن.

______________________________

(1) نقله عنه في المختلف: 20.

(2) التهذيب 1: 51- 148، الاستبصار 1: 56- 163، الوسائل 1: 295 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 6.

(3) التهذيب 1: 48- 140، الاستبصار 1: 54- 157، الوسائل 1: 317 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 2.

(4) التهذيب 1: 50- 145، الاستبصار 1: 55- 161، قرب الإسناد: 196- 744، الوسائل 1:

318 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 242

و الثانية: «لو أنّ رجلا نسي أن يستنجي من الغائط حتى يصلّي لم يعد الصلاة» «1».

و يضعف الكل: بأنّها شاذة، و لشهرة القدماء مخالفة، فعن درجة الحجية خارجة، فللتعارض مع ما مرّ غير صالحة.

و للفقيه «2» و والدي العلّامة- طاب ثراهما- في غسل الغائط خاصة، فلم يوجبا في تركه الإعادة، للأخيرتين الخاليتين عن المعارض، إذ ليس إلّا موثّقة سماعة «3»، و هي ضعيفة الدلالة، لما مرّت إليه آنفا الإشارة، سيما على نسخة نفي المماثلة.

و يضعف الأخيرتان بما مرّ من الشذوذ و المخالفة، و يقوى ضعف دلالة الموثّقة بما ذكرناه ثمة، و عدم حجية في النفي المذكور لاختلاف النسخ.

و للإسكافي فيه و في غسل البول في خارج الوقت، فلم يوجب الإعادة، و خصها بالوقت في ترك غسل مخرج البول «4»، و لعل المخالفة الأولى لمثل ما مر للصدوق مع جوابه، و الثانية

للجمع بين الأخبار المضعف بما مرّ مع عدم الشاهد.

و للمقنع، فخصّ الإعادة بالوقت لمن تمسح بالأحجار خاصة دون خارجه و غير المتمسّح «5»، لموثّقة عمار: في من نسي أن يغسل دبره بالماء حتى صلّى إلّا أنه قد تمسّح بثلاثة أحجار، قال: «إن كان في وقت تلك الصلاة فليعد الوضوء و ليعد الصلاة، و إن كان قد مضى وقت تلك الصلاة التي صلّى فقد جازت صلاته

______________________________

(1) التهذيب 1: 49- 143، الاستبصار 1: 55- 159، الوسائل 1: 318 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 3.

(2) الفقيه 1: 21.

(3) المتقدمة في ص 240.

(4) نقله عنه في المختلف: 19.

(5) المقنع: 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 243

و ليتوضّأ لما يستقبل» «1».

و لا يخفى أنّ هذا الخبر عن المورد خارج، و حمله على الاستحباب لازم، لكفاية التمسّح بالأحجار إجماعا.

ثمَّ إنّ هذه المسألة ليست عين مسألة الصلاة مع نجاسة الثوب أو البدن، كما توهّم «2»، بل هذه غيرها كما صرّح به والدي و غيره، و يدلّ عليه تفاوت أقوالهم في المسألتين.

و الجهل بالأصل أو الحكم كالنسيان، لترك الاستفصال في الصحيحة الأولى «3»، بضميمة الإجماع المركّب في الغائط. بل الظاهر تحقّقه في نفس المورد أيضا، لعدم فصل أحد بين الجهل و النسيان.

و لا تجب إعادة الوضوء. خلافا لنادر «4»، لبعض الأخبار «5» المعارض بأكثر منه، المرجوح عنه بالشذوذ.

المسألة الثالثة عشرة: من ذكر ترك واجب من الوضوء بعد الصلاة أعادهما،

للأصل، و موثّقة سماعة: «من نسي مسح رأسه أو قدميه أو شيئا من الوضوء، كان عليه إعادة الوضوء و الصلاة» «6».

و لو ذكر في أثنائها، قطعها و استأنفها بعد إعادته لو جفّ، للمستفيضة «7».

المسألة الرابعة عشرة: لو توضّأ وضوءين و صلّى بعدهما،
اشاره

ثمَّ ذكر خللا في أحدهما، صحّت صلاته مطلقا على الأقوى، لصحة أحد الوضوءين الكافية في

______________________________

(1) التهذيب 1: 45- 127، الاستبصار 1: 52- 149، الوسائل 1: 317 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 1.

(2) كما في المدارك 1: 258، و الحدائق 2: 24.

(3) المتقدمة في ص 240 رقم 1.

(4) هو الصدوق في المقنع: 4، و الفقيه 1: 21.

(5) الوسائل 1: 317، 319 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 1، 5.

(6) التهذيب 1: 102- 266، الوسائل 1: 370 أبواب الوضوء ب 3 ح 3.

(7) الوسائل 1: 370 أبواب الوضوء ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 244

صحة الصلاة مطلقا، على المختار من كفاية نية القربة.

و به يندفع استصحاب حكم الحدث السابق في بعض الاحتمالات، حيث لا قطع بالمزيل، لاحتمال الخلل في الأوّل، و عدم صحة الثاني، لعدم [1] اشتماله على ما يشترط في النية، لمنع ذلك.

و القول بأنه لو أوقعهما أو أحدهما بنية الندب مع ظهور الوجوب لم يصح، لعدم شرعية المندوب مع الشغل بالواجب «1»، مدفوع: بمنع ذلك، مع أنّ مناط التكليف هو اعتقاد المكلّف دون الواقع، فهو عليه مندوب حين الوضوء.

و بذلك يندفع ما يستشكل به على بعض صور المسألة على اعتبار نية الوجه أو الاستباحة.

مع أنّه لو سلّم بطلان الأخير باعتبار عدم وقوعه على وجهه المعتبر، أو عدم كونه مبيحا، لعدم قصد الإباحة فيه، يكفي صحة الأولى في المقام. و لا عبرة باحتمال كون الخلل فيه، لكونه شكّا بعد

الفراغ، فتشمله أخبار عدم اعتبار الشك حينئذ، كما اختاره في البشرى «2»، و المنتهى «3»، و بعض الأجلّة من المتأخّرين «4».

و القطع بترك في أحدهما لا يوجب القطع بالترك في خصوص أحدهما و لا يخرجه عن الشك.

و دعوى تبادر غير مثل ذلك عن إخباره ممنوعة جدّا.

و من ذلك يظهر أنّه لو صلّى بكلّ واحدة صلاة، صحّت الصلاتان معا مطلقا.

و ادّعى والدي- رحمه اللّه- الوفاق على إعادة الأولى هنا. و هو عندي غير

______________________________

[1] في «ح» بعدم.

______________________________

(1) قاله في كشف اللثام 1: 65.

(2) نقله عنه في البيان: 52.

(3) المنتهى 1: 75.

(4) هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 245

ثابت، بل يظهر من كلامه- رحمه اللّه- عدم ثبوته عنده و إرادته [1] السكوتي.

و الحاصل: أنّ عدم الالتفات إلى الشك بعد الفراغ أصل ثابت من نصوصه، فلا يلتفت إليه بالنسبة إلى شي ء من الوضوءين، نظير وجدان المني في الثوب المشترك.

نعم، لو فرض توقّف أمر على الوضوءين معا، جاء بطلانه، و لكنه غير متحقّق، بل يكفي صحة الأول خاصة لصحة الصلاتين مطلقا.

و الملخّص: أنّ الشك في الثاني غير مضرّ بعد صحة الأوّل في صحة الصلاة مطلقا، و الأوّل محكوم بالصحة للفراغ عنه.

و كذا الحكم لو علم الخلل في طهارتين من ثلاث، أو ثلاث من أربع أو أربع من خمس.

فرع:

لو صلى بكلّ منهما صلاة و تيقّن الحدث بعد واحدة من الطهارتين، تجب عليه الطهارة للصلاة اللاحقة مطلقا، لأنه متيقّن بالحدث و الوضوء الشاك في المتأخّر.

و أما الصلاتان السابقتان فإن علم أنّ الحدث عقيب الصلاة، صحّت الصلاتان معا.

و إن شك أنه قبلها أو بعدها، فمقتضى قاعدة استصحاب شغل الذمة بكلّ من الصلاتين، و استصحاب

عدم امتثاله و عدم الإتيان به: وجوب إعادتهما معا، كما عليه الأكثر.

و لكن مقتضى قاعدة عدم الالتفات إلى الشك بعد الفراغ: صحتهما معا، كما جوزه بعض الأجلّة «1». و هو الأقوى، لاندفاع الأصول الاستصحابية به، و عدم

______________________________

[1] في «ق» و أراد به.

______________________________

(1) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 246

تحقّق دليل و لا ثبوت إجماع على خلافه.

و إن علم أنه قبل الصلاة، فيعيدهما معا، لأنّ هنا شكّا في البطلان متعلّقا بكلّ من الصلاتين، و قطعا فيه متعلّقا بواحد لا بعينه. و الأوّل و إن لم يلتفت إليه لكونه بعد الفراغ، و لكن الثاني لكونه قطعا يلتفت إليه قطعا، نظير ثلاثة أوان مشتبهة، واحد منها نجس، فيجتنب عن الكلّ و إن لم يجتنب عن غير واحد.

فاللازم النظر فيما يستتبع ذلك القطع، و مقتضاه: إعادة الصلاتين، لأنّه مقتض للقطع باشتغال الذمة بصلاة معيّنة واقعا و إن لم يعلمها بعينها، و لا يحصل القطع بالبراءة بفعل واحد منهما، فيستصحب ذلك الاشتغال حتى يأتي بهما معا.

و في حكم ما إذا علم أنّه قبلها ما لو علم وقت الحدث بعينه دون الصلاة، فبحكم أصالة تأخّر الحادث يحكم بتأخّر الصلاة.

ثمَّ لو كانت الصلاتان مختلفتين عددا، أتى بهما جميعا.

و إن اتّفقتا، فالأظهر الموافق لقول الأكثر: أنه يأتي بواحدة ناويا له ما في الذمة، لأصالة البراءة عن الزائد، لأنّ ما اشتغل به صلاة واحدة يقينا لا غير، و لا دليل على الزائد إلّا عدم تعيّنها في نظره، و هو غير موجب للتعدّد بوجه، و لا موجب له إلّا عدم إمكان تعيّنها في النية، و هو غير موجب لعدم لزومه، إذ اشتراط التعيين لأجل التميّز و انطباق الفعل

على المأمور به واقعا، و هو هنا حاصل، لاتّحاده و تعيّنه في الواقع و إن لم يتعيّن في نظر المكلّف.

و يؤيده أيضا: النص الدالّ على الاجتزاء بالثلاث لمن نسي فريضة مجهولة من الخمس «1».

و حسنة زرارة: «و إن نسيت الظهر حتى صلّيت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى ثمَّ صلّ العصر، فإنما هي أربع مكان

______________________________

(1) الوسائل 8: 275 أبواب قضاء الصلوات ب 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 247

أربع» «1».

خلافا للشيخ «2» و الحلبيين [1]، فيعيد الصلاتين، تحصيلا لليقين بالبراءة، اعتبارا للجزم في النية، لقوله: «من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته» «3» و الفائتة كانت بنيّة معيّنة، و مراعاة لاختلاف حالهما في الجهر و الإخفات.

و الأوّل مندفع: بانّ الشغل ليس إلّا بواحدة و قد فعلها، فيحصل اليقين بالبراءة.

و الثاني: بأنّه لا ترديد في النية، بل ينوي ما في الذمة، و عدم علمه به غير ضائر، و لو سلّم فلا ضرر في مثل هذا الترديد، كما مرّ في بحث النية.

و قوله: «كما فاتته» لا دلالة له، إذا المتبادر منه أفعاله الخارجية، مع أنه لم يجب التعيين في النية في الأصل أيضا إلّا في صورة الاشتباه لأجل دفعه، فكذا ها هنا.

و الثالث: بمنع وجوب الجهر أو الإخفات هنا، بل هو مخيّر- و ادّعى في المعتمد الوفاق عليه- لأنّ الجهر مثلا إنّما هو فيما يعلم أنّه عشاء، و أمّا ما لا يعلم فلا دليل على وجوبه فيه.

ثمَّ بما مرّ يعلم حال ما إذا أحدث حدثا واحدا عقيب ثلاث طهارات، أو أربع، أو خمس، من المتمّم و المقصّر، سواء كانت الكلّ تجديدية أو لا، و لا ترتيب

______________________________

[1] ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):

562، و أبو الصلاح في الكافي: 150، و هما و إن لم يذكرا الفرع بعينه، و لكن يمكن استفادته مما ذكراه- فيمن فاتت منه صلاة واحدة من الخمس غير معلومة- أنه يقضى الخمس بأسرها، فتأمل.

______________________________

(1) الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158- 340، الوسائل 4: 290 أبواب المواقيت ب 63 ح 1.

(2) المبسوط 1: 24.

(3) عوالي اللئالي 3: 107- 150.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 248

أصلا، لاتّحاد الفائتة، ففي الخمس مثلا المتمّم يعيد ثلاثا [1]، و المقصّر اثنتين [2].

و لو علم فساد طهارتين من يوم قبل الصلاة، فالمتمّم يعيد أربعا و المقصّر ثلاثا مع مراعاة الترتيب، بأنّ يصلّي الأوّل ثنائية فرباعية فثلاثية فرباعية، و الثاني ثنائية فثلاثية فثنائية.

و لو علم فساد ثلاث من يوم أو أربع، يجب الخمس في التمام و الأربع في القصر.

و بما ذكر يمكن استخراج حكم ما إذا علم فساد الطهارتين أو أكثر من أكثر من يوم متمّما كان أو مقصّرا أو متبعّضا أو مشتبها عليه الحال.

______________________________

[1] يعني ثنائية فرباعية فثلاثية.

[2] يعني ثنائية فثلاثية.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 249

الباب الثاني: في الأغسال
اشاره

و هي واجبة و مندوبة، فهنا مطلبان:

المطلب الأوّل في الواجبة منها و هي ستّة نذكر في فصول ستّة
اشارة

@@@مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 251

الفصل الأوّل: في غسل الجنابة
اشاره

و الكلام فيه إما في سبب الجنابة، أو أحكام الجنب، أو غاية غسلها، أو واجباته، أو آدابه، أو أحكامه، ففيه أبحاث:

البحث الأوّل: في سببها
اشاره

، و هو أمران:

الأمر الأوّل: خروج المني
اشاره

. و لا بدّ أولا من بيان أنّ حقيقة المني هل هو الماء المسبوق بالشهوة المقارن للتلذّذ المعقب للفتور؟ بأن تكون تلك الأوصاف أجزاء حقيقته أو من لوازم ذاته، كما صرّح بعض العامة [1]، و سمعته من بعض أرباب المعقول قال: إنّ المني إنّما يتكوّن في الأنثيين حال التلذّذ لأجله فيدفع، و يشعر به كلام بعض فقهائنا المتأخّرين أيضا «1»، تمسّكا بالوجدان و بالأخبار النافية للغسل مع انتفائها. أو هو حقيقة معيّنة خارجة عنها تلك الأوصاف غير لازمة لها و إن كانت معروضة لها غالبا؟ كما هو الظاهر من كلام الأكثر، لما دلّ على إمكان العلم بكون الخارج منيا بدون العلم بتلك الأوصاف، كالأخبار الواردة فيمن وجد [2] المني في ثوبه و لم ير أنه احتلم، و لما دلّ على وجوب الغسل بخروج [3] الماء المشتبه بعد الغسل و قبل الاستبراء مع فقده تلك الأوصاف. أو لا يعلم شي ء من الأمرين؟ فيتوقّف، لضعف متمسّك القولين.

أمّا الأوّل من الأوّل: فلأن المسلّم من الوجدان أنّ ما جمع الأوصاف مني،

______________________________

[1] نقل ابن قدامة في المغني 1: 230 عن أبي حنيفة و مالك و احمد أن الموجب للغسل خروج المني:

و هو الماء الغليظ الدافق الذي يخرج عن اشتداد الشهوة.

[2] في «ق»: في وجدان.

[3] في «ق»: لخروج.

______________________________

(1) قد يشعر به كلام المدارك 1: 226.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 252

دون أنّ ما لم يجمعها ليس منيا، و لذا قد يعلم كون الخارج منيا بدون العلم بتلك الأوصاف.

و أما الثاني منه: فلأنّه يمكن أن يكون نفي الغسل في فاقد الأوصاف لأجل عدم العلم بكونه منيا، لا للعلم بعدمه.

و أمّا الأوّل من الثاني: فلأنّ طريق العلم بوجود

شي ء لا ينحصر في معرفة جميع أجزائه الحقيقية أو لوازمه الذاتية، فقد يعرف وجود المني بأمر آخر غير تلك الأوصاف، و لا يعلم وجود ذلك الأمر فيما علم فيه فقد تلك الأوصاف.

و أمّا الثاني منه: فلأنّ الخارج بعد الغسل قبل الاستبراء يمكن أن يكون من بقية ما اجتمعت فيه الأوصاف الخارج أولا.

و الحقّ، هو الثالث، لما ذكر.

إلّا أنّ في مرسلة ابن رباط: «فأمّا المني فهو الذي يسترخي العظام و يفتر منه الجسد و فيه الغسل» «1» و مقتضى أصالة الحقيقة في الحمل كون ذلك من حقيقته.

و المروي في نوادر الراوندي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «فأمّا المني فهو الماء الذي تكون منه الشهوة» «2».

و إذا عرفت ذلك، فنقول: إنّهم صرّحوا بأنّ خروج ما علم أنّه مني موجب للغسل مطلقا، سواء كان خروجه في اليقظة أو النوم، و كان خارجا من الرجل أو المرأة، و كان الخارج مع الشهوة و التلذّذ و الفتور أو لا، إن فرض العلم به بدون الأوصاف.

و هو محل الوفاق بين علماء الإسلام كافة إذا كان خارجا من الرجل مع الأوصاف، و أخبار الفريقين به متواترة معنى بلا معارض «3». و بين علمائنا خاصة

______________________________

(1) التهذيب 1: 20- 48، الاستبصار 1: 93- 301، الوسائل 2: 190 أبواب الجنابة ب 7 ح 17.

(2) نوادر الراوندي: 45، المستدرك 1: 237 أبواب نواقض الوضوء ب 10 ح 2.

(3) الوسائل 2: 194 أبواب الجنابة ب 8، صحيح مسلم 1: 269.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 253

كما صرّح به جماعة «1» إذا كان خارجا منه بدون الأوصاف كلّا أو بعضا، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى إطلاقات وجوب الغسل بالماء الأكبر «2»، و عموم موثّقتي سماعة،

المستفاد من ترك الاستفصال:

إحداهما: عن الرجل ينام و لم ير في نومه أنه احتلم، و يجد في ثوبه و على فخذه الماء هل عليه غسل؟ قال: «نعم» «3».

و الأخرى: عن الرجل يرى في ثوبه المني بعد ما يصبح و لم يكن رأى في منامه أنه احتلم، قال: «فليغتسل و ليغسل ثوبه و يعيد صلاته» «4».

و لا تعارضها صحيحة ابن أبي يعفور: الرجل يرى في المنام و يجد الشهوة فيستيقظ. و ينظر فلا يجد شيئا ثمَّ يمكث الهوين بعد فيخرج، قال: «إن كان مريضا فليغتسل، و إن لم يكن مريضا فلا شي ء عليه» قال: قلت: فما فرق بينهما؟

قال: «لأنّ الرجل إذا كان صحيحا جاء الماء بدفقة و قوة، و إن كان مريضا لم يجئ إلّا بفتور» «5».

لأنّ الخارج فيها غير معيّن، فيمكن أن يكون هو الماء المشتبه.

و منه يعلم عدم معارضة صحيحة ابن سعد «6» و رواية ابن أبي طلحة،

______________________________

(1) منهم العلامة في التذكرة 1: 23، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 78.

(2) الوسائل 2: 181 أبواب الجنابة ب 4.

(3) الكافي 3: 49 الطهارة ب 31 ح 7، التهذيب 1: 368- 1119، الاستبصار 1: 111- 368، الوسائل 2: 198 أبواب الجنابة ب 10 ح 1.

(4) التهذيب 1: 367- 1118، الاستبصار 1: 111- 367، الوسائل 2: 198 أبواب الجنابة ب 10 ح 2.

(5) الكافي 3: 48 الطهارة ب 31 ح 4، التهذيب 1: 369- 1124، الاستبصار 1: 110- 365، الوسائل 2: 195 أبواب الجنابة ب 8 ح 3 باختلاف في المتن في الجميع.

(6) الكافي 3: 47 الطهارة ب 30 ح 5، التهذيب 1: 123- 327، الاستبصار 1: 108- 354، الوسائل 2: 186 أبواب الجنابة ب 7

ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 254

المتقدّمة «1»، حيث إنّ تبادر خروج المني من الإنزال في عهد المعصوم غير معلوم.

و لو تنزّلنا عن ذلك فغايتهما العموم فيتعارضان بالعموم من وجه، و الترجيح مع الأولى بمخالفة العامة، كما صرّح به الجماعة، و بموافقة الأصحاب.

و منه يعلم الجواب عن رواية ابن الفضيل، الآتية، و صحيحة علي: عن الرجل يلعب مع المرأة و يقبّلها فيخرج منه المني فما عليه؟ قال: «إذا جاءت الشهوة و دفع و فتر لخروجه فعليه الغسل، و إن كان إنما هو شي ء لم يجد له فترة و لا شهوة فلا بأس» «2».

حيث إنّ المحتمل فيها رجوع المستتر في «كان» إلى الخارج دون المني.

مع أنّه لو أرجح إليه أيضا، لم يضر، إذ تصير الرواية حينئذ مخالفة لعمل جلّ الأصحاب بل كلّهم، فتخرج عن الحجية.

و منه يعلم جواب آخر عن هذه الروايات لو سلّمت دلالتها.

هذا كلّه، مع أنّ لنا أن نقول بدلالة الموثّقتين على وجوب الغسل مع العلم بعدم الشهوة أيضا بخصوصهما، حيث إنّهما دلّتا على وجوبه مع عدم العلم بها، و لو لا وجوبه مع العلم بالعدم أيضا، لما وجب مع عدم العلم، لأصالة عدم تحقّق الشهوة، فتأمّل.

و هو الحقّ المشهور [1]، بل المجمع عليه عندنا أيضا- لشذوذ المخالف- إذا كان من المرأة كذلك، لما مرّ من الإجماع، و للمستفيضة من النصوص:

كرواية معاوية بن حكيم: «إذا أمنت المرأة و الأمة من شهوة، جامعها الرجل أو لم يجامعها، في نوم كان ذلك أو في يقظة، فإنّ عليها الغسل» «3».

______________________________

[1] عطف على قوله: و هو محلّ الوفاق، في الصفحة 252.

______________________________

(1) ستأتي في الصفحة 255.

(2) التهذيب 1: 120- 317، الاستبصار 1: 104- 342، الوسائل 2: 194

أبواب الجنابة ب 8 ح 1.

(3) التهذيب 1: 122- 324، الاستبصار 1: 106- 347 و لكن فيه عن معاوية بن عمار، الوسائل 2: 189 أبواب الجنابة ب 7 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 255

و صحيحة محمّد بن إسماعيل: عن المرأة ترى في منامها فتنزل، عليها غسل؟ قال: «نعم» «1» و قريبة منها حسنة أديم بن الحر «2».

و صحيحة الحلبي: عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل، قال: «إن أنزلت فعليها الغسل، و إن لم تنزل فليس عليها الغسل «3».

و صحيحة الأشعري و فيها: «إذا أنزلت من شهوة فعليها الغسل» «4».

و رواية محمّد بن الفضيل و فيها: «إذا جاءت الشهوة و أنزلت الماء وجب عليها الغسل» «5».

و رواية ابن أبي طلحة و فيها: «أ ليس قد أنزلت من شهوة؟» قلت: بلى، قال: «عليها غسل» «6» إلى غير ذلك.

خلافا للمحكي عن المقنع، فنفى عنها الغسل إذا أمنت من غير جماع، و لكن كلامه فيه ينفيه في احتلامها خاصة «7»، و يميل إلى ذلك كلام صاحب الوافي «8».

لروايات دالّة على ذلك كصحيحتي عمر بن يزيد، في إحداهما: قلت: فإن

______________________________

(1) التهذيب 1: 124- 333، الاستبصار 1: 108- 356، الوسائل 2: 190 أبواب الجنابة ب 7 ح 16.

(2) التهذيب 1: 121- 319، الاستبصار 1: 105- 344، الوسائل 2: 189 أبواب الجنابة ب 7 ح 12.

(3) التهذيب 1: 123- 331، الاستبصار 1: 107- 352، الوسائل 2: 187 أبواب الجنابة ب 7 ح 5.

(4) قد تقدم مصدرها في ص 253.

(5) التهذيب 1: 121- 320، الاستبصار 1: 105- 345، قرب الاسناد: 395- 1387، الوسائل 2: 189، أبواب الجنابة ب 7 ح 13.

(6) التهذيب 1: 122- 325، الاستبصار 1: 105-

346، الوسائل 2: 190، أبواب الجنابة ب 7 ح 15.

(7) المقنع: 13.

(8) الوافي 6: 410.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 256

أمنت هي و لم يدخله، قال: «ليس عليها الغسل» «1».

و في الأخرى بعد قول السائل: ففخذت لها فأمذيت و أمنت هي: «ليس عليك وضوء و لا عليها الغسل» «2» و صحيحة ابن أذينة: المرأة تحتلم في المنام فتهريق الماء الأعظم، قال:

«ليس عليها الغسل» «3».

و رواية عبيد بن زرارة: هل على المرأة غسل من جنابتها إذا لم يأتها الرجل؟

قال: «لا» «4» و غير ذلك.

و يضعّف: بأنّها لمخالفتها لعمل قدماء الأصحاب شاذة، و عن الحجية خارجة، فلا تصلح للاستناد، فكيف للمعارضة. و مع ذلك فاحتمال أن يراد بالإمناء انفصاله عن مستقرّه و إن لم يخرج من الفرج، بل انصبّ إلى الرحم- كما هو الغالب في النساء- في أكثرها ممكن.

هذا كله في صورة العلم بكون الخارج منيا. و أمّا لو اشتبه فيعتبر في الرجل الصحيح بالدفق و مقارنة الشهوة، أي التلذّذ، و فتور البدن بعده، فيجب الغسل فيما اشتمل عليها جميعا، و لا يجب فيما فقد فيه بعضها. و في المريض و المرأة بالثانيتين [1] خاصة.

______________________________

[1] يعني مقارنة الشهوة و الفتور.

______________________________

(1) التهذيب 1: 121- 321، الاستبصار 1: 106- 348، الوسائل 2: 190 أبواب الجنابة ب 7 ح 18.

(2) التهذيب 1: 121- 322، الاستبصار 1: 106- 349، الوسائل 2: 191 أبواب الجنابة ب 7 ح 20.

(3) التهذيب 1: 123- 329، الاستبصار 1: 107- 351، الوسائل 2: 191 أبواب الجنابة ب 7 ح 21.

(4) التهذيب 1: 124- 332، الاستبصار 1: 107- 353، الوسائل 2: 192 أبواب الجنابة ب 7 ح 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 257

لا لكون

الثلاثة صفات لازمة غالبا في الأوّل [1]، و الثاني في الثانيين [2]، كما قيل «1»، لأنّ المستفاد منها ليس إلّا الظن، إذ المفروض عدم حصول العلم بكونه منيا، و إلّا فيخرج عن المقام، و الظن غير معتبر، إذ لا ينقض يقين الطهارة إلّا بمثله.

بل في الحكم الأوّل [3] للأوّل [4]، لمنطوق الجزء الأوّل من صحيحة علي، المتقدّمة «2»، و في الثاني له [5] للأصل، مضافا إلى منطوق جزئها الثاني في بعض أفراده [6] مع مفهوم الأوّل فيه أيضا، و أمّا مفهومه في غيره و مفهوم الجزء الثاني فلتعارضهما و عدم المرجّح لا اعتبار بهما، فالمرجع في موردهما هو الأصل.

ثمَّ هذه الصحيحة و إن شملت بظاهرها الثاني، أي المريض أيضا، إلّا أنّه اخرج منها، لعدم اعتبار الدفق في المريض بالمعتبرة، فهي مخصصة لها بالصحيح، إذ اشتراط الحكم بكونه منيا بالدفق كما هو صريحها مخصوص به، و بقي المريض كالمرأة تحت الأصل. إلّا أنّه اخرج عن الأصل مع الخروج بالشهوة، و وجب عليه الغسل، لصحيحة ابن أبي يعفور، المتقدّمة «3».

______________________________

[1] يعني الرجل الصحيح.

[2] يعني مقارنة الشهوة في المريض و المرأة.

[3] يعني بالحكم الأوّل وجوب الغسل فيما اشتمل على الصفات الثلاثة.

[4] أي للرجل الصحيح.

[5] أي الحكم الثاني للرجل الصحيح، و هو عدم وجوب الغسل في الفاقد.

[6] أي في بعض أفراد الفاقد و هو الفاقد للشهوة و الفتور، و حاصل المراد أنّ منطوق الجزء الثاني و مفهوم الجزء الأول متوافقان في عدم وجوب الغسل لفاقد الشهوة و الفتور، و أمّا بالنسبة إلى واجد الشهوة و الفتور و فاقد الدفع فيتعارض فيه المفهومان فإنّ مقتضى مفهوم الجزء الأوّل عدم وجوب الغسل فيه بينما أنّ مقتضى مفهوم الجزء الثاني وجوب الغسل.

______________________________

(1)

المعتبر 1: 177، التذكرة 1: 23.

(2) في ص 254.

(3) في ص 253.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 258

و حسنة زرارة: «إذا كنت مريضا فأصابتك شهوة فإنّه ربما كان هو الدافق لكنه يجي ء مجيئا ضعيفا ليست له قوة لمكان مرضك ساعة بعد ساعة قليلا قليلا، فاغتسل منه» «1».

و صحيحة ابن عمار: عن رجل احتلم فلمّا انتبه وجد بللا قليلا، قال:

«ليس بشي ء إلّا أن يكون مريضا فإنّه يضعف فعليه الغسل» «2».

و لا يتوهّم عموم الأخيرة للخالي عن الشهوة أيضا، لأنّ معنى قوله:

«احتلم» أنّه رأى ذلك في المنام قطعا.

و يمكن أن يكون المراد منه ما معه الشهوة، بل هو الظاهر، كما صرّح به والدي- رحمه اللَّه عليه- في اللوامع.

و الشهوة المتحقّقة حينئذ و إن كانت في النوم إلّا أنّها كافية، كما هو صريح صحيحة ابن أبي يعفور. و ذلك بخلاف الدفع و الفترة المعتبرين في الصحيح، للأصل، و اختصاص دليله باليقظة.

و أخرجت المرأة عن الأصل المذكور مع الشهوة في النوم أو اليقظة، و وجب عليها الغسل، لصحيحة ابن سعد، المتقدّمة «3» و ما يتعقّبها من الروايتين بالتقريب المتقدّم من حملهما على المشتبه، أو على العموم و لو من جهة ترك الاستفصال.

ثمَّ مقتضى إطلاق الأخبار فيهما و إن كان كفاية الثاني [1] خاصة، إلّا أنّها يقيّد إطلاقها بمرسلة ابن رباط، المتقدّمة «4»، فإنّها تعارض إطلاقات اعتبار

______________________________

[1] يعني مقارنة الشهوة.

______________________________

(1) الكافي 3: 48 الطهارة ب 31 ح 3، التهذيب 1: 370- 1129، الوسائل 2: 196 أبواب الجنابة ب 8 ح 5.

(2) الكافي 3: 48 الطهارة ب 31 ح 2، التهذيب 1: 368- 1120، الاستبصار 1: 109- 363، الوسائل 2: 194 أبواب الجنابة ب 8 ح 2.

(3) في ص 253.

(4)

في ص 252.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 259

الشهوة بالعموم من وجه، و الأصل مع عدم كفايته و اعتبار الفترة أيضا فيهما، كما صرّح به في المريض في المعتبر و المنتهى «1»، و يظهر اعتبارها في المرأة عن بعضهم.

و أمّا اعتبار الدفق مع الشهوة، كما احتمله في نهاية الإحكام «2»، أو اعتبار الثلاثة فيها، كظاهر النافع [1] ضعيف. كالقول بكفاية الدفق في الرجل الصحيح، كما هو المحكي «3» عن ظاهر نهاية الإحكام و الوسيلة و المبسوط و الاقتصاد و المصباح و مختصره، و الجملين و المقنعة و التبيان و المراسم و الكافي و مجمع البيان و الإصباح و الروض و أحكام الراوندي.

و لعلّه لإطلاق الآية «4» بتوصيف الماء بالدافق.

و ضعفه ظاهر، إذ توصيف بعض أفراد المني- و هو ما يتكوّن منه الإنسان- بالدافق لا يستلزم اتّصاف جميعها به.

و في اعتبار رائحة الطلع، أو العجين رطبا و بياض البيض جافّا، كالتذكرة «5»، و الشهيدين «6»، و الكركي «7» نافيا عنه الخلاف. أو عدمه، كالأكثر، كما في اللوامع، قولان، أقواهما: الأخير، للأصل.

______________________________

[1] المختصر النافع: 7 قال: و لو اشتبه اعتبر بالدفق و فتور البدن. و تكفي في المريض الشهوة.

______________________________

(1) المعتبر 1: 178، المنتهى 1: 79.

(2) نهاية الإحكام 1: 100.

(3) الحاكي هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 78 و راجع نهاية الإحكام 1: 100، الوسيلة:

55، المبسوط 1: 27، الاقتصاد: 224، المصباح: 8، جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 25، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 160، المقنعة: 51، التبيان 10: 324، المراسم:

41، الكافي: 127، مجمع البيان 5: 471، الروض: 49، أحكام الراوندي (فقه القرآن):

32.

(4) الطارق: 6.

(5) التذكرة 1: 23.

(6) الشهيد الأول في الذكرى: 27، و البيان:

53، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 7، و الروض:

49.

(7) جامع المقاصد 1: 255.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 260

فروع:

أ: الخارج من غير الطبيعي لا يوجب الغسل مطلقا، للصحاح الثلاثة لأبي الفضل و زرارة، المتقدّمة في الأحداث الموجبة للوضوء «1»، و المصرّح به في إحداها:

أنّه عليه السلام ليس في بيان ما ينقض الوضوء خاصة حيث ذكر المني أيضا.

و بها يقيّد إطلاق وجوب الغسل بخروج المني، مضافا إلى انصرافه إلى الشائع.

فالقول بالوجوب معه مطلقا، أو مع انسداد الطبيعي، أو مع الاعتياد، أو كون المخرج من الصلب، أو الإحليل أو البيضتين، ضعيف.

و دعوى ظاهر الوفاق عليه في الثاني- كما في المعتمد- غير مقبولة.

و يلزم ممّا ذكرنا: اعتبار خروجه في الخنثى المشكل من الفرجين و لو مع اعتياد أحدهما.

ب: الخارج من فرج المرأة إن علم كونه من الرجل، لم يوجب عليها الغسل، للإجماع، و خبر البصري: في المرأة تغتسل من الجنابة ثمَّ ترى نطفة الرجل بعد ذلك، هل يوجب عليها غسل؟ فقال: «لا» «2».

و كذا إن شك في كونه منه أو منها، بل و لو ظنّ أنه منها، للأصل، و صحيحة منصور «3»، و خبر ابن خالد: عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فيخرج منه شي ء قال: «يعيد الغسل» قلت: فالمرأة يخرج منها شي ء بعد الغسل، قال: «لا تعيد» قلت: فما فرق بينهما؟ قال: «لأنّ ما يخرج من المرأة هو ماء الرجل» «4» أي

______________________________

(1) راجع ص 7، 8.

(2) الكافي 3: 49 الطهارة ب 32 ح 3، التهذيب 1: 146- 413، الوسائل 2: 202 أبواب الجنابة ب 13 ح 3.

(3) التهذيب 1: 148- 421، الوسائل 2: 201 أبواب الجنابة ب 13 ح 2.

(4) الكافي 3: 49

الطهارة ب 32 ح 1، الاستبصار 1: 118- 399، العلل: 287، الوسائل 2:

201 أبواب الجنابة ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 261

يحتمل أن يكون منه، و يجب البناء عليه.

خلافا لظاهر الحلّي حيث أطلق إعادتها الغسل إذا رأت بللا علمت أنه مني «1»، و الظاهر غير ما إذا علم أنه من الرجل. و لنهاية الإحكام حيث ألحق الظنّ بأنه منها بالعلم به «2». و لا وجه لهما.

ج: لا يلزم في المني كونه أبيض، بل قد يكون بلون الدم لكثرة الوقاع، فهو موجب للغسل إذا قطع بكونه منيا، أو اجتمعت فيه الأوصاف.

و احتمال العدم- كنهاية الإحكام- ضعيف، و تعليله عليل.

د: رأيي الاحتلام إن لم يجد البلل لا غسل عليه مطلقا، للأصل، و الإجماع، و حسنة ابن أبي العلاء «3».

و أمّا رواية محمّد: رجل رأى في منامه فوجد اللذة و الشهوة، ثمَّ قام فلم ير في ثوبه شيئا، قال: فقال: «إن كان مريضا فعليه الغسل، و إن كان صحيحا فلا شي ء عليه» «4» فلمخالفتها للإجماع مطروحة أو مؤوّلة.

و إن وجدها فمع تيقّن كونها منيا يغتسل، و مع الاشتباه يرجع إلى الأوصاف.

ه: لو أمسك المني المنتقل عن موضعه عن الخروج، لا يجب عليه الغسل ما لم يخرج. فإن خرج، وجب إن علم أنه المني المنتقل أو غير المنتقل و إن لم تكن معه الأوصاف، و لا يجب إن شك إلّا مع الوصف. و كذا لا يجب الغسل على المرأة

______________________________

(1) السرائر 1: 122.

(2) نهاية الإحكام 1: 100.

(3) الكافي 3: 48 الطهارة ب 31 ح 1، التهذيب 1: 120- 316، الاستبصار 1: 109- 362، الوسائل 2: 196 أبواب الجنابة ب 9 ح 1.

(4) التهذيب 1: 369- 1125،

الاستبصار 1: 110- 366،، الوسائل 2: 195 أبواب الجنابة ب 8 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 262

بإحساسها انفصال المني عن موضعه بالتلذّذ و الفتور ما لم يعلم بخروجه.

و: لو وجد المكلّف منيا في جسده أو ثوبه، يجب عليه الغسل إذا علم أنه منه بالإجماع، لما مرّ «1» من وجوبه بخروجه، و لموثّقتي سماعة، المتقدّمتين «2».

و مقتضى إطلاقهما و إن كان وجوبه على واجده في جسده أو ثوبه و إن احتمل كونه من غيره، لكن تقيّدان بما مرّ، لرواية أبي بصير: عن الرجل يصيب بثوبه منيا و لم يعلم أنه احتلم، قال: «ليغسل ما وجد بثوبه و ليتوضّأ» «3». فإنها خاصة بما إذا لم يعلم أنّه منيّه بالإجماع، فتكون أخصّ منهما فتخصّصان بها.

و لو قطع النظر عن خصوصيتها تتعارضان بالتساوي و يرجع إلى الأصل، و مقتضاه ما ذكرناه أيضا.

و جعلهما أخصّ منها، باعتبار تقييدهما بكون الوجدان بعد الانتباه من النوم و إطلاقها من هذه الجهة، و لازمه تقييدها بذلك، باطل، إذ لم تقيّد الموثّقتان إلّا بالوجدان بعد الانتباه مطلقا، سواء كان مع فاصلة مدّة أو لا، و الوجدان في الرواية أيضا يكون بعد نوم لا محالة، بل في قوله: «و لم يعلم أنه احتلم» دلالة على ذلك، و إلّا علم أنّه لم يحتلم فتتساويان.

و لو سلّم تقييدهما بذلك دونها، فتتعارضان بالعموم من وجه، لما ذكرنا من اختصاصها بغير العالم، فيرجع إلى الأصل أيضا.

و حمل قوله: «و ليتوضّأ» فيها على الغسل خلاف الأصل.

و إثباته بعدم وجوب الوضوء قطعا، مردود: بأنّه إن أريد عدم وجوبه مطلقا فممنوع، لجواز كونه محدثا بنوم أو غيره، فيكون المعنى: و ليتوضّأ إن كان محدثا

______________________________

(1) في ص 252، 253.

(2) في

ص 253.

(3) التهذيب 1: 367- 1117، الاستبصار 1: 111- 369، الوسائل 2: 198 أبواب الجنابة ب 10 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 263

بالحدث الأصغر.

و إن أريد عدم القطع بوجوبه، فالغسل أيضا كذلك، لجواز أن يكون قد اغتسل للجنابة بعد الانتباه بالمباشرة أو للجمعة أو غيره على التداخل، فلا بدّ من التقييد بقوله: إن لم يكن اغتسل أيضا.

و من هذا يظهر ضعف القول بوجوب الغسل بالوجدان في الثوب المختص، في صورة كونه بعد الانتباه مطلقا، كبعض المتأخّرين «1»، أو قبل القيام من موضعه، كالنهاية «2».

و دعوى القطع بكونه منه حينئذ بشهادة الحال مطلقا «3» ممنوعة، و في الجملة بهذه الصورة غير مخصوصة.

كما يظهر ضعف القول بوجوبه بوجدانه في المختص مطلقا، كما هو ظاهر جماعة منهم: الشيخ «4»، و الحلّي «5»، و الفاضلان «6»، و الشهيد «7»، و غيرهم «8»، و في التذكرة الإجماع عليه.

و تخصيص الرواية بالثوب المشترك لا دليل عليه، و الإجماع المدّعى في التذكرة غير مسموع، مع أنّ منهم من فسّر المختص بما لم يحتمل أن يكون ما فيه من غيره، فيمكن أن يكون ذلك مرادهم، فيرجع إلى ما ذكرناه «9»، و لا يكون فرق

______________________________

(1) الرياض 1: 29.

(2) النهاية: 20.

(3) كما في الرياض 1: 29.

(4) المبسوط 1: 28، الاستبصار 1: 111.

(5) السرائر 1: 115.

(6) المحقق في المعتبر 1: 179، و الشرائع 1: 26، و العلامة في المنتهى 1: 80، و القواعد 1: 13، التذكرة 1: 23.

(7) الذكرى: 27، البيان: 54، الدروس 1: 95.

(8) جامع المقاصد 1: 258.

(9) في ص 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 264

بين المختص بالمعنى المفهوم منه و المشترك.

ثمَّ المراد من العلم بكون المني منه أعمّ من

العلم الحاصل بالدليل الشرعي. و يلزمه أنه لو احتمل كون المني سابقا على غسل رافع معيّن زمانه يجب الغسل أيضا، لأصالة تأخّر الحادث. و أمّا أصالة الطهارة و عدم وجوب الغسل فلا تعارضان أصل التأخّر، لكونه مزيلا لهما دون العكس، كما بيّنا تحقيقه في الأصول.

نعم، لو لم يعلم زمان الغسل و احتمل تأخّره عن آخر زمان احتمال إصابة المني، يتعارض أصل تأخّره مع ما مرّ، فيتساقطان و يرجع إلى الأصلين [1].

و كذا يلزمه وجوب الغسل على ذي النوبة لو كان الثوب ممّا يتناوبه شريكان إذا أصابه و لم يحتمل وصوله في نوبته من غيره، و إن احتمل سبقه على النوبة، وفاقا للكركي «1»، و الدروس، و الروض، و المسالك «2»، للأصل المذكور. و خلافا لظاهر جماعة و صريح اخرى «3»، لمعارضة الأصلين المتقدّمين، المندفعين بالأصل المذكور، لما مرّ.

و يحكم بجنابة من ذكرنا وجوب الغسل عليه من الوجدان في ثوبه و ذي النوبة، من آخر أوقات إمكانه، على الأشهر الأظهر، للأصل و الاستصحاب.

فيعيد ما له إعادة من المشروطات بالطهارة ما تأخّر عنه إلى زمان الوجدان، أو تحقّق طهارة رافعة.

و في المبسوط حكم بوجوب قضاء كلّ صلاة صلّاها بعد آخر غسل رافع «4».

هذا بالنسبة إلى الحدث. و أمّا الخبث فيبنى على مسألة الجاهل به من إعادته

______________________________

[1] يعني أصالة الطهارة و أصالة عدم وجوب الغسل.

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 258.

(2) الدروس 1: 95، الروض: 49، المسالك 1: 7.

(3) ظاهر المبسوط 1: 28، و التحرير 1: 12، و صريح المدارك 1: 269، و الحدائق 3: 24.

(4) المبسوط 1: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 265

مطلقا، أو في الوقت، أو عدمها مطلقا.

و في المبسوط حكم باستحباب إعادة كلّ صلاة صلّاها

من أول نومة نامها في ذلك الثوب، و وجوبها من آخر نومة نامها فيه، ثمَّ قوّى عدم وجوب إعادة شي ء ممّا خرج وقته «1».

و نسب في المدارك إلى المبسوط: الرجوع عن حكم الحدث إلى القول المشهور «2». و هو منه غفلة.

ز: لو وجد المني في ثوب بين شخصين مجتمعين فيه في زمان واحد، كفراش أو لحاف، و لم يعلم خروجه من واحد معيّن منهما، لا يجب الغسل على أحد منهما، و يجوز لهما أن يفعلا ما يفعله الطاهر، وفاقا فيما لا تتوقّف صحته من أحدهما عليها من الآخر توقّف ابتناء أو معيّة، للأصل، كالصلاة و دخولهما المسجد و قراءة العزائم.

و على الأصح فيما له أحد التوقّفين، كائتمام أحدهما بالآخر، و صيرورتهما عدد الجمعة، و كذا في ائتمام واحد بهما في صلاتين أو صلاة، و حمل أحدهما الآخر إلى المسجد، وفاقا للتذكرة و المنتهى و التحرير و نهاية الإحكام و المدارك «3» و اللوامع و المعتمد، بل معظم الثالثة، كما في الأخيرين، للأصل، و عدم مانع سوى العلم بخروج المني من واحد منهما غير معيّن، و هو غير صالح للمنع، إذ لم يترتّب بالأخبار حكم عليه سوى وجوب الغسل المنتفي هنا إجماعا، و لا بالإجماع حكم يفيد في محل النزاع.

فإن قلت: الجنابة و المحدثية أمران مترتّبان على خروج المني و قد تعلّق بهما أحكام كثيرة، و لازمه ثبوتها للجنب و المحدث مطلقا، معيّنا كان أو غير معيّن.

______________________________

(1) المبسوط 1: 28.

(2) المدارك 1: 270.

(3) التذكرة 1: 23، المنتهى 1: 81، التحرير 1: 13، نهاية الإحكام 1: 101، المدارك 1: 270.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 266

قلنا: لا نعلم من الجنابة و المحدثية إلّا حالة شرعية حاصلة

بعد خروج المني، و المراد بالحالة الشرعية الوصف الجعلي من الشارع، و هو كونه بحيث تتعلّق به أمور شرعية، و بعد منع تعلّقها بغير المعيّن لا نسلّم كونه جنبا و محدثا.

سلّمنا أنّ الجنابة و المحدثية أمران واقعيان مترتّبان على خروج المني مطلقا، يعني أنهما حالتان غير كون الشخص مورد الأحكام الشرعية، و لازمه كون واحد معيّن منهما واقعا غير معيّن عندنا جنبا و محدثا، و لكنه لا يضرّ إلّا فيما علم فيه وجود الواحد لا بعينه من الفردين، و كونه منشأ للأثر الشرعي من المانعيّة أو السببية أو غيرهما، كما فيما إذا اشتبه ماء طاهر مع نجس، فكلّ منهما بخصوصه و إن لم يكن نجسا، و لكن واحد غير معيّن منهما نجس، فإذا وقعا معا على ماء قليل فبوقوعهما معا فيه يعلم وقوع الواحد لا بعينه الذي هو معلوم النجاسة فيه، لعدم خروجه عنهما، و لأجله ينجس الماء القليل، لصدق وقوع النجس و هو واحد غير معيّن منهما فيه و إن لم ينجس لخصوصية كلّ منهما.

و توضيحه: أنّ ها هنا ثلاثة أمور: هذا بخصوصه، و هذا بخصوصه، و واحد لا بعينه منهما، و حال كلّ منهما بخصوصه واقعا غير معلوم، و ظاهرا هو ما يوافق الأصل. و أما الواحد لا بعينه فخارج عن الأصل واقعا يقينا، و ظاهرا، ففي المثال يقال: إنه نجس واقعا فكذا ظاهرا، لتبعية الظاهر للواقع بعد معلوميته.

فكلّ مورد لم يعلم تحقّق الواحد لا بعينه لا يتحقّق الحكم المخالف للأصل، كما إذا وقع أحد الماءين في قليل.

و كذا إذا علم تحقّقه و لكن من غير اجتماع في مورد واحد، كما إذا وقع أحدهما في قليل و آخر في آخر، أو علم تحقّقه

في مورد واحد و لم يكن مؤثّرا، و ذلك كما في اجتماع الشريكين المذكورين في صلاة الجمعة، فإنه قد تحقّق فيها هذا بخصوصه الذي ليس جنبا ظاهرا، و هذا بخصوصه الذي أيضا كذلك، و الواحد الغير المعيّن الذي هو جنب، و لكن بانضمام الخصوصيّين اللذين ليسا بجنبين قد تمَّ عدد الجمعة فانعقدت، غاية الأمر تحقّق الواحد الغير المعيّن أيضا، و وجوده

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 267

بعد تمام عدد الجمعة بغير الجنب الشرعي، و هو هذا بخصوصه و هذا بخصوصه، و الثالثة الأخرى لا تؤثّر في شي ء.

و كذا في سائر أمثلة المقام، فإنّ صلاة هذا بخصوصه، الصحيحة مرتبطة من جهة الائتمام بصلاة هذا بخصوصه، الصحيحة أيضا، فتكون صحيحة، غاية الأمر كون الواحد غير معيّن منهما جنبا، و هو غير مؤثّر في إبطال الخصوصيات، و ليس أمر آخر يؤثّر وجوده فيه.

و ذلك بخلاف الماءين الواقعين في قليل، فإنّه و إن لم ينجس بوقوع هذا بخصوصه و ذلك بخصوصه، و لكن بوقوعهما وقع واحد لا بعينه الذي هو نجس فيه أيضا، فيصدق لأجله وقوع النجس [1] فيه، فينجس لذلك لا للخصوصيات.

و الحاصل: أنه إذا تحقّق الواحد لا بعينه في مورد بتحقّقهما فيه، و ثبتت مانعيّته لأمر لازم في المورد، أو سببيته لأمر مضرّ فيه، يكون تحقّقه مضرا، كما في مثال الماء، لا في غيره كما في مثال ما نحن فيه.

فإن قلت: كما أنّ باجتماع الشخصين يتحقّق الواحد لا بعينه الذي هو جنب، فكذا تتحقّق باجتماع الصلاتين صلاة لا بعينها باطلة، فتكون إحداهما لا بعينها باطلة.

قلنا: إنّ بعد صحة كلّ منهما بخصوصها لا يضرّ وجود الغير المعيّنة الباطلة، مع أنّا نمنع تحقّقها هنا، لأنّه إنّما هو في

الأمور الغير المتوقّفة على جعل الشارع، أو ما ثبت فيه جعله على الإطلاق، و أمّا البطلان فليس هو إلّا مخالفة المأمور به، فتحقّقه فرع تحقّق الأمر، و ليس هنا أمر إلّا بكلّ بخصوصه، و صلاته صحيحة، و ليس هنا أمر آخر، فلم تتحقّق صلاة باطلة، و من ذلك يعلم وجه آخر لما اخترناه في المورد.

______________________________

[1] في «ه»: المنجس.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 268

خلافا للمحقّقين «1»، و الشهيدين «2»، للقطع بجنابة أحدهما. و جوابه ظهر ممّا مرّ.

و الظاهر- كما في المبسوط و المعتبر «3» و الإصباح و المنتهى و التذكرة و الدروس و النفلية «4»- استحباب الغسل لكلّ من الشريكين، لفتوى هؤلاء الأجلّة، و الاحتياط، منضمّا إلى ما في السنن من التسامح في الأدلّة.

الأمر الثاني: إدخال الذكر في القبل.
اشاره

و إيجابه للغسل مجمع عليه، و النصوص مصرّحة به، كصحيحتي محمّد و ابن سرحان:

الأولى: متى يجب الغسل على الرجل و المرأة؟ فقال: «إذا أدخله فقد وجب الغسل و المهر و الرجم» «5».

و في الثانية: «إذا أولجه فقد وجب الغسل و الجلد و الرجم و وجب المهر كلّا» «6».

و لا يتوقّف الوجوب على إدخال الجميع، بل يكفي التقاء الختانين بالإجماع و المستفيضة، كصحيحة البختري: «إذا التقى الختانان وجب المهر و العدّة و الغسل» «7».

و صحيحة علي بن يقطين: عن الرجل يصيب الجارية البكر لا يفضي إليها

______________________________

(1) المحقق الأول في المعتبر 1: 179، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 259.

(2) الشهيد الأول في البيان: 54، و الدروس 1: 95، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 7، و الروض:

49.

(3) المبسوط 1: 28، المعتبر 1: 179.

(4) المنتهى 1: 80، التذكرة 1: 23، الدروس 1: 95، النفلية: 90.

(5) الكافي 3: 46 الطهارة ب 30

ح 1، التهذيب 1: 118- 309، الاستبصار 1: 108- 358، الوسائل 2: 182 أبواب الجنابة ب 6 ح 1.

(6) الكافي 6: 109 الطلاق ب 41 ح 3، الوسائل 21: 320 أبواب المهور ب 54 ح 5.

(7) الكافي 6: 109 الطلاق ب 41 ح 2، الوسائل 21: 319 أبواب المهور ب 54 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 269

و لم ينزل، أ عليها غسل؟ و إن كانت ليس ببكر ثمَّ أصابها و لم يفض إليها أ عليها غسل؟ قال: «إذا وقع الختان على الختان قد وجب الغسل» «1» و قريبة منها صحيحة الحلبي «2».

و في صحيحة زرارة، الواردة في قضية الأصحاب: «أ توجبون عليه الجلد و الرجم و لا توجبون عليه صاعا من ماء؟ إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل» «3».

و يعلم التقاء الختانين بغيبوبة الحشفة إجماعا، لصحيحة محمّد بن إسماعيل: فيمن يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان، متى يجب الغسل؟ قال:

«إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل» فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟

قال: «نعم» «4».

و لا ينافيه ما في صحيحة ابن يقطين، المتقدّمة، لجواز أن يكون قوله: «إذا وقع ..» بيانا لمطلق الحكم، فيلزمه عدم الغسل في المسؤول عنه. مع أنّ غيبوبة الحشفة لا تستلزم الإفضاء.

و لا ما في السرائر عن النوادر: «يجب عليهما الغسل حين يدخله، و إذا التقى الختانان فيغسلان فرجهما» «5»، لجواز عطف قوله: «و إذا التقى» على قوله:

«حين يدخله». و لو سلّم التنافي، فتخرج عن الحجية بالشذوذ و مخالفة الإجماع.

و بمفهوم تلك الأخبار يقيّد إطلاق الأوليين المقتضي لوجوب الغسل بدخول الأقلّ من ذلك، حيث إنّ صدق دخول الشي ء لا يتوقّف على دخول

______________________________

(1) الكافي 3: 46 الطهارة ب 30 ح

3، التهذيب 1: 118- 312، الاستبصار 1: 109- 360، (بتفاوت يسير)، الوسائل 2: 183 أبواب الجنابة ب 6 ح 3.

(2) الفقيه 1: 47- 184، الوسائل 2: 183 أبواب الجنابة ب 6 ح 4.

(3) التهذيب 1: 119- 314، الوسائل 2: 184 أبواب الجنابة ب 6 ح 5.

(4) الكافي 3: 46 الطهارة ب 30 ح 2، التهذيب 1: 118- 311، الاستبصار 1: 108- 359، الوسائل 2: 183 أبواب الجنابة ب 6 ح 2.

(5) مستطرفات السرائر: 104- 42، الوسائل 2: 185 أبواب الجنابة ب 6 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 270

جميعه، بل يصدق على دخول جزء منه أيضا، كما في قولك: أدخلت إصبعي في الجحر.

و كون الذكر- الذي هو مرجع الضمير- اسما للمجموع غير ضائر، إذ لا يلزم اتّحاد المعنى التركيبي مع الأفرادي.

فلا يجب الغسل بدخول الأقلّ من ذلك و لو من مقطوع الحشفة أو المخلوق بلا حشفة، لصدق عدم التقاء الختانين و عدم غيبوبة الحشفة.

خلافا لما احتمل بعضهم «1» من الاكتفاء فيهما بالمسمّى، عملا بالإطلاق.

و هو حسن لو لا المفاهيم المقيّدة له، مع أنّ المطلق ينصرف إلى الغالب، و لكنهما يمنعان عن العمل به. بل مقتضاهما: عدم وجوب الغسل عليهما بالإدخال مطلقا، إلّا أنّ ظاهر الأصحاب إلحاق قدر الحشفة منهما بها. فلو ثبت عليه الإجماع، و إلّا فالحكم به مشكل جدّا.

و الحق- في المشهور- بالقبل، الدبر مطلقا، من الأنثى كان أو الذكر، بل نقل عليه السيد بل الحلّي «2» ظاهرا إجماع المسلمين، بل ادّعى الأول عليه الضرورة من الدين، مع فحوى صحيحة زرارة، المتقدّمة «3»، و مطلقات وجوبه بالإدخال، و بالتقاء الختانين المفسّر في الصحيحة «4»: بغيبوبة الحشفة، المتحقّقة ها هنا، و المروي عن

أمير المؤمنين عليه السلام: «ما أوجب الحدّ أوجب الغسل» [1].

______________________________

[1] لم نعثر على المتن المذكور، و قد يستفاد مضمونه ممّا ورد في الفقيه 1: 47- 184، الوسائل 2:

183، أبواب الجنابة ب 6 ح 4، أو من صحيحة زرارة المتقدمة ص 269 رقم 3. و سيشير إليه المصنف في ص 273.

______________________________

(1) المدارك 1: 272.

(2) السرائر 1: 108، و نقله عن السيد في المختلف: 31.

(3) في ص 269 رقم 3.

(4) المتقدمة في ص 269 رقم 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 271

مضافا في الأوّل، إلى إيجابه في قوله سبحانه أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ 4: 43 «1» بمطلق الملامسة الشاملة للمطلوب بنفسها و المفسّرة في صحيحة أبي مريم، و فيها:

«و ما يعني بهذا- أو لامستم النساء- إلّا المواقعة في الفرج» «2»: بالمواقعة في الفرج الشامل للدبر لغة و عرفا، أو المحتمل شموله له الكافي في المقام، لعدم تقيد الملامسة المطلقة إلّا بما علمت تقييدها به. و في أخبار أخر: بالإدخال أو المباشرة [1] الشاملين له أيضا.

و إلى مرسلة حفص: عن رجل يأتي أهله من خلفها، قال: «هو أحد المأتيين، فيه الغسل» «3».

و في الثاني، إلى الإجماع المركّب المحقّق، و المحكي عن السيّد «4»، و حسنة الحضرمي: «من جامع غلاما جاء جنبا يوم القيامة لا ينقيه ماء الدنيا» «5».

و يضعف الأوّل من أدلّتهما [2]: بعدم الحجية.

و الثاني «6»: بعدم الدلالة، لأنّه عليه السلام، لم يرتّب وجوب الغسل على وجوب الحد حتى يتم، بل إيجابهم الغسل على إيجابهم الحد، فدلّ كلامه عليه السلام، بالتنبيه على أنّ إيجابهم الحد علّة لإيجابهم الغسل، و هو كذلك: لأنّهم

______________________________

[1] لم نعثر على خبر فسّرت فيه الملامسة بالإدخال أو المباشرة. نعم قد فسّرت في بعض

الأخبار بالجماع أو الوقاع، انظر الوسائل 1: 273 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 11 إلى 14.

[2] و هو الإجماع الذي نقله عن السيد.

______________________________

(1) النساء: 43، المائدة: 6.

(2) التهذيب 1: 22- 55 و فيه: «إلّا المواقعة دون الفرج»، الاستبصار 1: 87- 278، الوسائل 1:

271 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 4.

(3) التهذيب 7: 414- 1658، الاستبصار 1: 112- 373، الوسائل 2: 200 أبواب الجنابة ب 12 ح 1.

(4) مر في ص 270.

(5) الكافي 5: 544 النكاح ب 93 ح 2، الوسائل 20: 329 أبواب النكاح المحرم ب 17 ح 1.

(6) هي صحيحة زرارة المتقدمة في 269.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 272

أرباب القياس، و كانوا به يعملون، و عليه يعتمدون، فيلزمهم إيجابهم الغسل بعد إيجابهم الحدّ، و لا دلالة له على عليّة مطلق وجوبه لوجوبه، و بذلك يندفع ما استشكل على الرواية من تمسّكه عليه السلام بالقياس.

و الثالث [1]- مع عدم جريانه في الثاني، للحكم بوجوب المهر و الرجم أيضا في أخبار مطلق الإدخال-: بأنّ جعل الإدخال فيه بالنسبة إلى المدخول فيه مطلقا باقيا على حقيقته اللغوية يوجب خروج الأكثر بالتقييد، بل عدم بقاء غير المأتيين من أفراده الغير المحصورة، و مثله غير جائز قطعا، فلا محيص عن جعله مجازا عن إدخال خاص، و دخول الإدخال في الدبر في معناه المجازي المراد غير معلوم جدّا، سيما مع انصراف المطلق إلى الشائع، و الوطء في الدبر، الخالي عن الإنزال من الأفراد النادرة.

و القول «1» بإرادة الغيبوبة في الدبر خاصة منها في الصحيحة «2» بقرينة صدرها، حيث إنّه ليس قريب الفرج ما يصلح لها إلّا الدبر، مردود: بأنّه لا دلالة فيها على تحقّق الالتقاء في المجامعة

قريب الفرج، بل حكم عليه السلام بأنّ الغسل في الالتقاء، ليعلم السائل أنّه لا غسل فيما سئل عنه. مع أنّه صحة هذا القول إنما هي على اختصاص إطلاق الفرج بالقبل، مع أنّ هذا القائل يعمّمه ليتمّم بعض أدلّته الأخر.

هذا كلّه، مع أنّه على فرض تسليم الإطلاق يقيّد البتة بأخبار التقاء الختانين الغير المتحقّق هنا، لانحصاره حقيقة بالوطء في القبل.

و حمل مطلق غيبوبة الحشفة عليه و تفسيره بها لا يثبت التعميم، إذ ارتكاب التجوّز في الموضوع و المفسّر ليس بأولى من ارتكاب التجوّز أو التخصيص في

______________________________

[1] و هو مطلقات وجوبه بالإدخال.

______________________________

(1) قال به البهائي في الحبل المتين: 38.

(2) يعني صحيحة محمّد بن إسماعيل المتقدمة ص 269.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 273

المحمول و المفسّر.

و عدم تحقّق الالتقاء الحقيقي في القبل أيضا- لتغاير مدخل الذكر مع موضع الختان- غير ثابت. و لو سلّم، فلا يمنع من صدق الالتقاء العرفي حقيقة.

مع أنّ إدراج الغيبوبة المفسّرة له في المطلقات يوجب خروج الأكثر أيضا.

و منه يعلم وجه ضعف الرابع [1].

و الخامس «1»: بعدم ثبوت الرواية و عدم نقلها في شي ء من الكتب، و لعلّه هو نقل فحوى قوله في صحيحة زرارة، فتوهّم أنه رواية. مع أنّه لو صحّ، لم يجز جعله من باب العموم، لما مرّ من إيجابه خروج الأكثر، و لو جعل منه أيضا، لوجب تقييده بما مرّ من أخبار الالتقاء.

و الأوّل من دليلي الأوّل [2]: بأنّ ملامسة النساء و إن كان مطلقا و كذا الجماع و المباشرة اللذين فسّرت بهما، و لكن تفسيرها في الصحيحة: بمواقعة الفرج تخصيصها مع تفسيريها، فالمراد بملامسة النساء هو مواقعة الفرج. و الفرج و إن كان بحسب اللغة شاملا للدبر، إلّا أنه

غير ممكن الإرادة هنا، لاستلزامه خروج الأكثر.

فالمراد به إمّا معناه المجازي، فيمكن أن يكون هو القبل خاصة، أو العرفي.

و صدقه على غيره أيضا غير معلوم، بل صرّح بعض اللغويين بأنه في العرف يطلق على القبل في الأكثر «2».

______________________________

[1] و هو مطلقات وجوب الغسل بالتقاء الختانين.

[2] أي يضعّف الدليل الأوّل على الحكم الأوّل و هو إيجاب الوطء في دبر المرأة للغسل، و تقدم الدليل الأوّل ص 271 رقم 1.

______________________________

(1) و هو المروي عن أمير المؤمنين المتقدم في ص 270 رقم 5.

(2) كما في المصباح المنير: 466.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 274

و جعل الملامسة من قبيل المطلق حتى يدخل فيه ما لم يعلم خروجه يوجب أيضا خروج الأكثر. فصدق شي ء من تلك المعاني على ما يشمل المورد غير معلوم، مع أنّ المطلق أيضا ينصرف إلى الشائع.

و الثاني منهما: بعدم دلالته على الوجوب بوجه من الوجوه.

و الأوّل من دليلي الثاني [1]: بعدم ثبوته في القبل أولا، و عدم ثبوت المحقّق من المركّب، و عدم حجية المنقول ثانيا.

و الثاني منهما «1»: بعدم دلالة كونه جنبا يوم القيامة على جنابته في الدنيا، فمن المحتمل أن يكون ذلك العمل موجبا للجنابة الأخروية التي هي حالة غير الجنابة الدنيوية قطعا.

و أمّا عدم نقائه بماء الدنيا فلا يدل على جنابته فيها، إذ من الجائز أن يكون المراد أنّه تحصل له بهذا العمل خباثة باطنية موجبة للجنابة الأخروية غير مرتفعة بماء الدنيا. أو يكون المراد بماء الدنيا جميع المياه الدنيوية، و يكون المعنى: جاء يوم القيامة جنبا و كان بحيث لو غسل يوم القيامة بجميع ماء الدنيا لم يحصل له النقاء.

خلافا في الأوّل لطائفة من الطبقة الثالثة، كالكفاية و المفاتيح و المدارك

و البحار «2»، و الفاضل الهندي «3» و المحقق الخوانساري «4»، و الحدائق «5»، فتردّدوا في وجوب الغسل و عدمه، و إن كان الأخير إلى الأخير كالأوّلين إلى الأوّل أميل،

______________________________

[1] أي يضعف الدليل الأول- و هو الإجماع- على الحكم الثاني و هو إيجاب الوطء في دبر الذكر للغسل.

______________________________

(1) و هو حسنة الحضرمي المتقدمة ص 271.

(2) الكفاية: 3، المفاتيح 1: 53، المدارك 1: 274، البحار 78: 60.

(3) كشف اللثام 1: 78.

(4) مشارق الشموس: 161.

(5) الحدائق 3: 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 275

و هو [1] محكي [2] عن المبسوط مطلقا كبعضهم [3]، أو عن موضع منه كآخر [4]، لمعارضة ما تمّت دلالته على الوجوب عندهم بما مرّ مع ما يأتي.

و للشيخ في الاستبصار و النهاية «1»، و الديلمي «2»، و بعض متقدّمي أصحابنا- نقله عنه الشيخ في الحائريات «3»- و حكاه السيّد «4» عن بعض الشيعة، و نسبه في الحدائق «5» إلى ظاهر الكليني و الصدوق، فنفوا وجوب الغسل فيه صريحا.

و هو الأقوى، للأصل المنضمّ مع ما عرفت من ضعف أدلّة الوجوب.

مع أنّه لو سلّمت دلالتها كلّا أو بعضا فهي أعم مطلقا من مرفوعة البرقي:

«إذا أتى الرجل المرأة في دبرها فلم ينزل فلا غسل عليهما، و إن أنزل فعليه الغسل و لا غسل عليها» «6».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    275     الأمر الثاني: إدخال الذكر في القبل. ..... ص : 268

الخاص مقدم على العام سيما مع موافقة العام للعامة- كما صرّح به في

______________________________

[1] أي التردد.

[2] في «ق»: المحكي.

[3] أي كما حكاه بعضهم عن المبسوط، و هو كاشف اللثام و المحقق الخوانساري.

[4] كما نقله في مفتاح الكرامة 1: 307 عن طهارة المبسوط، راجع

المبسوط كتاب الطهارة 1: 27، فذكر أنّ فيه روايتين، و لم يرجّح شيئا، و حكم في كتاب النكاح 4: 242، بوجوب الغسل، و في كتاب الصوم 1: 270، جعل الجماع في دبر المرأة من نواقض الصوم ثمَّ قال: و قد روي أنّ الوطء في الدبر لا يوجب نقض الصوم إلّا إذا أنزل معه و انّ المفعول به لا ينتقض صومه بحال، و الأحوط.

الأول.

______________________________

(1) الاستبصار 1: 112، النهاية: 19.

(2) نسبه العلامة في المختلف: 30 الى ظاهر الديلمي، و قد يستفاد من المراسم: 41.

(3) المسائل الحائرية (الرسائل العشر): 286.

(4) كما في المختلف: 31.

(5) الحدائق 3: 5، و ذكر في وجه النسبة أنّهما رويا الرواية الدالة على عدم وجوب الغسل.

(6) الكافي 3: 47 الطهارة ب 31 ح 8، التهذيب 1: 125- 336، الاستبصار 1: 112- 371، الوسائل 2: 200 أبواب الجنابة ب 12 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 276

الاستبصار «1» و يدل عليه كلام السيّد- و تأيّده [1] بصحيحة الحلبي: عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج أ عليها غسل إن أنزل هو و لم تنزل هي؟ قال: «ليس عليها غسل، و إن لم ينزل هو فليس عليه غسل» «2»، فإنّ الظاهر من الفرج هو القبل، فيعم ما دونه الدبر أيضا، بل يشعر به لفظ «الإصابة» أيضا، و بما يأتي من الأخبار النافية للغسل عن المرأة «3».

و عزل هذا الخاص عن مقاومة العام لشذوذه، حيث إنّه لا يعلم العامل به إلّا الديلمي، و الشيخ المفتي بخلافه في باقي كتبه، و أما الصدوق و الكليني، فهما لم يصرّحا بعدم الوجوب و إن أوردا حديثه، و هو لا يدلّ عليه و إن صرّحا بعدم إيرادهما إلّا ما

يفتيان بصحته، مردود: بأنّ الشذوذ لا يحصل بعدم العلم بالعامل، بل بالعلم بعدم العامل، فعدم العلم بمخالفة الصدوق و الكليني كاف في المقام، سيما مع أنّ الظاهر موافقتهما لما مرّ، مع أنّ العامل غير منحصر بهم، لنقل الشيخ و السيد عن بعض الأصحاب أيضا.

و جعل الخبر الموافق لعمل ثلاثة بل خمسة من القدماء- مع احتمال عمل بعض آخر لم نعلمه، و عدم مخالفة طائفة جمّة من المتأخّرين له- شاذا، عجيب غايته.

هذا، مضافا إلى أنّ أدلّة الوجوب لو تمّت، لتعارضت مع مفهوم أخبار الالتقاء المتلقّاة بالقبول عند الجميع بالعموم من وجه، فلو لا ترجيح المفهوم بمخالفة العامة، لوجب الرجوع إلى الأصل.

______________________________

[1] مصدر معطوف على قوله: موافقة ..، و الضمير راجع إلى الخاص.

______________________________

(1) الاستبصار 1: 112.

(2) الفقيه 1: 47- 185، التهذيب 1: 124- 335، الاستبصار 1: 111- 370، الوسائل 2:

199 أبواب الجنابة ب 11 ح 1.

(3) في ص 278.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 277

و دعوى شمول أخبار الالتقاء للمورد ضعيف كما مر «1».

و خلافا لمن سبق بصنفيه [1] في الثاني [2]، مضافا إلى المحقّق في النافع و الشرائع، فتردّد «2»، و المعتبر «3» و الأردبيلي «4» فنفيا الوجوب صريحا.

و هو الحق، لما مرّ من الأصل، مضافا إلى مفهوم أخبار الالتقاء المعارض مع ما مرّ- لو دلّ- بالعموم من وجه، الموجب للرجوع إلى الأصل أيضا.

مع أنّ بعد انتفاء الوجوب في الأوّل بالخبر الخاص يثبت هنا أيضا بالإجماع المركّب الذي ادّعوه، بل لعلّ ثبوته هنا أشدّ و أظهر.

و قد ظهر مما مرّ عدم وجوب الغسل بوطء البهيمة بدون الإنزال إدخالا و استدخالا، كما هو الأشهر على ما صرّح به جمع ممّن تأخّر «5». خلافا لجماعة «6»، بل

نسبه في اللوامع إلى الشهرة، فأوجبوا الغسل لبعض ما مرّ مع جوابه.

فروع:

أ: المفعول به إن كان امرأة موطوءة في قبلها يجب عليها الغسل و إن لم ينزل إجماعا، بل ضرورة، و هو الحجة فيه، مضافا إلى صحيحة محمّد، المتقدّمة «7».

و لا يجب إن كان غيرها سواء كان امرأة موطوءة في دبرها أو غلاما كذلك و إن أنزل الفاعل، للأصل الخالي عن معارضة أكثر ما تقدّم- لو قلنا بمعارضة له في الفاعل- لاختصاص طائفة منه بالفاعل و إجمال طائفة أخرى، و هي ما تضمّن

______________________________

[1] في ص 274 ممن تردد في وجوب الغسل بالوطء في دبر المرأة، و من جزم بعدم وجوب الغسل.

[2] يعني: الوطء في دبر الغلام.

______________________________

(1) في ص 272.

(2) المختصر النافع: 8، الشرائع 1: 26.

(3) المعتبر 1: 181.

(4) مجمع الفائدة 1: 133.

(5) نسبه إلى الأكثر في المدارك 1: 276، و إلى المشهور في الحدائق 3: 12.

(6) منهم العلامة في المختلف: 31، و الشهيد في الذكرى: 27، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 7.

(7) في ص 268.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 278

قوله: «وجب الغسل».

مضافا في المرأة إلى مرفوعة بعض الكوفيين: في الرجل يأتي المرأة في دبرها و هي صائمة قال: «لا ينقض صومها و ليس عليها غسل» «1».

و مرسلة ابن الحكم: «إذا أتى الرجل المرأة في الدبر و هي صائمة لم ينقض صومها و ليس عليها غسل» «2».

و منه يظهر عدم وجوب الغسل على المرأة لو قلنا بوجوبه على الفاعل أيضا، و لذا فرّق بينهما بعض المتأخّرين، فلم يوجب الغسل عليها مع ميله إلى وجوبه عليه «3»، و الفاضل في المنتهى و القواعد، فتردّد فيها مع قوله بوجوبه عليه «4».

ب: وطء الميت كالحي

أو استدخال آلته يوجب الغسل على الحي، على المعروف منهم، للاستصحاب و ظواهر الالتقاء.

و القول بتغيّر الموضوع، فلا يجري الاستصحاب، ضعيف، لعدم تغيّره أصلا، فإن مسّ ختان فلانة أو المواقعة في فرج فلانة كانت موجبة للغسل، و لم يتغير شي ء منها، و إن تغيّرت حياتها و لم يعلم تقييد الموضوع بالحياة.

و لا يجب تغسيل الميت في شي ء من الحالين، للأصل، و عدم معلومية إرادة الأغسال من الغسل، و عدم دليل على وجوب الأغسال فيما تعذّر الغسل.

ج: النائم كالمستيقظ فاعلا و قابلا، بالإجماع على الظاهر، و هو الحجة فيه، و عموم كثير من الأدلّة.

قيل: علّق فيها وجوب الغسل بتحقّق الإدخال، أو الالتقاء، أو نحوهما، و تحقّق الوجوب حينئذ في حق النائم لا معنى له، لعدم تعلّق التكليف به، و التعلّق بعده يحتاج إلى دليل.

______________________________

(1) التهذيب 4: 319- 975، الوسائل 2: 200 أبواب الجنابة ب 12 ح 3.

(2) التهذيب 4: 319- 977، الوسائل 2: 200 أبواب الجنابة ب 12 ذ ح 3.

(3) المفاتيح 1: 53.

(4) المنتهى 1: 81، القواعد 1: 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 279

قلنا: علّق على الإدخال وجوب الغسل غيرا، و هو لا ينافي تعلّقه بالنائم، كما يأتي بيانه في الفرع السادس.

و لا بدّ في وجوب الغسل عليه من العلم بالوقوع، فمجرّد دعوى الوقاع معه لا يثبت الفعل و سائر أحكامه عليه و لو حصل الظن. و منه تظهر ندرة ترتّب الثمرة فيه.

و السكر و الإغماء كالنوم، و الإكراه كالطوع.

د: في وجوب الغسل بإدخال الذكر الملفوف في مثل خرقة أو الداخل في آلة من نحو فضة أو نحاس، أو إدخاله مجرّدا في فرج كذلك، أقوال ذكرها والدي العلّامة في اللوامع: الوجوب مطلقا، و

العدم كذلك، و الأوّل في الملفوف بالرقيقة و الثاني في غيره.

و الأصل مع الثاني، سيّما في الداخل في آلة نحاسية و نحوها، و الاحتياط مع الأوّل، خصوصا في الملفوف بالخرقة، سيما الرقيقة.

ه: لا يجب الغسل على الفاعل و القابل بإيلاج الذكر في قبل الخنثى المشكل، و لا بإيلاج قبله في قبل أو دبر مطلقا، و لا بإيلاج في دبره على الأقوى، و يجب عليهما في الأخير على القول الآخر [1].

و لو أولج الذكر في قبل الخنثى و الخنثى بالأنثى، قالوا: يجب الغسل على الخنثى، لأنّها إمّا ذكر أو أنثى، دون الذكر و الأنثى، لجواز إيلاج الذكر بالذكر، أو الأنثى بالأنثى، فيكونان كواجدي المني في المشترك «1».

و ما قالوه إنّما يصح على القول بكون الخنثى إمّا ذكرا أو أنثى. و أمّا لو قلنا بأنها طبيعة ثالثة، فيحتمل عدم وجوب الغسل عليها أيضا، كما يحتمل وجوبه

______________________________

[1] و هو القول بوجوب الغسل بالوطء في الدبر.

______________________________

(1) تقدم البحث عنه في 265.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 280

عليهما أيضا [1].

و لو أولج أحد الخنثيين أو كلّ منهما بالأخرى، لا يجب الغسل على واحد منهما، و يحتمل وجوبه عليهما على القول بالطبيعة الثالثة، فتأمّل.

و: يجب الغسل على البالغ بوطئه غير البالغ، أو وطء غير البالغ إيّاه، لعموم الأدلّة.

و هل يجب على غير البالغ بعد بلوغه؟ قيل: لا، للأصل الخالي عن معارضة العمومات الموجبة له بالدخول و الالتقاء، لظهور تعلّقها بالمكلّفين.

و قال الشهيد «1» و الكركي «2» و والدي العلّامة- رحمه اللّه- و جماعة «3»: نعم، لأنّ العمومات الموجبة و إن لم تتعلّق به لكونها من خطاب الشرع المتوقّف على التكليف، و لكن لا يتوقّف تعلّق الأحكام الوضعية التي منها سببية

الإدخال للجنابة الموجبة للغسل بعد التكليف و شرطية الغسل للصلاة عليه، فيجب بعد البلوغ لذلك.

أقول: بعد تسليم اختصاص العمومات بالمكلّفين لا مناص عن القول باختصاص السببية للجنابة بهم أيضا، إذ لا دليل على تلك السببية إلّا تلك العمومات، فإنّه لا دليل عاما أو مطلقا على كون الإدخال سببا للجنابة، بل إنّما ينتزع ذلك من وجوب الغسل و سائر الأحكام الشرعية. بل نقول: لا نعلم الجنابة إلّا ذلك، فبعد اختصاص الأحكام الشرعية- التي هي إمّا منشأ انتزاع الجنابة أو نفسها- بالمكلّفين، فلا وجه لإثبات الجنابة لغيرهم.

و كذا اشتراط الصلاة بالغسل، فإنّه إنّما يفيد لو كان دليل على اشتراطها به

______________________________

[1] اما احتمال عدم وجوبه عليها فلجواز أن لا يكون شي ء من الموضعين فرجا و لا ذكرا. و أما احتمال وجوبه عليهما فلاحتمال كونهما فرجا و ذكرا معا (منه رحمه اللَّه).

______________________________

(1) الدروس 1: 95، البيان: 54.

(2) جامع المقاصد 1: 257.

(3) منهم العلامة في المنتهى 1: 82.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 281

لكلّ من أدخل، و ليس، بل إنّما يدلّ على اشتراطها به للجنب أو المحدث المتوقّف صدقهما على تعلّق الحكم الشرعي الموقوف على التكليف. و أمّا الإجماع على السببية و الشرطية فانتفاؤه في محل النزاع ظاهر.

فالصواب الاستدلال على وجوب الغسل عليه بعد البلوغ بتلك العمومات.

لا لأجل أنّها تدلّ على سببية الإدخال لوجوب الغسل، و لتوقّف تأثير السبب على انتفاء المانع تدلّ على سببيته له حين رفع المانع الذي هو عدم البلوغ، فيصير المعنى: إذا التقى الختانان وجب الغسل حين يمكن الوجوب و هو بعد البلوغ.

لأنّ [1] الظاهر و مقتضى الحقيقة من العمومات: السببية التامة التي تتضمّن رفع المانع، أي ترتّب الوجوب على مجرّد الالتقاء. و تقييد المسبّب

الذي هو الوجوب بحال ارتفاع المانع ليس بأولى من تقييد السبب الذي هو الالتقاء، فليس الحمل على أنه إذا التقى الختانان وجب الغسل حين ارتفاع المانع أولى بالحمل على أنه إذا التقى الختانان حين عدم المانع وجب الغسل مطلقا.

بل [2] لأجل أنّه لمّا كان الغسل واجبا لغيره خاصة- كما يأتي- فيكون الوجوب مقيّدا بحال وجوب الغير لا محالة، و يكون المعنى: إذا التقى الختانان وجب الغسل بعد تعلّق وجوب الصلاة و إن لم يدخل بعد وقتها، على ما عرفت في بحث الوضوء، و تعلّق مثل ذلك الخطاب بغير المكلّف جائز قطعا، لعدم استلزامه تعلّق حكم شرعي حال عدم البلوغ، فبعد إطلاقه يجب الحكم بالدخول فيه، فيجب الغسل عليه بعد البلوغ بمقتضاه.

نعم، يتمشّى ذلك الاستدلال على القول بانتفاء الوجوب النفسي، و أمّا

______________________________

[1] هذه علّة للنفي في قوله: لا لأجل.

[2] عطف على قوله: لا لأجل ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 282

على القول به فلا، كما لا يخفى.

و لو غسل غير البالغ حين عدم البلوغ، فهل يجزي عن غسله أم لا؟

الظاهر الثاني، لأنّ صحته فرع تعلّق الأمر به و لا أمر قبله، لاختصاص أوامره بموجباته المختصة بما بعد البلوغ.

ثمَّ إنه لا شك في عدم حرمة دخول المساجد و قراءة العزائم و نحوها على غير البالغ. فهل يحرم على الولي تمكينه منه و يجب على الغير منعه؟ الحقّ: لا، للأصل، فإنّ الثابت سببية الإدخال لحرمة هذه الأمور على المكلّف نفسه، و أمّا غير ذلك فلا دليل عليه أصلا.

ز: لو وطئ الكافر حال كفره أو أمنى، يجب عليه الغسل بعد إسلامه، بالإجماع المحقّق و المحكي في كلام غير واحد «1».

أما على القول بكونه مكلّفا بالفروع- كما هو المشهور

بل عليه اتّفاق فحول أصحابنا و عمدتهم- فظاهر.

و أمّا على القول بعدمه- كما ذهب إليه شرذمة من متأخّري الأخباريين «2»- فللعمومات المتقدّمة بالتقريب المذكور في غير البالغ.

و منه يظهر أنّ بناء وجوبه عليه على القول بكونه مكلّفا بالفروع- كما هو الظاهر من الأكثر- غير صحيح.

خلافا لبعض الأخباريين، فلم يوجب عليه الغسل، لقوله عليه السلام:

«الإسلام يجبّ ما قبله» «3».

و لعدم نقل أمرهم عليهم السلام، أحدا ممّن أسلم- و لا يسلم عن حدث الجنابة غالبا- بالغسل، مع كثرتهم و توفّر الدواعي على نقله.

______________________________

(1) منهم صاحب المدارك 1: 276.

(2) منهم المحدّث الكاشاني في الوافي 2: 82 و المحدث البحراني في الحدائق 3: 39.

(3) مسند أحمد بن حنبل 4: 199.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 283

و الأوّل مردود: بالضعف و عدم الجابر، مع أنه لا عموم فيه.

و الثاني: بكفاية عمومات الغسل للأمر بغسلهم كسائر التكاليف، على أنه نقل أمر قيس بالغسل حين أسلم «1».

و قال أسيد و سعد لمصعب و أسعد: كيف تصنعون إذا دخلتم هذا الأمر؟

قالا: نغتسل و نشهد شهادة الحق «2».

و لا يجزي غسله حال كفره و إن كان واجبا في مذهبه و موافقا في الكيفية له في شرعنا، لا لعدم صحته، لعدم تأتّي نية القربة منه، لمنعه. بل لأنّ الصحة عبارة عن موافقة الأمر، و هي موقوفة على قصده امتثاله، و هو في حقّه غير متحقّق، و إن قصد امتثال أمر آخر ورد في مذهبه.

البحث الثاني: في أحكام الجنب.

و هي كثيرة، فإنّ من الأمور ما يجب عليه، و ما يستحب، و ما يحرم، و ما يكره، و ما يباح.

فالأوّلان: الغسل عند وجوب غاياته الآتية أو استحبابها.

و أمّا المحرمة:

فمنها: الصلاة مطلقا واجبة كانت أو مندوبة، بالإجماع و المستفيضة «3».

و

صلاة الميت ليست صلاة، و لو كانت فهي مستثناة بالأدلّة.

و منها: الطواف، كما يأتي في محله.

و منها: قراءة إحدى العزائم الأربع بالإجماع المحقّق و المنقول في أحكام الراوندي و المعتبر و المنتهى و التذكرة «4» و اللوامع و غيرها «5»، و هو الحجة، مضافا إلى

______________________________

(1) سنن أبي داود 1: 98- 355.

(2) المغني لابن قدامة 1: 240.

(3) الوسائل 2: 205 أبواب الجنابة ب 14.

(4) فقه القرآن (أحكام الراوندي) 1: 50، المعتبر 1: 186، المنتهى 1: 86، التذكرة 1: 24.

(5) السرائر 1: 117.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 284

المعتبرة.

منها: حسنة محمّد: «الجنب و الحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب و يقرءان من القرآن ما شاءا إلّا السجدة» «1».

و موثّقة زرارة و محمّد، المروية في العلل بطريق صحيح: الحائض و الجنب يقرءان شيئا؟ قال: «نعم، ما شاءا إلّا السجدة و يذكران اللَّه على كلّ حال» «2».

و الرضوي: «و لا بأس بذكر اللَّه و قراءة القرآن و أنت جنب إلّا العزائم التي يسجد فيها، و هي أ لم تنزيل، و حم السجدة، و النجم، و سورة اقرأ، و لا تمسّ القرآن إذا كنت جنبا أو على غير وضوء و مسّ الأوراق» «3».

و المروي في المعتبر عن جامع البزنطي، حيث قال بعد حكمه بجواز قراءة الجنب و الحائض ما شاءا: إلّا سور العزائم الأربع روى ذلك البزنطي في جامعه عن المثنّى، عن الحسن الصيقل، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام «4».

و الأوّلان و إن لم يكونا صريحين، لجواز كون الاستثناء من مجرد الاستحباب، فلا ينافي الجواز.

و القول باستلزامه للاستحباب هنا- لكونه من العبادات فلا معنى للاستثناء- باطل، لجواز أن يعني به ما عنوا في الزائد عن سبع آيات.

مع أنّ

قراءة القرآن ليست كسائر العبادات التي يتوقّف جوازها على التوقيف، و إنّما المتوقّف عليه استحبابها، فيكون بدونه كقراءة الخطب و نحوها.

و الحاصل: أنّ ما يحكم فيه بالاستحباب بعد ثبوت الجواز ما ثبت صحته المستلزمة لموافقته للمأمور به، المستلزمة للثواب عليه كالصلاة في الحمام، و أمّا ما لم يكن كذلك فلا.

______________________________

(1) التهذيب 1: 371- 1132، الوسائل 2: 217 أبواب الجنابة ب 19 ح 7.

(2) العلل: 288، الوسائل 2: 216 أبواب الجنابة ب 19 ح 4.

(3) فقه الرضا عليه السلام: 84، المستدرك 1: 464 أبواب الجنابة ب 11 ح 1.

(4) المعتبر 1: 187، الوسائل 2: 218 أبواب الجنابة ب 19 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 285

و لا صريحين في حرمة قراءة السورة، لجواز إرادة الآية من السجدة، فإنّها كالسورة من مجازاتها، و لا مرجّح.

و شيوع التعبير عن السّور بأشهر ألفاظها و أكثريته غير مفيد في الترجيح، و إنّما المفيد شيوع أشهر الألفاظ في كونه معبرا به عن السور و أكثريته، و هو ممنوع، و بينهما بون بعيد.

و لكن الأخيرين صريحان في الحرمة و السورة، فالقول بهما- كما هو المشهور- متعيّن، و ضعفهما بعد الشهرة العظيمة و الإجماعات المحكية «1» غير ضائر.

فتخصيص الحرمة بنفس الآية، كما عن محتمل الانتصار «2» و الإصباح، و الفقيه، و المقنع، و الهداية، و الغنية «3»، و جمل الشيخ و مبسوطه و مصباحه «4» و مختصره و الوسيلة «5» و النافع «6»، مع بعد في الخمسة الأول، و استوجهه بعض المتأخّرين «7» و تردّد فيه في الكفاية «8»، غير جيّد.

نعم، الظاهر منهما اختصاص الحرمة بنفس السورة، فلو خصّت بها و بآية السجدة المجمع على حرمتها و لم يتعدّ إلى غيرهما،

لكان متجها، للأصل.

و التعدّي إلى سائر أبعاضها مفرّعا له على تحريم السورة- كما فعله جماعة «9»- لا وجه له، لعدم صدق قراءة السورة على مطلق البعض و لو كان كلمة، سيما

______________________________

(1) تقدمت الإشارة إليها في ص 282.

(2) الانتصار: 31.

(3) الفقيه 1: 48، المقنع: 13، الهداية: 20، الغنية (الجوامع الفقهية): 549.

(4) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 160، المبسوط 1: 29، مصباح المتهجد: 8، الا أن فيها تحريم العزائم الأربع، فيكون الاحتمال فيه مبنيا على احتمال إرادة الآية من لفظة العزائم.

(5) الوسيلة: 55 بالتقريب المتقدم.

(6) المختصر النافع: 8 قال فيه: فيحرم عليه قراءة العزائم.

(7) صاحب كتاب رياض المسائل من مشايخ صاحب الحدائق (منه رحمه اللَّه).

(8) الكفاية: 3.

(9) منهم العلامة في القواعد 1: 13، و الشهيد في البيان: 62، و صاحب المدارك 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 286

إذا لم يقصد قراءة غير البعض. و لا يتبادر من قراءة السورة قراءة كلّ بعض، و يصح السلب عنها، فيقال: ما قرأ السورة و لكن قرأ بعضها.

و الاستعمال أحيانا- كما يقال للمشتغل بقراءة سورة: يقرأ السورة الفلانية، مع أنه لم يقرأ إلّا بعضها- أعم من الحقيقة، مع أنّه إنّما هو إذا ظنّ إرادته إتمام السورة أو لم يعلم إرادة قراءة البعض.

فالقول بجواز قراءة سائر الأبعاض قويّ جدا، و الإجماع على عدمه سيما مع مخالفة من ذكر بكثرتهم في غير آية السجدة غير ثابت.

نعم، لو قصد من قراءته الإتمام، ارتكب المحرّم و لو عرض مانع منه «1».

و منها: مسّ كتابة المصحف عند المعظم، بل عليه الإجماع عن الخلاف و المعتبر و المنتهى و التذكرة و الغنية و الذكرى «2»، بل لعلّه المحقّق، لعدم ثبوت خلاف الإسكافي «3» و المبسوط «4»

و قولهما بالكراهة كما نسب إليهما، لأنّ إرادة الحرمة من الكراهة في العرف الأوّل شائعة، مع أنّ في اللوامع تصريح الثاني في الجنب بالتحريم، و إنّما قال بالكراهة في الحدث الأصغر.

و لو ثبت خلافهما ففي تحقّق الإجماع غير قادح، فهو الحجة في المسألة، مضافا إلى ما مرّ في بحث الوضوء، مع سائر ما يتعلّق بهذه المسألة «5».

و لا يلحق بها اسم اللَّه سبحانه، و لا أسماء الأنبياء و الحجج وفاقا فيهما لمن تقدّم على الشيخين، كما صرّح به بعض الأجلّة «6»، و بعض من تأخّر

______________________________

(1) وجهه مذكور في كتاب عوائد الأيام (منه رحمه اللَّه).

(2) الخلاف 1: 18، المعتبر 1: 187، المنتهى 1: 87، التذكرة 1: 24، الغنية (الجوامع الفقهية): 550، الذكرى: 23.

(3) نقله عنه في المختلف: 36.

(4) المبسوط 1: 23، 29.

(5) في ص 216.

(6) هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 82.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 287

كالأردبيلي «1»، و ظاهر المدارك و الكفاية «2». و في الأخيرين للمعتبر، و المنتهى، و التحرير «3» أيضا، و معظم الثالثة «4» أيضا.

للأصل المؤيّد بالمروي في المعتبر: يمسّ الدراهم و فيها اسم اللَّه أو اسم رسوله؟ قال: «لا بأس به و ربما فعلت ذلك» «5» لترك الاستفصال يعم مس الاسم منه أيضا.

خلافا في الأوّل خاصة للكتب الثلاثة المذكورة [1]، و نهاية الإحكام «6» مدّعيا عليه عمل الأصحاب في الثاني، و انتفاء الخلاف في الرابع.

و فيهما للمقنعة، و جمل الشيخ و مصباحه «7» و مختصره و مبسوطه، و السرائر و المهذب و الوسيلة «8» و الإصباح و الجامع و أحكام الراوندي و الغنية و القواعد و الإرشاد و التبصرة «9» و الكركي «10»، و الشهيد «11» بل الأكثر

كما في شرح القواعد

______________________________

[1] يعني المعتبر و المنتهى و التحرير.

______________________________

(1) مجمع الفائدة 1: 134.

(2) المدارك 1: 280، الكفاية: 3 قال: و المشهور تحريم مسّ شي ء مكتوب عليه اسم اللَّه تعالى أو أسماء الأنبياء و الأئمة عليهم السلام.

(3) المعتبر 1: 188، المنتهى 1: 87، التحرير 1: 12.

(4) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 52، و المحقق الخوانساري في مشارق الشموس: 164، و صاحب الحدائق 3: 48.

(5) المعتبر 1: 188، الوسائل 2: 215 أبواب الجنابة ب 18 ح 4.

(6) نهاية الإحكام 1: 101.

(7) المقنعة: 51 و لكن فيه تحريم مس أسماء اللَّه فقط، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 161، مصباح المتهجد: 8.

(8) المبسوط 1: 29، السرائر 1: 117، المهذب 1: 34، الوسيلة: 55.

(9) الجامع للشرائع: 39 أحكام الراوندي (فقه القرآن) 1: 50، الغنية (الجوامع الفقهية): 50، القواعد 1: 13، و لكن فيه تحريم ما عليه اسم اللَّه فقط، الإرشاد 1: 225، التبصرة: 8.

(10) جامع المقاصد 1: 267.

(11) البيان: 62، الدروس 1: 96، الذكرى: 34.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 288

للمحقّق الثاني «1»، بل عليه الإجماع كما عن الغنية «2».

لموثّقة عمّار: «لا يمس الجنب درهما و لا دينارا عليه اسم اللَّه تعالى» «3» في الأوّل، و نقل الإجماع، و وجوب تعظيم شعائر اللَّه فيهما.

و يضعف الأوّل: بعدم الدلالة على الحرمة. و الثاني: بعدم الحجية.

و الثالث: بمنع الدليل على الكلية.

ثمَّ على القول بالتحريم في الأوّل: ففي اختصاصه بالجلالة- كما في الموجز الحاوي- للأصل، و احتمال اختصاص الموثّقة، بجعل الإضافة بيانية. أو مع الرحمن و نحوه من الأعلام في سائر اللغات، لكونه علما و ظهور الإضافة في اللامية. أو مع سائر أسمائه تعالى، و إن لم يكن أعلاما، كما يعطي

أحد الأخيرين- على ما قيل «4»- كلام المقنعة، و الاقتصاد، و المصباح «5»، و مختصره، و الوسيلة، و الغنية، و الجامع «6»، لاشتراك الجميع في وجوب التعظيم، أوجه.

كما انّ في تعميم المنع لما جعل جزء اسم- كما في عبد اللَّه- لقصد الواضع اسمه سبحانه، و تخصيصه بغيره للخروج عن الاسم بالجزئية، وجهين.

و منها: اللبث في المساجد مطلقا، وفاقا لغير شاذ يأتي «7»، بل للمعظم، بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه «8»، بل عن المحقّق حيث نقل الإجماع على

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 267.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

(3) التهذيب 1: 31- 82، الاستبصار 1: 48- 133، الوسائل 2: 214 أبواب الجنابة ب 18 ح 1.

(4) القائل هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 82.

(5) المقنعة: 51، الاقتصاد: 244، مصباح المتهجد: 8.

(6) الوسيلة: 55، الغنية (الجوامع الفقهية): 550، الجامع: 39.

(7) في ص 290.

(8) الخلاف 1: 514، الغنية (الجوامع الفقهية): 549.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 289

وجوب الغسل [1]، و في المنتهى عدم معرفة الخلاف فيه «1».

للإجماع و للآية الكريمة «2» الناهية المفسّرة بهذا في صحيحة زرارة و محمّد، المروية في العلل: الحائض و الجنب يدخلان المسجد أم لا؟ قال: «لا يدخلان المسجد إلّا مجتازين، إنّ اللَّه يقول وَ لا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا و يأخذان من المسجد و لا يضعان فيه شيئا» «3» الحديث.

و مثلها المروي في تفسيري العياشي و القمي عن الباقر و الصادق عليهما السلام «4».

و فيما رواه الطبرسي عن الباقر عليه السلام إنّ معناه: لا تقربوا مواضع الصلاة من المساجد و أنتم جنب إلّا مجتازين «5».

و لا يضرّ ضمّ السكارى مع الجنب في إبقاء النهي على حقيقته، لأنّ النهي فيهم إنما

هو عن كونهم حين قرب المسجد سكارى، بأن لا يشربوا في وقت يؤدّي إلى دخولهم المسجد حال سكرهم، حيث إنّ السكران لا يصلح لتوجّه الخطاب.

مع أنّ الإجماع على عدم حرمة دخول السكران في المسجد غير ثابت، و لذا قال في البحار: إنّه يمكن استنباط منع السكران من دخول المسجد عن الآية «6».

و للمروي في الخصال و مجالس الصدوق: «و نهى أن يقعد الرجل في

______________________________

[1] لم نعثر عليه في كتبه نعم قد يستفاد من المعتبر 1: 188 نفي الخلاف فيه حيث نسب الخلاف إلى سلّار دون غيره.

______________________________

(1) المنتهى 1: 87.

(2) النساء: 43.

(3) العلل: 288، الوسائل 2: 207 أبواب الجنابة ب 15 ح 10.

(4) تفسير العياشي 1: 243- 138، تفسير القمي 1: 139، المستدرك 1: 459، الوسائل 2: 207 أبواب الجنابة ب 15 ح 10.

(5) مجمع البيان 2: 52، الوسائل 2: 210 أبواب الجنابة ب 15 ح 20.

(6) البحار 78: 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 290

المسجد و هو جنب» «1».

و صحيحة أبي حمزة: «إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام، أو مسجد الرسول صلّى اللَّه عليه و آله، فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمّم، و لا يمرّ في المسجد إلّا متيمّما حتى يخرج منه ثمَّ يغتسل، و كذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل كذلك، و لا بأس أن يمرّا في سائر المساجد و لا يجلسا فيها» «2».

و أمّا على ما في بعض الكتب الاستدلالية فلا صراحة لها في الوجوب حيث عبّر فيها بقوله: «و لا يجلسان» «3».

و تؤيّدها المستفيضة من المعتبرة، كحسنتي جميل «4» و محمّد «5»، و رواية ابن حمران «6»، و غيرها مما بمعناها. بل استدلّ بها الأكثر، و إن كان عندي محلّ نظر، لعدم

صراحتها في الوجوب و إن كانت لها محتملة، كما ذكرنا غير مرّة.

خلافا للمحكي عن الديلمي فكرهه «7»، للأصل و صحيحة محمّد.

و عن الفقيه، و المقنع، فجوّزا نومه فيها «8»، لصحيحة محمّد بن القاسم:

عن الجنب ينام في المسجد، فقال: «يتوضأ و لا بأس أن ينام في المسجد و يمرّ فيه» «9».

______________________________

(1) الخصال: 327، أمالي الصدوق: 347.

(2) الكافي 3: 73 الطهارة ب 46 ح 14، الوسائل 2: 205 أبواب الجنابة ب 15 ح 3 و الرواية مرفوعة و ليست بصحيحة، نعم رواها في التهذيب 1: 407- 1280 بسند صحيح و لكنها ليست مشتملة على حكم الحائض.

(3) و لا يخفى أن في الكافي و الوسائل أيضا ورد كذلك.

(4) الكافي 3: 50 الطهارة ب 33 ح 4، التهذيب 1: 125- 338، الوسائل 2: 205 أبواب الجنابة ب 15 ح 2.

(5) التهذيب 1: 371- 1132، الوسائل 2: 209 أبواب الجنابة 15 ح 17.

(6) التهذيب 6: 15- 34، الوسائل 2: 206 أبواب الجنابة ب 15 ح 5.

(7) المراسم: 42.

(8) الفقيه 1: 48، المقنع: 14.

(9) التهذيب 1: 371- 1134، الوسائل 2: 210 أبواب الجنابة ب 15 ح 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 291

و الأصل مندفع بما مرّ، و الصحيحة بمعزل عن الحجية، لمخالفتها للآية الكريمة و الشهرة العظيمة، و موافقتها للحنبلية «1» كما هي محكية، مع أنّ إرادة الغسل من التوضّؤ ممكنة.

و لا يحرم الاجتياز فيما عدا المسجدين، بالإجماع و الآية و الروايات.

و هل الجواز الجائز يختص المرور بالدخول من باب و الخروج من آخر، أو يشمل الدخول و الخروج من باب واحد من غير انحراف و تردّد، أو يشمل التردّد و المشي في الجوانب أيضا؟

الظاهر المتبادر من الآية و

الروايات المفسّرة لها، بل صريحها- كما قيل «2»- هو الأوّل، كما هو- على ما حكي- مذهب الأكثر، بل هو الأقوى و الأظهر.

و تجويز شمولها للأخيرين بعيد عن الصواب.

و لو سلّم فلا يضرّ، إذ مجرّد الاحتمال لا يكفي في الخروج عن المستثنى منه، بل قضية الأصل تقتضي عدم خروج ما لم يقطع بخروجه.

و أمّا حسنة جميل: عن الجنب يجلس في المساجد؟ قال: «لا، و لكن يمرّ فيها كلها إلّا المسجد الحرام و مسجد الرسول صلّى اللَّه عليه و آله» «3» و خبره: «للجنب أن يمشي في المساجد كلها و لا يجلس فيها إلّا المسجد الحرام و مسجد الرسول صلّى اللَّه عليه و آله» «4» و إن اقتضيا بإطلاقهما جواز التردّد، إلّا أنّ مقتضى تعارضهما مع الآية بالعموم من وجه، و وجوب تقديم الكتاب حينئذ: حمل المرور و المشي فيهما على الاحتمال الأوّل.

مع أنّ اقتضاء الأولى لذلك ممنوع غايته، لمنع صدق المرور على غير الأوّل،

______________________________

(1) المغني لابن قدامة 1: 168.

(2) قال به في الحدائق 3: 53.

(3) الكافي 3: 50 الطهارة ب 33 ح 4، التهذيب 1: 125- 338، الوسائل 2: 205 أبواب الجنابة ب 15 ح 2.

(4) الكافي 3: 50 الطهارة ب 33 ح 3، الوسائل 2: 206 أبواب الجنابة ب 15 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 292

بل الظاهر منه العبور.

و لا يجب عليه في الاجتياز اختيار أقرب الطريقين إذا تعدّد طريق الجواز، لصدق العبور و الاجتياز.

و هل يجب في الطريق الواحد العبور منه على أقرب المسافات، أو يجوز الانحراف بحيث تزيد المسافة؟

الظاهر: الثاني إذا لم يخرج عن صدق العبور عرفا.

خلافا للمنتهى، فأوجب اختيار الأقرب، اقتصارا في محل المنع على قدر الضرورة «1».

و فيه:

منع كونه محل المنع.

و البائرة من المساجد كالدائرة و لو لم يبق إلّا أرضها ما لم تبلغ حد الموات، لصدق اسم المسجد، و استصحاب الحكم.

و لو اضطرّ الجنب إلى اللبث فيها- لعدم إمكان خروجه، أو خوفه على مال محترم بالخروج- تيمّم و لبث، لعموم البدلية، كما يأتي.

و لا تلحق بالمساجد الضرائح المقدّسة و المشاهد المشرّفة و المواقف الكريمة، كمشعر و منى، وفاقا للأكثر، للأصل.

و خلافا في الأوّلين للشهيدين [1]، لاشتمالها على فائدة المسجدية، و للمروي في بصائر الدرجات و قرب الإسناد و فيه: «يا أبا محمّد أما تعلم أنّه لا ينبغي لجنب أن يدخل بيوت الأنبياء» «2».

______________________________

[1] نسبه إليهما في المدارك 1: 282، و قال الشهيد في الذكرى: 35 يكره الاجتياز في المساجد للجنب و الحائض مع أمن التلويث للتعظيم .. و لو علم التلويث حرم الجميع، و ألحق المفيد في العزية المشاهد المشرفة بالمساجد، و هو حسن لتحقق معنى المسجدية فيها و زيادة. و انظر روض الجنان:

81.

______________________________

(1) المنتهى 1: 88.

(2) بصائر الدرجات: 241- 23، قرب الإسناد: 43- 140، الوسائل 2: 211 أبواب الجنابة ب 16 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 293

و في إرشاد المفيد «1»، و كشف الغمة «2»، و رجال الكشي و فيه: و أحدّ النظر إليه و قال: «هكذا تدخل بيوت الأنبياء و أنت جنب؟!» «3».

و في الخرائج و الجرائح، و فيه: فقال له أبو عبد اللَّه الحسين عليه السلام:

«أما تستحيي يا أعرابي أن تدخل على إمامك و أنت جنب؟!» «4».

و لتساويهم حيّا و ميّتا- كما هو المستفاد من الأخبار- يثبت الحكم في المطلوب.

و يجاب عنها بضعفها، و عدم دلالتها على الحرمة مع أنّ في بيوتهم غالبا من لا

يخلو عن جنابة أو حيض أو نفاس.

نعم، لا شك في الكراهة، لما مرّ.

و منها: وضع الشي ء فيها، على الأظهر الأشهر، و عن الغنية الإجماع عليه «5»، بل عن الفاضل، لنقله الإجماع على وجوب الغسل له [1].

للرضوي المنجبر بالعمل: «و لهما- أي الجنب و الحائض- أن يأخذا منه، و ليس لهما أن يضعا فيه» «6» فإنّ المتبادر من تركيب «ليس لهما» التحريم.

و تؤيّده صحيحة العلل، المتقدّمة «7»، و صحيحة ابن سنان: عن الجنب و الحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه؟ قال: «نعم، و لكن لا يضعان في

______________________________

[1] لم نعثر في كتبه الموجودة لي نقله الإجماع على وجوب الغسل له، نعم قال في المنتهى 1: 88 لا يجوز له وضع شي ء في المساجد مطلقا و يجوز له أخذ ما يريد منها و هو مذهب علمائنا إلّا سلّار.

______________________________

(1) إرشاد المفيد 2: 185، الوسائل 2: 210 أبواب الجنابة ب 16 ح 2.

(2) كشف الغمة 2: 169، الوسائل 2: 211 أبواب الجنابة ب 16 ح 3.

(3) رجال الكشي 1: 399- 288، الوسائل 2: 212 أبواب الجنابة ب 16 ح 5.

(4) الخرائج و الجرائح 1: 246- 2، الوسائل 2: 212 أبواب الجنابة ب 16 ح 4.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 549.

(6) فقه الرضا عليه السلام: 85، المستدرك 1: 463 أبواب الجنابة ب 10 ح 1.

(7) في ص 289.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 294

المسجد شيئا» «1».

خلافا للمحكي عن الديلمي «2» و موضع من الخلاف «3»، فكرهاه، للأصل.

و جوابه ظاهر. و حمل الكراهة على التحريم كما هو الشائع عندهم ممكن.

و لبعض المتأخّرين «4»، فخصّ التحريم بالوضع المستلزم للّبث.

قيل: لتعارض إطلاق تحريم الوضع و تجويز المشي، فيرجع في محل الاجتماع إلى الأصل.

و

ضعفه ظاهر، إذ لا تعارض أصلا.

و مقتضى إطلاق ما مرّ: حرمة الوضع فيه و لو من غير دخول، كما صرّح به الأكثر. و هو كذلك. و ما يدلّ على خلافه- كما يأتي- لا حجية فيه.

و أمّا الطرح فيه من الخارج فلا بأس به، لعدم ثبوت صدق الوضع عليه، و لو صدق، فالشهرة الجابرة فيه غير معلومة.

و مقتضى صريح ما تقدّم: جواز الأخذ منه. و هو كذلك، و الإجماع منعقد عليه.

و أمّا ما في تفسير القمي: «و يضعان فيه الشي ء و لا يأخذان منه»، فقلت:

فما بالهما يضعان فيه الشي ء و لا يأخذان منه؟ قال: «فإنّهما يقدران على وضع الشي ء من غير دخول و لا يقدران على أن يأخذا منه حتى يدخلا» «5»، فلا يصلح للمعارضة، لضعفه بنفسه، و لمخالفته العمل.

______________________________

(1) الكافي 3: 51 الطهارة ب 33 ح 8، التهذيب 1: 125- 339، الوسائل 2: 213 أبواب الجنابة ب 17 ح 1.

(2) المراسم: 42.

(3) قال في كشف اللثام 1: 81 و قد يظهر من الخلاف في موضع.

(4) ابن فهد الحلّي في المقتصر: 49.

(5) تفسير القمي 1: 139، الوسائل 2: 213 أبواب الجنابة ب 17 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 295

و منها: دخول المسجد الحرام و مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله، فإنه يحرم مطلقا و لو اجتيازا، على الأشهر، بل عليه الإجماع في المعتبر و المدارك و التذكرة «1»، و عن ظاهر الغنية «2»، و نفي الخلاف بين الأصحاب في الحدائق «3».

لمفهوم قوله في صحيحة أبي حمزة: «و لا بأس أن يمرّا في سائر المساجد» «4».

و تؤيّده حسنة جميل، و روايته، و رواية ابن حمران، و حسنة محمّد «5».

و للمروي في العيون و

المجالس عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: «ألا إنّ هذا المسجد لا يحلّ لجنب إلّا لمحمّد و آله» «6».

و لم يتعرّض جماعة- كالصدوقين «7» و المفيد «8» و الديلمي «9» و الشيخ في الجمل و الاقتصاد و المصباح «10» و مختصره، و الكيدري- له، مع إطلاقهم جواز الاجتياز في المساجد، و كأنّه لقصور ما ذكر عن إثبات الحرمة. و هو كذلك لو لا مفهوم الصحيحة، و لكنه كاف في إثباتها.

ثمَّ لو احتلم في أحدهما يجب أن يتيمّم، لدلالة المستفيضة «11». فقول الشاذ «12» منّا بالاستحباب ضعيف.

______________________________

(1) المعتبر 1: 189، المدارك 1: 282، التذكرة 1: 25.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 549.

(3) الحدائق 3: 49.

(4) الكافي 3: 73 الطهارة ب 46 ح 14، الوسائل 2: 205 أبواب الجنابة ب 15 ح 3.

(5) المتقدمة ص 290، 291.

(6) العيون 1: 182، أمالي الصدوق: 424، الوسائل 2: 207 أبواب الجنابة ب 15 ح 12.

(7) الفقيه 1: 48، الهداية: 21، و نقل عن والد الصدوق في الذكرى: 32.

(8) المقنعة: 51.

(9) المراسم: 42.

(10) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 160، الاقتصاد: 244، المصباح: 8.

(11) الوسائل 2: 205 أبواب الجنابة ب 15.

(12) هو ابن حمزة في الوسيلة: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 296

و في حكم الاحتلام فيهما الجنابة في اليقظة أو دخول الجنب فيهما سهوا، أو عمدا لضرورة أم لا، لعدم تعقّل الفرق كما قيل «1»، بل لعموم بدلية التيمم فيجب مع إمكانه.

و أمّا المكروهة:

فمنها: الأكل و الشرب على الأظهر الأشهر، بل عليه الإجماع عن الغنية و التذكرة «2» و غيرهما «3»، للمستفيضة:

منها: مرسلة الفقيه: «الأكل على الجنابة يورث الفقر» «4».

و الأخرى: «نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله عن

الأكل على الجنابة» و قال: «إنه يورث الفقر» «5».

و نحوهما المروي في الخصال و المجالس «6».

و صحيحة الحلبي: «إذا كان الرجل جنبا لم يأكل و لم يشرب حتى يتوضّأ» «7».

و رواية السكوني: «و لا يذوق- أي الجنب- شيئا حتى يغسل يديه و يتمضمض، فإنه يخاف منه الوضح» «8».

و الرضوي: «و إذا أردت أن تأكل على جنابتك، فاغسل يديك و تمضمض و استنشق ثمَّ كل و اشرب إلى أن تغتسل، فإن أكلت أو شربت قبل ذلك أخاف

______________________________

(1) قال به المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 78.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 550، التذكرة 1: 25.

(3) حاشية المدارك: 45.

(4) الفقيه 1: 47- 178، الوسائل 2: 220 أبواب الجنابة ب 20 ح 6.

(5) الفقيه 4: 2- 1، الوسائل 2: 219 أبواب الجنابة ب 20 ح 5.

(6) الخصال: 504- 2، أمالي الصدوق: 344- 1، المستدرك 1: 466 أبواب الجنابة ب 13 ح 1.

(7) الفقيه 1: 47- 181، الوسائل 2: 219 أبواب الجنابة ب 20 ح 4.

(8) الكافي 3: 51 الطهارة ب 33 ح 12، التهذيب 1: 130- 357، الاستبصار 1: 116- 391، الوسائل 2: 219 أبواب الجنابة ب 20 ح 2. الوضح بالتحريك: البرص.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 297

عليك البرص، و لا تعد إلى ذلك» «1» إلى غير ذلك.

خلافا للمحكي عن الفقيه، فلم يجوّزهما له «2»، لظاهر النهي.

و يضعف: بوجوب حمله على التنزيه.

لا لمعارضته مع موثّقة ابن بكير: عن الجنب يأكل و يشرب و يقرأ؟ قال:

«نعم، يأكل و يشرب و يقرأ و يذكر اللَّه ما شاء» «3».

لأنّ بعد تخصيص النهي بما قبل الإتيان بما اجمع على أنّه مزيل للكراهة تكون أدلّته أخص مطلقا من الموثّقة فتخصّصها.

بل لعدم قول به

إلّا منه، فيضعف لأجله روايات النهي، و يقصر عن إثبات الزائد عن الكراهة. مع أنّ التعليل في عبارته مشعر بإرادته الكراهة أيضا كما قيل «4».

ثمَّ مقتضى المرسلتين و إن كان الكراهة مطلقا، فلا تزول إلّا بالغسل و زوال الجنابة، إلّا أنّ مقتضى مفهومي الغاية و الشرط في البواقي: تقييدهما و زوالها بغير الغسل أيضا إذا أتى بما ذكر فيها.

ثمَّ الأمر المزيل لها قبله هل هو الوضوء خاصة؟ كما عن المقنع «5»، أو هو أو المضمضة و الاستنشاق؟ كما عن المنتهى و التحرير و نهاية الإحكام و الدروس «6»، أو

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 84، المستدرك 1: 466 أبواب الجنابة ب 13 ح 2.

(2) الفقيه 1: 46.

(3) الكافي 3: 50 الطهارة ب 33 ح 2، التهذيب 1: 128- 346، الاستبصار 1: 114- 379، الوسائل 2: 215 أبواب الجنابة ب 19 ح 2.

(4) قاله في الرياض 1: 33.

(5) المقنع: 13.

(6) المنتهى 1: 89، التحرير 1: 12، نهاية الإحكام 1: 104، الدروس 1: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 298

الأخيران فقط؟ كالقواعد «1» و عن الخمسة «2» و أتباعهم، بل نسب إلى المشهور «3»، أو هما مع غسل اليدين؟ كما عن الفقيه و الهداية و الأمالي «4»، أو هو مع المضمضة؟

كالمعتبر «5»، أو هما مع غسل الوجه؟ كالنفلية «6»، أو هو مع المضمضة، أو الوضوء، أو غسل اليدين، مع أفضلية الأوّلين؟ كالمدارك «7»، أو كل مما ذكر تخييرا؟ كأحد المحتملين في اللوامع و المعتمد. فيه أقوال، منشؤها: اختلاف الأخبار التي منها ما تقدّم.

و منها: صحيحة زرارة: «الجنب إذا أراد أن يأكل و يشرب غسل يده و تمضمض و غسل وجهه و أكل و شرب» «8».

و صحيحة البصري:

أ يأكل الجنب قبل أن يتوضّأ؟ قال: «إنّا لنكسل [1]، و لكن ليغسل يده، و الوضوء أفضل» «9».

مضافا إلى اختلاف الأفهام في كيفية تعارضها- من جهة دلالة بعضها على عدم انتفاء الكراهة إلّا بالتوضّؤ، و آخر على انتفائها بالمضمضة و غسل اليد و عدمه بدونهما، و ثالث بغيرهما- و في وجه الجمع بينها.

______________________________

[1] كذا في جميع النسخ و المصادر، و لكن قال في الوافي 6: 423 و يشبه أن يكون مما صحّف و كان «إنا لنغتسل» لأنهم عليهم السلام أجل من أن يكسلوا في شي ء من عبادة ربهم جلّ و عز.

______________________________

(1) القواعد 1: 6.

(2) هم الشيخ الصدوق، و والده، و الشيخ المفيد، و السيد المرتضى، و الشيخ الطوسي- نقله عنهم و عن اتباعهم المحقق في المعتبر 1: 191.

(3) نسبه الشهيد الثاني في المسالك 1: 8، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 82.

(4) الفقيه 1: 46، الهداية: 20، أمالي الصدوق: 516.

(5) المعتبر 1: 191.

(6) النفلية: 10.

(7) المدارك 1: 284.

(8) الكافي 3: 50 الطهارة ب 33 ح 1، التهذيب 1: 129- 354، الوسائل 2: 219 أبواب الجنابة ب 20 ح 1.

(9) التهذيب 1: 372- 1137، الوسائل 2: 220 أبواب الجنابة ب 20 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 299

و تحقيق المقام بعد بيان أمرين:

أحدهما: أنّه لا دلالة لاستحباب أمر عند ارتكاب آخر ثابت الكراهة على انتفائها بعد فعل ذلك المستحب بوجه من الوجوه.

و من ذلك يظهر عدم كون الصحيحتين من أخبار المقام منافيتين للأخبار المتقدّمة أصلا، غايتهما استحباب ما ذكر فيهما للجنب عند الأكل و الشرب.

و ثانيهما: أنّ المصرّح به في الأخبار أنّ كراهة الأكل و الشرب للجنب إنما هي لأمرين: أحدهما: إيراثه الفقر.

و الآخر: إيجابه البرص. و المستفاد من روايتي السكوني و الرضوي: انتفاء الثاني خاصة بفعل ما ذكر فيهما دون الأوّل أيضا، و لازمه تخفيف الكراهة بفعله، إذ تخفيف مرجوحية ما فيه جهتا مرجوحية بزوال إحداهما لا انتفائها رأسا. و على هذا فلا تعارض بين الروايتين و صحيحة الحلبي أيضا، لأنّها تدلّ بمفهوم الغاية على انتفاء مطلق النهي بالتوضّؤ، و هما تدلّان على انتفاء خوف البرص بغسل اليد و المضمضة، أو مع الاستنشاق أيضا.

نعم، يعارض منطوق الرضوي المصرّح ببقاء ذلك الخوف قبل الثلاثة مطلقا- و إن غسلت يدك و تمضمضت- مع مفهوم رواية السكوني الدالّ على انتفاء الخوف بالأمرين مطلقا- سواء كان معهما الاستنشاق أم لا- بالعموم من وجه، و إذ لا مرجّح فيرجع إلى أصالة بقاء الكراهة و عدم تخفيفها بدون الثلاثة.

و من ذلك ظهر أنّ حق القول في المسألة انتفاء الكراهة بالوضوء و تخفيفها بغسل اليدين و المضمضة و الاستنشاق.

و عن ظواهر الاقتصاد، و المصباح «1»، و مختصره، و السرائر، و النهاية «2»، و في الشرائع «3»: تخفيفها بالأخيرين، من غير تعرّض للانتفاء بالوضوء.

______________________________

(1) الاقتصاد: 244، مصباح المتهجد: 9.

(2) السرائر 1: 118، النهاية: 21.

(3) الشرائع 1: 27.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 300

قيل: لعلّه لتعليل النهي عن الأكل على الجنابة بإيراثه الفقر، و ما ذكر لا يرفع الجنابة التي هي العلّة «1».

و فيه: أنّ مقتضى مفهوم الغاية في الصحيحة انتفاء النهي الذي هو المعلول بالوضوء، و هو كاشف عن عدم عليّة مطلق الجنابة. مع أنّه لو كانت العلّة لما كان وجه للخفّة، لعدم تخفيف الجنابة بالاستنشاق و المضمضة.

ثمَّ لا شك في عدم اعتبار تعدّد الأمور المذكورة بتعدّد الأكل و الشرب مع الاتّصال.

و هل

يعتبر مع التراخي مطلقا، أو إذا طال الزمان، أو تخلّل الحدث، أو لا يعتبر مطلقا؟ أظهرها الأول، لعموم قوله: «إذا أردت»- في الرضوي- و عدم القول بالفصل بين ما فيه و بين الوضوء في ذلك.

و يمكن اعتبار تخلّل الحدث في تعدّد الوضوء خاصة، فتأمّل.

و منها: قراءة غير العزائم من القرآن مطلقا، وفاقا للمحكي عن الخصال و المراسم و ابن سعيد «2»، لرواية الخدري: «يا علي، من كان جنبا في الفراش مع امرأته فلا يقرأ القرآن، فإني أخشى أن تنزل عليهما نار من السماء فتحرقهما» «3».

المؤيدة بالمروي في الخصال: «سبعة لا يقرؤون القرآن» و عدّ منهم: الجنب و النفساء و الحائض «4».

و بروايتي قرب الإسناد و الخصال، المتقدّمتين في الوضوء المستحب «5».

و جعلهما مؤيدتين، لاحتمال إرادة نفي الإباحة الخاصة أو الاستحباب

______________________________

(1) قاله صاحب الرياض 1: 33.

(2) الخصال: 358، المراسم: 42، الجامع: 39.

(3) الفقيه 3: 358- 1712، العلل: 514- 5، أمالي الصدوق: 455- 1، الوسائل 2: 216 أبواب الجنابة ب 19 ح 3.

(4) الخصال: 357 ح 42.

(5) في ص 32، 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 301

منهما، و لا تلزم منه حرمتها حيث إنها عبادة، لأنّ قراءة القرآن ليست من التوقيفيّات التي لم تتحمل الإباحة و الكراهة، كما مرّ.

و حاصله: أنّ عدم إبقاء الكراهة على المعنى المصطلح فيما يقول به إنّما هو إذا كانت ممّا ثبتت صحته المستلزمة للثواب و المطلوبيّة، و لم يثبت ذلك فيما نحن فيه.

و تؤيّد المطلوب أيضا الرواية العامية عن علي عليه السلام: «لم يكن يحجب النّبيّ- أو قال يحجزه- عن قراءة القرآن شي ء سوى الجنابة» «1».

خلافا لجماعة، فخصّوا الكراهة بالزائد على السبع، إمّا مطلقا، كالمعتبر و النافع و المنتهى و القواعد

«2»، و الكركي «3»، و غيرهم «4»، لمضمرة سماعة: عن الجنب هل يقرأ القرآن؟ قال: «ما بينه و بين سبع آيات» «5».

أو مع اشتدادها في الزائد على السبعين، كما في الشرائع و الكفاية «6» و اللوامع و المعتمد، و غيرها، لمضمرته الأخرى، و فيها بدل سبع آيات: سبعين آية «7».

دلّتا على جواز قراءة ما نقص عن السبع.

و لكونها عبادة لا يكون الجواز فيه إلّا مع المطلوبية المنافية للكراهة. مع أنّ المستفاد من مفهوم الوصف عدم قراءة الجنب للزائد المحمول على الكراهة، لضعف القول بالتحريم كما يأتي، فلا يكون الناقص مكروها.

______________________________

(1) سنن ابن ماجه 1: 195- 594، و راجع مستدرك الوسائل 1: 465 أبواب الجنابة ب 12.

(2) المعتبر 1: 190، المختصر النافع: 9، المنتهى 1: 87، القواعد 1: 13.

(3) جامع المقاصد 1: 269.

(4) كالمهذب 1: 34.

(5) التهذيب 1: 128- 350، الاستبصار 1: 114- 383، الوسائل 2: 218 أبواب الجنابة ب 19 ح 9.

(6) الشرائع: 27، الكفاية: 3.

(7) التهذيب 1: 128- 351، الاستبصار 1: 114- 383، الوسائل 2: 218 أبواب الجنابة ب 19 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 302

و يضعّف: بمنع استلزام الجواز هنا للمطلوبية، بل التساوي. و منع كون مطلق قراءة القرآن عبادة، و إنّما هو فيما سلّمنا الثواب عليه و هو في المقام ممنوع، كما مرّ.

مع أنّه لو استلزمها، لكانت الكراهة فيه أيضا بمعنى لا ينافيها قطعا.

و بعدم حجية مفهوم الوصف.

مع أنّ حملهما على شدة الكراهة ممكن، كما ارتكبوه في خبر السبعين.

و لأخرى [1]، فنفوها مطلقا، كما في المدارك و البحار و عن جمل الشيخ «1»، للأصل، و عموم قوله عزّ شأنه فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ «2» و الأخبار المصرّحة بأنه يقرأ القرآن،

أو ما شاء منه، أو بنفي البأس عن قراءته، كصحيحتي الفضيل «3» و الحلبي «4»، و موثّقة ابن بكير «5»، و غيرها.

و الأول بما مرّ مندفع. و الثاني به مخصوص، مع أنّه لثبوت حرمة قراءة العزائم على الجنب يكون في الآية تقييد قطعا، و هو كما يمكن أن يكون في المقروء بتقييده بغير العزائم يمكن أن يكون في القارئ بتخصيصه بالمتطهّر، و حينئذ لا ينافي ما مرّ مطلقا، و إذ لم يتعيّن أحد الاحتمالين يحصل فيه الإجمال المنافي للاستدلال.

و منه يعلم أنه لا يمكن الحكم بكون الآية أعم من وجه ممّا مرّ.

______________________________

[1] يعني: و خلافا لجماعة أخرى.

______________________________

(1) المدارك 1: 285، البحار 78: 50، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 161.

(2) المزمل: 20.

(3) التهذيب 1: 128- 347، الاستبصار 1: 114- 380، الوسائل 2: 217 أبواب الجنابة ب 19 ح 5.

(4) التهذيب 1: 128- 348، الاستبصار 1: 114- 381، الوسائل 2: 217 أبواب الجنابة ب 19 ح 6.

(5) الكافي 3: 50 الطهارة ب 33 ح 2، التهذيب 1: 128- 346، الاستبصار 1: 114- 379، الوسائل 2: 215 أبواب الجنابة ب 19 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 303

و الثالث غير مناف للكراهة، إذ لا يثبت منه إلّا الجواز المتحقّق معها أيضا.

و لثالثة [1]، فحرّموها إمّا مطلقا، كالديلمي في أحد قوليه «1»، لروايتي الخصال و الخدري، المتقدّمتين «2». أو في الزائد على السبع، كما عن القاضي «3»، و ظاهر المقنعة و النهاية «4»، و بعض الأصحاب كما في المختلف «5»، و محتمل التهذيبين «6»، للمضمرة الأولى، و بها تخصّص الروايتان. أو على السبعين، كما نقله في المنتهى عن بعض الأصحاب «7»، للمضمرة الثانية.

و يضعّف الأول: بقصور الروايتين

عن إثبات حرمتها من حيث الدلالة، لخلوّهما عن الدالّ عليها، و عدم انتهاضهما له لو دلّتا، لمعارضتهما مع الأخبار المجوّزة الراجحة عليهما بالأكثرية عددا، و الأصحيّة سندا، و الأوضحية دلالة، و بالموافقة للمشهور و نقل الإجماع على الجواز، كما عن الانتصار و الخلاف و الغنية و أحكام الراوندي و المعتبر «8»، و لعموم الكتاب، و المخالفة للعامة «9». مع كون المرجع أصالة عدم الحرمة لو لا الترجيح.

و الثانيان: بجميع ما مرّ، مضافا إلى أنّ دلالتهما بمفهوم الوصف الذي ليس بحجة.

______________________________

[1] يعني: و خلافا لجماعة ثالثة.

______________________________

(1) نقله عنه في الدروس 1: 96.

(2) في ص 300.

(3) نقله عنه في الدروس 1: 96.

(4) المقنعة: 52 على ما في بعض نسخها، النهاية: 20.

(5) المختلف: 32.

(6) التهذيب 1: 128، الاستبصار 1: 115.

(7) المنتهى 1: 87.

(8) الانتصار: 31، الخلاف 1: 101، الغنية (الجوامع الفقهية): 550، فقه القرآن (أحكام الراوندي) 1: 50، المعتبر 1: 186.

(9) بداية المجتهد 1: 44، بدائع الصنائع 1: 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 304

و توهّم أخصيتهما عن المجوّزات- لاختصاصهما بالسبع أو السبعين فتقدّمان عليها- فاسد جدا، لاختصاصها بما عدا العزائم أيضا.

ثمَّ إنّه لا فرق في الكراهة بين القراءة من ظهر القلب أو من المصحف، لإطلاق الأدلّة. كما لا فرق فيها في السبع أو السبعين- على القول بالاختصاص بهما- بين الآي الطويلة و القصيرة، و لا بين السبع أو السبعين المجتمعة في القرآن أو المتفرقة.

نعم، الظاهر المتبادر منها المتوالية و المتغايرة، فبحكم الأصل لا كراهة في المتراخية و الواحدة المتكررة.

و منها: حمل المصحف، لفتوى الجماعة، كما في اللوامع. و يؤيّده بل يدلّ عليه أيضا نهي الجنب عن تعليقه في رواية إبراهيم بن عبد الحميد «1».

و منها: تعليقه،

لما مرّ.

و منها: مسّ ما عدا الكتابة في المصحف، لروايتي المجمع:

إحداهما: «لا يجوز للجنب و الحائض و المحدث مس المصحف».

و الأخرى عن الباقر عليه السلام: في قوله تعالى لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ قال: «من الأحداث و الجنابات» «2».

و رواية ابن عبد الحميد: «المصحف لا تمسّه على غير طهر و لا جنبا» «3».

و شمولها للخط المحرّم مسّه بدلالة خارجية لا يضرّ في المطلوب، بعد صدق مسّ المصحف عليه أيضا. و ضعفها مانع عن إثبات التحريم بها في غير موضع الانجبار الذي هو مسّ الخط. مع أنّ الثانيتين غير دالّتين عليه، كالآية و سائر ما بمضمونهما.

______________________________

(1) التهذيب 1: 127- 344، الاستبصار 1: 113- 378، الوسائل 1: 384 أبواب الوضوء ب 12 ح 3.

(2) مجمع البيان 5: 226، الوسائل 1: 385 أبواب الوضوء ب 12 ح 5.

(3) المصدر المذكور في الرقم 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 305

و لو دلّ حديث على التحريم، فتأويله أو طرحه متعيّن، لمعارضته مع الرضوي المنجبر بالأصل و الشهرة التي كادت أن تكون إجماعا: «لا تمس القرآن إذا كنت جنبا أو على غير وضوء، و مسّ الأوراق» «1».

فالقول به- كما عن السيد «2»- ضعيف جدّا.

و منها: النوم، بالإجماع، كما في المعتبر و المنتهى، و عن الغنية و ظاهر التذكرة «3»، فهو فيه الحجة، مضافا إلى المعتبرة:

كصحيحة الحلبي: عن الرجل أ ينبغي له أن ينام و هو جنب؟ قال: «يكره ذلك حتى يتوضّأ» «4».

و مفهوم الرضوي: «و لا بأس أن تنام على جنابتك بعد أن تتوضّأ وضوء الصلاة» «5».

و المروي في العلل: «لا ينام المسلم و هو جنب و لا ينام إلّا على طهور، فإن لم يجد الماء فليتيمّم بالصعيد» «6».

و صحيحة عبد

الرحمن: عن الرجل يواقع أهله أ ينام على ذلك؟ قال: «إنّ اللَّه يتوفّى الأنفس عند منامها، و لا يدري ما يطرقه من البليّة، إذا فرغ فليغتسل» «7».

و موثّقة سماعة: عن الجنب يجنب ثمَّ يريد النوم، قال: «إن أحبّ أن يتوضّأ فليفعل، و الغسل أفضل من ذلك، فإن نام فلم يتوضّأ و لم يغتسل، فليس عليه

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 85، المستدرك 1: 464 أبواب الجنابة ب 11 ح 1.

(2) نقله عنه في المعتبر 1: 190.

(3) المعتبر 1: 191، المنتهى 1: 89، الغنية (الجوامع الفقهية): 550، التذكرة 1: 25.

(4) الفقيه 1: 47- 179، الوسائل 2: 227 أبواب الجنابة ب 25 ح 1.

(5) فقه الرضا عليه السلام: 84، المستدرك 1: 298 أبواب الوضوء ب 11 ح 1.

(6) العلل: 295، الوسائل 2: 227 أبواب الجنابة ب 25 ح 3.

(7) التهذيب 1: 372- 1137، الوسائل 2: 228 أبواب الجنابة ب 25 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 306

شي ء» «1».

وجه دلالة الأخيرين: أنّ مقتضاهما استحباب الغسل للجنب قبل النوم، فيكره ضدّه، و هو: النوم، بناء على ما أثبتناه [1] من كون الأمر الاستحبابي نهيا تنزيهيا عن ضدّه الخاص.

و بالأخيرة و بصحيحة الأعرج: «ينام الرجل و هو جنب و تنام المرأة و هي جنب» «2» يضعّف انتهاض ما كان ظاهره التحريم لإثباته، مع أنّه للإجماع مخالف.

ثمَّ مقتضى الأولى مؤيّدا بالثانية، كظاهر الأكثر، بل عليه الإجماع في اللوامع: انتفاء الكراهة بالوضوء. و هو كذلك، لذلك.

فإطلاق الكراهية- كما عن الاقتصاد «3»- بعيد عن السداد. و كذلك ما قيل من تخفيفها به «4»، و حكي عن ظاهر النهاية و السرائر «5»، فإنّ مفهوم الغاية صريح في انتهاء الكراهة.

و ليس مقتضى أحبّيّة الغسل

من الوضوء- كما في الموثّقة- و لا مقتضى التعليل بما علّل في الصحيحة بقاءها إلى الاغتسال أصلا، بل مقتضاهما استحباب الغسل، و هو مسلّم.

و أضعف منهما: القول بالزوال بالمضمضة و الاستنشاق، لعدم دليل عليه.

و لا تزول الكراهة بإرادة العود إلى الجماع كما في البحار «6»، للأصل، و عدم

______________________________

[1] في «ه» بيناه.

______________________________

(1) الكافي 3: 51 الطهارة ب 33 ح 10، التهذيب 1: 370- 1127، الوسائل 2: 228 أبواب الجنابة ب 25 ح 6.

(2) التهذيب 1: 369- 1126، الوسائل 2: 228 أبواب الجنابة ب 25 ح 5.

(3) الاقتصاد: 244.

(4) قاله في كشف اللثام 1: 82، و الرياض 1: 33.

(5) النهاية: 21، السرائر 1: 118.

(6) البحار 78: 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 307

دلالة مستنده، و هي مرسلة الفقيه المذكورة بعد صحيحة الحلبي، المتقدّمة: «أنا أنام على ذلك، و ذلك إني أريد أن أعود» «1».

لا لما قيل من أنّ المراد العود إلى الانتباه، يعني: أنّي أعلم أن لا أموت «2»، لبعده غايته.

بل لأنه يمكن أن يكون المشار إليه في ذلك الوضوء، و التعليل لترك الغسل.

و هل يقوم التيمّم مقام الوضوء عند عدم الماء في إزالة الكراهة؟ الظاهر العدم، للأصل.

نعم، مفاد [المروي في العلل ] [1] بدليته عنه عنده في الاستحباب. و هو كذلك، بل هو مقتضى عموم بدليته. و يتخيّر حينئذ في نية البدلية عن أحد الطهورين، و لعلّ عن الغسل أفضل.

و منها: الخضاب، و هو ما يتلوّن به اللحية و الأطراف من حناء و غيره، كما قيل «3»، و الأولى بحكم التبادر: و نحوه [2].

و كراهته هي الأظهر الأشهر بل من غير خلاف ظهر، و نسبته إلى الصدوق في الفقيه غير جيّد، لنفيه البأس عنه «4»، و

هو لا ينافي الكراهة على الأصح، بل عن الغنية الإجماع عليه «5»، فهو حجّة المسألة، مضافا إلى المستفيضة:

كرواية ابن جذاعة: «لا تختضب الحائض و لا الجنب، و لا تجنب و عليها

______________________________

[1] بدل ما بين المعقوفين في النسخ: الموثقة، و هو سهو كما يظهر بالمراجعة.

[2] أي تبديل غيره بنحوه (منه رحمه اللَّه).

______________________________

(1) الفقيه 1: 47- 180، الوسائل 2: 227 أبواب الجنابة ب 25 ح 2.

(2) قال به في الحدائق 3: 141.

(3) قاله في الرياض 1: 33.

(4) الفقيه 1: 48.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 308

خضاب، و لا يجنب هو و عليه خضاب، و لا يختضب و هو جنب» «1».

و رواية ابن يونس: عن الجنب يختضب أو يجنب و هو مختضب؟ فكتب عليه السلام: «لا أحبّ له» «2».

و روايتي مسمع «3» و أبي سعيد «4» و المروي في مكارم الأخلاق: «يكره أن يختضب الرجل و هو جنب» و قال: «من اختضب و هو جنب أو أجنب في خضابه لم يؤمن عليه أن يصيبه الشيطان بسوء، فإنّ الشيطان يحضرهما عند ذلك» «5».

و لا يحرم إجماعا محقّقا و منقولا، للأصل، و خلوّ ما مرّ جميعا من الدالّ عليه، مضافا إلى المستفيضة المجوّزة له، كحسنة الحلبي «6» و روايات السكوني «7» و أبي جميلة «8» و علي «9» و موثّقة سماعة «10» مع إشعار رواية ابن يونس، و العلّة المذكورة في

______________________________

(1) التهذيب 1: 182- 521، الاستبصار 1: 116- 388، الوسائل 2: 222 أبواب الجنابة ب 22 ح 9.

(2) التهذيب 1: 181- 519، الاستبصار 1: 117- 392، الوسائل 2: 222 أبواب الجنابة ب 22 ح 8.

(3) التهذيب 1: 181- 518، الاستبصار 1: 116- 387، الوسائل 2:

222 أبواب الجنابة ب 22 ح 5.

(4) التهذيب 1: 181- 517، الاستبصار 1: 116- 386، الوسائل 2: 221 أبواب الجنابة ب 22 ح 4.

(5) مكارم الأخلاق 1: 191- 565، 566، و ليس فيه قوله: فان الشيطان ..، نعم هو وارد في ذيل حديث آخر فانظر المكارم و الوسائل 2: 223 أبواب الجنابة ب 22 ح 10.

(6) الكافي 3: 51 الطهارة ب 33 ح 11، الوسائل 2: 223، أبواب الجنابة ب 23 ح 1.

(7) الكافي 3: 51 الطهارة ب 33 ح 12، التهذيب 1: 130- 357، الاستبصار 1: 116- 391، الوسائل 2: 221 أبواب الجنابة ب 22 ح 3.

(8) الكافي 3: 51 الطهارة ب 33 ح 9، الوسائل 2: 221 أبواب الجنابة ب 22 ح 1.

(9) التهذيب 1: 183- 525، الاستبصار 1: 116- 390، الوسائل 2: 222 أبواب الجنابة ب 22 ح 7.

(10) التهذيب 1: 182- 524، الاستبصار 1: 116- 389 و فيه: عن علي، الوسائل 2: 222 أبواب الجنابة ب 22 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 309

رواية المكارم.

و منها: الأدهان، لصحيحة حريز: الجنب يدهن ثمَّ يغتسل؟ قال:

«لا» «1».

و منها: الجماع إذا كانت الجنابة من الاحتلام، للمروي في مجالس الصدوق و الخصال: «و كره أن يغشى الرجل المرأة و قد احتلم حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى، فإن فعل و خرج الولد مجنونا فلا يلومنّ إلّا نفسه» «2».

و أما المباحة [1]: فما عدا ما ذكر، للأصل السالم عن المعارض.

البحث الثالث: في غايات غسل الجنابة.

أي ما يغسل له، و هو بين ما يجب الغسل له و ما يستحب.

أما الأول: فيجب للصلاة الواجبة بأنواعها شرعا و شرطا، بالضرورة، و الكتاب، و السنّة المتواترة التي منها ما دلّ على إعادة

الصلاة بترك غسل الجنابة أو بعضها.

ففي رواية الحلبي: فيمن أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج الشهر: «عليه أن يقضي الصلاة و الصيام» «3».

و في رواية الصيقل: فيمن تيمّم و قام يصلي، فمرّ به نهر و قد صلّى ركعة:

«فليغتسل و ليستقبل الصلاة» «4».

______________________________

[1] يعني الأمور المباحة للجنب، فهي معطوفة على قوله: أمّا المكروهة في ص 296.

______________________________

(1) الكافي 3: 51 الطهارة ب 33 ح 6، التهذيب 1: 129- 355، الاستبصار 1: 117- 393، الوسائل 2: 220 أبواب الجنابة ب 21 ح 1.

(2) مجالس الصدوق: 248، الخصال: 520.

(3) التهذيب 4: 311- 938، الوسائل 2: 257 أبواب الجنابة ب 39 ح 1.

(4) التهذيب 1: 406- 1277، الاستبصار 1: 168- 581 بتفاوت يسير، الوسائل 3: 383 أبواب التيمم ب 21 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 310

و في رواية زرارة: فيمن ترك بعض ذراعه أو بعض جسده في غسل الجنابة حتى دخل في الصلاة: «إن رآه و به بلّة مسح عليه و أعاد الصلاة» «1» إلى غير ذلك.

و الحق بها أجزاؤها المنسية و المرغمتان [1] و سجود التلاوة. و عدم وجوبه لصلاة الميت، للمعارض، أو انتفاء الحقيقة.

و لواجب الطواف بالإجماع و المستفيضة دون مندوبه و إن وجب للازمه [2].

و لصوم رمضان على المشهور. و يأتي الكلّ في محلّه.

و للواجب من مسّ المصحف، و قراءة العزائم، و دخول المسجدين على القول بحرمته على الجنب، و اللبث في كلّ مسجد، و وضع شي ء فيه، لتحريمها على الجنب كما مرّ.

و للنذر و شبهه.

و قيل: للتحمّل عن الغير «2». و عرفت ما فيه في بحث الوضوء «3».

و الحقّ: انحصار وجوبه بالغير، فلا يجب لنفسه، وفاقا للحلّي «4»، و المحقّق

«5»، و الكركي «6»، و الشهيدين «7»، بل أكثر المتأخّرين كما في اللوامع، بل هو المشهور مطلقا كما في الحدائق «8» و المعتمد، للأصل، حيث إنّ الكلّ قائلون

______________________________

[1] و هما سجدتا السهو.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    311     البحث الثالث: في غايات غسل الجنابة. ..... ص : 309

[2] و هو دخول المسجد الحرام.

______________________________

(1) الكافي 3: 33 الطهارة ب 22 ح 2، التهذيب 1: 100- 261، الوسائل 2: 260 أبواب الجنابة ب 41 ح 2.

(2) الشهيد في الألفية: 26.

(3) راجع ص 25.

(4) السرائر 1: 58، 129.

(5) الشرائع 1: 11.

(6) جامع المقاصد 1: 264.

(7) الشهيد الأول في الدروس 1: 86، و الشهيد الثاني في الروض: 51.

(8) الحدائق 3: 61.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 311

بالغيري، و تؤيّده: صحيحة زرارة، المتقدّمة في مسألة وجوب الوضوء «1».

و الاستدلال بالآية «2»، و بأخبار الجنب إذا فجأها الحيض قبل الغسل- كحسنة الكاهلي: في المرأة يجامعها الرجل فتحيض و هي في المغتسل، قال: «قد جاء ما يفسد الصلاة فلا تغتسل» «3» و بمضمونها موثّقات حجّاج «4» و زرارة «5» و أبي بصير «6» و ابن سنان «7»، حيث إنّها ظاهرة في أنّ نفي الغسل بمجي ء ما يفسد الصلاة لأجل أنها الغرض منه- ضعيف.

أما الأولى: فلتوقّف الاستدلال على عطف قوله إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً على فَاغْسِلُوا و هو غير معلوم، لجواز العطف على إِذا قُمْتُمْ و ما ذكروا في إثبات الأول غير صالح للتعيين.

و أمّا الثانية: فلأنّ النهي عن الاغتسال فيها إمّا للجواز، لوروده بعد الأمر، كما قيل، أو للمرجوحية من الحرمة أو الكراهة، كما هو الظاهر منهم و مقتضى النهي.

فعلى الأول كما يمكن أن يكون تجويز التأخير لانحصار وجوبه

في الغيري و عدم وجوب الغير حينئذ، يمكن أن يكون لأجل اشتراط تضيق وجوبه المانع عن

______________________________

(1) راجع ص 27

(2) المائدة: 6.

(3) الكافي 3: 83 الحيض ب 8 ح 1، التهذيب 1: 370- 1128، الوسائل 2: 314 أبواب الحيض ب 22 ح 1.

(4) التهذيب 1: 395- 1227، الاستبصار 1: 147- 504، الوسائل 2: 264 أبواب الجنابة ب 43 ح 6.

(5) التهذيب 1: 395- 1225، الاستبصار 1: 146- 502، الوسائل 2: 263 أبواب الجنابة ب 43 ح 4.

(6) التهذيب 1: 395- 1226، الاستبصار 1: 147- 503، الوسائل 2: 263 أبواب الجنابة ب 43 ح 5.

(7) الكافي 3: 83 الحيض ب 8 ح 2، التهذيب 1: 395- 1223، الوسائل 2: 265 أبواب الجنابة ب 43 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 312

جواز تأخيره، بتضيق وقت ذلك الغير، كما هو المتّفق عليه بين أرباب القولين، فإذا لم يجب ذلك الغير لا يكون مضيّقا. و عدّه بعيدا- كما في اللوامع- لا وجه له.

و على الثاني لا يمكن أن يكون النهي لوجوبه الغيري و لأنّ الغير هو الغرض منه، لأنّه غير صالح للنهي، و لذا أفتى القائلون بالغيري بجوازه قبل وجوب الغير بل باستحبابه. و كون مشروعيته له لا يستلزم كونه في وقته. فلا محالة يكون النهي لأمر آخر [يسببه ] [1] مجي ء مفسد الصلاة، فيمكن أن يكون المراد أنّ سبب مشروعية الغسل رفع الحدث به و حدوث الحالة المبيحة، فإذا جاء مفسد الصلاة لا يحصلان، فلا يشرع الغسل. يعبّر عن الحدث و مانع الاستباحة بمفسد الصلاة، لأنّ العامة لا يفهمون منهما غالبا إلّا ذلك، بل في رواية سعيد بن يسار: في المرأة ترى الدم و هي جنب أ تغتسل

من الجنابة أم غسل للجنابة و الحيض؟ فقال: «قد أتاها ما هو أعم من ذلك» «1» إشعار به.

و خلافا للمحكي عن ابن شهرآشوب «2» و ابن حمزة «3»، و المنتهى و التحرير، و المختلف «4»، و المدنيات للفاضل، و والده «5»، و الراوندي «6»، و جماعة من المتأخّرين كالأردبيلي «7»، و المدارك [2]، و الذخيرة، و الكفاية «8»، و عزاه الأول «9» إلى السيد «10»،

______________________________

[1] في «ح» و «ه»: بنسبة، و في «ق»: بنيّة، و الصواب ما أثبتناه.

[2] لم نعثر عليه فيه.

______________________________

(1) الكافي 3: 83 الحيض ب 8 ح 3، الوسائل 2: 314 أبواب الحيض ب 22 ح 2 بتفاوت.

(2) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 80.

(3) الوسيلة: 54.

(4) المنتهى 1: 93، التحرير 1: 12، المختلف: 29.

(5) نسبه إليه في المختلف: 29.

(6) فقه القرآن 1: 31.

(7) مجمع الفائدة 1: 136.

(8) الذخيرة: 55، الكفاية: 3.

(9) يعني ابن شهرآشوب كما في كشف اللثام 1: 80.

(10) الذريعة للمرتضى 1: 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 313

و أنكره الحلّي «1».

لمعلّقات وجوب الغسل على الجنابة أو الدخول أو الإنزال أو التقاء الختانين من دون اشتراط شي ء آخر، من الآية و الروايات، فيكون واجبا لنفسه.

و موجبات تغسيل من مات جنبا غسل الجنابة «2»، من غير تقييدها بوجوب غايته عليه.

و صحيحة عبد الرحمن، المتقدّمة في نوم الجنب «3»، أمر فيها بالغسل خوفا من الموت في المنام قبله، و لو لا وجوبه بنفسه، لم يأمر به و لم يتصوّر خوف منه.

و يجاب عن الأول: بما مرّ في الوضوء «4». مع أنّه قد عرفت كون الآية محتملة لوجهين.

و عن الثاني: بمنع وجوب التغسيل و إنّما هو مندوب.

و لو سلّم، فلا يثبت وجوب الغسل

حال الحياة نفسيا، لجواز أن يكون لوجوب التغسيل علّة أخرى غير استدراك الواجب الفائت، بل هو الظاهر.

و عن الثالث: بأنّ الأمر فيه ليس للوجوب، باعتراف المستدلّ أيضا، فإنّه لا يقول بالتضييق بإرادة النوم، و الندب ملتزم عند القائل بالغيري، و الخوف إنّما هو من ملاقاة اللَّه سبحانه جنبا، و لا شك أنّه مما يكره.

و أمّا الثاني: فيستحب للمندوب من الصلاة و الطواف و المس و لبث المساجد و دخول المسجدين و قراءة العزائم، و وجهه ظاهر.

و للنوم، لصحيحة عبد الرحمن و موثّقة سماعة، المتقدّمتين «5».

و لتلاوة القرآن و دخول المساجد و الكون على الطهارة و التأهّب للفريضة.

______________________________

(1) السرائر 1: 133.

(2) الوسائل 2: 540، 541 أبواب غسل الميت ب 31 ح 5 إلى 8.

(3) ص 305.

(4) راجع ص 28.

(5) في ص 305.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 314

و يظهر وجه الجميع ممّا ذكر في استحباب الوضوء لها.

البحث الرابع: في واجباته
اشاره

و هي أمور:

الأوّل: النية

مقارنة لأول أفعاله الواجبة، أو المستحبة، أو مقدماته، مستدامة حكما إلى الفراغ، على ما تقدّم تحقيقها، و ما يتعلّق بها في الوضوء.

و هل يجب في غسل الجنابة قصد كونه للجنابة، أم يكفي قصد الغسل و إن لم يلتفت إلى أنه غسل جنابة؟

الأظهر: الثاني، للأصل، و عدم دليل على وجوب ذلك القصد.

و تعدّد الأغسال المستقرة في الذمة وجوبا أو استحبابا و عدم التميّز إلّا بالقصد لا يفيد، لما مرّ في بحث الوضوء من عدم وجوب قصد المميّز إلّا مع اشتمال المأمور به على جزء لا يتحقّق إلّا بالقصد، فيجب قصده حينئذ.

فإن قلت: قد صرّحت الأخبار بأنّ غسل الجنابة واجب، و وردت الأوامر المتعدّدة بغسل الجنابة، فيكون المأمور به هو الإتيان بغسل الجنابة لا مطلق الغسل، فتكون الجنابة قيدا للمأمور به، و تحقّق الغسل المقيّد بهذا القيد إنّما هو بالقصد، فيجب قصده.

قلنا: يمكن أن يكون المعنى أنّ الغسل للجنابة واجب، بأن يكون القيد بيانا للسبب لا جزءا للمأمور به، مع أنّه إنّما يفيد للقصد على القول بعدم ثبوت التداخل قهرا.

و منه يظهر عدم وجوب قصد المميّز في شي ء من الأغسال الواجبة و المستحبة أيضا، لجريان الكلام فيها بعينه.

فلو كان على أحد عشرة أغسال، و أراد عدم التداخل، فغسل عشر مرات، يصحّ و يبرأ عن الجميع و إن لم يعيّن في كلّ واحد أنه أيّ غسل. و لو غسل خمسا برئ من خمس. و عدم تعيّنه غير ضائر، كما مرّ في الوضوء.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 315

و فرّق في المعتبر بين الأغسال المندوبة و الواجبة «1»، فقال باشتراط نية السبب في الأولى دون الثانية. و لا وجه له.

و الثاني: غسل البشرة

بما يسمّى غسلا و لو كان كالدهن، كما

مرّ في الوضوء.

و الثالث: استيعاب جميع البشرة بالغسل
اشاره

، فلو أهمل جزءا منها لم يجزئ إجماعا، و هو الحجة فيه. مضافا إلى الأصل، و الاستصحاب، و المستفيضة من الأخبار الآمرة بغسل الجسد كلّه.

كصحيحة زرارة، و فيها: «ثمَّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك، ليس بعده و لا قبله وضوء، و كلّ شي ء أمسسته الماء فقد أنقيته» «2».

و موثّقة سماعة، و فيها: «ثمَّ يفيض الماء على جسده كلّه» «3».

و مرسلة الفقيه، و فيها: «لأنّ الجنابة خارجة من كلّ جسده، فلذلك وجب عليه تطهير جسده كلّه» «4».

و الدالّة على وجوب غسل كلّ جزء الشامل بإطلاقه أو عمومه لليسير و الكثير، كمفهوم صحيحة محمّد: عن الجنب به الجرح فيتخوّف الماء إن أصابه، قال: «فلا يغسله إن خشي على نفسه» «5».

و الاختصاص بموضع الجرح غير ضائر، لعدم الفاصل.

و صحيحة زرارة و فيها: قلت له: رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل الجنابة، فقال: «إذا شك ثمَّ كانت به بلّة و هو في صلاته مسح بها عليه،

______________________________

(1) المعتبر 1: 361.

(2) التهذيب 1: 370- 1131، الوسائل 2: 230، أبواب الجنابة ب 26 ح 5.

(3) التهذيب 1: 132- 364، الوسائل 2: 231 أبواب الجنابة ب 26 ح 8.

(4) الفقيه 1: 44- 171، الوسائل 2: 178 أبواب الجنابة ب 2 ح 1.

(5) التهذيب 1: 363- 1099، الوسائل 2: 261 أبواب الجنابة ب 42 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 316

و ان كان استيقن رجع و أعاد عليه الماء ما لم يصب بلة» «1».

أو على عدم طهارة ما لم يصبه الماء و عدم إجزائه، كمفهوم صحيحة محمّد و حسنة زرارة.

ففي الأولى: «فما جرى عليه الماء فقد طهر» «2».

و في الثانية: «فما جرى عليه الماء

فقد أجزأه» «3».

و بالقسمين الأخيرين يظهر ضعف قول من احتمل عدم البطلان بخروج الجزء اليسير، تمسّكا بصدق غسل تمام الجسد معه «4». مع أنّه ممنوع جدّا.

ثمَّ إنّه يتفرّع على ما ذكر: وجوب إيصال الماء إلى تحت الشعر بتخليله مطلقا، كثيفا كان أو خفيفا، و إلى تحت كلّ مانع يرفعه.

و يدلّ على الأول أيضا بخصوصه- بعد الإجماع المحقّق، المصرّح به في كلام جماعة، منهم: المدارك و اللوامع و المعتمد، و عن الفاضل «5» و أمالي الصدوق «6»- النبوي المقبول: «تحت كلّ شعرة جنابة، فبلّوا الشعر و انقوا البشرة» «7».

و الرضوي المنجبر: «و ميّز الشعر بأناملك عند غسل الجنابة، فإنّه يروى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: أنّ تحت كلّ شعرة جنابة، فبلّغ الماء تحته في أصول الشعر كلّها، و خلّل أذنيك بإصبعيك، و انظر أن لا تبقى شعرة من رأسك و لحيتك

______________________________

(1) الكافي 3: 33 الطهارة ب 22 ح 2 باختلاف يسير، التهذيب 1: 100- 261، الوسائل 2: 260 أبواب الجنابة ب 41 ح 2.

(2) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 1، التهذيب 1: 132- 365، الاستبصار 1: 123- 420، الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.

(3) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 3، الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 2.

(4) مشارق الشموس للمحقق الخوانساري: 170.

(5) المدارك 1: 292، و لم نعثر على دعوى الإجماع في كتب الفاضل.

(6) أمالي الصدوق: 516.

(7) سنن ابن ماجه 1: 196- 597.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 317

إلّا و يدخل تحتها الماء» «1».

و بهذه الأدلّة تخصّص بالوضوء صحيحة زرارة: أ رأيت ما كان تحت الشعر؟

قال: «كلّ ما أحاط به الشعر فليس على

العباد أن يغسلوه و لا يبحثوا عنه، و لكن يجري عليه الماء» «2».

و يخصّص بغير ذلك ما نفى غسل البواطن.

و لا منافاة في كفاية ثلاث غرفات للرأس، و لا في صحيحة محمّد: «الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزأها» «3» لما ذكر.

أما الأول: فلوصول الثلاث إلى البشرة لو كشف شعر الرأس و اللحية.

و أما الثاني: فلإمكان أن يكون المراد بالموصول البشرة، يعني: البشرة التي بلغ عليها بلل الماء من الشعر أجزأها، و لا يحتاج إلى إجراء الماء عليها معها، و لا إلى التخليل، بل لا يحصل له معنى تام غير ذلك، كما لا يخفى على المتأمّل.

فاحتمال عفو ما تحت الشعور الكثيفة و الاكتفاء بالظاهر- كما عن المحقّق الأردبيلي «4»- غير جيّد.

و على الثاني [1] بخصوصه: ما تقدم في بحث الوضوء، من صحيحة علي، و حسنة ابن أبي العلاء «5»، مضافا إلى الرضوي: «و إن كان عليك خاتم فحوّله عند الغسل، و إن كان عليك دملج و علمت أنّ الماء لا يدخل تحته فانزعه» «6».

و توهّم مخالفة ذيل حسنة ابن أبي العلاء، فاسد، لاختصاصها بالوضوء،

______________________________

[1] هذا عطف على قوله: و يدل على الأول، المتقدم في ص 316.

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 83، المستدرك 1: 479 أبواب الجنابة ب 29 ح 3.

(2) التهذيب 1: 364- 1106، الوسائل 1: 476 أبواب الوضوء ب 46 ح 2.

(3) الكافي 3: 82 الحيض ب 7 ح 4، التهذيب 1: 400- 1249، الاستبصار 1: 148- 508، الوسائل 1: 311 أبواب الحيض ب 20 ح 2.

(4) مجمع الفائدة 1: 137.

(5) المتقدمتين في ص 106.

(6) فقه الرضا عليه السلام: 84، المستدرك 1: 482 أبواب الجنابة ب 33 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 2، ص: 318

و قد مرّ دفعها فيه أيضا.

نعم، ربما تشعر بالمخالفة موثّقة عمار: في الحائض تغتسل و على جسدها الزعفران لم يذهب به الماء، قال: «لا بأس به» «1».

و خبر السكوني: «كنّ نساء النبي إذا اغتسلن من الجنابة يبقين صفرة الطيب على أجسادهن، و ذلك أنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله، أمرهنّ أن يصببن الماء صبّا على أجسادهن» «2».

و صحيحة الخراساني: الرجل يجنب فيصيب جسده و رأسه الخلوق، و الطيب، و الشي ء اللكد مثل علك الروم و الطراز و ما أشبهه، فيغتسل، فإذا فرغ وجد شيئا قد بقي في جسده من أثر الخلوق و الطيب و غيره، قال: «لا بأس» «3».

و لكنها غير ناهضة للمعارضة، لشذوذها، و مخالفتها لعمل الأصحاب، المخرجة إيّاها عن الحجية.

مع أنّ عدم إذهاب الماء بالزعفران- كما في الأول- لا يستلزم عدم وصول الماء تحته، و بقاء الصفرة و الأثر- كما في الأخيرين- لا يستلزم بقاء العين المانعة من وصول الماء، و لذا لا تجب إزالتهما في التطهير من النجاسات، فهنا أولى.

فروع:

أ: ظاهر الأصحاب على ما صرّح به جماعة: عدم وجوب غسل الشعر، بل في المعتبر «4»، و شرح القواعد للكركي «5»، و اللوامع، و المعتمد، و عن الذكرى «6»:

______________________________

(1) الكافي 3: 82، الحيض ب 7 ح 5، الفقيه 1: 55- 208، التهذيب 1: 400- 1248، الوسائل 2: 240 أبواب الجنابة ب 30 ح 3.

(2) التهذيب 1: 369- 1123 بتفاوت يسير، الوسائل 2: 239 أبواب الجنابة ب 30 ح 2.

(3) الكافي 3: 51 الطهارة ب 34 ح 7، التهذيب 1: 130- 356، الوسائل 2: 239 أبواب الجنابة ب 30 ح 1.

(4) المعتبر 1: 194.

(5) جامع المقاصد 1: 278 و لكن

لم ينقل الإجماع.

(6) الذكرى: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 319

الإجماع عليه، و هو الحجة فيه، مضافا إلى الأصل المؤيّد بخلوّ الأخبار البيانية عنه، مع خروجه عن مسمّى الجسد قطعا، و بالصحيح: «لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة» «1» الشامل لما لا يبلغ إليه الماء مع عدم النقض.

و ربما نسب إلى المقنعة «2» الخلاف في ذلك و إيجاب غسل الشعر. و فيه تأمّل.

و يظهر الميل إليه عن جماعة من متأخّري المتأخّرين «3»، للنبوي المتقدّم.

و صحيحة محمّد، المتقدّمة «4».

و صحيحة حجر: «من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار» «5».

و موثّقة الساباطي: عن المرأة تغتسل و قد [امتشطت ] بقرامل و لم تنقض شعرها، كم يجزيها من الماء؟ قال: «مثل الذي يشرب شعرها» «6» الحديث.

و لدخوله في مصداق الرأس و الجانب الأيمن و الأيسر الواردة في الأخبار.

و يضعّف الأول: بالضعف الخالي عن الانجبار. و البواقي: بعدم الدلالة:

أمّا الثاني: فلما مرّ. مع أنّه لو أفاد ذلك، لدلّ على عدم لزوم بلوغ الماء جسدها، و كفاية بلوغه الشعر، و هم لا يقولون به.

و أمّا الثالث: فلإجمال ما يترك في الشعر، فكما يمكن أن يكون المعنى: من ترك شعرة و لم يغسلها، يمكن أن يكون: من ترك شعرة و لم يخللها و لم يغسل ما

______________________________

(1) الكافي 3: 45 الطهارة ب 29 ح 16، التهذيب 1: 162- 466، الوسائل 2: 255 أبواب الجنابة ب 38 ح 3.

(2) المقنعة: 52.

(3) منهم الشيخ البهائي في الحبل المتين: 42، و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 56.

(4) راجع ص 316.

(5) التهذيب 1: 135- 373، أمالي الصدوق: 391- 11، الوسائل 2: 175 أبواب الجنابة ب 1 ح 5.

(6) الفقيه 1: 55- 208

بتفاوت يسير، الوسائل 2: 257 أبواب الجنابة ب 38 ح 6 و في النسخ:

«انبسطت» بدل «امتشطت».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 320

تحتها.

مع أنه يمكن أن تكون لفظة «من» بيانية، فيكون المراد مقدار شعرة، بل لا يبعد دعوى ظهور هذا المعنى من ذلك التركيب.

و أمّا الرابع: فلأنّ مثل القدر المذكور فيه حين عدم نقض الشعر ممّا لا بدّ منه في تروية الرأس.

و أمّا [دخوله ] [1] في الرأس و الجانبين، فلو سلّم إنّما يفيد مع عموم فيها، و ليس كذلك.

ثمَّ ما ذكر من عدم وجوب غسل الشعر، إنّما هو إذا لم يتوقّف غسل البشرة عليه، و إلّا فيجب لوجوب ما لا يتم الواجب إلّا به، فيجب غسل الحاجبين و الأهداب لذلك، بل الاحتياط أن يغسل جميع الشعور.

ب: يجب غسل الظفر بالإجماع. و حكم المتجاوز منه عن حدّ الإصبع و ما تحته من الجلدة ما مرّ في بحث الوضوء، إلّا أنّه لمّا انحصر الدليل فيه في المورد بالإجماع الغير المعلوم تأتّيه إلى المتجاوز أيضا يتأتّى الإشكال فيه. و كونه من الجسد محلّ المنع.

ج: يجب غسل العضو الزائد و السلعة و أمثالها، لصدق الجسد على الأوّل بل الثاني، مع تضمّن الثاني بعض الجسد الغير المتيقّن غسله إلّا بغسل الجميع.

د: الواجب غسل الظواهر دون البواطن بالإجماع و المستفيضة:

كخبر زرارة: «إنّما عليك أن تغسل ما ظهر» «1».

و مرسلة الواسطي: الجنب يتمضمض؟ قال: «لا، إنّما يجنب الظاهر» «2».

______________________________

[1] في جميع النسخ: وجوبه، و ما أثبتناه هو الصحيح.

______________________________

(1) التهذيب 1: 78- 202، الاستبصار 1: 67- 201، الوسائل 1: 431 أبواب الوضوء ب 29 ح 6.

(2) التهذيب 1: 131- 360، الاستبصار 1: 118- 396، الوسائل 2: 226 أبواب الجنابة ب 24 ح 6.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 321

و مثلها المروي في العلل، و زاد فيه: «و لا يجنب الباطن، و الفم من الباطن» «1».

و فيه أيضا: في غسل الجنابة: «إن شئت أن تمضمض و تستنشق فافعل و ليس بواجب، لأن الغسل على ما ظهر لا على ما بطن».

و خبر الحضرمي: «ليس عليك مضمضة و استنشاق لأنهما من الجوف» «2».

و من الظواهر: معاطف الآذان و الآباط، و عكن البطون في السمان، و ما تحت الثدي من النسوان، إجماعا، مع شهادة العرف في الكلّ، و خصوص الرضوي المتقدّم «3» في الأول.

و منها: السرّة، و مواضع الكيّ، و ما يبدو من الشق و من الفرج، و أمّا ما يبدو منه عند الجلوس لقضاء الحاجة فالظاهر كونه من الباطن. و الأحوط: غسل ما ظهر من الباطن بالقطع.

و من البواطن: داخل الفم و الأنف و العين و الصماخ و الفرج بالإجماع و العرف.

و الثقب التي في الاذن و الأنف للحلقة إن كانت بحيث لا يرى باطنها فمن البواطن، و إلّا فمن الظواهر.

و شقوق الجراحات المحشوة بالدواء، و الثقب المحشوة بالنيل للزينة من الباطن ظاهرا إن استقرّ فيها الحشو بحيث لا يمكن إخراجه أو يعسر، و إن أمكن، فالظاهر وجوب الإخراج.

و الرابع: المباشرة إجماعا

، لما في الوضوء مع تفصيل ما يتعلّق بالمقام.

و الخامس: إباحة الماء و إطلاقه و طهارته

، و إباحة المكان الذي يتبعه الهواء

______________________________

(1) العلل: 287، الوسائل 2: 226 أبواب الجنابة ب 24 ح 7، 8.

(2) الكافي 3: 24 الطهارة ب 16 ح 3، التهذيب 1: 78- 201، الاستبصار 1: 117- 395، الوسائل 1: 432 أبواب الوضوء ب 29 ح 10.

(3) في ص 316.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 322

الواقع فيه الغسل، كما مرّ في الوضوء، و يأتي في التيمّم.

و السادس: الترتيب
اشاره

، بتقديم الرأس على سائر الجسد، بالإجماع المحكي عن الخلاف و الانتصار و الغنية و السرائر و التذكرة و غيرها «1»، بل المحقّق حتى عن الصدوقين «2»، لتصريحهما بوجوب إعادة الغسل لو بدأ بغير الرأس، فنسبة الخلاف هنا إليهما غير جيّد.

فالمخالف فيه منحصر بالإسكافي «3»، و هو في الإجماع غير قادح، مع أنه أيضا لم يصرّح بالنفي، بل قيل بإشعار كلامه بالثبوت «4»، فيكون إجماعا من الكلّ، فهو الحجة فيه، مع صحيحة حريز: في الوضوء يجف، قال: قلت: فإن جف الأول قبل أن أغسل الذي يليه؟ قال: «جف أو لم يجف اغسل ما بقي» قلت: و كذلك غسل الجنابة؟ قال: «هو بتلك المنزلة، ابدأ بالرأس ثمَّ أفض على سائر جسدك» قلت: و إن كان بعض يوم؟ قال: «نعم» «5».

و حسنة زرارة: «من اغتسل من جنابة فلم يغسل رأسه، ثمَّ بدا له أن يغسل رأسه، لم يجد بدّا من إعادة الغسل» «6».

و الرضوي المنجبر ضعفه بما مرّ: «فإذا بدأت بغسل جسدك قبل الرأس، فأعد الغسل على جسدك بعد غسل الرأس» «7».

المؤيدة بأخبار أخر قاصرة عن إفادة الوجوب، إمّا لاشتمالها على لفظ الخبر،

______________________________

(1) الخلاف 1: 132، الانتصار 1: 30، الغنية (الجوامع الفقهية): 554، السرائر 1: 135، التذكرة 1: 24، و كالمنتهى 1: 83.

(2)

الفقيه 1: 49 و نقله فيه عن والده أيضا.

(3) نقله عنه في الذكرى: 101.

(4) القائل صاحب الرياض 1: 30.

(5) التهذيب 1: 88- 232، الاستبصار 1: 72- 222، الوسائل 1: 447 أبواب الوضوء ب 33 ح 4.

(6) الكافي 3: 44 الطهارة ب 29 ح 9، الوسائل 2: 235 أبواب الجنابة ب 28 ح 1.

(7) فقه الرضا عليه السلام: 85، المستدرك 1: 473 أبواب الجنابة ب 20 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 323

كصحيحة محمّد «1» و ما يحذو حذوها، أو على الترتيب الفعلي، كالحسن [1]، أو على ما يمنع من حمل ما وضع للوجوب على حقيقته، كموثّقة سماعة، فإنّ فيها: «ثمَّ ليصب على رأسه ثلاث مرات مل ء كفّيه» «2» فإنّ التقييد بالثلاث مانع عن حمل الأمر على الوجوب.

ثمَّ بما ذكر يدفع الأصل و تقيّد الإطلاقات.

و أمّا صحيحة هشام «3»، المتضمّنة لأمر الصادق عليه السلام، الجارية بغسل جسدها قبل الرأس في واقعة، فمعارضة مع صحيحة محمّد «4»، المتضمنة للعكس في تلك الواقعة بعينها، الراجحة على الأولى بشذوذها المخرج إيّاها عن الحجية.

و منه يظهر أنّ الأخيرة دليل آخر مستقلّ على ما نحن فيه.

و المناقشة في الروايات: بعدم دلالتها على وجوب تقديم جميع أجزاء الرأس، مردودة بعدم القول بالفصل.

______________________________

[1] يعني به ما اشتمل على بيان فعل الإمام عليه السلام و أنه عليه السلام غسل مرتبا، و الظاهر أنه أشار بقوله: كالحسن إلى ما رواه زرارة- بسند فيه إبراهيم بن هاشم- في حديث كيفيّة غسل الجنابة: «قال: ثمَّ بدأ بفرجه ثمَّ صب على رأسه ثلاث أكف ثمَّ صب على منكبه الأيمن مرتين ..»، الوسائل 2: 235 أبواب الجنابة ب 28 ح 2، و تعرض لنحو هذا في الرياض

1:

30. و لكن لا يخفى أن الحسنة المذكورة أجنبية عن بيان فعل الإمام رأسا، و التوهم نشأ من إرجاع الضمير في قوله «بدأ.» إلى الامام عليه السلام، و هو خطأ منشؤه تقطيع الرواية- كما هو غير عزيز في الوسائل- و قد روى في الوسائل تمام الرواية في ب 26 من أبواب الجنابة، فراجع.

______________________________

(1) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 1، التهذيب 1: 132- 365، الاستبصار 1: 123- 420، الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.

(2) التهذيب 1: 132- 364، الوسائل 2: 231 أبواب الجنابة ب 26 ح 8.

(3) التهذيب 1: 134- 370، الاستبصار 1: 124- 422، الوسائل 2: 236 أبواب الجنابة ب 28 ح 4.

(4) التهذيب 1: 134- 371، الاستبصار 1: 124- 423، الوسائل 2: 237 أبواب الجنابة ب 29 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 324

و هل يدخل العنق في الرأس، فيجب تقديمه على باقي الأعضاء، و يجوز تقديمه على المنابت و الوجه، أو لا، فيغسل مع الباقي، و يقدّم جميع أجزاء المنابت و الوجه عليه؟

المحكي عن صريح المقنعة، و التحرير «1»، و كتب الشهيد «2»، ناقلا عن الجماعة، و ظاهر أبي الصلاح «3»، و الغنية، و المهذب «4»- و إن احتمل خلافه-:

الأول. و نفى عنه بعض مشايخنا خلافا يعرف «5»، و قيل: بل هو كالإجماع «6».

و استند فيه إلى مقابلة الرأس مع المنكب و الكتف في مضمرة زرارة «7» و موثّقة سماعة «8»، فإنّه لو لا دخول العنق في الرأس، لكان إمّا مهملا، أو داخلا في المنكب، و هما باطلان قطعا.

و يخدشه: أنّه إن أريد بطلان دخوله في معنى المنكب، فهو كذلك، بل هو كذلك في الرأس أيضا.

و

إن أريد دخوله في حكمه، فأراد من غسل المنكب غسله مع العنق مجازا، فلا نسلّم بطلانه، كالرّجلين و اليدين و العورة و البطن، فإنّ شيئا منها لا يدخل في المنكب قطعا.

و لذا استشكل فيه جماعة من المتأخّرين، منهم: صاحبا الذخيرة «9» و رياض

______________________________

(1) المقنعة: 52، التحرير 1: 12.

(2) البيان: 55، الدروس 1: 96، الذكرى: 100.

(3) الكافي: 133.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 554، المهذب 1: 46.

(5) الحدائق 3: 65.

(6) الرياض 1: 30.

(7) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 3، الوسائل 2: 235 أبواب الجنابة ب 28 ح 2.

(8) التهذيب 1: 132- 364، الوسائل 2: 231 أبواب الجنابة ب 26 ح 8.

(9) الذخيرة: 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 325

المسائل «1»، بل عن الإشارة غسل كلّ من الجانبين إلى رأس العنق «2»، و هو ظاهر في غسله مع الجانبين.

و هو جيّد، لإطلاق بعض الأخبار في غسل باقي الجسد بعد الرأس.

و الأجود أن يحتاط بضمّه إلى الرأس ثمَّ غسله مع الجانبين، نصفه مع الميامن و نصفه مع المياسر.

و في وجوب الترتيب بين باقي الجسد، فتقدّم الميامن كلّها على المياسر، أو عدمه فيتخيّر و إن استحب- لاستحباب التيامن في الطهور، و التفصّي عن الخلاف- وجهان، بل قولان:

الأول للأكثر، بل عليه الإجماع البسيط عن جميع من مرّ في الرأس و غيره، و المركّب- ممّن رتب الرأس و الوضوء- عن الفاضل «3» و الشهيدين «4»، للإجماعين المنقولين، و استدعاء الشغل اليقيني للبراءة اليقينية، و الترتيب الذكري في جملة من الأخبار «5»، سيما مع إفادة الواو للترتيب عند الفرّاء، خصوصا مع عطف اليمين على الرأس بها أيضا في بعض المعتبرة المفيدة فيه للترتيب قطعا [مع أنّه لو لا الترتيب لكفى أن

يقول: اغسل جسدك ] [1].

و العامي: «إذا اغتسل النبي بدأ بميامنه و فضل الأيمن على الأيسر» [2].

______________________________

[1] ما بين المعقوفين في النسخ كان مؤخرا عن الحديث العامي، و قدمناه لاقتضاء السياق.

[2] أسندها العلامة في المنتهى 1: 83 إلى عائشة، و الذي عثرنا عليه في كتبهم عن عائشة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بدأ بشق رأسه الأيمن ثمَّ الأيسر ثمَّ أخذ بكفيه الماء فقال بهما على رأسه ..

و كان رسول اللَّه يعجبه التيمن في تنعله و ترجله و طهوره و في شأنه كله. السنن للبيهقي 1: 184، 216.

______________________________

(1) على ما نقل عنه في الحدائق 3: 65، و لا يخفى أنه غير الرياض المعروف و أنّ مؤلفه من مشايخ صاحب الحدائق الذي يعبّر عنه بشيخنا المحقق.

(2) الإشارة: 72.

(3) المنتهى 1: 83، التحرير 1: 12، التذكرة 1: 24.

(4) الشهيد الأول في الذكرى: 101، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 53.

(5) الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 2 و ب 31 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 326

و لزوم تقديم الأيمن في غسل الميت بالإجماع و النصوص «1»، مع ما ورد في بعض الأخبار أنّ غسل الميت مثل غسل الجنابة «2».

و لما في المستفيضة المروية في العلل و العيون و غيرهما من الكتب المعتبرة: «أن تغسيل الميّت لأجل خروج النطفة، فلذلك غسّل غسل الجنابة» «3» و مقتضاها: أنّه عينه، فيتّحدان في جميع الأحكام.

و يضعّف الأولان: بمنع حجية الإجماع المنقول جدّا، سيما مع وجود المخالف في الأول، و الفاصل في الثاني.

و الثالث: بحصول البراءة اليقينية بمطلق الغسل، للإطلاقات.

و الرابع: بمنع استلزامه الترتيب الفعلي، سيما مع تصريح الجمهور بعدم إفادة الواو له، و العطف على

الرأس بالواو لا يوجب إرادة الترتيب منها، إذ لعلّه أراد بيان وجوب مطلق غسله، و استفيد الترتيب فيه من مواضع أخر.

و الخامس: بمنع الدلالة، و قد فضّل الصدر و الظهر في بعض الأخبار أيضا.

و السادس: بمنع دلالة التشبيه على المماثلة في جميع الأحكام، فلعلّها في أصل الوجوب، أو مع بعض أحكام أخر، سيما مع اختلافهما في أحكام كثيرة.

مع أنّ عموم المماثلة إنّما كان مفيدا لو قال: غسل الجنابة كغسل الميت، و أمّا العكس- كما هو المذكور- فلا يفيد إلّا ثبوت جميع أحكام غسل الجنابة لغسل الميت، غاية الأمر أنّه يتخلّف في بعض الأحكام التي منها عدم وجوب الترتيب بدليل آخر، مع أنّ عدم وجوبه لا يعدّ من أحكامه، فإنّه قضية الأصل.

و السابع: بأنّ مقتضاه عدم ترك شي ء ممّا يجب في غسل الجنابة لا عدم

______________________________

(1) الوسائل 2: 479 أبواب غسل الميت ب 2.

(2) الوسائل 2: 486 أبواب غسل الميت ب 3.

(3) العلل: 300، العيون 2: 112، الوسائل 2: 478 أبواب غسل الميت ب 1 ح 3، 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 327

الزيادة عليه، و لذا يغسّل الميت ثلاثة أغسال، و يجب في بعضها الخليط.

و الحاصل: أنّ تغسيل الميت غسل الجنابة لا ينافي أن يجب فيه أمر زائد على ما يجب فيه، فإنّ مع الترتيب أيضا يتحقّق غسل الجنابة.

و لضعف تلك الوجوه، مضافا إلى الأصل و الإطلاقات المنضمّة مع ترك الاستفصال في صحيحة زرارة: رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده في غسل الجنابة، إلى أن قال: «و إن كان استيقن رجع و أعاد الماء عليه ما لم يصب بلة» إلى أن قال: «و إن رآه و به بلّة مسح عليه و أعاد الصلاة» «1»

الحديث، المؤيّدة بالرضوي حيث قال بعد ذكر كيفية الغسل: «تصبّ على رأسك ثلاث أكف، و على جانبك الأيمن مثل ذلك، و على جانبك الأيسر مثل ذلك، و على صدرك ثلاث أكف، و على الظهر مثل ذلك. و قد يروي: تصبّ على الصدر من حدّ مدّ العنق، ثمَّ تمسح سائر بدنك بيديك» «2» بل بصحيحة حريز، المتقدّمة «3» المصرّحة بوجوب البدأة بالرأس قبل سائر الجسد و عدم التعرض للسائر.

مال [1] جماعة من المتأخّرين، كشيخنا البهائي «4»، و المجلسي «5»، و صاحبي المدارك و الذخيرة و الوافي «6»، و غيرهم إلى الثاني، وفاقا للمحكي عن ظاهر طائفة من القدماء، كالصدوقين «7»، و القديمين «8»، و صاحب الإشارة «9»، و هو قويّ

______________________________

[1] اي و لضعف تلك الوجوه مال ..

______________________________

(1) الكافي 3: 33 الطهارة ب 23 ح 2، التهذيب 1: 100- 261، الوسائل 2: 260 أبواب الجنابة ب 41 ح 2.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 81، المستدرك 1: 470 أبواب الجنابة ب 18 ح 2.

(3) في ص 322.

(4) الحبل المتين: 41.

(5) البحار 78: 54.

(6) المدارك 1: 295، الذخيرة 56، الوافي 6: 517.

(7) علي بن بابويه، نقله عنه في الفقيه 1: 46، و محمّد بن علي في المقنع: 12، و الهداية: 20،

(8) و هما الإسكافي و العماني، نقله عنهما في الذكرى: 101.

(9) الإشارة: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 328

جدّا، و أمر الاحتياط ظاهر.

و هنا مسائل:

المسألة الأولى:

ظاهر عبارات الأصحاب: عدم وجوب الابتداء بالأعلى في شي ء من الأعضاء. و هو كذلك، للأصل، و الصحيحة المصرّحة باكتفاء الإمام بغسل ما بقي في ظهره بعد الإتمام من اللمعة «1». و ليس فيها تصريح أو ظهور في النسيان أو الغفلة المنافيين للعصمة، إذ

لعل الراوي ظنّ فراغه عن الغسل و إن لم يفرغ عليه السلام بعد، و إن طالت المدّة، لعدم اشتراط الموالاة في الغسل.

و أمّا قوله في حسنة زرارة: «ثمَّ صبّ على رأسه ثلاث أكف، ثمَّ صبّ على منكبه الأيمن مرتين، و على منكبه الأيسر مرتين» «2». و في صحيحته: «ثمَّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك» «3» فلا يفيد الوجوب، لكونه إخبارا.

مع أنّ التقييد في الأولى بالمرّتين يمنع عن الحمل على الوجوب لو أفاده أيضا، و احتمال إرادة تحديد المغسول في الثانية قائم.

المسألة الثانية:

حكم السرّة و العورتين على القول بعدم الترتيب بين الجانبين واضح.

و أمّا على القول بالترتيب فيجب غسل كلّ نصف منهما مع الجانب الذي يليه مع زيادة شي ء من باب المقدّمة.

و يحتمل الاكتفاء بغسلهما مع أحد الجانبين، لعدم الفصل المحسوس، و امتناع إيجاب غسلهما مرتين.

مع أنّ شمول الإجماعات المنقولة التي هي عمدة أدلّة ذلك القول لمثل ما نحن فيه غير معلوم، و لذا اكتفى في الذكرى- الذي هو أحد ناقلي الإجماع-

______________________________

(1) الكافي 3: 45 الطهارة ب 29 ح 15، التهذيب 1: 365- 1108، الوسائل 2: 259 أبواب الجنابة ب 41 ح 1.

(2) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 3، الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 2.

(3) التهذيب 1: 370- 1131، الوسائل 2: 230 أبواب الجنابة 26 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 329

بالغسل مع أحد الجانبين «1».

المسألة الثالثة:

المخلّ بالترتيب الواجب نسيانا أو جهلا يعيد على ما يحصله. و اللمعة المغفلة تغسل مع الجانبين إن كانت في الرأس، و مع الأيسر إن كانت في الأيمن على القول بالترتيب بينهما، و وحدها على القول الآخر، و كذا إن كانت في الأيسر.

المسألة الرابعة:

يصح الغسل بالارتماس و [1] الانغماس في الماء إجماعا، للنصوص المستفيضة:

منها: صحيحة زرارة، و فيها- بعد ذكر الترتيب-: «و لو أنّ رجلا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة، أجزأه ذلك و إن لم يدلك جسده» «2».

و حسنة الحلبي: «إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة، أجزأه ذلك من غسله» «3».

و مثله صحيحته، إلّا أنّ فيها «اغتمس» مكان «ارتمس» «4». و غير ذلك.

و مقتضى صريح الأخبار: اشتراط وحدة الارتماس عرفا في صحّة الغسل.

و هل المراد منها توالي غمس الأعضاء في الماء بحيث يتّحد الرمس، و كذا زمان رمس الجميع عرفا كما هو المشهور؟ أو المراد منها عدم التفرقة بين الأعضاء في الغمس وحده، بأن يغمس عضوا ثمَّ يخرجه و يغمس آخر مبنيا على سقوط التعدّد و الترتيب، حتى لو غمس رجله في الماء بعد ما نوى فصبر ساعة، ثمَّ غمس عضوا

______________________________

[1] في «ق»: أو.

______________________________

(1) الذكرى: 102.

(2) راجع ص 328 الهامش (3).

(3) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 5، التهذيب 1: 148- 423، الاستبصار 1: 125- 424، الوسائل 2: 233 أبواب الجنابة ب 26 ح 12.

(4) الفقيه 1: 48- 191، الوسائل 2: 232 أبواب الجنابة ب 26 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 330

آخر، و هكذا إلى أن يغطّى كلّه بالماء صحّ، كما حكي عن بعض المحققين [1]، و مال إليه بعض المعاصرين [2]؟

الحقّ هو الأوّل، لأنّه الظاهر المتبادر من وحدة ارتماس الشخص.

مع

أنّه على الثاني يلغو قيد الوحدة، إذ غمس كلّ عضو ليس غمس الجنب، فلا يحصل غمسه حينئذ، و يكفي قوله: «ارتمس الجنب» عن قيد الوحدة.

و مع قطع النظر عن ذلك، فلا شك في قيام الاحتمالين، فيجب الإتيان بالأول، عملا بمقتضى الشغل اليقيني، و استصحابا للجنابة و أحكامها.

نعم، الظاهر كفاية الارتماسة الواحدة عرفا، بأن لا يتخلّل بين غمس الأعضاء سكون محسوس و إن لم يكن في آن واحد حقيقة أو عرفا، بل كان بحركة متّصلة بطيئة في الجملة.

و على هذا فلا ينافيها التخليل المتوقّف إيصال الماء إلى جميع البشرة عليه لو لم يؤخّره، بل لا ينافي الدفعة العرفية أيضا.

و لا بدّ من مقارنة النية لابتداء الشروع في الارتماس للغسل، فلا يصح ما عن الألفية من صحة الغسل مع التأنّي لو قارنت النية الانغماس التام «1».

ثمَّ اشتراط الوحدة بالمعنى الأول يستلزم اشتراطها بالمعنى الثاني، إذ انتفاء الثاني يوجب انتفاء الأول. فلو فرّق الأعضاء في الرمس في الارتماسي، لم يكن غسله صحيحا، لانتفاء الوحدة.

و هل يصح ذلك في الترتيبي بأن يغمس رأسه أوّلا في الماء ثمَّ الأيمن ثمَ

______________________________

[1] الحاكي هو صاحب الرياض 1: 31، و لعلّ المراد بالمحكي عنه هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 80.

[2] قال في مفتاح الكرامة 1: 319: إليه مال الأستاذ المعتبر أدام اللَّه تعالى حراسته، و المراد منه كاشف الغطاء راجع كشف الغطاء: 120.

______________________________

(1) الألفية: 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 331

الأيسر، أو يصبّ على رأسه ثمَّ غمس الجانبين، أم لا، بل يشترط في الترتيبي خروج العضو من الماء و صبّه عليه؟

المذكور في كلام أكثر القدماء- في بيان الغسل الترتيبي- لفظ الصبّ أو ما بمعناه من الإفاضة أو الوضع على العضو،

ككلام الإسكافي «1»، و النهاية و المقنعة للشيخين، و الهداية للصدوق، و الوسيلة و المراسم و غيرها «2»، بل في مجالس الصدوق في وصف دين الإمامية: من أراد الغسل من الجنابة- إلى أن قال-: ثمَّ يضع على رأسه ثلاث أكف من الماء، و يميّز الشعر بأنامله حتى يبلغ الماء أصول الشعر كلّه، ثمَّ يتناول الإناء بيده و يصبّه على رأسه و بدنه «3». بل مقتضى الأدلّة وجوب الصب و اعتباره، إذ جميع أخبار الترتيب، الواردة في بيان مهيّة الغسل مصرّحة بالصبّ.

و قد صرّح بذلك بعض أجلّة المتأخّرين في شرحه على القواعد، و قال: إنّ أدلّة الترتيب منحصرة في الصب «4». و بعد انحصارها به لا وجه للتعدّي، بل منها ما هو صريح في وجوبه.

ففي رواية حكم بن حكيم في غسل الجنابة: «ثمَّ أفض على رأسك و جسدك» «5».

و في صحيحة حريز، المتقدّمة: «ثمَّ أفض على سائر جسدك» «6».

و في صحيحة زرارة: عن غسل الجنابة، فقال: «أفض على رأسك ثلاث

______________________________

(1) نقله عنه في الذكرى: 101.

(2) النهاية: 21، المقنعة: 52، الهداية: 30، الوسيلة: 56، المراسم: 42، و كالمهذب 1: 46، و السرائر 1: 121.

(3) مجالس الصدوق: 515.

(4) صرح به في كشف اللثام 1: 80.

(5) التهذيب 1: 139- 392، الوسائل 2: 230 أبواب الجنابة ب 26 ح 7.

(6) في ص 322.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 332

أكف، و عن يمينك و عن يسارك» «1».

و يؤيّده: مفهوم الوصف بالواحدة في حسنة الحلبي و صحيحته المتقدّمتين «2».

و على هذا فلا ينبغي الريب في اعتبار الصبّ في الترتيبي.

خلافا لصريح والدي- رحمه اللّه- في اللوامع، فقال بصحة الترتيبي برمس الأعضاء ترتيبا، و به يفتي جمع ممّن عاصرناهم و بعض من مشايخنا

«3»، تمسّكا ببعض إطلاقات الغسل.

و هو غريب غايته، لأنّه- مع ظهوره في الصب- مطلق بالنسبة إلى أخبار الترتيب، فكما يقيّد بالترتيب لأخباره فيجب تقييده بالصب أيضا، لتضمّن أخبار الترتيب له، مع أنّ الغسل مطلق بالنسبة إلى نفس الصب أيضا، فتقييده به لازم البتة.

و دعوى: أنّ المراد بالصب الغسل، من غرائب الدعاوي.

و التمسّك بإطلاق قول الفقهاء بوجوب غسل الرأس و الجسد من غير تقييد بالصبّ أو الإفاضة، مردود: بأنّ ذلك الإطلاق إنّما هو في كلام جماعة من اللاحقين، و أمّا القدماء فكلام كلّهم أو جلّهم- كما عرفت- مخصوص بالصب.

و مع ذلك فأيّ حجة في إطلاق بعض العبارات؟! سيما مع تصريح الصدوق بأنّ من دين الإمامية: الصب. و شيوعه في زمن الحج بحيث يحدس بأنّهم لا يغسلون ترتيبا إلّا بالصب. هذا.

ثمَّ إنّ المعتبر صدق أنّه ارتمس أو اغتمس في الماء، أي: مقل فيه و غاص و كتم، كما فسّرهما اللغويّون بها «4»، بحيث صدق ذلك في العرف، لأنّه المرجع في

______________________________

(1) التهذيب 1: 137- 384، الوسائل 2: 241 أبواب الجنابة ب 31 ح 6.

(2) في ص 330.

(3) كشف الغطاء: 121.

(4) منهم الجوهري في الصحاح 3: 936 (رمس): 956 (غمس)، و الفيروزآبادي في القاموس المحيط 2: 243 (غمس)، 228 (رمس).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 333

معرفة المعاني في مثل المقام. و لا شك أنّه لا يتوقّف على إلقاء نفسه في الماء بعد خروج جميع بدنه منه، كما قاله بعض المتأخّرين «1»، بل لو كان نصف جسده بل أزيد داخلا فيه و غاص في الماء، يقال: إنّه ارتمس و مقل فيه. و لذا ورد في الحديث: «إذا وقع الذباب في طعامكم فامقلوه، فإنّ في أحد جناحيه شفاء و في

الآخر سمّا، يقدّم الذي فيه السم» «2» فأمر بمقل الذباب مع تحقّق المقل بالنسبة إلى بعضه.

و لا ينافي ذلك الوحدة، لأنّ المراد وحدة ارتماس الشخص في إدخال ما يتوقّف صدق الارتماس عليه في الماء، و لا شك أنّ مثل هذا الشخص ارتمس عرفا ارتماسة واحدة.

نعم، الظاهر اعتبار خروج الرأس و الرقبة، بل الأحوط خروج بعض آخر أيضا، حتى يصدق عرفا أنّه ارتمس بعد ما لم يكن كذلك، فإنّه هو الظاهر المتبادر من الحديث، فلا يحكم بصحة غسل من كان منغمسا في الماء، فنوى و خرج، أو تحرّك إلى جانب آخر، و إن ادّعى والدي- رحمه اللّه- في المعتمد: الإجماع على صحة الغسل و إن لم يخرج شي ء من الأعضاء.

نعم، يجب على من كان بعضه في الماء أن يحرّك قدمه حتى يصل الماء المتجدّد حال الارتماسة الواحدة تحت قدميه، لا لتوقّف صدق الارتماسة الواحدة عليه، بل لوجوب إيصال ماء الغسل إلى كلّ جزء من بدنه بالإجماع و النصوص، فلا يفيد وصول الماء قبل ذلك الارتماس إلى جزء، و هو الظاهر، و لا بعد تمام الارتماس الواحد، لأنّه ليس ماء الغسل، بل هو منحصر بماء الارتماسة، و لذا يحكم بوجوب كون التخليل فيما يحتاج إليه في تلك الحالة.

______________________________

(1) الكفاية: 3، و نسبه صاحب الحدائق إلى شيخه عبد اللَّه بن صالح البحراني في الحدائق 3: 81.

(2) طب الأئمة: 106 بتفاوت يسير، البحار 61: 312- 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 334

و لذا لو أغفل موضعا في الارتماسي حتى انقضت الارتماسة الواحدة، يستأنف الغسل عند الفاضل في المنتهى، و والده «1»، و الدروس، و البيان «2»، و إن خالف فيه في القواعد «3»، فيكتفي بغسل اللمعة مطلقا. و

هو الأقوى، لترك الاستفصال المفيد للعموم في صحيحة زرارة، المتقدّمة «4» المتضمّنة لحكم من ترك بعض ذراعه أو جسده.

و هنا قولان آخران أيضا: أحدهما: أنّه يكتفي بغسلها و ما بعدها، و كأنّه مبني على ترتب الارتماس حكما.

و الآخر: يستأنف مع طول الزمان، و يغسلها مع قصره، و لعلّ وجهه: عدم صدق الدفعة العرفية مع طوله، و صدقها مع قصره.

و يردّ الأوّل: بعدم دليل عليه، بل عدم معنى محصّل له، بل بطلان المبني عليه.

و الثاني: بعدم صدق الدفعة و عدم كفايتها مطلقا، بل لا بدّ من غسل الجميع بالارتماسة الواحدة.

و الظاهر عدم وجوب وصول الماء إلى جميع الأعضاء حال دخول الجميع في الماء، فلو خرجت رجله من الماء غمرت في الوحل قبل دخول رأسه أو بالعكس، أجزأ على إشكال في الأخير، لصدق غسل الجميع بالارتماسة الواحدة.

المسألة الخامسة:

يصح الغسل تحت المطر بلا خلاف يعرف، لصحيحة علي: عن الرجل يجنب هل يجزيه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتى يغسل رأسه و جسده، و هو يقدر على ما سوى ذلك؟ قال: «إن كان يغسله اغتساله بالماء،

______________________________

(1) المنتهى 1: 84، و نقل فيه عن والده أيضا.

(2) الدروس 1: 97، البيان: 56.

(3) القواعد 1: 14.

(4) في ص 326.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 335

أجزأه ذلك» «1».

و مرسلة ابن أبي حمزة: في رجل أصابته جنابة فقام في المطر حتى سال على جسده، أ يجزيه ذلك من الغسل؟ قال: «نعم» «2».

و هل يجب فيه الترتيب كما عن الحلّي «3» و المعتبر «4»؟ أو لا، بل يجري مجرى الارتماس أيضا مع غزارة المطر، كما عن المقنعة [1] و الإصباح و ظاهر الاقتصاد و المبسوط «5» و جملة من كتب الفاضل «6»،

و اختاره والدي- رحمه اللَّه- و نسبه إلى الأكثر؟

الظاهر الثاني، لإطلاق الروايتين، الخالي عن التقييد، لما عرفت من عدم دلالة غير حسنة زرارة و الرضوي «7» على الوجوب، مع أنّه يتضمّن مثل الصب و الإفاضة الذي هو فعل المكلّف، فلا يشمل المورد.

و أمّا هما، فالرضوي لضعفه الخالي عن الجابر في المقام غير حجّة. و الحسنة لدلالتها على ترك الرأس إلى أن يفرغ من الغسل، بل على تأخير إرادة غسل الرأس لمكان «ثمَّ» غير مفيدة، لجواز أن يكون لا بدّية إعادة الغسل في المورد الذي يحكمون فيه بعدم الترتيب لأجل ذلك التأخير، حيث إنّ كلّ من يقول بعدم وجوب الترتيب هنا يجريه مجرى الارتماس في لزوم غسل جميع البدن دفعة عرفية متواليا من غير تراخ، و لذا قيدوا المطر بالغزير.

______________________________

[1] لم نعثر عليه في المقنعة.

______________________________

(1) الفقيه 1: 14- 27، التهذيب 1: 149- 424، الاستبصار 1: 125- 425، قرب الإسناد:

182- 672، الوسائل 2: 231 أبواب الجنابة ب 26 ح 10.

(2) الكافي 3: 44 الطهارة ب 30 ح 7، الوسائل 2: 232 أبواب الجنابة ب 26 ح 14.

(3) السرائر 1: 135.

(4) المعتبر 1: 185.

(5) الاقتصاد: 245، المبسوط 1: 29.

(6) كالمنتهى 1: 84، و التذكرة 1: 24، و التحرير 1: 12.

(7) المتقدمين ص 322.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 336

فيبقى إطلاق الروايتين خاليا عمّا يوجب تقييده في محلّ النزاع و إن قيّد بالترتيب في صورة عدم غزارة المطر بالإجماع بل الرضوي المنجبر، و بالدفعة العرفية مع غزارته بالإجماع.

مع أنّه على فرض دلالة الخبرين يتعارضان مع روايتي المطر بالعموم من وجه، و المرجع إلى إطلاقات الغسل.

و أمّا أخبار الارتماس فغير جارية هنا قطعا، لعدم تحقّق الارتماس فيه و إن

كثرت الغزارة.

دليل الأوّل: عدم منافاة الروايتين للترتيب، فلا يخرج عن مقتضى أدلّته، بل دلالة الصحيحة على ثبوته، إذ لا يمكن أن يكون المراد بقوله: «اغتساله بالماء»: المماثلة في الجريان، لتضمّن السؤال للغسل المستلزم إيّاه، فيكون في الكيفية التي منها الترتيب و الارتماس. و الثاني غير ممكن في المورد، فيكون الأول.

و فيه: ما مرّ من عدم نهوض أخبار الترتيب في المورد. و ما ذكره في الصحيحة إنّما يصح إذا كان: يغتسل [1] اغتساله بالماء، و إنّما هو: «يغسله» المستند إلى المطر، و لا معنى لاستناد الترتيب إليه.

مع أنّه يمكن أن تكون المماثلة في شمول جميع أجزاء البدن و الوصول إليه من أصول الشعور و نحوها.

و لا يبعد إلحاق الميزاب و شبهه بالمطر في انتفاء الترتيب مع الغزارة المستلزمة للدفعة العرفية بحسبها، لا للقياس بالمطر، بل لعدم شمول أدلّة الترتيب، كما مرّ.

______________________________

[1] في «ق» يغسل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 337

البحث الخامس: في آداب غسل الجنابة و سننه
اشاره

، و هي أمور:

منها: إمرار اليد

على ما جرى عليه الماء من الجسد.

لا للرضوي المتقدّم في مسألة ترتيب الجانبين «1»، كما قيل «2»، لأنّ المسح المذكور فيه إنّما هو لإيصال الماء المصبوب على الصدر إلى البدن، و لذا قيّده بالسائر، و هو غير ما نحن فيه.

و لا للاستظهار، لأنّ مع يقين الوصول لا استظهار، و مع عدمه إلّا بإمرار اليد يجب، و لا يكفي الظن في المقام.

نعم، يمكن الاستدلال به في الجملة فيما اكتفى فيه بظن الأصل كأصالة عدم الحائل.

بل للإجماع المنقول عن الخلاف و التذكرة و ظاهر المعتبر و المنتهى «3»، و صحيحة زرارة المتقدّمة في صدر مسألة الارتماس «4»، حيث دلّت لفظة «إن» الوصلية على أولوية الدلك. و ليس هي في الارتماسي، لإيجابه انتفاء الدفعة المعتبرة فيه، بل عدم إمكان ذلك الجمع تحت الماء. فيكون في الترتيبي، و يكون المعنى:

أجزأه ذلك و إن أوجب انتفاء الدلك المطلوب.

و منه يظهر اختصاص الاستحباب هنا بالترتيبي، و قد صرّح به بعض مشايخنا أيضا.

و منها: الموالاة

، لفتوى جمع من الأصحاب «5»، و عموم آيات المسارعة

______________________________

(1) في ص 327.

(2) القائل هو صاحب الرياض 1: 32.

(3) الخلاف 1: 128، التذكرة 1: 24، المعتبر 1: 185، المنتهى 1: 85.

(4) ص 329.

(5) منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 274، و صاحب المدارك 1: 298.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 338

و الاستباق «1»، و كراهة الكون على الجنابة.

و لا تجب إجماعا كما في ظاهر المدارك و البحار «2» و يشعر به كلام التهذيب «3» أيضا، و بلا خلاف كما في صريح الحدائق «4»، للأصل، و صدق الامتثال، و صحيحتي هشام «5» و محمّد «6» في قضية أم إسماعيل، و الجارية.

و حسنة اليماني: «إنّ عليا لم ير بأسا

أن يغسل الرجل رأسه غدوة و يغسل سائر جسده عند الصلاة» «7».

و الرضوي: «و لا بأس بتبعيض الغسل بغسل يديك و فرجك و رأسك، و تؤخّر غسل جسدك إلى وقت الصلاة» «8».

و صحيحة حريز، المتقدّمة في ترتيب الرأس «9»، و هي تدلّ على نفي وجوب الموالاة بمعنييها المتقدّمين في الوضوء. بل يستفاد ذلك من سائر الأخبار أيضا.

و في وجوبها على خائف فجأة الحدث الأكبر قول، استنادا إلى حرمة إبطال العمل، و كذا الخائف فجأة الأصغر- على القول بإبطاله الغسل- لذلك، و هو ضعيف.

و منها: البول أمام الغسل

إن أمكن، للاتّفاق على رجحانه، و للمحافظة

______________________________

(1) البقرة: 133، المائدة: 48.

(2) المدارك 1: 298، البحار 78: 57.

(3) التهذيب 1: 135.

(4) الحدائق 3: 83.

(5) التهذيب 1: 134- 370، الاستبصار 1: 124- 422، الوسائل 2: 236 أبواب الجنابة ب 28 ح 4.

(6) التهذيب 1: 134- 371، الاستبصار 1: 124- 423، الوسائل 2: 237 أبواب الجنابة ب 29 ح 1.

(7) الكافي 3: 44 الطهارة ب 30 ح 8، التهذيب 1: 134- 372، الوسائل 2: 238 أبواب الجنابة ب 29 ح 3.

(8) فقه الرضا عليه السلام: 85، المستدرك 1: 474 أبواب الجنابة ب 21 ح 1.

(9) في ص 322.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 339

على الغسل من طريان مزيله، و للنصوص:

منها صحيحة البزنطي: عن غسل الجنابة، إلى أن قال: «و تبول إن قدرت على البول، ثمَّ تدخل يدك في الإناء ثمَّ اغسل ما أصابك منه» «1» الحديث.

و مضمرة ابن هلال: عن رجل اغتسل قبل أن يبول، فكتب: «إنّ الغسل بعد البول إلّا أن يكون ناسيا، فلا يعيدنّ الغسل» «2».

و الرضوي: «فإذا أردت الغسل من الجنابة فاجتهد أن تبول حتى تخرج فضلة المني التي في إحليلك.

و إن جهدت و لم تقدر على البول فلا شي ء عليك، و تنظف موضع الأذى منك» «3».

و التمسّك بالنبوي: «من ترك البول على أثر الجنابة، أو شك تردّد بقية الماء في بدنه، فيورثه الداء الذي لا دواء له» «4» غير جيّد، لأنّه يدلّ على رجحانه بعد الجنابة لا قبل الغسل، فيحصل امتثاله بالبول بعد الغسل إذا اغتسل بعد الجنابة بلا مهلة.

و ظاهر تلك الأخبار كلّا أو بعضا و إن كان الوجوب، إلّا أنّ جماعة من علمائنا الأعلام كالسيد و الحلّي «5» و الفاضلين «6»، و الشهيدين «7» و جلّ من تأخّر «8»

______________________________

(1) التهذيب 1: 131- 363، الاستبصار 1: 123- 419، الوسائل 2: 247 أبواب الجنابة ب 34 ح 3.

(2) التهذيب 1: 145- 410، الاستبصار 1: 120- 407، الوسائل 2: 252 أبواب الجنابة ب 36 ح 12.

(3) فقه الرضا عليه السلام: 81، المستدرك 1: 470 أبواب الجنابة ب 18 ح 2.

(4) الجعفريات: 21، المستدرك 1: 485 أبواب الجنابة ب 37 ح 1 بتفاوت في المتن.

(5) الناصريات (الجوامع الفقهية) 188، السرائر 1: 118.

(6) المحقق في المعتبر 1: 185، و الشرائع 1: 28، و العلامة في التذكرة 1: 24، و المختلف 1: 32، و القواعد 1: 13.

(7) الأول في الدروس 1: 96، و البيان: 55، و الثاني في الروضة 1: 94، و المسالك 1: 8.

(8) كالمدارك 1: 298، و المفاتيح 1: 57، و الكفاية: 3، و الرياض 1: 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 340

عنهم لم يقولوا به، لضعف الأولى دلالة، لمكان الجملة الخبرية الغير الدالّة على الوجوب، سيما مع ورودها في سياق الأوامر المستحبة. و الثانيتين سندا، مع ما في أولاهما من العلّة باعتبار التفرقة بين

النسيان و عدمه في إعادة الغسل.

مضافا إلى أنّ مقتضى حقيقتها انحصار الغسل بما بعد البول، و أنّ قبله ليس غسلا أو ليس صحيحا، و ليس كذلك قطعا، فيكون مجازا، و هو يمكن أن يكون الغسل الكامل.

خلافا لأعيان القدماء و تابعيهم، كالصدوقين في المقنع و الهداية «1»، و الشيخين في المقنعة و المبسوط و الاستبصار و الجمل و العقود و المصباح «2» و مختصره، و الجعفي و الكيدري «3»، و الحلبي و القاضي و الديلمي «4» و ابني حمزة و زهرة «5» و صاحبي الإصباح و الجامع «6»، فقالوا بوجوبه، و اختاره بعض مشايخنا.

و احتاط بالقول به بعض آخر منهم [1].

و نفى عنه البأس في الذكرى، و نسبه إلى معظم الأصحاب «7».

و عن الغنية دعوى الإجماع عليه «8».

و قد يقال بالوجوب التخييري بينه و بين الاستبراء بالاجتهاد، و عزي ذلك إلى

______________________________

[1] قال الوحيد البهبهاني- بعد تضعيف أدلة الوجوب-: و الأحوط البناء على الوجوب. شرح المفاتيح (مخطوط).

______________________________

(1) الهداية: 20، و لم نعثر عليه في المقنع و لا على كلام والد الصدوق.

(2) المفيد في المقنعة: 52، و الطوسي في المبسوط 1: 29، و الاستبصار 1: 118، و الجمل و العقود (الرسائل العشر) 161، و المصباح: 9.

(3) نقله عنهما في الذكرى: 103.

(4) الكافي في الفقه: 133، المهذب 1: 45، المراسم: 41.

(5) الوسيلة: 55، الغنية (الجوامع الفقهية) 554.

(6) الجامع للشرائع: 39.

(7) الذكرى: 103.

(8) الغنية: (الجوامع الفقهية): 554.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 341

الشيخ و ابني حمزة و زهرة «1».

و استدلّوا بما مرّ، مع الاعتراض عليه.

و هو قويّ جدّا، للرضوي المتقدّم. و يجاب عن ضعفه بانجباره بما مرّ من الشهرة القديمة و المحكية في الذكرى، و الإجماع المحكيّ.

و حمل كلام

الموجبين على الوجوب الشرطي بعيد غايته، سيما كلام من ذكر بلفظ الأمر، و هو أكثرهم.

و استدلال بعضهم «2» بأخبار إعادة الغسل مع الإخلال به، و خروج شي ء من الذكر، لا يدلّ على إرادته الشرطي، إذ لعلّه أراد الاستدلال [على وجوب ] [1] محافظة الغسل عن مزيله، كما احتجّ به في الذكرى «3»، و إن كان في تماميته نظر.

و تضعيف القول بالوجوب: بأخبار الإعادة حيث إنّهم لم ينكروا على السائلين تركهم البول، و بخلوّ أكثر أخبار بيان الغسل عنه مع التعرّض للآداب المستحبة، و بعدم شيوعه مع أنّه لو كان لشاع و اشتهر «4»، ضعيف غايته.

أمّا الأوّل: فلأن أكثر أخبار الإعادة «5» متضمّنة لفرض الترك، إمّا من الراوي أو المروي عنه، و ليس فيها ترك السائل. مع أنّ عدم الإنكار حين السؤال عن الحكم لا يدلّ على عدمه مطلقا.

و أمّا الثاني و الثالث: فظاهر. مع أنّ الظاهر أنّ القائل بوجوبه لا يجعله من الغسل جزءا و لا شرطا، بل هو واجب برأسه قبل الغسل، فلا يضرّ خلوّ أخبار

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) المبسوط 1: 29، الغنية (الجوامع الفقهية): 554، الوسيلة: 55، و لا يستفاد منه الوجوب التخييري فإنه أوجب أولا: الاستبراء بالبول ثمَّ الاجتهاد لو لم يتأت البول.

(2) كالشيخ في الاستبصار 1: 118.

(3) الذكرى: 103.

(4) كما في شرح المفاتيح: (مخطوط).

(5) الوسائل 2: 250، أبواب الجنابة ب 36.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 342

بيان الغسل منه.

و مقتضى التعليل المذكور في الرضوي- مطابقا لصريح جملة من الأصحاب منهم الفاضل «1» و الشهيدان «2» و المحقق الثاني «3»- اختصاصه بالمنزل، إذ بدونه لا تتحقّق فضلة للمني.

و أمّا إطلاق الصحيحة و المضمرة «4»: فلا يفيد في الوجوب. مع

أنّه لا إطلاق في الصحيحة، لظهورها في المنزل أيضا، لمكان قوله: «و اغسل ما أصابك منه». فلا يجب إلّا عليه، و إن احتمل الاستحباب مطلقا.

كما أنّ مقتضى كون الخطاب في الصحيحة إلى الراوي الذي هو الرجل، و اختصاص السؤال به مع تذكير الضمائر التي بعد الجواب في المضمرة، و ذكر الإحليل و تذكير الخطاب في الرضوي، مع أنّه كتب الكتاب للمأمون و خطاباته إليه كما يظهر منه، مضافا إلى الأصل و انتفاء الإجماع على الشركة في المقام:

اختصاصه بالرجل، وفاقا لأكثر من ذكر، و خلافا للمقنعة و النهاية «5» فعمّماه، و لا وجه له سيما مع ظهور اختصاص الحكمة.

و منها: الاستبراء باليد

إن لم يتيسّر البول، تبعا للمحكي عن المشهور بين المتأخّرين «6»، و حذرا عن مخالفة من أوجبه حينئذ، كما عن الشيخين «7» و القاضي «8»

______________________________

(1) التحرير 1: 13، التذكرة 1: 24، المنتهى 1: 92.

(2) الأول في الدروس 1: 96، و الثاني في الروضة 1: 94، و الروض: 55، و المسالك 1: 8.

(3) جامع المقاصد 1: 265.

(4) المتقدمتين ص 339.

(5) المقنعة: 52، النهاية: 21.

(6) حكاه في الحدائق 3: 115.

(7) المفيد في المقنعة: 52، و الطوسي في النهاية: 21، و المبسوط 1: 29، و الجمل و العقود (الرسائل العشر): 161.

(8) نسبه إليه في الذكرى: 103.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 343

و ابني حمزة و زهرة «1»، و هما كافيان في المقام.

و أمّا وجوبه حينئذ فلا دليل عليه، كما لا دليل على استحبابه أو وجوبه بعد البول للغسل، لأجل الغسل. و كلام من ندبه أو أوجبه معه- في هذا المقام- يشعر بأنّه لأجل الغسل، فإنّه مستحب أو واجب- على اختلاف القولين- بعد البول مطلقا أيضا، كما مرّ في بحث

الاستنجاء مع كيفية الاستبراء.

و منها: غسل اليدين

إجماعا فتوى و نصّا، إلى الزندين مشهورا، للمستفيضة المصرّحة بغسل الكفين «2».

و أفضل منه دون المرفق، لموثّقة سماعة «3».

و الأكمل إلى المرفق، لصحيحتي البزنطي «4»، و يعقوب بن يقطين «5»، و المروي في قرب الإسناد للحميري «6»، و في الخصال: «إذا أراد أحدكم الغسل فليبدأ بذراعيه فليغسلهما» «7».

و أمّا رواية يونس في غسل الميت: «يغسل يده ثلاث مرات، كما يغتسل الإنسان من الجنابة إلى نصف الذراع» «8» فلا تدلّ على استحباب ذلك التحديد في غسل الجنابة أيضا، لجواز كون التشبيه في الغسل.

مقدّما على المضمضة و الاستنشاق، لصحيحة زرارة «9» و موثّقة أبي

______________________________

(1) الوسيلة: 55، الغنية (الجوامع الفقهية) 554.

(2) انظر الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26.

(3) التهذيب 1: 132- 364، الوسائل 2: 231، أبواب الجنابة ب 26 ح 8.

(4) التهذيب 1: 131- 363، الاستبصار 1: 123- 419، الوسائل 2: 247 أبواب الجنابة ب 34 ح 3.

(5) التهذيب 1: 142- 402، الوسائل 2: 246 أبواب الجنابة ب 34 ح 1.

(6) قرب الإسناد: 368- 1319، الوسائل 2: 233 أبواب الجنابة ب 26 ح 16.

(7) الخصال: 630، الوسائل 2: 265 أبواب الجنابة ب 44 ح 2.

(8) الكافي 3: 141 الجنائز ب 18 ح 5، التهذيب 1: 301- 877، الوسائل 2: 265 أبواب الجنابة ب 44 ح 1.

(9) التهذيب 1: 148- 422، الوسائل 2: 225، أبواب الجنابة ب 24 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 344

بصير «1». بل على غسل الفرج أيضا كما يستفاد من الأخبار.

ثلاثا بالإجماع، لصحيحة الحلبي و مرسلة الفقيه المتقدّمتين في غسل اليدين للوضوء «2»، و الرضوي: «و تغسل يديك إلى المفصل ثلاثا» «3».

و بها تقيّد الروايات المطلقة، كما هو

مقتضى القواعد الشرعية.

سواء في ذلك، الغسل من الإناء الواسع الذي يدخل فيه اليد، و الضيّق الذي يصب منه الماء، لإطلاق صحيحتي محمّد «4» و زرارة «5» و غيرهما. بل سواء فيه الغسل الترتيبي و الارتماسي، لإطلاق رواية الحضرمي: كيف أصنع إذا أجنبت؟

قال: «اغسل كفك و فرجك، و توضّأ وضوء الصلاة ثمَّ اغتسل» «6».

و التخصيص بالأول للتصريح بإدخال اليد في بعض الأخبار بعد إطلاق بعض آخر، لا وجه له، و جعله من باب حمل المطلق على المقيد خطأ.

و منها: المضمضة و الاستنشاق

، إجماعا كما في المدارك «7»، للنصوص، بعد تطهير الفرج، كما في صحيحة زرارة «8» و موثّقة أبي بصير «9».

ثلاثا في كلّ منهما، كما عن المقنعة و النهاية و السرائر و الوسيلة و المهذّب

______________________________

(1) التهذيب 1: 131- 362، الاستبصار 1: 118- 398، الوسائل 2: 225 أبواب الجنابة ب 24 ح 2.

(2) تقدمتا في ص 166.

(3) تقدم ص 339.

(4) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 1، التهذيب 1: 132- 365، الاستبصار 1: 123- 420، الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.

(5) راجع ص 343 الهامش (9).

(6) التهذيب 1: 104- 269، الاستبصار 1: 97- 314، الوسائل 2: 247 أبواب الجنابة ب 34 ح 6.

(7) المدارك 1: 302.

(8) التهذيب 1: 148- 422، الوسائل 2: 225 أبواب الجنابة ب 24 ح 1.

(9) التهذيب 1: 131- 362، الاستبصار 1: 118- 398، الوسائل 2: 225 أبواب الجنابة ب 24 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 345

و الإصباح و التذكرة و التحرير و الذكرى و البيان «1»، لفتوى هؤلاء، مضافا إلى الرضوي: و قد يروى: أن يتمضمض و يستنشق ثلاثا، و روي: مرة يجزيه، و الأفضل الثلاث «2».

مقدّما الثلاث الأولى

على الثانية، للشهرة المحكية. و إن جاز عكسه أيضا على ما مرّ في الوضوء.

و منها: الغسل بصاع من الماء

- و هو تسعة أرطال بالعراقي- بالإجماع و النصوص.

و لا يجب إجماعا منّا، لاستفاضة أخبارنا بإجزاء مثل الدهن، و بطهارة ما جرى عليه الماء من الجسد «3».

و ما ظاهره الوجوب محمول على الاستحباب، جمعا، أو وارد مورد التقية، لأنّ الوجوب مذهب أبي حنيفة «4».

و المستفاد من ظواهر عبارات أصحابنا الأخيار، و صريح والدي- رحمه اللَّه-: عدم استحباب الغسل بالزائد من الصاع، و هو مقتضى الأصل.

إلّا أنّ الفاضلين صرّحا باستحبابه أيضا و ادّعيا الوفاق عليه «5». و هو يقتضي ثبوته، للتسامح في المقام.

و لا تنافيه مرسلة الفقيه: «و سيأتي قوم يستقلون ذلك- أي الصاع- فأولئك على خلاف سنتي» «6» إذ استحباب الزائد لا ينافي كراهة استقلال الصاع، بل

______________________________

(1) المقنعة: 52، النهاية: 21، السرائر 1: 118، الوسيلة: 56، المهذب 1: 45، التذكرة 1: 24، التحرير 1: 13، الذكرى: 104، البيان: 55.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 81، المستدرك 1: 468 أبواب الجنابة ب 16 ح 1.

(3) الوسائل 2: 240 أبواب الجنابة ب 31.

(4) كما نقله عنه في الخلاف 1: 129 و قال ابن قدامة في المغني 1: 256: و حكي هذا عن أبي حنيفة و لكن يظهر من بدائع الصنائع 1: 35 أنه أنكر النسبة.

(5) المعتبر 1: 186، المنتهى 1: 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    346     و منها: التثليث في غسل كل عضو ..... ص : 346

(6) الفقيه 1: 23- 70، الوسائل 1: 483 أبواب الوضوء ب 50 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 346

حرمته.

ثمَّ صريح صحيحة الفضلاء «1» و ظاهر غيرها من الصحاح «2»: اختصاص الاستحباب بالصاع

بحالة الانفراد، و كفاية الأقلّ مع الاشتراك. و هو ظاهر والدي رحمه اللَّه به و لا بأس به، لما ذكر.

و في دخول ماء غسل اليد و المضمضة و الاستنشاق و تطهير الفرج في الصاع وجهان، و الدخول ليس ببعيد.

و منها: المبالغة في إيصال الماء

و الاستظهار فيه، لما في حسنة جميل: «يبالغن في الغسل» «3» و صحيحة محمّد: «يبالغن في الماء» «4» و الرضوي: «و الاستظهار فيه إذا أمكن» «5».

و منها: التثليث في غسل كلّ عضو

في الترتيبي، لفتوى جماعة.

و الاستدلال بأخبار ثلاث أكف «6» ليس بسديد، لإمكان إرادة الصب بثلاث أكف من غير تثليث في الغسل، أو إرادة هذا المقدار كما يستفاد من الرضوي: «تصب على رأسك ثلاث أكف، و على جانبك الأيمن مثل ذلك، و على جانبك الأيسر مثل ذلك» إلى أن قال: «و إن كان الصب بالإناء جاز الاكتفاء بهذا المقدار» «7».

و الإسكافي «8» استحبّ للمرتمس ثلاث غوصات يخلّل شعره و يمسح جسده

______________________________

(1) التهذيب 1: 370- 1130، الوسائل 2: 243 أبواب الجنابة ب 32 ح 5.

(2) الوسائل 1: 481 أبواب الوضوء ب 50.

(3) الكافي 3: 45 الطهارة ب 29 ح 17، التهذيب 1: 147- 418، الوسائل 2: 255، أبواب الجنابة ب 38 ح 2.

(4) التهذيب 1: 147- 419، الوسائل 2: 255 أبواب الجنابة ب 38 ح 1.

(5) فقه الرضا عليه السلام: 81، المستدرك 1: 470 أبواب الجنابة ب 18 ح 2.

(6) الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26.

(7) راجع الهامش (5).

(8) نقله عنه في الذكرى: 105.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 347

في كلّ منها. و نفى عنه الشهيد البأس «1»، و استظهره والدي. و لا بأس به، لذلك.

(و منها: الدعاء بالمأثور

في موثّقة الساباطي «2» و رواية محمّد بن مروان «3»، إمّا قبل الغسل أو بعده) [1].

البحث السادس: في أحكامه.
اشاره

و هي أمور نذكرها في مسائل:

المسألة الأولى:
اشاره

البلل الخارج بعد الغسل، إن علمه منيا أو بولا، لحقه حكمه إجماعا، فتوى و نصا، و إن علمه غيرهما، لم يلزمه شي ء كذلك.

و إن اشتبه، فإن كان الغسل بعد البول و الاستبراء، فلا غسل و لا وضوء أيضا بالإجماع، للأصل، و الاستصحاب، و العمومات، و خصوص المستفيضة النافية للغسل بعد البول، و الوضوء بعد الاستبراء.

فمن الأولى: موثّقة سماعة: عن الرجل يجنب، ثمَّ يغتسل قبل أن يبول، فيجد بللا بعد ما يغتسل، قال: «يعيد الغسل، و إن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله، و لكن يتوضّأ و يستنجي» «4».

و صحيحة الحلبي: عن الرجل يغتسل ثمَّ يجد بعد ذلك بللا، و قد كان بال قبل أن يغتسل، قال: «إن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد الغسل» [2].

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ق».

[2] الكافي 3: 49 الطهارة ب 32 ح 2، التهذيب 1: 143- 405، الاستبصار 1: 118- 400، الوسائل 2: 250 أبواب الجنابة ب 36 ح 5. و لا يخفى أن تعبير الماتن عنها بالصحيحة مع اشتمال سندها على إبراهيم بن هاشم يخالف دأبه من التعبير عن مثلها بالحسنة.

______________________________

(1) الذكرى: 105.

(2) التهذيب 1: 367- 1116، الوسائل 2: 254، أبواب الجنابة ب 37 ح 3.

(3) التهذيب 1: 146- 414، الوسائل 2: 253 أبواب الجنابة ب 37 ح 1.

(4) الكافي 3: 49 الطهارة ب 32 ح 4، التهذيب 1: 144- 406، الاستبصار 1: 119- 401، الوسائل 2: 251 أبواب الجنابة ب 36 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 348

و صحيحة محمّد: عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شي ء، قال:

«يغتسل و يعيد الصلاة إلّا أن يكون

بال قبل أن يغتسل، فإنه لا يعيد غسله».

قال محمّد: و قال أبو جعفر عليه السلام: «من اغتسل و هو جنب قبل أن يبول، ثمَّ وجد بللا فقد انتقض غسله، و إن كان بال ثمَّ اغتسل ثمَّ وجد بللا فليس ينقض غسله، و لكن عليه الوضوء، لأن البول لم يدع شيئا» «1».

و حسنة الحلبي: عن الرجل يغتسل ثمَّ يجد بعد ذلك بللا، و قد كان بال قبل أن يغتسل قال: «ليتوضّأ، و إن لم يكن بال قبل الغسل فليعد الغسل» «2».

وجه دلالتها على المطلوب بضميمة أن التفصيل قاطع للشركة.

و نحوها: رواية ابن ميسرة في رجل رأى بعد الغسل شيئا، قال: «إن كان بال بعد جماعة قبل الغسل فليتوضّأ، و إن لم يبل حتى اغتسل، ثمَّ وجد البلل فليعد الغسل» «3».

و من الثانية ما مرّ في مسألة الاستبراء من الصحيحة و الحسنتين و غيرها «4».

و أمّا ما في الأخبار المتقدّمة من الأمر بالوضوء، فمحمول على عدم الاستبراء، لعمومها بالنسبة إليه.

و اختصاصها بما بعد الجنابة لا يخصّصها، لعدم القول بالفصل. مع أنّه على فرض الاختصاص يكون التعارض بالعموم من وجه، و المرجع الأصل.

و أمّا ما في صحيحة ابن عيسى: هل يجب الوضوء ممّا خرج من الذكر بعد

______________________________

(1) التهذيب 1: 144- 407، الاستبصار 1: 119- 402 و ليس فيه: لأنّ البول ..، الوسائل 2: 251 أبواب الجنابة ب 36 ح 6، 7.

(2) الفقيه 1: 47- 186، الوسائل 2: 250 أبواب الجنابة ب 36 ح 1، و لم يظهر وجه للتعبير عنها بالحسنة مع كونها صحيحة فلاحظ.

(3) التهذيب 1: 144- 408، الاستبصار 1: 119- 403، الوسائل 2: 252 أبواب الجنابة ب 36 ح 9.

(4) تقدم في ج 1 ص 323،

324.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 349

الاستبراء؟ فكتب: «نعم» «1» فبالشذوذ مردود. مع أنّه- كما في الاستبصار «2»- موافق للعامة. و مع ذلك هي بالنسبة إلى ما مرّ عامة، فإرادة ما علم كونه بولا متعيّنة.

و إن لم يأت بشي ء منهما، يجب عليه الغسل على الأشهر الأظهر، بل عن الحلّي «3» و الفاضل «4» الإجماع عليه، لما تقدّم من الأخبار منطوقا و مفهوما، مضافا إلى صحيحتي سليمان «5» و منصور «6»، و بها تخصّص عمومات عدم نقض اليقين بالشك.

و أمّا الروايات الدالّة على عدم الإعادة مع عدم البول مطلقا، كروايتي الشحام «7» و عبد اللَّه بن هلال «8» و مرسلة الفقيه «9»، أو مع نسيان البول خاصة، كروايتي جميل «10» و أحمد بن هلال «11» فمع ضعفها سندا و شذوذها- لعدم قائل

______________________________

(1) التهذيب 1: 28- 72، الاستبصار 1: 49- 138، الوسائل 1: 285 أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 9.

(2) الاستبصار 1: 49، و انظر بداية المجتهد 1: 34.

(3) السرائر 1: 122.

(4) المختلف: 32.

(5) الكافي 3: 49 الطهارة ب 32 ح 1، التهذيب 1: 143- 404، الاستبصار 1: 118- 399، الوسائل 2: 201 أبواب الجنابة ب 13 ح 1.

(6) التهذيب 1: 148- 421، الوسائل 2: 201 أبواب الجنابة ب 13 ح 2.

(7) التهذيب 1: 145- 412، الاستبصار 1: 119- 405، الوسائل 2: 253 أبواب الجنابة ب 36 ح 14.

(8) التهذيب 1: 145- 411، الاستبصار 1: 119- 404، الوسائل 20: 252 أبواب الجنابة ب 36 ح 13.

(9) الفقيه 1: 47- 187، الوسائل 2: 250 أبواب الجنابة ب 36 ح 2.

(10) التهذيب 1: 145- 409، الاستبصار 1: 120- 406، الوسائل 2: 252 أبواب الجنابة ب 36 ح

11.

(11) التهذيب 1: 145- 410، الاستبصار 1: 120- 407، الوسائل 2: 252 أبواب الجنابة ب 36 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 350

بمضمونها سوى ما نقل عن ظاهر الفقيه و المقنع «1» من الاكتفاء بالوضوء- أعمّ مطلقا من الأخبار المتقدّمة، لاختصاص ما تقدّم بالمشتبه إجماعا، و شمول هذه لما علم عدم كونه منيا أو بولا أيضا. بل في الأولى و الثالثة تصريح بكونه من الحبائل التي لا شي ء فيها إجماعا.

و كذا إن لم يأت بالبول مع إمكانه و أتى بالاستبراء، على المشهور أيضا. بل عن الخلاف الإجماع عليه «2»، لإطلاق ما تقدّم من الصحاح، بل و عموم بعضها.

خلافا للمحكي عن ظاهري الشرائع و النافع «3»، فلم يوجبه، للأصل المندفع بما تقدّم.

و أمّا مع عدم إمكانه، فالحقّ المشهور- كما صرّح به جماعة- سقوط الغسل، و عدم وجوب شي ء، و هو مختار الصدوقين «4» و الشيخين «5» و الفاضلين «6»، و إليه ذهب والدي العلّامة في الكتابين، للرضوي المتقدّم «7» المنجبر في المقام بالشهرة، بل للجمع بين مطلقات الإعادة و روايتي الشحام و ابن هلال، بحمل الأخيرتين على صورة عدم الإمكان، بشهادة الرضوي.

و حمل نفي الشي ء فيه على نفي الإثم تخصيص بلا مخصّص.

و إطلاقه باعتبار خروج البلل و عدمه لا يضرّ، إذ غايته تعارضه مع موجبات الإعادة بالعموم من وجه، و يرجع إلى الأصل لو لا ترجيح ذلك بالأحدثية و موافقة الشهرة.

______________________________

(1) نقله في الحدائق 3: 29 عن الفقيه 1: 47، و المقنع: 13.

(2) الخلاف 1: 126.

(3) حكاه في الحدائق 3: 37، عن الشرائع 1: 28، و النافع: 9.

(4) لم نعثر عليه عنهما و الموجود في كلام الصدوق لا يوافقه فلاحظ الفقيه 1: 47، و

المقنع 13، و الهداية: 21.

(5) المفيد في المقنعة: 53، و الطوسي في المبسوط 1: 29، و الاستبصار 1: 120، و النهاية: 21.

(6) المحقق في الشرائع 1: 28، و النافع: 9، و العلّامة في القواعد 1: 13.

(7) ص 339.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 351

و إن عكست الحال، فبال و لم يستبرئ، يجب عليه الوضوء، بالإجماع كما في اللوامع، و على المعروف من مذهب الأصحاب كما في الحدائق «1»، و بلا خلاف كما قيل «2»، للصحيح و الحسنتين المتقدّمتين في مسألة الاستبراء «3»، و موثّقة سماعة و صحيحة محمّد و رواية ابن ميسرة السالفة «4».

و لا اختصاص لذلك بما بعد الجنابة، بل يجب الوضوء بالبلل الخارج بعد البول قبل الاستبراء مطلقا.

و ربما ينقل عن ظاهر المقنعة و التهذيبين «5» عدم الوضوء إذا كان ذلك بعد الجنابة، بناء على عدمه مع غسل الجنابة.

و في إطلاقه منع ظاهر، لاختصاصه بخروج موجبه قبل الغسل لا بعده، و الموجب هنا البلل الخارج بعده.

فروع:

أ: وجوب الغسل أو الوضوء في بعض الصور مخصوص بالرجل، و أمّا المرأة فلا، على المشهور بين الأصحاب، للأصل، و الاستصحاب، لاختصاص أخبار الوجوب بالرجل، مضافا إلى التنصيص به في صحيحتي سليمان و منصور «6»، بل لا يجب الغسل عليها و إن علمت أنّ الخارج مني، بعد احتمال كونه من الرجل.

ب: صرّح جماعة- منهم الفاضل في المنتهى «7» و الشهيدان «8»- باختصاص إعادة الغسل في بعض الصور بالمنزل، فلا يجب على من أجنب بغيره، لأن الحكم

______________________________

(1) الحدائق 3: 34.

(2) الرياض 1: 31.

(3) في ج 1 ص 385.

(4) في ص 348.

(5) لاحظ المقنعة: 53، و التهذيب 1: 143، 144، و الاستبصار 1: 120.

(6) المتقدمتين ص 349.

(7) المنتهى

1: 92.

(8) الأول في البيان: 56، الثاني في الروض: 55.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 352

بالإعادة إنّما هو لمظنة كون الخارج من فضلة المني الخارج، و ذلك في حقّه غير متصوّر.

و مال بعض المتأخّرين إلى الإعادة، لعموم الروايات. و هي أحوط، و إن أمكن الخدش في الروايات: بأنّها مطلقة، فإلى الشائع من أفراد الجنب- و هو المنزل- منصرفة.

ج: الخارج فيما يجب فيه الغسل أو الوضوء حدث جديد، فالعبادة الواقعة قبل خروجه صحيحة، للأصل، و اقتضاء الأمر للإجزاء.

و قوله في صحيحة محمّد، المتقدّمة «1». «و يعيد الصلاة» لا يفيد، إذ كما يمكن أن يراد منه الصلاة الواقعة بعد الغسل، يمكن أن يراد منه الواقعة بعد الخروج، و لا عموم فيه يشمل الجميع. مع أنّه لا يفيد أزيد من الرجحان.

د: وجوب الغسل أو الوضوء إنّما هو إذا كان نفس البلل الخارج مشتبها، أمّا لو علم أنّه ليس بمني أو بول، و شك في أنّه هل يستصحب شيئا من الأجزاء المتخلّفة من أحدهما، فلا يجب، إذ ما علم خروجه لا يوجبه، بالنصوص الواردة فيه «2»، و غيره منفي بالأصل.

ه: المستفاد من لفظ الإعادة في الأخبار المتقدّمة، و من التعليل بخروج بقية المني: كون الغسل المعاد غسل جنابة، فيرتفع به الحدث الأصغر المتخلّل بين الغسلين من غير حاجة إلى الوضوء، و لو احتاط بنقض الغسل ثمَّ الوضوء كان أولى.

المسألة الثانية:
اشاره

المحدث بالأصغر في أثناء الغسل يعيده، وفاقا للصدوقين «3»، و نهاية الإحكام «4»، و المبسوط و الإصباح و الجامع و القواعد «5»،

______________________________

(1) في ص 348.

(2) الوسائل 1: 276، 282 أبواب نواقض الوضوء ب 12 و 13.

(3) الفقيه 1: 49 (و نقله فيه عن والده)، الهداية: 21.

(4) نهاية الاحكام 1:

114، و القول موجود أيضا في النهاية: 22 للشيخ الطوسي.

(5) المبسوط 1: 29، الجامع للشرائع: 40، القواعد 1: 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 353

و الشهيدين «1». بل نسبه المحقّق الثاني في شرح الألفية إلى الشهرة.

للرضوي المنجبر ضعفه بالشهرة المحكية: «فإن أحدثت حدثا من بول أو غائط أو ريح بعد ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك، فأعد الغسل من أوله» «2».

و نقله جماعة من مجالس الصدوق «3» أيضا.

و قد يستدلّ أيضا: بأنّ الغسل الأول بعد إتمامه لا يرفع الحدث المتخلّل بالبديهة، و الصحيح من غسل الجنابة ما يرتفع معه جميع الأحداث.

و بأنّ المتخلّل لا بدّ له من أثر، و ليس هو الوضوء، إذ ليس هو مع غسل الجنابة، فهو الغسل.

و بأنّه ينقض حكم تمام الغسل إن صدر بعده، فينقض حكم البعض بالطريق الأولى. فلا يكون لهذا الغسل حكم إباحة الصلاة، و الصحيح منه لا يخلو عنه البتة.

و يرد على الأول: منع المقدمة الأولى أوّلا، فإنّ أحد المخالفين يقول برفعه للعمومات، كما يأتي، و لا استبعاد فيه. و منع إطلاق الثانية ثانيا، فإنّ المخالف الآخر يقول بأنه لا يرفع المتخلّل.

و على الثاني: منع وجوب الأثر لكلّ حدث حتى المتخلّل أوّلا. و منع عدم كونه الوضوء ثانيا، و لا يلزم من عدمه مع غسل الجنابة في الجملة عدمه معه مطلقا.

و على الثالث: منع الأولوية المدّعاة أوّلا. و منع ترتّب الإباحة على كلّ غسل جنابة صحيح ثانيا. و سند هذا الممنوع يظهر ممّا يأتي من أدلّة المخالفين.

______________________________

(1) الدروس 1: 97، الروض: 57.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 85، المستدرك 1: 474 أبواب الجنابة ب 21 ح 1.

(3) لم نعثر عليه في الأمالي و نقله عنه في

المدارك 1: 308، و في الوسائل 2: 238 أبواب الجنابة ب 29 ح 4 عن المدارك. و قد أشار إليه الشهيدان في الذكرى: 106، روض الجنان: 59.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 354

خلافا للسيد «1» و المحقّق «2» و أكثر الثالثة، و منهم: والدي العلّامة، فقالوا بأنّه يتمّ الغسل و يتوضّأ بعده.

أمّا الإتمام: فلأصالة البراءة، و استصحاب الصحة الثابتة بعموم مثل قوله في الجنب: «ما جرى عليه الماء فقد طهر» «3» و «كل شي ء أمسسته الماء فقد نقيته» «4».

و أمّا الوضوء: فلعموم ما دلّ على إيجاب الأصغر إيّاه، خرج منه ما كان قبل غسل الجنابة بالإجماع و الأدلّة، فيبقى الباقي.

و أيضا: الأصغر لا يوجب الغسل فلا يعيد، فيجب الإتمام. و لا يرتفع ببقيته، لعدم استقلالها بالرفع، فيتوضّأ.

و يضعّف الأول: باندفاع الأصل، و الاستصحاب: بما مرّ، بضميمة عدم القول بالصحة مع الإعادة، فلا يتمّه بل يعيد، و معها لا يتوضّأ بالبديهة.

و الثاني: بأنّ عدم إيجاب الأصغر للغسل لا يوجب عدم إبطاله لبعضه.

و للقاضي «5» و الحلّي «6» و الكركي «7» و بعض الثالثة «8»، فقالوا بكفاية الإتمام، لصدق الغسل، و كفايته بإطلاق الأمر به المستلزم للإجزاء، فلا إعادة، و استفاضة النصوص بانتفاء الوضوء مع غسل الجنابة مطلقا «9»، خرج ما إذا أحدث بالأصغر بعد إتمامه بالإجماع، فيبقى الباقي.

______________________________

(1) نقله عنه في المعتبر 1: 196.

(2) المعتبر 1: 196.

(3) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 1، التهذيب 1: 132- 365، الاستبصار 1: 123- 420، الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.

(4) التهذيب 1: 370- 1131، الوسائل 2: 230 أبواب الجنابة ب 26 ح 5.

(5) جواهر الفقه: 12.

(6) السرائر 1: 119.

(7) جامع المقاصد 1: 276.

(8)

الذخيرة: 60.

(9) الوسائل 2: 246، أبواب الجنابة ب 34.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 355

و يجاب عنه: بلزوم تقييد إطلاق الأمر بما مرّ- كما هو القاعدة- فتجب الإعادة.

مع أنّ (إطلاق) [1] النصوص النافية للوضوء معه يعارض عمومات إيجاب الأصغر للوضوء بالعموم من وجه، و الترجيح للعمومات، بموافقة الكتاب، و عدم انصراف الإطلاق إلى مثل تلك الصورة النادرة.

و توهّم توقّف موافقة الكتاب على عطف قوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً على قوله إِذا قُمْتُمْ «1»، و أما على العطف على الشرط المقدّر أو الجزاء المذكور فلا، إذ التفصيل قاطع للشركة، فاسد، إذ تدلّ الآية- على جميع التقادير- على وجوب الوضوء على المحدث من حيث هو محدث مطلقا، و مقتضى قطع الشركة عدم وجوب غير الغسل على الجنب من حيث هو جنب، و هو كذلك، و لا ينافي ذلك وجوبه عليه من جهة أخرى.

و منه يظهر عدم دلالة رواية محمّد: إنّ أهل الكوفة يروون عن علي أنه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة. قال: «كذبوا على علي عليه السلام، ما وجدوا ذلك في كتاب علي، قال اللَّه تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا» «2» على انتفاء الوضوء من الجنب المحدث من حيث هو محدث، فإنّ السؤال عن الأمر بالوضوء قبل غسل الجنابة، و ظاهره أنّه من حيث هو جنب.

ثمَّ المحتاط يعيد و يتوضّأ، سيما بعد نقض المعاد، و لو أتمّ و أعاد و نقض و توضّأ، احتاط غايته.

فرعان:

أ: لو تخلّل الحدث غير غسل الجنابة من الأغسال، يتمّ و يتوضّأ، سواء قلنا

______________________________

[1] لا توجد في «ق».

______________________________

(1) المائدة: 6.

(2) التهذيب 1: 139- 389، الاستبصار 1: 125- 426، الوسائل 2: 247 أبواب الجنابة ب 34 ح 5.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 356

بإجزائه عن الوضوء أم لا.

أمّا الإتمام: فللأصل و الاستصحاب المتقدّمين الخاليين عن المعارض في المقام، لاختصاص الرضوي «1» و قرينة- بقرينة السياق- بالجنب. مع أنّ الشهرة الجابرة له في المورد غير محقّقة و لا محكية، بل الفاضل مع حكمه بالإعادة في الجنابة لم يحكم بها هنا.

و أمّا الوضوء: فلموجباته بعد الأصغر، الراجحة على ما ينفيه بعد كلّ غسل- بعد التعارض- كما مرّ.

ب: الارتماسي كالترتيبي في إمكان التخلّل، إذ الدفعة العرفية لا تنافيه.

و توهّم أن الغسل بعد ولوج الكل، فيحصل بآخر أجزائه و هو آني، فاسد، بل هو يحصل بكلّ أجزاء الولوج، و هو تدريجي.

و على هذا، فلو تخلّله الحدث، تجري فيه الأقوال الثلاثة. و الحقّ فيه الإتمام، للاستصحاب المتقدّم. و الوضوء، لعموماته الراجحة- بما مرّ- على معارضها في الغسل. و عدم الإعادة، للأصل، حيث إنّ سياق الرضوي و قرينه في الترتيبي.

مع أنّ الشهرة الجابرة هنا غير معلومة، و عدم الفصل بين الترتيبي و الارتماسي غير ثابت.

و الاحتياط بالجمع بين الإعادة و الوضوء أولى، سيما مع نقض المعاد.

المسألة الثالثة:

لا يجب الوضوء مع غسل الجنابة للمشروط به و لو على المحدث بالحدث الأصغر قبله، بالإجماع المحقّق و المحكي عن جماعة من علمائنا الأخيار، و عمل الفرقة في جميع الأعصار، و استفاضة الأخبار السالمة عن المعارض بأنه لا وضوء معه و لا قبله و لا بعده «2»، التي منها ما يصرّح بأنه لا وضوء للصلاة مع غسل الجمعة

______________________________

(1) تقدم في ص 353.

(2) الوسائل 2: 246 أبواب الجنابة ب 34.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 357

و غيره «1»، الشامل للجنابة، أو بإجزائه عن الوضوء. بل في الرضوي: «غسل الجنابة و الوضوء فريضتان،

فإذا اجتمعا فأكبرهما يجزي عن أصغرهما» «2».

فاحتمال أن يراد من بعض تلك الظواهر أنه لا وضوء مع غسل الجنابة أي للغسل، بمعنى أنه لا تتوقّف تمامية الغسل عليه، فلا ينافي وجوبه للصلاة، أو:

لا وضوء معه من حيث إنّه جنب، فلا ينافي وجوبه من حيث هو محدث، غير ضائر.

و لا يستحب معه أيضا على الحقّ المشهور، لنفي الوضوء معه أو قبله أو بعده، أي في الشرع- كما هو الظاهر المتبادر من صدوره عن الشارع- في جملة من أخبارنا. و يؤيده الحكم بكونه بدعة في جملة أخرى.

خلافا للمحكي من التهذيب «3»، و مال إليه المقدس الأردبيلي «4»، لرواية الحضرمي: كيف أصنع إذا أجنبت؟ قال: «اغسل كفك و فرجك، و توضّأ وضوء الصلاة، ثمَّ اغتسل» «5».

و رواية ابن ميسر، و فيها بعد السؤال من الرجل يريد أن يغتسل: «يضع يده و يتوضأ و يغتسل» «6».

و تردّان بمرجوحيتهما عن الأخبار المعارضة لهما، باعتبار موافقتهما للعامة،

______________________________

(1) الوسائل 2: 244 أبواب الجنابة ب 33 ح 2، 3، 4.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 82، المستدرك 1: 476 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.

(3) التهذيب 1: 140.

(4) مجمع الفائدة 1: 126.

(5) التهذيب 1: 140- 393، الاستبصار 1: 97- 314، الوسائل 2: 247 أبواب الجنابة ب 34 ح 6.

(6) الكافي 3: 4 الطهارة ب 3 ح 2، التهذيب 1: 149- 425، الوسائل 1: 152 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 358

كما صرّح بها الجماعة «1» و تستفاد من بعض المعتبرة «2»، و هي ممّا توجب المرجوحية قطعا.

على أنّ الغسل في الثانية أعمّ من الجنابة، و التوضّؤ غير صريح في الأفعال المعهودة إلّا على أن تثبت فيه الحقيقة

الشرعية. بل و كذا في الأولى، لاحتمال أن يراد بوضوء الصلاة المضمضة و الاستنشاق و غسل اليدين من المرفق، المستحبة قبل غسل الجنابة.

هذا في غسل الجنابة، و أمّا غيره من الأغسال المفروضة و المسنونة، ففي وجوب الوضوء معه و عدمه- إن لم يكن للمكلّف وضوء- قولان:

الأوّل للأكثر، بل قيل: كاد أن يكون إجماعا «3»، بل عن أمالي الصدوق:

كونه من دين الإمامية «4»، إلّا أنّ عبارته عن إفادة الوجوب قاصرة.

لإطلاق الآية، و عموم ما دلّ على وجوبه بحدوث أحد أسبابه، بضميمة أصالة عدم إجزاء غيره.

و مرسلة ابن أبي عمير: «كلّ غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة» «5» و في أخرى: «في كلّ غسل وضوء إلّا الجنابة» «6».

و صحيحة ابن يقطين: «إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضّأ و اغتسل» «7»

______________________________

(1) منهم العلّامة في المنتهى 1: 90، و انظر المغني لابن قدامة 1: 251، و نيل الأوطار للشوكاني 1:

306.

(2) الوسائل 2: 247 أبواب الجنابة ب 34 ح 4.

(3) كما في الذكرى: 25، و الرياض 1: 34.

(4) أمالي الصدوق: 515- المجلس 93.

(5) الكافي 3: 45 الطهارة ب 29 ح 13، التهذيب 1: 139- 391، الاستبصار 1: 126- 428، الوسائل 2: 248 أبواب الجنابة ب 35 ح 1.

(6) التهذيب 1: 143- 403، الاستبصار 1: 209- 733، الوسائل 2: 248 أبواب الجنابة ب 35 ح 2.

(7) التهذيب 1: 142- 401، الاستبصار 1: 127- 434، الوسائل 2: 248 أبواب الجنابة ب 35 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 359

و تمام المطلوب بالإجماع المركّب.

و الرضوي: «و الوضوء في كلّ غسل ما خلا غسل الجنابة، لأنّ غسل الجنابة فريضة مجزية عن الفرض الثاني، و لا يجزيه سائر الأغسال عن الوضوء، لأنّ الغسل

سنّة و الوضوء فريضة، و لا يجزي سنّة عن فرض» إلى أن قال: «فإذا اغتسلت لغير جنابة فابدأ بالوضوء، ثمَّ اغتسل، و لا يجزيك الغسل عن الوضوء، فإن اغتسلت و نسيت الوضوء توضّأ و أعد الصلاة» «1».

و المروي في الغوالي عن النبي صلّى اللَّه عليه و آله: «كلّ الأغسال لا بدّ فيها من الوضوء إلّا الجنابة» «2».

و الثاني للمحكي عن السيد «3» و الإسكافي «4» و جملة من أفاضل المتأخّرين، منهم: المحقّقان الأردبيلي «5» و الخوانساري «6»، و صاحبا المدارك و الذخيرة «7»، و نسبه في البحار إلى أكثرهم «8»، و اختاره بعض مشايخنا.

للأصل، و للمستفيضة المصرّحة بأنّ الوضوء بعد الغسل أو قبله بدعة، كصحيحة سليمان «9»، و رواية ابن سليمان «10»، و مرسلة الفقيه «11».

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 82، المستدرك 1: 476 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.

(2) عوالي اللئالي 2: 203- 110، المستدرك 1: 477 أبواب الجنابة ب 26 ح 3.

(3) جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 24.

(4) نقله عنه في المختلف: 33.

(5) مجمع الفائدة 1: 132.

(6) مشارق الشموس: 69.

(7) المدارك 1: 361، الذخيرة: 49.

(8) البحار 78: 28.

(9) التهذيب 1: 140- 396، الوسائل 2: 245 أبواب الجنابة ب 33 ح 9.

(10) الكافي 3: 45 الطهارة ب 29 ح 12، التهذيب 1: 140- 395، الوسائل 2: 245 أبواب الجنابة ب 33 ح 6.

(11) لم نعثر عليها في الفقيه، و الموجود مرسلة محمّد بن أحمد بن يحيى رواها الشيخ في التهذيب 1:

140- 394، و الاستبصار 1: 126- 430، الوسائل 2: 245 أبواب الجنابة ب 33 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 360

و لصحيحة محمّد: «الغسل يجزي عن الوضوء، و أيّ وضوء

أطهر من الغسل» «1».

و في صحيحة ابن حكيم: «و أيّ وضوء أنقى من الغسل و أبلغ» «2».

و مرسلة حماد: في الرجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك، أ يجزيه من الوضوء؟

فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «و أيّ وضوء أطهر من الغسل» «3».

و موثّقة الساباطي: عن الرجل إذا اغتسل من جنابته أو يوم جمعة أو يوم عيد، هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده؟ فقال: «لا، ليس عليه قبل و لا بعد، قد أجزأه الغسل. و المرأة مثل ذلك، إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك، فليس عليها الوضوء لا قبل و لا بعد، قد أجزأها الغسل» «4».

و مكاتبة الهمداني إلى أبي الحسن الثالث: عن الوضوء للصلاة في غسل الجمعة، فكتب: «لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة و لا غيره» «5».

و المستفيضة من الصحاح و غيرها الواردة في غسل الحائض و المستحاضة و النفساء، الآمرة فيها بالغسل ثمَّ الصلاة «6»، من غير تعرّض فيها للوضوء مع كونها في مقام الحاجة.

و الإيراد على الثلاثة الأولى: بأنّها متروك الظاهر، لاعتقاد الخصم

______________________________

(1) التهذيب 1: 139- 390، الاستبصار 1: 126- 427، الوسائل 2: 244 أبواب الجنابة ب 33 ح 1.

(2) التهذيب 1: 139- 392، الوسائل 2: 247 أبواب الجنابة ب 34 ح 4.

(3) التهذيب 1: 141- 399، الاستبصار 1: 127- 433، الوسائل 2: 245 أبواب الجنابة ب 33 ح 4.

(4) التهذيب 1: 141- 398، الاستبصار 1: 127- 432، الوسائل 2: 244 أبواب الجنابة ب 33 ح 3.

(5) التهذيب 1: 141- 397، الاستبصار 1: 126- 431، الوسائل 2: 244 أبواب الجنابة ب 33 ح 2.

(6) الوسائل 2: أبواب الحيض ب 6، و أبواب الاستحاضة ب 1، و أبواب النفاس ب

1 و 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 361

استحباب الوضوء و مشروعيته، مردود: بلزوم تقدير فيها- على القول بكون العبادات أسامي للأعم، كما هو الحقّ- لعدم حرمة الوضوء لا بقصد المشروعية قطعا، و المقدّر كما يمكن أن يكون قصد القربة، يمكن أن يكون قصد الوجوب.

و عليها [1] مع المتعقبين لها: بفقد اللفظ الدالّ على العموم فيها، و انصراف الغسل فيها إلى المتبادر الغالب الذي هو غسل الجنابة، مردود: بعموم المفرد المعرّف كما عليه عملهم في جميع الموارد، و منع غلبة الجنابة جدّا، سيما بحيث توجب تبادره و انصراف المطلق إليه. كيف و غسل الجمعة و سائر الأغسال المسنونة، و غسل الحيض و الاستحاضة لو لم تغلب على غسل الجنابة لم تقصر عنه البتة.

و ورود أمثالها في الردّ على العامة لا يخصّصها بالجنابة، لأنّ إيجابهم الوضوء لا يختص بها.

و على البواقي: بضعفها إسنادا، مردود: بأنّه غير ضائر مع كونها في الأصول المعتبرة، مع أنّ فيها الموثّقة، و هي بنفسها حجة.

و على الجميع: بأنّ المراد منها انتفاء الوضوء في الغسل لأجله، و عدم توقّف تماميته عليه، فالمعنى: أنّه لا يحتاج الغسل من حيث هو غسل و في حصول المقصود منه إلى الوضوء، و ذلك لا ينافي توقّف مثل الصلاة عليه، مردود: بأنه خلاف الظاهر، كيف و إطلاق نفيه بعده في طائفة منها يشمل المطلوب أيضا، و الحكم بإجزائه عن الوضوء في أخرى صريح فيما إذا كان مأمورا بالوضوء.

مع أنّه قد صرّح في المكاتبة بنفي الوضوء للصلاة، و التخصيص بنفيه لها حين الغسل لا وجه له.

نعم، يرد على الثلاثة الأولى: أنّ كون الوضوء بعد الغسل بدعة لا ينافي وجوبه قبله- كما هو مذهب جماعة- كما يأتي.

______________________________

[1] عطف

على: الثلاثة .. أي الإيراد عليها و على الحديثين المتعقبين .. مردود ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 362

و أمّا قوله في المرسلة: «قبل الغسل» فيمكن أن يكون خبرا، و يكون الكلام فيها جملتين، لا جملة واحدة.

و على أخبار غسل الحائض و أختيها: أنّ الظاهر من سياقها الحاجة إلى معرفة الرافع للأحداث الثلاثة و بيانه، لا بيان غيره، و لذا لم يذكر فيها سائر شرائط الصلاة من ستر العورة و الاستقبال و غيرهما.

كما يرد على ما استدلّ به الأوّلون- ممّا يصرّح بأنّ في كلّ غسل وضوء- عدم دلالته على الوجوب، ضرورة أنّه يحتاج إلى تقدير، فالمقدّر كما يمكن أن يكون ما يفيد الوجوب، يمكن أن يكون ما يفيد المشروعية.

و ظهور التركيب في إرادة الوجوب ممنوع. و لو سلّم، فهو من باب النقل الحادث، الذي يكون الأصل تأخّره.

فلم يبق من أدلّتهم بعد العمومات، غير الصحيحة و الرضوي و النبوي.

و هما و إن كانا بنفسهما غير معتبرين، إلّا أنّهما لانجبارهما بالشهرة العظيمة، سيما القديمة، بل الإجماع المنقول، يعدّان من المعتبرة، بل لا يقصران عن الصحاح في الحجية.

فيقع التعارض بين هذه الثلاثة و بين الأخبار النافية للوضوء. و هي و إن كانت راجحة من جهة المخالفة للعامة، و أكثرية الرواية التي هي الشهرة بين الرواة، و الأحدثية، و كلّ ذلك من المرجّحات المنصوصة، و لكن للثلاثة أيضا رجحانا من جهة موافقة الآية التي هي من المرجّحات القوية و عمل معظم الفرقة.

مضافا إلى ضعف ترجيح الأولى بمخالفة العامة: بأنّ بعض الثانية أيضا كذلك، لنفي الوضوء فيه عن غسل الجنابة، و هو لا يوافق مذهب العامة.

و بالأشهرية: بمنع بلوغ الأكثرية حدّا تثبت بها الأشهرية التي هي من المرجّحات المنصوصة.

فيحصل

التكافؤ بين الفريقين، و إذ لا قول بالتخيير في البين، ترفع اليد عن كلّ من الصنفين، و تبقى الآية و عمومات موجبات الوضوء خالية عن

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 363

المعارض المعلوم.

هذا كلّه، مع أنّ الأخبار النافية، لمخالفتها للشهرة العظيمة القديمة، و لعمل ناقليها، خارجة عن حيّز الحجية، و لمعارضة غيرها و تخصيص العمومات غير صالحة. فهي مع الروايتين و الصحيحة عن المعارض سالمة، فيجب الأخذ بها، و القول بوجوب الوضوء مع كلّ غسل غير الجنابة.

و هل يجب تقديم الوضوء على الغسل؟ كما عن ظاهر الصدوقين «1» و الشيخين «2» و الحلبيين «3»، و اختاره بعض متأخّري المتأخّرين «4»، للصحيحة، و الرضوي، و مرسلتي ابن أبي عمير، و الفقيه المتقدّمة [1]، و ما يصرّح بأنّ الوضوء بعد الغسل بدعة «5». و يؤيّده صدر صحيحة ابن حكيم، و رواية الحضرمي المتقدمتين «6».

أم يستحب؟ كما عن النهاية و المقنعة و الوسيلة و السرائر و الجامع و المعتبر و الشرائع «7» و ادّعي عليه الشهرة «8»، بل في السرائر نفي الخلاف في عدم وجوبه «9»، للأصل، و بعض الإطلاقات. و هو الأقوى، لذلك.

______________________________

[1] المتقدمة ص 358، 359 و راجع ما علقنا على مرسلة الفقيه، و لا يخفى أنّ الاستدلال بها على المطلوب لا يتم إلّا على أن يكون قوله: «قبل الغسل» خبرا كما احتمله الماتن في ص 362 و سيشير إليه.

______________________________

(1) الفقيه 1: 46، الهداية: 20، و نقله في المختلف: 34 عن والد الصدوق.

(2) المفيد في المقنعة: 53، و الطوسي في الاستبصار 1: 126، و المصباح: 10.

(3) أبي الصلاح في الكافي: 134، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 554.

(4) الحدائق 3: 127.

(5) راجع ص 359.

(6) في

ص 357، 360.

(7) النهاية: 23، المقنعة: 53، الوسيلة: 56، السرائر 1: 113 الجامع للشرائع: 42، المعتبر 1: 257، الشرائع 1: 31.

(8) كما في الحدائق 3: 127.

(9) السرائر 1: 113.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 364

و يجاب عن الصحيحة: بعدم اشتمالها على ما يفيد التقديم، إلّا التقديم الذكري، و هو له غير مفيد.

و عن الرضوي: بالضعف الخالي عن الجابر في المورد.

و عن المرسلتين: بعدم الدلالة على الوجوب- كما مرّ- مع أن في إحداهما احتمالا آخر.

و عن قوله: «الوضوء بعد الغسل بدعة»: بما مرّ من احتمال كون ذلك مع قصد وجوب البعدية.

و عن البواقي: بعدم التأييد، كما هو ظاهر عند النظر الشديد. و الاحتياط لا ينبغي تركه.

و كيف كان، لا تعلّق للتقديم بصحة الغسل، بلا خلاف كما قيل «1»، للأصل. فلو أخّره عمدا أثم به- على القول بالوجوب- و صحّ غسله، و يتوضّأ بعده لما يشترط به.

المسألة الرابعة:

في وجوب تطهير المحل قبل إجراء ماء الغسل عليه و عدمه قولان:

الأول، للمحكي عن الأكثر، بل عن الغنية الإجماع عليه «2».

لاشتراط طهارة ماء الغسل، المنتفية بوروده على المحل النجس.

و منع النجاسة عن وصول الماء إلى المحل.

و الأمر بغسل الفرج قبل الصبّ على الرأس في عدّة من الأخبار.

و صحيحتي البزنطي و ابن حكيم، الأولى: «ثمَّ اغسل ما أصابك منه، ثمَّ أفض على رأسك و جسدك» «3».

______________________________

(1) نقله صاحب الرياض 1: 35 عن بعض مشايخه، و هو الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط).

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 554.

(3) التهذيب 1: 131- 363، الاستبصار 1: 123- 419، الوسائل 2: 230 أبواب الجنابة ب 26 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 365

و الثانية: «ثمَّ اغسل ما أصاب جسدك من أذى، ثمَّ اغسل

فرجك و أفض على رأسك و جسدك» «1».

و وجوبه في غسل الميت إمّا بضميمة الإجماع المركّب- كما هو محتمل- أو مع ما في المعتبرة من أنّ غسل الميت مثل غسل الجنابة «2».

و يضعّف الأول: بمنع الانتفاء المدّعى أوّلا، لوروده على النجاسة. و منع اشتراط طهارته مطلقا ثانيا، و إنّما هي طهارته قبل الورود على المحل، كما يقولون في إزالة الخبث، على القول بنجاسة الغسالة.

و القول «3» بتوقّف العبادة على البيان، و عدم حصوله في [الماء] [1] النجس (مطلقا) [2]، مدفوع بحصوله بالإطلاقات الشاملة لذلك الماء.

و الثاني: بمنع المانعية مطلقا، و إنّما هي فيما له عين، و لا كلام في وجوب إزالة عينه أوّلا.

و منه يظهر ضعف دلالة الثالث و الرابع، لعدم دلالتهما إلّا على وجوب غسل المني، و هو ممّا يمنع من وصول الماء إلى المحل، لثخانته و لزوجته.

و الخامس: بعدم إمكان إبقاء الأمر فيه على الوجوب، إلّا بانسلاخ حرف الترتيب عن معناه، الموجب لسقوط الاستدلال رأسا، لعدم وجوب تقديم تطهير النجاسة عن البدن على غسل الفرج إجماعا، (بل) [3] و لا على أصل الغسل قطعا، بحيث يجب تقديم تطهير الفرج على الصب على الرأس، و إن أوهمه كلام

______________________________

[1] في النسخ: غير الماء، و الصواب كما أثبتناه.

[2] ليس في «ه».

[3] لا توجد في «ق» و «ه».

______________________________

(1) التهذيب 1: 139- 392، الوسائل 2: 230 أبواب الجنابة ب 26 ح 7.

(2) الوسائل 2: 486 أبواب غسل الميت ب 3.

(3) كما في شرح المفاتيح (مخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 366

بعضهم «1».

و منه يظهر وجه آخر لضعف الثالث و الرابع، لإفادتهما وجوب التقديم على أصل الغسل، بل في بعضهما على المضمضة و الاستنشاق أيضا.

و السادس: بمنع الإجماع

المركّب، بل القول بالفصل متحقّق، و بمنع دلالة المعتبرة على المماثلة في الجميع. و لو سلّم، فالمدلول المماثلة في جميع أجزاء الغسل و كيفيته، لا الأمور الخارجة. مع أنّ الثابت منها أنّ أحكام غسل الجنابة ثابتة له، دون العكس.

و الثاني لجماعة من المتأخّرين «2»، للأصل، و ضعف الرافع، و إن استحب.

و هو الأقوى، لما مرّ.

و منه يظهر عدم اشتراط طهر المحل قبل الغسل في صحته، كما هو صريح الشيخ في المبسوط «3»، و كلّ من لا يوجب التطهير أوّلا.

و الأكثر على الاشتراط، لما ذكر، بضميمة استلزام الأمر بالشي ء للنهي عن ضدّه، الموجب للفساد، إلى الأخبار، مضافا إلى استصحاب الحدث.

و يضعّف الاستصحاب: بوجود الرافع، من مثل قوله: «فما جرى عليه الماء فقد طهر» «4» و من استلزام الأمر بالغسل للإجزاء، و البواقي بما مرّ.

ثمَّ على ما ذكرنا من عدم توقّف ارتفاع الحدث على تطهر المحل، فهل يكتفي بغسلة واحدة لرفع الحدث و الخبث إذا كان ممّا يغسل مرّة، أو مرّة لرفع الحدث و مرّة للخبث إذا لم يكن كذلك؟ أو لا، بل يحتاج رفع الخبث إلى غسل

______________________________

(1) كما في الوسيلة: 55.

(2) منهم المحقّق الخوانساري في مشارق الشموس: 182، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:

84، و صاحب الحدائق 3: 101.

(3) المبسوط 1: 29.

(4) الكافي 3: 43 الطهارة ب 30 ح 1، التهذيب 1: 132- 365، الاستبصار 1: 123- 420، الوسائل 2: 229، أبواب الجنابة ب 26 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 367

آخر؟

الحقّ: الأول، لعمومات إزالة الخبث بجريان الماء، أو تحقّق الغسل المزيل.

و المصرّح به في كلام جماعة: الثاني، لأصالة عدم تداخل الأسباب.

و يضعّف باندفاع الأصل بما مرّ، مضافا إلى أن رفع الحدث و

الخبث بغسل واحد ليس من باب تداخل الأسباب، كما لا يخفى على الفطن المتأمّل. و اللَّه أعلم بالصواب.

المسألة الخامسة:

يكره غسل الجنابة ارتماسا في الماء الراكد، لفتوى بعض الأجلّة من القدماء «1»، و النبوي: «لا يبولنّ أحدكم في الماء الراكد، و لا يغتسل فيه من الجنابة» «2».

المسألة السادسة:

في كفاية الغسل الواحد عن المتعدّد إذا اجتمعت أغسال متعدّدة، مطلقا أو بشرط نية الجميع أو بشرط عدم نية البعض أو إذا كان أحدها غسل جنابة مطلقا أو بأحد الشرطين أو إذا كان الجميع متّحدا في الوجه، بأن يكون واجبا أو مستحبا- دون ما إذا تفرّقت- مطلقا أو بأحد الشرطين أو إذا كان الجميع واجبا خاصة مطلقا أو بأحد الشرطين أو إذا كان أحدها [1] غسل جنابة إمّا مطلقا أو بأحد الشرطين، أقوال. أظهرها: الأول.

لنا- بعد الإجماع المحقّق و المنقول «3» في بعض صوره، و أصالة البراءة عن المتعدّدة، و عدم دليل على التعدّد سوى أصالة عدم التداخل التي لا دليل عليها كما بيّنّا في كتاب عوائد الأيام «4»، و صدق الامتثال في أكثر الصور-: النصوص

______________________________

[1] أي: أحد الأغسال الواجبة خاصة، فيفرق مع الصورة الرابعة، لأنها أعم من الواجبة و المستحبة.

______________________________

(1) منهم المفيد في المقنعة: 54.

(2) سنن أبي داود 1: 18- 70- بتفاوت يسير.

(3) كما نقله في السرائر 1: 123.

(4) عوائد الأيام: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 368

المستفيضة الدالّة إمّا على الكفاية مطلقا:

كحسنة زرارة: «إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر، أجزأك غسلك ذلك للجنابة و الجمعة و عرفة و النحر و الذبح و الزيارة، فإذا اجتمعت للَّه عليك حقوق، أجزأها عنك غسل واحد، و كذلك المرأة، يجزيها غسل واحد لجنابتها و إحرامها و جمعتها و غسلها من حيضها و عيدها» «1».

دلّت بقوله: «فإذا اجتمعت ..» على ما ذكرنا من العموم.

و إضمارها في بعض الكتب «2» غير

قادح، سيما مع إسنادها في التهذيب إلى أحدهما عليهما السلام، و في السرائر إلى مولانا الباقر عليه السلام بسند «3»، و إلى أحدهما بآخر. و زاد على الأخير: و قال زرارة: «و حرم اجتمعت في حرمة يجزيك عنها غسل واحد» «4».

و رواية الحسين الخراساني، المروية في السرائر: «غسل يومك يجزيك لليلتك، و غسل ليلتك يجزيك ليومك» «5».

و عمومه لما تأخّر سببه غير ضائر، لأنه بالإجماع خارج، ضرورة عدم تقدّم المسبّب على سببه.

و صحيحة زرارة: ميت مات و هو جنب، كيف يغسل؟ و ما يجزيه من الماء؟

فقال: «يغسل غسلا واحدا، يجزئ ذلك عنه لجنابته و لغسل الميت، لأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة» «6».

______________________________

(1) الكافي 3: 41 الطهارة: ب 28 ح 1، التهذيب 1: 107- 279، الوسائل 2: 261 أبواب الجنابة ب 43 ح 1.

(2) و هو الكافي.

(3) مستطرفات السرائر: 74- 19، الوسائل 2: 261 أبواب الجنابة ب 43 ملحق ح 1.

(4) مستطرفات السرائر: 103- 38.

(5) مستطرفات السرائر: 46- 4.

(6) الكافي 3: 154 الجنائز ب 25 ح 1، التهذيب 1: 432- 1384، الاستبصار 1: 194- 680، الوسائل 2: 539 أبواب غسل الميت ب 31 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 369

دلّ التعليل على العموم المطلوب. و المراد بالحرمة الحق، كما يدل عليه ذيل رواية السرائر المتقدّمة.

أو على كفاية واحد للواجبات المجتمعة، التي أحدها الجنابة، مطلقا سواء نوى الجميع أو البعض، بل و لو مع نية عدم البعض، المثبت لهذا الإطلاق في غير الواجبات أيضا، بعد ثبوت تداخله بالإجماع المركّب.

كالمستفيضة الواردة في كفاية غسل واحد للجنابة و الحيض «1»، و خبر شهاب: «و إن غسّل ميتا و توضّأ، ثمَّ أتى أهله، يجزيه غسل واحد لهما»

«2».

و اختصاص الأولى بالحيض، و الثاني بغسل المسّ لا يضرّ، لعدم الفصل بين الواجبات.

أو على كفاية واحد للندب و الفرض و إن لم ينو إلّا أحدهما:

كمرسلة الفقيه: «من جامع في أول شهر رمضان، ثمَّ نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان، عليه أن يغتسل و يقضي صلاته و صومه، إلّا أن يكون قد اغتسل للجمعة، فإنّه يقضي صلاته و صيامه إلى ذلك اليوم، و لا يقضي ما بعد ذلك» «3».

حجّة المخالف مطلقا أو في بعض الصور: ضعف الأخبار كلّا أو بعضا مع أصالة عدم التداخل، أو اشتراط نية الوجه الغير المتحققة في بعض الصور، أو قصد السبب- مطلقا أو في خصوص الأغسال المندوبة- الغير المتحقّق في بعض آخر، أو مع عدم صدق الامتثال قطعا في صورة نية عدم البعض، أو عدم جواز اجتماع الوجوب و الاستحباب، اللازم في صورة تفريق الأغسال.

و يردّ الأوّل: بأنّ ضعف السند غير ضائر، مع أنّ الجميع ليس كذلك.

______________________________

(1) الوسائل 2: 261 أبواب الجنابة ب 43.

(2) الكافي 3: 250 الجنائز ب 95 ح 1، التهذيب 1: 448- 1450، الوسائل 2: 263 أبواب الجنابة ب 43 ح 3.

(3) الفقيه 2: 74- 321.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 370

و لو سلّم، فالأصل مع التداخل، فلا يحتاج إلى الدليل. و أصل عدم التداخل- كما اشتهر بين جماعة- أصل غير أصيل، خال عن التحقيق و التحصيل.

و الثاني و الثالث: بعدم اشتراط نية الوجه و لا قصد السبب، و لو في الأغسال المندوبة- كما مرّ- بل يكفي قصد القربة.

و الرابع: بأنّه إن أريد عدم صدق امتثال الأمر المستفاد من أخبار التداخل، فممنوع. و إن أريد عدم صدق امتثال الأوامر المتعدّدة الواردة في كلّ غسل، فمسلّم و

لا ضير فيه، إذ مقتضى التداخل كفاية واحد عن الجميع، و كون المأمور به حينئذ أمرا واحدا قائما مقام الجميع، بل مسقطا لغير الواحد، فلا أمر بغيره حتى يطلب امتثاله.

بل نقول: إنّ مع قطع النظر عن أخبار التداخل، لا دليل على تعدّد الأمر في صورة الاجتماع.

بيانه: أنه إذا قال الآمر: الجنابة سبب لوجوب الغسل، و الحيض سبب لوجوب الغسل، فلا يمكن أن يكون المراد من الغسل المسبّب عند اجتماعهما معناه الحقيقي الذي هو المهية، لأنه أمر واحد، فلا يجب بإيجابين، لاستلزامه تحصيل الحاصل، بل اجتماع الوجوب و الاستحباب في شي ء واحد إذا اختلف الأمران وجوبا و ندبا. فإمّا يراد من أحدهما فرد خاص من الغسل، و هو الفرد المغاير لما تحقّقت المهية في ضمنه لامتثال الأمر، أو يخصّص أحدهما بغير صورة الاجتماع، و لكن الأول مستلزم لاستعمال اللفظ في حقيقته و مجازه، فتعيّن الثاني.

و منه يعلم ما يرد على الخامس أيضا. فإنّه إذا قال: الجنابة سبب لوجوب الغسل، و التوبة لاستحبابه، لا يمكن أن يراد بهما شي ء واحد في صورة الاجتماع، لاستلزامه اجتماع الوجوب و الاستحباب في شي ء واحد، و هو محال و لو من جهتين.

[و لا شيئان ] [1] متغايران، لاستلزامه استعمال لفظ واحد في استعمال واحد في

______________________________

[1] في النسخ: و لو شيئان، و الصواب ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 371

حقيقته و مجازه، ضرورة إرادة المهية منهما عند الانفراد. فتعيّن تخصيص أحدهما بصورة عدم الاجتماع، و كفاية واحد منهما عند الاجتماع، و هو معنى التداخل.

و يكون هذا الواحد الذي أتى به حينئذ واجبا غير جائز الترك، قائما مقام الندب أيضا، بمعنى ترتّب ثوابه و مصالحه المطلوبة منه عليه أيضا.

بل ذلك مقتضى التداخل

الثابت بأخباره أيضا، و لو قطع النظر عمّا ذكرنا، إذ ليس الواحد المتداخل فيه جائز الترك قطعا، فهو واجب ترتّبت عليه آثار الفرض [1] أيضا.

ثمَّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا- من أصالة التداخل و عدم التعدّد، بل عدم تعدّد الأمر في صورة الاجتماع- أنّ التداخل عزيمة لا رخصة، و صرّح به والدي العلّامة أيضا. مع أنّ بعد صدق الامتثال و تحقّق الإجزاء المصرّح به في أخبار التداخل، لا معنى للإتيان به ثانيا. و ظهور الإجزاء في الرخصة ممنوع، فإنّه إذا كان شي ء مجزيا على الإطلاق عن غيره، لا يبقى الغير حتى يجوز الإتيان به أيضا.

و ما ورد في موثّقة الساباطي «1»- من تخيير المرأة التي تحيض بعد جنابتها بين اغتسالها للجنابة قبل الانقطاع و بين صبرها إلى أن تطهر و تكتفي بغسل واحد- لا يفيد الرخصة، إذ لا يدلّ على جواز غسلين بعد الانقطاع، و جواز غسل الجنابة قبل وجوب غسل الحيض لا يفيد كيفية حال التداخل.

و هل يسقط الوضوء- على القول بوجوبه لغير غسل الجنابة- إذا جعل الجنابة مع غيرها غسلا واحدا؟ الظاهر نعم، بل هو الظاهر من الجميع، لتحقّق غسل الجنابة المجزي عن الوضوء، و لا ينافيه تحقّق غيره.

و قال والدي- رحمه اللّه-: الظاهر وجوب الوضوء، لصدق الاسمين.

فتتعارض أدلّة وجوبه و عدمه، فيحصل التساقط، و تبقى أدلّة عموم الوضوء.

______________________________

[1] كذا، و الظاهر انّ الصواب: الندب.

______________________________

(1) التهذيب 1: 396- 1229، الاستبصار 1: 147- 506، الوسائل 2: 264 أبواب الجنابة ب 43 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 372

و فيه: أنّ غير غسل الجنابة لا يوجب بنفسه الوضوء، بل لا يسقط معه الوضوء، فهو لا يعارض المسقط إذا تحقّق.

و الحاصل: أنّ الثابت إجزاء غسل

الجنابة عن الوضوء دون غيره، و عدم إجزاء الغير لا ينافي إجزاءه حتى يحصل التعارض.

فإن قيل: لا نعلم أنّ ذلك الغسل غسل الجنابة، إذ لعلّه غسل آخر مسقط لغسل الجنابة، سيما إذا لم ينوه.

قلنا: ليس غسل الجنابة المصرّح بإجزائه عن الوضوء إلّا الرافع لحدث الجنابة أو المسبّب عنها و إن جامعها سبب آخر أيضا، و ذلك الغسل الواحد جامع للوصفين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 373

الفصل الثاني في غسل الحيض
اشاره

و الكلام إمّا في بيان دم الحيض و معرفته إثباتا و نفيا، أو في أحكام الحائض.

فهاهنا بحثان:

البحث الأوّل: في بيان دم الحيض و معرفته.
اشاره

و هو في العرف دم مخصوص سائل من المرأة، بل قيل: إنّه المعنى اللغوي أيضا «1»- كما ذكره بعض اللغويين «2»- للتبادر و أصالة عدم النقل.

و ذلك الدم ممّا يقذفه الرحم بعد البلوغ، ثمَّ تصير المرأة في الأغلب معتادة بقذفه في أوقات معلومة، قرّره اللَّه سبحانه لحكمة تربية الولد. فإذا حملت المرأة، صرفه اللَّه تعالى إلى تغذيته، فإذا وضعت الحمل، بدّل اللَّه سبحانه صورته الدموية باللبنية- غالبا- لاغتذاء الطفل، فإذا خلت المرأة من حمل و رضاع، بقي ذلك الدم بلا مصرف، فيستقر في مكانه، ثمَّ يخرج في الغالب في أيام متفاوتة بتفاوت المزاج حرارة.

و هو شي ء معروف بين الناس، له أحكام كثيرة في علمي الأديان و الأبدان، ليس بيانه موقوفا على الأخذ من الشرع، بل هو كسائر الأحداث كالمني و البول و غيرهما، بل باقي موضوعات الأحكام التي ليست معرفتها متوقّفة على بيانه. بل متى تحقّق و عرف، تعلّقت به أحكامه الشرعية، و إن خلا عن أوصافه الأغلبية.

كما تترتّب أحكام المني عليه بعد معرفته و إن لم يكن مقارنا للفتور الذي هو من

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 35.

(2) القاموس 2: 341.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 374

أوصافه الغالبة. و إن لم يتحقّق وجوده، يحكم بمقتضى الأصل الذي هو المرجع، كما في سائر الموارد.

نعم، لمّا كان لذلك الحدث مشارك في الصورة النوعية، كدم الاستحاضة و القرحة و العذرة، و لم تكن له خاصة لازمة غير منفكّة عنه ظاهرة لكلّ مكلّف بدون بيان الشرع يميّزه كلّ أحد بها عن سائر مشاركيه، دعا ذلك الشرع إلى تعريفه إثباتا أو نفيا،

و بيان الدم الذي تتحيّض به المرأة، و الذي لا تتحيّض به.

فذكر له خواص و لوازم إمّا غير منفكة أو أغلبية، و بيّن أقسام النساء، و الدم الذي تتحيّض به كلّ منهن، و الذي لا تتحيّض به.

و نحن نذكر ما يتعلّق بذلك المطلب في مقامين:

المقام الأول: في بيان لوازم دم الحيض
اشاره

، و هي أمور:

منها

: أنّه لا يكون قبل كمال تسع سنين. فكلّ دم كان قبله، ليس حيضا إجماعا محقّقا و محكيا «1». و في المعتبر: أنّه متّفق عليه بين أهل العلم «2». و في المنتهى: أنّه مذهب العلماء كافة «3».

و هو فيه الحجة، مضافا إلى الموثّقة و الرواية الآتيتين. و مقتضاهما كون التحديد تحقيقا، كما هو ظاهر الأصحاب. فاحتمال التقريب- كما عن نهاية الإحكام «4»- غير صحيح.

ثمَّ إنّ جعلهم الحيض دليل البلوغ إنّما هو في مجهوله السن، مع كون الدم بوصفه الآتي، فاشتراطه بإكمال التسع لا ينافيه.

و منها

: أن لا يكون بعد اليأس. فكلّ ما كان بعده، لم يكن حيضا

______________________________

(1) حكاه في كشف اللثام 1: 84، و الرياض 1: 35.

(2) المعتبر 1: 199.

(3) المنتهى 1: 96.

(4) نهاية الاحكام 1: 117.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 375

بالإجماعين «1» أيضا.

فهو الدليل عليه، مع موثّقة البجلي: «ثلاث يتزوّجن على كلّ حال: التي يئست من المحيض و مثلها لا تحيض» قلت: و متى تكون كذلك؟ قال: «إذا بلغت ستين سنة، فقد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض، و التي لم تحض و مثلها لا تحيض» قلت: و ما تكون كذلك؟ قال: «ما لم تبلغ تسع سنين، فإنّها لا تحيض و مثلها لا تحيض، و التي لم يدخل بها» «2».

و روايته: «ثلاث يتزوّجن على كلّ حال: التي لم تحض و مثلها لا تحيض»

قال: قلت: و ما حدّها؟ قال: «إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين، و التي لم يدخل بها، و التي قد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض» قال: قلت: و ما حدّها؟ قال:

«إذا كان لها خمسون سنة» «3».

ثمَّ سنّ اليأس هل هو خمسون؟ كما هو مقتضى الرواية، مضافة إلى صحيحة أخرى للبجلي: «حدّ التي يئست من المحيض خمسون سنة» «4» و رواية البزنطي: «المرأة التي قد يئست من المحيض، حدّها خمسون سنة» «5» و إلى استصحاب وجوب العبادة و جواز المكث في المساجد و سائر لوازم الطهر.

أو ستّون؟ كما هو مقتضى الموثّقة، مضافة إلى مرسلة الكافي، التي ذكرها بعد رواية البزنطي بقوله: «و روي ستّون سنة أيضا» «6»، و إلى استصحاب كونها

______________________________

(1) كما نقله في المدارك 1: 323، و الرياض 1: 35.

(2) التهذيب 7: 469- 1881، الوسائل 22: 183 أبواب العدد ب 3 ح 5.

(3) الكافي 6: 85 الطلاق ب 24 ح 4، التهذيب 8: 137- 478، الاستبصار 3: 337- 1202، الوسائل 22: 179 أبواب العدد ب 2 ح 4.

(4) الكافي 3: 107 الحيض ب 21 ح 4، التهذيب 1: 397- 1237، الوسائل 2: 335 أبواب الحيض ب 31 ح 1.

(5) الكافي 3: 107 الحيض ب 21 ح 2، التهذيب 1: 397- 1235، الوسائل 2: 335 أبواب الحيض ب 31 ح 3.

(6) الكافي 3: 107 الحيض ب 21 ذيل ح 2، الوسائل 2: 336 أبواب الحيض ب 31 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 376

ممّن تحيض و عدم يأسها و بقاء الحكم بالعدّة و توابع الزوجية، و العمومات الدالّة على أنّ ما يكون بصفة الحيض أو تراه المرأة في أيام العادة حيض

«1».

أو الثاني في القرشية، و الأول في غيرها؟ كما تقتضيه مرسلة ابن أبي عمير:

«إذا بلغت المرأة خمسين سنة، لم تر حمرة إلّا أن تكون من قريش» «2» و مرسلة المبسوط في القرشية: «روي أنّها ترى دم الحيض إلى ستين سنة» «3».

أو الثاني في القرشية و النبطية، و الأول في غيرهما؟ كما يقتضيه الجمع بين مطلقات الخمسين و مرسلة المقنعة: «و روي أنّ القرشية من النساء و النبطية تريان الدم إلى ستين سنة» «4».

الأوّل مذهب الشرائع في كتاب الطلاق «5»، و السرائر و المدارك «6»، و عن نهاية الشيخ «7» و جمله «8» و المهذب «9»، للأخبار الثلاثة، و الأصول المتقدّمة.

و يجيبون أما عن أصول الستين: فبالاندفاع بما ذكر.

و أمّا عن الموثقة و مرسلة الكافي: فبعدم المقاومة مع أخبار الخمسين، لترجيحها عليهما بالأكثرية عددا، و الأصحية سندا، و الأوضحية دلالة، لكونها بالمنطوق، و كون دلالتهما على عدم اليأس بالخمسين بالمفهوم، و الأشهرية عملا- كما قيل- و رواية- كما في النافع «10»- و بكونها أخص منهما، لأنّها تدلّ على حصول

______________________________

(1) انظر الوسائل 2: 275، 278 أبواب الحيض ب 3 و 4.

(2) الكافي 3: 107 الحيض ب 21 ح 3، التهذيب 1: 397- 1236، الوسائل 2: 335 أبواب الحيض ب 31 ح 2.

(3) المبسوط 1: 42، الوسائل 2: 336 أبواب الحيض ب 31 ح 5.

(4) المقنعة: 532، الوسائل 2: 337 أبواب الحيض ب 31 ح 9.

(5) الشرائع 3: 35.

(6) السرائر 1: 145، المدارك 1: 323.

(7) النهاية: 516.

(8) لم نجده فيه، و لكن نسبه إليه في الحدائق 3: 171.

(9) المهذب 2: 286.

(10) المختصر النافع: 200.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 377

اليأس بخصوص الخمسين، و هما تدلّان على عدمه

بما دون الستين الذي منه الخمسون.

و أمّا عن المراسيل الثلاث الأخيرة: فبعدم صلاحيتها لدفع الأصول و تخصيص المطلقات، لضعفها بالإرسال. مع ما في أولاها من القصور في الدلالة، من جهة عدم التصريح بالستين و لا بالحيضيّة في القرشية.

و الثاني مختار الشرائع في بحث الحيض «1»، و مجوز المنتهى «2»، و صريح والدي العلّامة- رحمه اللَّه- في الكتابين، للأصول المتقدّمة، و العمومات المذكورة الخالية جميعا عمّا يصلح للمعارضة.

و يجيبون أمّا عن أصول الخمسين: فباندفاعها بالعمومات، مع كون الأصول الأولى مقدّمة عليها، لكونها مزيلة لها.

و أمّا عن الصحيح و الروايتين: فبسقوطها من البين، لمعارضتها مع الموثّقة و مرسلة الستين، و بطلان الوجوه المرجّحة لها عليهما. أمّا غير الأخير: فلعدم صلاحيتها للترجيح، كما بيّن في الأصول.

مع أنّ ما ذكروه في الترجيح باعتبار السند إنّما هو الأصدقية و الأعدلية، دون الإمامية التي هي مادة اختلاف السندين هنا.

و الأشهرية المدّعاة في العمل ممنوعة.

و دعواها من بعضهم معارضة بدعوى الأكثر إيّاها في أحد التفصيلين، و بعضهم في الآخر، كما يأتي. و في الرواية غير ثابتة. و دعوى النافع لا تثبتها، مع جواز أن يكون مراده مجرد الأكثرية في العدد.

و أمّا الأخير: فلأنّه لا يتمّ في تعارض أخبار الخمسين مع مرسلة الستين، إذ معناها المستفاد من ذكرها بعد خبر البزنطي، أنّ حدّ اليأس ستون. مع أنّه كما

______________________________

(1) الشرائع 1: 29.

(2) المنتهى 1: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 378

أنّ مفهوم الموثّقة عام، كذلك منطوق الأخبار الثلاثة، لدلالته على أنّ حدّ اليأس إذا كان لها خمسون سنة، و هو أعمّ من أن تكون لها زيادة أيضا.

و أيضا: ليس تعارضهما بالمنطوق و المفهوم فقط، بل يتخاصم منطوقاهما أيضا بالتساوي، فإنّ مدلول المنطوق الأول،

بل صريحه أنّ حدّ اليأس ستون سنة، بل المتبادر من نحو قوله: «إذا بلغت ستين يئست من المحيض» أنّ اليأس ببلوغها يحدث، و مدلول الثاني أنّه خمسون. و ذلك عين التخاصم و التنازع، فيتعارضان و يتساقطان.

و أمّا عن المراسيل الثلاث: فبما مرّ، مضافا إلى عدم كون الحمرة المنفية في الأولى صريحة في الحيض، و عدم منافاة الأخيرتين منها للمطلوب إلّا بمفهوم الوصف الضعيف.

و الثالث عن الصدوق «1» و المبسوط «2»، بل أكثر كتب الشيخ «3»- طاب ثراه- و استجوده في المعتبر «4»، و نسبه في البحار و الحدائق إلى المشهور «5»، و في التبيان و المجمع نسب حصول يأس القرشية بالستين إلى الأصحاب «6»، و هو ظاهر في دعوى الإجماع، للمرسلتين.

و يجيبون عن رواية النبطية: بعدم الثبوت. و عن مطلقات الخمسين و الستين: بوجوب حمل المطلق و العام على المقيد و الخاص، و المرسلتان خاصتان و مقيدتان.

و يدفعون الإيراد عليهما بالضعف: بمنعه جدّا. كيف؟! و هما منجبرتان

______________________________

(1) الفقيه 1: 51.

(2) المبسوط 1: 42.

(3) كما في الحدائق 3: 171، لكن لم نعثر عليه من الشيخ إلّا في المبسوط و التبيان.

(4) المعتبر 1: 200.

(5) البحار 78: 106، الحدائق 3: 171.

(6) التبيان 10: 33، مجمع البيان 5: 304.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 379

بالشهرة المحقّقة و المحكية، بل بظاهر دعوى الإجماع من الشيخين الجليلين:

الطوسي و الطبرسي «1». و مثله لا يقصر عن الصحاح، بل ربما يعدّ أقوى منها.

مع أنّ ابن أبي عمير الراوي لأولاهما ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما صحّ عنه، و صرّحوا بكون مراسيله في حكم المسانيد.

و بالقصور في الدلالة من جهة عدم التصريح بالستين: بعدم القائل بالفرق. و من جهة عدم الصراحة في الحيضية:

بكونها ظاهرة فيها، و هو كاف.

مع أنّ في المرسلة الثانية تصريحا بالحكمين. و من جهة عدم صراحة الحمرة في الحيض: بمنعه. كيف مع أنّ المنفي ليس سوى الدمين: الحيض و الاستحاضة، و بعد توصيف الأول في الروايات بالأحمر، و الثاني بالأصفر «2»، يتعيّن أنّ المراد هو الأول، مع أنّ العموم يكفي للمطلوب.

بل لو سلّم القصور من هذه الجهة أيضا لم يضرّ، إذ بعد ثبوت الستين للقرشية بمرسلة المبسوط «3»، يتعين تخصيص مطلقات الخمسين بها، فتصير خاصة بالنسبة إلى مطلقات الستين، و تخصّص بها و يثبت المطلوب.

و الرابع محكي عن ابني حمزة و سعيد، و اختاره الفاضل في القواعد «4»، بل- كما قيل- في أكثر كتبه «5»، و ذهب إليه الكركي «6» ناسبا له إلى المشهور، بل إلى الأصحاب، المؤذن بدعوى الإجماع، لمرسلة المقنعة «7».

و يدفعون الإيراد عليها بالضعف: بالانجبار بدعوى الكركي. و يجيبون عن

______________________________

(1) في التبيان و المجمع- كما تقدم.

(2) الوسائل 2: 275 أبواب الحيض ب 3.

(3) المتقدمة ص 376.

(4) الوسيلة: 56، الجامع للشرائع: 466، القواعد 1: 14.

(5) كما قال به في التحرير 1: 13، و التذكرة 1: 26، و الإرشاد 1: 226.

(6) جامع المقاصد 1: 286.

(7) المتقدمة ص 376.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 380

المطلقات: بوجوب التقييد.

أقول: كان ما ذكروه حسنا، لو لا معارضة دعوى الكركي في النبطية مع دعوى أكثر منه الشهرة على الخمسين في غير القرشية الشامل للنبطية أيضا، و أمّا معها فلا يحصل بها انجبار، و يسقط لأجله ذلك القول.

نعم، يبقى دعواها في القرشية، كدعوى الشيخين فيها خالية عن المعارض جابرة للمرسلتين الأوليين، و تخصّص بهما المطلقات كما مرّ، و يثبت بهما مقتضاهما الذي هو القول الثالث، فهو الحق.

فائدة: القرشية

أعم من الهاشمية، و هي المنسوبة إلى النضر بن كنانة، إمّا بالأب كما عليه جماعة «1»، اقتصارا على المتيقّن، و استصحابا للتكليف و سائر لوازم الطهر، و اتّباعا لعموم وجوب العبادة.

أو مطلقا كما عليه اخرى «2»، نظرا إلى صدق كونها من قريش، كما في المرسلة الأولى، و تحقّق الانتساب إليه، كما في الأخيرتين، و استصحابا لكونها ممّن تحيض، و اتّباعا لعمومات الرجوع إلى التمييز و اعتبار أيام العادة. و هو الأقوى- و لو كان الصدق و التحقّق المذكوران عرفا محل التشكيك- للأصول المذكورة المزيلة للأصول المتقدّمة.

و منه يعلم كفاية الانتساب الشرعي و غيره ظاهرا و إن لم يعلم الواقع.

و أمّا احتمال القرشية واقعا من غير الانتساب ظاهرا فغير كاف. لا لأصالة عدم القرشية، لعدم حجّيتها إن أريد بالأصل الظهور الحاصل من الإلحاق بالأغلب، و منعها إن أريد غيره. بل للإجماع المحقّق.

ثمَّ المعروفات منهنّ في هذا العصر منحصرات في الهاشميّات فعليهنّ الحكم.

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في الروضة 1: 370، و المحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 285.

(2) كصاحبي المدارك 1: 322، و الذخيرة: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 381

و أمّا النبطيّات فلا يعرفن في هذا الزمان أصلا، فهو قد كفانا مئونة الاشتغال بتحقيق معناها.

و منها

: أنّه حار أسود عبيط يخرج بدفع و حرقة- أي لذع لأجل الدفع و الحرارة- بالإجماع و المستفيضة.

منها: حسنة البختري عن المرأة تستمرّ بها الدم فلا تدري حيض هو أو غيره، قال، فقال لها: «إنّ دم الحيض حار عبيط أسود له دفع و حرارة، و دم الاستحاضة أصفر بارد، و إذا كان للدم دفع و حرارة و سواد فلتدع الصلاة» «1».

و مرسلة «2» جميل و فيها: «و إن اشتبه فلم

يعرف أيام حيضها فإنّ ذلك لا يخفى، لأنّ دم الحيض دم عبيط حار، و دم الاستحاضة دم أصفر بارد» «3».

و صحيحة ابن عمار: «إنّ دم الاستحاضة و الحيض ليسا يخرجان من مكان واحد، إنّ دم الاستحاضة بارد، و إنّ دم الحيض حار» «4».

و موثّقة ابن جرير: «دم الحيض ليس به خفاء هو دم حار تجد له حرقة، و دم الاستحاضة دم فاسد بارد» «5».

و في موثّقة إسحاق بن عمّار في الحبلى: «إن كان دما عبيطا فلا تصلّي ذينك اليومين، و إن كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين» «6».

______________________________

(1) الكافي 3: 91 الحيض ب 9 ح 1، التهذيب 1: 151- 429، الوسائل 2: 275 أبواب الحيض ب 3 ح 2.

(2) مذكورة في باب عدة المطلّقة المسترابة من الوافي (منه ره).

(3) التهذيب 8: 127- 439، الاستبصار 3: 332- 1181، الوسائل 22: 190 أبواب العدد ب 5 ح 1.

(4) الكافي 3: 91 الحيض ب 9 ح 2، الوسائل 2: 275 أبواب الحيض ب 3 ح 1.

(5) الكافي 3: 91 الحيض ب 9 ح 3، التهذيب 1: 151- 431، الوسائل 2: 275 أبواب الحيض ب 3 ح 3.

(6) التهذيب 1: 387- 1192، الاستبصار 1: 141- 483، الوسائل 2: 331 أبواب الحيض ب 30 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 382

و في مرسلة يونس، الطويلة: «إنّ دم الحيض أسود يعرف» «1».

و المراد بالسواد هنا هو الحمرة الشديدة القريبة من السواد، كما هو المتبادر في السواد المستعمل في الدماء المتأيّد بالمشاهدة و الاعتبار.

و يشهد له: ما في مرسلة يونس «إذا رأت الدم البحراني فلتدع الصلاة» ثمَّ قال عليه السلام: «و قوله البحراني شبه معنى قول النبيّ صلّى اللّه عليه

و آله: إنّ دم الحيض أسود، و إنّما سماه [أبي ] بحرانيا لكثرته و لونه» الحديث ..

دلّ على اتّحاد المراد من الأسود و من البحراني المفسّر في كتب اللغة «2»، و المعتبر، و التذكرة «3»، بالحمرة الشديدة.

فلا تنافي بين ما مر و بين ما وصف الحيض بالحمرة، كالمرسل الآتي في الحبلى «إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصلّي» «4» و غيره، و لا بين كلام من وصفه بالسواد فقط، كما عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و المنتهى و التبصرة و الإرشاد «5» و التلخيص و التحرير «6» و غيرها «7»، و من وصفه بالحمرة كذلك، كما عن المقنعة «8».

نعم، في النافع خيّر بين الوصفين، و ظاهره الاختلاف بينهما «9».

و هو ليس بجيّد، إلّا أن يحمل على تفاوت مراتب الحمرة.

______________________________

(1) الكافي 3: 83 الحيض ب 8 ح 1، التهذيب 1: 381- 1183، الوسائل 2: 276 أبواب الحيض ب 3 ح 4.

(2) كالنهاية لابن الأثير 1: 99، و الصحاح 2: 585، و لسان العرب 4: 45.

(3) المعتبر 1: 197، التذكرة 1: 26.

(4) سيأتي ذكره ص 403.

(5) النهاية: 23، المبسوط 1: 41، الوسيلة: 56، المنتهى 1: 95، التبصرة: 8، مجمع الفائدة 1:

141.

(6) التحرير 1: 13.

(7) كالكفاية: 3، و المفاتيح 1: 14.

(8) المقنعة: 54.

(9) المختصر النافع: 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 383

و قد يزاد في الوصف: الغلظة و النتن. و ليس عليهما دليل سوى المرويين في فقه الرضا عليه السلام و الدعائم:

الأوّل: «و تفسير الاستحاضة أنّ دمها يكون رقيقا تعلوه صفرة، و دم الحيض إلى السواد و له غلظة، و دم الحيض حار يخرج بحرارة شديدة، و دم الاستحاضة بارد يسيل و هي لا تعلم» [1].

و الثاني:

«و دم الحيض كدر غليظ منتن، و دم الاستحاضة دم رقيق» «1».

و هما لضعفهما غير صالحين للاستناد و إن شهد لهما الاعتبار.

ثمَّ إنّ مقتضى التوصيف في تلك الأخبار: أنّ الأصل أنّ كلّ ما انتفت فيه تلك الأوصاف كلا أو بعضا لم يكن حيضا.

و بعبارة أخرى: كلّ ما كان حيضا كان متّصفا بالأوصاف، كما أنّ مقتضى منطوق الشرط في الحسنة «2»: أنّ الأصل أنّ كلّ ما وجدت فيه الأوصاف فهو حيض مطلقا، إلّا ما دلّ دليل على خلافه في الكلّيتين، و يزاد الدليل على الكلّية الأخيرة في صورة الاشتباه مع الاستحاضة الحكم بانتفاء تلك الأوصاف عن المستحاضة في المستفيضة «3»، فإنّ مفادها أنّ المتّصف بها حينئذ حيض، إلّا إذا دلّ دليل على خلاف ذلك.

و بذلك يظهر أنّ الحق مع من حكم بكون اعتبار الأوصاف إثباتا و نفيا للحيض أصلا لا يتخلّف عنه إلّا بدليل «4».

و جعلها مميّزات عند الاشتباه مع الاستحاضة خاصة «5» غير سديد، و غفلة

______________________________

[1] فقه الرضا عليه السلام: 192 و 194 و فيه: «رقة» بدل: «غلظة» و الظاهر انها تصحيف: حرقة كما نقله في المستدرك 2: 7 أبواب الحيض ب 3 ح 3.

______________________________

(1) الدعائم 1: 127، المستدرك 2: 7 أبواب الحيض ب 3 ح 2.

(2) حسنة البختري المتقدمة ص 281.

(3) المتقدمة ص 281.

(4) كما في المدارك 1: 313، و الحدائق 3: 152.

(5) كما في شرح المفاتيح: (مخطوط)، و الرياض 1: 35، و مفتاح الكرامة 1: 236.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 384

عن منطوق الشرط.

ثمَّ إنّ المعتبر في التمييز بينهما حين الاشتباه هو جميع الأوصاف المتقدّمة، و لا يكفي البعض و إن اكتفي به في بعض الأخبار «1»، لأنّه يكون أعمّ من الخبر

المستجمع للجميع، فيجب تقييده به.

و منه يظهر أنّه لو اتّصف حينئذ دم ببعض أوصاف كلّ من الحيض و الاستحاضة، كأن يكون حارا أصفر، أو باردا أسود، تتعارض فيه الأخبار المميّزة بالوصف، فلا يعمل بها فيه، بل يرجع إلى القواعد الأخر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    384     المقام الأول: في بيان لوازم دم الحيض ..... ص : 374

ظ) منها

: أنّه يكون منغمسا في القطنة، و هذا إنّما يعتبر مع اشتباهه بدم العذرة، فيحكم حينئذ بالحيضية مع الانغماس، و بالعذرة مع التطوّق.

وفاقا للأكثر في الحكمين، لصحيحتي زياد «2»، و خلف «3»، و الرضوي «4»، المصرّحة جميعا بهما.

و خلافا لظاهر الشرائع، و النافع، و صريح المعتبر «5» و محتمل المقنعة [1] في الأول، فتوقّفا فيه.

و لا وجه له بعد صراحة الأخبار المعتبرة المعمول بها عند الأكثر. مع أنّ مورد المسألة إنّما هو صورة الاشتباه، و هو لا يكون إلّا مع إمكان الحيضيّة إمّا باستجماع

______________________________

[1] كذا في النسخ، و ليس موجودا في المقنعة و لم نعثر على من نسبه إليه و الظاهر أنه مصحّف «القواعد»- لتشابه رمزيهما-، قال في الرياض 1: 35 «.. و صريحه في المعتبر .. و يحتمله القواعد ..»

فراجع القواعد 1: 14.

______________________________

(1) مثل صحيحة ابن عمّار المتقدّمة ص 281.

(2) الكافي 3: 94 الحيض ب 10 ح 2، التهذيب 1: 152- 432، الوسائل 2: 273 أبواب الحيض ب 2 ح 2.

(3) الكافي 3: 92 الحيض ب 10 ح 1، التهذيب 1: 385- 1184، الوسائل 2: 272 أبواب الحيض ب 2 ح 1.

(4) فقه الرضا عليه السلام: 194، المستدرك 2: 6 أبواب الحيض ب 2 ح 1.

(5) الشرائع 1: 29، المختصر النافع: 9، المعتبر 1:

198.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 385

الأوصاف إن قلنا باشتراطه في الإمكان أو بدونه إن لم نقل به، فيثبت الحكم إمّا بإخبار اعتبار الأوصاف، أو بالقاعدة المسلّمة عندهما من أنّ ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض إلّا ما خرج بالدليل، فلا مجال للتوقّف.

و منه يظهر بطلان توجيه كلامهما: بأنّ الدم ربما لا يستجمع الشرائط «1»، فإنّ الشرائط إن كانت معتبرة فلا يكون حيضا قطعا، و لا يحصل الاشتباه، و إلّا فلا يوجب عدمها التوقّف.

و قد يجوّز عدم مخالفتهما، و يوجّه عدم حكمهما بالحيضية في صورة الانغماس باتّكالهما على فرض انحصار الاشتباه بين الدمين خاصة، فإذا تميّز دم العذرة بمميّزه، فيرتفع الإشكال في الحكم بالحيضية مع عدمه بحكم الفرض «2».

و هو إنّما يتأتّى في غير كلام المعتبر، و أمّا فيه- فلتصريحه بالتوقّف في الحكم بالحيضية- فلا.

ثمَّ ظاهر إطلاق إحدى الصحيحتين «3» كفاية وضع القطنة و إخراجها بأيّ نحو اتّفق، و لكن الأخرى «4» قيّدته بالوضع و الصبر هنيئة ثمَّ إخراجها هنيئة، و العمل بها أحسن لتقييدها.

و أمّا ما ذكره بعضهم «5»- من اعتبار الاستلقاء في رفع الرجلين و إدخال الإصبع- فلم نعثر على حجة له و إن نسبه إلى الأخبار، و لعلّ نظره إلى أخبار القرحة «6»، و اللَّه اعلم.

و منها

: الخروج عن الأيسر، و هو معتبر عند الاشتباه مع دم القرحة فيحكم

______________________________

(1) كما في الذكرى: 28.

(2) كما في الرياض 1: 35.

(3) و هي صحيحة زياد المتقدمة ص 384.

(4) و هي صحيحة خلف المتقدمة ص 384.

(5) روض الجنان: 60.

(6) الآتية عن قريب.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 386

بالحيضية معه و بالقرحة مع الخروج عن الأيمن. وفاقا للفقيه، و نهاية الإحكام، و السرائر، و

البيان، و القواعد، و الإرشاد، و التذكرة «1»، و عن المقنع، و المقنعة، و المبسوط، و المهذب «2»، و الإصباح، و الوسيلة، و الجامع، و النهاية «3»، و التلخيص، بل الأكثر، كما ذكره في التذكرة «4»، و جمع ممّن تأخر «5».

لمرفوعة أبان، المروية في التهذيب، و فيها: «مرها فلتستلق على ظهرها، ثمَّ ترفع رجليها، ثمَّ تستدخل إصبعها الوسطى، فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض، و إن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة» «6».

و الرضوي: «و إن اشتبه عليها الحيض و دم القرحة فربما كان في فرجها قرحة، فعليها أن تستلقي على قفاها و تدخل إصبعها، فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من القرحة، و إن خرج من الجانب الأيسر فهو من الحيض» «7».

و بالشهرة- كما مرّت- ينجبر ضعفهما، كما أنّ الأخيرة بها و بالأحدثية- التي هي من المرجّحات المنصوصة- تترجّح على مرفوعة أبان، المروية في الكافي «8» بالعكس، إن قلنا بتعدد روايتي الكافي و التهذيب أو باتّحادهما مع سقوط نسخة التهذيب بترجيح الكافي عليها بأضبطيته و أقدميته أو باضطراب نسخه حيث إنّه نقل عن ابن طاوس توافق نسخ التهذيب القديمة للكافي «9»، و عن الذكرى

______________________________

(1) الفقيه 1: 54، نهاية الاحكام 1: 116، السرائر 1: 146، البيان: 57، القواعد 1: 14، مجمع الفائدة 1: 14، التذكرة 1: 26.

(2) المقنع: 16، المقنعة: لم نعثر عليه فيه، و لكن نقله عن المفيد في مفتاح الكرامة 1: 338، المبسوط 1: 43، المهذّب 1: 35.

(3) الوسيلة: 57، الجامع للشرائع: 41، النهاية: 24.

(4) التذكرة 1: 26.

(5) منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 36، و صاحبا الرياض 1: 35، و الذخيرة: 62.

(6) التهذيب 1: 385- 1185،

الوسائل 2: 307 أبواب الحيض ب 16 ح 2.

(7) فقه الرضا عليه السلام: 193، المستدرك 2: 14 أبواب الحيض ب 14 ح 1.

(8) الكافي 3: 94 الحيض ب 10 ح 3، الوسائل 2: 307 أبواب الحيض ب 16 ح 1.

(9) نقله عنه في الذكرى: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 387

موافقة كثير من نسخه له «1».

و أمّا إن قلنا باتّحادهما و ترجيح نسخة التهذيب بموافقتها الشهرة، و مطابقتها لعبارة الصدوق- التي قالوا: هي متون الأخبار- و فتوى المفيد، و شهادة بعض النسوة المتديّنة بذلك، كما ذكره بعض مشايخنا [1]، أو بتكافئهما، فلا يكون للأخيرة المنجبرة معارض، لسقوط نسخة الكافي، إمّا بالمرجوحية، أو بالتكافؤ، و بقاء الأخيرة بلا معارض.

و خلافا للكليني «2»، و المحكي عن الإسكافي «3»، و البشرى «4»، و الذكرى، و الدروس «5»، فعكسوا، لمرفوعة الكافي و ترجيحها على ما في التهذيب بما مرّ.

و يضعّف: بأنّه لو سلّم ترجيحها عليه فلا نسلّم ترجيحها على الرضوي، بل الرجحان له كما عرفت.

و للمعتبر و ظاهر المنتهى «6»، و المقدس الأردبيلي «7»، و المدارك «8»، و والدي العلّامة، و جمع آخر من متأخّري المتأخّرين «9»، بل نسبه والدي إلى أكثر المتأخّرين، فلم يعتبروا الجانب بالمرّة.

______________________________

[1] هكذا حكى في الرياض 1: 35 عن بعض المشايخ شهادة المتدينة من النسوة، و قد يكون مراده أستاذه الوحيد البهبهاني حيث قال: و لأنّ المعروف من النساء و المشهور بينهن أنّ الأمر كذلك فاستعلم منهنّ. شرح المفاتيح (مخطوط).

______________________________

(1) الذكرى: 28.

(2) الكافي 3: 94.

(3) نقله عنه في المختلف: 36.

(4) للسيّد جمال الدين بن طاوس، نقله عنه في الذكرى: 28.

(5) الذكرى: 28، الدروس 1: 97.

(6) المعتبر 1: 199، المنتهى 1: 95.

(7) مجمع الفائدة

1: 141.

(8) المدارك 1: 318.

(9) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 62، و الكفاية: 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 388

لاضطراب متن الحديث و اختلافه، مع ترجيح كلّ من الروايتين بوجه كما مرّ، و مخالفة اعتبار الجانب للاعتبار، إذ القرحة تكون في كلّ من الجانبين و الحيض محله الرحم، و هي ليست في الأيسر، و فساد توهّم كون وضع الرحم بحيث يستلزم خروج الحيض من الأيسر و دم القرحة من الأيمن عند الاستلقاء، على أنّ النسوان لا يدركن ذلك.

قال والدي: كل امرأة رأيناها و سألناها اعترفت بعدم إدراك الجانب للخروج.

و يضعّف: بأنّ غاية ما في الباب سقوط الروايتين بالاضطراب، و بقاء الرضوي خاليا عن المعارض. و مخالفة الاعتبار بعد شهادة النص غير مسموعة، فإنّ الشرعيات تعبدية.

و منها

: أنّه لا يكون أقلّ من ثلاثة أيام و لا أكثر من عشرة، بالإجماعين في الموضعين، و هو الحجة فيهما، مضافا إلى المعتبرة كالصحاح الثلاث لبني عمار و يقطين و يحيى.

الأولى: «إنّ أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيام و أكثر ما يكون عشرة أيام» «1».

الثانية: «أدنى الحيض ثلاثة و أقصاه عشرة» «2».

الثالثة: «أدناه ثلاثة و أبعده عشرة» «3» و غيرها من الأخبار المتكثرة.

و صحيحة ابن سنان المخالفة للثاني ظاهرا: «أكثر ما يكون الحيض ثمان و أدنى ما يكون ثلاثة» «4» شاذة غير صالحة للحجية. مع أنّ إرادة أكثر العادات كما

______________________________

(1) الكافي 3: 75 الحيض ب 1 ح 2، الوسائل 2: 293 أبواب الحيض ب 10 ح 1.

(2) التهذيب 1: 156- 447، الاستبصار 1: 130- 448، الوسائل 2: 296 أبواب الحيض ب 10 ح 10.

(3) الكافي 3: 75 الحيض ب 1 ح 3، التهذيب 1: 156- 446، الاستبصار 1: 130-

447، الوسائل 2: 294 أبواب الحيض ب 10 ح 2.

(4) التهذيب 1: 157- 450، الاستبصار 1: 131- 451، الوسائل 2: 297 أبواب الحيض ب 10 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 389

هو الواقع ممكنة، بل لإرادة أكثر الحيض مساوية، و لا يمكن إرادة ذلك في أكثرية العشرة و أقلية الثلاثة، لأنّه ليس كذلك قطعا، كما أنّ المشاهدة به حاكمة.

و في اشتراط التوالي في الثلاثة و عدمه- بكونها في جملة العشرة- قولان:

الأول- و هو الأظهر- للمحكي عن الصدوقين في الرسالة، و الهداية «1»، و الإسكافي «2»، و الجمل، و المبسوط «3»، و السيد [1]، و ابني حمزة و إدريس «4»، و المعتبر، و المنتهى، و القواعد، و البيان «5»، و المحقّق الثاني ناسبا له إلى أكثر الأصحاب «6» كجماعة من المتأخّرين «7» بل نسبه بعضهم إلى الشهرة العظيمة «8».

و استقرب والدي- رحمه اللّه- دعوى الإجماع عليه.

للرضوي الصريح المنجبر ضعفه بالشهرتين: «و إن رأت يوما أو يومين فليس ذلك من الحيض ما لم تر ثلاثة أيام متواليات» «9» مضافا إلى استصحاب عدم الحدث.

و الإيراد على الأول: بأنّه خرج مخرج الغالب دون الكلّي، و إلّا لكان منافيا لقوله عليه السلام قبل ذلك: «فإن رأت الدم بعد اغتسالها من الحيض قبل استكمال عشرة أيام بيض فهو ما بقي من الحيضة الأولى» «10» مندفع بعدم منافاة

______________________________

[1] لم نعثر على كلامه في كتبه الموجودة و لا على ناقل عنه.

______________________________

(1) الفقيه 1: 50 نقله عن رسالة أبيه، الهداية: 21.

(2) نقله عنه في المختلف: 26.

(3) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 163، المبسوط 1: 42.

(4) الوسيلة: 56، السرائر 1: 143.

(5) المعتبر 1: 202، المنتهى 1: 98، القواعد 1: 14، البيان: 58.

(6) جامع

المقاصد 1: 287.

(7) منهم العلامة في التذكرة 1: 26، و صاحبا كشف اللثام 1: 86، و الذخيرة: 63.

(8) نسبه في الرياض 1: 36.

(9) فقه الرضا عليه السلام: 192، المستدرك 2: 12 أبواب الحيض ب 10 ح 1.

(10) فقه الرضا عليه السلام: 192، المستدرك 2: 12 أبواب الحيض ب 9 ح 1، في المستدرك: «فان زاد الدم ..».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 390

قوله السابق له إلّا بالإطلاق، و هو لا ينافي إرادة الكلية من قوله اللاحق، لوجوب تقييد السابق باللاحق.

و قد يستدلّ أيضا: بعمومات التكليف بالعبادة، فلا يخرج منها إلّا ما علم.

و بأصالة عدم تعلّق أحكام الحائض بها.

و بثبوت العبادة في الذمة باليقين فلا يسقط إلّا مع اليقين بالمسقط، و لا يقين حين فقد التوالي.

و بتبادره من مثل قولهم: أقلّ الحيض ثلاثة.

و الكلّ منظور فيه، لا لما أورد على الأول: بأنّ العمومات مخصّصة قطعا بما دلّ على حرمة العبادة على الحائض، فهي أيضا مخصوصة بغير الحائض، و لا يدري أنّ تلك المرأة داخلة في العمومات أو الخصوصات.

و على الثاني: بأنه معارض بأصالة عدم التكليف بالعبادات المشروطة بالطهارة.

و على الثالث: بالمنع من ثبوتها في الذمة، فإنّه أول الكلام، بل مقتضى الأصل عدم التعلّق.

و على الرابع: بأنّه لو تمَّ في الثلاثة، لزم مثله في العشرة، لاشتراكهما في الإطلاق في أخبار المسألة.

لأنا نجيب عما أورد على الأول بأنّ تخصيص العمومات إنّما هو بالحائض المعلوم حيضها إجماعا، بل هي المراد من الحائض قطعا، لأنّ الألفاظ و إن كانت أسامي للمعاني النفس الأمرية إلّا أنّها مقيّدة بالعلم هنا إجماعا، بل في مطلق مقامات التكاليف.

و عمّا أورد على الثاني: بأنّها لو كانت حائضا، لحرمت عليها العبادات المشروطة بالطهارة أيضا لأجل

أنّها حائض، و هذا أيضا تكليف بترك العبادة من

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 391

هذه الجهة، و الأصل عدمه، فالتكليف بالعبادة متحقّق إمّا بالفعل أو الترك، و الأصل عدم كلّ منهما، فيتعارضان، و تبقى أصالة عدم تعلّق أحكام الحائض كحرمة الوطء و المنع عن المسجد و العزائم و نحو ذلك خالية عن المعارض.

و عمّا أورد على الثالث: بأنّ للمستدلّ أن يتمسّك بالاستصحاب في صورة رؤيتها الدم بعد دخول الوقت و مضيّ مقدار الطهارة و الصلاة، و إلحاق غيرها بعدم القائل بالفرق، إلّا أن يعارض ذلك بصورة رؤيتها الدم قبل الوقت.

و عمّا أورد على الرابع: بأنّ خروج العشرة بالإجماع أو دليل آخر عن معناه المتبادر لا يوجب خروج غيرها أيضا. مع أنّهم يقولون باشتراط التوالي في العشرة أيضا، و لا يجعلون النقاء المتخلّل في العشرة طهرا، غاية الأمر أنّه لا يلزم عندهم في العشرة المتوالية رؤية الدم كلّ يوم.

بل لاندفاع الثلاثة الأولى: بأنّ ذات العادة يجب عليها ترك العبادة بمجرد رؤية الدم، و هكذا المبتدأة بالمعنى الأعم عند جماعة «1»، فالعمومات بهذه المرأة مخصّصة و أحكام الحائض بها متعلّقة، و العبادات عنها ساقطة. فيبقى الكلام في تعلّق القضاء بها لو لم تتوال الثلاثة، و لا شك أنّ الأصل عدمه المستلزم للحيضية الموجبة لعدم اشتراط التوالي، بل يكفي لو منع ذلك الحكم في غير ذات العادة أيضا، و يسقط الاستدلال، لأنّ بثبوت الحيضية في ذات العادة يثبت في غيرها أيضا بالإجماع المركّب، و لا تفيد المعارضة بغير ذات العادة و التمسّك بالإجماع المركّب فيها، إذ بتمامية المعارضة أيضا يسقط الاحتجاج بالأصول.

و اندفاع الرابع أوّلا: بمنع التبادر، و لذا لا يلزم التوالي على من نذر صيام ثلاثة

أيام ما لم يقيّد بالتوالي.

و ثانيا: بتوقّف تماميته على كون الثلاثة في ضمن العشرة حيضا خاصة و هو

______________________________

(1) منهم الشيخ في المبسوط 1: 42- 43، و العلامة في المنتهى 1: 109، و الشهيد الثاني في الروضة 1: 387، المحقق السبزواري في الذخيرة: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 392

غير معلوم، فلا تكون الثلاثة الأقلّ إلّا متوالية أبدا، و يرجع النزاع إلى مجرد اشتراط التوالي في رؤية الدم في الثلاثة الأولى و عدمه.

و الحاصل: أنّ اشتراط التوالي في الأقلّ المنحصر قطعي مجمع عليه، و الخلاف في صورة التجاوز عنه، و لا يكون الحيض حينئذ ثلاثة، بل أكثر، و مدلول قولهم: أقلّ الحيض ثلاثة: إنّما هو في المنحصر.

الثاني: للشيخ في النهاية و عن الاستبصار «1»، و القاضي «2»، و إليه ذهب جملة من متأخّري المتأخّرين، منهم المحقّق الأردبيلي، و الفاضل الهندي «3»، و اختاره جماعة من مشايخنا الأخباريين «4».

لكون ما يمكن أن يكون حيضا و ما يشمل على الأوصاف و ما يقع في العادة حيضا.

و لحسنة محمّد: «إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة فهو من الحيضة الأولى، و إن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة» «5» و قريبة منها موثّقته «6».

دلّتا على أنه متى رأت المرأة الدم بعد ما رأته أوّلا سواء كان الأول يوما أو أزيد، فإن كان قبل العشرة فهو من الحيضة الأولى.

و مرسلة يونس و فيها: «و إن انقطع الدم بعد ما رأته يوما أو يومين اغتسلت و صلّت و انتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيام، فإن رأت في تلك العشرة أيام

______________________________

(1) النهاية: 26، الاستبصار 1: 130.

(2) جواهر الفقه: 15.

(3) مجمع الفائدة 1: 143، كشف اللثام 1: 86.

(4) منهم صاحب

الحدائق 3: 159.

(5) الكافي 3: 77 الحيض ب 2 ح 1، التهذيب 1: 159- 454، الوسائل 2: 296 أبواب الحيض ب 11 ح 3.

(6) التهذيب 1: 156- 448، الاستبصار 1: 130- 449، الوسائل 2: 296 أبواب الحيض ب 10 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 393

من يوم رأت الدم يوما أو يومين حتى تتم لها ثلاثة أيام فذلك الذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة فهو من الحيض» «1» الحديث.

و الجواب عن غير الأخيرة: بأنّ دلالته على المورد بالعموم، فيجب تخصيصه بما مرّ، لما مرّ.

و عن الأخيرة: بعدم حجيتها، لمخالفتها شهرة القدماء طرّا. و لو سلّمت فهي معارضة للرضوي المتقدّم «2» و الترجيح له من جهة الأحدثية، و لو سلّم عدم الترجيح فيرجع إلى استصحاب عدم الحدث.

و قد يجاب عن الحسنة و الموثّقة: بمنع كون ما تقدّم حيضا ما لم تتوال فيه الثلاثة، فبدونه لا يكون حيضة حتى يكون الباقي من الحيضة الأولى.

و فيه: أنّ معنى الحديث: أنّ الدم المرئي بعد انقطاعه و قبل العشرة بعض من الحيضة الأولى، أي يجب جعل المجموع حيضا واحدا أوّليّا، و ذلك لا يتوقّف على تسمية ما سبق حيضا. و الحاصل: أنّ هذا حكم منه عليه السلام بالحيضية و الأولية معا، لا أنّه حكم بالأولية خاصة حتى يتوقّف صدقها على ثبوت الحيضية أوّلا.

ثمَّ على القول المختار: فهل يجب استمرار الدم في الثلاثة بحيث متى وضعت الكرسف تلوّث و لو ضعيفا؟ كما عن المحقّق الثاني في شرح القواعد «3»، و ابن فهد في المحرّر «4»، و الحلبي في معطي الكافي «5»، و الغنية «6»، و ابن سعيد،

______________________________

(1) الكافي 3: 76 الحيض ب

1 ح 5، التهذيب 1: 157- 452، الوسائل 2: 299 أبواب الحيض ب 12 ح 2.

(2) في ص 389.

(3) جامع المقاصد 1: 287.

(4) نقله عنه في كشف اللثام 1: 86.

(5) الكافي في الفقه: 128، قال في كشف اللثام 1: 86: و يعطيه ما في الكافي.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 394

نافيا عنه الخلاف «1»، و ظاهر المبسوط أنّه مسلّم عند القائلين بالتوالي «2».

أم يكفي وجوده في كلّ يوم من الثلاثة و إن لم يستوعبها؟ كما عن الروض «3»، و ظاهر الفاضل «4»، و اختاره في المدارك، و عزاه إلى الأكثر «5»، و لكن ظاهر شرح القواعد ندرة القول به حيث نسبه إلى أنه قد يوجد في بعض الحواشي «6».

أم يعتبر وجوده في أوّل الأوّل و آخر الآخر و جزء من الوسط؟ كما عن بعض المتأخّرين «7»، و نفى الشيخ البهائي عنه البعد «8».

أقوال، أقواها: الأخير، لمثل قولهم عليهم السلام: «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيام».

فإنّه لا يصدق على من رأت في الدقيقة الأخيرة من اليوم الأول و الأولى من الثالث، كما هو مقتضى القول الثاني، بل المتبادر منه عدم تحقّق الحائضية في أقلّ من ثلاثة أيام تامة.

و أظهر منه في ذلك المعنى قوله في موثّقة ابن بكير في المبتدأة التي استمرّ بها الدم: «ثمَّ تترك الصلاة في المرّة الثانية أقلّ ما تترك امرأة الصلاة و تجلس أقلّ ما يكون من الطمث، و هو ثلاثة أيام» «9» الحديث.

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 43.

(2) المبسوط 1: 67.

(3) الروض: 62.

(4) المنتهى 1: 98، التذكرة 1: 35.

(5) المدارك: 1: 322.

(6) جامع المقاصد 1: 287.

(7) لم نعثر عليه، نعم قال في الحدائق 3: 169 و نسب الى

السيد حسن ابن السيد جعفر معاصر شيخنا الشهيد الثاني.

(8) لحبل المتين: 47.

(9) التهذيب 1: 400- 1251، الاستبصار 1: 137- 470، الوسائل 2: 291 أبواب الحيض ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 395

فإنّ المتبادر من ترك الصلاة و الجلوس ثلاثة أيام تركها و جلوسها ثلاثة أيام تامة، لصحة السلب عن الأقلّ و لو بدقيقة.

و بذلك يقيّد إطلاق مفهوم الرضوي المتقدّم «1»، حيث إنّه يصدق رؤية الدم ثلاثة أيام برؤية المسمّى في كلّ يوم، لعدم وجوب المطابقة بين الظرف و المظروف.

و يسقط لأجله القول الثاني، فإنّ مستنده ليس إلّا ذلك العموم، مع أنّه ضعيف و انجباره في المقام غير معلوم.

كما أنّ بعمومات الحكم بالحيض مع الأوصاف و في أيام العادة منضمة مع ما دلّ على أنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة يندفع أصالة عدم الحدث التي هي مستند القول الأول، و يسقط لأجله ذلك القول أيضا. و لا دلالة لقوله عليه السلام في مرسلة يونس: «فإن استمرّ بها الدم ثلاثة فهي حائض» «2» عليه، لأنّ مقابل ذلك الاستمرار الانقطاع المذكور فيها فلا حكم للمفهوم غيره.

ثمَّ هل يعتبر الثلاثة بلياليها كما عن الإسكافي «3»، و المنتهى، و التذكرة «4»؟

أم يكفي ما عدا الليلة الأولى كما احتمله بعض المحقّقين «5»؟

ظاهر الدليل: الثاني، لصدق الثلاثة أيام، بل لو لا عدم الخلاف في دخول الليلتين فيها لكان الاقتصار على النهار خاصة محتملا.

و لو رآه أوّل الليلة الأولى لم ينقص لأجله من الثلاثة أيام شي ء البتة.

و الظاهر عدم الخلاف في كفاية اليوم الملفّق هنا، فلو رأى أول الظهر

______________________________

(1) ص 389.

(2) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 5، التهذيب 1: 157- 452، الوسائل 2: 299 أبواب الحيض

ب 12 ح 2.

(3) نقله عنه في المعتبر 1: 202.

(4) المنتهى 1: 97، التذكرة 1: 26.

(5) و هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 396

من الأول تمّت الثلاثة بأول الظهر من الرابع و لم يتوقّف على تمامه، فتأمّل.

و لنختم هذا المقام بمسائل ثلاث:

المسألة الأولى:

لا حدّ لأكثر الطهر على المشهور، بل بلا خلاف، كما عن الغنية «1»، للأصل.

و عن ظاهر الحلبي تحديده بثلاثة أشهر «2». و حمل على الغالب «3».

و عن البيان «4» احتمال أن يكون نظره إلى عدة المسترابة.

و أقلّه عشرة أيام إجماعا قطعيا في المتوسّط بين الحيضتين المستقلّتين، و محكيا «5» مستفيضا في مطلقه الشامل للمتخلّل في أثناء الحيضة الواحدة، لاستفاضة النصوص المعتبرة.

منها: صحيحة محمّد: «لا يكون القرء في أقلّ من عشرة أيام فما زاد، أقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم» «6».

و في مرسلة يونس: «أدنى الطهر عشرة أيام» و فيها أيضا: «و لا يكون الطهر أقلّ من عشرة أيام» «7».

خلافا لبعض متأخّري المتأخّرين، فخصّ الحكم بما بين الحيضتين، و جوّز كون المتخلّل في أثناء الحيضة أقلّ من عشرة «8».

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

(2) الكافي في الفقه: 128.

(3) كما حمله العلّامة في التذكرة 1: 27.

(4) البيان: 58.

(5) كما حكاه في الخلاف 1: 238، و روض الجنان: 63، و المدارك 1: 319.

(6) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 4، التهذيب 1: 157- 451، الاستبصار 1: 131- 452، الوسائل 2: 297 أبواب الحيض ب 11 ح 1.

(7) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 5، التهذيب 1: 157- 452، الوسائل 2: 298 أبواب الحيض ب 11 ح 2.

(8) الحدائق 3: 160.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 2، ص: 397

لصحيحة محمّد، المتقدّمة، بجعل مبدأ العشرتين فيها انقطاع الدم الأول، لكون الثانية كذلك قطعا، و إلّا لزم أقلّية الطهر المتخلّل بين الحيضتين عن العشرة، و هو باطل إجماعا، فلو لم يجعل الأيام المتخلّلة في الحيضة الأولى طهرا لزم زيادة الحيض عن العشرة في بعض الصور و هو محال، و التخصيص بغير ذلك خلاف الأصل.

و رواية البصري الواردة في المرأة إذا طلّقها زوجها «1»، و التقريب فيها أيضا كما تقدّم.

و مرسلة يونس و فيها: «إذا حاضت المرأة و كان حيضها خمسة أيام ثمَّ انقطع الدم اغتسلت و صلّت، فإن رأت بعد ذلك الدم و لم يتم لها من يوم طهرت عشرة أيام فذلك من الحيض تدع الصلاة» «2» الحديث.

و الأخبار المصرّحة بأنه إذا انقطع الدم تستبرئ، فإن كانت القطنة نقيّة فقد طهرت «3»، فإنّها شاملة بعمومها لما إذا عاد الدم قبل العشرة أيضا.

و موثّقة يونس بن يعقوب: المرأة ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة، قال: «تدع الصلاة» قلت: فإنّها ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة، قال: «تصلّي» قلت: فإنّها ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة، قال: «تدع الصلاة» قلت: «فإنّها ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة، قال: «تصلّي» قلت: فإنّها ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة، قال:

«تدع الصلاة، تصنع ما بينها و بين شهر، فإن انقطع الدم عنها و إلّا فهي بمنزلة المستحاضة» «4».

______________________________

(1) الكافي 6: 88 الطلاق ب 26 ح 10، الوسائل 22: 205 أبواب العدد ب 15 ح 5.

(2) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 5، التهذيب 1: 157- 452، الوسائل 2: 299 أبواب الحيض ب 12 ح 2.

(3) الوسائل 2: 308 أبواب الحيض ب 17.

(4) الكافي 3: 79

الحيض ب 4 ح 2، التهذيب 1: 380- 1179، الاستبصار 1: 131- 453، الوسائل 2: 285 أبواب الحيض ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 398

و موثّقة أبي بصير: عن المرأة ترى الدم خمسة أيام و الطهر خمسة أيام، و ترى الدم أربعة أيام و الطهر ستّة أيام، فقال: «إن رأت الدم لم تصلّ، و إن رأت الطهر صلّت ما بينها و بين ثلاثين يوما» «1» الحديث.

و الرضوي: «و الحدّ بين الحيضتين القرء و هو عشرة أيام بيض، فإن رأت الدم بعد اغتسالها من الحيض قبل استكمال عشرة أيام بيض فهو ما بقي من الحيضة الأولى، و إن رأت الدم بعد العشرة البيض فهو ما تعجّل من الحيضة الثانية» «2».

و الجواب عن الأول: منع تعيّن كون مبدإ الثانية الانقطاع، لجواز جعل مبدئهما الرؤية و تخصيص الفقرة الثانية بما إذا تخلّلت عشرة طاهرة بين الحيضتين، و ليس إبقاء هذه على العموم و تخصيص الأولى بما إذا لم يزد أيام الدمين على العشرة أولى من عكسه.

سلّمنا وجوب جعل المبدأين الانقطاع، و لكن نقول: إنّ الفقرة الأولى مخصّصة قطعا بما إذا لم تتجاوز أيام الحيض عن العشرة، و إنّما الكلام في تعيين أيام الحيض، و مقتضى عمومات أقلّ الطهر كون مدة النقاء منها أيضا فلا يزاد تخصيص.

نعم، لو كانت أيام الدمين المتجاوزة عن العشرة خارجة بخصوصها و أوجبت حيضية النقاء إخراج شي ء آخر ليتم التقريب، و ذلك كما إذا قال: اقتلوا المشركين، و علم إخراج الكتابي، و لم يعلم إخراج المجوس لا يحكم بخروجه، و لو دلّ كلام على خروجه بعمومه تعارض التخصيصان، أمّا لو دلّ كلام بعمومه على أنّ المجوس أيضا من الكتابي فلا

يتعارض التخصيصان، بل يحكم بخروج

______________________________

(1) التهذيب 1: 380- 1180، الاستبصار 1: 132- 454، الوسائل 2: 286 أبواب الحيض ب 6 ح 3.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 192، المستدرك 2: 12 أبواب الحيض ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 399

المجوس أيضا.

هذا، مع أنه لو سلّمنا تعارض التخصيص و توقّفنا، لزم الحكم بحيضية النقاء، للاستصحاب. و لا تعارضه عمومات العبادة، لخروج الحائض الشرعي منها قطعا، و هذه حائض بالدليل الشرعي الذي هو الاستصحاب. مع أنّه لا كلام في وجوب العبادة عليها قبل رؤية الدم الثاني، لأصالة عدم رؤيته، و إنّما الكلام بعد رؤيته، و وجوب قضاء الصوم حينئذ لثبوت كونها حائضا شرعا.

لا يقال: قبل رؤية الثاني محكومة بعدم كونها حائضا، لأصالة عدم الرؤية، فيستصحب هذا الحكم.

قلنا: بعد رؤية الثاني و انتفاء أصالة عدمها لا يصح استصحاب الحكم المبني عليها كما بيّن في موضعه.

و ممّا ذكر يظهر الجواب عن الثلاثة المتعقّبة للأول أيضا.

و عن الخامس: بأنّه لا يدلّ إلّا على فعل الصلاة بعد الطهارة ظاهرا في الثلاثة أو الأربعة، و هو كذلك، و لا يدلّ على جعلها طهرا بعد رؤية الدم في الثلاثة أو الأربعة الثانية، و كذا في الثالثة، و هو ظاهر جدّا.

نعم، في الحديث إشكال من جهة أخرى، و لذا حمل ذلك و غيره مما بمضمونه على أنها تفعل ذلك لتحيّرها و احتمالها الحيض عند كلّ دم و الطهر عند كلّ نقاء إلى أن يتعيّن لها الأمران «1»، بل هذا هو مراد الشيخ في الاستبصار «2» ممّا حمل ذلك عليه و فسّره به.

و من ذلك يعلم أنّ توقّف الفاضل في المنتهى «3» في الفتوى بمضمونه على ما حمله في الاستبصار عليه ليس

توقّفا في مسألة أقلّ الطهر المتخلّل كما قد يتوهّم «4»،

______________________________

(1) المعتبر 1: 207.

(2) الاستبصار 1: 132.

(3) المنتهى 1: 105.

(4) كشف اللثام 1: 87.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 400

كيف و قد صرّح قبل ذلك بأنّها لو رأت ثلاثة أيام ثمَّ انقطع ثمَّ رأت اليوم العاشر أو قبله و انقطع كان الدمان و ما بينهما حيضا «1» و استدلّ عليه: بأخبار أقلّ الطهر، و لا حمل الشيخ عليه قولا بجواز أقلّية الطهر المتخلّل من العشرة.

و عن السادس: بضعفة المانع عن العمل به الخالي عن الجابر في المقام، مع جريان ما أجيب به عن الثلاثة الأول فيه أيضا.

المسألة الثانية:

في اجتماع الحيض مع الحبل و عدمه قولان:

الأول- و هو الأظهر- للأكثر، منهم: الصدوقان «2»، و السيد «3»، و الشيخ في النهاية و الخلاف و التهذيب و الاستبصار «4»، و الإصباح، و الحلّي «5»، و المنتهى، و التذكرة، و القواعد «6»، و شرحه «7»، و الدروس، و المدارك «8». و مال إليه في المعتبر «9»، و عليه الشهرة في كلام جماعة «10»، بل في الناصريات الإجماع عليه «11»، و هو قول مالك «12»، و الشافعي في القديم «13».

لاستصحاب الحالة السابقة، و العمومات المثبتة لحيضيّة الدم في النساء مطلقا أو مع الوصف أو في أيام العادة.

______________________________

(1) المنتهى 1: 105.

(2) المقنع: 16، و نقله في المعتبر 1: 200 عن والد الصدوق.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 191.

(4) النهاية 25، الخلاف 1: 239، التهذيب 1: 388، الاستبصار 1: 140.

(5) السرائر 1: 150.

(6) المنتهى 1: 96، التذكرة 1: 26، القواعد 1: 14.

(7) جامع المقاصد 1: 287.

(8) الدروس 1: 97، المدارك 1: 12.

(9) المعتبر 1: 201.

(10) منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 286، و

صاحب الرياض 1: 35.

(11) الناصريات (الجوامع الفقهية): 191.

(12) بداية المجتهد 1: 53.

(13) المهذب للشيرازي 1: 39.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 401

و خصوص المستفيضة: كصحيحتي ابن سنان و صفوان:

الأولى: عن الحبلى ترى الدم أ تترك الصلاة؟ قال: «نعم» «1».

و الثانية: عن الحبلى ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة أ تصلي؟ قال: «تمسك عن الصلاة» «2».

و حسنة سليمان «3» و مرسلة حريز «4» و غير ذلك ممّا يأتي ذكر بعضه.

و الثاني للشرائع «5»، و عن المفيد «6»، و الإسكافي «7»، و التلخيص، و هو مذهب أبي حنيفة «8»، و أحمد «9»، و الشافعي في الجديد «10»، و نسبه في التذكرة إلى جمهور التابعين «11».

لاستصحاب عدم الحيضية.

و لرواية السكوني: «ما كان اللَّه ليجعل حيضا مع حبل، يعني أنها إذا رأت الدم و هي حامل لا تدع الصلاة إلّا أن ترى على رأس الولد إذا ضربها الطلق

______________________________

(1) الكافي 3: 97 الحيض ب 11 ح 5، التهذيب 1: 386- 1187، الاستبصار 1: 138- 474، الوسائل 2: 329 أبواب الحيض ب 30 ح 1.

(2) التهذيب 1: 387- 1193، الاستبصار 1: 139- 478، الوسائل 2: 331 أبواب الحيض ب 30 ح 4.

(3) الكافي 3: 97 الحيض ب 11 ح 6، الوسائل 2: 333 أبواب الحيض ب 30 ح 14.

(4) التهذيب 1: 386- 1186، الاستبصار 1: 138- 473، الوسائل 2: 332 أبواب الحيض.

ب 30 ح 9.

(5) الشرائع 1: 32.

(6) نقله عنه في التذكرة 1: 26، و لم نعثر عليه في المقنعة.

(7) نقله عنه في المختلف: 36.

(8) بداية المجتهد 1: 53.

(9) المغني لابن قدامة الحنبلي 1: 347.

(10) المهذب للشيرازي 1: 39.

(11) التذكرة 1: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 402

و رأت

الدم تركت الصلاة» «1».

و صحيحة حميد: عن الحلبي ترى الدفقة و الدفقتين من الدم في الأيام و في الشهر و الشهرين، فقال: «تلك الهراقة ليس تمسك هذه عن الصلاة» «2».

و لأنه يصح طلاقها مع رؤية الدم إجماعا، و لا شي ء من الحائض يصح طلاقه كذلك.

و لأنّ شرع الاستبراء بالحيض لاستبانة عدم الحمل فلا يجامعه.

و يردّ الأول: بالمعارضة باستصحاب عدم سائر الأسباب أيضا، مضافا إلى اندفاعه بما مرّ.

و الثاني: بعدم الدلالة، لجواز أن يكون المراد حقيقته، و هو الإخبار عن عدم الاجتماع فيما مضى و إن تخلّف في الأزمنة اللاحقة، كما ورد في أصل الحيض أنه كان قبل ذلك سنة.

و يؤيّده ما في بعض نسخ نوادر الراوندي- على ما في البحار- بعد ذكر قوله:

«ما كان اللَّه ..»: «فإذا رأت الدم و هي حبلى تدع الصلاة» «3».

و أمّا قوله: «يعني أنّها إذا رأت ..» فيمكن أن يكون من كلام الراوي، بل هو الظاهر، فلا حجّية فيه.

مضافا إلى معارضته مع الأخبار المتقدّمة الراجحة عليه باعتبار الأحدثية و المخالفة لأكثر العامة و الموافقة لمعظم الخاصة، مع أنّه على فرض التكافؤ يتساقطان و يرجع إلى العمومات.

و منه يظهر ردّ الثالث أيضا، مضافا إلى عدم دلالته، لعدم استجماع ما رأته

______________________________

(1) التهذيب 1: 387- 1196، الاستبصار 1: 140- 481، الوسائل 2: 333 أبواب الحيض ب 30 ح 12.

(2) التهذيب 1: 387- 1195، الاستبصار 1: 139- 480، الوسائل 2: 332 أبواب الحيض ب 30 ح 8.

(3) بحار الأنوار 78: 111.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 403

شرائط الحيض، لأنّ الدفقة و الدفقتين لا تكون حيضا.

لا يقال: وقوع الدفقة في الأيام لا يكون إلّا بحصولها في جميعها، فتحصل الشرائط إذا كانت متوالية، كما تشمله

الرواية بترك الاستفصال.

لأنّ المراد بالأيام ليس معناها الحقيقي الذي هو الاستغراق، و مجازه يمكن أن تكون الأيام المعهودة، أي أيام الحيض، و رؤية الدفقة فيها تتحقّق برؤية الدم فيها دفعة واحدة.

و الرابع: بمنع الإجماع، و لا دليل آخر على عدم صحة طلاق الحائض مطلقا، كيف و يصح مع غيبة الزوج!؟

و الخامس: بمنع كون العلّة في شرع الاستبراء بالحيض استبانة عدم الحمل، لإمكان أن يكون تعبّدا أو معلّلا بحكمة خفية لا نعلمها، كيف؟ لو كانت العلّة ذلك لكفت حيضة واحدة في جميع الموارد، و لم يشترط في بعضها حيضتان، و في بعضها الأكثر، و في بعضها المدة.

ثمَّ على المختار هل يجتمع معه مع استبانة الحمل أيضا؟ أو يشترط فيه عدم الاستبانة؟ و تظهر الفائدة في قضاء الصلاة لا في تركها عند رؤية الدم، إذ لا ريب في البناء على أصالة عدم الحمل بدون استبانته.

الأول- و هو الأصح- لأكثر القائلين باجتماعه مع الحمل، لما تقدّم، و خصوص مرسلة محمّد: عن المرأة الحبلى قد استبان حملها ترى ما ترى الحائض من الدم، قال: «تلك الهراقة من الدم، إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصلّي، و إن كان قليلا أصفر فليس عليها إلّا الوضوء» «1». و قريبة منها رواية أبي المعزى «2».

و الثاني للحلّي «3»، و عن الخلاف، و المبسوط «4»، و نسبه في الأول إلى الأكثر،

______________________________

(1) الكافي 3: 96 الحيض ب 11 ح 2، الوسائل 2: 334 أبواب الحيض ب 30 ح 16.

(2) التهذيب 1: 387- 1191، الوسائل 2: 331 أبواب الحيض ب 30 ح 5.

(3) السرائر 1: 150.

(4) الخلاف 1: 239، المبسوط 1: 68.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 404

و في الثاني إلى الإجماع، و صريح

الأول اختصاص الخلاف بما بعد الاستبانة، و يظهر ذلك من المعتبر أيضا، حيث فسّر قوله في النافع «1»: أشهرها أنّها لا تحيض:

بأنه مع استبانة الحمل.

للإجماع المنقول في الخلاف، و الرضوي: «و الحامل إذا رأت الدم في الحمل كما كانت تراه تركت الصلاة أيام الدم، فإن رأت صفرة لم تدع الصلاة. و قد روي أنها تعمل ما تعمله المستحاضة إذا صح لها الحمل فلا تدع الصلاة، و العمل من خواص الفقهاء على ذلك» «2».

و يردّ الأول: بعدم الحجية، و كذا الثاني سيما مع مخالفته مع ما حكم به أوّلا و نسبته إلى الرواية، و لو سلّم فيعارض ما مرّ، و يرجع إلى العمومات.

ثمَّ على المختار من الاجتماع مع الاستبانة أيضا فلا شك في كون الدم المتصف بالأوصاف في أيام العادة حيضا، و يدلّ عليه الإجماع المركّب، مضافا إلى الأخبار الدالّة على حيضية كلّ من الدمين «3».

و إنّما الكلام في اشتراط الوصفين في الحكم بالحيضية، أو الاتّصاف خاصة، أو كونه في العادة كذلك، أو أحدهما لا بعينه، أو لا يشترط شي ء منهما، بل المرأة كحالة عدم الحبل فتحيض بما تحيض به قبله، فيه احتمالات، و لم أعثر على مصرّح بالأول.

و الثاني للصدوق، قال: و الحبلى إذا رأت الدم تركت الصلاة، و ذلك إذا رأت الدم كثيرا أحمر، فإن كان قليلا أصفر فلتصلّ و ليس عليها إلّا الوضوء «4».

انتهى.

______________________________

(1) المعتبر 1: 201، النافع: 9.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 191، المستدرك 2: 23 أبواب الحيض ب 25 ح 1.

(3) انظر الوسائل 2: 275، 278 أبواب الحيض ب 3 و 4.

(4) الفقيه 1: 51.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 405

و تدلّ عليه- بعد عمومات اعتبار الأوصاف «1»- مرسلة محمّد،

و رواية أبي المعزى، المتقدّمتان «2».

و موثّقة إسحاق: الحبلى ترى الدم اليوم و اليومين قال: «إن كان دما عبيطا فلا تصلّي ذينك اليومين، و إن كانت صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين» «3».

و الثالث للشيخ في النهاية، و كتابي الحديث «4»، و مال إليه في المعتبر، و المدارك، و البحار «5»، و لكنهم مع إثباتهم الحيضية لأيام العادة نفوها عمّا تأخّر عنها بعشرين يوما، فسكتوا عمّا بينهما، و يظهر من بعضهم أنهم يلحقونه بالعادة، و من آخر أنهم يلحقونه بما بعد العشرين.

و كيف كان، فدليلهم عمومات حيضية ما تراه أيام العادة مطلقا.

و صحيحة محمّد: عن الحبلى ترى الدم كما كانت ترى أيام حيضها مستقيما في كلّ شهر، فقال: «تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها» «6».

و موثّقة سماعة: عن امرأة رأت الدم في الحمل، قال: «تقعد أيامها التي كانت تحيض، فإذا زاد الدم على الأيام التي كانت تقعد استظهرت بثلاثة أيام ثمَّ هي مستحاضة) «7».

و صحيحة الصحاف: «إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوما

______________________________

(1) انظر الوسائل 2: 271، 272 أبواب الحيض ب 1 و 2.

(2) ص 404.

(3) التهذيب 1: 387- 1192، الاستبصار 1: 141- 483، الوسائل 2: 331 أبواب الحيض ب 30 ح 6.

(4) النهاية: 25، التهذيب 1: 388، الاستبصار 1: 140.

(5) المعتبر 1: 201، المدارك 2: 12، البحار 78: 95.

(6) الكافي 3: 97 الحيض ب 11 ح 3، التهذيب 1: 387- 1194، الاستبصار 1: 139- 479، الوسائل 2: 331 أبواب الحيض ب 30 ح 7.

(7) التهذيب 1: 386- 1190، الاستبصار 1: 139- 477، الوسائل 2: 332 أبواب الحيض ب 30 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 406

من الوقت الذي كانت

ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه، فإنّ ذلك ليس من الرحم و لا من الطمث فلتتوضّأ و تحتشي بالكرسف و تصلّي، و إذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيها الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنه من الحيضة، فلتمسك عن الصلاة عدد أيامها التي كانت تقعد في حيضها» «1» الحديث.

و الرابع لوالدي العلّامة في اللوامع، و المعتمد، و يظهر من بعضهم «2» ذهاب بعض آخر إليه أيضا.

لخلوّ أخبار اعتبار الوصف في الحبلى و عدم حيضية الفاقدة له في غير أيام العادة عن المعارض، فيحكم به قطعا، و يحصل التعارض بين تلك الأخبار و بين ما يدلّ على حيضية ما في العادة في الحبلى أو مطلقا في الخالي عن الوصف في أيام العادة و المتّصف به في غيرها، فيرجع إلى عمومات اجتماع الحيض مع الحمل، و لازمه الحكم مع أحد الأمرين من الاتّصاف بالأوصاف و مصادفة العادة.

و لدفع توهّم إيجابه خرق المركّب قال والدي- رحمه اللَّه-: إنّ الظاهر أنّ إطلاق كلام الأكثر في غير وقت العادة مقيّد بوجود الأوصاف، و لذا صرّح الكلّ بموافقة الصدوق للمشهور مع تصريحه باعتبار الصفة، بل المشترط للعادة لا ينكر كون ما ترى في غير وقتها حيضا إذا وجدت فيه أوصافه. انتهى.

و الخامس لظاهر أكثر الموافقين في الاجتماع، لعموماته.

أقول: لا يخفى أنّ خلوّ أخبار اعتبار الوصف في الحبلى و عدم حيضية الفاقد له في غير أيام العادة عن المعارض مطلقا يخصّص تلك العمومات قطعا، و لازمه عدم حيضية الخالي عن الوصف في غير أيام العادة، فالحكم به لازم و القول

______________________________

(1) الكافي 3: 95 الحيض ب 11 ح 1، التهذيب 1: 388- 1197، الاستبصار

1: 140- 482، الوسائل 2: 330 أبواب الحيض ب 30 ح 3.

(2) قد يظهر هذا من الرياض 1: 36 في قوله: و ربما يجمع بين الأخبار .. فراجع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 407

الخامس ساقط.

و أمّا اختيار الرابع، و الرجوع في الخالي عن الوصف في الأيام أو المتّصف في غيرها إلى عمومات الاجتماع- بعد تعارض أخبار اعتبار الوصف في الحبلى و أخبار حيضية ما في العادة فيها و اشتغال كلّ منهما بالآخر- إنّما كان تامّا لو كانت تلك العمومات كسائر عمومات الحيض فارغة في الموردين عن المعارض الآخر أيضا.

و لكنه تعارضها في المورد الأوّل أخبار اعتبار الوصف في الحيض مطلقا، فإنّها أعم من وجه من عمومات الاجتماع.

و لا يفيد تخصيصها بأخبار حيضية الصفرة و الكدرة في أيام العادة «1»، لأنّ القدر المعلوم التخصيص في غير الحبلى، و أمّا فيها- فلمعارضة أخبار حيضية الصفرة مطلقا مع أخبار عدمها في الحبلى- فلا، كما تعارض أخبار اعتبار الوصف في الحبلى سائر عمومات التحيّض.

و في المورد الثاني أخبار عدم حيضية ما بعد العادة مطلقا «2» أو في الحبلى كصحيحة الصحاف «3»، فتتساقط الأخبار من الطرفين، فيبقى الحكم في الموردين خاليا عن المستند.

و أصالة عدم تعلّق أحكام الحائض توجب عدم الحيضية فيهما كما هو مقتضى القول الأول، فهو الأقرب إلّا في أيام الاستظهار الثابت للحبلى بموثّقة سماعة، المتقدّمة «4» و ما بينها و بين العشرة في صورة عدم التجاوز، فيحكم بالحيضية كما في غير الحبلى، لاستصحابها.

و توهّم إيجابه خرق المركب فاسد، لأنّه في أمثال المقام غير ثابت.

هذا في المعتادة، و أمّا غيرها فالمناط فيه الأوصاف. فالمتّصف حيض،

______________________________

(1) انظر الوسائل 2: 278 أبواب الحيض ب 4.

(2) انظر الوسائل 2: 281

أبواب الحيض ب 5.

(3) المتقدمة ص 405.

(4) المتقدمة ص 405.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 408

لأخبار اعتبارها مطلقا أو في خصوص الحبلى، مضافة إلى عمومات الاجتماع، الخالية جميعا عن المعارض. و غيره ليس بحيض، للأخبار النافية لحيضيته المخصّصة لعمومات الاجتماع، فتأمّل.

المسألة الثالثة:

اختلفوا بعد اتّفاقهم على أنّ الأصل في كلّ دم اتّصف بصفة الحيض أو وجد في أيام العادة كونه حيضا- كما هو مدلول المستفيضة المعتبرة- في غيرهما.

فالمشهور: أنّ كلّ دم يمكن شرعا- أي لا يمتنع بحكم الشارع- أن يكون حيضا فهو حيض، بل في المعتبر، و المنتهى، و شرح القواعد للمحقّق الثاني «1»، الإجماع عليه.

للإجماعات المنقولة. و أصالة عدم كونه من قرح و مثله.

و حسنة ابن مسلم و موثّقته، المتقدّمتين «2»، فإنّهما شاملتان لجميع الدماء سوى ما ترى في الأيام الزائدة على العشرة الأولى و الناقصة عن عشرة الطهر، و هو ممّا يمتنع كونه حيضا.

و ما دلّ على أنّ الدم مطلقا- قبل وقت الحيض كذلك [1] كموثّقة سماعة «3»، أو الصفرة قبله كذلك كرواية علي بن أبي حمزة «4» و غيرها، أو بيومين كصحيحة ابن حكيم «5» و غيرها- حيض.

______________________________

[1] اي مطلقا- بلحاظ عدد الأيام.

______________________________

(1) المعتبر 1: 203، المنتهى 1: 98، جامع المقاصد 1: 288.

(2) ص 392.

(3) الكافي 3: 77 الحيض ب 2 ح 2، التهذيب 1: 158- 453، الوسائل 2: 300 أبواب الحيض ب 13 ح 1.

(4) الكافي 3: 78 الحيض ب 3 ح 4، التهذيب 1: 396- 1232، الوسائل 2: 280 أبواب الحيض ب 4 ح 5.

(5) الكافي 3: 78 الحيض ب 3 ح 5، الوسائل 2: 280 أبواب الحيض ب 4 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 409

و ما

دلّ على ترتّب أحكام الحائض على مجرّد رؤية الدم كصحيحة ابن حازم «أيّ ساعة ترى الدم فهي تفطر» «1».

و موثّقة محمّد: في المرأة ترى الدم من أوّل النهار في شهر رمضان أ تفطر أم تصوم؟ قال: «تفطر إنّما فطرها من الدم» «2».

و رواية أبي الورد: عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر و قد صلّت ركعتين ثمَّ ترى الدم، قال: «تقوم من مسجدها و لا تقضي الركعتين» «3» الحديث. و في معناها أحاديث عديدة.

و فحوى أخبار الاستظهار لذات العادة إذا رأت ما زاد عليها «4» الشامل لغيرها بطريق أولى.

و لأنّه لو لم يعتبر الإمكان لم يحكم بحيض، إذ لا تعيّن، و الصفات إنّما تعتبر عند الحاجة إليها لا مطلقا.

و يؤيده ثبوت الحكم في كثير من جزئيات موارد الإمكان، كما في حال الحمل و التمييز و أيام العادة و غيرها.

خلافا للناصريات، و السرائر، و نهاية الإحكام «5»، و الأردبيلي، و المدارك «6»، فصرّحوا بأنّ الصفرة في أيام الطهر طهر، و ظاهر الأول الإجماع عليه.

للأصل، و استصحاب لوازم الطهر، و عمومات العبادة.

______________________________

(1) التهذيب 1: 394- 1218، الاستبصار 1: 146- 499، الوسائل 10: 229 أبواب من يصح منه الصوم ب 25 ح 4.

(2) التهذيب 1: 153- 435، الوسائل 2: 367 أبواب الحيض ب 50 ح 7.

(3) الكافي 3: 103 الحيض ب 15 ح 5، التهذيب 1: 392- 1210، الاستبصار 1: 144- 495، الوسائل 2: 360 أبواب الحيض ب 48 ح 3.

(4) انظر الوسائل 2: 300 أبواب الحيض ب 13.

(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 190، السرائر 1: 146، نهاية الإحكام 1: 145.

(6) مجمع الفائدة 1: 146، المدارك 2: 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 410

و مرسلة يونس و فيها:

«و كلّ ما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض» «1».

و صحيحة محمّد و فيها: «و إن رأت الصفرة في غير أيامها توضّأت و صلّت» «2».

و صحيحة البجلي: عن امرأة نفست فمكثت ثلاثين يوما أو أكثر، ثمَّ طهرت و صلّت، ثمَّ رأت دما أو صفرة، قال: «إن كانت صفرة فلتغتسل و لتصلّ و لا تمسك عن الصلاة» «3».

و في موثّقة الجعفي: «و إن رأت صفرة بعد انقضاء أيام قرئها صلّت» «4».

و ما مرّ من الأخبار الدالّة على انتفاء الحيضية بانتفاء الأوصاف «5».

و المروي في قرب الإسناد و المسائل: «و لا غسل عليها من صفرة تراها إلّا في أيام طمثها» «6».

و في دعائم الإسلام: «في المرأة ترى الدم أيام طهرها إن كان دم الحيض فهو بمنزلة الحائض و عليها منه الغسل، و إن كان دما رقيقا فتلك ركضة من الشيطان تتوضّأ و تصلّي و يأتيها زوجها» «7».

و هو الحق، لما ذكر.

و يجاب عن أدلّة المخالف:

______________________________

(1) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 5، التهذيب 1: 157- 452، الوسائل 2: 279 أبواب الحيض ب 4 ح 3.

(2) الكافي 3: 78 الحيض ب 3 ح 1، التهذيب 1: 396- 1230، الوسائل 2: 278 أبواب الحيض ب 4 ح 1.

(3) الكافي 3: 100 الحيض ب 13 ح 2، الوسائل 2: 393 أبواب النفاس ب 5 ح 2.

(4) الكافي 3: 78 الحيض ب 3 ح 3، الوسائل 2: 280 أبواب الحيض ب 4 ح 4.

(5) ص 383، 384.

(6) قرب الإسناد: 225- 880، الوسائل 2: 280 أبواب الحيض ب 4 ح 8، مسائل علي بن جعفر نقل عنها في البحار 78: 76- 7.

(7) دعائم الإسلام 1: 127، المستدرك 2: 43، أبواب

الاستحاضة ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 411

أما عن الأوّل: فبعدم حجية الإجماع المنقول سيما مع مخالفة هؤلاء الفحول، على أنّهم لم يدعوه إلّا على حيضية ما يمكن أن يكون حيضا أي شرعا، و الإمكان في أيام الطهر مع عدم الوصف ممنوع جدّا، كيف و قد وردت النصوص على عدم حيضيته.

و أمّا على الثاني: فبمعارضته بأصالة عدم كونه حيضا، و كون الأصل في دماء النساء الحيضية ممنوع، و خلقه فيهن لغذاء الولد لا يوجبه، فإنّ الخلق غير القذف، و الدماء الأخر موجودة فيهن أيضا.

و أمّا عن الثالث- فمع أنّ دلالته إنّما هي على تقدير كونه بيانا للحيضية، و أما إذا كان المراد بيان الأولية و الثانوية كما عليه حمله الأكثر كما مرّ فلا يدلّ إلّا على بعض الموارد الجزئية- أنّها عامة بالنسبة إلى ما ذكر، فيجب تخصيصه به.

و به يجاب عن الرابع و الخامس، مضافا في الأول إلى أنه إنّما يتضمّن الحكم في بعض الجزئيات و هو قبل الحيض، و مع ذلك يتضمّن خلافه في البعض الآخر و هو ما بعد الحيض.

و أمّا عن السادس: فبمنع الأولوية.

و أمّا عن السابع: فبمنع انتفاء اليقين الشرعي، و منع تخصيص اعتبار الصفات بما ذكر.

و أمّا عن المؤيّد: فبأنّه- مع كونه قياسا- يعارض بانتفاء الحكم في كثير من الموارد الأخر، كالزائد على العادة مع التجاوز عن العشرة، و في الأقلّ من ثلاثة أيام و الأكثر من عشرة و غير ذلك.

المقام الثاني: في بيان أقسام النساء
اشارة

، و الدم الذي تتحيّض به كلّ منهن، و الذي لا تتحيّض به.

و أقسامهنّ على ما يستفاد من أخبار الباب أربعة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 412

المبتدأة: و هي التي ابتدأت الحيض أو ابتدأها

[1].

و المضطربة: و هي من لم تستقرّ لها عادة.

و ذات العادة و هي من استقرّت عادتها في الحيض و عرفتها.

و الناسية: و هي التي استقرّت عادتها و نسيتها.

و المبتدأة بالمعنى المذكور هي المبتدأة بالمعنى الأخص، و قد يطلق على الأولى و الثانية معا، و هي المبتدأة بالمعنى الأعم، و المضطربة على ذلك الإطلاق تطلق على الناسية، فتجعل الأقسام ثلاثة، و الأمر لفظي.

و ما قيل «1» من ظهور الفائدة في رجوع القسم الثاني إلى عادة أهلها و عدمه فاسد جدّا، لعدم إناطة الحكم في النصوص بتلك الألفاظ أصلا.

نعم، الظاهر أنّ منشأ الاختلاف: الاختلاف في اتّحاد أحكام القسمين الأولين و اختلافها، فمن سمّى القسمين باسم واحد نظر إلى اتّحاد المضطربة بالمعنى الأول مع المبتدأة بالمعنى الأخص فيما يتعلّق بها من أحكام الباب، و هو أولى لذلك، فتكون الأقسام الكلية المختلفة باختلافها في الأحكام ثلاثة: المبتدأة و ذات العادة و الناسية.

و الكلام في كلّ منها إمّا في تحيضها أو في قدر حيضها و وقته.

القسم الأوّل: المبتدأة
اشاره

الشاملة لمن كان ابتداء حيضها أو بعده قبل استقرار العادة، و قد عرفت أنّ الكلام فيها إمّا في تحيضها أو في قدره، فهاهنا موضعان:

الموضع الأول: في بيان تحيّضها

يعني الحكم بكون دمها حيضا.

فنقول: إنّ المبتدأة بالمعنى الأعم إذا رأت الدم ففي تحيّضها بمجرد الرؤية مطلقا فتترك العبادة، أو استظهارها بفعلها حتى يستمرّ إلى الثلاثة فتتحيّض

______________________________

[1] اي ابتدأها الحيض، فعلى الأول تصير المبتدأة اسم فاعل و تكسر الدال، و على الثاني اسم مفعول، كما في الحدائق 3: 187 و غيره.

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 413

كذلك، أو الأول مع كون الدم بصفة الحيض خاصة، أقوال:

الأول عن المبسوط، و الإصباح، و الجامع، و ظاهر المقنعة، و نهاية الشيخ «1»، و الوسيلة، و الذكرى «2»، و نسب إلى المنتهى، و المختلف، و نهاية الإحكام «3»، و كلماتها تحتمله.

لأصالة عدم الآفة، و قاعدة ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض، و عموم النصوص المستفيضة في التحيّض بمجرّد رؤية الدم «4» الناشئ عن ترك الاستفصال في أكثرها، و خصوص بعضها في أول من تحيض «5»، و الأخبار الدالّة على التحيّض برؤية الدم المتّصف «6» بضميمة عدم الفصل.

و الثاني للسرائر، و المعتبر «7»، و عن السيّد «8»، و الإسكافي «9»، و الديلمي «10»، و الحلبي «11»، بل الشرائع، و النافع، و القواعد، و الدروس، و البيان «12»، و إن احتاط في الأخيرين في تعلّق التروك بمجرّد الرؤية.

لعمومات أوامر العبادة، فلا تسقط إلّا باليقين.

______________________________

(1) المبسوط 1: 42، الجامع: 42، المقنعة: 54، النهاية: 26.

(2) الوسيلة: 57، الذكرى: 29.

(3) نسبه في كشف اللثام 1: 96، انظر المنتهى 1: 109، المختلف 1: 37، نهاية الاحكام 1:

118.

(4) انظر ص 408، 409.

(5) كموثقة سماعة الآتية

في ص 418.

(6) انظر ص 381.

(7) السرائر 1: 146، المعتبر 1: 213.

(8) حكى عنه في المعتبر 1: 213.

(9) حكى عنه في جامع المقاصد 1: 330.

(10) حكى عنه الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط) و لم نعثر عليه في المراسم.

(11) الكافي: 128.

(12) الشرائع 1: 32، النافع: 10، القواعد 1: 16، الدروس: 1: 97، البيان: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 414

و الثالث للمدارك و الذخيرة «1»، لأخبار التمييز الدالّة منطوقا أو مفهوما على أنّ ما ليس بصفة الحيض فليس بحيض، و أنّ ما تراه في اليوم و اليومين إن لم يكن دما عبيطا تصلّي ذينك اليومين كما مرّ «2»، و مفهوم قوله: «إذا رأت الدم البحراني فلتدع الصلاة» «3».

و هو الحقّ، لما ذكر.

و يجاب عن دليل الأول، أمّا عن الأصل: فبمنعه. و أمّا عن القاعدة:

فبمنعها. و أمّا عن العمومات: فبوجوب تخصيصها بأخبار التمييز لأخصّيتها، مع أنّ في بعضها ذكر رؤية الحيض و الطمث و عوده، و صدقه في المورد ممنوع.

و أمّا عن الخصوصات المذكورة: فبعدم دلالتها، لمنع صدق من تحيض ما لم يستمرّ دمها إلى الثلاثة أو كان بالصفة، مع أنّه لو سلّم لتعارضت مع أخبار التمييز بالعموم من وجه، فتتساقطان و يرجع إلى أصالة عدم سقوط العبادات.

و عن الأخير: بمنع عدم الفصل.

مع أنّه قد ادّعى في المدارك كون محلّ النزاع هو الدم المتّصف بالأوصاف لا غيره، و هو الظاهر من المنتهى «4» حيث إنّه بعد ما اختار قول الشيخ احتجّ بأخبار التمييز، و بأنّ الاحتياط لو كان معتبرا في المبتدأة لكان كذلك في ذات العادة، لعدم الفارق.

ثمَّ أجاب عن إبداء الفارق بوجود الظن في الثاني دون محل النزاع بوجود الظن فيه أيضا، لأنّ المظنون

أنّ المرأة البالغة إذا رأت ما هو بصفة الحيض أنّه حيض، و هذا كالصريح في كون محلّ النزاع هو الدم المتّصف.

______________________________

(1) المدارك: 328، الذخيرة: 64.

(2) ص 381.

(3) تقدم ص 382.

(4) المنتهى 1: 109.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 415

و منه يظهر أنه الظاهر من المختلف «1» أيضا، لأنّه صرّح فيه بأنّ مختاره فيه كما اختاره في المنتهى، و لذا نسب في المدارك إليه التصريح باختصاص محلّ النزاع «2».

و القول بأنّ الاحتجاج بالدليل الأخصّ لا يخصّص الدعوى العامة، إذ لعلّه لدفع مذهب الخصم و تتميم المطلوب بعدم الفصل «3»، مقدوح: بأنه خلاف الظاهر، مع أنّ وجه ظهور كلامه في الاختصاص لا يختص بذلك بل بعده ما يؤكّده ظهورا كما ذكرنا.

و استدلاله بقاعدة ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض غير ضائر، إذ الشأن في تعيين ما يمكن عنده، و لعلّه لا يرى غير المتّصف من الأفراد الممكنة، سيما مع تعريفه دم الحيض بأنّه دم متّصف بكذا و كذا.

و منه يظهر إمكان أن يكون الوجه في عدم التقييد أولا هو الاتكال على ما عرّفوا به دم الحيض، بل يظهر احتمال وجه لعدم تقييد أكثرهم العنوان بالمتصف أيضا، حيث إنّهم عرّفوا أولا دم الحيض مطلقا أو مقيّدا بالأغلب بذلك.

ثمَّ لو سلّمنا عدم الظهور في الاختصاص فلا شك في الاحتمال. و به يبطل الإجماع المركّب الذي ادّعوه.

نعم، ظاهر المحقق الشيخ علي في شرح القواعد «4» الإجماع على عدم الفرق، و لكنه غير صالح لإثبات الإجماع، لعدم حجيته.

ثمَّ بما ذكرنا ظهر الجواب عن دليل الثاني أيضا.

ثمَّ على المختار من عدم تحيّضها برؤية الدم الغير المتّصف هل تتحيّض إذا استمرّ ذلك الدم ثلاثة أيام أم لا؟

______________________________

(1) المختلف 1: 37.

(2) المدارك:

1: 328.

(3) قاله في شرح المفاتيح (مخطوط).

(4) جامع المقاصد 1: 330.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 416

صرّح بالأول الديلمي «1»، و الحلّي، و المنتهى «2»، مدّعيا عليه في الأخير أنه مذهب علمائنا أجمع، فإن ثبت فهو، و إلّا ففيه تأمل.

و ظاهر المحكي عن المقنع، و المقنعة «3»: عدم كون الصفرة و الكدرة حينئذ حيضا، حيث حكما بالاستبراء مع رؤيتهما.

الموضع الثاني: في قدر حيضها
اشاره

و وقته بعد الحكم بكونها حائضا، و نبيّن هذا الموضع في مسائل:

المسألة الأولى:

إذا حكم بكونها حائضا إمّا برؤيتها الدم المتّصف، أو بالاستمرار إلى الثلاثة إن قلنا بالحيضية معه فيحكم بكون المرئي حيضا إن لم يتجاوز العشرة و لو لم يتّصف بالصفة.

لاستصحاب الحيضية. و موثّقة سماعة: عن الجارية البكر أول ما تحيض، إلى أن قال: «فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة» «4».

و موثّقتي ابن بكير:

أولاهما: «المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمرّ الدم تركت الصلاة عشرة أيام» «5».

و الأخرى: «في الجارية أول ما تحيض يدفع عنها الدم فتكون مستحاضة إنّها تنتظر بالصلاة فلا تصلّي [حتى يمضي ] أكثر ما يكون من الحيض، فإذا مضى

______________________________

(1) نقله عنه في المدارك 1: 329 و لم نعثر عليه في المراسم.

(2) السرائر 1: 146، المنتهى 1: 100.

(3) المقنع: 15، و لم نعثر عليه في المقنعة.

(4) الكافي 3: 79 الحيض ب 4 ح 1، التهذيب 1: 380- 1178، الوسائل 2: 304 أبواب الحيض ب 14 ح 1.

(5) التهذيب 1: 381- 1182، الاستبصار 1: 137- 469، الوسائل 2: 291 أبواب الحيض ب 8 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 417

ذلك و هو عشرة أيام فعلت ما تفعله المستحاضة» «1».

و حسنة محمّد و موثّقته المتقدّمتين «2».

و لا تضرّ معارضة أخبار التمييز مع تلك الأخبار، لموافقة الاستصحاب مع هذه.

و في حكم الدم: النقاء المتخلّل بين الدمين في العشرة الغير المتجاوز عنها، بإجماع جميع فقهائنا، كما صرّح به بعض مشايخنا المحقّقين، بل جمع آخر منهم والدي العلّامة رحمه اللّه، لاستصحاب الحيضية، و عدم كون الطهر مطلقا أقلّ من العشرة، كما مرّ «3».

[المسألة] الثانية: لو انقطع دمها بعد الثلاثة فما فوقها،

و لم تر حتى مضى أقلّ الطهر من الانقطاع ثمَّ رأته يحكم بالحيضية المستقلة مع الصفات،

لا بدونها إلّا إذا استمرّ ثلاثة أيام إن قلنا بالإجماع على حيضيته.

و الأكثر حكموا بالحيضية مطلقا، لبعض الأخبار «4» المعارضة بروايات التمييز، و للبناء على أنّ ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض.

و قد عرفت ما فيه «5».

[المسألة] الثالثة: إذا تجاوز دمها العشرة،

فإن كان لها تمييز رجعت إليه على الحق المشهور، بل عليه الإجماع في المعتبر، و التذكرة «6»، و اللوامع، و عن الخلاف،

______________________________

(1) التهذيب 1: 400- 1251، الاستبصار 1: 137- 470، الوسائل 2: 291 أبواب الحيض ب 8 ح 5، و في المصدر بدل «عنها»: «عليها».

(2) ص 382.

(3) في ص 396.

(4) كموثقة سماعة المتقدمة ص 416.

(5) في ص 413.

(6) المعتبر 1: 204، التذكرة 1: 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 418

و المنتهى «1»، و أسنده في الكفاية إلى الأصحاب «2»، و في الدروس إلى ظاهرهم «3»، لأخبار اعتبار الصفات إثباتا و نفيا، و منها الدالّة عليه في خصوص استمرار الدم «4».

و عن الصدوقين «5»، و المفيد، و ابن زهرة «6»: عدم التعرّض للرجوع إلى التمييز.

و عن الحلبي: رجوع المضطربة أولا إلى نسائها، فإن فقدن فإلى التمييز، و المبتدأة إلى نسائها خاصة إلى أن تستقرّ لها عادة «7».

و لا دليل يعتدّ به لشي ء منها يصلح لمعارضة أخبار التمييز.

و أمّا موثّقة سماعة: عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر و هي لا تعرف أيام أقرائها، قال: «أقراؤها مثل أقراء نسائها، فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام و أقلّه ثلاثة أيام» «8» الدالّة بظاهرها على رجوع المبتدأة إلى النساء أولا.

ففيها: منع تلك الدلالة، إذ السؤال إنّما هو عمّن لا تعرف أقراءها، و لا نسلّم أن صاحبة التمييز لا تعرفها، فهي واردة في غير ذات التمييز.

و ظاهر

الكفاية «9» التردّد بين الرجوع إلى التمييز و بين الرجوع إلى الأيام

______________________________

(1) الخلاف 1: 230، المنتهى 1: 104.

(2) الكفاية: 4.

(3) الدروس 1: 98.

(4) راجع ص 381 من الكتاب.

(5) الفقيه 1: 50 نقل فيه عن والده، المقنع 1: 15.

(6) المقنعة: 54، الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

(7) الكافي: 128.

(8) الكافي 3: 79 الحيض ب 4 ح 3، التهذيب 1: 380- 1181، الاستبصار 1: 138- 471، الوسائل 2: 288 أبواب الحيض ب 8 ح 2.

(9) الكفاية: 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 419

الذي هو شأنها حين فقد التمييز و النساء.

بل ظاهر بعض مشايخنا الأخباريين «1» ترجيح الثاني، لقوله في مرسلة يونس، الطويلة: «و أمّا السنّة الثالثة فهي التي ليست لها أيام متقدّمة و لم تر الدم قط و رأت أول ما أدركت و استمرّ بها، فإنّ سنّة هذه غير سنّة الأوّلى- و الثانية، و ذلك أن امرأة يقال لها حمنة بنت جحش أتت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، فقالت: إنّي استحضت حيضة شديدة» إلى أن قال: «تحيّضي في كلّ شهر في علم اللَّه ستة أيام أو سبعة» «2» الخبر.

و موثّقة سماعة، المتقدّمة «3»، و موثّقتي ابن بكير:

إحداهما: «المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمرّ تركت الصلاة عشرة أيام، ثمَّ تصلّي عشرين يوما، فإن استمرّ بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام و صلّت سبعة و عشرين يوما» «4». و بمضمونها الأخرى «5».

و يجاب عنها: بأنّها معارضة لإطلاقات التمييز بالعموم من وجه. و الترجيح للإطلاقات، لأشهريتها رواية و فتوى، و أصحّيتها سندا، و اعتضادها بالإجماعات المستفيضة نقلا.

هذا، مع ما في المرسلة من اختصاصها بفاقدة التمييز التي هي غير المسألة، كما يدلّ عليه قوله في آخرها:

«و إن لم يكن الأمر كذلك و لكن الدم أطبق عليها

______________________________

(1) الحدائق 3: 194.

(2) الكافي 3: 83 الحيض ب 8 ح 1، التهذيب 1: 381- 1183، الوسائل 2: 288 أبواب الحيض ب 8 ح 3.

(3) ص 418.

(4) التهذيب 1: 381- 1182، الاستبصار 1: 137- 469، الوسائل 2: 291 أبواب الحيض ب 8 ح 6.

(5) التهذيب 1: 400- 1251، الاستبصار 1: 137- 470، الوسائل 2: 291 أبواب الحيض ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 420

فلم تزل الاستحاضة دائرة و كان الدم على لون واحد و حالة واحدة، فسنتها السبع، و الثلاث و العشرون، لأنّ قصتها قصة حمنة» الحديث.

و ما في الموثّقة من عدم المنافاة، إذ مع الرجوع إلى التمييز يكون أيضا أكثر الجلوس عشرة و أقلّه ثلاثة.

و ما في الأخيرتين من عدم الحجية، لعدم عامل بمضمونها بخصوصه و لو في فاقدة التمييز أيضا كما يأتي، مع أنّ ثانيتهما ليست مروية عن إمام.

ثمَّ إنّه يتوقّف حصول التمييز على أمور:

الأوّل

: أن لا ينقص المشابه للحيض عن الثلاثة مع تواليها و لا يزيد على العشرة، لعموم ما دلّ على اعتبار الأمرين في الحيض.

و ليس في إطلاق ما دلّ على اعتبار الصفات مخالفة لذلك، لورودها في بيان الوصف دون المقدار. و على فرض المخالفة ظاهرا يجب تقييده بما دلّ على اعتبارهما، لظاهر الإجماع.

و به يجاب عمّا في رواية يونس من أنّ المختلطة عليها أيامها تعرفها بالدم ما كان من قليل الأيام و كثيرها.

و لو قطع النظر عن الإجماع و وجوب التقييد يحصل التعارض فيرجع إلى الأصل، و لا شك أنه مع عدم التحيّض، لعمومات العبادة و أصالة عدم تعلّق أحكام الحيض بها.

فتوهّم عدم اعتبار هذا الشرط-

كبعض مشايخنا الأخباريين «1»، و نقله والدي- رحمه اللَّه- في اللوامع عن ظاهر المبسوط «2»- لا وجه له، فلا تمييز لفاقدته.

و هل تتحيّض ببعض ما زاد على العشرة ممّا يمكن جعله حيضا و بالناقص مع

______________________________

(1) الحدائق 3: 195.

(2) لاحظ المبسوط 1: 43، 44.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 421

إكماله بما في الروايات، أم لا بل يتعيّن الرجوع إلى النساء أو الروايات؟ فيه قولان:

من عموم أدلّة التمييز، و عموم الرجوع إلى الأمرين. و الاحتياط لا يترك.

الثاني

: عدم قصور الخالي عن الوصف المحكوم بكونه طهرا أو مع النقاء المتخلّل عن أقلّ الطهر على الحقّ المشهور، بل قال بعض الأجلة «1»: إنّه لا خلاف فيه، لإطلاق أنّ أقلّ الطهر عشرة.

و لا يضرّه إطلاق أخبار التمييز، للرجوع إلى أصالة عدم الحيضية بعد تعارضهما. و لا الأخبار الدالّة على جعل النقاء المتخلّل الأقلّ من عشرة متكرّرا بين الدماء المتكرّرة طهرا «2»، لخروجها عن مورد المسألة الذي هو تفاوت الدمين بالأوصاف، مع أنّه قد مرّ الجواب عنها في مسألة أقلّ الطهر، فلا يجعل كلّ من الدمين المتخلّل بينهما ذلك حيضا.

نعم، وقع الخلاف- فيما إذا تخلّل الضعيف الأقلّ من العشرة القوي الصالح للحيضية في كلّ من الطرفين- في أنّه هل يجعل المجموع من الضعيف حيضا مع إمكانه، و أحدهما خاصة مع عدم الإمكان، أو يحكم بفقد التمييز؟

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    422     المسألة الثالثة: إذا تجاوز دمها العشرة، ..... ص : 417

ن المبسوط «3» أنّها لو رأت ثلاثة دم الحيض و ثلاثة دم الاستحاضة ثمَّ رأت بصفة الحيض تمام العشرة فالكل حيض، و إن تجاوز الثالث إلى تمام ستة عشر كان العشرة حيضا و الستة السابقة استحاضة.

و

لعلّه- كما قيل «4»- نظر إلى أنّ دم الاستحاضة لمّا خرج عن كونه حيضا خرج ما قبله أيضا.

و يضعّف بإمكان القول بمثله فيما بعده أيضا، فتخصيص القبل ترجيح بلا مرجّح.

______________________________

(1) الفاضل الهندي (منه رحمه اللَّه) كشف اللثام 1: 88.

(2) انظر الوسائل 2: 285 أبواب الحيض ب 6.

(3) المبسوط 1: 50.

(4) الرياض 1: 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 422

و منه يظهر ضعف العكس و جعل المتقدّم حيضا كما عن بعضهم «1».

و لهذا استحسن المحقّق نفي التمييز حينئذ «2».

و استقر به في الذكرى [1]. و هو الأقرب، لوضوح تقييد أخبار التمييز بالإمكان، و هو هنا غير ممكن في كلّ أيامه، و تخصيص البعض ترجيح بلا مرجّح، بل الظاهر منها الإمكان في الكلّ. و عن المنتهى و التحرير: التردّد «3».

الثالث

: اختلاف الدم في الصفات المعتبرة في الحيض، المتقدّمة، من السواد و الحرارة و الدفع و الحرقة، فيجعل ما بصفة الحيض حيضا و الباقي استحاضة، و كذا الكثرة كما يصرّح بها في مرسلة «4» يونس- الطويلة- في تفسير قوله:

«البحراني».

و أمّا إلحاق الغلظة و النتن بها فقد عرفت أنه لا دليل عليهما سوى بعض الأخبار الضعيفة الغير الصالحة للحجيّة.

و قد يدّعى فيهما شهادة التجربة، و لا يستفاد منها لو سلّمت عليهما سوى المظنة، و اعتبارها في المقام خال عن الحجة، كما أنّ التخصيص هنا باللون- كما في بعض كتب الجماعة «5»- لا وجه له.

و لا تمييز لفاقدة الصفات المذكورة، كما لا تمييز لواجدتها فقط للحيض أو الاستحاضة في المتساوية منها قوّة و ضعفا إجماعا، بل و كذا في المختلفة بالقوة و الضعف فقط بعد اتّحاد الصفة المنصوصة عرفا على الأصح، فلا تمييز لواجده

______________________________

[1] لم نعثر عليه و لعله

مصحّف: التذكرة، فإن القول موجود فيها 1: 31 كما نقل عنها في الرياض أيضا.

______________________________

(1) الرياض 1: 38.

(2) المعتبر 1: 206.

(3) المنتهى 1: 105، التحرير 1: 14.

(4) تقدم مصدرها في ص 419.

(5) كما في التذكرة 1: 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 423

المختلف بالسواد الشديد و غير الشديد، بل و لا بالسواد و الحمرة، و لا بالحارّ و الأقلّ حرارة، خلافا لجماعة «1» فحكموا بالتمييز.

و منه يظهر أنّه لو رأت عشرة أحمر ثمَّ عشرة أسود ثمَّ عشرة أشدّ سوادا، لم يكن له تمييز، لكون الجميع بصفة الحيض.

و قد يحكم فيها بالجلوس عن العبادة تمام الشهر، للانتقال إلى الأقوى في كلّ عشرة. و ليس بشي ء، لما مرّ.

و كذا لا تمييز لواجده المتّصف ببعض صفات أحدهما، لدلالة أخبار التمييز على اعتبار الكلّ.

نعم، لو وجدت البعض متّصفا بجميع صفات الحيض و الآخر ببعض صفات الاستحاضة فهي في الحيض ذات تمييز.

و كذا لو وجدت البعض متّصفا بصفات الحيض، و بعضا آخر بصفاته أيضا و لكن بأضعف من الأولى، و ثالثا بصفات الاستحاضة، كان الأولان حيضا مجموعا إذا استجمعا سائر الشرائط.

[المسألة] الرابعة: إذا فقد التمييز للمبتدأة،

رجعت إلى عادة نسائها بلا خلاف ظاهر، بل عليه الإجماع في كلام بعض الأكابر «2»، و عن المعتبر اتّفاق الأعيان من فضلائنا عليه «3»، و في اللوامع صرّح باتّفاق الكلّ عليه، و في المدارك أنّه المعروف من مذهب الأصحاب «4».

لموثّقة سماعة، المتقدّمة «5» التي هي حجة بنفسها، و باعتضادها بما مرّ،

______________________________

(1) كما في جامع المقاصد 1: 297، و الروضة 1: 103، و المدارك 2: 15.

(2) الخلاف 1: 234، و في التذكرة 1: 31: ذهب إليه علماؤنا.

(3) المعتبر 1: 208.

(4) المدارك 2: 16.

(5) ص 418.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2،

ص: 424

و بدعوى الخلاف إجماع الفرقة على صحتها «1».

و موثّقة أبي بصير: في النفساء إذا ابتليت بأيّام كثيرة [إلى أن قال:] «إن كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتليت، جلست بمثل أيام أمها أو أختها أو خالتها» «2».

و الأخيرة شاملة للمبتدأة بقسميها، فهي الحجة في المضطربة و إن احتاجت في تتميم جميع ما يتعلّق بها إلى الإجماع المركّب.

و لا يضرّ في المسألة إطلاق المرسلة- الطويلة- في رجوع المبتدأة إلى الأيام أوّلا، لكونها أعم من الموثّقة الأولى مطلقا باعتبار وجود النساء و اتّفاقهن و عدمهما، فيجب تقييدها بها. مع أنه قد حملها الشهيد على ما لا ينافي الموثّقة [1]. و لكنه بعيد جدّا.

ثمَّ صريح الأولى- كفتاوى الجماعة- اختصاص الرجوع إلى النساء بصورة اتّفاقهن في العادة. و هو كذلك، لذلك.

و لا تضرّها موثّقة زرارة و محمّد: «المستحاضة تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ثمَّ تستظهر على ذلك بيوم» «3» حيث عمّت صورة الاختلاف أيضا، لأنّها أعم مطلقا.

و توهّم اختصاص الأخيرة بالاختلاف لمكان الأمر بالنظر إلى البعض، ضعيف، لأنّ مع الاتّفاق أيضا يكون الاقتداء بكلّ بعض. مع أنها أعم أيضا من حيث شمولها لغير المبتدأة أيضا. مضافا إلى أنها لو خصّت بصورة الاختلاف

______________________________

[1] قال الشهيد: معنى: «و تحيضي في كل شهر في علم اللَّه ستة أو سبعة» فيما علمك اللَّه من عادات النساء فإنه الغالب عليهن (منه رحمه اللَّه). الذكرى: 30.

______________________________

(1) الخلاف 1: 234.

(2) التهذيب 1: 403- 1262، الوسائل 2: 389 أبواب النفاس ب 3 ح 20.

(3) التهذيب 1: 401- 1252، الاستبصار 1: 138- 472، الوسائل 2: 288 أبواب الحيض ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 425

خرجت عن صلاحية المعارضة، لصيرورتها شاذة، لعدم قائل بمضمونها، كما

صرّح به جماعة «1».

و منه يظهر عدم مضرّة موثّقة أبي بصير أيضا، مع أنها شاملة لصورة الاختصاص بوجود إحدى من ذكر فيها و عدم وجود غيرها.

نعم، مقتضى موثّقة سماعة: الرجوع إلى الجميع مع العلم باتّفاقهن، إذ حينئذ يمكن جعل أقرائها مثل أقرائها، و إلى الأيام مع العلم باختلافهن و لو بعد الفحص في الصورتين.

أمّا لو لم يعلم الاتّفاق و لا الاختلاف و لم يتمكّن من الاستعلام، كأن تكون بعضهن أمواتا أو في بلاد بعيدة، و كانت المعلومات حالهن متّفقات حتى يصدق عدم العلم بالاختلاف، فالظاهر الاكتفاء بهذا البعض المعلوم بمقتضى الموثّقتين الأخيرتين الخاليتين عن المعارض في المقام، بل قيل: إنّ المراد من الأولى أيضا النساء الأحياء المتمكّن من استعلام حالهن أو الموجودات في بلدها «2».

و تدخل في نسائها أقاربها من الأبوين أو أحدهما إجماعا و عرفا، دون غيرهن و إن تلبّست بضرب من الملابسة و كفى أدناها في الإضافة، لأنّ كفايته مصحّحة للإضافة لا معيّنة لإرادة كلّ ملابس.

و مقتضى عموم النص: عدم اشتراط الحياة في الأقارب و لا التساوي في السن و لا الاتّحاد في البلد.

خلافا لظاهر الذكرى «3» في الأخير، فاعتبره، لظهور تأثير الاختلاف في البلد في مخالفة الأمزجة. و هو اجتهاد في مقابلة النص. و لعدم تبادر غير المتّحد منه.

و هو مردود بلزوم تبادر المتّحد في التخصيص، و هو منتف.

و هل يختص الرجوع- حين فقد التمييز- بنسائها؟ كما عن المعتبر و المنتهى «4»

______________________________

(1) كما المدارك 2: 117، و الحدائق 3: 300، و الرياض 1: 39.

(2) الذكرى: 31.

(3) الذكرى: 31.

(4) المعتبر 1: 207، المنتهى 1: 100، 101.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 426

و غيرهما.

أو يجوز لها الرجوع مع وجود النساء و اتّفاقهن إلى

أقرانها و ذوات أسنانها أيضا؟ إمّا مطلقا، كما في النافع «1» و عن التلخيص، أو بشرط كونهن من أهل بلدها، كما نقله في الشرائع «2» و عزاه في المدارك إلى المبسوط «3» و جمع من الأصحاب.

أو يجوز لها ذلك مع فقد النساء خاصة مطلقا؟ كما عن المهذّب، و التحرير، و التبصرة «4»، و جمل الشيخ، و اقتصاده «5»، و السرائر «6»، أو بشرط اتّحاد البلد، كما عن الوسيلة «7»، أو مع اختلافهن أيضا مطلقا، كما عن القواعد، و الإرشاد، و نهاية الإحكام «8»، أو بشرط اتّحاد البلد، كما عن الإصباح.

الحقّ هو الأول، لعدم دليل معتدّ به على الرجوع إليهن مطلقا.

و دعوى الظن بمشابهتها مع الأقران في الأقراء ممنوعة. و لو سلّمت فاعتباره غير مسلّم.

و الاستدلال بلفظ «نسائها» باعتبار كفاية أدنى الملابسة فاسد، كما مرّ.

و التمسّك باستفادة توزيع أيام الأقراء على الأعمار في المرسل المصرّح بأنّ المرأة أول ما تحيض تكون كثيرة الدم و كلّما كبرت نقص الدم «9»، ضعيف، لعدم

______________________________

(1) المختصر النافع: 9.

(2) الشرائع 1: 32.

(3) المدارك 2: 17، المبسوط 1: 46.

(4) المهذب 1: 37، التحرير 1: 14، التبصرة: 9.

(5) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 163، الاقتصاد: 247.

(6) السرائر 1: 146.

(7) الوسيلة: 59.

(8) القواعد 1: 14، الإرشاد 1: 226، نهاية الاحكام 1: 137.

(9) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 5، التهذيب 1: 157- 452، الوسائل 2: 294 أبواب الحيض ب 10 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 427

دلالته على تساوي النساء في النقص بتساوي ازدياد السن.

[المسألة] الخامسة: إذا فقدت الأقارب لها أو اختلفن

- و إن اتّفقن منهن الأغلب على الأقرب [1]- تحيّضت بالسبعة في كلّ شهر على الأصح، وفاقا للمحكي عن ظاهر النهاية «1» في اللوامع، و عن

الجمل و الاقتصاد «2» في كلام بعض الأجلّة، و عن غيرهم أيضا في كلام بعض آخر «3».

لقوله عليه السلام في مرسلة يونس- الطويلة- التي هي كالصحيحة، لوجوه عديدة: «هذه سنّة التي استمرّ بها الدم أول ما تراه، أقصى وقتها سبع و أقصى طهرها ثلاث و عشرون».

و قوله عليه السلام فيها: «و إن لم تكن لها أيام قبل ذلك و استحاضت أول ما رأت، فوقتها سبع و طهرها ثلاث و عشرون».

و قوله في آخرها- في حقّ من أطبق عليها الدم و لم تعرف أياما و كانت فاقدة للتمييز-: «فسنّتها السبع و الثلاث و العشرون، لأنّ قصّتها قصّة حمنة» «4».

و أمّا التخيير الواقع فيها أولا بقوله للمبتدأة: «تحيّضي في كلّ شهر في علم اللَّه ستة أيام أو سبعة، ثمَّ اغتسلي و صومي ثلاثة و عشرين يوما أو أربعة و عشرين يوما» فلمنافاته مع تعيين السبع و جعل أقصى الطهر ثلاثا و عشرين ثانيا لا يصلح للاستناد إليه في التخيير، بل يحمل إمّا على ترديد الراوي كما قيل «5»، أو على وجه آخر.

______________________________

[1] إشارة إلى خلاف الذكرى حيث ألحق اتفاق الأغلب باتفاق الجميع، فحكم فيه بالرجوع إلى عادة الأغلب. الذكرى: 30.

______________________________

(1) النهاية: 24.

(2) الجمل و العقود (الرسائل العشر) 163، الاقتصاد: 247.

(3) كما حكى عن القواعد في الرياض 1: 39 و لاحظ القواعد 1: 14 و تأمّل.

(4) الكافي 3: 83 الحيض ب 8 ح 1، التهذيب 1: 381- 1183، الوسائل 2: 288 أبواب الحيض ب 8 ح 3.

(5) الرياض 1: 39.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 428

و لأجل ذلك و إن لم يمكن الاستناد في التعيين إلى قوله ثانيا أيضا و أمكن حمله على الاكتفاء في التفصيل بأحد

فردي التخيير دون الانحصار كما ذكره والدي- رحمه اللّه- في اللوامع، و لكن لاتّفاق الفقرتين على جواز السبع يكون جواز التحيّض بها قطعيا، و غيرها مشكوكا فيه، فينفى التعبّد به بالأصل.

خلافا في المبتدأة بقسميها لكثير من علماء الفرقة، فإنّ لهم فيهما أقوالا متكثرة تتجاوز عن العشرة، أكثرها عن الحجة خال بالمرة، و حجّة ماله حجّة منها للاستناد غير صالحة:

كالقول بتحيّضهما مطلقا بالثلاثة «1»، لأصالة عدم الزيادة، و استصحاب لزوم العبادة، و أصالة الطهارة، فإنّ جميع تلك الأصول بما مرّ مندفعة، و مع ذلك باستصحاب الحيض بعد التحيّض بالثلاثة معارضة.

و بتحيّضها في كلّ شهر بالعشرة، كما ذهب إليه بعضهم «2»، أو بالتحيّض عشرة و التطهّر عشرة، كما حكي عن بعض آخر «3»، للقاعدة التي هي على ألسنتهم جارية من حيضية كلّ ما يمكن أن يكون حيضا، فإنّك قد عرفت أنّ تلك القاعدة غير ثابتة.

و بتحيّضها بالثلاثة إلى العشرة مع أفضلية العشرة في الدور الأول و الثلاثة في غيره، ثمَّ أفضلية السبعة أو الستة في كلّ دور.

اختاره والدي العلّامة- رحمه اللّه- استنادا في الجزء الأول إلى موثّقة سماعة، المتقدّمة «4». و في الثاني إلى موثّقتي ابن بكير، السابقتين «5». و في الثالث إلى التخيير المذكور أولا في المرسلة «6»، بحمل الأولى على الجواز، و الثانية على الأفضلية، لعدم

______________________________

(1) المعتبر 1: 210.

(2) قد يظهر هذا من الفقيه 1: 51 كما نسبه في مفتاح الكرامة إلى مذهب الصدوق و ظاهر السيد.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 550، و نسبه في كشف اللثام 1: 89 الى موضع من المبسوط أيضا.

(4) في ص 418.

(5) في ص 419.

(6) يعني مرسلة يونس الطويلة المتقدم مصدرها ص 419.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 429

منافاتها للأولى

مع دلالتها على الرجحان، و الثالثة على التخيير بينها و بين الثانية للتعارض و عدم الترجيح، فيصار إلى التخيير مع أفضليّة لصراحة الأمر.

فإنّ الأولى للاحتجاج غير صالحة، لإجمالها، حيث إنّ كون الأكثر عشرة و الأقل ثلاثة يتصوّر بوجوه مختلفة، كأن تتحيّض في كلّ شهر بما شاءت من الثلاثة، أو العشرة، أو منهما و ممّا بينهما، أو في شهر بالأولى و في آخر بالثانية مخيّرة في التعيين، أو مع تعيين الأول للثلاثة و الثاني للعشرة، أو بالعكس، مع عدم دلالتها على جواز التحيّض بما بين العددين، بل إمكان القدح في دلالتها على الجواز بالعددين أيضا.

و الثانية شاذة، و لشهرة القدماء بل الإجماع مخالفة، إذ لم ينقل من أحد من الطائفة المصير إلى مضمونها الذي هو التحيّض بالعشرة في الدور الأول و بالثلاثة في غيره مطلقا لا معيّنا و لا مخيّرا بين ذلك و بين غيره، فهي عن أصلها ساقطة، و لمعارضة المرسلة غير صالحة.

و الثالثة مع ما بعدها في المرسلة- كما عرفت- منافية، و مثل ذلك لا يصلح للاستناد و الحجية.

و مع ذلك كله، فلا يشمل شي ء منها المضطربة، بل الكلّ مختص بالمعنى الأخص من المبتدأة.

و بتحيّضها بالستة أو السبعة مطلقا، لما ذكر مع ما فيه.

و بالثلاثة من شهر و عشرة من آخر، للموثّقتين. فإنّهما على ذلك غير دالّتين و لا مشعرتين. إلى غير ذلك من الأقوال الخالية عن الحجة، أو المحتج لها بما يظهر ما فيه بما ذكر.

ثمَّ إنّه صرّح جماعة «1»، و حكي عن المعتبر و الإصباح و المنتهى و التحرير «2»:

______________________________

(1) منهم صاحب المدارك 2: 21، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 90 و حكاه عن الكتب المذكورة في المتن.

(2) المعتبر 1:

209، المنتهى 1: 102، التحرير 1: 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 430

بأنّ العدد الذي تتحيّض به، لها وضعه حيث شاءت من الشهر في الدور الأول، لإطلاق الأدلّة و عدم الترجيح.

يعني- بعد ظهور استمرار الدم إلى آخر الشهر- لها أن تجعل الحيض أيّ سبعة شاءت مثلا، فإن جعلت الأولى التي كان عليها أن تتحيّض فيها قبل ظهور الاستمرار فهو، و إلّا فتقضي ما تركته فيها من الصلاة.

و الظاهر أولوية جعل الأول حيضا بل تعيّنه، كما عن التذكرة، و ظاهر المبسوط، و الجواهر «1»، للمرسلة «عدّت من أول ما رأت الدم الأول و الثاني عشرة أيام ثمَّ هي مستحاضة» «2».

و أيضا: فإنها تتحيّض قطعا في الأول باستمرار الدم إلى الثلاثة سيما مع الوصف، فالانتقال عنه و تركها العبادة و قضاؤها لما تركته من الصلاة يحتاج إلى دليل.

هذا في الدور الأول، و أمّا ما بعده فلا بدّ من اتّباع النصّ من جعل ثلاثة و عشرين طهرا ثمَّ التحيّض بعده، فإنّها أقصى طهرها، بل طهرها تلك خاصة، كما نصّ به في المرسلة «3» التي هي في الباب عمدة.

القسم الثاني: ذات العادة.
اشاره

و هي التي حصلت لها العادة في وقت الحيض، أو قدره، أو فيهما.

ثمَّ إنّ عدم حصول العادة- التي قد يعبّر عنها بأيام الحيض أيضا- بالمرة الواحدة عندنا مجمع عليه، و اشتقاقها من العود يرشد إليه، و الأصل يوافقه، و في ذيل المرسلة- الطويلة، كما يأتي- تصريح به، و أكثر المخالفين يوافقنا فيه.

و ثبوتها بالمرتين ممّا لا خلاف فيه، و حكاية الإجماع من الأعيان متكررة

______________________________

(1) التذكرة 1: 31، المبسوط 1: 47، جواهر الفقه: 16.

(2) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 5، التهذيب 1: 157- 452، الوسائل 2: 299 أبواب

الحيض ب 12 ح 2.

(3) يعني بها المرسلة الطويلة، تقدم مصدرها في ص 419.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 431

عليه «1».

و يدلّ عليه إطلاق أخبار العادة بل عموم بعضها «2»، و خصوص ما يأتي «3» من الموثّقة و المرسلة.

و في اشتراط استقرار الطهر بتكريره مرتين متساويتين في استقرار العادة عددا و وقتا قولان، الأقوى: العدم، للأصل، و ظاهر المرسلة. وفاقا للفاضل «4»، و الروض «5»، بل الأكثر، كما ذكره والدي في اللوامع. و خلافا للذكرى «6»، فاشترطه فيهما، و بدونه حكم باستقرار العدد دون الوقت. و لا دليل له.

و كذا لا يشترط في العددية تعدّد الشهر، فتستقرّ برؤيته في الشهر الواحد مرارا متساوية بينهما أقلّ الطهر، وفاقا للمحكي عن المبسوط، و الخلاف، و المعتبر، و الذكرى، و الروض «7»، لإطلاق أخبار العادة و أيام الحيض الصادق بذلك.

و ظاهر الموثّقة «8» و إن اقتضى نفي الاستقرار في الشهر الواحد بالمفهوم، و لكن لتعارضه مع إطلاق قوله في المرسلة بالعموم من وجه و تساقطهما تبقى إطلاقات أخبار العادة و أيام الحيض خالية عن المعارض.

و منه يظهر عدم اشتراط تعدّد الشهر الهلالي في استقرار الوقتية أيضا، بل يكفي تعدّده في شهر الحيض، و هو ما يمكن أن يعرض فيه حيض و طهر صحيحان و هو ثلاثة عشر يوما، أو في غير ذلك ككلّ أسبوعين مثلا.

______________________________

(1) لاحظ الخلاف 1: 239، التذكرة 1: 27، المدارك 1: 325.

(2) انظر الوسائل 2: أبواب الحيض ب 4، 5.

(3) في ص 432.

(4) في المنتهى 1: 103، و التذكرة 1: 27. قال: فلو رأت في شهر خمسة لا غير و في آخر خمسة مرتين استقرت العادة.

(5) الروض: 63.

(6) الذكرى: 28.

(7) المبسوط 1: 47، الخلاف

1: 239، المعتبر 1: 217، الذكرى: 28، الروض: 64.

(8) الآتية عن قريب.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 432

و ورود الشهر في الخبرين و كونه حقيقة في الهلال لا يضرّ، لما عرفت.

و عدم إمكان تماثل الزمانين بالنسبة إلى الدمين في غير الهلالي ممنوع، فإنّه يمكن في شهر الحيض أو الأسبوع أو كلّ نصف من الهلالي و نحو ذلك.

و من ذلك تظهر أيضا صحة القول باستقرار الأقلّ القدر المشترك من الوقت و العدد في الأقسام الثلاثة، لصدق العادة و أيام الحيض و إن لم يصدق السواء المصرّح به في الخبرين.

و كذا يظهر وجه حصول العادة بالتمييز مع استمرار الدم.

ثمَّ إنّ ذات العادة- كما أشير إليه- على أنواع ثلاثة، لأنّها إمّا عديدة و وقتية، أو عددية فقط، أو وقتية كذلك. و اعتبار الثلاثة و إطلاق العادة و أيام الحيض و ترتّب أحكامهما عليها مجمع عليه، و هو الحجة في ذلك.

مضافا في الأوّليين إلى موثّقة سماعة، و فيها: «فإذا اتّفق الشهران عدّة أيام سواء فتلك أيامها» «1».

و المرسلة «2»- الطويلة- و فيها: «فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأول سواء حتى توالت عليها حيضتان فقد علم أنّ ذلك صار وقتا و خلقا معروفا، فتعمل عليه و تدع سواه» إلى أن قال: «و إنّما جعل الوقت إن توالى عليها حيضتان أو ثلاث حيض، لقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، للتي تعرف أيامها: دعي الصلاة أيام أقرائك، فعلمنا أنه لم يجعل القرء الواحد سنّة لها فيقول [لها]: دعي الصلاة أيام قرئك، و لكن سنّ لها الأقراء و أدناه حيضتان فصاعدا».

و في الأخيرة [1] إلى قوله عليه السلام في المرسلة: «و لو كانت تعرف أيامها ما احتاجت [إلى معرفة]

لون الدم» إلى أن قال: «فإن جهلت الأيام و عددها

______________________________

[1] أي مضافا في الأخيرة- و هي الوقتية- إلى قوله عليه السلام ..

______________________________

(1) الكافي 3: 79 الحيض ب 4 ح 1، التهذيب 1: 380- 1178، الوسائل 2: 304، أبواب الحيض ب 14 ح 1.

(2) تقدم مصدرها ص 419.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 433

احتاجت إلى النظر حينئذ إلى إقبال الدم و إدباره و تغيّر لونه، ثمَّ تدع الصلاة إلى قدر ذلك» الحديث.

دلّت بالمفهوم على أنه إذا عرفت الأيام وحدها أيضا لم يحتج إلى النظر إلى لون الدم، و تمام المطلوب يثبت بالإجماع المركّب.

ثمَّ تأثير العددية إنّما هو في الرجوع إليها عند عبور الدم عن العشرة، و الوقتية في الجلوس برؤية الدم.

ثمَّ إنّه قيل: إنّ المناط في اتّحاد الوقت و العدد عدم الزيادة و النقصان و التقدّم أو التأخّر بيوم تام، لا ببعضه أيضا، إذ التفاوت بالبعض لازم التحقّق في كلّ دمين غالبا، مع أنّ العرف لا يعتني بمثل ذلك.

أقول: لا شك في عدم اعتناء العرف بالتفاوت القليل، فلا ينافي الاستقرار، و لكن تحديده بمطلق بعض اليوم محل نظر، فإنّه لو رأت الدم أول الطلوع من اليوم الأول من شهر و انقطع آخر السابع، ثمَّ رأته في آخر ساعة من الأول من الشهر الثاني بل و لو بعد زواله مطلقا و انقطع آخر سابعه ففي صدق الاتّحاد في الوقت و العدد نظر ظاهر. و الأولى إحالة ذلك إلى العرف مطلقا.

ثمَّ الكلام في كلّ من هذه الأنواع- كما في المبتدأة- إمّا في تحيّضها أو في مقدار حيضها.

فالنوع الأول، و هي: ذات العادة العددية و الوقتية
اشاره

، فيه موضعان:

الموضع الأول: في تحيّضها

. و لبيانه نقول: إنّ ذات العادة العددية و الوقتية تتحيّض و تترك العبادة برؤية الدم مطلقا و إن لم يكن بصفة الحيض إذا كانت في وقت العادة إجماعا محقّقا، و منقولا «1» مستفيضا، له، و للنصوص المستفيضة جدّا، بل المتواترة معنى.

و في تحيّضها برؤيته قبله مطلقا، أو مع كونه بالصفة، أو إلحاقها حينئذ

______________________________

(1) كما نقله في الشرائع 1: 29، و التذكرة 1: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 434

بالمبتدأة فتستظهر بالعبادة إلى الثلاثة أو حضور الوقت، أقوال:

الأشهر الأظهر: الأول، بل قيل «1»: إنه إجماع. لا لأصالة عدم الآفة كما قيل «2»، لمعارضتها مع أصالة عدم الحيض كما مرّ.

بل لعموم المستفيضة المصرّحة بتحيّض المرأة بمجرّد رؤية الدم «3».

و خصوص ما دلّ على حيضية ما تراه ذات العادة قبل العادة مطلقا، كموثّقة سماعة: عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها، قال: «فلتدع الصلاة، فإنه ربما يعجّل بها الوقت» «4».

أو الصفرة التي تراها كذلك، كرواية ابن أبي حمزة: عن المرأة ترى الصفرة فقال: «ما كان قبل الحيض فهو من الحيض، و ما كان بعد الحيض فليس منه» «5».

و الرضوي: «و الصفرة قبل الحيض حيض، و بعد أيام الحيض ليست من الحيض» «6».

أو الثاني مقيّدا بيومين، كصحيحة ابن حكيم: «الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض، و بعد أيام الحيض ليس من الحيض، و في أيام الحيض حيض» «7» و قريبة منها موثّقة أبي بصير «8».

______________________________

(1) كما ادّعى في كشف اللثام 1: 90 اتفاق الأصحاب عليه.

(2) الرياض 1: 41.

(3) راجع ص 409.

(4) الكافي 3: 77 الحيض ب 2 ح 2، التهذيب 1: 158- 453، الوسائل 2: 300 أبواب الحيض ب 13 ح 1.

(5) الكافي

3: 78 الحيض ب 3 ح 4، التهذيب 1: 396- 1232، الوسائل 2: 280 أبواب الحيض ب 4 ح 5.

(6) فقه الرضا عليه السلام: 21، المستدرك 2: 8، أبواب الحيض ب 4 ح 2.

(7) الكافي 3: 78 الحيض ب 3 ح 5، الوسائل 2: 280 أبواب الحيض ب 4 ح 6.

(8) الكافي 3: 78 الحيض ب 3 ح 2، الفقيه 1: 51- 196 رواها مرسلة، التهذيب 1: 396- 1231، الوسائل 2: 279 أبواب الحيض ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 435

و أمّا ما في المرسلة- الطويلة- من الدلالة على أنّ ذات العادة تعمل في العادة و تدع ما سواها- كما يأتي- فلا يضرّ هنا، لعدم عامل به في المورد أصلا، مع أنها أعم مطلقا من أخبار القبل فتخصّص بها.

للثاني- و هو مختار صاحب المدارك «1»-: ما تقدّم «2» من الأخبار الدالّة على انتفاء الحيضية بانتفاء الصفات، و على أنّ الصفرة في غير أيام الحيض ليست بحيض كما في صحيحة محمّد «3».

و أجيب عنها: بكونها أعم مطلقا ممّا مرّ، فتخصّص بها، مع أنّ في المرسلة- الطويلة- دلالة على عدم رجوع ذات العادة إلى التمييز، كما يأتي.

و للثالث- و هو مذهب المسالك «4»-: ظواهر بعض الأخبار التي لا دلالة لها، و بعض الاعتبارات الذي لا اعتناء به.

ثمَّ إنّه لا فرق فيما تراه قبلها فيما إذا كان بحيث ينتهي الدم على أول أيام العادة، أو في أثنائها إذا كان بحيث تصدق القبلية عرفا و لم يبعد عنها بحيث لا يقال إنّه قبل العادة، و يصدق عليها تعجيل العادة كما علّل به في الرواية «5».

و الحاصل: أنّ القبل المحكوم بحيضيته هو ما يقرب العادة و

كذا البعد، و أمّا مطلق القبل و البعد اللغويين الصادقين على كلّ ما تقدّم و تأخّر فليس مرادا هنا قطعا، و لذا ورد في بعض الأخبار بيوم و يومين «6» و عبّر بعض الفقهاء بالقبيل و البعيد.

______________________________

(1) المدارك 1: 328.

(2) ص 382، 383.

(3) الكافي 3: 78 الحيض ب 3 ح 1، التهذيب 1: 396- 1230، الوسائل 2: 278 أبواب الحيض ب 4 ح 1.

(4) المسالك 1: 9.

(5) المتقدمة ص 434.

(6) انظر الوسائل 2: 541 أبواب الحيض ب 4 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 436

و ممّا يثبت ذلك: أنه لو أريد اللغويان، لكان كلّ قبل بعدا لما قبله و بالعكس، فتتعارض الفقرتان و يلغو الحكم، و ذلك قرينة واضحة على ما ذكرنا من المراد من القبل و البعد.

و كذا تتحيّض بمجرد الرؤية مطلقا إذا رأته متأخّرا عن أول وقت العادة أي في أثنائها، لصدق كونه في العادة، فتدلّ عليه أخبارها.

و أمّا لو رأته متأخّرا عن آخر وقت العادة فلا شك في التحيّض به مع كونه بالوصف، للإجماع، و لأخبار التمييز، الخالية عمّا يصلح للمعارضة في المقام. و أمّا قوله لذات العادة في المرسلة «1»: «تعمل فيه- أي في وقتها- و تدع ما سواه» فإنّما يجري فيما إذا رأت في العادة أيضا حتى يصدق قوله: «تعمل فيه» و ليس كذلك المقام.

و أمّا ما في آخر مرسلة يونس- القصيرة-: ما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض» «2» فلا ينافيها، لجواز أن يراد بأيام حيضها هنا أيام العادة إذا كانت فيها حائضا دون ما إذا خلت أيام العادة عن الدم، كما هو مورد المسألة.

و أما بدونه [1] فادّعى بعض الأجلّة الاتّفاق على التحيّض مطلقا الشامل

لهذه الصورة أيضا «3».

و ظاهر المدارك عدمه «4». و الأصل معه و إن كان مظنة الإجماع على التحيّض في صورة الاستمرار إلى الثلاثة.

و في حكم المتأخّر كلّ ما بعد زمان العادة و لو بكثير إذا لم تر في زمان العادة، و الدليل الدليل.

______________________________

[1] اي بدون الوصف.

______________________________

(1) أي مرسلة يونس الطويلة، تقدم مصدرها ص 419. و فيه: «نعمل عليه ..».

(2) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 5، الوسائل 2: 279 أبواب الحيض ب 4 ح 3.

(3) كشف اللثام 1: 90.

(4) المدارك 1: 328.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 437

و لو رأت في العادة و انقطع عليها ثمَّ رأت قبل مضيّ أقلّ الطهر، لم تتحيّض به إجماعا. و كذا بعده على الأصح، لعدم كون ذلك حيضا- كما يأتي- إلّا إذا كان ذلك أيضا عادة لها.

الموضع الثاني: في قدر حيضها
اشارة

و وقته في كلّ موضع حكم بتحيّضها.

و بيانه: أنّها إمّا ترى أقلّ من العادة، أو مساويا له، أو أزيد منه، و الأخير إمّا لا يتجاوز من العشرة، أو يتجاوزها، فهنا مسائل.

المسألة الأولى: إذا انقطع دمها على العدد أو أقلّ منه ما لم ينقص عن الثلاثة،

فالكلّ حيض إجماعا، له، و للاستصحاب، و النصوص، و كذا النقاء المتخلّل بين أيامها. و لا استظهار حينئذ، وفاقا للمعظم، لمرسلة داود «1» و غيرها.

خلافا لشاذ «2» لا يعبأ به، لبعض إطلاقات الاستظهار الواجب تقييده بما مرّ.

[المسألة] الثانية: لو لم ينقطع دمها على العدد، فإن كان عددها عشرة،

استحاضت في الزائد، و لم يكن عليها استظهار إجماعا، و تدلّ عليه مرسلتا ابن المغيرة «3».

و إن كان ما دون العشرة، تستظهر و تحتاط بترك العبادة إجماعا، للنصوص المستفيضة جدّا، كالصحاح الأربع لمحمّد «4»، و البزنطي «5»، و زرارة «6»، و ابن

______________________________

(1) الكافي 3: 90 الحيض ب 9 ح 7، الوسائل 2: 285 أبواب الحيض ب 6 ح 1.

(2) نقله في شرح المفاتيح- مخطوط- عن السرائر و الموجود فيه 1491 خلافه.

(3) روى إحداهما في الكافي 3: 77 الحيض ب 3 ح 3، الوسائل 2: 295 أبواب الحيض ب 10 ح 5 و أخراهما في التهذيب 1: 172- 493، الوسائل 2: 303 أبواب الحيض ب 13 ح 11.

(4) المعتبر 1: 215، الوسائل 2: 304 أبواب الحيض ب 13 ح 15.

(5) التهذيب 1: 171- 489، الاستبصار 1: 149- 514، الوسائل 2: 302 أبواب الحيض ب 13 ح 9.

(6) الكافي 3: 99 الحيض ب 12 ح 4، التهذيب 1: 173- 496، الوسائل 2: 373 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 438

عمرو «1»، و الموثّقات السبع لسماعة «2»، و سعيد «3» و ابن جرير «4»، و يونس «5»، و زرارة «6»، و المراسيل الثلاث لابن المغيرة، و داود. و خبر زرارة «7».

بيوم واحد إن كانت عادتها تسعة أيام إجماعا، لعدم إمكان الزائد.

و مخيّرة بين يوم أو يومين إن كانت ثمانية، للتصريح بالتخيير بينهما لمن تجاوز دمه

العادة مطلقا في الصحيحتين الأوليين، و الموثّقة الأخيرة، و الخبر الأخير.

و لا ينافي ذلك ما دلّ على الاستظهار بثلاثة أيام، لاختصاصه بما عدا ذلك قطعا، لعدم إمكانه. و لا ما اقتصر فيه على واحد، لوجوب حمله على أحد أفراد المخيّر، فإنّ الأصل في الحكم وجوبا كان أو استحبابا و إن كان التعيين، إلّا أنه يجب الخروج عنه مع الدليل على التخيير كما في المورد.

و بينه و بينهما و بين ثلاثة أيام إن كانت سبعة، للصحيحة الثانية. و لا ينافيها ما اقتصر على أحد الثلاثة، لما مرّ.

______________________________

(1) التهذيب 1: 172- 491، الوسائل 2: 303 أبواب الحيض ب 13 ح 10، و في «ق» و «ه» بدل ابن عمرو «ابن عمير» و في «ح» ابن ابي عمير، و الصواب ما أثبتناه.

(2) له روايتان: إحداهما رواها في الكافي 3: 77 الحيض ب 2 ح 2، التهذيب 1:

158- 453، الوسائل 2: 300 أبواب الحيض ب 13 ح 1، و الأخرى رواها في التهذيب 1:

386- 1190، الاستبصار 1: 139- 477، الوسائل 2: 302 أبواب الحيض ب 13 ح 6.

(3) التهذيب 1: 172- 490، الاستبصار 1: 149- 513، الوسائل 2: 303 أبواب الحيض ب 13 ح 8.

(4) الكافي 3: 91 الحيض ب 9 ح 3، التهذيب 1: 151- 431، الوسائل 2: 275 أبواب الحيض ب 3 ح 3.

(5) التهذيب 1: 402- 1259، الاستبصار 1: 149- 516، الوسائل 2: 303 أبواب الحيض ب 13 ح 12.

(6) له روايتان موثقتان روى إحداهما في التهذيب 1: 169- 483، الوسائل 2: 375 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 9 و الأخرى في التهذيب 1: 401- 1253، الوسائل 2: 376 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 12.

(7) التهذيب

1: 402- 1256، الوسائل 2: 304 أبواب الحيض ب 13 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 439

و بين كلّ من هذه الثلاثة و تمام العشرة إن كانت ستة فما دون، لدلالة الصحيحة الثانية على التخيير بين الثلاثة مطلقا، و دلالة مرسلتي ابن المغيرة، و موثّقة يونس على تعيين تمام العشرة، و إذ لا ترجيح فالحكم التخيير، كما نطقت به الأخبار العلاجية في التعارض.

وفاقا في الجميع للذكرى «1»، و أكثر الثالثة «2».

خلافا للمحكي عن الصدوق «3»، و الشيخين «4»، و الوسيلة، و الشرائع، و النافع «5»، فحكموا بالتخيير بين الأولين خاصة. و ظاهر أنه في غير الأولى.

و لصاحب المدارك «6» فبين الثلاثة الأولى. و ظاهر أنه في غير الأولين.

و للسيد، و عن الإسكافي «7»، و المقنعة، و الجمل «8»، فحكموا بتعيّن تمام العشرة مطلقا.

و حجة الجميع مع الجواب ظاهرة.

ثمَّ ذلك الاستظهار هل هو على الوجوب؟ كما عن ظاهر الأكثر، و السيد «9»، و الاستبصار، و النهاية، و الجمل، و السرائر «10»، عملا بظاهر الأوامر، و احتياطا في العبادة حيث إنّ تركها على الحائض عزيمة، و استصحابا للحالة

______________________________

(1) الذكرى: 29.

(2) كما قال به في المفاتيح 1: 15، و الكفاية: 4، و الحدائق 3: 223.

(3) قال في المنتهى 1: 103: و به قال ابن بابويه.

(4) نقله في المنتهى عن المفيد، النهاية: 24.

(5) الوسيلة: 58، الشرائع 1: 30، النافع: 10.

(6) المدارك 1: 335.

(7) نقل عن السيد في المنتهى 1: 103. و عن الإسكافي في جامع المقاصد 1: 332.

(8) المقنعة: 55 الجمل و العقود (الرسائل العشر): 163. قال في كشف اللثام 1: 96 و هو ظاهر الشيخين في المقنعة و الجمل لإطلاقهما صبرها حتى تنقى.

(9) كما هو ظاهر

ما نقله عنه في المنتهى.

(10) الاستبصار 1: 149، النهاية: 24، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 163، السرائر 1: 149.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 440

السابقة.

أو على الاستحباب؟ كما عن التذكرة «1» و عامة المتأخّرين «2»، بل الأكثر كما في اللوامع، التفاتا إلى أخبار الرجوع إلى العادة مطلقا و العمل فيما عداها بالاستحاضة، كالصحاح الثلاث لأبناء عمّار «3»، و سنان «4»، و أعين «5»، و موثّقتي ابن سنان «6»، و سماعة «7»، و مرسلة يونس «8»، و خبر ابن أبي يعفور «9»، و أخذا بظن الانقطاع على العادة.

و هو الحق. لا لما ذكر، لعدم التمامية. بل لانتفاء الوجوب بالأصل، و عدم دليل عليه، لخلوّ جميع أخبار الاستظهار- سوى اثنين منها- عن اللفظ الدالّ على الوجوب، و إنّما وردت بلفظ الإخبار الغير المفيد سوى الرجحان. و أمّا هما فمخرجان عن حقيقتهما التي هي الوجوب المعيّن قطعا، لما عرفت من ثبوت التخيير.

و ليس الحمل على الوجوب التخييري أولى من الاستحباب كذلك، حيث إنّهما من المعاني المجازية.

و كون الوجوب التخييري أقرب إلى الحقيقة لا يفيد، لعدم دليل على وجوب

______________________________

(1) التذكرة 1: 29.

(2) منهم الشهيدان في الذكرى: 29، و المسالك: 9، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 332.

(3) الكافي 3: 88 الحيض ب 8 ح 2، التهذيب 1: 170- 484، الوسائل 2: 371 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.

(4) التهذيب 1: 171- 487، الوسائل 2: 372 أبواب الاستحاضة ب 1 ملحق ح 4.

(5) التهذيب 1: 173- 495، الاستبصار 1: 150- 519، الوسائل 2: 382 أبواب الاستحاضة ب 3 ح 1.

(6) التهذيب 1: 401- 1254، الوسائل 2: 372 أبواب الاستحاضة ب 1 ملحق ح 4.

(7) التهذيب 1: 401- 1255،

الوسائل 2: 378 أبواب الاستحاضة ب 2 ح 1.

(8) تقدم مصدرها ص 419.

(9) التهذيب 1: 402- 1258، الوسائل 2: 376 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 441

الحمل على مثل ذلك الأقرب، و ثبوت مطلق الرجحان الموجب- لدفع الأصل- للاستحباب بما مرّ.

و لا تضرّ معارضة أخبار الرجوع إلى العادة الواردة جميعا أيضا بلفظ الإخبار المفيد للرجحان. لا لما قيل «1» من أنها لا تفيد سوى الجواز الغير المنافي للاستحباب حيث وردت في مقام توهّم الحظر، لمنع حمل الأمر على الجواز في مثل ذلك المقام.

بل لسقوطها بموافقتها العامة [1] التي هي من موجبات المرجوحية المنصوصة، فتبقى مرجّحات الاستظهار خالية عن المعارض.

مع أنه لو تعارض الفريقان، لوجب تقديم الأولى، لكونها أخصّ مطلقا.

و لو سلّم أنّهما تعارضا و تساقطا، لكفت الشهرة العظيمة بل ظاهر الإجماع لإثبات الاستحباب، للتسامح في أدلّته.

و منه يظهر سقوط القول بالجواز الخالي عن قيدي الوجوب و الاستحباب رأسا و إن سقطت أدلّة الطرفين بالتعارض «2».

فروع:

أ: مقتضى إطلاقات الاستظهار ثبوته مع رؤية الدم مطلقا سواء كان بصفة الحيض أم لا.

و ربما يقيّد بالأول، جمعا بينها و بين إطلاقات سقوط الاستظهار بشهادة أخبار التمييز «3».

و فيه- مع أنّ الاستشهاد لا يوافق التخيير في أيام الاستظهار و لا استحبابه-:

______________________________

[1] بداية المجتهد 1: 51 قال: و أما الاستظهار الذي قال به مالك بثلاثة أيام فهو شي ء انفرد به مالك و أصحابه و خالفهم في ذلك جميع فقهاء الأمصار ما عدى الأوزاعي ..

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 42.

(2) كما قال به المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 149، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 70.

(3) كما في المدارك 1: 334.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 2، ص: 442

أنّ أخبار التمييز معارضة مع حسنة ابن مسلم و موثّقته «1» الدالّتين على حيضية كلّ ما رأته قبل العشرة و ساقطة في المقام، فيبقى ذلك الجمع بلا شاهد فلا اعتبار به.

و قد يجمع «2» أيضا بحمل إطلاقات السقوط على مستقيمة الحيض بلا اختلاف بالزيادة و النقصان و التقدّم و التأخّر، و المثبتات له على غيرها، بشهادة صحيحتي البصري «3» و ابن أعين «4».

و هو كان حسنا لو لا شذوذهما، إذ لا قائل بهما كما في اللوامع، و لا أقلّ من ندرته الكافية لإخراج الرواية عن حيّز الحجية، مع أنّ تنزيلهما على ما لا ينافي المشهور ممكن.

ب: إذا تمّت أيام الاستظهار قبل العاشر و لم ينقطع الدم تفعل فعل المستحاضة إجماعا، و تدلّ عليه موثّقة سماعة، و فيها: «فإذا كان أكثر من أيامها التي كانت تحيض فيهن فلتتربّص ثلاثة أيام بعد ما تمضي أيامها، و إذا تربّصت ثلاثة أيام و لم ينقطع عنها الدم فلتصنع كما تصنع المستحاضة» «5».

و اختصاصها باستظهار الثلاثة غير ضائر، لعدم الفصل.

ج: صرّح الأكثر- بل قيل: إنّه المعروف منهم- بأنّ بعد الاستظهار فإمّا يتجاوز دمها العاشر، أو لا بل ينقطع عليه أو على ما دونه.

فعلى الأول يتبيّن كون ما سوى العادة استحاضة و يلزمه وجوب قضاء ما تركته في أيام الاستظهار من الصلاة و الصوم.

و على الثاني يتبيّن كون الجميع حيضا، فتقضي الصوم حتى الذي اتي به.

______________________________

(1) المتقدمتين ص 392.

(2) كما جمعه في الحدائق 3: 221.

(3) التهذيب 5: 400- 1390، الوسائل 2: 275 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 8.

(4) التهذيب 1: 402- 1257، الوسائل 2: 379 أبواب الاستحاضة ب 3 ح 1.

(5) الكافي 3: 77 الحيض ب 3 ح 2،

التهذيب 1: 158- 453، الوسائل 2: 300 أبواب الحيض ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 443

بعد أيام الاستظهار.

و قيل: تكون أيام الاستظهار حيضا في اليقين، و إنّما التفاوت بالحيضية و الاستحاضة إنّما هو فيما بعدها و قبل انقضاء العشرة لو كان، حكي عن مصباح السيد «1»، و ظاهر القواعد، و النهاية «2»، و اختاره في النافع، و نقله في المعتبر عن جماعة من علمائنا المحقّقين «3».

و مال بعض مشايخنا المتأخّرين «4»- مضافا إلى حيضية أيام الاستظهار- إلى كون ما بعد أيام الاستظهار استحاضة مطلقا، و إليه يميل كلام المدارك «5».

و من هذا ظهر أنّ أيام الاستظهار مع عدم التجاوز حيض إجماعا، و ما بعدها إلى العشرة مع التجاوز طهر كذلك. و إنّما الخلاف في الأول [1] مع الثاني و الثاني [2] مع الأول، ففي كلّ من الموضعين قولان: الطهرية و الحيضية، و فيهما معا احتمالات أربعة: طهرية الأول و حيضية الثاني و هو المشهور، و عكسه و هو لصاحب المدارك و بعض المشايخ، و حيضيتهما معا و هو للسيد و تابعيه، و طهريتهما كذلك، و لم أعثر على قائل به.

و التحقيق في المقام، بعد ملاحظة أنه لا دلالة لأخبار الاستظهار على حيضية أيامه و لا طهريته أصلا، إذ لا ملازمة بين استحباب ترك العبادة في أيام الاستظهار أو وجوبه و بين أحد الأمرين قطعا، كما أنه يجب تركها برؤية الدم مع

______________________________

[1] أي في أيام الاستظهار مع الثاني أي مع التجاوز عن العشرة.

[2] أي في ما بعد أيام الاستظهار مع الأول أي مع عدم التجاوز عن العشرة.

______________________________

(1) حكاه في الرياض 1: 42.

(2) القواعد 1: 16، نهاية الإحكام 1: 123 و قد أوضح

في الرياض 1: 42 وجه الاستظهار منهما فراجع.

(3) النافع: 10، المعتبر 1: 215.

(4) انظر الحدائق 3: 224.

(5) المدارك 1: 336.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 444

أنه قد لا يستمرّ إلى الثلاثة، و يجب فعلها في الانقطاع المتخلّل في الأثناء، مع أنه قد يعود الدم قبل العشرة أو تمام العادة. و لا لمثل قوله في تلك الأخبار بعد الاستظهار: «ثمَّ هي مستحاضة» على الحيضية قبله: أنّ ها هنا أقساما خمسة من الأخبار: الدالّة على أنّ كلّ ما تراه بعد أيام حيضها فليس بحيض «1»، و قوله في المرسلة: «فقد علم الآن أنّ ذلك قد صار لها وقتا و خلقا تعمل عليه و تدع ما سواه» «2» و المصرّحة بأنّ ما بعد أيام الاستظهار استحاضة «3»، و المشتملة على أنّ كلّ ما بصفة الحيض حيض «4»، و المتضمّنة لأن ما تراه المرأة قبل العشرة فهو من الحيضة الأولى «5».

و مقتضى إطلاق الأولين طهرية الموضعين، كما أنّ مقتضى الثالث طهرية الثاني أيضا، و مقتضى إطلاق الثانيين حيضية الموضعين، فيتعارض الفريقان بالعموم من وجه، و يرجع إلى الأصل، و هو يقتضي حيضية الموضعين لاستصحاب الحدث. و لا تعارضه في الموضع الأول أصالة بقاء العادة على حالها، لمنعها البتة.

فالحقّ هو القول الثاني.

و إباء العقل عن الحكم بكون ما تراه من الدم طهرا في آن و ما تراه في آن متّصل به حيضا مع اتّصالهما، و عن صيرورة دم واحد حيضا و طهرا باختيارها لتخييرها في الاستظهار- كما هو اللازم في الموضع الأول- ممنوع جدّا.

د: لو رأت ذات العادتين الدم قبيل [1] العادة و انتهت أيام العادة في أثنائها ففي الاستظهار حينئذ لأخباره، أو عدمه بل التحيّض، لقوله عليه السلام

في

______________________________

[1] في «ق» و «ه»: قبل.

______________________________

(1) انظر الوسائل 2: 281 أبواب الحيض ب 5.

(2) تقدم مصدرها في ص 419.

(3) انظر الوسائل 2: 300 أبواب الحيض ب 13.

(4) انظر الوسائل 2: 275 أبواب الحيض ب 3.

(5) انظر الوسائل 2: 299 أبواب الحيض ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 445

المرسلة الطويلة: «فتعمل فيه و تدع ما سواه» «1» إشكال.

ه: لو اختارت عدم الاستظهار تغتسل و تعمل عمل المستحاضة، فإن تجاوز الدم العشرة فلا شي ء عليها إجماعا، و إلّا فتتحيّض في جميع أيام الدم و تقضي الصوم، و وجهه ظاهر ممّا سبق. و الظاهر عدم الفرق في ثبوت الاستظهار بين ما إذا استمرّ الدم إلى العادة و تجاوز عنها أو انقطع قبلها ثمَّ عاد قبل العشرة بما يمكن فيه الاستظهار، لإطلاق بعض أخباره. و حينئذ فإن تجاوز عن العشرة، فالظاهر عدم الخلاف في كونه استحاضة و أيام النقاء طهرا، و إلّا فمقتضى الاستصحاب حيضيّته مع أيام النقاء.

[المسألة] الثالثة: لو تجاوز دمها العاشر،

تجعل عادتها عددا و وقتا أو مع أيام الاستظهار- على اختلاف القولين- حيضا، و ما سواها استحاضة إن لم يبلغ المجموع حدّا يصلح لحيضتين مستقلّتين بأن يتضمّن الزائد على العادة لأقلّ طهر و حيض- توافقت العادة و الزائد الصالح للحيضية في الصفات أو اختلفتا- مع كون أيام العادة بالصفة إجماعا.

و كذا مع كون غير العادة بالصفة دون العادة، فيرجح العادة على الأصح الأشهر، كما صرّح به جماعة، و هو مختار المفيد، و السيد «2»، و الشيخ في الجمل و المبسوط «3»، و المعتبر، و النافع، و الشرائع «4»، و الجامع، و الكافي، و الاقتصاد، و السرائر «5»، و غيرها «6».

لعموم أخبار العادة، و أنّ الصفرة في أيام الحيض حيض،

و إطلاقات كون

______________________________

(1) تقدم مصدرها ص 419.

(2) نقل في المعتبر 1: 212 عنه و كذا عن المفيد.

(3) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 164، المبسوط 1: 49.

(4) المعتبر 1: 212، النافع: 9، الشرائع 1: 32.

(5) الجامع للشرائع: 42، الكافي: 128، الاقتصاد 246، السرائر 1: 148.

(6) كالقواعد 1: 14، و الذكرى: 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 446

الدم استحاضة بعد الاستظهار.

و خصوص قوله عليه السلام في المرسلة الطويلة: «و لو كانت تعرف أيامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدم».

و قوله فيها: «فإذا جهلت الأيام و عددها احتاجت إلى النظر حينئذ إلى إقبال الدم و إدباره و تغيّر لونه».

و قوله فيها أيضا: «فقد علم الآن أنّ ذلك قد صار لها وقتا و خلقا معروفا تعمل عليه و تدع ما سواه».

خلافا للمحكي عن النهاية «1»، و الإصباح «2»، و موضع من المبسوط «3»، فرجّحوا التمييز، لأخباره، الواجب تقييدها بغير ذات العادة، لما ذكر.

و للمنقول عن ابن حمزة «4»، فقال بالتخيير، جمعا بين أخبار العادة و التمييز.

و ضعفه ظاهر بعد ما مرّ.

و للكركي «5»، فرجّح العادة مع استفادتها من الأخذ و الانقطاع، و التمييز مع استفادتها من التمييز، لئلّا تلزم زيادة الفرع على الأصل.

و يردّ بعدم محذور في لزومه، مع أنه ليس زيادة.

و لو بلغ المجموع حدّا صالحا لحيضتين بأن يتخلّل بينهما زمان أقلّ الطهر، فمع اختلاف الدمين بالتمييز و عدمه و ثبوت التمييز لغير العادة، ففي الرجوع إليها، أو إليه، أو جعل كلّ منهما حيضا منفردا، احتمالات بل أقوال. أظهرها:

الأول، وفاقا لبعض الثالثة «6»، للمرسلة المشترطة في الرجوع إلى التمييز فقد

______________________________

(1) النهاية: 24.

(2) نقل عنه في كشف اللثام 1: 90.

(3) المبسوط 1: 48.

(4) الوسيلة: 60.

(5) جامع المقاصد 1:

301.

(6) الذخيرة: 55.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 447

العادة، و قوله فيها: «و تدع ما سواه». مع أنه لو قلنا بتعارض الأمر بدعة ما سواه، و الأمر باعتبار التمييز يرجع إلى أصالة عدم الحيضية.

خلافا لمحتمل النهاية «1» فالثاني، و للمحكي عن الأكثر [1] فالثالث، لأدلّة ظاهرة مع ردّها. إلّا أن يكون التحيّض بكلّ منهما مقتضى عادتها بأن تعتاد التحيّض في كلّ شهر مرتين مثلا.

و كذا [2] مع عدم اختلافهما بالطريق الأولى. و لعلّ القائل بالحيضتين في الصورة السابقة يقول بهما هنا أيضا، و دليله مع جوابه واضح، هذا.

ثمَّ إنّ مقتضى ما ذكرنا من جعلها عادتها عددا و وقتا حيضا أنه لو تقدّمت الرؤية على الوقت و تجاوز عن العشرة و انقطع على آخر وقت العادة، تجعل الزائد عن العادة الذي هو استحاضة من قبل العادة. و هو كذلك، لقوله في المرسلة:

«و تدع ما سواه». و أمّا روايات حيضية ما قبل العادة «2» فتسقط بمعارضة أخبار حيضية ما في العادة «3».

و لو تجاوز مع ذلك عن آخر العادة أيضا تجعل الزائد من القبل و البعد، و تتحيّض بالعادة، لما ذكر.

و لو انقطع في أثناء العادة تأخذ العدد من الوقت و من قبله و تجعل الزائد من القبل.

و لو لم يدخل شي ء من الدم في وقت العادة كما إذا لم تر فيه و ترى بعده فتأخذ العدد و لا تعتني بالوقت لخلوّه عن الدم.

______________________________

[1] فإنّ الأكثر قائلون بقاعدة الإمكان كما تقدم في ص 408. و المقام من مصاديق تلك القاعدة كما صرّح به في القواعد 1: 14، و المسالك 1: 10.

[2] أي الأظهر الرجوع إلى العادة مع عدم اختلاف الدمين بالتمييز.

______________________________

(1) نهاية الإحكام 1: 142.

(2) انظر

ص 434.

(3) انظر الوسائل 2: 278 أبواب الحيض ب 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 448

[المسألة] الرابعة: لو رأت في العادة و انقطع عليها أو على غيرها و طهرت أقلّ الطهر،

ثمَّ رأت في ذلك الشهر بعدد العادة أيضا، فإن كان ذلك لها عادة تحيّضت بهما و كان كلّ حيضا، و إن لم يكن عادة لها فالمشهور فيه ذلك أيضا.

و الحقّ التحيّض بأيام العادة خاصة و إن كان التمييز لغيرها، لما مرّ.

النوع الثاني: ذات العادة العددية خاصة

. و الكلام فيها أيضا إمّا في تحيّضها، أو في قدره، أو وقته.

أما في الأول

: فكالمبتدأة إجماعا، فالقائل بتحيّضها بمجرّد الرؤية يقول به هنا، و القائل بتحيّضها بالوصف أو الاستمرار إلى الثلاثة يقول به ها هنا أيضا.

و لمّا عرفت أنّ الحق فيها التحيّض بالوصف فكذا في ذات العددية مع احتمال التحيض بالاستمرار إلى الثلاثة أيضا، لمظنة الإجماع.

فإن قيل: تحيّض المبتدأة بالوصف إنّما كان لأخباره، و لا تجري ها هنا، لدلالة مفهوم المرسلة على عدم الرجوع إلى الوصف مع عدم الجهل بالوقت أو العدد.

قلنا: المتبادر منه عدم الاحتياج إلى الوصف فيما لم يجهل خاصة لا فيما جهله أيضا، فلو علمت العدد خاصة لم يحتج فيه إلى الوصف و ذلك لا ينافي احتياجها في الوقت إليه، بل في آخر موثّقة إسحاق بن جرير «1» دلالة واضحة على اختصاص عدم الرجوع إلى التمييز بالمعلوم حيث حكم برجوع المختلفة في الوقت خاصة إليه.

سلّمنا و لكن بعد رجوعها إليه في المبتدأة يرجع إليه هنا أيضا بالإجماع المركّب.

فإن قيل: يمكن العكس بأن يسقط الوصف في العددية، لمفهوم المرسلة،

______________________________

(1) الكافي 3: 91 الحيض ب 9 ح 3، التهذيب 1: 151- 431، الوسائل 2: 275 أبواب الحيض ب 3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 449

و يحكم بتحيّضها بالرؤية و يتعدّى إلى المبتدأة بالإجماع المركّب.

قلنا: فيتساقطان و يرجع إلى المجمع عليه و هو التحيّض بالوصف، أو مع الاستمرار أيضا إن

ثبت فيه الإجماع.

و أمّا في الثاني

: فكذات العادة العددية و الوقتية في العدد، لأنّ ما هو المناط في إثبات العادة و اعتبارها من موثّقة سماعة و المرسلة المتقدّمتين «1» يعم اعتبار العادة بالأقسام الثلاثة. بل في الموثّقة تصريح بأنّ بعد اعتياد العدد يكون هو أيام الحيض المصرّح في الأخبار باعتبارها، و أيضا في الأخبار المتقدّمة في الاستظهار، كصحيحتي ابن عمرو و زرارة «2» دلالة على اعتبار العادة العددية.

و على هذا، فهذه ترجع إلى عددها، و تسقط غيره، و تقدّمه على التمييز لو اختلفا عددا، لما مرّ في ذات العادتين «3». و تستظهر كاستظهارها.

و أما في الثالث

: فمع عدم التجاوز عن العشرة ظاهر. و معه فمع فقد التمييز المساوي للعدد تتخيّر في وضعه حيث شاءت عند جماعة «4»، لعدم المرجّح.

و تجعل الأول حيضا على الأقرب عندنا، لما مرّ في المبتدأة «5».

و كذا مع التمييز المساوي للعدد في الدور الأول، و وجهه ظاهر. بل و كذا لو قلنا بدلالة مفهوم المرسلة على عدم رجوع ذات العادة مطلقا إلى الوصف. بل و لو قلنا بعدم دلالته عليه أيضا و اختصاص دلالتها على عدم الرجوع فيما لم تجهله- كما هو الظاهر- و بقاء أخبار التمييز مطلقا خالية عن المعارض، إذ قد عرفت أنّ تحيّضها ابتداء متوقّف على الوصف، فلا يخلو الأول عن الوصف أيضا و هو كاف في جريان أخبار الوصف فيه أيضا.

______________________________

(1) ص 432.

(2) المتقدمتين ص 437، 438.

(3) في ص 446.

(4) منهم العلّامة في المختلف: 39، و الشهيد في الدروس 1: 100.

(5) في ص 430.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 450

ثمَّ إنّها لو رأت العدد ثمَّ رأته أيضا بعد تخلّل أقلّ الطهر بينه و بين الأول خاليا

عن الدم أو معه، فتتحيّض بالثاني أيضا مع الوصف أو الاستمرار إلى الثلاثة لو قلنا به في الأول، و دليله دليله.

النوع الثالث: ذات العادة الوقتية

. و هي لا تكون على ما اخترناه- من حصول العادة في العدد بالقدر المشترك أيضا- إلّا في ناسية العدد، إذ بدون النسيان تكون ذات العادتين البتة، و على هذا فيكون ذلك النوع من أفراد الناسية و يأتي حكمها.

القسم الثالث: الناسية.

و هي على ثلاثة أنواع: ناسية الوقت و العدد، و يطلق عليها المتحيّرة، و ناسية الوقت خاصة، و العدد كذلك.

و الكلام فيها أيضا إمّا في التحيّض، أو القدر، أو الوقت.

أمّا الأوّل: فتحيّض الأوليين كالمبتدأة، فتتحيّض كلّ منهما برؤية الدم المتصف، مع احتمال التحيّض بغيره مع الاستمرار إلى الثلاثة أيضا. و تحيّض الثالثة كذات العادتين، فتتحيّض برؤية الدم مطلقا في الوقت أو قبله، و في غيرهما بالصفة إذا لم تر في الوقت.

و أمّا الثاني و الثالث فجميع أيام الدم حيض مع انقطاعه على العشرة في الأولى و الثالثة، و على العادة في الثانية، و تستظهر كما مر في الثانية مع التجاوز عن العادة.

و إذا تجاوز العشرة في الثلاثة فإمّا يوجد التمييز أو لا، فإن وجد فرجوع الأولى إليه إجماعي، و نقل الإجماع عليه متكرّر [1]، و صريح مواضع من المرسلة

______________________________

[1] قال في المنتهى 1: 104 الفاقدة للعادة ذات التمييز كالمضطربة و المبتدأة و الناسية فإنها ترجع إليه و هو مذهب علمائنا. و في المعتبر 1: 204 أن رجوع المبتدأة و المضطربة- في صورة تجاوز الدم- إلى التمييز مذهب فقهاء أهل البيت. و لا يخفى أنه يفيد في المقام بناء على شمول المضطربة للناسية، فتدبر و لاحظ مفتاح الكرامة 1: 348، و الحدائق 3: 233.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 451

الطويلة «1»، و مرسلة جميل المتقدّمة «2» في مسألة أوصاف الحيض، و عمومات «3» اعتبار التمييز بلا

معارض يدلّ عليه. و مثلها الناسية عددا و المبتدأة وقتا، و عكسها.

و أمّا الأخريان فالحقّ فيهما- وفاقا لأهل التحقيق- تقديم العادة على التمييز فيما تتذكّره مع تعارضهما، لعمومات اعتبار كلّ من العادتين و بناء الحيض عليه، و عموم ما دلّ على اعتبار خصوص العدد، كصحيحتي ابن عمرو و زرارة المتقدّمتين «4» في الاستظهار، و ما دلّ على أنّ الصفرة و الكدرة في أيام الحيض حيض «5»، و خصوص المرسلة [1] المشترطة لاعتبار التمييز بالجهل بالأيام و العدد.

و منه يظهر عدم تمامية القول بالجمع في صورة تذكّر العدد و زيادة التمييز عليه [2].

و هل تعملان هاتان في الطرف المنسي بالتمييز أم لا؟

الظاهر ذلك في ناسية العدد، فتجعل الوقت زمان التمييز و تأخذ العدد منه، لأخبار التمييز الخالية عن المعارض سوى المرسلة المشترطة، و قد علمت اختصاص الاشتراط بما لم تجهله.

أمّا ناسية الوقت فلا، بل تجعل الوقت العدد الأوّل، و قد ظهر وجهه في ذات العادة العددية.

و إن لم يوجد التمييز فإمّا متحيّرة، أو ذاكرة العدد خاصة، أو الوقت

______________________________

[1] يعني مرسلة يونس الطويلة.

[2] قال في الحدائق 3: 235 و الأحوط هنا الجمع بينهما بجعل الجميع حيضا و قضاء عبادات ما زاد أو نقص عن أيام العادة.

______________________________

(1) المتقدم مصدرها في ص 419.

(2) في ص 381.

(3) انظر الوسائل 2: أبواب الحيض ب 1، 2.

(4) ص 437، 438.

(5) انظر الوسائل 2: 278 أبواب الحيض ب 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 452

كذلك.

أمّا الأولى فتتحيّض في كلّ شهر بسبعة أيام على الأظهر، وفاقا للشيخ في الجمل «1» و الحلبي «2»، و اختاره غير واحد من مشايخنا «3»، لآخر المرسلة- الطويلة- الشاملة للمتحيّرة قطعا. و تخصيصه بالمبتدأة لا وجه له كما

يأتي في الثالثة.

خلافا لكثير من علمائنا فإنّ لهم فيها أقوالا متكثّرة:

كالقول بتحيّضها بالثلاثة و العمل في بقية الشهر عمل الاستحاضة، اختاره المحقّق في المعتبر «4»، و والدي العلّامة رحمه اللّه، و استوجهه في المدارك «5»، عملا بالأصل، و لزوم العبادة، و استضعافا للرواية أو استنكارا لها في الدلالة.

و الضعف مردود بما مرّ، و قصور الدلالة بما يأتي، فالأخذ بها متعيّن، و الأصل بها مندفع.

أو بتحيّضها في كلّ شهر بستة أيام أو سبعة أو من شهر بعشرة، و من آخر بثلاثة، ذهب إليه جماعة «6» بل نسب إلى الشهرة «7»، و عن الخلاف الإجماع عليه [1]، للموثّقات الثلاث لابن بكير و سماعة، المتقدّمة «8».

و هي مختصة بالمبتدأة فالاستدلال بها للمتحيّرة غفلة.

أو بتحيّضها كلّما رأت الدم، و طهرها كلّما انقطع، حكي عن الصدوق

______________________________

[1] كما حكاه في الحدائق، و الذي عثرنا عليه في الخلاف 1: 76، دعوى الإجماع على ترك الصلاة و الصوم في كل شهر سبعة أيام.

______________________________

(1) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 164.

(2) الكافي: 128.

(3) الحدائق 3: 39، شرح المفاتيح (مخطوط)، الرياض 1: 39.

(4) المعتبر 1: 210.

(5) المدارك 2: 29.

(6) الشرائع 1: 34، المختلف 1: 39، الروض: 69.

(7) كما نسبه في الحدائق 3: 237.

(8) ص 416، 417.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 453

و الشيخ في النهاية «1»، لموثّقتي يونس و أبي بصير، المتقدّمتين «2» في مسألة أقلّ الطهر، بحملهما على من اختلط عليها دمها.

و فيهما- مع أخصّيتهما عن المدّعى لاختصاصهما بشهر واحد، و أعميتهما من المرسلة، لأنّ موردهما مطلق المرأة فالمرسلة لهما مخصّصة-: أن ظاهرهما مخالف للإجماع على كون أقلّ الطهر عشرة، و مع ذلك فلا يوجد عامل بهما غيرهما من الطائفة، مع أنّ الثاني رجع

عنها في غير النهاية «3»، فهما شاذتان غير صالحتين للحجية، مع أنّ الفاضل «4» صرف كلامهما أيضا عن ظاهره المطابق للموثّقتين أيضا.

أو بتحيّضها في الشهر الأول بثلاثة و في الثاني بعشرة، أو بتحيّضها بعكس ذلك، أو بستة أيام مطلقا، أو بعشرة كذلك، كما قال بكل منهما قائل بنقل الحلّي «5»، لبعض ما فساده ظاهر البتة.

أو بوجوب الاحتياط عليها و الأخذ بأسوإ الحالات و الجمع بين التكاليف، بأن تعمل في الزمان كله عمل المستحاضة و تغتسل للحيض كلّ وقت يحتمل انقطاع الدم لكلّ صلاة و هو ما بعد الثلاثة، إذ ما من زمان بعدها إلّا و يحتمل الحيض و انقطاعه، و تقضي صوم العشرة أو أحد عشر يوما، و تجتنب كلّ ما تجتنبه الحائض، كما اختاره في المبسوط «6» و مال إليه في القواعد «7»، لفقد الدليل على حكمها، و حصول الشك في زمان الحيض المقتضي لعدم يقين البراءة بدون

______________________________

(1) الفقيه 1: 54، النهاية: 24.

(2) ص 397، 398.

(3) كالخلاف 1: 242، و الجمل و العقود (الرسائل العشر): 164.

(4) المختلف 1: 38.

(5) السرائر 1: 149.

(6) المبسوط 1: 58.

(7) القواعد 1: 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 454

الاحتياط.

و يدفعه- مضافا إلى لزوم العسر و الحرج المنفيين في الكتاب و السنّة-: أنّ الدليل على حكمها موجود، و هو ما مرّ ذكره. و لولاه أيضا لكان مقتضى الأصل البراءة عن الزائد عن الثلاثة، لأصالة عدم حدوث حدث الحيض في غيرها، و أصالة عدم التكليف بالزائد.

هذا، مع أنّه قال في البيان: إنّ الاحتياط هنا بالردّ إلى أسوإ الاحتمالات ليس مذهبا لنا «1». و هو مشعر بدعوى الإجماع على نفيه و أنّه مذهب العامة، كما يظهر من الفاضل أيضا «2» حيث

نسبه إلى الشافعي «3». و مع ذلك فهو يخالف ما ادّعاه الشيخ نفسه في الخلاف من الإجماع على الرجوع إلى الروايات «4»، هذا.

ثمَّ إنّ الظاهر أنّ القائلين بالسبعة أو بعدد آخر يقولون بتخيّرها في وضعه حيث ما شاءت من الشهر كما في المبتدأة مع أولوية وضعه أول الدور، و قد عرفت «5» أنّ المصير إلى تعيّن ذلك أولى، فهو المتعيّن عليها.

و أمّا الثانية- أي ذاكرة العدد ناسية الوقت- فتتحيّض بالعدد، لما مرّ من أدلّة اعتباره الخالية عن المعارض.

و أمّا ما في آخر المرسلة من رجوع فاقدة التمييز إلى السبع فلا يشمل ذاكرة العدد، لقوله: «و إن اختلط عليها أيامها [و زادت ] و نقصت حتى لا تقف منها على حدّ» و معتادة العدد واقفة على الحدّ مخيرة في وضعه فيما شاءت من الشهر مطلقا عند الأكثر- كما في المدارك «6»- لعدم الترجيح.

______________________________

(1) البيان: 59.

(2) المنتهى 1: 101.

(3) الأم 1: 68، المغني 1: 372.

(4) الخلاف 1: 242.

(5) في ص 430.

(6) المدارك 2: 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 455

و في اللوامع نسب إلى الأكثر أنه إن حفظت مع العدد قدر الدور و ابتداءه تضعه فيما شاءت من الدور إن ضلّ في مجموعه و من الأقل منه إن ضلّ في الأقل، لما مرّ. و إن لم تعرف وقت الدور و ابتداءه أو أحدهما تضع العدد فيما شاءت من أيام الشهر، إذ الغالب في النساء التحيّض في كلّ شهر، و اختار- رحمه اللّه- ذلك أيضا.

و في الحدائق «1» نسب إلى الأكثر التحيّض بالعدد، و وضعه فيما شاءت من الشهر في القسم الأوّل و الرجوع إلى الروايات، كالمتحيّرة في القسم الثاني، إذ ليس لها دور معلوم و وقت مضبوط

حتى تضع فيه عددها المحفوظ، لأنّ كلّ وقت عندها يحتمل الحيض و الطهر و الانقطاع، فاللازم أن ترجع إلى الروايات، بمعنى أن تأخذ العدد المروي في كلّ شهر و تضعه فيما شاءت من أيامه.

و يضعّف: بأنّ بعد حفظ العدد لا تكون موردا للروايات، فلا وجه لرجوعها إليها في العدد.

و عن المبسوط «2» و القواعد [1] و الإرشاد «3» العمل بالاحتياط المتقدّم، فتغتسل للحيض في أول وقت إمكان الانقطاع، و هو بعد انقضاء العدد من أول الدور في القسم الأول، و لكلّ عبادة مشروطة بالطهارة بعد ذلك إلى آخر الدور تعمل في كلّ وقت من أوقات الإضلال ما تعمله المستحاضة، و تترك تروك الحائض، و تقضي صوم عددها إن علمت [عدم الكسر] [2]، و إلّا زادت عليها يوما، و نسبه في الشرائع «4» إلى قيل، و في المعتبر إلى الشيخ، و اقتصر عليه، و فيه نوع إشعار

______________________________

[1] الذي اختاره في القواعد 1: 14 هو التخيير، و نسب الاحتياط الى قيل.

[2] في النسخ: الكبير، و الصواب ما أثبتناه.

______________________________

(1) الحدائق 3: 240.

(2) المبسوط 1: 51.

(3) مجمع الفائدة 1: 148.

(4) الشرائع 1: 34.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 456

باختياره، و مستندهم ما مرّ مع جوابه.

و قد يقال: إنّها تخصّص أيامها بالاجتهاد، و مع فقد الأمارة تتخيّر، لحجية ظنها حينئذ «1». و صريح بعضهم أولوية أول الرؤية «2»، بل ذهب بعضهم إلى تعيّنه «3». و هو الأظهر، لما مرّ في المبتدأة.

هذا في الدور الأول، و أمّا بعده فمقتضى القاعدة التي جرينا عليها أنّها في القسم الأول لمّا علمت أنّ قدر العدد من الدور المعيّن وقت عادتها قطعا و إن لم تعلمه بعينه، و أنّ الدم مطلقا في وقت الحيض

حيض، فقد علمت حيضية قدر العدد من الدور الثاني أيضا، و لعدم تعيّن وقته عندها و بطلان الترجيح بلا مرجّح تكون مخيّرة في وضعه حيث شاءت منه و إن كان الأولى جعله موافقا لوقت الدور الأول.

و أمّا في القسم الثاني فإن علمت الدور دون ابتدائه تأخذ بالعدد و تتخيّر في الدور. و إن لم تعلم الدور أصلا فإن رأت بصفة الحيض بعد مضي زمان أقلّ الطهر أو أكثر من العدد الأول تتحيّض به أيّ وقت كان، و هكذا بعد العدد الثاني و الثالث. و إن لم تر لم تتحيّض.

و ظنّ التحيّض في كلّ شهر لغلبة ذلك في النساء لم تثبت حجيته، و الاحتياط و الإلحاق بالمتحيّرة لا دليل عليه.

و لكن يقرب أن يكون ذلك في القسم الثاني مخالفا للإجماع، إذ الظاهر فتوى الكلّ بتحيضها في كلّ شهر، بل يمكن أن يستدلّ له أيضا برواية زرارة و فيها: «و إذا كانت تحيض حيضا مستقيما فهو في كلّ شهر حيضة» «4» الحديث.

______________________________

(1) كما في الذكرى: 32.

(2) الذخيرة: 68.

(3) كشف اللثام 1: 90.

(4) الكافي 6: 100 الطلاق ب 34 ح 10، تفسير العياشي 1: 115- 352، الوسائل 22: 184 أبواب العدد ب 4 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 457

فلو قلنا به للإجماع و تخيّرها في الوضع في الدور الثاني مع أولوية موافقة الدور الأول كما في القسم الأول لم يكن بعيدا.

هذا كلّه إذا لم يحصل لها وقت معلوم في الجملة بأن تضل العدد في وقت يزيد نصفه على العدد المعتاد أو يساويه، فإنّ كلّ يوم من الوقت حينئذ يحتمل الطهر و الحيض. و أمّا إذا حصل لها ذلك بأن يزيد العدد على نصف زمان الإضلال،

فإنّ ضعف الزائد حيض بيقين، و يبقى من العدد تمام الضعف إليه، فعلى التخيير تضمّها إلى الضعف متقدّمة أو متأخّرة أو بالتفريق، و على الاحتياط تجمع فيما تقدم من الدور على القدر المتيقّن بين أعمال المستحاضة و تروك الحائض، و فيما تأخّر عنه تزيد عليهما غسل الانقطاع لكلّ مشروط بالطهارة.

و أمّا الثالثة- أي ذاكرة الوقت ناسية العدد- فإمّا تتذكر أول الوقت، أو آخره، أو وسطه- أي ما بين الطرفين- أو وقتا في الجملة كأن تعلم تحيّضها بيوم معيّن أو أكثر من الشهر من دون علم بالأوّلية أو الآخريّة أو الوسطيّة.

فعلى التقادير تكمل المعلوم ثلاثة يقينا، لأنه أقلّ الحيض على حسب مقتضاه، فتجعل المعلوم أول الثلاثة على الأول، و آخرها على الثاني، و وسطها على الثالث لو كان المعلوم يوما محتملا كونه محفوفا بمتساويين.

و أمّا لو كان المعلوم يومين محفوفين بمتساويين فالأقل أربعة تجعل اليومين وسطها، و لو كانت ثلاثة فالأقل خمسة، أو أربعة فالستة، و هكذا.

و لو علمت الاحتفاف بغير متساويين، فلو كان المعلوم واحدا فالأقل أربعة، و إن كان اثنين فخمسة و هكذا.

و في الاكتفاء في التكميل بالثلاثة، أو الأخذ بأسوإ الاحتمالات فتحتاط (باقي العشرة) [1] كما مرّ، أو رجوعها إلى الروايات أقوال:

______________________________

[1] في «ق»: في العشرة، و في «ه»: العشرة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 458

الأول للمعتبر، و البيان «1» (و اللوامع) [1]، و المعتمد، لتيقّن الثلاثة و فقد الدلالة في الباقي فيستصحب التعبّد فيه.

و الثاني للشيخ «2» و الفاضل «3»، لما مرّ.

و الثالث عن الأكثر «4»، لصدق النسيان و الاختلاط الموجب للحكم في المرسلة. و هو الأظهر، لذلك، فإنّ قوله في آخر المرسلة: «و إن اختلطت عليها- أي على المستحاضة- أيامها

و زادت و نقصت حتى لا تقف منها على حدّ» يصدق على هذه أيضا، لكون عددها أيامها أيضا، كما صرّح به في موثّقة سماعة «5» و دلّ عليه قوله: «و زادت و نقصت» و قوله: «و إن لم يكن الأمر كذلك» يعني لم يكن بحيث لا تقف من الدم على لون كما بيّنه بقوله: «و لكن الدم أطبق عليها»، فيكون بيانا لحال الناسية غير ذات التمييز، أو إن لم تكن ممّن ذكر فتشمل المبتدأة و الناسية غير ذاتي التمييز، و على التقديرين يثبت المطلوب، و هذا أوفق بعموم اللفظ.

و يؤكّده بل يدلّ عليه: قوله في صدر الرواية: «بيّن فيها كلّ مشكل لمن سمعها و فهمها حتى لم يدع لأحد مقالا فيه بالرأي» و قوله في وسطها: «فجميع حالات المستحاضة يدور على هذه السنن الثلاث لا تكاد أبدا تخلو عن واحدة منهن» ثمَّ شرع في تفسير الثلاث.

و التخصيص بالمبتدأة- بأن يكون المعنى: و إن لم يكن أمر المبتدأة كذلك أي لم يختلط أيامها لعدم كون أيام لها- خلاف الظاهر جدّا، بل خلاف مقتضى

______________________________

[1] ليس في «ه».

______________________________

(1) المعتبر 1: 220، البيان: 60.

(2) المبسوط 1: 59.

(3) التذكرة 1: 33، القواعد 1: 14.

(4) نسبه في الحدائق 3: 242 إلى الشهرة و اختاره في الروض: 70، و الرياض 1: 40.

(5) المتقدمة ص 432.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 459

عموم اللفظ.

و بالجملة لا شك في شمول مقتضى اللفظ لما ذكر، و من يقول بالتخصيص بواحدة فعليه البيان.

و على هذا فهذه المرأة تكمل عددها المعلوم بالسبعة، و تجعل تتمة الشهر استحاضة و إن علمت أنّ طهرها أزيد من ذلك، كما إذا علمت أنّ دورها أزيد من الشهر، لعموم المرسلة.

نعم، لو كان

العدد المعلوم ممّا لا يمكن تكميله بالسبعة، كأن تعلم يومين محفوفين بمتساويين، فالظاهر حينئذ الخروج من المرسلة. و تكليفها الأخذ بالمتيقّن، لما مرّ، لعدم مخرج عن الأصل فيما إذا كان المعلوم الآخر، لأصالة عدم التحيّض. و التخيير بين الأقلّ و الأكثر في غيره لتعارض الاستصحابين الموجب للتخير، بخلاف ما لو أمكن فإن المرسلة مخرجة عنه.

و منه يظهر جواب دليل الأول، مع أنّ هذا إنّما يتمّ فيما إذا علمت الآخر و أكملته في القبل. و أمّا في غيره فلا يتمّ، لأن استصحاب التعبد في الباقي و أصالة عدم التحيّض معارض باستصحاب الحيضية.

و بما مرّ «1» في المتحيّرة يظهر دليل الثاني و جوابه.

______________________________

(1) في ص 452.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 460

البحث الثاني: في أحكام الحائض
اشارة

و هي أمور نذكرها في مسائل:

المسألة الأولى: الحائض مطلقا إذا انقطع دمها لما دون العشرة

استبرأت بإدخالها القطنة إجماعا، وجوبا على الأظهر الأشهر، بل قيل: لا خلاف فيه بين الأصحاب «1»، للأمر به في صحيحة ابن مسلم: «إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة، فإن خرج منها شي ء من الدم فلا تغتسل، و إن لم تر شيئا فلتغتسل» «2».

و الرضوي: «فإذا رأت الصفرة أو شيئا من الدم فعليها أن تلصق بطنها بالحائط و ترفع رجلها اليسرى، كما ترى الكلب إذا بال، و تدخل قطنة، فإن خرج فيها دم فهي حائض، و إن لم يخرج فليست بحائض» «3».

و ضعفه في المقام بما مرّ منجبر.

و استحبابا على ما هو ظاهر الاقتصاد «4». و هو بعيد عن السداد.

و الأولى أن ترفع رجليها إلى حائط كالكلب يبول، مخيّرا بين اليمنى، كما في مرسلة يونس، و اليسرى كما في خبر الكندي «5» و الرضوي.

و لا يجب ذلك، لوروده في تلك الروايات بلفظ الإخبار الغير الصريح في

______________________________

(1) كما في الحدائق 3: 191.

(2) الكافي 3: 80 الحيض ب 5 ح 2، التهذيب 1: 161- 460، الوسائل 2: 308 أبواب الحيض ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    461     المسألة الثانية: إذا استبرأت الحائض مطلقا و علمت انقطاع دمها لدون العشرة ظاهرا، ..... ص : 461

(3) فقه الرضا عليه السلام: 193، المستدرك 2: 15 أبواب الحيض ب 15 ح 1.

(4) الاقتصاد: 246.

(5) الكافي 3: 80 الحيض ب 5 ح 3، التهذيب 1: 161- 461، الوسائل 2: 309 أبواب الحيض ب 17 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 461

الوجوب.

نعم، لا بأس بالقول بوجوب القيام و إلصاق البطن على الحائط، للأمر بهما في موثّقة سماعة «1».

[المسألة] الثانية: إذا استبرأت الحائض مطلقا و علمت انقطاع دمها لدون العشرة ظاهرا،

وجب عليها الغسل لمشروط الطهارة إجماعا، للنصوص

المعتبرة، كمرسلة يونس، القصيرة «2»، و موثّقة يونس بن يعقوب المتقدّمة «3»، و مرسلة العجلي «4»، و غيرها.

و لا فرق في ذلك بين معتادة الانقطاع و العود قبل العشرة أو غيرها، لإطلاق الروايات.

و قد يقال بعدم الوجوب على معتادة العود، لأنّ المظنون حينئذ كونها حائضا.

و هو باطل، لعدم ثبوت حجية ذلك الظن، و صلاحيته لتقييد الإطلاقات.

نعم، لو اعتادت الفترات بحيث يحصل لها اليقين بالعود عادة لم يجب، و الوجه ظاهر.

[المسألة] الثالثة: لا يصح منها صلاة و لا طواف و لا صوم،

بالإجماع و المستفيضة من النصوص. فتحرم عليها، لأنّها شأن العبادة الغير الصحيحة. كما تحرم عليها أيضا أمور أخر:

منها

: مس كتابة المصحف على الأشهر الأظهر، كما في بحث الجنابة مع فروعه قد مرّ «5».

______________________________

(1) التهذيب 1: 161- 462، الوسائل 2: 309 أبواب الحيض ب 17 ح 4.

(2) الكافي 3: 80 الحيض ب 5 ح 1، الوسائل 2: 309 أبواب الحيض ب 17 ح 2.

(3) ص 397.

(4) الكافي 3: 90 الحيض ب 8 ح 7، الوسائل 2: 285 أبواب الحيض ب 6 ح 1.

(5) ص 286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 462

و منها

: اللبث في المساجد وفاقا للأكثر، و نسبه في المنتهى «1» إلى عامة أهل العلم، و في التذكرة «2» إلى علمائنا، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه، بل في صريح المعتبرة و التحرير و المدارك: الإجماع عليه «3». و هو كذلك، حيث لا ينافيه خلاف نادر يأتي ذكره. فهو دليله.

مضافا إلى عدم الفصل بينها و بين الجنب المحرّم عليه ذلك قطعا، و صحيحة أبي حمزة، المتقدّمة «4» في الجنب.

و يؤيده النبوي المروي في المعتبر، و المنتهى، و التذكرة: «لا أحلّ المسجد لحائض و لا جنب» «5».

و صحيحة العلل، و رواية محمّد، المتقدّمتان «6».

و الرضوي: «و لا

تدخل المسجد و أنت جنب و لا الحائض إلّا مجتازين» «7».

بل استدلّ بها الأكثر. و فيه نظر كما مرّ.

نعم، في الصحيحة دلالة على الحرمة على الجنب من جهة أخرى، و هي الاستشهاد بالآية، و هو لا يفيد في المقام.

خلافا للمحكي عن الديلمي «8»، للأصل. و هو مدفوع بما ذكر.

و أمّا الجواز فيها فجائز على الأشهر الأظهر، بل في المعتبر اتّفاقهم عليه «9»، للتصريح به في الأخبار المذكورة.

______________________________

(1) المنتهى 1: 110.

(2) التذكرة 1: 26.

(3) المعتبر 1: 221، التحرير 1: 15، المدارك 1: 345.

(4) ص 290.

(5) المعتبر 1: 221، المنتهى 1: 110، التذكرة 1: 26، و هي مروية في سنن أبي داود كتاب الطهارة: 92.

(6) ص 289.

(7) فقه الرضا عليه السلام: 85، المستدرك 2: 26 أبواب الحيض ب 26 ح 1.

(8) الموجود في المراسم: 43 خلافه.

(9) المعتبر 1: 222.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 463

و عن المقنع، و الفقيه، و الجمل و العقود، و الوسيلة «1»: إطلاق المنع من الدخول. و يدفعه ما ذكر.

عدا المسجدين، فيحرم الجواز فيهما أيضا على الأقوى، وفاقا لصريح السرائر، و النافع، و المنتهى، و التذكرة، و الدروس، و البيان «2»، و عن الجامع، و التحرير، و التلخيص، و التبصرة «3»، بل عن الغنية «4». و في اللوامع: الإجماع عليه، و نسبه في المدارك إلى الأصحاب «5» مؤذنا بدعواه.

لمفهوم قوله في صحيحة أبي حمزة: «و لا بأس أن يمرّا في سائر المساجد» «6» و تؤيّده حسنة محمّد «7». و به يقيّد بعض الإطلاقات.

خلافا لظاهر الهداية، و المقنعة، و المبسوط، و النهاية، و الاقتصاد، و المصباح، و مختصره، و الإصباح، و الخلاف «8»، و الشرائع، و الإرشاد، و القواعد، و نهاية الإحكام «9»،

و نسب إلى التذكرة أيضا- و هو غفلة [1]- فأطلقوا جواز الجواز في المساجد، لبعض المطلقات المقيد بما مرّ. و ظاهر المعتبر و المدارك

______________________________

[1] لأنه قد صرّح فيها بالحرمة كما تقدم النقل عنها.

______________________________

(1) المقنع: 27، الفقيه 1: 50، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 162، الوسيلة: 58.

(2) السرائر 1: 144، النافع: 10، المنتهى 1: 110، التذكرة 1: 26، الدروس 1: 101، البيان:

61.

(3) الجامع: 41، التحرير 1: 15، التبصرة: 9.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

(5) المدارك 1: 347.

(6) تقدم مصدرها في ص 290.

(7) التهذيب 1: 371- 1132، الوسائل 1: 488 أبواب الجنابة ب 15 ح 17.

(8) الهداية: 21، المقنعة: 54، المبسوط 1: 41، النهاية: 25، الاقتصاد: 245، مصباح المتهجد: 10، الخلاف 1: 517.

(9) الشرائع 1: 30، الإرشاد 1: 228، القواعد 1: 15، نهاية الاحكام 1: 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 464

التوقّف «1»، و ليس في موقعه.

و هل يتّصف الجواز في غيرهما بالكراهة كما في الخمسة الأخيرة، أو لا؟

الظاهر نعم، لفتوى هؤلاء الأجلّة، بل دعوى الإجماع عليها عن الخلاف «2»، و المروي في الدعائم عن مولانا الباقر عليه السلام: «إنا نأمر نساءنا الحيّض أن يتوضّأن» إلى أن قال: «و لا يقربن مسجدا و لا يقرأن قرآنا» «3».

و هي كافية في المقام، للتسامح. و لأجله لا يضرّ ضعف الأخير.

و الظاهر جواز التردّد في جوانب المسجد، و الدخول من باب و الخروج عنه من غير عبور و إن منعناهما في الجنب، لعدم ثبوت الزيادة عن المنع عن الجلوس، و عدم تحقّق الإجماع المركّب، حيث ذكر الحكم في الشرائع و القواعد بلفظ الجلوس الغير الصادق على التردّد، و صرّح في المدارك بجوازه.

و من ذلك يظهر قرب التخصيص بالجلوس فلا يحرم

القيام، إلّا أنّ الظاهر عدم الخلاف في ذلك.

و ظاهر أنّ الحكم مختص بغير حال الاضطرار، إذ رفع عن امة نبينا صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ما اضطرّوا إليه فيجوز معه. و لا يجوز التيمّم له، للأصل.

و منها

: وضع شي ء في المسجد، وفاقا للأكثر، و نسبه في المعتبر و المنتهى إلى أصحابنا «4» المؤذن بدعوى الإجماع، و في الحدائق «5»: من غير خلاف لغير الديلمي «6»، لما مرّ في الجنب مع سائر ما يتعلّق بذلك.

خلافا لمن ذكر حيث كرهه. و جوابه ظاهر. و هو الظاهر من الشرائع،

______________________________

(1) المعتبر 1: 222، المدارك 1: 347.

(2) الخلاف 1: 518.

(3) دعائم الإسلام 1: 128، المستدرك 2: 29 أبواب الحيض ب 29 ح 3.

(4) المعتبر 1: 223، المنتهى 1: 110.

(5) الحدائق 3: 256.

(6) المراسم: 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 465

و القواعد «1»، حيث لم يذكراه.

و منها

: قراءة العزائم إجماعا، كما في المعتبر و المنتهى «2»، لما مرّ ثمّة مع ما يتعلّق به.

[المسألة] الرابعة: يجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة بالإجماعين «3» و المستفيضة.

و تتدارك ما لزمها منهما بالنذر المطلق، لعدم تعيّن وقته. و أمّا المعيّن الواقع في الحيض فقد يحتاط بقضائهما «4».

و قال جماعة «5» منهم والدي- رحمه اللّه- بعدم القضاء، للتعيين و تعذّر الإتيان، فيسقط تكليفها به.

و كذا غير اليومية من الصلوات حتى الزلزلة. و كون وقت الأخير تمام العمر لا يصحّح القضاء. و يأتي تحقيق كلّ منها في موضعه.

[المسألة] الخامسة: لو تلت آية السجدة أو سمعتها أو استمعت سجدت وجوبا،

وفاقا لجماعة «6» صريحا أو ظاهرا.

لعموم أوامر السجود، و خصوص صحيحة الحذاء: عن الطامث تسمع السجدة، فقال: «إن كان من العزائم فلتسجد إذا سمعتها» «7».

و موثّقة أبي بصير: «و الحائض تسجد إذا سمعت السجدة» «8».

و خبر آخر له موقوفا عليه في الكافي، و التهذيب، و مستندا إلى الصادق عليه

______________________________

(1) الشرائع 1: 30، القواعد 1: 15.

(2) المعتبر 1: 223، المنتهى 1: 110.

(3) كما نقل الإجماع عليه في الغنية (الجوامع الفقهية): 550، المنتهى 1: 113، المدارك 1: 362.

(4) كما في الحدائق 3: 255، و الرياض 1: 44.

(5) منهم العلامة على ما حكاه عنه الشهيد الثاني في الروض: 82.

(6) منهم العلامة في التحرير 1: 15، و الشهيد في البيان: 63، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 319.

(7) الكافي 3: 106 الحيض ب 18 ح 3، الوسائل 2: 340 أبواب الحيض ب 36 ح 1.

(8) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 4، التهذيب 2: 291- 1168، الاستبصار 1:

320- 1192 الوسائل 2: 341 أبواب الحيض ب 36 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 466

السلام في السرائر، و المعتبر، و المختلف، و المنتهى، و التذكرة «1»: «إذا قرئ شي ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد، و إن كنت على غير وضوء، و إن كنت جنبا، و إن كانت المرأة

لا تصلّي».

لا جوازا كما عن المبسوط، و الجامع «2»، جمعا بين ما ذكر و بين صحيحة البصري: عن الحائض هل تقرأ القرآن و تسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟

قال: «تقرأ و لا تسجد» «3».

و المروي في كتاب ابن محبوب، عن غياث، عن الصادق عليه السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام: «لا تقضي الحائض الصلاة، و لا تسجد إذا سمعت السجدة» «4».

لأنّ الأولى أخصّ، لاختصاصها بالعزائم، فالتخصيص متعيّن. و لأنّ الجمع فرع المقاومة، و هي منتفية، لموافقتهما لفقهائهم الأربعة «5» كما هو في التذكرة «6» و غيرها. فتقديم الأولى و حمل الأخيرة على التقيّة متحتّم.

و يؤكّده كون راوي الثاني عامّيا و إسناد الإمام الحكم إلى أمير المؤمنين عليه السلام.

مع أنه لو فرض التقاوم لوجب الرجوع إلى العمومات و الاستصحاب.

و منه ظهر ضعف القول بالحرمة عليها مطلقا، كما عن المقنعة، و الانتصار،

______________________________

(1) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 2، التهذيب 2: 291- 1171، الوسائل 2: 341 أبواب الحيض ب 36 ح 2، لم نعثر عليه في السرائر (مستطرفات)، المعتبر 1: 228، المختلف 1: 34، المنتهى 1: 115، التذكرة 1: 28.

(2) المبسوط 1: 114، الجامع: 83.

(3) التهذيب 2: 292- 1172، الاستبصار 1: 320- 1193، الوسائل 2: 341 أبواب الحيض ب 36 ح 4.

(4) مستطرفات السرائر: 105- 47، الوسائل 2: 342 أبواب الحيض ب 36 ح 5.

(5) بدائع الصنائع 1: 186، المغني 1: 685.

(6) التذكرة 1: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 467

و التهذيب، و الوسيلة «1»، و هو مذهب أكثر العامة.

و قد يستدلّ لها باشتراط الطهارة. و هو ممنوع.

أو إذا سمعت خاصة دون ما إذا استمعت كما عن المهذب «2». أو الفرق بينهما في الجواز و الوجوب،

فالأوّل في الأوّل و الثاني في الثاني، كما في المعتبر، و غيره «3»، حيث إنّ الأخبار الناهية مختصة بالسماع.

و يردّه أن الآمرة أيضا كذلك.

نعم، كان لذلك وجه لو خصّصنا وجوب السجدة مطلقا بصورة التلاوة أو الاستماع كما في المعتبر «4»، و اللوامع، و عن الخلاف «5» مدّعيا عليه الإجماع، و عن التذكرة، و المنتهى «6». و لتحقيقه محل آخر، بل ينتفي التعارض حينئذ بين الأخبار.

[المسألة] السادسة: تتوضّأ الحائض ناوية به التقرّب دون الاستباحة وقت كلّ صلاة من الفرائض اليومية،

و تذكر اللَّه تعالى إجماعا، له، و للمستفيضة، كصحيحة زرارة: «و عليها أن تتوضّأ وضوء الصلاة عند وقت كلّ صلاة، ثمَّ تقعد في موضع طاهر فتذكر اللَّه تعالى و تسبّحه و تهلّله و تحمده كمقدار صلاتها، ثمَّ تفرغ لحاجتها» «7».

و الرضوي: «و يجب عليها عند حضور كلّ صلاة أن تتوضّأ وضوء الصلاة

______________________________

(1) المقنعة: 58، الانتصار: 31، التهذيب 1: 129، الوسيلة: 58.

(2) المهذب 1: 34.

(3) المعتبر 1: 229، التذكرة 1: 28.

(4) المعتبر 2: 272.

(5) الخلاف 1: 425.

(6) التذكرة 1: 123، المنتهى 1: 304.

(7) الكافي 3: 101 الحيض ب 14 ح 4، التهذيب 1: 159- 456، الوسائل 2: 345 أبواب الحيض ب 40 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 468

و تجلس مستقبل القبلة و تذكر اللَّه مقدار صلاتها كلّ يوم» «1».

و مثله المرسل المروي في الهداية «2».

و حسنة زرارة: «و لكنها تتوضّأ في وقت الصلاة ثمَّ تستقبل القبلة و تذكر اللَّه» «3».

و قريبة منها صحيحة ابن عمّار «4» و مرسلة الفقيه «5»، إلّا أنّ في الأولى زادت على الذكر التهليل و التكبير و قراءة القرآن، و في الثانية الجلوس قريبا من المسجد.

و حسنة الشحام: «ينبغي للحائض أن تتوضّأ عند وقت كلّ صلاة و تذكر اللَّه مقدار ما كانت تصلّي» «6».

ثمَّ

إنّه هل ذلك على الوجوب؟ كما عن الصدوقين «7»، و ظاهر الحلبي [1]، و هو ظاهر الشيخ في النهاية «8»، و اختاره بعض مشايخنا الأخباريين «9»، لصريح الثلاثة الأولى، و ظاهر الثلاثة المتعقّبة لها.

أو الاستحباب؟ كما هو المشهور بتصريح غير واحد من الأصحاب، بل

______________________________

[1] لم نعثر عليه في الكافي للحلبي، و لا على من نسب إليه هذا القول. نعم قال في الحدائق 3: 274:

لا يخفى انّ ظاهر صاحب الكافي أيضا القول بالوجوب حيث عنون به الباب فقال: باب ما يجب على الحائض .. و مراده من صاحب الكافي هو الكليني، فمن المحتمل وقوع تصحيف في العبارة و الصواب: ظاهر الكليني ..

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 192، المستدرك 2: 29 أبواب الحيض ب 29 ح 2.

(2) الهداية: 22.

(3) الكافي 3: 100 الحيض ب 14 ح 1، الوسائل 2: 346 أبواب الحيض ب 40 ح 4.

(4) الكافي 3: 101 الحيض ب 14 ح 2، الوسائل 2: 346 أبواب الحيض ب 40 ح 5.

(5) الفقيه 1: 55- 206، الوسائل 2: 345 أبواب الحيض ب 40 ح 1.

(6) الكافي 3: 101 الحيض ب 14 ح 3، التهذيب 1: 159- 455، الوسائل 2: 345 أبواب الحيض ب 40 ح 3.

(7) الهداية: 22، و نقله في الفقيه 1: 50 عن والده.

(8) النهاية: 25.

(9) الحدائق 3: 274.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 469

نسب في شرح القواعد القول بالوجوب إلى الندور «1»، بل يظهر من بعض مشايخنا المحقّقين [1] الإجماع على عدمه، للأخيرة الظاهرة في الاستحباب- لمكان لفظ «ينبغي»- المعارضة لما تقدّم عليها، الراجحة عليها من جهة الشهرة العظيمة.

مضافا إلى عدم دلالة الثلاثة السابقة عليها على الوجوب، و ضعف الاثنتين المتقدّمتين عليها

الخاليتين عن الجابر، فلم يبق إلّا الأولى المتعيّن حملها على الاستحباب، لما مرّ.

الحقّ هو الثاني. لا لما ذكر، لعدم صراحة لفظ «ينبغي» في الاستحباب و إن لم تكن مفيدة للوجوب أيضا كما قيل [2]، بل مفادها الرجحان الغير المنافي لشي ء منهما.

بل للمروي في الدعائم، عن مولانا الباقر عليه السلام، المنجبر ضعفه بما ذكر: «إنا نأمر نساءنا الحيّض أن يتوضّأن عند كلّ صلاة فيسبغن الوضوء و يحتشين بخرق، ثمَّ يستقبلن القبلة من غير أن يفرضن صلاة، فيسبّحن و يكبّرن و يهلّلن، و إنّما يؤمرن بذكر اللَّه ترغيبا في الفضل و استحبابا له» «2».

و به تعارض الحسنة [3]، و يرجع إلى أصل نفي الوجوب.

و اختصاص الاستحباب بالذكر لا يضرّ، لعدم الفصل، إلّا أن يمنع أحد ثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ الاستحباب، و حينئذ تكون تلك الرواية أيضا دالّة على الوجوب. و لا ينبغي ترك الاحتياط.

ثمَّ ظاهر الأكثر تأدّي الواجب أو المستحب بمطلق الذكر، لإطلاق كثير

______________________________

[1] قال الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك: 67 ما لفظه: و الفقهاء اتفقوا على عدم الوجوب.

[2] قال في الحدائق 3: 273 .. و ربما استعمل في الوجوب و التحريم بل هو الغالب في الاخبار ..

[3] أي حسنة زرارة. و قد تقدمت في صدر المسألة معبّرا عنها بالصحيحة.

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 329.

(2) تقدم مصدره في ص 464.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 470

من الأخبار.

و عن المقنعة: أنها تحمد اللَّه و تهلّله و تسبّحه و تكبّره «1».

و في البيان: و ليكن الذكر تسبيحا و تهليلا و تحميدا و ما أشبهه «2». و هو مقتضى حمل المطلقات على مقيداتها، فالعمل به أولى.

و عن المراسم الاقتصار على التسبيحة «3». كما عن النفلية زيادة الصلاة على النبي

مع الاستغفار على التسبيحات الأربع «4».

و لم أعثر على دليل لها.

و لا بدّ أن تكون جالسة مستقبلة القبلة بمقدار صلاتها المعتاد لها، كما هو صريح الأخبار. حيث شاءت، كما في الشرائع «5»، و الذكرى، و المعتبر، و المنتهى «6»، بل نسبه في الأخيرين إلى غير الشيخين من الأصحاب، لإطلاق الأخبار.

و لو جلست قريبة من مسجدها أي مصلّاها، كان أولى، للصحيحة «7».

و أمّا في مصلّاها كما عن المبسوط، و الخلاف، و المهذّب، و الوسيلة «8»، و الإصباح، و الجامع، و نهاية الإحكام، و النافع «9»، أو في محرابها كما عن المراسم، و في السرائر «10»، أو ناحية من مصلّاها كما عن المقنعة «11»، فلا دليل عليه إلّا

______________________________

(1) المقنعة: 55.

(2) البيان: 64.

(3) المراسم: 43.

(4) النفلية: 10.

(5) الشرائع 1: 31، و فيه: تجلس في مصلّاها.

(6) الذكرى: 35، المعتبر 1: 233، المنتهى 1: 115.

(7) الفقيه 1: 55- 206، الوسائل 2: 345 أبواب الحيض ب 40 ح 1.

(8) المبسوط 1: 45، الخلاف 1: 232، المهذب 1: 36، الوسيلة: 58.

(9) الجامع: 42، نهاية الإحكام 1: 124، النافع: 10.

(10) المراسم: 43، السرائر 1: 145

(11) المقنعة: 55.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 471

الأخير، فإنّه معنى القريب من مسجدها.

و يستحب استحشاؤها بخرقة كما في بعض الأخبار «1».

[المسألة] السابعة: يكره لها قراءة ما عدا سور العزائم مطلقا

حتى السبع أو السبعين المستثناة في الجنب عند جماعة «2»، وفاقا لإطلاق السرائر، و النافع، و الشرائع، و المعتبر، و القواعد، و البيان «3»، و عن المبسوط، و الجمل و العقود، و الوسيلة، و الإصباح، و الروض «4». و في الرابع و عن الأخير الإجماع عليه.

للمروي في الدعائم، المتقدّم «5» في المسألة الثالثة، المؤيّد بما مرّ في الجنب «6».

ثمَّ ظاهره و إن كان الحرمة- كما هو

المحكي عن القاضي «7» و ظاهر المفيد «8»- إلّا أنّ ضعفها و مخالفتها الأصل، و موافقتها العامة «9» و دعوى جماعة «10» الإجماع على الجواز منع عن إثباتها به مضافا إلى صحيحة البصري، المتقدّمة «11».

كما أنّ المسامحة في أدلّة الكراهة وسع في إثباتها مع ما ذكر، من غير تخصيص

______________________________

(1) راجع الرقم (7) ص 469.

(2) كالمحقق و العلّامة في المعتبر 1: 190، و القواعد 1: 13.

(3) السرائر 1: 145، النافع: 10، الشرائع 1: 30، المعتبر 1: 233، القواعد 1: 15، البيان: 62.

(4) المبسوط 1: 42، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 162، الوسيلة: 58، الروض: 81.

(5) ص 464.

(6) ص 300.

(7) المهذب 1: 34.

(8) حكي عنه في كشف اللثام 1: 93، و لم نعثر عليه في المقنعة.

(9) المغني 1: 348، بدائع الصنائع 1: 44.

(10) كما في الانتصار: 31، و الخلاف 1: 101.

(11) ص 466.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 472

بالزائد عن السبع أو السبعين كما في المنتهى، و عن التحرير «1»، و بعض آخر، و إن ظنّ ذلك، إلحاقا لها بالجنب، مع أن في التخصيص فيه كلاما قد مرّ.

و منه يظهر عدم اتّجاه القول بعدم الكراهة مطلقا كما في المدارك «2».

و يكره لها أيضا حمل المصحف مع العلاقة و بدونها، و لمس هامشه و بين سطوره، لما مرّ في بحث الجنب «3».

و الخضاب اتّفاقا كما صرّح به جماعة «4»، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى المستفيضة «5» الكاشفة عن مرجوحيته دون تحريمه، لعدم اشتمالها على ما يفيده.

مع أنّ بإزائها مستفيضة أخرى دالّة على نفي البأس عنه و جوازه التي هي كالقرينة على إرادة الكراهة من الأولى.

مضافا إلى الأصل و الإجماع المستقلّين في نفي الحرمة لو تعارضتا.

و لا تضرّ

فتوى الصدوق بأنّه لا يجوز «6»، في ثبوت الإجماع، مع أنّ استعماله في كلامه في شدة الكراهة كثير.

و الظاهر اختصاص الكراهة بما يتعارف من المخضوب و ما يختضب به، لانصراف المطلق إليه. فلا كراهة في خضاب غير اليد و الرجلين و الشعور، وفاقا للمفيد «7». و لا في غير الحناء طباقا للديلمي «8»، و إن كان الظاهر إلحاق الوسمة به

______________________________

(1) المنتهى 1: 110، التحرير 1: 15.

(2) المدارك 1: 347.

(3) ص 304.

(4) كالمحقق في المعتبر 1: 233، و العلّامة في المنتهى 1: 115، و التذكرة 1: 28.

(5) انظر الوسائل 2: 352 أبواب الحيض ب 42.

(6) الفقيه 1: 51.

(7) المقنعة: 58.

(8) المراسم: 44.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 473

أيضا. و قد يقال بالتعميم فيهما «1». و ليس بجيد.

[المسألة] الثامنة: في توقّف جواز صومها و صحته بعد انقطاع الدم على الغسل

قولان:

الأول للأكثر، و هو الأظهر.

لا لصدق الحائض عليها، لعدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق، لاشتراطه في مثل ذلك كما بيّن في موضعه، مع إمكان المعارضة لولاه بصدق الطاهر.

و لا لعدم صحته من المستحاضة فمن الحائض أولى، لكونها أغلظ حدثا منها، لكونه قياسا.

و لا لاستصحاب ما ثبت بالحيض، لمعارضته مع استصحاب صحته الثابتة قبل الحيض، حيث لم يثبت المنع زائدا على حال الدم. مع أنّ المسلّم عدم صحة الصوم من الحائض، و هذه ليست بحائض، فلا يستصحب، لتغيّر الموضوع.

بل لموثّقة أبي بصير المنجبر ضعفها- لو كان- بالشهرة: «إن طهرت بليل من حيضها ثمَّ توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت كان عليها قضاء ذلك اليوم» «2» و يتعدّى إلى غير رمضان بعدم الفصل.

و الثاني عن العماني «3»، و نهاية الإحكام «4»، و استقواه في المدارك «5»، و تردّد في المعتبر «6»، للأصل، و عموم أوامر الصوم، و ضعف

الرواية.

و جوابه ظاهر مما مرّ.

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 45.

(2) التهذيب 1: 393- 1213، الوسائل 2: 271 أبواب الحيض ب 1 ح 1.

(3) المنقول عنه في المختلف: 220 توقف صحة صومها على الاغتسال.

(4) نهاية الإحكام 1: 119.

(5) المدارك 1: 345.

(6) المعتبر 1: 226.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 474

و هل تجب الكفّارة بالترك أم لا؟ يجي ء تحقيقه في بحث الصيام.

[المسألة] التاسع: صرّح في المعتبر، و المنتهى، و السرائر، و التحرير «1»،

و اللوامع بجواز الأغسال المسنونة التي لا ترفع الحدث عن الحائض و استحبابها لها. و هو كذلك عملا بعمومات استحبابها الخالية عن المخصّص.

و أمّا حسنة ابن مسلم: عن الحائض تتطهّر يوم الجمعة و تذكر اللَّه؟ قال:

«أمّا الطهر فلا» «2» الحديث، فلا تدلّ على عدم صحة غسل الجمعة عنها، إذ لا دليل على كون الطهر غسل الجمعة، و لو دلّ لما دلّ على عدم الجواز.

و لا شك في عدم وجوب غسل الجنابة عليها لو كانت جنبا، للإجماع، و النصوص. و لا في أنها لو اغتسلت للجنابة حال الحيض لم يرتفع حدثها، و في المعتبر عليه الإجماع «3»، و تؤيّده الحسنة المتقدّمة.

و هل يجوز لها غسل الجنابة حينئذ و يكفي عنها لو اغتسلت، فلا يجب عليها غسل الجنابة ثانيا، و لا تتعلّق بها الأحكام المختصة بالجنب، أم لا؟

صرّح في المنتهى و التذكرة بعدم الجواز «4»، و استدلّ عليه بما دلّ على الأمر بجعل غسلهما واحدا، كموثّقتي أبي بصير و الخشاب «5»، و بما صرّح بأنها لا تغتسل كصحيحة الكاهلي «6».

يضعّف: بأنّ الجميع خال عن الأمر و النهي الدالّين على الوجوب و الحرمة، بل غايتهما الإخبار المفيد للجواز أو الرجحان. مع أن جعلهما واحدا

______________________________

(1) المعتبر 1: 221، المنتهى 1: 119، السرائر 1: 145، التحرير 1: 16.

(2) الكافي

3: 100 الحيض ب 14 ح 1، الوسائل 2: 314 أبواب الحيض ب 22 ح 3.

(3) المعتبر 1: 225.

(4) المنتهى 1: 119، التذكرة 1: 28.

(5) التهذيب 1: 395- 1226، 1227، الاستبصار 1: 147- 503، 504، الوسائل 1: 263، أبواب الجنابة ب 43 ح 5، 6.

(6) الكافي 3: 83 الحيض ب 7 ح 1، التهذيب 1: 395- 1224، الوسائل 2: 314 أبواب الحيض ب 22 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 475

ليس بواجب قطعا.

مضافا إلى أنه في موثّقة عمّار: عن المرأة يواقعها زوجها ثمَّ تحيض قبل أن تغتسل، قال: «إن شاءت أن تغتسل فعلت، و إن لم تفعل ليس عليها شي ء، فإذا طهرت غسلت غسلا واحدا للحيض و الجنابة» «1».

و عن كلام الشيخ في كتابي الحديث أنه يلوح بالجواز «2». فالقول به ليس ببعيد، و الإجماع على خلافه غير معلوم، كيف و لم يصرّح بعدم الجواز إلّا شاذ من المتأخّرين [1]، و أمر الاحتياط واضح.

[المسألة] العاشرة: لو طرأ الحيض بعد دخول الوقت، فإن مضى منه ما تمكّنت فيه

من فعل صلاة تامة و لو مخفّفة مشتملة على الواجبات خاصة و لم تصلّها، وجب عليها قضاؤها إجماعا- كما صرّح به بعض الأجلّة «3»- لموثّقة يونس: في امرأة إذا دخل وقت الصلاة و هي طاهرة فأخّرت الصلاة حتى حاضت قال: «تقضي إذا طهرت» «4».

و مضمرة البجلي: عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس و لم تصلّ الظهر، هل عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال: «نعم» «5».

و موثّقة الفضل بن يونس، و فيها: «و إذا رأت المرأة الدم بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلتمسك عن الصلاة، فإذا طهرت من الدم فلتقض

______________________________

[1] و هو العلّامة كما تقدم النقل عنه آنفا.

______________________________

(1) التهذيب 1: 396- 1229، الاستبصار 1: 147- 506، الوسائل

1: 264 أبواب الجنابة ب 43 ح 7.

(2) التهذيب 1: 396، الاستبصار 1: 147.

(3) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 383.

(4) التهذيب 1: 392- 1211، الاستبصار 1: 144- 493، الوسائل 2: 360 أبواب الحيض ب 48 ح 4.

(5) التهذيب 1: 394- 1221، الاستبصار 1: 144- 494، الوسائل 2: 360 أبواب الحيض ب 48 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 476

صلاة الظهر، لأنّ وقت الظهر دخل عليها و هي طاهر، و خرج عنها وقت الظهر و هي طاهر، فضيّعت صلاة الظهر، فوجب عليها قضاؤها» «1».

و التعليل فيها بخروج الوقت أيضا لا يفيد الاختصاص بعد الإطلاقات المتقدّمة، مع أنه مذهب أبي حنيفة [1]، فالتقية فيها محتملة.

و لا ينافي وجوب القضاء إطلاق خبر أبي الورد: في المرأة تكون في صلاة الظهر و قد صلّت ركعتين ثمَّ ترى الدم، قال: «تقوم من مسجدها و لا تقضي الركعتين» «2».

و موثّقة سماعة: عن امرأة صلّت من الظهر ركعتين ثمَّ إنها طمثت و هي جالسة، قال: «تقوم من مسجدها و لا تقضي تلك الركعتين» «3».

حيث دلّتا بضميمة الإجماع المركّب على عدم القضاء مطلقا و إن كانت متمكنة من إتمام الصلاة طاهرا، لأنهما مقيدتان بما إذا لم تكن كذلك إجماعا.

مع أنه لو سلّم التعارض فغايته التساقط، و تبقى عمومات موجبات قضاء الفوائت خالية عن المعارض.

نعم، تتعارضان فيما إذا لم تتمكن من إتمام الصلاة في الوقت و تمكّنت من نصفها أو الأقلّ، فمقتضى الإطلاقات الأولى القضاء، و مقتضى الثانية العدم.

و يجب تقديم الثانية، لأخصّيتها بل موافقتها ظاهر الإجماع، و إن أطلق في النهاية، و الوسيلة «4» وجوب القضاء إذا دخل الوقت.

______________________________

[1] قال ابن حزم الظاهري في المحلى 2: 175 و ان حاضت

امرأة في أول وقت الصلاة أو في آخر الوقت و لم تكن صلت سقطت عنها و لا إعادة عليها فيها و هو قول أبي حنيفة و الأوزاعي و أصحابنا.

______________________________

(1) الكافي 3: 102 الحيض ب 15 ح 1، التهذيب 1: 389- 1199، الاستبصار 1: 142- 485، الوسائل 2: 359 أبواب الحيض ب 48 ح 1.

(2) الكافي 3: 103 الحيض ب 15 ح 5، التهذيب 1: 392- 1210، الاستبصار 1: 144- 495، الوسائل 2: 360 أبواب الحيض ب 48 ح 3.

(3) التهذيب 1: 394- 1220 الوسائل 2: 360 أبواب الحيض ب 48 ح 6.

(4) النهاية: 27، الوسيلة: 59.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 477

و احتمال إرادة مطلق الفعل من القضاء دون مقابل الأداء في الثانية، حيث لم تتحقّق فيه الحقيقة الشرعية في المعنى الأخير، فيمكن أن يكون المراد عدم فعل الركعتين الباقيتين حينئذ، فلا يفيد في نفي القضاء في النصف فما دونه، مردود ببعده في خبر أبي الورد، لمكان تعريف الركعتين بعد ذكرهما بالتنكير، فإنّ الظاهر المتبادر حينئذ هو الركعتان الأوليان، و لا شك أنّ القضاء فيهما بالمعنى المصطلح.

و يؤكّده كونه بذلك المعنى قطعا فيما بعده في الركعة الأخيرة من المغرب. بل و كذلك في الموثّقة، لمكان لفظ «تلك» فإنّ الظاهر أنه إشارة إلى الركعتين اللتين فعلهما و عدم قضائهما بالمعنى المصطلح قطعا.

و على هذا، فلا شك في عدم وجوب القضاء مع عدم التمكّن من أكثر الصلاة، بل و كذلك مع التمكّن من الأكثر ما لم تتمكّن من الإتمام على الأشهر، بل عن الخلاف الإجماع عليه، للأصل، و تبعية وجوب القضاء لوجوب الأداء، كما استدلّ به بعضهم «1»، و توقّف القضاء على أمر جديد، كما استدلّ

به آخر «2».

و يضعّف الأول: بإطلاق المضمرة «3». و الثاني: بالمنع. و الثالث: بوجود الأمر الجديد في المضمرة، و مقتضاها وجوب القضاء مطلقا، خرج ما لم تتمكّن من الأكثر بما مرّ، فيبقى الباقي، كما هو المحكي عن السيد «4»، و الإسكافي «5»، و في المدارك «6» عن الصدوق أيضا. و هو الأحوط بل الأقوى.

و لا تعارضها عمومات سقوط الصلاة عن الحائض، لأعمّيتها، مع أنّ في شمولها للمورد تأمّلا.

______________________________

(1) كالعلّامة في المنتهى 1: 113.

(2) كالمدارك 1: 342، و الحدائق 3: 249.

(3) المتقدمة ص 475.

(4) جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 38.

(5) المدارك 1: 342 فيه: نقل عن ظاهر المرتضى و ابن بابويه.

(6) كالمدارك 1: 342، و الحدائق 3: 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 478

نعم، يعارضها إطلاق خبر أبي الورد، و موثّقة سماعة. و لكنه لا يفيد، لوجوب الرجوع إلى موجبات القضاء حينئذ.

مع أنّه يؤيّده خبر أبي الورد: «و إن رأت الدم و هي في صلاة المغرب و قد صلّت ركعتين فلتقم من مسجدها، فإذا طهرت فلتقض الركعة التي فاتتها من المغرب» «1» يحمل قضاء الركعة على قضاء الصلاة مجازا، أو المراد بالركعة التي فاتتها مجموع الركعات حيث إنها فاتت بفوات ركعة.

و تظهر ممّا ذكرنا: قوة القول بوجوب القضاء مع عدم مضيّ زمان الطهارة أيضا، لإمكان التقديم على الوقت، كما احتمله الفاضل في النهاية «2»، و إن خالف فيه الأكثر إذا لم يأت بها قبل الوقت، بناء على عدم جواز الأمر بالصلاة مع عدم مضيّ زمان الطهارة، لاستلزامه التكليف بالمحال.

و يضعّف: بعدم التابعية بين الأداء و القضاء.

و أمّا مع الإتيان بها قبل الوقت فعدم الاشتراط أظهر، لإمكان التكليف حينئذ.

[المسألة] الحادية عشرة: لو طهرت في آخر الوقت بقدر الصلاتين،

وجبتا أداء، و بقدر إحداهما

وجبت كذلك، و كذا يجب فعل ما يدرك بقدر ركعة منها في الوقت.

و يأتي تفصيل المسألة في باب المواقيت.

[المسألة] الثانية عشرة: يحرم وطؤها بالإجماع و الكتاب و السنّة،

بل قيل: بالضرورة الدينية «3». و لذا حكم بكفر مستحلّه لو لم يدّع شبهة محتملة.

و صرّح جماعة «4» بتفسيق الواطئ مع عدم الاستحلال.

و فيه نظر على القول بتخصيص الكبائر بما أوعد اللَّه سبحانه عليه النار

______________________________

(1) تقدم مصدره في ص 476.

(2) نهاية الإحكام 1: 317.

(3) كما في الروض: 76.

(4) منهم العلامة في التذكرة 1: 28، و صاحب المدارك 1: 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 479

صريحا في كتابه.

و في تعزيره بما يراه الحاكم، أو بثمن حد الزّاني، أو ربعه احتمالات:

أولها للأكثر، لإناطة التعزيرات بنظره في غير المنصوص.

و يضعّف: بمنع عدم النص، مع أنّ لي في ثبوت التعزير في كلّ غير منصوص نظرا.

و ثانيها لولد الشيخ. و صرّحوا بأنّه لا مأخذ له «1».

و ثالثها لبعض الثالثة «2»، كما نقله والدي العلّامة، و نفى- رحمه اللّه- عنه البعد، لخبر الهاشمي: عن رجل أتى أهله و هي حائض، قال: «يستغفر اللَّه و لا يعود» قلت: فعليه أدب؟ قال: «نعم خمسة و عشرون سوطا ربع حد الزاني» «3».

و بمضمونه خبر ابن مسلم «4».

و هو الأظهر، لذلك. و الشذوذ المخرج عن الحجية فيهما غير ثابت.

و لا يعارضه المروي في تفسير القمي: «من أتى امرأته في الفرج في أول حيضها فعليه أن يتصدّق بدينار، و عليه ربع حد الزاني خمسة و عشرون جلدة، و إن أتاها في غير أول حيضها فعليه أن يتصدّق بنصف دينار و يضرب اثنتي عشرة جلدة و نصفا» «5» لضعفها.

و لا شي ء عليه لو جهل الحكم أو الموضوع أو نسيه، لعمومات رفع الخطأ و النسيان.

______________________________

(1) كما صرح به

في جامع المقاصد 1: 43، و الروض: 77.

(2) كما اختاره في الحدائق 3: 260.

(3) الكافي 7: 242 الحدود ب 48 ح 13، التهذيب 10: 145- 575، الوسائل 28: 378 أبواب بقية الحدود ب 13 ح 2.

(4) الكافي 7: 243 الحدود باب 48 ح 20، التهذيب 10: 145- 576، الوسائل 28: 377 أبواب بقية الحدود ب 13 ح 1.

(5) تفسير القمي 1: 73، الوسائل 2: 328 أبواب الحيض ب 28 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 480

و توقّف بعضهم في جاهل الحكم، لعدم معذوريته إلّا فيما استثني «1». و هو حسن في التحريم إذا لم يكن ساذجا.

و أمّا الحدّ فهو ساقط عن الجاهل كما ورد في الأخبار.

و يلحق بأيام الحيض أيام الاستظهار مطلقا على ما اخترناه من حيضيته، دون ما بينه و بين العشرة و إن قلنا بحيضيته مع عدم التجاوز، لأصالة الإباحة، و عدم الانقطاع، أي بقاء الحالة الكائنة لها.

فإن عورضت بأصالة عدم التجاوز- حيث إنّ الدم في كل آن متجدّد حادث- تتساقطان و تبقى أصالة الإباحة.

و المناط في التحريم العلم بالحيضية شرعا، فلا يضرّ احتماله بل و لا ظنّه، إلّا المستند إلى قول المرأة نفسها، فإنه يتبع في المورد إجماعا ظاهرا. و في الحدائق:

إنه لا إشكال فيه و لا خلاف «2». و قيل: بلا خلاف بين الطائفة «3»، بل نفى الخلاف في القبول مع عدم التهمة الشامل لصورة عدم حصول الظن بالخلاف مطلقا، و في اللوامع: إنه مجمع عليه.

و هو الحجة فيه، مضافا إلى ظاهر قوله سبحانه وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَ «4».

و صحيحة زرارة: «العدّة و الحيض إلى النساء» «5» و مثلها حسنته بزيادة قوله:

«إذا ادّعت صدّقت» «6».

______________________________

(1) الذخيرة: 71.

(2) الحدائق 3: 261.

(3) كما في الرياض 1: 43.

(4) البقرة: 228.

(5) التهذيب 1: 398- 1243، الاستبصار 1: 148- 510، الوسائل 2: 358 أبواب الحيض ب 47 ح 2.

(6) الكافي 6: 101 الطلاق ب 35 ح 1، التهذيب 8: 165- 575، الاستبصار 3: 356- 1276 الوسائل 2: 358 أبواب الحيض ب 47 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 481

و قوله عليه السلام في رواية ابن تغلب: «إنما عليك أن تصدّقها في نفسها» «1».

و لتعذّر إقامة البيّنة عليه، إذ غايته مشاهدة الدم و هو غير كاف في الحكم بالتحيّض، فيقبل قولها فيه، لعموم العلّية المستفادة من رواية الأشعري بعد حكمه عليه السلام بأنه ما عليه شي ء في قبول قولها في الزوج، بأنه: «أ رأيت لو سألها البيّنة كان يجد من يشهد أن ليس لها زوج؟» «2».

و لا تنافيها رواية السكوني و مرسلة الصدوق: في امرأة ادّعت أنّها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض «كلّفوا نسوة من بطانتها أنّ حيضها كان فيما مضى على ما ادّعت، فإن شهدت صدقت، و إلّا فهي كاذبة» «3» لاحتمال اختصاصها بموردها، حيث إنّ الدعوى فيها مخالفة للعادة. و حملها على صورة التهمة لا وجه له.

و منه يظهر وجوب قبولها مع احتمال صدقها أيضا.

و هل يجب مع ظن الكذب أم لا؟

الأوّل عن نهاية الفاضل، و ذكري الشهيد «4»، و في الحدائق «5»، و اللوامع، لعموم الأخبار.

و الثاني عن التذكرة، و الروض «6»، لاستصحاب الإباحة، و عدم تبادر التهمة من المعتبرة.

______________________________

(1) الكافي 5: 462 النكاح ب 105 ح 1، الوسائل 21: 30 أبواب المتعة ب 10 ح 1 (و انظر الهامش منه).

(2) التهذيب 7: 253- 1094، الوسائل

21: 32 أبواب المتعة ب 10 ح 5.

(3) التهذيب 1: 398- 1242، الاستبصار 1: 148- 511، الفقيه 1: 55- 207 مرسلا، الوسائل 2: 358 أبواب الحيض ب 47 ح 3.

(4) الذكرى: 35.

(5) الحدائق 3: 262.

(6) التذكرة 1: 28، الروض: 77.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 482

و يضعّف الأوّل: باندفاعه بما مرّ. مع أنه غير جار في الحيض السابق إذا أخبرت عن بقائه.

و الثاني: بعدم كفاية عدم تبادرها، بل اللازم تبادر عدم التهمة. و هو ممنوع.

و أمّا إخبارها عن الطهر، فإن كان مع عدم معلومية الحيض سابقا فيقبل قطعا، للاستصحاب. و نفى عنه الخلاف في اللّوامع.

و إن كان عن حدوث طهر بعد سبق حيض، ففي اللوامع: إنّ الاحتياط هنا مع التهمة الاجتناب، للاستصحاب مع عدم القطع بالمزيل.

و الظاهر القبول هنا أيضا مطلقا، لظاهر الأخبار المتقدّمة.

و كما يحرم الوطء على الزوج يحرم التمكين على الزوجة مع إمكان العدم، لكونه إعانة على الإثم، و وجوب النهي عن المنكر، و هو هنا يتحقّق بالامتناع.

و منه يظهر عدم إثم على الزوج لو غرّته، أو أكرهته، أو استدخلت ذكره في النوم، إذ لا إثم على الزوج حينئذ و لا منكر عنه.

و قد صرّح المحقق الثاني في شرح القواعد «1»، و والدي في اللوامع بتأثيمها و تعزيرها بذلك.

و هو كان حسنا لو ثبت حرمة التمكين عليها مطلقا، و هو غير معلوم، و لذا استدلّوا عليها بكونه معاونة على الإثم. و أمر الاحتياط واضح.

ثمَّ التحريم مختص بالجماع في القبل، فيجوز الاستمتاع بما عداه، أمّا فيما فوق السرّة و تحت الركبة فبالإجماع المحقّق، و المحكي في كلام جماعة منهم:

المنتهى، و التذكرة، و المعتبر «2»، و اللوامع، و غيرها.

و أمّا فيما بينهما- و لو

بالوطء في الدبر- فعلى الحقّ الموافق لصريح السرائر،

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 321.

(2) المنتهى 1: 111، التذكرة 1: 27، المعتبر 1: 224.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 483

و ظاهر المعتبر، و الشرائع، و النافع «1»، و المنتهى، و التذكرة، و القواعد، و النهاية «2»، و الدروس، و البيان «3»، و عن ظاهر الاقتصاد، و التحرير، و المختلف «4»، و التبيان، و مجمع البيان «5». بل عن ظاهر الأخيرين و صريح الخلاف «6»: الإجماع عليه، و جعله في الأول الأظهر من المذهب، و نسبه في الثاني إلى جمهور الأصحاب، و في الثالث إلى الأكثر [1].

للأصل، و عمومات الاستمتاع من النساء من الكتاب و السنّة و إطلاقاتها.

و القول بانصرافها إلى الشائع و هو حال الطهر، مردود: بأنّه فرع شيوع المنع منه حالة الحيض، و هو أول الكلام.

و المستفيضة من النصوص، كرواية عبد الملك: ما لصاحب المرأة الحائض منها؟ قال: «كلّ شي ء ما عدا القبل بعينه» «7».

و مرسلة ابن بكير: «إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتّقى موضع الدم» «8». و رواية ابن حنظلة «9».

و لا ينافي عمومها الشامل للدبر ما دلّ على حلّ ما دون الفرج له، كروايات

______________________________

[1] لم نعثر عليه في الشرائع و هو موجود في المنتهى 1: 111.

______________________________

(1) السرائر 1: 150، الشرائع 1: 31، النافع: 10.

(2) القواعد 1: 15، نهاية الإحكام 1: 122.

(3) الدروس 1: 101، البيان: 62.

(4) الاقتصاد: 245، التحرير 1: 15، المختلف: 34.

(5) التبيان 2: 220، مجمع البيان 1: 319.

(6) الخلاف 1: 227.

(7) الكافي 5: 538 النكاح ب 175 ح 1، التهذيب 1: 154- 437، الاستبصار 1: 128- 438 و فيه: عبد الكريم بدل عبد الملك، الوسائل 2: 321 أبواب الحيض

ب 25 ح 1.

(8) التهذيب 1: 154- 436، الاستبصار 1: 128- 437، الوسائل 2: 322، أبواب الحيض ب 25 ح 5.

(9) التهذيب 1: 155- 442، الاستبصار 1: 129- 440، الوسائل 2: 322 أبواب الحيض ب 25 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 484

أبناء سنان «1» و عمرو «2» و عمّار «3»، إذ الظاهر من الفرج القبل، فهي توافقه و لا تنافيه.

و لو سلّم عدم الظهور فلا ظهور له في شمول الدبر، إذ ليس المراد منه معناه اللغوي قطعا، بل هو إمّا فرجة مخصوصة أو معهودة. و شمولها للدبر غير معلوم.

و لا ما نهى عن الإيقاب بقول مطلق، كصحيحة ابن يزيد: ما للرجل من الحائض؟ قال: «ما بين أليتيها و لا يوقب» «4»، لعدم تعيين ما يوقب فيه.

مع أنه لا دلالة لها إلّا على مرجوحية الإيقاب مطلقا، و هو مسلّم، فهي أيضا من أدلّة المطلوب، لعموم صدرها الخالي عن المخصّص.

مع أنه لو سلّم منافاتهما، لكانت بالعموم من وجه، فيرفع اليد عنهما و يرجع إلى أصل الإباحة.

خلافا للمحكي عن السيد «5»، فمنع عمّا بين السرّة و الركبة، للأمر بالاعتزال في المحيض، و النهي عن قربهنّ «6».

و صحيحة الحلبي: في الحائض ما يحل لزوجها منها؟ قال: «تتزر بإزار إلى الركبتين و تخرج سرّتها، ثمَّ له ما فوق الإزار» «7». و مثلها موثّقة أبي بصير «8» بتبديل السرة بالساق:

______________________________

(1) الكافي 5: 539 النكاح ب 175 ح 3، الوسائل 2: 321 أبواب الحيض ب 25 ح 3.

(2) الكافي 5: 539 النكاح ب 175 ح 4، الوسائل 2: 322 أبواب الحيض ب 25 ح 4.

(3) الكافي 5: 538 النكاح ب 175 ح 2، الوسائل 2: 321 أبواب الحيض ب

25 ح 2.

(4) التهذيب 1: 155- 443، الاستبصار 1: 129- 441، الوسائل 2: 322 أبواب الحيض ب 25 ح 8.

(5) حكى عنه في المعتبر 1: 224.

(6) البقرة: 222.

(7) الفقيه 1: 54- 204، الوسائل 2: 323 أبواب الحيض ب 26 ح 1.

(8) التهذيب 1: 154- 440، الاستبصار 1: 129- 443، الوسائل 2: 323 أبواب الحيض ب 26 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 485

و صحيحة البصري: عن الرجل ما يحلّ له من الطامث؟ قال: «لا شي ء حتى تطهر» [1] خرج ما خرج بالإجماع، فيبقى الباقي.

يضعّف الاستدلال بالآيتين [2]: بأنّ حقيقة عدم القرب و الاعتزال ليست مرادة إجماعا، و لا يجوز جعلهما من باب المطلق المقيّد أو العام المخصّص حتى يبقى ما عدا الثابت خروجه، لاستلزامه خروج الأكثر.

مع أنّ ما هو حقيقة عدم القرب و الاعتزال لا يختلف بالاستمتاع فيما بين السرّة و الركبة و غيره، بل هو أمر خارج عن حقيقتهما، فتأمل. فيجب المصير إلى التجوّز.

و إرادة ترك الوطء في القبل ليست مرجوحة عن غيره، بل هو أولى بها، للشيوع.

مع إمكان إرادة مكان الحيض من الآية الأولى، بل هو- كما قيل «1»- أولى من المصدر و اسم الزمان، لخلوّه عن الإضمار و التخصيص اللازم فيهما، و إن لزم تخصيص حالة الطهر على إرادة المكان أيضا.

و بالأخبار- بعد تخصيص الأخيرة بما بين السرّة و الركبة بالإجماع-: بأنها تعارض ما مرّ بالعموم من وجه، و الترجيح لما مرّ، لمخالفتها لأكثر العامة [3]. مع أنه لولاه لكان المرجع إلى الأصل أيضا، مضافا إلى عدم دلالة الأولى على حرمة ما تحت السرّة إلّا بالمفهوم الضعيف.

و التضعيف «2»: بأنّ نفي الحلّ الظاهر في متساوي الطرفين لا يثبت الحرمة، ضعيف،

لأنّ المتبادر منه نفي مطلق الجواز.

______________________________

[1] التهذيب 1: 155- 444، الاستبصار 1: 130- 445، الوسائل 2: 320 أبواب الحيض ب 24 ح 12 و الرواية مروية عن علي بن الحسن فهي موثقة و ليست بصحيحة بحسب الاصطلاح.

[2] لا يخفى انه ليست هنا إلّا آية واحدة كما أشرنا إليها.

[3] نقل في بداية المجتهد 1: 56 عن مالك و الشافعي و ابي حنيفة انّ له منها ما فوق الإزار، و في نيل الأوطار 1: 324 انه ذهب أكثر العلماء الى التحريم ..

______________________________

(1) الحدائق 3: 264، الرياض 1: 46.

(2) كما ضعّفه في الحدائق 3: 264.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 486

ثمَّ بما ذكرنا يظهر ضعف الاستدلال بها على الكراهة أيضا. و لكن فتوى الأكثر بها و دعوى جماعة «1» الشهرة عليها كافية في إثباتها، فعليها الفتوى. و نفيها- كبعض مشايخنا الأخباريين «2»- غير جيّد.

[المسألة] الثالثة عشرة: لو وطئها زوجها عالما عامدا وجبت عليه الكفّارة
اشارة

بدينار في أوله، و نصفه في وسطه، و ربعه في آخره، وفاقا في الوجوب بل التفصيل للمحكي عن الصدوقين «3»، و السيد، و المفيد، و المبسوط، و الخلاف، و الجمل و العقود «4»، و أبناء البراج و حمزة و إدريس و زهرة «5»، و اختاره غير واحد من مشايخنا «6». بل عليه في الانتصار، و عن الغنية، و الخلاف، الإجماع، و نسب دعواه إلى السرائر أيضا «7». و ليس كذلك، بل قال: لأصحابنا فيه قولان. نعم جعل الوجوب الأظهر من المذهب. و نسبه في التذكرة إلى أكثر علمائنا «8»، و جماعة «9» إلى أكثر القدماء.

للرضوي: «إن جامعت امرأتك في أول الحيض تصدّق بدينار، و إن كان في وسطه فنصف دينار، و إن كان في آخره فربع دينار» «10».

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في الروض:

81.

(2) الحدائق 3: 265.

(3) الفقيه 1: 53، الهداية: 69، و نقله في المعتبر 1: 231 عن علي بن بابويه أيضا.

(4) الانتصار 33، المقنعة: 55، المبسوط 1: 41، الخلاف 1: 225، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 162.

(5) المهذب 2: 423، الوسيلة: 58، السرائر 1: 144، الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

(6) كصاحب الحدائق 3: 268، و السيد بحر العلوم في الدرة: 35.

(7) نسبه في الرياض 1: 44.

(8) التذكرة 1: 27.

(9) منهم صاحب الرياض، و في الحدائق 3: 265 أنه المشهور بين المتقدمين.

(10) فقه الرضا عليه السلام: 226، المستدرك 2: 21 أبواب الحيض ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 487

و المروي في المقنع: «إذا جامعها في أول الحيض فعليه أن يتصدّق بدينار، و إن كان في نصفه فنصف دينار، و إن كان في آخره فربع دينار» «1».

و ضعفهما بعد انجبارهما بما ذكر غير ضائر.

و يؤيّده بل يدلّ على التفصيل: رواية داود في كفّارة الطمث: «أن يتصدّق إذا كان في أوله بدينار، و في وسطه نصف دينار، و في آخره ربع دينار» قلت: فإن لم يكن عنده ما يكفّر؟ قال: «فليتصدّق على مسكين واحد، و إلّا استغفر اللَّه و لا يعود، فإنّ الاستغفار توبة و كفّارة لمن لم يجد السبيل إلى شي ء من الكفّارة» «2».

و لا تضرّها رواية القمي، المتقدمة «3»، و رواية محمّد: عن الرجل يأتي المرأة و هي حائض، قال: «يجب عليه في استقبال الحيض دينار و في استدباره نصف دينار» «4».

و موثّقة أبي بصير: «من أتى حائضا فعليه نصف دينار» «5».

و مضمرة محمّد: عمّن أتى امرأته و هي طامث، قال: «يتصدّق بدينار» «6».

فإنّها مطلقة من جهة وقت الحيض بالنسبة إلى الأخبار الأولى، و

المطلق لا ينافي المقيد بل يحمل عليه، فهي أيضا أدلّة لبعض المطلوب.

و لا حسنة الحلبي: عن الرجل يقع على امرأته و هي حائض، ما عليه؟

______________________________

(1) المقنع: 16، الوسائل 2: 328 أبواب الحيض ب 28 ح 7.

(2) التهذيب 1: 164- 471، الاستبصار 1: 134- 459، الوسائل 2: 327 أبواب الحيض ب 28 ح 1.

(3) ص 479. رقم 5.

(4) الكافي 7: 243 الحدود ب 48 ح 20، التهذيب 10: 145- 576، الوسائل 28: 377 أبواب بقية الحدود ب 13 ح 1.

(5) التهذيب 1: 163- 468، الاستبصار 1: 133- 456، الوسائل 2: 327 أبواب الحيض ب 28 ح 4.

(6) التهذيب 1: 163- 467، الاستبصار 133- 455، الوسائل 2: 327 أبواب الحيض ب 28 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 488

قال: «يتصدّق على مسكين بقدر شبعه» «1».

لأعميتها مطلقا مما مرّ، حيث يختص ما مرّ بالعالم العامد و واجد للكفّارة إجماعا و نصا.

مضافا إلى أنّ رجحان التصدّق على مسكين لا ينافي وجوب غيره أيضا.

و عدم ذكره مع السؤال عمّا يجب عليه لا ينفي الوجوب، لجواز مصلحة فيه، و كونه مقام الحاجة غير معلوم. و لو فرض منافاته له فتكون الرواية شاذة، لعدم مفت بمضمونها إلّا عن نادر «2».

و بهذين الوجهين يظهر عدم مضرّة حسنته الأخرى، و موثّقة عبد الملك.

الأولى: عن رجل واقع امرأته و هي حائض، فقال: «إن كان واقعها في استقبال الدم فيستغفر اللَّه، و يتصدّق على سبعة نفر من المؤمنين بقدر قوت كلّ رجل منهم ليومه، و لا يعد، و إن كان واقعها في إدبار الدم في آخر أيامها قبل الغسل فلا شي ء عليه» «3».

الثانية: عن رجل أتى جاريته و هي طامث، قال: «يستغفر اللَّه» قال

عبد الملك: فإنّ الناس يقولون: عليه نصف دينار أو دينار، فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «فليتصدّق على عشرة مساكين» «4».

مضافا في الأولى إلى أنّ الظاهر من جزئها الأخير أنه بعد الطهر و قبل الغسل، و لا أقلّ من الشمول له الموجب للأعمية المطلقة مما مرّ الباعث

______________________________

(1) التهذيب 1: 163- 469، الاستبصار 133- 457، الوسائل 2: 328 أبواب الحيض ب 28 ح 5.

(2) الصدوق في المقنع: 16.

(3) الكافي 7: 462 الايمان و النذور و الكفارات ب 18 ح 13، الوسائل 22: 391 أبواب الكفارات ب 22 ح 2.

(4) التهذيب 1: 164- 470، الاستبصار 1: 133- 458، و فيه: عبد الكريم بدل عبد الملك، الوسائل 2: 327 أبواب الحيض ب 28 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 489

للتخصيص.

و في الثانية إلى احتمال أن يكون عدم ذكره للكفارة أوّلا للتقية، حيث إنّه مذهب أبي حنيفة و مالك «1» المشتهر في عصره عليه السلام، فلما ذكر الراوي إيجاب العامة لها أيضا حيث إنّهم يروونها عن ابن عباس «2»، و هو مذهب أحمد و أحد قولي الشافعي، أمر عليه السلام أيضا بالكفّارة و قال: «فليتصدّق» هذه الكفارة الواجبة «على عشرة مساكين» و لا بعد أن يكون الراجح في الكفّارة هذا النوع من التقسيم.

و ممّا ذكر من اشتهار عدم الوجوب عند رؤساء منافقي عصره يظهر عدم مضرّة ما دلّ على نفيها مطلقا أيضا، كصحيحة العيص: عن رجل واقع امرأته و هي طامث،- إلى أن قال-: قلت: إن فعل عليه كفارة؟ قال: «لا أعلم فيه شيئا، يستغفر اللَّه» «3».

و موثّقة زرارة: عن الحائض يأتيها زوجها، قال: «ليس عليه شي ء، يستغفر اللَّه» «4».

و خبر المرادي: عن وقوع الرجل على امرأته

و هي طامث خطأ، قال: «ليس عليه شي ء و قد عصى ربّه» «5».

و المروي في الدعائم: «من أتى حائضا فقد أتى ما لا يحلّ له، و عليه أن

______________________________

(1) بداية المجتهد 1: 59، المغني 1: 350.

(2) سنن ابي داود 1: 69- 264.

(3) التهذيب 1: 164- 472، الاستبصار 1: 134- 460، الوسائل 2: 329 أبواب الحيض ب 29 ح 1.

(4) التهذيب 1: 165- 474، الاستبصار 1: 134- 462، الوسائل 2: 329 أبواب الحيض ب 29 ح 2.

(5) التهذيب 1: 165- 473، الاستبصار 1: 134- 461، الوسائل 2: 329 أبواب الحيض ب 29 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 490

يستغفر اللَّه و يتوب من خطيئته، و إن تصدّق مع ذلك فقد أحسن» «1».

مضافا إلى عموم غير الأخير بالنسبة إلى المتمكّن و غيره، و خصوص ما مرّ، فيجب التخصيص.

و ورود ما قبله في الخاطي و ليس عليه كفارة إن كان خطوة في الموضوع- كما هو أحد احتماليه- إجماعا، و مطلقا عند طائفة.

و لا ينافيه قوله: «و قد عصى» لوجوب حمله على ضرب من التجوّز بقرينة الخطأ.

و تحقّق العصيان بترك الفحص- على الحمل على الجهل بالحكم و إمكان العكس- لا يفيد، لكفاية الاحتمال في سقوط الاستدلال. بل لنا أن نقول بشمول ما تقدّم عليه أيضا للخاطئ، و لا ينافيه الاستغفار، لأنّه راجح في كلّ حال.

و أمّا الأخير، فمع عدم دلالته على نفي الوجوب، ضعيف لا يصلح لمقاومة ما مرّ.

فالقول بعدم الوجوب لبعض ما ذكر، و للأصل المندفع بما مرّ، و لاختلاف الأخبار الموجبة، المعلوم وجهه مع عدم صلاحيته لنفي الإيجاب، كما في المنتهى ناسبا له إلى أكثر أهل العلم «2»، و التذكرة، و نهاية الإحكام، و المعتبر، و

ظاهر الشرائع، و النافع «3»، و المحقق الثاني «4»، و والدي العلّامة، و عن نكاح المبسوط «5»، و نسب إلى أكثر المتأخرين «6»، ضعيف، كالتوقّف، كما هو ظاهر

______________________________

(1) الدعائم 1: 127، المستدرك 2: 22 أبواب الحيض ب 24 ح 1.

(2) المنتهى 1: 115.

(3) التذكرة 1: 28، نهاية الإحكام 1: 21، المعتبر 1: 231، الشرائع 1: 31 و فيه: و الوجوب أحوط، النافع: 10.

(4) جامع المقاصد 1: 321.

(5) المبسوط 4: 242.

(6) كما نسبه في الرياض 1: 44.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 491

الدروس، و البيان، و عن اللمعة «1»، و شيخنا البهائي «2»، و التفرقة بين الشاب و المضطر و غيرهما، كما عن الراوندي «3».

فروع:

أ: تلحق بالزوجة المشتبهة و المزني بها، لإطلاق بعض الأخبار، و عدم الفصل.

و لا فرق في الزوجة بين الدائمة و المنقطعة، لعموم بعض الأدلّة.

نعم، فرق بين الحرّة و الأمة، فإنّ ما ذكر مخصوص بالحرة.

و أمّا الكفّارة في الأمة فثلاثة أمداد من الطعام، وفاقا للصدوق، و الشيخ في كفارات النهاية، و السيد في كفّارات الانتصار «4»، و السرائر، و المعتبر، و المنتهى، و القواعد، و البيان، و الدروس «5». بل في الثالث: الإجماع على وجوبه، و عن الرابع: نفي الخلاف عنه.

لمرسلة الفقيه و في آخرها: «من جامع أمته و هي حائض تصدق بثلاثة أمداد من الطعام» «6».

و الرضوي: «و إن جامعت أمتك و هي حائض تصدّقت بثلاثة أمداد من طعام» «7».

و بذلك منضما إلى عدم القول بالجمع بين ذلك و بين الدنانير يقيّد إطلاق بعض الأخبار.

______________________________

(1) الدروس 1: 101، البيان: 63، اللمعة (الروضة البهية): 108.

(2) الحبل المتين: 51.

(3) نقل عنه في الذكرى: 34.

(4) الفقيه 1: 53، المقنع: 16، النهاية: 571، الانتصار:

165.

(5) السرائر 3: 76، المعتبر 1: 232، المنتهى 1: 116، القواعد 1: 15، البيان: 63، الدروس 1: 101.

(6) الفقيه 1: 53- 200.

(7) فقه الرضا عليه السلام: 236، المستدرك 2: 21 أبواب الحيض ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 492

و هل ذلك على الوجوب؟ كما هو ظاهر الفقيه الانتصار، أو الاستحباب؟

كما هو صريح المعتبر و المنتهى و أكثر عبارات الباقين محتمل للأمرين.

الظاهر الأخير، لخلوّ الروايات عن الدالّ على الوجوب.

ب: التكفير مختص بالواطئ، فلا كفّارة على الموطوء، للأصل.

ج: الأظهر الأشهر الموافق لظاهر الأخبار اختلاف الأول و الوسط و الآخر باختلاف الحيض الذي وطئ فيه، فالأول لذات الثلاثة الأول [1]، و لذات الأربعة مع ثلث الثاني، و لذات الخمسة مع ثلثيه، و هكذا، و مثله الوسط و الآخر.

و بالجملة التثليث مرعيّ بالإضافة إلى أيام الحيض مطلقا، ذات عادة كانت أم غيرها، كانت العادة عشرة أم لا.

و عن الديلمي «1»: تحديد الوسط بما بين الخمسة إلى السبعة. و الراوندي «2» اعتبر العشرة مطلقا فثلّثها، فلا وسط لمن حيضها ثلاثة و ثلث فما دون، و لا آخر لمن حيضها سبعة إلّا ثلثا، على الاعتبارين، و يفترقان في صاحبة الأربعة و السبعة، فلا وسط للأول و لا آخر للثاني على الأول، و يتحقّقان على الثاني، و هما الثلثان الأخيران من اليوم الرابع أو السابع.

د: الدينار المثقال الشرعي من الذهب الخالص إجماعا، المسكوك على الأصح، وفاقا لجماعة «3»، للتبادر. خلافا لآخرين «4»، فاكتفوا بالتبر لإطلاق الاسم. و هو ضعيف.

و الأصحّ تعيينه، فلا تجزئ القيمة، اقتصارا على ظاهر النص، و مثله

______________________________

[1] أي الأوّل- بالنسبة الى امرأة حيضها ثلاثة أيام- هو اليوم الأوّل، و بالنسبة الى امرأة حيضها أربعة هو

اليوم الأوّل مع ثلث اليوم الثاني ..

______________________________

(1) المراسم: 44.

(2) فقه القرآن 1: 54.

(3) كما اختاره في الذكرى: 35، و المدارك 1: 355، و كشف اللثام 1: 94.

(4) كالعلّامة في التحرير 1: 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 493

النصف و الربع، فيشارك الفقير المالك في النصف من دينار أو ربعه.

و مصرفه مصرف سائر الكفارات اللازمة. و لا يلزم فيه التعدد، لإطلاق النص. و لو قيل برجحان التصدّق على عشرة مساكين، لأنه أحد احتمالي رواية عبد الملك «1»، لم يكن بعيدا.

[المسألة] الرابعة عشرة: يجوز وطؤها بعد الطهر و قبل الغسل وفاقا للمعظم،

بل في الانتصار، و السرائر، و عن الخلاف، و الغنية «2»، و ظاهر التبيان، و المجمع، و الروض، و أحكام الراوندي «3»: الإجماع عليه.

لا لتعليق الاعتزال في الآية «4» على المحيض فينتفي بانتفائه، لانتفاء المفهوم المعتبر.

و لا لجعل غاية النهي عن المقاربة فيها الطهر في القراءات السبع فلا يحرم بعده، لعدم ثبوت كون الطهر فيها و لو على قراءة التخفيف بمعنى انقطاع الدم، فيجوز أن يراد به الحالة الحاصلة بعد الغسل و إن لم تثبت له الحقيقة الشرعية في الغسل عند نزول الآية.

و لا ينافي ذلك ما ورد في الأخبار من أن غسل الحيض سنة [1]، أي لا يثبت وجوبه من الكتاب، لأنّ تعليق جواز المقاربة على الغسل غير إيجابه.

بل للأصل، و المستفيضة كصحيحة محمّد: في المرأة ينقطع عنها دم الحيض

______________________________

[1] كذلك أشار إليها في الوسائل 2: ب 1 أبواب الحيض بقوله: و تقدم ما يدل على انه سنّة و أشار إليها أيضا في شرح المفاتيح- مخطوط- و الرياض 1: 46، و لم نعثر عليها، فانظر الوسائل 2: أبواب الجنابة ب 1 و الوسائل 2: أبواب الحيض ب 1، و ج 3 أبواب الأغسال المسنونة

ب 1 و لعل المراد ما ورد في رواية سعد بن أبي خلف: الغسل في أربعة عشر موطنا واحد فريضة و الباقي سنّة (الوسائل:

2: 176 أبواب الجنابة ب 1 ح 11) و لكن الدلالة محل منع كما يظهر بالتأمل في سائر روايات الباب فراجع و تأمل.

______________________________

(1) المتقدمة ص 488.

(2) الانتصار: 34، السرائر 1: 151، الخلاف 1: 229، الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

(3) التبيان 2: 221، مجمع البيان 1: 320، الروض: 81، فقه القرآن (الاحكام) 1: 55.

(4) البقرة: 222.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 494

في آخر أيامها، قال: «إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها فلتغسل فرجها ثمَّ يمسّها إن شاء قبل أن تغتسل» «1».

و موثّقة ابن يقطين: عن الحائض ترى الطهر فيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل، قال: «لا بأس، و بعد الغسل أحب إليّ» «2».

و موثّقة ابن بكير: «إذا انقطع الدم و لم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء» «3».

و مرسلة ابن المغيرة: «إذا طهرت من الحيض و لم تمس الماء فلا يقع عليها زوجها حتى تغتسل، و إن فعل فلا بأس به» و قال: «تمس الماء أحب إليّ» «4».

و خلافا للفقيه في غير ما إذا كان الزوج مشبقا فحرّمه «5»، و استقواه في الروض «6»، للاستصحاب، و الآية مع قراءة التشديد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 2    494     المسألة الرابعة عشرة: يجوز وطؤها بعد الطهر و قبل الغسل وفاقا للمعظم، ..... ص : 493

موثّقة أبي بصير: عن امرأة كانت طامثا فرأت الطهر، أ يقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال: «لا حتى تغتسل» و عن امرأة حاضت في السفر ثمَّ طهرت فلم تجد ماء يوما أو اثنين، أ يحلّ لزوجها أن يجامعها قبل أن

تغتسل؟ قال: «لا يصلح حتى تغتسل» «7» و نحو آخرها موثّقة عبد الرحمن «8».

______________________________

(1) الكافي 5: 539 النكاح ب 176 ح 1، التهذيب 7: 486- 1952، الوسائل 2: 324 أبواب الحيض ب 27 ح 1.

(2) التهذيب 1: 167- 481، الاستبصار 1: 136- 468. الوسائل 2: 324 أبواب الحيض ب 27 ح 5.

(3) الاستبصار 1: 135- 464، و في التهذيب 1: 166- 476 رواها عن ابن بكير عن بعض أصحابنا عن علي بن يقطين ..، الوسائل 2: 325 أبواب الحيض ب 27 ح 3.

(4) التهذيب 1: 167- 480، الاستبصار 1: 136- 467، الوسائل 2: 325 أبواب الحيض ب 27 ح 4.

(5) الفقيه 1: 53.

(6) الروض: 80.

(7) التهذيب 1: 166- 478، الاستبصار 1: 136- 465، الوسائل 2: 326 أبواب الحيض ب 27 ح 6.

(8) التهذيب 1: 399- 1244، الوسائل 2: 313 أبواب الحيض ب 21 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 495

و موثّقة ابن يسار: المرأة تحرم عليها الصلاة فتوضّأ من غير أن تغتسل، فلزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل؟ قال: «لا حتى تغتسل» «1».

و يردّ الاستصحاب: بالمعارضة مع استصحاب الجواز السابق على الحيض، حيث لم يعلم المنع زائدا على أيام الحيض.

و الآية بمعارضة القراءتين مع أرجحية التخفيف بالشهرة، مضافا إلى أنّ إرادة غسل الفرج من التطهير ممكنة.

و الأخبار- مع عدم دلالة الأولى بل الأخيرة على الحرمة-: بأن حملها على الكراهة متعيّن بقرينة الأخبار السابقة، فلا تعارض.

و لو سلّم فالترجيح للأولى، لمخالفتها لأكثر العامة، كما نقلها جماعة من الخاصة «2».

مع أن إطلاق الثانية ممّا لم يقل به أحد ممّن سبق، حيث إنّ الصدوق استثنى الشبق، فلا بدّ إمّا من تخصيصها أو حملها على الكراهة، و

ليس الأول أولى من الثاني.

و مع تسليم الجميع فغايته التعارض الموجب للرجوع إلى أصالة الجواز.

نعم، يكره ذلك، للإجماع على المرجوحية و اشتهار الكراهة، لا لقوله عليه السلام: «أحبّ إليّ» لعدم دلالته على الكراهة.

و هل تزول الكراهة بغسل الفرج كما صرّح في السرائر «3»؟ الظاهر لا، للأصل.

و في اشتراط زوال الحرمة به و عدمه قولان: الأول للمحكي عن الصدوق،

______________________________

(1) التهذيب 1: 167- 479، الاستبصار 1: 136- 466، الوسائل 2: 326 أبواب الحيض ب 27 ح 7.

(2) كالشيخ في الخلاف 1: 70، و العلّامة في المنتهى 1: 117، و انظر بداية المجتهد 1: 55، و المغني 1: 338.

(3) السرائر 1: 151.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 496

و صريح الغنية «1»، و ظاهر التبيان، و المجمع، و أحكام الراوندي «2»، لكن مخيّرا بينه و بين الوضوء، فحكموا باشتراط أحد الأمرين منهما. و لا دليل على ذلك التخيير.

نعم، ظاهر لفظة «ثمَّ» في الصحيحة «3» كون جواز المس معقبا لغسل الفرج، و أيضا في خبر الحذاء: عن المرأة الحائض ترى الطهر في السفر و ليس معها من الماء ما يكفي لغسلها- إلى أن قال- قلت: يأتيها زوجها في تلك الحال؟ قال:

«نعم، إذا غسلت فرجها و تيمّمت فلا بأس» «4».

و فيهما: أنّهما لو دلّتا لدلّتا على شرطية غسل الفرج خاصة أو مع التيمّم، و لا قائل بهما.

مضافا إلى عدم دلالة الأولى على عدم جوازه قبل غسل الفرج بمنطوق و لا مفهوم، و الجواز عقيبه لا يدلّ على عدمه قبله. بل الثانية أيضا، إذ ثبوت البأس قبله يمكن أن لا يكون للوطء قبله و اشتراطه به، بل لتركه بنفسه. فيكون هو واجبا نفسيا و إن لم يشترط به جواز الوطء كما

اختاره بعض الأجلّة حاكيا له عن ظاهر الأكثر «5»، و تشعر به عبارة القواعد «6». و هو المختار، للأمر به في الصحيحة، فإنّ الأمر بالأمر بشي ء يدلّ على وجوبه، و إثبات البأس- الذي هو العذاب- قبله في خبر الحذاء.

لا أن يكون مستحبا بنفسه، كما عن صريح المعتبر، و المنتهى، و التحرير، و الذكرى، و البيان «7»، للأصل، و خلوّ أكثر الأخبار المجوّزة الواردة- على الظاهر-

______________________________

(1) الفقيه 1: 53، الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

(2) التبيان 2: 221، مجمع البيان 1: 320، فقه القرآن (الاحكام) 1: 55.

(3) صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة ص 494 رقم 1.

(4) الكافي 3: 82 الحيض ب 6 ح 3، التهذيب 1: 400- 1250، الوسائل 2: 312 أبواب الحيض ب 21 ح 1.

(5) الفاضل الهندي (منه رحمه اللّه). كشف اللثام 1: 97.

(6) القواعد 1: 16.

(7) المعتبر 1: 236، المنتهى 1: 118، التحرير 1: 16، الذكرى: 34، البيان: 63.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 2، ص: 497

في مقام الحاجة عنه، فلو وجب غسله لزم تأخير البيان عن وقتها.

و يدفع الأصل: بما مرّ.

و يجاب عن خلوّ الأخبار: بمنع كونها في مقام الحاجة. و جعله أصلا- كما قيل- لا أصل له. مع أنّ التأخير إنّما يلزم لو (لم يعدمها) [1] البيان و هو غير معلوم.

ثمَّ إنّ زمان الاستظهار زمان الحيض استصحابا، فلا يجوز الوطء فيه.

و يدلّ عليه أيضا قوية مالك بن أعين: عن النفساء يغشاها زوجها و هي في نفاسها من الدم، قال: «نعم، إذا مضى بها منذ وضعت بقدر أيام عدة حيضها ثمَّ تستظهر بيوم فلا بأس بعد أن يغشاها زوجها، يأمرها فتغتسل ثمَّ يغشاها إن أحبّ» «1».

______________________________

[1] في «ق» لم يهدمها.

______________________________

(1) التهذيب 1: 176- 505، الوسائل

2: 395 أبواب النفاس ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، الجزء 03

[تتمة كتاب الطهارة]

[تتمة المقصد الثالث في الطهارة عن الحدث ]

[تتمة الباب الثاني في الغسل ]
[تتمة المطلب الأوّل]
الفصل الثالث: في غسل الاستحاضة
اشارة

و فيه بحثان:

البحث الأول:

في معرفة الاستحاضة و المستحاضة اعلم أنّ دم الاستحاضة دم فاسد يخرج من المرأة، له أحكام في الشريعة الطاهرة، لا بدّ من معرفته.

و قد ذكروا له أوصافا، فقالوا: إنه دم أصفر بارد، كما عن الاقتصاد، و المبسوط، و المصباح «1»، و مختصره، و نهاية الإحكام [1].

أو رقيق أيضا مع الوصفين، كما في المعتبر، و النافع، و المنتهى، و التذكرة «2»، و عن الروض، و الكافي، و الوسيلة، و المراسم، و الغنية «3»، و المهذب، و الإصباح، و السرائر، و جمل العلم و العمل [2].

أو ذو فتور أيضا مع الثلاثة، كما في الشرائع، و القواعد، و الروضة، و اللمعة «4» صريحا، و الهداية، و المقنع «5»، و رسالة الصدوق «6» ظاهرا، حيث وصفه بعدم الاحتباس بالخروج. بل قد يحكى عن بعض كتب الشيخ «7» أيضا، باعتبار

______________________________

[1] نهاية الإحكام 1: 125، و لكن فيه: هو في الأغلب أصفر بارد رقيق يخرج بفتور.

[2] المهذب 1: 37، و لم نعثر عليه في السرائر و جمل العلم و العمل.

______________________________

(1) الاقتصاد: 246، المبسوط 1: 45، مصباح المتهجد: 10.

(2) المعتبر 1: 241، النافع: 10، المنتهى 1: 119، التذكرة 1: 29.

(3) الروض: 83، الكافي: 128، الوسيلة: 59. المراسم: 44، الغنية (الجوامع الفقهية):

550.

(4) الشرائع 1: 31، القواعد 1: 16، الروضة 1: 111، اللمعة (الروضة البهية 1): 111.

(5) الهداية: 22، المقنع: 16.

(6) الفقيه 1: 54 نقل عن رسالة والده إليه.

(7) النهاية: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 6

وصفه الحيض بالدفع، المشعر باعتبار عدمه في الاستحاضة، و هو كما ترى.

و لا ينبغي الريب في اعتبار الأولين، للتصريح بهما في المستفيضة المتقدّمة في مسألة أوصاف الحيض «1». بل و كذا الثالث، للرضوي، و

المروي في الدعائم، السابقين فيها «2».

و أمّا الرابع و إن كان ظاهر الرضوي اعتباره، إلّا أنّ لضعفه الخالي عن الجابر في المقام لا يوجبه.

ثمَّ إنّ المتحصّل من تلك الأخبار اعتبار كلّية تلك الأوصاف في جانب النفي، أي كلّ ما انتفت فيه الأوصاف انتفى كونه دم استحاضة. و أمّا كلية جانب الإثبات فتثبت من منطوق الشرط في موثّقة إسحاق، المتقدّمة في المسألة المذكورة «3».

و يزاد الدليل على الكلية الأخيرة في صورة الاشتباه مع الحيض: أخبار التمييز بين الاستحاضة و الحيض بالرجوع إلى الأوصاف في الحكم بكونه استحاضة. إلّا أنّ ثبوت الكلّية من الجانبين ليس إلّا من باب الأصل كسائر القواعد الشرعية، لا يتخلّف إلّا بدليل، و قد تحقّق التخلّف بالدليل في مواضع، كأيام العادة و غيرها.

و قد ظهر ممّا ذكر أنّ كلّ دم متّصف بتلك الأوصاف، و لم ينف استحاضيته بدليل- كالدماء المتقدّمة المحكومة بكونها حيضا مع تلك الأوصاف أيضا- و لم يعلم كونه من قرح أو جرح أو عذرة، فهو دم استحاضة يحكم بثبوت أحكامها له.

و كذا يحكم بثبوت أحكامها لكلّ دم تراه النفساء أو الحائض زائدا على العشرة مطلقا، أو على العادة و أيام الاستظهار بشرط التجاوز عن العشرة في ذات العادة خاصة إلى زمان يحكم بتحيّضها فيه ثانيا، أو تراه بعد العشرة منفصلا عنها

______________________________

(1) ج 2: 381.

(2) ج 2: 383.

(3) ج 2: 381.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 7

بشرط عدم تخلّل نقاء أقلّ الطهر، أو تراه المبتدأة زائدا على التمييز أو على أقراء نسائها أو على الروايات، أو الناسية زائدا على أيام تحيّضها المتقدّمة، متّصلا في الجميع مع التحيّض مطلقا إلى زمان يحكم بتحيّضها فيه ثانيا، أو منفصلا بشرط عدم تخلّل أقلّ

الطهر.

كلّ ذلك بالإجماع، و النصوص، كمرسلتي يونس، القصيرة «1» و الطويلة «2»، و مرسلة أبي المغراء [1]، و موثّقات سماعة و ابن بكير و حريز [2] و أبي بصير و يونس بن يعقوب و صحاح صفوان و الصحاف و ابن عمار و يونس [3] و محمد بن عمرو، و زرارة و فضيل مع زرارة، و مرفوعة إبراهيم بن هاشم «3»، و سائر أخبار الاستظهار، بل في غير موضع من المرسلة الطويلة إشعار باستحاضية كلّ دم مستمر لا يحكم بحيضيته.

و لا يتوهّم تعارض تلك النصوص بعضا أو كلا مع روايات أوصاف الاستحاضة بالعموم من وجه، لأنه إنّما كان يلزم لو كان المحكوم به في تلك النصوص كون ذلك الدم دم الاستحاضة، و ليس كذلك، بل في الأكثر أن المرأة

______________________________

[1] لم نعثر عليها و لعلّ الصواب مولى أبي المغراء، تقدم مصدرها في ج 2: 437.

[2] لم نعثر عليها و لعل الصواب: ابني بكير و جرير، و تقدمت الإشارة إلى موثقة إسحاق بن جرير في ج 2: 448.

[3] لم نعثر على صحيحة ليونس و الموجود موثقة يونس بن يعقوب كما أشار إليها، و لعله أراد بها ما رواه في التهذيب 1: 175- 502، الوسائل 2: 383 أبواب النفاس ب 3 ح 3، .. عن محمد بن عمرو عن يونس قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام .. و لكن الظاهر بالتأمل أنّ المراد به ابن يعقوب فهي موثقة أيضا.

______________________________

(1) المتقدمة في ج 2: 392.

(2) المتقدمة في ج 2: 419.

(3) تقدمت مصادر الروايات سابقا سوى صحيحة صفوان و مرفوعة إبراهيم بن هاشم فراجع المجلد الثاني الصفحات: 437، 419، 382، 397، 405، 437، 434، و صحيحة صفوان رويت في الكافي

3: 90 الحيض ب 8 ح 6، الوسائل 2: 372 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 3 و مرفوعة ابن هاشم رواها فيه 3: 98 الحيض ب 12 ح 3، الوسائل 2: 384 أبواب النفاس ب 3 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 8

تفعل كذا و كذا إلى آخر أحكام دم الاستحاضة، و كان يثبت ما لم يذكر فيها بالإجماع المركّب.

و لا تنافي بين اعتبار وصف خاص لدم الاستحاضة، و ثبوت مثل أحكامه للدماء الأخر و إن لم يعلم كونها ذلك الدم المخصوص.

كما لا تلازم بين ثبوت هذه الأحكام لدم و بين كونه دم استحاضة لغة أو شرعا.

نعم، غاية الأمر أنّ بناء الفقهاء و المتشرّعة على تسمية كلّ دم ثابت له تلك الأحكام دم استحاضة إمّا مجازا أو حقيقة محتمل الطريان، و لكنه لا يثبت التلازم الشرعي أو اللغوي، و لو ادّعي الإجماع المركّب لمنعناه.

فإن قيل: نحن لا نعرف لدم الاستحاضة معنى إلّا ما ثبت له تلك الأحكام.

قلنا: إن أريد أنه كذلك في العرف المتأخّر فلا يضرّ، و إن أريد غيره فلا نسلّم، كيف؟! و قد فسّر غير واحد من أهل اللغة «1» بل الفقهاء «2» أيضا دم الاستحاضة بأنه دم يخرج من العرق العاذل، و هو عرق في أدنى الرحم.

و قال الجوهري: العاذل اسم للعرق الذي يسيل منه دم الاستحاضة «3».

فيمكن أن يكون المراد في الأخبار بدم الاستحاضة المعتبر في معرفته الأوصاف و له أحكام شرعا: هذا الدم و إن ثبت تلك الأحكام لغيره أيضا.

بل يدلّ على التغاير ما صرّح به في بعض الأخبار أنها بمنزلة المستحاضة، كما في موثّقة يونس بن يعقوب «4»، و في بعض آخر: تفعل كما تفعله المستحاضة،

______________________________

(1) كما

في القاموس 2: 341، و يستفاد من كلام الصحاح 5: 1762 في تفسير العاذل.

(2) الحدائق 3: 276، كشف الغطاء: 127.

(3) الصحاح 5: 1762.

(4) الكافي 3: 79 الحيض ب 4 ح 2، التهذيب 1: 380- 1179، الاستبصار 1: 131- 453، الوسائل 2: 285 أبواب الحيض ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 9

أو تصنع كما تصنعه، كما في موثّقات ابن بكير «1» و أبي بصير «2» و سماعة «3»، و صحيحة زرارة «4»، أو كذلك تفعل المستحاضة، كما في صحيحة الصحاف «5».

بل نقول: إذا كان دم الاستحاضة دما مخصوصا لا يلزم أن تكون المرأة المستحاضة هي ذات ذلك الدم خاصة، لأنّ مبدأ الاشتقاق الحقيقي ليس ذلك الدم الخاص، بل هو الحيض الذي يفسّر بالسيلان، فيمكن أن يسمّى فردا من الدم السائل استحاضة، كما يسمّى فردا آخر منه حيضا، و تسمّى المرأة التي يسيل منها هذا الدم أو غيره أيضا مستحاضة.

بل ظاهر كلام الجوهري التغاير، حيث إنّه صرّح بأنّ دم الاستحاضة يخرج من العرق العاذل.

و قال في مادة الحيض: استحيضت المرأة، أي استمرّ بها الدم بعد أيامها فهي مستحاضة «6». ففسّر المستحاضة بمن استمرّ دمها بعد العادة من غير اختصاص بدم خاص، فأطلق في الدم و قيّد في الزمان.

و منه يظهر عدم ثبوت التعارض بين أخبار اعتبار الأوصاف و بين ما تضمّن من تلك النصوص قوله: «ثمَّ هي مستحاضة» «7» أو «فهي مستحاضة» «8»، لجواز تسمية من سال عنها الدم المحكوم له بتلك الأحكام مطلقا مستحاضة تجوّزا، للمشابهة في الأحكام، أو لكونها فردا خاصا من مطلق من سال دمها.

______________________________

(1) المتقدمة في ج 2: 416.

(2) التهذيب 1: 403- 1262، الوسائل 2: 389 أبواب النفاس ب

3 ح 20.

(3) المتقدّمة في ج 2: 442.

(4) الكافي 3: 97 الحيض ب 12 ح 1، التهذيب 1: 175- 499، الاستبصار 1: 150- 519، الوسائل 2: 382 أبواب النفاس ب 3 ح 1.

(5) تقدم مصدرها في ج 2: 405.

(6) الصحاح 3: 1073.

(7) كما في موثقة زرارة المتقدمة ج 2: 437.

(8) كما في صحيحة زرارة المتقدمة ج 2: 438.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 10

و بالجملة بعد ملاحظة مبدأ الاشتقاق الأصلي للفظي دم الاستحاضة و المستحاضة، و كلام صاحب الصحاح و غيره في تفسيرهما، و ما ورد في الأخبار من مثل قوله: «بمنزلة المستحاضة» و «تعمل كما تعمله المستحاضة» لا يمكن حصول القطع باتّحاد دم الاستحاضة و الدم الذي له تلك الأحكام مطلقا، فلا يحصل العلم بالتعارض، مع أنه لو حصل أيضا لكان الترجيح لتلك النصوص بالأشهرية رواية، بل موافقة الإجماع.

و المتحصّل ممّا ذكر أنّ كلّ دم كان متّصفا بأوصاف الاستحاضة تثبت لصاحبته أحكام المستحاضة إلّا ما خرج بدليل، و كذا كلّ دم دلّ دليل من إجماع أو نص عام أو خاص على ثبوت تلك الأحكام له، كالدماء المتقدّمة.

و ما لم يكن كذلك فيبقى تحت أصالة عدم تعلّق تلك الأحكام به، كالدم الذي تراه المرأة أقلّ من ثلاثة أو مستمرّا إليها بدون صفة الحيض و لم نقل بحيضيته، أو بعد العشرة، أو العادة مع تخلّل عشرة الطهر على القول بعدم حيضيته إلّا مع الوصف أو مصادفة العادة، أو قبل البلوغ، أو بعد اليأس، إذا لم تكن تلك الدماء بصفة الاستحاضة. فلا يحكم بتعلّق أحكام المستحاضة بصاحبتها، للأصل، و عدم الدليل، كما صرّح به في المدارك في الأول «1».

و العلم بعدم كونه من القرح أو الجرح

لا يوجب العلم بكونه دم استحاضة، و الانحصار لا دليل عليه.

مع أنّ فرض العلم بعدم كونه من قرحة في الجوف، أو انفتاح عرق، أو طغيان دم مجرد فرض لا يكاد يتحقق أبدا.

و دعوى الإجماع في بعض تلك الموارد مجازفة لا اعتناء بها.

لا يقال: رواية أبي المغراء: عن الحبلى ترى كما ترى الحائض من الدم، قال: «تلك الهراقة إن كان دما كثيرا فلا تصلّين، و إن كان قليلا فلتغتسل عند

______________________________

(1) المدارك 2: 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 11

كل صلاتين» «1» تدلّ على استحاضية الدم المرئي إن كان قليلا و لو لم يكن بالوصف، و يتم المطلوب بالإجماع المركّب.

لأنا نقول: مع معارضتها بمفهوم موثّقة إسحاق: «و إن كانت صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين» «2» لا يمكن إبقاؤها على إطلاقها، لوجوب تقييدها إمّا بقيد عدم كونه بصفة الحيض، أو بكونه بصفة الاستحاضة، و الأول ليس أولى من الثاني.

______________________________

(1) التهذيب 1: 387- 1191، الوسائل 2: 331 أبواب الحيض ب 30 ح 5.

(2) التهذيب 1: 387- 1192، الاستبصار 1: 141- 483، الوسائل 2: 331 أبواب الحيض ب 30 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 12

البحث الثاني: في أحكام المستحاضة
اشارة

و هي أمور نذكرها في مسائل:

المسألة الأولى:
اشارة

دم الاستحاضة إمّا يلطخ باطن الكرسف- أي جانبه الذي يلي الجوف- و لا يثقبه إلى ظاهره و إن غمسه و دخل باطنه، أو يثقبه إلى ظاهره و لا يتجاوز إلى غيره، أو يتجاوز إلى غيره، فهذه أقسام ثلاثة يعبّر عنها بالقليلة و المتوسّطة و الكثيرة.

أمّا الأولى: فعليها أن تتوضّأ لكلّ صلاة ما دام الدم كذلك، و لا غسل عليها على المنصور المشهور، بل عن الناصريات و الخلاف الإجماع عليه «1».

أما التوضّؤ لكلّ صلاة: فلقوله عليه السلام في صحيحة الصحاف:

«فإن كان الدم فيما بينها و بين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضّأ و لتصلّ عند وقت كلّ صلاة».

و فيها أيضا: «و إن طرحت الكرسف و لم يسل الدم فلتوضّأ و لتصلّ و لا غسل عليها» «2».

و يؤيّده قوله في موثّقة زرارة في المستحاضة: «تستوثق من نفسها و تصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم، فإذا نفذ اغتسلت و صلّت» «3».

و في صحيحة ابن عمّار: «و إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت و دخلت المسجد و صلّت كلّ صلاة بوضوء» «4».

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 188، الخلاف 1: 250.

(2) تقدم مصدرها في ج 2: 405.

(3) تقدم مصدرها في ج 2: 438.

(4) الكافي 3: 88 الحيض ب 8 ح 2، التهذيب 1: 106- 277، الوسائل 2: 371 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 13

و الرضوي: «فإن لم يثقب الدم الكرسف صلّت صلاتها كلّ صلاة بوضوء واحد» «1».

و إطلاق المعتبرة الآمرة بالوضوء مع رؤية الصفرة، كما في موثّقة سماعة الآتية «2»، و في صحيحة يونس: «فإن رأت صفرة فلتتوضّأ ثمَّ لتصلّ» «3».

و أمّا انتفاء الغسل:

فللأصل، و صريح الاولى، و ظاهر البواقي باعتبار انقطاع الشركة من التفصيل.

مضافا إلى مرسلة ابن مسلم: «و إن كان قليلا أصفر فليس عليها إلّا الوضوء» «4». و بها يخصّص بعض العمومات.

خلافا للعماني «5» فنفي الأول كالثاني، لصحيحة ابن سنان: «المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر و تصلّي الظهر و العصر» «6» الحديث.

دلّت على أنّ المستحاضة لا تفعل إلّا ذلك و إلّا لبينه، و لثبوت اختصاص هذا الحكم بغير القليلة فلا حكم لها.

و خبر الجعفي: «المستحاضة تقعد أيام قرئها ثمَّ تحتاط بيوم أو يومين، فإن هي رأت طهرا اغتسلت، و إن هي لم تر طهرا اغتسلت و احتشت فلا تزال تصلّي بذلك الغسل حتى يظهر الدم على الكرسف، فإذا ظهر أعادت الغسل و أعادت الكرسف» «7».

______________________________

(1) فقه الرضا: 193، المستدرك 2: 43 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.

(2) في ص 14.

(3) التهذيب 1: 175- 502، الوسائل 2: 383 أبواب الاستحاضة ب 3 ح 3، و لاحظ الهامش رقم 5 ص 7 من الكتاب.

(4) الكافي 3: 96 الحيض ب 11 ح 2، الوسائل 2: 334 أبواب الحيض ب 30 ح 16.

(5) نقل عنه في المختلف 1: 40.

(6) التهذيب 1: 171- 487، الوسائل 2: 372 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 4، الكافي 3: 90 الحيض ب 8 ح 5.

(7) التهذيب 1: 171- 488، الاستبصار 1: 149- 512، الوسائل 2: 375 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 14

و الأولى مطلقة يجب تقييدها بما مرّ.

و الثانية لا تنفى الوضوء بل مجملة بالنسبة إليه أو مطلقة، فحملها على ما تقدّم متعيّن.

مع أنّهما مع فرض الدلالة للشهرة القديمة مخالفة، فلا تصلحان للمعارضة.

و للإسكافي «1»، فأثبت الثاني في

كلّ يوم و ليلة مرة كالأول، لموثّقة سماعة، المضمرة: «المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكلّ صلاتين و للفجر غسلا، فإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكلّ يوم مرة و الوضوء لكلّ صلاة، و إن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل، هذا إذا كان دما عبيطا، و إن كان صفرة فعليها الوضوء» «2».

و الأخرى عن الصادق عليه السلام: «و غسل المستحاضة واجب، إذا احتشت بالكرسف فجاز الدم الكرسف فعليها الغسل لكلّ صلاتين و للفجر غسل، و إن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كلّ يوم مرة و الوضوء لكلّ صلاة» «3».

و قوله في صحيحة زرارة: «فإن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد» «4».

و الجواب عنها- مع عدم صلاحيتها لمعارضة ما مرّ لنحو ما ذكر- أنّ ما مرّ

______________________________

(1) نقل عنه في المختلف 1: 40.

(2) الكافي 3: 89 الحيض ب 8 ح 4، التهذيب 1: 170- 485، الوسائل 2: 374 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 6.

(3) الكافي 3: 40 الطهارة ب 26 ح 2، التهذيب 1: 104- 270، الاستبصار 1: 97- 315 الوسائل 2: 173 أبواب الجنابة ب 1 ح 3.

(4) الكافي 3: 99 الحيض 12 ح 4، التهذيب 1: 173- 496، الوسائل 2: 373 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 15

بعد اختصاصه بما إذا لم يظهر الدم على الكرسف لما يأتي، يكون أخصّ مطلقا منها فتخصّص به قطعا.

مضافا إلى أنّ تصريح ذيل الاولى بوجوب الوضوء خاصة مع الصفرة- و ليس هو قطعا إلّا في القليلة- يوجب تخصيص ما قبله بغيرها البتة، و احتمال إرادة غسل النفاس من الغسل الواحد في الثالثة.

ثمَّ إنّ المشهور أنه يجب عليها عند كلّ

وضوء تغيير القطنة أو غسلها، بل عليه الإجماع عن الناصريات، و المنتهى «1»، لذلك، و لوجوب إزالة النجاسة في الصلاة إلّا ما عفى عنه، و لم يثبت العفو عن هذا الدم و لو فيما دون الدرهم أو فيما لا تتم فيه الصلاة.

و للأمر بالإبدال في خبر الجعفي، المتقدّم «2»، و صحيحتي صفوان و البصري:

الاولى: «هذه مستحاضة، تغتسل و تستدخل قطنة بعد قطنة، و تجمع بين صلاتين بغسل، و يأتيها زوجها إن أراد» «3».

و الثانية و فيها بعد الأمر بالاستظهار و الغسل للحيض: «و تستدخل كرسفا، فإذا ظهر على الكرسف فلتغتسل، ثمَّ تضع كرسفا آخر ثمَّ تصلّي» «4» الحديث.

و للزوم إخراج القطنة لمعرفة حال الاستحاضة، فإدخالها بعينها يوجب تلويث ظاهر الفرج الواجب غسله، كما يأتي.

و يضعّف الأول: بعدم الحجية. و الثاني: بمنع الوجوب أوّلا، لعدم كون النجاسة في الظواهر. و ثبوت العفو ثانيا إن كان أقلّ من الدرهم من وجهين و إلّا

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 188، المنتهى 1: 120 و فيه: لا خلاف عندنا في الوجوب ..

(2) ص 13.

(3) الكافي 3: 90 الحيض ب 8 ح 6، التهذيب 1: 170- 486، الوسائل 2: 372 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 3.

(4) التهذيب 5: 400- 1390، الوسائل 2: 375 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 16

فمن وجه واحد، كما يأتي في بحث لباس المصلّي.

و الأخبار: بمنع الدلالة على الإبدال أوّلا، لجواز أن يراد وضع كرسف آخر، بل هو الظاهر من استدخال قطنة بعد قطنة، بل هو صريح بعض الأخبار، كرواية ابن أبي يعفور: «المستحاضة إذا مضت أيام أقرائها اغتسلت و احتشت كرسفها و تنظر، فإن ظهر على الكرسف زادت كرسفها و توضّأت

و صلّت» «1».

و على الوجوب ثانيا.

و على حكم القليلة ثالثا.

و التعدّي بدعوى الإجماع المركّب في المقام ممنوع جدّا.

و بكون العلّة عدم العفو عن هذه النجاسة المتحقّقة في القليلة أيضا، مردود: بأنّ العلّة لعلّها تعدّي النجاسة إلى الثوب المتحقّق في غير القليلة دونها.

مع أنّ ظاهر رواية ابن أبي يعفور أنها في القليلة. و المراد من الظهور على الكرسف تلطّخه.

و الأخير: بمنع توقّف المعرفة على الإخراج أولا، و منع إيجاب وضعه تلويث الظاهر ثانيا.

و من ذلك يظهر أنّ أصالة عدم وجوب الإبدال و الغسل عن المعارض خالية، فالأخذ بها هو الأقوى، كما يظهر من بعض مشايخنا المتأخّرين، بل صرّح بالاستحباب «2».

و هل يجب غسل الفرج إن تلوّث بهذا الدم؟

التحقيق أنه إن تعدّى إلى ظاهره عرفا- لا خصوص ما يظهر عند جلوسها على القدمين كما عن الشهيد «3» و جماعة «4»، لعدم معلوميّة كونه من الظواهر- و لم

______________________________

(1) التهذيب 1: 402- 1258، الوسائل 2: 376 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 13.

(2) الحدائق 3: 279.

(3) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتب الشهيد الأول، نعم هو موجود في روض الجنان للشهيد الثاني:

83.

(4) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 74 معلقا إياه على عدم العفو عن دم الاستحاضة فيما دون الدرهم

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 17

يكن أقلّ من الدرهم يجب، و إلّا فلا، لما يأتي من العفو من أقلّ الدرهم من دم الاستحاضة أيضا.

ثمَّ إنّ عموم ما مرّ من النصوص يقتضي عدم الفرق فيما ذكر بين صلاة الفريضة و النافلة. و هو كذلك، وفاقا للفاضلين «1».

خلافا للمحكي عن المبسوط و المهذب «2»، فخصّا الوضوء بالفريضة و اكتفيا للنوافل بوضوئها، و لعلّه لزعم ظهور الصلاة في الفريضة. و هو في

محلّ المنع جدّا.

و لا يخفى أنّ وجوب الوضوء إنّما هو مع العلم بتلطّخ القطنة بالدم بعد الوضوء السابق، و إلّا فيكتفى بالسابق ما دام باقيا، و الوجه ظاهر.

و أما الثانية: فعليها مع الوضوء لكلّ صلاة، غسل واحد في كلّ يوم و ليلة لصلاة الفجر، لا أزيد، ما دام الدم كذلك، على الأظهر الأشهر في الأربعة [1]، كما صرّح به جماعة منهم: المحقّق الثاني في شرح القواعد، و في الحدائق «3»، و اللوامع، بل عن الناصريات، و الخلاف «4» الإجماع على الثانيين.

للرضوي المنجبر ضعفه سندا بما مرّ، و دلالة على الوجوب بالإجماع المركّب:

«فإن لم يثقب الدم القطن صلّت صلاتها كلّ صلاة بوضوء، و إن ثقب الدم الكرسف و لم يسل صلّت صلاة الليل و الغداة بغسل واحد و سائر الصلوات

______________________________

[1] أي الأحكام الأربعة المستفادة من كلامه و هي:

1- وجوب الوضوء لكل صلاة.

2- وجوب غسل واحد في كل يوم و ليلة.

3- وجوب كون هذا الغسل لصلاة الفجر.

4- عدم وجوب أزيد من غسل واحد.

______________________________

(1) المعتبر 1: 250، المنتهى 1: 121.

(2) المبسوط 1: 68، المهذب 1: 39.

(3) جامع المقاصد 1: 341، الحدائق 3: 279.

(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 188، الخلاف 1: 250.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 18

بوضوء، و إن ثقب الدم الكرسف و سال صلّت صلاة الليل و الغداة بغسل، و الظهر و العصر بغسل، و تؤخر الظهر قليلا و تعجل العصر، و تصلي المغرب و العشاء الآخرة بغسل واحد» «1».

مضافا في الأول إلى عموم أكثر ما مرّ من صحيحة الصحاف «2» و أخبار الصفرة «3».

و في الثاني إلى صحيحة البصري، المتقدّمة «4».

و في الثالث إلى الإجماع المركّب كما نصّ عليه والدي- رحمه اللّه- في اللوامع.

و في الرابع

إلى الأخبار الكثيرة المصرّحة باشتراط الأغسال الثلاثة على سيلان الدم أو انصبابه أو تجاوزه عن الكرسف «5». و فيه و في الثاني أيضا إلى موثّقتي سماعة، المتقدمتين «6».

و قد يستدلّ أيضا: بصحيحتي الصحاف و زرارة «7». و في دلالتهما خفاء بل نظر، و إن أطنب في إثباتها والدي العلّامة رحمه اللّه.

خلافا لمحتمل المحكي عن الشيخ في كتبه «8»، و القاضي «9»، و الصدوقين في

______________________________

(1) فقه الرضا: 193، المستدرك 2: 43 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.

(2) المتقدمة في ص 12.

(3) انظر ص 13.

(4) في ص 15.

(5) انظر الوسائل 2: 371 أبواب الاستحاضة ب 1.

(6) في ص 14.

(7) المتقدمتين في ص 12 و 14.

(8) المبسوط 1: 67، النهاية: 28، مصباح المتهجد 10.

(9) المهذب 1: 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 19

الرسالة و الهداية «1»، و الحلبيين «2»، و الناصريات «3»، في الأول، حيث لم يذكروه لصلاة الغداة و إن لم يصرّحوا بنفيه أيضا. و يحتمل أن يكون عدم ذكره مبنيا على وجوب الوضوء مع كلّ غسل عندهم فاكتفوا به.

و للقديمين «4»، و المعتبر، و المنتهى، و المدارك «5»، و المعالم [1]، و الأردبيلي، و البهائي، و السبزواري «6»، بل أكثر الثالثة كما في اللوامع، في الرابع، فأثبتوا الزائد لها و جعلوها كالثالثة في وجوب الثلاثة.

لإطلاق ما دلّ على أن الحبلى إذا رأت دما قليلا أو صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين، كصحيحة أبي المغراء، و موثّقة ابن عمار «7».

أو على أنّ الحائض إذا تجاوز دمها عن أيامها تستظهر ثمَّ تمسك قطنة فإن صبغها دم لا ينقطع فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل، كصحيحة ابن مسلم «8» أو على أنّ المبتدأة إذا استمرّ دمها تتحيّض بالسبعة أو الستة

ثمَّ تغتسل غسلا للفجر و آخر للظهرين و آخر للعشاءين، كالمرسلة الطويلة «9».

أو على أنّ المستحاضة تضع قطنة و تغتسل لكلّ صلاتين، كصحيحتي الحلبي «10» و صفوان «11».

______________________________

[1] كما نقل عنه في الحدائق 3: 280، و المطبوع منه لا يشتمل على مباحث الأغسال

______________________________

(1) نقله عن الرسالة في الفقيه 1: 50، الهداية 21.

(2) أبو الصلاح في الكافي: 219، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 188.

(4) العماني و الإسكافي نقل عنهما في المختلف 1: 40.

(5) المعتبر 1: 245، المنتهى 1: 120، المدارك 2: 31.

(6) مجمع الفائدة 1: 155. الحبل المتين، 53، الذخيرة: 74.

(7) المتقدمتين في ص 10 و 11.

(8) المعتبر 1: 215، الوسائل 2: 377 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 14.

(9) تقدم مصدرها في ج 2 ص 382

(10) الكافي 3: 89 الحيض ب 8 ح 3، الوسائل 2: 372 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 2.

(11) تقدمت في ص 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 20

أو على أنها تغتسل ثلاثة أغسال، واحدا للظهرين و واحدا للعشاءين و واحدا للصبح، كصحيحة ابن سنان «1»، و موثّقته «2»، و حسنته «3»، و قوية الفضيل و زرارة «4».

أو على أنها تغتسل الثلاثة إذا ثقب دمها الكرسف، كصحيحة معاوية «5».

فإنّها بأسرها مطلقة خرج القليلة ممّا يشملها بأخبارها، فيبقى الباقي مندرجا في الإطلاق.

و يردّ: بأن المتوسّطة أيضا تخرج منها بما مرّ من رواياتها، فتبقى هذه الأخبار مخصوصة بالكثيرة. مضافا إلى إشعار بعضها بذلك الاختصاص. مع أنّ ندرة المتوسّطة لغلبة التجاوز مع الظهور على الكرسف يوهن الإطلاق أيضا.

ثمَّ القول في تغيير القطنة و غسل الفرج هنا بل الخرقة كما مرّ.

و أما الثالثة: فيجب عليها ثلاثة أغسال: غسل للظهر

و العصر تجمع بينهما، و غسل للمغرب و العشاء كذلك، و غسل للصبح و تجمع بينها و بين صلاة الليل، بالإجماع المحقّق، و المحكي عن الخلاف، و المعتبر، و التذكرة، و المنتهى، و الذكرى «6»، و غيرها.

للنصوص المتكثّرة جدّا من الصحاح و غيرها التي مرّت الإشارة إلى كثير منها، الدالّة عليها بالعموم، المخرج عنه الأوليان بما مرّ، أو بالخصوص للتصريح بالانصباب أو السيلان أو التجاوز.

______________________________

(1) التهذيب 1: 171- 487، الوسائل 2: 372 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 4.

(2) التهذيب 1: 401- 1254، الوسائل نفس العنوان المتقدم.

(3) الكافي 3: 90 الحيض ب 8 ح 5، الوسائل نفس العنوان المتقدم.

(4) التهذيب 1: 401- 1253، الوسائل 2: 376 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 12.

(5) الكافي 3: 88 الحيض ب 8 ح 2، التهذيب 1: 106- 277، الوسائل 2: 371 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.

(6) الخلاف 1: 250، المعتبر 1: 245، التذكرة 1: 29، المنتهى 1: 120، الذكرى: 30.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 21

و في وجوب الوضوء عليها لكلّ صلاة، كما عن الحلّي، و الشرائع، و النافع «1» و أكثر المتأخّرين «2».

أو مع كلّ غسل، كما عن المفيد «3»، و جمل السيد «4»، و المعتبر «5»، و البشرى «6» و اختاره والدي العلّامة رحمه اللّه.

أو عدمه مطلقا، كما عن الناصريات «7»، و الصدوقين «8»، و الشيخ «9»، و الحلبيين «10»، و ابن حمزة «11»، و سلّار «12»، و في اللوامع نسبه إلى ظاهر الأكثر.

أقوال، أظهرها: الأخير، للأصل، و خلو النصوص عنه مع ورودها في مقام البيان.

للأول: إطلاق قوله سبحانه إِذا قُمْتُمْ «13»، و ثبوت نقض قليل هذا الدم فكثيرة أولى، و أصالة عدم إغناء الغسل عنه.

و

يردّ الأول: باختصاصه بحدث النوم كما صرّح به في بعض المعتبرة «14»،

______________________________

(1) السرائر 1: 153، الشرائع 1: 34، النافع: 11.

(2) كالشهيدين في الذكرى: 30 و الروض: 84، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 342

(3) المقنعة: 57.

(4) جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى) 3: 27.

(5) المعتبر 1: 247.

(6) نقل عنه في الذكرى: 30.

(7) الناصريات (الجوامع الفقهية): 188.

(8) المقنع: 15 و نقل عن والده في الفقيه 1: 50.

(9) النهاية: 28، مصباح المتهجد: 10.

(10) أبو الصلاح في الكافي: 129، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

(11) الوسيلة: 61.

(12) المراسم: 44.

(13) المائدة: 6.

(14) كما في موثقة ابن بكير، انظر الوسائل 1: 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 22

و بالرجال، و إلحاق النسوة بهم إنّما هو بالإجماع المفقود في المورد.

و تسليم العموم و التخصيص بالمحدثين بالإجماع و منع الحدث في المقام- كما في المدارك- «1» غير سديد، لأنّ التخصيص حينئذ إنّما هو بالقدر الثابت عليه الإجماع.

و الثاني: بمنع الأولوية مع الأغسال.

و الثالث: بأنه إنّما هو على تقدير الدليل على اللزوم، و هو غير متحقّق.

و للثاني: قوله- في المرسلة الطويلة- لبنت أبي حبيش: «فلتدع الصلاة أيام أقرائها، ثمَّ تغتسل و تتوضّأ لكلّ صلاة، قيل: و إن سال؟ قال: و إن سال مثل المثعب» «2» فإنّ قوله: «و إن سال» يدلّ على كونها كثيرة.

و يردّ: بعدم دلالته على الوجوب كما ذكرنا غير مرّة [1].

و الأخبار المصرّحة بأنّ كلّ غسل قبله أو فيه وضوء «3».

و يردّ أيضا: بعدم الدلالة على الوجوب، كما مرّ في موضعه.

سلّمنا، و لكنه مقيّد بكونه محدثا بالإجماع، و لم يثبت الحدث هنا.

و أيضا: إذا كانت متوضّئة و لم تحدث

بالأحداث الصغريات يصدق أنّها توضّأت قبل الغسل.

نعم، يثبت من ذلك أنه يجب الوضوء لو صدر عنها بعد الوضوء حدث أصغر، و هو كذلك لعمومات إيجابه له.

______________________________

[1] و لا يرد- لو حمل الغسل في المرسلة على غسل الحيض- أن الوضوء أيضا غير واجب في الكثيرة و هذا بعيد أن يهمل حكمه الواجب و اكتفى بالمستحبّ، لأن الحكم بالاستحباب إنما هو لأجل الأصل فيمكن أن يكون واجبا و ذكر الواجب في الثلاثة و أهمل حكم المنفرد كما لم يذكر الغسل الواحد للمتوسطة مع شمول الكلام لها (منه رحمه اللّه).

______________________________

(1) المدارك 2: 34.

(2) الكافي 3: 83 الحيض ب 8 ح 1، التهذيب 1: 381- 1183، الوسائل 2: 281 أبواب الحيض ب 5 ح 1 و المثعب: مسيل الماء.

(3) انظر الوسائل 2: 248 أبواب الجنابة ب 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 23

و الظاهر أنّ ذلك أيضا مراد من نفى الوضوء هنا، إلّا أنّ هذا الغسل يكفي عن الوضوء عن تلك الأحداث أيضا.

و لخبر مروي في قرب الإسناد «1»، الآمر بالوضوء مع غسل الفجر، الدالّ على تمام المطلوب بعدم الفصل.

و يردّ: بضعفة الخالي عن الجابر في المقام.

و القول في تغيير القطنة، و الخرقة، و غسل ظاهر الفرج كما مرّ «2»

فروع:

أ: صرّح غير واحد من الأصحاب بأنّ اعتبار الجمع بين الصلاتين و الاكتفاء بغسل على الجواز دون الوجوب، فلو فرّقت و أفردت كلّ صلاة بغسل جاز، و في المدارك القطع به «3»، و عن المنتهى الإجماع عليه و استحبابه [1].

و يدلّ عليه ما تقدّم من قوله لبنت أبي حبيش في المرسلة، و إن أمكن الخدش في دلالته: بحمل الغسل على غسل الحيض.

و قوله فيها حكاية عنها أيضا: «و

كانت تغتسل في كلّ صلاة».

و يشعر به قوله في موثّقة يونس بن يعقوب: «فلتغتسل في وقت كلّ صلاة» «4».

و لا ينافيه الأمر بالاغتسال لكلّ صلاتين أو بثلاثة أغسال في كلّ يوم، كما في الأخبار المتكثرة، لعدم منافاة وجوب شي ء لجواز غيره.

نعم، قوله في المرسلة الطويلة لبنت أبي حبيش: «و أخّري الظهر و عجّلي

______________________________

[1] المنتهى 1: 122 قال: و لا نعرف في ذلك خلافا بين علمائنا.

______________________________

(1) قرب الاسناد: 127- 447، الوسائل 2: 377 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 15.

(2) في ص 15، 16.

(3) المدارك 2: 35.

(4) التهذيب 1: 402- 1259، الاستبصار 1: 149- 516، الوسائل 2: 376 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 24

العصر و اغتسلي غسلا ..» و في صحيحة البصري: «فإذا كان الدم سائلا فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة، ثمَّ تصلّي صلاتين بغسل واحد» «1» و في المروي في المعتبر- في الصحيح- عن كتاب ابن محبوب: «فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل» «2». يدلّ على وجوب الجمع المنافي للتفريق المستلزم لوجوب الاكتفاء بغسل واحد، كما عن جماعة منهم: المفيد صريحا، و النافع ظاهرا «3». و هو الأحوط و إن كان الأول هو الأظهر، لانحصار ما دلّ على وجوب الجمع بالأخير، و يحمل هو على الاستحباب بقرينة سابقة.

ب: صرّح غير واحد بوجوب كون الطهارة و الوضوء في الوقت، فلا يصح قبله «4». و هو كذلك، لقوله في صحيحة الصّحاف: «فلتتوضّأ و لتصلّ عند وقت كلّ صلاة» «5».

و في روايات متعدّدة «فلتغتسل عند كلّ صلاتين» «6».

و في صحيحة ابن سنان: «تغتسل عند كلّ صلاة الظهر و العصر» إلى أن قال: «ثمَّ تغتسل عند الصبح» «7» الحديث.

و عدم ثبوت وجوب مقارنة الجميع كغسل

المتوسّطة أو وضوئها غير ضائر، للإجماع المركب.

و مقتضى العندية مقارنة الغسل للصلاة و وجوب تعقيبها «8» له عرفا- كما

______________________________

(1) تقدم مصدرها في ص 15.

(2) تقدم مصدرها في ص 19.

(3) المقنعة: 57، النافع: 11.

(4) كما صرح به في المبسوط 1: 68، و المهذب 1: 38، و الذكرى: 31.

(5) الكافي 3: 95 الحيض ب 11 ح 1، التهذيب 1: 168- 482، الاستبصار 1: 140- 482، الوسائل 2: 374 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 7.

(6) كما في رواية أبي المعزى و رواية إسحاق بن عمار (الوسائل 2: 331 أبواب الحيض ب 30 ح 5، 6).

(7) تقدم مصدرها في ص 20.

(8) في «ق» تعقبها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 25

صرّح به جماعة «1»- فالقول بعدم وجوبها ضعيف، و جواز انتظار الجماعة- كما عن النهاية و الدروس «2»- غير سديد.

نعم، الظاهر عدم مضرّة الاشتغال بمقدّمات الصلاة- كالستر و الاستقبال و الأذان و الإقامة- في العندية العرفية و في وجوب مقارنة الوضوء أيضا في القليلة و المتوسّطة قول محكي عن الشيخ، و الحلّي، و ظاهر الذكرى «3»، لكون هذا الدم حدثا، و الصلاة بالحدث مخالفا للأصل، فيجب التقليل ما أمكن.

و لثبوت العفو عمّا لا يمكن الانفكاك عنه من هذا الدم دون غيره.

و للقطع بالخروج عن العهدة مع المقارنة دون الفصل.

و لتبادره من قولهم عليهم السلام: «تتوضّأ لكلّ صلاة» كما عن قولهم:

«تغتسل عند كلّ صلاة».

و لأنه لولاه لم يحتج إلى وضوء آخر للعصر و العشاء.

و قول آخر بالعدم منقول عن المختلف «4»، للأصل، و صدق الامتثال، و عمومات تجويز الطهارة في أوّل الوقت. و هو الأقوى، لذلك.

و ضعّف أوّل أدلّة المخالف: بالمنع عن وجوب التقليل المخالف للأصل هنا أولا، و بالمنع

عن حدثية مطلق هذا الدم ثانيا.

فإن قيل: لا معنى لحدثيته إلّا كونه مانعا عن مثل الصلاة و مرتفعا بالطهارة كما في سائر الأحداث.

قلنا: الثابت منه حدثيته في الجملة في الجملة، لا حدثية كلّ جزء منه لكلّ صلاة.

و الحاصل: أنّ الحدثية ليست شيئا زائدا على المانعية من الصلاة بل هي عينها،

______________________________

(1) المدارك 2: 35، الذخيرة: 76، الرياض 1: 48.

(2) نهاية الإحكام 1: 127، الدروس 1: 99.

(3) المبسوط 1: 68، السرائر 1: 152، الذكرى: 31.

(4) المختلف: 41.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 26

فلا يثبت منها إلّا ما يثبت منها.

و ثانيها: بعدم ثبوت المنع من مطلق هذا الدم حتى يحتاج إلى العفو.

و ثالثها: بحصول القطع بما مرّ.

و رابعها: بمنع التبادر، و الفرق بين الفعل لشي ء و عنده ظاهر [1].

ج- يجب الغسل أو الوضوء بحصول السبب بعد الطهارة المتقدمة و إن لم يتّصل بوقت الصلاة، وفاقا للبيان، و الروض «1»، و اللوامع، لإطلاق إيجابه لأحد الطهورين من غير تخصيص بالوقت.

و قوله في صحيحة الصحّاف: «فإن كان الدّم لا يسيل فيما بينها و بين المغرب فلتتوضّأ» «2» فإنّه يدلّ على كفاية السيلان في شي ء ممّا بينها و بين المغرب، لعدم إفادة «ما» الموصولة للعموم.

و لا ينافيه مفهوم قوله فيما بعده: «و إن كان إذا أمسكت يسيل من خلفه صبيبا فعليها الغسل» حيث إنّ لفظة: «إذا» مفيدة للعموم، لعدم وجوب السيلان في جميع الوقت إجماعا، فالمنطوق ليس باقيا على عمومه قطعا حتى يفيد المفهوم ما يضرّ.

و على هذا فتجب الثلاثة مع استمرار الكثرة من الفجر إلى الليل، أو حدوثها قبل فعل كلّ من الصلاة و لو لحظة. و مع عدم استمرارها أو حدوثها كذلك، فاثنان إن استمر أو حدث إلى

الظهر، و واحد إن لم يستمر و لم يحدث كذلك.

و لو حدثت الأقسام الثلاثة بين صلاتين، كأن تكون قليلة بعد الفجر ثمَّ صارت متوسّطة ثمَّ كثيرة قبل الظهر، يجب امتثال حكم كلّ منها، لعدم ثبوت تداخل الأضعف في الأقوى هنا.

______________________________

[1] لا يخفى أن المصنف- رحمه اللّه- لم يتعرض للجواب عن الدليل الخامس.

______________________________

(1) البيان: 66، الروض: 84.

(2) تقدم مصدرها في ص 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 27

د: كلّما حصل سبب لزم موجبه للصلاة التي تتعقّبه و إن لم يتّصل بها، ثمَّ لو انقطع قبل الإتيان بموجبة لا يلزم موجبه للصلاة التي بعدها.

فلو حصلت القليلة قبل الفجر توضّأت للفجر، انقطع قبله أم لا، و لو انقطع قبل الوضوء لا يلزم وضوء لصلاة الظهر، و لو لم ينقطع قبل وضوء الفجر لزم الوضوء للظهر أيضا و هكذا.

و لو حصلت المتوسّطة قبل الفجر غسلت له، و لا شي ء للظهر لو انقطعت قبل الغسل، و توضّأت للظهر و العصر لو انقطعت بعده.

و يحتمل وجوب الوضوء للعصر و العشاءين و غسل آخر للفجر الثاني مع الانقطاع بعد الغسل للفجر الأول أيضا.

و يقوى الاحتمال فيما لو طرأت المتوسّطة بعد صلاة الصبح و انقطعت قبل الظهر مثلا.

و لو حصلت الكثيرة قبل الصبح تغتسل له و لو انقطعت قبله، و الظاهر عدم وجوب الغسل حينئذ لغيره، مع احتمال وجوب الثلاثة أيضا.

و لو لم تنقطع قبله وجب غسل آخر للظهرين، فلو انقطعت قبل غسل الظهر لم يجب للعشاءين مع احتمال وجوبه.

و الحاصل: أنّ مقتضى أحكام المستحاضة وجوب الغسل للغداة في المتوسّطة و الثلاثة في الكثيرة، فإن ثبت إجماع على عدم وجوب غسل الغداة لو انقطعت المتوسّطة قبل وضوء صلاة العشاء، و عدم وجوب

غسل الظهرين أو العشاءين لو انقطعت الكثيرة قبل غسل الغداة أو الظهرين- كما قد يدّعى- فهو، و إلّا فلا أرى وجها للسقوط.

و منه يظهر حكم ما لو اجتمعت الأقسام الثلاثة فيما بين صلاتين و استمرّ أحدها أو انقطع الجميع.

ه: قيل: لو كان دمها ينقطع حينا، فإن اتّسع وقت انقطاعه الطهارة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 28

و الصلاة، وجب انتظاره، ما لم يضرّ بالفرض «1».

و لا أرى للوجوب دليلا، و الأصل يقتضي العدم.

و: ذات القليلة و المتوسّطة لا تجمع بين الفرض و النفل بوضوء، بل تجدّد الوضوء للنافلة و لو غير المرتّبة في غير أوقات الصلاة، لإطلاق كثير من الأخبار، سيما روايات الصفرة «2».

و تجويز الشيخ «3» الجمع ضعيف.

و دعوى تبادر اليومية أو الفريضة من الإطلاقات ممنوعة جدّا، لشيوع غيرها أيضا.

و الثانية تجمع في الغسل صلاة الليل و الفجر، و لا يضرّ عدم المقارنة لصلاة الفجر، إذ ثبوتها إنّما هو بالإجماع المركّب، و لا تثبت منه مضرّة صلاة الليل فيها.

و هل تشترط صحة صلاة الليل بالغسل فيه أم يجوز الاكتفاء بالوضوء و تأخير الغسل إلى الفجر؟ الظاهر: الثاني، لعدم دليل على اشتراط تهجّدها بالغسل سوى الرضوي «4» القاصر دلالة على الوجوب، الخالي عن الجابر في المورد.

و ذات الكثيرة تجمع بين صلاتي الليل و الفجر، بين الفرض و نفله و إن تقدّم عليه بغسل واحد، لعدم منافاته للمقارنة العرفية.

مضافا إلى صريح الرضوي في الأول المنجبر ضعفه بالإجماع المحكي في اللوامع.

و تصلّي غير الرواتب و القضاء في غير أوقات الصلاة أو فيها مؤخّرا عن الصلاة من غير غسل آخر و لا وضوء إلّا مع حدث موجب لهما من مني أو بول أو نحوهما، لعمومات الأمر بها، و

عدم ثبوت مانع عنها لها سوى الدم، و لم تثبت

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 342.

(2) انظر ص 13 من الكتاب.

(3) المبسوط 1: 48.

(4) فقه الرضا: 193، المستدرك 2: 43 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 29

مانعيته و لا وجوب الغسل لكلّ صلاة، و إنّما الثابت وجوبه عليها الأغسال الثلاثة، فتأمّل.

ز: النصوص خالية عن تعيين قدر القطنة و زمان اعتبار الدم، فكان التعويل فيه على العرف و العادة، لأنّه المعوّل في مثله.

ح: مقتضى الأخبار: إناطة الكثرة الموجبة للثلاثة بسيلان الدم من الكرسف و إن لم يخرج من الخرقة و لم يثقبها.

و عن ظاهر المقنعة اعتبار الخروج و السيلان منها فيها «1». و هو ضعيف.

ط: لو لم يكن لها كرسف و لا خرقة و رأت دما لم تعلم أنه أيّ الثلاثة تبني على الأقل، لأصالة عدم خروج الزائد.

المسألة الثانية:

الأقوى أنه يجوز للمستحاضة مطلقا قراءة العزائم، و مسّ المصاحف، و اللبث في مطلق المساجد، مع الجواز في المسجدين. و لا يتوقّف شي ء منها على شي ء من الأعمال، للأصل الخالي عن الصارف جدا.

خلافا لجماعة، و هم بين من منع عن الأول فيما فيه الغسل قبله «2». و من منع عن الثاني قبل الغسل و الوضوء كلّ في مورده «3»، استنادا في القولين إلى دلالة وجوب الغسل على كونها محدثة بالحدث الأكبر المانع عن القراءة و المسّ، و وجوب الوضوء على كونها محدثة بالأصغر المانع عن الأخير.

و يضعّف: بمنع الدلالة المدّعاة أولا، و بمنع كلية المانعية ثانيا.

و من منع عن الثالث قبل جميع الأعمال، لصحيحة ابن عمار: «المستحاضة تنظر أيامها فلا تصلّي فيها و لا يقربها بعلها، و إذا جازت أيامها و رأت الدم يثقب

الكرسف اغتسلت للظهر و العصر» إلى أن قال: «و تضمّ فخذيها في المسجد و سائر جسدها خارج، و لا يأتيها بعلها أيام قرئها، و إن كان الدم لا يثقب

______________________________

(1) المقنعة: 56.

(2) كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 163.

(3) كالوحيد في شرح المفاتيح- مخطوط.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 30

الكرسف توضّأت و دخلت المسجد و صلّت كلّ صلاة بوضوء، و هذه يأتيها بعلها إلّا في أيام حيضها» «1».

أمر في الكثيرة بجعل سائر الجسد خارج المسجد، و في القليلة عقب دخول المسجد عن الوضوء.

و يضعّف أولا: بعدم دلالتها على الحرمة أصلا.

و ثانيا: بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في المسجد أبدا.

و ثالثا: بمنع الدلالة على ما ذكروه من التفصيل في اللبث و الجواز جدّا.

و رابعا: بأنّ الأول بعد الأعمال الموجبة للجواز إجماعا و النهي عن إتيان بعلها إنّما هو في أيّام الحيض.

و في موثّقة عبد الرحمن «2»- الواردة في حكاية امرأة أخيه في نفاسها- دلالة على الجواز. و التعقيب الثاني لا يدلّ على التعليق بوجه.

نعم، لا بأس بالقول بالكراهة في الثلاثة حذرا عن المخالفة.

كما يكره لها دخول الكعبة أيضا، و لو مع الأفعال وفاقا لجماعة «3»، للمرسلة «4».

و عن الشيخ و ابن حمزة القول بالتحريم «5»، و ليس بقويم.

نعم، يحرم ذلك بل دخول المساجد مطلقا- على القول بحرمة إدخال النجاسة الغير المتعدية أيضا فيها- قبل تبديل القطنة و الخرقة و غسل الفرج، و هو أمر آخر، بل بعد التبديل و الغسل أيضا لو تلطخ بعدهما.

______________________________

(1) الكافي 3: 88 الحيض ب 8 ح 2، التهذيب 1: 106- 277، الوسائل 2: 371 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.

(2) الكافي 3: 98 الحيض ب 12 ح 2، الوسائل 2: 385 أبواب

النفاس ب 3 ح 9.

(3) منهم الحلّي في السرائر 1: 153 و العلامة في التحرير 1: 125، و صاحب الرياض 1: 49.

(4) الكافي 4: 449 الحج ب 153 ح 2، التهذيب 5: 399- 1389 الوسائل 13: 462 أبواب الطواف ب 91 ح 2.

(5) المبسوط 1: 331، الوسيلة: 61.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 31

و في توقف جواز وطئها على جميع ما يتوقف عليه تجويز الصلاة من الأعمال، فلا يجوز قبله مطلقا، كثيرة كانت الاستحاضة أو غيرها، أغسالا كانت الأعمال أم غيرها، كما عن المقنعة، و الاقتصاد، و الجمل و العقود، و الكافي «1»، و الإصباح، و الإسكافي «2»، و المصباح، و الحلّي، و المنتهى «3»، ناسبا له إلى ظاهر عبارات الأصحاب.

أو على الغسل خاصة، فلا منع في المتوسطة و الكثيرة بعده، و في القليلة مطلقا، كما عن الصدوقين في الرسالة، و الهداية «4».

أو عليه و على الوضوء، كلّ في موقعه، كما حكي عن ظاهر الأصحاب «5».

أو عليه مع تجديد الوضوء، كما عن المبسوط «6».

أو عدم توقّفه على شي ء من ذلك، كما عن المهذب، و المعتبر، و التحرير، و التذكرة «7»، و الدروس، و البيان، و الكركي، و المدارك، و الكفاية «8»، و جمع آخر من المتأخرين.

أقوال، أقواها: أخيرها، للأصل، و عموم قوله سبحانه فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَ ، و قوله، وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ «9»، و إطلاقات حل الوطء.

و صحيحة ابن سنان، و فيها: «و لا بأس أن يأتيها بعلها إذا شاء إلّا أيام

______________________________

(1) المقنعة: 57، الاقتصاد، 246، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 164، الكافي: 129.

(2) نقل عنه في المعتبر 1: 248.

(3) مصباح المتهجد: 11، السرائر 1: 153، المنتهى 1: 121.

(4) الهداية: 22 و نقله

عن والده في الفقيه 1: 50.

(5) حكاه في الذكرى: 31.

(6) المبسوط 1: 67.

(7) المهذب 1: 38، المعتبر 1: 249، التحرير 1: 16، التذكرة 1: 30.

(8) الدروس 1: 99، البيان: 66، جامع المقاصد 1: 344، المدارك 2: 37، الكفاية: 6.

(9) البقرة: 222.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 32

حيضها» «1».

و صحيحة صفوان، المتقدّمة «2» حيث إنّ قوله فيها: «و يأتيها» عطف على قوله: «تغتسل» فلا يترتّب على المعطوف عليه كما توهّم، مع أنه لا وجه للترتيب فيها أصلا.

و الرضوي: «فإذا دام دم المستحاضة و مضى عليه مثل أيام حيضها أتاها زوجها متى شاء بعد الغسل أو قبله» «3» و غير ذلك مما يأتي.

للمخالف الأول: رواية زرارة و الفضيل: «المستحاضة تكفّ عن الصلاة أيام أقرائها، و تحتاط بيوم أو يومين، ثمَّ تغتسل كلّ يوم ثلاث مرات» إلى أن قال: «فإذا حلّت لها الصلاة حلّ لزوجها أن يغشاها» «4».

و صحيحة البصري: عن المستحاضة أ يطؤها زوجها و هل تطوف بالبيت؟

قال: «تقعد قرأها الذي كانت تحيض فيه» إلى أن قال: «ثمَّ تصلّي صلاتين بغسل واحد، و كلّ شي ء استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها و لتطف بالبيت» «5».

دلّت على أنّ كل شي ء استحلّت به الصلاة و كان مبيحا لها فهو مبيح لإتيان زوجها و طوافها.

و المروي في المعتبر عن مشيخة ابن محبوب: «في الحائض إذا رأت دما بعد أيّامها» إلى أن قال: «فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل و يصيب منها زوجها [إن أحب ] و حلّت لها الصلاة» [1].

و الجواب عن الجميع بعدم الدلالة أصلا:

______________________________

[1] المعتبر 1: 256، الوسائل 2: 377 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 14، ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

______________________________

(1) التهذيب 1: 171- 487، الوسائل 2: 372 أبواب

الاستحاضة ب 1 ح 4.

(2) في ص 15.

(3) فقه الرضا: 192، المستدرك 2: 17 أبواب الحيض ب 19 ح 2.

(4) التهذيب 1: 401- 1253، الوسائل 2: 376 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 12.

(5) التهذيب 5: 400- 1390، الوسائل 2: 375 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 33

أمّا الأولى فلأنها لا تدلّ إلّا على أنه إذا جازت لها الصلاة جاز وطؤها، و لا شك أنّ بالخروج عن الحيض تجوز لها الصلاة، و لا يمنع توقّفها على بعض الشرائط المقدورة عن جوازها، و لذا يصح أن يقال: إذا لم تكن المرأة حائضا تحلّ لها الصلاة، مع أنّها قد تتوقّف على الوضوء و الستر و غيرهما. و بالجملة فقد الشرط المقدور بل الواجب تحصيله لا ينافي الحلّية أصلا.

و يؤكّد إرادة الخروج من الحيض من حلّية الصلاة مسبوقيتها بقوله: «تكف عن الصلاة أيام أقرائها» و لو لا تعيّن ذلك فلا شك في احتماله الموجب لسقوط الاستدلال.

و القول بأنّه مبني على ارتباط قوله: «فإذا حلّت» و رجوعه إلى صدر الخبر، و هو تعسف، إذ الظاهر ارتباطه بحكم المستحاضة «1». ليس بشي ء، إذ المجموع حكم المستحاضة، و الضمير في: «لها» راجع إلى المستحاضة المذكورة أوّلا التي يحكم بتحيّضها أيام أقرائها، و لا دخل للرجوع و الارتباط هنا، بل جميع الجمل حكم من نصّ عليه في صدر الرواية بقوله: «المستحاضة ..» و على هذا فتكون دلالة الرواية على ما اخترناه أظهر.

و أمّا الثانية: فبأن الذي أظن من معناها- و لا أقل من احتماله- أنّ قوله:

«و كلّ شي ء» عطف على قوله: «بغسل واحد» يعني: و لتجمع كلّ صلاتين بغسل و كذا بكلّ شي ء تتوقّف الصلاة عليه من

الوضوء و غسل البدن و غيرهما، فلا يتوقّف كلّ صلاة من الصلاتين على تجديد شي ء من هذه الأمور، كما لا يتوقّف على تجديد الغسل، بل تجمع بين كلّ صلاتين بواحد منها، و قوله: «فليأتها» حكم يتفرع على قوله: «فلتحتط و لتغتسل و تستدخل كرسفا».

و أمّا تفريع قوله: «فليأتها» على قوله: «و كلّ شي ء» فلا أرى له سلاسة، بل وجها. مع أنه على فرض تسليم التفريع لا دلالة فيها على وجوب التأخير و عدم

______________________________

(1) كما قال به في الحدائق 3: 293.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 34

الحلّية قبل هذه الأمور أصلا.

و منه يظهر وجه عدم دلالة الثالثة أيضا، مضافا إلى أنّ الاستدلال بها إنّما يكون له وجه لو عطفنا قوله: «حلّت» على «أحبّ» و لا ضرورة تستدعيه، بل الظاهر أو المحتمل لا أقلّ: عطفه على قوله: «و يصيب» كما أنه عطف على قوله:

«تمسك» يعني بعد أيام القرء تمسك القطنة و يجوز وطؤها و تحلّ لها الصلاة.

هذا، مع ما في الجميع من أنهم يشترطون في حلّية الصلاة الاحتشاء و استدخال القطنة و التلجّم و الاستثفار- كما يأتي «1»- و لا يمكن الوطء مع هذه الأمور، و لو أريد غير تلك الأمور من الأفعال لم يكن معنى حلّية الصلاة، و لم يكن إرادته أولى من إرادة معنى آخر، كالحلّية بأن تأتي بمقدماتها ثمَّ يواقعها.

مضافا إلى أنّ حلّية الصلاة- كما عرفت- إنما هي بعد الغسل أو الوضوء في الوقت مقارنا للصلاة، و لا تحل بغسل أو وضوء آخر، و لازمه عدم جواز الوطء إلّا في أوقات الصلاة قبل إيقاعها، و لعلّهم لا يقولون به، بل عدم جوازه أبدا، إذ بعد الغسل أو الوضوء يجب الاشتغال بالصلاة فورا، و

لا تحلّ الصلاة بغسل آخر بعد الصلاة إلّا أن تغتسل غسلا آخر للصلاة بعد الوقاع، فتأمّل.

للثاني: قوله: «فحين تغتسل» في موثّقة سماعة، المتقدّمة في القليلة «2».

و رواية مالك: عن وطء المستحاضة: «ينظر الأيام التي كانت تحيض فيها» إلى أن قال: «و يغشاها فيما سوى ذلك من الأيام، و لا يغشاها حتى يأمرها فتغتسل» «3».

و قوله: «و لا يأتيها بعلها أيام قرئها» في صحيحة ابن عمار، السابقة «4»، بحمل القرء على الطهر بقرينة لزوم التكرار لولاه، حيث إنّه منع عن قرئها أيام

______________________________

(1) في ص 41.

(2) في ص 14.

(3) التهذيب 1: 402- 1257، الوسائل 2: 379 أبواب الاستحاضة ب 3 ح 1.

(4) في ص 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 35

حيضها أوّلا، و ليحصل التخالف بينها و بين القليلة المفهوم من قوله أخيرا:

«و هذه يأتيها بعلها».

و الرضوي: «و إن زاد دمها على أيامها اغتسلت للفجر» إلى أن قال: «و هذه صفة ما تعمله المستحاضة بعد أن تجلس أيام الحيض على عادتها، و الوقت الذي يجوز فيه نكاح المستحاضة وقت الغسل و بعد أن تغتسل و تنظف، لأن غسلها يقوم مقام الطهر للحائض».

و قوله أيضا: «و إن رأت الدم أكثر من عشرة أيام فلتقعد من الصلاة عشرة أيام ثمَّ تغتسل يوم حادي عشرها» فبين أقسام المستحاضة و أحكامها إلى أن قال:

«فإذا دخلت في أيام حيضها تركت الصلاة و متى اغتسلت على ما وصفت حل لزوجها أن يغشاها».

و الجواب: أما عن الاولى: فبعدم الدلالة على الحرمة قبل الاغتسال غايتها المرجوحية، مع أن إرادة حين جواز الغسل، أي: مضي أيام الحيض، ممكنة، و هو و إن كان مجازا و لكن الحمل على بعد الغسل أيضا مجاز لا ترجيح له

على الأول كثيرا.

و أما عن الثانية: فمع ما مرّ من عدم الدلالة على التحريم، بأنّ الظاهر منها غسل الحيض الذي يكره الغشيان قبله.

و أما عن الثالثة: فمع ما تقدّم أيضا سيما مع أنه لولاه لزم التخصيص بما قبل الأعمال، بعدم دليل على إرادة الطهر من القرء، فيحتمل الحيض و لا تكرار فيه، إذ يمكن أن يكون المراد بقوله: «المستحاضة» الحائض كما عبّر عنها بها كثيرا في الروايات، فالأول حكم الحائض و الثاني حكم المستحاضة.

و المراد: أن الحائض لا يقربها بعلها أيام حيضها، و إذا جاز دمها و صارت مستحاضة تفعل كذا و كذا، و لا يقربها بعلها أيضا أيام حيضها.

و أما قوله: «و هذه يأتيها بعلها» فيمكن أن يكون إشارة إلى التي جازت أيامها المذكورة أوّلا، لا خصوص التي دمها لا يثقب الكرسف، فيكون بيانا لجواز

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 36

وطء المستحاضة في غير أيام حيضها، و يكون التخصيص المذكور بقوله: «و هذه» لمقابلة قوله: «المستحاضة- أي الحائض- لا يقربها بعلها».

و أما عن الرابعة: فبوجوب الحمل على الكراهة بقرينة قوله السابق في أدلة المختار، مع أنّ الظاهر من قوله: «وقت الغسل و بعد أن تغتسل» عدم التوقّف على الغسل، إذ المراد بوقت الغسل وقت جوازه.

و الحاصل: أن بعد ما ذكر أنه إذا زاد الدم على الأيام اغتسلت للفجر، قال:

«و وقت جواز نكاحها وقت غسلها و بعده» أي وقت زيادة الدم و ما بعده، فإن ذلك قائم مقام طهر الحائض و إن لم يكن طهرا حقيقة لوجود الدم.

و أما قوله: «و متى اغتسلت على ما وصفت» فبيانه: أنه عليه السلام ذكر أوّلا أنها إذا رأت أكثر من عشرة أيام تغتسل اليوم الحادي عشر ثمَّ

تفعل عمل المستحاضة، إلى أن دخلت ثانيا في أيام حيضها، فحينئذ تركت الصلاة أيضا إلى اليوم الحادي عشر فقوله: «متى اغتسلت» إشارة إلى غسل اليوم الحادي عشر الذي به تخلص عن الحيض، لا أغسال الاستحاضة، و لذا أخّره عن قوله: «فإذا دخلت» إلى آخره، و لو منع من تعيّن ذلك فلا أقلّ من احتماله المسقط للاستدلال.

و للثالث: أخبار توقّفه على حلّ الصلاة الذي هو الخروج عن الحدث الذي يتوقف على الغسل أو الوضوء كل في موقعه. و قد عرفت جوابه.

و للرابع: المروي في قرب الإسناد و فيه: قلت: يواقعها زوجها؟ قال: «إذا طال بها ذلك فلتغتسل و لتتوضّأ ثمَّ يواقعها» «1».

و جوابه: أنه ضعيف لا يصلح للحجية. مع أنه علّق الوجوب على طول الاستحاضة، و مفهومه إمّا عدم وجوب الغسل و الوضوء أو عدم جواز الوطء و لو مع الغسل قبله، و كلّ منهما خلاف الواقع، فارتكاب نوع من التجوز فيه لازم.

الثالثة:

المشهور: عدم توقّف صحة صومها على غير الأغسال من الأفعال

______________________________

(1) قرب الاسناد: 127- 447، الوسائل 2: 377 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 37

و توقّفها عليها، بل في اللوامع ادّعى على الحكمين الإجماع، كما نسب ثانيهما في المدارك إلى مذهب الأصحاب «1».

للأصل في الأول، و مكاتبة ابن مهزيار في الثاني: امرأة طهرت من حيضها أو نفاسها من أول شهر رمضان، ثمَّ استحاضت و صلّت و صامت شهر رمضان من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين، فهل يجوز صومها و صلاتها، أم لا؟ فكتب [عليه السلام ] «تقضي صومها و لا تقضي صلاتها» «2» الخبر ..

و التفرقة بين الصلاة و الصوم مع عدم قول بها

غير ضائر، كالإشكال الوارد في تتمة الخبر [1]، لأن الخلل و الإشكال في بعضه لا يخرجان ما فيه عن الحجية، مع إمكان التأويل بما يرفع الخلل و يدفع الإشكال، كما هو مذكور في كتب الأصحاب «3».

خلافا في الأول للمحكي عن ظاهر صوم النهاية، و السرائر «4»، فحكما بالفساد إذا أخلّت بما عليها، و هو يشمل الوضوء و تغيير القطنة، و عن ظاهر الإصباح و المروي عن الأصحاب في طهارة المبسوط، فالفساد إذا أخلّت بالغسل أو الوضوء [2]. و لا دليل لشي ء منهما.

______________________________

[1] تتمة الخبر- على ما في الكافي و التهذيب-: «لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يأمر فاطمة عليها السلام و المؤمنات من نسائه بذلك» و هكذا في الطبعة الجديدة من الفقيه، و لكن المنقول من الفقيه في الوسائل و روضة المتقين 3: 406 و جامع الأحاديث 2: 548 ليس مشتملا على كلمة «فاطمة» و كذا في علل الشرائع: 213.

[2] المبسوط 1: 68 قال: و إذا فعلت ما يجب عليها من الأغسال و تجديد الوضوء لم يحرم عليها شي ء مما يحرم على الحائض .. و إن لم تفعل ما يجب عليها و صامت فقد روى أصحابنا أن عليها القضاء.

______________________________

(1) المدارك 2: 38.

(2) الكافي 4: 136 الصيام ب 55 ح 6، الفقيه 2: 94- 419، التهذيب 4: 310- 937، الوسائل 2: 349 أبواب الحيض ب 41 ح 7.

(3) انظر الحدائق 2: 297.

(4) النهاية: 165، السرائر 1: 153.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 38

و في الثاني للمحكي عن المبسوط [1]، و المعتبر «1»، فتوقّفا في الحكم، و هو ظاهر جمع من المتأخّرين، كالمدارك و البحار «2» و شرح القواعد للهندي، و شرح الإرشاد

للأردبيلي و الحدائق «3»، لما في الخبر من الوهن سندا، لإضماره، و الخلل متنا كما مرّ، و القصور دلالة، لعدم التصريح بوجوب قضاء الصوم، بل نهايته الرجحان المحتمل للاستحباب، و لاحتمال أن يكون لفظ «تقضى صومها» من باب التفعل و يكون المعنى: أنّ صومها صحيح دون الصلاة.

و هو في محلّه جدّا، و الاحتياط لا يترك مهما أمكن.

ثمَّ المتوقّف عليه على القول به هل هو الأغسال النهارية فقط لكلّ يوم كما عن المنتهى، و التذكرة، و البيان «4»، و نسبه في اللوامع إلى الجماعة، أو غسل الفجر خاصة، أو ليلته اللاحقة كذلك، أو السابقة كذلك، أو الليلتين؟ كما جعل كلا منها بعضهم وجها، و لم يبيّنه جماعة كالشيخ، و ابني إدريس و سعيد «5»، و الفاضل في القواعد و التحرير و الإرشاد و النهاية «6»، فعبّروا بالأغسال الظاهرة في العموم.

و يحتمل قويا: عدم الحكم بالبطلان إلّا مع ترك جميع الأغسال النهارية و الليلية الماضية و المستقبلة، إذ لا يستفاد غير ذلك من المكاتبة، فإنّ ظاهرها ترك

______________________________

[1] لعلّ وجه نسبة التوقف إلى المبسوط، أنه أسند الحكم إلى رواية الأصحاب و لم يصرّح فيه بإثبات و نفي و لكنه في كتاب الصوم من المبسوط 1: 288 صرّح بأنه متى لم تفعل ما تفعله المستحاضة وجب عليها قضاء الصلاة و الصوم.

______________________________

(1) المعتبر 1: 248.

(2) المدارك 2: 39، بحار الأنوار 78: 113.

(3) كشف اللثام 1: 102، مجمع الفائدة 1: 163، الحدائق 3: 301.

(4) المنتهى 1: 586، التذكرة 1: 30، البيان: 66.

(5) المبسوط 1: 68، السرائر 1: 153، الجامع: 44.

(6) القواعد 1: 16، التحرير 1: 16، الإرشاد 1: 229، نهاية الإحكام 1: 127.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 39

جميع الأغسال،

فالحكم فيها بقضاء كلّ يوم يمكن أن يكون لجميع ما ذكرنا، و لكلّ واحد، و لكلّ اثنين، و الأوّل يقيني و الباقي مشكوك فيه.

و دعوى القطع بعدم مدخلية الليلة المستقبلة، غير مسموعة، إذ لا سبيل إلى القطع بالشرعيات من غير جهة النقل التي هي هنا مفقودة.

و الأقوى منه- باعتبار عموم الخبر من جهة ترك الاستفصال أو إطلاقه حيث يدلّ على أن ترك الغسل لكلّ صلاتين يوجب القضاء سواء ترك الجميع أم لا- الحكم بالبطلان بترك النهارية البتة، و أما الليلية فلإجمالها من جهة أنه لا يعلم أنّ سبب الأمر بالقضاء في الخبر الليلية الماضية أو المستقبلة لا يفيد في الحكم.

ثمَّ على القول بالتوقّف على جميع الأغسال أو النهارية خاصة هل يجب تقديم غسل الفجر عليه أم لا؟

ظاهر الدليل: الثاني، للأصل، و صدق الإتيان بما عليها.

و قيل بالأول، لدلالة التوقّف على كون الاستحاضة حدثا مانعا من الصوم، فيجب رفعه قبل الدخول فيه.

و فيه نظر ظاهر.

نعم، لو قلنا بالتوقّف على غسل الليلة الماضية فتركها يبطل إلّا مع تقديم غسل الفجر عليه.

الرابعة:

انقطاع الدم بعد إيقاع ما يجب من الطهارتين لا يوجب سقوط مقتضاه للصلاة الآتية، بل يجب لها مع بقائه بعد الطهارة و لو بلحظة، سواء كان انقطاع برء أو فترة كما مر.

نعم، لو قلنا بأن المعتبر حصول الدم أوقات الصلاة لا يجب معه.

و هل يؤثّر ذلك الانقطاع في الطهارة الحاضرة لو حدث بعدها و قبل الصلاة إمّا مطلقا، كما عن المبسوط، و المهذب، و الإصباح، و السرائر، و الذكرى «1»، أو

______________________________

(1) المبسوط 1: 68، المهذب 1: 38، السرائر 1: 153، الذكرى: 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 40

إذا كان انقطاع برء دون فترة، كما عن

ظاهر الخلاف و في القواعد، و المنتهى «1»، و مال إليه جمع من متأخّري المتأخرين «2»، أو مع فترة متّسعة للطهارة و الصلاة ثانيا، كما عن نهاية الفاضل «3»، فإنهم قالوا بالتأثير فيبطلها و يوجب الوضوء، لأنّ هذا الدم حدث مغتفر بعد الطهارة و قبل الصلاة حال الضرورة، و هي الاستمرار أو عدم البرء، فلا ينسحب فيما لا ضرورة فيه، أعني حال الانقطاع مطلقا أو للبرء.

أو لا يؤثّر مطلقا، كما عن المحقّق و الجامع «4»؟

الأقوى: الأخير، لاستصحاب جواز الدخول في الصلاة قبل الانقطاع، و عدم معلومية تقييده [1] بالاستمرار، و لأنه لم يثبت تأثير هذا الدم شرعا زائدا على إيجاب ما فعلت، و أمّا غيره فلا.

و كونه حدثا مطلقا ممنوع، و لو سلّم فكونه مؤثّرا في شي ء زائدا على ما فعلت غير ثابت [2].

و ممّا ذكرنا ظهر عدم تأثيره في بطلان الطهارة و الصلاة لو حصل في أثناء الصلاة فتستمرّ في صلاتها. خلافا لجماعة [3]، فقالوا بتأثيره و إيجابه للوضوء و إعادة الصلاة، هذا.

ثمَّ إنه على فرض التأثّر في الصورتين فالتخصيص بالوضوء لا وجه له، بل اللازم في كلّ دم تأثيره فيما يوجبه.

هذا كلّه إذا لم يصدر حدث آخر غير الدم، و أمّا لو حصل غيره من ريح أو

______________________________

[1] في «ق» و «ه» تقيده.

[2] و الاستدلال للمختار بثبوت العفو ليس بجيد، إذ الخصم يمنع بثبوته و يخصه بصورة الاستمرار و يدعى تبادرها أيضا من الأخبار. (منه رحمه اللّه).

[3] منهم الشهيد في الدروس 1: 99.

______________________________

(1) الخلاف 1: 251، القواعد 1: 16، المنتهى 1: 122.

(2) المدارك 2: 40، الحدائق 3: 302.

(3) نهاية الاحكام 1: 128.

(4) المعتبر 1: 112، الجامع: 45.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 41

بول

أو مني وجب مقتضاه.

الخامسة:

يجب عليها الاستظهار في منع الدم بقدر المكنة، للأمر بالتعصب، و الاحتشاء، و الاستيثاق، و التلجّم، و الاستذفار، و الاستثفار [1] في المرسلة الطويلة، و موثّقة زرارة، و صحاح الصحّاف و الحلبي و ابن عمّار «1».

و المستفاد منها مضافا إلى عدم تيسّر الغسل بعد أكثر تلك الأفعال كون محلّه بعد الغسل. و قيل: قبل الوضوء «2»، و لم يظهر له وجه تام، و التوجيه بتحقّق الصلاة عقيب الطهارة غير وجيه.

______________________________

[1] التعصب: شد العصابة، و الاحتشاء: الامتلاء و المراد منه في المقام استدخال شي ء للمنع من سيلان الدم، و الاستيثاق: أخذ الوثاق و هو ما يشدّ به من قيد و حبل و نحوهما. و التلجم: أخذ اللجام و المراد في المقام أن يجعل موضع خروج الدم عصابة تمنع منه تشبيها باللجام في فم الدابة.

و أمّا الاستثفار فذكر في النهاية الأثيرية 1: 214 في تفسيره: أن تشد فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنا و توثق طرفيها في شي ء تشده على وسطها فتمنع بذلك سيل الدم و هو مأخوذ من ثفر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها. و أمّا الاستذفار فقد ورد في نسخة من صحيحة الحلبي المروية في الكافي 3: 89 و روى عنه في الوسائل 2: 372 عن أبي جعفر عليه السلام «قال سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله .. إلى أن قال: ثمَّ تغتسل و تستدخل قطنة و تستثفر (تستذفر خ ل) بثوب ثمَّ تصلي حتى يخرج الدم من وراء الثوب» و في الكافي بعد تمام الرواية ما لفظه: و الاستذفار أن تطيب و تستجمر بالدخنة و غير ذلك، و الاستثفار أن تجعل مثل ثفر الدابة قال في مرآة

العقول 13: 225:

و الظاهر أنها نسخة الجمع لا البدل بقرينة التفسير. أو يكون في الكتاب الذي أخذ المصنف الخبر منه النسختان معا ففسرهما أو ذكر أحدهما استطرادا و الظاهر أنه كان في هذا الخبر بالذال و في الخبر السابق بالثاء ففسرهما هنا. و في الوافي 6- 471: ربما يقال باتحاد معنييهما و أنه قلب الثاء ذالا.

كيفما كان فما ذكروه في اللغة في مادة: «ذفر» لم يظهر له مناسبة للمقام من منع المرأة عن سيلان الدم ففي القاموس 2: 35 الذفر محركة: شدة ذكاء الريح .. و من المحتمل أن يكون الصحيح: الاستزفار بالزاء فانّ الزّفر: الذي يدعم به الشجر، و الأزفر: الفرس العظيم الجنبين (القاموس 2: 41) و لا يخفى مناسبته للمعنى المراد في المقام و هو شدّ الوسط و الاستقواء به على منع الدم.

______________________________

(1) المتقدمة في ج 2: 405، 438، 438، و هذا المجلّد ص 12، 18، 19.

(2) الرياض 1: 49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 42

و هل هو شرط في صحة الوضوء و الصلاة حتى لو لم تستظهر و خرج الدم بعد الوضوء بطل أو في الصلاة بطلت، أم هو واجب برأسه حتى لم يبطل شي ء منهما؟

مقتضى الأصل: عدم الشرطية، إلّا أن يعلّل الوجوب للصلاة: بلزوم منع الدم و تقليلها و لو كان أقلّ من الدرهم، و للوضوء: بحدثيته و عدم العفو إلّا في مورد ثبت عنه العفو.

و لكن في الأول: منع اللزوم إلّا إذا تعدّى إلى الثوب و البدن و صار قدر الدرهم.

و في الثاني: منع الحدثية، فلا يبطل بالتقصير فيه الوضوء.

نعم، تبطل الصلاة من جهة أخرى، و هي النهي عنها الملزوم للأمر بالاستظهار.

و قد يقال بوجوب هذا الاستظهار في النهار

لأجل صومها. و هو ضعيف جدا.

السادسة:

غسلها كغسل الحائض في كلّ حكم حتى في حاجته إلى الوضوء لو كانت محدثة بالحدث الموجب له.

نعم، يستثنى من المساواة الكلية الموالاة الغير المعتبرة في غيره من الأغسال المعتبرة فيه، تحصيلا للمقارنة اللازمة للصلاة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 43

الفصل الرابع: في غسل النفاس
اشارة

و المراد بالنفاس هنا دم الولادة، و الكلام هنا إمّا في تعيين النفاس أو في أحكامه، و فيه بحثان:

البحث الأول: في تعيينه
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى:

الدم الخارج حال الطلق- و هو وجع الولادة قبل خروج شي ء من الولد- ليس نفاسا بالإجماع المحقّق و المنقول «1» مستفيضا، و النصوص:

منها: موثّقة عمّار: و المرأة يصيبها الطلق أيّاما أو يوما أو يومين فترى الصفرة أو دما، قال: «تصلّي ما لم تلد» «2» الحديث.

و قريبة منها مرسلة الفقيه عن عمّار [1] أيضا.

و رواية الخلقاني، المروية في مجالس الشيخ: فإنها رأت الدم و قد أصابها الطلق فرأته و هي تمخض، قال: «تصلّي حتى يخرج رأس الصبي، فإنها رأت الدم و قد أصابها لم تجب عليها الصلاة» إلى أن قال: «و هذه قذفت بدم المخاض إلى أن يخرج بعض الولد، فعند ذلك يصير دم النفاس» «3» الحديث.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 3    44     المسألة الأولى: ..... ص : 43

رواية السكوني، المتقدّمة في حيض الحبلى «4».

______________________________

[1] الفقيه 1: 56- 211. و الرواية ليست بمرسلة، فإن للصدوق طريقا إلى عمار ذكره في المشيخة (راجع خاتمة الفقيه 4: 4).

______________________________

(1) كما نقله في المنتهى 1: 123، و الرياض 1: 50.

(2) الكافي 3: 100 الحيض ب 13 ح 3، التهذيب 1: 403- 1261، الوسائل 2: 391 أبواب النفاس ب 4 ح 1.

(3) أمالي الطوسي: 708.

(4) راجع ج 2: 401.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 44

ثمَّ إنّ هذا الدم إن استجمع شرائط الحكم بالحيضية حتى في الحامل- كما تقدّمت- فهو حيض.

و يزيد على الشرائط هنا اشتراط تخلّل أقلّ الطهر بالنقاء أو الدم، بين آخره و بين النفاس على الأظهر الأشهر، كما صرّح به جماعة، بل عن الخلاف «1» نفي الخلاف عنه، و هو المحكي عن نهاية الفاضل و القواعد، و الذكرى، و شرح القواعد للكركي،

و الروض «2»، و اختاره والدي قدس سره.

لإطلاق الأخبار المذكورة المجوّزة للصلاة، خرج عنها الجامع للشرائط مع تخلّل أقلّ الطهر، بالإجماع المركّب من كلّ من قال باجتماع الحيض مع الحبل إمّا مطلقا أو بشرط خاص، فيبقى الباقي.

و لو عارضها ما دلّ على حيضية دم الحامل مع الأوصاف في أيام العادة، لم يضر، لوجوب الرجوع إلى أصالة عدم الحيضية و لزوم العبادة.

مضافا في بعض الصور إلى قوله في صحيحة ابن مسلم: «أقلّ ما يكون:

عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم» «3» بل في جميعها إلى مطلق الأخبار الدالّة على أنّ أقلّ الطهر عشرة.

و الاستدلال: بكون النفاس كالحيض، فيشترط تخلّل العشرة بينهما، و باشتراط تخلّله بين النفاس و الحيض المتعقّب له، فالمتقدّم مثله، لعدم قول بالفرق، ضعيف:

أمّا الأول: فلعدم ثبوت التماثل المطلق، و مطلقه لو ثبت لم ينفع، مع أنه لا ينفي حيضية الدم المتصل بالنفاس، لجواز حيضية المجموع بناء على ذلك.

______________________________

(1) الخلاف 1: 246.

(2) نهاية الاحكام 1: 130، القواعد 1: 16، الذكرى: 33، جامع المقاصد 1: 347، الروض:

89.

(3) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 4، التهذيب 1: 157- 451، الاستبصار 1: 131- 452، الوسائل 2: 297 أبواب الحيض ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 45

و أمّا الثاني: فلمنع ثبوت عدم الفرق.

خلافا للمنتهى، و المدارك، و الذخيرة، و المحكي عن التذكرة «1»، لضعف الأخبار المتقدّمة، فيبقى ما يدلّ على الحيضية عن المعارض خاليا. و جوابه ظاهر.

و على هذا فما لا يتخلّل بينه و بين النفاس أقلّ الطهر لا يكون حيضا، كما يكون كذلك مطلقا إن قلنا بعدم اجتماع الحيض مع الحبل.

و في الحكم بكونه استحاضة أم لا، يرجع إلى ما يحكم

به في غير تلك الصورة.

الثانية:

الخارج بعد خروج تمام الولد نفاس بالإجماع، كما في المنتهى، و عن التذكرة «2»، و نفي عنه الخلاف في شرح القواعد للكركي، و عن نهاية الإحكام «3».

و في الخارج معه خلاف: فالمحكي عن المقنعة، و الخلاف، و المبسوط «4» صريحا، و عن النهاية، و المصباح، و مختصره، و الاقتصاد «5»، و المراسم، و السرائر، و المهذب، و الشرائع «6» ظاهرا، و في النافع، و المعتبر، و القواعد، و شرحه «7»، بل في الأخير دعوى الشهرة عليه- كما عن الثاني عليه الإجماع- أنه نفاس، للروايتين الأخيرتين «8» المنجبرتين بما ذكر.

و عن الجملين [1]، و الكافي، و الغنية، و الوسيلة، و الإصباح، و الجامع «9»،

______________________________

[1] الجمل و العقود للطوسي (الرسائل العشر): 165، و لم نعثر عليه في جمل العلم و العمل للمرتضى، و نقل عنه في كشف اللثام 1: 103.

______________________________

(1) المنتهى 1: 123، المدارك 2: 44، الذخيرة: 77، التذكرة 1: 36.

(2) المنتهى 1: 123، التذكرة 1: 35.

(3) جامع المقاصد 1: 346، نهاية الاحكام 1: 130.

(4) المقنعة: 57، الخلاف 1: 246، المبسوط 1: 68.

(5) النهاية: 29، مصباح المتهجد: 11، الاقتصاد: 247.

(6) المراسم: 44، السرائر 1: 156، المهذب 1: 39، الشرائع 1: 35.

(7) النافع: 11، المعتبر 1: 252، القواعد 1: 16، جامع المقاصد 1: 346.

(8) رواية الخلقاني و رواية السكوني المتقدمتين في ص 43.

(9) الكافي: 129، الغنية (الجوامع الفقهية): 550، الوسيلة: 61، الجامع: 44.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 46

أنه ليس بنفاس، للأصل، و الخبرين الأولين «1»، و ما بمعناهما المعلّق ترك الصلاة على الولادة المتبادر منها خروج تمام الولد.

و تظهر الفائدة فيما لو لم تر دما بعد خروج التمام.

و الحقّ هو الأول،

لما مرّ، و الشك في توقّف صدق الولادة على خروج التمام، بل في اللوامع: و كأنّ صدق الولادة بخروج جزء من الولد ممّا لا ريب فيه. هذا.

ثمَّ إنّ ظاهر الأخبار و مقتضى الأصل و لزوم العبادة: اختصاص النفاس في الدم الخارج مع ما يسمّى ولدا، لا مثل المضغة و العلقة و النطفة. فإلحاقها به مطلقا، أو مع العلم بكونها بدء نشوء آدميّ، أو إلحاق الأول خاصة كذلك- كما ذهب إلى كلّ بعض [1]- ضعيف خال عن الدليل، و العلم بمبدئيّة نشوء الإنسان غير كاف، و كونه دما عقيب الحمل غير مفيد، و الإجماع المحكي عن التذكرة «2» في بعض الصور لا حجية فيه.

الثالثة:

لا حدّ لأقلّ النفاس بالإجماع، له، و للأصل، و خبر المرادي: عن النفساء كم حدّ نفاسها حتى تجب عليها الصلاة، و كيف تصنع؟ قال: «ليس لها حدّ» «3».

و في صحيحة ابن يقطين: عن النفساء «تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط» «4».

خرج منهما طرف الكثرة الثابت فيه التحديد بالإجماع، و النصوص، فيبقى جانب القلّة. فيجوز أن يكون لحظة، بل يجوز أن لا ترى دما كما في قضية

______________________________

[1] فذهب في القواعد 1: 16 إلى كفاية المضغة، و قال في الدروس 1: 100 يكفي المضغة دون العلقة إلّا أن تشهد أربع نساء عدول بأنها مبدأ الولد.

______________________________

(1) موثقة عمار و مرسلة الفقيه المتقدمتين في ص 43.

(2) التذكرة 1: 35.

(3) التهذيب 1: 180- 516، الاستبصار 1: 154- 533، الوسائل 2: 382 أبواب النفاس ب 2 ح 1.

(4) التهذيب 1: 174- 497، الوسائل 2: 387 أبواب النفاس ب 3 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 47

الجفوف [1]، و حينئذ لا يثبت النفاس بالأصل و الإجماع.

و

جعل مجرد خروج الولد حدثا أكبر أو أصغر- كبعض العامة [2]- تشريع مردود.

و أكثره العشرة، وفاقا للمحكي عن والد الصدوق [3]، و المقنع، و المقنعة، و الشيخ، و القاضي «1»، و الحلّي و الحلبي، و المحقّق «2»، و الجعفي، و ابن طاوس [4]، و الفاضل في غير المختلف، و الشهيد «3»، و أكثر المتأخرين، و نسبه الكركي، و الهندي «4»- بل عن المبسوط- إلى الأكثر، لمرسلتي المفيد، و الرضوي المنجبر ضعفها بما ذكر.

الاولى نقلها في المقنعة: «إنّ أقصى مدة النفاس عشرة أيام» «5».

و الثانية نقلها عنه الحلّي في أوائل السرائر: «لا يكون دم نفاس زمانه أكثر من زمان الحيض» «6».

و الثالثة: «و النفساء تدع الصلاة أكثره مثل أيام حيضها و هي عشرة أيام، و تستظهر بثلاثة أيام، ثمَّ تغتسل، فإن رأت الدم عملت كما تعمل

______________________________

[1] إشارة إلى ما نقله في المعتبر 1: 253 قال: و قد حكي أن امرأة ولدت على عهد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فلم تر دما فسميت الجفوف.

[2] نسبه في المغني 1: 242 إلى أحد وجهي الشافعية.

[3] نقل عنه في المختلف: 41.

[4] نقل في الذكرى: 33 عن الجعفي في «الفاخر» و ابن طاوس القول برجوع النفساء إلى عادتها في الحيض، و هو يدل على قولهما بعدم زيادة النفاس عن العشرة، بالتقريب الذي سيذكره في المتن.

______________________________

(1) المقنع: 16، المقنعة: 57، المبسوط 1: 69، النهاية: 29، المهذب 1: 39.

(2) السرائر 1: 154، الكافي: 129، الشرائع 1: 35.

(3) المنتهى 1: 124، التذكرة 1: 36، القواعد 1: 16، الذكرى: 33، الدروس 1: 100.

(4) جامع المقاصد 1: 347، كشف اللثام 1: 103.

(5) المقنعة: 57.

(6) السرائر 1: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 48

المستحاضة»

«1».

و المعتبرة المتكثّرة جدّا، الآتية بعضها، المصرّحة بأنّها تجلس بقدر حيضها و تغتسل بعده، و أنه يغشاها زوجها بعد مضي عدة حيضها «2»، فإنّها صريحة في عدم التجاوز عن العشرة و إن جاز الأقلّ أيضا، إذ لا تقعد حائض أكثر من العشرة و لو كانت مبتدأة أو مضطربة.

و ما يأتي «3» من مرفوعة إبراهيم و خبر المنتقى، المصرّحين بكون أكثره أقلّ من ثمانية عشر، إذ لا قول بغير العشرة في الأقلّ منها.

و بما ذكر يخصّص عموم صحيحة ابن يقطين، المتقدّمة.

خلافا للمختلف «4»، و للمحكي عن الفقيه، و السيد «5»، و الإسكافي «6»، و الديلمي «7»، فجعلوه ثمانية عشر مطلقا، و هو قول آخر للمفيد [1] أيضا.

للصحاح الدالّة على جلوس أسماء في النفاس ثمانية عشر يوما، و أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إيّاها بالغسل بعد مضيّ الثمانية عشر «8».

و موثّقة ابن مسلم: عن النفساء كم تقعد؟ قال: «إنّ أسماء نفست، فأمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أن تغتسل في ثمانية عشر، فلا بأس أن تستظهر بيوم أو

______________________________

[1] قال في المقنعة: 57 و أكثر أيام النفاس ثمانية عشر يوما، فإن رأت الدم النفساء اليوم التاسع عشر من وضعها الحمل فليس ذلك من النفاس إنما هو استحاضة فلتعمل بما رسمناه للمستحاضة و تصلي و تصوم، و قد جاءت الأخبار معتمدة في أن أقصى مدة النفاس هو عشرة أيام و عليها أعمل لوضوحها عندي.

______________________________

(1) فقه الرضا: 191، المستدرك 2: 47 أبواب النفاس ب 1 ح 1.

(2) انظر الوسائل 2: 382 أبواب النفاس ب 3.

(3) في ص 49، 50.

(4) المختلف: 41.

(5) الفقيه 1: 55، الانتصار: 35، الناصريات (الجوامع الفقهية): 191.

(6) نقله في المعتبر 1: 253.

(7)

المراسم: 44.

(8) انظر الوسائل 2: 384 أبواب النفاس ب 3 ح 6، 15، 19.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 49

يومين» «1».

و المرويّتين في العيون و العلل:

الاولى: «النفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوما، فإن طهرت قبل ذلك صلّت، و إن لم تطهر حتى تجاوز ثمانية عشر يوما اغتسلت و صلّت» «2».

و الثانية في علّة قعود النفساء ثمانية عشر: «لأنّ الحيض أقلّه ثلاثة أيام و أوسطه خمسة و أكثره عشرة، فأعطيت أقلّه و أوسطه و أكثره» «3».

و صحيحتي ابن مسلم و سنان:

الاولى: كم تقعد النفساء حتى تصلّي؟ قال: «ثماني عشرة، سبع عشرة» «4».

و الثانية: «تقعد النفساء تسع عشرة ليلة، فإن رأت دما صنعت كما تصنع المستحاضة» «5».

و يجاب عن الأول: بمنع الدلالة، إذ ليس فعلها حجة، و لم يثبت تقرير لها عليه من الحجة، بل المصرّح به في بعض الأخبار أنّ قعودها للجهل، و أنها لو سألته صلّى اللّه عليه و آله، قبل الثمانية عشر لأمرها بالاغتسال.

ففي مرفوعة إبراهيم: سألت امرأة أبا عبد اللّه عليه السلام، فقالت: إنّي كنت أقعد في نفاسي عشرين يوما حتى أفتوني بثمانية عشر يوما، فقال أبو عبد اللّه

______________________________

(1) التهذيب 1: 180- 515 و 178- 511، الوسائل 2: 387 أبواب النفاس ب 3 ح 15.

(2) العيون 2: 124، الوسائل 2: 390 أبواب النفاس ب 3 ح 24.

(3) العلل: 291، الوسائل 2: 390 أبواب النفاس ب 3 ح 23.

(4) التهذيب 1: 177- 508، الاستبصار 1: 152- 528، الوسائل 2: 386 أبواب النفاس ب 3 ح 12.

(5) التهذيب 1: 177- 510، الاستبصار 1: 152- 530، الوسائل 2: 387 أبواب النفاس ب 3 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص:

50

عليه السلام: «و لم أفتوك بثمانية عشر؟» فقال رجل: للحديث الذي روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أنه قال لأسماء حين نفست بمحمد بن أبي بكر، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إنّ أسماء سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و قد أتى لها ثمانية عشر يوما، و لو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل و تفعل ما تفعله المستحاضة» «1».

و في المروي في المنتقى: في امرأة محمد بن مسلم، حيث قال: إنّ أصحابنا ضيّقوا عليّ فجعلوها ثمانية عشر يوما، فقال أبو جعفر عليه السلام: «من أفتاها بثمانية عشر يوما؟» قال، فقلت: الرواية التي رووها في أسماء- إلى أن قال-: فقال أبو جعفر عليه السلام: «إنها لو سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبل ذلك و أخبرته لأمرها بما أمرها به» قلت: فما حدّ النفساء؟ قال: «تقعد أيامها التي كانت تطمث فيهن أيام أقرائها، فإن هي طهرت استظهرت بيوم أو يومين أو ثلاثة» «2» الحديث.

و في هاتين الروايتين إشعار بل دلالة على كون الثمانية عشر قولا مشهورا بين العامة [1].

و يشعر به أيضا عدوله عليه السلام في الموثّقة من الجواب إلى الحكاية.

و يدلّ عليه حمل الشيخ هذه الأخبار على التقية «3».

و منه يظهر وجه آخر للجواب عن تلك الصحاح و عن جميع ما تعقّبها من الأدلّة، لمعارضتها مع ما مرّ، فيرجّح ما يخالف التقية. مع ما مرّ من موافقة

______________________________

[1] لم نعثر على هذا القول في كتبهم، و المنسوب إليهم هو القول بالأربعين و هو المشهور بينهم و لهم أقوال أخر من الخمسين و الستين و السبعين. انظر بداية المجتهد 1: 52، المغني 1: 345، بدائع الصنائع 1: 41،

مغني المحتاج 1: 120، و انظر الخلاف 1: 244 للشيخ الطوسي.

______________________________

(1) الكافي 3: 98 الحيض ب 12 ح 3، التهذيب 1: 178- 512، الاستبصار 1: 153- 532 الوسائل 2: 384 أبواب النفاس ب 3 ح 7.

(2) منتقى الجمان 1: 235، الوسائل 2: 386 أبواب النفاس ب 3 ح 11.

(3) التهذيب 1: 178، الاستبصار 1: 153.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 51

عمومات الكتاب الآمرة بالعبادة في الزائد عن العشرة.

مضافا إلى ما في الثاني [من عدم الدلالة] [1] لا في الحكاية و لا في المحكي، و هو ظاهر.

بل و كذا الثالث، إذا نفي قعود الأكثر من الثمانية عشر لا يفيد القعود بقدرها، و مفهوم قوله: «فإن طهرت» إنما كان مفيدا لو لم يعقبه قوله: «و إن لم تطهر».

و الرابع، لاحتمال أن يكون غرضه إعطاء الناس دون الشارع، و لم يصرّح اتقاء.

و الخامس، لظهوره في التخيير الذي هو غير المطلوب و لا قائل به، فهو بالشذوذ خارج عن الحجية أيضا.

و منه يظهر وجه قدح في السادس أيضا لتغاير ثمانية عشر يوما مع تسع عشرة ليلة.

و للمحكي عن العماني «1»، فجعله أحدا و عشرين، و في المعتبر عن كتاب البزنطي رواية دالّة عليه «2».

و هو بالشذوذ مجاب بل للإجماع مخالف، لأن قوله- للإجماع على نفي الزائد عن ثمانية عشر- غير قادح.

و به و بالموافقة للعامة يجاب عن الأخبار المتضمّنة للثلاثين أو الأربعين أو ما زاد عنهما «3».

الرابعة:

ما ذكر حدّا للنفاس في طرف الكثرة إنّما هو أقصى مدته، يعني أنه لا يكون أكثر منه. و أمّا كلّ من اتّصل دمها إلى هذا الحدّ فليست بنفساء على

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

______________________________

(1) نقل عنه في المعتبر 1: 253.

(2)

المعتبر 1: 253.

(3) انظر الوسائل 2: 387 ب 3 ح 16، 17، 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 52

الأظهر، وفاقا للجعفي «1» و من تعقبه من القائلين «2» بالعشرة، و المختلف «3» من الذاهبين إلى الثمانية عشر.

بل غير المعتادة عددا تتنفس إلى أقصى المدة، لعموم صحيحة ابن يقطين «4» و الرضوي المتقدّم «5»، الخاليين عن المخصّص فيهما.

و لا يرجع هنا إلى التمييز أو عادة النساء أو الروايات، للأصل.

و ما ورد في موثّقة أبي بصير «6» من الرجوع إلى الأم أو الأخت شاذ متروك.

نعم، يرجع إليها في التحيّض في الشهر الثاني لو اتّصل دمها إليه، لإطلاق أدلّتها.

و المعتادة عددا تتنفس بعادتها و تغتسل بعدها، لتظافر المعتبرة من النصوص عليه، كصحيحة زرارة «7»، و موثّقته «8»، و موثّقة يونس «9»، و قويّة ابن أعين «10»، و خبر عبد الرحمن بن أعين «11»، و غيرها. و بها يخصّص الصحيحة و الرضوي.

و أمّا المرسلتان «12» المحدّدتان لأقصى النفاس: فلا تدلّان إلّا على أنّ أكثره

______________________________

(1) نقل عنه في الذكرى: 33.

(2) تقدم ذكرهم في ص 47.

(3) المختلف: 41.

(4) المتقدمة في ص 46.

(5) في ص 47.

(6) التهذيب 1: 403- 1262، الوسائل 2: 389 أبواب النفاس ب 3 ح 20.

(7) التهذيب 1: 173- 495، الوسائل 2: 382 أبواب النفاس ب 3 ح 1.

(8) الكافي 3: 99 الحيض ب 12 ح 6، الوسائل 2: 384 أبواب النفاس ب 3 ح 5.

(9) الكافي 3: 99 الحيض ب 12 ح 5، التهذيب 1: 175- 500، الاستبصار 1: 152- 525 الوسائل 2: 385 أبواب الحيض ب 3 ح 8.

(10) التهذيب 1: 176- 505، الاستبصار 1: 152- 525، الوسائل 2: 383 أبواب النفاس ب 3 ح 4.

(11)

الكافي 3: 98 الحيض ب 12 ح 2، الوسائل 2: 385 أبواب النفاس ب 3 ح 9.

(12) المتقدمتان في ص 47.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 53

ذلك، و ذلك لا ينافي وجود الأقلّ.

و منه يستفاد إمكان حمل قول من تقدّم على الجعفي أيضا [1] بل بعض من تأخّر عن المختلف [2]، على المختار في ذلك، فإنّهم لم يذكروا إلّا أنّ ذلك أكثره.

و يؤيّده: استدلال جمع ممّن صرّح بذلك بأخبار الرجوع إلى العادة.

ثمَّ مع انقطاع دم المعتادة على العادة أو الأقلّ لا كلام، و إلّا فتستظهر بيوم، أو يومين، أو ثلاثة، أو تمام العشرة، لوروده في الأخبار «1». استحبابا، لعدم ثبوت الزائد عليه منها.

و حكم ما بين أيام العادة و أقصى النفاس حكم ما بينها و بين أقصى الحيض، على ما صرّح به جماعة [3].

و هو محلّ نظر، لعدم ثبوت المساواة الكلية بين الحيض و النفاس، و تصريح قويّة مالك، المتقدّمة [4] في آخر مسائل الحيض بعدم نفاسية ما بعد أيام الاستظهار للمعتادة مطلقا، سواء تجاوز الدم العشرة أو لم يتجاوز، و هي أخص من سائر أخبار النفاس في المورد.

و بها يندفع الاستصحاب المتمسك به في الحيض.

و انعقاد الإجماع على التنفس مع عدم التجاوز غير معلوم، و الاستشكال فيه مصرّح به في كلام بعضهم «2».

نعم، قيل: يشعر بعض العبارات بالإجماع عليه «3»، و الظاهر أنّ مثله لا يصلح حجة لرفع اليد عن عموم الخبر.

______________________________

[1] يعني من تقدم ذكرهم على الجعفي في ص 47 و هم الصدوقان و المفيد و غيرهم:

[2] و هم الصدوق و الإسكافي و السيد .. راجع ص 48.

[3] منهم العلامة في التحرير 1: 16، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 11.

[4] في

ج 2: 497، و هي قويّة ابن أعين المتقدمة في الصفحة السابقة.

______________________________

(1) انظر الوسائل 2: 382 أبواب النفاس ب 3.

(2) الرياض 1: 51، الحدائق 3: 325.

(3) قاله في الرياض 1: 51.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 54

فالظاهر عدم التنفس بعد أيام الاستظهار مع اختياره، و بعد العادة مع ترك الاستظهار مطلقا، و إن كان الاحتياط مع عدم التجاوز عن العشرة حسنا جدّا.

الخامسة:

إنما يحكم بالتنفس في أيام العادة للمعتادة أو العشرة لغيرها مع وجود الدم فيها، بل أو في طرفيها، على الأظهر المصرّح به في كلام جماعة، و هو المحكي عن المبسوط، و الخلاف، و الإصباح، و المهذب، و الجواهر «1»، و السرائر، و الجامع، و الشرائع، و المعتبر «2»، بل الظاهر كونه إجماعيا.

لاستصحاب التنفس، و إطلاق صحيحة ابن مسلم: «أقلّ ما يكون:

عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم» «3».

و تردّد فيه بعض متأخّري المتأخّرين «4»، بناء على تجويزه أقلّية الطهر المتخلّل في الحيض عن العشرة. و هو ضعيف.

و منهم من تردّد في ثبوت حدّ لأقلّ الطهر في النفاس، لعدم الدليل «5».

و هو محجوج بالصحيحة و ما بمضمونها.

و لو رأته في أحد الطرفين خاصة فلا شك في عدم تنفسها في الخالي عن الدم متقدّما أو متأخّرا، و لا في تنفسها وقت الدم.

أمّا إن كان هو الطرف الأول: فظاهر.

و إن كان الآخر: فلظاهر الإجماع، و عموم مفهوم موثّقة عمّار، المتقدّمة «6» الدالّة على نفاسية كلّ دم خارج إذا ولدت، خرج ما يخرج بعد مضي أكثر النفاس

______________________________

(1) المبسوط 1: 69، الخلاف 1: 248، المهذب 1: 39، جواهر الفقه: 17.

(2) السرائر 1: 155، الجامع: 45، الشرائع 1: 35، المعتبر 1: 256.

(3) الكافي 3: 76 الحيض ب

1 ح 4، التهذيب 1: 157- 451، الاستبصار 1: 131- 452 الوسائل 2: 297 أبواب الحيض ب 11 ح 1.

(4) الحدائق 3: 325.

(5) الذخيرة: 79.

(6) في ص 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 55

بالإجماع فيبقى الباقي. و تخصيص دلالتها بما كان عقيب الولادة عرفا، و منعه في بعض صور المورد لا وجه له.

و لو رأته في أحدهما و الوسط، فتنفس بوقت الدمين و بما بينهما أيضا، لما سبق.

السادسة:

لو لم تر دما إلّا بعد العشرة فليس من النفاس على المختار في عدد الأكثر، و به صرّح جماعة «1»، لأنّ ابتداء الحساب من الولادة دون الرؤية، و إلّا لم تتحدّد مدة التأخير، و تدلّ عليه قويّة مالك «2»، و هي و إن وردت في ابتداء أيام العادة إلّا أنه لا قول بالفصل البتة.

و يؤيّده قوله في خبر الفضلاء: «إنّ أسماء سألت عن الطواف بالبيت و الصلاة، قال: منذ كم ولدت؟» «3».

و منه يظهر أنه لو رأته المعتادة لأقلّ العشرة قبلها و بعد العادة فليس من النفاس أيضا، وفاقا ظاهرا لكلّ من اعتبر العادة مع التجاوز عن العشرة. و على الأظهر بدونه. و إن كان ظاهر الأكثر خلافه، بل قيل بإشعار بعض العبارات بالإجماع عليه «4»، و لا دليل له. و حكاية الإشعار المذكورة لا تصلح لتقييد إطلاق القويّة التي هي دليلنا على عدم تنفسها.

لا ما ذكره بعضهم- بعد التردّد في نفاسية ما نحن فيه- دليلا له من الشك في صدق دم الولادة عليه، مع كون وظيفتها الرجوع إلى العادة التي لم تر فيها شيئا [1]، إذ لا دليل على إناطة الحكم بدم الولادة سوى ما قد يفسّر النفاس به في

______________________________

[1] قال في الرياض 1: 51:

للشك في صدق دم الولادة عليه مع كون وظيفتها الرجوع إلى أيّام العادة ..

______________________________

(1) منهم القاضي في المهذب 1: 39، و ابن سعيد في الجامع: 45.

(2) المتقدمة في ج 2: 497، و تقدم مصدرها في ص 53 من هذا المجلّد أيضا.

(3) التهذيب 1: 179- 514، الوسائل 2: 388 أبواب النفاس ب 3 ح 19.

(4) الرياض 1: 51.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 56

كلام الأصحاب: بأنه دم الولادة، و مجرّد ذلك لا يصير مرجعا للأحكام، مع أنه يكتفي في الإضافة بأدنى الملابسة.

بل المناط الإجماع و الأخبار، و لا شك في دلالة مفهوم الموثّقة «1» على نفاسية هذا الدم.

مع أنه لو كان موجبا للاستشكال، لما اختصّ بما ذكر، بل يجري في غير المعتادة و معتادة العشرة إذا رأت في العاشر، لعدم تفاوت الصدق بكونها معتادة أو غير معتادة. بل في معتادة الثمانية مثلا لو رأت في الثامن، لاتّحاد منشأ التشكيك.

و أمّا أخبار الرجوع إلى العادة: فهي إنّما وردت فيمن رأت الدم في أيامها، أو في النفساء فيها، فلا دلالة لها على من لم تر الدم، أو لم تكن فيها نفساء.

السابعة:

لو رأت الدم بعد انقضاء أيام نفاسها متّصلا معها أو منفصلا، فإن كان بعد تخلّل أقلّ الطهر بينها و بينه، فحكمها حكم غير النفساء من التحيّض به و عدمه، فتتحيّض المعتادة لو صادف العادة، و غيرها إن جامع الوصف، و لا تتحيّض بدونهما على ما مرّ.

و إن لم يتخلّل فلا تتحيّض و إن صادف العادة أو الوصف، لقوله عليه السلام في رواية يونس- بعد أمر النفساء بالقعود أيام القرء و الاستظهار تمام العشرة-: «فإن رأت دما صبيبا فلتغتسل عند وقت كلّ صلاة» «2» الحديث.

و قوله في

القوية: «فلا بأس بعد أن يغشاها زوجها» «3» إلى غير ذلك.

و لو عورضت بأخبار الوصف و العادة، لم تنفع أيضا، لوجوب الرجوع إلى أصالة عدم التحيّض، مضافا إلى صحيحة ابن مسلم، المتقدّمة «4».

______________________________

(1) أي موثقة عمّار المتقدمة في ص 43.

(2) التهذيب 1: 175- 502، الاستبصار 1: 151- 522، الوسائل 2: 383 أبواب النفاس ب 3 ح 3.

(3) تقدم مصدرها في ص 53.

(4) في ص 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 57

الثامنة:

ذات التوأمين فصاعدا إن رأت الدم مع أحدهما خاصة، فهو نفاسة إن اجتمع معه شرائطه. و إن لم يجمعها لم يكن له نفاس.

و إن رأته معهما مجتمعين للشرائط، فإن لم يتجاوز جميعهما عن أقصى النفاس و اتّصل الدمان فلا إشكال، إلّا في تعيين كونهما نفاسا واحدا أو نفاسين، و لا تترتّب عليه فائدة.

و إن لم يتّصلا فيحصل الإشكال في أيام النقاء، فإن جعلنا هما نفاسا واحدا للاستصحاب و قضية أقلّ الطهر تكون فيها نفساء، و إن جعلناهما نفاسين كما هو مقتضى مفهوم قوله: «تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط» في صحيحة ابن يقطين «1» تكون فيها طاهرة. و الأمران محتملان، إلّا أن يدفع الاستصحاب بالمفهوم، و يمنع اشتراط تخلّل أقلّ الطهر بين النفاسين، كما صرّح به الفاضل الهندي «2»، فيتعيّن الثاني حينئذ.

و لكن لا أرى دليلا تاما لتخصيص عمومات أقلّ الطهر- التي منها صحيحة ابن مسلم، الشاملة للنفاسين أيضا- بغير ذلك المورد، فلا ينبغي ترك الاحتياط.

و إن تجاوز المجموع عن الأقصى، فمع تخلّل أكثر النفاس بين أولهما و إن كان بعيدا يكونان نفاسين، لعدم إمكان جعلهما نفاسا واحدا، و هو ظاهر، و لا تخصيص أحدهما بالنفاس، لعمومات التنفس بالولادة، فيؤخذ الأقصى لكلّ

منهما من أوله، و يكون الزائد عن الأقصى المتخلّل بينهما طهرا و إن نقص عن أقلّه، إذ لا يمكن جعله نفاسا، و لا إخراج الثاني عن النفاسية، لمخالفتهما الإجماع و عمومات أقصى النفاس و نفاسية دم الولادة.

و مع عدم تخلّله بين الأولين فيحتمل تعدّد النفاس، فيكون لكلّ منهما

______________________________

(1) تقدم مصدرها في ص 46.

(2) كشف اللثام 1: 105.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 58

حكمه و وحدته، فيسقط الزائد عن الأقصى من الآخر.

و عن الناصريات [1]، و المبسوط، و الخلاف، و الوسيلة «1»، و المهذب، و الجواهر، و السرائر «2»، و الإصباح، و الجامع، و الشرائع «3»: جعل كلّ منهما نفاسا على حدة، فبدأ بالنفاس من الأول و تستوفي العدد من الثاني.

و لم أعثر له على دليل، و الاستناد إلى العمل بالعلّة [2] عليل.

و حكم الأجزاء المنقطعة من الولد الواحد حكم التوأمين، فتأمل.

البحث الثاني: في أحكامه:

قالوا: النفساء كالحائض في كلّ حكم واجب، و مندوب، و محرّم، و مكروه، و مباح، بلا خلاف فيه بين أهل العلم، كما في المنتهى و التذكرة، و المعتبر «4»، و بالإجماع، كما في اللوامع.

و الظاهر كونه إجماعيا، فهو الحجة فيه.

مضافا في تحريم الصلاة إلى المستفيضة من النصوص «5»، و في حرمة الوطء إلى القوية «6»، و فيهما و في حرمة الصوم، و في وجوب قضاء الصوم دون الصلاة إلى المروي في الدعائم المنجبر ضعفه بما مرّ: روينا عن أهل البيت عليهم السلام:

______________________________

[1] نقله عنه في كشف اللثام 1: 105، قال في الناصريات (الجوامع الفقهية): 191 و الذي يقوي في نفسي أن النفاس يكون من مولد الأول. فتأمل.

[2] قال في الحدائق 3: 332 قد صرح جملة من الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- بأن ذات التوأمين

فصاعدا يتعدد نفاسها عملا بالعلة لانفصال كل من الولادتين عن الأخرى فلكل نفاس حكم نفسه.

______________________________

(1) المبسوط 1: 69، الخلاف 1: 247، الوسيلة: 62.

(2) المهذب 1: 39، جواهر الفقه: 17، السرائر 1: 156.

(3) الجامع: 45، الشرائع 1: 35.

(4) المنتهى 1: 126، التذكرة 1: 36، المعتبر 1: 257.

(5) انظر الوسائل 2: 382 أبواب النفاس ب 3.

(6) قوية مالك بن أعين المتقدم مصدرها في ج 2: 497 و ص 52، 53 من هذا المجلّد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 59

«إن المرأة إذا حاضت أو نفست حرمت عليها أن تصلّي و تصوم، و حرم على زوجها وطؤها حتى تطهر من الدّم» إلى أن قال: «فإذا طهرت كذلك قضت الصوم و لم تقض الصلاة، و حلّت لزوجها» «1».

و في جميع المستحبات و المكروهات إلى الجماعات المنقولة الكافية في إثباتهما، و في المباحات إلى الأصل.

و قد يستدلّ أيضا للجميع: بكون النفاس دم الحيض المحتبس.

و بصحيحة زرارة، و فيها- بعد حكمه عليه السلام بقعود النفساء بقدر حيضها و استظهارها بيومين، و عمل المستحاضة بعد ذلك-: قلت: فالحائض؟

قال: «مثل ذلك سواء» «2».

و فيهما نظر.

أمّا الأول: فلمنع إيجاب ذلك للاتّحاد في جميع الأحكام.

و أمّا الثاني: فلأنه ظاهر في المثلية و التساوي فيما ذكر قبل ذلك لا في كلّ حكم.

ثمَّ المراد بالتساوي المذكور أصالته، فلا ينافي ثبوت الاختلاف في بعض الأحكام بدليل، كما في الأقلّ عند الكلّ، و في الأكثر عند البعض، و في الرجوع إلى وقت العادة و التمييز و النساء و الروايات، و اشتراط تخلّل أقلّ الطهر مطلقا، و الدلالة على البلوغ، و امتناع المجامعة مع الحمل عند بعض القائلين بالامتناع في الحيض، و المدخلية في انقضاء العدة إلّا في النادر [1].

______________________________

[1]

كما في الحامل من الزنا إذا طلقها زوجها، فإنه لو تقدمها قرءان سابقان على الوضع بناء على مجامعة الحيض للحمل ثمَّ رأت بعد الوضع نفاسا عدّ في الأقراء و انقضت به العدة، و لو لم يتقدمه قرءان عد في الأقراء. الحدائق 3: 326.

______________________________

(1) دعائم الإسلام 1: 127، المستدرك 2: 31 أبواب الحيض ب 30 ح 4.

(2) الكافي 3: 99 الحيض ب 12 ح 4، التهذيب 1: 173- 496، الوسائل 2: 373 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 60

الفصل الخامس: في غسل المس
اشارة

و هو يجب على من مسّ ميتا آدميا، على الحقّ المشهور جدّا، للمستفيضة من الصحاح و غيرها، كصحيحة محمد: الرجل يغمض الميت أ عليه غسل؟

فقال: «إذا مسّه بحرارته فلا، و لكن إذا مسّه بعد ما برد فليغتسل» [1].

و صحيحة عاصم: «إذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل» «1».

و في صحيحة ابن جابر بعد سؤاله أنّ من مسّه فعليه الغسل: «أما بحرارته فلا بأس، إنما ذاك إذا برد» «2».

و في صحيحة معاوية: «إذا مسّه و هو سخن لا غسل عليه، فإذا برد فعليه الغسل» «3».

و في حسنة حريز: «و إن مسّه ما دام حارا فلا غسل عليه، فإذا برد ثمَّ مسّه فليغتسل» «4».

و خبر سماعة: «غسل من مسّ ميتا واجب» «5» إلى غير ذلك.

______________________________

[1] الكافي 3: 160 الجنائز ب 31 ح 2 و فيه: يغمض عين الميت .. التهذيب 1: 428- 364 الوسائل 3: 289 أبواب غسل المس ب 1 ح 1.

______________________________

(1) التهذيب 1: 429- 1265، الاستبصار 1: 100- 324، التهذيب 3: 290 أبواب غسل المس ب 1 ح 3.

(2) التهذيب 1: 429- 1366، الوسائل 3: 290 أبواب غسل المس ب 1 ح

2.

(3) التهذيب 1: 429- 1367، التهذيب 3: 290 أبواب غسل المس ب 1 ح 4.

(4) الكافي 3: 160 الجنائز ب 31 ح 1، التهذيب 1: 108- 283، الاستبصار 1: 99- 321 التهذيب 3: 292 أبواب غسل المس ب 1 ح 14.

(5) الكافي 3: 40 الطهارة ب 26، الفقيه 1: 45- 176، التهذيب 1: 104- 270 الوسائل 3: 293 أبواب غسل المس ب 1 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 61

خلافا للمحكي عن السيد [1] في المصباح، و شرح الرسالة، فقال بالاستحباب- و يظهر من الخلاف «1» وجود قائل به قبله أيضا- للأخبار الدالّة على أنه سنّة ليس بفريضة «2».

و رواية زيد: «الغسل من سبعة: من الجنابة و هو واجب، و من غسل الميت و إن تطهرت أجزأك» «3».

و التوقيع المروي في الاحتجاج: روي لنا عن العالم أنه سئل عن إمام صلّى بقوم بعض صلاتهم و حدثت عليه حادثة، كيف يعمل من خلفه؟ فقال: «يؤخّر و يتقدّم بعضهم و يتمّ صلاتهم و يغتسل من مسّه» التوقيع: «ليس على من مسّ إلّا غسل اليد» [2].

و يجاب عن الأول: بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية للسنّة، فيحمل على ما هو معناها في اللغة أي الطريقة، و المراد به ما جرت به الطريقة النبوية، بل هو المراد من أكثر استعمالها في الأخبار، سيما إذا أطلقت في مقابل الفريضة التي يريدون منها ما ثبت وجوبه من الآيات القرآنية، و لا أقلّ من احتمال ذلك، سيما مع تعداده مع الأغسال التي هي واجبة بإجماع الأمة و جعلها أيضا من المسنونة.

و عن الثاني: بعدم صلاحيته للمعارضة، لموافقته العامّة [3] كما صرّح به الشيخ، و الفاضل «4»، و مخالفته الشهرة العظيمة.

______________________________

[1] نقل عنه

في المعتبر 1: 351.

[2] الاحتجاج: 482 و فيه: «ليس على من نحّاه إلّا غسل اليد»، الوسائل 3: 296 أبواب غسل المس ب 3 ح 4.

[3] نقله ابن حزم في المحلى 2: 23 عن أبي حنيفة و مالك و الشافعي و داود.

______________________________

(1) الخلاف 1: 222.

(2) انظر الوسائل 2: 176 أبواب الجنابة ب 1 ح 11 و 12، و الوسائل 3: 291 أبواب غسل المسّ ب 1 ح 7.

(3) التهذيب 1: 464- 1517، الوسائل 3: 291 أبواب غسل المسّ ب 1 ح 8.

(4) التهذيب 1: 464، التذكرة 1: 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 62

مضافا إلى احتمال إرادة غسل من أراد غسل الميت منه، فإنه مستحب، و يكون المعنى: الغسل الذي منشؤه غسل الميت. و كون المنشأ إرادته لا ينفي منشئيته. مع أنّ الحمل على غسل المس أيضا لا يخلو عن تقييد، لعدم استلزام غسل الميت لمسّه، بل عن تجوّز، لأن المنشأ ليس غسل الميت، بل المسّ الذي في ضمنه. مع أنه وقع في بعض الأخبار [1] المروية في الخصال: «و غسل من غسل الميت» «1»، معطوفا على غسل المس.

و عن الثالث: بأنه ظاهر في حال الحرارة و لا أقل من شموله لها، فيجب تخصيصه بها، إذ لا غسل مع المسّ بالحرارة، كما هو المجمع عليه بين الطائفة، و المصرّح به في الأخبار السالفة.

و منصوص عليه في التوقيع الآخر: و روي عن العالم: «أنّ من مسّ ميتا بحرارته غسل يده، و من مسّه و قد برد فعليه الغسل» و هذا الميت في هذه الحالة لا يكون إلّا بحرارته، و العمل في ذلك على ما هو؟ التوقيع: «إذا مسّه في هذه الحال لم يكن عليه إلّا غسل

يده» «2».

ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق ما تقدّم و إن كان وجوب غسل المسّ بعد البرد مطلقا، إلّا أنّ المجمع عليه بين الأصحاب- كما صرّح به غير واحد- اختصاصه بما قبل غسل الميت، و به تقيّد الإطلاقات.

مضافا إلى صحيحة الحلبي: «لا تغتسل من مسّه إذا أدخلته القبر، و لا إذا حملته» «3» فإنه لا يمكن أن يكون المراد قبل الغسل، لصحيحة الصفّار: «إذا

______________________________

[1] كالمروي في الخصال عن الصادق عليه السلام في تعداد الأغسال: «و غسل من مس الميت بعد ما يبرد و غسل من غسل الميت» و فيها أيضا عن أبي جعفر عليه السلام: «و إذا غسلت ميتا أو كفنته أو مسسته بعد ما يبرد». (منه رحمه اللّه).

______________________________

(1) الخصال: 603، الوسائل 3: 306 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 8.

(2) الاحتجاج: 482، الوسائل 3: 296 أبواب غسل المس ب 3 ح 5.

(3) التهذيب 1: 105- 273، الوسائل 3: 297، أبواب غسل المس ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 63

أصاب يدك جسد الميت قبل أن يغسل، فقد يجب عليك الغسل» «1».

فإنّ الثانية أخص من الاولى، لاختصاصها بما قبل الغسل، فتختص الاولى بما بعده.

مع أن في مفهومها أيضا تأييدا للمطلوب، كصحيحة محمد «2»، و خبر ابن سنان «3» النافيين للبأس عن مسّه و تقبيله بعد الغسل. و جعلهما دليلين لا يخلو عن مناقشة.

و أمّا ما رواه عمّار في الموثّق من اغتسال كلّ غاسل و ماسّ للميت و إن كان مغسولا «4». و تعليل نفي الغسل عمّن أدخله القبر في بعض الروايات «5»: بأنه يمس الثياب، فلمخالفته الإجماع لا يصلح لمعارضة ما مرّ.

و حمله الشيخ في التهذيبين على الاستحباب «6»، و احتمله في البحار «7».

و

ليس ببعيد.

و استبعاد بعض مشايخنا [1] لا وجه له.

و قوله: «لا تغتسل» في صحيحة الحلبي لكونه نهيا بعد الوجوب، ففي إفادته الزيادة على تجويز الترك كلام، مع أنّ كونه نفيا مستعملا في تجويز الترك محتمل.

______________________________

[1] قال في الحدائق 3: 329: .. فحمله في التهذيبين على الاستحباب، و فيه بعد.

______________________________

(1) التهذيب 1: 429- 1368، الوسائل 3: 297 أبواب غسل المس ب 4 ح 1.

(2) التهذيب 1: 430- 1370، الاستبصار 1: 100- 326، الوسائل 3: 295 أبواب غسل المس ب 3 ح 1.

(3) التهذيب 1: 430- 1372، الوسائل 3: 295 أبواب غسل المس ب 3 ح 2.

(4) التهذيب 1: 430- 1373، الاستبصار 1: 100- 328، الوسائل 3: 295 أبواب غسل المسّ ب 3 ح 3.

(5) الوسائل 3: 297 أبواب غسل المس ب 4 ح 4.

(6) التهذيب 1: 430، الاستبصار 1: 101.

(7) بحار الأنوار 79: 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 64

فروع:

أ: مقتضى الإطلاقات نصّا و فتوى: عدم الفرق في الممسوس بين المسلم و الكافر، و إن وجب في الأخير بعد غسله أيضا، لعدم كونه غسلا.

و احتمل في المنتهى، و التحرير، و نهاية الإحكام «1»، اختصاصه بالمسلم، لأنّ إيجابه قبل التغسيل- كما في بعض الأخبار «2»- يشعر بأنه إنما هو فيمن يقبله، فتحمل عليه المطلقات.

و فيه: أنه لا تنافي بين المطلق و المقيد هنا حتى يحمل.

ب: في وجوب الغسل بمسّ من تقدّم غسله على موته كالسرائر «3»، و عدمه كظاهر الأكثر قولان، و ظاهر المنتهى، و الذخيرة، و الحدائق «4»: التردّد.

و الحقّ هو الثاني، لعموم صحيحة الحلبي بالنسبة إلى المورد- و إن خرج عنه من يجب غسله قبل غسله لصحيحة الصفّار- المعارض مع المطلقات الموجب للرجوع

إلى الأصل.

و لذلك لا يجب الغسل أيضا بمسّ المغسول مع تعذّر الخليطين أو أحدهما على فرض صحته، و لا بمسّ الشهيد، و المتيمّم.

لا في الأول [1] لصدق الغسل المسقط لوجوب غسل المس، لفقد إطلاق دالّ على السقوط بعد الغسل حتى ينفع صدقه، مع أنه لو كان ينصرف إلى الشائع.

و لا في الثاني لظهور [2] بعض الأخبار في وجوبه بالتغسيل، و بعضها في

______________________________

[1] يعني ليس الدليل في الأول هو صدق الغسل و المراد من الأول هو مس المغسول مع تعذّر الخليط.

[2] إشارة إلى الوجوه التي استدل بها على عدم وجوب الغسل بمس الشهيد، انظر كشف اللثام 1:

141، الحدائق 3: 334.

______________________________

(1) المنتهى 1: 128، التحرير 1: 21، نهاية الاحكام 1: 173.

(2) مثل صحيحة الصفار المتقدمة في ص 62 الرقم 4.

(3) السرائر 1: 167.

(4) المنتهى 1: 128، الذخيرة: 91، الحدائق 3: 332.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 65

وجوبه بمسّ من يجب تغسيله قبل أن يغسّل، و ظهور نجاسة الميت بالموت و طهره بعد الغسل و مسقطات الغسل عن الشهيد في طهارته، فيكون كغيره من الأموات بعد الغسل، و أصالة البراءة، و عدم عموم في الأخبار، لظهور [1] ضعف الكل.

و لا في الثالث لعموم البدلية، لمنعه.

ج: الحقّ وجوب الغسل بمسّ عضو كمل غسله قبل إكمال الغسل، وفاقا للأكثر. لا للاستصحاب، لمعارضته مع استصحاب العدم. بل لعموم موجباته، و صدق المس قبل أن يغسّل الميت الموجب لغسل المسّ بخصوص صحيحة الصفّار «1».

و به تخصّص صحيحة الحلبي إن كان فيها عموم، و إلّا ففيه كلام، للشك في دخول مثل ذلك فيمن أدخل في القبر أو حمل إلّا بالفرض النادر الذي لا يلتفت إليه.

و خلافا للقواعد «2» و بعض آخر «3»،

للأصل، و صدق الغسل بالنسبة إلى العضو، و القياس على العضو المنفصل، و دوران وجوب الغسل لوجوب غسل اليد المنتفي في المقام.

و الأول: مدفوع بما مرّ.

و الثاني: بمنع كفايته، بل اللازم صدق غسل الميت الغير المتحقّق في المورد.

و الثالث: بعدم حجيته سيما مع وجود الفارق.

و الرابع: بمنع الدوران أولا، و منع انتفاء الثاني ثانيا، بل الحقّ وجوب غسل اليد بمسّ العضو المغسول أيضا قبل إكمال الغسل، و إن جعلنا نجاسة

______________________________

[1] علة للنفي المتقدم في قوله: و لا في الثاني لظهور ..

______________________________

(1) المتقدمة هي و صحيحة الحلبي في ص 62.

(2) القواعد 1: 22.

(3) كالشهيد في الدروس 1: 117.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 66

الميت عينيّة من وجه، و حكميّة من آخر، كما هو الحق المشهور، لمنع ارتفاع نجاسة هذا العضو قبل الإكمال، و لتصريح رواية إبراهيم بن ميمون بأنه «إن لم يغسّل الميت يغسل ما أصاب الثوب» «1» و لم يغسل الميت بعد و إن غسل عضو منه.

و عدم توقّف طهارة جزء من الخبث على طهارة جزء آخر إنما هو فيما إذا كان تطهيره بغسله الغير المشروط على النية، و أمّا فيما توقّف على الغسل المشروط بها، فلا نسلّم عدم التوقّف.

و منهم من أوجب غسل المسّ هنا دون غسل اللامس. و لا وجه صحيحا له.

د: يجب الغسل بمسّ قطعة ذات عظم مبانة، وفاقا للمحكي عن الفقيه، و الخلاف، و النهاية، و المبسوط، و السرائر «2»، و الإصباح، و الجامع، و النافع، و الشرائع «3»، بل هو المشهور كما هو المصرّح به في كلام جماعة «4»، بل عن الخلاف الإجماع عليه «5».

لمرسلة أيوب: «إذا قطع من الرجل قطعة فهو ميتة، فإذا مسّه إنسان فكلّ ما فيه

عظم فقد وجب على من يمسّه الغسل، و إن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه» «6».

و الرضوي: «و إن مسست شيئا من جسد أكله السبع فعليك الغسل إن

______________________________

(1) الكافي 3: 61 الطهارة ب 39 ح 5، التهذيب 1: 276- 811، الوسائل 3: 461 أبواب النجاسات ب 34 ح 1.

(2) الفقيه 1: 87، الخلاف 1: 701، النهاية: 40، المبسوط 1: 182، السرائر 1: 167.

(3) الجامع: 24، النافع: 15، الشرائع 1: 52.

(4) جامع المقاصد 1: 459، الروض: 115، الذخيرة: 91.

(5) الخلاف 1: 701.

(6) الكافي 3: 212 الجنائز ب 76 ح 4، التهذيب 1: 429- 1369، الاستبصار 1: 100- 325، الوسائل 3: 294 أبواب غسل المس ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 67

كان فيما مسست عظم، و ما لم يكن فيه عظم فلا غسل عليك في مسّه» «1».

و قطع الأول غير ضائر، كما أنّ ضعفهما بما ذكر منجبر. فخلاف المعتبر لما ذكر، و قوله بالاستحباب- تفصّيا عن طرح الرواية و كلام الشيخ- [1] غير سديد.

و مقتضى إطلاق الأوّل: عدم الفرق بين الإبانة من ميت أو حيّ، فعليه الفتوى و إن اختص كلام بعض من ذكر «2» بالأول، و بعضهم [2] بالثاني.

و لا غسل في مسّ ما لا عظم فيه من المبان بلا خلاف ظاهر، اتّباعا للأصل، و مقتضى صريح الخبرين.

و في مسّ العظم المجرد، أو السنّ، أو الظفر، فمع الاتّصال بالميت يجب، وفاقا في الأولين للمعظم، و في الثلاثة لبعضهم «3»، لصدق مسّ الميت عرفا.

و مع الانفصال و لو عن الميت لا يجب، للأصل. و قد يقال بالوجوب في الأولين للدوران و الاستصحاب.

و يردّ الأول: بمنع الحجية، لجواز كون العلّة مجموع العظم و

اللحم.

و الثاني: بتغيّر الموضوع، و المعارضة مع استصحاب العدم الأصلي.

و الظاهر عدم الوجوب في مسّ الشعر إلّا ما لم يطل منه، أو قرب البشرة، فالأحوط فيه الاغتسال.

و الماسّ في جميع ذلك كالممسوس [3].

ه: الظاهر من كلام جماعة «4» كون المسّ من الأحداث الموجبة لنقض

______________________________

[1] المعتبر 1: 353 قال: و إن قلنا بالاستحباب كان تفصيا من إطراح قول الشيخ رحمه اللّه و الرواية.

[2] كالإصباح على ما نقل عنه في كشف اللثام 1: 140.

[3] فالمس بالعظم الموضح و السن و الظفر يوجب الغسل للصدق، و كذا بالشعر ما لم يطل على إشكال فيه، و بما طال منه لا يجب. (منه رحمه اللّه).

______________________________

(1) فقه الرضا: 174، المستدرك 2: 492 أبواب غسل المس ب 2 ح 1.

(2) كالفقيه 1: 87، و السرائر 1: 167 و الشرائع 1: 52.

(3) روض الجنان: 115.

(4) انظر الحدائق 3: 339 و مفتاح الكرامة 1: 517.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 68

الوضوء المتوقّف ارتفاعها على الغسل، إمّا خاصة أو مع الوضوء، و هو صريح الشيخ في النهاية، و الحلّي، و الشهيد في الألفية «1»، بل (قيل) «2»: الظاهر أنه لا خلاف فيه بينهم «3».

و في المدارك: و أمّا غسل المسّ فلم أقف على ما يقتضي اشتراطه في شي ء من العبادات، فلا مانع أن يكون واجبا لنفسه «4».

أقول: كون المسّ ناقضا للوضوء غير اشتراط غسل المسّ في العبادة، و الظاهر اشتهار المطلبين، و لكن الثاني مدلول عليه في خصوص الصلاة في الرضوي: «إذا اغتسلت من غسل الميت فتوضّأ، ثمَّ اغتسل كغسلك من الجنابة، و إن نسيت الغسل فذكرته بعد ما صلّيت فاغتسل و أعد صلاتك» «5».

و ضعفه بالشهرة منجبر، فيفتى به في الصلاة خاصة دون

غيرها من العبادات.

و أمّا الأول: فلم أقف على دليل فيه، و الإجماع المركّب غير ثابت، و الأمر بالتوضّؤ في الرضوي يحمل على الاستحباب قطعا، لعدم وجوب تقديمه.

و كذا قوله: «كلّ غسل قبله وضوء» «6» مع أنه لا دلالة فيه على الوجوب أصلا كما مرّ.

و مع ذلك لا بدّ إمّا من تقييده بأن لم يكن له وضوء، أو تخصيصه بغير الأغسال المندوبة، و لا مرجّح لأحدهما، فلا يصلح للاستدلال.

______________________________

(1) النهاية: 19 السرائر 1: 112، الألفية: 25.

(2) ليست في «ح».

(3) كما قاله في الحدائق 3: 339.

(4) المدارك 1: 16.

(5) فقه الرضا: 175، المستدرك 2: 494 أبواب غسل المس ب 8 ح 1.

(6) انظر الوسائل 2: 248 أبواب الجنابة ب 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 69

الفصل السادس: في غسل الأموات
اشارة

و ما يستتبعه من أحكام الاحتضار و ما بعده، و الكفن، و التحنيط، و الدفن، فالكلام فيه يقع في خمسة أبحاث:

البحث الأول:
اشارة

في أحكام الاحتضار و ما بعده قبل الغسل.

و الكلام إمّا فيما يجب فيه، أو يستحب، أو يكره.

أمّا الأول:

فيجب توجيهه إلى القبلة على الحقّ المشهور، كما هو في كلام جماعة [1] مذكور، وفاقا للمحكي عن المقنعة، و المراسم، و المهذب، و الوسيلة «1»، و السرائر [2]، و الإصباح، و في الشرائع، و المنتهى، و شرح القواعد للكركي «2»، و إليه ذهب الشهيدان «3»، و أكثر مشايخنا «4».

لا للأخبار الآمرة بتوجيه الميت إلى القبلة، كصحيحة المحاربي «5»، و حسنتي

______________________________

[1] كالشيخ علي، و المدارك، و الكفاية و البحار، و اللوامع. (منه رحمه اللّه).

انظر جامع المقاصد 1: 355، المدارك 2: 52، الكفاية: 6، البحار 78: 231.

[2] هكذا نقله في كشف اللثام 1: 107، و الموجود في السرائر 1: 158 ما هذا لفظه: و يستحب أن يوجه إلى القبلة .. و نقل في المنتهى 1: 426 عن ابن إدريس القول بالاستحباب، و الظاهر وقوع التصحيف في عبارة السرائر فصار منشأ للخلاف.

______________________________

(1) المقنعة: 73، المراسم: 47، المهذب 1: 53، الوسيلة: 62.

(2) الشرائع 1: 36، المنتهى 1: 426، جامع المقاصد 1: 355.

(3) الذكرى: 37، الدروس 1: 102، الروض: 93.

(4) الحدائق 3: 357، الدرة النجفية: 63، كشف الغطاء: 143.

(5) التهذيب 1: 465- 1521، الوسائل 2: 452 أبواب الاحتضار ب 35 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 70

الشعيري «1»، و ابن خالد «2»، لعدم صدق الميت على المحتضر. و استعماله فيه في كثير من الأخبار بقرينة لا يوجب حمله عليه بدونها.

و جعل الأمر قرينة- لعدم القائل بالوجوب بل الإجماع على نفيه بعد الموت- فاسد، إذ لو سلّم الإجماع لم يكن ارتكاب التجوّز في الأمر بحمله على الاستحباب [أدنى ] [1] من ارتكابه في

الموت.

مع أنّ الإجماع المذكور غير ثابت، بل احتمال الوجوب بعد الموت أيضا مما صرّحوا به [2]، بل القول به إلى أن ينقل من موضع موته موجود.

نعم، الظاهر عدم القول بوجوبه بعده أو ندرته حيث ما وضع ما لم يدفن، و لا تدلّ عليه تلك الأخبار أيضا حتى تنافيه. و لا إشعار في قوله في ذيل الأخيرة:

«و كذلك إذا غسل» حيث إنّ المراد منه إرادة التغسيل بالتجوّز المذكور، لمنع إرادة ذلك منه أولا، و عدم إشعار التجوّز في لفظ به في آخر ثانيا، مع أنه لا أمر فيها بالتوجيه إلّا بواسطة تعلّقه بالتسجية المستحبة قطعا، فلا يجب به متبوعه.

و منه يظهر أيضا اختصاصها بما بعد الموت، لاختصاص التسجية به، كما صرّح به بعضهم «3».

بل لمرسلة الفقيه المسندة في العلل، المروية في ثواب الأعمال و الدعائم أيضا المنجبر ضعفها- لو كان- بالشهرة المحكية مستفيضا، المؤيّدة بعمل المسلمين في جميع الأعصار: «دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على رجل من ولد

______________________________

[1] في النسخ: أولى و الظاهر أنه مصحف.

[2] قال في الروض: 93 و هل يسقط الاستقبال بالموت أو يجب دوام الاستقبال به حيث يمكن؟ كلّ محتمل.

______________________________

(1) الكافي 3: 126 الجنائز ب 11 ح 1، التهذيب 1: 285- 833، الوسائل 2: 453 أبواب الاحتضار ب 35 ح 3.

(2) الكافي 3: 127 الجنائز ب 11 ح 3، التهذيب 1: 286- 835، الوسائل 2: 452 أبواب الاحتضار ب 35 ح 2.

(3) المدارك 2: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 71

عبد المطلب، و هو في السوق، و قد وجّه إلى غير القبلة، فقال: وجّهوه إلى القبلة فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة و أقبل اللّه عليه بوجهه» «1».

و

ورودها في شخص خاص لا ينافي التعميم، للاشتراك إجماعا، مع إشعار التعليل فيها، بل دلالته على العموم و القول بإشعاره بالاستحباب أيضا ضعيف غايته، مع أنه لو كان لا يترك به ظاهر الأمر.

و يؤكّده أيضا المروي في الدعائم عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: «من الفطرة أن يستقبل بالعليل القبلة إذا احتضر» «2».

خلافا للمعتبر، و النافع، و المدارك، و الذخيرة، و الكفاية «3»- و عزاه في المنتهى «4» إلى السيد، و الخلاف «5»، و ابن إدريس «6»، و في البحار إلى التهذيب [1]، و المبسوط [2]، و المفيد، و السيد، و بعض الأجلّة «7» إلى الجامع، و نهاية الشيخ، و الاقتصاد، و المصباح «8»، و مختصره- للأصل، و ضعف أخبار الوجوب إمّا سندا كالمرسلة، أو دلالة كالبواقي.

و الأصل مندفع بما مرّ. و ضعف المرسلة غير ضائر في الحجية سيما مع

______________________________

[1] بحار الأنوار 78: 331 قال: و ذهب جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في الخلاف و المبسوط و المفيد و المحقق في المعتبر و السيد إلى الاستحباب، و لم يسند فيه القول إلى التهذيب كما لم نعثر عليه فيه.

[2] المبسوط 1: 174. و لم يصرح فيه بالاستحباب و قد يستفاد من سياق كلامه.

______________________________

(1) الفقيه 1: 79- 352، علل الشرائع: 297 ب 234، ثواب الأعمال: 231، الدعائم 1:

219، الوسائل 2: 453 أبواب الاحتضار ب 35 ح 6.

(2) الدعائم 1: 219، المستدرك 2: 120 أبواب الاحتضار ب 25 ح 3.

(3) المعتبر 1: 258، النافع: 10، المدارك 53 الذخيرة: 80، الكفاية: 6.

(4) المنتهى 1: 426.

(5) الخلاف 1: 691.

(6) السرائر 1: 158.

(7) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 107

(8) الجامع: 48، النهاية: 30 (و المذكور فيه كما ذكر في المبسوط)،

الاقتصاد: 247، مصباح المتهجد: 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 72

انجباره بالشهرة.

و كيفيته- على ما صرّح به الأصحاب و نطقت به الأخبار الواردة في توجيه الميت «1» وجوبا أو استحباب المتّحد كيفيته مع توجيه المحتضر إجماعا- أن يلقى على ظهره و يجعل باطن قدميه إلى القبلة، بحيث لو جلس استقبل.

و الظاهر وجوب إبقائه إلى أن يقبض، للإجماع المركّب بل للاستصحاب.

و في سقوط الوجوب بالموت، أو بقائه بعده في الجملة، أو إلى أن ينقل من موضعه، أو إلى أن يدفن مهما أمكن، احتمالات، أظهرها: الثاني، لعمومات توجيه الميت إلى القبلة. بل الثالث، لأنه المنسبق إلى الذهن منها. و أحوطها:

الرابع.

و لا فرق في وجوب التوجيه في الحالين بين الصغير و الكبير، لإطلاق وجوبه في الميت المستلزم له في المحتضر أيضا، لعدم القول بالفصل بين الصغير و الكبير فيهما.

و منه يظهر الوجوب في المخالف المحكوم بإسلامه أيضا.

و لو اشتبهت القبلة، سقط الوجوب، لعدم إمكان التوجيه في حالة واحدة إلى الأربع، فلا يصلح مقدمة للواجب.

و أما الثاني

فأمور:

و منها: تلقينه، أي تفهيمه الشهادتين و الولاية، بالإجماع و النصوص المستفيضة «2»، بل الإقرار بالأئمة واحدا بعد واحد، كما في مرسلة الكافي «3»

______________________________

(1) انظر الوسائل 2: 452 أبواب الاحتضار ب 35.

(2) انظر الوسائل 2: 454 أبواب الاحتضار ب 36.

(3) الكافي 3: الجنائز ب 9 ذيل حديث 6، الوسائل 2: 458 أبواب الاحتضار ب 37 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 73

و الرضوي «1». و كلمات الفرج، كما في الروايات المتكثّرة «2» و هي مشهورة.

نعم زيد على المشهور في بعض الروايات «و ما تحتهن» قبل «رب العرش العظيم» و «سلام على المرسلين» «3» بعده. و في بعضها زيد الأخير خاصة «4».

و

العمل بالكلّ حسن و ينبغي للمحتضر المتابعة في التلفظ، لاستفاضة النصوص. فيتبعه بالقلب و اللسان. و لو اعتقل لسانه، اقتصر على القلب ليحصل [1] التلقين.

و يكرّر الثلاثة حتى ينقطع كلامه، لمرسلة الكافي. و يجعل آخر كلامه كلمة التوحيد، لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ من كان آخر كلامه لا إله إلّا اللّه دخل الجنة» «5» و يستحب أيضا أن يقول: «يا من يقبل اليسير و يعفو عن الكثير، اقبل مني اليسير، و اعف عنّي الكثير، إنك أنت العفو الغفور» لمرسلة الفقيه «6».

و أن يقول: «اللهم اغفر لي الكثير من معاصيك، و اقبل مني اليسير من طاعتك» لرواية سالم «7» و أن يقرأ سورة الجحد، للمروي في دعوات الراوندي «8».

و يكرّر قول: «اللهم ارحمني فإنك كريم، اللهم ارحمني فإنك رحيم» للمروي فيها أيضا «9»

______________________________

[1] في «ق» لتحصيل.

______________________________

(1) فقه الرضا: 165، المستدرك 2: 121 أبواب الاحتضار ب 26 ح 3.

(2) انظر الوسائل 2: 459 أبواب الاحتضار ب 38.

(3) كما في مرسلة الفقيه 1: 77- 346.

(4) كما في فقه الرضا: 165، المستدرك 2: 128 أبواب الاحتضار ب 28 ح 2.

(5) الفقيه 1: 78- 348، الوسائل 2: 455 أبواب الاحتضار ب 36 ح 6.

(6) الفقيه 1: 78- 350، الوسائل 2: 462 أبواب الاحتضار ب 39 ح 3.

(7) الكافي 3: 124 الجنائز ب 9 ح 10، الوسائل 2: 461 أبواب الاحتضار ب 39 ح 1.

(8) الدعوات: 249، 250.

(9) المستدرك 2: 133 أبواب الاحتضار ب 29 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 74

و منها: قراءة القرآن عنده قبل خروج روحه و بعده، للتبرك، و الاستدفاع، و ذكر الأصحاب «1». و في اللوامع أسنده إلى الرضوي،

و المذكور فيه إحضار القرآن عند المحتضر [1]، فهو مستحب آخر.

و خصوص سورة «و الصافّات» قبله، لخبر الجعفري، و فيه: «قم يا بني اقرأ عند رأس أخيك و الصافّات صفّا حتى تستتمها» «2» قيل: و في الأمر بالإتمام دلالة على القراءة بعد الموت أيضا «3». و فيه نظر.

و «يس» في الحالتين، للمروي في دعوات الراوندي: «ما قرئت يس عند ميت إلّا خفف اللّه عنه تلك الساعة» «4».

و المنقول في شرح القواعد للهندي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من قرأ سورة يس و هو في سكرات الموت أو قرئت عنده، جاء رضوان خازن الجنة بشربة» «5» الحديث.

و المنقول فيه أيضا عنه صلّى اللّه عليه و آله: «أيّما مسلم قرئ عنده- إذا نزل به ملك الموت- سورة يس نزل بكلّ حرف منها عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفا يصلّون عليه» «6» الحديث.

و قول: «اللهم أخرجه إلى رضى منك و رضوان، اللهم اغفر له ذنبه، جلّ ثناء وجهك». و آية الكرسي ثمَّ آية السخرة [2]، ثمَّ ثلاث آيات من آخر البقرة، ثمَ

______________________________

[1] فقه الرضا: 181 و فيه: «فإذا حضر أحدهم الوفاة فاحضروا عنده بالقرآن و ذكر اللّه و الصلاة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».

[2] الأعراف: 54، و في المصدر: ثمَّ تقرأ آية السخرة إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ إلى قوله إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ .

______________________________

(1) المعتبر 1: 260 التذكرة 1: 39، الذكرى: 38.

(2) الكافي 3: 126 الجنائز ب 10 ح 5، التهذيب 1: 427- 1358، الوسائل 2: 465 أبواب الاحتضار ب 41 ح 1.

(3) قاله في الرياض 1: 52.

(4) الدعوات: 215، المستدرك 2: 136، أبواب الاحتضار ب 31 ح

1.

(5) كشف اللثام 1: 106.

(6) كشف اللثام 1: 107.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 75

سورة الأحزاب في الحالين أيضا، للمروي في دعوات الراوندي.

و رواها في الدعائم أيضا، إلا أنه زاد آيتين بعد آية الكرسي أيضا، و نقص الدعاء بعدها و الأحزاب، و زاد في الآخر قول: «اللهم أخرجها منه إلى رضى منك و رضوان، اللهم لقه البشرى، اللهم اغفر له ذنبه و ارحمه» «1» و منها: أمره بحسن الظن باللّه، و بشارته بلقاء ربّه، كما ورد في أخبار كثيرة «2».

و منها: تغميض عينيه، و شدّ لحيته، و إطباق فيه، و تغطيته بثوب بعد خروج الروح، لنفي الخلاف في المنتهى «3»، و رواية أبي كهمش «4» في الجميع، و موثّقة زرارة «5» في الأوّلين، و صحيحة سليمان، و رواية الجعفري [1] في الأول.

و مدّ يديه إلى جنبيه، و ساقيه، لتصريح الأصحاب «6»، و ليكون أطوع للغسل و أسهل للدرج في الكفن.

و منها: نقله إلى مصلّاه الذي يصلّي فيه أو عليه، لصحيحة ابن سنان: «إذا

______________________________

[1] الذي عثرنا عليه من صحيحة سليمان و رواية الجعفري لا يتعلق بالحكم الأول أي تغميض العينين و إنما هو متعلق بالحكم الأخير أي تغطيته بثوب و عبر عنها في الروايتين بالتسجية، فالصواب تبديل «الأول» في المتن ب «الأخير» و صحيحة سليمان مروية في التهذيب 1: 286- 835، الوسائل 2:

452، أبواب الاحتضار ب 35 ح 2، و رواية الجعفري مروية في التهذيب 1: 427- 1358، الوسائل 2: 465 أبواب الاحتضار ب 41 ح 1.

______________________________

(1) الدعوات: 252، الدعائم 1: 219، المستدرك 2: 156، 157، أبواب الاحتضار ب 39 ح 35، 38.

(2) أنظر الوسائل 2: 448 أبواب الاحتضار ب 31.

(3) المنتهى 1: 427.

(4) التهذيب

1: 289- 842، الوسائل 2: 468 أبواب الاحتضار ب 44 ح 3.

(5) التهذيب 1: 289- 841، الوسائل 2: 468 أبواب الاحتضار ب 44 ح 1.

(6) كما صرح به في المقنعة: 74، و المبسوط 1: 174، و المنتهى 1: 427.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 76

عسر على الميت موته و نزعه قرب إلى مصلاه الذي كان يصلّي فيه أو عليه» «1».

و حسنة زرارة: «إذا اشتدّ عليه النزع فضعه في مصلّاه الذي كان يصلّي فيه أو عليه» «2» و قريب منها الرضوي «3».

و خبري ذريح، و المرادي، الواردين في تحويل الخدري بعد شدة نزعه «4».

و بها يخصّص الرضوي «5» و موثّقة زرارة «6» الناهيتان عن مسّ المحتضر، و كونه إعانة عليه.

و مقتضى التقييد في تلك الروايات- كعبارات جمع من الأصحاب «7»- اختصاص الاستحباب بصورة اشتداد النزع. فما في بعض كلماتهم «8» من الإطلاق ضعيف. و التسامح في المقام هنا لاتّباع الإطلاق غير مفيد، لمعارضته مع ما مرّ من النهي عن مسّه بالتساوي.

و منها: أن يسرج عنده إن مات ليلا- كما في الشرائع، و النافع، و المنتهى، و القواعد «9»، و عن المراسم، و الوسيلة، و نهاية الشيخ، و التذكرة، و التحرير، و الجامع «10»، بل إن مات نهارا و بقي إلى الليل، كما هو ظاهر المبسوط، و الكافي،

______________________________

(1) الكافي 3: 125 الجنائز ب 10 ح 2، التهذيب 1: 427- 1356، الوسائل 2:

463 أبواب الاحتضار ب 40 ح 1.

(2) الكافي 3: 125 الجنائز ب 10 ح 3، التهذيب 1: 427- 1357، الوسائل 2:

463 أبواب الاحتضار ب 40 ح 2.

(3) فقه الرضا: 165.

(4) الكافي 3: 125 الجنائز ب 10 ح 1 و 4، رجال الكشي 1: 202، 204،

الوسائل 2: 463، 464 أبواب الاحتضار ب 40 ح 3 و 4.

(5) فقه الرضا: 165.

(6) المتقدم مصدرها في ص 75.

(7) كالمبسوط 1: 174، و القواعد 1: 17، و البيان: 67.

(8) كالشرائع 1: 36.

(9) الشرائع 1: 36، النافع: 12، المنتهى 1: 427، القواعد 1: 17.

(10) المراسم: 47، الوسيلة: 62، النهاية: 30، التذكرة 1: 37، التحرير 1: 17، الجامع:

49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 77

و المهذب للقاضي [1]- إلى الصباح، كما في المنتهى «1»، و عن النهاية، و المبسوط، و الإصباح، و الجامع، و التذكرة، و نهاية الإحكام «2».

و الظاهر إرادتهم صورة عدم دفنه إليه، و إلّا لم يكن عنده.

لفتوى هؤلاء الأجلّة و الشهرة المحكية، الكافيتين في المقام، للمسامحة.

لا لما ذكره في المعتبر من أنّه فعل حسن «3»، إذ لا أرى وجها لحسنه.

و لا لرواية عثمان بن عيسى: لمّا قبض الباقر عليه السلام أمر أبو عبد اللّه عليه السلام بالسراج في البيت الذي كان سكنه حتى قبض أبو عبد اللّه عليه السلام، ثمَّ أمر أبو الحسن عليه السلام بمثل ذلك في بيت أبي عبد اللّه حتى اخرج به إلى العراق «4»، من جهة أنّ دوام الإسراج يتضمّن الإسراج عنده، أو يقتضيه بالأولوية، لأنه إنّما كان يتم لو ثبت موته عليه السلام في بيت يسكنه لا في خارجه، و هو غير معلوم.

و دعوى ظهور الاتّحاد أو تبادره دعوى غريبة، مع أنه يمكن أن يكون ذلك نوع تعظيم لم يثبت جوازه في حق غير الإمام.

و ممّا ذكر يظهر عدم دلالتها على استحباب الإسراج في بيت مات فيه أيضا إلى الصباح و إن اخرج عنه كما عن المقنعة [2].

نعم، لا بأس بالقول به متابعة له مسامحة.

و منها: تعجيل تجهيزه

إن علم موته، بالإجماع المحقّق، و المحكي في المعتبر،

______________________________

[1] المبسوط 1: 174، الكافي: نقل عنه في كشف اللثام 1: 106، و لم نجده فيه، المهذب 1:

54.

[2] المقنعة: 74 قال: و إن مات ليلا أسرج في البيت مصباح إلى الصباح.

______________________________

(1) المنتهى 1: 427.

(2) النهاية 1: 30، المبسوط 1: 174، الجامع: 49، التذكرة 1: 37، نهاية الاحكام 2: 211.

(3) المعتبر 1: 261.

(4) الكافي 3: 251 الجنائز ب 95 ح 5، التهذيب 1: 289- 843، الوسائل 2: 469 أبواب الاحتضار ب 45 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 78

و التذكرة، و النهاية «1»، و اللوامع، و غيرها، و المستفيضة.

كرواية جابر: «لا ألفينّ رجلا له ميت ليلا فانتظر به الصبح، و لا رجلا مات له ميت نهارا فانتظر به الليل، لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس و لا غروبها، عجّلوا بهم إلى مضاجعهم» «2» الحديث.

و رواية السكوني: «إذا مات الميت أول النهار فلا يقيل إلّا في قبره» «3».

و في خبر عيص: «إذا مات الميت فخذ في جهازه و عجّله» «4».

و في مرسلة الصدوق: «كرامة الميت تعجيله» «5».

بل يقدّم تجهيزه على الصلاة المكتوبة ما لم يضيّق وقتها، لخبر جابر: إذا حضرت الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة فبأيهما أبدأ؟ فقال: «عجّل بالميّت إلى قبره إلّا أن يخاف فوت وقت الفريضة» «6».

و إن اشتبه موته بسبب من الأسباب، و منها كونه مصعوقا- أي غشي عليه أو صوّت بصوت شديد أو أصيب صاعقة السماء- أو غريقا، أو مبطونا، أو مهدوما، أو مسموما، أو مدخنا، كما نطقت به الأخبار الآتية، أو مغمى عليه، أو أصابه وجع القلب، أو إفراط الرعب، أو الغم، أو الفرح، أو تناول الأدوية المخدرة، كما صرّح به جالينوس،

و قد يشتبه في غير تلك الموارد أيضا. وجب [1]

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 3    79     و أما الثاني ..... ص : 72

____________________________________________________________

[1] جزاء لقوله: و إن اشتبه ..

______________________________

(1) المعتبر 1: 262، التذكرة 1: 37، نهاية الإحكام 2: 217.

(2) الكافي 3: 137، الجنائز ب 15 ح 1، التهذيب 1: 427- 1359، الوسائل 2: 471 أبواب الاحتضار ب 47 ح 1.

(3) الكافي 3: 138 الجنائز ب 15 ح 2، التهذيب 1: 428- 1360، الوسائل 2: 473 أبواب الاحتضار ب 47 ب 5.

(4) التهذيب 1: 433- 1388، الاستبصار 1: 195- 684، الوسائل 2: 473 أبواب الاحتضار ب 47 ح 6.

(5) الفقيه 1: 85- 388، الوسائل 2: 474 أبواب الاحتضار ب 47 ح 7.

(6) التهذيب 3: 320- 995، الاستبصار 1: 469- 1812، الوسائل 2: 473 أبواب الاحتضار ب 47 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 79

الصبر إلى أن يعلم موته بأماراته، تحرّزا عن الإعانة على رفع حياته المستصحبة.

و منها [1]: الريح المنتن، لرواية ابن أبي حمزة و فيها: «ينبغي للغريق و المصعوق أن يتربّص بهما ثلاثة أيام، لا يدفن إلّا أن تجي ء منه ريح دلّ على موته» «1» الحديث.

و منها: مضيّ ثلاثة أيام و عدم ظهور أمارات الحياة، لتصريح الأطبّاء، و لما ذكر، و لغيره من المستفيضة.

كصحيحة هشام: في المصعوق و الغريق، قال: «ينتظر به ثلاثة أيام إلّا أن يتغيّر قبل ذلك» «2». و بمضمونها صحيحة إسحاق «3».

و مرسلة الفقيه: «خمسة ينتظر بهم ثلاثة أيام إلّا أن يتغيّروا: الغريق، و المصعوق، و المبطون، و المهدوم، و المدخن» [2].

و مثلها المروي في الخصال بتبديل المهدوم بالمسموم «4».

و في المروي في الدعائم: في الرجل تصيبه

الصاعقة: «لا يدفن دون ثلاثة أيام إلّا أن يتبيّن موته و يستيقن» «5».

و عدم الأمر بالدفن فيها بعد ثلاثة غير ضائر، لتبادره من الانتظار إليها.

و اختصاصها بالخمسة أو أقلّ يجبر بالإجماع المركّب.

و لا يكفي اليومان و إن ورد في المصعوق في موثّقة الساباطي «6»، و صرّح في المنتهى بكفايته «7». و لا يوم و ليلة و إن روي للغريق [3] في الدعائم «8»، لمعارضتهما

______________________________

[1] أي: و من الأمارات.

[2] الفقيه 1: 96، و المذكور فيه ليس بعنوان الرواية فلاحظ.

[3] في «ه» في الغريق.

______________________________

(1) الكافي 3: 209 الجنائز ب 74 ح 6 التهذيب 1: 338- 991، الوسائل 2: 474 أبواب الاحتضار ب 48 ح 5.

(2) الكافي 3: 210، 209 الجنائز ب 74 ح 1، التهذيب 1: 338- 992،، الوسائل 2: 474، 475 أبواب الاحتضار ب 48 ح 1.

(3) الكافي 3: 210 الجنائز ب 74 ح 2، التهذيب 1: 338- 990، الوسائل 2: 475 أبواب الاحتضار ب 48 ح 3.

(4) الخصال 1: 300- 74، الوسائل 2: 474 أبواب الاحتضار ب 48 ذيل ح 2.

(5) دعائم الإسلام 1: 229، المستدرك 2: 142 أبواب الاحتضار ب 37 ح 4.

(6) الكافي 3: 210 الجنائز ب 74 ح 4، الوسائل 2: 475 أبواب الاحتضار ب 48 ح 4.

(7) المنتهى 1: 427.

(8) دعائم الإسلام 1: 229، المستدرك 2: 142 أبواب الاحتضار ب 37 ذيل ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 80

مع ما مرّ، حيث إنّ الجملة الخبرية في الجميع للوجوب قطعا، لعدم استحباب الانتظار مع عدم الاشتباه إجماعا و نصّا، و وجوبه معه كذلك، و رجحان ما مرّ بالاستصحاب و عمل الأصحاب.

و عدّ جمع [1] من الأمارات: استرخاء قدميه، و انخلاع

كفّيه من ذراعيه، و انخساف صدغيه، و ميل أنفه، و انخلاع جلدة وجهه، و تقلّص أنثييه إلى فوق مع تدلّي الجلدة، و زوال النور عن بياض العين، و سوادها.

و زاد جالينوس [2]: الامتحان بنبض عروق بين الأنثيين أو عرق يلي الحالب، و الذكر بعد الغمز الشديد، أو عرق في بطن المنخر، أو تحت اللسان، أو باطن الألية. و آخر: عدم الانطباع في الحدقة.

و لا تنافيها أخبار الانتظار، لأنها مقيّدة بعدم العلم بالموت بأمارة أخرى، و لا ضير في تعدّد الأمارات.

نعم الكلام في حصول العلم بكلّ ممّا ذكر و إن حصل بالجميع أو الأكثر غالبا.

و قد يقال بشمول التغيّر المذكور فيها لتلك الأمارات [3].

و لا بأس به إن أريد الجميع أو الظاهرة منها، إلّا أنّ المتبادر منه التغيّر في الريح كما في خبر ابن أبي حمزة «1».

و منها: إعلام المؤمنين بموته بعد تحقّقه، للنصوص:

منها: صحيحة ابن سنان: «ينبغي لأولياء الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت بموته» «2» الحديث.

______________________________

[1] منهم الشهيد الثاني في الروض: 95.

[2] كما نقل عنه في الذكرى: 38.

[3] كما احتمله في الحدائق 3: 375.

______________________________

(1) المتقدم في ص 79.

(2) الكافي 3: 166، 167 أبواب الجنائز ب 37 ح 1، 2، 3، التهذيب 1: 452- 1470، الوسائل 3: 59، 60 أبواب صلاة الجنازة ب 1 ح 1، 3، 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 81

و في صحيحة ذريح: الجنازة يؤذن بها الناس؟ قال: «نعم» «1». و قريب منها المرسل «2».

و هي- كما ترى- تعم النداء العام أيضا. فما عن الخلاف من أنه لا نصّ في النداء «3»، إن أراد بالخصوص فكذلك، و إلّا فلا.

و الاولى و إن اختصّت بالأولياء، و الأخيرتان لا تشملان غيرهم أيضا،

لعدم إطلاقهما بالنسبة إلى كل مؤذن إلّا بواسطة أصالة عدم المطلوبية من خاص المندفعة بالأولى، إلّا أنّ عمومات الإعانة على البر الذي هو في المقام ما يترتّب على الحضور من الثواب الجزيل على السنن الموظّفة فيه «4» تكفي في التعميم لغيرهم أيضا.

و لا ينافيه الاختصاص في الأولى، لجواز أفضلية بعض أفراد المستحب، فيكون مستحبا في المستحب.

فما عن الجعفي من كراهة النعي، إلّا أن يرسل صاحب المصيبة إلى من يختص به [1]، ليس بجيّد، مع أنّ مأخذ الكراهة غير معلوم.

و أما الثالث:

[2] [فأن ] [3] يحضره جنب أو حائض، لنقل الإجماع في المعتبر [4]، و الأخبار.

منها: صحيحة ابن أبي حمزة: «لا بأس أن تمرّضه- أي الحائض- فإذا

______________________________

[1] كما نقل عنه في الذكرى: 38.

[2] و هو ما يكره في حال الاحتضار.

[3] في النسخ: «بأن» و ما أثبتناه أنسب.

[4] المعتبر 1: 263 قال: و بكراهة ذلك قال أهل العلم.

______________________________

(1) الكافي 3: 166 أبواب الجنائز ب 37 ح 1 و 2، التهذيب 1: 452- 1470، الوسائل 3: 59، أبواب صلاة الجنازة ب 1 ح 1،.

(2) الكافي 3: 167 أبواب الجنائز ب 37 ح 3، التهذيب 1: 452- 1470، الوسائل 3: 60، أبواب صلاة الجنازة ب 1 ح 4.

(3) الخلاف 1: 731.

(4) انظر الوسائل 3: 141، 145، أبواب الدفن ب 2، 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 82

خافوا عليه و قرب ذلك فلتنحّ عنه، فإن الملائكة تتأذى بذلك» «1».

و المروي في العلل: «لا يحضر الحائض و الجنب عند التلقين، فإن الملائكة تتأذّى بهما» «2».

و مقتضى التعليل و ظاهر إطلاق الأخير: الشمول لتلقين الاحتضار و الدفن.

و يدلّ على خصوص الأول: الرضوي: «و لا تحضر الحائض و لا الجنب عند التلقين، فإنّ الملائكة

تتأذّى بهما، و لا بأس بأن يليا غسله، و يصلّيا عليه، و لا ينزلا قبره، فإن حضرا و لم يجدا من ذلك بدّا فليخرجا إذا قرب خروج نفسه» «3».

و على الثاني: رواية يونس: «لا تحضر الحائض الميت، و لا الجنب عند التلقين، و لا بأس أن يليا غسله» «4».

و المروي في الخصال: «و لا يجوز للمرأة الحائض و لا الجنب الحضور عند تلقين الميت، لأنّ الملائكة تتأذّى بهما و لا يجوز لهما إدخال الميّت قبره» «5».

و نفي الجواز في الأخير محمول على تأكّد الكراهة، لضعف الرواية بمخالفتها عمل جلّ الطائفة، و إن أفتى بهذه العبارة في الفقيه، و المقنع، و الهداية «6»، و لكنه لا يخرجها عن الشذوذ، بل لا ينافي ما هو الظاهر من انعقاد الإجماع على نفي الحرمة، و لأجله يحمل الأمر في الصحيح و الرضوي على الاستحباب أيضا، و الاحتياط لا ينبغي أن يترك.

و مقتضى الأصل: زوال الكراهة بالموت. و لا يعارضه الاستصحاب،

______________________________

(1) الكافي 3: 138، الجنائز ب 17 ح 1، التهذيب 1: 428- 1361، الوسائل 2: 467 أبواب الاحتضار ب 43 ح 1.

(2) علل الشرائع: 298 ب 236، الوسائل 2: 467 أبواب الاحتضار ب 43 ح 3.

(3) فقه الرضا: 165، المستدرك 2: 138 أبواب الاحتضار ب 33 ح 3.

(4) التهذيب 1: 428- 1362، الوسائل 2: 467 أبواب الاحتضار ب 43 ح 2.

(5) الخصال: 586 أبواب السبعين و ما فوقه.

(6) الفقيه 1: 51، المقنع: 17، الهداية: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 83

لاختصاص الروايات بحال القرب من الموت أو التلقين. و لكن المستفاد من تأذّي الملائكة المطلوب حضور أهل الرحمة منهم بعد الموت أيضا بقاؤها بعده، كما احتمله في البحار، فتأمل.

و

هل تزول في الحالين بانقطاع الدم عن الحائض قبل الغسل، أو بالتيمّم بدل الغسل عند تعذّره عنهما؟ فيه إشكال، و مقتضى صدق الاسم و الاستصحاب العدم.

و أن يترك وحده، لرواية أبي خديجة: «ليس من ميت يموت و يترك وحده إلّا لعب الشيطان في جوفه» «1».

و مرسلة الصدوق: «لا تدعنّ ميتك وحده، فإنّ الشيطان يعبث به في جوفه» «2».

و قريب منهما الرضوي «3»، و المروي في العلل [1].

و حمله في البحار على حالة الاحتضار، و عبث الشيطان على وسوسته و إضلاله «4».

و لا داعي له، بل إبقاؤه على ظاهره ممكن، كما نقل أنه ترك ميت وحده ليلا إلى الصباح فوجدوه قد جفّ بعض أعضائه.

و سمعت من ثقة أنه غسّل ميت و كفن في أول الليل و ترك في بيت وحده و أغلق الباب عليه ليدفن في النهار، فإذا أصبحوا و فتحوا الباب، وجدوه يدور في البيت ميتا، فإذا دخلوه و أخذوا في قراءة القرآن وقع على الأرض.

______________________________

[1] علل الشرائع: 307 ب 256 و فيه: قال أبي رحمه اللّه في رسالته إلى: لا يترك الميت وحده ..

______________________________

(1) الكافي 3: 138، الجنائز ب 16 ح 1، التهذيب 1: 290- 844، الوسائل 2: 466 أبواب الاحتضار ب 42 ح 1.

(2) الفقيه 1: 86- 399، الوسائل 2: 466 أبواب الاحتضار ب 42 ح 2.

(3) فقه الرضا: 168، المستدرك 2: 137 أبواب الاحتضار ب 32 ح 1.

(4) بحار الأنوار 78: 230.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 84

فائدة: ما مرّ من أحكام الاحتضار و التجهيز الواجبة و المندوبة، بل أحكام الميت بأسرها فرض أو ندب كفاية تعلّق الغرض بإدخالها في الوجود، و لم تطلب من كلّ واحد بعينه، و لا من

واحد كذلك.

و الدليل عليه بعد الإجماع المحقّق و المحكي من غير واحد [1]: عموم خطابات أحكامه أو إطلاقها من غير تخصيص أحدهما. و التخصيص في البعض- كما يأتي- لا يفيد أزيد من الأولوية، و لو أفاده لاختص بما أفاده، و لا يسري إلى سائر أحكامه. و من سقوطها بفعل البعض بالضرورة الدينية تنتفي العينية، و تثبت الكفائية.

و توهّم الاختصاص بالولي إلّا مع عدمه أو عدم تمكّنه أو إخلاله مع فقد من يجبره، نظرا إلى تخصيصه بالخطاب في بعض الأخبار- كبعض مشايخنا «1»- ضعيف، و لو سلّم لاختص بمورده.

نعم، الظاهر أولوية الولي أو من يأذن له في جميع أحكامه بمعنى أفضلية قيامه بها، كما عن النهاية، و المبسوط، و المهذّب، و الوسيلة «2»، و المعتبر، و الجامع- فيما عدا التلقين الأخير- و القواعد «3»، لفتوى هؤلاء، و إن خالف بعض في بعض الأحكام، كما يأتي كلّ في مورده.

ثمَّ الظاهر أنّ المعتبر في السقوط عمّن علم بالموت حصول العلم بقيام الغير به و لو بالقرائن الحالية، دون الظنّ، وفاقا للمدارك «4»، و جدّه «5» و أكثر الثالثة [2]، لأنّ التحقيق أنّ الخطاب الكفائي خطاب عيني متعلّق بكلّ واحد مشروط بعدم

______________________________

[1] كما حكاه في المعتبر 1: 264، و التذكرة 1: 38.

[2] منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 79، و الفاضل البحراني في الحدائق 3: 359.

______________________________

(1) الحدائق 3: 359.

(2) النهاية: 143، المبسوط 1: 174، المهذب 1: 62، الوسيلة 63.

(3) المعتبر 1: 264، الجامع: 50، القواعد 1: 17.

(4) المدارك 2: 55.

(5) الشهيد الثاني في روض الجنان: 92.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 85

قيام الغير به، و الشرط- كما يقتضيه أصالة عدم قيام الغير، و استصحاب بقاء الخطاب، و قاعدة وجوب

الإطاعة- هو: عدم العلم بقيام الغير، فما لم يعلم لم يسقط، إلّا إذا ثبت اعتبار ظنّ، و هو في المقام غير ثابت و لو كان حاصلا من شهادة العدلين.

خلافا لجمع، منهم: الفاضل [1]، تمسّكا بامتناع تحصيل العلم بفعل الغير في المستقبل.

و يضعّف: بعدم تضيّق المطلوب في المورد حتى يجب تحصيل العلم أوّلا بقيام الغير، بل موسّع يكفي حصوله بعد بالمشاهدة أو إخبار جماعة. مع أنه يمكن حصوله ابتداء أيضا بالعلم بطريقة المسلمين في الأعصار و الأمصار، فإنّ الظاهر حصول العلم العادي في غالب البلاد الإسلامية بقيام جماعة بذلك، و إن لم يشاهد و لم يخبر به، فلا يجب في كلّ بلد في كل ميت حضور الجميع.

نعم، يمكن عدم حصوله لبعض الأشخاص في بعض الأموات في بعض الأماكن، فيجب على مثله الحضور للقيام بالواجبات، و يستحب للمستحبات.

______________________________

[1] في نهايته (في الأصول) على ما نقله في هداية المسترشدين: 273، و ذهب إليه المحقق في المعارج:

75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 86

البحث الثاني: في التغسيل.
اشارة

و الكلام فيه إمّا في الغاسل، أو المغسول، أو الغسل، فهاهنا ثلاثة فصول:

الفصل الأول: في الغاسل.

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: غسل الميت فرض كفائي، فيجب على كلّ مكلّف بشرط عدم قيام الغير به، على ما هو المحقّق [1] في معنى الكفائي.

أمّا وجوبه: فبالضرورة و الأخبار المتكثّرة المعصومية.

و أمّا عدم تعيينه [2] على أحد: فللإجماع المحقّق و المحكي في كلام جماعة، منهم: المنتهى [3]، و اللوامع، و الأصل و الإطلاقات.

ففي رواية سعد الإسكاف: «أيّما مؤمن غسّل مؤمنا فقال إذا قلّبه- إلى أن قال-: إلّا غفر اللّه له ذنوب سنة إلّا الكبائر» «1».

و في رواية سعد بن طريف: «أيّما مؤمن غسّل مؤمنا فأدّى فيه الأمانة غفر له» «2».

و في الرضوي: «تجهيز الميت فرض واجب على الحي» «3» إلى غير ذلك.

______________________________

[1] في «ه»: التحقيق.

[2] في «ق»: تعينه.

[3] المنتهى 1: 427 قال: و هو فرض على الكفاية إذا قام به سقط عن الباقين بلا خلاف بين أهل العلم.

______________________________

(1) الكافي 3: 164، الجنائز ب 33 ح 1، التهذيب 1: 303- 884، ثواب الأعمال: 232- 1، الأمالي: 434- 3، الوسائل 2: 494 أبواب غسل الميت ب 7 ح 1.

(2) الكافي 3: 164، الجنائز ب 33 ح 2، التهذيب 1: 450- 1460، الوسائل 2: 495 أبواب غسل الميت ب 8 ح 1.

(3) فقه الرضا: 181، المستدرك 2: 165 أبواب غسل الميت ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 87

و أمّا كفائيته: فلعدم مطلوبية غير واحد منها بديهة، و للإجماعين، بل الضرورة.

نعم أولى الناس بالميت أو من يأمره أولى بغسله، وفاقا لمن جعله أولى بجميع أحكامه عموما «1»، و للهداية، و الشرائع، و القواعد، و المنتهى «2» في خصوص الغسل أيضا، لمرسلة الفقيه

و رواية غياث: «يغسّل الميت أولى الناس به» «3».

و زاد في الأولى: «أو من يأمره الولي بذلك».

و خلافا لظاهر من لم يذكر الغسل أو ما يعمه في الأولوية كالمقنعة و الخلاف، فلم يذكراها إلّا في الصلاة. و المراسم، و جمل السيد «4»، و الإصباح، فزادوا عليها نزول القبر. و جمل الشيخ، و النافع، و التلخيص، و التبصرة «5»، فزادوا عليها التلقين الأخير. و الاقتصاد و المصباح، و مختصره، و نهاية الإحكام «6»، فلم يذكروا إلّا الثلاثة. و الكافي «7»، فلم يذكر أولوية أصلا، و لعلّه لضعف الروايتين، الممنوع، و لو سلّم فلا يضرّ في إثبات الاستحباب.

ثمَّ الأولوية هنا بمعنى الأفضلية، فلو فعله غيره و لو بدون إذنه بل مع منعه لم يرتكب حراما، و لا ترك واجبا، و كان الغسل صحيحا، إلّا أنه ترك الأفضل، لعدم دلالة الروايتين على الأزيد من الرجحان، لا بمعنى وجوب تقديمه و إن

______________________________

(1) تقدم ذكرهم في ص 84.

(2) الهداية: 23، الشرائع 1: 37، القواعد 1: 27، المنتهى 1: 428.

(3) الفقيه 1: 86- 394، التهذيب 1: 431- 1376، الوسائل 2: 535 أبواب غسل الميت ب 26 ح 1، 2.

(4) المقنعة: 232، الخلاف 1: 719، المراسم: 51، 80، جمل العلم و العمل: (رسائل المرتضى 3): 51، 52.

(5) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 167، 194، النافع: 14، التبصرة: 14.

(6) الاقتصاد: 250، مصباح المتهجد: 21، نهاية الإحكام 2: 255، 275، 279.

(7) الكافي للحلبي: 134، 156، 236.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 88

صح لو فعله غيره، حيث إنّ الواجب خارج عن حقيقة الفعل، و ليس جزءا له و لا شرطه، و لا بمعنى وجوبه مع عدم صحته عن الغير بدون إذنه. للأصل، و عدم

الدليل، مع منافاته لما مرّ من العمومات و الإطلاقات.

و المراد بأولى الناس به أولاهم بميراثه، كما عليه ظاهر الإجماع في شرح القواعد للكركي «1»، و صريحه في اللوامع، و نفي الخلاف في الحدائق في المسألة «2»، و النسبة إلى علمائنا في المنتهى «3» و غيره «4» في الأولى بالصلاة عليه المتّحد معه في المقام إجماعا. و إليه يرشد تتبّع الأخبار كما يظهر لك مع سائر ما يتعلّق بذلك في صلاة الميت، مع أنّ كلّ ما فسّر به الأولى بل يصحّ أن يفسّر يتحقّق في الأولى بالميراث، فأولويته قطعية.

و المراد بتقديم الأولى بالميراث أنّ من يرث أولى ممّن لا يرث، كالطبقة الثانية مع وجود أحد من الاولى، و الثالثة مع أحد من الثانية و هكذا. فإن انحصر أهل المتقدمة بواحد اختص به، و إلّا فقالوا: الذكر أولى من الأنثى، و الأب من الابن، و هو من غيره، و يعلم تفصيل المقام في بحث الصلاة إن شاء اللّه تعالى.

ثمَّ إنّ الزوج أولى بزوجته من جميع الأقارب في جميع الأحكام، بالإجماع المحقّق، و المحكي [1] مستفيضا، لموثّقة إسحاق: «الزوج أحقّ بالمرأة حتى يضعها في قبرها» «5».

و خبر أبي بصير: المرأة تموت من أحقّ بالصلاة عليها؟ قال: «زوجها» قلت:

______________________________

[1] المعتبر 1: 264 قال- بعد ذكر رواية إسحاق-: مضمون الرواية متفق عليه، و قال في الحدائق 3: 381 الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في أن الزوج أولى بزوجته في جميع الأحكام.

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 359.

(2) الحدائق 3: 377.

(3) المنتهى 1: 450.

(4) كالتذكرة 1: 47.

(5) الكافي 3: 194، الجنائز ب 63 ح 6، التهذيب 1: 325- 949، الوسائل 2: 531 أبواب غسل الميت ب 24 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 3، ص: 89

الزوج أحقّ من الأب و الولد و الأخ؟ قال: «نعم، و يغسّلها» «1».

و ما يخالفه بإثبات أولوية الأخ عليه في الصلاة من الأخبار «2» شاذّ متروك، فلا يعارض ما مرّ، مع أنّها للعامّة موافقة [1]، كما ذكره شيخ الطائفة «3» و غيره، فعلى التقية محمولة.

و ظاهر الأصل و اختصاص المستند بالزوج اختصاص الحكم به، دون الزوجة، كما صرّح به جماعة [2].

و فيه قول بإلحاقها به لوجه ضعيف [3].

و لا فرق بين الدائم و المتمتّع بها، و لا بين الحرّة و المملوكة، لإطلاق النص.

و إن كان في إطلاق الزوج بالنسبة إلى المتمتّع بها حقيقة كلام.

الثانية: يشترط في غير المحارم و الصبي و الصبية المماثلة في الذكورة و الأنوثة بين الغاسل و المغسول. فمع فقده يسقط الغسل على الأشهر الأظهر، بل عليه الإجماع عن المعتبر و التذكرة «4»، و عن الخلاف أيضا في السقوط عن المرأة «5»، و إليه ذهب الصدوقان، و نقله في الفقيه عن شيخه محمد بن الحسن «6»، و هو ظاهر

______________________________

[1] نقل ابن قدامة في المغني 2: 364 عن أبي حنيفة و مالك و الشافعي و سعيد بن المسيب و الزهري .. تقديم العصبة على الزوج.

[2] منهم الشهيد الثاني في الروض: 311 و المحقق السبزواري في الذخيرة: 312.

[3] قال في الروض: 311: ذهب بعض الأصحاب إلى مساواتهما لشمول اسم الزوج لهما قال اللّه تعالى وَ أَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ .

______________________________

(1) الكافي 3: 177، الجنائز ب 48 ح 2، الفقيه 1: 102- 474، التهذيب 3: 205- 484، الاستبصار 1: 486- 1883، الوسائل 3: 115 أبواب صلاة الجنازة ب 24 ح 2.

(2) أنظر الوسائل 3: 116 أبواب صلاة الجنازة ب 24 ح 4، 5.

(3) التهذيب

3: 205.

(4) المعتبر 1: 324، التذكرة 1: 39.

(5) الخلاف 1: 698.

(6) الفقيه 1: 94- 432.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 90

الكليني [1]، و المحكي عن النهاية، و المبسوط، و الخلاف، و المهذّب، و الجامع «1»، و الوسيلة، و الشرائع، و الإصباح، و القواعد، و المنتهى، و التذكرة «2»، و اختاره عامّة المتأخّرين، للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة:

كصحيحة الحلبي: عن المرأة تموت في السفر و ليس معها ذو محرم و لا نساء، قال: «تدفن كما هي بثيابها» و عن الرجل يموت و ليس معه ذو محرم و لا رجال، قال: «يدفن كما هو بثيابه» «3» و نحوها الرضوي «4».

و صحيحة ابن أبي يعفور: عن الرجل يموت في السفر مع النساء ليس معهن رجل، كيف يصنعن به؟ قال: «يلفّفنه لفّا في ثيابه و يدفنه و لا يغسّلنه» «5».

و البصري: عن امرأة ماتت مع رجال، قال: «تلفّ و تدفن و لا تغسل» «6».

و الكناني: في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه إلّا النساء، قال:

«يدفن و لا يغسّل، و المرأة تكون مع الرجال بتلك المنزلة تدفن و لا تغسل إلّا أن يكون زوجها معها، فإن كان زوجها معها غسّلها من فوق الدرع» «7».

و قريب منها خبر ابن سرحان، و زاد فيه: «و بسكب عليها الماء سكبا،

______________________________

[1] لنقله الروايات الدالة على سقوط الغسل. أنظر الكافي 3: 158 الجنائز ب 29.

______________________________

(1) النهاية: 42، المبسوط 1: 275، الخلاف 1: 698، المهذب 1: 56، الجامع: 50.

(2) الوسيلة: 63، 64، الشرائع 1: 37، القواعد 1: 17، المنتهى 1: 436، التذكرة 1: 39.

(3) الفقيه 1: 94- 430- بتفاوت يسير- التهذيب 1: 440- 1423، الاستبصار 1: 200- 706، الوسائل 2: 520 أبواب

غسل الميت ب 21 ح 1.

(4) فقه الرضا: 188، المستدرك 2: 183 أبواب غسل الميت ب 19 ح 1.

(5) الفقيه 1: 94- 429، التهذيب 1: 441- 1424، الاستبصار 1: 201- 707، الوسائل 2:

521 أبواب غسل الميت ب 21 ح 2.

(6) التهذيب 1: 441- 1425، الاستبصار 1: 201- 708، الوسائل 2: 521 أبواب غسل الميت ب 21 ح 3.

(7) التهذيب 1: 438- 1414، الاستبصار 1: 197- 693، الوسائل 2: 532 أبواب غسل الميت ب 24 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 91

و لتغسله امرأته إذا مات» [1].

و موثّقة سماعة: عن رجل مات و ليس عنده إلّا النساء، قال: «تغسّله امرأة ذات محرم منه و تصبّ النساء عليه الماء و لا يخلع ثوبه، و إن كانت امرأة ماتت مع رجال و ليس معها امرأة و لا محرم لها فلتدفن كما هي في ثيابها، و إن كان معها ذو محرم لها غسلها من فوق ثيابها» «1».

و خبر الشحام: عن امرأة ماتت و هي في موضع ليس معهم امرأة غيرها، قال: «إن لم يكن فيهم لها زوج و لا ذو رحم دفنوها بثيابها و لا يغسّلونها، و إن كان معهم زوجها أو ذو رحم لها فليغسّلها من غير أن ينظر إلى عورتها» و عن رجل مات في السفر مع نساء ليس معهن رجل، فقال: «إن لم تكن له معهنّ امرأة فليدفن في ثيابه و لا يغسّل، و إن كان له فيهنّ امرأة فليغسّل في قميص من غير أن ينظر إلى عورته» «2».

و المروي في الدعائم: في الرجل يموت بين النساء لا محرم له منهن، و المرأة كذلك تموت بين الرجال فلا يوجد من يغسّلهما، قال: «يدفنان بغير

غسل» «3».

و تدلّ عليه أيضا الأخبار الآمرة بغسل موضع الوضوء خاصة، كخبر أبي بصير «4». أو كفّيها كذلك، كخبري جابر «5» و ابن فرقد «6». أو موضع التيمّم،

______________________________

[1] الكافي 3: 158، الجنائز ب 29 ح 7، التهذيب 1: 343- 1003، الاستبصار 1: 197- 694 الوسائل 2: 531 أبواب غسل الميت ب 24 ح 7، و لا يخفى أن الزيادة موجودة في رواية الكناني أيضا.

______________________________

(1) الفقيه 1: 94- 434، التهذيب 1: 444- 1435، الاستبصار 1: 204- 720، الوسائل 2:

519 أبواب غسل الميت ب 20 ح 9.

(2) التهذيب 1: 443- 1423، الاستبصار 1: 203- 717، الوسائل 2: 518 أبواب غسل الميت ب 20 ح 7.

(3) دعائم الإسلام 1: 229، المستدرك 2: 183 أبواب غسل الميت ب 19 ح 2.

(4) التهذيب 1: 443- 1430، الاستبصار 1: 203- 715، الوسائل 2:

525 أبواب غسل الميت ب 22 ح 6.

(5) التهذيب 1: 443- 1431، الاستبصار 1: 203- 716، الوسائل 2:

525 أبواب غسل الميت ب 22 ح 8.

(6) الكافي 3: 158، الجنائز ب 29 ح 9، التهذيب 1: 442- 1428، الاستبصار 1:

202- 713، الوسائل 2: 523 أبواب غسل الميت ب 22 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 92

كرواية المفضّل «1»، حيث إنّ هذه الأمور غير الغسل، فالأمر بها دون الغسل مع كونه موضع البيان يدلّ على سقوطه، بل في رواية داود [1] تصريح به.

و أمّا هذه الأمور فليس شي ء منها واجبا، للإجماع، و خلوّ الروايات عن الدالّ على الوجوب.

نعم، يحتمل استحبابها، بل هو الأظهر كما يظهر من التهذيبين [2] و عن المبسوط [3]. و لا تنافيه حرمة النظر، لسهولتها بدونه.

و هل يستحب الغسل بصب الماء من فوق الثياب أم لا؟

ظاهر المعظم:

الثاني. و هو كذلك، للأصل، و ظهور الروايات في مطلوبية ترك الغسل، بل صراحة خبر ابن فرقد، و رواية زيد بن علي «2» فيها، حيث رتّب في الأول على الغسل الدخل عليهم أي العيب، و أنكر في الثاني ترك التيمّم الدالّ على رجحانه الغير المجتمع مع الغسل إجماعا.

و ظاهر الاستبصار، و موضع من التهذيب [4]، و محتمل كلام ابن زهرة، و الحلبي [5]: استحبابه، لرواية زيد بن علي: «إذا مات الرجل في السفر مع النساء»

______________________________

[1] و هي رواية ابن فرقد المتقدمة آنفا.

[2] التهذيب 1: 442، 443، الاستبصار 1: 203، و لكن الموجود في الأول هو الجواز نعم صرّح في الثاني بالاستحباب.

[3] المبسوط 1: 175 و فيه: و قد رويت في أنه يجوز لهم أن يغسلوا محاسنها يديها و وجهها ..

[4] الاستبصار 1: 204، التهذيب 1: 442، قال: لأن الوجه في هذين الخبرين (يعني خبر زيد و جابر) على ضرب من الاستحباب.

[5] انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 563، قال في كشف اللثام 1: 111 و يحتمله كلام الحلبيين و لم نعثر عليه في الكافي لأبي الصلاح.

______________________________

(1) الكافي 3: 159، الجنائز ب 29 ح 13، الفقيه 1: 95- 438، التهذيب 1: 342- 1002، الاستبصار 1: 202- 714، الوسائل 2: 522 أبواب غسل الميت ب 22 ح 1.

(2) التهذيب 1: 443- 1433، الاستبصار 1: 203- 718، الوسائل 2: 524 أبواب غسل الميت ب 22 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 93

ليس فيهنّ امرأته و لا ذو محرم يؤزرنه إلى الركبتين و يصببن عليه الماء صبا» «1» الحديث.

و رواية أبي سعيد: «إذا ماتت المرأة مع قوم ليس فيهم لها محرم يصبون عليها الماء صبا» و رجل مات

مع نسوة ليس فيهنّ له محرم، فقال أبو حنيفة: يصببن الماء عليه صبا، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «بل يحل لهن أن يمسسن منه ما كان يحل لهن أن ينظرن منه إليه و هو حي، فإذا بلغن الموضع الذي لا يحل لهن النظر إليه و لا مسّه و هو حي صببن الماء عليه صبا» «2».

و رواية جابر: في رجل مات و معه نسوة و ليس معهنّ رجل، قال: «يصببن الماء من خلف الثوب و يلفّفنه في أكفانه من تحت الستر و يصلّين عليه صفا و يدخلنه قبره» و المرأة تموت مع الرجال ليس معهم امرأة قال: «يصبّون الماء من خلف الثوب و يلفّونها في أكفانها و يصلّون و يدفنون» «3».

و يجاب عنها: بمعارضتها مع ما مرّ، فيرجع إلى الأصل، مع أنّها موافقة للعامة [1]، كما تصرّح به الرواية الثانية، فبها تخرج عن صلاحية المعارضة و تحمل على التقية.

مضافا إلى أنّ صب الماء ليس صريحا و لا ظاهرا في الغسل، فإرادة الصبّ على أحد المواضع المتقدمة أو زائدا عليه من دون تحقق الغسل ممكنة.

و ممّا ذكر يظهر ضعف الاستدلال بتلك الأخبار على وجوب التغسيل من

______________________________

[1] نقله في المغني 2: 396 عن الحسن و إسحاق و في بداية المجتهد 1: 227 عن قوم.

______________________________

(1) التهذيب 1: 441- 1426، الاستبصار 1: 201- 711، الوسائل 2: 523 أبواب غسل الميت ب 22 ح 3.

(2) التهذيب 1: 342- 1001، الاستبصار 1: 204- 721، الوسائل 2: 525 أبواب غسل الميت ب 22 ح 10.

(3) التهذيب 1: 442- 1427، الاستبصار 1: 202- 712، الوسائل 2: 524 أبواب غسل الميت ب 22 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 94

وراء الثياب، كما

عن المفيد [1] و موضع من التهذيب «1». أو مع تغميض العينين، كما عن ظاهر الحلبي [2]، و جعله ابن زهرة الأحوط «2».

مضافا إلى خلوّها عن الدالّ على الوجوب، مع كون الأخيرة عامة بالنسبة إلى وجود ذات المحارم و عدمها فيجب تخصيصها.

و منه يظهر سقوط الاستدلال بروايتي الثمالي و ابن سنان:

الاولى: «لا يغسّل الرجل المرأة إلّا أن لا توجد امرأة» «3».

و الثانية: «المرأة إذا ماتت مع الرجال فلم يجدوا امرأة تغسّلها غسّلها بعض الرجال من وراء الثوب، و يستحب أن يلفّ على يديه خرقة» «4». بل في ذيل الثانية إشعار باختصاصه بالمحارم.

ثمَّ الظاهر- كما صرّح به الشيخ في المبسوط، و النهاية، و الخلاف «5»، و المحقّق، و الفاضل في النهاية و التذكرة «6»- سقوط- التيمّم أيضا، بل نسب نفيه في الأخير إلى علمائنا، و جعله في الأول في المرأة المذهب، للأصل، و خلوّ غير رواية زيد «7» عنه، مع كون المقام مقام البيان، و أمّا هي فمع عدم دلالتها على الوجوب شاذة غير ناهضة لدفع الأصل، مع أنّه نقل في المنتهى وجوب التيمّم عن مالك

______________________________

[1] نقله عنه في الرياض 1: 69 و لم نعثر عليه في المقنعة.

[2] نقله عنه في كشف اللثام 1: 111 و لم نعثر عليه في الكافي.

______________________________

(1) التهذيب 1: 343.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 563.

(3) التهذيب 1: 440- 1421، الاستبصار 1: 199- 702، الوسائل 2: 525 أبواب غسل الميت ب 22 ح 7.

(4) التهذيب 1: 444- 1434، الاستبصار 1: 204- 719، الوسائل 2: 525 أبواب غسل الميت ب 22 ح 9.

(5) المبسوط 1: 175، النهاية 1: 42، الخلاف 1: 698.

(6) المعتبر 1: 325، نهاية الاحكام 2: 232، التذكرة 1: 39.

(7) المتقدمة في ص

92.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 95

و أبي حنيفة و الشافعي في أحد الوجهين «1».

الثالثة: لا خلاف- كما في المنتهى «2» و غيره- في جواز تغسيل كلّ من الزوجين الآخر في حال الاضطرار، و يدلّ عليه ما يأتي و بعض ما مرّ من الأخبار «3».

و إنّما الخلاف في الاختيار، فالأظهر الأشهر- كما صرّح به في التذكرة، و المنتهى، و نهاية الإحكام، و الكركي «4»، و غيرهم «5» ممن تأخّر- الجواز، و هو المحكي عن السيد، و الإسكافي، و الجعفي «6»، و المراسم، و السرائر، و الإشارة، و المعتبر «7»، و في القواعد، و المنتهى، و ظاهر المبسوط، و الخلاف، و النافع «8».

للأصل، و العمومات، و ما دلّ على تغسيل أولى الناس و أنّ الزوج أولى بزوجته.

و صحيحة محمد: عن الرجل يغسّل امرأته؟ قال: «نعم من وراء الثوب» «9».

و مثلها حسنته إلّا أنّ بعد قوله: «نعم»: «إنّما يمنعها أهلها تعصّبا» «10».

و موثّقة سماعة: عن المرأة إذا ماتت، فقال: «يدخل زوجها يده من تحت

______________________________

(1) المنتهى 1: 437.

(2) المنتهى 1: 437.

(3) انظر ص 91.

(4) التذكرة 1: 39، المنتهى 1: 436، نهاية الإحكام 2: 229، جامع المقاصد 1: 360.

(5) كالروض: 96.

(6) حكى عنهم في الذكرى: 38.

(7) المراسم: 50، السرائر 1: 168، إشارة السبق: 77، قال بجوازه عند الاضطرار، المعتبر 1: 320.

(8) القواعد 1: 17، المنتهى 1: 436، المبسوط 1: 175، الخلاف 1: 698، النافع: 15.

(9) الكافي 3: 157 أبواب الجنائز ب 29 ح 3، التهذيب 1: 438- 1411، الاستبصار 196- 690، الوسائل 2: 529 أبواب غسل الميت ب 24 ح 2.

(10) الكافي 3: 158 أبواب الجنائز ب 29 ح 11، التهذيب 1: 439- 1419، الاستبصار 1:

199- 700، الوسائل

2: 529 أبواب غسل الميت ب 24 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 96

قميصها إلى المرافق فيغسلها» «1».

و صحيحة منصور: عن الرجل يخرج في السفر و معه امرأته فتموت يغسّلها؟

قال: «نعم و امّه و أخته و نحو هذا، يلقي على عورتها خرقة» «2».

و صحيحة الحلبي عن الرجل يغسّل امرأته؟ قال: «نعم من وراء الثياب لا ينظر إلى شعرها و لا إلى شي ء منها، و المرأة تغسّل زوجها» «3».

و أمّا صحيحة زرارة: في الرجل يموت و ليس معه إلّا نساء، قال: «تغسّله امرأته لأنّها منه في عدّة، و إذا ماتت لم يغسّلها لأنّه ليس منها في عدّة» «4» فلا تصلح لمعارضة ما مرّ، لمخالفتها للعمل من حيث الفصل بين الزوج و الزوجة. و ضمّ عدم الفصل مع الجزء الآخر ليس بأولى من ضمّه مع الأول.

مضافا إلى كون هذا الفرق محكيا عن الحنفية مطلقا و عن أحد قولي سائر الأربعة [1] فتكون الرواية لهم موافقة، و بها تصير مرجوحة.

مع أنّها ظاهرة في الاضطرار الذي لم يقل أحد فيه بعدم الجواز. و تخصيص جزئها الأخير بالاختيار ليس بأولى من تخصيصها بحال التجرّد، كما فعله في التهذيبين [2].

______________________________

[1] حكاه العلامة في المنتهى 1: 436، و قال: قال أبو حنيفة و الثوري و الأوزاعي لا يجوز للرجل أن يغسل زوجته .. و عن أحمد روايتان انظر المغني 2: 309، و بدائع الصنائع 1: 304.

[2] التهذيب 1: 437، قال: معنى قوله عليه السلام: إذا ماتت لا يغسلها أي لا يغسلها مجردة من ثيابها، الاستبصار 1: 198.

______________________________

(1) الكافي 3: 158 الجنائز ب 29 ح 6، التهذيب 1: 438- 1412، الاستبصار 1: 197- 691، الوسائل 2: 530 أبواب غسل الميت ب

24 ح 5.

(2) الكافي 3: 158، الجنائز ب 29 ح 8، الفقيه 1: 94- 433، التهذيب 1: 439- 1418، الاستبصار 1: 199- 699، الوسائل 2: 516 أبواب غسل الميت ب 20 ح 1.

(3) التهذيب 1: 440- 1423، الاستبصار 1: 200- 706، الوسائل 2: 532 أبواب غسل الميت ب 24 ح 11.

(4) التهذيب 1: 437- 1409، الاستبصار 1: 198- 697، الوسائل 2: 533 أبواب غسل الميت ب 24 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 97

مع أنّه ليس صريحا في النهي، فيمكن أن تكون الجملة الخبرية تجوّزا عن عدم وجوب تغسيل الزوج، أو عدم أولويته. و لا تنافيه ولايته، لإمكان الإذن حال الاختيار.

و منه يظهر الجواب عن مفهوم رواية أبي بصير: «يغسّل الزوج امرأته في السفر و المرأة زوجها في السفر إذا لم يكن معها رجل» «1» و الثمالي المتقدّمة «2».

مع أنّ الأخيرة أعمّ من الأجنبية، فتعارض ما مرّ بالعموم من وجه، و يرجّح ما مرّ بالمخالفة للعامة. و لو لا الترجيح أيضا يتساقطان و تبقى العمومات فارغة، و الاستثناء على (احتمال) [1] التخصيص بالأجنبية تكون إشارة إلى ما استحب من غسل وجه الأجنبية و كفّيها.

خلافا للمحكي عن التهذيبين و الغنية «3»، فلم يجوّزوه اختيارا، لما مرّ مع دفعه.

و لوقوع التقييد بالضرورة في طائفة من الأخبار.

كحسنة الحلبي: عن الرجل يموت و ليس عنده من يغسّله إلّا النساء، فقال: «تغسّله امرأته أو ذو قرابة إن كانت له و تصبّ النساء عليه الماء صبا. و في المرأة إذا ماتت: يدخل زوجها يده تحت قميصها فيغسلها» «4».

و صحيحة ابن سنان: عن الرجل أ يصلح له أن ينظر إلى امرأته حين تموت أو يغسّلها إن لم يكن عندها من

يغسّلها؟ و عن المرأة هل تنظر إلى مثل ذلك من

______________________________

[1] ليست في «ق».

______________________________

(1) التهذيب 1: 439- 1420، الاستبصار 1: 199- 701، الوسائل 2: 533 أبواب غسل الميت ب 24 ح 14.

(2) في ص 94.

(3) التهذيب 1: 440، الاستبصار 1: 199، الغنية (الجوامع الفقهية): 563.

(4) الكافي 3: 157، الجنائز ب 29 ح 1، التهذيب 1: 437- 1410، الاستبصار 1:

196- 689، الوسائل 2: 529 أبواب غسل الميت ب 24 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 98

زوجها حين يموت؟ فقال: «لا بأس بذلك» «1».

و موثقة البصري: عن الرجل يموت و ليس عنده من يغسّله إلّا النساء هل تغسّله النساء؟ فقال: «تغسّله امرأته أو ذات محرمه و تصبّ عليه النساء الماء صبّا من فوق الثياب» «2».

و يدفع: بأنّ التقييد فيها إنّما وقع في السؤال، و هو لا يوجب تخصيص الجواب.

ثمَّ الحقّ وجوب كون تغسيل كلّ من الزوجين من وراء الثياب، وفاقا للمحكي عن ظاهر نهاية الشيخ، و مبسوطه «3»، و هو صريح الكركي، و استجوده في المنتهى «4»، و نسبه في اللوامع إلى الحلبي [1] و أكثر المتأخّرين [2]، للأمر به في خبر الشحام «5». و الأمر فيه و إن اختص في تغسيل الزوجة للزوج، و لكنه يتعدّى إلى العكس بعدم القول بالفصل، و إن كان في العكس [3].

خلافا للمحكي عن السيد، و الإسكافي، و الخلاف، و الجعفي،

______________________________

[1] لم نعثر عليه في الكافي.

[2] و ممن قال به الشهيدان في الذكرى: 39، و روض الجنان: 96.

[3] أي: و إن كان القول بالفصل موجودا في العكس، و هو تغسيل الزوج للزوجة، كما سينقله عن الشيخ (ره).

______________________________

(1) الكافي 3: 157، الجنائز ب 29 ح 2، الفقيه 1: 86- 401، التهذيب

1: 439- 1417، الاستبصار 1: 198- 698، الوسائل 2: 528 أبواب غسل الميت ب 24 ح 1.

(2) الكافي 3: 157، الجنائز ب 29 ح 4، التهذيب 1: 439- 1416، الاستبصار 1:

197- 695، الوسائل 2: 517 أبواب غسل الميت ب 20 ح 4.

(3) النهاية: 42، المبسوط 1: 175.

(4) جامع المقاصد 1: 360، المنتهى 1: 437.

(5) التهذيب 1: 443- 1432، الاستبصار 1: 203- 717، الوسائل 2: 518 أبواب غسل الميت ب 20 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 99

و التهذيب، و الجامع، و نهاية الفاضل «1»، و اختاره من المتأخّرين صاحبا المدارك و الكفاية «2»، و والدي العلّامة، فلم يوجبوا فيهما.

للأصل الخالي عن معارض سوى التقييد الواقع في كثير من الأخبار المتقدّمة في هذه المسألة و المسألة السالفة، و هو- مع عدم دلالته في الأكثر على الزائد على الرجحان، و اختصاصه بتغسيل الزوج للزوجة فلا وجه للتعدية- معارض بتصريح صحيحة ابن سنان بجواز النظر الغير المجامع مع وجوب الستر، و بظهور صحيحة منصور «3» في اختصاص العورة به.

و يجاب عن الأول: بأنّ عدم دلالة الأكثر على الوجوب- بعد دلالة خبر الشحام عليه للوقوع بلفظ الأمر فيه- غير ضائر.

و الثاني: بمنع الاختصاص، كيف و الخبر المذكور بالعكس مصرّح.

و عن الثالث: بعدم التعارض بين جواز النظر و وجوب الستر في الغسل، لجواز كونه تعبّدا، و منع ظهور صحيحة منصور في التخصيص المذكور، كما يأتي في المسألة الرابعة.

و للمنقول عن الاستبصار [1]، بل التهذيب [2] أيضا، و تبعهما بعض متأخّري المتأخرين [3]، فأوجبوه في تغسيل الزوج للزوجة دون العكس، لما ذكر من

______________________________

[1] الاستبصار 1: 198 قال: و يكون الفرق بين الرجل و المرأة في ذلك أن المرأة يجوز

لها أن تغسل الرجل مجردا و إن كان الأفضل و الأولى أن تستره ثمَّ تغسله و ليس كذلك الرجل لأنه لا يجوز له أن يغسلها إلّا من وراء الثياب.

[2] لم نعثر عليه بل الموجود عدم الفرق بينهما فلاحظ التهذيب 1: 438، نعم نقل عنه في الحدائق 3: 384 ثمَّ أتى بعين عبارة الاستبصار بعنوان عبارة التهذيب.

[3] كصاحب الحدائق في كتابه 3: 385، 387، و قال الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 110:

و عندي الأحوط أن لا يغسل الرجل زوجته إلّا من وراء الثياب .. و أمّا العكس فالأصل يجوز التجريد و لم أظفر بما يعارضه.

______________________________

(1) الخلاف 1: 699، التهذيب 1: 438، الجامع: 50، نهاية الإحكام 2: 230.

(2) المدارك 2: 61، الكفاية: 6.

(3) المتقدمة في ص 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 100

اختصاص المقيّدات به، و عرفت دفعه.

و لطائفة من المتأخّرين في نقل الأقوال في المقام اختلاف فاحش [1].

و كما يجوز التغسيل مجردا يجوز النظر بل اللمس أيضا، للأصل، بل التصريح في بعض المعتبرة.

ثمَّ إنّ مقتضى الإطلاقات نصّا و فتوى عدم الفرق في الزوجة بين الحرّة و الأمة، و الدائمة و المنقطعة، و المدخول بها و غيرها. و المناقشة في صدق الزوجة على المنقطعة حقيقة غير ضائر، لصدق ذات المحرم و امرأته- اللتين وردتا في الأخبار- عليها أيضا.

و المطلّقة بائنا ليست بزوجة، بخلاف الرجعية، و إن انقضت عدّتها بعد الوفاة قبل الغسل، لا إن انقضت قبلهما.

و الأمة ليست بزوجة و لا امرأة له، فلا يلحقها حكمها. و لكنها من المحارم و إن انتقلت إلى الوارث، لأنّ المراد بذات المحرم في حال الحياة كما في الزوجة، و لا أقلّ من احتماله، فلا يعلم خروجها من العمومات،

فتلحق بالمحارم، و يأتي حكمها، إلّا إذا كانت مزوّجة للغير أو معتدّة، فكالأجانب، فتأمل.

الرابعة: يجوز تغسيل كلّ من الرجل و المرأة محارمه بالنسب، أو الرضاع، أو المصاهرة، بلا خلاف ظاهر، بل نفي الخلاف عنه متواتر، و في التذكرة نسبه إلى علمائنا «1»، و في اللوامع الإجماع عليه.

للأصل، و العمومات، و أخبار تغسيل الأولى، و للنصوص المستفيضة،

______________________________

[1] و ذلك أن في اللوامع نسب إلى المبسوط جواز التجرد فيهما، و نسب الهندي إليه المنع فيهما، و نسب المنع في اللوامع إلى أكثر المتأخرين، و بعض مشايخنا نسب الجواز إليهم، و نسب في الحدائق التفصيل إلى التهذيب، و الهندي نسب إليه الجواز و نسب التفصيل إلى الاستبصار، و نسب المنع بعض مشايخنا إلى ابن زهرة و ظاهر الهندي خلافه. (منه رحمه اللّه).

______________________________

(1) التذكرة 1: 39.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 101

كموثقة سماعة، و خبر الشحام، و صحيحة منصور، و حسنة الحلبي، و موثقة البصري المتقدمة «1».

و موثقة الساباطي: عن الرجل المسلم يموت في السفر و ليس معه رجل مسلم، و معه رجال نصارى، و معه عمّته و خالته مسلمتان، كيف يصنع في غسله؟ قال: «تغسله عمّته و خالته في قميصه و لا تقربه النصارى» و عن المرأة تموت في السفر و ليس معها امرأة مسلمة، و معهم نساء نصارى و عمّها و خالها معهم مسلمان، قال: «يغسلانها و لا تقربها النصرانية، كما كانت المسلمة تغسلها، غير أنّه يكون عليها درع فيصبّ الماء من فوق الدرع» «2» الحديث.

و رواية أبي الجوزاء، و فيها: «و إذا كان معه نساء ذوات محرم يؤزرنه و يصببن عليه الماء صبّا، و يمسسن جسده و لا يمسسن فرجه» «3».

و بتلك الأخبار يخصّص عموم

صحيحة البصري السابقة «4» في المسألة الثانية الناشئ عن ترك الاستفصال، و خبر الشحام «5» الناشئ عن إطلاق نفي امرأة له مع احتمال إرادة ما يشمل ذات المحارم أيضا منها كما يأتي.

و يؤيده ما في الروايات الكثيرة من السؤال عن غسل من مات و لا محرم له و لا مماثل «6».

و المشهور اختصاصه بحال الاضطرار، و اشتراط كونه من وراء الثياب،

______________________________

(1) تقدمت الروايات في ص 91 رقم 2، 3 و ص 96 رقم 2، 3 و ص 98 رقم 2.

(2) الكافي 3: 159، الجنائز ب 29 ح 12، الفقيه 1: 95- 436، التهذيب 1: 340- 997، الوسائل 2: 517 أبواب غسل الميت ب 20 ح 5.

(3) التهذيب 1: 441- 1426، الاستبصار 1: 201- 711، الوسائل 2: 519 أبواب غسل الميت ب 20 ح 8.

(4) في ص 90.

(5) المتقدّم في ص 91.

(6) نظر الوسائل 2: 522 أبواب غسل الميت ب 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 102

و دعوى الشهرة عليهما متكرّرة في كلام الأصحاب «1»، تمسّكا في الأول بمفهوم رواية الثمالي المتقدمة «2»، و اختصاص الأخبار المجوّزة بصورة الاضطرار.

و يضعف الأول: بما مرّ من عدم دلالته على الحرمة، و المعارضة مع المجوّزة بالعموم من وجه.

و الثاني: بمنع الاختصاص أولا، لإطلاق صحيحة منصور، و عدم كونه ضائرا- ثانيا- بعد كونه في السؤال، لكفاية الأصل و العمومات.

و في الثاني [1] بالأمر به في كثير من الأخبار المتقدّمة، فتحمل عليها المطلقة منها أيضا.

و يضعف: بمعارضة الأخبار المقيّدة مع صحيحة منصور «3»، و رواية أبي الجوزاء «4» اللتين هما كالنص، بل نصّان في عدم وجوب ستر غير العورة، و هما راجحتان بموافقة الأصل، مع أنّ أكثر المقيّدات خال عن

الدالّ على الوجوب.

و لذا خالف الشيخ في المبسوط [2] ظاهرا، و الحلّي «5»، و الفاضل في جملة من كتبه [3] في الأول، فقالوا بعدم الاختصاص. و الحلبي [4]، و الغنية [5]، و الإصباح،

______________________________

[1] أي و تمسكا في الثاني و هو اشتراط كونه من وراء الثياب.

[2] المبسوط 1: 175، لم يصرح بالجواز بل احتاط بعدمه كما نقل عنه أيضا في كشف اللثام 1: 109 و مفتاح الكرامة 1: 418.

[3] المنتهى 1: 437 و نقله في كشف اللثام 1: 109 عن التلخيص أيضا.

[4] نقل في كشف اللثام عن الكافي و لم نعثر عليه.

[5] الغنية (الجوامع الفقهية): 563 فإنه و إن لم يصرح بعدم الاشتراط و لكنه أطلق التغسيل و لم يقيده بكونه من وراء الثياب.

______________________________

(1) الروض: 98، الذخيرة: 82، الحدائق 3: 393.

(2) في ص 94.

(3) المتقدمة في ص 96.

(4) المتقدمة في ص 101.

(5) السرائر 1: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 103

و المدارك، و أكثر الثالثة [1] في الثاني، فقالوا بعدم الاشتراط. و والدي العلّامة- رحمه اللّه- في الموضعين.

أقول: و المخالفة في الأول في محلّها، لما مرّ.

و أمّا في الثاني فمشكلة، لأن الأمر بستر العورة و التأزير في الصحيحة و الرواية لا ينافي وجوب ستر سائر الأعضاء أيضا بدليل آخر و إن خصّها بالذكر للأهميّة، فلا تعارضان المقيّدات، و تبقى هي بلا معارض سوى بعض المطلقات الواجب حمله على المقيّد.

و خلوّ أكثرها عن الدالّ على الوجوب بعد اشتمال بعضها عليه غير ضائر، و هو موثّقة الساباطي «1» حيث جعل المحرم كالمسلمة إلّا في أنّه تكون في المحرم تحت الدرع، و لا يجوز أن تكون التفرقة في مطلق الرجحان، لثبوته في المسلمة أيضا، و إن كان محلا

للنظر، فتكون في الوجوب، و جعلها [2] في مراتبه بعيد غايته.

مضافا إلى جواز شمول قوله في خبر الشحام، المتقدّم «2»: «و إن كان له فيهن امرأة فليغسّل في قميص» لذوات المحارم، لثبوت نوع اختصاص، و بعده يجبر بذكر ذي الرحم قبل ذلك دون ها هنا مع الاتّحاد قطعا.

فالقول بالاشتراط في غاية القوة، و بالاحتياط أوفق، فتأمّل.

الخامسة: يجوز تغسيل الأجنبية ابن أقلّ من ثلاث سنين إجماعا كما في المنتهى «3» و اللوامع، و عن التذكرة و نهاية الإحكام «4» في ابن الثلاث.

و هو الحجة فيه مضافا إلى العمومات، و خبر ابن النمير: عن الصبي إلى

______________________________

[1] المدارك 2: 65، و في الرياض 1: 70 أنه لا يخلو عن القوة لو لا الشهرة العظيمة.

[2] أي جعل التفرقة في مراتب الرجحان.

______________________________

(1) المتقدمة في ص 101.

(2) في ص 91.

(3) المنتهى 1: 436.

(4) التذكرة 1: 40، نهاية الإحكام 2: 231.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 104

كم تغسّله النساء؟ فقال: «إلى ثلاث سنين» [1].

و موثّقة الساباطي: في الصبي تغسّله امرأة؟ فقال: « [إنّما] تغسّل الصبيان النساء» «1».

مجرّدا، للأصل و ظاهر الوفاق. اختيارا وفاقا للأكثر، للأصل و الإطلاق، و خلافا للمحكي عن النهاية، و ظاهر الوسيلة، و السرائر «2». و لا دليل له.

لا ابن الثلاث أو أكثر، وفاقا لصريح الكركي، و الشرائع، و المحكي عن المبسوط «3»، و الإصباح حيث قيّدوا بالأقلّ، لمفهوم الغاية في الخبر المتقدّم الدالّ على عدم الجواز، حيث إنّ السؤال في المنطوق عن الجواز قطعا، لعدم رجحان فيه.

و خلافا للأكثر في ابن الثلاث، إمّا لدخول الغاية في المغيّى، أو للإجماعات المحكية، و العمومات و إطلاق الموثّقة.

و الأول ممنوع، بل الحق خلافه. و الثاني مدفوع: بعدم الحجية. و الثالث

بلزوم التقييد و التخصيص بمفهوم الغاية.

و لوالدي- رحمه اللّه- و للمنقول عن الصدوق [2]، و المفيد، و الديلمي «4» في ابن الخمس مجرّدا، و عن الأخيرين [3] في ابن الأكثر فوق الثياب.

و كأنّ الأول لإطلاق الموثّقة الواجب تقييده. و الثاني لما اختاره من جواز التغاير مع الستر المتقدّم بطلانه.

______________________________

[1] الكافي 3: 160، الجنائز ب 30 ح 1، الفقيه 1: 94- 431 و فيه: أبو النمير و كذا في التهذيب 1.

341- 998، الوسائل 2: 526 أبواب غسل الميت ب 23 ح 1.

[2] الفقيه 1: 94 نقله عن شيخه ابن الوليد و لكن مورد كلامه الابنة دون الابن، و لعله يستفاد بالأولوية.

[3] كما في المقنعة و المراسم في الصفحة المشار إليها.

______________________________

(1) التهذيب 1: 445- 1438، الوسائل 2: 527 أبواب غسل الميت ب 23 ح 2.

(2) النهاية: 42، الوسيلة: 63، السرائر 1: 168.

(3) جامع المقاصد 1: 364، الشرائع 1: 37، المبسوط 1: 176.

(4) المقنعة: 87، المراسم: 50.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 105

و عن ابن سعيد في ابن الأكثر من الثلاث مطلقا فوق الثياب «1» و عن ابن حمزة فيه إلى أن يراهق «2». و لا دليل تامّا لهما و التمسّك بالأصل في بعض ما ذكر مع كون العبادة توقيفية فاسد، و بالعمومات مع المفهوم المتقدّم باطل.

و مثلها الأجنبي فيغسّل بنت أقلّ من ثلاث سنين، وفاقا لغير المعتبر، بل عن نهاية الإحكام الإجماع في بنت الثلاث «3» لا للمروي عن جامع محمد بن الحسن: في الجارية تموت مع الرجال، إلى أن قال: «و إن كانت معه بنت أقلّ من خمس سنين غسّلت» «4» و إن كان ضعفه في المورد منجبرا بالشهرة و الإجماع المنقول.

لمعارضته مع مرسلة التهذيب:

في الجارية تموت مع الرجل فقال: «إذا كانت بنت أقلّ من خمس سنين أو ست دفنت و لم تغسّل» «5».

و تضعيفها لما في متنها من الاختلاف [1] ضعيف، لأنّه إن أريد به نفي الغسل عن الأقل، و عمومه مخالف للشهرة، فكم من عام يخالف عمومه الأدلة الناطقة، و إن أريد التخصيص بالأقل فكم من تخصيصات غير ظاهر وجهها لنا، و إن أريد اضطرابها من جهة ظهور اتّحادها مع ذلك المروي و اختلافهما في الأقلّ و الأكثر- كما قيل «6»- فمع منع الظهور يوجب الوهن فيهما، مع أن نسخ الفقيه في الأقلّ و الأكثر في ذلك المروي مختلفة، كما صرّح به الوافي «7»، و على أيّ تقدير فهو

______________________________

[1] قال في المعتبر 1: 324: و الرواية مرسلة و متنها مضطرب فلا عبرة بها.

______________________________

(1) الجامع: 50.

(2) الوسيلة: 63.

(3) نهاية الإحكام 2: 231.

(4) الفقيه 1: 94- 432، الوسائل 2: 528 أبواب غسل الميت ب 23 ح 4.

(5) التهذيب 1: 341- 999، الوسائل 2: 527 أبواب غسل الميت ب 23 ح 3.

(6) الرياض 1: 69.

(7) الوافي 3: الجزء الثالث عشر ص 46 (الطبع الحجري).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 106

عن الحجية معزول.

بل لعمومات «من غسّل ميتا» و «غسل الميت على الحي واجب» و نحوهما، الخالية عن معارضة أدلّة اشتراط المماثلة مطلقا أو اختيارا، لاختصاصها بالرجل و المرأة.

اختيارا [1] مجرّدة، للأصل.

[لا] [2] بنت الثلاث، وفاقا لمن ذكر في الابن و إن شملها العمومات، لخروجها بخبر ابن النمير «1» [بضميمة] [3] عدم القول بالمنع في الابن و الجواز في البنت، و إن كان في العكس.

خلافا فيها مطلقا للأكثر، و مع الاضطرار لطائفة ذكرهم قد مرّ. و فوق الثياب لجمع آخر منهم:

المفيد، و الديلمي، و ابنا حمزة و سعيد «2»، مع تجويز التغسيل مجرّدا في الأقلّ كالأولين، أو بدونه كالأخيرين. و في بنت الأقلّ من خمس للمحكي عن الصدوق «3». و في بنت الخمس لوالدي- قدس سره- و بعض آخر ممّن تأخّر، و نقله في اللوامع عن المفيد، و الديلمي، و ليس كذلك.

نعم هما جوّزا تغسيل بنت الأكثر من الثلاث فوق الثياب اضطرارا، بناء على قولهم بعدم اشتراط المماثلة مع الاضطرار.

و دليل الجميع: الجمع بين الأصل و العمومات، و المحكي من الإجماع، و المروي عن الجامع «4»، و ما استدلّوا على تغسيل المغاير مع الاضطرار.

______________________________

[1] متعلق بقوله في صدر المطلب: فيغسّل بنت أقل من ثلاث سنين.

[2] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

[3] في النسخ: و بضميمة. و الصحيح حذف الواو.

______________________________

(1) المتقدم في ص 103.

(2) تقدمت مصادر أقوالهم في ص 104.

(3) الفقيه 1: 94- 432 نقلا عن جامع ابن الوليد.

(4) كما رواه في الفقيه 1: 94- 432.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 107

و جواب الكلّ ظاهر.

و للمعتبر، فلم يجوّزه مطلقا «1»، لأصالة حرمة النظر.

و فيها نظر، و لو سلّمت فالغسل لا يتوقّف عليه.

و قد يتأيّد بذيل الموثّق المتقدّم «2»: عن الصبية، و لا تصاب امرأة تغسّلها، قال: «يغسّلها رجل أولى الناس بها».

و هو- مع عدم ظهوره في إطلاق المنع حتى فيما إذا لم يوجد الأولى- لا يدلّ على مطلوبه، بل على خلافه أدلّ، إذ الأولى كثيرا ما يكون أجنبيا كأبناء الأعمام و الأخوال.

السادسة: عن النهاية، و المقنعة، و المبسوط «3»، و الإسكافي «4»، و المراسم، و الوسيلة «5»، و الصهرشتي «6» و ابن سعيد، و التذكرة «7»، و في الشرائع، و المنتهى، و القواعد «8» و

غيرها، بل هو المشهور كما صرّح به جماعة «9»، بل عن التذكرة النسبة إلى علمائنا «10»، و في الذكرى لا أعلم لهذا الحكم مخالفا سوى المحقق «11»: أنّه مع فقد المماثل المسلم و المحرم و وجود المماثل الكافر يغسّل وجوبا بعد اغتساله.

______________________________

(1) المعتبر 1: 324.

(2) في ص 103.

(3) النهاية: 42، المقنعة: 86، المبسوط 1: 175.

(4) نقل عنه في الذكرى: 39.

(5) المراسم: 50، الوسيلة: 63.

(6) نقل عنه في الذكرى: 39.

(7) الجامع: 50، التذكرة 1: 39.

(8) الشرائع 1: 37، المنتهى 1: 436، القواعد 1: 17.

(9) الذكرى: 39، جامع المقاصد 1: 361، الروضة 1: 409.

(10) التذكرة 1: 39.

(11) الذكرى: 39.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 108

و يدلّ عليه موثّقة عمّار «1»، و رواية زيد «2»، و الرضوي «3» و لا يضرّ خلوّها عن الدال على الوجوب، لأنّ عمومات وجوب غسل الميت بعد كون الكافر مكلفا بالفروع تكفي في إثباته، غاية الأمر اشتراط صحة العبادات عنه بالإسلام، للتوقّف على النية المتوقّفة عليه، و هو منتف للأخبار المذكورة.

فالاستدلال بها حقيقة على نفي شرطية الإسلام حين التعذّر دون الوجوب، و لازمه نفي اشتراط النية حينئذ، و لا ضير فيه بعد دلالة الأخبار، و إن قلنا باشتراطها في غيره. و مدخليتها في حقيقة الغسل غير معلومة.

و أمّا جعل لازمه صحة نية الكافر- كبعض المتأخّرين «4»- فهو غريب، لعدم تأتّي نيّة التقرّب بذلك منه، و إلّا لما كان كافرا.

خلافا للمحقّقين في المعتبر و شرح القواعد فنفياه «5»، و نسب إلى ابن سعيد أيضا [1]، بل هو ظاهر من لم يذكر الحكم كالعماني، و الجعفي [2]، و القاضي، و الحلبي، و ابن زهرة الحلبي، و الشيخ في الخلاف «6»، و توقّف في الذكرى

«7».

______________________________

[1] نسبه إليه في كشف اللثام 1: 109، قال: و هو ظاهر الجامع لنسبة الحكم فيه إلى رواية ضعيفة، انظر الجامع: 50.

[2] نسب إليهما عدم الذكر في الذكرى: 39.

______________________________

(1) الكافي 3: 159، الجنائز ب 29 ح 12، الفقيه 1: 95- 439، 440، التهذيب 1:

340- 997، الوسائل 2: 515 أبواب غسل الميت ب 19 ح 1.

(2) التهذيب 1: 443- 1433، الاستبصار 1: 203- 718، الوسائل 2: 516 أبواب غسل الميت ب 19 ح 2.

(3) فقه الرضا: 173، المستدرك 2: 182 أبواب غسل الميت ب 18 ح 1.

(4) الحدائق 3: 402.

(5) المعتبر 1: 326، جامع المقاصد 1: 362.

(6) المهذب 1: 54 إلى 56، الكافي: 134، الغنية (الجوامع الفقهية): 563، الخلاف 1: من 691 إلى 732.

(7) الذكرى: 39.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 109

لضعف الأخبار، و ما في نية الكافر من عدم الاعتبار، و نجاسته فلا يفيد الطهارة للأغيار.

و يضعّف الأول: بكفاية العمومات مع ما لضعفها من الانجبار.

و الثاني: بعدم الاعتبار بعد دلالة الأخبار.

و الثالث: بإمكان الغسل في الكثير أو الجاري، أو من غير ملاقاته الماء، غايته تنجّس الميت بنجاسة عرضية لمباشرته بعد التغسيل أو عنده، و هو غير ضائر، و تطهير المسلم المغاير له ممكن.

و الظاهر الاقتصار على الذمّي، كما هو مورد الروايات.

و ظاهر بعضهم، و صريح والدي العلّامة- رحمه اللّه- أنّه و إن كان واجبا إلّا أنّه ليس بغسل حقيقي. و هو صحيح إن ثبت مدخلية النية في حقيقة الغسل مطلقا.

و لا يعاد الغسل بعد رفع الضرورة كسائر موارد الامتثال، لدلالة الأمر على الإجزاء، و عدم اجتماع البدل و المبدل.

السابعة: الخنثى المشكل و من اشتبهت ذكوريته و أنوثيته إن لم يبلغ الثلاث فأمره واضح.

و إن

بلغ فالحقّ جواز تغسيله لكلّ من الذكر و الأنثى و بالعكس، للعمومات الخالية عن المخصّص سوى الأخبار المانعة عن تغسيل المغاير الذي هو في المورد غير معلوم.

الثامنة: في صحة الغسل من غير المكلّف من المميّز، و عدمها قولان:

الأول عن الفاضلين في بعض كتبهما «1»، لصحة نية القربة منه، و دلالة الأخبار على جواز عتقه و وصيته و صدقته «2» و نحوها.

______________________________

(1) المعتبر 1: 326، التذكرة 1: 40.

(2) انظر الوسائل 19: 211 أبواب الوقوف و الصدقات ب 15، و ص 360 أبواب الوصايا ب 44 و ج 23: 91 أبواب العتق ب 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 110

و الثاني عن الدروس «1»، لعدم وقوع النية منه على الوجه المعتبر شرعا.

و ظاهر الذكرى «2» و اللوامع التوقّف.

و قد يبنى القولان على اعتبار النية في الغسل و عدمه.

أقول: الكلام إمّا في وجوبه، أو جوازه بمعنى الصحة و الامتثال أو ترتب الأثر عليه.

فإن كان الأول فعدمه ظاهر، و إلّا لم يكن غير مكلّف. و أخبار جواز العتق و نحوه منه إن جعلت أدلّة على التكليف- كبعضهم [1]- خرج عن الموضوع، و إلّا فجواز بعض الأمور منه بدليل لا يوجب تعلّق أمر آخر به.

و إن كان الثاني فلتوقّف العلم بترتّب الأثر و حصول الامتثال بشمول العمومات الطلبية له يبتني عليه، فإن قلنا بالشمول صحّ، و تأتّي النية منه، و إلّا- كما هو الأظهر- فلا و إن لم يتوقّف الغسل على النية.

و على القول بالصحة لا يجب عليه، و هو ظاهر. و لا على المكلّف الغير المحرم و لا المماثل أمره، لعدم الدليل.

______________________________

[1] قد يكون ناظرا إلى قول المحدث الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 14 في كيفية الجمع بين

الأخبار المختلفة في البلوغ، من أن التوفيق بين الأخبار يقتضي اختلاف معنى البلوغ بحسب السن بالإضافة إلى أنواع التكاليف، كما يظهر مما روي في باب الصيام أنه لا يجب على الأنثى قبل إكمالها الثلاث عشرة سنة إلا إذا حاضت قبل ذلك، و ما روي في باب الحدود «أن الأنثى تؤاخذ بها و هي تؤخذ لها تامة إذا أكملت تسع سنين» إلى غير ذلك مما ورد في الوصية و العتق و نحوهما أنها تصح من ذي العشر.

______________________________

(1) الدروس 1: 104.

(2) الذكرى: 40.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 111

الفصل الثاني في المغسول
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى:

وجوب تغسيل كلّ مسلم إن كان معتقدا للحق ضروريّ.

و أمّا المخالف فإن لم يكن محكوما بكفره فالحقّ- كما صرّح به في القواعد و التحرير [1]، و الإرشاد «1»، و اللوامع، مدّعيا عليه في الأخير و في غيره الشهرة- وجوب تغسيله، و كان نظره إلى أنّه مراد من جوّزه بإزاء من حرّمه كما صرّح بذلك بعض المشايخ «2».

للعمومات مثل: «غسل الميت واجب على الحي» [2].

و مضمرة أبي خالد: «اغسل كلّ شي ء من الموتى الغريق و أكيل السبع و كلّ شي ء، إلّا ما قتل بين الصفّين، فإن كان به رمق غسّل و إلّا فلا» [3].

مع كراهيّته للمؤمن، كما في القواعد و المنتهى و الشرائع و عن المبسوط و النهاية و الجامع «3»، و نسبها الكركي إلى المشهور بين الأصحاب عند [عدم ] [4] التعين.

______________________________

[1] القواعد 1: 17، التحرير 1: 17 و فيه: كل مظهر للشهادتين يجوز تغسيله الا الخوارج و الغلاة.

[2] ورد مؤداه في بعض الروايات مثل موثقة سماعة «غسل الميت واجب». انظر الوسائل 2: 477 أبواب غسل الميت ب 1.

[3] الكافي 3: 213، الجنائز ب 76 ح 7، التهذيب 1: 330- 967 و فيه: اغسل كل الموتى ..

الاستبصار 1: 213- 753، الوسائل 2: 506 أبواب غسل الميت ب 14 ح 3.

[4] ما بين المعقوفين وضعناه لاستقامة المعنى، قال في جامع المقاصد 1: 368: و المشهور بين الأصحاب كراهية التعرض إليه إلّا أن يتعيّن فيجب.

______________________________

(1) الإرشاد 1: 229.

(2) الحدائق 3: 409.

(3) القواعد 1: 17، المنتهى 1: 435، الشرائع 1: 39، المبسوط 1: 181، النهاية: 43، الجامع: 57.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 112

و لا بأس بها، للشهرة.

و هي هنا بمعنى المرجوحية بالإضافة إلى ارتكاب

المخالف له، كما كانت الأولوية في الولي بمعنى الراجحية بالإضافة إلى ارتكاب غيره، كما إذا طلب سلطان من واحد من جماعة حاضرين لديه إحضار سوقي كان حضوره لازما البتة، فارتكاب الوزير بنفسه له مرجوح بالإضافة إلى العبيد، لا بمعنى أقلية الثواب، إذ لا معنى محصّل له هنا، و لا بالمعنى المصطلح في غير العبادات، لمنافاته الوجوب، بل مطلق الرجحان.

خلافا للمقنعة و المحكي عن المراسم [1]، و المهذب و السرائر «1»، و بعض الثالثة «2»، فحرّموه، إمّا لكفره، و هو ممنوع، أو لكونه عبادة فيحرم بدون التوقيف و لا توقيف، و قد عرفت ثبوته، و دعوى عدم انصراف الإطلاقات إلى مثله غريبة، أو لأنّ تغسيل الميت لاحترامه و لا احترام له، و انحصار العلة فيه، مع أنّه صرّح في الأخبار بغيره.

و لمن نفى وجوبه كالمدارك و الكفاية و الذخيرة «3»، و هو بين احتمال الحرمة لأحد الوجهين، و قد عرفت ضعفها، و الاستحباب لعموم مرغّبات الغسل دون موجباته التي تصلح للحجية، و ضعفه ظاهر، و الإباحة لفقد العموم و الأصل، فإن أراد ما أمر به الشارع، و رتّب عليه الطهارة، و عدم وجوب الغسل بالمسّ، فلا يستباح بالأصل، و إن أراد صورة الغسل فهي غير محل النزاع.

و لبعض الأجلة «4» فحرّمه مع قصد الكرامة له، أو للنحلة، و جوّزه بقصد

______________________________

[1] المقنعة: 85، المراسم: 45 و فيه: و هو (يعني تغسيل الميت) على ضربين أحدهما الغسل فيه واجب على الميت نفسه قبل موته، و الآخر يجب على غيره بعد موته إذا كان الميت معتقدا للحق.

______________________________

(1) المهذب 1: 54، السرائر 1: 158.

(2) الحدائق 3: 405، الرياض 1: 70.

(3) المدارك 2: 69، الكفاية: 6، الذخيرة: 80.

(4) الفاضل الهندي في

كشف اللثام 1: 110.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 113

إكرام إظهار الشهادة أو من غير إرادة الكرامة، و هو خروج عن المسألة.

ثمَّ المشهور- بل في شرح القواعد أنّه لا نعرف من أحد تصريحا بخلافه «1»- أنّه يغسل غسلهم، لقولهم: «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم» [1].

و في دلالته نظر، و الأولى بالنظر ما قالوا من أنّه يغسل غسلنا لو لم نعرف كيفية غسلهم.

و الأظهر تغسيله كغسلنا مطلقا، إلّا أنّه إذا غسله المخالف كغسلهم يسقط عنّا، لظاهر الإجماع، و الخبر المذكور.

و إن كان كافرا فلا يجوز غسله و لا كفنه و لا دفنه و لا الصلاة عليه، بإجماعنا المحقّق، و المحكي «2» متواترا، و هو الحجة في جميع أقسامه، من الذمي و الحربي، و الغلاة، و الخوارج، و النواصب.

مضافا في الأول بأصنافه- بضميمة الإجماع المركّب- إلى موثّقة الساباطي:

في النصراني يكون في السفر و هو مع المسلمين فيموت، قال: «لا يغسّله مسلم و لا كرامة، و لا يدفنه، و لا يقوم على قبره و إن كان أباه» [2].

و فيه و في الثاني و الثالث إلى المنقول في المعتبر عن شرح الرسالة للسيد،- المنجبر ضعفه بما مرّ-: روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «النهي عن تغسيل المسلم قرابته الذمي و المشرك، و أن يكفّنه و يصلّي عليه» «3».

و في الأخيرين إلى المرويّ في الاحتجاج من قول مولانا الحسين عليه السلام

______________________________

[1] انظر الوسائل 22: 72 أبواب مقدمات الطلاق ب 30. و هي مؤدى القاعدة المعروفة بقاعدة الإلزام.

[2] الكافي 3: 159 الجنائز ب 29 ح 12. و لم يرد فيه: «و إن كان أباه»، الفقيه 1: 95- 437، التهذيب 1: 336- 982، الوسائل 2: 514 أبواب غسل الميت ب

18 ح 1.

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 368.

(2) كما في التهذيب 1: 335، التذكرة 1: 4، الذكرى: 42.

(3) المعتبر 1: 328، الوسائل 2: 514 أبواب غسل الميت ب 18 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 114

لمعاوية: «لو قتلنا شيعتك ما كفنّاهم و لا غسّلناهم و لا صلّينا عليهم و لا دفناهم» «1».

و كذا من صار كافرا بإنكار الضروري، لظاهر الإجماع.

فرع: لو وجد ميت و لم يعلم هل هو مسلم أم كافر. فإن كان في دار الإسلام غسّل و كفّن و صلّي عليه، للعمومات.

و إن كان في دار الكفر فهو بحكم الكافر و لو كان فيه علامة المسلم، إذ لا علامة إلّا و يشارك فيه كافر، كذا قيل «2». و مقتضى العمومات هنا أيضا التغسيل.

و لو اشتبه موتى المسلمين بالكفّار في غير الشهداء يغسّل الجميع، لوجوب مقدّمة الواجب، إذ لا تعارضه حرمة سبب الحرام، لدخول كلّ فرد في العمومات، فتأمّل.

الثانية:

يجب تغسيل أطفال المسلمين و مجانينهم، بالإجماع، و العمومات، و ما تقدم في تغسيل الصبي و الصبية، و فحوى أخبار السقط، الآتية.

و كذا السقط منهم إذا استكمل أربعة أشهر، فيغسّل وجوبا بلا خلاف يعرف من غير العامّة، كما صرّح به بعض الخاصة «3»، و نسبه في المنتهى إلى أكثر أهل العلم «4».

و لخبر زرارة: «السقط إذا تمَّ به أربعة أشهر غسّل» «5» و نحوها مرفوعة أحمد «6».

و الرضوي- المنجبر بما مرّ-: «إذا أسقطت المرأة و كان السقط تامّا غسّل

______________________________

(1) الاحتجاج: 296، الوسائل 2: 515 أبواب غسل الميت ب 18 ح 3.

(2) المعتبر 1: 315.

(3) كشف اللثام 1: 107.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 3    115     الثانية: ..... ص : 114

(4) المنتهى 1: 432.

(5)

الكافي 3: 206 الجنائز ب 73 ح 1، الوسائل 2: 502 أبواب غسل الميت ب 12 ح 4.

(6) التهذيب 1: 328- 960، الوسائل 2: 502 أبواب غسل الميت ب 12 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 115

و حنّط و كفّن و دفن، و إن لم يكن تامّا فلا يغسّل و يدفن بدنه، و حدّ إتمامه إذا أتى عليه أربعة أشهر» «1».

و هو و إن لم يثبت زيادة من الرجحان إلّا أنّه يثبت الوجوب بالإجماع المركّب.

و بموثّقتي سماعة أيضا: عن السقط إذا استوى خلقته يجب عليه الغسل و اللحد و الكفن؟ فقال: «كلّ ذلك يجب عليه» «2».

و استواء الخلقة إنّما هو بتمام أربعة أشهر، لا لما قيل «3» من الأخبار الدالّة على بعث الملكين الخلاقين بعد تمام أربعة أشهر «4»، لعدم دلالتها على تمام الخلقة في الأربعة أصلا، بل للرضوي المنجبر المتقدّم.

و لكن يعارضه مفهوم مرفوعة أحمد، و رواية زرارة.

الأولى: «إذا تمَّ له ستة أشهر فهو تام، و ذلك أن الحسين بن علي- عليهما السلام- ولد و هو ابن ستة أشهر» «5».

و كذا الثانية «6»، غير أنّ فيها بدل «إذا تمَّ له ستة أشهر»: «إذا سقط لستة أشهر».

و الأصل معهما، إلّا أنّ الظاهر أنّ التمامية تكون في أمور في الخلقة و الحياة و النموّ و غيرها، فبالأربعة أشهر تتم الخلقة و بالستة الحياة، و يشعر به التعليل بتولّد الحسين حيث بقي، و يتم بعض مراتبها بالبلوغ، و بعضها ببدوّ سن الوقوف،

______________________________

(1) فقه الرضا: 175، المستدرك 175 أبواب غسل الميت ب 12 ح 1.

(2) الكافي 3: 208، الجنائز ب 74 ح 5، التهذيب 1: 329- 962، الوسائل 2: 501 أبواب غسل الجنابة ب 12 ح

1.

(3) الرياض 1: 69.

(4) انظر الكافي 6: 13 كتاب العقيقة ب 6 ح 3، 6، 7.

(5) تقدم مصدرها في ص 114.

(6) التهذيب 1: 328- 959، الوسائل 2: 502، أبواب غسل الميت ب 12 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 116

و هكذا، فلا يعلم التعارض، و يتعيّن العمل بالرضوي. و به و بسائر ما مرّ يقيد إطلاق خبر ابن الفضيل: عن السقط كيف أصنع به؟ فكتب: «السقط يدفن بدمه في موضعه» «1».

ثمَّ المستفاد من الرضوي و الموثقتين وجوب التكفين و التدفين، كما عن المبسوط، و المقنعة، و النهاية، و المراسم، و الجامع «2»، و المنتهى، و التبصرة، و الإرشاد، و التذكرة، و التلخيص، و نهاية الإحكام [1].

و عن ظاهر الشرائع، و التحرير، اللف في خرقة حملا للتكفين عليه «3».

و هو مشكل، بل ضعيف، لبيان التكفين في الأخبار بأنّه كذا و كذا، مع أنّ عمومات التكفين تشمل المقام أيضا.

بل مقتضى الرضوي وجوب التحنيط، كما عن ظاهر الإرشاد و التلخيص، و لكن ضعفه الخالي عن الجابر المعلوم يمنع عن إثباته إلّا أن يثبت بعموم أدلّة تحنيط الأموات. و الأحوط عدم تركه.

و لو لم يستكمل الأربعة لم يغسّل إجماعا، و عن المعتبر: أنّه مذهب العلماء خلا ابن سيرين «4»، و في المنتهى: بغير خلاف «5»، للأصل، و الرضوي، و خبر ابن الفضيل، و مفهوم الموثقتين. بل يدفن بدمه كما في الأولين، و ظاهرهما عدم الأمر بشي ء آخر.

______________________________

[1] المنتهى 1: 432، التبصرة: 15، الإرشاد 1: 232، التذكرة 1: 40، نهاية الإحكام 2:

234، و فيه: السقط إذا كمل له أربعة أشهر وجب أن يغسل .. و لو كان له أقل من أربعة أشهر لم يغسل و لم يكفن و

لم يصل عليه بل يلف في خرقة و يدفن إجماعا.

______________________________

(1) الكافي 3: 208، الجنائز ب 74 ح 6، التهذيب 1: 329- 961، الوسائل 2: 502 أبواب غسل الميت ب 12 ح 5.

(2) المبسوط 1: 180، المقنعة: 83، النهاية: 41، المراسم: 46، الجامع: 49.

(3) الشرائع 1: 38، التحرير 1: 17.

(4) المعتبر 1: 320.

(5) المنتهى 1: 432.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 117

و لكن في المعتبر، و الشرائع، و النافع، و المنتهى «1»، و عن المفيد، و الديلمي، و القاضي «2»، و الكيدري، بل في اللوامع أنه ظاهر الأكثر، بل ظاهر المعتبر «3» أنه مذهب أهل العلم: أنّه يلفّ في خرقة و يدفن. و لا شك أنّه أولى، لفتوى هؤلاء الأجلّاء، بل هو أحوط.

و الجنين الميت في بطن الميت لا يغسّل، للأصل، بل هو كجزء أصله يكفي غسلها عن غسله. و لو خرج أو اخرج بعد الموت عن الحي أو الميت يغسّل، لعمومات غسل السقط أو الميت، سواء اخرج منقطعا أو متّصلا.

و لو ماتت حامل و خرج بعض قطع الجنين الميت منه ففي تغسيل الخارج نظر، و العدم أظهر.

و كذا لو خرج بعضه و بقي البعض متّصلا من غير تقطّع سواء أمكن إخراج التمام أو لا، و إن كان الإخراج و التغسيل مع الإمكان أحوط، بل أظهر.

الثالثة:

لا خلاف بين الأصحاب كما صرّح به جماعة، و في المعتبر «4»: أنّه إجماع أهل العلم خلا شاذّ من العامّة [1]، و في المنتهى: ذهب إليه علماؤنا أجمع و لا خلاف فيه بين علماء الأمصار إلّا الحسن البصري و سعيد بن المسيب «5»، بل عليه إجماع المسلمين في اللوامع: أنّ الشهيد الميت في معركة القتال لا يغسّل و لا

يكفّن، بل يصلّى عليه و يدفن، و استفاضت به النصوص:

كحسنة زرارة و ابن جابر: كيف رأيت؟ الشهيد يدفن بدمائه؟ قال: «نعم

______________________________

[1] قال ابن رشد في بداية المجتهد 1: 227 ان الجمهور على ترك غسله .. و كان الحسن و سعيد ابن المسيب يقولان يغسل كل مسلم.

______________________________

(1) المعتبر 1: 320، الشرائع 1: 38، النافع: 15، المنتهى 1: 432.

(2) المقنعة: 83، المراسيم: 46، المهذب 1: 56.

(3) المعتبر 1: 320.

(4) المعتبر 1: 309.

(5) المنتهى 1: 433.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 118

في ثيابه بدمائه، و لا يحنّط و لا يغسّل و يدفن [كما هو]» «1».

و صحيحة أبي مريم على طريق الفقيه: «الشهيد إذا كان به رمق غسّل و كفّن و حنّط و صلّي عليه، و إن لم يكن به رمق دفن في ثيابه» [1].

و صحيحة ابن تغلب: عن الذي يقتل في سبيل اللّه أ يغسّل و يكفّن و يحنّط؟

قال: «يدفن كما هو في ثيابه بدمه إلّا أن يكون به رمق ثمَّ مات، فإنّه يغسّل و يكفّن و يحنّط و يصلّى عليه» «2».

و حسنته: «الذي يقتل في سبيل اللّه يدفن في ثيابه و لا يغسّل، إلّا أن يدركه المسلمون و به رمق ثمَّ يموت بعد، فإنّه يغسّل و يكفّن و يحنّط» «3».

و مضمرة أبي خالد، المتقدّمة في المسألة الاولى «4».

و الرضوي: «و إن كان الميت قتيل المعركة في طاعة اللّه لم يغسّل، و دفن في ثيابه التي قتل فيها بدمائه، و لا ينزع منه من ثيابه شي ء إلّا أنّه لا يترك عليه شي ء معقود، مثل الخف، و تحل تكته، و مثل المنطقة و الفروة، و إن أصابه شي ء من دم لم ينزع عنه شي ء إلّا أنّه يحل المعقود،

و لم يغسّل إلّا أن يكون به رمق ثمَّ يموت بعد ذلك، فإذا مات بعد ذلك غسّل كما يغسّل الميت، و كفّن كما يكفّن الميت، و لا

______________________________

[1] الفقيه 1: 97- 446، و سند الصدوق إلى أبي مريم صحيح في المشيخة و هو: أبوه، عن سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن أبان ابن عثمان، عن أبي مريم. (الفقيه 4: 23). و رواها في الكافي 3: 211 ب 75 ح 3، التهذيب 1: 331- 971، الاستبصار 1: 214- 757، الوسائل 2: 506 أبواب غسل الميت ب 14 ح 1.

______________________________

(1) الكافي 3: 211، الجنائز ب 75 ح 2، التهذيب 1: 331- 970، الاستبصار 1: 214- 756، الوسائل 2: 509 أبواب غسل الميت ب 14 ح 8.

(2) الكافي 3: 210، الجنائز ب 75 ح 1، التهذيب 1: 331- 969، الاستبصار 1: 214- 755، الوسائل 2: 509 أبواب غسل الميت ب 14 ح 7.

(3) الكافي 3: 212، الجنائز ب 75 ح 5، التهذيب 1: 332- 973، الوسائل 2: 510 أبواب غسل الميت ب 14 ح 9.

(4) في ص 111.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 119

يترك عليه شي ء من ثيابه» «1».

إنّما الخلاف في تعيين الشهيد الذي ذلك حكمه أنّه هل هو المقتول بين يدي المعصوم خاصة؟ كما في الشرائع، و القواعد، و عن المقنعة، و المراسم «2».

أو مع نائبه الخاص أيضا؟ كما عن المبسوط، و النهاية، و المهذب، و الوسيلة، و السرائر، و الجامع، و المنتهى «3»، و في اللوامع نسبه إلى الأكثر، و مال إليه جمع ممّن تأخّر [1].

أو في كلّ جهاد مأمور به و لو

حال الغيبة؟ كما عن المعتبر، و الغنية، و الإشارة «4»، و ظاهر الكافي [2]، و الذكرى، و المدارك «5»، و صريح الكركي «6»، و والدي العلّامة- رحمه اللّه- و محتمل نهاية الإحكام، و التذكرة «7».

الحقّ هو الثاني، فلا يغسّل المقتول بين يدي الإمام أو نائبه الخاص، و يغسّل غيره.

أمّا الأول: فللرضوي المنجبر ضعفه بالشهرة، المؤيّد بسائر الأخبار.

و أمّا الثاني فللعمومات الخالية عن المخصّص المعلوم، إذ ليس إلّا روايات السقوط عن الشهيد و المقتول في سبيل اللّه، و في طاعة اللّه، و ما قتل بين الصفّين.

و ثبوت الحقيقة الشرعية للأولين في غير من ذكرنا لنا غير معلوم، و استعمالهما

______________________________

[1] كما يظهر من مجمع الفائدة 1: 201 و الرياض 1: 68.

[2] كذا نقل في كشف اللثام 1: 111 و لم نعثر عليه في الكافي للحلبي.

______________________________

(1) فقه الرضا: 174، المستدرك 2: 179 أبواب غسل الميت ب 14 ح 5.

(2) الشرائع 1: 37، القواعد 1: 17، المقنعة: 84، المراسم: 45.

(3) المبسوط 1: 181، النهاية: 40، المهذب 1: 55، الوسيلة: 63، السرائر 1: 166، الجامع:

49، المنتهى 1: 433.

(4) المعتبر 1: 311، الغنية (الجوامع الفقهية): 563، الإشارة: 76.

(5) الذكرى: 41، المدارك 2: 71.

(6) جامع المقاصد 1: 365.

(7) نهاية الإحكام 2: 236، التذكرة 1: 41.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 120

فيه في الأخبار لا يفيده، لأنّه أعم من الحقيقة، كإرادة كلّ قربة من الثاني في آية الصدقات [1]، و تبادره منه في العرف المتأخّر لا يثبته، لأصالة التأخّر.

و ضعف المتضمّن للثالث، الخالي عن الجابر في غير من ذكر- حيث صرّح بعضهم «1» بمخالفة التعدّي إليه للشهرة العظيمة- يمنع من التخصيص به.

و عدم ثبوت إفادة لفظة «ما» الموصولة الواردة في الرابع [2]

للعموم، يضعّف شموله له.

و الأولون احتجّوا للسقوط: بالإجماع، و لعدمه بالعمومات مع ضعف الرضوي. و قد عرفت دفعه.

و الآخرون استدلّوا للسقوط: بصدق سبيل اللّه. و قد مرّ جوابه.

و إذا عرفت عدم ثبوت السقوط في غير الحاضر عند الحجة أو نائبه الخاص تعلم أنّه لا تترتّب فائدة في بحثنا عن سائر متعلّقات تلك المسألة و فروعها.

الرابعة:

إذا وجد بعض الميت، فإن كان قطعة فيه عظم، يجب تغسيله سواء كانت ممّا فيه الصدر و القلب أو الصدر وحده أو غيره، على المشهور، بل في المنتهى: بغير خلاف بين علمائنا «2»، و عن الخلاف الإجماع عليه «3».

لا لعدم سقوط الميسور بالمعسور، لعدم دلالته كما هو في محلّه مذكور.

و لا للصحيح الآتي الآمر بتغسيل عظام الميت و تكفينها و الصلاة عليها، لظهوره في مجموع العظام، مع اشتماله على ما لم يقل به أحد لو عمّمت بحيث تشمل الأبعاض أيضا.

و لا- في الصدر أو ما يشمله- للأخبار الدالّة على وجوب الصلاة عليه «4»

______________________________

[1] إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ .. وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ .. (التوبة: 60).

[2] راجع ص 111، مضمرة أبي خالد.

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 68.

(2) المنتهى 1: 434.

(3) الخلاف 1: 716.

(4) انظر الوسائل 3: 134 أبواب صلاة الجنازة ب 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 121

بضميمة استلزامه لباقي الأحكام، لمنع الاستلزام، كما صرّح به بعض الأعلام «1»، و تخلّف في الشهيد.

بل- مع الاستصحاب في المبان من الميت- لمضمرة أبي خالد، المتقدّمة «2»، دلّت على وجوب الغسل في أكيل السبع أي ما بقي منه، و هو عام لكلّ أكيل حتى اللحم، خرج منه ما خرج بالدليل، فيبقى الباقي.

و لو جعلت لفظة: «من» في قوله: «من الموتى» تبعيضية لا

بيانية لكانت دلالته أوضح و أظهر، و إن كانت على البيانية أيضا ظاهرة، سيما بملاحظة مرسلة أيوب بن نوح، المتقدّمة «3» في غسل المسّ، المصرّحة بصدق الميتة على القطعة، و الرضوي المنجبر ضعفه بما مر: «و إن كان الميت أكله السبع فاغسل ما بقي منه، و إن لم يبق منه إلّا عظام جمعتها و غسلتها و صليت عليها و دفنتها» «4».

و يستفاد من الأخير بل الاولى وجوب تغسيل جميع العظام أيضا لو وجدت و إن كانت خالية عن اللحم، كما عن الصدوقين في الرسالة [1] و المقنع «5»، و الإسكافي [2]، و في المعتبر [3]، و الذكرى «6»، بل عزي إلى الأكثر أيضا، لما ذكر، و لصحيحة علي، و رواية القلانسي: عن الرجل يأكله السبع و الطير فتبقى عظامه بغير لحم، كيف يصنع به؟ قال: «يغسّل و يكفّن و يصلّى عليه و يدفن» «7».

______________________________

[1] نقل عنها في المختلف 1: 46.

[2] نقل عنه في المختلف 1: 46.

[3] المعتبر 1: 317 و فيه: و الذي يظهر لي أنه لا تجب الصلاة إلا أن يوجد ما فيه القلب أو الصدر أو اليدان أو عظام الميت.

______________________________

(1) المدارك 2: 73، الحدائق 3: 424.

(2) في ص 111.

(3) في ص 66.

(4) فقه الرضا: 173، المستدرك 2: 287 أبواب صلاة الجنازة ب 31 ح 1.

(5) المقنع: 19.

(6) الذكرى: 40.

(7) الكافي 3: 212 الجنائز ب 76 ح 1، التهذيب 3: 329- 1027، 1028، الوسائل 3: 136 أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 5، 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 122

و إن كان لحما مجرّدا أو عظما منفردا، فظاهر الأكثر عدم الوجوب، بل صرّح به في الأول الحلّي، و الديلمي، و المنتهى، و القواعد،

و الذكرى، و المختلف «1»، ناسبا له إلى المشهور بين علمائنا، و بالثاني جماعة. و في الحدائق الاتّفاق على العدم في الأول و نفي القول بالوجوب في الثاني «2».

فإن ثبت الإجماع فيهما، و إلّا فيشكل ترك الغسل، و لذا أثبته الإسكافي [1] في الثاني، و احتمله بعض آخر فيهما.

و التمسّك للنفي فيهما بالأصل- بعد ما عرفت من المضمرة و الرضوي- لا يتم. و في الأول بما دلّ على نفي الصلاة فيه، للتلازم بعد ما عرفت من عدم ثبوته سيما مع التخلّف في السقط و الصبي- لا يفيد. و الاحتياط لا ينبغي أن يترك.

هذا في التغسيل، و أمّا التكفين فالمشهور بين علمائنا- كما في المختلف «3»- وجوبه في كلّ قطعة ذات عظم، و نسبه الكركي «4» إلى الأصحاب، و به صرّح في المنتهى، و النافع «5»، و حكي عن المقنعة، و النهاية، و المبسوط، و السرائر، و المراسم «6»، و الجامع، و الإرشاد، و التلخيص، و التبصرة «7».

(و استدلّ) [2] له تارة: بقاعدة عدم سقوط الميسور.

______________________________

[1] نقله عنه في المختلف 1: 46.

[2] في «ق»: و استدلوا.

______________________________

(1) السرائر 1: 168، المراسم: 46، المنتهى 1: 434، القواعد 1: 17، الذكرى: 40، المختلف 1: 46.

(2) الحدائق 3: 427، 426.

(3) المختلف 1: 46.

(4) جامع المقاصد 1: 357.

(5) المنتهى 1: 434، النافع: 15.

(6) المقنعة: 85، النهاية: 40، المبسوط 1: 182، السرائر 1: 167، المراسم: 46.

(7) الجامع: 49، الإرشاد 1: 232، التبصرة: 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 123

و اخرى: بمرسل أيوب المذكور «1» بضميمة عمومات تكفين الميت.

و ثالثة: بصحيحة علي «2».

و في الكلّ نظر:

أما الأول: فلما مرّ [1].

و أمّا الثاني: فلأنّ الثابت منه كون القطعة ميتة، و العمومات تثبت التكفين

للميت، و اتّحادهما غير معلوم.

و أمّا الثالث: فلاختصاصه بالعظام، و عدم إفادته بنفسه للوجوب.

مع أنّ التكفين لا بالنحو المعهود لا دليل له، و به في المقام قد لا يمكن، و لذا قيل باعتبار القطع الثلاث و إن لم تكن بتلك الخصوصيات «3».

و ربما احتمل اختصاص وجوبها بما تناله الثلاث عند الاتصال بالكلّ. فإن كان ممّا تناله اثنتان منها لفّ فيهما، و إن كان مما لا تناله إلّا واحدة لفّ فيها «4».

و في الشرائع، و عن التحرير و التذكرة، و نهاية الإحكام، و في القواعد:

اختصاص التكفين بالصدر أو ما فيه، و لفّ غيرهما مما فيه عظم في خرقة، كما في اللحم و العظم المنفردين «5».

و لا دليل على شي ء من تلك الأقوال.

فالقول بعدم وجوب التكفين في غير جملة يصدق عليها الميت عرفا قويّ، و إن كان الأحوط عدم تركه فيما فيه الصدر، كما ينبغي أن لا يترك اللفّ في خرقة

______________________________

[1] في ص 120 من الإشارة إلى عدم دلالته، و أوكل التفصيل إلى محله.

______________________________

(1) في ص 66.

(2) المتقدمة في ص 121.

(3) الرياض 1: 69.

(4) انظر كشف اللثام 1: 109.

(5) الشرائع 1: 37، التحرير 1: 17، التذكرة 1: 41، نهاية الإحكام 2: 234، القواعد 1:

17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 124

في كلّ جزء.

و كذا التحنيط لو كان الباقي محلّه، كما عن التذكرة «1»، و عليه يحمل كلام من أطلق كجماعة.

ثمَّ ظاهر الأكثر اختصاص الأحكام المذكورة لذات العظم- من القطع الخالية عن الصدر- بالمبانة من الميت و عدم جريانها في المبانة من الحي، للأصل، و عدم جريان الأدلّة فيها.

و عمّم والدي- رحمه اللّه- في اللوامع، و المعتمد، و جماعة [1] فيهما، لمرسلة أيوب. و قد عرفت ما فيها

«2». و لكنه أحوط، و إن كان التخصيص أظهر.

الخامسة:

من وجب عليه الرجم أو القود يغتسل قبله بالإجماع المحقّق، و المحكي في اللوامع و الحدائق [2]، و عن المعتبر و الذكرى نفي العلم بالخلاف فيه عن الأصحاب «3»، له، و لرواية مسمع: «المرجوم و المرجومة يغتسلان و يتحنطان و يلبسان الكفن قبل ذلك، ثمَّ يرجمان و يصلّى عليهما، و المقتصّ منه بمنزلة ذلك يغتسل و يحنّط و يلبس الكفن ثمَّ يقاد و يصلّى عليه» «4».

و الرضوي: «و إن كان الميت مرجوما بدأ بغسله و تحنيطه و تكفينه ثمَّ يرجم بعد ذلك، و كذلك القاتل إذا أريد قتله قودا» «5».

و هل ذلك على الوجوب فيكون عزيمة؟ كما عن ظاهر الأكثر، و هو صريح

______________________________

[1] منهم العلامة في المنتهى 1: 434، و الشهيد في الذكرى: 40، و صاحب الحدائق 3: 427.

[2] الحدائق 3: 428 قال: و لو لا اتفاق الأصحاب قديما و حديثا على الحكم المذكور لأمكن المناقشة فيه.

______________________________

(1) التذكرة 1: 41.

(2) في ص 122.

(3) المعتبر 1: 347، الذكرى: 42.

(4) الكافي 3: 214، الجنائز ب 78 ح 1، التهذيب 1: 334- 978، الوسائل 2: 513 أبواب غسل الميت ب 17 ح 1.

(5) فقه الرضا: 175، المستدرك 2: 181 أبواب غسل الميت ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 125

الديلمي، و الحلّي «1»، و والدي رحمه اللّه، لظاهر الخبرين.

أو لا فرخصة؟ كما يحتمله كلام جماعة، و تنظّر فيه في الذكرى «2»، للأصل، و عدم صراحتهما في الوجوب. و هو الأظهر، لذلك. فلا يجب أمره به، لعدم المقتضي، و إن استحب لو جهله.

و القول بوجوبه على الإمام أو نائبه لا دليل له و إن قلنا بوجوب الاغتسال،

إلّا من باب الأمر بالمعروف.

و الحقّ الموافق لقصر الحكم المخالف للأصل على مورده تخصيصه بالمرجوم و المقتول قودا، كما هو صريح المنتهى، و نهاية الإحكام «3»، و غير واحد من الثالثة «4»، و حكي عن ظاهر الأكثر [1]، بل عن المفيد، و الديلمي «5» الاقتصار على الأخير.

خلافا لظاهر الشرائع، و القواعد، و عن الجامع، و الذكرى «6»، و في اللوامع نسبه إلى الجماعة، للمشاركة في السبب. و هو قياس باطل.

و صريح الكركي «7» و بعض آخر «8»، و استقربه في نهاية الإحكام «9» أنّه يغتسل غسل الميت فيجب فيه ما يجب فيه حتى التثليث، لبدليته الموجبة للمماثلة، و اقترانه بالتحنيط و التكفين.

______________________________

[1] قال في كشف اللثام 1: 111: و اقتصر الأكثر .. على ما في الخبرين من المرجوم و المقتول قودا ..

______________________________

(1) المراسم: 46، السرائر 1: 167.

(2) الذكرى: 42.

(3) المنتهى 1: 434، نهاية الإحكام 2: 238.

(4) كشف اللثام 1: 111، الحدائق 3: 428.

(5) المقنعة: 85، المراسم: 46.

(6) الشرائع 1: 37، القواعد 1: 17، الجامع: 50، الذكرى: 42.

(7) جامع المقاصد 1: 366.

(8) كالمسالك 1: 12، و المدارك 2: 71.

(9) نهاية الاحكام 2: 238.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 126

و عن روض الجنان «1» احتمال الاكتفاء بغسل واحد، للأصل، و معهودية الوحدة في غسل الأحياء. و أطلق الأكثر.

و المسألة محلّ توقّف، و إن كان مقتضى الأصل أظهر. و التثليث أحوط، بل يومئ إليه إضافة الغسل إلى الضمير في الرضوي.

و يسقط الغسل عنه بعد الموت لو اغتسل قبله، كما عن الخلاف، و المبسوط، و المهذب، و السرائر، و المعتبر «2»، نافيا فيه عنه الريب، و في الشرائع و المدارك «3» مصرّحا فيه بكونه ظاهرا، لظهور الأمر بتقديم

التحنيط و التكفين، و الاقتصار على الصلاة بعد القتل في النص فيه، بل في قوله: «بدأ» في الرضوي، و في إضافة الغسل إلى الضمير الراجع إليه إشعار بل دلالة عليه.

و تدلّ عليه أيضا مرفوعة البرقي «4»، الصريحة في عدم تغسيل أمير المؤمنين المرجوم بعد الرجم.

و لكن الظاهر اختصاص السقوط بما إذا قتل بالسبب الذي له اغتسل، فلو سبق موته قتله أو قتل بسبب آخر غير السببين غسّل، للعمومات.

و لو غسل لأحد السببين و قتل للآخر ففي وجوب التغسيل أو استحباب الغسل ثانيا نظر، و العدم أظهر.

و الظاهر تداخل باقي الأغسال فيه فيكتفي به عنها. بل بها عنه أيضا، لما مرّ في بحث التداخل. و الاحتياط عدمه.

و صريح الخبرين: تقديم التحنيط و التكفين أيضا، كما صرّح الفاضل في المنتهى بهما «5». و لا يضرّ عدم تعرّض الصدوقين، و المفيد [1]، و الجامع، للأول،

______________________________

[1] كذا، و الموجود في الفقيه 1: 96، و المقنعة: 85 خلافه فإنهما تعرضا للتحنيط فراجع.

______________________________

(1) روض الجنان: 113.

(2) الخلاف 1: 713، المبسوط 1: 281، المهذب 1: 55، السرائر 1: 167، المعتبر 1: 347.

(3) الشرائع 1: 37، المدارك 2: 72.

(4) الكافي 7: 188 الحدود ب 9 ح 3، الوسائل 28: 99 أبواب حد الزنا ب 14 ح 4.

(5) المنتهى 1: 434.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 127

و المبسوط، للثاني، و الشرائع «1» لهما، بعد اشتمال النص.

______________________________

(1) الجامع: 50، المبسوط 1: 181، الشرائع 1: 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 128

الفصل الثالث: في الغسل
اشارة

و الكلام إمّا في واجباته، أو مستحباته و مكروهاته، أو أحكامه. فهاهنا ثلاث مقامات:

المقام الأول: في واجباته،

و هي أمور:

الأول: إزالة النجاسة العارضة عنه قبل الغسل، على الحقّ المشهور، بل بلا خلاف كما في المنتهى «1»، و إجماعا كما في اللوامع، و عن التذكرة و نهاية الإحكام «2»، و نفى عنه الشبهة في شرح القواعد للكركي «3»، و جعله في المدارك «4» مقطوعا به في كلام الأصحاب.

لا للإجماع المنقول.

و وجوب إزالة النجاسة الحكمية عنه و العينية أولى.

و إيقاع ماء الغسل على محل طاهر، و صون ماء الغسل من التنجس.

و توقّف الشغل اليقيني على البراءة اليقينية التي لا تحصل إلّا مع ذلك.

و وجوبها في غسل الجنابة المستلزم لوجوبها في غسل الأموات، للمعتبرة الدالّة على اتّحادهما بل في بعضها أنّه عينه.

و النصوص المستفيضة الآمرة بتقديم غسل الفرج على الغسل هنا،

______________________________

(1) المنتهى 1: 428.

(2) التذكرة 1: 38، نهاية الاحكام 2: 223.

(3) جامع المقاصد 1: 368.

(4) المدارك 2: 78.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 129

كروايات ابن عبيد «1»، و حريز «2»، و الكاهلي «3»، و أم أنس «4»، و في غسل الجنابة بضميمة ما يستفاد من المعتبرة من الاتّحاد، و بتقديم تنقية الفرج كخبر يونس، و فيه- بعد الأمر بتهيئة ماء السدر و غسل اليدين-: «ثمَّ اغسل فرجه و نقّه» «5».

لضعف الأول: بعدم الحجية.

و الثاني: بمنع الأولوية، مع عدم استلزامه لوجوب التقديم.

و الثالث: بمنع تنجّسه مطلقا، لكونه واردا أو غسالة مطهّرة أو قبل حصول التطهير به.

و لو سلّم فبمنع اشتراط طهارته مطلقا، بل المسلّم منه ليس إلّا المجمع عليه، و هو قبل الوصول إلى المحل، و أمّا بعده فلا، و لذا يزيل الخبث مع أنّ دليل الاشتراط فيهما واحد، و لا

تضرّ النجاسة الذاتية.

قيل: الغسل عبادة صحته تتوقّف على البيان، و ليس إلّا فيما صين ماؤه عن النجاسة مطلقا، و حيث لا يمكن من الذاتية اغتفر بالإضافة إليها للضرورة دون غيرها «6».

قلنا: البيان بإطلاقات أوامر الاغتسال، الشاملة للمورد أيضا.

و دعوى عدم تبادر مثل ذلك الماء إن أريد منها عدم تبادره بخصوصه فهو كذلك، و مثله جميع أفراد الماء في ذلك. و إن أريد عدم تبادر ما يشمله فهو ممنوع.

و بالجملة: اللازم فيما هو بصدده تبادر الغير، و هو غير حاصل.

______________________________

(1) التهذيب 1: 302- 878، الاستبصار 1: 206- 726، الوسائل 2: 491، أبواب غسل الميت ب 6 ح 2

(2) التهذيب 1: 302- 879، الاستبصار 1: 206- 727، الوسائل 2:

492، أبواب غسل الميت ب 6 ح 1.

(3) الكافي 3: 140، الجنائز ب 18 ح 4، التهذيب 1: 298- 873، الوسائل 2: 481 أبواب غسل الميت ب 2 ح 5.

(4) التهذيب 1: 302- 880، الاستبصار 1: 207- 728، الوسائل 2: 492 أبواب غسل الميت ب 6 ح 3.

(5) الكافي 3: 141، الجنائز ب 18 ح 5، الوسائل 2: 480 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.

(6) الرياض 1: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 130

و الرابع: بعدم العلم بالاشتغال بالزائد، مع أنّه يحصل العلم بالبراءة من الإطلاقات.

و الخامس: بمنع الوجوب في غسل الجنابة أولا، و بمنع الاستلزام لو ثبت فيه ثانيا.

و كون غسل الميت مثل غسل الجنب كما في الأخبار لا يفيد المماثلة في جميع الأحكام، و لو أفاد لما أفاد إلّا في جميع أجزاء الغسل و كيفياته لا الأمور الخارجة منه.

و السادس:- مع معارضته بأخبار أخر أقوى سندا دالّة على الابتداء باليدين و الرأس، كحسنة الحلبي «1»،

و صحيحة يعقوب «2»، و غيرهما-: بمنع الدلالة، لأنّ في الأمر بغسل الفرج الشامل للنجس و غيره لا دلالة على أنّه للنجاسة.

و توهّم أنّه لولاه لزم إخراج الأمر عن حقيقته، لعدم القول بوجوب البدأة بغسل الفرج بنفسه، مدفوع: بأنّ معه أيضا يلزم التقييد بصورة العلم بخروج النجاسة، لعدم القول بالوجوب بدونه، و ليس أحدهما أولى من الآخر، مع أنّ خروجها ليس أغلبيا بحيث لا يلتفت إلى غيره.

و لو سلّم ذلك، فلعلّه يكون لإزالة العين المانعة عن وصول الماء لغلبة خروج الغائط.

مع أنّ الأمر به في أكثر الروايات لا يختص بالغسلة الاولى، بل بماء الكافور و القراح أيضا، و ذلك قرينة واضحة على إرادة المستحب، و في بعضها: كما في المرة الاولى. مع أنّ الروايتين الأوليين لا تدلّان على الوجوب، و في الثالثة أمر بالغسل

______________________________

(1) الكافي 3: 138، الجنائز ب 18 ح 1، الوسائل 2: 479 أبواب غسل الميت ب 2 ح 2.

(2) التهذيب 1: 446- 1444، الاستبصار 1: 208- 731، الوسائل 2: 483 أبواب غسل الميت ب 2 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 131

بماء السدر و الحرض [1] ثلاثا، و هو ليس بواجب إجماعا.

بل [2] لقوله في خبر يونس- بعد الأمر بإعداد ماء الكافور و غسل اليدين و الفرج-: «و امسح بطنه مسحا رفيقا، فإن خرج منه شي ء فأنقه ثمَّ اغسل رأسه» «1» الحديث.

و خبر أبي العباس: «و اغمز بطنه غمزا رفيقا، ثمَّ طهره من غمز البطن، ثمَّ تضجعه ثمَّ تغسله» «2» الحديث.

و يؤيده الرضوي: «و تبدأ بغسل كفيه، ثمَّ تطهر ما خرج من بطنه» «3».

و الإيراد: بمنع ثبوت الحقيقة الشرعية للإنقاء و التطهير، فلعلّ المراد إزالة العين المانعة من وصول الماء،

يدفعه: عدم القول برجحان تقديم إزالة المانع على الغسل قطعا، بل غايته تقديمها في كلّ جزء على غسله.

و لا يضرّ ما في الثانية من تأخير الإضجاع الغير الواجب قطعا، إذ خروج جزء من الحديث عن ظاهره لا يخرج غيره عنه.

و اختصاص تلك الروايات بنجاسة خاصة و عضو مخصوص بعد عدم القائل بالفرق غير ضائر، و لعلّه للغلبة لا للتغاير.

نعم، الثابت فيه الإجماع المركّب النجاسة العارضة قبل كل غسل فتجب إزالتها قبله. و أمّا العارضة في أثنائه سيما ما لا ينفك عنه غالبا كيد الغاسل و ساتر المغسول و نحوهما فلا، بل يكفي ماء الغسل عنه و عنها على الأصح.

ثمَّ التشكيك في المسألة- كبعض أجلّة المتأخرين «4»- في غير موقعه،

______________________________

[1] الحرض- بالضم-: الأشنان.

[2] مرتبطة بقوله في ص 128: لا للإجماع ..

______________________________

(1) تقدم مصدره في ص 129.

(2) التهذيب 1: 446- 1442، الاستبصار 1: 206- 724، الوسائل 2: 484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 9.

(3) فقه الرضا: 166، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.

(4) كشف اللثام 1: 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 132

و حصول الطهارة من نجاسة دون اخرى بعد دلالة النصوص لا بعد فيه، مع أنّه يجوز زوال العرضية بما يزول به سائر النجاسات و توقف زوال الذاتية على أمر آخر.

الثاني: النية، و وجوبها فيه هو الأصح، وفاقا للمعظم، بل عن الخلاف الإجماع عليه «1»، و في شرح القواعد للكركي: أنّه ظاهر المذهب «2».

لا لتشبيهه بغسل الجنابة، لأنّه لا يوجب النية على غير المغسول. و لا لوجوب الترتيب فيه فيكون غسلا حقيقيا، لعدم دلالته.

بل لعموم ما دلّ على اعتبارها في العمل، خرج ما على خروجه دليل دلّ، و بقي الباقي.

و لتوقّف صدق امتثال الأوامر الواجب بديهة عليها بحكم العرف كما مرّ، و بذلك يثبت اشتراط القربة فيها.

فالتردّد فيه- كما في المدارك، و ظاهر كفاية الأحكام، و عن المعتبر، و نهاية الإحكام، و التذكرة «3»، بل هو ظاهر الشرائع و النافع «4»، حيث لم يذكرها فيهما، أو نفي اعتبارها فيه مطلقا كما عن مصريات السيد [1]- ضعيف. و قد حكي عن المنتهى [2] أيضا. و ما عندنا من نسخته المصحّحة مصرّحة بالوجوب، و إن لم تكن عبارتها خالية عن الاضطراب.

و في وجوب تعدّد النية بتعدّد الغسلات، كما عن الإشارة، و روض

______________________________

[1] كذلك في كشف اللثام 1: 112 قال: و حكى عن مصريات السيد، و لم نعثر على الحاكي.

[2] المنتهى 1: 435 قال: و لا يجب في غسل الميت النية و لا التسمية، و عن أحمد روايتان، و الأصح الوجوب. لنا: أنه غسل واجب فهو عبادة و كل عبادة تجب فيها النية. احتجوا بأن الأصل عدم الوجوب و النقل لا يثبت إلا بالشرع. احتج أحمد بأنه غسل يجب تعبدا عن غير نجاسة فوجهه باقية كالجنابة و لمّا تعذرت النية و التسمية من الميت اعتبرت في الغاسل. و الجواب المعارضة بأن نقول غسل وجب تعبدا عن غير نجاسة فلا تجب النية على الغير كالجنابة.

______________________________

(1) الخلاف 1: 703.

(2) جامع المقاصد 1: 368.

(3) المدارك 2: 81، الكفاية: 6، المعتبر 1: 265، نهاية الإحكام 2: 23، التذكرة 1: 38.

(4) الشرائع 1: 38، النافع: 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 133

الجنان «1»، و جماعة، و اختاره والدي رحمه اللّه، للتغاير بينها اسما و صورة و معنى.

و عدمه بل كفاية واحدة للثلاث في أولها، كما عن اللمعة و الذكرى [1]، و

في المدارك و كفاية الأحكام «2»، أي بشرط الاستدامة الحكمية إلى آخر الثلاث، لظهور عدم قولهم بصحة الباقي و لو فعل رياء أو بلا قصد، قولان، أصحّهما: الثاني، للأصل، و صدق الامتثال، كما في أجزاء الصلاة. و لا دخل للتغاير في وجوب التعدّد بعد إرادة الجميع أولا من غسل الميت.

ثمَّ إن اتّحد الغاسل تولّى النية و لم تجزئ عن غيره. و إن تعدّدوا و اشتركوا في الصبّ و التقليب نووا جميعا.

و لو كان البعض يصبّ و الآخر يقلّب فالمشهور- كما في اللوامع- وجوبها على الصابّ، لأنّه الغاسل حقيقة، إذ حقيقة الغسل إجراء الماء، و هو منه.

و عن الذكرى «3» إجزاؤها من المقلّب أيضا، و قوّاه والدي في اللوامع، لأنّ الجريان في بعض الأعضاء و إن حصل بفعل الأول إلّا أنّ حصوله في البعض الآخر يتوقّف على فعل الثاني.

و لتصريح المعتبرة بأنّ الثاني هو الغاسل، كموثّقة سماعة: عن رجل مات و ليس عنده إلّا النساء، قال: «تغسّله امرأة ذات محرم تصبّ النساء عليها الماء» «4».

و نحوها موثّقة البصري «5»، و حسنة الحلبي «6»، و الرضوي «7»، و غيرها.

______________________________

[1] اللمعة (الروضة 1): 122، الذكرى: 44، و ليس فيهما تصريح بكفاية الواحدة، نعم قد يستفاد من إطلاق كلامهما.

______________________________

(1) الإشارة: 75، روض الجنان: 99.

(2) المدارك 2: 81، الكفاية: 6.

(3) الذكرى: 44.

(4) تقدم مصدرها في ص 91.

(5) تقدم مصدرهما في ص 101.

(6) تقدم مصدرهما في ص 101.

(7) فقه الرضا: 166، المستدرك 1: 98 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 134

و لا يخفى أنّ مقتضى الدليل الأوّل اشتراكهما، و مقتضى الثاني اختصاص الثاني، فلا وجه لإجزاء نية أحدهما.

و التحقيق: أنّ الغسل- كما مر- هو

إجراء الماء على العضو، فإن حصل ذلك من الصابّ في جميع الأعضاء و إن توقّف إجراؤه على تقليب الغير، فالغاسل هو الصابّ و النية عليه، و المقلّب ليس إلّا كنازع الثوب. و إن حصل منهما بأن يصبّ أحدهما إلى عضو و يجري الآخر إلى الباقي بمعونة يد أو تحريك عضو بعد الصبّ، فالغسل منهما و النية عليهما. و إن كان الصبّ من أحدهما و يدلك الآخر جميع الأعضاء بحيث يحصل غسل الجميع منه أيضا و إن جرى الجزء الأول من الصاب فيكفي نية الدالك، لحصول الغسل بفعله، و الصابّ آلة له، و عليه تنزّل المعتبرة المتقدّمة.

و مع التعدّد لو ترتّبوا بأن يغسل كلّ واحد منهم بعضا اعتبرت من كلّ واحد عند ابتداء فعله.

الثالث: تغسيله ثلاثا: بماء السدر، و بماء الكافور، و بالقراح. وفاقا لغير الديلمي [1] في التثليث، كما في المدارك، و روض الجنان، و المعتبر «1»، بل عن الخلاف الإجماع عليه «2»، للنصوص المستفيضة، كصحيحتي ابن مسكان و خالد:

الاولى: عن غسل الميت، قال: «اغسله بماء و سدر، ثمَّ اغسله على أثر ذلك غسلة اخرى بماء و كافور و ذريرة [2] إن كانت، و اغسله ثالثة بماء قراح» قلت:

ثلاث غسلات لجسده كله؟ قال: «نعم» «3».

______________________________

[1] المراسم: 47 قال: الواجب تغسيله مرة بماء القراح.

[2] هي فتات قصب الطيب، و هو قصب يجاء به من الهند كقصب النشاب. (أساس البلاغة:

142.

______________________________

(1) المدارك 2: 79، روض الجنان: 98، المعتبر 1: 265.

(2) الخلاف 1: 694.

(3) الكافي 3: 139، الجنائز ب 18 ح 2، التهذيب 1: 108- 282، الوسائل 2: 479 أبواب غسل الميت ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 135

و الثانية: عن غسل الميت كيف يغسل؟

قال: «بماء و سدر، و اغسل جسده كله، و اغسله اخرى بماء و كافور، ثمَّ اغسله اخرى بماء» «1».

و حسنة الحلبي: «إذا أردت غسل الميت فاجعل بينك و بينه ثوبا يستر عورته إما قميصا أو غيره، ثمَّ تبدأ بكفيه، و تغسل رأسه ثلاث مرات بالسدر ثمَّ سائر جسده، و ابدأ بشقه الأيمن، فإذا أردت أن تغسل فرجه فخذ خرقة نظيفة فلفّها على يدك اليسرى، ثمَّ أدخل يدك من تحت الثوب الذي على فرج الميت فاغسله من غير أن ترى عورته، فإذا فرغت من غسله بالسدر فاغسله مرة أخرى بماء و كافور و شي ء من حنوطه، ثمَّ اغسله بماء بحت غسلة اخرى» «2».

و خبره: «يغسّل ثلاث غسلات: مرة بالسدر، و مرة بالماء يطرح فيه الكافور، و مرة أخرى بالماء القراح، ثمَّ يكفّن» «3» الحديث.

و رواية الكاهلي: «استقبل بباطن قدميه القبلة حتى يكون وجهه مستقبل القبلة، ثمَّ تلين مفاصله، فإن امتنعت عليك فدعها، ثمَّ ابدأ بفرجه بماء السدر و الحرض، فاغسله ثلاث غسلات و أكثر من الماء، و امسح بطنه مسحا رفيقا، ثمَّ تحول إلى رأسه فابدأ بشقه الأيمن من لحيته و رأسه، ثمَّ تثني بشقه الأيسر من رأسه و لحيته و وجهه، و اغسله برفق، و إياك و العنف، و اغسله غسلا ناعما، ثمَّ أضجعه على شقه الأيسر ليبدو لك الأيمن، ثمَّ اغسله من قرنه إلى قدمه، و امسح يدك على بطنه و ظهره بثلاث غسلات، ثمَّ رده إلى جنبه الأيمن حتى يبدو لك الأيسر، فاغسله ما بين قرنه إلى قدمه، و امسح يدك على ظهره و بطنه بثلاث غسلات، ثمَّ ردّه إلى قفاه فابدأ بفرجيه بماء الكافور، فاصنع كما صنعت أول مرة، اغسله ثلاث

______________________________

(1) التهذيب

1: 446- 1443، الوسائل 2: 483 أبواب غسل الميت ب 2 ح 6.

(2) الكافي 3: 138 الجنائز ب 18 ح 1، التهذيب 1: 299- 874، الوسائل 2: 479 أبواب غسل الميت ب 2 ح 2.

(3) الكافي 3: 140، الجنائز ب 18 ح 3، التهذيب 1: 300- 876، الوسائل 2: 481 أبواب غسل الميت ب 2 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 136

غسلات بماء الكافور و الحرض، و امسح يدك على بطنه مسحا رفيقا، ثمَّ تحوّل إلى رأسه فاصنع كما صنعت أولا» إلى أن قال: «ثمَّ ردّه على ظهره، ثمَّ اغسله بماء القراح كما صنعت أولا» «1» الحديث.

و خبر يونس: «فضعه على المغتسل مستقبل القبلة، فإن كان عليه قميص فأخرج يده من القميص و اجمع قميصه على عورته و ارفع من رجليه إلى فوق الركبة، فان لم يكن عليه قميص فألق على عورته خرقة، و اعمد إلى السدر فصيّره في طست، و صبّ عليه الماء و اضربه بيدك حتى ترتفع رغوته و اعزل الرغوة في شي ء، و صبّ الآخر في الإجّانة التي فيها الماء، ثمَّ اغسل يديه ثلاث مرات كما يغسل الإنسان من الجنابة إلى نصف الذراع، ثمَّ اغسل فرجه و نقّه، ثمَّ اغسل رأسه بالرغوة و بالغ في ذلك و اجتهد أن لا يدخل الماء منخريه و مسامعه، ثمَّ أضجعه إلى جانبه الأيسر و صبّ الماء من نصف رأسه إلى قدميه ثلاث مرات، و ادلك بدنه دلكا رفيقا، و كذلك ظهره و بطنه، ثمَّ أضجعه على جانبه الأيمن و افعل به مثل ذلك، ثمَّ صبّ الماء من الإجّانة و اغسل الإجّانة بماء قراح، و اغسل يديك إلى المرفقين، ثمَّ صبّ الماء في الآنية

و ألق فيها حبّات كافور، و افعل به كما فعلت في المرة الأولى ابدأ بيديه ثمَّ بفرجه، و امسح بطنه مسحا رفيقا فإن خرج شي ء فأنقه، ثمَّ اغسل رأسه، ثمَّ أضجعه على جنبه الأيسر، و اغسل جنبه الأيمن و ظهره و بطنه، ثمَّ أضجعه على جنبه الأيمن و اغسل جنبه الأيسر كما فعلت أول مرة، ثمَّ اغسل يديك إلى المرفقين و الآنية و صبّ فيه الماء القراح، و اغسله بالماء القراح كما غسلت في المرتين الأوليين» «2» الخبر. إلى غير ذلك من الأخبار.

و الرضوي: «غسل الميت مثل غسل الحي من الجنابة، إلّا أنّ غسل الحي»

______________________________

(1) الكافي 3: 140، الجنائز ب 18 ح 4، التهذيب 1: 298- 873، الوسائل 2: 481 أبواب غسل الميت ب 2 ح 5.

(2) الكافي 3: 141، الجنائز ب 18 ح 5، التهذيب 1: 301- 877، الوسائل 2: 480 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 137

مرّة واحدة بتلك الصفات، و غسل الميت ثلاث مرّات على تلك الصفات» «1».

و خلافا لمن ذكر [1]، فاكتفى بالواحد القراح. للأصل. و هو بما مرّ مندفع.

و التشبيه بغسل الجنابة. و هو فيما عدا الوحدة- لو أفاد العموم- لما مرّ سيما الرضوي مخصّص.

و قوله عليه السلام- و قد سئل عن الميت و هو جنب-: «يغسّل غسلا واحدا» «2». و الواحد بالنوع منه متبادر، و لذا فسّره الأصحاب كذلك، فالمراد منه التداخل، و لو لا تبادره يجب الحمل عليه أو الطرح.

و للمحكي عن ابني حمزة و سعيد «3» في الوجوب، فقالا: باستحباب الخليطين و إن أوجبا ثلاثة أغسال، لمثل ما مرّ مع دفعه قطعا.

فروع:

أ: المعتبر في الخليط ما يصحّح الإضافة عرفا و

لا يلزمها، أي يصدق معه ماء السدر و الكافور، و لا يخرجه عن الإطلاق.

أمّا الأول، كما هو المنقول عن الخلاف، و المصباح «4»، و مختصره، و الجملين «5»، و الفقيه، و الهداية، و المقنع «6»، و الوسيلة، و الإصباح، و الغنية، و الكافي «7»، و الإشارة «8»، و الإرشاد، و التبصرة، و التحرير «9»، و النافع، و محتمل

______________________________

[1] و هو الديلمي كما تقدم في ص 134.

______________________________

(1) فقه الرضا: 181، المستدرك 2: 170 أبواب غسل الميت ب 3 ح 1.

(2) الوسائل 2: 539 أبواب غسل الميت ب 31.

(3) الوسيلة: 64، الجامع: 51.

(4) الخلاف 1: 694، مصباح المتهجد: 18.

(5) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 50، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 165.

(6) الفقيه 1: 90، الهداية: 24، المقنع: 18.

(7) الوسيلة: 64، الغنية (الجوامع الفقهية): 563، الكافي للحلبي: 134.

(8) الإشارة: 75.

(9) الإرشاد 1: 230، التبصرة: 11، التحرير 1: 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 138

الشرائع [1]، و صريح المدارك «1»، بل عزاه بعض من تأخّر إلى الأكثر [2]: فللأمر بالغسل بماء السدر و ماء الكافور في رواية الكاهلي، المتقدّمة «2»، و موثّقة الساباطي: «الجرة الأولى التي يغسل بها الميت بماء السدر، و الجرة الثانية بماء الكافور تفتّ فيها فتّا قدر نصف حبة، و الجرة الثالثة بماء القراح» [3] فلا بد من صدق الاسم عرفا.

و بهما يقيّد ما أطلق فيه الغسل بالسدر، أو بماء و سدر، و ماء و كافور، أو شي ء منهما.

مع أنّ المتبادر من الغسل به أو به و بماء أو بماء و شي ء منهما وجود قدر يصدق معه ماء السدر. و لو منع التبادر فلا شك في احتماله، و معه يجب تحصيلا للبراءة

اليقينية، فلا يجزئ القليل الذي لا يصدق معه اسم الماءين.

خلافا لجماعة- منهم والدي العلّامة- فاكتفوا بمسمّى السدر و الكافور، و إن لم تثبت الإضافة عرفا، و نسبه في البحار، و الحدائق «3»، و اللوامع، إلى المشهور.

و لعلّ وجه الاختلاف في دعوى الشهرة الاختلاف في فهم المراد ممّا أطلقوا من قولهم: ما يصدق عليه الاسم، على أنه أسماء الماءين أو أسماء السدر و الكافور.

و بالجملة مستندهم إطلاق السدر و الكافور و شي ء منهما، مع عدم نصوصية

______________________________

[1] النافع: 12، الشرائع 1: 38 قال: ثمَّ يغسل بماء السدر .. و أقل ما يلقى في الماء من السدر ما يقع عليه الاسم.

[2] قال في الرياض 1: 53 و يكفي منه فيه ما يصدق معه ماء السدر على الأشهر الأظهر.

[3] التهذيب 1: 305- 887، الوسائل 2: 484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 10. فتّ الشي ء: كسره بالأصابع كسرا صغيرة.

______________________________

(1) المدارك 2: 82.

(2) في ص 135.

(3) بحار الأنوار 78: 292، الحدائق 3: 453.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 139

ما قيد الأول بسبع ورقات، و الثاني بنصف حبّة أو حبّات في الوجوب.

و يضعّف: بأنّهما و إن كانا مطلقين صادقين على المسمّى أيضا إلّا أنّ الغسل بهما المأمور به لا يتحقّق عرفا بمطلق المسمّى. و أيضا: صدقهما- مع أنّ ماء السدر و الكافور لا يصدقان على ما يدخله قدر رأس إبرة أو نصف حنطة منهما قطعا- لا يفيد، لوجوب حمل المطلق على المقيد.

و للمحكي عن المفيد، فقدّر السدر برطل و نحوه «1»، و عن القاضي فبرطل و نصفه «2». و لم نعثر لهما على دليل.

و عن بعضهم. فبسبع ورقات [1].

و لعله لخبر ابن عبيد: عن غسل الميت، قال: تطرح عليه خرقة

ثمَّ يغسل فرجه، و يوضّأ وضوء الصلاة، ثمَّ يغسل رأسه بالسدر و الأشنان، ثمَّ الماء و الكافور، ثمَّ بالماء القراح، يطرح فيه سبع ورقات صحاح في الماء» «3».

و نحوه خبر حريز إلّا أنّ فيه: «ثمَّ يوضّأ» «4».

و فيه: أنّ ظاهرهما إلقاؤها في القراح كما صرّح به في رواية ابن عمار أيضا:

«أمرني أبو عبد اللّه- عليه السلام- أن أعصر بطنه ثمَّ أوضّيه، ثمَّ أغسله بالأشنان، ثمَّ أغسل رأسه بالسدر و لحيته، ثمَّ أفيض على جسده، ثمَّ أدلك به جسده ثمَّ أفيض عليه ثلاثا، ثمَّ أغسله بالماء القراح، ثمَّ أفيض عليه الماء بالكافور و بالماء القراح و أطرح فيه سبع ورقات سدر» «5».

______________________________

[1] كذلك حكي في الشرائع 1: 38 عن بعضهم و لم نعثر على شخصه.

______________________________

(1) المقنعة: 74.

(2) المهذب 1: 56.

(3) التهذيب 1: 302- 878 الاستبصار 1: 206- 726 الوسائل 2: 491 أبواب غسل الميت ب 6 ح 1.

(4) التهذيب 1: 302- 879، الاستبصار 1: 206- 727، الوسائل 2:

492 أبواب غسل الميت ب 6 ح 2.

(5) التهذيب 1: 303- 882، الاستبصار 1: 207- 729، الوسائل 2: 484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 140

ثمَّ المستفاد من تلك الروايات حيث جوّزت طرح الأوراق الصحاح في الماء القراح عدم صدق الغسل بماء السدر معه، و يلزمه وجوب كونه مطحونا أو ممروسا [1] في الغسل الأول. و هو كذلك وفاقا لجماعة [2]، لذلك [و] [3] لتوقف صدق مائه و الغسل به عليه. و خلافا لبعض من اكتفى بمسمّاه، لصدق المسمّى [4]. و دفعه ظاهر.

و أمّا الثاني [5]، كما هو صريح القواعد، و التذكرة، و نهاية الإحكام «1»، و محكي عن الإشارة، و الجامع

[6]، و نسبه في الحدائق و اللوامع إلى المشهور «2»، فللأمر في عدّة أخبار- تقدّم بعضها- بالغسل بماء و سدر و ماء و كافور، أو ماء فيه شي ء منهما، و المضاف ليس ماء. و التجوّز في السدر و الكافور بعلاقة ما كان- حيث خرجا بالتمريس و التفتيت و الاستهلاك في الماء عن حقيقتهما- لا يوجب التجوّز في الماء أيضا.

و قد يتمسّك بمطهّرية الماءين، و غير المطلق لا يطهّر.

و المقدّمتان ممنوعتان في المقام، و إثبات الأولى بوجوب الترتيب و طهارة الماء و إزالة الخبث ضعيف غايته.

خلافا لظاهر المنتهى «3»- كما قيل- حيث جعل غسل الرأس بالرغوة من

______________________________

[1] مرس الدواء: نقعه في الماء و مرثه باليد حتى تتحلل أجزاؤه.

[2] كما اختاره في المدارك 2: 82، و الذخيرة: 84، و الرياض 1: 53.

[3] ما بين المعقوفين لاستقامة المعنى.

[4] قال في الروض: 99: و ينبغي كونه مطحونا أو ممروسا في الماء بحيث تظهر به الفائدة المطلوبة منه، و في وجوب ذلك نظر.

[5] أي: اشتراط عدم خروج الماء عن الإطلاق.

[6] إشارة السبق: 75، و لم نعثر عليه في الجامع و حكى عنه في كشف اللثام 1: 112.

______________________________

(1) القواعد 1: 17، التذكرة 1: 38، نهاية الإحكام 2: 223.

(2) الحدائق 3: 454.

(3) المنتهى 1: 428.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 141

الواجب، و المدارك، و البحار، و الحدائق «1». و عن الذكرى، و شيخنا البهائي التردّد فيه «2». و في البحار: أنّ الظاهر من أكثر الأصحاب أنّ غسل الرأس برغوة السدر محسوب من غسل السدر الواجب [1].

لأصالة عدم الاشتراط، و الأمر بغسل الرأس من الرغوة- التي هي ليس ماء مطلقا قطعا- في خبر يونس، المتقدّم «3»، و الرضوي: «ثمَّ تغسل رأسه و

لحيته برغوة السدر، و تتبعه بثلاث حميديات، و لا تقعده إن صعب عليك، ثمَّ تقلبه على جنبه الأيسر» [2] الخبر.

و الأول مندفع: بما مرّ.

و الثاني: بأنّ المراد بالرغوة ما يشبهها من الماء المطلق بقرينة قوله فيه:

«و اجهد أن لا يدخل الماء منخريه و مسامعه».

و لو جوّز العكس لم يفد أيضا، لحصول الاحتمال الموجب للإجمال، المسقط للاستدلال، المانع من ترك المطلقات.

مع أنّ كون هذا الغسل من الواجب دون المستحب الذي ذكره الجماعة لا يعلم إلّا من عدم ذكر غسل آخر للرأس، و مجرد ذلك لا يعارض الأمر بغسله بالماء المطلق.

و أمّا ردّه «4»: بعدم استلزام الإرغاء إضافة الماء الذي تحت الرغوة فغريب، للتصريح بالغسل بالرغوة دون ما تحتها. و الظاهر أنّه مأخوذ من كلام بعض

______________________________

[1] بحار الأنوار 78: 294. و فيه: و الظاهر من أكثر الأخبار أنه محسوب من غسل السدر الواجب.

و رغوة اللبن- مثلثة-: زبدة.

[2] فقه الرضا: 166، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3. و الحميد من الأباريق: الكبير في الغاية (مجمع البحرين 3: 40).

______________________________

(1) المدارك 2: 82، بحار الأنوار 78: 292، الحدائق 3: 459.

(2) الذكرى: 45، الحبل المتين: 60.

(3) في ص 136.

(4) كما في الرياض 1: 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 142

الأجلّاء [1]، و لكنه ذكر ذلك لقصد آخر.

و الثالث: بعدم الدلالة على كونه هو الواجب، و لعلّه ما يتبعه من الحميديات، بل هو الظاهر، و إلّا لزم استحباب أربع غسلات في عضو، و لا قائل به.

ب: ليس في كافور الخليط حدّ واجب غير ما يفيد الإضافة، و ليس في خبر يونس المقدّر له بحبات- بعد تقديره في الموثّق السابق «1» بنصف حبّة- دلالة على الوجوب مفيدة لتقييد

المطلقات، كما لا يقيده ما روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام غسّل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بثلاثة مثاقيل «2».

و تقدير المفيد، و الديلمي، و ابن سعيد «3»، بنصف مثقال خال عن الدليل، مع أنّ كلامهم ليس نصّا في الوجوب، كيف!؟ و الثاني لا يرى وجوب غير القراح.

و لا يتعيّن الخام منه، للأصل. خلافا لنادر، لوجه قاصر «4».

ج: التغسيل بماء الكافور مخصوص بالمحلّ، فلا يغسل المحرم بمائه إجماعا، كما عن الغنية [2]، و في المنتهى، و شرح القواعد للكركي «5»، للنهي عن تقريبه الطيب- الذي منه الكافور- في المستفيضة الآتية في بحث التحنيط «6».

د: المعتبر في القراح- أي الخالص- خلوصه عن الخليطين، لأنّه المتبادر

______________________________

[1] الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 113.

[2] الغنية (الجوامع الفقهية): 563، و معقد الإجماع في كلامه هو التحنيط بالكافور دون التغسيل.

______________________________

(1) في ص 138.

(2) التهذيب 1: 450- 1464، الوسائل 2: 485 أبواب غسل الميت ب 2 ح 11.

(3) المقنعة: 75، المراسم: 47، الجامع: 51.

(4) المراسم: 47، و انظر مفتاح الكرامة 1: 429.

(5) المنتهى 1: 432، جامع المقاصد 1: 398.

(6) في ص 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 143

من المقابلة. لا الخليط مطلقا حتى التراب- كما قيل «1»- إلّا أن يخرجه عن الإطلاق، و إن كان اعتباره مطلقا أحوط. و المراد باعتبار خلوصه عنهما اشتراطه لا عدم اشتراطهما، كما تدلّ عليه أوامر الغسل بالقراح.

و المعتبر في خلوصه عنهما خلوصه عمّا يجعله ماء سدر و كافور، و الغسل غسلا بهما، فلا يضرّ القليل منهما، أو الغير الممتزج من السدر، لأنّه الثابت من التقابل، مع ما مرّ «2» من الخبرين الآمرين بإلقاء سبع ورقات في الماء القراح، و لأجله يحمل

الخبر المتقدّم «3»- الآمر بغسل الآنية عن الماءين قبل صبّ القراح فيها- على الاستحباب، سيما مع اشتماله على كثير من المستحبّات.

الرابع: الترتيب بين الغسلات الثلاث، فيبدأ بالسدر ثمَّ الكافور ثمَّ القراح، و في كلّ منها بين الأعضاء، فيبدأ بالرأس ثمَّ الأيمن ثمَّ الأيسر، بالإجماع، كما على الأول في اللوامع عن المعتبر [1]، و في الحدائق أنّه مذهب الأصحاب «4»، و على الثاني عنه و عن الانتصار، و الخلاف، و ظاهر التذكرة «5».

لصحيحتي ابن مسكان «6» و خالد «7»، و موثّقة الساباطي «8»، و خبري ابن عبيد

______________________________

[1] المعتبر 1: 265 و فيه: يجب تغسيلة ثلاث مرات أوّلا بماء السدر ثمَّ بماء الكافور ثمَّ بالماء القراح و لا يجوز الاقتصار على الواحدة إلا عند عوز الماء، و هو مذهب الأصحاب خلا سلار فإنه اقتصر على الوجوب على المرة بالماء القراح و ما زاد على الاستحباب.

______________________________

(1) السرائر 1: 162، و الذكرى: 44.

(2) في ص 139.

(3) في ص 136.

(4) الحدائق 3: 444.

(5) المعتبر 1: 266، الانتصار: 36، الخلاف 1: 693، التذكرة 1: 38.

(6) الكافي 3: 139 الجنائز ب 18 ح 2، التهذيب 1: 108- 282، الوسائل 2: 479 أبواب غسل الميت ب 2 ح 1.

(7) التهذيب 1: 446- 1443، الوسائل 2: 483 أبواب غسل الميت ب 2 ح 6.

(8) تقدم مصدرها في ص 138.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 144

و حريز «1»، في الأول. و حسنة الحلبي، و روايتي الكاهلي و يونس «2» فيهما، مضافة إلى غيرها ممّا لم يذكر من الأخبار.

و بها تقيّد الأخبار المطلقة. و اشتمالها على كثير من المستحبات غير قادح في الأصل. فالقول باستحباب الأول- كما عن ابن حمزة [1]- للأصل ضعيف، مع أنّ

في النسبة أيضا كلاما [2].

و لو أخلّ بالترتيب في الثاني أعاد على ما يتضمّنه إجماعا، و كذا في الأول على الأصح، لمخالفة الأمر، فلم يأت بالمأمور به. و عن التذكرة، و نهاية الإحكام التردّد «3».

و هل يجوز الارتماس هنا كالجنابة فيسقط ثاني الترتيبين؟ كما ذكره في القواعد و شرحه «4» و جمع من المتأخّرين [3]، للمستفيضة المسوّية بين غسل الميت و غسل الجنابة «5»، و لإيجاب جوازه فيه جوازه هنا بالأولوية. أو لا يجوز؟ كما استشكل فيه جمع آخر، منهم المدارك، و البحار «6»، للأمر بالترتيب المنافي للارتماس في الأخبار، الموجب لتقييد ما أطلق فيه الغسل، و عدم اقتضاء المماثلة التسوية في جميع الأحكام. و هو في موقعه، بل الأظهر عدم الجواز، لما ذكر.

______________________________

[1] الوسيلة: 64 قال: و ما يتعلق بالغسل فأربعة أضرب واجب و مندوب و محظور و مكروه، فالواجب ستة أشياء .. و تغسيله ثلاث مرات .. و المندوب سبعة و عشرون .. و عدّ منها-: غسله أولا بماء السدر و ثانيا بماء جلال الكافور و ثالثا بالماء القراح.

[2] فإنه استظهر في كشف اللثام 1: 111 من كلام ابن حمزة القول باستحباب الخليط لا استحباب الترتيب مع وجود الخليط.

[3] منهم الشهيد الثاني في الروض: 99، و صاحب الرياض 1: 54.

______________________________

(1) تقدم مصدرهما في ص 139.

(2) تقدمت الروايات الثلاث في ص 135، 136.

(3) التذكرة 1: 39، نهاية الإحكام 2: 224.

(4) القواعد 1. 18، جامع المقاصد 1: 378.

(5) انظر الوسائل 2: 486 أبواب غسل الميت ب 3.

(6) المدارك 2: 81، بحار الأنوار 78: 292.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 145

الخامس: طهارة الماء و إباحته و إطلاقه، بالإجماع في الثلاثة و الأخبار.

السادس: إباحة مكان الغسل

و الآنية و الخليطين، و يظهر وجهه مما يأتي في التيمّم في المكان المغصوب، و الصلاة في اللباس المغصوب.

السابع: ستر عورته باتفاق الأصحاب كما في اللوامع، للأمر به في حسنة الحلبي و رواية يونس، المتقدّمتين «1»، و غيرهما.

و مقتضى إطلاقهما عدم الفرق بين الزوج أو الزوجة و غيرهما، بل صرّح به في بعض أخبارهما «2» أيضا، فالقول بعدم الوجوب فيهما غير جيد، و جواز النظر لو سلّم لا يوجب التقييد.

و كذا الصغير الذي يجوز غسله لغير المماثل، بل في المماثل أيضا على الأحوط. و كذا يقتضي الوجوب على الأعمى و الواثق من نفسه بكفّ البصر، و إن كان شمول الإطلاقات للأعمى محل نظر.

الثامن: لف الغاسل خرقة على يده عند غسل العورة، للأمر به في حسنة الحلبي، المتقدّمة، و تؤيّده موثّقة الساباطي، و فيها: «و يكون على يدك خرقة تنقي بها دبره» «3».

المقام الثاني: في مستحباته و مكروهاته.

أمّا المستحبات فأمور:

منها: وضع الميت على شي ء مرتفع من ساجة أو سرير، بلا خلاف كما في المنتهى «4»، و أسنده في اللوامع إلى عمل الفرقة شائعا، و هو فيه الحجة، لكونه مقام المسامحة، مضافا إلى أقربيته إلى الاحترام، و أوفقيته لحفظ الجسد عن التلطخ،

______________________________

(1) في ص 135، 136.

(2) انظر الوسائل 2: 516 أبواب غسل الميت ب 20.

(3) تقدم مصدرها في ص 135، 138.

(4) المنتهى 1: 428.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 146

و أبعد عن الهوام، و يومئ إليه الأمر بوضعه على المغتسل في بعض الأخبار [1].

منحدرا مكان الرجلين، لفتوى جمع الأجلّة [2]، و لئلّا يجتمع الماء تحته.

موجّها إلى القبلة نحو حال الاحتضار، وفاقا للمصريات [3] و الوسيلة و الغنية «1»، و الإصباح [4]، و المعتبر، و الشرائع، و النافع «2»، و اللوامع،

و القواعد و المدارك «3»، بل هو الأشهر، كما صرّح به جمع ممن تأخّر [5].

أمّا الرجحان: فلما مرّ من دعوى الشهرة، بل اتّفاق أهل العلم، كما في المعتبر «4»، و ما تقدّم من خبري الكاهلي و يونس «5».

و الرضوي: «و يكون مستقبل القبلة، و يجعل باطن رجليه إلى القبلة و هو على المغتسل» «6».

و صحيحة ابن خالد: «إذا مات لأحدكم ميت فسجّوه تجاه القبلة، و كذلك إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة فيكون مستقبل باطن قدميه و وجهه إلى القبلة» «7».

و أمّا عدم الوجوب: فللأصل، و خلوّ غير الأوّلين عن الدالّ على الوجوب.

______________________________

[1] كما في خبر يونس المتقدم في ص 136.

[2] كما افتى به في جامع المقاصد 1: 373، و كشف اللثام 1: 113، و الرياض 1: 55.

[3] للسيد المرتضى نقل عنه في كشف اللثام 1: 113.

[4] للصهرشتي، نقل عنه في كشف اللثام 1: 113.

[5] صرح به في الرياض 1: 55، و في الحدائق 3: 449 أنه المشهور بين الأصحاب، و في المدارك 2:

86 نسبه إلى الأكثر.

______________________________

(1) الوسيلة: 64، الغنية (الجوامع الفقهية): 563.

(2) المعتبر 1: 269، الشرائع 1: 38، النافع: 12.

(3) القواعد 1: 18، المدارك 2: 86

(4) المعتبر 1: 269.

(5) في ص 135، 136.

(6) فقه الرضا: 166، المستدرك 2: 171 أبواب غسل الميت ب 5 ح 1.

(7) التهذيب 1: 298- 872، الوسائل 2: 452 أبواب الاحتضار ب 35 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 147

و أمّا هما و إن اشتملا على الأمر و لكن يتعيّن حملهما على الاستحباب، لصحيحة ابن يقطين: عن الميت كيف يوضع على المغتسل، موجّها وجهه نحو القبلة، أو يوضع على يمينه و وجهه نحو القبلة؟ قال: «يوضع

كيف تيسّر فإذا طهر وضع كما يوضع في قبره» «1».

خلافا للمنتهى، و الكركي، و شيخنا البهائي «2»، و عن المبسوط، و الدروس، و المسالك «3»، فأوجبوه لما ذكر، و أجابوا عن الصحيحة تارة: بعدم المنافاة، لأنّ ما تعسّر لا يجب، و اخرى: بأنّ الظاهر منها التخيير بين الأمرين المذكورين فيها، و ثالثة: بأنّ غايتها التعميم باعتبار الجهة فيجب التخصيص بما مرّ لكونه أخصّ مطلقا.

و يضعّف الأول: بأنّه قد يتيسر جميع الجهات فيدلّ على عدم وجوب جهة خاصة.

و الثاني: بأنّ اختصاص السؤال لا يخصّص عموم الجواب.

و الثالث: بأنّ هذا التخصيص غير جائز، لإيجابه خروج غير الواحد، فالتعارض متحقّق، و الحمل على الاستحباب متعيّن، و الاحتياط سبيل النجاة.

و أن يكون الغسل تحت الظلال لا في الفضاء، بالإجماع، كما عن المحقّق و الشهيدين «4»، لصحيحة علي «5» و خبر طلحة «6».

و منها: تغسيله عاريا مستور العورة، كما صرّح به الصدوق في الهداية،

______________________________

(1) التهذيب 1: 298- 871، الوسائل 2: 491 أبواب غسل الميت ب 5 ح 2.

(2) المنتهى 1: 428، جامع المقاصد 1: 374، الحبل المتين: 62.

(3) المبسوط 1: 77، الدروس 1: 105، المسالك 1: 13.

(4) المعتبر 1: 275، الذكرى: 45، الروض: 101.

(5) الكافي 3: 142 الجنائز ب 18 ح 6، الفقيه 1: 86- 400، التهذيب 1: 431- 1379 الوسائل 2: 538 أبواب غسل الميت ب 30 ح 1.

(6) التهذيب 1: 432- 1380، الوسائل 2: 539 أبواب غسل الميت ب 30 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 148

و الشيخ في الخلاف «1»، بل الظاهر عدم الخلاف فيه، و هو الدليل عليه، مضافا إلى قوله في خبر يونس، المتقدّم «2»: «فإن كان عليه قميص» إلى آخره.

نعم، وقع الخلاف

في أنّ الأفضل هل هو ستر العورة بالقميص- إن كان له- بأن يجمعه من الفوق و التحت عليها، أو نزعه و سترها بغيره؟

و الحقّ هو الأول، وفاقا لصريح الصدوق «3»، بل أكثر الثالثة [1] كما في اللوامع، بل الأكثر مطلقا كما عن الروضة «4»، و نسب إلى العماني [2]، و فيه نظر [3].

لما مرّ من خبر يونس، و للصحاح الثلاث لأبناء مسكان و خالد و يقطين [4]:

في الأولى: قلت: يكون عليه ثوب إذا غسل؟ قال: «إن استطعت أن يكون عليه قميص فغسله من تحته» و قريب منه في الثانية.

و في الثالثة: «و لا تغسّلوه إلّا في قميص يدخل رجل يده و يصب عليه من فوقه».

و مقتضى الحقيقة في الاولى و الأخيرة و إن كان الوجوب، إلّا أنّ عدم القول به، بل الإجماع على التخيير بين الأمرين- كما صرّح به في الخلاف «5»- مضافا إلى الرضوي المنجبر بذلك: «و تنزع قميصه من تحته أو تتركه عليه إلى أن تفرغ عن

______________________________

[1] منهم صاحب المدارك 2: 88، و المجلسي في بحار الأنوار 78: 293، و صاحب الرياض 1: 55.

[2] قال العلامة في المختلف: 43 المشهور أنه ينبغي أن ينزع القميص عن الميت ثمَّ يترك على عورته ما يسترها واجبا ثمَّ يغسله الغاسل. و قال ابن أبي عقيل: السنة في غسل الميت أن يغسل في قميص نظيف.

[3] بالتأمل في الكلام الذي نقله عنه في المختلف.

[4] تقدم مصدر الأوليين في ص 135، 134 و الثالثة رواها في التهذيب 1: 446- 1444، الاستبصار 1:

208- 731، الوسائل 2: 483 أبواب غسل الميت ب 2 ح 7.

______________________________

(1) الهداية: 24، الخلاف 1: 692.

(2) في ص 136.

(3) الفقيه 1: 90، الهداية: 24.

(4) الروضة 1: 127.

(5)

الخلاف 1: 692.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 149

غسله لتستر به عورته، و إن لم يكن عليه القميص ألقيت على عورته شيئا مما يستر عورته» «1» الخبر، أوجب الصرف.

و خلافا للمنتهى، و عن المفيد، و النهاية، و المبسوط «2» فعكسا، بل عن المختلف نسبته إلى الأكثر [1]، لأنّه أبلغ للتطهير، و لموثّقة الساباطي: عن غسل الميت، فقال: «تبدأ فتطرح على سوءته خرقة» «3» الحديث.

و روايتي ابن عبيد و حريز، المتقدّمتين «4».

و رواية أم أنس: «فإذا أردت غسلها فابدئي بسفليها فألقي على عورتها ثوبا ستيرا» «5» الحديث.

و يضعّف الأول: بعدم صلاحيته لتأسيس حكم.

و البواقي: بأنها أعم من أن يكون عليه القميص أولا، فيخصّص بما مرّ لكونه أخصّ، مع أنه صرّح بذلك في الرضوي كما مرّ «6»، بل لنا أن نقول بأعمية الخرقة و الثوب من القميص.

و للخلاف، فخيّر بين الأمرين، لدعوى الإجماع فيه عليه «7»، و للجمع بين الأخبار، و لحسنة الحلبي: «فاجعل بينك و بينه ثوبا يستر عورته إمّا قميصا أو غيره» «8».

______________________________

[1] المختلف: 43 و فيه ما تقدم نقله فراجع.

______________________________

(1) فقه الرضا: 166، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.

(2) المنتهى 1: 428، المقنعة: 76، النهاية: 33، المبسوط 1: 178.

(3) التهذيب 1: 305- 887، الوسائل 2: 484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 10.

(4) المتقدمتين في ص 139.

(5) التهذيب 1: 302- 880، الاستبصار 1: 207- 728، الوسائل 2: 492 أبواب غسل الميت ب 6 ح 3.

(6) في ص 148.

(7) الخلاف 1: 692.

(8) تقدم مصدرها في ص 135.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 150

و يردّ الأول: بأن الجمع بالتخصيص مقدّم قطعا. و الثانيان: بأنّهما لا ينافيان أفضلية أحد الفردين.

و للمنقول

عن ابن حمزة، فأوجب النزع [1]. و لم نعثر له على حجة تامة.

هذا و قد اشتبهت المسألة على بعض متأخّري المتأخّرين [2]، و حمل الغسل في القميص على اشتماله على جملة البدن- كما هو مذهب الشافعي «1»- و اختار استحبابه و جعل الغسل عاريا مقابلا له و لوضع الخرقة، و جوّز جمع القميص أيضا. و احتجّ لما اختاره: بفعل الوصي بالنبي، و أخبار الغسل في القميص.

و هو غفلة عن المراد، و الغسل في القميص الوارد في الأخبار أعم منه و من جمعه على العورة، فيجب الحمل عليه، لخبر يونس و الرضوي.

مع أنّ فعل الوصي لعلّه كان مختصا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، بل هو المستفاد من المروي في الطرف لابن طاوس، و مصباح الأنوار: قال علي عليه السلام: «غسلت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنا وحدي و هو في قميصه، فذهبت أنزع منه القميص، فقال جبرئيل: يا علي لا تجرّد أخاك فإن اللّه لم يجرّده» [3].

و في دعائم الإسلام: «فلمّا أخذت في غسله سمعت قائلا من جانب البيت يقول: لا تنزع القميص منه، فغسلته في قميصه» «2».

ثمَّ إنّ مع الغسل في القميص يستحب نزعه من تحته بعد فتقه، لصحيحة ابن سنان، المروية في الكافي، و فيها بعد ذكر الشدّ بالخرقة: «ثمَّ تخرق القميص

______________________________

[1] نقله عنه في جامع المقاصد 1: 375.

[2] لعل المراد منه صاحب الحدائق 3: 448.

[3] الطرف: 48، و رواه في بحار الأنوار 78: 305 عنه و عن مصباح الأنوار.

______________________________

(1) الامّ 1: 265.

(2) دعائم الإسلام 1: 227.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 151

إذا غسل و تنزع من رجليه» «1» الحديث. و لضعف الرواية [1] لا تنتهض

حجة على الفتق إذا لم يأذن الورثة، و لذا استثناه الأكثر.

و هل يحتاج القميص أو الخرقة الملقاة بعد النزع إلى التطهير أم لا؟

صرّح جماعة [2] بأنّ الظاهر من الإطلاقات طهره بماء الغسل و إن لم يعصر.

و لم يظهر لي وجه الظهور منها، و لعلّه لأنه لولاه لزم تنجّس بدن الميت بملاقاته قبل تمام الغسل مع لزوم إزالته قبل الغسل و بعد الغسل، مع أنه لو كان كذلك لأمر بتطهيره.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 3    151     المقام الثاني: في مستحباته و مكروهاته. ..... ص : 145

يردّ: بأن وجوب تقديم إزالة مثل تلك النجاسة على الغسل أيضا بالإجماع المركّب غير ثابت، بل لا يجب تقديمه على غسل الموضع، أيضا، فإنه يطهّر عن الحدث و الخبث بماء واحد. و التنجيس بعد الغسل لا يلزم الأمر بالتطهير في تلك الأخبار، لأنّه يعلم من الخارج.

إلّا أنّ توقّف تطهير كلّ ثوب عن كلّ نجاسة على العصر إنّما هو بالإجماع المركّب المعلوم انتفاؤه في المورد، فهو الدليل على عدم الحاجة إلى العصر دون الإطلاقات.

و منها: تليين أصابعه و مفاصله برفق- إلّا مع التعسّر- بالإجماع، كما عن الخلاف و المعتبر «2»، له، و لخبر الكاهلي، المتقدّم «3»، و الرضوي: «و ليّن مفاصله» إلى أن قال: «و تليين أصابعه و مفاصله ما قدرت بالرفق، و إن كان صعب عليك فدعها» «4».

______________________________

[1] يريد به ضعف الرواية من حيث الدلالة و يحتمل وقوع تصحيف في العبارة و الصحيح: و لضعف الدلالة ..

[2] صرّح به في الذكرى: 44 و جامع المقاصد 1: 375، و المدارك 2: 88.

______________________________

(1) الكافي 3: 144 الجنائز ب 19 ح 9، الوسائل 3: 8 أبواب التكفين ب 2 ح 8.

(2)

الخلاف 1: 691، المعتبر 1: 272.

(3) في ص 135.

(4) فقه الرضا: 165، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 152

مقدّما على غسل الفرج، لدلالة الخبرين عليه، قبل غسل اليدين أو معه أو بعده.

و لا ينافيه النهي عن غمز المفصل في حسنة حمران «1»، و تكريهه في خبر طلحة «2»، لجواز كون التليين غير الغمز لاشتماله على العنف دونه، مع أنّ المنهي عنه مطلقه و المأمور به مع الرفق، فيحمل المطلق على المقيّد لو لم يتغايرا كلّيا. و ربما حمل على ما بعد الغسل، و فيه بعد، إلّا أنّ إرادة أثناء الغسل ممكنة، و التليين قبله.

و عن العماني المنع منه [1]، و لكن فتواه مضمون الخبر، فيجري فيه ما مرّ.

و منها: غسل كفّيه، بالإجماع المحكي عن الغنية «3»، له، و لقوله في حسنة الحلبي، المتقدّمة «4»: «ثمَّ يبدأ بكفّيه» و رواية ابن خثيمة [2] و فيها: «يبدأ فيغسل يديه، ثمَّ يوضّئه وضوء الصلاة» «5» الحديث.

من رؤوس الأصابع إلى نصف الذراع، كما في الدروس و شرح القواعد و المدارك «6»، لخبر يونس، المتقدّم «7»، و الرضوي: «يبدأ بغسل اليدين إلى نصف

______________________________

[1] نقل عنه في المختلف: 42.

[2] في جميع المصادر أبي خيثمة.

______________________________

(1) التهذيب 1: 447- 1445، الاستبصار 1: 205- 723، الوسائل 2: 497 أبواب غسل الميت ب 9 ح 1.

(2) الكافي 3: 156 الجنائز ب 27 ح 3، التهذيب 1: 323- 941، الوسائل 2: 500 أبواب غسل الميت ب 11 ح 4.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 563.

(4) في ص 135.

(5) التهذيب 1: 303- 883، الاستبصار 1: 207- 730، الوسائل 2: 492 أبواب غسل الميت ب 6 ح 4.

(6) الدروس 1:

106، جامع المقاصد 1: 376، المدارك 2: 90.

(7) في ص 136.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 153

المرفقين ثلاثا ثلاثا، ثمَّ الفرج ثلاثا» «1» الخبر.

و لا ينافيه التعبير في سابقة باليدين، للعموم. و لا بالكفّين، لاحتماله. مع أنّ استحباب شي ء لا ينافي استحباب الزائد.

ثلاثا، كما في الكتب الثلاثة المتقدّمة «2»، و عن الاقتصاد، و المصباح، و مختصره، و السرائر «3»، و الفقيه، و رسالة والده [1]، للخبرين المذكورين.

بماء السدر، كما صرّح به في الفقيه و الرسالة «4»، لذلك.

مقدّما على غسل الفرج، كما في الأخير [2]، للخبرين، فإنّهما مصرّحان بذلك.

و لا يعارضهما قوله في رواية الكاهلي: «ثمَّ ابدأ بفرجه» لأنها- مع أنّ بإزائها الروايات المصرّحة بالبدأة باليدين- ظاهرة في أنّ المراد البدأة بالإضافة إلى ما ذكر فيها، مع أنها أعم ممّا إذا غسل اليدين أوّلا، فتحمل على المقيدين.

و منها: غسل فرجيه إن لم يعلم فيهما نجاسة، و إلّا وجب كما مرّ، لأخبار يونس «5»، و ابن عبيد و حريز «6».

ثلاثا، للرضوي المتقدّم «7»، و فيه أيضا- بعد غسل اليدين-: «و يلف غاسله على يده خرقة، و يصبّ غيره الماء من فوق يديه، ثمَّ تضجعه» إلى أن قال: «و تغسل قبله و دبره بثلاث حميديات، و لا يقطع الماء عنه، ثمَّ تغسل رأسه

______________________________

[1] الفقيه 1: 90، و نقله في الهداية: 24 عن رسالة والده.

[2] الهداية: 24 نقلا عن والده.

______________________________

(1) فقه الرضا: 181، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.

(2) في ص 152.

(3) الاقتصاد: 248، مصباح المتهجد: 18، السرائر 1: 162.

(4) راجع الرقم 4.

(5) المتقدم في ص 136.

(6) المتقدمين في ص 139.

(7) في ص 152.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 154

و لحيته برغوة السدر،

و تتبعه بثلاث جريات [1]، و لا تقعده إن صعب عليك، ثمَّ اقلبه على جنبه الأيسر» الخبر.

و لقوله في رواية الكاهلي، المتقدّمة «1»: «ثمَّ ابدأ بفرجه بماء السدر و الحرض، و اغسله ثلاث غسلات، و أكثر من الماء».

مكثرا عليه الماء، كما عن النهاية، و المبسوط، و في المنتهى «2»، لتلك الرواية.

بماء الحرض- أي الأشنان- كما في رسالة الصدوق [2]، و النافع، و عن المقنعة، و الاقتصاد، و المصباح و مختصره، و المراسم، و السرائر «3». بل مع إضافة السدر كما في المنتهى، و القواعد، و عن النهاية، و المبسوط «4»، و الوسيلة، و المهذب، و الشرائع، و الجامع «5»، للرواية المذكورة.

و نفي اشتمالها على الحرض- كبعض مشايخنا [3]- غير صحيح.

مقدّما على الوضوء كما يأتي.

و منها: إعادة غسل اليدين و الفرجين ثلاثا في كلّ غسلة، إلّا أنّهما يغسلان في الثانية بماء الكافور، و في الثالثة بالقراح.

لروايتي الكاهلي و يونس، السابقتين، و الرضوي، و فيه بعد قوله: «ثمَ

______________________________

[1] في المصدر: حميديات.

[2] يعني بها رسالة علي بن بابويه إلى ابنه الصدوق، كما نقل عنها في الهداية: 24.

[3] الرياض 1: 55 قال: و لم أقف على مستندهما سوى رواية الكاهلي، و ليس فيها إلّا غسله بالسدر خاصة.

______________________________

(1) في ص 135.

(2) النهاية: 34، المبسوط 1: 178، المنتهى 1: 428.

(3) النافع: 12، المقنعة: 76، الاقتصاد: 248، مصباح المتهجد: 18، المراسم: 48، السرائر 1:

162.

(4) المنتهى 1: 428، القواعد 1: 18، النهاية: 34، المبسوط 1: 178.

(5) الوسيلة: 64، المهذب 1: 58، الشرائع 1: 39، الجامع: 51.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 155

الفرج ثلاثا، ثمَّ الرأس ثلاثا، ثمَّ الجانب الأيمن ثلاثا، ثمَّ الجانب الأيسر ثلاثا بالماء و السدر»: «ثمَّ تغسله مرة أخرى بالماء

و الكافور على هذه الصفة، ثمَّ بالماء القراح مرة ثالثة، فيكون الغسل ثلاث مرات كلّ مرّة خمس عشرة صبّة» «1».

و منها: توضئته وضوء الصلاة في الغسلة الأولى، وفاقا للمنتهى، و القواعد، و شرحه، و النافع «2»، و ظاهر الشرائع [1]، و صريح اللوامع، و عن المفيد، و الاستبصار و المصباح، و مختصره و المهذب «3»، و الجامع، و المختلف، و الذكرى «4»، بل للمشهور بين المتأخّرين كما في الحدائق «5»، بل مطلقا كما في كفاية الأحكام «6» و اللوامع.

لعموم: «في كلّ غسل وضوء إلّا غسل الجنابة» «7».

و خصوص روايات ابن عبيد و حريز و ابني عمار و خثيمة المتقدمة «8».

و المروي في الدعائم: «يبدأ فيوضّئه كوضوء الصلاة» «9».

و رواية أم أنس و فيها- بعد غسل الفرج-: «ثمَّ وضّئيها بماء فيه سدر» «10» الحديث.

______________________________

[1] الشرائع 1: 38 قال: و في وضوء الميت تردد و الأشبه أنه لا يجب.

______________________________

(1) فقه الرضا: 180، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2: 3.

(2) المنتهى 1: 430، القواعد 1: 18، جامع المقاصد 1: 376، النافع: 12.

(3) المقنعة: 76، الاستبصار 1: 208، مصباح المتهجد: 18، المهذب 1: 58.

(4) الجامع: 51، المختلف 1: 42، الذكرى: 45.

(5) الحدائق 3: 445.

(6) كفاية الأحكام: 6.

(7) انظر الوسائل 2: 248 أبواب الجنابة ب 35.

(8) في ص 139، 152.

(9) دعائم الإسلام 1: 230، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 2.

(10) التهذيب 1: 302- 880، الاستبصار 1: 207- 728، الوسائل 2: 492 أبواب غسل الميت ب 6 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 156

و مقتضى الأمر في الأخيرة و إن كان الوجوب- كما عن صريح النزهة [1] و الحلبي [2]، و نسب إلى

الاستبصار [3]، و المحقّق الطوسي [4] و يحتمله كلام المقنعة و المهذب [5]، و جعله الشيخ في النهاية أحوط «1»- إلّا أنّ تعقيب الأمر بماء السدر الغير الواجب إجماعا يمنع من الإبقاء على الحقيقة.

مضافا إلى إشعار خلوّ صحيحة ابن يقطين: عن غسل الميت أ فيه وضوء الصلاة أم لا؟ فقال: «يبدأ بمرافقه فيغسل بالحرض، ثمَّ يغسل وجهه و رأسه بالسدر، ثمَّ يفاض عليه الماء ثلاث مرات» «2» الحديث، عنه مع السؤال عنه، بل أمره بغيره من المستحبات.

بل ربما يجعل في ذلك مع عدم التمكّن من التصريح- لإطباق العامة على الوضوء كما في المنتهى [6]- إشعار بعدم الاستحباب أيضا، كخلوّ المعتبرة الواردة في

______________________________

[1] نزهة الناظر: 11 قال: و منهم من قال بوجوبه و هو الصحيح.

[2] قال في الكافي: 134: و صفته أن يبدأ الغاسل فينجي الميت و يوضئه وضوء الصلاة .. و لا يخفى عدم صراحته في الوجوب، نعم هو ظاهر فيه، و قد نسبه في كشف اللثام 1: 114 إلى ظاهر الكافي كما نسبه إلى صريح النزهة، فالمحتمل أن تكون العبارة الأصلية: و ظاهر الحلبي و سقط: «و ظاهر» من النساخ.

[3] نسبه في المنتهى 1: 430، و كشف اللثام 1: 114، و قال في مفتاح الكرامة 1: 433 حكاه جماعة عن الاستبصار و الموجود فيه خلافه، و انظر الاستبصار 1: 208.

[4] كذلك قال في كشف اللثام 1: 114: حكي عن المحقق الطوسي، و لم نعثر على مصدره و لا الحاكي.

[5] المقنعة: 76 و فيه: ثمَّ يوضئ الميت ..، المهذب 1: 58 و فيه: و يوضئ الميت، قال في كشف اللثام بعد نقلهما: و هو يحتمل الوجوب و الاستحباب.

[6] المنتهى 1: 430 قال: و أطبق الجمهور

على الوضوء، و في بداية المجتهد 1: 236: قال أبو حنيفة: لا يوضأ الميت و قال الشافعي يوضأ و قال مالك إن وضئ فحسن، و في بدائع الصنائع للكاساني الحنفي 1: 300: ثمَّ يوضأ و ضوءه للصلاة ..

______________________________

(1) النهاية: 35.

(2) التهذيب 1: 446- 1444، الاستبصار 1: 208- 731، الوسائل 2: 483 أبواب غسل الميت ب 2 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 157

البيان مع تضمّن كثير منها المستحبات، فيكون حراما كما عن الخلاف، و ظاهر السرائر، و محتمل كلام الديلمي [1].

و استقر به بعض متأخّري المتأخّرين «1» تمسّكا بما ذكر، و تشبيه غسل الميت في المستفيضة بغسل الجنابة.

و يضعّف: بعدم صلاحية الإشعار لمعارضة صريح المستفيضة من الأخبار. مع أنّ في الإشعار أيضا نظرا، إذ يمكن أن يكون عدم التعرض له مع السؤال- الظاهر في الاستفسار عن الوجوب- لمنع التقية عن التصريح بالاستحباب، و الإغراء بالوجوب بدونه، فيعدل إلى ما لا يعلم استحبابه و وجوبه. و منه يظهر سرّ خلوّ كثير من الأخبار أيضا.

و أمّا التشبيه فلا يفيد العموم، كما مرّ مرارا.

و ينبغي أن يكون مؤخّرا عن غسل الفرج، لروايتي حريز و أم أنس «2». و بماء فيه سدر، للأخيرة.

و منها: غسل رأسه برغوة السدر أمام الغسل. لا لخبر يونس «3»، لعدم صراحته في خروج ذلك عن الغسل. بل للرضوي [2] المتقدّم «4»، حيث إنّ الأمر بإتباع ثلاث جريات للغسل بالرغوة منضما مع ما تقدّم من قوله: إنّ في غسل الرأس في كل مرة ثلاث صبّات «5»- بل على عدم استحباب الزيادة إجماع الأمة- يدلّ على أنّ السابق عن الغسل خارج.

______________________________

[1] الخلاف 1: 693، السرائر 1: 159، المراسم: 48 قال: و في أصحابنا من

قال يوضأ الميت و ما كان شيخنا- رضي اللّه عنه- يرى ذلك وجوبا.

[2] في «ق» زيادة: المنجبر.

______________________________

(1) انظر الحدائق 3: 447.

(2) تقدم مصدرهما في ص 139، 131.

(3) المتقدم في ص 136.

(4) في ص 153.

(5) تقدم مضمونه في ص 154.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 158

و يشعر به صحيحة ابن يقطين و رواية ابن عمّار، المتقدّمتان «1». بل هما تشعران بتقديم غسل سائر الجسد به أيضا، كما صرّح به في النافع، و عن التذكرة و نهاية الإحكام «2». و هو مع ما عن المعتبر «3» من دعوى اتّفاق فقهاء أهل البيت عليه و على غسل الرأس بها كاف في إثبات استحبابه.

و منها: البدأة في غسل الرأس بشقّه الأيمن إجماعا، كما عن المعتبر و التذكرة، لرواية الكاهلي «4»، و خبر الفضل: «تبدأ بميامنه» «5». و بعمومه يثبت ذلك في غسل الرأس المستحب أيضا كما عن النفلية [1].

و كذا يستحب في غسل كلّ من الجانبين إضافة شق من الرأس ثلاثة، للأمر به في خبري الكاهلي و يونس «6»، المتعيّن حمله على الاستحباب، لعدم القول بالوجوب.

و منها: التثليث في كلّ غسل الرأس و الجانبين في كلّ من الغسلات الثلاث، بالإجماع عن الكتابين «7»، و في اللوامع، له، و للخبرين المذكورين، و الرضوي المذكور، فيصير عدد الغسلات في كلّ غسل تسعا، و مع الستّ المستحبة المتقدّمة لليدين و الفرجين خمس عشرة، و في الأغسال الثلاثة خمسا و أربعين، و لو جعلت اليدان عضوين و كذلك الفرجان زادت في كلّ غسل ستا.

______________________________

[1] النفلية: 10 قال: يستحب فيه توجيه الميت إلى القبلة .. و غسل رأسه برغوة السدر و البدأة بشقه الأيمن.

______________________________

(1) في ص 139، 147.

(2) النافع: 12، التذكرة 1: 38،

نهاية الإحكام 2: 223.

(3) المعتبر 1: 273.

(4) المتقدمة في ص 135.

(5) التهذيب 1: 446- 1442، الاستبصار 1: 206- 724، الوسائل 2: 484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 9.

(6) المتقدمين في ص 135، 136.

(7) المتقدمين و هما: المعتبر 1: 273. و التذكرة 1: 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 159

و منها: مسح بطنه في الغسلين الأولين قبلهما، بالإجماع كما عن المعتبر، لخبري يونس، و الكاهلي، و غيرهما.

إلّا في الحامل التي مات ولدها، فيكره كما عن صريح الوسيلة، و الجامع، و في المنتهى، و القواعد [1]، و اللوامع، حذرا من الإجهاض [2]، لخبر أم أنس: «إذا توفيت المرأة فأرادوا أن يغسلوها فليبدءوا ببطنها فليمسح مسحا رفيقا إن لم تكن حبلى، فإن كانت حبلى فلا تحرّكيها» «1».

و لا يستحب في الثالثة مطلقا، اتّفاقا كما عن المعتبر، و التذكرة و الذكرى «2»، و ظاهر نهاية الإحكام [3]، للأصل، و خلوّ الأخبار البيانية عنه.

و صريح الرضوي: «و لا تمسح بطنه في ثالثة». و مقتضاه كراهته، و هو كذلك كما في اللوامع، و عن الخلاف، و الوسيلة، و الجامع، و الذكرى، و الدروس «3».

و يستحب أن يكون المسح برفق، كما في الخبرين، و رواية أم أنس. بل يستحب الرفق بالميت حال الغسل مطلقا، كما في المنتهى «4»، و اللوامع، لحسنة حمران: «إذا غسّلتم الميت منكم فارفقوا به و لا تعصروه» «5».

______________________________

[1] الوسيلة: 65، الجامع: 51 و فيه: و يكره .. و غمز بطن الحبلى، المنتهى 1: 430، القواعد 1: 18.

[2] و هو إسقاط المرأة ولدها.

[3] نهاية الإحكام 2: 225 قال: و يستحب مسح بطنه في الغسلتين الأولتين قبلهما رفيقا.

______________________________

(1) التهذيب 1: 302- 880، الاستبصار 1: 207- 728، الوسائل 2:

492 أبواب غسل الميت ب 6 ح 3.

(2) المعتبر 1: 273، التذكرة 1: 39، الذكرى: 45.

(3) الخلاف 1: 695، 696، الوسيلة: 65، الجامع: 51، الذكرى: 45، الدروس 1: 106.

(4) المنتهى 1: 428.

(5) التهذيب 1: 447- 1445، الاستبصار 1: 205- 723، الوسائل 2: 497 أبواب غسل الميت ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 160

و صحيحة النواء: «إذا غسّلت ميتا فارفق به و لا تعصره» «1».

و منها: حشو الدبر بالقطن، كما عن الخلاف «2»، و الإسكافي «3»، و الجامع «4» و الفقيه، و الكافي، و المبسوط، و الوسيلة «5»، و في الشرائع، و القواعد، و المنتهى «6»، و غيره، بل عن الخلاف الإجماع عليه «7»، و عن المعتبر حكايته عن المعظم [1].

لقوله في خبر يونس: «ثمَّ نشّفه بثوب طاهر، و اعمد إلى قطن فذرّ عليه شيئا من حنوطه وضعه على فرجه قبل و دبر، و احش القطن في دبره لئلا يخرج منه شي ء» «8».

و في المضمر: «و يضع لها القطن أكثر مما يضع للرجال، و يحشى القبل و الدبر بالقطن و الحنوط» «9».

و في موثّقة الساباطي: «و تدخل في مقعدته من القطن ما دخل» «10».

و الرضوي: «يأخذ شيئا من القطن و يجعل عليه حنوطا و يحشو به دبره» «11».

______________________________

[1] لم نعثر عليه في المعتبر.

______________________________

(1) التهذيب 1: 445- 1441، الاستبصار 1: 205- 722، الوسائل 2: 497 أبواب غسل الميت ب 9 ح 2.

(2) الخلاف 1: 703.

(3) نقل عنه في المختلف 1: 45.

(4) الجامع: 54.

(5) الفقيه 1: 92، الكافي: 237، المبسوط 1: 179، الوسيلة: 66.

(6) الشرائع 1: 40، القواعد 1: 18، المنتهى 1: 439.

(7) الخلاف 1: 285.

(8) تقدم مصدره في ص 136.

(9) الكافي 3: 147

الجنائز ب 20 ح 2، التهذيب 1: 324- 944، الوسائل 3: 11 أبواب التكفين ب 2 ح 16.

(10) التهذيب 1: 305- 887، الوسائل 2: 484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 10.

(11) فقه الرضا: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 161

و المروي في الدعائم: «يجعل القطن في مقعدة الميت لئلّا يبدو منه شي ء، و يجعل منه على فرجه و بين رجليه» «1».

و مقتضى إطلاق الأخبار عدم التقييد بشي ء، و صريح الكتب الثلاثة الأخيرة و ظاهر المحكي عن الثلاثة الأول: التقييد بخوف خروج شي ء. و الأظهر الإطلاق.

و عن الحلّي أنه منعه و قال: يوضع على حلقة دبره [1]، و هو ظاهر الديلمي «2»، لمنافاة الحشو للحرمة. و هي ممنوعة.

و لتتمة موثّقة الساباطي في التكفين: «و يجعل على مقعدته شيئا من القطن» «3».

و هي لإرادة الحشو محتملة، لمجي ء «على» للظرفية. مع أنّه لولاها أيضا فللحشو غير منافية، فيحتمل استحبابه أيضا، كما عن المقنعة [2] و المبسوط [3] و المراسم، و الوسيلة، و المصباح، و مختصره، و الإصباح، و التحرير [4]، و الشرائع، و النافع، و القواعد «4»، فيستحب الأمران، كما هو ظاهر خبر يونس و الدعائم و المضمرة.

و منه يظهر استحباب الوضع على القبل أيضا، بل فيه كما عن الإسكافي «5»،

______________________________

[1] السرائر 1: 164 قال: و يحشو القطن على حلقة الدبر و بعض أصحابنا يقول في كتاب له و يحشو القطن في دبره، و الأول أظهر لأنه يجنب الميت كل ما يجنبه الأحياء.

[2] المقنعة: 77 و فيه: يأخذ شيئا من القطن فيضع عليه شيئا من الذريرة و يجعله في مخرج النجو.

المبسوط 1: 179 و فيه: فيعمد إلى قطن و يذر عليه شيئا من الذريرة و يضعه

على فرجيه قبله و دبره.

[3] المراسم: 49 و ذكر نحو ما نقلناه عن المبسوط و كذلك في الوسيلة: 66 و مصباح المتهجد: 19 و التحرير: 18.

______________________________

(1) دعائم الإسلام 1: 232.

(2) المراسم: 49.

(3) راجع ص 160، و رواها في الوسائل 3: 33 أبواب التكفين ب 14 ح 4.

(4) الشرائع 1: 40، النافع: 13، القواعد: 18.

(5) نقل عنه في المختلف: 45.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 162

لمرفوعة سهل: «و يوضع لها القطن أكثر مما يوضع للرجال، و يحشى القبل و الدبر بالقطن و الحنوط» [1] الحديث.

و يستحب تحنّط القطن أيضا كما ظهر من الأخبار.

و منها: أن يدخل الماء المنحدر منه في حفيرة تجاه القبلة، فإن لم تكن هناك حفيرة حفرت، لأنه ماء متقذّر فيحفر له ليؤمن تعدّي قذرة. كذا في المعتبر «1».

و لحسنة ابن خالد «2» و صحيحته المتقدّمة «3» في استقباله.

و مثلها البالوعة، لصحيحة الصفار: هل يجوز أن يغسّل الميت و ماؤه الذي يصبّ عليه يدخل إلى بئر كنيف؟ فوقع عليه السلام: «يكون ذلك في بلاليع» «4».

و الرضوي: «لا يجوز أن يدخل ما ينصبّ على الميت من غسله في كنيف، و لكن يجوز أن يدخل في بلاليع لا يبال فيها أو في حفيرة» «5».

و اشتراط البالوعة بتعذّر الحفيرة- كما عن المبسوط، و النهاية، و الوسيلة و المهذب «6»، و التذكرة، و نهاية الإحكام «7»- خال عن وجه تامّ.

و المستفاد من الأخير [2]: اشتراط عدم كون البالوعة معدّة للبول. و منه و من

______________________________

[1] هي نفس الرواية المتقدمة التي عبر عنها بالمضمرة فلاحظ.

[2] يعني به الرضوي.

______________________________

(1) المعتبر 1: 278.

(2) الكافي 3: 127 الجنائز ب 11 ح 3، التهذيب 1: 286- 835، الوسائل 2: 452 أبواب الاحتضار ب

35 ح 2.

(3) في ص 146.

(4) الكافي 3: 150 الجنائز ب 23 ح 3، التهذيب 1: 431- 1378، الوسائل 2: 538 أبواب غسل الميت ب 29 ح 1.

(5) فقه الرضا: 167.

(6) المبسوط 1: 177، النهاية: 33، الوسيلة: 65، المهذب 1: 57.

(7) التذكرة 1: 38، نهاية الإحكام 2: 222.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 163

الثانية ما اشتهر بينهم- بل في شرح القواعد و عن الذكرى «1» الإجماع عليه- من كراهة الصبّ في الكنيف المعدّ للبول أو الغائط. و عن الفقيه «2» عدم الجواز كما هو ظاهر الأخير، و لكن ضعفه الخالي عن الجابر يمنع عن الفتوى به، مع احتماله- كالفقيه- شدة الكراهة.

و منها: أن ينشف بعد الفراغ بثوب إجماعا، كما عن المعتبر، و التذكرة، و نهاية الإحكام «3»، للمستفيضة كخبر يونس، المتقدّم «4»، و حسنة الحلبي و فيها:

«حتى إذا فرغت من تلك جعلته في ثوب ثمَّ جففته» «5».

و الرضوي: «فإذا فرغت من الغسلة الثالثة فاغسل يديك من المرفقين إلى أطراف أصابعك، و ألق عليه ثوبا تنشف به الماء عنه» «6».

و منها: أن يقف الغاسل عن يمينه، كما عن النهاية، و المصباح و مختصره، و الجمل و العقود «7»، و المهذب، و الوسيلة، و السرائر، و الجامع «8»، و الشرائع، و النافع، و الغنية «9» مدّعيا فيه الإجماع عليه. و هو فيه الحجة للمسامحة، مؤيّدا بعموم التيامن المندوب في الأخبار [1].

و الاستدلال له بخبر عمار: «و لا يجعله بين رجليه في غسله، بل يقف من

______________________________

[1] تقدم في مستحبات الوضوء 2: 161 نقل روايتين نبويتين دالتين على هذا المضمون فراجع.

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 377، الذكرى: 45.

(2) الفقيه 1: 91.

(3) المعتبر 1: 277، التذكرة 1: 42، نهاية الإحكام

2: 227.

(4) في ص 136.

(5) الكافي 3: 138 الجنائز ب 18 ح 1، التهذيب 1: 299- 874، الوسائل 2: 479 أبواب غسل الميت ب 2 ح 2.

(6) فقه الرضا: 167، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.

(7) النهاية: 35، مصباح المتهجد: 18، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 165.

(8) المهذب 1: 57، الوسيلة: 64، السرائر 1: 166، الجامع: 52.

(9) الشرائع 1: 39، النافع: 12، الغنية (الجوامع الفقهية): 563.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 164

جانبه» «1» غير جيّد، لأنّه أعمّ من المدّعى.

نعم، هو يصلح دليلا لما عن المقنعة، و المبسوط، و المراسم، و المنتهى «2» من الاقتصار على الوقوف على الجانب، و لما ذكره الأكثر، بل عن الغنية الإجماع عليه «3» من كراهة جعله بين رجلي الغاسل.

و لعدم تعيّن كونه نهيا، و احتمال النفي لا يصلح لإثبات الزائد عن الكراهة. مع أنّ الحرمة منفية بالإجماع و خبر ابن سيابة: «لا بأس أن تجعل الميت بين رجليك و أن تقوم من فوقه فتغسله إذا قلبته يمينا و شمالا تضبطه برجليك» «4».

الحديث.

و أن يضع خرقة على يده اليسرى حال الغسل، لقوله في ذيل صحيحة ابن مسكان: «أحبّ لمن غسّل الميت أن يلفّ على يده الخرقة حتى يغسّل» «5».

و الرضوي: «و يلف الغاسل على يده خرقة» «6».

و أن يدعو بالمأثور، كما هو في الأخبار مذكور «7»، و عند الأصحاب مشهور.

و أن يغسل يديه بعد كلّ من الغسلين الأولين إلى المرفقين، كما عن المهذب «8» و في اللوامع، لخبر يونس «9».

______________________________

(1) المعتبر 1: 277.

(2) المقنعة: 76، المبسوط 1: 178، المراسم: 49، المنتهى 1: 431.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 563.

(4) التهذيب 1: 447- 1448، الاستبصار 1: 206- 725، الوسائل

2: 543 أبواب غسل الميت ب 33 ح 1.

(5) الكافي 3: 139 الجنائز ب 18 ح 2، التهذيب 1: 300- 875، الوسائل 2: 479 أبواب غسل الميت ب 2 ح 1.

(6) فقه الرضا: 166، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.

(7) انظر الوسائل 2: 494 أبواب غسل الميت ب 7.

(8) المهذب 1: 58.

(9) المتقدم في ص 136.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 165

بل بعد الثالثة أيضا، كما في القواعد، و عن النهاية، و المبسوط، و الوسيلة «1»، و الإصباح، و الجامع، و الشرائع [1]، لموثّقة الساباطي، و فيها- بعد ذكر الأغسال الثلاثة-: «ثمَّ تغسل يديك إلى المرافق و رجليك إلى الركبتين ثمَّ تكفّنه» «2» الحديث. و للرضوي المتقدّم.

بل مقتضى صحيحة ابن يقطين: «ثمَّ يغسل الذي غسله يده قبل أن يكفّنه ثلاث مرّات» «3»: تثليث الغسل في الثالثة إلى المنكبين، و لا بأس به.

و يستحب غسل الإجّانة بعد كلّ من الأوليين أيضا.

و أمّا المكروهات، فغير ما مرّ من إرسال الماء إلى الكنيف و جعل الميت بين الرجلين ثلاثة:

الأول: إقعاد الميت إجماعا كما عن الخلاف «4»، لقوله في خبر الكاهلي «5»:

«و إياك أن تقعده».

و المروي في الدعائم: «و لا يجلسه لأنه إذا أجلسه اندقّ ظهره» «6» و يؤيّده الأمر بالرفق كما مرّ.

و ظاهر الأول و إن كان التحريم- كما عن ابني سعيد و زهرة «7»- إلّا أنّ اشتهار الجواز جدّا بل الإجماع عليه كما عن المعتبر «8» ضعّفه و أخرجه عن صلاحية

______________________________

[1] الجامع: 52، الشرائع 1: 39 و فيه: و يغسل الغاسل يديه مع كل غسلة.

______________________________

(1) القواعد 1: 18، النهاية: 35، المبسوط 1: 178، الوسيلة: 65.

(2) التهذيب 1: 305- 887، الوسائل 2: 484

أبواب غسل الميت ب 2 ح 10.

(3) التهذيب 1: 446- 1444، الاستبصار 1: 208- 731، الوسائل 2: 483 أبواب غسل الميت ب 2 ح 7.

(4) الخلاف 1: 693.

(5) المتقدم في ص 135.

(6) دعائم الإسلام 1: 230.

(7) الجامع: 51، الغنية (الجوامع الفقهية): 563.

(8) المعتبر 1: 277.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 166

إثبات التحريم. فالقول به ضعيف.

كالتشكيك في الكراهة، كما هو ظاهر المعتبر، بناء على الأمر به في صحيحة البقباق بقوله: «أقعده و اغمز بطنه غمزا رفيقا» «1» و نحوه الرضوي «2».

لمعارضتها مع ما مرّ، و ترجيحه بموافقتها العامة، لاتّفاقهم على استحبابه كما في النافع و المنتهى [1] و غيرهما. مع أنّ في دلالتها على الطلب كلاما، لاحتمال ورودها مورد توهّم الحرمة.

الثاني: قصّ شي ء من أظفاره، و تسريح شعره، أو نتفه و جزه، و حلقه، وفاقا للأكثر، بل عليه الإجماع عن التذكرة، و المعتبر «3»، و على حلق العانة في المنتهى «4»، للمستفيضة:

كخبر غياث: «كره أمير المؤمنين عليه السلام أن يحلق عانة الميت إذا غسل، أو يقلم له ظفر، أو يجز له شعر» «5».

و طلحة: «كره أن يقص من الميت ظفر، أو يقص له شعر، أو يحلق له عانة، أو يغمز له مفصل» «6».

و ابن أبي عمير: «لا يمسّ من الميت شعر و لا ظفر، و إن سقط منه شي ء فاجعله في كفنه» «7».

______________________________

[1] النافع: 12، المنتهى 1: 430، و في المغني لابن قدامة 2: 318: و يبدأ الغاسل فيحني الميت حنيا رفيقا لا يبلغ به قريبا من الجلوس لأن في الجلوس أذية له، و في المهذب في فقه الشافعي 1:

128: و المستحب أن يجلسه إجلاسا رفيقا و يمسح بطنه ..

______________________________

(1) التهذيب 1: 446- 1442، الاستبصار

1: 205- 724، الوسائل 2: 484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 9.

(2) فقه الرضا: 166.

(3) التذكرة 1: 42، المعتبر 1: 278.

(4) المنتهى 1: 431.

(5) الكافي 3: 156 الجنائز ب 27 ح 2، التهذيب 1: 323- 941، الوسائل 2: 500 أبواب غسل الميت ب 11 ح 2.

(6) الكافي 3: 156 الجنائز ب 27 ح 3، الوسائل 2: 500 أبواب غسل الميت ب 11 ح 4.

(7) الكافي 3: 155 الجنائز ب 27 ح 1، التهذيب 1: 323- 940، الوسائل 2: 500 أبواب غسل الميت ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 167

و البصري: عن الميت يكون عليه الشعر يقص عنه أو يقلم ظفره؟ قال:

«لا يمسّ منه شي ء اغسله و ادفنه» «1».

و أبي الجارود: عن الرجل يتوفى، أ يقلم أظافيره و ينتف إبطه و يحلق عانته إن طال به المرض؟ قال: «لا» «2».

و الرضوي: «و لا تقلمن أظافيره، و لا تقص شاربه، و لا شيئا من شعره، فإن سقط منه شي ء فاجعله في أكفانه» «3».

و لا دلالة في شي ء منها على الحرمة، لأنّ الكراهة في الأولين أعم منها، و البواقي لا يتضمّن إلّا الجملة الخبرية، و هي عن إفادة الحرمة قاصرة. فالقول بها في الظفر و الشعر، كما عن ابني سعيد، و حمزة «4»، و في المنتهى مدّعيا عليه الإجماع بقوله: قال علماؤنا لا يجوز قص شي ء من شعر الميت و لا من ظفره و لا تسريح رأسه و لا لحيته «5»، و في الأول كما عن المقنعة، و المبسوط، و الخلاف «6» مدّعيا عليه الإجماع في الأخير، ضعيف.

مع أنّ احتمال إرادتهم الكراهة قائم، فإنّ غير الأولين عبّر بعدم الجواز، و استعماله في نفي

الإباحة شائع.

و يؤيّده التصريح بالكراهة بعد ذلك و دعوى الإجماع عليها في الخلاف «7»،

______________________________

(1) الكافي 3: 156 الجنائز ب 27 ح 4 بتفاوت يسير، التهذيب 1: 323- 942، الوسائل 2: 500 أبواب غسل الميت ب 11 ح 3.

(2) الفقيه 1: 92- 420، التهذيب 1: 323- 943، الوسائل 2: 501 أبواب غسل الميت ب 11 ح 5.

(3) فقه الرضا: 167، المستدرك 2: 175 أبواب غسل الميت ب 11 ح 1.

(4) الجامع: 51، الوسيلة: 65.

(5) المنتهى 1: 431.

(6) المقنعة: 82، المبسوط 1: 181، الخلاف 1: 695.

(7) الخلاف 1: 695.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 168

و ليس في عطف البدعة على المكروه تنصيص على الحرمة إلّا مع قصد الشرعية، و هو كذلك البتة.

و قال في المنتهى بعد ما نقلنا عنه: لا فرق بين أن تكون الأظفار طويلة أو قصيرة، و بين أن يكون تحتها وسخ أو لا يكون، في كراهة القص «1» انتهى.

و من يقول بإفادة الخبرية للتحريم يلزمه القول به هنا، لعدم معارض لها سوى الخبرين المصرحين بالكراهة. و هي في العرف المتقدّم أعمّ من الكراهة المصطلحة. و درج الغمز المكروه بالاصطلاح- إجماعا- في أحدهما لا يعيّن إرادة الاصطلاحية، لجواز القدر المشترك. و الإجماعات المحكية متعارضة، و احتمال إرادة غير الظاهر في الطرفين قائم، و تضعيف المعارض بمخالفة المعظم، مع موافقة هؤلاء الأجلة و دعوى الإجماع و لو بالاحتمال ضعيف، و ردّ الروايات مع أنّ فيها ما صحّ عن ابن أبي عمير سخيف.

هذا، و يكره أيضا تنظيف ما تحت ظفره بالخلال من الوسخ، كما صرّح به في المنتهى «2» و غيره «3»، بل عليه الإجماع عن الشيخ «4»، و يدلّ عليه خبر الكاهلي:

«و لا تخلّل أظافيره»

«5».

و أمّا ختانه- لو لم يكن مختونا- فالظاهر تحريمه، كما نص عليه في المنتهى مدّعيا عليه الإجماع «6»، لأصالة عدم جواز قطع عضو، خرج الحي بالدليل فيبقى الباقي.

و يؤيده الأمر بالرفق و النهي عن التعنيف في المستفيضة «7».

______________________________

(1) المنتهى 1: 431.

(2) المنتهى 1: 430.

(3) كالدروس 1: 106.

(4) الخلاف 1: 695.

(5) تقدم مصدره في ص 135.

(6) المنتهى 1: 431.

(7) انظر الوسائل 2: 497 أبواب غسل الميت ب 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 169

و استدلّ في المنتهى برواية البصري، المتقدمة «1»، و فيه خدشة.

الثالث: تغسيله بالماء المسخن بالنار بالإجماع كما في المنتهى «2»، لصحيحة زرارة: «لا يسخّن الماء للميت» «3».

و مرسلة ابن المغيرة: «لا يقرب الميت ماء حميما» «4».

و خبر يعقوب: «لا تسخّن للميت الماء لا تعجّل له بالنار» «5».

و الرضوي: «لا تسخّن له ماء إلّا أن يكون باردا جدّا فتوقّي الميت مما توقّي به نفسك، و لا يكون الماء حارا شديدا و ليكن فاترا» «6».

و مقتضى الأخير: استثناء حالة التعسّر على الغاسل لشدّة البرد. و هو كذلك، كما ذكره الصدوقان «7» و الشيخان «8».

و نفي في المنتهى الخلاف عن زوال الكراهية مع خوف الغاسل على نفسه «9».

المقام الثالث: في الأحكام،

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: ظاهر الأصحاب الاتّفاق على وجوب التغسيل بالقراح فيما إذا عدم الخليطان، للأمر به منفردا، و أصالة عدم التوقّف و الارتباط.

______________________________

(1) في ص 167.

(2) المنتهى 1: 430.

(3) التهذيب 1: 2322- 938، الوسائل 2: 498 أبواب غسل الميت ب 10 ح 1.

(4) التهذيب 1: 322- 939، الوسائل 2: 499 أبواب غسل الميت ب 10 ح 2.

(5) الكافي 3: 147 الجنائز ب 23 ح 2، التهذيب 1: 322- 939، الوسائل 2: 499 أبواب غسل الميت ب

10 ح 3.

(6) فقه الرضا: 167، المستدرك 2: 174 أبواب غسل الميت ب 10 ح 1.

(7) الفقيه 1: 86.

(8) المقنعة: 82، النهاية: 33.

(9) المنتهى 1: 430.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 170

إنّما الخلاف في وجوب غسلة واحدة به، كما في النافع و المدارك و شرح الإرشاد للأردبيلي «1»، و عن المعتبر و ظاهر الذكرى [1]، و محتمل نهاية الشيخ و مبسوطة [2].

أو ثلاث غسلات، كما في القواعد و شرحه و اللوامع، و عن روض الجنان «2»، و نسب إلى الحلّي [3]، و كلامه في السرائر لا يعطي الوجوب حيث قال:

و لا بأس بتغسيله ثلاثا «3»، و تردّد في الشرائع و المنتهى «4»، كما عن المختلف و التحرير و النهاية و التذكرة [4] أيضا، و ربما حكي عن الذكرى «5».

و الأظهر هو الأول، للأصل، و ضعف دليل الثاني و هو: الأمر بتغسيله بماء و سدر، فالمأمور به شيئان متمايزان و إن امتزجا في الخارج، و الأصل عدم الارتباط و الاشتراط فيهما و إن ورد الأمر بتغسيله بماء السدر الظاهر في وحدة المأمور به أيضا، و لكن لم يستند في إيجاب الخليطين به خاصة حتى يرتفع الأمر بارتفاع المضاف إليه.

و الأمر بالغسلات الثلاث على نحو خاص، فيكون مطلقها واجبا، ضرورة استلزام وجوب المركّب وجوب أجزائه.

______________________________

[1] المعتبر 1: 266، الذكرى: 45 قال: لو عدم الخليط فظاهر الكلام الشيخ الإجزاء بالمرة و ابن إدريس اعتبر ثلاثا و الأول أوجه.

[2] النهاية: 43 قال: و الميت إذا لم يوجد له كافور و لا سدر فلا بأس أن يغسل بالماء القراح و يقتصر عليه.

[3] نسب إليه في الذكرى: 45، و الحدائق 3: 455.

[4] المختلف: 43، التحرير 1: 17، نهاية الإحكام 2:

225 و فيه: و لو تعذر السدر أو الكافور أو هما فالأقوى عدم سقوط الغسلة لأن وجوب الخاص يستلزم وجوب المطلق، التذكرة 1: 39.

______________________________

(1) النافع: 12، المدارك 2: 84، مجمع الفائدة 1: 184.

(2) القواعد 1: 18، جامع المقاصد 1: 372، روض الجنان: 99.

(3) السرائر 1: 169.

(4) الشرائع 1: 38، المنتهى 1: 430.

(5) حكاه في الحدائق 3: 455.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 171

و عموم نحو قوله: «الميسور لا يسقط بالمعسور» [1].

و لزوم تحصيل اليقين بالبراءة.

و وجه الضعف: أمّا في الأول: إنه و إن ورد الأمر بالتغسيل بماء و سدر، و لكن ورد الأمر بماء السدر أيضا، و قد عرفت تقييد الأول بالثاني «1»، و كان هو الوجه في اشتراط إطلاق اسم ماء السدر، فيكون المأمور به هو الأمر الواحد.

و أمّا ما ذكره من أنه لم يستند في إيجاب الخليطين ..، ففساده ظاهر، لأنّه و إن لم يستند به خاصة، و لكن قيّد به الأول، و إلّا فيكون مقتضاهما متعدّدا، لاقتضاء الثاني صدق الإضافة دون الأول، فإما يعمل بهما معا، و هو باطل، لإيجابه وجوب صدقهما و عدمه، أو بأحدهما فيلزم التحكّم، مع أنّه يوجب عدم لزوم صدق الإضافة و هذا القائل يوجبه.

بل لو انحصر الأمر بالتغسيل بماء و سدر أيضا لم يفد له، لأنّه إنّما يفيد له لو كان المأمور به غسلين: أحدهما بماء و الآخر بسدر، و ليس كذلك، بل غسل واحد بهما معا، فالمأمور به واحد مركّب من شيئين، و ثبت ارتباط أحدهما بالآخر و لزوم التركيب و المزج بالشرع إجماعا و نصا، فلا تجري أصالة عدم الاشتراط و الارتباط.

و ليس الامتزاج أمرا خارجا محضا، فهو في قوة قولنا: اغسل بهما معا

حال كونهما ممتزجين، فيكون الأمر بكلّ منهما أمرا تابعيا يتبع الأمر بالمجموع و إن ذكر كلّ منهما منفردا، كالأمر بأفعال الوضوء و الغسل، و إذا انتفى الأصل انتفى التابع.

إن قيل: ذلك فرع اشتراط أحدهما بالآخر، و الأصل ينفيه، إذ الأصل في كلّ تكليف تعلّق بشيئين أن لا يتوقّف تعلّقه بأحدهما على تعلّقه بالآخر إلّا ما

______________________________

[1] غوالي اللئالي 4: 58 و فيه: «لا يترك الميسور بالمعسور».

______________________________

(1) راجع ص 138.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 172

أخرجه الدليل.

قلنا: الدليل المخرج في المسألة موجود، و هو ما يدلّ على عدم حصول الاجتزاء و الامتثال لو غسل بالماء وحده و السدر وحده مع وجودهما.

و أمّا في الثاني: فلأنّ اللازم وجوب الجزء حين جزئيته لا مطلقا.

و أمّا في الثالث: فبعدم الدلالة، كما ذكرنا غير مرّة.

و أمّا في الرابع: فبعدم تيقّن الشغل حينئذ بغير الغسلة.

هذا، و لو لا ظاهر الإجماع لأمكن القول بعدم وجوب الغسل أصلا، كما احتمله بعض مشايخنا الأخباريين مدّعيا استنباطه من بعض الأخبار، إذ لا أمر بالقراح أيضا إلّا بعد الخليطين المتعذّرين «1».

و لو فقد أحد الخليطين وجب غسلتان، و وجهه ظاهر.

و لو وجد المفقود بعد الدفن لم تجب الإعادة قطعا، بل- كما قيل [1]- إجماعا، لعموم حرمة النبش، و عدم انصراف عمومات وجوب الغسلات إلى مثله.

و لو وجد قبله، فالظاهر أنه لا تجب الإعادة.

لا لتحقّق الامتثال الموجب للإجزاء كما قيل «2»، إذ سقوط الوجوب عن شي ء للعذر غير تحقّق الامتثال، فيتعلّق الخطاب بعد زوال العذر.

و الحاصل: أنّه إن أريد تحقق امتثال الغسل بالماء فهو كذلك. و إن أريد امتثال الغسل بالخليط فلم يمتثله، إذ لم يكن هناك أمر، فإذا زال العذر تعلّق الأمر و يلزمه إعادة القراح

تحصيلا للترتيب.

بل لما مرّ من عدم الانصراف، و لأنه تحقّق الامتثال بالقراح، و لا أمر بالغسل بالخليط بعد القراح. و الإعادة أحوط.

الثانية: لو لم يوجد الماء المطلق الطاهر، أو تعذّر استعماله، وجب التيمّم

______________________________

[1] و في الرياض 1: 54 قيل للإجماع. و لم نعثر على قائله.

______________________________

(1) الحدائق 3: 457.

(2) المدارك 2: 84.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 173

بلا خلاف بين علمائنا يعرف كما في المنتهى «1»، لظاهر الإجماع، و ما دلّ على وجوب تيمّم المجدور بضميمة عدم القول بالفصل بين أفراد المعذور، و عموم بدلية التيمم، الثابت بالرضوي المنجبر ضعفه بما مرّ: «اعلموا- رحمكم اللّه- أن التيمّم غسل المضطر» و قال أيضا: «و صفة التيمم للوضوء و الجنابة و سائر أبواب الغسل واحد» [1] الخبر. و غسل الميت من أبواب الغسل، و بعد ثبوت مشروعيته يكون واجبا بالإجماع.

و صحيحة ابن أبي نجران، المروية في الفقيه على ما في أكثر النسخ المضبوطة منه- كما صرّح به غير واحد «2»- في الجنب و المحدث و الميت إذا حضرت الصلاة و لم يكن معهم من الماء إلّا بقدر ما يكفي أحدهم، قال: «يغتسل الجنب، و يدفن الميت بتيمّم، و يتيمّم الذي عليه وضوء» «3» إلى آخره.

و لا يضرّ عدم وجود لفظ «بتيمّم» في الرواية على ما في التهذيب «4»، و لذا لم ينقله صاحبا الوسائل [2] و الوافي «5» من الفقيه أيضا، و اكتفيا على ما في التهذيب، و أحالا نقل ما في الفقيه عليه.

و من الأعذار الموجبة للتيمّم: خوف التناثر من التغسيل بالإجماع، كما في

______________________________

[1] فقه الرضا: 88، المستدرك 2: 535 أبواب التيمم ب 9 ح 1، و في نسخة من فقه الرضا: أسباب الغسل بدل: أبواب

الغسل.

[2] الوسائل 3: 375 أبواب التيمم ب 18 ح 1، و لا يخفى أن صاحب الوسائل نقل الرواية عن الفقيه مع لفظ: بتيمم، ثمَّ رواها عن الشيخ بقوله: «محمد بن الحسن بإسناده عن الصفار .. عن رجل حدثه قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام و ذكر نحوه ..» فالنسبة المذكورة إلى الوسائل خطأ.

______________________________

(1) المنتهى 1: 430.

(2) منهم الحدائق 3: 474.

(3) الفقيه 1: 59- 222.

(4) التهذيب 1: 109- 285.

(5) الوافي 6: 570.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 174

اللوامع و الحدائق «1»، و عن الخلاف «2»، بل التهذيب [1]، و فيه نظر.

لخبر ابن خالد: مات صاحب لنا و هو مجدور، فإن غسلناه انسلخ، فقال:

«يمّموه» «3».

و لا ينافي خبره الآخر: عن رجل احترق بالنار فأمرهم «أن يصبّوا عليه الماء صبّا» «4» و خبر ضريس: «المجدور و الكسير و الذي به القروح يصبّ عليه الماء صبّا» «5».

لوجوب حملهما على صورة عدم الانسلاخ بالصبّ، لكونهما أعمّين من الأول من هذه الجهة.

و يؤكّد هذا الحمل الرضوي: «إن كان الميت مجدورا أو محترقا، فخشيت إن مسسته سقط من جلوده شي ء، فلا تمسّه و لكن صبّ عليه الماء صبّا» «6».

و بما ذكر من الإجماع و الأخبار يترك أصالة عدم وجوب التيمّم، و إشعار رواية ابن أبي نجران- على ما في التهذيب- في عدم وجوبه، مع ضعفها سندا و مخالفتها لعمل الطائفة، الموجبة لخروجها عن عرصة الحجية.

ثمَّ إنّه هل يتعدّد التيمّم بتعدّد الغسلات؟ كما عن النهاية [2] و الثانيين «7»، و اختاره والدي رحمه اللّه، لتعدّد المبدل منه فيتعدّد البدل؟

______________________________

[1] لم نعثر فيه على دعوى الإجماع، و نسبه إليه في المدارك 2: 85 و الحدائق 3: 472 و مفتاح الكرامة 1: 431.

[2]

نهاية الإحكام 2: 227 قال: و هل ييمم ثلاثا أو مرة؟ الأقرب الأول لأنه بدل عن ثلاثة أغسال، و يحتمل الثاني لاتحاد غسل الميت.

______________________________

(1) الحدائق 3: 471.

(2) الخلاف 1: 717.

(3) التهذيب 1: 333- 975، الوسائل 2: 512 أبواب غسل الميت ب 16 ح 1.

(4) التهذيب 1: 333- 976، الوسائل 2: 512 أبواب غسل الميت ب 16 ح 2 و روي في الكافي 3: 213 الجنائز ب 76 ح 6.

(5) التهذيب 1: 333- 977، الوسائل 2: 512 أبواب غسل الميت ب 16 ح 3.

(6) فقه الرضا: 173، المستدرك 2: 181 أبواب غسل الميت ب 16 ح 1.

(7) جامع المقاصد 1: 373، المسالك 1: 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 175

أو يكفي الواحد؟ كما في المدارك مدّعيا عليه القطع «1»، و القواعد مع الاستشكال فيه «2»، و نسب إلى ظاهر الفتاوى «3».

الأظهر الثاني، للأصل، و منع تعدّد المبدل منه، بل هو شي ء واحد كما يظهر من الأخبار الواردة في جنب مات، أنه يغسّل غسلا واحدا «4». و منع كونه بدلا عن كلّ واحد على فرض التعدّد، بل المسلّم بدليته عن المجموع.

و دلالة الرضوي «5» على التعدّد- لو سلّمت- لا تفيد، لخلوّه عن الجابر في هذا المورد.

و لو وجد الماء لغسلة واحدة مع وجود الخليط قدّم السدر، وفاقا للثانيين «6» و البيان «7»، للأمر به و عدم المسقط، دون القراح- كما عن الذكرى «8»- لقوته في التطهير، لمنعها و عدم إيجابها للمطلوب. و تعلّق الأمر به إنّما هو بعد السدر قطعا.

و منه يظهر أنه لو وجد لغسلتين قدّم السدر و الكافور. و على التقديرين يتيمّم للباقي مرة على الأحوط.

الثالثة: إذا مات الجنب أو الحائض أو النفساء كفى

غسل الميت و لم يجب غيره بالإجماع، كما في المنتهى «9»، و اللوامع، و عن المحقّق [1]، للأصل السالم عن معارضة أخبار غسل الجنب و أخويه، لاختصاصها بالحي، و عدم شمول شي ء

______________________________

[1] لم نعثر منه على دعوى الإجماع صريحا، نعم قال في المعتبر 1: 274: و هو مذهب أكثر أهل العلم.

______________________________

(1) المدارك 2: 85.

(2) القواعد 1: 18.

(3) نسبه في الرياض 1: 55.

(4) انظر الوسائل 2: 539 أبواب غسل الميت ب 31.

(5) المتقدم في ص 173.

(6) راجع ص 174.

(7) البيان: 71.

(8) الذكرى: 45.

(9) المنتهى 1: 432.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 176

منها المورد، لعدم ورود أمر بالتغسيل من الجنابة و أخويها أو وجوبه، و للتداخل الثابت قهرا كما عرفت.

و لخصوص المستفيضة كصحيحة زرارة: ميت مات و هو جنب كيف يغسّل و ما يجزئه من الماء؟ قال: «يغسّل غسلا واحدا، يجزئ ذلك لغسل الجنابة و لغسل الميت» «1».

و موثّقة عمار: عن المرأة إذا ماتت في نفاسها كيف تغسّل؟ قال: «مثل غسل الطاهر، و كذلك الحائض و كذلك الجنب إنما يغسّل غسلا واحدا فقط» «2».

و قريب منهما خبرا أبي بصير «3»، و ابن أبي حمزة «4»، و المروي في الدعائم: «من مات و هو جنب أجزأ عنه غسل واحد، و كذلك الحائض» «5».

و رواية العيص: «إذا مات الميت و هو جنب غسّل غسلا واحدا، ثمَّ اغتسل بعد ذلك» «6» أي الغاسل.

و أما رواية أخرى له: الرجل يموت و هو جنب، قال: «يغسل من الجنابة، ثمَّ يغسّل بعد غسل الميت» «7» فلا تنافيها، لجواز قراءة «يغسل من الجنابة» بالتخفيف، أي تزال نجاسته من الجنابة.

بل لا تنافيها الثالثة أيضا عنه: عن رجل مات و هو جنب، قال: «يغسل غسلة

واحدة بماء، ثمَّ يغسل بعد ذلك» «8» و الرابعة و هي كالأولى، إلّا أن فيها «يغسل» «9» مكان «اغتسل»، للتجويز المذكور فيهما أيضا. و ذكر الوحدة لبيان كفاية

______________________________

(1) الكافي 3: 154 الجنائز ب 25 ح 1، التهذيب 1: 432- 1382، الاستبصار 1:

194- 680، الفقيه 1: 93- 425، الوسائل 2: 539 أبواب غسل الميت ب 31 ح 1.

(2) الكافي 3: 154 الجنائز ب 25 ح 2، التهذيب 1: 432- 1384، الوسائل 2: 539 أبواب غسل الميت ب 31 ح 2.

(3) التهذيب 1: 432- 1383، الاستبصار 1: 194- 679، الوسائل 2: 540 أبواب غسل الميت ب 31 ح 3.

(4) التهذيب 1: 432- 1385، الاستبصار 1: 194- 681، الوسائل 2: 540 أبواب غسل الميت ب 31 ح 4.

(5) دعائم الإسلام 1: 230، المستدرك 2: 193 أبواب غسل الميت ب 27 ح 1.

(6) التهذيب 1: 433- 1389، الاستبصار 1: 195- 685، الوسائل 2: 540 أبواب غسل الميت ب 31 ح 5.

(7) التهذيب 1: 433- 1387، الاستبصار 1: 194- 683، الوسائل 2: 541 أبواب غسل الميت ب 31 ح 7.

(8) التهذيب 1: 433- 1386، الاستبصار 1: 194- 682، الوسائل 2: 541 أبواب غسل الميت ب 31 ح 6.

(9) التهذيب 1: 433- 1388، الاستبصار 1: 194- 684، الوسائل 2: 541 أبواب غسل الميت ب 31 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 177

غسلة واحدة للواجب من إزالة النجاسة و المستحب قبل غسل الميت، و إن كان بعيدا. مع أنه لولاه لم تصلح لمعارضة ما مرّ، للمخالفة لعمل الكل، و للشهرة في الرواية التي هي من المرجّحات المنصوصة.

هذا كلّه، مضافا إلى أنّ الثابت انتفاؤه من الروايات الاولى ليس إلّا الوجوب، و

لا يثبت من الثلاثة الأخيرة سوى الرجحان، فلا تعارض أصلا.

و هل يحكم بثبوت الرجحان، لذلك، كما في المنتهى و عن التهذيبين «1»؟

أولا، كما صرّح به والدي رحمه اللّه، و عن المعتبر ناسبا له إلى أهل العلم «2»؟ لا يبعد الأول، لما مرّ. و نفيه لعدم قائل به بعد تصريح الشيخ و الفاضل غريب.

الرابعة: إذا خرجت منه نجاسة في أثناء الغسل أو بعده غسلت- إجماعا- قبل الوضع في اللحد، و على الأصح بعده، إن أمكن بدون الإخراج الغير المجوّز بلا خلاف، و صحّ الغسل على الأصح الأشهر.

لقوله في خبر يونس: «و إن خرج منه شي ء فأنقه» «3» في الأولين.

و للأصل، و حصول الامتثال، و الرضوي: «فإن خرج منه شي ء بعد الغسل فلا تعد غسله» «4» في الثالث.

و للمستفيضة في الجميع، منها موثّقة روح: «إن بدا من الميت شي ء بعد غسله فاغسل الذي بدا منه، و لا تعد الغسل» «5».

و خبر الكاهلي و ابن مختار: عن الميت يخرج منه الشي ء بعد ما فرغ من غسله، قال: «يغسل ذلك و لا عليه الغسل» «6».

______________________________

(1) المنتهى 1: 432، التهذيب 1: 433، الاستبصار 1: 195.

(2) المعتبر 1: 274.

(3) الكافي 3: 141 الجنائز ب 18 ح 5، التهذيب 1: 301- 877، الوسائل 2: 480 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.

(4) فقه الرضا: 169، المستدرك 2: 194 غسل الميت ب 28 ح 1.

(5) التهذيب 1: 449- 1456، الوسائل 2: 542 أبواب غسل الميت ب 32 ح 1.

(6) التهذيب 1: 449- 1455، الوسائل 2: 542 أبواب غسل الميت ب 32 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 178

و مرفوعة سهل: «إذا غسّل الميت ثمَّ حدث بعد الغسل فإنه يغسل الحدث و

لا يعاد الغسل» «1» و غير ذلك.

خلافا في الثاني لبعضهم، لاختصاص أخبار الغسل بما قبل الوضع. و هو ممنوع إلّا أن يريد عدم إمكان الغسل بعده، أو صورة عدم الإمكان.

و في الثالث للعماني [1]، فأوجب الإعادة إن كان قبل التكفين، لكون الحدث ناقضا. و فيه: منع ناقضيته لذلك الغسل.

و أمّا بعد التكفين، فلا يجب إجماعا، لاستلزامه المشقة العظيمة. و عليه في المنتهى إجماع أهل العلم كافة «2».

الخامسة: إذا مات في موضع لم يكن عنده إلّا من لا يعلم كيفية الغسل، يجب عليه التعلم و لو بالذهاب إلى موضع و الرجوع، أو إرسال شخص يغسّله، أو ينقل الميت إلى موضع يمكن فيه غسله، على التفصيل الآتي في صلاة الميت في نحو ذلك المقام.

البحث الثالث: في التكفين.
اشارة

و هو واجب بإجماع المسلمين بل الضرورة من الدين، و به تواترت الأخبار [2]، و عليه جرت الطائفة الإسلامية في الأعصار و الأمصار.

و يستحب مؤكدا لكلّ مكلّف إعداد كفنه و تهيئته، لما فيه من تذكّر الموت.

و في مرسلة محمد بن سنان: «من كان كفنه معه في بيت لم يكتب من الغافلين، و كان مأجورا كلّما نظر إليه» «3».

______________________________

[1] نقل عنه في المختلف: 43.

[2] انظر الوسائل 3: 5 أبواب التكفين ب 1 و انظر ما أشار إليه في هامشها.

______________________________

(1) الكافي 3: 156 الجنائز ب 28 ح 2، الوسائل 2: 543 أبواب غسل الميت ب 32 ح 5.

(2) المنتهى 1: 431.

(3) الكافي 3: 256 الجنائز باب النوادر ح 23، التهذيب 1: 449- 1452، الوسائل 3: 50 أبواب التكفين ب 27 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 179

و فيه مسائل:

المسألة الأولى:

الواجب من الكفن ثلاث قطع لا أزيد، إجماعا و نصا:

ففي حسنة الحلبي عن الصادق عليه السلام: «كتب أبي في وصيته أن أكفّنه بثلاثة أثواب: أحدها رداء له حبرة كان يصلّي فيها يوم الجمعة، و ثوب آخر، و قميص. فقلت لأبي: لم تكتب هذا؟ فقال: أخاف أن يغلبك الناس، فإن قالوا:

كفّنه في أربعة أثواب أو خمسة فلا تفعل، و عمّمني بعمامة و ليس تعد العمامة من الكفن، إنما يعد ما يلف به الجسد» «1».

و لا أقلّ، على الأصح الأشهر، بل عليه الإجماع عن الخلاف و الغنية و الذكرى و المعتبر «2»، بل هو إجماع محقّقا، لعدم قدح مخالفة من شذّ و ندر [1].

فهو الحجة فيه مضافا إلى النصوص، كحسنة زرارة و محمد، على ما في الكافي: العمامة للميت من الكفن؟ قال: «لا، إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب

و ثوب تام لا أقلّ منه يواري به جسده كلّه، فما زاد فهو سنّة إلى أن يبلغ خمسة أثواب، فما زاد فمبتدع، و العمامة سنّة» «3».

و اشتماله على الزائد على الثلاثة الغير الواجب بالإجماع لا يقدح في إيجاب الثلاثة، مع أنّ كون الواو زائدة ممكنة، مضافا إلى أنّ في بعض نسخ التهذيب هكذا: «ثلاثة أثواب تام» [2].

______________________________

[1] المراسم: 47 فاكتفى بواحد.

[2] التهذيب 1: 292- 854 و فيه: «ثلاثة أثواب أو ثوب تام». و في الحدائق 4: 15 عن التهذيب:

«انما الكفن المفروض ثلاثة أثواب تام لا أقل منه». و في الحبل المتين: 66 ما لفظه: و النسخ في هذا الحديث مختلفة ففي بعض نسخ التهذيب كما نقلناه (يعني ثلاثة أثواب و ثوب تام) و يوافقه كثير من نسخ الكافي و هو المطابق لما نقله شيخنا في الذكرى. و في بعضها هكذا: انما المفروض ثلاثة أثواب تام لا أقل منه و هذه النسخة هي الموافقة لما نقله المحقق في المعتبر و العلامة في كتبه الاستدلالية، و لفظة تام فيها خبر مبتدأ محذوف أي و هو تام، و في بعض النسخ المعتبرة من التهذيب: «أو ثوب تام» بلفظ أو بدل الواو.

______________________________

(1) الكافي 3: 144 الجنائز ب 19 ح 7، التهذيب 1: 293- 857، الوسائل 3: 9 أبواب التكفين ب 2 ح 10.

(2) الخلاف 1: 701، 702، الغنية (الجوامع الفقهية): 563، الذكرى: 46، المعتبر 1: 279.

(3) الكافي 3: 144 الجنائز ب 19 ح 5، الوسائل 3: 6 أبواب التكفين ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 180

و مرسلة يونس: «الكفن فريضة للرجال ثلاثة أثواب، و العمامة و الخرقة سنّة، و أمّا النساء ففريضته خمسة أثواب» «1».

و

الكلام في الزائد عن الثلاثة للنساء كما مرّ.

و الأخبار الآتية المفصّلة للقطع.

و يعاضده أخبار أخر، كصحيحة محمد: «يكفّن الرجل في ثلاثة أثواب، و المرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع و منطق و خمار و لفافتين» [1].

و رواية ابن سنان: «الميت يكفّن في ثلاثة سوى العمامة، و الخرقة يشدّ بها وركه كيلا يبدو منه شي ء، و الخرقة و العمامة لا بدّ منهما و ليستا من الكفن» «2» و موثّقة سماعة: عمّا يكفّن به الميت؟ قال: «ثلاثة أثواب، و إنّما كفّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ثلاثة أثواب: ثوبين صحاريين و ثوب حبرة- و الصحارية تكون باليمامة- و كفّن أبو جعفر في ثلاثة أثواب» [2].

و ظاهر نقل تكفينهما صلّى اللّه عليهما و آلهما فيها ثبوت التأسّي في المسألة.

و منه يظهر إمكان اعتضاد المطلوب بالمستفيضة الواردة في أنه صلّى اللّه عليه و آله كفّن في ثلاثة أثواب «3».

______________________________

[1] الكافي 3: 147 الجنائز ب 20 ح 3، الوسائل 3: 8 أبواب التكفين ب 2 ح 9. درع المرأة قميصها. المنطق: شقة تلبسها المرأة و تشد وسطها ثمَّ ترسل أعلاها على أسفلها إلى الركبة و الأسفل إلى الأرض (مجمع البحرين 5: 239) و فسره في الوافي 3 (الجزء 13): 54 بالإزار.

[2] التهذيب 1: 291- 850، الوسائل 3: 7 أبواب التكفين ب 2 ح 6، الحبرة و زان عنبة: ثوب يماني من قطن أو كتان مخطط (المصباح المنير: 119).

______________________________

(1) التهذيب 1: 291- 851، الوسائل 3: 8 أبواب التكفين ب 2 ح 7.

(2) الكافي 3: 144 الجنائز ب 19 ح 6، التهذيب 1: 293- 856، الوسائل 3: 9 أبواب التكفين ب 2 ح 12.

(3) انظر الوسائل 3: 6

أبواب التكفين ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 181

خلافا للديلمي، فأوجب القطعة الواحدة خاصة «1». و لا دليل له سوى الأصل، الواجب تركه بما مرّ، و حسنة زرارة و محمد، المتقدّمة، على ما في بعض النسخ الآخر من التهذيب، فإنّ فيه: «أو ثوب تام» «2»، الغير الصالحة للاستناد، لاختلاف النسخ، و عدم دليل على صحة تلك النسخة دون الأولى أو رجحانها، بل يمكن ترجيح ما تضمّن الواو برواية الكليني، لأضبطيته.

مع أنّه على تقدير اتّفاق النسخ على لفظة «أو» لا تصلح لمعارضة ما مرّ، لموافقتها العامة، لاتّفاقهم على الاكتفاء بالواحد «3».

ثمَّ إنّه لا فرق بين الرجل و المرأة في الواجب من الكفن بالإجماع، لإطلاق ما مرّ بل عمومه.

و مرفوعة سهل: كيف تكفّن المرأة؟ فقال: «كما يكفّن الرجل، غير أنها تشدّ على ثدييها خرقة تضمّ الثدي إلى الصدر و يشدّ إلى ظهرها، و يوضع لها القطن أكثر ممّا يوضع للرجال، و يحشى القبل و الدبر بالقطن و الحنوط، ثمَّ تشدّ عليها الخرقة شدّا شديدا» «4».

و لا دلالة فيها على وجوب شدّ الثديين بل غايته الرجحان.

و كذا الحسنة المتقدّمة «5» المشتملة على الخمس، مع أنّ مفهومها دالّ على عدم وجوب الخمس. و به و بالمرفوعة تعارض المرسلة المتقدّمة «6»، فلو لم يرجّحا بموافقة الإجماع المخرج لمخالفة عن الحجية يتساقطان، و تبقى الإطلاقات عن المعارض خالية.

______________________________

(1) المراسم: 47.

(2) راجع ص 179 الهامش (4).

(3) انظر بدائع الصنائع 1: 307، المهذب للشيرازي 1: 130، بداية المجتهد 1: 232.

(4) الكافي 3: 147 الجنائز ب 20 ح 2، الوسائل 3: 11 أبواب التكفين ب 2 ح 16.

(5) في ص 179 الرقم 1.

(6) في ص 180 رقم 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 3، ص: 182

ثمَّ تلك القطع الثلاث إحداها: لفّافة تشمل جميع البدن- و عبّر عنها الأكثر بالإزار- بالإجماع، و هو الحجة في تعيينه، مع حسنة زرارة و محمد، المتقدّمة الخالية عن المعارض المؤيّدة بأخبار كثيرة أخر.

منها: صحيحة محمد، المتقدّمة «1» بضميمة مساواة الرجل مع المرأة- كما مرّ- إلى الأخيرة.

و حسنة حمران و فيها: قلت: فالكفن؟ قال: «تؤخذ خرقة فيشدّ بها سفله و يضمّ فخذيه بها ليضمّ ما هناك، و ما يضع من القطن أفضل، ثمَّ يكفّن بقميص و لفّافة و برد يجمع فيه الكفن» «2».

و الرضوي: «ثمَّ يكفّن بثلاث قطع و خمس و سبع، فأمّا الثلاث فمئزر و عمامة و لفّافة، و الخمس مئزر و قميص و عمامة و لفّافتان» «3». و فيه أيضا: «يكفّن بثلاثة أثواب: لفافة و قميص و إزار» «4» إلى غير ذلك.

و الأخرى: قميص، بالإجماع أيضا في الجواز، لدلالة أكثر الأخبار عليه و تضمّنها له.

بل في الرجحان أيضا، لظهور كثير من الأخبار فيه، و صريح رواية سهل:

عن الثياب التي يصلّي فيها الرجل و يصوم، أ يكفّن فيها؟ قال: «أحبّ ذلك الكفن يعني قميصا» قلت: يدرج في ثلاثة أثواب؟ قال: «لا بأس به، و القميص أحبّ إليّ» «5».

و مرسلة الفقيه: عن الرجل يموت، أ يكفّن في ثلاثة أثواب بغير قميص؟

قال: «لا بأس بذلك، و القميص أحبّ إليّ» «6».

______________________________

(1) في ص 180 رقم 2.

(2) التهذيب 1: 447- 1445، الاستبصار 1: 205- 723، الوسائل 3: 34 أبواب التكفين ب 14 ح 5.

(3) فقه الرضا: 182.

(4) المستدرك 2: 205 أبواب الكفن ب 1 ح 1.

(5) التهذيب 1: 292- 855، الوسائل 3: 7 أبواب التكفين ب 2 ح 5.

(6) الفقيه 1: 93- 424، الوسائل 3: 12 أبواب

التكفين ب 2 ح 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 183

و المروي في الدعائم: «نعم الكفن ثلاثة أثواب: قميص غير مزرور و لا مكفوف، و لفّافة و إزار» «1».

على الأشهر- كما صرّح به جماعة منهم المنتهى «2»- في التعيين و الوجوب، و هو ظاهر المقنعة و الشرائع و النافع و التحرير «3»، و صريح العماني «4»، و المنتهى «5»، و عن المبسوط و النهاية و المصباح و مختصره و المراسم و الوسيلة «6»، و الجامع و الحلبي و الذكرى و المسالك «7»، و روض الجنان [1]، و الروضة و شرح القواعد «8».

لما مرّ من الأخبار و ما يشبهها، و صحيحة ابن سنان، و فيها: «ثمَّ الكفن قميص غير مزرور و لا مكفوف، و عمامة يعصب بها رأسه و يردّ فضليها على رجليه» [2].

و موثّقة الساباطي و فيها: «التكفين أن تبدأ بالقميص ثمَّ بالخرقة» «9» إلى آخره.

دلّتا- بالحمل- على أنّ الكفن ما يشمل القميص، فلا يكون غيره كفنا.

و مرسلة يونس: «ابسط الحبرة بسطا، ثمَّ ابسط عليها الإزار ثمَّ ابسط

______________________________

[1] روض الجنان: 103، و لم يظهر منه تعيين القميص.

[2] الكافي 3: 144 الجنائز ب 19 ح 9، الوسائل 3: 8 أبواب التكفين ب 2 ح 8 و في المصدر:

«و يرد فضلها ..».

______________________________

(1) دعائم الإسلام 1: 231، المستدرك 2: 207 أبواب الكفن ب 1 ح 5.

(2) المنتهى 1: 437.

(3) المقنعة: 78، الشرائع 1: 39، النافع: 12، التحرير 1: 18.

(4) كما نقل عنه في الحدائق 4: 12.

(5) راجع الرقم 2 من نفس الصفحة.

(6) المبسوط 1: 176، مصباح المتهجد: 18، المراسم: 47، الوسيلة: 66.

(7) الجامع: 53، الكافي: 237، الذكرى: 46، المسالك 1: 13.

(8) الروضة 1: 129، جامع المقاصد 1:

382.

(9) التهذيب 1: 305- 887، الوسائل 3: 33 أبواب التكفين ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 184

القميص عليه» «1» أوجب بسط القميص فيتعين.

خلافا لجماعة من الطبقة الثالثة منهم: المدارك و كفاية الأحكام و المفاتيح و البحار و الحدائق «2» و اللوامع، بل جلّهم كما في اللوامع، و هو المحكي عن الإسكافي «3» و المعتبر «4»، و يحتمله كلام الجعفي حيث قال: الخمسة لفّافتان و قميص و عمامة و مئزر «5» فيجوز أن يكون الواجب اللفافتين و المئزر.

بل كلام جمع آخر من القدماء كالصدوق [1] و والده «6» و الحلبي «7» و غيرهم، حيث لم يصرّحوا بالوجوب و لا بما دلّ على التعيين، و تردّد في القواعد «8»، فلم يوجبوه و جوّزوا بدله لفّافة شاملة أخرى. و هو الأقوى.

أمّا عدم الوجوب: فللأصل، و إطلاقات الأخبار المتضمّنة لثلاثة أثواب «9»، الشاملة لغير القميص بل اللفّافة قطعا، لأنّها أحدها جزما.

و مرسلة الفقيه، المتقدّمة «10»، بل رواية سهل «11» أيضا. و جعل الألف و اللام في «القميص» فيها القميص الذي يصلّي فيه بعيد، مع أنه لم يعهد قميص بل

______________________________

[1] المقنع: 18، و لكن قال في الفقيه 1: 92 ما لفظه: و الكفن المفروض ثلاثة: قميص و إزار و لفافة.

______________________________

(1) الكافي 3: 143 الجنائز ب 19 ح 1، التهذيب 1: 306- 888، الوسائل 3: 32 أبواب التكفين ب 14 ح 3.

(2) المدارك 2: 95، كفاية الأحكام: 6، مفاتيح الشرائع 2: 164، بحار الأنوار 78: 319، الحدائق 4: 16.

(3) حكى عنه في الذكرى: 46.

(4) المعتبر 1: 279.

(5) حكى عنه في الحدائق 4: 12.

(6) حكى عنه في المختلف 1: 45.

(7) الكافي: 237.

(8) القواعد 1: 18.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة    ج 3    185     المسألة الأولى: ..... ص : 179

(9) انظر الوسائل 3: 6 أبواب التكفين ب 2.

(10) في ص 182.

(11) المتقدمة في ص 182.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 185

سئل عن الكفن في ثياب الصلاة، و أجاب بأني أحبّ ذلك الكفن المتعارف يعني قميصا، فهو أولى من ثياب الصلاة لو لم يكن فيها قميص. مع أن المطلوب يثبت من قوله: «يدرج في ثلاثة أثواب» لأنّ المتبادر من الثوب الذي يدرج الميت ما يواريه بأجمعه، و الظاهر إرادة درجة في كلّ ثوب، و إلّا لم يكن في السؤال و نفي البأس وجه، إذ يدرج في مجموع الثلاثة قطعا.

و بما ذكر يجاب عن أدلّة الموجبين، بحملها على الأفضلية بقرينة ذلك، مضافا إلى خلوّ غير المرسلة [1] عن الدالّ على الوجوب جدّا. و الحمل و إن أفاد التعين إلّا أن دخول غير الواجب أيضا في المحمول يصرفه عن إفادته قطعا.

بل في دلالة المرسلة أيضا على الوجوب نظر، لتعلّق الأمر أصالة بالبسط المتعقّب عن بسط الحبرة و هو غير واجب.

و أمّا تبديله بلفّافة أخرى: فللإجماع المركّب نظر، لتعلّق الأمر أصالة بالبسط المتعقّب عن بسط الحبرة و هو غير واجب.

و أمّا تبديله بلفّافة أخرى: فللإجماع المركّب، مضافا إلى ما مرّ من رواية سهل.

و الثالث: مئزر وجوبا عند الأكثر، كما صرّح به جمع ممن تقدّم و تأخّر، و من الموجبين أكثر من ذكره مرّ «1».

للرضوي المتقدّم «2» المتضمّن للمئزر، المنجبر ضعفه بالشهرة، و صحيحة محمد، المتقدّمة «3» المصرّحة بالمنطق الذي هو الإزار المرادف للمئزر لغة، كما صرّح به أهلها، ففي الصحاح: المئزر: الإزار «4». و في مجمع البحرين: معقد الإزار من الحقوتين «5».

______________________________

[1] يعني بها مرسلة يونس

المتقدمة في ص 183.

______________________________

(1) في ص 184.

(2) في ص 182.

(3) في ص 180.

(4) صحاح اللغة 2: 578.

(5) مجمع البحرين 3: 204.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 186

و شرعا كما يستفاد من النصوص الواردة في باب ستر العورة لدخول الحمام «1»، و في مبحث كراهة الاتّزار فوق القميص «2»، و بحث ثوبي الإحرام «3»، بحيث يظهر كون الاستعمال بطريق الحقيقة.

و يستفاد أيضا من صحيحة ابن سنان: كيف أصنع بالكفن؟ قال: «خذ خرقة فتشدّ على مقعديه و رجليه» قلت: فالإزار؟ قال: «إنّها لا تعدّ شيئا، إنّما تصنع لتضمّ ما هناك و أن لا يخرج منه شي ء» «4» فإنه لو كان المراد به اللفّافة لما توهّم عدم لزومه بشدّ الخرقة.

و منه تظهر دلالة جميع الأخبار المتضمّنة للإزار على المطلوب أيضا، كرواية الدعائم و الرضوي و مرسلة يونس، السابقة «5».

و موثّقة الساباطي: «ثمَّ تبدأ فتسقط اللفّافة طولا، ثمَّ تذر عليها من الذريرة، ثمَّ الإزار طولا حتى يغطّي الصدر و الرجلين، ثمَّ الخرقة عرضها قدر شبر و نصف، ثمَّ القميص تشدّ الخرقة على القميص بحيال العورة و الفرج» إلى أن قال: «التكفين أن تبدأ بالقميص، ثمَّ بالخرقة فوق القميص على أليتيه و فخذيه و عورته، و يجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع و نصف و عرضها شبر و نصف، ثمَّ يشدّ الإزار أربعة أذرع، ثمَّ اللفافة، ثمَّ العمامة و يطرح فضل العمامة على وجهه» «6» الحديث.

و خبر ابن وهب: «يكفّن الميت في خمسة أثواب: قميص لا يزرّ عليه، و إزار و خرقة يعصب بها وسطه، و برد يلفّ فيه، و عمامة يعمّم بها و يلقى فضلها

______________________________

(1) انظر الوسائل 2: 32 أبواب آداب الحمام ب 3.

(2) انظر الوسائل 4: 395 أبواب

لباس المصلي ب 24.

(3) انظر الوسائل 12: 502 أبواب تروك الإحرام ب 53.

(4) مرّ مصدرها في ص 183.

(5) في ص 183، 182، 183.

(6) تقدم مصدرها في ص 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 187

على صدره» [1].

سيما مع ظهور كثير منها في أن المراد من الإزار فيها المئزر كالأولين [2]، فإنّه لولاه و كان المراد منها اللفّافة- كما توهّم- لكان اللازم أن يقال: قميص و لفّافتان.

و كذا في الرابع [3]، حيث ذكر الإزار و اللفافة معا، سيما مع التصريح بتغطية الصدر و الرجلين بالإزار خاصة و اللفافة تعمّ الجسد. بل الخامس [4]، حيث إنّ في تخصيص لفّ الميت بالبرد خاصة إشعارا بعدمه في الإزار، و ليس إلّا لعدم وفائه بجميع الجسد فيكون هو المئزر.

هذا كلّه، مع أنّ المستفاد من بعض الروايات أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كفّن بالمئزر، ففي صحيحة ابن عمار: «كان ثوبا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اللذان أحرم فيهما يمانيين: عبري و أظفار، و فيهما كفّن» [5] و يأتي في كتاب الحج أن ثوبي الإحرام إزار يتّزر به و رداء يتردّى به.

و نحوه الكلام في صحيحة يونس بن يعقوب عن أبي الحسن الأول عليه السلام: كان يقول: «إني كفّنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما، و في قميص من قمصه، و عمامة كانت لعلي بن الحسين عليه السلام، و في برد اشتريته بأربعين دينارا» [6].

______________________________

[1] الكافي 3: 145 الجنائز ب 19 ح 11، التهذيب و فيه: و يلقى فضلها على وجهه، الوسائل 3:

10 أبواب التكفين ب 2 ح 13.

[2] و هما روايتا الدعائم و الرضوي.

[3] و هو موثقة الساباطي.

[4] و هو خبر

ابن وهب.

[5] الكافي 4: 339 الحج ب 83 ح 2، الفقيه 2: 214- 975، الوسائل 3: 16 أبواب التكفين ب 5 ح 1. عبر الوادي و يفتح: شاطئه و ناحيته، و ظفار كقطام: بلد باليمن قرب صنعاء (القاموس 2: 84، 85).

[6] الكافي 3: 149 الجنائز ب 22 ح 8، التهذيب 1: 434- 1393، الاستبصار 1: 210- 742، الوسائل 3: 40 أبواب التكفين ب 18 ح 5 و في «ق» زيادة و هي: «لو كان اليوم لساوى أربعمائة دينار» و هي موجودة في المصادر أيضا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 188

و لوجوب تحصيل البراءة اليقينية الحاصلة بالمئزر دون غيره و لو كان ثلاثة أثواب شاملة، للشك فيها.

خلافا لبعض المتأخّرين [1]، فلم يوجبه، و خيّر بينه و بين لفافة اخرى.

أمّا عدم الوجوب: فلخلوّ الأخبار طرّا- على فرض الشمول له- عن الدالّ على الوجوب كما عرفت في القميص، و منع انحصار توقّف اليقين بالبراءة عليه.

و أمّا جواز لفّافة أخرى بدله: فلإطلاق الثوب الشامل، و رواية سهل و حسنة حمران، المتقدّمتين، بل موثّقة الساباطي و صحيحة محمد، السابقتين «1» كما يأتي بيانهما.

و لجلّ الطبقة الثالثة المتقدّم ذكر جماعة منهم «2»، و المحكي عن الإسكافي «3» و المعتبر «4»، و ظاهر الصدوقين [2] و العماني و الجعفي [3]، فلم يجوّزوه بل أوجبوا بدله لفّافة اخرى إمّا مع القميص معيّنا كبعض من ذكر، أو مخيّرا بينه و بين لفّافة ثالثة كبعض آخر. و هو الأقوى.

أمّا عدم جوازه: فلعدم دليل عليه مع توقّفه على التوقيف، إذ ليس إلّا

______________________________

[1] لم نعثر على شخصه.

[2] قال الصدوق في الفقيه 1: 92 ما لفظه: و الكفن المفروض ثلاثة: قميص و إزار و لفافة و قال

في المقنع: 18: ثمَّ يكفن في قميص غير مزرور و لا مكفوف و إزار يلف على جسده بعد القميص ثمَّ يلف في حبر يماني عبري أو ظفاري نظيف و نقل في الحدائق 4: 12 عن علي بن بابويه في رسالته انه قال: ثمَّ اقطع كفنه تبدأ بالنمط و تبسطه و تبسط عليه الحبرة و تبسط الإزار على الحبرة و تبسط القميص و تكتب على قميصه و إزاره و حبرته.

[3] نقل عن العماني في الحدائق 4: 12 انه قال: الفرض إزار و قميص و لفافة و عن الجعفي أنه قال:

الخمسة لفافتان و قميص و عمامة و مئزر فتدبر.

______________________________

(1) في ص 180، 182، 183.

(2) في ص 184 و انظر المدارك 2: 95، المفاتيح 2: 164، الكفاية: 6.

(3) حكى عنه في المعتبر 1: 279.

(4) راجع الهامش المتقدم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 189

الأخبار المتضمّنة للفظ «الإزار» أو الروايات المشتملة على مطلق الثوب أو الأثواب، أو ما يصرّح فيه بلفظ «المئزر».

أمّا الأول فلا دليل على إرادة المئزر منه أصلا، لورود الإزار في اللغة بمعنى المئزر- كما مرّ- و بمعنى الثوب الشامل.

ففي القاموس: الإزار: الملحفة «1» و هي ما يلبس فوق الثياب بأسرها.

و في المجمع بعد ما نقل عنه «2»: و في كلام بعض اللغويين أنه ثوب شامل لجميع البدن قال: و في الصحاح المئزر: الإزار، و في كتب الفقه يذكر المئزر مقابلا للإزار و يريدون به غيره، و حينئذ لا بعد في الاشتراك و يعرف المراد بالقرينة «3».

انتهى.

و لم تثبت الحقيقة الشرعية و لا المتشرعة فيه، بل المراد منه في كلام أكثر الفقهاء هو الثوب الشامل كما ذكروه مقابلا للمئزر في ذلك المقام.

و في اللوامع: إنّ الفقهاء اتّفقوا

على التعبير في اللفّافة الشاملة بالإزار. بل قيل: الغالب في الأخبار أيضا استعماله في الثوب الشامل و إن أطلق على المئزر نادرا. ألا ترى أنّ في أكثر أخبار الحمام ورد بلفظ «المئزر» و إن ورد في البعض أيضا لفظ «الإزار» و هو ممّا يعلم فيه المراد بالقرينة، و لا قرينة في الأخبار المتقدّمة على إرادة المئزر، و ما ادّعوه قرينة لا يفيد أصلا.

أمّا ذكره مع اللفافة في الروايات: فلأنه يمكن أن يكون لاختلافهما معنى، حيث إنّ الإزار- كما عرفت- هو ما يكون فوق جميع الثياب، و اللفّافة إمّا أعم أو ما يلفّ به الجسد ملاصقا له، أو الإزار ما يشمل جميع الجسد- كما في المجمع- و اللفّافة ما يلفّ به الميت و جميع ثيابه، و لمّا كان أحد الثوبين الشاملين إزارا بالمعنى المذكور، لا محالة عبّر عنه به و عن الآخر باللفّافة، و لذا عبّر في حسنة

______________________________

(1) القاموس 1: 377.

(2) في ص 185.

(3) مجمع البحرين 3: 205.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 190

حمران «1» عن اللفّافتين باللفافة و برد يجمع فيه الكفن، فكما لم يلزم هناك أن يقول لفّافتان، فكذا هاهنا.

و ممّا ذكر يعلم عدم إشعار تخصيص اللفّ بالبرد في بعض الروايات «2» بما راموه أيضا.

و أمّا توهم السائل في صحيحة ابن سنان «3»، فيمكن أن يكون من جهة أنه لمّا كانت الخرقة توارى العورة و تشدّ الرجلين توهّم أنها تكفي عن الثوب الشامل.

مع أنه يمكن أن يكون الضمير في قوله: «إنّها» للإزار، فإنه يؤنّث أيضا كما صرّح به في القاموس و المجمع. فإنّ الإمام لمّا بين كيفية شد الخرقة سأل السائل عن كيفية الإزار أي المئزر، فقال: إنّها لا تعدّ شيئا واجبا أو

مستحبا، و لا فائدة فيها و إنّما تصنع الخرقة الشبيهة بها للضمّ.

فهي أيضا ليست قرينة لهم، بل القرينة على إرادة غير المئزر في كثير منها قائمة. فإنّ التصريح بكونه فوق القميص في المرسلة «4» و الموثّقة «5» قرينة على أنه غيره، لتصريحهم جميعا بأنّ المئزر تحته، و فوق القميص لا يكون إلّا اللفّافة.

و أيضا التصريح في الموثّقة بشدّة طولا و أنه أربعة أذرع قرينة معيّنة للثوب الشامل، لشمول أربعة أذرع للرأس و الرجل قطعا، مضافا إلى أن شد الإزار طولا غير متعارف. بل في التصريح بتغطية الصدر و الرجلين قرينة أخرى، إذ لا يسمّى مثل ذلك مئزرا قطعا. و جعله إشعارا على إرادة المئزر غريب، و ليس فيه دلالة على عدم تغطية الرأس حتى لا يكون ثوبا شاملا.

و في الرضوي: «و تلفّه في إزاره و حبرته و تبدأ بالشق الأيسر و تمدّ على الأيمن،

______________________________

(1) المتقدمة في ص 182.

(2) خبر ابن وهب المتقدم في ص 186.

(3) المتقدمة في ص 186.

(4) المتقدمة في ص 184.

(5) المتقدمة في ص 186.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 191

ثمَّ تمدّ الأيمن على الأيسر، و إن شئت لم تجعل الحبرة معه حتى تدخله القبر فتلقيه عليه ثمَّ تعمّمه» إلى أن قال: «ثمَّ تلفّ اللفافة» [1] الخبر، فإنّ في اللف في الإزار إشعارا بأنه غير المئزر، بل في جمعه مع الحبرة.

و يمكن أن تكون الحبرة عطفا تفسيريا له أيضا، بل هو الأظهر.

و أمّا صحيحة محمد «1» فليست صريحة في المئزر و لا ظاهرة فيه، لأنّ المنطق على ما صرّح به أهل اللغة ما يشدّ به الوسط، و هو كما يمكن أن يكون المئزر يمكن أن يكون الخرقة التي تشدّ بها العورة لأنّها

أيضا تشدّ في الوسط. بل صرّح في الموثّقة بشدّها في الحقوين اللذين هما معقد المئزر، كما مرّ من المجمع، و يحتمل أن يكون المراد بالمنطق ما يشدّ به الثديان أيضا، كما قيل.

و أمّا التكفين بثوبي الإحرام فلا يفيد لهم المرام، إذ التردّي بثوب و الاتّزار بالآخر في حالة لا ينافي صلاحيتهما للارتداء في حالة اخرى. كيف مع أنّ ما يتردّى به في الإحرام لا يستر الرأس حينئذ و يستره إذا كفّن به، فيمكن أن يكون كذلك ما اتّزر به في الإحرام، فيتّزر به في حال، و يشمل الجميع بالبسط في حال آخر.

و إلى هذا أشار من قال: لا يلزم في ثوبي الإحرام عدم الشمول.

و أمّا الثاني أي روايات الثوب و الأثواب: فلأنّه لا يمكن جعلها من باب المطلق، و إلّا لزم خروج الأكثر، لعدم جواز غير اللفّافة و القميص الواحد و المئزر كذلك إجماعا، مع أنّ إطلاق ثلاثة أثواب له أفراد غير عديدة إفرادا أو تركيبا، فيكون من باب التجوّز، فيحصل فيه الإجمال كما به صرّح جماعة من الأصحاب «2».

مع أنّ منهم من صرّح باختصاص الثوب بالشامل، قال والدي- رحمه اللّه-

______________________________

[1] فقه الرضا: 168 بتفاوت يسير، المستدرك 2: 217 أبواب الكفن ب 12 ح 1، و فيه: «ثمَّ تلفف العمامة».

______________________________

(1) المتقدمة في ص 180.

(2) منهم الحدائق 4: 5 و الرياض 1: 57.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 192

في اللوامع بعد نقل أخبار ثلاثة أثواب: و لا ريب في أنّ المتبادر من الثوب هنا هو الشامل و إن لم يعتبر الشمول في الثوب .. إلى آخر ما قال. و يشعر بذلك حسنة الحلبي المتقدّمة «1».

و أمّا الثالث: فلأنّه منحصر بالرضوي المشتمل على الخمس «2»، و

الظاهر منه إرادة الخرقة الخامسة، كما فهمه الصدوق و عبّر عنها به في الهداية و الفقيه «3» مأخوذا ما فيه عنه، و يؤكّده كونها من الخمسة قطعا، فلو لا أنها المراد يلزم عدم ذكره، بل صرّح به في موضع آخر قال: «و يضمّ رجليه جميعا و يشدّ فخذيه إلى وركه بالمئزر شدا جيدا لئلّا يخرج منه شي ء» «4» و لو قطع النظر عنه فلا أقلّ من الاحتمال الموجب للإجمال.

و أمّا قيام لفّافة أخرى شاملة مقامه: فلرواية سهل و حسنة حمران، بل صحيحة محمد «5» على ما عرفت من المراد من المنطق، و صحيحة زرارة على ما في أكثر نسخ التهذيب من قوله: «ثلاثة أثواب تام» «6» بل الأخبار المتضمّنة للإزار على ما عرفت من القرينة، و لصدق الثوب المصرّح به في الأخبار الكثيرة.

و خصوص الرضوي المصرّح بالخمس، فإنّ الظاهر أنّ المراد بالمئزر فيه هو الخرقة كما عرفت، و يلزمه كون اللفّافتين من الأثواب الثلاثة.

و حسنة حمران، المتضمّنة للقميص و البرد الجامع للكفن و اللفافة المنحصرة في الثوب الشامل إجماعا، لعدم لفّ القميص و المئزر، بل الأول يلبس و الثاني يشدّ و يعقد، كما به في الأخبار عبّر.

______________________________

(1) في ص 179.

(2) المتقدم في ص 182.

(3) الهداية: 23، الفقيه 1: 92.

(4) فقه الرضا: 168.

(5) تقدمت الروايات على الترتيب في ص 180، 182، 182.

(6) تقدمت في ص 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 193

و صحيحة محمد، لاستبعاد ترك الخرقة، فالظاهر أنها المراد من المنطق.

بل صحيحة زرارة على ما في أكثر نسخ التهذيب من قوله: «ثلاثة أثواب تام» و إن أقحم في قليل من نسخه لفظ «أو ثوب» بين الأثواب و التام، و لكن الأكثر- كما صرّح به

في اللوامع- خال عنه، بل و كذلك ما نقله الفاضلان في المعتبر و المنتهى [1] و صاحب المنتقى «1» و غيرهم.

و موثّقة الساباطي، لوضوح شمول ما كان أربعة أذرع- إذا بسط طولا- للرأس و الرجلين أيضا. بل مرسلة يونس، الدالّة على كون الإزار فوق القميص.

و أمّا تعيّنها و وجوبها- مع خلوّ أدلّته عن الدلالة على الوجوب إلّا صحيحة زرارة المخرج فيها الفرض عن معناه قطعا، لعدم القول بمفروضية ثلاثة أثواب تامة على ما فيها من اختلاف النسخ و حزازة العبارة- فللإجماع المركّب، إذ لا قول إلّا بها أو المئزر، فبعد انتفاء الثاني يتعين الأول.

و لوجوب تحصيل البراءة اليقينية الحاصلة باللفّافتين مع القميص أو بدلها بمقتضى ما ذكرنا من الأدلة، دون غيرهما و لو لفّافة و مئزر، للشك في إرادته.

فروع:

أ: المعتبر في القميص أن يصل إلى نصف الساق، كما صرّح به جماعة منهم:

شرح القواعد و روض الجنان و المسالك و الروضة «2» و اللوامع، لأنه المفهوم منه عرفا، كما صرّح به في الثلاثة الأخيرة [2].

و الأولى زيادة قيد التقريب و لعلّه المراد.

و في الأخير جواز كونه إلى القدم بإذن الورثة أو الوصية النافذة. و هو كذلك، لصدق الاسم.

______________________________

[1] المعتبر 1: 279، المنتهى 1: 438 و المنقول فيهما: «ثلاثة أثواب أو ثوب تام».

[2] لا يوجد التصريح به في الروضة نعم صرّح به في روض الجنان: 103.

______________________________

(1) منتقى الجمان 1: 257.

(2) جامع المقاصد 1: 382، روض الجنان: 103، المسالك 1: 13، الروضة 1: 129.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 194

و أمّا تجويزه مطلقا- كما في الأول- للغلبة، أو استحبابه، أو احتمال جوازه و إن لم يبلغ النصف- كما عن الرابع [1]- فمشكل بل ضعيف.

و في اللفّافة أن

تشمل جميع البدن طولا و عرضا، مع إمكان جعل أحد جانبيه في العرض على الآخر، لأنه المتبادر، و لتحقيق معنى اللف. و تجويز الخياطة [2] غير جيّد، لعدم تبادره.

و ينبغي الزيادة في الطول بحيث يمكن شدّه من الطرفين. و قيل بوجوبها، لعدم تبادر غيره «1». و فيه نظر. و الاستحباب أظهر مع إذن الوارث أو الوصية.

و في المئزر- على اعتباره- أن يستر ما بين السرّة و الركبة، كما عن غير الأول من الكتب المتقدّمة «2»، لأنه المفهوم في العرف و العادة. أو يسترهما مع ما بينهما، كما في الأول «3». و لا بأس به.

و احتمال الاكتفاء فيه بما يستر العورة [3] بعيد، و التعليل بأنّ وضعه لسترها غير سديد.

و عن المراسم و في المقنعة: من سرّته إلى حيث يبلغ من ساقيه «4».

و عن المصباح و مختصره: منها إلى حيث يبلغ المئزر «5».

و عن الوسيلة و الجامع: من الصدر إلى الساقين استحبابا «6».

______________________________

[1] نقله عنه في كشف اللثام 1: 116، و لم نعثر عليه.

[2] كما جوّزها في الرياض 1: 57.

[3] كما احتمله في الروض: 103.

______________________________

(1) الرياض 1: 57.

(2) راجع الرقم (3) ص 193.

(3) جامع المقاصد 1: 382.

(4) المراسم: 49، المقنعة: 78.

(5) مصباح المتهجد: 19.

(6) الوسيلة: 66، الجامع: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 195

و عن النهاية و المبسوط: يبلغ من الصدر إلى الرجلين «1». و نحوه في الذكرى «2».

و عن المسالك و الروضة: يستحب ستره ما بين الصدر و القدمين «3».

و تجب مراعاة ما تقدّم من الإذن أو الوصية في الزائد عن الواجب، و إن استند عندهم إلى الموثّقة.

ب: في اعتبار ستر البشرة في كلّ من الثلاثة، أو في المجموع، أو عدمه مطلقا ثلاثة أوجه

بل أقوال:

الأول: للكركي و والدي، و جعله في روض الجنان «4» أحوط، للتبادر. و هو ممنوع.

الثاني للروض «5»، لصحيحة زرارة، المتقدّمة [1]: «يواري به جسده كلّه».

و لا دلالة لها، لاحتمال أن يكون المراد شموله للبدن بحيث لا يبقى شي ء منه عاريا.

و الثالث للحدائق «6»، للأصل. و هو الأظهر، و إن كان الأحوط الثاني، بل لا يبعد ترجيحه، لإطلاق الصحيحة بالنسبة إلى المعنيين.

ج: لا يجب غير الثلاثة إجماعا، له و للأصل، و المستفيضة المصرّحة بعدم الزيادة على الخمسة، و استحباب اثنين منها و هما الخرقة و العمامة، مع التصريح

______________________________

[1] في ص 179، و قد عبر عنها هناك بالحسنة.

______________________________

(1) النهاية: 36، المبسوط 1: 179.

(2) الذكرى: 49.

(3) المسالك 1: 13، الروضة 1: 129.

(4) جامع المقاصد 1: 382، روض الجنان: 103.

(5) الروض: 103.

(6) الحدائق 4: 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 196

فيما مرّ بانحصار المفروض في الثلاثة.

الثانية:

يستحب أن يزاد في أجزاء الكفن للرجل و المرأة جزءان آخران:

أحدهما: خرقة لشدّ الفخذين، و يسمّى بالخامسة، بالإجماعين و المستفيضة:

منها: صحيحة ابن سنان، و روايته، و مرفوعة سهل، و حسنة حمران، و موثّقة الساباطي، المتقدّمة جميعا «1».

و مرسلة يونس، السابقة أكثرها في بحث الغسل، و فيها: «و خذ خرقة طويلة عرضها شبر، فشدّها من حقويه، و ضمّ فخذيه ضما شديدا، و لفّها في فخذيه، ثمَّ أخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن و اغرزها في الموضع الذي لففت فيه الخرقة، و تكون الخرقة طويلة يلفّ فخذيه من حقويه إلى ركبتيه لفا شديدا» [1].

و ينبغي أن تكون طويلة، كما صرّح به في الأخيرة، بل يكون طولها ثلاثة أذرع و نصف كما في الشرائع و القواعد «2»، لسابقتها. و لكن لا تدلّ

على وجوب هذا القدر، فيجوز أن تكون أطول، كما عن المهذّب و المبسوط و الوسيلة «3»، أو أقلّ أيضا كما عن الأخيرين.

و أن يكون عرضها شبرا، كما في الأخيرة، أو و نصف كما في سابقتها. و لا منافاة بينهما، لحمل السابقة على الأفضلية، أو المراد فيهما التقريب.

و ثانيهما: العمامة بقدر يؤدي هيئتها الآتية «4» في الطول، و يصدق الاسم في

______________________________

[1] تقدم مصدرها في ص 136. الحقو: معقد الإزار، الخاصرة.

______________________________

(1) راجع الصفحات: 180، 182، 186.

(2) الشرائع 1: 40، القواعد: 18.

(3) المهذب 1: 61، المبسوط 1: 179، الوسيلة: 66.

(4) في ص 203.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 197

العرض، بالإجماع، كما في المنتهى، و اللوامع، و عن المعتبر «1». و النصوص بها و باستحبابها بلا معارض مستفيضة، كما تقدم كثير منها «2».

و عمامة المرأة الخمار، فهو فيها بدلها في الرجل، كما في الشرائع و النافع و المنتهى و القواعد «3»، و اللوامع، و عن الإسكافي و العماني «4»، و الشيخ في أكثر كتبه [1]، و الجامع «5»، و نسب إلى المشهور «6»، و في المدارك: إنه مذهب الأصحاب «7»، و في اللوامع: بالإجماع و النصوص، كصحيحة محمد، المتقدّمة «8». و رواية البصري: في كم تكفّن المرأة؟ قال: «تكفّن في خمسة أثواب أحدها الخمار» «9».

و الرضوي: «و المرأة تكفّن في ثلاثة أثواب: درع و خمار و لفافة» «10».

و المروي في الدعائم: «و يخمر رأس المرأة بخمار، و يعمّم الرجل» «11».

و بتلك الأخبار تقيّد إطلاقات العمامة، مع اختصاص كثير منها بالرجل، مضافا إلى التعارف الموجب للتبادر.

______________________________

[1] لم نعثر عليه في النهاية و المبسوط و الخلاف و جمل العلم و العمل.

______________________________

(1) المنتهى 1: 440، المعتبر 1: 283.

(2) راجع ص 179،

183، 186 ..

(3) الشرائع 1: 40، النافع: 13، المنتهى 1: 438، القواعد 1: 18.

(4) حكى عنهما في الذكرى: 48.

(5) الجامع: 53.

(6) كما نسبه في الرياض 1: 60.

(7) المدارك 2: 105.

(8) في ص 180.

(9) الكافي 3: 146 الجنائز ب 20 ح 1، التهذيب 1: 324- 946، الوسائل 3: 12 أبواب التكفين ب 2 ح 18.

(10) فقه الرضا: 185.

(11) دعائم الإسلام 1: 232.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 198

و يستحب أن يزاد للمرأة جزء ثالث هو خرقة أخرى يلفّ بها ثدياها، كما عن المقنعة و النهاية و المبسوط «1»، و الكامل، و السرائر و ابني حمزة و سعيد، و في الشرائع و النافع و المنتهى و القواعد «2»، و غيرها. و في المدارك و اللوامع: لا أعلم له رادّا «3»، لمرفوعة سهل، المتقدّمة «4».

و ظهر ممّا ذكر أنّ الأجزاء المستحبة لكفن الرجل اثنان، و مع الواجب خمسة، و للمرأة ثلاثة، و مع الواجب ستة.

و قد يزاد لكلّ منهما غيره أيضا:

أمّا للرجل فيزاد لفافة أخرى حبرة عبرية [1]، كما في المعتبر و الشرائع و النافع و المنتهى و القواعد «5»، و عن المقنعة و المبسوط و النهاية و الإصباح و الوسيلة، و الكامل، و السرائر «6» و ابن زهرة و المختلف و التلخيص و الذكرى و التذكرة «7». بل في الأول، و عن الأخيرين، و شرح القواعد «8»: الإجماع عليه.

لا للأخبار المتكثرة المتضمّنة للحبرة، لعدم دلالة شي ء منها على كونها غير الثلاثة الواجبة و إن اشتمل كثير منها على الإزار التي هي أيضا لفّافة شاملة عند

______________________________

[1] قال المحقق: يستحب أن يزاد الرجل حبرة يمنية عبرية غير مطرزة بالذهب. الحبرة من التحبير و هو التحسين و التزيين، و

يمنية: منسوبة إلى اليمن. و عبرية: منسوبة إلى العبر و هو جانب الوادي.

المعتبر 1: 282

______________________________

(1) المقنعة: 82، النهاية: 41، المبسوط 1: 180.

(2) السرائر 1: 160، الوسيلة: 66، الجامع: 53، الشرائع 1: 40، النافع: 13، المنتهى 1:

438، القواعد: 18.

(3) المدارك 2: 104.

(4) في ص 182.

(5) المعتبر 1: 282، الشرائع 1: 40، النافع: 13، المنتهى 1: 438، القواعد 1: 18.

(6) المقنعة: 78، المبسوط 1: 176، النهاية: 31، الوسيلة: 65، السرائر 1: 160.

(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 563، المختلف: 45، الذكرى: 47، التذكرة 1: 43.

(8) جامع المقاصد 1: 383.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 199

أكثر الطائفة، لجواز كونها مبنية على ما اخترناه من وجوب اللفّافتين أو الثلاثة.

بل للرضوي المتقدّم «1» المصرّح باللف في الإزار و الحبرة و اللفافة، و مرسلة الجعفي كما عن الذكرى، المنجبرين بما مرّ، قال: و قد روي سبع: مئزر و عمامة و قميصان و لفافتان و يمنية «2».

خلافا للمدارك و البحار «3»، و عن العماني «4»، و الحلبي «5»، فما زادوها، بل قالوا باستحباب كون أحد الثلاثة حبرة، و لا تظهر زيادتها على الواجب أيضا من كلام والد الصدوق «6» و الجعفي و البصروي «7».

و احتاط بعض مشايخنا بتركها «8». و هو في موقعه. بل عدم الزيادة أقوى و أظهر، لحسنة الحلبي و صحيحة زرارة و محمد، المتقدّمتين في صدر المسألة الأولى «9»، الراجحتين على ما مرّ بموافقتهما للأصل، و مخالفتهما للعامة كما تظهر من الحسنة.

و الأول هو المرجع عند المخمصة، و الثانية من المرجّحات المنصوصة، فلا يعارضهما اعتضاد الأولين بالإجماع المنقول أو الشهرة في الفتوى المحكية، لعدم صلاحيتهما للمرجحية.

مع أنّ الظاهر عندي أنهم لمّا رأوا اشتمال كثير من الروايات على القميص و الإزار

و الحبرة، و كانت الإزار عندهم هي اللفافة- كما يظهر من تعبيرهم في كتبهم

______________________________

(1) في ص 190.

(2) الذكرى: 48.

(3) المدارك 2: 100، بحار الأنوار 78: 320.

(4) نقل عنه في الذكرى: 48.

(5) الكافي: 237.

(6) نقل عنه في المختلف: 45.

(7) نقل عنهما في الذكرى: 48.

(8) الرياض 11: 59.

(9) في ص 179، 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 200

الفقهية- و استنبطوا وجوب المئزر من دليل آخر، فقالوا بكون الحبرة زائدة مستحبة. و نحن لما لم نعثر على دليل على وجوب المئزر، لا نفهم من الروايات زيادة على الثلاثة الواجبة. و بذلك يوهن عندنا مستند الشهرة و هو يوجب الوهن في نفسها أيضا.

مع أنّ في دلالة الرضوي نظرا من جهة احتمال العطف التفسيري. بل في دلالة رواية الدعائم [1] أيضا، لجواز كون اللفافتين و اليمنية هي الثلاثة الواجبة المخيرة، فتأمّل.

و قد يستظهر للزيادة بصحيحة يونس بن يعقوب، المتقدّمة «1». و هي مع احتمالها التقية- لو دلّت- غير دالّة، لجواز جعل أحد الشطويين خرقة الشدّ.

فالقول بزيادة الحبرة في غاية الضعف.

و أضعف منه تعويض لفّافة أخرى عنها مع فقدها، كما عن النهاية و المبسوط و السرائر و الإصباح و المهذّب «2».

و أضعف منهما زيادة لفّافتين على الواجب، كما عن الصدوق «3»، و التهذيب [2]، و الكامل، و ابن زهرة «4».

لعدم الدليل على شي ء منهما سوى ما قد يستظهر به للأول: من قوله في صحيحة محمد: «و المرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع و منطق و خمار و لفّافتين» «5» بضميمة ما دلّ على تسوية الرجل و المرأة.

______________________________

[1] كذا في النسخ، و الظاهر أنه سهو من قلمه الشريف، و الصحيح: مرسلة الجعفي المتقدمة في ص 199.

[2] لم نعثر عليه فيه،

و يحتمل أن يكون مصحّفا عن المهذب لأن القول موجود فيه، ج 1 ص 60.

______________________________

(1) في ص 187.

(2) النهاية: 32، المبسوط 1: 177، السرائر 1: 160، المهذب 1: 60.

(3) الفقيه 1: 93.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 563.

(5) تقدمت في ص 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 201

و للثاني: بقوله في صحيحة زرارة و محمد: «فما زاد فهو سنّة إلى أن يبلغ خمسة أثواب، فما زاد فمبتدع» «1».

و بالتصريح بالسبع في الرضوي: «ثمَّ يكفّن بثلاث قطع و خمس و سبع.

فالثلاث: مئزر و عمامة و لفافة، و الخمس: مئزر و قميص و عمامة و لفافتان» «2» بحمل السبع على الخمس المذكورة مع لفّافتين، و إن لم يفسّرها.

و يضعّف الأول: بعدم الدلالة، لما مرّ من احتمال إرادة خرقة العورة أو الثدي من المنطق، فتكون اللفّافتان هما الواجبان.

و الثاني: بأنّ المراد من خمسة أثواب الثلاثة مع الخامسة و العمامة، و لو منع فالاحتمال قائم و الاستدلال معه ساقط.

و الثالث: بالإجمال، مع أنه لا يعلم أنّ ذكرها على سبيل الحكم أو الحكاية. مضافا إلى أنه لا يصلح بنفسه للحجية، و ليس المقام مقام المسامحة، لإيجابه إتلاف المال و الإضاعة المنهي عنهما في الشريعة.

و أمّا للمرأة، فقد يزاد الحبرة المذكورة، و نسب زيادتها أيضا إلى الشهرة، لما ظهر ضعفه.

خلافا لمن نفاها في الرجل، و لبعض من أثبتها فيه، كما في الشرائع و النافع، و عن النهاية و الوسيلة «3»، و الإصباح و التلخيص. و هو الأصح.

و النمط، زاده في النافع و الشرائع «4»، و المنتهى و القواعد «5»، و عن الكامل و المهذّب و المختلف «6». و عن المقنعة: التخيير بينه و بين لفّافة أخرى «7».

______________________________

(1) تقدمت في ص 179.

(2) تقدمت

في ص 182.

(3) الشرائع 1: 40، النافع: 13، النهاية: 31، الوسيلة: 65.

(4) راجع الرقم (3).

(5) المنتهى 1: 438، القواعد 1: 18.

(6) المهذب 1: 60، المختلف: 45.

(7) المقنعة: 82.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 202

و عن جماعة: الاقتصار على ذكر لفافة أخرى زائدة عن اللفّافة المستحبة للرجل و عدم التعرّض للنمط «1»، و لعلّه لعدم دليل عليه من الأخبار، و عدم كون المقام مقام المسامحة. و هو في محلّه.

بل و كذا الكلام في اللفّافة أيضا، لما عرفت من عدم ثبوت الزائدة عن الواجب- على ما اخترناه من وجوب اللفّافتين و التخيير بين الثالثة و القميص- من الروايات.

و غاية ما يستدلّون لها في المرأة صحيحة محمد، بحمل المنطق فيها على المئزر. و لا دليل عليه، و احتمال خرقة الفخذين قائم. فإنّ المنطق كما في كتب اللغة: ما يشدّ في الوسط. و محلّ شدّ الخرقة و المئزر عندهم واحد. فتعيين أحدهما تحكّم بارد، و الاستشهاد بفهم بعض الفقهاء «2» القائلين بوجوب المئزر فاسد.

الثالثة:

قالوا: كيفية التكفين أن يبدأ بالخامسة، و يشدّها بعد وضع القطنة، ثمَّ يؤزره بالمئزر كما يؤزر الحي- على القول به- ثمَّ يلبسه القميص، و على القول بنفيه يلبسه بعد شدّ الخرقة، ثمَّ يلفّه بإحدى اللفّافتين، ثمَّ بالأخرى التي يستحب كونها حبرة. و هذا هو نقل الأكفان إليه.

و يجوز العكس، بأن يبسط الحبرة، و يبسط عليها اللفّافة، و عليها القميص، و ينقل إليه الميت بعد أن يشدّ بالخامسة و يؤزر بالمئزر على القول به.

و هذا الترتيب هو المشهور، و يستفاد في غير المئزر من الأخبار.

أمّا تقديم الخرقة فمن حسنة حمران «3»، و صحيحة ابن سنان «4»، و الرضوي: «و قبل أن تلبسه القميص تأخذ شيئا

من القطن، و تجعل عليه حنوطه، و تحشو به دبره، و تضع شيئا من القطن على قبله، و تضع شيئا من الحنوط،

______________________________

(1) كما في الخلاف 1: 701، و المراسم: 47، و المفاتيح 2: 165، و الرياض 1: 60.

(2) كالشهيد في الذكرى: 47.

(3) المتقدمة في ص 182.

(4) المتقدمة في ص 186.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 203

و تضمّ رجليه جميعا، و تشدّ فخذيه إلى وركيه بالمئزر شدّا جيدا» «1» و ذلك ظاهر في تأخّر القميص عن الخرقة.

نعم، المذكور في موثّقة الساباطي «2» أنه يبدأ بالقميص ثمَّ بالخرقة، و الأمر في ذلك هيّن.

و أمّا تقديم القميص و تأخير الحبرة، فمن رواية يونس «3» و الموثّقة.

و أمّا العمامة، فصريح الموثّقة شدّها بعد اللفّافة، و ظاهر الحسنة أنه قبله، بل هو صريح الرضوي: «ثمَّ تعمّمه و تحنكه فيثنى على رأسه بالتدوير، و يلقى فضل الشق الأيمن على الأيسر و الأيسر على الأيمن، ثمَّ يمدّ على صدره، ثمَّ يلفّ باللفّافة» «4» الخبر.

هذا هو الكلام في الترتيب.

و أمّا الكيفية: ففي تلبّس القميص و لفّ اللفافتين واضحة.

و في الخرقة قالوا: يربط أحد طرفيها في وسط الميت إمّا بشقّ رأسه أو بجعل خيط و نحوه فيه، ثمَّ يدخل الخرقة بين فخذيه من جانب، و يضمّ عورته بها ضما شديدا، و يخرجها من الجانب الآخر، و يدخلها تحت الشداد الذي على وسطه، ثمَّ يلفّ حقويه و فخذيه بما بقي منها لفّا شديدا، فإذا انتهت أدخل طرفها الآخر من الجانب الأيمن تحت الجزء الذي انتهت إليه. و في خبر يونس دلالة على بعض هذه الأحكام.

و أمّا العمامة فيؤخذ وسطها، و يثنى على رأسه بالتدوير، و يلفّ عليه محنكا، و يخرج طرفاها من تحت الحنك،

و يلقيان على صدره فضل الشق الأيمن على

______________________________

(1) فقه الرضا: 168 بتفاوت، المستدرك 2: 217 أبواب الكفن ب 12 ح 1.

(2) المتقدمة في ص 186.

(3) الكافي 3: 143 الجنائز ب 19 ح 1، التهذيب 1: 306- 888، الوسائل 3: 32 أبواب التكفين ب 14 ح 3.

(4) تقدم مصدره في هامش (1).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 204

الأيسر و الأيسر على الأيمن.

يدلّ على تلك الكيفية: الرضوي السابق، و على أكثرها خبر يونس أيضا، و المروي في الدعائم: «خذ العمامة من وسطها، ثمَّ انشرها على رأسه، و ردّها من تحت لحيته، و عمّمه، و أرخ ذنبيها مع صدره» [1].

و على التحنيك: مرسلة ابن أبي عمير «1»، و الإجماع المحكي «2».

و قد ورد بالكيفية أخبار أخر، و ما ذكرناه أشهر، و حمل تلك الأخبار عليه ممكن و لو مع التكلّف.

الرابعة:

للتكفين سوى ما مرّ واجبات و مستحبات أخر و مكروهات:

أمّا الواجبات فمنها: أن لا يكون حريرا بالإجماع، كما عن المعتبر و التذكرة و نهاية الإحكام و الذكرى و في المدارك «3».

لمضمرة ابن راشد: عن ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب اليماني من قز و قطن، هل يصلح أن يكفن فيها الموتى؟ فقال: «إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس» [2].

و المروي في الدعائم عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يكفّن الرجال في ثياب الحرير» «4».

و يدلّ عليه الاستصحاب في الرجال أيضا.

______________________________

[1] دعائم الإسلام 1: 231، و فيه: «ذيلها» بدل «ذنبيها».

[2] الكافي 3: 149، الجنائز ب 22 ح 12، التهذيب 1: 435- 1396، الاستبصار 1:

211- 744 الوسائل 3: 45 أبواب التكفين ب 23 ح 1. العصب كفلس:

برد يصبغ غزله ثمَّ ينسج، و قال السهيلي: العصب صبغ لا ينبت إلّا باليمن (المصباح المنير: 413).

______________________________

(1) الكافي 3: 145 الجنائز ب 19 ح 10، التهذيب 1: 308- 895، الوسائل 3: 32 أبواب التكفين ب 14 ح 2.

(2) كما حكاه في التذكرة 1: 43.

(3) المعتبر 1: 280، التذكرة 1: 43، نهاية الإحكام 2: 242، الذكرى: 46، المدارك 2: 95.

(4) الدعائم 1: 232، المستدرك 2: 225 أبواب الكفن ب 18 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 205

و الاستدلال بالرضوي: «لا يكفّنه في كتان و لا ثوب إبريسم» «1» و بما دلّ على مرجوحية التكفين بثوب الكعبة مع تجويز بيعه و هبته «2». غير جيّد، لعدم دلالتهما على الحرمة بل غايتهما المرجوحية، سيما مع ضمّ الكتان في الأول، مضافا إلى عدم نصّية الثاني في أنه لكونه حريرا، فيمكن أن يكون لسواده أو غيره.

و لا ينافيه خبر السكوني: «نعم الكفن الحلّة» [1] إذا لا يعتبر فيها أن يكون من الإبريسم.

و مقتضى صريح المضمرة اختصاص الجواز بما إذا كان الخليط أكثر، كما نقل عن جماعة [2]، فلا يجوز بالممتزج الذي لم يكن كذلك. و عن النهاية و الاقتصاد «3»: المنع عن الممتزج مطلقا.

و كذا مقتضى إطلاقها تعميم المنع للمرأة أيضا، و عن الذكرى الإجماع عليه «4». فاحتمال الجواز في المرأة- كما في المنتهى و عن نهاية الإحكام «5»- ضعيف، و الاستصحاب بما مرّ مندفع.

نعم، يحتمل الجواز لها في الخرقة و الخمار، بناء على ما صرّح به في بعض الأخبار من عدم كونهما من الكفن [3]، و اختصاص النهي بالتكفين. و منه يظهر تعدّي الجواز إلى العمامة و الخرقة للرجال أيضا، إلّا أنّ بإزاء ما ذكر روايات أخر

______________________________

[1]

التهذيب 1: 437- 1406، الاستبصار 1: 211- 743، الوسائل 3: 45 أبواب التكفين ب 23 ح 2 الحلّة: إزار و رداء برد أو غيره و لا يكون إلّا من ثوبين أو ثوب له بطانة (القاموس 3: 370).

[2] قد يستفاد من المعتبر 1: 371، و المدارك 2: 96.

[3] الذي وجدنا التصريح به في بعض الأخبار أن العمامة و الخرقة ليستا من الكفن، و لم نعثر على رواية تصرح بأن الخمار ليس من الكفن فانظر الوسائل 3: 6 أبواب التكفين ب 2.

______________________________

(1) فقه الرضا: 169.

(2) انظر الوسائل 3: 44 أبواب التكفين ب 22.

(3) النهاية: 31، الاقتصاد: 248.

(4) الذكرى: 46.

(5) المنتهى 1: 438، نهاية الإحكام 2: 242.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 206

دالّة على أنهما من الكفن، و الظاهر الجمع بحمل النفي على الواجب، و الإثبات على المندوب، و يلزمه التحريم في الرجل و المرأة، فتأمّل.

و هل يشترط في الكفن أن يكون ممّا تجوز فيه الصلاة، كما في النافع و القواعد و اللوامع، و عن الوسيلة و الكافي و الغنية «1»؟

لا دليل على الكلية من الأخبار و الأصل، و صدق نحو القميص و العمامة و الإزار يدفعها. و لذا اقتصر جماعة كما في الشرائع و المنتهى، و عن المبسوط و النهاية و الاقتصاد «2» و الجامع و المعتبر و التحرير و نهاية الإحكام [1]، و التذكرة «3»، على المنع من الحرير.

و ربما يستظهر «4» للكلية باختصاص أخبار التكفين بحكم التبادر بالقطن، مضافا إلى الأمر به المستلزم للوجوب في موثّقة عمار: «الكفن يكون بردا، فإن لم يكن برد فاجعله كلّه قطنا، فإن لم تجد عمامة قطن فاجعل العمامة سابريا» [2].

و يلحق به ما أجمع على جوازه- إن كان-

و يبقى جواز الباقي و منه ما لا تتمّ فيه الصلاة خاليا عن الدليل، و هو كاف في المنع، لوجوب تحصيل البراءة اليقينية في مثل المقام.

و لا يخفى أنه لو تمَّ ذلك لا نحصر الجواز في القطن، و لثبت المنع عن الجلد

______________________________

[1] الجامع: 53، المعتبر 1: 280، التحرير 1: 18، نهاية الإحكام 242، و لا يخفى أنه و لو اقتصر في أوّل كلامه على المنع عن الحرير إلّا أنه قال بعد سطور: و يشترط أن يكون مما يجوز فيه الصلاة ..

[2] الكافي 3: 149 الجنائز ب 22 ح 10، التهذيب 1: 269- 870، الاستبصار 1: 210- 740، الوسائل 3: 30 أبواب التكفين ب 13 ح 1. السابري: نوع رقيق من الثياب. قيل نسبة إلى كور سابور كورة من فارس و مدينتها شهرستان (المصباح المنير: 263).

______________________________

(1) النافع: 12، القواعد 1: 18، الوسيلة: 66، الكافي: 237، الغنية (الجوامع الفقهية): 563.

(2) الشرائع 1: 39، المنتهى 1: 438، المبسوط 1: 176، النهاية: 31، الاقتصاد: 248.

(3) التذكرة 1: 43.

(4) انظر الرياض 1: 58.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 207

و لو عمّا يؤكل بعد التذكية، كما عن المعتبر و التذكرة و نهاية الإحكام و الذكرى «1»- و إن استشكل في بعضها «2» في المذكى ممّا يؤكل- و عن الصوف و الشعر و الوبر، كما عن الإسكافي [1]، و عن الكتان، كما عن الصدوق «3».

و لكن يخدشه أنّ الظاهر انعقاد الإجماع في الكتان و الصوف، لعدم قدح مخالفة من ذكر فيه. مضافا في الأخير إلى الرضوي المنجبر: «و لا بأس في ثوب صوف» «4». و معه يسقط الاستدلال بالموثّقة، إذ بعد ثبوت الجواز في غير القطن يخرج الأمر به عن الوجوب،

فلا يصير دليلا. و الحمل على الوجوب التخييري ليس أولى من الاستحباب، لكونهما مجازين.

و أنّه لا ينبغي الريب في صدق الثوب و القميص و الإزار و اللفّافة و العمامة على المنسوج من الصوف و الشعر و الوبر، و إطلاقها عليه شائع، كما في الكساء و قباء الصوف و عمامة الخز و غيرها. فتكون إطلاقاتها أدلّة لهذه الأمور و لو كانت ممّا لا يؤكل و لا تجوز الصلاة فيه، و معه لا ينتهض وجوب تحصيل اليقين بالبراءة دليلا.

نعم، هو يحسن فيما لا يشمله الإطلاق أو يشك في الشمول، كالجلد و الحصر و نحوهما، حيث إنه لا يعلم دخوله في المأمور به، فلا يعلم الامتثال.

و منها: أن لا يكون مغصوبا، للإجماع، و للنهي عن التصرف في مال الغير بدون إذنه.

و أن لا يكون نجسا، لظاهر الإجماع. و في الاستدلال له [2] بوجوب إزالة

______________________________

[1] نقله في المعتبر 1: 280 عن الإسكافي بالنسبة إلى الوبر.

[2] كما استدل في الذكرى: 46.

______________________________

(1) المعتبر 1: 437، التذكرة 1: 43، نهاية الإحكام 2: 243، الذكرى: 46.

(2) و هو نهاية الإحكام 2: 243.

(3) الفقيه 1: 89.

(4) فقه الرضا: 169.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 208

النجاسة العارضة من الميت عن الكفن نظر، لجواز الفرق.

ثمَّ لو خولف أحد الثلاثة، و كفّن في النجس أو المغصوب أو الحرير، فهل حصل التكفين و سقط الوجوب الكفائي و إن أثم المباشر، أو لم يحصل و وجب على المكلّفين التكفين كفاية ثانية؟

مقتضى الأصول الثاني، لأنّ النهي يستلزم عدم كون الفرد المنهي عنه مأمورا به، فلم يمتثل الأمر الواجب امتثاله كفاية، فيبقى الوجوب الكفائي على حاله. و الأصل عدم تقييد الأوامر بحالة عدم كونه مستورا بهذا النحو من الستر.

و منه

يظهر عدم ترتّب سائر آثار التكفين عليه، كتأخّر الصلاة و الدفن، لظهور أن المراد الكفن المشروع المأمور به.

و هل تجب في التكفين النية، كما هو ظاهر المحكي عن الروض «1»؟

الظاهر نعم، لوجوب امتثال أوامر التكفين المتوقّف على النية عرفا، فلو كفّن بدونها لم يمتثل، و يلزمه وجوب التكفين ثانيا مع النية، لعدم دليل على سقوط التكليف الكفائي بدون حصول الامتثال.

و جعل المطلوب مجرّد الستر على النحو الخاص، كما في إزالة الخبث و الأمر بالمعروف و الشهادة و نحوها فاسد، لأن في هذه الأمور و إن لم يمتثل الأمر، إلّا أنه لمّا تحقّقت الفائدة المطلوبة في الخارج لم يبق أمر حتى يجب امتثاله، لامتناع تحصيل الحاصل، و المطلوب في المقام غير معلوم، و كونه هو الستر الخاص فقط ممنوع. لم لا يجوز أن يكون المقصود نفس التعبّد أو هما معا؟ و لذا لا يسقط التكليف بحصول ذلك الستر من غير المكلّف، كريح أو سيل أو نحوه.

و أمّا مستحباته: فأن يكون الكفن من طهور أموال كلّ شخص، لمرسلة الفقيه، «إنّا أهل بيت حجّ صرورتنا و مهور نسائنا و أكفاننا من طهور أموالنا» «2».

______________________________

(1) الروض: 104.

(2) الفقيه 1: 120- 577، الوسائل 3: 55 أبواب التكفين ب 34 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 209

و أن يكون قطنا بالإجماع، كما عن المعتبر و التذكرة و نهاية الإحكام «1»، و في اللوامع، له، و لموثّقة عمّار، المتقدّمة «2»، و لخبر أبي خديجة: «الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون به، و القطن لامة محمد صلّى اللّه عليه و آله» «3».

محضا، كما في المنتهى «4»، و عن المبسوط و الوسيلة «5»، و الإصباح، بل عليه الإجماع عن نهاية الإحكام «6»، لأنه

المتبادر من كونه قطنا.

و أبيض، بلا خلاف، كما في المنتهى «7»، و عن الخلاف «8». بل إجماعا كما عن نهاية الإحكام و المعتبر «9»، لخبري جابر: «ليس من لباسكم شي ء أحسن من البياض، فالبسوه و كفّنوا به موتاكم» «10».

و موثّقة ابن القداح: «البسوا البياض، فإنه أطيب و أطهر، و كفّنوا فيه موتاكم» «11».

و المروي في العلل: إنّ عليّا عليه السلام كان لا يلبس إلّا البياض أكثر ما يلبس و يقول: «فيه تكفين الموتى» [1].

______________________________

[1] لم نعثر عليه في العلل، و هو مروي في قرب الإسناد: 152- 552.

______________________________

(1) المعتبر 1: 284، التذكرة 1: 43، نهاية الإحكام 2: 242.

(2) في ص 206.

(3) الكافي 3: 149 الجنائز ب 22 ح 7، التهذيب 1: 434- 1392 الاستبصار 1: 210- 741، الوسائل 3: 42 أبواب التكفين ب 20 ح 1.

(4) المنتهى 1: 438.

(5) المبسوط 1: 176، الوسيلة: 66.

(6) نهاية الإحكام 2: 242.

(7) المنتهى 1: 441.

(8) الخلاف 1: 702.

(9) نهاية الإحكام 2: 242، المعتبر 1: 284.

(10) الكافي 3: 148 الجنائز ب 22 ح 3، التهذيب 1: 434- 1390، الوسائل 3: 41 أبواب التكفين ب 19 ح 2.

(11) الكافي 6: 445 الزي و التجمّل ب 4 ح 1، الوسائل 3: 41 أبواب التكفين ب 19 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 210

و في مجالس ابن الشيخ: «خير ثيابكم البياض، فليلبسه أحياؤكم و كفّنوا فيه موتاكم» «1».

و يستثنى منه الحبرة، فالمستحب فيها الحمرة، للمعتبرة «2».

و جديدا، بلا خلاف، كما في المنتهى، و شرح القواعد الكركي «3»، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام كذا كفّنوا. إلّا في ثوب كان يصلي فيه، كما في المنتهى «4»، للنصوص.

و جيّدا.

و في المنتهى: يستحب اتّخاذ الكفن عن أفخر الثياب و أحسنها «5»، لمرسلة ابن أبي عمير: «أجيدوا أكفان موتاكم فإنها زينتهم» «6» و نحوها المروي عن مدينة العلم «7»، و العلل، و فلاح السائل، و دعوات الراوندي «8».

و رواية أبي خديجة: «تنوّقوا في الأكفان، فإنكم تبعثون بها» «9» و التنوق:

التجود و المبالغة فيه.

و صحيحة يونس، المتقدّمة «10» و غيرها.

و أن يكون من جملة أكفانه ثوب صلّى فيه، لمرسلة ابن المغيرة: «يستحب أن يكون في كفنه ثوب كان يصلّي فيه نظيف، فإنّ ذلك يستحب أن يكفّن فيما كان

______________________________

(1) مجالس الشيخ الطوسي: 398، الوسائل 5: 27 أبواب أحكام الملابس ب 14 ح 5.

(2) انظر الوسائل 3: 6 أبواب التكفين ب 2.

(3) المنتهى 1: 441، جامع المقاصد 1: 397.

(4) المنتهى 1: 442.

(5) المنتهى 1: 441.

(6) الكافي 3: 148 الجنائز ب 22 ح 1، الوسائل 3: 39 أبواب التكفين ب 18 ح 3.

(7) نقلها في فلاح السائل: 69 عن مدينة العلم للصدوق.

(8) العلل: 301، فلاح السائل: 69، الدعوات: 254.

(9) الكافي 3: 149 الجنائز ب 22 ح 6، الوسائل 3: 39 أبواب التكفين ب 18 ح 4.

(10) في ص 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 211

يصلّي فيه» «1».

و مرسلة الفقيه: «إذا أردت أن تكفّنه فإن استطعت أن يكون في كفنه ثوب كان يصلّي فيه نظيف فافعل» «2».

و تدلّ عليه أيضا رواية سهل، المتقدّمة «3».

و أن يخاط بخيوطه لا من غيره، كما في القواعد و الشرائع و المنتهى «4»، و عن المبسوط و الجامع «5»، و الإصباح، لفتوى هؤلاء.

و أن يطيّب بالذريرة ينثرها عليه، إجماعا من أهل العلم كافة، كما عن المعتبر «6»، للمعتبرة «7».

قيل: و الظاهر أنّ المراد بها

طيب خاص معروف بهذا الاسم الآن في بغداد و ما والاها «8». و عن التبيان: أنها فتات قصب الطيب، و هي قصب يجاء به من الهند و كأنه قصب النشاب «9». و في المبسوط: يعرف بالقمحة «10». و الظاهر أنه وجد الآن طيب معروف بهذا الاسم، فهو المستحب.

و أن يكتب فيه اسمه و شهادة التوحيد بهذه الصورة: فلان أو فلان بن فلان- كما عن الديلمي «11»- يشهد أن لا إله إلّا اللّه، لخبر أبي كهمس: «إن الصادق

______________________________

(1) الكافي 3: 148 الجنائز ب 22 ح 4، الوسائل 3: 15 أبواب التكفين ب 4 ح 2.

(2) الفقيه 1: 89- 413 الوسائل 3: 15 أبواب التكفين ب 4 ح 1.

(3) في ص 182.

(4) القواعد 1: 19، الشرائع 1: 40، المنتهى 1: 442.

(5) المبسوط 1: 177، الجامع: 54.

(6) المعتبر 1: 285.

(7) انظر الوسائل 3: 35 أبواب التكفين ب 15.

(8) قاله في الرياض 1: 59.

(9) التبيان 1: 448.

(10) المبسوط 1: 177.

(11) المراسم: 48.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 212

عليه السلام كتب في حاشية كفن إسماعيل: أنه يشهد أن لا إله إلّا اللّه» «1».

بل يزاد: وحده لا شريك له أيضا، كما عن المبسوط، و النهاية، و المهذب «2».

بل الشهادة على الرسالة و الإمامة لكلّ واحد واحد بأسمائهم الشريفة، كما عن كتب الشيخ «3»، و المهذب و الوسيلة و الغنية، و الإرشاد و الجامع «4»، و في المنتهى و الشرائع و القواعد «5». مع احتمال إرادة ذكر أسمائهم الشريفة بعد الشهادتين حسب، في الأربعة الأخيرة.

لفتوى هؤلاء الأجلة، مع دعوى الإجماع- كما عن الخلاف «6»- عليه، و هما كافيان في المقام بعد انفتاح باب الجواز بالإجماع و الخبر السابق مع أصالته.

مضافا إلى

المروي في مصباح الأنوار: «أنّ كثير بن عباس كتب في أطراف كفن سيدة النساء عليها السلام: تشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمدا صلّى اللّه عليه و آله رسول اللّه» «7».

فلا يتعيّن الاقتصار على شهادة التوحيد، كما اقتصر في الهداية و عن الفقيه و المراسم و المقنعة «8»، و غيرها.

على حاشية الكفن، كما في الخبر المذكور، و صرّح جماعة «9» بالكتابة على

______________________________

(1) التهذيب 1: 289- 842 و 309- 898، الوسائل 3: 51، 52 أبواب التكفين ب 29 ح 1، 2.

(2) المبسوط 1: 177، النهاية: 32، المهذب 1: 60.

(3) كالنهاية. 32، و المبسوط 1: 177، و الاقتصاد: 248.

(4) المهذب 1: 60، الوسيلة: 66، الغنية (الجوامع الفقهية): 563، الإرشاد 1: 231، الجامع:

54.

(5) المنتهى 1: 441، الشرائع 1: 40، القواعد 1: 19.

(6) الخلاف 1: 706.

(7) رواه في بحار الأنوار 78: 335 عن مصباح الأنوار.

(8) الهداية: 23، الفقيه 1: 87، المراسم: 48، المقنعة: 78.

(9) كالنهاية: 32، و المعتبر 1: 285، و الرياض 1: 59.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 213

اللفّافتين و القميص، و لعلّه لتأدية جميع احتمالات الرواية. و لكن صرّح في المروي في الاحتجاج، و كتاب الغيبة للشيخ بأنه كتب على إزار إسماعيل [1]، و المراد به اللفّافة كما مرّ، فالاقتصار عليه في الحكم بالاستحباب بخصوصه أولى و إن جاز في غيره أيضا.

و أن يزاد في المكتوب الجوشن الكبير، للمروي في جنّة الأمان للكفعمي عن السجاد عليه السلام: «إنّ الحسين عليه السلام قال: أوصاني أبي عليه السلام بحفظ هذا الدعاء و تعظيمه و أن أكتبه في كفنه» [2].

و قد يزاد الجوشن الصغير أيضا، استنادا إلى ما رواه السيد ابن طاوس في المهج: «إنه من كتبه

على كفنه أستحيي اللّه أن يعذبه» «1» ثمَّ ذكر ما في جنة الأمان عن السجّاد، و لكني ما رأيت شيئا من ذلك في شرح الجوشن الصغير في نسخة المهج التي كانت عندي، و كانت مصحّحة جدّا.

و مع ذلك قال شيخنا المجلسي في البحار بعد ذكر ذلك من المهج: ظهر لي من بعض القرائن أنّ هذا ليس من السيد، و ليس هذا إلّا شرح الجوشن الكبير. و كأنّ كتب الشيخ أبو طالب بن رجب هذا الشرح من كتب جدّه السعيد تقي الدين الحسن بن داود لمناسبة لفظ الجوشن و اشتراكهما في اللقب في حاشية الكتاب، فأدخله النسّاخ في المتن [3]. انتهى.

و لا مناسبة كثيرة لهذا الدعاء مع المقام أيضا، فعدم استحبابه بخصوصه أظهر.

و ربما يزاد القرآن بتمامه أو بعض آياته، للمروي في العيون عن الصيرفي،

______________________________

[1] الاحتجاج: 489، و لم نعثر عليه في الغيبة للشيخ، نعم هو مروي في الغيبة للصدوق المعروف ب (إكمال الدين): 71.

[2] جنة الأمان (المصباح): 238 و الرواية مروية في هامش الكتاب.

[3] هذه العبارة صورة مفصلة لما عثرنا عليه في بحار الأنوار 91: 327.

______________________________

(1) مهج الدعوات: 230.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 214

قال: توفّي موسى بن جعفر عليه السلام في يدي سندي بن شاهك، فحمل على نعشه و نودي عليه: هذا إمام الرافضة، فسمع سليمان بن أبي جعفر الصياح و نزل من قصره، و حضر جنازته و غسّله و حنّطه بحنوط فاخر، و كفّنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين و خمس مائة دينار عليها القرآن كلّها «1».

و فيه: أنه ليس من فعل المعصوم و لا تقرير منه فيه. و حضور الرضا عليه السلام- كما ورد- لا يفيد تقريره، لعدم إظهاره نفسه

المقدّسة، و عدم التمكّن من المخالفة لو ظهر.

نعم، عن كتاب الغيبة للشيخ عن أبي الحسن القمي: إنه دخل على محمد ابن عثمان العمري- رضي اللّه عنه- أحد النوّاب الأربعة، فوجده و بين يديه ساجة و نقاش ينقش عليه آيات من القرآن و أسماء الأئمة على حواشيها، فقلت: يا سيدي ما هذه الساجة؟ فقال: لقبري تكون فيه و أو ضع عليها، أو قال: أسند إليها «2». الحديث.

و في دلالته أيضا نظر، إذ لا يدلّ جواز كتابة القرآن على حواشي الساجة التي ليست معرضا لوصول نجاسة الميت، على جوازها على الكفن الذي هو معرض له، سيما في مقابل العورتين و الرجلين و تحت الجسد.

و أمّا التيمّن و التبرك و الاستشفاع، فمع عدم انحصارها بالكتابة في الكفن لا يثبت استحباب الخصوص، كما هو محط الكلام في المقام، مع أنها معارضة بإساءة الأدب و التخفيف.

و جواز الشهادتين و أسامي الأئمة لا يثبت جواز الغير، لقلّتها، فيسعها مكان يبعد عن سوء الأدب و لا يعلم وصول النجاسة إليه، مع اختلاف كثير من أحكامها مع القرآن، كما في مسّ المحدث و قراءة الجنب و الحمل و التعليق و غيرها.

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا 1: 81.

(2) الغيبة: 222.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 215

و الأفضل أن يكتب ما يكتب بالتربة الحسينية، كما ذكره الشيخان «1» و الفاضلان «2»، بل الأصحاب كما ذكره بعض الأجلّة «3»، و سائر متأخّريهم كما ذكره بعض آخر «4»، له، و للتبرك، و الجمع بين المندوبين من الكتابة و جعل التربة مع الميت المستفاد من المروي في الاحتجاج في التوقيع الرفيع الخارج في جواب مسائل الحميري: أنه سأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز

ذلك أم لا؟

فأجاب: «يوضع مع الميت و يخلط بحنوطه إن شاء اللّه» و سأل فقال: روي لنا عن الصادق عليه السلام: أنه كتب على إزار إسماعيل ابنه: إسماعيل يشهد أن لا إله إلّا اللّه. فهل يجوز لنا أن نكتب مثل ذلك بطين القبر؟ فأجاب: «يجوز» «5».

و مع عدمها يكتب بمطلق الطين و الماء، كما عن الإسكافي، و عزيّة المفيد «6»، و كتب الشهيد «7»، بل نسبه في اللوامع إلى الجماعة.

و الظاهر اشتراط التأثير في الكتابة، كما عن السرائر و المختلف «8»، و المنتهى [1]، و الذكرى «9»، و رسالة المفيد [2]، بل عليه يحمل إطلاق الأكثر، لأنه المعهود بل المتبادر منها. فإن لم يتيسّر فبالماء المطلق.

و أمّا تجويز الكتابة بالإصبع من غير تأثير مطلقا، كما عن الاقتصاد و المصباح

______________________________

[1] نقل عنه في كشف اللثام 1: 120، و هو ساقط من المنتهى المطبوع ج 1: 441 فراجع.

[2] نقل عنهما في كشف اللثام 1: 120، و السرائر 1: 162.

______________________________

(1) المقنعة: 78، النهاية: 32.

(2) الشرائع 1: 40، التحرير 1: 18.

(3) كشف اللثام 1: 120.

(4) الرياض 1: 59.

(5) الاحتجاج: 489.

(6) نقل عنه و عن الإسكافي في كشف اللثام 1: 120.

(7) كالذكرى: 49، و الدروس 1: 110، و البيان: 72.

(8) السرائر 1: 162، المختلف: 46.

(9) الذكرى: 49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 216

و مختصره و المراسم «1»، أو مع فقد التربة، كما عن المشهور، أو مع فقد الطين و الماء مطلقا، كما عن الإسكافي و العزيّة [1] فلا دليل عليه، إلّا أن يستند فيه إلى دعوى الشهرة [2] و فتوى الأجلّة، و لا بأس به.

و أن يغسل الغاسل قبل التكفين يديه إلى المرفقين، للرضوي: «فإذا فرغت من الغسلة الثالثة

فاغسل يديك من المرفقين إلى أطراف أصابعك» «2».

و الأفضل إلى المنكبين، لصحيحة محمد: «يغسل، ثمَّ يغسله يديه من العاتق، ثمَّ يلبسه أكفانه، ثمَّ يغتسل» «3».

ثلاثا، لصحيحة ابن يقطين: «ثمَّ يغسل الذي غسّله يده قبل أن يكفّنه إلى المنكبين ثلاث مرات، ثمَّ إذا كفّنه اغتسل» «4».

و الرجلين، لخبر عمار: «ثمَّ تغسل يديك إلى المرافق و رجليك إلى الركبتين» «5».

و المستفاد من أكثر تلك الأخبار وفاقا لبعض الأصحاب [3]: أولوية تأخير غسل المسّ عن التكفين، و يدلّ عليه أيضا المروي في الخصال: «من غسّل منكم ميتا فليغتسل بعد ما يلبسه أكفانه» «6».

______________________________

[1] نقل عنهما في كشف اللثام 1: 120، و المختلف: 46.

[2] كما ادعاها في المختلف 46، و كشف اللثام 1: 120.

[3] كما اختاره في المدارك: 2: 99.

______________________________

(1) الاقتصاد: 248، مصباح المتهجد: 18، المراسم: 48.

(2) فقه الرضا: 167، المستدرك 2: 167 أبواب غسل الميت ب 2 ح 3.

(3) الكافي 3: 160 الجنائز ب 31 ح 2، التهذيب 1: 428- 1364، الوسائل 3: 56 أبواب التكفين ب 35 ح 1.

(4) التهذيب 1: 446- 1444، الاستبصار 1: 208- 731، الوسائل 2: 483 أبواب غسل الميت ب 2 ح 7.

(5) التهذيب 1: 305- 887، الوسائل 2: 484 أبواب غسل الميت ب 2 ح 10.

(6) الخصال: 618 حديث أربعمائة، الوسائل 3: 292 أبواب غسل المس ب 1 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 217

فما ذكره جماعة من الأصحاب كما عن الوسيلة و الفقيه و النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع و المعتبر و الشرائع و النافع «1»، و في اللوامع و المنتهى و القواعد و التذكرة «2»، و غيرها «3»، من استحباب تقديم الغسل كما عن الأول، أو

مع الوضوء كما عن الثاني، أو الوضوء مطلقا أو مع تعسّر الغسل كالبواقي، فإن أرادوا به غسل المسّ- كما صرّح به بعضهم [1]- فليس عليه دليل، و ما علّلوه به عليل.

و مع ذلك يردّه ما ذكر، و ما دلّ على استحباب تعجيل التجهيز. و لذلك لا ينتهض فتاوى هؤلاء أيضا لإثباته لنا.

و إن أرادوا الغسل للتكفين- كما عن الذكرى و النزهة «4»، بل عن الأخير أنّ به رواية [2]- فلا بأس أن يقول به و يحكم باستحبابه، لما أشير إليه من الرواية، و إن كانت ضعيفة مرسلة و متنها غير معلوم، لما يتحمل المقام من المسامحة.

مع أنّ إرادته من الصحيحة: «الغسل في سبعة عشر موطنا» إلى أن قال:

«و إذا غسّلت ميتا أو كفّنته أو مسسته بعد ما يبرد» «5» ممكنة، كما قال بعضهم لأجل تلك الرواية، سيما بملاحظة عدم كونه غسل المسّ، لذكره، و عدم ظهور قول بالغسل بعد التكفين، كما هو مقتضى الحقيقة.

و أما مكروهاته: فأن يكفّن في السواد بالإجماع، كما عن المعتبر و التذكرة

______________________________

[1] كالمنتهى و الروض.

[2] قال في النزهة: و قد روي «أنه إذا أراد تغسيل الميت يستحب له أن يغتسل قبل تغسيله و كذلك إذا أراد تكفينه».

______________________________

(1) الوسيلة: 65، الفقيه 1: 91، النهاية: 35، المبسوط 1: 179، السرائر 1: 164، الجامع:

52، المعتبر 1: 284، الشرائع 1: 39، النافع: 13.

(2) المنتهى 1: 438، القواعد 1: 18، التذكرة 1: 44.

(3) كالدروس 1: 110، و جامع المقاصد 1: 389، و الروض: 105.

(4) الذكرى: 24، نزهة الناظر: 16.

(5) التهذيب 1: 114- 302، الوسائل 3: 307 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 218

و نهاية الإحكام «1»، و عن المنتهى:

بلا خلاف «2»، لخبري ابن المختار، أحدهما:

«لا يكفّن الميت في السواد» «3» و الآخر: «لا يحرم الرجل في الثوب الأسود و لا يكفّن به» «4».

نعم، في المروي في الدعائم: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كفّن حمزة في نمرة سوداء» «5» و هي كساء من الصوف يلبسها الأعراب. كذا في الصحاح [1].

و لكن الفتوى على مقتضى الخبرين، للأحدثية و الأشهرية، بل عدم دلالة الأخير إلّا على الجواز، و هو مسلّم، مع احتمال أن يكون مقام الضرورة، كما يدلّ عليه ما نقل من قصور كفنه عن ستر جميع بدنه، فجعل النبي على رجليه الحشيش «6».

بل في كلّ صبغ، كما عن الذكرى «7»، بل عن المهذّب و الإصباح «8»:

الحرمة. لفتوى هؤلاء الأجلّة، و التأسّي بصاحب الشريعة، و استحباب البياض المستلزم لها على قول لا يخلو عن القوة.

و أمّا الحرمة فخالية عن الحجة سوى الأمر بالبياض في الموثّقة «9». و هو على

______________________________

[1] الصحاح 2: 838 و فيه: بردة من الصوف تلبسها الأعراب.

______________________________

(1) المعتبر 1: 289، التذكرة 1: 43، نهاية الإحكام 2: 243.

(2) المنتهى 1: 438.

(3) الكافي 3: 149 الجنائز ب 22 ح 11، التهذيب 1: 434- 1394، الوسائل 3: 43 أبواب التكفين ب 21 ح 1.

(4) الكافي 4: 341 الحج ب 83 ح 13، التهذيب 1: 435- 1395، الوسائل 3: 43 أبواب التكفين ب 21 ح 2.

(5) دعائم الإسلام 1: 232 المستدرك 2: 225 أحكام الكفن ب 18 ح 2.

(6) الكافي 3: 211 الجنائز ب 75 ح 2، التهذيب 1: 331- 970، الوسائل 2: 509 أبواب غسل الميت ب 14 ح 8.

(7) الذكرى: 48.

(8) المهذب 1: 60، و نقله في كشف اللثام 1: 115 عن الإصباح.

(9)

موثقة ابن القداح المتقدمة في ص 209.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 219

الندب محمول، لرواية الدعائم «1»، المنجبرة، مع و هن إرادة الوجوب منه، لعطفه على الأمر باللبس الذي هو غير واجب قولا واحدا.

و في الممتزج بالحرير، لفتوى الأجلّة «2»، و استحباب محضية القطنة.

و عن النهاية و الاقتصاد و المهذب «3»: المنع. و هو كذلك مع عدم كون الخليط أكثر- كما مرّ- لا مطلقا، للمضمر [1].

و في الكتان، وفاقا للأكثر، لمرسلة يعقوب بن يزيد: «لا يكفّن الميت في كتان» «4».

و هي عن الدلالة على الحرمة خالية، فالقول بها- كما عن ظاهر الصدوق «5»، سيما مع دعوى الإجماع كما عن الغنية «6» على الجواز- ضعيف.

و عدم انصراف إطلاقات التكفين إليه غير مضرّ، بل المضرّ انصرافها إلى غيره، و هو ممنوع.

و الرضوي المتقدّم: «لا يكفّنه في كتان و لا ثوب إبريسم» «7» ليس نصّا في التحريم، لجواز كون الجملة خبرية.

و تعلّقه بالإبريسم المحرّم قطعا لا يفيد، لإمكان إرادة مطلق المرجوحية دون الكراهة حتى يلزم استعمال اللفظ في المجاز و الحقيقة.

و أن يبلّ الخيوط التي يخاط به الكفن بالريق، بلا خلاف، كما يعطيه

______________________________

[1] يعني به مضمرة ابن راشد المتقدمة في ص 204.

______________________________

(1) المتقدمة في ص 218.

(2) كما أفتى به في المبسوط 1: 176، و الوسيلة: 67، و التحرير 1: 18.

(3) النهاية: 31، الاقتصاد: 248، المهذب 1: 59.

(4) التهذيب 1: 451- 1465، الاستبصار 1: 211- 745، الوسائل 3: 42 أبواب التكفين ب 20 ح 2.

(5) الفقيه 1: 89.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 563.

(7) تقدم في ص 205.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 220

المعتبر «1»، لذلك و إن لم يعلم مستند آخر. لا بغيره، للأصل الخالي عن مطلق المعارض

و لو فتوى فقيه.

و أن يتّخذ الأكمام للقميص المبتدأ دون الملبوس، بل المستحب فيه قطع أزراره.

و عن الأصحاب: القطع بالأحكام الثلاثة.

و تدلّ عليها مرسلة ابن سنان: الرجل يكون له القميص أ يكفّن فيه؟ قال:

«يقطع أزراره» قلت: و كمّه؟ قال: «لا، إنما ذلك إذا قطع له و هو جديد لم يجعل له كمّا، فأمّا إذا كان ثوبا لبيسا فلا يقطع منه إلّا الأزرار» «2».

و على خصوص الثالث: صحيحة ابن بزيع: سألت أبا جعفر عليه السلام أن يأمر لي بقميص أعدّه لكفني، فبعث به إليّ، فقلت: كيف أصنع؟ فقال:

«انزع أزراره» «3».

و مقتضاها وجوب القطع، فالقول به متعيّن إلّا أن ثبت إجماع على عدمه، و هو مشكل.

و ليس في عدم ذكره فيما ورد في خبري ابن سنان و عيسى، المرويين في العلل، و خبر ابن ربعي عن ابن عباس، المروي في المجالس من أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كفّن فاطمة بنت أسد في قميصه «4»، و لم يتعرّض فيها لقطع الأزرار، دلالة على عدم القطع، لأنّ الغرض ذكر تشريفه لها بقميصه لا بيان الأحكام.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 3    221     الرابعة: ..... ص : 204

أن يجمّر [1] الأكفان بالدخنة الطيبة، للنهي عنه في المستفيضة «5».

______________________________

[1] جمّر ثوبه: بخّره (المصباح المنير: 108).

______________________________

(1) المعتبر 1: 289.

(2) التهذيب 1: 305- 886، الوسائل 3: 51 أبواب التكفين ب 28 ح 2.

(3) التهذيب 1: 304- 885، الوسائل 3: 50 أبواب التكفين ب 28 ح 1.

(4) علل الشرائع: 469- 32، 31، مجالس الصدوق: 258- 14، الوسائل 3: 48، 49 أبواب التكفين ب 26 ح 2، 3، 4.

(5) انظر الوسائل 3: 17 أبواب التكفين ب 6.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 3، ص: 221

و يحمل على الكراهة، لصحيحة ابن سنان: «لا بأس بدخنة كفن الميت» «1» المجوّزة لها الغير المنافية للكراهة.

و أن يتبع الجنازة بالمجمرة، للتصريح به في المعتبرة «2».

و أن يطيّب بغير الكافور و الذريرة، لرواية محمد: «و لا تمسحوا موتاكم بالطيب إلّا بالكافور» «3» و في الخبر: «رأيت جعفر بن محمد عليهما السلام ينفض بكمه المسك من الكفن و يقول: هذا ليس من الحنوط في شي ء» «4» و في المرسل:

«و لا يحنّط بمسك» «5».

و عن الغنية «6» و بعض آخر «7»: المنع، و في شرح القواعد للكركي: إنه المشهور «8»، لظاهر النهي.

و يدفع بالمعارضة مع مرسلة الفقيه: هل يقرب إلى الميت المسك و البخور؟

قال: «نعم» «9».

و مع ذلك فالترك أحوط، لكون الجواز بل الاستحباب مذهب العامة بل شعارهم، كما صرّح به الأصحاب «10»

______________________________

(1) التهذيب 1: 295- 867، الاستبصار 1: 209- 738، الوسائل 3: 20 أبواب التكفين ب 6 ح 13.

(2) راجع الرقم (6) ص 220.

(3) الكافي 3: 147 الجنائز ب 22 ح 3، التهذيب 1: 295- 863، الاستبصار 1: 209- 735، الوسائل 3: 18 أبواب التكفين ب 6 ح 5.

(4) قرب الإسناد: 162- 590، الوسائل 3: 19 أبواب التكفين ب 6 ح 11.

(5) الكافي 3: 147 الجنائز ب 21 ح 2، التهذيب 1: 322- 937، الوسائل 3: 18 أبواب التكفين ب 6 ح 11.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 563.

(7) كالشرائع 1: 39، و القواعد 1: 19، و الدروس 1: 108.

(8) جامع المقاصد 1: 387.

(9) الفقيه 1: 93- 426، الوسائل 3: 19 أبواب التكفين ب 6 ح 9.

(10) كالحدائق 4: 54، و الرياض 1: 62. و انظر من كتب العامة: المغني 2: 337 و بدائع

الصنائع 1: 307.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 222

و في صحيحة ابن سرحان: قال الصادق عليه السلام في كفن الحذاء: «إنما الحنوط الكافور، و لكن اذهب فاصنع كما يصنع الناس» «1».

و منه يظهر الجواب عن استدلال الصدوق [1] على الاستحباب- كما نقل عنه- بالمرسل المذكور، و خبر غياث عن الصادق عليه السلام: «إن أباه كان يجمّر الميت العود فيه المسك» «2» و ما روى من تحنيط النبي صلّى اللّه عليه و آله بمثقال مسك سوى الكافور «3».

مضافا إلى عدم دلالة الأول على الزائد على الجواز، و الأخير على الاستحباب في حق غيره صلّى اللّه عليه و آله، لاحتمال الاختصاص، كما جوّز جمع من الأصحاب «4».

و أن يكتب عليه بالسواد، كما عن كتب الفاضلين «5»، و عن المقنعة و النهاية و المبسوط و الاقتصاد و المصباح «6»، و مختصره، و المراسم [2]، و الوسيلة و الجامع «7»،

______________________________

[1] قال في الفقيه 1: 91 يكره أن يجمر أو يتبع بمجمرة و لكن يجمر الكفن .. ثمَّ قال- بعد إيراد أحكام و روايات في التكفين و التحنيط- في ص 93: و روى أنه صلّى اللّه عليه و آله حنط بمثقال مسك سوى الكافور .. ثمَّ أورد بعد نقل روايات المرسلة المذكورة، و لم يرو خبر غياث و لم يستدل به كما يظهر من المتن.

[2] نقله في كشف اللثام 1: 121 و لم نعثر عليه في المراسم.

______________________________

(1) الكافي 3: 146 الجنائز ب 19 ح 13، التهذيب 1: 436- 1404، الوسائل 3: 18 أبواب التكفين ب 6 ح 7.

(2) التهذيب 1: 295- 865، الاستبصار 1: 210- 739، الوسائل 3: 20 أبواب التكفين ب 6 ح 14.

(3) الفقيه 1: 93- 422.

(4)

كما جوزه في كشف اللثام 1: 121، و الرياض 1: 62.

(5) المعتبر 1: 290، الشرائع 1: 40، النافع: 13، القواعد: 19، التحرير: 18، التذكرة 1:

45.

(6) المقنعة: 78، النهاية: 32، المبسوط 1: 177، الاقتصاد: 248، مصباح المتهجد: 18.

(7) الوسيلة 67، الجامع: 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 223

و غيرها «1»، مع التصريح بالمنع في بعضها «2». لفتوى تلك الأخيار- و إن لم يكن له مستند من الأخبار- و إن احتمل شمول النهي عن التكفين في السواد أو في سواد له.

و عن المفيد: المنع من سائر الأصباغ «3». و لا بأس به.

و أن يقطع الكفن بالحديد، لما عن التهذيب من قوله: سمعناه مذاكرة من الشيوخ و كان عليه عملهم «4». و مثله كاف في مقام التسامح.

الخامسة:

و يستحب أن يجعل مع الميت الجريدة، بالإجماع المحقّق و المنقول متواترا في كلام الأصحاب منهم: المدارك و اللوامع و الحدائق و البحار «5»، و في المنتهى: إنه مذهب أهل البيت «6»، و الظاهر أنه ضروري المذهب، و هو الحجة فيه مع الأخبار المستفيضة بل المتواترة معنى.

كصحيحة زرارة: أرأيت الميت إذا مات لم تجعل معه الجريدة؟ فقال:

«يتجافى عنه العذاب و الحساب ما دام العود رطبا» «7» الحديث.

و حسنة البصري: لأيّ شي ء توضع على الميت الجريدة؟ قال: «إنه يتجافى عنه العذاب ما دامت رطبة» «8» إلى غير ذلك.

و القول بالوجوب- كما هو ظاهر الصدوق في معاني الأخبار «9»- شاذ،

______________________________

(1) كالدروس 1: 110، و جامع المقاصد 1: 396.

(2) كالمقنعة و النهاية.

(3) المقنعة: 78.

(4) التهذيب 1: 294.

(5) المدارك 2: 108، الحدائق 4: 38، بحار الأنوار 78: 315.

(6) المنتهى 1: 440.

(7) الكافي 3: 152 الجنائز ب 24 ح 4، الفقيه 1: 89- 410، الوسائل

3: 20 أبواب التكفين ب 7 ح 1.

(8) الكافي 3: 153 الجنائز ب 24 ح 7، التهذيب 1: 327- 955، الوسائل 3: 22 أبواب التكفين ب 7 ح 7.

(9) معاني الأخبار: 348 باب معنى التخضير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 224

و الأخبار غير مفيدة له.

و لتكن اثنتين على الحقّ المشهور، بل بالإجماع المنقول و المحقّق، لعدم مخالفة غير العماني، للأخبار الآتية المصرّحة بالتعدّد.

خلافا للمحكي عن العماني «1»، فجعلها واحدة، لخبري يحيى، الآتيين، و حسنة جميل: عن الجريدة توضع من دون الثياب أو من فوقها؟ فقال: «فوق القميص دون الخاصرة» فسألته من أيّ الجانب؟ فقال: «من الجانب الأيمن» «2».

و الجواب: أنّ روايتي يحيى مطلقتان بالنسبة إلى الوحدة و التعدّد، فيجب تقييدهما بأخبار التعدّد. بل و كذلك الحسنة، و الاقتصار على الأيمن فيها لا يدلّ على الوحدة، لجواز وضعهما معا في الأيمن.

و لتكونا خضراوين بالإجماع كما في اللوامع و غيره «3»، لأنه المفهوم من الروايتين الأوليين.

و لرواية يونس: «و يجعل له قطعتين من جرائد النخل رطبا قدر ذراع، يجعل له واحدة بين ركبتيه، نصف ممّا يلي الساق و نصف ممّا يلي الفخذ، و يجعل الأخرى تحت إبطه الأيمن» «4».

و يدلّ عليه قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما في رواية يحيى بن عبادة:

«خضّروا أصحابكم فما أقلّ المخضرين» قال: و ما التخضير؟ قال: «جريدة خضراء توضع من أصل اليدين إلى الترقوة» «5» و روايته الأخرى الآتية «6».

بل لا تجزئ اليابسة، لرواية محمد بن علي: عن السعفة اليابسة إذا قطعها

______________________________

(1) كما نقل عنه في الرياض 1: 61.

(2) الكافي 3: 154 الجنائز ب 24 ح 13، الوسائل 3: 26 أبواب التكفين ب 10 ح 3.

(3) كالخلاف 1:

704، و المنتهى 1: 440.

(4) الكافي 3: 143 الجنائز ب 19 ح 1، الوسائل 3: 32 أبواب التكفين ب 14 ح 3.

(5) الكافي 3: 152 الجنائز ب 24 ح 2، الفقيه 1: 88- 408، الوسائل 3: 26 أبواب التكفين ب 10 ح 1.

(6) في ص 226.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 225

بيده هل يجوز للميت أن توضع معه في حفرته؟ فقال: «لا يجوز اليابس» «1».

و عن طائفة من كتب اللغة كالعين، و المحيط، و تهذيب اللغة «2» اعتبار الرطوبة في المفهوم.

من النخل، بلا خلاف، كما هو صريح رواية يونس، المتقدّمة و المستفاد من ظواهر الأخبار، بل يستفاد منها كون الجريدة حيث يطلق يومئذ حقيقة في المتّخذ منه.

فإن لم يوجد منه فمن السدر، فإن لم يوجد فمن الخلاف، وفاقا للأكثر، لرواية سهل: إن لم يقدر على الجريدة؟ فقال: «عود السدر» قيل: فإن لم يقدر على السدر؟ فقال: «عود الخلاف» «3».

ثمَّ إن لم يوجد الخلاف فمن كلّ شجر رطب، لمرسلة الفقيه: الرجل يموت في بلاد ليس فيها نخل، فهل يجوز مكان الجريدة شي ء من الشجر غير النخل- إلى أن قال-: فأجاب عليه السلام: «يجوز من شجر آخر رطب» [1].

و الرضوي: «فإن لم يقدر على جريدة من النخل فلا بأس بأن يكون من غيره بعد أن يكون رطبا» «4».

و ظاهرهما و إن اقتضى بدليته عن النخل أوّلا كما عن الفقيه [2]، و الخلاف

______________________________

[1] الفقيه 1: 88- 407، الوسائل 3: 24 أبواب التكفين ب 8 ح 1، و لا يخفى أن الرواية نقلها الصدوق عن علي بن بلال و له إليه طريق مذكور في مشيخة الفقيه 4: 21. فتوصيفها بالمرسلة ليس على ما ينبغي.

[2] الفقيه 1: 88 و

في «ق» و «ه» زيادة: و الفاخر. و هو كتاب الجعفي و نقل عنه في البحار 78:

315.

______________________________

(1) التهذيب 1: 432- 1381، الوسائل 3: 25 أبواب التكفين ب 9 ح 1.

(2) العين 6: 76، و تهذيب اللغة 10: 639.

(3) الكافي 3: 153 الجنائز ب 24 ح 10، التهذيب 1: 294- 859، الوسائل 3: 24 أبواب التكفين ب 8 ح 3.

(4) فقه الرضا: 168، المستدرك 2: 214 أبواب التكفين ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 226

و السرائر و الذكرى «1»، و الكامل، إلّا أنهما لأعمّيتهما من الرواية المتقدّمة مطلقا، يجب تقييدهما بها، كما يجب تقييدها برواية علي بن إبراهيم: «يجعل بدلها عود الرمان» «2» فيقدّم الرمان على غير السدر و الخلاف، كما عن البيان، و الدروس «3»، و اللمعة [1]. بل ظاهرها بدلية الرمان عن النخل مطلقا، فيعارض الرواية السابقة بالعموم من وجه، إلّا أنّ الشهرة بل عدم قول بتقديم الرمان عليهما أوجب ترجيح ما تضمنهما على ما تضمنه.

و حكي عن المفيد و الديلمي «4» و جماعة [2]- كما في البحار «5»- تقديم الخلاف على السدر، و لا أعلم مستندهما. و ربما قيل بالتخيير بعد النخل بين السدر و الخلاف ثمَّ الرمان [3].

و يستحب أن يكونا بقدر عظم الذراع، كما عن المشهور، للرضوي:

«و روي أن الجريدتين كلّ واحدة قدر عظم ذراع» «6».

و لعلّهم حملوا عليها الذراع في رواية يونس، السابقة «7»، و رواية يحيى بن عبادة: «تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع فتوضع- و أشار بيده- من عند ترقوته إلى

______________________________

[1] المستفاد من اللمعة (الروضة 1): 133: التخيير بين النخل و كل شجر رطب، نعم قال به الشهيد الثاني في شرح اللمعة 1: 133.

[2] منهم

ابن سعيد في الجامع: 53.

[3] كما نفي عنه البعد في بحار الأنوار.

______________________________

(1) الخلاف 1: 704، السرائر 1: 164، الذكرى: 49.

(2) الكافي 3: 154 الجنائز ب 24 ح 12، التهذيب 1: 294- 861، الوسائل 3: 25 أبواب التكفين ب 8 ح 4.

(3) البيان: 72، الدروس 1: 109.

(4) المقنعة: 75، المراسم: 48.

(5) بحار الأنوار 78: 315.

(6) فقه الرضا: 168، المستدرك 2: 215 أبواب التكفين ب 8 ح 1.

(7) في ص 224.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 227

يده، تلفّ مع ثيابه» «1».

لأنها المعنى الحقيقي للذراع- كما قيل «2»- و الأصل عدم النقل.

و لا تنافيه حسنة جميل: «الجريدة قدر شبر توضع واحدة من عند الترقوة إلى ما بلغت ممّا يلي الجلد، و الأخرى في الأيسر من عند الترقوة إلى ما بلغت من فوق القميص» «3».

لأنّ عظم الذراع أيضا قدر شبر تقريبا.

و أمّا التقدير بأربع أصابع فما فوقها- كما عن العماني «4»- فكأنه مستنبط من رواية يحيى بن عبادة، الاولى «5». و فيه تأمّل.

ثمَّ الظاهر جواز الزيادة عمّا ذكر و النقيصة ما دام صدق الجريدة، إذ يعتبر فيها طول، لإطلاق بعض الروايات و عدم ثبوت الوجوب من المقيدات.

ثمَّ إنه يحصل الامتثال بوضعهما مع الميت كيف كان- و لو اختيارا- على الأظهر، وفاقا للمعتبر و شرح القواعد للكركي «6»، لمطلقات وضعهما للميت وضعة، و عدم ثبوت دلالة المقيدات على لزوم التقيّد و تعيّنه، مضافا إلى خصوص رواية البصري: عن الجريدة توضع في القبر، فقال: «لا بأس» «7».

و يستحب أن تجعل إحداهما على الأيمن و الأخرى على الأيسر كما هو- في

______________________________

(1) الكافي 3: 152 الجنائز ب 24 ح 3، التهذيب 1: 308- 396، الوسائل 3: 27 أبواب التكفين ب 10 ح

4.

(2) كشف اللثام 1: 117.

(3) الكافي 3: 152 الجنائز ب 24 ح 5، التهذيب 1: 309- 897، الوسائل 3: 26 أبواب التكفين ب 10 ح 2.

(4) كما نقل عنه في المختلف: 44.

(5) المتقدمة في ص 224.

(6) المعتبر 1: 288، جامع المقاصد 1: 392.

(7) الكافي 3: 153 الجنائز ب 24 ح 9، التهذيب 1: 328- 958، الوسائل 3: 28 أبواب التكفين ب 11 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 228

طريقة وضعهما- الأشهر، بل عليه غير الجعفي ممن تقدّم أو تأخّر، لرواية الفضيل: «توضع للميت جريدتان واحدة في الأيمن و الأخرى في الأيسر» «1» و حسنة جميل، المتقدمة «2».

أو تجعل إحداهما في الأيمن و الأخرى بين الركبتين، كما عن الجعفي «3»، لرواية يونس، السابقة «4»، و قريب منها الرضوي «5».

و إن كان الأول أولى، للأشهرية. و لا يتعين على الأقوى، للأصل.

ثمَّ على الأول تجعل اليمنى عند الترقوة بين الجلد و القميص، و اليسرى عندها بين القميص و اللفّافة، كما في الحسنة.

أو الأولى كما ذكر، و الثانية عند وركه، للرضوي: «و اجعل معه جريدتين إحداهما عند ترقوته تلصقها بجلده، ثمَّ تمدّ عليه قميصه، و الآخر عند وركه» «6».

و لا يتعين الأول، كما ذهب إليه الأكثر و منهم الصدوق في المقنع «7»، و إن كان أفضل، لأنه الأشهر.

و لا الثاني، كما عن الصدوق في الفقيه «8» و والده «9»، للأصل، و عدم دلالة الروايات على اللزوم، بل الظاهر عدم إرادة القوم فيما اختاروه أيضا سوى بيان الأفضل.

و أمّا جعل اليمنى عند الحقو على الجلد، و اليسرى على الإزار، كما عن

______________________________

(1) الكافي 3: 153 الجنائز ب 24 ح 6، الوسائل 3: 27 أبواب التكفين ب 10 ح 6.

(2)

في ص 227.

(3) كما نقل عنه في الذكرى: 49.

(4) في ص 224.

(5) المتقدم في ص 225.

(6) فقه الرضا: 168، المستدرك 2: 213 أبواب الكفن ب 6 ح 1.

(7) المقنع: 19.

(8) الفقيه 1: 91.

(9) نقل عنه في المختلف: 44.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 229

الاقتصاد و المصباح «1»، و مختصره، أو وضعهما كالمشهور، إلّا أنّ اليسرى تحت اليد كما عن المراسم «2»، فلا دليل عليه بخصوصه.

كلّ ذلك مع عدم المانع من تقية أو غيرها و لو كان نسيانا. و معه توضع حيث أمكن- و لو في القبر- قولا واحدا، للمستفيضة كمرفوعة سهل: ربما حضرني من أخافه، فلا يمكن وضع الجريدة على ما رويناه. فقال: «أدخلها حيث ما أمكن» «3» و نحوها غيرها بزيادة: «و إن وضعت في القبر فقد أجزأه» «4».

و في مكاتبة أحمد بعد السؤال عن حضور المرجئة: «و أما الجريدة فليستخف بها و لا يرونه، و ليجهد في ذلك جهده» [1].

و في مرسلة الفقيه: «مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على قبر يعذّب صاحبه، فدعا بجريدة فشقّها نصفين، فجعل واحدة عند رأسه و الأخرى عند رجليه» «5».

و يحتمل أن يكون المراد بالشقّ فيها القطع، فلا يثبت معها ما استحبه

______________________________

[1] التهذيب 1: 448- 1451، الوسائل 3: 23 أبواب التكفين ب 7 ح 9 و المرجئة بغير تشديد من الإرجاء بمعنى التأخير، و في معنى الكلمة أقوال مختلفة و لا يبعد أن يكون الخبر ما فسّره في المقالات و الفرق: 5 قال ما لفظه: فلمّا قتل علي عليه السلام التقت الفرقة التي كانت معه و الفرقة التي كانت مع طلحة و الزبير و عائشة فصاروا فرقة واحدة مع معاوية بن أبي سفيان إلا

القليل منهم من شيعته و من قال بإمامته بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله، و هم السواد الأعظم و أهل الحشو و أتباع الملوك و أعوان كل من غلب أعني الذين التقوا مع معاوية فسموا جميعا المرجئة .. و انظر أيضا مقباس الهداية 2: 369.

______________________________

(1) الاقتصاد: 249، مصباح المتهجد: 19.

(2) المراسم: 49.

(3) الكافي 3: 153 الجنائز ب 24 ح 8، التهذيب 1: 327- 956، الوسائل 3: 28 أبواب التكفين ب 11 ح 1.

(4) التهذيب 1: 328- 957، الوسائل 3: 28 أبواب التكفين ب 11 ح 2.

(5) الفقيه 1: 88- 405، الوسائل 3: 28 أبواب التكفين ب 11 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 230

بعضهم [1] من الشقّ.

و بعضهم استحب وضع القطن عليها «1»، و كأنه لاستبقاء الرطوبة.

و ينافيه ما مرّ به من الإلصاق بالجلد، فالترك أولى.

و ذكر الأكثر- و منهم الصدوق في الهداية «2»- استحباب كتابة الشهادة بالتوحيد عنه عليهما، بل زادوا الشهادة بالرسالة و الإمامة للأئمة بأسمائهم المقدّسة.

و لا نص عليه بخصوصه، إلّا أن الشهرة العظيمة، و تصريح الأجلّة، و طلب اليمن و البركة كافية في الإثبات، للمسامحة.

و هل يختص استحباب الجريدتين بالمكلّف، كما يوهمه ظاهر التعليل بمنعهما عن العذاب؟ أو لا، كما يقتضيه إطلاق الأخبار و ظاهر فتاوى الأصحاب، فتوضعان لكلّ ميت حتى الصغير و المجنون؟

الظاهر: الثاني، لما مرّ، و إفادتهما في حق غير المكلّف لدفع الوحشة، و حصول الانس الذي هو أيضا علّة أخرى كما يستفاد من بعض الروايات «3». بل الوحشة أيضا نوع عذاب غير مخصوص بالمكلّفين.

السادسة:

يستحب أن يضع في يمين الميت مع الجريدة كتابا يكتب فيه إقراره في حياته، و تستشهد بما فيه جماعة، على ما

ذكره الشيخ في المصباح «4»، بل رواه، كما في المنتهى [2]. و هو كاف في إثبات استحبابه.

و طريقه على ما ذكره أن يهيّئه كلّ أحد في حياته، فيقول قبل أن يكتب:

______________________________

[1] لم نعثر على شخصه، و قال في البحار 78: 315: و استحباب الشق كما ذكره بعض الأصحاب غير ثابت.

[2] لم نعثر عليه في المنتهى.

______________________________

(1) الذكرى: 49، المسالك 1: 14، المدارك 2: 112.

(2) الهداية: 23.

(3) انظر الوسائل 3: 23 أبواب التكفين ب 7 ح 10.

(4) مصباح المتهجد: 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 231

«بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أنّ محمّدا عبده و رسوله و أنّ الجنة حقّ و أنّ النار حقّ و أنّ الساعة آتية لا ريب فيها و أنّ اللّه يبعث من في القبور».

ثمَّ يكتب: «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم شهد الشهود المسمّون في هذا الكتاب أنّ أخاهم في اللّه عزّ و جلّ فلان بن فلان- و يذكر اسم الرجل- أشهدهم و استودعهم و أقرّ عندهم أنه يشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أنّ محمدا عبده و رسوله، و أنه مقر بجميع الأنبياء و الرسل عليهم السلام، و أنّ عليا وليّ اللّه و إمامه، و أنّ الأئمة من ولده أئمته، و أنّ أوّلهم الحسن و الحسين عليهما السلام و علي ابن الحسين عليه السلام و محمد بن علي عليه السلام و جعفر بن محمد عليه السلام و موسى بن جعفر عليه السلام و علي بن موسى عليه السلام و محمد بن علي عليه السلام و علي بن محمد عليه السلام و الحسن بن علي عليه السلام و القائم الحجة

عليه السلام، و أنّ الجنّة حقّ، و النار حقّ، و الساعة آتية لا ريب فيها، و أنّ اللّه يبعث من في القبور، و أن محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رسوله جاء بالحقّ، و أنّ عليا عليه السلام ولي اللّه و الخليفة من بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مستخلفه في أمته مؤديا لأمر ربه تبارك و تعالى، و أنّ فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ابنيها الحسن و الحسين عليهما السلام ابنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سبطاه و إماما الهدى و قائدا الرحمة، و أنّ عليا عليه السلام و محمدا و جعفرا و موسى و عليّا و محمدا و عليّا و حسنا و الحجة عليهم السلام أئمة و قادة و دعاة إلى اللّه عزّ و جلّ و حجّة على عباده».

ثمَّ يقول للشهود: يا فلان و يا فلان المسمّين في هذا الكتاب أثبتوا لي هذه الشهادة عندكم حتى تلقوني بها عند الحوض، ثمَّ يقول الشهود يا فلان:

«نستودعك اللّه، و الشهادة و الإخاء و الإقرار لمودوعة عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و نقرأ عليك السلام و رحمة اللّه و بركاته».

ثمَّ تطوى الصحيفة و تطبع و تختم بخاتم الشهود و خاتم الميت و يوضع عن

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 232

يمين الميت مع الجريدة.

و تكتب الصحيفة بكافور و عود على جهة غير مطيب، أي يؤخذ العود مكان القلم من غير أن يبرئ أو يلطّخ بشي ء و من غير أن يطيب هذا.

و يستفاد من بعض الأخبار غفران الميت بشهادة أربعين رجلا بعد موته بأن يقولوا:

«إنّا لا نعلم منه إلّا خيرا فاغفر له» «1» و أمّا كتابة تلك الشهادة بعد الموت، فلا دليل عليها.

السابعة:

الكفن الواجب للميت غير المرأة ذات البعل يؤخذ من أصل تركته، مقدّما على الديون و الوصايا، بإجماع الطائفة كما صرّح به جماعة «2»، و نفى عنه الخلاف في المنتهى و شرح القواعد «3» و غيرهما، لاستفاضة النصوص.

منها: صحيحة زرارة: عن رجل مات و عليه دين و خلف قدر ثمن كفنه، قال: «يجعل ما ترك في ثمن كفنه إلّا أن يتجر عليه إنسان يكفنه و يقضي دينه مما ترك» «4».

و خبر السكوني: «أوّل شي ء يبدأ به من المال الكفن ثمَّ الدين ثمَّ الوصية ثمَّ الميراث» «5» و روى نحوه في الدعائم عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام «6».

و مقتضى إطلاق الأخبار و فتاوى علمائنا الأخيار: تقديمه على حق المرتهن و غرماء المفلس، لعدم خروج المال عن الملك.

و تردّد في المرهون و في حق المجني عليه في شرح القواعد «7»، لاقتضائهما الاختصاص.

______________________________

(1) انظر الوسائل 3: 285 أبواب الدفن ب 90.

(2) التذكرة 1: 44، الذكرى: 50، روض الجنان: 109.

(3) المنتهى 1: 442، جامع المقاصد 1: 400.

(4) الكافي 7: 23 الوصايا ب 17 ح 2، 3، الفقيه 4: 143- 492، 488، التهذيب 9:

171- 697، 698 الوسائل 19: 328، 329 أبواب الوصايا ب 27 ح 2، و ب 28 ح 1.

(5) الكافي 7: 23 الوصايا ب 17 ح 2، 3، الفقيه 4: 143- 492، 488، التهذيب 9:

171- 697، 698 الوسائل 19: 328، 329 أبواب الوصايا ب 27 ح 2، و ب 28 ح 1.

(6) دعائم الإسلام 1: 298.

(7) جامع المقاصد 1: 401.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 233

و هو اجتهاد

في مقابلة الأخبار، إلّا أن يستشكل في شمولها لهما لشيوع غيرهما، و انصراف المطلق إلى الشائع.

و المندوب مع الوصية يكون من الثلث. و بدونها يتوقّف إخراجه عن التركة على إجازة الورثة إن كانوا جميعا من أهلها بعد إخراج الديون، لأصالة عدم تعلّقه بالمال. و تستحب لهم الإجازة، كما تستحب على سائر المطّلعين من المكلّفين كفاية، لتوقّف التكفين المستحب كذلك عليه، و استحباب مقدّمة المستحب.

و كذا الكلام في الوصف المندوب للواجب من الجودة و نحوها، فيتوقّف إخراج الأجود بل الجيّد على إجازة الوارث.

و المخرج من التركة ليس إلّا الأدون ممّا يصدق عليه الاسم، إلّا أن يبلغ حدّا انصرفت الإطلاقات إلى غيره.

و احتمال مراعاة القصد في الجنس بحسب حال الميت في الإخراج عن التركة لا دليل عليه، و القياس على بعض ما روي فيه ذلك باطل، و شهادة العرف به ممنوعة.

و الكفن الواجب لذات البعل على بعلها و لو كانت موسرة إذا كان موسرا و لو بإرثه من تركتها، إجماعا كما في المدارك «1» و اللوامع، و عن صريح الخلاف و نهاية الإحكام «2»، و ظاهر المعتبر و المنتهى و التذكرة و الذكرى «3».

لخبر السكوني، و مرسلة الصدوق المنجبر ضعفها- لو كان بما ذكر.

الأول: «على الزوج كفن امرأته إذا ماتت» «4».

و الثاني: «كفن المرأة على زوجها إذا ماتت» «5».

______________________________

(1) المدارك 2: 117.

(2) الخلاف 1: 708، نهاية الإحكام 2: 247.

(3) المعتبر 1: 307، المنتهى 1: 442، التذكرة 1: 44، الذكرى: 50.

(4) التهذيب 1: 445- 1439، الوسائل 3: 54 أبواب التكفين ب 32 ح 2.

(5) الفقيه 4: 143- 491، الوسائل 3: 54 أبواب التكفين ب 32 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 234

و مقتضى إطلاقهما كفتاوى الأصحاب

عدم الفرق بين الصغيرة و الكبيرة، المدخول بها و غيرها، المطيعة و الناشزة، و الدائمة و المنقطعة، و إن كان الشمول للأخيرة محل نظر و تأمل، بل قد ينظر في الناشزة أيضا، لعدم انصراف الإطلاق إلى نحوها.

و فيه: أنّ الموجب للنظر انصرافه إلى غيرها بحيث يتبادر، و هو ممنوع.

و كذا إن كان معسرا، و فسّروه بأن لا يفضل ماله عن قوت يومه و ليلته له و لعياله و ما يستثني في دينه، إذا أمكن له- على الأظهر- كما احتمله في المدارك «1»، للإطلاق.

و دعوى غلبة إيساره و انصراف المطلق إلى الغالب باطلة، لمنع الغلبة الموجبة للتبادر.

و لو لم يمكن له كفنت من تركتها، لتقييد التكاليف بالإمكان قطعا، فتبقى إطلاقات كون الكفن على التركة في حق مثل هذه خالية عن المخصّص.

و لو لم يكن لها أيضا مال تكون كغيرها من فاقدي الكفن، كما يأتي.

و لو ماتا معا لم يجب كفتها عليه، لخروجه عن التكليف، فلا يشمله النص.

و لو مات بعدها وجب من تركته، لسبق التعلّق.

و لو أوصت الموسرة بكفنها نفذت من الثلث، لعمومات الوصية. و سقط عنه.

و في إلحاق سائر المؤن الواجبة بالكفن- كالأكثر [1]- إشكال، و الأصل يدفعه.

و لا يلحق بالزوجة غيرها ممن تجب نفقته، للأصل. إلّا المملوك، فإنّ كفنه و مؤن تجهيزه على مولاه بالإجماع.

______________________________

[1] أي: كما ألحقها أكثر الفقهاء.

______________________________

(1) المدارك 2: 118.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 235

الثامنة:

لو لم يكن للميت تركة تفي بكفنه يكفّن من الزكاة وجوبا، على الأظهر، وفاقا للمنتهى و الكركي و الأردبيلي «1» و والدي- رحمه اللّه- في اللوامع، و عن جمع آخر.

لموثّقة فضل: ما ترى في رجل من أصحابنا يموت و لم يترك ما يكفّن به

أشتري له كفنه من الزكاة؟ فقال: «أعط عياله من الزكاة قدر ما يجهزونه، فيكونون هم الذين يجهزونه» قلت: فإن لم يكن له ولد و لا أحد يقوم بأمره فأجهزه أنا من الزكاة؟ قال: «إنّ أبي كان يقول: حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا، فوار بدنه و عورته، و جهّزه و كفّنه و حنّطه، و احتسب بذلك من الزكاة» «2».

و استحبابا عند جماعة [1]، للأصل المندفع بالأمر الذي هو حقيقة في الوجوب.

و لو لم توجد الزكاة أيضا فالمصرّح به في كلام الأصحاب أنه لا يجب على المسلمين بذله- و إن استحب لمرغّبات التكفين- بل يدفن بلا كفن، و في المدارك:

إنّ هذا ممّا ليس خلاف فيه بين العلماء «3»، و في اللوامع: الإجماع عليه، للأصل، و عدم الدليل.

أقول: إن ثبت الإجماع، و إلّا فيدفع الأصل بوجوب التكفين من غير شرط- لأصالة عدم الاشتراط- كفاية على كلّ أحد، و هو يتوقّف على بذله الكفن، و مقدمة الواجب المطلق واجبة.

و منع وجوبه المطلق لأنه يثبت بالإجماع الغير الثابت منه إلّا المشروط،

______________________________

[1] انظر الجامع: 57 (فيظهر من كلامه الاستحباب)، الحدائق 4: 66 قال: و يجوز ..، و في كشف اللثام 1: 122 قال: و يحتمل الاستحباب.

______________________________

(1) المنتهى 1: 442، جامع المقاصد 1: 402، مجمع الفائدة 1: 200.

(2) التهذيب 1: 445- 1440، قرب الإسناد: 312- 1216، الوسائل 3: 55 أبواب التكفين ب 33 ح 1.

(3) المدارك 2: 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 236

يندفع بعدم اختصاص دليله بالإجماع.

بل يدلّ عليه نحو قوله: «الكفن فريضة للرجال ثلاثة أثواب» «1» فإن المفروض عليه ليس الميت و لا أحد بخصوصه إجماعا، فمعناه: الكفن- أي وضعه- فريضة على كلّ أحد من المسلمين كفاية ..

ثمَّ لو

وفت التركة ببعض القطع، أو لم يوجد إلّا البعض يكتفي بما يوجد من ثوبين أو واحد جوازا إجماعا، و وجوبا عند الأكثر، بل غير شاذ ممّن تأخّر [1]، لأصالة بقاء وجوب ما يمكن، حيث إنه يجب كلّ قطعة بأمر منفرد، و الأصل عدم الارتباط و الاشتراط، فيمتثل ما تيسّر. مبتدئا من اللفافة، ثمَّ القميص، ثمَّ المئزر على القول به. كذا رتّب في شرح القواعد «2» و غيره. ولي في وجوبه نظر.

و لو وجد بعض ثوب لم يجب على الأظهر ما زاد على ساتر العورة الواجب مطلقا إجماعا، للأصل، و كون وجوبه تبعيا ساقطا بسقوط متبوعه، و عدم دلالة مثل «الميسور لا يسقط بالمعسور» [2].

و لو وجد الكفن الممنوع منه، فإن كان منعه لإطلاق كالحرير و المغصوب، اتّجه المنع هنا أيضا، للإطلاق. و تخصيصه بحال الاختيار للانصراف إليه غير جيّد. و إن كان للإجماع كالنجس، اتّجه الجواز بل الوجوب، لاختصاصه بصورة وجود غيره.

و لو كان هناك كفن و ميتان، فإن اختص بأحدهما يكفّن به، و إلّا تخيّر.

و عن المعتبر الميل إلى جعلهما في كفن «3».

______________________________

[1] قال في الحدائق 4: 14: و أما الوجوب فمحل إشكال.

[2] غوالي اللئالي 4: 58 و فيه: لا يترك الميسور بالمعسور.

______________________________

(1) التهذيب 1: 291- 851، الوسائل 3: 8 أبواب التكفين ب 2 ح 7.

(2) جامع المقاصد 1: 401.

(3) المعتبر 1: 331.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 237

و لم تثبت مشروعيته، و فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله كذلك في قتلى احد «1» غير ثابت.

التاسعة:

و ما سقط من الميت من شعر أو ظفر أو لحم أو غيرها يجب جعله في كفنه على الأظهر الأشهر، بل عليه الإجماع في المدارك «2»

و اللوامع و عن التذكرة و نهاية الإحكام «3»، لمرسلة ابن أبي عمير: «و إن سقط منه شي ء فاجعله في كفنه» «4».

خلافا للمحكي عن الجامع «5»، فقال باستحبابه. و صريح الأمر الوارد في الخبر المنجبر بما ذكر- مع حجيته في نفسه- يدفعه.

و هل يجب غسله؟ صرّح في شرح القواعد «6» و اللوامع، مدّعيا عليه في الأخير الإجماع، لخبر البصري: عن الميت يكون عليه الشعر فيحلق عنه أو يقلم، قال: «لا يمس منه شي ء اغسله و ادفنه» «7».

و لم يذكره في الشرائع و المنتهى و القواعد «8». و الأصل يقتضي العدم، و الخبر المذكور لا يثبته، لجواز كون المرجع في ضميري «اغسله و ادفنه» الميت.

العاشرة:

لو خرجت من الميت نجاسة و لقيت كفنه، فقبل وضعه في القبر يغسل، و بعده يقرض مطلقا، وفاقا للشرائع و النافع و المنتهى و القواعد «9»، و عن

______________________________

(1) انظر سنن ابن ماجه 1: 485، و سنن أبي داود 3: 195- 3136.

(2) المدارك 2: 121.

(3) التذكرة 1: 45، نهاية الإحكام 2: 250.

(4) الكافي 3: 155 الجنائز ب 27 ح 1، التهذيب 1: 323- 940، الوسائل 2: 500 أبواب غسل الميت ب 11 ح 1.

(5) الجامع: 51.

(6) جامع المقاصد 1: 403.

(7) الكافي 3: 156 الجنائز ب 27 ح 4، التهذيب 1: 323- 942، الوسائل 2: 500 أبواب غسل الميت ب 11 ح 3.

(8) انظر الشرائع 1: 41، المنتهى 1: 431، القواعد 1: 19.

(9) الشرائع 1: 41، النافع: 15، المنتهى 1: 431، القواعد 1: 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 238

الصدوقين [1]، و الحلّي «1»، بل عن الأكثر كما في المدارك و البحار «2» و اللوامع.

للرضوي المنجبر ضعفه بالشهرة المحكية: «فإن خرج منه

شي ء بعد الغسل فلا تعد الغسل، و لكن اغسل ما أصاب من الكفن إلى أن تضعه في لحده، فإن خرج منه شي ء في لحده لم تغسل كفنه، و لكن قرضت من كفنه ما أصاب من الذي خرج منه، و مددت أحد الثوبين على الآخر» «3».

و به تخصص إطلاقات الغسل، المتقدّمة في بحث الغسل «4»، و مطلقات القرض كحسنة الكاهلي: «إذا خرج من منخر الميت الدم أو الشي ء بعد الغسل فأصاب العمامة أو الكفن قرض بالمقراض» «5». و بمعناها مرسلة ابن أبي عمير «6».

خلافا للكركي «7» و المحكي عن المحقّق [2]، فخصّصا القرض بعد الوضع بصورة عدم إمكان الغسل، و استقربه والدي في اللوامع، لحرمة إتلاف المال، خرج ما إذا لم يمكن الغسل فيبقى الباقي.

و يضعّف: بأن الإتلاف قد تحقّق، و لذا تراهم يستدلّون لحرمة الحرير الزائد عن القدر المستحب في التكفين: بأنه إضاعة للمال. و مع التسليم فالنصّ جوّزه، كما في صورة عدم إمكان الغسل.

و للمحكي عن الشيخين [3] و بني حمزة و البراج و سعيد «8»، فأطلقوا القرض،

______________________________

[1] الفقيه 1: 92، و نقله في المختلف 1: 43 عن علي بن بابويه.

[2] لم نعثر على كلامه هذا و لا على من حكى عنه.

[3] لم نعثر على كلام المفيد. و قال به الشيخ الطوسي في النهاية: 43، و المبسوط 1: 181.

______________________________

(1) السرائر 1: 169.

(2) المدارك 2: 116، بحار الأنوار 78: 295.

(3) فقه الرضا: 169، المستدرك 2: 226 أحكام الكفن ب 19 ح 1- إلى قوله: خرج منه.

(4) في ص 178، 177.

(5) الكافي 3: 156 الجنائز ب 28 ح 1، التهذيب 1: 449- 1457، الوسائل 2: 542 أبواب غسل الميت ب 32 ح 3.

(6) الكافي 3: 156

الجنائز ب 28 ح 3، التهذيب 1: 449- 1458، الوسائل 2: 543 أبواب غسل الميت ب 32 ح 4.

(7) جامع المقاصد 1: 379.

(8) الوسيلة: 65، المهذب 1: 59، الجامع: 52.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 239

لإطلاق الحسن و المرسل بعد تقييد مطلقات الغسل بهما، لاختصاصهما بما أصاب الكفن، و عمومها بالنسبة إليه و إلى الجسد.

و هو كان حسنا لو لا الرضوي الذي هو أخص منهما، و لذا يحكم بالقرض أيضا فيما لم يشمله الرضوي أيضا، و هو ما إذا خرج قبل الوضع و أصابه بعده أو قبله و علم بعده.

هذا كلّه إذا لم تتفاحش النجاسة بحيث يؤدّي القرض إلى كشف بدن الميت و هتكه و عدم إمكان مدّ الثوب الآخر عليه، و إلّا فعن الشهيدين و الكركي «1» سقوط القرض فيغسل إن أمكن، و إلّا يسقط هو أيضا. و للمقال فيه مجال.

الحادية عشرة:

تكفين المحرم كالمحلّ حتى في تغطية الرأس و الوجه، على الأشهر الأظهر، و نسبه في المنتهى إلى علمائنا «2»، و عن الخلاف الإجماع عليه «3»، للعمومات المتقدّمة و الخصوصات الآتية في المبحث الآتي «4».

خلافا للمحكي عن السيد و الجعفي و العماني [1]، فأوجبوا كشف الرأس، و زاد الثاني الرجلين، لاستصحاب حكم الإحرام، و دلالة النهي عن تطييبه على بقاء إحرامه، و النبوي العامي: «و لا تخمروا رأسه» «5»، و الاكتفاء في بعض أخبارنا بتغطية الوجه «6».

و يضعّف الأول: بأنّ حكم الإحرام كان على المحرم نفسه، و لا يمكن استصحابه، لخروجه بالموت عن التكليف.

و الثاني: بمنع الدلالة.

______________________________

[1] نقله في المعتبر 1: 326 عن ابن أبي عقيل و عن السيد المرتضى في شرح الرسالة.

______________________________

(1) الذكرى: 50، روض الجنان: 110، جامع المقاصد 1: 379.

(2) المنتهى

1: 443.

(3) الخلاف 1: 697.

(4) في ص 249.

(5) صحيح البخاري 2: 96، صحيح مسلم 2: 865.

(6) انظر الوسائل 2: 503 أبواب غسل الميت ب 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 240

و الثالث: بمنع الحجية.

و الرابع: بأنه مفهوم ضعيف، و مع ما أمر بتغطية الرأس معارض.

البحث الرابع: في تحنيطه.
اشارة

و هو واجب بالإجماع كما في المنتهى «1» و اللوامع، و عن الخلاف و التذكرة «2»، و في المدارك: إنّه المعروف من مذهب الأصحاب «3»، للأمر به في الأخبار الآتية.

و عن ظاهر المراسم الاستحباب [1]، و هو شاذّ مردود بالأوامر.

بعد التأزير بالمئزر، ندبا على الظاهر، عند المحكي عن ظاهر المقنعة و النهاية و المبسوط و الوسيلة «4»، و صريح التحرير و نهاية الإحكام و المنتهى و المراسم «5»، و لعلّه لخبر يونس الآتي حيث جعل الوضع على القميص بعد التحنيط.

مع جواز التأخير عن لبس القميص عند الأول و الأخيرين، و بعد لبسه و لبس العمامة عند المهذب «6».

و لعلّه لظاهر الموثّقة و فيها: «ثمَّ القميص، تشدّ الخرقة على القميص بحيال العورة و الفرج حتى لا يظهر منه شي ء، و اجعل الكافور في مسامعه و أثر سجوده

______________________________

[1] في كشف اللثام 1: 119 حكى الاستحباب عن ظاهر المراسم. و الموجود في المراسم: 49 هكذا:

ثمَّ يأخذ الكافور فيسحقه سحقا بيده و يضعه على مساجده. و هذه العبارة كما ترى غير ظاهرة في الاستحباب. نعم أتبعها بذكر مستحبات ربّما تصير قرينة على إرادة الاستحباب من العبارة المذكورة، فتأمل و لاحظ مفتاح الكرامة 1: 447.

______________________________

(1) المنتهى 1: 439.

(2) الخلاف 1: 708، التذكرة 1: 44.

(3) المدارك 2: 96.

(4) المقنعة: 78، النهاية: 36، المبسوط 1: 179، الوسيلة: 66.

(5) التحرير 1: 18، نهاية الإحكام 2: 246، المنتهى

1: 439، المراسم: 49.

(6) المهذب 1: 61.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 241

منه و فيه، و أقلّ من الكافور» إلى أن قال: «ثمَّ عمّمه» «1» الحديث، و لكن مقتضاها تأخير التعميم.

و قبل التكفين استحبابا عند بعضهم [1]، و وجوبا على ما هو صريح القواعد «2»، لظاهر خبر يونس و فيه: «ثمَّ اعمد إلى كافور مسحوق، فضعه على جبهته موضع سجوده، و امسح بالكافور على جميع مفاصله من قرنه إلى قدمه، و في رأسه و عنقه و من كبيه و مرافقه، و في كلّ مفصل من مفاصله من اليدين و الرجلين، و في وسط راحتيه، ثمَّ يحمل فيوضع على قميصه» «3» الحديث.

و صحيحة زرارة: «إذا جففت الميت عمدت إلى الكافور، فمسحت به آثار السجود و مفاصله كلّها، و اجعل في فيه و مسامعه و رأسه و لحيته من الحنوط و على صدره و فرجه» و قال: «حنوط الرجل و المرأة سواء» «4».

و المروي في الدعائم: «إذا فرغ من غسل الميت نشف في ثوب، و جعل الكافور و الحنوط في مواضع سجوده جبهته و أنفه و يديه و ركبتيه و رجليه، و يجعل ذلك في مسامعه و فيه و لحيته و صدره» «5».

و الرضوي: «إذا فرغت من غسله حنطت بثلاثة عشر درهما و ثلث درهم كافورا يجعل في المفاصل، و لا يقرب السمع و البصر، و يجعل في موضع سجوده و أدنى ما يجزيه من الكافور مثقال و نصف، ثمَّ يكفن» «6».

______________________________

[1] قال في الرياض 1: 58، و ينبغي الابتداء به قبل الأخذ في التكفين.

______________________________

(1) التهذيب 1: 305- 887، الوسائل 3: 33 أبواب التكفين ب 14 ح 4.

(2) القواعد 1: 18.

(3) الكافي 3: 143 الجنائز ب

19 ح 1، التهذيب 1: 306- 888، الوسائل 3: 32 أبواب التكفين ب 14 ح 3.

(4) التهذيب 1: 436- 1403، الاستبصار 1: 213- 750، الوسائل 3: 37 أبواب التكفين ب 16 ح 6.

(5) دعائم الإسلام 1: 230، المستدرك 2: 220 أحكام الكفن ب 13 ح 2.

(6) فقه الرضا: 182، المستدرك 2: 219 أحكام الكفن ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 242

و لا دلالة لشي ء منها على الوجوب، بل في دلالة بعضها على التقديم على التكفين أيضا نظر.

مع أنها معارضة بالرضوي الآخر: «فإذا فرغت من كفنه حنطته بوزن ثلاثة عشر درهما و ثلث من الكافور» «1» و ظاهر الموثّقة «2».

و الظاهر جواز الكلّ من غير ثبوت رجحان للبعض.

و كيفيته أن يمسّ بالكافور- وجوبا- مساجده السبعة إجماعا محقّقا و محكيا «3» متكرّرا، له، و للنصوص المستفيضة الخالية عن المعارض، منها بعض ما تقدم، و منها موثّقتا البصري و سماعة:

الأولى: عن الحنوط للميت، فقال: «اجعله في مساجده» «4».

و الثانية و فيها: «و تجعل شيئا من الحنوط على مسامعه، و مساجده، و شيئا على ظهر الكفن» «5».

و حسنتا الحلبي و حمران:

الأولى: «إذا أردت أن تحنط الميت فاعمد إلى الكافور فامسح به آثار السجود منه، و مفاصله كلها، و رأسه، و لحيته، و على صدره من الحنوط» و قال:

«حنوط الرجل و المرأة سواء» «6».

و الثانية و فيها: فالحنوط كيف أصنع به؟ قال: «يوضع في منخره، و موضع سجوده، و مفاصله» «7».

______________________________

(1) فقه الرضا: 168، المستدرك- نفس الموضع.

(2) موثقة عمار المتقدمة في ص 240.

(3) كما حكاه في الخلاف 1: 703 و الغنية (الجوامع الفقهية): 563 و التذكرة 1: 44.

(4) الكافي 3: 146 الجنائز ب 19 ح 15،

الوسائل 3: 36 أبواب التكفين ب 16 ح 1.

(5) التهذيب 1: 435- 1399، الوسائل 3: 35 أبواب التكفين ب 15 ح 2.

(6) الكافي 3: 143 الجنائز ب 19 ح 4، التهذيب 1: 307- 890، الاستبصار 1: 212- 746، الوسائل 3: 32 أبواب التكفين ب 14 ح 1.

(7) التهذيب 1: 447- 1445، الاستبصار 1: 205- 723، الوسائل 3: 34 أبواب التكفين ب 14 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 243

و صحيحة ابن سنان: كيف أصنع بالحنوط؟ قال: «تضع في فمه، و مسامعه، و آثار السجود من وجهه و يديه و ركبتيه» «1».

و رواية ابن المختار: «يوضع الكافور من الميت على موضع المساجد، و على اللبّة، و باطن القدمين، و موضع الشراك من القدمين، و على الركبتين و الراحتين، و الجبهة و اللبّة» «2».

و ندبا طرف الأنف، لرواية الدعائم «3».

و ما لا معارض للأمر به، من سائر المواضع المتقدّمة في الروايات، لأجلها، كالصدر و منه اللبّة [1]، و كالمفاصل و منها المغابن [2] و المرافق و المناكب، و كاليدين و الرأس و العنق و اللحية و موضع الشراك و باطن القدمين.

خلافا للمحكي عن الصدوق و المفيد «4»، و العماني «5»، و القاضي و الحلبي «6»، و المنتهى «7»، و المختلف [3] في الأول [4]، فأوجبوه، لما مرّ، و لعموم ما دلّ على تحنيط المساجد، و هو منها.

______________________________

[1] اللبّة: المنحر و موضع القلادة.

[2] المغابن: المواضع المنخفضة في الجسم كالآباط.

[3] الذي عثرنا عليه في المختلف: 43 تقوية القول بعدم الوجوب فلاحظ.

[4] يعني في طرف الأنف.

______________________________

(1) التهذيب 1: 307- 891، الاستبصار 1: 212- 749، الوسائل 3: 37 أبواب التكفين ب 16 ح 3.

(2) التهذيب 1: 307- 892، الاستبصار

1: 312- 747، الوسائل 3: 37 أبواب التكفين ب 16 ح 5.

(3) المتقدمة في ص 241.

(4) الفقيه 1: 91، المقنعة: 78.

(5) نقل عنه في المختلف 43.

(6) المهذب 1: 61، الكافي: 237.

(7) المنتهى 1: 439.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 244

و يجاب عن الأول: بعدم الدلالة على الوجوب و منع الحجية.

و عن الثاني: بمنع كونه منها، لجواز أن يكون المراد ما يجب أن يسجد به أو يسجد إليه.

و عن الأول [1] في الثاني، و عنه [2] و عن الأخير في الثالث و الرابع، لورود الأوامر بها فيما سبق.

و يجاب عنها: بعدم صلاحيتها لإثبات الزائد عن الاستحباب، لمخالفة الوجوب للشهرة العظيمة الجديدة و القديمة، و هي مخرجة للرواية عن الحجية. بل موافقة من ذكر لها أيضا غير معلومة، لجواز إرادتهم الاستحباب، كما صرّح به في روض الجنان و الروضة «1» في مخالفة الصدوق، و والدي- رحمه اللّه- في مخالفة بعض آخر، بل صرّح هو- قدّس سرّه- بعدم قائل بالوجوب في غير السبعة و الأنف.

و قد تردّ الأوامر بمعارضتها الأصل، و اختلافها بالنسبة إلى المذكورات زيادة و نقيصة، و اشتمالها على كثير من المستحبات «2». و ضعف الكلّ ظاهر.

و أمّا ما للأمر به معارض، كالمسامع و البصر و الفم و المنخر، المنهي عنها في الرضوي المتقدّم «3» و في آخر: «و لا يجعل في فمه و لا منخره و لا في عينيه و لا في مسامعه و لا على وجهه قطن و لا كافور» «4».

و في خبر يونس: «و لا تجعل في منخريه و لا في بصره و مسامعه و لا على وجهه

______________________________

[1] يعني خلافا للمحكي عن الأول- و هو الصدوق- في الثاني أي الصدر، فلاحظ الفقيه

1: 91.

[2] يعني خلافا للمحكي عن الصدوق و الأخير- أي المختلف- في الثالث و الرابع أي في المفاصل و اليدين، و لعل وجه نسبة هذا القول إلى المختلف نقله رواية يونس المشتملة على المغابن من اليدين و الرجلين، فانظر المختلف: 43.

______________________________

(1) روض الجنان: 108، الروضة 1: 136.

(2) كما في الرياض 1: 58.

(3) في ص 241.

(4) فقه الرضا: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 245

قطنا و لا كافورا» «1».

و صحيحة البصري: «لا يجعل في مسامع الميت حنوطا» «2».

و خبر النوّاء: «لا تمسّ مسامعه بكافور» «3».

فالأولى تركه، لتوقيفية المسألة الغير المعلومة بعد التعارض، مع أرجحية المعارض بمخالفة العامّة، كما صرّح به جمع من الخاصة «4».

و يؤيده ما في الرضوي من الإفتاء بالمنع، و نسبة الجواز إلى الرواية «5» ملحقا فيها المسك بالكافور، فإنه مذهب العامة «6».

مضافا إلى ما عن الخلاف من الإجماع على أنه لا يترك على أنفه و لا اذنه و لا عينه و لا فيه «7».

فروع:

أ: يجب أن يكون التحنيط بالكافور، بلا خلاف أجده، للأمر به في الروايات المتقدّمة، و الحصر فيه في صحيح ابن سرحان، المتقدّم «8»، و في خبره:

«و اعلم أنّ الحنوط هو الكافور» «9». و في مرسلة ابن المغيرة: «الكافور هو

______________________________

(1) الكافي 3: 143 الجنائز ب 19 ح 1، التهذيب 1: 306- 888، الوسائل 3: 32 أبواب التكفين ب 14 ح 3.

(2) التهذيب 1: 308- 893، الاستبصار 1: 212- 748، الوسائل 3: 37 أبواب التكفين ب 16 ح 4.

(3) الكافي 3: 144 الجنائز ب 19 ح 8، التهذيب 1: 309- 899، الاستبصار 1: 205- 722، الوسائل 3: 36 أبواب التكفين ب 16 ح 2.

(4) بحار الأنوار 78: 321، الحدائق 4: 23،

الرياض 1: 58، و انظر من كتب العامة: الأم 1:

265 و بدائع الصنائع 1: 308.

(5) فقه الرضا: 168، 182.

(6) انظر المغني 2: 342.

(7) الخلاف 1: 703.

(8) في ص 222 الرقم 2.

(9) الكافي 3: 146 الجنائز ب 19 ح 14، الوسائل 3: 19 أبواب التكفين ب 6 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 246

الحنوط» «1» إلى غير ذلك.

و ما يفيد الجواز موافق للعامّة، محمول على التقية، غير صالح للمعارضة.

فلا يجزي غيره، بل المشهور كما في شرح القواعد «2» حرمة تطييبه بغيره. و لكن في اللوامع نسبة الكراهة إلى الأكثر، و الترك أحوط كما مرّ.

و القدر الواجب منه لكلّ موضع مسمّاه، كما في المنتهى و القواعد و الشرائع و النافع «3»، و عن الجمل و العقود «4» و الوسيلة و السرائر و الجامع «5»، بل نفي بعض الأجلّة [1] عنه الخلاف.

للإطلاق، و صدق الامتثال، و قوله في إحدى الموثّقتين: «و أقلّ من الكافور» «6». و في الأخرى: «و تجعل شيئا من الحنوط» «7» الحديث.

و لا يقيّدها مرسلة التميمي: «أقلّ ما يجزي من الكافور للميت مثقال و نصف» «8» و نحوها الرضوي «9».

لمعارضتهما مع مثلهما، ففي مرسلته الأخرى: «أقلّ ما يجزي من الكافور للميت مثقال» «10» و في الرضوي الآخر بعد الأمر بالتحنيط بثلاثة عشر درهما

______________________________

[1] المعهود من الماتن من هذا التعبير هو إرادة الفاضل الهندي و لكن لم نعثر على نفي الخلاف في كشف اللثام و هو موجود في الرياض 1: 61.

______________________________

(1) الكافي 3: 145 الجنائز ب 19 ح 12، الوسائل 3 العنوان المتقدم ح 4.

(2) جامع المقاصد 1: 387.

(3) المنتهى 1: 439، القواعد 1: 18، الشرائع 1: 39، النافع: 13.

(4) الرسائل العشر: 166.

(5) الوسيلة:

66، السرائر 1: 160، الجامع: 53.

(6) التهذيب 1: 305- 887، الوسائل 3: 33 أبواب التكفين ب 14 ح 4.

(7) التهذيب 1: 435- 1399، الوسائل 3: 35 أبواب التكفين ب 15 ح 2.

(8) التهذيب 1: 291- 849، الوسائل 3: 14 أبواب التكفين ب 3 ح 5.

(9) تقدم مصدره في ص 241.

(10) الكافي 3: 151 الجنائز ب 23 ح 5، التهذيب 1: 291- 846، الوسائل 3: 13 أبواب التكفين ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 247

و ثلث: «فإن لم يقدر بهذا المقدار كافورا فأربعة دراهم، فإن لم يقدر فمثقال، لا أقل من ذلك لمن وجده» «1».

و لا الأخيران، لمعارضتهما مع الأوليين، مع أن المرسلتين مطلقتان بالنسبة إلى كافور الغسل و الحنوط، و الظاهر توقّف حصول ماء الكافور في الأول، و صدق الاسم في الثاني على هذا المقدار.

و أقلّ المستحب درهم، وفاقا للمنتهى و الشرائع و النافع «2»، و عن النهاية و المبسوط و الجمل و العقود و المصباح «3» و مختصره و الوسيلة و السرائر و الجامع و المعتبر «4»، نافيا في الأخير عنه الخلاف. لا لحمل المثقال في الأخبار على الدرهم كما في المنتهى و عن السرائر «5»، لأنه حمل بلاد دليل. بل لنفي الخلاف المنقول و فتوى هؤلاء الفحول، فإنّ المقام محل المسامحة.

و الأفضل منه مثقال، للمرسلة و الرضوي «6». و جعله الصدوق «7» و والدي- رحمه اللّه- أول الاستحباب، و هو المحكي عن المقنعة و الخلاف و الاقتصاد و جمل العلم و المراسم و الكافي «8» و الإسكافي «9»، لما مرّ، و هو كاف حسنا لو لا ثبوت رجحان للدرهم بما ذكر. و الجعفي «10» جعله مثقالا و ثلثا، و

لم أعثر على مستند له.

______________________________

(1) تقدم مصدره في ص 242.

(2) المنتهى 1: 439، الشرائع 1: 39، النافع: 13.

(3) النهاية: 32، المبسوط 1: 177، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 166، مصباح المتهجد:

18.

(4) الوسيلة: 66، السرائر 1: 160، الجامع: 53، المعتبر 1: 286.

(5) راجع الرقم 2 و 4 أعلاه.

(6) المتقدمين في ص 246.

(7) المقنع: 18.

(8) المقنعة: 75، الخلاف 1: 704، الاقتصاد: 248، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 50، المراسم: 47، الكافي: 237.

(9) حكي عنه في الذكرى: 46.

(10) المصدر المتقدم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 248

و الأفضل منه مثقال و نصف، كما صرّح به والدي رحمه اللّه، للمرسلة و الرضوي الأخيرين.

و الأولى منه أربعة دراهم، لأول الرضويين، وفاقا لوالدي رحمه اللّه.

و عن الخلاف و المقنعة و السرائر و الشرائع و المعتبر «1»، بل عن الأول الإجماع عليه، و عن الأخير نفي الخلاف عنه: جعلها ثاني مرتبة الاستحباب، ففضّلوها على الدرهم. و هو كان جيدا لو لا ثبوت الرجحان لما بينهما من المثقال و المثقال و النصف بما ذكر.

ثمَّ الأفضل منها أربعة مثاقيل، كما صرّح به الوالد، لخبر الكاهلي و ابن المختار: «القصد من الكافور أربعة مثاقيل» «2».

و جعلها جماعة- كما عن كتب الصدوق [1]، و بعض كتب الشيخ «3»، و الوسيلة و الإصباح و الجامع «4»- ثاني المراتب.

و الأكمل منها ثلاثة عشر درهما و ثلث، للرضويين «5»، و مرفوعة علي: «السنّة في الحنوط ثلاثة عشر درهما و ثلث أكثره» «6» و الأخبار الدالّة على أنّ الحنوط الذي أتى به جبرئيل للنبي صلّى اللّه عليه و آله كان أربعين درهما، فقسّمه ثلاثة أقسام، له و لفاطمة عليها السلام و علي عليه السلام، فصار سهم كلّ

ما ذكر «7».

______________________________

[1] الفقيه 1: 91، المقنع: 18، و في الهداية: 25 جعل المرتبة الثانية أربعة دراهم.

______________________________

(1) راجع الرقم 8 و 4 و 2 ص 247.

(2) الكافي 3: 151 الجنائز ب 23 ذيل ح 5، التهذيب 1: 291- 847، الوسائل 3: 13 أبواب التكفين ب 3 ح 3.

(3) المبسوط 1: 177.

(4) الوسيلة: 66، الجامع: 53.

(5) تقدم مصدرهما في ص 241 و 242.

(6) الكافي 3: 151 الجنائز ب 23 ح 4 التهذيب 1: 290- 845، الوسائل 3: 13 أبواب التكفين ب 3 ح 1.

(7) انظر: الوسائل 3: 13 أبواب التكفين ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 249

و عن القاضي إبدال الثلث بالنصف [1]، و لا دليل له.

و هذا القدر أكثر مراتب الفضل كما في المرفوعة. و لا يجب شي ء منها، لكون ما تضمّنها بين ضعيف و غير دالّ على الوجوب، بل مصرّح في بعضها بالفضل.

ثمَّ الظاهر من أكثر الأخبار المتقدمة غاية الظهور أنّ ما ذكر كافور الحنوط، و هو المشهور. و نسب الحلّي «1» إلى بعضهم مشاركة الغسل معه، و حكي عن نادر من متأخّري المتأخّرين أيضا «2». و هو ضعيف.

ب: لا يجب استيعاب المواضع بالمسح، بل يكفي المسمّى، للأصل، و الإطلاق، و حصول الامتثال.

ج: قال الشيخان «3» و أتباعهما «4» برجحان سحق كافور الحنوط باليد.

و لم أعثر له في الأخبار على المستند، إلّا أنّه لا بأس به لفتوى العمد. و ربما يعلل بالخوف من الضياع.

و يستحب أيضا إلقاء ما فضل من الكافور عن المساجد و المواضع المستحب تحنيطها على صدره، للرضوي و فيها: «و يبدأ بجبهته و تمسح مفاصله كلها به، و يلقى ما بقي على صدره و في وسط راحتيه» «5» الخبر.

و

يظهر منه استحباب الابتداء بالجبهة. و هو كذلك، لذلك.

د: لا يحنّط المحرم إجماعا، كما عن الغنية و المنتهى «6» و غيرهما، للمستفيضة، كصحيحتي ابن مسلم: عن المحرم كيف يصنع به إذا مات؟ قال:

______________________________

[1] الموجود في المهذب: 61 أفضلية ثلاثة عشر درهما و ثلث، نعم نسب في المختلف: 41 إلى ابن البراج القول بثلاثة عشر درهما و نصف- قال-: و هو غريب.

______________________________

(1) السرائر 1: 61.

(2) الوافي 3: الجزء الثالث عشر ص 47، القديم.

(3) المقنعة: 78، المبسوط 1: 179.

(4) كسلّار في المراسم: 49، و ابن البراج في المهذب 1: 61.

(5) فقه الرضا: 168، المستدرك 2: 217 أبواب الكفن ب 12 ح 1.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 563، المنتهى 1: 439.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 250

«يغطّى وجهه و يصنع به كما يصنع بالحلال، غير أنه لا يقرب طيبا» «1». و قريبة منهما موثّقة سماعة «2».

و موثّقة أبي مريم: «خرج الحسين بن علي و ابنا العباس و عبد اللّه بن جعفر، و معهم ابن للحسن، فمات بالأبواء و هو محرم، فغسّلوه و كفّنوه و لم يحنّطوه و خمّروا وجهه و رأسه و دفنوه» «3» و قريبة منها موثّقته الأخرى «4»، و بمضمونها صحيحة ابن سنان «5».

و خبر ابن أبي حمزة: في المحرم يموت، قال: «يغسّل و يكفّن، و يغطّى وجهه، و لا يحنّط، و لا يمسّ شيئا من الطيب» «6».

و الرضوي: «إذا مات المحرم فليغسّل و ليكفّن كما يغسّل الحلال، غير أنه لا يقرب طيبا و لا يحنّط و لا يغطّى وجهه» «7».

البحث الخامس: في دفنه و ما يتبعه.

و الكلام إمّا فيما يتعلّق بما قبل الدفن، أو المدفن، أو الدفن، أو بما بعده.

فهاهنا أربعة مقامات:

المقام الأول: فيما يتعلّق بما قبل الدفن، و هي أمور:

الأول: حمل الجنازة.

و هو واجب كفاية مع توقّف الدفن الواجب عليه، و بدونه مستحب إجماعا. و فضله كثير و ليس فيه دناءة و لا سقوط مروّة، فقد حمل

______________________________

(1) روى إحداهما في التهذيب 1: 330- 965، و الأخرى في التهذيب 5: 384- 1338، الوسائل 2: 504 أبواب غسل الميت ب 13 ح 4.

(2) الكافي 4: 367 الحج ب 100 ح 2، التهذيب 1: 329- 964، الوسائل 2: 503 أبواب غسل الميت ب 13 ح 2.

(3) التهذيب 1: 330- 966، الوسائل 2: 504 أبواب غسل الميت ب 13 ح 5.

(4) الكافي 4: 368 الحج ب 100 ح 3، الوسائل 2: نفس الموضع ح 8.

(5) التهذيب 5: 383- 1337، الوسائل 2: نفس الموضع ح 3.

(6) الكافي 4: 367 الحج ب 100 ح 1، الوسائل 2: نفس الموضع ح 7.

(7) فقه الرضا: 185، المستدرك 2: 176، أبواب غسل الميت ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 251

النبي جنازة سعد بن معاذ «1»، و لم يزل كذلك أكابر الصحابة و التابعين و من لحقهم من سلفنا الصالحين.

و يستحب أن يجعل له النعش و إن كان رجلا، على الأشهر، لعمل المسلمين في عصر الحجج إلى الآن.

و أن يحملها الرجال و إن جاز الحمل على الدواب، لعمل الناس في الأول، و الأصل في الثاني، و المروي في الدعائم فيهما: «رخّص في حمل الجنازة على الدابة إذا لم يوجد من يحملها أو من عذر، فأما السنّة أن يحملها الرجال» «2» الخبر.

و أن يقول الحامل ما رواه عمار، و هو: «بسم اللّه [1] صلّ على محمد و آل محمد، اللّهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات» [2].

و المشاهد لها ما رواه عنبسة، و هو: «اللّه

أكبر هذا ما وعدنا اللّه و رسوله و صدق اللّه و رسوله، اللّهم زدنا إيمانا و تسليما، الحمد للّه الذي تعزز بالقدرة و قهر عباده بالموت» [3].

و ما رواه الثمالي و النهدي، و هو: «الحمد للّه الذي لم يجعلني من السواد المخترم» «3».

و أن يسرع بها، ذكره في المنتهى ناسبا له إلى العلماء «4»، مؤذنا بدعوى

______________________________

[1] في «ه»: اللهم صلّ ..

[2] التهذيب 1: 454- 1478، و فيه: «بسم اللّه و باللّه و صلى اللّه على محمد و آل محمد ..»،

و هكذا في الوسائل 3: 158 أبواب الدفن ب 9 ح 4.

[3] الكافي 3: 167 الجنائز ب 38 ح 3، التهذيب 1: 452- 1472، الوسائل 3: 157 أبواب الدفن ب 9 ح 2. و في المصادر: «و قهر العباد ..».

______________________________

(1) علل الشرائع: 309- 4.

(2) دعائم الإسلام 1: 233.

(3) الكافي 3: 167 الجنائز ب 38 ح 1، 2، الوسائل 3: 157 و 158 أبواب الدفن ب 9 ح 1 و 3.

(4) المنتهى 1: 443.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 252

الإجماع، للمستفيضة المصرّحة بتعجيلهم إلى مضاجعهم «1».

و فسّره في الكتاب المذكور بالمشي المعتاد، لكراهة الزائد عنه بالإجماع كما عن الشيخ «2»، للعامي: عن المشي بالجنازة، قال: «ما دون الخبب» [1] و المروي في مجالس ابن الشيخ: «عليكم بالقصد في المشي بجنائزكم» «3».

و عن الجعفي أفضلية العدو [2]، و عن الإسكافي الخبب «4». و هما ضعيفان، لما مرّ.

و يكره قول الحامل بل غيره أيضا: ارفقوا به و ترحّموا عليه، للرضوي «5».

و الأمر بإيقاف الجنازة، ذكره في المنتهى «6»، لمخالفته الأمر بالتعجيل.

و حمل ميتين على سرير، على الأظهر الأشهر، وفاقا للمحكي عن الوسيلة و التذكرة و المختلف و المنتهى

و نهاية الإحكام و المعتبر «7»، للرضوي: «و لا تجعل ميتين على جنازة واحدة» «8». و في مكاتبة الصفّار: «لا يحمل الرجل و المرأة على سرير واحد» «9».

______________________________

[1] سنن الترمذي 2: 239 ب 26، سنن أبي داود 3: 206 ح 3184. الخبب: ضرب من العدو و هو خطو فسيح دون العنق (المصباح المنير 1: 163).

[2] نقل في الذكرى: 53 عن الجعفي أنه قال: السعي بها أفضل.

______________________________

(1) انظر الوسائل 2: 471 أبواب الاحتضار ب 47.

(2) الخلاف 1: 718.

(3) المجالس: 392 (الجزء الثالث عشر)، المستدرك 2: 378 أبواب الدفن ب 54 ح 1.

(4) كما حكى عنه في المختلف: 121.

(5) فقه الرضا: 168.

(6) المنتهى 1: 443.

(7) الوسيلة: 69، التذكرة 1: 56، المختلف 1: 122، المنتهى 1: 447، نهاية الإحكام 2:

283، المعتبر 1: 305.

(8) فقه الرضا: 179.

(9) التهذيب 1: 454- 1480، الوسائل 3: 208 أبواب الدفن ب 42 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 253

خلافا للمحكي عن النهاية و السرائر «1» و الوسيلة [1] و القواعد «2»، و محتمل كلام الجعفي [2] و المهذّب و الجامع «3»، فحرّموه، لما ذكره، و لأنه بدعة.

و يجاب عن الأول: بعدم الدلالة على الحرمة، مع ضعف الرضوي الخالي عن الجابر، و أخصّية المكاتبة عن المدّعى.

و عن الثاني: بأنها مع قصد الشرعية.

و القيام لجنازة إلّا مع إرادة حملها و تشييعها، إجماعا كما في اللوامع، لصحيحة زرارة «4» و خبر الحنّاط «5».

و أصرح منهما المروي في الدعائم: «أنه نظر إلى قوم مرّت بهم جنازة، فقاموا قياما بأقدامهم، فأشار إليهم أن اجلسوا» [3] و فيه عن الحسن بن علي صلوات اللّه عليهما: «أنه مشى مع جنازة فمرّ على قوم، فذهبوا ليقوموا، فنهاهم» [4].

و إتباعها

بالنار بالإجماع، و في المنتهى: إنه قول كلّ من يحفظ عنه العلم «6»، و هو الدليل له، لا النهي عن إتباع المجمرة في المعتبرة «7»، لأخصيته عن المطلوب.

و لا كراهة في إتباع المصابيح إذا كان ذلك في الليل، لمرسلة الفقيه و رواية العلل المصرّحتين بإتباعها جنازة البتول عليها السلام «8».

______________________________

[1] لم نعثر على من حكى عنها القول بالحرمة، و الموجود فيها الكراهة كما تقدم في الرقم (9) ص 252.

[2] نقل عنه في الذكرى: 53 أنه قال: لا يحمل ميتان على نعش واحد.

[3] دعائم الإسلام 1: 233 و فيه: عن الحسين بن علي، المستدرك 2: 318 أبواب الدفن ب 17 ح 1.

[4] دعائم الإسلام 1: 233 و فيه: عن الحسين بن علي، المستدرك 2: 318 أبواب الدفن ب 17 ح 2.

______________________________

(1) النهاية: 44، السرائر 1: 170.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 3    254     البحث الرابع: في تحنيطه. ..... ص : 240

(2) القواعد 1: 21.

(3) المهذب 1: 65، الجامع: 57.

(4) الكافي 3: 191 الجنائز نادر 61 ح 1، التهذيب 1: 456- 1486، الوسائل 3: 169 أبواب الدفن ب 17 ح 1.

(5) الكافي 3: 191 الجنائز نادر 61 ح 2، التهذيب 1: 456- 1486 و 1487، الوسائل 3: 169 أبواب الدفن ب 17 ح 2.

(6) المنتهى 1: 446.

(7) انظر الوسائل 3: 158 أبواب الدفن ب 10.

(8) الفقيه 1: 100- 466، علل الشرائع: 188 ب 149، الوسائل 3: 159 أبواب الدفن ب 10 ح 4 و 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 254

و رفع الصوت عند الجنازة، ذكره في المنتهى و قال: إنّ به رواية عامية «1».

و لا بأس به في مقام المسامحة.

الثاني: تربيعها بمعنيين مستحبين

إجماعا.

أحدهما: حملها بأربعة رجال من جوانبها الأربعة، لأنه أدخل في توقير الميت و أسهل من الحمل بين العمودين كما استحبه بعض العامة، و تحتمله رواية جابر:

«السنّة أن يحمل السرير من جوانبه الأربعة، و ما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوع» «2».

و ثانيهما: التناوب أي دوران الحامل في الجوانب الأربعة، و حمل الواحد كلا من جوانبها، للأخبار المتضافرة:

منها صحيحة جابر: «من حمل جنازة من أربع جوانبها غفر اللّه له أربعين كبيرة» «3».

و مرسلة الفقيه: «من حمل أخاه الميت بجوانب السرير الأربعة محا الله عنه أربعين كبيرة من الكبائر «4» و مرسلة سليمان: «من أخذ بقائمة السرير غفر اللّه له خمسا و عشرين كبيرة، فإذا ربع خرج من الذنوب» «5» و غير ذلك.

و يحصل التربيع المستحب بهذا المعنى بأيّ نحو فعله، لمكاتبة ابن سعيد:

عن سرير الميت إله جانب يبدأ به في الحمل من جوانبه الأربعة أو يحمل الرجل

______________________________

(1) المنتهى 1: 446، و انظر سنن أبي داود 3: 203 ح 3171.

(2) الكافي 3: 168 الجنائز ب 39 ح 2، التهذيب 1: 453- 1476، الاستبصار 1: 216- 765، الوسائل 3: 153 أبواب الدفن ب 7 ح 2.

(3) الكافي 3: 174 الجنائز ب 44 ح 1، التهذيب 1: 454- 1479، الوسائل 3: 153 أبواب الدفن ب 7 ح 1.

(4) الفقيه 1: 99- 461، الوسائل 3: 154 أبواب الدفن ب 7 ح 3.

(5) الكافي 3: 174 الجنائز ب 44 ح 2، الوسائل 3: 154 أبواب الدفن ب 7 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 255

من أيها شاء؟ فكتب: «من أيّها شاء» [1].

و لا خلاف في ذلك، كما لا خلاف في أن الأفضل فيه أن يبدأ بمقدّم السرير، ثمَّ

بما يليه من مؤخّره، و يدور عليه دوران الرحى أي لا يرجع حتى يتم الدور فيختمه بالمقدّم الآخر، و تضافرت بذلك الروايات أيضا كما تأتي.

و إنما الخلاف في موضعين:

أحدهما: فيما يبتدئ به من طرفي المقدّم. و الأظهر أن يبتدئ الطرف الذي يقابل يسار المشيّع في الخلف و عليه اليد اليمنى للميت، و هو ظاهر المحكي عن الخلاف و صريح المنتهى و الدروس و البحار و الكفاية و الأردبيلي «1»، و الهندي ناسبا له- كسابقه- إلى المشهور «2»، بل عن صريح الأول و في ظاهر الثاني الإجماع عليه.

لموثّقة فضل بن يونس و فيها: «و إن لم يكن يتّقي فيه فإنّ تربيع الجنازة أن يبدأ باليد اليمنى ثمَّ بالرجل اليمنى ثمَّ بالرجل اليسرى ثمَّ باليد اليسرى حتى يدور حولها» [2].

و دلالتها على هذه الكيفية ظاهرة غاية الظهور، فإنّ المراد باليمنى ليس يد الحامل بقرينة الرجل، فليس إلّا يد الميت، و لا تطلق اليد على الجنازة، و صحّته مجازا- لو سلّمت- لا تفيد. و الاستدلال بها للكيفية الآتية- كما في شرح القواعد «3»- غريب.

و رواية ابن يقطين: «السنّة في حمل الجنازة أن تستقبل جانب السرير بشقك

______________________________

[1] الفقيه 1: 100- 465 بتفاوت يسير، التهذيب 1: 3453- 1477، الاستبصار 1: 216- 766، الوسائل 3: 155 أبواب الدفن ب 8 ح 1.

[2] الكافي 3: 168 الجنائز ب 39 ح 3، التهذيب 1: 452- 1473- و فيه: المفضل بن يونس، الوسائل 3: 156 أبواب الدفن ب 8 ح 3.

______________________________

(1) الخلاف 1: 718، المنتهى 1: 444، الدروس 1: 111، بحار الأنوار 78: 279، لكفاية: 22، مجمع الفائدة 2: 472.

(2) كشف اللثام 1: 126.

(3) جامع المقاصد 1: 416.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص:

256

الأيمن، فتلزم الأيسر بكتفك الأيمن، ثمَّ تمر عليه إلى الجانب الآخر و تدور خلفه إلى الجانب الثالث من السرير، ثمَّ تمر عليه إلى الجانب الرابع ممّا يلي يسارك» [1].

فإن الظاهر من الأيسر أيسر السرير بقرينة قوله: «جانب السرير» و لأنه الملتزم للكتف. و جانب أيسر السرير، و إن احتمل بأن يكون ما عليه يسار الميت، إلّا أنّ الظاهر منه المقابل ليسار المشيّع في الخلف. و يؤكّده الحمل بالكتف الأيمن، إذ حمل الطرف الآخر باليمين غير منفك عن مشقة تامة في الدخول تحت الجنازة و عن مزاحمة مقابل له فيه، بل لا يتيسّر غالبا كما لا يخفى.

و أصرح منه قوله: «ممّا يلي يسارك» إذ المرور ممّا يلي يسار الحامل إلى الجانب الرابع لا يكون إلّا بالختم بيسار الميت.

و أيضا: ليس الجانب الرابع ممّا يلي يسار الحامل إلّا على حمل الرابع على يمين السرير الذي عليه يسار الميت.

و كون الآخر مقابلا ليسار المشيّع لا يفيد، لأنه ما يقابله لا ممّا يليه.

و المروي في الدعائم عنه عليه السلام: «كان يستحب لمن بدا له أن يعين في حمل الجنازة أن يبدأ بياسرة السرير، فيأخذها ممّن هي في يديه بيمينه، ثمَّ يدور بالجوانب الأربعة» «1».

خلافا لصريح روض الجنان «2» و ظاهر جمع آخر «3»، فقالوا: يبدأ بمقدم السرير الأيمن و هو الذي يلي يسار الميت، لرواية العلاء: «يبدأ في حمل السرير من جانبه [2] الأيمن، ثمَّ يمرّ عليه من خلفه إلى الجانب الآخر، ثمَّ يمرّ عليه حتى

______________________________

[1] الكافي 3: 168 الجنائز ب 39 ح 1 و في بعض نسخ الكافي: «بكفّك» بدل: «بكتك» التهذيب 1: 453- 1475، الاستبصار 1: 216- 764، الوسائل 3: 156 أبواب الدفن ب 8 ح 4.

[2]

في «ه»: الجانب.

______________________________

(1) دعائم الإسلام 1: 233.

(2) روض الجنان: 314.

(3) انظر الشرائع 1: 41، و الذكرى: 51، و جامع المقاصد 1: 416.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 257

يرجع إلى المقدّم، كذلك دور الرحى عليه» «1».

و المروي في مستطرفات السرائر: السنّة أن تستقبل الجنازة من جانبها الأيمن و هو ممّا يلي يسارك، ثمَّ تسير إلى مؤخّره و تدور عليه حتى ترجع إلى مقدّمه» «2».

و الرضوي: «فإذا أردت أن تربّعها فابدأ بالشق الأيمن فخذه بيمينك، ثمَّ تدور إلى المؤخّر فتأخذه بيمينك، ثمَّ تدور إلى المؤخّر الثاني فتأخذه بيسارك، ثمَّ تدور إلى المقدّم الأيسر فتأخذه بيسارك، ثمَّ تدور على الجنازة كدور كفّي الرحى» «3».

و يجاب عن الأول: بجواز رجوع المجرور في «جانبه» إلى الميت أو إلى الحامل البادي، لجواز كون الصيغ للغيبية، فلا يدلّ على ما ذكروه. بل و كذلك لو ارجع إلى السرير، إذ ليس للسرير نفسه يمين و يسار، فاعتبارهما فيه إمّا باعتبار المشيّع خلفه، أو توهّمه شخصا ماشيا، أو باعتبار المستقبل إيّاه كما هو الأكثر في إطلاق اليمين و اليسار في غير الحيوانات، أو بمجاورة يدي الميت، أو توهّمه شخصا مستلقيا على قفاه ماشيا كالميت. و على الأولين و إن ثبت ما ذكروه من الرواية، و لكن على الثلاثة الأخيرة يثبت فيها خلافه. و إن لم يكن الأخير أظهر فلا أقلّ من التساوي المسقط للاستدلال.

و أمّا التشبيه بدور الرحى فالغرض منه مجرّد الدوران و عدم الرجوع في الأثناء كما تفعله العامة كما صرّح به في صدر الموثّقة «4» و ذكره علماؤهم في كتبهم [1]،

______________________________

[1] انظر الأم 1: 272، بدائع الصنائع 1: 309، و نقل في المغني 2: 361 عن أحمد أنه يدور عليها.

______________________________

(1) الكافي

3: 169 الجنائز ب 39 ح 4، التهذيب 1: 453- 1484، الاستبصار 1: 216- 763، الوسائل 3: 156 أبواب الدفن ب 8 ح 5.

(2) مستطرفات السرائر: 59- 26، الوسائل 3: 155 أبواب الدفن ب 8 ح 2.

(3) فقه الرضا: 170، المستدرك 2: 302 أحكام الدفن ب 8 ح 1.

(4) المتقدمة في ص 255.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 258

لا الدور من اليمين إلى اليسار. و مع أنه أيضا لا يختص بذلك، لاختلاف يمين الميت و الحامل.

و ممّا ذكر يظهر الجواب عن الباقين.

مضافا في الثاني إلى أن تفسير جانبها الأيمن بقوله: «ممّا يلي يسارك» يؤكّد إرادة ما ذكرنا، لأنّ ما يلي يساره في بدء الأمر المتصل بحالة التشييع، هو جانب يمين الميت.

و في الثالث إلى أن الأمر بأخذ اليمين باليمين يبيّن ما بيّنّاه، لما تقدّم من صعوبة حمل يمين السرير الذي هو يسار الميت، بل عدم تيسّره في الأغلب، و لذلك جعله بعضهم «1» دليلا للأول.

بل يظهر الوهن العظيم فيما ادّعي من الشهرة على القول الأخير «2»، إذ ليس في كلامهم غالبا إلّا مقدّمة السرير اليمنى، و هي لما عليه يمين الميت محتملة، و لذا ترى المنتهى بعد ما عبّر بذلك فسّره بيمين الميت «3».

و قال بعض شرّاح القواعد في بيان قوله: و الأفضل البدأة بمقدم السرير الأيمن: و هو الذي يلي يمين الميت «4».

و لذا صرّح جمع من المتأخّرين «5» بموافقة الشيخ في المبسوط و النهاية «6» مع القول الأول.

و عن الراوندي «7» التصريح باتحاد قولي الشيخ فيهما و في الخلاف «8»،

______________________________

(1) الحدائق 4: 97.

(2) كما ادعاها في الرياض 1: 63.

(3) المنتهى 1: 444.

(4) كشف اللثام 1: 126.

(5) منهم الشهيدان في الذكرى: 51، و

الروض: 314، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 338.

(6) المبسوط 1: 183، النهاية: 37.

(7) حكى عنه في الذكرى: 51.

(8) الخلاف 1: 718.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 259

و يؤكّده دعواه الإجماع عليهما.

و منه يظهر ما في الاستظهار للأخير بالإجماع المحكي عن المبسوط [1].

و لطائفة من متأخّري المتأخّرين- منهم والدي رحمه اللّه «1»- فحكموا بالتخيير بين الطريقين، جمعا بين الروايات. و هو فرع الدلالة، و قد عرفت فيها الحالة.

و ثانيهما [2]: فيما يؤخذ به من كتفي الحامل. فالحق المشهور أخذ طرفي ميامن الميت بالميامن و مياسره بالمياسر، لروايتي ابن يقطين «2» و الدعائم «3»، و للأمر ببداءة الأخذ بالميامن فيهما و في الرضوي «4»، المستلزمة لما ذكرنا، بعد ثبوت البدأة بأخذ ميامن الميت بالموثّقة «5»، و لصعوبة العكس و مشقته أو عدم تيسّره و عدم تعارفه، و الألفاظ تحمل على المعاني المتعارفة.

خلافا لمن عكس، و هو بين من يبدأ بمياسر الميت «6»، و دليله الرضوي و روايتا ابن يقطين و الدعائم، بضميمة الاستلزام المذكور، و قد عرفت ضعف الملزوم. و من يبدأ بميامنه «7»، و لا دليل له أصلا.

الثالث: تشييع الجنازة، و هو مستحب بإجماع العلماء كافة، و النصوص في فضله متواترة «8».

______________________________

[1] كما حكى عنه في الحبل المتين: 69، و لم نعثر عليه.

[2] أي الخلاف الثاني، راجع ص 255.

______________________________

(1) و منهم الحدائق 4: 97.

(2) المتقدمة ص 255.

(3) المتقدمة ص 256.

(4) المتقدمة ص 257.

(5) المتقدمة ص 255.

(6) مثل الشهيد الثاني في الروض: 314.

(7) مثل العلامة في المنتهى 1: 444.

(8) انظر الوسائل 3: 141 أبواب الدفن ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 260

و الظاهر- كما صرّح به الأردبيلي «1»- تحقّقه بالمشي معها في الجملة، كما

تدلّ عليه مطلقات المرغّبات في متابعة الجنازة، و إن كان الأفضل المتابعة إلى أن يصلّى عليها، و الأكمل إلى أن يدفن كما في روايتي جابر «2» و أبي بصير «3».

و في المنتهى و عن روض الجنان: إنّ أدنى التشييع إلى موضع الصلاة «4».

و لا دليل عليه، و إثبات ثواب زائد له لا ينفي مطلقه عن غيره.

و يستحب للمشيّع التفكر في مئاله و ما يؤول إليه عاقبة حاله، و التخشّع و الاتّعاظ بالموت، كما ذكره الجماعة و قالوا بوروده في الأخبار «5».

و السير من ورائها أو أحد جانبيها بالإجماع، كما في المنتهى و شرح القواعد «6» و اللوامع، و في المدارك: إنّه المعروف من مذهب الأصحاب «7»، له، و للنصوص.

منها: موثّقة إسحاق: «المشي خلف الجنازة أفضل من المشي بين يديها، و لا بأس بأن يمشي بين يديها» [1].

و خبر السكوني: «اتبعوا الجنازة و لا تتبعكم، خالفوا أهل الكتاب» «8».

و خبر سدير: «من أحبّ أن يمشي مع الكرام الكاتبين فليمش جنبي السرير» [2].

______________________________

[1] التهذيب 1: 311- 902، و رواها في الكافي 3: 169 الجنائز ب 40 ح 1 بدون قوله: «و لا بأس ..»، الوسائل 3: 148 أبواب الدفن ب 4 ح 1.

[2] الكافي 3: 169 الجنائز ب 40 ح 6، التهذيب 1: 311- 904، الوسائل 3: 148 أبواب الدفن ب 4 ح 3، و في المصادر: «من أحب أن يمشي ممشى الكرام الكاتبين ..».

______________________________

(1) مجمع الفائدة 2: 469.

(2) الكافي 3: 173 الجنائز ب 43 ح 4، التهذيب 1: 455- 1485، الوسائل 3: 145، أبواب الدفن ب 3 ح 4.

(3) الكافي 3: 173 الجنائز ب 43 ح 5، الوسائل 3:

146 أبواب الدفن ب 3 ح 3.

(4) المنتهى

1: 445، الروض: 314.

(5) انظر الوسائل 3: 229 أبواب الدفن ب 59.

(6) المنتهى 1: 445، جامع المقاصد 1: 415.

(7) المدارك 2: 122.

(8) التهذيب 1: 311- 901، الوسائل 3: 149 أبواب الدفن ب 4 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 261

و الرضوي: «و إذا حضرت جنازة فامش خلفها و لا تمش أمامها، و إنّما يؤجر من تبعها لا من تبعته، اتبعوا الجنازة و لا تتبعكم، فإنه من عمل المجوس، و أفضل المشي في اتباع الجنازة ما بين جنبي الجنازة، و هو مشي الكرام الكاتبين» «1».

و عن المقنع و الخلاف الاقتصار على الأول «2»، و لعلّهما أرادا مقابل الامام منه لجعلهما إيّاه مقابلا له.

ثمَّ مقتضى إطلاق الرضوي أفضلية الثاني عن الأول. و صرّح بعض المتأخّرين بالعكس «3».

و لعلّه كونه أولى بمعنى الاتباع و التشييع، و لما روي من مشي النبي صلّى اللّه عليه و آله خلف جنازة «4».

و الأول ممنوع و الثاني غير دالّ.

و أن يكون ماشيا، كما عن النهاية و الجامع و المعتبر و ظاهر المقنع و المقنعة «5» و جمل العلم و شرحه للقاضي، و الغنية و الوسيلة و الشرائع «6»، لفتوى هؤلاء.

مضافا إلى كونه لازما لما في الركوب من الكراهة بإجماع العلماء كافة- كما في المنتهى «7»- و للنصوص المعتبرة كصحيحة البصري: «إنّي لأكره أن أركب و الملائكة يمشون» [1].

______________________________

[1] الكافي 3: 170 الجنائز ب 41 ح 2 (بزيادة)، التهذيب 1: 312- 906، الوسائل 3: 152 أبواب الدفن ب 6 ح 1، و رواها في الفقيه مرسلة الفقيه 1: 122- 588.

______________________________

(1) فقه الرضا: 169، المستدرك 2: 298 أبواب الدفن ب 4 ح 1.

(2) المقنع: 19، الخلاف 1: 718.

(3) الحدائق 4: 74.

(4) انظر

الوسائل 3: 148 أبواب الدفن ب 4.

(5) النهاية: 36، الجامع: 54، المعتبر 1: 293، المقنع: 19، المقنعة: 79.

(6) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 51، شرح جمل العلم و العمل: 154، الغنية (الجوامع الفقهية): 564، الوسيلة: 67، الشرائع 1: 41.

(7) المنتهى 1: 445.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 262

و مرسلة ابن أبي عمير: «رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قوما خلف جنازة ركبانا، فقال: ما أستحيي هؤلاء أن يتبعوا صاحبهم ركبانا و قد أسلموه على هذه الحالة» «1».

و خبر غياث: «كره أن يركب الرجل مع الجنازة في بدأته إلّا من عذر» و قال:

«يركب إذا رجع» «2».

و مقتضاه انتفاء الكراهة في الرجوع. و هو كذلك، للأصل.

و من المكروهات أيضا: المشي أمام الجنازة مطلقا، كما في المنتهى و عن صريح السرائر و الوسيلة و البيان «3»، و التذكرة [1]، و ظاهر المقنع و المقنعة و الاقتصاد «4»، و المراسم و جمل العلم «5»، بل في المنتهى الإجماع عليه «6»، لخبر السكوني و الرضوي السابقين «7».

و النهي فيهما و إن كان ظاهرا في الحرمة، إلّا أنّ عدم القول بها مطلقا، مع ضعف الثاني، مضافا إلى النصوص المصرّحة بالجواز المصرّحة بالجواز، كموثّقة إسحاق السابقة «8»، و صحيحة محمد: عن المشي مع الجنازة، فقال: «بين يديها و عن يمينها و عن شمالها و خلفها» «9» و روايته: «امش بين يدي الجنازة و خلفها» «10» أوجب الحمل

______________________________

[1] التذكرة 1: 48 و فيه: المشي خلف الجنازة أو إلى أحد جانبيها أفضل من التقدم عليها. فتأمل.

______________________________

(1) الكافي 3: 170 الجنائز ب 41 ح 1، الوسائل 3: 152 أبواب الدفن ب 6 ح 3.

(2) التهذيب 1: 464- 1518، الوسائل

3: 152 أبواب الدفن ب 6 ح 2.

(3) المنتهى 1: 445، السرائر 1: 164، الوسيلة: 67، البيان: 78.

(4) المقنع: 19، المقنعة: 79، الاقتصاد: 249.

(5) المراسم: 51، جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى 3): 51.

(6) المنتهى 1: 445.

(7) في ص 261، 260.

(8) في ص 260.

(9) الكافي 3: 169 الجنائز ب 40 ح 4، الفقيه 1: 100- 467، الوسائل 3: 149 أبواب الدفن ب 5 ح 1.

(10) الكافي 3: 170 الجنائز ب 40 ح 5، الوسائل 3: 150 أبواب الدفن ب 5 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 263

على الكراهة أي المرجوحية الإضافية، كما هي مراد القائلين بالكراهة- على ما صرّح به والدي رحمه اللّه- دون المعنى المصطلح، لظهور دلالة الموثّقة على ثبوت فضل للمشي في الإمام أيضا.

و أظهر منها المروي في الدعائم: «فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها كفضل الصلاة المكتوبة على التطوع» «1».

فهما قرينتان على تعيين إرادة المرجوحية الإضافية دون الكراهة المصطلحة، فإنهما مجازان لا بدّ في تعيينهما من معيّن. و لا يصلح نفي الأجر في الرضوي «2» لتعيين الثاني، لضعفه، و المسامحة إنما هي في إثبات الأجر دون نفيه.

خلافا للمحكي عن صريح المعتبر و الذكرى و ظاهر المبسوط و النهاية و موضع من المنتهى «3»، فلا كراهة مطلقا، للأمر به، و إثبات الفضل له، و نفي البأس عنه فيما تقدم «4».

و يجاب بعدم منافاة شي ء منها للمرجوحية الإضافية.

نعم، لو أرادوا نفي الكراهة المصطلحة فالأولان ينفيانها، و لكن لا نقول بها و نطالب من ادّعاها بالدليل.

فإن تمسّك بالنهي، نجيب بأنه مجاز قطعا في أحد المعنيين، و إثبات الفضل يعيّن ما ذكرنا، فلو عيّن الآخر بنفي الأجر نردّه بما مرّ، أو بكونه طريقة أهل الكتاب

نردّه بعدم دلالته على الزائد بهما على المرجوحية الإضافية.

مع أنه مع تسليم تكافؤ المعيّنين يتكافأ المعنيان أيضا، لعدم المرجّح، و ما ذكرناه ثابت إجماعا، و الآخر ساقط بالأصل و ورود الأمر.

______________________________

(1) دعائم الإسلام 1: 234، المستدرك 2: 299 أبواب الدفن ب 4 ح 4.

(2) المتقدم في ص 261.

(3) المعتبر 1: 293، الذكرى: 52، المبسوط 1: 183، النهاية: 36، المنتهى 1: 445.

(4) راجع ص 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 264

و للمحكي عن الإسكافي «1»، فخصّ الكراهة بغير صاحب الجنازة، و قال باستحباب مشيه بين يديها، للأخبار المصرّحة بتقديم مولانا الصادق عليه السلام على سرير إسماعيل «2».

و يضعّف بأنه غير مناف لأفضلية التأخّر، مع أنه يحتمل التقية، لأنّ أفضليته مذهب العامة [1].

هذا كلّه في جنازة المؤمن، و أمّا غيره فالحقّ في التقديم عليها الكراهة المصطلحة، بل عن العماني فيه الحرمة «3»، للنهي عنه في المعتبرة «4»، و عدم دليل فيه على الراجحية المطلقة، لاختصاص أكثر المرغّبات و الأوامر صريحا، و الجميع ظاهرا بجنازة المؤمن.

و منه يظهر عدم استحباب التشييع لجنازة غيره أيضا، إلّا مع مصلحة داعية، و معها قد يجب.

و منها: رجوع المشيّع حتى يدفن أو يأذن الولي، إلّا من ضرورة، لمرفوعة البرقي: «أميران و ليسا بأميرين: ليس لمن شيّع جنازة أن يرجع حتى يدفن أو يؤذن له» «5» الخبر.

ثمَّ لو أذن له الولي في الانصراف لم يسقط استحباب إتمام التشييع، للاستصحاب، و حسنة زرارة و فيها: فلمّا صلّى على الجنازة قال وليّها لأبي جعفر:

ارجع مأجورا رحمك اللّه، فإنك لا تقوى على المشي، فأبى أن يرجع- إلى أن

______________________________

[1] في المغني 2: 356 ما لفظه: أكثر أهل العلم يرون الفضيلة للماشي أن يكون إمام الجنازة ..

و

قال الأوزاعي و أصحاب الرأي المشي خلفها أفضل. و انظر الأم 1: 272، بدائع الصنائع 1:

310، بداية المجتهد 1: 232.

______________________________

(1) حكى عنه في الذكرى: 52.

(2) انظر الوسائل 2: 441 أبواب الاحتضار ب 27.

(3) حكى عنه في الحدائق 4: 72.

(4) انظر الوسائل 3: 149 أبواب الدفن ب 5.

(5) الكافي 3: 171 الجنائز ب 42 ح 2، الوسائل 3: 146 أبواب الدفن ب 3 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 265

قال-: «فليس بإذنه جئنا و لا بإذنه نرجع، و إنما هو فضل و أجر طلبناه، فبقدر ما يتبع الجنازة الرجل يؤجر على ذلك» «1».

و منها: جلوس المشيّع حتى يوضع الميت في لحده، كما عن العماني «2» و ابن حمزة، و الفاضلين، و الذكرى «3»، لصحيحة ابن سنان: «ينبغي لمن شيّع أن لا يجلس حتى يوضع في لحده، فإذا وضع في لحده فلا بأس» «4».

و في الدعائم: «إنّ الحسن بن علي مشى مع جنازة، فلمّا انتهى إلى القبر وقف يتحدّث مع أبي هريرة و ابن الزبير حتى وضعت الجنازة، فلمّا وضعت جلس و جلسوا» «5».

و عن الشيخ و الإسكافي: عدم الكراهة «6»، لحسنة داود: رأيت أبا الحسن يقول: «ما شاء اللّه لا ما شاء الناس» فلمّا انتهى إلى القبر تنحّى فجلس فلمّا ادخل الميت قام فحثا عليه التراب «7».

و خبر ابن الصامت: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا كان في جنازة لم يجلس حتى توضع في اللحد، فقال يهودي: إنّا لنفعل ذلك، فجلس و قال:

«خالفوهم» «8».

و يجاب عن الأول: بعدم منافاته الكراهة.

و عن الثاني: بعدم الثبوت، و لو ثبت فمرجوح بالنسبة إلى ما ذكر بالضعف

______________________________

(1) الكافي 3: 171 الجنائز ب 42 ح 3،

التهذيب 1: 454- 1481، الوسائل 3: 147 أبواب الدفن ب 3 ح 7.

(2) حكى عنه في المعتبر 1: 334.

(3) الوسيلة: 69، المعتبر 1: 334، المنتهى 1: 446، الذكرى: 53.

(4) التهذيب 1: 462- 1509، الوسائل 3: 212 أبواب الدفن ب 45 ح 1.

(5) دعائم الإسلام 1: 233.

(6) الخلاف 1: 719، و حكاه في الذكرى: 53 عن الإسكافي.

(7) الكافي 3: 198 الجنائز ب 66 ح 1، الوسائل 3: 189 أبواب الدفن ب 29 ح 1.

(8) سنن أبي داود 3: 204- 3176 (بتفاوت يسير).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 266

و الأقدمية.

و الظاهر اختصاص الكراهة بالمشيّع، فلا يكره لمن لحق حين وضع الجنازة.

و منها: الضحك له، لقول أمير المؤمنين عليه السلام في النهج حين تبع جنازة فسمع رجلا يضحك: «كأنّ الموت فيها على غيرنا كتب» «1».

و في تنبيه الخاطر للورّام، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال: «من ضحك على جنازة أهانه اللّه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، و لا يستجاب دعاؤه» [1].

و منها: خروج النساء معها و اتباعها، كما عن الشيخ [2]، و الفاضلين و الشهيد «2»، لخبر غياث: «لا صلاة على جنازة معها امرأة» «3».

و المرويين في المجالس مسندا، و الدعائم:

الأول: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج فرأى نساء قعودا فقال: ما أقعدكنّ هاهنا؟ قلن: للجنازة، قال: أ فتحملن مع من يحمل؟ قلن: لا، قال:

أ تغسلن مع من يغسل؟ قلن: لا، قال: أ فتدلين فيمن يدلي؟ قلن: لا، قال:

فارجعن مأزورات غير مأجورات» «4» و نحوه روى السيد الحيدر في غرر الدرر مرسلا «5».

و الثاني إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مشى مع جنازة، فنظر إلى امرأة

______________________________

[1] لم نعثر عليه

في مجموعة ورّام و نقل عنها في الوسائل 3: 233 أبواب الدفن ب 63 ح 5.

[2] الاستبصار 1: 486 قال في ذيل خبر غياث ما لفظه: فالوجه في هذه الرواية ضرب من الكراهية دون الحظر.

______________________________

(1) نهج البلاغة 3: 179- 122.

(2) المعتبر 1: 334، المنتهى 1: 446، الذكرى: 53.

(3) التهذيب 3: 333- 1402، الاستبصار 1: 486- 1882، الوسائل 3: 140 أبواب صلاة الجنازة ب 40 ح 2.

(4) أمالي الطوسي: 659، الوسائل 3: 240 أبواب الدفن ب 69 ح 5.

(5) نقله عنه في البحار 78: 264- 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 267

تتبعها، فوقف و قال: «ردّوا المرأة» فردّت، و وقف حتى قيل: قد توارت بجدار المدينة يا رسول اللّه، فمضى «1».

و بهما تخصّص عمومات التشييع و تقيّد إطلاقاتها.

خلافا لبعض الثالثة فلم يكرهه «2»، لما روي من خروج البتول على جنازة أختيها «3».

و أجاب عمّا ذكر بالحمل على التقية.

و يجاب: بعدم منافاته للكراهة، مع أنّ المذكور فيه صلاتها عليها. و الحمل على التقية إنما يكون مع المعارضة.

نعم، في خبر أبي بصير: «ليس ينبغي للمرأة الشابة أن تخرج إلى الجنازة و تصلّي عليها إلّا أن تكون امرأة دخلت في السن» «4».

و مقتضى خصوصيته تخصيص ما مرّ بالشابة، إلّا أنّ الظاهر عدم قائل بالفرق.

المقام الثاني: فيما يتعلّق بالمدفن.

و الواجب فيه أن يكون مع الإمكان حفيرة في الأرض، فلا يجوز وضعه في بناء أو تابوت بدون ضرورة، تأسّيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة الطاهرين، و اقتداء بالصحابة و التابعين، و جريا على الطريقة المستمرة بين المسلمين، و للأمر بالدفن كما في رواية العلل، الآتية و غيرها [1].

______________________________

[1] انظر الوسائل 3: 141 أبواب الدفن ب 1 و الأبواب التي أشير

إليها في هامشه.

______________________________

(1) دعائم الإسلام 1: 234.

(2) الحدائق 4: 85.

(3) الكافي 3: 251 الجنائز باب النوادر ح 8، التهذيب 3: 333- 1043، الوسائل 3: 139 أبواب صلاة الجنازة ب 39 ح 1 و 2.

(4) التهذيب 3: 333- 1044، الاستبصار 1: 486- 1881، الوسائل 3: 139 أبواب صلاة الجنازة ب 39 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 268

و المتبادر منه المواراة في عمق الأرض، و في العاميّ المروي في المنتهى و غيره عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «احفروا و أوسعوا و عمّقوا» «1».

و أن تكون سعته بقدر يسع جثته نائمة على القبلة على الوجه الآتي، لوجوبه المتوقّف على ذلك.

و عمقا على نحو يحرسها عن السباع غالبا، و يكتم رائحته عن الانتشار، بإجماع المسلمين، و لأنّهما العلّة في شرع الدفن كما في المروي في العلل: «أمر بالدفن لئلّا يظهر للناس فساد جسده و قبح منظره و تغيّر رائحته، و لا يتأذّى الأحياء بريحه» «2» إلى آخره.

و الوصفان متلازمان غالبا، و لو فرض الانفكاك بينهما وجب مراعاتهما.

و السرداب من المحفورات، فيجوز الدفن فيه و سدّ بابه.

و لو تعذّر الحفر أجزأ مواراته في البناء بما يحصّل الوصفين.

و يكره دفنه في الأرض بالتابوت إجماعا، كما عن المبسوط و الخلاف [1].

و يجب أن تكون الأرض ممّا يجوز التصرّف فيها لذلك، إمّا بكونها مباحة، أو مرخّصا فيها من قبل المالك، خالية من ميت آخر حيث يحرم النبش.

و هل يجوز الدفن في ملك الميت مع عدم رضا الوارث أو كونه صغيرا فيكون من المستثنيات كمؤن التجهيز، أم لا؟

الظاهر: الثاني، للأصل.

و مستحباته:

حفر القبر إلى الترقوة أو قدر قامة معتدلة، إجماعا، كما في ظاهر

______________________________

[1] المبسوط 1: 187، الخلاف: نقل عنه في

كشف اللثام 1: 134. و لم نعثر عليه في مظانّه.

______________________________

(1) المنتهى 1: 461، المعتبر 1: 295.

(2) علل الشرائع: 268، الوسائل 3: 141 أبواب الدفن ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 269

المدارك «1»، و القواعد [1]، و عن الخلاف و الغنية و التذكرة «2»، و هو الحجة فيهما.

مضافا في الأول إلى مرسلة الصدوق: «حدّ القبر إلى الترقوة» «3».

و فيهما إلى مرسلة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن الصادق عليه السلام قال: «حد القبر إلى الترقوة، و قال بعضهم: إلى الثدي، و قال بعضهم:

قامة الرجل حتى يمد الثوب على رأس من في القبر» «4».

و مرسلة سهل: «روى أصحابنا أنّ حد القبر إلى الترقوة» «5» إلى آخر ما سبق.

و القدح في الاستدلال للقامة بهما بعدم معلومية القائل «6» غير جيّد، إذ الظاهر أنّ المعنى: أنّ ابن أبي عمير روى عن بعض أصحابه عن الصادق عليه السلام أنه إلى الترقوة، و عن بعض آخر عنه أنه إلى القامة. فهو خبر مرسل آخر، و مثل ذلك شائع في المجاورات مع تعدّد الروايتين.

نعم يتمّ ذلك القدح في المرسلة الأولى، فإنّ فيها: قال الصادق عليه السلام كذا، و قال بعضهم كذا، و أمّا في [الأخريين ] [2] فلا، و لو سلّم الاحتمال الضعيف فهو لا يضرّ في مقام المسامحة سيما مع الانضمام بالإجماعات المنقولة.

و لعلّ لذلك مع ضميمة عدم القائل لم يلتفتوا إلى التقدير بالثدي، أو لإجماله لترديده بين الثاء المثلثة، و النون ليكون المراد الرشح، فلا يصلح دليلا

______________________________

[1] القواعد 1: 21، تعرّض للمسألة بدون دعوى الإجماع، و لعل الصحيح: «شرح القواعد» و هو جامع المقاصد 1: 439.

[2] في النسخ: الأولين.

______________________________

(1) المدارك 2: 137.

(2) الخلاف 1: 705- 706،

الغنية (الجوامع الفقهية): 564، التذكرة 1: 52.

(3) الفقيه 1: 107- 498، الوسائل 3: 165 أبواب الدفن ب 14 ح 2.

(4) التهذيب 1: 451- 1469، الوسائل 3: 165 أبواب الدفن ب 14 ح 2.

(5) الكافي 3: 165 الجنائز ب 36 ح 1، الوسائل 3: 165 أبواب الدفن ب 14 ح 2.

(6) كما في الرياض 1: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 270

لشي ء منهما. كما لا يصلح آخر المرسلة الأخيرة من قول السجاد عليه السلام:

«احفروا لي حتى يبلغ الرشح» دليلا للأخير، لجواز كون أرض البقيع بحيث يصل إلى الندى قبل الترقوة.

ثمَّ بما مرّ من دليل القامة يخصّص عموم خبر السكوني: «نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يعمق القبر فوق ثلاثة أذرع» «1» حيث إنّها أقلّ منها، مع احتمال اختصاص النهي ببلده- أي المدينة- لقرب الرطوبة.

و جعل لحد له، بالإجماع كما عن الكتب الثلاثة الأخيرة «2»، له، و للتلحيد لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لسعد بن معاذ بحضوره كما في العلل «3»، و لتوقّف الوضع في اللحد المأمور به- كما في المستفيضة منها: المروي في العلل: «ثمَّ ضعه في لحده» «4» و نحوه في الرضوي «5»- عليه، و ما يتوقّف عليه المستحب مستحب.

و هو أن يحفر بعد البلوغ إلى أرض القبر في حائطه ممّا يلي القبلة حفيرة، بالإجماع، له، و للمروي ظاهرا في الدعائم عن الصادق عليه السلام قال:

«اللحد هو أن يشق للميت في القبر مكانه الذي يضجع فيه مما يلي القبلة مع حائط القبر، و الضريح أن يشق له وسط القبر» «6» إلى آخره.

يسع الميت طولا و عرضا، لأنها معدّة له. و يتمكّن الجالس من الجلوس فيه

عمقا إجماعا، لمرسلة ابن أبي عمير، و فيها: «و أمّا اللحد فبقدر ما يمكن فيه

______________________________

(1) الكافي 3: 166 الجنائز ب 36 ح 4، التهذيب 1: 451- 1466 الوسائل 3: 165 أبواب الدفن ب 14 ح 1.

(2) الخلاف 1: 706، الغنية (الجوامع الفقهية): 564، التذكرة 1: 52.

(3) علل الشرائع: 309 ب 251، الوسائل 3: 230 أبواب الدفن ب 60 ح 2.

(4) علل الشرائع: 306 ب 251.

(5) فقه الرضا: 170.

(6) دعائم الإسلام 1: 237، المستدرك 2: 315 أبواب الدفن ب 15 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 271

الجلوس» «1».

و اللحد أفضل من الشقّ- الذي هو الضريح، و هو أن يحفر في أرض القبر شقا يوضع فيه الميت و يسقف- إجماعا، و في المنتهى أنه قول العلماء «2»، لما ذكر.

و لا ينافيه ما دلّ على أمر مولانا الباقر عليه السلام بالشق له، لاحتمال الاختصاص به، لكونه جسيما و كون أرض البقيع رخوة، فلا يحتمل الحفيرة الواسعة فينهدم، صرّح بذلك في خبر الحلبي: «و شققنا له الأرض شقّا لأنه كان بادنا» «3».

و في الدعائم: إنّ الصادق عليه السلام ضرّح لأبيه عليه السلام، احتاج إلى ذلك لأنه كان جسيما «4».

و كذا لا ينافيه أمر مولانا الرضا عليه السلام أيضا بالتضريح و قوله: «فإن أبوا إلّا أن يلحّدوا فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين و شبرا، فإنّ اللّه سيوسّعه ما شاء» [1] لما ذكر، كما يرشد إليه ذيله، أو لمانع آخر من التلحيد الوسيع فيه من مدفون و نحوه.

و منه تظهر أفضلية الشق في صورة المانع كما صرّح به جماعة «5»، و عن الإسكافي «6» و المعتبر «7»: أنه يعمل حينئذ شبه اللحد من بناء في قبلته.

______________________________

[1] عيون أخبار الرضا

2: 245 ب 60، الأمالي للصدوق: 526- 17، الوسائل 3: 167 أبواب الدفن ب 15 ح 4 و في «ح» بدل «ما شاء»: «إن شاء اللّه».

______________________________

(1) التهذيب 1: 451- 1469، الوسائل 3: 165 أبواب الدفن ب 14 ح 2.

(2) المنتهى 1: 461.

(3) الكافي 3: 140 الجنائز ب 18 ح 3، التهذيب 1: 300- 876، الوسائل 3: 166 أبواب الدفن ب 15 ح 3.

(4) دعائم الإسلام 1: 237، المستدرك 2: 316 أبواب الدفن ب 15 ح 3.

(5) كالعلامة في التذكرة 1: 52، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 439، و الشهيد في الذكرى: 65.

(6) نقل عنه في الذكرى: 65.

(7) المعتبر 1: 296.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 272

و تشريج [1] اللحد و تنضيده بعد وضع الميت فيه، باللبن و الطين، على وجه يمنع دخول التراب فيه، بالإجماع كما في المدارك «1» و اللوامع، و في المنتهى: لا نعلم فيه خلافا «2»، و هو الحجة فيه، مضافا إلى المستفيضة:

كصحيحة ابن تغلب: «جعل عليّ على قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لبنا» «3».

و خبر ابن عمار: «ثمَّ تضع الطين و اللبن» «4».

و نحوه المروي في دعوات الراوندي «5» و المعتبرة «6» المشعرة بالمداومة عليه [2].

و يقوم مقام اللبن ما يساويه في المنع من تعدي التراب إليه، كالحجر و القصب و الخشب، كما عن الغنية و المنتهى و المهذب «7».

و يدلّ عليه المروي في العلل: «نزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبر سعد بن معاذ، و لحّده، و سوىّ عليه اللبن، و جعل يقول: ناولني حجرا ناولني ترابا رطبا، يسدّ به ما بين اللبن» «8» الحديث.

و لا يستفاد منه

إطلاق اللبن على ما يعمّ الحجر، لجواز أن يكون الحجر لسدّ

______________________________

[1] شرجت اللبن شرجا: نضدته أي ضممت بعضه إلى بعض- مجمع البحرين 2: 312.

[2] وجه الإشعار أنه قد ورد في المعتبرة قوله: «إذا وضعت عليه اللبن فقل اللهم صل وحدته ..»

و هذا مشعر باستقرار البناء في تلك الأزمنة على وضع اللبن حيث اقتصر عليه السلام الأمر بالدعاء عنده و لم يأمره بوضع اللبن، و هو مما يستفاد من الرياض 1: 65.

______________________________

(1) المدارك 2: 141.

(2) المنتهى 1: 461.

(3) الكافي 3: 197 الجنائز ب 65 ح 3، الوسائل 3: 189 أبواب الدفن ب 28 ح 1.

(4) التهذيب 1: 457- 1492، الوسائل 3: 180 أبواب الدفن ب 21 ح 6.

(5) الدعوات: 266، المستدرك 2: 324 أبواب الدفن ب 21 ح 7.

(6) الكافي 3: 196 الجنائز ب 64 ح 6، التهذيب 1: 316- 920، الوسائل 3: 177 أبواب الدفن ب 21 ح 2.

(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 564، المنتهى 1: 461، المهذب 1: 43.

(8) تقدم مصدره ص 270.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 273

الخلل.

و يبتدئ في التشريج من جانب الرأس، للمحكي عن الراوندي: أنه عمل العارفين من الطائفة «1».

و تسطيح القبر بعد طمّه، إجماعا منّا كما في شرح القواعد «2»، و صرّح به جماعة، و في المنتهى: «إنه قول علمائنا أجمع «3»، له، و لاستحباب التربيع المستلزم له.

و للرضوي: «و السنّة أنّ القبر يرفع أربع أصابع مفرّجة من الأرض، و إن كان أكثر فلا بأس، و يكون مسطّحا، و لا يكون مسنّما» «4».

و المروي في المحاسن: «لا تدع قبرا إلّا سوّيته» «5» و في آخر: «و لا قبرا مشرفا إلّا سوّيته» «6» و التسوية هو التسطيح.

و يؤيّده قول القاسم

بن محمد كما في المنتهى: رأيت قبر النبي و القبرين عنده مسطّحة لا مشرفة «7».

و تربيعه، بالإجماع كما في المدارك «8»، و اللوامع، للرضوي المتقدّم، و خبر ابن مسلم: «تربّع قبره» «9».

و الروايات في الخصال، و العلل، و الدعائم:

______________________________

(1) حكاه عن الراوندي في الذكرى: 66.

(2) جامع المقاصد 1: 443.

(3) المنتهى 1: 462.

(4) فقه الرضا: 175، المستدرك 2: 335 أبواب الدفن ب 29 ح 1.

(5) المحاسن: 613- 34.

(6) صحيح مسلم 2: 666- 969.

(7) المنتهى 1: 462.

(8) المدارك 2: 143.

(9) الكافي 3: 195 الجنائز ب 64 ح 3، التهذيب 1: 315- 916، الوسائل 3: 181 أبواب الدفن ب 22 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 274

الأول: «القبور تربّع و لا تسنّم» «1».

و الثاني: لأيّ علّة يربّع القبر؟ قال: «لعلّة البيت لأنه نزل مربّعا» «2».

و الثالث: عن أمير المؤمنين عليه السلام لمّا دفن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ربّع قبره «3».

و رفعه أربع أصابع باتّفاق الأصحاب، كما عن المعتبر «4»، بل العلماء كما في المنتهى «5»، بل بالإجماع كما في المدارك «6»، لخبري محمد و عقبة:

الأول: «يرفع القبر فوق الأرض أربع أصابع» «7».

و الثاني: «قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و ارفع قبري من الأرض أربع أصابع» «8». الحديث.

مفرّجات أو مضمومات مخيّرا بينهما، كما في المنتهى، و شرح القواعد، و عن الذكرى «9»، و يحتمله كلام من أطلق، كما في الشرائع، و القواعد، و عن التحرير و الإرشاد «10»، بل حكي عن الأكثر «11».

لورود الاولى في الرضوي المتقدم و خبر ابن مسلم: «و تلزق القبر بالأرض إلّا قدر أربع أصابع مفرّجات» «12» و حسنة حماد: «و ارفع قبري أربع

أصابع

______________________________

(1) الخصال: 604، الوسائل 3: 182 أبواب الدفن ب 22 ح 5.

(2) علل الشرائع: 305 ب 248، الوسائل 3: 195 أبواب الدفن ب 31 ح 12.

(3) دعائم الإسلام 1: 238، المستدرك 2: 336 أبواب الدفن ب 29 ح 2.

(4) المعتبر 1: 301.

(5) المنتهى 1: 462.

(6) المدارك 2: 143.

(7) الكافي 3: 201 الجنائز ب 67 ح 10، الوسائل 3: 192 أبواب الدفن ب 31 ح 1.

(8) الكافي 1: 450 الحجة أبواب التاريخ ب 1 ح 36، الوسائل 3: 192 أبواب الدفن ب 31 ح 3.

(9) المنتهى 1: 462، جامع المقاصد 1: 443، الذكرى: 47.

(10) الشرائع 1: 43، القواعد 1: 21، التحرير 1: 20، الإرشاد 1: 264.

(11) كما حكاه في كشف اللثام 1: 135.

(12) راجع ص 273 الرقم (9).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 275

مفرّجات» [1].

و الثاني في موثّقة سماعة: «و يرفع قبره من الأرض أربع أصابع مضمومة» «1».

و اقتصر جماعة- كما عن المفيد و الديلمي و الاقتصاد «2»، و الحلبيين «3»، و ابني حمزة و إدريس «4»، و النافع و التذكرة و نهاية الإحكام «5»- على الاولى، بل نسب إلى الأشهر «6»، و العماني على الثانية «7». و كلّ منهما يردّ برواية الآخر.

و لا يستحب الرفع زائدا و لو كان شبرا، بل يكره، لدعوى الإجماع في المنتهى على كراهة الزائد عن الأربع «8»، و المروي في العيون: «لا ترفعوا قبري أكثر من أربع أصابع مفرّجات» «9».

خلافا للمحكي عن ابن زهرة، فخيّر بين الشبر و بين الاولى «10»، و عن القاضي فبينه و بين الثانية «11»، و عن بعض آخر فبين الثلاثة «12»، و اختاره والدي قدس اللّه روحه، لخبر إبراهيم: «إنّ قبر رسول اللّه صلّى

اللّه عليه و آله و سلّم رفع

______________________________

[1] الكافي 3: 200 الجنائز ب 67 ح 5، التهذيب 1: 315- 916، الوسائل 3: 193 أبواب الدفن ب 31 ح 5 و ليس في المصادر كلمة «مفروجات».

______________________________

(1) الكافي 3: 199 الجنائز ب 67، ح 2 التهذيب 1: 320- 932، الوسائل 3: 192 أبواب الدفن ب 31 ح 4.

(2) المقنعة: 81، المراسم: 51، الاقتصاد: 250.

(3) الكافي: 239، الغنية (الجوامع الفقهية): 564.

(4) الوسيلة: 68، السرائر 1: 165.

(5) النافع: 14.

(6) كما في الرياض 1: 66.

(7) حكاه عنه في الذكرى: 67.

(8) المنتهى 1: 462.

(9) عيون أخبار الرضا (ع) 1: 82- 6، الوسائل 3: 195 أبواب الدفن ب 31 ح 11.

(10) الغنية (الجوامع الفقهية): 564.

(11) المهذب 1: 64.

(12) انظر جامع المقاصد 1: 443.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 276

شبرا من الأرض» «1».

و يجاب: بأنه لا يعارض ما مرّ، لجواز الاختصاص، و لسقوطه بنقل خلافه كما مرّ.

و وضع حجر أو خشب عند الرأس، فيه اسم الميت علامة ليزار و يترحّم عليه، لفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله ذلك بقبر ابن مظعون، كما في الدعائم «2»، و الكاظم عليه السلام بقبر ابنة له، كما في خبر يونس: لمّا رجع من بغداد إلى المدينة ماتت ابنة له في رجوعه بفيد، فأمر بعض مواليه أن يجصّص قبرها، و يكتب على لوح اسمها و يجعله في القبر» «3» و وجوده على قبر أمّ المهدي عليه السلام في حياة أبي محمد عليه السلام، كما في إكمال الدين «4».

و وضع الحصباء عليه، لفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله ذلك بقبر ابنه، و في مرسلة أبان: «قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم محصّب حصباء

حمراء» «5».

و مكروهاته:

فرش القبر بالساج و شبهه، كما عن الوسيلة «6»، و في الشرائع و النافع «7»، و القواعد «8».

______________________________

(1) التهذيب 1: 469- 1538، علل الشرائع: 307 (بسند آخر)، الوسائل 3: 193 أبواب الدفن ب 31 ح 8.

(2) دعائم الإسلام 1: 238، مستدرك الوسائل 2: 344 أبواب الدفن ب 35 ح 1.

(3) الكافي 3: 202 الجنائز ب 68 ح 3، التهذيب 1: 461- 1501، الاستبصار 1: 217- 768، الوسائل 3: 203 أبواب الدفن ب 37 ح 2.

(4) إكمال الدين 2: 431- 7، الوسائل 3: 203 أبواب الدفن ب 37 ح 3.

(5) التهذيب 1: 461- 1502، الوسائل 3: 203 أبواب الدفن ب 37 ح 1، و رواه مرسلا في الكافي 3: 201 الجنائز ب 68 ح 2.

(6) الوسيلة: 69.

(7) الشرائع 1: 43، المختصر النافع: 14.

(8) القواعد 1: 21.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 277

و علّل بكونه لازما لوضع خدّه على التراب «1».

و فيه: منع الملازمة، لإمكان وضع التراب على الساج.

و باستلزامه الإتلاف المنهي عنه من دون رخصة «2».

و هو- لو تمَّ- لدلّ على الحرمة.

مع أنّ عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» «3» [و ما مرّ في كتابة الكفن من عمل العمري- رضي اللّه عنه- الساجة «4»، و مرسلة الفقيه: روي عن أبي الحسن الثالث إطلاق في أن يفرش القبر بالساج و يطبق على الميت الساج «5»، بل المكاتبة الآتية- حيث إنّ التقييد فيها في السؤال- تفيد الرخصة.

و لا كراهة مع الضرورة اتّفاقا، و منها النداوة، لمكاتبة ابن بلال: ربما مات الميت عندنا و تكون الأرض ندية فيفرش القبر بالساج أو يطبق عليه، هل يجوز ذلك؟ فكتب: «ذلك جائز» «6».

و المراد بتطبيق الساج عليه جعله حواليه كأنه

وضع في تابوت ] [1].

و في كراهة وضع الفرش عليه مطلقا، أو عدمها كذلك، أو الثاني مع

______________________________

[1] قد وقع في النسخ الثلاث تقديم و تأخير في العبارة، و هي هكذا: يفيد الرخصة، و المراد بتطبيق الساج عليه جعله حواليه كأنه وضع في تابوت. و لا كراهة مع الضرورة اتفاقا، و منها النداوة، لمكاتبة ابن بلال: «ربما مات الميت» و ما مرّ في كتابة الكفن من عمل العمري- رضي اللّه عنه- الساجة، و مرسلة الفقيه: روي عن أبي الحسن الثالث إطلاق في أن يفرش القبر بالساج و يطبق على الميت الساج، بل المكاتبة الآتية حيث إن التقييد فيها في السؤال عندنا و تكون الأرض ندية فيفرش القبر بالساج أو يطبق عليه، هل يجوز ذلك؟ فكتب: ذلك جائز.

______________________________

(1) كما في كشف اللثام 1: 138.

(2) كما في الرياض 1: 66.

(3) عوالي اللئالي 3: 208- 49.

(4) راجع ص 214.

(5) الفقيه 1: 108- 499، الوسائل 3: 189 أبواب الدفن ب 27 ح 3.

(6) الكافي 3: 197 الجنائز ب 65 ح 1، التهذيب 1: 456- 1488، الوسائل 3: 188 أبواب الدفن ب 27 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 278

النداوة و الأول بدونها، أوجه، بل أقوال، و الأصل مع الثاني، و تؤيده الأخبار الواردة في فرش قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالقطيفة «1» و إن احتمل كونه لأجل النداوة.

و جعل تراب غير القبر فيه و نقله إليه، لمرسلة الفقيه: «كلّ ما جعل على القبر من غير تراب القبر فهو ثقل على الميت» «2».

و خبري السكوني: أحدهما: «نهى أن يزاد على القبر تراب لم يخرج منه» «3».

و الآخر: «لا تطيّنوا القبر من غير طينه» «4».

و إطلاقها يتناول

حال الدفن و بعده، فتخصيص الإسكافي بالأول «5» لا وجه له، و هو بدليل الفرق مطالب.

و تجصيصه، بإجماعنا، كما في المنتهى و التذكرة و عن المبسوط و نهاية الإحكام «6».

للمستفيضة الناهية عنه، كموثّقة علي: «لا يصلح البناء على القبر، و لا الجلوس عليه، و لا تجصيصه، و لا تطيينه» «7».

و في حديث المناهي المروي في الفقيه: «و نهى أن يجصّص القبور» «8».

______________________________

(1) الكافي 3: 197 الجنائز ب 65 ح 2، الوسائل 3: 189 أبواب الدفن ب 27 ح 2، و من طريق العامة: سنن البيهقي 3: 408.

(2) الفقيه 1: 120- 576، الوسائل 3: 202 أبواب الدفن ب 36 ح 3.

(3) الكافي 3: 202 الجنائز ب 68 ح 4، التهذيب 1: 460- 1500، الوسائل 3: 202 أبواب الدفن ب 36 ح 1.

(4) الكافي 3: 201 الجنائز ب 68 ح 1، التهذيب 1: 460- 1499، الوسائل 3: 202 أبواب الدفن ب 36 ح 2.

(5) حكاه عنه في الذكرى: 67.

(6) المنتهى 1: 463، و التذكرة 1: 54، و المبسوط 1: 187، و نهاية الإحكام 2: 284.

(7) التهذيب 1: 461- 1503، الاستبصار 1: 217- 767، الوسائل 3: 210 أبواب الدفن ب 44 ح 1.

(8) الفقيه 4: 2- 1، الوسائل 3: 211 أبواب الدفن ب 44 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 279

و المروي في معاني الأخبار عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «إنه نهى عن تقصيص القبور» قال: و هو التجصيص «1».

و إطلاقها يقتضي عدم الفرق بين الظاهر و الباطن.

و ربما تخصّ الكراهة بالباطن دون الظاهر، جمعا بينه و بين ما تقدّم من أمر مولانا الكاظم عليه السلام بتجصيص قبر ابنته «2»، فإنّ الظاهر

منه تجصيص الظاهر، و لا بأس به.

و ربما يجمع بتخصيص التجصيص المباح بهم و بأولادهم، لجوازه في قبور الأنبياء و الأئمة و أولادهم و العلماء و الصلحاء، لاستمرار الناس عليه من غير نكير، مع كونه تعظيما لشعائر اللّه و تحصيلا لكثير من المصالح الدينية، مضافا إلى ورود أخبار المنع مورد الغالب، و هو ما عداهم.

و فيه: أنّ الجمع بما ذكر و إن كان ممكنا، إلّا أنه لا دليل على تعيينه حتى يوجب تخصيص المانع، لجواز الجمع بما مرّ، أو بالفرق بين الابتداء و الاندراس، كما عن الشيخ و الكركي «3»، أو بوجود داع آخر لم نطّلع عليه.

و أمّا تجويزه في قبور من ذكر، فإن أريد عدم الحرمة فغيرهم أيضا كذلك إجماعا، و إن أريد عدم الكراهة فالإطلاقات تشملها، و ما ذكروه لا يصلح لتقييدها، لأنّ استمرار الناس- لو سلّم- فإنّما هو في التعمير و البناء دون التجصيص، بل لا ندري منهم قبرا مجصّصا، سيما باطنه.

و كونه تعظيما ممنوع، و لا مصلحة دينية فيه، و كون الغالب غير من ذكر بحيث ينصرف الإطلاق إليه ممنوع.

فالأظهر تعميم الكراهة في التجصيص، مع احتمال قريب في انتفائها في

______________________________

(1) معاني الأخبار: 279، الوسائل 3: 211 أبواب الدفن ب 44 ح 5.

(2) الكافي 3: 202 الجنائز ب 68 ح 3، التهذيب 1: 461- 1501، الاستبصار 1: 217- 768، الوسائل 3: 203 أبواب الدفن ب 37 ح 2.

(3) الشيخ في النهاية: 44، و المبسوط 1: 187، و الكركي في جامع المقاصد 1: 449.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 280

الظاهر.

و البناء عليه، إجماعا، كما عن المبسوط و التذكرة «1»، سواء كان القبر في أرض مباحة مسبّلة أو مملوكة.

لاستفاضة النصوص على النهي عنه

المحمول على الكراهة إجماعا:

منها: الموثّقة المتقدّمة «2»، و رواية يونس: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يصلّى على قبر، أو يقعد عليه، أو يبنى عليه» «3».

و رواية المدائني: «لا تبنوا على القبور» إلى أن قال: «فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كره ذلك» «4».

و التخصيص بالأرض المباحة- كبعضهم «5»- لا وجه له.

و المتبادر منها كراهة البناء على القبر، فلا يكره الدفن في موضع فيه بناء و لو على قبر آخر.

و التعليق ينبئ على العلّية، فالمكروه البناء عليه لأجل القبر، فلا يكره بناء بيت فيه قبر لو خرب.

و استثنى الشهيد «6»، و جماعة «7» من ذلك الحكم قبور الأنبياء و الأئمّة، مدّعيا فيه إطباق الإمامية على أن يبنوا عليها، مخصّصا للعمومات بإجماعهم على البناء في عهود كانت الأئمة ظاهرة بينهم و بعدهم من غير نكير، و بكون قبر

______________________________

(1) المبسوط 1: 187، و التذكرة 1: 54.

(2) في ص 278 رقم 7.

(3) التهذيب 1: 461- 1504 و ج 3: 201- 469، الاستبصار 1: 482- 1869، المقنع: 21، الوسائل 3: 210 أبواب الدفن ب 44 ح 2.

(4) التهذيب 1: 461- 1505، المحاسن: 612- 32، الوسائل 3: 210 أبواب الدفن ب 44 ح 3.

(5) المبسوط 1: 187.

(6) الدروس 1: 116.

(7) كصاحب الرياض 1: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 281

الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مبنيا عليه، و بالأخبار الدالّة على تعظيم قبورهم و عمارتها.

أقول: أمّا إطباقهم على البناء ففيه كلام، فإنّ الأكثر من السلاطين و الذين لا يمكن مخالفتهم، سيما مع عدم الاهتمام بالمخالفة، إذ غايته الكراهة.

و أمّا قبر الرسول فهو وقع في البناء لكونه بيته لا

البناء عليه.

و أمّا تعظيم القبور فهو غير البناء عليه.

نعم، يحسن التخصيص بما دلّ على فضل تعمير قبورهم، كرواية [الساجي ] [1]- كما في التهذيب- و فيها: «و جعل قلوب نجباء من خلقه و صفوة من عباده تحنّ إليكم، و تحتمل المذلة و الأذى فيكم، فيعمرون قبوركم» إلى أن قال:

«أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي، و الواردون حوضي، و هم زوّاري غدا في الجنة، يا علي من عمّر قبوركم و تعاهدها فكأنّما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس» «1» و رواه في فرحة الغري أيضا بسندين «2».

و تدلّ على فضل البناء عليها الروايات المتكثّرة المصرّحة بالأمر بالوقوف على باب الروضة أو القبة أو الناحية المقدّسة، و الاستئذان، و تقبيل العتبة، و الدعاء عند ترائي القبة الشريفة، و نحو ذلك مما وردت فيه الأخبار الغير العديدة- المؤذنة برضاهم، بل ميلهم إلى هذه الأبنية الشريفة- و الآمرة بآداب متوقّفة على وجود الباب و القبة و العتبة الموقوفة على البناء «3».

فلا ينبغي الريب في تخصيص عمومات المنع بغير قبورهم، و استحباب البناء عليها مؤكّدا.

______________________________

[1] في «ه» و «ق»: التباني، و في «ح»: كلمة مبهمة، و ما أثبتناه موافق للتهذيب المطبوع راجع معجم رجال الحديث 21: 203.

______________________________

(1) التهذيب 6: 22- 50، الوسائل 14: 382 أبواب المزار ب 26 ح 1.

(2) فرحة الغري: 77- 78.

(3) انظر: كامل الزيارات الباب 79، و الوسائل 14: 341 أبواب المزار ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 282

و يحتمل قويا التعدّي إلى قبور من علم انتسابه بالولادة إليه من الأبرار من أولادهم، لاحتمال دخوله في ضمير الجمع في قوله: «قبوركم».

و أمّا من لم يعلم انتسابه إليهم، و كذا غير أولادهم من العلماء و الصلحاء،

فلا أرى لإخراجهم من عمومات الكراهة وجها. و القول بعدم انصرافها إليهم فاسد، فالقول بالكراهة فيها أظهر.

ثمَّ المراد بالبناء المكروه ما يسمّى بناء عرفا، و أمّا مطلق التظليل- و لو بالصناديق و الضرائح و الخيام و الفساطيط- فلا دليل على كراهته، إلّا أنه ذكرها جماعة، كما في القواعد و عن النهاية و المصباح و الوسيلة و السرائر «1». و لا بأس به، لفتاواهم، مع استثناء ما إذا تعلّق به غرض صحيح، كما صرّح به بعضهم «2».

و تجديده بعد الاندراس، كما في القواعد و عن النهاية و المبسوط و المصباح و مختصره و السرائر و المهذب و الوسيلة «3» و الإصباح، بل على الأشهر، كما صرّح به بعض من تأخّر «4».

لخبر الأصبغ، و مرسلة الفقيه: «من جدّد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج عن ربقة الإسلام» «5» بناء على ما هو المشهور و المنقول عن الصفّار أنه بالجيم «6»، و إن احتمل فيه احتمالات أخر، و لكن الاحتمال الأول- لكونه قريبا، مع اعتضاده بفتوى الفحول- يكفي في المطلوب، لكونه مقام التسامح. و لكنه مخصوص بقبور غير المعصومين، لما مرّ.

______________________________

(1) القواعد 1: 21، و النهاية: 44، و مصباح المتهجد: 22، و الوسيلة: 69، و السرائر 1: 171.

(2) كالمحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 450.

(3) القواعد 1: 21، و النهاية: 44، و المبسوط 1: 187، و مصباح المتهجد: 22، و السرائر 1:

171، و المهذب 1: 65، و الوسيلة: 69.

(4) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 501، و صاحب الحدائق 4: 134.

(5) الفقيه 1: 120- 579، التهذيب 1: 459- 1497، المحاسن: 612- 33، الوسائل 3: 208 أبواب الدفن ب 43 ح 1.

(6) حكاه عنه في المعتبر 1: 304.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 3، ص: 283

و الجلوس عليه، بلا خلاف ظاهر، لما مرّ من موثّقة علي و خبر يونس «1».

و المشي عليه، عند جماعة، بل عن الخلاف [1]، و المعتبر و التذكرة «2» الإجماع ظاهرا.

للمروي في المنتهى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إليّ من أن أطأ على قبر مسلم» [2].

و لكن تعارضه مرسلة الفقيه: «إذا دخلت المقابر فطأ القبور، فمن كان مؤمنا استروح إلى ذلك و من كان منافقا وجد ألمه» «3».

و لذلك مال في المعتبر إلى عدم الكراهة، و قال به في المدارك «4».

و خصّص جماعة الكراهة بما إذا لم يدخل لأجل الزيارة.

و ظاهر المنتهى التوقف «5»، و هو في محلّه جدّا.

و هاهنا مسائل أخر متعلّقة بالمدافن و المقابر لا بدّ من ذكرها:

المسألة الأولى:

يكره جعل المدفن في البيت، للمروي في المحاسن و كنز الكراجكي، عن أبي الدنيا المعمّر، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: «سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: لا تتخذوا قبري عيدا، و لا تتّخذوا قبوركم مساجد، و لا بيوتكم قبورا» [3].

و لو أوصى بدفنه في بيته اعتبرت الإجازة أو الثلث.

______________________________

[1] الخلاف 1: 707، و لم نعثر على ادعاء الإجماع فيه، و قد حكى عنه في المدارك 2: 152.

[2] المنتهى 1: 468 بتفاوت يسير.

[3] لم نعثر عليه في المحاسن، كنز الكراجكي 2: 152، و فيه «لا تتخذوا قبري مسجدا».

______________________________

(1) المتقدمتين في ص 278، 280.

(2) المعتبر 1: 305، و التذكرة 1: 54.

(3) الفقيه 1: 115- 539، الوسائل 3: 231 أبواب الدفن ب 62 ح 1.

(4) المعتبر 1: 305، المدارك 2: 153.

(5) المنتهى 1: 464.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 3، ص: 284

و لو كان في البلد أو القرية مقبرة يدفن فيه الموتى كان الدفن فيها أولى، لما فيها من زيادة الزيارة و الدعاء.

و يستحب أن يجعل الأقارب في مقبرة واحدة، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا دفن ابن مظعون: «ادفن إليه من مات من أهله» «1».

و قيل: الأولى أن يكون للإنسان مقبرة ملك يدفن فيها أهله و أقاربه. و لو كان فيها مقبرة بها قوم صالحون كان الأحسن اختيارها، لتناله بركتهم.

و يؤيده: ما روي في كتاب اختيار الرجال من أمر مولانا الرضا عليه السلام بحفر قبر يونس بن يعقوب- حين مات في المدينة- بالبقيع «2».

الثانية: لا يجوز دفن الكفّار و أولادهم بأصنافهم في مقبرة المسلمين، بالإجماع المحقّق، و المحكي في شرح القواعد و الشرائع [1]، و عن التذكرة و نهاية الإحكام و الذكرى و روض الجنان «3». و لا دفن المسلم في مقبرة الكفّار كذلك.

و يستثنى من الأول الكافرة الحامل من مسلم، بالإجماع، كما عن الخلاف «4».

الثالثة: يكره نقل الموتى عن بلد موتهم إلى غير المواضع المكرّمة و المشاهد المشرّفة، بالإجماع المحقّق، و المحكي عن نهاية الإحكام (و المعتبر) [2] و التذكرة و الذكرى «5»، و غيرها «6»، له، و لمنافاته للتعجيل في الدفن المستحب بالإجماع،

______________________________

[1] جامع المقاصد 1: 448، و لم نعثر عليه في الشرائع، و يحتمل وقوع التصحيف في ضبط الرمز، فضبطه الناسخ «يع» بدل «مع»، و المراد منه: اللوامع.

[2] ليست في «ق».

______________________________

(1) نقله في الذكرى: 65، و عنه في البحار 79: 48.

(2) رجال الكشي 2: 684.

(3) التذكرة 1: 54، نهاية الإحكام 2: 281، الذكرى: 70، روض الجنان: 321.

(4) الخلاف 1: 730.

(5) نهاية الإحكام 2: 283، المعتبر 1:

307، التذكرة 1: 54، الذكرى: 64.

(6) كجامع المقاصد 1: 450، و مفاتيح الشرائع 2: 172، و كشف اللثام 1: 138.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 285

و الروايات المحمولة عليه «1»، لعدم القول بالوجوب.

و المروي في الدعائم- المانع ضعفه عن إثبات الحرمة به-: رفع إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنّ رجلا مات بالرستاق فحملوه إلى الكوفة، فأنهكهم عقوبة، و قال: «ادفنوا الأجساد في مصارعها، و لا تفعلوا كفعل اليهود ينقلون موتاهم إلى بيت المقدس» «2».

و أمّا إليها فمستحب، إجماعا منّا، كما عن الكتب الثلاثة الأخيرة «3»، و في اللوامع و غيرها «4»، و عليه عمل الأصحاب من زمن الأئمة إلى الآن، و هو مشهور بينهم لا يتناكرون، له، و للمروي في إرشاد القلوب و فرحة الغري من حكاية أمير المؤمنين و جنازة اليماني التي رآها في طرف الغري [1].

و للمرويين في عزّية المفيد و مصباح الشيخ مرسلا:

الأول: و قد جاء حديث يدلّ على رخصته في نقل الميت إلى بعض مشاهد آل الرسول إن وصّى الميت بذلك «5».

و الثاني: و قد وردت رواية بجواز نقله إلى بعض مشاهد الأئمة «6».

و المرويين في الكافي و التهذيب:

الأول: خبر علي بن سليمان: عن الميت يموت بعرفات، يدفن بعرفات أو ينقل إلى الحرم، فأيهما أفضل؟ فكتب: «يحمل إلى الحرم و يدفن فهو أفضل» [2].

______________________________

[1] إرشاد القلوب: 440، و لم نعثر عليه في فرحة الغري.

[2] الكافي 4: 543 الحج ب 66 ح 14، التهذيب 5: 465- 1624 و فيه: عن علي بن سليمان، الوسائل 13: 287 أبواب مقدمات الطواف ب 44 ح 2.

______________________________

(1) الوسائل 2: 471 أبواب الاحتضار ب 47.

(2) الدعائم 1: 238، مستدرك الوسائل 2: 313 أبواب الدفن و ما

يناسبه ب 13 ح 15.

(3) المعتبر 1: 307، التذكرة 1: 54، الذكرى: 64.

(4) كجامع المقاصد 1: 450، و روض الجنان: 319.

(5) نقله عن المسائل العزية، في الذكرى: 65.

(6) مصباح المتهجد: 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 286

و الثاني: خبر سليمان، و هو أيضا مثله.

و المروي في المجمع و قصص الأنبياء للراوندي: «إن يعقوب لمّا مات حمله يوسف في تابوت إلى أرض الشام فدفنه في بيت المقدس» «1».

و فحوى المرويين في كامل الزيارة، و في الكافي و الفقيه و العلل و العيون و الخصال:

الأول: «إنّ نوحا استخرج تابوتا من الحرم فيه عظام آدم، فدفنه في الغري» «2».

و الثاني: «إنّ موسى استخرج عظام يوسف من شاطئ النيل و حمله إلى الشام» «3».

و كون الأول عمل اليماني، و التعبير في الثانيين بالرخصة و الجواز المجتمعين مع الكراهة أيضا، و الاختصاص في الرابعين بالحرم، و وقوع الأخيرين في الشرع السالف، غير ضائر، لأنّ المناط في الأول تقرير الأمير بل تحسينه المستفاد من قوله: «أنا و اللّه ذلك الرجل».

و المراد بالرخصة و الجواز في الثانيين ليس معناهما الأعم، لتحقّقه في غير المشاهد أيضا، بل أقلهما الإباحة المستلزمة للاستحباب في المقام، لعدم القائل بها.

و الثبوت في النقل إلى الحرم بالرابعين يستلزمه في غيره- من المواضع التالية له في الفضل- بالإجماع المركب.

و كفاية الوقوع في شرع و عدم النسخ لنا للاستصحاب.

إلّا أنه يرد على الأخيرين: أنّ مع ورود الأوامر بالتعجيل في شرعنا لا يتمّ

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 3    287     البحث الرابع: في تحنيطه. ..... ص : 240

____________________________________________________________

(1) مجمع البيان 3: 266، و نقل عن قصص الأنبياء للراوندي في البحار 79: 67.

(2) كامل الزيارات: 38- 39.

(3) الكافي 8:

155- 144، الفقيه 1: 123- 594، العلل: 296- 1، العيون 1: 203- 18، الخصال: 205- 21.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 287

الاستصحاب.

و قد يتمّم دلالتهما بنقلهم عليهم السلام مع التقرير عليه.

و فيه ما فيه، إذ ليس هاهنا موضع التقرير و لا حجيته.

و يؤيّد المطلوب بل يثبته: قولهم عليهم السلام: «لكل امرئ ما نوى» و «إنّما الأعمال بالنيّات» «1» فيصل القاصد بذلك تمسّكه بمن له مرتبة الشفاعة و له بمن توسّل به العناية، إلى ما قصده و نواه، و هل يتوسّل العبد إلّا بمولاة؟

بل يدلّ على المطلوب أتمّ دلالة، و يبيّنه كتبيان النور على الطور: ما ورد في الروايات المعتبرة المتواترة المملوءة منها كتب المزار في الزيارات المتكثّرة- خصوصا الواردتين عن الرضا و الهادي عليهما السلام «2»- القائلة بنحو قوله: و أمن من لجأ إليكم، و فاز من تمسّك بكم، و من اعتصم بكم فقد اعتصم باللّه، و من أتاكم فقد نجا. و قوله: و أشهد أنّ المتوسّل بكم غير خائب، و أنّ من وصل حبله بحبلكم فقد وصل بالعروة الوثقى، إلى غير ذلك ممّا ملي ء منه الكتب.

و أيّ لجأ و تمسّك و اعتصام و توسّل و وصل أعلى و آكد و أظهر و أشدّ من طرح الجسم في فناهم، و إلقاء القالب في حماهم، و تعفير الخدود في سددهم السنية، و وضع الرؤوس على أعتابهم العليّة، بل الظاهر أنّ أهل العرف يعدّون ذلك أعلى أصناف الالتجاء و التمسّك، و أقصى مراتب الاعتصام و التوسّل. رزقنا اللّه سبحانه التوسّد في ترابهم، و عفر وجوهنا في أعتابهم.

و بما ذكرنا كلّه تخصّص عمومات المنع، بل لا اعتبار بها عند ما ذكر أصلا.

ثمَّ بعض ما تقدم و إن

كان مختصا بصورة وصية الميت، إلّا أنّ كثيرا منها أعم، و منها حديث التوسّل و الاعتصام.

بل ممّا ذكر يظهر عدم استثناء صورة خوف انفجار الميت و تقطّعه لبعد

______________________________

(1) راجع الوسائل 1: 46 أبواب مقدمة العبادات ب 5.

(2) الفقيه 2: 369 و 370- 1624 و 1625.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 288

المسافة، فإنّ دليل استثنائها ما يدلّ على حرمة الميت، و إلّا فالانفجار و التقطّع حاصلان لا محالة، و لا ينافي التقطّع في سبيلهم و الانفجار في طريق الالتجاء إلى حرمهم للحرمة، بل هو عين الاحترام و العزة.

هذا كلّه قبل الدفن، و أمّا بعده فذهب جماعة- منهم: القواعد و عن المنتهى و التلخيص و التذكرة و المختلف و نهاية الإحكام و العزّية و السرائر و الإصباح و الذكرى و البيان «1»- إلى الحرمة.

و لا دليل عليها سوى استلزامه النبش المحرّم. و هو غير المدّعى، إذ الكلام بعد النبش و قد يحصل بفعل غير المكلّف. مع منع حرمة اللازم هنا، إذ ليس دليلها إلّا الإجماع المنتفي هاهنا.

فإذا الجواز أقوى، وفاقا لوالدي رحمه اللّه، و هو المحكي عن ظاهر النهاية و المبسوط و المصباح «2»، و مختصره، و الإسكافي «3»، و ابن حمزة «4»، و الكركي «5».

و يؤيّده ما تقدّم من نقل آدم و يوسف «6»، بل ما نقل من نقل جماعة من العلماء بعد دفنهم، كالمفيد و المرتضى و شيخنا البهائي، لأنّ الظاهر أنّ ذلك لم يكن إلّا بتجويز فقهاء العصر.

و هل يكره ذلك- كما عن أكثر من ذكر- لاشتهار الحرمة، أولا، لما ذكر من أدلّة الفضيلة؟ فيه تردّد و إن كان الأخير أولى [لقصور] [1] مستند الحرمة و ضعفه.

هذا كلّه مع عدم الوصية، و أمّا

معها و مخالفتها لمانع أو بدونه فالنقل

______________________________

[1] في النسخ الثلاث: لظهور، و ما أثبتناه هو الصحيح.

______________________________

(1) القواعد 1: 21، المنتهى 1: 464، التذكرة 1: 54، المختلف: 123، نهاية الإحكام 2:

283، السرائر 1: 170، الذكرى: 65، البيان: 81.

(2) النهاية: 44، و المبسوط 1: 187، و مصباح المتهجد: 22.

(3) حكاه عنه في المختلف: 123، و الذكرى: 65.

(4) الوسيلة: 69.

(5) جامع المقاصد 1: 451.

(6) راجع ص 286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 289

واجب، عملا بعمومات الوصية.

الرابعة: يحرم نبش القبر بالإجماع المحقّق، و المحكي في المنتهى و اللوامع و عن المعتبر و التذكرة و نهاية الإحكام و الذكرى [1]، و غيرها «1».

و هو الدليل عليه، لا ما قيل من أنه مثلة بالميت و هتك لحرمته «2»، لمنعه.

و لا أخبار قطع النباش، لظهورها في كون القطع للسرقة أو للمجموع، و في خبر الجعفي: «تقطع يده لنبشه و سلبه الثياب» «3».

و على هذا فيقتصر في الحكم بالتحريم على موضع الإجماع، فلا يحرم فيما لا إجماع فيه، كأن يقع في القبر ما له قيمة و إن قلّت، أو يدفن في أرض بغير إذن مالكها، أو بلا غسل أو كفن، أو إلى غير القبلة، أو يكفن في ثوب مغصوب، أو لأن يستشهد على عينه، أو لصيرورة المدفون رميما، و غير ذلك.

المقام الثالث: فيما يتعلق بالدفن.

و الواجب منه ثلاثة:

الأول: مواراته في الأرض على الوجه المتقدم في أول المقام الثاني «4».

و الثاني: دفنه مستقبلا بوجهه إلى القبلة، كما في المنتهى و القواعد و عن المقنعة و النهاية و المبسوط و الغنية و الجامع و النافع و الشرائع و المعتبر «5»، و في اللوامع،

______________________________

[1] المنتهى: لم نعثر عليه فيه و نقله عنه في الرياض 1: 67، المعتبر 1:

308، التذكرة 1: 54، نهاية الإحكام 2: 280، الذكرى: 76.

______________________________

(1) كمفاتيح الشرائع 2: 172، و الذخيرة: 344.

(2) كما في المعتبر 1: 308، و مفاتيح الشرائع 2: 172.

(3) الكافي 7: 228 الحدود ب 39 ح 2، الوسائل 28: 278 أبواب الحدود ب 19 ح 2.

(4) راجع ص 267.

(5) المنتهى 1: 459، القواعد 1: 21، المقنعة: 80، النهاية: 38، المبسوط 1: 186، الغنية (الجوامع الفقهية): 564، الجامع للشرائع: 54، المختصر النافع: 13، الشرائع 1: 42، المعتبر 1: 291.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 290

و غيرها «1». بل هو المشهور كما صرّح به جماعة «2»، بل بلا خلاف كما عن شرح الجمل للقاضي «3»، و في المدارك: إنه مذهب الأصحاب «4»، مؤذنا بدعوى الإجماع، بل عن ظاهر التذكرة إجماعنا عليه «5».

لا لما دلّ على وجوبه حال الاحتضار الموجب له هنا بالأولوية، لمنع الأولوية، مضافا إلى الاختلاف في الكيفية.

و لا لصحيحة معاوية الحاكية لوصية البراء بجعل وجهه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى القبلة فجرت به السنّة «6»، لأنّ السنّة فيها و إن لم تكن ظاهرة في الندبية بل الظاهر منها إرادة الطريقة، إلّا أنها تحتمل الأعمية.

بل للرضوي، و المروي في الدعائم، و دعوات الراوندي، المنجبر ضعفها بما مرّ:

الأول: «ثمَّ ضعه في لحده على يمينه مستقبل القبلة» «7».

و الثاني، و فيه: «قال: اضجعوه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، و لا تكبّوه لوجهه و لا تلقوه على ظهره، ثمَّ قال للذي وليه: ضع يدك على أنفه حتى يتبيّن لك استقبال القبلة» «8» إلى آخره.

و الثالث: «فإذا وضعته في قبره فضعه على يمينه مستقبل القبلة» «9».

______________________________

(1) كالذكرى: 16، و الروضة البهية 1: 146، و مفاتيح

الشرائع 2: 171.

(2) كالمحقق السبزواري في الذخيرة: 339، و صاحب الحدائق 4: 68.

(3) شرح الجمل: 154.

(4) المدارك 2: 136.

(5) التذكرة 1: 52.

(6) الكافي 3: 254 الجنائز ب 95 ح 16، الفقيه 4: 137- 479، التهذيب 9: 192- 771، و في الجميع بتفاوت يسير، الوسائل 3: 230 أبواب الدفن ب 61 ح 1 و 2.

(7) فقه الرضا (ع): 170، مستدرك الوسائل 2: 376 أبواب الدفن ب 51 ح 2 بتفاوت يسير.

(8) الدعائم 1: 238 بتفاوت، مستدرك الوسائل 2: 375 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 51 ح 1.

(9) دعوات الراوندي: 265.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 291

المعتضدة بخبر ابن سيابة في حديث الرجل الذي قطع رأسه: «إذا صرت إلى القبر تناولته مع الجسد و أدخلته اللحد و وجهته إلى القبلة» «1».

خلافا للمحكي عن ابن حمزة فاستحبّه «2»، و قد ينسب إلى جمل الشيخ، و الديلمي أيضا، لحصر الأول الواجب في واحد هو دفنه «3»، و عدم تعرّض الثاني لذكره «4»، للأصل الواجب تركه بما مرّ.

و الثالث: إضجاعه على جنبه الأيمن، فيكون رجلاه شرقيين و رأسه غربيا، وفاقا لغير الجامع ممّن ذكر، و عليه نفي الخلاف، و الإجماع عن شرح الجمل و التذكرة «5»، للروايات المتقدّمة المنجبرة. و خلافا للمحكي عن الجامع، فجعله سنّة «6».

و يستثنى من الأول- و هو مواراته في الأرض- ما إذا مات في سفر البحر، فإنه يلقى في البحر بعد الغسل و التكفين و الصلاة، إمّا مثقلا بحجر و نحوه، أو مستورا في وعاء ثقيل كالخابية، مخيّرا بين الأمرين كما في النافع و الشرائع و المنتهى و القواعد «7» و اللوامع و غيرها «8». بل هو الأشهر كما صرّح به بعض من

تأخّر «9».

لورود الأول في مرسل أبان، و مرفوع سهل، و خبر أبي البختري:

الأول: «الرجل يموت مع القوم في البحر، يغسّل و يكفّن و يصلّى عليه

______________________________

(1) التهذيب 1: 448- 1449، الوسائل 2: 511 أبواب غسل الميت ب 15 ح 1.

(2) الوسيلة: 62.

(3) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 167.

(4) المراسم: 47.

(5) شرح الجمل: 154، التذكرة 1: 52.

(6) الجامع للشرائع: 54.

(7) المختصر النافع: 13، الشرائع 1: 42، المنتهى 1: 464، القواعد 1: 21.

(8) كالذكرى: 64، و جامع المقاصد 1: 447، و مفاتيح الشرائع 2: 171.

(9) كصاحب الحدائق 4: 71، و صاحب الرياض 1: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 292

و يثقل و يرمى في البحر» «1».

و الثاني: إذا مات الرجل في السفينة و لم يقدر على الشط قال: «يكفّن و يحنّط و يلقى في الماء» «2».

و الثالث: «إذا مات الميت في البحر غسّل و كفّن و حنّط، ثمَّ يوثق في رجليه حجر و يرمى به في الماء» «3» و بمضمونها الرضوي «4».

و الثاني في صحيحة ابن الحر: عن رجل مات و هو في السفينة في البحر كيف يصنع به؟ قال: «يوضع في خابية و يوكى رأسها و يطرح في الماء» «5».

و عن الشيخ تقديم الثاني، لصحة مستنده، و صونه الميت عن الحيوانات و هتك الحرمة، فإن تعذّر فالأول «6».

و ليس بشي ء، لحجية مستند الأول أيضا، و وجوب الصون و الاحترام ما دام ظاهرا، لا بعد الدفن، و لذا لا يصان في القبر عن الحشرات.

و في وجوب الاستقبال حين الإلقاء، كما عن الإسكافي و الشهيدين «7»، و أضيف إلى المشهور «8». أو استحبابه، كما نسبه في اللوامع إلى الأكثر، قولان،

______________________________

(1) الكافي 3: 214 الجنائز ب 77 ح 2،

التهذيب 1: 339- 993، الاستبصار 1: 215- 759، الوسائل 3: 206 أبواب الدفن ب 40 ح 3.

(2) الكافي 3: 214 الجنائز ب 77 ح 3، التهذيب 1: 339- 994، الاستبصار 1: 215- 760، الوسائل 3: 207 أبواب الدفن ب 40 ح 4.

(3) الفقيه 1: 96- 441، التهذيب 1: 339- 995، الاستبصار 1: 215- 761 بتفاوت يسير، قرب الإسناد: 138- 491، الوسائل 3: 206 أبواب الدفن ب 40 ح 2.

(4) فقه الرضا (ع): 173، مستدرك الوسائل 2: 345 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 37 ح 1.

(5) الكافي 3: 213 الجنائز ب 77 ح 1، الفقيه 1: 96- 442، التهذيب 1: 340- 996، الاستبصار 1: 215- 762، الوسائل 3: 205 أبواب الدفن ب 40 ح 1.

(6) الخلاف 1: 705.

(7) حكاه عن الإسكافي في الذكرى: 64، و قال به الشهيد الأول في الذكرى: 64 و الشهيد الثاني في روض الجنان: 316.

(8) كما في الرياض 1: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 293

و الثاني موافق للأصل، فهو الأجود.

و هل الإلقاء إنما هو بعد تعذّر النقل إلى البرّ في زمان لا يعتريه الفساد، كما هو ظاهر الأكثر و مقتضى مفهوم المرفوع، أو يجوز ابتداء كما عن بعضهم [1]، لإطلاق البواقي؟ الظاهر: الأول، حملا للمطلق على المقيد، كما يقيّد إطلاق المقيد في الإلقاء بتقييد المطلقات بالتثقيل أو الستر.

و يستثنى من الثاني ما إذا التبست القبلة، أو تعذّر صرف الميت إليها، كأن يموت في بئر و نحوه و تعذّر الإخراج و الصرف. و وجهه ظاهر.

و من صور التعذّر: ما إذا ولد توأمان ملصقا ظهر أحدهما بالآخر- كما اتّفق في بلدتنا- فيستقبل بأحدهما مخيّرا. و أما القطع و الاستقبال بهما فتنفيه

حرمة القطع و عدم دليل وجوب الاستقبال، لانحصاره في المرويين [2] الخاليين عن الجابر في المقام، المنصرفين إلى الشائع.

و قد يستثنى أيضا الكافرة الحاملة من المسلم بنكاح أو ملك أو شبهة خاصة- كما عن جماعة [3]- أو مطلقا و لو بالزنا كما عن بعضهم [4]، فيستدبر بها القبلة في مقبرة المسلمين حتى يكون الولد إلى القبلة، على المشهور، بل عليه الإجماع عن الخلاف و التذكرة «1»، لرواية يونس «2».

و لا دلالة فيها أصلا، كما لا حجية للإجماع المنقول، إلّا أن يقال مقتضى الرواية: دفن الولد معها من غير إخراج، و يجب الاستقبال به و الدفن في مقبرة

______________________________

[1] حكاه في المدارك 2: 134 عن ظاهر المقنعة و المعتبر، و لكن قال في المقنعة: 86 إذا مات الإنسان في البحر و لم يوجد له أرض يدفن فيها ..

[2] و هما المرويان في الدعائم و دعوات الراوندي و قد تقدما في ص 290.

[3] منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 137، و صاحب الرياض 1: 63.

[4] كالمحقق في المعتبر 1: 292، و العلامة في القواعد 1: 21 لإطلاق كلامهما.

______________________________

(1) الخلاف 1: 730، التذكرة 1: 54.

(2) التهذيب 1: 334- 980، الوسائل 3: 205 أبواب الدفن ب 39 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 294

المسلمين، و هو موقوف على ما ذكر.

و لكن يخدشه أيضا: عدم انصراف أدلّة الاستقبال و الدفن في مقبرتهم إلى مثل ذلك، و لذا تردّد بعضهم في الحكم «1»، و نسبه في النافع إلى القيل مشعرا بالتردّد «2»، و هو في موقعه. و لو ثبت الحكم أيضا فليس محلا للاستثناء، إذ لا يجب دفن الكافرة فضلا عن الاستقبال بها.

و أما مستحباته فأمور:

منها: وضع جنازة الرجل

قرب القبر عند رجليه، بأن يكون رأسه مما يلي الرجل، و المرأة مما يلي القبلة عرضا، نسبهما في المنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليهما «3»، كما عن التذكرة و نهاية الإحكام و الغنية الإجماع على الثاني «4»، و هو الحجة فيهما.

مضافا في الأول إلى موثّقة عمّار: «لكل شي ء باب، و باب القبر من قبل الرجلين، إذا وضعت الجنازة فضعها مما يلي الرجلين» «5».

و تؤيده الروايات الآمرة بوضعها أسفل القبر «6».

و فيهما إلى الرضوي: «و إن كانت امرأة فخذها بالعرض من قبل اللحد، و تأخذ الرجل من قبل رجليه، تسلّه سلا» «7» و قريب منه المروي في الخصال و الفقيه «8».

و بما مرّ من الإجماعات يقيّد إطلاق الأول.

______________________________

(1) كصاحب الحدائق 4: 70.

(2) المختصر النافع: 14.

(3) المنتهى 1: 459.

(4) التذكرة 1: 52، نهاية الإحكام 2: 275، الغنية (الجوامع الفقهية): 564.

(5) التهذيب 1: 316- 919، الوسائل 3: 182، أبواب الدفن ب 22 ح 6.

(6) الوسائل 3: 167 أبواب الدفن ب 16.

(7) فقه الرضا (ع): 171، مستدرك الوسائل 2: 344 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 36 ح 1.

(8) الخصال: 604- 9، الفقيه 1: 108- 499.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 295

و منها: الصبر قليلا بعد وضع الجنازة، و عدم المفاجأة بالميت إلى القبر، إجماعا، له، و للمعتبرة، كصحيحة ابن سنان «1»، و روايات ابن عطية «2» و ابن عجلان «3» و يونس «4».

ثمَّ النقل ثانيا، و الوضع و الصبر قليلا، ثمَّ النقل إلى شفير القبر و وضعه عليه، ثمَّ إدخاله القبر حتى يتحقّق وضعان آخران بعد الوضع الأول، على الأشهر.

للمروي في العلل، و فيها: «و لكن ضعه قريب شفير القبر و اصبر عليه هنيّة، ثمَّ قدّمه

قليلا و اصبر عليه لتأخذ أهبته، ثمَّ قدّمه إلى شفير القبر» «5» و نحوه الرضوي «6».

و بهما يقيّد إطلاق الأخبار الخالية عن التثليث التي هي مستند من اكتفى بالوضع مرة، كما عن الإسكافي «7»، و آخر كلام المحقّق «8».

و ربما نقل عن بعضهم اختصاص التعدّد بالرجل «9»، و لم أعثر على مستند الفرق.

و منها: إنزال الميت إلى القبر سابقا برأسه من قبل الرجلين من القبر إن كان رجلا، و المرأة عرضا.

______________________________

(1) التهذيب 1: 313- 908، الوسائل 3: 167 أبواب الدفن ب 16 ح 1.

(2) التهذيب 1: 312- 907، الوسائل 3: 167 أبواب الدفن ب 16 ح 2.

(3) الكافي 3: 191 الجنائز ب 60 ح 1، العلل: 306- 1، الوسائل 3: 168 أبواب الدفن ب 16 ح 5.

(4) الكافي 3: 191 الجنائز ب 60 ح 2، الوسائل 3: 168 أبواب الدفن ب 16 ح 4.

(5) العلل: 306- 2.

(6) فقه الرضا (ع): 170، مستدرك الوسائل 2: 317 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 16 ح 1.

(7) حكاه عنه في الذكرى: 65.

(8) المعتبر 1: 298.

(9) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 133.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 296

للإجماع المحكي عن الغنية فيهما «1»، و عن ظاهر نهاية الإحكام و المنتهى و التذكرة في الثاني «2»، و للرضوي السابق «3»، و خبر عبد الصمد: «إذا أدخلت الميت القبر إن كان رجلا يسلّ سلا، و المرأة تؤخذ عرضا» «4».

و خبر عمرو بن خالد: «يسلّ الرجل سلا، و تستقبل المرأة استقبالا» «5».

و المروي في الخصال: «الميت يسلّ من قبل رجليه سلا، و المرأة تؤخذ بالعرض من قبل اللحد» «6».

بل في الأمر بالسلّ في الرجل من قبل الرجلين إرشاد إلى ما

ذكره في الرجل أيضا.

و منها: أن يكون النازل في قبر المرأة من محارمها، إجماعا في الرجحان، كما عن التذكرة و المنتهى «7»، لخبر السكوني: «المرأة لا يدخل قبرها إلّا من كان يراها في حياتها» «8».

و أولى المحارم زوجها، لخبر ابن عمار: «الزوج أحق بأمرها حتى يضعها في لحدها» «9».

و ينبغي أن يأخذها زوجها من قبل وركها، و إن لم يكن لها زوج فأولى الناس

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 564.

(2) نهاية الإحكام 2: 275، و المنتهى 1: 459، و التذكرة 1: 52.

(3) راجع 294.

(4) التهذيب 1: 325- 950، الوسائل 3: 204 أبواب الدفن ب 38 ح 1.

(5) التهذيب 1: 326- 951، الوسائل 3: 204 أبواب الدفن ب 38 ح 2.

(6) الخصال: 604.

(7) التذكرة 1: 52، المنتهى 1: 459.

(8) الكافي 3: 193 الجنائز ب 63 ح 5، التهذيب 1: 325- 948، الوسائل 3: 187 أبواب الدفن ب 26 ح 1.

(9) الكافي 3: 194 الجنائز ب 63 ح 6، التهذيب 1: 325- 949، الوسائل 3: 187 أبواب الدفن ب 26 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 297

بها، للرضوي: «فإذا أدخلت المرأة القبر وقف زوجها مما ينال وركها» «1».

و خبر ابن خالد: «و يكون أولى الناس في مؤخّرها» «2».

بل عن جمل العلم و النهاية و المبسوط و المنتهى: الوجوب «3».

و خلوّ الأخبار عن الدال على الوجوب يضعّفه.

و أمّا الرجل: فعن النهاية و المبسوط و الوسيلة و المقنعة و المعتبر و المنتهى و النافع و نهاية الإحكام: أولوية نزول الأجنبي في قبره [1].

و لا مستند له عموما من النصوص.

نعم ورد فيها كراهة نزول الوالد قبر ولده، كالروايات الأربعة للعبادلة الثلاثة [2].

و علّلت في المروي في الدعائم و غيره بخوف

رقّة قلبه و جزعه المحبط لأجره «4».

و إثبات أولوية الأجنبي لفتاوي من ذكر و إن أمكن، و لكن لو لا معارضتها مع المروي في الدعائم: «و يكون أولى الناس بها على مؤخّرها، و أولى الناس بالرجال على مقدّمه» «5» و في العلل: «إذا جئت بأخيك إلى القبر- إلى أن قال:-

______________________________

[1] النهاية: 39، المبسوط 1: 187، الوسيلة: 68، و المقنعة: 80 و فيها: ينزله وليه أو من يأمر الولي بذلك، المعتبر 1: 297، المنتهى 1: 462، المختصر النافع: 14، نهاية الإحكام 2: 275.

[2] روايتا عبد اللّه بن راشد: الكافي 3: 193 الجنائز ب 63 ح 1، الوسائل 3: 185 أبواب الدفن ب 25 ح 2، الكافي 3: 194 الجنائز ب 63 ح 7، الوسائل 3: 186 أبواب الدفن ب 25 ح 7، رواية عبد اللّه بن محمد بن خالد: التهذيب 1: 320- 929، الوسائل 3: 186 أبواب الدفن ب 25 ح 5، رواية عبد اللّه العنبري: الكافي 3: 194 الجنائز ب 63 ح 8، التهذيب 1:

320- 930، الوسائل 3: 186 أبواب الدفن ب 25 ح 6.

______________________________

(1) فقه الرضا (ع): 171، مستدرك الوسائل 2: 328 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 22 ح 4.

(2) التهذيب 1: 326- 951، الوسائل 3: 204 أبواب الدفن ب 38 ح 2.

(3) جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى 3): 51، النهاية: 37، المبسوط 1: 186، المنتهى 1:

459.

(4) الدعائم 1: 237، مستدرك الوسائل 2: 331 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 26 ح 2.

(5) الدعائم 1: 237، مستدرك الوسائل 2: 331 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 26 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 298

ثمَّ ضعه في لحده، و إن استطعت أن

تلصق خدّه بالأرض و تحسر عن خدّه، و ليكن أولى الناس به مما يلي رأسه» «1».

و على هذا فالحكم بالأولوية مشكل و عدمها أظهر.

و لا يتعيّن عدد في النازل- شفع أو وتر- بل التعيين إلى الولي.

و يستحب أن يكون النازل متطهرا، كما صرّح به جماعة، لموثّقة الحلبي و محمد: «توضّأ إذا أدخلت الميت القبر» «2» و نحوه الرضوي «3».

و في دلالتهما نظر.

و أن يحفي النازل، و يكشف رأسه، و يحلّ أزراره، لظاهر الوفاق، و المستفيضة من النصوص المصرّحة بالأحكام الثلاثة «4».

و عدم حلّ مولانا أبي الحسن عليه السلام أزراره عند دخول قبر- كما في بعض الأخبار «5»- لا ينافي الكراهة، مع احتمال كونه لمانع.

و منها: حلّ عقد الأكفان من قبل رأسه و رجليه بعد وضعه في قبره، لصحيحة ابن حمزة: يحلّ كفن الميت؟ قال: «نعم و يبرز وجهه» «6».

و مرسلة الفقيه: «و يحلّ عقد كفنه كلها و يكشف عن وجهه» «7».

و خبر أبي بصير: عن [عقد] كفن الميت، قال: «إذا أدخلته القبر فحلّها» [1].

______________________________

[1] التهذيب 1: 450- 1463، الوسائل 3: 172 أبواب الدفن ب 19 ح 3، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) علل الشرائع: 306- 1.

(2) التهذيب 1: 321- 934، الوسائل 3: 221 أبواب الدفن ب 53 ح 1.

(3) فقه الرضا (ع): 183، مستدرك الوسائل 2: 361 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 44 ح 1.

(4) الوسائل 3: 170 أبواب الدفن ب 18.

(5) التهذيب 1: 314- 912، الاستبصار 1: 213- 752، الوسائل 3: 171 أبواب الدفن ب 18 ح 6.

(6) التهذيب 1: 457- 1491، الوسائل 3: 172 أبواب الدفن ب 19 ح 1.

(7) الفقيه 1: 108- 500، الوسائل 3: 173 أبواب الدفن ب 19

ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 299

و خبر ابن عمار: قال: «فإذا وضعته في قبره فحلّ عقدته» «1».

و الرضوي: «و حلّ عقد كفنه، وضع خدّه على التراب» «2».

و هو المراد من شقّ الكفن من عند الرأس الوارد في صحيحتي حفص «3» و ابن أبي عمير «4».

و يستفاد من الأخير استحباب وضعه خدّه على التراب، و به صرّح كثير من الأصحاب «5»، و يدلّ عليه- سوى ما مرّ- خبر محفوظ الإسكاف «6»، و روايتا ابن عجلان «7».

و منها: ما مرّ في مرسلة الفقيه من أنه «يجعل له و سادة من تراب، و يجعل خلف ظهره مدرة لئلّا يستلقي» [1].

و منها: أن يجعل معه شي ء من التربة المباركة، لأنّها أمان من كلّ خوف، كما ورد في الأخبار «8».

______________________________

[1] راجع ص 298 رقم (7). و المدرة: قطعة من الطين اليابس. القاموس 2: 136.

______________________________

(1) التهذيب 1: 457- 1492، الوسائل 3: 180 أبواب الدفن ب 21 ح 6.

(2) فقه الرضا (ع): 170، مستدرك الوسائل 2: 319 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 19 ح 1.

(3) التهذيب 1: 458- 1493، الوسائل 3: 172 أبواب الدفن ب 19 ح 2.

(4) الكافي 3: 196 الجنائز ب 65 ح 9، التهذيب 1: 317- 921، الوسائل 3: 173 أبواب الدفن ب 19 ح 6.

(5) منهم الشيخ في النهاية: 38، و العلامة في نهاية الإحكام 2: 277، و الشهيد الثاني في الروضة 1:

147.

(6) الكافي 3: 195 الجنائز ب 64 ح 5، التهذيب 1: 317- 923، الوسائل 3: 174 أبواب الدفن ب 20 ح 4.

(7) الأولى: الكافي 3: 195 الجنائز ب 64 ح 4، التهذيب 1: 317- 922، الوسائل 3: 175 أبواب الدفن ب 20

ح 5، و الأخرى: التهذيب 1: 313- 909، الوسائل 3: 176 أبواب الدفن ب 20 ح 8.

(8) كامل الزيارات: 278 ب 92.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 300

و لصحيحة الحميري: عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره، فهل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب: «يوضع مع الميت في قبره و يخلط بحنوطه إن شاء اللّه» «1».

و الرضوي: «و يجعل في أكفانه شي ء من طين القبر، قبر الحسين عليه السلام» [1].

و ما روي أن امرأة قذفها القبر مرارا، لأنّها كانت تزني و تحرق أولادها، فأخبرت أمّها الصادق عليه السلام بذلك، فقال: «اجعلوا معها شيئا من تربة الحسين عليه السلام» «2».

و في جعلها تحت خدّه كما عن المفيد و الحلّي و الشهيد «3»، أو في وجهه كما عن الاقتصاد و العزّية «4»، أو تلقاء وجهه كما في قول آخر للشيخ كما ذكره الحلّي «5»، و يحتمل اتّحاده مع سابقة، أو في كفنه كما عن بعضهم «6»، أو كيف اتّفق كما عن النهاية و المبسوط و المختلف «7» بل نسب إلى الأكثر «8»، أقوال: أجودها: أحد الأخيرين، لعدم دليل على غيرهما، سوى ما استدلّ به للثالث من المروي في المصباح من الترغيب في وضع لبنة من الطين مقابل وجهه «9».

و إرادة طين القبر منه غير معلومة و إن فهمه الشيخ، و غيره «10»، و شيوع

______________________________

[1] فقه الرضا (ع): 184، مستدرك الوسائل 2: 217 أبواب الكفن ب 10 ح 3 بتفاوت في المتن.

______________________________

(1) التهذيب 6: 76- 149، الاحتجاج: 489، الوسائل 3: 29 أبواب التكفين ب 12 ح 1.

(2) المنتهى 1: 461، و عنه في الوسائل 3: 29 أبواب التكفين ب 12 ح 2.

(3) حكاه عن المفيد في الذكرى:

66، الحلي في السرائر 1: 165، الشهيد الثاني في البيان: 79.

(4) الاقتصاد: 250، نقله عن العزّية في الذكرى: 66.

(5) السرائر 1: 165.

(6) كصاحب الحدائق 4: 113.

(7) النهاية: 35، المبسوط 1: 186، المختلف: 121.

(8) كما في الرياض 1: 65.

(9) مصباح المتهجد: 678.

(10) كصاحب الحدائق 4: 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 301

إطلاق الطين المطلق عليه بحيث يتبادر منه ممنوع.

و منها: تغطية قبر المرأة بثوب حين دفنها، كما عن الإسكافي و المفيد في كتاب أحكام النساء «1»، و التهذيب و الخلاف و المحقق و المنتهى، و فيه: إنه قول العلماء «2». و هو الحجة فيه، مضافا إلى إطلاق خبر ابن سويد «3».

و لا يلحق بها الرجل على الأظهر، لما في ذلك الخبر، و للأصل.

و لا يعارضه ما روي من مدّ ثوب على قبر سعد «4»، إذ ليس فيه تصريح بكونه قبل الدفن، و لأنه فعل فلا يعارض القول، فتأمّل.

و منها: أن يدعو النازل في القبر عند نزوله فيه، و عند تناوله الميت، و عند إدخاله القبر، و عند وضعه في اللحد، و بعده، و عند وضع اللبن على اللحد، و عند الخروج من القبر، و عند تسوية التراب عليه و إهالته عليه، بالدعوات المأثورة في كلّ منها في الروايات «5»، و مع اختلافها له التخيير أو الجمع.

و منها: أن يقرأ في قبره قبل التلقين فاتحة الكتاب و المعوّذتين و التوحيد و آية الكرسي، كما تظافرت عليه الروايات و تكاثرت، كما في الرضوي «6»، و في حسنة ابن يقطين «7»، و المروي في دعوات الراوندي «8»، و روايتي ابن عجلان «9»، و خبر

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 121، و عن المفيد في السرائر 1: 170.

(2) التهذيب

1: 464، الخلاف 1: 728، المحقق في المعتبر 1: 335، المنتهى 1: 468.

(3) التهذيب 1: 464- 1519، الوسائل 3: 218 أبواب الدفن ب 50 ح 1.

(4) كما في خبر ابن سويد. راجع الرقم (3).

(5) الوسائل 3: 177 أبواب الدفن ب 21.

(6) فقه الرضا (ع): 170، مستدرك الوسائل 2: 320 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 20 ح 1.

(7) الكافي 3: 192 الجنائز ب 62 ح 2، الوسائل 3: 173 أبواب الدفن ب 20 ح 1.

(8) دعوات الراوندي: 265- 760.

(9) الاولى: الكافي 3: 195 الجنائز ب 64 ح 4، التهذيب 1: 317- 922، الوسائل 3: 175 أبواب الدفن ب 20 ح 5، و الثانية: التهذيب 1: 313- 909، الوسائل 3: 176 أبواب الدفن ب 20 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 302

ابن عطية «1»، و غيرها.

و الأحسن زيادة: التعوّذ باللّه من الشيطان الرجيم قبلها كما في الثالث، و الصلوات أيضا كما في الرابع.

و ليكن القارئ أولى الناس به، كما في الثاني [1] و الرابعين.

و منها: تلقينه بعد وضع خدّه إلى التراب و قبل شرج اللحد الشهادتين، و الإقرار بالأئمة من أولهم إلى آخرهم، إجماعا كما عن الغنية «2».

و عليه استفاضت الأخبار، ففي حسنة ابن يقطين: «و إن قدر أن يحسر عن خدّه و يلصقه بالأرض فليفعل، و ليتشهّد، و ليذكر ما يعلم حتى ينتهي إلى صاحبه» «3» و المراد ب «ما يعلم» الإقرار بالأئمة مفصّلا.

و نحوها رواية ابن عجلان «4».

و في روايته الأخرى: «ثمَّ ليقل ما يعلم، و يسمعه تلقينه شهادة أن لا إله إلّا اللّه، و أن محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و يذكر له ما يعلم واحدا بعد واحد»

«5».

و مقتضاها حصول التلقين بالشهادات الثلاث بأيّ عبارة أدّاها.

و الأولى التعبير بواحدة ممّا ورد في الروايات، كما في صحيحة زرارة:

«و اضرب يدك على منكبه الأيمن ثمَّ قل: يا فلان! قل رضيت باللّه ربا، و بالإسلام دينا، و بمحمد نبيا، و بعلي إماما، و يسمّي إمام زمانه» «6».

______________________________

[1] كذا في النسخ، و المراد منه حسنة ابن يقطين، و لكن لم يذكر فيها كون القارئ أولى الناس بالميت.

فراجع.

______________________________

(1) التهذيب 1: 312- 907، الوسائل 3: 176 أبواب الدفن ب 20 ح 7.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 564.

(3) راجع الرقم (7) ص 301.

(4) راجع الرقم (9) ص 301.

(5) راجع الرقم (9) ص 301.

(6) الكافي 3: 196 الجنائز ب 64 ح 7، التهذيب 1: 457- 1490، الوسائل 3: 175 أبواب الدفن ب 20 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 303

أو ما في رواية أبي بصير: «فضع يدك على اذنه و قل: اللّه ربك، و الإسلام دينك، و محمد صلّى اللّه عليه و آله نبيّك، و القرآن كتابك، و علي إمامك» «1» و في التهذيب: «وضع فمك على اذنه» [1] بدل يدك.

أو ما في رواية محفوظ: «و يدني فمه إلى سمعه و يقول: اسمع افهم- ثلاث مرات- اللّه ربك، و محمد صلّى اللّه عليه و آله نبيّك، و الإسلام دينك، و فلان إمامك، اسمع و افهم، و أعدها عليه ثلاث مرّات هذا التلقين» «2» و يذكر الأئمة بأسمائهم على هذه الرواية فيقول: على إمامك و الحسن إمامك إلى آخر الأئمة.

أو ما في رواية ابن عمّار: «ثمَّ تضع يدك اليسرى على عضده الأيسر و تحرّكه تحريكا شديدا، ثمَّ تقول: يا فلان بن فلان! إذا سئلت فقل: اللّه ربي، و محمد صلّى

اللّه عليه و آله نبيّي، و الإسلام ديني، و القرآن كتابي، و علي إمامي- حتى يستوفي الأئمة- ثمَّ تعيد عليه القول، ثمَّ تقول: أ فهمت يا فلان- و قال-: فإنه يجيب و يقول: نعم، ثمَّ تقول: ثبّتك اللّه بالقول الثابت و هداك اللّه إلى صراط مستقيم، عرّف اللّه بينك و بين أوليائك في مستقر رحمته، ثمَّ تقول: اللهم جاف الأرض» «3» إلى آخره.

أو ما في مرسلة الفقيه عن سالم: «ثمَّ تدخل يدك اليمنى تحت منكبه الأيمن، و تضع يدك اليسرى على منكبه الأيسر، و تحرّكه تحريكا شديدا و تقول: يا فلان بن فلان! اللّه ربك، و محمد صلّى اللّه عليه و آله نبيّك، و الإسلام دينك، و علي وليك و إمامك، و تسمّي الأئمة عليهم السلام واحدا واحدا إلى آخرهم

______________________________

[1] التهذيب 1: 456- 1489 و فيه: أذنيه.

______________________________

(1) الكافي 3: 195 الجنائز ب 64 ح 2، الوسائل 3: 174 أبواب الدفن ب 20 ح 3.

(2) الكافي 3: 195 الجنائز ب 64 ح 5، التهذيب 1: 317- 923، الوسائل 3: 174 أبواب الدفن ب 20 ح 4.

(3) التهذيب 1: 457- 1492، الوسائل 3: 180 أبواب الدفن ب 21 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 304

أئمتك أئمة هدى أبرار، ثمَّ تعيد عليه التلقين مرة بعد اخرى» «1» الحديث.

و له الجمع بين جميع الروايات فيلقّن بالجميع، و أن يلقّن في كلّ مرة بواحد منها، فإنه يستحب تكرير التلقين ثلاثا، كما صرّح به في بعض الروايات المتقدمة، و له الزيادة بكلّ ما يناسب المقام، كما فعله شيخنا المجلسي في التلقين الذي ذكره في زاد المعاد، و هو يتضمّن التكرار بالمرّات الثلاث أيضا «2».

و يستحب فيه أن يكون الملقّن

هو الولي، و أن يدني فمه إلى اذنه، و أن يضع يده على منكبه الأيسر و اليمنى تحت منكبه الأيمن، كما صرّح بكل ذلك فيما مرّ من الروايات.

و أمّا وضع اليد على الاذن- كما في رواية أبي بصير- فلم يعلم استحبابه، لاختلاف العبارة فيها، كما عرفت «3».

و لو لم يباشر الولي فالأولى أن يكون بإذنه.

هذا، و لو لقّن مع ما ذكر كلّ أحد بلسانه أيضا كان أولى و أتم.

ثمَّ إنّ هذا التلقين هو التلقين الثاني، و قيل: هو الثالث بناء على ما ذكره من استحبابه عند التكفين أيضا. و لم نعثر له على مستند. و الأول ما مرّ من تلقين الاحتضار، و الثالث ما يأتي من التلقين بعد تسوية القبر.

و منها: خروج الملحّد- بل كلّ داخل- من قبل الرجلين مطلقا، للمعتبرة الدالّة على أنه باب القبر «4»، و خبري السكوني و سهل:

الأول: «من دخل القبر فلا يخرج إلّا من قبل الرجلين» «5».

______________________________

(1) الفقيه 1: 108- 500، الوسائل 3: 179 أبواب الدفن ب 21 ح 5.

(2) زاد المعاد: 564.

(3) راجع ص 303.

(4) الوسائل 3: 181 أبواب الدفن ب 22.

(5) الكافي 3: 193 الجنائز ب 62 ح 4، التهذيب 1: 316- 917، الوسائل 3: 183 أبواب الدفن ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 305

و الثاني: «يدخل الرجل القبر من حيث شاء، و لا يخرج إلّا من قبل رجليه» «1».

خلافا للإسكافي في المرأة، فيخرج من عند رأسها، للبعد من العورة «2».

و الإطلاقات عليه حجة.

و مقتضى الأخير: التخيير في الدخول، و به يخصّص إشعار المعتبرة المذكورة، ففتوى المنتهى بكونه كالخروج «3»، لها مدخولة.

و من مكروهات الدفن: دفن اثنين في قبر واحد، لمرسلة الشيخ في المبسوط

من قولهم: «لا يدفن في قبر واحد اثنان» «4».

و خلوّه عن النهي، و ضعفه، و عدم القول بالحرمة أوجب الاستدلال به على الكراهة.

و تنتفي مع الضرورة، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله للأنصار يوم احد:

«اجعلوا الاثنين و الثلاثة في القبر الواحد، و قدّموا أكثرهم قرآنا» «5» أي اجعلوه في القبلة.

هذا في الابتداء، و أمّا مع سبق أحدهما في الدفن فظاهر الأكثر: الحرمة، بل عن الشهيد إجماع المسلمين عليه «6»، لحرمة النبش، و سبق حقّ الأول.

و فيهما نظر، لأنّ حرمته لا تنافي جواز الدفن بعد النبش، و سبق الحق فرع وجوب اختصاصه بالدفن، إلّا أن يراد حق أولياء الميت حيث تصرّفوا فيه، فتأمل.

______________________________

(1) الكافي 3: 193 الجنائز ب 62 ح 5، الوسائل 3: 184 أبواب الدفن ب 23 ح 2.

(2) حكاه عنه في الذكرى: 67.

(3) المنتهى 1: 460.

(4) المبسوط 1: 155.

(5) سنن أبي داود 3: 214- 3215.

(6) الذكرى: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 306

و الظاهر أن لأجل ذلك أفتى الشيخ في النهاية بالكراهة «1».

و كيف كان فليس السرب المعدّ لوضع الأموات من هذا القبيل، لعدم صدق النبش فيه.

المقام الرابع: فيما يتعلق بما بعد الدفن.

و هو أمور كلّها مستحبة:

منها: إهالة الحاضرين و صبّهم التراب في قبره بعد خروجه منه، للمستفيضة، كحسنة داود، و فيها: فلما أدخل الميت لحده قام فحثا عليه التراب ثلاث مرات بيده «2».

و في حسنة ابن مسلم: فحثا عليه ممّا يلي رأسه ثلاثا بكفه «3».

بظهر الكفين معا، لخبر ابن الأصبغ: فحثا التراب على القبر بظهر كفيه «4».

و المروي في الهداية: «ثمَّ احث التراب عليه ثلاث مرّات بظهر كفيك» «5».

و في الرضوي: «ثمَّ احث التراب عليه بظهر كفيك ثلاث مرّات» «6».

و بها يقيد إطلاق الأوليين.

و أمّا ما

في حسنة ابن اذنية أو صحيحته: رأيت الصادق عليه السلام يطرح التراب على الميت، فيمسكه ساعة في يده ثمَّ يطرحه، و لا يزيد على ثلاث أكف، فسألته عن ذلك، أي الإمساك [فقال: «يا عمر] كنت أقول: إيمانا بك» [1]، إلى

______________________________

[1] الكافي 3: 198 الجنائز ب 66 ح 4، الوسائل 3: 190 أبواب الدفن ب 29 ح 2، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) النهاية: 44.

(2) الكافي 3: 198 الجنائز ب 66 ح 1، الوسائل 3: 189 أبواب الدفن ب 29 ح 1.

(3) الكافي 3: 198 الجنائز ب 66 ح 3، التهذيب 1: 319- 927، الوسائل 3: 190 أبواب الدفن ب 29 ح 3.

(4) التهذيب 1: 318- 925، الوسائل 3: 191 أبواب الدفن ب 29 ح 5.

(5) الهداية: 27.

(6) فقه الرضا (ع): 171، مستدرك الوسائل 2: 334 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 28 ذح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 307

آخره، فلا ينافي ما مرّ صريحا، لجواز كون الإمساك في ظهر اليد و إن كان الباطن أظهر.

ثلاثا، للتصريح به في الروايات.

و لا يستحب الزائد، للأصل، فما عن الذكرى أنّ الثلاثة هي الأقل «1»، لا وجه له.

و هل يتّصف الأقلّ منها بالاستحباب و إن كان الثلاثة أفضل؟ فيه نظر، و صرّح والدي- رحمه اللّه- بالعدم.

و ينبغي أن لا يهيل عليه ذو رحم، لموثّقة زرارة: «و من كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يطرح الوالد أو ذو رحم على ميته التراب» [1].

و منها: رشّ القبر بالماء، إجماعا محقّقا و منقولا مستفيضا [2]، و تكاثرت عليه الروايات جدّا، بل تواترت.

و في مرسلة ابن أبي عمير:

«يتجافى عنه العذاب ما دام الندى في التراب» «2».

و في مرسلة الصدوق في الهداية: «إن الرشّ بالماء على القبر حسن» قال:

يعني كل وقت «3».

______________________________

[1] الكافي 3: 199 الجنائز ب 66 ح 5، التهذيب 1: 319- 928، العلل: 304- 1، الوسائل 3:

191 أبواب الدفن ب 30 ح 1، و في الجميع: عن عبيد بن زرارة ..

[2] كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 564، و المنتهى 1: 463، و مجمع الفائدة 2: 485، و المدارك 2: 144 و فيه: لا خلاف فيه.

______________________________

(1) الذكرى: 67.

(2) الكافي 3: 200 الجنائز ب 67 ح 6، العلل: 307- 1، الوسائل 3: 196 أبواب الدفن ب 32 ح 2.

(3) الهداية: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 308

و منه يظهر عدم اختصاص استحبابه بحال الدفن.

و في اختيار الرجال للكشي: أمر مولانا أبو الحسن الرضا عليه السلام برشّ الماء على قبر زميله محمد بن الحباب أربعين شهرا أو أربعين يوما، في كل يوم مرة [1].

و الأفضل في كيفية الرشّ أن يجعل الراشّ القبر أمامه في جانب القبلة، فيبدأ من جانب الرأس، و يرشّ الماء دورا، بأن يديره على الجوانب الأربع متّصلا حتى يصل إلى موضع الشروع، ثمَّ يصبّ على الوسط، كما في خبر النميري و الرضوي:

الأول: «السنة في رشّ الماء على القبر أن يستقبل القبلة و يبدأ من عند الرأس إلى عند الرجل، ثمَّ يدور على القبر من الجانب الآخر، ثمَّ يرش على وسط القبر، فذلك السنة» «1».

و الثاني: «فإذا استوى قبره فصب عليه ماء، و تجعل القبر أمامك و أنت مستقبل القبلة، و تبدأ يصب الماء من عند رأسه، و تدور على القبر من أربع جوانب القبر حتى ترجع من غير أن تقطع

الماء، فإن فضل من الماء شي ء فصبّه على وسط القبر» «2».

و منها: وضع الحاضرين أيديهم عليه بعد رشّه، بالإجماع- كما عن المحقّق «3»- و المستفيضة من النصوص «4»:

مفرّجة الأصابع، مؤثّرة في التراب، كما ورد في الأخبار:

______________________________

[1] رجال الكشي 2: 685، و الظاهر وقوع تقديم و تأخير في بعض الألفاظ، فإن المستفاد من المصدر أن أبا الحسن الرضا عليه السلام أمر برشّ الماء على قبر يونس بن يعقوب و هو زميل محمد بن الحباب.

______________________________

(1) التهذيب 1: 320- 931، الوسائل 3: 195 أبواب الدفن ب 32 ح 1.

(2) فقه الرضا (ع): 171، مستدرك الوسائل 2: 336 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 30 ح 2 بتفاوت يسير.

(3) المعتبر 1: 302.

(4) الوسائل 3: 197 أبواب الدفن ب 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 309

ففي صحيحة زرارة: «فإذا حثي عليه التراب فضع كفّك على قبره عند رأسه، و فرّج أصابعك، و اغمز كفك عليه بعد ما ينضح بالماء» «1» و نحوها حسنتها «2».

مستقبل القبلة، للرضوي، و فيه بعد الأمر بالرشّ و آدابه: «ثمَّ ضع يدك على القبر و أنت مستقبل القبلة، و قل: اللهم ارحم غربته، وصل وحدته، و آنس وحشته، و آمن روعته، و أفض عليه من رحمتك، و أسكن إليه من برد عفوك و سعة غفرانك و رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك، و احشره مع من كان يتولّاه. و متى ما زرت قبره فادع له بهذا الدعاء و أنت مستقبل القبلة و يداك على القبر» «3» و تؤيده مضمرة البصري «4».

داعيا بما في الرضوي، أو بما في حسنة ابن مسلم: ثمَّ بسط كفه على القبر و قال: «اللهم جاف الأرض عن جنبيه، و

أصعد إليك روحه، و لقّه منك رضوانا، و أسكن قبره من رحمتك ما تغنيه [به ] عن رحمه من سواك» [1].

و يتأكّد استحباب ذلك الوضع لمن لم يحضر الصلاة، كما صرّح به والدي رحمه اللّه أيضا، لخبر إسحاق: إنّ أصحابنا يصنعون شيئا: إذا حضروا الجنازة و دفن الميت لم يرجعوا حتى يمسحوا أيديهم على القبر، أ فسنّة ذلك أم بدعة؟

فقال: «ذلك واجب على من لم يحضر الصلاة عليه» «5».

______________________________

[1] الكافي 3: 198 الجنائز ب 66 ح 3، التهذيب 1: 319- 927، الوسائل 3: 190 أبواب الدفن ب 29 ح 3، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) التهذيب 1: 457- 1490، الوسائل 3: 197 أبواب الدفن ب 33 ح 1.

(2) الكافي 3: 200 الجنائز ب 67 ح 8، الوسائل 3: 196 أبواب الدفن ب 32 ح 4.

(3) فقه الرضا (ع): 172، مستدرك الوسائل 2: 338 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 31 ح 2 و فيه صدر الحديث.

(4) الكافي 3: 200 الجنائز ب 67 ح 3، التهذيب 1: 462- 1508، الوسائل 3: 198 أبواب الدفن ب 33 ح 5.

(5) التهذيب 1: 462- 1506، الوسائل 3: 197 أبواب الدفن ب 33 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 310

و المراد بالوجوب تأكّد الاستحباب، فلا ينافي ثبوت مرتبة منه لمن حضرها أيضا.

و على نفي مرتبة التأكد أيضا يحمل خبر محمد بن إسحاق، و فيه: «و إنما ذلك لمن لم يدرك الصلاة عليه، و أما من أدرك الصلاة فلا» «1».

و لا تنافيه أيضا حسنة زرارة: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصنع بمن مات من بني هاشم خاصة شيئا لا يصنعه بأحد من المسلمين: كان إذا صلّى

على الهاشمي و نضح قبره بالماء وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كفه على القبر حتى ترى أصابعه في الطين، فكان الغريب يقدم أو المسافر من أهل المدينة، فيرى القبر الجديد عليه أثر كف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: فيقول: من مات من آل محمد؟» «2».

إذ لعلّه صلّى اللّه عليه و آله كان يترك ذلك الوضع في قبر غير الهاشمي لتعرف قبور الهاشميين، أو المراد أنّ الوضع عليه بحيث يرى أثر أصابعه المقدسة كان مختصا ببني هاشم، مع أنّ عدم الاستحباب في بعض أزمنة الرسول لا ينافي تحقّقه بعده.

و على هذا فالقول باختصاص ذلك ببني هاشم و عدم جوازه في غيرهم، و عدّه بدعة- كما عن محمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم في كتاب علله «3»- عليل.

و منها: تلقينه ثالثا بعد انصراف الناس، بإجماعنا المحقّق و المحكي مستفيضا عن الغنية و المعتبر و المنتهى و نهاية الإحكام و التذكرة «4»، للمستفيضة:

______________________________

(1) التهذيب 1: 467- 1532، الوسائل 3: 198 أبواب الدفن ب 33 ح 3.

(2) الكافي 3: 200 الجنائز ب 67 ح 4، التهذيب 1: 460- 1498، الوسائل 3: 198 أبواب الدفن ب 33 ح 4.

(3) نقله عنه في البحار 79: 22- 6.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 564، و المعتبر 1: 303، و المنتهى 1: 463، و نهاية الاحكام 2:

279، و التذكرة 1: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 311

منها: رواية يحيى بن عبد اللّه: «ما على [أهل الميت ] [1] منكم أن يدرءوا عن ميتهم لقاء منكر و نكير؟» قلت: كيف يصنع؟ قال: «إذا أفرد الميت فليتخلّف عنده أولى الناس به، فيضع فمه عند رأسه، ثمَّ ينادي بأعلى صوته: يا فلان

بن فلان، أو يا فلانة بنت فلان! هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه من شهادة أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و أنّ محمدا عبده و رسوله سيد النبيين، و أنّ عليا أمير المؤمنين عليه السلام و سيد الوصيين، و أنّ ما جاء به محمد صلّى اللّه عليه و آله حقّ، و أنّ الموت حقّ، و أنّ البعث حقّ، و أنّ اللّه يبعث من في القبور» قال:

«فيقول منكر لنكير: انصرف بنا عن هذا فقد لقّن حجته» «1».

و خبر جابر: «ما على أحدكم إذا دفن ميته و سوّى عليه و انصرف عن قبره أن يتخلّف عند قبره؟ ثمَّ يقول: يا فلان بن فلان [أ] أنت على العهد الذي عهدناك به من شهادة أن لا إله إلّا اللّه، و أنّ محمدا صلّى اللّه عليه و آله رسول اللّه، و أنّ عليا أمير المؤمنين عليه السلام إمامك، و فلان، و فلان- حتى يأتي إلى آخرهم-؟

فإنه إذا فعل ذلك قال أحد الملكين لصاحبه: قد كفينا الوصول إليه و مسألتنا إيّاه، فإنه قد لقّن، فينصرفان عنه و لا يدخلان إليه» [2].

و الرضوي: «يستحب أن يتخلّف عند رأسه أولى الناس به بعد انصراف الناس عنه، و يقبض على التراب بكفيه و يلقنه برفع صوته» «2» إلى آخره، و مثله في العلل «3».

______________________________

[1] في النسخ الثلاث: أهل بيت، و ما أثبتناه موافق للمصادر.

[2] التهذيب 1: 459- 1496، الوسائل 3: 201 أبواب الدفن ب 35 ح 2، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) الكافي 3: 201 الجنائز ب 67 ح 11، الفقيه 1: 109- 501، التهذيب 1: 321- 935، الوسائل 3: 200 أبواب الدفن ب 35 ح 1.

(2) فقه

الرضا (ع): 172، مستدرك الوسائل 2: 341 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 33 ح 1.

(3) علل الشرائع: 308- 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 312

و مقتضى أكثرها: أن يكون ذلك التلقين بالصوت العالي، كما عن الوسيلة و الجامع و الإشارة و التحرير [1]، بل بأعلى صوته، كما في الاولى، و عن الشيخين «1»، و جماعة «2».

و أن يكون الملقّن هو الولي، كما خصّ به في النافع و الشرائع و القواعد و الإرشاد و المنتهى «3»، مجوّزا في الأخير أحدا من المؤمنين إن لم يوجد الولي، و زاد جماعة: أو من يأمره «4»، بل عن الذكرى الوفاق عليه «5». و جوّز بعضهم غيره مطلقا «6»، لوجود الفائدة. و فيه نظر.

و الأحوط مباشرة الولي إن أمكن.

و في استقبال القبلة حين التلقين كما في القواعد و عن السرائر «7»، و استدبارها كما عن الحلبي و القاضي و ابن سعيد «8»، قولان، و دليل كلّ منهما غير مثبت له، فالتخيير أحسن.

______________________________

[1] الوسيلة: 69، و فيها: و رفع صوته بالتلقين، الجامع للشرائع: 55، الإشارة: 78، التحرير 1:

20.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 82، الشيخ في النهاية: 39.

(2) منهم العلامة في المنتهى 1: 463، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 490، 492، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 136.

(3) المختصر النافع: 14، الشرائع 1: 43، القواعد 1: 21، الإرشاد 1: 264، المنتهى 1:

463.

(4) الشهيد الأول في الذكرى: 68، الكركي في جامع المقاصد 1: 444، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 137.

(5) الذكرى: 68.

(6) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 491.

(7) القواعد 1: 21، و السرائر 1: 165.

(8) الحلبي في الكافي في الفقه: 239، القاضي في المهذب 1: 64، ابن سعيد في

الجامع للشرائع:

55.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 313

و ظاهر الثمرة المذكورة في بعض الأخبار [1] من كفاية المسألة و إن كان ظاهرا في المكلف، و لكنه لا يوجب تخصيص ظاهر الإطلاق، فالتعميم أولى.

و منها: التعزية، و هي مستحبة إجماعا محقّقا و محكيا «1»، و اعتبارا، و نصا مستفيضا «2»، بل متواترا.

و المراد بها حمل المصاب على الصبر، و طلب التسلّي منه.

و هو يتحقّق بكلّ لفظ يفيده لكل مصاب و لو كان صغيرا أو أنثى- كما صرّح بها في الروايات- ما لم يخف في الأخير افتتانا، أو لم يوجب اتّهاما.

و أقلّ التعزية: الرؤية، كما في القواعد و عن المبسوط و السرائر و المعتبر «3»، لمرسلة الصدوق: «كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة» «4».

و هي تكون قبل الدفن و بعده، بلا خلاف بين العلماء كما في المنتهى «5»، لصحيحة هشام: «رأيت الكاظم عليه السلام يعزّى قبل الدفن و بعده» «6».

و بعده أفضل، كما عن الخلاف و الاستبصار و المعتبر و التذكرة «7»، لمراسيل ابن أبي عمير «8» و البرقي «9» و الفقيه «10»، و يؤكّده بعض الاعتبارات.

______________________________

[1] و هو خبر جابر المتقدم في ص 311.

______________________________

(1) كما في نهاية الإحكام 2: 290، و مجمع الفائدة 2: 493، و مفاتيح الشرائع 2: 175.

(2) الوسائل 3: 213 أبواب الدفن ب 46.

(3) القواعد 1: 21، المبسوط 1: 189، و انظر السرائر 1: 172، المعتبر 1: 341.

(4) الفقيه 1: 110- 505، الوسائل 3: 316 أبواب الدفن ب 48 ح 4.

(5) المنتهى 1: 465.

(6) الكافي 3: 205 الجنائز ب 70 ح 9، الفقيه 1: 110- 503، التهذيب 1: 463- 1516، الاستبصار 1: 217- 769، الوسائل 3: 215 أبواب الدفن ب 47

ح 1.

(7) الخلاف 1: 729، و الاستبصار 1: 218، و المعتبر 1: 342، و التذكرة 1: 56.

(8) الكافي 3: 204 الجنائز ب 70 ح 2، التهذيب 1: 463- 1512، الاستبصار 1: 217- 770، الوسائل 3: 216 أبواب الدفن ب 48 ح 1.

(9) الكافي 3: 204 الجنائز ب 70 ح 4، الوسائل 3: 216 أبواب الدفن ب 48 ح 3.

(10) الفقيه 1: 110- 504، الوسائل 3: 216 أبواب الدفن ب 48 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 314

و لا حدّ لزمانها عند الحلّي و الكركي «1» و جماعة، لعموم الأدلة. فيستحب كلّ وقت إلّا إذا أدّت إلى تجديد حزن منسي، فتركها أولى.

و عن الكافي [1] و الحلبي «2» و الشهيد «3» و أكثر المتأخّرين: التحديد بثلاثة أيام، لما دلّ من أنّ المأتم أو الحداد أو صنع الطعام لأهل الميت ثلاثة أيام «4».

و لا دلالة فيها و إن كان المأتم بمعنى الاجتماع في الموت. نعم يدلّ على جواز الاجتماع و الجلوس لهم في الثلاثة.

و كره في المبسوط الجلوس للتعزية يومين أو ثلاثة، و ادّعى عليه الإجماع «5».

و لا دليل له، و إجماعه معارض بقول الحلّي من أنه لم يذهب إليه أحد من أصحابنا، و أنه من فروع المخالفين «6».

و لا ينبغي تعزية غير المؤمن، بل صرّح في المنتهى بحرمته «7»، و هو الأظهر، للأمر باجتنابهم.

و منها: أن يصنع لأهل المصيبة طعام و يبعث إليهم، بالإجماع كما في شرح القواعد «8» و اللوامع، و باتّفاق العلماء كما في المنتهى «9».

ثلاثة أيام، بالإجماع، كما في الثاني، له، و للمستفيضة المصرّحة بذلك:

______________________________

[1] لم نعثر في فروع الكافي على ما يدل على التحديد المذكور. نعم قد نقلت فيه الروايات

التي تدل على اتخاذ الطعام و صنع المأتم ثلاثة أيام. (ج 3: 217). و يحتمل أن العبارة في الأصل قد كانت هكذا: و عن الكافي للحلبي.

______________________________

(1) الحلي في السرائر 1: 173، و الكركي في جامع المقاصد 1: 446.

(2) الكافي في الفقه 1: 240.

(3) الذكرى: 70، و البيان: 80.

(4) الوسائل 3: 235 أبواب الدفن ب 67 و ص 271 ب 82.

(5) المبسوط 1: 189.

(6) السرائر 1: 173.

(7) المنتهى 1: 465.

(8) جامع المقاصد 1: 446.

(9) المنتهى 1: 466.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 315

منها: الرضوي: «و السنّة في أهل المصيبة أن يتّخذ لهم ثلاثة أيام طعام، لشغلهم بالمصيبة» «1».

و مرسلة الفقيه: «ينبغي لجيران صاحب المصيبة أن يطعموا الطعام عنه ثلاثة أيام» «2».

و مقتضى الأخير: أفضليته للجيران، و زاد في المنتهى: الأقرباء «3»، و يثبته أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله البتول باتّخاذ الطعام في مأتم جعفر «4».

و يجوز للميت الوصية بمال لإطعام أهل المأتم، لوصية مولانا الباقر عليه السلام، كما في حسنة حريز «5»، بل فيها إشعار باستحبابها، فهي كسائر الوصايا نافذة.

و يكره الأكل عند أهل المأتم، كما صرّح به جماعة «6»، لمرسلة الصدوق: «إنّ الأكل عند أهل المصيبة من عمل أهل الجاهلية، و السنّة البعث إليهم بالطعام» «7».

و ظاهر الإطلاق الكراهة و لو ممّا اهدي إليهم و لا يختص بطعامهم، كما في اللوامع.

و صرّح في المنتهى بعدم استحباب اتّخاذ أهل المصيبة طعاما و يجمعوا الناس

______________________________

(1) فقه الرضا (ع): 172، مستدرك الوسائل 2: 380 أبواب الدفن و ما يناسبه ب 56 ح 4.

(2) الفقيه 1: 110- 509، الوسائل 3: 237 أبواب الدفن ب 67 ح 5.

(3) المنتهى 1: 466.

(4) الكافي 3: 217 الجنائز ب 79

ح 1، الفقيه 1: 116- 549، المحاسن: 419- 191، الوسائل 3: 235 أبواب الدفن ب 67 ح 1.

(5) الكافي 3: 217 الجنائز ب 79 ح 4، الفقيه 1: 116- 546، الوسائل 3: 238 أبواب الدفن ب 68 ح 1.

(6) منهم الكركي في جامع المقاصد 1: 446، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 509، و الفيض في مفاتيح الشرائع 2: 175، و صاحب الحدائق 4: 15.

(7) الفقيه 1: 116- 548، الوسائل 3: 237 أبواب الدفن ب 67 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 316

عليه، إلّا ان دعت الحاجة إليه، كما لو حضر أهل الأماكن البعيدة و باتوا عندهم «1».

و لنختم هذا الفصل بمسائل ثلاث:

المسألة الأولى: إذا مات ولد الحامل في بطنها فإن أمكن التوصّل إلى إسقاطه صحيحا بعلاج فعل، و إلّا أخرج صحيحا إن أمكن، و إلّا قطع و اخرج بالأرفق فالأرفق، إجماعا، كما عن الخلاف «2».

و تتولّى ذلك النساء، فإن تعذّر فالرجال المحارم، فإن تعذّر جاز أن يتولّاه غيرهم، للضرورة.

و خبر وهب: «إذا ماتت المرأة و في بطنها ولد يتحرّك شقّ بطنها و يخرج الولد» و قال في المرأة يموت في بطنها الولد فيتخوف عليها، قال: «لا بأس أن يدخل الرجل يده فيقطعه و يخرجه» «3».

و مثله خبره الآخر، إلّا أن في آخره: «إذا لم ترفق به النساء» «4».

و الرضوي: «و إن مات الولد في جوفها و لم يخرج، أدخل إنسان يده في فرجها و قطع الولد بيده و أخرجه» «5».

هذا إذا علم موت الولد، و إلّا يصبر حتى يتبيّن.

و لو ماتت هي و الولد حي في بطنها، فإن أمكن إخراجه بدون الشقّ فعل، و إلّا شقّ بطنها و اخرج، إجماعا، و عن

الخلاف: عدم معرفة خلاف فيه «6».

و النصوص به مستفيضة:

______________________________

(1) المنتهى 1: 466.

(2) الخلاف 1: 730.

(3) الكافي 3: 155 الجنائز ب 26 ح 3، الوسائل 2: 470 أبواب الاحتضار ب 46 ح 3.

(4) الكافي 3: 206 الجنائز ب 72 ح 2، التهذيب 1: 344- 1008، قرب الإسناد: 136- 478.

(5) فقه الرضا (ع): 174، مستدرك الوسائل 2: 140 أبواب الاحتضار ب 35 ح 1.

(6) الخلاف 1: 729.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 317

منها: الخبر المتقدم [1].

و موثّقة علي: في المرأة تموت و ولدها في بطنها يتحرّك، قال: «يشقّ بطنها و يخرج منه ولدها» [2]. و قريبة منها صحيحته «1» و خبر ابن أبي حمزة «2».

و ليكن الشقّ عن الأيسر، كما عن الفقيه و المقنعة و النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع و الشرائع و النافع و التحرير و المنتهى و التلخيص و نهاية الإحكام «3»، و غيرها، للرضوي- المنجبر بعمل هؤلاء-: «إذا ماتت المرأة و هي حاملة و ولدها يتحرّك في بطنها شقّ من الجانب الأيسر و اخرج الولد» «4» الخبر.

و يخاط الشقّ بعدها كما عن الكتب الستة الاولى [3]، و المهذب «5»، لمرسلة ابن أبي عمير، و فيها: «و يخاط بطنها» «6».

و في دلالتها على الوجوب نظر، و الاستحباب- كما في المدارك «7»- أظهر، و إن كان الأول ظاهر فتاوى من مرّ.

و لا يختص الشقّ و الإخراج بصورة تحرك الولد- كما سئل عنه في أكثر ما

______________________________

[1] في ص 316 و هو خبر وهب.

[2] الكافي 3: 155 الجنائز ب 26 ح 1، التهذيب 1: 343- 1005، الوسائل 2: 470 أبواب الاحتضار ب 46 ح 2، و في جميع المصادر لا توجد كلمة: يتحرك.

[3] و هي:

الفقيه و المقنعة و النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع، و لكن لم نعثر عليه في الفقيه.

______________________________

(1) التهذيب 1: 343- 1004، الوسائل 2: 471 أبواب الاحتضار ب 46 ح 6.

(2) الكافي 3: 155 الجنائز ب 26 ح 2، التهذيب 1: 344- 1006، الوسائل 2: 470 أبواب الاحتضار ب 46 ح 4.

(3) الفقيه 1: 97 المقنعة 87، النهاية: 42، المبسوط 1: 180، السرائر 1: 169، الجامع للشرائع: 49، الشرائع 1: 44، المختصر النافع: 15، التحرير 1: 20، المنتهى 1: 435، نهاية الاحكام 2: 281.

(4) فقه الرضا (ع): 174، مستدرك الوسائل 2: 140 أبواب الاحتضار ب 35 ح 1.

(5) المهذب 2: 55.

(6) الكافي 3: 206 الجنائز ب 72 ح 1، الوسائل 2: 469 أبواب الاحتضار ب 46 ح 1.

(7) مدارك الأحكام 2: 158.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 318

سبق- بل المناط حياته.

و لو شك فيها فالظاهر العمل باستصحاب الحياة و إطلاق بعض الأخبار.

الثانية: جواز البكاء على الميت مجمع عليه، و النصوص به مستفيضة «1»، و في بعضها الأمر به عند شدة الوجد «2».

و ما في بعض أخبارنا من أن كل بكاء مكروه سوى البكاء على الحسين عليه السلام «3» مبالغة في عظم أجره.

و ما نقل: أن الميت يعذّب ببكاء أهله «4»، عامي لا عبرة به، مع أنه مخالف لنصّ الكتاب، إذ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى 6: 164 «5».

و الأشهر الأظهر: جواز النياحة أيضا ما لم تتضمّن محرّما من كذب و غيره، و عليه الإجماع عن الفاضل «6».

لنوح أمّ سلمة على ابن عمتها بإذن النبي صلّى اللّه عليه و آله، كما في خبر الثمالي «7»، و نسوة المدينة على حمزة بعد قوله صلّى اللّه عليه

و آله: «لا بواكي له» كما في مرسلة الفقيه «8»، و فاطمة على أبيها، كما في طرق الفريقين «9»، و الهاشميات على الحسين عليه السلام، كما في أخبار كثيرة «10»، و نوح الصادق عليه السلام على

______________________________

(1) الوسائل 3: 241 أبواب الدفن ب 70.

(2) الوسائل 3: 279 أبواب الدفن ب 87.

(3) أمالي الطوسي: 163.

(4) كما في صحيح البخاري 2: 100، و صحيح مسلم 2: 638.

(5) الأنعام: 164.

(6) المنتهى 1: 466، و نهاية الإحكام 2: 289.

(7) الكافي 5: 117 المعيشة ب 35 ح 2، التهذيب 6: 358- 1027، الوسائل 17: 125 أبواب ما يكتسب به ب 17 ح 2.

(8) الفقيه 1: 116- 553.

(9) من طريق الخاصة: الخصال: 272- 15، و من طريق العامة: المغني لابن قدامة 2: 411.

(10) الوسائل 14: 593 أبواب المزار ب 104، و البحار 79: 106.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 319

ابنة له سنة، و على ابن له سنة، كما في إكمال الدين «1»، و أمر مولانا الباقر الصادق عليهما السلام بوقف بعض ماله على النوادب ليندبن له، كما في صحيحة يونس «2»، و نفي البأس عن أجر النائحة مطلقا، أو بدون الشرط، أو بشرط صدقها في قولها، كما وردت بكلّ الرواية «3»، و قوله: «إنما تحتاج المرأة في المأتم إلى النوح لتسيل دمعتها، و لا ينبغي لها أن تقول هجرا» «4».

خلافا للمحكي عن الشيخ و ابن حمزة «5»، فحرّماها، لأخبار «6» بين غير دالّة، و ضعيفة، و عامة بالنسبة إلى بعض ما مرّ من المخصوصات بالصدق أو غير الباطل، فتخصّص به. مع أنه على فرض التعارض تتساقط أخبار الطرفين، و يبقى الأصل بلا معارض [1].

و لا فرق في الجواز بين النثر و

النظم، للأصل، و ورود الأخير في نياح البتول و أم سلمة، و استماع الأئمة المراثي.

و أمّا الصراخ و لطم الخدود و شقّ الجيوب و الخدش: فيأتي بيانها في مواقعها إن شاء اللّه.

الثالثة: زيارة القبور مستحبة بالإجماع، و استفاضة النصوص «7».

و في بعضها: «من لم يقدر أن يزورنا فليزر صالحي موالينا، يكتب له ثواب

______________________________

[1] في «ق» و «ح»: بلا منازع.

______________________________

(1) إكمال الدين: 73.

(2) الكافي 5: 117 المعيشة ب 35 ح 1، التهذيب 6: 358- 1025، الوسائل 17: 125 أبواب ما يكتسب به ب 17 ح 1.

(3) الوسائل 17: 125 أبواب ما يكتسب به ب 17.

(4) الكافي 1: 358 الحجة ب 81 ح 17، الوسائل 3: 242 أبواب الدفن ب 71 ح 1.

(5) الشيخ في المبسوط 1: 189، و ابن حمزة في الوسيلة: 69.

(6) الوسائل 3: 271 أبواب الدفن ب 83.

(7) الوسائل 3: 222 أبواب الدفن ب 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 320

زيارتنا [1].

و مقتضى إطلاقاتها: الاستحباب للنساء إذا لم تتضمّن مفسدة.

و كرهها لهن الفاضلان [2]، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «لعن اللّه زوارات القبور» «1».

و ضعفه مانع عن صلاحية التقييد.

و إطلاقاتها تفيد الاستحباب في كلّ وقت، و يتأكّد في عشية الخميس، للمروي في كامل الزيارة: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يخرج في ملأ من الناس من أصحابه كل عشية خميس إلى بقيع المدنيّين، فيقول: السلام عليكم أهل الديار- ثلاثا- رحمكم اللّه» «2».

و في مصباح الزائر: «إذا أردت زيارة المؤمنين فينبغي أن يكون يوم الخميس» «3».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 3    321     المقام الرابع: فيما يتعلق بما بعد الدفن. ..... ص : 306

ما ورد في خروج البتول

في غداة السبت أو الاثنين «4»، لا يفيد الاستحباب، خصوصا للرجال.

و يستحب للزائر أن يقرأ القدر سبعا، لرواية محمد بن أحمد: «من أتى قبر

______________________________

[1] التهذيب 6: 104- 181 بتفاوت يسير، كامل الزيارات: 319- 1، 2، مصباح الزائر: 194 (المخطوط)، الوسائل 14: 585 أبواب المزار ب 97 ح 10 و 11.

[2] المحقق في المعتبر 1: 339، و أما العلامة فلم نجد في كتبه ما يدل على قوله بكراهة الزيارة للنساء، بل صرح في التذكرة 1: 57 و نهاية الاحكام 2: 292 بعدم كراهتها لهن، نعم قد حكاه عنه في الحدائق 4: 172، و لعله استظهرها من ابتداء كلامه في المنتهى 1: 467 حيث اختص الاستحباب بالرجال، و لكنه أثبت عدم الكراهة للنساء بعد أسطر، فراجع.

______________________________

(1) سنن الترمذي 2: 259- 1061، المهذب للفيروزآبادي 1: 139، المغني لابن قدامة 2: 430.

(2) كامل الزيارات: 320- 6.

(3) مصباح الزائر: 195 (المخطوط).

(4) الكافي 3: 228 الجنائز ب 85 ح 3، الفقيه 1: 114- 537، التهذيب 1: 465- 1523، الوسائل 3: 223 و 224 أبواب الدفن ب 55 ح 1 و 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 321

أخيه، ثمَّ وضع يديه على القبر، و قرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات أمن يوم الفزع الأكبر، أو يوم الفزع» «1».

و لمرسلة الفقيه: «ما من عبد زار قبر مؤمن فقرأ عليه إنا أنزلناه سبع مرّات إلّا غفر اللّه له و لصاحب القبر» «2».

و المروي في الكامل و المصباح: «من قرأ إنا أنزلناه عند قبر مؤمن سبع مرّات بعث اللّه إليه ملكا يعبد اللّه عند قبره، و يكتب للميت ثواب ما يعمل ذلك الملك» «3».

و تستحب زيادة الحمد و المعوّذتين و التوحيد ثلاث

مرات، و آية الكرسي، رواه في الكتابين، قال: «و يقرأ مع إنا أنزلناه سورة الحمد و المعوّذتين و قل هو اللّه أحد و آية الكرسي، ثلاث مرات كلّ سورة» «4».

أو يدعو بما تقدّم في الرضوي المذكور في استحباب وضع اليد على القبر «5»، أو يجمع بينه و بين إنّا أنزلناه كما فعل مولانا الباقر عليه السلام، على ما في رواية أبي المقدام «6».

و في المصباح بعد ما نقل عنه: «و صفتها أن تستقبل القبلة، و تضع يدك على القبر، و تقول: اللهم- إلى أن قال:- ثمَّ اقرأ إنا أنزلناه سبع مرات» «7».

و تجوز القراءة واقفا، كما صرّح به في رواية أبي المقدام، و في رواية ابن عجلان: «قام أبو جعفر عليه السلام على قبر رجل من الشيعة فقال» «8» إلى آخره.

______________________________

(1) الكافي 3: 229 الجنائز ب 85 ح 9، الوسائل 3: 226 أبواب الدفن ب 57 ح 1.

(2) الفقيه 1: 115- 541، الوسائل 3: 227 أبواب الدفن ب 57 ح 5.

(3) كامل الزيارات: 322- 12، مصباح الزائر: 195 (المخطوط).

(4) كامل الزيارات: 322- 12، مصباح الزائر: 195 (المخطوط).

(5) راجع ص 309.

(6) التهذيب 6: 105- 183، الوسائل 3: 200 أبواب الدفن ب 34 ح 3.

(7) مصباح الزائر: 195 (المخطوط).

(8) الكافي 3: 200 الجنائز ب 67 ح 9، الوسائل 3: 199 أبواب الدفن ب 34 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 322

و الأفضل الجلوس و وضع اليد على القبر على ما في رواية محمد بن أحمد، بل اليدين كما في الرضوي، مستقبل القبلة كما فيه و في رواية المصباح.

و في رواية البصري: كيف أضع يدي على قبور المسلمين؟ فأشار بيده إلى الأرض فوضعها عليه و هو

مقابل القبلة «1».

و المروي في الكامل: «من أتى قبر أخيه المؤمن و استقبل القبلة، ثمَّ وضع يده على القبر و قرأ» «2» إلى آخره.

هذا لزيارة قبر مخصوص، و أما لو أراد زيارة أهل القبور فيقول: «السلام على أهل الديار من المسلمين و المؤمنين، رحم اللّه المتقدّمين منّا و المستأخرين، و إنّا إن شاء اللّه بكم لاحقون» كما في رواية المدائني «3».

أو يقول بعد و المؤمنين: «أنتم لنا فرط، و نحن إن شاء اللّه بكم لاحقون» كما في حسنة ابن سنان «4».

أو يقول: «السلام عليك من ديار قوم مؤمنين، و إنا إن شاء اللّه بكم لاحقون» كما في حسنة منصور، و مرسلة الفقيه «5».

أو ما يقوله النبي صلّى اللّه عليه و آله كما مرّ في رواية الكامل «6»، أو: «السلام على أهل الجنة» كما في مرسلة الفقيه «7».

______________________________

(1) الكافي 3: 200 الجنائز ب 67 ح 3، التهذيب 1: 462- 1508، الوسائل 3: 198 أبواب الدفن ب 33 ح 5.

(2) كامل الزيارات: 320- 4 بتفاوت يسير.

(3) الكافي 3: 229 الجنائز ب 85 ح 8، الفقيه 1: 114- 533 بتفاوت يسير، الوسائل 3: 225 أبواب الدفن ب 56 ح 3.

(4) الكافي 3: 229 الجنائز ب 85 ح 5، الوسائل 3: 225 أبواب الدفن ب 56 ح 1.

(5) الكافي 3: 229 الجنائز ب 85 ح 7، الفقيه 1: 114- 534، الوسائل 3: 225 أبواب الدفن ب 56 ح 2.

(6) كامل الزيارات: 320- 6.

(7) الفقيه 1: 115- 538، الوسائل 3: 226 أبواب الدفن ب 56 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 323

أو: «اللهم جاف الأرض عن جنوبهم، و صاعد إليك أرواحهم، و لقّهم منكم رضوانا، و أسكن إليهم

من رحمتك ما تصل به وحدتهم، و تؤنس به وحشتهم، إنك على كلّ شي ء قدير» كما في رواية ابن مسلم المروية في المصباح «1».

أو يقرأ قل هو اللّه أحد إحدى عشرة مرة و يهديه لهم، كما فيها أيضا، قال:

«و إذا كنت بين القبور فاقرأ قل هو اللّه أحد إحدى عشرة مرة و أهد ذلك لهم» «2».

أو يقرأ آية الكرسي و يجعل ثوابها لأهل القبور، كما في رواية مرسلة في البحار «3».

أو يقول: «اللهم رب هذه الأرواح الفانية و الأجساد البالية و العظام النخرة التي خرجت من الدنيا و هي بك مؤمنة، أدخل عليهم روحا منك و سلاما مني» كما فيها أيضا «4».

أو يقرأ بدعاء علي، و هو: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، السلام على أهل لا إله إلّا اللّه، من أهل لا إله إلّا اللّه، يا أهل لا إله إلّا اللّه، بحق لا إله إلّا اللّه، كيف وجدتم قول لا إله إلّا الله، من لا إله إلّا اللّه، يا لا إله إلّا اللّه، بحق لا إله إلّا اللّه، اغفر لمن لا إله إلّا اللّه، و احشرنا في زمرة من قال لا إله إلّا اللّه، محمد صلّى اللّه عليه و آله رسول اللّه، علي عليه السلام ولي اللّه» كما فيها أيضا «5».

أو يقرأ سورة يس، كما روي في العدّة «6».

و له الجمع بين الجميع أو بعض منها.

______________________________

(1) مصباح الزائر: 195 (المخطوط).

(2) مصباح الزائر: 195 (المخطوط).

(3) البحار 99: 300- 30.

(4) البحار 99: 300- 31.

(5) البحار 99: 301.

(6) عدة الداعي: 133.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 324

المطلب الثاني: في الأغسال المسنونة

@@@و هي كثيرة جدا، و عن النفلية أنها خمسون «1»، و ذكر بعض الأجلة منها نيفا و ستين «2». و لنذكر

ها هنا طائفة مهمة منها، و نذكر بعضها أيضا في ما يناسبه من المقام.

فمنها: غسل الجمعة، و رجحانه مجمع عليه، بل يمكن عدّه من الضروريات، و النصوص به مستفيضة.

و في رواية الأصبغ: كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا أراد أن يوبّخ الرجل يقول: «و اللّه أنت أعجز من تارك الغسل يوم الجمعة» «3».

و في كتاب الفردوس [1]، عن مولانا الصادق عليه السلام: «لا يترك غسل الجمعة إلّا فاسق، و من فاته غسل يوم الجمعة فليقضه يوم السبت».

و هل هو مستحب كما هو المشهور، بل عن الخلاف و الأمالي الإجماع عليه «4»، أو واجب كما عن الصدوقين و الكليني «5»، مع إمكان حمل الوجوب في

______________________________

[1] كذا في النسخ الثلاث، و الظاهر أن الصحيح: كتاب العروس، و قد نقل عنه في البحار 78:

129- 17. قال في الذريعة 15: 253 كتاب العروس في خصائص يوم الجمعة و فضائله، للشيخ المتقدم أبي محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي ..

______________________________

(1) النفلية: 8.

(2) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 8.

(3) الكافي 3: 42 الطهارة ب 28 ح 5، التهذيب 3: 9. 30، الوسائل 3: 318 أبواب الأغسال المسنونة ب 7 ح 2.

(4) الخلاف 1: 219، 611، أمالي الصدوق: 515.

(5) الصدوق في الفقيه 1: 61، و المقنع: 45، و حكاه عن والد الصدوق في الحبل المتين: 78، الكليني في الكافي 3: 41، باب وجوب غسل الجمعة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 325

كلامهم على تأكّد الاستحباب، كما ذكره غير واحد من الأصحاب «1»، و نقل عن شيخنا البهائي «2» و بعض من تأخّر عنه أيضا، و يميل إليه المحقّق الأردبيلي و الكفاية بعض الميل «3»؟

و الحقّ هو الأول، لا لاستفاضة النصوص

بأنه سنّة، كصحيحة ابن يقطين، و زرارة:

الأولى: عن الغسل يوم الجمعة و الأضحى و الفطر، قال: «سنّة و ليس بفريضة» «4».

و الثانية: عن غسل الجمعة، قال: «سنّة في السفر و الحضر» «5» الحديث.

و مرسلة المفيد: «غسل الجمعة و الفطر سنّة في السفر و الحضر» «6» و غير ذلك.

و التصريح بكونه تطوّعا في المروي في جمال الأسبوع: «اغتسل في كل جمعة و لو أنك تشتري الماء بقوت يومك، فإنه ليس شي ء من التطوع أعظم منه» «7».

و عدّه من المستحبات في جملة من الأخبار «8».

و جعله متمّما للوضوء كجعل النافلة من الصلاة و الصيام لفريضتهما في خبر

______________________________

(1) كصاحب الحدائق 4: 223، و صاحب الرياض 1: 71.

(2) الحبل المتين: 78.

(3) مجمع الفائدة 1: 73، الكفاية: 7.

(4) التهذيب 1: 112- 295، الاستبصار 1: 102- 333، الوسائل 3: 314 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 9.

(5) التهذيب 1: 112- 296، الاستبصار 1: 102- 334، الوسائل 3: 314 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 10.

(6) المقنعة: 158.

(7) جمال الأسبوع: 366.

(8) الوسائل 3: 311 أبواب الأغسال المسنونة ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 326

الصيرفي «1».

لعدم دلالة شي ء منها:

أما الأولى: فلأنّ السنّة في الأخبار أعم من الواجب، فإنّها بمعنى الطريقة، و تستعمل فيها كثيرا في الواجب أيضا، كما في الرضوي: «إنّ غسل الجنابة فريضة من فرائض اللّه جلّ و عزّ، و إنّه ليس من الغسل فرض غيره، و باقي الأغسال سنّة واجبة، و منها سنّة مسنونة، إلّا أنّ بعضها ألزم من بعض و أوجب من بعض» «2» و في الروايات العديدة: إنّ غسل الميت سنّة، و في رواية سعد:

«الغسل في أربعة عشر موطنا، واحد فريضة و الباقي سنّة» «3» إلى غير

ذلك.

و ليس في قوله في الاولى: «و ليس بفريضة» دلالة على الاستحباب، لأنّ المراد بالفريضة ما ثبت وجوبه بالكتاب، و لذا حصر في المستفيضة غسل الفريضة بغسل الجنابة.

و لا في السؤال فيها حيث إنّه وقع عن الحكم دون المأخذ، لعدم صراحة و لا ظهور في كون السؤال عن الحكم، مع أنّ الفريضة و عدمها أيضا حكمان يترتّب عليهما بعض الآثار، كتقديم الفرض على الواجب عند تعارضهما.

و لا في جمعه فيها و في الأخيرة [مع ] [1] غسل العيدين المستحب قطعا، و إلّا لزم استعمال اللفظ في معنييه، لجواز عموم المجاز.

و أمّا الثانية: فلأعمية التطوّع لغة من المستحب، فإنّه مأخوذ من الطاعة، و لو سلّم الاختصاص في العرف المتأخر فالأصل تأخّره.

______________________________

[1] في النسخ: بين، و ما أثبتناه هو الأنسب.

______________________________

(1) الكافي 3: 42 الطهارة ب 28 ح 4، التهذيب 1: 111- 293، الوسائل 3: 313 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 7.

(2) فقه الرضا (ع): 81، مستدرك الوسائل 1: 447 أبواب الجنابة ب 1 ح 1 بتفاوت يسير.

(3) التهذيب 1: 110- 289، الاستبصار 1: 98- 319، الوسائل 2: 176 أبواب الجنابة ب 1 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 327

و أمّا الأخيران فظاهران.

بل للتصريح بجواز تركه للنساء مطلقا- الموجب لجوازه للرجال بعدم الفصل- في المروي في الخصال: «ليس على المرأة غسل الجمعة في السفر، و يجوز لها تركه في الحضر» «1».

و في النبوي المنجبر بما مرّ: «من توضّأ يوم الجمعة فبها و نعمت، و من اغتسل فالغسل أفضل» «2».

و المروي في العلل و العيون: «و علّة غسل العيد و الجمعة» إلى أن قال:

«فجعل فيه الغسل تعظيما لذلك اليوم، و تفضيلا له على سائر الأيام، و زيادة

له في النوافل و العبادة» «3» و هو صريح في كونه نافلة.

و الرضوي، و فيه- بعد عدّ ثلاثة و عشرين غسلا من غير عدّ أغسال النساء و غسل المسّ-: «الفرض من ذلك غسل الجنابة، و الواجب غسل الميت و غسل الإحرام، و الباقي سنّة» «4». و من الباقي غسل الجمعة، و هو صريح في أنّ المراد من السنّة فيه غير الواجب.

و نحوه في الصراحة أيضا قوله: و روي «أنّ الغسل أربعة عشر وجها، ثلاث منها غسل واجب مفروض» إلى أن قال: «و أحد عشر غسلا سنّة: غسل العيدين و الجمعة» «5» إلى آخره.

و خبر علي بن أبي حمزة: عن غسل العيدين، أ واجب هو؟ قال: «هو سنّة» قلت: فالجمعة؟ قال: «هو سنّة» «6» و هو أيضا صريح فيما ذكرنا، و إلّا لم يحصل

______________________________

(1) الخصال: 586.

(2) سنن ابن ماجه 1: 347- 1091.

(3) علل الشرائع: 285- 4، و عيون أخبار الرضا 2: 87.

(4) فقه الرضا (ع): 82، مستدرك الوسائل 2: 497 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 1.

(5) فقه الرضا (ع): 83، مستدرك الوسائل 2: 497 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 1.

(6) التهذيب 1: 112- 297، الاستبصار 1: 103- 335، الوسائل 3: 314 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 328

للجواب معنى.

و ضعف بعض ما مرّ، بالشهرة العظيمة و الإجماع المنقول منجبر.

دليل الموجب: الروايات الآمرة به، كصحيحة [1] محمد: «اغتسل يوم الجمعة إلّا أن تكون مريضا أو تخاف على نفسك» «1».

و بتقديمه مع قلّة الماء، كرواية الحسين بن موسى عن امّه و أمّ أحمد: كنّا مع أبي الحسن بالبادية و نحن نريد بغداد، فقال لنا يوم الخميس: «اغتسلا اليوم لغد»

«2» الحديث، و بمضمونها في الأمر بالتقديم مرسلة محمد بن الحسين «3».

و بقضائه، كرواية سماعة، و فيها: «فإن لم يجد فليقضه يوم السبت» «4».

و الأخبار المصرّحة بأنه واجب، كحسنتي ابني المغيرة و عبد اللّه: عن الغسل يوم الجمعة، قال: «واجب على كلّ ذكر أو أنثى، عبد أو حرّ» [2].

و رواية الصيرفي: كيف صار غسل الجمعة واجبا؟ فقال: «إنّ اللّه تعالى أتمّ صلاة الفريضة بصلاة النافلة، و أتمّ صيام الفريضة بصيام النافلة، و أتمّ وضوء الفريضة بغسل الجمعة» «5» إلى آخره.

______________________________

[1] في «ه»: حسنة.

[2] حسنة ابن المغيرة: الكافي 3: 41 الطهارة ب 28 ح 1، التهذيب 1: 111- 291، الاستبصار 1: 103- 337، الوسائل 3: 312 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 3، حسنة ابن عبد اللّه:

الكافي 3: 42 الطهارة ب 28 ح 2، التهذيب 1: 111- 292 و فيه ابن عبيد اللّه، الاستبصار 1:

103- 337، الوسائل 3: 312 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 6.

______________________________

(1) التهذيب 3: 237- 629، الوسائل 3: 314 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 11.

(2) الكافي 3: 42 الطهارة ب 28 ح 6، الفقيه 1: 61- 227، التهذيب 1: 365- 1110، الوسائل 3: 320 أبواب الأغسال المسنونة ب 9 ح 2.

(3) التهذيب 1: 365- 1109، الوسائل 3: 319 أبواب الأغسال المسنونة ب 9 ح 1.

(4) التهذيب 1: 113- 300، الاستبصار 1: 104- 340، الوسائل 3: 321 أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 3.

(5) الكافي 3: 42 الطهارة ب 28 ح 4، التهذيب 1: 111- 293، المحاسن: 313- 30، علل الشرائع: 285- 1، الوسائل 3: 313 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 329

و موثّقة سماعة:

عن غسل الجمعة، فقال: «واجب في السفر و الحضر» إلى أن قال: «و غسل المحرم واجب، و غسل يوم عرفة واجب، و غسل الزيارة واجب إلّا من علّة، و غسل دخول البيت واجب، و غسل دخول الحرم واجب، و يستحب أن لا يدخله إلّا بغسل» «1» إلى آخره.

و الروايات المتضمّنة لأنه على النساء، الذي هو أيضا في معنى الإيجاب «2».

و ما يصرّح بأنه لا بدّ منه، كما في مرسلة حريز: «لا بدّ من غسل يوم الجمعة في السفر و الحضر، فمن نسي فليعد من الغد» «3».

و ما يأمر بالاستغفار عن تركه متعمّدا، كرواية سهل «4»، و مرسلة [1] الفقيه، و لا يكون الاستغفار إلّا عن ترك واجب أو فعل حرام.

و يجاب عن الجميع: بأنّ استعمال كلّ ما ذكر في الاستحباب مجاز شائع، فالحمل عليه مع القرينة لازم، و ما ذكرناه قرينة واضحة عليه.

مع وجود قرائن أخرى مع أكثر الموجبات، كما في الأمر بالتقديم و القضاء، فإنّ الظاهر عدم القول بوجوبهما.

و في رواية الصيرفي، فإن العلّة المذكورة فيها غير صالحة لإثبات غير الرجحان قطعا، و إلّا لوجبت صلاة النافلة و صيام النافلة أيضا، فالمراد من الوجوب فيها الرجحان. و لذلك قد يستدلّ بهذه الرواية على الاستحباب و إن كان محل نظر، إذ إثبات الرجحان في حديث بعلّة لا ينافي ضمّ اللزوم بدليل آخر.

______________________________

[1] في «ق»: مرفوعة، و رواها في الفقيه 1: 64- 242 عن أبي بصير، و طريق الصدوق إليه مذكور في المشيخة، فهي مسندة في الحقيقة، الوسائل 3: 319 أبواب الأغسال المسنونة ب 8 ح 2.

______________________________

(1) الكافي 3: 40 الطهارة ب 26 ح 2، الفقيه 1: 45- 176، التهذيب 1: 104- 270، الوسائل 3: 303

أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.

(2) الوسائل 3: 309 أبواب الأغسال المسنونة ب 3.

(3) الكافي 3: 43 الطهارة ب 28 ح 7، الوسائل 3: 320 أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 1.

(4) التهذيب 1: 113- 299، الاستبصار 1: 103- 339، الوسائل 3: 318 أبواب الأغسال المسنونة ب 7 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 330

و في الموثّقة، فإنّ الحكم فيها بوجوب أغسال كثيرة غير واجبة إجماعا- كالحكم بوجوب غسل الجمعة- قرينة على أنّ المراد بالوجوب فيها معناه المجازي، سيما مع ضمّ قوله: «و يستحب أن لا يدخله إلّا بغسل» بعد قوله:

«واجب» و لا أقلّ من صلاحية ذلك لاتّكال المتكلّم عليه في إرادة المجاز، و معه لا تجري أصالة الحقيقة، كما بيّنّاه في الأصول.

و بذلك يحصل الوهن في إرادة الحقيقة في غيرها مما يتضمّن لفظ الوجوب أيضا، سيما مع حمل الإمام وجوبه في الرواية السابقة بلا قرينة على مطلق الرجحان، و مع ما في الرضوي المتقدّم من قوله: «و منها سنّة مسنونة إلّا أنّ بعضها ألزم [من بعض ] و أوجب من بعض» [1]. و مع ملاحظة خبر ابن الوليد، و مرسلة الفقيه:

الأول: عن غسل الأضحى، قال: «واجب [إلّا] بمنى» [2].

و الثانية: «من قصد إلى مصلوب فنظر إليه وجب عليه الغسل» «1».

بل بملاحظة تلك الأخبار المؤيّدة بأصالة تأخّر الحادث يتقوّى ما ذكره جماعة من عدم ثبوت الحقيقة الشرعية للوجوب و إن أراهم لا يلتفتون إليه في مواضع أخر.

و كما في بعض الروايات المتضمّنة للفظة «على» فإنّ فيه بعد السؤال عن المرأة أ عليها غسل يوم الجمعة و الفطر و الأضحى و يوم عرفة؟ قال: «نعم عليها الغسل كلّه» «2» و لا بدّ من حمله

على مطلق الرجحان، لئلّا يلزم استعمال اللفظ في معنييه.

و في بعض روايات الاستغفار، كموثّقة ابن اليسع، و إنّ فيها بعد السؤال

______________________________

[1] راجع ص 326، و ما بين المعقوفين من المصدر.

[2] الفقيه 1: 321- 1465، الوسائل 3: 330 أبواب الأغسال المسنونة ب 16 ح 4، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) الفقيه 1: 45- 175، الوسائل 3: 332 أبواب الأغسال المسنونة ب 19 ح 3.

(2) الفقيه 1: 321- 1467، الوسائل 3: 309 أبواب الأغسال المسنونة ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 331

عن الرجل يدع الغسل يوم الجمعة ناسيا أو متعمّدا: «و إن كان متعمّدا فالغسل أحبّ إلي، إن هو فعل ..» «1». فإنه قرينة على عدم ترتّب ذنب على تركه، بل هذا دليل على عدم الوجوب.

مع أنه ليس في هذه الروايات تصريح في كون الاستغفار لذنب مترتّب على ترك غسل الجمعة، فلعلّ المراد أنّه إن تركه فليستغفر اللّه لذنوبه عوضا عن غسل الجمعة.

ثمَّ لو قطع النظر عن ذلك كلّه لحصل التعارض بين هذه الروايات و بين ما ذكرنا، فيرجع إلى الأصل.

مع أنّ بعد تمامية دلالتها و عدم المناص عنها تصير مخالفة للشهرة العظيمة من الجديدة و القديمة، و بها تخرج عن الحجية و صلاحية المعارضة.

فروع:

أ: أول وقته طلوع الفجر، فلا يجزي قبله- في غير ما استثني- إجماعا كما صرّح به جماعة، لأنّه مقتضى إضافته إلى اليوم، و أصالة عدم مشروعيته في غير ما علمت فيه.

و يصح بعده كذلك، لصدق اليوم لغة و شرعا، و استفاضة النصوص عليه:

منها: الرضوي: «و يجزيك إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر، و كلّما قرب من الزوال فهو أفضل» «2» إلى آخره.

و منه يعلم مستند ما نصّ عليه الأكثر

من أنه كلّما قرب من الزوال كان أفضل، بل ظاهر بعضهم اتّفاق الأصحاب عليه «3».

______________________________

(1) التهذيب 1: 113- 299، الاستبصار 1: 103- 339، الوسائل 3: 318 أبواب الأغسال المسنونة ب 7 ح 3.

(2) فقه الرضا (ع): 175، مستدرك الوسائل 2: 508 أبواب الأغسال المسنونة ب 7 ح 1.

(3) كصاحب الرياض 1: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 332

و آخر وقته الزوال من يوم الجمعة، بالإجماع، كما في اللوامع، و عن المعتبر و الخلاف و الذكرى «1»، لحسنة زرارة: «و ليكن فراغك من الغسل قبل الزوال» «2».

و يؤيّده خبر [ابن عبد اللّه ] [1] الوارد في سبب جريان السنّة به.

و بذلك يقيّد إطلاق المطلقات، و يضعّف ما حكي عن الخلاف من امتداد وقته إلى صلاة الجمعة «3»، مع أنّ الظاهر- كما قيل- رجوعه إلى المشهور «4».

و أمّا المروي في قرب الإسناد عن مولانا الرضا عليه السلام: «إنّ أبي كان يغتسل للجمعة عند الرواح» «5» و هو آخر النهار، أو من الزوال إلى الليل- كما في القاموس «6»- فلا يصلح لمعارضة ما ذكر، مع أنّ إرادة الرواح إلى صلاة الجمعة محتملة، و كون ذلك- أحيانا قضاء أيضا جائز.

ب: يجوز تقديمه يوم الخميس، اتّفاقا كما في اللوامع و الحدائق «7»، لرواية الحسين بن موسى و مرسلة محمد بن الحسين، المتقدّمة إليهما الإشارة «8»، و الرضوي: «و إن كنت مسافرا و تخوفت عدم الماء يوم الجمعة اغتسل يوم الخميس» «9» الحديث.

و الظاهر اختصاصه بخائف عوز الماء، لأنّه مورد النصوص، و غيره يبقى

______________________________

[1] في النسخ: ابن عبد العزيز، و لم نجد رواية منقولة عنه بهذا المضمون، و الظاهر وقوع السهو أو التصحيف فيه، و ما أثبتناه موافق للمصادر و الكتب

الفقهية. انظر: التهذيب 1: 366- 1112، و علل الشرائع: 285- 3، و الوسائل 3: 315 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 15.

______________________________

(1) المعتبر 1: 354، و الخلاف 1: 220، و الذكرى: 24.

(2) الكافي 3: 417 الصلاة ب 72 ح 4، الوسائل 7: 396 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 47 ح 3.

(3) الخلاف 1: 612.

(4) كما في الحدائق 4: 228.

(5) قرب الإسناد 360- 1285.

(6) القاموس المحيط 1: 233.

(7) الحدائق 4: 231.

(8) في ص 328 الرقم 3 و 4.

(9) فقه الرضا (ع): 129، مستدرك الوسائل 2: 507 أبواب الأغسال المسنونة ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 333

تحت الأصول.

و في التعدّي إلى ليلة الجمعة مع الشرط، لفحوى الأخبار، أو عدمه، لظاهرها، وجهان بل قولان، و لعل الأول أظهر، و عن الخلاف: الوفاق عليه «1».

و مع التقديم لا يغسل ثانيا يوم الجمعة لو تمكّن، للأصل، و عدم انصراف المطلقات إليه، خلافا لبعضهم، فجوّزه «2».

و لو فات قبل الزوال يستحب قضاؤه بعده إلى آخر نهار السبت إجماعا، للمستفيضة:

منها: رواية سماعة المتقدّمة «3».

و موثّقة ابن بكير: في رجل فاته الغسل يوم الجمعة، قال: «يغتسل ما بينه و بين الليل فإن فاته اغتسل يوم السبت» «4».

و الرضوي: «فإن فاتك الغسل يوم الجمعة قضيت يوم السبت، أو بعده من أيام الجمعة» «5».

و يستفاد من الموثّقة أفضلية القضاء بعد الزوال عن يوم السبت، بل قيل بأفضلية كلّ من القضاء و التقديم في كلّما كان أقرب إلى الوقت «6». و لا دليل عليه.

و الكلام في التعدّي إلى الليلة كما تقدم.

و صريح الأخير: التعدّي في القضاء إلى غير يوم السبت أيضا. و لا بأس به، للتسامح و إن لم أعرف به

الآن قائلا.

______________________________

(1) الخلاف 1: 612.

(2) كما في الذخيرة: 7.

(3) في ص 328.

(4) التهذيب 1: 113- 301، الوسائل 3: 321 أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 4.

(5) فقه الرضا (ع): 129، مستدرك الوسائل 2: 507 أبواب الأغسال المسنونة ب 6 ح 1.

(6) قال به الشهيد الثاني في روض الجنان: 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 334

و مقتضى الإطلاقات: تعميم القضاء لكلّ من فاته و لو كان عمدا، و عليه الأكثر.

و عن الصدوق: التخصيص بالمعذور و الناسي «1»، لمفهوم مرسلة حريز «2».

و يجاب: بأنه عام فيخصّص بالمغتسل، لما مرّ.

ج: من اغتسل تأدّت السنّة و إن أحدث أو نام بعده، للإجماع و المعتبرة.

د: يستحب أن يقول بعد الغسل ما رواه الشيخ عن الصادق عليه السلام: «أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أنّ محمدا عبده و رسوله، اللهم صلّ على محمد و آل محمد [و اجعلني من التوّابين ] و اجعلني من المتطهّرين» [1].

و منها: أحد و عشرون غسلا في شهر رمضان: خمسة عشر للّيالي المفردة، و خمسة لسائر الليالي من العشر الأخير، و واحد آخر للثلاث و العشرين. و يأتي تفصيل المستند في الجميع في كتاب الصيام إن شاء اللّه.

و منها: غسل عيد الفطر و غسل للأضحى، بالإجماعين، و المستفيضة من النصوص التي تقدم بعضها «3».

و وقتهما بعد طلوع الفجر، بالإجماع، و عدم الصدق، و خبر علي: «إن اغتسل يوم الفطر و الأضحى قبل الفجر لم يجزئه، و إن اغتسل بعده أجزأه» «4».

و مقتضى إطلاقه كسائر الإطلاقات امتداد وقته بامتداد اليوم، كما عن

______________________________

[1] التهذيب 3: 10- 31، الوسائل 3: 323 أبواب الأغسال المسنونة ب 12 ح 1، و رواه الصدوق مرسلا في الفقيه

1: 61- 228، و ما بين المعقوفين من المصادر.

______________________________

(1) الفقيه 1: 61.

(2) الكافي 3: 43 الطهارة ب 28 ح 7 و ص 418 الصلاة ب 72 ح 9، الوسائل 3: 320 أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 1.

(3) الوسائل 3: 303 أبواب الأغسال المسنونة ب 10.

(4) قرب الاسناد: 181- 669 الوسائل 3: 330 أبواب الأغسال المسنونة ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 335

الذكرى «1»، إلّا أنّ في الرضوي: «إذا طلع الفجر من يوم العيد فاغتسل، و هو أول أوقات الغسل، ثمَّ إلى وقت الزوال» [1].

و المستفاد منه أنّ آخر وقته الزوال، و نسبه في البحار إلى ظاهر الأصحاب «2»، و لعلّه بعد انجباره بذلك كان كافيا لتقييد الإطلاق.

و ليوم دحو الأرض، و هو الخامس و العشرون من ذي القعدة، ذكره الشهيد ناسبا له إلى الأصحاب «3»، و بعض آخر، و لا أعرف مستنده.

و ليوم عرفة، بالإجماعين، و النصوص.

و الأولى فعله عند الزوال، لصحيحة ابن سنان «4».

و كأنّه المراد من قبل الزوال في الرضوي: «اغتسل يوم عرفة قبل الزوال» [2].

و ليوم التروية، ذكره في الهداية و النزهة و المنتهى و نهاية الإحكام «5»، و غيرها «6»، لصحيحة ابن مسلم «7».

و الغدير، بالإجماع، و المستفيضة.

و في الإقبال عن كتاب محمد بن علي الطرازي بالإسناد المتصل إلى مولانا أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث طويل ذكر فيه فضل يوم الغدير، إلى أن قال:

______________________________

[1] فقه الرضا (ع): 131، مستدرك الوسائل 2: 512 أبواب الأغسال المسنونة ب 11 ح 1. و فيهما بتفاوت يسير.

[2] فقه الرضا (ع): 223، المستدرك 10: 20 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 9 ح 3 وردت بتفاوت.

______________________________

(1) الذكرى: 24.

(2)

البحار 78: 14.

(3) الذكرى: 24.

(4) التهذيب 1: 110- 290، الوسائل 3: 306 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 10.

(5) الهداية: 19، نزهة الناظر: 15، المنتهى 1: 130، نهاية الإحكام 1: 177.

(6) كالمفاتيح 1: 54، و الحدائق 4: 180.

(7) التهذيب 1: 114- 302، الوسائل 3: 307 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 336

«فإذا كان صبيحة ذلك اليوم وجب الغسل في صدر نهاره» «1» الحديث.

و يوم المباهلة- و هو في المشهور: الرابع و العشرون من ذي الحجة، و قيل:

أحد و عشرون، و قيل: السابع و العشرون- بالإجماع كما عن الغنية «2»، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى مرفوعة علي بن محمد القمي- كما في الإقبال- و فيها بعد ذكر يوم المباهلة: «فابدأ بصوم ذلك اليوم شكرا للّه و اغتسل [و البس ] أنظف ثيابك» [1].

و أمّا ما في موثّقة سماعة: «و غسل المباهلة واجب» «3» فلعلّه لإيقاع أصل المباهلة، كما قيل «4».

و يوم عاشوراء، ذكره في الإقبال «5»، و الظاهر أنه للزيارة لا لخصوص اليوم.

و يوم المولود، و هو السابع عشر من ربيع الأول، ذكره في الإقبال و فلاح السائل و الشهيد «6».

و يوم أول رجب و وسطه و آخره، رواها في الإقبال عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال: «من أدرك شهر رجب فاغتسل في أوله و أوسطه و آخره خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه» «7».

و يوم المبعث، و هو السابع و العشرون من رجب، ذكره الشيخ في الجمل

______________________________

[1] إقبال الأعمال: 515، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) إقبال الأعمال: 474.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 555.

(3) الكافي 3: 40 الطهارة ب 26 ح 2، الفقيه 1: 45- 176، التهذيب

1: 104- 270، الوسائل 3: 303 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.

(4) كشف اللثام 1: 10.

(5) إقبال الأعمال: 571.

(6) إقبال الأعمال: 604، فلاح السائل: 61، الشهيد في الدروس 1: 87.

(7) إقبال الأعمال: 628.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 337

و المصباح و الاقتصاد، و السيد في الإقبال، و الفاضل في القواعد «1».

و يوم النيروز، كما عن المصباح و الجامع و في المنتهى و القواعد «2»، لخبر المعلّى «3».

و غسل ليلة الجمعة، ذكره في الإشارة «4». و لعلّة كاف، للمسامحة.

و ليلة الفطر، ذكره جماعة «5»، لخبر ابن راشد «6».

و ليلة النصف من رجب، كما في الجمل و المصباح و الاقتصاد و النزهة و الجامع و الإصباح و المعتبر «7» و غيرها «8»، لفتوى هؤلاء.

و ليلة النصف من شعبان، لخبر أبي بصير: «صوموا شعبان، و اغتسلوا ليلة النصف منه» «9» و الرضوي قال: «و الغسل ثلاثة و عشرون» إلى أن قال: «و ليلة النصف من شعبان» «10».

و غسل كلّ يوم شريف أو ليلة شريفة، ذكره الإسكافي «11»، و يومئ إليه تعليلهم لثبوت بعض الأغسال: بشرافة الزمان.

______________________________

(1) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 167، مصباح المتهجد: 11، الاقتصاد: 250، إقبال الأعمال: 674، القواعد 1: 3.

(2) مصباح المتهجد: 790، و الجامع للشرائع: 33، و المنتهى 1: 130، و القواعد 1: 3.

(3) مصباح المتهجد: 790، و عنه في الوسائل 3: 335 أبواب الأغسال المسنونة ب 24 ح 1.

(4) الإشارة: 72.

(5) منهم المحقق في المعتبر 1: 355، و العلامة في المنتهى 1: 130، و الشهيد الأول في الدروس 1:

87.

(6) الكافي 4: 167 الصيام ب 71 ح 3، الفقيه 1: 109- 466 بتفاوت يسير، التهذيب 1:

115- 303، الوسائل 3: 328 أبواب الأغسال

المسنونة ب 15 ح 1.

(7) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 167، و مصباح المتهجد: 11، و الاقتصاد: 250، و نزهة الناظر: 15، الجامع للشرائع: 32، المعتبر 1: 356.

(8) كالقواعد 1: 3، و الدروس 1: 87.

(9) التهذيب 1: 117- 308، الوسائل 3: 335 أبواب الأغسال المسنونة ب 23 ح 1.

(10) فقه الرضا (ع): 82، مستدرك الوسائل 2: 497 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 1.

(11) حكاه عنه في الذكرى: 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 338

و في زمان ظهور آية في السماء، ذكره أيضا «1».

فهذه اثنان و أربعون غسلا كلّها متعلّقة بالأزمنة.

و منها: الأغسال المتعلّقة بالأزمنة.

و منها: الأغسال المتعلّقة بالأمكنة، و هي سبعة أغسال: لدخول الحرم، و مكة، و المسجد الحرام، و الكعبة، و المدينة، و مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله، و حرمه، كما يأتي في كتاب الحج.

و الغسل لدخول كلّ مشهد من مشاهد الأئمة عليهم السلام، كما يأتي في باب المزار، و لكلّ مكان شريف، ذكره الإسكافي «2».

و منها: الأغسال المتعلّقة بالأفعال، و هي الغسل للإحرام، و للعمرة، و للحج، و الغسل للطواف، و لزيارة البيت، و لرمي الجمار، و لكلّ من الوقوفين، و للحلق، و النحر، و الذبح، كما يأتي في كتاب الحج.

و لزيارة النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة، كما يأتي في المزار.

و للاستسقاء، للإجماع عليه عن الغنية «3»، و لموثّقة سماعة «4».

و لصلاة الكسوف و الخسوف المستوعبين، ذكره في المختلف «5»، و اللوامع، لصحيحة محمد: «و غسل الكسوف، إذا احترق القرص كله فاغتسل» «6» و نحوها.

و ليس فيهما دلالة على أنه للصلاة، بل الظاهر أنه لنفس الآية السماوية.

و لقضائها مع الاستيعاب و تعمد الترك، كما في المنتهى

و القواعد و الشرائع و اللوامع و عن الهداية و المصباح و الاقتصاد و الجمل و الخلاف و النهاية و المبسوط

______________________________

(1) حكاه عنه في الذكرى: 24.

(2) حكاه عنه في الذكرى: 24.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية) 555.

(4) الكافي 3: 40 الطهارة ب 26 ح 2، الفقيه 1: 45- 176، التهذيب 1: 104- 270، الوسائل 3: 303 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.

(5) المختلف: 28.

(6) التهذيب 1: 114- 302، الوسائل 3: 307 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 339

و الكافي و المهذب و المراسم و الرسالة و النزهة و الجامع و المعتبر و الغنية و الإصباح و الإشارة و السرائر «1»، و عزاه في الأول إلى الأكثر.

للرضوي المنجبر: «و ان انكسفت الشمس أو القمر و لم تعلم به فعليك أن تصليها إذا علمت، فإن تركتها متعمّدا حتى تصبح فاغتسل و صلّ، و إن لم يحترق القرص فاقضها و لا تغتسل» «2». و هو صريح في الشرطين، و عدم الرجحان بدونهما.

و نفي في السرائر الخلاف عن عدم مشروعيته إذا انتفيا «3».

و تدلّ على اشتراط الأول أيضا: مرسلة الفقيه «4»، و صحيحة محمد «5»، و المروي في الخصال صحيحا أيضا: «و غسل الكسوف، إذا احترق القرص كله فاستيقظت و لم تصلّ فعليك أن تغتسل و تقضي الصلاة» «6».

و على اشتراط الثاني: مرسلة حريز: «إن انكسف القمر فاستيقظ الرجل و لم يصلّ فليغتسل من غد و ليقض الصلاة، و إن لم يستيقظ و لم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلّا القضاء بغير غسل» «7».

______________________________

(1) المنتهى 1: 131، القواعد 1: 3، الشرائع 1: 45، الهداية: 19، مصباح المتهجد: 11، الاقتصاد: 250، الجمل و العقود

(الرسائل العشر): 168، الخلاف 1: 679، النهاية: 136، المبسوط 1: 172، الكافي في الفقه: 135، المهذب 1: 33، المراسم: 52، نقل عن رسالة ابن بابويه في الرياض 1: 73، نزهة الناظر: 16، الجامع للشرائع: 33، المعتبر 1: 358، الغنية (الجوامع الفقهية): 555، حكى عن الإصباح في الرياض 1: 73، الإشارة 72، السرائر 1:

124.

(2) فقه الرضا (ع): 135، مستدرك الوسائل 2: 518 أبواب الأغسال المسنونة ب 17 ح 1.

(3) السرائر 1: 321.

(4) الفقيه 1: 44- 172، الوسائل 3: 304 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 4.

(5) المتقدمة في الرقم (6) ص 238.

(6) الخصال: 508- 1، الوسائل 3: 305 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 5.

(7) التهذيب 1: 117- 309، الاستبصار 1: 453- 1758، الوسائل 3: 336 أبواب الأغسال المسنونة ب 25 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 340

خلافا للمحكي عن المقنعة و مصباح السيد «1»، فلم يشترطا الأول، لإطلاق الثالث. و عن المقنع و الذكرى «2»، فلم يشترطا الثاني، لإطلاق الثاني و يجاب عنهما: بوجوب تقييد الإطلاقين بما مرّ، مع أنّ الإطلاق الثاني ممنوع.

ثمَّ ظاهر الأوامر و إن كان وجوب ذلك الغسل- كما عن السيد في مسائله المصرية و جمله و شرح القاضي له مدّعيا عليه الإجماع «3»، و صلاة المقنعة و المراسم و ظاهر الهداية و الخلاف و الكافي و صلاة الاقتصاد و الجمل و الغنية [1]، و استقواه في المنتهى «4»، و تردّد في الوسيلة «5»- إلّا أن المشهور بين المتأخّرين استحبابه، للأصل، و حصر الواجب من الأغسال في غيره في هذه الأخبار.

و خبر سعد: «الأغسال أربعة عشر، واحد فريضة و الباقي سنّة» «6».

و تعداده في الأغسال المستحبة- إجماعا- في الصحيحين [2].

و

الشهرة المتأخرة.

و قوله: «من فاتته صلاة فليصلّها كما فاتته» «7» و لا يجب الغسل للأداء

______________________________

[1] المقنعة: 211، المراسم: 81، الهداية: 19، الخلاف 1: 679، الكافي في الفقه: 135، الاقتصاد: 272، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 194، و أما ما حكي عن الغنية من وجوب هذا الغسل فالظاهر خلافه، بل هو قائل باستحبابه، أنظر الجوامع الفقهية: 555 و 562.

[2] و هما صحيحة محمد و المروي في الخصال و قد تقدما في ص 339.

______________________________

(1) المقنعة: 51 و نقله عن المصباح المعتبر 1: 358.

(2) المقنع: 44، و الذكرى: 24.

(3) نقله عن المسائل المصرية في الذكرى: 25، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3):

46، شرح الجمل: 135.

(4) المنتهى 1: 352.

(5) الوسيلة: 112.

(6) التهذيب 1: 110- 289، الاستبصار 1: 98- 319، الوسائل 2: 176 أبواب الجنابة ب 1 ح 11.

(7) انظر: الوسائل 8: 268 أبواب قضاء الصلوات ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 341

فكذلك القضاء.

و لا يخفى أنه لا يبقى أصل بعد المستفيضة- التي منها الصحيح- المعتضدة بعمل أعيان القدماء، بل شهرتهم، و المؤيدة بالإجماع المنقول.

و أمّا الحصر: فمع أنه لم يرد إلّا في مقام تعداد أغسال ليس ذلك منها، غايته العموم اللازم تخصيصه بما ذكر.

و منه يظهر الجواب عن خبر سعد، مع أنّ المراد بالباقي: الباقي من أربعة عشر، و لم يذكرها حتى يعلم أنّ ذلك منها أيضا أم لا، و أيضا الظاهر من السنّة فيها ما لم يثبت من الكتاب.

و أمّا التعداد مع المستحبات: فليس دليلا، مع أنه عدّ في أحدهما غسل مسّ الميت بعد البرد و غسل الجنابة، و عدّ هذا بعدهما لا في طي المستحبات، و في الآخر غسل الميت و غسل المسّ،

و عدّ فيهما أيضا ما اختلف في وجوبه، كغسل الجمعة و العيدين و الإحرام.

و أمّا الشهرة: فليست دليلا (سيما مع كونها من المتأخّرين) [1] سيما مع معارضتها مع شهرة القدماء و نقل الإجماع.

و أمّا قوله: فاتته، فظاهر في نفس الصلاة، و لا دخل له بالغسل الذي هو خارج عنها و عن شرائطها، بل هو تكليف على حدة.

و على هذا فالقول بالوجوب أقوى و أصح.

و للسعي إلى رؤية المصلوب بعد ثلاثة أيام، لمرسلة الفقيه «1».

و لقتل الوزغة، كما عن الاشراف و النزهة و الجامع و البيان و الدروس

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ه».

______________________________

(1) الفقيه 1: 45- 175، الوسائل 3: 332 أبواب الأغسال المسنونة ب 19 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 342

و النفلية «1»، لمرسلته أيضا «2»، و المرويين في البصائر و الخرائج «3».

و للتوبة عن معصية، كما عن النهايتين [1]، و النفلية و المبسوط و السرائر و المهذب و الجامع و الشرائع و المعتبر و النافع و الكافي و القواعد، و المنتهى مدّعيا فيه- كما عن الغنية و التذكرة- إجماع علمائنا عليه «4»، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى صحيحة مسعدة على ما في الكافي: إنّ لي جيرانا يتغنّين و يضربن بالعود، فربما دخلت المخرج فأطيل الجلوس استماعا مني لهن، فقال عليه السلام:

«لا تفعل» إلى ان قال الرجل: لا جرم إني تركتها و أنا أستغفر اللّه تعالى، فقال:

«قم فاغتسل و صلّ [2] ما بدا لك، فلقد كنت مقيما على أمر عظيم، ما كان أسوأ حالك لو متّ على ذلك، استغفر اللّه تعالى و اسأله التوبة من كلّ ما يكره» «5».

و ما في أدعية السرّ: «يا محمد قل لمن عمل كبيرة من أمتك فأراد

محوها و التطهّر منها فليطهّر لي بدنه و ثيابه، فليخرج إلى برية أرضي» «6» الحديث.

و لكن في دلالة الأخيرة على الغسل نظر، بل في دلالة الأولى عليه للتوبة أيضا، فلعلّه- كالصلاة- لطلب حاجة المغفرة و سؤال التوبة.

فالمناط فتاوى الأجلّة و الإجماعات المحكية و مقتضاها- سيما صريح إجماع

______________________________

[1] نهاية الإحكام 1: 178، و لم نعثر عليه في نهاية الشيخ و لا على من نقله عنها.

[2] في الكافي: سل.

______________________________

(1) الاشراف (مصنفات الشيخ المفيد 9): 18، نزهة الناظر: 16، الجامع للشرائع: 33، البيان:

38، الدروس 1: 87، النفلية: 9.

(2) الفقيه 1: 44- 174، الوسائل 3: 332 أبواب الأغسال المسنونة ب 19 ح 2.

(3) بصائر الدرجات: 353، الخرائج و الجرائح 1: 283- 17.

(4) النفلية: 9، المبسوط 1: 40، السرائر 1: 125، المهذب 1: 33، الجامع للشرائع: 33، الشرائع 1: 45، المعتبر 1: 359، المختصر النافع: 6، الكافي في الفقه: 135، القواعد 1:

3، المنتهى 1: 131، الغنية (الجوامع الفقهية): 555، التذكرة 1: 58.

(5) الكافي 6: 432 الأشربة ب 25 ح 10 بتفاوت في الألفاظ، الفقيه 1: 45- 177، التهذيب 1:

116- 304، الوسائل 3: 331 أبواب الأغسال المسنونة ب 18 ح 1.

(6) بحار الأنوار 92: 307 نقلا عن البلد الأمين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 343

المنتهى-: عموم الحكم للصغيرة و الكبيرة، و تساعده الرواية على فرض الدلالة، إذ ما فيها ليس إلّا الصغيرة، و لا يعلم منها الإصرار المدخل إيّاه في الكبيرة، فالتخصيص بالأخيرة- كما عن المقنعة و الاشراف و الفقيه و الكافي و الإشارة «1»- ليس بحسن.

و للخروج عن الكفر، كما ذكره أكثر من ذكر، و في المنتهى: إجماع علمائنا عليه «2»، و هو كاف مستندا له، و لا حاجة

إلى اتباع بعض الاعتبارات الموهونة.

و لطلب الحاجة مطلقا، للرضوي، و فيه: «و غسل الاستخارة، و غسل طلب الحوائج من اللّه تعالى» «3».

و لكلّ دعاء ورد فيه الغسل.

و للاستخارة، لما مرّ، و لخبر سماعة: «و غسل الاستخارة مستحب» «4».

و لصلاة طلب الحاجة، و صلاة الاستخارة، بالإجماع، كما عن ظاهر الغنية و المعتبر و التذكرة «5». فيما ورد له منهما الغسل لا مطلقا، لعدم دليل عليه. و الاستناد إلى الرضوي غير مفيد، لأنه يكون للحاجة لا للصلاة.

و للمباهلة، كما في كتاب الاشراف و الجامع «6»، و غيرهما «7»، لخبر ابن مسروق المروي في باب المباهلة من أبواب دعاء الكافي «8».

______________________________

(1) المقنعة: 51، الاشراف (مصنفات الشيخ المفيد 9): 17، الفقيه 1: 45، الكافي في الفقه:

135، الإشارة: 72.

(2) المنتهى 1: 131.

(3) فقه الرضا (ع): 82، مستدرك الوسائل 2: 491 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 1.

(4) الكافي 3: 40 الطهارة ب 26 ح 2، الفقيه 1: 45- 176، التهذيب 1: 104- 270، الوسائل 3: 303 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 555، المعتبر 1: 359، التذكرة 1: 58.

(6) الاشراف (مصنفات الشيخ المفيد 9): 18، الجامع للشرائع: 33.

(7) كالغنية (الجوامع الفقهية): 555، و المعتبر 1: 357، و المنتهى 1: 130.

(8) الكافي 2: 513- 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 344

و لصلاة الشكر، كما عن الكافي و الغنية و الإشارة و المهذب «1».

و لأخذ التربة المباركة، لخبر الجعفي، كما في المزار الكبير «2».

و لمسّ الميت بعد تغسيله، ذكره الشيخ في التهذيب، لخبر عمّار: «و كلّ من مسّ ميتا فعليه الغسل و إن كان الميت قد غسّل» «3».

و لمن أراد تغسيل الميت و تكفينه، ذكره بعضهم «4»،

لصحيحة محمد:

«الغسل في سبعة عشر موطنا» إلى أن قال: «و إذا غسلت ميتا أو كفنته» «5». و في دلالتها نظر.

و لمن أريق عليه ماء غالب النجاسة، عن كتاب الاشراف «6».

و للإفاقة من الجنون، عن نهاية الإحكام لدليل عليل [1].

و للشك في الحدث، و لمن اغتسل ناقصا لعذر و زال عذره، ذكرهما في البيان و النفلية «7».

و غسل الحجامة، كما في حسنة زرارة «8».

و لتطيّب المرأة لغير زواجها، ذكره بعض المتأخّرين [2]، لخبر سعد: «أيّما امرأة تطيّبت لغير زوجها [لم تقبل منها صلاة] حتى تغتسل من طيبها كغسلها من

______________________________

[1] نهاية الإحكام 1: 179، قال: .. لما قيل: إن من زال عقله أنزل، فإذا أفاق اغتسل احتياطا.

[2] كما يستفاد من عنوان الباب في الوسائل 3: 339 أبواب الأغسال المسنونة ب 30.

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 135، الغنية (الجوامع الفقهية): 555، الإشارة: 72، المهذب 1: 33.

(2) نقله عنه في البحار 98: 138.

(3) التهذيب 1: 430- 1373، الاستبصار 1: 100- 328، الوسائل 3: 295 أبواب غسل المس ب 3 ح 3.

(4) كالعلامة في المنتهى 1: 130، و الشهيد في الذكرى: 24.

(5) التهذيب 1: 114- 302، الوسائل 3: 307 أبواب غسل المس ب 1 ح 11.

(6) الاشراف (مصنفات الشيخ المفيد 9): 18.

(7) البيان: 38، و النفلية: 9.

(8) الكافي 3: 41 الطهارة ب 27 ح 1، التهذيب 1: 107- 279، مستطرفات السرائر:

103- 38، الوسائل 3: 339 أبواب الأغسال المسنونة ب 31 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 345

جنابتها» [1].

و إرادة غسل الطيب من الاغتسال، و المبالغة في الإزالة من التشبيه ممكنة.

و لكلّ فعل يتقرب به إلى اللّه تعالى، عن الإسكافي «1».

و منها: غسل المولود حين ولادته، لموثّقة سماعة: «و غسل

المولود واجب» «2».

و أفتى بظاهره ابن حمزة «3»، و لكن لا يوافقه غيره، فعلى خلافه الإجماع- كما يشعر به كلام المنتهى «4»- و هو أوجب صرف الموثّق عن ظاهره.

و لا بدّ فيه من نية القربة كما ذكره في اللوامع، و غيره.

فهذه سبعة و ثمانون غسلا، و لعل المتتبع في الأخبار و كلمات علمائنا الأخبار يجد غير ذلك أيضا، و الضابط في ثبوته وروده في خبر و لو ضعيف، أو ذكره في كتاب فقيه ما لم يعارضه دليل ينفيه، للتسامح في مثله.

تتميم: الكلام في تداخل بعض هذه الأغسال بعضا قد مرّ في بحث غسل الجنابة.

و في بدلية التيمّم عنها يأتي في باب التيمم. و الحمد للّه على كلّ حال.

______________________________

[1] الكافي 5: 507 النكاح ب 55 ح 2، الفقيه 3: 278- 1320. و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) حكاه عنه في الذكرى: 24.

(2) الكافي 3: 40 الطهارة ب 26 ح 2، الفقيه 1: 45- 176، التهذيب 1: 104- 270، الوسائل 3: 303 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.

(3) الوسيلة: 54.

(4) المنتهى 1: 130.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 346

الباب الثالث: في التيمّم
اشارة

و شرعيته ثابتة بالكتاب، و السنة، و إجماع المسلمين.

و الكلام فيه إمّا في ما يجوز معه التيمّم، أي الأعذار المسوّغة له، أو ما يجوز به، أو ما يجوز له، أو كيفيته، أو أحكامه، فهاهنا خمسة فصول:

الفصل الأول: في الأعذار المسوّغة له،
اشارة

و هي أمور:

الأول: عدم وجدان الماء،
اشارة

و هو مسوّغ له موجب إيّاه، بالآية «1»، و الإجماع، و النصوص المتواترة معنى.

و يشترط في تسويغه له كونه بعد الطلب، إجماعا محقّقا و محكيا في الناصريات «2» و غيرها «3»، و عن الغنية و المعتبر و التذكرة و المنتهى «4»، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى أصالة وجوب الطلب الثابت بوجوب ما لا يتمّ الواجب المطلق إلّا به، و أصالة عدم مشروعية التيمم، لعدم صدق الوجدان- المعلّق عليه مشروعيته- بدون الطلب عرفا.

و لذا لا يصدق عدم وجدان الضالّة إلّا بعد طلبها ما تيسّر، فإنّ عدم وجدان شي ء- عرفا- عبارة عن عدم كونه حاصلا عنده، و لا معلوم الحصول من غير عسر، و لا مرجوّه كذلك و لو احتمالا.

فمن جوّز حصوله بسعي غير موجب للمشقّة لا يصدق عليه غير الواجد،

______________________________

(1) النساء: 43، و المائدة: 6.

(2) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 189.

(3) كالرياض 1: 74.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 555، المعتبر 1: 363، التذكرة 1: 59، المنتهى 1: 138.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 347

ألا ترى أنه لو أمر المولى عبده بشراء فرس، و لو لم يجده فحمار، لا يجوز له شراء الحمار مع رجاء تحصيل الفرس بأدنى سعي؟

و من هذا يظهر ضعف التمسّك في إيجاب الطلب بحسنة زرارة: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم و ليصلّ في آخر الوقت، فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه و ليتوضّأ لما يستقبل» «1» لتعليق الأمر بالطلب فيها على عدم الوجدان الغير المتحقّق إلّا مع عدم الرجاء أو ضرب من الطلب، فيكون المأمور به فيها الطلب المقيد الغير الواجب قطعا كما يأتي، و احتمال التجوّز في عدم الوجدان

غير كاف في الاستدلال.

كما يضعف التمسّك برواية السكوني: «يطلب الماء في السفر، إن كانت حزونة فغلوة، و إن كانت سهلة فغلوتين لا يطلب أكثر من ذلك» «2» بخلوّها عن الدالّ على الوجوب.

فالمعتمد ما مرّ من الإجماع و الأصلين.

و لا تعارضهما [1] رواية علي بن سالم: أ فأطلب الماء يمينا و شمالا؟ فقال: «لا تطلب الماء يمينا و لا شمالا و لا في بئر، و إن وجدته على الطريق فتوضّأ و إلّا فامض» «3» لشذوذها جدّا، مع أنّ حملها على صورة الخوف ممكن.

ثمَّ مقتضى ما ذكرنا من الأصل و إن كان وجوب الطلب بقدر ترجى الإصابة ما لم يبلغ حدّ الحرج و المشقة، كما اختاره في المدارك [2]، و هو ظاهر المحكي

______________________________

[1] في «ق» تعارضها.

[2] مدارك الأحكام 2: 181، و فيه: (و المعتمد اعتبار الطلب من كل جهة يرجو فيها الإصابة بحيث يتحقق عرفا عدم وجدان الماء.

______________________________

(1) الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 2، التهذيب 1: 192- 555، الاستبصار 1: 159- 548، الوسائل 3: 341 أبواب التيمم ب 1 ح 1.

(2) التهذيب 1: 202- 586، الاستبصار 1: 165- 571، الوسائل 3: 341 أبواب التيمم ب 1 ح 2.

(3) التهذيب 1: 202- 587، الاستبصار 1: 165- 572، الوسائل 3: 343 أبواب التيمم ب 2 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 348

عن الجملين و الاقتصاد و الخلاف و الجامع «1»، حيث لم يقدّروه بقدر، بل استوجهه في المعتبر صريحا «2»، إلّا أنّ مدلول رواية السكوني، السابقة كفاية الطلب غلوة في الأرض الحزنة و غلوتين في السهلة، كما عن الإسكافي و المقنعة و الاستبصار و المراسم و الوسيلة و السرائر و الكافي و الغنية و الإصباح

و الإشارة و شرح الجمل للقاضي و مهذّبه و الشرائع و النافع و القواعد «3» و غيرها.

و ضعف سندها غير ضائر، مع أنّ عمل الجماعة- كما اعترف به في المعتبر «4»- و دعوى تواتر النقل- كما صرّح به الحلّي «5»- و نقل الإجماع- كما في صريح الغنية و ظاهر التذكرة «6»- و الشهرة المحقّقة و المحكية في كلام جملة من الأجلة «7» له جابر.

و أمّا إيجاب الطلب ما دام الوقت- كما حكاه في الدروس عن قائل «8»، و في شرح القواعد عن المعتبر «9»- فلا دليل له، و حسنة زرارة السابقة «10» لإثباته غير

______________________________

(1) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 25، الجمل و العقود (الرسائل العشر):

168، الاقتصاد: 251، الخلاف 1- 147، الجامع للشرائع: 46.

(2) المعتبر 1: 393.

(3) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 47، المقنعة: 61، الاستبصار 1: 165، المراسم: 54، الوسيلة: 69، السرائر 1: 135، الكافي في الفقه: 136، الغنية (الجوامع الفقهية): 555، الإشارة: 74، شرح الجمل: 61، المهذب 1: 47، الشرائع 1: 46، المختصر النافع: 17، القواعد 1: 22.

(4) المعتبر 1: 393.

(5) السرائر 1: 135.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 555، التذكرة 1: 59.

(7) كصاحب الكفاية: 8، و صاحب الرياض 1: 80.

(8) الدروس 1: 131.

(9) جامع المقاصد 1: 466 و هو في المعتبر 1: 393.

(10) راجع ص 347.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 349

ناهضة، لإمكان كون القيد للحكم دون المحكوم به، فيكون المراد تحديد زمان الطلب لا مقداره.

مع أنه على تقدير المنافاة شاذ، لمعارضة الرواية المنجبرة. و ما ذكرناه أيضا لا يقتضيه، لأنّ مقتضاه كفاية عدم الوجدان عرفا، و عدم رجاء الحصول وقت إرادة الصلاة، لا جميع أوقاتها [1].

______________________________

[1] توجد في «ح» حاشية

منه رحمه اللّه:

بيان ذلك: إنه قد يكون الشخص غير واجد لشي ء دائما، و قد يكون واجدا له في حال أو وقت.

فإذا علق حكم على عدم وجدان شي ء فالتحقيق فيه إما يكون ذلك الحكم موقتا بوقت، أو معلقا بحال، أولا و لا، بل يكون مطلقا.

فإن كان مقيدا بوقت أو معلقا بحال فالمتبادر المفهوم منه عدم الوجدان في ذلك الوقت أو تلك الحال، سواء كان الوقت مضيقا كما إذا قال: صلّ في الساعة الفلانية مع الوضوء و إن لم تجد الماء فمع التيمم، فإن المراد: فإن لم تجده في تلك الساعة. أو موسعا، كما إذا قال: صل ركعتين غدا مع الوضوء، فإن لم تجد الماء فمع التيمم، فالمفهوم عدم وجدان الماء في الغد مطلقا، فلو لم يجد في أول النهار و جوّز وجوده في وسطه لا يجوز له التيمم. لأن المتبادر عدم وجدان الماء في الغد، إلا أن تعلق الوضوء في أثناء العبادة بأن يقول: صل غدا ركعتين، و متى أردت فعلها توضأ و إن لم تجد ماء فتيمم. فمن لم يجد ماء حين الإرادة [يجوز له التيمم ].

و في التعليق في الحال كما أن قال: إذا أردت الصلاة فتوضأ و إن لم تجد الماء فتيمم، أو: إذا ذكرت فوت الصلاة فاقضها كما فاتتك أي مع الوضوء أيضا، ثمَّ قال: و إن لم تجد الماء فتيمم.

و إن كان مطلقا نحو: صلّ ركعتين مع الوضوء، ثمَّ قال: و إن لم تجد ماء فتيمم. فالظاهر أن المراد إن لم تجده في جميع الوقت الذي يجوز فعلهما فيه إلى آخر زمان لا يسع الوقت غيره.

هذا كلّه إذا لم يكن هناك دليل على عموم البدلية في جميع الأحوال، و إن كان فيصح

المعلق عليه في كل وقت من أوقات عدم الوجدان، كما إذا قال بعد الأمر بالصلاة مع الوضوء مطلقا أو موقتا مضيقا أو موسعا: و إذا لم تجد الماء أو كلما لم تجده فتيمم، و الوجه ظاهر.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن التيمم للصلاة جائز في كل وقت أريد الصلاة و صدق عدم وجدان الماء، للآيتين و مثل حسنة الحلبي: «إذا لم يجد الرجل طهورا و كان جنبا فليس من الأرض و ليصلّ» و رواية أبي بصير: «إذا كنت في حال لا تقدر إلا على الطين فتيمم به» و رواية رفاعة: «إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب و لا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه- إلى أن قال-: و إن كان في حال لا يجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم منه» إلى غير ذلك من العمومات. فيجوز التيمم في كل حال يصدق عدم الوجدان للصلاة. و مثل الصلاة غيرها مما يجوز التيمم لعدم الفصل. بل يدل عليه في الجملة ما يأتي من قوله: «إن التيمم نصف الوضوء» من غير ضرورة، إذا لم تجد الماء، بل في كل موضع: روايات أبي بصير و رفاعة و ابن المغيرة. و كذا سائر الأعذار فإنها أيضا مثل عدم الماء لعدم الفصل، و لرواية أبي بصير، فإن قوله: «لا تقدر» شامل للجميع، و كذا قوله: «و إن كنتم مرضى».

هذا كله مع قطع النظر عن دليل آخر، و إلا فأدلة وجوب تأخير التيمم للصلوات الموقتة إلى آخر وقتها فهو أمر آخر. منه رحمه اللّه تعالى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 350

ثمَّ إنّه اختلفت كلمات اللغويين في معنى الغلوة.

ففي العين و الأساس: أنّ الفرسخ التام خمس و عشرون غلوة «1».

و

في بعضها: أنها ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة «2».

و في آخر: إنّها مائة باع «3» و الميل عشر غلاء.

و ظاهر أكثر الفقهاء أنّ المحدود غلوة سهم أو سهمين، أي قدر ذهابهما مع عدم مانع أو معاون، و الروايات خالية عن ذكر السهم، و لكن يمكن أن يكون مراد أهل اللغة أنّ هذا القدر هو مرمى السهم، و الواجب الأخذ بالأكثر، و وجهه ظاهر ممّا مرّ.

فروع:

أ: قالوا: يتوزّع مع اختلاف الأرض حزونة و سهولة «4».

و فيه نظر، و الأصل يقتضي الأخذ بالأكثر.

ب: اللازم الطلب بالمقدّر من كلّ جانب، كما صرّح به في المبسوط «5» لا

______________________________

(1) العين 8: 446، و أساس البلاغة: 327.

(2) كما نقل عن ابن شجاع في المغرب 2: 78.

(3) الباع: قدر مدّ اليدين. الصحاح 3: 1188.

(4) كما في المسالك 1: 16.

(5) المبسوط 1: 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 351

لعدم المرجّح لبعضها كما قيل «1»، إذ غاية ما يثبت منه التخيير. بل لأنه لم يعلم من الرواية خروج ما عدا ذلك من تحت الأصلين المتقدمين، لأنّ المشار إليه بقوله:

«ذلك» فيها هو الغلوة و الغلوتان، لا الطلب كذلك الموجب لكفاية تحقّق مطلقه، لحزازة المعنى، مع أنّ إمكان إرادة ما ذكرنا يكفي لنا.

فلا يكفي الطلب عن اليمين و الشمال، كما عن نهاية الإحكام و الوسيلة و الاقتصاد «2»، و لا مع الإمام في المسافر، كما عن المفيد و الحلبي «3»، و لا الجهات الأربع، كما عن المهذب و شرح الجمل للقاضي و الإصباح و الإشارة و الشرائع و الغنية «4»، بل عن الأخير الإجماع عليه، و لا مطلق الطلب كما هو ظاهر من أطلقه. مع أنّ حمل الأخيرين على ما ذكرناه أيضا ممكن، بل و

كذا الثاني، لكون الخلف مفروغا عنه.

ج: وجوب الطلب إنّما هو مع الأمن و احتمال وجود الماء في النصاب و ما دونه، فيسقط مع الخوف إجماعا، له، و لفحوى ما دلّ على سقوطه مع العلم بوجود الماء مع الخوف كما يأتي.

و لرواية الرقي: أكون في السفر و تحضر الصلاة و ليس معي ماء و يقال: إنّ الماء قريب منا، فطلب الماء- و أنا في وقت- يمينا و لا شمالا؟ قال: «لا تطلب الماء و لكن تيمّم، فإني أخاف عليك التخلّف عن أصحابك فتضلّ و يأكلك السبع» «5».

و كذا مع العلم بعدم الماء مطلقا فيسقط كذلك، أو في بعض الجهات

______________________________

(1) روض الجنان: 119.

(2) نهاية الإحكام 1: 183، الوسيلة: 69، الاقتصاد: 251.

(3) المفيد في المقنعة: 61، الحلبي في الكافي في الفقه: 136.

(4) المهذب 1: 47، شرح الجمل: 61، الإشارة: 74، الشرائع 1: 46، الغنية (الجوامع الفقهية): 555.

(5) الكافي 3: 64 الطهارة ب 41 ح 6، التهذيب: 185- 536، الوسائل 3: 342 أبواب التيمم ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 352

فيسقط فيه خاصة، بلا خلاف فيه بين أصحابنا كما في الحدائق «1»، بل عليه وفاقهم في المعتمد، لصدق عدم الوجدان المعلّق عليه التيمّم، و عدم تحقّق الطلب إلّا مع احتمال الوجود، فلا يجري دليل وجوبه مع انتفائه.

و ظاهر الشهيد في قواعده: وجود القول بالطلب مع العلم بالعدم أيضا، حيث إنّه عدّ من جملة ما وقع التعبّد المحض فيها و لا يكاد يهتدي فيه إلى العلّة:

وجوب طلب المتيمّم و إن علم عدم الماء.

و لا فرق في الاحتمال الموجب للطلب بين مرجوحة و غيره، كما به صرّح جماعة منهم المنتهى «2»، للأصلين المتقدّمين. خلافا للمحكي عن الإسكافي

«3»، و الفاضل الجواد، فأسقطاه مع ظنّ العدم أيضا، لقيامه مقام العلم في الشرعيات. و هو بإطلاقه ممنوع.

و لا في عدم احتماله في النصاب و ما دونه المسقط للطلب بين ما علم العدم فوق النصاب أيضا، أو احتمل وجوده فيه و لو راجحا، لرواية السكوني السابقة «4»، حيث إنّها تدلّ على عدم وجوب الطلب في الأكثر، فإمّا يجب الوضوء أو تسقط الصلاة أو يتيمّم، و الأولان باطلان، فتعيّن الثالث.

و قيل بوجوب الطلب مع رجحان الاحتمال، لفقد شرط التيمّم و هو العلم بعدم التمكن، و لعدم تبادر هذه الصورة من الرواية «5».

و يضعّف الأول: بمنع انحصار الشرط فيه، بل عدم العلم بالتمكّن مع عدم الماء في النصاب أيضا يسوّغه.

و الثاني: بمنع لزوم تبادر هذه الصورة، بل يكفي عدم تبادر غيرها خاصة.

______________________________

(1) الحدائق 4: 251.

(2) المنتهى 1: 139.

(3) حكاه عنه في المختلف: 47.

(4) راجع ص 348.

(5) الرياض 1: 81.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 353

نعم لو علم وجوده فوق النصاب، يجب تحصيله مع التمكن إجماعا، له، و لصدق الوجدان الموجب لعدم جواز التيمّم.

و لا تنافيه الرواية، لأنّ المتبادر من طلب الماء إنما هو ما إذا لم يتيقّن وجوده و حصوله، و أمّا معه فلا يستعمل الطلب.

و لا في وجوب السعي حينئذ بين ما إذا كان الماء قريبا أو بعيدا ما لم يبلغ الحرج و المشقة، و لا بين ما إذا كان السعي مفوّتا لشغله و مطلوبه الذي يشرع فيه- ما لم يتضرر به- أم لا، للأصل.

و في المعتبر: إنّ الحطّاب و الخشّاب إن لم يمكنه العود إلى المصر لتحصيل الماء إلّا بفوات مطلوبه يتيمّم «1»، و نفى عنه البعد في شرح القواعد «2». و يدفعه ما

مرّ.

د: لو طلب قبل الوقت و لم يجد، لم يجب بعده إلّا مع احتمال التجدّد، فيجب حينئذ، للأصلين.

و توهّم عدم الوجوب لتحقّق مطلق الطلب الذي هو المسوّغ مندفع: بعدم وجود ما يدلّ على كفاية مطلق الطلب في التسويغ، فيجب الأخذ بالمجمع عليه.

ه: لا شك في جواز الاستنابة في الطلب مع عدم إمكان المباشرة، بل تجب و لو بأجرة، لأنها الطلب في حقه. و تجب إفادتها للعلم بالحال، لأنه المقصود من الطلب و لا أقلّ من عدم العلم بكفاية غيره و هو كاف في المقام، إلّا مع عدم إمكانه فيكفي الظن، لما مرّ من كونها الطلب في حقه.

و أمّا مع إمكان المباشرة، فإن كانت الاستنابة مفيدة للعلم كفت، لسقوط الطلب حينئذ، و إلّا لم تكف، لا لتوجّه الخطاب إليه نفسه و الأصل عدم قيام غيره مقامه، لأن الاستنابة في الفحص أيضا نوع طلب منه، بل لما مرّ من عدم العلم

______________________________

(1) المعتبر 1: 365.

(2) جامع المقاصد 1: 466.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 354

بكفاية مطلق الطلب، فيجب الأخذ بالمجمع عليه. خلافا للروض، فجوّزها مطلقا مع عدالة النائب «1». و دفعه ظاهر.

و: لو قصر في الطلب و تيمّم و صلّى في سعة الوقت، بطل تيمّمه إجماعا، كما في المنتهى «2» و غيره «3»، لعدم ثبوت مشروعيته إلّا مع الطلب، و لأن الأمر بالطلب يقتضي النهي عن ضدّه الخاص. و صلاته [1]، لذلك، و لخلوّها عن الطهور، سواء وجد الماء بعد الصلاة أو لم يجد.

ز: لو قصر فيه حتى ضاق الوقت عنه و إدراك ركعة، يتيمّم و يصلّي، وفاقا للمشهور، على المصرّح به في كلام جماعة (منهم المدارك) [2].

لا للأصل، و لا لكونه غير واجد للماء، و لا

لأنّ فرضه أمّا تأخير الصلاة عن الوقت، أو الصلاة فيه مع الوضوء، أو مع التيمّم، و الأولان باطلان و الثالث المطلوب، و لا لعموم قوله: «فإذا خاف ..» في الحسنة المتقدمة «4».

لضعف الأول: بالمنع، بل الأصل عدم مشروعية التيمم.

و الثاني: بمنع صدق عدم الوجدان، فإنه أمر عرفي لا مدخلية لضيق الوقت عن الصلاة وسعته فيه أصلا.

و الثالث: بجواز أن يكون فرضه الطلب و قضاء الصلاة مع الوضوء إن وجد و مع التيمّم إن لم تجد، كما هو مختار طائفة «5»، فهو كمن أخّر التيمّم أيضا حتى ضاق الوقت عنه، فهو معاقب بالتأخير مأمور بالقضاء.

و الرابع: بفقد الدلالة، لرجوع المستتر إلى غير الواجد، و تحقّقه غير معلوم

______________________________

[1] هذا عطف على قوله: تيممه، أي: و بطلت صلاته.

[2] مدارك الأحكام 2: 183، و ما بين القوسين ليس في «ق».

______________________________

(1) روض الجنان: 119.

(2) المنتهى 1: 138.

(3) كالحدائق 4: 248.

(4) في ص 347.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 3    355     فروع: ..... ص : 350

(5) انظر الخلاف 1: 147 و الدروس 1: 131.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 355

في المورد.

بل لمرسلة العامري: عن رجل أجنب و لم يقدر على الماء و حضرت الصلاة فيتيمّم بالصعيد، ثمَّ يمرّ بالماء و لم يغتسل و انتظر ماء آخر وراء ذلك، فدخل وقت الصلاة الأخرى و لم ينته إلى الماء و خاف فوت الصلاة، قال: «يتيمم و يصلّي، فإن تيمّمه الأول قد انتقض حين مرّ بالماء و لم يغتسل» «1» أمر بالتيمّم و الصلاة مطلقا مع كونها أعم من تجويز الماء يمينا و شمالا.

و المروي في قرب الإسناد المنجبر ضعفه بالشهرة المحكية: عن رجل أجنب فلم يصب الماء أ يتيمّم و

يصلّي؟ قال: «لا حتى آخر الوقت، إنه إن فاته الماء لم تفته الأرض» «2».

خلافا للمحكي عن المبسوط (و الخلاف) [1] و في النهاية و النافع «3»، فحكموا ببطلان التيمم، لفقد شرطه الذي هو عدم الوجدان أو الطلب بقدر النصاب، و يلزمه وجوب القضاء.

و فيه: منع الاشتراط هنا، لما تقدم، بل الشرط أحد الأمرين أو ضيق الوقت عن الطلب.

و نفي خلاف المذكورين و تنزيل عباراتهم على سعة الوقت- كما في المدارك «4»، و غيره «5»- باطل، لأنّ هؤلاء لا يجوّزون التيمّم في السعة سواء أخلّ بالطلب أم لا.

ثمَّ هذا التيمّم و الصلاة يجزي عن فرضه، سواء ظهر وجود الماء و لو في ما

______________________________

[1] ليست في «ه-».

______________________________

(1) التهذيب 1: 193- 557، الوسائل 3: 377 أبواب التيمم ب 19 ح 2.

(2) قرب الإسناد: 170- 623، الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 22 ح 4.

(3) المبسوط 1: 31، الخلاف 1: 147، النهاية: 45، المختصر النافع: 17.

(4) مدارك الأحكام 2: 184.

(5) الذخيرة: 106.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 356

دون النصاب أو لم يظهر، وفاقا في الصورتين لجماعة منهم: المعتبر و المدارك و الأردبيلي «1»، و والدي رحمه اللّه.

لأصالة عدم وجوب القضاء، بل الإعادة إذا انكشف الخطأ في ظن الضيق، و لاقتضاء الأمر بالتيمّم- الذي هو بدل المائية قطعا- للإجزاء، مع عدم تعقّل وجوب البدل و المبدل منه.

و للمستفيضة الشاملة للمورد، كصحيحة العيص: عن رجل يأتي الماء و هو جنب و قد صلى، قال: «يغتسل و لا يعيد الصلاة» «2».

و صحيحة ابن مسلم: عن رجل أجنب فتيمّم بالصعيد و صلّى ثمَّ وجد الماء، قال: «لا يعيد، ربّ الماء ربّ الصعيد» «3».

و صحيحة زرارة: فإن أصاب الماء و قد صلّى بتيمم

و هو في وقت؟ قال:

«تمت صلاته و لا إعادة عليه» «4» و بمضمونها صحيحة الأحمر «5»، إلى غير ذلك.

خلافا في الصورة الاولى- إن وجد فيما دون النصاب- للقواعد و شرحه «6»، بل في الأخير نسبه إلى الأكثر، كما في الحدائق إلى المشهور «7»، و عن ظاهر المنتهى:

الإجماع عليه «8».

______________________________

(1) المعتبر 1: 365، المدارك 2: 184، الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 238.

(2) التهذيب 1: 197- 569، الاستبصار 1: 161- 556، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14 ح 16.

(3) التهذيب 1: 197- 571، الاستبصار 1: 161- 557، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14 ح 15.

(4) التهذيب 1: 194- 562، الاستبصار 1: 160- 552، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 9.

(5) التهذيب 1: 195- 563، الاستبصار 1: 160- 553، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14 ح 14.

(6) القواعد 1: 22، و جامع المقاصد 1: 467.

(7) الحدائق 4: 256.

(8) المنتهى 1: 138.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 357

لأنّ ظهور الماء في موضع الطلب كاشف عن اشتغال ذمته بالصلاة مع المائية و قد تركها، و من يترك صلاة فعليه فعلها ثانيا كما تركها.

و لرواية أبي بصير: عن رجل كان في سفر و كان معه ماء فنسيه و تيمّم و صلّى، ثمَّ ذكر أن معه ماء قبل أن يخرج الوقت، قال: «عليه أن يتوضّأ و يعيد الصلاة» «1».

و ردّها بورودها في النسيان و هو أخصّ من المدّعى، و فيما وقع التيمّم في السعة و هو خلاف المفروض. مردود: بأنّ النسيان لا ينفي وجوب الطلب، و الرواية شاملة لمن لم يطلب أيضا، و بقاء وقت الصلاة بعد التيمّم و الصلاة لا ينافي و الرواية شاملة لمن

لم يطلب أيضا، و بقاء وقت الصلاة بعد التيمّم و الصلاة لا ينافي خروج وقت الطلب و الصلاة معا، مع أنّ ظنّ الخروج و ظهور خلافه ممكن.

نعم تكون الرواية حينئذ أخصّ من مدّعاهم الذي هو الإعادة و القضاء، و لا يبعد أن يخصّص المدّعى أيضا بذلك، حيث إنّ الوارد في كلامهم هو الإعادة الظاهرة فيما يفعل في الوقت.

و على هذا فيمكن أن يستدلّ لهم أيضا: برواية يعقوب: عن رجل تيمّم فأصاب بعد صلاته ماء أ يتوضّأ و يعيد الصلاة أم تجوز صلاته؟ قال: «إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضّأ أعاد، فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه» «2».

و المروي في التذكرة مرسلا المنجبر بما مر: «لو أخلّ بالطلب ثمَّ وجد الماء في رحله أو مع أصحابه أعاد الصلاة» «3».

و الجواب أما عن الأول: فبمنع تركه الصلاة، و إنما ترك بعض مقدماتها التي ظهر وجوبها بعد قيام غيره مقامه، مع أنّ في ظهور الاشتغال بما ذكر أيضا كلاما.

______________________________

(1) الكافي 3: 65 الطهارة ب 41 ح 10، التهذيب 1: 212- 616، الوسائل 3: 367 أبواب التيمم ب 14 ح 5.

(2) التهذيب 1: 193- 559، الاستبصار 1: 159- 551، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 8.

(3) التذكرة 1: 65.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 358

و أمّا عن الروايات: فبعدم دلالة الأوليين على خارج الوقت لو كان النزاع فيه أيضا، و عدم إفادة الأخيرتين للوجوب، فيحتملان الاستحباب كما تؤيّده موثّقة ابن حازم: في رجل تيمّم و صلّى ثمَّ أصاب الماء، قال: «أمّا أنا فإن كنت فاعلا كنت أتوضّأ [و أعيد]» [1].

و كون الطرفين- لاختصاصهما بمن كان الماء معه فكان فيما دون النصاب- معارضين لأخبارنا المختصة

بغير من تيمّم و صلّى في السعة بدون الطلب بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل.

و في الصورتين للدروس «1»، و لعلّه لمثل ما مرّ من اشتغال ذمته بالصلاة المسبوقة بالطلب و لم يفعلها. و جوابه قد ظهر.

ثمَّ إنه لو ضاق الوقت عن الطلب في بعض الجهات دون بعض لم يجز له التيمّم، لأصالة عدم مشروعيته، و عدم شمول الخبرين [2] لمثله.

ح: لو كان معه ماء فأتلفه، أو مرّ به و لم يتطهّر، أو كان متطهّرا فأحدث اختيارا و حضرت الصلاة، يتيمّم و يصلّي، سواء كان الإتلاف و أخواه قبل الوقت أو فيه.

وفاقا للجميع في الأول، و للأكثر في الثاني، و ظاهر شرح القواعد عدم الخلاف في الثاني أيضا مع ظنّ وجود الماء «2»، بل ظاهر المعتبر مطلقا حيث نسب الخلاف إلى العامة «3»، لصدق عدم الوجدان.

و لا إعادة، للأصل، و إجزاء الأمر بالتيمّم الذي هو بدل المائية قطعا،

______________________________

[1] التهذيب 1: 193- 558، الاستبصار 1: 159- 550، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 10. و ما بين المعقوفين من المصدر.

[2] أي مرسلة العامري و المروي في قرب الاسناد، و قد تقدما في ص 355.

______________________________

(1) الدروس 1: 131.

(2) جامع المقاصد 1: 469.

(3) المعتبر 1: 366.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 359

و عدم تعقّل وجوب البدل و المبدل منه، و للأخبار المتقدّمة النافية للإعادة على من صلّى بالتيمّم و لو وجد الماء في الوقت «1».

خلافا للدروس في الوقت مطلقا «2»، لتعلّق الصلاة مع المائية بذمته بدخول الوقت و وجود الماء، و لم يأت بالمأمور به على وجهه.

و للبيان فيه مع العلم باستمرار الفقدان «3»، لما مرّ، و لعصيانه، و التيمّم رخصة لا يناط بالمعاصي.

و جواب

الأول يظهر مما مرّ، و الثاني: منع العصيان كما قيل «4»، ثمَّ منع عدم إناطة الرخصة بالمعصية على الإطلاق.

و لبعض مشايخنا [1]، فأوجب الإعادة فيه دون القضاء- و يمكن أن يكون ذلك مراد الدروس و البيان لتصريحهما بلفظ الإعادة [2]- لرواية أبي بصير «5».

و جوابه قد ظهر.

و لتوقّف العلم بالبراءة اليقينية عليه.

و فيه: أنه إن أريد شغل الذمة بالصلاة فقد فعلها، و إن أريد بالصلاة مع المائية فكذلك، للإتيان بما هو بدل قطعا، و للأخبار.

ثمَّ إنه قد مرّ تصريح البيان بترتب العصيان على الإتلاف في الوقت و نحوه، و لازمه بطلان بيعه و صلحه و هبته، و قد أفتى به. فهل هو كذلك- كما اختاره في

______________________________

[1] لم نعثر على شخصه.

[2] كذلك في الدروس 1: 131، و لكن قال في البيان: 84 لو أراق الماء في الوقت عصى مع علمه باستمرار الفقد و يقضي.

______________________________

(1) راجع ص 356.

(2) الدروس 1: 131.

(3) البيان: 84.

(4) كما في المعتبر 1: 366.

(5) المتقدمة في ص 357.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 360

التذكرة و المنتهى أيضا «1»- أم لا، كما صرح به في المعتبر «2»؟ الحقّ هو الأول.

لا لما قيل من أنه مقتضى وجوب الطلب [1]، إذ ليس إلّا للاقتدار على الماء، و العلّة بعينها هنا موجودة، و لأنه إذا طلب و وجد فإن جازت الإراقة كان الأمر بالطلب لغوا و إلّا ثبت المطلوب.

و من أنه متمكّن من الماء فيجب عليه الوضوء، فيحرم تركه، فيحرم ملزوم الترك أيضا.

و أن الوضوء مع القدرة واجب و هو في الفرض مقدور، فتكون مقدمته- التي هي حفظ الماء- واجبة.

لإمكان ردّ الأول: بمنع الاقتضاء، و الثانيين: بأنه إن أريد التمكّن حال وجود الماء فمسلّم و يمتنع

التلف فيه، و إن أريد في الحال التي بعده فالتمكن غير معلوم بل مشروط بعدم الإتلاف.

و أيضا: إن أريد وجوب الوضوء حال التمكن- و هو الآن الذي فيه- فلا معنى للتكليف فيه، و إن أريد بعده فالتمكن ممنوع.

فإن قيل: كيف لا يتمكن مع أنه لو لم يتلفه لتمكن، و الإتلاف باختياره، فهو في الآن اللاحق أيضا متمكن، فيجب الوضوء، فيحرم ملزوم تركه، و تجب مقدمته. و الحاصل: أن في آن وجود الماء متمكن من الوضوء في الآن اللاحق بأن يبقي الماء.

قلنا: إن كان ظرف التمكن من الوضوء في الآن اللاحق الآن السابق فهو واه، و إن كان الآن اللاحق فالتمكن فيه ممنوع، بل هو مشروط بعدم الإتلاف.

نعم، يتمكن في الآن السابق من جعله متمكنا في اللاحق و من إبقاء تمكنه فيه، و وجوبه عين النزاع.

______________________________

[1] كما استدل به في شرح المفاتيح: (المخطوط).

______________________________

(1) التذكرة 1: 67، المنتهى 1: 152.

(2) المعتبر 1: 366.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 361

مع أنه إن أريد كون ظرف التمكن الآن اللاحق، لزم عدم جواز التيمّم فيه، و الظاهر أنه لم يقل به أحد.

فإن قيل: معنى قوله: إن لم تجدوا، أي في الوقت، و مقتضاه عدم التيمّم المستلزم لوجوب الوضوء على من صدق عليه الواجد في الوقت، و مع وجود الماء في جزء منه يصدق عليه أنه واجد الماء في الوقت، فيجب عليه الوضوء و تترتّب عليه لوازمه.

قلنا- مع إيجابه بطلان التيمّم فيه-: إنه على ذلك يكون لواجد الماء في الوقت فردان: المتمكن حين إرادة الوضوء، و الغير المتمكن منه، و لا شك أنّ الثاني مخرج حيث لا يجوز التكليف بما لا يطاق، فيختصّ بالأول، فلا يفيد.

بل [1] لفهم العرف و

حكم العقل بذلك من الخطاب، كفهمه و حكمه بوجوب المقدمة و سائر لوازم الخطابات و مفاهيهما، فإنّ مما لا شك فيه أنه لو قال المولى لعبده: كن على السطح، و كان له سلّم، فكسره بعد الأمر اختيارا يذمّه العقلاء غاية الذم، و يستحقّ العقاب و اللوم عند أهل العرف.

و كذا إذا قال: كن على السطح إن قدرت على السلّم، و إلّا فكن في السرداب.

و كذا إذا قال له: اشتر لي فرسا فإن لم تجده فحمارا، فوجد في السوق فرسا موافقا لمطلوب مولاه يبيعونه، فلم يشتره حتى يباع بالغير ثمَّ اشترى حمارا، يذمّ غاية الذم و يلام حقّ الملامة.

بل التحقيق أنّ ذلك مقتضى وجوب مقدمة الواجب، و ما يدلّ عليه يثبته، و حكم الإبقاء بعينه حكم التحصيل، فيكون الحكم كذا في كلّ مقدمة يكون الواجب بالنسبة إليها مطلقا.

بل يظهر ممّا ذكرنا عدم الاختصاص بالوقت، بل حرمة الإتلاف و نحوه فيما

______________________________

[1] هذا عطف على قوله: لا لما قيل .. المذكور في ص 360.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 362

قبله أيضا مع عدم ظنّ الوجدان، لجريان الدليل فيه أيضا، كما صرّح به بعض مشايخنا المحقّقين «1».

و يؤكده ما في بعض الروايات من الأمر باغتسال المجدور لو أجنب اختيارا و تيمّمه لو احتلم «2»، و ما دلّ على عدم رضاه عليه السلام بالمسافرة إلى الأرض التي لا ماء فيها و أنه إهلاك للدين «3»، بل هذا ظاهر جدّا.

و أمّا عدم الأمر بالمأمور به بعد نفي القدرة فكعدم الأمر بالواجب الذي صار ممتنعا بالاختيار، فإنه و إن لم يكلّف به بعد الامتناع و لكنه يعاقب على الترك، لأنه متروك بالاختيار.

ط: لو وجد من الماء ما لا يكفيه لطهارته فهو

في حكم العدم فيتيمّم، و لا يجب صرفه إلى بعض الأعضاء- إجماعا- في الوضوء بل في الغسل أيضا، و عليه الإجماع في الناصريات و التذكرة و المنتهى «4»، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى عدم توقيف لهذا النوع من التطهير شرعا، و ظهور أن المراد من عدم الوجدان عدم وجدان ما يفي بالمطلوب.

و في روض الجنان: أنه ربما حكي عن الشيخ في بعض أقواله التبعيض «5».

فإن كان مراده أن يطهر ما يفي به الماء به و بالتراب غيره، فمعه ظاهر الآية في بادئ النظر، إلّا أنّ الإجماع على الارتباط، و عدم كون غسل كل عضو واجبا مستقلا، و ظهور ذلك من الأخبار أيضا يدفعه.

و إن كان مراده صرف الماء في بعض الأعضاء مع التيمّم التام، كما احتمله

______________________________

(1) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) الوسائل 3: 373 أبواب التيمم ب 17.

(3) الوسائل 3: 391 أبواب التيمم ب 28 ح 2، 3.

(4) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 190، التذكرة 1: 66، المنتهى 1: 133.

(5) روض الجنان: 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 363

في نهاية الفاضل و الحبل المتين- في الغسل «1»- فعموم نحو: الميسور لا يسقط بالمعسور، مع عدم المانع منه في الغسل من بطلانه بفوات الموالاة يقرّبه، إلّا أنّ عدم دلالته- كما ذكرنا مرارا- مضافا إلى ظواهر الصحاح الثلاث لابن مسلم «2» و الحلبي «3» و جميل «4»، و رواية الحسين بن أبي العلاء «5» يطرده.

هذا إذا كان مكلّفا بطهارة واحدة، و لو كان مكلّفا بطهارتين و كفى الماء لإحداهما فإن كفى للوضوء خاصة تعيّن، و إن كفى للغسل تخيّر على الأظهر، لأنّهما فرضان مستقلّان و لا مرجّح.

بل مقتضى القواعد التخيير بين الطهارة من الخبث و الحدث

لو وجبتا و لا يكفي الماء إلّا لإحداهما.

و لكن الظاهر الاتّفاق على تقديم رفع الخبث و التيمّم، كما صرّح به في المعتبر و المنتهى و التذكرة «6».

و تؤيّده صحيحة الحذّاء: الحائض ترى الطهر و هي في السفر و ليس معها من الماء ما يكفيها لغسلها و قد حضرت الصلاة، قال: «إذا كان معها بقدر ما تغسل فرجها فتغسله ثمَّ تتيمّم و تصلّي» «7».

دلّت بترك الاستفصال على تقديم غسل الفرج على وضوء الحائض.

______________________________

(1) نهاية الاحكام 1: 186، الحبل المتين: 94.

(2) التهذيب 1: 405- 1272، الوسائل 3: 387 أبواب التيمم ب 24 ح 4.

(3) الفقيه 1: 57- 213، التهذيب 1: 405- 1273، الوسائل 3: 386 أبواب التيمم ب 24 ح 1.

(4) الكافي 3: 66 الطهارة ب 42 ح 3، الفقيه 1: 60- 223، التهذيب 1: 404- 1264، الوسائل 3: 386 أبواب التيمم ب 24 ح 2.

(5) التهذيب 1: 404- 1266، الوسائل 3: 387 أبواب التيمم ب 24 ح 3.

(6) المعتبر 1: 371، المنتهى 1: 153، التذكرة 1: 61.

(7) الكافي 3: 82 الحيض ب 7 ح 3، التهذيب 1: 400- 1250، الوسائل 2: 312 أبواب الحيض ب 21 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 364

و قد يعلّل أيضا: بأنّ رفع الحدث له بدل بخلاف رفع الخبث «1».

و يضعّف: بأنّ البدلية إنما هي مع عدم الماء، مع أنّ البدلية معارضة بتجويز الشارع الصلاة في النجاسة مع تعذّر إزالتها، أو عاريا.

ثمَّ على القول بتعيين التقديم لو عكس لم يجزئ، لعدم كون ما أتى مأمورا به.

الثاني من المسوغات: ضيق الوقت عن الطهارة و إدراك ركعة مع وجود الماء عنده

. سوّغ معه التيمم في المنتهى و الحدائق «2».

لما ورد في الأخبار من أنّ التراب بمنزلة الماء، و إنما يكون كذلك لو ساواه

في أحكامه، و أنّ ربّ الماء ربّ الصعيد الذي هو كناية عن اتّحادهما في جميع الأحكام. و أنّ اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا «3».

و لوجوب الصلاة في الوقت، فإما تجب بدون الطهور، أو مع المائية، أو الترابية. و الأول باطل، و الثاني تكليف بما لا يطاق، فلم يبق إلّا الثالث.

و لأنّ علّة مشروعية التيمّم محافظة وقت الصلاة، و إلّا لوجب تأخيرها إلى حين التمكن، و هذه العلّة موجودة في المورد فيشرع فيه التيمّم.

و لأنّ المقصود الأصلي الصلاة في الوقت، و الطهارة مقصودة بالعرض، و لا يترك ما بالذات لتحصيل ما به العرض الذي له عوض.

و لأن اللّه سبحانه اختار وقوع الصلاة في الوقت على طهارة الثوب و البدن، و القيام، و الاستقرار، و القراءة، و الاستقبال، و غير ذلك من الأجزاء و الشرائط، و الطهارة المائية أيضا مثلها ضرورة.

و مرجع الدليل إلى الاستقراء أو القياس على سائر الشرائط و الأجزاء، كما كان الدليل الثالث قياسا على سائر المسوغات.

______________________________

(1) كما في المعتبر 1: 371.

(2) المنتهى 1: 137، الحدائق 4: 247.

(3) الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 365

و لكون التمكن من الاستعمال شرطا في وجوب المائية، و هو هنا مفقود، لعدم رضا الشارع بفوت الصلاة.

و يرد على الأول: منع عموم التنزيل كما بيّن في محلّه. و منع كون ما ذكر كناية عن التساوي في جميع الأحكام سيما مع الاختلاف في كثير منها. و منع التشبيه في كيفية الطهورية، لكونه خلاف الواقع، بل إنما هو في مجرد الجعل.

و على الثاني: منع وجوب الصلاة في الوقت، و العمومات الدالّة عليه مخرجة منها ما إذا لم يتمكّن من إيقاعها مع

ما ثبت طهوريته قطعا. و هنا كذلك، لعدم التمكّن من إيقاعها مع المائية، و عدم ثبوت طهورية التراب في المورد. و لا يلزم منه عدم كونه معاقبا لو أخلّ عمدا، بل هو كبعيد ترك الذهاب إلى الحج حتى دخل وقت لا يمكنه الوصول إلى الموقف.

و على الثالث: أنه قياس مردود. و التعليل المذكور ممنوع، و إلّا لزم جواز التيمّم بالدقيق و الزجاجة مع فقد الأرض، بل جواز الصلاة بدون الطهور مع عدم التمكن منه.

و على الرابع: أنه محض استبعاد لا يصلح للاستدلال.

و على الخامس: أنه إمّا استقراء ظني لا حجية فيه، بل يمكن منع إفادته ظنا أيضا حيث إنه تسقط الصلاة بتعذّر الطهور و هو من الشرائط، أو قياس يعلم ضعفه مما مرّ.

و على السادس: أنه عين المصادرة، لمنع عدم رضاه بفوتها حينئذ و إن لم يكن راضيا قبل انتفاء التمكن، كما في مثال الحج.

و لأجل ما ذكر من ضعف هذه الأدلّة، و أصالة عدم مشروعية التيمّم، و صدق وجدان الماء، و التمكن من الاستعمال- غاية الأمر عدم اتّساع وقت الصلاة له، و لم يثبت كون ذلك مسوّغا للتيمّم- ذهب في المعتبر إلى وجوب الطهارة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 366

المائية و القضاء، و حكم بعدم جواز التيمّم «1»، و استظهره في المدارك «2»، و هو الظاهر من البيان حيث أوجب الإعادة على مثل ذلك لو تيمّم و صلّى «3»، و جعله في شرح القواعد مقتضى مذهب الشيخ في مسألة المخلّ بالطلب «4».

و فرّق المحقّق الشيخ علي في شرح القواعد بين من كان الماء موجودا عنده بحيث يخرج الوقت باستعماله، و بين من كان بعيدا عنه بحيث خرج بالسعي إليه، فلم يجوّز التيمّم و

أوجب المائية في الأول دون الثاني، استنادا إلى انتفاء صدق عدم الوجدان في الأول و صدقه في الثاني «5».

و هو الحقّ. لا لما ذكره، لما أورده عليه في روض الجنان من أنّ المراد بوجدان الماء في باب التيمّم فعلا أو قوة، فلا يتمّ الفرق، لصدق الوجدان في الصورتين «6». بل لقوله عليه السلام في مرسل العامري السابق: «و لم ينته إلى الماء» «7» إلى آخره، فإنه يشمل من علم وجود الماء و لم يمكنه الوصول إليه إلّا بفوات الوقت.

ثمَّ إنه لا فرق في جميع ما ذكر بين ما إذا كان تأخير الطهارة بالماء إلى الضيق عمدا أو نسيانا أو اضطرارا، كأن يكون نائما أو محبوسا أو نحو ذلك، لجريان الدليل و إن احتاج في تعدّي المرسلة إلى جميع الصور إلى ضمّ الإجماع المركّب.

و صرّح في البيان بالتيمّم في الأخير مطلقا «8».

و لو احتاط فيه بالتيمّم و الصلاة ثمَّ القضاء بالمائية- بل في الأولين أيضا- كان أولى.

______________________________

(1) المعتبر 1: 366.

(2) مدارك الأحكام 2: 185.

(3) البيان: 84.

(4) جامع المقاصد 1: 467.

(5) جامع المقاصد 1: 467.

(6) روض الجنان: 128.

(7) راجع ص 355.

(8) البيان: 84.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 367

الثالث: عدم الوصلة إلى الماء مع وجوده،

إمّا بالعجز عن الحركة المحتاج إليها في تحصيله لكبر أو مرض أو ضعف، و لم يجد معاونا و لو بأجرة مقدورة، أو بفقد الآلة التي يتوصّل بها إليه، كأن يكون في بئر، أو بكونه ملكا للغير و لم يبذله إلّا بثمن لا يقدر عليه، بالإجماع في الجميع، و صدق عدم الوجدان.

و لو أمكن له شدّ الثياب بعضها ببعض في الثاني و جعلها آلة- و لو ببلّها و عصرها- وجب، إلّا أن تكون ثياب بدنه و خاف ببلّها

الضرر.

و لو توقّف على شقّ الثوب الموجب لنقص القيمة، قالوا بوجوبه «1».

و فيه إشكال لو وصل حدّ الضرر عرفا، و قياسه على ثمن الماء مشكل.

و مثل الثمن الغير المقدور الثمن الذي يخاف ببذله تلف نفسه إجماعا، له، و لقوله تعالى وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ «2» و المروي في الدعائم- المنجبر ضعفه بما ذكر- في المسافر يجد الماء بثمن غال: «أن يشتريه [إذا كان واجدا لثمنه و لا يتيمّم، لأنه ] إذا كان واجدا لثمنه فقد وجده، إلّا أن يكون في دفعه الثمن ما يخاف على نفسه التلف إن عدمه و العطب فلا يشتريه و يتيمّم بالصعيد و يصلّي» [1].

و كذا الثمن الذي يوجب بذله عليه الحرج، أو المشقة باعتبار وقوعه في الفقر و المسكنة و ذلّ السؤال، أو الضيق في المعيشة، أو مكادحة الديّان و نحو ذلك، لأدلّة نفي العسر و الحرج، المعارضة مع ما يأتي ممّا يدلّ على وجوب الشراء و لو بأضعاف الثمن بالعموم من وجه، الموجب للرجوع إلى أصالة عدم وجوب الشراء، المستلزم لجواز التيمّم بالإجماع المركّب.

و أمّا ما لا يوجب بذله ما ذكر فيجب بذله و شراء الماء و لا يجوز التيمّم و لو

______________________________

[1] دعائم الإسلام 1: 121، مستدرك الوسائل 2: 549 أحكام التيمم ب 20 ح 1 بتفاوت يسير، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) كما في التذكرة 1: 60، و جامع المقاصد 1: 474، و الحدائق 4: 272.

(2) البقرة: 195.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 368

كان أضعاف ثمنه، إجماعا كما عن الخلاف «1»، بل و لو كان إجحافا كثيرا، وفاقا للسيد و ابن سعيد و الإرشاد و روض الجنان و الحدائق «2»، و اللوامع، بل الأكثر على

ما هو المحتمل من كلامهم من كون المراد من الضرر الحالي المشترط انتفاؤه عندهم ما ذكرنا، كما يومئ إليه إيجابهم الشراء بأضعاف الثمن، و استدلال بعضهم على اشتراطه بالنهي عن التهلكة و قتل الأنفس «3»، و صرّح بذلك والدي- قدس سره- في اللوامع.

لتوقّف الوضوء الواجب عليه، و لصدق الوجدان فلا يجوز التيمّم فلم يبق إلّا وجوب الشراء.

و للمروي في الدعائم المتقدم «4»، و صحيحة صفوان: عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة و هو لا يقدر على الماء، فوجد قدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو بألف درهم و هو واجد لها، يشتري و يتوضّأ أو يتيمّم؟ قال: «لا، بل يشتري، قد أصابني مثل هذا فاشتريت و توضّأت، و ما يشتري [1] بذلك مال كثير» «5».

و في تفسير العياشي مسندا إلى العبد الصالح: عن قول اللّه عزّ و جلّ: فلم تجدوا ماء، ما حدّ ذلك؟ فإن لم تجدوا بشراء أو بغير شراء، إن وجد قدر وضوئه بمائة ألف أو ألف و كم بلغ؟ قال: «ذلك على قدر جدته» «6».

______________________________

[1] في الفقيه: «ما يسوؤني».

______________________________

(1) الخلاف 1: 165.

(2) حكاه عن السيد في المعتبر 1: 369، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 45، الإرشاد 1: 233، روض الجنان: 118، الحدائق 4: 264.

(3) كما في كشف اللثام 1: 144.

(4) في ص 367.

(5) الكافي 3: 74 الطهارة ب 46 ح 17، الفقيه 1: 23- 71، التهذيب 1: 406- 1276، الوسائل 3: 389 أبواب التيمم ب 26 ح 1.

(6) تفسير العياشي 1: 244- 146، و عنه في الوسائل 3: 389 أبواب التيمم ب 26 ح 2 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 369

و في حاشية الإرشاد لفخر المحققين: أن مولانا الصادق

عليه السلام اشترى وضوءه بمائة دينار.

خلافا للمحكي عن الإسكافي، فنفى الوجوب مع غلاء الثمن مطلقا، بل قال: يتيمّم و يصلّي و يعيد إذا وجد الماء «1»، و هو محتمل نهاية الفاضل «2»، لأنّ بذل الزائد ضرر و عسر و حرج، و هي في الشريعة منفية، و لسقوط السعي في طلبه للخوف على شي ء من ماله، كما في الأخبار «3».

و يضعّف الأول: بأنّ الضرر و أخويه قد يثبت بالدليل، كما في جميع موارد بذل المال، و الأخبار المتقدمة أدلّة خاصة بالنسبة إلى أدلّتها، لأنّ بذل القدر المذكور فيها ضرر و عسر لا محالة، فيجب تخصيصها بها، مع أنّ في قوله عليه السلام: «و ما يشتري بذلك مال كثير» [1] إشارة إلى منع الضرر و العسر.

و الثاني: بأنه قياس باطل.

و لمحتمل المحكي عن الأكثر [2]، فنفوا الوجوب مع التضرّر ببذل الثمن بحسب حال المكلّف، كما هو أحد احتمالي كلامهم، أو في حال الشراء المقابل لزمان الاستقبال، كما هو الاحتمال الآخر، لأدلّة نفي العسر و الضرر.

و يضعّف: بأنّ المراد بالضرر إن كان ما ذكرناه فهو كذلك، و إن كان ما دون ذلك فلا، لأخصية أخبار الشراء عن أدلّة نفيهما كما ذكر، بل ينافي تصريحهم بوجوب الشراء و لو كان بأضعاف ثمنه، و استدلالهم بحديث مائة درهم و ألف و مائة ألف و مائة دينار، حيث إنّ كلّ ذلك ضرر و لو كان المكلّف ذا سعة و ثروة

______________________________

[1] صحيحة صفوان المتقدمة في ص 368.

[2] منهم ابن إدريس في السرائر 1: 141، و العلامة في التحرير 1: 21، و الشهيد في الدروس 1:

131.

______________________________

(1) حكاه عنه في الرياض 1: 74.

(2) نهاية الإحكام 1: 194.

(3) انظر الوسائل 3: 342 أبواب التيمم ب

2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 370

كثيرة، و لذا يستدلّون على ثبوت خيار الغبن بتفاوت ما هو أقلّ من ذلك بأخبار نفي الضرر، و كذا في موارد كثيرة أخرى، و الإجحاف الذي وقع في كلام بعضهم لا قدر معيّن له و لا دليل على نفيه في المقام، إلّا أن يراد به ما ذكرناه.

و قد يستدلّ له: بعدم تبادر صورة الإجحاف من الأخبار، و بجواز التيمّم مع الخوف على قليل من المال في السعي إلى الماء، و النهي عن تضييع المال، و جواز المدافعة عنه.

و يضعّف الأول: بمنع عدم التبادر جدّا، بل ما صرّح به فيها هو عين الإجحاف إن أريد به ما هو ظاهره.

و البواقي: بكونه قياسا مع الفارق و هو النص، و الإجماع في بعض الموارد، و مفهوم الآية في المقام، و عموم نفي الضرر الخالي عمّا يصلح للتخصيص في البواقي.

لا ما قيل من أنّ الحاصل بالبواقي عوض المال على غاصبه و هو منقطع، و بالمقام الثواب و هو دائم «1»، لتحقّق الثواب فيها أيضا مع البذل اختيارا طلبا للعبادة، بل قد يجتمع فيها العوض و الثواب معا.

فرع: لو وهب الماء أو أعيرت الآلة وجب القبول، على ما هو ظاهر الأصحاب، لصدق الوجدان. و كذا لو وهب ثمنهما أو وهبت الآلة، وفاقا للشيخ و المدارك- قدّس سرّهما- و المنتهى «2»، و اللوامع، لما ذكر.

و خلافا للمعتبر «3»، بل للمحكي عن الأكثر، لاستلزامه المنّة و لا يجب تحمّلها.

و فيه: أنّه ربما يخلو عن المنّة، و على فرضها ليس في تحمّلها الحرمة، بل و لا الضرر و المشقّة، فيجب من باب المقدمة.

______________________________

(1) كما في نهاية الإحكام 1: 194، و التنقيح الرائع 1: 132.

(2) الشيخ في

المبسوط 1: 31، المدارك 2: 190، المنتهى 1: 133.

(3) المعتبر 1: 371.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 371

و لو علم مع قوم ماء فإن علم إباءهم من البذل، لم يجب طلبه منهم، لعدم الفائدة، و إلّا وجب، لأنّه نوع تحصيل لشرط الواجب فيجب.

الرابع: احتياج تحصيل الماء إلى مشقّة شديدة يصدق معها العسر أو الحرج

لمرض أو بعد مسافة أو نحو ذلك، لأدلّة انتفائها المعارضة لدليل وجوب التحصيل بالعموم من وجه، الموجب للرجوع إلى أصالة عدم وجوب تحمّلهما، المستلزم لعدم وجوب الوضوء، المستلزم لتسويغ التيمّم، بالإجماع.

الخامس: الخوف من تحصيل الماء على النفس،

بالإجماع المحقّق و المصرّح به في كلام جماعة [1]، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى عمومات نفي العسر، فإنه لا شك في أنّه في التحصيل مع ذلك الخوف عسرا شديدا، و رواية الرقي، المتقدّمة «1».

و رواية يعقوب بن سالم: عن الرجل لا يكون معه ماء، و الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين أو نحوهما، قال: «لا آمره أن يغرّر بنفسه فيعرض له لصّ أو سبع» «2».

و المروي في الدعائم: و قالوا صلوات اللّه عليهم في المسافر: «إذا لم يجد الماء إلّا بموضع يخاف فيه على نفسه- إن مضى في طلبه- من لصوص أو سباع، أو ما يخاف منه التلف و الهلاك يتيمم و يصلّي» «3».

و الاستدلال له بأخبار الركية و البئر «4» غير جيّد، لأنّ عدم إيجاب دخول البئر يمكن أن يكون للخوف و للمشقة، فلا يمكن الاستدلال به لشي ء منهما.

______________________________

[1] منهم المحقق في المعتبر 1: 366، و العلامة في المنتهى 1: 134، و صاحب المدارك 2: 190.

______________________________

(1) في ص 351.

(2) الكافي 3: 65 الطهارة ب 41 ح 8، التهذيب 1: 184- 528، الوسائل 3: 342 أبواب التيمم ب 2 ح 2.

(3) دعائم الإسلام 1: 121، مستدرك الوسائل 2: 525 أحكام التيمم ب 1 ح 1.

(4) انظر الوسائل 3: 343 أبواب التيمم ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 372

بل و كذا لو خاف غيره على نفسه بذهاب من معه إلى تحصيل الماء، لظاهر الإجماع، و لزوم العسر على ذلك الغير لولاه، بل

الظاهر الإجماع على سقوط الوجوب لو خاف الذاهب على الغير و إن لم يخف ذلك الغير لصغر أو جنون أو نوم.

و لا فرق بين أن يكون الخوف على الهلاكة أو الجراحة أو الضرب الشديد الذي يشق تحمّله عادة، لإطلاق تعرّض اللصّ و الخوف منه، و صدق العسر.

و كذا لو كان الخوف على المال الكثير أو القليل الصادق على تلفه الضرر عرفا إذا كان خوفه لأجل القطع- و لو عادة- بالتلف، لأدلّة نفي الضرر.

و لو كان خوفه لمجرّد احتمال التلف أو مظنته ففيه إشكال، لعدم جريان أدلّة نفي الضرر، إلّا أن يكون المال كثيرا بحيث يكون في تعريضه في مظنة التلف عسر حتى تجري فيه أدلّة نفيه، فيسقط وجوب التحصيل أيضا.

و ظاهر المشهور: السقوط مع الخوف مطلقا على المال كذلك.

و الاستدلال بروايتي الرقّي و ابن سالم «1» ضعيف، لصراحتهما في الخوف على النفس، و لذلك- مع وجوب تقديم أدلّة وجوب الطهارة على ما يعارضها من أدلّة نفي الضرر و الحرج- ذهب بعض مشايخنا الأخباريين إلى عدم السقوط بالخوف على المال مطلقا «2».

و ما ذكره من وجوب التقديم لا وجه له.

و مثل الخوف على النفس الخوف على البضع و العرض، لكون تعريضهما في مظنة الضياع حرجا و أيّ حرج.

و كذا الخوف الحاصل بسبب مجرد الجبن إذا كان شديدا يعدّ تحمّله عسرا، وفاقا للمعتبر و نهاية الإحكام و التذكرة «3»، بل في اللوامع: عليه ظاهر الوفاق،

______________________________

(1) المتقدمتين في ص 351 و 371.

(2) الحدائق 4: 275.

(3) المعتبر 1: 366، نهاية الإحكام 1: 188، التذكرة 1: 59.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 373

و خلافا للتحرير و البيان «1»، و توقّف في المنتهى «2».

بل و كذا مع جبن الغير، فيسقط

ذهاب رفيقه إلى تحصيل الماء، لما مرّ، بل ممّا ذكر يظهر السقوط مع الخوف على مال الغير إذا كان قاطعا بالتلف، و أمّا بدونه فلا دليل على السقوط إلّا إذا كان تعريضه في مظنّة التلف موجبا لعسر.

السادس: الخوف من استعمال الماء على النفس أو البدن،
اشارة

لوجود مرض يخاف شدّته، أو ازدياده، أو بطء برئه، أو عسر علاجه، أو قرح أو جرح كذلك، أو لخوف حدوث مرض، فإنّ كلّ ذلك مسوّغ للتيمّم، بالإجماع.

مضافا في المريض بأقسامه: إلى إطلاق الآية الدالّة على مشروعية التيمّم لكلّ مريض، خرج من لا يخاف شيئا ممّا ذكرنا بالإجماع، فيبقى الباقي.

و مرسلة ابن أبي عمير: «يتيمّم المجدور و الكسير بالتراب إذا أصابته الجنابة» «3» و قريبة منها مرسلته الأخرى «4»، و مرسلة الفقيه «5».

و فيه و في المقروح و المجروح: إلى المروي في الدعائم: «و من كانت به قروح أو علّة يخاف منها على نفسه يتيمّم» «6».

و فيهما و في خائف الحدوث: إلى استلزام التكليف باستعمال الماء الضرر فيما علم تحقّق هذه الأمور عادة، و العسر و الحرج إذا ظنّ ذلك.

و في الثاني خاصة: إلى صحيحة محمد: عن الرجل يكون به القرح و الجراحة يجنب، قال: «لا بأس بأن لا يغتسل، يتيمّم» «7».

______________________________

(1) التحرير 1: 21، البيان: 85.

(2) المنتهى 1: 134.

(3) الكافي 3: 68 الطهارة ب 45 ح 2، الوسائل 3: 347 أبواب التيمم ب 5 ح 4.

(4) التهذيب 1: 185- 533، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 45 ح 10.

(5) الفقيه 1: 59- 217، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 5 ح 12.

(6) دعائم الإسلام 1: 121. مستدرك الوسائل 2: 527 أحكام التيمم ب 4 ح 2.

(7) الكافي 3: 68 الطهارة ب 45 ح 1، التهذيب 1: 184- 530،

الوسائل 3: 347 أبواب التيمم ب 5 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 374

و موثّقته: في الرجل تكون به القروح في جسده فتصيبه الجنابة، قال:

«يتيمّم» «1».

و صحيحتي ابن سرحان و البزنطي: في الرجل تصيبه الجنابة و به قروح أو جروح أو يخاف على نفسه البرد، فقال: «لا يغتسل و يتيمّم» «2».

و في الأخير كذلك: إلى فحوى السقوط مع خوف الشدّة، و صحيحة ابن سنان: عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة و يخاف على نفسه التلف إن اغتسل، قال: «يتيمّم و يصلّي، فإذا أمن البرد اغتسل و أعاد الصلاة» «3» و قريبة منها مرسلة جعفر «4».

كلّ ذلك إذا لم يجنب متعمّدا، و أمّا معه فيجب عليه الغسل- على الأظهر- و إن أصابه ما أصابه، ما لم يخف التلف على نفسه. وفاقا للإسكافي «5»، و ظاهر الفقيه و صريح الهداية «6»، و المفيد «7»، و الشيخ في بعض كتبه «8»، و المحقّق في النافع «9»، و الحرّ العاملي من المتأخّرين «10».

لصحيحة محمد: عن رجل تصيبه الجنابة في أرض باردة و لا يجد الماء و عسى

______________________________

(1) التهذيب 1: 185- 532، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 5 ح 9.

(2) صحيحة ابن سرحان: التهذيب 1: 185- 531، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 5 ح 8، صحيحة البزنطي: التهذيب 1: 196- 566، الوسائل 3: 347 أبواب التيمم ب 5 ح 7.

(3) الفقيه 1: 60- 224، التهذيب 1: 196- 568، الاستبصار 1: 161- 560، الوسائل 3:

372 أبواب التيمم ب 16 ح 1.

(4) الكافي 3: 67 الطهارة ب 43 ح 3، التهذيب 1: 196- 567، الاستبصار 1: 161- 559، الوسائل 3: 367 أبواب التيمم ب 14 ح 6.

(5)

حكاه عنه في المختلف: 52.

(6) الفقيه 1: 60، الهداية: 19.

(7) المقنعة: 60.

(8) النهاية: 46، المبسوط 1: 30، الخلاف 1: 156.

(9) المختصر النافع: 17.

(10) الوسائل 3: 373 أبواب التيمم ب 17 (عنوان الباب).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 375

أن يكون الماء جامدا، فقال: «يغتسل على ما كان» حدّثه رجل أنّه فعل ذلك فمرض شهرا من البرد، فقال: «اغتسل على ما كان فإنه لا بدّ من الغسل» «1».

و صحيحة سليمان: عن رجل كان في أرض باردة فتخوّف إن هو اغتسل أن يصيبه عنت من الغسل، كيف يصنع؟ قال: «يغتسل و إن أصابه ما أصابه» قال:

«و ذكر أنه كان وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة و هو في مكان بارد و كانت ليلة شديدة الريح، فدعوت الغلمة فقلت لهم: احملوني فاغسلوني، فقالوا: إنّا نخاف عليك، فقلت: ليس بدّ، فحملوني و وضعوني على خشبات ثمَّ صبّوا عليّ الماء فغسلوني» «2».

تعارضتا مع الأخبار المتقدّمة حيث إنّها أوجبت التيمّم على من ذكر مطلقا، و هما أوجبتا الغسل عليه، فخصّت المتقدّمة بغير المتعمّد، و هما بالمتعمّد، بشهادة المرفوعتين:

إحداهما: عن مجدور أصابته جنابة، قال: «إن أجنب نفسه فليغتسل، و إن كان احتلم فليتيمّم» «3».

و الأخرى: «إن أجنب نفسه فعليه أن يغتسل على ما كان منه، و إن كان احتلم فليتيمّم» [1].

مع أنّ بملاحظة الإجماع المحقّق على سقوط الغسل عن غير المتعمّد، و اختصاص الصحيحين بالمتعمّد قطعا، يصيران أخصّ مطلقا من أخبار التيمّم،

______________________________

[] الكافي 3: 67 الطهارة ب 43 ح 2 و فيه: على ما كان عليه، التهذيب 1: 197- 573، الاستبصار 1: 162- 561، الوسائل 3: 373 أبواب التيمم ب 17 ح 2.

______________________________

(1) التهذيب 1: 198- 576، الاستبصار 1: 163- 564، الوسائل 3:

374 أبواب التيمم ب 17 ح 4.

(2) التهذيب 1: 198- 575، الاستبصار 1: 162- 563، الوسائل 3: 373 أبواب التيمم ب 17 ح 3.

(3) الكافي 3: 68 الطهارة ب 45 ح 3، الفقيه 1: 59- 291، التهذيب 1: 198- 574، الاستبصار 1: 162- 562، الوسائل 3: 373 أبواب التيمم ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 376

فيجب تخصيصها بهما، كما يجب تخصيصهما و تخصيص المرفوعتين بغير من خاف تلف نفسه بصحيحة ابن سنان و مرسلة جعفر، المتقدّمتين «1»، حيث تتعارضان معها بالعموم من وجه و ترجّحان عليها بموافقة الكتاب الموجب للتيمّم على المريض و النافي للعسر و الحرج و الناهي عن التعرّض للتهلكة، كما هو ظاهر الشيخ و صريح النافع «2».

خلافا للهداية و المفيد «3»، فلم يخصّصاها، و أوجبا الغسل و إن كان فيه تلف نفسه. و لا وجه له.

كما لم يخصّص الأكثر متعمّد الجنابة عن أخبار التيمّم مطلقا، و أوجبوا عليه التيمّم أيضا، اتّكالا على عدم صلاحية الصحيحتين و المرفوعتين لمعارضتها، لمخالفتها لما دلّ على عدم تحريم تعمّد الجنابة حينئذ من الإجماع و النصوص و خصوص فعل المعصوم كما في الصحيحين، فلا يترتّب على فاعلها عقوبة و انتقام. و مناقضتها للأصول القطعية الكتابية و السنية المثبتة لليسر و السهولة، النافية للحرج و الضرر، الكاشفة عن تقديم اعتناء الشارع بالأبدان على اعتنائه بالأديان، الموجبة لطرح الصحيحين و أخويهما، لتواتر الأخبار بأنّ كلّ خبر مخالف للكتاب و السنّة مردود. و مضادّتها لحكم العقل بوجوب دفع الضرر المظنون.

مع ما في الصحيحين من عدم التفرقة فيهما بين المتعمّد و غيره بل ظهورهما في غير المتعمّد، و في ثانيتهما من أعمّية العنت عن المشقّة اليسيرة أيضا،

و في المرفوعتين من عدم ظهورهما في حصول الضرر بالغسل و ضعف سنديهما، و في الأربعة من مخالفة الشهرة الموجبة للشذوذ المخرج عن الحجية.

مضافا إلى معارضتها بالتساوي مع صحيحة محمد: عن الرجل أجنب في

______________________________

(1) في ص 374.

(2) الشيخ في النهاية: 46، المختصر النافع: 17.

(3) الهداية: 19، المفيد في المقنعة: 60.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 377

السفر و لم يجد إلّا الثلج أو ماء جامدا، فقال: «هو بمنزلة الضرر، يتيمّم» «1» الحديث، حديث إنّها ظاهرة في المتعمّد.

و كذا رواية السكوني في حكاية أبي ذر أنه أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه هلكت، جامعت على غير ماء، قال: فأمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بمحمل فاستترت به [و بماء] فاغتسلت أنا و هي، ثمَّ قال: «يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين» [1] فإنها صريحة في المتعمد.

و يجاب: بأنّ عدم تحريم تعمّد الجنابة- لو سلّم- لا يخالفها، إذ لا ملازمة بين وجوب الغسل و إن خيف الضرر و بين تحريم التعمد، و لا يلزم أن يكون ذلك عقوبة، بل يجوز أن يكون من جهة إقدام المكلّف نفسه على ذلك الضرر، و قد ثبت في الشريعة من الضرر بواسطة إقدام المكلّف ما لا يثبت إذا لم يتعمّد عليه، و لذا لا يحكم بخيار الغبن مع علم المغبون.

و أمّا الأصول المذكورة فلا شك أنها بعنوان العموم و الأصل، فتخصّص مع الدليل الخاص، و لذا يثبتون التكاليف الشاقّة و المضارّ الكثيرة من الضمانات و الجنايات و غيرها بالأدلّة المخصوصة، و يقدّمون الأديان على الأبدان في مجاهدة الكفّار و مقارعة السيف و السنان و مبارزة الشجعان، و ما نحن فيه من ذلك القبيل، إذ

ما ذكر أدلّة خاصة بالنسبة إلى الأصول المذكورة.

و منه يظهر الجواب عن ردّ الخبر المخالف للكتاب و السنّة، فإنه إنما هو إذا لم يكن بالعموم و الخصوص المطلقين (و لذا أجمعوا على تخصيص عام الكتاب بخاص الأخبار، و كذا تقديم الموافق للكتاب و السنّة عند التعارض إنما هو إذا لم

______________________________

[1] الفقيه 1: 59- 221، التهذيب 1: 194- 561، الوسائل 3: 369 أبواب التيمم ب 14 ح 12 و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) الكافي 3: 67 الطهارة ب 43 ح 1، التهذيب 1: 191- 553، الاستبصار 1: 158- 544، الوسائل 3: 355 أبواب التيمم ب 9 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 378

يكن بالعموم و الخصوص المطلقين) [1] و إلّا فالخاص مقدّم كما فيما نحن فيه، مع أنّ تلك الأخبار الأربعة أيضا لها موافقة مع آية الغسل في غير المرضى.

و أمّا حكم العقل بوجوب دفع الضرر المظنون على القطع- فمع كونه في حيّز المنع جدّا- إنما هو إذا لم يكن على عدم الوجوب دليل.

و القول بأنه أمر عقلي لا يقبل التخصيص، واه جدّا، لأنّه مخالف لما ثبت من الشرع قطعا من الأمور المضرّة، كالجهاد و الحجّ و الزكاة و الخمس، فإذا لم يجب دفع الضرر المقطوع بل وجب تحمّله فكيف بالمظنون!؟

و القول بأنّ بعد أمر الشارع و القطع بأنّ بإزائها أجرا عظيما لا يكون ضررا، يجري في المقام أيضا.

و أمّا عدم التفرقة في الصحيحين بين المتعمّد و غيره ظاهرا فغير ضائر، لأنّ الإجماع و المرفوعتين قرائن على التخصيص، و خروج بعض أفراد المطلق لا يوجب عدم حجيته في الباقي.

و كذا أعمية العنت، لأنّ بعد شموله للمشقة الشديدة يكون حجة فيها أيضا، سيما مع

التأكّد بقوله: «و إن أصابه ما أصابه» و سيما مع ذكر غسله عليه السلام مع شدة الوجع بحيث حملوه و غسلوه، و سيما مع ما في الصحيح الأول من حكاية حدوث المرض شهرا.

و أمّا دعوى ظهورهما في غير المتعمّد فلا أعرف له وجها سيما الصحيح الثاني، بل استشهاده بفعله على السلام قرينة على التعمّد، لما قد ثبت من عدم احتلامهم عليهم السلام.

و أمّا توهّم عدم صراحة المرفوعتين في التضرر بالغسل فهو من الغرائب، إذ أمره عليه السلام بالتيمّم مع الاحتلام قرينة على التضرّر.

و أمّا الردّ بضعف السند فهو عندي غير معتمد، و بمخالفة الشهرة فهو غير

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ه».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 379

سديد، لأنّ الشهرة الموجبة لشذوذ مخالفها هي الشهرة القوية من القدماء، و مع موافقة مثل الصدوق و الشيخين و الإسكافي «1»- الذين هم من أعيان القدماء و أركانهم- كيف ينسب الخبر إلى الشذوذ و يخرج عن الحجية؟! سيما مع موافقة مثل المحقّق و بعض آخر من المتأخّرين «2».

و أمّا الروايتان الأخيرتان فصراحة أولاهما بل ظهورها في المتعمد ممنوعة، و الثانية صريحة في أنّ سبب التيمّم عدم الماء، فلا تعارض معها، مع أنه لو سلّم اختصاص الاولى بالمتعمّد فهي عامة من جهة شمولها للخوف من الضرر و لعدم إمكان الغسل بسبب عدم القدرة على إذابة الثلج و الجمد، و ما مرّ مخصوص بالخوف، لوجود الماء، بقرينة الأمر بالاغتسال للمتعمّد، فيقدّم.

ثمَّ الظاهر اختصاص وجوب المائية مع التعمّد بغسل الجنابة، كما هو مورد الأخبار، فلا يتعدّى إلى غيره، كغسل المسّ، و الوضوء لمن أحدث عمدا.

و هل التعمّد الموجب للاغتسال مع خوف الضرر هو ما كان حال المرض أو الخوف؟ أو

يشمل ما إذا تعمّد الجنابة صحيحا غير خائف ثمَّ حدث قبل الغسل ما يوجب الخوف؟ فيه وجهان.

فروع:

أ: المدار في المرض المسوّغ للتيمّم- حدوثا أو زيادة- هو ما يعدّ ضررا و كان تحمّله عسرا عادة، لأنّ انتفاءهما شرعا هو سبب التسويغ، فيقتصر على مورد خوفهما.

و أمّا إطلاق الآية و الأخبار في المريض و إن اقتضى الاكتفاء بغير ما أخرجه الإجماع و إن كان يسيرا، إلّا أنّ المروي عن الصادقين في المجمع أنه المرض الذي يضرّ معه استعمال الماء، و الذي يوجب العجز عن السعي إليه «3»- المنجبر ضعفه

______________________________

(1) راجع ص 374.

(2) راجع ص 374.

(3) مجمع البيان 2: 52.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 380

بالشهرة بل بعمل كلّ الأصحاب كما في البحار «1»- أوجب التقييد بالمضر، فلا يتعدّى إلى غيره.

ثمَّ إنّ مراتب الضرر متفاوتة، فهل المسوّغ هو الضرر مطلقا و إن كان يسيرا، كالصداع و وجع الضرس، كما عن الشهيد و الكركي «2»، بل الإرشاد و نهاية الفاضل حيث علّقا الجواز على مطلق المرض «3»، و استصوبه بعض مشايخنا المحقّقين [1]؟ أو الشديد، كما اختاره الفاضلان «4»؟

التحقيق: أنّ المدار على ما يشقّ تحمّله عادة و لم يعدّ سهلا يسيرا عرفا، لأنّ الحكم في الأدلّة لا يخلو عن كونه معلّقا على الضرر أو المرض أو العسر أو الحرج، و الظاهر اتّحاد موارد الأربعة في المقام و ورود الجميع على ما يعدّ تحمّله شاقّا في العادة، فإنّ ما لم يكن كذلك لا يصدق عليه شي ء من العنوانات، و ما كان كذلك يصدق عليه أحدها أو جميعها، و من هذا يتّجه كون النزاع لفظيا.

و لا يشترط أن يكون الأمر الحادث ما يسمّى مرضا عرفا و المتّصف به مريضا،

بل يكفي كونه أذى يعسر تحمّل مثله عادة.

ب: الخوف من المرض المسوّغ للتيمّم أعم من أن يكون بعنوان اليقين، أو الظن الحاصل من التجربة، أو إخبار ذي تجربة عادل أو غير عادل، مسلم أو كافر، امرأة أو صبي، واحد أو متعدّد. لعموم الآية و أخبار القروح و الجروح «5»، و لم يعلم سوى خروج صورة عدم حصول ظن أصلا. و اختصاصها بالمريض بالفعل غير ضائر، لعدم الفاصل. مع أنّ ارتكاب أمر يظنّ معه حدوث ما لا

______________________________

[1] الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

______________________________

(1) البحار 78: 131.

(2) الشهيد في الذكرى: 22، الكركي في جامع المقاصد 1: 472.

(3) الإرشاد 1: 233، نهاية الاحكام 1: 195.

(4) المحقق في الشرائع 1: 38، العلامة في التحرير 1: 21.

(5) انظر الوسائل 3: 346 أبواب التيمم ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 381

يتحمّل عسر و حرج، فلا تكليف به. و لو وقع التعارض بين أخبار ذوي التجارب فالمرجع الظن.

ج: خوف الشين [1] حدوثا و زيادة مسوّغ للتيمّم إن بلغ حدّا يتأذّى به و يشقّ تحمّله عادة، بالإجماع المحقّق و المحكي من الفاضلين «1» و غيرهما «2»، لنفي الضرر و العسر، بل- في بعض صوره- لإطلاق أخبار القروح و الجروح المنضم مع عدم الفصل بين خوف الحدوث و الزيادة، إلّا أن يجنب عمدا، فيغتسل، لما مرّ.

و في التعدّي إلى مطلق الشين و إن لم يتفاحش بحيث يتأذّى به و يعسر تحمّله قولان:

أولهما صريح نهاية الإحكام و الروض «3»، بل هو ظاهر إطلاق الأكثر، و لا دليل عليه يعتمد.

و الثاني للمنتهى «4»، و اللوامع، و غيرهما «5». و هو المعتمد، لأنّ المناط حصول الضرر أو العسر، و هما غير متحقّقين في مطلقه، و

الظاهر تحقّقهما فيما إذا بلغ حدّ تشقّق الجلد أو خروج الدم، بل في الأدون منهما أيضا.

د: لو اندفع الضرر بتسخين الماء، أو بتحصيل ماء الحمام، أو بالغسل في الحمام- و لو بأجرة مقدورة- وجب، و كذا شراء النار و الحطب. و الحكم في الثمن و الأجرة كما مرّ في الماء و آلته «6».

السابع: المشقة الشديدة

الحاصلة من التألّم الذي لا يسهل تحمّله عادة في استعمال الماء و إن لم يخش الضرر و سوء العاقبة، كالتألّم بالبرد الشديد، أو الوجع،

______________________________

[1] الشين: ما يحدث في ظاهر الجلد من الخشونة يحصل به تشويه الخلقة. مجمع البحرين 6: 273.

______________________________

(1) المحقق في المعتبر 1: 365، العلامة في المنتهى 1: 136.

(2) كصاحب الحدائق 4: 286، و المحقق السبزواري في الكفاية: 8.

(3) نهاية الإحكام 1: 195، روض الجنان: 117.

(4) المنتهى 1: 136.

(5) كجامع المقاصد 1: 473، و الكفاية: 8.

(6) راجع ص 367.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 382

أو الحرقة في خراجه [1] و إن لم يزد المرض، أو الحرّ الشديد، كما يتّفق في بعض الحمامات إذا لم يمكن غيره.

و هي مسوّغة للتيمّم، وفاقا لنهاية الشيخ و المبسوط و الإصباح و ظاهر الكافي و الغنية و المراسم و الجامع و النافع و المنتهى و نهاية الإحكام و البيان «1»، و اختاره بعض مشايخنا المحقّقين [2]، لعموم أدلّة نفي العسر و الحرج، بل صحيحتي ابن سرحان و البزنطي «2»، فإنّ الظاهر من قوله: «أو يخاف على نفسه البرد» أنه يخاف من التأثّر بالبرد، لا أن يتلف، و إلّا لقال: من البرد.

إلّا أن يتعمّد الجنابة فيغتسل لما مرّ، كما صرّح به في الأول من الكتب المذكورة «3».

و خلافا للقواعد و الأردبيلي، فقالا: يغتسل مطلقا «4»، للصحيحيتين

المتقدّمتين لمحمد و سليمان «5».

و يجاب عنهما: بمعارضتهما مع الصحيحتين المذكورتين، و بقاء نافيات العسر بلا معارض، مع أنّ بعد تخصيص صحيحتي التيمّم بغير المتعمّد- كما مرّ- تصيران أخصّين مطلقا من صحيحتي الغسل، فتخصّص الأخيرتان بالأوليين. بل المرفوعة الثانية «6»، لأجل اختصاص موضوعها بذي عذر غير فقد الماء- للأمر

______________________________

[1] الخراج: ما يخرج في البدن من القروح. الصحاح 1: 309.

[2] الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

______________________________

(1) النهاية: 45، المبسوط 1: 30، الكافي في الفقه: 136، الغنية (الجوامع الفقهية): 555، المراسم: 53، الجامع للشرائع: 45، المختصر النافع: 16، المنتهى 1: 135، نهاية الإحكام 1: 195، البيان: 84.

(2) المتقدمتين في ص 374.

(3) النهاية: 46.

(4) القواعد 1: 22، الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 215.

(5) راجع ص 374، 375.

(6) المتقدمة في ص 375.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 383

بالغسل للمتعمّد فيها- و هو الخائف أو المتألّم، تكون أخصّ مطلقا منهما أيضا، فتخصيصهما بها لازم.

الثامن: خوف العطش- لو استعمل الماء- على نفسه،

بالإجماع المحقّق و المحكي مستفيضا «1».

للمستفيضة المعتبرة، كصحيحة محمد: الجنب يكون معه الماء القليل، فإن هو اغتسل خاف العطش، أ يغتسل به أو يتيمّم؟ قال: «بل يتيمّم، و كذلك إذا أراد الوضوء» «2».

و صحيحة ابن سنان: في رجل أصابته جنابة في السفر، و ليس معه إلّا ماء قليل، و يخاف إن هو اغتسل أن يعطش، قال «إن خاف عطشا فلا يهرق منه قطرة و ليتمّم بالصعيد» «3».

و موثّقة سماعة: عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلته، قال:

«يتيمّم بالصعيد و يستبقي الماء» «4» و غير ذلك.

و لا فرق في العطش بين الحال و المتوقّع في زمان يخاف عدم حصول الماء، لإطلاقها، و عموم نافيات العسر، و إلقاء النفس في التهلكة.

و لا بين العطش المؤدّي

إلى الهلاكة أو المشقة أو الضعف أو المرض حدوثا أو زيادة، لما مرّ. بل مقتضى الإطلاقات كون العطش اليسير أيضا كذلك، و لكن الظاهر الإجماع على خروجه.

و لا بين خوف عطش نفسه أو من يعسر عليه هلاكه أو مرضه أو مشقته من الأقارب و الأصدقاء و المماليك، لما مرّ، سيما قوله: «فيخاف قلّته» و «خاف العطش»

______________________________

(1) كما في المنتهى 1: 134، و الحدائق 4: 289.

(2) التهذيب 1: 406- 1275، الوسائل 3: 388 أبواب التيمم ب 25 ح 2.

(3) الكافي 3: 65 الطهارة ب 43 ح 1، التهذيب 1: 404- 1267، الوسائل 3: 388 أبواب التيمم ب 25 ح 1.

(4) التهذيب 1: 405- 1274، الوسائل 3: 388 أبواب التيمم ب 25 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 384

و «خاف عطشا».

بل منه يظهر التعدّي إلى خوف عطش كلّ مسلم، مضافا إلى الإجماع و بعض مؤيّدات أخر، مع فحوى تسويغ خوف العطش على نفسه، بل التعدّي إلى خوف العطش على دابته و حمولته مما يتضرّر بتلفه، أو يحتاج إليه في سفره.

و إخراج ما لا يحتاج إليه في سفره و إن تضرّر به جريان على الشراء قياس باطل.

و لو خاف عطش دابة لم يحتج إليه و لم يتضرّر بعطشه، بأن أمكن انتفاعه بذبحه من غير تضرّر، ففيه تردّد: من جهة اندفاع الضرر و العسر به، و من صدق خوف العطش، إلّا أن يمنع تحقّق الخوف في مثله، فيرجّح الأول، و هو الأظهر.

و منه يظهر عدم التعدّي إلى الحربي و المرتدّ عن فطرة، و الحيوانات الغير المحترمة. و أمّا الذمّي ففيه نظر، و التعدّي أظهر، سيما إذا احتاج إلى رفاقته.

ثمَّ إنّ الخوف على العطش إنّما يكون مع تيقّن

عدم حصول ماء آخر أو ظنّه، بل الظاهر تحقّقه مع تساوي احتمال الحصول و عدمه. و أمّا إذا ظنّ الحصول فالظاهر عدم تحقّق الخوف و لا الحجر المسوّغين للتيمّم.

و التسويغ لأصالة عدم الحصول- كما قيل «1»- فاسد جدّا، لأن ذلك الأصل لا يدفع الظنّ المناقض للخوف الموجب للتسويغ. و كذا الحكم في احتمال حدوث العطش زمانا آخر.

______________________________

(1) انظر التذكرة 1: 60.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 385

الفصل الثاني: فيما يجوز به التيمّم، أي ما يتمّم به
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى:

يجوز التيمّم بالتراب، إجماعا، بل ضرورة. و تدلّ عليه الآية، لأنّ الصعيد إمّا التراب أو الأرض الصادقة عليه، و الأخبار المتواترة.

و لا فرق فيه بين ألوانه من الأسود و الأصفر و الأبيض و الأحمر، كالأرمني، بإجماع العلماء، كما في التذكرة «1»، لصدق الاسم.

و لا يشترط فيه أن يكون متفرق الأجزاء غير مستمسك بعضها ببعض، بل يصح بما كان مستمسكا أيضا، كالأرض الترابية الصلبة، لصدق التراب و عدم صحة سلبه عنها.

و أمّا المدر و اللبنة فلا يصدق عليهما التراب و إن جاز التيمّم بهما من جهة أخرى، كما يأتي.

الثانية:

الأكثر- على ما قيل- على جواز التيمّم بكلّ ما يصدق عليه اسم الأرض و إن لم يكن ترابا، و نسبه في التذكرة إلى أكثر علمائنا «2»، و في المنتهى إلى الأصحاب «3»، للأمر في الآية و الأخبار المتكثّرة جدّا بالتيمّم بالصعيد الذي هو وجه الأرض، كما في كلام جماعة من أهل اللغة، كصاحب العين و المحيط و الأساس و الخلاص و ثعلب و ابن الأعرابي و الراغب و الشامي و الزجاج مدّعيا عدم الخلاف في ذلك بين أهل اللغة «4»، و يظهر من الأخبار، كالمرويين في فقه الرضا

______________________________

(1) التذكرة 1: 62.

(2) التذكرة 1: 62.

(3) المنتهى 1: 141.

(4) العين 1: 290، أساس البلاغة: 254، مفردات الراغب: 280، حكاه عن الزجاج في مقاييس اللغة 3: 287.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 386

و معاني الأخبار المفسّر أحدهما له بالموضع المرتفع «1»، و الآخر بالمرتفع من الأرض «2».

و للتصريح بجواز التيمّم على الأرض في جملة من الأخبار، كصحيحة ابن سنان: «إذا لم يجد الرجل طهورا و كان جنبا فليمسح من الأرض» «3».

و صحيحة الحلبي: «إنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض

فليتيمّم» «4».

و في صحيحة محمد: «فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض» «5».

و في صحيحة ليث: «تضرب بكفيك على الأرض مرتين ثمَّ تنفضهما» «6».

و المستفيضة الواردة في التيمّم البياني و أنه ضرب بيده على الأرض «7»، و المصرّحة بكون الأرض مسجدا و طهورا «8».

و يضعّف الأول: بمنع كون الصعيد مطلق وجه الأرض، بل يجوز أن يكون هو التراب الخالص، كما صرّح به جماعة أخرى من اللغويين، كما في الصحاح و المجمل- لابن الفارس- و المفصل و المقاييس [1]، و شمس العلوم و الديوان و نظام الغريب و الزينة- لأبي حاتم- و الجمهرة، و عن ابن عباس

______________________________

[1] الصحاح 2: 498، مجمل اللغة 3: 226 و قال: الصعيد: التراب في كتاب الخليل، و الصعيد:

الأرض المستوية، مقاييس اللغة 3: 287.

______________________________

(1) معاني الأخبار: 283.

(2) فقه الرضا (ع): 90 المستدرك 2: 528 أبواب التيمم ب 5 ح 2.

(3) التهذيب 1: 193- 556، الاستبصار 1: 159- 549، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 7.

(4) الفقيه 1: 57- 213، المحاسن: 372- 133، الوسائل 3: 343 أبواب التيمم ب 3 ح 1.

(5) الكافي 3: 63 الطهارة ب 42 ح 1، التهذيب 1: 203- 588، الاستبصار 1: 165- 573، الوسائل 3: 384 أبواب التيمم ب 22 ح 1.

(6) التهذيب 1: 209- 608، الاستبصار 1: 171- 596، الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12 ح 2.

(7) الوسائل 3: 358 و 361 أبواب التيمم ب 11 و 12.

(8) الوسائل 3: 349 أبواب التيمم ب 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 387

و الأصمعي و أبي عبيدة، و ربما ظهر من القاموس و مجمع البحرين «1» و الكنز: الميل إليه، و الظاهر من السيد أنه المعروف

من اللغويين «2»، و فسّره النيشابوري به أيضا «3»، و كذا الشيخ في النهاية «4»، و نسبه بعض مشايخنا إلى كثير من فقهائنا بل أكثرهم «5».

و بهذه الأقوال تعارض أقوال المفسّرين له بالأرض، و يخرج الأخير عن الحجية، مع أنّ الأول هو الظاهر من الآية «6»، لظهور عود الضمير المجرور ب «من» إلى الصعيد، و لا ينافيه إرجاعه في الصحيح إلى التيمم «7»، لظهور أنّ المراد به ما يتيمّم به.

و يؤيّده: قوله في صحيحة زرارة: ثمَّ أهوى بيده إلى الأرض فوضعهما على الصعيد «8».

و بهما يعارض الخبران «9»، مضافا إلى ضعفهما، مع أنّ الثابت منهما ليس إلّا الاستعمال الأعم من الحقيقة، بل لا شك في كونه مجازا، لمخالفته لكلمات جميع أهل اللغة، و مع أنّ في المرتفع من الأرض و الموضع المرتفع عموما يوجب الإجمال في المراد المسقط للاستدلال.

و ترجيح جعله اسما للأرض بعد الترديد دفعا للاشتراك و المجاز- كما في

______________________________

(1) القاموس المحيط 1: 318 قال: الصعيد: التراب أو وجه الأرض، مجمع البحرين 3: 85.

(2) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 189، و حكاه عنه في شرح المفاتيح: (المخطوط).

(3) تفسير النيسابوري 5: 58 (المطبوع في حاشية تفسير الطبري).

(4) النهاية: 48.

(5) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

(6) فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ . المائدة: 6.

(7) صحيحة زرارة: انظر الوسائل 3: 364 أبواب التيمم ب 13 ح 1.

(8) الفقيه 1: 57- 212، الوسائل 3: 360 أبواب التيمم ب 11 ح 8.

(9) و هما المرويان في فقه الرضا (ع) و معاني الأخبار، و قد تقدما في ص 386.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 388

المعتبر «1»- مبني على ترجيح الاشتراك المعنوي، و هو مطلقا ممنوع، كما بيّنّاه في الأصول.

و الثاني: بوجوب

إرادة التراب من الأرض، للمروي في الخصال و العلل، بإسنادهما عن جابر، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «قال اللّه عز و جل:

جعلت لك و لأمتك الأرض كلّها مسجدا و ترابها طهورا» «2».

و في الناصريات و التذكرة و غيرهما من قوله صلّى اللّه عليه و آله: «جعلت لي الأرض مسجدا و ترابها طهورا» «3».

فإنهما دلّا على عدم كون الأرض طهورا، لا باعتبار مفهوم اللقب، كما توهّمه المحقّق فردّه بذلك «4»، بل باعتبار اقتضاء التفصيل لقطع الشركة.

و لا يعارضه ما ورد بذلك المضمون من غير ذكر: «و ترابها» «5»، لأنّ غايته الإطلاق الواجب تقييده بعد وجود المقيد.

و لا يضرّ ضعف إسنادهما، مع أنّ بعض متأخّري المحدّثين وصف الحديث بالمشهور «6»، فضعفه به مجبور، مضافا إلى أن عدم عمل السيد بخبر الآحاد معروف، فاحتجاجه به دليل على قطعيته عنده «7».

و لصحيحتي رفاعة و ابن المغيرة:

______________________________

(1) المعتبر 1: 373.

(2) الخصال: 425، و علل الشرائع: 127- 3، و عنهما في مستدرك الوسائل 2: 529 أحكام التيمم ب 5 ح 3.

(3) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 189، و التذكرة 1: 62، و نقله أيضا في غوالي اللئالي 2:

208- 130، و عنه في مستدرك الوسائل 2: 530 أحكام التيمم ب 5 ح 8.

(4) المعتبر 1: 373.

(5) انظر الوسائل 3: 349 أبواب التيمم ب 7.

(6) قال الشيخ البهائي في الحبل المتين: 90، في مقام بيان احتجاج السيد المرتضى: اشتهر من قوله صلّى اللّه عليه و آله: جعلت ..

(7) كما احتج به في المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 189.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 389

الأولى: «إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب و لا ماء، فانظر أجفّ موضع تجده [فتيمّم منه ] فإنّ

ذلك توسيع من اللّه، فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمّم من غباره أو شي ء مغبر، و إن كان في حال لا يجد إلّا الطين فلا بأس أن يتيمّم به» «1» و قريبة منها الثانية «2».

دلّتا بالمفهوم على عدم كفاية غير التراب و الماء مع وجودهما، و أنه لا يكفي الطين الذي هو أيضا من الأرض اختيارا، فيكون إطلاق الأرض في بعض الروايات مقيّدا قطعا.

و يؤيّده انصراف مطلقها إلى التراب، دون غيره من الحجر و نحوه، لندرته، و غلبة التراب، و أكمليته في الأرضية.

و منه يظهر إمكان حمل قول من فسّر الصعيد بالأرض على التراب، بل هو الظاهر من دعوى الزجاج المتقدمة «3»، إذ لو حمل مراده على مطلق الأرض لكان مخالفا لكثير من اللغويين، و يبعد غايته عدم وقوفه على كلامهم أو عدم اعتنائه بهم.

و ممّا يؤيّد كون المراد بالأرض التراب: تصريحهم عليهم السلام بالتراب في روايات أخر، و الأخبار الدالّة على اشتراط العلوق، و الآمرة بالنفض.

هذا، مع عدم نهوض كثير من المطلقات المذكورة لإثبات مطلوبهم، كصحيحة ابن سنان «4»، فإنّها لتضمّنها لفظة «من» ظاهرة في التراب، فإنه الذي يمكن فيه المسح بنفض منه.

______________________________

(1) التهذيب 1: 189- 546، الاستبصار 1: 156- 539، الوسائل 3: 354 أبواب التيمم ب 9 ح 4، و ما بين المعقوفين من المصدر.

(2) الكافي 3: 66 الطهارة ب 42 ح 4، الوسائل 3: 356 أبواب التيمم ب 9 ح 10.

(3) في ص 385.

(4) المتقدمة في ص 386.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 390

و لو سلّم إطلاقها لم يفد أيضا، لجواز أن يكون المراد بالطهور فيها الماء و التراب معا كما وقع التصريح به في الأخبار المتكثّرة، فيكون المطلق

كافيا بعد العجز، و لا كلام فيه هنا.

و أخبار التيمّمات البيانية «1»، فإنّ الإطلاق في الإخبار عن الواقعة لا يدلّ على كفاية جميع أفراد المطلق.

و صحيحة ليث «2»، فإنّ الأمر بالنفض فيها ظاهر في أنّ المراد التراب.

و إذ ظهر ضعف هذه الوجوه، و الأصل عدم توقيف التيمّم بمطلق ما يصدق عليه الأرض، فالحقّ: العدم، كما ذهب إليه جماعة منهم: السيد «3» و الحلبيان «4» و الإسكافي «5» و النافع «6»، بل يظهر من الناصريات الإجماع عليه «7».

الثالثة:

لا يجوز التيمم بالحجر، وفاقا للناصريات مدّعيا- ظاهرا- الإجماع عليه، و الإسكافي و نهاية الشيخ و السرائر و عن التهذيب و الغنية و الوسيلة و المراسم و الجامع «8»، بل- كما قيل- هو الظاهر من كلّ من اشترط العلوق «9»، و مال إليه شيخنا البهائي «10»، و نسبه جماعة إلى الأكثر، و بعض مشايخنا إلى الأعاظم، قال:

إنّ الأعاظم منعوا عنه، مع كثرتهم و كونهم المؤسّسين لمذهب الشيعة و رؤساءهم

______________________________

(1) انظر الوسائل 3: 358 و 361 أبواب التيمم ب 11 و 12.

(2) المتقدمة في ص 386.

(3) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 26 و حكاه عن شرح الرسالة في المعتبر 1: 372.

(4) أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 136، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 552.

(5) نقله عنه في الرياض 1: 75.

(6) المختصر النافع: 16.

(7) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 188.

(8) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 188، حكى عن الإسكافي في المختلف: 48، النهاية:

49، السرائر 1: 137، التهذيب 1: 192، الغنية (الجوامع الفقهية): 552، الوسيلة: 71، المراسم: 53، الجامع للشرائع: 47.

(9) كما في الحدائق 4: 299، و الرياض 1: 75.

(10) الحبل المتين: 338.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص:

391

المشهورين و عمدهم المعروفين «1». و هو ظاهر في دعوى شهرة القدماء.

للأصل، و توقيفية العبادة، و تعليق الطهورية بالتراب، و صحيحتي رفاعة و ابن المغيرة السابقتين «2»، بل صحيحة ابن سنان بالتقريب المتقدّم «3»، و تؤيّده أدلّة العلوق و أخبار النفض.

خلافا للمحكي عن المبسوط و الخلاف و الجمل و المصباح و البيان و الدروس و اللمعة و الكفاية «4»، و اللوامع و المعتمد، و الفاضلين في غير النافع و النهاية «5» فتردّدا فيهما «6»، و نسب إلى الشهرة المتأخّرة بل المطلقة «7»، و عن الطبرسي في المجمع:

الإجماع عليه «8».

لاستصحاب جواز التيمّم عليه قبل التحجر، و صدق الأرض، و المرويين في الدعائم و نوادر الراوندي:

الأول: «و لا يجوز التيمّم بالجصّ و لا بالرماد و لا بالنورة، و يجزي بالصفا الثابت «9» في الأرض إذا كان عليه غبار و لم يكن مبلولا» «10».

و الثاني: فقيل له: أ يتمّم بالصفا الثابتة «11» على وجه الأرض؟ قال:

______________________________

(1) شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) في ص 389.

(3) راجع ص 389.

(4) المبسوط 1: 32، و الخلاف 1: 134، و الجمل و العقود (الرسائل العشر): 168، و مصباح المتهجد: 13، و البيان: 85، و الدروس: 1: 130، و اللمعة (الروضة 1): 154، و كفاية الأحكام: 8.

(5) المحقق في المعتبر 1: 376، و العلامة في التذكرة 1: 62، و التحرير 1: 21، و القواعد 1: 22، و المنتهى 1: 141.

(6) المختصر النافع: 16، و نهاية الاحكام 1: 198.

(7) كما في الحدائق 4: 293، و الرياض 1: 75.

(8) مجمع البيان 2: 52.

(9) في المصدر: النابت.

(10) دعائم الإسلام 1: 121، مستدرك الوسائل 2: 532 أحكام التيمم ب 5 ح 13.

(11) في المصدر: البالية.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3،

ص: 392

«نعم» «1» و الصفا هو الحجر.

و رواية السكوني: عن التيمّم بالجصّ فقال: «نعم» فقيل: بالنورة؟

فقال: «نعم» فقيل: بالرماد؟ فقال: «لا إنّه ليس يخرج من الأرض إنما يخرج من الشجر» «2» دلّت على أنّ الخروج من الأرض علّة لجواز التيمّم، و الحجر خرج منها.

و تجويز التيمّم باللبن في الموثّق «3»، و عدم القول بالفرق بينه و بين الحجر.

و قد يستظهر للجواز: بأنّ الحجر تراب اكتسبت رطوبة لزجة و عملت فيه الحرارة فأفادته استمساكا «4».

و يجاب عن الأول: بمنع كون كلّ حجر أصله ترابا، فلعلّه مخلوق أولا، أو متكوّن من الماء أو منه و من التراب معا، و على فرض التسليم يدفع استصحاب الجواز ببعض ما مرّ.

و عن الثاني: أولا بعدم معلومية كون الحجر أرضا فيتّجه منعه، بل ظاهر الإسكافي المنع من كونه منها «5»، و هو الظاهر من السرائر أيضا «6»، و صرّح بالمنع بعض المعاصرين «7». و دعوى الإجماع على كونه أرضا غير مسموعة، بل الظاهر عدم الصدق، لعدم التبادر، و صحة السلب عرفا.

و ثانيا بمنع الجواز في مطلق الأرض، كما مرّ.

و عن الروايتين الأوليين: بعدم حجّيتهما. و انجبارهما بدعوى الشهرة إنما كان إذا لم تعارضها دعواها على الخلاف، مع أنهما أعمّان من صورة فقد التراب،

______________________________

(1) نوادر الراوندي: 50، مستدرك الوسائل 2: 533 أحكام التيمم ب 6 ح 2.

(2) التهذيب 1: 187- 539، الوسائل 3: 352 أبواب التيمم ب 8 ح 1.

(3) موثقة سماعة الآتية في ص 399.

(4) كما في روض الجنان: 121.

(5) حكاه عنه في المختلف: 48.

(6) السرائر 1: 137.

(7) المحقق القمي في غنائم الأيام: 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 393

فتخصّصان بها للصحيحين المتقدّمين «1».

و عن الثالثة: بأنّ مدلولها علّية عدم

الخروج لعدم الجواز، دون علّية الخروج للجواز.

و عن الأخير: بمنع الإجماع المركّب.

و عن الاستظهار: بمنع كونه ترابا، و لو صحّ ذلك جرى في المعادن أيضا.

ثمَّ إنه على ما اخترناه من عدم الجواز، فهل يختص بحال الاختيار، و يجوز مع فقد التراب التيمّم بالأحجار، كما هو صريح الشيخين و الديلمي و الحلّي و الوسيلة و الجامع «2»، و عليه الإجماع عن المختلف و الروضة «3»، أو يعمّ المنع، كما هو ظاهر إطلاق بعض المانعين «4»؟ الحقّ هو الأول، لخبري الدعائم و النوادر «5»، المنجبرين بما ذكر هنا قطعا، الخالي عن معارضة دعوى الشهرة على الخلاف في المورد.

قيل: إن صدق عليه اسم الأرض، جاز التيمّم به مع التراب أيضا، و إلّا امتنع مع فقده «6».

قلنا: يمكن أن يجوز مع فقده لا لصدق الأرض، بل لدليل آخر.

الرابعة:

لا يصح التيمّم بشي ء من المعادن غير التراب، أو الأرض أيضا على القول به، بالإجماع كما في المنتهى «7»، للأصل. و نسب الخلاف فيها إلى

______________________________

(1) و هما صحيحتا رفاعة و ابن المغيرة، راجع ص 389.

(2) المفيد في المقنعة: 60، الشيخ في النهاية: 49، الديلمي في المراسم: 53، الحلي في السرائر 1:

137، الوسيلة: 71، الجامع للشرائع: 47.

(3) المختلف: 48 و لم نعثر فيه على ادعاء الإجماع، الروضة البهية 1: 154.

(4) كالحلبي في الكافي في الفقه: 136، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 552.

(5) المتقدمين في ص 391.

(6) كما في المدارك 2: 200.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 3    394     الرابعة: ..... ص : 393

(7) المنتهى 1: 141.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 394

العماني «1»، لخروجها من الأرض. و ضعفه ظاهر.

و لا بالرماد و إن كان من التراب، بالإجماع

المحقّق و المحكي في المنتهى «2» و غيره «3»، لما ذكر، و روايتي السكوني و الدعائم، المتقدّمتين «4»، و المروي في النوادر: «و لا يجوز بالرماد، لأنه لم يخرج من الأرض» «5».

و لا بالخزف و الآجر، وفاقا للإسكافي «6»، و المعتبر «7»، للأصل الخالي عن معارضة صدق التراب، أو الأرض على القول بالتجويز بها.

و ظاهر التذكرة الجواز «8»- و استشكل في المنتهى «9»- لاستصحاب الجواز، بل استصحاب الترابية للشك في زوالها.

و عورض باستصحاب الشغل «10».

و يضعّف بأن الأولين مزيلان للثاني.

فالصواب أن يجاب بمنع الصدق جدّا، و به يبطل أحد الاستصحابين الموجب لبطلان الآخر، لتغيّر الموضوع الذي هو التراب.

و لا بالوحل- و هو الطين الرقيق- اختيارا، بل و كذا مطلق الطين، وفاقا لجماعة منهم: شرح القواعد و المدارك «11» و اللوامع، للأصل المتقدم، و المفهوم في

______________________________

(1) حكاه عنه في المدارك 2: 200.

(2) المنتهى 1: 142.

(3) كما في المدارك 2: 200.

(4) في ص 391 و 392.

(5) نوادر الراوندي: 50، مستدرك الوسائل 2: 533 أحكام التيمم ب 6 ح 2.

(6) حكاه عنه في التذكرة 1: 62.

(7) المعتبر 1: 375.

(8) التذكرة 1: 62.

(9) المنتهى 1: 141.

(10) كما في الرياض 1: 76.

(11) جامع المقاصد 1: 481، المدارك 2: 204.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 395

صحيحتي رفاعة و ابن المغيرة، المتقدّمتين «1»، و في موثّقتي زرارة و حسنة أبي بصير الآتية «2».

و به تقيّد إطلاقات بعض الروايات، كرواية زرارة: رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء و فيها طين، ما يصنع؟ قال: «يتيمم فإنه الصعيد» قلت: فإنّه راكب لا يمكنه النزول من خوف و ليس هو على وضوء، قال: «إن خاف على نفسه من سبع أو غيره و خاف فوت الوقت

فليتيمّم، يضرب بيده على اللبد و البردعة [1] و يتيمّم و يصلّي» «3».

كما أنه يجب حمل قوله: «فإنه الصعيد» على أنه أصله و جزؤه المعظم، فيصح التيمّم به حال العذر، بقرينة ما في روايات أخر من أنه صعيد و ماء، فلا يصح الاحتجاج على الجواز المطلق به.

و هل يجوز التيمّم بالتراب الندي الغير البالغ حدّ صدق الطين حال الاختيار؟ الظاهر نعم، كما صرّح به المحقّق «4»، و الفاضل في التذكرة، بل نسبه فيه إلى علمائنا «5»، و ذهب إليه في شرح القواعد «6»، و اختاره والدي- رحمه اللّه- في اللوامع، لصدق التراب، بل و كذلك لو شك في خروجه عن الترابية، للاستصحاب.

و يظهر من بعض مشايخنا المحدّثين الميل إلى عدم جواز التيمّم بالتراب

______________________________

[1] البرذعة و البردعة: الحلس يلقى تحت الرحل. القاموس المحيط 3: 4.

______________________________

(1) في ص 389.

(2) في ص 401.

(3) التهذيب 1: 190- 547، الاستبصار 1: 156- 540، الوسائل 3: 354 أبواب التيمم ب 9 ح 5.

(4) المعتبر 1: 374.

(5) التذكرة 1: 62.

(6) جامع المقاصد 1: 481.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 396

الرطب مع وجود الجاف «1»، للصحيحتين المتقدّمتين «2»، و الحكم فيهما بأنّ الانتقال إلى الأجف من باب التوسيع، و المرويين في نوادر الراوندي و الدعائم:

الأول: «من أخذته سماء شديدة و الأرض مبتلة فليتيمّم من غيرها [و لو] من غبار ثوبه أو غبار سرجه أو إكافه» [1] و الثاني: «من أصابته جنابة و الأرض مبتلة فلينفض لبده و ليتيمّم بغباره، كذلك قال أبو جعفر و أبو عبد اللّه عليهما السلام: لينفض ثوبه أو لبده أو إكافه إذا لم يجد ترابا طيبا» «3».

و الجواب أنّ المصرّح به في الصحيحين انتفاء التراب، فيكون المراد بالأجف

الطين الأجف أو شي ء آخر من اللبد و الثوب.

و الروايتان ضعيفتان غير صالحتين لتقييد مطلقات التراب و الأرض، مع أنّ قوله في الأخيرة: «إذا لم يجد ترابا» صريح في أن المراد الوصول إلى حد الطين.

نعم، يستفاد من الصحيحة وجوب تقديم الأجف فالأجف في صورة الانتقال إلى الطين، و هو كذلك.

الخامسة: يجوز التيمّم بأرض الجصّ و النورة قبل الإحراق،

على الأظهر المختار، عند الأكثر و منهم: المقنعة و المبسوط و الوسيلة و القواعد و الدروس و البيان «4»، و عن المهذّب أيضا في الأول «5»، كما عن الجامع و النافع في الثاني «6».

______________________________

[1] نوادر الراوندي: 53، مستدرك الوسائل 2: 534 أبواب التيمم ب 7 ح 3، و بدل ما بين المعقوفين في النسخ: أو، و ما أثبتناه موافق للمصدر، و الإكاف: البرذعة. القاموس المحيط 3: 122.

______________________________

(1) الحدائق 4: 315.

(2) في ص 389.

(3) دعائم الإسلام 1: 121، مستدرك الوسائل 2: 534 أبواب التيمم ب 7 ح 4.

(4) المقنعة: 59، المبسوط 1: 32، الوسيلة: 71، القواعد 1: 22، الدروس 1: 130، البيان:

85.

(5) المهذب 1: 31.

(6) الجامع للشرائع: 47، المختصر النافع: 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 397

لا لصدق الأرض كما قيل «1»، لما مرّ.

بل لرواية السكوني، المتقدّمة «2»، و المروي في النوادر: «يجوز التيمّم بالجصّ و النورة» «3» المنجبر ضعفهما- لو كان- بعمل الأكثر، كما نصّ عليه جمع ممّن تأخّر.

و لا تعارضهما رواية الدعائم، المذكورة «4»، لضعفها الخالي عن الجابر في المقام.

و كذا بعد الإحراق، على الأقوى، الموافق للمحكي عن مصباح السيد و المراسم و المعتبر و التذكرة و الذكرى فيهما «5»، و عن ظاهر النافع و الشرائع و التلخيص و التبصرة و نهاية الإحكام و صريح الوسيلة في الأول «6».

لإطلاق الخبرين، و استصحاب الجواز،

و صدق اسم الأرض عند القائل بكفايته.

خلافا للحلّي فمنع عنهما مطلقا «7»، للمعدنية.

و يضعّف: بعدم مانع في المعدن سوى الإجماع المعلوم انتفاؤه هنا، و الأصل الواضح اندفاعه بما مرّ.

و لنهاية الشيخ طاب ثراه «8»، فمنع في الاختيار، و لم أعثر على دليله.

و للمحكي عن الأكثر و منهم: المبسوط و المقنعة و السرائر «9»، و الإصباح،

______________________________

(1) كما في التذكرة 1: 62.

(2) في ص 392.

(3) نوادر الراوندي: 50، مستدرك الوسائل 2: 533 أحكام التيمم ب 6 ح 2.

(4) في ص 391.

(5) نقله عن مصباح السيد في المعتبر 1: 375، المراسم: 54، المعتبر 1: 375، التذكرة 1: 62، الذكرى: 21.

(6) المختصر النافع: 16، الشرائع: 47، التبصرة: 16، نهاية الاحكام 1: 199، الوسيلة: 71.

(7) السرائر 1: 137.

(8) النهاية: 49.

(9) المبسوط 1: 32، المقنعة: 59، السرائر 1: 137.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 398

فمنعوا فيهما بعد الإحراق، و نهاية الإحكام و التلخيص و اللمعة و شرح القواعد «1»، ففي الثاني بعده، لضعف الخبرين [1]: و اختصاص الجابر بالقبل.

و لو سلّم فيعارضهما خبر الدعائم «2» المنجبر فيه و لو بالشهرة المحكية، كما يعارض استصحاب الجواز بأصالة عدمه و استصحاب الشغل.

و جوابه- بعد منع ضرر ضعف سند رواية السكوني عندنا- أنّ دعوى الشهرة على المنع من بعض المتأخّرين «3» تعارض نسبة بعض آخر الجواز المطلق إلى الأكثر «4»، و به يبقى خبر الدعائم خاليا عن الجابر، و رواية السكوني عن المعارض.

و بها يدفع استصحاب شغل الذمة و عدم الجواز، مع معارضتهما باستصحاب الجواز المزيل لهما المقدم عليهما.

و عن المنتهى و المختلف و في المدارك: الإحالة إلى صدق اسم الأرض «5».

و هو موجّه على اعتباره، و عدم اعتبار الخبرين.

و يجوز أيضا بالأرض

السبخة، و هي المالحة النشاشة، على الأظهر الأشهر، بل عليه الإجماع في المعتبر «6»، لصدق التراب.

خلافا للمحكي عن الإسكافي فمنع عنها «7».

و لعلّه لما عن أبي عبيدة: أن الصعيد هو التراب الخالص الذي لا يخالطه

______________________________

[1] أي خبر السكوني و الخبر المروي في النوادر، راجع ص 391 و 392.

______________________________

(1) نهاية الاحكام 1: 199، اللمعة (الروضة 1): 155، جامع المقاصد 1: 482.

(2) المتقدم في ص 391.

(3) المحقق السبزواري في الذخيرة: 98.

(4) الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 61.

(5) المنتهى 1: 142، المختلف: 48، المدارك 2: 201.

(6) المعتبر 1: 374.

(7) حكاه عنه في المختلف: 49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 399

رمل و لا سبخ [1]. و هو معارض بما مرّ في تفسير الصعيد «1».

أو للصحيح: «لا تصلّ على الزجاج و إن حدّثتك نفسك أنه مما أنبتت الأرض، و لكنه من الملح و الرمل و هما ممسوخان» «2».

و فيه: أنه ليس فيه ذكر السبخة، و إنّما فيه الرمل و الملح، و هو لا يقول بالمنع عن الأول، و لا كلام في المنع عن الثاني، لعدم صدق التراب.

و كذا بالمدر و منه اللبن، إجماعا محقّقا و محكيا في التذكرة «3»، له، و لصدق التراب كما صرّح به فيه، و موثّقة سماعة: عن رجل مرّت به جنازة و هو [على ] غير طهر، قال: «يضرب يديه على حائط لبن فيتيمّم» [2].

و الإيراد عليه: بأنه- لعدم اشتراط الطهارة في صلاة الجنازة- يمكن أن يكون ذلك تعبّدا لا طهورا كما في تيمّم النوم، و يؤيّده شمول الرواية بإطلاقها لحال وجود الماء، مدفوع: بالإجماع على عدم استحباب ذلك إلّا للطهورية و عدم استحباب غير الطهور. و شمولها لحال وجود الماء غير ضائر، إذ يمكن أن

تكون الصلاة تفوت باستعماله.

و بالبطحاء- و هو التراب اللين في سبيل الماء- بالإجماع، لصدق التراب.

و بالرمل، إجماعا أيضا، كما في المعتبر و التذكرة و شرح القواعد و اللوامع و ظاهر المنتهى «4»، له، و للصدق المذكور، و العامي المذكور في التذكرة و المنتهى- المجبور بما ذكر-: إنا نكون بأرض الرمل فتصيبنا الجنابة و الحيض و النفاس، فلا

______________________________

[1] كما نقله في الحبل المتين: 90، عن ابن دريد عن أبي عبيدة.

[2] الكافي 3: 178 الجنائز ب 49 ح 5، التهذيب 3: 203- 477، الوسائل 3: 111 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 5، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) راجع ص 385.

(2) الكافي 3: 332 الصلاة ب 27 ح 14، التهذيب 2: 304- 1231، علل الشرائع: 342- 5، الوسائل 5: 360 أبواب ما يسجد عليه ب 12 ح 1.

(3) التذكرة 1: 62.

(4) المعتبر 1: 374، التذكرة 1: 62، جامع المقاصد 1: 483، المنتهى 1: 141.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 400

نجد الماء أربعة أشهر و خمسة أشهر، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: «عليكم بالأرض أو بأرضكم» [1].

و بتراب القبر ما لم يعلم نجاسته، و بالمستعمل، للأصل.

السادسة:

لا يجوز التيمّم بغير التراب أو الأرض- على اختلاف القولين- و سائر ما ذكر اختيارا و إن كان مغبرا، للأصل، و تعليق تجويز غيرهما مما جوّز في الأخبار بفقدهما.

خلافا للمحكي عن ظاهر المبسوط و نهاية الإحكام و الشرائع و القواعد «1»، فجوّزوا بالمغبر مع وجود الحجر الذي هو الأرض عندهم، مع قولهم بكفاية صدق اسم الأرض مطلقا.

و لظاهر السيد «2»، و استقواه في المنتهى «3»، و نسبه في المفاتيح إلى الإسكافي أيضا «4»- و كأنّه سهو كما قيل

«5»- فجوّز بالمغبر مع التراب، لكون الغبار ترابا.

و فيه منع واضح، لعدم التبادر، و صحة السلب، مع أنّ الغبار غير المغبر.

و منه يظهر رجوع النزاع إلى ترابية الغبار و عدمها.

السابعة:
اشارة

إذا لم يجد التراب يتيمّم بشي ء فيه غبار كالثوب و اللبد و عرف الدابة [2] و البساط و غيرها، و بالحجر و لو خلا عن الغبار، و بالطين و الوحل.

أمّا جوازه بالمغبر فبعد الإجماع المحقّق و المنقول في المعتبر و التذكرة «6»،

______________________________

[1] التذكرة 1: 62، المنتهى 1: 141، سنن البيهقي 1: 217 بتفاوت يسير.

[2] عرف الديك و الفرس و الدابة: منبت الشعر و الريش من العنق. لسان العرب 9: 241.

______________________________

(1) المبسوط 1: 32، نهاية الإحكام 1: 199، الشرائع 1: 48، القواعد 1: 23.

(2) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 26.

(3) المنتهى 1: 142.

(4) مفاتيح الشرائع 1: 61.

(5) شرح المفاتيح (المخطوط).

(6) المعتبر 1: 376، و التذكرة 1: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 401

لصحيحتي رفاعة و ابن المغيرة، المتقدّمتين «1»، و حسنة أبي بصير: «إذا كنت في حال لا تقدر إلّا على الطين فتيمّم به، فإنّ اللّه أولى بالعذر، إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد تقدر على أن تنفضه و تتيمّم به» «2».

و صحيحة زرارة: أ رأيت المواقف إن لم يكن على وضوء كيف يصنع و لا يقدر على النزول؟ قال: «يتيمّم من لبده أو سرجه أو معرفة دابته، فإنّ فيها غبارا و يصلّي» «3».

و موثّقتي زرارة: «إن أصابه الثلج فلينظر لبد سرجه فيتيمّم من غباره أو من شي ء معه، و إن كان في حال لا يجد إلّا الطين فلا بأس أن يتيمّم به» [1].

و المرويين في الدعائم و النوادر، المتقدّمين

في المسألة الرابعة «4»، و رواية الدعائم، المتقدّمة في الثالثة «5»، و هي و إن كانت مطلقة بالنسبة إلى الاختيار و عدمه، إلّا أنّها ضعيفة في غير محل الانجبار.

و الاقتصار في بعض تلك الأخبار على اللبد أو مع الثوب أو مع السرج أو العرف، بعد عموم قوله في الصحيحتين: «أو شي ء مغبر» و في الموثّقتين: «أو من شي ء معه» و التعليل في صحيحة زرارة: «فإنّ فيها غبارا» غير ضائر. كما أنّ إطلاق بعضها بالنسبة إلى المغبر و غيره غير مفيد للتعميم، بعد التقييد في بعض

______________________________

[1] الأولى: التهذيب 1: 189- 545، الاستبصار 1: 158- 545، الوسائل 3: 353 أبواب التيمم ب 9 ح 2، الثانية: التهذيب 1: 191- 551، الوسائل 3: 353 أبواب التيمم ب 9 ح 2 بتفاوت في السند.

______________________________

(1) في ص 389.

(2) الكافي 3: 67 الطهارة ب 44 ح 1، التهذيب 1: 189- 543، الاستبصار 1: 156- 537، الوسائل 3: 354 أبواب التيمم ب 9 ح 7.

(3) التهذيب 1: 189- 544، الاستبصار 1: 157- 541، مستطرفات السرائر: 73- 11، الوسائل 3: 353 أبواب التيمم ب 9 ح 1.

(4) راجع ص 396.

(5) راجع ص 391.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 402

آخر بالأمر بالتيمّم بالغبار أو المغبر، و الأمر في بعض بالنفض، مضافا إلى الإجماع.

و أمّا بالحجر و لو كان خاليا عن الغبار: فلرواية النوادر، السالفة في الثالثة «1»، و هي و إن كانت مطلقة بالنسبة إلى فقد التراب و وجوده، إلّا أنّ ضعفها مانع عن العمل بها في غير موضع الانجبار.

و أمّا بالطين و الوحل: فللمستفيضة المتقدّمة.

ثمَّ إنّه يترتّب المغبر و الحجر مع الطين، فالأولان مقدّمان على الثالث سواء كان و حلا أو غيره،

و لكن لا ترتيب بين الأولين، كما ليس بين الأشياء المغبرة.

أمّا الحكم الأول فهو المعروف من مذهب الأصحاب، بل في صريح المنتهى و ظاهر الذكرى: عليه الإجماع «2»، لتعليق تجويز التيمّم بالطين في الموثّقتين و الصحيحتين و الحسنة بحال لا يجد غيره ممّا ذكر في الروايات عموما أو خصوصا، فيدلّ بالمفهوم على عدم الجواز بدون تلك الحال.

مضافا إلى التصريح في الحسنة بأنه إنما هو إذا لم يكن معه ثوب أو لبد، و في الصحيحتين بتعيّن الأجف، و بذلك يقيّد إطلاق رواية ابن مطر «3».

خلافا للمحكي عن المهذّب و بعض المتأخّرين [1]، فقدّم الطين عليهما، لرواية زرارة، المتقدّمة في الرابعة «4».

و ردّه في المنتهى «5» تارة: بعدم الدلالة، لعدم التعرّض فيها لنفي التراب، فلعلّ التيمّم به. و هو تمحّل بعيد.

و اخرى: بالضعف، و هو كذلك سندا و عملا، فإنّ مضمونها مخالف

______________________________

[1] الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1: 61.

______________________________

(1) راجع ص 391.

(2) المنتهى 1: 143، الذكرى: 22.

(3) التهذيب 1: 190- 549، الوسائل 3: 354 أبواب التيمم ب 9 ح 6.

(4) راجع ص 395.

(5) المنتهى 1: 143.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 403

للمعروف من مذهب الأصحاب المدّعى عليه الإجماع، فلا تكون حجة.

مع أنّ محط الاستدلال إن كان صدرها فهو مطلق يجب تقييده، و إن كان قوله: «فإنه راكب ..» فهو غير دالّ، لإمكان إرجاع الضمير إلى الرجل مطلقا، و كون الفاء للتعقيب الذكري، و يكون سؤالا عن راكب يخاف النزول سواء وجد التراب لو نزل أم لا، من غير أن يكون من تتمة سابقة، و يؤكّده قوله:

«و ليس على وضوء» و لو كان تتميما لما سبق لكان ذلك لغوا.

و لبعض مشايخنا المحقّقين، فقدّمه على الحجر، لما يأتي

[1].

و أمّا الثاني: فلثبوت جواز التيمّم بكلّ منهما مع فقد التراب، و الأصل عدم تعيّن أحدهما للتقديم.

فإن قيل: مقتضى الصحيحين [2] الرجوع إلى الأجف و المغبر، و لازمه عدم جواز الانتقال إلى غيرهما، و لو كان حجرا فيؤخّر.

قلنا: مقتضى رواية النوادر «1»- المنجبرة في المقام- جواز التيمّم بالحجر و لو مع وجود الأجف و المغبر فيعارضان، فيرجع إلى التخيير أو أصالة عدم التعيين، مع أنّ قوله: «أو من شي ء معه» [3] عام خرج عنه غير المغبر و الحجر بالإجماع، فيبقى الباقي.

خلافا للشيخ في النهاية و الحلّي، فقدّما الحجر الخالي عن الغبار «2».

و للديلمي فعكس «3»، و نسبه بعض مشايخنا إلى السيد أيضا و اختاره [4]، و لعلّه للصحيحين و ما بمعناهما الدالّين على الانتقال إلى الغبار بعد انتفاء التراب،

______________________________

[1] الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

[2] صحيحتا رفاعة و ابن المغيرة، راجع ص 389.

[3] في موثقتي زرارة، راجع ص 401.

[4] الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

______________________________

(1) المتقدمة في ص 391.

(2) النهاية: 49، الحلي في السرائر 1: 137.

(3) المراسم: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 404

و ضعف مستند الحجر، فيقتصر فيه على موضع الإجماع و هو بعد الغبار و الطين.

و بعد ما عرفت من جبر ضعف مستنده يظهر لك دفع ذلك.

و أمّا الثالث: فلظواهر النصوص المتقدّمة، وفاقا للمفيد «1» بل الأكثر، و خلافا لنهاية الشيخ، فقدّم اللبد و العرف على الثوب «2»، و للحلّي فعكس «3»، و لا نعرف لهما دليلا سوى ما في المنتهى للشيخ من كثرة وجود أجزاء التراب غالبا فيهما دون الثوب «4».

و ضعفه ظاهر، لمنع الكثرة أولا، و عدم اعتبارها ثانيا، لإطلاق النصوص.

و منه يظهر أنه لو كان هناك أشياء مغبرة و

كان بعضها أكثر غبارا لم يجب تقديمه.

خلافا للمحكي عن الثانيين «5»، و لا وجه له، كما لا وجه لما عن الإسكافي من تخصيص الغبار بما لم يكن على الحيوان «6»، مع أن ظاهر عرف الدابة صريح في ردّه، لعدم الفرق، فيجوز و لو كان الغبار على جسد نفسه.

و هل يشترط في المغبر كون غباره ممّا يتيمّم به من تراب و نحوه؟ الظاهر:

نعم، كما به صرّح جماعة منهم: السيد و الحلّي و الفاضل «7»، لا لأجل حمل إطلاق الأخبار على الغالب، لكون كل من الغلبة و الحمل محل النظر، بل لمنع كون غيره- كغبار الدقيق و الأشنان و نحوه- غبارا حقيقة لغة، و لا أقل من الشك، فلا يندفع أصالة اشتغال الذمة به.

______________________________

(1) المقنعة: 59.

(2) النهاية: 49.

(3) السرائر 1: 138.

(4) المنتهى 1: 142.

(5) المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 483، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 16.

(6) حكاه عنه في المختلف: 49.

(7) السيد في المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 188، و الحلي في السرائر 1: 138، الفاضل في المنتهى 1: 142.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 405

و الغبار المركّب منهما و المشكوك فيه كغبار ما لا يتيمّم به، و الوجه ظاهر.

فروع:

أ: إن تمكن من تجفيف الطين و الوحل- و لو بطليه على الجسد ثمَّ فركه- حتى يجتمع التراب و يتيمّم به، وجب، تحصيلا لمقدمة الواجب المقدورة.

ب: لو أمكن جمع الغبار بنفض الثوب و مثله بحيث يجتمع به تراب صالح للتيمّم به، جاز قطعا.

و هل يجب مقدّما على التيمّم بالثوب و نحوه؟ الظاهر: نعم، لعدم تحقّق فقد التراب حينئذ، و وجوب تحصيل مقدمة الواجب.

و منع صدق التراب على الغبار المجتمع ضعيف، بل هو تراب عرفا، كما

يدلّ عليه كلام الديلمي «1»، و صرّح به بعض المحقّقين [1]، مع أنّ دلالة حسنة أبي بصير «2» على ذلك محتملة.

ج: الظاهر كفاية الغبار الكامن في المحل، و عدم اشتراط نفضة في التيمّم على الثوب و نحوه، لإطلاق الأخبار.

و قيل: يشترط «3»، للحسنة.

و دلالتها على الوجوب غير واضحة، مع أنه يمكن أن يكون المراد منها نفض الثوب و جمع غباره و التيمّم به، فيخرج عن المورد.

د: يجوز التيمّم بالغبار المتصاعد من الأرض المغصوبة، لعدم كونه مالا، و لكن لا يجوز إذا كان المحل المغبر مغصوبا.

و صريح الإسكافي اشتراط عدم كون المغبر نجسا «4»، و فيه نظر.

______________________________

[1] الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 145.

______________________________

(1) المراسم: 53.

(2) المتقدمة في ص 401.

(3) انظر جامع المقاصد 1: 483.

(4) حكاه عنه في المختلف: 49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 406

و كذا إذا كان الغبار متصاعدا من تراب نجس، لإطلاق الأخبار، و عدم معلومية تعدّي الإجماع- الذي هو دليل اشتراط طهارة المتيمّم به كما يأتي «1»- إلى هنا أيضا.

ه: الأصح في كيفية التيمّم بالطين و الوحل ما عن السرائر أنه كالتيمّم بالتراب «2»، لظاهر الأخبار.

و عن المقنعة و الخلاف و النهاية و المبسوط و المهذب: أنه يضع يديه ثمَّ يرفعهما فيمسح إحداهما بالأخرى و يفرك طينهما حتى لا تبقى فيهما نداوة ثمَّ يمسح «3»، و علّل بكونه مقتضى ظاهر النصوص «4».

و فيه منع ظاهر، مع احتمال إخلاله بالموالاة.

و عن الوسيلة و التحرير: أنه يترك يديه بعد الضرب حتى ييبس ثمَّ ينفض و يتيمّم به «5».

و عن التذكرة و نهاية الإحكام: أنه الوجه إن لم يخف فوات الوقت، فإن خاف عمل بمذهب الشيخين «6».

و لا يخفى أنه قد يفوت به أيضا،

مع أنّ ما في الوسيلة ليس تيمّما بالطين، بل هو التجفيف و التيمّم بالتراب.

الثامنة:

لو لم يوجد إلّا الثلج فإن أمكن تحصيل الماء منه بإذابة أو عصر أو كسر أو وضع اليد عليه حتى يجتمع فيها يسير ماء يجري على الجسد أو يمسح به بحيث يجري ماؤه، وجبت الطهارة المائية و لم يجز التيمّم مطلقا، لصدق وجدان

______________________________

(1) انظر: ص 410.

(2) السرائر 1: 138.

(3) المقنعة: 59، الخلاف 1: 155، النهاية: 49، المبسوط 1: 32، المهذب 1: 31.

(4) كما في المعتبر 1: 377.

(5) الوسيلة: 71، التحرير 1: 22.

(6) التذكرة 1: 62، نهاية الإحكام 1: 200.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 407

الماء، و عليه الإجماع في كلام الأصحاب.

و إن لم يمكن ذلك، و لا التطهّر منه بمثل الدهن، انتقل إلى التيمّم بالإجماع أيضا.

و إن أمكن الدهن به فهو إمّا بأخذ نداوة منه باليد و التدهين بها، أو بمسحه على الجسد.

فالأول يرجع إلى مسألة جواز الدهن في الطهارة و عدمه مطلقا أو اضطرارا، و لا خصوصية نصّا و لا خلاف للدهن بماء الثلج أو غيره، فلا وجه للتعرّض له هنا.

و كذا الثاني إن قلنا: إنّ الدهن المتنازع فيه سابقا أعم من الدهن بأخذ الماء أو من التمسّح بالشي ء الرطب و لو بمثل الثلج، و إن قلنا باختصاصه بالأول و عدم شمول الدهن لمثل ذلك، فيكون لاختصاصه بالذكر هنا وجه.

و الحقّ فيه: العدم، لأصالة عدم المشروعية، لعدم صدق الغسل، و لأنّ أجزاءه إمّا مقدّم على التيمّم، أو مؤخّر عنه.

فإن كان الأول، يدفعه: إطلاق الصحيحتين و الموثّقتين المتقدّمة [1].

و لا تعارضها صحيحة علي، المتقدّمة في مسألة حدّ الغسل من باب الوضوء «1»، لعدم حجيتها، لمخالفة عمل الأصحاب، إذ لم يقل

بالتطهر من الثلج إلّا الشيخان و ابنا حمزة و سعيد «2»، و هؤلاء صرّحوا بتأخّره عن التيمّم، فلا قائل بمدلولها، مع أنّ كلامهم صريح في أخذ النداوة باليد، و أمّا المسح بالجسد فلم يقل به أحد.

و على فرض الحجية فتتعارض مع الأربعة بالعموم من وجه، لاختصاص

______________________________

[1] صحيحتا رفاعة و ابن المغيرة، و موثقتا زرارة. راجع ص 389 و 401.

______________________________

(1) التهذيب 1: 192- 554، الاستبصار 1: 158- 547، الوسائل 3: 357 أبواب التيمم ب 10 ح 3.

(2) المفيد في المقنعة: 59، الشيخ في النهاية: 47، ابن حمزة في الوسيلة: 71، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 47.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 408

الصحيحة بصورة القدرة على التطهّر بالثلج و عمومها بالنسبة إلى حصول الغسل و الجريان، و اختصاص الأربعة بما إذا لم يمكن الطهارة بماء الثلج قطعا، و عمومها بالإضافة إلى القدرة على التطهر بالثلج. و الترجيح للأربعة، لموافقتها مع قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً 5: 6 و مع قطع النظر عنه يرجع إلى أصالة عدم المشروعية و بقاء الاشتغال.

و إن كان الثاني يدفعه عدم الدليل.

و أما رواية محمد: عن الرجل يجنب في السفر لا يجد إلّا الثلج، قال:

«يغتسل بالثلج أو ماء النهر» «1» فظاهر في إجراء الماء، لأنّه المفهوم من الاغتسال، فتحمل على إذابة الثلج، و تدلّ عليه التسوية بينه و بين ماء النهر.

و أمّا رواية ابن شريح- المذكورة في باب الوضوء أيضا- فهي واردة في الجمد «2»، و الغالب فيه الجريان بعد مماسّة حرارة الجسد.

نعم لو قلنا بإمكان عدم الجريان مع الدلك أيضا و عدم التفرقة بين الثلج و الجمد- كما هما الظاهران- أمكن القول بالدلك بعد فقد ما يتيمّم به، لخروج حال إمكانه

بالمعارضة المتقدّمة، و لا بأس به حيث إنّه الأحوط بل الأظهر.

ثمَّ التيمّم المنتقل إليه بعد العجز عن إجراء ماء الثلج- المقدّم على الدلك- هل هو يختص بما مرّ من التراب و الغبار و الطين على الترتيب دون غيرها؟ أو يتيمّم بالثلج أيضا مؤخّرا عن الثلاثة أو مقدّما عليها كلا أو بعضا؟ الحقّ: الأول، وفاقا للحلّي «3» بل الأكثر، للأصل.

______________________________

(1) التهذيب 1: 191- 550، الاستبصار 1: 157- 542، الوسائل 3: 356 أبواب التيمم ب 10 ح 1.

(2) التهذيب 1: 191- 552، الاستبصار 1: 157- 543، مستطرفات السرائر: 108- 57، الوسائل 3: 357 أبواب التيمم ب 10 ح 2.

(3) السرائر 1: 138.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 409

و خلافا للإسكافي و السيد في المصباح «1» و الإصباح و المراسم «2»، فيتيمّم به.

و الظاهر منهم تأخيره عن الثلاثة، لصحيحة محمد: عن رجل أجنب في سفر و لم يجد إلّا الثلج أو ماء جامدا، قال: «هو بمنزلة الضرورة يتيمّم» «3».

و يجاب عنه: باحتمال أن يكون المراد: و لم يجد من جنس الماء، لا من الماء و ما يتيمّم به، لعدم مرجّح للمقدّر، فيكون التيمّم المأمور به بالتراب، مع أنه يمكن أن يكون مرادهم من التيمّم التمسّح بنداوته بأعضاء الطهارة كما قيل «4»، فتنتفي دلالة الصحيحة رأسا.

التاسعة:

لا يصح التيمّم بالتراب المغصوب إجماعا، كما في التذكرة و المنتهى «5»، للنهي المقتضي للفساد.

و لا بالتراب المباح في المكان المغصوب، لا للنهي عن الكون فيه، لأنّه ليس جزء التيمّم و لا شرطه [1].

و لا لاقتضاء الأمر بالخروج النهي عن ضدّه الخاص الذي هو التيمّم، لمنع كونه ضدّا له، بل هو أمر مقارن له و لتركه، فإن التيمّم يجتمع مع الخروج أيضا.

و

لا لأنّ المفهوم عرفا من الأمر بالتيمّم و النهي عن الغصب عدم الرضا بالتيمّم في المكان الغصبي، لأنّه تركيب جعلي، فنقول: يفهم الرضا بالتيمّم و النهي عن الغصب.

______________________________

[1] توجد في «ح» حاشية منه رحمه اللّه تعالى: بل هو من ضروريات الجسم، غايته أنه مقدمة للتيمم، و التوصل بالمقدمة الحرام لا يبطل ذي المقدمة كما بين في الأصول.

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي و السيد في المعتبر 1: 377.

(2) المراسم: 53.

(3) الكافي 3: 67 الطهارة ب 43 ح 1، التهذيب 1: 191- 553، الاستبصار 1: 158- 544، المحاسن: 372- 134، مستطرفات السرائر: 107- 54، الوسائل 3: 355 أبواب التيمم ب 9 ح 9.

(4) انظر جامع المقاصد 1: 485، و الرياض 1: 76.

(5) التذكرة 1: 62، المنتهى 1: 144.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 410

و لا لأنّ حركة اليد حين رفعها من الأرض للمسح و للضرب تصرّف في الملك المغصوب، لأنّ هذه الأمور أيضا غير التيمّم.

بل لأنّ مسح الجبهة و الكفين عبارة عن إمرار اليد عليهما، و ذلك الإمرار تصرّف في الهواء المغصوب، فيكون منهيا عنه، و به يبطل المسح الذي هو عين التيمّم.

و على هذا فلو كان على موضع مغصوب و لكن أخرج رأسه و كفّيه منه و مسحهما، لا يبطل.

و لو حبس في مكان مغصوب و لم يجد ماء مباحا يصح استعماله، قال في شرح القواعد: يتيمّم بترابه و إن وجد غيره، لأنّ الإكراه أخرجه عن النهي، فصارت الأكوان مباحة، لامتناع التكليف بما لا يطاق، إلّا ما يلزم منه ضرر زائد على أصل الكون، و من ثمَّ جاز له أن يصلّي و ينام و يقوم «1». و هو كذلك.

و لا بالنجس إجماعا محقّقا و منقولا في

الناصريات و التذكرة «2»، و في المنتهى:

لا نعرف فيه مخالفا «3»، و في المدارك: إنه مذهب الأصحاب «4»، له، و لقوله سبحانه صَعِيداً طَيِّباً 5: 6.

و المراد بالطيّب و إن لم يتعيّن لغة أنه الطاهر، و كثير من المفسّرين- بل أكثرهم- فسّروه به، و بعضهم بالحلال، و بعض بما ينبت منه النبات «5»، و لكنه محتمل الإرادة.

و صدق الطيب اللغوي بجميع معانيه على النجس غير معلوم، فيكون مجملا و به تقيّد المطلقات، و المقيّد بالمجمل ليس بحجة في موضع الإجمال، فيؤخذ فيما هو خلاف الأصل- و هو إباحة ما يشترط الطهور فيه- بالمتيقّن، و هو الطاهر.

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 480.

(2) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 189، التذكرة 1: 62.

(3) المنتهى 1: 144.

(4) المدارك 2: 204.

(5) انظر: تفسير الطبري 6: 88، و التبيان 3: 207، و مجمع البيان 2: 52، و الدر المنثور 2:

167.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 411

و قد يستدلّ أيضا: بالروايات المتضمّنة لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «و جعلت لي الأرض- أو ترابها- طهورا» «1» حيث إنّ الطهور في اللغة: الطاهر المطهّر «2».

و ضعفه ظاهر، فإنّه لا يدلّ على اشتراط مطهّريته.

و يتعدّى الحكم إلى غير التراب بالإجماع المركّب.

العاشرة:

إذا امتزج بما يتيمّم به- كالتراب- ما لا يتيمّم به، فإن كان الخليط مستهلكا غير موجب لسلب اسم التراب، يصح التيمّم به، و إلّا لم يصح و إن غلب التراب، كما صرح به في الخلاف «3».

و لو دخل فيه ما لا يعلّق بالكف كالتبن و الشعير و الشعر، قال في المنتهى:

يجوز التيمّم به، لصدق وجود التراب و عدم منع ما فيه من التصاق اليد به «4».

و استشكله في المدارك، لاعتبار مماسة باطن الكفين بأسرهما

بالصعيد، و ما أصاب الخليط لا يماس التراب «5».

و فيه نظر سيظهر وجهه.

الحادية عشرة:

يستحب أن يكون التيمّم بعوالي الأرض و رباها، لتفسير الصعيد في معاني الأخبار و الرضوي بالموضع المرتفع «6». و أن لا يكون من أثر الطريق، لرواية غياث «7».

و يكره بالسبخة و الرمل كما صرّح به الأكثر، و هو كاف في إثبات الكراهة.

______________________________

(1) راجع ص 388.

(2) كما في روض الجنان: 120، و الحدائق 4: 312.

(3) الخلاف 1: 136.

(4) المنتهى 1: 142.

(5) المدارك 2: 205.

(6) معاني الأخبار: 283، و فقه الرضا (ع): 90، و عنه في مستدرك الوسائل 2: 528 أحكام التيمم ب 5 ح 2.

(7) الكافي 3: 62 الطهارة ب 40 ح 6، التهذيب 1: 187- 538، الوسائل 3: 349 أبواب التيمم ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 412

الفصل الثالث: فيما يشرع له التيمّم
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى:

مشروعية التيمّم للصلاة عند تعذّر المائية إجماعية، بل ضرورية دينية منصوصة كتابا و سنة.

و لا فرق فيها بين الحاضرة و الفائتة، لعموم الآيتين، و رواية أبي همام:

«يتيمّم لكلّ صلاة حتى يوجد الماء» «1» و سائر المطلقات و العمومات.

و لا بين اليومية و غيرها، كالجمعة و العيدين و الآيات و المنذورة، و لا بين الواجبة و النافلة المرتبة و غيرها، ذات السبب و المبتدأة، بلا خلاف ظاهر في شي ء منها، لما ذكر.

و كذا يشرع لكلّ ما تجب له المائية و يبيحه عند تعذّرها، وفاقا للمعظم، كالشيخ في المبسوط و الجمل و العقود «2»، و الإصباح و المعتبر و الشرائع و الجامع و المنتهى و التذكرة و القواعد و البيان و روض الجنان و الكركي «3»، بل في المعتبر: عليه إجماع علماء الإسلام، و في اللوامع و المعتمد: نقل الإجماع عن الفاضل أيضا «4»، و في موضع من الحدائق: إنّ المشهور أنّ التيمّم يبيح ما تبيحه المائية مطلقا، و في موضع آخر منه: إنّ عليه الأصحاب «5»، و في التذكرة نفى الخلاف عن استباحة

______________________________

(1) التهذيب 1: 201- 583، الاستبصار 1: 163- 568، الوسائل 3: 379 أبواب التيمم ب 20 ح 4.

(2) المبسوط 1: 30، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 169.

(3) المعتبر 1: 407، الشرائع 1: 50، الجامع للشرائع: 46، المنتهى 1: 154، التذكرة 1: 64، القواعد 1: 23، البيان: 87، روض الجنان: 130، الكركي في جامع المقاصد 1: 550.

(4) التذكرة 1: 64.

(5) الحدائق 4: 370 و 372.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 413

المسّ و التلاوة «1».

للرضوي- المنجبر ضعفه بما مرّ-: «و التيمّم غسل المضطر و وضوؤه» «2» فإنّ من وجب عليه المشروط بالمائية

و لم يتمكّن منها مضطر، و عمومه الجنسي يشمل جميع أفراده، و يلزمه كونه مبيحا لكلّ ما تبيحه، إذ بفرض وجوبه و لو بالنذر يباح بالتيمّم، فكذا قبله، لعدم الفصل قطعا.

و تدلّ عليه في خصوص اللبث في المساجد الآية أيضا، حيث نهي فيها عن قرب الصلاة التي أريد بها المسجد- كما ورد في الأخبار «3»- إلّا عبورا حتى يغتسل، ثمَّ قال وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى 4: 43 .. «4» فدلّ على الجواز بعد التيمّم.

و تؤيّد المطلوب: استفاضة النصوص بطهورية التراب، و أنّه أحد الطهورين، و أنّ اللّه جعله طهورا كما جعل الماء طهورا «5»، و في الصحيح: أنه بمنزلة الماء، و في خبر أبي ذر: «يكفيك الصعيد عشر سنين» «6» و أن ما يبيح أعظم العبادات يبيح غيره بطريق أولى، و ما ورد في الأخبار الكثيرة من إطلاق الأمر بالتيمّم لذوي الأعذار، و صحيحة زرارة في رجل يتيمّم: «يجزيه ذلك إلى أن يجد الماء» «7».

و جعل هذه أدلّة- ككثير منهم- غير جيّد.

خلافا للمحكي عن فخر المحقّقين في استباحة اللبث، لقوله سبحانه:

______________________________

(1) التذكرة 1: 65.

(2) فقه الرضا (ع): 88.

(3) انظر: الوسائل 3: 205 أبواب الجنابة ب 15.

(4) النساء: 43.

(5) انظر: الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 23.

(6) الفقيه 1: 59- 221، التهذيب 1: 199- 578، الوسائل 3: 369 أبواب التيمم ب 14 ح 12.

(7) التهذيب 1: 200- 579، الوسائل 3: 386 أبواب التيمم ب 23 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 414

حَتَّى تَغْتَسِلُوا و مسّ المصحف، لعدم فصل الأمة بينهما «1».

و فيه: أنه لا ينافي ثبوت البدلية بدلالة خارجة، مع أنها تثبت بدلالة متّصلة، كما مرّ.

و لصاحب المدارك، فقال بأنه يبيح ما يبيحه مطلق

الطهارة، كالصلاة، لقوله عليه السلام: «لا صلاة إلا بطهور» «2» و مسّ المصحف، لقوله تعالى لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «3» دون ما يتوقّف على نوع خاص منها كصوم الجنب، إذ المستفاد من الأخبار أنه طهور، و كالماء في الطهورية، فيكفي فيما يتوقّف عليها دون ما يتوقّف على خصوص الوضوء أو الغسل، لعدم ثبوت بدليته عنهما عموما «4».

و فيه- مع توقّفه على ثبوت الحقيقة الشرعية للطهارة، ثمَّ كونها مشتركة معنوية بين الثلاثة-: أنّ هذا إنّما يتمّ لو أريد من الطهارة فيما تبيحه مطلقها، و هو باطل جزما، لعدم كفاية المطلق، لتعيّن المائية مع التمكّن منها، فيكون المراد منها الفرد الخاص لا القدر المشترك، فلا يفيد.

و القول بأنّ التيمّم مع وجود الماء ليس طهورا، فالمراد مطلقها أي ما يحصل به الطهر، سواء كان تيمّما كما في بعض الأوقات، أو وضوءا كما في بعض آخر، أو غسلا كما في ثالث، مدفوع: بأنه إنما يفيد لو ثبت طهورية التيمّم عند فقد الماء مطلقا أيضا، و هو محل النزاع.

الثانية:

ظاهر نهاية الإحكام أنّ التيمّم يستحب لكلّ ما يستحب له

______________________________

(1) إيضاح الفوائد 1: 66 و 67.

(2) التهذيب 1: 49- 144، الاستبصار 1: 55- 160، الوسائل 1: 365 أبواب الوضوء ب 1 ح 1.

(3) الواقعة: 79.

(4) المدارك 1: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 415

الوضوء و الغسل عند تعذّرهما «1»، و به صرّح الأردبيلي «2» و والدي العلّامة رحمه اللّه، و بعض مشايخنا المحقّقين [1]، و بعض سادة مشايخنا في منظومته «3»، و الحدائق، و نسبه فيه إلى المشهور «4».

و هو الحقّ، لكفاية فتوى هؤلاء مع الشهرة المحكية في إثبات الاستحباب، و لذا قال الشيخ علي في شرح القواعد: و الحقّ

أنّ ما ورد به النصّ أو ذكره من يوثق به من الأصحاب- كالتيمّم بدلا من وضوء الحائض للذكر- يصار إليه «5».

انتهى.

مضافا إلى الرضوي: «و صفة التيمّم للوضوء و الغسل من الجنابة و سائر أبواب الغسل واحد» «6». فإن المستفاد منه مشروعية التيمّم المستلزمة لرجحانه في جميع أبواب الغسل، حيث إنّ الجمع المضاف مفيد للعموم.

و يثبت في جميع أبواب الوضوء أيضا بعدم الفصل، بل بما بعد قوله المتقدم:

«التيمّم غسل المضطر و وضوؤه»: «و هو نصف الوضوء من غير ضرورة إذا لم يجد الماء» «7» دلّ على أنه نصف الوضوء حين لا يوجد الماء مطلقا في غير حال الوجوب، و المراد نصفيته في الترغيب أو الثواب أو الفضيلة أو إضراب ذلك، و كلّ ما كان يفيد الرجحان، بل ذكره عليه السلام لذلك إنشاء لبيان الرجحان. و ضعفهما بعد جبرهما بما مرّ غير ضائر، مع أنّ المقام مقام المسامحة.

______________________________

[1] الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

______________________________

(1) نهاية الإحكام 1: 215.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 1: 243.

(3) بحر العلوم في الدرة النجفية: 47.

(4) الحدائق 4: 370.

(5) جامع المقاصد 1: 79.

(6) فقه الرضا (ع): 88، و عنه في مستدرك الوسائل 2: 535 أحكام التيمم ب 9 ح 1.

(7) فقه الرضا (ع): 88، و عنه في مستدرك الوسائل 2: 535 أحكام التيمم ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 416

و يؤيّد المطلوب: خبر أبي ذر «1»، و رواية المنزلة «2»، و نحوهما. خلافا للمنتهى في بحث الأغسال المستحبة، و المدارك، فقالا بعدم كونه بدلا عن الغسل المستحب أصلا، للأصل «3».

و للكركي، فخصّ البدلية بما كان مبدله رافعا «4»، و اختاره في روض الجنان في غير غسل الإحرام «5».

و عن

الشهيد التردّد في غير الرافع، لأخبار الطهورية في الرافع، و الأصل في غيره «6».

و للفاضل الخوانساري في شرح الدروس، فخصّها بما يستحب له مطلق الطهارة «7»، لمثل ما مرّ في المسألة السابقة «8».

و ضعف الكل يظهر ممّا ذكرنا.

الثالثة:

يجوز التيمّم لصلاة الجنازة لغير المتطهّر، و لو مع التمكن من استعمال الماء، على الأشهر الأظهر، بل عليه الإجماع عن الخلاف و المنتهى و التذكرة «9».

و هو الحجة لكون المقام مقام المسامحة، مضافا إلى إطلاق موثّقة سماعة، السابقة في المسألة الخامسة من الفصل السابق «10»، و مرسلة حريز: «و الجنب يتيمّم

______________________________

(1) المتقدم في ص 413.

(2) التهذيب 1: 200- 581، الاستبصار 1: 163- 566، الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 23 ح 2.

(3) المنتهى 1: 132، المدارك 1: 24.

(4) جامع المقاصد 1: 79.

(5) روض الجنان: 20.

(6) الذكرى: 25.

(7) مشارق الشموس: 50.

(8) راجع ص 414 الرقم (4).

(9) الخلاف 1: 160، و المنتهى 1: 156، و التذكرة 1: 65.

(10) راجع ص 399.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 417

و يصلّي على الجنازة» «1».

خلافا للمحكي عن الإسكافي و المعتبر «2»، فخصّاه بخوف الفوت، تمسّكا بأصالة اشتراط عدم التمكّن من الماء في التيمّم، و صحيحة الحلبي: عن الرجل تدركه الجنازة و هو على غير وضوء، فإن ذهب يتوضّأ فاتته الصلاة، قال: «يتيمّم و يصلّي» «3» و تضعيفا للإجماع بكونه منقولا، و الموثّقة بوقف الراوي و إضمار الرواية.

و يضعّف الأول: بمنع ثبوت الأصالة عموما، و تخصيصها بما مرّ لو ثبتت.

و الثاني: بأنّ التقييد إنما هو في كلام الراوي، و هو لا ينافي ثبوت الإطلاق.

و الثالث: بعدم ضيره في مقام التسامح، مع عدم قدح الوقف و الإضمار بعد ثبوت العدالة و من مثل سماعة.

ثمَّ

جوازه إنما هو على الاستحباب دون الوجوب، لعدم نهوض ما ذكر لإثباته، مضافا إلى الإجماع على عدم وجوب الطهارة في تلك الصلاة.

و قيل: يستحب للنوم أيضا و لو مع وجود الماء «4»، بل في الحدائق: الظاهر أنه لا خلاف فيه، و في اللوامع أنه مجمع عليه.

و لكن المستفاد من بعض مشايخنا المحقّقين اختصاص القول به بجملة من متأخّري المتأخّرين [1].

احتجّ القائل بالاستحباب: بمرسلة الفقيه: «من تطهّر ثمَّ أوى إلى فراشه

______________________________

[1] توجد في «ح» حاشية منه رحمه اللّه تعالى: قال- أي الوحيد البهبهاني- في شرحه على المفاتيح: و لم يذكر المصنف أن أحدا أفتى به، بل ظاهره أنه لم يفت به أحد، و الظاهر أنه كذلك، إلّا أن الظاهر من المصنف و لعل غيره أيضا من جملة متأخري المتأخرين أفتوا بالاستحباب مع وجود الماء مطلقا.

شرح المفاتيح (المخطوط).

______________________________

(1) الكافي 3: 179 الجنائز ب 50 ح 5، التهذيب 3: 204- 480، الوسائل 3: 112 أبواب صلاة الجنازة ب 22 ح 2.

(2) المعتبر 1: 405، و حكاه عن الإسكافي في ص 404.

(3) الكافي 3: 178 الجنائز ب 49 ح 2، الوسائل 3: 111 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 6.

(4) كما في روض الجنان: 20، و المفاتيح 1: 60، و الحدائق 4: 411.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 418

باب و فراشه كمسجده، فإن ذكر أنه على غير وضوء فليتيمّم من دثاره كائنا ما كان» «1».

و لا يخفى أن مقتضاها اختصاص الاستحباب بحال تذكّره في فراشه عدم الوضوء، كما هو ظاهر مختار والدي قدس سره، لا مطلقا كما هو الظاهر من غيره.

و مع ذلك فهي معارضة بمفهوم الشرط في رواية أبي بصير و محمد، المروية في العلل و الخصال:

«لا ينام المسلم و هو جنب، و لا ينام إلّا على طهور، فإن لم يجد الماء فليتيمّم بالصعيد» «2».

و لذا يظهر من بعض مشايخنا الميل إلى عدم جوازه إلّا مع العجز عن الماء «3».

إلّا أنه يمكن أن يقال: إنّ المرسلة- لاختصاصها بحال تذكّر عدم الوضوء في الفراش- أخصّ من وجه من الرواية فتساقطان، و الأصل و إن اقتضى عدم مشروعية التيمّم مطلقا، إلّا أنّ نفي الخلاف و الإجماع المنقول يكفيان لإثبات استحبابه، إلّا أنّهما يثبتانه في صورة التذكر في الفراش خاصة، لتعارضهما في غيرها مع الرواية النافية له.

ثمَّ إنّه لا تجوز الصلاة و سائر مشروطات الطهارة بذلك التيمّم و سابقة و إن حصل العجز بعد التيمم. و الوجه ظاهر.

نعم لو صادف العجز حال الفعل أيضا، جازت.

______________________________

(1) الفقيه 1: 296- 1353، الوسائل 1: 378 أبواب الوضوء ب 9 ح 2.

(2) علل الشرائع: 295- 1، الخصال: 613، الوسائل 2: 227 أبواب الجنابة ب 25 ح 3.

(3) كشف الغطاء: 169.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 419

الفصل الرابع:
اشارة

في كيفيته، أي أفعاله الواجبة، و هي أمور:

الأول: النية،

و وجوبها مجمع عليه، و هو- مع ما مرّ في الوضوء- دليل عليه.

و كيفيتها و ما يعتبر فيها و ما لا يعتبر و وجوب استدامتها حكما و المراد منها يظهر ممّا سبق [1].

______________________________

[1] توجد في «ح» حاشية منه رحمه اللّه تعالى:

اعلم أن الخلاف في نية الوجه و الاستباحة هنا كما سبق في الوضوء. و أما قصد رفع الحدث فلم يعتبر هنا عند الأكثر على اعتباره في المائية أيضا، لعدم ارتفاعه بالتيمم بالإجماع، كما عن الخلاف و المعتبر و المنتهى و التذكرة مؤيدا بقوله عليه السلام لمن تيمم من الجنابة لشدة البرد: «صليت بأصحابك و أنت جنب».

بل قيل بعدم جواز قصده و البطلان معه.

و عن الشهيد في قواعده: جواز نية الرفع إلى غاية معينة إما الحدث أو وجود الماء.

و قيل بجواز نية رفع المانع من الصلاة دون الحدث.

و أما القول بجواز نية رفع الماضي دون المقارن و اللاحق فهو في دائم الحدث كالمبطون و السلس دون المتيمم.

و قال والدي العلامة- رحمه اللّه-: إن الحدث يطلق تارة على نفس الناقض، و اخرى على الحال المعلولة له التي هي العلة لمنع الشارع، و ثالثة على نفس الممنوعية من العبادة. فالأول علة للثاني و الثاني للثالث. و لا ريب أن نية رفع الأول غير معقول، فالكلام في أحد الأخيرين. فإن كان المراد الثاني فلا يرتفع بالتراب، لأن واجد الماء بعد التيمم للجنابة- مثلا- بعده جنب قطعا مع أنه لم يحدث بسبب الجنابة و الحالة باقية قطعا، بخلاف المغتسل فإنه لا يجنب إلا بسبب جديد.

و إن كان الثالث فهو مرتفع بالتيمم و لا غاية له بل هو باق ما دام التيمم باقيا

كما في المائية، غاية الأمر ناقضية الماء للتيمم أيضا دونها.

فقول الشهيد بجواز الرفع إلى غاية، إن أراد رفعه بالمعنى الثاني فهو لا يرتفع، و إن أراد الثالث فهو في الماء و التراب على طريق واحد، غاية الأمر أن الممنوعية بسبب الحالة السابقة ترتفع في المائية مطلقا و في الترابية إلى غاية، و لكن هذا القيد غير معتبر في النية قطعا.

و أما القول الرابع، فإن أراد بالمانع المنع- كما قيل- يرجع إلى المعنى الثالث، و إن أراد الثاني فقد عرفت حاله.

و التحقيق ما ذكره الوالد قدس سره، إلا أنه يمكن أن يمنع حدوث الحالة الثانية، بل الحادثة هي الاولى و الثالثة فقط، و الأولى علة للثالثة، و كذا سائر ما رتبه الشارع من ارتفاع الممنوعية و عدم عودها ما لم يحدث حدث آخر، و ارتفاعها و عدم عودها مع ما ذكر أو وجود الماء مع الترابية.

ثمَّ إن في اعتبار نية البدلية عن الغسل أو الوضوء أقوال:

العدم، و الوجود، و التفصيل بالأول مع اختلاف كيفية التيمم و الثاني مع عدمه، و الوجود فيما يزيد المأمور به على ماهية الغسل كغسل الجمعة، فيلزم منه البدلية عنه دون غيره. و يظهر حقيقة الحال فيه مما مر في بحث الوضوء.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 420

و وقتها- الذي لا يجوز التأخير عنه- عند ضرب اليد على المشهور، و لو [1] ضرب يديه على الأرض لسبب آخر- و لو راجح شرعا- ثمَّ أراد التيمّم يجب عليه ضرب آخر مع قصد التيمّم.

لا للأخبار الآمرة بضرب الكفّين، لأنّه- مع أنّ أكثر الأخبار الواردة في ذلك المضمار إنّما وردت بلفظ الإخبار الغير المفيد للوجوب- لا نزاع في وجوبه حتى من المخالف، فإنه يقول:

إنه واجب خارج عن التيمّم شرط له، و نقل الإجماع عليه جملة من الأصحاب «1»، فإثبات الوجوب لا يفيد في وجوب مقارنة نية التيمّم له. و ضمّ الأصلية في الوجوب المتوقّفة (صحته) [2] على النية باعتبار أنها الأصل في الوجوب أيضا غير مفيد، لأنّ لازمه وجوب مقارنة نية الضرب له دون التيمّم، و الظاهر أنه لا كلام فيه، و أنّ الفاضل- الذي هو المخالف- قال بوجوبه أيضا و لم يكتف بوضع اليد على الأرض لأجل القيام أو ضربها لقتل دويبة أو نحوه عن ضربة التيمّم، و إنما الكلام في نية التيمّم و محلها، و لا يفيد في ذلك وجوب الضرب و شرطيته، كما لا تجب نية الصلاة عند الوضوء.

بل لاستصحاب الممنوعية من الصلاة، و النصوص الدالّة على أنّ الضرب

______________________________

[1] في «ق»: فلو.

[2] ليست في «ق».

______________________________

(1) كالشهيد في الذكرى: 107، و الكركي في جامع المقاصد 1: 489، و صاحب المدارك 2: 217.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 421

داخل في حقيقة التيمّم.

ففي صحيحة الكندي: «التيمّم ضربة للوجه و ضربة للكفين» «1».

و في صحيحة محمد: عن التيمم، قال: «مرتين مرتين للوجه و اليدين» «2».

و في صحيحة زرارة: قلت: كيف التيمّم؟ قال: «هو ضرب واحد للوضوء، و الغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثمَّ تنفضهما نفضة للوجه، و مرة لليدين» «3». الحديث.

و في الرضوي: «و صفة التيمّم للوضوء و الجنابة و سائر أبواب الغسل واحد، و هو أن تضرب بيديك الأرض ضربة واحدة تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف، ثمَّ تضرب بها الأخرى فتمسح بها اليمنى إلى حد الزند» «4» الحديث.

فإنّ الحمل حقيقة في الاتّحاد المستلزم لجزئية أجزاء المحمول للموضوع الموجبة لوجوبها بإيجاب

الموضوع، إلّا أنّ في دلالة غير الرضوي المنجبر بالشهرة بل الإجماع المنقول نظرا يظهر وجهه في مسألة عدد الضربات.

خلافا للمحكي عن نهاية الإحكام للفاضل، فجعل الضرب خارجا عن التيمّم و نزّله منزلة أخذ الماء للمائية، و لذا يجوّز تأخير النية إلى مسح الجبهة «5»، بل لأكثر كتبه، كما صرّح به المحقّق الثاني في شرح القواعد «6».

______________________________

(1) التهذيب 1: 210- 609، الاستبصار 1: 171- 597، الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12 ح 3.

(2) التهذيب 1: 210- 610، الاستبصار 1: 172- 598، الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12 ح 1.

(3) التهذيب 1: 210- 611، الاستبصار 1: 172- 599، الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12 ح 4.

(4) فقه الرضا (ع): 88، و عنه في مستدرك الوسائل 2: 535 أحكام التيمم ب 9 ح 1.

(5) نهاية الإحكام 1: 204.

(6) جامع المقاصد 1: 490.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 422

لقوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا 4: 43 أي اقصدوا صعيدا، و هذا القصد خارج عن التيمّم قطعا و لم يذكر إلّا المسح، فلا يكون الضرب داخلا فيه.

و لقوله في رواية زرارة: «فليتيمم، يضرب بيده على اللبد و البرذعة و يتيمّم» «1».

و يردّ الأول: بأنّ عدم التصريح بوجوبه في الآية- سيما مع دلالتها عليه و لو تبعا- لا ينافي ثبوت وجوبه و جزئيته من غيرها.

و الثاني: بأنّ غايته استعمال التيمّم في سائر الأجزاء، و هو أعم من الحقيقة، و لا يعارض الحمل الذي هو حقيقة في الحقيقي.

مع أنّ كونه مستعملا في السائر غير معلوم، لأن غاية ما يقتضيه العطف مغايرته للمعطوف عليه، و يكفي فيها الجزئية و الكلية، كما يقال: توضّأ و نوى و كبّر و صلّى.

و

أيضا يمكن أن يكون المراد بقوله: «يضرب بيده» الضرب لظهور الغبار، فإنه مستحب أيضا.

الثاني: وضع اليدين على ما يتيمّم به،
اشارة

و لا نزاع في وجوبه بل هو مجمع عليه، فهو مع ما مرّ من مثبتات جزئيته يدلّ عليه. و إنما النزاع في أنه هل يكتفى فيه بمجرد الوضع، أو يجب الضرب أي ما يسمّى ضربا عرفا و هو ما يكون مع الدفع و الاعتماد، لا مجرّد الوضع المشتمل كما في كلام جماعة من المتأخّرين، لأنّه لا يستلزم صدق الضرب العرفي، و كأنهم أرادوا أيضا ذلك و إن كان كلامهم قاصرا؟

فصرّح الشهيد في الذكرى و الدروس «2»، و المحقّق الثاني في شرح القواعد «3»

______________________________

(1) التهذيب 1: 190- 547، الاستبصار 1: 156- 540، الوسائل 3: 354 أبواب التيمم ب 9 ح 5.

(2) الذكرى: 108، الدروس 1: 132.

(3) جامع المقاصد 1: 489.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 423

و حاشية الإرشاد بالأول، و هو مختار الأردبيلي، قال: الظاهر أنه لا فرق بين الضرب و الوضع في الإجزاء، لوجودهما في الأخبار و عدم المنافاة بينهما بوجه، فلا يحمل أحدهما على الآخر «1».

و صرّح جماعة بالثاني «2»، بل نسبه جماعة- منهم والدي العلّامة رحمه اللّه- إلى المشهور، و يظهر اشتهاره من الذكرى أيضا «3».

و في كلام كثير منهم إجمال، كالنهاية و المبسوط و الجامع و الشرائع و المعتبر «4»، و أكثر كتب الفاضل «5»، حيث إنّهم عبّروا بالضرب و الوضع معا، فمنهم من عبّر بالضربة و الضربتين في مسألة عدد الضربات بعد التعبير بالوضع في ذكر الواجبات، و منهم من ذكر الأول في التيمّم بدل الوضوء و الثاني في بدل الغسل، و ظاهر أنه لا فرق بينهما، و لذا قال المحقق الثاني: و اختلاف عبارات الأصحاب

و الأخبار في التعبير بالوضع و الضرب يدلّ على أنّ المراد بهما واحد «6».

و كيف كان، فاستدلّ الأولون: بإطلاق الآية، و الأخبار البيانية المتضمّنة للوضع «7».

و الآخرون: بأصل الاشتغال، و الروايات المشتملة على الضرب «8»، و بها قيّدوا الآية و إطلاق الوضع، مضافا إلى أنّ أخبار الوضع حكاية للفعل، و نقل وقوع العام لا يستلزم صحة جميع أفراده، إذ الفعل المثبت لا عموم له.

أقول: هذا إنما يصح على القول بكون الوضع أعم من الضرب، و أمّا لو

______________________________

(1) مجمع الفائدة 1: 236.

(2) كالعلامة في المنتهى 1: 147، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 146، و المحقق السبزواري في كفاية الأحكام: 8.

(3) الذكرى: 108.

(4) النهاية: 49، المبسوط 1: 32، الجامع للشرائع: 46، الشرائع 1: 48، المعتبر 1: 389.

(5) كالمنتهى 1: 147، و التحرير 1: 22، و القواعد 1: 23.

(6) جامع المقاصد 1: 489.

(7) انظر: الوسائل 3: 358 أبواب التيمم ب 11.

(8) انظر: الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 424

قلنا بتباينهما، فوضع الإمام عليه السلام يدلّ على كفايته، و لا يكون هناك تقييد و إطلاق، بل يجب إمّا جعل الوضع مجازا في الضرب، كما هو محتمل، أو الأمر بالضرب في الاستحباب، كما هو غاية ما يثبت من الأخبار المتضمّنة له، لخلوّها عن لفظ دالّ على الوجوب.

نعم، في الرضوي: «اضرب بكفيك» «1» و هو صريح في الوجوب فيه، بعد جبر ضعفه بما مرّ من الشهرة المحكية، بل بما مرّ من الأخبار المصرّحة بأن التيمّم ضرب يمكن تقييد المطلقات على القول بأعمية الوضع، فالقول بتعيين الضرب- عليه- ثابت.

و أمّا على التباين فتتعارض أخبار الطرفين، و الحكم التخيير، كما ذهب إليه الأردبيلي. بل

هو قول كلّ من قال بكفاية الوضع، لجواز الاكتفاء بالضرب إجماعا و هو محتمل كلّ من عبّر بالأمرين.

و أمّا ترجيح أخبار الضرب بالشهرة، و بكونه لفظ المعصوم و الوضع لفظ الراوي «2»، فليس بجيّد عندي.

إلّا أنّ الأحوط العمل بالضرب، لإجماعيته. بل هو الأقوى مطلقا أيضا، إذ لو لم نقل بأعمية [الوضع ] [1] كما قاله الأكثر، فالتباين غير ثابت أيضا، سيما في الضرب اللازم في التيمّم المجزي فيه يسير دفع، فلا يعلم معارض مدافع لموجبات الضرب، فيجب العمل بها قطعا.

و يجب أن يكون الضرب بباطن الكفين، كما صرّح به في المقنعة و المراسم و السرائر و المهذّب و الذكرى و الدروس و البيان و شرح القواعد للمحقّق الثاني و المدارك «3»، بل المنتهى و التذكرة، حيث ذكر فيهما في الكيفية أنه يمسح ظهر

______________________________

[1] في النسخ: الضرب، و الصواب ما أثبتناه.

______________________________

(1) فقه الرضا (ع): 88، و عنه في مستدرك الوسائل 2: 535 أحكام التيمم ب 9 ح 1.

(2) كما في كشف اللثام 1: 147.

(3) المقنعة: 62، المراسم: 54، السرائر 1: 136، المهذب 1: 47، الذكرى: 108، الدروس 1: 133، البيان: 86، جامع المقاصد 1: 490، المدارك 2: 218.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 425

اليسرى ببطن اليمنى و بالعكس «1»، بل هو المشهور بين العلماء، بل صرّح بعض مشايخنا المحقّقين أنه وفاقي، و عليه عمل المسلمين في الأعصار و الأمصار من دون شك «2»، و هو كذلك.

و هو الحجة فيه، لا التبادر من الكف في الأخبار كما قيل «3»، لاستعمال الكف فيها في الأكثر في كلّ من الماسح و الممسوح مطلقا، و تصريح اللغويين «4» و الفقهاء بأنها اليد. و لا أنه المعهود من فعل الحجج، لكونه

في حيز المنع.

و لو تعذّر الباطن أجزأ الظاهر، لإطلاق الظواهر، خرج غير المعذور بما مرّ، فيبقى الباقي.

و استدلال بعض من ادّعى تبادر الباطن على إجزاء الظاهر للمعذور فيبقى الباقي.

و استدلال بعض من ادّعى تبادر الباطن على إجزاء الظاهر للمعذور بحديث «لا يسقط الميسور» «5» ضعيف.

و لو تعذّر الباطن من إحداهما ففي الاجتزاء بباطن الأخرى، أو ضمّ ظاهر الأولى إليه، أو كفاية الظاهر منهما حينئذ أوجه، أوجهها: أحد الأخيرين، للإطلاق المذكور.

و هل يتعيّن الثاني؟ فيه إشكال، لعدم معلومية الإجماع في هذا المقام.

و لو قطع إحدى الكفّين أو بعض إحداهما أو بعض كلّ منهما، ضرب بالباقي، للإطلاق السابق. و لو قطع المجموع منهما، سقط الضرب، للأصل.

و ظاهرهم وجوب معية اليدين في الضرب، فلو ضرب إحداهما و أتبعهما بالأخرى، لم يجز، لأنّه المفهوم من قوله في المعتبرة: «تضرب كفّيك» و «ضرب

______________________________

(1) المنتهى 1: 147، التذكرة 1: 63.

(2) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

(3) انظر: الرياض 1: 79.

(4) كما في القاموس المحيط 3: 197، و لسان العرب 9: 301.

(5) كما في الرياض 1: 79.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 426

بيديه» «1» و نحو ذلك. و في فهمه منه تأمل.

و لنحو قوله: «ضربة للوجه و ضربة للكفين» و في دلالته نظر.

مع أنّ في صحيحة محمد في الضربة الثانية أنه يضرب الشمال لليمين و اليمين للشمال «2»، و أفتى بمضمونها الصدوق في المجالس «3»، و لذا جعله المحقّق الأردبيلي الأحوط «4» المشعر بعدم الوجوب، و هو كذلك.

مسائل:
الأولى:

@@@الضرب في التيمّم مرة مطلقا، وفاقا للإسكافي و العماني «5»، و المفيد في العزّية [1]، و السيد في الجمل و شرح الرسالة و ظاهر الناصريات «6»، و الصدوق في ظاهر المقنع و الهداية

«7»، و القاضي [2] و الحلبيين [3]، و المعتبر و الذكرى

______________________________

[1] حكاه عنها في المختلف: 50، و الذكرى: 108، و توجد في «ح» حاشية منه رحمه اللّه تعالى: العزية بالعين المهملة و الزاء المعجمة: رسالة كتبها لعز الدولة.

[2] شرح الجمل: 61، و لكنه اختار في المهذب 1: 33 ضربتين في البدل من الغسل.

[3] أبو الصلاح الحلبي في الكافي: 136، و لكنه قال بوجوب المرة في بدل الوضوء خاصة، و سيأتي قريبا ذكره في جملة القائلين بالتفصيل. و أما ابن زهرة فقال بأن مقتضى الاحتياط ضربتان في بدل الغسل راجع الغنية (الجوامع الفقهية): 555، فلا يبعد أن كلمة الحلبيين زيادة من الناسخ.

______________________________

(1) الوسائل 3: 358 و 361 أبواب التيمم ب 11 و 12.

(2) التهذيب 1: 210- 612، الاستبصار 1: 172- 600، الوسائل 3: 362 أبواب التيمم ب 12 ح 5.

(3) أمالي الصدوق: 515.

(4) مجمع الفائدة 1: 228.

(5) حكاه عنهما في المختلف: 50.

(6) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 25، و حكى عن شرح الرسالة في الذكرى:

108، المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 188.

(7) المقنع: 9، الهداية: 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 427

و المدارك «1»، و حكته العامة عن علي «2»، و هو مختار معظم الثالثة كما في اللوامع.

للأصل، و الإطلاقات، و رواية الدعائم: قالوا صلوات اللّه عليهم:

«المتيمّم تجزيه ضربة واحدة يمسح بها وجهه و يديه» «3».

و ضعفها منجبر بالعمل و لو في الوضوء خاصة، و يتمّ المطلوب بما يأتي من الأخبار المصرّحة بتسوية التيمّم للوضوء و الغسل «4».

و يؤيّده خلوّ التيمّمات البيانية عن ضربة أخرى، و تصريح الراوي في بعضها بالوحدة «5»، و إن احتمل الاولى كونها بيانا للممسوح و الماسح دون جميع الأجزاء

و الشرائط، و لذا لم يذكر النية و بعض الشروط، أو كون ذكر الثانية مهملا من الرواة و لو كان إماما- كما في بعض روايات حكاية عمّار «6»- كإهمال ذكر البدأة بالأعلى و الضربات بالباطن و المسح بالظهر و غيرها.

و دعوى ظهور بعضها في كون الملحوظ بيانه اتّحاد الضرب و تعدّده، أو ظهور عدم نقل التعدّد في بيان العبادة في عدم لزومه، ممنوعة جدا. بل لا يبعد دعوى ظهورها في أنّ الغرض إمّا الرد على التمعك أو على المسح إلى الذراع أو كلّ الوجه أو تكرار المسح، و لذا وقع في بعضها الضرب على الأرض و في آخر على البساط، و في البعض المسح باليد، و في آخر بالأصابع، و في البعض صرّح في الممسوح بالظهر، و في الآخر لم يصرّح، إلى غير ذلك.

و احتمل الثاني كون الوحدة قيدا للمسح. و استبعاده- إذ ليس تعدّده محل توهّم- مردود بأنّ كونه كذلك في أمثال هذا الزمان بالإجماع و نحوه لا يوجب كونه كذلك في مبادي الأمر أيضا، فلعلّ فيها خفاء فيه.

______________________________

(1) المعتبر 1: 389، و الذكرى: 108، و المدارك 2: 232.

(2) كما في المغني و الشرح الكبير 1: 309.

(3) دعائم الإسلام 1: 121، و عنه في مستدرك الوسائل 2: 538 أحكام التيمم ب 10 ح 2.

(4) انظر: ص 432.

(5) الوسائل 3: 358 أبواب التيمم ب 11.

(6) الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 428

خلافا للمحكي عن المفيد في الأركان «1»، و والد الصدوق في الرسالة [1]، و ولده في المجالس [2]، فقالوا: إنّه مرتان مطلقا. و اختاره صاحب المنتقى من المتأخّرين، و نقل أنه مذهب جماعة من قدماء الأصحاب «2»،

و نسبه في التبيان و مجمع البيان إلى قوم من أصحابنا «3».

لصحاح الكندي و محمد و زرارة، و الرضوي، المتقدّمة في النية «4»، و رواية ليث: «تضرب بكفّيك على الأرض مرتين» «5».

و يضعّف الثلاثة الأولى: بعدم الدلالة على الوجوب.

أما الأوليان: فلأنهما و إن تضمّنتا الحمل الذي هو حقيقة في الحقيقي المستلزم للوجوب، إلّا أنه لكون المحمول فيهما جزءا للتيمّم دون نفسه يكون الحمل تجوّزا خارجا عن حقيقته، و معه لا يثبت الوجوب لسعة دائرة المجاز.

و أمّا الثالثة: فلخلوّها عن الدالّ على الوجوب، و به يضعّف الخامسة أيضا.

و أمّا الرابعة: ففي نفسها ضعيفة، و عن الجابر في المقام خالية، إلّا أن يقال بانجبارها في الغسل بما يأتي، و يتمّ في الوضوء بأخبار التسوية.

و يجاب حينئذ بأنّ القول بالضربتين مطلقا محكي عن العامة «6»، فالرواية

______________________________

[1] حكاه عنه في المختلف: 50، و قال في الذكرى: 108 إن الفاضلين نقلا عنها- أي رسالة علي بن بابويه- اختيار الضربتين. ثمَّ نقل عبارتها و استفاد منها اعتبار ثلاث ضربات فراجع.

[2] الأمالي: 515، قال فيه: فإذا أراد الرجل أن يتيمم ضرب بيديه على الأرض مرة واحدة، ثمَّ ينفضهما فيمسح بهما وجهه، ثمَّ يضرب بيده اليسرى الأرض فيمسح بها يده اليمنى من المرفق إلى أطراف الأصابع، ثمَّ يضرب بيمينه الأرض فيمسح بها يساره من المرفق إلى أطراف الأصابع.

______________________________

(1) حكاه عنه في الذكرى: 108.

(2) منتقى الجمان 1: 351.

(3) التبيان 3: 208، و مجمع البيان 2: 52.

(4) راجع ص 421.

(5) التهذيب 1: 209- 608، الاستبصار 1: 171- 596، الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12 ح 2.

(6) كما في بداية المجتهد 1: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 429

الدالّة عليه لهم موافقة، فتطرح (بعد

معارضتها مع ما مرّ من خبر المرة، مع أنه لو لا ترجيحه أيضا لكان المرجع إلى الأصل) [1]. و بهذا يجاب أيضا عن سائر الأخبار لو كانت فيها الدلالة.

و للمقنعة و مصباح الشيخ و نهايته و مبسوطه و الفقيه و الديلمي و الحلّي و الحلبي و ابن حمزة «1»، بل أكثر المتأخّرين، بل مطلقا كما قيل «2»، بل عن الأمالي و مجمع البيان و التهذيب و التبيان: الإجماع عليه «3». فقالوا بالمرة في بدل الوضوء و المرتين في بدل الغسل، للجمع بين أدلّة المرة و المرتين.

و خصوص صحيحة زرارة، المتقدّمة «4»، على جعل الواو فيها للاستئناف المقتضي لجعل ما بعدها مبتدأ و جعل «يضرب» خبرا له.

و ما في المنتهى، حيث قال: و روى- يعني الشيخ- في الصحيح، عن محمد ابن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ التيمّم من الوضوء مرّة واحدة و من الجنابة مرّتان» «5».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 3    429     مسائل: ..... ص : 426

ما نقل عن الحلبي و الصيمري أنهما قالا: إنّ بذلك القول روايات [2].

و صحيحة محمد الآتية «6».

و الإجماعات المنقولة.

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ق».

[2] لم نعثر على من نقل ذلك عنهما.

______________________________

(1) المقنعة: 62، و مصباح المتهجد: 13، و النهاية: 49، و المبسوط 1: 33، و الفقيه 1: 57، و الديلمي في المراسم: 54، و الحلي في السرائر 1: 137، و الحلبي في الكافي في الفقه: 136، و ابن حمزة في الوسيلة: 76.

(2) حكاه في مفتاح الكرامة 1: 546 عن كشف الالتباس و إرشاد الجعفرية.

(3) أمالي الصدوق: 515، و مجمع البيان 2: 52، و التهذيب 1: 211، و التبيان 3: 208.

(4) في ص 421.

(5)

المنتهى 1: 148، و عنه في الوسائل 3: 363 أبواب التيمم ب 12 ح 8.

(6) انظر: ص 432.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 430

و يردّ الأول: بما مرّ من عدم تمامية أخبار المرتين، و عدم تعيّن وجه الجمع في ذلك على فرض التمامية.

و الثاني:

باحتمال كون الواو للعطف، و يكون المعنى: التيمّم نوع واحد للوضوء و الغسل، إلى آخره، فيكون دليلا للمرتين مطلقا، و بعد الاحتمال لا يتمّ الاستدلال، كما لا يتمّ دليلا للمرتين أيضا لذلك، إلّا أن يقال: إنّه تتمّ دلالتها على المرتين في الغسل على الاحتمالين، و يعمل في الوضوء بالأصل، فتتمّ دلالتها على التفصيل، إلّا أنه لا دلالة فيها على الوجوب أصلا، فلا فائدة في التتميم.

و منه يظهر عدم دلالتها على ما نقلها في المعتبر أيضا من إيراد «ضربة واحدة» مكان «ضرب واحد» «1» و إن لم يستقم عليه الاحتمال الأخير، مع أنّ الموجود في كتب الأخبار «ضرب واحد» و كأنّ ما في المعتبر و النافع غفلة [1]، أو نقل بالمعنى مع فهمه الاحتمال الأول، أو سهو من النسّاخ.

و الثالث: بعدم دلالته على الوجوب إلّا باعتبار الحمل الذي عرفت حاله.

مضافا إلى ما فيه من الإجمال من جهة عدم ذكر متعلّق المرة و المرتين، فيحتمل أن يكون في المسح، كما صرّح بالوحدة فيه في صحيحة زرارة و غيرها «2»، أو التيمّم، أو غيرهما.

مع أن هذه الرواية لم توجد في شي ء من كتب الحديث، و لم ينقله غير الفاضل في كتب الاستدلال، و كأنّه- كما صرّح به جماعة «3»- و هم نشأ له من عبارة الشيخ [2].

______________________________

[1] لم ينقل في النافع تلك الرواية، و إنما المذكور فيه: في عدد الضربات أقوال أجودها: للوضوء ضربة

و للغسل اثنتان. النافع: 17.

[2] توجد في «ح» حاشية منه رحمه اللّه تعالى: حيث إنه قال بعد جمع الأخبار بالتفصيل: مع أنا قد أوردنا خبرين مفسرين لهذه الأخبار أحدهما عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، و الآخر عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام: إن التيمم من الوضوء مرة واحدة و من الجنابة مرتان. (التهذيب 1: 211) و الخبر المروي عن ابن مسلم هو الخبر الآتي المتضمن بضربات ثلاث مطلقا، و كأنه نقل حاصل ما فهمه منه، فظن الفاضل أنه حديث آخر.

______________________________

(1) المعتبر 1: 388.

(2) التهذيب 1: 211 و 212- 613 و 614، الاستبصار 1: 171- 593 و 594، الوسائل 3:

359 و 360 أبواب التيمم ب 11 ح 3 و 6.

(3) كصاحب المنتقى 1: 352، و المدارك 2: 234، و الذخيرة: 105.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 431

و الرابع: بأنّ صلاحيته فرع ملاحظة تلك الروايات و دلالتها.

و الخامس: بعدم الدلالة على التفرقة، كما يأتي.

و السادس: بعدم الحجية، مع أنّ عبارة غير الأمالي ليست نصّا في دعوى الإجماع [1]، و الظاهر من الأمالي الإجماع على وجوب التيمّم «1»، و لا تعلّق له بالمورد، و مع ذلك- لو سلّم- موهون بمصيره هو في كتابيه «2»، و والده [2]، و شيخه [3] إلى خلافه.

هذا كلّه، مع فساد هذا الجمع، و معارضة ما استدلّوا له بموثّقة الساباطي: عن التيمم من الوضوء و من الجنابة و من الحيض للنساء سواء؟ قال:

«نعم» «3».

و حمل التسوية على التساوي في الوجوب ردّا على بعض العامة القائل بعدم جواز التيمّم للجنب «4»، أو في العدد ردّا على بعض آخر منهم

يقول بتعدّده للجنابة و الحيض «5»، خلاف الظاهر المتبادر، بل لا يلائمه لفظة «من» في قوله: «من

______________________________

[1] ففي التبيان و مجمع البيان: مذهبنا في التيمم .. و قريب منه في التهذيب. راجع ص 429 الهامش (4).

[2] حكى عن رسالته في الذكرى: 108، و قال: إنه لم يفرق بين الوضوء و الغسل.

[3] قال في الرياض 1: 78 .. و شيخه الكليني. و قال أيضا في مقام ذكر القائلين بالمرة مطلقا: و هو ظاهر الكليني لاقتصاره بذكر أخبار المرة. راجع الكافي 3: 61.

______________________________

(1) راجع ص 429.

(2) المقنع: 9، و الهداية: 18.

(3) الفقيه 1: 58- 215، التهذيب 1: 212- 617، الوسائل 3: 362 أبواب التيمم ب 12 ح 6.

(4) الجامع لأحكام القرآن 5: 223.

(5) الانصاف 1: 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 432

الوضوء و من الجنابة و من الحيض» لأنها تفيد مسلّمية البدلية في الكل، و أن التشكيك في الكيفية.

و بقوله في الرضوي المتقدم: «وصفه التيمّم للوضوء و الجنابة و سائر أبواب الغسل واحد» «1».

و للمحكي عن بعض القدماء كما في اللوامع، و عن قوم منّا كما في المعتبر «2»، فأوجب ثلاث مرات.

فإن كان مراده ضرب مجموع اليدين ثلاثا، فلا مستند له.

و إن كان ضرب مجموعهما مرة للوجه ثمَّ اليسرى لليمنى و بالعكس- كما هو مختار والد الصدوق «3»، و عن المجالس كما مرّ «4»، و جوّز المحقّق العمل به و خيّر بينه و بين الجمع في الثانية «5»، و استحسنه بعض المتأخرين «6»- فمستنده صحيحة محمد: عن التيمّم، فضرب بكفّيه الأرض، ثمَّ مسح بهما وجهه، ثمَّ ضرب بشماله الأرض، فمسح بها مرفقه إلى طرف الأصابع، واحدة على ظهرها، و واحدة على بطنها، ثمَّ ضرب بيمينه الأرض،

ثمَّ صنع بشماله كما صنع بيمينه، ثمَّ قال: هذا التيمم على ما كان فيه الغسل. و في الوضوء الوجه و اليدين إلى المرفقين. و ألقى ما كان عليه مسح الرأس و القدمين «7».

و يضعّف بمعارضته ما مرّ، مع ندرة العامل بها الموجبة لشذوذها المخرج لها عن الحجية.

مضافا إلى عدم دلالتها على الوجوب إلّا من جهة الحمل الذي هو محمول

______________________________

(1) راجع ص 421.

(2) المعتبر 1: 388.

(3) راجع ص 426.

(4) راجع ص 428.

(5) المعتبر 1: 388.

(6) مدارك الأحكام 2: 232.

(7) التهذيب 1: 210- 612، الاستبصار 1: 172- 600، الوسائل 3: 362 أبواب التيمم ب 12 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 433

هنا على التجوّز أو التقية قطعا، لتضمّنها مسح الظهر من المرفقين.

ثمَّ بما ذكرنا ظهر استحباب المرتين مطلقا.

الثانية: الأظهر اشتراط علوق التراب باليد، وفاقا للمحكي عن السيد «1»، و الإسكافي «2»، و أكثر الثالثة «3»، و هو مختار شيخنا البهائي و والده طاب ثراهما [1]، و والدي العلّامة و أكثر مشايخنا و معاصرينا قدّس أسرارهم [2].

لا لعموم البدلية و المنزلة، لمنعهما، مع أنهما لو سلّما ففي الأحكام دون كيفية الاستعمال. و لا لوجوب القطع بالبراءة، لحصوله من المطلقات. و لا لأنه مقتضى كون التراب طهورا، لمنع الاقتضاء، لكفاية توقّف التطهر على الضرب عليه في طهوريته.

بل لقوله جلّ شأنه فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ «4» لرجوع الضمير إلى الصعيد، و كون لفظة «من» للتبعيض بحكم التبادر، كما يظهر من قولهم: مسحت رأسي من الماء و من الدهن، و صرّح به الزمخشري في تفسير الآية «5».

و جعلها لابتداء الغاية أو البدلية بإرجاع الضمير إلى الماء أو الوضوء و الغسل، أو السببية بإرجاعه إلى الحدث حيث يستفاد من

الكلام، أو إلى عدم وجدان الماء، بعيد غايته، بل مخالف لظاهر صحيحة زرارة، و فيها: من أين علمت و قلت: إنّ المسح ببعض الرأس و بعض القدم؟ فضحك ثمَّ قال: «يا

______________________________

[1] الحبل المتين: 89، و نقل فيه عن والده أيضا.

[2] كالوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط)، و صاحب كشف الغطاء: 167، و الرياض 1: 75.

______________________________

(1) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 188.

(2) نقله عنه في المختلف: 50.

(3) كالفيض في المفاتيح 1: 62، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 103، و صاحب الحدائق 4:

333.

(4) المائدة: 6.

(5) الكشاف 1: 515.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 434

زرارة قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و نزل به الكتاب من اللّه، لأنّ اللّه يقول:

اغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ» إلى أن قال: «ثمَّ قال: فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ ، فلمّا أن وضع الوضوء عمّن لم يجد الماء أثبت بعض [1] الغسل مسحا، لأنه قال: بوجوهكم، ثمَّ وصل بها: و أيديكم منه، أي من ذلك التيمّم، لأنه علم أن ذلك أجمع لا يجري على الوجه، لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف و لا يعلّق ببعضها» «1».

دلّ على أنّ المراد بالتيمّم المتيمّم به. لا لعدم إمكان إرادة المعنى الاصطلاحي حيث لم يتحقّق، و لا اللغوي، لبعده، لأنّ جزء الاصطلاحي قد تحقّق، و تسمية الجزء باسم الكل ممكنة، غايتها التجوّز اللازم في إرادة المتيمّم به أيضا.

بل لأنه ظاهر قوله: «لأنه علم ..» لأن الظاهر أنه تعليل لقوله: «من ذلك التيمّم» أي: لم أوجب المسح ببعض ذلك؟ لأنه علم أن ذلك كلّه لا يجري على الوجه، لأنه يعلّق من ذلك الصعيد المتيمّم به ببعض الكف و لا يعلّق ببعضها، فلا يكون كلّه

جاريا على الوجه، و هذا كالنص في كون «من» للتبعيض، و عود الضمير إلى الصعيد، فأمر بالمسح ببعضه، و هو لا يكون إلّا مع العلوق.

و جعل قوله: «لأنه» تعليلا لقوله: «قال بوجوهكم» الدالّ على وجوب مسح بعض الوجه بعيد بل غير مستقيم، لأنّ الصالح للعلية حينئذ عدم جريان الصعيد على كلّ الوجه لا عدم جريان كلّه عليه.

مع أنه لو صح لكان مفاده أنّ تبعيض الوجه لأجل أنه علم أنّ الصعيد لا يجري على الوجه لعلّته، و لازمه وجوب إجرائه على جميع موضع المسح، و إذا ضمّ

______________________________

[1] في التهذيب: بعوض.

______________________________

(1) الكافي 3: 30 الطهارة ب 19 ح 4، الفقيه 1: 56- 212، التهذيب 1: 61- 168، الوسائل 3: 364 أبواب التيمم ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 435

ذلك مع قوله: «لأنه يعلّق ببعض الكف» يتحصّل منه وجوب مسح جميع أجزاء الممسوح بجميع أجزاء الماسح حتى يحصل العلم بمسح كلّ جزء بما فيه العلوق، و هو متعسّر بل متعذّر.

و قد يقال: إنّ جعله تعليلا لذلك أيضا كالنصّ على كون «من» للتبعيض و اشتراط العلوق «1». و فيه نظر [1].

و يدلّ على المطلوب أيضا قوله: «فليمسح من الأرض» كما في الصحيح «2».

و يؤيّده ما مرّ من جعله عليه السلام التراب أو الأرض طهورا في عدة أخبار «3»، فإنّ الظاهر منه كون نفس التراب مطهّرا، لا مجرّد الكف الخالي عنه بمجرّد ملاقاته له.

خلافا للمشهور كما قيل «4»، بل ظاهر المنتهى الإجماع عليه «5»، فلم يشترط العلوق، للأصل، و الإجماع على استحباب النفض المنافي للعلوق، و كون الصعيد وجه الأرض الصادق على الحجر الخالي عن الغبار، و كفاية الضربة الواحدة حيث إنّ الغالب فيها عدم بقاء

الغبار فيها لليدين.

و يندفع الأول: بما مرّ.

و الثاني: بمنع المنافاة كما لا ينافي تقليل الماء في المسح للوضوء، و لذا قال و الثاني: بمنع المنافاة كما لا ينافي تقليل الماء في المسح للوضوء، و لذا قال

______________________________

[1] توجد في «ح» حاشية منه رحمه اللّه تعالى: إذ لا تعلّق حينئذ بقوله «من ذلك التيمم» فلا دلالة له على معنى من، غايته أنه يدل على أن علة تبعيض الوجه عدم إمكان إجراء العلوق على جميعه، و حيث لا يجب الاطراد في العلة يكفي فيها كونه كذلك في الجملة، كما قالوا في علة ضرب الدية على العاقلة إنها مما يفهم من القاتل في الجاهلية.

______________________________

(1) كما في الحدائق 4: 334.

(2) التهذيب 1: 197- 572، الاستبصار 1: 161- 558، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 7.

(3) راجع ص 388.

(4) كفاية الأحكام: 8.

(5) المنتهى 1: 148.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 436

باستحبابه من أوجب العلوق أيضا، بل ربما قيل: إنّه يدلّ على نقيض المطلوب، لأنّ النفض فرع العلوق «1».

و الثالث: بالمنع كما مرّ «2».

و قد يجاب عنه أيضا بأنّ كفاية مطلق وجه الأرض لا ينافي اشتراط وجود غبار عليه بدلالة خارجة «3». و هو ضعيف [1].

و الرابع: بمنع عدم بقاء شي ء من الغبار بعد مسح الوجه، بل الظاهر بقاؤه، و لو سلّم احتمال رفعه فاستصحابه كاف، و لعلّ دفع ذلك الاحتمال سرّ استحباب الضربة الثانية عند من لا يوجبها، بل احتمل بعضهم وجوبها مع عدم بقاء الغبار و عدمه مع بقائه «4».

و قد يقال: إنّ المطلوب اعتبار مطلق العلوق و ذلك لا يوجب الاستمرار «5».

و فيه: أنّ كل ما يثبت به العلوق يدلّ عليه في الوجه و اليدين معا.

ثمَّ

اعتبار العلوق إذا انتقل إلى الحجر و الثوب و نحوهما لعذر مشكل، لأنّ الآية التي هي دليل اعتباره لا يجري في غير التراب، و الإجماع المركّب غير ثابت.

و الأحوط اعتباره مهما أمكن، لقوله في روايات الثوب: «فليتيمّم من غباره» «6».

الثالثة:

يجب رفع الحائل بين الكف و ما يتيمّم به، فإنّ معه لا يصدق

______________________________

[1] توجد في «ح» حاشية منه رحمه اللّه تعالى: إذ لا دليل على العلوق سوى الآية التي هي أيضا دليل كفاية مطلق الأرض عند القائلين بها باعتبار أنه معنى الصعيد، و بعد تسليم كون الصعيد فيها مطلق وجه الأرض- و لو مثل الحجر الخالي عن الغبار- لكان المرجع في «منه» هو ذلك الوجه و لو لم يكن عليه غبار، فلا يمكن المسح ببعضه. فيتردد الأمر بين التجوز في قول «منه» أو في الصعيد إما بإرادة التراب أو الشي ء المغبر و لا مرجح لشي ء منهما، فيسقط الاستدلال بها رأسا.

______________________________

(1) كما في الحبل المتين: 89، نقلا عن والده.

(2) راجع ص 386.

(3) كما في الذخيرة: 103.

(4) المفاتيح 1: 62.

(5) المفاتيح 1: 62.

(6) انظر: الوسائل 3: 353 أبواب التيمم ب 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 437

الضرب بالكف، بل في التذكرة و شرح القواعد للمحقق الثاني، و اللوامع لوالدي:

وجوب نزع الخاتم «1»، و هو ظاهر من منع عن خلط التراب بمثل الشعر و الشعير مستدلا بوجوب الاستيعاب «2».

و في وجوبه إشكال، لعدم دليل عليه، و صدق الضرب بالكف عرفا مع وجوده، فالظاهر عدم البطلان مع بقائه، بل و كذلك ما يشبه الخاتم من الموانع اليسيرة.

و عموم بدلية التراب- لو سلّم- لا يستلزم عمومها في نحو ذلك أيضا، و إثبات الإجماع في أمثال ذلك مشكل. و الأحوط

النزع.

و لا يستحب تخليل الأصابع (للأصل) [1] و يستحب تفريجها حين الضرب، لتصريح الجماعة «3».

الثالث من واجبات التيمّم: مسح الوجه.
اشارة

و وجوب مسح الجبهة منه محل الوفاق بين المسلمين، بل هو ضروري الدين.

و في اختصاص محل الوجوب بها، كالقواعد و الدروس و الشرائع و الكفاية «4». و هو أحد احتمالات كلام المفيد و الحلبي و الناصريات و الانتصار و النهاية و السرائر و الوسيلة و المنتهى و التذكرة و البيان، حيث جميعا عبّروا بمسح الوجه من القصاص إلى طرف الأنف «5»، إلّا أنّ في الانتصار الرأس بدل

______________________________

[1] ليست في «ه».

______________________________

(1) التذكرة 1: 63، جامع المقاصد 1: 499.

(2) انظر المدارك 2: 205.

(3) كالعلامة في التذكرة 1: 63، و الكركي في جامع المقاصد 1: 499، و الفيض في المفاتيح 1: 63.

(4) القواعد 1: 23، الدروس 1: 132، الشرائع 1: 48، كفاية الأحكام: 8.

(5) المفيد في المقنعة: 62، الحلبي في الكافي: 136، الناصريات (الجوامع الفقهية): 188، الانتصار: 32، النهاية: 49، السرائر 1: 136، الوسيلة: 72، المنتهى 1: 45، التذكرة 1:

63، البيان: 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 438

الوجه [1]، و في الحدائق «1» و اللوامع و غيرهما نسب هذا القول إلى المشهور، و لعلّه لفهم الجبهة من كلام هؤلاء الأعلام، كما صرّح به في المعتبر «2».

أو وجوب ضمّ الجبينين خاصة معها، كالعاملي و المدارك «3»، و والدي- رحمه اللّه- في اللوامع و المعتمد، و بعض سادة مشايخنا في منظومته «4». و هو الاحتمال الثاني لكلمات المذكورين، و نسبه الأردبيلي في شرح الإرشاد إلى المشهور «5».

أو مع الحاجبين أيضا، كالصدوق في الفقيه و الهداية «6»، و الكركي «7»، و عن ظاهر الشهيد «8». و هو الاحتمال الثالث لما ذكر.

أو مع بقية الوجه، كما

عن الصدوق في المجالس و والده طاب ثراهما [2]، و عن ظاهر الجعفي «9».

أو مخيّرا بين البعض و تمام الوجه، كما عن العماني و الإسكافي و المعتبر «10»، أقوال:

الأول- و هو الحقّ- للأصل، و عدم الدليل الموجب للزائد.

و للثاني: تصريح الأخبار البيانية بمسح جبينه عليه السلام خاصة،

______________________________

[1] الموجود في الانتصار هكذا: .. إن مسح الوجه بالتراب في التيمم إنما هو إلى طرف الأنف من غير استيعاب له.

[2] الأمالي: 515، قال فيه: فيمسح بهما وجهه، و حكى عن والده في المختلف: 50.

______________________________

(1) الحدائق 4: 342.

(2) المعتبر 1: 385.

(3) العاملي (الشهيد الثاني) في المسالك 1: 16، المدارك 2: 220.

(4) بحر العلوم في الدرة النجفية: 45.

(5) مجمع الفائدة 1: 234.

(6) الفقيه 1: 57، الهداية: 18.

(7) جامع المقاصد 1: 490.

(8) الذكرى: 108.

(9) حكى عنه في الذكرى: 108.

(10) حكى عن العماني و الإسكافي في المختلف: 50، المعتبر 1: 386.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 439

كصحيحة زرارة في حكاية عمّار «1»، و موثّقته على نسخة الكافي «2»، و حسنة ابن أبي المقدام «3»، و المروي في السرائر في حكاية عمّار أيضا «4». و لا تنافيها أخبار وجوب مسح الجبهة، لأنّ الزيادة غير منافية لما لا يشتملها.

و شيوع إطلاق لفظ الجبهة على المركّب من الجبينين أيضا.

و كون التيمّم بدلا من الوضوء، و البدل في حكم المبدل منه إلّا فيما أخرجه الدليل.

و لزوم المسح بالكفّين- كما صرّحت به الأخبار و وقع في كلام الأخيار- و هو يزيد عن الجبهة المنفردة قطعا.

و أخبار الوجه، إمّا باعتبار الاقتصار فيما علم خروجه منه على المتيقّن، أو باعتبار أنّ المراد منه المجاز قطعا، و الجبهة و الجبينان معا أقرب إلى الحقيقة من الأولى خاصة.

و استصحاب الشغل.

و

يجاب عن الأول: بعدم دلالة في شي ء من تلك الأخبار على الوجوب أصلا، إذ ليس في شي ء منها إلّا أنه مسح الجبين، و هو لا يدلّ على الوجوب، سيما مع اشتمال التيمّم على واجبات و مستحبات قطعا، فلا يعلم أنّ فعله هذا بيان للواجب سيما مع اشتمال الموثقة و الحسنة على النفض المستحب قطعا.

هذا، مع أنه لا تعرّض في شي ء منها لمسح الجبهة الواجب البتة، و يمتنع تركه في مقام البيان، فلا بدّ من كون الجبين مجازا إمّا في الجبهة من باب المجاورة أو مع الجبين من باب تسمية الكلّ باسم الجزء، و إذ لا مرجّح فيدخله الإجمال

______________________________

(1) الفقيه 1: 57- 212، الوسائل 3: 360 أبواب التيمم ب 11 ح 8.

(2) الكافي 3: 61 الطهارة ب 40 ح 1، الوسائل 3: 359 أبواب التيمم ب 11 ح 3.

(3) التهذيب 1: 212- 614، الاستبصار 1: 171- 594، الوسائل 3: 360 أبواب التيمم ب 11 ح 6.

(4) مستطرفات السرائر: 26- 4، الوسائل 3: 360 أبواب التيمم ب 11 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 440

المسقط للاستدلال، مع رجحان الأول من جهة إفراد الجبين، و كون الجبهة واردة في أخبار أخر، و شيوع التعبير عن الجبهة خاصة بالجبين في المعتبرة، كما في حسنة عبد اللّه بن المغيرة و موثّقة عمّار: «لا صلاة [لمن ] لا يصيب أنفه ما يصيب جبينه» [1].

و عن الثاني: بأنّ شيوع استعمال الجبهة في المركّب- لو سلّم- لا يخرجه عن التجوّز.

و عن الثالث: بمنع اقتضاء البدلية للاتّحاد في جميع الأحكام كما يأتي، بل مقتضاه الاتّحاد فيما صار ذلك بدلا عنه و هو الطهورية.

و عن الرابع: أنّ زيادة الكفّين عن الجبهة لا تقتضي وجوب

الزائد، فإنّ وجوب مسح موضع بالكفين غير وجوب المسح بمجموعهما، مع أنهما زائدان عن الجبهة و الجبين أيضا.

و عن الخامس: بأنّ أخبار الوجه لا تدلّ على وجوب مسح تمامه كما يأتي، مع أنّ الوجه ليس عاما حتى يجري فيه قوله: خرج ما خرج، و الحمل على أقرب المجازات مطلقا لا دليل عليه.

و عن السادس: بأنه معارض باستصحاب عدم وجوب الزائد.

و للثالث: الرضوي: «و قد روي أنه يمسح على جبينيه و حاجبيه و يمسح على ظهر كفيه» «1» و حكاية وجود رواية فيه «2»، و وجوب إدخاله من باب المقدمة.

و ضعف الأولين ظاهر جدّا.

و يضعّف الثالث: بأنّ الكلام في الواجب الأصلي، مع أنّ إدخال جميعهما في المسح ليس مما لا يتمّ الواجب إلّا به.

______________________________

[1] الكافي 3: 333 الصلاة ب 28 ح 2، التهذيب 1: 298- 1202، الاستبصار 1:

327- 1223، الوسائل 6: 344 أبواب السجود ب 4 ح 4 و 7، و ما بين المعقوفين من المصادر.

______________________________

(1) فقه الرضا (ع): 90، و عنه في مستدرك الوسائل 2: 539 أحكام التيمم ب 11 ح 1.

(2) كما في جامع المقاصد 1: 490.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 441

و للرابع: استفاضة النصوص بمسح الوجه الظاهر في كلّه، كالصحاح الثلاث في حكاية عمّار لزرارة «1»، و داود «2»، و الخزاز «3»، و فيها: «فمسح وجهه» و نحوها في موثّقة سماعة «4» و حسنة الكاهلي «5» و صحيحة محمد «6»، و في رواية زرارة:

«و تمسح وجهك» «7» و مثلها في خبر ليث «8».

و يضعّف: بخلوّ الكلّ عن الدالّ على الوجوب. مضافا إلى عدم صراحته بل دلالته على مسح الجميع، لأنّ الوجه و إن كان حقيقة في الكلّ إلّا أنّ مسحه يصدق

بمسح بعضه أيضا، بل هو المتبادر منه، فهو حقيقة في مسح اليد على جزء منه، كضرب الوجه و تقبيله و جرحه و مسه و غير ذلك.

و يؤيّده: اتّحاد قضية عمّار مع اختلاف الأخبار الحاكية لها فيما يمسح من الوجه و تضمين كثير منها الوجه و الكفين إلى الذراعين، مع أنه لا قائل باستيعاب الوجه خاصة، مع أنّ شيوع التعبير عن الجبهة بالوجه يقرب إرادتها منه.

و مع قطع النظر عن الجميع فهي معارضة لصحيحة زرارة، المتقدّمة،

______________________________

(1) التهذيب 1: 208- 603، الوسائل 3: 359 أبواب التيمم ب 11 ح 5.

(2) التهذيب 1: 207- 598، الاستبصار 1: 170- 591، الوسائل 3: 359 أبواب التيمم ب 11 ح 4.

(3) الكافي 3: 62 الطهارة ب 40 ح 4، الوسائل 3: 358 أبواب التيمم ب 11 ح 2.

(4) التهذيب 1: 208- 602، الاستبصار 1: 170- 592، الوسائل 3: 365 أبواب التيمم ب 13 ح 3.

(5) الكافي 3: 62 الطهارة ب 40 ح 3، التهذيب 1: 207- 600، الاستبصار 1: 170- 589، الوسائل 3: 358 أبواب التيمم ب 11 ح 1.

(6) التهذيب 1: 210- 612، الاستبصار 1: 172- 600، الوسائل 3: 362 أبواب التيمم ب 12 ح 5.

(7) التهذيب 1: 212- 615، الاستبصار 1: 171- 595، الوسائل 3: 360 أبواب التيمم ب 11 ح 7.

(8) التهذيب 1: 209- 608، الاستبصار 1: 171- 596، الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 442

المفسّرة للآية، المصرّحة بوجوب مسح بعض الوجه خاصة «1»، فيرجع إلى الأصل.

مع أنّ ترجيح الصحيحة لازم، لموافقتها الكتاب حيث أتى بلفظة الباء التبعيضية، بنصّ الأدباء على أنها إذا دخلت على المتعدّي يبعّضه، و مخالفتها

العامة، فإنّ الاستيعاب مذهب الجمهور كافة، كما صرّح به الانتصار و المنتهى و التذكرة «2»، و معاضدتها بالإجماع على عدم وجوب مسح ما تحت طرف الأنف الأعلى، كما في الناصريات و الانتصار و عن الغنية «3»، و نسبه الصدوق في المجالس إلى مشايخه [1].

قيل: التبعيض لا ينافي الاستيعاب الذي يقولون به، لأنّه أيضا بعض الوجه دون تمامه من الاذن إلى الاذن [2].

و فيه: أنّ المصرّح به في النصّ من التبعيض هو تبعيض موضع الغسل من الوجه، و لا شك أنه غير الاستيعاب المذكور، لأنه استيعاب محل الغسل، و كذا في الآية بقرينة مقابلة الوجه في الوضوء.

و للخامس: الجمع بين الأخبار. و ضعفه ظاهر.

فروع:

أ: الواجب استيعاب الجبهة، بأن يمسح جميعها الواقع عرضا بين الجبينين، و طولا بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى المسمى بالعرنين [3]، بالإجماع المحقّق و المصرّح به في المنتهى «4».

______________________________

[1] الأمالي: 515. و هو أيضا مما يضعف نسبة الاستيعاب إلى أبيه (منه رحمه اللّه تعالى).

[2] لم نعثر على قائله.

[3] عرنين الأنف: تحت مجتمع الحاجبين، و هو أول الأنف حيث يكون فيه الشمم. الصحاح 6:

2163.

______________________________

(1) راجع ص 434.

(2) الانتصار: 32، المنتهى 1: 145، التذكرة 1: 63.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 188، الانتصار: 32، الغنية (الجوامع الفقهية): 555.

(4) المنتهى 1: 147.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 443

مضافا في الطول إلى الرضوي المتقدم في النية «1»، المنجبر ضعفه بما ذكر.

و لا يضر كون «يمسح» جملة خبرية، لأنّه في مقام بيان حقيقة التيمّم.

دون الطرف الأسفل كما عن أمالي الصدوق [1]، و لا النتوّ الواقع في وسط الأنف كما قيل [2]، للأصل.

ب: صرّح الجماعة منهم: الصدوق و الشيخان و السيد و الحلّي و الحلبي و ابن

حمزة و الفاضلان و الشهيدان و غيرهما بأنّ المسح من القصاص إلى طرف الأنف «2».

و ظاهره وجوب البدأة بالأعلى، و قد صرّح به جماعة منهم: نهاية الإحكام و التذكرة و الدروس و الذكرى «3»، و نسبه في المنتهى إلى ظاهر عبارة المشايخ «4»، و عن أمالي الصدوق الإجماع عليه «5»، و نقل بعض مشايخنا المحقّقين اتّفاق الفقهاء و المسلمين عليه [3].

و يدلّ عليه: الرضوي المتقدم، المنجبر بما ذكر. و حمل التحديد على

______________________________

[1] حكاه عنه في كشف اللثام 1: 147، و المنقول من عبارة الأمالي في شرح المفاتيح هكذا: .. و يمسح بهما وجهه من قصاص شعر الرأس إلى طرف الأنف الأعلى، و إلى الأسفل أولى .. و لكنا لم نعثر على ذلك في الأمالي المطبوعة التي بأيدينا، و الموجود فيها: فيمسح بهما وجهه، ثمَّ يضرب بيده اليسرى ..

(ص 515). و الظاهر وجود اختلاف في نسخ الأمالي.

[2] لم نعثر على قائله.

[3] الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

______________________________

(1) راجع ص 421.

(2) الصدوق في المقنع: 9، المفيد في المقنعة: 62، الطوسي في المبسوط 1: 33، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 25، الحلي في السرائر 1: 136، الحلبي في الكافي في الفقه: 136، ابن حمزة في الوسيلة: 72، المحقق في الشرائع 1: 48، العلامة في القواعد 1:

23، الشهيد الأول في البيان: 86، الشهيد الثاني في المسالك 1: 16.

(3) نهاية الاحكام 1: 205، التذكرة 1: 63، الدروس 1: 132، الذكرى: 109.

(4) المنتهى 1: 146.

(5) راجع الهامش (2).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 444

الممسوح دون المسح «1» خلاف الظاهر بل الأصل، لأنه يخرج لفظتي «من» و «إلى» عن إفادة الابتدائية و الانتهائية اللتين هما حقيقتاهما

عند ذكرهما معا، إذ لا ابتداء حينئذ و لا انتهاء، بل يكونان طرفين للمحدود.

و استدلّ له أيضا: بأصل الاشتغال، و تبعية التيمّمات البيانية حيث إنّ الظاهر أنه كان بالبدأة من الأعلى و إلّا لنقل، لكونه خلاف المتعارف في الوضوء و المعهود بين الناس «2».

و يضعّف الأول: بما مرّ مرارا.

و الثاني: بمنع البدأة بالأعلى فيها أولا، و وجوب النقل لو نكس ممنوع جدّا، و كونه خلاف الوضوء- مع كونه ممنوعا للخلاف فيه أيضا- لا يدلّ على وجوب النقل، و كونه خلاف المعهود في الصدر الأول غير مسلّم. و منع دلالتها على الوجوب ثانيا، لمنع كون البدأة بيانا، بل اتّفاقية و أحد أفراد المخيّر.

و قد يستدلّ أيضا: بعموم المنزلة الثابت بقوله عليه السلام: «جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» «3» و نحوه، و عموم البدلية الثابت بفهم العرف.

قال بعض مشايخنا المحقّقين في بيانه: إنّ أهل العرف إذا سمعوا وجوب التيمّم بالتراب عند فقد الماء يتبادر إلى أذهانهم كونه بالكيفية التي عرفوها للمائية إلّا أن تثبت المخالفة، فإنّهم إذا سمعوا إذا فقد الماء فالجمد و الثلج، و إذا فقد فالتراب، و إذا فقد فالغبار، يفهمون أنّ الكلّ بكيفية واحدة، كما إذا علموا أنّ الجمد المذاب بمنزلة الماء بعد فقده، و الغبار بمنزلة التراب كذلك.

و بالجملة: يتبادر من أمثال هذه العبارات اتّحاد الكيفية، و لذا صدر من عمّار ما صدر مع أنه كان من أهل اللسان، و لذا تراهم لا يحتملون مغايرة كيفية تيمّم

______________________________

(1) كما في الذخيرة: 104.

(2) كما في الذكرى: 109، و شرح المفاتيح (المخطوط).

(3) الكافي 3: 66 الطهارة ب 42 ح 3، الفقيه 1: 60- 223، التهذيب 1: 404- 1264، الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب

23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 445

الغبار لتيمّم التراب، و لا يحتملونها في الثلج و الجمد المذابين مع الماء، و إذا علموا المخالفة في شي ء يقتصرون عليه [1].

أقول: أمّا ثبوت عموم المنزلة بأخبار التشبيه فممنوع، و لو سلّم فلا يفيد في كيفية الاستعمال.

ألا ترى أنه إذا قال الطبيب: إنّ في الإهليلج الشفاء كما أنّ في السقمونيا الشفاء، لا يفهم منه اتّحادهما في كيفية الاستشفاء.

و أمّا فهم العرف عموم البدلية الذي ادّعاه فإنما هو فيما إذا قال: استعملوا الماء في الوضوء كذا، و إن لم تجدوه فاستعملوا التراب، أو التراب بدله، أو نحو ذلك من العبارات. و إذا قال: استعملوا الماء كذا، أو يغسل الوجه و اليدين بالكيفية المخصوصة من الماء في الوضوء، فإن لم تجدوا الماء فتيمّموا بالتراب، أو امسحوا بعض وجوهكم به، فلا يفهم ذلك أصلا.

انظر إلى قول الطبيب للمريض: عالج بطلي جسدك بدهن البنفسج، تدهنه برطل منه قبل أكل الغذاء، مبتدئا من رأسك في الحمام بعد غسل البدن، فإن لم تجده فماء الورد، أو أطل بماء الورد، أو بدله ماء الورد، أو نحو ذلك. فإنه يفهم منه قطعا أنّ ماء الورد أيضا يطلى برطل منه قبل الغذاء إلى آخر ما ذكر، إلّا أن تثبت المخالفة في موضع بدليل. بخلاف ما إذا قال: فإن لم تجددهن البنفسج فاشرب المسهل، أو ضع الدقيق على رأسك، فإنه لا يفهم منه المسهل أو الدقيق أيضا يلزم أن يكون رطلا بعد الغذاء في الحمام إلى آخر ما مرّ.

و الحاصل: أنّه فرق بيّن بين الأمر بفعل آلته شي ء و جعل شي ء آخر بدلا عن تلك الآلة في ذلك الفعل، أو جعل فعل آخر آلته شي ء آخر

بدلا عن ذلك الفعل. و التيمم من قبيل الثاني دون الأول، فإنّه لو كان يقول: اغسلوا وجوهكم و أيديكم في الوضوء بالماء، أو توضّؤوا بالماء، فإن لم تجدوا الماء فبالتراب، أو بدله

______________________________

[1] الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 446

التراب، لكان يتبادر منه ما ذكر، و لكن أين مثل ذلك القول و أنّى؟ و إنما قال:

اغسلوا وجوهكم و إن لم تجدوا ماء فتيمّموا، أو فخذوا صعيدا فامسحوا به بعض وجوهكم، و لا تبادر في مثل ذلك أصلا، و يختلف فهم المعاني من الألفاظ بأدنى تغيير و اختلاف، فيفهم من بدلية الآلة عن الآلة ما لا يفهم من بدلية الفعل عن الفعل.

ج: يجب أن يكون مسح الجبهة بباطن الكف، كما صرّح به- فيها و في اليدين- في المقنعة و المراسم و المهذّب و السرائر و الذكرى و الدروس «1».

و قال بعض مشايخنا المحقّقين: إنه لم يخالف فيه أحد من الأصحاب [1].

و الظاهر أنه كذلك، بل الظاهر أنه إجماعي، فهو الحجة فيه، مضافا إلى أنه لازم وجوب ضرب الباطن و اشتراط العلوق.

و يجب أن يكون المسح باليدين، كما هو المشهور، للرضوي المتقدّم «2»، المنجبر بما ذكر، المعتضد بأخبار كثيرة أخر، كموثّقتي زرارة و سماعة «3»، و رواية ليث «4»، و صحيحة زرارة «5»، و غيرها.

و في العامي المروي في كتب الفاضل و غيره، عن عمّار، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال: «قد كان يجزيك من ذلك أن تمسح بيديك وجهك» «6».

______________________________

[1] الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

______________________________

(1) المقنعة: 62، المراسم: 54، المهذب 1: 47، السرائر 1: 136، الذكرى: 109، الدروس 1: 133.

(2) في ص 421.

(3) موثقة زرارة: الكافي 3:

61 الطهارة ب 40 ح 1، الوسائل 3: 359 أبواب التيمم ب 11 ح 3، موثقة سماعة: التهذيب 1: 208- 602، الاستبصار 1: 170- 592، الوسائل 3: 365 أبواب التيمم ب 13 ح 3.

(4) التهذيب 1: 209- 608، الاستبصار 1: 171- 596، الوسائل 3: 361 أبواب التيمم ب 12 ح 2.

(5) الفقيه 1: 57- 212، الوسائل 3: 360 أبواب التيمم ب 11 ح 8.

(6) المنتهى 1: 146، بداية المجتهد: 65 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 447

و في المروي في الدعائم: «المتيمّم تجزيه ضربة واحدة، يضرب بيديه على الأرض يمسح بهما وجهه و يديه» «1».

و حملهما على أن يمسح المجموع بالمجموع حتى يكفي في صدقه مسح اليمين بالشمال أيضا خلاف الظاهر.

و لا ينافيه اختصاص الممسوح بالجبهة، إذ لا يجب شمول الكفّين بأجمعهما دفعة للممسوح، بل يمكن أن يمسح المجموع ببعض كلّ منهما أو المجموع بالمجموع.

خلافا للمحكي عن الإسكافي، فاجتزأ بالمسح باليد اليمنى «2»، لصدق المسح، و دفعه ظاهر، و القياس على الوضوء، لأنّ القياس مذهبه، و ضعفه بيّن.

و للمحقّق الأردبيلي، فنفي وجوبه بالكفّين، و استجود جوازه و استحبابه «3».

و احتمل في نهاية الإحكام و التذكرة الجواز أيضا بعد أن جعل الأول في الثاني الأظهر من عبارات الأصحاب «4».

و لعلّه لصدق المسح، و عدم دلالة غير الرضوي على الوجوب، و هو و إن دلّ بالحمل إلّا أنه ضعيف. و هو كان حسنا لو لا انجباره بالاشتهار.

و الظاهر وجوب الدفعة في المسح بهما، فلا يكفي التعقيب، للإجماع المركّب.

د: قد مرّ وجوب استيعاب الممسوح. و أمّا الماسح فلا يجب فيه الاستيعاب بمعنى مسح محل الوجوب بمجموع الكفين، بل يكفي المسح بجزء كلّ من اليدين بحيث يمدّه

على الممسوح و يستوعبه بالمسح بهما، وفاقا لبعضهم كما نقله

______________________________

(1) دعائم الإسلام 1: 121، مستدرك الوسائل 3: 538 أحكام التيمم ب 10 ح 2.

(2) حكاه عنه في الذكرى: 109.

(3) مجمع الفائدة 1: 237.

(4) نهاية الاحكام 1: 208، التذكرة 1: 63.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 448

والدي رحمه اللّه، و هو مختار شرح القواعد و المدارك و الذخيرة و الحدائق [1]، للأصل.

و ظهور الأيدي و الكفّين في المجموع غير مفيد، كما مرّ وجهه في الوجه.

و يدلّ عليه أيضا ما في صحيحة زرارة من أن النبي صلّى اللّه عليه و آله مسح جبينه بأصابعه «1».

و خلافا لصريح بعض مشايخنا [2] و والدي قدّس سرّهما، فأوجبا الاستيعاب بهذا المعنى، لما مرّ بجوابه. و أما بمعنى مسح كلّ جزء من الممسوح بكلّ جزء من الماسح فمنفي قطعا، و الظاهر أنه إجماعي.

ه: يجب مدّ اليدين على الجبهة ليتحقّق المسح، فلا يكفي الوضع.

الرابع: مسح ظاهر الكفّين من الزند إلى رؤوس الأصابع.
اشارة

و وجوب مسحهما بالقدر المذكور و اختصاصه به هو المشهور، كما في التذكرة و المنتهى «2» و غيرهما، بل في الناصريات و شرح القواعد و عن الغنية: إجماعهم على الحكمين «3».

و يدلّ على الأول: الرضوي المتقدّم المنجبر بالشهرتين «4»، و الإجماع المنقول، و ما في المنتهى من نسبته، إلى مولانا علي «5»، فهو أيضا رواية مرسلة منجبرة.

و الاحتجاج بالنصوص المتكثّرة المصرّحة بمسح الكفّين بواسطة تبادر

______________________________

[1] جامع المقاصد 1: 492، و المدارك 2: 222، قال فيه: و الأولى المسح بمجموع الكفين عملا بجميع الأخبار، الذخيرة: 106، الحدائق 4: 348.

[2] لم نعثر على شخصه.

______________________________

(1) المتقدمة في ص 446.

(2) التذكرة 1: 63، و المنتهى 1: 146.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 188، جامع المقاصد 1: 492، الغنية (الجوامع الفقهية):

555.

(4) راجع ص 421.

(5)

المنتهى 1: 146.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 449

المجموع من الكف غير جيّد، لمثل ما مرّ في الوجه «1»، مع أنّ أكثرها خال عن الدالّ على الوجوب.

و منه يظهر ضعف الاحتجاج بقوله عليه السلام في صحيحة الخزاز و داود ابن النعمان: «مسح فوق الكف قليلا» «2».

و على الثاني- مضافا إلى الرضوي-: النصوص المذكورة، حيث إنه لو وجب الزائد لأتى به في التيمّمات البيانية، و لو اتي به، لنقله الراوي قطعا.

و الصحيحتان المذكورتان، فإنّ مسح فوق الكفّ قليلا صريح في عدم استيعابه الذراع، فلا يكون واجبا البتة، و لا هذا القليل، لعدم قوله بوجوبه أصالة، نعم هو واجب من باب المقدمة، و هو السبب في مسحه عليه السلام إيّاه.

و صحيحة زرارة: «ثمَّ مسح وجهه و كفيه و لم يمسح الذراعين بشي ء» «3» و هو نصّ في المطلوب.

و بتلك الأدلّة تقيّد مطلقات مسح اليد على القول بإطلاقها، أو تبيّن مجملات مسحها على إجمالها، مع أنه- كما مرّ- يكفي في صدق مسح اليد مسح جزء منه.

خلافا في الأول للمحكي في السرائر عن بعض الأصحاب، فاكتفى بالمسح من أصول الأصابع إلى رؤوسها «4».

و لعلّه لما في فقه الرضا عليه السلام من قوله: «و روي من أصول الأصابع» و قوله: «و روي: إذا أردت التيمّم- إلى أن قال:- ثمَّ تضع أصابعك اليسرى على أصابعك اليمنى من أصول الأصابع من فوق الكف، ثمَّ تمرّها على مقدّمها على

______________________________

(1) راجع ص 440، 439.

(2) الكافي 3: 62 الطهارة ب 40 ح 4، التهذيب 1: 207- 598، الاستبصار 1: 170- 591، الوسائل 3: 358 و 359 أبواب التيمم ب 11 ح 2 و 4.

(3) التهذيب 1: 208- 603، الوسائل 3: 359 أبواب التيمم ب

11 ح 5.

(4) السرائر 1: 137.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 450

ظهر الكف، ثمَّ تضع أصابعك اليمنى على اليسرى فتصنع بيدك اليمنى ما صنعت بيدك اليسرى مرّة واحدة، فهذا هو التيمّم» «1».

و مرسلة حماد: عن التيمّم، فتلا هذه الآية السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما و قال فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ قال: «فامسح على كفيك من حيث موضع القطع» «2».

و يضعّف الكلّ بالضعف: أمّا الأولان: فظاهران، و أمّا الثالثة:

فلشذوذها، و مخالفتها عمل المعظم.

مضافا إلى أنه يمكن أن يكون المراد في الثاني: تضع أصل أصابعك اليسرى على أصل أصابعك اليمنى، فتكون رؤوس أصابع اليسرى إمّا على رؤوس أصابع اليمنى أو على الزند، و على التقديرين يحصل بالمدّ المسح على الطريق المشهور، أو يكون المراد بأصول الأصابع ما يتصل بالزند كما هو ظاهر قوله: «من فوق الكف» فبالمدّ يحصل المسح المشهور.

و أن يكون المراد بموضع القطع في الثالث موضعه عند العامة بحمل اللام على العهد الخارجي، فيكون جريا على طريقة الجدل (مع العامة) [1].

و في الثاني للمحكي عن الصدوق في أماليه و والده، فأوجبا المسح من المرفقين إلى رؤوس الأصابع «3»- و هو المنقول عن أبي حنيفة و الشافعي «4»- لصحيحة محمد، و موثّقة سماعة، و رواية ليث «5».

و يضعّف: بما مرّ من الشذوذ، مع أنه لا دلالة فيها على الوجوب بوجه،

______________________________

[1] ليست في «ه».

______________________________

(1) فقه الرضا (ع): 88، مستدرك الوسائل 2: 535 أحكام التيمم ب 9 ح 1.

(2) الكافي 3: 62 الطهارة ب 40 ح 2، التهذيب 1: 207- 599، الاستبصار 1: 170- 588، الوسائل 3: 365 أبواب التيمم ب 13 ح 2.

(3) الأمالي: 515، و حكى عن والده في المختلف: 50.

(4) الأم في

فقه الشافعي 1: 49 و نقل عنهما في الجامع لأحكام القرآن 5: 239.

(5) المتقدمة في ص 441.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 451

و على فرض الدلالة تكون معارضة لما مرّ. فإمّا يجمع بينهما بحمل الزائد على الندب، أو يرجّح ما مرّ، لمخالفة العامة- كما صرّح به غير واحد- و موافقة الكتاب حيث إنّ الظاهر منه- كما صرّح به في الصحيحة المفسّرة «1»- أنّ المسح أيضا ببعض الأيدي المغسولة في الوضوء، أو يتساقطان، فيرجع إلى الأصل.

و هل يجوز التجاوز عن الزند و الاستيعاب إلى المرفقين كما عن المعتبر «2»، أو يستحب كما احتمله في المنتهى «3»؟ الظاهر فيهما: العدم، لأصالة عدم المشروعية.

و ليس في الروايتين الأوليين إلّا الإخبار عن مسحه، و هو يحتمل التقية.

و أمّا الرواية الأخيرة فورد فيها بلفظ الإخبار المحتمل لمطلق الرجحان و الاستحباب و الوجوب، فعلى الأخير يجب حملها على التقية، و لعدم تعيّن الأولين لا يثبت منهما حكم.

فروع:

أ: المعروف من مذهب الأصحاب كما في اللوامع، بل اتّفقوا عليه كما هو ظاهر شرح القواعد «4»: وجوب البدأة بالزند.

و يدلّ عليه قوله في أحد الرضويين المتقدّمين: «ثمَّ تمرّها على مقدّمها» «5».

و ضعفه منجبر، و لا يضر قوله في الآخر «إلى حدّ الزند» «6» لضعفه الموجب للاقتصار في العمل به على موضع الانجبار.

ب: يجب أن يكون الماسح بطن الكفّ، لما مرّ في الوجه. و الممسوح ظاهرها، لظاهر الإجماع، و به تقيّد الإطلاقات.

______________________________

(1) راجع ص 434.

(2) المعتبر 1: 387.

(3) المنتهى 1: 147.

(4) جامع المقاصد 1: 492.

(5) راجع ص 449.

(6) راجع ص 449.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 452

و تؤيّده أيضا: حسنة الكاهلي: «ثمَّ مسح كفّيه إحداهما على ظهر الأخرى» «1» و الرضوي المتقدّم

في الوجه «2»، و المروي في السرائر في حكاية عمّار، و فيه: «ثمَّ مسح بكفّيه كلّ واحدة على ظهر الأخرى» «3».

و لو تعذّر الباطن من الأول و الظاهر من الثاني أجزأ الآخر، لعموم الآية و الأخبار، فيقتصر في التخصيص المخالف للأصل بالمتيقّن.

ج: يجب تقديم اليمنى على اليسرى، بالإجماع المحقّق و المحكي في التذكرة و شرح القواعد «4»، و غيرهما «5».

و يدلّ عليه الرضويان المتقدّمان «6» (المنجبران) [1] المؤيدان بصحيحة ابن مسلم، المتقدّمة في مسألة عدد الضربات «7».

د: الظاهر الإجماع على وجوب استيعاب الممسوح، و عليه الإجماع في المنتهى «8» و اللوامع، و في الحدائق: بلا خلاف يعرف «9»، و هو الحجة فيه دون ظواهر الأخبار، لعدم الدلالة.

و القدر الثابت الاستيعاب العرفي، فلا يضرّ خروج ما بين الأصابع، و لا ما تحت الأظفار و لو طولت، بل و لا تحت مثل الخاتم، لعدم ثبوت الإجماع في هذا القدر.

______________________________

[1] ليست في «ه».

______________________________

(1) الكافي 3: 62 الطهارة ب 40 ح 3، التهذيب 1: 207- 600، الاستبصار 1: 170- 589، الوسائل 3: 358 أبواب التيمم ب 11 ح 1.

(2) راجع ص 440.

(3) مستطرفات السرائر: 26- 4، الوسائل 3: 360 أبواب التيمم ب 11 ح 9.

(4) التذكرة 1: 64، جامع المقاصد 1: 492.

(5) كالمدارك 2: 226، و المفاتيح 1: 62.

(6) في ص 449.

(7) راجع ص 432.

(8) المنتهى 1: 147.

(9) الحدائق 4: 353.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 453

و منه يظهر عدم وجوب مسح الإصبع الزائدة و لو لم تتميّز من الأصلية، و مسحها أحوط.

و أمّا اليد الزائدة فمع تميزها لا يجب مسحها و إن كانت تحت الزند، للأصل، و عدم دليل على وجوب مسح الزائد على اليدين. و يجب

مسح الأصلية إجماعا، و للشك في كون الأخرى يدا فيستصحب الاشتغال.

و مع عدم التميز يجب مسحهما، تحصيلا للعلم بالامتثال.

و يحتمل التخيير، لعدم وجوب مسح الزائد على اليدين، و صدق اليد على كلّ منهما، و عدم اختصاص الوجوب بواحدة معينة مجملة.

ه: لو قطع بعض مواضع المسح مسح الباقي، لأنّ وجوب الاستيعاب مع إمكانه، فبدونه يعمل بالمطلقات.

و لو لم يبق شي ء أصلا، سقط مسحه و اكتفى بمسح سائر الأعضاء، لاستصحاب وجوبه، و أصالة عدم الربط حينئذ.

و لو قطع من الزند فلا يجب ما كان واجبا من باب المقدمة. و لو قطعت إحدى يديه، مسح ظهر الأخرى بالأرض.

الخامس: الترتيب:

بأن يضرب، ثمَّ مسح الوجه ثمَّ اليمنى ثمَّ اليسرى، بالإجماع المحقّق و المصرّح به في المنتهى و التذكرة «1» و اللوامع، و عن أمالي الصدوق أنه من دين الإمامية «2»، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى الإجماع المركّب بين الترتيب هناك و بينه في المائية كما صرّح به السيد «3»، و الرضويين المتقدّمين «4» المنجبرين، المتضمّن أحدهما للفظة الفاء و الآخر للفظة «ثمَّ» الدالّتين على التعقيب.

______________________________

(1) المنتهى 1: 147، التذكرة 1: 64.

(2) أمالي الصدوق: 515.

(3) حكى عنه في المعتبر 1: 393.

(4) في ص 421 و 449.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 454

و يؤيّده: اشتمال البيانيات على ذلك الترتيب «1»، لتضمّن أخبارها الحاكية لها الفاء أو ثمَّ، إمّا بين الضرب و المسح كبعضها، أو بينه و بين الوجه و اليدين أيضا كآخر، أو بينها و بين اليدين أيضا كثالث.

و جعل تلك الأخبار دليلا- كجماعة «2»- غير جيّد و إن اشتمل بعضها على الحمل بقوله: «هذا التيمّم» إذ لا دلالة في نقل الترتيب على الوجوب، لاحتمال كونه أحد فردي المخيّر، فإنّه لا

مفرّ من نوع ترتيب و لا يمكن الجمع، فلا يعلم كونه جزءا من البيان.

و قد يستدلّ أيضا: بالآية، بضميمة ما ورد في أخبار الوضوء و السعي من قولهم: «ابدأ بما بدأ اللّه سبحانه» «3» و بأصل الاشتغال، و قاعدة البدلية و المنزلة.

و يضعّف غير الأول بما مرّ مرارا. و هو بمنع عموم تلك الأخبار بحيث يشمل جميع المواضع، و لفظة «ما» يحتمل الموصوفية و هي للعموم غير مفيدة.

السادس: المباشرة بنفسه،

و وجوبها مجمع الموصوفية و هي للعموم غير مفيدة.

السادس: المباشرة بنفسه، و وجوبها مجمع عليه، و هو الحجة فيه، مضافا إلى أنه الأصل في خطاب شخص خصوصا أو عموما.

و لو تعذّرت، استناب، عند علمائنا كما في المدارك «4».

و تدلّ عليه: مرسلة ابن أبي عمير: «يؤمّم المجدور و الكسير إذا أصابتهما الجنابة» «5».

و مرسلة الفقيه: «المجدور و الكسير يؤمّمان و لا يغسلان» «6».

و رواية ابن سكين [1] و غيره: إنّ فلانا أصابته جنابة و هو مجدور فغسّلوه

______________________________

[1] في «ه»: ابن سليمان، و هو تصحيف.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 3: 358 و 361 أبواب التيمم ب 11 و 12.

(2) كالمحقق في المعتبر 1: 393، و العلامة في المنتهى 1: 147، و صاحب الحدائق 4: 354.

(3) انظر: الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 35 و ج 13: 481 أبواب السعي ب 6.

(4) المدارك 2: 227.

(5) التهذيب 1: 185- 533، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 5 ح 10.

(6) الفقيه 1: 59- 217، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 5 ح 12 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 455

فمات، فقال عليه السلام: «قتلوه، ألا سألوا؟! ألا يمّموه؟!» «1» الحديث.

فيضرب النائب يد العليل و يمسحها، فإن لم يمكن ضرب يده يضرب يده،

لوجوب الاستنابة في جميع الأفعال.

و لو تعذّرت مباشرة الضرب فقط و لكن أمكن مسح ظاهر الكفين و الوجه بالتراب، فالظاهر وجوبه، لإطلاق الآية. و كذا من قطعت يداه فيمسح وجهه بالأرض

السابع: الموالاة،

و هي أيضا إجماعية على ما به صرّح في المنتهى «2»، و في المدارك: إنه قد قطع الأصحاب باعتبارها «3».

و هو الحجة في المقام لو ثبت خاصة، لا عموم البدلية و المنزلة، لما عرفت، مع أنهما لا ينتهضان حجّتين في التيمّم بدل الغسل، و التعدّي بعدم الفصل ليس أولى من العكس. بل في بدل الوضوء أيضا، لأنّ الموالاة المعتبرة فيه لا تجري هنا، مع أنه احتمل في نهاية الإحكام عدم وجوبها في بدل الغسل «4».

و لا التيمّمات البيانية حيث توبع فيه، لمنعه، و عدم دلالته لو ثبت.

و لا يفيد الحمل في بعض الأخبار، لعدم معلومية كون التتابع- لو كان- في روايات الحمل من جزء المحمول.

و لا أنها مقتضى اختصاص التيمّم بآخر الوقت، لما يأتي من أنّ المراد بالآخر الآخر العرفي الذي لا ينافيه بقاء شي ء من الوقت بعده «5»، إلّا أن تحمل الموالاة أيضا على نحو من ذلك.

______________________________

(1) الكافي 3: 68 الطهارة ب 45 ح 5، الفقيه 1: 59- 218 رواها مرسلة، التهذيب 1:

184- 529، مستطرفات السرائر: 108- 56، الوسائل 3: 346 أبواب التيمم ب 5 ح 1 و 2.

(2) المنتهى 1: 149.

(3) المدارك 2: 227.

(4) نهاية الإحكام 1: 208.

(5) انظر: ص 468.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 456

و لا الآية، كما استدلّ بها تارة باعتبار الأمر بالتيمّم بعد إرادة الصلاة فورا، إمّا لأجل دلالة الأمر على الفور، أو لإفادة الفاء للتعقيب بلا مهملة، و مقتضاه الإتيان بجميع أفعال التيمم متتابعة بلا فصل

لتحقّق الفورية و التعقيب.

و اخرى باعتبار الأمر بمسح الوجه بعد قصد الصعيد و الضرب عليه بلا فاصلة، لأحد الوجهين، و يتمّ في باقي الأعضاء بعدم الفصل.

لما يرد على الوجه الأول للاعتبار الأول: من منع كون الأمر للفور.

و على الثاني: أن الفاء التعقيبية إنما هي العاطفة دون الجزائية.

و على الوجهين: عدم وجوب التيمّم بعد الإرادة فورا بالإجماع، مع أنهما إنما يفيدان لو كان التيمّم في الآية بالمعنى الشرعي و هو ممنوع، بل قوله: صعيدا، يعيّن اللغوي.

و على الوجه الأول للثاني أيضا: ما مرّ.

و على الثاني: أنه إنما يفيد لو كان المراد بالتيمّم هو الضرب على الصعيد دون ما إذا أريد به المعنى اللغوي الذي هو القصد، لعدم وجوب الضرب و لا المسح بعد القصد بلا فصل إجماعا، فتكون الفاء منسلخة عن معنى التعقيب قطعا.

و دون ما إذا أريد به الشرعي، لأنّ الفاء تكون حينئذ تفصيلية، و لا إفادة للتعقيب لها أصلا.

ثمَّ لو أخلّ بالموالاة فهل ترك الواجب فقط، أو يبطل التيمّم أيضا؟ ظاهر المدارك: التردّد «1».

و الحق الثاني، إذ يكون المسح المأمور به حينئذ ما كان عقيب الضرب بلا تراخ، فلا يكون غيره مأمورا به، كالواجب الموقّت.

ثمَّ إذا عرفت أنه لا دليل على اعتبارها سوى الإجماع، فالواجب الحكم بما ثبت فيه، فلا يضرّ الفصل القليل.

______________________________

(1) المدارك 2: 228.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 457

الثامن: طهارة الماسح و الممسوح مع إمكان التطهير،

فإن لم يمكن يصحّ التيمّم بدونها إن لم تتعدّ النجاسة إلى التراب، و إن تعدّت، سقط التيمّم و الصلاة.

أمّا الأول فذهب إليه طائفة منهم: الذكرى «1» و اللوامع، لعموم البدلية و المنزلة. و قد عرفت ضعفهما، مع أنّ في الاشتراط في المبدل أيضا كلاما كما مرّ، و لإيجابه تنجّس التراب بملاقاته

النجاسة. و هو أخصّ من المدّعى، مع أنّ المسلّم اشتراط طهارة التراب قبل الضرب و المسح، و أمّا النجاسة الحاصلة بالضرب أو المسح فلا دليل على مانعيتها أصلا، و لذا ذهب في المدارك إلى عدم اشتراطها «2»، و نقله في اللوامع عن جماعة، و هو الحقّ الموافق للأصل و إطلاق الروايات.

و أمّا الثاني فهو كذلك، و دليله ظاهر، و في اللوامع: إنّ عليه ظاهر الوفاق.

و أمّا الثالث فذكره في اللوامع، و وجهه اشتراط طهارة التراب، و قد عرفت ما فيه، بل لو تعدّت نجاسة الماسح إلى الممسوح لم يضرّ بالتيمّم.

نعم تجب إزالتها للصلاة مع الإمكان، و إن لم يمكن، صلّى معها.

و لا يحرم تنجيس البدن و لو علم عدم إمكان التطهير للصلاة، للأصل.

و ممّا ذكر ظهر أنه لو كان باطن الكفّين نجسا لا ينتقل إلى ظهرهما، و مع نجاسة الظهر أيضا لا ينتقل إلى ضرب الجبهة كما قيل «3».

نعم، يمكن أن يقال بعدم تعيّن الباطن حينئذ، لأنّ دليله الإجماع، و هو في المقام غير متحقّق.

______________________________

(1) الذكرى: 109.

(2) المدارك 2: 228.

(3) كما في الذخيرة: 103.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 458

الفصل الخامس: في أحكامه
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى:
اشارة

لا يصحّ التيمّم للصلاة قبل دخول الوقت و إن علم استمرار العذر، بالإجماع المحقّق و المصرّح به في المعتبر و المنتهى و القواعد (و التذكرة) [1] و الدروس «1»، و غيرها «2». و يصح مع تضيقه كذلك.

و في صحته بعد دخوله و عند السعة أقوال:

الأول: المنع مطلقا، و هو مختار الشيخين و السيد و القاضي و الحلبي و الحلّي و الديلمي و الشهيد الثاني في الروض «3»، بل أكثر علمائنا كما في التذكرة و المنتهى و الدروس و شرح القواعد و الحبل المتين «4»، و غيرها «5»، بل بالإجماع كما في الناصريات و الانتصار و السرائر «6»، و عن الشيخ [2]، و الغنية و أحكام الراوندي «7»،

______________________________

[1] ليست في «ه».

[2] لم نعثر على ادعاء الإجماع في كتبه الفقهية، نعم قال في تفسير التبيان 3: 209: لا يجوز التيمم عندنا إلا عند تضيق الوقت.

______________________________

(1) المعتبر 1: 381، المنتهى 1: 139، القواعد 1: 23، التذكرة 1: 64، الدروس 1: 132.

(2) كالتنقيح 1: 133، و المفاتيح 1: 63، و الحدائق 4: 356.

(3) المفيد في المقنعة: 61، الطوسي في النهاية: 47، المبسوط 1: 31، الاقتصاد: 251، السيد في الانتصار: 31، الناصريات (الجوامع الفقهية): 189، القاضي في المهذب 1: 47، و شرح الجمل: 61، الحلبي في الكافي: 136، الحلي في السرائر 1: 140، الديلمي في المراسم: 54، الشهيد الثاني في روض الجنان: 122.

(4) التذكرة 1: 64، المنتهى 1: 140، الدروس 1: 132، جامع المقاصد 1: 500، الحبل المتين: 92.

(5) كالذكرى: 106، و كشف اللثام 1: 148.

(6) الناصريات (الجوامع الفقهية): 189، الانتصار: 31، السرائر 1: 140.

(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 555، فقه القرآن 1: 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 3، ص: 459

و الطبرسي [1]، و شرح جمل السيد للقاضي [2]، و اختاره بعض مشايخنا المحقّقين [3].

و هو الأقوى، للأصل، و المستفيضة كصحيحة محمد: «إذا لم تجد الماء و أردت التيمم فأخّر التيمّم إلى آخر الوقت، فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض» «1».

و حسنة زرارة: «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإن خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم و ليصلّ في آخر الوقت» «2».

و نحوها روايته المروية في التهذيب، إلّا أن مقام قوله: «فليطلب»:

«فليمسك» «3».

و موثّقة ابن بكير: «فإذا تيمّم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت، فإن فاته الماء فلن تفوته الأرض» «4».

و الأخرى المروية في قرب الإسناد: عن رجل أجنب فلم يصب الماء، أ يتيمّم و يصلّي؟ قال: «لا حتى آخر الوقت، فإن فاته الماء لم تفته الأرض» «5».

و الرضوي: «و ليس للمتيمّم أن يتيمّم إلّا في آخر الوقت أو إلى أن يتخوّف خروج وقت الصلاة» «6».

و صحيحة ابن حمران، و فيها: «ليس ينبغي لأحد أن يتيمّم إلّا في آخر

______________________________

[1] لم نعثر عليه في مجمع البيان.

[2] لم نعثر على ادعاء الإجماع في شرح الجمل، و لكن قد حكى عنه في كشف اللثام 1: 148.

[3] الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

______________________________

(1) الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 1، التهذيب 1: 203- 588، الاستبصار 1: 165- 573، الوسائل 3: 384 أبواب التيمم ب 22 ح 1.

(2) الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 2، التهذيب 1: 192- 555، الاستبصار 1: 159- 548، الوسائل 3: 366 أبواب التيمم ب 14 ح 3.

(3) التهذيب 1: 194- 560، الوسائل 3: 367 أبواب التيمم ب 14 ذيل الحديث 3.

(4) التهذيب 1: 404- 1265، الوسائل 3: 385

أبواب التيمم ب 22 ح 3.

(5) قرب الإسناد 170- 623، الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 22 ح 4.

(6) فقه الرضا (ع): 88 و 89، مستدرك الوسائل 2: 547 أحكام التيمم ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 460

الوقت» «1».

و المروي في الدعائم: «لا ينبغي أن يتيمّم من لم يجد الماء إلّا في آخر الوقت» «2».

و في المعتبر و غيره، عن علي عليه السلام في الجنب: «يتلوّم- أي ينتظر و يمكث- ما بينه و بين آخر الوقت، فإن وجد الماء و إلّا يتيمّم» «3».

و في دلالة بعضها على الوجوب و إن كان كلام، إلّا أنّ دلالة أكثرها واضحة صريحة، كما أنّ في سند بعضها و إن كان ضعف، إلّا أن أكثرها في غاية الاعتبار و القوة، مع أنّ جميعها بما مرّ- من الإجماعات، و الشهرة العظيمة القديمة المحقّقة و المحكية- منجبرة، و بأصالة عدم مشروعية التيمّم و بقاء الاشتغال و استصحاب عدم جواز الدخول في الصلاة معتضدة.

و الثاني: الجواز كذلك، و هو مختار المنتهى و التحرير و الإرشاد و البيان «4»، و المحكي عن الصدوقين [1]، و ظاهري الجعفي و جامع البزنطي «5» و إن كان في ظهوره عن كلام الأخير نظر، و إليه ذهب جمع من المتأخّرين كما قيل «6»، و عليه إطباق العامة كما في الناصريات و الانتصار و المعتبر و التذكرة «7»، للأصل، و العامي المروي في المعتبر و غيره: «أينما أدركتني الصلاة تيمّمت و صلّيت» «8».

______________________________

[1] حكاه عن الصدوق في المختلف: 47، و لكن قال في المقنع 8: اعلم أنه لا تيمم للرجل حتى يكون في آخر الوقت.

______________________________

(1) التهذيب 1: 203- 590، الاستبصار 1: 166- 575، الوسائل 3:

385 أبواب التيمم ب 22 ح 5.

(2) دعائم الإسلام 1: 120، مستدرك الوسائل 2: 547 أحكام التيمم ب 17 ح 2.

(3) المعتبر 1: 382، سنن البيهقي 1: 233.

(4) المنتهى 1: 140، التحرير 1: 22، الإرشاد 1: 234، البيان: 86.

(5) حكاه عنهما في الذكرى: 107.

(6) الرياض 1: 77.

(7) الناصريات (الجوامع الفقهية): 189، الانتصار: 31، المعتبر 1: 382، التذكرة 1: 64.

(8) المعتبر 1: 382، سنن البيهقي 1: 222.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 461

و إطلاق الآيتين، و عمومات توسيع الوقت و أفضلية أوّله، و إطلاق ما دلّ على أنّ الصعيد كالماء و بمنزلته، و أنه أحد الطهورين «1».

و الأخبار الكثيرة- بل القريبة من التواتر- الظاهرة في الجواز المطلق من حيث الدلالة على أنّ من تيمّم و صلّى ثمَّ وجد الماء لا إعادة عليه، و هي بين مطلقة بل عامة بترك الاستفصال لمن وجده في الوقت، كالصحاح الأربعة للعيص و عبيد اللّه بن علي الحلبي و ابني مسلم و سنان «2»، و حسنة الحلبي «3»، و خاصة مصرّحة بعدم الإعادة مع الوجدان في الوقت، كصحيحة زرارة «4»، و موثّقتي أبي بصير و يعقوب «5»، و روايتي معاوية بن ميسرة و علي بن سالم «6».

و حملها على كون الصلاة في الوقت دون إصابة الماء- مع بعده- غير جار في الجميع، كالحمل على الجاهل باعتبار الضيق مع معذورية الجاهل في ذلك الحكم، أو على من شرع في الصلاة و قد وجد الماء في أثنائها بحيث ينقضي الوقت

______________________________

(1) انظر: الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 23.

(2) صحيحة العيص: التهذيب 1: 197- 569، الاستبصار 1: 161- 556، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14 ح 16، صحيحة الحلبي: الفقيه 1: 57-

213، المحاسن: 372- 132 بتفاوت يسير،- الوسائل 3: 366 أبواب التيمم ب 14 ح 1، صحيحة ابن مسلم: التهذيب 1:

197- 571، الاستبصار 1: 161- 557، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14 ح 15.

صحيحة ابن سنان: التهذيب 1: 193- 556، الاستبصار 1: 159- 549، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 7.

(3) الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 3، الوسائل 3: 367 أبواب التيمم ب 14 ح 4.

(4) التهذيب 1: 194- 562، الاستبصار 1: 160- 552، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 9.

(5) موثقة أبي بصير: التهذيب 1: 195- 565، الاستبصار 1: 160- 555، الوسائل 3: 369 أبواب التيمم ب 14 ح 11، موثقة يعقوب: التهذيب 1: 195- 563، الاستبصار 1:

160- 553، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14 ح 14.

(6) رواية معاوية بن ميسرة: التهذيب 1: 195- 564، الاستبصار 1: 160- 554، الوسائل 3:

370 أبواب التيمم ب 14 ح 13، رواية علي بن سالم: التهذيب 1: 202- 587، الاستبصار 1:

165- 572، الوسائل 3: 371 أبواب التيمم ب 14 ح 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 462

بإتمامها.

و تضعيفها بالمعارضة مع ما دلّ على الإعادة لو وجد الماء قبل خروج الوقت «1» ضعيف، لخلوّه عن الدالّ على الوجوب، و ظهوره في كون علّة الإعادة وجدان الماء، و لو وجب التأخير، لكانت العلّة عامة، و دلالته على خلاف المطلوب باعتبار إطلاق نفيه الإعادة مع الوجدان خارج الوقت.

و للمستفيضة الواردة في أنّ المتيمّم إذا وجد الماء في أثناء الصلاة ينصرف، كصحيحة زرارة «2»، و حسنة ابن عاصم «3»، و غيرهما، فإنه مع وجوب التضيّق لا معنى لذلك التفصيل، كيف و يقولون بالتيمّم لضيق

الوقت مع وجود الماء؟! و لتعليق التيمّم بالجنابة، أو بها مع فقد الماء في المستفيضة «4»، فلا يتقيّد بغير الأمرين.

و لما دلّ على شرعية التيمّم بمجرّد حضور الصلاة «5»، و على أنّ من تيمّم يجزيه ذلك إلى أن يجد الماء «6».

و لاستلزام التأخير المطلق للعسر، سيما في الأوقات التي لا يعلم أواخرها إلّا بالترصّد، و خصوصا في العشاء، و سيما لذوي الأمراض، و إيجابه لتفويت كثير من المستحبات، بل تضييع خصوص العبادة.

و للمستفيضة المجوّزة لصلاة الليل و النهار بتيمّم واحد «7».

______________________________

(1) انظر: الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 8 و 10.

(2) الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 4، التهذيب 1: 200- 580، الوسائل 3: 381 أبواب التيمم ب 21 ح 1.

(3) الكافي 3: 64 الطهارة ب 41 ح 5، التهذيب 1: 204- 591، الوسائل 3: 381 أبواب التيمم ب 21 ح 2.

(4) انظر: الوسائل 3: أبواب التيمم ب 5 و 9 و 14.

(5) انظر: الوسائل 3: 342 أبواب التيمم ب 2 ح 1.

(6) انظر: الوسائل 3: 366 أبواب التيمم ب 14.

(7) انظر: الوسائل 3: 379 أبواب التيمم ب 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 463

و للصحيح: في إمام قوم أصابته جنابة و ليس معه ماء يكفيه للغسل، أ يتوضّأ بعضهم و يصلّي بهم؟ قال: «لا، و لكن يتيمّم الجنب- الإمام- و يصلّي بهم» «1» فإنّه يبعد الأمر بتأخير المأمومين إلى آخر الوقت لدرك فضيلة الجماعة مع خصوص هذا الإمام المتيمّم مع وجود إمام متوضّي.

و حملها على وقوع الإمام و المأمومين في الضيق اتّفاقا بعيد جدا، مع غلبة وقوع الجماعة في أول الوقت.

و الكلّ ضعيف، بل لا دلالة لغير أخبار عدم الإعادة

أصلا.

أمّا الأصل: فلأنّه مع الخلاف كما مرّ «2»، و أصالة عدم وجوب التأخير فرع ثبوت جواز التقديم.

و أمّا العامي: فلعدم حجيته، مع ما فيه من ضعف الدلالة كما يظهر.

و أمّا إطلاق الآيتين: فلأنهما لا تدلّان إلّا على مشروعية التيمم، لا على مشروعيته في كلّ وقت، إلّا أن تضمّ أصالة عدم التوقيت بوقت خاص، و لكن أين الأصل [السالم ] من معارضة الأخبار.

نعم، في قوله تعالى إِذا قُمْتُمْ في إحداهما «3» دلالة على جوازه حين القيام إليها مطلقا.

و لكن فيه: أنّ المستفاد منه مشروعيته حين القيام إلى الصلاة المشروعة، أمّا على كون الألفاظ أسماء للصحيحة فظاهر، و أمّا على الأعم: فللاتّفاق على عدم وجوب التطهّر إلّا للصلاة المشروعة، و الكلام بعد في مشروعيتها في أول الوقت للمتيمّم.

______________________________

(1) الكافي 3: 66 الطهارة ب 42 ح 3، الفقيه 1: 60- 223، الوسائل 3: 386 أبواب التيمم ب 24 ح 2.

(2) راجع ص 459.

(3) المائدة: 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 464

فإن قيل: تثبت المشروعية بقوله سبحانه لِدُلُوكِ الشَّمْسِ «1».

قلنا: هو مخصّص بآيتي التطهير قطعا، فالمعنى: أقم الصلاة لدلوك الشمس بعد التطهّر، فقدر زمان التطهّر خارج بالقطع، و لا يعلم قدره في المورد، فإثبات مشروعية الصلاة يتوقّف على مشروعية التطهّر و بالعكس.

و منه يظهر وجه ضعف عمومات التوسيع و أفضلية أول الوقت، لاختصاصها بغير زمان التطهّر قطعا، مع أنّ أكثر أهل المواسعة حملوا أخبار المضايقة على الاستحباب، و هو مناف لأفضلية أول الوقت.

و أمّا عموم المثلية و المنزلة: فلما مرّ مرارا.

و أمّا أخبار التيمّم إذا وجد الماء في الأثناء: فلمعارضتها مع ما دلّ على عدم الانصراف بمجرد الدخول في الصلاة «2».

مع أنه غير مناف للمضايقة أصلا، لأنّ المراد منها

ليس إلّا آخر الوقت عرفا، و هو لا ينافي توسعته لمقدار الطهارة، و لذا لا مضايقة في الانصراف لكثير من أهل المضايقة، سيما مع ما في بعض الأخبار من أنه يتوضّأ و يبني «3»، و سيما مع أنّ من أدرك ركعة من الوقت فقد أدركه.

و أمّا تعليق التيمّم بما ذكر: فلا شك في أنه مقيد بوجوب الصلاة أيضا، و هو عين النزاع، فإن أثبته بعمومات التوسيع، رجع إليها، و قد مرّت.

و منه يظهر ما في إطلاق تشريع التيمّم بمجرّد حضور الصلاة، مع أنّ في صدق الحضور و الدرك بمجرد دخول الوقت كلاما يأتي في بحث أوقات الصلوات.

و أمّا إجزاء التيمّم لمن يتيمّم إلى أن يجد الماء و لو في أول الوقت: فهو لا ينافي

______________________________

(1) الإسراء: 78.

(2) انظر: الوسائل 3: 382 أبواب التيمم ب 21 ح 3 و 4.

(3) انظر: الوسائل 3: 383 أبواب التيمم ب 21 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 465

وجوب تأخيره لغير المتيمّم، بل هو مسألة أخرى تأتي «1».

و منه يظهر ما في الاستدلال بمجوّزات صلاة الليل و النهار بتيمّم واحد.

و أما لزوم العسر: فممنوع جدّا، سيما على القول بجواز الصلاة أول الوقت لمن دخله متيمّما لصلاة أخرى، أو بجواز التيمّم مع نذر ركعتين في وقت معين و غير ذلك ممّا يأتي.

و القول بأنه على ذلك تسقط فائدة الأمر بالتأخير، يشبه القول بأنه مع سهولة ارتكاب حيل تسقط شفعة الشفيع و الربا تسقط فائدة تشريع الأول و تحريم الثاني.

و أمّا حديث تفويت المستحبات فهو خطابي شعري لا التفات إليه.

و أمّا الصحيحة الأخيرة ففيها: أنه لا بعد في استحباب تأخير المأمومين لإدراك الجماعة، مع أنه يمكن أن يكونوا أيضا متيمّمين، و

يشعر به قوله: «أ يتوضّأ بعضهم» سيما مع نفيه إمامة المتوضّئ و أمره إمامة المتيمّم الذي لا أقلّ من الرجحان مع كراهية إمامة المتيمّم للمتطهّر.

فلم يبق إلّا أخبار الإعادة، و جوابها: أنّها أعم مطلقا من أخبار المضايقة، إذ ليس المراد بآخر الوقت فيها وقت منطبق آخره بآخر الفريضة، لأنّه تكليف بالمحال، و لا يقول به أهل المضايقة و لا بوجوب الاقتصار على أقل الواجب.

بل المراد: الآخر العرفي، كما عليه يحمل سائر الألفاظ، و هو لا ينافي زيادة شي ء من الوقت، مع أنّ المعول ظنّ المكلّف و تخمينه، كما هو مقتضى قوله في بعض أخبار المضايقة «فإن خاف أن يفوته الوقت» و هو لا ينافي التخلّف سيما في حق العوام.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 3    466     المسألة الاولى: ..... ص : 458

ا، مع أنّ المذكور في بعض أخبار المواسعة: بقي شي ء من الوقت، أو وقت، و هو دالّ على القلّة، فلا ينافي التخمين أو الآخر العرفي، سيما مع أنّ بقاء

______________________________

(1) انظر ص 468.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 466

وقت يكفي فيه مقدار ركعة.

هذا، مع أنّ لها عموما آخر، و هو شمولها لمن صلّى في السعة بالتيمّم الواقع قبل وقتها لصلاة أخرى في آخر وقتها، و القول بالجواز فيه معروف كما يأتي.

و على هذا فتخصّص تلك الأخبار بأخبار المضايقة قطعا.

و توهّم عمومها أيضا باعتبار شمولها لمن قطع بوجدان الماء إلى آخر الوقت فاسد، لظهور الجميع أو الأكثر في عدم القطع بذلك، كما هو مقتضى قوله: «لم يجد الماء» و «لم يصبه» و «إن فاتك».

ثمَّ لو سلّم ذلك حتى يكون بينهما عموم من وجه، أو عدم عموم أخبار المواسعة حتى يكون بينهما التساوي، فالترجيح

أيضا للمضايقة، لمخالفة جميع العامة، كما ذكره جمع من الخاصة «1».

و منه يظهر ترجيحها أيضا لو توهّم موافقة المواسعة لإطلاق الآيتين، لتكافؤ الترجيحين و بقاء الأصل مع المضايقة.

و من جميع ما ذكر يظهر المناص لو سلّمت دلالة بعض العمومات المتقدمة على المواسعة أيضا.

الثالث: التفصيل بالأول مع رجاء زوال العذر، و الثاني مع عدمه. و هو عن الإسكافي و ظاهر العماني «2»، و التذكرة و القواعد و شرح القواعد و فخر المحقّقين و اللمعة «3»، و والدي العلّامة، بل أكثر المتأخّرين كما في شرح القواعد، و استجوده في المعتبر «4».

للجمع بين أخبار الطرفين، مع ظهور الرجاء من التعليل في أكثر أخبار

______________________________

(1) راجع ص 460.

(2) حكى عنهما في المعتبر 1: 383.

(3) التذكرة 1: 64، القواعد 1: 23، جامع المقاصد 1: 500 و 501، فخر المحققين في الإيضاح 1: 70، اللمعة (الروضة 1): 160.

(4) المعتبر 1: 384.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 467

التضيق بقوله: «فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض» فإنّ مقتضاه الشك في الفوات، مع أنه مع العلم بعدم زوال العذر يكون الأمر بالتأخير لغوا عبثا.

و يردّ: بأن الجمع كما يمكن بما ذكر يمكن بغيره أيضا مما ذكره أرباب القولين.

و أمّا حديث ظهور التعليل في الرجاء فإنما هو إذا جعل جملة «إن فاتك» من باب الشرط و الجزاء، و يمكن أن يكون من قبيل: إن فاتك اللحم لم يفتك المرق، لمن حصل له المرق دون اللحم، و إن ذهب مالك لم يذهب أجرك، لمن غصب ماله، بل هو الظاهر و الملائم للفظة لم و لن في الجواب، مع أنّه لو سلّم ظهور ما تضمّن للتعليل فيه لا يقدح في عموم ما لا يتضمّنه.

و أمّا حديث لزوم

لغوية التأخير فمما لا يصلح للإصغاء إليه، فإنه لم يعلم أنّ علة التأخير زوال العذر، فلعلّها أمر آخر لا نعلمه.

فروع:

أ: الظاهر عموم وجوب التأخير لجميع الأعذار، و عدم اختصاصه بعدم الماء و إن اختصّ أكثر أخبار المضايقة به، لإطلاق موثّقة ابن بكير بل عمومها «1».

و فوات الماء فيها لا ينحصر في عدمه، بل يعم عدم إمكان استعماله، و كذا الرضوي «2»، المنجبر ضعفه بعدم القول بالفصل المحقّق و المحكي في الروض «3»، و اللوامع.

و ظاهر المعتبر التردّد «4»، كظاهر الحدائق «5»، بل مال في الأخير إلى المواسعة إذا كان العذر غير فقد الماء، لاختصاص أكثر أخبار الباب و وجوب حمل البواقي

______________________________

(1) التهذيب 1: 404- 1265، الوسائل 3: 384 أبواب التيمم ب 22 ح 3.

(2) فقه الرضا (ع): 88، مستدرك الوسائل 2: 547 أحكام التيمم ب 17 ح 1.

(3) روض الجنان: 122.

(4) المعتبر 1: 384.

(5) الحدائق 4: 365.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 468

عليه. و لا وجه له.

ب: لو ظنّ الضيق و تيمّم و صلّى، ثمَّ بان خطؤه زائدا على ما يتسامح لم يعد، وفاقا للمعتبر و الدروس «1»، لأنّه تطهّر طهارة شرعية و صلّى صلاة مأمورا بها، و للأخبار المتقدّمة الدالّة على عدم الإعادة بالإطلاق.

خلافا للمحكي عن الشيخ في كتبه الأخبارية «2»، لأنّ شرط التيمّم التضيّق، و لأنها صلاة واقعة قبل الوقت فتجب إعادتها.

و يجاب عن الأول: بأنّ الشرط التضيق بحسب علمه، لأنّه المكلّف به و قد حصل، بل ظاهر قوله: «فإن خاف فوت الوقت» أن الشرط ظنّ الضيق.

و عن الثاني: أنّ الثابت هو إعادة ما وقع قبل الوقت المحدود المعهود، دون مثل ذلك.

ج: الظاهر من آخر الوقت آخره عرفا، أي ما يسمّى

في العرف آخرا، لأنّه مقتضى حمل الألفاظ على المعنى، و هو و إن صدق على زمان أكثر ممّا يخاف معه الفوت إلّا أنه- لتصريح حسنة زرارة و روايته بخوف الفوات «3»- تجب مراعاته، و يكفي فيه ظنّه بل احتماله أيضا.

د: لو دخل وقت صلاة و هو متيمّم، جاز إيقاعها في أول وقتها و لو على المضايقة، وفاقا للمعتبر- و إن تردّد أخيرا- و المدارك و الذخيرة و اللوامع و عن المبسوط و المختلف «4»، لأنّ المانع من تقديمها أوامر تأخير التيمّم، و هي مختصة صريحة بالمحدث، فتبقى عمومات الجواز في السعة في حقّ غيره سالمة عن

______________________________

(1) المعتبر 1: 384، الدروس 1: 132.

(2) انظر التهذيب 1: 203، و الاستبصار 1: 167.

(3) حسنة زرارة: الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 2، التهذيب 1: 192- 555، الاستبصار 1:

159- 548، الوسائل 3: 366 أبواب التيمم ب 14 ح 3، و روايته: التهذيب 1: 194- 560، الوسائل 3: 367 أبواب التيمم ب 14 ذيل الحديث 3.

(4) المعتبر 1: 383، المدارك 2: 212، الذخيرة: 101، المبسوط 1: 33 و 34، المختلف: 54 و 55.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 469

المخصّص. و لا يفيد قوله في الحسنة: «فليصلّ في آخر الوقت» لأنّ المستتر فيه راجع إلى المسافر المحدث بقرينة قوله «فليتيمّم».

و قد يستشهد أيضا: بما دلّ على صحة الصلوات المتعدّدة بتيمّم واحد «1».

و فيه: أنه لا يدلّ على إيقاعها في أول أوقاتها، بل فيه ردّ على بعض العامة حيث قال: إنّ لكلّ صلاة تيمّما على حدة «2»، و هو خلاف إجماع الشيعة.

خلافا لصريح البيان و ظاهر الدروس «3»، فأوجب تأخيرها على القول بالمضايقة و التفصيل مع الرجاء، و اختاره بعض

مشايخنا المحقّقين [1]، لأنّ علّة التأخير إمكان زوال العذر، و هو متحقّق في المقام، و لأنه كان تأخير التيمّم و الصلاة واجبا، و لا يلزم من انتفاء التأخير بالنسبة إلى التيمّم لسبق فعله انتفاؤه بالنسبة إلى الصلاة، فيستصحب الحكم بالنسبة إليها.

و في الأول: ما مرّ من منع التعليل، مع أنه لو سلّم فهو علّة لتأخير التيمّم و الصلاة دون الصلاة فقط.

و القول بأن التيمّم ليس مقصودا بالذات، و الغرض حقيقة مراعاة حال الصلاة و إيقاعها على أتمّ ما يمكن، يشبه القياسات و الاستنباطات العامية.

و في الثاني: أنّ المسلّم وجوب تأخير الصلاة على غير من دخل الوقت متيمّما، و أمّا بالنسبة إليه فلا.

و ممّا ذكر يعلم جواز إيقاع الصلاة في أول الوقت مع ظنّ زوال العذر في آخره، بل و مع القطع أيضا، و أمر الاحتياط واضح.

ه: يتيمّم للفائتة- فريضة كانت أو نافلة- في كلّ وقت تذكّر و أراد فعلها، أمّا على القول بالمضايقة في القضاء فظاهر، و أمّا على التوسعة: فلعمومات جواز

______________________________

[1] الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

______________________________

(1) كما في الحدائق 4: 364.

(2) الأم للشافعي 1: 47.

(3) البيان: 86، الدروس 1: 132.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 470

فعلها متى ذكرها، و إطلاق الآيتين، و أخبار التيمّم مع أصالة عدم التوقيت لها بوقت.

خلافا للبيان، فقال: لا يتيمّم للفائتة، لأنّ وقتها العمر، فتشملها أخبار التأخير إلى آخر الوقت «1».

و فيه: أنّ هذا التحديد غير مستفاد من التوقيت، بل هو من مقتضيات عدم الفورية، و مثل ذلك ليس وقتا بل يجوز التيمّم في كلّ وقت لمن عليه فائتة و لو لم يرد فعلها، لأنّ وجوبها عليه مستلزم لوجوب مقدمتها التي هي التيمّم مع العذر، فلا مناص من

القول إمّا بعدم وجوب الفائتة حين العذر، أو بوجوب مقدمتها أيضا، و الأول ظاهر الفساد بالإجماع و العمومات، فتعيّن الثاني.

و مثلها ما لا وقت لها محدود شرعا من الصلوات الواجبة كالنذر المطلق، أو النافلة كذات الأسباب الغير الموقّتة أو المبتدأة، لما ذكر مع إطلاق ما دلّ على وجوبها أو استحبابها.

خلافا في الأخيرة للمعتبر و المنتهى و التذكرة «2»، فلم يجوّزوا التيمّم لها في الأوقات المكروهة لها، بل الثاني لم يجوّزه فيها لقضاء الرواتب أيضا، لأنّها ليست بوقت لها.

و ضعفها في غاية الوضوح، فإنّها لو لم يكن وقت لها لكانت باطلة لو وقعت فيها و لو بالوضوء، و هو خلاف الإجماع بل هي أوقات لها مرجوحة بالنسبة إلى سائر الأوقات.

و أمّا ما له وقت كالنذر الموقت و النوافل اليومية و الآيات و العيدين: فمقتضى إطلاق أخبار المضايقة في التيمّم عدم صحتها إلّا في آخر أوقاتها، و دعوى ظهورها في الفرائض اليومية غير مسموعة.

______________________________

(1) البيان: 86.

(2) المعتبر 1: 383، المنتهى 1: 150، التذكرة 1: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 471

و لكن قيل: الظاهر عدم الخلاف في جواز التيمّم لكل منها في حال إيقاعها «1». فإن ثبت الإجماع فهو، و إلّا فالوقوف على الأخبار.

و كما لا يجوز التيمّم في شي ء ممّا ذكر ممّا له وقت قبل آخر وقتها، لا يجوز قبل الوقت أيضا، لوجوب [التأخير] [1] فلا يتيمّم للعيدين قبل الطلوع، و لا للخسوف قبل الشروع، و هكذا.

المسألة الثانية:

متى تيمّم لواحد مما يجوز التيمّم له جاز له أداء كلّ صلاة دخل وقتها، بالإجماع، و المستفيضة كصحيحة حماد: عن الرجل لا يجد الماء، أ يتيمّم لكلّ صلاة؟ قال: «لا، هو بمنزلة الماء» «2».

و صحيحة زرارة: في رجل

تيمّم، قال: «يجزيه ذلك إلى أن يجد الماء» «3».

و رواية السكوني: «لا بأس بأن يصلّي صلاة الليل و النهار بتيمّم واحد ما لم يحدث أو يصب الماء» «4».

و لا فرق بين ما إذا أتى بما يتيمّم، أو لم يأت إذا تيمّم له. و لا يجب في الصلاة اللاحقة حينئذ تأخيرها إلى آخر وقتها إذا كانت موقّتة كما مرّ «5»، و بذلك ينتفي العسر الذي ادّعي على القول بالمضايقة.

الثالثة:

من يجب عليه الوضوء و الغسل معا- على القول بعدم كفاية الغسل وحده- فإن وجد الماء لأحدهما فقط، أتى به و تيمّم للآخر، و لا يسقط ما يتمكّن منه بسقوط ما لا يتمكّن، للاستصحاب، و أصالة عدم المرابطة بينهما.

______________________________

[1] في النسخ: التخيير، و الصحيح ما في المتن.

______________________________

(1) كما في الحدائق 4: 367.

(2) التهذيب 1: 200- 581، الاستبصار 1: 163- 566، الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 23 ح 2.

(3) التهذيب 1: 200- 579، الوسائل 3: 386 أبواب التيمم ب 23 ح 3.

(4) التهذيب 1: 201- 582، الاستبصار 1: 163- 567، الوسائل 3: 380 أبواب التيمم ب 20 ح 5.

(5) راجع ص 468.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 472

و لو وجد بقدر ما يغتسل، فهل يجب الغسل أو يجوز له الوضوء أيضا؟

الظاهر الثاني، لعدم دليل على التعيين.

و إن لم يجد لشي ء منهما فظاهر الأكثر- كما قيل [1]- كفاية تيمّم واحد لهما، و جعله في المدارك الأظهر «1»، و هو كذلك.

و في الذكرى عن بعض الأصحاب: وجوب تيمّمين، و نفى هو البأس عنه «2»، و اختاره طائفة من مشايخنا مستدلّين بأصالة عدم تداخل الأسباب «3».

و هي ممنوعة مع أنّ بعض الإطلاقات يدفعها.

الرابعة:

من صلّى بالتيمّم الصحيح لا يعيد مطلقا، وفاقا للمعظم، بل عليه استفاضة نقل الإجماع في بعض صوره.

لإتيانه بالمأمور به على وجهه فيجزي عنه، و هو بدل عن المأمور به مع المائية قطعا فيكفي عنه، لكفاية البدل عن المبدل منه، مع أنّ قضاءه بعد الوقت يتوقّف على أمر جديد و لا أمر.

و للنصوص المستفيضة المتقدمة أكثرها في الأمر الأول من الفصل الأول، الدالّة إمّا على إجزاء الصلاة و عدم استئنافها مطلقا، كصحيحة ابن سنان «4»،

و حسنة الحلبي «5»، و رواية الصيقل «6»، و الصحاح الثلاث لمحمد و عبيد اللّه الحلبي

______________________________

[1] لم نعثر على قائله.

______________________________

(1) المدارك 2: 233.

(2) الذكرى: 108.

(3) كصاحب كشف الغطاء: 164، و بحر العلوم في الدرة النجفية: 47.

(4) التهذيب 1: 193- 556، الاستبصار 1: 159- 549، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 7.

(5) الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 3، الوسائل 3: 367 أبواب التيمم ب 14 ح 4.

(6) التهذيب 1: 406- 1277، الاستبصار 1: 168- 581، الوسائل 3: 383 أبواب التيمم ب 11 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 473

و العيص «1»، المصرّحة بقوله: «لا يعيد» الذي هو أعم من القضاء لغة، أو على عدم وجوب الإعادة في الوقت، كصحيحة زرارة «2» و موثّقة ابن أسباط عن عمّه «3»، و روايات أبي بصير و ابن سالم و ابن ميسرة «4»، أو على عدم وجوب القضاء كحسنة زرارة «5».

خلافا للمحكي عن القديمين، فأوجبا الإعادة إذا بلغ الماء في الوقت «6»، لصحيحة يعقوب «7»، و موثّقة ابن حازم «8»، المتقدّمتين في البحث المذكور.

و يضعّفان: بالخلوّ عن الدالّ على الوجوب سيما الأخيرة، مضافا إلى

______________________________

(1) صحيحة محمد: التهذيب 1: 197- 571، الاستبصار 1: 161- 557، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14 ح 15، صحيحة عبيد اللّه الحلبي: الفقيه 1: 57- 213، المحاسن:

372- 132 بتفاوت يسير، الوسائل 3: 366 أبواب التيمم ب 14 ح 1، صحيحة العيص:

التهذيب 1: 197- 569، الاستبصار 1: 161- 556، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14 ح 16.

(2) التهذيب 1: 194- 562، الاستبصار 1: 160- 556، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 9.

(3) التهذيب 1: 195- 563، الاستبصار

1: 160- 553، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14 ح 14.

(4) رواية أبي بصير: التهذيب 1: 195- 565، الاستبصار 1: 160- 555، الوسائل 3: 369 أبواب التيمم ب 14 ح 11، رواية ابن سالم: التهذيب 1: 202- 587، الاستبصار 1:

165- 572، الوسائل 3: 371 أبواب التيمم ب 14 ح 17، رواية ابن ميسرة: التهذيب 1:

195- 564، الاستبصار 1: 160- 544، الوسائل 3: 370 أبواب التيمم ب 14 ح 13.

(5) الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 2، التهذيب 1: 192- 555، الاستبصار 1: 159- 548، الوسائل 3: 366 أبواب التيمم ب 14 ح 3.

(6) حكاه عنهما في الذكرى: 110.

(7) التهذيب 1: 193- 559، الاستبصار 1: 159- 551، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 8.

(8) التهذيب 1: 193- 558، الاستبصار 1: 159- 550، الوسائل 3: 368 أبواب التيمم ب 14 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 474

إطلاقها الخالي عن القائل، و المرجوحية عمّا تقدّم من المعارضات بأشهريتها فتوى و رواية لو سلّمت الدلالة، و الرجوع إلى الأصل لو لم تسلّم المرجوحية.

و للمحكي عن السيد في شرح في الرسالة، فأوجبها إذا تيمّم الحاضر لفقد الماء «1».

و يمكن أن يكون مستنده معارضة ما دلّ على عدم الإعادة مع بعض ما يظنّ دلالته على الإعادة مطلقا، كموثّقة منصور، و ترجيح الأول في المريض و المسافر بموافقة الكتاب، و الثاني في غيرهما بالاحتياط و الاشتغال.

أو رفع اليد عن الأخبار مطلقا بناء على أصله، و العمل في المريض و المسافر بالكتاب، و في غيرهما بما ذكر.

و الجواب على التقديرين ظاهر.

و عن النهاية و المبسوط و الاستبصار و التهذيب و المهذّب و الإصباح و روض الجنان [1]،

فأوجبوا الإعادة على المتيمّم للخوف على النفس إذا تعمّد الجنابة، و استقربه في المدارك «2»، لصحيحة ابن سنان و مرسلة جعفر، المتقدّمتين في الأمر السادس من الفصل الأول «3».

و هما غير ناهضتين لإثبات الوجوب، و لو سلّم فتخصيصهما بالمتعمّد ليس أولى من حملهما على الاستحباب.

______________________________

[1] النهاية: 46، المبسوط 1: 30، الاستبصار 1: 162، التهذيب 1: 196، المهذب 1: 48، روض الجنان: 116، و لم نعثر فيه على قوله بوجوب الإعادة، بل الموجود فيه نسبة ذلك إلى الشيخ، فراجع.

______________________________

(1) حكاه عنه المعتبر 1: 365.

(2) المدارك 2: 240.

(3) صحيحة ابن سنان: الفقيه 1: 60- 224، التهذيب 1: 196- 568، الوسائل 3: 372 أبواب التيمم ب 16 ح 1، مرسلة جعفر: الكافي 3: 67 الطهارة ب 43 ح 3، التهذيب 1:

196- 567، الاستبصار 1: 161- 559، الوسائل 3: 367 أبواب التيمم ب 14 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 475

و عن الإسكافي «1» و الشيخ «2» و جملة ممّن تبعهما [1]، فأوجبوها على من تيمّم في الجامع لمنع الزحام إيّاه عن المائية.

لرواية السكوني: عن الرجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة و يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس قال: «يتيمّم و يصلّي معهم و يعيد إذا انصرف» «3» و قريبة منها موثّقة سماعة «4».

و يردّ- مع ما مرّ من عدم الدلالة على وجوب الإعادة و لا على وجوب التيمّم و الصلاة- أنّه لا يتعيّن أن يكون التيمّم و الصلاة هو الفريضة، فيمكن أن يكون هذا أمرا مستحبا غيرها ندب إليه حفظا لسنة التقية، حيث إنّ محل الزحام في ذلك العصر لم يكن إلّا للمخالفين.

و عن المبسوط و النهاية، فيمن لم يكن له

ماء و كان عليه نجاسة فتيمّم و صلّى «5».

لموثّقة الساباطي: في رجل ليس عليه إلّا ثوب و لا تحلّ الصلاة فيه و ليس يجد ماء يغسله، كيف يصنع؟ قال: «يتيمّم و يصلّي، فإذا أصاب ماء، غسله و أعاد الصلاة» «6».

و هي عن إفادة الزائد عن الاستحباب قاصرة، و هو مسلّم.

و هل استحباب الإعادة من جهة نجاسة الثوب أو التيمّم أو هما معا؟ قضية الأصل تقتضي الأخير، فلا تستحب إلّا باجتماعهما معا.

______________________________

[1] كابن حمزة في الوسيلة: 70، و ابن سعيد في الجامع للشرائع: 45.

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 50.

(2) النهاية: 47.

(3) التهذيب 1: 185- 534، الوسائل 3: 371 أبواب التيمم ب 15 ح 1.

(4) التهذيب 3: 248- 678، الوسائل 3: 371 أبواب التيمم ب 15 ح 2.

(5) المبسوط 1: 35، النهاية: 55.

(6) التهذيب 1: 407- 1279، الاستبصار 1: 169- 587 بتفاوت يسير، الوسائل 3: 392 أبواب التيمم ب 30 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 476

و لا ينافيه قوله: «غسله و أعاد» حيث إنّ الظاهر منه أنّ الإعادة عند غسل النجاسة و إن لم يوجد الماء بقدر يكفي الطهارة، فيستفاد منه أنّ السبب هو النجاسة، لمنع الاستفادة، لجواز أن يكونا معا سببين، و استحب الإعادة برفعهما معا أو رفع هذا الجزء بخصوصه.

الخامسة:

من تعذّر له استعمال الماء مطلقا- أي و لو للوضوء خاصة- و لم يكن متطهّرا، جاز له تعمّد الجنابة إجماعا، لعدم وجوب المائية عليه، و عدم التفرقة بين التيمّمين.

و كذا لو كان متطهّرا، أو لم يتمكن من الغسل و تمكّن من الوضوء، على الحق المشهور، و في المعتبر: الإجماع عليه «1»، للأصل.

و ما تقدّم سابقا من وجوب إبقاء مقدمة الواجب المطلق لا

يفيد هنا، لأنّ الوضوء ليس واجبا مطلقا، لأنّه مشروط بعدم الجنابة، و الغسل و إن كان واجبا مطلقا للجنب، و لكنه غير مقدور بالفرض.

و يدلّ عليه أيضا: إطلاق موثّقة إسحاق بن عمّار: عن الرجل يكون معه أهله في السفر لا يجد الماء أ يأتي أهله؟ قال: «ما أحبّ أن يفعل إلّا أن يخاف على نفسه» قال، قلت: طلب بذلك اللذة، و يكون شبقا على النساء، قال: «إنّ الشبق يخاف على نفسه» قال، قلت: طلب بذلك اللذة، قال: «هو حلال» «2» الحديث، و نحوه المروي في مستطرفات السرائر «3».

و قد يستدلّ: بحكاية أبي ذر، حيث إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أقرّه على فعله «4».

______________________________

(1) المعتبر 1: 397.

(2) الكافي 5: 459 النكاح ب 46 ح 3، التهذيب 1: 405- 1269، الوسائل 20: 109 أبواب مقدماته (النكاح) و آدابه ب 50 ح 1.

(3) مستطرفات السرائر: 107- 53، الوسائل 3: 390 أبواب التيمم ب 27 ح 2.

(4) الفقيه 1: 59- 221، التهذيب 1: 194- 561، الوسائل 3: 369 أبواب التيمم ب 14 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 477

و فيه: منع التقرير، لأنه إنما هو حين الاشتغال بالفعل، و أمّا بعده فليس تقريرا، بل قرّره على قوله: هلكت.

خلافا لظاهر الإسكافي «1»، و نقل عن المفيد أيضا و كلامه لا يدلّ عليه «2»، للمرفوعتين المتقدّمتين الدالّتين على وجوب الغسل على من أجنب متعمدا «3». و لا دلالة فيه كما مرّ.

السادسة:

لو عدم الماء و ما يتيمّم به بالمرة، سقط الأداء إجماعا، كما صرّح به جماعة «4»، لقوله عليه السلام في صحيحة زرارة: «لا صلاة إلّا بطهور» «5» و غيره مما يدل على انتفاء حقيقة الصلاة بانتفاء

الطهور.

و حمله على نفي الصحة مع كون «لا» حقيقة في نفي الجنس لا وجه له، مع أنه أيضا يكفي، إذ غير الصحيح ليس مأمورا به.

و منه يظهر فساد ما قيل من أنّ الطهور شرط الصحة لا الوجوب، فيتوقّف عليه المشروط مع إمكانه، كما في القبلة و الساتر، دون ما إذا لم يمكن و إلّا لانقلب واجبا مقيّدا بالنسبة إليه «6».

لمنع انحصار التوقّف بالإمكان، بل مقتضى الاشتراط: التوقّف مطلقا.

و التخلّف في طائفة من الشرائط بدليل من خارج لا ينافي أصل الاقتضاء، و لا يوجب ذلك صيرورته واجبا مطلقا بالنسبة إليه، لأنّ الفرق بين مقدّمة المقيّد و المطلق إنما هو في وجوب التحصيل و عدمه مع الإمكان.

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 52.

(2) المقنعة: 60.

(3) راجع ص 375.

(4) الكركي في جامع المقاصد 1: 486، الشهيد الثاني في روض الجنان: 128، صاحب المدارك 2: 208 و فيه عند أكثر الأصحاب.

(5) التهذيب 1: 209- 605، الاستبصار 1: 55- 160، الوسائل 1: 365 أبواب الوضوء ب 1 ح 1.

(6) كما في الحدائق 4: 318.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 478

نعم لو منع إرادة نفي الصحة من نحو الصحيحة، و احتمل إرادة نفي الكمال، لاتّجه أن يمنع شرطية الطهور للصلاة مطلقا، إذ لا يثبت من الأخبار الاشتراط، بل غايتها التكليف المقيّد بالإمكان قطعا، فبدونه لا تكليف به، و يجب امتثال الأمر بالصلاة. و أمّا الإجماع على الشرطية فهو لا يتجاوز عن صورة الإمكان في ذلك المقام، و المناط هو الصحيحة و ما يؤدّي مؤدّاها.

و لذا بعض من تأمّل في دلالة الصحيحة من المتأخّرين جعل الأولى وجوب الأداء من غير إعادة لو لم ينعقد الإجماع على خلافه [1].

و يظهر من السيد في

مسائل أملاها تكملة لكتاب الغرر و الدرر: وجوب الأداء عليه.

و حكى القاضي و المحقّق قولا بوجوبها مع الإعادة [2].

و عن الشيخ و القاضي تجويزهما معا [3].

و في نهاية الإحكام: استحباب الأداء، لحرمة الوقت و الخروج عن الخلاف «1».

و أمّا القضاء، فالحقّ وجوبه، وفاقا لأكثر المتأخّرين، و عن الناصريات و الإصباح و المقنعة و المبسوط و الجواهر و السرائر و المنتهى و الشهيد «2»، لعموم موجبات قضاء الفوائت مطلقا، أو من الفرائض.

و كون الفوت لفقد الطهور من النوادر غير ضائر، لأنّ الاحتجاج بالعموم دون الإطلاق.

______________________________

[1] حكاه في الحدائق 4: 318 عن السيد نعمة اللّه الجزائري.

[2] لم نعثر عليه في كتب القاضي من الجواهر و المهذب و شرح الجمل، و حكاه المحقق في الشرائع 1:

49.

[3] الشيخ في المبسوط 1: 31، و لم نعثر عليه في كتب القاضي.

______________________________

(1) نهاية الاحكام 1: 201.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 190، المقنعة: 60، المبسوط 1: 31، جواهر الفقه: 14، السرائر 1: 139، المنتهى 1: 143، الشهيد في البيان: 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 479

و ظهور الفائدة فيما يجب أولا ممنوع، كما يأتي بيانه في بحث القضاء، مع أنّ أكثر العمومات يشمل الناسي الذي لا وجوب عليه.

و المتبادر من الفريضة ما تعلّق به الوجوب في الجملة، بل هو حقيقتها، فلا يتوقّف صدقها على الوجوب على خصوص هذا الشخص و إن أوجب ذلك تخصيصا من بعض الوجوه، و لا ضير فيه.

و خلافا للمنقول عن المفيد في رسالته إلى ولده «1»، و للوسيلة و المعتبر و الشرائع «2»، و بعض كتب الفاضل «3»، فلم يوجبوه، للأصل المندفع بما مرّ.

و تبعية القضاء للأداء ممنوعة جدّا، و سواء أريد التبعية مفهوما أو حكما، مع أنّ انتفاء

التبعية حكما يكفي لنا و هو ثابت قطعا.

و لما ورد في أخبار كثيرة من الصحاح و غيرها- الآتية في بحث القضاء على المغمى عليه- أنّ «كلّ ما غلب اللّه عليه فهو أولى بالعذر، و ليس على صاحبه شي ء» «4» حيث إنّه يعارض عمومات قضاء الفوائت بالعموم من وجه، و لا ترجيح، فيرجع إلى الأصل.

و يردّ: بعدم انحصار فقد الطهور بكونه من فعل اللّه سبحانه، بل قد يحصل بفعل المكلّف من الذهاب إلى مكان يفقد فيه الطهور، أو إتلافه مع وجوده، أو يحصل ذلك بفعل غيره من المكلّفين، و يتمّ المطلوب في غيره بالإجماع المركّب، و لا يصح ضمّه مع صورة كونه بفعله سبحانه، لأنّ نفي القضاء يكون حينئذ بالأصل، فيندفع بالإجماع المركّب المنضمّ مع الدليل.

السابعة:
اشارة

المتيمّم إن وجد الماء قبل شروعه في الصلاة، ينتقض تيمّمه كما سيجي ء.

______________________________

(1) حكاه عنه في المهذب البارع 1: 457.

(2) الوسيلة: 71، المعتبر 1: 381، الشرائع 1: 49.

(3) كالتذكرة 1: 63، و التحرير 1: 22، و القواعد 1: 23، و نهاية الإحكام 1: 201.

(4) انظر: الوسائل 8: 258 أبواب قضاء الصلوات ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 480

و إن وجده بعد الفراغ عنها، مضت صلاته كما عرفت.

و إن وجده في الأثناء يرجع ما لم يركع الاولى، و يتطهّر و يصلّي. فإن ركع لها يتمّ صلاته و يمضي فيها، وفاقا للصدوقين [1] و الجعفي و العماني «1» و الشيخ في النهاية «2»، و السيد في المصباح و الجمل «3» بل في شرح الرسالة كما حكي عنه «4»، و اختاره من المتأخّرين جماعة كالأردبيلي و صاحبي المنتقى و المفاتيح و الحدائق «5»، و بعض سادة مشايخنا [2]، و بعض محقّقيهم [3].

لصحيح

زرارة: «إن أصاب الماء و قد دخل في الصلاة فلينصرف و ليتوضّأ ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمض في صلاته، فإن التيمّم أحد الطهورين» «6».

و خبر ابن عاصم: عن الرجل لا يجد الماء فيتيمّم و يقوم في الصلاة فجاءه الغلام فقال: هو ذا الماء، فقال: «إن كان لم يركع فلينصرف و ليتوضأ، و إن كان قد ركع فليمض في صلاته» «7» و رواه ابن محبوب في كتابه، و البزنطي في نوادره كما نقله الحلي في سرائره «8».

______________________________

[1] الصدوق في المقنع: 9، و أما والده فقد حكي عنه القول بالاستمرار مطلقا. انظر كشف اللثام 1: 151، و الرياض 1: 81.

[2] بحر العلوم في الدرة النجفية 47.

[3] الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط)، و صاحب كشف الغطاء: 169.

______________________________

(1) حكاه عنهما في الذكرى: 110.

(2) النهاية: 48.

(3) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 26.

(4) حكاه عنه في الحدائق 4: 378.

(5) الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 240، منتقى الجمان 1: 359، مفاتيح الشرائع 1: 64، الحدائق 4: 383.

(6) الكافي 3: 63 الطهارة ب 41 ح 4، التهذيب 1: 200- 580، الوسائل 3: 381 أبواب التيمم ب 21 ح 1.

(7) الكافي 3: 64 الطهارة ب 41 ح 5، التهذيب 1: 204- 591، الوسائل 3: 381 أبواب التيمم ب 21 ح 2.

(8) مستطرفات السرائر: 108- 59.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 481

و المروي في الدعائم: «و إن دخل في الصلاة بتيمّم ثمَّ وجد الماء فلينصرف و يتوضّأ و يصلّي إن لم يكن ركع، فإن ركع مضى في صلاته» «1».

و المستفيضة الآتية المصرّحة بانتقاض التيمّم بوجدان الماء مطلقا، خرج ما بعد الركوع بما مرّ و ما يأتي، فيبقى

الباقي.

خلافا للإسكافي، فقال: ما لم يركع الثانية، و لكنه احتمل عدم جواز القطع بعد الأولى أيضا إن خاف الضيق و عدم جواز القطع مطلقا «2».

للجمع بين ما ظاهره لزوم الرجوع و لو صلّى ركعة، كخبر الصيقل: رجل تيمّم ثمَّ قام يصلّي فمرّ به نهر و قد صلّى ركعة قال: «فليغتسل و ليستقبل» «3».

و خبر زرارة: عن رجل صلّى ركعة على تيمّم ثمَّ جاء رجل و معه قربتان من ماء قال: «يقطع الصلاة و يتوضّأ ثمَّ يبني على واحدة» «4».

و منافاة جزئه الأخير للإجماع لا تضرّ في البواقي.

و ما صريحه الإمضاء بعد ركعتين، كصحيحة محمد و زرارة: في رجل لم يصب الماء و حضرت الصلاة فتيمّم و صلّى ركعتين، ثمَّ أصاب الماء أ ينقض الركعتين و يقطعهما و يتوضّأ و يصلّي؟ قال: «لا، و لكنه يمضي في صلاته و لا ينقضها لمكان أنه دخلها على طهور بتيمّم» «5».

و بالأولين نقيّد إطلاقات عدم القطع مطلقا أو بعد الركوع، و بالثالثة إطلاقات الانتقاض بوجدان الماء.

______________________________

(1) دعائم الإسلام 1: 120، مستدرك الوسائل 2: 546 أحكام التيمم ب 16 ح 1.

(2) حكاه عنه في المختلف: 51.

(3) التهذيب 1: 406- 1277، الاستبصار 1: 168- 581، الوسائل 3: 383 أبواب التيمم ب 21 ح 6.

(4) التهذيب 1: 403- 1263، الاستبصار 1: 167- 579، الوسائل 3: 383 أبواب التيمم ب 21 ح 5.

(5) الفقيه 1: 58- 214، التهذيب 1: 205- 595، الاستبصار 1: 167- 580، الوسائل 3:

382 أبواب التيمم ب 21 ح 4 (بتفاوت).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 482

و يجاب عنه: بضعف الخبرين و شذوذهما، لمخالفتهما الشهرة بل الإجماع.

و للديلمي، فقال: ما لم يقرأ «1». و لم أقف له على مستند.

و

لابن حمزة، فقال بالرجوع مطلقا إذا ظنّ السعة، و استحبابه ما لم يركع إن لم يظن ذلك «2».

و لعلّه للنصوص الدالّة على الانتقاض بوجدان الماء و تقديم جانب الصلاة مع الضيق.

و يضعّف: بوجوب تخصيص تلك النصوص بما تقدّم، لخصوصيتها بالنسبة إليها.

و للمحكي عن المبسوط و الخلاف «3»، و السيد في مسائل الخلاف «4»، و القاضي و الحلّي و الحلبي و الجامع و المحقّق و الفاضل في القواعد- بل أكثر كتبه- و الكركي و التنقيح و اللمعة و الدروس و المدارك و اللوامع «5»، بل الأكثر كما في الروضة و البحار «6» و اللوامع، بل عليه الإجماع في بحث الاستحاضة من السرائر «7»، فقالوا بعدم الرجوع و وجوب الإتمام و لو تلبّس بتكبيرة الإحرام.

لأصالة بقاء التيمّم، و استصحاب كون المصلّي جائزا له الصلاة، و كون ما صلّى صحيحا أي لو ضمّ إليه الباقي يكون صحيحا، و أصالة عدم وجوب الوضوء

______________________________

(1) المراسم: 54.

(2) حكاه عنه في الذكرى: 111 من كتابه الواسطة.

(3) المبسوط 1: 33، و الخلاف 1: 141.

(4) حكاه عنه في المختلف: 51.

(5) القاضي في شرح الجمل: 62، الحلي في السرائر 1: 140، الحلبي في الكافي: 137، الجامع للشرائع: 48، المحقق في المختصر: 17، الفاضل في القواعد 1: 23، التذكرة 1: 65، المنتهى 1: 154، التحرير 1: 22، الكركي في جامع المقاصد 1: 508، التنقيح الرائع 1:

138، اللمعة (الروضة 1): 163، الدروس 1: 133، المدارك 2: 246.

(6) الروضة 1: 163، البحار 78: 152.

(7) السرائر 1: 153.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 483

و قطع الصلاة.

و لصحيحة زرارة و محمد، المتقدّمة، حيث إنّ التعليل فيها يوجب المضي مع الدخول مطلقا.

و خبر ابن حمران: رجل تيمّم ثمَّ دخل في

الصلاة و قد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثمَّ يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة، قال: «يمضي في الصلاة» «1» الحديث.

و الرضوي- المنجبر ضعفه بما ذكر-: «إذا كبّرت في صلاتك تكبيرة الافتتاح و أوتيت بالماء فلا تقطع الصلاة و لا تنقض تيمّمك و امض في صلاتك» «2».

و يجاب عن الأصول: باندفاعها بما ذكر، و عن الأخبار: بأنها مطلقة بالنسبة إلى أخبارنا، و حمل المطلق على المقيد لازم، و الرجوع إلى وجوه التراجيح إنما هو مع التباين كليا أو من وجه، مع أنه لا ترجيح لها.

و ترجيحها بالأصحّية سندا، حيث إنّ محمد بن حمران أشهر في العلم و العدالة من عبد اللّه بن عاصم، و بالأيسرية، و بأنّ العمل بها يوجب الجمع بحمل أخبارنا على الاستحباب، و بالموافقة للشهرة و الإجماع المنقول، و للنهي عن قطع العمل و إبطال الصلاة، مردود:

أمّا الأول: فبعدم صلاحيته للترجيح، كما بيّنّا في موضعه، مع أنّ محمد بن حمران الأعدل هو النهدي، و لا قرينة هنا على التعيين، مع أنه غير كاف في الترجيح مع اشتراك محمد بن سماعة الراوي عنه، و عدم قرينة على كونه الحضرمي، و تعينهما للمحقّق «3» بقرينة- لو سلّم- لا يفيد لنا، و كون الراوي عن سماعة البزنطي

______________________________

(1) التهذيب 1: 203- 590، الاستبصار 1: 166- 575، الوسائل 3: 385 أبواب التيمم ب 22 ح 5.

(2) فقه الرضا (ع): 90، مستدرك الوسائل 2: 546 أحكام التيمم ب 16 ح 3.

(3) انظر: المعتبر 1: 400.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 484

- الذي صرّح الشيخ بأنه لا يروي إلّا عن الثقات «1»- معارض بأنّ في بعض طرق رواية ابن عاصم أبان المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه.

ثمَّ

لو سلّم ترجيح رواية ابن حمران على رواية ابن عاصم سندا، فلا ترجّح على صحيحة زرارة قطعا، فإنّه لا يكافئه غيره من الرواة، و كذا من تقدّم عليه لا يوازيهم من تقدّم على ابن حمران.

و أمّا الثاني: فبأنه و إن رجّح اليسير على العسير و لكن لا دليل على ترجيح الأيسر على اليسير، و لا نسلّم العسر هنا.

و أمّا الثالث: فبأنّ الجمع بالتخصيص- كما على المختار- أرجح منه بالتجوّز قطعا.

و أمّا الرابع: فبمنع كون الموافقة للشهرة المحكية في الفتوى موجبا للترجيح، مع أنّ الشهرة المحقّقة القديمة على خلافه، إذ المعروفون منهم ذهبوا إلى خلافه «2».

و كذا الإجماع المنقول، مع أنّ الظاهر أن مراد الحلّي هو الإجماع على المضيّ في الجملة لا مطلقا، حيث صرّح في بحث التيمّم بأنّ في المسألة اختلافا، و نقل أقوالا ثلاثة «3».

و أمّا الخامس: فلأنّ إبطال العمل و قطع الصلاة المنهي عنهما إنما هو إذا كان العمل صحيحا و الكلام فيه، فإنّه لا كلام في الإبطال و القطع، بل في البطلان و الانقطاع.

و من ذلك ظهر أنه لا ترجيح لأخبارهم أصلا، بل الترجيح من حيث السند و أظهرية الحمل مع أخبارنا.

______________________________

(1) عدة الأصول 1: 387.

(2) راجع ص 480.

(3) السرائر 1: 139.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 485

و ترجّحها أيضا أظهرية الدلالة، لجواز [القدح ] [1] في دلالة رواية ابن حمران على كون الوجدان أيضا في الأثناء، بل الظاهر من قوله: «حين يدخل» أنه وجده في آن الدخول، و تخرج حينئذ عن المتنازع فيه.

و في دلالة التعليل أنه و إن اقتضى التعميم [2] و لكن بملاحظة التعليل بمثل ذلك في صحيحة زرارة للإمضاء بعد الركوع خاصة، مع التصريح بالإعادة قبله «1» يضعّف

عمومه، إذ لعلّه أيضا كذلك.

هذا، مع أنه على فرض التكافؤ من جميع الوجوه يجب الرجوع إلى عمومات انتقاض التيمم بالماء.

فروع:

أ: قيل: القول بالرجوع في الأثناء إنّما يتمشّى على القول بجواز التيمّم في السعة، و أمّا على القول بوجوب التأخير فتجب الاستدامة، لاستلزام تركها الإخلال بالعبادة في الوقت المضروب لها «2».

و لا يخفى أنه إنما يصح إذا أريد التأخير إلى الآخر الحقيقي بحسب الواقع، و أمّا إذا أريد العرفي أو بحسب الظن فلا، بل الظاهر عدم وجوب الاستدامة على الأول أيضا، لظواهر الأخبار. فعلى المختار يرجع قبل الركعة و يتوضّأ و يقضي لو لم يف الوقت بالأداء وجوبا لا استحبابا كما قاله ابن حمزة «3».

ب: لو وجد الماء حين يجب المضيّ و فقد قبل الفراغ من الصلاة، يعيد التيمّم لصلاة أخرى، وفاقا للمبسوط و المنتهى و التذكرة «4».

______________________________

[1] في النسخ: القطع، و هو تصحيف.

[2] راجع ص 481 صحيحة محمد و زرارة.

______________________________

(1) راجع ص 480.

(2) كما في الرياض 1: 81.

(3) راجع ص 482.

(4) المبسوط 1: 33، و المنتهى 1: 155، و التذكرة 1: 65.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 486

لا لانتقاض تيمّمه مطلقا أو بالنسبة إلى غير هذه الصلاة، و لا لأجل صدق الوجدان و التمكّن، لكونهما محلّي نظر [1].

بل لأنّ مقتضى الآية: وجوب الوضوء أو التيمّم عند إرادة كلّ صلاة، خرج ما خرج بدليل شرعي، فيبقى الباقي. مع أنّ المخرج- نحو صحيحة زرارة:

يصلّي الرجل بتيمّم واحد صلاة الليل و النهار؟ فقال: «نعم ما لم يحدث أو يصب ماء» «1» الحديث، و قريبة منها رواية السكوني «2» و غير ذلك- مخصوص بغير المورد [2]، بل يدلّ بضميمة الإجماع المركّب [على ] أنّ من أصاب الماء لا

يصلّي غير صلاة واحدة بتيمّم واحد.

خلافا للمعتبر و الروض و المدارك «3»، بل أكثر المتأخّرين، لعدم التمكّن من استعمال الماء، لتحقّق المانع الشرعي، و لأنّ تيمّمه إن انتقض فيلزم بطلان الصلاة التي فيها أيضا، و إلّا فلا وجه لإعادته، و لا معنى للانتقاض بالنسبة إلى صلاة دون اخرى.

و ضعفهما ظاهر بعد ما ذكرنا.

و الظاهر عدم جواز العدول إلى فائتة سابقة اخرى، لما ذكر من الأصل.

ج: لا فرق فيما ذكرنا من القطع و الإتمام بين الفريضة و النافلة، لإطلاق

______________________________

[1] توجد في «ح» حاشية منه رحمه اللّه تعالى: فإن انتقاض المطلق يوجب بطلان الصلاة التي فيها، و الانتقاض بالنسبة لا معنى له. و صدق الوجدان لو أوجب النقض لانتقض حين وجوده و بطلت هذه الصلاة التي فيها.

[2] بقوله: «أو يصب ماء». منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) التهذيب 1: 200- 580، الاستبصار 1: 164- 570، الوسائل 3: 379 أبواب التيمم ب 20 ح 1.

(2) التهذيب 1: 201- 582، الاستبصار 1: 163- 567، الوسائل 3: 380 أبواب التيمم ب 20 ح 5.

(3) المعتبر 1: 401، روض الجنان: 130، المدارك 2: 247.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 487

الأدلّة [1].

الثامنة:

لو تيمّم الجنب و من في حكمه ممّن عليه الغسل، ثمَّ أحدث بالأصغر، أعاد التيمّم بدلا عن الغسل و لو تمكّن من الوضوء، على الأظهر الموافق لغير من شذّ و ندر «1»، لأنّه جنب و وظيفة الجنب التيمّم عند عدم التمكّن من الغسل.

أمّا الأول: فللاستصحاب، و المروي في الغوالي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال لبعض أصحابه الذي تيمّم من الجنابة و صلّى: «صلّيت بأصحابك و أنت جنب» «2».

و ضعفه منجبر بالشهرة العظيمة، و الإجماع المحكي في المعتبر

و التذكرة و غيرهما [2].

و أمّا الثاني: فبالإجماع، إذ كلّ من قال بكونه جنبا أوجب عليه التيمّم، و المخالف يدّعي رفع جنابته.

و لصحيحة محمد: في رجل أجنب في سفر و معه ماء قدر ما يتوضّأ، قال:

______________________________

[1] توجد في «ح» حاشية منه رحمه اللّه تعالى: اعلم أنه قال في المدارك 2: 248. المستفاد من الأخبار و كلام الأصحاب تحريم الرجوع بعد فوات محله سواء قلنا: إنه التبس بالصلاة أو الركوع أو غيرهما.

أقول: لا شك في التحريم بعد الركوع، للأمر بالإمضاء المفيد للوجوب في صحيحة زرارة و خبر ابن عاصم (راجع ص 480). و أما قبله فلا دليل على التحريم، و رواية حمران و صحيحة زرارة و محمد خاليتان عن الأمر (راجع ص 481 و 483).

نعم، ورد في الرضوي (ص 483) و انجباره في هذا المورد غير معلوم، لأنّ أكثر القائلين بالإمضاء بعد التلبّس حملوا أخبار القطع قبل الركوع على الاستحباب.

و العجب أن في المدارك نقل ذلك الحمل عن الفاضل و قال: إن المستفاد من كلام الأصحاب التحريم.

[2] المعتبر 1: 394، التذكرة 1: 66، المدارك 2: 253 و فيه: ذهب إليه أكثر الأصحاب.

______________________________

(1) كما يأتي في ص 488.

(2) غوالي اللئالي 1: 413- 82 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 488

«يتيمّم و لا يتوضّأ» «1» دلّت بترك الاستفصال على وجوب التيمّم على من أجنب و وجد ماء الوضوء و لو سبقه تيمّم آخر.

و قد يستدل «2» أيضا: باستصحاب وجوب التيمّم عليه قبل التيمّم و لو مع وجود الماء بقدر الوضوء، و استصحاب حرمة الوضوء، و بأنه جنب، إذ لولاه لكان وجوب الغسل عليه عند التمكّن- كما هو المجمع عليه- لوجود الماء خاصة و هو ليس بحدث

إجماعا، مع أنّ حدثيته توجب استواء المتيمّمين في موجبه، ضرورة استوائهم فيه، و لكنه باطل قطعا، لأنّ المحدث لا يغتسل و الجنب لا يتوضّأ. و إذا كان جنبا لا يجوز له الوضوء، لصحيحة زرارة: «و متى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنبا و الوضوء إن لم تكن جنبا» «3».

و يضعّف الاستصحابان: بأنّ المسلّم الوجوب و الحرمة المقيّدان، و مع ذلك يعارضهما استصحاب العدم قبل الجنابة.

و الأخير: بأنّ للخصم أن يقول: وجوب الغسل عليه للجنابة السابقة دون المتصلة بالغسل، إذ لا مانع من أن يوجب الشارع الغسل على من أجنب في وقت و لو زالت جنابته بسبب آخر، و بأنه لا بد من حمل الماء في الصحيحة على ما يكفي الغسل، لمكان قوله: «فعليك الغسل» و لا خلاف في عدم جواز الوضوء حينئذ إن كان جنبا، و يكون خارجا عن محل النزاع.

خلافا للمحكي عن السيد في شرح الرسالة، فقال بوجوب الوضوء لو تمكّن منه خاصة «4»، و التيمّم بدلا عنه لو لم يتمكّن، و اختاره من الطبقة الثالثة في المفاتيح و الذخيرة و الحدائق «5»، لارتفاع الجنابة، و قدّمنا جوابه، و استصحاب الإباحة

______________________________

(1) التهذيب 1: 405- 1272، الوسائل 3: 387 أبواب التيمم ب 24 ح 4.

(2) شرح المفاتيح (المخطوط).

(3) التهذيب 1: 210- 611، الاستبصار 1: 172- 599، الوسائل 3: 378 أبواب التيمم ب 19 ح 5.

(4) حكاه عنه في الحدائق 4: 416.

(5) المفاتيح 1: 65، الذخيرة: 111، الحدائق 4: 417.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 489

بالتيمّم الأول، و كأنّ المراد بها ارتفاع الممنوعية من جهة الجنابة، و أمّا بمعنى مطلق الممنوعية فقد زالت بالحدث قطعا.

و يدفعه: أنّ المسلم الإباحة المقيدة بما دام متيمّما بهذا

المعنى، مع أنّ ما تقدّم من بقاء جنابته و عموم النهي عن الصلاة جنبا يدفع ذلك الاستصحاب.

التاسعة:

ينتقض التيمّم بما ينتقض به المائية، بالإجماع، و المستفيضة.

و بوجود الماء، بإجماعنا المصرّح به في كلام جماعة منّا [1]، و استفاضت به أخبارنا، كمرسلة العامري، المتقدّمة في الأمر الأول من الفصل الأول «1»، و رواية السكوني، السابقة في المسألة الثانية «2».

و صحيحة زرارة: يصلّي الرجل بتيمّم واحد صلاة الليل و النهار؟ قال:

«نعم ما لم يحدث أو يصب ماء» قلت: فإن أصاب الماء و رجا أن يقدر ماء آخر و ظنّ أنه يقدر عليه، فلمّا أراد تعسّر ذلك عليه، قال: «ينقض ذلك تيمّمه، و عليه أن يعيد التيمّم» «3».

و الرضوي و فيه: «لأن ممرّه بالماء نقض تيمّمه» «4».

و يشترط في الانتقاض به التمكّن من استعمال الماء، بأن لا يكون له مانع حتى من متغلّب على الماء أو كونه في بئر و لا وسيلة إليه، أو في يد من لا يبذله مطلقا أو إلّا بثمن لا يمكنه، و نحو ذلك، و لا شرعي من مرض أو خوف عطش أو نحوهما.

و كأنه إجماعي، و هو المقيد للإطلاقات، مضافا إلى مفهوم الشرط في رواية

______________________________

[1] كالمحقق في المعتبر 1: 401، و الفيض الكاشاني في المفاتيح، و صاحب الحدائق 4: 398.

______________________________

(1) ص 355.

(2) راجع ص 471.

(3) التهذيب 1: 200- 580، الاستبصار 1: 164- 570، الوسائل 3: 379 أبواب التيمم ب 20 ح 1.

(4) فقه الرضا (ع): 89، مستدرك الوسائل 2: 544 أحكام التيمم ب 14 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 490

أبي أيوب، المروية في تفسير العياشي، المنجبر ضعفه بما ذكر، و فيها: «إذا رأى الماء و كان يقدر عليه انتقض التيمّم»

«1».

و تخصيص عدم القدرة بالمانع الحسّي لا وجه له، لأنّ منع الشارع من الاستعمال ينفي الاقتدار جدّا.

و مضيّ زمان يسع الطهارة، عند بعضهم «2»، لامتناع التكليف بفعل في وقت لا يسعه، و لذا لو علم أولا عدم تمكّنه من الإكمال، لم ينتقض تيمّمه.

و يضعّف: بمنع الملازمة بين عدم التكليف بالاستعمال و بين بقاء التيمّم، لجواز كون نفس وجود الماء- الجاري فيه استصحاب البقاء- ناقضا، و لذا لا يجوز للمتيمّم الواجد للماء الشروع في الصلاة، و مسّ المصحف بالتيمّم قبل مضيّ ذلك المقدار. بل يمكن الكلام فيما لم يظن بقاؤه بل يحتمل أيضا.

و يمنع قوله: و لذا لو علم ..، لإطلاق الأخبار، حيث ترتّب فيها النقض على مجرّد الإصابة أو المرور أو القدرة عليه.

و منه يظهر عدم اشتراط مضيّه، لما ذكر، كما هو ظاهر الصدوق «3» و شيخنا البهائي «4» و والدي العلّامة قدس اللّه أسرارهم.

و كذا لا يشترط وجدان الماء في الوقت، فلا ينتقض بوجدانه في غيره كما قيل، مستدلا بتوجّه الخطاب بالمائية- و لو ظاهرا- في الوقت، و هو ينافي بقاء التيمّم دون غيره.

و فيه: أنّ عدم توجّه الخطاب في غير الوقت لا يستلزم بقاء التيمّم، مع أنّ الخطاب الاستحبابي- الذي هو أيضا ينافي البقاء- تعلّق في غير الوقت أيضا.

نعم، يشترط صدق الإصابة و المرور عرفا أيضا، فلو رأى ماء من بعد و كان

______________________________

(1) تفسير العياشي 1: 244- 143، الوسائل 3: 378 أبواب التيمم ب 19 ح 6.

(2) الكركي في جامع المقاصد 1: 507، و صاحب المدارك 2: 254.

(3) المقنع: 8.

(4) الحبل المتين: 94.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 491

متوجّها إليه لا ينتقض تيمّمه و إن علم الوصول إليه في الوقت ما لم

يصدق المعيار، فيجوز له مسّ المصحف و نحوه ما لم ينته إلى حدّ الصدق.

نعم، لا يبعد أن يقال بعدم جواز الصلاة بالتيمّم حينئذ، لعموم قوله سبحانه إِذا قُمْتُمْ .. و عدم صدق عدم الوجدان، حيث إنه أعم من الإصابة و المرور عرفا، فإنّ من رأى الماء من بعيد و توجه إليه يقال: إنّه وجد الماء، و لا يقال: أصابه و مرّ به. و على هذا فيكون تيمّمه باقيا تجوز الصلاة معه لو تلف الماء قبل وصوله إليه و إن لم تجز قبل التلف.

و لو كان الماء في مسجد تمكّن من استعماله عبورا، انتقض التيمّم. و لو لم يتمكّن منه إلّا مع اللبث في المسجد لا ينتقض، لوجود المانع الشرعي و لو قلنا بإباحة الدخول و اللبث بالتيمّم، لأنّ إباحتهما موقوفة على بقاء التيمّم، و هو على عدم القدرة على الماء، و هو على المنع من دخول المسجد، و هو على انتقاض التيمّم، فإباحتهما موقوفة على بقاء التيمّم و انتقاضه، و هو محال، و الموقوف على المحال محال.

إلّا أنّه لأحد أن يقول: عدم إباحتهما أيضا موقوف على عدم بقاء التيمّم، و هو على القدرة على الماء، و هو على جواز دخول المسجد، و هو على بقاء التيمّم، فعدم الإباحة محال.

و بعبارة أخرى في الطرفين: بقاء التيمّم موقوف على عدم القدرة، و هو على عدم البقاء، فالبقاء يستلزم عدم البقاء. و الانتقاض يستلزم القدرة و هي فرع عدم الانتقاض، فالانتقاض يلازم عدم الانتقاض. و المقام مقام تردّد و إشكال.

و لو وجد جماعة متيمّمون ماء يكفي لأحدهم، و اقتدر كلّ منهم على استعماله، انتقض تيمّم الكلّ، للإطلاق.

العاشرة:

لو كان على أعضاء التيمّم- كلا أو بعضا- جبيرة أو حائل

آخر تعذّر حلّها، مسحها كما في الوضوء، بلا خلاف أجده، و في الحدائق و اللوامع

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص: 492

كأنه لا خلاف فيه «1».

و يدلّ عليه: إطلاق صحيحة الوشّاء و حسنة كليب، أو عمومهما بترك الاستفصال:

الاولى: عن الدواء إذا كان على يدي الرجل أ يجزيه أن يمسح على طلي الدواء؟ فقال: «نعم، يجزيه أن يمسح عليه» «2».

و الثانية: عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال: «إن كان يتخوّف على نفسه فليمسح على جبائره و ليصلّ» «3».

الحادية عشرة:

التيمّم في جميع المواضع التي يشرع- غير ما مرّ من المواضع المخيّر فيها بينه و بين الجبيرة بالمائية- عزيمة. فلا تجوز المائية إن أمكن، و لو أتى بها كان باطلا، للأمر به في الآية و الأخبار، و لأنّ التيمّم في كلّ موضع يوجد فيه الماء كان لدفع الضرر أو العسر أو الحرج، و ما يستلزم أحدها منفي من الإسلام و الدين، أو لا يريده اللّه سبحانه، و ما جعله في الدين، و كلّ ما كان كذلك لا يكون مشروعا.

نعم، لو كان التيمّم لأجل العسر في تحصيل الماء، فتحمّله و حصّله، تجوز المائية، بل تجب بعده، لانتفاء العسر حينئذ.

تمَّ بحث التيمّم، و بتمامه تمَّ كتاب الطهارة. طهّرنا اللّه من ذنوبنا و عيوبنا بمحمد و آله أهل بيت العصمة و الطهارة.

و كان ذلك في يوم الثلاثاء آخر شهر صفر المظفر سنة ألف و مائتين و واحد و ثلاثين.

______________________________

(1) الحدائق 4: 353.

(2) التهذيب 1: 364- 1105، الاستبصار 1: 76- 235، الوسائل 1: 465 أبواب الوضوء ب 39 ح 9.

(3) التهذيب 1: 363- 1100، الوسائل 1: 465 أبواب الوضوء ب 39 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 3، ص:

493

و الحمد للّه و الصلاة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله [1].

______________________________

[1] توجد في «ه»: هذا صورة خط المصنف أعلى اللّه في الخلد مقامه.

و في «ق»: ثمَّ إني قد فرغت من استنساخه غروب يوم الاثنين سادس عشر من شهر صفر المظفر من سنة ألف و مائتين و ثلاث و خمسين من الهجرة المقدسة. و أنا الأقل الجاني الخادم للعلماء مهدي ابن محمّد حسين الأراني حامدا مصليا.

و في «ح»: راقم الحروف أقل الطلاب: ابن محمد رضا، نصر اللّه الخوزاني الأصفهاني.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، الجزء 0٤

كتاب الصلاة

اشارة

و لها معان، منها: المعروف بين المتشرعة. و ليست فيه حقيقة لغوية، لأصالة عدم الاشتراك. و عدّه جماعة من اللغويين من معانيها «1» لا يدلّ على حقيقتها، بل هي فيه حقيقة شرعية، لحكم الحدس بحصول التبادر لها فيه بكثرة الاستعمال في زمان الشارع.

ثمَّ المعلوم كثرة الاستعمال فيه- الموجبة لحصول الحقيقة- هو الذي لا يصح إلّا مع الطهور و الركوع و السجود، فصلاة الميت ليست من أفراده الحقيقة، وفاقا لصريح جماعة. [1]

للأصل، و نفي الصلاة في المستفيضة عمّا لا فاتحة فيها و لا طهور «2».

و الأصل في النفي تعلّقه بالماهية لا الخارج.

و خصوص الرضوي- المنجبر ضعفه بالعمل-: «و قد كره أن يتوضّأ إنسان عمدا للجنازة، لأنه ليس بالصلاة، إنما هو التكبير، و الصلاة هي التي فيها الركوع

______________________________

[1] كالمحقق في المعتبر 2: 9، و صاحب المدارك 3: 8، و السبزواري في الذخيرة: 182.

______________________________

(1) انظر: القاموس المحيط 4: 355، و معجم مقاييس اللغة 3: 300.

(2) انظر الوسائل 1: 365 أبواب الوضوء ب 1 و ج 6: 37 أبواب القراءة ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 8

و السجود» «1».

و دعوى: عدم صحة السلب عرفا عن صلاة

الميت، ممنوعة. و لو سلّمت فعدمها في عرفنا لعرف الشارع- لأصالة تأخّر الحادث- غير نافع، و دلالة بعض النصوص على كونها صلاة غير مسلّمة، و إنّما المسلّم الاستعمال، و هو أعمّ من الحقيقة.

ثمَّ الكلام فيها إمّا في مقدماتها، أو ماهيتها و أفعالها، و فيه بيان أقسامها و أعدادها و كيفية كلّ منها، أو في منافياتها و مبطلاتها و أحكام الخلل الواقع فيها، أو في سائر ما يتعلّق بها من الجماعة و السفر و نحوهما، ففيه أربعة مقاصد:

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 179، مستدرك الوسائل 2: 269 أبواب صلاة الجنازة ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 9

المقصد الأول: في المقدمات

اشارة

و هي خمسة، تقدّم واحد منها و هو الطهور، و بقيت أربعة: المواقيت، و القبلة، و اللباس، و المكان، و يتبعها الأذان و الإقامة، فهاهنا خمسة أبواب

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 10

الباب الأول: في المواقيت
اشارة

و الكلام فيها إمّا في تحديدها و تعيينها، أو في أحكامها، فهاهنا فصلان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 11

الفصل الأول: في تحديد الأوقات
اشارة

و الكلام إمّا في أوقات الصلاة اليومية، أو غيرها ممّا له وقت محدود. و الثاني يذكر عند ذكر كلّ صلاة بخصوصه.

فالكلام هنا في مواقيت اليومية، و هي إمّا فرائض أو نوافل، ففي هذا الفصل بحثان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 12

البحث الأوّل: في بيان مواقيت الفرائض اليومية
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لا ريب في كون أول وقت صلاتي الظهر و العصر- على الترتيب أو التشريك على الخلاف الآتي- هو الزوال،
اشارة

و عليه إجماع المسلمين، بل الضرورة من الدين، و الكتاب يرشد إليه «1»، و النصوص المستفيضة بل المتواترة معنى تدلّ عليه «2».

و ما في بعض الأخبار من جعله بعده بقدر القدم أو القدمين، أو القامة أو ثلثيها، أو غير ذلك «3»، فعلى استحباب التأخير بقدره لأجل التنفّل أو التبرّد في [الحرّ] [1] محمول، جمعا بينه و بين ما ذكر، بشهادة المستفيضة بذلك:

منها: صحيحة محمد بن أحمد، المصرّحة بنفي التوقيت بهذه الأمور، و التحديد بالزوال، روي عن آبائك: القدم، و القدمين، و الأربع، و القامة، و القامتين، و ظل مثلك، و الذراع، و الذراعين. فكتب: «لا القدم و لا القدمين، إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين، و بين يديها سبحة و هي ثمان ركعات، فإن شئت طوّلت و إن شئت قصرت، ثمَّ صلّ الفريضة، فإذا فرغت كان بين الظهر و العصر سبحة، و هي ثمان ركعات، إن شئت طوّلت و إن شئت قصرت ثمَّ صلّ العصر» «4».

______________________________

[1] في النسخ: الخبر، و ما أثبتناه هو الأنسب.

______________________________

(1) أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ .. الإسراء: 78.

(2) انظر: الوسائل 4: 125 أبواب المواقيت ب 4.

(3) انظر: الوسائل 4: 140 أبواب المواقيت ب 8.

(4) التهذيب 2: 249- 990، الاستبصار 1: 254- 913، الوسائل 4: 134 أبواب المواقيت ب 5 ح 13

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 13

ثمَّ الاختلاف في قدر التأخير يمكن أن يكون لأجل اختلاف الناس في تطويل النافلة و تخفيفها، كما يومئ إليه الصحيحة المتقدّمة، أو من جهة التقية، كما صرّح به في صحيحة أبي خديجة: ربما دخلت المسجد، و بعض أصحابنا يصلّي العصر، و بعضهم يصلّي الظهر، فقال: «أنا أمرتهم بهذا، لو صلّوا على

وقت واحد لعرفوا فأخذوا برقابهم» «1».

و في العدّة: عن الصادق عليه السلام، عن اختلاف أصحابنا في المواقيت، فقال: «أنا خالفت بينهم» «2».

و كذا لا ريب في كون آخر وقتهما الغروب للمعذور و المضطر و ذوي الحاجات، على الترتيب أو التشريك، وفاقا للمعظم من الأصحاب، بل لغير المحكي عن الحلبي «3»، فعليه الإجماع أيضا، و هو الحجة فيه، مضافا إلى أصالة عدم المنع من التأخير، و عمومات بقاء وقتهما إلى الغروب كما تأتي.

و خصوص رواية الكرخي، المنجبر ضعفها- لو كان- بالعمل، و فيها:

«وقت العصر إلى أن تغرب الشمس، و ذلك من علّة».

و فيها أيضا: «لو أنّ رجلا أخّر العصر إلى قرب أن تغرب الشمس متعمّدا من غير علّة لم يقبل منه» «4» دلّ بالمفهوم على القبول لو أخّر من علّة.

و بما مرّ يخصّ ما دلّ على انتهاء الوقت قبل ذلك.

______________________________

(1) الكافي 3: 276 الصلاة ب 5 ح 6، التهذيب 2: 252- 1000، الاستبصار 1: 257- 921، الوسائل 4: 137 أبواب المواقيت ب 7 ح 3.

(2) عدة الأصول 1: 343.

(3) الكافي في الفقه: 137.

(4) التهذيب 2: 26- 74، الاستبصار 1: 258- 926، الوسائل 4: 149 أبواب المواقيت ب 8 ح 32.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 14

خلافا لمن ذكر، فقال بانتهاء وقت المضطر بصيرورة ظلّ كلّ شي ء مثله «1»، لبعض العمومات المندفع بما تقدّم.

و هو الأقوى في غير المعذور و أخويه أيضا، وفاقا للإسكافي «2» و السيد و الحلّي و ابني زهرة و سعيد، و الفاضلين «3»، و معظم المتأخّرين «4»، و عليه دعوى الشهرة مستفيضة «5»، بل في السرائر و عن الغنية: الإجماع عليه «6».

للأخبار المستفيضة جدّا، كمرسلة الفقيه: «لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب

الشمس، و لا صلاة الليل حتى يطلع الفجر، و لا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس» «7».

و روايتي عبيد:

الاولى: عن وقت الظهر و العصر، فقال: «إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين: الظهر و العصر جميعا، إلّا أنّ هذه قبل هذه. ثمَّ أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس» «8».

و الثانية، و فيها: «و منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى

______________________________

(1) الكافي للحلبي: 137.

(2) حكاه عنه في المختلف: 67.

(3) السيد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 193، الحلي في السرائر 1: 197، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 556، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 60، المحقق في النافع: 21، العلامة في القواعد 1: 24.

(4) كالشهيد الأول في اللمعة (الروضة 1): 179، و الفيض في المفاتيح 1: 87، و السبزواري في الذخيرة: 185 و 186، و صاحب الرياض 1: 101.

(5) كما في الروضة البهية 1: 179، و الرياض 1: 101.

(6) السرائر 1: 197، و الغنية (الجوامع الفقهية): 556.

(7) الفقيه 1: 232- 1030، الوسائل 4: 159 أبواب المواقيت ب 10 ح 9.

(8) الفقيه 1: 139- 647، التهذيب 2: 24- 68، الاستبصار 1: 246- 881، الوسائل 4:

126 أبواب المواقيت ب 4 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 15

غروب الشمس، إلّا أنّ هذه قبل هذه» «1».

و رواية زرارة: «أحبّ الوقت إلى اللّه [أوله ] حين يدخل وقت الصلاة، فصلّ الفريضة، فإن لم تفعل فإنّك في وقت منهما حتى تغيب الشمس» «2».

و صحيحة معمر: «وقت العصر إلى غروب الشمس» «3».

و مرسلة داود: «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر و العصر حتى يبقى من الشمس

مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر، و بقي وقت العصر حتى تغيب الشمس» «4».

«و إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي [ثلاث ] «5» ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب و بقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل» «6».

و المروي في السرائر عن الأئمّة عليهم السلام: «لا يخرج وقت صلاة ما لم

______________________________

(1) التهذيب 2: 25- 72، الاستبصار 1: 261- 938، الوسائل 4: 157 أبواب المواقيت ب 10 ح 4.

(2) التهذيب 2: 24- 69، الوسائل 4: 155 أبواب المواقيت ب 9 ح 12، و ما بين المعقوفين من المصدر.

(3) التهذيب 2: 25- 71، الاستبصار 1: 261- 937، الوسائل 4: 155 أبواب المواقيت ب 9 ح 13.

(4) التهذيب 2: 25- 70، الاستبصار 1: 261- 936، الوسائل 4: 127 أبواب المواقيت ب 4 ح 7.

(5) في النسخ: أربع، و الصحيح ما في المتن موافقا للمصادر.

(6) التهذيب 2: 28- 82، الاستبصار 1: 263- 945، الوسائل 4: 184 أبواب المواقيت ب 17 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 16

يدخل وقت أخرى» «1» إلى غير ذلك.

و الأخبار الدالّة على بقاء وقت صلاة الغداة إلى طلوع الشمس «2»، و العشاءين إلى نصف الليل «3»، بضميمة الإجماع المركّب.

و القدح في بعض ما ذكر: بأنّ الوقتية تصدق بكونه وقتا للمعذور، فإنّ وقته لطائفة وقت له، مردود: بأنّ إطلاق صلاة الظهر و العصر و النهار و الليل و نحوهما يشمل جميع الأفراد حتى صلاة غير ذوي

الأعذار، فإنّه يدلّ على أنّ الوقت للماهية، و الأصل عدم التقييد.

خلافا للمحكي عن المفيد و العماني و المبسوط و الخلاف و الاقتصاد و نهاية الشيخ و جمله و مصباحه و عمل اليوم و ليلته و الحلبي و القاضي و ابن حمزة «4»، و بعض المتأخّرين «5»، فقالوا بانتهاء وقتهما قبل الغروب و إن اختلفوا في النهاية إلى أقوال كثيرة [1].

______________________________

[1] فقيل بانتهاء وقت الظهر بصيرورة ظل كل شي ء مثله، و وقت العصر بصيرورته مثلين، اختاره الشيخ في المبسوط و الخلاف، و القاضي. و قيل في الأول بصيرورته أربعة أقدام، و هو لنهاية الشيخ و عمل اليوم و ليلته، و الحلبي. و قيل فيه بأحد الأمرين المتقدمين، و هو للاقتصاد و المصباح. و قيل فيه برجوعه الى القدمين، و هو للمفيد و العماني. و قيل في الثاني بالانتهاء بقدر الإتيان بها و بنوافلها بعد الظهر، و هو للنهاية، و قيل فيه بتغير لون الشمس باصفرارها، و هو للمفيد. و قيل فيه بأربعة أقدام، و هو للعماني. و قد ينقل فيهما أقوال أخر أيضا. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) السرائر 1: 198.

(2) انظر الوسائل 4: 207 أبواب المواقيت ب 26.

(3) انظر الوسائل 4: 183 أبواب المواقيت ب 17.

(4) المفيد في المقنعة: 93، حكاه عن العماني في المختلف: 69، المبسوط 1: 72، الخلاف 1: 82، 83، 87، الاقتصاد: 256، النهاية: 58 و 59، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 174، مصباح المتهجد: 23، عمل اليوم و الليلة (الرسائل العشر): 143، الحلبي في الكافي: 137، القاضي في شرح الجمل: 66، ابن حمزة في الوسيلة: 83.

(5) كصاحب الحدائق 6: 116.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 17

للروايات المتكثّرة جدّا، الدالّة على الانتهاء

قبل الغروب «1»، المختلفة في تحديد النهاية أيضا، أدنى ما تدلّ عليها انتهاء وقت كلّ منهما بالأربعة أقدام، و هي المراد بالذراعين، و أقصاه انتهاء وقت الظهر بصيرورة الظلّ قامة، و وقت العصر بصيرورته قامتين.

و تلك الأخبار و إن كانت في أنفسها متعارضة و لكنها بأجمعها مشتركة الدلالة على عدم كون ما بعد القامة و القامتين وقتا.

و الروايات المصرّحة بأنّه ليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلّا من عذر «2»، و الناطقة بأنّ أول الوقت رضوان اللّه، و آخره عفو اللّه، و لا يكون العفو إلّا عن ذنب «3».

و روايتي الكرخي و الربعي، المتقدّمة أولاهما «4»، و الثانية: «إنا لنقدّم و نؤخّر، و ليس كما يقال: من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك، و إنما الرخصة للناسي و المريض و المدنف و المسافر و النائم في تأخيرها» [1].

و صحيحتي ابن سنان و أبي بصير، بضميمة عدم الفصل:

الاولى: «وقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء، و لا ينبغي تأخير ذلك عمدا، و لكنه وقت لمن شغل أو نسي أو سها أو نام» «5» الحديث.

______________________________

[1] التهذيب 2: 41- 132، الاستبصار 1: 262- 939، الوسائل 4: 139 أبواب المواقيت ب 7 ح 7. و أدنف المريض: ثقل- الصحاح 4: 1361.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 4: 140 أبواب المواقيت ب 8.

(2) انظر: الوسائل 4: 118 أبواب المواقيت ب 3.

(3) كما في مرسلة الفقيه 1: 140- 651، الوسائل 4: 123 أبواب المواقيت ب 3 ح 16.

(4) في ص 13.

(5) التهذيب 2: 39- 123، الاستبصار 1: 276- 1003، الوسائل 4: 208 أبواب المواقيت ب 26 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 18

و الثانية: عن الصائم، متى يحرم

عليه الطعام؟ فقال: «إذا كان الفجر كالقبطية البيضاء» قلت: فمتى تحلّ الصلاة؟ قال: «إذا كان كذلك» قلت:

أ لست في وقت من تلك الساعة إلى أن تطلع الشمس؟ فقال: «لا، إنما نعدّها صلاة الصبيان» [1].

و مثل الأولى حسنة الحلبي، إلّا أنه ليس فيها «أو سها» «1».

و نجيب أمّا عن غير الطائفة الاولى من الروايات: فبضعف الدلالة.

أمّا الثانية: فلأنّ فيها- مضافا إلى إجمال الوقتين، و عدم دلالتها على حرمة التأخير، لاحتمال إرادة نفي كونه حريا أو حسنا، كما يشعر به قوله: «لا ينبغي» في بعض الروايات- أنّ الآخر حقيقة هو الجزء القريب إلى النهاية، و لا شك أنه لا يجوز جعله وقتا. نعم، لو كان ذلك لعذر، بحيث أدرك ركعة في الوقت يجوز ذلك.

و على هذا فتكون تلك الروايات في مقابل الروايات الواردة في أنّ من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت «2»، و دفعا لتوهّم جواز فعل ذلك عمدا.

بل يمكن أن يكون المراد بالوقتين فيها الوقت المقدّر أولا لكلّ صلاة، و المقدّر ثانيا بقوله: «من أدرك ركعة» و مع قطع النظر عن اختصاص الآخر بذلك فلا شك في شموله له، فتعارض هذه الأخبار مع أخبارنا المختصة قطعا بأن يصلّي على نحو يتمّ صلاته بتمام النهار بحيث لا يخرج شي ء منها عن الوقت بالعموم و الخصوص المطلقين، فيجب تخصيصها بها.

______________________________

[1] التهذيب 2: 39- 122، الاستبصار 1: 276- 1002، الوسائل 4: 213 أبواب المواقيت ب 28 ح 2، و القبطية: ثياب بيض رقاق من كتان، تتخذ بمصر، و قد يضم- الصحاح 3:

1151.

______________________________

(1) الكافي 3: 283 الصلاة ب 7 ح 5، التهذيب 2: 38- 121، الاستبصار 1: 276- 1001، الوسائل 4: 207 أبواب المواقيت ب 26 ح 1.

(2)

قد ورد مؤداه في الوسائل 4: 217 أبواب المواقيت ب 30.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 19

بل يمكن دعوى ظهور أنّ ورود تلك الروايات لبيان ذلك المطلب.

و منه يظهر ضعف دلالة القسم الثالث من الروايات أيضا، بل الرابع، أي رواية الكرخي.

و أمّا الخامس: فلجواز كون قوله: «إنّما الرخصة» إلى آخره من تتمّة ما يقال.

و أمّا السادس: فلدلالة مفهوم غايتها على نفي وقتية ما بعدها مطلقا، فهي أعم مطلقا من الأخبار الدالّة على بقاء الوقت إلى طلوع الشمس، فيجب تخصيصها بها.

و لو خصّت بغير ذوي الأعذار- للأخبار المصرّحة ببقاء الوقت لهم إلى الطلوع- يكون التعارض بالعموم من وجه، الموجب للرجوع إلى استصحاب جواز التأخير، المزيل لأصالة الاشتغال.

و أمّا قوله: «لا ينبغي» فلا دلالة له على حرمة التأخير.

و أمّا قوله: «و لكنه وقت» فلا ينفي الوقتية عن غير المذكور.

و يمكن أن يكون الاختصاص بالذكر، لأفضلية عدم التأخير لغيرهم.

و أمّا الاستدراك الظاهر في الاختصاص، ففيه: أنّه إنما يصح إمّا بالتجوّز في الاستدراك، أو في «لا ينبغي» بجعل المراد منه الحرمة، مع كونه للأعم، أو في الوقت بإرادة الأفضلية، و لا ترجيح.

و أمّا السابع: فلظهور أنه ليس المراد أنه ليس شي ء ممّا بين تلك الساعة و طلوع الشمس وقتا، إذ الوقت الثاني الذي أتى به جبرئيل كان بعد ذلك «1»، و ورد في الصحيح: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يصلّي الغداة إذا أضاء الفجر حسنا» «2» فالمراد أنّ كلّ جزء منه ليس وقتا، و هو كذلك، لما مرّ في الثانية.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 4: 156 أبواب المواقيت ب 10.

(2) التهذيب 2: 36- 111، الاستبصار 1: 273- 990، الوسائل 4: 211 أبواب المواقيت ب 27 ح

5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 20

و أمّا الثامن: فلما مرّ في مثله.

و أمّا عن الطائفة الأولى: فبأنّا إن أغمضنا عن معارضة بعض من أخبارها بعضا، و اعتبرنا دلالة المجموع من حيث هو على نفي وقتية ما بعد القامة و القامتين، تعارض مع الأخبار الكثيرة المعتبرة الواردة في إتيان جبرئيل بالأوقات للنبي صلّى اللّه عليه و آله، و أنه أتى في الغد بالوقت للظهر حين زاد في الظلّ قامة، فأمره فصلّى الظهر، و قامتان، فأمره فصلّى العصر، و كذا في سائر الصلوات، حيث دلّت على عدم انتهاء الوقت بالقامة و القامتين، مع ظهورها في الاختيار، و كونه مقتضى أصالة عدم العذر.

و مع موثقة زرارة: «إذا كان ظلك مثلك فصلّ الظهر، و إذا كان ظلك مثليك فصلّ العصر» «1».

فلو رجّحت الأخيرة بموافقة الشهرة فهو، و إلّا فتتساقطان و تبقى أخبارنا مع أصالة عدم المنع من التأخير خالية عن المعارض.

و قد يجاب عن الطائفة الأولى أيضا: بأنها و إن تعارضت مع أخبارنا و لكن أخبارنا راجحة عليها بموافقة الكتاب، مع مرجوحيتها بعدم صراحة الدلالة، إذ كما تضمّنت جملة منها المنع عن التأخير، كذا تضمّنت ما هو صريح في الأفضلية.

و صرفها إلى ما يوافق المنع و إن أمكن، إلّا أنه ليس أولى من العكس، بل هو أولى مع تبديل النهي في بعضها ب «لا ينبغي» مع التصريح بعفو اللّه في بعض، و هو صريح في عدم العقاب على التأخير، فلا يجب التقديم، فالمراد تأكّد الاستحباب. و لا ينافيه الذنب، لإطلاقه على ترك كثير من المستحبات.

و فيه: عدم ظهور دلالة الكتاب فيما يوافق المطلوب، و منع اشتمال تلك الطائفة على ما يدلّ على أنّ المنع إنّما هو على

سبيل الأفضلية.

______________________________

(1) التهذيب 2: 22- 62، الاستبصار 1: 248- 891، الوسائل 4: 144 أبواب المواقيت ب 8 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 21

نعم من الأخبار ما يدلّ على أنّ الوقت الأول أفضل من الثاني، و هو غير مناف للمنع عن التأخير للمختار.

و قوله: «لا ينبغي» و إن لم يدلّ على التحريم و لكنه لا ينافيه، هذا.

ثمَّ إنّ الظاهر أنّ فائدة هذا الخلاف إنما تظهر في النهي عن المنكر، و تحتّم الإتيان في الوقت الأول، و إلّا فالظاهر اتّفاق الفريقين على وجوب الفعل في الوقت الثاني أداء إن لم يفعل، فهو وقت ترتيبي، كما يدلّ عليه قوله: «فإن لم تفعل فإنك في وقت» «1» فلا تجب نية القضاء- على القول بوجوبها- للمختار. بل و لا إثم أيضا، للتصريح بالعفو، فإنّ قوله: «آخره عفو اللّه» ليس للمضطر، إذ لا ذنب عليه، فيكون للمختار.

فرعان:

أ: اعلم أنّ القائلين ببقاء وقت الإجزاء للمختار إلى الغروب جعلوا وقت الاختيار عند المخالف وقتا للفضيلة، و اختلفوا في انتهائها كاختلاف المخالفين.

و لا يخفى أنّ ما يستندون إليه في تحديد وقت الفضيلة من أخبار القامة و القامتين و الذراع و الذراعين و أمثالها لا دلالة لها على أنها أوقات الفضيلة، و إنما يحملونها عليها، لمعارضة أخبار الإجزاء.

و كما يمكن حملها على ذلك يمكن الحمل على التقية أيضا، كما يستفاد من أخبار أخر، كما مرّ «2»، أو على محمل آخر.

مع أنه على الحمل على الفضيلة لا يدلّ على انتهاء وقتها، لإمكان الحمل على مرتبة منها. و حينئذ فلا وجه لتحديد وقت الفضيلة، و الاختلاف فيه، إذ أوقات الفضل أيضا مترتّبة في الفضل، بل و كذلك بعدها.

و أمّا ما دلّ على أن

لكلّ صلاة وقتين و أوّلهما أفضلهما، فلا يتعيّن أن يكون

______________________________

(1) راجع ص 15 رواية زرارة.

(2) في ص 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 22

المراد منه هذا الوقت المذكور في أخبار القامة و الذراع، فلعلّهما الوقتان اللذان أتى بهما جبرئيل، أو أوّل الوقت و آخره عرفا مطلقا، كما يستفاد من بعض الأخبار، أو الوقت المطابق للفعل، و المطابق لركعة منه، كما مرّ «1»، و كذا الكلام فيما ذكروه في وقت الفضيلة للعشاءين و الصبح.

ب: يختص الوقت بعد الزوال بمقدار صلاة الظهر بها، تامة أو مقصورة، بل و لو بتسبيحتين، كما في الخوف، سريعة حركاتها أو بطيئة، بل- كما قيل «2»- مستجمعا للشرائط قبل الوقت أو فاقدا لها، ثمَّ يشترك مع العصر إلى أن يبقى للغروب مقدار أدائها كذلك، ثمَّ يختص بها.

على الأشهر الأظهر في الجميع، بل بالإجماع، كما سيظهر وجهه، فهو الحجّة في المقام.

مضافا في الجميع إلى رواية داود، المتقدّمة «3».

و في الأول خاصة إلى رواية مسمع: «إذا صلّيت الظهر دخل وقت العصر» «4».

و المروي في العلل و العيون: «و لم يكن للعصر وقت معلوم مشهور مثل هذه الأوقات الأربعة، فجعل وقتها عند الفراغ من الصلاة التي قبلها» «5».

و الرضوي: «أول وقت الظهر زوال الشمس إلى أن يبلغ الظلّ قدمين، و أول وقت العصر الفراغ من الظهر» «6» الحديث.

و في الأخير فقط رواية الحلبي: فيمن نسي الظهر و العصر ثمَّ ذكر عند

______________________________

(1) في ص 18.

(2) المسالك 1: 19.

(3) في ص 15.

(4) الكافي 3: 277 الصلاة ب 5 ح 8، الوسائل 4: 132 أبواب المواقيت ب 5 ح 4.

(5) علل الشرائع: 263، عيون أخبار الرضا 2: 108 الوسائل 4: 159 أبواب المواقيت ب 10 ح 11.

(6)

فقه الرضا عليه السلام: 103، مستدرك الوسائل 3: 112 أبواب المواقيت ب 7 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 23

غروب الشمس، قال: «إن كان في وقت لا تفوت إحداهما، فليصلّ الظهر ثمَّ العصر، و إن خاف أن تفوته، فليبدأ بالعصر و لا يؤخّرها فيكون قد فاتتاه جميعا» «1».

و رواية إسماعيل بن همام: في الرجل يؤخّر الظهر حتى يدخل وقت العصر:

«إنّه يبدأ بالعصر ثمَّ يصلّي الظهر» «2».

و نحو الظهرين العشاءان في الأحكام الثلاثة في الجملة [1]، بالإجماع المركّب، و خصوص بعض الروايات:

نحو: رواية داود، السابقة «3».

و صحيحة ابن سنان: «إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما، و إن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء» «4».

و مرسلة الفقيه: «إذا صلّيت المغرب فقد دخل العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل» «5».

و المروي في قرب الإسناد للحميري: عن رجل نسي المغرب حتى دخل وقت العشاء الآخرة، قال: «يصلّي العشاء ثمَّ المغرب» «6».

و بما ذكرنا تقيّد إطلاقات نحو قولهم: «إذا زالت الشمس فقد دخل

______________________________

[1] التقييد بذلك لما يأتي من الاختلاف في آخر وقت المغرب و أول وقت العشاء. (منه رحمه اللّه تعالى).

______________________________

(1) التهذيب 2: 269- 1074، الاستبصار 1: 287- 1052، الوسائل 4: 129 أبواب المواقيت ب 4 ح 18.

(2) التهذيب 2: 271- 1080، الاستبصار 1: 289- 1056، الوسائل 4: 129 أبواب المواقيت ب 4 ح 17.

(3) في ص 15.

(4) التهذيب 2: 270- 1076، الوسائل 4: 288 أبواب المواقيت ب 62 ملحق بحديث 4.

(5) الفقيه 1: 142- 662، الوسائل 4: 184 أبواب المواقيت ب 17 ح 2.

(6) قرب الإسناد: 197- 752.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص:

24

الوقتان» «1» إذ المراد منه إمّا أن بعد الزوال يتحقّق الوقتان، أو أنه إذا زالت الشمس دخل أول وقتي الصلاتين، و كلّ منهما أعم من كون الوقتين على الترتيب أو التشريك، إذ كون قطعة من الوقت وقتا لشيئين أعم من تشريكهما أو ترتيبهما.

و بهذا يندفع ما يتوهّم من أنّ التعارض بالتساوي دون الإطلاق و التقييد.

و أمّا الاستدلال للحكم الأول: بما في عدّة من الأخبار من قولهم عليهم السلام: «إلّا أنّ هذه قبل هذه» [1] غير جيّد، لأنّ وجوب كون إحدى الصلاتين قبل الأخرى لا يدلّ على عدم صحة الأخرى في الوقت الأول مطلقا لأجل أنه وقته، كما هو مقتضى عدم الوقتية و إن دلّ على عدم الصحة من جهة وجوب الترتيب. و تظهر الفائدة فيما إذا سقط هذا الوجوب لنسيان أو مثله.

و ممّا ذكر ظهر عدم تمامية ما استدلّ به في المدارك من أنّ المراد بوقت الفعل ما جاز ذلك الفعل فيه و لو على بعض الوجوه، و لا يجوز فعل العصر أول الزوال عمدا إجماعا، و لا نسيانا على الأظهر «2».

(فإنه لقائل أن يقول: إنّ وقت الفعل ما صحّ فيه من جهة الوقت و إن بطل من جهة أخرى، و على هذا) [2] فوجوب تقديم الظهر لا ينافي كون أول الزوال وقتا لهما، فإنّ لازمه صحة العصر فيه من جهة الوقتية لا مطلقا و لو من جهة انتفاء الترتيب الواجب.

نعم يلزمه أنه لو سقط الترتيب بسهو أو نسيان يكون العصر صحيحا.

و كذا يظهر عدم تمامية ما في المختلف من أنه لو لم يختص أول الوقت لزم

______________________________

[1] الاستدلال في الرياض 1: 101 و قال: في هذا الاستثناء ظهور تام في الأوقات المختصة كما صرح به

جماعة.

[2] ما بين القوسين: ليس في «س».

______________________________

(1) انظر الوسائل 4: 125 أبواب المواقيت ب 4.

(2) المدارك 3: 36.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 25

إمّا خرق الإجماع، أو التكليف بما لا يطاق، إذ التكليف إمّا يكون بالفعلين، أو بالعصر، أو بواحد تخييرا، و الأول الثاني، و الثانيان الأول «1».

ثمَّ بما ذكر ظهر فساد القول بالاشتراك مطلقا، كما عن الصدوقين «2»، مع احتمال إرادتهما فيما عدا محل الاختصاص، كما يظهر من كلام السيد «3»، فيرتفع الخلاف كما في المختلف.

المسألة الثانية: أول وقت المغرب غروب الشمس اتّفاقا نصّا و فتوى

و إن وقع الخلاف فيما يعرف الغروب به.

فالأقوى، الموافق للمحكي عن الإسكافي و العلل و الهداية و الفقيه و المبسوط و الناصريات: أنه عبارة عن غيبوبة الشمس عن الأنظار تحت الأفق «4»، و هو محتمل كلام الميافارقيات، و الديلمي و القاضي «5»، و مال إليه المحقّق الأردبيلي و شيخنا البهائي «6»، و اختاره صاحب المعالم في اثني عشريته، و قوّاه في المدارك و البحار و الكفاية و المفاتيح «7»، و والدي العلّامة قدّس سرّه، و نسبه في المعتمد إلى أكثر الطبقة الثالثة.

للمستفيضة المصرّحة بأنّ وقت المغرب إذا غابت الشمس، كصحيحتي

______________________________

(1) المختلف: 66.

(2) الصدوق في المقنع: 27، و حكى عنهما في الرياض 1: 101.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 193.

(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 69، علل الشرائع: 350، الهداية: 30، الفقيه 1: 141، المبسوط 1: 74، الناصريات (الجوامع الفقهية): 193.

(5) الميافارقيات (رسائل الشريف المرتضى 1): 274، الديلمي في المراسم: 62، القاضي في المهذب 1: 69.

(6) الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 22، البهائي في الحبل المتين: 142.

(7) المدارك 3: 53، البحار 80: 51، كفاية الأحكام: 15، و مفاتيح الشرائع 1: 94.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 26

زرارة «1»، و

صحيحة ابن سنان «2»، و مرسلة داود «3»، و المرويات في مجالس الصدوق «4»، و قرب الإسناد «5».

أو إذا توارى القرص، كرواية عمرو بن أبي نصر «6»، فإنّ المفهوم من الغيبوبة و التواري عرفا هو الاستتار عن الأنظار، بل صرّح به في مرسلة علي بن الحكم: عن وقت المغرب، فقال: «إذا غاب كرسيها» قلت: و ما كرسيها؟ قال:

«قرصها» قلت: متى يغيب قرصها؟ قال: «إذا نظرت إليه فلم تره» «7».

و هذا الاستتار إنّما يتحقّق بالسقوط عن الأفق الترسي الذي هو الحسّي عرفا، المتأخّر عن السقوط عن الأفق الحقيقي، و الحسّي باصطلاح أهل الهيئة، و هو الحسّي للبصر الملاصق للأرض.

فالقول بأنّ المراد بغيبوبتها سقوطها عن الأفق الحقيقي قطعا، و هو إنّما يتحقّق بعد غيبوبتها عن الحسّ و لو بمقدار دقيقة- و حينئذ فيجب رفع اليد عن المفهوم اللغوي و العرفي، و اعتبار شي ء زائد عليه، و يسقط الاستدلال بالأخبار

______________________________

(1) الاولى: الفقيه 1: 140- 648، التهذيب 2: 19- 54، الوسائل 4: 183 أبواب المواقيت ب 17 ح 1.

الثانية: الكافي 3: 279 الصلاة ب 6 ح 5، التهذيب 2: 261- 1039، الاستبصار 2:

115- 376، الوسائل 4: 178 أبواب المواقيت ب 16 ح 17.

(2) الكافي 3: 279 الصلاة ب 6 ح 7، التهذيب 2: 28- 81، الاستبصار 1: 263- 944، الوسائل 4: 178 أبواب المواقيت ب 16 ح 16.

(3) التهذيب 2: 28- 82، الاستبصار 1: 263- 945، الوسائل 4: 184 أبواب المواقيت ب 17 ح 4.

(4) أمالي الصدوق: 74- 10، 11، 15.

(5) قرب الإسناد: 37- 119.

(6) التهذيب 2: 27- 77، الاستبصار 1: 262- 940، الوسائل 4: 183 أبواب المواقيت ب 16 ح 30.

(7) التهذيب 2: 27- 79، الاستبصار 1: 262-

942، الوسائل 4: 181 أبواب المواقيت ب 16 ح 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 27

المزبورة بالتقريب المذكور، مع أنّ مقدار الدقيقة لكونه مجهولا غير منضبط لا يمكن جعله مناط التكليف، سيما للعوام، فوجب التأصيل على الأمر المنضبط، و ليس هو إلّا ذهاب الحمرة- اشتباه واضح، لأنّ السقوط عن الأفق الحقيقي متقدّم على الغيبوبة عن الحسّ، التي هي تحصل بالسقوط عن الأفق الترسي باصطلاح الهيويين، الحسّي عرفا بمقدار دقيقة قطعا، و ليس تحته أفق آخر أصلا.

نعم، السقوط عن الأفق الحسّي باصطلاح أهل الهيئة، و هو أفق بصر يلاصق للأرض يتقدّم على السقوط عن الأفق الحقيقي، و هو ليس بغيبوبة أصلا، مع أنّ لزوم السقوط عن الأفق الحقيقي لا دليل عليه شرعا.

و تدلّ على المطلوب أيضا: رواية الخثعمي: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي المغرب و يصلّي معه حي من الأنصار يقال لهم: بنو سلمة، منازلهم على نصف ميل، فيصلّون معه، ثمَّ ينصرفون إلى منازلهم و هم يرون مواضع سهامهم» «1».

و المروي في مجالس الصدوق: كنّا بوادي الأخضر [1] إذا نحن برجل يصلّي و نحن ننظر إلى شعاع الشمس، فوجدنا في أنفسنا، فجعل يصلّي و نحن ندعو عليه و نقول: هو شاب من شباب المدينة، فلمّا أتينا فإذا هو أبو عبد اللّه جعفر بن محمد عليه السلام، فنزلنا و صلّينا معه و قد فاتتنا ركعة، فلمّا قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا له: جعلنا اللّه فداك، هذه الساعة تصلّي؟ فقال: «إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت» «2».

و حمله على التقية بلا دليل لا وجه له.

و صحيحة الأزدي: عن وقت المغرب، قال: «إنّ اللّه يقول في كتابه

______________________________

[1] في المصدر: الأجفر.

______________________________

(1) الفقيه 1: 142- 659،

الأمالي: 74- 14، الوسائل 4: 188 أبواب المواقيت ب 18 ح 5.

(2) أمالي الصدوق: 75- 16، الوسائل 4: 180 أبواب المواقيت ب 16 ح 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 28

لإبراهيم فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً «1» فهذا أول الوقت، و آخر ذلك غيبوبة الشفق» «2» حيث روي أنّ هذا الكوكب كان هو الزهرة «3»، و لا شك في أنه يرى بمجرد غيبوبة القرص مع بقاء الحمرة. [1]

و رواية الصباح و الشحام: عن المغرب، فقال بعضهم: جعلني اللّه فداك ننتظر حتى يطلع الكوكب؟ فقال: «خطابية» «4» الحديث، فإنّ الظاهر أنّ مع زوال الحمرة يظهر بعض الكواكب المضيئة بل يتقدّم عليه.

و تؤيّده بل تدلّ عليه أيضا: صحيحة الشحام: «صعدت مرّة جبل أبي قبيس و الناس يصلّون المغرب، فرأيت الشمس لم تغب، إنّما توارت خلف الجبل من الناس، فلقيت أبا عبد اللّه عليه السلام، فأخبرته بذلك، فقال لي: «و لم فعلت ذلك؟ بئس ما صنعت، إنّما تصلّيها إذا لم ترها خلف جبل غابت أو غارت ما لم تجلّلها سحاب أو ظلمة تظلّها، فإنّما عليك مشرقك و مغربك، و ليس على الناس أن يبحثوا» «5».

و موثّقة سماعة: في المغرب، إنّا ربما صلّينا و نحن نخاف أن تكون الشمس باقية خلف الجبل، أو قد سترنا منها الجبل، فقال: «ليس عليك صعود

______________________________

[1] و مما ذكرنا يظهر فساد ما قيل من نفي هذا القول عن الفقيه لأجل نقله هذا الحديث. (منه رحمه اللّه).

______________________________

(1) الأنعام: 76.

(2) الفقيه 1: 141- 657، التهذيب 2: 30- 88، الاستبصار 1: 264- 953، الوسائل 4:

174 أبواب المواقيت ب 16 ح 6.

(3) تفسير علي بن إبراهيم القمي 1: 207.

(4) التهذيب 2: 258- 1027، الاستبصار 1: 262-

943 (بتفاوت)، الوسائل 4: 190 أبواب المواقيت ب 18 ح 16.

(5) الفقيه 1: 142- 661، التهذيب 2: 264- 1053، الاستبصار 1: 266- 961، أمالي الصدوق: 74- 12، الوسائل 4: 198 أبواب المواقيت ب 20 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 29

الجبل» «1».

خلافا للأكثر، كما في المنتهى و التذكرة و شرح القواعد «2»، بل في المعتبر: أنّ عليه عمل الأصحاب «3»، و اختاره الشيخ في النهاية «4»، فقالوا: إنه يعرف بذهاب الحمرة المشرقية.

للاستصحاب، و توقيفية العبادة، و لزوم الاقتصار في فعلها على المتيقّن ثبوته.

و المستفيضة من الأخبار، كموثّقة عمار: «إنّما أمرت أبا الخطاب أن يصلّي المغرب حين زالت الحمرة، فجعل هو الحمرة من قبل المغرب» «5».

و مرسلة ابن أشيم: «وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق- إلى أن قال-: فإذا غابت الشمس هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا» «6».

و موثّقة يونس، الواردة في الإفاضة من عرفات المحدودة بغروب الشمس:

متى تفيض من عرفات؟ فقال: «إذا ذهبت الحمرة من هاهنا» و أشار بيده إلى المشرق «7».

و في الأخرى: متى الإفاضة من عرفات؟ قال: «إذا ذهبت الحمرة، يعني

______________________________

(1) الفقيه 1: 141- 656، التهذيب 2: 264- 1054، الاستبصار 1: 266- 962، أمالي الصدوق: 74- 13، الوسائل 4: 198 أبواب المواقيت ب 20 ح 1.

(2) المنتهى 1: 203، التذكرة 1: 76، جامع المقاصد 2: 17.

(3) المعتبر 2: 51.

(4) النهاية: 59.

(5) التهذيب 2: 259- 1033، الاستبصار 1: 265- 960 و فيه: حين تغيب، الوسائل 4: 175 أبواب المواقيت ب 16 ح 10.

(6) الكافي 3: 278 الصلاة ب 6 ح 1، التهذيب 2: 29- 83، الاستبصار 1: 265- 959، الوسائل 4: 173 أبواب المواقيت ب 16 ح 3.

(7) التهذيب 5: 186- 618،

الوسائل 13: 557 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 22 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 30

من الجانب الشرقي» «1».

و رواية ابن شريح: عن وقت المغرب، قال: «إذا تغيّرت الحمرة، و ذهبت الصفرة، و قبل أن تشتبك النجوم» «2».

و رواية العجلي: «إذا غابت الحمرة من هذا الجانب- يعني من المشرق- فقد غابت الشمس من شرق الأرض و غربها» «3».

و موثّقة ابن شعيب: «مسّوا بالمغرب قليلا، فإنّ الشمس تغيب من عندكم قبل أن تغيب من عندنا» «4».

و مرسلة ابن أبي عمير: «وقت سقوط القرص و وجوب الإفطار أن تقوم بحذاء القبلة، و تتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق، إذا جازت قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار، و سقط القرص» «5».

و الرضوي: «و أول وقت المغرب سقوط القرص، و علامة سقوطه أن يسود أفق المشرق».

و فيه أيضا: «و الدليل على غروب الشمس ذهاب الحمرة من جانب المشرق».

و فيه أيضا: «و قد كثرت الروايات في وقت المغرب و سقوط القرص، و العمل

______________________________

(1) الكافي 4: 466 الحج ب 61 ح 1، الوسائل 13: 557 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 22 ح 3.

(2) التهذيب 2: 257- 1024، الوسائل 4: 176 أبواب المواقيت ب 16 ح 12.

(3) الكافي 3: 278 الصلاة ب 6 ح 2، التهذيب 2: 29- 84، الاستبصار 1: 265- 956، الوسائل 4: 172 أبواب المواقيت ب 16 ح 1.

(4) التهذيب 2: 258- 1030، الاستبصار 1: 264- 951، الوسائل 4: 176 أبواب المواقيت ب 16 ح 13.

(5) الكافي 3: 279 الصلاة ب 6 ح 4، التهذيب 4: 185- 516، الوسائل 4: 173 أبواب المواقيت ب 16 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 4، ص: 31

في ذلك على سواد المشرق إلى حدّ الرأس» «1».

و أجاب هؤلاء عن الأخبار الأوّلة تارة: بعدم تعارضها مع أخبارهم، إذ غاية ما دلّت عليه هو كون وقت المغرب غيبوبة الشمس و غروبها، و لا خلاف فيه، بل فيما يتحقّق به ذلك، و قد دلّت الأخيرة على أنه زوال الحمرة، فهذه مفسّرة للأولى، فيعمل بهما معا.

و أخرى: بأنهما لو تعارضتا لكانت الاولى من قبيل المطلق بالنسبة إلى الأخيرة، فيجب حملها عليها.

و نجيب: أمّا عن أدلّتهم، فعن الثلاثة الأولى: بزوال الاستصحاب، و حصول التوقيف، و تحقّق اليقين بما ذكرنا.

و عن الروايات: بعدم دلالة غير الأوليين و الأخيرة.

و أمّا الثالثة و الرابعة: فلأنّ- مع معارضتهما مع أخبار أخر، جاعلة وقت الإفاضة هو الغيبوبة- لا دلالة لهما على الوجوب، إذ أولاهما لا تدلّ إلّا على أنّ الإمام يفيض بعد ذهاب الحمرة، و هو لا يفيد الوجوب. و ثانيتهما إمّا سؤال عن وقت إفاضة الإمام أو القوم، كما هو مقتضى حقيقة اللفظ، فعدم دلالتها واضحة، و إمّا عن زمان وجوب الإفاضة أو زمان أفضليتها، و لا يتعيّن أحدهما، فلا تتم الدلالة.

و أمّا الخامسة: فلأنّ تغيّر الحمرة و ذهاب الصفرة غير زوال الحمرة، بل لا ريب في تغيّر الاولى و ذهاب الثانية بمجرّد الغيبوبة في الأفق، فهي على خلاف مطلوبهم أدلّ.

و أمّا السادسة: فلأنّها لا تدلّ إلّا على أنها إذا غابت الحمرة غابت الشمس من شرق الأرض و غربها، و كون ذلك وقت وجوب المغرب ممنوع، بل هو غيبوبتها عنّا، فيحتمل أن يكون غرضه عليه السلام بيان الوقت الأفضل.

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 73 و 104، مستدرك الوسائل 3: 130 أبواب المواقيت ب 13 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 4، ص: 32

و أمّا السابعة: فلأنّ- مع عدم دلالتها على زوال الحمرة- الظاهر منها أنّ تعليل الأمر بالإمساء قليلا بغيبوبة الشمس عندهم قبل غيبوبتها عندهم لأجل ما في أفقهم من الحائل، فلا دلالة على المطلوب، و ليس لمجرّد تفاوت الآفاق، و إلّا لزم التأخير مدّة مديدة تغيب عن جميع الآفاق، لبطلان وجوب التأخير عن بعض الآفاق دون بعض.

و أمّا الثامنة: فلأنّ غاية ما يدلّ عليها أنّ ذلك وقت سقوط القرص الذي يمكن أن يكون وقت الأفضلية و وجوب الإفطار الذي هو تأكّده، دون الوجوب الحقيقي.

فبقيت الثلاثة: الأوليان و الأخيرة، و مدلول الأولى: إيجاب الصلاة على أبي الخطاب بعد زوال الحمرة، سواء صلّى قبل الغروب أو بعده و قبل الزوال، أو لم يصلّ، فهي أعم مطلقا من الأخبار الأوّلة، لدلالتها على عدم الوجوب لو صلّى بعد الأول و قبل الثاني، فيجب التخصيص.

و كذلك الثانية و آخر الرضوي، إذ دلالتها على نفي وقتية ما قبلها بعموم مفهوم الحصر الدالّ على أنّه ليس شي ء من قبل الذهاب وقتا.

و أمّا أوّله فدلالته إنّما تتوقّف على لزوم الانعكاس في العلامة و الدليل، و هو غير لازم، سيما مع وجود الدليل على علامة و دليل آخر.

هذا، مع أنّ حمل الحمرة في بعض هذه الروايات على أشعّة الشمس، المائلة إلى الحمرة غالبا في حوالي الغروب، المرتفعة على أعالي الجبال الشرقية في مثل مكة و مدينة- اللتين هما بلد الأحاديث- ممكنة، كما يدلّ عليه أيضا قوله في مكاتبة عبد اللّه بن وضاح: «و ترتفع فوق الجبل حمرة» [1].

و يردّ أمّا جوابهم الأول عن الأخبار الأولة: فبعدم الإجمال في معنى غيبوبة

______________________________

[1] التهذيب 2: 259- 1031، الاستبصار 1: 264- 952 و فيه: عبد اللّه

بن صباح، و الصواب ما في المتن، الوسائل 4: 176 أبواب المواقيت ب 16 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 33

الشمس أصلا، بل هو معلوم لغة و عرفا، و لم يرد في أخبارهم ما يدلّ على أنّ معنى غيبوبة الشمس، أو المراد منها هو ذهاب الحمرة أيضا، حتى يكون دليلا على التجوّز في الغيبوبة، غاية ما في بعضها أنه علامة سقوط القرص.

و يحتمل أن يكون هو غير الغيبوبة، مع أنه- كما مرّ- لا يشترط الانعكاس في العلامة.

و أمّا قوله في بعض الأخبار: «وقت المغرب ذهاب الحمرة» فهو لا يدلّ على أنه المراد بالغيبوبة، بل يعارض مع ما دلّ على أنها وقته. و كون ذلك قرينة على التجوّز في الغيبوبة ليس أولى من العكس، من كون أحاديث الغيبوبة [قرينة] [1] على إرادة ضرب من التجوّز من جعل الوقت ذهاب الحمرة، كالأفضلية و الاستحباب و غيرهما.

و أمّا قوله في مرسلة ابن أشيم: «فإذا غابت الشمس ..» فلا يدلّ إلّا على أنها إذا غابت عن المغرب ذهبت الحمرة من المشرق، و ليس معنى غيبوبة الشمس غيبوبتها عن المغرب، بل عنّا، كما مرّ.

و لا يمكن أن يكون المراد من قوله: «إذا غابت هاهنا» غابت في المغرب، لعدم صلاحيته للتفريع على ما قبله من قوله: «إنّ المشرق مطلّ على المغرب» و نحوه قوله في رواية العجلي.

و أمّا قوله في الرضوي: «و الدليل على غروب الشمس» فهو لا يدلّ على أنّ المراد بالغيبوبة زوال الحمرة، بل غايته دلالته على حصر الدليل على الغروب فيه، و هو إنما يعمل به لو لا دليل على دليل آخر، و ما دلّ على معرفته بالغيبوبة، و بأنه إذا نظرت إليه فلم تره «1»،

دليل على دليل آخر.

هذا، مع أنه لا فرق بحسب الاعتبار بين غروب الشمس و طلوعها، فلو

______________________________

[1] أضفناها لاقتضاء العبارة.

______________________________

(1) راجع ص 26 مرسلة علي بن الحكم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 34

كان وجود الحمرة دليلا على عدم الغروب لكان وجودها دليلا على طلوعها في الأفق الشرقي أيضا، فيلزم عدم جواز صلاة الفجر بعد حصول الحمرة في الأفق الغربي.

و القول بأنّ الغروب هو السقوط عن الأفق، و لمّا لم يكن هو معلوما فيعلم بذهاب الحمرة، فمعها لا يحصل القطع الذي هو المعيار في قطع استصحاب عدم الغروب، و لازمه حصول الشك بذلك في الطلوع، فينعكس الأمر «1»، مبني على ما عرفت فساده من تأخّر السقوط عن الأفق الحقيقي عن الغيبوبة عن الحس، و إلّا فالقطع بالغيبوبة حاصل.

مع أنه إذا كان ذهاب الحمرة قاطعا لاستصحاب عدم الغروب يكون حصولها أيضا قاطعا لاستصحاب عدم الطلوع.

و أمّا جوابهم الثاني: فبمنع إطلاق الأوّلة بالنسبة إلى الأخيرة، بل الأمر بالعكس في البعض، كما عرفت.

و منه يظهر فساد ترجيح الأخيرة بموافقة الشهرة و مخالفة العامة، فإنه إنما هو في المتباينين كلّيّا أو من وجه.

مضافا إلى أنه يأبى الحمل قوله: «ليس عليك صعود الجبل» و «لم فعلت ذلك؟» و «بئس ما صنعت» في الصحيحة و الموثّقة المتقدّمتين «2».

مع أنّ في أشهرية القول الثاني كلاما، إذ من نقل الأول منه من المتقدّمين أكثر ممّن نقل عنه الثاني منهم، و ميل أكثر متأخّري المتأخّرين أيضا إليه «3»، مع أنّ عبارة المبسوط مشعرة بأنّ الثاني قول غير مشهور «4».

فرع: المراد بغروب الشمس و غيبوبتها و تواريها المتبادر منها- كما أشرنا إليه-

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 107.

(2) في ص 28.

(3) راجع ص 25.

(4) المبسوط 1: 74.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 35

غروبها عن بلد المصلّي و أرضه، و هو إنّما يتحقّق بغيبوبتها عن كلّ مكان يعدّ منه عرفا و عادة، كرؤوس جباله و أعالي أماكنه، فمع بقاء شعاع الشمس و لو في رأس جبل شامخ لا يصدق شي ء من هذه الألفاظ، بل و كذا لو كان بحيث علم أنه لو كان هناك مكان أعلى ممّا هو موجود ممّا يمكن تحقّق مثله عادة يرى فيه الشعاع، و لذا صرّح بعضهم بعدم صدق الغيبة و الاستتار الواردين في الأخبار مع وجود الأشعّة على قلل الجبال قطعا «1».

و بالجملة: المراد من الغروب: الغروب عن أرض المصلّي و بلده، و من قوله: «إذا نظرت إليه فلم تره» «2» أي: إذا نظرت في أرضك و بلدك أعاليه و أسافله.

و بذلك ظهر ضعف ما قيل من أنه لو كان مجرّد الاستتار مغربا، لزم كون مغرب النائم قبل القاعد، و القاعد قبل القائم، و القائم قبل الراكب، و الراكب قبل الصاعد، و هكذا [1]، مع أنّ بقاء الشعاع على مكان يراه الصاعد ليس مغربا لأحد من أهل هذه الأرض قطعا.

ثمَّ إنه كما لا يتحقق الغروب مع بقاء الشعاع، كذا لا يتحقق باستتارها بغيم أو ظلمة أو نحوهما، إجماعا و نصّا، كما مرّ.

و أمّا الاستتار بالجبل بحيث ذهب الشعاع عن كلّ مكان مرتفع- و لو فرضا- في كلّ موضع ممّا يعدّ من تلك الناحية عرفا، فالمستفاد من الصحيحة و الموثّقة المتقدّمتين «3» تحقّق الغروب به، و إذ لا معارض لهما فالعمل بهما- مع زوال الشعاع و عدم ظهوره أصلا على النحو المقرّر- لا بأس به.

و أمّا الشعاع المذكور في رواية المجالس «4» فيمكن أن لا يكون هو ضوء

______________________________

[1]

شرح المفاتيح (المخطوط) للوحيد البهبهاني.

______________________________

(1) انظر: الرياض 1: 108.

(2) راجع ص 26.

(3) راجع ص 27 و 28.

(4) راجع ص 27 و 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 36

الشمس الواقع على المقابل لها، بل شعاعها المرئي في المغرب، الذي يقال له حواجب الشمس و ذوائبها.

المسألة الثالثة: آخر وقت المغرب غيبوبة الشفق الغربي مطلقا،

عند الصدوق في الهداية، و السيد في الناصريات «1»، و عن الخلاف و جمل الشيخ و مصباحه و عمل اليوم و ليلته «2»، و القاضي و الديلمي «3»، بل العماني كما في المنتهى «4».

للنصوص المستفيضة، كصحيحة الأزدي، المتقدّمة «5».

و صحيحة زرارة و الفضيل: «و وقت فوتها سقوط الشفق» «6».

و رواية ابن مهران: ذكر أصحابنا أنه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر، و إذا غربت دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة، إلّا أنّ هذه قبل هذه في السفر و الحضر، و أنّ وقت المغرب إلى ربع الليل، فكتب: «كذلك الوقت، غير أنّ وقت المغرب ضيّق، و آخر وقتها ذهاب الحمرة، و مصيرها إلى البياض في أفق المغرب» «7».

و موثّقة إسماعيل بن جابر: عن وقت المغرب، قال: «ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق» «8».

______________________________

(1) الهداية: 30، الناصريات (الجوامع الفقهية): 193.

(2) الخلاف 1: 261، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 174، مصباح المتهجد: 23، عمل اليوم و الليلة (الرسائل العشر): 143.

(3) القاضي في شرح الجمل: 66، الديلمي في المراسم: 62.

(4) المنتهى 1: 203.

(5) في ص 27.

(6) الكافي 3: 280 الصلاة ب 6 ح 9، الوسائل 4: 187 أبواب المواقيت ب 18 ح 2.

(7) الكافي 3: 281 الصلاة ب 6 ح 16، التهذيب 2: 260- 1037، الاستبصار 1: 270- 976، الوسائل 4: 188 أبواب المواقيت ب 18 ح 4.

(8) التهذيب 2:

258- 1029، الاستبصار 1: 263- 950، الوسائل 4: 182 أبواب المواقيت ب 16 ح 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 37

و في رواية زرارة: «و آخر وقت المغرب إياب الشفق، فإذا آب دخل وقت العشاء الآخرة» «1».

و حمل تلك الأخبار على الأفضلية لا وجه له.

و الاستشهاد بالأخبار الدالّة على أنّ لكلّ صلاة وقتين أوّلهما أفضلهما «2»، و باختلاف الأخبار في التقدير بالغيبوبة و الربع و خمسة أميال و ستة «3»، غير صحيح، لمنع شهادة الأول على أنّ ذلك أحد الوقتين، و لا على أنّ الوقتين للمختار كما مرّ، و عدم دلالة الاختلاف على الأفضلية و الاستحباب.

و قبل انتصاف الليل قدر صلاة العشاء، عند السيد في الجمل و الإسكافي «4» و الحلّي «5» و الحلبي [1]، و الإشارة و الجامع، و المحقّق «6»، و سائر المتأخّرين «7». و عليه الشهرة في كلام جماعة «8»، بل عن السرائر و الغنية الإجماع عليه «9» و إن ظهر من الناصريات عدم اشتهار هذا القول بين القدماء «10».

للأصل، و للروايات الدالّة على أنّ وقت العشاءين من الغروب إلى نصف

______________________________

[1] قال في الكافي ص 137: و آخر وقت الإجزاء ذهاب الحمرة من المغرب و آخر وقت المضطر ربع الليل.

______________________________

(1) التهذيب 2: 262- 1045، الاستبصار 1: 269- 973، الوسائل 4: 156 أبواب المواقيت ب 10 ح 3.

(2) انظر: الوسائل 4: 118 أبواب المواقيت ب 3.

(3) انظر: الوسائل 4: 193 أبواب المواقيت ب 19.

(4) حكاه عنهما في المختلف: 69.

(5) الحلي في السرائر 1: 195.

(6) الإشارة: 85، الجامع للشرائع: 60، المحقق في الشرائع 1: 60.

(7) كالعلامة في المختلف: 69، و الشهيد في اللمعة (الروضة 1): 180، و صاحب المدارك 3: 54.

(8) كصاحب الحدائق

6: 175، و الرياض 1: 102.

(9) السرائر 1: 196، الغنية (الجوامع الفقهية): 556.

(10) الناصريات (الجوامع الفقهية): 193.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 38

الليل، كمرسلة داود، المتقدّمة «1».

و روايتي عبيد:

إحداهما: «و منها صلاتان، أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل، إلّا أنّ هذه قبل هذه» «2».

و الأخرى: «إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل، إلّا أنّ هذه قبل هذه» «3».

و ما دلّ على أنّ فيما بين الزوال إلى غسق الليل- الذي هو انتصافه- أربع صلوات «4».

و ردّ المرسلة بضعف السند، و غيرها بضعف الدلالة، لأنّ كون وقت ظرفا لصلاتين، كما يمكن أن يكون بالاشتراك يمكن أن يكون بالتوزيع، بل هو بالتوزيع قطعا، لاختصاص أول الوقت بالأولى و آخره بالأخيرة، و ليس هذا التوزيع أولى من غيره، مردود: بعدم ضرر في ضعف السند، سيما مع التأيّد بالشهرة و لو من المتأخّرين، و بظهور كون مدّة ظرفا لهما [في ] [1] صلاحيتها لاجتماع كل منهما، بل هو حقيقة في ذلك فقط مجاز في غيره، و التخصيص القليل الثابت بالدليل أولى من غيره قطعا.

و قبل طلوع الفجر قدر العشاء عند بعضهم «5»، استنادا إلى مرسلة الفقيه، المتقدّمة في المسألة الاولى «6»، و غيرها ممّا سيأتي، و حملا لسائر الأخبار على

______________________________

[1] أضفناها لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) في ص 26.

(2) التهذيب 2: 52- 72، الوسائل 4: 157 أبواب المواقيت ب 10 ح 4.

(3) التهذيب 2: 27- 78، الاستبصار 1: 262- 941 بتفاوت يسير، الوسائل 4: 181 أبواب المواقيت ب 16 ح 24.

(4) الوسائل 4: 157 أبواب المواقيت ب 10 ح 4.

(5) حكاه في المبسوط 1: 75 عن بعض أصحابنا، و في المعتبر 2: 40 عن عطاء و طاوس.

(6) راجع

ص 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 39

الأفضلية.

و حين الغروب خاصة عند آخر «1»، لإتيان جبرئيل في اليومين بوقت واحد للمغرب «2»، فيعارض به سائر الأخبار، و يبقى أصل الاشتغال و عدم التوقيف في غيره سالما عن المعارض.

و الأول للمختار، و الثاني لذوي الأعذار، عند السيد في المصباح «3»، و الشيخ في المبسوط «4»، و اختاره في المفاتيح و الحدائق «5»، جمعا بين القسمين من الأخبار، بشهادة ما دلّ على جواز التأخير عن الغيبوبة لذوي الأعذار، كموثّقة جميل: ما تقول في الرجل يصلّي المغرب بعد ما يسقط الشفق؟ فقال: «لعلّة لا بأس» قلت: فالعشاء الآخرة قبل أن يسقط الشفق؟ فقال: «لعلّة لا بأس» «6».

و الأول للأول، و ربع الليل للثاني، عند الشيخ في أكثر كتبه «7»، و ابن حمزة و الحلبي «8»، لتخصيص القسم الأول بموثّقة جميل، المتقدّمة، و صحيحتي محمد ابن علي الحلبي و ابن يقطين، الدالّتين على جواز التأخير في السفر إلى مغيب الشفق «9»، و تقييد هذه الثلاثة بالمستفيضة المصرّحة ببقاء الوقت لذوي الأعذار

______________________________

(1) حكاه في المهذب 1: 69 عن بعض أصحابنا.

(2) انظر: الوسائل 4: 156 أبواب المواقيت ب 10.

(3) حكاه عنه في المنتهى 1: 203.

(4) المبسوط 1: 74.

(5) المفاتيح 1: 87، الحدائق 6: 188.

(6) التهذيب 2: 33- 101، الاستبصار 1: 268- 969، الوسائل 4: 196 أبواب المواقيت ب 19 ح 13.

(7) كالنهاية: 59، و الاقتصاد: 256.

(8) ابن حمزة في الوسيلة: 83، الحلبي في الكافي: 137.

(9) صحيحة الحلبي: التهذيب 2: 35- 108، الاستبصار 1: 272- 984، الوسائل 4: 194 أبواب المواقيت ب 19 ح 4، صحيحة ابن يقطين: التهذيب 2: 32- 97، الاستبصار 1:

267- 967، الوسائل 4: 197 أبواب المواقيت ب

19 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 40

مطلقا أو بعضهم- إلى الربع، كرواية عمر بن يزيد: عن وقت المغرب، فقال:

«إذا كان أرفق بك، و أمكن لك في صلاتك، و كنت في حوائجك، فلك أن تؤخّرها إلى ربع الليل» فقال: قال لي و هو شاهد في بلده «1».

و صحيحته قال: «وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل» «2».

و بذلك يجمعون هؤلاء بين القسم الأول و بين ما دلّ على بقاء الوقت إلى ربع الليل مطلقا، كرواية عمر بن يزيد أيضا، و فيها: «فإنك في وقت إلى ربع الليل» «3» بشهادة ما ذكر.

و عليه يحملون ما دلّ على جواز التأخير في السفر إلى خمسة أميال من الغروب، كموثّقة أبي بصير «4»، أو ستّة، كروايتي ابني جابر و سالم «5».

و يردّون القسم الثاني من الأخبار بما مرّ ذكره من ضعف السند و الدلالة.

و الأول في غير المسافر و المفيض من عرفات، و ربع الليل لهما، عند الصدوق «6» و المفيد «7» و الشيخ في النهاية «8»، تضعيفا للقسم الثاني بما ذكر، و لما دلّ على التعميم في القدر، في السند، و تخصيصا للقسم الأول بما دلّ على جواز التأخير لهما إلى الربع.

و الثاني للأول و الثالث للثاني، عند المعتبر و المدارك و الكفاية، و المحقّق

______________________________

(1) التهذيب 2: 259- 1034، الاستبصار 1: 267- 964، الوسائل 4: 195 أبواب المواقيت ب 19 ح 8.

(2) الكافي 3: 281 الصلاة ب 6 ح 14، الوسائل 4: 194 أبواب المواقيت ب 19 ح 2.

(3) التهذيب 2: 30- 91، الوسائل 4: 196 أبواب المواقيت ب 19 ح 11.

(4) التهذيب 3: 234- 611، الوسائل 4: 194 أبواب المواقيت ب 19 ح 6.

(5) رواية

ابن جابر: التهذيب 3: 234- 614، الوسائل 4: 195 أبواب المواقيت ب 19 ح 7. رواية ابن سالم: التهذيب 2: 258- 1028، الوسائل 4: 191 أبواب المواقيت ب 18 ح 17.

(6) الفقيه 1: 141 و الهداية: 61.

(7) المقنعة: 93- 95.

(8) النهاية: 59 و 252.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 41

الخوانساري في شرح الروضة «1»، جمعا بين القسم الثاني و ما دلّ على البقاء إلى طلوع الفجر، كمرسلة الفقيه، المتقدّمة في المسألة الأولى «2»، بشهادة المستفيضة كصحيحة ابن سنان، السالفة في الفرع الثاني من المسألة الاولى «3» و رواية أبي بصير، و هي أيضا قريبة منها، إلّا أنها مختصة بالنائم «4».

و رواية ابن حنظلة: «إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر، صلّت المغرب و العشاء» «5» و نحوها رواية الكناني «6».

و حملا للقسم الأول و روايات الربع على الأفضلية.

و الأول للمختار، و الثاني لذوي الأعذار غير النائم و الناسي و الحائض، و الثالث للثلاثة، عندي.

لوجوب تخصيص القسم الأول بغير ذوي الأعذار، بما مرّ من الأخبار و غيره ممّا لم يذكر، كصحيحة عمر بن يزيد: «وقت المغرب في السفر إلى ثلث الليل» «7».

و مرسلة الكافي: «إنه إلى نصف الليل» «8».

و رواية الصرمي، المصرّحة بأنّ أبا الحسن الثالث عليه السلام أخّر المغرب حتى غاب الشفق «9»، و غير ذلك.

______________________________

(1) المعتبر 2: 40، المدارك 3: 55، الكفاية: 15، الحواشي على شرح اللمعة: 169.

(2) راجع ص 14.

(3) راجع ص 23.

(4) علل الشرائع: 367- 2، الوسائل 4: 201 أبواب المواقيت ب 21 ح 6.

(5) التهذيب 1: 391- 1206، الاستبصار 144- 492، الوسائل 2: 364 أبواب الحيض ب 49 ح 12.

(6) التهذيب 1: 390- 1203، الاستبصار 2: 143- 489، الوسائل 2: 363

أبواب الحيض ب 49 ح 7.

(7) الكافي 3: 431 الصلاة ب 81 ح 5، الوسائل 4: 193 أبواب المواقيت ب 19 ح 1.

(8) الكافي 3: 431 الصلاة ب 81 ح 5، الوسائل 4: 194 أبواب المواقيت ب 19 ح 3.

(9) التهذيب 2: 30- 90، الاستبصار 1: 264- 955، الوسائل 4: 196 أبواب المواقيت ب 19 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 42

و بذلك يصير هذا القسم أخصّ مطلقا من القسم الثاني و ما دلّ على البقاء إلى الربع أو الفجر مطلقا، فيجب تخصيص الجميع به، لما دلّ على البقاء لذوي الأعذار، فلا يبقى له معارض في المختار، و يتعيّن الأول له. و يبقى الكلام في المعذور.

و لكون أخبار الربع (مع ما في أخبار توقيت السفر من التعارض) [1] لدلالتها على أنه لا وقت بعد الربع أصلا أعمّ مطلقا من أخبار النصف، فيجب تخصيص الأولى بالثانية قطعا، و مقتضاها توقيت النصف للمضطر.

و لكون ما مرّ من روايات النائم و الناسي و الحائض أخصّ مطلقا من أخبار النصف أيضا- للتقريب المتقدّم، و لخصوصية العذر- يجب تخصيص الثانية بهذه الروايات أيضا، فيكون الوقت لغير الثلاثة النصف، و لهم طلوع الفجر، و هو أيضا مقتضى أصالة جواز التأخير، التي هي المرجع لو فرض التعارض، فعليه الفتوى.

و لا ينافيه ما مرّ من إتيان جبرئيل بوقت واحد، إذ لا دلالة له على التخصيص أصلا.

و لا ما ورد من أنّ لكلّ صلاة وقتين، إذ يمكن كونهما وقتي الفضيلة و الإجزاء للمختار، أو وقتي الاختيار و الاضطرار و إن كان المضطرّون مختلفين في الوقت.

و لا ما ورد من ذم النائم عن صلاة العشاء إلى نصف الليل «1»، و هو ظاهر.

و لا

ما ورد من الأمر بصوم اليوم لمن نام عن صلاة العشاء إليه «2»، سيما مع استحبابه، كما هو الحقّ.

و لا مرسلة الفقيه: «من نام عن العشاء الآخرة إلى نصف الليل يقضي

______________________________

[1] انظر: الوسائل 4: 193 أبواب المواقيت ب 19. و ما بين القوسين ليس في «س» و «ح».

______________________________

(1) انظر: الوسائل 4: 214 أبواب المواقيت ب 29.

(2) انظر: الوسائل 4: 214 أبواب المواقيت ب 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 43

و يصبح صائما» «1».

و مرفوعة ابن مسكان: «من نام قبل أن يصلّي العتمة فلم يستيقظ حتى يمضي نصف الليل فليقض صلاته و ليستغفر اللّه» «2».

لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في القضاء، و لذا ورد في مرسلة ابن المغيرة: في رجل نام عن العتمة فلم يقم إلّا بعد انتصاف الليل، قال: «يصليها» «3».

المسألة الرابعة: أول وقت العشاء مضيّ قدر ثلاث ركعات من الغروب،

على الأشهر الأظهر، وفاقا للمحكي عن السيد و الاستبصار و الجمل و العقود، و الصدوق و الإسكافي و الحلبي و الحلّي و القاضي، و الوسيلة و الغنية «4»، و جملة من تأخّر عنهم، و نسبه في المنتهى إلى العماني «5».

لروايات عبيد، و داود، و ابن مهران، و مرسلة الفقيه، المتقدّمة جميعا «6».

و صحيحة زرارة: «إذا غابت الشمس دخل الوقتان: المغرب و العشاء الآخرة» «7».

و موثّقته: «و صلّى بهم- أي صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالناس- المغرب و العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق من غير علة في جماعة، و إنما فعل ذلك رسول اللّه ليتّسع الوقت على أمته» «8».

______________________________

(1) الفقيه 1: 142- 658، الوسائل 4: 214 أبواب المواقيت ب 29 ح 3.

(2) التهذيب 2: 276- 1097، الوسائل 4: 215 أبواب المواقيت ب 29 ح 6.

(3) الكافي 3: 295 الصلاة ب 12 ح

11، الوسائل 4: 216 أبواب المواقيت ب 29 ح 8.

(4) حكاه عن السيد في المختلف: 69، الاستبصار 1: 263، الجمل و العقود (الرسائل العشر):

174، الصدوق في الفقيه 1: 142، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 69، الحلبي في الكافي:

137، الحلي في السرائر 1: 195، القاضي في المهذب 1: 69، الوسيلة: 83، الغنية (الجوامع الفقهية): 556.

(5) المنتهى 1: 205.

(6) راجع ص: 14 و 15 و 23 و 36.

(7) الفقيه 1: 140- 648، التهذيب 2: 19- 54، الوسائل 4: 183 أبواب المواقيت ب 17 ح 1.

(8) الكافي 3: 286 الصلاة ب 9 ح 1، التهذيب 2: 263- 1046، الاستبصار 1: 271- 981، الوسائل 4: 202 أبواب المواقيت ب 22 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 44

و الأخرى: عن الرجل يصلّي العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق؟ قال: «لا بأس» «1»، و قريبة منها موثّقة عبيد اللّه و عمران «2».

و رواية إسحاق: يجمع بين المغرب و العشاء في الحضر قبل أن يغيب الشفق من غير علّة؟ قال: «لا بأس» «3».

خلافا للهداية للصدوق «4»، و المبسوط و الخلاف و الاقتصاد و المصباح و عمل اليوم و الليلة «5»، كلّها للشيخ، فقالا: إنه غيبوبة الشفق، لإتيان جبرئيل بها في المرّة الأولى التي كانت لبيان أول الوقت بعد سقوط الشفق «6».

و لصحيحتي بكر و الحلبي:

الاولى: «و أول وقت العشاء ذهاب الحمرة، و آخر وقتها إلى غسق الليل، نصف الليل» «7».

و الثانية: متى تجب العتمة؟ قال: «إذا غاب الشفق، و الشفق الحمرة» «8».

______________________________

(1) التهذيب 2: 34- 104، الاستبصار 1: 271- 978، الوسائل 4: 203 أبواب المواقيت ب 22 ح 5.

(2) التهذيب 2: 34- 105، الاستبصار 1: 271- 979، الوسائل 4: 203 أبواب

المواقيت ب 22 ح 6.

(3) التهذيب 2: 263- 1047، الاستبصار 1: 272- 982، الوسائل 4: 204 أبواب المواقيت ب 22 ح 8.

(4) الهداية: 30.

(5) المبسوط 1: 75، الخلاف 1: 262، الاقتصاد: 256، مصباح المتهجد: 23، عمل اليوم و الليلة (الرسائل العشر): 143.

(6) انظر: الوسائل 4: 156 أبواب المواقيت ب 10.

(7) الفقيه 1: 141- 657، التهذيب 2: 30- 88، الاستبصار 1: 264- 953، الوسائل 4:

174 أبواب المواقيت ب 16 ح 6.

(8) الكافي 3: 280 الصلاة ب 6 ح 11، التهذيب 2: 34- 103، الاستبصار 1: 270- 977، الوسائل 4: 204 أبواب المواقيت ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 45

و يجاب عن الأول: بأنه لعلّه للأفضلية.

و عن الثانية: بأنه يمكن أن يكون المراد ذهاب الحمرة المشرقية، الذي هو أول المغرب في كثير من الأخبار، بل قيل بذلك في الثالثة أيضا، و لكنه بعيد نظرا إلى تتمتها. بل يجاب عنها: بأنّ دلالتها على نفي وقتية قبل الغيبوبة ليست إلّا بمفهوم الزمان، الضعيف، و مع ذلك معناه أنه ليس بواجب قبل غياب الشفق مطلقا، فيكون أعم مطلقا من أخبارنا جميعا إن أبقيت الثالثة على إطلاقها، و من بعضها إن خصّت بغير المسافر أو غير المعذور، فيخصّص بها.

و لو سلّم التعارض فالترجيح لنا قطعا، بالكثرة التي هي معنى الشهرة في الرواية، التي هي من المرجحات المنصوصة، و بموافقة الشهرة العظيمة، و مخالفة العامة، فإنّ القول الثاني موافق لمذهب العامة بتصريح الجميع.

و للمقنعة و النهاية للشيخ و التهذيب، فالثاني للمختار، و الأول لذوي الأعذار، كما في الأولين «1»، أو لمن علم أو ظنّ أنه لا يتمكّن بعد الغيبوبة، كما في الثالث «2»، جمعا بين القسمين المتقدّمين، بشهادة

طائفة من الأخبار، كموثّقة جميل، المتقدّمة «3».

و صحيحة الحلبي: «و لا بأس بأن تعجّل العتمة في السفر قبل أن يغيب الشفق» «4».

و رواية البطيخي: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام صلّى العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ثمَّ ارتحل «5».

فتلك الأخبار يخصّص القسم الثاني، و به يصير أخصّ من الأول،

______________________________

(1) المقنعة 93- 95، النهاية: 59.

(2) التهذيب 2: 33.

(3) في ص 39.

(4) التهذيب 2: 35- 108، الاستبصار 1: 272- 984، الوسائل 4: 202 أبواب المواقيت ب 22 ح 1.

(5) التهذيب 2: 34- 106، الاستبصار 1: 271- 980، الوسائل 4: 204 أبواب المواقيت ب 22 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 46

فتخصّصه.

و جوابه: أنه يصير أخصّ من وجه فيصار إلى الترجيح، و هو معنا.

مع أن بعض الأول صريح في غير المعذور، فيكون أخصّ مطلقا بالتقريب السابق.

هذا كله مع ما عرفت من عدم انتهاض القسم الثاني، و عدم دلالة أخبار المعذور على الاختصاص.

المسألة الخامسة: آخر وقت العشاء ثلث الليل مطلقا،

عند الهداية و المقنعة و الخلاف و جمل الشيخ و اقتصاده و مصباحه، و القاضي «1».

للروايات الواردة في نزول جبرئيل بها ثانية حين ذهب الثلث، ثمَّ قال: «ما بين الوقتين وقت» «2».

و مرسلة الفقيه: «وقت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل» «3».

و رواية زرارة، و فيها: «و آخر وقت العشاء ثلث الليل» «4».

و المروي في الهداية: «و وقت العشاء من غيبوبة الشفق إلى ثلث الليل» «5».

و لروايات أخر غير دالّة جدّا.

و نصفه كذلك، عند السيد و الإسكافي و الديلمي و ابن زهرة و الحلبي «6»،

______________________________

(1) الهداية: 30، المقنعة: 93، الخلاف 1: 264، الجمل و العقود (الرسائل العشر) 174، الاقتصاد: 256، مصباح المتهجد: 23، القاضي في المهذب 1: 69.

(2) الوسائل 4: 157 أبواب المواقيت 10 ح

5- 8.

(3) الفقيه 1: 141- 657، الوسائل 4: 200 أبواب المواقيت ب 21 ح 4.

(4) التهذيب 2: 262- 1045، الاستبصار 1: 269- 973، الوسائل 4: 156 أبواب المواقيت ب 10 ح 3.

(5) الهداية: 30.

(6) السيد في جوابات المسائل الميافارقيات (رسائل السيد المرتضى) 1: 274، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 70، الديلمي في المراسم: 62، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 556، الحلبي في الكافي: 137.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 47

و أكثر المتأخّرين «1»، بل مطلقا.

لمرسلتي داود و الفقيه، المتقدّمتين في المسألة الاولى «2»، و روايتي عبيد، السالفتين في الثالثة «3»، و صحيحة بكر، السابقة في الرابعة «4»، و صحيحة زرارة و رواية عبيد، المتضمّنتين لتفسير الآية «5».

و موثّقة أبي بصير، و فيها: «و أنت في رخصة إلى نصف الليل» «6».

و رواية المعلى: «آخر وقت العتمة نصف الليل» «7» و نحوها الرضوي «8»، و غير ذلك.

و الأول للمختار، و الثاني للمضطر، عند المبسوط و ابن حمزة «9»، للجمع بين الصنفين من الأخبار.

و الثاني للأول، و طلوع الفجر للثاني، عند المحقّق و المدارك «10»، و جملة من

______________________________

(1) كالشهيد في الذكرى: 121، و صاحبي المدارك 3: 59 و فيه و هو مذهب الأكثر، و الرياض 1:

101.

(2) راجع ص 15 و 23.

(3) راجع ص 38.

(4) راجع ص 44.

(5) صحيحة زرارة: الكافي 3: 271 الصلاة ب 3 ح 1، الفقيه 1: 124- 600، التهذيب 2:

241- 954، الوسائل 4: 10 أبواب أعداد الفرائض ب 2 ح 1، رواية عبيد: التهذيب 2:

25- 72، الاستبصار 1: 261- 938، الوسائل 4: 157 أبواب المواقيت ب 10 ح 4.

(6) التهذيب 2: 261- 1041، الاستبصار 1: 272- 986، الوسائل 4: 185 أبواب المواقيت ب

17 ح 7.

(7) التهذيب 2: 262- 1042، الاستبصار 1: 273- 987، الوسائل 4: 185 أبواب المواقيت ب 17 ح 7.

(8) فقه الرضا عليه السلام: 74، مستدرك الوسائل 3: 133 أبواب المواقيت ب 14 ح 3.

(9) المبسوط 1: 75، ابن حمزة في الوسيلة: 83.

(10) المحقّق في المعتبر 2: 43، و الشرائع 1: 60، المدارك 3: 60.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 48

متأخّري المتأخّرين «1»، منهم صاحب البحار «2».

و عن الخلاف: نفي الخلاف في بقائه إلى الطلوع للمضطر «3»، و هو الأقوى عندي، استنادا- بعد تضعيف رواية الهداية، و منع دلالة روايات نزول جبرئيل- إلى أنّ لدلالة الصنف الأول على نفي وقتية بعد الثلث مطلقا يكون أعم مطلقا من الثاني، فيخصّص الأول بالثاني.

مع أنّ على فرض التباين- كما يحتمله بعض الروايات- يكون الترجيح للثاني، لموافقة الكتاب، و الأصل.

ثمَّ يخصّص الصنف الثاني بما دلّ على بقاء وقت ذوي الأعذار إلى الفجر، كما تقدّم. و لأجل ذلك يصير هذا الصنف أخصّ من مرسلة الفقيه، الدالة على بقاء الوقت مطلقا إلى الفجر «4»، فتخصّص المرسلة به.

فرع: الأفضل المبادرة إلى العشاء بعد المغرب و نافلتها، لعمومات أفضلية أول الوقت، المعتضدة بالأمر بالاستباق إلى الخيرات و المسارعة إلى المغفرة.

و قد يقال بأفضلية التأخير إلى غياب الشفق «5»، للأخبار المتقدّمة، و هي على ذلك غير دالّة. و الاحتياط، و هو كان حسنا لو لا العمومات.

و قيل: ربما يظهر من بعض الروايات عدم استحباب المبادرة بعد غياب الشفق أيضا «6».

و نظره إلى ما ورد من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «لو لا أنّي أخاف أن أشقّ على أمّتي لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل» و في بعض الأخبار «إلى ربعه» و في

______________________________

(1)

كالمحقق السبزواري في الكفاية: 15 و صاحب كشف الغطاء: 221.

(2) البحار 80: 53.

(3) الخلاف 1: 271.

(4) المتقدمة في ص 14.

(5) كما في الحدائق 6: 193.

(6) كما في المدارك 3: 60.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 49

آخر «إلى نصفه» «1» و ما ورد من أنه صلّى اللّه عليه و آله أخّرها ليلة من الليالي ما شاء اللّه حتى نام النساء و الصبيان «2».

و يردّ الأول: بأن غاية ما يدلّ عليه أنه لو لا خوف المشقّة لجعل فضيلة العشاء في التأخير، و لكنه لم يفعله، فهو في الدلالة على خلاف المقصود أشبه.

و حمل قوله: «أخّرت» على أوجبت التأخير حتى يشعر بالفضيلة، أو على إرادة إني صليتها في الثلث أو النصف لو لا خوف مشقة المأمومين، لا دليل عليه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 4    49     المسألة السادسة: لا خلاف في أن وقت صلاة الصبح طلوع الفجر الثاني، ..... ص : 49

الثاني: بأنّ الظاهر أنّ تأخيره صلّى اللّه عليه و آله تلك الليلة دون سائر الليالي إنما كان للعذر دون الاستحباب.

المسألة السادسة: لا خلاف في أنّ وقت صلاة الصبح طلوع الفجر الثاني،

و هو المنتشر الذي لا يزال يزداد في الأفق، و الإجماعات المحكية «3»- كالنصوص المصرّحة «4»- عليه مستفيضة.

و إنّما الخلاف في آخره. و الحقّ الموافق للمعظم، و منهم: المقنعة «5»، و الجملان [1]، و الاقتصاد و المصباح و مختصره و عمل اليوم و الليلة و شرح جمل السيد، و الكافي، و الإسكافي و الديلمي و القاضي «6»، و الحلبيان «7»، و الحلّي

______________________________

[1] جمل العلم و العمل، و قد سقط منه في نسختنا باب المواقيت، الجمل و العقود (الرسائل العشر):

174.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 4: 183 أبواب المواقيت ب 17.

(2) التهذيب 2: 28- 81، الوسائل 4: 199

أبواب المواقيت ب 21 ح 1.

(3) كما في المعتبر 2: 44، و المنتهى 1: 206، و الذكرى: 121.

(4) انظر الوسائل 4: 209 أبواب المواقيت ب 27.

(5) المقنعة: 94.

(6) الاقتصاد: 256، مصباح المتهجد: 24، عمل اليوم و الليلة (الرسائل العشر): 143، شرح الجمل 66، الكافي في الفقه: 138، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 70، الديلمي في المراسم: 62، القاضي في المهذب 1: 69.

(7) علاء الدين الحلبي في الإشارة: 85، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 556.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 50

و الجامع «1»، و سائر المتأخّرين: أنه طلوع الشمس.

للأصل المتقدّم، و مرسلة الفقيه، المتقدّمة في المسألة الاولى «2».

و رواية زرارة: «وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس» «3».

و مقتضى إطلاقهما كونه وقتا لمطلق صلاة الفجر الذي منه صلاة المختار، فالقول بأنه يكفي في صدقهما كونه وقتا لذوي الأعذار غير صحيح.

و ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: «من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة» «4» و حمله على ذوي الأعذار حمل بلا حامل، و ضعفه كضعف المتقدّمتين- لو سلّم- بالشهرة منجبر.

خلافا للمحكي عن الشيخ في الخلاف و النهاية و المبسوط و التهذيب و الاستبصار، و عن العماني، و الوسيلة «5» و الإصباح، فخصّوه بأولى الأعذار، و جعلوا نهايتها للمختار ظهور الحمرة المشرقية، كبعضهم «6»، أو الإسفار، كبعض آخر «7».

حملا للمطلقات المذكورة على المقيّدات، كرواية يزيد بن خليفة: «وقت

______________________________

(1) الحلي في السرائر 1: 195، الجامع للشرائع: 61.

(2) راجع ص 14.

(3) التهذيب 2: 36- 114، الاستبصار 1: 275- 998، الوسائل 4: 208 أبواب المواقيت ب 26 ح 6.

(4) التهذيب 2: 38- 119، الاستبصار 1: 275- 999، الوسائل

4: 207 أبواب المواقيت ب 30 ح 2.

(5) الخلاف 1: 267، النهاية: 60، المبسوط 1: 75، التهذيب 2: 38 و 39، الاستبصار 1:

276، حكاه عن العماني في المختلف: 70، الوسيلة: 83.

(6) كما في المبسوط 1: 75.

(7) كما في الخلاف 1: 267.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 51

الفجر حين يبدو حتى يضي ء» «1».

و صحيحتي ابن سنان و أبي بصير، و حسنة الحلبي، المتقدّمة في المسألة الاولى «2».

و موثّقة عمّار: «في الرجل إذا غلبته عيناه أو عاقه أمر أن يصلّي المكتوبة من الفجر ما بين أن يطلع الفجر إلى أن تطلع الشمس، و ذلك في المكتوبة خاصة، فإن صلّى ركعة من الغداة ثمَّ طلعت الشمس فليتم و قد جازت صلاته» «3».

و الرضوي: «أول وقت الفجر اعتراض الفجر في أفق المشرق، و هو بياض كبياض النهار، و آخر وقت الفجر أن تبدو الحمرة في أفق المغرب، و قد رخص للعليل و المسافر و المضطر إلى قبل طلوع الشمس» «4» و قريب منه المروي في الدعائم «5».

و يجاب عنها- بعد ردّ الأخيرين: بالضعف الخالي عن جابر في المقام، و سابقتهما: بعدم الدلالة جدّا، لخلوّها عن اشتراط غلبة العينين أو تعويق أمر، و الأربع «6» المتقدّمة عليها: بما سبق في المسألة الاولى «7»، و سابقتها: بما يظهر منه أيضا من كون مفهومها عاما مطلقا يجب تخصيصه، أو من وجه يوجب الرجوع إلى الأصل، و معارضتها مع الأخبار الآتية- أنّ شيئا منها لا يدلّ على مطلوب من قال: إنّ الانتهاء ظهور الحمرة، و لا أكثرها على قول من قال بالانتهاء بالإسفار.

______________________________

(1) الكافي 3: 283 الطهارة ب 7 ح 4، التهذيب 2: 36- 112، الاستبصار 1: 274- 991، الوسائل 4: 207

أبواب المواقيت ب 26 ح 3.

(2) راجع ص 17 و 18.

(3) التهذيب 2: 38- 120، الاستبصار 1: 276- 1000، الوسائل 4: 208 أبواب المواقيت ب 26 ح 7.

(4) فقه الرضا عليه السلام: 74، مستدرك الوسائل 3: 137 أبواب المواقيت ب 20 ح 1.

(5) دعائم الإسلام 1: 139، مستدرك الوسائل 3: 138 أبواب المواقيت ب 20 ح 2.

(6) كذا في النسخ، و الصحيح: الثلاث كما يظهر بالتأمل.

(7) راجع ص و 17 و 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 52

مع منافاة الأخير لأخبار أخر أيضا، كأخبار إتيان جبرئيل بالأوقات. ففي بعضها: أنه أتى بالوقت الثاني حين أسفر الصبح «1»، بل لصحيحة أبي بصير، المذكورة، فإنّ إسفار الفجر هو بياضه.

و حسنة ابن عطية: «الصبح هو الذي إذا رأيته معترضا كأنه بياض سورى» «2».

و صحيحة زرارة: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي ركعتي الصبح، و هي الفجر إذا اعترض الفجر و أضاء حسنا» «3».

و مرسلة الفقيه: «وقت الفجر إذا اعترض الفجر فأضاء حسنا» «4».

و المروي في الهداية: عن وقت الصبح، فقال: «حين يعترض الفجر و يضي ء حسنا» «5».

و في الفردوس «6»: «صلّ صلاة الغداة إذا طلع الفجر و أضاء حسنا».

إلّا أن يريدوا من الإسفار انتشار الضوء في أطراف السماء- كما قيل-

______________________________

(1) الوسائل 4: 158 أبواب المواقيت ب 10 ح 8.

(2) الكافي 3: 283 الصلاة ب 7 ح 3، الفقيه 1: 317- 1440، التهذيب 2: 37- 118، الاستبصار 1: 275- 997، الوسائل 4: 210 أبواب المواقيت ب 27 ح 2.

و سورى على وزن بشرى: موضع بالعراق من أرض بابل و هي مدينة السريانيين .. (معجم البلدان 3: 278) و قال في الحبل المتين ص 144: و

المراد ببياضها نهرها، كما في رواية هشام بن الهذيل عن الكاظم عليه السلام: و قد سأله عن وقت صلاة الصبح فقال: «حين يعترض الفجر كأنه نهر سورى».

(3) التهذيب 2: 36- 111، الاستبصار 1: 273- 990، الوسائل 4: 211 أبواب المواقيت ب 27 ح 5.

(4) الفقيه 1: 317- 1441، الوسائل 4: 210 أبواب المواقيت ب 27 ح 3.

(5) الهداية: 30.

(6) كذا في النسخ، و الظاهر أن الصواب: العروس للشيخ أبي محمّد جعفر بن أحمد بن علي القمي.

و قد نقل عنه في البحار 80: 74- 6، انظر: الذريعة 15: 253.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 53

و خصّ الضياء و الأسفار (في الأخبار) «1» بما دون ذلك.

فرع

: هل الأفضل في صلاة الفجر أن يؤخّر حتى يتنوّر الصبح و يضي ء أطراف الأفق حسنا، أو يصلّي بدء طلوع الفجر؟ المستفاد من أكثر الروايات المتقدّمة: الأول، و لكن قد تضمّنت جملة من أخبار أخر: الثاني، و استحباب التغليس «2» بها، كالمروي في مجالس الشيخ: إن أبا عبد اللّه عليه السلام كان يصلّي الغداة بغلس عند طلوع الفجر الصادق أول ما يبدو و قبل أن يستعرض، و كان يقول وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً إن ملائكة الليل تصعد و ملائكة النهار تنزل عند طلوع الفجر، فأنا أحبّ أن تشهد ملائكة الليل و ملائكة النهار صلاتي» «3».

و رواية إسحاق: أخبرني عن أفضل الوقت في صلاة الفجر، فقال: «مع طلوع الفجر» إلى أن قال: «فإذا صلّى العبد صلاة الصبح مع طلوع الفجر أثبتت له مرتين، أثبتها ملائكة الليل و ملائكة النهار» «4».

و مرسلة الفقيه: عن صلاة الفجر، لم يجهر فيها بالقراءة و هي من صلاة النهار، و إنما الجهر في

صلاة الليل؟ فقال: «لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يغلس بها يقرّبها من الليل» «5».

و في الذكرى: إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يصلّي الصبح فتنصرف النساء و هن متلفعات بمروطهن لا يعرفن من الغلس» «6».

______________________________

(1) لا توجد في «س».

(2) يقال: غلس بالصلاة يريد صلّاها بالغلس، و الغلس بالتحريك: الظلمة آخر الليل. مجمع البحرين 4: 90.

(3) أمال الطوسي: 704، الوسائل 4: 213 أبواب المواقيت ب 28 ح 3.

(4) الكافي 3: 282 الصلاة ب 7 ح 2، التهذيب 2: 37- 116، الاستبصار 1: 275- 995، علل الشرائع: 336- 1، ثواب الأعمال: 36، الوسائل 4: 212 أبواب المواقيت ب 28 ح 1.

(5) الفقيه 1: 203- 926، الوسائل 6: 84 أبواب القراءة ب 25 ح 3.

(6) الذكرى: 121 و المروط جمع مرط: كساء من صوف أو خزّ كان يؤتزر به مجمع البحرين 4: 273.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 54

فقد يقال بترجيح الأول، لكون أخباره مقيدة بالنسبة إلى أخبار الثاني. و قد يرجّح الثاني، لصراحة أكثر أخباره في الأفضلية، و كونه معلّلا.

أقول: إطلاق أخبار الثاني بإطلاقه ممنوع، لمنع الإطلاق في الأولين، مع أنّ إرادة وضوح الصبح و تيقّنه- الذي لا خلاف في اشتراطه من أخبار الأول- ممكنة. و لو فرض التعارض تبقى عمومات أفضلية أول الوقت عن المعارض خالية، فالراجح هو الثاني.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 55

البحث الثاني: في بيان مواقيت النوافل اليومية
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لا خلاف في دخول وقت النافلة للظهر بالزوال،
اشارة

و للعصر بالفراغ من الظهر، و اختلفوا في آخرهما.

و الحقّ أنه يمتد إلى وقت الفريضة، وفاقا لجماعة ممّن تأخّر «1»، منهم والدي- رحمه اللّه- في المعتمد. و هو المحكي عن الحلبي «2»، بل ظاهر المبسوط و الإصباح و الدروس و البيان «3»، بل محتمل كلّ من قال ببقاء وقتهما إلى المثل و المثلين من القائلين بأنهما وقتان للمختار.

للأصل، و العمومات المصرّحة بجواز فعلهما في أيّ وقت أريد «4».

و خصوص رواية سماعة، و فيها: «و إن كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة» إلى أن قال: «و ليس بمحظور عليه أن يصلّي النوافل من أول الوقت إلى قريب من آخر الوقت» «5».

و مرسلة ابن الحكم: «صلاة النهار ست عشرة ركعة، صلّها أيّ النهار شئت، إن شئت في أوله، و إن شئت في وسطه، و إن شئت في آخره» «6».

______________________________

(1) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 16.

(2) الكافي في الفقه: 158.

(3) المبسوط 1: 76، الدروس 1: 140، البيان: 109.

(4) انظر: الوسائل 4: 231 أبواب المواقيت ب 37.

(5) الكافي 3: 288 الصلاة ب 11 ح 3، الفقيه 1: 257- 1165، التهذيب 2: 264- 1051، الوسائل 4: 226 أبواب المواقيت ب 35 ح 1.

(6) التهذيب 2: 8- 15، الاستبصار 1: 278- 1008، الوسائل 4: 51 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 56

خلافا لنهاية الإحكام «1»، و المصباح و الوسيلة و الشرائع و النافع «2»، و الفاضل في طائفة من كتبه «3»، بل قيل هو الأشهر «4»، فقالوا بالامتداد للظهر إلى أن يصير الفي ء على قدمين، و للعصر أربعة.

لصحيحة زرارة: «حائط مسجد رسول اللّه صلّى

اللّه عليه و آله كان قامة، و كان إذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر، و إذا مضى من فيئه ذراعان صلّى العصر» ثمَّ قال: «أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان؟» قلت: لم جعل ذلك؟

قال: «لمكان النافلة، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع، فإذا بلغ فيئك ذراعا بدأت بالفريضة و تركت النافلة» «5».

و تضمّن صدرها القدمين و الأربعة، و أنهما مع الذراع و الذراعين بمعنى، كما صرّح به الأصحاب و جملة من الأخبار.

و قريبة منها موثّقتاه «6».

و موثّقة عمّار: «للرجل أن يصلّي الزوال ما بين زوال الشمس إلى أن يمضي قدمان، و إن كان بقي من الزوال ركعة واحدة أو قبل أن يمضي قدمان أتم الصلاة

______________________________

(1) كذا في النسخ، و الظاهر أن الصحيح هو النهاية للشيخ (ص 60) لأن العلامة قد تردد في نهاية الاحكام في نافلة الظهر بين القدمين و المثل، و في نافلة العصر بين أربعة أقدام و المثلين. نهاية الأحكام 1: 311.

(2) مصباح المتهجد: 24، الوسيلة 83، الشرائع 1: 62، المختصر النافع: 22.

(3) كالقواعد 1: 24 و المنتهى 1: 207.

(4) كما في الرياض 1: 103.

(5) الفقيه 1: 140- 653، التهذيب 2: 19- 55، الاستبصار 1: 250- 899، الوسائل 4:

141 أبواب المواقيت ب 8 ح 3 و 4.

(6) الأولى: الكافي 3: 288 الصلاة ب 11 ح 1، التهذيب 2: 245- 974، الاستبصار 1:

249- 893، علل الشرائع: 349- 2، الوسائل 4: 146 أبواب المواقيت ب 8 ح 20، الأخرى:

التهذيب 2: 250- 992، الاستبصار 1: 255- 915، الوسائل 4: 147 أبواب المواقيت ب 8 ح 27.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 57

حتى يصلّي تمام الركعات، و إن مضى قدمان

قبل أن يصلّي ركعة بدأ بالأولى و لم يصلّ الزوال إلّا بعد ذلك، و للرجل أن يصلّي من نوافل العصر ما بين الاولى إلى أن يمضي أربعة أقدام، فإن مضت الأربعة أقدام و لم يصلّ من النوافل شيئا فلا يصلّي النوافل» «1» الحديث «2».

و الأخبار الموقّتة للظهرين بالذراع و الذراعين، مع المصرّحة بأنّه إنّما جعل كذلك لئلّا يكون تطوّع في وقت الفريضة «3».

و يجاب عنها مع معارضتها بصحيحة محمد بن أحمد، المتقدّمة في وقت الظهرين «4»، و موثّقة أبي بصير، و فيها: «فإذا ذهبت ثلثا القامة بدأت بالفريضة» «5»: بعدم دلالة شي ء منها على الزائد على الرجحان، لمكان الجملة الخبرية.

______________________________

(1) التهذيب 2: 273- 1086، الوسائل 4: 245 أبواب المواقيت ب 40 ح 1.

(2) اعلم أن الموثقة صريحة في نافلة العصر، و أما الظهر فيتم الحكم فيها بعدم القائل بالفرق، و أما قوله: «فإن مضى قدمان ..» و إن كان ظاهرا في حكمها و لكنه يحصل فيه الإجمال بملاحظة الشرطية الاولى، و هي قوله: «و إن كان بقي ..»، و من قال بصراحة الموثقة في الحكمين فقد اقتصر على الشرطية الثانية. و قد يفسر الأولى بأنه إن بقي من وقت الزوال، أي وقت نافلة الزوال قدر ركعة، أو من الوقت المبتدأ من الزوال إلى القدمين قدر ركعة. و على التقديرين قوله: «أو قبل أن يمضي قدمان» يعبّر عنه بعبارة أخرى للتوضيح، أو للترديد من الراوي. و قيل: يمكن أن يكون هناك سهو من النساخ، و تكون العبارة: قد صلّى، مكان: قد بقي، و يكون أو سهوا. و كل هذه الاحتمالات خلاف الظاهر.

نعم يمكن أن يقال: إن مفهوم الشرطية الأولى أنه إن لم يبق ركعة واحدة ..

و ظاهر معناه أنه لم يبق فيها شي ء، فلا ينافي الثانية، بل يمكن أن يقال: إن منطوق الأولى يعاضدها أيضا، لأن بقاء ركعة واحدة أعم من أن يبقى منها غيرها أيضا أم لا. منه رحمه اللّه تعالى.

(3) انظر الوسائل 4: 140 أبواب المواقيت ب 8.

(4) راجع ص 12.

(5) التهذيب 2: 248- 985، الاستبصار 1: 253- 908، الوسائل 4: 146 أبواب المواقيت ب 8 ح 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 58

و أمّا مفهوم الغاية في قوله: «لك أن تتنفّل» و نحوه و إن كان ظاهره نفي الجواز في هذا العرف، إلّا أنّه ليس مقتضى معناه اللغوي، و الأصل تأخّر العرف الطارئ.

مضافا إلى أنّ بعد ما عرفت من دخول وقت الظهرين بالزوال تعلم أنه لم يرد الحقيقة من الأخبار الموقّتة لهما، و لا يتعيّن المجاز المثبت للمطلوب، هذا.

ثمَّ إنه على فرض دلالة جميعها فتعارض الروايتين بالتباين، و الحمل على الأفضل طريق الجمع.

و الشاهد له رواية الغساني «1»: صلاة النهار صلاة النوافل كم هي؟ قال:

«ست عشرة، أيّ ساعات النهار شئت أن تصلّيها صلّيتها، إلّا أنك إذا صلّيتها في مواقيتها أفضل» «2».

مع أنه لو لا ذلك أيضا لكان الترجيح للروايتين، لموافقتهما الأصل و العمومات.

و القول بشذوذهما باطل، سيما مع ما ذكرنا من الاحتمال «3».

و لجماعة، فقالوا بالامتداد إلى المثل لنافلة الظهر، و المثلين للعصر، إمّا مطلقا، كالمحكي عن الحلّي و المعتبر و المنتهى و التحرير و التذكرة و النهاية «4»، أو غير مقدار الفرضين، كما عن الجمل و العقود و المهذّب و الجامع «5».

للصحيحة المذكورة و ما يقرب منها، بناء على أنّ الحائط كان ذراعا، لتفسير

______________________________

(1) هذا موافق للاستبصار و مورد من التهذيب، و أما في مورد

آخر منه و كذا في الوسائل: الغفاري.

(2) التهذيب 2: 9- 17 و كذا: 267- 1063، الاستبصار 1: 277- 1007، الوسائل 4: 51 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 18.

(3) أي احتمال كون ذلك مذهب القائلين بالمثل و المثلين. منه رحمه اللّه تعالى.

(4) الحلّي في السرائر 1: 199، المعتبر 2: 48، المنتهى 1: 207، تحرير الأحكام 1: 27، التذكرة 1: 76، نهاية الإحكام 1: 311، و قد ذكرنا أنه تردد فيها بين المثل و القدمين.

(5) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 174، المهذب 1: 70، الجامع للشرائع: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 59

القامة به في النصوص.

و موثّقة زرارة: «إذا كان ظلّك مثلك فصلّ الظهر، و إذا كان ظلّك مثليك فصلّ العصر» «1» بناء على أنّ التأخير لأجل النافلة.

و للأخبار المصرّحة بالنافلة من غير تعيين مقدار لها.

و يردّ الأول: بعدم تفسير النصوص القامة في الصحيحة بذلك، فلا يحمل فيها عليه، لكونه معنى مجازيا، بل لا يصح، لقوله: «فإذا بلغ فيئك ذراعا و ذراعين» مع أنّ في الرضوي: «إنّما سمّي ظلّ القامة قامة لأنّ حائط مسجد رسول اللّه كان قامة إنسان» «2».

و الثاني: بمنع كون التأخير لما ذكر، مع المعارضة بأخبار كثيرة آمرة بأداء الفرضين قبل المثل و المثلين.

و الثالث: بعدم الدلالة، و لعلّ المستدل بذلك نظره إلى الاحتمال الذي ذكرناه.

فروع:

أ: من يقول بأحد التحديدين من القدم أو المثل يقول بكون النافلة بعده قضاء.

و هل يجوز القضاء مقدّما على الفريضة، أو لا؟ صرّح والدي- رحمه اللّه- في التحفة بالثاني، و في الحدائق: الظاهر أنه لا خلاف فيه «3».

و هو مقتضى أدلّتهم.

ب: قد عرفت أنّ المختار أنّ الأفضل فعل النافلة قبل القدمين أو الأربعة، و

كذا الأفضل تأخيرها بعدهما عن الفريضة، للأخبار المذكورة.

______________________________

(1) التهذيب 2: 22- 62، الاستبصار 1: 248- 891، الوسائل 4: 144 أبواب المواقيت ب 8 ح 13.

(2) فقه الرضا «عليه السلام»: 76.

(3) الحدائق 6: 215.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 60

و هل يكون مع التأخير أداء أو قضاء؟ الظاهر الثاني، إذ مقتضى النصوص المصرّحة بمثل قوله: «منها ثمان ركعات قبل الظهر، و أنها بين يديها» «1» أنّ وقتها المقدّر أولا هو ما قبل الفريضة.

ج: إذا تلبّس بإحدى النافلتين و لو بركعة، ثمَّ خرج الوقت المقدّر لها أو لفضلها- على الخلاف- أتمّها مقدمة على الفريضة، من غير خلاف بينهم مطلقا، كما في كلام بعضهم «2»، أو بين المتأخّرين، كما في كلام آخر «3»، لموثّقة عمّار، المتقدّمة «4».

و أمّا رواية إسماعيل بن عيسى: عن الرجل يصلّي الاولى ثمَّ يتنفل فيدركه وقت العصر من قبل أن يفرغ من نافلته فيبطئ بالعصر، يقضي نافلته بعد العصر أو يؤخّرها حتى يصلّيها في وقت آخر؟ قال: «يصلّي العصر و يقضي نافلته في يوم آخر» «5» فمع ما في معناها إجمالا «6»، و عدم دلالتها على وجوب ذلك، أعم من التلبّس بأقلّ من ركعة، فتخصّ به.

ثمَّ صريح الأكثر، و منهم السرائر و المعتبر: اشتراط التخفيف في المزاحمة «7».

و المراد الاقتصار على أقلّ ما يجزي فيها من قراءة الحمد وحدها، و تسبيحة

______________________________

(1) انظر: الوسائل 4: 131 أبواب المواقيت ب 5.

(2) الحدائق 6: 215.

(3) الرياض 1: 109.

(4) في ص 56.

(5) التهذيب 2: 275- 1092، الاستبصار 1: 291- 1069، الوسائل 4: 244 أبواب المواقيت ب 39 ح 18.

(6) حاشية منه رحمه اللّه تعالى: إن الظاهر أن معناها إما أنه فهل يبطئ فريضة العصر حتى يقضي نافلته

بعد دخول وقت العصر قبل أداء الفريضة أو يؤخر النافلة؟ أو أنه فإن أتم نافلته يبطئ بفريضة العصر، أ يقضي نافلته بعد الفريضة أو يؤخرها؟ و الجواب بقضاء النافلة في يوم آخر لكراهة التطوع بعد العصر. و يمكن تفسيرها بمعنى آخر أيضا.

(7) السرائر 1: 202، و لم نعثر عليه في المعتبر و لكنه مذكور في الشرائع 1: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 61

في محلها، بل عن بعض المتأخّرين «1» أنه لو تأدّى التخفيف بالجلوس آثره.

و هو كذلك، لإطلاق النص، و هو رواية أبي بصير، قال: ذكر أبو عبد اللّه عليه السلام أول الوقت و فضله، فقلت: كيف أصنع بالثمان ركعات؟ قال:

«خفّف ما استطعت» «2».

فإنه إن جعلنا المراد بالوقت فيها هو المخصوص بالفريضة حتما أو فضلا، بجعل اللام للعهد، فالدلالة واضحة.

و إن عمّمناه بحيث يشمل الوقت المشترك فنقول: خرج قبل القدمين و الأربع عن وجوب التخفيف بالإجماع و الأخبار القائلة بأنّه إن شئت قصّرت و إن شئت طوّلت، فيبقى الباقي، فالقول بانتفاء النص على التخفيف «3» فاسد.

و الاستناد إلى الموثّقة- و إن كانت مذيّلة باشتراط المزاحمة، بأن يمضي بعد القدمين نصف قدم في الظهر، و بعد الأربعة قدم في العصر- غير صحيح. و إلى المسارعة إلى فعل الواجب لإثبات حرمة النافلة بدون التخفيف- كما هو ظاهرهم- غير ناهض و إن قلنا بالمنع من تأخير الفريضة عن وقت الفضيلة اختيارا.

و لا يختلف حكم التلبّس بركعة في صلاة الظهر بالنسبة إلى يوم الجمعة و غيره، لعموم النص.

نعم، الظاهر اختصاصه بغير صلاة الجمعة بحكم التبادر و تكثّر الأخبار بضيقها.

و هل حكم غير المتلبّس مع بقاء قدر ركعة حكم المتلبّس؟ الظاهر لا، و كذا المتلبس بأقلّ من الركعة.

و ما في ذيل الموثّقة من قوله: «من نوافل الأولى شيئا» يحمل على الركعة، حملا للمطلق على المقيد.

د: في جواز تقديم نافلة الظهرين على الزوال مطلقا، و عدمه كذلك،

______________________________

(1) لم نعثر على شخصه.

(2) التهذيب 2: 257- 1019، الوسائل 4: 121 أبواب المواقيت ب 3 ح 9.

(3) كما في الرياض 1: 109.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 62

و الأول مع خوف فواتها في وقتها و عدم التمكن من قضائها و الثاني مع عدمه، أقوال.

الأول ممّا استوجهه طائفة من متأخّري المتأخّرين «1»، للمستفيضة المصرّحة بأنّ النافلة أو التطوّع بمنزلة الهدية متى أتي بها قبلت «2»، و روايتي ابن الحكم و الغساني، المتقدّمتين «3».

و صحيحة زرارة: «ما صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الضحى قط» قال: فقلت: ألم تخبرني أنه كان يصلّي في صدر النهار أربع ركعات؟ قال: «بلى، إنه كان يصلّي يجعلها من الثمان التي بعد الظهر» «4».

و الحمل على النافلة المبتدأة و الاعتداد بها مكان الزوال خلاف الظاهر، و ما يأتي من صحيح ابن جابر من الشهادة له- كما قيل- قاصر، مع أنه لو تمَّ لتمّ في صورة خوف الفوات، و أمّا مطلقا فلا، لأنّ قصد الاعتداد مطلقا ينافي نية الابتداء.

و الثاني للمعظم، للمستفيضة المصرّحة بأنّ الثمان ركعات إذا زالت الشمس «5»، الظاهرة بل الصريحة في أنه أول وقتها، المعتضدة بروايات أخر ناطقة بأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و الولي كانا لا يصلّيان من النهار شيئا قبل الزوال «6».

و الثالث للشيخ في كتاب حديثه «7»، و للشهيد «8»، و الحدائق «9»، و والدي في

______________________________

(1) كالفيض في المفاتيح 1: 92، و السبزواري في الذخيرة: 199.

(2) انظر: الوسائل 4: 231 أبواب المواقيت ب

37.

(3) في ص 55 و 58.

(4) الفقيه 1: 358- 1567، الوسائل 4: 100 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 31 ح 1.

(5) انظر: الوسائل 4: 45 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13.

(6) انظر: الوسائل 4: 229 أبواب المواقيت ب 36.

(7) الاستبصار 1: 278.

(8) الذكرى: 123.

(9) الحدائق 6: 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 63

المعتمد، لرواية محمد: عن الرجل يشتغل عن الزوال، أ يعجّل من أول النهار؟

فقال: «نعم إذا علم أنه يشتغل فيعجّلها في صدر النهار» «1».

و صحيحة ابن جابر: إني أشتغل، قال: «فاصنع كما نصنع، صلّ ست ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها من صلاة العصر- يعني ارتفاع الضحى الأكبر- و اعتدّ بها من الزوال» «2».

أقول: لا شك أنّ أدلّة الثالث خاصة بالنسبة إلى أدلّة الثاني، فيجب تخصيصها بها، و معه تصير أدلّة الثاني أخصّ من أدلّة الأول، فتخصّص بها. بل يمكن تخصيصها بمفهوم أدلّة الثالث أيضا. فالحقّ هو القول الثالث، و لكن في اشتراط خوف فوات القضاء أيضا نظر، و العدم أظهر.

و الظاهر من الأخبار جواز التوزيع بأن يقدّم بعضها و يؤخّر البعض.

الثانية: أول وقت نافلة المغرب بعد صلاة المغرب،

و آخرها آخر وقت الفريضة على الأظهر، وفاقا للحلبي و الشهيد و المدارك «3»، بل أكثر الثالثة «4»، و منهم والدي- رحمه اللّه- في المعتمد.

للأصل، و إطلاق النصوص الدالّة على استحبابها بعدها، ففي بعضها:

«أربع ركعات بعد المغرب، لا تدعهن في حضر و لا سفر» «5».

______________________________

(1) الكافي 3: 450 الصلاة ب 90 ح 1، التهذيب 2: 268- 1067، الاستبصار 1:

278- 1011، الوسائل 4: 231 أبواب المواقيت ب 37 ح 1.

(2) التهذيب 2: 267- 1062، الاستبصار 1: 277- 1006، الوسائل 4: 232 أبواب المواقيت ب 37 ح 4.

(3) الحلبي في

الكافي في الفقه: 158، الشهيد في الدروس 1: 141، المدارك 3: 74.

(4) كالفيض في المفاتيح 1: 92، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 161، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 199.

(5) الكافي 3: 439 الصلاة ب 87 ح 2، التهذيب 2: 14- 35، الوسائل 4: 86 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 24 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 64

و في آخر: «لا تدع أربع ركعات بعد المغرب في سفر و لا حضر» «1».

و في ثالث: «و يصلّي بعد المغرب ركعتين» «2» و هكذا.

و كون ورودها لبيان أصل الاستحباب خاصة من غير نظر إلى الوقت، فلا يفيد إطلاقها فيه، ممنوع، كيف؟! و صرّحت فيها باستحباب بعد المغرب.

و احتمال كون قوله: «بعد المغرب» صفة لأربع غير ضائر، لأنّ الوصفية نفسها أيضا مفيدة لحكم الوقت، مع أنّ هذا الاحتمال غير قائم في الثالث.

و تدلّ أيضا رواية سماعة، المتقدّمة في المسألة السابقة «3»، و صحيحة ابن تغلب: صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام المغرب المزدلفة- إلى أن قال- فلمّا صلّى المغرب قام فتنفّل بأربع ركعات «4».

و لا يعارضها نحو الصحيحة: عن صلاة المغرب و العشاء بجمع، فقال:

«بأذان و إقامتين، لا تصلّ بينهما شيئا» «5» لعمومها المطلق بالنسبة إلى الصحيحة السابقة من وجهين «6»، مع أنّ النهي فيها غير باق على حقيقته.

و بما ذكر تقيّد إطلاقات النهي عن التطوّع وقت الفريضة، مع أنها معارضة بمعتبرة أخرى دالّة على الجواز «7». و لذا حمل جماعة الأولى على وقت تضيّق الفريضة.

مضافا إلى ما في بعض الأخبار من أنّ المراد منها ليس ظاهرها، كما في صحيحة عمر بن يزيد: عن الرواية التي يروون أنه لا ينبغي أن يتطوّع في

وقت

______________________________

(1) التهذيب 2: 15- 39، الوسائل 4: 89 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 24 ح 9.

(2) التهذيب 2: 7- 13، الوسائل 4: 59 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 14 ح 1.

(3) راجع ص 55.

(4) الكافي 3: 267 الصلاة ب 2 ح 2، الوسائل 4: 224 أبواب المواقيت ب 33 ح 1.

(5) التهذيب 3: 234- 615، الوسائل 4: 225 أبواب المواقيت ب 34 ح 1.

(6) أحدهما باعتبار النافلة، و الثاني باعتبار ذهاب الحمرة و عدمه. منه رحمه اللّه تعالى.

(7) انظر: الوسائل 4: 226 أبواب المواقيت ب 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 65

فريضة، ما حدّ هذا الوقت؟ قال: «إذا أخذ المقيم في الإقامة» فقال له: الناس يختلفون في الإقامة، فقال: «المقيم الذي يصلّى معه» «1».

و يؤيّد ذلك بل يبيّنه رواية محمد، عن أبي جعفر عليه السلام: قال: «قال لي رجل من أهل المدينة: يا أبا جعفر ما لي لا أراك تتطوّع بين الأذان و الإقامة كما يصنع الناس؟» قال: «فقلت: إنّا إذا أردنا أن نتطوّع كان تطوّعنا في غير وقت الفريضة، فإذا دخلت الفريضة فلا تطوّع» «2».

خلافا للمشهور، فقالوا: وقتها بعد صلاة المغرب إلى ذهاب الحمرة المغربية، بل ظاهر المعتبر و المنتهى و شرح القواعد و المدارك: عدم الخلاف فيه «3»، بل ظاهر الأولين الإجماع عليه.

لما مرّ بجوابها من إطلاقات المنع عن التطوّع وقت الفريضة، خرج منها الرواتب لما عدا المغرب في أوقاتها المعيّنة، و للمغرب إلى ذهاب الحمرة بالاتّفاق، فيبقى ما عداها.

و لعموم التعليل الوارد لتحديد نوافل الظهرين، و هو أن لا يزاحم الفريضة، و لا حدّ هنا لها إلّا ذهاب الحمرة.

و يظهر جوابها ممّا ذكر هنا و في المسألة السابقة «4».

و

لنقل الإجماع، و هو بمعزل عن الحجية، مع أن في الحدائق و المعتمد:

المناقشة في دلالته على هذا الحكم «5».

______________________________

(1) الفقيه 1: 252- 1136، التهذيب 3: 283- 841، الوسائل 4: 228 أبواب المواقيت ب 35 ح 9.

(2) التهذيب 2: 167- 661 و بسند آخر في ص 247- 982، و الاستبصار 1: 252- 906، الوسائل 4: 227 أبواب المواقيت ب 35 ح 3.

(3) المعتبر 2: 53، المنتهى 1: 207، جامع المقاصد 2: 20، المدارك 3: 73.

(4) راجع ص 57 و 58.

(5) الحدائق 6: 223.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 66

الثالثة: يمتد وقت ركعتي الوتيرة بامتداد وقت العشاء،

بلا خلاف أجده، بل عليه الاتّفاق في المعتبر و المنتهى «1». و يدلّ عليه الأصل، و عمومات استحبابها بعد العشاء من غير معارض «2».

و يستحب جعلها خاتمة النوافل التي يريد أن يصلّيها في تلك الليلة، كما عن الشيخين «3»، لفتوى هذين الجليلين، و إلّا فلا أعرف عليه دليلا آخر.

و أمّا حسنة زرارة: «و ليكن آخر صلاتك وتر ليلتك» «4» فلا تدلّ عليه، و إطلاق الوتر عليهما في بعض الأخبار لا يعيّن إرادته هنا، بل غايته الاحتمال الغير المفيد في الاستدلال.

ثمَّ الظاهر أنّ مرادهما جعلها خاتمة النوافل التي غير صلاة الليل و ما بعدها، لعدم تجاوز وقت العشاء عن النصف، و كونه أول وقت صلاة الليل عندهما، فلا يمكن إثبات استحباب الختام المذكور بالنسبة إلى صلاة الليل على القول بتجاوز وقت العشاء عن النصف، أو جواز تقديم صلاة الليل عليه بفتواهما.

الرابعة: أول وقت صلاة الليل لغير خائف الفوت نصف الليل،
اشارة

و له بعد صلاة العشاء مطلقا. وفاقا للأكثر. بل على الأول (في غير المسافر) «5» الإجماع محققا، و محكيا عن السيد و الخلاف و السرائر و المعتبر و المنتهى «6»، و في أمالي الصدوق: أنه من دين الإمامية «7»، و هو الحجة فيه.

______________________________

(1) المعتبر 2: 54، المنتهى 1: 208.

(2) انظر: الوسائل 4: 94 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 29.

(3) المفيد في المقنعة: 166، الطوسي في النهاية: 60.

(4) الكافي 3: 453 الصلاة ب 90 ح 12، التهذيب 2: 274- 1087، الوسائل 8: 166 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 42 ح 5.

(5) ليس في «ق» و «ه».

(6) السيد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 194، الخلاف 1: 532، السرائر 1: 196 و 202 المعتبر 2: 54، المنتهى 1: 208.

(7) أمالي الصدوق: 514.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص:

67

مضافا إلى مرسلة الفقيه: «وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره» «1».

و مفهوم موثّقة أبي بصير: «إذا خشيت أن لا تقوم آخر الليل، أو كانت بك علّة، أو أصابك برد، فصلّ صلاتك و أوتر في أول الليل» «2».

و مثلها صحيحة الحلبي، إلّا أنّ فيها: «و كانت بك علّة» و زاد في آخره:

«في السفر» «3».

المؤيّدتين بغير واحد من الأخبار، المصرّحة بأنّ النبي و الولي صلوات اللّه عليهما ما كانا يصلّيان من الليل إذا صلّيا العتمة شيئا حتى ينتصف الليل» «4».

و بخبر مرازم: متى أصلي صلاة الليل؟ فقال: «صلّها آخر الليل» «5».

و مفهوم رواية الحسين بن علي: كتبت إليه في وقت صلاة الليل، فكتب «عند الزوال- و هو نصفه- أفضل، فإن فات فأوله و آخره جائز» «6».

و جعل الأخيرين دليلين غير جيّد، لعدم كون الأمر في الأول للوجوب، و كون الظاهر من الفوات في الثاني هو القضاء، فالمراد- و اللّه سبحانه أعلم- أنّ الأفضل في الأداء نصف الليل، و أمّا القضاء فالكل جائز.

و منطوق الموثّق و الصحيح هو حجة الثاني، مضافا إلى مناطيق مستفيضة أخرى معتبرة، مؤيّدة بالإجماع المحكي عن الخلاف «7»، مرخّصة للتقديم في السفر

______________________________

(1) الفقيه 1: 302- 1379، الوسائل 4: 248 أبواب المواقيت ب 43 ح 2.

(2) التهذيب 2: 168- 667، الوسائل 4: 252 أبواب المواقيت ب 44 ح 12.

(3) الفقيه 1: 289- 1315، التهذيب 3: 227- 578، الوسائل 4: 250 أبواب المواقيت ب 44 ح 2.

(4) انظر: الوسائل 4: 248 أبواب المواقيت ب 43.

(5) التهذيب 2: 335- 1382، الوسائل 4: 256 أبواب المواقيت ب 45 ح 6.

(6) التهذيب 2: 337- 1392، الوسائل 4: 253 أبواب المواقيت ب 44 ح 13.

(7) الخلاف 1:

537.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 68

مطلقا، كرواية أبي جرير «1»، و موثّقة سماعة «2»، و رواية ابن سعيد على ما في الفقيه «3».

أو فيه مع تخوّف الجنابة، أو البرد، أو العلّة، أو عدم استطاعة الصلاة في آخر الليل، كرواية الحلبي «4»، و رواية ابن سعيد على ما في التهذيب «5».

أو فيه و في البرد، كصحيحة ليث المرادي «6»، و رواية يعقوب بن سالم «7».

أو فيه، و في المرض، بل كل شغل و ضعف، كالمروي في العلل: «قال:

فإن قال: فلم جاز للمسافر و المريض أن يصلّيا صلاة الليل في أول الليل؟ قيل:

لاشتغاله و ضعفه» «8» الحديث.

أو في خوف عدم الاستيقاظ لقصر الليل، كصحيحتي ليث و يعقوب الأحمر «9».

و يظهر لك من تلك الأخبار عدم الاقتصار في تجويز التقديم على خوف الفوت فقط، بل يجوز مع العلّة و المرض و البرد و تخوّف الجنابة، و الاشتغال أيضا،

______________________________

(1) الفقيه 1: 302- 1384، الوسائل 4: 251 أبواب المواقيت ب 44 ح 6.

(2) الفقيه 1: 289- 1317، الوسائل 4: 251 أبواب المواقيت ب 44 ح 5.

(3) الفقيه 1: 289- 1316، الوسائل 4: 250 أبواب المواقيت ب 44 ح 4.

(4) الكافي 3: 441 الصلاة ب 87 ح 10، التهذيب 2: 168- 664، الاستبصار 1:

280- 1017، الوسائل 4: 251 أبواب المواقيت ب 44 ح 8.

(5) التهذيب 2: 169- 670، الوسائل 4: 251 أبواب المواقيت ب 44 ذ ح 5.

(6) الفقيه 1: 302- 1382، الوسائل 4: 249 أبواب المواقيت ب 44 ح 1.

(7) التهذيب 2: 168- 665، الوسائل 4: 252 أبواب المواقيت ب 44 ح 10.

(8) علل الشرائع: 267، الوسائل 4: 250 أبواب المواقيت ب 44 ح 3.

(9) صحيحة ليث: التهذيب

2: 168- 668، الوسائل 4: 253 أبواب المواقيت ب 44 ح 16، صحيحة يعقوب الأحمر: التهذيب 2: 168- 669، الوسائل 4: 254 أبواب المواقيت ب 44 ح 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 69

فعليه الفتوى و إن اقتصر جمع على الأول خاصة «1».

خلافا في الأول للمعتمد لوالدي طاب ثراه، فجوز التقديم في أول الليل مطلقا، و نفى عنه البعد في الذكرى و الدروس «2».

لرواية سماعة: «لا بأس بصلاة الليل من أول الليل إلى آخره إلّا أنّ أفضل ذلك إذا انتصف الليل» «3».

و صحيحة ابن عيسى: يا سيدي، مرويّ عن جدك أنه قال: «لا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل في أول الليل» فكتب «في أيّ وقت صلّى فهو جائز» «4».

و يجاب عنهما: بأنهما أعم مطلق من المفهوم المتقدّم، بل من المرسلة أيضا، لما عرفت من اختصاصها بغير خائف الفوات، فيجب تخصيصهما بهما، مع أنّ شذوذ عمومهما يمنع عن العمل به لو لا التخصيص أيضا.

و لمن جوّز التقديم للمسافر مطلقا، كبعضهم «5»، لما أشير إليه من المرخّصات له في السفر كذلك.

و يجاب: بوجوب تخصيصها بمفهوم صحيحة الحلبي.

و في الثاني للمحكي عن زرارة «6»، و الحلّي «7»، و الفاضل في طائفة من كتبه «8»، فمنعوا عن التقديم مطلقا.

______________________________

(1) لم نعثر على من اقتصر على خوف الفوت إلّا ما حكي عن المحقق الثاني في حاشيته على الإرشاد، كما في الجواهر 7: 206.

(2) الذكرى: 125، الدروس 1: 141.

(3) التهذيب 2: 337- 1394، الوسائل 4: 252 أبواب المواقيت ب 44 ح 9.

(4) التهذيب 2: 337- 1393، الوسائل 4: 253 أبواب المواقيت ب 44 ح 14.

(5) حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف: 74.

(6) انظر: الوسائل 4: 256 أبواب المواقيت

ب 45 ح 7 (رواية محمّد بن مسلم) و في ذيلها: «كان زرارة يقول: كيف تقضى صلاة لم يدخل وقتها، إنما وقتها بعد نصف الليل».

(7) السرائر 1: 203.

(8) كالمختلف: 74، و التذكرة 1: 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 70

لعدم جواز فعل الموقّت قبل وقته.

و لظاهر صحيحة ابن وهب: إنّ رجلا من مواليك من صلحائهم شكا إليّ ما يلقى من النوم، فقال: إني أريد القيام بالصلاة من الليل، فيغلبني النوم حتى أصبح، فربما قضيت صلاة الشهر المتتابع و الشهرين، أصبر على [ثقله ]؟ «1» قال:

«قرة عين له» و لم يرخّص له في الصلاة في أول الليل، و قال: «القضاء بالنهار أفضل» «2».

و يضعّف الأول: بمنع التوقيت بالنصف على إطلاقه. و الثاني: بعدم الدلالة، إذ عدم الترخيص أعم من المنع و السكوت، مع أنّ في قوله: «القضاء بالنهار أفضل» دلالة على جواز التقديم.

و لو سلّمت دلالتها فمع ما مرّ معارضة، و لمخالفتها للأصل و الشهرة العظيمة مرجوحة.

و للعماني «3»، و الصدوق «4»، فلم يجوّزا التقديم إلّا للمسافر، لكثرة أخباره.

و جوابه ظاهر.

و للمنتهى و التذكرة، فلم يجوّزاه إلّا مع خوف القضاء أيضا «5»، لما في آخر صحيحة ابن وهب: قلت: فإنّ من نسائنا أبكارا الجارية تحب الخير و أهله، و تحرص على الصلاة، فيغلبها النوم حتى ربما قضت، و ربما ضعفت عن قضائه، و هي تقوى عليه في أول الليل، فرخص لهنّ في الصلاة أول الليل إذا ضعفن

______________________________

(1) في النسخ الأربع: فعله، و ما أثبتناه موافق للمصادر.

(2) الكافي 3: 447 الصلاة ب 89 ح 20، الفقيه 1: 302- 1381، التهذيب 2: 119- 447، الاستبصار 1: 279- 1015، الوسائل 4: 255 أبواب المواقيت ب 45 ح 1 و

2.

(3) حكاه عنه في المختلف: 74.

(4) الفقيه 1: 302.

(5) المنتهى 1: 212، التذكرة 1: 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 71

و ضيّعن القضاء «1».

و جوابه: ما مرّ من أعمية عدم الترخيص المستفاد من مفهوم كلام الراوي عن المنع.

نعم، لو كانت الرخصة في كلام الإمام مشروطا، لأفاد مفهومه عدم الترخّص الظاهر في المنع عند انتفاء الشرط، بخلاف عدم الترخيص، فتأمّل.

فروع:

أ: لا يجوز التقديم- في صورة جوازه- على الغروب، لتصريح النص و الفتوى بأول الليل.

و يجب كونها بعد صلاة العشاء، لموثّقة سماعة: عن وقت صلاة الليل في السفر، فقال: «من حين يصلّي العتمة إلى أن ينفجر الصبح» «2».

و اختصاصها بالمسافر- لعدم الفصل- غير ضائر.

و ما روي في قرب الإسناد من المنع قبل ذهاب الثلث «3»، لا تعويل عليه، لضعفه و عدم حجيته.

ب: لا شك في دخول الوتر في الحكم المذكور، و في كثير من الأخبار تنصيص عليه.

و أمّا ركعتا الفجر فقد يقال بدخولهما أيضا، لكونهما من صلاة الليل، و تسمّيان الدساستين، لدسّهما فيها.

و فيه: أن دخولهما فيها في بعض الأحكام لا يقتضي التعميم، مع أنّ ما دلّ على أنهما من صلاة الليل يمكن أن يراد به ما يقابل صلاة النهار، كما تشهد له

______________________________

(1) الكافي 3: 447 الصلاة ب 89 ح 20، الفقيه 1: 302- 1381، التهذيب 2: 119- 447، الاستبصار 1: 279- 1015، الوسائل 4: 255 أبواب المواقيت ب 45 ح 1 و 2.

(2) الفقيه 1: 289- 1317، التهذيب 2: 227- 577، الوسائل 4: 251 أبواب المواقيت ب 44 ح 5.

(3) قرب الإسناد: 198- 759، الوسائل 4: 257 أبواب المواقيت ب 45 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 72

رواية ابن مهزيار: الركعتان اللتان

قبل صلاة الفجر من صلاة الليل هي أم من صلاة النهار؟ «1» الحديث.

ج: صرّح الأكثر بأنه كلّما قرب الفجر كان صلاة الليل أفضل. و هو كذلك.

لا لما ذكروه من الأخبار الدالّة على أنّ أفضل ساعات الوتر الفجر الأول، أو المرغّبة لصلاة الليل في آخر الليل أو في السحر، أو الواردة في فضل الثلث الأخير و استجابة الدعاء فيه «2»، لعدم دلالة شي ء منها:

لاختصاص الأول بالوتر، و عدم الفرق ممنوع، بل قد يستفاد الفرق من المدارك «3» و غيره «4»، و بالفجر الأول. كاختصاص الثاني بآخر الليل، و الثالث بالسحر، و الرابع بالثلث الأخير. و هو غير الكلية المطلوبة من تفاوت أجزاء النصف الباقي «5» و ترتّبها في الفضل، مع أنّ آخر الليل- كما قيل- للنصف الأخير محتمل.

و أيضا لا دلالة لفضل جزء من الليل و استجابة الدعاء فيه على أفضلية كونه ظرفا لصلاة الليل، مع معارضتها مع ما دلّ على فضيلة السدس الرابع و استجابة الدعاء فيه بعد الصلاة، كصحيحة عمر بن يزيد «6»، و رواية السابوري «7».

و لأجلها حكم والدي- رحمه اللّه- في المعتمد بأفضلية إيقاع الثمان فيه و الوتر في

______________________________

(1) الكافي 3: 450 الصلاة ب 89 ح 35. التهذيب 2: 132- 510، الاستبصار 1:

283- 1028، الوسائل 4: 265 أبواب المواقيت ب 50 ح 8.

(2) انظر الوسائل 4: 271 أبواب المواقيت ب 54.

(3) المدارك 3: 77.

(4) كالدروس 1: 141.

(5) في «ق»: الثاني.

(6) الكافي 3: 447 الصلاة ب 89 ح 19، التهذيب 2: 117- 441، الوسائل 7: 69 أبواب الدعاء ب 26 ح 1.

(7) التهذيب 2: 118- 444، أمالي الطوسي: 148، الوسائل 7: 70 أبواب الدعاء ب 26 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4،

ص: 73

قبيل الفجر، و يظهر ضعف الاستناد إليه ممّا ذكر.

بل لما مرّ من فتاوى الأكثر، بل الإجماع المنقول في المعتبر و المنتهى و عن الناصريات «1»، لحمل المقام المسامحة، و عدم منافاة ما مرّ من أفضلية آخر الليل أو السحر لتلك الكلية.

كما لا ينافيها و لا أفضلية آخر الليل موثّقة زرارة: «إنّما على أحدكم إذا انتصف الليل أن يقوم، فيصلّي صلاته جملة واحدة ثلاث عشرة ركعة، ثمَّ إن شاء جلس فدعا، و إن شاء نام، و إن شاء ذهب حيث شاء» «2» لعموم ما بعد النصف، مع خلوّها عن ذكر الأفضلية.

و لا الصحيحان المصرّحان بتوزيع النبي صلّى اللّه عليه و آله صلاة الليل على تمام الوقت بالتثليث، فيأتي بالأربع ثمَّ الأربع ثمَّ الثلاث مع توسيط النومتين «3»، لاحتمال كون التوزيع في آخر الليل، لعدم تصريح بالموزّع فيه فيهما، و كون المراد بالكلية أفضلية صلاة الليل مع ما يستحب معها من الآداب و الأدعية كلّما قرب الفجر، و يمكن أن تكون النومتان منها نعم، ما مرّ من رواية الحسين بن علي «4» ينافي الكلية ظاهرا، فإنّ ظاهرها أفضلية إيقاع صلاة الليل عند الانتصاف.

و قد يجمع بينها و بين الكلية بحمل الأول على مريد التفريق و الثاني على مريد الجمع. و هو جمع بلا شاهد.

______________________________

(1) المعتبر 2: 54، المنتهى 1: 208، الناصريات (الجوامع الفقهية): 194.

(2) التهذيب 2: 137- 533، الاستبصار 1: 349- 1320، الوسائل 6: 495 أبواب التعقيب ب 35 ح 2.

(3) صحيحة ابن وهب: التهذيب 2: 334- 1377، الوسائل 4: 269 أبواب المواقيت ب 53 ح 1، صحيحة الحلبي: الكافي 3: 445 الصلاة ب 89 ح 13، الوسائل 4: 270 أبواب المواقيت ب 53 ح 2.

(4)

راجع ص 67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 74

و لو جمع بحمل الكلية و ما دلّ على فضيلة الآخر على أفضلية وقت صلاة الليل من حيث هي، و حمل ما دلّ على فضيلة نصف الليل و ما بمعناه، كمرسلة الفقيه في وصف صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «فإذا زال نصف الليل صلّى ثماني ركعات، و أوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات» «1» على الأفضلية باعتبار إرادة الاشتغال بمتمماتها، و تعقيباتها، و النومتين، و السواك، و غيرها، كان جمعا حسنا، يشهد له ذيل رواية المروزي: «و من أراد أن يصلّي صلاة الليل في نصف الليل فيطول، فذلك له» «2».

د: قضاء صلاة الليل و الوتر أفضل من أن يقدّم لمن يجوز له التقديم، اتّفاقا فتوى و نصا، و منه- مضافا إلى ما مرّ من صحيحة ابن وهب «3»- صحيحة محمد:

الرجل من أمره القيام بالليل، فتمضي عليه الليلة و الليلتان و الثلاث لا يقوم، فيقضي أحبّ إليك أم يعجّل الوتر أول الليل؟ قال: «لا، بل يقضي و إن كان ثلاثين ليلة» «4» و غير ذلك.

الخامسة: تجوز صلاة الليل بعد الفجر قبل الفريضة،
اشارة

وفاقا للمحكي عن الصدوق و التهذيب و المعتبر «5»، و في المدارك و المنتقى و الذخيرة و المفاتيح «6» و المعتمد، إمّا مطلقا، كبعض من ذكر «7»، أو بشرط عدم اتّخاذ ذلك عادة، كأكثرهم.

______________________________

(1) الفقيه 1: 146- 678، الوسائل 4: 61 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 14 ح 6.

(2) الكافي 3: 283 الصلاة ب 7 ح 6، التهذيب 2: 118- 445، الوسائل 4: 248 أبواب المواقيت ب 43 ح 5.

(3) راجع ص 70.

(4) التهذيب 2: 338- 1295، الوسائل 4: 256 أبواب المواقيت ب 45 ح 5.

(5)

الصدوق في المقنع: 41، التهذيب 2: 339، المعتبر 2: 60.

(6) المدارك 3: 84، منتقى الجمان 1: 449، الذخيرة: 200، المفاتيح 1: 93.

(7) و هو المعتبر و المدارك.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 75

لإطلاقات فعل النافلة متى شاء.

و صحيحة ابن عيسى، المتقدّمة في المسألة السابقة، في خصوص صلاة الليل «1» و خصوص صحيحتي عمر بن يزيد:

الاولى: عن صلاة الليل و الوتر بعد طلوع الفجر، فقال: «صلّها بعد الفجر حتى يكون في وقت تصلّي الغداة في آخر وقتها، و لا تعمد ذلك في كل ليلة» و قال: «أوتر أيضا بعد فراغك منها» «2».

و الثانية: أقوم و قد طلع الفجر، فإن أنا بدأت بالفجر صلّيتها في أول وقتها، و إن بدأت بصلاة الليل و الوتر صلّيت الفجر في وقت هؤلاء. فقال: «ابدأ بصلاة الليل و الوتر و لا تجعل ذلك عادة» «3».

و صحيحة سليمان: قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: «ربما قمت و قد طلع الفجر و أصلّي بصلاة الليل و الوتر و الركعتين قبل الفجر، ثمَّ أصلّي الفجر» قال: قلت: أفعل أنا ذا؟ قال: «نعم، و لا يكون منك عادة» «4».

و رواية إسحاق: أقوم و قد طلع الفجر و لم أصلّ صلاة الليل، فقال: «صلّ صلاة الليل و الوتر و صلّ ركعتي الفجر» «5».

و صحيحتي إسماعيل بن سعد، و ابن سنان:

______________________________

(1) راجع ص 69.

(2) التهذيب 2: 126- 480، الاستبصار 1: 282- 1024، الوسائل 4: 261 أبواب المواقيت ب 48 ح 1.

(3) التهذيب 2: 126- 477، الاستبصار 1: 281- 1022، الوسائل 4: 262 أبواب المواقيت ب 48 ح 5.

(4) التهذيب 2: 339- 1403، الوسائل 4: 261 أبواب المواقيت ب 48 ح 3.

(5) التهذيب 2: 126-

478، الاستبصار 1: 281- 1023، الوسائل 4: 262 أبواب المواقيت ب 48 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 76

الاولى، و فيها: سألته عن الوتر بعد فجر الصبح، قال: «نعم، قد كان أبي ربما أوتر بعد ما انفجر الصبح» «1».

و الثانية: «إذا قمت و قد طلع الفجر فابدأ بالوتر، ثمَّ صلّ الركعتين، ثمَّ صلّ الركعات إذا أصبحت» «2».

و احتمال إرادة الفجر الأول في كثير منها غير ممكن، و في بعض آخر بعيد مخالف للظاهر.

خلافا للمشهور، فقالوا بفوات وقت النافلة الليلية عدا ركعتي الفجر بطلوع الفجر.

للمستفيضة المانعة عن التطوّع وقت الفريضة «3».

و الروايات الدالّة على أنّ وقت ركعتي الفجر- اللتين وقتهما بعد صلاة الليل- قبل الفجر «4».

و صحيحة زرارة الآتية، المانعة من فعل ركعتي الفجر بعده، معلّلا بأنهما من صلاة الليل «5».

و صحيحة سعد بن سعد: عن الرجل يكون في بيته و هو يصلّي و هو يرى أنّ عليه ليلا، ثمَّ يدخل عليه الآخر من الباب، فقال: قد أصبحت، هل يعيد الوتر أم لا؟ أو يعيد شيئا من صلاته؟ قال: «يعيد إن صلّاها مصبحا» «6».

و الأخبار الدالّة على أنّ آخر الليل آخر وقت صلاة الليل، كمرسلة

______________________________

(1) التهذيب 2: 339- 1401، الوسائل 4: 261 أبواب المواقيت ب 48 ح 2.

(2) التهذيب 2: 340- 1407، الوسائل 4: 259 أبواب المواقيت ب 46 ح 9.

(3) انظر: الوسائل 4: 226 أبواب المواقيت ب 35.

(4) انظر: الوسائل 4: 263 أبواب المواقيت ب 50.

(5) انظر: ص 86.

(6) التهذيب 2: 339- 1404، الاستبصار 1: 292- 1070، الوسائل 4: 259 أبواب المواقيت ب 46 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 77

الفقيه «1»، و رواية سماعة، المتقدّمة «2»، و المستفيضة المتضمّنة لمثل

قوله: «و ثمان ركعات في آخر الليل و السحر» «3».

و صحيحة إسماعيل بن جابر: أوتر بعد ما يطلع الفجر؟ فقال: «لا» «4» و المنع عن الإيتار يستلزم المنع عن غيره بالأولوية و الإجماع المركّب.

و رواية المفضّل و فيها: «و إذا أنت قمت و قد طلع الفجر فابدأ بالفريضة و لا تصلّ غيرها» «5» و مفهوم رواية مؤمن الطاق: «إذا كنت صلّيت أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر فأتمّ الصلاة، طلع أم لم يطلع» «6».

و تؤيّده الإضافة إلى الليل المشعرة بوجوب إيقاعها فيه.

و يجاب عن الأولين: بمعارضتهما مع المستفيضة بل المتواترة، المجوّزة للتطوع وقت الفريضة «7»، و فعل ركعتي الفجر بعد الصبح «8»، الراجحة على المانعة.

و منه يظهر جواب الثالث أيضا.

و عن الرابع: بأنّ غايته استحباب الإعادة، و هو لا يثبت بطلان الأول، كما في ركعتي الفجر إذا نام بعدهما قبل الصبح «9».

______________________________

(1) الفقيه 1: 302- 1379، الوسائل 4: 248 أبواب المواقيت ب 43 ح 2.

(2) في ص 69.

(3) انظر: الوسائل 4: 45 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13.

(4) التهذيب 2: 126- 479، الاستبصار 1: 281- 1021، الوسائل 4: 259 أبواب المواقيت ب 46 ح 6.

(5) التهذيب 2: 339- 1402، الوسائل 4: 262 أبواب المواقيت ب 48 ح 4.

(6) التهذيب 2: 125- 475، الاستبصار 1: 282- 1025، الوسائل 4: 260 أبواب المواقيت ب 47 ح 1.

(7) انظر: الوسائل 4: 231 أبواب المواقيت ب 37.

(8) انظر: الوسائل 4: 268 أبواب المواقيت ب 52.

(9) كما في موثقة زرارة: الوسائل 4: 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 78

و عن البواقي: بأعميتها من أخبار الجواز، لعمومها بالنسبة إلى تضيق وقت

الفريضة و عدمه، و اختصاص الجواز بالأول «1» إجماعا، و بالنسبة إلى جعل ذلك عادة و عدمه، و اختصاص روايات الجواز بالثاني. و ذلك و إن تعارض اختصاص أخبار المنع بمن لم يدرك أربعا و بالأداء، و عموم أدلة الجواز بالنسبة إليهما، و لكن به يحصل العموم من وجه بين الصنفين، و لعدم الترجيح يرجع إلى الأصل، و إطلاقات التطوّع.

و ترجيح المانع بالشهرة و الاستفاضة القريبة من التواتر، مردود: بعدم صلاحية الشهرة في الفتوى للترجيح، سيما مع مطابقة المخالف لفتاوي جمع من الأعيان «2». و الاستفاضة التي هي الشهرة في الرواية حاصلة في الطرفين، بل في طرف الجواز أكثر.

هذا، مع عدم صراحة دلالة أكثر البواقي أيضا، لعدم إفادة رواية سماعة للتوقيت أصلا، و صحيحة ابن جابر للحرمة «3»، و لا نفي الاستحباب، لجواز إرادة المرجوحية الإضافية.

و كذا رواية مؤمن الطاق، لأنّ الأمر بالإتمام في منطوقها ليس للوجوب الذي هو حقيقته قطعا، و مجازه كما يمكن أن يكون الاستحباب الذي لا يجتمع انتفاؤه المدلول عليه بالمفهوم مع مشروعية العبادة، يمكن أن يكون الراجحية الإضافية بالنسبة إلى التأخير، و انتفاؤها للمشروعية غير مناف.

و مع ذلك كله حمل المنع على الاستحباب بقرينة أخبار الجواز ممكن، فترجيح ما اخترناه من الجواز واضح، إلّا أنّه على ما نختاره من جواز التطوّع وقت الفريضة مطلقا و عدم اشتراط نية الأداء و القضاء لا يترتب كثير فائدة على ذلك

______________________________

(1) كذا.

(2) راجع ص 74.

(3) مع أن الأولوية المدعاة في صحيحة ابن جابر و الإجماع المركب فيها محلّان للمنع. منه رحمه اللّه تعالى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 79

الخلاف.

فروع:

أ: المراد بالفجر الذي هو محل النزاع هو الثاني، عند الأكثر، لصدق الليل على

ما قبله- و إن طلع الأول- لغة و شرعا و عرفا، و لأنه المتبادر. و خالف فيه شاذ «1»، لوجه ضعيف.

ب: هل الأفضل- على القول بالجواز- البدأة بالفريضة بعد الطلوع، أو بصلاة الليل؟ الظاهر الأول، لأخبار فضيلة أول الوقت.

ج: لو تلبّس من صلاة الليل بأربع فطلع الصبح، كان الأفضل إتمامها، بلا خلاف أجده، و في المدارك: إنه مذهب الأصحاب «2».

لخبر مؤمن الطاق المتقدّم «3»، المنجبر ضعفه- لو كان- بالعمل، و صدر خبر المفضّل السابق بعضه «4».

و لا ينافيهما ما في رواية يعقوب: أقوم قبل الفجر بقليل، فأصلّي أربع ركعات، ثمَّ أتخوّف أن ينفجر الفجر، أبدأ بالوتر أو أتم الركعات؟ قال: «لا، بل أوتر و أخّر الركعات حتى تقضيها في صدر النهار» «5».

لأن موردهما الذي هو المسألة أن طلع الفجر بعد التلبس بالأربع، فيصير الأمر دائرا بين الإتمام و التلبّس بالفريضة، و موردها إن خشي الطلوع بعده، فيصير دائرا بين إتمام الثمان و الإيتار، لعدم سعة الوقت بزعمه، فأمر عليه السلام بتقديم

______________________________

(1) حكاه عن السيّد المرتضى في المختلف: 71.

(2) المدارك 3: 82.

(3) في ص 77.

(4) صدره هكذا: «أقوم و أشك في الفجر، فقال: صلّ على شكك فإذا طلع الفجر فأوتر و صلّ الركعتين». و قد تقدم بعضه في ص 75.

(5) التهذيب 2: 125- 476، الاستبصار 1: 282- 1026، الوسائل 4: 260 أبواب المواقيت ب 47 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 80

الوتر ليدركه في أحب ساعاته، و نحن أيضا نقول به.

و أمّا قوله: «تقضيها في صدر النهار» فيمكن أن يكون المراد منه: تفعلها أول طلوع الفجر، أو يكون القضاء بالمعنى المصطلح، باعتبار وقوع الثمان بعد الوتر.

ثمَّ إنه قد ذكر جماعة هنا أيضا التخفيف «1».

و لا بأس به، لفتواهم.

و يمكن إثباته برواية أبي بصير، المتقدّمة في المسألة الاولى «2».

و قد يؤيّد برواية [إسماعيل بن جابر أو عبد اللّه بن سنان ] «3»: إنّي أقوم آخر الليل و أخاف الصبح، قال: «اقرأ الحمد و اعجل» «4».

و فيه نظر «5».

و الظاهر اختصاص الحكم بما إذا كان أتم الأربع، بأن يفرغ من ركوع الرابعة بل من سجدتيها، لأنه مورد الخبر، فلا يتم في الأقل، إلّا أن يثبت في الأثناء أيضا بالنهي عن إبطال العمل.

د: لو تنبّه في وقت لا يسع الأربع، فهل يجوز له الاكتفاء بما دونها و ترك الباقي؟ أو تنبّه في وقت لا يسع التمام إلى ظهور الحمرة أو تضيّق الفريضة- على الخلاف- فهل يجوز الإتيان بما يسع؟ الظاهر لا، لعدم التوقيف.

و منه يظهر عدم جواز الاقتصار ببعض الركعات عمدا، و كذا في جميع

______________________________

(1) كما في الشرائع 1: 62، الدروس 1: 141، الحدائق 6: 233.

(2) راجع ص 61.

(3) في «ح»: محمّد بن يعقوب، و في النسخ المخطوطة يوجد بياض موضع اسم الراوي، و ما ضبطناه موافق للمصادر.

(4) الكافي 3: 449 الصلاة ب 89 ح 27، التهذيب 2: 124- 473، الاستبصار 1:

280- 1019، الوسائل 4: 257 أبواب المواقيت ب 46 ح 1.

(5) لجواز أن يكون الأمر بالتعجيل لوقوع مجموع صلاة الليل في وقتها الأفضل، و لا كذلك بعد خروجه منه رحمه اللّه تعالى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 81

النوافل اليومية و غيرها ممّا له عدد خاص، بل الظاهر عدم جواز الاقتصار على أداء البعض و قضاء الباقي، بل يرد الإشكال في قضاء الباقي إذا ظنّ السعة فلم يسع التمام.

ه: المستفاد من الروايات الموافق لفتوى جماعة أنه إذا ضاق الوقت إلّا عن

الوتر و ركعتي الفجر فالأفضل تقديم ذلك على صلاة الليل «1»، ففي صحيحة محمد: عن الرجل يقوم من آخر الليل، و هو يخشى أن فاجأه الصبح، ابتدأ بالوتر أو يصلّي الصلاة على وجهها حتى يكون الوتر آخر ذلك؟ قال: «بل يبدأ بالوتر» و قال: «أنا كنت فاعلا ذلك» «2».

و صحيحة ابن وهب: «أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح، و يوتر، و يصلّي ركعتي الفجر، و يكتب له بصلاة الليل؟» «3».

ثمَّ لو انكشف بقاء الليل بعد فعل الوتر خاصة، فالظاهر من الأخبار تخييره بين الاعتداد بالوتر بما فعل، و يصلّي بعده صلاة الليل، و بين جعل وتره من صلاة الليل و يضيف إليه ما يتمّها، ثمَّ يوتر بعدها. و لو كان الانكشاف بعد ركعتي الفجر يحسبهما من الليلية، و يضيف إليها ست ركعات، و يعيد الفجرية.

السادسة: أول وقت ركعتي الفجر لمن صلّى صلاة الليل و الوتر: الفراغ منها،
اشارة

و لو في أول الليل فيما يجوز تقديمها، على الأشهر الأظهر، بل عن ظاهر الغنية و السرائر: الإجماع عليه «4».

للمستفيضة الدالّة على أنهما من صلاة الليل، و الآمرة بحشوهما فيها «5»،

______________________________

(1) كما في المبسوط 1: 131، و المفاتيح 1: 33، و الحدائق 6: 238.

(2) الكافي 3: 449 الصلاة ب 89 ح 28، التهذيب 2: 125- 474، الاستبصار 1:

281- 1020، الوسائل 4: 257 أبواب المواقيت ب 46 ح 2، بتفاوت يسير.

(3) التهذيب 2: 337- 1391، الوسائل 4: 258 أبواب المواقيت ب 46 ح 3.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 556، السرائر 1: 195 و 196.

(5) انظر: الوسائل 4: 263 أبواب المواقيت ب 50.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 82

و إطلاق المعتبرة المرخّصة لفعلهما قبل الفجر و معه و بعده «1»، و المجوّزة لفعلهما بعد انتصاف الليل، كصحيحة زرارة، و فيها: «و

بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر، و منها ركعتا الفجر» «2». و موثّقته المتقدّمة في المسألة الرابعة «3»، و قبل النصف مع العذر، كرواية أبي جرير: «صلّ صلاة الليل في السفر من أول الليل في المحمل و الوتر و ركعتي الفجر» «4».

و لمن لم يصلّها: الليل مطلقا و لو في أوله و إن لم يخف الفوت، لظاهر الإطلاقات المرخّصة لفعلها قبل الفجر الثاني بلا معارض. و تخصيصه بما يقرب منه خلاف الأصل، و توقيتهما بما بعد النصف في بعض الأخبار إنما هو مع صلاة الليل و الوتر «5».

خلافا للمحكي عن السيد و المبسوط و المراسم و الشرائع و الإرشاد و القواعد «6»، فذهبوا إلى أنّ أول وقتهما طلوع الفجر الأول، و إن جوّز في الثلاثة الأخيرة فعلهما قبله، و لكن الظاهر منها أنه من باب الرخصة في التقديم دون الوقتية.

لصحيحة [البجلي ] «7»: «صلّهما بعد ما طلع الفجر» «8». و قريبة منها رواية

______________________________

(1) انظر: الوسائل 4: 268 أبواب المواقيت ب 52.

(2) التهذيب 2: 262- 1045، الاستبصار 1: 269- 973، الوسائل 4: 156 أبواب المواقيت ب 10 ح 3.

(3) راجع ص 73.

(4) الفقيه 1: 302- 1384، الوسائل 4: 251 أبواب المواقيت ب 44 ح 6.

(5) كما في صحيحة زرارة المتقدمة.

(6) حكاه عن السيّد في المختلف: 71، المبسوط 1: 76، المراسم: 81، الشرائع 1: 63، الإرشاد 1: 223، القواعد 1: 24.

(7) في النسخ: الحلبي، و الصواب ما في المتن، لأن المضبوط في المصادر: عبد الرحمن بن الحجاج، و هو البجلي كما يظهر من الكتب الرجالية.

(8) التهذيب 2: 134- 523، الاستبصار 1: 284- 1040، الوسائل 4: 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 4، ص: 83

يعقوب «1».

و يضعّفان: بالإجمال من جهة مرجع الضمير، المحتمل كونه صلاة الصبح، بل هي الظاهر، لإطلاق الفجر المتبادر منه الثاني.

و منه يظهر تضعيف آخر لهما، إذ ليس الفجر الثاني أول وقتهما إجماعا، و طرق المجازات كثيرة، مع أن الأمر فيهما ليس للوجوب الذي هو حقيقته قطعا، فمجازه يمكن أن يكون الرخصة، فلا تنافيان المجوّزة لفعلهما قبل الفجر.

و لظاهر الإسكافي، فجعل أولهما أول السدس الأخير «2»، و لعلّه لخبر محمد:

عن أول وقت ركعتي الفجر، فقال: «سدس الليل الباقي» «3».

و لضعفه سندا، و مخالفته لشهرة القدماء، و عمل صاحب الأصل لا يصلح للحجية، فيحمل على الأفضل، كما هو من كلام الإسكافي محتمل.

فروع:

أ: الأفضل تأخيرهما إلى طلوع الفجر الأول، للخروج عن شبهة الخلاف.

لا لصحيحة البجلي، السابقة، لما سبق.

و لا للأخبار الدالّة على أنّ أفضل أوقات الوتر بعد ذلك «4»، و هما مترتّبان عليه، لأنه لا يدلّ على أنه أفضل أوقاتهما من حيث نفسهما أيضا، مع عدم الجريان فيمن لا يريد صلاة الوتر.

و لا لصحيحة حمّاد: «ربما صلّيتهما و عليّ ليل، فإن قمت و لم يطلع الفجر

______________________________

(1) التهذيب 2: 134- 521، الاستبصار 1: 284- 1038، الوسائل 4: 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 6.

(2) حكاه عنه في المختلف: 71.

(3) التهذيب 2: 133- 515، الاستبصار 1: 283- 1033، الوسائل 4: 265 أبواب المواقيت ب 50 ح 5.

(4) انظر: الوسائل 4: 271 أبواب المواقيت ب 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 84

أعدتهما» «1» و في بعض النسخ: «نمت» مقام «قمت».

و موثّقة زرارة: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «إنّي لأصلّي صلاة الليل فأفرغ من صلاتي و أصلّي ركعتين و أنام ما شاء اللّه قبل أن يطلع

الفجر، فإن استيقظت عند الفجر أعدتهما» «2».

لأنّ الإعادة فيهما لعلّهما لتوسيط النوم، بل صرّح بعض المتأخّرين بأنها مخصوصة بمن نام بعدهما «3»، مع أنه لا تصريح فيهما بكون الإعادة بعد الفجر الأول قبل الثاني، كما هو المدّعى.

ب: لا يلزم كون الركعتين منضمّتين مع صلاة الليل، بل يجوز فعلهما بدونها، للأصل، و الإطلاقات.

نعم من يصلّي الجميع يلزم عليه الترتيب، فيؤخّرهما عن الوتر، بلا خلاف أجده، بل ظاهر بعضهم عدم الخلاف فيه «4».

و تدلّ عليه رواية أبي بصير، و فيها: «و من السحر ثمان ركعات، ثمَّ يوتر، و الوتر ثلاث ركعات مفصولة، ثمَّ ركعتان قبل صلاة الفجر» «5». و بمضمونها موثّقة سليمان «6».

ج: عن الشيخ و جماعة: استحباب إعادة الركعتين بعد الفجر الأول لو

______________________________

(1) التهذيب 2: 135- 527، الاستبصار 1: 285- 1044، الوسائل 4: 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 8.

(2) التهذيب 2: 135- 528، الاستبصار 1: 285- 1045، الوسائل 4: 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 9.

(3) كما في كشف اللثام 1: 162، و الحدائق 6: 253.

(4) قال في المعتبر 2 ص 55: أما أنهما بعد الوتر فهو مذهب أهل العلم.

(5) التهذيب 2: 6- 11، الاستبصار 1: 219- 777، الوسائل 4: 59 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 14 ح 2.

(6) التهذيب 2: 5- 8، الوسائل 4: 51 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 85

صلّاهما قبله «1». و لم أعثر على مستندهم، و لعلّ فتواهم- مع الخروج عن خلاف الشيخ و السيد- كاف في المستند له.

و أمّا الصحيحة و الموثّقة المتقدّمتان فغير صالحتين له، لأنّ ظاهرهما الاختصاص بالنوم بعدهما لا مطلقا.

نعم الحكم بذلك أيضا حسن لذلك.

د: يكره

النوم بعد صلاة الليل و قبل الصبح، لرواية سليمان المروزي:

«إياك و النوم بين صلاة الليل و الفجر، و لكن ضجعة بلا نوم، فإنّ صاحبه لا يحمد على ما قدّم من صلاته» «2».

و لا تنافيه الموثّقة السابقة، المصرّحة بنوم الإمام بعدها «3»، لأنّهم قد يفعلون المكروه لبيان الجواز.

و الظاهر أنّ المراد بصلاة الليل- المكروه بعدها النوم- هو ثلاث عشرة ركعة أو إحدى عشرة، لما مرّ من استحباب توسيط النوم بين الثمان و الوتر.

السابعة: آخر وقت الركعتين ظهور الحمرة المشرقية، و الإسفار،

على المختار الأشهر، سيما عند من تأخّر، بل ظاهر الغنية و السرائر: الإجماع عليه «4»، لمرسلة إسحاق، المتمّمة دلالتها- لو كان فيها قصور- بالإجماع المركّب: «و صلّ الركعتين ما بينك و بين أن يكون الضوء حذاء رأسك، فإن كان بعد ذلك فابدأ بالفجر» «5».

______________________________

(1) الشيخ في الاستبصار 1: 285، و المحقق في المعتبر 2: 56، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 38، و الفيض في المفاتيح 1: 93.

(2) التهذيب 2: 137- 534، الاستبصار 1: 349- 1319، الوسائل 6: 495 أبواب التعقيب ب 35 ح 1.

(3) راجع ص 84.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 556، السرائر 1: 195 و 196.

(5) التهذيب 2: 134- 524، الاستبصار 1: 284- 1041، الوسائل 4: 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 86

و تؤيّده صحيحة علي بن يقطين: عن الرجل لا يصلّي الغداة حتى يسفر و تظهر الحمرة و لم يركع ركعتي الفجر، أ يركعهما أو يؤخّرهما؟ قال: «يؤخّرهما» «1».

خلافا للمحكي عن الإسكافي «2»، و الشيخ في كتابي الحديث «3»، فقالا:

طلوع الفجر الثاني. و اختاره في الحدائق «4».

لعدم جواز النافلة وقت الفريضة، و رواية المفضّل، المتقدّمة في المسألة الخامسة «5».

و خصوص صحيحة زرارة: عن ركعتي

الفجر، قبل الفجر أو بعد الفجر؟

فقال: «قبل الفجر، إنّهما من صلاة الليل، ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل» «6» الحديث. و سائر ما دلّ على أنهما من صلاة الليل، و أمر بحشوهما فيها.

و حسنته: الركعتان قبل الغداة أين موضعهما؟ قال: «قبل طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة» «7».

و يردّ- بعد ردّ الأول بالمنع كما مرّ «8»- بمعارضة تلك الأخبار مع أكثر منها و أشهر، كصحيحة سليمان، المتقدّمة في الخامسة «9».

______________________________

(1) التهذيب 2: 340- 1409، الوسائل 4: 266 أبواب المواقيت ب 51 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 4    87     السابعة: آخر وقت الركعتين ظهور الحمرة المشرقية، و الإسفار، ..... ص : 85

(2) حكاه عنه في الحدائق 6: 240.

(3) التهذيب 2: 6، الاستبصار 1: 284.

(4) الحدائق 6: 240.

(5) راجع ص 77.

(6) التهذيب 2: 133- 513، الاستبصار 1: 283- 1031، الوسائل 4: 264 أبواب المواقيت ب 50 ح 3.

(7) الكافي 3: 448 الصلاة ب 89 ح 25، التهذيب 2: 132- 509، الاستبصار 1:

282- 1027، الوسائل 4: 265 أبواب المواقيت ب 50 ح 7.

(8) راجع ص 77.

(9) راجع ص 75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 87

و صحيحة إسحاق: عن الركعتين اللتين قبل الفجر، قال: «قبيل الفجر، و معه، و بعده» قلت: و متى أدعهما؟ قال: «إذا قال المؤذّن قد قامت الصلاة» «1».

و رواية ابن أبي العلاء: الرجل يقوم و قد نور بالغداة، قال: «فليصلّ السجدتين اللتين قبل الغداة، ثمَّ ليصلّ الغداة» «2».

و صحيحة محمد: «صلّ ركعتي الفجر قبل الفجر، و معه، و بعده» «3».

و قريبة منها: صحيحة أخرى له «4»، و روايته «5»، و صحيحة ابن أبي يعفور «6»، و مرسلة الفقيه

«7».

و احتمال إرادة الفجر الأول منها- كما قيل «8»- مردود بمنعه، لتبادر الثاني من مطلقه، فهو حقيقته التي يجب الحمل عليها، مع عدم إمكانه في الثلاثة الاولى.

و ردّها بمرجوحيتها بالنسبة إلى الأخبار الأولى، لموافقتها لمذهب كثير من العامة، على ما ذكره جماعة من أنّهما لا تصلّيان إلّا بعد طلوع الفجر الثاني «9»،

______________________________

(1) التهذيب 2: 340- 1408، الوسائل 4: 269 أبواب المواقيت ب 52 ح 5.

(2) التهذيب 2: 135- 525، الاستبصار 1: 285- 1042، الوسائل 4: 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 4.

(3) التهذيب 2: 133- 518، الاستبصار 1: 284- 1035، الوسائل 4: 268 أبواب المواقيت ب 52 ح 1.

(4) التهذيب 2: 134- 522، الاستبصار 1: 284- 1039، الوسائل 4: 268 أبواب المواقيت ب 52 ح 3.

(5) التهذيب 2: 134- 520، الاستبصار 1: 284- 1037، الوسائل 4: 269 أبواب المواقيت ب 52 ح 4.

(6) التهذيب 2: 134- 519، الاستبصار 1: 284- 1036، الوسائل 4: 268 أبواب المواقيت ب 52 ح 2.

(7) الفقيه 1: 313- 1422، الوسائل 4: 269 أبواب المواقيت ب 52 ح 6.

(8) انظر المعتبر 2: 56.

(9) انظر: البحار 80: 73، و الحدائق 6: 245.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 88

و تدلّ عليه رواياتهم «1»، و تصرّح به رواية أبي بصير: متى أصلي ركعتي الفجر؟

قال: فقال لي: «بعد طلوع الفجر» قلت له: إنّ أبا جعفر عليه السلام أمرني أن أصلّيهما قبل طلوع الفجر، فقال: «يا أبا محمد إنّ الشيعة أتوا أبي مسترشدين، فأفتاهم بمرّ الحق، و أتوني شكّاكا فأفتيتهم بالتقية» «2».

ضعيف، لأنّ مذهبهم- كما صرّحوا به- تحتم بعد الفجر، و عدم جواز فعلهما قبله و لا معه، و الأخبار الأوّلة أباحت الجميع، فالكلّ لمذهبهم

مخالف.

و إرادة تقية السائل في فعلهما بعده، بعيد غاية البعد، فيبقى الأصل- الذي هو المرجع- مع الاولى، مع إمكان ترجيحها بالخصوصية، حيث إنها مختصة بما لم تظهر الحمرة أو لم تتضيّق الفريضة، و نفي وقتية البعد في الأخبار الثانية أعم منها.

و لمحتمل الشرائع «3»، و مستقرب الذكرى «4»، و مختار المعتمد، فيمتد وقتهما إلى وقت الفريضة، لعمومات التوسعة في النوافل كما مرّ «5».

و رواية فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله لهما قبل الغداة في قضاء الغداة «6»، فالأداء أولى.

و صحيحة سليمان بن خالد: عن الركعتين اللتين قبل الفجر، قال:

«تتركهما حين تترك الغداة» «7».

______________________________

(1) كما ورد عن حفصة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا أذن المؤذن و طلع الفجر يصلي الركعتين (انظر: مسند أحمد 6: 284) منه رحمه اللّه تعالى.

(2) التهذيب 2: 135- 526، الاستبصار 1: 285- 1043، الوسائل 4: 264 أبواب المواقيت ب 50 ح 2.

(3) الشرائع 1: 63.

(4) الذكرى: 126.

(5) انظر الوسائل 4: 231 أبواب المواقيت ب 37.

(6) الذكرى: 134، و عنه في الوسائل 4: 285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.

(7) التهذيب 2: 133- 514، الوسائل 4: 266 أبواب المواقيت ب 51 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 89

و في الذكرى: إنّ بخط الشيخ: تركعهما، بدل تتركهما «1».

و في بعض النسخ: حين تنزل الغداة، من النزول.

و في رواية أخرى: حين تنور «2».

و يضعّف الأول: بعمومه الذي لا يفيد مع ما مرّ من المخصّص. و الثاني:

بمنع الأولوية جدّا. و الثالث: باختلاف النسخ الموجب لاختلاف المعنى، و عدم إفادته للمطلوب على بعض النسخ.

______________________________

(1) الذكرى: 126.

(2) الاستبصار 1: 283- 1032، الوسائل 4: 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 3.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 90

الفصل الثاني: في أحكام المواقيت و سائر ما يتعلّق بها
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لا بدّ في شرعية الصلاة الموقّتة من العلم بدخول وقتها،

فلا يجزئ غيره و لو كان ظنا، لأصالة عدم مشروعيتها، و عدم دخول وقتها، و عدم جواز اتّباع غير العلم، و عدم حصول الشرط، و استصحاب الشغل و الوقت السابق.

و المستفيضة من الأخبار، كرواية علي: في الرجل يسمع الأذان، فيصلّي الفجر، و لا يدري أطلع الفجر أم لا، غير أنه لمكان الأذان يظن أنه طلع، فقال:

«لا يجزئه حتى يعلم أنه طلع» «1».

و رواية ابن مهزيار: قد اختلف موالوك في صلاة الفجر، إلى أن قال:

فكتب عليه السلام «فلا تصلّ في سفر و لا حضر حتى تبيّنه» «2».

و مرفوعة ابن عيسى: «فإذا استبنت الزيادة فصلّ الظهر» «3».

و المروي في السرائر: «فإذا استيقنت أنها قد زالت فصلّ الفريضة» «4».

و مع ذلك فهو في غير ما يأتي استثناؤه إجماعي، كما صرّح به جماعة «5». و كلام

______________________________

(1) الذكرى: 129، و عنه في الوسائل 4: 280 أبواب المواقيت ب 58 ح 4.

(2) الكافي 3: 282 الصلاة ب 7 ح 1، التهذيب 2: 36- 115، الاستبصار 1: 274- 994، الوسائل 4: 210 أبواب المواقيت ب 27 ح 4.

(3) التهذيب 2: 27- 75، الوسائل 4: 162 أبواب المواقيت ب 11 ح 1.

(4) مستطرفات السرائر: 30- 22، الوسائل 4: 279 أبواب المواقيت ب 58 ح 1.

(5) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 52، و الفيض في المفاتيح 1: 95، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 164.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 91

[النهاية] [1] و إن أشعر بكفاية الظن مطلقا، إلّا أنّ إرجاعه إلى مذهب الأصحاب ممكن [2].

ثمَّ من المستثنيات في المشهور غير المتمكّن من العلم في الحال و إن أمكنه العلم بالصبر إلى أن تيقّن بالوقت، بل نسب إلى التنقيح

دعوى الإجماع عليه «1»، و في النسبة كلام [3].

و استندوا في استثنائه إلى المعتبرة الآتية، المعتبرة للمظنة الحاصلة من الأذان و صياح الديوك «2»، بحملها على عدم التمكن جمعا.

و المستفيضة المجوّزة للإفطار عن ظن الغروب «3»، لعدم القول بالفرق.

و موثّقة بكير: ربما صلّيت الظهر في يوم غيم، فانجلت، فوجدتني صلّيت حين زوال النهار، فقال: «لا تعد و لا تعد» «4».

و خبر إسماعيل بن رباح: «إذا صلّيت و أنت ترى أنك في وقت [و لم يدخل الوقت ] فدخل الوقت و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنك» [4] فإنّ قوله: «و أنت

______________________________

[1] في النسخ: نهاية الإحكام، و ما أثبتناه هو الصواب، لأن الكلام المذكور يوجد في النهاية للشيخ، لا في نهاية الإحكام للعلامة، و قد ذكر رحمه اللّه نصّه في الهامش.

[2] قال الشيخ في النهاية: لا يجوز لأحد أن يدخل في الصلاة إلّا بعد حصول العلم بدخول وقتها، أو يغلب على ظنه ذلك. (النهاية: 62) و الإرجاع بأن يجعل لفظة أو لبيان الأفراد. منه رحمه اللّه تعالى.

[3] فإنه ادعى الإجماع على الكبرى و هو العمل بالظن مع تعذر العلم، ثمَّ قال: و هو الفرض هنا، مع أنه رد العمل بالظن حينئذ. منه رحمه اللّه تعالى.

[4] الكافي 3: 286 الصلاة ب 8 ح 11، الفقيه 1: 143- 666، التهذيب 2: 141- 550، الوسائل 4: 206 أبواب المواقيت ب 25 ح 1، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) التنقيح الرائع 1: 171.

(2) انظر: ص 95- 97.

(3) انظر: الوسائل 4: 172 أبواب المواقيت ب 16.

(4) التهذيب 2: 246- 979، الاستبصار 1: 252- 903، مستطرفات السرائر: 137- 5، الوسائل 4: 129 أبواب المواقيت ب 4 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 4، ص: 92

ترى» ظاهر في الظن.

و رواية سماعة: عن الصلاة بالليل و النهار إذا لم تر الشمس و لا القمر و لا النجوم، قال: «اجتهد برأيك و تعمد القبلة جهدك» «1».

و صحيحة زرارة: «وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيت بعد ذلك و قد صلّيت فأعد الصلاة و مضى صومك» «2». فإنّها ظاهرة في صورة الظن، لأنها التي تتصوّر معها الرؤية بعدها، و مفهومها: أنه إن لم يره بعد ذلك تكون صلاته صحيحة، و معلوم أنّ عدم الرؤية لا يجعل ظنّه علما.

و مفهوم المروي في تفسير النعماني: «إنّ اللّه عزّ و جلّ إذا حجب عن عباده عين الشمس التي جعلها اللّه دليلا على أوقات الصلاة فموسّع عليهم تأخير الصلاة، ليتبيّن لهم الوقت و يستيقنوا أنها قد زالت» «3».

هذا كلّه مضافا إلى أنّ مع بقاء التكليف و عدم التمكّن من العلم لا مناص عن العمل بالظن.

و يضعّف الأول: بأنّ تلك المعتبرة مع تسليمها لا تثبت إلّا مواردها من غير تقييد بعدم التمكن من العلم، و أمّا التقييد به ثمَّ التعدّي إلى كلّ ظن فلا، و القول باعتبار موردها مطلقا موجود [1]، بل قيل: لو ثبت اعتباره فيكون من العلم «4»، مع أنّ الجمع بهذا الطريق يتوقّف على الشاهد، و هو مفقود، و غيره ممكن.

______________________________

[1] توجد في «ه» و «ق»: فدعوى الإجماع على عدم اعتباره مع إمكان العلم غير مسموعة.

______________________________

(1) الكافي 3: 284 الصلاة ب 8 ح 1، التهذيب 2: 46- 147، الاستبصار 1: 295- 1089، الوسائل 4: 308 أبواب القبلة ب 6 ح 2.

(2) الكافي 3: 279 الصلاة ب 6 ح 5، التهذيب 2: 261- 1039، الوسائل 4: 178 أبواب المواقيت ب 16 ح 17.

(3) رسالة

المحكم و المتشابه للسيّد المرتضى: 15، نقلا عن تفسير النعماني، الوسائل 4: 279 أبواب المواقيت ب 58 ح 2.

(4) كما في كشف اللثام 1: 162.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 93

و الثاني- بعد تسليم دلالتها و خلوّها عن المعارض-: بأنّه لا ملازمة بين جواز الإفطار و جواز الصلاة.

و دعوى عدم القول بالفرق غريبة، كيف؟! مع أنّ صاحب المدارك- الذي نقل المنع عن الإسكافي هنا و اختاره- نفى الخلاف عن الجواز في الإفطار و اختاره، بل بعض الأخبار الذي استندوا إليه في الإفطار صريح في الفرق، و هو صحيحة زرارة المتقدّمة، حيث حكم فيها بإعادة الصلاة و مضيّ الصوم [1].

و الثالث: بعدم دلالة فيه على أنّه صلّى مع ظن، لاحتمال كونه عالما.

و النهي عن العود إلى مثله إمّا لأنّه فعل من لا يصلّي النوافل، و الاستمرار عليه مرجوح، أو لأنّ التعجيل إلى الصلاة في الغيم- و لو مع العلم- ربما يفضي إلى الصلاة قبل الوقت.

و الرابع: بمنع ظهور الرؤية في الظن لو لم ندّع ظهورها في العلم.

و الخامس: باختصاصه بالقبلة و منع شموله للوقت.

و السادس: بلزوم تجوّز في قوله: «غاب القرص» و هو إمّا الجزم به أو الظن، فالاستدلال به لأحدهما عن الاعتبار ساقط، بل الظاهر منه العلم، لأنه الأقرب إلى الغياب الواقعي.

و السابع: بالضعف الخالي عن الجابر كما يظهر وجهه، مع ما فيه من ضعف الدلالة، إذ معنى توسعة التأخير إمّا جوازه أو اتّساع مدته، و على التقديرين لا يفيد المفهوم مطلوبهم، و لذا جعله بعضهم دليلا على لزوم تحصيل العلم.

و الثامن: بأنّه لو سلّمت بدلية الظن عن العلم حين عدم التمكن منه، فإنما هو إذا لم يتمكن منه مطلقا، و أمّا مع التمكن

منه بالصبر فلا، بل ليس حينئذ من باب عدم التمكن من العلم أصلا.

نعم، لو لم يتمكن منه و لو بالصبر، كخوف طلوع الشمس و نحوه، فلا

______________________________

[1] هذا إن أريد بمضيه صحته، كما حمله المستدل عليها. منه رحمه اللّه تعالى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 94

مناص عن العمل بالظن أو فرد منه، و الظاهر عدم الخلاف في جواز التعويل حينئذ عليه، بل يمكن حمل كثير من عبارات الأصحاب على ذلك، كما صرّح به المحقّق الخوانساري رحمه اللّه «1»، بل هو الظاهر من عدم التمكن من العلم.

و على هذا فيظهر القدح فيما اعتضد به القول بالجواز من الشهرة و الإجماع المنقول، لورودهما على صورة عدم التمكن من العلم المحتمل، بل الظاهر في تعذّره بالكلية.

و لأجل ضعف تلك الأدلّة خالف الإسكافي من القدماء «2»- بل السيد على ما يظهر من الكفاية «3»- في الاستثناء، و اختاره من المتأخّرين صاحب المدارك «4»، و المحقّق الخوانساري في حواشيه على الروضة، و بعض شرّاح المفاتيح [1]، و نفى عنه البعد المحقّق الأردبيلي في شرح الإرشاد «5»، فلم يستثنوه إلّا مع اليأس المطلق عن حصول العلم، و احتمله الفاضل في نهاية الإحكام أيضا «6»، و هو الأقرب.

و من المستثنيات، في المعتبر و المعتمد: سماع أذان الضابط الثقة «7»، لقوله عليه السلام: «المؤذّن مؤتمن» «8». و مثله رواية الهاشمي «9».

و قوله: «خصلتان معلّقتان في أعناق المؤذّنين للمسلمين: صلاتهم،

______________________________

[1] قال الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط): الأقوى قول المشهور، و الأحوط ما قاله ابن الجنيد.

______________________________

(1) الحواشي على شرح اللمعة: 172.

(2) حكاه عنه في المدارك 3: 98.

(3) كفاية الأحكام: 15.

(4) المدارك 3: 99.

(5) مجمع الفائدة 2: 53.

(6) نهاية الإحكام 1: 328.

(7) المعتبر 2: 63.

(8)

مسند أحمد 2: 382، سنن الترمذي 1: 133- 207.

(9) التهذيب 2: 282- 1121، الوسائل 5: 378 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 95

و صيامهم» «1».

و مرسلة الفقيه: في المؤذّنين «إنهم الامناء» «2».

و الأخرى: «إنّما أمر الناس بالأذان لعلل كثيرة، منها: أن يكون تذكيرا للناسي، و منبّها للغافل، و تعريفا لمن جهل الوقت و اشتغل عنه» «3».

و ثالثة، و فيها: «فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: إنّ ابن مكتوم يؤذّن بليل، فإذا سمعتم بأذانه فكلوا و اشربوا حتى تسمعوا أذان بلال» «4».

و رابعة، و فيها: «المؤذّنون أمناء المؤمنين على صلاتهم و صومهم و لحومهم و دمائهم» «5».

و رواية خالد: أخاف أن أصلّي الجمعة قبل أن تزول الشمس، قال: «إنّما ذلك على المؤذّنين» «6».

و صحيحة المحاربي: «صلّ الجمعة بأذان هؤلاء، فإنّهم أشد شي ء مواظبة على الوقت» «7» و مقتضى تعليلها جواز الاعتماد على أذان كلّ من كان كذلك.

و المروي في قرب الإسناد: عن رجل صلّى الفجر في يوم غيم أو في بيت، و أذّن المؤذّنون، و قعد فأطال الجلوس حتى شك، فلم يدر هل طلع الفجر أم لا، فظن أنّ المؤذّن لا يؤذّن حتى يطلع الفجر، قال: «أجزأه أذانه» «8».

و في تفسير العياشي: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام و هو مغضب

______________________________

(1) سنن ابن ماجه 1: 236- 712.

(2) الفقيه 1: 189- 898، الوسائل 5: 379 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 6.

(3) الفقيه 1: 195- 915، الوسائل 5: 418 أبواب الأذان و الإقامة ب 19 ح 14.

(4) الفقيه 1: 189- 905، الوسائل 5: 389 أبواب الأذان و الإقامة ب 8 ح 2.

(5) الفقيه 1: 189- 905،

الوسائل 5: 380 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 7.

(6) التهذيب 2: 284- 1137، الوسائل 5: 379 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 3.

(7) الفقيه 1: 189- 899، التهذيب 2: 284- 1136، الوسائل 5: 378 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 1.

(8) قرب الإسناد: 182- 674، الوسائل 5: 379 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 96

و عنده نفر من أصحابنا و هو يقول: «يصلّون قبل أن تزول الشمس» قال: و هم سكوت، فقلت: أصلحك اللّه ما نصلّي حتى يؤذّن مؤذّن مكة، قال: «فلا بأس، أما إنه إذا أذّن فقد زالت الشمس» «1».

خلافا للأكثر، فلم يعتبروه إمّا مطلقا، أو إلّا مع عدم التمكن من العلم، لعمومات اشتراط العلم، و خصوص رواية علي، المتقدّمة «2»، و كون روايات الاعتبار بين غير دالّ و ضعيف.

أقول: لا شك في ضعف كثير من رواياته، و عدم تمامية دلالة بعضها، إلّا أنّ أكثر مراسيل الفقيه و صحيحة المحاربي حجة ظاهرة الدلالة على المراد.

و لوجوب تخصيص العام منها بالعارف الضابط، للإجماع على عدم اعتبار غيره، و للتفرقة بين أذان ابن مكتوم و بلال، و التعليل المذكور في الصحيحة، و لموثّقة عمار: عن الأذان هل يجوز أن يكون من غير عارف، إلى أن قال: «فإن علم الأذان فأذّن به و لم يكن عارفا لم يجز أذانه و لا إقامته، و لا يقتدى به» «3» و في بعض النسخ: «لا يعتد به» تصير أخص من رواية علي، فيجب تخصيصها به.

فقول المعتبر و المعتمد معتبر و معتمد.

و المراد بالعارف الثقة من يكون عارفا بالوقت موثوقا به عن التقديم و التأخير عمدا.

و لا بدّ من

إمكان علمه بالوقت، كما قيّد به في المدارك «4»، فلو كان السماء بحيث لم يتصوّر حصول العلم لا يعوّل عليه، لفقدان فائدة المعرفة التي رتّب

______________________________

(1) تفسير العياشي 2: 309- 140، الوسائل 5: 380 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 9.

(2) في ص 90.

(3) الكافي 3: 304 الصلاة ب 18 ح 13، التهذيب 2: 277- 1101، الوسائل 5: 431 أبواب الأذان و الإقامة ب 26 ح 1.

(4) المدارك 3: 98.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 97

التعويل عليها حينئذ، بل يكون مبنى أذانه على الظن و الاجتهاد، فلا يصلح للتعويل و الاعتماد.

ثمَّ بعد ملاحظة اعتبار أذان الثقة العارف يعلم بتنقيح المناط القطعي اعتبار إخبار العدل العارف الواحد، و أولى منه العدلان العارفان، و هما أيضا موضعان من مواضع الاستثناء، و استثناهما بعض من لم يستثن الأذان أو مطلق الظن أيضا و لو مع عدم التمكن من العلم «1».

و ممّا قد يستثنى: صياح الديوك لمعرفة الزوال، عن ظاهر الصدوق و الذكرى «2»، لروايتي أبي عبد اللّه الفراء «3»، و الحسين بن المختار «4».

و لا بأس به مع اشتراط تجاوب الديوك بعضها بعضا، كما في الرواية الاولى، و تحقّق ثلاثة أصوات ولاء، كما في الثانية.

و يشترط أن يكون ذلك حيث تشهد به العاد، كما في شرح القواعد «5»، للإجماع على عدم الاعتبار مع خلاف ذلك.

و ظاهر إطلاق الجواب في الروايتين: عدم اشتراط عدم التمكن من العلم و إن اختص السؤال بيوم الغيم.

الثانية: لو صلّى ظانا دخول الوقت فظهر خلافه،

فإن كان من الظنون الغير المعتبرة فيه، أو قطع بدخول الوقت مع علمه بوجوب مراعاته و بأنه ما هو، فظهور الخلاف إمّا بعد تمام الصلاة أو قبله.

______________________________

(1) كالشيخ في المبسوط 1: 74.

(2) الصدوق في الفقيه

1: 144، الذكرى: 128.

(3) الكافي 3: 284 الصلاة ب 8 ح 2، الفقيه 1: 143- 668، التهذيب 2: 255- 1010، مستطرفات السرائر: 109- 63، الوسائل 4: 171 أبواب المواقيت ب 14 ح 5.

(4) الكافي 3: 285 الصلاة ب 8 ح 5، الفقيه 1: 144- 669، التهذيب 2: 255- 1011، الوسائل 4: 170 أبواب المواقيت ب 14 ح 2.

(5) جامع المقاصد 2: 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 98

فعلى الأول: فمقتضى الأصل صحة الصلاة و عدم وجوب القضاء، سواء ظهر وقوع الصلاة بتمامها قبل الوقت أو بعضها، لأنّه متعبّد بعلمه و ظنه، فيكون ما أتى مأمورا به، و هو يقتضي الإجزاء.

و القول بأنه يقتضيه لذلك المأمور به، لا للمأمور به في الوقت، مردود:

بالعلم بكون الأول بدلا عن الثاني، فإنّا نعلم أنه ليس ها هنا أمران، بل أمر واحد، و سبب التكليف و الدالّ عليه هو الأمر الواحد، فليس هنا إلّا سبب واحد، فلا تجري أصالة عدم تداخل الأسباب، و الحاصل هنا واحد و هو الأمر بالصلاة في الوقت، و ذلك الزمان وقت باعتبار علمه [1].

و لأنّ المراد بالوقت المضروب للصلاة: الظاهري، و هو ما علم أنه وقت، أو ظن بالظن المعتبر شرعا، دون النفس الأمري، فيكون إتيانه في وقته.

و تدلّ عليه في صورة وقوع بعضها خارج الوقت رواية ابن رباح، المتقدّمة في المسألة السابقة «1».

لكن خرج ما إذا وقع تمامها قبله بالدليل، و هو ليس- كما قيل «2»- أنه أدّى ما لم يؤمر به. أو موثّقة أبي بصير: «من صلّى في غير وقت فلا صلاة له» «3». أو صحيحة زرارة: في رجل صلّى الغداة بليل، غرّه من ذلك القمر و نام حتى طلعت الشمس، فأخبر

أنه صلّى بليل، قال: «يعيد صلاته» «4» أو رواية سماعة: «إياك

______________________________

[1] و ذلك بخلاف ما يأتي في الجاهل، فإنه أمر بالصلاة في غير الوقت لأجل خطاب العقل كما يأتي.

و مما ذكر ظهر أن بدلية أحد الأمرين عن الآخر ليس بمحض الإجماع حتى يناقش فيه في بعض المواضع، بل باعتبار عدم التحقق إلّا لأمر واحد. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) راجع ص 91.

(2) انظر: المنتهى 1: 213.

(3) التهذيب 2: 254- 1005، الوسائل 4: 168 أبواب المواقيت ب 13 ح 7.

(4) الكافي 3: 285 الصلاة ب 8 ح 4، التهذيب 2: 254- 1008، الوسائل 4: 167 أبواب المواقيت ب 13 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 99

أن تصلّي قبل أن تزول» «1».

لما في الأول من منع عدم كونه مأمورا به، فإنه متعبّد بظنه. و في الثاني من منع وقوع الصلاة في غير الوقت، لوقوعها في الوقت الظاهري الذي يجب أن يكون هو المراد من الوقت جدّا. و في الثالث من عدم دلالته على وجوب الإعادة. و في الرابع من أن المراد: قبل أن يعلم الزوال، و إلّا جاء التكليف بما لا يطاق.

بل للإجماع المحقّق و المحكي في المدارك «2»، و في السرائر: بلا خلاف بين أصحابنا في ذلك «3»، و في شرح القواعد: لا خلاف فيه «4»، و صحيحة زرارة، المتقدّمة في المسألة السابقة «5»، و مفهوم الشرط في رواية ابن رباح [1].

و على الثاني فمقتضى الأصل الفساد، لأنّ ما بقي من صلاته غير مأتي به بعد، فلا مقتضي للإجزاء، و لم يعلم أن أول الوقت وقت لآخر الصلاة أيضا فلم يعلم الأمر به، فلا يكون صحيحا، و بفساده تفسد الأجزاء المتقدمة أيضا.

إلّا أن مقتضى رواية

ابن رباح الإجزاء، و لكن الثابت منها إنما هو في صورة العلم، لأنّه المتيقّن إرادته، مع أنه لو كان يرى بمعنى يظن- كما قيل- يثبت في صورة العلم أيضا بالأولوية، و لا عكس، بل في صورة الظهور في الأثناء حين دخول الوقت دون ما إذا ظهر الخطأ قبله، لعدم ظهور الرواية فيه.

و المتحصّل ممّا ذكر: وجوب الإعادة مع وقوع تمامها قبل الوقت مطلقا، أو

______________________________

[1] هذا على إرادة العلم من قوله «ترى» كما هو الظاهر، و فسّره به في الصحاح، فيدل على الحكم في صورة العلم و يتعدى إلى الظن بالأولوية. و إن كان بمعنى الظن- كما في النهاية الأثيرية- اختصت دلالتها بصورة الظن. و القول باستحالة حمله على العلم- كما في المعتبر و المنتهى- لا وجه له، لأن مرادنا من العلم الجزم، سواء طابق الواقع أم لا. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) التهذيب 2: 141- 549، الوسائل 4: 167 أبواب المواقيت ب 13 ح 6.

(2) المدارك 3: 100.

(3) السرائر 1: 200.

(4) جامع المقاصد 2: 28.

(5) راجع ص 91.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 100

بعضها مع ظهور الخطأ قبل دخول الوقت و إن علم أنه يدرك الوقت في الأثناء، أو بعده مع دخوله في الصلاة بظن الوقت دون علمه، و عدمه مع وقوع بعضها قبله و ظهور الخطأ بعد الصلاة، أو في الأثناء بعد دخول الوقت مع دخوله في الصلاة بالعلم بالوقت [1].

إجماعا في الأول، بل الثاني على الظاهر، و وفاقا للقديمين و السيد في المسائل الرسيات و المختلف و الأردبيلي و المدارك، في الثالث «1»، و للأكثر و منهم: الشيخان و الديلمي و الحلّي و القاضي و الحلبي و المنتهى، في الأخيرين «2».

و خلافا لهؤلاء

في الثالث، فجعلوه كالأخيرين، لرواية ابن رباح بجعل قوله: «ترى» ظاهرا في الظن.

و فيه منع ظاهر.

و لمن تقدّم عليهم في الأخيرين، فجعلوهما كالثالث، لضعف الرواية، و موثّقة أبي بصير، المتقدّمة، و النهي عن الصلاة قبل الوقت الموجب للفساد، و عدم الامتثال، للأمر بإيقاعها في الوقت، و وجوب تحصيل اليقين بالبراءة، و انتفاء الوقت الخاص الذي هو شرط الصحة.

و يضعّف الأول: بانجبار الضعف- لو كان- بالشهرة، مع صحة الرواية عن ابن أبي عمير الذي على تصحيح ما يصح عنه أجمعت العصابة.

______________________________

[1] و لا يضرّ عدم ظهور قول بالفصل بين العلم و الظن، و لا بين ظهور الخطأ في الأثناء و بعد الفراغ، لعدم العلم بالإجماع المركب. مع أن كلام الأكثر مخصوص بالظن، فلا يعلم قول القائلين بوجوب الإعادة في صورة العلم أيضا. إلّا أن في نسبة الخلاف إلى الإسكافي حينئذ إشكالا، لأنه لا يجوّز العمل بالظن مطلقا، فالصلاة مع الظن عنده فاسدة مطلقا. و لذا احتمل بعضهم أن يكون مورد الخلاف أعم من الظن و الجزم. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) العماني و الإسكافي، و حكاه عنهما في المختلف: 73، المسائل الرسيات (رسائل الشريف المرتضى 2): 350، المختلف: 73، الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 53، المدارك 3: 101.

(2) المفيد في المقنعة: 94، الطوسي في النهاية: 62، الديلمي في المراسم: 63، الحلي في السرائر 1:

201، القاضي في المهذب 1: 72، الحلبي في الكافي: 138، المنتهى 1: 213.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 101

و الثاني: بما مرّ سابقا، مضافا إلى عمومها بالنسبة إلى وقوع تمام الصلاة قبل الوقت أو بعضها [1]، و خصوص الرواية.

و بهما يضعّف الثالث أيضا، و البواقي بما ظهر وجهه ممّا ذكرنا، مع أنّ بعد

الدليل على كفاية العلم أو الظن نمنع اشتراط الوقت الخاص، بل يكون الشرط العلم به أو الظن.

الثالثة: لو صلّى قبل الوقت عامدا، أو شاكّا في دخوله،

أو في تعيينه كمن صلّى بعد الفجر الأول جهلا منه بأنه الوقت أو بعد الفجر الثاني، أو جاهلا بوجوب مراعاته، أو ناسيا لها، أو للظهر- مثلا- فأدّى العصر في الوقت المختص به، أو خاطئا في الوقت، كمن صلّى بعد الفجر الأول جازما بأنه الوقت المقرر لصلاة الصبح، أو غافلا، لم يجزئ عن المأمور به، و وجب عليه الإعادة و القضاء مطلقا، سواء وقع جزء منها في الوقت أو لا، و سواء احتمل الخلاف في الرابع أم لم يخطر بباله أصلا.

للأمر بالصلاة بعد الزوال- مثلا- أو بعد العلم أو الظن المعتبر به، و لم يأت بذلك في شي ء من الصور، فيكون مأمورا بها في الوقت، و بالقضاء- لعموماته- في خارجه.

و معذورية بعض أقسام غير الثلاثة الاولى لا تفيد هنا، إذ غاية مقتضاها عدم الإثم، أو مع صحة عبادته، لأنّ العبادة التي أتى بها هي ما أمر به باعتبار جزمه بأنه مأمور به، و هو أمر آخر غير الأمر بالصلاة بعد العلم أو الظن بالزوال مثلا، فإنّ الأول أمر تعلّق به بخطاب العقل الحاكم بأنّ كلّ من قطع بتعلّق حكم به يتعلّق به، و إلّا فلا خطاب شرعيا بالصلاة في الفجر الأول مثلا، و الثاني بخطاب الشرع، و لم تثبت بدلية الأول عن الثاني.

فالخلاف المحكي عن بعض فيما إذا صادف بعض الصلاة الوقت في

______________________________

[1] بل قد يقال بظهور الموثقة في وقوع الصلاة بتمامها خارج الوقت، و فيه نظر. منه رحمه اللّه تعالى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 102

العامد، كما هو ظاهر نهاية الإحكام [1]، و المحكي عن المهذب «1»،

أو في الناسي كما عنهما، و عن الكافي و في البيان «2»، لرفع النسيان، و تنزيل إدراك الوقت في البعض منزلته في الكل، و لما تقدّم من خبر ابن رباح «3»، ضعيف غايته، و معنى رفع النسيان رفع الإثم، و التنزيل المذكور على الإطلاق ممنوع، و الخبر غير شامل للمطلوب.

و لو صادفت صلاة هؤلاء الوقت بتمامها، فإن كان من الثلاثة الأولى، أو المقصّر من الجاهل و الخاطئ، وجب عليه الإعادة و القضاء، لكون صلاته منهيا عنها.

و إن كان من الجاهل أو الخاطئ الغير المقصّر، أو الناسي، أو الغافل، فإن علم بالزوال- مثلا- تصح صلاته و لا يجب عليه الإعادة و القضاء و إن كان جاهلا أو ناسيا أو غافلا لوجوب مراعاته، لأصالة عدم اشتراط العلم بوقتية الزوال.

و إن جهل بالزوال، فالأصح وجوب الإعادة و القضاء، لمثل قوله: «لا يجزئك حتى تعلم أنه طلع» «4» و لأن الأمر بالصلاة في الوقت معناه حال العلم بالوقت و هو لم يمتثل ذلك، فيجب عليه امتثاله، و لا تنافيه معذورية الجاهل.

و هاهنا قسم آخر، و هو من صلّى في وقت مختلف فيه، كبعد الغروب قبل زوال الحمرة، أو سائر ما اختلف فيه في الاختيار و الاضطرار، من غير تقليد لمن يقول بالوقتية، و حكمه الصحة مع العلم بالوقتية من غير خطور خلاف، و البطلان بدونه، كما بيّن وجهه في الأصول.

الرابعة: جواز فعل النوافل المرتبة أداء في أوقاتها مع دخول وقت الفريضة

______________________________

[1] لم نعثر عليه في نهاية الاحكام، بل هو موجود في النهاية للشيخ ص 62.

______________________________

(1) المهذب 1: 72.

(2) الكافي: 38، البيان: 112.

(3) راجع ص 91.

(4) راجع ص 90، رواية علي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 103

ظاهر. و كذا يجوز أن يصلّي الفرائض أداء و قضاء ما لم يتضيّق

وقت الحاضرة، فتقدّم حينئذ، إجماعا في المقامين على الظاهر المصرّح به في جملة من كلمات الأصحاب.

و هو الحجة، مضافا إلى الأصل، و العمومات السليمة عن المعارض، و خصوص النصوص الآتية في بحث القضاء و الصلوات الآتية.

و كذا يجوز التنفّل بغير أداء الرواتب في وقت الفريضة، على الأظهر، وفاقا لظاهر المهذب للقاضي، و الذكرى و شرح القواعد و الدروس و روض الجنان و المدارك و الذخيرة و شرح الإرشاد للأردبيلي و المفاتيح «1»، و المعتمد. و في الدروس:

إنه الأشهر.

للأصل، و الأخبار المتكثرة، المصرّحة بالجواز عموما أو خصوصا.

فمن الأول: العمومات الناطقة بأنّ التطوّع بمنزلة الهدية متى يأتي بها قبلت، و هي كثيرة جدا «2». و بأنّ الفائتة- الشاملة لقضاء النوافل- تقضى في كلّ وقت أو ساعة أو حين ذكرها، كصحيحتي ابن أبي يعفور و أبي بصير «3»، و روايات زرارة و نعمان و ابن أبي العلاء و ابن عمار «4»، و غيرها. و بأنّ خصوص النوافل يقضى

______________________________

(1) المهذب 1: 71، الذكرى: 114، جامع المقاصد 2: 24، الدروس 1: 142، روض الجنان:

184، المدارك 3: 88، الذخيرة: 202، مجمع الفائدة 2: 42، المفاتيح 1: 97.

(2) انظر: الوسائل 4: 231 أبواب المواقيت ب 37.

(3) صحيحة ابن أبي يعفور: التهذيب 2: 174- 692، الاستبصار 1: 290- 1063، الوسائل 4:

243 أبواب المواقيت ب 39 ح 12، صحيحة أبي بصير: الكافي 3: 287 الصلاة ب 10 ح 1، التهذيب 2: 171- 682، الوسائل 4: 241 أبواب المواقيت ب 39 ح 5.

(4) رواية زرارة: الكافي 3: 288 الصلاة ب 10 ح 3، الفقيه 1: 278- 1265، الوسائل 4: 240 أبواب المواقيت ب 39 ح 1، رواية نعمان: التهذيب 2: 171- 680، الوسائل 4: 244

أبواب المواقيت ب 39 ح 16، رواية ابن أبي العلاء: التهذيب 2: 173- 691، الاستبصار 1:

290- 1062، الوسائل 4: 243 أبواب المواقيت ب 39 ح 13، رواية ابن عمار: الكافي 3: 287 الصلاة ب 10 ح 2، التهذيب 2: 172- 683، الوسائل 4: 241 أبواب المواقيت ب 39 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 104

في كلّ وقت، كصحيحة حسان «1»، و مكاتبة محمد بن يحيى «2»، و رواية سليمان «3».

و بأنّ الفائتة تصلّى في وقت الفريضة أيضا، كحسنة الحلبي «4»، و خبر محمد «5»، بل صحيحتهما.

و من الثاني: خبر أبي بصير: «إن فاتك شي ء من تطوّع النهار و الليل فاقضه عند زوال الشمس، و بعد الظهر عند العصر، و بعد المغرب، و بعد العتمة» «6» و نحوه المروي في قرب الإسناد [1].

و موثّقة إسحاق: قلت: أصلّي في وقت فريضة نافلة؟ قال: «نعم في أول الوقت إذا كنت مع إمام يقتدى به، فإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة» «7».

و الأخبار المتكثّرة المصرّحة باستحباب بعض الصلوات في بعض أوقات الفرائض، كمرسلة علي بن محمد في عشر ركعات بين العشاءين «8»، و أخرى في

______________________________

[1] قرب الإسناد: 211- 828، الوسائل 4: 234 أبواب المواقيت ب 37 ح 9 (بتفاوت).

______________________________

(1) التهذيب 2: 272- 1084، الاستبصار 1: 290- 1064، الوسائل 4: 242 أبواب المواقيت ب 39 ح 9.

(2) الكافي 3: 454 الصلاة ب 90 ح 17، التهذيب 2: 272- 1083، الوسائل 4: 240 أبواب المواقيت ب 39 ح 3.

(3) التهذيب 2: 173- 690، الاستبصار 1: 290- 1061، الوسائل 4: 243 أبواب المواقيت ب 39 ح 11.

(4) الكافي 3: 452 الصلاة ب 90 ح 6، التهذيب 2: 163- 639، الوسائل 4:

241 أبواب المواقيت ب 39 ح 7.

(5) الكافي 3: 452 الصلاة ب 90 ح 7، الوسائل 4: 241 أبواب المواقيت ب 39 ح 6.

(6) التهذيب 2: 163- 642، الوسائل 4: 277 أبواب المواقيت ب 57 ح 10.

(7) الكافي 3: 289 الصلاة ب 11 ح 4، التهذيب 2: 264- 1052، الوسائل 4: 226 أبواب المواقيت ب 35 ح 2.

(8) الكافي 3: 468 الصلاة ب 97 ح 4، التهذيب 3: 310- 963، الوسائل 8: 117 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 16 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 105

ركعتين بينهما يقرأ في أولاهما بعد الحمد عشرا من أول البقرة و آية السخرة «1»، و رواية الجعفري في ركعتين بين الأذان و الإقامة «2»، و روايات الغفيلة «3»، و في الصلوات الواردة بين الظهرين خصوصا يوم الجمعة، و صلوات الرغائب «4»، و كثير من نوافل شهر رمضان، و غير ذلك ممّا لا يعدّ كثرة.

خلافا لنهاية الإحكام و السرائر و القواعد و المعتبر و الشرائع و النافع و المنتهى و التذكرة و عن المقنعة و المبسوط و الجمل و العقود «5»، و الاقتصاد [1]، و الإصباح و الوسيلة و الجامع «6»، إلّا أنّ المذكور في كلام الثلاثة الأول هو: قضاء النوافل خاصة، بل المشهور، كما في شرح القواعد و الروضة «7»، و غيرهما. و ظاهر المعتبر:

نسبته إلى علمائنا «8».

لما مرّ من الأخبار في تحديد نوافل الظهرين بالذراع و الذراعين، الآمرة بالبدأة بالفريضة بعد خروج وقت النافلة «9»، و في عدم جواز الإيتار بعد طلوع الفجر «10».

______________________________

[1] لم نعثر فيه على حكم فعل النافلة في وقت الفريضة، انظر ص 256.

______________________________

(1) الكافي 3: 468 الصلاة ب 97 ح 6، التهذيب

3: 188- 428، الوسائل 8: 118 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 16 ح 2.

(2) التهذيب 2: 64- 227، الوسائل 5: 397 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 2.

(3) انظر: الوسائل 8: 120 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 20.

(4) انظر: الوسائل 8: 98 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 6.

(5) نهاية الإحكام 1: 325، السرائر 1: 203، القواعد 1: 24، المعتبر 2: 60، الشرائع 1:

63، المختصر النافع: 23، المنتهى 1: 208، التذكرة 1: 82، المقنعة: 212، المبسوط 1:

128، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 175.

(6) الوسيلة: 84، الجامع للشرائع: 61.

(7) جامع المقاصد 2: 23، الروضة 1: 362.

(8) المعتبر 2: 60.

(9) راجع ص 56.

(10) راجع ص 77.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 106

مضافا إلى مستفيضة أخرى، منها: موثقات محمد، و نجية، و أديم: الاولى مرّت في نافلة المغرب «1»، و الثانية: تدركني الصلاة فأبدأ بالنافلة؟ فقال: «لا، ابدأ بالفريضة و اقض النافلة» «2». و الثالثة: «لا يتنفّل الرجل إذا دخل وقت فريضة» قال: و قال: «إذا دخل وقت فريضة فابدأ بها» «3».

و روايتي زياد و الحضرمي:

الأولى: «إذا حضرت المكتوبة فابدأ بها، فلا يضرك أن تترك ما قبلها من النوافل» «4».

و الثانية: «إذا دخل وقت صلاة مفروضة فلا تطوّع» «5».

و صحيحتي زرارة المرويتين في الذكرى:

إحداهما: «إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة» «6».

و الأخرى: أصلّي نافلة و عليّ فريضة أو في وقت فريضة؟ قال: «لا تصلّى نافلة في وقت فريضة، أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان أ كان لك أن تتطوّع حتى تقضيه»؟ قال: قلت: لا، قال: «فكذلك الصلاة» قال: فقايسني و ما كان يقايسني «7».

و المروي في السرائر صحيحا: «لا تصلّ من

النافلة شيئا في وقت فريضة،

______________________________

(1) راجع ص 65.

(2) التهذيب 2: 167- 662، الوسائل 4: 227 أبواب المواقيت ب 35 ح 5.

(3) التهذيب 2: 167- 663، الوسائل 4: 228 أبواب المواقيت ب 35 ح 6.

(4) التهذيب 2: 247- 984، الاستبصار 1: 253- 907، الوسائل 4: 227 أبواب المواقيت ب 35 ح 4.

(5) التهذيب 2: 167- 660، الاستبصار 1: 292- 1071، الوسائل 4: 228 أبواب المواقيت ب 35 ح 7.

(6) الذكرى: 134، الوسائل 4: 285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.

(7) الذكرى: 134.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 107

فإنه لا تقضى نافلة في وقت فريضة، فإذا دخل وقت الفريضة فابدأ بالفريضة» «1».

و في الخصال: «لا يصلّي الرجل نافلة في وقت الفريضة إلّا من عذر، و لكن يقضي بعد ذلك إذا أمكنه القضاء» إلى أن قال: «لا تقضى نافلة في وقت الفريضة، ابدأ بالفريضة ثمَّ صلّ ما بدا لك» «2».

و الرضوي: «لا تصلّى النافلة في أوقات الفرائض إلّا ما جاءت من النوافل في أوقات الفرائض [مثل ] ثمان ركعات بعد زوال الشمس» [1] الحديث.

و يجاب عنها- بعد ردّ الأولين بما مرّ في موضعهما «3»، و بأنّ الوقت في الأول غير محل النزاع، لأنّ الوقت الممنوع فيه النافلة هو بعد الذراع و الذراعين لا مطلق وقت الفريضة كما هو المطلوب، مع كون موردهما الراتبة الحاضرة التي هي غير المتنازع فيه، و كذا الموثّقة الثانية لمكان الحكم بالقضاء، بل الرواية الأولى كما هو الظاهر من قوله: «ما قبلها من النوافل» بل رواية الخصال لقوله: «و لكن يقضي».

مع ما في الموثّقة من إمكان إرادة تضيّق الصلاة أو حضور الجماعة من الإدراك، بل هي ليس بأخفى من إرادة دخول الوقت، و ما

في الرواية الاولى من إمكان إرادة الثاني أو حضور الصلاة بشروع المؤذّن في الإقامة كما يستفاد من بعض المعتبرة، و ما في رواية الخصال من أنّ جزأها الأول يدل على الجواز مع العذر، المثبت للجواز مطلقا بالإجماع المركّب، و ردّ الرضوي باشتماله على النفي الغير الصريح في التحريم-:

أولا: بأنه يمكن إرادة الوقت المضيّق من الجميع، لكفاية أدنى الملابسة في

______________________________

[1] فقه الرضا عليه السلام: 111، و فيه «لا تصلّ» بصورة النهي، و ما أثبتناه موافق للنسخة الحجرية من فقه الرضا: 9، مستدرك الوسائل 3: 144 أبواب المواقيت ب 28 ح 1.

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 73- 7، الوسائل 4: 228 أبواب المواقيت ب 35 ح 8.

(2) الخصال: 628، الوسائل 4: 228 أبواب المواقيت ب 35 ح 10.

(3) راجع ص 57 و 77.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 108

الإضافة، بل الاختصاص الظاهر من الإضافة أنسب بها، و يرجّحها إيجابها سلامة الجميع عن تخصيص النافلة بغير الرواتب.

بل تشهد لها موثّقة سماعة: عن الرجل يأتي المسجد و قد صلّى أهله أ يبتدئ بالمكتوبة أو يتطوّع؟ فقال: «إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوّع قبل الفريضة، و إن كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة و هو حقّ اللّه، ثمَّ ليتطوّع بما شاء، الأمر موسّع أن يصلّي الإنسان في أول وقت دخول الفريضة النوافل إلّا أن يخاف فوت الفريضة» «1» الحديث، بل لا وجه للعدول عن ذلك مع وجود مثل تلك القرينة و الشاهد.

و ثانيا: بأنه يمكن إرادة الأفضلية من الأمر بالبدأة بالفريضة، و المرجوحية من النهي عن النافلة، بل تتعيّن تلك الإرادة- بناء على تعميم الوقت- بشهادة ما مرّ من المستفيضة المجوّزة، و بقرينة قوله

في الموثّقة المذكورة بعد ما مرّ: «و الفضل إذا صلّى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أول الوقت للفريضة، و ليس بمحظور عليه أن يصلّي النوافل من أول الوقت إلى آخر الوقت».

و أيّ قرينة أوضح من نفي الحظر عنه عن ذلك مع التصريح بالفضل فيها، و في صحيحة محمد: إذا دخل وقت الفريضة أتنفّل أو أبدأ بالفريضة؟ فقال: «إنّ الفضل أن يبدأ بالفريضة» «2».

و المناقشة: بأنّ الفضل غير الأفضلية و هو يحصل في الواجب أيضا، باردة جدا، فإنّ مع التصريح بالجواز و نفي الحرمة- كما في الموثّقة- يصير صريحا في الاستحباب.

و أيضا: الفضل هو الزيادة في الثواب، و هي لا تكون إلّا مع شي ء من

______________________________

(1) الكافي 3: 288 الصلاة ب 11 ح 3، الفقيه 1: 257- 1165، التهذيب 2: 264- 1051، الوسائل 4: 226 أبواب المواقيت ب 35 ح 1.

(2) الكافي 3: 289 الصلاة ب 11 ح 5، الوسائل 4: 230 أبواب المواقيت ب 36 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 109

الثواب في غيره أيضا، مع أنّ المتبادر عرفا من إثبات الفضل لشي ء على آخر هو ثبوت الأقلّ للآخر أيضا، و لذا يقال للواجب: الفضل على النافلة، و لا يقال له:

الفضل على الحرام.

و نفي إمكان حمل جميع أخبار المنع على الكراهة، باعتبار اشتمال بعضها على المقايسة، و تنظير النافلة بمن عليه صوم الفريضة، المانعة عن التطوّع اتّفاقا، مدفوع- بعد تسليم الاتّفاق على المنع في النظير- بأنّ القياس على الممنوع ليس بأصرح من المنع، فكما يمكن إرادة الكراهة من صريحه يمكن من المنع المستفاد من القياس أيضا تجوّزا، بل إمكانها حينئذ أظهر، لأنّ مرجعه إلى التشبيه المستدعي لكون المشبّه به

أقوى.

مع أنّ إحدى الروايتين المشتملتين على المقايسة «1» غير واضحة الحجية، لخلوّ كتب الأحاديث عنها [1]، و الأخرى [2] غير صريحة في كون القياس من الإمام، لاحتمال أن يكون قوله: «أن تقايس» مبنيا للفاعل و يكون المعنى: أ تضمر القياس على تطوّعك لو كان عليك من شهر رمضان، و تريد أن تقيس عليه إن أجبت بالجواز؟ مع أنّ أكثر المانعين مجوّزون لفعل نافلة الفجر- التي هي المقيس عليه- في وقت الفريضة [3].

______________________________

[1] و يمكن أيضا أن يراد من بعض نفس شهر رمضان، و يكون المعنى: باقيا عليك منه، ليكون مضيقا و يكون قرينة على إرادة التضيّق في المقيس أيضا، و يكون «تقضيه» بمعنى تفعله. منه رحمه اللّه تعالى.

[2] و هي صحيحة زرارة و قد تقدم صدرها في ص 86، و إليك متنها بتمامه: «قال: سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال: قبل الفجر إنهما من صلاة الليل، ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل، أ تريد أن تقايس؟! لو كان عليك من شهر رمضان أ كنت تتطوع؟ إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة».

[3] و يظهر مما ذكرنا أن لقوله: «أن تقايس» أربعة احتمالات: الأول: بالبناء للمفعول و المراد حينئذ:

و يصحّ أن أقايس لك. و الثاني: بالبناء للفاعل كما في المتن، و الثالث: كذا أيضا و يكون المراد أ تريد أن تقايس ذلك بنوافل الظهرين؟ و الرابع: أ تريد أن تقايس الخصم و أعلمك القياس؟ منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) و هي صحيحة زرارة المذكورة في الذكرى، المتقدمة في ص 106.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 110

و القول بأنّ هذين الحملين جمع، و هو فرع المكافأة، و هي في المقام مفقودة، لصحة أكثر أخبار

المنع، و استفاضتها، و اعتضادها بالشهرة، مردود: بأنّ وجه الحمل لا ينحصر في الجمع، بل القرينة عليه- كما مرّ- متحقّقة «1»، مع أنّ فقدان التكافؤ غير مسلّم، كما سيظهر وجهه.

مع أنّ مقتضى صحيحة عمر بن يزيد- المتقدّمة في بحث نافلة المغرب «2»- أنّ المراد بوقت الفريضة الذي منع عن التطوّع فيه غير ما هو مطلوب المانع، فيسقط الاستدلال بأخبار المنع رأسا.

و عدم القول بالحرمة في هذا الوقت غير ثابت، و لو ثبت فغير ضائر، لأنّ مدلول الصحيحة أنّ المراد بالوقت في أخبار المنع وقت الإقامة، و لا إجماع على نفي ذلك، بل لو كان لكان على عدم المنع حينئذ بخصوصه، و لازمه خروج أخبار المنع عن الحجّية و بقاء المنع بلا حجّة، مع أنّ القول بالكراهة في هذا الوقت بخصوصه مشهور، فلو سلّم الإجماع المذكور يصير قرينة على أنّ المنع في أخباره على الكراهة محمول، لا أنّ تلك الصحيحة عن الحجية خارجة.

و أمّا ما ردّ به أخبارنا من أنّ أخبار المنع أخص من القسم الأول من أخبار الجواز، فتخصيصها بها لازم. و القسم الثاني فما دلّ منه على جواز بعض النوافل بخصوصه لا يضر، لأنّه في حكم الاستثناء، و الباقي لقصوره إسنادا عن إثبات الحكم عاجز في مقابلة أخبار المنع، الواضحة الدلالة و الاستناد، المعتضدة بعمل الأصحاب، المخالفة للعامة على ما يستفاد من قوله: «يصنع الناس» في الموثّقة السابقة «3»، بل ربما تومئ إليه المقايسة المذكورة، فإنّ الظاهر أنّ المقصود منها الردّ

______________________________

(1) و هي موثقة سماعة المتقدمة في ص 108.

(2) راجع ص 64.

(3) راجع ص 65، موثقة محمّد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 111

على العامة.

فمجاب عنه أولا: بمنع أعمية القسم الأول مطلقا، حيث إنّ

تلك العمومات مخصّصة بغير وقت ضيق الفريضة قطعا، و أخبار المنع- على تسليم الدلالة- شاملة له أيضا، فغايته العموم من وجه الموجب للتساقط، و بقاء الأصل و جملة من العمومات خاليا عن المعارض.

و ثانيا: بعدم الضرر في قصور السند في الأخبار الموجودة في تلك الكتب المعتبرة، مع أنه منها الموثّق، و هو في نفسه حجة، و مع أنّ الخبر الضعيف في مقام الاستحباب في حكم الصحيح و لا يعجز عن إثبات الحكم.

و ثالثا: بمنع ما ذكره من وضوح دلالة الأخبار المخالفة كما عرفت، و لو سلّم فأوضحيتها من دلالة أخبار الجواز ممنوعة.

و رابعا: أنّ وضوح اسناد أخبار المنع في حيّز المنع جدّا، كيف؟! و صحيحتا زرارة لا يعلم سندهما، و إنما يحكم فيهما بالصحة تقليدا لمن وصفه بها، لعدم ظهور السند، و كذا رواية السرائر.

و أمّا صحيحة زرارة، الواردة في ركعتي الفجر «1»، فهي لعدم عمل المجيب بها في موردها في غاية الضعف من الدلالة، و ليس في البواقي خبر صحيح و لا حسن.

و أمّا اعتضاد أخبار المنع بالعمل فغير محقّق، كيف؟! و شهرة المتأخّرين على الجواز قطعا، و أمّا القدماء و من يليهم فلم ينقل القول بالمنع إلّا عن طائفة قليلة منهم، و أقوال البواقي غير معلومة، بل الظاهر من عدم تصريحهم بالمنع القول بالجواز [1]، و قول أكثر المانعين أيضا مختص بقضاء الرواتب، فعدم الشهرة في

______________________________

[1] مع أن المحكي عن الإسكافي و الصدوق في المسألة الآتية الجواز، و قد صرّح في الروض و بعض من تأخر عنه أيضا بأنه لا فرق بين المسألتين، و القائل بالجواز في إحداهما يقول به في الأخرى و كذا المنع. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) راجع ص 109 هامش

3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 112

المطلق مقطوع به.

و أمّا الشهرة المدّعاة فمعارضة بادّعاء الشهيد الشهرة على الجواز «1»، و أمّا قول المحقّق فهو غير صريح بل لا ظاهر في دعوى الإجماع في محل النزاع [1].

و خامسا: أنّ كون الجواز مذهبا للعامة غير ثابت، و لم يدّعه من علمائنا أحد، و أمّا قوله: «كما يصنع الناس» فلا يدلّ على أنهم كانوا يتطوّعون بغير الرواتب كما هو المدّعى، فلعلّهم كانوا يتطوّعون بها حينئذ، و لكراهته- كما هي مذهبنا- لم يفعله الإمام، بل يمكن أن يستحب عندهم تطوّع خاص بين الأذان و الإقامة، كما أنّ لنا أيضا تطوّعات مستثناة بالإجماع، و لكراهتها وقت الفريضة كان الإمام لا يفعلها.

و أمّا المقايسة فمع ما عرفت فيه لا دلالة لها دلالة صالحة للتمسّك على كون الجواز مذهب العامة، كما لا يخفى.

الخامسة: تجوز النوافل المبتدأة و قضاء الرواتب لمن عليه قضاء فريضة،

وفاقا للإسكافي «2»، و الصدوق «3»، و كلّ من قال بالجواز في المسألة المتقدّمة.

للأصل، و العمومات السالفة، بل و إطلاق جميع الأخبار المتقدّمة، حيث يشمل ما لو كان عليه فريضة أيضا.

و رواية عمّار: «إذا أردت أن تقضي شيئا من الفرائض مكتوبة أو غيرها فلا تصلّ شيئا حتى تبدأ، فتصلّي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة، ثمَّ اقض

______________________________

[1] فإنه قال: و يصلّي الفرائض أداء و قضاء ما لم يتضيق الحاضرة، و النوافل ما لم يدخل وقت الفريضة، و هو مذهب علمائنا. (المعتبر 2: 60) فإن الظاهر أن مرجع الضمير هو المنطوق دون المفهوم. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) الدروس 1: 142.

(2) حكاه عنه في المختلف: 148.

(3) الفقيه 1: 315، و المقنع: 32.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 113

ما شئت» «1».

و موثّقة أبي بصير: عن رجل نام عن الغداة حتى

طلعت الشمس، قال:

«يصلّي ركعتين ثمَّ يصلّي الغداة» «2».

و ما روي بطرق عديدة- منها الصحيح- من نومه صلّى اللّه عليه و آله عن صلاة الصبح حتى آذاه حرّ الشمس، ثمَّ استيقظ و ركع ركعتي الفجر، ثمَّ صلّى الصبح بعدهما «3».

و كونه أخص من المدّعى غير ضائر، لعدم القول بالفصل، كما يظهر من استناد الجماعة في التجويز المطلق إليه.

خلافا لأكثر من منع في المسألة السابقة، للروايات الدالّة على وجوب ترتب الفريضة الحاضرة على الفائتة ما لم يتضيّق وقت الحاضرة «4»، و إذا وجب ذلك في الفريضة التي هي صاحبة الوقت ففي نافلتها بطريق أولى، و أولى منها غير نافلتها.

و صحيحة زرارة الثانية، المروية في الذكرى، المتقدّمة «5».

و صحيحة يعقوب: عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس، أ يصلّي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟ قال: «يصلّي حين يستيقظ» قلت:

أ يوتر أو يصلّي الركعتين؟ قال: «بل يبدأ بالفريضة» «6».

و قوله في صحيحة زرارة: «و لا يتطوّع بركعة حتى يقضي الفريضة» «7».

______________________________

(1) التهذيب 2: 273- 1086، الوسائل 8: 257 أبواب قضاء الصلوات ب 2 ح 4.

(2) التهذيب 2: 265- 1057، الاستبصار 1: 286- 1048، الوسائل 4: 284 أبواب المواقيت ب 61 ح 2.

(3) راجع الوسائل 4: 283 أبواب المواقيت ب 61.

(4) انظر: الوسائل 4: 287 أبواب المواقيت ب 62.

(5) في ص 106.

(6) التهذيب 2: 265- 1056، الاستبصار 1: 286- 1047، الوسائل 4: 284 أبواب المواقيت ب 61 ح 4.

(7) الكافي 3: 292 الصلاة ب 12 ح 3، التهذيب 2: 172- 685، الاستبصار 1: 286- 1046، الوسائل 4: 284 أبواب المواقيت ب 61 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 114

و يضعّف الأول- بعد الإغماض عن الروايات

المعارضة لها و تسليم وجوب الترتب-: بمنع الأولوية.

و الثاني- مضافا إلى ما تقدّم-: بمنع الدلالة، لأنّ المتبادر من وقت الفريضة التي نفى صلاحية النافلة فيها هو وقت الأداء. و قول السائل و عليّ فريضة أو وقت فريضة، لا يدلّ على إرادة المعنيين عنه في الجواب، و ترك جوابه عن الأول لمصلحة كما ورد في الأخبار ليس بأبعد من حمل الوقت على المعنيين.

و البواقي: بعدم الدلالة على الحرمة، لخلوّها عن النهي الصريح فيها، سيما بملاحظة ما مرّ من المجوّزات.

السادسة: إذا حصل أحد الأعذار المانعة من الصلاة بعد دخول الوقت،

فقد مرّ حكمه في بحث الحيض، و هو كأخبار المقام و إن اختص بالحيض و لكن يتم المطلوب بعدم الفصل.

و لو زال في آخر الوقت بقدر الصلاتين و لو بأقلّ الواجب بحسب حاله وجبتا أداء، بالإجماع، و الأخبار، كخبري منصور و الكناني، و موثّقة ابن سنان:

الأول: «إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظهر و العصر، فإن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر» «1».

و الثاني: «إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب و العشاء، و إن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر و العصر» «2».

و الثالث: «إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصلّ الظهر و العصر،

______________________________

(1) التهذيب 1: 390- 1202، الاستبصار 1: 142- 487، الوسائل 2: 363 أبواب الحيض ب 49 ح 6.

(2) التهذيب 1: 390- 1203، الاستبصار 1: 143- 489، الوسائل 2: 363 أبواب الحيض ب 49 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 115

و إن طهرت من آخر الليل فلتصلّ المغرب و العشاء» «1».

و بقدر أحدهما وجبت الأخير خاصة كذلك، لقطع الشركة بالتفصيل في خبر منصور، المتقدّم.

و لصحيحة معمّر: الحائض تطهر عند العصر تصلّى الاولى؟ قال: «لا، إنما تصلّي الصلاة التي تطهر

عندها» «2».

و بهما تقيد الإطلاقات السابقة.

و بهما أيضا يثبت وجوب التمام لو بقي من وقت الأخيرة قدر ركعة، مضافين إلى الإجماع، و الإطلاقات، و النبويين.

أحدهما: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» «3».

و الآخر: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» «4».

و رواية ابن نباتة: «من أدرك من الغداة ركعة فقد أدرك الغداة تامة» «5».

و ضعف بعضها سندا و اختصاصه موردا منجبر بالعمل و الإجماع المركّب.

بل يثبت من عموم أول النبويين، بل المتعقّبين له بضميمة الإجماع المركّب، بل عموم الثلاثة الاولى، و صحيحتي الحذّاء و عبيد الآتيتين، ما هو الأظهر الأشهر بل عليه الوفاق عن الخلاف «6»، من وجوب إتمام الأولى أيضا لو

______________________________

(1) التهذيب 1: 390- 1204، الاستبصار 1: 143- 490، الوسائل 2: 364 أبواب الحيض ب 49 ح 10.

(2) الكافي 3: 102 الحيض ب 16 ح 2، التهذيب 1: 389- 1198، الاستبصار 1: 141- 484، الوسائل 2: 362 أبواب الحيض ب 49 ح 3.

(3) مسند أحمد 2: 265، صحيح مسلم 1: 423- 161.

(4) مسند أحمد 2: 260، صحيح مسلم 1: 425- 165.

(5) التهذيب 2: 38- 119، الاستبصار 1: 275- 999، الوسائل 4: 217 أبواب المواقيت ب 30 ح 2.

(6) الخلاف 1: 273.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 116

أدرك مقدار خمس ركعات مطلقا.

خلافا للمحكي عن طهارة المبسوط و الإصباح و المهذب، فقالوا باستحباب الظهرين و العشاءين «1».

كما يثبت من مفهوم النبويين و رواية ابن نباتة عدم وجوب إتمام الاولى لو أدرك أقلّ من ركعة منها و وجوب إتمام الأخيرة، و لا إتمام الأخيرة لو أدرك أقلّ من ركعة منها، و به يقيّد بعض الإطلاقات، فاحتمال بعضهم العمل به

ضعيف جدّا، كضعف ما عن النهاية من لزوم قضاء الفجر عليها بحصول الطهر لها قبل طلوع الشمس على كل حال «2».

ثمَّ القضاء هنا تابع للأداء، فيجب فيما يجب لو ترك، إجماعا، و لعموم قضاء الفوائت. و لا يجب فيما لا يجب كذلك، للأصل.

و تدلّ عليه في الجملة أيضا صحيحتا الحذّاء و عبيد:

الأولى: «إذا رأت المرأة الطهر و هي في وقت الصلاة ثمَّ أخّرت الغسل حتى يدخل وقت صلاة أخرى، كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرّطت فيها» «3».

و الثانية: «أيّما امرأة رأت الطهر و هي قادرة على أن تغتسل وقت صلاة ففرّطت فيها حتى يدخل وقت صلاة أخرى، كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرّطت فيها، فإن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت الصلاة و دخل وقت صلاة أخرى فليس عليها قضاء، و تصلّي الصلاة التي دخل وقتها» «4».

______________________________

(1) المبسوط 1: 45، المهذب 1: 36.

(2) النهاية: 27.

(3) الكافي 3: 103 الحيض ب 16 ح 3، التهذيب 1: 391- 1208، الاستبصار 1: 145- 496، الوسائل 2: 362 أبواب الحيض ب 49 ح 4.

(4) الكافي 3: 103 الحيض ب 16 ح 4، التهذيب 1: 392- 1209، الوسائل 2: 361 أبواب الحيض ب 49 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 117

و يستفاد من الأخيرة عدم كفاية مجرد الطهر و بقاء ركعة، بل يلزم بقاء قدر تتمكّن من الغسل و سائر الشرائط المفقودة أيضا، كما عن جماعة «1»، و في الروضة و الدروس و المسالك «2».

و تدلّ عليه أيضا صحيحة الحلبي: في المرأة تقوم في وقت الصلاة- يعني للغسل- فلا تقضي طهرها- أي لا تفرغ من غسلها- حتى تفوتها الصلاة و يخرج

الوقت، أ تقضي الصلاة التي فاتتها؟ قال: «إن كانت توانت قضتها، و إن كانت دائبة في غسلها فلا تقضي» [1].

السابعة: تكره النوافل المبتدأة- أي غير ذوات السبب
اشارة

- بعد الصبح و العصر، و عند طلوع الشمس و غروبها و قيامها، على الأظهر، وفاقا للاقتصاد و المبسوط و الخلاف «3»، بل عامة من تأخّر، و نسبها في المنتهى و شرح القواعد و المدارك و البحار إلى الأكثر «4»، بل عن الغنية الإجماع عليها «5».

للمستفيضة، منها: صحيحة محمد: «يصلّى على الجنازة في كلّ ساعة، إنها ليست بصلاة ركوع و سجود، و إنما تكره الصلاة عند طلوع الشمس و عند غروبها التي فيها الخشوع و الركوع و السجود» «6».

و المروي في العلل: «لا ينبغي لأحد أن يصلّي إذا طلعت الشمس، لأنها

______________________________

[1] التهذيب 1: 391- 1207، الوسائل 2: 364 أبواب الحيض ب 49 ح 8. دأب فلان في عمله، أي جدّ و تعب- الصحاح 1: 123.

______________________________

(1) منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 336.

(2) الروضة 1: 110، الدروس 1: 101، المسالك 1: 9.

(3) الاقتصاد: 256، المبسوط 1: 76، الخلاف 1: 520.

(4) المنتهى 1: 214، جامع المقاصد 2: 34، المدارك 3: 105، البحار 80: 152.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 556.

(6) الكافي 3: 180 الجنائز ب 51 ح 2، التهذيب 3: 321- 998، الاستبصار 1: 470- 1814، الوسائل 3: 108 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 118

تطلع بقرني شيطان، فإذا ارتفعت و صفت فارقها» إلى أن قال: «فإذا انتصف النهار قارنها، فلا ينبغي لأحد أن يصلّي في ذلك الوقت» «1».

و صحيحة ابن سنان: «لا صلاة نصف النهار إلّا يوم الجمعة» «2».

و موثّقة الحلبي: «لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس» إلى أن

قال:

«و لا صلاة بعد العصر حتى يصلّى المغرب» «3» و قريبة منها رواية ابن عمّار «4».

و صحيحة ابن بلال: كتبت إليه في قضاء النافلة بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس و بعد العصر إلى أن [تغيب الشمس ] فكتب: «لا يجوز ذلك إلّا للمقتضي، فأمّا غيره فلا» [1].

و المروي في مجالس الصدوق: «نهى عن الصلاة في ثلاث ساعات: عند طلوع الشمس، و عند غروبها، و عند استوائها» «5».

و في السرائر: قلت لأبي الحسن عليه السلام: إنّ يونس كان يفتي الناس عن آبائك عليهم السلام أنه لا بأس بالصلاة بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، و بعد العصر إلى أن تغيب الشمس، فقال: «كذب- لعنه اللّه- على أبي» «6».

______________________________

[1] التهذيب 2: 175- 696، الاستبصار 1: 291- 1068، الوسائل 4: 235 أبواب المواقيت ب 38 ح 3، و بدل ما بين المعقوفين في النسخ: يغيب الشفق، و ما أثبتناه من المصدر.

______________________________

(1) علل الشرائع: 343- 1، الوسائل 4: 237 أبواب المواقيت ب 38 ح 9.

(2) التهذيب 3: 13- 44، الاستبصار 1: 412- 1576، الوسائل 7: 317 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 6.

(3) التهذيب 2: 174- 694، الاستبصار 1: 290- 1065، الوسائل 4: 234 أبواب المواقيت ب 38 ح 1.

(4) التهذيب 2: 174- 695، الاستبصار 1: 290- 1066، الوسائل 4: 235 أبواب المواقيت ب 38 ح 2.

(5) أمالي الصدوق: 347، الوسائل 4: 236 أبواب المواقيت ب 38 ح 6.

(6) مستطرفات السرائر: 63- 44، الوسائل 4: 239 أبواب المواقيت ب 38 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 119

و في المجازات النبوية: عن النبي: «إذا طلع حاجب الشمس فلا تصلّوا حتى تبرز، و إذا غاب حاجب الشمس

فلا تصلّوا حتى تغيب» «1».

ثمَّ إنّ ظاهر غير الأولين و إن كان التحريم إلّا أنه معارض مع غيره الدالّ على الجواز، كرواية ابن فرج: «صلّ بعد العصر من النوافل ما شئت، و صلّ بعد الغداة من النوافل ما شئت» «2».

و رواية سليمان: عن قضاء الصلاة بعد العصر، قال: «نعم إنما هي من النوافل فاقضها متى شئت» «3» دلّت بعموم التعليل على جواز جميع النوافل.

و المروي في الفقيه مقطوعا [1]، و في الاحتجاج و إكمال الدين عن صاحب الزمان عليه السلام: «أمّا ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس، و عند غروبها فلئن كان كما يقول الناس إن الشمس تطلع عند قرني الشيطان و تغرب بين قرني الشيطان، فما أرغم أنف الشيطان شي ء مثل الصلاة، فصلّها و أرغم الشيطان» «4».

و تؤكّده الروايات الكثيرة العامية «5»، المتضمّنة لفعل النبي ركعتين بعد

______________________________

[1] و هذه الرواية و إن لم تكن في الفقيه مسندة إلّا أنه أسندها إلى مشايخه، و هو يدل على استفاضتها، مع أن كونهم مشايخه كاف في اعتبار الرواية، و قد ذكر المشايخ في كتاب إكمال الدين. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) المجازات النبوية: 374- 290، المستدرك 3: 146 أبواب المواقيت ب 30 ح 2.

(2) التهذيب 2: 275- 1091، الاستبصار 1: 289- 1059، الوسائل 4: 235 أبواب المواقيت ب 39 ح 11.

(3) التهذيب 2: 173- 690، الاستبصار 1: 290- 1061، الوسائل 4: 243 أبواب المواقيت ب 39 ح 11.

(4) الفقيه 1: 315- 1431، الاحتجاج: 479، إكمال الدين: 520- 49، الوسائل 4: 236 أبواب المواقيت ب 38 ح 8.

(5) انظر: سنن البيهقي 2: 458، و سنن أبي داود 2: 25- 1279، و سنن النسائي 1: 281، و صحيح

البخاري 1: 153.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 120

العصر، و في بعضها: إنه صلّى اللّه عليه و آله لم يتركهما سرّا و علانية.

ثمَّ إنّ تلك الروايات- مع موافقتها للشهرة العظيمة، بل للإجماع في التذكرة على أن هذه النواهي إنما هي للكراهة «1»، و المحكي في المختلف على الجواز «2»، بل المحقق على ما قيل من عدم نصوصية عبارات المحرّمين في التحريم «3»، و للعمومات و الإطلاقات- موافقة لقوله سبحانه أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى «4». و مخالفة لطريقة العامة، فإنهم في غاية التشديد في المنع، كما يستفاد من أخبار الأطياب، و به صرّح جملة من الأصحاب «5». و مع ذلك بعضها متأخّرة من جميع الروايات المخالفة و أحدث منها، و كل ذلك من المرجّحات المنصوصة.

هذا، مع أن الأخيرة من روايات المنع ضعيفة، و حجيتها غير ثابتة.

و السابقين عليها و إن كانتا في الأصول المعتبرة و هو عندنا عن اعتبار السند مجز، إلّا أنّهما لمخالفتهما لعمل الصدوق و الحلّي اللذين هما صاحبا الأصلين معزولان عن الحجية.

و السابقة عليهما خارجة عن محل النزاع، لورودها في قضاء النافلة الذي هو من ذوات الأسباب، فيعارض كلّ مجوّزاتها التي هي أكثر عددا و أصح سندا و أوضح دلالة منها. و تفسير المقتضي بالقاضي للنوافل حتى يصير من أخبار موضع النزاع و يتخلّص عن التعارض المذكور لا دليل عليه، و إطلاق المقتضي عليه غير معلوم، و إرادة الداعي المرجّح للفعل أو ذي الحاجة الذي أراد قضاءها ممكنة،

______________________________

(1) التذكرة 1: 80.

(2) المختلف: 76.

(3) الرياض 1: 112.

(4) العلق: 9 و 10.

(5) انظر المختلف: 76، التذكرة 1: 80، المدارك 3: 108.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 121

بل هي للمعنى اللغوي

أوفق، و لمرجع الإشارة في قوله: «ذلك» أنسب، غاية الأمر تساوي المعنيين و معه تنتفي الدلالة.

و الثلاثة السابقة عليها غير دالّة، إذ الظاهر منها نفي الصلاة الموظّفة بهذه الأوقات، ردّا في بعضها على العامة، و لو سلّم فإرادته مع نفي الجواز متساوية، فدلالتها على التحريم غير معلومة [1].

و بذلك يجاب عن ترجيح أخبار المنع على أخبار الجواز بكون الاولى باعتبار تخصيصها بالمبتدأة- كما يأتي- أخص من الثانية، فتقدّم عليها من غير ملاحظة وجوه التراجيح.

و من جميع ذلك يظهر ضعف مخالفة المشهور و القول بالتحريم- لبعض أخبار المنع- في الأول ممتدا منه إلى الزوال، و في الثاني كالناصريات «1»، أو في الثالث إلى الزوال كالانتصار «2»، أو فيه و في الثاني إلى الغروب كما عن العماني «3»، أو في الثلاثة الأخيرة كما عن الإسكافي «4»، و إليه يميل كلام بعض متأخّري المتأخّرين طاب ثراه [2]، أو في الثالث و الرابع كما عن ظاهر المفيد «5».

كما يظهر- من صراحة الأوليين من روايات المنع في المرجوحية، و كذا الثلاثة الأخيرة بضميمة التسامح في أدلة الكراهة، و خلوّها عن المعارض في ذلك، لعدم منافاتها للجواز بل في العبادات للرجحان الذاتي الذي هو معنى

______________________________

[1] بل لو أغمض النظر عن إرادة التوظيف فنفي الجواز الذي هو معنى مجازي لذلك التركيب ليس بأولى من مجاز آخر و هو الكراهة بأحد معانيها. منه رحمه اللّه تعالى.

[2] قال في كشف اللثام 1: 165: لمّا ورد النهي و لا معارض له كان الظاهر الحرمة.

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 194.

(2) الانتصار: 103.

(3) حكاه عنه في المختلف: 76.

(4) حكاه عنه في المختلف: 76.

(5) المقنعة: 144.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 122

الاستحباب- ضعف مخالفة أخرى للمشهور بنفي الكراهة

رأسا، كما هو ظاهر الصدوق في الخصال «1»، و عن الطبرسي في الاحتجاج «2»، و المفيد في كتابه المسمّى ب «افعل لا تفعل» «3»، و نقل عن طائفة من محقّقي متأخّري المتأخّرين [1]، أو التوقّف فيها و في الإباحة، كما هو ظاهر الفقيه و السرائر «4»، لضعف أدلّة المرجوحية و موافقتها للعامة.

فإنّ الضعف- لو كان- بالتسامح يجبر، و التوافق لهم مع عدم المعارض غير معتبر.

و كما يظهر- من اشتمال جميع الروايات على الأوقات الخمسة- ضعف مخالفة ثالثة هي تخصيص الكراهة بالثالث و الرابع، كالشيخ في النهاية «5»، أو مع الخامس، كما عن الجعفي «6».

ثمَّ مقتضى عموم غير صحيحة ابن بلال من روايات المنع أو إطلاقها و إن كان كراهة الصلاة في الأوقات المذكورة مطلقا، إلّا أنّ الفرائض مستثناة منها أداء و قضاء، بالإجماع المحقّق، و المحكي في صريح المنتهى و السرائر «7»، و ظاهر

______________________________

[1] انظر الذخيرة: 204، و قال في الرياض 1: 112 بعد نقل قول المفيد في افعل لا تفعل: و مال إليه جماعة من محققي متأخري المتأخرين، و هو غير بعيد، سيما مع إطلاق النصوص بنفل النوافل في الأخيرين، إلى أن قال: و لكن كان الأولى عدم الخروج عما عليه الأصحاب من الكراهة نظرا إلى التسامح في أدلتها كما هو الأشهر الأقوى.

______________________________

(1) الخصال: 71.

(2) الاحتجاج: 479.

(3) حكاه عنه في المدارك 3: 108.

(4) الفقيه 1: 315، السرائر 1: 201.

(5) النهاية: 62.

(6) حكاه عنه في الذكرى: 127.

(7) المنتهى 1: 215، السرائر 1: 203.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 123

الناصريات و التذكرة «1»، و نفى الأردبيلي- قدس سره- عنه الشك في شرح الإرشاد «2»، و هو الحجة فيه [1].

مضافا في الجميع: إلى صحيحة ابن أبي

خلف: «الصلوات المفروضات في أول وقتها إذا أقيم حدودها أطيب ريحا من قصب الآس» إلى أن قال: «فعليكم بالوقت الأول» «3». دلّت على رجحان أول وقت جميع الفرائض و لو كان أحد الأوقات المذكورة.

و في قضاء الفرائض: إلى حسنة زرارة: «فإن استيقنت- أي فوت الصلاة- فعليك أن تصلّيها في أيّ حال كنت» «4».

و رواية نعمان الرازي: عن رجل فاته شي ء من الصلاة فذكر عند طلوع الشمس و عند غروبها، قال: «فليصلّ حين ذكره» «5».

و رواية زرارة و غيره: عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلّها أو نام عنها، قال: «يصلّيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها ليلا أو نهارا» [2].

و في خصوص صلاة الميت: إلى صحيحة محمد، المتقدّمة «6».

______________________________

[1] و قد يستدل أيضا في بعضها بحسنة ابن عمار: «خمس صلوات لا تترك على كل حال» الحديث، و فيها مناقشة، فإن مطلوبية عدم الترك لا تنافي مطلوبية التأخير. منه رحمه اللّه تعالى.

[2] التهذيب 2: 266- 1059، الوسائل 4: 274 أبواب المواقيت ب 57 ح 1.

دلّت هذه الأخبار على وجوب القضاء في أي وقت كان أو حين التذكر مطلقا، على المضايقة، و على استحبابه، الموجب لرجحانه على التأخير عنهما، على المواسعة. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 194، التذكرة 1: 80.

(2) مجمع الفائدة 2: 47.

(3) التهذيب 2: 40- 128، ثواب الأعمال: 36، الوسائل 4: 118 أبواب المواقيت ب 3 ح 1.

(4) الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 10، التهذيب 2: 276- 1098، الوسائل 4: 282 أبواب المواقيت ب 60 ح 1.

(5) التهذيب 2: 171- 680، الوسائل 4: 244 أبواب المواقيت ب 39 ح 16.

(6) في ص 117.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4،

ص: 124

و فيما يفوت الوقت بتأخيره: إلى دليل تعيّنه.

و خصوصية روايات الكراهة باعتبار الوقت عن بعض هذه غير ضائرة، لخصوصيتها أيضا باعتبار الصلاة، فلو رجّح بموافقة الشهرة بل الإجماع، و إلّا فيرجع إلى الأصل.

و به يجاب عن خبر عبد الرحمن: «تكره الصلاة على الجنائز حين تصفرّ الشمس و حين تطلع» «1». مع موافقته للعامة «2».

و أمّا صحيحة محمد: عن ركعتي طواف الفريضة، قال: «وقتهما إذا فرغت من طوافك، و أكرهه عند اصفرار الشمس و عند طلوعها» «3» فلا تنافيه، لرجوع الضمير إلى الطواف.

و به يدفع توهّم منافاة صحيحة أخرى له: عمّن يدخل مكة بعد الغداة، قال: «يطوف و يصلّي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها» «4» مع شمولها للطواف المندوب أيضا.

و أمّا خبر أبي بصير فيمن فاتته العشاءان: «إن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصلّ المغرب و يدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس و يذهب شعاعها» «5» و حسنة زرارة، و فيها في قضاء المغرب و العشاء: «أيّهما ذكرت

______________________________

(1) التهذيب 3: 321- 1000، الاستبصار 1: 470- 1816، الوسائل 3: 109 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 5.

(2) انظر: صحيح البخاري 1: 109، و سنن ابن ماجه 1: 486.

(3) التهذيب 5: 141- 467، الاستبصار 2: 236- 822، الوسائل 13: 435 أبواب الطواف ب 76 ح 7.

(4) التهذيب 5: 141- 468، الاستبصار 2: 237- 823، الوسائل 13: 436 أبواب الطواف ب 76 ح 8.

(5) التهذيب 2: 270- 1077، الاستبصار 1: 288- 1054، الوسائل 4: 288 أبواب المواقيت ب 62 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 125

فلا تصلّهما إلّا بعد شعاع الشمس» «1». فهما و إن دلّا على رجحان تأخير

قضاء العشاء من حين طلوع الشمس، إلّا أنّ لعدم القول بالفصل بين الصلوات بل الأوقات تعارضهما رواية الرازي، المتقدّمة و غيرها، و الترجيح لمعارضتهما، لمخالفة العامة.

و قد يستدلّ على نفي الكراهة في الفرائض: بوجوه أخر ضعيفة.

و أمّا النوافل ذوات الأسباب: فالمشهور استثناؤها أيضا، بل يستشمّ من الناصريات اتفاق أصحابنا عليه «2».

للجمع بين مطلقات الجواز و مطلقات المنع، و عموم شرعية ذوات الأسباب عند حصولها، و عمومات قضاء الفوائت أو صلاة النهار أو خصوص قضاء النوافل في أيّ وقت شاء أو ما بين طلوع الشمس إلى غروبها أو بعد العصر، و قضاء صلاة الليل قبل طلوع الشمس أو بعد صلاة الفجر و بعد العصر و أنه من سرّ آل محمد المخزون، و ما دلّ على أن خمس صلوات تصلّى في كلّ حال و منها صلاة الإحرام و الطواف «3»، إلى غير ذلك.

و الكلّ ضعيف.

أمّا الأول: فلأنّه جمع بلا شاهد، مع ما عرفت من عدم التعارض بعد قصر المنع على الكراهة، سيما بالمعنى المراد في المقام من المرجوحية الإضافية.

و هو الوجه في ضعف دلالة البواقي، إذ لا منافاة بين الكراهة بذلك المعنى و بين شي ء منها أصلا، كما هو ظاهر.

و به صرّح المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد، و مال إلى ثبوت الكراهة إلّا

______________________________

(1) الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158- 340، الوسائل 4: 290 أبواب المواقيت ب 63 ح 1.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 194.

(3) انظر الوسائل 4: أبواب المواقيت ب 39، 45، 49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 126

في الصلوات الخمس المشار إليها [1]، و هو جيّد، إلّا أنّ في دلالة الروايات المتضمّنة للخمس على انتفاء الكراهة عنها أيضا نظرا.

نعم، في حسنة

زرارة: «صلاة فاتتك فمتى ما ذكرتها أدّيتها» «1». و هي تدلّ على رجحان أداء الفوائت مطلقا حال التذكّر كذلك على تركها حينئذ، و هو مناف للكراهة، فيتم استثناؤها و إن أمكنت المناقشة فيها أيضا على المراد من الكراهة، و أمّا غيرها فلا وجه له.

و لذا قال بعض الأجلّة: و إن قيل: إنّ ذوات الأسباب إن كانت المبادرة إليها مطلوبة للشارع- كالقضاء و التحية- لم تكره و إلّا كرهت، كان متّجها «2».

انتهى.

و نظره في استثناء التحية إلى قوله عليه السلام: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلّي ركعتين» «3» و في دلالته نظر.

و بالجملة: لا دليل تاما على استثناء غير قضاء النوافل، فالتعميم في الكراهة و الاقتصار في الاستثناء على قضاء النوافل- كما في المقنعة «4»، و الهداية [2]،

______________________________

[1] فإن المحقق الأردبيلي بعد أن استدلّ على الكراهة بمفهوم ما دلّ على أن خمس صلوات أو أربع تصلّى في كل وقت، و على عدمها في تلك الخمس أو الأربع بمنطوقه، و بعد أن صرّح بإرادة أقلية الثواب من الكراهة هنا، قال: على أنه لا منافاة بين الكراهة و جواز فعل ذات السبب، بل المطلق، إلّا أن يثبت نفي الكراهة و ليس بظاهر إلّا في الصلوات الخمس أو الأربع. نعم لو ثبتت المنافاة أو كانت الكراهة منتفية عن ذات السبب مطلقا و ثابتة للمطلق كان الجمع المشهور جيدا. و ليس ذلك بظاهر، بل الظاهر إما عدم الكراهة مطلقا لعدم صحة الدليل الخاص و عدم حجية المفهوم، أو الكراهة مطلقا سوى الخمس المذكورة. (مجمع الفائدة 2: 49). منه رحمه اللّه تعالى.

[2] الهداية: 38. اقتصر في الفقيه (ج 1: ص 278) على استثناء الأربع الواردة في حسنة زرارة: القضاء

مطلقا و ثلاثة من الفرائض.

______________________________

(1) الكافي 3: 288 الصلاة ب 10 ح 3، الفقيه 1: 278- 1265، الخصال: 247- 107، الوسائل 4: 240 أبواب المواقيت ب 39 ح 1.

(2) كشف اللثام 1: 166.

(3) ورد مؤداه في مكارم الأخلاق: 298، و عنه في البحار 81: 25- 17.

(4) المقنعة: 212.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 127

و الجمل و العقود و الوسيلة و الجامع «1»، إلّا أن غير الأول زاد صلاتي الإحرام و الطواف من غير تقييد بالفرض، و الأخير صلاة التحية أيضا- أولى، و إن كان في استثناء القضاء أيضا تأمّل، بل الظاهر عدمه، كالشيخ في النهاية «2»، فإنه لم يستثن صلاة نافلة مطلقا، بل هو محتمل كلّ من قال بكراهة ابتداء النوافل في تلك الأوقات كلا أو بعضا من غير استثناء، لجواز إرادة الإحداث من الابتداء، احترازا عمّن دخل عليه تلك الأوقات و هو في الصلاة.

فروع:

أ: النهي في الأوقات الثلاثة الأخيرة [1] متعلّق بالوقت، و أمّا في الأولين [2] فالمصرّح به في كلام الأكثر، بل المدّعى عليه الإجماع، أنهما متعلّقان ببعد الصلاتين، فمن لم يصلّهما لا يكره له التنفّل على القول بجواز النافلة وقت الفريضة. و يطول زمان الكراهة و يقصر بإتيان الصلاتين أول الوقت و آخره.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 4    127     فروع: ..... ص : 127

ن ثبت الإجماع فهو، و إلّا فالمصرّح به في النصوص: بعد الفجر و العصر، اللذين هما حقيقتان في الوقت، بل في بعضها الذي منه الصحيح: بعد طلوع الفجر «3».

و على هذا فلو قلنا بتعلّقهما أيضا بالوقت- كما هو ظاهر المعتبر و النافع و الإرشاد «4»، و غيرها- لم يكن بعيدا. و لا يلزم منه

كراهة الفرضين و لا نافلتهما، لاستثنائهما بالنصوص و الإجماع، مع أنّ كراهة التطوّع في وقت الفريضة ثابتة

______________________________

[1] أي عند طلوع الشمس و غروبها و قيامها.

[2] أي بعد الصبح و بعد العصر.

______________________________

(1) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 175، الوسيلة: 84، الجامع للشرائع: 69.

(2) النهاية: 62.

(3) راجع ص 118 صحيحة ابن بلال.

(4) المعتبر 2: 60، المختصر النافع: 23، الإرشاد 1: 244.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 128

قطعا.

ب: المستفاد من الأخبار أنّ منتهى الأولين طلوع الشمس و غروبها، و أمّا الثالث فمبدؤه بعد طلوع الشمس في الانتصار «1»، و عنده في كلام الأكثر «2»، و هو مقتضى الروايات. و لا يبعد إرادة المعنى العرفي حتى يشمل ما قارب الطلوع أيضا.

و يدلّ عليه خبر المجازات إن فسّر الحاجب بالشعاع «3».

و منتهاه الزوال عند السيد «4»، و انتفاء حمرة الشمس و ذهاب شعاعها عند جماعة «5».

و يدلّ عليه بعض الروايات، كخبر أبي بصير و حسنة زرارة المتقدمتين «6»، و رواية عمّار، المتضمّنة للنهي عن سجدتي السهو حتى تطلع الشمس و يذهب شعاعها «7». و أطلق آخرون.

و يستفاد من رواية العلل «8»، و أخرى عامية أصرح منها «9»: أنه ارتفاع الشمس، و هو مؤخّر عن زوال الحمرة. و لا بأس به للتسامح.

و مبدأ الخامس قرب الزوال، لصدق نصف النهار و الاستواء عرفا، و لعدم إمكان إرادة النصف الحقيقي، لعدم امتيازه عن الزوال الذي هو المنتهى إجماعا.

______________________________

(1) الانتصار: 50.

(2) كالمعتبر 2: 60، المنتهى 1: 214، الحدائق 6: 303.

(3) راجع ص 119.

(4) الانتصار: 50.

(5) كالعلامة في نهاية الإحكام 1: 320، صاحب المدارك 3: 105، صاحب الحدائق 6: 303.

(6) في ص 124.

(7) التهذيب 2: 353- 1466، الوسائل 8: 250 أبواب الخلل الواقع في

الصلاة ب 32 ح 2.

(8) راجع ص 117.

(9) سنن البيهقي 2: 454، سنن ابن ماجه 1: 397.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 129

و مبدأ الرابع قرب الغروب، لما مرّ، و للعامي: «نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن الصلاة إذا تضيّفت الشمس للغروب» «1» أي: مالت، و لآخر المتضمّن للتعليل بدنوّ قرن الشيطان، و فيه: «و إذا دنت للغروب قارنها» «2».

و منتهاه الغروب، المتحقّق بغيبوبة القرص أو زوال الحمرة المشرقية. و حدّ في بعض الأخبار بصلاة المغرب «3». و لا بأس به، سيما مع كراهة التطوع وقت الفريضة.

ج: هل الكراهة مختصة بالشروع، أو يكره لمن دخل عليه أحد هذه الأوقات و هو في النافلة؟

قيل بالأول «4»، لأنّ قطع النافلة مكروه، و لأنّ المنهي عنه الصلاة لا بعضها، و يؤكّده عدم انصراف المطلقات إلى مثله.

الثامنة: اتّفقوا على جواز قضاء كلّ من النوافل الليلية و النهارية في كلّ من الليل و النهار، للنصوص المستفيضة «5».

و أمّا رواية عمار: عن الرجل ينام عن الفجر حتى تطلع الشمس و هو في سفر كيف يصنع؟ أ يجوز له أن يقضي بالنهار؟ قال: «لا يقضي صلاة نافلة و لا فريضة بالنهار، و لا يجوز له، و لا يثبت له، و لكن يؤخّرها فيقضيها بالليل» «6»، و موثّقته: عن الرجل تكون عليه صلاة في الحضر هل يقضيها و هو مسافر؟ قال:

______________________________

(1) سنن البيهقي 2: 454.

(2) الموطأ 1: 219- 44، سنن ابن ماجه 1: 397- 1253، سنن النسائي 1: 275.

(3) كما في موثقة الحلبي و رواية ابن عمار، المتقدمتين في ص 118.

(4) كما في كشف اللثام 1: 164.

(5) انظر: الوسائل 4: 274 أبواب المواقيت ب 57.

(6) التهذيب 2: 272- 1081، الاستبصار 1: 289- 1057، الوسائل 4: 278 أبواب المواقيت ب 57 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص:

130

«نعم يقضيها بالليل على الأرض» «1». فمحمولتان بشهادة ما قد ذكر على الأفضلية، و لولاه لخرجتا بالشذوذ عن الحجية، مع إمكان تخصيص الأخيرة بالفريضة.

ثمَّ اختلفوا في الأفضل، فالأكثر- كما في المدارك و شرح القواعد «2»، و غيرهما- على أفضلية التعجيل و لو بقضاء النهارية في الليل و بالعكس، لآيتي المسارعة و الاستباق «3».

و خبر عنبسة: [سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ و جلّ ]:

هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً «4»، قال:

«قضاء صلاة الليل بالنهار و صلاة النهار بالليل» «5».

و صحيحة أبي بصير: «إن قويت فاقض صلاة النهار بالليل» «6».

و مرسلة الفقيه: «كلّ ما فاتك في الليل فاقضه بالنهار» «7».

و رواية إسحاق و فيها أنّ بعد أن رأى الصادق عليه السلام رجلا يقضي صلاة الليل بالنهار: «إنّ اللّه يباهي بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار، يقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي [كيف ] يقضي ما لم أفترضه عليه» «8».

و موثّقة محمد: «إنّ علي بن الحسين عليهما السلام كان إذا فاته شي ء من

______________________________

(1) التهذيب 2: 273- 1086، الوسائل 8: 268 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 2.

(2) المدارك 3: 109، جامع المقاصد 2: 38.

(3) آل عمران: 133، البقرة: 148، و المائدة: 48.

(4) الفرقان: 62.

(5) التهذيب 2: 275- 1093، الوسائل 4: 275 أبواب المواقيت ب 57 ح 2، و ما بين المعقوفين من المصدر.

(6) التهذيب 2: 163- 641، الوسائل 4: 277 أبواب المواقيت ب 57 ح 9.

(7) الفقيه 1: 315- 1428، الوسائل 4: 275 أبواب المواقيت ب 57 ح 4.

(8) الذكرى: 137، الوسائل 4: 278 أبواب المواقيت ب 57 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 131

الليل قضاه

بالنهار، و إن فاته من اليوم قضاه من الغد أو في الجمعة أو الشهر» «1».

و في المرسل: «الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ ، أي يديمون على أداء السنة، فإن فاتتهم بالليل قضوها بالنهار، و إن فاتتهم بالنهار قضوها بالليل» «2».

و لا يخفى أنّ تلك الأخبار لو تمّت دلالتها لدلّت على أفضلية قضاء الليلية بالنهار و بالعكس، لتكون الفضيلة لخصوصية النهار و الليل و إن نافى التعجيل [1].

و ليس ذلك بمطلوبهم البتة، كما صرّح به غير واحد منهم، و يدل عليه استدلالهم بالآيتين. و تخصيص النهار و الليل فيها بالمتصل بليلة الفوت و نهاره، و بما إذا لم يعجّل قضاء الليلية في هذه الليلة و النهارية في هذا النهار تقييد بلا دليل. و جعل الإجماع على عدم رجحان النهار الذي بعده على الليل السابق عليه و كذا على نهار الفوات دليله، ليس بأولى من حمل تلك الأخبار على بيان الجواز، مع أنّ الاولى لا تدلّ على الأزيد منه، و كذا الرابعة و ما بعدها. و أمّا المباهاة المذكورة فيها فيمكن أن يكون لمجرد القضاء دون خصوص كونه بالنهار و إن خصه بالذكر لكون الواقعة من ذلك القبيل، و يؤيّده بل يعينه ذيله من أن المباهاة على قضاء ما لم يفترض، من غير تقييد.

و أيضا تؤيّده صحيحة اخرى: «إنّ العبد يقوم فيقضي النافلة، فيعجب الرب و ملائكته عنه و يقول: ملائكتي، يقضي ما لم أفترضه عليه» «3».

كما يمكن أن يكون عمل السجّاد عليه السلام لعلّة اخرى غير الأفضلية، كأن تكون لليلته وظائف و لأجلها لا تسع الليلة لقضاء.

هذا كلّه، مضافا إلى أنّ الثابت منها- لو دلّت- ليس إلّا الفضل، و هو غير

______________________________

[1] كما إذا أمكن قضاء نافلة المغرب

في ليلتها، أو الظهرين في يومهما، أو انقضى النهار الأول و دار الأمر بين القضاء في الليل الحاضر أو النهار الآتي. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) التهذيب 2: 164- 644، الوسائل 4: 276 أبواب المواقيت ب 57 ح 8.

(2) الخصال: 628، الوسائل 4: 228 أبواب المواقيت ب 35 ح 10. (بتفاوت فيهما).

(3) الكافي 3: 488 الصلاة ب 105 ح 8، الفقيه 1: 315- 1432، التهذيب 2: 164- 646، الوسائل 4: 75 أبواب أعداد الفرائض ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 132

مناف لأفضلية غيره لو ثبت بدليل، كما في ذلك المقام، حيث دلّت الروايات على أفضلية مراعاة المماثلة و قضاء الليلية في الليل و النهارية في النهار، كرواية الجعفي:

«أفضل قضاء النوافل قضاء صلاة الليل بالليل و صلاة النهار بالنهار» «1».

و صحيحة ابن عمّار: «اقض ما فاتك من صلاة النهار بالنهار، و ما فاتك من صلاة الليل بالليل» «2».

و صحيحة العجلي: «أفضل قضاء صلاة الليل في الساعة التي فاتتك آخر الليل، و لا بأس أن تقضيها بالنهار و قبل أن تزول الشمس» «3».

و موثّقة زرارة: عن قضاء صلاة الليل، فقال: «اقضها في وقتها الذي صلّيت فيه» «4».

و خبر إسماعيل: عن الرجل يصلّي الاولى، ثمَّ يتنفّل، فيدركه وقت العصر من قبل أن يفرغ من نافلته، فيبطئ بالعصر، يقضي نافلته بعد العصر، أو يؤخّر حتى يصلّيها في وقت آخر؟ قال: «يصلّي العصر و يقضي نافلته في يوم آخر» «5».

و تخصيص الأوليين بليلة الفوات و نهاره و إن كان محتملا، بعد تعارضهما مع الآيتين و ما دلّ على أن اللّه عزّ شأنه يحب من الخير ما يعجّل، و لكن ذلك في البواقي غير ممكن، فبها تخصّص الآيتان

و ما يؤدّي مؤدّاهما، و تظهر قوة القول

______________________________

(1) الكافي 3: 452 الصلاة ب 90 ح 5، التهذيب 2: 163- 643، الوسائل 4: 276 أبواب المواقيت ب 57 ح 7.

(2) الكافي 3: 451 الصلاة ب 90 ح 3، التهذيب 2: 162- 637، الوسائل 4: 276 أبواب المواقيت ب 57 ح 6.

(3) الفقيه 1: 316- 1433، الوسائل 4: 275 أبواب المواقيت ب 57 ح 3.

(4) التهذيب 2: 164- 645، الوسائل 4: 277 أبواب المواقيت ب 57 ح 11.

(5) التهذيب 2: 275- 1092، الاستبصار 1: 291- 1069، الوسائل 4: 244 أبواب المواقيت ب 39 ح 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 133

بأفضلية اعتبار المماثلة، كما عن الإسكافي و أركان المفيد «1»، و اختاره صاحب المدارك «2».

و ذهب والدي- رحمه اللّه- في المعتمد إلى تساوي التعجيل و المماثلة، قال- بعد الإشارة إلى روايات الطرفين-: و الأولى عندي الحمل على التخيير- كما هو صريح الخبر- و القول بترجيح كلّ منهما على الآخر بوجه، فإنّ العقل لا ينقص من اشتراك فعلين في أصل الفضيلة مع اختصاص كلّ منهما بنوع خاص منها، بأن تكون مزية كلّ منهما بوجه بحيث تتكافأ المزيتان في نظر العقل و لم يرجّح إحداهما على الأخرى، و حينئذ يتعيّن التخيير، و الحكم هنا كذلك، فإنّ قضاء الفائت في أحدهما في الآخر له مزية التعجيل و المبادرة إلى فعل الخير، و في مثله مزية مراعاة المماثلة في الوقت. انتهى.

و جوابه يظهر مما مرّ، و قوله- رحمه اللّه-: صريح الخبر، إشارة إلى رواية ابن أبي العلاء: «اقض صلاة النهار أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار، كلّ ذلك سواء» «3».

و دلالتها على التخيير في المقام محل نظر، لجواز إرادة

تسوية الساعات في الجواز ردّا على القائلين بالحرمة في بعضها من العامة.

ثمَّ الظاهر اختصاص ما مرّ من أفضلية المماثلة و فضيلة التعجيل بغير حالة السفر.

و الأفضل فيها القضاء في الليل مطلقا، لرواية عمّار و موثّقته، المتقدّمتين في صدر المسألة «4».

______________________________

(1) حكاه عنهما في الذكرى: 137.

(2) المدارك 3: 111.

(3) التهذيب 2: 173- 691، الاستبصار 1: 290- 1062، الوسائل 4: 243 أبواب المواقيت ب 39 ح 13.

(4) راجع ص 129.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 134

التاسعة: الأفضل في كلّ صلاة تقديمه في أول وقته.

لا للخروج عن شبهة الخلاف في الفرائض، لأنّه قد يقتضي التأخير [1]. بل للإجماع، و أدلّة استحباب المسارعة و التعجيل و الاستباق إلى الطاعات، و النصوص المستفيضة، بل تستفاد من كثير منها أفضلية الأول فالأول، كصحيحة زرارة: «أول الوقت أبدا أفضل، فعجّل الخير ما استطعت» «1».

و العلّة المنصوصة في صحيحة سعد: «إذا دخل عليك الوقت فصلّها، فإنك لا تدري ما يكون» «2» و في أخرى: «فإنك لا تأمن الموت» [2].

إلّا أنهم استثنوا من الكلية، و فضّلوا التأخير في مواضع قد مرّ الكلام في بعضها، و يأتي في بعض آخر في مواضعه.

و ممّا استثنوه: فاقد شرط يتوقّع زوال عذره، لصحيحة عمر بن يزيد: أكون في جانب المصر فيحضر المغرب و أنا أريد المنزل، فإن أخّرت الصلاة حتى أصلّي في المنزل كان أمكن لي و أدركني المساء، أ فأصلّي في بعض المساجد؟ فقال: «صلّ في منزلك» «3».

و أخرى: أكون مع هؤلاء و انصرف من عندهم عند المغرب فأمرّ بالمساجد فأقيمت الصلاة، فإن أنا نزلت معهم لم أستمكن من الأذان و الإقامة و افتتاح الصلاة، فقال: «ائت منزلك و انزع ثيابك، و إن أردت أن تتوضّأ فتوضّأ و صلّ، فإنك في وقت إلى

ربع الليل» «4».

______________________________

[1] كما في المغرب عند القائل بأن أول وقته الغروب، و العشاء. منه رحمه اللّه تعالى.

[2] لم نعثر على صحيحة بتلك العبارة، نعم ورد في فقه الرضا عليه السلام: 71: «ما يأمن أحدكم الحدثان في ترك الصلاة و قد دخل وقتها و هو فارغ» و الحدثان بالتحريك: الموت.

______________________________

(1) الكافي 3: 274 الصلاة ب 4 ح 8. التهذيب 2: 41- 130، مستطرفات السرائر: 72- 6، الوسائل 4: 121 أبواب المواقيت ب 3 ح 10.

(2) التهذيب 2: 272- 1082، الوسائل 4: 119 أبواب المواقيت ب 3 ح 3.

(3) التهذيب 2: 31- 92، الوسائل 4: 197 أبواب المواقيت ب 19 ح 14.

(4) التهذيب 2: 30- 91، الوسائل 4: 196 أبواب المواقيت ب 19 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 135

و المروي في قرب الإسناد في من غرقت ثيابه: «لا ينبغي له أن يصلّي حتى يخاف ذهاب الوقت، ينبغي ثيابا، فإن لم يجد صلى عريانا» «1».

و أوجبه السيد و الإسكافي «2»، و الديلمي [1]، لوجوب تحصيل الشروط مهما أمكن.

و التحقيق: أنه يجب الرجوع في كلّ شرط إلى أدلّة اشتراطه و أدلّة معذورية الفاقد له، و ينظر في كيفية تعارضهما في حق مثل ذلك الشخص. فإن لم تثبت المعذورية فيحكم بالوجوب، كما في فاقد ماء يظن حصوله في الوقت، و إلّا فلا.

و أمّا الاستحباب فلا دليل عليه إلّا رواية قرب الإسناد، و هو خاص بموضع لا دليل على التعدّي عنه و الخروج عن الخلاف، المعارض بأدلّة المسارعة.

إلّا أن يستند فيها إلى فتوى العلماء بالاستحباب، التي هي خاصة بالنسبة إلى دليل المسارعة، و لا بأس به.

و منها: المدافع لأحد الأخبثين إلى أن يقضي حاجته، لصحيحة هشام: «لا

صلاة لحاقب و لا حاقن، و هو بمنزلة من هو في ثيابه» [2].

و ظاهرها و إن كان وجوب التأخير إلّا أنهم حمولها على الاستحباب، للإجماع، و صحيحة البجلي، المتضمّنة لجواز الصبر عليه مع عدم خوف الإعجال «3».

______________________________

[1] لم نعثر عليه في المراسم، و حكاه عنه في الذكرى: 130.

[2] التهذيب 2: 333- 1372، المحاسن: 83- 15، الوسائل 7: 251 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 2، في المصادر: الحاقن و الحاقنة، و ما في المتن موافق لنسخة الوافي. و قال ابن الأثير في النهاية ج 1 ص 416: الحاقن هو الذي حبس بوله كالحاقب للغائط.

______________________________

(1) قرب الإسناد: 142- 511، الوسائل 4: 451 أبواب لباس المصلي ب 52 ح 1.

(2) حكاه عنهما في الذكرى: 130.

(3) الكافي 3: 364 الصلاة ب 50 ح 3، الفقيه 1: 240- 1061، التهذيب 2: 324- 1326، الوسائل 7: 251 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 136

و لا يخفى أنه يتعارض دليل التأخير مع أدلّة أفضلية أول الوقت بالعموم من وجه، و لازمه الرجوع إلى الأصل.

فإن أرادوا استثناء أفضلية أول الوقت فيتم الاستدلال، و إن أرادوا أفضلية التأخير فلا دليل له إلّا إذا أوجب التدافع فوات الحضور، فيرجع إلى الصورة المتعقبة لذلك.

و منها: ما إذا كان التأخير موجبا لإدراك صفة كمال، كاستيفاء الأفعال، و مزيد الإقبال، و اجتماع البال، و السعي إلى مكان شريف، و نحو ذلك، لروايتي عمر بن يزيد، المتقدمتين.

و لا يخفى أنهما مختصتان بإدراك الأذان و الإقامة و الأمكنية التي هي اجتماع البال، و التعدّي إلى غيرهما لا دليل عليه، و عدم الفصل غير ثابت.

فالتحقيق فيه: أنّ ما لا دليل فيه بخصوصه على

ترجيحه على أول الوقت من المكملات يعارض دليله مع أدلّة أول الوقت، فإن علم مزية إحدى الفضيلتين على الأخرى بالأخبار أو غيرها فالحكم له، و إلّا فالتساوي، إلّا أن يستند في ترجيح التأخير إلى الشهرة، و ليس ببعيد.

و منها: التأخير لإدراك فضيلة الجماعة، لرواية جميل، المصرّحة بأفضلية التأخير له «1».

و منها: تأخير المتنفّل كلا من الظهرين إلى أن يأتي بنافلتهما، للإجماع، و الأمر في المستفيضة بتقديم النافلتين عليهما «2».

أمّا غير المتنفّل لعذر- كالسفر أو الجمعة- أو بدونه، فالأفضل له الإتيان بالصلاة أول الوقت دون التأخير بقدر النافلة، على الأظهر الأشهر، بل يظهر من

______________________________

(1) الفقيه 1: 250- 1121، الوسائل 8: 308 أبواب صلاة الجماعة ب 9 ح 1.

(2) انظر: الوسائل 4: 131 أبواب المواقيت ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 137

المنتهى اتّفاق أصحابنا عليه «1»، لأدلّة فضيلة أول الوقت.

و منها: تأخير الظهر إلى القدمين، و العصر إلى أربعة أقدام أو قامة، ذكره جماعة «2»، للروايات الدالّة على أنهما وقتهما، و أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يصلّيهما كذلك، و أنّ جبرئيل أتى بالعصر في الوقت المذكور «3».

و صحيحة عبيد: عن أفضل وقت الظهر، قال: «ذراع بعد الزوال» «4».

و مكاتبة عبد اللّه، و فيها: و قد أحببت- جعلت فداك- أن أعرف موضع الفضل في الوقت، فكتب: «القدمان و الأربعة أقدام صواب جميعا» «5».

و لا يخفى أن فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله غير ثابت، و لو ثبت فلعلّه للنافلة و التعقيب، و كذا إتيان جبرئيل.

و أمّا الأخبار فإنها معارضة مع أخبار أخر، كرواية يزيد بن خليفة: «فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلّا سبحتك» «6».

و رواية أبي بصير: ذكر أبو عبد اللّه

عليه السلام أول الوقت و فضله، فقلت:

كيف أصنع بالثمان ركعات؟ فقال: «خففت ما استطعت» «7».

و رواية محمد بن الفرج، و فيها: «و أحبّ أن يكون فراغك من الفريضة

______________________________

(1) المنتهى 1: 211.

(2) كالكركي في جامع المقاصد 2: 26، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 50، و السبزواري في كفاية الأحكام: 15.

(3) انظر: الوسائل 4: 156 أبواب المواقيت ب 10.

(4) التهذيب 2: 249- 988، الاستبصار 1: 254- 911، الوسائل 4: 147 أبواب المواقيت ب 8 ح 25.

(5) التهذيب 2: 249- 989، الاستبصار 1: 254- 912، الوسائل 4: 148 أبواب المواقيت ب 8 ح 30.

(6) الكافي 3: 275 الصلاة ب 5 ح 1، التهذيب 2: 20- 56، الوسائل 4: 133 أبواب المواقيت ب 5 ح 6.

(7) التهذيب 2: 257- 1019، الوسائل 4: 121 أبواب المواقيت ب 3 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 138

و الشمس على قدمين، ثمَّ صلّ سبحتك، و أحبّ أن يكون فراغك من العصر و الشمس على أربعة أقدام» «1».

و موثّقة ذريح: «إذا زالت الشمس فهو وقت لا يحبسك معه إلّا سبحتك تطيلها أو تقصرها» [فقال بعض القوم: إنا نصلّي الأولى إذا كانت على قدمين و العصر على أربعة أقدام ] فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «النصف من ذلك أحب إليّ» [1].

و موثّقة الجمّال: العصر متى أصلّيها إذا كنت في غير سفر؟ قال: «على قدر ثلثي قدم بعد الظهر» «2». و قريبة منها صحيحته «3».

و بعد التعارض تبقى روايات أول الوقت و فضيلته عن المعارض خالية، مع أنه قد وقع التصريح في رواية محمد بن أحمد- المتقدّمة في وقت الظهرين «4»- بعدم اعتبار القدم و القدمين و الأربع و نحوها، مضافا إلى ما

يستفاد من المستفيضة أن جعل القدم و نحوه وقتا للظهر لأجل النافلة.

و المراد من التحديد بهذه الأخبار أن هذا القدر وقت أفضلية التنفّل، و بعده يكون الأفضل الاشتغال بالفريضة، ففي موثّقة زرارة: «أ تدري لم جعل الذراع و الذراعان»؟ قلت: لم؟ قال: «لمكان الفريضة [2]، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يبلغ ذراعا، فإذا بلغ ذراعا بدأت بالفريضة و تركت النافلة» «5» و نحوها

______________________________

[1] التهذيب 2: 246- 978، الاستبصار 1: 249- 897، الوسائل 4: 134 أبواب المواقيت ب 5 ح 12 و أورد ذيله في ص 146 ب 8 ح 22، و ما بين المعقوفين من المصدر.

[2] في الفقيه و التهذيب و الوسائل: النافلة.

______________________________

(1) التهذيب 2: 250- 991، الاستبصار 1: 255- 914، الوسائل 4: 148 أبواب المواقيت ب 8 ح 31.

(2) التهذيب 2: 257- 1020، الوسائل 4: 153 أبواب المواقيت ب 9 ح 5.

(3) الكافي 3: 431 الصلاة ب 81 ح 1، الوسائل 4: 143 أبواب المواقيت ب 8 ح 8.

(4) راجع ص 12.

(5) الفقيه 1: 140- 653، التهذيب 2: 19- 55، الاستبصار 1: 250- 899، علل الشرائع: 349- 2، الوسائل 4: 141 أبواب المواقيت ب 8 ح 3، 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 139

غيرها.

فالمراد من جعل هذا القدر أفضل أنه بواسطة التنفّل، و لذا أسقطه عن غير المتنفّل، و به صرّح في رواية زرارة: «صلاة المسافر حين تزول الشمس، لأنه ليس قبلها في السفر صلاة، و إن شاء أخّرها إلى وقت الظهر في الحضر، غير أن أفضل ذلك أن يصلّيها في أول وقتها حين تزول الشمس» «1».

على أنه لمّا كانت ملاحظة الذراع و الأقدام و القامة ممّا كان يهتم به

العامة، و كان عليها مدارهم، فلذلك ورد في الأخبار، و قد كان يأمرون أصحابهم بمراعاتها و يكرهون اتّخاذهم تركها عادة، كما يشعر به رواية زرارة: أصوم فلا أقيل حتى تزول الشمس، فإذا زالت الشمس صلّيت نوافلي، ثمَّ صلّيت الظهر، ثمَّ صلّيت نوافلي، ثمَّ صلّيت العصر، ثمَّ نمت، و ذلك قبل أن يصلّي الناس، فقال:

«يا زرارة، إذا زالت الشمس فقد دخل الوقت، و لكن أكره لك أن تتّخذه وقتا دائما» «2».

و في قوله: «لك» و التقييد بالدوام إشعار بكونه تقية، مع أنه يمكن أن يكون لأجل النوم بعد الظهر، أو يكون الضمير للزوال، و الوقت للظهر بترك النافلة.

و على ذلك تحمل رواية ابن ميسرة: إذا زالت الشمس في طول النهار للرجل أن يصلّي الظهر و العصر؟ قال: «نعم، و ما أحبّ أن يفعل ذلك كلّ يوم» «3».

______________________________

(1) التهذيب 3: 234- 612، الوسائل 4: 135 أبواب المواقيت ب 6 ح 1.

(2) التهذيب 2: 247- 981، الاستبصار 1: 252- 905، الوسائل 4: 134 أبواب المواقيت ب 5 ح 10.

(3) التهذيب 2: 247- 980، الاستبصار 1: 252- 904، الوسائل 4: 128 أبواب المواقيت ب 4 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 140

و موثّقة ابن بكير: إني صلّيت الظهر في يوم غيم، فانجلت، فوجدتني صلّيت الظهر حين زال النهار، قال: فقال: «لا تعد، و لا تعد» «1».

و يمكن أن يكون النهي عن العود في الأخيرة أيضا، لأنّ تعجيل الصلاة في يوم الغيم ربما يفضي إلى وقوع الصلاة قبل الوقت.

و منها: تأخير العصر عن صلاة الظهر بقدر يتحقّق التفريق و لو لم يتنفّل.

و هذا هو التفريق المطلق، و يقابله مطلق الجمع، كما أن ما مرّ من تأخيرها إلى الأقدام

و القامة التفريق في الوقت، و يقابله الجمع فيه.

فقيل باستحباب ذلك «2»، لفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و تفريقه إلّا مع حاجة، و لروايتي زرارة و ابن ميسرة، المتقدّمتين، و لما في الذكرى من أنه كما علم من مذهب الإمامية جواز الجمع بين الصلاتين مطلقا علم منه استحباب التفريق بينهما، بشهادة النصوص و المصنفات بذلك «3».

و يضعف الأول: بأنه إنما هو لمكان النافلة و التعقيب، و التفريق لأجلهما مستحب إجماعا، و تفريقه بدونهما غير مسلّم.

مع أنه صرّح في الأخبار بأنه قد كان يجمع من غير علة أيضا، كما في صحيحة ابن سنان: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين، و جمع بين المغرب و العشاء في الحضر من غير علة بأذان و إقامتين» «4».

و حمل الجمع على الجمع في أحد الوقتين اللذين أتى به جبرئيل خلاف ظاهر

______________________________

(1) التهذيب 2: 246- 979، الاستبصار 1: 252- 903، الوسائل 4: 129 أبواب المواقيت ب 4 ح 16.

(2) كما في الذكرى: 119، و جامع المقاصد 2: 26.

(3) الذكرى: 119.

(4) الفقيه 1: 186- 886، الوسائل 4: 220 أبواب المواقيت ب 32 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 141

الكلام و ترك الأذان، و (في) [1] رواية ابن حكيم: «الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوّع، و إذا كان بينهما تطوّع فلا جمع» «1».

و الروايتان: بما مرّ، و ما في الذكرى بأنه لا يثبت إلّا استحباب التنفل، كما يستفاد ممّا استشهد به.

فالأظهر عدم استحبابه، بل أولوية أول الوقت، لأخبارها، كما صرّح بها المحقّق الخوانساري في شرح الروضة و صاحب الحدائق «2».

و منها: تأخير المغرب حتى زالت الحمرة المشرقية،

لموثّقة ابن شعيب المتقدّمة في أول وقت المغرب «3».

و رواية جارود: «يا جارود، ينصحون فلا يقبلون- إلى أن قال:- قلت لهم: مسّوا بالمغرب قليلا، فتركوها حتى اشتبكت النجوم، فأنا الآن أصلّيها إذا سقط القرص» «4».

و مكاتبة ابن وضاح: يتوارى القرص و يقبل الليل، ثمَّ يزيد الليل ارتفاعا و تستتر عنّا الشمس، و ترتفع فوق الجبل حمرة، و يؤذّن المؤذّنون، فأصلّي حينئذ و أفطر إن كنت صائما؟ أو أنتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الجبل؟ فكتب إليّ:

«أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة، و تأخذ بالحائطة لدينك» «5».

و رواية الساباطي: «إنّما أمرت أبا الخطاب أن يصلّي المغرب حين زالت

______________________________

[1] ليس في «ق».

______________________________

(1) الكافي 3: 287 الصلاة ب 9 ح 3، التهذيب 2: 263- 1050، الوسائل 4: 224 أبواب المواقيت ب 33 ح 2.

(2) الحواشي على شرح اللمعة: 165، الحدائق 6: 151.

(3) راجع ص 30.

(4) التهذيب 2: 259- 1032، الوسائل 4: 177 أبواب المواقيت ب 16 ح 15.

(5) التهذيب 2: 259- 1031، الاستبصار 1: 264- 952، الوسائل 4: 176 أبواب المواقيت ب 16 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 142

الحمرة، فجعل هو الحمرة التي من قبل المغرب، فكان يصلّي حين يغيب الشفق» «1».

و رواية شهاب: «إني أحبّ إذا صلّيت المغرب أن أرى في السماء كوكبا» «2».

و للفرار من خلاف من جعله أول الوقت «3».

و في الكل نظر:

أمّا الأول: فلأنّ الإمساء قليلا أعم من زوال الحمرة المشرقية، و يمكن أن يكون لتحصيل اليقين بغياب القرص، سيما في البلاد الجبالية كما هو الظاهر من الرواية.

و منه يظهر ما في الثاني.

و أمّا الثالث: فلأنّ المراد بالحمرة فيها يمكن أن تكون الحمرة الباقية من ضوء الشمس على الأعالي، بل

هو الظاهر من قوله: «ترتفع فوق الجبل».

و منه يظهر ما في الرابع.

و أمّا الخامس: فلأنّه لا يدلّ إلّا على مطلوبية رؤية كوكب بعد تمام الصلاة، فلعله لأجل استحباب التأنّي في صلاة المغرب، فإنّ الظاهر أن بأدائها مع تؤدة يرى الكوكب بعد الفراغ، سيما الزهرة و المشتري.

و أمّا السادس: فلأنّ مطلوبية الفرار عن خلاف المخالف إنما هي لأجل الاحتياط، و دليله أعم من وجه من أدلة أفضلية أول الوقت، مع ترجيح الأخيرة

______________________________

(1) التهذيب 2: 259- 1033، الاستبصار 1: 265- 960، الوسائل 4: 175 أبواب المواقيت ب 16 ح 10.

(2) التهذيب 2: 261- 1040، الاستبصار 1: 268- 971، علل الشرائع: 350- 2، الوسائل 4: 175 أبواب المواقيت ب 16 ح 9.

(3) راجع ص 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 143

بموافقة آيتي المسارعة و الاستباق، و معاضدة ظاهر الإجماع المنقول في المنتهى، قال: لا يستحب تأخير المغرب عن الغروب في قول أهل العلم «1»، و مطابقة ما في مرسلة محمد بن أبي حمزة: «ملعون ملعون من أخّر المغرب طلب فضلها» «2».

و منها: تأخير الظهر في اليوم الحارّ حتى تسكن شدة الحرارة، لصحيحة ابن وهب: «كان المؤذّن يأتي النبي صلّى اللّه عليه و آله في صلاة الظهر فيقول له الرسول صلّى اللّه عليه و آله: أبرد أبرد» «3».

و المروي في العلل: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: إذا اشتد الحرّ فأبردوا بالصلاة، فإن الحرّ من فيح جهنم» [1].

و لكن إرادة تأخير الصلاة حتى يسكن الحرّ من قوله: «أبرد» مجاز، كما أن إرادة السرور من البرد، أو التعجيل لذلك [2] مجاز آخر محتمل، بل الأخير هو الأظهر من المروي في الغوالي: «شكونا إلى رسول اللّه صلّى

اللّه عليه و آله الرمضاء، فقال: أبردوا بالصلاة، فإنّ شدّة الحر من فيح جهنم» «4». (بل يمكن أن يراد أنه لمّا كانت الحرارة من فيح جهنم تسكن بدخول الصلاة فحصلوا البرد بها. و اللّه يعلم) [3].

العاشرة: لو اشتغل بالعصر أو العشاء أولا،

فإن ذكر و هو فيها و لو قبل

______________________________

[1] علل الشرائع 1: 247، الوسائل 4: 142 أبواب المواقيت ب 8 ح 6. الفيح: سطوع الحرّ و فورانه. لسان العرب 2: 550.

[2] قال الصدوق في ذيل صحيحة ابن وهب: قال مصنف هذا الكتاب: يعني عجّل عجّل، و أخذ ذلك من التبريد.

[3] ما بين القوسين ليس في «ه».

______________________________

(1) المنتهى 1: 211.

(2) التهذيب 2: 33- 100، علل الشرائع: 350- 6، الوسائل 4: 192 أبواب المواقيت ب 18 ح 20.

(3) الفقيه 1: 144- 671، الوسائل 4: 247 أبواب المواقيت ب 42 ح 1.

(4) غوالي اللئالي 1: 161- 152، و عنه في المستدرك 3: 149 أبواب المواقيت ب 33 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 144

التسليم- على القول بكونه جزءا و لو مستحبا- عدل مع إمكانه، بلا خلاف فيه ظاهر.

لصحيحة البصري: عن رجل نسي صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى، فقال: «إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلّى حين يذكرها، و إن ذكرها و هو في صلاة بدأ بالتي نسي، و إن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة ثمَّ صلّى المغرب، و إن كان صلّى العتمة وحدها فصلّى منها ركعتين، ثمَّ ذكر أنه نسي المغرب أتمّها بركعة، فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات، ثمَّ يصلّي العتمة بعد ذلك» «1».

و صحيحة الحلبي: عن رجل أمّ قوما في العصر، فذكر و هو يصلّي بهم أنه لم يكن صلّى الاولى، قال: «فليجعلها الأولى التي فاتته

و يستأنف بعد صلاة العصر» «2».

و صحيحة زرارة، و فيها: «و إن نسيت الظهر حتى صلّيت العصر، فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغها فانوها الاولى، ثمَّ صلّ العصر، فإنما هي أربع مكان أربع، فإن ذكرت أنك لم تصلّ الاولى و أنت في صلاة العصر و قد صلّيت منها ركعتين، فانوها الاولى فصلّ الركعتين الباقيتين، و قم فصلّ العصر» إلى أن قال: «و إن كنت قد صلّيت العشاء الآخرة و نسيت المغرب فقم فصلّ المغرب، و إن كنت ذكرتها و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمَّ سلّم، ثمَّ قم فصلّ العشاء الآخرة» «3».

و لا فرق بين أن يكون الاشتغال بالثانية في الوقت المشترك أو المختص

______________________________

(1) الكافي 3: 293 الصلاة ب 12 ح 5، التهذيب 2: 269- 1071، الوسائل 4: 291 أبواب المواقيت ب 63 ح 2.

(2) الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 7، التهذيب 2: 269- 1072، الوسائل 4: 292 أبواب المواقيت ب 63 ح 3.

(3) الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158- 340، الوسائل 4: 290 أبواب المواقيت ب 63 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 145

بالأولى، للإطلاق، و صحة ما أتى به بنية الثانية، لتعبّده بظنه.

و إن ذكر عند تعذّر العدول أو عند الفراغ، فإن وقع الجميع في الوقت المختص بالأولى بطلت الثانية، لما مرّ في مسألة من صلّى قبل الوقت «1». و به يعارض بعض الإطلاقات فتقيّد بما إذا وقع في الوقت.

و إن وقع في الوقت المشترك أو دخل و هو فيها، فقالوا بصحة ما فيه، و عليه الإتيان بالأولى بعده خاصة.

و الحكم فيما إذا ذكر بعد

التمام و إن كان موافقا للأصل، لأنّ المتصوّر إمّا بطلان ما أتى به، و هو مخالف لما علم قطعا بالإجماع و النصوص، من أنه لو لم يتذكر حتى خرج الوقت ليس عليه إلّا قضاء الاولى فقط. أو وقوعه صحيحا للأولى، و هو أيضا مخالف لما ذكر، و لعموم قولهم عليهم السلام: «لكل امرئ ما نوى» «2» أو العدول، و هو مخالف للأصل. أو صحته للثانية، و هو المطلوب. و مع ذلك فهو في العشاءين موافق لنصّ خال عن المعارض.

و لكنه مخالف في الظهرين لقوله في صحيحة زرارة: «و إن نسيت الظهر حتى صلّيت العصر ..» و لرواية الحلبي: عن رجل نسي أن يصلّي الاولى حتى صلّى العصر، قال: «فليجعل صلاته التي صلّى الاولى، ثمَّ ليستأنف العصر» «3» و الرضوي: عن رجل نسي الظهر حتى صلّى العصر، قال: «يجعل صلاة العصر التي صلّى الظهر، ثمَّ يصلّي العصر بعد ذلك» «4».

و فيما إذا ذكر في الأثناء حال تعذّر العدول للأصل.

______________________________

(1) راجع ص 101.

(2) انظر: الوسائل 1: 48 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 10.

(3) التهذيب 2: 269- 1074، الاستبصار 1: 287- 1052، الوسائل 4: 292 أبواب المواقيت ب 63 ح 4.

(4) فقه الرضا عليه السلام: 122، مستدرك الوسائل 3: 162 أبواب المواقيت ب 48 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 146

إلّا أنّ الحكمين مقطوع بهما في كلام من تعرّض المسألة، بل قيل في الأول إنه متّفق عليه «1». فإن ثبت الإجماع فلا مفرّ عنه، و إلّا- كما هو الظاهر حيث إنه لا تعرض للمسألة في كلام كثير من الأصحاب، و غاية ما يتحقّق هنا عدم ظهور الخلاف و لا حجية فيه- فالخروج عن الأصل في

الثاني، و عن مقتضى النص الخالي عن المعارض في الأول بلا دليل مشكل.

و لذا قال في المفاتيح- بعد ذكر ورود جواز العدول بعد الفراغ في الصحيح-: و هو حسن [1]، و قال بعض شرّاحه: و لعله الصحيح، و قال الأردبيلي: و لو كان به قائل لكان القول به متعيّنا «2».

و أمّا جعله معارضا مع ما ورد في العشاء فلا وجه له، إذ لا يمكن جعل العشاء مغربا، و عدم القول بالفصل غير معلوم.

و أمّا صحيحة صفوان: عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس و قد كان صلّى العصر، فقال: «كان أبو جعفر عليه السلام أو كان أبي يقول: إن كان أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها، و إلّا صلّى المغرب ثمَّ صلّاها» «3».

فهي و إن كانت معارضة لما دلّ على العدول بعد الفراغ، و لكن محل التعارض إنما هو إذا كان التذكّر بعد خروج وقت الصلاتين، و لازمه تخصيص دليل العدول بها، و أمّا قبله فلا دليل.

و المسألة قوية الإشكال، و القول بالعدول في الوقت بعد الفراغ أقوى، و الاحتياط لا يترك في كلّ حال.

______________________________

[1] لم نعثر على هذا التعبير في المفاتيح، و قال: يحتمل إجزاؤها عن الاولى في الظهرين، كما يدل عليه الصحيح و غيره .. المفاتيح 1: 96.

______________________________

(1) كما في كشف اللثام 1: 165.

(2) مجمع الفائدة 2: 56.

(3) الكافي 3: 293 الصلاة ب 12 ح 6، التهذيب 2: 269- 1073، الوسائل 4: 289 أبواب المواقيت ب 62 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 147

الباب الثاني في القبلة
اشارة

و وجوب التوجّه إليها في الصلاة إجماعي في الجملة.

و الكلام إمّا في تعيين القبلة، أو فيما يستقبل له، أو في أحكامها، فهاهنا ثلاثة فصول

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 148

الفصل الأول في تعيين القبلة
اشارة

و لنقدّم مقدمة، و هي: أنّ معنى كون الشي ء قبلة، أنه يجب استقباله، بحيث يصدق استقباله و التوجّه إليه و المواجهة نحوه عرفا، و هو أمر يختلف باختلاف قرب المستقبل و بعده منه سعة و ضيقا.

فقد تشترط المحاذاة الحقيقية لعينه، بحيث لو أخرج خط مستقيم من بين عيني المستقبل أو قدميه يقع على عين المستقبل له، و ينتفي صدق التوجّه و الاستقبال عرفا بوقوع الخط خارجا عنه و لو بيسير.

و قد لا يضرّ عدم المحاذاة الحقيقيّة بكثير أيضا إذا كثر البعد بينهما. فإنّه لو كانت هناك منارة رفيعة يمكن مشاهدتها من مسافة بعيدة، فإنّ من يكون عندها لا يكون متوجّها إليها، مستقبلا لها عرفا، إلّا مع المحاذاة الحقيقة بالمعنى المذكور، بحيث لو وقع طرف خط المحاذاة خارجا عنها- و لو بيسير- ينتفي صدق الاستقبال، و كلّما بعد عنها يتّسع ميدان التوجّه و الاستقبال، حتّى إنه إذا زاد البعد كثيرا قد يصدق التوجّه العرفي على جميع أشخاص صفّ واحد متوجّه إليها، يزيد طوله عن مائة ذراع، مع أنه لا يحاذيها حقيقة إلّا نحو من أربعة نفر أو خمسة منهم مثلا، بل يصدق التوجّه على من علم انتفاء التحاذي الحقيقي منه أيضا، فالمناط صدق الاستقبال و التوجّه العرفيين.

و ليس المراد بسعة ميدان التوجّه أنّ المتوجّه إليها لا يخرج عن التوجّه العرفي إليها بالانحراف و الميل عنها عرفا و لو يسيرا، كما يوهمه قول من يقول: أمر القبلة سهل «1». بل المراد أنه لا تشترط المحاذاة الحقيقية بالمعنى المذكور.

و إن أردت تصويره فانظر إلى القمر عند طلوعه عن المشرق، فإذا واجهت

______________________________

(1) كما في المدارك 3: 121، و مجمع الفائدة 2: 59.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 149

خط المشرق حينئذ، يقال: إنك مستقبل للقمر و متوجّه إليه، و كذا من قام جنبك موازيا لك، و من قام جنبه كذلك، و هكذا إلى أن يحصل صف طوله أكثر من عشرة فراسخ، فالكلّ له مواجهون و مستقبلون مع أنّ الفصل بين طرفي الصف أكثر من عشرة فراسخ.

و لكن لو انحرف أحد هذه الأشخاص قدرا يسيرا من المشرق إلى إحدى جهتي الجنوب أو الشمال و لو بقدر عشر الدور بل أقلّ، يقال: مال عن القمر و انحرف عنه، و ليس مستقبلا له.

و لو اختلج في صدرك شي ء لأجل سعة جرم القمر في الحقيقة، و قلت: إن الصدق مع الطول الكذائي لهذا السبب، فافرض منارة محاذية لنقطة المشرق على رأس جبل بينك و بينه خمسة فراسخ أو عشرة مثلا، فإنك إذا واجهت نقطة المشرق تكون مستقبلا للمنارة و متوجّها إليها، و كذا من قام بجنبك موازيا لك إلى نحو من ألف شخص، مع أن المحاذاة الحقيقية ليست إلّا لأربعة أو خمسة، و لكن إذا انحرف أحدهم عن نقطة المشرق و لو بقدر يسير، يخرج عن الاستقبال للمنارة.

فليس المراد باتّساع جهة التوجّه بالبعد أنّ المستقبل لا يخرج عن الاستقبال بالميل اليسير، بل المراد أنه يصدق الاستقبال و لو كان المستقبل خارجا عن المحاذاة الحقيقية بكثير، فإذا كانت المنارة على رأس فرسخ مثلا، يصدق الاستقبال لها على جميع أهل صف طوله مائة ذراع، و لا يصدق على جميع أهل صف طوله ألف ذراع مثلا، و إذا كانت على رأس عشرة فراسخ يصدق على جميع أهل صف طوله ألف ذراع أيضا، و هكذا ..

و تشريحه و السرّ فيه أنه إذا زاد البعد بين

المستقبل و المستقبل له، يعدّ المستقبل لما يقاربه مستقبلا له عرفا، و يكون المحاذي له محاذيا له عرفا، و ليس للفصل بين المتقاربين قدر محسوس مع البعد، فالمحاذي للمنارة المذكورة حقيقة محاذ لها عرفا، و كذا المحاذي لما يبعد عنها بذراع أو عشرة أذرع أو مائة، و يزيد ذلك بزيادة البعد، و ذلك بخلاف ما لو انحرف المستقبل عنها يسيرا، فإنه يزيد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 150

البعد بين خط المحاذاة الأول و بين خط الانحراف شيئا فشيئا، حتى إنه قد يصير البعد بينهما عند محاذاة المنارة نحوا من فرسخ أو أكثر، بحيث لا يعدّ المتوجّه إلى جزء البعد متوجّها إلى المنارة.

و على هذا فالمستقبل إليه في كلّ حال هو العين، و لكن تتّسع جهة استقبالها عرفا بالبعد عنها.

و المراد بجهة استقبالها خط يخرج من جنبتي المستقبل له مقابلا للخط الخارج من جنبتي المستقبل المارّ على طرفي يمينه و يساره، بحيث يكون المحاذي حقيقة لكلّ جزء منه متوجّها و مستقبلا للمستقبل إليه عرفا.

و المراد باتّساعها، أنّه كلّما يزيد البعد يزيد خطّ الجهة طولا، فمن قام بعيدا عن المنارة بقدر ذراع مثلا، يكون خط الجهة بقدر قطر المنارة الذي هو ذراعان مثلا، فإذا بعد بقدر ميل عنها، يمكن أن يصير الخطّ بقدر خمسين ذراعا، فإنّ المواجه لكلّ جزء منه في بعد ميل، مواجه للمنارة عرفا، و إذا بعد فرسخا، يصير الخطّ أطول، و هكذا ..

و تلخّص ممّا ذكرنا: أنّ استقبال الشي ء عبارة عن التوجّه إليه و المواجهة له عرفا، بحيث يعدّ في العرف مستقبلا له، متوجّها إليه غير مائل و لا منحرف عنه، و أنّ العين و الجهة بالمعنى الذي ذكرنا و إن اختلفتا حقيقة،

و صارت الجهة أوسع من العين بزيادة البعد، إلّا أنه لا اختلاف في استقبال عين الشي ء و جهته عرفا، فإنّ مستقبل العين مستقبل للجهة، و مستقبل الجهة مستقبل للعين، سواء في ذلك القريب و البعيد، فإنّ من له غاية القرب بالمستقبل له و إن اشترط في استقباله المحاذاة الحقيقية، و لكنّ الجهة حينئذ أيضا هي الخط المساوي لقطر العين، و لذا يقال للقريب المتوجّه إليها: ملتفت إلى جهتها و جانبها و نحوها و سمتها و طرفها.

و الكلّ بمعنى واحد.

و لذا قال الشيخ الجليل أبو الفضل شاذان بن جبرئيل في رسالته في القبلة- التي عليها تعويل العلماء المتأخّرين منه، كما صرّح به في البحار-: إنّ من كان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 151

بمكة خارج المسجد الحرام أو في بعض بيوتها وجب عليه التوجّه إلى جهة الكعبة مع العلم «1»، إلى آخر ما قال، فإنه استعمل التوجّه إلى الجهة في مقام استقبال العين.

إذا عرفت تلك المقدمة، فلنذكر قبلة المكلّفين في مسائل:

المسألة الأولى:
اشارة

قبلة كلّ أحد هي الكعبة، سواء كان قريبا منها أو بعيدا عنها، متمكّنا من مشاهدتها أو غير متمكّن، داخلا في المسجد أو الحرم أو خارجا عنهما.

لفعل الحجج، و المستفيضة من النصوص المتضمّنة لأنّها القبلة، كالنبويّ المنجبر بالعمل: إنه صلّى اللّه عليه و آله صلّى إلى عين الكعبة و قال: «هذه قبلتكم» «2».

و موثّقة ابن سنان: صلّيت فوق أبي قبيس العصر، فهل يجزئ ذلك و الكعبة تحتي؟ قال: «نعم إنّها قبلة من موضعها إلى السماء» «3».

و المرويّ في العلل و التوحيد و [المجالس ] [1]: «هذا بيت اللّه» إلى أن قال:

«جعله محل أنبيائه و قبلة للمصلّين له» «4».

و في قرب الإسناد: «إنّ للّه تعالى حرمات ثلاث» إلى

أن قال: «و بيته الذي جعله قياما للناس، لا يقبل من أحد توجّها إلى غيره» «5».

و في الاحتجاج عن مولانا العسكري، و في تفسير الإمام في احتجاج النبي

______________________________

[1] في النسخ الأربع: المحاسن، و الظاهر أنه تصحيف، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(1) البحار 81: 72 و 82.

(2) انظر: سنن النسائي 5: 220.

(3) التهذيب 2: 383- 1598، الوسائل 4: 339 أبواب القبلة ب 18 ح 1.

(4) علل الشرائع: 403- 4، التوحيد: 253- 4، أمالي الصدوق: 493- 4.

(5) رواها في الوسائل 4: 300 أبواب القبلة ب 2 ح 10، و كذا في البحار 81: 68- 22 عن قرب الإسناد، و لكنها لم توجد في النسخة المطبوعة منه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 152

صلّى اللّه عليه و آله على المشركين: «قال: إنّا عباد اللّه- إلى أن قال-: أمرنا أن نعبده بالتوجّه إلى الكعبة، أطعنا، ثمَّ أمرنا بعبادته بالتوجّه نحوها في سائر البلدان التي نكون بها فأطعنا» «1».

و لاستصحاب اشتغال ذمّة من صلّى إلى غيرها بالصلاة، أو الصلاة إلى القبلة.

و تؤيّده المستفيضة المصرّحة بتحويل وجه النبيّ في الصلاة إلى الكعبة حين تحويل القبلة و هو في المدينة، و هي كثيرة:

منها: موثّقة ابن عمّار: متى صرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى الكعبة؟ قال: «بعد رجوعه من بدر» «2» إلى غير ذلك.

و معنى كون الكعبة قبلة، أنّه يجب التوجّه إليها، بحيث يعدّ الشخص محاذيا مستقبلا لها، متوجّها إليها عرفا، سواء كان محاذيا حقيقة لعين الكعبة، أو لجزء من جهتها بالمعنى الذي ذكرنا، فإنه لا التفات إلى المحاذاة الحقيقية، فإنّ معاني الألفاظ هي المصداقات العرفيّة. ثمَّ إن شئت سمّيت ذلك استقبال العين أو الجهة، فإنّهما متحدان عرفا.

خلافا للمفيد «3»، و

ابني شهرآشوب و زهرة «4»، فقالوا: إنّ القبلة لأهل المسجد الكعبة، و لغيرهم المسجد، إمّا مقيّدا بالبعد عن الكعبة كالأول، أو بعدم مشاهدتها كالثانيين، لظاهر الآية الشريفة [1]، خرج القريب أو المشاهد بالإجماع،

______________________________

[1] فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ. وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ 2: 144 البقرة: 144.

______________________________

(1) الاحتجاج: 27، الوسائل 4: 302 أبواب القبلة ب 2 ح 14.

(2) رواها في الوسائل 4: 298 أبواب القبلة ب 2 ح 3، و البحار 81: 76 عن إزاحة العلة في معرفة القبلة لأبي الفضل شاذان بن جبرئيل القمي.

(3) المفيد في المقنعة: 95.

(4) حكاه عن ابن شهرآشوب في كشف اللثام 1: 173، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):

556.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 153

فيبقى الباقي.

و فيه: أنّ شطر المسجد في الآية مطلق شامل لما كان شطر الكعبة أيضا أم لا، و أخبار كون الكعبة قبلة سيما رواية الاحتجاج مقيّدة، و المقيّد و إن كان خبرا يحمل عليه المطلق و إن كان كتابا.

مع أنّه يحتمل أن يكون المراد بالمسجد الكعبة، و هو و إن كان مجازا إلّا أنه لو لم يرتكب لزم تخصيص الآية بغير أهل المسجد إجماعا، و ليس أحدهما أولى من الآخر، على الأظهر.

هذا، مع أنهم لو أرادوا من البعد أو عدم المشاهدة حدّا يتّحد معه سعة جهة الكعبة و المسجد، فيتّحد القولان.

نعم، يختلفان لو أرادوا الأعم، فإنّ من يواجه المسجد- و إن كان منحرفا عن الكعبة عرفا- يكون إلى القبلة مع البعد أو عدم المشاهدة، على قولهم دون قولنا.

و لأبي الفضل شاذان بن جبرئيل «1»، و المبسوط و الجمل و العقود و الإصباح و الوسيلة و المهذب و الصدوق و الخلاف و النهاية و

الاقتصاد و المصباح و مختصره و المراسم و الشرائع «2»، بل عليه الإجماع في الخلاف، و الشهرة في كلام الشهيدين «3».

فقالوا: الكعبة قبلة لأهل المسجد، و المسجد لأهل الحرم و لو بالانحراف عن الكعبة، و الحرم لمن كان خارجا عنه و لو مع الانحراف عن المسجد، مقيّدا

______________________________

(1) حكاه عنه في البحار 81: 75.

(2) المبسوط 1: 77، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 175، الوسيلة: 85، المهذب 1: 84، الصدوق في الفقيه 1: 177، الخلاف 1: 295، النهاية: 62، الاقتصاد: 257، مصباح المتهجد: 24، المراسم: 60، الشرائع 1: 65.

(3) الذكرى: 162، المسالك 1: 21.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 154

بشرط عدم التمكّن من مشاهدة الكعبة و لو بمشقّة يمكن تحمّلها عادة، كالستة الأول، أو مطلقا، كالبواقي على ما هو مقتضى إطلاق كلماتهم، بل بعض أدلّتهم، و إن صرّح جمع- منهم صاحب البحار «1»- بأنّ الظاهر عدم مخالفتهم في التقييد المذكور، كما يرشد إليه دعوى جماعة- منهم التذكرة و المعتبر و كنز العرفان «2»- الإجماع على كون الكعبة قبلة مع التمكّن عن المشاهدة.

للأخبار المشتملة على ذلك التفصيل، كمرسلة الحجال: «إنّ اللّه جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد، و جعل المسجد قبلة لأهل الحرم، و جعل الحرم قبلة لأهل الدنيا» «3».

و رواية أبي الوليد: «البيت قبلة لأهل المسجد، و المسجد قبلة لأهل الحرم، و الحرم قبلة للناس جميعا» «4» و مثلها في العلل «5». خرج المتمكن من المشاهدة عند الأولين بالإجماع.

و يضعّف: بأنّها معارضة مع الأخبار المتقدّمة، فإن رجّحنا المتقدّمة بالشهرة، و الكثرة، و اعتبار السند، و الأحدثية في بعضها فهو، و إلّا فيرجع إلى الأصل، و هو مع المتقدّمة، لاستصحاب الاشتغال المذكور.

و لا يتوهّم أخصيّة تلك الأخبار مطلقا

عن المتقدّمة، باعتبار المصلّي، حيث إنه في المتقدّمة عام، و في هذه خاص بأهل المسجد بالنسبة إلى الكعبة، لأنّه و إن كان كذلك في بعضها، إلّا أنه ليس كذلك في رواية الاحتجاج.

مع أنّ لهذه الأخبار أيضا جهة عموم باعتبار الموضع، فإنّ كون المسجد أو

______________________________

(1) البحار 81: 51.

(2) التذكرة 1: 100، المعتبر 2: 65، كنز العرفان 1: 85.

(3) علل الشرائع 1: 415- 2، التهذيب 2: 44- 139، الوسائل 4: 303 أبواب القبلة ب 3 ح 1.

(4) التهذيب 2: 44- 140، الوسائل 4: 304 أبواب القبلة ب 3 ح 2.

(5) علل الشرائع: 318- 2، الوسائل 4: 304 أبواب القبلة ب 3 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 155

الحرم قبلة أعم من أن يكون باعتبار كلّ جزء منهما، أو باعتبار بعضه.

و لا ينافيه التفصيل، بجعل الكعبة لأهل المسجد، و المسجد لأهل الحرم، و الحرم لأهل البلدان، لانقطاع الشركة بكون بعض أجزاء المسجد و الحرم قبلة لغير أهل المسجد، بخلاف من فيه، و تعارف مثل ذلك في المحاورات، فيقال لمن يسافر من الهند للحج: مقصوده الحجاز، و لمن في الحجاز:

مقصوده مكة، و لمن في مكة: مقصوده البيت، مع أنّ مقصد الكلّ واحد.

هذا، مع انقطاع الشركة من جهة أخرى أيضا، لأنّ من بعد كثيرا يكون جميع أجزاء المسجد و الحرم له قبلة، باعتبار ما ذكرنا من صدق المحاذاة العرفية للكعبة للمحاذي لبعض أجزائهما حقيقة، بخلاف من في المسجد.

و لا يتوهّم أيضا موافقة أخبارهم للآية، و هي من المرجّحات المنصوصة، لما عرفت من جواز كون المراد بالمسجد الكعبة، مع أنها- لدلالتها على أن قبلة الخارج من الحرم الحرم- للآية مخالفة، بل مخالفة تلك الأخبار لها أكثر من مخالفة الأخبار

المتقدمة، كما لا يخفى.

هذا، مع أنهم إن أرادوا عين المسجد و الحرم، بحيث تجب المحاذاة الحقيقية مطلقا- كما هو صريح بعضهم «1»- فالآية غير مثبتة لها، لما عرفت من معنى كون الشي ء قبلة. و إن أرادوا الاستقبال العرفي- كما يظهر من بعض آخر حيث زاد الجهة «2»- فيتّحد مقتضى هذا القول مع ما ذكرنا في البعيد.

نعم يظهر الخلاف و الثمرة في القريب.

و قال جماعة من الأصحاب، بل لعلّهم الأكثرون و منهم السيد

______________________________

(1) انظر المبسوط 1: 77.

(2) كالشيخ في الجمل و العقود (الرسائل العشر): 175، و حكاه عن رسالة شاذان في البحار 81:

75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 156

و الإسكافي «1»، و الحلبي و الحلّي و المعتبر و النافع «2»، و جميع كتب الفاضل «3»، و الدروس و البيان و الذكرى و المدارك و شرح القواعد «4»، و المعتمد، بل جملة المتأخرين: إنّ قبلة المتمكن من مشاهدة الكعبة- و لو بمشقّة- عينها، لما ذكرنا من الأخبار، مضافا إلى عدم انضباط ما كان مسجدا عند نزول الآية، و فعل الحجج.

و لغيره جهتها، لظاهر الآية، و لزوم إرادتها عند تعذّر العين، و ظهور ما دلّ على تحويل القبلة فيها، و المعتبرة المتضمّنة لأن ما بين المشرق و المغرب قبلة «5»، و لرواية الاحتجاج، المتقدّمة، و لأنه لولاها لزم القطع ببطلان صلاة بعض الصفّ المتطاول زيادة على طول الكعبة أو الحرم، و صلاة أهل إحدى البلدتين المتفقتين في القبلة.

و يرد على استدلالهم للشقّ الأول: بأنّهم إن أرادوا من العين ما توجبه المحاذاة الحقيقية، بحيث يقع الخط الخارج من بين عيني المصلّي على نفس الكعبة، و لو كان المتمكّن بعيدا بحيث يصدق الاستقبال العرفي بدون المحاذاة المذكورة، فالأخبار- كما

عرفت- لا تدلّ عليها، مع أن مراعاتها لكلّ متمكن من المشاهدة في كلّ وقت تستلزم العسر و الحرج.

و إن أريد الأعمّ منها و من العرفية، فلا يختلف فيه المتمكّن من المشاهدة و غيره.

نعم، لو كان قولهم ذلك في مقابلة من يجعل القبلة المسجد أو الحرم، و كان

______________________________

(1) حكاه عنهما في المختلف: 76.

(2) الحلبي في الكافي: 138، الحلي في السرائر 1: 204، المعتبر 2: 65، المختصر النافع: 23.

(3) المختلف: 76، التحرير 1: 28، المنتهى 1: 217، القواعد 1: 26، التبصرة: 21، التذكرة 1: 100، الإرشاد 1: 244.

(4) الدروس 1: 158، البيان 114، الذكرى: 161، المدارك 3: 119، جامع المقاصد 2: 48.

(5) انظر: الوسائل 4: 314 أبواب القبلة ب 10 ح 1 و 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 157

استدلالهم للردّ عليه- كما يدلّ عليه استدلالهم بعدم انضباط المسجد أيضا- فيتمّ ما ذكروه، و إن كان دليلهم هذا غير تام، لأنّ شأن الفقيه البحث عن الحكم و إن لم يكن موضوعه مضبوطا في الخارج، و كذا استدلالهم بفعل الحجج، فإنّ صلاتهم خارج المسجد و إن كانت إلى الكعبة، و لكنها تكون إلى المسجد أيضا لا محالة، فلعلّها باعتبار المسجد دون الكعبة.

و أمّا ما استدلّوا به للشق الثاني، فإن أرادوا من الجهة ما ذكرناه، فلا تخصيص له بالشق الثاني، و لا حاجة إلى تلك الأدلّة الناقصة، كما يأتي.

و إن أرادوا غيره من المعاني المختلفة المذكورة في كتبهم للجهة، فمع كونها مخالفة لبعض الأخبار الدالّة على ما هو التحقيق من اتّحاد استقبال العين و الجهة، كما في تفسير العياشي [1]، عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: في قوله تعالى:

فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ 2: 144 قال: «معنى شطره

نحوه إن كان مرئيا، و بالدلائل و العلامات إن كان محجوبا» الحديث، و كون أكثرها مقتضيا لجواز الالتفات بكلّ البدن في الصلاة عمدا، و هو منفي إجماعا و نصّا، ففي التفسير المذكور: «استقبل القبلة بوجهك و لا تقلب وجهك فتفسد صلاتك» «1» لا ينطبق «2» شي ء من تلك الأدلّة على شي ء منها، بل لا دليل على اعتبار شي ء منها أصلا، إلّا ما قيل من أنّ المراد بالجهة ما تقتضيه العلامات المقرّرة في الشرع لقبلة البعيد «3»، و ما قيل من أن المراد بها الطرف الذي يظن باستقباله استقبال

______________________________

[1] كذا في النسخ الأربع، و لكنها لم توجد في تفسير العياشي بل وجدناها في رسالة المحكم و المتشابه للسيد المرتضى نقلا من تفسير النعماني (ص 96) و نقلها عن الرسالة في الوسائل 4: 308 أبواب القبلة ب 6 ح 4.

______________________________

(1) تفسير العياشي 1: 64- 116.

(2) جواب قوله: و إن أرادوا ..

(3) الرياض 1: 115.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 158

الكعبة «1».

و لكن في الأول: أنّ العلامات لم ترد إلّا لبعض البلاد، فلا يصح جعلها قبلة لغير المتمكن مطلقا، و أمّا ما ذكره الفقهاء من العلامات فغير واردة في الشرع، و اعتبارها موقوف على الدليل.

و في الثاني: أنّه يختص بغير المتمكن من تحصيل العلم بالاستقبال العرفي، و غير المتمكن من المشاهدة قد يتمكن من تحصيل العلم به.

مع أنّ منهم من يذكر حكم غير المتمكن من العلم بالقبلة أيضا في مسألة على حدة، و يستدلّ عليه بأخبار التحري لمن لا يعلم وجه القبلة.

و لو كان قولهم ذلك في مقابلة من يجعل القبلة لغير المتمكن من المشاهدة المسجد أو الحرم- كما يشعر به استدلالهم ببطلان صلاة بعض أهل الصف

المتطاول زيادة عن الحرم- و كان غرضهم الردّ عليه، و أرادوا من الجهة ما ذكرنا، فحينئذ و إن كان مطلوبهم صحيحا، و لكن لا يكون وجه للتفصيل المذكور، مع أن بعض أدلّتهم لا ينطبق عليه كالاستدلال ببطلان صلاة بعض أهل الصف المتطاول زيادة عن الكعبة.

هذا، مع ما في جميع أدلّتهم من القصور، لما عرفت من إجمال الآية، و لو قطع النظر عنه، فعلى جهة المسجد أدلّ من جهة الكعبة.

و لمنع لزوم إرادة الجهة بالمعاني التي ذكروها مع تعذّر العين لو كانت العين هي مقتضى الدليل، لإمكان إرادة غيرها كالمسجد أو الحرم. و القول بأنّ غير الثلاثة منفية بالإجماع، و استقبال جهة الكعبة يستلزم استقبال المسجد أو الحرم و لا عكس، فهي بالأصل أوفق. قلنا: هذا في البعيد بالعكس لو أريد عين المسجد أو الحرم.

و لمنع ظهور أخبار التحويل في أنه إلى جهة الكعبة، فإنه يمكن أن يكون

______________________________

(1) الذكرى: 162.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 159

إلى عينها، أو إلى المسجد، أو إلى الحرم. و ورود التحويل إلى الكعبة في الأخبار لعلّه لاستلزامه التحويل إليهما، فعبّر بأشرف أجزائهما، و ليس هذا من باب الأمر و النهي المثبت لما هو مدلول اللفظ، بل إخبار عنه.

و لتعارض ما دلّ على كون ما بين المشرق و المغرب قبلة مع ما ينفي ذلك، كموثّقة عمّار: في رجل صلّى على غير القبلة، فيعلم و هو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته، قال: «إن كان متوجّها فيما بين المشرق و المغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة حين يعلم» «1» الحديث.

و لعدم التفرقة لغة و عرفا بين التوجّه إلى الشي ء و نحوه الواردين في رواية الاحتجاج، بل كلاهما متّحدان كما ذكرنا.

و أما التفصيل

الواقع فيها فيمكن أن يكون باعتبار الإطاعة في الأمر بالعبادة في مكة و بالإطاعة في الأمر بها في سائر البلدان، لا في الإطاعة في الأمر بالتوجّه إلى العين و إلى النحو، بل الأول أظهر و أليق.

و لمنع لزوم بطلان صلاة بعض الصف أو أهل إحدى البلدتين، لإمكان كون تجويز محاذاة العين كافيا عند تعذّرها، و هو لكلّ من المصلّين متحقّق.

و بالجملة كلام هؤلاء في المقام غير خال عن القصور و الاضطراب و إن جرى عليه أعاظم الأصحاب.

و الصواب أن يتكلّم أولا في القبلة، و يجعل هي الكعبة بالأخبار و الأدلّة كما ذكرنا، و يردّ قول من جعلها المسجد أو الحرم، ثمَّ يتكلّم في وظيفة من لا يتمكن من العلم بها من التحري بالرجوع إلى العلامات المقرّرة شرعا فيما توجد فيه، و بما يحصل الظن باستقبال الكعبة عرفا، لأدلّة التحرّي، ثمَّ يتكلّم في وظيفة من لا يتمكن من التحرّي و تحصيل الظن أيضا، و قد ذكرنا المسألة الاولى و نذكر البواقي أيضا.

______________________________

(1) الكافي 3: 285 الصلاة ب 8 ح 8، التهذيب 2: 48- 159، الاستبصار 1: 298- 1100، الوسائل 4: 315 أبواب القبلة ب 10 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 160

فروع:

أ: المراد بالكعبة التي هي القبلة ليس نفس البنية المعمولة من الحجر و المدر، بل الفضاء المشغول بها، بالإجماع، و لأنّه الكعبة التي جعلت في الأخبار قبلة دون البنية، كما تدلّ عليه المعتبرة.

ففي رواية عبد الرحمن بن كثير الهاشمي- و هي طويلة- و فيها: «فأخذ جبرئيل عليه السلام بيد آدم حتى أتى به مكان البيت، فنزل غمام من السماء فأظل مكان البيت، فقال جبرئيل عليه السلام: يا آدم خطّ برجلك حيث أظل

الغمام فإنه قبلة لك و لآخر عقبك من ولدك، فخط آدم برجله حيث [أظل ] الغمام» [1].

و قريب منها في رواية أبي حمزة «1».

و في مرسلة الفقيه: «فأول بقعة خلقت من الأرض الكعبة ثمَّ مدّت الأرض منها» «2». و ظاهر أن أول مخلوق من الأرض لم تكن عليه البنية بل هو الفضاء، فهو الكعبة.

و يؤيّده ما روي من أنه «سمّيت الكعبة كعبة لأنها وسط الدنيا و لأنها مربعة» «3».

ثمَّ الفضاء الذي هو القبلة ليس هو القدر المشغول بالبناء خاصة، بل منه إلى أعنان السماء و تخوم الأرض، بالإجماع، كما في المدرك و المفاتيح «4»، و في المنتهى: و لا نعرف فيه خلافا بين أهل العلم «5»، بل قيل: بالضرورة من الدين

______________________________

[1] الكافي 4: 191 الحج ب 4 ح 2، الوسائل 4: 299 أبواب القبلة ب 2 ح 7، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) الكافي 4: 190 الحج ب 4 ح 1، الوسائل 4: 299 أبواب القبلة ب 2 ح 6.

(2) الفقيه 2: 156- 670.

(3) الفقيه 2: 124- 539، 540.

(4) المدارك 3: 122، المفاتيح 1: 112.

(5) المنتهى 1: 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 161

فيهما «1».

و تدلّ على الأول أيضا موثّقة ابن سنان، المتقدّمة «2»، و صحيحة خالد بن [أبي ] إسماعيل: الرجل يصلّي على أبي قبيس مستقبل القبلة، قال: «لا بأس» «3».

و في دلالتها نظر.

و عليهما مرسلة الفقيه: «أساس البيت من الأرض السابعة السفلى إلى السماء السابعة العليا» [1].

ب: المتمكن من تحصيل العلم باستقبال العين عرفا يجب عليه تحصيله ما لم يلزم الحرج، لعدم حصول العلم ببراءة الذمة الواجب تحصيله إلّا به. فالمصلّي في مكة يجب عليه صعود السطح، و في الحرم و نواحيه صعود

الجبل، إن أمكن بدون حرج، و جعله حرجا مطلقا- كما في المدارك «4»- لا وجه له.

نعم، لو علم بدون الصعود و المشاهدة لكفى، إذ لا تجب عليه المشاهدة بنفسها، لعدم دليل عليه، و على ذلك ينزّل كلام من أطلق وجوب المشاهدة للمتمكن منها.

ج: هل الحجر من الكعبة بعضا أو كلا، حتّى يكفي استقباله كذلك لمن في المسجد أم لا؟ صريح الفاضل في النهاية و التذكرة الأول «5».

و في الذكرى: إن ظاهر كلام الأصحاب أنه من الكعبة، قال: و قد دلّ

______________________________

[1] الفقيه 2: 160- 690، الوسائل 4: 339 أبواب القبلة ب 18 ح 3. و فيهما: «إلى الأرض السابعة العليا».

______________________________

(1) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).

(2) في ص 151.

(3) الكافي 3: 391 الصلاة ب 63 ح 19 و فيه: خالد عن أبي إسماعيل، التهذيب 2: 376- 1565، الوسائل 4: 339 أبواب القبلة ب 18 ح 2.

(4) المدارك 3: 122.

(5) نهاية الإحكام 1: 392، التذكرة 1: 345.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 162

عليه النقل أنه كان في زمن إبراهيم و إسماعيل إلى أن بنت القريش الكعبة، فأعوزتهم الآلات، فاختصروها بحذفه، و كان ذلك في عهده صلّى اللّه عليه و آله، و نقل عنه صلّى اللّه عليه و آله الاهتمام بإدخاله في بناء الكعبة، و بذلك احتجّ ابن الزبير حيث أدخله فيها، ثمَّ أخرجه الحجّاج بعده و ردّه إلى مكانه «1». انتهى.

و ردّه في المدارك و غيره: بعدم ثبوت ذلك النقل من طرق الأصحاب و إن ذكره العامة «2». و هو كذلك، إلّا أنّ في مرفوعة علي بن إبراهيم و مرسلة الفقيه:

«إنّ طول بناء إبراهيم كان ثلاثين ذراعا» «3» و هو قد يعطي دخول شي ء من الحجر فيه،

لأنّ الطول الآن- على ما حكي- خمس و عشرون ذراعا، و لا خلاف في عدم خروج شي ء منه عن الطرف المقابل للحجر.

و لكن بإزاء ذلك أخبار أخر مستفيضة تدلّ على خلاف ذلك، ففي صحيحة معاوية بن عمّار: عن الحجر أمن البيت هو أو فيه شي ء من البيت؟ قال:

«لا، و لا قلامة ظفر، و لكن إسماعيل دفن فيه أمّه، فكره أن توطأ، فحجر عليها حجرا و فيه قبور الأنبياء» «4» و قريبة من صدرها صحيحة زرارة «5».

و في مرسلة الفقيه: «و صار الناس يطوفون حول الحجر و لا يطوفون فيه، لأنّ أمّ إسماعيل دفنت في الحجر ففيه قبرها، فطيف كذلك كي لا يوطأ قبرها» «6».

______________________________

(1) الذكرى: 164.

(2) المدارك 3: 123، الحدائق 6: 382، و انظر سنن الترمذي 2: 181، و السيرة الحلبية 1:

169.

(3) مرفوعة علي بن إبراهيم: الكافي 4: 217 الحج ب 9 ح 4، الوسائل 13: 214 أبواب مقدمات الطواف ب 11 ح 10، مرسلة الفقيه: الفقيه 2: 161- 695، الوسائل 13: 217 أبواب مقدمات الطواف ب 11 ح 14.

(4) الكافي 4: 210 الحج ب 7 ح 15، الوسائل 13: 353 أبواب الطواف ب 30 ح 1.

(5) التهذيب 5: 469- 1643، الوسائل 5: 276 أبواب أحكام المساجد ب 54 ح 2.

(6) الفقيه 2: 124- 541، الوسائل 13: 354 أبواب الطواف ب 30 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 163

و روي: «أن فيه قبور الأنبياء، و ما في الحجر شي ء من البيت و لا قلامة ظفر» «1».

و رواية يونس بن يعقوب: إني كنت أصلّي في الحرج، فقال رجل: لا تصلّ المكتوبة في هذا الموضع، فإنّ في الحجر من البيت، فقال: «كذب، صلّ فيه حيث

شئت» «2».

و هذه الأخبار أكثر عددا، و أصح سندا، و أوضح دلالة، و أوفق بأصالة عدم براءة الذمة، و لذلك أفتى الأكثر بعدم جواز استقباله، و هو كذلك. و وجوب كون الطواف خارجه لا يدلّ على كونه من البيت بوجه.

د: لا خلاف في جواز النافلة مطلقا، و الفريضة مع الاضطرار داخل الكعبة، و عليه الإجماع في المنتهى و المدارك و عن المعتبر «3».

للأصل، و إطلاقات فضل الصلاة في المسجد الحرام «4»، مع دلالة المعتبرة على أن الكعبة منه «5»، و مجوّزات الفريضة فيها، الآتية، المثبتة للأولى بعدم الفصل، و للثانية بالإطلاق، و روايات استحباب الصلاة للداخل فيها، في الأولى بانضمام عدم الفرق بين النوافل، و صحيحة محمد في الثانية: «لا تصلح صلاة المكتوبة جوف الكعبة، و أمّا إذا خاف فوت الصلاة فلا بأس أن يصلّيها في جوف الكعبة» [1].

______________________________

[1] التهذيب 5: 279- 954، الاستبصار 1: 298- 1101 و لم يرد فيه الذيل: (و أما إذا خاف ..) و نقلها من التهذيب مع الزيادة في الوافي 7: 471- 10، 11. و لكن الذي يظهر من ملاحظة التهذيب أنّ الذيل من كلام الشيخ (ره) قد أدرج في الرواية و لهذا لم يروه في الوسائل 4: 337 أبواب القبلة ب 17 ح 4، و كذا في جامع الأحاديث 4: 586- 1788 و يؤكده عدم وروده في موضع آخر من التهذيب 2: 383- 1597 حيث نقل فيه الرواية بسند آخر عن محمّد بن مسلم. فراجع.

______________________________

(1) الفقيه 2: 126- 542، الوسائل 13: 355 أبواب الطواف ب 30 ح 6.

(2) التهذيب 5: 474- 1670، الوسائل 5: 276 أبواب أحكام المساجد ب 54 ح 1.

(3) المنتهى 1: 218، المدارك 3: 123، المعتبر

2: 67.

(4) انظر: الوسائل 5: 270 أبواب أحكام المساجد ب 52.

(5) انظر الوسائل 13: 388 أبواب الطواف ب 46.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 164

و الأظهر عدم جواز الفريضة فيه اختيارا، وفاقا للخلاف و المهذب «1»، بل عن الكليني «2»، و غيره، و اختياره بعض مشايخنا المحقّقين «3»، و مال إليه بعض آخر من متأخّري المتأخّرين «4»، و عليه الإجماع في الأول.

للصحيحة المتقدّمة منطوقا و مفهوما، و الصحيحين الآخرين: «لا تصلّ المكتوبة في الكعبة» كما في أحدهما «5»، و «في وجوب الكعبة» كما في الآخر «6»، و لوجوب استقبال الكعبة التي هي اسم للمجموع، بمعنى وقوع الجميع في القدّام كما هو المتبادر من استقبالها و إن لم يكن الجميع محاذيا للمصلّي، و هو في جوفها غير ممكن، و لذا ورد في بعض الأخبار: «الصلاة فيه إلى الأربع» «7»، و في آخر: «إلى الفضاء إيماء» «8»، و في ثالث: «إنّ القائم فوق الكعبة ليس له قبلة» «9».

خلافا للشيخ في النهاية بل سائر كتبه «10»، و الحلّي مدّعيا عليه الإجماع «11»، بل معظم المتأخّرين «12»، لدعوى الإجماع، و الأصل، و موثّقة يونس: حضرت

______________________________

(1) الخلاف 1: 439، المهذب 1: 76.

(2) الكافي 3: 391.

(3) الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك (المدارك): 152.

(4) كصاحب الحدائق 6: 378- 380.

(5) الكافي 3: 391 الصلاة ب 63 ح 18، التهذيب 2: 376- 1564، الوسائل 4: 336 أبواب القبلة ب 17 ح 1.

(6) التهذيب 2: 382- 1596، الاستبصار 1: 298- 1101، الوسائل 4: 337 أبواب القبلة ب 17 ح 3.

(7) الوسائل 4: 336 أبواب القبلة ب 17 ح 2.

(8) الوسائل 4: 338 أبواب القبلة ب 17 ح 7.

(9) الوسائل 4: 340 أبواب القبلة ب

19 ح 2.

(10) النهاية: 101، المبسوط 1: 85، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 178.

(11) السرائر 1: 266.

(12) منهم المحقق في الشرائع 1: 72، و العلامة في القواعد 1: 28، و الشهيد الأول في الدروس 1: 154، و الكركي في جامع المقاصد 2: 136، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 21، و المحقق السبزواري في كفاية الأحكام: 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 165

الصلاة المكتوبة و أنا في الكعبة فأصلّي فيها؟ قال: «صلّ» «1».

و يضعّف: بأنّ الإجماع المنقول ليس بحجة، مع أنه بمثله معارض.

و الأصل بما مرّ مندفع. و الموثّق- مع كونه أقلّ مما مرّ عددا، و أضعف سندا، و موافقا لجماعة من العامة منهم أبو حنيفة «2»- أعم من الصحيحة المتقدّمة، بل جميع الأخبار المانعة، لتخصيصها بغير المضطر إجماعا، فليخصّ بها [1].

ثمَّ المضطر هل يصلّي قائما مستقبلا لأيّ جزء منه اتّفق كما هو ظاهر الأصحاب، أو مستلقيا، أو إلى الأربع، كما ورد بهما الرواية؟! الظاهر الأول، لظاهر الإجماع، و وجوب القيام و الركوع و السجود، و الأصل، و انتفاء الاستقبال الثابت على جميع الأحوال. و الروايتان شاذتان.

ه: لو استطال صف المأمومين في المسجد الحرام حتى خرج بعضهم عن محاذاة الكعبة، بطل صلاة ذلك البعض، و كذا لو خرج بعض شخص عن المحاذاة.

المسألة الثانية:

قد عرفت أنّ الواجب هو استقبال الكعبة، أي التوجّه إليها عرفا، الذي هو عبارة عن المحاذاة العرفية لها، و أنه بعينه معنى التوجّه إلى جهتها.

ثمَّ الواجب هو تحصيل العلم بتلك المحاذاة و التوجّه، كما هو مقتضى الأصول و النصوص و الفتاوى، من غير خلاف يعرف، و لكن وجوبه مقيّد بإمكان

______________________________

[1] و حمل أخبار المنع على الكراهة و إن أمكن إلا أن قاعدة

تقدم الخاص يأبى عنه مع أن قوله في الموثقة «صلّ» حقيقة في الوجوب الممكن إرادته حال الاضطرار، و لو أبقيت على العموم لوجب حمله على الجواز الخالي عن الرجحان، لعدم القول بالرجحان، و هو مع كونه مجازا مرجوحا ليس بأولى من التخصيص، بل هو أولى منه بوجوه. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) التهذيب 5: 279- 955، الوسائل 4: 337 أبواب القبلة ب 17 ح 6.

(2) انظر: المحلى لابن حزم 4: 80، و الفقه على المذاهب الأربعة 1: 204.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 166

تحصيله قطعا، فإن لم يمكن- كمن بعد عن مكة- وجب عليه أن يجتهد في تحصيل الظن بالمحاذاة العرفية- التي هي الاستقبال- من الأمارات المفيدة له، بلا خلاف فيه، بل هو اتّفاق أهل العلم كما في المعتبر «1»، و عليه الإجماع كما في المنتهى و التحرير و التذكرة و الذكرى «2».

للمستفيضة، كصحيحة زرارة: «يجزئ التحرّي أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة» «3».

و موثّقة سماعة: عن الصلاة بالليل و النهار إذا لم تر الشمس و لا القمر و لا النجوم، قال: «اجتهد برأيك و تعمّد القبلة جهدك» «4».

و صحيحة أخرى: في الأعمى يؤمّ القوم و هو على غير القبلة، قال: «يعيد و لا يعيدون، فإنهم قد تحرّوا» «5».

و مرسلة ابن المغيرة: في الرجل يكون في السفينة فلا يدري أين القبلة، قال:

«يتحرّى فإن لم يدر صلّى نحو رأسها» «6».

و الأخبار الآتية الدالّة على عدم الإعادة بعد خروج الوقت في صورة التحرّي «7»، إذ لو لم يكن كافيا لكانت صلاته باطلة.

و لا ينافيه الأمر بالإعادة في الوقت، لأنها غير منحصرة في بطلان الصلاة،

______________________________

(1) المعتبر 2: 70.

(2) المنتهى 1: 219، التحرير 1: 29، التذكرة 1: 102،

الذكرى: 164.

(3) الكافي 3: 285 الصلاة ب 8 ح 7، التهذيب 2: 45- 146، الاستبصار 1: 295- 1087، الوسائل 4: 307 أبواب القبلة ب 6 ح 1.

(4) الكافي 3: 284 الصلاة ب 8 ح 1، التهذيب 2: 46- 147، الاستبصار 1: 295- 1088، الوسائل 4: 308 أبواب القبلة ب 6 ح 2.

(5) الكافي 3: 378 الصلاة ب 59 ح 2، الوسائل 4: 317 أبواب القبلة ب 11 ح 7.

(6) الكافي 3: 442 الصلاة ب 88 ح 3، الوسائل 4: 323 أبواب القبلة ب 13 ح 15.

(7) انظر: ص 206 و 207.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 167

فلعلّها تعبّد على حدة.

و أمّا مرسلة الفقيه: قلت: أين حدّ القبلة؟ قال: «ما بين المشرق و المغرب قبلة كلّه» «1» و صحيحة ابن عمّار: الرجل يقوم في الصلاة، ثمَّ ينظر بعد ما فرغ، فيرى أنه قد انحرف من القبلة يمينا و شمالا، قال: «قد مضت صلاته، و ما بين المشرق و المغرب قبلة» «2» فهما غير مكافئين لما مرّ، لعدم قائل بمضمونهما في حق العالم و المتمكن عن الاجتهاد، مع معارضتهما لموثّقة عمّار، المتقدمة في المسألة السابقة «3».

مع أنه لا يمكن أن يكون المراد منهما أنّ ما بين المشرق و المغرب جنوبا و شمالا، لأنّ معناه انتفاء القبلة رأسا، و هو مخالف لضرورة الدين.

بل المراد إمّا أنه من أحد الطرفين قبلة للمصلّي في الطرف الآخر. و هو أيضا لا يمكن إبقاؤه على الإطلاق، لعدم قائل به كذلك، فإنّ صلاة من تنحرف قبلته عن الجنوب بقليل- كالعراقي- إلى قريب المغرب غير جائز قطعا، و مخالف لطريقة المسلمين، بل هو مناف لضروري الدين.

أو المراد أنّ كلّ جزء منه قبلة للمجتهد،

بمعنى أنّ كلّ جزء أدّى إليه ظنه قبلة له. أو أن كلّ جزء منه قبلة لغير المتمكن من الاجتهاد، حيث إنّه يصلّي على أيّ جانب شاء.

و كلّ من هذين المعنيين أولى من الأول، لما فيه من أقليّة التخصيص. غاية الأمر التساوي، فلا تثبت المنافاة لما ذكرنا.

مضافا إلى أنه يمكن أن يكون المراد من الاولى عدم إمكان تحديد القبلة

______________________________

(1) الفقيه 1: 180- 855، الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9 ح 2.

(2) الفقيه 1: 179- 846، التهذيب 2: 48- 157، الاستبصار 1: 297- 1095، الوسائل 4:

314 أبواب القبلة ب 10 ح 1.

(3) راجع ص 159.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 168

الذي سئل عنه، يعني أنّ كلّ جزء ممّا بين المشرق و المغرب قبلة لموضع من الأرض، فلا يمكن تحديدها بحدّ.

و بالجملة: المسألة واضحة جدّا.

نعم، نقل نادر هنا المخالفة عن المبسوط، و أنه أوجب الصلاة إلى أربع جهات. و عبارته- كما قيل «1»- غير ظاهرة في المخالفة «2»، لاحتمال إرادة صورة فقد أمارات الظن بالكلّية، و لو سلّمت مخالفته فهي شاذة مخالفة للإجماع المحقّق و المحكي مستفيضا، بل على خلافه إجماع المسلمين على ما صرّح به بعضهم حيث قال: و هل له الاجتهاد إذا أمكنه الصلاة إلى أربع جهات؟ الظاهر إجماع المسلمين على تقديمه وجوبا على الأربع قولا و فعلا، و أنّ فعل الأربع حينئذ بدعة، فإنّ غير المشاهد للكعبة و من بحكمه ليس إلّا مجتهدا أو مقلّدا، فلو تقدّمت الأربع على الاجتهاد لوجبت على عامة الناس و هم غيرهما أبدا، و لا قائل به .. إلى آخر ما قال «3».

و ما يستدل لقوله من كون لزوم الأربع موافقا لأصل الاشتغال، و مرسلة خراش: جعلت فداك،

إنّ هؤلاء المخالفين علينا يقولون: إذا أطبقت السماء علينا أو أظلمت فلم نعرف السماء كنّا و أنتم سواء في الاجتهاد، فقال: «ليس كما يقولون، إذا كان ذلك فليصلّ إلى أربع وجوه» «4» حيث إنها ظاهرة في نفي الاجتهاد من أصله.

ففيه: أنّ الأصل المذكور مع ما ذكر من الأخبار لا يفيد شيئا. و المرسلة غير

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 118.

(2) انظر المبسوط 1: 78 و 80.

(3) كشف اللثام 1: 177.

(4) التهذيب 2: 45- 144، الاستبصار 1: 295- 1085، الوسائل 4: 311 أبواب القبلة ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 169

دالّة، إذ يمكن أن يكون المراد بالاستواء في الاجتهاد حينئذ الاستواء في كيفيته، أو في الاجتهاد في مسألة قبلة فاقد العلم و الظن، و هو سقوط اعتبار القبلة، و بالجملة ليس فيها دلالة واضحة على ما ذكره.

فائدة

: و إذ عرفت وجوب التحرّي في تحصيل الظن لغير المتمكن من العلم، فلا بدّ له من معرفة الطرق المحصلة للظن.

فمنها: القواعد الهيوية، و هي محصّلة للظن القوي بجهة القبلة بالمعنى الذي ذكرنا، أي بالمسافة التي يكون البعيد المحاذي لأيّ جزء منها حقيقة محاذيا للكعبة عرفا، و هي كما عرفت تتّسع بزيادة البعد عنها.

و ما في كلام جماعة من أنها محصّلة للظن بالعين و القطع بالجهة «1»، كلام غير محصّل جدّا، فإنّه لا سبيل للقواعد الهيوية إلى تحصيل العين التي هي لا تزيد طولا و عرضا عن نحو من ثلاثين ذراعا بوجه من الوجوه، و كيف يظن بتلك القواعد خصوص موضع هذا القدر من المكان في البعد؟! فإنه أمر لا سبيل إليه منها.

و كذا القطع بالجهة، فإنّ تلك القواعد مأخوذة من كلام أهلها الذي يجوز على كلّ منهم

الخطأ، و مبنيّة على الأرصاد المختلفة عن بعض الآحاد، مع بعض اختلاف فيها أيضا. و مع ذلك فيها وجوه أخر من منافيات القطع.

فالحاصل من تلك القواعد: تعيين الموضع الذي يظن المستقبل له المحاذاة العرفية للكعبة، لكونه إمّا عينها أو ما يقاربها، بحيث لا يخرج المحاذي له في البعد عن محاذاة الكعبة عرفا، و يعدّ المتوجّه إليه متوجّها إليها كذلك.

و مقابل هذا القول ما قيل من أنها غير مفيدة للظن أيضا، لابتنائها على كروية الأرض التي ليس عليها دليل، بل لا توافق ظواهر الآيات. مضافا إلى أنها خالية عن الدليل التام و مأخوذة من كلام الهيويين الذين لا وثوق لنا بإسلامهم

______________________________

(1) كما في الذكرى: 162.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 170

فضلا عن عدالتهم، فلا يفيد كلامهم علما و لا ظنّا [1].

و هو ضعيف غايته، فإنها و إن كانت مبتنية على الكروية و لكن دعوى أنه لا دليل عليها إن أريد القطعي فلا بأس به، و إن أريد الأعم فخلاف الواقع، حيث إنّ إفادة الأدلة الآتية- المفصّلة في محالّها- للظن القوي بكرويتها ممّا لا مجال للريب فيها، بل لا يبعد أن يحصل من اجتماعها العلم العادي للممارس المتفرّس.

و أمّا القول بأنها لا توافق ظواهر الشرع فلم نعثر على ظاهر واحد ينافيها، و بعض الآيات التي ذكروها غير دالّة على خلافها جدّا.

مع أنّ أكثر عظماء علماء الشريعة صرّحوا بكرويتها، منهم الفاضل في كتاب الصوم من التذكرة «1»، و ولده فخر المحقّقين في الإيضاح «2»، و غيرهما «3».

و أمّا أنّ شيئا من تلك القواعد ليس عليه دليل تام فكلام خارج عن الإنصاف جدّا، كيف و مع أنّ أكثرها يثبت بالدلائل الهندسية و البراهين المجسطية [2] التي لا يتطرق

إليها ثبوت شبهة.

و أمّا حديث عدم الوثوق بأهله و عدم عدالتهم فلا يصلح الإصغاء إليه، فإنه لا يشترط في ذلك حصول اليقين. و رجوع الفقهاء فيما يحتاجون إليه في كلّ فن إلى علمائه و تعويلهم على قواعدهم إذا لم يخالف الشرع شائع ذائع، كما في مسائل النحو و اللغة و الطب و الحساب، من غير بحث عن عدالتهم. بل يأخذون تلك المسائل مسلّمة، للظن الغالب بأنّ جماعة من حذّاق صناعة إذا اتّفقت كلمتهم

______________________________

[1] قد أنكر صاحب الحدائق كروية الأرض في كتاب الصوم (ج 13 ص 226) و قال: إن ساعدني التوفيق أكتب رسالة شافية في دفع هذا القول. و استشكل صاحب المدارك من ناحية إسلام الهيويين و عدالتهم. المدارك 3: 121.

[2] المجسطي: موسوعة فكلية برهانية، ألّفها بطليموس، و ترجم إلى العربية أكثر من مرة.

______________________________

(1) التذكرة 1: 269.

(2) إيضاح الفوائد 1: 252.

(3) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 59، و المجلسي في مرآة العقول 17: 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 171

على شي ء ممّا يتعلّق بها فهو أبعد عن الخطأ.

و ليت شعري كيف يفيد كلام الجوهري- مثلا- الظن في اللغة (و يتّبع) [1] و لا يفيد كلام حجة الفرقة مع جمّ غفير من علماء الهيئة؟! بل كيف يعوّل على قول فلان اليهودي المتطبّب، و لا يقبل قول جماعة من علماء الإسلام فيما يتعلّق بفنّهم؟! مع إطباق العام و الخاص على بلوغ حذاقتهم في ذلك الشأن بما لا مزيد عليه، و شهادة المشاهدات الكثيرة في رؤية الأهلّة و الخسوف و الكسوف و نحوها على صدق مقالهم، و اتّفاق جميع الفقهاء على الرجوع في ذلك إلى أقوالهم، بل تصريح جماعة بإفادتها العلم بالجهة، و بالجملة فذلك أمر ظاهر

جدّا.

ثمَّ معرفة القبلة بالقواعد الهيوية يمكن من وجوه كثيرة نحن نذكر شطرا منها:

فتارة تعرف بالشمس، و توضيحه: إنّ الشمس تكون مارّة بسمت رأس مكة- شرّفها اللّه تعالى- حين كونها في الدرجة الثامنة من الجوزاء و الثانية و العشرين من السرطان وقت انتصاف نهار مكة، لأنّ ميل كلّ منهما عن المعدّل بقدر عرضها، و التفاوت بين نصف نهار كلّ بلد و نصف نهارها بقدر الفصل بين طوليهما، لأنه قوس من المعدّل واقع بين دائرتي نصف نهار البلدين.

و على هذا فإذا رصد يوم كون الشمس في إحدى الدرجتين و أخذ لكلّ خمس عشرة درجة من التفاوت بين الطولين ساعة، و لكلّ درجة أربع دقائق، و يجمع الحاصل، فإذا مضى بقدره من نصف نهار البلد، إن كان شرقيا من مكة أي زاد طوله على طولها، و إذا بقي بقدره إليه إن كان غربيّا منها أي نقص طوله عن طولها، فسمت ظلّ الشاخص حينئذ هو القبلة، و هي إلى خلاف جهة الظل، فإذا جعل المصلّي الظل بين قدميه و سجد عليه متوجّها إلى الشاخص يكون متوجّها إلى

______________________________

[1] ليس في «ق».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 172

القبلة.

و إن لم يكن فصل ما بين الطولين بل اتّحد طول البلد و مكة، فيؤخذ الظل حال وصول الشمس إلى دائرة نصف النهار، أو يؤخذ الشمس حال زوالها بلا مهلة على طرف الحاجب الأيمن ممّا يلي الأنف.

ثمَّ الطريقة المشهورة في استخراج سمت القبلة بالأسطرلاب- و هي أن تضع إحدى الدرجتين السابقتين من منطقة البروج على خط وسط السماء في صفحة البلد حال كون الشمس في تلك الدرجة، و تعلم موضع المري من الحجرة، ثمَّ تدير العنكبوت بقدر ما بين طول البلد و مكة

إلى المغرب إن زاد طوله، و إلى المشرق إن نقص، فحيث انتهت الدرجة من مقنطرات الارتفاع رصد بلوغ ارتفاع الشمس عند المقنطرة، فظل الشاخص حينئذ على سمت القبلة- لا تخرج عن الطريقة المذكورة، بل هي هي في الحقيقة.

و أخرى تعرف بالدائرة الهندية، و معرفتها منها على نوعين:

أحدهما: إنّ بعد تسوية الأرض، و رسم الدائرة، و استخراج خطي الاعتدال و الزوال القاسمين لها أرباعا على الطريقة المشهورة، يقسّم كلّ ربع تسعين قسما متساوية، ثمَّ يعدّ من نقطة الجنوب أو الشمال بقدر ما بين الطولين [إلى المغرب ] [1] إن زاد طول البلد على طول مكة شرّفها اللّه تعالى، و إلى المشرق إن نقص، و من نقطة المشرق أو المغرب بقدر ما بين العرضين إلى الشمال إن نقص عرضه، و إلى الجنوب إن زاد. و يخرج من منتهى الأجزاء الطولية خطا موازيا لخط الزوال، و من منتهى الأجزاء العرضية خطا موازيا لخط الاعتدال، و يتقاطع الخطان داخل الدائرة غالبا. فصل بين مركزها و نقطة التقاطع بخط منته إلى محيطها، فهو على صوب القبلة.

هذا إذا كان البلد مخالفا لمكة طولا و عرضا. و إن اتّحدا طولا فخط الزوال

______________________________

[1] أضفناه لتمامية المعنى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 173

على صوبها، منتهيا إلى نقطة الجنوب إن زاد عرض البلد، و إلى نقطة الشمال إن نقص. و إن اتّحدا عرضا فقط يعدّ من نقطة المغرب إلى الشمال بقدر العرض إن زاد طول البلد، و من نقطة المشرق إليه بقدره إن نقص، فالخط الواصل بين مركز الدائرة و منتهى الأجزاء العرضية على صوب القبلة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 4    173     المسألة الثانية: ..... ص : 165

ثانيهما: إنّ بعد رسم الدائرة

و استخراج خط الزوال و تقسيم الأرباع، يعدّ من القوس التي في جهة انحراف البلد بقدر أجزاء الانحراف، و يوصل بين منتهاه و مركز الدائرة فهو خط صوب القبلة. و جهة الانحراف من الجنوب إلى المغرب إن كان البلد شرقيا شماليا من مكة، أي زاد عليها طولا و عرضا. و منه إلى المشرق إن كان غربيا كذلك، أي نقص طولا و زاد عرضا، و من الشمال إلى المغرب إن كان شرقيا جنوبيا، أي زاد طولا و نقص عرضا، و منه إلى المشرق إن كان غربيا كذلك، أي نقص طولا و عرضا، و لا انحراف مع الاتّحاد طولا كما مرّ، و مع الاتّحاد عرضا من الشمال إلى المغرب بقدر تمام العرض إلى التسعين [1] إن زاد طول البلد، و منه إلى المشرق كذلك إن نقص.

و قد رسمنا جدولا على حدة مشتملا على أطوال البلاد المشهورة و عروضها و جهات انحرافها و مقادير الانحراف، لئلّا يحتاج الطالب إلى كتاب آخر. [2]

______________________________

[1] أي بقدر ثمان و ستين درجة و عشرين دقيقة، لأن عرض مكة- على ما في الجدول- إحدى و عشرون درجة و أربعون دقيقة.

[2] سيأتي في ص 179. و لا يخفى أن القدماء اتفقوا على أنّ مبدأ الطول منتهى العمارة في جانب الغرب، و كانت في عصرهم جزيرة من الجزائر المسماة بالخالدات، الواقعة في مغرب إفريقيا قريبة من ساحل اقيانوس المسمى بالبحر المحيط، و تابعهم المصنف- قدس سره- في ذلك. و لكن استقر اتفاق القوم في هذه الأعصار على أنّ المبدأ قرية بالجنوب الشرقي من لندن تسمّى ب «كرينويج» و معرّبة: «جرينوش». و الاختلاف في مبدأ الطول لا يضرّ بمقدار انحراف القبلة، لأن التفاوت بين طول البلد

و مكّة على التقديرين واحد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 174

و ثالثة: بالمشرق و المغرب أي بالشمس، بجعل الأول على الأيسر و الثاني على الأيمن، فيكون المستقبل إليه قبلة لبلد كان مساويا لمكة طولا و زائدا عنها عرضا، و إن نقص عرضا فيجعل الأول على الأيمن و الثاني على الأيسر.

و قيّدهما الشهيدان «1»، و المحقّق الشيخ علي «2»، و صاحب التنقيح «3»، و غيرهم «4» بالاعتدالين، أي مشرق أوّلي الحمل و الميزان.

و نقل شيخنا البهائي عن والده عدم الاحتياج إلى التقييد، معلّلا بأنّ الخط الواصل بين مشرق كلّ يوم و مغربه يقاطع خط الجنوب و الشمال على القوائم، فلو جعل مغرب أيّ يوم كان على اليمين و مشرقه على اليسار في الأول و عكس في الثاني يواجه القبلة. و استجوده «5». و تبعهما على ذلك بعض من تأخّر عنهما «6».

و هو غفلة واضحة، لأنّ الفصل بين اليمين و اليسار نصف الدور دائما لا ينقص عنه البتة، و الفصل بين مشرق كلّ يوم غير يوم الاعتدال و مغربه أقلّ من النصف البتة، فلا يمكن جعلهما على اليمين و اليسار، بل ينحرف اليسار عن مغرب الاعتدال على خلاف جهة انحراف مشرق كلّ يوم عن مشرق الاعتدال بقدر انحرافه، ففي أول الشتاء يكون البعد بين المشرقين بقدر الميل الكلّي إلى جانب الشمال أي أربع و عشرين درجة، فإذا جعل على اليمين ينحرف اليسار عن المغرب إلى الجنوب بهذا القدر، و يلزمه انحراف القبلة عن الجنوب إلى المشرق بهذا القدر، و ليس هذا تقريبيا حتى يتسامح فيه، بل التفاوت بينهما بعد المشرقين.

______________________________

(1) البيان: 114، روض الجنان: 196.

(2) جامع المقاصد 2: 55.

(3) التنقيح الرائع 1: 174.

(4) كصاحب المدارك 3:

128.

(5) الحبل المتين: 193.

(6) كالفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 113.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 175

فالصواب فيما ذكروه هو التقييد بارتكاب تقريب و تخصيص و تجوّز.

نعم، يمكن أن يعرف بكلّ واحد من المشرق و المغرب الغير الاعتداليين منفردا لا مجتمعا قبلة بعض البلاد المنحرفة.

و بيانه: أنّ من جعل مشرق الاعتدال على اليسار يقابل المغرب يمينه و نقطة الجنوب بين عينيه، فإذا انحرف مشرق جزء عن الاعتدال إلى الشمال كما في الربيع مثلا ينحرف يمينه بقدر سعة مشرق هذا الجزء من المغرب إلى الجنوب، و بين عينيه من الجنوب إلى المشرق، و إذا انحرف المشرق إلى الجنوب كما في الخريف ينحرف اليمين من المغرب إلى الشمال، و بين العينين من الجنوب إلى المغرب، و لمواجهة نقطة الشمال يلاحظ المغرب على اليسار أو المشرق على اليمين.

و على هذا فكلّ جزء من أجزاء المنطقة يساوي بعد مطلعة عن مطلع الاعتدال في بلد- أي سعة مشرقه- انحراف قبلة البلد، فإذا جعل المشرق في يوم كانت الشمس في ذلك الجزء على اليسار يكون مواجها للقبلة إن كان البلد أكثر عرضا من مكة، و إذا جعل على اليمين يكون مواجها لها إن كان أقل.

و رابعة: بالكواكب، و توضيحه: أنّ كلّ كوكب من الكواكب في أيّ ارتفاع كان من الارتفاعات يمكن أن يفرض له وضع خاص مع كلّ شخص بالنسبة إلى أجزاء بدنه، بحيث يوجب ذلك الوضع كون هذا الشخص مواجها للقبلة. و لكن لمّا لم يكن جميع الكواكب معروفة بين الناس، و جميع الارتفاعات معلومة بالسهولة، و جميع الأوضاع منضبطة منقّحة، اقتصروا في تعريف القبلة بهذه الطريقة على بعض الكواكب المعروفة حال كونه في نصف النهار، أو المشرق أو المغرب،

لمعلوميته في بعض الأوضاع المنضبطة، ككونه على أحد المنكبين، أو بين الكتفين، أو العينين و أمثالها.

و الكواكب التي ذكروها سبعة: الجدي، و بنات النعش، و شولة، و النسر الطائر، و الثريا، و العيّوق، و سهيل.

أما الأول فقد وردت به الروايات أيضا، ففي موثّقة ابن مسلم: عن

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 176

القبلة، قال: «ضع الجدي في قفاك و صلّ» «1».

و في مرسلة الفقيه: إنّي أكون في السفر و لا أهتدي إلى القبلة في الليل، فقال: «أ تعرف الكوكب الذي يقال له جدي؟» قلت: نعم، قال: «اجعله على يمينك، و إذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك» «2».

و في تفسير العياشي: عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ . هو الجدي، لأنه نجم لا يزول، و عليه بناء القبلة» «3».

و هذه الروايات و إن كانت مطلقة إلّا أنّ الفقهاء لمّا رأوا امتناع إبقائها على ذلك الإطلاق ضرورة اختلاف قبلة البلاد، قيّدوها بأهل العراق بقرينة رواتها، مع أنه الموافق للاعتبار، ثمَّ لأجل تفاوت قبلتهم أيضا ارتكبوا فيه التفصيل أيضا.

و التحقيق: أنّ العمل بإطلاقها غير متصوّر قطعا، و لا قرينة تامة على خصوصيات التقييد إلّا ملاحظة ما تقتضيه القواعد الهيوية، و هي بأنفسها في المقام حجة كاملة، فالأولى الرجوع في ذلك إليها أيضا، و مقتضاها جعل الجدي بين الكتفين في بلد ساوى مكة طولا تقريبا و زاد عنها عرضا، كأطراف العراق الغربية، من الموصل، و أرز الروم، و ما والاهما. و بين العينين فيما ساواها طولا و نقص عرضا، كالطائف، و صنعاء دار الملك يمن. و على خلف المنكب الأيمن، أي أوائل الكتف بالنسبة إلى بين

الكتفين- كما ذكره والدي رحمه اللّه في المعتمد- في أواسط العراق من بغداد، و الكوفة، و المشهدين، و الحلّة. و على خلف أواسط الكتف الأيمن في أطرافه الشرقية، من البصرة و ما يقربها انحرافا، كأصبهان و كاشان و قم و جرباذقان [1] و الري و أستراباد و سمنان و دامغان و بسطام و آمل. و على

______________________________

[1] جرباذقان بالفتح، و العجم يقولون كرباذكان: بلدة قريبة من همذان بينها و بين الكرج و أصبهان. و أيضا: بلدة بين أسترآباد و جرجان من نواحي طبرستان. معجم البلدان 2: 118.

______________________________

(1) التهذيب 2: 45- 143 الوسائل 4: 306 أبواب القبلة ب 5 ح 1.

(2) الفقيه 1: 181- 860، الوسائل 4: 306 أبواب القبلة ب 5 ح 2.

(3) تفسير العياشي 2: 256- 12، الوسائل 4: 307 أبواب القبلة ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 177

خلف أواخر الكتف الأيمن المتصل بالعضد فيما يزيد انحرافه نحو المغرب، كأكثر بلاد الهند و السند. و على خلف المنكب الأيسر فيما كان انحرافه شرقيا من الجنوب، مبتدئا من أوائل الكتف إلى أواخره بزيادة الانحراف، ثمَّ تحريفه من بين العينين إلى الخد الأيمن شيئا فشيئا بزيادة الانحراف من الشمال إلى المشرق، و إلى الأيسر كذلك بزيادة منه إلى المغرب.

و بالجملة: لكون الجدي ساكنا حسّا يصلح في جميع حالاته لجعله علامة، كما تقتضيه رواية العياشي. و قاعدته جعله بين الكتفين لما قبلته نقطة الجنوب و تحريفه شيئا فشيئا من أوائل الكتف الأيمن إلى أواخره بزيادة الانحراف منه إلى المغرب حتى ينتهي إلى مقابل اليد اليمنى فيما قبلته نقطة المغرب، و تحريفه كذلك من أوائل الكتف الأيسر إلى أواخره بزيادة الانحراف منه إلى المشرق حتى

ينتهي إلى مقابل اليد اليسرى فيما كانت قبلته نقطة المشرق، و جعله بين العينين لما قبلته نقطة الشمال و تحريفه منه إلى الخدّ [الأيمن ] [1] شيئا فشيئا بزيادة الانحراف الغربي حتى ينتهي إلى اليد اليمنى لما قبلته نقطة المغرب، و إلى [الأيسر] [2] كذلك بزيادة الانحراف منه نحو المشرق حتى ينتهي إلى اليد اليسرى لما قبلته نقطة [المشرق ] [3].

و تبديل الجدي بنجم خفي يراه حديد النظر، و جعله آكد دلالة من الجدي، معلّلا بأنّ الأول لا يزول عن مكانه بخلاف الثاني، فإنه عند طلوع الشمس مكان الفرقدين عند غروبهما، و بعده عن القطب كبعد الفرقدين، كما في المعتبر و التذكرة و التنقيح «1»، خطأ، فإنّ الجدي في جميع حالاته أقرب إلى القطب

______________________________

[1] الظاهر وقوع سهو من النساخ، فضبطوا بدل ما بين المعقوفين في المواضع الثلاثة: الأيسر، الأيمن، المغرب.

[2] الظاهر وقوع سهو من النساخ، فضبطوا بدل ما بين المعقوفين في المواضع الثلاثة: الأيسر، الأيمن، المغرب.

[3] الظاهر وقوع سهو من النساخ، فضبطوا بدل ما بين المعقوفين في المواضع الثلاثة: الأيسر، الأيمن، المغرب.

______________________________

(1) المعتبر 2: 69، التذكرة 1: 101، التنقيح 1: 174.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 178

من ذلك النجم و أقلّ حركة منه، بل لا يحسّ بحركة الجدي، و الفرقدان يتحرّكان حوله محسوسا. و تؤكّده رواية العياشي أيضا.

و أمّا البواقي فليس ذكرها في رواية، و ذكرها جماعة من الأصحاب علامة عند الطلوع و الغروب بما فيه تفاوت فاحش، و مخالفة في بعضها بعضا، و اختلاف في كلماتهم بعضا للبعض، كما جعل بعضهم وضع النسر عند الطلوع بين الكتفين علامة للبصرة و البحرين و يمامة «1»، مع أنّ لكون سعة مشرقه تسع درجات شمالية و كون انحراف

البلدة الاولى من نقطة الجنوب سبعا و عشرين [1] و انحراف الباقيتين أقل، تختلف القبلة نحوا من ستين درجة، و مع ذلك جعل وضع المشرق على المنكب الأيمن أيضا علامة لهم. و في العلامتين مخالفة كثيرة.

و جعل بعضهم وضع بنات النعش على خلف أواسط الكتف الأيمن عند الطلوع علامة لأهل الهند و السند، و آخر وضعها على الخد الأيمن علامة لهم «2»، إلى غير ذلك ممّا يستدعي استقصاؤها كتابا.

و التحقيق في كيفية معرفة القبلة من الكواكب المذكورة و غيرها: أن يعلم كوكب يساوي أو يقرب سعة مشرقه أو مغربه انحراف البلد، فيوضع مطلع كوكب سعته مساوية للبلد المطلوب جنوبية على مقابل اليد اليسرى، أو مغرب ما سعته شمالية مقابل اليمنى إن كان انحراف البلد جنوبيا غربيا، و يوضع مغرب الأول على اليمنى أو مطلع الثاني على اليسرى إن كان انحرافه جنوبيا شرقيا، و يوضع مطلع ذي السعة الجنوبية على اليمنى، أو مغرب ذي الشمالية على اليسرى إن كان الانحراف شماليا شرقيا، و مغرب الأول على اليسرى أو مطلع الثاني على اليمنى إن كان شماليا غربيا.

______________________________

[1] كذا في النسخ، و لكن المضبوط في الجدول انحراف البصرة سبع و ثلاثون درجة تقريبا.

______________________________

(1) رسالة إزاحة العلّة، المنقولة في البحار 81: 81.

(2) رسالة إزاحة العلّة، المنقولة في البحار 81: 81.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 179

و هذه قاعدة مطّردة جيّدة، و لكن لتفاوت سعة كلّ كوكب بتفاوت البلدان عرضا يجب أن يكون علامة كلّ بلدة كوكب تساوي سعته فيها لانحرافها و لو تقريبا.

و على هذا فعلامة القبلة لأهل البصرة و شوشتر و كاشان و قم و الري و سمنان و أستراباد و دامغان و بسطام و إيروان و

بارفروش و ما يقرب منها: وضع نير الفكة مقابل اليد اليمنى عند الغروب. و لأهل سرّ من رأى، و بغداد و كوفة و خوي و موقان و أرومية و ما والاها: وضع النسر الطائر عليه عنده. و لأهل هرات و قاين و بلخ و بدخشان: وضع العيّوق عليه عنده. و لأهل همدان و قزوين و سلطانية و فومن: وضع سماك الرامح عليه عنده. و لأهل لاهيجان: وضع قلب العقرب مقابل اليسرى عند الطلوع، و هكذا.

و نحن نضع هنا جدولا لمعرفة سعة مشرق بعض الكواكب المشهورة و مغربه في بعض العروض، ليسهل الوصول إلى المطلوب بانضمامه مع الجدول المتقدم، و نتبعه بجدول آخر لمعرفة سعة مشرق أوائل البروج و أواسطها في بعض العروض، ليعرف بوضع مطلع الشمس أو مغربها عند حلولها فيها على اليسار أو اليمين قبلة بلد ذلك العرض إذا كان انحرافه مساويا للسعة. و هذا هو الجدول:

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 184

ثمَّ إنه وقع في المقام لكثير من الفقهاء- سيما الشيخ الجليل أبي الفضل شاذان بن جبرئيل في رسالته التي نقلها في البحار «1»- اختلافات كثيرة من حيث نفس العلامات المنفردة، و من حيث جمع بعضها مع بعض، بحيث لا يحتمل حملها على التقريبات المغتفرة.

هذا أول الشهيدين أطلق كغيره جعل الثريا و العيّوق عند طلوعهما على اليمين و الشمال علامة لأهل المغرب «2».

و قيّده ثانيهما- رحمه اللّه- ببعضهم «3».

______________________________

(1) البحار 81: 73- 85.

(2) انظر اللمعة (الروضة 1: 197)، و كشف اللثام 1: 174.

(3) الروضة البهية 1: 197.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 185

و ظاهر أنه غير معقول، إذ الفصل بين مقابلي اليمين و الشمال نصف الدور، و بين مطلعي الكوكبين نصف

عشره، فلا يتأتّى وضع أحدهما على اليمين و الآخر على الشمال في موضع واحد.

و التوجيه: بأنّ المراد أنّ قبلتهم بين مطلعيهما، بحيث يكون الثريّا على جهة اليمين و العيّوق على جهة الشمال، غير خال عن التكلّف و التخصيص الغير المرضي، و البعد. و بأنّ العيوق علامة للغربي الشمالي، و الثريا للجنوبي غير صحيح، لأنّ كليهما شماليان عن مشرق الاعتدال، إلى غير ذلك ممّا في كلماتهم من الاختلافات التي يتمكن من استخراجها من أحاط بما ذكرنا.

و خامسة: بالقمر، فجعلوا جعله بين العينين عند غروب الشمس في الليلة السابعة من كلّ شهر، و عند انتصاف الليل في الرابعة عشرة منه، و عند الفجر في إحدى و عشرين علامة لأهل العراق.

و فيه من التغريب من وجهين ما لا يخفى [1].

و سادسة: بمنازل القمر، و هو في الحقيقة راجع إلى المعرفة بالكواكب، فحكمها حكمها.

و من الطرق المفيدة للظن: إخبار العدلين، بل العدل، بل جماعة الفسّاق، بل الفاسق الواحد و إن كان في قبول الأخير نظر يظهر في ما سيأتي في الأعمى، و إخبار أهل البيت بقبلة البيت، سواء كان إخبارهم مستندا إلى المشاهدة أو الاجتهاد.

و ليس التعويل على ذلك تقليدا، لأنّه الأخذ بقول الغير تعبّدا من غير ملاحظة إفادته العلم أو الظن، و المناط هنا تحصيل الظن المندرج في التحرّي. و لو عمّم التقليد بحيث يشمله أيضا فيكون بعض أفراده داخلا في التحرّي و الاجتهاد أيضا، فلا مانع من الأخذ به.

______________________________

[1] أحدهما باعتبار بلاد العراق، و الآخر باعتبار سير القمر. منه رحمه اللّه تعالى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 186

نعم، لو تمكن من الاجتهاد الأقوى، لم يجز التعويل عليه كما يأتي.

و هذا مراد من منع من التقليد للمتمكن

من الاجتهاد، فأراد بالاجتهاد استعمال القواعد، و بالتقليد العمل بخبر الغير و إن أفاد الظن، و إلّا فغير المفيد له لا يجوز التعويل عليه مع عدم التمكن من الاجتهاد أيضا.

و منها: محاريب مساجد بلد الإسلام، صغيرا كان أو كبيرا، و قبوره و بيوته، و محاريب الطرق المسلوكة، لبعد اتّفاق أهلها و استمرارهم على الخطأ.

و جعله من علائم القطع لذلك- كجماعة «1»- غير جيّد، لإمكان بنائهم أوّلا على ما تمكنوا من الاجتهاد المجزئ لهم و استمرارهم عليه، سيما في القرى الصغار، إلّا إذا كان من المواضع القريبة إلى الكعبة جدّا، كمكّة و ما يقربها، فيمكن حصول العلم بما جرى عليه أهله من القبلة، و أما في البعيد فلا.

ثمَّ على ما عرفت تعلم أنّ التعويل على ما لا يفيد العلم منها مختص بغير المتمكن من العلم، و تعويله لأجل إفادته الظن أيضا لا تعبّدا، لعدم دليل عليه بخصوصه، و أمّا الإجماعات المنقولة فلا تفيد زيادة على ذلك.

و على هذا فلو لم يحصل الظن منها في موضع، لظهور مخالفتها لما يحصل من بعض قواعد القبلة، يسقط عن الاعتبار و يرجع إلى ما يحصل منه الظن.

نعم، الظاهر سيما في بلد كبير كون الظن الحاصل من قبلته المتداولة أقوى من الحاصل من استعمال القواعد، إلّا إذا كانت المخالفة قليلة.

و أمّا الكثيرة الواصلة إلى قريب من ربع الدور و نحوه، فإن فرض تحقّقها فالظاهر عدم سقوط الظن، بل يظن الخطأ في إجراء القاعدة.

و من هنا يظهر سرّ ما ذكره بعضهم من عدم جواز الاجتهاد في الجهة و جوازه

______________________________

(1) منهم: الشهيد الأول في الذكرى: 163، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 72، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 195.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 4، ص: 187

في التيامن و التياسر «1»، يعني أنه لو أدّى الاجتهاد إلى خلاف الجهة لا يعوّل عليه لحكم الحدس بخطئه.

المسألة الثالثة: هل يكتفي غير المتمكن من العلم بمطلق الظن،
اشارة

فتكفيه أمارة محصّلة له و لو تمكّن من أمارة أقوى؟ أو يجب عليه تحصيل أقوى ما يتمكّن منه من الظنون؟

الظاهر الثاني، كما به صرّح طائفة «2»، لأنه المفهوم من التحرّي و تعمّد الجهد- الواردين في النص- في العرف و اللغة، فإنّ التحرّي هو طلب ما هو أحرى بالاستعمال في غالب الظن، ذكره الجوهري و الطريحي «3»، أو الاجتهاد في الطلب، ذكره ابن الأثير «4»، و الاجتهاد: بذل الجهد و استفراغ الوسع، كما ذكره أهل اللغة، بل في النهاية الأثيرية: أنه استفراغ ما في الوسع و الطاقة، و قال أيضا:

يقال جهد الرجل إذا جدّ فيه و بالغ «5». و الجهد هو الطاقة، فتعمده: صرفها، و هو بذل أقصى ما يمكن من السعي.

فلا يكفي للمتمكن من استعمال قواعد الهيئة الاقتصار على الإخبار و لا على قبلة منصوبة، إلّا إذا كان الظن الحاصل منها أقوى، كقبلة المساجد الجامعة في البلاد، أو إخبار جماعة كثيرة من أهل بلد. و لا يكفي إخبار الواحد مع إمكان الأزيد، و هكذا. و بالجملة اللازم بذل الجهد و صرف ما في الوسع.

الرابعة: لو اجتهد فأخبر واحد بخلاف اجتهاده، عمل بالأوثق عنده و لو

______________________________

(1) كما في الذكرى: 163.

(2) منهم الفيض في المفاتيح 1: 114، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 180، و صاحب الرياض 1: 118.

(3) الصحاح 6: 2311، و مجمع البحرين 1: 98.

(4) النهاية 1: 376.

(5) النهاية 1: 319.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 188

كان الخبر، وفاقا لجماعة «1»، لوجوب العمل بظنّه. و خلافا للشيخ «2»، و أتباعه

«3»، لكونه تقليدا غير جائز للمجتهد. و ضعفه ظاهر.

و لو تساويا فيصلّي بهما، كما يأتي.

الخامسة: الأعمى و فاقد الأمارات و غير العارف بها و العارف الغير المتمكن من استعمالها لضيق وقت أو مانع، يعوّل على قول الغير وجوبا، وفاقا لظاهر الإسكافي «4»، و المبسوط و الجامع و الشرائع و الدروس و التحرير «5»، بل الأكثر، لأنّه التحرّي بالنسبة إليه و تعمّد الجهد.

و لصحيحة الحلبي: «لا بأس بأن يؤمّ الأعمى للقوم إن كانوا هم الذين يوجّهونه» «6».

و بهما يندفع استصحاب الشغل، و تقيّد مرسلة خراش، المتقدّمة «7».

و خلافا للخلاف، فأوجب الصلاة إلى الأربع مع السعة و خيّر مع الضيق، للمرسلة «8». و جوابه ظاهر.

و لمن قال بالأول في الأعمى، و بالثاني أو تردّد في غيره [1].

و لمن قال بالأول لغير العارف بالاجتهاد، و بالثاني للعارف الغير المتمكن

______________________________

[1] قال في القواعد 1: 27: و الأعمى يقلّد المسلم العارف بأدلة القبلة، و لو فقد المبصر العلم و الظن قلد كالأعمى مع احتمال تعدد الصلاة.

______________________________

(1) منهم المحقق في الشرائع 1: 66، و الشهيد في البيان: 116، و الذكرى: 164، و صاحب المدارك 3: 133.

(2) كما في المبسوط 1: 80.

(3) منهم القاضي البراج في المهذب 1: 87.

(4) انظر المختلف 1: 77.

(5) المبسوط 1: 79، الجامع: 63، الشرائع 1: 66، الدروس 1: 159، التحرير 1: 28.

(6) التهذيب 3: 30- 105، الوسائل 4: 310 أبواب القبلة ب 7 ح 1 (وردت بتفاوت).

(7) راجع ص 168.

(8) الخلاف 1: 302.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 189

منه [1]. و يدفعان بعموم ما ذكر.

نعم يمكن الخدش في قبول قول الفاسق، لآية النبإ، فهي للروايتين معارضة، و كلّ خبر لم يوافق كتاب اللّه فهو زخرف، و

لذا منع من قبول قوله جماعة، كما عن الإسكافي «1»، و المبسوط و الإصباح و المهذب و نهاية الإحكام و التذكرة و الذكرى و الدروس و البيان «2». و هو قويّ.

السادسة: هل يجب تعلّم طرق معرفة القبلة عينا مطلقا؟ أو مع ظهور الحاجة إلى التعلّم و التمكن منه؟

الظاهر الثاني، للأصل، و وجوب مقدمة الواجب. و الأولى للمسافر إذا ورد بلدة أو قرية معلومة القبلة أو مظنونها أن يعيّن كوكبا أو نحوه علامة لقبلة ما يقربها من الطرق.

السابعة: قد يوجد في بعض العبارات سهولة الخطب في أمر القبلة «3».

و يستند فيها تارة إلى ما ورد من قولهم: «ما بين المشرق و المغرب قبلة» «4» و أخرى إلى ما يوجد في كلمات الأصحاب من الخلف و الاختلاف، و ثالثة إلى استنادهم بالعلامات الغير المفيدة لغير الظن غالبا، و رابعة إلى عدم ورود غير خبر «5» في خصوص قبلة البعيد و بيان علامتها.

______________________________

[1] قال الشيخ في موضع من المبسوط (1: 79): إنّ فاقد أمارات القبلة أو الذي لا يحسن ذلك يجوز له التقليد و الرجوع إلى قول الغير. ثمَّ قال في موضع آخر منه (1: 80): إن العالم بأمارات القبلة متى اشتبه عليه الأمر لا يجوز له التقليد، بل يصلي إلى أربع جهات.

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف 1: 77.

(2) المبسوط 1: 80، المهذب 1: 87، نهاية الاحكام 1: 395، التذكرة 1: 103، الذكرى:

164، الدروس 1: 159، البيان: 116.

(3) كما في مجمع الفائدة 2: 59، و المدارك 3: 121، و الحدائق 6: 387.

(4) انظر الوسائل 4: 314 أبواب القبلة ب 10.

(5) راجع ص 176.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 190

و هو كلام خال عن التحقيق بعيد عن الصواب،

لأنّ بعد التصريح في الكتاب و السنّة بأنّ الكعبة أو مع المسجد و الحرم قبلة يجب استقبالها ما الذي يسهل خطبها و يجوّز التسامح فيها؟

و أمّا كون ما بين المشرق و المغرب قبلة، فقد عرفت ما يعارضه و ما يراد منه «1»، مع أنك تراهم لا يعملون بذلك أبدا و يبطلون الصلاة بأدنى انحراف عمّا أدّى إليه العلامات عمدا.

و أمّا الخلف و الاختلاف، فهو ناش إمّا عن الخطأ في مقتضى العلامة أو الاختلاف في فهم مقتضياتها.

و أما الاستناد إلى العلامات: فلأنّه المرجع عند سدّ باب العلم، بتصريح الأخبار.

و أما عدم تعيين العلامات في الأخبار: فلأنّه من باب تعيين الموضوع، و هو على المكلّف نفسه، و لا اهتمام للشارع في بيانه، فالواجب هو استقبال الكعبة بحيث يصدق عليه عرفا أنه استقبلها و توجّه إليها، و لا تجوز المسامحة في ذلك.

نعم، كما أنه إذا كانت هناك منارة رفيعة قطرها ذراعان مثلا، يخرج في قربها بعض من الصفّ المشتمل على العشرة عن الاستقبال العرفي لها، و لا يخرج في بعد فرسخين منها مثلا أحد من الصفّ المشتمل على المائة، و يقال لكلّ منهم: إنّه متوجّه إلى المنارة، و لا في بعد مائة فرسخ أحد من الصف المشتمل على الألف بل عشرة آلاف، كما مرّ بيانه «2»، تتّسع دائرة صدق الاستقبال العرفي في البعيد، لا بمعنى أنّ جهة توجّه شخص واحد متّسعة يجوز له الميل إلى كلّ جزء منها، لأنّ الميل اليسير من البعيد يوجب الانحراف الكثير غاية الكثرة عن الكعبة بحيث ينتفي صدق الاستقبال العرفي، و لذا لا يجوّزون لأحد ميلا عمّا اقتضته العلامة

______________________________

(1) راجع ص 167.

(2) راجع ص 148.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 191

أبدا، بل

بمعنى أنّ سمت توجّه الأشخاص المتوازية الكثيرة في البعيد واحد، و يكون سمت توجّه الأماكن القريبة متّحد، و يزداد الاتّساع بذلك المعنى بزيادة البعد.

و سبب التفرقة ما مرّ من أنّ بميل شخص واحد في خراسان مثلا بقدر شبر عمّا اقتضته العلامة قد يصير البعد بين طرف خط العلامة و طرف خط سمت الميل في مكة أزيد من مائة فرسخ، بخلاف الشخصين المتوازيين اللذين بينهما فرسخ مثلا، فإنّ البعد بين سمتي توجّههما لا يزيد عن الفرسخ و إن ذهب السمتان إلى غير النهاية.

الثامنة: المشهور رجحان التياسر قليلا لأهل العراق، إمّا مع وجوبه كما هو ظاهر جماعة من القدماء منهم: الشيخ في كثير من كتبه منها الخلاف مدّعيا فيه عليه الإجماع «1»، و ابن حمزة «2»، و الشيخان أبو الفتوح «3»، و أبو الفضل شاذان بن جبرئيل «4». أو استحبابه كما هو المشهور عند القائلين بالرجحان، و هو المحكي عن الشيخ في المصباح «5» و مختصره، و ابن سعيد مبدلا للعراقي بالمشرقيين [1].

لرواية المفضل: عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة و عن السبب فيه، فقال: «إنّ الحجر الأسود لمّا أنزل من الجنة و وضع في موضعه، جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه النور نور الحجر، فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال، و عن يسارها ثمانية أميال، كلّه اثنا عشر ميلا، فإذا انحرف الإنسان ذات

______________________________

[1] الجامع للشرائع: 63 قال فيه: يستحب للعراقيين و المشرقيين أن يتياسروا قليلا.

______________________________

(1) كما في الاقتصاد: 257، و المبسوط 1: 78، و الجمل و العقود: 176، النهاية: 63، الخلاف 1:

297.

(2) الوسيلة: 85.

(3) تفسير روح الجنان 1: 422.

(4) رسالة إزاحة العلة المنقولة في البحار 81: 77.

(5) مصباح المتهجد: 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4،

ص: 192

اليمين خرج عن القبلة لقلة أنصاب الحرم، و إذا انحرف الإنسان ذات اليسار لم يكن خارجا من حدّ القبلة» «1».

و مرفوعة محمد: لم صار الرجل ينحرف في الصلاة إلى اليسار؟ فقال: «إن للكعبة ستة حدود، أربعة منها على يسارك، و اثنان منها على يمينك، فمن أجل ذلك وقع التحريف على اليسار» «2».

و في الفقه الرضوي: «إذا أردت توجّه القبلة فتياسر [مثلي ] ما تيامن، فإنّ الحرم عن يمين الكعبة أربعة أميال و عن يسارها ثمانية أميال» [1].

و المراد بيمين الكعبة و يسارها يمين مستقبلها و يساره، كما تدلّ عليه المرفوعة.

خلافا لجماعة، كالمحكي عن روض الجنان و المحقّق الثاني و النافع و ظاهر الدروس «3»، و جملة ممّن تأخّر عنهم «4»، فبين مانع من الرجحان مطلقا، و متردّد، لكونه- كما هو ظاهر التعليل، و صريح الأكثر- مبنيا على اعتبار الحرم، و لذا عدّ من أدلّته. و قد عرفت ضعفه.

و قد يمنع الابتناء و يحتمل اطّراده على القولين، بل الاطّراد ظاهر الفاضل في المختلف و التحرير و الإرشاد و القواعد «5»، و الشهيد في الذكرى «6»، و غيرهما «7»،

______________________________

[1] فقه الرضا عليه السلام: 98، مستدرك الوسائل 3: 180 أبواب القبلة ب 3 ح 1، و بدل ما بين المعقوفين في النسخ: مثل، و ما أثبتناه موافق للمصادر.

______________________________

(1) الفقيه 1: 178- 842، التهذيب 2: 44- 142، الوسائل 4: 305 أبواب القبلة ب 4 ح 2.

(2) الكافي 3: 487 الصلاة ب 105 ح 6، التهذيب 2: 44- 141، الوسائل 4: 305 أبواب القبلة ب 4 ح 1.

(3) روض الجنان: 198، جامع المقاصد 2: 56، النافع: 24، الدروس 1: 159.

(4) كالفاضل المقداد في التنقيح 1: 176، و الفيض في مفاتيح

الشرائع 1: 113.

(5) المختلف 1: 77، التحرير 1: 28، الإرشاد 1: 245، القواعد 1: 26.

(6) الذكرى: 162.

(7) كصاحب كشف الغطاء: 217.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 193

حيث صرّحوا بهذا الحكم مع اختيارهم اعتبار جهة الكعبة دون الحرم، لأنّ فيها من السعة ما لا يخفى، فيمكن استحباب التياسر و لو لم يعتبر الحرم.

و لا ينافيه التعليل، إذ استقبال الأقرب إلى الحرم فالأقرب راجح، و تحصيل الظن به مع الإمكان مندوب، فمع أكثرية أنصاب الحرم على اليسار يوجب التياسر- عند استعمال العلائم المحصّلة للجهة- قوة الظن بالأقربية منه.

أقول: لا يخفى ضعف كلّ ما ذكروه من الابتناء و الاطّراد و رجحان التياسر.

أمّا الأول: فلأنّه إنّما يتمّ إذا كانت علامات القبلة مفيدة للظن بعين الكعبة و استحب توسيط الحرم، فحينئذ يمكن أن يقال: إنه يستحب له التياسر حتى يحصل التوسيط، إذ لو لا الأول فلا تفيد أكثرية الحرم ذات اليسار رجحان التياسر، إذ لا يعلم المصلّي إلّا أنه متوجّه إلى عين الحرم أو جهته، فلعلّه يكون متوجّها إلى يسار الحرم بحيث لو تياسر خرج عن الحرم، أو وقع في أواخر اليسار، فلا يفيد التعليل. و لو لا الثاني فلا فائدة في التياسر، لأنّ استقبال الحرم عينا أو جهة حاصل، و خصوص موضع المستقبل إليه من الحرم غير معلوم و لا مظنون حتى يفيد التياسر فيه شيئا.

و شي ء من الأمرين لا يثبت.

أمّا الأول: فلما مرّ من عدم إمكان الظن بإصابة عين الكعبة.

و أمّا الثاني: فلعدم دليل عليه.

هذا، مع أنه لو سلّم حصول ذلك الظن فيحصل التوسيط بالتياسر الذي تبلغ نهايته عند الحرم نحو ميلين حتى يحصل التوسيط، و ذلك محال في حق العراقي قطعا، إذ لو حصل التياسر بأدنى

ما يمكن أن يتصوّر و يحسّ به، يزيد التفاوت في الحرم عن فرسخ و فرسخين بل عشرة فراسخ.

و القول بأنّ ذلك يقدح على اعتبار عين الحرم دون الجهة، إذ الممكن- على اعتبارها- إيجابه الأبعدية عن العين دون الخروج عن الجهة، إلّا أنّ احتمال إيجابه

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 194

الأقربية إليها أظهر، لأكثرية الأنصاب في اليسار. مدفوع: بأنّا لو سلّمنا عدم إيجاب التياسر الخروج عن الجهة، مع أنه غير مسلّم سيما على ما ذكرنا من معنى الجهة، فليس الكلام في الخروج عن القبلة، بل في موافقة التعليل. و إيجاب أكثرية الأنصاب بقدر ميلين في جانب لأظهرية الأقربية إليها في هذا البعد البعيد ظاهر البطلان.

و أمّا الثاني: فلأنّ جهة الكعبة و إن كانت متّسعة، و استقبال الأقرب فالأقرب إلى الحرم راجحا، و تحصيل الظن به مع الإمكان مندوبا، إلّا أنّ هذه الأمور غير مفيدة لرجحان التياسر و لو كانت أنصاب الحرم في جانب اليسار أكثر إلّا إذا كان استعمال العلائم المحصّلة للجهة موجبا للظن بإصابة خارج الحرم عن اليمين، فالتياسر يوجب الأقربية، و لم يقل بذلك أحد، بل يمكن أن تكون الإصابة مع استعمالها على يسار الحرم فيبعد عنه بالتياسر.

نعم، لو قلنا بأنّ استعمال العلائم يفيد الظن بعين الكعبة و يستحب توسيط الحرم، لكان لذلك وجه أيضا، و لكن فيه ما مرّ.

و بالجملة لا يتصوّر معنى للتياسر و ما يضاف التياسر إليه موافقا للتعليل المذكور أصلا، و منه يحصل في التعليل الإجمال المخرج له عن الاعتبار بالمرة.

بل في متن الأخبار في أصل الحكم أيضا إجمال- لا من وجهين- لا يمكن الاستناد إليها أصلا، لأنّ المتياسر عنه فيها غير معلوم، فإنه و إن كان القبلة- كما

به صرّح في الرواية الاولى- و لكن المراد من القبلة فيها لا يمكن أن يكون ما جعله الشارع قبلة من الكعبة أو مع المسجد و الحرم أو مع جهتها أيضا، لأنّ التحريف عنها عمدا غير جائز إجماعا. بل المراد إمّا ما تقتضيه العلامات و يظن به من الأمارات، أو ما كانوا يتوجّهون إليه في زمان الخطاب أو بخصوص بلدة أيضا و كان عليه بناء قبلتهم، لكون المعنى: لم وقع التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة التي يستقبلونها في بلادهم؟ و لعلّه كان لعلم الإمام بحصول تيامن في

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 195

قبلتهم، كما يؤيّده ما ورد في وصف مسجد غنى و أنّ قبلته لقاسطة «1»، و ما ورد من أنه إذا قام القائم سوّى قبلة مسجد الكوفة «2»، و ما ورد في إخبار أمير المؤمنين ببناء مسجد الكوفة من المطبوخ و تغيير قبلته و الذم عليه «3».

و يعضده أيضا ما ذكره بعض مشايخنا من أن انحراف قبلة مسجد الكوفة إلى اليمين أزيد ممّا تقتضيه القواعد بعشرين درجة تقريبا، و كذا مسجد سهلة و مسجد يونس «4».

و لمّا كان أكثر تلك المحاريب مبنية في زمان خلفاء الجور لم يمكنهم القدح فيها، فأمروا بالتياسر و علّلوه بعلّة يمكن إظهارها لكلّ أحد و يرتضيها المخالف أيضا.

و على هذا فلا يثبت الاستحباب لأهل سائر البلاد، بل لأهل بلد السائل أو السؤال في هذا الزمان أيضا.

و من هذا يظهر وجه ضعف الثالث و عدم رجحان التياسر أيضا.

التاسعة: الفاقد للظن يصلّي إلى أربع جوانب على الأظهر، وفاقا للجليلين: شاذان بن جبرئيل «5»، و علي بن إبراهيم «6» و الشيخين «7» و السيدين «8»

______________________________

(1) البحار 80: 360- 13 نقلا عن

كتاب الغارات.

(2) البحار 52: 364- 139.

(3) البحار 52: 332- 60.

(4) البحار 81: 53. و نقله عنه في الحدائق 6: 386.

(5) رسالة إزاحة العلّة نقلها في البحار 81: 81.

(6) تفسير القمي 1: 80.

(7) المفيد في المقنعة: 96، و الطوسي في النهاية: 63، و الاقتصاد: 57، و الجمل و العقود: 176، و الخلاف 1: 302.

(8) المرتضى في جمل العلم و العمل (نقله عنه في شرح الجمل): 76، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 556.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 196

و الفاضلين «1» و الإسكافي «2» و الحلّي و الحلبي و القاضي و الديلمي «3»، و غيرهم «4»، بل هو الأشهر كما صرّح به جماعة «5»، بل عليه الإجماع في المعتبر و المنتهى و التذكرة و عن الغنية «6».

لا لاستصحاب الشغل الغير المندفع إلّا بالصلاة إلى الأربع، لعدم اندفاعه بها أيضا، إذ لا يحصل العلم معها بالاستقبال الذي هو المحاذاة العرفية لمكة و لا الظن.

مضافا إلى إمكان منع الاشتغال اليقيني باستقبال القبلة حينئذ، لتقييد أوامره بالعلم قطعا [1].

و العلم بحصر المكلّف به بين أمور يمكن الإتيان بها بسهولة و إن كان كافيا، إلّا أنه هنا غير حاصل، لعدم محصورية موضع القبلة- بالمعنى الذي ذكرنا- عرفا، مع أنّ وجوب الإتيان بهذا المعلوم منفي إجماعا [2].

و لا لما قيل من وجوب الأربع من باب المقدمة «7»، لما ذكر من عدم وجوب

______________________________

[1] و التكليف بهذا العلم هنا منتف، و غيره غير متحقق. منه رحمه اللّه.

[2] و قد يردّ دليل الاشتغال بعدم الإجماع على حصول البراءة بالأربع أيضا، لاحتمال تعين القرعة كما قيل بها. و فيه: ان القول بالقرعة مخالف للإجماع، لعدم قدح مخالفة من قال بها فيه، لندرته. منه

رحمه اللّه.

______________________________

(1) المحقق في الشرائع 1: 66، و النافع: 24، و المعتبر 2: 70، و العلامة في المختلف 1: 77، و التبصرة: 22، و المنتهى 1: 219.

(2) حكاه عنه في المختلف: 77.

(3) الحلي في السرائر 1: 205، الحلبي في الكافي: 139، القاضي في المهذب 1: 85، و شرح الجمل: 77، الديلمي في المراسم: 61.

(4) كابن سعيد في الجامع للشرائع: 63، و الشهيد في البيان: 115.

(5) انظر البيان: 115، و البحار 81: 65.

(6) المعتبر 2: 70، المنتهى 1: 219، التذكرة 1: 103، الغنية (الجوامع الفقهية): 556.

(7) انظر: كشف اللثام 1: 179، و رياض المسائل 1: 118.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 197

ذي المقدمة، و عدم حصول العلم من الأربع [1].

بل لمرسلة خراش، المتقدّمة «1».

و تضمّن المرسلة لنفي الاجتهاد الثابت إجماعا و نصّا، و هو يخرجه عن الحجّية، ممنوع، لما مرّ في توجيهها «2».

مع أنّه لو سلّم فلا يلزم من خروج جزء من الحديث عن الحجية خروج الباقي أيضا.

و مرسلة الكافي: و روي أيضا «أنّه يصلّي إلى أربعة جوانب» «3» و الفقيه: و قد روي فمن لا يهتدي القبلة في مفازة أن «يصلّي إلى أربعة جوانب» «4».

و ضعف تلك الروايات- لو كان- بما مرّ منجبر، و قصور بعضها عن إفادة الوجوب- بعد انتفاء القول بالرجحان المجرد بل الجواز- غير مضرّ، و إشعار ظاهر ما في الكافي بالتخيير- لو سلّم- في الإجماع المركّب لا يقدح، مع أنّ أولاها في الوجوب صريحة.

خلافا للمحكي عن العماني «5»، و ظاهر الصدوق طاب ثراهما «6»، فقالا:

يصلّي على جهة واحدة أيّها شاء، و مال إليه في المختلف و الذكرى «7»، و قوّاه الأردبيلي و صاحب المدارك و المحقّق الخوانساري في شرح الروضة

«8»، و جمع آخر

______________________________

[1] و قد يردّ دليل وجوب المقدمة بتيقن البراءة بثلاث صلوات، لأن ما بين المشرق و المغرب قبلة كما في الأخبار، سيما في المتحيّر. و قد عرفت ضعفه، و عدم دلالة الأخبار عليه و معارضته مع غيره. منه رحمه اللّه.

______________________________

(1) راجع ص 168.

(2) راجع ص 168.

(3) الكافي 3: 286 الصلاة ب 8 ح 10، الوسائل 4: 311 أبواب القبلة ب 8 ح 4.

(4) الفقيه 1: 180- 854، الوسائل 4: 310 أبواب القبلة ب 8 ح 1.

(5) حكاه عنه في المختلف: 77.

(6) الفقيه 1: 179.

(7) المختلف: 78، الذكرى: 166.

(8) مجمع الفائدة 2: 67، المدارك 3: 136، الحواشي على شرح اللمعة: 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 198

من متأخّري المتأخّرين منهم الحدائق «1»، و والدي العلّامة، قدّس اللّه أسرارهم.

للأصل، و صحيحة زرارة و محمد: «يجزئ المتحيّر أبدا أينما توجّه إذا لم يعلم وجه القبلة» «2».

و مرسلة ابن أبي عمير: عن قبلة المتحيّر، فقال: «يصلّي حيث شاء» «3».

و صحيحة ابن عمار المروية في الفقيه: الرجل يقوم في الصلاة، ثمَّ ينظر بعد ما فرغ، فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يمينا و شمالا، قال: «قد مضت صلاته، و ما بين المشرق و المغرب قبلة، و نزلت هذه الآية في قبلة المتحيّر وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ » «4».

و الجواب: أمّا عن الأصل: فباندفاعه بما مرّ.

و أمّا عن الأخبار: فبأنّ- مع عدم صلاحيتها لمقاومة ما ذكر، لمخالفتها للشهرة التي يخرج بها الخبر عن الحجية. و وهن الأول: بأنّ زرارة قد رواه أيضا بتبديل المتحيّر بالتحرّي، فيمكن كون الأصل ذلك، و إن ضعف هذا الاحتمال بنوع اختلاف في السندين، بل في المتن في

غير موضع التبديل أيضا [1]، و بأنه يدلّ على عدم وجوب التحرّي إذا فقد العلم و إن أمكن للمتحيّر تحصيل الظن، و هو خلاف الإجماع و الأخبار، و حمل المتحيّر على من كان عاجزا من العلم و الظن كما هو المتبادر يوجب زيادة قوله «إذا لم يعلم» إلى آخره، بل حزازته، و هذا و هن من جهة أخرى. و الثالث: بأنّ ذيله الذي هو محل الدلالة يمكن كونه من كلام

______________________________

[1] و إليك متنها: «قال: قال أبو جعفر عليه السلام: يجزي التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة» الكافي 3: 285 الصلاة ب 8 ح 7، التهذيب 2: 45- 146، الاستبصار 1: 295- 1087، الوسائل 4: 307 أبواب القبلة ب 6 ح 1.

______________________________

(1) الحدائق 6: 400، و انظر مفاتيح الشرائع 1: 114، و الذخيرة: 218.

(2) الفقيه 1: 179- 845، الوسائل 4: 311 أبواب القبلة ب 8 ح 2.

(3) الكافي 3: 286 الصلاة ب 8 ح 10، الوسائل 4: 311 أبواب القبلة ب 8 ح 3.

(4) الفقيه 1: 179- 846، الوسائل 4: 314 أبواب القبلة ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 199

الفقيه، بل هذا أظهر من سياق الخبر، و من روايته في التهذيب من غير هذه الزيادة «1»، و بمعارضة المستفيضة المروية في المجمع، و تفسيري القمي و العياشي في أنّ هذه الآية نزلت في النافلة خاصة «2»- أنها لا تنافي ما مرّ.

أمّا الأولان و ذيل الثالث- لو كان من الحديث- فلأنّه لا كلام في أنّ المتحيّر يجزئه أينما توجّه و يصلّي حيث شاء، و إنّما الكلام في أنه هل يصلّي صلاة واحدة كذلك أو أربع، و المقيّد مقدّم على المطلق.

نعم غاية

الأمر أنّ بعد إتيانه بصلاة واحدة حيث شاء يتعيّن عليه جعل الجهات بعضها مقابلا لبعض بدليل آخر.

و أمّا صدر الثالث: فلإطلاقه بالنسبة إلى كون ما استقبل ما ظنّه بعد التحرّي أو لا، فيجب تقييده.

هذا كلّه، مع أنّ لهذه الروايات عموما بالنسبة إلى آخر الوقت الذي لا يسع الأربع، و ما مرّ مخصوص بغيره كما يأتي، و الخاص مقدّم على العام قطعا.

فضعف هذا القول ظاهر جدّا.

و أضعف منه ما حكي عن ابن طاوس «3»، و نفى عنه البأس في المدارك «4»، من وجوب القرعة، لأنّها لكلّ أمر مشكل، لانتفاء الإشكال هنا على كلّ من القولين، لاستناد كلّ منهما إلى حجة شرعية.

فروع:

أ: لو اجتمع فرضان في وقت كالظهرين، فهل يشرع في الثاني بعد إتمام أربع الأول، أو يقدّم الأول من كلّ جهة على الثاني إليها؟ كل محتمل، و الأول

______________________________

(1) التهذيب 2: 48- 157، الوسائل 4: 314 أبواب القبلة ب 10 ح 1.

(2) مجمع البيان 1: 191، تفسير القمي 1: 59، تفسير العياشي 1: 56- 80.

(3) الأمان من أخطار الأسفار و الأزمان: 94.

(4) المدارك 3: 137.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 200

أحوط بل أظهر، و على هذا فلو بقي من الوقت قدر أربع صلوات اختصت بالعصر، فتأمّل.

ب: لو ضاق الوقت عن الأربع، فهل يجب الإتيان بالممكن من الثلاث فنازلا، أو يكفي الواحدة مطلقا؟

مقتضى أصل الاشتغال، و استصحاب وجوب ما أمكن إذا تقدّمت الحيرة على الضيق، و نحو قوله: «الميسور لا يسقط بالمعسور» «1»: الأول.

و مقتضى أصالة عدم وجوب الزائد على الواحدة الثابتة إجماعا حين سقوط الأربع بعدم التكليف بما لا يطاق: الثاني. و هو الحقّ، لذلك، و ضعف ما تقدّم:

أمّا أصل الاشتغال: فبمنعه إن أريد بالزائد

عن ماهية الصلاة هنا، و زواله بالواحدة إن أريد بها.

و أمّا الاستصحاب: فلأنّ الثابت وجوب الأقلّ من الأربع في ضمن الأربع أي لتحقّقها، فالواجب هو ذلك المقيّد، فإذا انتفى القيد لا يمكن الاستصحاب.

و أما الأخير: فلعدم الدلالة، كما بيّنّاه في كتاب عوائد الأيام «2».

ج: من وظيفته الأربع لو صلّى البعض و ظهر في الأثناء كونه إلى القبلة، سقط الباقي، لخروجه عن الموضوع.

و في إجزاء ما صلّاه، و عدمه فيعيده إليها وجهان، المصرّح به في كلام بعضهم الأول «3».

و فيه نظر: لأنّ ما ثبت أجزاؤه الصلاة إلى القبلة المعلومة. و الإعادة إليها أحوط.

______________________________

(1) عوالي اللئالي 4: 58- 205.

(2) عوائد الأيام: 90.

(3) البيان: 117.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 201

د: المعتبر من الأربع عند الأكثر كونها متقاطعة على القوائم، لأنّه المتبادر، و لتوقّف حصول العلم بالقبلة بذلك.

و قيل بكفايتها كيف اتّفق، لإطلاق الأخبار «1».

و في البيان: اشتراط التباعد بين كلّ اثنتين بحيث لا تعدّان قبلة واحدة «2».

أقول: الظاهر وجوب نوع بعد بين كلّ اثنتين بحيث يصدق أربع جوانب أو وجوه عرفا، و الظاهر تحقّقه بالإتيان بالأربع بثلاثة أرباع الدور بل أقلّ [1].

و التبادر الذي ادّعي لو سلّم فهو في العرف الجديد الذي تأخّره مقتضى الأصل. و العلم بالقبلة لا يحصل بالأربع بالنحو المذكور أيضا، و لو بني على ما بين المشرق و المغرب فيحصل بغير هذا النحو أيضا.

ه: لو اشتبهت القبلة في بعض الجهات كنصف معيّن من الدور، فهل هو كالاشتباه في الجميع؟

الظاهر نعم و إن عرف المشرق و المغرب، فيجب الأربع على ذلك النصف، لشمول إطلاق أخبار الأربع لذلك أيضا، بل و كذا إذا كان الاشتباه في الأقلّ من النصف.

و يظهر من بعضهم أنه إذا

عرف المشرق و المغرب يصلّي صلاة واحدة بينهما، لقوله: «ما بين المشرق و المغرب قبلة» و قد عرفت ما فيه من ضعف الدلالة.

و: لو علم أنّ القبلة لا تخرج عن جهتين معيّنتين أو ثلاثة أو أكثر إلى حدّ لا يستلزم العسر و الحرج، تجب الصلاة إلى الجميع، لاشتغال ذمته بالصلاة إلى الجهة المعلومة أو المظنونة و لو إجمالا، و هو حاصل.

______________________________

[1] كأن يتقابل اثنتان و يتقاطع واحدة معهما بالقائمة دون الباقي. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) كما في كشف اللثام 1: 179.

(2) البيان: 117.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 202

الفصل الثاني: فيما يستقبل له من الصلوات

. و أمّا غيرها ممّا يجب فيه الاستقبال أو يستحب فيأتي في محله.

ثمَّ إنه لا خلاف في وجوب التوجه إلى القبلة في الصلوات المفروضة يومية كانت أو غيرها مع القدرة، و عليه إجماع المسلمين، بل هو ضروري الدين، و الأخبار به مستفيضة.

ففي حسنة زرارة: «إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلّب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك، فإن اللّه تعالى قال لنبيه صلّى اللّه عليه و آله في الفريضة:

فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ 2: 144 «1».

و في الصحيح: فمن صلّى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت؟ قال:

«يعيد» «2».

و في آخر: عن الفرض في الصلاة، قال: «الوقت، و الطهور، و القبلة» «3».

و في ثالث: «لا صلاة إلّا إلى القبلة» [1].

و في الموثّق: عن قول اللّه سبحانه وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ، قال: «هذه هي القبلة» «4».

و أمّا النوافل: فالمشهور فيها أيضا ذلك مع الاستقرار على الأرض، بمعنى

______________________________

[1] ليس هذا صحيحا آخر بل هو صدر الصحيح الأول فراجع.

______________________________

(1) الكافي 3: 300 الصلاة ب 16 ح 6، الفقيه 1:

180- 856، التهذيب 2: 286- 1146، الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9 ح 3. و الآية في البقرة: 144.

(2) الفقيه 1: 180- 855، الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9 ح 2.

(3) الكافي 3: 272 الصلاة ب 3 ح 5، التهذيب 2: 241- 955، الوسائل 4: 295 أبواب القبلة ب 1 ح 1.

(4) التهذيب 2: 43- 134، الوسائل 4: 296 أبواب القبلة ب 1 ح 3. و الآية في الأعراف: 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 203

الشرطية، لأنه المعهود من الحجج و المسلمين في الأعصار، و لو صحّت إلى غير القبلة لاقتضت العادة صدوره من واحد من الحجج، و لو صدر لشاع، لتوفّر الدواعي على نقله، بل هو بمنزلة الضروري من المذهب حيث إنه لو صلّى احد كذلك إلى غير القبلة لتبادر المسلمون إلى إنكاره.

و لأنّ الشارع صلّاها مستقبلا، و يجب التأسّي به.

و لقوله سبحانه وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ 2: 144 إلى آخره، خرج منه ما أجمع على عدم وجوب الاستقبال فيه، فيبقى الباقي.

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» «1».

و عموم الصحاح الثلاث، المتقدّمة، بل الموثّق أيضا، و مفهوم المروي في تفسير علي- المنجبر بالشهرة- في قوله تعالى فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ : «إنها نزلت في صلاة النافلة، فصلّها حيث توجّهت إذا كنت في سفر» «2».

و يضعّف الأول: بأنّ فعلهم لا يوجب الاشتراط، لمواظبتهم على الاستحباب، مع أنّ استمرارهم غير معلوم.

و توفّر الدواعي على نقل الخلاف في الصدر الأول ممنوع، لجواز ظهور الأمر فيه و شيوع عدم الاشتراط.

و إنكار جميع المسلمين ممنوع، و إنّما هو من المقلّدين للمشهور.

و الثاني: بأن التأسي غير واجب، مع أنّه لو كان لا

يكون إلّا بعد العلم بالوجه، و انتفاؤه في المقام ظاهر.

و الثالث: بالتصريح في الحسنة السابقة بأنّ الآية نزلت في الفريضة، و مثله ورد في روايات أخر أيضا.

و الرابع: بعدم عمومه أولا، و عدم دلالته إلّا على وجوب المتابعة في أفعال

______________________________

(1) صحيح البخاري 1: 162.

(2) تفسير القمي 1: 59.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 204

الصلاة و أجزائها ثانيا، و لا نسلّم أن التوجّه إلى جهة أيضا من الصلاة.

و الخامس: بعدم دلالة أولى الصحاح على وجوب الإعادة، غايتها الرجحان و هي غير مفيدة، لإمكان رجحان إعادة النافلة المؤدّاة إلى غير القبلة و لو جاز، و الإجماع على انتفائه غير معلوم. مع أن احتمال إرادة الوجوب من قوله:

«يعيد» قائم، لأنّه أحد مجازاته، و معه تخصيص الصلاة بالفرض متعيّن، لانتفاء وجوب إعادة النفل البتة. و يؤكّده ذكر الوقت فيها و به يسقط الاستدلال.

و منه يستنبط وجه عدم دلالة ثانيتها أيضا، إذ الفرض بمعناه الحقيقي في النفل غير متحقق، و التجوّز فيه بإرادة ما يعم الشّرطي أيضا ليس بأولى من تخصيص الصلاة بالفريضة.

و كذا ثالثتها، إذ ليس المراد نفي الحقيقة على ما هو الأصح من كون الألفاظ للأعم، و مجازه يمكن أن يكون نفي الفضيلة، و حكاية أقربية نفي الصحة إلى الحقيقة ضعيفة.

و يضعّف الموثّقة بمثل ذلك أيضا، إذ حمل «أقيموا» على الوجوب لا يتأتّى مع عموم المسجد.

و كذا مفهوم الرواية حيث إنّ مجاز قوله: «صلّها» يمكن أن يكون التساوي دون الجواز المنتفي بملاحظة المفهوم.

و على هذا فيبقى الأصل في المقام سالما عن المعارض، و مقتضاه يكون جواز التنفل مع الاستقرار حيث شاء، كما اختاره المحقق «1»، و عن الوسيلة «2»، بل الخلاف كما في البحار [1]، و هو

ظاهر الأردبيلي بل الفاضل في الإرشاد و صاحب الكفاية «3».

______________________________

[1] الخلاف 1: 298 و قيده بالسفر، البحار 81: 48.

______________________________

(1) الشرائع 1: 67.

(2) الوسيلة: 86.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 2: 60، الإرشاد 1: 244، الكفاية: 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 205

و ليس ببعيد، لما ذكر مؤيدا بالمروي في قرب الإسناد و المسائل: عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ قال: «إذا كانت الفريضة و التفت إلى خلفه فقد قطع صلاته، و إن كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته و لكن لا يعود» «1».

و في فقه القرآن للراوندي: روي عنهما عليهما السلام أنّ قوله تعالى:

وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ 2: 144 في الفرض، و قوله فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ، قال: «هو في النافلة» «2».

و في تفسير العياشي: «أنزل اللّه هذه الآية في التطوّع خاصة فَأَيْنَما تُوَلُّوا الآية» «3».

إلّا أنّ المروي في المجمع أنّ الآية مخصوصة بالنوافل في حال السفر خاصة «4»، و نحوه روي في التبيان و نهاية الشيخ «5». و معه و إن ضعف التأييد إلّا أنه لا يثبت وجوب الاستقبال في غير السفر، لأنّ اختصاص الآية بالسفر لا ينافي عدم الوجوب في غيره، فتأمّل.

و الأولى ملاحظة الاستقبال فيها مع الاستقرار، و أمّا بدونه فيأتي حكمه و حكم حال عدم القدرة في بحث المكان.

______________________________

(1) قرب الإسناد 210- 820، الوسائل 7: 246 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 8.

(2) فقه القرآن 1: 91.

(3) تفسير العياشي 1: 56- 80، المستدرك 3: 191 أبواب القبلة ب 11 ح 6.

(4) مجمع البيان 1: 191.

(5) التبيان 2: 15، النهاية: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 206

الفصل الثالث: في الأحكام
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى:

من صلّى إلى غير القبلة: فإن كان عمدا أعاد وقتا و خارجا، و لو يسيرا، إجماعا محققا، و محكيا مستفيضا «1»، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، مضافا إلى النهي المفسد، مع النصوص المصرّحة بإعادة الصلاة بترك القبلة مطلقا «2»، خرج منها ما خرج بالدليل فيبقى الباقي.

و إن كان خطأ في ظنّه المعوّل عليه شرعا: فإمّا لا يبلغ الانحراف إلى المشرق أو المغرب، أو يبلغ إليه و لا يتجاوز، أو يتجاوز.

فعلى الأول لا يعيد الصلاة مطلقا، وفاقا للفاضلين «3»، و أكثر من تأخّر عنهما «4»، و في المعتبر و المنتهى و التذكرة و التنقيح و عن روض الجنان: الإجماع عليه «5».

لصحيحة ابن عمار، المتقدّمة في المسألة التاسعة من الفصل الأول «6»، و المروي في قرب الإسناد للحميري: «من صلّى إلى غير القبلة و هو يرى أنه إلى

______________________________

(1) انظر: المعتبر 2: 72، و التذكرة 1: 103.

(2) انظر: الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9.

(3) المحقق في النافع: 24، و المعتبر 2: 72، و الشرائع 1: 68، و العلامة في التبصرة: 22، و التحرير 1: 29، و القواعد 1: 27، و التذكرة 1: 103.

(4) كالشهيد في الدروس 1: 160، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 73، و صاحب المدارك 3:

151، و الفيض في مفاتيح الشرائع 1: 114.

(5) المعتبر 2: 72، و المنتهى 1: 223، التذكرة 1: 103، التنقيح 1: 177، روض الجنان:

203.

(6) راجع ص 198.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 207

القبلة ثمَّ عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان ما بين المشرق و المغرب» «1».

و في نوادر الراوندي: «من صلّى على غير القبلة و كان إلى غير المشرق و المغرب فلا

يعيد الصلاة» [1].

و قد يستدلّ: بموثّقة الساباطي الآتية «2». و هو غير جيّد، لورودها في المطّلع في الأثناء خاصة. و بالمصرّحة بأنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة. و هو غير تام، لما مرّ و يأتي «3».

خلافا لإطلاق عبارات كثير من القدماء، كما في الناصريات و عن المقنعة و المبسوط و الخلاف «4»، و نهاية الإحكام [2]، و الحلّي و الديلمي و ابني زهرة و حمزة «5»، بل عن الخلاف الإجماع عليه «6»، و عن السرائر نفي الخلاف فيه «7»، فأطلقوا وجوب الإعادة في الوقت، و هو الظاهر من الروضة «8»، و إن جوّز في البحار [3] رجوعه إلى الأول و حمل كون الإطلاق باعتبار ما اشتهر من أنّ ما بين المشرق

______________________________

[1] لم نجده في النوادر، و نقله عنه في البحار 81: 69- 26 و فيه: .. و كان إلى المشرق ..

[2] كذا في النسخ، و الظاهر الصحيح: النهاية للشيخ: 64، و يشهد له أن المصنف عدّ العلامة أولا من جملة القائلين بعدم الإعادة، و قد صرح بذلك في نهاية الإحكام ج 1: 399، مع أنه نسب الخلاف إلى القدماء و العلامة ليس منهم.

[3] البحار 81: 63، قال: و لعل مرادهم بالصلاة إلى غير القبلة ما لم يكن في ما بين المشرق و المغرب، لما اشتهر من أن ما بين المشرق و المغرب قبلة.

______________________________

(1) قرب الإسناد: 113- 394، الوسائل 4: 315 أبواب القبلة ب 10 ح 5.

(2) انظر ص 214.

(3) راجع ص 167، و يأتي في ص 209.

(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 194، المقنعة: 97، المبسوط 1: 80، الخلاف 1: 303.

(5) السرائر 1: 205، المراسم: 61، الغنية (الجوامع الفقهية): 556، الوسيلة: 99.

(6) الخلاف 1: 304.

(7) السرائر

1: 205.

(8) الروضة 1: 202.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 208

و المغرب قبلة [1].

و كيف كان فدليلهم على الإطلاق: المستفيضة الآتية المصرّحة بوجوب الإعادة في الوقت على من صلّى إلى غير القبلة «1».

و يجاب عنها: بأنّها و إن كانت أخص من الصحيحة باعتبار الوقت، و لكنها أعم منها باعتبار قدر الانحراف، فإن الصحيحة لا تشمل المتجاوز عن حدّ التشريق و التغريب بل إليهما عرفا أيضا.

فإن رجّحنا الاولى باعتبار الاعتضاد بالإجماعات المحكية الصريحة المستفيضة، و إلّا فيرجع إلى الأصل، و هو مع الأولى، لأصالة عدم وجوب الإعادة، و ارتفاع الاشتغال بحصول الامتثال، لكونه متعبدا بظنّه، فما أتى به موافق للمأمور به و هو موجب للإجزاء.

و توهّم أنّه موجب للإجزاء لذلك المأمور به دون غيره، مندفع: بأنه ليس هنا إلّا أمر واحد، و هو الأمر بالصلاة إلى القبلة بحسب اعتقاده، و ما أتى به مجز عن ذلك الأمر و ليس غيره، و اختلاف ظنّه إنّما هو في تعيين القبلة دون أمر آخر، فلم يحصل من تعبده بظنه أمر و تكليف على حدة كما مرّ في بحث الوقت.

ثمَّ مرادنا من المشرق و المغرب هنا اليسار و اليمين للقبلة و إن عبّرنا بهما تبعا للفاضلين «2» و جمع ممّن تأخّر عنهما «3». و أمّا من تقدّم عليهما فلم أر من ذكر المشرق و المغرب، بل في الناصريات و الاقتصاد و الخلاف و الجمل و العقود و المصباح

______________________________

[1] و ربما يؤيّد ذلك بنقل الشيخ في التهذيب صحيحة ابن عمار المتقدمة من جملة أدلة ما أطلقه في المقنعة من غير تعرض لتوجيه أو تأويل، التهذيب 2: 48- 157، منه رحمه اللّه.

______________________________

(1) انظر ص 210.

(2) المحقق في المعتبر 2: 72، و

النافع: 24، و العلامة في المنتهى 1: 223.

(3) انظر التنقيح 1: 177، و روض الجنان: 203، و مفاتيح الشرائع 1: 114.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 209

و مختصره و الوسيلة و الروضة: التعبير باليمين و اليسار «1»، و لعله أيضا مراد من عبّر بالانحراف اليسير، كما في الشرائع و القواعد و البيان «2».

و بالجملة: المعتبر في هذا القسم عدم الوصول إلى حد يمين القبلة و يسارها المنتهى في كل طرف إلى ربع الدور. فما لم يصل إليه لا يعيد مطلقا، لصدق الانحراف يمينا و شمالا- الذي هو المذكور في الصحيحة- على ذلك أيضا، بل على المنتهى إلى الربع أيضا، و لكنه خرج بالإجماع كما يأتي.

و أمّا اعتبار المشرق و المغرب و جعل ما بينهما قبلة فلا دليل عليه تاما، لأنّ ما تضمّن قوله: «ما بين المشرق و المغرب قبلة» فيه إجمال لا يصلح للاستدلال كما مرّ، بل من جهة عدم إفادة لفظة «ما» فيه العموم أيضا.

و مع ذلك معارض بما دلّ على أنه ليس بقبلة مطلقا، كموثّقة الساباطي «3».

و ما تضمّن عدم الإعادة مع عدم الوصول إلى المشرق و المغرب- كروايتي النوادر و قرب الإسناد «4»- ضعيف غير صالح للحجية، و انجباره بالعمل غير معلوم، إذ لم يصرّح بالمشرق و المغرب سوى الفاضلين و بعض من تأخّر عنهما.

هذا كلّه، مع أنّ اعتبارهما موجب لأنّ من تكون قبلته قريبة من المشرق بخمس درجات مثلا لو انحرف إلى مثل ذلك من المغرب، حتى يكون انحرافه من القبلة مائة و سبعين درجة، يكون مغتفرا، و لو انحرف خمس درجات إلى المشرق لم يكن مغتفرا، و هو بعيد جدّا، بل الظاهر مخالفته للإجماع.

و على الثاني يعيد في الوقت

دون خارجه، بالإجماع المحقّق و المحكي في

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 194، الاقتصاد: 262، الخلاف 1: 303 (الرسائل العشر):

186، مصباح المتهجّد: 25، الوسيلة: 99، الروضة 1: 202.

(2) الشرائع 1: 68، القواعد 1: 27، البيان: 118.

(3) الآتية في ص 214.

(4) المتقدمتين في ص 206 و 207.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 210

الناصريات و السرائر و التنقيح و المنتهى و المدارك «1»، و عن الخلاف و المختلف «2»، و غيرهما «3»، إلّا أنّ ظاهر الفاضل في التذكرة و النهاية عدم الجزم بالحكم و احتمال الإعادة و لو في الخارج «4»، و هو شاذّ غير قادح في الإجماع، فهو الحجة في المقام.

للصحاح المستفيضة و غيرها الناطقة بأنّ من صلّى إلى غير القبلة تجب الإعادة في الوقت و لا تجب في خارجه، كصحاح: ابني خالد و يقطين و البصري «5»، و موثّقتي: البصري و زرارة «6»، و غير ذلك [1].

و بالإجماع و تلك الأخبار يدفع الأصل المتقدّم، كما أنّ بالأول تخصّص الصحيحة المتقدّمة «7»، الشاملة لنفس اليمين و اليسار أيضا.

______________________________

[1] و ليس لأحد أن يقول: إنه لما كانت القبلة المأمور بها هي ما علم أنه قبلة و قد توجّه إليه هذا الشخص فهو خارج عن تحت تلك الأخبار، و هي مخصوصة بمن تعدى عمدا، لأن ذلك مناف لنفي الإعادة خارج الوقت، بل لصريح الأخبار المذكورة، كما لا يخفى. فالمراد بها القبلة الواقعية بحسب اجتهاده ثانيا. منه رحمه اللّه.

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 194، السرائر 1: 205، التنقيح 1: 177، المنتهى 1:

224، المدارك 3: 151.

(2) الخلاف 1: 303، المختلف 1: 78.

(3) انظر كشف اللثام 1: 179، و رياض المسائل 1: 119.

(4) التذكرة 1: 103، نهاية الإحكام 1: 400.

(5) صحيحة ابن خالد:

الكافي 3: 285 الصلاة ب 8 ح 9، التهذيب 2: 47- 152، الاستبصار 1: 296- 1091، الوسائل 4: 317 أبواب القبلة ب 11 ح 6 صحيحة ابن يقطين: التهذيب 2: 48- 155، الاستبصار 1: 296- 1093، الوسائل 4: 316 أبواب القبلة ب 11 ح 2.

صحيحة البصري: الكافي 3: 284 الصلاة ب 8 ح 3، التهذيب 2: 142- 554، الاستبصار:

296- 1090، الوسائل 4: 315 أبواب القبلة ب 11 ح 1.

(6) موثقة البصري: التهذيب 2: 47- 154، الوسائل 4: 317 أبواب القبلة ب 11 ح 5: موثقة زرارة: التهذيب 2: 48- 156، الاستبصار 1: 297- 1094، الوسائل 4: 316 أبواب القبلة ب 11 ح 3.

(7) راجع ص 198.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 211

و كذا على الثالث، فيعيد في الوقت دون الخارج، وفاقا للإسكافي «1»، و الصدوق و السيد و الحلّي و ابن سعيد و المحقّق «2»، و المنتهى و التذكرة و المختلف و البيان و الدروس و الذكرى و المدارك و الكفاية «3»، و والدي- رحمه اللّه- في المعتمد، بل معظم المتأخّرين.

لإطلاق الأخبار المتقدّمة، السليمة عن المعارض المقاوم، مضافا إلى الإجماع في الوقت، و الأصل في خارجه.

و خلافا للشيخين في المقنعة و النهاية و المبسوط و الخلاف «4»، و ابني زهرة و حمزة و الديلمي و الحلبي و القاضي «5»، و الإرشاد و القواعد و شرحه للكركي، و اللمعة «6»، و نسبه في الروضة و شرحه للخوانساري إلى المشهور «7»، فقالوا بوجوب الإعادة في الخارج أيضا.

لاشتراط الصلاة بالقبلة نصّا و إجماعا، و المشروط منتف عند انتفاء شرطه، فالصلاة قد فاتته، و من فاتته الصلاة وجب عليه القضاء، و خرج غير المستدبر بالدليل.

و لخبر معمّر: عن

رجل صلّى على غير القبلة ثمَّ تبيّن له القبلة و قد دخل وقت

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف 1: 78.

(2) الفقيه 1: 79، الناصريات (الجوامع الفقهية): 194، السرائر 1: 205، الجامع للشرائع:

63، النافع: 24.

(3) المنتهى 1: 224، التذكرة 1: 103، المختلف 1: 78، البيان: 117، الدروس 1: 160، الذكرى: 166، المدارك 3: 152، الكفاية: 16.

(4) المقنعة: 97، النهاية: 64، المبسوط 1: 80، الخلاف 1: 303.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 556، الوسيلة: 99، المراسم: 61، الكافي في الفقه: 139، المهذب 1: 87، شرح الجمل: 78.

(6) الإرشاد 1: 245، القواعد 1: 27، جامع المقاصد 2: 74، اللمعة (الروضة 1): 202.

(7) الروضة 1: 202، الحواشي على شرح اللمعة: 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 212

صلاة أخرى، قال: «يعيدها قبل أن يصلّي هذه التي دخل وقتها» «1» الحديث.

و صحيحة زرارة: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود» «2» فكما تعاد من الأربعة مطلقا، فكذا القبلة إلّا ما خرج بالدليل.

و المروي في الناصريات و في نهاية الشيخ، المنجبرين بعمل كثير من الأصحاب، كما صرّح به في شرح القواعد «3».

الأول: و قد روي «أنّه إن كان خطؤه يمينا و شمالا أعاد في الوقت، فإن خرج فلا إعادة، فإن استدبر أعاد على كلّ حال» «4».

و الثاني: و في رواية: «أنّه إذا كان صلّى إلى استدبار القبلة ثمَّ علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصلاة» «5».

و يجاب عن الأول: بمنع اشتراط القبلة الواقعية بل بظنّها، فلم يفت الشرط، فلم يفت المشروط.

و عن البواقي: بعمومها بالنسبة إلى المتحرّي و المقصّر، و صحيحة ابن يقطين من الأخبار المفصّلة صريحة في المتحرّي، فهي أخصّ مطلقا من خبر معمّر

و صحيحة زرارة، فيخصّصان بها، و من وجه من البواقي، فيرجع إلى الأصل.

مضافا إلى ما في الاولى من أنها معارضة مع جميع ما دلّ على عدم الإعادة في الخارج بالعموم من وجه، فإن رجّحناه بالأكثرية و الأصحية، و إلّا فيرجع إلى الأصل.

و ما في الثانية من أنّها معارضة معه بالعموم المطلق من جهة الوقت و خارجه

______________________________

(1) التهذيب 2: 46- 150، الاستبصار 1: 297- 1099.

(2) الفقيه 1: 181- 857، التهذيب 2: 152- 597، الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9 ح 1.

(3) جامع المقاصد 2: 74.

(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 194.

(5) النهاية: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 213

أيضا، فيجب تخصيصها.

و ما فيهما و في الثالثة من عدم الدلالة على الوجوب بل غايتها الاستحباب، و قد احتمله في المقام بعض أجلّة الأصحاب «1».

و ما في الأخيرين من الضعف و عدم الحجية.

ثمَّ على ما اخترناه لا يتفاوت الحال بين الاستدبار العرفي و غيره ممّا وصل إلى اليمين و اليسار.

و هل الموجب للقضاء- على قول من أوجبه- العرفي، أو مطلق التجاوز عن الطرفين؟ مقتضى بعض أدلّتهم: الأول، كما هو مختار بعض الأجلّة «2»، و مقتضى بعض آخر: الثاني، كما عن الشهيد الثاني «3».

و إن كان الانحراف نسيانا أو غفلة، فإن كان في أصل القبلة مع تذكّر وجوب مراعاتها فكالخطإ حكما و دليلا، و إن كان في وجوب مراعاتها أو جهل به من غير تقصير، فيعيد في الوقت مطلقا و لو لم يصل الانحراف إلى اليمين و اليسار، لأن الأصل حينئذ مع الإعادة، لعدم صدق التوجّه إلى القبلة بحسب ظنّه حتى يصدق امتثال الأمر به، و بقاء وقت الأمر بأدائه، فيرجع إليه بعد التعارض. و لا يعيد في الخارج،

للأصل، و عدم صدق فوت الصلاة، لأنّ ما فعله تكليفه حينئذ و إن صدق فوت الصلاة إلى القبلة.

و الأحوط في جميع الأقسام: الإعادة في الوقت مطلقا، و القضاء مع التجاوز عن اليمين و اليسار.

المسألة الثانية:

لو ظهر الانحراف في أثناء الصلاة، فمع عدم التشريق أو التغريب بالمعنى المتقدّم، صحّ ما فعل، و يحوّل وجهه إلى القبلة، بلا خلاف كما

______________________________

(1) الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2: 76.

(2) كشف اللثام 1: 180.

(3) الروضة 1: 202.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 214

صرّح به جماعة «1»، بل عليه الإجماع في جملة من كلماتهم «2»، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى رواية ابن الوليد: عن رجل تبيّن له و هو في الصلاة أنه على غير القبلة، قال: «يستقبلها إذا ثبت ذلك» «3».

و موثّقة الساباطي: في رجل صلّى على غير القبلة، فيعلم و هو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته، قال: «إن كان متوجّها فيما بين المشرق و المغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة حين يعلم، و إن كان متوجّها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثمَّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمَّ يفتتح الصلاة» «4».

و كذا معه بدون التجاوز، على الأصح، وفاقا للمحكي عن المبسوط مدعيا عليه الإجماع «5»، للأصل، و إطلاق الرواية.

و قد يقال بالقطع «6»، للموثّقة، فإنّ الظاهر شمولها للتشريق و التغريب بقرينة التفصيل.

و فيه: منع دلالة التفصيل عليه، لأنّ استيفاء الأقسام غير واجب سيّما مع ندرة هذا القسم.

فإن قيل: مفهوم قوله: «إن كان متوجّها ..» أولا، يدلّ على أنّ في صورة انتفائه لا يحوّل كذا، فإمّا يبقى كذلك أو يقطع، و الأول خلاف الإجماع، فتعيّن

______________________________

(1) منهم: صاحب الرياض 1: 120.

(2) كما في المدارك 3: 154.

(3) التهذيب 2: 48- 158،

الاستبصار 1: 297- 1096، الوسائل 3: 314 أبواب القبلة ب 10 ح 3.

(4) الكافي 3: 285 الصلاة ب 8 ح 8، التهذيب 2: 48- 159، الاستبصار 1: 298- 1100، الوسائل 4: 315 أبواب القبلة ب 10 ح 4.

(5) المبسوط 1: 81.

(6) كما في المعتبر 2: 72، و الذكرى: 166، و روض الجنان: 203، و مجمع الفائدة و البرهان 2:

76، و الدرة النجفية: 91.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 215

الثاني.

قلنا- مع أنّ اعتبار المفهوم في مثل ذلك الكلام المشتمل على التفصيل غير معلوم، لعدم تبادر المفهوم-: إنّه يعارض بمفهوم قوله: «و إن كان متوجّها ..»

ثانيا، لعدم شمول الدبر عرفا و لا لغة للتشريق و التغريب قطعا، فإنّ الدبر مقابل القبلة، و هما ليسا بمقابلين لها. [1]

و مع التجاوز يقطع و يستقبل، بلا خلاف و عليه التصريح في الموثّقة.

و لا فرق في جميع ما ذكر بين الخاطئ و الناسي و الغافل و الجاهل الغير المقصّر، لعموم الروايتين. و لا في صورة الاستئناف بين بقاء الوقت للصلاة المستأنفة و عدمه. و لا في صورة العدم بين ما إذا أدرك ركعة في الوقت أو لا.

و قد يستشكل في صورة العدم: بأنّ الظاهر أنّ مراعاة الوقت مقدّمة على سائر واجبات الصلاة من الأجزاء و الشرائط. بل قد يرجّح تحويله إلى القبلة حينئذ، لذلك، و لفحوى ما دلّ على عدم القضاء مع التبيّن بعد الفراغ، و لأصالة عدم وجوب القضاء، فلم يبق إلّا التحويل.

و في الأول: منع الكلية سيّما عند إدراك الركعة.

و في الثاني: منع الأولوية سيّما مع عدم القطع بالعلّة.

و في الثالث: أنّ القضاء بعد القطع يقيني، و الكلام إنّما هو في وجوب القطع.

و لو قيل بتعارض الإطلاق المذكور

مع مشترطات الوقت فيرجع إلى التخيير، لكان حسنا و إن كان الاحتياط بإتمام الصلاة و القضاء بعدها أحسن، إلّا أنّ ذلك في صورة إدراك الركعة ليس للاحتياط موافقا.

المسألة الثالثة:

لا يتجدّد الاجتهاد بتجدّد الصلاة إلّا مع تجدّد الشك، للأصل، و الاستصحاب، و بقاء الظن.

______________________________

[1] في «ه» و «س»: فإن الدبر مقابل القبل و هما ليسا بمقابلين له.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 216

خلافا للمحكي عن المبسوط، فأوجب التجديد لكلّ صلاة ما لم تحضره الأمارات، للسعي في إصابة الحق، و لأنّه لا يخلو إمّا يوافق الاجتهاد الثاني الأول أو يخالفه، و الكلّ واجب.

أمّا الأول: فلإيجابه قوة الظنّ الواجب تحصيلها مهما أمكن.

و أما الثاني: فلأنّه لا يكون إلّا مع الظنّ الأقوى بالخلاف، فتحصيله أيضا واجب «1».

و بعبارة أخرى: إمّا يحصل الظن الأقوى بالمخالف أو الموافق، و أيّهما كان فهو واجب.

و استجوده في المدارك مع احتمال تغيّر الأمارات «2».

و هو تقييد زائد، إذ ظاهر أنّه أيضا مراد الشيخ، كما صرّح به في المبسوط «3».

و كيف كان فهو ضعيف، لما مرّ.

و يضعّف أول دليليه بتحقّق السعي. و الثاني بمنع الحصر، لإمكان حصول ظنّ بالخلاف مساو للظنّ الأول، فلا يقطع بالأقوى، و معه لا دليل على وجوب الاجتهاد.

المسألة الرابعة:

لو تغيّر اجتهاده بالاجتهاد يعني ظنّ خطأه أوّلا، فإن كان في الأثناء يحوّل وجهه.

و قيل بذلك إن لم يبلغ موضع القطع و إلّا أعاد «4».

و يضعّف: بعدم دليل على القطع و الإعادة، و الموثّقة مخصوصة بصورة العلم.

______________________________

(1) المبسوط 1: 81.

(2) المدارك 3: 155.

(3) المبسوط 1: 81.

(4) المدارك 3: 155.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 217

و إن كان بعد الفراغ، لم يعد ما لم يتيقّن بالخطإ الموجب للإعادة. و في المنتهى: لا نعلم فيه خلافا.

و وجهه: أصالة عدم وجوب الإعادة، و ظهور الأخبار الموجبة لها في صورة العلم بالخطإ، لتضمّنها الألفاظ التي هي حقيقة فيه «1». و هو كذلك.

و لا

يتوهّمن أنه على ذلك لا تظهر فائدة مسألة ظهور الخطأ على ما ذكرنا من عدم إمكان تحصيل العلم بالجهة العرفية للبعيد، و إنّما يفيد على ما ذكره جماعة من حصول العلم بالجهة، إذ عدم إمكان العلم بالجهة لا يستلزم عدم إمكان حصول العلم بالخطإ، فإنّا و إن لم نقطع بأنّ نقطة الجنوب جهة محاذاة الكعبة لأهل الموصل مثلا، و لكن نقطع بأنّ المواجه لنقطة المشرق فيه خاطئ، بل لا يتفاوت الحال على القولين، إذ مع الانحراف الغير البالغ إلى أحد الطرفين تجب الإدارة في الأثناء مع الظنّ أيضا، و لا تجب الإعادة بعد الفراغ مع القطع بالخطإ أيضا، و مع البلوغ إلى أحدهما يحصل العلم بالخطإ غالبا.

و مثل تغيّر الاجتهاد ما لو قلّد مجتهدا و تغيّر اجتهاده أو أخبره بخطئه.

و لو تبيّن الخطأ في طريق الاجتهاد- كأن عمل بخبر شخص ظنّ أنّه عدل مسلم ثمَّ تبيّن أنّه كافر، و يرى عدم قبول خبره، أو علم بالدائرة الهندية ثمَّ علم خطأه في عملها، أو ظنّ كوكبا الجدي فظهر أنّه غيره- فإن ظهر مصادفته لمقتضى الاجتهاد الصحيح، صحّت صلاته مطلقا. و إن ظهرت المخالفة، فإن كان في الأثناء، ينحرف مع عدم التجاوز عن اليمين و اليسار، و يعيد معه، و إن كان بعد الفراغ لم يعد إلّا مع العلم بالخطإ في القبلة أيضا.

و إن لم يظهر شي ء منهما- كأن علم بكفر المخبر مثلا من غير إخبار مسلم بخلافه- فإن كان في الأثناء، يتمّ صلاته مع عدم التمكّن من الاجتهاد الصحيح، و يضمّ معها ثلاث صلوات أخرى، لكونه متحيّرا، و يقطعها مع

______________________________

(1) المنتهى 1: 220.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 218

التمكّن و توقّف الاجتهاد على القطع. و

إن كان بعد الفراغ، فالظاهر عدم الإعادة مطلقا إلّا مع حصول العلم بالخطإ في نفس القبلة.

و لو صلّى بقول واحد، فأخبره آخر بخلافه، فإن كان بعد الفراغ، لم يلتفت إليه و لو كان أوثق، إلّا مع فرض حصول العلم بالخطإ. و إن كان في الأثناء، يتبع الأوثق مع الاختلاف، و يتمّ صلاته و يضمّ معها أخرى إلى الجهة الأخرى مع التساوي.

المسألة الخامسة:

لو خالف اجتهاده و صلّى فصادف القبلة لم تصحّ، لأنه متعبّد بظنّه فلم يأت بالمأمور به، و لعدم تأتّي قصد القربة منه.

و عن المبسوط: الصحة [1]. و هو ضعيف.

و كذا من صلّى من دون مراعاة القبلة، لعدم المبالاة أو الجهل بالحكم من تقصيره، و صادفها.

المسألة السادسة:

لو اختلف المجتهدون في القبلة، فالمشهور: عدم جواز ائتمام بعضهم بعضا مع توجّه كلّ منهم إلى ما اجتهده، لاعتقاد كلّ بطلان صلاة الآخر.

و قيل بالصحّة «1»، و اختاره والدي- رحمه اللّه- في المعتمد. و هو الأصح، لمنع اعتقاد كلّ بطلان صلاة الآخر، بل يعتقد صحتها له و إن اعتقد خطأه في القبلة، و هو غير مؤثّر في البطلان، لعمومات جواز الاقتداء بمن تصح صلاته «2».

______________________________

[1] لم نعثر عليه في المبسوط، و حكاه عنه في الذكرى: 165، و المدارك 3: 155. و قال في الحدائق 6:

443: و قد تتبعت كتاب المبسوط في باب القبلة فلم أقف على هذا الفرع فيه.

______________________________

(1) كما في كشف اللثام 1: 180.

(2) انظر الوسائل 8: أبواب صلاة الجماعة ب 10- 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 219

الباب الثالث: في لباس المصلّي
اشاره

و الكلام فيه إمّا في الستر اللازم في الصلاة، أو فيما يشترط في لباس المصلّي و يجوز له في لباسه و لا يجوز، أو فيما يستحب و يكره، فهاهنا ثلاثة فصول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 220

الفصل الأول: في الستر
اشارة

و البحث فيه إمّا في أصل الستر أو فيما يستر، فهاهنا بحثان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 221

البحث الأول: في أصل الستر
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى:

الستر واجب في الصلاة و شرط لها، تبطل بانتفائه مع الإمكان، بالإجماع المحقّق و المحكي مستفيضا «1»، بل بالضرورة من الدين. و في النصوص المستفيضة دلالة عليه صريحا و ظاهرا، منطوقا و مفهوما:

منها: صحيحة علي: عن رجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا و حضرت الصلاة كيف يصلّي؟ قال: «إذا أصاب حشيشا ليستر به عورته، أتمّ صلاته بالركوع و السجود، و إن لم يصب شيئا ليستر به عورته، أومأ و هو قائم» «2».

و سائر ما ورد في صلاة العراة منفردين و جماعة، حيث أسقطت معظم الأركان من الركوع و السجود و القيام بفقد السائر، فمن لم يستر ما وجب ستره مع القدرة إمّا لا يأتي بتلك الأركان فتبطل صلاته إجماعا، لكون الأركان مطلقة بالنسبة إلى الستر المقدور قطعا، أو يأتي بها فكذلك أيضا، لعدم موافقة المأمور به حيث إنّه الإيماء مع عدم الستر.

و يدلّ عليه أيضا استصحاب الشغل اليقيني [1].

ثمَّ إنّ شرطيته هل هي ثابتة مع المكنة على الإطلاق، أو مقيّدة بالعمد؟

______________________________

[1] و أصالة عدم الشرطية الموجبة لحصول البراءة اليقينية هنا غير جارية قطعا، إذ كما بيّنا في الأصول جريانه ليس إلّا بواسطة أصالة عدم الوجوب المنتفية هنا قطعا. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) كما في المعتبر 2: 99، و المنتهى 1: 235، و الذكرى: 139، و جامع المقاصد 2: 93، و روض الجنان: 204، و كشف اللثام 1 186.

(2) التهذيب 2: 365- 1515، الوسائل 4: 448 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 222

الأصح: الثاني، وفاقا للمحكي عن الأكثر منهم المنتهى و المعتبر «1»، للأصل السالم عن المعارض و لو عن دليل وجوب الستر، لانتفائه

مع الجهل بالكشف أو نسيانه قطعا.

و لصحيحة علي: عن الرجل يصلّي و فرجه خارج لا يعلم به هل عليه الإعادة؟ قال: «لا إعادة عليه و قد تمّت صلاته» «2».

خلافا للمحكي عن الإسكافي، فيعيد في الوقت «3». و لا دليل له تامّا.

و عن الشهيد «4»- و استحسنه في المدارك «5»- ففرّق بين نسيان الستر ابتداء و عروض الكشف في الأثناء، فأبطل في الأول دون الثاني.

و مرجعه- على ما صرّح به والدي رحمه اللّه- إلى البطلان بالنسيان مطلقا، إذ عروض الكشف في الأثناء مع عدم العلم به يرجع إلى الجهل بالموضوع المغتفر قطعا لا إلى النسيان، و حمله على الغفلة عنه بعد العلم به في الأثناء بعيد جدّا.

و حكم الجاهل بالحكم كما مرّ مرارا.

و حكم الكشف في الأثناء عمدا حكم كشفه أوّلا كذلك.

و حكم الانكشاف فيه بلا اختيار حكم الناسي، فتصحّ صلاته و يستر فورا، فإن تعذّر ينتقل إلى صلاة العاري.

و حكم بعض ما يجب ستره حكم الكلّ، لعدم تحقّق الستر المأمور به مع انكشاف البعض.

الثانية:

المعتبر في تحقّق الستر ما يعدّ سترا عرفا، فلو لبس قميصا طويلا و لكن كان بحيث لو نظر أحد من التحت يرى العورة لم يكن به بأس، لتحقّق

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 4    223     الثانية: ..... ص : 222

____________________________________________________________

(1) المنتهى 1: 238، المعتبر 2: 106.

(2) التهذيب 2: 216- 851، الوسائل 4: 404 أبواب لباس المصلي ب 27 ح 1.

(3) حكاه عنه في المختلف: 83.

(4) الذكرى: 141.

(5) المدارك 3: 191.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 223

الستر عرفا، و لعدم ثبوت الأزيد منه من الأخبار و الإجماع.

و كذا لو كان لطرف ثوبه من اليمين أو اليسار فرجة ضيّقة لو

نظر إليها ناظر وصل شعاع بصره إلى العورة، أو كان له جيب لو نظر إليه يرى العورة. بخلاف ما إذا قام مؤتزرا على طرف سطح بحيث يرى عورته من الأسفل، فإنّ الظاهر- كما في التذكرة و عن نهاية الإحكام «1»- عدم تحقّق الستر عرفا و إن احتملت الصحة حينئذ أيضا كما في الذكرى «2»، لما قد ذكرنا من عدم ثبوت الأزيد.

و بالجملة: الستر إنّما يلزم من الجهة التي جرت العادة بالنظر منها.

و منهم من شرط في تحقّق الستر الستر من الجوانب الأربع و من الفوق دون التحت «3». و هو تحكّم بحت.

الثالثة:

يجب في تحقّق ستر البشرة استتار لونها إجماعا. فلو كان الساتر رقيقا بحيث يحكي بشرة ما تحته و لونها لم يكف قولا واحدا، لعدم تحقّق الستر معه قطعا، و لمفهوم قوله عليه السلام في إحدى صحيحتي محمد بعد سؤاله عن الرجل يصلّي في قميص واحد: «إن كان كثيفا فلا بأس به» «4».

و في الأخرى: «إذا كان القميص صفيقا» «5».

و هل يعتبر فيه كونه ساترا للحجم و الخلقة أيضا أم لا؟ قيل بالأول «6»، لتوقيفية العبادة، و تبادر ستر الحجم أيضا من الستر، و لذا يصح السلب بدونه

______________________________

(1) التذكرة 1: 94، نهاية الإحكام 1: 372.

(2) الذكرى: 141.

(3) كالشهيد في الذكرى: 141.

(4) الكافي 3: 394 الصلاة ب 64 ح 2، التهذيب 2: 217- 855، الوسائل 4: 387 أبواب لباس المصلي ب 21 ح 1.

(5) الكافي 3: 393 الصلاة ب 64 ح 1، التهذيب 2: 216- 852، الوسائل 4: 390 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 2.

(6) كما في الذكرى: 146، جامع المقاصد 2: 95.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 224

و يقال: ما ستر العورة

بل ستر لونها.

و لمرسلة أحمد بن حماد: «لا تصلّ فيما شفّ أو صفّ» يعني الثوب المصقّل «1».

قال في الذكرى: إنه وجده كذلك بخط الشيخ و إنّ المعروف: «أو وصف» بواوين. قال: و معنى شفّ: لاحت منه البشرة، و وصف: حكى الحجم «2».

و ذهب الفاضلان إلى الثاني «3»، للأصل، و صدق الستر عرفا، و منطوق الصحيحتين المتقدّمتين الشامل لما إذا لم يفد الكثافة و الصفاقة سوى ستر البشرة دون الحجم، و لأنّ جسد المرأة كلّه عورة، و لا شك في عدم استتار حجمه باللباس، فلو لم يكن ذلك سترا لما أمكن لها الاستتار.

و لرواية المرافقي: إنّ أبا جعفر عليه السلام كان يدخل الحمام فيبدأ فيطلي عانته و ما يليها، ثمَّ يلفّ إزاره على طرف إحليله و يدعو صاحب الحمام فيطلي سائر بدنه، فقال له يوما: الذي تكره أن أراه فقد رأيته، فقال: «كلّا إن النورة سترة» «4».

و التقريب: تصريحه عليه السلام بكون النورة ساترا مع أنّها لا تستر إلّا البشرة، فلا يرد ما أورده بعض الأجلّة من أنّها لا تدلّ على استتار حجم السوأة بالنورة و الكلام فيه، بل على استتار العانة «5».

و مرسلة [محمد بن عمر] [1] و فيها: فدخل ذات يوم الحمام فتنوّر، فلما

______________________________

[1] في النسخ: محمّد بن عمران، و الصحيح ما أثبتناه موافقا للمصادر.

______________________________

(1) التهذيب 2: 214- 837، الذكرى: 146، الوسائل 4: 388 أبواب لباس المصلي ب 21 ح 4.

(2) الذكرى: 146.

(3) المحقق في المعتبر 2: 95، العلامة في القواعد 1: 27، و التذكرة 1: 92.

(4) الكافي 6: 497 الزي و التجمل ب 43 ح 7 و فيه: الدابقي، الفقيه 1: 65- 250، الوسائل 2:

53 أبواب آداب الحمام 18 ح 1: و فيه

الرافقي.

(5) كما في كشف اللثام 1: 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 225

أطبقت النورة على بدنه ألقى المئزر، فقال له مولى له: بأبي أنت و أمّي إنك لتوصينا بالمئزر و لزومه و قد ألقيت عن نفسك، فقال: «أما علمت أنّ النورة قد أطبقت العورة» «1».

أقول

: انكشاف حجم الشي ء و خلقته بعد استتار اللون و البشرة تارة يكون برؤية شبحه بنفسه من وراء الساتر، كما يرى الشي ء من وراء الزجاجة الكثيفة أو من وراء ثوب قريب من العين، فإنّه كثيرا ما يرى شبح ما وراءهما بنفسه و لا يتميّز لونه، و من ذلك القبيل من يرى في الليلة إذا لم يكن لها شديد ظلمة فإنه يرى شبحه و إن لم يتميّز لونه، فالمرئي حينئذ ليس هو الحائل بل شبح الشي ء.

و أخرى يكون بعدم رؤية الشبح أيضا، بل يكون المرئي هو الحائل فقط و إن حكى هو حجم الشي ء أيضا للصوقه به كالشي ء الملفوف بالكرباس أو المطبق بالنورة و الطين.

فإن أريد من حكاية الحجم ما كان من قبيل الأول فالحقّ مع الأول، لعدم تحقّق الستر معه قطعا، و عدم جريان أدلّة الثاني في دفعه، و هو ظاهر.

و إن أريد الثاني فالحقّ مع الثاني، لأدلّته. و لا تنافيه توقيفية العبادة كما لا يخفى، و يمنع تبادر ستر الحجم من الستر، و صحة السلب، و تخصّ المرسلة بما ذكر، مع أنّ في شمولها لمثل ذلك نظرا، و تفسير الشهيد الوصف بما وصف لا حجية فيه، مع أنّ النسخ مختلفة.

الرابعة:

لا شك في جواز الستر و تحقّقه بالثوب مطلقا، و كذا بالحشيش و الورق و مثلهما حال الانحصار، و في صحيحة علي، المتقدّمة تصريح به «2».

و هل يجوز الاستتار

بهما مع وجود الثوب أيضا، أم لا؟ المحكي عن جماعة:

الثاني، و اختاره في المدارك «3»، و والدي في المعتمد، و نسب إلى الشيخ و الحلّي

______________________________

(1) الكافي 6: 502 الزي و التجمل ب 43 ح 35، الوسائل 2: 53 أبواب آداب الحمام ب 18 ح 2.

(2) راجع ص 222.

(3) المدارك 3: 193.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 226

و الفاضلين «1»، و البيان «2»، و عزي إلى المشهور.

و في البحار نسب إليهم جميعا القول الأول، و نسبه إلى المشهور «3».

و التحقيق: أنّ ظاهر كلام بعض هؤلاء يوافق الأول و بعضهم الثاني.

و على أيّ حال فدليل الثاني: عدم تبادر مثل ذلك من إطلاق الستر.

و اقتضاء الشغل اليقيني للبراءة اليقينية. و صحيحة علي. و إطلاق الأخبار الواردة في أنّ من ليس له غير الثوب النجس يصلّي فيه «4»، أو من لم يجد ثوبا يصلّي إيماء «5» الشامل لواجد الورق و الحشيش. و ما دلّ على أنّ أدنى ما تصلّي المرأة فيه درع و ملحفة «6»، و يتمّ في الرجل بالإجماع المركّب.

و يضعّف الأول- مع عدم إطلاق كذائي-: بأنه لو كان، لوجب حمله على ما يصدق عليه لغة، و صدقه على الستر بمثل ذلك ظاهر جدا.

و الثاني: بعدم تيقّن الشغل بالزائد على مطلق الستر.

و الثالث: بعدم الدلالة، و السؤال عمّن ليس له ثياب لا يدلّ على تقدّمها على الحشيش.

و الرابع: بعدم قول المستدلّ بالإطلاقين المذكورين، لتجويزه التستّر بالحشيش حينئذ، بل الظاهر إجماعيته، و مع ذلك يندفع ثاني الإطلاقين بصحيحة علي.

و الخامس: بعدم وجوبهما بخصوصهما إجماعا، فليحمل على ضرب من

______________________________

(1) الشيخ في المبسوط 1: 87، الحلي في السرائر 1: 260، المحقق في الشرائع 1: 70، العلامة في القواعد 1: 28،

و التحرير 1: 31.

(2) البيان: 125.

(3) البحار 80: 212.

(4) انظر: الوسائل 3: 484 أبواب النجاسات ب 45.

(5) انظر: الوسائل 3: 486 أبواب النجاسات ب 46.

(6) التهذيب 2: 217- 853، الاستبصار 1: 388- 1478، الوسائل 4: 407 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 227

الاستحباب.

و قال طائفة بالأول «1»، و هو الأظهر، لا للصحيحة كما قيل «2»، لعدم دلالتها جدّا، بل للأصل، و عدم دليل على وجوب الأزيد من الستر المتحقّق بكلّ ما يستر به، بل مرّ التصريح بتحقّق الستر بالنورة أيضا.

و منهما بل و من التعليق بوصف الستر في الصحيحة يظهر جواز الستر بها و بالطين أيضا و لو مع القدرة على الثوب و الحشيش.

خلافا لمن لم يجوّزه إمّا مطلقا «3»، لأنّ الظاهر من الأخبار تعيّن الإيماء عند تعذّر الثوب «4»، خرج الحشيش بالصحيحة، فيبقى الباقي.

و فيه: أن مفهوم قوله في ذيل الصحيحة: «و إن لم يصب شيئا» شامل لمثلهما أيضا.

أو مع القدرة على الثوب فقط و إن قدر على الحشيش، أو مع القدرة عليه أيضا، لمثل ما مرّ في الحشيش و الورق. و قد عرفت دفعه.

و كذا يجوز الستر باليد، بل يجب مع الانحصار، و لكنه لا يفيد حالتي الركوع و السجود فيجب الإيماء، فلا يمكن الاكتفاء بها مع غيرها.

الخامسة:
اشارة

لو لم يجد المصلّي ساترا مطلقا تجب عليه الصلاة عاريا قائما إذا لم يكن هناك ناظر محترم، و جالسا إن كان، وفاقا للشيخين و الفاضل و الشهيدين [1]،

______________________________

[1] لم نعثر على كلام المفيد في المقنعة و قد حكاه عنها في المعتبر 2: 104، الطوسي في النهاية: 130، و المبسوط 1: 87، و الخلاف 1: 399، الفاضل في التذكرة

1: 93، و التحرير 1: 31، و نهاية الإحكام 1: 368، الشهيد الأول في البيان: 125، و الدروس 1: 149، الشهيد الثاني في المسالك 1: 24، و الروضة 1: 205، و روض الجنان: 216.

______________________________

(1) كالشيخ في الجمل و العقود (الرسائل العشر): 177، و الاقتصاد: 259، و الشهيد في الذكرى:

141، و الكركي في جامع المقاصد 2: 99.

(2) كما في الذكرى: 141.

(3) كما في الذكرى: 141.

(4) انظر الوسائل 3: 486 أبواب النجاسات ب 46.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 228

و أكثر المتأخّرين، بل الأكثر مطلقا، كما به صرّح غير واحد «1».

لمرسلة ابن مسكان: في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة، قال: «يصلّي عريانا قائما إن لم يره أحد، فإن رآه أحد صلّى جالسا» «2».

و المروي في المحاسن: في رجل عريان ليس معه ثوب، قال: «إذا كان لا يراه أحد فليصلّ قائما» «3».

و في نوادر الراوندي: «في العريان إن رآه الناس صلّى قاعدا و إن لم يره الناس صلّى قائما» «4».

و ضعف سندها بالشهرة منجبر، مع أنّ الاولى بنفسها حجّة، و مع ذلك عن ابن مسكان المجمع على تصحيح ما يصح عنه صحيحة.

خلافا للمحكي عن الفقيه و المقنع و مصباح السيد و جمله و المقنعة و التهذيب «5»، فأطلقوا الأمر بالجلوس، لأصالة وجوب الستر عن الناظر.

و حسنة زرارة: رجل خرج من سفينة عريانا أو سلب ثيابه و لم يجد شيئا يصلّي فيه، فقال: «يصلّي إيماء، فإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها، و إن كان رجلا وضع يده على سوأته، ثمَّ يجلسان فيومئان إيماء و لا يسجدان و لا يركعان فيبدو ما خلفهما، تكون صلاتهما إيماء برؤوسهما» «6».

و صحيحة ابن سنان: عن قوم صلّوا جماعة و هم عراة،

قال: «يتقدّمهم

______________________________

(1) كالشهيد في الذكرى: 141، و الفيض في المفاتيح 1: 105.

(2) التهذيب 2: 365- 1516، الوسائل 4: 449 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 3.

(3) المحاسن: 372- 135، الوسائل 4: 450 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 7.

(4) نوادر الراوندي: 51، البحار 80: 212- 1.

(5) الفقيه 1: 296، المقنع: 36، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 49، المقنعة:

216، التهذيب 3: 178.

(6) الكافي 3: 396 الصلاة ب 64 ح 16، التهذيب 2: 364- 1512، الوسائل 4: 449 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 229

الإمام بركبتيه و يصلّي بهم جلوسا و هو جالس» «1».

و موثّقة إسحاق: قوم قطع عليهم الطريق و أخذت ثيابهم فبقوا عراة و حضرت الصلاة كيف يصنعون؟ فقال: «يتقدّمهم إمامهم فيجلس و يجلسون خلفه، فيومئ إيماء بالركوع و السجود و هم يركعون و يسجدون خلفه على وجوههم» «2».

و المروي في قرب الإسناد: «من غرقت ثيابه فلا ينبغي أن يصلّي حتى يخاف ذهاب الوقت، يبتغي ثيابا، فإن لم يجد صلّى عريانا جالسا يومئ إيماء، يجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثمَّ صلّوا كذلك فرادى» «3».

و للحلّي «4»، فأطلق الأمر بالقيام، لأصالة وجوبه، و صحيحة علي، السابقة «5».

و صحيحة ابن سنان: «و إن كان معه سيف و ليس معه ثوب فليتقلّد بالسيف و يصلّي قائما» «6».

و لحصول استتار الدبر بالأليين، و القبل باليدين، فيأمن عن الناظر دائما.

و للمعتبر و بعض من عنه تأخّر «7»، مخيّرا بين الأمرين، لتعارض الأخبار مع ضعف روايات التفصيل.

______________________________

(1) التهذيب 2: 365- 1513، الوسائل 4: 450 أبواب لباس المصلي ب 51 ح 1.

(2) التهذيب 2: 365- 1514،

الوسائل 4: 451 أبواب لباس المصلي ب 51 ح 2.

(3) قرب الإسناد: 142- 511، الوسائل 4: 451 أبواب لباس المصلي ب 52 ح 1.

(4) السرائر 1: 260.

(5) في ص 222.

(6) الفقيه 1: 166- 782، التهذيب 2: 366- 1519، الوسائل 4: 449 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 4.

(7) المعتبر 2: 105، و انظر المدارك 3: 195.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 230

و يجاب عن دليل الأول: باندفاع الأصل بعدم وجود الناظر، و إطلاق الأخبار بالنسبة إلى وجوده و عدمه، فيجب حملها على المقيّد، و ليس التباعد المأمور به في ذيل الأخير صريحا في قدر يمنع الرؤية، فلا يقدح في إطلاقه، فيمكن أن يكون التباعد في الجملة مطلوبا تعبدا.

مع أنّ الحسنة ليست نصّا في الجلوس للصلاة، لاحتماله للإيماء للسجود، كما هو المحكي عن السيد عميد الدين «1»، بل هو الظاهر منها، لمكان لفظة: «ثمَّ» و قوله: «فيومئان» بعد: «يجلسان».

و الصحيحة و الموثّقة ظاهرتان بل صريحتان في وجود الناظر. و الأخيرة ضعيفة، و بالشهرة غير منجبرة.

و عن دليل الثاني: بمعارضة أصله مع أصل الأول في صورة وجود الناظر، فيتساقطان لو لم يرجّح الأول بالشهرة العظيمة، بل الإجماع المنقول في الخلاف على لزوم الجلوس مع عدم الأمن عن الناظر «2»، و تقيّد إطلاقاته بالمقيدات المتقدمة، و اندفاع دليله الأخير بمنع حصول استتار القبل باليد مطلقا إلّا مع الخروج عن حد القائم، و الدبر بالأليين مع الهزال الكثير، و لو سلّم فلا يخرج الشخص بذلك عن مصداق العريان الذي ورد في النصوص المفصّلة، و كون العلّة محض استتار العورة غير معلوم.

و عن دليل الثالث: بمنع ضعف دليل المفصل، كما مرّ.

ثمَّ مقتضى الأخبار المفصلة: القيام مع عدم الناظر و

لو احتمل دخوله بعده أو وجوده حينئذ، و هو مقتضى أصالة عدمه و أصالة وجوب القيام أيضا.

و المصرّح به في كلام أكثر المفصّلين التفصيل بين عدم الأمن من الناظر و الأمن منه، فيجلس في الأول. و لا دليل له تاما [1].

______________________________

[1] التقييد بالتام لإمكان الاستدلال باختيار وجوب الحفظ من الناظر الدال على المحافظة مع احتماله كما مرّ في بحث الخلوة، و عدم تماميته لمعارضتها مع أخبار وجوب القيام في الصلاة و بقاء الأخبار التفصيلية بلا معارض. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) حكاه عنه في الذكرى: 142.

(2) الخلاف 1: 400.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 231

و لو أمن أولا ثمَّ ورد الناظر، جلس في الباقي، للأمر بالصلاة جالسا مع النظر، و لو انعكس الأمر قام في الباقي.

و لو أمن من الناظر من إحدى الجهتين كالقدام دون الآخر و كان له ما يستر الجهة الأخرى فقط، يستر و يقوم، لأنّ معنى قوله: «فإن رآه» أو: «لم يره» رؤية ما يحرم رؤيته، فيصدق عدم الرؤية، و يلزمه لزوم القيام لو ستر القدام فقط، لاستتار الدبر بالأليين كما صرّح به في النص «1».

ثمَّ في حالة القيام هل يجب عليه ستر قبله باليدين إن أمكن؟ الظاهر:

نعم، للتمكن من الستر الواجب الغير المختص بساتر مخصوص كما مرّ.

و لأنّ كلّ من قال بتحقّق الستر بشي ء قال بوجوبه مع الإمكان، و تؤيّده حسنة زرارة، المتقدّمة «2».

و هل التفصيل مخصوص بالرجال كما هو مورد الروايات، أو يعمّ النساء أيضا؟ الظاهر: الأول، لاختصاص الروايات، و عدم معلومية الإجماع المركّب، و كون جميعها عورة فلا يتفاوت الحال بالقيام و القعود، و الأصل وجوب القيام فيقمن أبدا و يسترن فرجهن باليد إن أمكن، كما به صرّح في

الحسنة.

فروع:

أ: لا خلاف في وجوب الإيماء بالركوع و السجود لغير المأمومين في حالة الجلوس، و في الأخبار المتقدّمة تصريح به «3». و اختلفوا في حال القيام، و في حقّ المأمومين.

أمّا الأول: فصرّح بالإيماء فيه أيضا الأكثر. و هو الأظهر، لصحيحة علي.

______________________________

(1) انظر الوسائل 2: 34 أبواب آداب الحمام ب 4 ح 2 و 3.

(2) في ص 228.

(3) راجع ص 228 و 229.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 232

و عدم نصوصيتها في الإيماء بالركوع و السجود معا غير ضائر، لعدم الفاصل، مع أنها فيه ظاهرة و هو كاف في المطلوب.

و خالف فيه ابن زهرة، فأوجب الركوع و السجود على القائم «1»، و تردّد فيه الفاضل في النهاية «2»، و لم يتعرّض له الشيخ و الديلمي و القاضي و ابن حمزة، إمّا لأصالة وجوبهما، أو لما قيل من أنّ القيام لا يكون إلّا في حال الأمن، و معه لا وجه لتركهما «3».

و الأول تمسّك بالأصل في مقابلة النص، و الثاني اجتهاد كذلك.

و أمّا الثاني، فعن الأكثر أيضا- و منهم: المفيد و السيد و الحلّي- الإيماء في حقّهم «4»، بل عن السيد و موضعين من السرائر الإجماع عليه [1]، لصحيحة، و سائر مطلقات الإيماء بهما، و عموم التعليل في الحسنة بقوله: «فيبدو ما خلفهما» «5».

و عن الإصباح و الشيخ و ابن حمزة و القاضي و الجامع و المعتبر و المنتهى و الدروس: وجوب الركوع و السجود عليهم «6». و هو الأقوى.

لموثّقة إسحاق، المتقدّمة «7» الخاصة بالنسبة إلى ما دلّ على الإيماء مطلقا حتى التعليل المذكور.

______________________________

[1] لم نعثر عليه في كتب السيّد التي بأيدينا، السرائر 1: 355 و 260.

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 561.

(2) نهاية الإحكام: 368.

(3) كما

في كشف اللثام 1: 190.

(4) المفيد في المقنعة: 216، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 49، الحلي في السرائر 1: 260 و 355.

(5) راجع حسنة زرارة في ص 228.

(6) الشيخ في النهاية: 130، ابن حمزة في الوسيلة: 107، القاضي في شرح الجمل: 147، المهذب 1: 117، الجامع للشرائع: 91، المعتبر 2: 107، المنتهى 1: 240، الدروس 1: 149.

(7) في ص 229.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 233

و حمل قوله: «على وجوههم» على الوجه الذي لهم و هو الإيماء بعيد جدّا، بل مناف للتفصيل، مع أنّ الركوع و السجود حقيقتان في غير الإيماء.

و أصالة وجوب الإيماء على العاري الذي عنده غيره مطلقا حتى في حق المأموم ممنوع.

و في الذكرى: التفصيل بين وجود مطّلع غيرهم و عدمه، فالإيماء في الأول و الركوع و السجود في الثاني «1». و يدفعه عموم الموثّق [1].

و في التحرير و المختلف و التذكرة: التردّد «2». و لا وجه له.

ب: الإيماء بالرأس، للحسنة. فإن تعذّر فبالعينين، للإجماع. و يجعل السجود أخفض إجماعا، لرواية قرب الإسناد، المنجبرة «3».

و هل يجب الانحناء فيهما بحسب الإمكان مع عدم بدوّ العورة؟ الظاهر لا، للأصل.

و في الذكرى و المسالك: نعم «4»، استصحابا لوجوبه.

و يندفع: بأن المسلّم وجوبه للانتقال إلى الركوع و السجود الواجبين، فهو

______________________________

[1] و أجاب في المنتهى أيضا بأن ذلك فيما إذا خاف من المطلع و هو مفقود هنا، إذ كل منهم مع سمت صاحبه لا يمكن له أن ينظر إلى عورته حالتي السجود و الركوع. و فيه: انه إذا كان كذلك لوجب عليهم القيام على ما اختاره و يخرج عن مورد الموثقة و لا يمكن الاستدلال بها له، إلّا أن يكون

مراده عدم إمكان النظر حالتي الركوع و السجود خاصة و إن أمكن في غيرهما، و يرد عليه حينئذ منع عدم الإمكان. و في الذكرى بعد اختيار التفصيل المذكور في المتن قال: و أمّا هم أي المأمومون فغير ضائر، لكونهم في حيّز التستر باستواء الصف و اعتبار النظام، ثمَّ استشكل بأنهم لو كانوا في حيّز التستر لوجب القيام، و أجاب بأنهم كذلك في حال الجلوس. و لا يخلو ما ذكره من تعسف و تمحل. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) الذكرى: 142.

(2) التحرير 1: 32، المختلف: 84، التذكرة 1: 94.

(3) راجع ص 229.

(4) الذكرى: 142، المسالك 1: 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 234

مقيّد بذلك الحال و تبعي، لا أنّه من أجزاء الصلاة، و لذا لم يعدّه أحد منها، فلا يمكن الاستصحاب.

و منه يظهر حال ما احتمله الشهيد من وضع الأعضاء السبعة في السجود «1»، و ما نفى عنه البعد في المدارك «2» بل أوجبه في المسالك «3»، من وجوب رفع شي ء يسجد عليه.

و الاستدلال له: بما ورد في صلاة المريض «4» نوع من القياس، و عدم الفصل غير ثابت، مع أنّ ما ورد فيها غير دالّ على الوجوب فيها أيضا كفتوى الأصحاب.

ج: المصرّح به في كلام جماعة أنّ القائم لا يجلس لإيماء السجود «5»، لظاهر صحيحة علي.

و عن السيد عميد الدين أنه يجلس «6»، لأنّه أقرب إلى هيئة السجود، و لمثل قوله: «إذا أمرتكم بشي ء فأتوا منه ما استطعتم» «7» و لاستصحاب وجوب الجلوس للسجود.

و يضعّف الأول: بمنع وجوب تحصيل الأقرب.

و الثاني و الثالث: بمثل ما مرّ من منع وجوب الجلوس للسجود إلّا من باب المقدّمة للسجود، فينتفي بانتفائه.

______________________________

(1) الذكرى: 142.

(2) المدارك 3: 195.

(3) المسالك 1:

24.

(4) انظر الوسائل 4: 325 أبواب القبلة ب 14.

(5) كما في الذكرى: 142، جامع المقاصد 2: 102، المدارك 3: 195، المفاتيح 1: 105، الحدائق 7: 44.

(6) حكاه عنه في الذكرى: 142.

(7) عوالي اللئالي 4: 58- 206، سنن النسائي 5: 110- 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 235

إلّا أنه يمكن أن يقال: الأصل عدم وجوب القيام للسجود أيضا، إذ لا إجماع فيه و لا دليل، و الأخبار المفصّلة لا تفيد، لأنّ المراد بالقيام فيها المتعارف، و ظاهر الصحيحة و إن يشمل إيماء السجود أيضا إلّا أنه معارض مع ظاهر الحسنة، مع أنّ إفادة الصحيحة أيضا للوجوب ممنوعة. فالتخيير أقوى إلّا مع إيجاب الجلوس بعد القيام و عكسه لبدوّ العورة فلا يجوز، للعلّة المصرّح بها في الحسنة.

د: يجب على القائم الجلوس للتشهد و السلام، للاستصحاب الخالي عن المخرج إلّا مع إيجابه البدوّ المذكور.

ه: لو صلّى العاري بغير إيماء، بطلت صلاته و لو أتى بالركوع عمدا أو سهوا أو نسيانا، لا لإتيانه بالمنهي عنه حتى يرد عدم توجّه النهي مع النسيان، بل لعدم إتيانه بالمأمور به. و حكم الجاهل ما مرّ مرارا.

و: لا يجب على العاري أول الوقت التأخير و إن ظنّ حصول الستر له، وفاقا للشيخ و الحلّي «1» حاكيا له كغيره «2» عن الأكثر. بل و لو علم الحصول أيضا، للأصل، و إطلاقات صلاة العاري. و أدلة وجوب الستر مقيّدة بإمكانه حال الصلاة. و كون التأخير مقدّمة للستر غير مفيد، لمنع وجوبه المطلق حتى في هذه الصورة [1]، مع أنّ الواجب من المقدّمة هي المقدورة، و هي للصلاة في أول الوقت غير مقدورة، فتصح الصلاة فيه عريانا، و عدم جواز الصلاة فيه يحتاج إلى دليل.

و

توهّم أنه مع عدم الستر في أول الوقت لا يصدق الامتثال، للتمكّن من الستر و لو بالصبر، مردود: بأنّ الكلام في امتثال ذلك الأمر الوارد في أول الوقت تخييرا بملاحظة دليل التوسعة، و لا شك أنّ الستر له غير ممكن، و إنّما يمكن

______________________________

[1] مع أنه لو تمَّ لأفاد في صورة العلم بحصول الستر بالتأخير. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) الشيخ في النهاية: 58، الحلي في السرائر 1: 355.

(2) المنتهى 1: 239، الرياض 1: 137.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 236

لامتثال فرد آخر من الموسّع.

و أمّا رواية قرب الإسناد، المتقدّمة «1»: فمع عدم حجيتها غير ناهضة لإثبات الوجوب، بل ظاهرة في الاستحباب مع الاحتمال، و هو مسلّم معه، له و للاحتراز عن مخالفة المعتبر و المنتهى في صورة الظن «2»، فإنّهما أوجباه حينئذ معه، بل بدونه أيضا تجنّبا عن خلاف السيد و الديلمي «3»، حيث أوجبا التأخير مطلقا.

ز: شراء الساتر و لو زائدا عن ثمن المثل ما لم يستضرّ به و قبول إعارته وهبته واجب على الأصح، لقوله في صحيحة علي: «و إن لم يصب شيئا أومأ» دلّ بمفهومه على عدم الإيماء مع الإصابة الصادقة هنا، فإمّا يركع و يسجد بدون الشراء و القبول، و هو باطل إجماعا، أو يشتري و يقبل، و هو المطلوب.

ح: لو لم يجد إلّا الحرير، فظاهر الأصحاب- كما قيل «4»- أنه يصلّي عاريا، لاستصحاب حرمة لبسه قبل صلاته، و أدلّة عدم جواز الصلاة فيه «5».

و يخدشه: أنّهما معارضتان مع أدلّة وجوب الستر، فإن ثبت الإجماع فهو، و إلّا فالتخيير قويّ جدّا. و كذا لو لم يجد إلّا جلد الميتة أو ما لا يؤكل.

و لو لم يجد إلّا النجس أو المغصوب، فسيأتي

حكمه، و كذا حكم ما لو اضطرّ إلى لبس الحرير أو النجس.

ط: لو وجد الستر في أثناء الصلاة، فمع عدم توقّف الستر على الفعل المنافي يستر و يتمّ الصلاة.

و قيل: يستأنف مع السعة، لعدم تحقّق الامتثال [1].

______________________________

[1] لم نعثر على قائله.

______________________________

(1) في ص 229.

(2) المعتبر 2: 108، المنتهى 1: 239.

(3) السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 49، الديلمي في المراسم: 76.

(4) انظر: الحدائق 7: 46.

(5) انظر الوسائل 4: 367 أبواب لباس المصلي ب 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 237

و فيه منع ظاهر، و وجوب الصلاة كلها مستورا حينئذ لا دليل عليه.

و مع التوقّف فمع ضيق الوقت يستمرّ و يتمّ الصلاة إجماعا، و بدونه يقطع و يستر و يصلّي، لمفهوم صحيحة علي، بل منطوق قوله: «فإن أصاب حشيشا» إلى آخره، لصدق الإصابة حينئذ، فإن لم يستر فإمّا يصلّي إيماء، فقد خالف النصّ، أو يركع و يسجد عريانا، فقد خالف الإجماع بل النصوص.

ي: لو كان في الثوب خرق محاذ للعورة، بطلت الصلاة إن لم يمكن جمعه بحيث يتحقّق الستر بالثوب. و إن أمكن، وجب و صحّت بلا إشكال إن لم يمنع ذلك من واجب في الصلاة، كوضع اليد على الأرض للسجود، و إن منع فيحصل الإشكال من جهة التعارض بين مراعاة الستر و ذلك الواجب، و إن أمكن الستر بوضع اليد عليه بحيث يكون الساتر هو اليد، فحكمه حكم العاري عند من لا يرى الستر باليد سترا، و حكم الأول على الأصح.

يا: لو وجد ساترا لإحدى العورتين أو المرأة لبعض جسدها، وجب الستر عن الناظر المحترم إذا كان، و مطلقا في الصلاة، لا لنحو قوله: «ما لا يدرك كلّه لا يترك

كلّه» «1» لعدم تمامية دلالته، بل لدلالة أدلّة وجوب الستر عليه تضمّنا أو التزاما، و الأصل عدم الارتباط بين ستر هذا الجزء و ستر غيره، و دلالة الدليل عليه تبعا لا يجعل وجوبه تبعيا. و تكون الصلاة مع انكشاف الباقي صلاة العراة.

و منه يظهر عدم شرطية ستر البعض مع عدم إمكان ستر الجميع للصلاة و إن وجب، فلا تبطل الصلاة بتركه حينئذ [1].

______________________________

[1] فرع: يستحب الجماعة للعراة بالإجماع كما صرّح به بعض الأعيان، و هو دليل عليه، مع عموم أدلة أفضليته و خصوص الموثقة المتقدمة. و أما خبر قرب الإسناد فلا يكافئ ما تقدم، لعدم عامل به سوى الصدوق على ما نقل عنه في باب صلاة الخوف و المطاردة، مع أن حمله على عدم إرادة الجماعة أو إذا لم يكن لهم من يصلح أن يكون إماما ممكن. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) عوالي اللئالي 4: 58- 207.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 238

المسألة السادسة:

لا يعتبر الستر في صلاة الجنازة، للأصل، و عدم معلومية إرادتها من الصلاة المطلقة. و قيل: يعتبر «1»، و هو ضعيف.

و لا فرق في سائر الصلوات بين واجبها و مندوبها بالإجماع، و إليه يرشد إطلاق الأخبار.

______________________________

(1) كما في الذكرى: 58.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 239

البحث الثاني: فيما يجب ستره
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى:

يجب على الرجل ستر القبل- الذكر و الخصيتين- و الدبر لا غيرهما.

أمّا وجوب سترهما: فبالإجماع المحقّق و المحكي مستفيضا «1»، و صحيحة علي المتقدّمة حيث إنّ الثلاثة داخلة في العورة إجماعا.

و تردّد الفاضل في التحرير «2» في دخول البيضتين فيها، شاذ جدّا مردود بالعرف، بل النص و هو رواية الواسطي: «العورة عورتان، القبل و الدبر، و الدبر مستور بالأليين، فإذا سترت القضيب و البيضتين فقد سترت العورة» «3».

و عدم جريان الصحيحة فيمن وظيفته الصلاة الإيمائية غير ضائر، لتتميم المطلوب بالإجماع المركّب.

و أمّا عدم وجوب ستر غيرهما: فللأصل الخالي عن المعارض، بل الإجماع في غير ما بين السرّة و الركبة.

و منه يظهر عدم منافاة صحيحة زرارة: «أدنى ما يجزيك أن تصلّي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي الخطاف» «4» و صحيحة علي: عن الرجل هل يصلح له أن يؤمّ في سراويل و قلنسوة؟ قال: «لا يصلح» «5» و نحو ذلك، لوجوب

______________________________

(1) كما في الخلاف 1: 393، و المعتبر 2: 99، و الذكرى: 139.

(2) التحرير 1: 31.

(3) الكافي 6: 501 الزيّ و التجمّل ب 43 ح 26، التهذيب 1: 374- 1151، الوسائل 2: 34 أبواب آداب الحمام ب 4 ح 2.

(4) الفقيه 1: 166- 783، الوسائل 4: 453 أبواب لباس المصلي ب 53 ح 6.

(5) التهذيب 2: 366- 1520، الوسائل 4: 452 أبواب لباس المصلي ب 53 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 240

حملها على الاستحباب، للإجماع، بل إطلاق الأخبار المصرّحة بكفاية الثوب الواحد للرجل «1».

و الاستدلال لعدم الوجوب: بصحيحة علي- كما في المدارك «2»- غير جيّد جدّا.

خلافا للمحكي عن القاضي «3»، و الطرابلسي «4»، فأوجبا ستر ما بين السرّة

و الركبة.

و لعلّه لبعض الأخبار العامية «5»، و رواية قرب الإسناد: «إذا زوّج الرجل أمته فلا ينظر إلى عورتها، و العورة ما بين السرة و الركبة» «6» و ما في بعض الأخبار من أنّ أبا جعفر عليه السلام اتّزر بإزار و غطّى ركبتيه و سرته، ثمَّ أمر صاحب الحمام فطلى ما كان خارجا من الإزار، ثمَّ قال: «اخرج عنّي» ثمَّ طلى هو ما تحته بيده، ثمَّ قال: «هكذا فافعل» «7».

و يضعّف- مع ضعف الأولين بنفسهما- بمعارضتها مع رواية الواسطي و غيرها كرواية ابن حكيم: «الفخذ ليس من العورة» «8» المنجبر ضعفها- لو كان- بالعمل، الموجبة لطرحها، لموافقتها لأكثر العامة كما في المنتهى «9». و ظهور الثاني في عورة المرأة أو مطلقا لا الرجل، و على التقديرين يخالف الإجماع، و تقييده بالرجل بعيد غايته.

______________________________

(1) انظر الوسائل 4: 452 أبواب لباس المصلي ب 53.

(2) المدارك 3: 191.

(3) القاضي في المهذب 1: 83، و شرح الجمل: 73.

(4) حكاه عنه في الدروس 1: 147 و جعله أحوط.

(5) المغني 1: 652.

(6) قرب الإسناد: 103- 345، الوسائل 21: 148 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 44 ح 7.

(7) الكافي 6: 501 الزيّ و التجمّل ب 43 ح 22، الوسائل 2: 67 أبواب آداب الحمام ب 31 ح 1.

(8) التهذيب 1: 374- 1150، الوسائل 2: 34 أبواب آداب الحمام ب 4 ح 1.

(9) المنتهى 1: 236.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 241

و معارضة الثالث مع ما مرّ من أنه عليه السلام كان يطلي عانته و ما يليها ثمَّ يلفّ إزاره على طرف إحليله و يدعو قيّم الحمام «1»، فحمله على الأفضلية متعيّن.

و للمحكي عن الحلبي، فجعل العورة من السرّة إلى نصف

الساق «2».

و لم أعثر على دليل له، بل يردّه ما في بعض الأخبار من أن الركبة ليست من العورة [1]، و مرسلة الفقيه: «صلّى الحسين بن علي عليهما السلام في ثوب قد قلص عن نصف ساقه و قارب ركبتيه» الحديث «3».

و أمّا مرسلة رفاعة: عن الرجل يصلّي في ثوب واحد يأتزر به، قال: «لا بأس به إذا رفعه إلى الثديين» «4» فلا تدلّ على مطلوبه، بل هو ممّا لم يقل أحد بوجوبه، فعلى الاستحباب محمولة قطعا.

مع أنّ المحكي عنه في المختلف «5»- كما قيل- و في الدروس «6» موافقته للقاضي، إلّا أنه أوجب الستر إلى نصف الساق من باب المقدّمة.

و هل يستحب للرجل ستر سائر بدنه أو لا؟ ففي المعتبر و الإرشاد و القواعد و التذكرة و الدروس و البيان: استحباب ستر جميع الجسد «7». و في الشرائع: كراهة الصلاة عريانا إذا ستر قبله و دبره «8». و في المدارك: يكره للرجل الصلاة في غير

______________________________

[1] لم نعثر عليه.

______________________________

(1) راجع ص 224.

(2) الكافي في الفقه: 139.

(3) الفقيه 1: 167- 784، الوسائل 4: 392 أبواب لباس المصلّي ب 22 ح 10.

(4) الكافي 3: 395 الصلاة ب 64 ح 9، التهذيب 2: 216- 849، الوسائل 4: 390 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 3.

(5) المختلف: 83.

(6) الدروس 1: 147.

(7) المعتبر 2: 99، الإرشاد 1: 247، القواعد 1: 27، التذكرة 1: 93، الدروس 1: 147، البيان: 122.

(8) الشرائع 1: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 242

الثوب الساتر لما يعتاد ستره، و استدلّ بأخبار لا تثبت إلّا استحباب التردّي بشي ء و التعمّم «1»، و ظاهر أنهما خارجان عن المقصد.

و قد يستدل بحصول المبالغة في الستر، و بفعلهم عليهم السلام

ذلك في الأكثر، و بما نقل عنه صلّى اللّه عليه و آله من أنه: «إذا صلّى أحدكم فليلبس ثوبه، فإن اللّه جلّ شأنه أحقّ أن يتزيّن له» «2» و بأنه زينة و قال سبحانه خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ «3» أي صلاة.

و الكلّ كما ترى، بل ظاهر ما في الدعائم- من أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و الحسين عليه السلام و الباقر عليه السلام صلّوا في ثوب واحد «4»-: عدمه، حيث إنّ الثوب الواحد لا يشمل جميع البدن و لا جميع ما يعتاد ستره.

و قيل: يستحب ستر أعالي البدن «5».

و هو أيضا غير معلوم الوجه، إلّا أن يجعل فتوى العالم على جميع ما ذكر دليلا، و لا بأس به.

الثانية:

يجب على المرأة ستر جميع جسدها، عدا الوجه و الكفّين و القدمين ظاهرا و باطنا، بالإجماع في المستثنى منه، و الأصل في المستثنى، و هما الحجة في المقامين.

لا في الأول ما ذكروه من الأخبار الناطقة بأن المرأة تصلّي في درع و مقنعة «6»، أو في إزار و درع و خمار، فإن لم تجد ففي ثوبين «7». أو أنّ أدنى ما تصلّي فيه المرأة

______________________________

(1) المدارك 3: 192.

(2) المهذّب في فقه الشافعي 1: 65.

(3) الأعراف: 29.

(4) دعائم الإسلام 1: 175. مستدرك الوسائل 3: 212 أبواب المواقيت ب 19 ح 1.

(5) كما في الحدائق 7: 33.

(6) الفقيه 1: 243- 1081، الوسائل 4: 405 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 3.

(7) الكافي 3: 395 الصلاة ب 64 ح 11، التهذيب 2: 217- 856، الاستبصار 1:

389- 1480، الوسائل 4: 406 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 243

درع و ملحفة «1». أو أنّه

لا تصلّي المرأة في ثوب واحد «2»، و أمثالها، و إن كانت صحاحا، لعدم وفائها بتمام المطلوب حتى تمام الصدغين و الأذنين و قدام العنق و جميع الساعدين و الساقين.

و القول بورودها على ما هو المتعارف في زمان صدور الروايات من طول الأذيال و الأكمام بحيث يغطّي اليدين و الأقدام، ضعيف كما سيظهر وجهه، فالمناط هو الإجماع.

و مخالفة الإسكافي «3» و جعله إيّاها كالرجل كما هو المشهور عنه، أو عدم إيجابه ستر رأسها خاصة كما حكى عنه بعضهم «4»، شاذة في الإجماع غير قادحة، مع أنّ قوله مردود بالأخبار المذكورة قطعا، فلا يبقى إلّا ما ذكرنا بالإجماع المركّب أيضا، إلّا أنّ في دلالة تلك الأخبار على الوجوب نظرا سيّما مع وجود المعارض لبعضها.

و لا في الثاني عدم كون الثلاثة عورة، أو عدم تستّرها بما يدلّ الأخبار على وجوب الاستتار بها، لضعف الأول: بعدم الملازمة، و الثاني: برجوعه إلى ما ذكرنا من الأصل.

خلافا في الأول لمن ذكر، فلم يوجب إمّا ستر غير السوأتين، للأصل المندفع بما مرّ. أو الرأس، لموثّقة ابن بكير: «لا بأس بالمرأة المسلمة الحرّة أن تصلّي و هي مكشوفة الرأس» «5» المردودة بمخالفتها لعمل الفرقة.

______________________________

(1) التهذيب 2: 217- 853، الاستبصار 1: 388- 1478، الوسائل 4: 407 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 9.

(2) الفقيه 1: 244- 1082، الوسائل 4: 405 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 4.

(3) حكاه عنه في المختلف: 83.

(4) حكاه عن ابن الجنيد في المهذب البارع 1: 330.

(5) التهذيب 2: 218- 857، الاستبصار 1: 389- 1481، الوسائل 4: 410 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 244

و في الثاني لجماعة، و هم بين غير

مستثن لشي ء سوى موضع السجود، و هو المحكي عن الوسيلة، و عزي إلى الجمل و العقود و الغنية أيضا «1».

و كأنه لكون الستر الأصل فيها إلّا ما اضطرّت إلى كشفه و هو الجبهة.

و فيه منع الأصل.

و مقتصر في الاستثناء على الوجه خاصة، و هو المنقول عن الاقتصاد «2»، و قد ينسب إلى الأخيرين [1] أيضا «3».

و لعلّه للنصّ الدالّ على لزوم ملحفة تضمّها عليها زيادة على الثوبين «4»، و ضمّها معهما يستلزم ستر الكفين و القدمين أيضا.

و فيه- مع كونه مخالفا للإجماع المحكي في المختلف و المنتهى و روض الجنان و الذكرى و شرح القواعد «5»، و معارضته مع ما دلّ على كفاية الخمار و الدرع من الصحاح «6»-: أنّ الاستلزام المذكور ممنوع سيّما في القدمين، بل قال الأردبيلي:

إنّ الغالب في العرف أنّ الملحفة تلبس بحيث يبقى القدمان، بل الظاهر أنّ دلالتها على عدم ستر القدمين أقوى منها على الستر «7». انتهى.

و مقتصر على الوجه و الكفّين، فلم يستثن القدمين إمّا متردّدا فيهما «8»، أو

______________________________

[1] في «ق»: الأخير.

______________________________

(1) الوسيلة: 89، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 176، الغنية (الجوامع الفقهية): 555.

(2) الاقتصاد: 258.

(3) كما في الرياض 1: 134.

(4) التهذيب 2: 218- 860، الاستبصار 1: 390- 1484، الوسائل 4: 407 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 11.

(5) المختلف: 83، المنتهى 1: 236، روض الجنان: 217، الذكرى: 139، جامع المقاصد 2:

96.

(6) انظر الوسائل 4: 405 أبواب لباس المصلي ب 28.

(7) مجمع الفائدة 2: 105.

(8) كما في الشرائع 1: 70، المختصر النافع: 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 245

مصرّحا بعدم الاستثناء إمّا مطلقا «1»، أو باطنهما فقط «2»، للاحتياط، و كون جميع جسدها عورة فلا يخرج إلّا ما

قطع بخروجه، و ما دلّ على لزوم ملحفة منضمة مع الثوبين «3».

و صحيحة علي: عن المرأة ليس لها إلّا ملحفة واحدة كيف تصلّي؟ قال:

«تلتفّ فيها و تغطي رأسها و تصلّي، فإن خرجت رجلها و ليست تقدر على غير ذلك فلا بأس» «4» دلّت بالمفهوم على البأس في خروج الرجلين مع القدرة.

و ما دلّ على وجوب الدرع و القميص، حيث إنّ دروعهنّ كانت مفضية إلى أقدامهنّ كما يشاهد الحال في نساء أكثر الأعراب.

و يؤيّده ما في الموثّق: في الرجل يجرّ ثوبه قال: «إنّي أكره أن يتشبّه بالنساء» «5».

و يضعّف الأول: بعدم إفادته الأزيد من الاستحباب.

و الثاني: بما مرّ من عدم الملازمة، و لو سلّمت فبمنع كونهما عورة، لعدم القطع بكون المرأة بجملتها عورة من جهة الإجماع لمكان الخلاف، و لا من جهة الأخبار، لقصور ما دلّ عليه سندا و اعتبارا، و خلوّه عن الجابر المعلوم.

و دعوى: صدق العورة عليها كلّها لغة و عرفا ممنوعة جدا [1].

و الثالث: بما سبق.

______________________________

[1] و من هنا يظهر أنه لا يتفاوت الحال في المرأة لو سلّمنا الإجماع على أن الواجب ستره في الصلاة هو ما يصدق عليه العورة، إذ لم يثبت كون جسد المرأة عورة إلّا بالقدر الذي ثبت الإجماع فيه على وجوب ستره في الصلاة. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) كما في الخلاف 1: 393.

(2) كما في القواعد 1: 27.

(3) راجع ص 244.

(4) الفقيه 1: 244- 1083، الوسائل 4: 405 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 2.

(5) الكافي 6: 458 الزي و التجمل ب 12 ح 12، الوسائل 5: 42 أبواب أحكام الملابس ب 23 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 246

و الرابع: بأنّ الرجل اسم للمجموع المركّب من

القدم و ما فوقها، مع أنّ الاستدلال به إنّما يتمّ على جعل الواو حالية، و لو جعلت عاطفة لم يتمّ أصلا.

و الخامس: بما قد يدّعى من ظهور عدم لزوم سترهما منه، و لو منع الظهور فلا شك في عدم ظهور اللزوم.

و من أين علم أنّ ثياب النساء في وقت صدور الأخبار كانت طويلة هذا القدر؟ بل كثير من علماء العرب الذين هم أكثر اطّلاعا و أقرب زمانا منّا بهذا الوقت و بعادة نساء العرب لم يحتملوا ذلك، بل منهم من صرّح بخلافه، قال في المنتهى: و ليس القميص غالبا ساترا لظهور القدمين «1». انتهى.

و الاعتماد على عرف الآن لا وجه له، مع أنّ المشاهد منهنّ في زماننا هذا عدم ستر قميصهنّ لأقدامهنّ و إن كانت طويلة بحيث تجرّ على الأرض فإنّها لا تستر رؤوس الأقدام، و هذا القدر كاف في استثناء القدمين بجميعهما، لعدم القائل بالفرق، فلا يتمّ الاستدلال مطلقا [1].

ثمَّ بما ذكرنا ظهر عدم وجوب ستر شي ء من الوجه و الكفّين و القدمين من باب المقدّمة أيضا، إذ لا يثبت من الإجماع بل و لا من صدق العورة وجوب ستر غير المذكورات على نحو يحصل العلم باستتار جميع أجزائه، بل القدر الثابت وجوب ستره على نحو لم يحصل العلم بظهور شي ء منه، فتأمّل.

و منه يظهر الحال في الشعر و أنّه لا يجب ستره كما صرّح به بعضهم «2»، بل العنق كما عن بعضهم «3»، بل الأذنين أيضا، مع احتياط في الأخير بل الثاني [2].

______________________________

[1] أي و لو سلّم ورود الأخبار على متعارف هذا الزمان أيضا. منه رحمه اللّه تعالى.

[2] قال المحقق الأردبيلي: و لو لا خوف الإجماع المدعى لأمكن القول باستثناء غيرها أي غير

الوجه و الكفين و القدمين من الرأس و ما يظهر غالبا. منه رحمه اللّه تعالى. مجمع الفائدة 2: 105.

______________________________

(1) المنتهى 1: 237.

(2) انظر المدارك 3: 189 و 190.

(3) انظر المدارك 3: 189 و 190.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 247

و المراد بالشعر الذي لا يجب ستره ما انسدل من الرأس و وقع على الوجه و نحوه، و أمّا الواقع على الرأس فوجوب ستره مجمع عليه، و في الأخبار دلالة عليه «1» [1].

و منه يظهر ضعف ما استند به بعضهم «2»- في لزوم ستر الشعر مطلقا، و في تضعيف قول من استثناه- ممّا يدلّ على لزوم الخمار أو القناع.

و أمّا الاستناد إلى كونه من العورة المجمع على وجوب سترها في الصلاة فقد عرفت ما فيه، مع أنه يمكن أن يكون شعر الرأس ممّا يجب ستره و إن لم يكن عورة، أو تكون العورة غير ما انسدل منه.

و أمّا ما في بعض المعتبرة من أنّ فاطمة عليها السلام صلّت في درع و خمار و ليست عليها أكثر ممّا وارت شعرها و أذنيها «3» فلا يدلّ على الوجوب أصلا.

الثالثة:

لا فرق في المرأة فيما ذكر بين الحرّة و الأمة إلّا في الرأس، فلا يجب ستره على الأمة إجماعا محقّقا و محكيا، حكاه الشيخ في الخلاف و الفاضلان و الشهيدان و المحقّق الثاني «4»، و غيرهم «5»، بل في كلام كثير ادّعاء إجماع علماء الإسلام سوى الحسن البصري، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى الأصل، و المستفيضة من الصحاح و غيرها، كصحيحتي

______________________________

[1] و لا ينافي ذلك كون المصرّح به في كلامهم هو البدن أو الجسد، لأن مرادهم ما يعم الشعر أيضا لا ما يقابله و إلّا لما كان وجه

لأمرهم بالخمار لستر جلد الرأس بالشعر. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) انظر الوسائل 4: 405 أبواب لباس المصلي ب 28.

(2) كصاحب الحدائق 7: 13.

(3) الفقيه 1: 167- 785، الوسائل 4: 405 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 1.

(4) الخلاف 1: 396، المحقق في المعتبر 2: 103، العلامة في المنتهى 1: 237، الشهيد الأول في الذكرى: 140، الشهيد الثاني في روض الجنان: 217، المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 98.

(5) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 188، و صاحب الرياض 1: 136.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 248

محمد «1»، و صحيحة البجلي «2»، و رواية السكوني [1].

و لا فرق في الأمة بين أنواعها، إلّا أنّ القوم أوجبوا الستر على المكاتبة المطلقة مع أداء البعض.

و يدلّ عليه مفهوم إحدى صحيحتي محمد، بل مقتضاه الوجوب و لو لم يؤدّ شيئا، فهو الأقوى إلّا أن يثبت الإجماع على خلافه.

و قد يقال باحتمال الوجوب على أمّ الولد مع حياة ولدها أيضا، و هو مقتضى صحيحته الأخرى.

و لكن يعارضه ذيل الاولى، و التعارض- بعد اختصاص الاولى بمن يكون مولاها حيّا إجماعا و عموم الثانية- يكون بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل مع ترجيح الاولى من وجوه أخر أيضا [2].

و الأعناق و الرقاب في الإماء تابعة للرأس، للأصل، و ظهوره من نفي الخمار و القناع عنهن، و رواية قرب الإسناد [3]، فاحتمال وجوب سترها كما في شرح

______________________________

[1] الصحيح: رواية أبي بصير (التهذيب 4: 281- 851، الاستبصار 2: 123- 398، الوسائل 4: 409 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 3) و أما السكوني فله رواية مروية في التهذيب و الاستبصار بعد رواية أبي بصير- بلا فصل- و هي غير مرتبطة بمحل البحث. و

لعلّ تتابع الروايتين في المصدر أوجب السهو في الإسناد في قلمه الشريف فراجع و تأمل.

[2] و هي موافقة معارضها لفتوى جماعة من العامة، و موافقتها للإجماع المنقول في الخلاف و للصحاح المجوّزة. منه رحمه اللّه تعالى.

[3] عن الأمة هل يصلح لها أن تصلّي في قميص واحد؟ قال: لا بأس (قرب الاسناد: 224- 876، الوسائل 4: 412 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 10) منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) الصحيحة الأولى: الفقيه 1: 244- 1085، الوسائل 4: 411 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 7، الصحيحة الثانية: التهذيب 2: 218- 859، الاستبصار 1: 390- 1483، الوسائل 4: 410 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 4.

(2) التهذيب 2: 217- 854، الوسائل 4: 409 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 249

الإرشاد «1» ضعيف [1].

و في استحباب ستر الرأس للأمة كما في المعتبر و النافع و التحرير و المنتهى و التذكرة «2»، و عن صريح الوسيلة و الغنية و الجامع «3»، و ظاهر المهذّب و المراسم «4»، لما فيه من الستر و الحياء. أو عدمه كما عن جماعة «5»، لعدم الدليل كما اعترف به الفاضلان «6»، و عدم صلاحية ما ذكر للتعليل، قولان. أقواهما: الثاني، لما ذكر، بل لوجود دليل العدم، و هو المروي في العلل: عن الخادم تقنّع رأسها في الصلاة، فقال: «اضربوها حتى تعرف الحرّة من المملوكة» «7».

و فيه و في المحاسن و الذكرى: عن المملوكة تقنّع رأسها إذا صلّت، قال:

«لا، قد كان أبي إذا رأى الخادم تصلّي و هي مقنّعة ضربها لتعرف الحرّة من المملوكة» «8».

و ظاهرهما و إن كان التحريم، إلّا أنّ ضعف البعض، و عدم القائل به، و

معارضتهما للمروي في الذكرى المنجبر بالعمل: عن [الأمة] تقنع رأسها؟ فقال:

«إن شاءت فعلت و إن شاءت لم تفعل، سمعت أبي يقول: كنّ يضربن» الحديث «9». و الخبر الآخر: «على الجارية إذا حاضت الصيام و الخمار إلّا أن تكون

______________________________

[1] حيث عرفت انحصار الدليل بالإجماع المنتفي هنا. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) روض الجنان: 218.

(2) المعتبر 2: 103، المختصر النافع: 25، التحرير 1: 31، المنتهى 1: 237، التذكرة 1: 93.

(3) الوسيلة: 89، الغنية (الجوامع الفقهية): 555، الجامع للشرائع: 65.

(4) المهذب 1: 84، المراسم: 64.

(5) كالشهيد في الذكرى: 140، و صاحب المدارك 3: 199، و صاحب الحدائق 7: 19.

(6) المحقق في المعتبر 2: 103، العلامة في التحرير 1: 31، و المنتهى 1: 237.

(7) علل الشرائع: 345- 1، الوسائل 4: 411 أبواب لباس المصلّي ب 29 ح 8.

(8) علل الشرائع: 345- 2، المحاسن: 318- 45، الذكرى: 140، الوسائل 4: 411 أبواب لباس المصلّي ب 29 ح 9.

(9) الذكرى: 140، الوسائل 4: 412 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 250

مملوكة فإنّه ليس عليها خمار إلّا أن تحبّ أن تختمر» «1» لا يثبتان سوى الكراهة الموجبة لاستحباب عدم الستر.

و القول بأنّ الخبرين ضعيفان، و التقية فيهما ممكنة كما يشعر به نسبته ضربهنّ إلى أبيه، مع أنّه نقل عن عمر أنه ضرب أمة لآل أنس رآها مقنعة و قال:

اكشفي «2». و مع ذلك، الخبران صريحان فيما لم يقل أحد به من الوجوب، و غير قابلة للحمل على الندب لمكان الضرب، فلا يحتملان غير التقية، مدفوع: بأن ضعف السند- لو كان- لم يضرّ في مقام الاستحباب. و احتمال التقية مع عدم المعارض- كما عرفت اعترافهم به- غير

مفيد. و عدم إمكان الحمل على الندب غير مسلّم، لإمكان التجوّز في الضرب بإرادة المنع و النهي التنزيهي.

مع أنّ إثبات الكراهة بهما ليس بحملهما عليها، بل لأنّ ضعفهما مانع من إثبات مدلولهما الذي هو التحريم و لكن لتضمّن التحريم راجحية الترك يثبت ذلك من أدلّة التسامح [1].

الرابعة:

الصبية الغير البالغة كالأمة في عدم اشتراط ستر الرأس، لا لأنّه

______________________________

[1] فرعان: الأول: لو أعتقت الأمة في الأثناء و أمكن الستر بدون المنافي سترت رأسها لصدق الحرّة عليها فيثبت لها أحكامها، و إن لم يمكن بدونه فمع ضيق الوقت عن درك ركعة تتم الصلاة و مع سعتها تستأنف كذا قالوا، فإن ثبت على ما ذكروا الإجماع و إلّا ففي وجوب القطع و الستر مع السعة بل على وجوب الستر في الأثناء عليها مطلقا نظر يظهر وجهه مما ذكرنا متكررا من انحصار دليل وجوب تفاصيل الستر بالإجماع و لذا نفى وجوب القطع و أوجب الاستمرار الشيخ في الخلاف 1:

396 بل هو ظاهر المحقق في المعتبر 2: 103، و في المدارك 3: 200 إنه لا يخلو من قوة.

الثاني: المبعّض يجب عليها ستر الرأس، لمفهوم صحيحة محمد بضميمة الإجماع المركب، لا لتغليب الحرّية كما قيل، لعدم الدليل، و لا لعدم صدق الأمة، لعدم دليل على وجوب الستر على كلّ امرأة لا يصدق عليها الأمة. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) التهذيب 4: 281- 851، الاستبصار 2: 123- 398، الوسائل 4: 409 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 3.

(2) حكاه عنه في المغني 1: 674.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 251

تكليف و ليست من أهله، و لا لموثّقة ابن بكير، المتقدّمة «1»، لأنّ التكليف هو الوجوب الشرعي و الكلام في الشرطي و هي

من أهله، و الموثّقة واردة في المرأة الظاهرة في البالغة. بل للإجماع المحقّق و المحكي مستفيضا «2»، و الأصل المتقدّم ذكره متكرّرا، و الخبر السابق في المسألة السابقة المنجبر بالعمل ضعفا لو كان «3».

______________________________

(1) في ص 243.

(2) كما في المعتبر 2: 103، و المنتهى 1: 237، و الذكرى: 140، و جامع المقاصد 2: 98، و روض الجنان: 217، و كشف اللثام 1: 188.

(3) راجع ص 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 252

الفصل الثاني: فيما يشترط في لباس المصلّي
اشارة

و هو أمور:

الأول: أن يكون طاهرا كالبدن،
اشارة

فلو صلّى مع نجاسة أحدهما فله صور نذكرها في مسائل:

المسألة الاولى:

من صلّى في نجاسة عالما عامدا بطلت صلاته، و تجب عليه الإعادة وقتا و خارجا، إجماعا محقّقا و محكيا في السرائر و المعتبر و المنتهى و التذكرة و الذكرى «1»، و غيرها «2».

فهو الحجة فيه مع المستفيضة، كصحاح ابن أذينة و محمد و زرارة و البصري، و حسنتي محمد و ابن سنان، و موثّقة أبي بصير، و روايتي الجعفي و يونس، و الصحيح المروي في قرب الإسناد و المسائل:

الأولى: الحكم بن عتيبة بال يوما و لم يغسل ذكره متعمدا، فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السلام، فقال: «بئس ما صنع، عليه أن يغسل ذكره و يعيد صلاته» «3».

و ثانيتها: «إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل الصلاة فعليك إعادة الصلاة، و إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمَّ صلّيت فيه ثمَّ رأيته بعد فلا إعادة عليك، و كذلك البول» «4».

و ثالثتها: توضّأت يوما و لم أغسل ذكري ثمَّ صلّيت [فسألت أبا عبد اللّه عليه

______________________________

(1) السرائر 1: 183، المعتبر 1: 441، المنتهى 1: 182، التذكرة 1: 97، الذكرى: 17.

(2) كروض الجنان: 168.

(3) التهذيب 1: 48- 137، الاستبصار 1: 53- 154، الوسائل 1: 294 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 4.

(4) التهذيب 1: 252- 730، الوسائل 3: 424 أبواب النجاسات ب 16 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 253

السلام فقال:] «اغسل ذكرك و أعد صلاتك» «1».

و رابعتها: عن الرجل يصلّي و في ثوبه عذرة إنسان أو سنّور أو كلب أ يعيد صلاته؟ قال: «إن كان لم يعلم فلا يعيد» «2».

و خامستها: «و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت

غسله و صلّيت فيه صلاة كثيرة، فأعد ما صلّيت فيه» «3».

و سادستها: «إن كان علم أنه أصاب ثوبه جنابة قبل أن يصلّي ثمَّ صلّى فيه و لم يغسله فعليه أن يعيد ما صلّى فيه، و إن كان لم يعلم فليس عليه إعادة» «4».

و سابعتها: عن رجل صلّى و في ثوبه بول أو جنابة، فقال: «علم به أو لم يعلم فعليه الإعادة إعادة الصلاة إذا علم» «5».

و ثامنتها: «في الدم يكون في الثوب إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة، و إن كان أكثر من قدر الدرهم و كان رآه و لم يغسله فليعد صلاته، و إن لم يكن رآه حتى صلّى فلا يعيد صلاته» «6».

و تاسعتها: «إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ- يعني المسكر- فاغسله إن عرفت

______________________________

(1) الكافي 3: 18 الطهارة ب 12 ح 14، التهذيب 1: 51- 149، الاستبصار 1: 56- 164، الوسائل 1: 295 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 7، و ما بين المعقوفين من المصدر.

(2) الكافي 3: 406 الصلاة ب 66 ح 11، التهذيب 2: 359- 1487، الاستبصار 1:

180- 630، الوسائل 3: 475 أبواب النجاسات ب 40 ح 5.

(3) الكافي 3: 59 الطهارة ب 38 ح 3، الفقيه 1: 161- 758، التهذيب 1: 254- 736 بتفاوت في صدرها، الاستبصار 1: 175- 609، الوسائل 3: 431 أبواب النجاسات ب 20 ح 6.

(4) الكافي 3: 406 الصلاة ب 66 ح 9، التهذيب 2: 359- 1488 و ليس فيه: و إن كان لم يعلم فليس عليه إعادة، الوسائل 3: 475 أبواب النجاسات ب 40 ح 3.

(5) التهذيب 2: 202- 792، الاستبصار 1: 182- 639، الوسائل 3: 476 أبواب النجاسات ب 40 ح

9.

(6) التهذيب 1: 255- 739، الاستبصار 1: 175- 610، الوسائل 3: 430 أبواب النجاسات ب 20 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 254

موضعه، و إن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه، و إن صلّيت فيه فأعد صلاتك» «1».

و عاشرتها: عن رجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتى إذا كان من الغد كيف يصنع؟ قال: «إن كان رآه و لم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلّي و لا ينقص منه شي ء، و إن رآه و قد كان صلّى فليعتدّ بتلك الصلاة» «2».

و هذه الرواية ناصّة على الشمول للقضاء أيضا من حيث الأمر بلفظ القضاء، و التعبير بقوله: «جميع ما فاته».

و يؤكّده أن فرض الرؤية للنجاسة إنّما وقع من الغد.

و قريبة منها في النصوصية و الشمول: الخامسة، فإنّ الظاهر أنّ المراد بالكثرة فيها ما يزيد على صلاتي الفريضة بل و الخمس، و احتمال النافلة يدفعه الأمر بالإعادة الظاهر في الوجوب.

هذا، مع أنّ إطلاق الإعادة في سائر الروايات شامل للقضاء لغة و عرفا أيضا.

و مقتضى إطلاق الأخبار و أكثر كلمات الأخيار، بل صريح بعضهم: عدم الفرق بين العالم بالحكم و الجاهل به، و لا في الجاهل بين الجاهل بوجوب إزالة النجاسة أو بأنّ بول ما لا يؤكل مثلا نجس.

و قال طائفة من المتأخّرين «3» بالتفصيل في الجاهل، فوافق القوم في الذي يحتمل الخلاف، أي يكون شاكّا أو ظانّا، و خالفهم في الغافل الساذج الذي لا يخطر بباله الخلاف أصلا، فقال بصحة صلاته، لعدم توجّه الخطاب إليه و انتفاء

______________________________

(1) الكافي 3: 405 الصلاة ب 66 ح 4، التهذيب 1: 278- 818، الاستبصار 1: 189- 661، الوسائل 4: 469 أبواب النجاسات ب 38

ح 3.

(2) قرب الإسناد: 208- 810، و نقله عن المسائل في البحار 10: 282.

(3) منهم صاحب الحدائق 1: 82 و ج 5 ص 409، و السيّد بحر العلوم في الدرّة النجفية: 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 255

التكليف عنه.

و منهم من أوجب الإعادة على الغافل في الوقت، لبقاء وقت الخطاب، و نفى عنه القضاء، لتوقّفه على أمر جديد «1».

و قد يفصّل بذلك في الجاهل مطلقا «2».

أقول

: ما ذكره المفصّلان الأخيران في الإعادة إنّما يتمّ لو كان هناك خطاب لفظي شامل للعالم في أثناء الوقت بعد فعله أوّلا بمقتضى تكليفه، فيقال حينئذ:

إنّ مقتضى جهله عدم توجّه الخطاب بالصلاة مع الطهارة إليه حين جهله، و ذلك لا ينافي تعلّقه به بعد علمه و إمكان الامتثال ببقاء الوقت، بل مقتضى الأصل تعلّقه به، لدخوله تحت العنوان و وجوب الامتثال، و لكن وجود مثل ذلك غير معلوم، و مع ذلك يعلم قطعا بدلية ما فعل لما يفعل، و صحته يوجب الإجزاء عن المبدل منه أيضا، فالأصل في الإعادة أيضا العدم كالقضاء. و لكن الأصل فيهما إنما كان يفيد لو كانا تابعين لوجوب الأداء، و ليس كذلك، بل يجوز الأمر بإعادة ما أمر به أو قضائه على ما أمر به بنحو آخر، كما في الصلاة بظن الطهارة إذا ظهر خلافه.

و على هذا فاللازم في كلّ مورد ملاحظة موجبات الإعادة و القضاء، فإن كانت معلّقة على البطلان، فيحكم بانتفائه في حق الغافل الكذائي، و إن كانت مطلقة، كما في المقام، فيحكم بثبوته له، و لا يلزم تكليف الغافل، لأنّ ذلك تكليف مستأنف بعد زوال الغفلة.

المسألة الثانية:

من صلّى في نجاسة ناسيا لها ففي وجوب الإعادة في الوقت و القضاء خارجه، أو

الأول فقط، أو عدم وجوب شي ء منهما أقوال:

______________________________

(1) كما في الحدائق 5: 410.

(2) كما في المدارك 2: 344.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 256

الأول للشيخين في النهاية «1»، و المقنعة [1]، و الحلّي، و الذكرى و النافع و الشرائع و القواعد و التذكرة و التنقيح و شرح القواعد و الدروس و البيان «2»، و جماعة من مشايخنا «3»، و عن الفقيه و المبسوط و الخلاف و مصباح السيد و الديلمي و ابني حمزة و زهرة و القاضي «4»، نافيا عنه الثالث الخلاف، و ناسبا له الرابع و الخامس إلى أشهر الروايتين، و مدّعيا عليه الأخيران الإجماع، و في المعتبر و اللوامع منسوب إلى الأكثر «5»، و في الحدائق إلى المشهور بين المتقدمين «6».

لأصالة عدم معذورية الجاهل إلّا في المؤاخذة. و إطلاق غير الاولى من الأخبار المتقدّمة.

و خصوص رواية أبي بصير في الدم، و فيها: «و إن علم قبل أن يصلي و نسي فعليه الإعادة» «7».

و صحيحة ابن أبي يعفور في نقط الدم «8»، و زرارة في دم رعاف أو غيره أو

______________________________

[1] لم نعثر فيها على صورة النسيان. انظر المقنعة: 149.

______________________________

(1) النهاية: 52، 94.

(2) الحلي في السرائر 1: 183، الذكرى: 17، المختصر النافع: 19، الشرائع 1: 54، القواعد 1:

8، التذكرة 1: 97، التنقيح الرائع 1: 152، جامع المقاصد 1: 150، الدروس 1: 127، البيان: 96.

(3) منهم السيّد بحر العلوم في الدرة النجفية: 56، و صاحب كشف الغطاء: 178.

(4) الفقيه 1: 43 و 161، المبسوط 1: 90، الخلاف 1: 479، الديلمي في المراسم: 89 و 91، ابن حمزة في الوسيلة: 98، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 555، القاضي في المهذب 1:

153 لم نعثر على ادعاء

الإجماع منه في المهذب، شرح الجمل: 99 و 101.

(5) المعتبر 1: 441 و 442.

(6) الحدائق 5: 418.

(7) التهذيب 1: 254- 737، الاستبصار 1: 182- 637، الوسائل 3: 476 أبواب النجاسات ب 40 ح 7.

(8) التهذيب 1: 255- 740، الاستبصار 1: 176- 611، الوسائل 3: 429 أبواب النجاسات ب 20 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 257

شي ء من مني «1».

و رواية ابن مسكان في نكتة من البول «2»، و سماعة في الرجل يرى بثوبه الدم «3».

و ابن بكير و الحسن بن زياد في نسيان الاستنجاء من البول «4». و الأخبار الآمرة بالإعادة مطلقا في نسيان الاستنجاء «5».

و الثاني للاستبصار و التحرير و الإرشاد «6»، و ظاهر الصدوقين [1]، و الإسكافي و إن حكي عنه في ترك غسل البول خاصة «7»، و نفى عنه البأس في المنتهى «8»، و البعد في الحبل المتين «9»، و استجوده الأردبيلي «10»، و في التذكرة: إنّه قول مشهور لعلمائنا «11». و في الحدائق: إنّه المشهور بين المتأخّرين «12».

للجمع بين ما مرّ و ما يأتي مستندا للثالث.

______________________________

[1] المقنع: 5، و لم نعثر على ما حكي فيه عن والده.

______________________________

(1) التهذيب 1: 421- 1335، الوسائل 3: 402 أبواب النجاسات ب 7 ح 2.

(2) الكافي 3: 406 الصلاة ب 66 ح 10، الوسائل 3: 429 أبواب النجاسات ب 19 ح 3.

(3) التهذيب 1: 254- 738، الاستبصار 1: 182- 638، الوسائل 3: 480 أبواب النجاسات ب 42 ح 5.

(4) رواية ابن بكير: الكافي 3: 18 الطهارة ب 12 ح 16، الوسائل 1: 294 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 2، رواية الحسن بن زياد: الكافي 3: 17 الطهارة ب 12 ح 10، التهذيب 1:

268-

789، الاستبصار 1: 181- 632، الوسائل 3: 428 أبواب النجاسات ب 19 ح 2.

(5) انظر الوسائل 1: 294 أبواب نواقض الوضوء ب 18.

(6) الاستبصار 1: 181 و 182 و 184، التحرير 1: 25، الإرشاد 1: 240.

(7) حكاه عنه في الحدائق 5: 418.

(8) المنتهى 1: 183.

(9) الحبل المتين: 174.

(10) مجمع الفائدة 1: 345.

(11) التذكرة 1: 97.

(12) الحدائق 5: 418 و 419.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 258

و صحيحة ابن مهزيار المكاتبة، و فيها بعد السؤال عمّن أصاب كفّه نقطة من البول ثمَّ نسي أن يغسله: «فإن حقّقت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلوات اللاتي كنت صلّيتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها، و ما فات وقتها فلا إعادة عليك لها، من قبل أنّ الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلّا ما كان في وقت» «1» الحديث.

و أجاب هؤلاء عن أدلّة الأول: بأنّها مطلقة بالنسبة إلى المكاتبة، فتقيّد بها، و هي الشاهد للجمع المذكور أيضا.

و أجاب الأولون عن دليل هؤلاء: بأنّ الجمع مع دليل الثالث فرع التكافؤ، و ليس كذلك، كما يأتي.

و المكاتبة و إن كانت صحيحة إلّا أنّ السائل و المسؤول عنه فيها مجهولان، و متنها مضطربة من وجوه، لإفادتها صحة الوضوء و إن لم يطهر محالّه، و اقتضائها صحته مع المسح برطوبة نجسة، و دلالتها على اختصاص الإعادة بذلك الوضوء مع اشتراك غيره معه في العلّة، مع أنّه لا قائل بها سوى الاستبصار الذي أكثر المحامل فيه للجمع دون الفتوى فتصير شاذّة.

و الثالث عن الشيخ في بعض أقواله «2»، و للمدارك و الذخيرة «3»، و اللوامع و المعتمد ناسبا له إلى أكثر الثالثة، و يظهر من المعتبر الميل إليه «4».

لكون

الصلاة مشروعة مأمورا بها، فلا وجه لإعادتها أو قضائها.

و قوله عليه السلام: «عفى عن أمتي الخطأ و النسيان» [1].

______________________________

[1] يستفاد مؤداه من روايات مروية من طرقنا و طرق الجمهور فمن طرقنا عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «رفع عن أمتي تسعة أشياء: الخطأ و النسيان ..» انظر الوسائل 15: 369 أبواب جهاد النفس ب 56. و من طرق الجمهور: «إن اللّه عفى لكم عن ثلاث: الخطأ و النسيان ..» و «إن اللّه تجاوز لي عن أمتي الخطأ و النسيان ..» انظر: الأشباه و النظائر للسيوطي: 188. و السنن لابن ماجه 1: 659- 2043.

______________________________

(1) التهذيب 1: 426- 1355، الاستبصار 1: 184- 643، الوسائل 3: 479 النجاسات ب 42 ح 1.

(2) حكاه عنه في التذكرة 1: 97.

(3) المدارك 2: 349، الذخيرة: 168.

(4) المعتبر 1: 441.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 259

و صحيحة العلاء: عن الرجل يصيب ثوبه الشي ء ينجسه، فنسي أن يغسله فيصلّي فيه ثمَّ تذكّر أنه لم يكن غسله، أ يعيد الصلاة؟ قال: «لا يعيد، قد مضت الصلاة و كتبت له» «1».

و المستفيضة النافية للإعادة عمّن نسي الاستنجاء «2».

و أجاب هؤلاء عن أدلّة القولين الأولين: بأنّها تعارض ما ذكرنا، و الأصل معنا فيرجع إليه، مع أنّ الجمع بحملها على الاستحباب ممكن بل متعيّن، لأنّ دليلنا قرينة على عدم إرادة الوجوب منها.

و أجاب أربابهما عن أول أدلّة هؤلاء: بأنّ كون ما فعله مشروعا لا يوجب نفي مشروعية غيره بدليل.

و عن ثانيها: بأنّ المراد العفو عن المؤاخذة، أو رفع الخطاب أيضا حين النسيان، و ذلك لا ينافي توجّه خطاب آخر إليه.

و عن ثالثها: بضعفة عن مكافاة ما مرّ، لوحدته، و لندرة العامل به، و حكم

الشيخ الذي هو راويه في التهذيبين بشذوذه «3»، و مخالفته للشهرة العظيمة فتوى- بل الإجماع على ما صرّح به جماعة «4»- و رواية كما مرّ حكايتها، و هي من المرجّحات المنصوصة، و لشهرة القدماء و هي موجبة لضعف الخبر، بل قيل: هذا

______________________________

(1) التهذيب 2: 360- 1492، الاستبصار 1: 183- 642، الوسائل 3: 480 أبواب النجاسات ب 42 ح 3.

(2) انظر الوسائل 3: 477 أبواب النجاسات ب 41.

(3) التهذيب 2: 360، الاستبصار 1: 183.

(4) منهم صاحب الرياض 1: 92.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 260

القول إنما نشأ عن زمان المعتبر «1»، و لعمل صاحب الأصل الذي هو الشيخ و هو أيضا مخرج للخبر عن الحجية.

و عن رابعها: باحتمال الفرق بين نسيان غسل المخرج و غيره، كما قال به جماعة «2».

هذا، مع أنّ الأصل الذي جعلوه مرجعا مرتفع بأصالة عدم معذورية الجاهل، حيث إنّه غير آت بالمأمور به قطعا، فعليه الإتيان به مع إمكانه كما في الوقت، لدخوله في العنوان، و توجّه الخطاب إليه مع بقاء الوقت، و دخوله في عمومات قضاء الفوائت مع عدمه.

أقول: ما أجابوا به عن أدلّة الثالث و مرجوحيتها بل عدم حجّيتها صحيح تام لا مجال للخدشة فيه- و إن كان جعل الأصل مع الإعادة و القضاء مع قطع النظر عن روايات المقام محل كلام مرّت الإشارة إليه- فلا ينبغي الريب في سقوط هذا القول.

و أمّا جواب الأولين عن أدلّة الثاني، فيضعّف: بأنّ جهالة السائل بعد تصريح الثقة بقوله: «قرأته بخطه» غير ضائر، و كذا جهالة المسؤول عنه، لأنّ الظاهر أنّه الإمام، كما صرّحوا به في سائر المضمرات.

و أمّا اضطراب بعض أجزاء الحديث أو إجماله فهو غير ناف لحجّية ما لا إجمال

فيه و لا اضطراب، كما هو المصرّح به في كلام الأصحاب.

و لا اضطراب في محطّ الاستدلال هنا، بل في اضطراب غيره أيضا نظر، لمنع وجوب طهارة محل الوضوء قبله، و عدم القطع بنجاسة رطوبة المسح سيّما مع كفاية المسمّى فيه، و عدم دلالته على الزائد على رجحان الإعادة في الوقت.

و يحتمل اختصاصه بذلك الوضوء لرفع الحدث و الخبث فيه بماء واحد.

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 92.

(2) منهم صاحب الحدائق 5: 418.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 261

و أمّا نفي القائل به سوى الشيخ فبعد شهادة التذكرة «1» بأنّه قول مشهور بين علمائنا غير مسموع، و دعوى الإجماع على خلافه لا ينافيه، لاجتماعه مع الخلاف، و نفي الخلاف عنه في السرائر «2» و إن عارضه إلّا أنّ الإثبات على النفي مقدّم.

و الحكم بشذوذها- بعد هذه الشهادة من مثل الفاضل و فتواه بمقتضاها في طائفة من كتبه «3»، و نقل القول به عن الشيخ و الإسكافي، و ظهور كلام الصدوقين فيه، و نسبته إلى المشهور بين المتأخّرين، و ذهاب طائفة كثيرة من الطبقتين الثانية و الثالثة- غريب.

و من ذلك تظهر سلامة دليل القول الثاني عن الخلل و الضعف، و تتمّ معارضته مع أدلّة الأول، أي: المطلقات «4» و رواية أبي بصير «5»- لعدم دلالة غيرهما ممّا ذكروه، أمّا أخبار الاستنجاء «6» منها: فلما تقدّم من القول بالفرق، و أمّا صحيحة ابن أبي يعفور و ما تأخّر عنها «7»: فلعدم اشتمالها على ما يفيد الوجوب- فهما تتعارضان مع المكاتبة «8» التي هي دليل الثاني.

و المطلقات أعم مطلقا من المكاتبة موضوعا، لشمولها للعامد و الناسي، و حكما، لعمومها الإعادة و القضاء، و خصوصية المكاتبة من الوجهين، و الرواية

أعم منها كذلك حكما، و الخاص مقدّم على العام قطعا، فيجب تقييدهما بها

______________________________

(1) التذكرة 1: 97.

(2) السرائر 1: 183.

(3) كالمنتهى 1: 183، و التحرير 1: 25، و الإرشاد 1: 240.

(4) راجع ص 252 و 253 و 254.

(5) المتقدمة في ص 256.

(6) راجع ص 259.

(7) راجع ص 256 و 257.

(8) المتقدمة في ص 258.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 262

و الحكم باختصاص الإعادة بالوقت، كما هو القول الثاني، فعليه الفتوى و إن كان القضاء أيضا في الخارج أحوط.

الثالثة:

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 4    262     الثالثة: ..... ص : 262

صلّى في نجاسة جاهلا بها إلى أن يفرغ فلا قضاء عليه و لا إعادة، وفاقا في الأول للأكثر، بل عليه الإجماع في السرائر و التنقيح و اللوامع «1»، و عن المهذّب و الغنية «2»، و في المدارك: إنّ الظاهر اتّفاق الأصحاب عليه «3».

لآخر المكاتبة الصحيحة المتقدّمة، و للثانية و الرابعة و السادسة و الثامنة و العاشرة من الأخبار السابقة في المسألة الاولى «4».

و صحيحة زرارة الطويلة، و فيها: فإن ظننت أنّه قد أصابه و لم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثمَّ صلّيت فرأيت فيه؟ قال: «تغسله و لا تعيد الصلاة» «5».

و روايتي أبي بصير:

إحداهما: عن رجل صلّى و في ثوبه جنابة أو دم حتى فرغ من صلاته ثمَّ علم، قال: «قد مضت صلاته و لا شي ء عليه» «6».

و الأخرى: «إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه و هو لا يعلم فلا إعادة عليه» «7».

و في الثاني للاستبصار و باب تطهير الثياب من نهاية الشيخ و من السرائر «8»،

______________________________

(1) السرائر 1: 183، التنقيح الرائع 1: 153.

(2) المهذب البارع 1: 246، الغنية (الجوامع الفقهية):

555.

(3) المدارك 2: 348.

(4) راجع ص 252 و 253 و 254.

(5) التهذيب 1: 421- 1335، الوسائل 3: 477 أبواب النجاسات ب 41 ح 1.

(6) الكافي 3: 405 الصلاة ب 66 ح 6، التهذيب 2: 360- 1489، الوسائل 3: 474 أبواب النجاسات ب 40 ح 2.

(7) التهذيب 1: 254- 737، الاستبصار 1: 182- 637، الوسائل 3: 476 أبواب النجاسات ب 40 ح 7.

(8) الاستبصار 1: 181، النهاية: 52 و 94، السرائر 1: 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 263

و المفيد و السيد [1]، و المعتبر و الشرائع و المنتهى و الإرشاد «1»، لغير الاولى من الأخبار المذكورة.

و خلافا في الأول لظاهر الصدوقين «2»، و بحث المتغيّر من الماء من المقنعة و من السرائر «3»، و الديلمي «4»، للسابعة من أخبار الاولى، و صحيحة ابن عبد ربه: في الجنابة يصيب الثوب و لم يعلم بها صاحبه فصلّى فيه ثمَّ يعلم، قال: «يعيد إذا لم يكن علم» «5».

و في الثاني لمن ذكر، و لباب المياه من النهاية «6»، و الإسكافي و القاضي و ابن حمزة و القواعد و المسالك «7»، و المحقّق الثاني في الجعفرية و موضعين من حاشيته على الإرشاد، بل يميل إليه في شرح القواعد أيضا «8».

و عن المبسوط، و ظاهر التذكرة التردّد «9»، لهاتين الروايتين و المكاتبة.

و يجاب عن الجميع- مع خلوّ غير الاولى عن الدالّ على الوجوب، و احتمال

______________________________

[1] قال في المقنعة ص 149: من صلّى في ثوب يظن أنه طاهر ثمَّ عرف بعد ذلك أنه كان نجسا، ففرّط في صلاته فيه من غير تأمل له، أعاد ما صلّى فيه في ثوب طاهر من النجاسات. و لم نعثر على المسألة فيما بأيدينا من

كتب السيد، و لكن نسب إليهما كلّ من تعرض للمسألة القول بعدم لزوم الإعادة، انظر: المنتهى 1: 183، المدارك 2: 348.

______________________________

(1) المعتبر 1: 442، الشرائع 1: 54، المنتهى 1: 183، الإرشاد 1: 240.

(2) الصدوق في الفقيه 1: 42 و 161، و حكاه عن والده في المختلف: 14.

(3) المقنعة: 66، السرائر 1: 89.

(4) المراسم: 89.

(5) التهذيب 2: 360- 1491، الاستبصار 1: 181- 635، الوسائل 3: 476 أبواب النجاسات ب 40 ح 8.

(6) النهاية: 8.

(7) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 14، القاضي في المهذب 1: 27، 153، ابن حمزة في الوسيلة 98، القواعد 1: 8، المسالك 1: 18، رسائل المحقق الكركي 1: 115.

(8) جامع المقاصد 1: 150.

(9) المبسوط 1: 38، التذكرة 1: 97 و 98.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 264

الاستفهام في الاولى، و قرب سقوط حرف النفي في الثانية، لمكان الشرط في ذيلها-: أنّها معارضة لما مرّ، فيتساقطان، و يرجع إلى الأصل في القولين، و إلى المكاتبة أيضا في الأول، بل لو جعلنا عدم العلم أعم من النسيان- كما هو مقتضى اللغة- تكون الروايتان أعمّين مطلقا مع بعض ما مرّ، كصحاح محمد و قرب الإسناد و زرارة و رواية الجعفي «1»، فتخصّصان به قطعا.

ثمَّ إطلاق الأخبار كأكثر الفتاوى و إن كان عدم الفرق في عدم الإعادة و القضاء بين ما لا يحتمل النجاسة أو يحتملها، و فحص أو لم يفحص، إلّا أنّ ظاهر الشيخين و الذكرى و الدروس: التفرقة «2»، فحكموا بعدم الإعادة مع الفحص، و بها بدونه، و مال إليه بعض مشايخنا «3».

و هو الأقوى، لصحيحة محمد، المتقدّمة «4».

و رواية الصيقل و فيها- بعد السؤال عن رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل و صلّى، فلما

أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة-: «إن كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا إعادة عليه، و إن كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة» «5».

و تؤيّده مرسلة الفقيه: «إن كان الرجل جنبا قام و نظر و طلب و لم يجد شيئا فلا شي ء عليه، و إن كان لم ينظر و لم يطلب فعليه أن يغسله و يعيد صلاته» «6».

و ظاهر هذه الأخبار و فتاوى من ذكر أنّ وجوب الإعادة مع عدم الفحص

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 253 و 254 و 255.

(2) الطوسي في التهذيب 1: 424، الاستبصار 1: 183، المفيد في المقنعة: 149، الذكرى: 17، الدروس 1: 127.

(3) كصاحب الرياض 1: 92.

(4) في ص 253.

(5) الكافي 3: 406 الصلاة ب 66 ح 7، التهذيب 2: 424- 1346، الاستبصار 1: 182- 640، الوسائل 3: 478 أبواب النجاسات ب 41 ح 3.

(6) الفقيه 1: 42- 167، الوسائل 3: 478 أبواب النجاسات ب 41 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 265

إنّما هو إذا قارن الاحتمال لا مطلقا، و هو كذلك.

فائدة

: لو صلّى ثمَّ رأى النجاسة و احتمل تأخّرها عن الصلاة لم تجب الإعادة إجماعا، ذكره في التذكرة و المنتهى و غيرهما «1»، و هو الدليل عليه، مضافا إلى الأصول العديدة.

الرابعة:
اشارة

لو علم بالنجاسة في الأثناء، فإن علم سبقها على الصلاة، قطعها و استأنفها، أمكنه الإزالة أم لا، علم النجاسة قبل الصلاة و نسيها أو لم يعلمها، وفاقا لوالدي و بعض مشايخي «2»، و هو المحكي عن جماعة، و جعله في المدارك أولى «3».

لصحيحة محمد، المتقدّمة «4»، و صحيحتي أبي بصير و ابن سنان:

الاولى: في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثمَّ علم به، قال:

«عليه أن يبتدئ الصلاة» [1].

و الثانية و هي المروية في السرائر: «إن رأيت في ثوبك دما و أنت تصلّي و لم تكن رأيته قبل ذلك، فأتمّ صلاتك فإن انصرفت فاغسله، فإن كنت رأيته قبل أن تصلّي و لم تغسله ثمَّ رأيته بعد و أنت في صلاتك، فانصرف و اغسله و أعد صلاتك» «5».

و تؤيده صحيحة زرارة و موثّقة سماعة «6».

خلافا للمنقول عن الأكثر، فيزيلها مع الإمكان و يتمّ الصلاة، و يقطعها مع

______________________________

[1] الكافي 3: 405 الصلاة ب 66 ح 6، التهذيب 2: 360- 1489، الاستبصار 1: 181- 634 بتفاوت يسير، الوسائل 3: 474 أبواب النجاسات ب 40 ح 2.

______________________________

(1) التذكرة 1: 98، المنتهى 1: 184، المعتبر 1: 441.

(2) كصاحب الرياض 1: 92 و حكاه عن جماعة أيضا.

(3) المدارك 2: 352.

(4) في ص 252.

(5) مستطرفات السرائر: 81- 13.

(6) صحيحة زرارة: التهذيب 1: 421- 1335، الاستبصار 1: 183- 641، الوسائل 3: 479 أبواب النجاسات ب 42 ح 2، موثقة سماعة: التهذيب 1: 254- 738، الاستبصار 1:

182- 638، الوسائل 3: 480 أبواب النجاسات ب 42 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 266

عدمه.

لفحوى ما تقدّم من النصوص الحاكمة بعدم وجوب الإعادة على الجاهل، لأولوية المعذورية في البعض منها في المجموع.

و للجمع بين ما مرّ و ما دلّ على الإتمام مطلقا كموثّقة داود: في الرجل يصلّي فأبصر في ثوبه دما، قال: «يتم» «1».

و صحيحة علي: عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلا يغسله فذكر و هو في صلاته كيف يصنع به؟ قال: «إن دخل في صلاته فليمض، و إن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه إلّا أن يكون فيه أثر فيغسله» «2».

و حسنة محمد، المتقدّم

ذيلها في المسألة الأولى: الدم يكون في الثوب عليّ و أنا في الصلاة، قال: «إن رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صل في غيره، و إن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك و لا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم، و ما كان أقلّ من ذلك فليس بشي ء رأيته قبل أو لم تره، و إذا كنت قد رأيته» إلى آخر ما مرّ في المسألة الأولى «3»، بحمل ما مرّ على تعذّر الإزالة، و هذه عليها مع إمكانها.

و في الأولويّة منع، لعدم العلم بالعلّة، و لو سلّمت لا تفيد مع النصوص الآمرة بالإعادة.

و في الجمع نظر، لعدم شاهد عليه، مع بعده في الأخيرة، لعدم وجوب الطرح مع إمكان الإزالة قطعا.

______________________________

(1) التهذيب 1: 423- 1344، الوسائل 3: 483 أبواب النجاسات ب 44 ح 2.

(2) الكافي 3: 61 الطهارة ب 39 ح 6، التهذيب 1: 261- 760، الوسائل 3: 417 أبواب النجاسات ب 13 ح 1.

(3) راجع ص 253.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 267

مع أنّها و الاولى أعمّان مطلقا ممّا مرّ، لشمولهما لما إذا لم يعلم السبق، و اختصاصه بما إذا علم، للقطع بعدم حصول المني حال الصلاة، و شمولهما للمعفو عن الدم، و اختصاصه بغير المعفو من النجاسة، فتخصيصهما به لازم.

مضافا إلى أنّ بعد عدم العلم بالسبق يجب البناء على عدمه، عملا بالأصل، فلعلّ عليه بناء الإمام، فتكونان مختصّتين بصورة عدمه.

و أيضا: ذيل الأخيرة مخصوص بما لم يزد الدرهم- على ما في الكافي و الفقيه- فهي بمفهومها ظاهرة الدلالة على الإعادة فيما زاد عليه و إن أمكن الغسل إذا لم يكن عليه ثوب غيره، و هو مناف للمطلوب، و موافقة

جزئها الأول له- مع ذلك- غير مفيدة.

نعم لا منافاة على ما في التهذيب، و لكنه لا اعتماد عليه مع اختلافه مع ما تقدّم عليه، بل مع ما في الاستبصار أيضا.

و الثانية غير دالّة، لأنّ حكم ما قبل الاستثناء إنّما هو لحالة عدم نجاسة الثوب بقرينة الأمر بالنضح، و ما بعده مع رجوعه إلى الشرطين لا يدلّ على حكم الصلاة حال وجود الأثر، و مع الرجوع إلى الأخير كما هو الأظهر لا يفيد أصلا.

و للمدارك حيث يظهر منه الميل إلى التخيير بين الاستئناف و الإتمام مع الإزالة إن أمكن، و بدونها إن لم يمكن، مع استحباب الأول، للتعارض و فقد الترجيح «1».

و جوابه يظهر ممّا ذكر، مع أنّ عدم القول به- كما في اللوامع- ينفيه.

و إن لم يعلم السبق، أزال النجاسة إن أمكن بأن لا يكون مفتقرا إلى ما ينافي الصلاة و أتمّها، و إلّا أبطلها على ما هو المصرّح به في كلامهم، و في اللوامع:

الظاهر وفاقهم عليه. و قيل: بلا خلاف أجده «2».

______________________________

(1) المدارك 2: 352.

(2) كما في الرياض 1: 93.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 268

و أمّا في المعتبر «1»- من القول بلزوم الإعادة على الإطلاق بناء على قول الشيخ بلزوم الإعادة في الوقت على الجاهل- فمع ما فيه من منع اللزوم، ظاهر في الصورة الأولى، لأنّها التي يتحقّق معها الجهل، و مع ذلك يخالف مختاره في المبسوط و النهاية «2» على ما حكي.

و كيف كان: فالحقّ ما عليه الأكثر.

أمّا المضي مع إمكان الإزالة: فلصحاح محمد و إسماعيل و معاوية و الحلبي و ابن أذينة و زرارة:

الأولى: عن الرجل يأخذه الرعاف و القي ء في الصلاة كيف يصنع؟ قال:

«ينفتل و يغسل أنفه و يعود

في صلاته، و إن تكلّم فليعد صلاته» «3».

و قريبة منها الثانية «4».

و الثالثة: «لو أن رجلا رعف في صلاته و كان عنده ماء أو من يشير إليه بماء فيتناوله فقال برأسه فغسله فليبن على صلاته و لا يقطعها» «5».

و الرابعة: عن الرجل يصيبه الرعاف و هو في الصلاة، فقال: «إن قدر على ماء عنده يمينا أو شمالا أو بين يديه و هو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثمَّ ليصلّ ما بقي من صلاته، و إن لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلّم فقد قطع صلاته» «6».

______________________________

(1) المعتبر 1: 443.

(2) المبسوط 1: 90، النهاية: 52 و 96.

(3) الكافي 3: 365 الصلاة ب 50 ح 9، التهذيب 2: 323- 1323، الاستبصار 1:

403- 1536، الوسائل 7: 238 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 4.

(4) التهذيب 2: 328- 1345، الاستبصار 1: 403- 1537، الوسائل 7: 241 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 12.

(5) التهذيب 2: 327- 1344، الوسائل 7: 241 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 11.

(6) الكافي 3: 364 الصلاة ب 50 ح 2، التهذيب 2: 200- 783، الاستبصار 1: 404- 1541، الوسائل 7: 239 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 269

و الخامسة: عن الرجل يرعف و هو في الصلاة و قد صلّى بعض صلاته، فقال: «إن كان الماء عن يمينه و عن شماله و عن خلفه فليغسله من غير أن يلتفت و ليبن على صلاته، فإن لم يجد الماء حتى يلتفت فليعد الصلاة» «1».

و السادسة: «و إن لم تشك ثمَّ رأيته رطبا قطعت الصلاة و غسلته ثمَّ بنيت على الصلاة» «2».

و تدلّ عليه أيضا حسنة محمد، المتقدّمة «3».

و الأوليان

و إن أطلقتا البناء مع عدم الكلام، و الأخيرة معه أيضا، إلّا أنه خرج منها ما إذا استلزمت الإزالة شيئا من المبطلات بالإجماع و الرابعة و الخامسة.

و أمّا البطلان مع عدم إمكان الإزالة: فلطائفة من الصحاح المذكورة، و يؤيّده الإجماع المنقول، و بها تخصّص عمومات المضيّ، المتقدّمة [1]، كما أنّ بها يخصّص ما دلّ على ناقضية الرعاف مطلقا، أو عدمها كذلك «4».

فائدة فيها فروع:

لو علم بالنجاسة في الأثناء و علم سبقها على حالة العلم و أنه صلّى بعض صلاته بالنجاسة فهل يلحق بالصورة الأولى أو الثانية؟ الحقّ هو الثاني، لإطلاق طائفة من أخبار الثانية، و ظهور روايات الاستئناف في السبق على الصلاة «5».

و لو لم يزل العارض في الأثناء مع الإمكان حتى صلّى شيئا من الصلاة فهل

______________________________

[1] كصدر رواية السرائر و موثقة داود و حسنة محمّد، مع ما في الثانية من عموم الدم بالنسبة إلى قدر الدرهم و الأقل، و في الثالثة من اختلاف النسخ. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) الفقيه 1: 239- 1056، الوسائل 7: 238 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 1.

(2) التهذيب 1: 421- 1335، الاستبصار 1: 183- 641، الوسائل 3: 466 أبواب النجاسات ب 37 ح 1.

(3) في ص 266.

(4) أنظر: الوسائل 7: 238 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 1.

(5) المتقدمة في ص 265.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 270

يبطل أو يزيل و يتم؟ فيه إشكال، و الأحوط: الإزالة و الإتمام ثمَّ الإعادة.

و لو زال الإمكان بعد فعل شي ء من الصلاة، استأنفها قطعا.

و لو علم بالنجاسة المعلومة سبقها أو غير المعلومة في الأثناء و ضاق الوقت عن الإزالة و الاستئناف، فإطلاق النصوص بالأمرين- كإطلاق كلام جماعة- يثبتهما حينئذ أيضا، و ندرة

وجودها غير مفيدة للتقييد عندنا، و لكن قطعية أدلّة وجوب الصلاة في أوقاتها، و عدم معلومية اشتراط إزالة النجاسة على هذا الوجه، بل شهادة الاستقراء، و العفو عن كثير من أمثالها لأجل تحصيل العبادة في وقتها يوجب الحكم بعدم الاشتراط، إلّا أن يقال: إن إطلاق تلك النصوص كاف في إثبات الاشتراط في هذه الصورة، و لعله الأظهر.

الخامسة:

المربية للصبي إذا لم يكن لها إلّا ثوب واحد تكتفي بغسله كلّ يوم مرة على الأظهر الأشهر، و في الحدائق من غير خلاف يعرف «1»، لرواية [أبي ] [1] حفص، المنجبرة: عن امرأة ليس لها إلّا قميص و لها مولود فيبول عليها كيف تصنع؟ قال: «تغسل القميص في كلّ يوم مرة» «2».

و اللازم الاقتصار على المتيقّن من موردها، فيقتصر على الصبي، وفاقا للّوامع و الشرائع و النافع و المنتهى و الإرشاد «3»، للشك في إرادة الصبية من المولود، بل في المعالم عن بعض الأصحاب أنّ المتبادر منه هو الصبي «4». و به صرّح الفاضل في النهاية «5».

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناها من المصدر و هو الظاهر من كتب الرجال أيضا.

______________________________

(1) الحدائق 5: 345.

(2) الفقيه 1: 41- 161، التهذيب 1: 250- 719، الوسائل 3: 399 أبواب النجاسات ب 4 ح 1.

(3) الشرائع 1: 54، المختصر النافع: 19، المنتهى 1: 176، الإرشاد 1: 239.

(4) المعالم: 306.

(5) نهاية الإحكام 1: 288.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 271

و منهم من تعدّى إليها أيضا «1» إمّا لشمول المولود لها، و هو غير معلوم. أو لإلحاقها به، و هو بالفرق بين بولهما- كما يستفاد من الاكتفاء بالصبّ في بوله دونها- مردود.

و على البول فلا يتعدّى إلى غيره. و احتمال الكناية عمّا يشمل الغائط بالبول

لا يكفي للإثبات. و عدم تعقّل فرق- بوجوده من تكرّر البول و الاكتفاء بالصبّ- مدفوع.

و نحوه الكلام في المربي، و ذات الولدين، و الثياب المحتاجة إلى الجميع لبرد و نحوه، و البدن، و غير ذلك من التعدّيات التي تعدّى إلى كلّ منها متعدّ، التفاتا إمّا إلى عدم تعقّل الفرق، أو إلى الاشتراك في العلّة و هي المشقة.

و الأول يردّ: بعدم الملازمة بين عدم التعقل و العدم.

و الثاني: بأنه استنباط علّة لا حجية فيه، و هذه العلّة بنفسها و إن أوجبت التعدية أيضا لكن لا دخل لها بمورد الرواية، و لا خصوص اليوم و الليلة، بل يتقدّر الرخصة بقدر المشقة.

و المتمكّنة من تحصيل غير الثوب الواحد- بنحو شراء أو عارية- ذات واحد، لصدق أنّه ليس لها إلّا قميص.

و ما يكتفى به هو الغسل، فلا يكفي الصبّ و إن كان بعد لم يطعم.

و الاكتفاء به مع تكرير الإزالة كلّما حصل لا يدلّ عليه مع الاقتصار على المرة في اليوم.

ثمَّ المتبادر من الرواية كفاية الغسل في اليوم فلا حاجة إليه في الليلة، كما إذا قيل: يكفي غسل ثوبك كلّ خميس مرة، فإنّه يتبادر منه كفايته عن غسل سائر الأيام أيضا، و هذا هو السرّ في الكفاية في اليوم و الليلة لا شموله لها وضعا أو بتبعيته.

______________________________

(1) كالشهيد الثاني في الروضة 1: 204، و صاحب الحدائق 5: 346.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 272

و الأفضل- كما صرّح به جماعة «1»- الإتيان بالغسل في آخر النهار مقدّمة له على الظهر، آتية بعده بالأربع صلوات، بل ربما احتمل الوجوب «2».

و إطلاق النص يدفعه، فيجوز في أيّ وقت شاء. و الأحوط بل الأظهر أن يكون من آناء اليوم دون الليلة.

و لو

أخلّت بالغسل، فلا شكّ في عدم قضاء غير الصلاة الأخيرة، لجواز تأخيره إلى وقتها. و هل تقضي الأخيرة؟ قيل: نعم [1]. و فيه إشكال.

السادسة:

إذا كان مع المصلّي ثوبان أحدهما نجس لا يعلمه بعينه و لا يمكنه غسلهما، صلّى كلّ صلاة في كلّ واحدة وجوبا، وفاقا للأكثر، إذ لولاه فإمّا يكفي الصلاة في كلّ واحد منهما، أو تجوز الصلاة عريانا، أو تجب، و الأوّلان باطلان بالإجماع، و الثالث بحسنة صفوان حيث إنّ فيها بعد السؤال عن ذلك:

«يصلّي فيهما جميعا» «3» إذ ليس المراد الجمع بينهما في صلاة قطعا، فلم يبق إلّا التبادل. و لو لا خلوّها عن الدلالة على الوجوب لبطل بها الأولان أيضا، كما أنه لو لا الإجماع لكان الأول متّجها، لأنّ المانع في كلّ واحد بخصوصه غير متيقّن و الأصل عدمه.

و الاستدلال بتوقّف تيقّن البراءة عليه مردود بحصوله بعد حكم الأصل بالطهارة، و بأنّ الذمة لم تشتغل إلّا بالصلاة في ثوب لم يقطع بنجاسته لا ما علم طهارته.

______________________________

[1] نقله صاحب مفتاح الكرامة 1: 181، عن أستاذه.

______________________________

(1) كالعلامة في التذكرة 1: 98، و الشهيد الثاني في الروضة 1: 205، و صاحب الحدائق 5: 349، و صاحب الرياض 1: 94.

(2) كما في التذكرة 1: 98.

(3) الفقيه 1: 161- 757، التهذيب 2: 225- 887، الوسائل 3: 505 أبواب النجاسات ب 64 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 273

و خلافا لابني سعيد و إدريس «1»- بل غيرهما أيضا كما يظهر من الخلاف و غيره «2»- فأوجبا الصلاة عريانا لوجه اجتهادي لا يلتفت إليه مع دلالة النص على خلافه، مع عدم وروده من الأصل، و وروده عليه لو ورد.

فروع:

[أ]: لو وجد معهما متيقّن الطهارة، فصرّح في

المنتهى و التذكرة بوجوب الصلاة فيه و عدم جوازها فيهما لا متعدّدة و لا منفردة «3». و هو كذلك.

أمّا عدم جوازها في واحد منهما: فللإجماع.

و أمّا في كلّ منهما: فلأنّ تعدّد الصلاة- لكونها عبادة- لا يكون إلّا مع الطلب، و هو في المقام منتف، لظهور النص في الانحصار، و عدم دليل آخر، فلم يبق إلّا الصلاة في الطاهر أو عاريا، و الثاني مع وجود مقطوع الطهارة ممتنع نصّا و إجماعا، فبقي الأول. فما في المدارك «4»، و اللوامع من أولوية الصلاة في الطاهر دون تعيّنها غير صحيح.

[ب ]: و لو كان معه طاهر و متنجّس بما عفى عنه أو متنجّسان منه بالأقلّ و الأكثر، صلّى في أيهما شاء.

و قال جماعة بأولوية الأولين «5»، و بعض المتأخّرين بأولوية الاولى من الأول خاصة «6».

[ج ]: ثمَّ الحكم في المشتبهين هل يختص بالثوبين أو يتعدّى إلى الأكثر

______________________________

(1) ابن سعيد في الجامع للشرائع: 24، ابن إدريس في السرائر 1: 185.

(2) الخلاف 1: 481، المبسوط 1: 91.

(3) المنتهى 1: 182، التذكرة 1: 97.

(4) المدارك 2: 358.

(5) كالعلامة في المنتهى 1: 182، و صاحب المدارك 2: 358.

(6) كصاحب الحدائق 5: 408.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 274

أيضا؟ ظاهر كثير من المتأخّرين: الأخير «1»، و النص مخصوص بالأول، و الإجماع البسيط أو المركّب في المقام غير معلوم، و أصالة الطهارة في كلّ منها عن المعارض خالية، فالأول متّجه جدّا.

و كذا القول فيما إذا تعدّدت الثياب النجسة المشتبهة بالطهارة، و من تعدّى في الحكم من الثوبين أيضا قال بوجوب الصلاة فيما زاد على عدد النجسة «2».

[د]: و لو فقد أحد المشتبهين، صلّى في الثاني، لما مرّ.

و قيل: يصلّي فيه و عريانا «3».

و قيل: يبتني

على مسألة من انحصر ثوبه في النجس [1].

و الأجود [2] ما ذكرنا، لما ذكرنا.

[ه]: و لو ضاق الوقت عن الصلاة في المتعدّد ففي الوجوب فيما يسعه أو عريانا قولان، بل فيهما أو في التخيير بينهما أو الإتيان بما لا يسعه الوقت في خارجه أو الاكتفاء بواحدة احتمالات.

و التحقيق: أنّ قوله: «يصلّي فيهما جميعا» إن اختص بالوقت فمع عدم إمكانه يرجع إلى الأصل المتقدّم من جواز الصلاة في كلّ واحد، و يتعيّن الاحتمال الأخير، و إن عمّ غيره أيضا يتعيّن ما قبله، و حيث يحتمل الأمرين و الأصل مع الأخير فالقول به أظهر، إلّا أن يرجّح ما قبله بعموم قضاء الفوائت، و لا بأس به.

و دعوى الإجماع في أمثال المقام مجازفة.

______________________________

[1] كما في المدارك 2: 358، و الذخيرة: 166. و في حاشية منه رحمه اللّه: فيصلي في الثاني على القول فيها بالصلاة في النجس و عاريا على القول به فيها و يتخير على التخيير.

[2] في «س»: و الأحوط.

______________________________

(1) كالعلامة في المنتهى 1: 181.

(2) كصاحب المدارك 2: 358.

(3) كما في القواعد 1: 6، و الذكرى: 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 275

و الاحتجاج لأول القولين بالاستصحاب- كما في شرح القواعد «1»- مع اختصاصه بما إذا حصل الاشتباه و عدم التمكن من الغسل في الوقت، مدفوع:

بأنّ الثابت وجوب الصلاة في الجميع في السعة بشرطها، فلا يمكن الاستصحاب في غيرها.

[و]: و لو كان عليه صلوات مرتّبة، وجب مراعاة الترتيب فيها، فيصلّي الظهر مثلا في أحد الثوبين ثمَّ ينزعه و يصلّيها في الآخر، ثمَّ يصلّي العصر و لو في الثاني ثمَّ يصلّيها في الآخر.

و لو صلّى الظهر و العصر في أحدهما ثمَّ نزعه و صلّاهما في الآخر، فقد صرّح

جماعة بالصحة «2»، لترتّب الثانية على الاولى على كلّ تقدير.

و قيل بالبطلان «3»، للنهي عن الشروع في العصر حتى تتحقّق البراءة عن الظهر. و هو جيّد. بل عدم العلم بجواز الشروع في العصر قبل اليقين بالبراءة عن الظهر كاف في ذلك أيضا، لتوقيفية العبادة، إلّا أن يقال: إنّ مقتضى الأصل تحقّق الظهر و العصر الأصليين المكلّف بهما بفعلهما في ثوب واحد، و أمّا الإتيان بهما في الثوبين فهو أمر تعبّدي لم يثبت فيه الترتيب، و الأصل عدمه.

السابعة:

من انحصر ثوبه في نجس و لم يضطر إلى لبسه، ففي وجوب الصلاة عريانا أو فيه أو تخييره بينهما أقوال:

الأول عن المبسوط و النهاية و الخلاف- مدّعيا فيه الإجماع- و القاضي «4»، و للحلّي و الشرائع و النافع و التذكرة و القواعد و التحرير «5»، و في الذكرى جعله

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 177.

(2) كالعلامة في نهاية الإحكام 1: 282، و الشهيد في البيان: 97، و صاحب المدارك 2: 359.

(3) كما في الحدائق 5: 407.

(4) المبسوط 1: 90 و 91، النهاية: 55، الخلاف 1: 474، نقله في المنتهى 1: 182 عن القاضي ابن البراج في الكامل.

(5) الحلي في السرائر 1: 186، الشرائع 1: 54، المختصر النافع: 19، التذكرة 1: 94، القواعد 1: 8، التحرير 1: 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 276

المشهور «1»، و في الدروس الأشهر «2»، و نسبه في المدارك إلى الأكثر «3».

و الثاني ظاهر الصدوق «4»، و إليه مال في المدارك و المعالم و الذخيرة «5»، و عزاه في اللوامع إلى أكثر الثالثة، إلّا أنه قيل: إنّه قول من شذّ ممّن تأخّر «6».

و الثالث عن الإسكافي و المعتبر و المنتهى و الذكرى و الدروس و

البيان و الثانيين «7»، و جمع من الثالثة «8»، و نسب إلى أكثرها، و ظاهر المنتهى «9» الإجماع على الجواز الظاهر في التخيير. و هو الحق.

أمّا جواز الصلاة عريانا: فللروايات الثلاث: موثّقتي سماعة و رواية الحلبي «10».

و أمّا جوازها في الثوب: فللصحاح الأربع لعلي و الحلبي و البصري «11»،

______________________________

(1) الذكرى: 17.

(2) الدروس 1: 127.

(3) المدارك 2: 359.

(4) الفقيه 1: 40 و 160.

(5) المدارك 2: 361، المعالم: 312، الذخيرة: 169.

(6) كما في الرياض 1: 94.

(7) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 62، المعتبر 1: 445، المنتهى 1: 182 و 239، الذكرى:

17، الدروس 1: 127، البيان 96، المحقق الثاني جامع المقاصد 1: 177، الشهيد الثاني في المسالك 1: 18، و روض الجنان: 169.

(8) كالفيض في المفاتيح 1: 107، و صاحب الحدائق 5: 353، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 55.

(9) المنتهى 1: 182.

(10) موثقة سماعة الاولى: الكافي 3: 396 الصلاة ب 64 ح 15، التهذيب 2: 223- 881، الوسائل 3: 486 أبواب النجاسات ب 46 ح 1، الثانية: التهذيب 1: 405- 1271، الاستبصار 1:

168- 582، الوسائل 3: 486 أبواب النجاسات ب 46 ح 3، رواية الحلبي: التهذيب 2:

223- 882، الاستبصار 1: 168- 583، الوسائل 3: 486 أبواب النجاسات ب 46 ح 4.

(11) صحيحة علي: الفقيه 1: 160- 756، التهذيب 2: 224- 884، الاستبصار 1: 169- 585، قرب الإسناد: 191- 718، الوسائل 3: 484 أبواب النجاسات ب 45 ح 5، صحيحة الحلبي الأولى: الفقيه 1: 40- 155، الوسائل 3: 484 أبواب النجاسات ب 45 ح 1.

الثانية: التهذيب 2: 224- 883، الاستبصار 1: 169- 584، الوسائل 4: 485 أبواب النجاسات ب 45 ح 7، صحيحة البصري: الفقيه 1: 160-

754، الوسائل 3: 484 أبواب النجاسات ب 45 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 277

و خبرين آخرين «1».

و لا تعارض بين الفريقين من الأخبار على المختار، لورود الكلّ بلفظ الإخبار، و هو لا يثبت الأزيد من الجواز.

و القول بأنه يفيد الإيجاب بعيد غايته عن الصواب.

مع أنّهما لو تعارضا لكان المرجع إلى التخيير الذي هو المرجع عند فقد ما يصلح للترجيح كما في المقام.

و ترجيح الأول بالأشهرية عملا و الاعتضاد بنقل الإجماع معارض بترجيح الثانية بالصحة سندا و الأكثرية عددا و الأحدثية في بعضها صدورا و الأوفقية للاعتبارات، مع أنّ شهرة القدماء لو سلّم تعارض شهرة المتأخّرين في الثانية.

و منه يظهر فساد ما قيل من أن الأصل في الوجوب العيني و الحمل على التخييري مجاز [1]، فإنه ليس لهذا الحمل بل إمّا لعدم الدلالة على الوجوب أو بواسطة الأخبار العلاجية.

دليل الأول: الروايات الثلاث، و عمومات المنع من الصلاة في النجس، و الإجماع المنقول، و مفهوم الشرط في رواية الحلبي، الآتية، مع ردّ معارضاتها بالشذوذ، أو حملها على محامل بعيدة.

و فيه: أن الشذوذ لو سلّم إنما يكون لو كانت المعارضات دالّة على الوجوب

______________________________

[1] انظر شرح المفاتيح (المخطوط) ففيه ما مفاده: إن حمل الأخبار الآمرة بالصلاة في الثوب النجس على صورة عدم تيسّر النزع ليس بأندر من حمل الوجوب التعييني على التخييري.

______________________________

(1) الأول: الفقيه 1: 40- 156، الوسائل 3: 484 أبواب النجاسات ب 45 ح 2.

الثاني: الفقيه 1: 160- 755.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 278

و ليس كذلك.

و العمومات بما ذكر مخصّصة.

و الإجماع المنقول لا حجية فيه سيّما بعد ظهور المخالف كثيرا قديما و حديثا.

و مفهوم الشرط لا يدلّ على أزيد من عدم وجوب الصلاة

في الثوب إذا انتفى الاضطرار، أمّا عند من يقول بإفادة قوله: «يصلّي» للوجوب فظاهر، و أمّا عندنا:

فلأنّا نقول: إنّ معناه- لكونه مجازا و متعدّدا- غير معلوم، و الوجوب منفي بالأصل لا باللفظ، و بعد فاللفظ له محتمل، و حينئذ فيحتمل أن يكون المنفي في المفهوم هو الوجوب فلا يمكن الاستدلال [1].

و دليل الثاني: الصحاح الأربع و ما بمعناها. و جوابه قد ظهر.

و قوله: «لم يصلّ عريانا» في الصحيحة الاولى.

و في دلالته على الوجوب نظر، غايته مرجوحية الصلاة عريانا، و هو كذلك، كما ذهب إليه الإسكافي و الشهيدان «1»، و جمع آخر «2».

نعم، ظاهر إطلاق كلام الأول وجوب الإعادة في الوقت إن تمكّن فيه من الغسل و استحبابه خارجه، و لعلّه لقوله: «أعاد الصلاة» في الخبرين الآخرين، و هو عن إفادة الوجوب قاصر، و أمّا الاستحباب فليس ببعيد.

و إن اضطرّ إلى لبس الثوب فيصلّي فيه وجوبا بلا خلاف، لإطلاق

______________________________

[1] نعم لو قلنا بدلالة نحو قوله: «يصلي» على الوجوب لتعيّن ترجيح ذلك القول من جهة تلك العمومات السالمة بعد تعارض النوعين من الأخبار بل يترجح أخبار العريان بالخصوصية أيضا حيث انها مخصوصة بحالة إمكان الصلاة عريانا قطعا و معارضها أعمّ فيخصص بصورة عدمه و هي أيضا من الصور المتحققة كثيرا. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 62، الشهيد الأول في البيان: 96، الشهيد الثاني في المسالك 1: 18، و روض الجنان: 169.

(2) كالكركي في جامع المقاصد 1: 178، و صاحب المدارك 2: 361، و الفيض في المفاتيح 1:

107، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 55.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 279

الصحاح المتقدّمة الشاملة لهذه الصورة الخالية فيها عن المعارض، لاختصاص ما دلّ

على الصلاة عريانا بغير حال الاضطرار قطعا.

و لخصوص رواية الحلبي: عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول و ليس معه ثوب غيره، قال: «يصلّي فيه إذا اضطرّ إليه» «1».

و لو نوقش بخلوّ تلك الأخبار عن الدالّ على الوجوب أتممناه بأنها دالّة على جواز الصلاة في الثوب، و لعدم إمكان غيره و عدم جواز ترك الصلاة متعيّن.

و القول بأنه إنّما يتم لو كانت صلاته في آخر الوقت، و أمّا في السعة فلا، لأنّ جواز الصلاة في النجس إنما هو مع عدم التمكن من التطهير و مع السعة لا يعلم ذلك، مدفوع: بعدم التمكّن في حال الصلاة التي هي أيضا من أجزاء زمان التوسعة الشاملة لها الأمر التوسّعي، و إخراجها من بين الأجزاء يتوقّف على الدليل.

و في إعادتها مع التمكّن من الطهارة قولان: الأصح الأشهر: العدم، لأصل البراءة و الخروج عن العهدة، و ظواهر الصحاح المتقدّمة الواردة في مقام الحاجة، مع تضمّن البعض الأمر بغسل الثوب خاصة بعد زوال الضرورة من دون تعرّض للإعادة.

خلافا للنهاية «2»، و طائفة [1]، فأوجبوها، لموثّقة الساباطي: عن رجل ليس معه إلّا ثوب و لا تحلّ الصلاة فيه و لا يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال: «يتيمم و يصلّي، فإذا أصاب ماء غسله و أعاد الصلاة» «3».

______________________________

[1] حكى في المدارك 2: 362، و الرياض 1: 94 عن جماعة، و قال في الحدائق 5: 349: و انفرد الشيخ من بينهم بإيجاب إعادة الصلاة فيه حال الضرورة.

______________________________

(1) التهذيب 2: 224- 883، الاستبصار 1: 169- 584، الوسائل 3: 485 أبواب النجاسات ب 45 ح 7.

(2) النهاية: 55.

(3) التهذيب 2: 224- 886، الوسائل 3: 485 أبواب النجاسات ب 45 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 4، ص: 280

و هي عن إفادة الوجوب قاصرة، فإرادة الاستحباب منها- كما استظهره بعض أعيان المتأخّرين ناسبا له إلى الصدوق- طاب ثراه- أيضا [1] ممكنة، و مع ذلك بالصلاة في النجس متيمّما مخصوصة، بل لا دلالة فيها على كون صلاته في الثوب أصلا.

فروع:

أ: لو نجس البدن و تعذّرت الإزالة، صلّى معها بلا إشكال و لا خلاف، كما في الحدائق «1»، لتقييد موجبات إزالتها عنه للصلاة بحال الإمكان ضرورة، فأمّا ينتفي الاشتراط و هو المطلوب، أو وجوب المشروط و هو خلاف الإجماع.

مضافا إلى أنّ بعد التقييد تبقى أوامر الصلاة حال عدم الإمكان خالية عن المقيّد، و تؤيّده الأخبار الواردة في السلس و المبطون «2».

ب: إذا نجس الثوب و البدن معا و تعذّرت الإزالة عن أحدهما، وجبت في الآخر، إذ لكلّ منهما أمر برأسه، فيجب امتثاله ما أمكن، و عدم إمكانه في أحدهما لا يوجب انتفاء وجوبه في الآخر.

ثمَّ لو تعيّن الممكن تطهيره منهما طهّره، و إلّا تخير.

و لو لم يمكن التطهير و أمكن نزع الثوب، فهل يجوز تخفيفا للنجاسة على التخيير في الأصل و يجب على القول بالوجوب فيه، أم لا؟ ظاهر بعض القائلين بالصلاة عريانا فيه: عدمه هنا، و وجوب الستر.

و الظاهر التخيير، للروايات المتقدمة «3».

و لو تنجّس أحدهما و أمكن تطهير بعضه دون بعض، فإن كانت فيه

______________________________

[1] قد حمل الرواية على الاستحباب في الذكرى: 17 و الذخيرة: 169، و لم نعثر على من نسبه إلى الصدوق.

______________________________

(1) الحدائق 5: 349.

(2) انظر الوسائل 1: 297 أبواب نواقض الوضوء ب 19.

(3) في ص 276 و 277.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 281

النجاسات المختلفة [1] و أمكن إزالة أحدهما وجبت أيضا، للأمر بإزالة كلّ منهما على حدة،

فلا ينتفي بامتناع امتثال الآخر. و إن كانت من نوع واحد و كانت دما و أمكن تقليله إلى الدرهم، وجب أيضا، و إلّا فقيل بالوجوب مع التفرّق مستشكلا فيه مع الاجتماع «1».

و الحقّ: الوجوب مطلقا، لدلالة ما يدلّ على وجوب إزالة الكلّ على وجوب إزالة البعض أيضا بدلالة المطابقة على السواء، و تعذّر امتثال الكلّ غير صالح لرفع وجوب امتثال البعض.

و أيضا: تجب إزالة كلّ بعض لو لم يكن معه غيره، و وجود الغير غير مانع عن الوجوب.

نعم، كان الإشكال إنّما يرد لو كان المأمور به في الأخبار هو مطلق التطهير، و ليس كذلك، بل هو إزالة كلّ نجاسة بخصوصها.

ج: لو أمكن إزالة العين بمسح و نحوه دون الأثر بالغسل، فهل يجب أم لا؟ الظاهر هو الأول، لمثل ما مرّ، مع إشكال فيه، لأنّ المانع من الصلاة هو الأثر الحاصل من العين في المحل دون العين نفسها.

د: لو أمكن بعض الغسلات فيما يلزم فيه التعدّد دون بعض، فهل يجب أم لا؟ الظاهر نعم، لوجوب مطلق الغسل بمطلقاته أيضا، و وجوب المقيّد بأمر آخر لا ينافيه.

نعم، لو انحصر الدليل في المقيّد، لم يثبت وجوب المطلق رأسا.

الثامنة:

لا خلاف في جواز الصلاة في كلّ ما لا تتمّ الصلاة فيه وحده للرجال مع نجاسته و لو بمثل دم الحيض و نجس العين، كالتكّة و القلنسوة و الجورب و الخف و النعل.

______________________________

[1] كالبول و المني مثلا. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) كما في المعالم: 313.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 282

و عليه الإجماع في الانتصار و الخلاف و السرائر «1»، و ظاهر التذكرة «2» و غيرها «3»، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى النصوص المستفيضة:

منها: موثّقة زرارة: «كل ما كان

لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يكون عليه الشي ء، مثل القلنسوة و التكة و الجورب» «4».

و روايته: إنّ قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها فوضعتها على رأسي ثمَّ صلّيت، فقال: «لا بأس» «5».

و المراسيل الثلاث لأبناء سنان و عثمان و أبي البلاد:

الاولى: «كلّ ما كان على الإنسان أو معه ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلّي فيه و إن كان فيه قذر، مثل القلنسوة و التكة و الكمرة [1] و النعل و الخفين و ما أشبه ذلك» «6».

و الثانية: في الرجل يصلّي في الخف الذي قد أصابه قذر، قال: «إذا كان ممّا لا تتمّ الصلاة فيه فلا بأس» «7».

و الثالثة: «لا بأس في الصلاة في الشي ء الذي لا تجوز فيه الصلاة وحده يصيبه القذر، مثل القلنسوة و التكة و الجورب» «8».

______________________________

[1] الكمرة و هي الحفاظ. و في بعض كلام اللغويين: الكمرة كيس يأخذها صاحب السلس- مجمع البحرين 3: 477.

______________________________

(1) الانتصار: 38، الخلاف 1: 480، السرائر 1: 264.

(2) التذكرة 1: 96.

(3) كجواهر الفقه: 22، و المفاتيح 1: 107.

(4) التهذيب 2: 358- 1482، الوسائل 3: 455 أبواب النجاسات ب 31 ح 1.

(5) التهذيب 2: 357- 1480، الوسائل 3: 456 أبواب النجاسات ب 31 ح 3.

(6) التهذيب 1: 275- 810، الوسائل 3: 456 أبواب النجاسات ب 31 ح 5.

(7) التهذيب 1: 274- 807، الوسائل 3: 456 أبواب النجاسات ب 31 ح 2.

(8) التهذيب 2: 358- 1481، الوسائل 3: 456 أبواب النجاسات ب 31 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 283

و الرضوي: «إن أصاب قلنسوتك أو عمامتك أو التكّة أو الجورب أو الخفّ مني أو بول أو دم أو غائط فلا بأس بالصلاة

فيه، و ذلك أنّ الصلاة لا تتمّ في شي ء من هذه وحده» «1».

ثمَّ مقتضى أكثر هذه الأخبار بملاحظة تعلّق الحكم فيها بما لا تتمّ الصلاة فيه منفردا: العفو عن نجاسة ما لا تتمّ فيه مطلقا، كما ذهب إليه السيد و المحقّق و الشهيدان «2» طاب ثراهم، من غير اختصاص له بالملابس كما عن الحلّي «3»، و غيره «4»، و لا بها مع كونها في محالّها، فلو وضع التكة على رأسه و الخف على يده، بطلت الصلاة، كالفاضل في أكثر كتبه «5» و الشهيد في البيان «6»، و لا منها بخمسة:

القلنسوة و التكة و الجورب و الخف و النعل، كما عن الراوندي «7».

بل في الموثّقة و أولى المراسيل العموم الشامل للملابس و غيرها.

و في الأولى منها الترديد بين كون تلك الأشياء عليه أو معه، و هو كالتصريح بنفي اشتراط كونها في محالّها. مع أنّ أصل الحكم في غير الملابس، و فيها إذا كان في غير محالّها بأصالة البراءة عن وجوب إزالة النجاسة عنها السالمة عن المعارض ثابت، إذ غاية ما يستفاد من الأدلّة اشتراط طهارة جسد المصلّي و ثوبه، و صدق ثوبه على الملابس إذا لم تكن في محالّها ممنوع.

و تصريح الأصحاب باستثنائها المستلزم لدخولها تحت أدلّة المنع عنها إنّما هو

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 95، المستدرك 3: 208 أبواب لباس المصلي ب 14 ح 1.

(2) السيّد في الانتصار: 38، المحقق في المعتبر 1: 434، الشرائع 1: 54، الشهيد الأول في الذكرى: 16، و الدروس 1: 126، و البيان: 95، الشهيد الثاني في المسالك 1: 18، و روض الجنان: 166، و الروضة 1: 61.

(3) السرائر 1: 184.

(4) كالعلامة في المنتهى 1: 174، و المختلف: 61.

(5) كالمختلف:

61، و المنتهى 1: 174، و التحرير 1: 24.

(6) البيان: 96.

(7) حكاه عنه في المختلف: 61.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 284

في الملابس منها و مع كونها في محالّها، و صدق الثوب عليها حينئذ ظاهر.

و خروجها بما مرّ من أدلّة العفو، و استدعاء الشغل اليقيني بالعبادة للبراءة اليقينية غير مفيد لوجوب الإزالة مطلقا، للقطع بالبراءة اليقينية بمعاونة الأصول القطعية.

و بما ذكر يظهر فساد ما استدلّ به للتقييد بكونها في محالّها بتبادر ذلك من سياق الأخبار.

فروع

: أ: ما لا تتمّ الصلاة فيه من الملابس- أي ما لا يستر العورة منها- إمّا ليس من شأنه ستر العورة، أو يكون من شأنه ذلك و إن لم يكن بالفعل كذلك.

و الثاني على أقسام، لأنّه إمّا تكون فعليته موقوفة على تغيير و تبديل فيه، إمّا بنفسه كالقلنسوة الكبيرة التي لو غيّر وضعها و قطّعت و ضمّ بعضها مع بعض بوضع آخر أمكن ستر العورة بها، أو بهيئته العارضة له في اللبس، كالعمامة الساترة للعورة بنفسها غير الساترة مع الكيفية المخصوصة لها حال اللبس، أو يكون في نفسه و هيئته بقدر يصلح لستر العورة و لكن لا يمكن استقراره فيها إلّا بضمّ شي ء آخر معه، كوضع اليد عليه أو شدّه بما يشدّه و لا يمكن بدون ذلك، أو لا يتوقّف إلّا على وضعه على العورة، كالقميص القصير الذي لو وضع على العورة سترها و لكن لبسه بحيث لم يصل إلى العورة.

فلو أريد من قولهم: ما لا تتم الصلاة فيه، ما لا يستر العورة بالفعل، لدخل جميع تلك الأقسام فيه، و لو أريد منه ما لم يكن من شأنه ذلك، خرج بعضها منه.

و التحقيق: أنّ الأصل في الملابس وجوب إزالة النجاسة

عنها في الصلاة إلّا ما علم فيه العفو بوضوح دخوله في المراد ممّا لا تتم الصلاة إلّا به.

و لا خفاء في دخول الأول و الثاني من تلك الأقسام فيه، فيحكم فيهما بالعفو قطعا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 285

و كذا الرابع، إذ- لتوقّف ستر العورة به على غيره- يصدق أنه ممّا لا تجوز فيه الصلاة وحده، و أنّها لا تتمّ فيه وحده، مضافا إلى التصريح في الأخبار بالعفو عن الخفّ الذي يستر العورتين لو وضع عليهما بمعونة اليد.

و أمّا البواقي: فلخفاء دخولها فيه تكون باقية تحت الأصل. و إخراج الرضوي العمامة لا يفيد، لضعفه الغير المعلوم انجباره، مع احتمال إرادة الصغيرة.

ب: يستحب تطهير النعل، لصحيحة عبد الرحمن «1»، و به قال الشيخ في النهاية «2»، و ابن زهرة في كل ما لا تتمّ الصلاة إلّا به «3». و لا بأس به.

ج: حمل مثل الحقّة و القارورة التي فيها نجاسة غير متعدّية إلى الثوب أو البدن لا يبطل الصلاة، للأصل المتقدّم.

و كذا حمل المنديل النجس، و جبر العظم بالعظم النجس سواء اكتسى اللحم أم لا. و نجاسة اللحم بملاقاته غير ضائرة، لأنّه من البواطن.

و ما قيل: من أنّ غاية ما ثبت عدم تعلّق التكليف بما في الباطن من النجاسات الخلقية، لانصراف الحكم إلى الأفراد الشائعة «4»، مردود: بأنّ غاية ما ثبت تعلّق التكليف بما في ظاهر البدن من النجاسات، لأنّه موضع الإجماع و المتبادر من الأخبار.

و منه يظهر عدم وجوب إخراج الدم المحتقن تحت الجلد من نفسه أو من الخارج، و عدم بطلان الصلاة بشرب نجس أو أكله.

و هل يجب قيئه أو قي ء محرّم أكله؟ الحقّ هو الثاني، لأنّ الثابت حرمة

______________________________

(1) الفقيه 1: 358- 1573،

الوسائل 4: 424 أبواب لباس المصلي ب 37 ح 1.

(2) النهاية: 54.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 555.

(4) كما في الحدائق 5: 342.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 286

الشرب و الأكل، و أمّا وجوب القي ء بعد حصولهما فلا دليل عليه.

نعم يستحب ذلك، لموثّقة عبد الحميد بن سعيد [1].

د: لو التحف بلحاف أو تردّى برداء طويل بحيث وقع بعضه على الأرض و كان ذلك البعض نجسا لم تصح صلاته، لصدق نجاسة ثوبه، و لولاه لزم عدم البطلان بنجاسة الكمّ الطويل المتجاوز عن الأصابع، بل طرف الثوب عند الجلوس لكونه على الأرض.

التاسعة:
اشارة

العفو عن دم القروح و الجروح حال الصلاة في الثوب و البدن قليلا كان أم كثيرا في الجملة إجماعي، و النصوص- كما تأتي- به مستفيضة.

و هل يعتبر فيه استمرار سيلان الدم و عدم انقطاعه مطلقا و لو لمحة؟ كما هو ظاهر المقنعة و الخلاف و السرائر و التذكرة و المنتهى و التحرير و النافع و الدروس «1»، بل لعله الأشهر. أو مقيّدا بزمان يتّسع أداء الفريضة؟ كما في المعتبر و الذكرى «2»، و لعلّه مراد الأولين أيضا بحمل الاستمرار على العرفي الصادق مع عدم الانقطاع في زمان يتسع أداء الفريضة. أو لا يعتبر مطلقا، فيكون معفوا ما لم يبرأ الجرح؟

كما عن الصدوق و النهاية و المبسوط و الثانيين «3»، و جماعة «4»، و إن كان في استفادته من كلام الأول خفاء [2]

______________________________

[1] و هي أنّه: «بعث أبو الحسن عليه السلام غلاما يشتري له بيضا و أخذ الغلام بيضة أو بيضتين فقامر بها فلمّا أتى به أكله، فقال مولى له: إنّ فيه من القمار، قال: فدعا بطشت فتقيّأه» منه رحمه اللّه. الكافي 5: 123 المعيشة ب 40

ح 3.

[2] قال في الفقيه: و إن كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا بأس بأن لا يغسل حتى يبرأ أو ينقطع الدم.

______________________________

(1) المقنعة: 69- 70، الخلاف 1: 252 و 476، السرائر 1: 176، التذكرة 1: 8، المنتهى 1:

172، التحرير 1: 24، المختصر النافع: 18، الدروس 1: 126.

(2) المعتبر 1: 429، الذكرى: 16.

(3) الصدوق في الفقيه 1: 43، النهاية: 51، المبسوط 1: 35، المحقق الثاني في جامع المقاصد 1:

171، الشهيد الثاني في المسالك 1: 18، و الروضة 1: 50.

(4) منهم صاحب المدارك 2: 308.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 287

الحقّ هو الأخير، لإطلاق صحيحة المرادي: الرجل تكون به الدماميل و القروح فجلده و ثيابه مملوة دما و قيحا، و ثيابه بمنزلة جلده؟ قال: «يصلّي في ثيابه و لا شي ء عليه» «1» و قريبة منها حسنته «2».

و صحيحة البصري: الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه الدم و القيح فيصيب ثوبي، فقال: «دعه فلا يضرّك أن لا تغسله» «3» أطلق فيها الأمر بالدعة سواء كان حال السيلان أو بعده.

و صحيحة محمد: عن الرجل تخرج به القروح فلا تزال تدمي كيف يصلّي؟

قال: «يصلّي و إن كانت الدماء تسيل» «4» دلّت على أنّ حالة عدم السيلان أولى بالعفو.

و لا ينافيه: «لا تزال تدمي» لأنّه كلام السائل، مع أنّ الظاهر منه تكرّر خروج الدم لاتّصاله.

و الأخبار الجاعلة للبرء غاية العفو، كموثّقة سماعة: «إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتى يبرأ و ينقطع الدم» «5».

و رواية أبي بصير: دخلت على أبي جعفر عليه السلام و هو يصلّي، فقال لي قائدي: إنّ في ثوبه دما، فلما انصرف قلت له: إنّ

قائدي أخبرني أنّ بثوبك دما، قال: «إن بي دماميل فلست أغسل ثوبي حتى تبرأ» «6».

______________________________

(1) التهذيب 1: 349- 1029، الوسائل 3: 434 أبواب النجاسات ب 22 ملحق بحديث 5.

(2) التهذيب 1: 258- 750، الوسائل 3: 434 أبواب النجاسات ب 22 ح 5.

(3) التهذيب 1: 259- 751، الوسائل 3: 435 أبواب النجاسات ب 22 ح 6.

(4) التهذيب 1: 258- 749، و 348- 1025، الاستبصار 1: 177- 615، الوسائل 3: 434 أبواب النجاسات ب 22 ح 4.

(5) التهذيب 1: 259- 752، الوسائل 3: 435 أبواب النجاسات ب 22 ح 7.

(6) الكافي 3: 58 الطهارة ب 38 ح 1، التهذيب 1: 258- 747، الاستبصار 1: 177- 616، الوسائل 3: 433 أبواب النجاسات ب 22 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 288

و منافاته لما اعتبروه واضحة، لعدم اتّصال السيلان بالبرء عادة.

و توصيف الجرح في صدر الموثّقة بالسائل غير ضائر، لأنّه غير المتّصل، مع أنه على فرض الاتّحاد لا يدلّ على الاشتراط إلّا بمفهوم الوصف الذي لا عبرة به.

و عطف الانقطاع في ذيلها على البرء غير مناف، لاستلزام البرء له، فيدلّ على أنّ الأمرين غاية عدم الغسل، فلا يكفي تحقّق الانقطاع فقط.

دليل المخالف الأول: الأصل المستفاد من إطلاق المعتبرة الآمرة بغسل الدم و الحاكمة بإعادة الصلاة منه «1»، المستلزم للاقتصار في العفو على موضع اليقين.

و قوله: «لا تزال تدمي» في الصحيحة الثالثة، و صدر الموثّقة و ذيلها.

و دلالة بعض الروايات على أنّ علة العفو الحرج و المشقّة و هو لا يكون إلّا مع عدم الانقطاع، ففي موثّقة سماعة: [سألته عن الرجل به ] القرح و الجرح فلا يستطيع أن يربطه و لا يغسل دمه، قال: «يصلّي و لا يغسل

ثوبه فإنه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كلّ ساعة» [1].

و مفهوم رواية محمد، المروية في السرائر: «إنّ صاحب القرحة التي لا يستطيع صاحبها ربطها و لا حبس دمها يصلّي و لا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرة» «2».

و يجاب عن الأول: بلزوم تقييد الإطلاق بما مرّ، و القول بعدم صلاحيته له لا وجه له.

و عن الثاني و الثالث: بما قد ظهر، مضافا إلى أنّ غاية الأمر اختصاص

______________________________

[1] الكافي 3: 58 الطهارة ب 38 ح 2، التهذيب 1: 258- 748، الاستبصار 1: 177- 617، الوسائل 3: 433 أبواب النجاسات ب 22 ح 2، و ما بين المعقوفين من المصادر.

______________________________

(1) انظر الوسائل 3: 429 أبواب النجاسات ب 20 ح 1 و 2 و ب 40 ح 3 و 7 و 10.

(2) مستطرفات السرائر: 30- 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 289

الجواب في الثاني بما اختصّ به السؤال لو لا الفقرة الأخيرة، و هو لا ينفي الحكم عن غيره بعد وجود الدليل.

و عن الرابع: بأنّ كون العلّة في القرح الذي لا يستطاع ربطه و غسله ما ذكر لا يدلّ على انتفاء الحكم فيما لم يكن كذلك، و لا يعارض ما دلّ على ثبوته في غيره أيضا.

و عن الخامس: أنّه مفهوم وصف لا عبرة به.

و دليل المخالف الثاني بعض ما ذكر بجوابه.

ثمَّ بما ذكر من الإطلاقات ظهر عدم اعتبار المشقة في الإزالة أيضا، وفاقا لجماعة «1». و خلافا للقواعد «2»، و عن الغنية و نهاية الإحكام «3»، بل هو ظاهر كلّ من استدلّ للعفو بلزوم الحرج أو المشقة لولاه، كالتهذيب و المعتبر و التذكرة «4»، للأصل المتقدّم، و الروايتين الأخيرتين. و جوابهما قد ظهر.

و جمع في الشرائع

و المنتهى و التحرير «5» بين الاعتبارين. و وجهه و جوابه يظهر مما مرّ.

فروع:

أ: الأقوى عدم وجوب إزالة بعض الدم و لو مع إمكانها، و لا عصب موضع الجرح، و لا إبدال الثوب، بالإجماع في الأولين كما عن الخلاف «6»، لإطلاق الأدلّة، و قوله: «لا شي ء عليه» في الصحيحة الأولى، خلافا لمحتمل نهاية

______________________________

(1) منهم الكركي في جامع المقاصد 1: 171، و صاحب المدارك 2: 309.

(2) القواعد 1: 8.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 550، نهاية الإحكام 1: 285.

(4) التهذيب 1: 257، المعتبر 1: 429، التذكرة 1: 8.

(5) الشرائع 1: 53، المنتهى 1: 172، التحرير 1: 24.

(6) الخلاف 1: 252 و 476.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 290

الإحكام في الأول «1»، و له و للمنتهى في الثالث «2».

ب: الحقّ- كما صرّح به جماعة منهم والدي رحمه اللّه- أنّ غاية العفو البرء «3»، للاستصحاب، و موثّقة سماعة، و رواية أبي بصير، و هو الاندمال عرفا، فيعفى عن كلّ ما كان قبله و لو حصل الانقطاع و بقي في الثوب أو البدن. و حمل البرء على الأمن من خروج الدم تجوّز.

ج: لو تعدّى الدم من محل الضرورة في الثوب و البدن، فذهب في المنتهى و المعالم و اللوامع إلى عدم تعدّي العفو «4».

و احتمل في المدارك التعدي «5». و هو الأقوى، لإطلاق أكثر الأدلّة.

و لكن الأظهر تقييد التعدّي بما إذا كان بنفسه، لا إذا تعدّى بمتعدّ، كأن وضع يده أو طرف ثوبه الطاهرين عليه، كما نبّه عليه و اختاره في الحدائق «6»، لتصريح أكثر الأخبار بإصابة الدم الظاهرة في إصابته بنفسه، و عدم إطلاق شامل لإصابته بواسطة الغير إلّا في صحيحة المرادي، و في شمولها لها أيضا خفاء

جدّا.

و منه يظهر أنه إذا أصاب الدم جسما آخر غير الثوب و البدن ثمَّ لاقى هذا الجسم بدن صاحب الدم أو ثوبه، لم يثبت فيه العفو.

د: لو لاقى هذا الدم نجاسة أخرى فلا عفو، للأصل. و كذا إن تنجّس به مائع طاهر ملاق للبدن أو الثوب كالعرق و الماء، لأنّ هذا المائع نجس غير الدم و لم يثبت العفو عنه، و العفو عما نجّسه لا يوجبه، و كون المتنجّس أخفّ نجاسة لا يصلح دليلا.

______________________________

(1) نهاية الإحكام 1: 285.

(2) نهاية الإحكام 1: 286، المنتهى 1: 172.

(3) انظر الفقيه 1: 43، و المسالك 1: 18، و المدارك 2: 309، و الحدائق 5: 303.

(4) المنتهى 1: 172، المعالم: 289.

(5) المدارك 2: 309.

(6) الحدائق 5: 305.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 291

ه: قيّد جماعة- منهم الشيخ «1»، و الفاضل في الإرشاد [1]- القروح بالدامية و الجروح باللازمة. و منهم من وصفهما باللازمة «2». و منهم من عكس «3».

و المراد من الدامية ظاهر.

و فسّر في روض الجنان اللازمة: بالتي يستمر خروج دمها «4»، و المحقق الثاني: بالتي لم يبرأ، ليكون احترازا عن جراحة برئت و تخلّف دمها «5».

و ظنّي أنّ المراد منها الجروح البطيئة الاندمال، ليكون احترازا عن مثل الفصد و الحجامة إذا لم يتعدّيا عن الحدّ، و جراحة مثل الشوكة المندملة سريعا و أمثالها، فلا تكون دماؤها معفوة عنها. و هو الظاهر، لعدم ظهور شمول أخبار العفو لها «6».

أمّا ما يتضمّن منها الدماميل و القروح: فظاهر.

و أمّا صحيحة البصري: فلمكان سيلان القيح.

و أمّا الموثقة الاولى: فلقوله: «به جرح سائل» فإنّ المتبادر منه نوع لزوم و دوام للجرح و السيلان، فلا يشمل ما يحدث و ينقطع سريعا، مع أنّ

ما يترشّح منها قليل دم يخرج بقيد: «سائل» قطعا.

و أمّا الأخيرة: فلتقيدها بعدم استطاعة الربط و غسل الدم، و التعليل بعدم استطاعة غسل الثوب كلّ ساعة، فتكون هذه الدماء باقية على أصالة عدم العفو.

و تؤكّده رواية المثنى: حككت جلدي فخرج منه دم، فقال: «إذا اجتمع

______________________________

[1] قال فيه: و عفى في الثوب و البدن عن دم القروح و الجروح اللازمة. الإرشاد 1: 239.

______________________________

(1) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 171، المبسوط 1: 35، الاقتصاد: 253، النهاية: 51.

(2) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 550، التذكرة 1: 8، المختلف: 60.

(3) كما في المعتبر 1: 429، القواعد 1: 8.

(4) روض الجنان: 165.

(5) جامع المقاصد 1: 171.

(6) راجع ص 287 و 288.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 292

منه قدر حمصة فاغسله و إلّا فلا» «1».

و صراحة بعض المعتبرة في عدم العفو عن دم الحجامة، كصحيحة علي المروية في قرب الإسناد، المتقدّمة في المسألة الاولى «2».

و: إذا كان قروح أو جروح متعدّدة به و برئ بعضها و تخلّف دم منه في الثوب أو البدن و لم يبرأ الجميع، فهل يختص العفو بدم ما لم يبرأ منها، أو يعفى عن الكلّ حتى يبرأ الكل؟ مقتضى إطلاق الموثقة الأولى: الأول، و مقتضى إطلاق رواية أبي بصير: الثاني. و لا يبعد ترجيحه، لتعارض الإطلاقين و الرجوع إلى استصحاب العفو.

ز: يستحب لصاحب هذا العذر أن يغسل ثوبه كلّ يوم مرة، لرواية السرائر «3». و أمّا البدن فلا، للأصل.

العاشرة:

ما دون الدرهم من الدم- غير ما استثني- معفوّ عنه في الصلاة إجماعا كما في المعتبر و المنتهى و التذكرة «4»، و عن نهاية الإحكام و المختلف «5»، و هو الحجة في المقام، مضافا إلى المستفيضة، كحسنة

محمد، المتقدّمة في المسألة الرابعة «6»، و رواية الجعفي، السابقة في الاولى «7».

و صحيحة ابن أبي يعفور: «فيغسله- أي الدم- و لا يعيد صلاته إلّا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا يغسله» «8».

______________________________

(1) التهذيب 1: 255- 741، الاستبصار 1: 176- 613، الوسائل 3: 430 أبواب النجاسات ب 20 ح 5.

(2) راجع ص 254.

(3) المتقدمة في ص 288.

(4) المعتبر 1: 429، المنتهى 1: 172، التذكرة 1: 8.

(5) نهاية الاحكام 1: 285، المختلف: 60.

(6) راجع ص 266.

(7) راجع ص 253.

(8) التهذيب 1: 255- 740، الاستبصار 1: 176- 611، الوسائل 3: 429 أبواب النجاسات ب 20 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 293

و مرسلة جميل: «لا بأس بأن يصلّي الرجل في الثوب و فيه الدم متفرّقا شبه النضح، و إن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم» «1».

و الرضوي: «إن أصاب ثوبك دم فلا بأس بالصلاة فيه ما لم يكن مقدار درهم واف، و الوافي ما يكون وزنه درهما و ثلثا، و ما كان دون الدرهم الوافي فلا يجب عليك غسله و لا بأس بالصلاة فيه، و إن كان الدم حمصة فلا بأس بأن لا تغسله إلّا أن يكون دم الحيض فاغسل ثوبك منه و من البول و المني قلّ أم كثر» «2».

و أمّا قدر الدرهم فهو كالزائد عليه، وفاقا للأكثر.

فروع:

أ: المذكور في الأخبار و إن كان قدر الدرهم المحتمل للوزن و السعة إلّا أن المقطوع به في كلام الأصحاب هو الثاني، و هو الذي يقتضيه الأصل عند التردّد، لأنّه القدر المتيقّن، فإنّ ما كان وزنه درهما تبلغ سعته أضعاف ذلك قطعا.

ب: لا عفو في دم الحيض بغير خلاف عندنا

كما في السرائر «3»، و يشعر به كلام المعتبر «4»، بل إجماعا كما في اللوامع، للرضوي المتقدّم، و النبوي الآمر لأسماء في دم الحيض: «حتّيه ثمَّ اقرصيه ثمَّ اغسليه بالماء» [1]، و ضعفهما منجبر بالشهرة القوية بل الإجماع.

______________________________

[1] صحيح مسلم 1: 240- 110، سنن أبي داود 1: 99- 362، و فيهما بتفاوت يسير.

______________________________

(1) التهذيب 1: 256- 742، الاستبصار 1: 176- 612، الوسائل 3: 430 أبواب النجاسات ب 20 ح 4.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 95، مستدرك الوسائل 2: 565 أبواب النجاسات ب 15 ح 1.

(3) السرائر 1: 176.

(4) المعتبر 1: 428.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 294

و رواية إسحاق: «الحائض تصلّي في ثوبها ما لم يصبه دم» «1».

و يؤيّده خبر ابن كليب: «في الحائض تغسل ما أصاب من ثيابها» «2» و المروي في الكافي و التهذيب: «لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره إلّا دم الحيض، فإنّ قليله و كثيره في الثوب إن رآه و إن لم يره سواء» [1].

و أمّا أخبار العفو فهي أعم مطلقا من الرضوي، فتخصيصها به لازم، و من وجه من النبوي و ما بعده، فإن قدّما بموافقة الشهرة و إلّا فيرجع إلى عمومات غسل الدم.

بل قد يقال بعدم شمول أخبار العفو لدم الحيض، لاختصاص الخطابات فيها بالذكور، و احتمال إصابة ثيابهم من دم الحيض نادر و لم يكن من الأفراد المتبادرة.

و هو كذلك في غير رواية الجعفي «3»، و أمّا فيها فلا خصوصية بالذكور.

و منه يظهر ضعف الاستدلال بالأصل المستفاد من الأخبار الآمرة بغسل الدم و استصحاب شغل الذمة.

ثمَّ إنه ألحق الشيخ «4»، و السيد «5» بل و غيرهما من القدماء أيضا- كما قيل «6»- به دم النفاس و

الاستحاضة، بل ظاهر الخلاف و صريح الغنية الإجماع

______________________________

[1] الكافي 3: 405 الصلاة ب 66 ح 3، التهذيب 1: 257- 745. و إنما جعلناهما مؤيدين لأن المذكور في منطوق الأول: «تغسل» و في مفهوم الثاني: «تعاد» و إفادتهما للوجوب غير معلومة، مع أن في الثاني حكم بالإعادة مع عدم الرؤية أيضا، و وجوبها حينئذ خلاف الفتوى. منه رحمه اللّه.

______________________________

(1) الكافي 3: 109 الحيض ب 24 ح 2، الوسائل 3: 449 أبواب النجاسات ب 28 ح 3.

(2) الكافي 3: 109 الحيض ب 24 ح 1، التهذيب 1: 270- 796، الاستبصار 1: 186- 652، الوسائل 3: 449 أبواب النجاسات ب 28 ح 1.

(3) المتقدمة في ص 253.

(4) المبسوط 1: 35، النهاية: 51، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 171، الخلاف 1: 476، الاقتصاد: 253.

(5) الانتصار: 14.

(6) السرائر 1: 176، المراسم: 55، و نسب إلى القدماء في الرياض 1: 89.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 295

عليه «1»، و في السرائر نفي الخلاف عنه «2».

للأصل المتقدّم، و عدم عموم في أخبار العفو، و قد عرفت ضعفهما. و لغلظ نجاستهما الموجب للغسل، و ضعفه ظاهر.

و قد يستدلّ لإلحاق الأول بما يستفاد من بعض المعتبرة من أنه دم الحيض المحتبس و أنه حيض حقيقة «3».

و فيه: أنه و إن سلّم و لكن المتبادر من دم الحيض غير ذلك.

و يظهر من بعض المتأخّرين التردّد فيه «4»، و هو في موقعه، بل القوة لعدم إلحاقهما، كما اختاره بعض متأخّري المتأخّرين «5».

و كذا دم نجس العين، وفاقا لجماعة منهم الحلّي مدّعيا عليه الوفاق «6»، لعموم أخبار العفو.

و خلافا للمحكي عن الراوندي «7»، و ابن حمزة و الفاضل في جملة من كتبه «8»، و ظاهر المعالم

«9».

للأصل المتقدم. و اكتسابه بملاقاة البدن النجس نجاسة غير معفوة. و عدم شمول أخبار العفو له، لأن المتبادر منها هو الأفراد الشائعة دون الفروض النادرة.

______________________________

(1) الخلاف 1: 476، الغنية (الجوامع الفقهية): 550.

(2) السرائر 1: 176.

(3) انظر الوسائل 2: 333 أبواب الحيض ب 30 ح 13 و 14.

(4) كما في المعتبر 1: 429، المدارك 2: 316.

(5) كالمحقق السبزواري في الذخيرة: 160، و صاحب الحدائق 5: 328.

(6) السرائر 1: 177.

(7) حكاه عنه في السرائر 1: 177، و المختلف: 59.

(8) ابن حمزة في الوسيلة: 77، الفاضل في المختلف: 59، و التحرير 1: 24، و القواعد 1: 8، و التذكرة 1: 8، و المنتهى 1: 173، و التبصرة: 17.

(9) حكاه عنه في الحدائق 5: 327.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 296

و مرفوعة البرقي: «دمك أنظف من دم غيرك، إذا كان في ثوبك شبه النضح من دمك فلا بأس، و إن كان دم غيرك قليلا كان أو كثيرا فاغسله» «1».

و يندفع الأول: بمطلقات العفو.

و الثاني: بأنّ المستند في اكتساب الملاقي للنجاسة النجاسة مطلقا ليس إلّا الإجماع، و تحقّقه في النجاسة الملاقية لها غير معلوم.

و الثالث: بأنّه لو أوجب عدم شمول أخبار العفو له لأوجب عدم شمول مطلقات الأمر بالغسل و إعادة الصلاة له أيضا، فيرجع إلى أصل عدم وجوب الإزالة.

و الرابع: بأنّ مقتضاه عدم العفو عن دم الغير، و هو و إن أفتى به بعض المحدّثين من المتأخّرين [1]، إلّا أنّ الظاهر انعقاد الإجماع على خلافه، كما تدلّ عليه إطلاقاتهم، و ينادي به خلافهم في دم نجس العين، و لا أقلّ من مخالفته للشهرة القديمة و الجديدة المخرجة له عن الحجية. و قصره على دم نجس العين إخراج لغير

الواحد، و هو غير جائز.

ج: مورد أكثر روايات العفو و إن كان الثوب خاصة، و لذا حكي عن جماعة «2» الاقتصار عليه، و يظهر من البعض التردّد «3»، إلّا أنّ في المنتهى أسند إلحاق البدن إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه «4»، بل في الانتصار عليه الإجماع «5».

______________________________

[1] المحدث البحراني في الحدائق 5: 328، و نقله أيضا عن المولى الأمين الأسترابادي.

______________________________

(1) الكافي 3: 59 الطهارة ب 38 ح 7، الوسائل 3: 432 أبواب النجاسات ب 21 ح 2.

(2) منهم الصدوق في الفقيه 1: 161، الهداية: 15، و المفيد في المقنعة: 70، و الشيخ في المبسوط 1: 36، و سلّار في المراسم: 55.

(3) كما في الحدائق 5: 308- 310.

(4) المنتهى 1: 173.

(5) الانتصار: 13 و 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 297

و هو الحقّ، لا لما استدلّ عليه من اشتراك العلّة و هي مشقّة الإزالة، لأنّ العلّة مستنبطة، بل لإطلاق رواية المثنى السابقة في المسألة التاسعة «1».

قيل: إن أريد من الحمصة فيها وزنها، لم يقل أحد بالعفو عنها، لزيادته عن الدرهم في السعة، و إن أريد سعتها، فلا قائل بوجوب غسلها، لأنّها أقلّ من سعة الدرهم، فالرواية للإجماع مخالفة، و لأجلها عن الحجية خارجة «2».

قلنا: المتبادر قدر وزنها أو جسمها دون مساحتها، إذ لا مساحة معينة للحمصة سوى سطحها المدوّر، و قياس المسطّح على المدوّر غير متعارف، و قدر الوزن أو الجسم لا يزيد عن سعة الدرهم لو بسط بنفسه، و زيادته لو بسط باليد غير ضائرة، لأنّه غير مراد، و إلّا فكلّ قطرة صغيرة من الدم يمكن بسطها باليد في أضعاف من سعة الدرهم.

مع أنه لو سلّمنا الزيادة فيكون المخالف للإجماع عموم قوله: «و

إلّا فلا» و خروج بعض أفراد العام و هو ما بلغ سعة الدرهم لا يخرجه عن الحجية.

و قد يقرأ الخمصة بالخاء المعجمة، و هي سعة ما انخفض من الراحة، و عليه فيوافق الدرهم على ما نقل عن بعضهم من تقدير الدرهم سعة بها «3».

د: إزالة عين الدم عن الموضع بغير مطهّر لا يزيل العفو، للاستصحاب.

و خلطه مع نجاسة أخرى يزيله، لما مري في المسألة السابقة. و كذا لمائع طاهر و إن لم يبلغ مجموعهما قدر الدرهم، وفاقا للمنتهى و البيان و الذخيرة «4»، لما مرّ فيها أيضا.

و خلافا للذكرى و المعالم و المدارك «5»، لأصالة البراءة، و إطلاق النص،

______________________________

(1) راجع ص 291.

(2) كما في الرياض 1: 87.

(3) كما في السرائر 1: 178.

(4) المنتهى 1: 174، البيان: 95، الذخيرة: 159.

(5) الذكرى: 16، المعالم: 299، المدارك 2: 317.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 298

و كون المتنجّس أخفّ من منجّسة.

و الأول مندفع: بما دلّ على وجوب تطهير ما ينجس من الثوب أو البدن في الصلاة.

فإن قيل: لا دليل عليه سوى الإجماع البسيط أو المركّب، و هما منتفيان في المورد.

قلنا: بل متحقّقان، فإنّ الإجماع على وجوب [تطهير] [1] ما لم يثبت العفو عنه ممّا ثبتت نجاسته منعقد.

و الثاني: بأنّ الإطلاق يثبت العفو فيما يشمله من الدم دون غيره.

و الثالث: بأنّه تعليل عليل لا يصلح لتأسيس الأحكام.

ه: لو أصاب الدم وجهي الثوب، فالظاهر عدم الخلاف في أنه إن لم يكن بالتفشّي فدمان، و في اللوامع الوفاق عليه.

و إن كان بالتفشّي، فدم واحد عند الأكثر مطلقا.

و فصّل في البيان فواحد مع رقة الثوب، و اثنان مع غلظته «1».

و في المعالم تحكيم العرف في ذلك «2».

و الظاهر أنّ عليه بناء الأصحاب

أيضا، و اختلافهم إنّما هو فيما يحكم به العرف، و الظاهر حكمه بالاتّحاد مع التفشّي رقيقا كان الثوب أو صفيقا و لكن بشرط اتّحاد الثوب، فلو تألّف من أجزاء متعدّدة كالظهارة و البطانة و القطن المحشوّ بينهما، كان كلّ منها ثوبا منفردا، و يعتبر دماؤها كلا و لو تفشّي من بعضها إلى بعض.

و: لو كان في موضع دم أقلّ من درهم و بلغ ذلك الموضع أيضا دم آخر

______________________________

[1] أضفناها لاستقامة المتن.

______________________________

(1) البيان: 95.

(2) المعالم: 299.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 299

من غير تجاوز عنه و لكن كان بحيث لو أصاب موضعا آخر كانا معا أكثر من الدرهم، فهل يعدّان دما أو دمين؟ فيه إشكال.

و كذا في اعتبار غلظة الدم، فإنّ الدم الغليظ يبسط في الموضع أقلّ من الرقيق، بل الرقيق المبسوط بمعاون يسع من الموضع أكثر ممّا يسعه لو بسط بنفسه، و الأخذ بالمتيقّن عفوه متعين.

ز: المذكور في أكثر الأخبار هو الدرهم من غير تقييد، و لذا حمله البعض على الشرعي المتعارف في عصر الحجج عليهم السلام «1».

و هو كان حسنا لو لا الحجة على التقييد بغيره، و ليست هي ما قيل من كون الأحكام متلقّاة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، فتكون مبنية على عرف زمانه، و المتعارف في عصرهم غير متعارف عصره، مع أنّ حدوث الشرعي في قريب من عصر الصادقين عليهم السلام لا يوجب تعارفه و انتفاء تبادر ما تعارف قبله «2»، لأنّ الحكم و إن كان مخلفا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و لكن التكلّم في كلّ عصر بمتعارفه، و لذا تحمل الألفاظ المنقولة عن حقائقها اللغوية في عصر الصادقين على المنقول إليه و إن لم يعلم

النقل في زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله.

و أمّا تبادر الشرعي في زمانهم فهو ظاهر، فإنّ أمر الدراهم المسكوكة مختلف مع سائر الألفاظ، فإن السكة المتقدّمة على زمان سلطان يترك بمضي مدّة يسيرة من زمان السلطان اللاحق كما يشاهد في عصرنا.

بل الحجة هي الرضوي الذي قيّده بالوافي «3»، و قدّر وزنه بدرهم و ثلث، و به قيّده أكثر الأصحاب، كالصدوق في الفقيه و الهداية «4»، و والده، و المفيد في

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 4    300     العاشرة: ..... ص : 292

____________________________________________________________

(1) كما في المدارك 2: 314.

(2) انظر: الحبل المتين: 177.

(3) المتقدم في ص 293.

(4) الفقيه 1: 42، الهداية: 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 300

المقنعة «1»، و السيد في الانتصار «2»، و الحلّي و ابن زهرة و المحقّق و الفاضل و الشهيدين «3»، و غيرهم «4»، بل في الذخيرة: إنه المشهور «5». و نسبه بعضهم إلى أكثر الأصحاب «6»، بل في الحدائق: ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه «7».

و بذلك يجبر ضعف الرضوي، و به يقيّد سائر المطلقات.

و قيّده بعضهم بالبغلي «8»، و بعضهم بهما معا «9»، و يظهر من بعضهم الاتّفاق على التقيد بالثاني و أنّه متّحد مع الأول «10». و ظاهر الحلّي مغايرتهما «11».

و ليس على ذلك التقييد و لا على اتّحادهما حجة مقبولة، إلّا أنّ بعد حكم الجميع باتّحادهما وزنا لا تترتّب فائدة على تحقيق مغايرتهما أو اتّحادهما، و المهم تحقيق سعته التي عليها بناء العفو:

فعن العماني أنها سعة الدينار «12»، و الإسكافي أنها سعة العقد الأعلى من

______________________________

(1) المقنعة: 69.

(2) الانتصار: 13.

(3) الحلي في السرائر 1: 177، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 550، المحقق في المعتبر 1:

429، الفاضل

في التذكرة 1: 8، الشهيد الأول في الذكرى: 16، الشهيد الثاني في روض الجنان: 165، و الروضة 1: 50، و المسالك 1: 18 و لكن الموجود في كتب الشهيد الثاني التقييد بالبغلي.

(4) كالشيخ في المبسوط 1: 36، و سلّار في المراسم: 55.

(5) الذخيرة: 158.

(6) كما في كشف اللثام 1: 51، و الرياض 1: 87.

(7) الحدائق 5: 331.

(8) كالشهيد الأول في البيان: 95، و الدروس 1: 126، اللمعة (الروضة 1): 50، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 165، و الروضة 1: 50، و المسالك 1: 18، و المحقق السبزواري في كفاية الأحكام: 12.

(9) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 51، و صاحب الرياض 1: 87.

(10) كما في الحدائق 5: 329.

(11) السرائر 1: 177.

(12) حكاه عنه في المختلف: 60.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 301

الإبهام «1»، و بعضهم من السبابة و الوسطى «2»، و الحلّي أنّها تقرب من سعة أخمص الراحة، و لكنه ذكر أنها سعة البغلي الذي هو غير الوافي عنده «3».

و هذه التقديرات و إن كانت متقاربة إلّا أنّه ليست على شي ء منها حجة تامة.

و الاستدلال للأول: بالمروي عن مسائل علي: «و إن أصاب ثوبك قدر دينار من الدم فاغسله و لا تصلّ فيه حتى تغسله» «4» ضعيف.

كالاحتجاج [للرابع ] [1] بإخبار الحلّي عن رؤيته كذلك، و ليس من باب الشهادة ليعتبر فيها التعدد مع اعتضاده بالشهرة المحكية، لضعف الرواية، و خلوّها عن الجابر، و مخالفتها لروايات الدرهم ظاهرا، و عدم دليل على حجية كلّ خبر بحيث يشمل مثل ذلك أيضا، مع أنّ ما أخبر عنه الحلّي هو البغلي، و قد عرفت أن كلامه مشعر بمغايرته مع الوافي.

و بالجملة: لا حجة واضحة على تعيين سعته،

مع أنّ اختلاف سعة الدراهم المضروبة بوزن واحد أمر معلوم.

و الموافق للقواعد الأخذ بأكثر المقادير، بل أكثر ما يمكن أن يكون سعة الدرهم، إذ لأجل إجمال الدرهم تكون عمومات وجوب إزالة الدم مخصّصة بالمجمل، و العام المخصّص بالمجمل ليس بحجة في موضع الإجمال إمّا مطلقا، أو إذا كان المخصّص مستقلا، كما هو الأظهر، و المورد كذلك.

ح: عدم العفو عن مقدار الدرهم فصاعدا هل يختص بما كان مجتمعا

______________________________

[1] في النسخ الأربع: للثاني، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 59.

(2) كما في كشف الغطاء: 175.

(3) السرائر 1: 177.

(4) البحار 10: 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 302

فيعفى عن المتفرّق و إن زاد المجموع عن الدرهم ما لم يبلغ واحد من المتفرقات درهما، أو يعم فلا يعفى عن الزائد مطلقا؟ الأول- و هو الأقوى- للشيخ و الحلّي و ابن سعيد و الشرائع و النافع و التلخيص و المدارك و الذخيرة و الحدائق «1»، و جعله الثاني الأظهر في المذهب، و في الذكرى: إنه المشهور «2».

لإطلاق نفي البأس في مرسلة جميل عمّا فيه الدم متفرّقا شبه النضح «3»، بل لجزئه الأخير أيضا بجعل قوله: «مجتمعا» حالا محقّقة و: «قدر الدرهم» خبرا، أو بجعل الأول خبرا [و الثاني ] [1] منصوبا بنزع الخافض أو خبرا بعد خبر.

و أظهر منه صحيحة ابن أبي يعفور بجعل: «مجتمعا» حالا محقّقة أو خبرا، أو خبرا بعد خبر «4».

و أمّا الحال المقدّرة الموجبة لسقوط الاستدلال فهي فيهما غير متصوّرة، لظهور اتّحاد زماني الاجتماع و الكون بقدر الدرهم، مع أنّ تغايرهما شرط في المقدّرة اتّفاقا. بل قد يقال بامتناع المحقّقة في الصحيحة أيضا، لامتناعها في النقط المفروضة فيها.

و يندفع بإمكان إرجاع المستتر إلى الدم

المضاف إليه دون النقط، بل هو أنسب بتذكير الحال، مع أنّ كون نقطة منها بقدر الدرهم ممكن.

و الثاني- و هو الأحوط- للديلمي و القاضي و ابن حمزة و الفاضل «5»، و نسب

______________________________

[1] أضفناها لاستقامة المتن.

______________________________

(1) الشيخ في المبسوط 1: 36، النهاية: 51، الحلي في السرائر 1: 178، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 23، الشرائع 1: 53، المختصر النافع: 18، المدارك 2: 318، الذخيرة: 159، الحدائق 5: 316.

(2) الذكرى: 16.

(3) راجع ص 293.

(4) راجع ص 292.

(5) الديلمي في المراسم: 55، القاضي في المهذب 1: 51، ابن حمزة في الوسيلة: 77، الفاضل في التحرير 1: 24، و المنتهى 1: 173، و التذكرة 1: 8، و القواعد 1: 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 303

إلى أكثر المتأخّرين [1]، و اختاره والدي رحمه اللّه.

للصحيحة المتقدّمة، و الجزء الأخير من المرسلة، لا بجعل: «مجتمعا» حالا مقدرة حتى يرد ما ذكر، بل بجعله حالا محقّقة مع تقدير التقدير أي حال تقديره مجتمعا، مثل زيد مفطرا أعبد منه صائما، مدّعيا كون هذا المعنى متبادرا.

و للأصل المتقدّم، و إطلاق حسنة محمد، و رواية الجعفي، و الرضوي المتقدّمة «1»، و استصحاب شغل الذمة، مع الاعتضاد بالاعتبار من عدم التفرقة بين المجتمع و المتفرّق.

و يردّ الأول: بأنه محتاج إلى تقدير لا دليل عليه، و جعل رجوع المستتر إلى النقط قرينة عليه مردود بما مرّ، و تبادر الحالية ثمَّ المحتاجة منها إلى التقدير ممنوع، و تبادرها في المثال المذكور لعدم إمكان اجتماع الحالين، و لذا لا يتبادر في غير مثله كما لو قيل- بعد السؤال عن الحوض النجس يرد عليه الماء شيئا فشيئا هل يطهره-: لا يطهره إلّا أن يرد قدر كر مجتمعا، فإنّ المتبادر

منه ورود قدر كر مجتمعا.

و البواقي: بأنّ الصحيحة و المرسلة بعد ما عرفت من تحقّق دلالتهما أخصّان مطلقا منها فيخصّصانها، و الاعتبار المذكور لا اعتبار به.

و ها هنا مذهب ثالث اختاره الشيخ في النهاية و المحقّق في المعتبر «2»، و هو:

تعليق وجوب الإزالة على التفاحش. و صرح الأكثر بعدم مستند له، و يمكن جعل الجزء من المرسلة له دليلا بتنزيل شبه النضح على غير المتفاحش، و لكنه لا يتم بعد ملاحظة المعارضات له، فتدبّر.

ثمَّ على القول بتقدير الاجتماع ففي جريانه فيما لو كانت التفرقة في أكثر من

______________________________

[1] نسبه إليهم السبزواري في الذخيرة: 159، و صاحب الحدائق 5: 315.

______________________________

(1) في ص 266، 253، 293.

(2) النهاية: 52، المعتبر 1: 430.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 304

ثوب أو في البدن أو الثوب و البدن، و عدمه، أو انفراد كلّ منهما في حكمه، وجوه أظهرها: التقدير في الجميع.

الثاني من شرائط لباس المصلّي:

أن لا يكون جلد ميتة، فلا تجوز الصلاة فيه و لو دبغ سبعين مرة، إجماعا محقّقا و محكيا في المعتبر و المنتهى و التذكرة و شرح القواعد «1»، و غيرها «2»، و هو الحجة فيه، مع ما مرّ من نجاسته المانعة عن الصلاة فيه، بل و كذا لو قلنا بطهارته- حتى منع الإسكافي القائل بها بعد الدباغ «3»- للنصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة «4».

و في حكم المعلوم كونه ميتة ما لم يعلم تذكيته، كما مرّ في كتاب الطهارة سوى ما استثني فيه.

و الظاهر- كما هو مقتضى عموم أكثر الأخبار، و خصوص مرسلة ابن أبي عمير: في الميتة قال: «لا تصلّ في شي ء منه و لا شسع» «5»- عموم المنع لما لا تتمّ الصلاة فيه أيضا، كما صرّح به جماعة

«6».

و أما موثّقة الهاشمي: عن لباس الجلود و الخفاف و النعال و الصلاة فيها إذا لم تكن من أرض المسلمين، قال: «أمّا النعال و الخفاف فلا بأس بها» [1] فلمعارضة ما مرّ غير صالحة، مع أنّها لما سبق في بحث الجلود من عدم جواز الانتفاع بالميتة

______________________________

[1] التهذيب 2: 234- 922، الوسائل 4: 427 أبواب لباس المصلي ب 38 ح 3، و فيهما: المصلين بدل المسلمين.

______________________________

(1) المعتبر 2: 77، المنتهى 1: 225، التذكرة 1: 94، جامع المقاصد 2: 80.

(2) كالذكرى: 142، و روض الجنان: 212، و كشف اللثام 1: 183، و الحدائق 7: 50، و الرياض 1: 121.

(3) حكاه عنه في المختلف: 64 و 79.

(4) انظر الوسائل 4: 343 أبواب لباس المصلي ب 1.

(5) التهذيب 2: 203- 793، الوسائل 4: 343 أبواب لباس المصلي ب 1 ح 2.

(6) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان: 212، و صاحب المدارك 3: 161، و صاحب الرياض 1:

122.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 305

مطلقا منافية، و لإرادة غير الميتة محتملة، بل عليها- جمعا- محمولة.

بل الظاهر تعدّي المنع إلى ما يصاحبه المصلّي و إن لم يكن لباسا و لا جزأه.

لا لمفهوم صحيحة عبد اللّه: يجوز للرجل أن يصلّي و معه فأرة مسك؟ فكتب: «لا بأس به إذا كان ذكيا» «1» لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية للتذكية، فإرادة الطهارة منها هنا كما فسّرها بها في الذكرى «2»، و إرادة الكراهة من البأس الثابت بالمفهوم حيث إنها مما لا تتم الصلاة فيه محتملة.

مع أنه لو أريد منها التذكية الشرعية، لزم التجوّز في مرجع المستتر في:

«كان» إن أرجع إلى الظبي، و في التذكية إن أرجع إلى الفأرة، و لا ترجيح لشي ء منهما على إرادة

الكراهة من البأس و الطهارة من التذكية لو كانت مجازا شرعيا فيها.

بل لموثّقة سماعة: عن تقليد السيف في الصلاة فيه الغراء و الكيمخت، قال: «لا بأس ما لم يعلم أنه ميتة» [1].

و رواية عليّ بن أبي حمزة: عن الرجل يتقلّد السيف و يصلّي فيه؟ قال:

«نعم» فقال الرجل: إنّ فيه الكيمخت!! فقال: «و ما الكيمخت؟» فقال: «جلود دواب منه ما يكون ذكيا و منه ما يكون ميتة، فقال: «ما علمت أنه ميتة فلا تصلّ فيه» «3».

و بهما يقيّد إطلاق صحيحة علي: عن فأرة المسك يكون مع الرجل يصلّي و هي معه في جيبه أو ثيابه، فقال: «لا بأس بذلك» «4».

______________________________

[1] الفقيه 1: 172- 811، التهذيب 2: 205- 800، الوسائل 3: 493 أبواب النجاسات ب 50 ح 12، الغراء مثل كتاب ما يلصق به معمول من الجلود و قد يعمل من السمك. المصباح المنير:

446، و الكيمخت بالفتح فالسكون و فسّر بجلد الميتة المملوح- مجمع البحرين 2: 441.

______________________________

(1) التهذيب 2: 362- 1500، الوسائل 4: 433 أبواب لباس المصلي ب 41 ح 2.

(2) الذكرى: 149.

(3) التهذيب 2: 368- 1530، الوسائل 3: 491 أبواب النجاسات ب 50 ح 4.

(4) الفقيه 1: 164- 775، التهذيب 2: 362- 1499، الوسائل 4: 433 أبواب لباس المصلي ب 41 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 306

ثمَّ الميتة الممنوعة من الصلاة فيها هل هي عامة لما لا نفس له أيضا؟ كما عليه بعض أصحابنا «1»، لإطلاق الأخبار بل عمومها. أو مختصة بما له نفس؟ كما عليه الآخرون، لكونه المتبادر من الإطلاق، و لأنّ الميتة في مقابل المذكّى و ليس لما لا نفس له تذكية. الحقّ هو الأول، لما مرّ، و منع التبادر جدّا،

فإنّه لا يفرّق اللغة و لا العرف بين العصفور و الوزغة و السمك في عدّ غير الحي منها ميتة، و عدم اقتضاء المقابلة المذكورة لعدم الصدق، فإنّ مقتضاها كون غير المذكّى من الحيوان ميتة، و المفروض منها، و لا يجب أن يكون قابلا للتذكية و إلّا لما صدق على ميتة نجس العين و المسوخات.

نعم، الظاهر عدم التبادر في مثل القمل و الذباب و البرغوث و النمل.

مع أنه لو قلنا بالصدق أيضا، فالظاهر الاتّفاق على خروجه و عدم البأس بالصلاة فيه.

مضافا إلى أنّ التعدّي إلى كلّ ميتة إنّما هو بعدم القول بالفصل، و تحقّقه في أمثال ذلك ممنوع.

ثمَّ إنّ مثل جلد الميتة جميع أجزائها التي تحل فيها الحياة بالإجماع. دون ما لا تحلّه، فتجوز الصلاة فيه إذا كان ممّا يؤكل لحمه إجماعا، له، و لصحيحة الحلبي: «لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة، إنّ الصوف ليس فيه روح» «2».

و يجب غسل الصوف و نحوه سواء جزّ أو قلع، كما مرّ في كتاب الطهارة.

الثالث:
اشارة

أن لا يكون من جلد ما لا يؤكل لحمه شرعا مطلقا و لو كان ممّا يذكّى و ذكّي و دبغ، و لا في صوفه و شعره و وبره و ريشه- إلّا ما يجي ء استثناؤه-

______________________________

(1) كالبهائي في الحبل المتين: 180.

(2) التهذيب 2: 368- 1530، الوسائل 4: 457 أبواب لباس المصلي ب 56 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 307

بالإجماع المحقّق و المحكي مستفيضا بل متواترا «1»، بل الظاهر أنه من شعار الشيعة يعرفهم به العامة، و هو الحجة في المقام.

مضافا إلى المستفيضة:

منها: رواية عليّ بن أبي حمزة: عن لباس الفراء و الصلاة فيها، فقال: «لا تصلّ فيها إلّا فيما كان منه

ذكيّا» قال: قلت: أو ليس الذكيّ ما ذكّي بالحديد؟

فقال: «بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه» قلت: و ما [1] يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال:

«لا بأس بالسنجاب، فإنه دابّة لا تأكل اللحم و ليس هو ممّا نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» الحديث «2».

و صحيحة الأحوص: عن الصلاة في جلود السباع، فقال: «لا تصلّ فيها» «3».

و موثّقتي سماعة و ابن بكير:

الاولى: عن لحوم السباع و جلودها، إلى أن قال: «و أمّا الجلود فاركبوا عليها و لا تلبسوا منها شيئا تصلّون فيها» «4».

و الثانية: من الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر، فأخرج كتابا زعم أنه إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إن الصلاة في كلّ شي ء

______________________________

[1] في التهذيب: و ما لا يؤكل ..

______________________________

(1) نقله في المنتهى 1: 226، و التذكرة 1: 94، و شرح القواعد 2: 81، و المدارك 3: 161، و المعتبر 2: 78، 81، و عن الخلاف 1: 63 و 511، و الغنية (الجوامع الفقهية): 555، و نهاية الإحكام للفاضل 1: 373، و روض الجنان: 213، و السرائر 1: 262 و غيرها. منه رحمه اللّه تعالى.

(2) الكافي 3: 397 الصلاة ب 65 ح 3، التهذيب 2: 203- 797، الوسائل 4: 348 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 3.

(3) الكافي 3: 400 الصلاة ب 65 ح 12، التهذيب 2: 205- 801، الوسائل 4: 354 أبواب لباس المصلي ب 6 ح 1.

(4) الفقيه 1: 169- 801، التهذيب 2: 205- 802، الوسائل 4: 353 أبواب لباس المصلي ب 5 ح 3 و 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 308

حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده

و بوله و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه فاسدة، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّي في غيره ممّا أحل اللّه أكله- إلى أن قال- و إن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرم عليك أكله فالصلاة في كل شي ء منه فاسدة ذكّاه الذبح أو لم يذكّه» «1».

و مرسلة الفقيه: «يا علي لا تصلّ في جلد ما لا يشرب لبنه و لا يؤكل لحمه» «2».

و المروي في العلل: «لا تجوز الصلاة في شعر و وبر ما لا يؤكل لحمه، لأن أكثرها مسوخ» «3».

و ضعف سند بعضها كاختصاص طائفة منها بالسباع غير ضائر، لانجبار الأول بالعمل، و الثاني بالإجماع المركّب.

و صحيحة ابن مهزيار: عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب، فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة و لا تقية؟ فكتب عليه السلام: «لا تجوز» «4» و قريبة منها رواية الأبهري «5». إلى غير ذلك.

و لا ينافيه خبر الوشّاء: « [كان أبو عبد اللّه عليه السلام ] يكره الصلاة في شعر و وبر كل شي ء لا يؤكل لحمه» [1] للأعميّة، حيث إنّ الكراهة في اللغة أعم

______________________________

[1] التهذيب 2: 209- 820، علل الشرائع: 342- 2، الوسائل 4: 346 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 5، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) الكافي 3: 397 الصلاة ب 65 ح 1، التهذيب 2: 209- 818، الاستبصار 1: 383- 1454، الوسائل 4: 345 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1.

(2) الفقيه 4: 265- 824، الوسائل 4: 346 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 6.

(3) علل الشرائع: 342- 1، الوسائل 4: 347 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 7.

(4) الكافي 3: 399 الصلاة ب 65

ح 9، التهذيب 2: 206- 806، الاستبصار 1: 383- 1451، الوسائل 4: 356 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 3.

(5) التهذيب 2: 206- 805، الاستبصار 1: 383- 1452، الوسائل 4: 356 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 309

من الحرمة.

و لا صحيحة ابن يقطين: عن لباس الفراء [و السمّور] و الفنك و الثعالب و جميع الجلود، قال: «لا بأس بذلك» [1] لعدم دلالتها على انتفاء البأس في الصلاة فيها.

و لا مطلقات نفي البأس عن الصلاة فيما يشترى في السوق أو سوق المسلمين أو بلد غالب أهله المسلمون حتى تعلم أنه ميتة «1»، للإجماع على اختصاصها بالمأكول باعتبار السوق و الإسلام، و أنّ كل غير مأكول شك فيه من هذه الجهة كالسمور و الثعلب لا يصير سوق المسلمين و الإسلام سببا لحلية الصلاة فيه.

كما لا ينافي الإجماع ما يظهر من المعتبر من الميل إلى العمل بصحيحة ابن يقطين في الصلاة أيضا [2]، لشذوذه، مع احتمال أن يكون تجويزه العمل في السمور و الثعالب و السنجاب و الفنك خاصة.

و هاهنا مسائل:
المسألة الاولى:

لو علّق شي ء من فضلات ما لا يؤكل بالثوب كالشعرة الملقاة عليه، لا تجوز الصلاة فيه على الأصح، وفاقا لجماعة منهم المحقّق الثاني و المحدّث المجلسي- رحمه اللّه- و الفاضل الخوانساري «2».

لا لما دلّ على عدم جواز الصلاة في وبر ما لا يؤكل و شعره، لعدم تحقّق

______________________________

[1] التهذيب 2: 211- 826، الاستبصار 1: 385- 1560، الوسائل 4: 352 أبواب لباس المصلي ب 5 ح 1، بدل ما بين المعقوفين في النسخ: السنّور، و ما أثبتناه من المصادر.

[2] المعتبر 2: 87. قال بعد نقل تلك الرواية، و صحيحة الحلبي الواردة في السمّور و

السنجاب و الثعالب و أشباه الفراء: و طريق هذين الخبرين أقوى و لو عمل بهما عامل جاز، لكن على الأول عمل الظاهرين من الأصحاب منضما إلى الاحتياط للعبادة. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) انظر الوسائل 4: 455 أبواب لباس المصلي ب 55.

(2) المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 81، المجلسي في البحار 80: 221، الخوانساري في الحواشي على شرح اللمعة: 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 310

الظرفية المستفادة من لفظة: «في» في المورد.

و لا لموثقة ابن بكير، حيث إن ذكر البول و نحوه ينفي إرادة الظرفية و يعيّن مطلق الملابسة قطعا، لاحتمال أن يكون المعنى المجازي هو نوع خاص من الملابسة و هو ما يتلطّخ أو يتلوّث به اللباس دون مطلق التعلّق و المصاحبة، كما فرّق فيه بعضهم، منهم والدي العلّامة- رحمه اللّه- في المعتمد «1».

بل لرواية إبراهيم بن محمد: يسقط على ثوبي الوبر و الشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقية و لا ضرورة، فكتب: «لا تجوز الصلاة فيه» «2».

و ضعف سندها عندنا غير ضائر، مع أنّه بالشهرة المحكية في البحار «3»، و بعض آخر من الأجلّة منجبر «4».

و تؤيّده أيضا أخبار المنع عن الصلاة في الثوب الذي تحت وبر الأرانب و فوقه «5».

خلافا للشهيدين و المدارك «6»، و بعض آخر «7»، و نسبه والدي- رحمه اللّه- إلى أكثر الثالثة، فخصّوا المنع بالملابس، للأصل.

و صحيحة الصهباني، المكاتبة: هل يصلّي في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب: «لا تحلّ الصلاة في الحرير

______________________________

(1) و كذا الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 110.

(2) التهذيب 2: 209- 819، الاستبصار 1: 384- 1455، الوسائل 4: 346 أبواب لباس المصلي

ب 2 ح 4.

(3) البحار 80: 223.

(4) كما في المعتبر 2: 82.

(5) انظر: الوسائل 4: 355 أبواب لباس المصلي ب 7.

(6) الشهيد الأول في الذكرى: 146، الشهيد الثاني في المسالك 1: 23، و روض الجنان: 214، المدارك 3: 165.

(7) كالفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 109.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 311

المحض، و إن كان الوبر ذكيا حلّت الصلاة فيه إن شاء اللّه» «1».

و مكاتبة عليّ بن ريّان: هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه من شعر الإنسان و أظفاره قبل أن ينفضه و يلقيه عنه؟ فوقّع: «تجوز» «2».

و نحوهما صحيحته الأخرى، إلّا أنها تتضمّن شعر المصلّي و أظفاره «3».

و يضعّف الأول: باندفاعه بما مرّ.

و الثاني- مع كونه أخصّ من المدّعى، لاختصاصه بما لا تتمّ الصلاة فيه، و عدم ثبوت الإجماع المركّب-: بأنه لمّا لم يمكن إرادة الحقيقة اللغوية التي هي الطهارة من التذكية، لعدم اشتراطها في غير الساتر إجماعا، و مجازها متعدّد، فكما يمكن أن يكون المراد منها مطلق الذبح الشرعي و إن ورد على غير المأكول كما استعملها فيه في موثّقة ابن بكير، يمكن أن يكون الذبح الوارد على خصوص مأكول اللحم كما خصّا به في رواية عليّ بن أبي حمزة، و لا مرجّح لأحد المجازين.

بل يمكن أن يكون المراد منه كونه من مأكول اللحم مطلقا و إن لم يذكّ. بل الظاهر تعيّن ذلك المعنى، للإجماع من غير الحنبلي على عدم اشتراط التذكية المطلقة أيضا.

مع أنه لو سلّمت دلالتها و تعارضها مع ما مرّ، لكان الترجيح لما مرّ، لمخالفة العامة- كما صرّح بها الجماعة- و يستفاد من قوله: «من غير تقية» بل هو معلوم قطعا، حيث إنهم يجوّزون في الملابس فكيف بما عليها

«4».

مضافا إلى مرجّحات أخر اجتهادية كالشهرة المحكية، و الرواية مشافهة التي هي أرجح من المكاتبة بوجوه عديدة سيما إذا كانت موافقة للعامة، و أظهرية

______________________________

(1) التهذيب 2: 207- 810، الاستبصار 1: 383- 1453، الوسائل 4: 377 أبواب لباس المصلي ب 14 ح 4.

(2) التهذيب 2: 367- 1526، الوسائل 4: 382 أبواب لباس المصلي ب 18 ح 2.

(3) الفقيه 1: 172- 812، الوسائل 4: 382 أبواب لباس المصلي ب 18 ح 1.

(4) انظر الأم للشافعي 1: 91.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 312

الدلالة.

و الثالث: باختصاصه بشعر الإنسان و ظفره، فلا يفيد في التعميم، و ظاهر جماعة منهم: الشهيد الثاني و المحقّق الخوانساري: جواز الفصل «1»، بل تحقّقه، بل قد يقال بخروج الإنسان من أخبار المنع رأسا بحكم تبادر غيره ممّا لا يؤكل «2».

و لكنه في محل المنع.

و كيف كان فلا ينبغي الريب في استثناء ما دلّت عليه الصحيحة من ظفر الإنسان و شعره، بل جميع فضلاته الطاهرة من لبنه و عرقه و وسخه و بصاقه و مخاطه و مذيه و وذيه و دمعة، من نفسه و غيره، لما مرّ، و للزوم العسر و الحرج في الأكثر.

و رواية الكفرثوثي و فيها- بعد السؤال عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب-:

«إن كان من حلال فصلّ فيه» «3».

و صحيحة ابن عمّار في عرق الحائض «4»، و حسنة زرارة في المذي و الوذي «5».

و قد ورد في المستفيضة أنّ المذي بمنزلة البصاق و المخاط «6»، فيثبت الحكم فيهما أيضا.

و ما دلّ على جواز الصلاة في الثوب الذي تقيّأ فيه «7» و على صحة الصلاة في

______________________________

(1) الشهيد الثاني في المسالك 1: 23، الخوانساري في الحواشي على شرح اللمعة: 187.

(2) انظر الحواشي على

شرح اللمعة: 187.

(3) الذكرى: 14، الوسائل 3: 447 أبواب النجاسات ب 27 ح 12.

(4) التهذيب 1: 269- 793، الاستبصار 1: 186- 649، الوسائل 3: 450 أبواب النجاسات ب 28 ح 4.

(5) الكافي 3: 39 الطهارة ب 25 ح 1، التهذيب 1: 21- 52، الاستبصار 1: 94- 305، الوسائل 1: 276 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 2.

(6) انظر الوسائل 1: 276 أبواب نواقض الوضوء ب 12 و ج 3: 426 أبواب النجاسات ب 17.

(7) الكافي 3: 406 الصلاة ب 66 ح 13، التهذيب 2: 358- 1484، الوسائل 3: 488 أبواب النجاسات ب 48 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 313

ثوب الغير مطلقا، و ثوب المرأة كما في صحيحة العيص «1».

و لموثّقة الساباطي: «لا بأس أن تحمل المرأة صبيها و هي تصلّي أو ترضعه و هي تتشهّد» «2» فإن الإرضاع لا ينفك عن وصول بصاق الصبي إلى ثدي امّه.

و رواية الحسين بن زرارة: عن الرجل يسقط سنّه فيأخذ سنّ ميت مكانه، قال: «لا بأس» «3».

و الظاهر أنّ السنّ المأخوذ ليس بحيث يقلع في أوقات الصلاة.

و ما دلّ على جواز البكاء في الصلاة «4».

بل الظاهر إجماع المسلمين، بل الضرورة على عدم التجنّب من ذلك في الصلاة، كما يظهر من ملاحظة مصافحاتهم و معانقاتهم و مضاجعاتهم مع زوجاتهم سيما في الأيام الحارّة، و لبسهم ثياب غيره و هكذا.

نعم، لو نسج ثوب من شعر إنسان أو شبه قلنسوة من ذوائبه فالظاهر المنع.

و الظاهر عدم المنع في وصل شعره بشعره مطلقا و لو كان كثيرا.

فروع:

أ: لا بأس باستصحاب شي ء ممّا لا يؤكل في الصلاة من غير تعلّق و استمساك و تشبّث له بالثوب أو البدن، كعروة السيف المقلّد

و عروة السكّين، للأصل، و عدم دلالة أخبار المنع على مثل ذلك، و قد صرّح بمثله والدي- رحمه اللّه- في المعتمد.

و فيما يماسّ الثوب من غير تشبّث له به- كقطعة من العاج في الجيب أو على المنطقة- تردد، و الأظهر الجواز، و الأحوط المنع. و لو فصل بينه و بين الثوب بشي ء،

______________________________

(1) الكافي 3: 402 الصلاة ب 65 ح 19، الفقيه 1: 166- 781، التهذيب 2: 364- 1511، الوسائل 4: 447 أبواب لباس المصلي ب 49 ح 1.

(2) التهذيب 2: 330- 1355، الوسائل 7: 280 أبواب قواطع الصلاة ب 24 ح 1.

(3) التهذيب 9: 78- 332، الوسائل 24: 183 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 12.

(4) انظر الوسائل 7: 247 أبواب قواطع الصلاة ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 314

زال المنع قطعا.

ب: هل تجوز الصلاة على فرش من جلد ما لا يؤكل لحمه أو وبره أو شعره؟

الظاهر نعم، للأصل، و عدم صدق كونه على الثوب بل الثوب عليه، و لم يثبت المنع في مثل ذلك.

ج: لو وصل مثل عرق غير المأكول أو لبنه ثوبا، يزول المنع بجفافه لو لم تبق منه عين، و لو بقيت يزول بزواله بالفرك و نحوه، و لا يحتاج إلى الغسل.

الثانية:

لا فرق في الملابس بين ما تتم الصلاة فيه و ما لا تتم [1]، وفاقا للمشهور كما صرّح به جماعة «1»، لصحيحة ابن مهزيار و رواية الأبهري المتقدّمتين «2»، بل جميع روايات المنع، لعدم اختلاف الظرفية بتمامية الصلاة فيه و عدمها، فليست العمامة ممّا يصلّي فيها دون القلنسوة، فلا حاجة إلى ضمّ الإجماع المركّب في الجلد إلى الوبر، أو غير التكة و القلنسوة إليهما، لتطرّق المنع في الإجماع

المذكور في الجملة.

خلافا لجماعة منهم والدي رحمه اللّه، فجوّزوا الصلاة في التكة و القلنسوة المعمولتين، أو مع ضمّ الجورب، أو ما لا تتم الصلاة فيه مطلقا المعمولة من وبر ما لا يؤكل، أو من الجلد أيضا، مع التصريح بالكراهة أو بدونه «3».

و منهم من تردّد في الجواز و عدمه مع جعل الأحوط المنع «4»، أو بدونه «5».

______________________________

[1] فلا تصح الصلاة في قلنسوة من جلد ما لا يؤكل أو وبره أو تكة أو خفّ أو نعل منه. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) منهم المحقق في المعتبر 2: 82، و المحقق الخوانساري في الحواشي على شرح اللمعة: 186، و صاحب الرياض 1: 122.

(2) في ص 308.

(3) انظر: المبسوط 1: 84، و المنتهى 1: 227، و المفاتيح 1: 109.

(4) كما في المنتهى 1: 227، و التحرير 1: 30، و المدارك 3: 167.

(5) كما في النهاية: 98، و الرياض 1: 122.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 315

للأصل المندفع بما مرّ.

و صحيحة الصهباني المجاب عنها بما ظهر «1».

و خبر ابن الصلت: سأل [أبا الحسن الرضا] [1] عليه السلام عن أشياء منها الخفاف عن أصناف الجلود، فقال: «لا بأس بهذا كله إلّا الثعالب» «2».

و هو مع عدم ذكر الصلاة فيه و موافقته للعامة أعم مطلقا من بعض روايات المنع، فيجب تخصيصه به.

و الرضوي: «و قد تجوز الصلاة فيما [لم ] تنبته الأرض و لم يحل أكله، مثل السنجاب و الفنك و السمور و الحواصل، إذا كان فيما لا تجوز في مثله وحده الصلاة» [2].

و هو ضعيف لا يصلح للمعارضة مع الأخبار المعتبرة.

فرع

: في حكم الملابس أجزاؤها المتصلة بها و إن كانت صغيرة، لفحوى رواية إبراهيم، المتقدّمة «3»، و مرفوعة أحمد: «في الخزّ

الخالص أنه لا بأس به، و أمّا الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك ممّا يشبه هذا فلا تصلّ فيه» «4».

الثالثة:

لو مزج صوف ما لا يؤكل أو نحوه مع نحوه ممّا يؤكل و نسج منه ثوب، لا تجوز الصلاة فيه، للفحوى و المرفوعة المتقدّمتين. و ما يجوّز بظاهره الصلاة في الخزّ المخلوط سيأتي دفعه.

الرابعة:

لو شكّ في الجلد أو غيره أنه من المأكول أو غيره، قال في المنتهى:

______________________________

[1] في النسخ: الصادق، و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

[2] فقه الرضا عليه السلام: 302، مستدرك الوسائل 3: 208 أبواب لباس المصلي ب 14 ح 1. و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) راجع ص 310 و 311.

(2) التهذيب 2: 369- 1533، الوسائل 4: 352 أبواب لباس المصلي ب 5 ح 2.

(3) في ص 310.

(4) الكافي 3: 403 الصلاة ب 65 ح 26، التهذيب 2: 212- 830، الاستبصار 1:

387- 1470، الوسائل 4: 361 أبواب لباس المصلي ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 316

إنه لا تجوز الصلاة فيه- و هو بإطلاقه شامل لما إذا كان الشك لأجل التردّد في أنه من أيّ حيوان، أو في أنّ هذا الحيوان الذي هو منه هل هو مأكول اللحم أم لا- و استدلّ: بأنّ الصلاة مشروطة بالستر بما يؤكل، و الشك في الشرط يقتضي الشك في المشروط «1».

و ردّ بمنع الاشتراط، بل الشرط الستر و الأصل فيه الإطلاق، و أخبار المنع دلّت على فساد الصلاة أو عدم جوازها فيما لا يؤكل، و هي لا تدلّ إلّا على الفساد فيما علم أنه ممّا لا يؤكل «2».

و أجيب بأن معنى: كلّ ما يحرم أكله- كما في الموثّقة «3»- ليس إلّا ما كان كذلك واقعا من غير مدخلية للمعلومية في معناه، مع أنّ الواجب تحصيل البراءة اليقينية «4».

أقول: نظر الرادّ إلى أنّ

النهي لمّا كان تكليفا و هو مشروط بالعلم قطعا فلا مفرّ من تقييد النواهي به، و نظر المجيب إلى أنه إنّما هو فيما يتضمّن النهي، و لكن قوله في الموثّقة: «إنّ الصلاة في وبر كلّ شي ء- إلى قوله-: لا تقبل تلك الصلاة» إخبار عن الواقع و ليس أمرا و لا نهيا، فلا دليل على تقييده، فيجب إبقاؤه على إطلاقه، و بملاحظة وجوب تحصيل البراءة اليقينية لا يبرأ إلّا بالصلاة فيما علم أنّه ليس ممّا [لا] [1] يؤكل.

ثمَّ أقول: إن الجواب إنما يتم لو لا المعارض للموثّقة، و لكن تعارضها الأخبار المصرّحة بجواز الصلاة في الجلود التي تشترى من سوق المسلمين «5»، و فيما

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء الكلام.

______________________________

(1) المنتهى 1: 231.

(2) كما في المدارك 3: 167، و الحواشي على شرح اللمعة: 187.

(3) المتقدمة في ص 307.

(4) شرح المفاتيح (المخطوط).

(5) الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 317

يصنع في بلد كان غالب أهله المسلمين من غير مسألة «1»، و تعارضهما بالعموم من وجه، و الأصل مع الجواز، فهو الأظهر، كما عليه جماعة ممّن تأخّر منهم صاحب المدارك و الأردبيلي و الخوانساري و المجلسي «2»، و والدي العلّامة رحمه اللّه.

و يؤيّده بل يدلّ عليه عمل الناس، بل إجماع المسلمين، حيث إنه لم يعلم كون أكثر الثياب- المعمولة من الصوف و الوبر و الشعر من الفراء و السقر لاب، و ما عمل لغمد السيف و السكين- ممّا يؤكل جزما، و مع ذلك يلبسها و يصاحبها الناس من العوام و الخواص في جميع الأمصار و الأعصار و يصلّون فيه من غير تشكيك أو إنكار، بل لولاه لزم العسر و الحرج في الأكثر.

و

تدلّ عليه أيضا الأخبار المصرّحة بأنّ كلّ شي ء يكون فيه حلال و حرام فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام بعينه «3».

بل لنا أن نقول: إنّ قوله في الموثّقة: «كلّ شي ء حرام أكله» يتضمّن الحكم التكليفي، فيقيّد بالعلم قطعا، أي كلّ شي ء علمت حرمة أكله، إذ لا حرمة مع عدم العلم، بل نقول: إنّ ما حرم أكله ليس إلّا ما علمت حرمته، لحلّية ما لم يعلم حرمته، كما يأتي في بحث المطاعم.

ثمَّ إنّ ذلك إنما هو إذا أخذ من يد أحد أو وجد جزء الحيوان و لم يمكن الفحص عن حال الحيوان، و أمّا لو كان هناك حيوان مشكوك فيه، فيرجع فيه إلى قاعدة حلّية اللحم و حرمتها مع الشك، كما يأتي في باب المطاعم و المشارب- إن شاء اللّه- مع زيادة بيان لما ذكر أيضا.

الخامسة:

إطلاق كثير من الفتاوى و إن يشمل ما لا نفس له أيضا كأكثر

______________________________

(1) التهذيب 2: 368- 1532، الوسائل 4: 456 أبواب لباس المصلي ب 55 ح 3.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 2: 95، المدارك 3: 167، البحار 80: 222، الحواشي على شرح اللمعة: 187.

(3) الوسائل 24: 235 أبواب الأطعمة المحرمة ب 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 318

الأخبار فلا تجوز الصلاة فيما لا يؤكل لحمه منه أيضا، إلّا أنّ الظاهر أنّ مرادهم غير مثل القمّل و البقّ و البرغوث و الذباب و الزنبور و النحل، لعدم تبادر ما لا يؤكل لحمه من أمثالها، بل لا لحم لها حتى يصدق ذلك عليها، فلا تشملها الأخبار المانعة عن الصلاة في فضلات ما لا يؤكل لحمه أيضا «1»، فتكون باقية تحت الأصل.

و أمّا قوله في آخر الموثّقة: «و إن كان غير

ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرم عليك أكله» إلى آخره حيث لم يقيّد باللحم فهو و إن شملها ظاهرا، إلّا أنّ ظاهر قوله فيها أخيرا: «ذكّاه الذبح أو لم يذكّه» أنه فيما من شأنه ورود الذبح عليه، فإنّه لا يستعمل عدم التذكية بالذبح إلّا فيما يصلح له.

مع أنه على فرض الشمول يجب الحكم بالخروج، بالإجماع القطعي في مثل دم البراغيث و القمل و البق و فضلة الذباب و نحوها، و يلزم العسر و الحرج الشديدين لولاه.

و بصحيحة الحلبي: عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه؟ قال: «لا و إن كثر» «2».

و صحيحة ابن مهزيار: عن الصلاة في القرمز و إنّ أصحابنا يتوقّفون فيه، فكتب: «لا بأس به مطلق» «3» و قد ذكروا أنّ القرمز صبغ أرمني يكون من عصارة دود يكون في آجامهم «4».

و المروي في نوادر الراوندي: «عن الصلاة في الثوب الذي فيه أبوال

______________________________

(1) الوسائل 3: 404 أبواب النجاسات ب 8.

(2) الكافي 3: 59 الطهارة ب 38 ح 8، التهذيب 1: 259- 753، الوسائل 3: 431 أبواب النجاسات ب 20 ح 7.

(3) الفقيه 1: 171- 806، التهذيب 2: 363- 1502، الوسائل 4: 435 أبواب لباس المصلي ب 44 ح 1.

(4) كما في القاموس المحيط 2: 194.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 319

الخنافس و دماء البراغيث، فقال: «لا بأس» «1».

فروع:

أ: الممنوع من الصلاة فيه ما كان ممّا حرم أكله و نهي عنه، كما صرّح به في الموثّقة، فلا منع فيما يكره و ما لا يعتاد في بعض البلاد، بل المراد من قوله: «ما لا يؤكل لحمه» «2» الوارد في بعض الأخبار أيضا ما ليس بحلال بقرينة قوله

في الموثّقة:

«حتى يصلّي في غيره ممّا أحلّ اللّه أكله».

ب: لو حمل حيوانا غير مأكول فالمصرّح به في كلام جماعة عدم بطلان الصلاة به «3»، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله حمل امامة و هو يصلّي «4»، و ركب الحسين على ظهره و هو ساجد، و هذه الحكاية نقلها الفريقان «5»، و مع ذلك تدلّ عليه موثّقة الساباطي، المتقدّمة «6»، و صحيحة مسمع «7»، إلّا أنّ جميع ذلك في خصوص الإنسان دون غيره، إلّا أن يطّرد الحكم بعدم ظهور أدلّة المنع في مثل ذلك، و هو كذلك.

ج: لو وضع شيئا ممّا لا يؤكل في فيه، كسنّ حيوان غير مأكول مكان سنّه، فالظاهر عدم البطلان، لأنّ الثابت من أدلّة المنع إنّما هو فيما كان على الثوب أو ظواهر البدن، و أمّا مثل باطن الفم فلا. و مطلقات منع الصلاة فيما لا يؤكل قد عرفت عدم دلالتها.

تتميم

: الصدف حيوان لا يؤكل لحمه، لصحيحة علي: عن اللحم الذي

______________________________

(1) بحار الأنوار 80: 260- 9.

(2) انظر الوسائل 4: 345 أبواب لباس المصلي ب 2.

(3) كما في التذكرة 1: 96.

(4) صحيح مسلم 1: 385.

(5) انظر المناقب 4: 71، و مسند أحمد 2: 513.

(6) راجع ص 313.

(7) التهذيب 2: 329- 1350، الوسائل 7: 278 أبواب قواطع الصلاة ب 22 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 320

يكون في أصداف البحر و الفرات أ يؤكل؟ قال: «ذلك لحم الضفادع لا يحل أكله» «1».

و صرّح الأطبّاء في كتبهم بكونه حيوانا، و أثبتوا للحمه خواصّا، و قد أخبر عنه التجّار و الغوّاصون أيضا.

و لذلك استشكل بعضهم في الصلاة في اللؤلؤ لكونه جزءا من الصدف.

و أجاب عنه في البحار بمنع كونه جزءا من ذلك الحيوان،

و الانعقاد في جوفه لا يستلزم الجزئية، بل الظاهر أنه ظرف لتولّد ذلك.

و بمنع الإشكال فيما لا نفس له ممّا لا يؤكل، مع أنه لو سلّم الجميع لوجب الحكم باستثنائه، لقوله سبحانه وَ تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها «2» و شيوع التحلّي بها في أعصار الأئمة مع عدم ورود منع في خصوصه، و لو كان ممنوعا لورد المنع منه «3».

و ضعف غير الأخير ظاهر.

و يمكن الاستناد في الاستثناء بعمل الناس في الأعصار و الأمصار من غير نكير، مع أنه في بعض الروايات أنه كان لسيدة النساء عليها السلام قلادة فيها سبعة لآلي «4».

السادسة:

قد استثني ممّا لا يؤكل لحمه أمور:

منها: الخز، و استثناء وبره الخالص مجمع عليه، و في المنتهى و التذكرة

______________________________

(1) الكافي 6: 221 الصيد ب 12 ح 11، التهذيب 9: 12- 46، قرب الإسناد: 279- 1109، الوسائل 24: 146 أبواب الأطعمة المحرمة ب 16 ح 1.

(2) النحل: 14.

(3) البحار 80: 172.

(4) المنتخب للطريحي: 64، و نقله في البحار 45: 189 عن بعض مؤلفات الأصحاب.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 321

و المعتبر و شرح القواعد و البحار «1»، و عن نهاية الاحكام و الذكرى «2»، و غيرهما «3»:

دعوى الإجماع عليه، و في التنقيح نفي الخلاف عنه «4»، فهو الحجة فيه.

مضافا إلى المستفيضة، منها: رواية ابن أبي يعفور: ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال: «لا بأس بالصلاة فيه- إلى أن قال-: فإن اللّه تبارك و تعالى أحلّه و جعل ذكاته موته كما أحلّ الحيتان و جعل ذكاتها موتها» «5».

و رواية يحيى بن عمران: في السنجاب و الفنك و الخزّ، و قلت: جعلت فداك أحبّ أن لا تجيبني بالتقية في ذلك، فكتب بخطّه: «صلّ فيها»

«6».

و موثّقة معمّر: عن الصلاة في الخز، فقال: «صلّ فيه» «7».

و في صحيحة الجعفري: «إنّ أبا الحسن الرضا عليه السلام صلّى في جبّة خزّ» «8».

و في رواية ابن مهزيار: «إنّ أبا جعفر الثاني صلّى الفريضة و غيرها في جبّة خزّ و أمر بالصلاة فيها» «9».

______________________________

(1) المنتهى 1: 231، التذكرة 1: 95، المعتبر 2: 84، جامع المقاصد 2: 78، البحار 80:

219.

(2) نهاية الاحكام 1: 374، الذكرى: 144.

(3) كالغنية (الجوامع الفقهية): 555، و الرياض 1: 124، و الحدائق 7: 60.

(4) التنقيح الرائع 1: 178.

(5) الكافي 3: 399 الصلاة ب 65 ح 11، التهذيب 2: 211- 828، الوسائل 4: 359 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 4.

(6) الفقيه 1: 170- 804، الوسائل 4: 349 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 6، و فيهما: عن يحيى بن أبي عمران.

(7) التهذيب 2: 212- 829، الوسائل 4: 360 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 5.

(8) الفقيه 1: 170- 802، التهذيب 2: 212- 832، الوسائل 4: 359 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 1.

(9) الفقيه 1: 170- 803، الوسائل 4: 359 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 322

و في مجالس ابن الشيخ: إنّ الرضا عليه السلام خلع على دعبل قميصا من خزّ و قال: «صلّيت فيه ألف ليلة في كلّ ليلة ألف ركعة» «1».

و مرفوعتي أحمد و النخعي: «في الخز الخالص أنه لا بأس به، فأمّا الذي خلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك ممّا يشبه هذا فلا تصلّ فيه» «2».

و مقتضى الأخيرتين: اختصاص الاستثناء بالخالص من الاغتشاش بوبر ما لا يؤكل لحمه أو شعره أو صوفه. و في المنتهى «3»، و عن الخلاف و

الغنية الإجماع عليه في الجملة «4».

و يدلّ عليه أيضا الرضوي المنجبر: «و صلّ في الخز إذا لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب» «5».

و أمّا رواية الصرمي «6» المجوّزة للصلاة في المغشوشة فلا تصلح لمعارضة ما ذكر، لضعفها بمخالفتها للعمل، و موافقتها للعامة.

و قول الصدوق «7» بالرخصة فيها شاذّ، و إرادته الرخصة في حال الضرورة ممكنة.

و الحقّ استثناء جلده أيضا، وفاقا للأكثر، كما صرّح به جماعة «8»، لإطلاق

______________________________

(1) أمالي الطوسي: 369، الوسائل 4: 99 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 30 ح 7.

(2) الكافي 3: 403 الصلاة ب 65 ح 26، التهذيب 2: 212- 830، 831، الاستبصار 1:

387- 1469، 1470، علل الشرائع: 357- 2، الوسائل 4: 361 أبواب لباس المصلي ب 9 ح 1.

(3) المنتهى 1: 231.

(4) الخلاف 1: 512، الغنية (الجوامع الفقهية): 555.

(5) فقه الرضا: 157، مستدرك الوسائل 3: 202 أبواب لباس المصلي ب 9 ح 1.

(6) الفقيه 1: 170- 805، التهذيب 2: 212- 833، الاستبصار 1: 387- 1471، الوسائل 4: 362 أبواب لباس المصلي ب 9 ح 2.

(7) كما في الفقيه 1: 171.

(8) منهم صاحب الرياض 1: 124.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 323

الروايات الثلاث الأول، بل خصوص الاولى منها، للتصريح فيها بالذكاة، و هي إنّما تعتبر في نحو الجلد لا الوبر ممّا لا تحلّه الحياة.

و تقييد الإطلاق بالوبر- كما قيل «1»- لا وجه له، و دعوى التبادر ممنوعة جدا.

و صحيحة سعد: عن جلود الخز، فقال: «هو ذا نحن نلبس» فقلت: ذاك الوبر جعلت فداك، قال: «إذا حلّ وبره حل جلده» «2». و عموم التلازم في الجواب يثبته في الصلاة أيضا، فعدم التصريح فيها بالإذن في الصلاة لا ضير فيه.

و صحيحة البجلي: عن جلود

الخزّ، فقال: «ليس بها بأس» «3». نفى فيها مطلق البأس عنها، و منه البأس في الصلاة فيها.

خلافا للسرائر و المنتهى و التحرير «4»، فخصّوا الاستثناء بالوبر، لعموم المنع من جلد ما لا يؤكل «5».

و التوقيع المروي في الاحتجاج فيما سئل عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام: إنه روي عن صاحب العسكر أنه سئل عن الصلاة في الخزّ الذي يغشّ بوبر الأرانب، فوقّع: «يجوز» و روي عنه أيضا: أنه لا يجوز، فأيّ الأمرين يعمل به؟ فأجاب عليه السلام: «فإنّما حرّم في هذه الأوبار و الجلود، فأمّا الأوبار وحدها فحلال» و في بعض النسخ: «فأمّا الأوبار فكلّها حلال» «6».

______________________________

(1) رياض المسائل 1: 124.

(2) الكافي 6: 452 الزي و التجمل ب 9 ح 7، التهذيب 2: 372- 1547، الوسائل 4: 366 أبواب لباس المصلي ب 10 ح 14.

(3) الكافي 6: 451 الزي و التجمل ب 9 ح 3، علل الشرائع: 357- 1، الوسائل 4: 362 أبواب لباس المصلي ب 10 ح 1.

(4) السرائر 1: 261 و 262، المنتهى 1: 231، التحرير 1: 30.

(5) الوسائل 4: 345 أبواب لباس المصلي ب 2.

(6) الاحتجاج: 492، الوسائل 4: 366 أبواب لباس المصلي ب 10 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 324

و العموم مدفوع بما مرّ، و التوقيع بعدم الدلالة، إذ التحريم بوبر و جلد معيّن كما يفيده قوله: «هذه» لا يثبته في غيره، فلعلّه عليه السلام أراد المنع عمّا يؤخذ من أيدي هؤلاء المجوّزين لاستعمال ذبيحة الكفّار، و لذا جوّز منها الأوبار.

ثمَّ إنّه اختلفت الأخبار و كلمات أهل الفقه و اللغة في حقيقة الخزّ، و لكن المعلوم اختلافه إنّما هو التعبير و لم يتحقّق اختلاف المعنى، و يمكن أن

تكون العبارات باختلافها واردة على مصداق واحد.

ففي رواية ابن أبي يعفور المتقدم بعضها: «إنه دابّة تخرج من الماء .. و إنه دابّة تمشي على أربع» «1».

و في روايته الأخرى: عن أكل لحم الخزّ، قال: «كلب الماء إن كان له ناب فلا تقربه، و إلّا فاقربه» «2».

و في صحيحة البجلي: عن جلود الخزّ- إلى أن قال-: جعلت فداك إنّها في بلادي و إنّما هي كلاب تخرج من الماء، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا خرجت من الماء تعيش خارجه؟» فقال الرجل: لا، فقال: «لا بأس» «3».

و في رواية حمران: عن الخزّ، فقال: «سبع يرعى في البر و يأوي في الماء» «4» و صرّح في العلل أيضا بأنه كلب الماء «5».

و لا شك أنه لا تنافي بين هذه الروايات، و المستفاد منها أنه كلب الماء.

و أمّا كلمات القوم ففي بعضها: إنه القندس «6»، و صرّح بعضهم أنّ

______________________________

(1) الكافي 3: 399 الصلاة ب 65 ح 11، التهذيب 2: 211- 828، الوسائل 4: 359 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 4.

(2) التهذيب 9: 49- 205، الوسائل 24: 191 أبواب الأطعمة المحرمة ب 39 ح 3.

(3) الكافي 6: 451 الزي و التجمل ب 9 ح 3، علل الشرائع: 357- 1، الوسائل 4: 362 أبواب لباس المصلي ب 10 ح 1.

(4) التهذيب 9: 49- 205، الوسائل 24: 191 أبواب الأطعمة المحرمة ب 39 ح 2.

(5) علل الشرائع: 357.

(6) انظر السرائر 3: 102.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 325

القندس هو كلب الماء «1»، و في آخر: إنه ما خصيته جند بيد ستر [1]، و قد اشتهر أنه خصية كلب الماء.

فلم يعلم اختلاف فيه نصّا أو فتوى، و الظاهر أنه كلب

الماء، كما لم يعلم اختلاف ذلك المصداق مع ما يسمّى في هذا الزمان خزا فيجب فيه الحكم باتّحادهما، تمسّكا بأصالة عدم النقل و عدم التعدّد و عدم التغيّر.

و أمّا ما قيل من أنّ المستفاد من الأخبار أنّهم كانوا ينسجون الثياب من صوف الخز و وبره و كان ذلك شائعا، و الخزّ المعروف الآن كأنّه لا يصلح لذلك [2]، ففيه: منع عدم الصلاحية، بل يصير صالحا بالغزل كما في شعر الغنم، مع أنّ المذكور في الأخبار كونه معمولا من وبره، و صلاحيته للغزل ظاهر جدّا.

ثمَّ هل هو مأكول اللحم أم لا؟ مقتضى الجمع بين الأخبار، بل صريح بعضها كما مرّ، و إليه أشار بعض المتأخّرين «2»: أنه على نوعين: مأكول و غير مأكول، و الاستثناء في الثاني مخصوص بالجلد و الوبر، و في الأول يعم كلّ ما لا روح له منه خاصة مع عدم التذكية و جميع أجزائه معها، و مع الشك في التذكية يرجع إلى القاعدة المتقدمة في كتاب الطهارة، و مع الشك في كون جلد خز من قسم المأكول أو غيره يرجع إلى قاعدة الشك في مأكول اللحم و غيره، فتحلّ الصلاة فيما أخذ من يد المسلمين و سوقهم، فتجوز الصلاة في بعض جلود الخز التي عليه ذنب فيه عظم إذا أخذ من المسلم أو سوقه لذلك.

و توهّم أنّ استثناء القوم الخز يدلّ على كونه غير مأكول مطلقا فاسد، لأنّ الاستثناء يتمّ على كون بعض أفراده غير المأكول بل على الفرض و التقدير مطلقا.

______________________________

[1] حكاه عن القانون في كشف اللثام 1: 181. جند بيدستر اسم مركب من جند- معرّب گند- و هو الخصية، و بيدستر و هو كلب الماء.

[2] لم نعثر على قائله.

______________________________

(1) نسبه

إلى البعض في كشف اللثام 1: 181.

(2) كما في الحدائق 7: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 326

و منها: السنجاب. فتجوز الصلاة في وبره و جلده، وفاقا للمقنع «1»، و المبسوط نافيا عنه الخلاف «2»، و صلاة النهاية و المعتبر و الشرائع و النافع و الإرشاد و المنتهى و التلخيص و الشهيدين «3»، و جعله الصدوق في أماليه من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به «4». و نسبه في المنتهى إلى أكثر الأصحاب، و الرواية الدالّة عليه إلى الاشتهار «5»، و في شرح القواعد إلى كبرائهم «6»، و في الذخيرة «7» و غيره «8» إلى المشهور بين المتأخّرين، و هو كذلك، بل كما قيل: لعلّه عليه [عامتهم ] غير نادر منهم [1].

للأصل، و النصوص المستفيضة، كروايتي عليّ بن أبي حمزة و يحيى بن عمران، المتقدّمتين «9».

و صحيحة أبي عليّ بن راشد و فيها: «فصلّ في الفنك و السنجاب، و أما السمّور فلا يصلّى فيه» قلت: فالثعالب يصلّى فيها؟ قال: «لا» «10».

و رواية مقاتل: عن الصلاة في السمور و السنجاب و الثعلب، فقال: «لا

______________________________

[1] كما في الرياض 1: 124، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

______________________________

(1) المقنع: 24.

(2) المبسوط 1: 82.

(3) النهاية: 97، المعتبر 2: 85، الشرائع 1: 69، المختصر النافع: 24، الإرشاد 1: 246، المنتهى 1: 228، الشهيد الأول في الذكرى: 144، و الدروس 1: 150، و البيان: 120، الشهيد الثاني في روض الجنان: 207، و المسالك 1: 23، و الروضة 1: 206.

(4) أمالي الصدوق: 513.

(5) المنتهى 1: 228.

(6) جامع المقاصد 2: 79.

(7) الذخيرة: 226.

(8) كالحدائق 7: 68.

(9) في ص 307 و 321.

(10) الكافي 3: 400 الصلاة ب 65 ح 14، التهذيب 2: 210- 822،

الاستبصار 1:

384- 1457، الوسائل 4: 349 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 327

خير في ذلك كلّه ما خلا السنجاب» «1».

و رواية الوليد: أصلّي في الفنك و السنجاب؟ قال: «نعم» فقلت: يصلّي في الثعالب إذا كانت ذكية؟ قال: «لا تصلّ فيها» «2».

و رواية بشير: عن الصلاة في الفنك و الفراء و السنجاب و السمّور و الحواصل التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الإسلام أن أصلّي فيه لغير تقية؟ فقال: «صلّ في السنجاب و الحواصل الخوارزمية، و لا تصلّ في الثعالب و لا السمور» «3».

و صحيحة الحلبي: عن الفراء و السمور و السنجاب و الثعالب و أشباهه، قال: «لا بأس بالصلاة فيه» «4».

و ضعف إسناد بعضها غير ضائر، و لو كان فبما مرّ منجبر، و تضمّن بعضها لما لا يقولون به لا يضرّ.

خلافا للمحكي عن الشيخ في قوله الآخر في أطعمة النهاية «5»، و عن المختلف و نهاية الإحكام «6»، و الحلّي و القاضي «7»، و ظاهر الإسكافي «8»، و الحلبي

______________________________

(1) الكافي 3: 401 الصلاة ب 65 ح 16، التهذيب 2: 210- 821، الاستبصار 1:

384- 1456، الوسائل 4: 348 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 2.

(2) التهذيب 2: 207- 811، الاستبصار 1: 382- 1450، الوسائل 4: 349 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 7.

(3) التهذيب 2: 210- 823، الاستبصار 1: 384- 1458، مستطرفات السرائر: 66- 6، الوسائل 4: 348 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 4.

(4) التهذيب 2: 210- 825، الاستبصار 1: 384- 1459، الوسائل 4: 347 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 1.

(5) النهاية: 586.

(6) المختلف: 79، نهاية الإحكام 1: 375.

(7) الحلي في السرائر 1: 262، القاضي في المهذب

1: 75، و شرح الجمل: 74.

(8) حكاه عنه في المختلف: 79.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 328

و السيد و ابن زهرة و المفيد «1»، و الخلاف و الجمل و الاقتصاد و المصباح «2» و مختصره، إلّا أنّ بعض الأجلّة حكى عن غير الخمسة الأولى الاحتياط بالمنع «3». و نسب المنع في شرح القواعد إلى ظاهر قول الأكثر «4»، و عن الذكرى و روض الجنان: نسبته إلى الأكثر «5»، و عن ابن زهرة: دعوى الإجماع عليه «6»، و عن التحرير و القواعد و الإيضاح و الصيمري: التردّد «7»، لاقتصارهم على نقل القولين من غير ترجيح.

و صرّح بالتوقّف شيخنا البهائي «8».

كلّ ذلك لموثّقة ابن بكير، المتقدّمة «9»، و العمومات «10»، و الرضوي: «و لا تجوز الصلاة في سنجاب و سمّور و فنك، فإذا أردت الصلاة فانزع عنك» «11».

و عن موضع آخر منه: «و إن كان عليك غيره من سنجاب أو سمور أو فنك و أردت الصلاة فيه فانزعه» [1].

و المروي في العلل: «و علّة أن لا يصلّى في السنجاب و السمور و الفنك قول

______________________________

[1] لم نعثر عليه في فقه الرضا عليه السلام، و لكنه موجود في الفقيه 1: 170 نقلا عن والده في رسالته.

______________________________

(1) الحلبي في الكافي: 140، حكاه القاضي عن جمل السيد في شرحه: 74، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 555، المفيد في المقنعة: 150.

(2) الخلاف 1: 511، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 177، الاقتصاد: 259، مصباح المتهجد: 25.

(3) كما في كشف اللثام 1: 182.

(4) جامع المقاصد 2: 79.

(5) الذكرى: 144، روض الجنان: 207.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 555.

(7) التحرير 1: 30، القواعد 1: 27، الإيضاح 1: 83، حكاه عن الصيمري في الرياض 1:

124.

(8) الحبل

المتين: 182.

(9) في ص 307.

(10) انظر الوسائل 4: 345 أبواب لباس المصلي ب 2.

(11) فقه الرضا عليه السلام: 157، مستدرك الوسائل 3: 199 أبواب لباس المصلي ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 329

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» «1».

و رواية أبي حمزة: عن أكل لحم السنجاب و الفنك و الصلاة فيهما، فقال أبو خالد: إن السنجاب يأوي الأشجار، قال: فقال: إن كان له سبلة كسبلة السنّور و الفأرة فلا يؤكل لحمه و لا تجوز الصلاة فيه، ثمَّ قال: «أمّا أنا فلا آكله و لا احرّمه» [1].

و مع مخالفة هذه للعامة، و هي المرجّحة لها على ما مرّ، مع اعتضادها بالمنقول من الإجماع و الشهرة، و خلوّها عن التضمّن لما لم يقل به أحد من الطائفة.

و يضعّف الأخير بعدم الدلالة جدّا، لكون التحريم فيها مشروطا بأمر غير محقّق، بل دلالته على أكل اللحم المجوّز للصلاة أظهر.

و سابقة بالخلوّ عن الدالّ على التحريم.

و سابقة بالضعف، و الانجبار بالشهرة إنّما يفيد لو كانت محقّقة أو محكية خالية عن المعارض، و كذا نقل الإجماع، مع أنّ الظاهر استناد حكايتهم الشهرة إلى إطلاق المنع فيما لا يؤكل من غير استثناء في كلام جملة من القدماء، و نقل الإجماع هنا أيضا على العموم و في الجواز على خصوص السنجاب.

مع أن فيه- بعد قوله أولا: «فانزع عنك»-: «و قد أروي فيه رخصة» و هو مشعر بأن الأصل المنع و الجواز رخصة، كما عن ظاهر الصدوق و الخلاف و التهذيبين و الديلمي و الجامع «2».

و سابقاه بوجود المخصص.

______________________________

[1] التهذيب 9: 50- 206، الوسائل 24: 192 أبواب الأطعمة المحرمة ب 41 ح 1. و السبلة:

الشارب راجع الصحاح 5: 1724.

______________________________

(1)

حكاه عن العلل لمحمّد بن علي بن إبراهيم في البحار 80: 235- 32.

(2) الصدوق في الفقيه 1: 170، الخلاف 1: 511، التهذيب 2: 211، الاستبصار 1: 385، الديلمي في المراسم: 64، الجامع للشرائع: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 330

و دعوى جماعة صراحة الموثّقة في المنع عن السنجاب «1»- لابتناء الجواب العام فيه عليه، لسبق السؤال الذي يصير كالنص في المسؤول عنه- غير صحيحة، كما صرّح به طائفة، منهم والدي رحمه اللّه «2»، لإمكان تخصيص السنجاب في الجواب بأن يقال: كلّ شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره مثلا حرام إلّا السنجاب الذي سألت عنه، و حيث جاز التخصيص متصلا جاز منفصلا، لعدم الفرق، و جريان أدلّة حمل العام على الخاص.

و لو قطع النظر عن جميع ذلك فيتعارض الدليلان، و الترجيح لدليل الجواز، لاشتهار أخباره و أكثريتها و موافقتها للشهرة المحقّقة.

و جعلها مرجوحة باعتبار الموافقة للعامة مردود بأن أكثرها يتضمّن المنع عمّا ظاهرهم الاتّفاق على الجواز فيه كما حكاه جماعة «3»، فالتفصيل لا يوافق مذهبهم، فيصدق عليه أيضا أنه لهم مخالف.

و القول بأنّ للتقية ضروبا فلعلّ مقتضاها هنا التفصيل، مدفوع بأنّ ما يدلّ على ترجيح مخالف العامة لا يجري هنا، و محض احتمال تصحيح التقية غير كاف في الترجيح.

مع أنّ السؤال في رواية بشير عن الصلاة فيه لغير تقية، و جوّزها في السنجاب و الحواصل، و منعها في السمور و الثعالب، فالجواز ممّا لا ينبغي الريب فيه.

نعم، لا يبعد القول بالكراهة كما عن الوسيلة «4»، خروجا عن شبهة الخلاف دليلا و فتوى، و تحصيلا ليقين البراءة.

______________________________

(1) كما في المدارك 3: 171، و الذخيرة: 226، و الحدائق 7: 69.

(2) و صاحب الرياض 1: 124.

(3) منهم الشهيد

الثاني في روض الجنان: 214.

(4) الوسيلة: 87.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 331

و منها: الثعالب و الأرانب، ورد استثناؤهما في الأخبار المستفيضة «1»، و قد مال إليه المحقّق كما مرّ «2»، و بعده في المدارك «3».

و هو ضعيف غايته، لمعارضة تلك الروايات بأكثر منها من روايات المنع المتقدّمة كثير منها، مضافة إلى عمومات المنع في مطلق ما لا يؤكل «4»، و المانعة عن الصلاة في الخز المغشوش بوبر الأرانب و ما يشبهه «5»، و التوقيع المروي في الخرائج:

«فأما السمّور و الثعالب فحرام عليك و على غيرك الصلاة فيه» «6» و رجحان الأخيرة بالأكثرية و مخالفة العامة.

مع أن الظاهر عدم حجية الاولى، لمخالفتها للشهرة القديمة و الجديدة المحقّقة، و المحكية مستفيضة في كلام جماعة، منهم المعتبر و المدارك «7»، بل في الأخير إجماعهم على المنع بحسب الظاهر، و عن الخلاف نفي الخلاف عنه [1].

و يشعر به كلام الدروس و البيان «8»، حيث جعلا رواية الجواز مهجورة متروكة مشعرا بدعوى الإجماع عليه، كما هو صريح الانتصار «9». مضافا إلى ما مضى من الإجماعات المحكية في خصوص المغشوش بوبر الأرانب و الثعالب، فطرحها أو حملها على التقية لازم، سيما مع عمومها بالنسبة إلى الضرورة و التقية،

______________________________

[1] لم نعثر عليه في الخلاف.

______________________________

(1) انظر الوسائل 4: 355 أبواب لباس المصلي ب 7.

(2) في ص 309.

(3) المدارك 3: 173.

(4) انظر الوسائل 4: 345 أبواب لباس المصلي ب 2.

(5) انظر الوسائل 4: 361 أبواب لباس المصلي ب 9.

(6) الخرائج و الجرائح 2: 702- 18، مستدرك الوسائل 3: 197 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 1.

(7) المعتبر 2: 86، المدارك 3: 173.

(8) الدروس 1: 150، البيان: 120.

(9) الانتصار: 38.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 4، ص: 332

و خصوص بعض أخبار المنع «1» بالنسبة إليهما، مع أنه لو قطع النظر عن الترجيح يكون المرجع عمومات المنع.

و منها: السمّور بفتح السين ثمَّ الميم المشدّدة، و هو- كما ذكره الشهيد الثاني في حاشية المسالك- حيوان يشبه السنور.

و في المصباح المنير: حيوان ببلاد الروس و يشبه النمس منه أسود لامع و أشقر [1].

و في التحفة: حيوان يشبه الدلق [2]، و أسود منه.

و الفنك بفتح الفاء و النون، و هو كما في المصباح المنير: نوع من الثعلب الرومي «2».

و في الصحاح: هو الذي يتخذ منه الفراء «3».

و في القاموس: دابة فروتها أطيب أنواع الفراء «4».

و في التحفة: إنّ جلده يكون أبيض و أشقر و أبلق، و حيوانه أكبر من السنجاب، و يؤخذ من بلاد الروس و الترك.

و في الحبل المتين: حيوان غير مأكول اللحم «5».

و في البحار: لا نعرفه في تلك البلاد على التعيين «6». و هو كذلك.

______________________________

[1] المصباح المنير: 288 و النمس بالكسر: دويبة بمصر تقتل الثعبان. القاموس المحيط 2: 266.

[2] في مفردات التحفة: دلق اسم حيواني است شبيه به سمّور و در أصفهان موسوره، و بفارسى دله گويند. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) كرواية بشير المتقدمة في ص 327، و صحيحة علي بن مهزيار: الوسائل 4: 356 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 3، و رواية الأبهري: الوسائل 4: 356 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 5.

(2) المصباح المنير: 481.

(3) الصحاح 4: 1605.

(4) القاموس المحيط 3: 327.

(5) الحبل المتين: 180.

(6) البحار 80: 226.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 333

استثناهما في المقنع و الأمالي [1]، و قد عرفت ميل المحقّق إليه أيضا «1»، لبعض الروايات الغير الصالح للحجية، من جهة مخالفتها لعمل

معظم الفرقة، و متروكيتها بشهادة الشهيد «2»، و معارضتها لأكثر منها الراجح عليها باعتبار مخالفة العامة و أحدثية البعض، و هما من المرجّحات المنصوصة، و وجوب الرجوع إلى عمومات المنع لو لا الترجيح.

و منها: الحواصل، و هي كما في حياة الحيوان: طيور كبار لها حواصل عظيمة «3».

و قال ابن البيطار: و هذا الطائر يكون بمصر كثيرا، و يعرف بالبجع و هو جمل الماء «4».

استثناها الشيخ في النهاية و المبسوط «5»، و ادّعى الإجماع فيه عليه.

و في المنتهى بعد نقل ذلك: و هذا يدلّ على جواز ذلك عند أكثر الأصحاب «6». انتهى.

و استثناه والدي- رحمه اللّه- في المعتمد أيضا مدّعيا ظاهر الوفاق عليه.

لأخبار تدلّ عليه بظاهرها تقدّم بعضها، و منها التوقيع الرفيع: «و إن لم يكن

______________________________

[1] قال في المقنع ص 24: لا بأس بالصلاة في السنجاب و السمّور و الفنك. و قال في الأمالي ص 513:

ما لا يؤكل لحمه فلا يجوز الصلاة في شعره و وبره إلّا ما رخّصه الرخصة و هي الصلاة في السنجاب و السمّور و الفنك و الخزّ، و الأولى أن لا يصلّى فيها، و من صلّى فيها جازت صلاته، و أما الثعالب فلا رخصة فيها إلّا في حال التقية. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) راجع ص 309.

(2) الدروس 1: 150، البيان: 120.

(3) حياة الحيوان 1: 388.

(4) حكاه عنه في البحار 80: 228.

(5) النهاية: 97، المبسوط 1: 83.

(6) المنتهى 1: 228.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 334

لك ما تصلّي فيه فالحواصل جائز لك أن تصلّي فيه» «1».

و التقريب: أنه لو لم تجز الصلاة فيه لم تجز مع عدم الساتر أيضا كما في الحرير، فالتقييد محمول على الاستحباب كما جوّزه في البحار.

و هذه الأخبار

خالية عن غير المعارض العام، فالمصير إليها متعيّن.

و قول الشهيد في الدروس و البيان بأنّ رواية الجواز في الحواصل مهجورة «2»- بعد نفي مثل الشيخ «3» الخلاف الدالّ على الاشتهار في الصدر المتقدّم كما صرّح به في المنتهى «4»- غير ضائر.

و أمّا الرضوي: «و قد تجوز الصلاة فيما لم تنبته الأرض و لم يحل أكله، مثل السنجاب و الفنك و السمور و الحواصل، إذا كان فيما لا تجوز في مثله وحده الصلاة تجوز لك الصلاة فيه» «5» فدلالته على المنع فيما تجوز فيه الصلاة بالمفهوم الساقط هنا قطعا، لسقوط منطوقه الذي هو له تابع.

و منها: القاقم، قال في المصباح المنير: القاقم حيوان ببلاد الترك على شكل الفأرة إلّا أنه أطول و يأكل الفأرة هكذا أخبرني بعض الترك «6».

و قال في حياة الحيوان: دويبة يشبه السنجاب إلّا أنه أبرد منه مزاجا و أرطب و لهذا هو أبيض يقق و يشبه جلد الفنك و هو أعزّ قيمة من السنجاب [1].

و في مفردات التحفة ما ترجمته: القاقم جلد حيوان أكبر من الفأرة و أبيض، و مؤخّره قصير و رأس مؤخّره أسود، و لبسه أحرّ من السنجاب و أبرد من السمور،

______________________________

[1] حياة الحيوان 2: 195، و أبيض يقق أي شديد البياض ناصعه. الصحاح 4: 1571.

______________________________

(1) الخرائج و الجرائح 2: 702- 18.

(2) الدروس 1: 150، البيان: 120.

(3) المبسوط 1: 83.

(4) المنتهى 1: 228.

(5) فقه الرضا عليه السلام: 302، مستدرك الوسائل 3: 208 أبواب لباس المصلي ب 14 ح 1.

(6) المصباح المنير: 512.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 335

و في الخواص كالفنك.

و استثناه في روايتين مرويتين في قرب الإسناد و كتاب المسائل بإسنادهما عن عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه

السلام: عن لبس السمور و السنجاب و الفنك و القاقم، قال: «لا يلبس و لا يصلّي فيه إلّا أن يكون ذكيا» «1».

و لكن بإزائهما رواية أخرى مانعة في دعائم الإسلام: عن الصادق عليه السلام عن فرو الثعلب و السنور و السمور و السنجاب و الفنك و القاقم، قال:

«يلبس و لا يصلّى فيه» الحديث «2».

و لكنها غير صريحة في التحريم، لمكان النفي، و مع ذلك غير ثابتة الحجّية و إن كانت روايتا الجواز أيضا كذلك، فاللازم الرجوع إلى كونه غير مأكول اللحم و مأكوله، و المظنون- من عدّه في الروايات مع ما عدّ، و من قول صاحب المصباح:

أنه يأكل الفأرة- عدم أكل لحمه، فالأحوط ترك الصلاة فيه.

الرابع من شرائط لباس المصلي:
اشارة

أن لا يكون حريرا محضا إن كان رجلا، فتبطل معه بالإجماع المحقّق و المحكي في الانتصار و المعتبر و المنتهى و التذكرة و المدارك و البحار «3» و المعتمد، و عن الخلاف و الذكرى «4»، و غيرها «5»، و هو الحجة في المقام.

مضافا إلى النصوص المتكثرة، كصحيحتي الصهباني، إحداهما التي تقدّمت «6».

______________________________

(1) قرب الإسناد: 282- 1116، مسائل علي بن جعفر: 152- 205، الوسائل 4: 352 أبواب لباس المصلي ب 4 ح 6.

(2) دعائم الإسلام 1: 126، المستدرك 3: 199 أبواب لباس المصلي ب 4 ح 1.

(3) الانتصار: 37، المعتبر 2: 87، المنتهى 1: 228، التذكرة 1: 95، المدارك 3: 173، البحار 80: 239.

(4) الخلاف 1: 504، الذكرى: 145.

(5) ككشف اللثام 1: 185، و الرياض 1: 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 4    336     الرابع من شرائط لباس المصلي: ..... ص : 335

(6) في ص 310.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 336

و الثانية: هل يصلّى في قلنسوة

حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب: «لا تحلّ الصلاة في حرير محض» «1».

و صحيحتي الأحوص:

إحداهما: هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال: «لا» «2».

و الأخرى: عن الثوب الإبريسم هل يصلّي فيه الرجال؟ قال: «لا» «3».

و التوقيع المروي في الاحتجاج: إنّ ثيابا عتابية على عمل الوشي من قزّ أو إبريسم هل تجوز الصلاة فيها أم لا؟ فأجاب عليه السلام: «لا تجوز الصلاة إلّا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان» «4».

و الرضوي: «و لا يصلّى في ديباج و في حرير و لا في وشي و لا في ثوب إبريسم محض و لا في تكة إبريسم، و إذا كان سداه إبريسم و لحمته قطن أو كتان أو صوف فلا بأس بالصلاة فيها» «5».

و يدلّ عليه أيضا عن لبسه للرجال و عدم جوازه لهم في غير ما استثني بإجماع الأمة كما هو محقّق و محكي «6» متواترا، بل عدّ من ضروريات الدين و مسلّمات المسلمين، و تواترت به النصوص من الطريقين.

ففي موثّقة إسماعيل بن الفضل: «لا يصلح للرجل أن يلبس الحرير إلّا في

______________________________

(1) الكافي 3: 399 الصلاة ب 65 ح 10، التهذيب 2: 207- 812، الاستبصار 1:

385- 1462، الوسائل 4: 368 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 2.

(2) الكافي 3: 400 الصلاة ب 65 ح 12، الاستبصار 1: 385- 1463، الوسائل 4: 367 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 1.

(3) التهذيب 2: 207- 813.

(4) الاحتجاج: 492، الوسائل 4: 375 أبواب لباس المصلي ب 13 ح 8.

(5) فقه الرضا عليه السلام: 157، مستدرك الوسائل 3: 206 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 1.

(6) في الانتصار: 37، و المعتبر 2: 87، و المنتهى 1: 228، و التذكرة 1: 95،

و شرح القواعد (جامع المقاصد) 2: 83، و المدارك 3: 173، و الخلاف 1: 504 و 649، و الذكرى: 145، و التحرير 1: 30، و روض الجنان: 207، و المعتمد و غيرها (البحار 80: 239). منه رحمه اللّه تعالى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 337

الحرب» «1».

و الأخرى: في الثوب يكون فيه الحرير، فقال: «إن كان فيه خلط فلا بأس» «2».

و رواية عبيد: «لا بأس بلباس القزّ إذا كان سداه أو لحمته مع قطن أو كتان» «3» إلى غير ذلك.

و لكن الدليل الأخير يختص بما إذا كان اللباس مستورا به العورة كما صرّح به في المدارك «4» و المعتمد و غيرهما «5»، حيث إنّ صحة الصلاة حينئذ موجبة لاجتماع الواجب و الحرام في شي ء واحد باعتبارين، و هو محال باتّفاق العقلاء.

فالتعميم فيه- كبعضهم «6»- غير سديد، لعدم استلزام النهي عن غير ما يستر به العورة لبطلان الصلاة بوجه، بل صرّح والدي- رحمه اللّه- في المعتمد بالإجماع على عدم الفساد لذلك حينئذ.

بل الظاهر القدح في الاستدلال في صورة الاستتار به أيضا، لعدم وجوب الستر و اللبس إلّا توصّلا، بل شرط الصلاة هو مستورية العورة، و لذا يكفي حصولها بأيّ نحو كان و لو من غير المكلّف بل و لو من غير شخص، كما لو أسقط عليه ثوب و ستره، فحينئذ لا يجب عليه ستر أصلا.

و يظهر منه أنّ وجوب الستر على المصلّي ليس إلّا كوجوب غسل ثوبه، فكما

______________________________

(1) الكافي 6: 453 الزي و التجمل ب 11 ح 4، الوسائل 4: 371 أبواب لباس المصلي ب 12 ح 1.

(2) الكافي 6: 455 الزي و التجمل ب 11 ح 14، الوسائل 4: 374 أبواب لباس المصلي ب 13

ح 4.

(3) الكافي 6: 454 الزي و التجمل ب 11 ح 10، الوسائل 4: 374 أبواب لباس المصلي ب 13 ح 2.

(4) المدارك 3: 174.

(5) كالمعتبر 2: 87.

(6) انظر: الذكرى: 145، و جامع المقاصد 2: 83، و كشف اللثام 1: 186.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 338

أنّه لا تبطل الصلاة بالغسل بالماء المغصوب فكذا هنا.

و السرّ أن زوال النجاسة و حصول المستورية و نحوهما ليسا من العبادات الفاسدة بالنهي، فمع التوصّل إليهما بالطريق المنهي عنه يحصلان، و بعد حصولهما يتحقّق شرط الصلاة، و الشرط ليس منهيا عنه، بل المنهي عنه طريق تحصيله.

و من هنا نقول بعدم فساد الواجب بالتوصّل إليه بمقدّمة منهية عنها مع قولنا بوجوب المقدّمة و عدم جواز الاجتماع الأمر و النهي و لو في الواجبات التوصّلية، فنقول: إنّ الواجب هو الإتيان بالمقدّمة المباحة للتوصّل إلى ذيها، و لكن لكون وجوبها مشروطا بتوقّف الواجب عليه ينتفي وجوب المقدّمة بعد حصولها بأيّ نحو كان، و لذا يحكم ببراءة الذمة بالتوصّل بالمقدّمة المنهية عنها إلّا مع الانحصار.

نعم لو كانت المقدّمة ممّا يفسد بالنهي كالوضوء و الغسل يفسد ذوها بفسادها، و تمام التحقيق في ذلك في كتبنا الأصولية.

و أمّا القول ببطلان الصلاة للنهي المذكور المستلزم للأمر بالنزع الموجب للنهي عن ضدّه الذي هو الصلاة، فمردود بعدم التضاد، لاجتماعهما، مع أنه معارض بالأمر بالصلاة الموجب للنهي عن النزع لو كان ضدّا له. فالمناط في الاستدلال بالبطلان: الإجماع و النصوص.

و أمّا صحيحة ابن بزيع: عن الصلاة في ثوب ديباج، فقال: «ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس» «1» فمحمولة على غير المحض حيث لم يعلم كون الديباج حقيقة في المحض، أو على حال الضرورة، أو الحرب، أو

النساء، حملا للعام على الخاص.

و لو منع ذلك، يجب طرحها قطعا، لمخالفتها الإجماع و موافقتها العامة [1].

______________________________

[1] انظر المغني 1: 661، و قد نسب فيه القول بالصحة إلى أبي حنيفة و الشافعي.

______________________________

(1) التهذيب 2: 208- 815، الاستبصار 1: 386- 1465، الوسائل 4: 370 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 339

و هاهنا مسائل:
المسألة الاولى:

لا خلاف في جواز لبس الحرير حال الضرورة و الحرب مطلقا و لو من غير ضرورة، و نقل الإجماع عليه متكرّر «1»، و العمومات عليه دالّة، و النصوص به مستفيضة «2»، و هي كعبارات الأصحاب ناطقة بجواز اللبس من غير ذكر الصلاة، و لكن يشعر بجوازها فيه في الحالين بعض عبارات الأصحاب. و لا شك فيه مع اقتضاء الضرورة له أيضا، و أمّا بدونه ففيه إشكال [1].

و لا يبعد ترجيح الجواز، لمعارضة إطلاق جواز اللبس في حال الحرب مع إطلاق المنع حال الصلاة الموجبة للرجوع إلى أصل الجواز، بل لا يبعد دعوى الإجماع على عدم الفصل بين الجوازين، كما يستفاد من احتجاجاتهم، و صرّح به بعض الأجلّة [2] و إن ظهر خلافه من شرح الجعفرية [3].

الثانية:

مقتضى أكثر الأخبار المتقدّمة و المصرّح به في كلام جميع علمائنا:

اختصاص تحريم اللبس و إبطال الصلاة بالحرير المحض، فلا تبطل بغيره و لو كان الخليط قليلا ما لم يكن مستهلكا بحيث يصدق على الثوب أنه إبريسم.

قال في المعتبر و المنتهى: إنه مذهب علمائنا «3»، بزيادة «أجمع» في الثاني، و عليه الإجماع في شرح القواعد أيضا «4».

و في المعتمد: و لو كان الخليط عشرا. و كذا في التذكرة «5»، إلّا أنّه لم يتعرّض

______________________________

[1] و تظهر الفائدة في حال الحرب بدون ضرورة اللبس. منه رحمه اللّه تعالى.

[2] لم نعثر على شخصه.

[3] حيث قال فيه: لكن عدم جواز اللبس في غير الصلاة ليس عاما بل إذا كان في غير الحرب و غير الضرورة. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) انظر المعتبر 2: 88، و المنتهى 1: 228، و الذكرى: 145، و روض الجنان: 207.

(2) انظر الوسائل 4: 371 أبواب لباس المصلي ب 12.

(3) المعتبر

2: 90، المنتهى 1: 229.

(4) جامع المقاصد 2: 83.

(5) التذكرة 1: 95.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 340

للقلّة و الكثرة.

و هو الحجة في المقام، مضافا إلى عدم صدق ثوب الحرير و لا القزّ و لا الإبريسم المذكورة في الأخبار بدون التمحض أو استهلاك الخليط.

و المستفيضة: منها: موثّقة ابن الفضل، المتقدّمة «1».

و صحيحة البزنطي: عن الثوب الملحم بالقزّ و القطن، و القز أكثر من النصف، أ يصلّي فيه؟ قال: «لا بأس، و قد كان لأبي الحسن عليه السلام منه جباب» «2».

و المروي في المكارم: «لا بأس بإبريسم إذا كان معه غيره» «3» و غير ذلك.

و لا ينافيه التوقيع المذكور «4»، لعدم تصريح فيه بوجوب كون جميع السداء و اللحمة قطنا أو كتانا.

و مقتضى إطلاق جميع ما ذكر: كفاية ما صرّحوا به من الخليط القليل و لو كان عشرا كما مرّ، و هو كذلك.

و اللازم- كما صرّح به غير واحد منهم الحلّي و المحقّق الثاني «5»- اشتراط كون الخليط ممّا تجوز فيه الصلاة، فلو لم تجز لم تجز، لا لأجل صدق الحرير، بل لأنه أيضا يبطلها.

نعم، يشترط في الإبطال به أن لا يشترط فيه أيضا ما يشترط في الإبريسم

______________________________

(1) في ص 336.

(2) الكافي 6: 455 الزي و التجمل ب 11 ح 11، الوسائل 4: 373 أبواب لباس المصلي ب 13 ح 1.

(3) مكارم الأخلاق 1: 237- 700.

(4) راجع ص 336.

(5) الحلي في السرائر 1: 263، المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 83.

و منهم الشهيد في الذكرى، و صاحب المفاتيح، و شارحه، و المحقق الخوانساري. منه رحمه اللّه تعالى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 341

من المحوضة، بل كان مبطلا مطلقا، كأوبار غير ما استثني ممّا لا

يؤكل. و أمّا غيره كالذهب- على أن يكون المبطل لبسه محضا- فلا يبطل، للأصل، و عدم تحقّق ما يصدق عليه المبطل.

و لا يفيد الخلط بالقزّ، لأنّه إبريسم كما صرّح به في رواية موسى «1».

ثمَّ الجواز مختص بالممتزج، فلو خيط الحرير بغيره أو كانت البطانة أو الظهارة حريرا و الآخر غيره لم يرتفع المنع إجماعا، لصدق الحرير المحض.

و أمّا المحشوّ بالقزّ فالظاهر فيه الجواز، وفاقا لجماعة من المتأخّرين «2»، منهم والدي رحمه اللّه، للأصل السالم عن معارضة الإجماع، و أخبار المنع المشتملة إمّا على الثوب الممنوع صدقه على المورد، أو الحرير الغير المعلوم صدقه على غير الثوب، بل في الصحاح: إنّ الحرير من الثياب «3».

و لصحيحة ابن سعيد: عن الصلاة في ثوب حشوه قزّ، فكتب إليه و قرأته:

«لا بأس بالصلاة فيه» «4». و نحوها رواية السمط «5».

و مكاتبة إبراهيم بن مهزيار: في الرجل يجعل في جيبه بدل القطن قزا هل يصلي فيه؟ فكتب: «نعم لا بأس» «6».

خلافا للمحكي عن الأكثر «7»، تمسّكا بالعمومات، و تضعيفا للروايات، و مخالفة للعامة.

______________________________

(1) الكافي 6: 454 الزي و التجمل ب 11 ح 9، الوسائل 4: 368 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 4.

(2) منهم الشهيد في الذكرى: 145، و صاحب المدارك 3: 176، و المحقق السبزواري في الذخيرة:

227، و المجلسي في البحار 80: 239، و المحقق الخوانساري في حواشي شرح اللمعة: 196، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 185.

(3) الصحاح 2: 628.

(4) التهذيب 2: 364- 1509، الوسائل 4: 444 أبواب لباس المصلي ب 47 ح 1.

(5) الكافي 3: 401 الصلاة ب 65 ح 15، الوسائل 4: 444 أبواب لباس المصلي ب 47 ح 3.

(6) الفقيه 1: 171- 807، الوسائل

4: 444 أبواب لباس المصلي ب 47 ح 4.

(7) كما في البحار 80: 239.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 342

و الأول غير دالّ، و لو دلّ لما يفيد مع الخاص المنافي.

و الثاني ممنوع.

و الثالث إنّما يفيد مع وجود المعارض، و هو هنا مفقود.

الثالثة:

حرمة لبس الحرير مختصة بالرجال، فيجوز للنساء لبسه بإجماع المسلمين، بل كما قيل: بالضرورة من الدين «1». و الأخبار به مستفيضة «2»، و الدالّة بظاهره على ما ينافيه متروكة أو مؤوّلة.

و كذا تجوز صلاتهن فيه بلا خلاف ظاهر، إلّا من الصدوق في الفقيه حيث منع «3»، و الفاضل في المنتهى حيث توقّف «4»، و المحقّق الأردبيلي حيث مال إليه «5».

بل عن صريح المختلف «6»، و ظاهر الذكرى و روض الجنان «7»: اتّفاق ما عدا من ذكر من الأصحاب على الجواز، و هو كذلك كما يظهر على المتتبّع.

فالمسألة بحكم الحدس إجماعية، و هي في بعض العبارات مصرّحة «8» و مخالفة الشاذ فيها غير قادحة، و ملاحظة حال المسلمين في الأعصار من عدم منعهنّ من الصلاة فيه لها مؤكدة، فهي في المسألة الحجة، مضافة إلى الأصل و الاستصحاب السالمين عن معارضة غير ما يأتي من بعض الإطلاقات المعارض لمثله الموجب للتساقط، و بعض الروايات البعيد عن الحجية، لمخالفته عمل المعظم من القدماء و المتأخّرين، المؤيّدين باختصاص أكثر الأخبار سؤالا أو حكما بصلاة الرجال، مع أنه لو شملهن المنع لكان السؤال عن صلاتهن فيه أولى، لجواز

______________________________

(1) شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) انظر الوسائل 4: 379 أبواب لباس المصلي ب 16.

(3) الفقيه 1: 171.

(4) المنتهى 1: 229.

(5) مجمع الفائدة 2: 84.

(6) المختلف: 80.

(7) الذكرى: 145، روض الجنان: 208.

(8) انظر حاشية المدارك (المدارك): 140، و الرياض 1: 126.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 343

لبسهن له في غيرها.

و قد يستدلّ بمفهوم الحصر في رواية يوسف بن محمد: «لا بأس بالثوب أن يكون سداه و زرّه و علمه حريرا، و إنّما يكره الحرير المبهم للرجال» [1]. و هو ضعيف.

خلافا لمن تقدّم، لما تقدّم من الإطلاق.

و رواية زرارة: «سمعت أبا جعفر عليه السلام ينهى عن لباس الحرير للرجال و النساء إلّا ما كان من حرير مخلوط بخزّ لحمته أو سداه خز أو قطن أو كتان، و إنّما يكره المحض للرجال و النساء» «1» حيث لا يمكن حملها على مطلق اللبس إجماعا، فينبغي التقييد بحال الصلاة.

و المروي في الخصال: «يجوز للمرأة لبس الحرير و الديباج في غير صلاة و إحرام، و حرم ذلك على الرجال إلّا في الجهاد» «2».

و يضعّف الأول: بمعارضته مع إطلاق النصوص المرخّصة لهن في لبسه الشامل لحال الصلاة، بل عموم بعضها كموثّقة ابن بكير: «النساء تلبس الحرير و الديباج إلّا في الإحرام» «3».

و التعارض بالعموم من وجه، و حينئذ و إن أمكن تقييد كلّ منهما بالآخر، إلّا أنّ تقييد إطلاقات المنع بخصوص الرجال أولى من العكس و تقييد إطلاق الجواز بغير حال الصلاة، لوقوع التقييد الأول في كثير من الأخبار، و موافقته

______________________________

[1] الفقيه 1: 171- 808، التهذيب 2: 208- 817 و فيهما: البهم، الاستبصار 1:

386- 1467، الوسائل 4: 375 أبواب لباس المصلي ب 13 ح 6، و المراد بالمبهم الخالص الذي لا يمازجه شي ء- مجمع البحرين 6: 20.

______________________________

(1) التهذيب 2: 367- 1524، الاستبصار 1: 386- 1468، الوسائل 4: 374 أبواب لباس المصلي ب 13 ح 5.

(2) الخصال: 588- 12، الوسائل 4: 380 أبواب لباس المصلّي ب 16 ح 6.

(3) الكافي 6: 454

الزي و التجمل ب 11 ح 8، الوسائل 4: 379 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 344

للشهرة العظيمة، بل كما عرفت الإجماع، مع أنه مع التكافؤ يرجع إلى الأصل، و هو أيضا مع الجواز.

و الثانيان: بعدم الحجية كما مرّ، مع أنّ تقييد أولاهما بحال الصلاة- مع عدم إشعار به فيها، و أقليتها بالنسبة إلى سائر الأحوال، و عدم وجه له في الرجال- ليس بأولى من حمل النهي على المرجوحية الشاملة للحرمة و الكراهة بعموم المجاز، خصوصا بملاحظة آخر الخبر. و حمل عدم الجواز في الثانية على الكراهة أولى من طرح أحد جزأيها، و هو عدم جواز لبسه في الإحرام، حيث إنه يجوز للأخبار.

نعم، الظاهر كراهة الصلاة في الحرير لهنّ و أفضلية تركها، كما عن الوسيلة و النزهة و الجامع و المبسوط «1»، و في النهاية و السرائر «2»، لما ذكر.

و في كون المشكل من الخنثى كالذكر أو الأنثى قولان:

الأول هو الأظهر، لإطلاقات المنع، خرجت النساء فيبقى الباقي.

و الثاني، للأصل المندفع بما مرّ، و تبادر الاختصاص بالرجال المردود بالمنع.

و لكن ذلك في الصلاة، و أمّا في اللبس فالحقّ كونه كالثاني، لاختصاصه بالرجال إجماعا نصّا و فتوى.

و لا شك في عدم تحريم لبسه على الصبي، لأنه حكم شرعي مشروط بالتكليف، و تؤكّده رواية عبد الملك بن عتبة «3».

و هل على الولي منعه منه؟ الأظهر الموافق لقول الأكثر: لا، للأصل، و عدم الدليل.

و قيل: نعم «4»، لعموم النبوي: «هذان- أي الذهب و الحرير- محرّمان على

______________________________

(1) الوسيلة: 87، النزهة: 24، الجامع للشرائع: 65، المبسوط 1: 83.

(2) النهاية: 97، السرائر 1: 263.

(3) الكافي 4: 229- 1، الفقيه 2: 164- 709، التهذيب 5: 449-

1567، الوسائل 13: 257 أبواب مقدمات الطواف ب 26 ح 1.

(4) كما في المعتبر 2: 91.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 345

ذكور أمتي دون إناثهم» [1].

و قول جابر: «كنّا ننزعه عن الصبيان و نتركه على الجواري» «1».

و هما ضعيفان غير صالحين للحجية، مع أن الأول مخصّص بالمكلّفين قطعا، و الثاني غير دالّ على الوجوب، فلعلّه للاستحباب و التمرين.

و تصح معه صلاته التمرينية.

الرابعة:

لو لم يجد المصلّي إلّا الحرير و أمكنه التعرّي صلّى عاريا، لأنّ وجود المنهي عنه كعدمه، و ظاهر المدارك و المعتمد: الإجماع عليه «2».

و لو وجد النجس معه صلّى مع النجس لو اضطر إلى اللبس، لورود الإذن فيه. و مع عدم الاضطرار يتخيّر بينه و بين العريان كما مرّ.

الخامسة:

في جواز الصلاة في نحو التكة و القلنسوة ممّا لا تتم الصلاة فيه من الحرير للرجال قولان:

المنع، و هو للمفيد و الصدوق و الإسكافي «3»، و الشيخ في النهاية «4»، و الديلمي و ابن حمزة «5»، و المختلف و المنتهى و البيان و المدارك و المعالم «6»، و الأردبيلي و الخوانساري و المجلسي و السبزواري «7»، و والدي العلّامة رحمه اللّه، و نسب إلى اللمعة و القواعد «8»، و لم أجده فيهما، و كأنّه أخذ من إطلاقهما النهي عن لبس

______________________________

[1] مسند أحمد 1: 16، سنن ابن ماجه 2: 1189- 3595 بتفاوت يسير.

______________________________

(1) المغني و الشرح الكبير 1: 664.

(2) المدارك 3: 178.

(3) المفيد في المقنعة: 150، الصدوق في الفقيه 1: 172، المقنع: 24، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 80.

(4) النهاية: 96.

(5) الديلمي في المراسم: 63 و 64، ابن حمزة في الوسيلة: 88.

(6) المختلف: 80، المنتهى 1: 229، البيان: 120، المدارك 3: 179.

(7) الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 84، الخوانساري في الحواشي على شرح اللمعة: 195، المجلسي في البحار 80: 241، السبزواري في الذخيرة: 227، و الكفاية: 16.

(8) نسب إليهما في الرياض 1: 126.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 346

الحرير «1»، و فيه تأمل.

و منه يظهر التأمل في النسبة إلى بعض آخر ممّن ذكر أيضا.

و كيف كان، فدليله: الاحتياط في الدين، و تحصيل اليقين، و عمومات المنع،

و عدم جواز الصلاة في الحرير- و القدح في دلالتهما بعدم استلزام نفي الحلّية الحرمة ضعيف، فإنّ المتبادر من عدم الحلّية هو الحرمة- و الرضوي المتقدّم «2»، و صحيحتا الصهباني، السابقتان «3»، و موثّقة الساباطي: عن الثوب يكون علمه ديباجا، قال: «لا يصلّى فيه» «4».

و الجواز، و هو للمبسوط «5»، و الحلّي و الحلبي «6»، و المعتبر و الشرائع و النافع و الإرشاد و التلخيص و التذكرة و الدروس و روض الجنان و الروضة و الذكرى «7»، و بعض مشايخنا «8»، و جعله في التنقيح: الأظهر بين الأصحاب «9»، و في الوافي:

أشهر فتوى بينهم «10»، و في الذخيرة و البحار و الحدائق «11»، و غيرها «12»: المشهور مطلقا، و في المعتمد: بين المتأخّرين.

______________________________

(1) انظر اللمعة (الروضة 1): 206، القواعد 1: 27.

(2) في ص 328.

(3) راجع ص 310 و 336.

(4) التهذيب 2: 372- 1548، الوسائل 4: 369 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 8.

(5) المبسوط 1: 83 و 84.

(6) الحلي في السرائر 1: 269، الحلبي في الكافي: 140.

(7) المعتبر 2: 89، الشرائع 1: 69، المختصر النافع: 24، الإرشاد 1: 246، التذكرة 1: 95، الدروس 1: 150، روض الجنان: 207، الروضة البهية 1: 206، الذكرى: 145.

(8) كالسيد بحر العلوم في الدرّة النجفية: 103.

(9) التنقيح الرائع 1: 181.

(10) الوافي 7: 425.

(11) الذخيرة: 227، البحار 80: 241، الحدائق 7: 97.

(12) كالمفاتيح 1: 110.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 347

للأصل، و رواية الحلبي: «كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم و القلنسوة و الخف و الزّنّار يكون في السراويل و يصلّى فيه» «1».

و رواية يوسف بن محمد، المتقدّمة «2».

و رواية يوسف بن

إبراهيم، «لا يكره أن يكون سدى الثوب إبريسم و لا زرّه و لا علمه» «3».

و ضعف تلك الأخبار لو سلّم لكان منجبرا بالشهرة و لو محكية.

و لا تضرّها معارضة ما مرّ، لعدم دلالة الأخيرين منه على الحرمة، مضافا إلى ضعف الرضوي الخالي عن الجابر، و عموم البواقي بالنسبة إليها.

و ابتناء الصحيحتين على السؤال عن القلنسوة لا يجعل عموم الجواب فيهما خاصا.

بل قد يناقش في شمول عمومهما و سائر العمومات أيضا من جهة أنّ الوارد فيها النهي عن الصلاة في الحرير أو الثوب الإبريسم، و الحرير أيضا هو الثوب الكذائي كما يدلّ عليه كلام أهل اللغة. و صدق الثوب على أمثال ما نحن فيه محلّ كلام.

و يشهد لذلك استدلال مثل الشيخ في الجواز بالأصل «4»، مع اطّلاعهم على العمومات قطعا.

ثمَّ على تسليم خصوص الصحيحتين يجب تقديم رواية الحلبي عليهما، لمخالفته العامة، حيث تدلّ على الفرق بين ما تجوز الصلاة فيه و ما لا تجوز، و هو

______________________________

(1) التهذيب 2: 357- 1478، الوسائل 4: 376 أبواب لباس المصلي ب 14 ح 2.

(2) في ص 343.

(3) الكافي 6: 451 الزي و التجمل ب 9 ح 5، الوسائل 4: 379 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 1.

(4) الخلاف 1: 480.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 348

ممّا لا يقول به العامة قطعا.

و احتمال عدم قول العامة بهذا المفهوم في زمان الصدور مدفوع: بالتبادر المنضم مع أصالة عدم النقل، و لو تمَّ هذا الدخل لجاء القدح في كثير ممّا يرجح بموافقة العامة.

و موافقة الصحيحتين لهم، حيث إنّهم لقولهم بحرمة لبس الحرير لا يستحلّون الصلاة فيه قطعا و إن لم يحكموا ببطلانها بعد إيقاعها فيه، و انفهام مدخلية الصلاة في المنع إنّما

يفيد لو لم تكن الصلاة في السؤال مذكورة، و أمّا معه فمقتضى التقية ليس إلّا ما أجاب.

مع أنه لو قطع النظر عن ذلك فلا أقلّ من تساويهما مع الرواية، و جعل الرواية أوفق بالعامة خلاف الصواب جدّا. فيتعيّن الرجوع إلى الأصل و هو مع الجواز، لعدم وجود الأعم منهما الشامل لمثل المقام.

هذا، مع أنهما من المكاتبات المرجوحة بالنسبة إلى المشافهات.

فالقول بالجواز أقوى بالنسبة إلى المنع، و إلى التردّد كالفاضل في التحرير «1»، و الصيمري «2».

ثمَّ الروايات كما دلّت على جواز الصلاة فيما لا تتم الصلاة فيه وحده دلّت على جواز لبسه أيضا، إذ نفي مطلق البأس عن الصلاة فيه يستلزم ذلك، فبها تخصّص عمومات المنع لو كانت.

السادسة:

المحرّم هو لبس الحرير، فيجوز استصحابه بدونه و افتراشه و الركوب و القيام و النوم و الصلاة عليه، على الأظهر الأشهر، بل ظاهر المدارك و الذخيرة الإجماع على بعض ما ذكر «3»، للأصل، و صحيحة علي «4»، و رواية

______________________________

(1) التحرير 1: 30.

(2) حكاه عنه في الرياض 1: 126.

(3) المدارك 3: 179، الذخيرة: 228.

(4) الكافي 6: 477 الزي و التجمل ب 28 ح 8، التهذيب 2: 373- 1553، قرب الإسناد: 185- 687، الوسائل 4: 378 أبواب لباس المصلي ب 15 ح 1، مسائل علي بن جعفر:

180- 342.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 349

مسمع «1».

و عن المبسوط [1]، و الوسيلة «2»، و المعتبر [2]، و في النافع «3»: المنع عن غير الأول. و عن الصيمري التردّد «4».

لعموم بعض النصوص بالمنع كالنبوي المتقدّم «5»، و الرضوي، و هو قوله مشيرا إلى نحو الحرير و الذهب: «و لا تصلّ على شي ء من هذه الأشياء إلّا ما يصلح لبسه» [3].

و هما ضعيفان،

مع أن الأول غير دالّ، لعدم تعلّق التحرير بالأعيان إلّا باعتبار منفعة منها، و لعدم تعيّنها ينصرف إلى المتعارف و هو هنا اللبس قطعا.

و منه يظهر الخدش فيما كان إطلاقه كذلك.

مع أنه على فرض الدلالة يكون أعم ممّا مرّ فيخصّص به. و الجمع بحمل الحرير و الديباج على الممتزج و إن أمكن، لكن التخصيص إمّا مقدّم على المجاز فيقدّم، أو مساو معه فيتوقّف و يرجع إلى الأصل.

و ممّا ذكر ظهر حكم التوسّد و أنه يجوز، و كذا الالتحاف كما ذكره جماعة «6»،

______________________________

[1] لم نعثر عليه فيه، و حكاه في كشف اللثام 1: 186.

[2] المعتبر 2: 89 قال: فيه تردد.

[3] فقه الرضا عليه السلام: 158 و فيه: إلّا ما لا يصلح لبسه، مستدرك الوسائل 3: 218 أبواب لباس المصلّي ب 24 ح 2.

______________________________

(1) الفقيه 1: 172- 809، الوسائل 4: 378 أبواب لباس المصلي ب 15 ح 2.

(2) الوسيلة: 367.

(3) المختصر النافع: 24.

(4) حكاه عنه في الرياض 1: 127.

(5) في ص 344.

(6) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 23، و الروض 1: 206، و صاحب المدارك 3: 180، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 228، و صاحب الرياض 1: 127.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 350

للأصل، و عدم دليل يعتد به إلّا ما دلّ على تحريم اللبس الغير المعلوم صدقه عليه و إن قد يستعمل، و لكنه أعم من الحقيقة.

بل و كذلك التدثّر، كما صرّح به الشهيد الثاني «1»، و احتمله جماعة من متأخّري المتأخّرين «2»، لمثل ما ذكر، خلافا للمدارك «3» و المعتمد، بل الأخير منع الالتحاف أيضا، لصدق اللبس.

و هو ممنوع، و الاستعمال أحيانا غير مفيد.

بل و كذلك التردّي، لذلك.

و ممّا ذكر يظهر الجواز في

مثل شالات العجم المستعمل مقام المنطقة، بل يمكن التعدّي إلى مثل التعمّم أيضا.

هذا في اللبس، و أمّا الصلاة فالظاهر عدم جوازها في التردّي و التدثّر، بل التعمّم و التمنطق [1]، لصدق الصلاة فيه ظاهرا.

و التعدّي منه إلى اللبس لعدم الفصل يتوقّف على ثبوته، و هو مشكل جدّا.

و الاحتياط لا يترك في حال.

السابعة:

المعروف من مذهب الأصحاب- كما في المعتمد- جواز لبس المكفوف بالحرير و الصلاة فيه، و نسبه في الذكرى إلى الأصحاب مؤذنا بدعوى الإجماع عليه «4»، و في المدارك: إنه مقطوع به بين المتأخّرين «5»، بل الظاهر أنه

______________________________

[1] توجد. في «ه» و «ح» زيادة: حينئذ إشكال.

______________________________

(1) المسالك 1: 23، الروضة البهية 1: 206.

(2) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 228، و الخوانساري في الحواشي على شرح اللمعة: 196، و صاحب الحدائق 7: 100، و صاحب الرياض 1: 127.

(3) المدارك 3: 180.

(4) الذكرى: 145.

(5) المدارك 3: 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 351

مجمع عليه كما يظهر من عدم نقلهم الخلاف في المسألة أصلا مع أنه طريقتهم.

و كيف كان فلا ريب فيه، للأصل السالم عن المعارض حيث إنّ النهي إنّما ورد عن لبس الحرير أو لباسه أو لبس الثوب الحرير، و صدق شي ء منها على المورد غير معلوم إن لم نقل بكون عدمه معلوما، كصدق الصلاة في الحرير، فإنّ ذلك صلاة في ثوب فيه الحرير لا الحرير، و إرادة معنى يشمله من الظرفية المجازية غير معلومة.

و للعاميين المنجبرين:

أحدهما: «نهى عن الحرير إلّا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع» «1».

و آخر: «كان للنبي جبة كسراوية لها لبنة ديباج و فرجاه مكفوفان بالديباج» [1].

و يؤيّده بل يدلّ عليه روايتا يوسف، المتقدّمتان «2» المصحّحتان عن صفوان المجمع على تصحيح

ما يصح عنه.

و عدم ذكر الصلاة فيهما غير ضائر، لكفاية الشمول الإطلاقي، و نفي جميع أفراد البأس في إحداهما الشامل لحرمة الصلاة أيضا.

و قد يستدل برواية الجرّاح أيضا «3». و هو غير جيّد، لأعمية الكراهة عن الحرمة لغة، إلّا أن يقال بظهورها في المعنى المصطلح هنا، إذ لا يتعارف التعبير عن الحرام بمثل ذلك.

______________________________

[1] صحيح مسلم 3: 1641- 10، و اللبنة هي رقعة تعمل موضع جيب القميص و الجبة- النهاية لابن الأثير 4: 230.

______________________________

(1) صحيح مسلم 3: 1643- 15.

(2) في ص 343 و 347.

(3) الكافي 3: 403 الصلاة ب 65 ح 27 و ج 6: 454 الزي و التجمل ب 11 ح 6، التهذيب 2:

364- 1510، الوسائل 4: 370 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 9، و استدل بها في الذكرى:

145، كشف اللثام 1: 186.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 352

خلافا للمحكي عن السيد في بعض مسائله «1»، و القاضي «2»، و إن كان في دلالة كلام الأخير عليه خفاء، للعمومات.

و موثّقة الساباطي، المتقدّمة «3».

و مفهوم موثّقة إسماعيل: في الثوب يكون فيه الحرير، قال: «إن كان فيه خلط فلا بأس» «4».

و المروي في قرب الإسناد و المسائل: عن الرجل هل يصلح له الطيلسان فيه الديباج و البرّكان [1] عليه حرير؟ قال: «لا» [2].

و للاحتياط في الدين و تحصيل اليقين.

و يضعّف الأول: بوجوب تقديم الخاص عليه.

و الثاني: بعدم دلالته على الكف و لا على الحرمة، مع أنه مع الدلالتين يعارض الروايتين [3] فيتساقطان من البين.

و الثالث: بأنه أعم ممّا مرّ أيضا فيخصّص، مع أنّ دلالته موقوفة على إرجاع المجرور الثاني إلى الحرير، و هو غير معلوم، لجواز إرجاعه إلى الثوب، و يؤكّده منافاة الخلط مع

الحرير، فلا وجه للشرط، و لذا استدلّ به بعض مشايخنا المحقّقين على القول الأول «5».

______________________________

[1] البركان: الكساء الأسود. منه رحمه اللّه تعالى.

[2] قرب الإسناد: 282- 1117، مسائل علي بن جعفر: 137- 146، الوسائل 4: 371 أبواب لباس المصلّي ب 11 ح 12 و فيه: .. الديباج و القزّ كان عليه حرير؟ قال: «لا بأس».

[3] أي: روايتي يوسف بن محمّد و يوسف بن إبراهيم. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) حكاه عنه في المدارك 3: 181، و الرياض 1: 127.

(2) المهذب 1: 75.

(3) في ص 346.

(4) الكافي 6: 455 الزي و التجمل ب 11 ح 14، الوسائل 4: 374 أبواب لباس المصلي ب 13 ح 4.

(5) كما في شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 353

و الرابع: بأنّه ضعيف غير صالح للحجية في غير مقام الانجبار.

و الأخيران بمنع الوجوب، و حصول اليقين اللازم تحصيله.

ثمَّ المقدّر عند جماعة «1» في الكف المجوّز ما قدّره النبوي من الأربع أصابع.

بل ادّعى بعض متأخّري المتأخّرين ظاهر اتّفاقهم على حرمة الزائد «2»، اقتصارا فيما خالف دليل المنع على القدر المتيقّن، و اقتفاء للنبوي المنجبر ضعفه بالعمل، و اتّباعا لما يشهد به العرف و العادة.

و الأول كان حسنا لو شمل دليل المنع له، و الثاني لو ثبت الانجبار في التقدير أيضا، و الثالث لو سلّمت شهادة العرف بذلك، سيما مع جعل الأصابع مضمومة. و الكلّ في حيّز المنع.

و دعوى الاتّفاق على حرمة الزيادة الموجبة لانجبار العامي ممنوعة، كيف؟! و كلام الأكثر خال عن التقدير، بل الأكثر و منهم الشيخ في النهاية «3»، و الفاضلان في المعتبر و النافع و التذكرة و المنتهى «4»، و غيرها «5»، و الشهيد في الدروس

و البيان «6»:

أطلقوا.

فالظاهر الحوالة إلى العرف و التجويز فيما يسمّى كفّا عرفا، و إن كان الأحوط الاجتناب عن الزيادة عن القدر المذكور.

الثامنة:

لا ينبغي الريب في جواز اللبنة من الحرير، للأصل، و النبوي «7»،

______________________________

(1) منهم الكركي في جامع المقاصد 2: 86، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 23، و الروضة البهية 1:

206، و صاحب المدارك 3: 180، و صاحب الرياض 1: 127.

(2) كما في الذخيرة: 228، و الحواشي على شرح اللمعة: 196.

(3) النهاية: 96.

(4) المعتبر 2: 90، المختصر النافع: 24، التذكرة 1: 96، المنتهى 1: 229.

(5) كالقواعد 1: 27، و التحرير 1: 30.

(6) الدروس 1: 150، البيان: 120.

(7) المتقدم في ص 351.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 354

و ضعف ما يوهم المنع. و كذا الأزرار و الأعلام، لما مرّ.

و يظهر من الجواز في الإعلام الجواز في ثوب بعض أجزائه حرير و بعضها غيره سواء كان جمع الجزءين بالنسج أو بالخياطة، لأنّ ذلك أيضا مثل الأعلام و لا يصلح التسمية بالعلم للعرف.

مع أنّ الأصل أيضا مع الجواز، لعدم صدق لبس الثوب الحرير المحض أو لبس الحرير المحض، إلّا أن يقال: يصدق الصلاة فيه إذا كان بحيث يشمل شيئا من البدن، فلا تجوز الصلاة فيه بشرط أن يكون ممّا تتم الصلاة فيه وحده.

و لا تفيد رواية قرب الإسناد، لعدم انجبارها في المقام.

نعم، الظاهر الانجبار فيما إذا كانت الأجزاء بقدر تتم الصلاة فيه.

و أمّا غير الأجزاء ممّا يجعل على الثوب أو فيه من الرقعة و الوصلة و الطراز فالظاهر عدم المنع مطلقا، لعدم صدق اللبس، و عدم معلومية شمول المراد من الثوب لذلك المعنى أيضا، و الأحوط الاجتناب، سيما إذا كان ممّا تتم الصلاة فيه وحده.

و أمّا

الظهارة و البطانة: فالظاهر المنع كما مرّ، لرواية قرب الإسناد المنجبرة في المورد قطعا.

و أمّا خيط الحرير بغيره أو العكس فإن كانت الخياطة تحيط بجميع الثوب المخيط، فالظاهر أنّ الحكم لها، و كذا إذا استهلك الظاهر من المخيط جنب ما خيط عليه، و إلّا فالحكم لما خيط عليه.

تتميم

: جملة الكلام في ذلك المقام التي يجب أن يكون عليها بناء الأحكام أنّ القدر الثابت أوّلا من الإجماع و الأخبار حكمان: عدم جواز لبس الحرير المحض أو ثوب الإبريسم للرجال، و عدم جواز الصلاة فيه.

فاللازم في الحكم بعدم الجواز في الأول أمور أربعة: العلم بصدق اللبس حقيقة، و كون الملبوس حريرا أو ثوبا، و محوضة الحرير، و الرجولية، فما لم يعلم أحدها يحكم بمقتضى الأصل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 355

فيتفرّع على الأول: جواز الافتراش و القيام و الاتّكاء و النوم و التوسّد و الالتحاف و التدثّر و التعمّم و التردّي و التمنطق، و جعل الحرير في الثوب أو عليه كالأزرار و الكف و اللبنة و العلم و الوصلة.

و أمّا ما يدلّ على عدم جواز بعض ذلك فمنحصر في موثّقة إسماعيل، و رواية قرب الإسناد «1»، و الأولى مجملة، و مع ذلك البأس الثابت في مفهومه نكرة في سياق الإثبات فلا يفيد، و الثانية ضعيفة ففي غير مقام الانجبار غير مفيدة.

و عليه و على الثاني جواز الحشو بالإبريسم، لعدم صدق الثوب عليه بل الحرير، لاشتراط النسج فيه لغة و عرفا.

و على الثالث جواز لبس غير المحض، سواء كان الخليط قليلا أم كثيرا، و سواء كان الخلط بالمزج أو الضم، كما في المرقّع الذي بعض رقاعه حرير أو ثوب بعض أجزائه كذلك، و سواء كان الضم بالوصل

بالخياطة أو النساجة ما لم يكن الجزء الحريري بحيث يصدق عليه فقط أيضا اللبس.

و لا يتوهّم أنّ مقتضى مفهوم الموثّقة اشتراط الخلط و هو غير متحقّق بدون المزج في السدى أو اللحمة، و كذا مقتضى رواية زرارة: اشتراط كون السدى أو اللحمة غير الحرير «2»، و هو في غير المزج غير متحقّق، لمنع اشتراط تحقّق الخلط في الثوب بما ذكره، بل يتحقّق فيه بجميع ما ذكرناه، و غايته الشك الموجب للرجوع إلى الأصل.

و أمّا رواية زرارة فلا تدل إلّا على وجوب كون بعض السدى أو اللحمة كذلك إجماعا، و هو متحقّق على جميع التقادير الذي ذكرناه.

و على الرابع جواز لبس الخنثى و الصبي.

و اللازم في الحكم بعدم الجواز في الثاني أيضا أمور أربعة: الثاني، و الثالث،

______________________________

(1) المتقدمتين في ص 352.

(2) راجع ص 343.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 356

و عدم العلم بالأنوثية، و صدق الصلاة فيه، فما لم يتحقّق أحدها يحكم بالجواز.

فيترتّب على الأولين ما مرّ، و على الثالث الجواز في الأنثى و عدمه في الخنثى، و على الرابع جواز الصلاة فيما لم يعلم صدق الصلاة فيه، فلا تبطل باستصحاب الحرير و الاكتفاف به و لا بمثل الأزرار، و اللبنة و الوصلة و الرقعة و العلم و أمثالها، لعدم معلومية صدق تحقّق الصلاة فيه.

نعم يظهر من تتبّع الأخبار و استعمالات الفقهاء و غيرهم تحقّقه باللبس مطلقا، و كذا بكون الحرير بعضا من الثوب الملبوس معتدا به لا كلّ بعض. نعم خرج من ذلك ما لا تتم الصلاة فيه كما سبق.

و لا يضرّ انفكاك كلّ من جواز اللبس و الصلاة عن الآخر في بعض ما ذكر، لعدم ثبوت عدم القول بالفصل، كما ظهر ممّا نقلنا

عن شرح الجعفرية و إن ادّعاه بعضهم «1».

الخامس من الشرائط:

أن لا يكون ذهبا إن كان المصلّي رجلا، فإنّه لا يجوز له لبسه، و تبطل الصلاة فيه.

أمّا الأول فممّا لا خلاف فيه، كما في الحبل المتين و البحار «2»، و المفاتيح «3»، بل قيل: إنه ضروري الدين «4»، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى المستفيضة كالنبوي المتقدم «5»، و العامي المشهور كما في المفاتيح:

«حلّ الذهب و الحرير للإناث من أمّتي و حرّم على ذكورها» «6».

و رواية النميري: «جعل اللّه الذهب في الدنيا زينة النساء، و حرّم على

______________________________

(1) راجع ص 339.

(2) الحبل المتين: 185، البحار 80: 251.

(3) حكاه الوحيد البهبهاني عن المفاتيح في شرحه (المخطوط).

(4) كما في شرح المفاتيح (المخطوط).

(5) في ص 344.

(6) سنن النسائي 8: 190.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 357

الرجال لبسه و الصلاة فيه» «1».

و موثّقة الساباطي: «لا يلبس الرجل الذهب و لا يصلّي فيه» «2».

و فحوى المستفيضة الناهية عن التختّم بالذهب و الصلاة فيه، كالمرويين في الفقيه و العلل: «فلا تتختّم بخاتم الذهب» «3».

و المروي في الخصال: «و يجوز أن تتختّم- أي المرأة- بالذهب و تصلّي فيه، و حرّم ذلك على الرجال» «4».

و المرويين في قرب الإسناد:

أحدهما: «إيّاك أن تتختّم بالذهب» «5».

و الثاني: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن سبع، عن التختّم بالذهب» «6».

و في كتاب المسائل: عن الرجل هل يصلح له أن يتختّم بالذهب؟ قال:

«لا» «7».

و رواية الجراح: «لا تجعل في يدك خاتما من ذهب» «8».

و التحريم كما ترى مخصوص باللبس و بالرجال، فلا يحرم ما ليس بلبس أو لا يعلم صدقه عليه. و يتفرّع عليه جواز افتراشه و استصحابه و جعله على اللباس

______________________________

(1) التهذيب 2: 227- 894، الوسائل 4:

414 أبواب لباس المصلي ب 30 ح 5.

(2) التهذيب 2: 372- 1548، علل الشرائع: 348- 1، الوسائل 4: 413 أبواب لباس المصلي ب 30 ح 4.

(3) الفقيه 1: 164- 774، علل الشرائع: 348- 3، الوسائل 4: 414 أبواب لباس المصلي ب 30 ح 6.

(4) الخصال: 588- 12، الوسائل 4: 380 أبواب لباس المصلّي ب 16 ح 6.

(5) قرب الإسناد 98- 333، الوسائل 4: 416 أبواب لباس المصلّي ب 30 ح 11.

(6) قرب الإسناد 71- 228، الوسائل 4: 415 أبواب لباس المصلّي ب 30 ح 9.

(7) مسائل علي بن جعفر: 162- 251، الوسائل 4: 415 أبواب لباس المصلّي ب 30 ح 10.

(8) الكافي 6: 469 الزي و التجمل ب 21 ح 7، الوسائل 4: 413 أبواب لباس المصلّي ب 30 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 358

كنصب قطعة ذهب أو منسوج منه عليه. و تحريم الافتراش كما في التحرير «1» ضعيف جدّا.

و هل يشترط محوضة الذهب في حرمة لبسه، فلا يحرم إلّا لباس كان سداه و لحمته ذهبا، أو لا بل يحرم و لو لم يكن محضا؟ فيه إشكال، حيث إنّ ما لبسه ليس ذهبا و ما هو ذهب لم يلبس، بل لبس ما يشتمل عليه. و حكم في الغنية بكراهة الملحم بالذهب «2».

و كيف كان فالظاهر عدم تحريم لباس يخلطه قليل الذهب، للشك في صدق لبس الذهب سيما إذا كان في مثل الأزرار و أطراف الثوب.

نعم، يحرم التختّم به و لو شك في صدق اللبس عليه، على الأظهر الأشهر، بل في الخلاف الإجماع عليه «3»، لما مرّ.

و ضعف البعض منه منجبر بالعمل، و اشتمال بعضه على ما ليس بمحرّم غير ضائر و إن

عبّر بما عبّر به في الذهب، إذ خروج بعض الحديث عن ظاهره لا يوجب خروج الباقي.

و أمّا ما في رواية [ابن القداح ] [1]: «من أن النبي صلّى اللّه عليه و آله تختّم في يساره بخاتم من ذهب» و ما في معاني الأخبار: «قال علي عليه السلام: نهاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله- و لا أقول نهاكم- عن التختّم بالذهب» «4» فلا يعارضان ما مرّ.

أمّا الأول: فلجواز كونه قبل التحريم.

______________________________

[1] الكافي 6: 476 الزي و التجمل ب 27 ح 9، الوسائل 4: 413 أبواب لباس المصلّي ب 30 ح 3، و في النسخ: الجرّاح بدلا عن ابن القداح، و الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

______________________________

(1) التحرير 1: 30.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 555.

(3) الخلاف 1: 508.

(4) معاني الأخبار: 301- 1، الوسائل 4: 414 أبواب لباس المصلي ب 30 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 359

و أمّا الثاني: فلأنّ عدم القول بأنه نهاهم لا يستلزم عدم نهيهم، لاحتمال أن يكون عدم قوله لمصلحة من تقية أو غيرها.

و لا يتعدّى إلى غير التختّم من التحلّي ما لم يصدق عليه اللبس، للأصل.

و أمّا المروي في السرائر: عن الرجل يحلي أهله بالذهب؟ قال: «نعم، النساء و الجواري، و أمّا الغلمان فلا» «1» فمع معارضته مع صحيحتي الكناني «2» و ابن سرحان «3» غير ناهض لإثبات الحرمة، لجواز أن يكون قوله: «لا» نفيا للإباحة.

و لا يحرم اللبس و لا التختّم للخنثى، للأصل.

و حرّمه في الدروس و الألفية «4»، و الجعفرية. و لا وجه له.

و أمّا الثاني فهو مذهب الأكثر، بل يشعر كلام الحبل المتين و البحار بعدم الخلاف فيما تتم الصلاة فيه وحده «5». و ظاهر الألفية اشتراط

البطلان بكونه ساترا «6».

و تردّد في المنتهى في غير الساتر و في المنطقة «7».

و عن المعتبر عدم البطلان بلبس خاتم من ذهب «8».

و استشكل فيه في (السرائر) [1].

______________________________

[1] في «ق» و «س»: ير، و هو رمز للتحرير، و في «ه» و «ح»: ئر، و هو رمز للسرائر. و لكن لم نعثر على المسألة في السرائر، و جزم بالبطلان في التحرير 1: 30.

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 144- 11، الوسائل 5: 104 أبواب أحكام الملابس ب 63 ح 5.

(2) الكافي 6: 475 الزي و التجمل ب 27 ح 1، الوسائل 5: 103 أبواب أحكام الملابس ب 63 ح 1.

(3) الكافي 6: 475 الزي و التجمل ب 27 ح 2، الوسائل 5: 103 أبواب أحكام الملابس ب 63 ح 2.

(4) الدروس 1: 150، الألفية: 41.

(5) الحبل المتين: 185، البحار 80: 251.

(6) الألفية: 40.

(7) المنتهى 1: 230.

(8) المعتبر 2: 92.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 360

و عن أبي الصلاح الكراهة مطلقا «1».

و الحق- كما هو مقتضى روايات الخصال و النميري و الساباطي- البطلان في الخاتم بخصوصه، و في سائر ما تحقّق صدق الصلاة فيه، و قد عرفت مواقع الصدق في الحرير.

و الاستدلال للبطلان: بأنّ الصلاة فيه استعماله و هو محرّم، و بالأمر بالنزع الموجب للنهي عن ضدّه، ضعيف.

أمّا الأول: فلمنع حرمة مطلق استعماله.

و أمّا الثاني: فلما مرّ في الحرير، و يأتي في المغصوب.

ثمَّ الظاهر أنّ حكم المنسوج من المموّه بالذهب حكم الذهب، لأنّ ماء الذهب ذهب، فيصدق لبس الذهب و الصلاة فيه فيما يصدق على المنسوج من الذهب، فتأمّل.

و أما الخاتم المموّه: فالظاهر فيه عدم التحريم، لأنّ المركّب من الذهب و غيره ليس بذهب.

السادس:
اشارة

أن لا يكون مغصوبا، فلا

تجوز الصلاة في الثوب المغصوب في الجملة.

و تحقيقه: أنه يحرم لبس الثوب المغصوب مع العلم بالغصبية بإجماع العلماء المحقق، و المصرّح به في الناصريات و الغنية «2»، و اللوامع، و المنتهى و التذكرة و التحرير و نهاية الإحكام و شرح القواعد و الذكرى و روض الجنان «3» و المعتمد، و غيرها «4».

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 140.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 195، الغنية (الجوامع الفقهية): 555.

(3) المنتهى 1: 229، التذكرة 1: 96، التحرير 1: 30، نهاية الإحكام 1: 378، جامع المقاصد 2: 87، الذكرى: 146، روض الجنان: 204.

(4) كما في كشف اللثام 1: 186، و الحدائق 7: 103.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 361

و هو الحجة فيه، مضافا إلى أنّه تصرّف في ملك الغير عدوانا، و هو غير جائز بالضرورة من جميع الأديان و الملل، و بحكم العقل، و تواتر النقل.

ففي النبوي: «لا يأخذنّ أحدكم متاع أخيه جادّا و لا لاعبا» «1».

و في الوسائل عن صاحب الزمان: «لا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه» «2».

و في رواية محمد بن زيد الطبري: «لا يحلّ مال إلّا من وجه أحلّه اللّه» «3».

و تبطل الصلاة فيه أيضا فيما لو كان ساترا للعورة بالفعل، عند الأكثر، منهم: الفاضل في التحرير و التذكرة و نهاية الإحكام «4»، و الشهيد في جملة من كتبه «5»، بل قال في البيان: و لا تجوز الصلاة في الثوب المغصوب و لو خيطا. و عليه الإجماع في كثير ممّا ذكر، و في غيره أيضا «6».

و هو كذلك. لا لما قيل «7» من أنه مأمور بإبانة المغصوب عنه و ردّه، فإذا افتقر إلى فعل كثير كان مضادا للصلاة، و الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن

ضده و لو كان خاصا على الحق المنصور فيفسد، أو يقتضي عدم الأمر بضده الخاص مجتمعا معه لو كان هو مضيّقا و الآخر موسّعا كما في المورد [1]، فتبقى الصلاة بلا أمر و هو عين الفساد.

______________________________

[1] حيث إن الأمر بالإبانة فوري إجماعا و الفرض سعة وقت الصلاة، و إلّا فهي مقدمة على جميع الواجبات. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) غوالي اللئالي 1: 224- 107.

(2) الوسائل 9: 540 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 7.

(3) الكافي 1: 547 الحجة ب 20 ح 25، الوسائل 9: 538 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 2.

(4) التحرير 1: 30، التذكرة 1: 96، نهاية الإحكام 1: 378.

(5) كالدروس 1: 151، و الذكرى: 146، و البيان: 121.

(6) انظر: جامع المقاصد 2: 87، و كشف اللثام 1: 187.

(7) كما في كشف اللثام 1: 186، و الرياض 1: 127.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 362

و لا لما قيل فيما إذا كان ساترا من أنّ الستر شرط الصلاة، فإذا تعلّق به النهي لا يكون استتارا مأمورا به فيفسد، و بفساده يفسد المشروط «1» و لا لاستدعاء الشغل اليقيني للبراءة اليقينية.

و لا لأنّ أجزاء العبادات إنّما تكون بدليل شرعي و لا دليل هنا. لضعف الجميع:

أمّا الأول: فلأنّ الأمر بالنزع و إن اقتضى النهي عن ضدّه الذي هو الصلاة، أو عدم الأمر به المنافي للأمر بالصلاة، و لكن الأمر بها أيضا كذلك و إن كان موسّعا، فإنّ معنى الأمر الموسّع بالصلاة فيما بين الدلوك و الغروب وجوبها في كلّ من أجزاء ذلك الوقت تخييرا، و هو يقتضي عدم النهي عنه في شي ء من تلك الأجزاء، و إلّا لم يستوعب التوسعة

جميع الأجزاء، و كذا يقتضي عدم الأمر بضدّه في شي ء منها لذلك، فيحصل التعارض بين الدليلين، و حيث لا ترجيح فيجب الحكم بالتخيير، كما هو مقتضى التعارض بدون الترجيح.

و أمّا تساقطهما و الرجوع إلى الأصل الموجب لفساد الصلاة حيث إنّ الأصل عدم الأمر به فإنّما هو في مقام علم انتفاء التخيير بإجماع أو نحوه، و لم يثبت ذلك في المقام.

و توهّم كون الأمر بالنزع خاصا، لأنّه فوري يقتضي النهي عن ضدّه أو عدم الأمر به في أول الوقت مثلا بخصوصه، و هو أخصّ من الأمر بالصلاة في جميع تلك الأجزاء، فاسد، إذ ليس هنا أمر فوري بخصوص ذلك الوقت، بل فوريته أيضا عامة استمرارية، يعني أنه أمر بالنزع في كلّ وقت فورا، فهو أيضا عام.

فإن قلت: نعم، و لكن الإجماع على فورية النزع في كلّ وقت بخصوصه دون الصلاة أوجب ترجيحه.

قلنا: تحقّق ذلك الإجماع في كلّ وقت حتى حين إرادة الصلاة غير معلوم،

______________________________

(1) انظر المدارك 3: 181.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 363

سيما إذا دخل في الصلاة ثمَّ علم بالغصبية [1]، كما أنه علم عدم الإجماع في الجزء الأخير من الوقت.

و أمّا الثاني: فلما ذكرناه في الحرير، فإنّ الشرط مستورية العورة دون سترها الذي هو تصرّف في المغصوب، و إنّما هو مقدّمة لها، و التوصّل بالمقدّمة المنهية لا يوجب فساد ذي المقدّمة، إلّا إذا كانت المقدّمة عبادة تفسد بالنهي فتنتفي المقدمة و ينتفي بانتفائها ذو المقدّمة، و ليس الستر كذلك.

مع أنه لو تعلّق النهي بنفس المستورية التي هي شرط الصلاة أيضا لم يوجب فسادها، لأنّ ذلك إنما هو فيما إذا كان الشرط عبادة، حيث إنّ تعلّق النهي به يستلزم فساده المترتّب عليه فساد مشروطه،

و أمّا إذا لم يكن عبادة فلا، فإنّ النهي لا يقتضي فساده حتى يترتّب عليه فساد المشروط، و إنّما يقتضي حرمته، و لا تلازم بينها و بين حرمة المشروط، كما لو أزال الخبث بالماء المغصوب، و المستورية ليست عبادة، و لذا لا يشترط فيها القصد، بل و لا صدورها عن المصلّي.

و أمّا الثالث: فلأنّ المشغول به الذمة يقينا و هو الصلاة قد تحقّق قطعا، و لا شغل بغيرها يقينا، و الأصل ينفيه.

و أما الرابع: فظاهر.

بل [2] للمروي في تحف العقول للحسن بن علي بن شعبة، و بشارة المصطفى لمحمد بن القاسم الطبري، المنجبر ضعفه بالعمل: «يا كميل، انظر فيما تصلّي و على ما تصلّي، إن لم يكن من وجهه و حلّه فلا قبول» «1» و عدم القبول مستلزم لعدم الإجزاء الذي هو عين الفساد.

و لأنّ الحركات الواقعة فيه و الحاصلة له بواسطة الركوع و السجود و القيام

______________________________

[1] نعم لو ثبت ذلك الإجماع لكان كذلك. منه رحمه اللّه تعالى.

[2] عطف على قوله: لا لما قيل .. في ص 361.

______________________________

(1) تحف العقول: 117، بشارة المصطفى: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 364

و الجلوس من القبض و البسط و النزول و الصعود و غيرها تصرّفات في المغصوب منهي عنها، و كلّ منها أجزاء للصلاة فيفسد، فتكون الصلاة باطلة لفساد جزئها.

و القول: بأنّ النهي إنّما يتوجّه إلى التصرّف في المغصوب من حيث هو تصرّف فيه، لا إلى الحركات من حيث هي حركات الصلاة، فالنهي تعلّق بأمر خارج عنها، مردود: بأنّه إذا كان متلبّسا بلباس مغصوب في حال الركوع مثلا فلا شك في أنّ الحركة الركوعية حركة واحدة شخصية محرّمة، لكونها محرّكة للشي ء المغصوب، فلا تكون مأمورا بها، و

اعتبار الجهتين غير نافع كما بيّن في موضعه.

فإن قيل: لازم عدم اجتماع الأمر و النهي عدم الحكم بهما معا، فيصار إلى التخيير كما مرّ في الدليل الأول، و لازمه صحة الصلاة.

قلنا: التخيير إنّما كان لو كان الأمر التخييري بجميع أفراد الركوع مثلا أمرا شرعيا عاما، و ليس كذلك، بل التخيير إنّما هو بمقتضى الأصل، و لا أثر له مع النهي العام.

و التوضيح: أنه إذا كان كلّ من الأمر و النهي مطلقين كما في المورد، يكون النهي حينئذ عاما لا محالة، نحو: أكرم بصريّا، و لا تكرم الخياطين، و حينئذ مع أنه يمكن الجمع بإكرام بصري غير الخيّاط و العرف أيضا يفهم الاختصاص نقول:

إنّ تجويز إكرام كلّ بصري إنّما هو لأصالة عدم التقييد، و لا يبقى للأصل أثر بعد ذلك النهي العام. و على هذا فلا يكون هذا الفرد من الركوع مثلا مأمورا به فيفسد.

ثمَّ إنه على ما ذكرنا لا يختلف الحال في الساتر و غيره، بل يجري في مثل الخيط و الخاتم و المستصحب أيضا إذا استلزم شي ء من أجزاء الصلاة تحريكا فيه زائدا على اللبس الأول.

نعم، لو لم يستلزم ذلك فالظاهر عدم البطلان، كما صرّح به المحقّق

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 365

الخوانساري في حواشيه على الروضة، و مثّل له بعمامة على رأسه «1».

و فيه نظر، لنزولها و صعودها و تقدّمها و تأخّرها بالركوع و السجود و القيام و القعود و إن كان مع الرأس، و هو أيضا تصرّف في المغصوب و نقل له من مكان إلى آخر.

نعم، لو مثل له بعمامة كان في الرأس ثمَّ نزعها قبل الركوع، كان صحيحا.

و أمّا الفرق بين الساتر و غيره- كالمعتبر و الذكرى و المدارك و

روض الجنان «2»- فهو مبني على الاقتصار على الدليل الثاني، و قد عرفت الحال فيه.

فروع:

أ: ما سبق إنّما كان مع العلم بالغصبية. و أمّا مع الجهل بها فلا تبطل الصلاة، لأنه إنّما كان من جهة الإجماع و النهي، و لا إجماع في حقّ الجاهل، بل هو محكي «3» بل محقّق على خلافه، و لا نهي مع الجهل، لاشتراط التكليف بالعلم خصوصا في مثل المقام المتواتر فيه الأخبار الدالّة على أنّ كلّ شي ء فهو لك حلال حتى تعلم أنه حرام «4».

و مثل الجاهل الناسي للغصبية، كما صرّح به جماعة «5»، لما ذكر.

خلافا للقواعد و التذكرة، فيعيد مطلقا «6»، لأنه مفرّط، لقدرته على التكرار الموجب للتذكار، و لأنّه لمّا علم كان حكمه المنع عن الصلاة فالأصل بقاؤه.

______________________________

(1) الحواشي على شرح اللمعة: 185.

(2) المعتبر 2: 92، الذكرى: 146، المدارك 3: 182، روض الجنان: 204.

(3) انظر الرياض 1: 128.

(4) انظر الوسائل 17: 87 أبواب ما يكتسب به ب 4.

(5) منهم الحلي في السرائر 1: 270، و العلامة في المنتهى 1: 230، و الشهيد في البيان: 121 و الكركي في جامع المقاصد 2: 89.

(6) القواعد 1: 27، التذكرة 1: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 366

و ضعفهما ظاهر، فإنّ النسيان قد يعرض مع التكرار أيضا، و لو سلّم فكون مثل هذا التفريط موجبا للإعادة لا دليل له.

و أمّا المنع من الصلاة فرفعه بعد النسيان ممّا لا ريب فيه، لامتناع تكليف الغافل.

مع أنّ المنع المتحقّق أوّلا كان حال العلم، و هو منتف، فالاستصحاب غير ممكن.

و للمختلف و الدروس «1»، فأوجبا الإعادة في الوقت خاصة، لقيام السبب و هو الوقت. دون خارجه، لأنّ القضاء بأمر جديد.

و فيه: منع كون الوقت سببا

للوجوب بعد تحقّق الامتثال.

و ربّما فصّل بين العالم بالغصب عند اللبس و الناسي له عنده «2». و لا وجه له.

ب: الجاهل بالحكم الشرعي كالجاهل بالغصب إن لم يخطر بباله خلافه، لعدم تقصيره، و إلّا فكالعامد. و الناسي له كالأول، لعدم تقصيره قطعا.

ج: لو أذن المالك للغاصب أو غيره، جازت صلاته و صحّت، لزوال النهي. و لو أذن إطلاقا أو عموما لم يدخل الغاصب، لعدم العلم بالرضا في حقه، كما هو مقتضى ظاهر الحال المعتاد بين الأغلب. و لو أذن للغاصب فإن كان في مجرد صلاته فلا يجوز لغيره، لعدم انتفاء الغصبية، و إن كان في مطلق التصرّف، يجوز، لانتفائها.

د: الظاهر صحة الصلاة في المبيع فاسدا، سواء جهل كلّ من المتبايعين بالفساد، أو علما، أو جهل أحدهما دون الآخر، لتحقّق الإذن، و عدم صدق الغصبية.

نعم، لو علم المشتري دون البائع و احتمل لأجل ذلك عدم رضاه، اتّجه

______________________________

(1) المختلف: 82، الدروس 1: 151.

(2) انظر كشف اللثام 1: 186.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 367

المنع و البطلان.

ه: لو غصب شيئا و لم يستصحبه، لا تبطل صلاته و لو في سعة الوقت.

و من تمسّك في المقام بالنهي عن الضد يقول بالبطلان.

و: لا يتفاوت الحال في البطلان فيما يبطل بين ما إذا تمكّن من الردّ و عدمه، للنهي عن التصرّف على الحالين.

نعم، لو استصحبه محافظة له حتى يتمكن من الرد فالظاهر عدم البطلان، لعدم النهي عن هذا التصرّف، إذ لو نهي عنه فأمّا يؤمر بالردّ حينئذ، و هو تكليف بغير المقدور- و القول بأنّه جائز إذا كان السبب فيه هو المكلّف نفسه واه جدّا- أو بتركه و عدم حفظه، و هو أيضا باطل قطعا، أو بتصرّف آخر غير هذا

التصرّف، و هو ترجيح بلا مرجّح.

تتميم فيه مسألتان:
المسألة الأولى: جواز الصلاة فيما يستر ظهر القدم مع شي ء من الساق و لو قليلا مجمع عليه،

و بدونه أصح القولين، وفاقا للمبسوط و الوسيلة و الإصباح و المنتهى و التحرير و الروضة و الجعفرية و شرح القواعد و المدارك «1»، بل أكثر متأخّري المتأخّرين، بل المتأخّرين كما قيل «2»، للأصل.

و قد يستدلّ «3» أيضا بالتوقيع المروي في الاحتجاج و كتاب الغيبة للشيخ:

هل يجوز للرجل أن يصلّي و في رجله بطيط لا يغطّي الكعبين أم لا يجوز؟ فكتب في الجواب: «جائز» «4» و البطيط كما في القاموس: رأس الخفّ بلا ساق «5».

______________________________

(1) المبسوط 1: 83، الوسيلة: 88، المنتهى 1: 230، التحرير 1: 30، الروضة 1: 207، الجعفرية (رسائل الكركي 1): 102، جامع المقاصد 2: 106، المدارك 3: 184.

(2) انظر: المدارك 3: 184، و الذخيرة: 235، و الحدائق 7: 160، و الرياض 1: 129.

(3) كما في الحدائق 7: 161.

(4) الاحتجاج: 484، الغيبة: 234.

(5) القاموس المحيط 2: 363.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 368

و فيه تأمّل، لأنّ الكعبين داخلان في ظهر القدمين، لأنّهما قبّتاهما، فلا يكون المسؤول عنه ساترا لظهر القدم. بل قد يجعل ذلك مؤيّدا للقول الآخر، لإشعاره بالمنع فيما يغطّي الكعبين، و هو أيضا غير جيّد.

نعم، لو جعلنا الكعبين مفصلي الساقين و القدم لكان يصلح دليلا للمختار، و كذا إن كان مراد المخالف ستر شي ء من ظهر القدم.

و خلافا لظاهر الحلّي «1»، و المحقّق في كتبه الثلاثة «2»، و التذكرة و القواعد و الإرشاد و اللمعة و الدروس و البيان «3»، فمنعوا عن الصلاة فيه مطلقا، لعدم صلاة الحجج فيه، و ضعفه ظاهر.

و للشهرة المحقّقة و المحكية.

و فيه: أنّها لو سلّمت فإنّما هي في الشمشك [1] و النعل السندي اللذين هما المصرّح بهما في كلام

القدماء دون المطلق.

و كون المنع عنهما لسترهما ظهر القدم ممنوع، بل يمكن أن يكون لعدم إمكان الاعتماد معهما على الرجلين، أو على إبهامهما عند السجود كما قيل «4»، أو لوجه آخر لم نعلمه.

و حكاية الشهرة معارضة بحكاية الشهرة المتأخّرة و تحقّقها على الجواز.

و للمحكي عن المقنعة و النهاية و المهذّب و الجامع و المراسم «5»، فمنعوا عن الصلاة في الشمشك و النعل السندي خاصة، لما ذكر مع ضعفه، و لما في الوسيلة

______________________________

[1] بضمّ الأولين و كسر ثالثة. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) السرائر 1: 263.

(2) المعتبر 2: 93، الشرائع 1: 69، المختصر النافع: 25.

(3) التذكرة 1: 98، القواعد 1: 28، الإرشاد 1: 247، اللمعة (الروضة 1): 207، الدروس 1: 151، البيان: 121.

(4) انظر كشف اللثام 1: 191.

(5) المقنعة: 153، النهاية: 98، المهذب 1: 75، الجامع للشرائع: 66، المراسم: 65.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 369

من قوله: و روي أنّ الصلاة محظورة في النعل السندية و الشمشك «1».

و هو ضعيف غير صالح للاحتجاج، إلّا أن يدّعى انجباره بشهرة القدماء، و هو في حيّز المنع. و لو سلّم لم يفد لنا شيئا، إذ غايته ثبوت المنع فيهما، و حقيقتهما و كيفيتهما غير معلومة لنا، بل لا نعلم كونهما ساترين لظهر القدم دون الساق، و في مجمع البحرين: إنّه ليس في الشمشك نص من أهل اللغة «2».

[المسألة] الثانية: كلّ ما عدا ما ذكرنا تصح الصلاة فيه،

للأصل، و إطلاقات الصلاة.

______________________________

(1) الوسيلة: 88.

(2) مجمع البحرين 5: 277.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 370

الفصل الثالث: فيما يستحب في لباس المصلي و يكره
أمّا المستحبات

فأمور:

منها: الصلاة في النعل العربية عند علمائنا أجمع، كما صرّح به جماعة «1»، و هو الحجة فيه مضافا إلى الأخبار [1].

إلّا أنها مطلقة و الأكثر قيّدوها بالعربية، و هو حسن، إذ لم يثبت حقيقة إطلاق النعل على غيرها، إذ مع السندية مكروهة إجماعا.

مع أنّ أكثر الأخبار وردت بخطاب المشافهة الغير المتعدّي حكمه إلى غير المخاطب إلّا مع الاشتراك في الوصف، و هو في حقّ غير المتنعّل بالعربية ممنوع.

فما ذكره بعض المتأخّرين من أولوية الإطلاق «2»، غير جيّد.

و القول بكفاية الاحتمال في المستحبات للتسامح «3»، باطل، إذ لم يثبت هذا القدر من التسامح [2].

و منها: أن تصلّي المرأة في ثلاثة أثواب: درع [3] و إزار و خمار، بلا خلاف فيه

______________________________

[1] انظر الوسائل 4: 424 أبواب لباس المصلّي ب 37، و ليس في قوله في صحيحة البصري الآمرة بالصلاة في النعل: «إنه يقال ذلك من السنة» دليل على عدم الاستحباب، إذ يمكن أن يكون المعنى: لو فعلت هذا يقال ذلك و يعتدون بك. منه رحمه اللّه تعالى.

[2] الاستحباب في النعل للرجل، و يمكن للمرأة أيضا كما صرّح به في البيان: 122. منه رحمه اللّه تعالى.

[3] درع المرأة: قميصها. مجمع البحرين 4: 324.

______________________________

(1) منهم العلامة في المنتهى 1: 230، و التذكرة 1: 98، و الشهيد الأول في الذكرى: 148، و الكركي في جامع المقاصد 2: 107، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 214، و صاحب الرياض 1: 129.

(2) كما في المدارك 3: 185.

(3) كما في الرياض 1: 129.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 371

بين الأصحاب، و في المنتهى: ذهب إليه

العلماء كافة «1»، فهو الحجة فيه، مع صحيحة جميل «2»، و موثّقة ابن أبي يعفور «3».

و منها: أنّ المصلّي إذا لم يكن عليه إلّا سراويل طرح على عاتقه شيئا و لو حبلا أو خيطا أو تكة، صرّح به الأكثر «4»، و تدلّ عليه صحيحة محمد «5»، و مرفوعة علي بن محمد «6».

و منها: أنه إن صلّى في إزار وحده يرفعه إلى الثديين، لرواية سفيان بن السمط «7»، و مرسلة رفاعة «8».

و منها: التعمم و التسرول، صرّح باستحبابهما في الصلاة في السرائر و الدروس «9»، و غيرهما «10». بل في حاشية الروضة للمحقّق الخوانساري الاتّفاق على استحبابهما «11».

______________________________

(1) المنتهى 1: 237.

(2) التهذيب 2: 218- 860، الاستبصار 1: 390- 1484، الوسائل 4: 407 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 11.

(3) الكافي 3: 395 الصلاة ب 64 ح 11، التهذيب 2: 217- 856، الاستبصار 1:

389- 1480، الوسائل 4: 406 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 8.

(4) منهم الشيخ في النهاية: 98، و العلامة في المنتهى 1: 240، و التذكرة 1: 93، و الكركي في جامع المقاصد 2: 103، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 190.

(5) الكافي 3: 393 الصلاة ب 64 ح 1، التهذيب 2: 216- 852، الوسائل 4: 390 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 2.

(6) الكافي 3: 395 الصلاة ب 64 ح 5، الوسائل 4: 453 أبواب لباس المصلّي ب 53 ح 5.

(7) الكافي 3: 401 الصلاة ب 65 ح 15، الوسائل 4: 391 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 5.

(8) الكافي 3: 395 الصلاة ب 64 ح 9، التهذيب 2: 216- 849، الوسائل 4: 390 أبواب لباس المصلّي ب 22 ح 3.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة    ج 4    372     أما المستحبات ..... ص : 370

(9) السرائر 1: 260، الدروس 1: 147.

(10) كالجامع للشرائع: 65، و نهاية الإحكام 1: 367، و الذكرى: 147، و جامع المقاصد 2: 94.

(11) الحواشي على شرح اللمعة: 200.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 372

للمروي في جامع الأخبار: «من صلى ركعتين بعمامة فضله على من لم يتعمّم كفضل النبي صلّى اللّه عليه و آله على أمّته» «1».

و في شرح القواعد: و روي: ركعة بسراويل تعدل أربعا بغيره.

قال في الذكرى: و كذا روي في العمامة «2».

و في المكارم عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «ركعة بعمامة أفضل من أربع بغير عمامة» «3».

و منها: التجمل في الثياب للصلاة، ذكره في السرائر «4»، و غيره «5»، للمروي في تفسير العياشي و الجوامع: كان الحسن بن علي عليهما السلام إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه، فقيل له ذلك، فقال: «إنّ اللّه جميل و يحبّ الجمال فأتجمّل لربّي» و قرأ قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ الآية «6».

و لكن في مكارم الأخلاق: عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّا إذا أردنا أن نصلّي نلبس أخشن ثيابنا» «7».

و في رواية ابن كثير: «كان علي بن الحسين [عليهما السلام يلبسها و كانوا عليهم السلام ] يلبسون أغلظ ثيابهم إذا قاموا إلى الصلاة و نحن نفعل ذلك» [1].

______________________________

[1] الكافي 6: 450 الزي و التجمل ب 8 ح 4، الوسائل 4: 454 أبواب لباس المصلي ب 54 ح 1.

و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

______________________________

(1) جامع الأخبار: 77، المستدرك 3: 231 أبواب لباس المصلي ب 44 ح 1.

(2) جامع المقاصد 2: 94، الذكرى: 140، الوسائل 4: 465 أبواب لباس المصلي ب 64 ح

3.

(3) مكارم الأخلاق 1: 260- 780، الوسائل 4: 464 أبواب لباس المصلي ب 64 ح 1 و فيهما ركعتان.

(4) السرائر 1: 260.

(5) كنهاية الإحكام 1: 367.

(6) تفسير العياشي 2: 14- 29، جوامع الجامع 1: 433، الوسائل 4: 455 أبواب لباس المصلي ب 54 ح 6، و الآية في الأعراف: 31.

(7) مكارم الأخلاق 1: 251- 745، المستدرك 3: 226 أبواب لباس المصلي ب 36 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 373

و قد يجمع بينهما بحمل أخبار لبس الخشن على ما إذا صلّى لحاجة مهمة أو دفع بلية، حيث إنّه ورد استحبابه في تلك الحالة «1»، فيخصّ أخبار التجمّل بذلك، و به تصير أخص من أخبار لبس الخشن فتخصّ به.

و منهم من حمل أخبار التجمّل على الصلاة في المحافل كالجماعات و الأعياد، و أخبار الخشن على الصلاة في الخلوات «2»، للمروي في المجمع: عن الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ قال: «أي خذوا ثيابكم التي تزينون بها للصلاة في الجماعات و الأعياد» «3».

و منها: لبس خاتم فيه عقيق، للمروي في إعلام الدين للديلمي: «صلاة ركعتين بفصّ عقيق تعدل ألف ركعة بغيره».

و قال عليه السلام: «ما رفعت إلى اللّه تعالى كف أحب إلى اللّه تعالى من كف فيها عقيق» «4».

و منها: لبس خاتم فصّه جزع يماني، للمروي في العيون: «إنّ الصلاة في الجزع سبعون صلاة و إنه يسبح و يستغفر، و أجره لصاحبه» «5».

و منها: أن يصلّي في الثياب البيض، ذكره في الدروس و البيان «6»، و غيرهما «7». و هو كاف في المقام و إن كان ما استندوا إليه غير مختص بحال الصلاة.

و

أمّا المكروهات

فأمور أيضا:

منها: الصلاة في ثوب أسود عدا العمامة و

الخف و الكساء.

______________________________

(1) انظر الوسائل 4: 454 أبواب لباس المصلي ب 54 ح 2 و 7.

(2) الوسائل 4: 454 أبواب لباس المصلي ب 54.

(3) مجمع البيان 4: 412.

(4) أعلام الدين: 392، 393.

(5) عيون أخبار الرضا 2: 132- 18، الوسائل 5: 96 أبواب أحكام الملابس ب 57 ح 2.

(6) الدروس 1: 147، البيان: 122.

(7) كالمراسم: 64، و التذكرة 1: 99، و المنتهى 1: 232، و الذكرى: 149، و الكفاية: 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 374

أمّا المستثنى منه: فلتصريح جملة من الأصحاب، بل للإجماع المحقّق، و المحكي ظاهرا في المعتبر و المنتهى «1».

و لمرسلة الكافي: «لا تصلّ في ثوب أسود، فأمّا الخف و العمامة و الكساء فلا بأس» «2».

و مرسلة محسن: أصلّي في القلنسوة السوداء؟ فقال: «لا تصلّ فيها، فإنها لباس أهل النار» [1].

و مقتضى التعليل في الأخيرة: كراهة القلنسوة السوداء في غير الصلاة أيضا، و هو كذلك.

بل يكره مطلق لباس السود- سوى ما ذكر- مطلقا، لمرسلة البرقي: «يكره السواد إلّا في ثلاث: الخف و العمامة و الكساء» «3».

و مرسلة الفقيه: «لا تلبسوا السواد، فإنه لباس فرعون» «4».

و رواية حذيفة و فيها: «و أنا أعلم أنه لباس أهل النار» «5».

و ظاهر الصدوق في الفقيه: تحريم لبس السواد مع عدم التقية [2]، و لعله

______________________________

[1] الكافي 3: 403 الصلاة ب 65 ح 30، الفقيه 1: 162- 765، التهذيب 2: 213- 836، الوسائل 4: 386 أبواب لباس المصلي ب 20 ح 1، المرسلة الأخيرة مختصة بالقلنسوة و قد يتوهم التعميم لعموم التعليل و هو عليل، إذ لا عموم في التعليل لأنه ليس إلّا كون القلنسوة السوداء من لباس أهل النار. منه رحمه اللّه تعالى.

[2] الفقيه 1: 163، حيث

قال فيه: و أما في حال التقية فلا إثم في لبس السواد. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) المعتبر 2: 94، المنتهى 1: 232.

(2) الكافي 3: 403 الصلاة ب 65 ذ. ح 24، الوسائل 4: 383 أبواب لباس المصلي ب 19 ح 4.

(3) الكافي 6: 449 الزي و التجمل ب 6 ح 1، الوسائل 4: 383 أبواب لباس المصلي ب 19 ح 2.

(4) الفقيه 1: 163- 766، الوسائل 4: 383 أبواب لباس المصلي ب 19 ح 5.

(5) الكافي 6: 449 الزي و التجمل ب 6 ح 2، الفقيه 1: 163- 770، علل الشرائع: 347- 4، الوسائل 4: 384 أبواب لباس المصلي ب 19 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 375

لظهور النهي في الأخبار في التحريم.

و لكنه يضعّف بالمعارضة مع المروي في العلل: قد كانت الشيعة تسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن لبس السود فوجدناه قاعدا عليه جبة سوداء و قلنسوة سوداء و خف أسود مبطن بالسواد- إلى أن قال-: «بيّض قلبك و البس ما شئت» «1».

و هو لموافقته لمذهب العباسيين المتسلّطين في ذلك الزمان و إن أوجبت مرجوحيتها بالنسبة إلى الأخبار الناهية، إلّا أنّ شذوذ هذه و مخالفتها لشهرة الأصحاب بل إجماعهم أخرجها عن صلاحية إثبات الحرمة فيثبت بها الكراهة، و يحمل المعارض على التقية أو بيان الرخصة.

و أمّا المستثنى فهو مجمع عليه في العمامة، و مشهور في الخف، فلم يذكره المفيد و الديلمي و ابن حمزة على ما حكي عنهم، و مصرّح به في الكساء في جملة من كلمات القوم كالجامع و شرح القواعد و البيان و اللمعة و النفلية «2»، و شرح الجعفرية، و غيرها من كتب المتأخّرين «3».

و هو في الثلاثة

كذلك، للمرسلتين المتقدّمتين.

و استشكال بعضهم «4» في الأخير، لعدم استثناء أكثر القدماء، غير جيّد.

و منها: الصلاة في المعصفر و المزعفر، كرههما جماعة «5»، لرواية يزيد بن

______________________________

(1) علل الشرائع: 347- 5، الوسائل 4: 385 أبواب لباس المصلّي ب 19 ح 9.

(2) الجامع للشرائع: 65، جامع المقاصد 2: 107، البيان: 122، اللمعة (الروضة 1): 208، النفلية: 12.

(3) كالمسالك 1: 24، و روض الجنان: 208، و الروضة 1: 208، و مجمع الفائدة 2: 87، و الكفاية: 16.

(4) رياض المسائل 1: 129.

(5) منهم المحقق في المعتبر 2: 94، و العلامة في المنتهى 1: 232، و التحرير 1: 30، و التذكرة 1:

99، و نهاية الإحكام 1: 387، و الشهيد في الذكرى: 147، و البيان: 122.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 376

خليفة «1». و هو إنّما يتم على ما في بعض نسخها من عطف الثاني فيها على الأول بالواو، و أمّا على ما في بعض آخر من سقوط الواو فلا يثبت إلّا كراهة الجامع للوصفين.

و الاستدلال لكراهة الصلاة في الأول ببعض الروايات العامية «2» الدالّة على كراهة لبسه غير جيّد، لعدم الملازمة، مع أنه معارض بكثير من الروايات الخاصة الدالّة على عدم كراهته «3».

و منها: الصلاة في الثوب الأحمر الشديد الحمرة، لموثّقة حمّاد: «تكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المفدم» «4» بسكون الفاء و فتح الدال: الشديد الحمرة، ذكره أكثر أهل اللغة «5»، أو شديد اللون بقول مطلق من دون تقييد «6»، و على التقديرين يثبت المطلوب.

و رواية مالك و فيها بعد ذكر أن على أبي جعفر عليه السلام ملحفة حمراء شديد الحمرة أنه قال: «إنّا لا نصلّي في هذا و لا تصلّوا في المشبع المضرج» الحديث «7». و المضرّج:

المصبوغ بالحمرة.

و يستفاد كراهة لبس شديد الحمرة و لو في غير الصلاة أيضا، و تدلّ عليه أيضا مرسلة ابن أبي عمير: «يكره المفدم إلّا للعروس» «8».

______________________________

(1) التهذيب 2: 373- 1550، الوسائل 4: 461 أبواب لباس المصلي ب 59 ح 3.

(2) سنن النسائي 8: 203.

(3) الوسائل 5: 30- 31 أبواب أحكام الملابس ب 17 ح 7، 8، 11، 12.

(4) الكافي 3: 402 الصلاة ب 65 ح 22، التهذيب 2: 373- 1549، الوسائل 4: 460 أبواب لباس المصلي ب 59 ح 2.

(5) الصحاح 5: 2001، لسان العرب 12: 450.

(6) مقاييس اللغة 4: 482.

(7) الكافي 6: 447 الزي و التجمل ب 5 ح 7، الوسائل 4: 460 أبواب لباس المصلي ب 59 ح 1.

(8) الكافي 6: 447 الزي و التجمل ب 5 ح 5، الوسائل 5: 29 أبواب أحكام الملابس ب 17 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 377

و أمّا الشديد من سائر الألوان: فلا كراهة فيه لا في الصلاة و لا في غيرها، للأصل.

و قد يقال بها فيها «1»، للموثّقة بناء على تفسير المفدم بالمطلق- و إن لم يثبت- للمسامحة.

و هو ضعيف فإنّه لم يثبت ذلك المعنى لهذا اللفظ [1]، و لو ثبت لم يكن إلّا مشتركا خاليا عن قرينة التعيين، فيؤخذ بالمتيقّن، و لا يصدق في المطلق بلوغ الثواب الذي هو مدرك التسامح.

ثمَّ ظاهر الموثّقة: عموم الكراهة للرجال و النساء.

و في الدروس خصّها بالرجال و كذلك في الأسود «2»، و لا وجه لهما.

و منها: التوشح، لاستفاضة الأخبار به «3». و لكن لا تترتّب عليه فائدة، لعدم وضوح المراد منه، فإنّه فسّر تارة: بالتقلّد بالثوب «4». و اخرى: بلبسه.

و ثالثة: بأخذ طرفه الملقى على منكبه

الأيمن من تحت يده اليسرى و بالعكس ثمَّ عقدهما على صدره، ذكره النووي في شرح صحيح المسلم [2]. و رابعة: بإدخاله تحت اليمنى و إلقائه على المنكب الأيسر كما يفعله المحرم «5». و خامسة: بالالتحاف كاليهود، ذكره في الخلاف [3]. و سادسة: بشد الوسط بما يشبه الزنّار.

و القول بأنّ النهي عن المشترك يحمل على النهي عن جميع معانيه ضعيف،

______________________________

[1] فإنه في أكثر كتب اللغة كالفائق و القاموس و المجمع و غيره مفسّر بالمقيد. منه رحمه اللّه.

[2] هامش إرشاد الساري 3: 163.

[3] لم نعثر عليه في الخلاف لكنه موجود في التهذيب 2: 215.

______________________________

(1) الرياض 1: 129.

(2) الدروس 1: 147.

(3) انظر الوسائل 4: 395 أبواب لباس المصلي ب 24.

(4) القاموس 1: 264.

(5) المغرب 2: 250.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 378

لعدم الدليل، سيما مع القول بعدم جواز استعمال المشترك في جميع معانيه، مع أنّ الاشتراك بين الجميع غير معلوم، و حقيقته غير متميّزة.

و منها: الاتّزار فوق القميص. لا لأخبار كراهة التوشح، لأنه غيره كما نصّ به أهل اللغة «1». و توهّم إشعار بعض الأخبار باتّحادهما «2»، فاسد، لمنعه. بل لصحيحة أبي بصير «3».

خلافا لجماعة «4»، لأنّه غير التوشّح، و للصحيحين النافي أحدهما للبأس عنه «5»، و المثبت ثانيهما لفعل أبي جعفر عليه السلام له «6».

و ضعف الأول ظاهر، و نفي البأس الذي هو العذاب لا ينافي الكراهة، و فعل الإمام للمكروه لبيان الجواز محتمل.

و منها: صلاة الرجل في الثوب الواحد الرقيق الغير الحاكي للبشرة، ذكره جماعة «7»، لفتوى هؤلاء، مضافا إلى نفي بعضهم وجدان الخلاف فيه «8».

______________________________

(1) القاموس 1: 264 و 377، الصحاح 1: 415 و 578.

(2) رياض المسائل 1: 130.

(3) الكافي 3: 395 الصلاة ب

64 ح 7، التهذيب 2: 214- 840، الوسائل 4: 395 أبواب لباس المصلي ب 24 ح 1.

(4) منهم المحقق في المعتبر 2: 96، و العلامة في المنتهى 1: 232، و الشهيد في الذكرى: 148، و صاحب المدارك 3: 203.

(5) الفقيه 1: 166- 780، التهذيب 2: 214- 842، الاستبصار 1: 388- 1475، الوسائل 4: 397 أبواب أحكام الملابس ب 24 ح 5.

(6) التهذيب 2: 215- 843، الاستبصار 1: 388- 1476، الوسائل 4: 397 أبواب أحكام الملابس ب 24 ح 6.

(7) منهم الشيخ في النهاية: 97، و المبسوط 1: 83، و المحقق في المعتبر 2: 95، و الشهيد في الدروس 1: 148، و الذكرى: 146، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 107، و صاحب المدارك 3:

202.

(8) رياض المسائل 1: 130.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 379

بل في الواحد غير الرقيق أيضا كما في النافع «1»، و الرقيق و إن تعدّد كما في اللمعة «2»، لفتواهما، مضافا في الثاني إلى بعض الروايات العامية كما في شرح القواعد «3»: عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إذا صلّى أحدكم فليلبس ثوبيه» «4» و مع كون المصلّي إماما إلى المروي في قرب الإسناد: عن الرجل يؤمّ في قباء و قميص، قال: «إذا كان في ثوبين فلا بأس» [1].

و الاستدلال للأول: بمفهوم الصحيحين النافيين للبأس في الصلاة في القميص الواحد إذا كان كثيفا أو صفيقا «5».

و للثاني: بما مرّ من استحباب ستر جميع البدن، و ما يأتي من استحباب التعمّم و التردّي، و رواية قرب الإسناد: عن الرجل هل يصلح أن يصلّي في سراويل واحد و هو يصيب ثوبا؟ قال: «لا يصلح» «6».

و للثالث: بالصحيحين المذكورين بإلغاء قيد الوحدة

فيهما لكونه في السؤال، و بالمروي في الخصال في حديث الأربعمائة: «عليكم بالصفيق من الثياب فإنّ من رقّ ثوبه رقّ دينه، و لا يقومنّ أحدكم بين يدي الرب جلّ جلاله و عليه ثوب نشيف» «7» و بما دلّ على أنهم كانوا يلبسون أغلظ ثيابهم و أخشنها في

______________________________

[1] لا يوجد في قرب الإسناد، و لكنه موجود في مسائل علي بن جعفر: 119- 62، الوسائل 4: 392 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 13.

______________________________

(1) النافع: 25.

(2) اللمعة (الروضة 1): 208.

(3) جامع المقاصد 2: 94.

(4) كنز العمال 7: 331- 19120.

(5) الكافي 3: 393 و 394 الصلاة ب 64 ح 1 و 2، التهذيب 2: 216 و 217- 852 و 855، الوسائل 4: 389- 390 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 2 و 1.

(6) قرب الإسناد: 191- 717، الوسائل 4: 453 أبواب لباس المصلي ب 53 ح 7.

(7) الخصال: 627، الوسائل 4: 389 أبواب لباس المصلّي ب 21 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 380

الصلاة «1»، و بأنّ به يحصل كمال الستر، ضعيف.

أمّا دليل الأول: فلأنّ مقتضى المفهوم ثبوت البأس الذي هو العذاب في الرقيق، و ليس ارتكاب التجوّز فيه أولى من تخصيص الرقيق بحاكي البشرة، بل صدق الرقيق على غيره غير معلوم، فيكونان دليلين على وجوب الستر.

و أمّا دليل الثاني: فبما سبق من عدم دليل تام على استحباب ستر الجميع.

مضافا إلى أنّ كراهة ترك ستر الجميع أو التعمّم أو التردّي أو كراهة السراويل الواحد غير كراهة الثوب الواحد، الظاهرة في أنّ للوحدة مدخلية في الكراهة.

و أمّا دليل الثالث: فلما مرّ في الأول، و لأنّ الغلظة غير الصفاقة، فإنّها قد تكون مع كون الثوب حاكيا و قد

لا تكون مع غاية الصفاقة، و لأنه لا دليل على رجحان كمال الستر.

و منها: اشتمال الصمّاء بالإجماع المحقّق و المحكي حدّ الاستفاضة «2»، و هو الحجة في كراهته في الصلاة.

بل الظاهر كراهته مطلقا، لصحيح زرارة: «إيّاك و التحاف الصمّاء» قلت:

و ما التحاف الصمّاء؟ قال: «أن تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد» «3».

و منه يظهر المراد من اشتمال الصمّاء أيضا، و به فسّر أيضا في كلام كثير من

______________________________

(1) الوسائل 4: 454 أبواب لباس المصلي ب 54.

(2) كما في المعتبر 2: 96، و التحرير 1: 31، و الذكرى: 147، و جامع المقاصد 2: 108، و روض الجنان: 209.

(3) الكافي 3: 394 الصلاة ب 64 ح 4، الفقيه 1: 168- 792، التهذيب 2: 214- 841، الاستبصار 1: 388- 1474، معاني الأخبار: 390- 32، الوسائل 4: 399 أبواب لباس المصلي ب 25 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 381

فقهائنا كالنهاية و المبسوط و الوسيلة «1»، و نسبه في الروض و الروضة و البحار إلى المشهور «2»، مشعرا بوقوع الخلاف فيه، و لعلّه إشارة إلى خلاف السيد كما نقله في السرائر «3».

فما قيل: من أنه لم أجد خلافا بين أصحابنا فيه و لعلّ الخلاف المشعر به النسبة إلى المشهور لأهل اللغة أو فقهاء العامة «4»، غير جيّد.

و كيف كان، فلا ينبغي الريب في أنّ العبرة بتفسير الإمام الوارد في الرواية الصحيحة المعتضدة بالشهرة المحكية و المحقّقة، بل ظاهر الإجماع المستفاد من السرائر «5»، بل بالرواية العامية المروية عن الخدري: «إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عن اشتمال الصمّاء، و هو أن يجعل وسط الرداء تحت منكبه الأيمن و يردّ على طرفه الأيسر» [1]

دون ما يخالفه من التفاسير الواردة في كلام اللغويين و العامة، كما صرّح به الصدوق في معاني الأخبار «6».

ثمَّ الظاهر المتبادر من الرواية على ما في الكافي و أكثر نسخ التهذيب- و هو المصرّح به في كلام الأكثر- هو: أن المراد إدخال طرفي الثوب معا من تحت منكب واحد، سواء كان الأيمن أو الأيسر، ثمَّ وضعه على المنكب الواحد.

و لكن المنقول عن بعض نسخ التهذيب: «جناحيك» و الظاهر حينئذ كون المراد إدخال أحد طرفي الثوب من تحت أحد الجناحين و الطرف الآخر من تحت الجناح الآخر ثمَّ جعلهما على منكب واحد، و يوافقه المروي في بعض الكتب عن

______________________________

[1] صحيح البخاري 7: 190، (بتفاوت).

______________________________

(1) النهاية: 97، المبسوط 1: 83، الوسيلة: 87.

(2) الروض: 209، الروضة 1: 208، البحار 80: 205.

(3) السرائر 1: 261.

(4) رياض المسائل 1: 131.

(5) السرائر 1: 261.

(6) معاني الأخبار: 282.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 382

معاني الأخبار «1» و إن وافق ما في الكتب الأخر عنه المشهور.

و لا يبعد حمل المشهور من الصحيحة على هذا المعنى أيضا، بأن يراد من الجناح الجنس- كما في التذكرة و المنتهى «2»- إلّا أنه خلاف المتبادر.

و الاحتياط التجنّب عنه بالمعنيين. بل الأظهر كراهة كلّ منهما، لصدق الجنس المذكور على المعنيين، مع أن ظهور الرواية على الطريق المشهور في المعنى الأول و ورودها في بعض النسخ بما يوافق الثاني يكفي في إثبات الكراهة لهما، سواء كان الردّ على اليمين أو اليسار.

و أمّا ما في صحيحة علي: عن الرجل هل يصلح له أن يجمع طرفي ردائه على يساره؟ قال: «لا يصلح جمعهما على اليسار و لكن اجمعهما على اليمين، أو دعهما» «3» حيث إن الظاهر منها تساوي الجمع على

اليمين أو الدعة، فلا يدل على الزائد على جواز الجمع على اليمين، لعدم إرادة الطلب من الأمر بالجمع إجماعا، و هو لا ينافي الكراهة.

نعم، يستفاد منها أن الجمع على اليسار أيضا مكروه آخر، ففيه جمع بين مكروهين.

و منها: الصلاة في عمامة لا حنك لها، فيكره إجماعا محقّقا و محكيا في المعتبر و المنتهى «4»، و غيرهما «5»، و هو الحجة، مضافا إلى المرويين في الغوالي:

أحدهما: «من صلّى بغير حنك فأصابه داء لا دواء له فلا يلومنّ إلّا نفسه» «6».

______________________________

(1) معاني الأخبار: 281.

(2) التذكرة 1: 99، المنتهى 1: 233.

(3) التهذيب 2: 373- 1551، الوسائل 4: 400 أبواب لباس المصلي ب 25 ح 7.

(4) المعتبر 2: 97، المنتهى 1: 233.

(5) كالرياض 1: 131.

(6) الغوالي 4: 37- 128، مستدرك الوسائل 3: 215 أبواب لباس المصلّي ب 21 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 383

و الآخر: «من صلّى مقتعطا فأصابه داء لا دواء له فلا يلومنّ إلّا نفسه» [1].

و ضعف الخبرين في المقام غير ضائر، مع أنّ ما مرّ له جابر، و مع ذلك مؤيّدان بما نقله الصدوق عن مشايخه أنهم يقولون: لا تجوز الصلاة في الطابقية، و لا يجوز للمعتمّ أن يصلّي و هو غير متحنك «1». و الطابقية هي أن لا يجعل تحت حنكه شيئا من العمامة و هو الاقتعاط.

و بإطلاقات كراهة التعمّم من دون تحنّك كمرسلة الفقيه: «الفرق بين المسلمين و المشركين التلحّي بالعمائم» «2» و في خبر عيسى: «من اعتمّ فلم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومنّ إلّا نفسه» «3».

و مرسلة الكافي: «الطابقية عمة إبليس لعنه اللّه» «4» و غير ذلك.

و لمّا كان الاقتعاط عدم جعل شي ء من

العمامة تحت الحنك، و المعهود من التحنّك أيضا جعل شي ء منها تحته، بل هو معنى التلحّي بالعمامة و إدارتها تحت الحنك، فلا بدّ أن يكون المتحنّك به جزءا من العمامة وسطها أو طرفها لا شيئا من الخارج، فلا تتأدّى السنّة بغيرها.

و تردّد المحقّق الثاني و احتمل تأدّيها به أيضا «5».

و كذا المتبادر من التلحّي و التحنّك تطويق شي ء من العمامة تحت الحنك، بل هو صريح معنى الإدارة المصرّح بها، فلا يتحقّق بإسدال طرف منها على

______________________________

[1] الغوالي 2: 214- 6، و الاقتعاط هو شدّ العمامة على الرأس من غير إدارة تحت الحنك، مجمع البحرين 4: 270.

______________________________

(1) الفقيه 1: 172.

(2) الفقيه 1: 173- 817، الوسائل 4: 403 أبواب لباس المصلّي ب 26 ح 8.

(3) الكافي 6: 461 الزي و التجمل ب 15 ح 7، التهذيب 2: 215- 847، الوسائل 4: 401 أبواب لباس المصلّي ب 26 ح 2.

(4) الكافي 6: 461 الزي و التجمل ب 15 ح 5، الوسائل 4: 402 أبواب لباس المصلّي ب 26 ح 4.

(5) جامع المقاصد 2: 110.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 384

الصدر أو القفاء، كما احتمله بعض المتأخّرين «1»، جمعا بين أخبار التحنّك و الإسدال «2».

و يجمع تارة أيضا: بحمل الاولى على التحنّك حين التعمّم و الأخرى على الإسدال بعده، و اخرى: بتخصيص الاولى بحال يراد فيه المسكنة و التخشّع، و الثانية بحال يراد فيها الاختيال و الترفّع، و ثالثة: بتخصيص الاولى بالرعية و الثانية بالرسول و العترة، لورود أخبار الإسدال فيهم، و رابعة: بالتخيير بين الأمرين.

و الكلّ خروج عن الظاهر خال عن الشاهد.

و التحقيق أنّه لا تنافي بين الصنفين، إذ الإسدال لا يكون إلّا بطرف العمامة، و التحنّك يتحقّق

بكلّ جزء منها، فيمكن الجمع بين الأمرين بالتحنّك بشي ء من الوسط و إسدال أحد الطرفين.

و هل المكروه ترك التحنّك للمعتمّ حتى لم يرتكب غير المعتمّ مكروها، أو مطلق فلا تتأدّى السنّة إلّا بالتعمّم و التحنّك؟ مقتضى كلام الأكثر: الأول، و ظاهر الخبر الأول: الثاني، فهو الأجود، و لكن ذلك في حال الصلاة، و أمّا في غيرها فأخباره تكره ترك التحنّك للمتعمّم، إلّا أن يستند في أولوية التحنّك مطلقا بأولوية التعمّم الذي يستحب معه التحنّك.

ثمَّ في كلام جماعة «3» نسبة حرمة [ترك ] [1] التحنّك للمتعمّم في الصلاة إلى الصدوق طاب ثراه، و كأنّها مأخوذة من قوله المتقدم ذكره بجعل قوله: «و لا يجوز» ابتداء كلام من نفسه لا حكاية عن مشايخه، أو من ظهور ما نقله في اتّفاق مشايخه

______________________________

[1] أضفناه لاقتضاء المعنى.

______________________________

(1) البحار 80: 195.

(2) انظر الوسائل 4: 399، 401 أبواب لباس المصلي ب 25 و 26.

(3) منهم العلامة في المختلف: 83، و الشهيد الأول في البيان: 122، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 110، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 210.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 385

على ذلك، فيبعد مخالفته لهم.

و للتأمّل في كلا الأمرين مجال، بل الظاهر كون قوله: «و لا يجوز» تفسيرا لما تقدّم، و الظاهر من نسبته إلى المشايخ عدم كونه فتوى نفسه. و يحتمل عثورهم على تصريح منه في محل آخر.

و كيف كان فالتحريم ضعيف جدّا، للأصل. كما يضعف الطرف المقابل له و هو أولوية تركه في أمثال هذا الزمان، لكونه لباس شهرة كما قيل به «1»، لمنع كونه من لباس الشهرة، مع أنه لو كان منه للزم تحريمه- لأنه المستفاد من أخبار لباس الشهرة «2»- و هو خلاف

إجماع الشيعة.

و أيضا ذم الشهرة ليس منحصرا في اللباس، بل في مرسلة عثمان: «الشهرة خيرها و شرّها في النار» «3» فلو أوجب الاشتهار رفع الحكم الشرعي لسرى الأمر إلى أكثر المستحبات بل الواجبات من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، بل لأمكن انطواء الشريعة بتداول خلافها.

و منها: اللثام للرجل و النقاب للمرأة، لاشتهار كراهتهما بين الفقهاء، و ورودهما في بعض الأخبار «4».

و الكراهة إنما هي مع عدم المنع عن القراءة أو غيرها من الواجبات و إلّا حرما.

و منها: ترك الرداء للإمام، لفتوى جمّ غفير من الأصحاب «5». بل لمطلق

______________________________

(1) المفاتيح 1: 111.

(2) الوسائل 5: 15، 24 أبواب أحكام الملابس ب 7 و 12.

(3) الكافي 6: 445 الزي و التجمل ب 3 ح 3، الوسائل 5: 24 أبواب أحكام الملابس ب 12 ح 3.

(4) الوسائل 4: 422 أبواب لباس المصلي ب 35.

(5) منهم الشيخ في المبسوط 1: 83، و النهاية: 98، و المحقق في الشرائع 1: 70، و النافع: 25، و المعتبر 2: 97، و يحيى بن سعيد في الجامع: 67، و العلامة في التحرير 1: 31، و المنتهى 1:

233، و الشهيد الأول في اللمعة (الروضة 1): 209، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 211.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 386

المصلّي من الرجال، لفتوى جماعة منهم «1»، و هي كافية في المقام.

و قد يستدلّ بأخبار غير وافية بالمرام «2»، و قد يضمّ ببعضها عدم الفصل للإتمام.

و هو شطط من الكلام، و لذا لم يفت جماعة من الأعلام بكراهة الترك مطلقا.

و أدلّ الأخبار في الإمام: صحيحة سليمان بن خالد «3»، و في غيره رواية قرب الإسناد «4»، و رسالة عليّ «5».

و هما لا تدلّان إلّا على

مرجوحية الصلاة في القميص وحده أو الإزار و القلنسوة وحدهما بدون الرداء.

و منها: الصلاة مشدود القباء في غير حال الحرب، ذكره جماعة من أصحابنا «6»، بل نسبوه إلى المشهور «7».

فإن أريد منه مشدود الأزرار فالمستفاد من الأخبار خلافه، ففي رواية الأحمري: عن رجل يصلّي و أزراره محلّلة، قال: «لا ينبغي ذلك» «8».

______________________________

(1) كالشهيد الأول في البيان: 122، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 211، و صاحب الحدائق 7:

137.

(2) الوسائل 4: 452 أبواب لباس المصلي ب 53.

(3) الكافي 3: 394 الصلاة ب 64 ح 3، التهذيب 2: 366- 1521، الوسائل 4: 452 أبواب لباس المصلي ب 53 ح 1.

(4) قرب الإسناد: 183- 680، الوسائل 4: 453 أبواب لباس المصلّي ب 53 ح 7.

(5) مسائل علي بن جعفر: 254- 609.

(6) منهم سلار في المراسم: 64، و الشيخ في النهاية: 98، و المبسوط 1: 83، و المحقق في النافع:

25، و المعتبر 2: 99، و الشهيد في الدروس 1: 148، و اللمعة (الروضة 1): 209.

(7) كما في البيان: 123، و الروضة 1: 209، و المدارك 3: 208.

(8) التهذيب 2: 369- 1535، الاستبصار 1: 392- 1496، الوسائل 4: 394 أبواب لباس المصلي ب 23 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 387

و في رواية غياث: «لا يصلّي الرجل محلول الأزرار إذا لم يكن عليه إزار» «1».

و لا ينافيهما بعض الروايات النافية للبأس عن الصلاة محلولة الأزرار «2»، لاجتماع انتفاء البأس مع الكراهة.

بل مقتضى الروايتين: كراهة حلّ الأزرار الذي هو مقابل شدّها، فيكون الشدّ مستحبا.

و لا تعارضها فتوى جمع من الفقهاء، فإنّها إنّما تفيد في مقام الاستحباب إذا لم تعارضه الأخبار.

و إن أريد منه مشدود الوسط- و إن كان الظاهر

من الدروس و البيان مغايرتهما «3»- فلا بأس بالقول بكراهته، لأجل الاشتهار، بل تصريح الشيخ في الخلاف بالإجماع على كراهة هذا المعنى بخصوصه، قال: و يكره أن يصلّي و هو مشدود الوسط، دليلنا: إجماع الفرقة و طريقة الاحتياط «4».

و لا يضرّها الخبران العاميان المرويان في النهاية الأثيرية المصرّحان بالنهي عن الصلاة بغير حزام «5»، لمعارضتهما مع الآخر المنقول في الذكرى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال: «لا يصلّي أحدكم و هو متحزّم» «6».

و لا يضرّه ما نقله بعض الأفاضل أنه رآه في كتب العامة هكذا: «و هو غير متحزّم» «7»، لإمكان التعدّد.

______________________________

(1) التهذيب 2: 326 و 357- 1334، 1476، الاستبصار 1: 392- 1495، الوسائل 4: 394 أبواب لباس المصلّي ب 23 ح 3.

(2) الوسائل 4: 393 أبواب لباس المصلي ب 23.

(3) الدروس 1: 148، البيان: 123.

(4) الخلاف 1: 509.

(5) النهاية 1: 379.

(6) الذكرى: 148.

(7) المغني و الشرح الكبير 1: 659.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 388

إلّا أن يقال: إنّ الخبرين كما يعارضان ذلك الخبر يعارضان الشهرة و نقل الإجماع، و يبقى الأصل بلا معارض، فلا يكون ذلك أيضا مكروها.

و منه يظهر أنّ الشدّ بأيّ المعنيين أخذ لا يمكن إثبات كراهته، و لذا تردّد فيه جماعة كالشيخ في التهذيب و المحقّق في النافع و الفاضل في التحرير و المنتهى، و الشهيدين في روض الجنان و الروضة و الذكرى «1»، و غيرهم من متأخّري أصحابنا «2»، المقتصرين في المسألة على نقل الكراهة.

و ظاهر المقنعة و صريح الوسيلة: حرمة الصلاة مشدود القباء «3»، بل ظاهر ما قاله الشيخ في التهذيب- بعد قول المقنعة-: ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه و سمعناه من الشيوخ

مذاكرة و لم أعرف به خبرا مسندا «4». انتهى: أنّ الحرمة هي التي ذكرها عليّ و سمعها من الشيوخ، و هو محتمل المبسوط و النهاية أيضا «5».

و كيف كان فلا ريب في ضعفه جدّا.

و منها: أن يصحب حديدا، على الأشهر كما صرّح به جماعة «6»، للمستفيضة، كموثّقة عمار: في الرجل يصلّي و عليه خاتم حديد؟ قال: «لا» «7».

______________________________

(1) التهذيب 2: 232، النافع: 25، التحرير 1: 31، المنتهى 1: 235، روض الجنان: 210، الروضة 1: 209، الذكرى: 148.

(2) كالفاضل المقداد في التنقيح 1: 182، و صاحب المدارك 3: 208، و صاحب الحدائق 7:

144.

(3) المقنعة: 152، الوسيلة: 88.

(4) التهذيب 2: 232.

(5) المبسوط 1: 83، النهاية: 98.

(6) انظر المدارك 3: 210، و الذخيرة: 230، و البحار 80: 251، و الحدائق 7: 144، و الرياض 1: 132.

(7) الفقيه 1: 164- 773، التهذيب 2: 372- 1548، علل الشرائع: 348- 1، الوسائل 4:

418 أبواب لباس المصلي ب 32 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 389

و قريبة منها رواية السكوني «1»، و المرويان في العلل «2».

و رواية النميري و فيها: «و جعل اللّه الحديد في الدنيا زينة الجن و الشياطين، فحرّم على الرجل المسلم أن يلبسه في الصلاة، إلّا أن يكون قبال عدوّ فلا بأس به» قال: قلت: فالرجل في السفر يكون معه السكين في خفّه لا يستغني منه أو في سراويله مشدودا، أو المفتاح يخشى إن وضعه ضاع، أو يكون في وسطه المنطقة من حديد، قال: «لا بأس بالسكين أو المنطقة للمسافر في وقت ضرورة، و كذلك المفتاح إذا خاف الضيعة و النسيان، و لا بأس بالسيف و كل آلة السلاح في الحرب، و في غير ذلك لا تجوز

الصلاة في شي ء من الحديد، فإنه نجس ممسوخ» «3».

و عن المقنع و النهاية و المهذب «4»، و ظاهر الصدوق و الكليني «5»، و محتمل من قال بنجاسة الحديد: حرمة الصلاة فيه و عدم صحتها معه، كما هو مقتضى الرواية الأخيرة. و هي قوية جدّا، لذلك.

و دعوى شذوذ الرواية، لمخالفتها لعمل المعظم بعد نسبة القول بالتحريم إلى من ذكر، غير مسموعة.

و الحكم بنجاسته مع مخالفتها بالمعنى المصطلح للحق لا يصلح قرينة لإرادة الكراهة من الحرمة.

و لكن يجب تخصيصها بما إذا كان الحديد ظاهرا كما عليه فتوى القائلين

______________________________

(1) الكافي 3: 404 الصلاة ب 65 ح 35، التهذيب 2: 227- 895، علل الشرائع: 348- 2، الوسائل 4: 417 أبواب لباس المصلي ب 32 ح 1.

(2) علل الشرائع: 348- 3 و 1، الوسائل 4: 368، 418 أبواب لباس المصلّي ب 11 و 32 ح 5.

(3) الكافي 3: 400 الصلاة ب 65 ح 13، التهذيب 2: 227- 894، الوسائل 4: 419 أبواب لباس المصلي ب 32 ح 6.

(4) المقنع: 25، النهاية: 98، المهذب 1: 75.

(5) الكافي 3: 400 و 404- 13 و 34 و 35، الفقيه 1: 163 و 164.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 390

بالحرمة أو الكراهة، لمرسلة الكافي: «إذا كان المفتاح في غلاف فلا بأس بالصلاة فيه» «1».

و في التهذيب: قد قدّمنا رواية عمّار: «إنّ الحديد إذا كان في غلاف فلا بأس بالصلاة فيه» «2».

و منه يظهر عدم منافاة التوقيع الشريف المروي في الاحتجاج و كتاب الغيبة: عن الرجل يصلّي و في كمّه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد هل يجوز ذلك؟ فوقّع عليه السلام: «جائز» «3» للحرمة، لأنّ غاية ما يدلّ عليه الجواز مع الستر في

الكم أو السراويل، فإنّ الاستتار المزيل للكراهة أو الحرمة هو ما كان محجوبا عن النظر و لو تحت الثياب دون ما كان في جلد و نحوه، إذ الغلاف المصرّح به في الروايتين في اللغة هو الحجاب، فيصدق على كلّ ما يحجب عن الناظر.

ثمَّ إنه ينبغي استثناء حال الضرورة و خوف الضياع و النسيان، للرواية المذكورة. و التخصيص بالرجال، لاختصاص الروايات بهم، و عدم ثبوت الإجماع على الاشتراك. و استثناء آلات الحرب في قبال العدوّ، للرواية [1].

و منها: الصلاة في ثوب من يتّهم بعدم التوقّي عن النجاسات أو بمساورته له و هو نجس، لفتوى معظم الأصحاب، و عموم قوله عليه السلام: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» «4».

______________________________

[1] و يكره أيضا الصلاة مع الحديد الصيني و إن لم يكن حديدا حقيقة، للمروي في الاحتجاج:

483، و كتاب الغيبة: 232: عن الفص الخماهن هل تجوز فيه الصلاة إذا كان في إصبعه؟ فكتب الجواب: «فيه كراهية أن يصلي فيه، و فيه إطلاق، و العمل على الكراهية» انتهى.

و الظاهر- كما قيل- أن الخماهن هو الحديد الصيني. منه رحمه اللّه.

______________________________

(1) الكافي 3: 404 الصلاة ب 65 ذ. ح 35، الوسائل 4: 418 أبواب لباس المصلّي ب 32 ح 3.

(2) التهذيب 2: 227.

(3) الاحتجاج: 484، كتاب الغيبة: 234، الوسائل 4: 420 أبواب لباس المصلّي ب 32 ح 11.

(4) الذكرى: 138، الوسائل 27: 173 أبواب صفات القاضي ب 12 ح 63.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 391

مضافا إلى المستفيضة كصحاح العيص «1»، و علي «2»، و ابن سنان «3»، و موثّقة أبي بصير «4»، و رواية جميل «5».

و الأخيرة مصرّحة بأنّ الغسل أحبّ، و لا بأس بالصلاة فيه قبل الغسل.

و بها

و بغيرها من الأخبار- كصحيحة ابن سنان «6»، و رواية ابن عمار «7»، و التوقيع المروي في الاحتجاج و كتاب الغيبة و هو: إنّ عندنا حاكة مجوس يأكلون الميتة و لا يغسلون من الجنابة و ينسجون لنا ثيابنا، فهل تجوز الصلاة فيها قبل أن تغسل؟ فخرج الجواب: «لا بأس بالصلاة فيها» «8»- يصرف ما ظاهره التحريم- ممّا ذكر أو لم يذكر- عن ظاهره.

و عن المبسوط و السرائر: المنع عن الصلاة في ثوب صنعه الكافر «9»، معلّلين بأنّه نجس.

فإن أرادا أنه يحصل العلم من عملهم بمباشرتهم بالرطوبة- كما يومئ إليه تعليلهما، و احتمله المحقّق الخوانساري «10»- فلا كلام معهما في المسألة، و لعلّ لأجل ذلك لم ينقل الأكثر خلافهما هنا.

______________________________

(1) الكافي 3: 402 الصلاة ب 66 ح 19، الفقيه 1: 166- 781، التهذيب 2: 364- 1511، الوسائل 4: 447 أبواب لباس المصلي ب 49 ح 1.

(2) التهذيب 1: 263- 766، الوسائل 3: 421 أبواب النجاسات ب 14 ح 10.

(3) التهذيب 2: 361- 1494، الاستبصار 1: 393- 1498، الوسائل 3: 521 أبواب النجاسات ب 74 ح 2.

(4) الكافي 3: 402 الصلاة ب 65 ح 18، الوسائل 3: 519 أبواب النجاسات ب 73 ح 6.

(5) التهذيب 2: 219- 862، الوسائل 3: 519 أبواب النجاسات ب 73 ح 5.

(6) التهذيب 2: 361- 1495، الاستبصار 1: 392- 1497، الوسائل 3: 521 أبواب النجاسات ب 74 ح 1.

(7) التهذيب 2: 362- 1497، الوسائل 3: 518 أبواب النجاسات ب 73 ح 1.

(8) الاحتجاج: 484، كتاب الغيبة: 233، الوسائل 3: 520 أبواب النجاسات ب 73 ح 9.

(9) المبسوط 1: 84، السرائر 1: 269.

(10) حواشي شرح اللمعة: 204.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص:

392

و إن أرادا غير ذلك و لو مع الظن بالمباشرة مع الرطوبة فهما محجوجان بعد الأصل و عمومات الطهارة بما مرّ و ما بمعناه.

و عن الإسكافي: المنع في ثوب الذمي و من الأغلب على ثوبه النجاسة مطلقا «1»، فحكم بإعادة الصلاة المؤداة فيه و قضائها، و لعلّه اعتبر الظن في النجاسة. و يردّه ما سبق.

و ألحق بثوب المتّهم في التذكرة و الذكرى و الروضة و الدروس و البيان «2» ثوب من يتّهم بالغصب و عدم توقّي المحرّمات في ملابسه، بل قد يلحق المتّهم باستصحاب فضلات ما لا يؤكل «3». و هو حسن، لقوله: «دع ما يريبك» مع التنبيه عليه بكراهة معاملة الظالم و أخذ عطائه.

و منها: الصلاة في ثوب أو خاتم فيه تمثال و صورة، بلا خلاف في أصل المرجوحية، كما في البحار «4» و غيره «5»، و هو الحجة، مضافا إلى المستفيضة:

منها: صحيحتا ابني سنان و بزيع:

إحداهما: «أنه كره أن يصلّي و عليه ثوب فيه تماثيل» «6».

و الثانية: «عن الثوب المعلم، فكره ما فيه التماثيل» «7».

و مرسلة الفقيه، و فيها: «فإنّ الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب، و لا بيتا فيه تماثيل» «8».

______________________________

(1) نقله عنه في المختلف 1: 82.

(2) التذكرة 1: 99، الذكرى: 148، الروضة 1: 209، الدروس 1: 148، البيان: 122.

(3) رياض المسائل 1: 132.

(4) البحار 80: 243.

(5) انظر جامع المقاصد 2: 114، و الرياض 1: 132.

(6) الكافي 3: 401 الصلاة ب 65 ح 17، الوسائل 4: 437 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 2.

(7) الفقيه 1: 172- 810، عيون الأخبار 2: 17- 44، الوسائل 4: 437 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 4.

(8) الفقيه 1: 159- 744، الوسائل 5: 175 أبواب مكان

المصلّي ب 33 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 393

و صحيحة أخرى لابن بزيع: عن الصلاة في الديباج، فقال: «ما لم تكن فيه تماثيل فلا بأس» «1».

و موثّقة عمار: عن الثوب يكون في علمه مثال الطير أو غير ذلك أ يصلّي فيه؟

قال: «لا» و عن الرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك، قال: «لا تجوز الصلاة فيه» «2» إلى غير ذلك.

و ظاهر الأخيرتين و إن كان التحريم- كما هو في النهاية و عن المبسوط في الثوب و الخاتم «3»، و عن المقنع و المهذّب في الثاني خاصة «4»- إلّا أنه محمول على الكراهة.

لا للأصل و تصريح الصحيحتين بالكراهة، لاندفاع الأصل بالنص، و أعمية الكراهة في الأخبار.

و لا لما دلّ على الكراهة في الدراهم أو البسط فيها التماثيل و نفي البأس عن الصلاة فيها «5»، لعدم الملازمة، و انتفاء الإجماع المركّب.

بل للمروي في قرب الإسناد- المنجبر بالشهرة العظيمة التي كادت أن تكون إجماعا، بل عن المتأخّرين الإجماع «6»-: عن الخاتم يكون فيه نقش سبع أو طير أ يصلى فيه؟ قال: «لا بأس» «7».

و اختصاصه بالخاتم غير ضائر، لعدم القائل بالفرق في طرف الجواز.

______________________________

(1) التهذيب 2: 208- 815، الاستبصار 1: 386- 1465، الوسائل 4: 370 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 10.

(2) الفقيه 1: 165- 776، التهذيب 2: 372- 1548، الوسائل 4: 440 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 15.

(3) النهاية: 99، المبسوط 1: 84.

(4) المقنع: 25، المهذب 1: 75.

(5) الوسائل 4: 436 أبواب لباس المصلّي ب 45.

(6) كما في الرياض 1: 132.

(7) قرب الإسناد: 211- 827، الوسائل 4: 442 أبواب لباس المصلّي ب 45 ح 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4،

ص: 394

مع أنه جوّز في المنتهى «1» أن يكون مراد الشيخ أيضا الكراهة.

و هل الصورة و المثال يعمّان ما كان من ذي روح و غيره؟ كما صرّح به جماعة «2»، بل أسنده في المختلف إلى الأصحاب «3»، و في شرح القواعد إلى الأكثر «4». أو يخص الأول؟ كما اختاره الحلّي «5»، و نسب إلى جماعة من المحقّقين «6» الظاهر الأول، لا لعموم التمثال أو إطلاقه، لعدم ثبوته، حيث إنّ المتبادر منه مثال الحيوان، بل صرّح بعض أهل اللغة باختصاصه لغة و كونه مجازا في مثال الشجر «7».

مع أنه لو سلّم صدق المبدأ على الأعم لا يثبت منه وضع الهيئة الاشتقاقية له أيضا كما بيّنّاه في محلّه، و يؤكّده استعماله في الأخبار مطلقا فيه غالبا.

بل لفتوى الأكثر بالتعميم، بل دعوى الإجماع المستفادة من المختلف ظاهرا «8»، و مثلهما كاف في إثبات الكراهة.

و مستند الحلّي: ما مرّ من اختصاص التمثال بالحيوان، و تصريح طائفة من الأخبار بجواز تصوير غير ذي الروح «9»، و نفي البأس في صحيحتي زرارة و محمد عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر «10»، و نقش وردة و هلال في خاتم مولانا أبي

______________________________

(1) المنتهى 1: 234.

(2) منهم الشهيد الأول في الدروس 1: 147، و البيان: 122، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 114، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 24، و روض الجنان: 212، و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2: 93.

(3) المختلف: 81.

(4) جامع المقاصد 2: 114.

(5) السرائر 1: 263، 270.

(6) نسب إليهم في الرياض 1: 133.

(7) المغرب 1: 178.

(8) المختلف: 81.

(9) انظر: الوسائل 17: 295 أبواب ما يكتسب ب 94.

(10) المحاسن: 619- 54 و 55، الوسائل 17: 296

أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 2 و 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 395

الحسن عليه السلام كما في صحيحة البزنطي «1».

و يضعّف الأول: بعدم الاستناد في كراهة غير ذي الروح بأخبار التمثال.

و الثاني: بعدم الملازمة بين جواز التصوير و جواز الصلاة، مع أن الجواز لا ينافي الكراهة.

و الثالث: بعدم منافاة انتفاء البأس لثبوت الكراهة.

و الرابع: بعدم دلالته على صلاته فيه، مع أنها أيضا غير نافية للكراهة.

و هل التمثال و الصورة يختص بما له صدق معلوم في الخارج، أم يعمّ صورة المخترع من الحيوان أو غيره؟ الظاهر هو الأول، لعدم صدق التمثال و الصورة، و عدم ثبوت الشهرة في غيره.

ثمَّ إنّه ترتفع الكراهة بتغيير الصورة كما صرّح به الجماعة «2»، لصحيحة محمد: «لا بأس أن تكون التماثيل في الثوب إذا غيّرت الصورة فيه» «3».

و نفي البأس و إن كان أعم من الكراهة إلّا أنه في المقام يجب الحمل على نفيها، لعدم الحرمة بدون التغيير.

و الظاهر كفاية أدنى تغيير، كما صرّح به شيخنا البهائي «4»، لصدق التغيير.

و صحيحة ابن أبي عمير: عن التماثيل في البساط لها عينان و أنت تصلّي، فقال: «إن كان لها عين واحدة فلا بأس، و إن كان لها عينان فلا» «5».

و في الصحيح أيضا: لا بأس بالتماثيل في الثوب إذا غيّرت رؤوسها و ترك ما

______________________________

(1) الكافي 6: 473 الزي و التجمل ب 26 ح 4، الوسائل 5: 99 أبواب أحكام الملابس ب 62 ح 2.

(2) منهم العلامة في المنتهى 1: 234، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 114، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 212، و صاحب المدارك 3: 214، و صاحب الرياض 1: 133.

(3) التهذيب 2: 363- 1503،

الوسائل 4: 440 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 13.

(4) الحبل المتين: 187.

(5) الكافي 3: 392 الصلاة ب 63 ح 22، التهذيب 2: 363- 1506، الوسائل 4: 438 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 396

سوى ذلك» «1».

و الظاهر ارتفاع الكراهة مع الضرورة أيضا، لسقوط التكليف معها، و يدلّ عليه في الجملة الموثّق [1].

و لا تزول الكراهة بالاستتار، لإطلاق الفتاوى و الأخبار.

و في المدارك تخفيفها بالستر «2»، استنادا إلى ما ورد في الدراهم كما يأتي. و فيه نظر.

و منها: استصحاب الدراهم التي فيها صورة، على المشهور كما صرّح به في البحار «3»، للمروي في الخصال: «لا يعقد الرجل الدراهم التي فيها صورة في ثوبه و هو يصلّي، و يجوز أن تكون الدراهم في هميان إذا خاف و يجعلها في ظهره» «4».

و ظاهر الرواية و الحسنة الآتية: بقاء الكراهة و إن كانت مستورة أيضا [2].

و قال جماعة بانتفائها بالاستتار عن النظر «5»، لصحيحة حمّاد: عن الدراهم السود التي فيها التماثيل أ يصلّي الرجل و هي معه؟ فقال: «لا بأس إذا كانت مواراة» «6».

______________________________

[1] «عن لباس الحرير و الديباج فقال: أما في الحرب فلا بأس و إن كان فيه تماثيل» منه رحمه اللّه.

الكافي 6: 453 الزي و التجمل ب 11 ح 3 الفقيه 1: 171- ذ ح 807، المهذب 2:

208- 816، الاستبصار 1: 386- 1466، الوسائل 4: 372 أبواب لباس المصلي ب 12 ح 3.

[2] لحصول الاستتار بالعقد و الكون في الهميان. منه رحمه اللّه.

______________________________

(1) المحاسن: 619- 56، الكافي 6: 527 الزي و التجمل ب 65 ح 8، الوسائل 5: 308 أبواب أحكام المساكن ب 4 ح 3.

(2) المدارك 3: 213.

(3)

البحار 80: 247.

(4) الخصال: 627، الوسائل 4: 438 أبواب لباس المصلّي ب 45 ح 5.

(5) منهم العلامة في المنتهى 1: 234، و التحرير 1: 31، و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2: 92.

(6) الكافي 3: 402 الصلاة ب 65 ح 20، التهذيب 2: 364- 1508، الوسائل 4: 439 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 397

و الأولى حملها على تخفيف الكراهة، سيما مع أنّ إرادة جعلها في ورائه ممكنة، و معه تنتفي الكراهة كما صرّح به في الرواية.

و تدلّ عليه أيضا حسنة البجلي: عن الدراهم السود تكون مع الرجل و هو يصلّي مربوطة أو غير مربوطة، قال: «ما أشتهي أن يصلّي و معه هذه الدراهم التي فيها التماثيل» ثمَّ قال: «ما للناس بدّ من حفظ بضائعهم، فإن صلّى و هي معه فلتكن من خلفه، و لا يجعل شيئا منها بينه و بين القبلة» «1».

و رواية أبي بصير: «و إذا كانت معك دراهم سود فيها تماثيل فلا تجعلها بين يديك و اجعلها من خلفك» «2».

و الظاهر المستفاد من نفي البدّ عن حفظ البضائع أنه ليس معنى جعلها في الخلف وضعها فيه، كما فهم، بل شدّها في وسطه بحيث تكون الدراهم خلفه لئلّا تكون بينه و بين القبلة و كان أبعد من توهّم العبادة لها.

و منه يظهر تعدّي الحكم إلى الدنانير المصوّرة أيضا.

و منها: الصلاة في خلخال مصوّت للمرأة في يدها أو رجلها، لظاهر الإجماع.

و استدلّ أيضا: بصحيحة علي «3». و هي غير متضمّنة لحال الصلاة.

و حرّمها القاضي «4»، لظاهر الصحيحة. و هي على مطلوبه- و هو حرمة الصلاة فيها- غير دالّة، و إنّما تدلّ على عدم صلاحية لبسه

المخالف للإجماع.

______________________________

(1) الكافي 3: 402 الصلاة ب 65 ح 21، الفقيه 1: 166- 779، الوسائل 4: 437 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 3.

(2) التهذيب 2: 363- 1504، الوسائل 4: 439 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 11.

(3) الكافي 3: 404 الصلاة ب 65 ح 33، الفقيه 1: 164- 775، قرب الإسناد: 226- 881، مسائل علي بن جعفر: 138- 148، الوسائل 4: 463 أبواب لباس المصلي ب 62 ح 1.

(4) المهذب 1: 75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 398

و منها: أن تصلّي المرأة عطلا [1]، للعامي «1».

و رواية غياث: «لا تصلّي المرأة عطلا» «2».

و في الدعائم: «لا تصلّي المرأة إلّا و عليها من الحلي أدناه الخرص فما فوقه، و لا تصلي المرأة إلّا و هي مختضبة، فإن لم تكن مختضبة فلتمسّ مواضع الحنّاء بخلوق» «3».

و فيه أيضا: «مر نساءك لا يصلّين معطّلات، فإن لم يجدن فليعقدن على أعناقهن و لو بالسّير، و مرهن فليغيّرنّ أكفّهن بالحنّاء» [2].

أقول: الخرص بالضم و الكسر: الحلقة الصغيرة من الحلي، و هو من حلي الاذن «4».

و رواية أبي مريم: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «يا علي مر نساءك لا يصلّين عطلا و لو يعلقن في أعناقهن سيرا» «5».

و منها: الصلاة مختضبا، لصحيحة الجعفري «6». و المراد أن يكون على المحل عين الحنّاء كما يظهر من الصحيحة، و المراد بما تقدّم من استحبابه لون الحنّاء، فلا منافاة.

______________________________

[1] أي بغير زينة.

[2] الدعائم 1: 178، مستدرك الوسائل 3: 229 أبواب لباس المصلّي ب 40 ذيل الحديث 1. السير بالفتح: الذي يقدّ من الجلد. القاموس 2: 56.

______________________________

(1) انظر: سنن البيهقي 2: 235.

(2) التهذيب 2: 371- 1543، الوسائل 4: 459 أبواب

لباس المصلي ب 58 ح 1.

(3) الدعائم 2: 162 و 166، مستدرك الوسائل 3: 229 أبواب لباس المصلّي ب 40 ح 1.

(4) مجمع البحرين 4: 167.

(5) الكافي 5: 569 النكاح ب 97 ح 57.

(6) كذا في النسخ، و الظاهر أن الصحيح: الحضرمي، كما في المصادر انظر الكافي 3: 408 الصلاة ب 67 ح 2، التهذيب 2: 355- 1469، الاستبصار 1: 390- 1486، الوسائل 4: 430 أبواب لباس المصلّي ب 39 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 399

و منها: أن يصلّي الرجل معقوص [1] الشعر، لرواية مصادف «1».

و في المنتهى عن الشيخ القول ببطلان الصلاة فيه «2».

و لكن لشذوذه يضعف الخبر، مع أنّ في دلالته على وجوب الإعادة نظرا.

و لا بأس للمرأة كما في المنتهى «3»، للأصل [2].

______________________________

[1] عقص الشعر: جمعه و جعله في وسط الرأس و شده، مجمع البحرين 4: 175.

[2] و من المكروهات أن يصلي في الثوب المصلّب بالتشديد و هو ما نقش فيه أمثال الصلبان للخبر:

«نهي عن الصلاة في الثوب المصلب» منه رحمه اللّه.

______________________________

(1) الكافي 3: 409 الصلاة ب 67 ح 5، التهذيب 2: 232- 914، الوسائل 4: 424 أبواب لباس المصلي ب 36 ح 1.

(2) المنتهى 1: 235.

(3) المنتهى 1: 235.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 400

الباب الرابع: في مكان المصلّي.
اشارة

و فيه مسائل:

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 401

المسألة الأولى:

يشترط في مكان المصلّي: الإباحة، بأن يكون مباح الأصل، أو مملوكا له عينا أو منفعة، أو مأذونا فيه خصوصا أو عموما و لو بالفحوى أو شاهد الحال. فيحرم الصلاة في ملك الغير بغير إذنه بأحد الطرق الثلاثة، بالإجماع المقطوع به، لأنّها تصرّف، و هو في ملك الغير بغير إذنه غير جائز باتّفاق جميع الأديان و الملل.

و يدلّ عليه عموم الروايتين المتقدّمتين في مسألة اللباس الغصبي «1».

و يلزمه بطلان الصلاة كما هو الحقّ المشهور، بل هو أيضا إجماعي عند الشيعة، لأنّ نفس الكون- بل الركوع و السجود- التي هي من أجزائها تكون منهية عنها، و النهي في العبادة يوجب الفساد.

و يدلّ عليه المرويان في غوالي اللئالي و تحف العقول المنجبر ضعفهما بفتوى الجلّ بل الكلّ:

الأول: سأله بعض أصحابه فقال: يا ابن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- ما حال شيعتكم فيما خصّكم اللّه به إذا غاب غائبكم و استتر قائمكم؟ فقال عليه السلام: «ما أنصفناهم إن و أخذناهم، و لا أحببناهم إذا عاقبناهم، بل نبيح لهم المساكن لتصح عباداتهم» الحديث «2»، دلّ على عدم صحة العبادة مع عدم إباحتهم المساكن.

و الثاني: «انظر في ما تصلّي و على ما تصلّي، فإن لم يكن على وجهه و حلّه فلا قبول» «3».

______________________________

(1) في ص 361.

(2) العوالي 4: 5- 2، مستدرك الوسائل 7: 303 أبواب الأنفال ب 4 ح 3.

(3) تحف العقول: 174، الوسائل 5: 119 أبواب مكان المصلي ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 402

و رواه في بشارة المصطفى أيضا كما مرّ في اللباس «1».

و أمّا ما توهّمه بعض من قاربنا عصره من عدم

توقّف هذا النوع من التصرّفات على الإذن من المالك، لثبوت الإذن من الشارع، للإجماع عليه، حيث إنّا نرى المسلمين في الأعصار و الأمصار بل الأئمة و أصحابهم يصلّون و يمرّون في صحارى الغير و بساتينهم و حمّاماتهم و خاناتهم، و في أملاك من لا يتصوّر في حقّه الإذن، كالصغير و المجنون، و في أملاك من يكون الظاهر عدم إذنهم، لمخالفتهم في العقائد «2».

ففيه: أنه يمكن أن تكون هذه التصرّفات منهم للعلم بالرضا أو الظن بشاهد حال أو نحوه، و لم يثبت عندنا تصرّفهم في الزائد على ما ظنّ فيه ذلك بحيث يبلغ حدّ الإجماع بل الاشتهار كما لا يخفى.

و أمّا نحو أملاك الصغير و المجنون فهما و إن لم يصلحا للإذن إلّا أنه لا يخلو أحدهما عن ولي و لو كان الولي العام، و إذنه قائم مقام إذنه قطعا، فالعلم به أو الظن كاف في الجواز.

و قد يتأيّد ذلك بما ورد في الأخبار من قوله صلّى اللّه عليه و آله: «جعلت لي الأرض مسجدا» «3».

و ما ورد من قوله تعالى: «جعلت لك و لأمتك الأرض كلّها مسجداً» «4».

و فيه: أنّ المراد منه جواز السجود و الصلاة في كلّ موضع من الأرض لا مانع فيه من غير هذه الجهة، في مقابل أهل بعض الأديان الأخر حيث لم يجز لهم الصلاة إلّا في معبد خاص.

______________________________

(1) راجع ص 363.

(2) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).

(3) الفقيه 1: 155- 724، المجالس: 179- 6، الوسائل 5: 117 أبواب مكان المصلّي ب 1 ح 2.

(4) الخصال: 425- 1، علل الشرائع: 127- 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 403

و هل يكفي في شاهد الحال بل مطلق الإذن المزيل للتحريم الموجب لصحة الصلاة

حصول الظن بالرضا، أم يتوقّف على العلم به؟ الأظهر الأشهر- كما صرّح به في الحدائق «1»- الأول، لأصالة جواز التصرّف في كلّ شي ء، السالمة عمّا يصلح للمعارضة، إذ ليس إلّا الإجماع المنتفي في المقام قطعا. و استصحاب حرمة التصرّف المعارض باستصحاب جوازه لو كانت الحالة السابقة العلم بالرضا، و المردود بأنّ المعلوم أولا ليس [إلّا] [1] حرمة التصرّف ما دام عدم الظن بالرضا بشرطه، دون الزائد. و الروايتان المتقدّمتان في مسألة اللباس المردودتان بالضعف الخالي عن الجابر في المقام، مع ضعف دلالة ثانيتهما لعدم العلم بمتعلّق عدم الحلية بأنه هل يعمّ جميع التصرفات حتى غير المتلفة أيضا أم لا.

و جعل المال في المقام هو الانتفاع في المكان بالاستقرار بقدر الصلاة فيتلف بالصلاة، مردود بعدم معلومية صدق المال عرفا على هذا القدر من الانتفاع.

و منه يظهر ما في رواية تحف العقول، و ضعف الاستدلال بقوله عليه السلام: «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا بطيب نفسه» «2» أيضا.

و يؤيّد الجواز مع الظن ما يشاهد من عمل المسلمين من العلماء و الأتقياء و الخواصّ و العوام، بل الأئمة و أصحابهم عليهم السلام من الصلاة في الدّور و الحمّامات و الخانات و البساتين و الصحاري و نحوها، فإنّ الظاهر عدم حصول الزائد على الظن في الأغلب سيما بتغيّر بعض الحالات و تفاوت الاعتبارات.

بل لو لا خروج صورة احتمال الرضا بالإجماع و لا أقلّ من الشهرة الجابرة لاولى الروايتين الناهية عن التصرّف بغير الإذن المستدعي لحصول الإذن الواقعي الغير المعلوم في غير صورة العلم بالإذن، لقلنا بالجواز فيها أيضا، و لكنها بما ذكر خارجة.

______________________________

[1] أضفناه لاستقامة المتن.

______________________________

(1) الحدائق 7: 176.

(2) تحف العقول: 24، الوسائل 5: 120 أبواب مكان المصلّي ب

3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 404

خلافا لجماعة من الأصحاب منهم صاحب المدارك «1» فأوجبوا العلم.

لأصالة عدم جواز العمل بالظن إلّا مع دليل، و لا دليل يعتمد عليه هنا.

و لأن المناط في جواز التصرف في ملك الغير الإذن، و لا يعلم حصوله بمجرد ظنّه.

و يضعّف الأول: بأنه إنّما يفيد في مقام كان الأصل فيه العدم، و ليس هنا كذلك، إذ لم تثبت حرمة التصرّف إلّا مع العلم بعدم الرضا أو احتماله.

و الثاني: بمنع كون المناط ذلك، بل القدر الثابت أنه ما مرّ من العلم أو الظنّ بالإذن.

و إذ قد عرفت اشتراط كون مكان الصلاة مباحا أو مأذونا فيه علما أو ظنّا، يظهر عدم جواز الصلاة في المكان المغصوب لا للغاصب و لا لغيره، لعدم حصول الظن برضا المالك بالتصرّف فيه.

أمّا للغاصب: فظاهر.

و أمّا لغيره: فلأنّ في منعه عن أنواع التصرّفات تضيّقا على الغاصب و انتقاما منه قطعا، و معه يحتمل قويّا بل يظنّ غالبا، بل يعلم أحيانا عدم رضا المالك بتصرّفه فيه، فيكون محرّما.

فتبطل معه الصلاة، لما مرّ من قاعدة عدم اجتماع الأمر و النهي في شي ء واحد و لو من جهتين، التي هي قاعدة بديهيّة مجمع عليها بين الشيعة (و المعتزلة) [1] كما ذكرناها مفصّلا في كتبنا الأصولية، و إن تكلّم فيها بعض متأخّري المتأخّرين من أصحابنا «2» تبعا للأشاعرة بما لا يصلح صدوره عمّن له نظر في المعقول، و إنّما هو شأن من ليست له قوة التجاوز عن المحسوس و المسموع.

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في (ق).

______________________________

(1) المدارك 3: 216.

(2) الحدائق 7: 164.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 405

و قد تعدّى بعضهم و نسب الخلاف فيه إلى بعض علمائنا

من المتقدّمين و المتأخّرين، منهم: الفضل بن شاذان «1».

و هو افتراء و امتراء و قصور عن فهم كلماتهم، كما بيّنّاه مفصّلا في شرح تجريد الأصول و المناهج.

هذا، مع أنّ بطلان الصلاة في المكان المغصوب مجمع عليه، و دعوى الإجماع عليه مستفيضة بل متواترة، و قد صرّح به في الناصريّات و نهاية الإحكام و المنتهى و الذكرى و شرح القواعد و المدارك «2»، و في الذخيرة نفي الخلاف فيه «3».

و لا يقدح فيه مخالفة بعض قدمائنا [1] فإنه شاذّ نادر، و لأجلها توهّم من توهّم مخالفته في قاعدة عدم اجتماع الأمر و النهي، و هو توهّم فاسد.

فروع:

أ: إذ قد عرفت أنّ المناط في بطلان الصلاة في المكان الغصبي حرمة التصرّف فيه المستندة إلى عدم العلم أو الظنّ برضا المالك، فلا تبطل فيما لا يحرم كصلاة المالك.

و توهّم بطلان صلاته أيضا- لصدق الصلاة في المكان المغصوب- فاسد، إذ لم يرد بهذه العبارة نصّ حتى يحكم بمقتضى إطلاقه.

و في حكم المالك: الموقوف عليه الخاص كأولاد زيد، أو العام كالفقراء و المسلمين و العلماء، فتجوز لكلّ منهم الصلاة فيما غصب عنهم، سواء كان وقفا للصلاة، كالمسجد الموقوف على أشخاص أو على العام، أو لغيرها إذا لم تكن الصلاة مخالفة لجهة الوقف و لم يتعلّق به حقّ واحد معيّن، كموضع من المسجد

______________________________

[1] هو الفضل بن شاذان نقله عنه في الكافي 6: 94 الطلاق ب 29.

______________________________

(1) انظر البحار 80: 279.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 195، نهاية الإحكام 1: 340، المنتهى 1: 241، الذكرى:

146، جامع المقاصد 2: 116، المدارك 3: 217.

(3) الذخيرة: 238.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 406

الذي سبق إليه واحد، أو خان استأجره أحد من المتولّي الشرعي.

إذ كان لكلّ منهم

التصرّف فيه قبل الغصب من غير توقّف على رضا أحد، فكذا بعده، للاستصحاب.

و لأنّ من يتوهّم التوقّف على رضاه و عدم تحقّقه إمّا هو الواقف، أو سائر الموقوف عليهم، أو المتولّي الشرعي إن كان، و الكلّ باطل:

أمّا الواقف: فظاهر، إذ لا اعتبار لرضاه فيما لا يخالف جهة الوقف بعد الوقف و لزومه قطعا، و لذا لو نهى أحدا من المسلمين عن الصلاة في المسجد الذي وقفه، أو عن السكنى في الخان الذي وقفه على المسلمين لا يلتفت إليه أصلا.

مع أنه إن أريد عدم رضاه حال حياته فلا أثر له بعد موته ما لم يقيّده في عقد لازم.

و إن أريد عدمه حين الصلاة فعلا و إن كان ميّتا فهو ليس بمحل للرضا و عدمه، و فرض عدم الرضا لو كان حيّا لا يصير منشأ للأحكام.

و كذا سائر الموقوف عليهم في الوقف العام، فإنّ تصرّف كلّ منهم لا يتوقّف على رضا الباقين، بل بعد تصرّف واحد لا يؤثّر منع غيره، و لذا لا يشترط في التصرّف في الوقف على الفقراء إذن جميع فقراء العالم، و لو تصرّف فيه بعضهم لا تجوز مزاحمة غيره له فيه.

و أمّا المتولّي الشرعي: فلأنّ القدر الثابت من الاختيار له و التولية ليس على حدّ يتجاوز إلى توقف أمثال هذه التصرّفات على إذنه، و عدم ثبوت إجماع و لا دلالة نصّ على توقّف جواز هذا النوع من التصرّفات على إذن المتولّي.

و يزيد وضوحا فيما إذا كان وقفا للصلاة كالمسجد، أو للسكنى المتضمّنة لإيقاع الصلاة كالحمّامات و الخانات و الرباطات و نحوها، فإنها موقوفة لصلاة كلّ أحد فيه، فلا وجه لبطلانها.

و في الكلّ إنّ الأصل جواز هذا النوع من التصرّف لكلّ أحد في كلّ

مال، و عدم تأثير منع المالك فيه، إذ لا يمنع العقل من جواز الاستناد أو وضع اليد أو

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 407

الرجل في ملك الغير بدون إذنه إذا لم يتضرّر به، بل و لو مع منعه كما في الاستظلال بظلّ جداره و الاستضاءة بضوء سراجه، و إنّما المانع الدليل الشرعي، و ليس إلّا الأخبار أو الإجماع.

أمّا الأخبار- فمع عدم صراحتها، بل و لا ظهورها في أمثال هذه التصرّفات، و عدم معلومية شمولها للموقوفات و لا للموقوف عليهم- ضعيفة لا تصلح للحجية في غير مورد الانجبار و الاشتهار، و هو في غير صورة العلم بعدم إذن المالك في المملوك الطلق أو مع احتمال عدم الإذن غير معلوم.

و أمّا الإجماع: فظاهر، كيف؟! و يدّعي بعضهم الإجماع على جواز هذه التصرّفات و أنّها كالاستظلال بظلّ الحائط ما لم يتضرّر المالك مطلقا «1».

هذا كله، مع أنه على القول بكون الوقف مطلقا أو العام منه ملكا للّه سبحانه يكون الأمر أظهر، بل يتعدّى الكلام حينئذ إلى غير الموقوف عليهم أيضا.

و من ذلك يظهر تطرّق الخدش- في منع غير الموقوف عليه في الوقف العامّ عن أمثال هذه التصرّفات بدون الإذن- في جواز منع الموقوف عليه لغيره و تأثيره فيه، كمنع غير الفقير من الصلاة في الملك الموقوف على الفقراء.

و الأحوط عدم صلاة غير الموقوف عليه في الوقف العام المغصوب.

و لو أذن له واحد من الموقوف عليهم جازت صلاته و صحّت.

و هل يكفي إذن واحد لغير الموقوف عليه في الوقف الخاص؟ فيه نظر.

و من الوقف على المسلمين: الوقف على مصالحهم، كالوقف على المساجد المكرّمة و المشاهد المعظّمة و الرباطات و المزارات و المدارس، فيجوز لكلّ منهم الصلاة فيه و

لو غصبه غاصب و نحوها، بل الظاهر جواز هذه الأنواع من التصرّفات للمؤمنين في ما لا مالك معيّنا له الذي هو مال الإمام و لو مع الغصب، لأنّ الظاهر من حاله رضاه بها لشيعته، بل هو الظاهر من تتبّع أخبارهم في أنفالهم

______________________________

(1) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 408

و أموالهم، إلّا للغاصب، لعدم العلم برضاه عليه السلام بذلك، بل الظاهر عدم رضاه.

فائدة

: الطهارة في مجاري المياه الموقوفة المغصوبة و الشرب منها و استعمالها، و المجاري المجهول مالكها إذا غصبت، كالصلاة في الأماكن الموقوفة بلا تفاوت، فيجوز تلك فيما يجوز هذه، و الوجه واحد.

ب: ما ذكر في المكان المغصوب إنّما هو مع العلم بالغصبية و بحكمها، و أمّا الجاهل بها أو به أو الناسي لها أو له فليس كذلك، بل حكمه كما مرّ في اللباس.

ج: لا فرق بين الفريضة و النافلة كما صرّح به جماعة «1»، و يقتضيه القاعدة و إطلاق الفتاوى و الرواية و كثير من الإجماعات المحكية.

خلافا للمحكي عن المحقّق، فقال بصحة النافلة، لأن الكون ليس جزءا منها و لا شرطا فيها، فإنها تصحّ ماشيا موميا للركوع و السجود، فيجوز فعلها في ضمن الخروج المأمور به [1].

و فيه- بعد تسليمه-: أنه مختص بما إذا صلّيت كذلك لا إن قام و ركع و سجد، فإنّ هذه الأفعال و إن لم تتعيّن عليه لكنها أحد أفراد الواجب فيها. مع أنّ الأمر بالخروج لو كان مفيدا لم يتفاوت بين الفريضة و النافلة أيضا إذا ضاق الوقت و جاز فعل الفريضة أيضا ماشيا مومئا.

______________________________

[1] لم نعثر عليه في كتب المحقق، نعم ذكر في كشف اللثام 1: 194، هذا لفظه: و عن المحقق صحة

النافلة لأن الكون ليس جزءا منها و لا شرطا فيها يعني أنها تصح ماشيا مومئا .. و لعلّ مستنده كلام الذكرى: 150 حيث قال: حكم النافلة حكم الفريضة هنا، و كذا الطهارة، و في المعتبر: لا تبطل في المكان المغصوب لأن الكون ليس جزءا منها و لا شرطا. و يشكل بأن الأفعال المخصوصة ..

بتوهم أنّ قوله: لا تبطل راجع إلى النافلة. و هو غير صحيح و إنما هو راجع إلى الطهارة فراجع المعتبر 2: 109.

______________________________

(1) منهم العلامة في نهاية الإحكام 1: 342، و التذكرة 1: 87، و الشهيد الأول في الذكرى: 150، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 219، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 238، و العلامة المجلسي في البحار 80: 283، و صاحب الرياض 1: 138.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 409

د: لو أذن المالك في الكون في ملكه ثمَّ أمر بالخروج بعد الاشتغال بالصلاة يتمّ الصلاة مستقرّا فيه على الأظهر، اتّسع وقتها أم ضاق، وفاقا للذكرى و البيان «1»، لما مرّ من أصالة جواز هذا النوع من التصرّفات، و عدم ثبوت حرمته إلّا بواسطة الإجماع المفقود في المقام، أو الأخبار الموقوفة حجيتها على الانجبار الغير الثابت هنا، مع أنها على فرض حجيتها تعارض ما دلّ على حرمة قطع الصلاة و وجوب الاستقرار فيها و إتمام الركوع و السجود، فيرجع إلى أصل جواز هذا التصرّف.

خلافا للمحكي عن جماعة، فيتمّ الصلاة و هو خارج «2»، و للمحكي عن الشيخ و المحقّق «3»، و المدارك «4»، فمع ضيق الوقت كالسابق، و مع سعته يقطع الصلاة، لعدم ثبوت حرمة القطع فيما إذا توقّف درك جميع أجزاء الصلاة و شرائطها عليه.

و للمحكي عن الفاضل في أكثر كتبه،

فمع إذن المالك في الصلاة أوّلا يتمّ مستقرّا، و مع إذنه في الكون يحتمل الإتمام، و القطع، و الخروج مصلّيا مع الاتّساع، كما في بعض كتبه «5»، أو غير الثاني كما في بعض آخر.

و للمحكي عن روض الجنان، فيتمّ مع الإذن في الصلاة مطلقا، و يخرج مصلّيا في الضيق و يقطع مع السعة مع الإذن في الكون أو الدخول بشاهد الحال أو الفحوى «6».

كلّ ذلك لوجوه إحدى مقدماتها: استلزام عدم الخروج لارتكاب المنهي عنه

______________________________

(1) الذكرى: 150، البيان: 129.

(2) نسبه إلى جماعة في الحدائق 7: 173.

(3) الشيخ في المبسوط 1: 85، و نسبه في الحدائق 7: 173 إلى المحقق.

(4) المدارك 3: 220.

(5) انظر: التذكرة 1: 87، و القواعد 1: 28، و نهاية الإحكام 1: 342.

(6) روض الجنان: 220.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 410

و حرمة الكون مع الأمر بالخروج.

و ثبوت النهي و الحرمة في المورد ممنوع، لفقد الإجماع أو الشهرة الجابرة لأخباره، مع أنّ انصراف إطلاقها إلى مثله غير معلوم.

و لو سلّم يعارض أدلّة النهي عن إبطال الصلاة أو الأمر بها مع تمام أجزائها و شرائطها، و يبقى الأصل خاليا عن المعارض.

و منه يظهر وجوب الاشتغال بالصلاة لو لم يشتغل أيضا إذا ضاق وقتها.

ه: لو حبس أحد في مكان مغصوب أو أجبر على الكون فيه، صحّت صلاته فيه قطعا، لانتفاء النهي الموجب للفساد.

و: تصحّ الصلاة تحت السقف أو الخيمة المغصوبين مع إباحة المكان، للأصل.

و قد يستشكل فيها لأجل كونها تصرّفا في المغصوب، إذ التصرّف في كلّ شي ء بحسب ما يليق به و أعدّ له، و لا ريب أنّ الغرض منهما هو الجلوس تحتهما «1».

و يردّ: بمنع كونه تصرّفا جدّا، و الاستعمال أحيانا لا يثبت الحقيقة

لكونه أعم منها، مع أن المسلّم من الاستعمال أيضا إنّما هو مع منع المالك عن رفع سقفه أو خيمته، و إلّا فلو فرض نصب الخيمة في ملك الغير فجلس الغير في ملكه لا يقال: إنه تصرّف في الخيمة، أصلا، و إلّا لزم بطلان الصلاة في ضوء سراج مغصوب، و الانتفاع من كلّ شي ء إنما هو بحسبه دون التصرّف.

سلّمنا كونه نوعا من التصرّف و لكن حرمته ممنوعة جدّا، لعدم الدليل عليها، فإنّ الإجماع هنا مفقود، و الأخبار ضعيفة، و في المقام غير منجبرة.

ز: لا تجوز الصلاة على الفرش أو السرير المغصوبين و لو كانا على مكان مباح، و لا المباحين إذا كانا على مكان مغصوب، و لا على الدابة المغصوبة أو السرج المغصوب. و الوجه ظاهر في الكلّ.

______________________________

(1) انظر الحدائق 7: 175.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 411

المسألة الثانية:

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 4    411     المسألة الثانية: ..... ص : 411

جواز تساوي الرجل و المرأة في موقف الصلاة أو تقدّمها مع عدم الحائل و لا البعد عشرة أذرع سواء كانت المرأة أجنبيّة أو محرما، أقوال:

الأول: الجواز مع الكراهة، ذهب إليه السيّد «1»، و الحلّي و فخر المحقّقين «2»، و معظم المتأخّرين «3»، بل ادّعي إجماعهم عليه «4»، و يحتمله كلام الشيخ في الاستبصار «5».

و الثاني: الحرمة، اختاره الشيخان و الحلبي و ابن حمزة [1]، بل كما قيل: أكثر القدماء «6»، و عن الخلاف و الغنية: الإجماع عليه «7».

الثالث: المنع إلّا مع الفصل بقدر عظم الذراع، نقل عن الجعفي «8».

و ظاهر المحقّق في النافع «9»، و الصيمري «10»، و المقداد «11»: التردّد.

و الأقرب الأول.

أمّا الجواز: فللأصل، و المستفيضة من الصحاح و غيرها المصرّحة

بعدم المنع.

______________________________

[1] المفيد في المقنعة: 152، الطوسي في النهاية: 100، لم نعثر على المسألة في الكافي للحلبي، ابن حمزة في الوسيلة: 89.

______________________________

(1) حكاه عن مصباحه في السرائر 1: 267.

(2) السرائر 1: 267، الإيضاح 1: 88.

(3) منهم المحقق في الشرائع 1: 71، و المعتبر 2: 110، و العلامة في نهاية الإحكام 1: 349، و القواعد 1: 28، و التحرير 1: 33، و الشهيد في الذكرى: 150، و البيان: 130، و الدروس 1: 153، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 120، و صاحب المدارك 3: 221.

(4) الرياض 1: 138.

(5) الاستبصار 1: 398.

(6) الرياض 1: 138.

(7) الخلاف 1: 423، الغنية (الجوامع الفقهية): 558.

(8) حكاه عنه في الذكرى: 150.

(9) النافع: 26.

(10) حكاه عنه في الرياض 1: 138.

(11) التنقيح 1: 185.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 412

إمّا مطلقا، كصحيحة جميل، و روايته:

الاولى: «لا بأس أن تصلّي المرأة بحذاء الرجل و هو يصلّي، فإنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يصلّي و عائشة مضطجعة بين يديه و هي حائض، و كان إذا أراد أن يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتى يسجد» «1».

و عدم انطباق التعليل بالاضطجاع على الحكم بجواز الصلاة لا يخرج حكمه عليه السلام عن الحجية، مع أنّ في عدم انطباقه نظرا، لأنّ تفرقة الفقهاء بين الصلاة و غيرها لا تدلّ على التفرقة في الواقع، فلعلّه لم يكن بينهما فرق فاستدلّ عليه السلام بأنها لو لم تجز لكان لأجل نفس تقدّمها، و هو غير صالح للمنع، لاضطجاع عائشة. و أمّا بعض الأخبار الفارقة فلا يثبت أزيد من التفرقة في الكراهة كما يأتي، و مجرّدها لا يثبت منافاة علّة نفي البأس الذي هو التحريم للكراهة، و على هذا

فلا وجه لتوهّم التصحيف في الرواية أو تأويلها بوجوه بعيدة.

و الثانية: في الرجل يصلّي و المرأة تصلّي بحذائه، قال: «لا بأس» «2».

و خبر العلل: عن امرأة صلّت مع الرجال و خلفها صفوف و قدّامها صفوف، قال: «مضت صلاتها و لم تفسد على أحد و لا تعيد» [1].

أو في مكة الموجبة لعدم المنع في غيرها أيضا بالإجماع المركّب قطعا، كصحيحة الفضيل المروية في العلل: «إنّما سمّيت مكّة بكةّ لأنّه تبكّ بها الرجال و النساء، و المرأة تصلّي بين يديك و عن يمينك و عن شمالك و معك و لا بأس، و إنّما يكره في سائر البلدان» «3».

______________________________

[1] لم نعثر عليه في علل الشرائع و لا فيما يرويه في البحار عن علل محمّد بن علي بن إبراهيم و نسبه في كشف اللثام 1: 195 إلى عيسى بن عبد اللّه القمي و كذا في الجواهر 8: 306 و لم نعثر عليه أيضا في المصادر الحديثية.

______________________________

(1) الفقيه 1: 159- 749، الوسائل 5: 122 أبواب مكان المصلي ب 4 ح 4.

(2) التهذيب 2: 232- 912، الاستبصار 1: 400- 1527، الوسائل 5: 125 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 6.

(3) العلل: 397- 4، الوسائل 5: 126 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 413

أو إذا كان بينهما قدر ما يتخطّى أو قدر عظم الذراع و صلّت بحذائه وحدها، كصحيحة زرارة «1».

أو قدر شبر و صلّت بحذائه وحدها و هو وحده كصحيحة ابن وهب «2».

أو قدر شبر أو ذراع، كصحيحة أبي بصير «3».

أو موضع رجل كصحيحة حريز «4».

و حمل هذه الأنواع الأربعة على تقدّم الرجل بهذا القدر لا وجه له، و شرط القدر المذكور فيها لا

يدلّ عليه، لاحتمال كراهة القرب المفرط، مضافا إلى أنه يوجب خروج الأكثر و هو غير جائز في التخصيص.

و هي و إن كانت نافية للبأس في هذه المقادير فصاعدا إلّا أنه يتعدّى إلى ما دونها بالإجماع المركّب، إذ لا قائل بالتحديد بها إلّا ما نقل عن الجعفي، و هو لشذوذه غير قادح في الإجماع، و مع ذلك قوله مختص بالتحديد بعظم الذراع، و الدالّ عليه من الأخبار قليل، و مع ذلك معارض بما دلّ على ارتفاع المنع بالشبر و هو أقل من عظم الذراع.

و لا يرد المعارضة بجواز العكس بأن يثبت بمفاهيمها المنع فيما دون هذه المقادير و يتعدّى إلى ما فوقها بالإجماع المركّب، لإيجابه فساد المنطوق بخلاف الأصل، فإنّ حمل البأس في المفهوم على مرتبة من الكراهة ممكن.

أو إذا كان سجودها مع ركوعه، كمرسلتي ابني بكير و فضّال «5»، يعني إذا

______________________________

(1) الفقيه 1: 159- 748، الوسائل 5: 125 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 8.

(2) الفقيه 1: 159- 747، الوسائل 5: 125 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 7.

(3) الكافي 3: 298 الصلاة ب 15 ح 3، التهذيب 2: 230- 906، الاستبصار 1: 398- 1521، الوسائل 5: 124 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 3.

(4) الكافي 3: 298 الصلاة ب 15 ح 1، الوسائل 5: 126 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 11.

(5) الكافي 3: 299 الصلاة ب 15 ح 7، الوسائل 5: 128 أبواب مكان المصلي ب 6 ح 5، التهذيب 2: 379- 1581، الاستبصار 1: 399- 1524، الوسائل 5: 127 أبواب مكان المصلي ب 6 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 414

كانت حال سجودها مقارنة لحال ركوعه حتى لا يتمكن له

النظر إليها حال السجود التي هي حالة الكشف غالبا.

و الحمل على إرادة كون موضع سجودها محاذيا لموضع ركوعه حتى يكون مقدّما بهذا القدر خلاف الظاهر.

و أمّا الكراهة: فللاحتراز عن مخالفة القائلين بالحرمة، و رواية العلل المتقدّمة، بل سابقها على أن يكون معنى قوله: «و لا تعيد» أي مثل ذلك العمل، و إن كان المراد: لا تعيد الصلاة لم تدلّ على المطلوب، و سائر الروايات المتأخّرة عنها فيما دون المقادير المذكورة.

و صحيحة ابن أبي يعفور: أصلّي و المرأة إلى جنبي تصلّي، فقال: «لا، إلّا أن تتقدّم هي أو أنت» الحديث «1». على أن يكون المراد التقدّم في الصلاة دون الموقف، و إلّا فيتعارض الصدر و الذيل بضميمة الإجماع المركّب، بل يكون دليلا على مطلق الجواز بالتقريب المقدّم.

و صحيحة محمّد: عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصلّيان جميعا؟ فقال:

«لا، و لكن يصلّي الرجل فإذا صلّى صلّت المرأة» «2». و قريبة منها رواية أبي بصير «3».

و صحيحة إدريس القمي: عن الرجل يصلّي و بحياله امرأة قائمة على فراشها جنبا، فقال: «إن كانت قاعدة فلا تضرّه، و إن كانت تصلّي فلا» «4».

و موثّقة الساباطي: عن الرجل يستقيم له أن يصلّي و بين يديه امرأة تصلّي؟

قال: «لا يصلّي حتى يجعل بينه و بينها أكثر من عشرة أذرع، فإن كانت عن يمينه أو عن يساره جعل بينه و بينها مثل ذلك، و إن كانت تصلّي خلفه فلا بأس و إن

______________________________

(1) التهذيب 2: 231- 909، الوسائل 5: 124 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 5.

(2) الكافي 3: 298 الصلاة ب 15 ح 4، التهذيب 2: 231- 907، الاستبصار 1: 399- 1522، الوسائل 5: 131 أبواب مكان المصلي ب 10 ح 1.

(3) التهذيب

5: 403- 1404، الوسائل 5: 132 أبواب مكان المصلي ب 10 ح 2.

(4) الكافي 3: 298 الصلاة ب 15 ح 5، التهذيب 2: 231- 910، الوسائل 5: 121 أبواب مكان المصلي ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 415

كانت تصيب ثوبه» الحديث «1».

و الاستدلال بهذه الروايات الخمس و ما يقربها على المنع و التحريم غير جيّد، لعدم دلالة الجملة الخبرية الواقعة في مقام الإنشاء على الأزيد من الرجحان فعلا أو تركا.

و الروايات المصرّحة بأنه لا ينبغي أن تصلّي المرأة بحيال الرجل إلّا أن يكون قدّامها و لو بصدره كصحيحة زرارة «2»، و أن يصلّي كلّ منهما في زاوية بيت إلّا أن يكون بينهما ستر كالمروي في مستطرفات السرائر «3» و صحيحة محمّد «4» على بعض النسخ. و إثبات المنع بها- كبعضهم- غير صحيح أيضا، إذ لو لم نقل بظهور:

«لا ينبغي» في الكراهة فلا شك في عدم إفادته الحرمة.

احتجّ الثاني: باستصحاب الشغل، و الإجماع المنقول، و كثير من الروايات المتقدّمة.

و بصحيحة محمد: في المرأة تصلّي عند الرجل، قال: «إذا كان بينهما حاجز فلا بأس» «5».

و رواية البصري: عن الرجل يصلّي و المرأة بحذائه يمنة أو يسرة، قال: «لا بأس به إذا كانت لا تصلّي» «6».

و تتمة موثّقة الساباطي المتقدّمة و هي قوله: «و إن كانت المرأة قاعدة أو نائمة

______________________________

(1) التهذيب 2: 231- 911، الوسائل 5: 128 أبواب مكان المصلي ب 7 ح 1.

(2) التهذيب 2: 379- 1582، الاستبصار 1: 399- 1525، الوسائل 5: 127 أبواب مكان المصلي ب 6 ح 2.

(3) مستطرفات السرائر: 27- 7، الوسائل 5: 130 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 3.

(4) التهذيب 2: 230- 905، الوسائل 5: 123 أبواب

مكان المصلي ب 5 ح 1.

(5) التهذيب 2: 379- 1580، الوسائل 5: 129 أبواب مكان المصلي ب 8 ح 2.

(6) الكافي 3: 298 الصلاة ب 15 ح 2، الوسائل 5: 121 أبواب مكان المصلي ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 416

أو قائمة في غير صلاة فلا بأس» دلّت بالمفهوم على ثبوت البأس الذي هو العذاب مع عدم الحاجز أو صلاتها.

و صحيحة علي: عن إمام كان في صلاة الظهر فقامت امرأة بحياله تصلّي معه و هي تحسب أنها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟ و ما حال المرأة في صلاتها معهم و قد كانت صلّت الظهر؟ قال: «لا يفسد ذلك على القوم و تعيد المرأة صلاتها» «1».

و لا تضرّ معارضة ما مرّ من أخبار الجواز لهذه الأخبار، لأنّ بعد تخصيصها بصورة عدم الحائل و البعد عشرة أذرع- كما عليه الإجماع- تصير أخصّ مطلقا من أخبار الجواز فتخصّصها.

و يجاب عن الأولين: بما مرّ مرارا.

و عن الثالث: بما سبق.

و عن البواقي- بعد ردّ دلالة الأخيرة بإمكان استحباب الإعادة لمكان الجملة الخبرية، و جواز كون وجوبها لو دلّت عليه لاقتدائها في صلاة الظهر بما تعتقد أنها العصر كما جوّزه في المدارك «2»-: بأنّها و إن كانت كما ذكر أخصّ مطلقا من أكثر ما سبق، لشمولها لصورتي البعد أو الحائل، و لكن صحيحة العلل «3» مخصوصة بغير الصورتين، لأنه الذي يكره تنزيها أو تحريما في سائر البلدان، و لا كراهة فيهما إجماعا، بل و كذا الخبر السابق عليها «4»، إذ مع الحائل أو البعد تفسد صلاة من خلفها قطعا فتعارضها معهما بالتساوي، فيحمل البأس الثابت في المفهوم على الكراهة لأجل كون ما ينفيه قرينة عليه، مع

أنه لولاه أيضا لزم التساقط و الرجوع إلى أصل الجواز.

دليل الثالث: بعض الأخبار المتقدّمة، و جوابه ظاهر ممّا تقدّم.

______________________________

(1) التهذيب 2: 379- 1583، الوسائل 5: 130 أبواب مكان المصلي ب 9 ح 1.

(2) المدارك 3: 223.

(3) راجع ص 412.

(4) راجع ص 412.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 417

فروع:

أ: الظاهر عدم الخلاف بين الأصحاب في انتفاء المنع تحريما أو تنزيها بوجود الحائل بينهما أو التباعد بعشرة أذرع، فمع أحدهما صحّت صلاتهما إجماعا، كما عن المعتبر و المنتهى «1»، و غيرهما «2»، و هو الحجة فيهما إن ثبت، و إلّا فالأخبار لا تساعدهما، لأنّها بين مطلق في المنع، و مقيّد بعدم الحاجز، كرواية السرائر و صحيحة محمد، و مقيّد بعدم التباعد، كموثّقة الساباطي السابقة و رواية قرب الإسناد: عن الرجل يصلّي الضحى و أمامه امرأة تصلّي بينهما عشرة أذرع، قال:

«لا بأس فليمض في صلاته» «3».

و الأخيران و إن كانا أخصّين مطلقا من الأول إلّا أن بينهما تعارضا بالعموم من وجه، و لا ترجيح بينهما و لا تخيير إجماعا، فيتساقطان و تبقى المطلقات بلا معارض معلوم.

مع أن المذكور في الموثّقة هو أكثر من عشرة، و في رواية قرب الإسناد نفي البأس، و هو لا ينافي الكراهة.

و ممّا ذكر يظهر القدح فيما حكي عن الشيخ في كتابي الحديث «4»- و به قال في الذخيرة «5»- من انتفاء المنع مطلقا بالذراع و الشبر و نحوهما، لظاهر جملة من الأخبار المتقدّمة.

و بالجملة: لا يمكن الاستناد في رفع المنع بالأخبار، فإن ثبت الإجماع في مورد فهو، و لعلّه متحقّق مع الحائل و تباعد العشرة فإليه فيهما يستند، و إن جاز القول بخفّة الكراهة في نحو الذراع و الشبر لأخبارهما أيضا و

عليها تحمل هذه

______________________________

(1) المعتبر 2: 111، المنتهى 1: 243.

(2) الرياض 1: 139.

(3) قرب الإسناد: 204- 788، الوسائل 5: 128 أبواب مكان المصلّي ب 7 ح 2.

(4) التهذيب 2: 230 و 231، الاستبصار 1: 398- 400.

(5) الذخيرة: 243.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 418

الأخبار.

ثمَّ المعتبر في الحائل: المانع عن الرؤية، لأنّ مقتضى إطلاقات المنع بقاؤه إلّا فيما ثبت معه الزوال و لم يثبت إلّا معه و لو مثل الجلباب، لأنّه مورد الإجماع، و حقيقة الستر و الحاجز المذكورين في النص.

و احتمال الحاجز عن الوصول في الثاني بعيد، و لو سلّم فمع ظهور الأول في المانع عن الرؤية غير مفيد.

فلا يزول المنع بالثوب الرقيق و لا بالكوى [1] و الشباك.

و أمّا صحيحة علي: عن الرجل هل يصلح أن يصلّي في مسجد حيطانه كوى كلّه، قبلته و جانباه، و امرأته تصلّي حياله يراها و لا تراه؟ قال: «لا بأس» «1».

و المروي في قرب الإسناد: عن رجل هل يصلح له أن يصلّي في مسجد قصير الحائط و امرأة قائمة تصلّي بحياله و هو يراها و تراه؟ قال: «إن كان بينهما حائط قصير أو طويل فلا بأس» «2».

فعلى ما اخترناه من الكراهة لا ينافيان لما ذكر، إذ نفي البأس لا ينافي الكراهة، مع أنّ الثانية ضعيفة لا تصلح حجة لزوال الكراهة و إن صلح مثلها لثبوتها، للمسامحة.

و لا بعدم النظر أو غمض العين أو الظلام أو العمى، كما صرّح ببعض ذلك الفاضل في النهاية و التذكرة «3»، و الشهيد «4»، خلافا للتحرير في الأخير «5»،

______________________________

[1] الكوّة تفتح و تضم: الثقبة في الحائط، و جمع المضموم: كوى بالضم و القصر. المصباح المنير:

545.

______________________________

(1) التهذيب 2: 373- 1553، مسائل علي بن جعفر:

140- 159، الوسائل 5: 129 أبواب مكان المصلي ب 8 ح 1.

(2) قرب الإسناد: 207- 805، الوسائل 5: 130 أبواب مكان المصلّي ب 8 ح 4.

(3) نهاية الإحكام 1: 349، التذكرة 1: 89.

(4) البيان: 130.

(5) التحرير 1: 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 419

و روض الجنان في الأخيرين «1» و هما ضعيفان.

و المعتبر في مبدأ البعد و منتهاه الموقفان نفسهما، لأنّه المتبادر من النص و الفتوى.

و احتمال اعتبار المبدأ من موضع السجود حتى يصدق المقدار حالة السجود خلاف الظاهر، سواء في ذلك المنحدر من المكان و غيره.

و لو كان أحدهما في مكان مرتفع، اعتبر محاذي موقفه و لا يعتبر الارتفاع.

و كذا ينتفي المنع مطلقا بتأخّر المرأة و لو قليلا، لموثّقة الساباطي «2» و غيرها.

ب: في اشتراط تعلّق الحكم تحريما أو كراهة بصحة صلاة الأخرى لو لا المحاذاة، كما عن الفاضل و الشهيد و المدارك «3»، أو لا، كما احتمله الشهيد الثاني «4»، و نفى عنه البعد في الذخيرة «5»، وجهان، أوجههما: الثاني على ما اخترناه من كون العبادات أسامي للأعم.

و انصراف المطلق إلى الكامل أو الغالب بدون بلوغ الكمال أو الغلبة بحيث يكون قرينة لإرادتهما ممنوع، و هو في المورد غير متحقّق.

و على الأول فالمعتبر في رفع المنع العلم بالفساد قبل الشروع، فلو علم بعده لم يؤثّر في رفعه، لأنّ التكليف على حسب علم المكلّف.

ج: مقتضى إطلاق كلام جماعة- كما قيل «6»- عدم الفرق بين اقتران الصلاتين أو سبق أحدهما في بطلان صلاة كلّ منهما أو كراهتها.

______________________________

(1) روض الجنان: 225.

(2) المتقدمة في ص 414.

(3) العلامة في التذكرة 1: 89، و القواعد 1: 28، و نهاية الإحكام 1: 349، و الشهيد في البيان:

130، و الذكرى:

150، و المدارك 3: 224.

(4) روض الجنان: 226.

(5) الذخيرة: 244.

(6) الحدائق 7: 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 420

و عن جمع من المتأخّرين تخصيص البطلان أو الكراهة بالمقارنة و المتأخّرة «1»، و هو الحقّ. فلا حرمة و لا كراهة للسابقة منهما، لصحيحة علي، المتقدّمة «2»، فإنه لو كانت الصلاة المتأخّرة مؤثرة في السابقة، كان حكم صلاة القوم حكم صلاة المرأة، و لم يكن للتفصيل وجه.

مضافا إلى أنّ المستفاد من الأخبار ليس أزيد من ذلك، لأنّها إمّا تثبت البأس بالمفهوم، و لكونه فيه نكرة مثبتة لا يثبت إلّا نوع منه [1]، و هو كما يمكن أن يكون لصلاتهما يمكن أن يكون لصلاة المقارنين أو المتأخّر. أو تنهى عن صلاة المرأة، و هي ظاهرة في أرادتها الصلاة و لا أقلّ من الشك الذي لا يمكن معه رفع اليد عن الأصل.

و تؤيّد المطلوب: صحيحة أبي بصير: «لا يقطع صلاة المسلم شي ء، لا كلب و لا حمار و لا امرأة» «3».

د: أطلق جمع من الأصحاب أنّ هذا الحكم إنما هو في حال الاختيار «4» فلو ضاق الوقت و المكان و لم يمكن تأخّر المرأة أو بادرت إلى الصلاة مقدّمة، لم يكن تحريم و لا كراهة، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقّن من النصّ و الفتوى، لاختصاصهما بحكم التبادر و غيره بحال الاختيار، مضافا إلى فحوى ما دلّ على

______________________________

[1] فإنه إذا قال: إن جاءك زيد وحده لا يلزم عليك شي ء، لا تدل بالمفهوم إلّا على لزوم شي ء في بعض صور المجي ء مع الغير و يكفي في صدق المفهوم لزوم شي ء في بعض صوره. منه رحمه اللّه.

______________________________

(1) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 121، و الشهيد الثاني في المسالك

1: 25، و روض الجنان: 226، و صاحب المدارك 3: 221.

(2) في ص 416.

(3) الكافي 3: 297 الصلاة ب 14 ذ. ح 3، التهذيب 2: 323- 1319، الاستبصار 1:

406- 1551، الوسائل 5: 134 أبواب مكان المصلي ب 11 ح 10.

(4) منهم فخر المحققين في الإيضاح 1: 89، و صاحب المدارك 3: 224، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 244، و العلامة المجلسي في البحار 80: 337، و صاحب الرياض 1: 139.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 421

جواز الصلاة في المغصوب مع الضرورة.

و يضعّف: بإطلاق الفتاوى و النصوص كما صرّح في روض الجنان «1».

و التبادر ممنوع. و جواز الصلاة في المغصوب مع الضرورة لأجل انتفاء حرمة التصرّف التي هي سبب بطلان الصلاة فيه حينئذ، لبطلان التكليف بما لا يطاق، و مثله غير جار في المقام.

و التحقيق: لا تنافي بين الكراهة بمعنى المرجوحيّة الإضافية أو أقليّة الثواب- اللتين هما معناها في العبادات- و بين الاضطرار، فالحقّ بقاء الكراهة معه أيضا.

نعم يشكل على القول بالحرمة.

ه: و لو ضاق المكان و اتّسع الزمان صلّى الرجل ابتداء استحبابا، لصحيحة محمّد، المتقدّمة «2».

و توهّم اقتضائها الوجوب فاسد، لمكان الجملة الخبرية، مضافا إلى ظاهر صحيحة ابن أبي يعفور، السابقة «3».

و حملها على التقديم المكاني دون الفعلي- كما في المدارك و الذخيرة «4» و استدلّا بها على جواز تقديم المرأة مكانا- باطل، للإجماع على ثبوت المنع و لو كراهة مع تقدّم المرأة مكانا، فالقول بالوجوب- كما عن الشيخ «5»- ضعيف.

هذا إذا لم يختص المكان بها، و إن اختصّ فلا أولوية للرجل في تقديمه إلّا أن تأذن له فيه.

و هل الأولى لها أن تأذن له في ذلك أم لا؟ كلّ محتمل، و بالأول صرّح

______________________________

(1)

روض الجنان: 227.

(2) في ص 414.

(3) في ص 414.

(4) المدارك 3: 222، الذخيرة: 244.

(5) النهاية: 101.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 422

جماعة «1»، و ليس ببعيد.

و: الحكم مختص بالرجل و المرأة دون الصبي و الصبية، للأصل، و عدم ثبوت إطلاق الرجل و المرأة عليهما حقيقة.

المسألة الثالثة:

المشهور كما صرّح به جماعة «2»، بل قيل: لا يكاد يعرف فيه خلاف إلّا عمّن يأتي «3»: عدم اعتبار طهارة ما عدا مسجد الجبهة. و هو كذلك، للأصل الخالي عن المعارض المعتضد بالشهرة العظيمة و النصوص المستفيضة، كصحاح علي:

أولاها: عن البواري يصيبها البول هل تصلح الصلاة عليها إذا جفّت من غير أن تغسل؟ قال: «نعم لا بأس» «4».

و ثانيتها: عن البواري يبلّ قصبها بماء قذر أ يصلّى عليها؟ قال: «إذا يبست لا بأس» «5» و قريبة منها موثّقة الساباطي «6».

و ثالثتها: عن البيت و الدار لا تصيبهما الشمس و يصيبهما البول و يغتسل فيهما من الجنابة، أ يصلّي فيهما إذا جفّا؟ قال: «نعم» «7».

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 25، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 195، و صاحب الحدائق 7: 190، و صاحب الرياض 1: 139.

(2) منهم العلامة في المختلف: 86، و الشهيد في الذكرى: 150، و المحقق السبزواري في الكفاية:

16، و العلامة المجلسي في البحار 80: 285، و صاحب الحدائق 7: 194، و صاحب الرياض 1: 139.

(3) الرياض 1: 139.

(4) التهذيب 1: 273- 803، التهذيب 2: 373- 1551، الاستبصار 1: 193- 676، الوسائل 3: 451 أبواب النجاسات ب 29 ح 3.

(5) التهذيب 2: 373- 1553، قرب الإسناد: 212- 830، الوسائل 3: 453 أبواب النجاسات ب 30 ح 2.

(6) التهذيب 2: 372- 1548، الاستبصار 1: 193-

675، الوسائل 3: 452 أبواب النجاسات ب 29 ح 4.

(7) الفقيه 1: 158- 736، قرب الإسناد: 196- 743، الوسائل 3: 453 أبواب النجاسات ب 30 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 423

و صحيحة زرارة: عن الشاذكونة يكون عليها الجنابة أ يصلّى عليها في المحمل؟ فقال: «لا بأس» «1» و قريبة منها رواية ابن أبي عمير «2».

خلافا للمحكي عن السيد فاعتبر طهارة مكان المصلّي مطلقا [1]، و عن الحلبي فاعتبرها في المساجد السبعة «3».

و- كما صرّح به غير واحد- «4» لا حجّة لهما يعتدّ بها، عدا ما يستدلّ به لهما من قوله سبحانه وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ «5» و النبوي: «جنّبوا مساجدكم النجاسة» [2].

و للأول: من نهيه صلّى اللّه عليه و آله عن الصلاة في المجازر و المزابل و الحمّامات «6»، و أمره بإخراج النجاسة عن المساجد «7»، و إنما هو لكونها مواضع الصلاة.

و الموثّقين:

إحداهما للساباطي: عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره و لا تصيبه

______________________________

[1] لم نعثر عليه في كتبه و نقله عنه في الذكرى: 150.

[2] الذكرى: 157 و فيه: و لم أقف على إسناد هذا الحديث النبوي.

و رواه في الوسائل 5: 229 أبواب أحكام المساجد ب 24 ح 2 عن جماعة من أصحابنا في كتب الاستدلال.

______________________________

(1) الفقيه 1: 158- 739، التهذيب 2: 369- 1537، الاستبصار 1: 393- 1499، الوسائل 3: 454 أبواب النجاسات ب 30 ح 3.

(2) التهذيب 2: 370- 1538، الاستبصار 1: 393- 1500، الوسائل 3: 454 أبواب النجاسات ب 30 ح 4.

(3) الكافي في الفقه: 140.

(4) منهم صاحب الرياض 1: 139، و صاحب الحدائق 7: 194.

(5) المدّثر: 5.

(6) سنن ابن ماجه 1: 246.

(7) سنن ابن ماجه 1: 250.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 4، ص: 424

الشمس و لكنه قد يبس الموضع القذر، قال: «لا يصلّى عليه» الحديث «1».

و ثانيتهما لابن بكير: عن الشاذكونة يصيبها الاحتلام أ يصلّي عليها؟ فقال:

«لا» «2». و مثله المروي في قرب الإسناد «3»، و مفهوم صحيحتي زرارة الآتيتين.

و للثاني: من صحيحة ابن محبوب: عن الجصّ يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى يجصّص به المسجد أ يسجد عليه؟ فكتب: «إن الماء و النار قد طهّراه» الحديث «4»، فإنّ الظاهر من التعليل أنه لو لا التطهير لما جاز السجود، و السجود يشمل جميع مواضع السجود السبعة.

و يجاب عن الأول: بعدم دليل على إرادة النجاسة من الرجز، فلعلّه العذاب أو الغضب.

و عن الثاني: باحتمال إرادة مواضع السجود من المساجد و مواضع الجباة من مواضعه، بل هو مقتضى الحقيقة، فإنّ السجود وضع الجبهة.

و عن الثالث- بعد تسليم النهي-: بوجوب حمله على الكراهة في الحمّام، للإجماع، فكذا في غيره احترازا عن استعمال اللفظ في معنييه.

مع أن نجاسة جميع مواضع المزابل و المجازر و الحمّامات غير معلومة، فكما يمكن أن يكون علة النهي الاحتياط في موضع الصلاة يمكن كونها الاحتياط لموضع الجبهة.

و عن الرابع: بنحو ذلك، مع إمكان كون العلّة التوقير و التعظيم.

______________________________

(1) التهذيب 2: 372- 1548، الاستبصار 1: 193- 675، الوسائل 3: 452 أبواب النجاسات ب 29 ح 4.

(2) التهذيب 2: 369- 1536، الاستبصار 1: 393- 1501، الوسائل 3: 455 أبواب النجاسات ب 30 ح 6.

(3) قرب الإسناد: 171- 628، البحار 80: 285- 1.

(4) الكافي 3: 330 الصلاة ب 27 ح 3. الفقيه 1: 175- 829، التهذيب 2: 235- 928، الوسائل 5: 358 أبواب ما يسجد عليه ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص:

425

و عن الخامس و السادس: بالقصور عن إفادة الحرمة، لما مرّ غير مرّة.

و لو سلّم فليحملا على الكراهة بقرينة الأخبار المتقدّمة الراجحة عليهما بالأصحّيّة و الأكثريّة و الاستفاضة، و الاعتضاد بالأصل و الإطلاقات و الشهرة العظيمة، بل الإجماع.

مضافا إلى عموم الثانية بالنسبة إلى المتعدّية و موضع الجبهة، و خصوصية الأخبار المعارضة لهما بغيرهما صريحا أو دليلا كما يأتي، فالحمل عليهما متعيّن.

و أما الاولى و إن كان تعارضها مع غير [ما قبل ] [1] الأخيرتين بالعموم من وجه، لاختصاصها بالجافّ بغير الشمس، و عمومها بالنسبة إلى موضع الجبهة، و معه بالتباين، و لكن معه يرجع إلى أصل عدم الاشتراط أيضا.

و منه يظهر الجواب عن السابع أيضا، مع أنّ الظاهر أنّ التعارض معه بالعموم المطلق، لأعميّته بالنسبة إلى المتعدّية و غيرها، فيجب التخصيص.

و عن الثامن: بالحمل على موضع الجبهة، لأنّه الحقيقة لما يسجد عليه، مع أن الوقود بما ذكر لا ينجس الجصّ، فالتطهير على رفع التنفّر محمول.

هذا في غير النجاسة المتعدية، و أمّا المتعدّية إلى ما يشترط طهارته في الصلاة فاعتبار الطهارة ظاهر، إلّا أن تكون معفوا عنها فلا تضر، لوجوب الصلاة مع الطهارة المتوقّفة على الاجتناب، و للعمومات المذكورة الخارجة عنها غير المتعدّية بما ذكر، و خصوص صحيحة علي، الثانية. وفاقا للذكرى و المسالك و المدارك «1».

و خلافا للمحكي في الإيضاح عن والده أنه قال: الإجماع منّا واقع على اشتراط خلوه عن نجاسة متعدّية و إن كانت معفوا عنها في الثياب و البدن «2»، و استقواه بعض مشايخنا «3»، للإجماع المنقول. و يدفع بعدم الحجية.

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

______________________________

(1) الذكرى: 150، المسالك 1: 25، المدارك 3: 226.

(2) الإيضاح 1: 90.

(3) شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 4، ص: 426

نعم، لو كانت النجاسة المتعدّية دم القروح يجب الاجتناب، لعدم العفو عنه حينئذ، و يمكن حمل كلام الفاضل عليه أيضا.

و أمّا مسجد الجبهة فيشترط طهارته مطلقا إجماعا محقّقا، لعدم قدح خلاف من يأتي، و محكيا عن الغنية و المعتبر و المنتهى و المختلف و التذكرة و الذكرى و روض الجنان و شرح القواعد «1». و قال بعض مشايخنا: إنّ عليه المسلمين في الأعصار و الأمصار «2»، و هو الحجة، مضافا إلى النبوي المتقدم «3» المنجبر بما ذكر.

و الاحتجاج بعموم الموثّقين السابقين و مفهوم صحيحتي زرارة: إحداهما:

السطح يصيبه البول أو يبال عليه أ يصلى في ذلك الموضع؟ فقال: «إن كان تصيبه الشمس و الريح و كان جافّا فلا بأس به» «4» و الثانية: عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلّى فيه، فقال: «إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه فهو طاهر» «5». غير جيّد، لتعارضهما مع ما مرّ من الأخبار بالتباين في موضع الجبهة، و خروجه بالإجماع و النبوي عمّا مرّ إنّما يفيد للاحتجاج في غير هذا المطلب، و أمّا فيه فلا.

خلافا للمحكي عن الراوندي «6»، بل في الذخيرة «7» عن الوسيلة و المعتبر «8»،

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 555، المعتبر 1: 433، المنتهى 1: 253، المختلف: 86، التذكرة 1: 87، الذكرى: 160، روض الجنان: 221، جامع المقاصد 2: 126.

(2) شرح المفاتيح (المخطوط).

(3) في ص 423.

(4) الكافي 3: 392 الصلاة ب 63 ح 23، التهذيب 2: 376- 1567، الوسائل 3: 451 أبواب النجاسات ب 29 ح 2.

(5) الفقيه 1: 157- 732، الوسائل 3: 451 أبواب النجاسات ب 29 ح 1.

(6) نقله عنه في المختلف: 61.

(7) الذخيرة: 239.

(8) الوسيلة: 79، المعتبر 1: 446.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 427

و إن كان فيه نظر، لأنّ الموجود في نسختهما كما قيل «1»: موضع الصلاة، بل عن الثانية التصريح باستثناء موضع السجود «2»، فانحصر المخالف في الأول.

و لعلّه لإطلاق الأخبار الأول.

و يردّ بتقييده بما مرّ من الإجماع و النبوي سيما مع معارضة الإطلاق لإطلاق الموثّقين و الصحيحين، فلا يبقى إلّا الأصل المندفع بما ذكر.

و الواجب طهارة قدر يجب السجود عليه، فلو طهر هذا القدر و نجس الباقي من موضع مسجد الجبهة بنجاسة غير متعدّية أو معفوّ عنها، لم يضرّ.

ثمَّ إنّ كلّ ذلك إذا صلّى على نفس الموضع النجس. و لو ستره بطاهر، صحّت صلاته و لو في مسجد الجبهة، بلا خلاف، و عن التحرير الإجماع عليه «3».

و يدلّ عليه الأصل، و الأخبار كصحيحتي ابن سنان «4» و عبد اللّه الحلبي «5»، و روايتي محمد بن مصادف [1] و مسعدة بن صدقة «6».

المسألة الرابعة:

تكره الصلاة في مواضع:

منها: الحمّام، و لا خلاف في مرجوحية الصلاة فيه، للإجماع.

و لمرسلة عبد اللّه بن [الفضل ]: «عشرة مواضع لا يصلّى فيها: الطين، و الماء، و الحمّام، و القبور، و مسانّ الطرق، و قرى النمل، و معاطن الإبل، و مجرى

______________________________

[1] التهذيب 3: 260- 731، الاستبصار 1: 441- 1700 (و فيهما محمّد بن مضارب)، الوسائل 5: 211 أبواب أحكام المساجد ب 11 ح 6.

______________________________

(1) الحدائق 7: 196.

(2) المعتبر 1: 446.

(3) التحرير 1: 32.

(4) التهذيب 3: 260- 730، الاستبصار 1: 442- 1703، الوسائل 5: 210، أبواب أحكام المساجد ب 11 ح 4.

(5) الفقيه 1: 153- 713، الوسائل 5: 209 أبواب أحكام المساجد ب 11 ح 1.

(6) التهذيب 3: 260- 729، الاستبصار 1: 441- 1702، الوسائل 5: 210 أبواب مكان

المصلي ب 11 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 428

الماء، و السبخ، و الثلج» [1].

و لا إشكال أيضا في كونها على وجه الكراهة، كما هو المشهور بين الأصحاب، للأصل، و خلوّ المرسلة عن النهي الحقيقي.

مضافا إلى صحيحة علي «1»، و موثّقة عمّار: عن الصلاة في بيت الحمّام، قال: «إذا كان الموضع نظيفا فلا بأس» «2» بجعل إضافة البيت بيانيّة.

فقول الحلبي «3» بالمنع مع التردّد في الفساد ضعيف شاذّ.

و إنّما الإشكال في تعيين موضع الكراهة منه بعد القطع في تحقّقها في المغسل، و هو البيت الذي كانوا يغتسلون فيه آخذين فيه الماء من المادة، و منه ما يتعارف الآن من البيت الذي بين المادة و المسلخ يجلسون فيه للتنظيف و التدليك، فإنّه بعينه هو المغسل المتعارف في الصّدر الأول، و عدم تعارف اغتسالهم فيه و دخولهم المادة لا يضرّ.

فذهب الأكثر- و منهم الصدوق في الفقيه و الخصال و الشيخ في التهذيب «4»، و الفاضلان [2]، و الشهيدان «5»- إلى اختصاص الكراهة بما ذكر و انتفائها في

______________________________

[1] الكافي 3: 390 الصلاة ب 63 ح 12، الفقيه 1: 156- 725، التهذيب 2: 219- 863، الاستبصار 1: 394- 1504، المحاسن: 366- 116، الخصال: 434- 21، الوسائل 5:

142 أبواب مكان المصلي ب 15 ح 6 و 7. في النسخ عبد اللّه بن الفضيل و الصحيح ما أثبتناه كما في المصادر. مسانّ الطرق: المسلوك منها: مجمع البحرين 6: 269، معاطن الإبل: مباركة عند الماء.

مجمع البحرين 6: 282، و السبخة: هي أرض مالحة يعلوها الملوحة و لا تكاد تنبت. مجمع البحرين 2: 433.

[2] الموجود في كتب المحقق كراهة الصلاة في الحمام من غير استثناء المسلخ، انظر: المعتبر 2: 112، و

الشرائع 1: 72، و المختصر: 26.

______________________________

(1) الفقيه 1: 156- 727، الوسائل 5: 176 أبواب مكان المصلي ب 34 ح 1.

(2) التهذيب 2: 374- 1554، الاستبصار 1: 395- 1505، الوسائل 5: 177 أبواب مكان المصلي ب 34 ح 2.

(3) الكافي في الفقه: 141.

(4) الفقيه 1: 156، الخصال: 435، التهذيب 2: 374.

(5) الشهيد الأول في الذكرى: 152، و الدروس 1: 154، و البيان: 131، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 227، و المسالك 1: 25، و الروضة 1: 221.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 429

المسلخ، للأصل، و الشك في دخوله في معنى الحمّام في تلك الأيام، و الصحيح و الموثّق المتقدّمين على جعل الإضافة بمعنى اللام، و تخصيص المغتسل بالحمّام.

و عن التذكرة احتمال ثبوتها فيه أيضا، للصدق في هذه الأزمان، مع أصالة عدم تعدّد الوضع «1».

و تعارض بأصالة تأخّر الحادث، فعدم الكراهة فيه أظهر.

و منه يظهر عدم الكراهة فيما يلحق بالأول أيضا ما لم يعدّ جزءا منه بحيث يكون معه بيتا واحدا.

و منها: البيوت المعدّة للغائط، و المراد به بيت الخلاء، لفتوى الأصحاب الكافية في مقام الاستحباب.

مضافة إلى رواية عبيد بن زرارة: «الأرض كلّها مسجد إلّا بيوت غائط أو مقبرة» «2».

و قصورها عن إفادة التحريم دلالة و قوّة- لمخالفتها للشهرة العظيمة بل الإجماع- منع عن الحكم به. فقول المفيد «3» بعدم الجواز غير سديد، مع أنّ إرادته الكراهة منه- كما هي في كلامه شائعة- ممكنة.

و للبول، لصحيحة محمّد بن مروان «4»، و رواية عمرو بن خالد «5».

و كذا تكره الصلاة و في محاذي القبلة عذرة و إن لم يكن في بيت الخلاء،

______________________________

(1) التذكرة 1: 88.

(2) التهذيب 3: 259- 728، الاستبصار 1: 441- 1699، الوسائل 5: 169

أبواب مكان المصلي ب 31 ح 2 و فيها: إلّا بئر غائط.

(3) المقنعة: 151.

(4) الكافي 3: 393 الصلاة ب 63 ح 27، التهذيب 2: 377- 1570، المحاسن: 615- 39، الوسائل 5: 174 أبواب مكان المصلي ب 33 ح 1.

(5) الكافي 3: 393 الصلاة ب 63 ح 26، التهذيب 2: 377- 1569، المحاسن: 615- 40، الوسائل 5: 175 أبواب مكان المصلي ب 33 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 430

لرواية الفضيل بن يسار: أقوم في الصلاة فأرى قدّامي في القبلة العذرة، فقال:

«تنحّ عنها ما استطعت» «1».

و منها: معاطن الإبل، لمرسلة ابن الفضل، المتقدّمة «2»، و صحيحة محمّد:

عن الصلاة في أعطان الإبل، فقال: «إذا تخوّفت الضيعة على متاعك فاكنسه و انضحه و صلّ، و لا بأس بالصلاة في مرابض الغنم» «3».

و صحيحة علي: عن الصلاة في معاطن الإبل أ تصلح؟ قال: «لا تصلح إلّا أن تخاف على متاعك ضيعة فاكنس ثمَّ انضح بالماء ثمَّ صلّ» و سألته عن مواطن الغنم أ تصلح الصلاة فيها؟ قال: «نعم لا بأس به» «4».

و موثّقة سماعة: عن الصلاة في أعطان الإبل و في مرابض البقر و الغنم، فقال: «إذا نضحته بالماء و كان يابسا فلا بأس بالصلاة فيها، و أمّا مرابض الخيل و البغال فلا» «5».

و صحيحة الحلبي: عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: «صلّ، و لا تصلّ في أعطان الإبل إلّا أن تخاف» إلى آخره «6».

ثمَّ المعاطن و إن كانت مختصّة في كلام أكثر أهل اللغة- كالصحاح

______________________________

(1) الكافي 3: 391 الصلاة ب 63 ح 17، التهذيب 2: 226 و 376- 893 و 1563، المحاسن:

365- 109، الوسائل 5: 169 أبواب مكان المصلي ب 31 ح 1.

(2) في ص 427.

(3)

الكافي 3: 387 الصلاة ب 63 ح 2، التهذيب 2: 220- 868، الاستبصار 1: 395- 1507، الوسائل 5: 144 أبواب مكان المصلي ب 17 ح 1.

(4) مسائل علي بن جعفر: 168- 281، 282، الوسائل 5: 146 أبواب مكان المصلي ب 17 ح 6.

(5) التهذيب 2: 220- 867، الاستبصار 1: 395- 1506، الوسائل 5: 145 أبواب مكان المصلي ب 17 ح 4.

(6) الكافي 3: 388 الصلاة ب 63 ح 5، الفقيه 1: 157- 729، التهذيب 2: 220- 865، الوسائل 5: 145 أبواب مكان المصلي ب 17 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 431

و القاموس «1»، و غيرهما «2»- بمباركها حول الماء، إلّا أنّ فتوى أكثر الفقهاء على الكراهة في مطلق مواطنها كافية لإثبات التعميم، مع أنّ المحكي عن العين و المقاييس «3» تفسير المعاطن بما يوافق كلام الأكثر، و يشعر به أيضا الأخبار المقيّدة لها بعدم التخوّف على المتاع.

مضافا إلى المرويّ في الفقيه في جملة المناهي: «إنه نهى أن يصلّي الرجل في المقابر و الطرق و الأرحية و الأودية و مرابض الإبل» «4» و المربض هو مطلق المأوى.

و التعليل المرويّ في النبوي: «إذا أدركتم الصلاة و أنتم في أعطان الإبل فاخرجوا منها و صلّوا، فإنها جنّ من جنّ خلقت» «5».

و على هذا فلا شك في الكراهة في مطلق مواظنها كما تكره في معاطنها.

و لا تحرم كما عن المفيد و الحلبي «6»، لموثّقة سماعة، السابقة «7».

و تخصيص الحرمة بما قبل النضح كما هو مقتضاها لم يقل به أحد من الطائفة، مع أنه مخالف للشهرة العظيمة، فالأخبار المثبتة له خارج عن الحجية، مضافا إلى قصور بعضها عن إثبات الحرمة.

و لا يشترط في الكراهة وجود الإبل بعد

صدق الموطن، للإطلاق.

و لا تكره فيما بركت فيه مرّة و رحلت، لعدم الصدق.

و هل تكره فيه حال وجودها فيه؟ ظاهر التعليل المذكور ذلك، و لا يبعد دلالة النهي عن مطلق المرابض و المعاطن عليه أيضا.

______________________________

(1) الصحاح 6: 2165، القاموس 4: 250.

(2) المصباح المنير 2: 416، و لسان العرب 13: 286.

(3) العين 2: 14، المقاييس 4: 352.

(4) الفقيه 4: 2- 1، الوسائل 5: 158 أبواب مكان المصلّي ب 25 ح 2.

(5) كنز العمال 7: 340- 19167.

(6) المقنعة: 151، الكافي في الفقه: 141.

(7) في ص 430.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 432

و تزول الكراهة بالكنس و النضح عند الخوف على المتاع، لما مرّ.

و تكره أيضا في مرابض الخيل و البغال، لموثّقة سماعة، المتقدّمة. و الحمير، لمقطوعته المتضمّنة لها أيضا «1». و البقر و الغنم، للموثّقة.

و تنتفي الكراهة فيهما دون الثلاثة السابقة بالنضح إذا كان يابسا.

و عليها يحمل ما أطلق نفي البأس في مربض الغنم مطلقا، أو على خفّة الكراهة.

و منها: مساكن النمل، و هي المعبّر عنها في خبر ابن الفضل «2»: بقرى النمل، و هي مجتمع ترابها حول جحرها.

و تدلّ عليه أيضا المرويّات في المحاسن و تفسير العيّاشي و العلل «3».

و علّلها في الأخيرة بأنه: «ربما آذاه فلا يتمكّن من الصلاة».

و المستفاد منه الكراهة في مقام قريب من مساكنها أيضا معرض لتأذّى المصلّي بالنمل.

و منها: بطون الأودية، للمروي في الفقيه المتقدّم.

و في العلل: «لا يصلّى في ذات الجيش و لا ذات الصلاصل و لا بطون الأودية» «4».

من غير فرق بين خوف هجوم السيل و أمنه، للإطلاق. و التخصيص بالأول- لأنه العلّة- ضعيف، مع أنه علّله في العلل بعلّة أخرى.

بل مطلق مجاري المياه، لفتوى الأصحاب، و مرسلة

ابن الفضل السابقة.

و المراد بها المواضع المعدّة لجريانه و إن لم يكن فيها ماء، كما هو مقتضى ما

______________________________

(1) الكافي 3: 388 الصلاة ب 63 ح 3، الوسائل 5: 145 أبواب مكان المصلي ب 17 ح 3.

(2) راجع ص 427.

(3) المحاسن: 366- 116، تفسير العياشي 2: 286، العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم عنه في البحار 80: 327- 29.

(4) العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم عنه في البحار 80: 327- 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 433

هو الحقّ في مثل هذا اللفظ من عدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق، و المتعيّن من عدم إمكان الصلاة مع الجريان.

و الظاهر عدم شمول الحكم لمثل الساباط الذي على النهر و القنطرة، لأنه ليس مجرى و لا من البطون.

نعم، الظاهر كون الصلاة في السفينة الواقعة في المجاري صلاة فيها، فتكره من هذه الجهة، و تدلّ عليه أيضا رواية أبي هاشم الجعفري «1».

و منها: جوادّ الطرق، و هي الطرق العظمى التي يتكثر سلوكها، للشهرة.

و صحيحة محمد: «لا تصلّ على الجادّة و اعتزال إلى جانبيها» «2».

و صحيحة الحلبي: «لا بأس بأن تصلّي في الظواهر التي بين الجوادّ، و أمّا على الجوادّ فلا تصلّ فيها» «3».

و صحيحة ابن عمّار: «لا بأس أن يصلّى بين الظواهر و هي [الجوادّ] جوادّ الطرق، و يكره بأن يصلّى في الجوادّ» [1].

و تفسير الظواهر هنا بالجوادّ يرفع تنافيها مع سابقتها.

و لو لا الشهرة العظيمة على انتفاء الحرمة، بل الإجماع كما هو المحكي عن ظاهر المنتهى «4»، و المصرّح به في كلام بعض مشايخنا المحقّقين «5» لم يكن القول بها

______________________________

[1] الكافي 3: 389 الصلاة ب 63 ح 10، التهذيب 2: 375- 1560، الوسائل 5: 147 أبواب مكان

المصلي ب 19 ح 5، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

______________________________

(1) الكافي 3: 442 الصلاة ب 88 ح 5، التهذيب 2: 297- 901، الاستبصار 1: 441- 1698، الوسائل 5: 165 أبواب مكان المصلي ب 29 ح 1.

(2) التهذيب 2: 221- 869، الوسائل 5: 148 أبواب مكان المصلي ب 19 ح 5.

(3) الكافي 3: 388 الصلاة ب 63 ح 5، التهذيب 2: 220- 865، الوسائل 5: 147 أبواب مكان المصلي ب 19 ح 2.

(4) المنتهى 1: 247.

(5) شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 434

- كما عن الصدوق و الشيخين «1»- بعيدا.

و الظاهر الكراهة في مطلق الطريق و إن لم يكن جادّة، لموثّقة ابن الجهم:

«كلّ طريق يوطأ فلا تصلّ فيه» «2».

و رواية ابن الفضيل: «كلّ طريق يوطأ و يتطرّق، كانت فيه جادّة أو لم تكن، لا ينبغي الصلاة فيه» «3».

و منها: السبخة، و لا شك في كراهة الصلاة فيها، و النصوص بها مستفيضة «4»، و الظاهر منها ارتفاع الكراهة إذا كان موضع السجدة فيها مستوية يتمكن فيه الجبهة و لو بجعله كذلك.

و منها: مواضع بين الحرمين: البيداء- و هو على ميل من ذي الحليفة ممّا يلي مكة و يسمّى ذات الجيش أيضا- و ذات الصّلاصل، و وادي الشقرة- بفتح الشين و كسر القاف [1]- و وادي ضجنان- بالضاد المعجمة المضمومة أو المفتوحة و الجيم الساكنة- اسم جبل بناحية مكة.

و منها: بين القبور و عليها و إليها، على الأظهر الأشهر، بل عليه كافّة من تأخّر، و عن صريح الغنية و ظاهر المنتهى الإجماع عليه «5».

أمّا الأول: فلموثّقة عمّار: عن الرجل يصلّي بين القبور، قال: «لا يجوز ذلك إلّا أن يجعل بينه و بين القبور

إذا صلّى عشرة أذرع من بين يديه، و عشرة أذرع

______________________________

[1] موضع معروف في طريق مكة، قيل: إنّه و البيداء و ضجنان و ذات الصلاصل مواضع خسف و إنها من المواضع المغضوب عليها. مجمع البحرين 3: 353.

______________________________

(1) الفقيه 1: 156، و المقنعة: 151، و النهاية: 100.

(2) التهذيب 2: 221- 870، الوسائل 5: 148 أبواب مكان المصلي ب 19 ح 6.

(3) الكافي 3: 389 الصلاة ب 63 ح 8، الفقيه 1: 156- 728، التهذيب 2: 220- 866، الوسائل 5: 147 أبواب مكان المصلي ب 19 ح 3.

(4) الوسائل 5: 150 أبواب مكان المصلي ب 20.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 555، المنتهى 1: 244.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 435

من خلفه، و عشرة أذرع عن يمينه، و عشرة أذرع عن يساره، ثمَّ يصلّي إن شاء» «1».

و حديث المناهي: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يجصّص المقابر و يصلّى فيها» «2».

و مقتضاهما و إن كان التحريم إلّا أنهما حملتا على الكراهة، التفاتا إلى عدم قائل بالحرمة سوى الديلمي «3»، الغير القادح مخالفته في الإجماع على عدم الحرمة.

مضافا إلى معارضتهما مع صحيحة معمّر: «لا بأس بالصلاة بين المقابر ما لم يتخذ القبر قبلة» «4». و صحيحة زرارة: قلت له: الصلاة بين القبور؟ قال:

«صلّ بين خلالها و لا تتّخذ شيئا منها قبلة، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى عن ذلك و قال: لا تتّخذوا قبري قبلة و لا مسجدا، فإنّ اللّه عزّ و جلّ لعن الذين اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد» «5» بالعموم من وجه، لاختصاص الموثّقة بل حديث المناهي- بقرينة الموثّقة- بعدم التباعد، و اختصاص الصحيحتين بعدم الاتّخاذ قبلة، فيرجع إلى

الأصل و عموم الصحيحين الآخرين: عن الصلاة بين القبور هل تصلح؟ قال: «لا بأس» «6».

______________________________

(1) الكافي 3: 390 الصلاة ب 63 ح 13، التهذيب 2: 227- 896، الاستبصار 1:

397- 1513، الوسائل 5: 159 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 5.

(2) الفقيه 4: 2- 1، الوسائل 5: 158 أبواب مكان المصلّي ب 25 ح 2.

(3) المراسم: 65.

(4) التهذيب 2: 228- 897، الاستبصار 1: 397- 1514، الوسائل 5: 159 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 3.

(5) علل الشرائع: 358- 1، الوسائل 5: 161 أبواب مكان المصلي ب 26 ح 5.

(6) الأول في: الفقيه 1: 158- 737، قرب الإسناد: 197- 749، الوسائل 5: 158 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 1. و الثاني في: التهذيب 2: 374- 1555، الاستبصار 1:

397- 1515، الوسائل 5: 159 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 436

و أمّا الثاني: فللشهرة المحكية في كلام بعض مشايخنا المحدّثين عليه «1»، و إطلاق حديث المناهي، و رواية ابن ظبيان: «نهى أن يصلّى على قبر أو يقعد عليه أو يبنى عليه» «2».

و النهي فيهما و إن كان حقيقة في التحريم إلّا أنه يحمل فيهما على الكراهة لئلّا يلزم استعمال اللفظ في معنييه، لعدم حرمة التجصيص و القعود و البناء إجماعا، مضافا إلى عدم قول بالحرمة هنا قطعا.

و به يدفع دلالة النهي عن جعل القبر مسجدا عليها أيضا مع إمكان حمله على جعله محل السجدة للقبور.

و أمّا الثالث: فلما مرّ من الشهرة المحكية.

و قد يتمسّك له بالموثّقة.

و هي أخصّ من المطلوب، لدلالتها على المنع مع تعدّد القبور و صدق الوقوع بينها.

و عن الصدوق و المفيد و الحلبي فيه التحريم [1]، و يعزى

إلى المعتبر أيضا «3»، للصحيحين المتقدّمين المانعين عن اتّخاذ القبر قبلة، و الموثّقة المتقدّمة، و حديث المناهي، و رواية ابن ظبيان.

و يجاب عن الأوّلين: بمنع كون التوجّه إلى القبر لا بقصد استحقاقه لذلك اتّخاذه قبلة، و لذا لا يقال لمن يصلّي و قدّامه جدار: إنّه اتّخذه قبلة، بل الظاهر منه جعله مثل الكعبة مستقلا أو مشاركا معها.

______________________________

[1] الفقيه 1: 156، المقنعة: 151، لم نجده في الكافي في الفقه و لكن نقله عنه في المختلف: 85.

______________________________

(1) الحدائق 7: 216.

(2) التهذيب 3: 201- 469، الاستبصار 1: 482- 1869، المقنع: 21، الوسائل 5: 160 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 8.

(3) المعتبر 2: 115.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 437

هذا، مع معارضتهما مع الأخبار الكثيرة الآتية بعضها المصرّحة بجواز الصلاة خلف قبر الإمام عليه السلام، و جعله بين يديه، بل الترغيب إليها «1»، بضميمة عدم القول بالفصل، بل تصريح المفيد بعدم استثنائه «2».

و عن الثاني: بما مرّ من عدم الدلالة على المطلوب، و شذوذ القول بمضمونه، و معارضته مع ما أكثر منه في العدد و أصحّ من حيث السند.

و جعله أعم و تخصيصه بالصلاة إلى القبر فاسد، لعدم كون الصلاة إلى القبر فردا من الصلاة بين القبور، و على الفرديّة لا يجوز ذلك التخصيص، لكونه إخراجا للأكثر.

و عن الأخيرين: بمنع شمولهما للمورد أولا، و منع إفادتهما التحريم ثانيا كما أشير إليه.

و بما ذكر ظهر ضعف ما ذكره بعض مشايخنا المحدّثين «3»- بعد تقويته القول بالتحريم في غير قبر الإمام- من كون الصحيحين المانعين لاتّخاذ القبر قبلة أخصّ مطلقا من الصحيحين النافيين للبأس عن الصلاة بين القبور فليقدّما عليهما.

و أضعف منه استثناؤه قبر الإمام، فإنّه مع كونه إحداثا

لقول ثالث خلاف صريح صحيحة زرارة المذكورة التي هي من أدلّته، حيث صرّح فيها بنهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن اتّخاذ قبره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبلة.

و في مرسلة الفقيه: «قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تتخذوا قبري قبلة و لا مسجدا، فإنّ اللّه عزّ و جلّ لعن اليهود لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم قبلة» «4».

هذا كلّه في غير قبر المعصوم، و أمّا فيه فلا ينبغي الريب في مرجوحية استدباره، بل الظاهر عدم الخلاف فيها، و هو فيها الحجة.

______________________________

(1) الوسائل 5: 160 أبواب مكان المصلي ب 26.

(2) المقنعة: 152.

(3) الحدائق 7: 226.

(4) الفقيه 1: 114- 432، الوسائل 5: 161 أبواب مكان المصلّي ب 26 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 438

مضافا إلى صحيحة الحميري، و فيها بعد السؤال عن قبر الإمام: «و أمّا الصلاة فإنها خلفه يجعله إماما، و لا يجوز أن يصلّي بين يديه لأنّ الإمام لا يتقدّم عليه، و يصلّي عن يمينه و شماله» «1».

و المروي في الاحتجاج و فيه بعد السؤال عنه: «أمّا الصلاة فإنها خلفه و يجعل القبر أمامه، و لا يجوز أن يصلّي بين يديه و لا عن يمينه و لا عن يساره، لأنّ الإمام لا يتقدّم و لا يساوى» «2».

و هل هي على وجه الكراهة أو الحرمة؟ المشهور هو الأول، بل ظاهر المنتهى عدم الخلاف فيه «3».

و قال بعض مشايخنا المحقّقين: الظاهر اتّفاقهم على ترك العمل بظاهر الصحيحة من عدم جواز الصلاة مقدّما على قبره «4».

و صرّح بعض مشايخنا المعاصرين بعدم وجدان القائل به «5».

و اختار بعض مشايخنا المحدّثين الثاني «6»، و نسبه إلى المعتبر و شيخنا

البهائي و المحدّث المجلسي «7».

و لا دلالة لكلام الأوّلين عليه أصلا بل لا يفيد أزيد من الكراهة.

نعم نفى عنه البعد في المفاتيح «8»، أخذا بظاهر الخبرين.

و يردّ: بأن مخالفته لشهرة القدماء و المتأخّرين بل الإجماع من الأوّلين أخرجته

______________________________

(1) التهذيب 2: 228- 898، الوسائل 5: 160 أبواب مكان المصلي ب 26 ح 1.

(2) الاحتجاج: 490، الوسائل 5: 160 أبواب مكان المصلّي ب 26 ح 2.

(3) المنتهى 1: 245.

(4) شرح المفاتيح (المخطوط).

(5) الرياض 1: 141.

(6) الحدائق 7: 220.

(7) المعتبر 2: 115، الحبل المتين: 159، البحار 80: 315 و 316.

(8) المفاتيح 1: 102.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 439

عن حيّز الحجية، فلا يصلح لإثبات الحرمة.

مضافا إلى أنّ عطف التساوي في الخبر الأخير على التقدّم و أصالة عدم جواز استعمال اللفظ في المعنيين أخرجه عن الدلالة على الحرمة أيضا، فالكراهة هي الأظهر و إن كان الاجتناب أحوط.

و لا في جواز استقباله [1]، للأصل، و عدم دليل على المنع سوى ما مرّ دليلا للمنع عن استقبال القبر مطلقا بجوابه، فالقول بالتحريم كما عن المشايخ الثلاثة «1» ضعيف.

و هل يكره؟ كما هو المشهور على ما قيل «2»، له، و للحذر عن مخالفة من ذكر، و احتمال كونه المراد من اتّخاذه قبلة، و المروي في الأمالي: إذا أتيت قبر الحسين عليه السلام أجعله قبلة إذا صلّيت؟ قال: «تنحّ هكذا ناحية» [2].

أو يستحب؟ كما ذكره بعض مشايخنا «3» و استعجب ممّن قال بالكراهة، تمسّكا بتصريح بعض الروايات باستحباب الصلاة خلف قبر أبي عبد اللّه عليه السلام، كالمروي في كامل الزيارة في حديث زيارة الحسين عليه السلام: «من صلّى خلفه صلاة واحدة يريد بها اللّه تعالى لقي اللّه يوم يلقاه و عليه من

النور ما يغشى كلّ شي ء يراه» «4».

و فيه أيضا: «إذا فرغت من التسليم على الشهداء أتيت قبر أبي عبد اللّه عليه

______________________________

[1] عطف على قوله: في مرجوحية استدباره في ص 437.

[2] لم نجده في الأمالي و هو موجود في كامل الزيارات: 245- 2، الوسائل 14: 519 أبواب المزار و ما يناسبه ب 69 ح 6.

______________________________

(1) الصدوق في الفقيه 1: 156، و المفيد في المقنعة: 152، و الطوسي في النهاية: 99.

(2) الحدائق 7: 224.

(3) الرياض 1: 141.

(4) كامل الزيارات: 122- 1، الوسائل 5: 162 أبواب مكان المصلّي ب 26 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 440

السلام تجعله بين يديك ثمَّ صلّ ما بدا لك» «1».

و أيضا: هل يزار والدك؟ قال: «نعم و يصلّى خلفه و لا يتقدّم عليه» «2» و لصحيحة الحميري و رواية الاحتجاج، المتقدّمتين.

أقول: التحقيق أنه إن أريد استحباب مطلق الصلوات فيه بمعنى رجحانه و أكثريّة ثوابه بالنسبة إلى سائر الأفراد الخالية عن جهتي الرجحان و المرجوحيّة- كما هو المراد من الاستحباب في العبادات- فتعارض الروايات المستندة إليها الشهرة على الكراهة و رواية الأمالي، و لا ترجيح.

مع أنّ في دلالة الروايات عليه أيضا نظرا:

أما الأخيرتان فظاهر، و كذا السابق عليهما، إذ لا يدل على الأزيد من إباحة الصلاة خلفه أو مع نوع من الرجحان الإضافي.

و أمّا السابقان عليه: فلأنه يمكن أن يكون المراد منهما استحباب صلاة خلفه لا استحباب مطلق الصلاة خلفه.

و التوضيح: أنّ المطلوب استحباب إيقاع الصلاة المأمور بها وجوبا أو ندبا مطلقا خلفه، و هو غير استحباب أن يصلّى خلفه صلاة، فإنّ استحباب صلاة في موضع غير استحباب الصلاة فيه، و الاستحباب الأول بالمعنى المصطلح دون الثاني، و لذا يصحّ أن

يقال: من اشترى دارا جديدة يستحب أن يصلّي فيها صلاة، و لا يقال: يستحب إيقاع الصلاة في الدار الجديدة.

و إن أريد استحباب الصلاة المطلقة خلفه ردّا على من يكرهها مطلقا، فهما يدلّان عليه.

و لا تضرّهما معارضة الشهرة المحكية و رواية الأمالي، لعمومهما مطلقا بالنسبة إليهما، و لكن يكون ذلك مخصوصا بخلف قبر الحسين عليه السلام،

______________________________

(1) كامل الزيارات: 245- 3، الوسائل 14: 517 أبواب المزار و ما يناسبه ب 69 ح 1.

(2) كامل الزيارات: 123- 2، الوسائل 5: 162 أبواب مكان المصلّي ب 26 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 441

لاختصاص الدليل، و عدم إيجاب استحباب صلاة في خلف قبره استحبابها في خلف قبر سائر الأئمة عليهم السلام، بخلاف ما إذا ثبت استحباب جعل محل الصلوات خلف قبره، فيتعدّى بعدم القول بالفصل.

و أمّا المحاذاة له عند رأسه أو رجليه فهي أيضا جائزة على الأظهر الأشهر، بل وفاقا لغير شاذّ من متأخّري من تأخّر، للأصل، و صحيحة الحميري.

و دليل المانع: رواية الاحتجاج.

و هي مردودة بعدم صلاحيتها لإثبات الحرمة، لمخالفتها الشهرة بل إجماع الطائفة.

مضافا إلى معارضتها للصحيحة التي هي له كالقرينة، بل لنصوص أخر كثيرة مصرّحة بجوازها في زيارة الحسين عليه السلام و غيره من الأئمة عليهم السلام.

كالمروي في العيون: من أنّ الرضا عليه السلام ألزق منكبه الأيسر بالمنبر قريبا من الأسطوانة التي عند رأس النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فصلّى ستّ ركعات «1».

و رواية ابن ناجية: «صلّ عند رأس قبر الحسين عليه السلام» «2».

و رواية الثمالي: «ثمَّ تدور من خلفه إلى عند رأس الحسين عليه السلام و صلّ عند رأسه ركعتين تقرأ في الأولى» إلى أن قال: «و إن شئت صلّيت خلف

القبر و عند رأسه أفضل» «3».

و في رواية صفوان: «ثمَّ قم فصلّ ركعتين عند الرأس» «4» إلى غير ذلك.

______________________________

(1) العيون 2: 16- 40، الوسائل 5: 161 أبواب مكان المصلّي ب 26 ح 4.

(2) كامل الزيارات: 245- 1، الوسائل 14: 519 أبواب المزار و ما يناسبه ب 69 ح 5.

(3) كامل الزيارات: 240، المستدرك 10: 327 أبواب المزار و ما يناسبه ب 52 ح 3.

(4) مصباح المتهجد: 665.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 442

نعم، تكره لهذه الرواية. و لا تنافيها الصحيحة، إذ غايتها الجواز. و لا الأخبار المذكورة، إذ غايتها استحباب صلاة عند الرأس، و هو لا ينافي كراهة غيرها، فالرواية بها مخصوصة.

و الخلف أفضل من جانب الرأس في غير المنصوصة، لهذه الرواية، بل يشعر به الصحيحة.

و لا تنافيه رواية الثمالي، إذ مدلولها أفضلية صلاة خاصة عند رأس الحسين عليه السلام، و هي مسلّمة.

و يحصل ممّا ذكر أنّ المحاذاة عند الرأس أو الرجلين أفضل من التقدّم و الخلف منها، و غير الثلاثة منه، إلّا فيما ورد في موضع مخصوص.

فروع:

أ: ما ذكر في حكم قبر غير الإمام من كراهة الصلاة إليه و عليه يعمّ القبر الواحد و المتعدّد.

و أمّا كراهتها بين القبور فإنما هي مع تعدّدها، لا لما قيل من أن مورد الأخبار القبور «1»، لأنّها جمع محلّى مفيد للعموم الأفرادي، و لذا لو قال: لا يجوز نبش القبور، يحكم به في كلّ فرد فرد، و لا يشترط فيه الجمعيّة.

بل لأنّ النهي إنّما هو عن الصلاة بين القبور و في خلالها، و لا يصدق ذلك إلّا مع التعدّد.

بل نقول: إنّ المنهي عنه الصلاة بين القبور لا القبر و القبرين أيضا.

و لا يفيد حديث المناهي الناهي عن

الصلاة في المقابر و لو بملاحظة إفادة الجمع للعموم الأفرادي كما في قوله فيه: «و نهى أن يجصّص المقابر» «2» لأنه لا يثبت

______________________________

(1) الحدائق 7: 227.

(2) الفقيه 4: 2- 1، الوسائل 5: 158 أبواب مكان المصلّي ب 25 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 443

منه- بحسب المعنى اللغوي الذي الأصل فيه عدم النقل، و مع ثبوته تأخّره- إلّا مرجوحية الصلاة في المقبرة التي هي موضع القبر لا في حواليها كما هو المطلوب، فيكون هو بعينه الصلاة على القبر، فتأمّل.

إلّا أن يقال بإلحاق القبر و القبرين بالقبور، لادّعاء الاشتهار عليه في كلام بعض مشايخنا المحقّقين «1»، و فتوى جماعة به «2»، و هما كافيان في المقام لكونه مقام المسامحة.

ب: صرّح جماعة- منهم المقنعة و الشرائع و النافع و الجامع و القواعد و النهاية «3»- بزوال الكراهة بالحائل، بل في بعضها و لو عنزة منصوبة، أو قدر لبنة، أو ثوب موضوع. و اخرى- منهم المقنعة [1]، و النزهة و النهاية و المبسوط و المهذب و الوسيلة و الجامع و الإصباح و نهاية الإحكام و التذكرة «4»- بزوالها ببعد عشرة أذرع من كلّ جانب كما في الأوّلين، أو ما سوى الخلف كما في البواقي.

أقول

: الكلام إمّا في الصلاة بين القبور أو إليها أو عند كلّ قبر قبر.

فإن كان الأول، فلا شك في زوال الكراهة ببعد عشرة أذرع من الجوانب الأربع، و أمّا بوجود الحائل و لو بمثل ما ذكر فلا دليل عليه، و الإجماع فيه غير ثابت

______________________________

[1] كذا في النسخ و مثله في كشف اللثام 1: 198، و نسبه في الرياض 1: 141، إلى المحكي عن المقنعة، و لم نعثر عليه و لعل الصحيح: الفقيه و

وقع التصحيف في نسخة كشف اللثام فصار منشأ للنسبة، لاحظ: الفقيه 1: 156. و يؤيده أن في مفتاح الكرامة 2: 215، لم ينقله عن المقنعة بل نقله عن الفقيه.

______________________________

(1) شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) منهم العلامة في المنتهى 1: 245، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 134، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 25، و الروضة 1: 223.

(3) المقنعة: 151، الشرائع 1: 72، و النافع: 26، الجامع للشرائع: 68، القواعد 1: 28، نهاية الاحكام 1: 346.

(4) النزهة: 26، النهاية: 99، المبسوط 1: 85، المهذب 1: 76، الوسيلة: 90، الجامع للشرائع: 68، نهاية الإحكام 1: 346، التذكرة 1: 88.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 444

و إن ادّعاه بعضهم «1»، و إزالة الكراهة لا تتحمّل ما يتحمّله إثباتها من المسامحة، إلّا أن يكون الحائل جدارا مرتفعا أو جدرانا بحيث ينتفي صدق بين القبور عرفا.

و إن كان الأخيران، فالظاهر انتفاء الكراهة مع الحائل مطلقا أو البعد المذكور، إذ قد عرفت أن المستند فيهما ليس إلّا الفتاوى أو الشهرة، و كلاهما مخصوصان بالخالي عن الحائل و البعد.

هذا في غير قبر المعصوم، و أمّا فيه فإن ثبت الإجماع المركّب فالحكم كذلك أيضا، و إلّا فالحكم بالزوال إلّا مع وجود جدار أو تفاحش بعد يزيل صدق الصلاة أمامه أو خلفه أو جانبه مشكل جدّا.

ج: هل الحكم يتوقّف على العلم بعدم صيرورة المقبور رميما أو ترابا و لو استصحابا، أو يجري و لو مع صيرورته أحدهما؟ الظاهر: الثاني، لصدق القبر.

د: لا فرق في الحكم بين كون المقبرة مسجدا كما إذا أوصى أحد بدفنه في بيت ثمَّ جعله مسجدا، أم لا، للإطلاقات.

و منها: أن تكون بين يديه نار، وفاقا لغير شاذّ، لصحيحة علي:

عن الرجل يصلّي و السراج موضوع بين يديه في القبلة، فقال: «لا يصلح له أن يستقبل النار» «2».

و موثّقة عمّار: «لا يصلّي الرجل و في قبلته نار أو حديد» قلت: أ له أن يصلّي و بين يديه مجمرة شبه؟ قال: «نعم فإن كان فيها نار فلا يصلّي حتى ينحّيها عن قبلته» و عن الرجل يصلّي و في قبلته قنديل معلّق و فيه نار إلّا أنه بحياله، قال: «إذا ارتفع كان شرّا، لا يصلّي بحياله» «3».

______________________________

(1) الرياض 1: 141.

(2) الكافي 3: 391 الصلاة ب 63 ح 16، الفقيه 1: 162- 763، التهذيب 2: 225- 889، الاستبصار 1: 396- 1511، قرب الإسناد: 187- 700، الوسائل 5: 166 أبواب مكان المصلي ب 30 ح 1.

(3) الكافي 3: 390 الصلاة ب 63 ح 15، الفقيه 1: 165- 776، التهذيب 2: 225- 888، الاستبصار 1: 396- 1510، الوسائل 5: 166 أبواب مكان المصلي ب 30 ح 2.

و الشبه: ضرب من النحاس. الصحاح 6: 2236.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 445

و خلافا للحلبي فحرّم، لظاهر الخبرين.

و فيه أوّلا: منع الظهور.

و ثانيا: المعارضة مع ما دلّ على الجواز مطلقا، كمرفوعة الهمداني: «لا بأس أن يصلّي الرجل و السراج و الصورة بين يديه، إنّ الذي يصلّي له أقرب إليه» «1».

أو لغير أولاد عبدة الأوثان و النيران الموجب لجوازه لغيرهم أيضا بالإجماع المركّب، كالمروي في الاحتجاج و إكمال الدين من التوقيع، و فيه: «أمّا ما سألت عنه من المصلّي و النار و الصورة و السراج بين يديه هل تجوز صلاته فإن الناس قد اختلفوا في ذلك قبلك، فإنه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأوثان و النيران أن يصلّي و السراج بين

يديه، و لا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأوثان و النيران» «2».

و ثالثا: المخالفة للشهرة بل الإجماع الموجبة للخروج عن الحجية.

ثمَّ مقتضى الإطلاقات: كراهة استقبال النار مطلقا و لو لم تكن مضرمة.

و قيّدها بعضهم بالمضرمة «3»، و لا وجه له.

كما أنّ مقتضى الموثّقة: أشدّية الكراهة مع ارتفاع النار.

و المستفاد من التوقيع أشدّيّتها لأولاد عبدة الأوثان و النيران، و الحكم بالأشدية في غير أولاد الرسول غير سديد.

و منها: بيوت المجوس، و البيع، و الكنائس، و بيت فيه مجوسي و إن لم يكن

______________________________

(1) الفقيه 1: 162- 764، التهذيب 2: 226- 890، الاستبصار 1: 396- 1512، علل الشرائع: 342- 1، المقنع: 25، الوسائل 5: 167 أبواب مكان المصلي ب 30 ح 4.

(2) الاحتجاج: 480، كمال الدين 521- 49، الوسائل 5: 168 أبواب مكان المصلّي ب 30 ح 5.

(3) كابن إدريس في السرائر 1: 270، و المحقق في الشرائع 1: 72، و النافع: 26، و المعتبر 2:

112، و العلامة في نهاية الإحكام 1: 347، و التحرير 1: 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 446

بيته، لعدم الخلاف في المرجوحية في الأول، كما صرّح به بعضهم «1».

و لفتوى جماعة من الفحول منهم الحلّي و الديلمي و القاضي «2»، و الغنية و الإصباح و الإشارة و النزهة «3»، مضافا إلى ادّعاء الرابع الإجماع عليه في الثانيين.

و لرواية أبي أسامة: «لا تصلّ في بيت فيه مجوسي، و لا بأس بأن تصلّي و فيه يهودي أو نصراني» «4» في الأخير.

و الاستدلال بصريحها أو فحواها للأول ضعيف. كالاستدلال له و للبيع و الكنائس بالأمر بالرشّ و الصلاة «5»، لعدم الدلالة، و الاحتجاج لانتفاء الكراهة فيهما بما دلّ على جواز الصلاة أو عدم

البأس فيهما «6»، إذ لا يثبت منهما إلّا نفي الحرمة.

و لا كراهة في بيوت اليهود و النصارى، للأصل.

و قد يقال فيها بالكراهة أيضا، لخبرين لا دلالة لهما عليه [1].

ثمَّ إنه هل يشترط إذن أهل الذمة في الصلاة في البيع و الكنائس أم لا؟ قال بعض مشايخنا المحدّثين: مقتضى كلام الأصحاب و إطلاق النصوص النافية للبأس عن الصلاة فيهما هو الثاني.

و احتمل في الذكرى الأول، تبعا لغرض الواقف و عملا بالقرينة.

و الظاهر ضعفه، لإطلاق الأخبار المذكورة و ما دلّ عليه بعضها من جواز

______________________________

[1] أحدهما ما رواه في الكافي عن عامر بن نعيم (الكافي 3: 392 الصلاة ب 63 ح 25). و الآخر ما رواه في قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام: عن بواري اليهود و النصارى التي يقعدون عليها في بيوتهم أن يصلي عليها قال: «لا» قرب الإسناد: 184- 685. منه رحمه اللّه.

______________________________

(1) الحدائق 7: 233.

(2) السرائر 1: 270، المراسم: 65، المهذب 1: 75.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 555، الإشارة: 88، النزهة: 26.

(4) الكافي 3: 389 الصلاة ب 63 ح 6، الوسائل 5: 144 أبواب مكان المصلي ب 16 ح 1.

(5) الوسائل 5: 138 أبواب مكان المصلي ب 13.

(6) الوسائل 5: 138 أبواب مكان المصلي ب 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 447

نقضها مسجدا «1».

قال: و قال بعض مشايخنا- رحمهم اللّه-: بل لو علم اشتراطهم عند الوقف عدم صلاة المسلمين فيها، كان شرطهم فاسدا، و كذا الكلام في مساجد المخالفين و صلاة الشيعة فيها «2». انتهى.

أقول

: الحقّ جواز الصلاة فيهما و في سائر معابد الكفّار و مساجد المخالفين، لا لما ذكره من إطلاق الأخبار المذكورة، لكونه محل كلام، و كذا فساد الشرط

المذكور. و لا لما قيل من أنّ الواقف لمّا علم بعد موته حقّية مذهبنا يرضى قطعا [1]، أو لأنه لو علم الواقع لكان راضيا، إذ لا مدخلية لرضا الواقف و عدمه بعد تحقّق الوقف و لزومه أصلا سيما الواقف الميت، و لا للرضا الفرضي.

بل لما تقدّم ذكره من أنّ الأصل جواز هذا النوع من التصرّف الغير المتلف و لا المضرّ في كلّ موضع، و أن الظاهر أنه كالاستظلال بالحائط أو الاستضاءة بالسراج أو وضع اليد على جدار الغير، و لا دليل على حرمة أمثال هذه التصرّفات بدون الإذن بل مع المنع، بل و لا على حرمة الجلوس في ملك الغير من غير إضرار به و لو منع عنه إلّا الإجماع أو بعض الأخبار الضعيفة «3» الموقوفة حجّيتها على الانجبار، و كلاهما مفقودان في المقام، مع أنّ المذكور فيها التصرّف، و كون نحو ذلك تصرّفا لغة محل كلام.

و منها: بيوت الخمور و النيران، بلا خلاف في المرجوحية فيهما إلّا لنادر من المتأخّرين في الثاني «4»، و هو الحجّة فيهما.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 4    448     المسألة الرابعة: ..... ص : 427

____________________________________________________________

[1] لم نعثر على قائله.

______________________________

(1) التهذيب 2: 222- 874، الوسائل 5: 138 أبواب مكان المصلي ب 13 ح 1.

(2) الحدائق 7: 234.

(3) انظر: الوسائل 9: 538، 540 أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام ب 3 ح 2 و 7، و قد تقدما في ص 361.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 2: 144.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 448

مضافا في الأول إلى الموثّق: «لا تصلّ في بيت فيه خمر أو مسكر» «1».

و الرضوي: «لا تصلّ في بيت فيه خمر محصور» «2».

و مقتضاهما و إن

كان تحريم الصلاة في الأول- كما حكي عن المقنع و الفقيه و المقنعة و النهاية «3»، و الديلمي «4»- إلّا أنّهما معارضان بالرواية المرسلة في المقنع، قال: «و روي أنها تجوز» المنجبرة بالشهرة العظيمة التي هي من المتأخّرين إجماع في الحقيقة، المعتضدة بالأصل و العمومات، فلا يصلحان لإثبات التحريم، فالقول به ضعيف.

و أضعف منه: القول به في الثاني، كما عن الثلاثة الأخيرة «5»، لعدم ورود نصّ فيها بالكلّية، و إنّما علّلوا المنع فيها: بأنّ في الصلاة فيها تشبّها بعبّادها.

و هو كما ترى لا يفيد المنع قطعا، بل الكراهة أيضا كما هو ظاهر المدارك و الذخيرة «6»، حيث إنّ فيهما- بعد تضعيف التعليل- احتمال اختصاص الكراهة بمواضع عبادة النيران، لأنّها ليست موضع رحمة، فلا تصلح لعبادة اللّه سبحانه.

ثمَّ المعبّر عنه في كلام جماعة و إن كان بيوت الخمر الظاهرة في نوع اختصاص لها به، إلّا أنّ مقتضى الموثّق ثبوت الكراهة في كلّ بيت فيه خمر، كما أنّ مقتضى فتوى الجماعة في الثاني ثبوتها في كلّ بيت معدّ للنيران كالفرن و الأتّون [1] و إن لم يكن موضع عبادتها.

______________________________

[1] الفرن: الذي يخبز عليه الفرني و هو خبز غليظ نسب إلى موضعه و هو غير التنور. الصحاح 6:

2176. و الأتّون بالتشديد: الموقد، و الجمع الأتاتين. الصحاح 5: 2067.

______________________________

(1) الكافي 3: 392 الصلاة ب 63 ح 24، التهذيب 2: 220 و 377- 864 و 1568، الاستبصار 1: 189- 660، الوسائل 5: 153 أبواب مكان المصلي ب 21 ح 1.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 281، مستدرك الوسائل 3: 341 أبواب مكان المصلّي ب 16 ح 1.

(3) المقنع: 25، الفقيه 1: 159، المقنعة: 151، النهاية: 100.

(4) المراسم: 65.

(5) المقنعة: 151، النهاية:

100، المراسم: 65.

(6) المدارك 3: 232، الذخيرة: 245.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 449

و أمّا البيوت التي توقد فيها النيران مع عدم كونها معدّة له فلا كراهة فيها أصلا، للأصل.

و منها: أن يكون بين يديه مصحف مفتوح، لرواية عمّار، في الرجل يصلّي و بين يديه مصحف مفتوح في قبلته؟ قال: «لا» قلت: فإن كان في غلاف؟ قال: «نعم» «1».

و ألحق بعضهم به كلّ مكتوب و منقوش «2»، و علّل بالمروي في قرب الإسناد:

عن الرجل هل له أن ينظر في نقش خاتمه و هو في الصلاة كأنه يريد قراءته أو في مصحف أو كتاب في القبلة؟ قال: «ذلك نقص في الصلاة و ليس يقطعها» «3».

و لا دلالة له إلّا على أنّ النظر في الكتابة كأنّه يقرؤها نقص في الصلاة سواء كانت بين يديها أو لا كما في خاتمه، و هو غير المسألة، لأنّها إنما هي في المكتوب الواقع في القبلة سواء نظر إليه كأنه يقرؤه أم لا، فلا دليل على الإلحاق إلّا ما ذكره بعضهم من خوف التشاغل «4»، و لكنه لا يصلح دليلا، فبقي غير المصحف خاليا عن الدليل، و الأصل عدم الكراهة فيه، و يكون النظر إلى المكتوب مطلقا كأنه يقرؤه مكروها آخر أيضا، و يختص ذلك بمن يرى النقش بل يعلم القراءة، بخلاف الأول، فيعمّ الأعمى و الممنوع عن القراءة لظلمة أو نوع بعد.

و كذا يكره أن يكون بين يديه إنسان، للمرويين في قرب الإسناد و الدعائم:

الأول: عن الرجل يكون في صلاته هل يصلح له أن يكون امرأة مقبلة بوجهها عليه قاعدة أو قائمة؟ قال: «يدرؤها عنه، فإن لم يفعل لم يقطع ذلك صلاته» «5».

______________________________

(1) الكافي 3: 390 الصلاة ب 63 ح

15، التهذيب 2: 225- 888، الوسائل 5: 163 أبواب مكان المصلي ب 27 ح 1.

(2) كالعلامة في المنتهى 1: 249، و نهاية الإحكام 1: 348.

(3) قرب الإسناد: 190- 715، الوسائل 5: 163 أبواب مكان المصلي ب 27 ح 2.

(4) كالعلامة في المنتهى 1: 249.

(5) قرب الإسناد: 204- 789، الوسائل 5: 189 أبواب مكان المصلّي ب 43 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 450

و الثاني: «كره أن يصلّي الرجل و رجل بين يديه قائم» «1». و لا تنافيه الأخبار النافية للبأس عن كون إنسان في قبلة «2»، لأن البأس هو العذاب. و لا الأخبار الدالّة على أنه صلّى اللّه عليه و آله صلّى و يمرّ في قبلته قوم «3»، لأنّ مرور شخص غير كونه في قبلته، مع أنّهم قد يرتكبون المكروه بيانا للجواز.

أو باب مفتوح على ما حكي عن الحلبي «4». و لا دليل عليه إلّا أن يسامح فيه، فيثبت بفتوى الفقيه، و لا بأس به.

أو حديد، لموثّقة عمّار، المتقدّمة في النار «5».

أو تماثيل، لصحيحة محمّد «6».

و تزول الكراهة بطرح نحو ثوب عليها، لتلك الصحيحة.

و لا كراهة مع كونها في غير القبلة كما صرّح به فيها أيضا.

المسألة الخامسة:

يستحب للمصلّي السترة [1] بلا خلاف بين الأصحاب كما قيل «7»، له، و للنصوص المستفيضة.

منها: صحيحة ابن وهب: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يجعل العنزة بين يديه إذا صلّى» «8».

______________________________

[1] ما ينصبه المصلي قدامه علامة لمصلّاه من عصا و تسنيم تراب و غيره، لأنه يستر المارّ من المرور أي يحجبه. المصباح المنير: 266.

______________________________

(1) الدعائم 1: 150، مستدرك الوسائل 3: 332 أبواب مكان المصلّي ب 4 ح 2.

(2) انظر: الوسائل 5: 132 أبواب مكان المصلّي

ب 11.

(3) انظر: مسند أحمد 6: 50 و 94، و سنن ابن ماجه 1: 307.

(4) نقله عنه في التذكرة 1: 88.

(5) في ص 444.

(6) التهذيب 2: 226 و 370- 891 و 1541، الاستبصار 1: 394- 1502، المحاسن:

617- 50، الوسائل 5: 170 أبواب مكان المصلي ب 32 ح 1.

(7) الحدائق 7: 238.

(8) الكافي 3: 296 الصلاة ب 14 ح 1، التهذيب 2: 322- 1316، الاستبصار 1: 406- 1548، الوسائل 5: 136 أبواب مكان المصلّي ب 12 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 451

و رواية أبي بصير: «كان طول رحل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذراعا، و كان إذا صلّى وضعه بين يديه يستتر به ممّن يمرّ بين يديه» «1».

و صحيحته: «لا يقطع الصلاة شي ء لا كلب و لا حمار و لا امرأة، و لكن استتروا بشي ء، و إن كان بين يديك قدر ذراع مرتفع من الأرض فقد استترت» «2».

و رواية السكوني: «إذا صلّى أحدكم بأرض فلاة فليجعل بين يديه مثل مؤخّرة الرحل، فإن لم يجد فحجرا، و إن لم يجد فسهما، و إن لم يجد فليخطّ في الأرض بين يديه» «3».

[و رواية محمّد بن إسماعيل: في الرجل يصلي، قال: «يكون بين يديه ] [1] كومة من تراب، أو يخطّ بين يديه بخطّ» «4».

و ظاهر بعض هذه الأخبار استحبابها مطلقا سواء كان هناك مارّ بين بيديه أم لا، و سواء كان قد يتشاغل في الصلاة بغيره سبحانه أم لا، و سواء كان في الفلاة أو غيرها.

و منهم من قيّد بالأول «5»، لدلالة بعضها- كرواية أبي بصير و صحيحته-

______________________________

[1] أضفنا ما بين المعقوفين لأنها رواية أخرى. و الموجود في النسخ بعد ذكر «بين يديه» في

رواية السكوني: «كومة من تراب أو يخطّ بين يديه بخطّ»، و هي موجودة في رواية محمّد بن إسماعيل لا رواية السكوني.

______________________________

(1) الكافي 3: 296 الصلاة ب 14 ح 2، التهذيب 2: 322- 1317، الاستبصار 1:

406- 1549، الوسائل 5: 136 أبواب مكان المصلّي ب 12 ح 2.

(2) الكافي 3: 297 الصلاة ب 14 ح 3، التهذيب 2: 323- 1319، الاستبصار 1:

406- 1551، الوسائل 5: 134 أبواب مكان المصلّي ب 11 ح 10.

(3) التهذيب 2: 378- 1577، الاستبصار 1: 407- 1556، الوسائل 5: 137 أبواب مكان المصلي ب 12 ح 4.

(4) التهذيب 2: 378- 1574، الاستبصار 1: 407- 1555، الوسائل 5: 137 أبواب مكان المصلي ب 12 ح 3.

(5) انظر: الحدائق 7: 243، و الدرة النجفية: 95.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 452

على أنها لدفع المارّة.

و منهم من قيّد بالثاني «1»، لما ورد في بعض الأخبار من مرور المارّة بين يدي الإمام و عدم منعه إيّاهم قائلا بأن الذي أصلّي له أقرب إليّ منهم «2».

و قد يستفاد التقييد بالثالث، لمفهوم الرواية الأخيرة [1].

و يردّ الأول: بأنّ الروايتين غير دالّتين على تقييد المطلقات، لعدم التنافي بين استحباب الاستتار مطلقا و لأجل الاستتار عن المارّة أيضا.

نعم يمكن أن تكون شرعيّتها لأجل احتمال مرور المارّة.

و الثاني: بأنه ليس في الأخبار عدم استتار الإمام، بل عدم نهيه الناس عن المرور، فلعلّه لا يلزم بعد وضع السترة.

مع أنه لو فرض عدم استتاره مرّة أو أكثر لم يدل على عدم استحبابه.

و الثالث: بأنه مفهوم لقب لا حجية فيه، و أمّا مفهومه الشرطي فهو أنه:

إذا لم يصلّ أحدكم بأرض فلاة، و الظاهر منه انتفاء الصلاة مطلقا.

و لو سلّم عمومه للصلاة في غير الفلاة

أيضا فليس بظاهر يخصّص به عموم غيره، مع أن هذا التخصيص ممّا لم يقل به قائل.

ثمَّ أقلّ ارتفاع السترة مع الإمكان- كما دلّ عليه صحيحة أبي بصير- ذراع، فإن لم يمكن فيستتر بحجر، أو سهم ينصبه كالشاخص، أو كومة، إلى أن ينتهي إلى خطّ، بالترتيب.

و يستحب الدنوّ منها، للمروي في الدعائم: «إذا قام أحدكم في الصلاة إلى سترة فليدن منها» «3» و نحوه روي في الذكرى «4».

______________________________

[1] بعد ملاحظة الهامش (4) من الصفحة السابقة يظهر أن التقييد موجود في رواية السكوني.

______________________________

(1) الحدائق 7: 242.

(2) الكافي 3: 297 الصلاة ب 14 ح 4، الوسائل 5: 135 أبواب مكان المصلي ب 11 ح 11.

(3) الدعائم 1: 150، مستدرك الوسائل 3: 335 أبواب مكان المصلي ب 8 ح 5.

(4) الذكرى: 153.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 453

و قدّره الإسكافي: بمربض شاة «1»، لخبر الساعدي: «كان بين مصلّى النبي و بين الجدار ممرّ الشاة» «2».

و بعض الأصحاب: بمربض عنز إلى مربض فرس «3»، و نسبه في المدارك إلى الأصحاب «4»، و مستنده صحيحة ابن سنان: «أقلّ ما يكون بينك و بين القبلة مربض عنز و أكثر ما يكون مربض فرس» «5».

و مقتضى الخبرين: كون ذلك التقدير من محل القدم لا مسجد الجبهة، و هو كذلك.

و لو زاد البعد عن مربض الفرس بل تفاحش البعد، فهل ترك الدنوّ المستحب أو السترة المستحبة أيضا؟ مقتضى الصحيحة: الثاني.

و لا يشترط في السترة وضعها حين الصلاة. فلو كانت موجودة قبلها كجدار و نحوه و صلّى قريبا منها فقد استتر إذا قصد السترة كما هو صريح صحيحة أبي بصير.

و لا يستحب فيها انحرافها يمينا كما عن الإسكافي «6»، أو يمينا أو شمالا كما

عن بعض العامة «7»، لعدم دليل، بل ظاهر الأخبار استحباب التوسّط.

و هل يشترط إباحتها أم لا؟ صرّح الفاضل بالأول، لعدم الإتيان بالمأمور به على الغصبية «8».

و استشكله في الذكرى بأنّ المأمور به الصلاة إلى السترة و قد حصل،

______________________________

(1) نسبه إليه في الذكرى: 153.

(2) الذكرى: 153، المستدرك 3: 336 أبواب مكان المصلي ب 8 ح 7.

(3) منهم العلامة في المنتهى 1: 248، و التحرير 1: 33، و الشهيد في البيان: 133.

(4) المدارك 3: 239.

(5) الفقيه 1: 253- 1145، الوسائل 5: 137 أبواب مكان المصلي ب 12 ح 6.

(6) نقله عنه في الذكرى: 153.

(7) المغني 2: 72.

(8) المنتهى 1: 248، التحرير 1: 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 454

و غصبها أمر خارج عن الصلاة، كالوضوء من الإناء المغصوب «1».

أقول

: نظر الفاضل إلى أن المستحب هو الاستتار، أي وضع السترة، لأن الأصل في الأوامر كونها أصلية، فإذا كانت مغصوبة يكون وضعها منهيا عنه فلا يكون مأمورا به، و نظر الشهيد إلى أن المستحب الصلاة إلى السترة، و الأمر بوضعها و جعلها من باب المقدمة، و تحصل الصلاة إلى السترة و لو كانت مغصوبة.

و التحقيق: أنه قد عرفت حصول الاستتار بقصده مع وجود السترة أيضا كما هو مقتضى صحيحة أبي بصير و خبر الساعدي، فالمستحب أصلا هو الاستتار دون إحداث السترة، و المنهي عنه مع الغصبية هو التصرّف فيه بالوضع و الإحداث، و هو غير مأمور به الأصلي، فلو قصد الاستتار بعد الوضع المحرّم، أتى بالمأمور به من غير ارتكاب محرّم.

و الظاهر اختصاص استحباب السترة لغير المأموم، لعدم معهوديته له، و عدم أمره بها.

ثمَّ إنه قد عرفت استحباب الاستتار من المارّة أيضا، فلو استتر و مرّ مارّ وراء

السترة، لم يضرّ، بل لو لم يستتر و صلّى مع مرور مارّ، لم تكن صلاته مكروهة، إذ لا دلالة للأمر بالسترة عن المارة على كراهة الصلاة بدونها.

و أمّا موثّقة ابن أبي يعفور: عن الرجل هل يقطع صلاته شي ء مما يمرّ به؟

قال: «لا يقطع صلاة المسلم شي ء و لكن ادرؤوا ما استطعتم» «2» فلا تدلّ إلّا على استحباب دفع المارّ بالمصلّي، و كون المارّ في قبلته- سيما مع نوع بعد- مارّا به ممنوع، فتأمّل.

المسألة السادسة:

لا يجوز أن يصلّي الفريضة على الراحلة و لو في المحمل

______________________________

(1) الذكرى: 153.

(2) الكافي 3: 297 الصلاة ب 14 ح 3، التهذيب 2: 322- 1318، الاستبصار 1:

406- 1552، الوسائل 5: 134 أبواب مكان المصلي ب 11 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 455

اختيارا إذا استلزم فوات شي ء من الشرائط أو الأجزاء، إجماعا محقّقا و محكيا «1».

و هو الحجة فيه، مع الأصول المتكثرة، و موثّقة ابن سنان: «لا تصلّ شيئا من المفروض راكبا» قال النضر في حديثه: «إلّا أن يكون مريضا» «2».

و الرضوي: «و إن صلّيت على ظهر دابتك تستقبل القبلة بتكبير الافتتاح، ثمَّ امض حيث توجّهت دابتك تقرأ، فإذا أردت الركوع و السجود استقبل القبلة و اركع و اسجد على شي ء يكون معك ممّا يجوز عليه السجود، و لا تصلّها إلّا في حال الاضطرار جدّا» «3».

و رواية ابن سنان: أ يصلّي الرجل شيئا من المفروض راكبا؟ قال: «لا، إلّا من ضرورة» «4».

و ظاهر أن السؤال بقوله: «أ يصلّي» ليس إلّا عن الجواز، لأنّه الظاهر، بل لا يتصور السؤال عن غيره هنا، فمقتضى الجواب نفيه.

و منه تظهر دلالة رواية ابن حازم: أصلّي في محملي و أنا مريض؟ فقال: «أمّا النافلة فنعم،

و أما الفريضة فلا» الحديث «5». مضافا فيها إلى أنّ الثابت في النافلة ليس غير الجواز.

و تؤيّده صحيحة البصري: «لا يصلّي على الدابة الفريضة إلّا مريض يستقبل القبلة، و تجزئه فاتحة الكتاب، و يضع بوجهه في الفريضة على ما يمكنه من شي ء، و يومئ في النافلة إيماء» «6».

و صحيحة الحميري، و فيها بعد السؤال عمّا روي أن رسول اللّه صلّى اللّه

______________________________

(1) كما حكاه في الرياض 1: 120.

(2) التهذيب 3: 231- 598، الوسائل 4: 326 أبواب القبلة ب 14 ح 7.

(3) فقه الرضا عليه السلام: 163، مستدرك الوسائل 3: 189 أبواب القبلة ب 10 ح 2.

(4) التهذيب 3: 308- 954، الوسائل 4: 326 أبواب القبلة ب 14 ح 4.

(5) التهذيب 3: 308- 953، الوسائل 4: 327 أبواب القبلة ب 14 ح 10.

(6) التهذيب 3: 308- 952، الوسائل 4: 325 أبواب القبلة ب 14 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 456

عليه و آله صلّى الفريضة على راحلته في يوم مطر، و أنه هل يجوز لنا أن نصلّي في هذه الحال على محاملنا أو دوابنا: «يجوز ذلك مع الضرورة الشديدة» «1».

و الاحتجاج بهما لا يتمّ إلّا بثبوت دلالة الجملة الخبرية على الوجوب، و حجية مفهوم الوصف بل اللقب.

و كذا إذا لم يستلزمه، كالصلاة على الدواب المعقولة بحيث يؤمن عن الاضطراب و الحركة، على الأشهر، كما صرّح به بعض من تأخّر «2»، و اختاره في شرح القواعد و الدروس «3»، لعموم بعض ما مرّ.

خلافا للمحكي عن الفاضل «4»، و جماعة «5» فاختاروا الجواز حينئذ، للأصل الخالي عن معارضة ما مرّ من العموم، لاختصاصه بالصورة الأولى بحكم القرينة الحالية من ندرة الثانية.

و لا يخلو من قوة، لما ذكر،

مضافا إلى اختصاص الموثّق بالراكب و صدقه على الثانية محل تأمّل، و الرضوي بالسائر، و الاستلزام معه ظاهر، و غيرهما عن إفادة المنع قاصر.

ثمَّ المستفاد من إطلاق النصوص و الفتاوى عدم الفرق في الفريضة بين اليوميّة و غيرها، و لا بين الواجب بالأصالة و العارض، و به صرّح في المنتهى و التحرير «6»، و حكي عن المبسوط و الذكرى «7»، بل عن الأخير أنه قال: و لا فرق في ذلك بين أن ينذرها راكبا أو مستقرّا، لأنّها بالنذر أعطيت حكم الواجب.

______________________________

(1) التهذيب 3: 231- 600، الوسائل 4: 326 أبواب القبلة ب 14 ح 5.

(2) كصاحب البحار 81: 95.

(3) جامع المقاصد 2: 63، الدروس 1: 161.

(4) نهاية الإحكام 1: 404.

(5) منهم صاحب المدارك 3: 143، و صاحب الرياض 1: 120.

(6) المنتهى 1: 223، التحرير 1: 29.

(7) المبسوط 1: 80، الذكرى: 167.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 457

خلافا للمحكي عن الإسكافي «1»، فجوّز صلاة الآيات على الراحلة اختيارا، لرواية الواسطي: إذا انكسفت الشمس و القمر و أنا راكب لا أقدر على النزول، قال: «صلّ على مركبك الذي أنت عليه» «2».

و المروي في قرب الإسناد: كتبت إليه عليه السلام: كسفت الشمس و القمر و أنا راكب، فكتب إليّ: «صلّ على مركبك الذي أنت عليه» «3».

و الأول مردود بكونه مقيّدا بالاضطرار، و الثاني بالضعف الخالي عن الانجبار.

و لجماعة من المتأخّرين في الواجب بالعارض «4»، خصوصا مع وقوع النذر على تلك الكيفية، للأصل، و عمومات الوفاء بالنذر «5»، و رواية علي: عن رجل جعل للّه تعالى أن يصلّي كذا و كذا، هل يجزئه أن يصلّي ذلك على دابته و هو مسافر؟

قال: «نعم» «6».

و ردّ الأول: بعمومات المنع، و كذا

الثاني بملاحظة كون أدلّة المنع أخص من عمومات النذر، و الثالث: بالضعف مع عمومه بالنسبة إلى حالتي الاختيار و الاضطرار، فيخصّص بالأخيرة، جمعا بين الأدلة.

و يمكن أن يقال: إنّ أدلّة المنع و إن اختصّت بالصلاة و لكن عمومات النذر أيضا تختص بالنذر، فالتعارض بالعموم من وجه الموجب للرجوع إلى الأصل.

______________________________

(1) نقله عنه في المختلف: 118.

(2) الكافي 3: 465 الصلاة ب 95 ح 7، الفقيه 1: 346- 1531، التهذيب 3: 291- 878، الوسائل 7: 502 أبواب صلاة الكسوف و الآيات ب 11 ح 1.

(3) قرب الإسناد: 393- 1377، الوسائل 7: 502 أبواب صلاة الكسوف و الآيات ب 11 ملحق بالحديث 1.

(4) منهم صاحب المدارك 3: 139، و المجلسي في البحار 81: 93.

(5) انظر الوسائل 23: 326 أبواب النذر و العهد ب 25.

(6) التهذيب 3: 231- 596، الوسائل 4: 326 أبواب القبلة ب 14 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 458

مع أنها معارضة مع رواية علي بالعموم من وجه، لكونها مخصوصة بالنذر، فلا دافع للأصل و لا مخصّص لعمومات النذر و لا لرواية علي.

مضافا إلى ما قيل من انصراف الفريضة في أدلّة المنع بحكم التبادر و الشيوع إلى اليومية، و اختصاصها بحكم الاستعمال كثيرا في النصوص بما استفيد وجوبه من الكتاب و السنّة «1»، و إن كانت المقدّمتان محلّي نظر.

و على هذا فالقول بالجواز في المنذور و لو مطلقا في غاية القوّة، سيما مع النذر بهذه الكيفية، لثبوت وجوبه من الكتاب أيضا، بل المنع حينئذ و إيجابها على الأرض لا وجه له.

هذا مع الاختيار، و أمّا في حالة الاضطرار فتجوز الصلاة على الدابة و المحمل إجماعا أيضا، و صرّح به في المعتبر و المنتهى «2»،

و غيرهما «3».

و تدلّ عليه النصوص المستفيضة، منها: كثير ممّا تقدم.

و منها: رواية ابن عذافر: الرجل يكون في وقت الفريضة لا يمكنه الأرض من القيام عليها و لا السجود عليها من كثرة الثلج و الماء و المطر و الوحل، أ يجوز له أن يصلّي الفريضة في المحمل؟ قال: «نعم هو بمنزلة السفينة إن أمكنه قائما و إلّا قاعدا» «4».

و منها: الأخبار الكثيرة المصرّحة بأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلّى الفريضة على الراحلة أو المحمل في يوم مطر و وحل «5».

و لا تضرّ رواية ابن حازم «6»، لعموم المرض فيها بالنسبة إلى الموجب

______________________________

(1) الحدائق 6: 410، الرياض 1: 120.

(2) المعتبر 2: 75، المنتهى 1: 222.

(3) كالخلاف 1: 100، و كشف اللثام 1: 176، و الرياض 1: 121.

(4) التهذيب 3: 232- 603، الوسائل 4: 325 أبواب القبلة ب 14 ح 2.

(5) الوسائل 4: 325 أبواب القبلة ب 14.

(6) المتقدمة في ص 455.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 459

للاضطرار و غيره.

و كما لا تجوز على الراحلة بدون الاضطرار و تجوز معه، كذا لا تجوز بدونه ماشيا، للإجماع، و مفهوم قوله سبحانه فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً «1».

و قوله عليه السلام فيمن يرى حيّة بحياله: «إن كان بينها و بينه خطوة واحدة فليخط و ليقتلها و إلّا فلا» «2».

و قوله: «و ليكن على سكون و وقار» «3» و نحو ذلك.

و تجوز معه، كما صرّح به جماعة «4»، و حكي عن الأصحاب كافة «5»، و عن المنتهى إجماعهم عليه «6»، لبعض الأصول، و كثير من النصوص كصحيحتي يعقوب:

إحداهما: عن الرجل يصلّي على راحلته؟ قال: «يومئ إيماء و ليجعل السجود أخفض من الركوع» قلت: يصلّي و هو

يمشي؟ قال: «نعم يومئ إيماء و يجعل السجود أخفض من الركوع» «7».

و الأخرى: عن الصلاة في السفر و أنا أمشي، قال: «أوم إيماء و اجعل السجود أخفض من الركوع» «8».

______________________________

(1) البقرة: 239.

(2) الفقيه 1: 241- 1072، التهذيب 2: 331- 1364، الوسائل 7: 273 أبواب قواطع الصلاة ب 19 ح 4.

(3) ورد مؤداه في فقه الرضا عليه السلام: 101، و عنه في مستدرك الوسائل 4: 78 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 7.

(4) منهم العلامة في المنتهى 1: 223، و قواعد الأحكام 1: 26، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 67، و صاحب الرياض 1: 121، و صاحب المدارك 3: 141، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 176.

(5) الحدائق 6: 412.

(6) المنتهى 1: 223.

(7) الكافي 3: 440 الصلاة ب 87 ح 7، الوسائل 4: 332 أبواب القبلة ب 15 ح 15.

(8) التهذيب 3: 229- 588، الوسائل 4: 335 أبواب القبلة ب 16 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 460

و صحيحة حريز: إنه عليه السلام لم يكن يرى بأسا أن يصلّي الماشي و هو يمشي و لكن لا يسوق الإبل «1».

و الرضوي: و فيه بعد ما سبق منه: «و تفعل ذلك مثله إذا صلّيت ماشيا إلّا أنك إذا أردت السجود سجدت على الأرض» «2».

و مرسلة المقنعة: عن الرجل يجدّ به السير أ يصلّي على راحلته؟ قال: «لا بأس بذلك يومئ إيماء، و كذلك الماشي إذا اضطرّ إلى الصلاة» «3».

و هذه الروايات و إن كانت عامة بالنسبة إلى الفريضة و النافلة و لكن عمومها يكفي للمطلوب، لعدم جريان أدلّة الاستقرار و التمكن و استيفاء الأجزاء و الشرائط في حال الاضطرار، لانتفاء العسر و الحرج،

فتبقى هذه العمومات خالية عن المعارض.

مع أن التقييد بالاضطرار في الرواية الأخيرة قرينة على إرادة الفريضة، لانتفائه في النافلة إجماعا.

مضافا إلى التعليل في بعض الأخبار المرخّصة للفريضة على الراحلة حال الضرورة بقوله: «فاللّه تعالى أولى بالعذر» «4».

و قد يقال بدلالة الرضوي أيضا على الفريضة خصوصا، و هو سهو ظاهر.

كالاستدلال له بصحيحة عبد الرحمن: عن الرجل يخاف من سبع أو لصّ كيف يصلّي؟ قال: «يكبّر و يومئ رأسه» «5» فإنّه لا دلالة فيها على المشي بوجه، و غايتها الصلاة في حال الخوف من السبع بالإيماء و إن كان واقفا، كما في صحيحة

______________________________

(1) الكافي 3: 441 الصلاة ب 87 ح 9، الفقيه 1: 289- 1318، التهذيب 3: 230- 592، الوسائل 4: 335 أبواب القبلة ب 16 ح 5.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 164، مستدرك الوسائل 3: 192 أبواب القبلة ب 12 ح 1.

(3) المقنعة: 450، الوسائل 4: 336 أبواب القبلة ب 16 ح 7.

(4) التهذيب 3: 232- 603، الوسائل 4: 325 أبواب القبلة ب 14 ح 2.

(5) التهذيب 3: 173- 382، الوسائل 8: 442 أبواب صلاة الخوف و المطاردة ب 3 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 461

علي: عن الرجل يلقى السبع و قد حضرت الصلاة و لا يستطيع المشي مخافة السبع، فإن قام يصلّي خاف في ركوعه و سجوده السبع، و السبع أمامه على غير القبلة، فإن توجّه إلى القبلة خاف أن يثب عليه السبع كيف يصنع؟ قال:

«يستقبل الأسد و يصلّي و يومئ برأسه إيماء و هو قائم و إن كان الأسد على غير القبلة» [1].

و مع إمكان الركوب و المشي تخيّر، لظاهر الآية. و قد يرجّح الأول بالاستقرار الذاتي كالثاني بحصول القيام.

فروع:

أ: هل

يجب تأخير الصلاة راكبا أو ماشيا إلى ضيق الوقت أم تجوز مع السعة؟ صرّح في الشرائع بالأول في الماشي «1».

و يدلّ عليه فيه مرسلة المقنعة المتقدّمة، إذ لا اضطرار إلى الصلاة قبل الضيق، و في الراكب رواية ابن سنان «2»، و الرضوي و فيه: «و ليس لك أن تفعل ذلك إلّا آخر الوقت».

و قد يستدلّ فيهما أيضا بوجوب تحصيل القبلة و سائر الشرائط المتوقّف على التأخير، فيجب من باب المقدّمة.

و فيه- مضافا إلى اختصاصه بما إذا علم رفع المانع مع التأخير-: منع وجوب التحصيل مطلقا، بل المسلّم وجوبه مع الإمكان حال الصلاة.

ب: لا شك في سقوط الاستقبال و لو بتكبيرة الإحرام مع تعذّره، للضرورة، و الإجماع.

______________________________

[1] الكافي 3: 459 الصلاة ب 92 ح 7، الفقيه 1: 294- 1339، التهذيب 3: 300- 915، الوسائل 8: 439 أبواب صلاة الخوف و المطاردة ب 3 ح 2 (و فيه بتفاوت يسير).

______________________________

(1) الشرائع 1: 67.

(2) المتقدمة في ص 455.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 462

و لا في وجوبه في التكبيرة مع المكنة إجماعا، كما صرّح به جماعة «1»، و هو الحجة فيه، مع الرضوي المنجبر بما ذكر: «إذا كنت راكبا و حضرت الصلاة و تخاف أن تنزل مع سبع أو لصّ أو غير ذلك فلتكن صلاتك على ظهر دابتك، و تستقبل القبلة و تومئ إيماء إن أمكنك الوقوف، و إلّا استقبل القبلة بالافتتاح، ثمَّ امض في طريقك التي تريد حيث توجّهت بك دابتك مشرقا و مغربا، و تومئ للركوع و السجود، و يكون السجود أخفض من الركوع، و ليس لك أن تفعل ذلك إلّا آخر الوقت» «2».

و يؤيده الرضوي المتقدّم، و صحيحة زرارة: «الذي يخاف اللصوص و السبع

يصلّي صلاة المواقفة إيماء على دابته [إلى أن قال:] و لا يدور إلى القبلة و لكن أينما دارت دابته، غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه» «3».

و الاحتجاج له: بقوله سبحانه فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ 2: 144 «4» و: «الميسور لا يسقط بالمعسور» «5» غير تام.

و هل يجب في غيرها بقدر الإمكان كما ذكره جماعة «6»، أم لا كما ذكره آخرون «7»؟ الظاهر: الأول إذا أمكن في جميع الصلاة، لأدلّة وجوب الاستقبال فيها. و الثاني إذا لم يمكن ذلك، للأصل، و الصحيحة المذكورة المؤيّدتين بالرضوي.

______________________________

(1) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 176، و صاحب الرياض 1: 121.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 148، مستدرك الوسائل 6: 519 أبواب صلاة الخوف ب 3 ح 2.

(3) الفقيه 1: 295- 1348، التهذيب 3: 173- 383، الوسائل 8: 441 أبواب صلاة الخوف و المطاردة ب 13 ح 8.

(4) البقرة: 144.

(5) العوالي 4: 58- 205.

(6) منهم العلّامة في المنتهى 1: 222، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 176، و صاحب الرياض 1: 121.

(7) كالصدوق في المقنع: 38، و ابن حمزة في الوسيلة: 68.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 463

و صرفهما إلى الغالب من عدم التمكن من الاستقبال فيما عدا التكبيرة للراكب، مردود: بمنع الغلبة في جميع الصلاة و إن سلّمت في المجموع، مع أنّ قوله في الصحيحة: «لا يدور» قرينة على الإمكان، إذ يقبح النهي بدونه.

دليل الأولين: الآية، و نحو قوله: «الميسور لا يسقط بالمعسور» و دلالتهما غير تامة.

و أمّا في حالتي الركوع و السجود و إن أمر في الرضوي بالاستقبال فيهما خاصة، إلّا أنّ ضعفه الخالي عن الجابر يمنع عن الحكم بوجوبه. و لا بأس بالاستحباب، له.

ثمَّ

إنه هل يجب عليه جعل صوب الطريق بدلا عن القبلة لا ينحرف عنه كما عن نهاية الفاضل «1»، لوجوب الاستمرار على جهة واحدة لئلّا يتوزّع فكره، أم لا؟ الظاهر: الثاني، للأصل، و منع ما ادّعاه من الوجوب.

ج: المصلّي راكبا أو ماشيا يومئ للركوع و السجود مع العجز عن فعلهما إجماعا نصّا و فتوى، و يجب جعل السجود أخفض من الركوع، للصحيحين المتقدّمين «2»، و غيرهما.

و أمّا مع عدم العجز عنهما فظاهر إطلاق بعض العبارات كالقواعد و التذكرة «3»، و غيرهما «4»: الإيماء أيضا، للإطلاقات.

و صريح بعض آخر- منهم الشيخ في النهاية و المحقّق الثاني في شرح القواعد «5»- اختصاص الإيماء بصورة العجز، و جعله الثاني من المعلومات.

______________________________

(1) نهاية الاحكام 1: 405.

(2) في ص 459.

(3) القواعد 1: 26، التذكرة 1: 102.

(4) كالتحرير 1: 29.

(5) النهاية: 131، جامع المقاصد 2: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 464

و جعل بعض مشايخنا المحقّقين التعميم مخالفا لفتوى الفقهاء «1».

و هو كذلك، لخصوص الرضوي المتقدّم في صدر المسألة «2» المنجبر بما ذكر، و به تقيّد الإطلاقات، لاختصاصه بالفريضة و حالة الإمكان و عمومها بالنسبة إليهما، مضافا إلى عمومات وجوب الركوع و السجود «3». و هي و إن تعارضت مع الإطلاقات إلّا أنه بالعموم من وجه، لاختصاص العمومات بحالة الإمكان و عموم الإطلاقات بالنسبة إليها و إلى النوافل أيضا، و لا شك أنّ الترجيح للعمومات بموافقة الكتاب و السنّة النبوية و الشهرة رواية و الأكثرية، و لو تكافأتا و تساقطتا، يرجع إلى أصالة الاشتغال اليقينية بنوع ركوع و سجود قطعا، فيجب المجمع عليه، فتأمّل.

د: لو تمكّن الراكب في أثناء الصلاة من النزول، و الماشي من الاستقرار فهل يجبان أم لا؟ فيه

احتمالان، أحوطهما بل أظهرهما: الأول.

ه: تجوز الصلاة على الرفّ أو السرير أو نحوهما المعلّق على النخلتين أو الجدارين أو الدابتين إذا استقر و تمكّن من استيفاء الأفعال، للأصل، و صحيحة علي «4»، و غيرهما.

و: تجوز الصلاة في السفينة مع عدم إمكان الخروج إجماعا، له، و للنصوص المستفيضة «5».

و كذا مع إمكانه وفاقا لنهاية الشيخ «6»، و للمحكي عن الصدوق و ابن حمزة

______________________________

(1) شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) راجع ص 455.

(3) الوسائل 6: 310 أبواب الركوع ب 9.

(4) التهذيب 2: 373- 1553، قرب الإسناد: 184- 686، الوسائل 5: 178 أبواب مكان المصلي ب 35 ح 1.

(5) الوسائل 4: 320 أبواب القبلة ب 13.

(6) النهاية: 132.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 465

و الفاضل و المحقّق الثاني «1»، بل الأكثر، كما صرّح به غير واحد ممّن تأخّر [1].

للأصل، و العمومات.

و صحيحة جميل: أكون في سفينة قريبة من الجدد فأخرج و أصلّي؟ قال:

«صلّ فيها أما ترضى بصلاة نوح» «2».

و صحيحة مفضّل بن صالح: عن الصلاة في الفرات و ما هو أضعف منه من الأنهار في السفينة، فقال: «إن صلّيت فحسن و إن خرجت فحسن» «3» و نحوها مرسلة الفقيه «4».

و المروي في قرب الإسناد: عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في السفينة و هو يقدر على الجدّ؟ قال: «نعم لا بأس» [2].

و مرسلة الصدوق في الهداية: عن الرجل يكون في السفينة و تحضر الصلاة أ يخرج إلى الشط؟ فقال: «أ يرغب عن صلاة نوح؟!» و قال: «صلّ في السفينة قائما، و إن لم يتهيأ لك عن قيام صلّها قاعدا، فإن دارت السفينة فدر معها، و تحرّ القبلة جهدك، فإن عطفت الريح و لم يتهيأ لك أن تدور إلى القبلة

فصلّ إلى صدر السفينة» [3].

و الرضوي، و فيه بعد ذكر كيفية الصلاة في السفينة: «و لا تخرج منها إلى شطّ

______________________________

[1] كالبهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط) و قد صرح السيّد بحر العلوم في الدرة النجفية: 97، بأنه الأشهر.

[2] قرب الإسناد: 216- 849، البحار 81: 93- 5، و الجدّ: شاطئ النهر مجمع البحرين 3: 21.

[3] الهداية: 35 (بتفاوت يسير).

______________________________

(1) المقنع: 37، الوسيلة: 115، التذكرة 1: 104، و المنتهى 1: 223، و القواعد 1: 26، جامع المقاصد 2: 63.

(2) الفقيه 1: 291- 1323، الوسائل 4: 320 أبواب القبلة ب 13 ح 3.

(3) التهذيب 2: 298- 905، الوسائل 4: 322 أبواب القبلة ب 13 ح 11.

(4) الفقيه 1: 292- 1327.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 466

من أجل الصلاة» «1». و غير ذلك.

خلافا للمحكي عن الحلبي و الحلّي «2»، و الذكرى «3»، فمنعوا عنه حينئذ، لوجوب القيام و الاستقرار و سائر الشرائط المنتفية بحركة السفينة غالبا.

و حسنة حمّاد: عن الصلاة في السفينة، فقال: «إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجدد فاخرجوا، فإن لم تقدروا فصلّوا قياما، فإن لم تستطيعوا فصلّوا قعودا و تحرّوا القبلة» «4». و نحوه المروي في قرب الإسناد «5».

و رواية علي بن إبراهيم: عن الصلاة في السفينة، قال: «يصلّي و هو جالس إذا لم يمكنه القيام، و لا يصلّي في السفينة و هو يقدر على الشط» و قال: «يصلّي في السفينة يحوّل وجهه إلى القبلة ثمَّ يصلّي كيف ما دارت» «6».

و أجابوا عن الأخبار المتقدمة: بأنها أعم مطلقا من الخبرين، لأعميتها من السفينة المتحركة و الساكنة و خصوصيتهما بالمتحرّكة، للإجماع على عدم وجوب الخروج مع السكون و عدم الاضطراب.

و فيه: منع أعمية الجميع، لاختصاص الأخيرين منها بالمضطربة،

و ضعفهما منجبر بحكاية الشهرة، مع أن رواية الهداية بنفسها أيضا حجة، بل الظاهر اختصاص صحيحة جميل أيضا بها، لأنّ صلاة نوح إنما هي مع حركة السفينة، و أمّا غير المتحركة منها فكغير السفينة، فهي لحمل الخبرين على الكراهة

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 146، مستدرك الوسائل 3: 188 أبواب القبلة ب 9 ح 6.

(2) كما في الكافي في الفقه: 147، و السرائر 1: 336.

(3) الذكرى: 168.

(4) الكافي 3: 441 الصلاة ب 88 ح 1، التهذيب 3: 170- 374، الاستبصار 1: 454- 1761، الوسائل 4: 323 أبواب القبلة ب 13 ح 14.

(5) قرب الإسناد: 19- 64، الوسائل 4: 323 أبواب القبلة ب 13 ح 14.

(6) التهذيب 3: 170- 375، الاستبصار 1: 455- 1762، الوسائل 4: 321 أبواب القبلة ب 13 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 467

قرينة، بل الأخير منهما لا يفيد أزيد منها البتة.

و أمّا انتفاء ما ينتفي من الشرائط فهو مع النص على الجواز غير ضائر، فيجوز مع الاختيار و إن أوجب فوات القيام و الاستقبال.

و صرّح في شرح القواعد «1» باختصاصه بحال عدم اضطراب السفينة بحيث تنتفي الشرائط و إن كانت متحركة.

و لا وجه له بعد إطلاق النص و الفتاوى، بل صريح بعض كلّ منهما كروايتي الهداية و الرضوي و كلام الشيخ في النهاية «2».

ثمَّ المصلّي في السفينة يجب عليه القيام ما أمكن، فإن لم يمكن فليجلس كما دلّ عليه بعض ما ذكر.

و حسنة حمّاد: «يستقبل القبلة، فإذا دارت و استطاع أن يتوجّه إلى القبلة فليفعل، و إلّا فليصلّ حيث توجهت به» قال: «فإن أمكنه القيام فليصلّ قائما، و إلّا فليقعد ثمَّ ليصلّ» «3».

و مقتضاها وجوب تحرّي القبلة و الإدارة إليها

مع الإمكان، و هو كذلك، لها و لغيرها من المستفيضة.

و لو لم يتمكن من الاستقبال في الجميع، استقبل في التكبيرة خاصة كما في مرسلة الفقيه: عن الصلاة المكتوبة في السفينة و هي تأخذ شرقا و غربا، فقال:

«استقبل القبلة، ثمَّ كبّر، ثمَّ اتبع السفينة و در معها حيث دارت بك» «4».

دلّ جزؤها الأول على وجوب الاستقبال بالتكبيرة فيجب، و لا ينتفي وجوبه بانتفاء وجوب جزئه الأخير بعدم الإمكان.

______________________________

(1) جامع المقاصد 2: 63.

(2) النهاية: 132.

(3) الكافي 3: 441 الصلاة ب 88 ح 2، التهذيب 3: 297- 903، الوسائل 4: 322 أبواب القبلة ب 13 ح 13.

(4) الفقيه 1: 292- 1328، الوسائل 4: 321 أبواب القبلة ب 13 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 468

المسألة السابعة:

تجوز النافلة على الراحلة اختيارا في السفر إجماعا محقّقا، و محكيّا مستفيضا «1»، للصحاح المستفيضة و غيرها «2».

و في الحضر على الأصح الأشهر، كما صرّح به جمع ممّن تأخّر «3»، بل عن الخلاف الإجماع عليه «4»، لعمومات جواز الصلاة مطلقا أو النافلة راكبا، و خصوص صحيحتي البجلي:

إحداهما: في الرجل يصلّي النوافل في الأمصار و هو على دابته حيث توجهت به، فقال: «نعم لا بأس» «5».

و ثانيتهما: عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة إذا خرجت قريبا من أبيات الكوفة أو كنت مستعجلا بالكوفة، فقال: «إن كنت مستعجلا لا تقدر على النزول و تخوّفت فوت ذلك إن تركته و أنت راكب فنعم، و إلّا فإنّ صلاتك على الأرض أحبّ إليّ» «6».

و صحيحة حمّاد: في الرجل يصلّي النافلة على دابته في الأمصار، قال:

«لا بأس» «7».

و كذا ماشيا فيهما، لعدم الفصل بينه و بين الراكب فيهما كما قيل «8»،

______________________________

(1) كالخلاف 1: 299، و

المعتبر 2: 75، و المنتهى 1: 222، و الذكرى: 168، و الرياض 1:

121.

(2) الوسائل 4: 328 أبواب القبلة ب 15.

(3) نسبه في الحدائق 6: 424 إلى الشهرة و في الرياض 1: 121 إلى الشهرة العظيمة.

(4) الخلاف 1: 299.

(5) الكافي 3: 440 الصلاة ب 87 ح 8، التهذيب 3: 230- 591، الوسائل 4: 328 أبواب القبلة ب 15 ح 1.

(6) التهذيب 3: 232- 605، الوسائل 4: 331 أبواب القبلة ب 15 ح 12.

(7) التهذيب 3: 229- 589، الوسائل 4: 330 أبواب القبلة ب 15 ح 10.

(8) شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 469

و لصحيحتي يعقوب و صحيحة حريز، المتقدّمة «1»، و غيرها ممّا يأتي بعضه، و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الماشي في السفر أو الحضر سائرا في الطريق أو دائرا في بيته.

خلافا للحلّي «2»، و المحكي عن العماني «3» فخصّا الجواز بالسفر و فيه على الراحلة، للاقتصار- فيما خالف عمومات لزوم الصلاة إلى القبلة مطلقا و لو كانت نافلة، و أصل توقيفية العبادة- على المجمع عليه و هو السفر، و ظهور بعض الصحاح المرخّصة لها في التقييد به.

ففي صحيحة ابن عمّار: «لا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل في السفر و هو يمشي، و لا بأس إن فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار و هو يمشي، يتوجّه إلى القبلة ثمَّ يمشي و يقرأ، فإذا أراد أن يركع حوّل وجهه إلى القبلة و ركع و سجد ثمَّ مشى» «4».

مؤيّدا بالنصوص الواردة في تفسير قوله سبحانه فَأَيْنَما تُوَلُّوا «5» أنه ورد في النوافل السفرية خاصة «6».

و يردّ- بعد تسليم وجوب الاستقبال في النوافل، فإنّه ممنوع كما مرّ- بمنع وجوب الاقتصار على المجمع عليه، لوجوب

تخصيص العموم بالمخصّص إذا كان حجة، و قد مرّ، و حصول التوقيف به. و منع ظهور الصحيح في التقييد إلّا بمفهوم وصف ضعيف وارد مورد الغالب. و منع دلالة النصوص على التخصيص، إذ غايتها بيان ورود الآية فيه خاصة، و هو لا يستلزم عدم المشروعية

______________________________

(1) في ص 459 و 460.

(2) السرائر 1: 208.

(3) المختلف: 79.

(4) التهذيب 3: 229- 585، الوسائل 4: 334 أبواب القبلة ب 16 ح 1.

(5) البقرة: 115.

(6) الوسائل 4: 328 أبواب القبلة ب 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 470

في غيره، مضافا إلى ما فيها من الضعف سندا.

و الظاهر عدم الخلاف في عدم اشتراط الاستقبال في شي ء من هذه الصور في غير التكبيرة، للأصل، و صحيحتين: الاولى و الأخيرة.

و صحيحة الحلبي: عن صلاة النافلة على البعير و الدابة، فقال: «نعم حيث كان متوجها» قال: فقلت: أستقبل القبلة إذا أردت التكبير؟ قال: «لا و لكن تكبّر حيثما تكون متوجّها» «1».

و رواية الكرخي: إنّي أقدر على أن أتوجّه إلى القبلة في المحمل، قال: «ما هذا الضيق أما لك برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أسوة؟!» «2» إلى غير ذلك.

و هل يتعيّن الاستقبال بالتكبيرة؟ كما عن الحلّي حاكيا له عن جماعة «3»، لصحيحة ابن أبي نجران: عن الصلاة بالليل في السفر في المحمل، قال: «إذا كنت على غير القبلة فاستقبل القبلة ثمَّ كبّر و صلّ حيث ذهب به بعيرك» «4».

أم لا؟ كما عليه آخرون، لإطلاق طائفة من النصوص، و صريح صحيحة الحلبي التي هي كالقرينة على عدم إرادة الوجوب من الأمر، أو معارضة للصحيحة الآمرة، فيرجع إلى الأصل. نعم، يستحب، لذلك.

و يكفي في الركوع و السجود هنا الإيماء مطلقا، لصحيحتي يعقوب المتقدّمتين «5».

و

رواية إبراهيم بن ميمون: «إن صلّيت و أنت تمشي كبّرت ثمَّ مشيت

______________________________

(1) الكافي 3: 440 الصلاة ب 87 ح 5، التهذيب 3: 228- 581، الوسائل 4: 329 أبواب القبلة ب 15 ح 6، 7.

(2) الفقيه 1: 285- 1295، التهذيب 3: 229- 586، الوسائل 4: 329 أبواب القبلة ب 15 ح 2.

(3) السرائر 1: 336.

(4) التهذيب 3: 233- 606، الوسائل 4: 331 أبواب القبلة ب 15 ح 13.

(5) في ص 459.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 471

فقرأت، و إذا أردت أن تركع أومأت بالركوع، ثمَّ أومأت بالسجود» «1».

و موثّقة سماعة: «و ليتطوّع بالليل ما شاء إن كان نازلا، و إن كان راكبا فليصلّ على دابته و هو راكب، و لتكن صلاته إيماء و ليكن رأسه حيث يريد السجود أخفض من ركوعه» «2» و نحو ذلك.

و المستفاد من الأوليين و الأخيرة تعيّن كون الرأس لإيماء السجود أخفض منه لإيماء الركوع، و هو كذلك.

و لا يجب في إيماء السجود وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، للأصل، و الصحيح.

قيل: و لو ركع و سجد مع الإمكان كان أولى «3»، لصحيحة ابن عمّار «4».

و في دلالتها على الزائد على الجواز نظر، للتعليق على الإرادة، و حمل المراد على الأعم من الحقيقة و المجاز و المأمور به على الحقيقة لا وجه له، و مع أن الأمر بالإيماء في المستفيضة «5» كالقرينة على إرادته من الركوع و السجود هنا أيضا.

نعم، لا شك في أولوية الصلاة على الأرض مستقرّا، لصحيحة البجلي، الثانية «6».

و لو انتهى الركوب أو المشي في أثناء الصلاة اضطرارا أو اختيارا، أتمّ الباقي على الأرض مستقرّا مستقبلا راكعا ساجدا، ذكره في المنتهى «7».

و المستقرّ لو أراد الركوب أو

المشي في الأثناء، أتمّها كصلاة الراكب و الماشي، ذكره فيه أيضا، و يمكن استفادتهما من بعض الإطلاقات.

______________________________

(1) التهذيب 3: 229- 587، الوسائل 4: 334 أبواب القبلة ب 16 ح 2.

(2) الكافي 3: 439 الصلاة ب 87 ح 1، الوسائل 4: 331 أبواب القبلة ب 15 ح 14.

(3) كما في الرياض 1: 121.

(4) المتقدمة في ص 469.

(5) الوسائل 4: 328 أبواب القبلة ب 15.

(6) المتقدمة في ص 468.

(7) المنتهى 1: 223.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 472

المسألة الثامنة:

يستحب أداء الصلوات في المساجد استحبابا مؤكّدا بالإجماع، بل الضرورة الدينية، و النصوص المتواترة «1»، إلّا صلاة العيدين فإنه يستحب الإصحار بها في غير مكة كما يأتي.

و يتأكّد من بين المساجد بمزية الفضل و مزيد الاختصاص المساجد المقدّسة الأربعة، ثمَّ المسجد الأعظم، ثمَّ مسجد المحلّة، ثمَّ مسجد السوق، أي ما كان لأهل السوق لا المتصل به، إذ قد يتّصل به المسجد الجامع، ثمَّ سائر المساجد، كما نطقت به الأخبار «2».

و أمّا ما في وصايا النبي صلّى اللّه عليه و آله لأبي ذر كما في أمالي الطوسي: «يا أبا ذر صلاة في مسجدي تعدل مائة ألف صلاة في غيره من المساجد إلّا المسجد الحرام، و صلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره، و أفضل من هذا كلّه صلاة يصلّيها الرجل في بيته حيث لا يراه إلّا اللّه يطلب بها وجه اللّه. يا أبا ذر إن صلاة النافلة تفضل في السرّ على العلانية كفضل الفريضة على النافلة» «3».

فيجب تخصيص قوله: «صلاة يصلّيها الرجل ..» بالنافلة، للإجماع، بل في قوله بعد ذلك: «يا أبا ذر إنّ صلاة النافلة ..» دلالة عليه أيضا.

و لا ينافي ذلك أفضلية الفريضة على

النافلة كما هو المجمع عليه و مدلول هذه الرواية، لأنّ أفضلية شي ء من آخر من جهة لا ينافي أفضلية الآخر من جهة أخرى.

هذا كلّه في الفرائض و للرجال، و أمّا الصلوات المندوبة فهي في البيت أفضل، وفاقا للشرائع و النافع و القواعد و شرحه و الإرشاد و المنتهى «4»، و عن النهاية

______________________________

(1) الوسائل 5: 193 أبواب أحكام المساجد ب 1.

(2) الوسائل 5: 289 أبواب أحكام المساجد ب 64.

(3) أمالي الطوسي: 539، 541، الوسائل 5: 272 أبواب أحكام المساجد ب 52 ح 10.

(4) الشرائع 1: 128، النافع 26، القواعد 1: 29، جامع المقاصد 2: 143، مجمع الفائدة و البرهان 2: 144، المنتهى 1: 244.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 473

و المبسوط و المهذّب و الجامع «1»، و هو المشهور كما صرّح به جماعة «2»، بل في المنتهى:

إنه ذهب إليه علماؤنا «3»، و نحوه عن المعتبر «4».

و يدلّ عليه- بعد ما ذكر من الشهرة المحكية و الإجماع المنقول و رواية الأمالي- النبويّان المنجبران:

أحدهما: «جاء رجال يصلّون بصلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فخرج مغضبا فأمرهم أن يصلّوا النوافل في بيوتهم» «5».

و الآخر أنه قال: «أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلّا المكتوبة» «6».

و لأنه أقرب إلى الخلوص و أبعد من الرياء، مع أن المقتضي لاستحباب الصلاة في المسجد- و هو الجماعة- مفقود هنا.

و عن الكافي «7»، و الشهيد الثاني «8»: رجحان فعلها في المسجد أيضا، و استحسنه في المدارك «9»، للعمومات. و لصحيحتي ابني وهب و عمير:

الاولى: «إن النبي كان يصلّي الليل في المسجد» «10».

و الثانية: إني لأكره الصلاة في مساجدهم، فقال: «لا تكره- إلى أن قال:- فأدّ فيها الفريضة و النوافل» «11».

______________________________

(1) النهاية:

111، المبسوط 1: 162، المهذب 1: 77، الجامع: 103.

(2) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2: 147، و المحقق السبزواري في الكفاية: 17، و العلامة المجلسي في البحار 80: 354.

(3) المنتهى 1: 244.

(4) المعتبر 2: 112.

(5) صحيح مسلم 1: 539- 213، سنن أبي داود 2: 69- 1447.

(6) الجامع الصغير للسيوطي 1: 191- 1276، سنن النسائي 3: 197.

(7) الكافي في الفقه: 152.

(8) حكاه عنه في المدارك 4: 407.

(9) المدارك 4: 407.

(10) التهذيب 2: 334- 1377، الوسائل 4: 269 أبواب المواقيت ب 53 ح 1.

(11) الكافي 3: 370 الصلاة ب 53 ح 14، التهذيب 3: 258- 723، الوسائل 5: 225 أبواب أحكام المساجد ب 21 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 474

و رواية هارون بن خارجة في فضل مسجد الكوفة، و فيها: «إن النافلة فيه لتعدل خمس مائة صلاة» «1».

و في رواية اخرى: «إنها تعدل عمرة» «2».

و يردّ الأول: بأن صلاة الليل كانت واجبة على النبي، مع أن الفعل لا يعارض القول، إذ لعلّه من جهة أخرى.

و الثاني: بأن الأمر فيه ليس على حقيقته، و مجازه يمكن أن يكون الإباحة، بل هو الأظهر بعد توهّم الكراهة حتى قيل: إنها مفاده البتة.

و الأخيرتان: بأنهما لا تدلّان على الأفضلية من البيت، فلعلّه في البيت تعدل أزيد من خمس مائة صلاة و من عمرة كما هو الظاهر من رواية الأمالي.

نعم، تدلّان على أفضلية مسجد الكوفة ممّا لم تثبت فيه هذه الزيادة كسائر المساجد و الصحاري و الأسواق و الخانات و نحوها.

و عن السرائر اختصاص الأفضلية في البيت بصلاة الليل «3».

قيل «4»: و لعلّه لما دلّ على أن الأمير عليه السلام اتّخذ مسجدا في داره فكان إذا

أراد أن يصلّي في آخر الليل يذهب إليه و يصلّي «5».

و فيه: أنه لا يدلّ على انتفاء الأفضلية من غيره، مع أن المتّخذ في البيت مسجدا مسجد أيضا.

______________________________

(1) الكافي 3: 490 الصلاة ب 107 ح 1، التهذيب 3: 250- 688، المحاسن: 56- 86، الوسائل 5: 252، 253 أبواب أحكام المساجد ب 44 ح 3، 4.

(2) التهذيب 6: 32- 60، كامل الزيارات: 28- 3، الوسائل 5: 256 أبواب أحكام المساجد ب 44 ح 14.

(3) السرائر 1: 264 و 280.

(4) كما في الرياض 1: 140.

(5) المحاسن: 612- 30، قرب الإسناد: 161- 586، الوسائل 5: 295 أبواب أحكام المساجد ب 69 ح 3 و 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 475

ثمَّ إن الكلام في رجحان فعل الفريضة أو النافلة من حيث هو هو مع قطع النظر عن الأمور الخارجة، و أما هي فقد تقتضي العكس فيهما كخوف الرياء، أو الاجتناب عن الوسواس، أو اقتداء الناس و نشر الخيرات.

و منه يظهر ما في كلام بعضهم من التفصيل في مسألة ترجيح المسجد أو البيت بضمّ بعض هذه الأمور.

و أمّا النساء فصلاتهنّ مطلقا في بيتهنّ أفضل، و نسبه بعض المتأخّرين إلى فتوى الأصحاب «1»، و في الذخيرة نسبتها إليهم أيضا «2»، لرواية ابن ظبيان: «خير مساجد نسائكم البيوت» «3».

و مرسلة الفقيه: «خير المساجد للنساء البيوت، و صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في صفّتها و صلاتها في صفّتها أفضل من صلاتها في صحن دارها، و صلاتها في صحن دارها أفضل من صلاتها في سطح بيتها، و يكره للمرأة الصلاة في سطح غير محجّر» [1].

و تؤيّده رواية هشام بن سالم: «صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها، و

صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في الدار» «4».

و لا ينافيه تقرير النبي صلّى اللّه عليه و آله حضور هنّ المسجد و الصلاة معه جماعة «5»، لأنّ التقرير لا يفيد الأفضلية.

______________________________

[1] الفقيه 1: 244- 1088، و أورد صدرها في الوسائل 5: 237 أبواب أحكام المساجد ب 30 ح 3، و تمامها في جامع أحاديث الشيعة 4: 454- 1436.

______________________________

(1) كما في مجمع الفائدة 2: 159.

(2) الذخيرة: 246.

(3) التهذيب 3: 252- 694، الوسائل ب 5: 237 أبواب أحكام المساجد ب 30 ح 4.

(4) الفقيه 1: 259- 1178، الوسائل 5: 236 أبواب أحكام المساجد ب 30 ح 1.

(5) الفقيه 1: 259- 1175، علل الشرائع: 344، الوسائل 8: 343 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 476

مع أنه لا يعارض القول، إذ لعلّه لإدراك فضيلة جماعة النبي صلّى اللّه عليه و آله، التي هي أفضل الفضائل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 477

الباب الخامس: في الأذان و الإقامة.
اشارة

و الكلام إمّا في كيفيتهما، أو في المؤذّن، أو ما يؤذّن له و يقام، أو في أحكامهما، ففيه فصول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 478

الفصل الأول: في كيفيتهما
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى:

لا خلاف بين الشيعة في أن الأذان ثمان فقرات: التكبير، ثمَّ الشهادة بالتوحيد، ثمَّ بالرسالة، ثمَّ قول: حيّ على الصلاة، ثمَّ: حيّ على الفلاح، ثمَّ: حيّ على خير العمل، ثمَّ التكبير، ثمَّ التهليل. و الإقامة تسع بزيادة: قد قامت الصلاة قبل التكبير و التهليل الأخيرين.

و على ذلك تواترت الأخبار «1» و تطابقت كلمات علمائنا الأخيار مدّعيا كثير منهم عليه الإجماع «2».

و أمّا رواية الحضرمي و الأسدي: إنه عليه السلام حكي لهما الأذان، فقال:

اللّه أكبر، اللّه أكبر، اللّه أكبر، اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلّا اللّه، أشهد أن لا إله إلّا اللّه، إلى آخر الفقرات المذكورة للأذان، ذكر كلا منها مرّتين، ثمَّ قال:

«و الإقامة كذلك» «3» و نحوها رواية المعلّى «4».

فالمراد منهما المماثلة في هذه الفقرات، و هي لا تنافي اشتمال الإقامة على قول:

قد قامت الصلاة.

و لو سلّمت الدلالة على المماثلة من جميع الوجوه فهي بالعموم الواجب

______________________________

(1) انظر الوسائل 5: 413 أبواب الأذان و الإقامة ب 19.

(2) كابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 557، العلامة في نهاية الاحكام 1: 411، الشهيد في الذكرى: 169.

(3) الفقيه 1: 188- 897، التهذيب 2: 60- 211، الاستبصار 1: 306- 1135، الوسائل 5:

416 أبواب الأذان و الإقامة ب 19 ح 9.

(4) التهذيب 2: 61- 212، الاستبصار 1: 306- 1136، الوسائل 5: 415 أبواب الأذان و الإقامة ب 19 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 479

تخصيصه بالإجماع القطعي و الأخبار:

منها: رواية زرارة و الفضيل في بيان أذان جبرئيل: فقلنا له: كيف أذّن؟

فقال: «اللّه أكبر، اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلّا اللّه، أشهد أن لا إله إلّا اللّه» إلى آخر فصول الأذان، ذكر كلا مرّتين، ثمَّ

قال: «و الإقامة مثلها إلّا أن فيها: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، بين حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل، و بين اللّه أكبر» «1».

و كذا لا خلاف في تكرار ما عدا التهليل الأخير في الإقامة من فقرات الأذان و الإقامة، و عليه توافر أخبار الأئمة و إجماع الطائفة.

و أمّا ما في المعتبر من رواية البزنطي: «الأذان: اللّه أكبر، اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلّا اللّه، أشهد أن لا إله إلّا اللّه» إلى أن قال في آخره: «لا إله إلّا اللّه مرّة» ثمَّ قال: «إذا كنت في أذان الفجر فقل: الصلاة خير من النوم» «2» فهو شاذ مطروح، و على التقية محمول، لأنّ وحدة التهليل في آخر الأذان مذهب العامة كافة، كما في المنتهى و التذكرة «3»، و غيرهما «4».

و تدلّ على التقية فيه ذكر: الصلاة خير من النوم.

و أمّا صحيحة ابن وهب: «الأذان مثنى مثنى و الإقامة واحدة» «5» فالمراد منها أنّ الإقامة وتر لوحدة التهليل في آخرها، لا أنّ كلّ فصل منها واحدة.

و على فرض إرادته فالرواية بالشذوذ مطروحة، و للأكثر منها معارضة.

______________________________

(1) التهذيب 2: 60- 210، الاستبصار 1: 305- 1134، الوسائل 5: 416 أبواب الأذان و الإقامة ب 19 ح 8.

(2) المعتبر 2: 145.

(3) المنتهى 1: 255، التذكرة 1: 104.

(4) كالمعتبر 2: 140.

(5) التهذيب 2: 61- 214، الاستبصار 1: 307- 1138، الوسائل 5: 424 أبواب الأذان و الإقامة ب 21 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 480

و به يجاب عن صحيحة ابن سنان: «الإقامة مرّة مرّة إلّا قول: اللّه أكبر فإنه مرّتان» «1».

مع أنها عامة بالنسبة إلى المسافر و ذوي الحاجة و غيرهما، فتحمل على أحد الأوّلين،

لجواز التوحيد له، كما يأتي.

و لا في أنّ تكرير غير التكبيرات من الفقرات مرّتان لا أزيد، و به صرّحت الروايات و تطابقت العبارات أيضا.

و لا في أنّ تكرر التكبير في أول الأذان أربع مرّات، و في المنتهى: ذهب إليه علماؤنا أجمع «2». و في الناصريّات: إنه إجماع الفرقة المحقّة «3». و عن المعتبر و الغنية و الخلاف «4»: الإجماع على كون الأذان ثمانية عشر فصلا بتربيع التكبير في أوله.

و ما نسبه بعض المعاصرين «5» إلى النهاية من كون الفضل في التربيع و إن جاز الأقلّ، فلم نعثر عليه فيها، بل صرّح فيها بخلافه «6»، فالإجماع حجة في المقام.

و تدلّ عليه من الأخبار الروايتان الأوليان، و صحيحة زرارة: «تفتح الأذان بأربع تكبيرات، و تختمه بتكبيرتين و تهليلتين» «7».

و مرسلة الفقيه المتضمّنة لما ذكره الفضل من العلل عن الرضا عليه السلام، و فيها: «و إنّما جعل- أي الأذان- مثنى مثنى ليكون تكرارا في آذان المستمعين

______________________________

(1) التهذيب 2: 61- 215، الاستبصار 1: 307- 1139، الوسائل 5: 425 أبواب الأذان و الإقامة ب 21 ح 3.

(2) المنتهى 1: 254.

(3) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 192.

(4) المعتبر 2: 139، الغنية (الجوامع الفقهية): 557، الخلاف 1: 278.

(5) كصاحب الرياض 1: 149.

(6) النهاية: 69.

(7) الكافي 3: 303 الصلاة ب 18 ح 5، التهذيب 1: 61- 213، الاستبصار 1: 309- 1148، الوسائل 5: 413 أبواب الأذان و الإقامة ب 19 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 481

- إلى أن قال-: فلذلك جعل الأذان مثنى مثنى، و جعل التكبير في أول الأذان أربعا، لأنّ أول الأذان إنّما يبدو غفلة» «1» الحديث.

و الرضوي: «الأذان ثماني عشرة كلمة، و الإقامة تسع عشرة كلمة، و الأذان

أن يقول: اللّه أكبر، اللّه أكبر، اللّه أكبر، اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلّا اللّه، أشهد أن لا إله إلّا اللّه- إلى آخر الأذان- إلى أن قال:- و الإقامة أن يقول: اللّه أكبر، اللّه أكبر، اللّه أكبر اللّه أكبر- إلى أن قال:- لا إله إلّا اللّه مرّة واحدة» [1].

و موثّقة الجعفي المعيّنة للعدد المثبتة للمطلوب بالإجماع المركّب: «الأذان و الإقامة خمسة و ثلاثون حرفا» فعدّ ذلك بيده واحدا واحدا، الأذان ثمانية عشر حرفا، و الإقامة سبعة عشر حرفا «2».

و لا تنافيها الأخبار المصرّحة بأنّ الأذان، أو مع الإقامة مثنى مثنى، كصحيحة الجمّال «3»، و رواية أبي همام «4»، و الدعائم «5» فيهما، و صحيحة ابن وهب في الأذان: «أنّه مثنى مثنى و الإقامة واحدة» «6»، إذ لم يثبت أنّ معنى: «مثنى» مرّتين، بل فسّره بعض اللغويين بالمكرر.

______________________________

[1] فقه الرضا عليه السلام: 96 و في المصدر الموجود بأيدينا: سبع عشرة، بدل، تسع عشرة، و ذكر فيه تكبيران في أول الإقامة بدل أربع تكبيرات، و كذا عنه في المستدرك 4: 40 أبواب الأذان و الإقامة ب 18 ح 1، و لكن في الحدائق 7: 4 عن فقه الرضا كما في المتن، و في البحار 81: 149:

تسع عشرة، و ذكر فيه تكبيران في أول الإقامة.

______________________________

(1) الفقيه 1: 195- 915، الوسائل 5: 418 أبواب الأذان و الإقامة ب 19 ح 14.

(2) الكافي 3: 302 الصلاة ب 18 ح 3، التهذيب 2: 59- 208، الاستبصار 1: 305- 1132، الوسائل 5: 413 أبواب الأذان و الإقامة ب 19 ح 1.

(3) الكافي 3: 303 الصلاة ب 18 ح 4، التهذيب 2: 62- 217، الاستبصار 1: 307- 1141، الوسائل 5: 414 أبواب

الأذان و الإقامة ب 19 ح 4.

(4) التهذيب 2: 280- 1111، الوسائل 5: 423 أبواب الأذان و الإقامة ب 20 ح 1.

(5) دعائم الإسلام 1: 144، مستدرك الوسائل 4: 41 أبواب الأذان و الإقامة ب 18 ح 1.

(6) التهذيب 2: 61- 214، الاستبصار 1: 307- 1138، الوسائل 5: 424 أبواب الأذان و الإقامة ب 21 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 482

ففي القاموس: ثنى الشي ء: ردّ بعضه على بعض، و مثنى الأيادي: إعادة المعروف مرّتين أو أكثر «1».

و في الصحاح: ثنيت الشي ء، أي: عطفته «2».

و لذا ترى الرضوي بعد أن عدّ فصول الأذان و الإقامة و جعل التكبير في أولهما أربعا قال: «الأذان و الإقامة جميعا مثنى مثنى على ما وصفت لك».

و مرسلة الفقيه المتقدّمة حيث قال: «الأذان مثنى مثنى» ثمَّ صرّح بكون التكبير أربعا. و لو سلّم إرادة التكرار مرّتين فيكون لبيان أغلب الفصول، أو ردّا على ابن الخطّاب حيث جعله واحدة واحدة، و مع قطع النظر عن ذلك كلّه فالإجماع يردّها.

و به يجاب عمّا دلّ على تثنية التكبير في أوله، كصحيحة ابن سنان: عن الأذان، [فقال:] «تقول: اللّه أكبر، اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلّا اللّه، أشهد أن لا إله إلّا اللّه» إلى آخر الأذان [1] و نحوها رواية زرارة و الفضيل «3»، فإنها شاذّة و للإجماع مخالفة، فعن عرصة الحجية خارجة، مع احتمال كون المقصود إفهام السائل فقرات الأذان لا بيان تمام عدده كما ذكره الشيخ «4»، و إن بعد.

و إنّما الخلاف في التكبير في آخر الأذان، و أول الإقامة، و آخرها، و التهليل في آخر الإقامة.

______________________________

[1] التهذيب 2: 59- 209، الاستبصار 1: 305- 1133، الوسائل 5: 414 أبواب

الأذان و الإقامة ب 19 ح 5، و ما بين المعقوفين من المصادر.

______________________________

(1) القاموس المحيط 4: 310 و 311.

(2) الصحاح 6: 2294.

(3) المتقدمة في ص 479.

(4) الاستبصار 1: 307.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 483

أمّا الثلاثة الأولى: فالمشهور فيها التثنية، و تدلّ عليه الأخبار المستفيضة «1».

و جوّز الشيخ في النهاية التربيع في كلّ منها مضيفا له إلى الرواية «2».

و نسب التربيع في الثانيين في التذكرة إلى ورود استحبابه عندنا «3»، فهما روايتان مرسلتان.

و صرّح بالتربيع في الثاني الرضوي، و جعل فصول الإقامة تسعة عشر.

و عن الخلاف و المبسوط حكايته عن بعض أصحابنا «4».

فإن أريد استحباب ذلك في الأذان و الإقامة كما صرّح في التذكرة، فلا بأس به، للتسامح في دليله.

و إن أريد غيره، فمردود بضعف المستند، و معارضته مع أصح منه بحسب السند و أكثر في العدد.

و أمّا الأخيرة: فالأكثر على التوحيد فيه، و في المنتهى: إنه ذهب إليه علماؤنا أجمع «5»، و عن الخلاف و الغنية و المعتبر: الإجماع عليه «6».

و يدلّ عليه من الروايات: موثّقة الجعفي بالضميمة المتقدّمة.

و رواية الدعائم: «الأذان و الإقامة مثنى مثنى، و يفرد التهليل في آخر الإقامة» «7».

و الرضوي: «لا إله إلّا اللّه مرّتين في آخر الأذان، و في آخر الإقامة مرّة واحدة» «8».

______________________________

(1) انظر الوسائل 5: 424 أبواب الأذان و الإقامة ب 21.

(2) النهاية: 69.

(3) التذكرة 1: 105.

(4) الخلاف 1: 279، المبسوط 1: 99.

(5) المنتهى 1: 255.

(6) الخلاف 1: 280، الغنية (الجوامع الفقهية): 557، المعتبر 2: 140.

(7) دعائم الإسلام 1: 144، مستدرك الوسائل 4: 41 أبواب الأذان و الإقامة ب 18 ح 4.

(8) فقه الرضا عليه السلام: 96، مستدرك الوسائل 4: 40 أبواب الأذان و الإقامة ب

18 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 484

و ضعفهما بما مرّ منجبر.

بل تدلّ عليه أيضا صحيحة ابن وهب، المتقدّمة، و صحيحة ابن سنان:

«الإقامة مرّة مرّة إلّا قول: اللّه أكبر، فإنّه مرّتان» «1» خرج منهما غير التهليل بالدليل و بقي هو.

و عن الخلاف و المبسوط: جعل بعضهم فصول الإقامة كالأذان «2»، فيكون التهليل فيها مرّتين.

و جوّزه في النهاية أيضا «3».

و عن الإسكافي تكريره مع انفراد الإقامة عن الأذان «4».

و لعلّ مستند الأولين ما دلّ على أنّ الإقامة مثنى مثنى، و على أنّ الإقامة مثل الأذان.

و يجاب عنهما بوجوب تخصيصهما بغير التهليل، لما مرّ.

مضافا إلى أنه قد عرفت إمكان إرادة مطلق التكرار من الأثناء، فيراد به تكرير كلمة التوحيد المقول أولا مع الشهادة.

و لذا ترى السيد في الناصريّات بعد ما قال: الأذان كالإقامة مثنى مثنى، و نسبه إلى أصحابنا قال: و يأتي بجميع الإقامة وترا، لأنها سبع عشرة كلمة و ذلك وتر «5».

و ممّا ذكر هنا و سبق في معنى مثنى مثنى يعلم عدم مخالفة الصدوق في أماليه

______________________________

(1) التهذيب 2: 61- 215، الاستبصار 1: 307- 1139، الوسائل 5: 425 أبواب الأذان و الإقامة ب 21 ح 3.

(2) الخلاف 1: 279، المبسوط 1: 99.

(3) النهاية: 69.

(4) حكاه عنه في المختلف: 90.

(5) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 192.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 485

في شي ء ممّا ذكر بقوله: من دين الإماميّة أنّ الأذان و الإقامة مثنى مثنى «1».

و أمّا الأخير: فلم أعثر له على مستند تام.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 4    485     المسألة الاولى: ..... ص : 478

فروع:

أ: يجوز توحيد كلّ فصل منهما في السفر و عند الحاجة و الاستعجال.

أمّا الأول فنسبه في الذخيرة

إلى الأصحاب «2»، و تدلّ عليه صحيحة ابن وهب: «الأذان يقصّر في السفر كما يقصّر الصلاة، الأذان واحدا واحدا، و الإقامة واحدة واحدة» [1].

و رواية نعمان الرازي: «يجزئك من الإقامة طاق طاق في السفر» «3».

و أمّا الثاني فذكره جملة من الأصحاب أيضا «4»، و تدلّ عليه صحيحة الحذاء: رأيت أبا جعفر عليه السلام يكبّر واحدة واحدة في الأذان، فقلت له: لم تكبّر واحدة واحدة؟ فقال: «لا بأس به إذا كنت مستعجلا» «5».

و على أحدهما تحمل صحيحة ابن سنان، المتقدّمة، كما مرّ.

و الإتيان بالإقامة وحدها في الصورتين تامة أفضل من إفراد فصولهما، كما نصّ عليه مرسلة يزيد مولى الحكم: «لأن أقيم مثنى مثنى أحب إليّ من أن أؤذن و أقيم واحدا واحدا» «6».

______________________________

[1] التهذيب 2: 62- 219، الاستبصار 1: 308- 1143، الوسائل 5: 424 أبواب الأذان و الإقامة ب 21 ح 2، و في المصادر: بريد بن معاوية.

______________________________

(1) أمالي الصدوق: 511.

(2) الذخيرة: 254.

(3) التهذيب 2: 62- 220، الاستبصار 1: 308- 1144، الوسائل 5: 425 أبواب الأذان و الإقامة ب 21 ح 5.

(4) منهم المحقق في المعتبر 2: 140، العلامة في التذكرة 1: 105، المنتهى 1: 255.

(5) التهذيب 2: 62- 216، الاستبصار 1: 307- 1140، الوسائل 5: 425 أبواب الأذان و الإقامة ب 21 ح 4.

(6) التهذيب 2: 62- 218، الاستبصار 1: 308- 1142، الوسائل 5: 423 أبواب الأذان و الإقامة ب 20 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 486

ب: صرّح جماعة- منهم الصدوق «1»، و الشيخ في المبسوط «2»- بأنّ الشهادة بالولاية ليست من أجزاء الأذان و الإقامة الواجبة و لا المستحبة.

و كرهها بعضهم مع عدم اعتقاد مشروعيتها للأذان و حرّمها معه «3» و

منهم من حرّمها مطلقا، لخلوّ كيفيتهما المنقولة «4».

و صرّح في المبسوط بعدم الإثم و إن لم يكن من الأجزاء [1]، و مفاده الجواز.

و نفى المحدّث المجلسي في البحار البعد عن كونها من الأجزاء المستحبة للأذان «5».

و استحسنه بعض من تأخّر عنه [2].

أقول: أمّا القول بالتحريم مطلقا فهو ممّا لا وجه له أصلا، و الأصل ينفيه، و عمومات الحثّ على الشهادة بها تردّه.

و ليس من كيفيتهما اشتراط التوالي و عدم الفصل بين فصولهما حتى يخالفها الشهادة، كيف؟! و لا يحرم الكلام اللغو بينها فضلا عن الحق.

و توهّم الجاهل الجزئية غير صالح لإثبات الحرمة كما في سائر ما يتخلّل بينها من الدعاء، بل التقصير على الجاهل حيث لم يتعلّم.

بل و كذا التحريم مع اعتقاد المشروعية، إذ لا يتصوّر اعتقاد إلّا مع دليل،

______________________________

[1] المبسوط 1: 99، و فيه التصريح بأنه لو فعله الإنسان يأثم به، و لكن الظاهر أن الصحيح: لم يأثم به بقرينة ما بعده، و قال في البحار 81: 111 نقلا عن المبسوط: و لو فعله الإنسان لم يأثم به.

[2] كصاحب الحدائق 7: 404 حيث قال بعد نقل ما قاله المجلسي في البحار: و هو جيد.

______________________________

(1) الفقيه 1: 189.

(2) المبسوط 1: 99.

(3) مفاتيح الشرائع 1: 118.

(4) الذخيرة: 254.

(5) البحار 81: 111.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 487

و معه لا إثم، إذ لا تكليف فوق العلم، و لو سلّم تحقّق الاعتقاد و حرمته فلا يوجب حرمة القول و لا يكون ذلك القول تشريعا و بدعة كما حقّقنا في موضعه.

و أمّا القول بكراهتها: فإن أريد بخصوصها، فلا وجه لها أيضا.

و إن أريد من حيث دخولها في التكلّم المنهي عنه في خلالهما، فلها وجه لو لا المعارض، و

لكن تعارضه عمومات الحثّ على الشهادة مطلقا، و الأمر بها بعد ذكر التوحيد و الرسالة بخصوصه كما في المقام، رواه في الاحتجاج عن الصادق عليه السلام: قال: «فإذا قال أحدكم: لا إله إلّا اللّه، محمّد رسول اللّه، فليقل: عليّ أمير المؤمنين عليه السلام» «1» بالعموم من وجه، فيبقى أصل الإباحة سليما عن المزيل، بل الظاهر من شهادة الشيخ و الفاضل و الشهيد [1]- كما صرّح به في البحار «2»- ورود الأخبار بها في الأذان بخصوصه أيضا.

قال في المبسوط: و أمّا قول: أشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين عليه السلام، على ما ورد في شواذّ الأخبار فليس بمعمول عليه.

و قال في النهاية قريبا من ذلك.

و على هذا فلا بعد في القول باستحبابها فيه، للتسامح في أدلّته. و شذوذ أخبارها لا يمنع عن إثبات السنن بها، كيف؟! و تراهم كثيرا يجيبون عن الأخبار بالشذوذ، فيحملونها على الاستحباب.

ج: يشترط الترتيب بين الأذان و الإقامة و بين فصول كلّ منهما، للإجماع، و توقيفية العبادة، و النصوص المستفيضة.

كصحيحة زرارة: «من سها في الأذان فقدّم و أخّر أعاد على الأول الذي

______________________________

[1] الشيخ في النهاية: 69، المبسوط 1: 99، الفاضل في المنتهى 1: 255، الشهيد حيث نسبه إلى الشيخ في الذكرى: 170، البيان: 144.

______________________________

(1) الاحتجاج: 158.

(2) البحار 81: 111.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 488

أخّره [حتى ] يمضي على آخره» [1].

و مرسله الفقيه: «تابع بين الوضوء، و كذلك الأذان و الإقامة و ابدأ بالأول فالأول، فإن قلت: حيّ على الصلاة قبل الشهادتين تشهّدت ثمَّ قلت: حي على الصلاة» «1».

و موثّقة الساباطي: عن الرجل نسي من الأذان حرفا فذكره حين فرغ من الأذان و الإقامة، قال: «يرجع إلى الحرف الذي نسيه فليقله و ليقل

من ذلك الحرف إلى آخره، و لا يعيد الأذان كلّه و لا الإقامة» «2».

و المستفاد من هذه الرواية: أنه يعيد ما يوجب تحصيل الترتيب في الأذان لو دخل في الإقامة، بل فرغ منها أيضا، و لا يعيد الإقامة، و هو و إن كان مخالفا لمقتضى الترتيب بين الأذان و الإقامة إلّا أنّ النص جوّزه، فهو إمّا من قبيل قضاء تتمّة الأذان، أو من باب الرخصة.

كما أنّ مقتضى موثّقة الأخرى: «إن نسي الرجل حرفا من الأذان حتى يأخذ في الإقامة فليمض في الإقامة و ليس عليه شي ء، فإن نسي حرفا من الإقامة عاد إلى الحرف الذي نسيه، ثمَّ يقول من ذلك الموضع إلى آخر الإقامة» «3» أيضا رخصة اخرى، فيكون الناسي لحرف من الأذان الداخل في الإقامة مخيّرا بين المضي و الرجوع إلى الموضع المنسي.

د: لو شك في شي ء من فصولهما أو عدده، أتى بما شكّ فيه إن لم ينتقل عن محلّه، للأصل، و الإجماع، و مفهوم الشرط في ذيل صحيحة زرارة: رجل شكّ في الأذان و قد دخل في الإقامة، قال: «يمضي» قلت: رجل شك في الأذان و الإقامة

______________________________

[1] الكافي 3: 305 الصلاة ب 18 ح 15، التهذيب 2: 280- 1115، الوسائل 5: 441 أبواب الأذان و الإقامة ب 33 ح 1. و ما بين المعقوفين من المصادر.

______________________________

(1) الفقيه 1: 28- 89، الوسائل 5: 442 أبواب الأذان و الإقامة ب 33 ح 3.

(2) الفقيه 1: 187- 894، الوسائل 5: 442 أبواب الأذان و الإقامة ب 33 ح 4.

(3) التهذيب 2: 280- 1114، الوسائل 5: 442 أبواب الأذان و الإقامة ب 33 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 489

ثمَّ كبّر، قال: «يمضي ..» ثمَّ

قال: «يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثمَّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ء» «1».

و إن انتقل عنه فلا يلتفت إلى الشك و يبني على أنه أتى به، لمنطوقه، و صدرها، و موثّقة محمّد: «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو» «2».

و في الصحيح: «كل شي ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه» «3».

و المستفاد من هذه الأخبار أنّ الانتقال من محل كلّ فعل الدخول في غيره، فلو شكّ في شي ء من الأذان أو الإقامة بعد الدخول في الصلاة أو فعل آخر قبلها، لم يلتفت إليه.

و كذا لو شكّ في شي ء من الأذان بعد الدخول في الإقامة، أو في شي ء من فصول أحدهما من إعراب أو عدد بعد الدخول في فصل آخر.

بل و كذا لو شك في أصل الفصل بعد الدخول في غيره، أو في نفس الأذان بعد الدخول في الإقامة، كما صرّح به بعض مشايخنا المحقّقين «4»، و إن كان في صدق الخروج منه كما في الصحيحة الأولى، أو المضي كما في الثانية، أو تجاوزه كما في الصحيحة الأخيرة محلّ نظر، إذ لا خروج و لا مضيّ و لا تجاوز عن شي ء إلّا مع العلم بالدخول فيه، فلا يصدق إلّا إذا شكّ في جزء ممّا قد خرج عنه، و لكن المستفاد من مورد الأحاديث- حيث ذكر فيها الشك في الركوع بعد الدخول في السجود و نحو ذلك- أنّ المراد الخروج و المضي و التجاوز عن موضعه، فتأمّل.

المسألة الثانية:

يستحب في الأذان و الإقامة أمور:

______________________________

(1) التهذيب 2: 352- 1459، الوسائل 8: 237 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 1.

(2) التهذيب 2: 344- 1426، الوسائل 8: 237 أبواب

الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 3.

(3) التهذيب 2: 153- 602، الاستبصار 1: 358- 1359، الوسائل 6: 369 أبواب السجود ب 15 ح 4.

(4) شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 490

منها: جزم أواخر فصولهما و إسكانها بترك الإعراب إجماعا محقّقا و محكيّا عن المعتبر و المنتهى و الذكرى و روض الجنان و المدارك «1»، و غيرها «2»، له، و لمرسلة خالد: «الأذان و الإقامة مجزومان».

و في خبر آخر: «موقوفان» «3».

و في روايته: «التكبير جزم في الأذان مع الإفصاح بالهاء و الألف» «4».

و في حسنة زرارة: «الأذان جزم بإفصاح الألف و الهاء، و الإقامة حدر» «5».

و الجزم هو الإسكان، ذكره في النهاية الأثيرية «6».

و في الصحاح: و منه جزم الحرف و هو في الإعراب كالسكون في البناء «7».

و في القاموس: جزم الحرف أسكنه «8».

و هو المراد بالوقف هنا في كلام الأصحاب كما فسّروه به.

قال الشيخ في النهاية: الأذان و الإقامة موقوفان لا يبيّن فيهما الإعراب «9».

و في السرائر: لا يعرب أواخر الكلم، بل تكون موقوفة بغير إعراب «10».

و في المنتهى: و يستحب الوقوف في فصولهما لا يظهر في أواخرها الإعراب «11».

______________________________

(1) المعتبر 2: 141، المنتهى 1: 256، الذكرى: 170، روض الجنان: 244، المدارك 3: 284.

(2) كالحدائق 7: 408.

(3) الفقيه 1: 184- 874، الوسائل 5: 409 أبواب الأذان و الإقامة ب 15 ح 4، 5.

(4) الفقيه 1: 184- 871، التهذيب 2: 58- 204، الوسائل 5: 408 أبواب الأذان و الإقامة ب 15 ح 3.

(5) التهذيب 2: 58- 203، الوسائل 5: 408 أبواب الأذان و الإقامة ب 15 ح 2.

(6) النهاية الأثيرية 1: 270.

(7) الصحاح 5: 1887.

(8) القاموس المحيط 4: 91.

(9) النهاية: 67.

(10) السرائر

1: 213.

(11) المنتهى 1: 256.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 491

و في شرح القواعد: و يراعى في الإقامة مع الحدر ترك الإعراب و الوقوف على فصولها فيكره الإعراب فيها «1».

و في شرح الإرشاد للأردبيلي: و الوقف هنا بمعنى إسكان أواخر الفصول على ما قالوه «2».

و قال بعض مشايخنا: و السنّة الوقوف على فصوله بترك الإعراب من أواخرها إجماعا «3».

و أمّا الوقف بمعنى قطع النفس و السكوت فلا دليل على استحبابه، لأنّ الإجماع بل الشهرة لم يثبت إلّا على الإسكان كما عرفت، و الخبر يتضمّن الجزم.

و أمّا قوله في خبر آخر: «موقوفان» فهو غير دالّ على استحباب السكوت أو قطع النفس، لعدم كون الوقف- سيما إذا نسب إلى الحرف و يقال إنّه موقوف- في ذلك المعنى.

و أمّا اشتراطه مع ترك الحركة فلا دليل عليه أيضا، كما يأتي في بحث القراءة، و إنّما هو شي ء ذكره (بعض) [1] القرّاء، و لذا قال في شرح الإرشاد: و في الخبر إشارة إلى جواز الوقف بمجرد [حذف ] الحركة، و يشترط القرّاء السكوت مع قطع النفس [2] انتهى.

و لا حجية في قولهم أصلا.

و قال في الروضة: و لو ترك الوقف أصلا فالتسكين أولى من الإعراب «4».

______________________________

[1] ليس في «ق».

[2] مجمع الفائدة و البرهان 2: 172. و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) جامع المقاصد 2: 184.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 2: 172.

(3) الرياض 1: 150.

(4) الروضة 1: 247.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 492

و في روض الجنان: و لو ترك الوقف أصلا، سكن أواخر الفصول أيضا «1».

و منها: التأنّي في الأذان و الإسراع في الإقامة بالإجماع، حكاه في المنتهى «2»، و غيره «3»، و هو الدليل عليه.

مضافا إلى الخبر: «الأذان

ترتيل و الإقامة حدر» «4».

و الترتيل و إن فسّر بمعنى آخر أيضا إلّا أنّ مقابلته مع الحدر الذي هو الإسراع تدلّ على إرادة التأني منه.

و في صحيحة ابن وهب: «و احدر بإقامتك جدّا» [1].

و منها: الإفصاح بالألف و الهاء، للروايتين المتقدّمتين.

و لصحيحة زرارة: «إذا أذّنت فأفصح بالألف و الهاء» «5».

و الأخرى: «و أفصح بالألف و الهاء» «6».

و المراد بالإفصاح التبيين و الإظهار.

و الظاهر أنّ المراد بالألف و الهاء- كما صرّح به في البحار «7»، و بعض آخر «8»- كلّ ألف و همزة و هاء، لإطلاق الأخبار.

و تخصيصهما بالذكر، لأن كثيرا من المؤذّنين لا يظهرون الهمزات و لا الهاءات

______________________________

[1] الفقيه 1: 185- 876، الوسائل 5: 428 أبواب الأذان و الإقامة ب 24 ح 1. و في المصدر: حدرا بدل جدا.

______________________________

(1) روض الجنان: 244.

(2) المنتهى 1: 256.

(3) كالمعتبر 2: 141.

(4) الكافي 3: 306 الصلاة ب 18 ح 26، التهذيب 2: 65- 232، الوسائل 5: 429 أبواب الأذان و الإقامة ب 24 ح 3.

(5) الكافي 3: 303 الصلاة ب 18 ح 7، الوسائل 5: 408 أبواب الأذان و الإقامة ب 15 ح 1.

(6) الفقيه 1: 184- 875، الوسائل 5: 409 أبواب الأذان و الإقامة ب 15 ح 6.

(7) البحار 81: 159.

(8) كالفيض في مفاتيح الشرائع 1: 117.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 493

سيّما الاولى في الأوائل و الأخيرة في الأواخر.

و التخصيص بهاء: «إله» كما عن الحلّي «1»، أو في لفظي: «اللّه و الصلاة» كما عن المنتهى «2»، أو ألف: «اللّه» الأخيرة غير المكتوبة، و هاء آخر الشهادتين، و الألف و الهاء في: «الصلاة» كما عن الذكرى «3»، لا وجه له، و إدغام كثير من الناس أو إدراجهم

في البعض جار في البواقي أيضا.

و نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله عن أذان من يدغم الهاء في الشهادتين «4»، لا يفيد التخصيص.

و الأخبار و إن كانت مخصوصة بالأذان و لكن تعدّى بعضهم إلى الإقامة أيضا «5»، إمّا لإرادتهما منه، أو لجريان العلّة.

و منها: الفصل بين الأذان و الإقامة إجماعا فتوى و نصّا، إمّا بركعتين أو سجدة أو جلسة أو خطوة أو سكتة أو تسبيحة أو كلام أو تحميد، على المشهور بين الأصحاب في غير الأخير [1].

و عن المعتبر و في المنتهى و التذكرة «6»: الإجماع عليه، و لكن في الأول على أحد الأولين في غير المغرب و على الرابع و الخامس فيه، و في الثاني على أحد الأربعة الاولى في غيره و على الرابع أو الخامس أو السادس فيه، و في الثالث على أحد الخمسة الاولى في غيره و على أحد الثلاثة المتعقبة للثالث فيه مع تخصيص الركعتين بالظهرين.

______________________________

[1] و أما ما قبل الأخير فقد صرّح بعض المتأخّرين في شرحه على المفاتيح كونه مشهورا أيضا. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) السرائر 1: 214.

(2) المنتهى 1: 256.

(3) الذكرى: 170.

(4) المنتهى 1: 259، البحار 81: 159.

(5) انظر الوسائل 5: 408 أبواب الأذان و الإقامة ب 15 و كذا الدرة النجفية: 111.

(6) المعتبر 2: 142، المنتهى 1: 256، التذكرة 1: 106.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 494

و بالأخير بملاحظة التسامح في أدلّة الاستحباب، و عدم استلزام عدم الذكر لذكر العدم [1] يظهر وجه الحكم في الخمسة في غير المغرب و الثلاثة فيه.

مضافا في الأول إلى صحيحة الجعفري: «فرّق بين الأذان و الإقامة بجلوس أو ركعتين» «1».

و مقتضى إطلاقها- كالفتاوى- استحباب الفصل بالركعتين و لو بغير الرواتب

في أوقات الفرائض.

و عن البعض التخصيص بالرواتب في أوقاتها «2»، لظواهر جملة من النصوص، كصحيحة ابن سنان: «السنّة أن ينادى مع طلوع الفجر، و لا يكون بين الأذان و الإقامة إلّا الركعتان» «3».

و البزنطي: «القعود بين الأذان و الإقامة في الصلوات كلّها إذا لم تكن قبل الإقامة صلاة يصلّيها» «4».

و أبي علي: «يؤذّن للظهر على ستّ ركعات و يؤذّن للعصر على ستّ ركعات بعد الظهر» «5».

و المروي في أمالي الطوسي: «و من السنّة أن يتنفّل بركعتين بين الأذان و الإقامة في صلاة الظهر و العصر» «6».

و في الدعائم: «لا بدّ من فصل بين الأذان و الإقامة بصلاة أو بغير ذلك،

______________________________

[1] إشارة إلى أن عدم ذكر البعض في بعض الإجماعات المنقولة غير ضائر. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) التهذيب 2: 64- 227، الوسائل 5: 397 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 2.

(2) كما في الحدائق 7: 414.

(3) التهذيب 2: 53- 177، الوسائل 5: 390 أبواب الأذان و الإقامة ب 8 ح 7.

(4) الكافي 3: 306 الصلاة ب 18 ح 24، التهذيب 2: 64- 228، الوسائل 5: 448 أبواب الأذان و الإقامة ب 39 ح 3.

(5) التهذيب 2: 286- 1144، الوسائل 5: 449 أبواب الأذان و الإقامة ب 39 ح 5.

(6) أمالي الطوسي: 704، الوسائل 5: 400 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 495

و أقلّ ما يجزي في ذلك في صلاة المغرب التي لا صلاة فيها أن يجلس بعد الأذان جلسة يمسّ فيها الأرض بيده» إلى أن قال: «إنّ الفريضة التي تكون قبلها صلاة يستحب أن يجعل منها ركعتين بين أذان تلك الفريضة و إقامتها» «1».

و في قرب الإسناد:

عن القعدة بين الأذان و الإقامة، قال: «القعدة بينهما إذا لم تكن بينهما نافلة» «2».

و لا يخفى عدم ظهور شي ء منها فيما رامه.

أمّا الأولى: فلعدم تعيّن كون الركعتين بركعتي الفجر، لجواز كونهما ركعتي الفصل.

و أمّا الثانية: فظاهرة، إذ غاية ما تدلّ عليه اختصاص استحباب القعود بما إذا لم تكن راتبة، و جواز الفصل بالراتبة، و أمّا عدم جوازه بغيرها فلا.

و منه يظهر الوجه في البواقي، مع ضعف الثلاثة الأخيرة المانع عن صلاحيّة التخصيص و إن صلحت لإثبات الاستحباب.

و قد يستند في التخصيص إلى حرمة غير الرواتب في وقت الفريضة لعموماتها.

و فيه: منع الحرمة كما مرّ، مع الجواب عن العمومات «3».

مع أنّها معارضة مع إطلاق الصحيحة، فتخصيص إحداهما يحتاج إلى دليل.

و منه يظهر عدم اختصاص الركعتين بالظهرين و لا بغير المغرب، بل يستحب في الجميع كما هو مقتضى إطلاق كثير من الفتاوى.

و في الحدائق: إنّ المشهور بين الأصحاب هو استحباب الفصل بالركعتين

______________________________

(1) الدعائم 1: 145، مستدرك الوسائل 4: 30 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 1.

(2) قرب الإسناد: 360- 1288، الوسائل 5: 399 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 12.

(3) راجع ص 102 إلى 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 496

مطلقا، و لعلّهم يحملون هذه الروايات على تأكّد الفصل بالركعتين في هذه المواضع «1».

قوله: «هذه الروايات» إشارة إلى صحيحتي ابن سنان و أبي علي، و روايتي الدعائم و الأمالي.

خلافا لجماعة، فخصّوهما بغير المغرب «2»، و للتذكرة و الدروس «3» فبالظهرين، لبعض ما ظهر جوابه.

و أمّا دعوى الإجماع في التذكرة و المنتهى فمع عدم كونها مقبولة في تخصيص الأخبار إنّما هي على استحباب ما ذكراه في غير المغرب لا على عدم استحبابه فيه.

و للسرائر

فبصلاة الجماعة في غير المغرب «4»، و لعلّه لصحيحة الحلبي: عن الأذان في الفجر قبل الركعتين أو بعدهما؟ فقال: «إذا كنت إماما تنتظر جماعة فالأذان قبلهما، و إذا كنت وحدك فلا يضرّك قبلهما أذّنت أو بعدهما» «5».

و لا دلالة لها على التخصيص، و إنّما تدلّ على أفضلية الفصل بركعتي الفجر للإمام مع تقييده بانتظاره الجماعة، و هو لم يقيّد بذلك أيضا.

و في الثاني [1] إلى المرويين في فلاح السائل.

أحدهما: «من سجد بين الأذان و الإقامة فقال في سجوده: ربّ سجدت لك خاضعا خاشعا ذليلا، يقول اللّه: ملائكتي، و عزّتي و جلالي لأجعلنّ محبّته في قلوب عبادي المؤمنين و هيبته في قلوب المنافقين» «6».

______________________________

[1] أي مضافا في الثاني- و هو استحباب الفعل بسجدة- إلى ..

______________________________

(1) الحدائق 7: 414.

(2) كالشيخ في المبسوط 1: 96، و المحقق في الشرائع 1: 76، و العلامة في المنتهى 1: 256.

(3) التذكرة 1: 106، الدروس 1: 163.

(4) السرائر 1: 214.

(5) التهذيب 2: 285- 1142، الوسائل 5: 448 أبواب الأذان و الإقامة ب 39 ح 1.

(6) فلاح السائل: 152، الوسائل 5: 400 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 497

و الآخر: رأيته أذّن ثمَّ أهوى للسجود ثمَّ سجد بين الأذان و الإقامة، فلمّا رفع رأسه قال: «يا أبا عمير من فعل مثل فعلي غفر اللّه له ذنوبه كلّها» و قال: «من أذّن ثمَّ سجد فقال: لا إله إلّا أنت سجدت لك خاضعا خاشعا، غفر اللّه له ذنوبه» «1».

و في الثالث إلى الصحيحين المتقدّمين «2»، و موثّقة الساباطي: «افصل بين الأذان و الإقامة بقعود أو كلام أو تسبيح» «3».

و رواية ابن شهاب: «لا بدّ من قعود بين

الأذان و الإقامة» «4».

و مقتضى إطلاقاتها: استحبابه مطلقا و لو في المغرب، كما في النهاية و السرائر «5»، و بعض عبارات المتأخّرين «6»، و لكن الأول قيّده بالخفيف، و الثاني بالسريع.

و تدلّ عليه أيضا موثّقة الساباطي، المتقدّمة، و رواية قرب الإسناد بالعموم بل الخصوص، كما يدلّ عليه خاصة: رواية الدعائم السابقة.

و رواية الجريري: «من جلس فيما بين أذان المغرب و الإقامة كان كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه» «7».

و المروي في أمالي الطوسي: «من السنّة الجلسة بين الأذان و الإقامة في صلاة

______________________________

(1) فلاح السائل: 152، الوسائل 5: 400 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 15.

(2) في ص 494 و 470.

(3) الفقيه 1: 185- 877، التهذيب 2: 49- 162، الوسائل 5: 397 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 4.

(4) التهذيب 2: 64- 226، الوسائل 5: 397 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 1.

(5) النهاية: 67، السرائر 1: 214.

(6) كالشهيد في الذكرى: 171، و صاحب المدارك 3: 286، و الفيض في المفاتيح 1: 117.

(7) التهذيب 2: 64- 231، الاستبصار 1: 309- 1151، المحاسن: 50- 70، الوسائل 5:

399 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 498

الغداة و المغرب و صلاة العشاء» «1».

و في فلاح السائل: دخلت على أبي عبد اللّه وقت المغرب فإذا هو قد أذّن و جلس فسمعته يدعو بدعاء- إلى أن قال-: و هو: «يا من ليس معه ربّ يدعى، يا من ليس فوقه خالق يخشى، يا من ليس دونه إله يتّقى، يا من ليس له وزير يغشى، يا من ليس له بوّاب ينادى، يا من لا يزداد على كثرة السؤال إلّا كرما و جودا، يا من

لا يزداد على عظيم الجرم إلّا رحمة و عفوا، صلّ على محمّد و آل محمّد، و افعل بي ما أنت أهله فإنّك أهل التقوى و أهل المغفرة و أنت أهل الجود و الخير و الكرم» «2».

خلافا للمشهور، بل المدّعى عليه الإجماع «3»- و إن كان فيه كلام مرّت إليه الإشارة- فخصّوه بغير المغرب، و ظاهر الدروس: التردّد «4».

لرواية سيف بن عميرة: «بين كل أذانين قعدة إلّا المغرب فإن بينهما نفسا» «5» و لعلّ المراد به السكتة.

و المروي في فلاح السائل بقوله: و قد رويت روايات: الأفضل أن لا يجلس بين الأذان و الإقامة في المغرب «6».

و ضعفهما مجبور بما مرّ من الشهرة و الإجماع المنقول.

قيل: و بذلك يترجّحان على الأخبار المعارضة لهما «7»، مع أنّ الصريح منها

______________________________

(1) الأمالي: 704، الوسائل 5: 400 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 13.

(2) فلاح السائل: 228، مستدرك الوسائل 4: 31 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 1.

(3) المعتبر 2: 142.

(4) الدروس 1: 163.

(5) التهذيب 2: 64- 229، الاستبصار 1: 309- 1150، الوسائل 5: 398 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 7.

(6) فلاح السائل: 228.

(7) رياض المسائل 1: 150.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 499

غير معتبر، و المعتبر غير صريح، للإطلاق القابل للتقيد، و مع ذلك فهي بإطلاقها شاذّة غير معروفة القائل، لما عرفت من تقييد النهاية و السرائر بما ليس فيها.

مضافا إلى أنّ ظاهر الأخير تخصيص استحباب الجلسة، بل غيرها ممّا ذكر سوى الركعتين بالمنفرد «1».

أقول

: هما و إن انجبرا بما ذكر إلّا أنه لا يوجب ترجيحهما على المعارض المشتمل على الصحيح و الموثّق.

و عدم اعتبار الصريح منها ممنوع، فإنّ خبر الجريري معتبر و إن

لم يكن صحيحا باصطلاح من تأخّر، مع أنّ كلّ خبر في مقام السنن معتبر، و إطلاق المعتبر و قبوله التقييد إنّما هو إذا كان هناك مقيّد معتبر، و هو و إن كان في المقام إلّا أنّه بمثله معارض، و لأجله عن التقييد قاصر، لبقاء المطلق بلا مقيّد معلوم.

و شذوذ المطلقات لو سلّم لم يضرّ في مقام الاستحباب، لثبوته بالأخبار الشاذّة ما لم يكن نفيه مجمعا عليه، و ليس كذلك في المقام، و لذا أفتى جماعة من المتأخّرين باستحباب الجلوس في المغرب أيضا، فالقول به متّجه جدّا فعليه الفتوى.

و يحمل الخبران على قلّة الفضيلة و أفضلية غيره، كما تحمل صحيحة البزنطي و رواية قرب الإسناد على أفضلية التنفّل فيما قبله نافلة على القعدة.

و يحمل الرضوي: «و إن أحببت أن تجلس بين الأذان و الإقامة فافعل فإنّ فيه فضلا كثيرا، و إنّما ذلك على الإمام، و أمّا المنفرد فيخطو تجاه القبلة خطوة برجله اليمنى» الحديث «2» على نوع من الأفضلية أيضا، لعدم صلاحيته للتخصيص.

و منه يظهر مستند آخر للرابع، و لكنه في المنفرد خاصة، فتعميمه بما مرّ من الشهرة و الإجماعات المحكية.

______________________________

(1) السرائر 1: 214.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 97، مستدرك الوسائل 4: 30 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 500

و في الخامس إلى مرسلة ابن عميرة، و لكنها مخصوصة بالمغرب، فهو في التعميم كالسابق، و يمكن إثباته كالبواقي بعموم قوله: «أو بغير ذلك» في رواية الدعائم، السابقة.

و في السادس و السابع إلى موثّقة الساباطي، إلّا أنه روى الصدوق في مجالسه أنه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «كره الكلام بين الأذان و الإقامة في صلاة الغداة

حتى تقضى الصلاة، و نهى عنه» «1» و لم يذكره الأكثر و إنّما ذكروا كراهته في خلالهما «2».

نعم بمضمونه أفتى في الجامع يحيى بن سعيد، و في النفلية الشهيد «3»، و ليس ببعيد.

و تدلّ على الثامن موثّقته الأخرى: عن الذي يجزئ من التسبيح بين الأذان و الإقامة، قال: «يقول: الحمد للّه» «4».

و ممّا ذكرنا ظهر استحباب كلّ واحد ممّا ذكر في كلّ صلاة سوى الكلام في صلاة الغداة، و إن كانت الركعتان فيما له نافلة سيّما من رواتبه سيّما في الظهرين سيّما للإمام سيّما المنتظر للجماعة أفضل، و أنّ الجلسة في غير المغرب أولى منها فيه، كما أنّ السكتة فيه آكد منها في غيره.

ثمَّ كما أنه لا شك في استحباب واحد منها للفصل لا ريب في جواز جمع الجميع أو أقلّ له.

و هل يستحب الأزيد من واحد أو الجميع له أم لا؟ ظاهر أكثر العبارات اختصاص الاستحباب بواحد، و لكن المستفاد من الأخبار استحباب كلّ من

______________________________

(1) أمالي الصدوق: 248- 3، مستدرك الوسائل 4: 28 أبواب الأذان و الإقامة ب 9 ح 4.

(2) المحقق في المختصر النافع: 28، و العلامة في المنتهى 1: 256، و صاحب الرياض 1: 150.

(3) الجامع للشرائع: 73، النفلية: 18.

(4) التهذيب 2: 280- 1114، الوسائل 5: 398 أبواب الأذان و الإقامة ب 11 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 501

الخمسة الاولى، فلو جمعها أحد، كان حسنا.

و يستحب للفاصل بالسجدة أن يدعو فيها بما مرّ في روايتي فلاح السائل مخيّرا بينهما.

و بالجلسة أن يدعو فيها بما مرّ في روايته الأخيرة، أو بما في مرفوعة جعفر بن محمّد بن يقطين: «يقول الرجل إذا فرغ من الأذان و جلس: اللهم اجعل قلبي بارّا

و رزقي دارّا، و اجعل لي عند قبر نبيّك قرارا و مستقرّا» «1» و لو قرأهما، كان أحسن.

و قد ذكر الشيخ في المصباح الدعاء الأخير للسجدة «2»، و لكن بتبديل:

«رزقي دارّا» بقوله: «و عيشي قارّا» و في البلد الأمين جمع الفقرتين «3»، و في بعض الكتب زاد عليهما: «و عملي سارّا». «4» و الكل جائز.

و بالخطوة أن يخطو برجله اليمنى تجاه القبلة، كما في الرضوي المتقدّم، و يدعو فيها بما ذكره فيه بعد ما مرّ بقوله: «ثمَّ يقول: باللّه أستفتح، و بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله أستنجح و أتوجّه، اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد، و اجعلني بهم وجيها في الدنيا و الآخرة و من المقرّبين».

و روى في فلاح السائل دعاء آخر بين الأذان و الإقامة في جميع الصلوات يدعو به قائما أو جالسا أو ساجدا، و كذا في الرضوي، و فيه آخر مخصوص بالفجر [1].

و منها: أن يكون المؤذّن متطهّرا من الحدثين، مستقبلا قائما حال الأذان،

______________________________

[1] أمّا الدعاء المروي في فلاح السائل: 152، فهو: سبحان من لا يبيد معالمه، سبحان من لا ينسى من ذكره، سبحان من لا يخيب سائله، سبحان من ليس له صاحب يغشى و لا بوّاب يرشى و لا ترجمان يناجي، سبحان من اختار لنفسه أحسن الأسماء، سبحان من فلق البحر لموسى، سبحان من لا يزداد على كثرة العطاء إلّا كرما و جودا، سبحان من هو هكذا و لا هكذا غيره. و أما المروي في فقه الرضا: 97، لجميع الصلوات فهو هكذا: اللهم ربّ هذه الدعوة التامة و الصلاة القائمة صلّ على محمّد و آل محمّد و أعط محمّدا صلّى اللّه عليه و آله يوم القيامة سؤله، آمين رب

العالمين، اللّهمّ إنّي أتوجه إليك بنبيّك نبي الرحمة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و أقدّمهم بين يدي حوائجي كلّها فصلّ عليهم و اجعلني بهم وجيها في الدنيا و الآخرة و من المقربين، و اجعل صلواتي بهم مقبولة و دعائي بهم مستجابا و امنن عليّ بطاعتهم يا أرحم الراحمين. و أما المروي فيه لما بعد أذان الفجر فهو هذا: اللّهمّ إنّي أسألك بإقبال نهارك و إدبار ليلك و حضور صلواتك و أصوات دعاتك و تسبيح ملائكتك أن تتوب عليّ إنّك أنت التواب الرحيم. منه أعلى اللّه في الخلد مقامه.

______________________________

(1) الكافي 3: 308 الصلاة ب 18 ح 32، التهذيب 2: 64- 230، الوسائل 5: 401 أبواب الأذان و الإقامة ب 12 ح 1.

(2) المصباح: 28.

(3) البلد الأمين: 6.

(4) راجع البحار 81: 182.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 502

بالإجماع المصرّح به في المعتبر و التذكرة و المنتهى «1»، و غيرها «2»، و هو الحجة فيه، مضافا إلى النصوص العامية «3» و الخاصية «4»، و منها ما يشعر بعدم وجوبه أيضا، كما يصرّح به في المعتبرة المستفيضة المجوّزة للأذان للجنب و المحدث و الجالس و أينما توجّهت «5».

و كذا حال الإقامة على الأظهر الأشهر، فيرجّح فيها الثلاثة بالإجماع و النصوص. و لا تجب، للأصل الخالي عن المعارض كما يأتي.

خلافا للمنتهى «6»، و المحكي عن جماعة من القدماء «7»، و اختاره جماعة من مشايخنا «8»، فقالوا بوجوبها، لروايات بين غير دالّة على الزائد عن الرجحان،

______________________________

(1) المعتبر 2: 127، التذكرة 1: 107، المنتهى 1: 257.

(2) كالفيض في مفاتيح الشرائع 1: 117، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 206.

(3) كنز العمال 7: 694 و 796- 20965 و 20976.

(4) الوسائل

5: 391 أبواب الأذان و الإقامة ب 9.

(5) الوسائل 5: 391 أبواب الأذان و الإقامة ب 9 و ص 401 ب 13.

(6) المنتهى 1: 258.

(7) كالمفيد في المقنعة: 98، و السيّد المرتضى في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3):

30، و الشيخ في النهاية: 66، و القاضي في المهذب 1: 91.

(8) كالوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط)، و صاحب الحدائق 7: 340، و صاحب الرياض 1: 145.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 503

لورودها بالجمل الخبرية، و بين ضعيفة و إن تضمّنت الأمر، كالمروي في قرب الإسناد في التطهّر «1».

مع أن الدالّ على الوجوب لو تحقّق في المقام، لم يكن على حقيقته، لعدم تعقّل وجوب الكيفية مع استحباب ذي الكيفية.

و جعل مجازه الوجوب الشرطي ليس أولى من الاستحباب أو تأكّده، كما هو ثابت في الإقامة بملاحظة الأخبار.

و لدلالة بعض الأخبار على أنها من الصلاة.

و يجب الحمل على التجوّز، لعدم كونها منها إجماعا، و لذا يجوز التكلّم بعدها و خلالها.

و في صحيحة زرارة: «إذا أقمت فعلى وضوء متهيّئا للصلاة» «2» و هي صريحة في عدم كونها من الصلاة.

و يتأكّد الاستقبال في الشهادتين، لشهادة بعض الصحاح «3».

و منها: رفع الصوت بالأذان من غير إتعاب، للمستفيضة، كصحيحة البصري: «إذا أذّنت فلا تخفينّ صوتك، فإنّ اللّه يأجرك مدّ صوتك فيه» «4».

و ابن وهب: عن الأذان، قال: «ارفع به صوتك، فإذا أقمت فدون ذلك» «5».

و في رواية هشام بن إبراهيم: أنه شكا إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام

______________________________

(1) قرب الإسناد: 182- 673، الوسائل 5: 393 أبواب الأذان و الإقامة ب 9 ح 7.

(2) الفقيه 1: 183- 866، الوسائل 5: 391 أبواب الأذان و الإقامة ب 9 ح 1.

(3) انظر:

الوسائل 5: 403 أبواب الأذان و الإقامة ب 13 ح 7.

(4) التهذيب 2: 58- 205، الوسائل 5: 410 أبواب الأذان و الإقامة ب 16 ح 5.

(5) الفقيه 1: 185- 876، الوسائل 5: 409 أبواب الأذان و الإقامة ب 16 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 504

سقمه و أنه لا يولد له، فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله. الحديث «1».

و في رواية محمد بن مروان: «المؤذّن يغفر اللّه له مدّ صوته، و يشهد له كلّ شي ء سمعه» «2».

و صحيحة زرارة: «كلّما اشتدّ صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر و كان أجرك في ذلك أعظم» «3».

و تلك الأخبار كما ترى تشمل بإطلاقها الأذان الإعلامي و غيره، فالتخصيص بالأول كبعض من تأخّر «4» غير جيّد.

نعم، الظاهر الاختصاص بالرجال. لا لما قيل من عدم جواز إسماع النساء صوتهنّ للأجانب «5»، لمنع ذلك على إطلاقه، مع أنه لا يفيد تمام المطلوب. بل لاختصاص الأخبار بهم، و التعدّي إليهنّ فيما لا يشملهنّ إنّما هو بالإجماع المنتفي هنا.

بل يستحب لهنّ الإسرار به، لفتوى بعضهم «6»، و لأنه أنسب إلى الحياء و الستر المطلوبين منهنّ.

و منها: وضع المؤذّن إصبعيه في الأذنين، لصحيحة الحسن [بن ] السريّ [1].

______________________________

[1] الفقيه 1: 184- 873، الوسائل 5: 411 أبواب الأذان و الإقامة ب 17 ح 1، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

______________________________

(1) الكافي 3: 308 الصلاة ب 18 ح 33، الكافي 6: 9 العقيقة ب 4 ح 9، الفقيه 1: 189- 903، التهذيب 2: 59- 207، الوسائل 5: 412 أبواب الأذان و الإقامة ب 18 ح 1.

(2) الكافي 3: 307 الصلاة ب 18 ح 28، التهذيب 2: 52- 175، الوسائل

5: 374 أبواب الأذان و الإقامة ب 2 ح 11.

(3) الفقيه 1: 184- 875، الوسائل 5: 410 أبواب الأذان و الإقامة ب 16 ح 2.

(4) الحدائق 7: 337.

(5) شرح المفاتيح (المخطوط).

(6) كالمحقق في المعتبر 2: 126، و العلامة في التحرير 1: 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 505

و منها: إعادة الإقامة لمن تكلّم بعدها، لصحيحة محمد بن مسلم «1».

المسألة الثالثة:

يكره فيهما أمور:

منها: التكلّم في خلال كلّ منهما لا سيّما في الإقامة و بعدها.

أمّا الكراهة في الأذان: فلشهرتها بين الأعيان، بل بلا خلاف إلّا من شاذّ.

و مفهوم رواية سماعة على أكثر النسخ: عن المؤذّن أ يتكلم و هو يؤذّن؟ فقال:

«لا بأس حين يفرغ من أذانه» «2» و في بعضها: «حتى يفرغ» فلا دلالة فيها على المطلوب.

خلافا للمحكي عن القاضي، فلم يكرهه فيه «3»، و هو ظاهر المنتهى و الكفاية «4»، لنفي البأس عنه فيه في المعتبرة.

و يضعّف بأن البأس: العذاب، فهو ينفي الحرمة.

و أمّا في الإقامة: فلما ذكر، بل في المنتهى: إنه لا خلاف فيه بين أهل العلم «5».

مضافا إلى صحيحة ابن أبي نصر: أ يتكلّم الرجل في الأذان؟ قال: «لا بأس» قلت: في الإقامة؟ قال: «لا» «6».

و منها بملاحظة ثبوت الكراهة في الأذان أيضا تثبت الشدّة المذكورة.

خلافا للمفيد و السيّد فحرّماه فيها مطلقا «7»، للصحيحة المذكورة.

______________________________

(1) التهذيب 2: 55- 191، الاستبصار 1: 301- 1112، الوسائل 5: 394 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 3.

(2) التهذيب 2: 54- 183، الوسائل 5: 394 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 6.

(3) المهذب 1: 90.

(4) المنتهى 1: 256، الكفاية: 17.

(5) المنتهى 1: 256.

(6) الكافي 3: 304 الصلاة ب 18 ح 10، التهذيب 2: 54- 182، الاستبصار

1: 300- 1110، الوسائل 5: 394 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 4.

(7) المفيد في المقنعة: 98، و السيّد في جمل العلم و العمل (المنقول في شرحه للقاضي): 79.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 506

و رواية أبي هارون: «فإذا أقمت فلا تتكلّم و لا تؤم بيدك» «1».

و صحيحة محمّد: «لا تكلّم إذا أقمت الصلاة، فإنك إذا تكلّمت أعدت الإقامة» «2».

و يدفع بالحمل على الكراهة بقرينة المستفيضة، كصحيحة ابن أبي عمير:

عن الرجل يتكلّم في الإقامة؟ قال: «نعم، فإذا قال المؤذّن: قد قامت الصلاة، فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلّا أن يكونوا قد اجتمعوا من شتّى و ليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض: تقدّم يا فلان» «3».

و رواية الحلبي: عن الرجل يتكلّم في أذانه أو في إقامته؟ فقال: «لا بأس» «4».

و رواية ابن شهاب: «لا بأس بأن يتكلّم الرجل و هو يقيم الصلاة و بعد ما يقيم إن شاء» «5».

و المروي في الدعائم: «إنه لم ير بأسا بالكلام في أثناء الأذان و الإقامة» «6».

مضافا إلى عدم دلالة الأولى على الحرمة، لمكان الجملة الخبرية.

و كذا الأخيرتين، لاحتمالها، مع أن ظاهرهما النهي بعد الإقامة.

______________________________

(1) الكافي 3: 305 الصلاة ب 18 ح 20، التهذيب 2: 54- 185، الاستبصار 1: 301- 1111، الوسائل 5: 396 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 12.

(2) التهذيب 2: 55- 191، الاستبصار 1: 301- 1112، الوسائل 5: 394 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 3.

(3) التهذيب 2: 55- 189، الاستبصار 1: 301- 1116، الوسائل 5: 395 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 7.

(4) التهذيب 2: 54- 186، الاستبصار 1: 301- 1113، الوسائل 5: 395 أبواب الأذان و

الإقامة ب 10 ح 8.

(5) التهذيب 2: 55- 188، الاستبصار 1: 301- 1115، مستطرفات السرائر 94- 5، الوسائل 5: 395 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 10.

(6) الدعائم 1: 146، مستدرك الوسائل 4: 27 أبواب الأذان و الإقامة ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 507

و لهما، و للشيخ و الإسكافي «1»، و شاذّ من المتأخّرين «2» فحرّموه بعد قول المؤذّن: «قد قامت الصلاة» إلّا ما يتعلّق بالصلاة من تقديم إمام أو تسوية صفّ أو نحو ذلك، لصحيحة ابن أبي عمير، بل الروايتين المتقدّمتين عليها، لأنه الظاهر من قوله: «إذا أقمت الصلاة».

و صحيحة زرارة: «إذا أقيمت الصلاة حرم الكلام على الإمام و أهل المسجد إلّا في تقديم إمام» «3».

و موثّقة سماعة: «إذا أقام المؤذّن الصلاة فقد حرم الكلام» «4».

و دفع «5» بمعارضة إطلاق رواية ابن شهاب السابقة، و صحيحة حمّاد بن عثمان: عن الرجل أ يتكلّم بعد ما يقيم الصلاة؟ قال: «نعم» «6» بل عمومهما الناشئ عن ترك الاستفصال، فيرجع إلى الأصل.

و قريب منهما المرويّان في مستطرفات السرائر: أ يتكلّم الرجل بعد ما تقام الصلاة؟ قال: «لا بأس» «7».

و فيه: أن الخاص لا يدفع بمعارضة العام، فإنّ الروايات الأخيرة عامة بالنسبة إلى التكلّم بما يتعلّق بالصلاة و غيره، و المحرّم خاص بالأوّل، فيجب التخصيص به.

فالصواب أن يدفع بما مرّ من انتفاء الحرمة الحقيقية، بالإجماع، و عدم تعقّل

______________________________

(1) الشيخ في النهاية: 66، و حكاه عن الإسكافي في المختلف: 90.

(2) كالفيض في المفاتيح 1: 118.

(3) الفقيه 1: 185- 879، الوسائل 5: 393 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 1.

(4) التهذيب 2: 55- 190، الاستبصار 1: 302- 1117، الوسائل 5: 394 أبواب الأذان

و الإقامة ب 10 ح 5.

(5) كما في الرياض 1: 151.

(6) التهذيب 2: 54- 187، الاستبصار 1: 301- 1114، الوسائل 5: 395 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 9.

(7) مستطرفات السرائر: 94- 4، الوسائل 5: 396 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 508

الحرمة مع جواز ترك الإقامة في الأثناء بالمرّة، و التجوّز بالوجوب الشرطي ليس أولى من الكراهة سيّما الشديدة.

و من المتأخّرين من خصّ الحرمة بالجماعة «1».

و يدفعه إطلاق أكثر الأخبار المحرّمة، و فقد ما يوجب التخصيص.

و منها: الترجيع.

و هو إمّا: تكرار الشهادتين مرّتين آخرتين، كما عن الخلاف و الجامع و المنتهى و التذكرة و التحرير و نهاية الإحكام «2».

أو: تكريرهما مع التكبير في أول الأذان زائدا على الموظف، كما عن المبسوط و المهذّب و الدروس «3».

أو: تكرار الفصل زيادة على الموظّف، كما عن الذكرى «4».

أو: تكرير الشهادتين جهرا بعد إخفاتهما، كما عن جماعة من أهل اللغة منهم: صاحب القاموس و المغرب «5».

أو: ترجيع الصوت و ترديده على جهة الغناء، كما ذكره بعض مشايخنا المحدّثين «6».

و لا دليل على كراهته من الأخبار إلّا الرضوي، و فيه بعد ذكر فصولهما:

«ليس فيها ترجيع و لا ترديد» «7».

و لا دلالة فيها على الكراهة، بل ينفي التوقيفية، و لا على تحريمه و لو اعتقد

______________________________

(1) كالفيض في المفاتيح 1: 118.

(2) الخلاف 1: 288، الجامع للشرائع: 71، المنتهى 1: 254، التذكرة 1: 105، التحرير 1:

35، نهاية الإحكام 1: 414.

(3) المبسوط 1: 95، المهذب 1: 89، الدروس 1: 162.

(4) الذكرى: 169.

(5) القاموس 3: 29، المغرب 1: 203.

(6) البحار 81: 150.

(7) فقه الرضا عليه السلام: 96، مستدرك الوسائل 4: 44 أبواب الأذان و الإقامة

ب 19 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 509

المشروعيّة، لما أشير إليه غير مرّة من عدم تحقّق الاعتقاد إلّا مع الحجة، و معها لا وجه للحرمة، مع أنه على فرض حرمة الاعتقاد لا يحرم اللفظ، و عدّه من البدعة غير صحيح.

مع أنه على فرض الدلالة لم تترتّب عليه فائدة، للإجمال في معناه.

مع أن في كتاب زيد النرسي: عن الصادق عليه السلام: «من السنّة الترجيع في أذان الفجر و أذان العشاء الآخرة، أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بلالا أن يرجّع في أذان الغداة و أذان العشاء، إذا فرغ أشهد أنّ محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عاد، فقال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، حتى يعيد الشهادتين، ثمَّ يمضي في أذانه» «1».

نعم، الظاهر كراهته بالمعنى الأول، لفتوى الأجلّة، بل دعوى المنتهى الإجماع على كراهة الترجيع و تفسيره بذلك، مضافا إلى فتوى الحلّي و ابن حمزة «2» بحرمة هذا المعنى، و دعوى الأول الإجماع عليها و إن جعله تفسيرا للتثويب.

قال في السرائر: و لا يجوز التثويب في الأذان، اختلف أصحابنا في التثويب ما هو؟ فقال قوم منهم: هو تكرار الشهادتين دفعتين، و هذا هو الأظهر- إلى أن قال-: و الدليل على أنّ فعله لا يجوز: إجماع طائفتنا بغير خلاف بينهم.

مضافا إلى مفهوم رواية أبي بصير: «لو أنّ مؤذّنا أعاد في الشهادتين أو في حي على الصلاة أو حي على الفلاح مرّتين و الثلاث و أكثر من ذلك إذا كان إماما يريد القوم ليجمعهم لم يكن به بأس» «3».

و مقتضاها كراهة تكرير الحيّعلتين أيضا، بل قيل: كلّ فصل، كما عن

______________________________

(1) الأصول الستة عشر: 53.

(2) الحلي في السرائر 1: 212، ابن حمزة

في الوسيلة: 92.

(3) الكافي 3: 308 الصلاة ب 18 ح 34، التهذيب 2: 63- 225، الاستبصار 1: 309- 1149، الوسائل 5: 428 أبواب الأذان و الإقامة ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 510

الذكرى «1»، و جعل التخصيص من باب التمثيل، و لا بأس به سيّما مع فتوى العالم به، و لو لا اشتمالها على غير الشهادتين المجمع على عدم تحريمه الموجب لعدم الحرمة فيهما أيضا لكانت الرواية دليلا لمذهب الحلّي، و لكن ما ذكر يردّه.

ثمَّ مقتضى منطوقها: انتفاء الكراهة مع إرادة الإشعار و التنبيه. و هو كذلك، لذلك، و عن المختلف و المنتهى «2»: الاتفاق عليه.

و منها: الإقامة ماشيا أو راكبا، للمستفيضة «3». و لا كراهة في أذان الماشي و الراكب، للأصل الخالي عن المعارض.

______________________________

(1) الذكرى: 169.

(2) المختلف: 89، المنتهى 1: 254.

(3) انظر الوسائل 5: 401 أبواب الأذان و الإقامة ب 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 511

الفصل الثاني: في المؤذّن.

و المراد به هنا الذي يتّخذ للأذان في بلدة أو محلّة أو مسجد أو جماعة في غير مسجد، ليعتدّ بأذانه المسلمون و يكتفون به.

و يشترط في صحة أذانه و الاعتداد به: العقل و التميز و الإسلام وفاقا، و الإيمان على الأصح، للإجماع، و منافاة انتفائها للأمانة- الثابتة للمؤذّن بالنصوص العامية «1» و الخاصية «2»- في الثلاثة الاولى، و الأصل، و موثّقة الساباطي: «لا يستقيم و لا يجوز أن يؤذّن إلّا رجل مسلم عارف، فإن علم الأذان و أذّن به و لم يكن عارفا لم يجز أذانه و لا إقامته و لا يقتدى به» و في بعض النسخ: «و لا يعتدّ به» «3».

و لا ينافيه الصحيح: «صلّ الجمعة بأذان هؤلاء، فإنهم أشدّ مواظبة

على الوقت» «4»، لجواز أن يكون المراد الاعتداد بأذانه في معرفة الوقت دون الاكتفاء.

و الذكورة أو المحرميّة على الأشهر في الأذان لغير النساء، للأصل، لاختصاص ما دلّ على جواز الاعتداد بأذان الغير- بحكم التبادر و غيره- بغير أذانها.

و ظاهر الموثّقة السابقة: «إلّا رجل مسلم عارف».

و عدم بقائها على عمومها- لجواز أذان الصبي، و أذانها لهنّ و للمحارم إذا لم

______________________________

(1) انظر سنن الترمذي 1: 133، كنز العمال 7: 681.

(2) انظر الوسائل 5: 378 أبواب الأذان و الإقامة ب 3.

(3) الكافي 3: 304 الصلاة ب 18 ح 13، التهذيب 2: 277- 1101، الوسائل 5: 431 أبواب الأذان و الإقامة ب 26 ح 1.

(4) الفقيه 1: 189- 899، التهذيب 2: 284- 1136، الوسائل 5: 378 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 512

يسمعه الأجانب- غير ضائر، لأنّ العام المخصّص حجة في الباقي [1].

و لا يشترط فيه البلوغ و لا الحرّيّة، إجماعا على الظاهر المصرّح به في الخلاف و المعتبر و التذكرة و شرح القواعد «1» في الأول خاصة، و المنتهى و الذكرى «2» فيهما معا، و هو الحجة مع العمومات، و المروي في الدعائم المنجبر بما مرّ: «لا بأس أن يؤذّن العبد و الغلام الذي لم يحتلم» «3» فيهما.

مضافا إلى الصحيح و الموثّق-: «لا بأس أن يؤذّن الذي لم يحتلم» «4» كما في الأول، أو: «قبل أن يحتلم» «5» كما في الثاني- في الأول، و إلى فحوى ما دلّ على جواز إمامته «6» في الثاني، و بها يخصّ ما دلّ على اعتبار الرجولية «7» أو الحرّيّة.

و يستحب كونه عدلا، للإجماع على رجحانه، و النبوي: «يؤذّن لكم خياركم» «8».

و لا يجب بالإجماع،

كما عن صريح المنتهى «9»، و ظاهر الذكرى و شرح

______________________________

[1] و قد يستدل أيضا بأنها إن أسرّت الأذان لم يسمعوه و لا اعتداد بما لا يسمع و إن جهرت كان أذانا منهيّا عنه فيفسد للنهي فكيف يعتدّ به. و ضعف بمنع النهي، ثمَّ كونه في الكيفية و هو لا يقتضي الفساد، ثمَّ عدم تماميته فيما إذا جهرت و هي لا تعلم سماع الأجانب، ثمَّ منع اشتراط السماع في الاعتداد و إلّا لم يكره للجماعة الثانية ما لم يعرف الاولى، و في الوجه الثاني نظر. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) الخلاف 1: 281، المعتبر 2: 125، التذكرة 1: 107، جامع المقاصد 2: 175.

(2) المنتهى 1: 257، الذكرى: 172.

(3) دعائم الإسلام 1: 147، مستدرك الوسائل 4: 49 أبواب الأذان و الإقامة ب 26 ح 1.

(4) التهذيب 2: 280- 1112، الوسائل 5: 440 أبواب الأذان و الإقامة ب 32 ح 1.

(5) الفقيه 1: 188- 896، التهذيب 2: 53- 181، و ج 3: 29- 103، الاستبصار 1:

423- 1632، الوسائل 5: 440 أبواب الأذان و الإقامة ب 32 ح 2.

(6) انظر الوسائل 8: 325 أبواب صلاة الجماعة ب 16.

(7) انظر الوسائل 5: 405 أبواب الأذان و الإقامة ب 14.

(8) سنن ابن ماجه 1: 240- 726.

(9) المنتهى 1: 257.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 513

القواعد «1»، للأصل الخالي عن المعارض، و عدم تعقّل اتّصاف الصبي- الجائز أذانه بالنصوص- بالعدالة.

خلافا للمحكي عن الإسكافي «2»، فأوجبه لبعض ما لا يدلّ عليه.

صيّتا رفيع الصوت، لفتوى الجماعة «3»، و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله:

«القه على بلال فإنه أندى منك صوتا» «4».

مبصرا، ليتمكّن من معرفة الوقت.

بصيرا بالأوقات التي يؤذّن لها.

متطهّرا مستقبلا قائما كما مرّت.

على

موضع مرتفع بلا خلاف حتى من المبسوط [1]، بل عن التذكرة و نهاية الفاضل «5»: الإجماع عليه، و هو الحجة فيه، مضافا إلى الرواية: «كان يقول إذا دخل الوقت: يا بلال اعل فوق الجدار و ارفع صوتك بالأذان» «6».

و يكره له الالتفات يمينا و شمالا، لمنافاته الاستقبال المأمور به. خلافا

______________________________

[1] حيث قال: و يستحب أن يكون المؤذّن على موضع مرتفع (المبسوط 1: 98) و أما قوله: و لا فرق بين أن يكون الأذان في المنارة أو على الأرض، فالظاهر أن مراده المساواة في الإجزاء، أو الاستحباب، أو المراد من الأرض مقابل المنارة كما في رواية علي بن جعفر (التهذيب 2:

284- 1134، الوسائل 5: 410 أبواب الأذان و الإقامة ب 16 ح 6) «قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الأذان في المنارة، أ سنّة هو؟ فقال: إنما كان يؤذن للنبي في الأرض و لم تكن يومئذ منارة» مع أن الأذان للنبي صلّى اللّه عليه و آله فوق الجدار. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) الذكرى: 172، جامع المقاصد 2: 176.

(2) نقله عنه في جامع المقاصد 2: 176.

(3) كالشيخ في المبسوط 1: 97، الكركي في جامع المقاصد 2: 176، الفيض في المفاتيح 1: 117.

(4) جامع الأصول لابن الأثير 6: 190، كنز العمال 7: 692.

(5) التذكرة 1: 107، نهاية الإحكام 1: 424.

(6) الكافي 3: 307 الصلاة ب 18 ح 31، التهذيب 2: 58- 206، المحاسن: 48- 67، الوسائل 5: 411 أبواب الأذان و الإقامة ب 16 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 514

لبعض العامة «1».

و يجوز اجتماع جماعة في محلّ واحد على الأذان دفعة واحدة، كما صرّح به جماعة منهم الفاضلان «2»، للأصل و الإطلاقات.

و عن المبسوط

أنه لا ينبغي الزيادة على الاثنين، لكون الأذان الثالث بدعة بإجماع الفرقة [1].

و هو ضعيف، إذ ليس المراد من الأذان الثالث نحو ذلك.

و من مشايخنا المحدّثين من كره الاجتماع في محلّ على الأذان مطلقا، سواء كان دفعة أو ترتيبا، لعدم توقيف مثل ذلك من الشرع «3».

و يردّ بكفاية المطلقات في توقيفه.

نعم، لو قيل بعدم مشروعية التراسل في الأذان بأن يبني كلّ واحد على فصول الآخر كان جيّدا جدّا.

و على ما ذكرنا لا تظهر ثمرة لمسألة تشاحّ المؤذّنين، إذ لا تشاحّ فيما يمكن الاجتماع.

نعم، تظهر ثمرتها في ما إذا كان للمؤذّن الواحد في مقام رزق من بيت المال أو الموقوفات، و الظاهر حينئذ تقديم من جمعت فيه الشرائط المعتبرة، و مع التساوي يتخيّر متولّي بيت المال أو الموقوف.

______________________________

[1] ادعاء الإجماع لا يوجد في المبسوط بل موجود في الخلاف 1: 290 و يشهد له ما في مفتاح الكرامة 1: 96 و ج 2: 277.

______________________________

(1) انظر المغني 1: 472.

(2) المحقق في المعتبر 2: 133، العلامة في المنتهى 1: 259.

(3) انظر: الحدائق 7: 349.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 515

الفصل الثالث: فيما يؤذّن له و يقام، و ما يتعلّق بهما.
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى:

لا ريب في مشروعيتهما و مطلوبيتهما لكلّ من الفرائض الخمس اليومية و منها الجمعة- إلّا فيما يأتي الكلام فيه- للرجال و النساء، فرادى و جماعة، أداء و قضاء، حضرا و سفرا، بل هي إجماع المسلمين، بل ضروري الدين.

و أمّا بعض الأخبار المصرّحة بأنه ليس على النساء أذان و لا إقامة «1» فلا ينفي إلّا الوجوب، و لو سلّم فيجب حملها عليه، للإجماع.

و صحيحة ابن سنان: عن المرأة تؤذّن للصلاة؟ فقال: «حسن إن فعلت، و إن لم تفعل أجزأها أن تكبّر و أن تشهد أن لا إله إلّا اللّه و أن محمدا صلّى اللّه عليه و آله رسول اللّه» «2».

و مرسلة الفقيه: «ليس على المرأة أذان و لا إقامة إذا سمعت أذان القبيلة و تكفيها الشهادتان، و لكن إذا أذّنت و أقامت فهو أفضل» «3».

و هذا مراد الفاضل في المنتهى حيث قال: و ليس على النساء أذان و لا إقامة، و لا نعرف فيه خلافا، لأنّهما عبادة شرعية يتوقّف توجّه التكليف بهما على الشرع.

و يجوز أن تؤذّن المرأة للنساء و يعتددن به، ذهب إليه علماؤنا- إلى أن قال-:

و قال علماؤنا: إذا أذّنت المرأة أسرّت بصوتها لئلّا يسمعها الرجال، قال الشيخ:

يعتدّ بأذانهن [للرجال ] و هو ضعيف، لأنها إذا جهرت ارتكبت معصية و إلّا فلا

______________________________

(1) انظر الوسائل 5: 405 أبواب الأذان و الإقامة ب 14.

(2) التهذيب 2: 58- 202، الوسائل 5: 405 أبواب الأذان و الإقامة ب 14 ح 1.

(3) الفقيه 1: 194- 909، الوسائل 5: 406 أبواب الأذان و الإقامة ب 14 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 516

اجتزاء به، لعدم السماع [1].

فإنّ الاستدلال بنفي التكليف، ثمَّ التصريح باعتدادهن بأذانها، ثمَّ التصريح

بالإسرار إذا أذّنت صريح في إرادة نفي الوجوب.

و يحتمل إرادة نفي الأذان و الإقامة لجماعة الرجال و اعتدادهم بهما كما يدل عليه بعض كلماته.

و هل هي على جهة الاستحباب أو الوجوب؟ الحقّ: الأول مطلقا، وفاقا للخلاف و الناصريات و المبسوط «1»، و الحلّي و الديلمي «2»، و أكثر المتأخّرين «3»، بل كما قيل: جمهورهم، بل كافّتهم [2]، بل عليه دعوى الشهرة المطلقة في كلام طائفة من الطائفة «4»، للأصل الخالي عن المعارض بالمرّة كما يأتي.

مضافا في الأذان للمنفرد إلى صحيحة الحلبي: «إنه كان إذا صلّى وحده في البيت أقام إقامة واحدة و لم يؤذّن» «5».

و الأخرى: «يجزئك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان» «6».

و للجامع إلى رواية [الحسن ]: «إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة» [3].

______________________________

[1] المنتهى 1: 257 و ما بين المعقوفين من المصدر.

[2] انظر البحار 81: 108، و قال في الرياض 1: 146: على الأظهر الأشهر بل لعلّه عليه عامة من تأخر.

[3] التهذيب 2: 50- 164، الوسائل 5: 385 أبواب الأذان و الإقامة ب 5 ح 8، و في النسخ:

الحسين، و الصحيح ما أثبتناه كما في المصادر.

______________________________

(1) الخلاف 1: 284، الناصريات (الجوامع الفقهية): 191، المبسوط 1: 95.

(2) الحلي في السرائر 1: 208، الديلمي في المراسم: 67.

(3) كالمحقق في المعتبر 2: 121، و العلامة في التذكرة 1: 104، و الفيض في المفاتيح 1: 115.

(4) كما في التنقيح الرائع 1: 189، و جامع المقاصد 2: 167، و مجمع الفائدة 2: 163، و الذخيرة:

251.

(5) التهذيب 2: 50- 165، الوسائل 5: 385 أبواب الأذان و الإقامة ب 5 ح 6.

(6) التهذيب 2: 50- 166، الوسائل 5: 384 أبواب الأذان و الإقامة ب 5

ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 517

و لغير المغرب و الغداة مطلقا إلى رواية ابن سيابة: «لا تدع الأذان في الصلاة كلّها، فإن تركته فلا تتركه في المغرب و الفجر» «1».

و موثّقة سماعة: «لا تصلّ الغداة و المغرب إلّا بأذان و إقامة، و رخّص في سائر الصلوات بالإقامة، و الأذان أفضل» «2».

و صحيحة ابن سنان: «يجزئك في الصلاة إقامة واحدة إلّا الغداة و المغرب» «3» إلى غير ذلك.

و للمغرب إلى صحيحة عمر بن يزيد: عن الإقامة بغير أذان في المغرب، قال: «ليس به بأس، و ما أحبّ أن يعتاد» «4».

و للمسافر إلى صحيحة محمّد و الفضيل: «يجزئك إقامة في السفر» «5».

و صحيحة البصري: «يجزئ في السفر إقامة واحدة بغير أذان» «6».

و الأخرى: «يقصر الأذان في السفر كما يقصر الصلاة، يجزئ إقامة واحدة» «7».

و مطلقا إلى صحيحة الحلبي: عن الرجل هل يجزئه في السفر و الحضر إقامة

______________________________

(1) التهذيب 2: 49- 161، الاستبصار 1: 299- 1104، الوسائل 5: 386 أبواب الأذان و الإقامة ب 6 ح 3.

(2) التهذيب 2: 51- 167، الاستبصار 1: 299- 1106، الوسائل 5: 387 أبواب الأذان و الإقامة ب 6 ح 5.

(3) التهذيب 2: 51- 168، الاستبصار 1: 300- 1107، الوسائل 5: 387 أبواب الأذان و الإقامة ب 6 ح 4.

(4) التهذيب 2: 51- 169، الاستبصار 1: 300- 1108، الوسائل 5: 387 أبواب الأذان و الإقامة ب 6 ح 6.

(5) التهذيب 2: 52- 172، الوسائل 5: 385 أبواب الأذان و الإقامة ب 5 ح 7.

(6) الفقيه 1: 189- 900، الوسائل 5: 384 أبواب الأذان و الإقامة ب 5 ح 1.

(7) التهذيب 2: 51- 170، الوسائل 5: 385 أبواب الأذان و الإقامة

ب 5 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 518

ليس معها أذان؟ قال: «نعم لا بأس به» «1».

و صحيحة محمد: «إذا أذّنت و أقمت صلّى خلفك صفّان من الملائكة، و إذا أقمت صلّى خلفك صفّ من الملائكة» «2».

و المروي في قرب الإسناد: تحضر الصلاة و نحن مجتمعون في مكان واحد يجزئنا إقامة بغير أذان؟ قال: «نعم» «3».

و في الإقامة للنساء إلى صحيحة جميل: عن المرأة أ عليها أذان و إقامة؟

فقال: «لا» «4».

و المرويين في الخصال: «ليس على النساء أذان و لا إقامة» «5» و نحوهما في الدعائم «6».

و في العلل: المرأة عليها أذان و إقامة؟ فقال: «إن كانت تسمع أذان القبيلة فليس عليها أكثر من الشهادتين» «7».

و في صحيحة زرارة: «إذا شهدت الشهادتان حسبها» «8».

و للمنفرد إلى المروي في الدعائم- المنجبر بما مرّ- عن علي عليه السلام:

«لا بأس أن يصلّي الرجل بنفسه بلا أذان و إقامة» «9».

و الاستدلال لعدم وجوبهما بالإجماع المركّب، و جعلهما في الرضوي من

______________________________

(1) التهذيب 2: 51- 171، الوسائل 5: 384 أبواب الأذان و الإقامة ب 5 ح 3.

(2) التهذيب 2: 52- 174، الوسائل 5: 381 أبواب الأذان و الإقامة ب 4 ح 2.

(3) قرب الإسناد: 163- 596، الوسائل 5: 385 أبواب الأذان و الإقامة ب 5 ح 10.

(4) الكافي 3: 305 الصلاة ب 18 ح 18، التهذيب 2: 57- 200، الوسائل 5: 406 أبواب الأذان و الإقامة ب 14 ح 3.

(5) الخصال 511- 2 و 585- 12، مستدرك الوسائل 4: 34 أبواب الأذان و الإقامة ب 13 ح 2.

(6) دعائم الإسلام 1: 146، مستدرك الوسائل 4: 34 أبواب الأذان و الإقامة ب 13 ح 1.

(7) علل الشرائع: 355- 1، الوسائل

5: 407 أبواب الأذان و الإقامة ب 14 ح 8.

(8) التهذيب 2: 57- 201، الوسائل 5: 405 أبواب الأذان و الإقامة ب 14 ح 2.

(9) دعائم الإسلام 1: 146، مستدرك الوسائل 4: 25 أبواب الأذان و الإقامة ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 519

السنن اللازمة و أنّهما ليستا بفريضة «1»، و قوله في بعض الصحاح بعد التصريح بجواز ترك الأذان و الاكتفاء بالإقامة: بأنّ الأذان و الإقامة في جميع الصلوات أفضل «2»، ضعيف، لعدم ثبوت الأول، و عدم صراحة السنّة في الاستحباب، لجواز كونها مقابل الفرض بمعنى الثابت بالكتاب، و جواز كون المفضّل عليه الإقامة فقط.

خلافا للمحكي عن العماني «3»، فأوجبهما مطلقا في المغرب و الغداة و صلاة الجمعة، و الإقامة في باقي الصلوات.

و الإسكافي «4»، فكذلك على الرجال.

و عن جمل السيّد «5»، فأوجبهما في الثلاثة على الرجال و النساء مطلقا، و على الرجال خاصة في كلّ صلاة جماعة، و الإقامة عليهم خاصة في كلّ صلاة.

و عن الشيخين و القاضي و ابن حمزة «6»، فأوجبوهما في الجماعة خاصة.

كلّ ذلك لروايات قاصرة من حيث الدلالة، لحصرها بكثرتها بين مشتمل على ذكر عدم الإجزاء المحتمل لإرادة الإجزاء عن الواجب و في الصحة، أو عن الاستحباب و في الفضيلة، و حاصله الإجزاء عن المطلوب، بل هو حقيقة الإجزاء من غير مدخلية للوجوب أو الاستحباب، فعدّ الأخير خلاف الظاهر خلاف الواقع، مع إشعار بل دلالة في بعض ما يتضمّنه على الاستحباب [1]، و بين

______________________________

[1] و هو رواية أبي بصير المذيلة بقوله: «فإنه ينبغي أن تؤذّن فيهما و تقيم» فإن قوله: «ينبغي» ظاهر في الاستحباب بل بمعناه بالنسبة إلى الأذان فكذا بالنسبة إلى الإقامة لوحدة السياق.

منه رحمه اللّه تعالى. الكافي 3: 303 الصلاة ب 18 ح 9، التهذيب 2: 50- 163، الاستبصار 1:

299- 1105، الوسائل 5: 387 أبواب الأذان و الإقامة ب 6 ح 7.

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 98.

(2) علل الشرائع: 337- 1، الوسائل 5: 386 أبواب الأذان و الإقامة ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 4    520     المسألة الاولى: ..... ص : 515

(3) حكاه عنه في المختلف: 87.

(4) حكاه عنه في المختلف: 87.

(5) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 29.

(6) المفيد في المقنعة: 97، الطوسي في النهاية: 64، القاضي في المهذب 1: 88، ابن حمزة في الوسيلة: 91.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 520

متضمّن للجملة الخبرية أو المردّدة بين الخبرية و الإنشائية، و هما لا تفيدان أزيد من المطلوبية.

نعم، في موثّقة [عمار:] عن الرجل يؤذّن و يقيم ليصلّي وحده فيجي ء رجل آخر فيقول له: نصلّي جماعة، هل يجوز أن يصلّيا بذلك الأذان و الإقامة؟ قال:

«لا و لكن يؤذّن و يقيم» [1].

و صحيحة صفوان، المروية في العلل: «و لا بدّ في الفجر و المغرب من أذان و إقامة في الحضر و السفر» «1».

و لكنهما لا تكافئان ما مرّ، مع أنهما على فرض التكافؤ يكون تعارضهما مع بعض ما مرّ في الأذان بالتباين، و مع بعض منه أيضا بالعموم من وجه، فيرجع في الأذان إلى أصل عدم الوجوب، و يلزمه القول به في الإقامة أيضا لئلّا يلزم استعمال لفظتي: «لا يجوز» و «لا بدّ» في المعنيين، هذا.

ثمَّ إنه على المختار من القول فيهما بالاستحباب يحمل ما في الأخبار من التفصيل بإثبات أحدهما أو كليهما في بعض الصلوات أو الحالات أو لبعض دون

البعض على تأكد الاستحباب.

و على هذا فيكونان للرجال آكد منهما للنّساء، و للجامع من المنفرد، و للحاضر من المسافر، و الأذان في الصبح و المغرب منه في غيرهما، و الإقامة في الجميع من الأذان.

و المشهور تأكّدهما فيما يجهر فيه بالقراءة أيضا، و استند فيه إلى المستفيضة

______________________________

[1] الكافي 3: 304 الصلاة ب 18 ح 13، الفقيه 1: 258- 1168، التهذيب 3: 282- 834، الوسائل 5: 432 أبواب الأذان و الإقامة ب 27 ح 1، و في جميع النسخ: سماعة، و الصحيح ما أثبتناه كما سينقلها عنه في ص 533 أيضا.

______________________________

(1) علل الشرائع: 337- 1، الوسائل 5: 386 أبواب الأذان و الإقامة ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 521

الدالّة عليه في الصبح و المغرب «1».

و فيه ما فيه، إلّا أن لكون المقام مقام الاستحباب يكفي فيه الشهرة و فتوى الأصحاب.

المسألة الثانية:

لا يؤذّن لشي ء من النوافل و لا غير الخمس من الفرائض، قال في المعتبر: إنه مذهب علماء الإسلام «2». و نحوه في المنتهى «3»، و كذا الإقامة، لأنّهما وظيفتان شرعيّتان موقوفتان على التوقيف، و ليس في غير ما ذكر.

إلّا أن الأصحاب ذكروا أنه يقول المؤذّن في سائر الفرائض: «الصلاة» ثلاثا، و الظاهر أنّ مرادهم فيما يصلّي جماعة خاصة.

و ذكر جماعة «4» أنهم لم يقفوا على دليل عليه في غير صلاة العيدين. و هو كذلك، إلّا أن فتواهم تكفي لإثبات الاستحباب.

المسألة الثالثة:

ذكروا سقوط الأذان أو مع الإقامة في مواضع:

منها: إذا جمع بين الصلاتين، فيسقط أذان الثانية، ذكره العماني و الشيخ و الفاضل «5»، و جماعة «6»، بل نسب إلى المشهور [1]، بل عن الخلاف الإجماع عليه «7».

______________________________

[1] لم نعثر على من نسب إلى المشهور صريحا، و قال البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط): و المذكور في كلام غير واحد من الفقهاء أن الجامع المذكور يسقط عنه الأذان في الثانية.

______________________________

(1) انظر الوسائل 5: 386 أبواب الأذان و الإقامة ب 6.

(2) المعتبر 2: 135.

(3) المنتهى 1: 260.

(4) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 204، و صاحب الحدائق 7: 365.

(5) حكاه عن العماني في الذكرى: 174، الشيخ في الخلاف 1: 284، الفاضل في التذكرة 1:

106.

(6) منهم القاضي في المهذب 1: 90، و الكركي في جامع المقاصد 2: 170، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 240.

(7) الخلاف 1: 284

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 522

لأنّ الأذان إعلام و قد حصل بالأول.

و لصحيحة الفضيل و زرارة: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين، و بين المغرب و العشاء بأذان و إقامتين»

«1».

و نحوها صحيحة ابن سنان بزيادة قوله: «في الحضر من غير علّة» بعد لفظ: «العشاء» «2».

و رواية صفوان: إن الصادق عليه السلام جمع بين الظهرين بأذان و إقامتين، ثمَّ قال: «إنّي على حاجة فتنفّلوا» «3».

و يضعّف التعليل: بأنّه يجزئ في الأذان الإعلامي و المطلوب غيره.

و الأخبار- مع ما فيها من الإجمال، حيث لم يتعيّن أنّ المراد هل هو الجمع في الوقت، أو بترك النافلة، أو مطلق الفصل، و إن دلّ بعض الأخبار على حصول الجمع بالثاني «4»، و لكنّه غير كاف-: بأنّه لا دلالة لها على السقوط أصلا، لأنّهم قد يتركون المستحب.

و مع التسليم لا تدلّ على استناد السقوط إلى الجمع، فلعلّه لحاجة أو علّة أخرى، فتبقى عمومات الأذان في صورة الجمع خالية عن المخصّص.

فالحقّ- كما صرّح به بعض مشايخنا المحقّقين «5»- عدم السقوط.

و منها: صلاة العصر من يوم الجمعة، فإنّ في سقوط أذانها مطلقا، كما عن

______________________________

(1) الفقيه 1: 186- 885، التهذيب 3: 18- 66، الوسائل 5: 445 أبواب الأذان و الإقامة ب 36 ح 2، 3.

(2) الفقيه 1: 186- 886، الوسائل 4: 220 أبواب المواقيت ب 32 ح 1.

(3) الكافي 3: 287 الصلاة ب 9 ح 5، التهذيب 2: 263- 1048، الوسائل 4: 219 أبواب المواقيت ب 31 ح 2.

(4) انظر الوسائل 4: 224 أبواب المواقيت ب 33.

(5) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 523

المبسوط و النهاية و المقنعة [1]. أو عمّن صلّى الجمعة، كما عن السرائر «1» و الكامل، بل عن ظاهر الأول الإجماع عليه، أو مع الجمع المستحب فيه، كما هو ظاهر المحقّق و المنتهى «2»، بل نسبه فيه إلى علمائنا، أو عدم السقوط مطلقا، كما عن

الأركان، بل المقنعة «3»، و القاضي [2] أيضا، و اختاره الأردبيلي و صاحب المدارك «4».

أقوالا، أصحّها: الأخير، للعمومات، و الإطلاقات الخالية عن المخصّص و المقيّد.

و احتجّ الأول برواية حفص: «الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة» «5».

و يردّ بعدم الدلالة، إذ في المراد من الأذان الثالث احتمالات عديدة [3].

و الثاني بالإجماع على السقوط عمّن صلّى الجمعة.

و يردّ بعدم الثبوت.

و الثالث: بما مرّ من السقوط مع الجمع. و قد عرفت ضعفه.

و منها: صلاة العصر من يوم عرفة، و العشاء بمزدلفة، كما يأتي في كتاب

______________________________

[1] المبسوط 1: 151، النهاية: 107، و لم نعثر في المقنعة على السقوط مطلقا، و قال في المدارك 3:

264: ان الشيخ في التهذيب نقل عن المقنعة سقوط الأذان مطلقا. انظر التهذيب 3: 18.

[2] قال الفيض في المفاتيح 1: 116: و الأصح عدم السقوط فيه مطلقا إلّا حالة الجمع وفاقا للمفيد و القاضي .. لكن المستفاد من صريح كلامه في المهذب 1: 102 و 104 أنه لا يسقط الأذان عمن صلى الظهر و يسقط عمن صلى الجمعة.

[3] قيل: المراد بالأذان الثالث هو الذي أحدثه عثمان أو معاوية على اختلاف القولين قبل الوقت، فإن النبي صلّى اللّه عليه و آله شرّع للصلاة أذانا و إقامة فالزائد ثالث، و لعلّ الأول أذان الصبح، و الثاني الظهر، و الثالث العصر، و يحتمل غيرهما أيضا. منه رحمه اللّه تعالى.

______________________________

(1) السرائر 1: 305.

(2) المحقق في المعتبر 2: 136، المنتهى 1: 261.

(3) المقنعة: 126.

(4) الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 165، المدارك 3: 264.

(5) الكافي 3: 421 الصلاة ب 75 ح 5، التهذيب 3: 19- 67، الوسائل 7: 400 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 49 ح 1 و 2.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 4، ص: 524

الحجّ إن شاء اللّه.

و منها: قضاء الصلاة، فيسقط أذان غير الاولى منها و يكتفى فيه بالإقامة بالإجماع على الظاهر، له، و لصحيحة محمّد: عن رجل صلّى الصلاة و هو جنب اليوم و اليومين و الثلاثة ثمَّ ذكر بعد ذلك، قال: «يتطهّر و يؤذّن و يقيم في أوّلهنّ، ثمَّ يصلّي و يقيم بعد ذلك في كلّ صلاة بغير أذان حتى يقضي صلاته» «1».

و صحيحة زرارة: «إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء و كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولاهنّ فأذّن لها و أقم، ثمَّ صلّ ما بعدها بإقامة، [إقامة] لكلّ صلاة» [1].

و ظاهرهما- كظاهر عبارات جماعة- سقوطه عن غير الاولى مطلقا، سواء أدّاها في مجلس واحد أو أزيد، و لا يختص بالأولى- كما هو الظاهر ممّن قيّده بغير الاولى من ورده- لعدم المخصّص، و لذا حمل بعض مشايخنا المحقّقين الورد في كلماتهم على جميع عدد ما فات «2».

ثمَّ السقوط هنا هل هو بمعنى عدم المشروعية؟ كما هو ظاهر المدارك «3»، و غيره «4»، و هو القول المحكي في الذكرى «5» أيضا عن بعضهم أنه بمعنى أفضلية الترك، إذ لا معنى لها هنا إلّا عدم الأمر به الذي هو معنى عدم التوقيف.

أو بمعنى خفّة الاستحباب بالنسبة إلى سائر الصلوات؟ كما هو المشهور،

______________________________

[1] الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158- 340، الوسائل 5: 446 أبواب الأذان و الإقامة ب 37 ح 1، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

______________________________

(1) التهذيب 3: 159- 342، الوسائل 8: 254 أبواب قضاء الصلوات ب 1 ح 3.

(2) البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

(3) المدارك 3: 263.

(4) كالبحار 81: 166.

(5) الذكرى: 174.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4،

ص: 525

بل عليه الإجماع في الناصريات «1»، و عن الخلاف «2»، و هي المراد بقولهم: إنه لو أذّن لكل فائتة كان أفضل [1]، إذ هذا المعنى ثابت للجميع، فيكون الفرق بالخفّة و الشدّة، بل هي بعينها معنى الرخصة في سقوط الأذان على القول باستحبابه في كل موضع يقولون بالسقوط رخصة.

الأقرب: الثاني، للشهرة و الإجماع المنقول الكافيين في المقام، و إطلاق أكثر الأخبار الواردة في استحباب الأذان و الإقامة، بل عموم بعضها المعتضدة جميعا بالصحيح: «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» «3».

و خبر الساباطي: عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان و الإقامة؟

قال: «نعم» «4» لو لا المعارض.

دليل الأول: الأصل، و ظاهر الصحيحين، فإنّ أقلّهما رجحان ترك الأذان، و هو يستلزم عدم الأمر به، و بهما تقيّد الإطلاقات و تخصّص العمومات.

و يجاب عن الأصل: بوجود الدافع.

و عن الصحيحين: بالمعارضة مع الشهرة و الإجماع المحكي، فتبقى الإطلاقات و العمومات خالية عن المخصّص المعلوم، و هي كافية للمطلوب و إن لم تتمّ دلالة الصحيح المذكور، من حيث إنّ المتبادر من قوله عليه السلام: «كما فاتته» أي: بجملة أجزائها و صفاتها الداخلة تحت حقيقتها دون الأمور الخارجة عنها، و منع ذلك مكابرة صرفة، و لا الخبر المتعقّب له من حيث معارضته مع رواية موسى بن عيسى: كتبت إليه: رجل تجب عليه إعادة الصلاة أ يعيدها بأذان

______________________________

[1] كما في المختصر النافع: 27، الدروس 1: 165، و قال في البحار 81: 166 إنه المشهور بين الأصحاب.

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 192.

(2) الخلاف 1: 282- 284.

(3) غوالي اللئالي 2: 54- 143.

(4) التهذيب 3: 167- 367، الوسائل 8: 270 أبواب قضاء الصلوات ب 8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 526

و

إقامة؟ فكتب: «يعيدها بإقامة» «1».

و منها: السفر، فيسقط فيه الأذان عند أكثر أهل العلم، كما في المنتهى «2»، للمستفيضة المتقدّمة المصرّحة بإجزاء الإقامة فيه «3».

و ظاهر الأصحاب كون السقوط هنا رخصة، فيكون الأذان ثابتا فيه، بل الظاهر أنه المجمع عليه.

و تدلّ عليه صحيحة الحلبي: «إذا أذّنت في أرض فلاة و أقمت صلّى خلفك صفّان من الملائكة» الحديث «4».

و رواية بريد بن معاوية: «الأذان يقصر في السفر كما يقصر الصلاة، و الأذان واحدة واحدة» الخبر «5».

و قد يستظهر له بلفظ الإجزاء.

و فيه نظر.

و على هذا فالمراد بسقوطه فيه خفّة الاستحباب بالنسبة إلى الحضر، كما مرّ.

و منها: السامع أذان الغير و إقامته، فيسقطان عن المصلّي إذا كان إماما بلا خلاف بين الأصحاب كما قيل «6»، لرواية أبي مريم: صلّى بنا أبو جعفر بلا أذان و لا إقامة، فقلت له في ذلك، فقال: «إني مررت بجعفر و هو يؤذّن و يقيم فلم أتكلّم فأجزأني ذلك» «7».

و رواية عمرو بن خالد: عن أبي جعفر عليه السلام [قال ]: كنّا معه فسمع

______________________________

(1) التهذيب 2: 282- 1124، الوسائل 5: 446 أبواب الأذان و الإقامة ب 37 ح 2.

(2) المنتهى 1: 262.

(3) راجع ص 517، 518.

(4) التهذيب 2: 52- 173، الوسائل 5: 381 أبواب الأذان و الإقامة ب 4 ح 1.

(5) التهذيب 2: 62- 219، الاستبصار 1: 308- 1143، الوسائل 5: 424 أبواب الأذان و الإقامة ب 21 ح 2.

(6) انظر الرياض 1: 152.

(7) التهذيب 2: 280- 1113، الوسائل 5: 437 أبواب الأذان و الإقامة ب 30 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 527

أذان جار له بالصلاة، فقال: «قوموا»، فقمنا فصلّينا معه بغير أذان و لا إقامة، قال: «يجزئكم أذان جاركم»

[1].

و صحيحة ابن سنان: «إذا أذّن مؤذّن فنقص الأذان و أنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه» «1».

و مقتضى هذه النصوص- كصريح كثير من العبارات- عدم الفرق في المؤذّن بين مؤذّن المصر أو المسجد أو المنفرد، بل قيل: إنّ ظاهر الخبرين الأوّلين كونه منفردا «2»، فتخصيص المسالك بالأوّلين «3»، لا وجه له.

و كذا إذا كان المصلّي منفردا على الأظهر بل الأشهر- كما قيل- و إن أنكره بعض من تأخّر «4»، لإطلاق الصحيحة، بل إطلاق قوله: «يجزئكم أذان جاركم» في رواية ابن خالد. و كونهم جامعين حينئذ غير موجب لتقييده به. إلّا أنهما مخصوصان بالأذان، فالتعدّي في المنفرد إلى الإقامة أيضا- كما ذكره من ذكره «5»- مشكل.

و الاستدلال بالأولوية من الجامع فاسد، لمنعها سيّما مع عدم معلومية العلّة، و الإجماع المركّب غير معلوم، فالاقتصار فيه على سقوط الأذان خاصة أولى.

و كذا إذا تكلّم بعد الإقامة، فلا تسقط حينئذ، بل تستحب إعادتها، لما مرّ من استحبابها بعد التكلّم، و لعدم دليل على سقوطها حينئذ، لاختصاص

______________________________

[1] التهذيب 2: 285- 1141، الوسائل 5: 437 أبواب الأذان و الإقامة ب 30 ح 3، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) التهذيب 2: 280- 1112، الوسائل 5: 437 أبواب الأذان و الإقامة ب 30 ح 1.

(2) الرياض 1: 152.

(3) المسالك 1: 28.

(4) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

(5) صاحب المدارك 3: 300.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 528

الصحيحة بالأذان، و عدم عموم و لا إطلاق في الأوليين، لورودهما في واقعة خاصة، بل في أولاهما التصريح بعدم التكلّم، و بأنه العلّة في الإجزاء، فتبقى أصالة عدم سقوطها حينئذ خالية عن الدافع، بخلاف الأذان، فإنّ إطلاق الأخيرتين كاف في

دفعها، و لا يعارضه التقييد بعدم التكلّم في الأولى، إذ لعلّه لسقوطهما معا.

ثمَّ إنّ سقوطهما حينئذ هل هو رخصة، فتستحب إعادتهما أيضا أم عزيمة؟

الظاهر: الثاني و إن اتّسع الوقت بين السماع و الصلاة، وفاقا للمحكي عن المبسوط [1]، و محتمل الذكرى «1»، لأنّه مقتضى لفظ الإجزاء، إذ معناه كفايته عن الأذان أو الإقامة المأمور به، فإذا اكتفى عنه فلا يبقى أمر آخر.

و أيضا: مقتضى استحباب الإعادة عدم إجزاء المسموع، و هو مخالف مدلول النصوص.

و خلافا لجماعة من المتأخّرين «2» فقالوا بالأول، و إليه يميل كلام المدارك و الذخيرة «3»، للعمومات، و عدم منافاة الإجزاء لها، و ظاهر الصحيحة، فإنّ ظاهر قوله: «و أنت تريد أن تصلّي بأذانه» التخيير بين الصلاة به و عدمها، و للأمر بإعادتهما للمنفرد إذا أذّن و أقام ثمَّ أراد الجماعة «4».

و يردّ الأول: بتخصيص العمومات بما مرّ، إذ لولاه و بقاء ما أمر به بالعموم فما الذي أجزأ عنه السماع؟! و الثاني: بأن مقتضاه التخيير بين الصلاة بأذانه و عدم الصلاة، لا بينها

______________________________

[1] لم نجده في المبسوط و لم نعثر على حاكيه عنه.

______________________________

(1) الذكرى: 173.

(2) كالكركي في جامع المقاصد 2: 193، و الفيض في المفاتيح 1: 116، و صاحب الحدائق 7:

430.

(3) المدارك 3: 300، الذخيرة: 258.

(4) تقدم في ص 520 و يأتي أيضا في ص 533.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 529

و الصلاة بأذان نفسه، و سبب التقييد بذلك أنّ استحباب إتمام ما نقص إنّما هو على من أراد الصلاة بذلك الأذان دون غيره ممّن صلّى أو لا يريد الصلاة.

هذا إذا لم يكن المسموع أذان الجماعة و إقامتها، و السامع إمام هذه الجماعة أو مأمومها. و أمّا فيه فالظاهر عدم

الخلاف في عدم استحباب الإعادة و كون السقوط عزيمة، بل قيل: إنّ على تركهما حينئذ إطباق المسلمين كافة «1». و هو كذلك.

كما أنّ الظاهر أن الكلام في الأذان للصلاة دون الأذان المستحب للإعلام و إعلاء شعائر الإسلام، فلا يسقط ذلك بسماع غيره، للأصل، و اختصاص الأخبار بالأوّل.

و على هذا فلا منافاة بين السقوط بالسماع و بين ما مرّ من جواز أذان جمع في محل، مع أن السقوط بالسماع إنّما هو بعد سماع تمام الأذان، فلا يسقط بسماع البعض و لا بشروع الغير، فيمكن اجتماع جمع على الأذان للصلاة قبل إتمام واحد منهم.

و منها: من جاء مسجدا صلّيت فيه جماعة و لمّا تتفرّق صفوف الجماعة، فيسقط عنه الأذان و الإقامة، و يكتفي بأذانهم و إقامتهم، سواء فرغوا من صلاتهم أم لا، للمستفيضة من النصوص، المنجبر ضعف ما فيه ضعف منها بالشهرة المحقّقة و المحكيّة.

منها: رواية عمرو بن خالد: «دخل رجلان المسجد و قد صلّى عليّ عليه السلام بالناس فقال لهما: إن شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه و لا يؤذّن و لا يقيم» «2».

و السكوني: «إذا دخل الرجل المسجد و قد صلّى أهله فلا يؤذّننّ و لا يقيمنّ»

______________________________

(1) كما في المدارك 3: 300.

(2) التهذيب 2: 281- 1119 و ج 3: 56- 191، الوسائل 5: 430 أبواب الأذان و الإقامة ب 25 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 530

الحديث «1».

و إطلاقهما و إن اقتضى سقوط الأذان و الإقامة مطلقا إلّا أنه مقيّد ببقاء الصفوف بالإجماع و الأخبار:

كموثقة أبي بصير: الرجل يدخل في المسجد و قد صلّى القوم أ يؤذّن و يقيم؟

قال: «إن كان دخل و لم يتفرّق الصفّ صلّى بأذانهم و إقامتهم، و إن كان تفرّق الصفّ

أذّن و أقام» «2».

و روايته: عن الرجل ينتهي إلى الإمام حين يسلّم، فقال: «ليس عليه أن يعيد الأذان فليدخل معهم في أذانهم، فإن وجدهم قد تفرّقوا أعاد الأذان» «3».

و المراد ببقاء الصفوف هنا بقاء بعض المصلّين و لو كان واحدا، كما صرّح به شيخنا الشهيد الثاني «4»، لرواية أبي علي: كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ أتاه رجل فقال: جعلت فداك، صلّينا في المسجد الفجر و انصرف بعضنا و جلس بعض بالتسبيح، فدخل علينا رجل المسجد فأذّن فمنعناه و دفعناه عن ذلك، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «أحسنت، ادفعه عن ذلك و امنعه أشدّ المنع» الحديث «5»، فإنّ البعض يصدق على الواحد أيضا و لو كان إماما.

و بها يقيّد إطلاق التفرّق في روايتي أبي بصير، الشامل لذهاب البعض أو الأكثر أيضا، لعمومهما بالنسبة إليها.

و يشترط كون البعض جالسا في مقام صلاته، فلو انصرف عنه الجميع لم

______________________________

(1) التهذيب 3: 56- 195، الوسائل 5: 431 أبواب الأذان و الإقامة ب 25 ح 4.

(2) التهذيب 2: 281- 1120، الوسائل 5: 430 أبواب الأذان و الإقامة ب 25 ح 2.

(3) الكافي 3: 304 الصلاة ب 18 ح 12، التهذيب 2: 277- 1100، الوسائل 5: 429 أبواب الأذان و الإقامة ب 25 ح 1.

(4) المسالك 1: 26.

(5) الفقيه 1: 266 1215، التهذيب 3: 55- 190، الوسائل 8: 415 أبواب صلاة الجماعة ب 65 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 531

يسقط و لو بقي بعضهم في المسجد.

و هل يكفي بقاؤهم و جلوسهم كلا أو بعضا مطلقا كما هو مقتضى إطلاق بعض العبارات، أم يشترط اشتغالهم بالصلاة أو التعقيب؟ الظاهر: الأول، لإطلاق الروايتين، و هما و إن

اختصّتا بصورة عدم تفرّق الصفوف المختصّ ببقاء الجميع إلّا أنّه يتعدّى إلى غيره بالإجماع المركّب.

و لا تعارضهما رواية أبي علي حيث قيّد فيها الجلوس بالتسبيح، لأنّه إنّما هو في السؤال.

و الأظهر الموافق لظاهر أكثر كلمات الأصحاب كما قاله بعضهم، بل عدا ابن حمزة كما ذكره الآخر «1»: شمول الحكم بالسقوط للجامع و المنفرد.

لا لأجل اقتضاء ثبوته في الأول الذي يتأكّد فيه الأذان و الإقامة- حتى قيل بالوجوب فيه «2»- ثبوته في الثاني بالطريق الأولى، لمنع الأولويّة، لجواز أن تكون الحكمة في السقوط مراعاة جانب إمام المسجد الراتب بترك ما يوجب الاجتماع ثانيا، و هي مفقودة في المنفرد.

بل لإطلاق غير الاولى من الروايات.

و عدم صحّتها سندا عندنا غير ضائر، مع أنّ منها الموثّق و هو كالصحيح عندهم حجّة، سيّما مع انجبارها بما مرّ من الشهرة المحكية.

خلافا للمحكي عن ابن حمزة، فخصّه بالجماعة «3»، للأصل و العمومات.

و كذا الظاهر شموله للجائي بقصد درك الجماعة أو غيره، و اتّحاد صلاته مع صلاتهم أو اختلافها، كلّ ذلك للإطلاق. و كون ذلك في المسجد أو غيره، لإطلاق رواية أبي بصير.

______________________________

(1) الرياض 1: 148.

(2) راجع ص 519 الرقم 6.

(3) حكاه عنه في الذخيرة: 253.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 532

و في الكلّ خلاف يندفع بما ذكر من الإطلاق، و صرفه إلى الغالب- و هو وقوع الجماعة في المسجد و اتّحاد الصلاتين- مردود: بمنع الغلبة بحيث يتبادر من الإطلاق جدّا.

و لو صلّى الجاءون جماعة بلا أذان و إقامة، فدخل ثالث فيؤذّن و يقيم، إلّا أن يبقى واحد من الجماعة الأولى جالسا في محلّه.

نعم، يشترط كون الإمام ممّن يقتدي به المصلّي، فلو كان غيره أذّن و أقام، لرواية ابن عذافر: «أذّن خلف

من قرأت خلفه» «1».

و رواية معاذ: «إذا دخل الرجل المسجد و هو لا يأتمّ بصاحبه و قد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذّن و أقام أن يركع فليقل: ..» الحديث «2».

ثمَّ السقوط هنا هل هو عزيمة فلا يستحبّان أصلا، أو رخصة فيستحبّان و إن خفّ؟ فيه قولان، كلّ منهما لجماعة [1]. أصحّهما: الأول، للأمر بتركهما في الأخبار المتقدّمة، و أقلّه الرجحان المنافي للتوقيف.

مضافا إلى الأمر بالمنع الشديد بل الأشدّ في رواية أبي علي.

احتجّ الثاني: بالأصل، و العمومات.

و موثّقة عمّار: عن الرجل أدرك الإمام حين سلّم، قال: «عليه أن يؤذّن و يقيم و يفتتح الصلاة» «3».

و رواية ابن شريح، و فيها: «و من أدركه و قد سلّم فعليه الأذان

______________________________

[1] من الجماعة الأولى: الشيخ في التهذيب 3: 55، و البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط)، و من الجماعة الثانية: الفيض في المفاتيح 1: 116، و المجلسي في البحار 81: 172.

______________________________

(1) الفقيه 1: 251- 1130، التهذيب 3: 56- 192، الوسائل 5: 443 أبواب الأذان و الإقامة ب 34 ح 2.

(2) الكافي 3: 306 الصلاة ب 18 ح 22، التهذيب 2: 281- 1116، الوسائل 5: 443 أبواب الأذان و الإقامة ب 34 ح 1.

(3) الفقيه 1: 258- 1170، التهذيب 3: 282- 836، الوسائل 5: 431 أبواب الأذان و الإقامة ب 25 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 533

و الإقامة» «1».

و الأول مدفوع بما مرّ، و الثاني مخصوص به، و الأخيرتان محمولتان على صورة التفرق، كما هو صريح التفصيل في رواية أبي بصير.

و استبعاده لا وجه له أصلا، إذ لا شك أنّ بعد التسليم يعمّ صورتي التفرّق و عدمه، فيجب تخصيصه بعد وجود الخاص.

فائدة

: قد

عرفت اختلافهم في بعض مواضع السقوط في أنه هل هو عزيمة أو رخصة، و مرجع الرخصة على القول بوجوب الأذان و الإقامة إلى الاستحباب.

و أمّا على القول باستحبابهما فلا يظهر لها من الأخبار الدالّة على السقوط سوى خفّة الاستحباب، كما أشرنا إليه، و تأويلها إلى أنه تكون الصلاة بدونهما في هذه المواضع كالصلاة معهما في غيرها فضيلة و ثوابا أو غير ذلك ممّا لا دليل عليه.

و على هذا فتخصيصهم السقوط رخصة ببعض المواضع مع تفاوت مراتب الاستحباب في مواضع أخر أيضا كما ذكر، و التعبير هنا بالرخصة و فيها بالخفّة، لا وجه له، و لعلّه ممّا ذكره الموجبون فتبعهم غيرهم فيه، فتأمّل.

المسألة الرابعة:

لو أذّن و أقام بنية الانفراد ثمَّ أراد الاجتماع استحبّ الاستئناف لهما، وفاقا للمشهور، بل قيل: الظاهر عدم الخلاف فيه بين الأصحاب «2».

لموثّقة عمّار: عن الرجل يؤذّن و يقيم ليصلّي وحده فيجي ء رجل آخر فيقول له: نصلّي جماعة، هل يجوز أن يصلّيها بذلك الأذان و الإقامة؟ قال: «لا و لكن يؤذّن و يقيم» «3».

و ضعفها- لو كان- منجبر بالشهرتين بل الإجماعين، فردّ الحكم لضعف سندها فاسد.

______________________________

(1) الفقيه 1: 265- 1214، الوسائل 8: 415 أبواب صلاة الجماعة ب 65 ح 4.

(2) كما في الحدائق 7: 389.

(3) الكافي 3: 304 الصلاة ب 18 ح 13، الفقيه 1: 258- 1168، التهذيب 2: 277- 1101 و ج 3: 282- 834، الوسائل 5: 432 أبواب الأذان و الإقامة ب 27 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 534

الفصل الرابع: في بيان بقية أحكامهما
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى:

لو ترك الأذان و الإقامة حتى دخل في الصلاة، فإن كان ساهيا، استحب التدارك، و استئناف الصلاة إن تذكّر قبل الركوع، و يتمّ الصلاة إن تذكّر بعده.

و إن كان متعمّدا، أتمّها مطلقا و لم يجز الرجوع، وفاقا للسيد في المصباح «1»، و الشيخ في الخلاف [1]، و الشرائع و النافع و المنتهى و التذكرة و القواعد و شرحه و المدارك «2»، بل الأكثر، بل كافّة من تأخّر، كما صرّح به غير من شذّ و ندر «3».

و يدلّ على الأوّلين صحيحة الحلبي: «إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذّن و تقيم ثمَّ ذكرت قبل أن تركع فانصرف و أذّن و أقم و استفتح الصلاة، و إن كنت قد ركعت فأتمّ على صلاتك» «4».

و الأمر بالانصراف فيها محمول على الندب بقرينة قوله: «و أذّن» المحمول عليه، و دلالة الصحيحة النافية لوجوب شي ء عليه، و هي صحيحة داود: في رجل نسي الأذان و الإقامة حتى دخل في الصلاة، قال: «ليس عليه شي ء» «5».

______________________________

[1] لم نعثر عليه في الخلاف و لكن حكاه عنه صاحب المدارك 3: 273، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 258، و حكى خلافه عنه المحقق في المعتبر 2: 129.

______________________________

(1) نقله عنه في المعتبر 2: 129.

(2) الشرائع 1: 75، المختصر النافع: 27، المنتهى 1: 16، التذكرة 1: 109، القواعد 1: 30، جامع المقاصد 2: 198، المدارك 3: 273.

(3) منهم صاحب الرياض 1: 145.

(4) التهذيب 2: 278- 1103، الاستبصار 1: 304- 1127، الوسائل 5: 434 أبواب الأذان و الإقامة ب 29 ح 3.

(5) التهذيب 2: 285- 1140، الاستبصار 1: 305- 1131، الوسائل 5: 434 أبواب الأذان و الإقامة ب 29 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 4، ص: 535

و على بعض أفراد الثاني: رواية الكناني: عن رجل نسي الأذان حتى صلّى قال: «لا يعيد» «1» و نحوها إحدى روايتي أبي بصير «2»، و قريبة منها الأخرى [1].

و على الثالث: دليل تحريم إبطال الصلاة، و مفهوم صدر الصحيحة، فإنّ ما يعطف على ما بعد حرف الشرط ثمَّ يذكر بعده الجزاء يكون جزءا من الشرط، فإذا فقد فقد المشروط، كما صرّح به فخر المحقّقين «3».

خلافا للنهاية و السرائر «4»، فقالا بالعكس، فينصرف و يتدارك مع العمد قبل الركوع و يتمّ بعده، و مع النسيان مطلقا.

و لعلّ حجّتهما على الجزء الأول مفهوم رواية نعمان الرازي: رجل نسي أن يؤذّن و يقيم حتى كبّر و دخل في الصلاة، قال: «إن كان دخل المسجد و من نيّته أن يؤذّن و يقيم فليمض في صلاته و لا ينصرف» «5».

دلّ على أنه إن لم يكن من نيته ذلك ينصرف و هو معنى التعمّد، و لا ينافيه اختصاص السؤال بالناسي بعد التفصيل في الجواب.

و على الثاني: الأصل، و الإجماع، و اختصاص ما دلّ على جواز الانصراف بما قبل الركوع.

و على الثالث: صحيحة زرارة: عن رجل نسي الأذان و الإقامة حتى دخل

______________________________

[1] لم نعثر على رواية أخرى لأبي بصير.

______________________________

(1) التهذيب 2: 279- 1108، الاستبصار 1: 303- 1123، الوسائل 5: 433 أبواب الأذان و الإقامة ب 28 ح 1.

(2) التهذيب 2: 279- 1109، الاستبصار 1: 303- 1124، الوسائل 5: 433 أبواب الأذان و الإقامة ب 28 ح 2.

(3) إيضاح الفوائد 1: 97.

(4) النهاية: 65، السرائر 1: 209.

(5) التهذيب 2: 279- 1107، الاستبصار 1: 303- 1122، الوسائل 5: 436 أبواب الأذان و الإقامة ب 29 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4،

ص: 536

في الصلاة، قال: «فليمض في صلاته إنّما الأذان سنّة» «1» و قريبة منها الأخرى «2».

و يجاب عنه- بعد تسليم دليل الثاني- أمّا عن دليل الأول: فبعدم استلزام عدم نية الأذان و الإقامة حين دخول المسجد تعمّد تركهما، غايته شمولها له أيضا، فتكون دلالتها عليه بالعموم، فيعارض مفهوم صدر صحيحة الحلبي، و يرجع إلى أصل تحريم إبطال العمل، مضافا إلى المخالفة للشهرة المخرجة له عن الحجية.

و أمّا عن دليل الثالث: فبمعارضته مع منطوق الصحيحة و هي أخصّ مطلقا منه، لاختصاصها بما قبل الركوع، و عمومه له و لما بعده، فيجب تخصيصه بها.

مضافا إلى ما قيل من عدم دلالته إلّا على عدم الرجوع لا حرمته «3».

و لكن فيه نظر، لأنّ الأمر بالإمضاء إيجاب له و تحريم لضدّه.

و للمحكي عن المبسوط «4»، فأطلق جواز الرجوع قبل الركوع، و حجته في الصورتين حجة الفريقين فيهما، و جوابه يظهر ممّا مرّ.

و لطائفة أخرى، فقالوا في المسألة بأقوال شاذة يدفعها شذوذها، كروايات أخر واردة في المسألة دالّة على التفرقة بين قبل الشروع في القراءة و بعده «5»، أو على جواز الرجوع في الإقامة ما لم يفرغ من صلاته «6»، حيث إنّ عدم القائل بمضمونها أو ندرتها يمنع عن العمل بها.

______________________________

(1) التهذيب 2: 285- 1139، الاستبصار 1: 304- 1130، الوسائل 5: 434 أبواب الأذان و الإقامة ب 29 ح 1.

(2) التهذيب 2: 279- 1106، الاستبصار 1: 302- 1121، الوسائل 5: 436 أبواب الأذان و الإقامة ب 29 ح 7.

(3) كما في الرياض 1: 146.

(4) حكاه عنه في الحدائق 7: 367.

(5) انظر: الوسائل 5: 435، 436 أبواب الأذان و الإقامة ب 29 ح 5 و 9.

(6) انظر: الوسائل 5: 433 أبواب الأذان

و الإقامة ب 28 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 537

ثمَّ إنّ جواز الرجوع هل يختص بترك الأذان و الإقامة معا، كما هو ظاهر بعض العبارات «1» و مفاد الصحيحة الأولى، أو يجوز لترك الأذان خاصة أيضا كبعض آخر «2»، أو لترك الإقامة خاصة كثالث «3»؟ الأحوط: الأول.

و غاية الاحتياط عدم الرجوع لترك شي ء منهما، إذ غايته الاستحباب المعارض لاحتمال التحريم.

المسألة الثانية:

يستحب حكاية الأذان عند سماعه بلا خلاف، كما قيل «4»، بل بالإجماع كما استفاض به النقل «5»، له، و للمستفيضة من النصوص:

كصحيحة محمد: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا سمع المؤذّن يؤذّن قال مثل ما يقول في كلّ شي ء» «6».

و مرسلة الفقيه: «و لو سمعت المنادي ينادي بالأذان و أنت على الخلاء فاذكر اللّه عزّ و جلّ و قل كما يقول المؤذّن» «7».

و في أخرى: «من سمع الأذان و قال كما يقول المؤذّن زيد في رزقه» «8».

و في المرويين في العلل و الخصال أيضا: أنه يزيد في الرزق «9».

و ظاهر هذه الأخبار استحباب حكاية جميع الفصول حتى الحيّعلات.

______________________________

(1) انظر: المهذب 1: 89.

(2) انظر: الشرائع 1: 75، المسالك 1: 27.

(3) الرياض 1: 146.

(4) انظر: المدارك 3: 293.

(5) كما في الخلاف 1: 285، الذكرى: 170، الرياض 1: 152.

(6) الكافي 3: 307 الصلاة ب 18 ح 29، الوسائل 5: 453 أبواب الأذان و الإقامة ب 45 ح 1.

(7) الفقيه 1: 187- 892، الوسائل 5: 454 أبواب الأذان و الإقامة ب 45 ح 2.

(8) الفقيه 1: 189- 904، الوسائل 5: 455 أبواب الأذان و الإقامة ب 45 ح 4.

(9) علل الشرائع: 284- 4، الخصال: 504- 2، الوسائل 1: 314 أبواب أحكام الخلوة ب

8 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 538

و يجوز الحولقة بعد الحيّعلات كما في أكثر نسخ الدروس «1»، للمروي مرسلا في المبسوط: «إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يفعل كذلك» «2».

و كونه عاميا على الظاهر- لرواية مسلم نحوه في صحيحه «3»- لا ينافي جوازه مع كونه ذكرا حسنا في كلّ حال، بل تعليل استحباب حكاية الأذان به في بعض الروايات «4» يثبت استحبابه، بل الرواية مثبتة له و إن كانت عامية، للتسامح في أدلّة السنّة. و ذلك غير مناف لاستحباب الحكاية أيضا.

فجعل قول الدروس خروجا عن ظواهر النصوص، و الاستشكال فيه بمجرد هذه الرواية، غير جيّد، مع أنّ في بعض نسخه: و يجوز في الصلاة إلّا الحيّعلات فيحولق. و حينئذ لا غبار عليه، كما ذكره جمع من الأصحاب «5» حيث أبطلوا الصلاة بحكاية الحيّعلات، و بدّلوها فيها بالحولقة منضمّة إلى سائر الفصول جوازا لا استحبابا، بل خصّوا استحباب الحكاية مطلقا بغير حال الصلاة تقديما للإقبال المطلوب في الصلاة، و اقتصارا على ما تيقّن شمول عموم الأخبار له، و هو لحال الصلاة غير متيقّن.

و لعلّ وجهه- مع كونها أخفى الحالات- أنّ شموله لها يستلزم تخصيص المحكي حينئذ بغير الحيّعلات، و هو ليس بأولى من تخصيص الحكاية بغير حال الصلاة. إلّا أن يمنع التخصيص الأوّل إمّا باعتبار كون الحيّعلات أيضا ذكرا جائزا في الصلاة، كما يدلّ عليه تعليل الحكاية في بعض الروايات بكون ذكر اللّه حسنا في كلّ حال، أو باعتبار شمول الأمر بالحكاية لها فيستثنى بها من الكلام

______________________________

(1) الدروس 1: 163.

(2) المبسوط 1: 97.

(3) صحيح مسلم 1: 289- 12.

(4) الفقيه 1: 187- 892، الوسائل 5: 454 أبواب الأذان و الإقامة ب 45

ح 2.

(5) منهم الشيخ في المبسوط 1: 97، و الكركي في جامع المقاصد 2: 191، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 27.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 539

الممنوع في الصلاة.

و لكن في الاعتبارين نظر.

أمّا الأول: فلأن إطلاق ذكر اللّه على الحيّعلات لو سلّم مجاز قطعا، و الثابت جوازه في الصلاة ليس إلّا الذكر الحقيقي.

و أمّا الثاني: فلمنع شمول الأخبار لحال الصلاة، كما لا يخفى على المتأمّل فيها.

ثمَّ إنه لا شك في استحباب الحكاية مع كلّ فصل، و في بعض الأخبار دلالة عليه.

و هل يستحب بعد تمام الفصول لو لم يحكها معها؟ صرّح جملة من الأصحاب بالعدم، لفوات المحل «1».

و عن المبسوط و الخلاف، و التذكرة: الاستحباب [1]، و هو مقتضى عموم بعض الروايات.

و هل يختص الحكم بالأذان أم يعمّ الإقامة أيضا؟ مقتضى الأصل و اختصاص النصوص و أكثر الفتاوى: الأول «2».

و المحكي عن المبسوط و المهذّب و النهاية: الثاني «3»، و وجّه بعموم التعليل في بعض الأخبار بأنّ ذكر اللّه حسن على كلّ حال.

و عمومه ممنوع كما لا يخفى على الناظر فيه.

______________________________

[1] قال في المبسوط 1: 97: .. كان مخيرا إن شاء قاله و إن شاء لم يقله ليس لأحدهما مزية على الآخر إلّا من حيث كان تسبيحا أو تكبيرا، لا من حيث كان أذانا.

و أمّا الخلاف فلم نعثر عليه فيه، و حكى عنه في الحدائق 7: 425 مثل ما قاله في المبسوط.

و قال في التذكرة 1: 109: كان مخيرا بين الحكاية و عدمها.

______________________________

(1) انظر: الذكرى: 170، و الذخيرة: 256.

(2) انظر: جامع المقاصد 2: 192، و المسالك 1: 27، و روض الجنان: 246، و كشف اللثام 1:

209.

(3) المبسوط 1: 97، المهذب 1: 90، النهاية:

67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 4، ص: 540

و ذكر جماعة اختصاص الاستحباب حكايته بالأذان المشروع «1».

و للنظر فيه مجال، لإطلاق الأخبار.

و يستحب لحاكي الشهادتين أن يضمّ معهما ما في رواية ابن المغيرة: «من سمع المؤذّن يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه، فقال مصدّقا محتسبا- أي حال كونه كذلك-: و أنا أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أشهد أن محمدا رسول اللّه أكتفي بهما عمّن أبى و جحد و أعين بهما من أقرّ و شهد، كان له من الأجر» الحديث «2».

و يستحب أيضا لسامع أذان الصبح و المغرب أن يقول ما في المروي في المجالس و ثواب الأعمال: «من قال حين يسمع أذان الصبح: اللهم إني أسألك بإقبال نهارك و إدبار ليلك و حضور صلاتك و أصوات دعاتك و تسبيح ملائكتك أن تتوب عليّ إنّك أنت التوّاب الرحيم، و قال مثل ذلك إذا سمع أذان المغرب، ثمَّ مات عن يومه أو ليلته تلك كان تائبا» «3».

المسألة الثالثة:

إذا أراد أن يصلّي أحد بأذان مؤذّن انفرادا أو جماعة يتمّ ما يخلّ به منه فصلا أو حرفا أو حركة، كما صرّح به في الصحيحة: «إذا أذّن مؤذّن فنقص الأذان و أنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه» «4».

و لو لم يرد الصلاة به بل حكاه استحبابا فهل يستحب إتمام ناقصه؟ ظاهر إطلاق بعض العبارات ذلك «5»، و لا بأس به.

______________________________

(1) انظر جامع المقاصد 2: 191، و المسالك 1: 27، و الرياض 1: 152.

(2) الكافي 3: 307 الصلاة ب 18 ح 30، الفقيه 1: 187- 891، الوسائل 5: 454 أبواب الأذان و الإقامة ب 45 ح 3.

(3) أمالي

الصدوق: 219- 9، ثواب الأعمال: 152، الوسائل 5: 452 أبواب الأذان و الإقامة ب 43 ح 2.

(4) التهذيب 2: 280- 1112، الوسائل 5: 437 أبواب الأذان و الإقامة ب 30 ح 1.

(5) انظر: التذكرة 1: 109، و الدروس 1: 163، و البيان: 145.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، الجزء 05

[تتمة كتاب الصلاة]

اشاره

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 5

المقصد الثاني في ماهيّة الصلاة و أفعالها بأقسامها

اشاره

و الكلام فيها: إما في الصلوات الواجبة أو المستحبة، و على التقديرين إمّا في اليوميّة أو غيرها، فهاهنا أبواب أربعة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 7

الباب الأول في أفعال الصلوات الواجبة اليومية
اشاره

و هي: إمّا واجبة أو مندوبة، فهاهنا فصلان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 9

الفصل الأول في أفعالها الواجبة
اشارة

و هي بكليّتها: النيّة، و تكبيرة الإحرام، و القيام، و القراءة، و الركوع، و السجود، و التشهد، و التسليم، نذكرها بأحكامها في ثمانية أبحاث.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 11

البحث الأول في النيّة
اشارة

و هي جزء عند طائفة [1]، و شرط عند آخرين [2]، و ظاهر بعضهم التردّد في كونها شرطا أو جزءا [3]، و هو في موقعه جدّا، و الفائدة في تحقيقه قليلة كثيرا، فالإعراض عنه أولى.

و المعتبر فيها القصد إلى الفعل تقرّبا إلى اللَّه سبحانه- كما مضى في بحث الوضوء تفصيلا و دليلا- منضمّا معه ما يعيّنه، و يميّزه إذا لم يكن هناك مميّز خارجي، و كانت الصلاة المأمور بها متعدّدة، كأن تكون الذمّة مشغولة بصلاة واجبة و مندوبة، أو أداء و قضاء، أو إجارة و نذر و غير ذلك، لأنّ ترتّب ما يستتبعه أحدهما فعلا أو تركا على ما فعله الذي عليه يتوقّف البراءة و الإجزاء، بل صدق الامتثال، يتوقّف على مرجّح، و ليس إلّا القصد بالفرض فيجب.

و القول بأن ما فعله لا مع القصد المميّز موافق لكل منهما فيكون صحيحا، إذ ليست الصحة إلّا موافقة المأمور به- كما مرّ في الوضوء- و هي ترادف الإجزاء المستلزم للبراءة.

يردّ بعدم معقولية البراءة عن واحد لا بعينه من الأمرين المختلفين آثارا و توابع، و لا الإجزاء عنه، و لازمه إما عدم تلازم البراءة و الصحة، أو عدم كون الصحة موافقة المأمور به مطلقا بل موافقة المأمور به المعيّن.

مع أن لنا أن نقول: إن الأمر بكل من الشيئين- المختلفين آثارا الغير

______________________________

[1] كالشهيد في البيان: 150.

[2] منهم المحقق في المعتبر 2: 149، و العلامة في المنتهى 1: 266، و صاحب المدارك 3: 309.

[3] كالمحقق في المختصر النافع: 29،

و الكركي في جامع المقاصد 2: 217. و الشهيد الثاني في المسالك 1: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 12

المتميّزين إلّا بالقصد- يستلزم الأمر بقصد المميّز قطعا، تحصيلا للامتثال و الإجزاء و البراءة، فالخالي عن ذلك القصد لا يكون موافقا لتمام المأمور به، فلا يكون صحيحا.

مع أن لزوم قصد المميّز في مثل ذلك قد يستفاد من الأخبار أيضا، كالأخبار الآمرة بتقديم فريضة الصبح مثلا على نافلته «1»، أو التهجّد بعد طلوع الصبح أو الحمرة «2»، و نحوها، فإنه لا يحصل التقديم و التأخير إلّا بواسطة القصد.

و كالأخبار الواردة في العدول من صلاة إلى أخرى، يصرّح به موثّقة عمّار: في الرجل يريد أن يصلّي ثماني ركعات فيصلّي عشر ركعات أ يحتسب بالركعتين من صلاة عليه؟ قال: «لا، إلّا أن يصلّيها عمدا، فإن لم ينو ذلك فلا» «3».

فإن قيل: قد مرّ في بحث الوضوء جواز انطباق ما فعل بلا قصد المميّز على واحد معيّن باختيار المكلّف بعد الفعل، فلا يثبت لزوم قصده أولا.

قلنا: الجواز لا يستلزم التعيّن و التحقق، و الأصل بقاء الاشتغال و عدم البراءة الحاصل قبل القصد المتأخر، و لا دليل على حصول البراءة بذلك القصد قطعا، و تجويز ذلك عقلا لا يفيد في دفع الاستصحاب، فيجب ضمّ القصد حال الفعل.

و هل يجب ضمّه في ابتداء الفعل، أو يكفي الانضمام في الأثناء- كأن يدخل في صلاة متردّدا بين أن يتنفّل بها للصبح أو يؤدّي فريضتها ثمَّ قصد إحداهما في الأثناء-؟.

الظاهر: الثاني، إذ ما بعد النيّة يكون من المنويّ قطعا و ينصرف ما قبلها

______________________________

(1) انظر: الوسائل 4: 266 أبواب المواقيت ب 51.

(2) انظر: الوسائل 4: 261 أبواب المواقيت ب 48.

(3) التهذيب 2: 343- 1421، الوسائل

6: 7 أبواب النية ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 13

إليه أيضا، و ذلك لأنّ وجود المركّب من أجزاء- كفريضة الصبح مثلا- ليس إلّا تحققه في الخارج منضمّة الأجزاء بعضها مع بعض، و قد تحقّق ذلك، فيكون آتيا بالمأمور به، فيكون ممتثلا، و به يدفع الأصل و الاستصحاب المتقدّمان.

نعم لما كان يلزم انصرافه إلى هذا المركّب بخصوصه قطعا يجب وجود ما يعيّنه، و قصد الباقي معيّن قطعي له، و كذا ضمّ الباقي مع ما تقدّم، بخلاف النية اللاحقة للمجموع فإن كونها معيّنة ليس قطعيا.

نعم يشترط عدم مانع من انصراف المتقدّم إلى المنوي، كقصده أوّلا لغيره، فإنه لا يفيد حينئذ، كما يأتي في مسألة أصالة عدم جواز العدول، و ستأتي زيادة تحقيق للمقام في مسألة قصد السورة قبل البسملة.

و لو كان هناك مميّز خارجي كان كافيا في الترجيح و لم يحتج إلى قصد، بل مع وجود المميّز الخارجي لا يكون المنوي و المقصود إلّا ذلك المميّز و إن لم يخطره بباله مفصّلا، لعدم إتيان العاقل بفعل بلا قصد، فإذا فعله مع المميّز يكون المقصود في خزينة خياله هو المميّز- بالفتح- البتة.

ثمَّ إنّ المميّز كما يكفي وجوده أولا، كذلك يكفي لحوقه في الأثناء، فلو شرع في صلاة متردّدا بين صلاة الآيات و الظهر مثلا و ضمّ بعد قراءة الفاتحة تتمّة صلاة الآيات كانت صحيحة، نعم لو قصد الظهر أولا لم يفد ذلك بل يبطل به، و ظهر وجهه ممّا مرّ، و يأتي في بحث السورة.

و كذلك لم يحتج إلى قصد المميّز إذا لم يكن في المأمور به تعدّد حتى يحتاج إلى مميّز.

و القول بأنّ عدم التعدّد بحسب الشريعة لا يوجب عدمه مطلقا، فإنّ

صلاة الظهر مثلا و إن لم تكن شرعا إلّا واحدة واجبة و لكن يمكن وقوعها على جهة الندب بحسب قصد المكلّف إمّا عمدا أو سهوا أو جهلا، و كذا إذا لم يكن في الذمة قضاء صلاة الظهر شرعا و لكن يمكن وقوعها بحسب قصده قضاء، و لا ريب أنها بهذه الجهة غير مأمور بها في الشريعة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 14

مردود بأنّ غير المأمور به من الأفراد خارج بقصد القربة، مع أنّ مثل هذه الأفراد غير محصورة، فكلّما اعتبر مميّز يكون له فرد آخر غير مأمور به أيضا.

و لا يعتبر في النيّة شي ء سوى ما ذكر و لو كان الوجه، أو الأداء و القضاء، أو القصر و الإتمام، أو نحو ذلك، للأصل، و عدم الدليل، إلّا إذا توقف التميز عليه فيجب لما ذكر.

و ابتداء وقتها الشروع في مقدّمات الصلاة، و يتضيّق عند أول جزء من التكبير بحيث يكون آخر جزء منها عند أول جزء منه.

و تجب استدامتها حكما إلى آخر الصلاة، كما مرّ تحقيق جميع ذلك في الوضوء.

فروع:

أ:

لو نوى قطع الصلاة و لم يقطع لم تبطل صلاته، وفاقا لجماعة منهم: المبسوط و الخلاف و الشرائع «1»، لأصالة عدمه، و عدم كونها مبطلة، فإنّه حكم وضعي يحتاج إلى ثبوت الوضع، و استصحاب الحالة الثابتة لما فعل من الأجزاء، و حرمة القطع.

و خلافا للمحكي عن كثير من المتأخرين، منهم الفاضل في المختلف و القواعد بل كثير من كتبه «2».

لاشتراط الاستدامة الحكمية المنافية لنيّة القطع.

و وجوب تحصيل البراءة اليقينيّة الغير الحاصلة مع تلك النيّة.

و عدم صدق الامتثال العرفي معها.

و إيجابها خروج ما فعله من الأجزاء عن الجزئية للصلاة و صيرورته لغوا

______________________________

(1) المبسوط 1: 102، الخلاف

1: 307، الشرائع 1: 79.

(2) المختلف: 91، القواعد 1: 31، التحرير 1: 37، نهاية الإحكام 1: 449، المنتهى 1:

267.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 15

فاسدا فلا يرجع بعده إلى الصحة.

و يجاب عن الأول: بأنّ الثابت من دليل الاستدامة ليس إلّا وجوب البقاء على حكم النيّة عند ما يفعل من أجزاء الصلاة، فلا يضرّ عدمها في حالة لا يشتغل فيها بشي ء من الصلاة.

و عن الثاني: بحصول اليقين بالبراءة شرعا بعد عدم الدليل على وجوب الزائد على ما أتى به.

و عن الثالث: بمنع منافاة تلك النيّة لصدق الامتثال، فإنّه لو أمر المولى عبده بفعل ففعله امتثالا له يعدّ ممتثلا و لو نوى في الأثناء ترك الفعل ثمَّ ندم عن ذلك القصد و أتمّ الفعل بقصد الإطاعة.

و عن الرابع: بمنع تأثير هذه النية في ما فعل و عدم فساده بها إلّا مع إيجابها بطلان الصلاة، و هو أول الكلام.

و هل يختصّ عدم البطلان بها بصورة عدم الإتيان بشي ء من أفعالها الواجبة قبل تجديد النيّة؟

صريح بعضهم نعم، لعدم الاعتداد به لخلوّه عن النيّة، و استلزام إعادته الزيادة في الصلاة [1].

أقول: هذا إنّما يتمّ فيما تستلزم زيادته البطلان، فلا يجري فيما ليس.

كذلك، كذكر الركوع و السجود، و التسبيحات في الركعتين الأخيرتين، و السورة في الصلاة المستحبة، بل في كثير من الأفعال- كالركوع و السجود- إذا خصّصنا الزيادة المبطلة بما إذا كانت بقصد الصلاة.

نعم يتجه البطلان في مثله أيضا إذا كان ما فعله قبل تجديد النيّة فعلا كثيرا مبطلا للصلاة.

و كذا الحكم لو نوى القطع بعد ذلك، فلا تبطل إلّا مع الإتيان بشي ء

______________________________

[1] كما في المدارك: 3: 315.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 16

يوجب زيادته البطلان، أو الفعل الكثير

المبطل بعد تلك النيّة و قبل التجديد.

و كذا لو علّق القطع على أمر قطعي الثبوت و لم يوجد بعد.

و لو علّقه على أمر محال أو ممكن الثبوت الموجب لجواز القطع شرعا فلا تبطل قبل وجوده أصلا، بل و كذا غير الموجب له، و أما بعد الوجود فمع رفض تلك النيّة فلا بطلان أيضا، و مع البقاء عليها فكنيّة القطع.

و الشكّ و التردّد في القطع في جميع ما مرّ كالقطع.

ب:

الأصل عدم جواز العدول من صلاة إلى أخرى مطلقا، إذ مقتضى العدول جعل ما تقدّم عليه بالنيّة السابقة- الموافق للأمر المنوي بسبب نيّته، المجزي عن الأمر التبعي بأجزائه لو لا طروّ المفسد، لما عرفت من حصول التعيين بالنية- موافقا لأمر آخر و خارجا عن الأمر الأول، و لا شك أن الأصل و الاستصحاب يقتضيان عدمه، إذ الأصل عدم امتثال الأمر الآخر و عدم تأثير النيّة المتأخرة في الموافقة، و المستصحب كفايته عن الأمر الأول، و أيضا: الاشتغال اليقيني مستصحب حتى تحصل البراءة اليقينيّة، و لا تحصل مع العدول في النيّة.

ثمَّ مقتضى ذلك الأصل، الحكم بعدم جواز العدول و عدم كونه مؤثرا إلّا في موضع ثبت فيه العدول، و قد ثبت في مواضع يجي ء بيانها في محالّها، فيحكم فيها به و ينفى عن غيرها.

ج:

لا يشترط القيام و لا سائر الشرائط في النيّة، للأصل، و عدم ثبوت الجزئية.

إلّا أن لاشتراطها في التكبيرة، الواجبة مقارنة النية لها و لو مجرد الحكمية، تنتفي في المسألة الفائدة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 17

البحث الثاني في تكبيرة الإحرام
اشارة

و هي جزء للصلاة، واجبة بالإجماع و المستفيضة من الأخبار «1»، بل ركن فيها تبطل بتركها، إجماعا منّا و من أكثر العامّة، له، و لأصالة الركنية بهذا المعنى

لكل جزء من الأجزاء الواجبة للمأمور به، لإيجاب تركه و لو جهلا أو سهوا عدم الإتيان به، و مخالفته الموجبة لعدم تحقق الامتثال و إن لم يكن المكلف مقصّرا في بعض الصور، فإنّ عدم التقصير لا يستلزم الامتثال جزما، غاية الأمر عدم المؤاخذة في نسيانه.

و للصحاح المستفيضة المصرّح جملة منها بفساد الصلاة بتركها نسيانا «2» المستلزم له مع العمد بالأولوية.

و ما في شواذّها- ممّا ينافي بظاهره ذلك- من عدم البأس بتركها نسيانا مطلقا كما في بعض «3»، أو إذا كبّر للركوع ليجتزئ به عنها كما في آخر «4»، أو قضائها قبل القراءة أو بعدها كما في ثالث «5»، أو قبل الركوع و إلّا فيمضي كما في رابع «6».

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 9 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 و ص 12 ب 2.

(2) انظر: الوسائل 6: 12 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2.

(3) الفقيه 1: 226- 999، التهذيب 2: 144- 565، الاستبصار 1: 352- 1330، الوسائل 6: 15 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 9.

(4) الفقيه 1: 226- 1000، التهذيب 2: 144- 566، الاستبصار 1: 353- 1334، الوسائل 6: 16 أبواب تكبيرة الإحرام ب 3 ح 2.

(5) الفقيه 1: 226- 1001، التهذيب 2: 145- 567، الاستبصار 1: 352- 1331، الوسائل 6: 14 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 8.

(6) التهذيب 2: 145- 568، الاستبصار 1: 352- 1332، الوسائل 6: 15 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 18

لا يصلح لمعارضتها، لشذوذه المخرج له عن الحجيّة، و لموافقته للمنقول عن جملة من المخالفين منهم الزهري و الأوزاعي و الحكم و الحسن و قتادة و ابن المسيب «1»، فيحتمل التقية.

مع احتمال الحمل على

غير تكبيرة الإحرام من تكبيرات الافتتاح، بل تعيّنه، لعمومها بالنسبة إليه، أو على صورة عدم اليقين بالترك، و إرادة نسيان الفعل و عدمه من النسيان المصرّح به.

و أما الركنية بمعنى البطلان بزيادتها أيضا عمدا أو سهوا فإثباتها بالأصل المتقدم، كما ذكره بعضهم و أصرّ عليه «2»، فغير صحيح، لأنّ زيادة شي ء لا توجب عدم موافقة ما أتى به للمأمور به، و الأصل عدم شرطية عدم الزيادة.

نعم تثبت أصالتها في جميع أجزاء الصلاة- التي منها التكبيرة- بحسنة زرارة و بكير: «إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها، و استقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا» «3» و رواية أبي بصير: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» «4».

و تخصيصهما بزيادة الركعة- كما قيل «5»- لا وجه له، و عدم إمكان إبقائهما على إطلاقهما لا يوجب التقييد بما لم يعلم تقييده به بل يقيّد بالقدر المعلوم.

مع أن الظاهر الإجماع على أن ما تبطل الصلاة بتركه سهوا تبطل بزيادته أيضا، فالترديد في إبطال زيادة التكبيرة- كما في المدارك «6»- باطل.

______________________________

(1) حكاه عنهم في المغني و الشرح الكبير 1: 541.

(2) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

(3) الكافي 3: 354 الصلاة ب 41 ح 2، التهذيب 2: 194- 763، الوسائل 8: 231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 1.

(4) التهذيب 2: 194- 764، الاستبصار 1: 376- 1429، الوسائل 8: 231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 2.

(5) انظر: الذخيرة: 359.

(6) المدارك 3: 318.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 19

و بما ذكر يخصص عموم قوله في صحيحة زرارة: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود»

«1».

و ستجي ء زيادة تحقيق لذلك في بحث الخلل.

و هاهنا مسائل:
المسألة الأولى: صورتها أن يقول: «اللَّه أكبر»

مرتّبا بين الكلمتين بتقديم الأولى على الثانية، مواليا بينهما غير فاصل و لو بسكوت أو لفظ آخر (و لو) [1] من الأسماء الحسنى، و لا مبدّلا حرفا منهما بغيره و لا كلمة بغيرها و لو كان بمعناها، و لا مغيّرا لهيئتها و لو بتعريف أكبر.

فلو خالف واحدا ممّا ذكر لم تبرأ ذمّته إجماعا كما عن الانتصار و الناصريّات و المنتهى و الغنية «2»، لاستصحاب الاشتغال بالتكبير المصرّح به في الأخبار، المتحقق يقينا بما ذكر بالإجماع، و بصحيحة حمّاد «3»، و مرسلة الفقيه «4» المصرّحتين بهذه الهيئة، الغير المعلوم تحققه بغير ما ذكر، لعدم إرادة المعنى الحقيقي المعلوم من لفظ التكبيرة هنا، و عدم ثبوت الحقيقة فيما يشمل جميع ما يؤدي المعنى، و الإجمال في المجاز المراد في المقام.

خلافا في الأخير للمحكي عن الإسكافي «5»، فجوّز التعريف على كراهة، لعدم تغيّر المعنى.

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ق».

______________________________

(1) الفقيه 1: 225- 991، التهذيب 2: 152- 597، الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9 ح 1.

(2) الانتصار: 40، الناصريات (الجوامع الفقهية): 196، المنتهى 1: 268، الغنية (الجوامع الفقهية): 557.

(3) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 961، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(4) الفقيه 1: 200- 921، الوسائل 6: 11 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 11.

(5) نقله عنه في المنتهى 1: 268.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 20

و يردّ باحتمال مدخليّة اللفظ، فلا يقطع بالبراءة بدونه.

و لأجل ما ذكر يحكم بعدم حصول البراءة مع وصل همزة «اللَّه» أو «أكبر» أو مدّ الاولى و لو لم

يقصد الاستفهام، أو إشباع فتحة الثانية بحيث يظهر منه الألف، أو فتحة الباء، أو مدّ الألف الثانية في «اللَّه» أو إظهار إعراب «أكبر» و إن كان بعضها موافقا للغة العرب.

خلافا في الأول للمنقول عن بعض المتأخرين [1] فجوّز الوصل حين تلفّظ المصلّي قبلها بما يوصلها به، عملا بظاهر القانون العربي.

و يردّ بأن الموافقة له لا تدل على جوازه و تعلق الأمر تخييرا به أيضا.

و قد يستدل لتوقف البراءة على الاقتصار بجميع ما ذكر من غير تغيير أصلا:

بأنه المعهود المنقول عن الشارع فلا يجوز التعدّي، لتوقيفيّة العبادة.

و فيه: أنه إن أريد أنه ورد عنه الأمر به بخصوصه، فلا نعرف فيه نقلا، و إن أريد أنه تلفّظ كذا، فلا يدل ذلك على التعيين لاحتمال كونه أحد أفراد المخيّر.

مع أنه من أين عهد عنه أنه لم يدرج همزة «اللَّه» مع تكلّمه عليه السلام قبله بأدعية التكبيرات، أو لم يمدّ ألفه الثانية قليلا، أو لم يشبع فتحة «أكبر» و ما الذي يدلّ على ذلك؟.

و هل تجوز زيادة ما لا يوجب تغييرا في التكبيرة و لو بظهور إعرابها أصلا كقوله: اللَّه أكبر و أجلّ و أعظم، أو اللَّه أكبر من كل شي ء، أو اللَّه أكبر تعالى و تقدّس؟.

صريح بعضهم عدم الجواز [2].

______________________________

[1] لم نعثر على شخصه، و نقل في روض الجنان: 259، و كشف اللثام 1: 213 عن بعض المتأخرين أيضا.

[2] كما في جامع المقاصد 2: 237، و شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 21

و لا أرى له وجها وجيها، لحصول التكبيرة بالنحو المجمع عليه، و عدم كون الزيادة بنفسها مبطلة و لا موجبة للتغيير في التكبير.

المسألة الثانية [الأخرس ينطق على قدر الإمكان ]

الأخرس الذي سمع التكبيرة و أتقن ألفاظها و لا يقدر

على التلفظ بها، و من بحكمه من العاجز عن النطق لعارض، ينطق على قدر الإمكان.

و مع العجز عن النطق أصلا يقصد هذا اللفظ مع الإشارة بالإصبع، بلا خلاف في اعتبارها- كما صرّح به بعضهم «1»- من دون ضمّ شي ء معها، كما عن المبسوط و المعتبر و المنتهى و التحرير «2».

أو منضمّا معها عقد القلب بمعناها المطابقي أو غيره من كونها ثناء على اللَّه سبحانه، كما في الشرائع و النافع «3»، و عن الإرشاد و النهاية [1].

أو هو مع تحريك اللسان، كما في القواعد و البيان و شرح الجعفرية و روض الجنان «4».

و لا دليل على شي ء منها إلّا ما مرّ في الأول من حكاية نفي الخلاف.

و ما قيل للثاني من أنه لولاه لما تشخصت الإشارة [2].

و للثالث من وجوبه على غير الأخرس [3]، و ما لا يدرك كله لا يترك كله «5»، و الميسور لا يسقط بالمعسور «6».

______________________________

[1] الإرشاد 1: 252، النهاية: 75 و قال فيها: و قراءة الأخرس .. إيماء بيده مع الاعتقاد بالقلب.

[2] كما في الرياض 1: 154.

[3] كما في نهاية الإحكام 1: 455 و 479، و جامع المقاصد 2: 238، و روض الجنان: 259، و كشف اللثام 1: 213.

______________________________

(1) انظر: الرياض 1: 154.

(2) المبسوط 1: 103، المعتبر 2: 154، المنتهى 1: 268، التحرير 1: 37.

(3) الشرائع 1: 79، المختصر النافع 1: 29.

(4) القواعد 1: 32، البيان: 155، روض الجنان: 259.

(5) عوالي اللئالي 4: 58.

(6) عوالي اللئالي 4: 58.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 22

و للطرفين من رواية السكوني: «تلبية الأخرس و تشهده و قراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه» «1».

و يردّ الأول: بعدم حجيته.

و الثاني: بأنه فرع وجوب

الأول، مع أن التشخص يحصل بالقصد إلى اللفظ الذي هو غير عقد القلب بالمعنى، و منه يظهر بطلان ما قيل من أنه ممّا لا بدّ منه فيتحد قول من ذكره مع قول من تركه «2».

و الثالث: بعدم الدلالة كما هو مبيّن في موضعه.

و الرابع: بخروجه عن المفروض، و دلالته عليه بالفحوى أو تنقيح المناط ممنوعة.

فالقول بسقوط التكبيرة عنه- كما احتمله في المدارك «3»- قريب، إلّا أن اعتبار ما ذكره الأصحاب سيّما الأول بل مع الثاني أولى و أحوط.

و غير الأخرس العاجز عن التلفظ بخصوص هذا اللفظ- و إن قدر على غيره- يتعلّمه ما أمكن إجماعا، لتوقف الواجب عليه.

و مع تعذّر التعلّم فالمشهور- بل المدّعى عليه إجماع علمائنا «4»- أنه يتلفظ بترجمته بلغته، أو مطلقا مع المعرفة بها. و لا يتعيّن عند الأكثر [1] السريانيّة و العبرانيّة، و لا الفارسيّة بعدهما- و إن قيل بتعيّن الثلاثة مرتبا بينها «5»- لعدم وضوح مستنده.

______________________________

[1] منهم العلامة في نهاية الإحكام 1: 455، و الشهيد الثاني في الروضة 1: 256، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 267، و صاحب الرياض 1: 154.

______________________________

(1) الكافي 3: 315 الصلاة ب 21 ح 17، التهذيب 5: 93- 305، الوسائل 12: 381 أبواب الإحرام ب 39 ح 1.

(2) كما في الرياض 1: 154.

(3) المدارك 3: 321.

(4) انظر: مجمع الفائدة 2: 195، و المدارك 3: 320، و الرياض 1: 154.

(5) نقله في مفتاح الكرامة 2: 338 عن الموجز الحاوي و كشف الالتباس و المقاصد العلية.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 23

و استدل لأصل الحكم بوجوب تحصيل البراءة اليقينية.

و إبراز المعاني بالألفاظ المعروفة، و بتعذّر تلك الألفاظ يجب إبراز المعاني بما أمكن، لأن الميسور لا يسقط بالمعسور.

و

يردّ الأول: بحصول البراءة اليقينية عمّا قطع بالاشتغال به، و أصالة عدم الاشتغال بغيره.

و الثاني: بعدم الدلالة، مع احتمال كون الواجب هو التلفظ بهذا اللفظ خاصة من غير التفات إلى المعنى و إن كان بعيدا، و لذا احتمل بعض المتأخرين.

سقوط التكبيرة حينئذ «1». و هو حسن لو لا الإجماع على خلافه، و لا شك أن متابعة المشهور أحوط.

و الظاهر أن الاكتفاء بالترجمة إنما هو مع ضيق الوقت إلّا إذا قطع بعدم إمكان التعلّم مع السعة فيجوز فيها أيضا، و لعلّه مراد من خصّه بالضيق مطلقا بناء على تعارف حصول المعرفة بالسعي.

و في وجوب التلفظ بالمرادف العربي لو أمكن و الاكتفاء في الترجمة بما يتعذر تعلمه- لو علم البعض- احتمال.

المسألة الثالثة [المصلي مخيّر في تعيين تكبيرة الإحرام من التكبيرات السبع ]

المشهور- كما نصّ عليه جماعة [1]، بل بلا خلاف بين أصحابنا كما صرّح به بعضهم [2]، بل به قال أصحابنا كما في المنتهى «2» مؤذنا بالإجماع عليه، بل بالإجماع كما عن ظاهر الذكرى «3»- أن المصلي مخيّر في تعيين تكبيرة الإحرام من التكبيرات السبع التي يستحب التوجه بها، لإطلاق النصوص

______________________________

[1] منهم صاحب الحدائق 8: 21.

[2] منهم الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 127، و المجلسي في البحار 81: 357.

______________________________

(1) كما في المدارك 3: 320.

(2) المنتهى 1: 268.

(3) الذكرى: 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 24

باستحباب السبع من دون تصريح بتعيين تكبيرة الإحرام منها «1»، مع أنّها واحدة منها إجماعا، و لأن تكبيرة الإحرام ليست بخارجة منها إجماعا، و لا مجموعها كذلك، و لا واحدة معيّنة منها، لأصالة عدم التعيين، و لبطلان الترجيح من غير مرجّح، فيكون واحدا لا بعينه.

و صرّح بعض مشايخنا المحدّثين بتعيين الاولى منها لها «2»، و هو ظاهر الوافي «3»، و المنقول عن

البهائي في بعض حواشيه، و السيد نعمة اللَّه الجزائري «4»، لصحيحة الحلبي: «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك، ثمَّ ابسطها بسطا، ثمَّ كبّر ثلاث تكبيرات» إلى أن قال: «ثمَّ تكبّر تكبيرتين» الحديث «5».

فإنّ الافتتاح لا يطلق حقيقة إلّا على تكبيرة الإحرام، و ما يقع قبلها ليس من الافتتاح في شي ء و إن سمّي ما عداه تكبيرات الافتتاح بتأخيرها عن تكبيرة الإحرام التي يقع بها الافتتاح.

و صحيحة زرارة، الواردة في علّة استحباب السبع بإبطاء الحسين عليه السلام عن الكلام، و فيها: «فافتتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله الصلاة فكبر الحسين، فلمّا سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله تكبيره أعاد، فكبّر الحسين عليه السلام، حتى كبّر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله سبع تكبيرات و كبّر الحسين عليه السلام، فجرت السنّة بذلك» «6».

فإنها تدل على أنّ التكبير الأول هو تكبيرة الإحرام، لإطلاق الافتتاح

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 20 أبواب تكبيرة الإحرام ب 7.

(2) كما في الحدائق 8: 21.

(3) الوافي 8: 638.

(4) نقله عنهما صاحب الحدائق 8: 21.

(5) الكافي 3: 310 الصلاة ب 20 ح 7، التهذيب 2: 67- 244، الوسائل 6: 24 أبواب تكبيرة الإحرام ب 8 ح 1.

(6) الفقيه 1: 199- 918، علل الشرائع: 332- 2، الوسائل 6: 21 أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 25

عليها، و كون العود إلى البواقي لتمرين الحسين عليه السلام.

و صحيحته الأخرى، الآمرة بإعادة الصلاة بنسيان أوّل تكبيرة من الافتتاح «1»، و لو لا أنه تكبيرة الإحرام لما تعاد الصلاة بنسيانه.

و الثالثة، الواردة في صلاة الخوف، و فيها: «و لكن يستقبل بأول تكبيرة حين يتوجّه» «2».

و يردّ الأوّلان: بمنع كون الافتتاح

حقيقة في تكبيرة الإحرام، بل يطلق على الجميع، و على خصوص تكبيرة الإحرام مجازا.

و قد أطلق على الجميع كثيرا، كما ورد في بعض الأخبار أنه: «إذا افتتحت الصلاة فكبّر إن شئت واحدة، و إن شئت ثلاثا، و إن شئت خمسا، و إن شئت سبعا» «3».

و في بعض الصحاح: الافتتاح؟ قال: «تكبيرة تجزيك» قلت: فالسبع؟

قال: «ذلك الفضل» «4».

و في آخر: «التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزي، و الثلاث أفضل، و السبع أفضل كلّه» «5».

و في الموثق: «استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاء» «6».

و يكون إطلاق الافتتاح على الاولى باعتبار كونها افتتاحا لمطلوبات الصلاة

______________________________

(1) التهذيب 2: 145- 567، الاستبصار 1: 352- 1331، الوسائل 6: 14 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 8.

(2) الفقيه 1: 295- 1348، التهذيب 3: 173- 383، الوسائل 8: 441 أبواب صلاة الخوف و المطاردة ب 3 ح 8.

(3) التهذيب 2: 66- 239، الوسائل 6: 21 أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 3.

(4) التهذيب 2: 66- 241، علل الشرائع: 332- 3، الوسائل 6: 9 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 2.

(5) التهذيب 2: 66- 242، الوسائل 6: 10 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 4.

(6) التهذيب 2: 287- 1152، الخصال: 347- 17، الوسائل 6: 21 أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 26

التي منها التكبيرات و دعواتها، و على الأخيرة باعتبار كونها افتتاحا لواجباتها.

و الثالثة: بأنها إنما تفيد لو كان المعنى: ينسى أول التكبيرات من تكبيرات الافتتاح، و لكن يمكن أن يكون المعنى: ينسى أول تكبيرة من التكبيرات الداخلة في الصلاة، و هي التي من الافتتاح أي بعضه حيث إنه يحصل به و بالنية، أو التي لأجله حتى تكون

لفظة: «من» بمعنى اللام، أو المسببة عن الافتتاح حتى تكون سببيّة.

و الرابعة: بمنع الدلالة، إذ لا يثبت منها إلّا رجحان الاستقبال، و هو ثابت في غير تكبيرة الإحرام أيضا.

مضافا إلى ما في الاولى من أن المراد بقوله فيها: «افتتحت» ليس بالتكبيرة قطعا، للأمر بسبع تكبيرات بعده متراخيا، فمعناه: أردت الافتتاح، فلا يفيد شيئا.

و في الثانية أنّ افتتاحه صلّى اللَّه عليه و آله بالأولى لا ينافي التخيير، و ليس المراد بجريان السنّة بذلك جريانها بجعل الاولى افتتاحا بل بالسبع، و أيضا المستفاد منها أنّ السبع لم تكن مشروعة بعد فكانت الاولى افتتاحا قطعا و تكون خارجة عن المقام. و الاستصحاب- كما قيل «1»- لا يفيد، إذ المشروع قبل ذلك كما كان أولا كان آخرا أيضا، للانحصار فيه. و استصحاب فعل النبي لا معنى له.

و مع ذلك كلّه يعارضها الرضوي: «و اعلم أن السابعة هي الفريضة، و هي تكبيرة الإحرام، و بها تحرم الصلاة» «2».

فإنها تدلّ على تعيّن الأخيرة للإحرام كما حكي عن ظاهر المراسم و الكافي و الغنية «3».

إلّا أنه- لضعفه- عن إثبات الحكم قاصر، و انجباره بعمل القوم غير

______________________________

(1) انظر: شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) فقه الرضا (ع): 105 بتفاوت يسير.

(3) المراسم: 70، الكافي في الفقه: 122، الغنية (الجوامع الفقهية): 559.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 27

ظاهر، بل نقل الاشتهار على التخيير المنافي له متواتر «1»، نعم لثبوت التسامح في أدلّة الفضل لإثباته صالح.

فالقول بالتخيير لما مرّ، مع أفضلية جعلها الأخيرة كما عن المبسوط و الاقتصاد و المصباح و مختصره و الذكرى و الروضة و روض الجنان و شرح القواعد «2»، لأجل الرضوي، و للخروج عن خلاف من ذكر، أقوى.

المسألة الرابعة: يشترط فيها جميع ما يشترط في الصلاة،

من الطهارة و الستر و القيام

و الاستقبال، فلا تجزي التكبيرة لو كبّر مع انتفاء واحد مما ذكر، لأن ذلك مقتضى الجزئيّة و الركنيّة الثابتتين بالإجماع و غيره.

مضافا في اشتراط القيام- الموجب لعدم الإجزاء و لو كبّر هاويا إلى الركوع- إلى الموثّقة: «و كذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتى افتتح الصلاة و هو قاعد، فعليه أن يفتتح صلاته و يقوم، فيفتتح الصلاة و هو قائم، و لا يعتدّ بافتتاحه و هو قاعد» «3».

و مفهوم الصحيحة: «إذا أدرك الإمام و هو راكع فكبّر الرجل و هو مقيم صلبه، ثمَّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه، فقد أدرك الركعة» «4».

خلافا للمحكي عن المبسوط و روض الجنان فقالا: إن كبّر المأموم تكبيرة واحدة للافتتاح و الركوع و أتى ببعض التكبير منحنيا صحّت صلاته «5».

و استدل له بأصالة عدم البطلان، و احتياجه إلى الدليل.

______________________________

(1) راجع ص 23.

(2) المبسوط 1: 104، الاقتصاد: 261، مصباح المتهجد: 33، الذكرى: 179، الروضة 1:

281، روض الجنان: 260، جامع المقاصد 2: 239.

(3) التهذيب 2: 353- 1466، الوسائل 5: 503 أبواب القيام ب 13 ح 1.

(4) الكافي 3: 382 الصلاة ب 61 ح 6، التهذيب 3: 43- 152، الاستبصار 1: 435- 1679، الوسائل 8: 382 أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 1.

(5) المبسوط 1: 105، روض الجنان: 258 و 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 28

و يردّ بوجوده كما عرفت.

و قد يردّ بتوقيفيّة العبادة، و توقّف الصحة على الدلالة، و استصحاب عدم البراءة «1»، و فيه نظر.

المسألة الخامسة: يستحب للإمام الجهر بها إجماعا،

لصحيحة الحلبي:

«إذا كنت إماما يجزيك أن تكبّر واحدة تجهر فيها، و تسرّ ستّا» «2» و نحوها غيرها «3».

و لا يضرّ عدم تصريحها بتكبيرة الإحرام، لأن الإجماع على أنّ ما يجهر بها

من السبع هو تكبيرة الإحرام يجعلها صريحة فيها، مع أنّ الواحدة التي تجزي ليست إلّا هي.

و عموم موثقة أبي بصير: «ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول، و للمأموم أن لا يسمع الإمام شيئا ممّا يقول» «4» خرج منه ما خرج بالدليل فيبقى الباقي.

و يستفاد من الأخيرة ما صرّح به بل بعدم الخلاف فيه- الذي هو أيضا حجة مستقلة فيه لتحمّل المقام للمسامحة- جماعة منهم المنتهى «5»، من استحباب إسماع الإمام جميع المأمومين إيّاها.

و هو كذلك، لذلك. إلّا أنه يجب استثناء من يفتقر من المأمومين إسماعه إلى العلوّ المفرط، لما دلّ على المنع منه في الصلاة «6».

______________________________

(1) انظر: كشف اللثام 1: 214، و الرياض 1: 155.

(2) التهذيب 2: 287- 1151، الخصال: 347- 18، الوسائل 6: 33 أبواب تكبيرة الإحرام ب 12 ح 1 و 3.

(3) انظر: الوسائل 6: 33 أبواب تكبيرة الإحرام ب 12.

(4) التهذيب 3: 49- 170، الوسائل 8: 396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.

(5) المنتهى 1: 269.

(6) انظر: الوسائل 6: 96 أبواب القراءة في الصلاة ب 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 29

و كذلك يستفاد منها حكم آخر صرّح به الأكثر [1]، و هو استحباب الإسرار بها للمأموم.

و أما غيرهما فيتخير، لإطلاق النصوص، و أصالة البراءة عن أحد الأمرين.

خلافا للمحكي عن الجعفي، فأطلق استحباب رفع الصوت بها «1».

و لا مستند واضحا له عدا إطلاق بعض النصوص بأنّ النبي صلّى اللَّه عليه و آله كان يكبّر واحدة يجهر بها و يسرّ ستّا «2».

و لكنه بيان للفعل الذي لا عموم فيه، فيحتمل وقوعه جماعة كما هو الغالب في صلاته.

المسألة السادسة: و يرفع المصلّي بها يديه إجماعا محقّقا و منقولا «3»،

له، و للمستفيضة من الصحاح و غيرها.

فمن الأولى صحيحة ابن عمّار:

رأيت أبا عبد اللَّه عليه السلام حين افتتح الصلاة يرفع يديه أسفل من وجهه قليلا «4».

و الجمّال: رأيت أبا عبد اللَّه إذا كبّر في الصلاة يرفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه «5».

و ابن سنان: يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح «6».

و حمّاد: ثمَّ كبّر و هو قائم و رفع يديه حيال وجهه «7».

______________________________

[1] منهم صاحب المدارك 3: 324، و صاحب الحدائق 8: 36، و صاحب الرياض 1: 155.

______________________________

(1) حكاه عنه في الذكرى: 179.

(2) الخصال: 347- 16، الوسائل 6: 33 أبواب تكبيرة الإحرام ب 12 ح 2.

(3) كما في الخلاف 1: 319، و المعتبر 2: 156.

(4) التهذيب 2: 65- 234، الوسائل 6: 26 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 2.

(5) التهذيب 2: 65- 235، الوسائل 6: 26 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 1.

(6) التهذيب 2: 66- 236، الوسائل 6: 26 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 3.

(7) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 30

و من الثانية مرسلة الفقيه، و فيها: «و ارفع يديك بالتكبير إلى نحرك، و لا تجاوز بكفيك أذنيك حيال خدّيك، ثمَّ ابسطهما بسطا و كبّر ثلاث تكبيرات- إلى أن قال-: ثمَّ كبّر تكبيرتين في ترسّل ترفع بهما يديك» الحديث «1».

و حسنتا زرارة، إحداهما: «ترفع يديك في افتتاح الصلاة قبالة وجهك و لا ترفعهما كلّ ذلك» «2».

و الأخرى: «إذا قمت في الصلاة فكبّرت فارفع يديك، و لا تجاوز بكفيك أذنيك أي حيال خدّيك» «3».

و رواية ابن حازم: رأيت أبا عبد اللَّه افتتح الصلاة، فرفع يديه حيال وجهه

و استقبل القبلة ببطن كفيه «4».

و الرضوي: «فإذا افتتحت الصلاة فكبّر و ارفع يديك بحذاء أذنيك، و لا تجاوز بإبهاميك حذاء أذنيك» «5».

استحبابا بالإجماع المصرّح به في أمالي الصدوق و المنتهى و شرح القواعد «6»، بل في كلام جماعة كما قيل «7»، و صريح الأخير أنه إجماع المسلمين.

لا لأجل معارضة الدالّ على الوجوب من الأخبار مع صحيحة علي: «على الإمام أن يرفع يده في الصلاة، ليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة» «8» حيث إنها تدلّ على نفي الوجوب على غير الإمام المستلزم لنفيه مطلقا بالإجماع المركّب.

______________________________

(1) الفقيه 1: 197- 917.

(2) الكافي 3: 309 الصلاة ب 20 ح 1، الوسائل 6: 31 أبواب تكبيرة الإحرام ب 10 ح 1.

(3) الكافي 3: 309 الصلاة ب 20 ح 2، الوسائل 6: 31 أبواب تكبيرة الإحرام ب 10 ح 2.

(4) التهذيب 2: 66- 240، الوسائل 6: 27 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 6.

(5) فقه الرضا (ع): 101، مستدرك الوسائل 4: 87 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 7.

(6) أمالي الصدوق: 511، المنتهى 1: 269، جامع المقاصد 1: 240.

(7) انظر: الرياض 1: 155.

(8) التهذيب 2: 287- 1153، قرب الاسناد: 208- 808، الوسائل 6: 27 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 31

لدلالتها على الوجوب على الإمام المستلزم لوجوبه مطلقا أيضا بما ذكر.

و القول «1» بأنها نصّ في رفع الوجوب على غير الإمام، و ظاهر في وجوبه عليه لجواز إرادة شدة الاستحباب منه، و صرف الظاهر إلى النصّ لازم حيث لا يمكن الجمع بينها بإبقاء كلّ منهما على حاله هنا للإجماع المركب.

مردود بمنع النصوصية في الأول، لجواز إرادة خفّة الوجوب منه، فإنّ

للوجوب مراتب كالاستحباب.

بل «2» لضعف الدال على الوجوب منها بشذوذ القول به جدّا كما في الجميع، أو بعدم ثبوت الحجية كما في الرضوي، مع القصور عن إفادة الوجوب دلالة أيضا باعتبار عدم اشتمال الحجّة منها غير المرسلة و إحدى الحسنتين على الأمر المفيد للوجوب، و هما و إن اشتملتا عليه إلّا أنّ إطلاقهما بالنسبة إلى جميع التكبيرات السبع- بل تصريح الاولى بها- و عدم القول بوجوب الرفع في غير واحدة منها، يوجب دوران الأمر بين حمل الأمر على الاستحباب أو تقييد التكبير بالإحرام، و لا ترجيح بينهما عندنا، مع أنّ الأول في الأولى- لما قلنا- متعيّن، مضافا إلى مفهوم الحصر في الرضوي الآتي في تكبيرة الركوع «3».

خلافا للانتصار فأوجبه «4».

لادّعائه الإجماع عليه الذي هو في نفسه عندنا ليس بحجّة، سيما مع معارضته مع الإجماعات العديدة و مخالفته لفتوى معظم الطائفة.

و لظاهر بعض الأخبار المتقدّمة بجوابه.

و لقوله سبحانه فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ «5» بملاحظة الأخبار المفسّرة للنحر

______________________________

(1) انظر: الرياض 1: 155.

(2) عطف على قوله: لا لأجل معارضة ..

(3) لعلّ مراده (ره) رواية علل الفضل المنقولة عن الرضا عليه السلام، انظر ص 216.

(4) الانتصار: 44.

(5) الكوثر: 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 32

فيها برفع اليدين بالتكبير في الصلاة «1».

و يجاب عنه- مع خلوّ الحجّة من تلك الأخبار عن التفسير بالرفع في الصلاة- بمعارضتها مع ما يفسّره بغير ذلك، و هو مرسلة حريز: قلت له فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ قال: «النحر هو الاعتدال في القيام ان يقيم صلبه و نحره» «2».

و إمكان تفسير الآية بالأمرين- كما قيل «3»- لكون القرآن دلولا ذا وجوه فلا تعارض، كلام خال عن التحصيل، لأن المراد أنّه يمكن حمله على معان كثيرة،

لا أن يستدل بالجميع.

إلى «4» أن يصل أسفل الوجه قليلا، كما في الصحيحة الاولى، و هو الموافق للنحر المصرّح به في المرسلة، فيتحد ذلك مع قول من ندب الإيصال إلى المنحر «5»، بل و كذا المنكب «6»، لأنهما أسفل الوجه.

أو يصل حيال الوجه، لأكثر الروايات المتقدّمة، و هو شحمتا الأذنين المذكورة في بعض الروايات «7»، المصرّح بها في طائفة من العبارات كما هو المعلوم و تدل عليه الحسنة الأخيرة أيضا من حيث التفسير بقوله «أي حيال خدّيك».

مخيرا بين الغايتين و إن كان الأولى بل الأقوى تعيين الأخيرة، لكون رواياتها أخص من مفهوم الغاية في رواية المنحر الدال على عدم الرفع زائدا عليه، سواء بلغ إلى الحدّ أو تجاوز عنه، فيحمل الأخيرة على الاولى، و هو منتهى الرفع اتفاقا نصّا و فتوى، فيكره ما زاد عليه كما صرّح به في طائفة من الأخبار «8».

______________________________

(1) انظر: مجمع البيان 5: 550.

(2) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 9، التهذيب 2: 84- 309، الوسائل 5: 489 أبواب القيام ب 2 ح 3.

(3) انظر: الحدائق 8: 45.

(4) تحديد لرفع اليد.

(5) حكاه عن ابن أبي عقيل في الذكرى: 179.

(6) الصدوق في الفقيه 1: 198.

(7) انظر: الوسائل 6: 26 أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 و ص 31 ب 10.

(8) انظر: الوسائل 6: 31 أبواب تكبيرة الإحرام ب 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 33

مضمومتي الأصابع كلّها، كما عليه الأكثر، و منهم الخلاف مدّعيا عليه الإجماع «1».

أو ما عدا الإبهام، كما في السرائر «2»، و عن الإسكافي و السيّد و المفيد و القاضي «3».

أو ما عدا الخنصر.

و يدل على الأول ما في صحيحة حمّاد في وصف صلاة الصادق عليه السلام حيث

قال: فقام مستقبل القبلة منتصبا، فأرسل يديه على فخذيه قد ضمّ أصابعه «4» باستصحاب تلك الحالة إلى الرفع.

و على الثاني ما في الذكرى «5» من أنه منصوص، و مثله كاف في المقام.

و على الثالث ما في البحار عن كتاب زيد النرسي، عن أبي الحسن الأول:

أنه رآه يصلّي، فكان إذا كبّر في الصلاة ألزق أصابع يديه، الإبهام و السبابة و الوسطى و التي تليها، و فرّج بينها و بين الخنصر «6».

و يردّ الأول باندفاع الاستصحاب بما للثاني ذكر.

و الآخر بأنه مخالف للإجماع لاتفاقهم على استحباب ضمّ الخنصر، فبقي الثاني و هو الأقوى.

مستقبلا للقبلة بباطن كفّيه، لخبر منصور المذكور «7».

______________________________

(1) الخلاف 1: 321.

(2) السرائر 1: 216.

(3) نقله عن الإسكافي و السيد في المعتبر 2: 156، المفيد في المقنعة: 103، القاضي في المهذب 1:

92.

(4) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(5) الذكرى: 179.

(6) البحار 81: 225- 12.

(7) في ص 30.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 34

مبتدئا بالرفع بابتداء التكبير، منتهيا له بانتهائه على المشهور، بل في المعتبر و المنتهى «1» الإجماع عليه، و هو الحجّة فيه.

مضافا إلى أنه مقتضى الرفع حين الافتتاح كما في الصحيحين الأول و الثالث «2»، إذ لو تقدّم أحدهما على الآخر لم يتّحدا في الحين. بل هو مقتضى الصحيح الثاني «3» الدال على كون الرفع وقت التكبير، و الحسن الأول «4» المصرّح بالرفع في الافتتاح، و المرسلة «5» المصرّحة بالرفع بالتكبير.

و لا ينافيه الحسن الآخر و الرواية المتعقبة له «6» الظاهران في كون الرفع بعد التكبير، لوجوب جعل الفاء فيهما بمعنى الواو كما في الرضوي «7»، للإجماع على

خلافه، مع كون ما ذكرنا صالحا للقرينة له.

نعم ظاهر المرسل المنافاة، لاقتضائه- لمكان ثمَّ- لكون التكبير بعد الرفع قبل الإرسال، كما هو القول الثاني في المسألة «8»، أو مقارنا له كما هو القول الآخر «9».

و يدفعها وجوب إخراج لفظة: «ثمَّ» عن معناها الحقيقي الذي هو التعقيب المقيّد بالمهلة بالإجماع، لعدم استحباب الإمهال، سيّما إمهال بعد إمهال. و مجازها كما يمكن أن يكون التعقيب المطلق يمكن أن يكون المعيّة ليكون بمعنى لفظة الواو، فلا يعلم المنافاة.

______________________________

(1) المعتبر 2: 200، المنتهى 1: 285.

(2) المتقدمين في ص 29.

(3) المتقدم في ص 29.

(4) المتقدم في ص 30.

(5) المتقدمة في ص 30.

(6) المتقدمان في ص 30.

(7) المتقدم في ص 30.

(8) نسبه في التذكرة 1: 113 إلى ظاهر الشافعي.

(9) حكاه عن البعض في نهاية الإحكام 1: 457، التذكرة 1: 113.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 35

ثمَّ إنّ ظاهر بعض الأخبار- سيّما الواردة في رفع اليد للركوع و السجود «1»- كون رفع اليدين بنفسه مستحبا غير موقوف على التكبير، كما صرّح به بعض الأصحاب أيضا «2».

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 296 أبواب الركوع ب 2.

(2) كصاحب الحدائق 8: 261.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 36

البحث الثالث في القيام
اشارة

و هو واجب في الفرائض حال تكبيرة الإحرام و القراءة و قبل الركوع و بعده، إجماعا من المسلمين، بل ضرورة من الدين- إلّا فيما مرّ فيه الخلاف في التكبيرة «1»- و هو الحجّة فيه.

مضافا إلى الروايات المتكثّرة التي منها الصحيحة الواردة في صلاة الصادق عليه السلام في مقام تعليم حمّاد، المشتملة على القيام في جميع تلك الحالات، المتضمّنة لقوله: «يا حمّاد هكذا صلّ» «2» الموجب لوجوب كل ما اشتمل عليه، إلّا ما قام الدليل على استحبابه.

و

العامي المنجبر و هو قوله عليه السلام لرافع: «صلّ قائما» «3» الموجب له في غير ما أخرجه الدليل من أجزاء الصلاة.

و صحيحة جميل: ما حدّ المريض الذي يصلّي قاعدا؟- إلى أن قال-: «إذا قوي فليقم» «4» و التقريب ما مرّ.

و الاستدلال بقوله سبحانه وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ «5» بملاحظة انتفاء الوجوب المدلول عليه بالأمر في غير الصلاة ضرورة. و قوله تعالى:

______________________________

(1) راجع ص 27.

(2) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(3) مسند أحمد 4: 426.

(4) الكافي 3: 410 الصلاة ب 69 ح 3، التهذيب 2: 169- 673، الوسائل 5: 495 أبواب القيام ب 6 ح 3.

(5) البقرة: 238.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 37

الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً «1» بملاحظة ما ورد في تفسيره كحسنة أبي حمزة في هذه الآية، قال: «الصحيح يصلّي قائما، و قعودا: المريض يصلّي جالسا» الحديث «2».

و قريب منها غيرها «3». و بما ورد في الصحاح من قوله: «من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له» «4».

غير جيّد، لعدم أولويّة تخصيص القنوت في الأول بالصلاة عن حمل الأمر على الاستحباب، و عدم دلالة الثاني على الوجوب و على تعيين القيام أيضا، و الثالث على القيام فإنّ إقامة الصلب أعمّ منه لتحققها مع الجلوس أيضا إذا لم ينحن فيه، و لذا أمر في صحيحة زرارة «5» بها حين الركوع أيضا، مع أنهما على فرض الدلالة لا تفيدان إلّا في الجملة، فتأمّل «6».

و الأصل فيه الركنيّة مطلقا، لما مرّ في التكبيرة، خرج منه المواضع التي لا تبطل الصلاة بزيادته أو نقصه

بالدليل الخارجي.

و قيل بركنيته في الجملة «7». و قيل: في حال التكبيرة و المتصل بالركوع «8».

و قيل: تابع لما وقع فيه «9»، ينقسم بانقسامه في الركنية و الوجوب و الاستحباب «10».

و مئال الكل واحد، فلا تترتب على ما ذكرنا من الأصل ثمرة، لاتفاقهم على

______________________________

(1) آل عمران: 191.

(2) الكافي 3: 411 الصلاة ب 69 ح 11، التهذيب 3: 176- 396، الوسائل 5: 481 أبواب القيام ب 1 ح 1.

(3) انظر: الوسائل 5: 481 أبواب القيام ب 1.

(4) الكافي 3: 320 الصلاة ب 24 ح 4، الوسائل 5: 489 أبواب القيام ب 2 ح 2.

(5) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77- 289، الوسائل 6: 295 أبواب الركوع ب 1 ح 1.

(6) إشارة إلى إمكان استنباط الأصل منهما. منه رحمه اللَّه تعالى.

(7) كما في الحدائق 8: 60.

(8) كما في المفاتيح 1: 120، و الرياض 1: 156.

(9) كما في جامع المقاصد 2: 199، و المدارك: 326، و كفاية الأحكام: 18.

(10) اتصافه بالاستحباب انما هو في حال القنوت، و القول بأنه متصل بالقراءة فهو في الحقيقة قيام

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 38

البطلان بتركه عمدا في جميع ما ذكر، و سهوا في حال التكبيرة و قبل الركوع، و بزيادته عمدا في غير موضعه، و على عدم البطلان بنقصانه في القراءة و أبعاضها نسيانا، و بزيادته في غير المحل سهوا.

و منه يظهر تخلف مقتضى الأصل في غير حال التكبيرة و القيام المتّصل بالركوع، و بقاؤه و الحكم بالركنية في الحالين، و ثمرتها فساد الصلاة لو أتى بهما من غير قيام.

و القول بأن تركه في الحالة الأخيرة مقترن بترك الركوع و معه يستغنى عن القيام، لأنّ

ترك الركوع مستقل في الإبطال.

باطل، لمنع قوله: مقترن بترك الركوع، إذ لا تلازم بين ترك القيام قبل الركوع و تركه، للتخلف فيما لو أتى به عن جلوس، لأنه ركوع حقيقة و عرفا، و لا وجه لفساد الصلاة حينئذ إلّا ترك القيام. إلّا أن يمنع كون الإتيان بالركوع عن الجلوس ركوعا حقيقة كما هو الظاهر، فإنّ الظاهر اعتبار الانحناء عن القيام فيه كما يأتي.

و أما النيّة فلعدم ثبوت جزئيتها للصلاة فلا يعلم وجوب القيام فيها، مع أن النيّة هي الحكمية الواجب تحققها مع التكبيرة الواجب معها القيام قطعا فلا ثمرة في الكلام في قيام النيّة.

و هاهنا مسائل:
المسألة الأولى: حدّ القيام الواجب ما يصدق عليه القيام عرفا،

لأنه المرجع في تعيين المعاني.

______________________________

واحد فكيف يتصف بعضه بالوجوب و بعضه بالاستحباب باطل، لأنه أمر ممتدّ يقبل الانقسام، و قد يقال: ان القيام المتصل بالركوع مع ما للقراءة أمر واحد، و هو باطل لإمكان التخلف كما في ناسي القراءة و الجالس بها سهوا أو الساكت بعدها، مع أنه فرق بين الكلي و جزئيّة كالوقوف بعرفة فإنه ركن و استيعابه واجب. منه رحمه اللَّه تعالى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 39

و هو يتحقق بانتصاب فقار الظّهر عرفا المتحد مع إقامة الصلب كذلك أيضا، لشهادة العرف، و للأمر بالانتصاب في مرسلة الفقيه بقوله: «و قم منتصبا» «1» و الرضوي المنجبر: «و انصب نفسك» «2». و المروي في قرب الإسناد الآتي في بحث طمأنينة الركوع «3».

و لنفي الصلاة عمّن لا يقيم صلبه في المعتبرة.

و لصحيحة زرارة: «إذا أردت أن تركع فقل و أنت منتصب: اللَّه أكبر، ثمَّ اركع» «4». و لا قائل بالفصل في حالات القيام.

و لانتصاب الصادق عليه السلام كما في صحيحة حمّاد «5» و أمره بالصلاة هكذا.

و إن كان في دلالة

الأخيرين نظر، لعدم وجوب القول في الأول، و اشتمال الثاني على غير الواجب الموجب للتجوّز إمّا في قوله: «هكذا» أو في «صلّ».

و إذا ظهر وجوب الانتصاب فلا يجوز الانحناء و لو لم يصل حدّ الركوع، و لا الميل إلى أحد الجانبين، إلّا إذا كان قليلا جدّا بحيث لا ينافي صدق الانتصاب بإقامة الصلب في العرف.

و أما إطراق الرأس فهو غير مناف له و لا لصدق القيام، فهو ليس بمخلّ و إن كان الأولى تركه، لفتوى جماعة «6» بأولويّته، مضافا إلى تفسير قوله سبحانه:

______________________________

(1) الفقيه 1: 197- 917 عن الصادق عليه السلام، و رواه في موضع آخر (ص 180- 856) عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، و في الوسائل 5: 488 أبواب القيام ب 2 ح 1.

(2) فقه الرضا (ع): 101، مستدرك الوسائل 4: 87 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 7.

(3) انظر: ص 199.

(4) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77- 289، الوسائل 6: 295 أبواب الركوع ب 1 ح 1.

(5) المتقدمة في ص 36.

(6) منهم صاحب المدارك 3: 328، و صاحب الحدائق 8: 65، و صاحب الرياض 1: 156.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 40

وَ انْحَرْ «1» بإقامة الصلب و النحر في الخبر «2»، و إن لم تخل دلالته عن نظر.

و عن الحلبي «3»: استحباب إرسال الذقن إلى الصدر المستلزم للإطراق، و لعلّه لكونه أقرب إلى الخضوع المأمور به، و لا بأس به.

المسألة الثانية [لا يجوز الاعتماد على شي ء بحيث لو رفع السناد لسقط]

الأشهر- بل عليه عامة من تأخر عدا من ندر كما قيل «4»، بل عن المختلف «5» الإجماع عليه- وجوب الاستقلال مع الاختيار، بمعنى عدم الاعتماد على شي ء بحيث لو رفع السناد لسقط.

للتأسّي.

و الإجماع المنقول.

و توقف

القطع بالبراءة عليه.

و قوله: «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» «6».

و صحيحة ابن سنان: «لا تستند بخمرك و أنت تصلّي، و لا تستند إلى جدار إلّا أن تكون مريضا» «7».

و مفهوم المروي في دعوات الراوندي: «فإن لم يتمكن من القيام بنفسه اعتمد على حائط أو عكازة و ليصلّ قائما» «8».

______________________________

(1) الكوثر: 2.

(2) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 9، التهذيب 2: 84- 309، الوسائل 5: 489 أبواب القيام ب 2 ح 3.

(3) الكافي في الفقه: 142.

(4) انظر: الرياض 1: 156.

(5) المختلف: 100.

(6) عوالي اللئالي 1: 197- 8، صحيح البخاري 1: 162، سنن الدارقطني 1: 273.

(7) التهذيب 3: 176- 394، الوسائل 5: 500 أبواب القيام ب 10 ح 2، و فيهما: لا تمسك بخمرك. و الخمر بالخاء المعجمة و الميم المفتوحتين: ما واراك من شجر. منه رحمه اللَّه تعالى.

(8) دعوات الراوندي: 213- 576، المستدرك 4: 117 أبواب القيام ب 1 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 41

و المرويّ في قرب الإسناد: عن الصلاة قاعدا أو متوكئا على عصا أو حائط، فقال: «لا» «1».

و صحيحة حمّاد الواردة في تعليمه.

مضافا إلى أن المتبادر من القيام المأمور به إنما هو الخالي عن السناد، كما صرّح به المحقّق الثاني حيث قال: إنّ المتبادر من أوامر القيام وجوب قيام المصلّي بنفسه، و لا يعدّ المعتمد على شي ء قائما بنفسه «2». و هو الظاهر من المنتهى «3»، و غيره «4».

و لذا ترى أنّ راكب الخيل المعتمد على السرج مع انتصاب فقار الظّهر لا يقال: إنه قائم، مع وجود جميع صفات القائم فيه سوى الاعتماد على الرجلين، و كذا من تعلّق بشي ء و لم يعتمد على رجليه و إن كانتا على الأرض،

فهو حقيقة فيه مجاز في غيره، كما هو الظاهر من فخر المحقّقين حيث قال: و القيام:

الاستقلال «5».

خلافا للمحكي عن الحلبي «6»، و قوّاه جماعة من متأخري المتأخرين منهم شيخنا صاحب الحدائق «7» فقالوا بجواز الاستناد و لو مع الاعتماد مع كراهته، للأصل، و لصحيحة علي: عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد و هو يصلّي، أو يضع يده على الحائط و هو قائم من غير مرض و لا علّة؟ فقال: «لا بأس» و عن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأوليين، هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد فينهض ليستعين به على القيام من غير ضعف و لا

______________________________

(1) قرب الإسناد: 171- 626، الوسائل 5: 487 أبواب القيام ب 1 ح 20.

(2) جامع المقاصد 2: 203.

(3) المنتهى 1: 265.

(4) كالمختلف: 100.

(5) إيضاح الفوائد 1: 99.

(6) الكافي في الفقه: 125.

(7) الحدائق 8: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 42

علّة؟ فقال: «لا بأس» «1».

و موثقة ابن بكير: عن الرجل يصلّي متوكئا على عصا أو على حائط، فقال:

«لا بأس أن يتوكأ على عصا أو على حائط» «2».

و رواية ابن يسار: عن الاتكاء في الصلاة على الحائط يمينا و شمالا، فقال:

«لا بأس» «3».

و الاتكاء إنما يطلق حقيقة على ما فيه اعتماد، كما صرّح به أهل اللغة «4».

و أجيب عنها بأنها أعمّ مطلقا من أدلّة الأول باعتبار اختصاص أدلّته بالفرض- بالإجماع- و بالاستناد الموجب للسقوط برفع السناد كذلك، و عموم هذه بالاعتبارين، مع اختصاص الأول بغير المريض أيضا إجماعا و عموم أكثر الثاني بل غير ذيل الصحيحة بالنسبة إليه، و أمّا صدرها فلعدم معلومية رجوع القيد إلى غير الجملة الأخيرة يكون قوله: «من غير مرض

و لا علّة» قيدا لوضع اليد دون الاستناد، فيجب تخصيصها بها.

مضافا إلى أنّ هذه الأخبار لشذوذها، كما يستفاد من كلام فخر المحققين «5»، و الصيمري «6»، و غيرهما «7»، بل من كلام الأكثر- حيث لم يسندوا الخلاف إلّا إلى الحلبي القائل بالكراهة، مع احتمال إرادته الحرمة منها كما هي شائعة في كلام القدماء- مضافا إلى ضعف سند بعضها، ليست بحجّة.

و على فرض الحجية و التعارض فالترجيح مع أخبار الأول، لموافقة الشهرة

______________________________

(1) الفقيه 1: 237- 1045، التهذيب 2: 326- 1339، قرب الإسناد: 204- 792، الوسائل 5: 499 أبواب القيام ب 10 ح 1، مسائل علي بن جعفر: 235- 547.

(2) التهذيب 2: 327- 1341، قرب الإسناد: 171- 626، الوسائل 5: 500 أبواب القيام ب 10 ح 4.

(3) التهذيب 2: 327- 1340، الوسائل 5: 500 أبواب القيام ب 10 ح 3.

(4) مجمع البحرين 1: 454، معجم مقاييس اللغة 6: 137، لسان العرب 1: 200.

(5) إيضاح الفوائد 1: 99.

(6) نقله عنه في الرياض 1: 156.

(7) كالوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 43

و الكتاب و السنّة النبويّة، و مخالفة العامّة كما صرّح به فخر المحقّقين، و الكل من المرجّحات المنصوصة.

هذا مع أن نفي البأس في تلك الأخبار عن الاستناد يقتضي نفي الكراهة التي هي أيضا نوع بأس، و لا يقول به المجوّز، و هو أيضا وجه آخر لضعف تلك الأخبار و عدم حجيتها.

و يردّ هذا الجواب:

أولا: بأنّ تماميته إنما هي على فرض تمامية أدلة القول الأول، و هي ممنوعة.

لما في الأول من منع وجوب التأسي.

و في الثاني من عدم حجية الإجماع المنقول.

و في الثالث من حصول القطع بالبراءة بحصول القيام المأمور به، و هو

يحصل مع عدم الاستقلال أيضا كما يأتي، و الأصل عدم وجوب الزائد.

و في الرابع من عدم معلومية كيفية صلاته صلّى اللَّه عليه و آله، فلعلّه كان مستندا على شي ء.

و في الخامس من احتمال كون قوله: «لا تستند» نفيا فلا يفيد التحريم، و دعوى ظهوره فيه ممنوعة، مع أنه لو سلّم لأوجب تخصيص الصلاة بالفريضة و هو ليس بأولى من التجوّز في الظهور المذكور.

و منه يظهر ما في السادس و السابع.

و في الثامن مما مرّ في المسألة الاولى.

و في التاسع من منع التبادر المذكور، لعدم صحة سلب القائم عمّن كان منتصبا و إن كان معتمدا على شي ء، و لذا لا يقال لمن قام معتمدا على عصاه: إنه ليس بقائم، و كذا من اعتمد منتصبا على جدار.

و أما راكب الخيل فعدم صدق القائم عليه لوضع مقعده على السرج، و لا شك في أن صدق القيام يتوقف على عدم وضع المقعد على شي ء، مع أنّ صريح المروي في الدعوات المتقدّم إطلاق القائم على المعتمد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 44

و ثانيا: بأنّ عموم أدلّة الثاني باعتبار الاستناد و الاتكاء ممنوع، بل المتبادر منهما هو الذي يسقط مع رفع السناد.

و شذوذها المخرج إيّاها عن الحجية غير معلوم، كيف؟! و لم يتعرض للاستقلال في كثير من كتب القدماء منها نهاية الشيخ و سرائر الحلّي.

و موافقة الشهرة ليست من المرجحات المعتبرة.

و مطابقة الكتاب ممنوعة، لعدم دلالته على القيام فضلا عن الاستقلال.

و مخالفة العامة غير ثابتة، إذ لم يثبت جواز الاعتماد منهم، و لم يصرّح فخر المحققين به و إنما حمل روايات الجواز على التقية، فلعلّه لما ورد من أن إيقاع الاختلاف بين الشيعة من باب التقية.

و البأس هو الشدّة و

العذاب كما صرّح به أهل اللغة «1»، فنفيه لا ينفي إلّا الحرمة.

و ممّا ذكر ظهر قوّة القول الثاني، و لكن الاحتياط في الأول، و هو طريق النجاة و مطلوب في كلّ الحالات سيّما في الواجب من الصلاة.

و على أيّ حال فالظاهر جواز الاستناد و الاعتماد على شي ء في حال النهوض ليستعين به عليه، كما صرّح به بعض مشايخنا «2»، و دلّ عليه الأصل و صحيحة علي.

و حكي عن بعضهم عدمه «3»، و لا دليل له.

المسألة الثالثة [يجب الاعتماد حال القيام على الرجلين ]

قد صرّح جمع من الأصحاب- منهم: المحقّق الثاني في شرح القواعد و الجعفرية و الشهيد في الدروس و صاحب المدارك «4»- بوجوب الاعتماد

______________________________

(1) انظر: مجمع البحرين 4: 50، و لسان العرب 6: 6.

(2) كصاحب الحدائق 8: 66.

(3) كما في جامع المقاصد 1: 203.

(4) جامع المقاصد 2: 202، الدروس 1: 169، المدارك 3: 328.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 45

حال القيام على الرجلين، و نسبه في البحار إلى المشهور «1».

لتوقف القطع بالبراءة عليه، و التأسي بصاحب الشرع، و عدم الاستقرار الواجب بدونه، و كونه متبادرا من القيام، و الرضوي: «و لا نتّكئ مرّة على رجلك و مرّة على الأخرى» «2».

و يردّ الأول بحصوله بأصالة عدم الوجوب، و الثاني بمنع الوجوب و عدم الثبوت من صاحب الشرع، و الثالث و الرابع بالمنع، و الخامس بالضعف و المعارضة مع ما يأتي.

خلافا للمحكي عن النفليّة و الذكرى «3»، و صرّح به بعض مشايخنا المحدّثين «4». بل هو ظاهر الأكثر، و منهم الفاضلان حيث لم يتعرّضا له بوجه، بل هو ظاهر من لم يمنع الاعتماد في القيام، لأنه مناف للاعتماد على الرجلين.

و هو الأظهر، للأصل، و صحيحة أبي حمزة: رأيت عليّ بن الحسين عليهما

السلام في فناء الكعبة في الليل و هو يصلّي، فأطال القيام حتى جعل مرّة يتكئ على رجله اليمنى و مرّة على رجله اليسرى «5».

و هل يجوز رفع إحدى الرجلين؟.

صريح جماعة عدمه «6»، بل صرّح في الحدائق بأنه لا خلاف في بطلان الصلاة به، و باتفاق الأصحاب على وجوب القيام على الرجلين، و استدل له بوقوعه على خلاف الوجه المتلقّى من صاحب الشريعة أمرا و فعلا «7».

______________________________

(1) البحار 81: 342: المشهور وجوب الاعتماد على الرجلين. منه رحمه اللَّه تعالى.

(2) فقه الرضا (ع): 101، مستدرك الوسائل 4: 118 أبواب القيام ب 2 ح 1.

(3) النفلية: 20 و الذكرى: 182: استحباب عدم الاعتماد على الرجل الواحدة. منه رحمه اللَّه تعالى.

(4) كصاحب الحدائق 8: 63.

(5) الكافي 2: 579 الدعاء ب 60 ح 10، الوسائل 5: 490 أبواب القيام ب 3 ح 1.

(6) لم نعثر على من صرّح بذلك إلا صاحب الحدائق (ره)، نعم يمكن أن يستفاد من حكمهم بوجوب الاعتماد على الرجلين. راجع الهامش (4) ص 44.

(7) الحدائق 8: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 46

و يمكن أن يستدل له بالرضوي المتقدّم المنجبر بدعوى نفي الخلاف، بل عمل الأصحاب الخالي عن المعارض المعلوم في المقام، لعدم معلوميّة كون اتكاء السجّاد على ذلك النحو، و بأنه الفرد النادر من القيام الغير المنصرف إليه عند الإطلاق.

و أمّا ما في قرب الإسناد للحميري من أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كان يصلّي و هو قائم، فرفع إحدى رجليه حتى أنزل اللَّه تعالى طه ما أَنْزَلْنا إلى آخره «1»، الموجب لجوازه بالاستصحاب حيث إنه لم يدل على انتفاء الجواز بنزول الآية.

فلضعفه غير صالح للحجية، و مع ذلك معارض بما روي

أيضا في تفسير الآية المذكورة: «أنه صلّى اللَّه عليه و آله كان يقوم على أصابع رجليه في الصلاة حتى تورّمت قدماه فأنزل اللَّه تعالى: طه» إلى آخره «2».

و لأجل ذلك التعارض مع ضعف الرواية الثانية أيضا لا يمكن أن يستدل على جواز القيام على الأصابع بها أيضا، فهو أيضا غير جائز، لعدم انصراف القيام المطلق إليه، بل ينصرف إلى ما هو الشائع المعتاد من القيام على الرّجلين.

و لأجل ذلك الانصراف يحكم أيضا بعدم جواز تباعد الرّجلين فاحشا بحيث يخرج عن المعتاد، بل الظاهر كما صرّح به بعضهم «3» خروجه بذلك عن حدّ القيام، بل يمكن أن يستدل عليه أيضا ببعض الأخبار الدالة على أن غاية التباعد بينهما قدر شبر «4».

ثمَّ الظاهر أنّ غير الجائز من رفع إحدى الرّجلين أو القيام على الأصابع هو ما كان بقدر معتدّ به، فلو فعل واحدا منهما يسيرا في آن يسيرة لم يضرّ.

______________________________

(1) قرب الإسناد: 171- 626، الوسائل 5: 491 أبواب القيام ب 3 ح 4.

(2) انظر: تفسير القمي 2: 57، الوسائل 5: 490 أبواب القيام ب 3 ح 3.

(3) انظر: الحدائق 8: 65.

(4) انظر: الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 47

ثمَّ لو تجاوز عن اليسير فهل تبطل به الصلاة أم ارتكب المحرّم خاصة؟.

مقتضى ما ذكرنا- من انصراف القيام الذي هو جزء الصلاة إلى غيره- البطلان، لعدم موافقته المأمور به.

و كذا لو ترك الاستقلال بناء على وجوبه لأجل كونه حقيقة القيام كما قيل «1»، و أما على وجوبه لا لأجل ذلك ففي البطلان به إشكال، لأصالة عدم جزئيته للصلاة بل يكون واجبا فيها، فتأمّل.

المسألة الرابعة: لو عجز عن الاستقلال- على القول بوجوبه- صلّى معتمدا

إجماعا، له، و لصحيحة ابن سنان «2» بضميمة

عدم الفصل بين أنواع العجز و استصحاب جواز الاعتماد له بعد رفع المرض و وجود الضعف، و لعمومات جواز الاستناد الخارج عنها صورة التمكن بالدليل.

و قد يستدل باستصحاب وجوب غير الاستقلال من هيئات القائم، و بنحو قوله: «الميسور لا يسقط بالمعسور» «3».

و هما يتمّان على تقدير عدم كون الاستقلال مأخوذا في معنى القيام و إلّا فلا، كما بيّنّا وجهه في كتاب عوائد الأيّام «4».

و لو عجز عن الانتصاب، أو الاعتماد على الرّجلين على وجوبه، أو عن القيام عليهما، أو تقاربهما، صلّى منحنيا مقدّما أقلّ الانحناء على الأكثر، معتمدا على رجل واحدة قائما عليها، مساعدا بينهما مقتصرا فيه على أقلّ ما يمكن، لظاهر الإجماع في الجميع، و إلّا فلا دليل تامّا غيره عليه بعد ما عرفت من كون هذه الأمور مأخوذة في معنى القيام المأمور به، نعم لولاه لدلّ عليه الاستصحاب،

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 99 و 156.

(2) التهذيب 3: 176- 394، الوسائل 5: 500 أبواب القيام ب 10 ح 2.

(3) عوالي اللئالي 4: 58- 205.

(4) عوائد الأيام: 90.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 48

و نحو قوله: «الميسور لا يسقط بالمعسور».

و لو تعارض بعض هذه الأمور مع بعض تخيّر على الأظهر، و قد يقدّم الانتصاب لقوله: «لا صلاة لمن لا يقيم صلبه» «1».

و فيه: أنه يعارض أدلة وجوب غيره الموجب لانتفاء الصلاة بانتفائه، فتأمل.

و لو عجز عن بعض هذه الأمور أو كلّها في بعض الحالات دون بعض أتى بها في حال المكنة إجماعا، له، و لما يأتي في القيام.

المسألة الخامسة: و لو عجز عن القيام في البعض أتى بالممكن منه،

بلا خلاف كما صرّح به جماعة «2»، لثبوت وجوب القيام في جميع مواقعه بالإجماع، و لما دلّ على وجوبه في كل موقع بخصوصه، و الأصل عدم

ارتباط بعضه و لا اشتراطه ببعض، فلا يسقط وجوبه في شي ء من مواقعه بسقوطه في بعض آخر.

و يدل عليه أيضا عموم صحيحة جميل: ما حدّ المرض الذي يصلّي صاحبه قاعدا؟ فقال: «إن الرجل ليوعك و يحرج و لكنه أعلم بنفسه، إذا قوي فليقم» «3».

و على هذا فيقوم عند التكبيرة و يستمرّ قائما إلى أن يعجز فيجلس.

و لو قدر على القيام زمانا لا يسع القراءة و الركوع معا.

ففي أولويّة القيام قارئا ثمَّ الركوع جالسا كما عن نهاية الإحكام «4».

أو لزوم الجلوس ابتداء ثمَّ القيام متى علم قدرته عليه إلى الركوع حتى

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 5    49     المسألة الخامسة: و لو عجز عن القيام في البعض أتى بالممكن منه، ..... ص : 48

____________________________________________________________

(1) الكافي 3: 320 الصلاة ب 24 ح 4، التهذيب 2: 78- 290، الوسائل 5: 489 أبواب القيام ب 2 ح 2، بتفاوت يسير.

(2) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 261، و صاحب الحدائق 8: 66، و صاحب الرياض 1:

156.

(3) الكافي 3: 410 الصلاة ب 69 ح 3، التهذيب 2: 169- 673، الوسائل 5: 495 أبواب القيام ب 6 ح 3.

(4) نهاية الإحكام 1: 439.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 49

يركع من قيام، كما عن النهاية و المبسوط و السرائر و المهذّب و الوسيلة و الجامع «1»، مع احتمال إرادة تجدّد القدرة في الثلاثة الأخيرة.

وجهان، أوجههما الأول، لأنه حال القراءة غير عاجز عمّا يجب عليه فيجب، فإذا انتهى إلى الركوع صار عاجزا فيأتي بالممكن.

و للثاني: أنّ الركوع عن قيام- للركنية- أهم من إدراك القراءة قائما، و أنه ورد في النصوص: أنّ الجالس إذا قام في آخر السورة فركع عن قيام يحتسب

له صلاة القائم «2».

و يضعّف الأول: بأنه غير صالح لتجويز ترك واجب، و الثاني: بأنه مختصّ بما إذا كان الجلوس جائزا إجماعا، و الكلام بعد فيه.

و لو عجز عن الركوع و السجود دون القيام لم يسقط عنه بالإجماعين، لعدم المقتضي- فإنّ كلا منهما واجب برأسه فلا يسقط بتعذر غيره- و لصحيحة جميل السابقة، فيقوم، و يركع و يسجد بما هو وظيفة العاجز عنهما.

و لو تعارض القيام مع الركوع و السجود بأن يكون إذا قام لم يمكنه الجلوس للسجود و لا الانحناء للركوع، ففي لزوم القيام و الاكتفاء عنهما بالإيماء، و الجلوس و الإتيان بهما، وجهان، أقواهما بل المدعى عليه الاتفاق في كلام جماعة «3»: الأول، لما مرّ في تعارض قيام القراءة و قيام الركوع.

المسألة السادسة: لو عجز عن القيام بجميع أنحائه في جميع صلاته صلّى جالسا،
اشارة

و كذا فيما يعجز فيه عن القيام في صورة التمكن عنه في بعض الأجزاء،

______________________________

(1) النهاية: 128، المبسوط 1: 100، السرائر 1: 348، المهذب 1: 111، الوسيلة: 114، الجامع للشرائع: 79.

(2) انظر: الوسائل 5: 700 أبواب القيام ب 9.

(3) منهم العلامة في المنتهى 1: 265، و صاحب الحدائق 8: 67، و صاحب الرياض 1: 156.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 50

إجماعا محققا، و محكيا مستفيضا «1»، بل ضرورة كما قيل «2».

و هو فيه الحجّة، مضافا إلى أصالة بقاء التكليف بغير القيام من أفعال الصلاة الغير الممكن تحققه إلّا بالجلوس، و المستفيضة كصحيحة جميل، و حسنة أبي حمزة «3»، و مرسلة محمّد بن إبراهيم «4»، و المراسيل الثلاث للفقيه «5»، و غيرها.

و حدّ العجز المسوّغ له- على الأصحّ الأشهر بل عليه عامة من تأخر- عدم التمكن من القيام عادة الموكول معرفته إلى نفسه، لأنه المفهوم من عدم الاستطاعة المعلّق عليه الحكم في

بعض الأخبار.

مضافا إلى تصريح بعض المعتبرة به كصحيحة جميل السابقة، و صحيحة ابن أذينة: ما حدّ المرض الذي يفطر صاحبه، و المرض الذي يدع صاحبه فيه الصلاة قائما؟ قال: «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، قال: ذاك إليه هو أعلم بنفسه» «6».

و قريبة منها موثّقة زرارة، إلّا أنّ في آخرها: «هو أعلم بما يطيقه» «7» بدل قوله: «هو أعلم بنفسه».

و في حكم عدم التمكن المشقّة العظيمة التي لا يتحمّل مثلها عادة، أو

______________________________

(1) كما في المعتبر 2: 159، و المنتهى 1: 265، و كشف اللثام 1: 210، و الحدائق 8: 67.

(2) انظر: شرح المفاتيح (المخطوط).

(3) الكافي 3: 411 الصلاة ب 69 ح 11، التهذيب 3: 176- 396، الوسائل 5: 481 أبواب القيام ب 1 ح 1.

(4) الكافي 3: 411 الصلاة ب 69 ح 12، الفقيه 1: 235- 1033، التهذيب 3: 176- 393، الوسائل 5: 484 أبواب القيام ب 1 ح 13.

(5) الفقيه 1: 235- 1033 و 236- 1037، 1038، الوسائل 5: 484، 485 أبواب القيام ب 1 ح 13، 15، 16.

(6) الكافي 4: 118 الصيام ب 39 ح 2، التهذيب 3: 177- 399، الوسائل 5: 494 أبواب القيام ب 6 ح 1.

(7) الفقيه 2: 83- 369، الوسائل 5: 495 أبواب القيام ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 51

خوف حدوث مرض أو زيادته، أو بطء برئه، أو عسر علاجه، لأدلة نفي العسر و الضرر «1».

خلافا للمحكي عن المفيد في بعض كتبه، فقال بأنّ حدّه أن لا يتمكن من المشي بمقدار زمان الصلاة «2».

و للشيخ في النهاية، فقال بأنّ حدّه الأمران: أمّا علمه من نفسه أنه لا يتمكن منها قائما، أو لا يقدر على المشي

زمان صلاته «3»، لرواية المروزي:

«المريض إنما يصلّي قاعدا إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها أن يمشي بقدر صلاته إلى أن يفرغ قائما» «4».

و ردّ بالضعف في السند، لجهالة الراوي.

و المخالفة للاعتبار، فإنّ المصلّي قد يتمكن من القيام بمقدار الصلاة و لا يتمكن من المشي بمقدار زمانها، و قد يكون بالعكس.

و يردّ الأول: بعدم قدح ذلك في الحجية.

و الثاني: بعدم اعتبار الاعتبار بعد نصّ الأطهار، و إن هو إلّا اجتهاد في مقابلة النص، فيجوز تجويز الشارع الجلوس بعد بلوغ المصلّي إلى هذا الحدّ و إن قدر على القيام.

نعم تردّه المعارضة مع مثل رواية محمّد بن إبراهيم: «المريض يصلّي قائما، و إن لم يقدر على القيام صلّى جالسا» «5» و نحوه مرسلة الفقيه «6» بتبديل: «و إن لم

______________________________

(1) البقرة: 185، الحج: 78، و انظر: الوسائل 25: 427 أبواب إحياء الموات ب 12.

(2) المقنعة: 215.

(3) النهاية: 129.

(4) التهذيب 3: 178- 402، الوسائل 5: 495 أبواب القيام ب 6 ح 4.

(5) الفقيه 1: 235- 1033، التهذيب 3: 176- 393، الوسائل 5: 484 أبواب القيام ب 1 ح 13.

(6) الفقيه 1: 236- 1037، الوسائل 5: 485 أبواب القيام ب 1 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 52

يقدر» بقوله: «فإن لم يستطع».

فإنه يدل منطوقا و مفهوما على وجوب القيام مع التمكّن و إن لم يقدر على المشي أصلا.

فيعارض تارة منطوق الأول- الدالّ على الجلوس مع القدرة على القيام إذا لم يتمكّن من المشي- مع منطوق قوله في الثاني: «يصلّي قائما» و مفهوم قوله فيه:

«و إن لم يقدر»- الدالّ على القيام مع القدرة عليه- بالعموم من وجه، لأنّ عدم التمكّن من المشي الذي هو موضوع الأول أعمّ من التمكّن

من القيام ساكنا و من عدمه، و التمكّن من القيام الذي هو موضوع الثاني أعم من التمكن من المشي و عدمه.

و محل التعارض هو التمكّن من القيام ساكنا، فيدل الأول على الجلوس معه و الثاني على القيام.

فإن رجّحنا الثاني بالشهرة فتوى و رواية و اعتبار روايتها سندا فهو، و إلّا فيرجع إلى عمومات وجوب القيام و استصحابه، فيجب تقديم الثاني بهذا الاعتبار، و يحكم بوجوب الصلاة قائما ساكنا بعد القدرة عليه و إن لم يقدر على المشي بقدرها.

و يعارض تارة أخرى مفهوم الأول- الدالّ على عدم الجلوس مع التمكّن من المشي- مع منطوق الثاني- الدالّ على الجلوس مع عدم التمكّن على القيام على أن يجعل القيام حقيقة فيما معه السكون- بالعموم من وجه أيضا، لأنّ التمكّن من المشي أعمّ من التمكّن من القيام السكوني و من عدمه، كما أنّ عدم التمكن من القيام- على الجعل المذكور- أعمّ من التمكّن من المشي و عدمه.

و محل التعارض هو التمكن من المشي دون القيام السكوني، فالأول يدلّ على عدم الجلوس فيه و الثاني على الجلوس.

فإن رجّحنا الثاني بأكثرية الرواية يتعيّن الجلوس، و إن لم نجعلها من

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 53

المرجّحات- كما هو الحقّ- فمقتضى القواعد وفاقا لبعض مشايخنا المحقّقين «1» التخيير بين الصلاة ماشيا- كما عن ابن نما و الفاضل و الشهيد الثاني «2»- و جالسا كما عن المحقّق الثاني «3».

و لكن هذا على جعل القيام حقيقة في المستقر، و كذا إذا تردّدنا في اختصاصه به أو أعميّته فيستصحب وجوب الهيئة القياميّة المتحققة في ضمن المشي أيضا، و يعارضه استصحاب وجوب الاستقرار المتحقق مع الجلوس فيحكم بالتخيير.

و لو قلنا بأنه أعمّ منه و ممّا في

ضمن المشي- كما هو الظاهر و مقتضى الاستعمال في قول العرف: يمشي جالسا و يمشي قائما- فلا يكون بينهما تعارض من هذه الجهة كما لا يخفى، و يكون الحكم للأول، و تتعيّن الصلاة ماشيا كما هو المحكي عمّن ذكر، و اختاره بعض مشايخنا الأخباريين «4».

و لا يعارضه دليل وجوب الاستقرار، لعدم دليل عليه سوى الإجماع، و هو منفي في المقام، و استصحابه لا يعارض الخبر.

و تؤكّده حينئذ أدلة وجوب القيام أيضا.

و منه يظهر أنّ الأحوط الصلاة ماشيا، لكونها إمّا معيّنة أو أحد فردي المخيّر.

و الأتمّ منه احتياطا الجمع.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ حدّ العجز- الموجب للجلوس في الصلاة- على كون القيام أعم ممّا معه الاستقرار: ما هو المشهور من عدم التمكّن من القيام بحسب علمه.

و على اختصاصه بما فيه الاستقرار هو: عدم التمكّن منه و من المشي، كما هو قول كلّ من جوّز الصلاة ماشيا مع العجز عن الاستقرار، و يحتمله كلام النهاية

______________________________

(1) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) الفاضل في التذكرة 1: 110، الشهيد الثاني في المسالك 1: 29.

(3) جامع المقاصد 2: 205.

(4) صاحب الحدائق 8: 71.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 54

بجعل لفظة: «أو» بمعنى الواو «1»، بل كلام المفيد «2» بجعل العجز عن المشي بهذا المقدار كناية عن العجز عن القيام مستقرا، لتلازم العجزين و القدرتين غالبا كما نبّه عليه في الذكرى «3».

فرعان:

أ: مقتضى ما تقدم من وجوب القيام بقدر الإمكان- الثابت بالأصل و صحيحة جميل «4»- أنه لو تمكّن من القيام قبل القراءة أو في أثنائها أو بعدها وجب. و هو كذلك، لذلك، و عن ظاهر المنتهى الإجماع عليه أيضا «5».

و لا تجب الطمأنينة في الأخير، وفاقا للمحكي عن

جماعة منهم: الفاضل في النهاية و القواعد و التحرير «6»، و الصيمري «7»، للأصل، و عدم وجوبها أولا حتى يستصحب. و ما كان واجبا أولا إنما كان لأجل القراءة، لأصالة عدم الوجوب بنفسها.

و قد يحتمل الوجوب، لأصل الاشتغال، المندفع بالإتيان بما ثبت به الاشتغال.

و لاستصحاب وجوبها السابق على العجز، المندفع بمنعه، و كونها لازمة للقراءة لا يدلّ على وجوبها بنفسها، و الوجوب التبعي يسقط بسقوط متبوعه.

و لضرورة تحقّق سكون بين الحركتين المتضادّتين الصعودية و الهبوطية، المردودة بأنها غير محلّ النزاع، لأنه سكون حقيقة لا يلزم الإحساس به، و الكلام

______________________________

(1) راجع ص 51- 52.

(2) راجع ص 51.

(3) الذكرى: 180.

(4) المتقدمة في ص 48.

(5) المنتهى 1: 265.

(6) نهاية الاحكام 1: 442، القواعد 1: 31، التحرير 1: 37.

(7) نقله عنه في شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 55

فيما يحسّ به، مع أنه لو صحّ لدلّ على الوجوب العقلي دون الشرعي.

و كذا مقتضى الأصل و الصحيحة وجوب القيام للسجود لو تمكّن منه بعد الركوع، و وجوب الطمأنينة في هذا القيام و عدمه مبني على وجوبها أولا و عدمه.

و كذا مقتضى الأصل وجوب الركوع مع القيام الانحنائي لو تمكّن منه بعد القراءة دون الانتصاب، لثبوت وجوبه كذلك، و أصالة عدم الارتباط فيستصحب.

و لا تجب في شي ء مما ذكر إعادة ما تقدّم عليه جالسا من القراءة أو الركوع، لأصالة الصحّة و البراءة.

ب: يركع الجالس بما يصدق عليه الركوع، و هو مبرئ للذمة، للأصل.

و قد ذكروا في ركوع الجالس وجهين:

أحدهما: أن ينحني فيه بحيث يصير بالنسبة إلى القاعد المنتصب كالراكع القائم بالنسبة إلى القائم.

و ثانيهما: أن ينحني بحيث يحاذي جبهته موضع سجوده، و أدناه أن ينحني بحيث يحاذي جبهته

قدّام ركبتيه.

و الظاهر أن كلّا منهما محصّل ليقين البراءة.

و عن بعض كتب الشهيد «1» إيجاب رفع الفخذين من الأرض، استنادا إلى وجوبه حال القيام، و الأصل بقاؤه.

و فيه: أنه غير مقصود فيه لأجل الركوع، بل إنما هو تابع للهيئة الواجبة في تلك الحالة المنفيّة هنا قطعا.

المسألة السابعة: لو عجز عن القعود مطلقا و لو مستندا صلّى مضطجعا

______________________________

(1) الدروس 1: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 56

بالإجماع المحقّق، و المحكي في المعتبر و المنتهى و المدارك و الحدائق «1»، و غيرها «2»، له، و للمستفيضة كحسنة أبي حمزة: في قول اللَّه عز و جل الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً «3» قال: «الصحيح يصلّي قائما، و قعودا: المريض يصلّي جالسا، و على جنوبهم: الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلّي جالسا» «4».

و موثّقة سماعة: عن المريض لا يستطيع الجلوس، قال: «فليصلّ و هو مضطجع، و ليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنه يجزي عنه، و لن يكلّف اللَّه ما لا طاقة له به» «5».

و مرسلة الفقيه: «المريض يصلّي قائما، فإن لم يستطع صلّى جالسا، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيمن، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيسر، فإن لم يستطع استلقى و أومأ إيماء و جعل وجهه نحو القبلة، و جعل سجوده أخفض من ركوعه» «6».

و موثّقة الساباطي: «المريض إذا لم يقدر أن يصلّي قاعدا، كيف قدر صلّى، إمّا أن يوجّه فيومئ إيماء» و قال: «يوجّه كما يوجّه الرجل في لحده و ينام على جنبه الأيمن ثمَّ يومئ بالصلاة، فإن لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن، فكيف ما قدر، فإنّه له جائز، و يستقبل بوجهه القبلة ثمَّ يومئ بالصلاة إيماء» «7».

و المرويّ في الدعائم: «فإن لم يستطع أن يصلّي جالسا، صلّى مضطجعا لجنبه الأيمن و

وجهه إلى القبلة، فإن لم يستطع أن يصلّي على جنبه الأيمن، صلّى

______________________________

(1) المعتبر 2: 160، المنتهى 1: 265، المدارك 3: 330، الحدائق 8: 75.

(2) كالذخيرة: 262، كشف اللثام 1: 211، و الرياض 1: 157.

(3) آل عمران: 191.

(4) الكافي 3: 411 الصلاة ب 69 ح 11، التهذيب 3: 176- 396، الوسائل 5: 481 أبواب القيام ب 1 ح 1.

(5) التهذيب 3: 306- 944، الوسائل 5: 482 أبواب القيام ب 1 ح 5.

(6) الفقيه 1: 236- 1037، الوسائل 5: 485 أبواب القيام ب 1 ح 15.

(7) التهذيب 3: 175- 392، الوسائل 5: 483 أبواب القيام ب 1 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 57

مستلقيا و رجلاه ممّا يلي القبلة يومئ إيماء» «1».

و بهذه الروايات يخصّص ما دلّ على الاستلقاء بعد الجلوس مطلقا كمرسلتي محمّد بن إبراهيم و فيها: «فإن لم يقدر على ذلك صلّى قاعدا، فإن لم يقدر صلّى مستلقيا» «2».

و قريبه منها مرسلته الأخرى «3».

و المروي في العيون و فيه: «فإن لم يستطع جالسا فليصلّ مستلقيا ناصبا رجليه حيال القبلة يومئ إيماء» «4».

فالروايات- لكونها دالة على عدم الاستلقاء إلّا بعد العجز عن الاضطجاع- أخصّ مطلقا من الثلاثة الأخيرة فتخصص بها.

مضافا إلى أنّ عمومها موافق للمنقول عن جماعة من العامة كابن المسيب و أبي ثور و أصحاب أبي حنيفة «5»، و مخالف لعمل علمائنا، بل لإجماعهم، بل و للكتاب بملاحظة التفسير الوارد فيه، فلو لا تخصيصها لكان طرحها متعيّنا.

و يتخيّر بين الجنبين، وفاقا للمحكي عن موضع من المبسوط و ظاهر الشرائع و النافع و التذكرة و نهاية الإحكام و الإرشاد و اللمعة و المدارك «6»، للأصل، و إطلاق الأوليين الخالي عن الدافع كما يأتي، مع

أفضليّة تقديم الأيمن لما سنذكر.

و خلافا للأكثر، فقالوا بتعيّن الأيمن.

إمّا مطلقا و مع تعذّره يستلقي كجماعة، لرواية الدعائم.

______________________________

(1) الدعائم 1: 198، مستدرك الوسائل 4: 116 أبواب القيام ب 1 ح 5.

(2) الفقيه 1: 235- 1033، التهذيب 3: 176- 393، الوسائل 5: 484 أبواب القيام ب 1 ح 13.

(3) الكافي 3: 411 الصلاة ب 69 ح 12، الوسائل 5: 484 أبواب القيام ب 1 ذيل حديث 13.

(4) عيون اخبار الرضا 2: 67- 316، الوسائل 5: 486 أبواب القيام ب 1 ح 18.

(5) المغني و الشرح الكبير 1: 815.

(6) المبسوط 1: 100، الشرائع 1: 80، المختصر النافع: 30، التذكرة 1: 110، نهاية الإحكام 1: 440، الإرشاد 1: 252، اللمعة (الروضة 1): 251، المدارك 3: 331.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 58

أو مقدّما على الأيسر، فلا يجوز الأيسر إلّا مع تعذّر الأيمن «1» كما عن الجامع و السرائر «2»، للمرسلة و الموثقة مع ضعف الرواية.

و يردّ الجميع بعدم الدلالة على الوجوب و التعيّن، للخلو عن الدالّ عليه فلا يفيد، غايته الرجحان، و هو مسلّم، لأجل ذلك و للإجماع المنقول عن المعتبر و المنتهى «3» على تعيّن الأيمن المثبت للرجحان، للمسامحة فيه، حيث لا حجّيّة في حكاية الإجماع.

و أما دعوى تبادر الأيمن من إطلاقهما فمن أغرب الدعاوي.

و يجب أن يكون حينئذ مستقبلا للقبلة بمقاديم بدنه كالملحد، للموثّق، و رواية الدعائم، و عدم دلالتهما على الوجوب لا يضرّ في المورد، للإجماع المركّب.

المسألة الثامنة: لو عجز عن الصلاة مضطجعا وجب عليه أن يصلّي مستلقيا

على قفاه بالإجماع و النصوص المتقدّمة. مستقبلا للقبلة بباطن كفّيه كالمحتضر، لروايتي الدعائم و العيون المتقدّمتين، المنجبرتين بالعمل في المورد.

ممدودة رجلاه، لأنه مقتضى كون بطنهما إلى القبلة.

و قيل: الأولى أن يجعل تحت رأسه شيئا يصير وجهه مواجها

للقبلة «4».

و لا بأس به.

المسألة التاسعة: القائم و الجالس إذا لم يتمكّنا من الانحناء الواجب،

فإن تمكّنا من أقلّ ما يصدق عليه أسماء الركوع و السجود حيث إنهما انحناء بقدر

______________________________

(1) منهم الطوسي في المبسوط 1: 110، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 561، و العلامة في المنتهى 1: 265.

(2) الجامع للشرائع: 79، السرائر 1: 349.

(3) المعتبر 2: 160، المنتهى 1: 265.

(4) شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 59

يصدق عليه الاسم، مع وضع الجبهة على شي ء في الثاني، من غير مدخلية فيه لعدم تفاوت موضعي الجبهة و القدم و لا لسائر الشرائط في الصدق و لذا أطلق السجدة على مثل ذلك في الصحيحة و الموثّقة الآتيتين، وجب، لمطلقات الأمر بالركوع و السجود، و ضرورة تقييد ما أوجب الزيادة بالإمكان.

و يجب في السجدة أن يرفع شيئا يضع جبهته عليه بلا خلاف فيه- على الظاهر- المصرّح به في جملة من العبارات «1»، بل عن ظاهر المعتبر و المنتهى الإجماع عليه «2»، لموجبات وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه «3»، و لمرسلة الفقيه، المؤيدة بصحيحة زرارة و موثقتي أبي بصير و البصري:

الاولى:

شيخ كبير لا يستطيع القيام إلى الخلاء لضعفه و لا يمكنه الركوع و السجود، فقال: «ليومئ برأسه إيماء، و إن كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد، فإن لم يمكنه ذلك فليومئ برأسه نحو القبلة إيماء» «4».

و الثانية:

«المريض يسجد على الأرض أو على مروحة أو على مسواك يرفعه، و هو أفضل من الإيماء» «5».

و لا تنافي الأفضليّة للوجوب، إذ يراد أنّ ثواب ذلك حين وجوبه أكثر من ثواب ذاك حين وجوبه أيضا.

و الثالثة:

عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا يسجد عليه؟ قال: «لا، إلّا أن يكون مضطرّا ليس عنده غيرها» «6».

______________________________

(1) انظر: مجمع

الفائدة 2: 191، و الذخيرة: 263، و الحدائق 8: 84.

(2) المعتبر 2: 161، المنتهى 1: 265.

(3) انظر: الوسائل 5: 343 أبواب ما يسجد عليه ب 1.

(4) الفقيه 1: 238- 1052، الوسائل 5: 484 أبواب القيام ب 1 ح 11.

(5) الفقيه 1: 236- 1039، التهذيب 2: 311- 1264، الوسائل 5: 364 أبواب ما يسجد عليه ب 15 ح 1 و 2.

(6) التهذيب 3: 177- 397، الوسائل 5: 483 أبواب القيام ب 1 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 60

و الرابعة:

«و يضع في الفريضة بوجهه على ما أمكنه من شي ء» «1».

و بها تقيّد مطلقات الإيماء بالرأس للسجود في المريض، فيخصّ بصورة عدم إمكان الرفع.

و هل يجب ازدياد الانخفاض في السجود مهما أمكن بعد التجاوز عن اللبنة ما لم يصل حدّا يسلب اسم السجود؟.

فيه نظر، و الاحتياط معه.

و لو تعذّر الوضع سقط و هل يسقط معه الانحناء؟.

مقتضى القاعدة ذلك، إذ لا سجدة بدون الوضع، و أمر الاحتياط واضح.

و لو تعذّر الانحناء الذي يصدق معه الركوع و السجود يومئ بالرأس لهما إجماعا، للمرسلة المتقدّمة و غيرها، و بها تقيّد مطلقات الإيماء فيحمل على الإيماء بالرأس مع إمكانه.

و هل يجب عليهما الانحناء للركوع و السجود إذا لم يصل حدّا يصدق معه الركوع أو السجود؟.

الأصل يقتضي العدم، و إثباته بنحو قوله: «الميسور لا يسقط بالمعسور» «2» باطل، إلّا أن يدّعى الإجماع عليه فيتّبع إن ثبت.

و الظاهر أنه يجب مع الإيماء للسجود وضع الجبهة على شي ء يرفعه، لموثّقة سماعة المتقدّمة «3» بضميمة الإجماع المركّب المؤيّدة بالصحيحة، و الموثقتين السابقتين.

و قيل: لا، للأصل، و خلوّ كثير من الأخبار و الفتاوي عنه.

______________________________

(1) التهذيب 3: 308- 952، الوسائل 4: 325 أبواب القبلة ب

14 ح 1.

(2) عوالي اللئالي 4: 58- 205.

(3) في ص 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 61

و يندفعان بما مرّ.

و هل يجب جعل السجود حينئذ أخفض من الركوع؟.

ظاهر الأكثر نعم، بل قيل: إنّه قطعي «1»، لما يأتي في المضطجع و المستلقي بضميمة عدم الفرق.

و فيه: أنّ ما يأتي فيهما غير دالّ على الوجوب، بل غايته الرجحان و هو مسلّم.

و لو لم يتمكّنا من الإيماء بالرأس يومئان بالعين لهما بالإجماع، و هو الحجّة فيه، مضافا إلى وجوب الركوع و السجود عليهما إجماعا و عدم القول بالإتيان بهما بوضع آخر، و بعض مطلقات إيماء المريض.

و يضعان شيئا على الجبهة وجوبا، لما مرّ.

و المضطجع إن تمكّن من السجود بوضع الجبهة على الأرض وجب، لأدلّته، و استصحابه، و اختصاص أدلّة الإيماء بحال عدم الإمكان كما هو الغالب في غير الجالس، و يشعر به قوله: «و لن يكلّف اللَّه ما لا طاقة له به» في ذيل موثّقة سماعة «2».

و إن لم يتمكّن منه يومئ- هو و المستلقي- بالرأس مع إمكانه، لإطلاق المرسلة المتقدّمة «3»، و المرسلة الأخرى و فيها: «إن استطعتم أن تجلسوه فأجلسوه و إلّا فوجّهوه إلى القبلة، و مروه فليومئ برأسه، و يجعل السجود أخفض من الركوع» «4».

و بدونه يومئان بالعين، لمرسلة محمّد بن إبراهيم: في المستلقي، قال: «فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثمَّ يسبّح، ثمَّ يفتح عينيه، و يكون فتح عينيه رفع رأسه

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 157.

(2) المتقدمة في ص 56.

(3) في ص 56.

(4) الفقيه 1: 236- 1038، الوسائل 5: 485 أبواب القيام ب 1 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 62

من الركوع، فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثمَّ يسبّح، فإذا سبّح

فتح عينيه، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود» «1».

و قريبة منها مرسلته الأخرى «2».

و هما و إن كانتا مطلقتين و لكن يجب تقييدهما بعدم إمكان الإيماء بالرأس، للمرسلتين المتقدّمتين المقيّدتين بحال الإمكان قطعا، فيكون أخصّ منهما. و لا يضرّ ورود الأخيرتين في المستلقي، لعدم الفصل. و لا عدم دلالتهما على الوجوب، لذلك.

و في وجوب وضع شي ء على الجبهة في السجود و جعله أخفض من الركوع في حالتي الإيماء بالرأس و العين، وجهان.

الأظهر: الأوّل في الأوّل، لموثّقة سماعة في المضطجع- مع عدم الفصل في المستلقي- المؤيّدة بسائر الأخبار المتقدّمة. و في الثاني: الثاني، للأصل، و عدم الدافع، إلّا قوله: «و يجعل سجوده أخفض من الركوع» في إحدى المراسيل المتقدّمة «3».

و هو- مع اختصاصه بالإيماء بالرأس و عدم ثبوت عدم الفاصل بل ثبوت وجوده- لا يثبت الوجوب. و ورود: «ليجعل» في بعض النسخ لا يفيد، لوروده في الأكثر بقوله: «و يجعل».

و الظاهر أنّ الأعمى العاجز عن الإيماء بالرأس يومئ بعصر العينين، لعدم سقوط الركوع و السجود عنه إجماعا، و عدم قول بغير هذا النحو.

المسألة العاشرة: من عجز في الأثناء عن حالة انتقل إلى ما دونها

بلا خلاف

______________________________

(1) التهذيب 3: 176- 393، الوسائل 5: 484 أبواب القيام ب 1 ذيل حديث: 13.

(2) الكافي 3: 411 الصلاة ب 69 ح 12، الوسائل 5: 484 أبواب القيام ب 1 ذيل حديث 13.

(3) و هي مرسلة الفقيه، راجع ص 56 الهامش (6)، و قد ورد فيها «جعل» بصورة الماضي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 63

فيه ظاهرا، بل صرّح بنفيه بعضهم «1»، و يدلّ عليه كثير من الأخبار المتقدّمة المصرّحة بمثل قوله: فإن لم يستطع صلّى جالسا، فإن لم يستطع صلّى على جنبه، و هكذا، فمتى عجز عن القيام منتصبا انحنى،

و عن الانحناء جلس، و عنه اضطجع، و عنه استلقى.

ثمَّ لو كان العجز عن القيام قبل القراءة أو في أثنائها، فهل يقرأ حال الانتقال أم يؤخّرها إلى الجلوس؟

المشهور: الأول، للاستصحاب، و للمحافظة على القراءة في المرتبة العليا مهما أمكن، و حالة الهويّ أعلى من القعود.

و قيل بالثاني «2»، لاشتراط القراءة بالاستقرار كما ينبّه عليه رواية السكوني:

«في المصلّي يريد التقدّم، قال: يكفّ عن القراءة في مشيه حتى يتقدّم ثمَّ يقرأ» «3».

و يضعّف بمنع كون الاستقرار من شرائط القراءة و وجوبه فيها- و الرواية واردة في مورد خاص- بل هو من واجبات الصلاة المنتفية هنا قطعا و كان لازم وجوبه لها مقارنته للقراءة أيضا، و الحاصل أنّ وجوبه حال القراءة إنّما كان لأجل الصلاة و هو منتف هنا، لا لأجل القراءة.

كما يضعّف دليل الأول بأنّ الاستصحاب لا يدل على وجوب القراءة، لعدم وجوبها أوّلا متّصلا بل كان يجوز يسير فصل، و قد يحصل الانتقال في آن يسيرة لا تنافي توالي القراءة عرفا.

و وجوب المحافظة عليها في المرتبة العليا مطلقا ممنوعة، نعم يجب كونها في حال القيام مهما أمكن، و ليس تمام حالة الهويّ و الانتقال قياما.

فإن كان مراد المشهور الجواز فهو كذلك، و يدل عليه الأصل و الاستصحاب، و إن أريد الوجوب فهو فيما يصدق عليه القيام كذلك، و أمّا بعده

______________________________

(1) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 192، و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 122.

(2) كما في مجمع الفائدة 2: 192، و المدارك 3: 334.

(3) الكافي 3: 316 الصلاة ب 21 ح 24، التهذيب 2: 290- 1165، الوسائل 6: 98 أبواب القراءة في الصلاة ب 34 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 64

من حالات الهويّ فلا.

و

إن كان العجز بعد القراءة قبل الركوع فمع العجز عن الانحناء مطلقا يركع جالسا.

و مع التمكّن من الانحناء و الطمأنينة فيه و الذكر، ينحني مطمئنّا ذاكرا فيه للركوع، ثمَّ يجلس فيسجد.

و إن تمكّن من الانحناء دون الطمأنينة و الذكر، ينحني للركوع و يهوي منحنيا حتى يجلس كذلك، فيذكر فيه من غير فصل الجلوس منتصبا، لئلّا يزيد في الركن، حيث إنّ الطمأنينة و الذكر خارجان عن حقيقة الركوع. و كذا إذا لم يتمكّن من الذّكر خاصة.

و منه يظهر حال تجدّد العجز بعد الانحناء أيضا.

و إن لم يتمكّن من وصل الانحناءين ففي الاكتفاء بالانحناء قائما للركوع و سقوط الطمأنينة و الذكر، أو الركوع جالسا، أو قائما منحنيا ثمَّ الجلوس منتصبا ثمَّ الانحناء فيه لدرك الطمأنينة و الركوع، أوجه.

المسألة الحادية عشرة: من تجدّد له الاقتدار على الحالة العليا من الدنيا انتقل إليها

بالإجماع، له، و لصحيحة جميل المتقدّمة «1» بضميمة الإجماع المركّب.

و يترك القراءة حتى ينتقل إليها وجوبا، لقدرته على دركها فيها، فلا يجزي الأدون منها إلّا إذا احتاج الانتقال إلى زمان ينتفي فيه التوالي في القراءة.

و يبني على ما قرأ في الدنيا، لاقتضاء الأمر للإجزاء.

و لو خفّ في الركوع قبل الطمأنينة وجب الانتقال منحنيا إلى حدّ الراكع من غير أن ينتصب، لئلّا يزيد في الركن أو ينقص في الواجب.

و لو خفّ بعد الركوع قام ثمَّ سجد ليسجد عن قيام، و فيه تأمّل.

و هكذا من الصور المتصورة في هذه المسألة و المسألة السابقة.

المسألة الثانية عشرة: يستحب أن يكون نظر المصلّي قائما حال قيامه إلى موضع سجوده

______________________________

(1) في ص 48.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 65

بالإجماع، لصحيحة زرارة «1»، و غيرها.

و أن تكون يداه على فخذيه بحذاء ركبتيه كما في صحيحة زرارة، و حمّاد «2».

المسألة الثالثة عشرة: يستحب أن يتربّع الجالس حال قراءته

بأن ينصب فخذيه و ساقيه، رافعا أليتيه عن الأرض.

لا لرواية حمران: «كان أبي إذا صلّى جالسا تربّع فإذا ركع ثنّى رجليه» «3».

للإجمال في المراد من التربّع الذي ذكره، حيث إنّه يستعمل في معان.

منها: ما مرّ، و هو الذي ذكره الفقهاء في هذا المقام.

و منها: أن يقعد على وركيه و يمدّ ركبته اليمنى إلى جانب يمينه و قدمه إلى جانب شماله، و اليسرى بالعكس، ذكره في المجمع «4».

و منها: ذلك إلّا أن يضع إحدى رجليه على الأخرى، فسّره به أبو الحسن عليه السلام في رواية رواها الكشّي في ترجمة جعفر بن عيسى «5».

و منها: الأعم من الجميع بل من غيره أيضا، ذكره القاموس حيث قال:

و تربّع في جلوسه: خلاف جثا و أقعى «6».

و لا يعلم المراد من التربّع الوارد في الرواية، و حكاية الواقعة لا تفيد العموم.

و مع ذلك معارض ببعض روايات أخر:

______________________________

(1) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83- 308، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

(2) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، التهذيب 2: 81- 301، أمالي الصدوق: 337- 13، الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1، بتفاوت في بعضها.

(3) الفقيه 1: 238- 1049، التهذيب 2: 171- 679، الوسائل 5: 502 أبواب القيام ب 11 ح 4.

(4) نقله في مجمع البحرين 4: 331 عن المجمع، أي مجمع البحار للشيخ محمد طاهر الصديقي المتوفّى 981.

(5) رجال الكشي 2: 790.

(6)

القاموس المحيط 3: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 66

منها: ما رواه في الكافي في جلسة الطعام و فيها: «و لا يضع إحدى رجليه على الأخرى، و لا يتربّع فإنها جلسة يبغضها اللَّه و يبغض صاحبها» «1».

و منها: رواية أخرى في جلسة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: و لم ير متربّعا قطّ «2».

بل «3» لتصريح بعض الفقهاء منهم الثانيان «4» باستحباب التربع بهذا المعنى، بل تصريح المنتهى بالإجماع على استحبابه «5»، و فيه و إن لم يفسّره بهذا المعنى و لكنه استدل له بأنه أقرب إلى هيئة القائم، و هو صريح في أنه المراد.

و لا يعارضه الخبران المذكوران، لما عرفت من الإجمال، مضافا إلى تعارضهما مع غيرهما من جلوس الصادق عليه السلام و أكله متربّعا «6».

و أن يثنّي رجليه حال ركوعه، بأن يفترشهما تحته و يقعد على صدرهما، بالإجماع كما عن الخلاف «7»، له، و لرواية حمران المتقدّمة.

و أن يتورّك حال تشهّده وفاقا للشيخ «8»، و جماعة من الأصحاب «9»، و لعموم

______________________________

(1) الكافي 6: 272 الأطعمة ب 23 ح 10، الوسائل 24: 257 أبواب آداب المائدة ب 9 ح 2، و فيه بتفاوت يسير.

(2) الكافي 2: 661 العشرة ب 21 ح 1، الوسائل 12: 106 أبواب أحكام العشرة ب 74 ح 1.

(3) عطف على قوله: لا لرواية حمران ..

(4) المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 206، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 29.

(5) المنتهى 1: 266، و فيه ادعاء الإجماع على عدم الوجوب لا على الاستحباب، فراجع.

(6) الكافي 6: 272 الأطعمة ب 23 ح 9، الوسائل 24: 249 أبواب آداب المائدة ب 6 ح 3، و فيه بتفاوت يسير.

(7) لم نعثر عليه

في الخلاف، و قال في الرياض: و في الخلاف الإجماع على أفضلية التربّع، و في المدارك الإجماع عليها فيه و في تثنية الرجلين. راجع الرياض 1: 157.

(8) المبسوط 1: 100، الخلاف 1: 363.

(9) منهم الكركي في جامع المقاصد 2: 207، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 192، و صاحب المدارك 3: 335، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 211.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 67

ما دلّ على استحبابه فيه «1» و عدم المخصّص.

خلافا لظاهر الشرائع و النافع فتردّد «2»، و لعلّه لإطلاق الرواية السابقة.

و يدفعه أنّ الظاهر من قوله: «صلّى جالسا» ما يقابل القيام في حالة الاختيار.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1.

(2) الشرائع 1: 81، المختصر النافع: 30.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 68

البحث الرابع في القراءة
اشاره

و هي واجبة بإجماع الأمة إلّا من شذّ من العامة «1»، و عليه عمل النبي و الأئمة، و هما الأصل فيه بعد المستفيضة «2».

و الحقّ المشهور عدم ركنيّتها، بل عليه الإجماع عن الخلاف «3»، لدلالة الأخبار على عدم بطلان الصلاة بتركها سهوا كصحيحة محمّد: «إنّ اللَّه عزّ و جلّ فرض الركوع و السجود، و القراءة سنّة، فمن ترك القراءة متعمّدا أعاد الصلاة، و من نسي القراءة فقد تمّت صلاته» «4».

و قريبة منها صحيحة زرارة «5».

و صحيحته الأخرى: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود» ثمَّ قال: «القراءة سنّة، و التشهد سنّة، فلا ينقض السنّة الفريضة» «6».

و موثّقة منصور: إنّي صلّيت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلّها، فقال: «أ ليس قد أتممت الركوع و السجود؟» قلت: بلى، قال: «فقد تمّت صلاتك

______________________________

(1) حكاه عن الحسن بن صالح

بن حي في الخلاف 1: 327، و كذا حكاه النووي في المجموع 3:

330.

(2) انظر: الوسائل 6: 37 أبواب القراءة ب 1.

(3) الخلاف 1: 334.

(4) الكافي 3: 347 الصلاة ب 35 ح 1، التهذيب 2: 146- 569، الاستبصار 1:

353- 1335، الوسائل 6: 87 أبواب القراءة ب 27 ح 2.

(5) الفقيه 1: 227- 1005، الوسائل 6: 87 أبواب القراءة ب 27 ح 1.

(6) الفقيه 1: 225- 991، التهذيب 2: 152- 597، الوسائل 6: 91 أبواب القراءة ب 29 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 69

إذا كان نسيانا» «1».

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

خلافا للمحكي في المبسوط عن بعض الأصحاب «2» و في التنقيح عن ابن حمزة «3» فقالا بالركنيّة.

لعمومات نفي الصلاة بانتفاء الفاتحة «4».

و كون القراءة فريضة، لدلالة قوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ «5» بضميمة الإجماع على عدم وجوب القراءة في غير الصلاة عليه، و كلّ ما كان فريضة فهو ركن كما صرّح به جماعة «6»، و تشير إليه الصّحاح الثلاثة المتقدّمة.

و يضعّف الأول: بوجوب تخصيص العام بالخاص.

و الثاني: بمنع الفريضة أولا، كما صرّح به في الصّحاح الثلاثة، و منه تبطل دلالة الآية، لأنّهم عليهم السلام أعلم بمواقعها، مع أنّ فيها محلّ كلمات أخر، منها عدم أولويّة تخصيص عموم: «ما تيسّر» بالحمد و السورة، و تقييد إطلاق القراءة بحالة الصلاة، عن حمل الأمر على الاستحباب.

و منع الكليّة ثانيا، و الصحاح لا تدلّ على أزيد من أنّ السنّة ليست بركن، و أمّا أنّ كلّ فريضة ركن فلا.

و هاهنا مسائل:

المسألة الأولى: تتعيّن قراءة الحمد في الفريضة

بالإجماع المحقّق و المحكي

______________________________

(1) الكافي 3: 348 الصلاة ب 35 ح 3، التهذيب 2: 146- 570، الوسائل 6: 90 أبواب القراءة ب 29 ح 2.

(2)

المبسوط 1: 105.

(3) التنقيح 1: 197.

(4) انظر: الوسائل 6: 37 أبواب القراءة ب 1.

(5) المزمل: 20.

(6) منهم صاحب الحدائق 8: 92، و قال الوحيد في شرح المفاتيح (المخطوط): كل جزء من أجزاء العبادة يكون الأصل ركنيته لها حتى يثبت من الشرع عدم الركنية.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 70

مستفيضا «1»، له، و لعمل الحجج «2»، و المستفيضة من النصوص.

منها: صحيحة محمّد: عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته، قال:

«لا صلاة له إلّا أن يقرأها في جهر أو إخفات» «3».

و رواية أبي بصير: عن رجل نسي أمّ القرآن، قال: «إن كان لم يركع فليعد أمّ القرآن» «4».

و موثّقة سماعة: عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب، قال:

«فليقل: أستعيذ باللّه من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم، ثمَّ ليقرأها ما دام لم يركع، فإنّه لا قراءة حتى يبتدئ بها في جهر أو إخفات، فإنه إذا ركع أجزأه» «5».

و المروي في كتاب المجازات النبويّة: «كلّ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهو خداج» «6» إلى غير ذلك.

و كذا في النافلة على الأشهر الأقرب، للصحيحة المتقدّمة، و الرواية الأخيرة المنجبرة، و لأنّ الصلاة كيفية متلقاة من الشارع فيجب الاقتصار فيها على موضع النقل.

______________________________

(1) كما في الخلاف 1: 327، الغنية (الجوامع الفقهية): 557، التذكرة 1: 114، الحدائق 8:

91.

(2) انظر: الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1.

(3) التهذيب 2: 146- 573، الاستبصار 1: 354- 1339، الوسائل 6: 88 أبواب القراءة ب 27 ح 4.

(4) الكافي 3: 347 الصلاة ب 35 ح 2، الوسائل 6: 88 أبواب القراءة 28 ح 1.

(5) التهذيب 2: 147- 574، الاستبصار 1: 354- 1340، الوسائل 6: 89 أبواب القراءة ب 28 ح 2.

(6)

المجازات النبوية: 111- 79، الوسائل 6: 39 أبواب القراءة ب 1 ح 6. و الخداج أي نقصان، وصفت بالمصدر للمبالغة يقال: خدجت الناقة فهي خادج إذا ألقت ولدها قبل تمام الأيام و إن كان تام الخلق- مجمع البحرين 2: 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 71

خلافا للمحكي عن التذكرة فلا تجب، للأصل «1».

و يضعّف بما مرّ، إلّا أن يريد بالوجوب المنفي الشرعي. فهو مسلّم، لانتفائه في أصل النوافل فكيف بأجزائها. إلّا أن تثبت حرمة القطع فيها أيضا فيثبت لأجزائها الوجوب الشرعي بعد الإحرام بها.

المسألة الثانية: موضع وجوب قراءة الحمد في الفريضة الركعتان من الثنائيّة و الأوليان من الرباعيّة و الثلاثيّة،

فتجب فيها دون غيرها.

أمّا الثاني فيأتي بيانه، و أمّا الأول فبالإجماعين «2» و فعل الحجج «3»، و توقف القطع بالبراءة عليه، و الأخبار «4».

المسألة الثالثة: تجب قراءة الحمد أجمع،
اشاره

للأمر بقراءته و هو اسم للجميع، المنتفي بانتفاء بعضه.

و هو و إن صدق بالمجموع العرفي الذي لا يخلّ به نقص حرف، إلّا أنه انعقد الإجماع القطعي على قراءة مجموعه الحقيقي بحيث لم يخلّ بحرف منه، فهو الحجّة فيه، و مقتضاه أداء كل حرف حرف منه بحيث يعدّ هذا الحرف عرفا.

و يدلّ عليه أيضا أنّ الإخلال بحرف منه إمّا يكون بنقصه أو بإبداله بحرف آخر، و الأول إذا كان الحرف جزء كلمة و الثاني مطلقا يجعل المقروء خارجا من القرآن، فتبطل بالتكلّم به عمدا الصلاة.

و منه يظهر سرّ ما أجمعوا عليه من وجوب إخراج الحروف من مخارجها، بل الحكمان متّحدان، إذ عدم خروج الحرف من مخرجه يخرجه عن صدق هذا الحرف

______________________________

(1) التذكرة 1: 114.

(2) انظر: التذكرة 1: 114، و الرياض 1: 158.

(3) انظر: الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1.

(4) انظر: الوسائل 6: 37 أبواب القراءة ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 72

عرفا، و خروجه منه يدخله في الصدق، إذ اختلاف الحروف إنّما هو باختلاف المخارج. بل المخرج لكلّ حرف ما يصدق مع الخروج عنه أنه هذا الحرف عرفا، سواء كان متّسعا، كمخرج التاء المثنّاة الفوقانيّة، و الجيم، و الدال، و الكاف، و غيرها، حيث إنّه يمكن إخراجها من أصول مقاديم الأسنان العليا إلى أواخر الحنك، أو لا، كمخرج الباء الموحّدة، و الفاء، و الميم، و نحوها، و لا يلزم بعد الصدق العرفي الإخراج من موضع معيّن من المخارج المتّسعة كما يقوله القرّاء، لعدم الدليل.

و المناط في الحروف التي

لم ترد في لسان العجم- و هي الثاء، و الذال، و الصاد، و الضاد، و الطاء، و الظاء و القاف، و لذا لا يعرفون مخارجها و لا يميّزونها في التكلّم عن السين، و الزاي، و الغين- عرف العرب، فيجب أداؤها بحيث لو سمعها العرب حكم بكونها هذه الحروف، فالعجم لا يميّز في التكلّم بين ألفاظ:

ذلّ، و زلّ، و ضلّ، و ظلّ، فيجب في التكلّم بواحد منها أن يكون بحيث لو سمعها العرب حكم بأنه أيّها، و لا يتحقّق ذلك إلّا بإخراجها من مخارجها المقرّرة عند العرب، و لا تكفي التفرقة بينها بفرق اختراعي، فاللازم تعلّم مخارجها من أهلها و منهم القرّاء، فيلزم الأخذ منهم قطعا لو لم يتمكّن من التعلم من العرب.

ثمَّ إنّ من الحروف ما يظهر بمجرّد وصول الهواء الصوتي بمخرجه و هي غير الحروف المتقلقلة، كالخاء «1» و العين و غيرهما، فلا يلزم فيها غير الإيصال المذكور.

و منها ما لا يكفي فيه ذلك، بل يلزم في ظهوره بحيث يصدق التكلّم به عرفا من مجاوزة الهواء الصوتي عن مخرجه بعد الوصول إليه و هو المراد بالتقلقل، و هي الحروف المتقلقلة، فالظاهر لزوم التقلقل فيها، فلو اكتفى بوضع اللسان على مخرج الدال مثلا من غير رفعه عنه لم يكف في أدائها بل يلزم التقلقل.

و ما ذكر هو القدر اللازم في مادة الحروف.

______________________________

(1) في «ق» و «س»: كالحاء.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 73

و أمّا أوصافها فلا شك في وجوب مراعاة التشديد، أي قراءة الحرف الواحد المشدّد مشدّدا. و التشديد هو غير الإدغام اصطلاحا، لأنه يستعمل فيما كان الثابت في اللفظ حرفين نحو: يدرككم و يوجهه.

و الدليل على وجوبه و بطلان الصلاة بالإخلال به إجماع

الفقهاء عليه، مضافا إلى أنّ الإخلال به إمّا بإظهار الحرفين المخفّفين أو حرف واحد مخفّف، و الأوّل موجب لزيادة حرف غير القرآن في الصلاة و به تخرج الكلمة عن القرآنية بل عن العربيّة في الأكثر، و الثاني لخروج اللفظ عن العربيّة و القرآنيّة و عمّا هو هو، بل يتغيّر فيهما المعنى في الأغلب.

و أمّا المدّ المتصل و الإدغام الصغير- و هو إدغام حرفين متجانسين أو متناسبين أوّلهما ساكن في كلمة أو كلمتين في الآخر، و لو كان أوّلهما متحركا فهو الإدغام الكبير الذي حكم الأكثر من القرّاء بعدم وجوبه «1»- فقد حكم جماعة من الفقهاء منهم الشهيد و المحقّق الثاني بوجوب مراعاتهما «2»، بل يخطر ببالي ادّعاء الإجماع على الأوّل.

و الأصل يقتضي عدم وجوبهما أيضا، لعدم دليل عليه، فإنّه لا يخرج بالإخلال بهما اللفظ عن كونه لفظا عربيّا و قرآنا عرفا، و لا يتغيّر به المعنى، و لا الحرف عن كونه ذلك الحرف أصلا.

غاية الأمر ثبوت اتفاق القرّاء- أو مع العرب- على مراعاتهما، بل على وجوبهما في التكلّم، و لذا يثبتون علامة المدّ المتّصل في المصاحف، و لا يثبت منه إلّا توقف اللهجة العربيّة و الأداء على نحو العرب عليه و أنّ العرب لا يتلفّظ إلّا كذلك، و لم يثبت وجوب ذلك، و لذا لا يحكمون بوجوب إمالة الألف في مواضعه و لا إشباع الحركات و تفخيم الراء مثلا مع أنا نعلم قطعا أن العرب لا يؤدّي إلّا

______________________________

(1) و وجوب الإدغام فيه مذهب يعقوب و أبي يوسف من القرّاء، و أوجبه عاصم أيضا في كلمتين من القرآن ما مَكَّنِّي في سورة الكهف، لا تَأْمَنَّا في سورة يوسف. منه رحمه اللَّه تعالى.

(2) الشهيد في البيان: 157،

المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 245.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 74

كذلك ألا ترى أن أهل الفرس لا يميلون ألفا و لا يفخّمون الراء و لا يشبعون حركة و لا يخرجون الغين المعجمة من مخرجها، بل لو فعل ذلك أحد في لسانهم يضحكون منه، و مع ذلك لا يخرج اللفظ بشي ء منها- لو فعله أحد- عن الفارسية، و لو أمر أحد بقراءة نظم أو نثر فارسي فقرأ بهذا النحو لا يقال: لم يمتثل، و إن قيل: لم يقرأ باللهجة الفارسية.

و بالجملة: القدر الثابت شرعا ليس إلّا وجوب أداء اللفظ المنزل من غير إخلال بحرف منه عرفا، و أما وجوب أدائه على نحو أداء العرب و هيئته و لهجته و كيفيته فلا دليل عليه أصلا و أبدا، بل لو قال العرب: هذا ليس بعربي أو غلط، لم يضرّ، كما يقول الفارسي لمن فخّم الراء أو أمال أو أخرج الغين من مخرجه في لفظ فارسي: إنه غلط و ليس بفارسي، فإن المراد نفي العربية في اللهجة و الأداء و التغليظ فيه، و لم يثبت وجوب الموافقة فيهما، نعم لو ثبت الإجماع الشرعي على وجوب مراعاة واحد منهما لوجب، و لكن الشك فيه، و مع ذلك فالمحتاط لا يتركهما البتّة.

و أمّا ما ورد في بعض الأخبار- من الأمر بالقراءة كما يقرأ الناس «1»، أو كما تعلّمتم «2»- فلا يفيد العموم، مع أنه إنما ورد في مقام السؤال عمّا وجد في مصاحف الأئمّة من بعض الآيات و الكلمات الخالية عنها سائر المصاحف و أنهم لا يحسنون قراءة ذلك.

و أما سائر الأوصاف من الإمالة، و الإخفاء، و الغنّة، و التفخيم، و الترقيق، و الاستعلاء، و الإطباق، و المدّ

المنفصل، و نحوها فلا دليل على وجوب شي ء منها، و لم أعثر على مصرّح من الفقهاء بوجوبه و إن جعل نادر الاحتياط في مراعاته «3».

و هل يستحب؟ لا دليل شرعيا عليه أيضا كما صرّح به الأردبيلي «4»، و غيره،

______________________________

(1) الكافي 2: 633 فضل القرآن ب 14 ح 23، الوسائل 6: 162 أبواب القراءة ب 74 ح 1.

(2) الكافي 2: 619 فضل القرآن ب 12 ح 2، الوسائل 6: 163 أبواب القراءة ب 74 ح 2.

(3) كما في مجمع الفائدة 2: 219.

(4) مجمع الفائدة 2: 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 75

إلّا أنه صرّح كثير من الفقهاء فيها بالاستحباب «1»، و لا بأس به لأجل فتواهم ما لم يبلغ حدّا يخلّ بالاسلوب أو يوجب الاستهجان كما يشاهد في بعض، بل قد يبلغ حدّا يقطع بأنّ العرب لا يقرأ هكذا و يستقبحه.

و أما حركاتها و سكناتها: فما كان من غير الإعرابيّة و البنائيّة، أي غير ما في أواخر الكلمات كفتح حاء الحمد، و عين أنعمت، و سكون ميمهما، فلا شكّ في وجوب مراعاتها بالكيفيّة المنزلة، و بطلان الصلاة بالإخلال بها، للإجماع. و لأنّ القرآن و الفاتحة ليسا اسمين للأجزاء المادية أي الحروف فقط قطعا، بل للمركّب منها و من الجزء الصوري الذي هو الهيئة، فمع انتفائه لا يكون فاتحة و لا قرآنا.

و لأنّ القرآن ليس إلّا هذا المنزل، فكلّ كلمة لم يكن منزلا لم يكن قرآنا، و لا شكّ أنّ المنزل هو الكلمة بالحركة و السكون المخصوصين و بغيرهما ليس منزلا، فتبطل بها الصلاة.

و منه يظهر وجوب مراعاتها في كل حرف، و بطلان الصلاة بالإخلال بها عمدا و لو نادرا لا يخرج المجموع بالإخلال به عن

اسم الفاتحة عرفا.

و ما كان في أواخر الكلمات فإمّا سكون أو حركة، و الأوّل تبطل الصلاة بالإخلال به أيضا قطعا، للإجماع، و عدم معلومية كون الكلمة المتحرّكة آخرها من القرآن، فإنه لو قال في سورة التوحيد لَمْ يَكُنْ لَهُ بضمّ النون تبطل صلاته، إذ ليس «لم يكن» كلمة قرآنية، و لو سئل عنها يسلب عنها القرآنية.

و منه يظهر وجوب مراعاة الثاني، و البطلان بالإخلال به أيضا، لو كان بإبداله بحركة أخرى مضادّة، سواء كان مغيّرا للمعنى كضمّ تاء «أنعمت» أو لا كضمّ باء «رب العالمين» إذ «أنعمت، و للَّه ربّ العالمين» مضمومة التاء و الباء ليس قرآنا.

مع أنّ البطلان في الأول إجماعي، بل في الثاني أيضا، لعدم ثبوت ما حكي

______________________________

(1) كالشهيد الثاني في روض الجنان: 265، و صاحب المدارك 3: 337، و صاحب الحدائق 8: 114.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 76

عن السيّد في بعض مسائله «1» من القول بعدم البطلان مع عدم تغيّر المعنى، و عدم قدحه في الإجماع لو ثبت.

مع أنّ تغيّر الحركة يوجب تغيّر المعنى قطعا، فإنّ استفادة الوصفيّة من «الرّب» المكسورة باؤه معنى غير الخبريّة للمبتدإ المحذوف المستفادة منه مضمومة الباء، و كذا إذا قال: «الحمد» بفتح الدال، فإنّ المعنى المستفاد منه مضمومة الدال لا يستفاد منه مفتوحة قطعا و إن علم المراد بقرينة الحال و المقام، و اللازم استفادة المعنى من نفس اللفظ و لا شك أنّ «الحمد» المفتوحة لا يفيد المعنى الابتدائي.

مع أنّ عدم تغيّر المعنى- لو سلّم- غير كاف في كون اللفظ قرآنا، فإنّ اللفظ أيضا له مدخليّة فيه.

و أما الإخلال بالثاني بالإسكان و حذف الإعراب، فقد صرّح في المنتهى بالبطلان به «2».

و هو بإطلاقه غير صحيح

قطعا، للإجماع بل الضرورة على جواز الوقف، و ليس هو إلّا حذف الإعراب و إسكان المتحرّك إمّا مطلقا أو مع قطع النفس.

ثمَّ بملاحظة عدم اختصاص جواز الوقف أصلا و إجماعا بموضع معيّن- سوى ما وقع الاتفاق على عدم جوازه، كالوقف في خلال الكلمة الواحدة و ما في حكمها كالحرف و مدخولها، بل المضاف و المضاف إليه على ما هو المظنون، حيث إنّ الظاهر الاتفاق على عدم جوازه، مع إيجابه خروج اللفظ عن العربيّة بل القرآنيّة بل عدم إفادة المعنى في الأغلب- يظهر جواز حذف الإعراب و الإسكان في كلّ غير ما ذكر. و هذا التغيير لا يخرج الكلمة عن القرآنيّة، إذ لم يعلم نزول القرآن متّصلا متحرّكا كلّه. و لا عن العربيّة، لأنّ بناء العرب على الوقف فهو يجوز

______________________________

(1) حكاه عن السيد المرتضى في المدارك 3: 338.

(2) المنتهى 1: 273.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 77

قطعا.

و هل يشترط فيه قطع النفس، أو يجوز الإسكان من غير فصل بتوقف أو تنفّس؟

الظاهر: الثاني، للأصل، و عدم دليل على وجوب التحريك أو التوقف أو بطلان الصلاة بدونهما، فإنّ المناط في إيجاب مراعاة الحركات و السكنات و البطلان بالإخلال بها- كما عرفت- هو الإجماع، أو خروج اللفظ عن القرآنيّة أو العربيّة، و لا يعلم شي ء منهما في المقام، بل نرى أنه لو قرأ أحد قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ. مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ بإسكان القاف من غير توقف لا يقال: «ما خلق» ليس بقرآن، بخلاف ما لو قال: «خلق» بضمّ الخاء.

و أمّا ما قيل من اتفاق القرّاء و أهل العربيّة على عدم جواز الوقف بالحركة و الوصل بالسكون «1».

فلو ثبت لم يضرّ، لما أشير إليه من أنّ الواجب هو

قراءة القرآن العربي دون القراءة على نحو العرب، و هذا كيفيّة في القراءة، غاية الأمر أنه لا يكون قراءة عربيّة بل يكون قراءة عربيّ، و لم يثبت أزيد من وجوب الأخيرة.

مع أنّ ذلك الاتفاق ممنوع، فإنّا رأينا العرب يسكنون كثيرا من غير توقّف، فينادون: يا علي يا علي، يا حسين يا حسين، يا محمّد يا محمّد، بإسكان الياء و النون و الدال من غير تنفّس و توقّف. و أيضا: لو كان هذا مبطلا لم يجوّزوه في الأذان و الإقامة مع أنّ منهم من صرّح فيه بالجواز، ففي روض الجنان: و لو ترك الوقف أصلا سكّن أواخر الفصول أيضا «2».

غاية الأمر أنه لا يكون وقفا لغة، و عدم وقفيته لا يستلزم عدم الجواز.

مع أنّ إطلاق الوقف على هذا النوع من التوقف مجاز قطعا، فيحتمل أن

______________________________

(1) حكاه المجلسي في البحار 82: 8 عن والده.

(2) روض الجنان: 244.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 78

يكون المعنى المجازي هو مطلق الإسكان فيما من شأنه التحريك، مع أنّ منهم من أطلق الوقف على مجرّد الإسكان، ففي شرح الإرشاد للأردبيلي في مستحبات الأذان و الإقامة: و الوقف بمعنى إسكان أواخر الفصول هنا «1». إلى غير ذلك ممّا مرّ.

فإن قيل: يلزم أن لا يكون فرق بين الكلمات اللّازمة الجزم و غيرها نحو: لم يفعل و يفعل، بل بين النفي و النهي.

قلنا: الفرق في المعنى و اللفظ، أمّا الأول فظاهر، و أمّا الثاني فبجواز التحريك و عدمه، و يحصل الامتياز حين الإسكان بالقصد، و بما هو في الواقع من وجود سبب الجزم و عدمه واقعا، و هو كاف في التفرقة.

و بذلك يظهر جواز الإسكان و الوقف حال جهل الإعراب من غير إشكال، لوجود

الامتياز الواقعي.

و تردّد فيه في المنتهى «2». و ليس بشي ء، إذ لا دليل على وجوب العلم بالإعراب، بل لو كان كذلك لزم بطلان صلاة أكثر العجم، بل العرب، لتعلّمهم مواضع الوقوف من الحمد و السورة موقوفة من غير علمهم بإعرابها.

ثمَّ بما ذكرنا ظهر أيضا جواز الوقف بالحركة فيما يجوز فيه الوقف، للأصل، و عدم الخروج عن العربيّة، و عدم وجوب القراءة العربيّة لو ثبت عدم قراءة العرب هكذا.

و لو كان بعده همزة الوصل يظهرها، لأنّ الثابت وصلها عند اتصال المتحرّك معها، و كذا لو أسكن ما قبلها من غير توقف لعدم الحركة الموجبة لوصلها، كما في فصول الأذان و الإقامة عند عدم التوقف.

هذا كلّه في أصل الإعراب. و أمّا وصفه من الإشباع كما يفعله القرّاء بل العرب أيضا، فلا يجب و إن واظب عليه العرب، لصدق الضمّة و أخواتها على غير

______________________________

(1) مجمع الفائدة 2: 172.

(2) المنتهى 1: 273.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 79

المشبع أيضا، و كون المشتمل عليه قرآنا و عربيّا عرفا.

و إيجاب بعض القرّاء له لا يوجبه، بل الكلّ أيضا كذلك كما مرّ، و لذا ترى الفقهاء في مواضع عديدة ربما يقولون: فلان غير واجب و إن أجمع القرّاء على وجوبه، لعدم وجوب تقليدهم.

ثمَّ الواجب من الحركات و السكنات هو ما وافق إحدى القراءات دون مطلق العربيّة، لما يأتي.

بقي هاهنا شي ء و هو: إنه قد ثبت بما ذكر عدم جواز الإخلال بحرف و لا إعراب و أنه يجب الإتيان بكلّ من الحروف و الإعرابات صحيحا، فهل الصحيح المجزي قراءته هو ما وافق العربية مطلقا، أو إحدى القراءات كذلك و لو كانت شاذّة، أو العشر، أو السبع، أو بالجميع عند الاختلاف؟

ليس الأول و

لا الأخير بالإجماع القطعي، و أمرهم عليهم السلام بالقراءة كما يقرأ الناس «1»، و كما تعلّموا «2»، و لا شك أنّ الناس لا يتجاوزون القراءات.

و منه يظهر بطلان الثاني أيضا.

فالحق جواز القراءة بإحدى العشر.

و التخصيص بالسبع لتواترها أو إجماعيّتها غير جيّد، لمنع التواتر، و عدم دلالة الإجماعيّة على التعيّن، لما عرفت من أنّ مستند التزام جميع الكلمات و الحروف و الإعرابات- مع صدق قراءة القرآن و أم الكتاب عرفا لو وقع الإخلال ببعضها- الإجماع و الخروج عن القرآنية و العربيّة، و شي ء منهما في كل من العشر غير لازم.

و لزوم التكلم بغير ما يعلم أنه قرآن أو تجوز قراءته في غير السبع إذا كان الاختلاف بحرفين فصاعدا، فلا يجوز لإطلاقات النهي عن التكلم، و يتعدّى إلى غيره بعدم الفصل.

______________________________

(1) الكافي 2: 633 فضل القرآن ب 14 ح 23.

(2) الكافي 2: 619 فضل القرآن ب 12 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 80

يعارض بجواز القراءة بغير السبع إذا كان الاختلاف بأقلّ من حرفين، لصدق قراءة الفاتحة و القرآن عرفا، و يتعدّى إلى غيره بعدم الفصل، فيبقى الأصل بلا معارض.

فائدة:

من الفاتحة البسملة إجماعا منّا و من أكثر العامة، و هو الحجّة، مضافا إلى الأخبار المتكثرة «1»، فتجب قراءتها فيها.

و كذا في السورة على الأشهر، بل هو أيضا مجمع عليه، لعدم قدح ما نسب إلى الإسكافي من المخالفة في السورة «2»، فبه يردّ قوله، مضافا إلى بعض المعتبرة «3».

و الأخبار المخالفة في الموضعين «4»- لو سلّمت دلالتها- لم تفد أصلا، لشذوذها غايته، و موافقتها العامة «5».

المسألة الرابعة: لا تجزي الترجمة مع القدرة على القراءة العربيّة

بإجماعنا المحقّق، و المصرّح به في كلام جماعة حدّ الاستفاضة كالناصريّات و الخلاف و المنتهى و الذكرى و المدارك «6»، و هو الحجّة فيه. مضافا إلى عدم كون الترجمة:

القرآن أو الفاتحة أو السورة المأمور بقراءتها، لصحة السلب، و تبادر غيرها. و لا دلالة لقوله تعالى لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ «7».

المسألة الخامسة: يجب ترتيب آيها و كلماتها على الوجه المنقول،

لقولهم

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 57 أبواب القراءة ب 11.

(2) نسبه اليه الشهيد في الذكرى: 186.

(3) انظر: الوسائل 6: 58 أبواب القراءة ب 11 ح 5.

(4) انظر: الوسائل 6: 60 أبواب القراءة ب 12.

(5) انظر: بداية المجتهد 1: 126، و المغني 1: 558 و 568.

(6) الناصريات (الجوامع الفقهية): 197، الخلاف 1: 343، المنتهى 1: 273، الذكرى: 186، المدارك 3: 341.

(7) الانعام: 19.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 81

عليهم السلام: «اقرؤوا كما يقرأ الناس» و «كما تعلّمتم» و للإجماع، و لأنه المتبادر من قراءة الحمد أو السورة التامة، كما هو مقتضى الأخبار و الإجماع. مع أنّ بمخالفة الترتيب بين الكلمات يخرج الكلام عن العربيّة أو القرآنيّة كثيرا، و بالمخالفة الكثيرة بين الآيات عن الفاتحة أو السورة.

المسألة السادسة: لا تجب القراءة من الحفظ على الأصح،

وفاقا للمحكي عن ظاهر الخلاف و المبسوط و النهاية «1»، و صريح الفاضلين «2»، و اختاره الأردبيلي «3»، و صاحب الذخيرة «4»، و بعض مشايخنا المحققين «5»، و هو مختار والدي- رحمه اللَّه- في المعتمد، للأصل، و إطلاقات القراءة، و رواية الصيقل: ما تقول في الرجل يصلّي، و هو ينظر في المصحف يقرأ فيه يضع السراج قريبا منه؟ قال: «لا بأس بذلك» «6».

و خلافا للشهيد «7» و من تبعه «8»، فأوجبها إلّا مع العجز عن الحفظ.

لأصل الاشتغال.

و عدم تبادر مثل ذلك من الإطلاقات، سيّما بملاحظة المنع عن النظر في المصحف المفتوح الذي في قبلته «9».

______________________________

(1) الخلاف 1: 427، المبسوط 1: 109، النهاية: 80.

(2) المحقق في المعتبر 2: 174، العلامة في المنتهى 1: 274.

(3) مجمع الفائدة 2: 212.

(4) الذخيرة: 272.

(5) كالوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

(6) التهذيب 2: 294- 1184، الوسائل 6: 107 أبواب القراءة ب 41 ح 1.

(7) الذكرى: 187.

(8)

كالشهيد الثاني في المسالك 1: 30.

(9) انظر: الوسائل 5: 163 أبواب مكان المصلي ب 27.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 82

و المروي في قرب الإسناد للحميري: عن الرجل و المرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه و يقرأ و يصلّي، قال: «لا يعتدّ بتلك الصلاة» «1».

و يردّ أصل الاشتغال بما مرّ من الإطلاق و الرواية، و تخصيص الإطلاق بالسورة لا وجه له.

و عدم التبادر بعدم المضرّة، و إنّما المضرّ تبادر الغير و هو ممنوع، كيف؟! مع أنه لو نذر أحد أن يقرأ سورة يحكمون بالبراءة بالقراءة عن المصحف قطعا، بل يحملون مطلقات مرغّبات التلاوة و القراءة على الأعمّ، و لو رأوا حديثا أنه يستحب قراءة القرآن كلّ يوم كذا و كذا آية، يحملونها على الأعمّ، بل يجعلون القراءة من المصحف أولى و أتمّ.

و أما المنع عن النظر إلى المصحف المفتوح، فإنّما هو على الكراهة و هي في المقام مسلّمة، مع أنّ النظر إليه لغير القراءة ربما يشوّش القراءة و يختلط معها، ففيه من المنع ما ليس فيما كان للقراءة.

و رواية قرب الإسناد بالضعف الخالي عن الجابر، مع أنّ في دلالتها على الوجوب نظرا ظاهرا، لخلوّها عن الدالّ عليه. نعم تدل على المرجوحية و الكراهة و هي مسلّمة.

هذا كلّه مع الاختيار، و أما بدونه فيجوز قطعا، و الظاهر أنه لا خلاف فيه.

المسألة السابعة: من لم يعلم الفاتحة أو شيئا منها يجب عليه أحد الأمور الثلاثة:

التعلّم، أو الائتمام، أو متابعة القارئ، من باب المقدّمة، إجماعا، فإنّه يجب أحد الأمرين من قراءة الحمد أو الائتمام، و تحقّقه يتوقف على أحد الثلاثة.

و الأكثر لم يذكروا غير الأوّل، و لعلّه من باب التمثيل كما قيل، أو لأجل

______________________________

(1) قرب الإسناد: 195- 742، الوسائل 6: 107 أبواب القراءة ب 41 ح 2.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 5، ص: 83

تعيّنه لعدم إمكان الأخيرين غالبا سيّما في كلّ صلاة، فهما غير مقدوران كلّية عادة، فانحصر في الأول «1».

و فيه نظر، لأنه قد يعلم الاقتدار على الائتمام في الصلاة الحاضرة.

فإن تعذّر لضيق وقت أو نحوه فإمّا يعلم بعض الفاتحة أو لا يعلم.

فإن علم بعضها فإمّا يكون آية تامة أو غير تامة.

فإن كانت تامة وجبت قراءتها بلا خلاف كما في الذخيرة و الحدائق «2»، بل إجماعا كما في المدارك «3»، لإطلاقات الأمر بالقراءة و قراءة القرآن «4» الصادقة مع ذلك قطعا.

و تقييدها بالفاتحة بأخبارها مخصوص بالإمكان البتّة، لعدم التكليف بما لا يمكن، و لنحو قوله: «الميسور لا يسقط بالمعسور» «5».

إلّا أنّ الأول لا يدل على تعيين ما يعلم من الفاتحة، و الثاني غير دالّ كما مرّ مرارا.

فإن ثبت الإجماع البسيط أو المركّب كما هو الظاهر، و إلّا فالاكتفاء بمطلق القرآن قويّ جدّا.

و هل يجب التعويض عن الباقي؟ كما عن نهاية الإحكام و في شرح القواعد «6»، و عن روض الجنان نسبته إلى أكثر المتأخرين «7»، أم لا؟ كما عن ظاهر

______________________________

(1) انظر: شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) الذخيرة: 272، الحدائق 8: 110.

(3) المدارك 3: 343.

(4) من الأخبار الآمرة بقراءة القرآن صحيحة ابن سنان و فيها: «لو أنّ رجلا دخل في الإسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبّر و يسبّح و يصلّي». منه رحمه اللَّه تعالى. و الرواية في التهذيب 2:

147- 575، الاستبصار 1: 310- 1153، الوسائل 6: 42 أبواب القراءة ب 3 ح 1.

(5) عوالي اللئالي 4: 58- 205.

(6) نهاية الاحكام 1: 475، جامع المقاصد 2: 251.

(7) روض الجنان: 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 84

المعتبر و المنتهى «1»، و في صريح المدارك

«2»، و المعتمد.

الحقّ هو الثاني، للأصل.

دليل الأول: توقف اليقين بالبراءة عليه.

و دلالة الأمر بالحمد على وجوبه و وجوب هذا القدر، و لا يسقط الثاني لسقوط الأول.

و قوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ «3».

و قوله: «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» «4» خرج منه ما خرج بالإجماع فيبقى الباقي و منه ما لا عوض فيه.

و يجاب عن الأول: بأنه مع التعذر لم يعلم الاشتغال بالأزيد.

و عن الثاني: بأنّ الدلالة التبعيّة منتفية بانتفاء المطابقة.

و عن الثالث: بعدم الدلالة كما مرّ.

و عن الرابع: بأنه لا يعلم أنّ المراد منه نفي الذات الذي هو الحقيقة، لمعارضته مع إطلاق الصلاة على الفاقدة لها في صحيحة ابن سنان الآتية «5»، و في أخبار سهو القراءة «6»، و لا يتعيّن كون مجازه نفي الصحة.

مع أنه على فرض تسليم الحقيقة تكون غاية ما يدل عليه نفي الصلاتية، و لا بأس بتسليمه في المورد و لو مع التعويض، و يلزمه عدم وجوب الصلاة عليه لعدم إمكانها- على ذلك- في حقّه، و يكون ما يجب عليه- بالإجماع و غيره- بدلا عن الصلاة، و وجوبه بل مع تسميته في لسان المتشرّعة صلاة لا يستلزم كونه صلاة حقيقة. فلا يفيد قوله: «لا صلاة» للمورد.

______________________________

(1) المعتبر 2: 170، المنتهى 1: 274.

(2) المدارك 3: 341.

(3) المزمل: 20.

(4) عوالي اللئالي 1: 196- 2 و ج 2: 218- 13 و ج 3: 82- 65.

(5) في ص 86.

(6) انظر: الوسائل 6: 87 أبواب القراءة ب 27 و ص 88 ب 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 85

أو نقول: بعد إثبات صحة الفاقدة للعوض بالأصل تثبت صلاتيته بعدم الفصل، فإنّ كلّ ما يصح من هذه الأفراد فهو صلاة قطعا.

ثمَّ على القول بالتعويض هل يجب

أن يكون بتكرار ما يعلم من الحمد مقدّما على غيره من القرآن أو الذّكر- لأقربيته إلى الفاتحة كما في التذكرة «1»-؟ أو بغيره من القرآن؟ أو مطلق الذكر مقدّما على التكرار- كما في شرح القواعد «2»، لئلّا يكون شي ء واحد بدلا و أصلا-؟ أو بأحد الأوّلين و إلّا فبالثالث؟ أو بأحد الثانيين و إلّا فبالأول؟ أو التخيير بين الجميع؟.

أوجه، مقتضى بعض أدلّة التعويض: الثالث، و مقتضى الأصل: الأخير.

و اعتبار الأقربيّة ممنوع. و استلزام التكرار لوحدة الأصل و البدل غير مسلّم، لأن المكرّر غير الأصل.

و قيل: و على التعويض مطلقا تجب مراعاة الترتيب بين البدل و المبدل منه، فإن علم الأول أخّر البدل، أو الآخر قدّمه، أو الطرفين وسّطه بينهما، أو الوسط حفّه بهما «3».

و لا دليل تاما على وجوبه، و الأصل ينفيه.

و إن كانت غير تامة ففي وجوب قراءتها [مطلقا] «4» أو عدمه كذلك، أو التفصيل بين تسميته قرآنا و عدمها.

أقوال، أقواها: الثاني، إذ الإجماع الذي هو الدليل في الآية التامة منتف هنا قطعا، فالاكتفاء هنا بمطلق القراءة قويّ «5».

و إن لم يعلم شيئا منها فإمّا يعلم شيئا من القرآن غيرها أم لا.

______________________________

(1) التذكرة 1: 115.

(2) جامع المقاصد 2: 250.

(3) انظر: الروضة البهية 1: 267، و الرياض 1: 158.

(4) ما بين المعقوفين أضفناه لتصحيح العبارة.

(5) في «ه»: أقوى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 86

فإن علمه وجبت عليه قراءته على الأشهر الأظهر، بل قيل: إنه لا خلاف فيه «1»، للنبوي المنجبر الآمر بقراءة القرآن بعد العجز بقوله: «و إن كان معك قرآن فاقرأ و إلّا فاحمد اللَّه و كبّره و هلّله» «2».

و للإطلاقات المتقدمة.

و صحيحة ابن سنان: «إن اللَّه فرض من الصلاة الركوع و السجود،

ألا ترى لو أنّ رجلا دخل في الإسلام ثمَّ لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبّر و يسبّح و يصلّي» «3».

و ظاهر الشرائع التخيير بينه و بين مطلق الذكر «4». و هو ضعيف لا أعرف وجهه.

و إن لم يعلم يجب عليه الذّكر، للإجماع. لا للنبوي و منطوق الصحيح، لدلالة الأول على وجوب ذكر خاص لم يثبت الانجبار فيه، و عدم صراحة الثاني في الوجوب.

و هل الواجب مطلق الذكر كما ذهب إليه طائفة «5»؟ أو التسبيح و التكبير كما هو ظاهر بعض مشايخنا «6»؟ أو بضمّ التهليل معهما كجماعة منهم الشرائع «7»؟ أو التحميد مع الثلاثة كبعضهم «8»؟ أو مطلق الذكر و التكبير كما عن الخلاف «9»؟

______________________________

(1) كما في كشف اللثام 1: 217.

(2) سنن البيهقي 2: 380.

(3) التهذيب 2: 147- 575، الاستبصار 1: 310- 1153، الوسائل 6: 42 أبواب القراءة ب 3 ح 1.

(4) الشرائع 1: 81.

(5) منهم الشهيد الأول في اللمعة (الروضة 1): 268، و الشهيد الثاني في الروضة البهية 1: 268

(6) انظر: الحدائق 8: 112.

(7) الشرائع 1: 82، و منهم الشيخ في المبسوط 1: 107، و العلامة في الإرشاد 1: 253 و الفيض في المفاتيح 1: 129.

(8) كالعلامة في نهاية الإحكام 1: 474.

(9) الخلاف 1: 343.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 87

أو تعين ما يجزي في الأخيرتين من التسبيح كما في الذكرى «1» و جعله في المدارك «2» الأحوط؟.

أقوال، أقواها: الأول، للإجماع على ثبوته، و أصالة عدم وجوب الزائد، إذ لا دليل على سائر الأقوال إلّا النبوي لبعضها، و الصحيح لبعض آخر، و ثبوت بدلية التسبيح عن الحمد في الأخيرتين فلا يقصر بدل الحمد في الأوليين منهما، للأخير.

و قد عرفت عدم ثبوت

الوجوب من الأوّلين، و الأخير ضعيف غايته، لمنع البدلية في الأخيرتين أوّلا، و منع إيجابها لوجوب التبديل به في الأوليين ثانيا.

ثمَّ إنّه هل تجب مساواة البدل من القرآن أو الذكر للفاتحة أم لا؟.

المشهور بين المتأخرين الأول، و لا دليل عليه سوى مثل ما مرّ من أدلّة التعويض، و قد عرفت ضعفها.

و الأصل يقتضي العدم، فهو الأقوى وفاقا للمعتبر «3» و جمع آخر «4».

ثمَّ على القول بوجوب المساواة ففي وجوبها في الآيات أو الحروف أو فيهما معا، أقوال، أظهرها بل- كما قيل «5»- أشهرها أيضا الثاني.

و الظاهر عدم وجوب كون الذكر بالعربيّة، للأصل.

نعم يتّجه الوجوب على القول بوجوب الأذكار الخاصّة المتقدّمة، لأصل الاشتغال، حيث إنّ المعنى المراد من التكبير و التسبيح و نحوهما مجازا- لعدم إرادة معناها الحقيقي المصدري قطعا- متعدّد و لا يعلم التعيّن.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 5    88     المسألة السابعة: من لم يعلم الفاتحة أو شيئا منها يجب عليه أحد الأمور الثلاثة: ..... ص : 82

م لو عجز عن العربيّة يحتمل جواز غيرها بل وجوبه، و يحتمل العدم على

______________________________

(1) الذكرى: 187.

(2) المدارك 3: 343.

(3) المعتبر 2: 169.

(4) انظر المبسوط 1: 107، و مجمع الفائدة 2: 216، و المدارك 3: 343، و المفاتيح 1: 129.

(5) انظر: الروضة البهية 1: 267.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 88

تلك الأقوال، لعدم ثبوت التوقيف.

ثمَّ إنّ هذا كلّه في الذي لا يعلم الفاتحة كلا أو بعضا بالمرّة.

هاهنا قسم آخر و هو الذي يعلمها كلا و لكن مع غلط و تبديل في الحروف و الكلمات.

و هو على قسمين: لأنه إمّا يمكنه التعلّم و التصحيح، أو لا يمكنه.

و الأول على قسمين:

أحدهما:

أن يقصّر حتى ضاق الوقت.

و ثانيهما:

أن لا

يقصّر بل يشتغل بالتصحيح حتى ضاق الوقت و لكن لم يصحّحه حتى ضاق.

و الثاني- و هو الذي لا يمكنه التعلّم- أيضا على قسمين: لأنه إمّا لأجل نقصان في لسانه كالذي يبدّل بعض الحروف ببعض كالفأفاء «1» و التمتام «2» و الألثغ «3» و بعض من نشاهد أنه ليس له مخرج الخاء «4» أو العين.

أو ليس لأجل ذلك و لا نقصان في لسانه و لا في مخارجه، بل لا ينطلق لسانه بأداء كلمة و إن تكلّم بجميع حروفها صحيحة في لغته كما نشاهد كثيرا.

و حكم الأخيرين- على ما صرّح به في الذكرى «5»، و هو ظاهر المنتهى و شرح القواعد «6»، و غيره «7»، بل لعلّه إجماعي- هو القراءة بمقدوره، أي بما يعلمه و عليه جرى لسانه، كما يدلّ عليه الحديث المشهور: «إنّ سين بلال عند اللَّه شين» «8».

______________________________

(1) الفأفاء على فعلال هو الذي يتردد في الفاء إذا تكلّم. الصحاح 1: 62.

(2) التمتام هو الذي يتردد في التاء. الصحاح 5: 1878.

(3) الألثغ هو الذي يصيّر الراء غينا أو لاما، و السين ثاء. الصحاح 4: 1325.

(4) في «ق» و «س»: الحاء.

(5) الذكرى: 188.

(6) المنتهى 1: 274، جامع المقاصد 2: 252.

(7) كالذخيرة: 273.

(8) عدة الداعي: 21، مستدرك الوسائل 4: 278 أبواب قراءة القرآن ب 23 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 89

و رواية السكوني: «إنّ الرجل الأعجمي من أمتي ليقرأ القرآن بعجميته فترفعه الملائكة على عربيته» «1».

و المروي في قرب الإسناد للحميري: سمعت جعفر بن محمّد عليهما السلام يقول: «إنك قد ترى من المحرّم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح، و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهد و ما أشبه

ذلك، فهذا بمنزلة العجم المحرّم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح، و لو ذهب العالم المتكلّم الفصيح حتى يدع ما قد علم أنه يلزمه و يعمل به و ينبغي له أن يقوم به حتى يكون ذلك منه بالنبطيّة و الفارسية لحيل بينه و بين ذلك بالأدب حتى يعود إلى ما قد علمه و عقله، [قال:] و لو ذهب من لم يكن في مثل حال الأعجم المحرّم ففعل فعال الأعجمي و الأخرس على ما وصفنا إذا لم يكن أحد فاعلا للشي ء من الخير و لا يعرف الجاهل من العالم» «2».

و أما الأوّلان فالظاهر أنّ وجوب قراءة ما يعلمه حسنا إجماعي. و أمّا ما لا يعلمه كذلك فالظاهر- كما هو مقتضى الأصل- عدم وجوب قراءته، لأنّ الغلط ليس بقرآن بل هو كلام غير القرآن موجب للبطلان.

ثمَّ إذا تركه هل يترك ما يتعلق به لفظا أو معنى و إن أحسنه، أم لا؟

الظاهر: نعم، لخروج الباقي حينئذ عن كونه قرآنا، بل ذكرا.

و الأحوط تكرير الصلاة بترك الغلط و ما يتعلّق به تارة و قراءته اخرى.

المسألة الثامنة: قراءة الأخرس و تشهّده تحريك لسانه بهما مهما أمكن،

لظاهر الإجماع، و رواية السكوني المتقدّمة في تكبيرة الإحرام «3».

______________________________

(1) الكافي 2: 619 فضل القرآن ب 12 ح 1، الوسائل 6: 221 أبواب قراءة القرآن ب 30 ح 4.

(2) قرب الاسناد: 48- 158، الوسائل 6: 150 أبواب القراءة ب 67 ح 2. و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(3) في ص 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 90

و مقتضاها وجوب الإشارة بالإصبع أيضا، و كذا يجب عقد القلب بأن يقصد أنّ هذا التحريك للقراءة، لما مرّ في التكبيرة «1».

و أمّا عقده بمعناها فذكره جماعة «2»، و لا دليل عليه، و

الأصل ينفيه.

المسألة التاسعة: تجب قراءة سورة كاملة بعد الحمد-
اشاره

في كلّ من الركعتين الأوليين من الفرائض و ركعتي الفجر مع عدم الاضطرار كالخوف أو الضيق أو عدم إمكان التعلّم- عند الشيخ في التهذيب «3»، و الاستبصار و الخلاف و الجمل «4»، و العماني «5»، و السيّد، و الحلبي، و الحلّي، و القاضي «6»، بل الأكثر كما صرّح به غير واحد «7»، بل عن الانتصار و أمالي الصدوق و الغنية و الوسيلة، و القاضي: الإجماع عليه «8»، و به تشعر عبارة التهذيب أيضا.

و هو الأظهر.

لا للإجماعات المنقولة.

أو قوله سبحانه فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ «9».

______________________________

(1) في ص 21.

(2) منهم الشهيد في الذكرى: 188.

(3) حيث قال في التهذيب 2: 72: و عندنا أنه لا تجوز قراءة هاتين السورتين- يعني و الضحى و ألم نشرح- إلّا في ركعة واحدة. و لا يتم «لا تجوز» إلّا على القول بالوجوب لجواز التبعيض على القول بالاستحباب. منه رحمه اللَّه تعالى.

(4) الاستبصار 1: 314، الخلاف 1: 335، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 180.

(5) حكاه عنه في المختلف: 91.

(6) السيد في الانتصار: 44، الحلبي في الكافي: 17، الحلي في السرائر 1: 221، القاضي في المهذب 1: 97.

(7) كالعلامة في المنتهى 1: 271، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 268.

(8) الانتصار: 44، أمالي الصدوق: 512، الغنية (الجوامع الفقهية): 557، الوسيلة: 93.

(9) المزمل: 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 91

أو التأسّي.

أو الأخبار البيانيّة «1» و لو بضميمة قوله صلّى اللَّه عليه و آله: «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» «2».

أو صحيحة منصور: «لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة و لا بأكثر» «3».

أو الرضوي المنجبر بما مرّ: «تقرأ سورة بعد الحمد في الركعتين الأوليين، و لا تقرأ في المكتوبة سورة ناقصة» «4».

أو صحيحة زرارة في المسبوق:

«قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب و سورة، فإن لم يدرك سورة تامة أجزأته أمّ الكتاب» الحديث «5».

أو معاوية: «من غلط في سورة فليقرأ قل هو اللَّه أحد ثمَّ ليركع» «6».

أو ابن سنان: «يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها، و يجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل و النهار» «7».

أو محمّد بن إسماعيل: أكون في طريق مكّة، فننزل للصلاة في موضع يكون فيه الأعراب، أ نصلّي المكتوبة على الأرض فنقرأ أمّ الكتاب وحدها أم نصلّي على الراحلة فنقرأ فاتحة الكتاب و السورة؟ قال: «إذا خفت فصلّ على الراحلة

______________________________

(1) انظر: الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1.

(2) صحيح البخاري 1: 162.

(3) الكافي 3: 314 الصلاة ب 21 ح 12، التهذيب 2: 69- 253، الاستبصار 1:

314- 1167، الوسائل 6: 43 أبواب القراءة ب 4 ح 2.

(4) فقه الرضا (ع): 105، مستدرك الوسائل 4: 160 أبواب القراءة ب 3 ح 3.

(5) الفقيه 1: 256- 1162 بتفاوت يسير، التهذيب 3: 45- 158، الاستبصار 1:

436- 1683، الوسائل 8: 388 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4.

(6) التهذيب 2: 295- 1187، الوسائل 6: 110 أبواب القراءة ب 43 ح 1.

(7) الكافي 3: 314 الصلاة ب 21 ح 9، التهذيب 2: 70- 256، الوسائل 6: 40 أبواب القراءة ب 2 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 92

المكتوبة و غيرها، فإن قرأت الحمد و السورة أحبّ إليّ» «1».

حيث إنّه لو لا وجوب السورة لما جاز لأجلها ترك القيام و الاستقرار الواجبين.

أو الحلبي: «لا بأس أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب في الركعتين الأوليين إذا أعجلته حاجة أو تخوّف شيئا» «2».

حيث دلّ

المفهوم على ثبوت البأس- الذي هو العذاب و الشدّة- في ترك السورة مع عدم الخوف أو الحاجة.

أو محمّد: عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة؟ قال: «لا، لكلّ سورة ركعة» «3».

أو المروي في علل ابن شاذان: «و إنما بدئ بالحمد دون سائر السور» الخبر «4».

حيث إنّه لو لا وجوب السورة لما صحّ إطلاق لفظ البدأة.

أو الأخبار الناهية عن القران بين السورتين في الفريضة «5»، حيث إنّه لا وجه له إلّا لزوم زيادة الواجب في الصلاة عمدا.

أو عن العدول من سورتي التوحيد و الجحد إلى ما عدا سورتي الجمعة و المنافقين «6»، حيث إنّه لو لا وجوب السورة هنا لما حرم العدول عنهما و لم يجب

______________________________

(1) الكافي 3: 457 الصلاة ب 91 ح 5، التهذيب 3: 299- 911، الوسائل 6: 43 أبواب القراءة ب 4 ح 1.

(2) التهذيب 2: 71- 261، الاستبصار 1: 315- 1172، الوسائل 6: 40 أبواب القراءة ب 2 ح 2.

(3) التهذيب 2: 70- 254، الاستبصار 1: 314- 1168 و فيه: لكل ركعة سورة، الوسائل 6:

44 أبواب القراءة ب 4 ح 3 و ص 50 ب 8 ح 1.

(4) عيون اخبار الرضا 2: 105، الوسائل 6: 38 أبواب القراءة ب 1 ح 3.

(5) انظر: الوسائل 6: 50 أبواب القراءة ب 8.

(6) الوسائل 6: 152 أبواب القراءة ب 69.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 93

إتمامهما.

لضعف الأوّل: بعدم الحجّية.

و الثاني: بعدم الدلالة كما مرّ.

و الثالث: بعدم الوجوب.

و الرابع: بعدم إثباته للوجوب كما مرّ مرارا، و عدم ثبوت اشتمال ما قال بعده: «صلّوا» للسورة.

و الخامس «1»: بعدم صراحته في الوجوب، لجواز كون قوله: «لا تقرأ» نفيا و هو غير مثبت للتحريم. و لو كان نهيا لما

أفاد التحريم، لجواز قراءة الأكثر بالعدول، فيجب الحمل على المرجوحيّة لئلّا يلزم استعمال اللفظ في المعنيين.

و إمكان تخصيص الأكثر بغير العدول لا يفيد، لعدم ثبوت أولويته من التجوّز في نحو ذلك المقام.

و السادس: بما مرّ أيضا، لكونه إخبارا.

و منه يظهر ضعف السابع أيضا، و أمّا مفهوم قوله فيه: «فإن لم يدرك» فلا يفيد، لأنّ عدم الإجزاء يكون في المستحب أيضا.

و الثامن: بعدم كون الأمر فيه للوجوب المعيّن الذي هو حقيقته، و مجازه كما يمكن أن يكون الوجوب التخييري يمكن أن يكون استحبابا- و منه يظهر عدم دلالة سائر الأخبار المتضمّنة للأمر بقراءة سورة معيّنة «2»- مع أنه معارض بصحيحة زرارة «3».

و التاسع: بأنه استدلال بمفهوم الوصف، و هو غير ثابت الاعتبار، و لا دلالة في المقابلة بالصحيح على اعتبار مفهوم المريض أصلا.

______________________________

(1) و قد يضعف الخامس بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية للسورة في غير الفاتحة. و فيه: أنّ ذكره الأكثر يعيّن إرادته. منه رحمه اللَّه تعالى.

(2) انظر: الوسائل 6: 43 أبواب القراءة ب 4.

(3) المتقدمة في ص 91.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 94

و العاشر: بعدم صراحته في أنّ الأمر بالصلاة على الراحلة وجوبا أو تخييرا لأجل المحافظة على السورة، بل لعلّة اخرى.

و ظهور سوق السؤال في قطع السائل بوجوب السورة ممنوع، و لو سلّم فتقريره إنما هو على الاعتقاد، و في حجيته بإطلاقه نظر.

و منه يظهر ضعف الاستدلال بالتقرير على الاعتقاد في صحيحة أخرى:

قلت: أيّهما أحبّ إليك إذا كان خائفا أو مستعجلا يقرأ بسورة أو فاتحة الكتاب؟

قال: «فاتحة الكتاب» «1».

و الحادي عشر: بدلالة منطوقه على نفي البأس في ترك السورة مع مطلق الحاجة و لو كانت يسيرة، و به يثبت عدم الوجوب مطلقا بالإجماع

المركّب، فيعارض المفهوم، و تخصيصه ببعض الحاجات ليس بأولى من إرادة المرجوحيّة من البأس.

و الثاني عشر: بعدم الدلالة و إنّما كان دالا لو قال: لكلّ ركعة سورة، مع أنّ في دلالته أيضا خدشة.

و الثالث عشر: بأنّ البدأة يمكن أن تكون بالنسبة إلى الركوع و السجود دون السورة، مع أنه لو كانت بالنسبة إليها أيضا لما دلّ على وجوبها، و لذا يصحّ أن يقال: إنّما بدئ بالقراءة قبل القنوت لأجل الفلان.

و الرابع عشر: باحتمال كون الوجه لزوم التشريع، فإنّ الزيادة في المستحب بدون التوقيف أيضا غير جائزة.

و الخامس عشر: بأن تحريم العدول لا يوجب الإتمام، لاحتمال الترك، فيجوز أن يكون نفس العدول عن سورة مستحبّة حراما.

بل «2» لرواية يحيى بن أبي عمران- المنجبر ضعفها لو كان- بل صحيحته

______________________________

(1) الكافي 3: 317 الصلاة ب 21 ح 28، التهذيب 2: 147- 576، الاستبصار 1:

310- 1152، الوسائل 6: 37 أبواب القراءة ب 1 ح 1.

(2) عطف على قوله: لا للإجماعات المنقولة .. (في ص 90).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 95

كما قيل «1»: ما تقول في رجل ابتدأ ببسم اللَّه الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أمّ الكتاب فلمّا صار إلى غير أمّ الكتاب من السورة تركها، فقال العبّاسي: ليس بذلك بأس؟ فكتب بخطّه: «يعيدها مرّتين على رغم أنفه» العبّاسي «2».

و لو لا وجوب السورة الكاملة لم يكن في ترك البسملة البأس- الذي هو العذاب- كما قال العبّاسي فلم يكن وجه لرغم أنفه.

و تؤيّده رواية عمر بن أبي شعبة في حكم من يصلّي خلف من لا يقتدى به:

أكون مع الإمام فأفرغ قبل أن يفرغ من قراءته، قال: «فأتمّ السورة و مجّد اللَّه و أثن عليه حتى يفرغ» «3».

و

جعلها مؤيّدة لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة للسورة في غير الفاتحة.

خلافا للمحكي عن الإسكافي «4»، و نهاية الشيخ «5»، و الديلمي «6»، و المعتبر و المنتهى «7» و مال إليه في المدارك و الذخيرة «8»، و جمع آخر من المتأخرين «9»، فلم يوجبوا إتمامها كما عن الأول، أو مطلقا كالباقين، للصحيحين المصرّحين بجواز أمّ الكتاب وحدها في الفريضة «10»، و الأخبار الدالة على جواز

______________________________

(1) انظر: المنتهى 1: 272، و غنائم الأيام: 184.

(2) الكافي 3: 313 الصلاة ب 21 ح 2، التهذيب 2: 69- 252 و فيه: يحيى بن عمران، الاستبصار 1: 311- 1156، الوسائل 6: 87 أبواب القراءة ب 27 ح 3.

(3) التهذيب 3: 38- 134، الوسائل 8: 370 أبواب صلاة الجماعة ب 35 ح 3.

(4) حكاه عنه في المختلف: 91.

(5) النهاية: 75.

(6) المراسم: 69.

(7) المعتبر 2: 173، المنتهى 1: 272.

(8) المدارك 3: 347، الذخيرة: 268.

(9) منهم الفاضل المقداد في التنقيح 1: 198، و المحقق السبزواري في الكفاية: 18، و الفيض في المفاتيح 1: 131.

(10) الأول: التهذيب 2: 71- 259، الاستبصار 1: 314- 1169، الوسائل 6: 39 أبواب القراءة ب 2 ح 1.

الثاني: التهذيب 2: 71- 260، الوسائل 6: 40 أبواب القراءة ب 2 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 96

تبعيض السورة في الصلاة أو الفريضة «1».

و يجاب عنها بكونها أعمّ مطلقا من دليل الوجوب، لاختصاصه بعدم الاضطرار إجماعا و عمومها بالنسبة إليه، و الخاص مقدم على العام قطعا.

مع أنهما لو تعارضا أيضا لكان الترجيح لدليل الوجوب، لمخالفته للعامة «2»، و موافقته للشهرة العظيمة، بل كما قيل: الإجماع من القدماء «3»، لتشويش كلام النهاية، و إيجاب الإسكافي بعض السورة، فلم يبق إلّا الديلمي، و

هو واحد معروف لا يقدح خلافه في الإجماع. كما لا يقدح خلاف الإسكافي، لكونه منفردا فيما ذهب إليه.

و منه يظهر وجه آخر لردّ الصحيحين، و هو: مخالفتهما لشهرة القدماء المخرجة لهما عن الحجيّة.

و لردّ دلالة أخبار التبعيض على [عدم ] «4» وجوب السورة الكاملة، و هو:

توقف دلالتها عليه على عدم الفصل، و هو غير ثابت.

هذا، مضافا إلى ما في كثير من أخبار التبعيض من عدم الدلالة على جواز الاكتفاء بالبعض:

كصحيحة ابن يقطين «5»، لتضمنها للفظ الكراهة الأعمّ لغة من الحرمة.

و صحيحة سعد بن سعد «6»، لعدم نفيها لقراءة سورة أخرى زائدة على

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 46 أبواب القراءة ب 5. و سيشير المصنف (ره) إلى بعض منها في الصفحة الآتية.

(2) انظر: الام 1: 109، و المجموع 3: 388، و المغني 1: 568.

(3) انظر: الرياض 1: 159.

(4) ما بين المعقوفين أضفناه لتصحيح العبارة.

(5) التهذيب 2: 296- 1192، الاستبصار 1: 316- 1178، الوسائل 6: 44 أبواب القراءة ب 4 ح 4.

(6) التهذيب 2: 295- 1191، الاستبصار 1: 316- 1177، الوسائل 6: 45 أبواب القراءة ب 4 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 97

قراءة ما بقي من السورة الاولى. و أمّا تقريره عليه السلام على قراءة النصف في الركعة الأولى فغير حجّة في المقام، لأنّ حجّيّته إنّما هي مع عدم المانع المنفي بالأصل الغير الجاري هنا، لوجود مانع التقية.

و صحيحة عمر بن يزيد المقيّدة لجواز التبعيض بما إذا زادت عن ثلاث آيات «1»، لعدم صراحتها في إرادة البعض، بل و لا ظاهرة، لاحتمال إرادة قراءة سورة واحدة في كل من الركعتين.

و استبعاده- من جهة أنه لو أريد ذلك لم تكن للتقييد بزيادتها على ثلاث آيات فائدة- مردود

بجواز كراهة التكرير حينئذ تعبّدا، و عدم القول به مشترك الورود.

مع أنّ روايات التبعيض تعارض بعضها بعضا من حيث الإطلاق و التقييد بما إذا كانت ستّ آيات أو زائدة على ثلاث، و إن أمكن دفعه بمرجوحيّة المقيّد منها بعدم القائل، و رجحانه لتقييده لو كان به قائل.

فرع:

لا تجب قراءة السورة- مطلقة و لا معيّنة- شرعا في النوافل مطلقا و لو في الرواتب، للأصل، و الإجماع. و لا تحرم الزيادة من السورة فيها إجماعا و أصلا و نصّا «2».

و لكن يستحب مطلقها في مطلقها شرعا، إجماعا محقّقا و منقولا «3».

و يجب ما وظّف- من المطلقة أو المعيّنة الواحدة أو المتعدّدة- شرطا فيما وظّف فيه، للتوظيف. و مع ترك الموظّف فيه يكون المأتي به فاسدا، لعدم انطباقه على ذلك الأمر التوظيفي و هو ظاهر، و لا على غيره من المطلقات، لانتفاء القصد إليه.

______________________________

(1) التهذيب 2: 71- 262، الاستبصار 1: 315- 1173، الوسائل 6: 47 أبواب القراءة ب 6 ح 3.

(2) انظر: الوسائل 6: 50 أبواب القراءة ب 8.

(3) كما في الرياض 1: 163.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 98

المسألة العاشرة: يجب تقديم الحمد على السورة،

لموثّقة سماعة: عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب- إلى أن قال:- «ثمَّ ليقرأها ما دام لم يركع، فإنه لا قراءة حتى يبدأ بها في جهر أو إخفات» «1».

و رواية محمّد: عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته، قال: «لا صلاة له إلّا أن يبدأ بها في جهر أو إخفات» «2».

و تؤيده رواية العلل و الرضوي المتقدّمتان «3»، و ما ورد في بيان بدو الصلاة ليلة المعراج من أمره سبحانه بالسورة بعد الأمر بالحمد «4»، إلى غير ذلك.

فلو عكس فإن كان عمدا و لم يقرأ سورة بعد الحمد حتى ركع بطلت الصلاة قطعا.

و لو قرأها بعدها أيضا فالمحكي عن القواعد و المنتهى و شرح القواعد و الذكرى و الدروس و البيان و المسالك «5»- بل كما قيل هو المشهور «6»- البطلان أيضا، لتعلق النهي بالجزء أو الوصف، و هو مفسد.

أمّا الثاني

فظاهر.

و أمّا الأوّل فللأمر بقراءة الحمد مقدّمة على السورة و تضادّها قراءة السورة قبله، أو للأمر بتقديم الحمد المضادّ لتأخيره، و الأمر بالشي ء نهي عن ضدّه.

______________________________

(1) التهذيب 2: 147- 574، الاستبصار 1: 354- 1340، الوسائل 6: 38 أبواب القراءة ب 1 ح 2 و ص 89 أبواب القراءة ب 28 ح 2.

(2) الكافي 3: 317 الصلاة ب 21 ح 28، التهذيب 2: 146- 573، الاستبصار 1:

354- 1339، الوسائل 6: 37 أبواب القراءة ب 1 ح 1.

(3) في ص 91 و 92.

(4) الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1، علل الشرائع: 312- 1، الوسائل 5: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.

(5) القواعد 1: 33، المنتهى 1: 272، جامع المقاصد 2: 255، الذكرى: 188، الدروس 1:

171 البيان: 157، المسالك 1: 30.

(6) انظر: الحدائق 8: 124.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 99

مع أنّ المستفاد من الروايتين الأوليين أيضا البطلان.

و يضعف الأول: بأنّ المأمور به هو تقديم الحمد على السورة التي تجب في الصلاة- و هو يتحقق بقراءة سورة أخرى بعده- لا على مطلق السورة.

و الثاني: بأنه لا شك في عدم بقاء الابتداء في الروايتين على معناه الحقيقي، لتقدّم التكبيرة و دعاء الافتتاح على الحمد، و ليس الابتداء عامّا أو مطلقا حتى يقتصر فيه على القدر الثابت، بل المراد الابتداء الإضافي، و يمكن كون المضاف إليه السورة الواجبة في الصلاة.

و ظاهر الشرائع و صريح المدارك الصحة «1»، للأصل.

و قيل بالأول مع اعتقاد كون السورة الأولى هي الواجبة، لكونه بدعة.

و بالثاني مع عدمه «2».

و فيه: أنه لا اعتقاد إلّا مع دليل، و معه لا بدعة.

و التحقيق: أنّه يجب بناء المسألة على مسألة القران بين السورتين، فإن

حرّمناه مطلقا بطلت الصلاة، و إلّا فلا.

و إن كان سهوا و لم يتذكر حتى ركع صحّت الصلاة، و إن تذكّر قبله قرأ سورة بعد الحمد، لبقاء وقتها.

و هل يعيد الحمد لو كان التذكّر بعد قراءته؟.

ظاهر القواعد: نعم «3»، و صريح شرحه: لا «4»، و هو الأقوى للأصل.

و كذا في صورة العمد على القول بالصحة لو أراد إعادة السورة بعد الحمد قبل قراءته. و كذا لو أرادها بعده مع قراءة الحمد بقصد القربة كمن لا يعلم البطلان بالإخلال بالترتيب. و إن قرأه على وجه لا تتأتى فيه القربة فيعيده.

______________________________

(1) الشرائع 1: 82، المدارك 3: 351.

(2) انظر: مجمع الفائدة 2: 219.

(3) القواعد 1: 33.

(4) جامع المقاصد 2: 255.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 100

و أمّا على البطلان فيعاد جميع ما فعل من أجزاء الصلاة.

المسألة الحادية عشرة: لا يجوز أن يقرأ في الفرائض سورة عزيمة على الأظهر الأشهر،
اشاره

و عليه الإجماع عن الانتصار و نهاية الشيخ و خلافه و الغنية و شرح القاضي لجمل السيد و نهاية الفاضل و تذكرته «1»، و يظهر من شرح الإرشاد للأردبيلي «2»، و صرّح به بعض مشايخنا أيضا «3».

بل الظاهر تحقّق الإجماع، لعدم نقل خلاف فيه من القدماء إلّا من الإسكافي «4». و كلامه ليس صريحا فيه، لاحتمال إرادته النسيان أو التقيّة، مع أنه لو كان صريحا أيضا لم يقدح في الإجماع. فهو الحجّة في المسألة.

لا غيره مما ذكروه كرواية زرارة: «لا تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم، فإنّ السجود زيادة في المكتوبة» «5».

و موثّقة سماعة: «من قرأ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ فإذا ختمه فليسجد، فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب و يركع» و قال: «إذا ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزيك الإيماء و الركوع، و لا تقرأ في الفريضة، اقرأ في التطوّع» «6».

و استلزامه

أحد الأمرين: إمّا الإخلال بالسجود، أو زيادة سجدة في الصلاة، و كلاهما محذوران:

______________________________

(1) الانتصار: 43، النهاية: 77، الخلاف 1: 426، الغنية (الجوامع الفقهية): 558، شرح الجمل: 86، نهاية الإحكام 1: 466، التذكرة 1: 116.

(2) مجمع الفائدة 2: 231 و 232.

(3) كصاحب الحدائق 8: 155، و صاحب الرياض 1: 160.

(4) حكاه عنه صاحب الرياض 1: 160.

(5) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 6، التهذيب 2: 96- 361، الوسائل 6: 105 أبواب القراءة ب 40 ح 1.

(6) التهذيب 2: 292- 1174، الاستبصار 1: 320- 1191، الوسائل 6: 102 أبواب القراءة ب 37 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 101

أمّا الأول، فلفوريّة السجود بالإجماع- على الظاهر- المصرّح به في حملة من كلمات الأصحاب «1»، و الأخبار «2» حتى روايات المسألة الظاهرة في المخالفة، لتضمّنها الأمر بالسجود بعد الفراغ من الآية بلا فاصلة، و لو لا الفوريّة لما كان له وجه بالمرّة.

و أمّا الثاني، فلما مرّ من الخبرين الدالّين على بطلان الصلاة بالزيادة فيها في بحث التكبيرة «3»، مع إشعار به في رواية زرارة، بل لعلّه إجماعي كما صرّح به بعض الأجلّة «4».

لضعف «5» الأوّلين بعدم صراحتهما في النهي، لاحتمال كون الجملة خبرية.

و أمّا التعليل في أولاهما بزيادة السجدة فهو غير دالّ على الحرمة، لجواز أن يكون تعليلا لمطلق المرجوحية و لو قلنا بكون الزيادة مطلقا محرّمة، بأن يكون المراد أنه تكره القراءة، لأنّ السجدة لها غير جائزة لكونها زيادة، فلم يبق إلّا ترك السجدة فورا و هي مكروهة.

و الثالث بمنع كون الأمرين معا مسبّبين للقراءة، لترك السجدة مع عدم قراءة العزيمة أيضا. و إنّما هي سبب لحرمة ذلك الترك، و المسلّم حرمة سبب الحرام دون

سبب الحرمة، إلّا أن يقال: المحذور الأوّل هو الإخلال بالواجب، و إنّ ملزوم الحرام مطلقا حرام و لو لم يكن سببا له.

مضافا إلى إمكان منع فوريّة السجدة، و منع الإجماع على الكلّية حتى في المسألة كما هو ظاهر المدارك «6» و إن ادّعاه على الجملة، و لذا تترك في الفريضة لو

______________________________

(1) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 313، و صاحب المدارك 3: 421، و البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) الوسائل 6: 239 أبواب قراءة القرآن ب 42.

(3) راجع ص 18.

(4) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 216.

(5) تعليل لقوله: لا غيره مما ذكروه ..

(6) المدارك 3: 353.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 102

قرأت العزيمة فيها للنسيان أو التقيّة فيومئ لها حتى يفرغ من الصلاة.

مع أنه لا خلاف في عدم الفورية مع المانع و الضرورة، و المانع الشرعي كالعقلي، و لذا تنتفي الفورية لو قرأت السجدة في مكان ينهى مالكه عن السجدة فيه. فلو لم تجز هذه الزيادة في الفريضة لكان المانع الشرعي متحققا.

و أمّا الأخبار فعلى الفوريّة الكليّة قاصرة الدلالة، و لو سلّمت فشمولها لمن في الفريضة ليس إلّا بالعموم، فيعارض- في حق من قرأ في الفريضة- مع أدلّة منع الزيادة في المكتوبة، فيخصّص بها أو يعكس، فيرتفع أحد المحذورين.

و لأجل ضعف هذه الأدلّة يشعر كلام بعض من تأخر بالجواز «1»، لكونه موافقا للأصل، المندفع بالإجماع. و بعض الأخبار «2»، الخارجة عن الحجية، للشذوذ. و القاصرة في الدلالة، لتضمّن أكثرها للسؤال عن حكم من قرأها، الدالّ على حكم المورد بالعموم الحاصل من ترك الاستفصال، المحتمل كونه للتقية، لأنّ الجواز مذهب العامة «3» كما صرّح به الجماعة و يستنبط من الرواية «4».

فروع:

أ:

لو قرأ سورة

العزيمة تامّة في الفريضة عمدا بطلت- للنهي الموجب للفساد- إن اكتفى بها، و إلّا فكذلك إن قلنا ببطلان الصلاة بالتكلّم بغير ما ثبت جوازه، كما هو الحقّ، و إن خصّصناه بالتكلّم بغير القرآن و الدعاء مطلقا فلا تبطل إلّا أن أبطلناها بالقران.

و هل تبطل بمجرّد الشروع فيها أم لا؟

الثابت من الإجماع- بل سائر الأدلة التي ذكروها- اختصاص التحريم بما

______________________________

(1) كصاحب المدارك 3: 353، و الفيض في المفاتيح 1: 132.

(2) الوسائل 6: 102 و 104 أبواب القراءة ب 37 و 39.

(3) بدائع الصنائع 1: 180، مغني المحتاج 1: 216.

(4) الوسائل 6: 102 و 103 أبواب القراءة ب 37 و 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 103

إذا بلغ موضع السجدة.

و لكن على القول بوجوب السورة الكاملة و عدم جواز القران مطلقا يلزمه أحد المحرّمين إمّا القران، أو إتمام العزيمة. و ملزوم الحرام حرام، فالحقّ على ذلك البطلان.

و أمّا مع جواز القران بين سورة و بعض من اخرى فلا تبطل.

و تظهر الفائدة فيما لو حصل بعد الشروع وجه لجواز القراءة كالنسيان أو التقيّة أو العدول إلى النافلة.

ب:

لو قرأها سهوا فإن لم يتذكّر حتى تمّت صحّت صلاته و إن لم يدخل الركوع و لا يجب استئناف سورة غيرها، لصدق قراءة سورة غير منهي عنها، إذ لا نهي مع السهو.

و قيل: يستأنف سورة أخرى ما لم يركع، لوجوب قراءة سورة غير العزيمة قبل الركوع و لم يقرأها و لم يخرج وقتها و لم يحصل مسقط لها «1».

و يضعّف بأنّ مطلقات قراءة السورة شاملة للعزيمة أيضا، خرجت هي حال العمد بالدليل فيبقى الباقي.

و كذا لو تذكّر بعد قراءة آية السجدة، لما عرفت من اختصاص الإجماع و سائر الأدلّة بتعمّد قراءتها

إلى موضع السجدة، فإذا وقعت قراءتها جائزة فلا منع فيما بعدها.

و لو تذكّر قبلها ففي وجوب العدول مطلقا، أو ما لم يتجاوز النصف، أو عدم جوازه مطلقا، وجوه بل أقوال.

و التحقيق: أنه على ما ذكرنا من اختصاص حجّة المنع بالإجماع المنفي في المورد يتعيّن الإتمام مع التجاوز عن النصف و عدمه على القول بعدم جواز القران

______________________________

(1) انظر: البيان: 163.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 104

مطلقا، و في صورة التجاوز خاصة على القول بجوازه بالعدول قبل التجاوز، و يتخيّر بينه و بين العدول فيهما إن جوّزنا العدول مطلقا.

و أمّا من يتمسك للمنع بغير الإجماع ممّا مرّ أيضا فإن لم يوجد للمنع عن العدول مطلقا أو مع التجاوز دليل- كما اعترف به بعضهم «1»- يتعيّن عنده العدول، و إن وجد يتعارض الدليلان، فإن لم يكن لأحدهما ترجيح يحكم بالتخيير.

ج:

لا يسجد في الصلاة في صورة الصحّة، بل يومئ لها بعد قراءتها، و يسجد بعد الصلاة.

أما الأول فلما دلّ على أنّها زيادة، مع ما دلّ على أنّ مطلق الزيادة مبطل، و أنّ إبطال الصلاة محرّم.

و لا ينافيه وجوب السجدة، لعدم ثبوت فوريته حتى في المورد.

و أمّا بعض الأخبار «2» الآمرة بالسجود في الصلاة فخاصّها ضعيف لا يصلح للحجية، لعدم ثبوته من الأصول المعتبرة. و عامّها محمول على النافلة، لتعارضها مع ما مرّ من عمومات حرمة الزيادة، بل خصوص التعليل في رواية زرارة «3»، حيث دلّ على أنّ زيادة السجدة في المكتوبة محرّمة.

إلّا أن يقال: إنّه لا مرجّح لتقديم العمومات الثانية، و يمنع دلالة التعليل على الحرمة، فيرجع إلى التخيير بين السجدة و تركها إلى الفراغ. و يحمل بعض ما نهى عن السجدة مع إمام لا يسجد على التقية،

مع أنّ في ذكر عدم سجدة الإمام أو توصيفه بأنه لا يسجد إشارة إلى جوازها في المكتوبة.

فهو الأجود لو لم يثبت الإجماع على خلافه كما ادّعاه فخر المحقّقين في

______________________________

(1) كصاحب الحدائق 8: 159.

(2) انظر: الوسائل 6: 102 أبواب القراءة ب 37.

(3) المتقدمة في ص 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 105

الإيضاح «1»، و حكي عن التنقيح أيضا «2».

و أما الثاني فلأنه مقتضى فحوى ما دلّ على وجوب الإيماء إذا صلّى مع إمام لا يسجد كروايتي أبي بصير «3»، و سماعة «4»، إذا قلنا بتحريم السجدة.

و أمّا الثالث فلمطلقات وجوب السجدة الخالية عن دليل السقوط هنا.

المسألة الثانية عشرة: لا يجوز أن يقرأ في الفرائض سورة تفوّت تمام وقت فريضة أو بعضه،

لأنه ملزوم للحرام.

و قيل: للحسن «5»: «لا تقرأ في الفجر شيئا من الحم» «6». و لا وجه له عدا تفويته الوقت، بل به وقع التصريح في الخبر: «من قرأ شيئا من الحم في صلاة الفجر فاته الوقت» «7».

و فيه- مع عدم صراحة الأول في النهي و أنه لو كان للتفويت لما كان وجه للتخصيص بالحم-: أنه لو كان نهيا أيضا لما كان على حقيقته إلّا على التخصيص ببعض الصور، ضرورة عدم الفوت لو صلّى أول الوقت، و ليس ذلك بأولى من الحمل على الكراهة لفوات وقت الفضيلة، و عليه يحمل عموم الثاني و إلّا يجب تخصيصه أيضا.

و لا فرق فيما ذكرنا بين القول بوجوب السورة أو استحبابها، و جواز القران

______________________________

(1) إيضاح الفوائد 1: 109.

(2) التنقيح 1: 199.

(3) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 4، التهذيب 2: 291- 1168، الاستبصار 1:

320- 1192، الوسائل 6: 103 أبواب القراءة ب 38 ح 1.

(4) التهذيب 2: 292- 1174، الاستبصار 1: 320- 1191، الوسائل 6: 102 أبواب القراءة ب 37 ح 2.

(5) كما

في الرياض 1: 160.

(6) التهذيب 3: 276- 803، الوسائل 6: 111 أبواب القراءة ب 44 ح 2.

(7) التهذيب 2: 295- 1189 و فيه: الحواميم، الوسائل 6: 111 أبواب القراءة ب 44 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 106

و عدمه، فالبناء عليه- كما قيل «1»- فاسد. نعم يصحّ البناء في الحكم بتحريم الشروع فيها.

و إدراك ركعة في الوقت لا ينفي التحريم، إذ لا يجوز تأخير شي ء من الصلاة عن الوقت اختيارا، و أمّا إدراك الصلاة بإدراك الركعة في الوقت «2» فهو مع الاضطرار.

و المحرّم إنما هو إذا علم الفوات بقراءتها، لا إذا ظنّه أو احتمله، للأصل، و عدم العلم باللزوم.

و قيل بالتحريم مع الظن أو الاحتمال أيضا «3»، لعدم تأتّي نية القربة، للتردد بين الواجب و الحرام.

و فيه: منع احتمال الحرمة، لأنها إنما هي مع العلم بالفوات بالقراءة لا بالفوات بها واقعا، و لا علم هنا، فمن رأى مطلقات أوامر السورة و لم يعلم فوات الوقت بسورة و لا حرمة ما يحتمله أو يوجب الظن به، يقرؤها قربة إلى اللَّه سبحانه.

و لو شرع في سورة بظن طول الوقت ثمَّ تبيّن الضيق، فإن ضاق عن غيرها أيضا يترك السورة مطلقا، و إلّا عدل إلى غيرها ممّا يسعه الوقت.

المسألة الثالثة عشرة: يجوز أن يقرأ في النوافل العزائم

إجماعا محقّقا و محكيّا مستفيضا «4»، و أصلا، و نصّا عامّا و خاصّا «5».

و من قرأها و بلغ موضع السجدة أو استمع ما يوجبها يجب عليه السجود،

______________________________

(1) انظر: المدارك 3: 354، و الذخيرة: 277، و الحدائق 8: 126.

(2) انظر: الوسائل 4: 217 أبواب المواقيت ب 30.

(3) كما في شرح المفاتيح (المخطوط).

(4) كما في الخلاف 1: 430، و الحدائق 8: 160، و نسب إلى المشهور في البحار 82:

14.

(5) انظر: الوسائل 6: 105 أبواب القراءة ب 40.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 107

للعمومات «1»، و خصوص الأمر به في موثّقة سماعة المتقدّمة «2»، و صحيحة الحلبي:

عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة، قال: «يسجد ثمَّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب و يركع و يسجد» «3».

و به يخصّ ما دلّ على المنع من الزيادة في الصلاة إن لم نقل باختصاصه بالمكتوبة، لكون موجبات هذه حينئذ بالنسبة إليها خاصة.

و قيل: يجوز السجود «4»، و لعلّه لخبر وهب: «إذا كان آخر السورة السجدة أجزأك أن تركع بها» «5».

و يردّ بعدم الدلالة، لجواز أن يكون المراد عدم وجوب الركوع بالفاتحة في مقابل ما مرّ من الأمر بقراءتها حتى يركع بها.

ثمَّ إذا سجد قام، للروايتين، و وجوب كون الركوع من القيام.

و أتمّ السورة إن شاء، إن كانت السجدة في الأثناء، لعدم المانع. و لا يعيد الفاتحة حينئذ، لعدم المقتضي.

و إن كانت في آخر السورة أعاد الفاتحة- للروايتين- استحبابا وفاقا لظاهر الأكثر، لعدم دليل على الوجوب سوى ما قيل من ظاهر الأمر في الخبرين «6».

و يجاب عنه بأنّه مجاز، لعدم تحقق حقيقته- التي هي الوجوب الشرعي في المقام- إلّا على القول بحرمة قطع النوافل، و الوجوب الشرطي ليس بأولى من الاستحباب، مع أنّ دلالة الصحيحة على الوجوب غير ثابتة، مضافا إلى أنّ ظاهر

______________________________

(1) الوسائل 6: 107، 110، أبواب قراءة القرآن ب 42 و 43.

(2) في ص 100.

(3) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 5، التهذيب 2: 291- 1167، الاستبصار 1:

319- 1189، الوسائل 6: 102 أبواب القراءة ب 37 ح 1.

(4) كما في الخلاف 1: 430.

(5) التهذيب 2: 292- 1173، الاستبصار 1: 319- 1190، الوسائل 6: 102 أبواب القراءة

ب 37 ح 3.

(6) كما في الرياض 1: 165.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 108

خبر وهب دالّ على عدم لزوم الفاتحة.

و لا يضيف إلى الحمد سورة أخرى أو آية، للأصل.

خلافا للمحكي عن الشيخ «1»، و لا أعرف مستنده.

المسألة الرابعة عشرة: لا يجوز القران بين السورتين في الفريضة على الأظهر،
اشاره

وفاقا للصدوق في الفقيه و الأمالي و الهداية «2»، و السيّد في الانتصار و المسائل المصريّة الثالثة «3»، و الشيخ في التهذيب و النهاية و المبسوط و الخلاف «4»، و الحلبي «5»، و التحرير و القواعد و الإرشاد و المختلف «6»، و الشهيد في الرسالة «7»، و أكثر مشايخنا، بل قال بعضهم: إنه الأشهر «8». بل عن الأمالي: إنّه من دين الإماميّة، و في الانتصار: دعوى الإجماع عليه «9».

للمروي في قرب الإسناد: عن رجل قرأ سورتين في ركعة، قال: «إن كانت نافلة فلا بأس و أمّا الفريضة فلا تصلح» «10».

فإنّ المستفاد من قوله: «لا تصلح» الحرمة، مع أنّ التفصيل بين النافلة و الفريضة قاطع للشركة في حكم النافلة الذي هو انتفاء البأس، فيثبت البأس في الفريضة.

و منه تظهر دلالة مرسلة الصدوق عن الصادق عليه السلام في الهداية: «لا

______________________________

(1) المبسوط 1: 114.

(2) الفقيه 1: 200، الأمالي: 512، الهداية: 31.

(3) الانتصار: 44، المسائل المصرية (رسائل الشريف المرتضى 1): 220.

(4) التهذيب 2: 296، النهاية: 75، المبسوط 1: 107، الخلاف 1: 336.

(5) الكافي في الفقه: 118.

(6) التحرير 1: 39، القواعد 1: 32، الإرشاد 1: 253، المختلف: 93.

(7) الرسالة الألفية: 51.

(8) كما في الحدائق 8: 45، و الرياض 1: 160.

(9) الأمالي: 512، الانتصار: 44.

(10) قرب الإسناد: 202- 778، الوسائل 6: 53 أبواب القراءة ب 8 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 109

تقرن بين السورتين في الفريضة، و أمّا في

النافلة فلا بأس» «1».

بل رواية عمر بن يزيد: اقرأ سورتين في ركعة؟ قال: «نعم» قلت: أ ليس يقال أعط لكلّ سورة حقّها من الركوع و السجود؟ فقال: «ذلك في الفريضة و أمّا في النافلة فلا بأس» «2».

و ضعفها- لو كان- منجبر بما مرّ و بتأيّدها بمؤيّدات أخر، كصحيحتي منصور و محمّد المتقدّمتين في مسألة وجوب السورة «3».

و موثّقة زرارة: عن الرجل يقرن بين سورتين في الركعة، فقال: «إنّ لكلّ سورة حقّا، فأعطها حقّها من الركوع و السجود» «4».

و المروي في مستطرفات السرائر عن الباقر عليه السلام: «لا قران بين سورتين في ركعة» «5».

و المروي في المعتبر و المنتهى عن جامع البزنطي، و في المجمع عن العيّاشي عن الصادق عليه السلام: «لا تجمع بين السورتين في ركعة إلّا الضحى و ألم نشرح، و الفيل و لإيلاف» «6».

و الرضوي: «و لا تجمع بين السورتين في الفريضة» «7».

و الاستدلال بهذه غير جيّد: أمّا الأوّلان فلما مرّ، و أمّا الثالث فلعدم كون الأمر بالإعطاء فيه للوجوب إلّا مع التخصيص بالفريضة و لا أولويّة، و أمّا البواقي فلعدم الصراحة في الحرمة كما ذكر غير مرّة.

______________________________

(1) الهداية: 31.

(2) التهذيب 2: 70- 257، الاستبصار 1: 316- 1179، الوسائل 6: 51 أبواب القراءة ب 8 ح 5.

(3) راجع ص 91- 92.

(4) التهذيب 2: 73- 268، الوسائل 6: 50 أبواب القراءة ب 8 ح 3.

(5) مستطرفات السرائر: 73- 12، الوسائل 6: 53 أبواب القراءة ب 8 ح 12.

(6) المعتبر 2: 188، المنتهى 1: 276، مجمع البيان 5: 544.

(7) فقه الرضا (ع): 125، مستدرك الوسائل 4: 163 أبواب القراءة ب 6 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 110

و عن الاستبصار «1»، و الحلّي

و المحقّق «2»، و أكثر المتأخرين «3»: الجواز، و اختاره في شرح القواعد و الدروس و الذكرى و البيان و المدارك «4»، و صريح المنتهى و ظاهر التذكرة التردّد «5».

للأصل، و صحيحة ابن يقطين: «عن القران بين السورتين في المكتوبة و النافلة، قال: «لا بأس» و عن تبعيض السورة، قال: «أكره و لا بأس» «6».

و المروي في المستطرفات: «لا تقرن بين سورتين في الفريضة فإنّ ذلك أفضل» «7».

و موثقة زرارة: «إنّما يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة، و أمّا في النافلة فلا بأس» «8».

و يجاب عنها بمرجوحيتها عمّا مرّ بموافقتها للعامة، كما يظهر من الانتصار «9»، و حكي عن البحار «10»، و نقله في التذكرة عن الشافعي «11».

مضافا إلى أنّ الثالثة على الجواز غير دالّة، لأعمية الكراهة في اللغة عن الحرمة.

______________________________

(1) الاستبصار 1: 317.

(2) الحلي في السرائر 1: 220، المحقق في الشرائع 1: 82.

(3) نسب إليهم في الذخيرة: 273.

(4) جامع المقاصد 2: 248، الدروس 1: 173، الذكرى: 190، البيان: 158، المدارك 3: 354.

(5) المنتهى 1: 276، التذكرة 1: 116.

(6) التهذيب 2: 296- 1192، الاستبصار 1: 316- 1178، 317- 1181، الوسائل 6: 52 أبواب القراءة ب 8 ح 9.

(7) مستطرفات السرائر: 73- 8، الوسائل 6: 52 أبواب القراءة ب 8 ح 11.

(8) الكافي 3: 314 الصلاة ب 21 ح 10، التهذيب 2: 72- 267، الاستبصار 1:

317- 1180، الوسائل 6: 50 أبواب القراءة ب 8 ح 2.

(9) الانتصار: 44.

(10) البحار 82: 13.

(11) التذكرة 1: 116، و نقله عن الشافعي في عمدة القارئ 6: 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 111

فروع:

أ:

لو قرن بطل، لأصالة بطلان الصلاة بالتكلّم، خرج المباح من القرآن و الدعاء فيبقى الباقي.

ب:

المحرّم

المبطل قراءة السورتين التامّتين، لأنّ التامّتين معنى السورتين، و يؤيّده بل يدلّ عليه عدم الخلاف في جواز القنوت ببعض الآيات- كما صرّح به جماعة [1]، و ورد في قنوتات الأئمة سيّما كلمات الفرج «1»- و في جواز الإعلام بالآيات، و العدول ما لم يتجاوز النصف، فلا منع في سورة و بعض غيرها.

و المتغايرتين، لأنه المتبادر من قراءة السورتين، فلا حظر في تكرار سورة واحدة و لا الفاتحة.

و لا يرد في الموردين أنه الزيادة في المكتوبة و هي لها مبطلة، لعدم ثبوت كونهما من الزيادة، لدخولهما في مطلقات القراءة الشاملة لغير ما أخرجه الأدلة، و هو السورة التامّة المغايرة، كما يظهر مما يأتي في معنى الزيادة في بحث خلل الصلاة.

ج:

صرّح جماعة- منهم فخر المحقّقين «2»- بأنّ المحظور هو القران بقصد الجزئيّة للصلاة. و النصّ أعمّ منه، فالتقييد يحتاج إلى دليل، و ليس د:

لا ريب في جواز القران في النوافل، و عليه اتفقت كلمة الأفاضل، و استفاضت أخبار الأطايب «3».

ه:

مقتضى أكثر الروايات حرمة قراءة السورتين سواء كانتا متّصلتين أو

______________________________

[1] منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 274، و المجلسي في البحار 82: 13.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 274 أبواب القنوت ب 7.

(2) إيضاح الفوائد 1: 109.

(3) انظر: الوسائل 6: 50 أبواب القراءة ب 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 112

أحدهما قبل الفاتحة و الأخرى بعدها.

المسألة الخامسة عشرة: يجوز العدول من كل سورة غير الجحد و التوحيد
اشاره

إلى أخرى ما لم يبلغ النصف، إجماعا، كما في شرح القواعد و شرح الإرشاد «1»، للأصل، و صحيحة الحلبي: «من افتتح بسورة ثمَّ بدا له أن يرجع في سورة غيرها فلا بأس، إلّا قل هو اللَّه أحد و لا يرجع منها إلى غيرها، و كذلك قل يا أيّها الكافرون» «2».

و المروي في الدعائم عن

الصادق عليه السلام: «من بدأ بالقراءة في الصلاة بسورة ثمَّ رأى أن يتركها و يأخذ في غيرها فله ذلك ما لم يأخذ في نصف السورة الآخر [1] إلّا أن يكون بدأ بقل هو اللَّه أحد فإنّه لا يقطعها، و كذلك سورة الجمعة و المنافقين في الجمعة لا يقطعهما إلى غيرهما، و إن بدأ بقل هو اللَّه أحد قطعها و رجع إلى سورة الجمعة و المنافقين يجزيه في صلاة الجمعة خاصة» «3».

و صحيحة عمرو بن أبي نصر: الرجل يقوم في الصلاة يريد أن يقرأ سورة فقرأ قل هو اللَّه أحد أو قل يا أيّها الكافرون، فقال: «يرجع من كل سورة إلّا قل هو اللَّه أحد و قل يا أيها الكافرون» «4».

و هي بعمومها شاملة لمن أراد سورة أولا و قرأ غيرها مع القصد و الرجوع عن الإرادة الاولى، فلا يرد أنّه لعلّه لعدم قصد السورة في البسملة و غير ذلك ممّا يذكر بعضه.

______________________________

[1] في الدعائم: «ما لم يبلغ نصف السورة»، و ما في المتن موافق للنسخ و المستدرك.

______________________________

(1) جامع المقاصد 2: 279، مجمع الفائدة 2: 245.

(2) التهذيب 2: 190- 753، الوسائل 6: 99 أبواب القراءة ب 35 ح 2.

(3) دعائم الإسلام 1: 161، مستدرك الوسائل 4: 200 أبواب القراءة ب 27 ح 1.

(4) الكافي 3: 317 الصلاة ب 21 ح 25، التهذيب 2: 190- 752، الوسائل 6: 99 أبواب القراءة ب 35 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 113

و لا ينافيه قوله تعالى وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ «1» لعدم كون ذلك إبطالا للعمل و إن كان إخراجا لما قرأ عن الجزئية. و لا النهي عن القران بين السورتين، لعدم كونه قرانا كما مرّ.

و كذلك

إذا بلغ النصف و لم يتجاوز عنه، وفاقا للشيخين «2»، و المعتبر و المنتهى و التذكرة و القواعد «3»، و جملة من الأصحاب، بل في الذخيرة و البحار: إنّه المشهور «4»، لما ذكر من الأصل، و العمومات، و خصوص المروي في قرب الإسناد:

عن رجل أراد سورة فقرأ غيرها هل يصلح له أن يقرأ نصفها ثمَّ يرجع إلى السورة التي أراد؟ قال: «نعم ما لم يكن قل هو اللَّه أحد و قل يا أيّها الكافرون» «5».

و في مسائل عليّ عن أخيه عليه السلام مثل ما ذكر، إلّا أنّ في السؤال:

هل يصلح له بعد أن يقرأ نصفها أن يرجع «6».

و المروي في الذكرى عن نوادر البزنطي: في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ في أخرى، قال: «يرجع إلى التي يريد و إن بلغ النصف» «7».

و ضعفها منجبر بالشهرة المحكية.

خلافا للمحكي عن الإسكافي، و الجعفي «8»، و الفقيه و نهاية الفاضل و روض الجنان «9»، و في السرائر و شرح القواعد و الدروس و الذكرى «10»، بل في الأخير نسبه إلى الأكثر، فمنعوه مع البلوغ إلى النصف.

______________________________

(1) محمّد: 33.

(2) المفيد في المقنعة: 147، الطوسي في النهاية: 77، المبسوط 1: 107.

(3) المعتبر 2: 191، المنتهى 1: 280، التذكرة 1: 116، القواعد 1: 33.

(4) الذخيرة: 280، البحار 82: 16.

(5) قرب الإسناد: 206- 802، الوسائل 6: 100 أبواب القراءة ب 35 ح 3.

(6) مسائل علي بن جعفر: 164- 260.

(7) الذكرى: 195، الوسائل 6: 101 أبواب القراءة ب 36 ح 3.

(8) حكاه عنهما في الذكرى: 195.

(9) الفقيه 1: 201، نهاية الإحكام 1: 478، روض الجنان: 270.

(10) السرائر 1: 222، جامع المقاصد 2: 279، الدروس 1: 173، الذكرى: 195.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 5، ص: 114

للنهي عن إبطال العمل فيقتصر فيه على مورد الإجماع. و قد عرفت ضعفه.

و للرضوي: «و اقرأ في صلاتك كلّها يوم الجمعة و ليلة الجمعة سورة الجمعة و المنافقين و سبّح اسم ربّك الأعلى، و إن نسيتها أو واحدة منها فلا إعادة عليك، فإن ذكرتها من قبل أن تقرأ نصف سورة فارجع إلى سورة الجمعة، و إن لم تذكرها إلّا ما بعد قراءة نصف سورة فامض في صلاتك» «1».

و يضعّف بالمعارضة مع ما مرّ فيرجع إلى الأصل.

مع أنّ ظاهر روايتي قرب الإسناد و المسائل الاختصاص بالنصف فيكون أخصّ مطلقا من الرضوي، لشموله لبلوغ النصف و ما بعده، مع أنّ المخرج فرد نادر جدّا يتأمّل في شمول العموم له.

و لا يجوز العدول مع التجاوز عن النصف بالإجماع على الظاهر، و ادّعاه في روض الجنان و شرح الإرشاد للأردبيلي «2»، للرضوي، و رواية الدعائم، المنجبرين في المقام قطعا.

و أمّا موثّقة عبيد: في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ غيرها، فقال: «له أن يرجع ما بينه و بين أن يقرأ ثلثيها» «3» فهي بالشذوذ مردودة.

خلافا لبعض مشايخنا الأخباريين، فجوّز في حدائقه العدول مطلقا «4»، للعمومات. و دفعها ظاهر مما مرّ.

هذا في غير سورتي التوحيد و الجحد، و أمّا فيهما فلا يجوز العدول إلى غير الجمعة و المنافقين و لو قبل النصف، بل متى شرع فيهما وجب إتمامهما، على الأظهر، الموافق للشيخين، و السيّد، و الحلّي، و الفاضل- في غير المنتهى و التذكرة-

______________________________

(1) فقه الرضا (ع): 130، مستدرك الوسائل 4: 223 أبواب القراءة ب 53 ح 1.

(2) روض الجنان: 270، مجمع الفائدة 2: 245.

(3) التهذيب 2: 293- 1180، الوسائل 6: 101 أبواب القراءة ب 36 ح 2.

(4) الحدائق

8: 215.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 115

و الشهيدين «1»، بل للأكثر، و عليه الإجماع في الانتصار و شرح الإرشاد للأردبيلي «2».

لصحيحة الحلبي المثبتة للبأس- الذي هو العذاب- في الرجوع عنهما «3»، و روايتي قرب الإسناد و المسائل المنجبرتين، النافيتين لصلاحية العدول عنهما المثبت للفساد.

و رواية الحلبي: «إذا افتتحت صلاتك بقل هو اللَّه أحد و أنت تريد أن تقرأ غيرها فامض فيها و لا ترجع، إلّا أن تكون في يوم الجمعة فإنّك ترجع إلى الجمعة و المنافقين منها» «4».

و يؤيّده غيرها ممّا سبق، كصحيحة عمرو و رواية الدعائم، أو لم يسبق كموثقة عبيد [1]. و إنما لم نجعلها دالّة لاحتمالها نفي إباحة الرجوع، الغير المنافية للكراهة.

خلافا للمحكي عن المعتبر، فكره العدول عنهما قبل النصف «5»، و ظاهر المنتهى و التذكرة و الذخيرة التوقّف «6»، لقوله سبحانه فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ «7» و ضعفه ظاهر. و لضعف دلالة الروايات على التحريم، و هو ممنوع.

و أمّا إلى الجمعة و المنافقين فيجوز العدول عنهما على الحقّ المشهور، و في

______________________________

[1] صدرها: عن رجل أراد أن يقرأ في سورة فأخذ في أخرى، قال: «فليرجع إلى السورة الأولى إلّا أن يقرأ ب قل هو اللَّه أحد» و سيأتي ذيلها. انظر: الرقم (2) من الصفحة الآتية.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 147، الطوسي في النهاية: 77، السيد في الانتصار: 44، الحلي في السرائر 1:

221، الفاضل في نهاية الإحكام 1: 478، الإرشاد 1: 254، الشهيد الأول في البيان:

157، و الذكرى: 195، الشهيد الثاني في روض الجنان: 270.

(2) الانتصار: 44، مجمع الفائدة 2: 245.

(3) المتقدمة في ص 112.

(4) التهذيب 3: 242- 650، الوسائل 6: 153 أبواب القراءة ب 69 ح 2.

(5) المعتبر 2: 191.

(6) المنتهى 1:

280، التذكرة 1: 116، الذخيرة: 280.

(7) المزمل: 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 116

شرح الإرشاد عدم الخلاف فيه «1»، لرواية الدعائم و رواية الحلبي المتقدّمتين، و موثقة عبيد: رجل صلّى الجمعة و أراد أن يقرأ سورة الجمعة فقرأ قل هو اللَّه أحد، قال: «يعود إلى سورة الجمعة» «2».

و صحيحة محمّد: الرجل يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قل هو اللَّه أحد، قال: «يرجع إلى سورة الجمعة» «3».

و المروي في قرب الإسناد و المسائل: عن القراءة في الجمعة ما يقرأ؟ قال:

«سورة الجمعة و إذا جاءك المنافقون، و إن أخذت في غيرهما و إن كان قل هو اللَّه أحد فاقطعها من أوّلها و ارجع إليهما» «4».

في يوم الجمعة مطلقا أي في صلاة الصبح أو الجمعة أو الظهرين، لرواية الحلبي. دون ليلتها، لعدم الدليل.

سواء كان قراءة الجحد و التوحيد سهوا أو عمدا، وفاقا للحدائق «5»، و الأردبيلي «6»، بل الأكثر كما في الحدائق، لإطلاق روايتي الدعائم و قرب الإسناد، بل سائر الروايات، لأنّ إرادة قراءة الجمعة أوّلا لا تستلزم كون قراءة التوحيد سهوا، لجواز تغيّر القصد.

إن لم يتجاوز النصف، وفاقا لظاهر المشهور كما في الحدائق «7» و محتمل الإجماع كما في شرح الإرشاد، لتعارض مطلقات جواز العدول عنهما إليهما مع ما دلّ على المنع مع التجاوز مطلقا بالعموم من وجه و لا مرجّح، فتبقى مطلقات منع

______________________________

(1) مجمع الفائدة 2: 246.

(2) التهذيب 3: 242- 651، الوسائل 6: 153 أبواب القراءة ب 69 ح 3.

(3) الكافي 3: 426 الصلاة ب 76 ح 6، التهذيب 3: 242- 652، الوسائل 6: 152 أبواب القراءة ب 69 ح 1.

(4) قرب الإسناد: 214- 839، الوسائل 6: 153 أبواب القراءة ب 69

ح 4، مسائل علي بن جعفر:

245- 580.

(5) الحدائق 8: 220.

(6) مجمع الفائدة 2: 247.

(7) الحدائق 8: 218.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 117

العدول عنهما بلا مخصّص يقيني.

و قد يستدل أيضا بالجمع بين مطلقات التجويز و صحيحة ابن صبيح «1».

و فيه نظر من وجوه.

خلافا في الأول للشرائع في بحث صلاة الجمعة، فلم يجوّز العدول عنهما مطلقا «2»، و هو ظاهر الانتصار «3» و المحكي عن الإسكافي «4»، و لعلّه لإطلاق روايات المنع.

و يجاب بوجوب حمل المطلق على المقيّد.

و للحدائق، فلم يجوّزه في الجحد، لاختصاص روايات التجويز بالتوحيد «5».

و يجاب بعدم القول بالفصل، و عموم الرضوي و رواية قرب الإسناد المنجبرتين في المقام بالشهرة التي حكاها هو، و عدم الخلاف المحكي كما مرّ، فيعارض عمومات المنع بالعموم من وجه، و يرجع في المورد إلى الأصل.

و في الثاني لنهاية الشيخ «6»، و المحقّق [1]، و السرائر و التذكرة و المنتهى و شرح القواعد «7»، فخصّوه بصلاة الجمعة و ظهرها- و تخصيص بعضهم الظهر بالذكر لإطلاقه على الجمعة- لاختصاص الأدلّة بصلاة الجمعة الشاملة للظهر أيضا، و حمل يوم الجمعة في رواية الحلبي عليها.

______________________________

[1] لا يوجد في كتب المحقق الموجودة و لكن نسبه اليه صاحب الحدائق 8: 221.

______________________________

(1) التهذيب 3: 8- 22، الاستبصار 1: 415- 1589، الوسائل 6: 159 أبواب القراءة ب 72 ح 2.

(2) الشرائع 1: 99.

(3) الانتصار: 44.

(4) حكاه عنه في الذكرى: 195.

(5) الحدائق 8: 218.

(6) النهاية: 77.

(7) السرائر 1: 297، التذكرة 1: 115، المنتهى 1: 280، جامع المقاصد 2: 280.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 118

و في الشمول منع، و في الحمل تحكّم.

و للروض، فخصّه بهما و بالعصر «1»، و للجعفي، فأثبته في صلاة الجمعة

و الصبح و العشاء «2»، و أطلق طائفة- منهم: القواعد و الدروس «3»- جواز العدول منهما إليهما من غير تعيين، و كأنّ دليل هؤلاء كون تجويز العدول إليهما لأفضليّتهما فيدور مدار استحبابهما، و كلّ يقول باستحبابهما فيما ذكر.

و في المقدّمتين نظر.

و في الثالث للثانيين «4»، فخصّا جواز العدول بكون قراءة الجحد و التوحيد سهوا، لدلالة إرادة قراءة الجمعة أو المنافقين- كما في الروايات- على ذلك. و قد عرفت جوابه.

و في الرابع لظاهر السرائر و نهاية الشيخ، فقيّدا بعدم بلوغ النصف «5»، و دليلهما و جوابه يظهر مما سبق.

و لمستقرب شرح الإرشاد «6»، و محتمل الحدائق، فجوّزا العدول مطلقا، للمطلقات «7». و جوابه ظاهر.

فروع:

أ:

لا شك في حساب البسملة من النصف، لكونها جزءا من السورة.

______________________________

(1) روض الجنان: 270.

(2) حكاه عنه في الذكرى: 195.

(3) القواعد 1: 34، الدروس 1: 173.

(4) المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 280، الشهيد الثاني في روض الجنان: 270.

(5) السرائر 1: 297، النهاية: 77.

(6) مجمع الفائدة 2: 244.

(7) الحدائق 8: 215.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 119

ب:

لا شك في وجوب إعادة البسملة ثانيا للسورة المعدول إليها لو تخلل بينهما ما يرفع الموالاة المعتبرة، كأن يعدل في أواخر سورة البقرة مثلا.

و الظاهر أنه لا كلام أيضا في عدم وجوب إعادتها مع بقاء الموالاة و قراءتها أوّلا بقصد السورة المعدول إليها و قراءة المعدول عنها سهوا.

و إنّما الكلام فيما إذا قرأها لا بقصد سورة معيّنة، أو بقصد المعدول عنها.

و الظاهر وجوب الإعادة، لصيرورتها- بتعقّبها المعدول عنها على الأول، و به و بالقصد على الثاني- جزءا له، فلو لم يعدها لم يقرأ المعدول إليها كاملة.

ج:

لو قرأ بعض سورة و نسي الباقي منها، أو نسي آية

من أثنائها يجوز العدول عنها إلى غيرها قبل تجاوز النصف في غير الجحد و التوحيد قطعا.

و هل يجوز بعد النصف و في السورتين أيضا؟

الظاهر: نعم، لأنّ الظاهر من الأخبار المانعة عن الرجوع إرادة الإتمام الغير الممكن في المقام، بل صدق الرجوع على ذلك و شمول إطلاقه له محلّ كلام، فيبقى الأصل خاليا عن المعارض.

مع أنّ حجية أخبار المنع عن العدول بعد النصف كانت بواسطة الانجبار الغير المعلوم في المورد.

و هل ذلك على الوجوب، أو يجوز الاكتفاء بما علم من السورة؟

يحتمل الأمران:

من جهة وجوب السورة الكاملة المتوقفة على العدول.

و من جهة عدم شمول ما ذكرنا من دليل وجوب السورة الكاملة بل جميع أدلّته لمثل المورد.

مضافا إلى رواية ابن وهب: أقرأ سورة فأسهو فأنتبه في آخرها، فأرجع إلى

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 120

أول السورة أو أمضي؟ قال: «بل امض» «1».

فإنّها شاملة لما إذا تركت آية منها سهوا، فإذا جاز الاكتفاء ببعض السورة حينئذ جاز فيما نحن فيه أيضا، لعدم الفرق.

و الثاني أظهر، و الأول أحوط.

و لو غلط في كلمة أو حرف أو آية، بمعنى أنه يتردّد فيه أنّه هل هو على هذا النحو أو هذا، أو تردّد في وجود كلمة و عدمها، ففي وجوب تكرار المحتملات، أو التخيير بينها، أو العدول، أو قراءة الباقي من السورة و ترك مكان الغلط، احتمالات.

أظهرها: التخيير بين الأخيرين، فإن شاء يقرأ الباقي، و إن شاء يعدل، لما مرّ، مضافا إلى صحيحة زرارة: رجل قرأ سورة في ركعة فغلط أ يدع المكان الذي غلط فيه و يمضي في قراءته أو يدع تلك السورة و يتحوّل عنها إلى غيرها؟ فقال:

«كلّ ذلك لا بأس به» «2».

و لا تنافيه صحيحة ابن عمّار: «من

غلط في سورة فليقرأ قل هو اللَّه أحد ثمَّ يركع» «3».

لأنّ الأمر فيها ليس للوجوب قطعا، لعدم تعيّن التوحيد بالإجماع.

هذا مع منافاة الاحتمالين الأوّلين لأصالة عدم جواز التكلّم في الصلاة إلّا بما علم جوازه.

و الأحوط العدول أيضا سيّما في غير الجحد و التوحيد قبل تجاوز النصف.

د:

لا شك في عموم الحكم بجواز العدول- فيما يجوز- للفرائض و النوافل، و هل يعمّهما الحكم بعدم جوازه فيما لا يجوز، أم يختصّ بالفريضة؟

______________________________

(1) التهذيب 2: 351- 1458، الوسائل 6: 95 أبواب القراءة ب 32 ح 1.

(2) التهذيب 2: 293- 1181، الوسائل 6: 100 أبواب القراءة ب 36 ح 1.

(3) التهذيب 2: 295- 1187، الوسائل 6: 110 أبواب القراءة ب 43 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 121

ظاهر الشيخ في النهاية بل صريحه: الثاني [1]، و نسب إلى ظاهر الأصحاب من جهة إيرادهم الحكم في طيّ أحكام الفرائض «1».

و قد يحتاط بالمنع في النوافل، و هو كذلك إلّا أنّه غير الفتوى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 5    121     فروع: ..... ص : 118

الظاهر فيها المنع على القول بتحريم قطع النوافل، لعموم الأخبار المتقدّمة. و الجواز على القول بجوازه، لأنّ دلالة أخبار المنع بعد التجاوز عن النصف و في الجحد و التوحيد إنّما هي من حيث الأمر بالإمضاء في الصلاة أو إثبات البأس في الرجوع و نحوهما ممّا يتوقف ثبوته في النوافل على عدم جواز قطعها، فتأمّل.

ه: لو قرأ البسملة بقصد الجحد أو التوحيد لا يجوز الرجوع، لصدق الشروع، لاختصاص الأجزاء المشتركة بين أمور بأحدها مع قصده عرفا، فإنّ من كتب البسملة و الحمد للَّه رب العالمين بقصد كتابة القرآن يصدق أنه شرع فيها مع اشتراك كتب

كثيرة معه فيهما، و كذلك في الإمساك بقصد الصوم، و غسل العضو بقصد الوضوء أو الغسل، و غير ذلك.

و: العدول المحرّم فيما زاد على النصف أو من الجحد أو التوحيد إنّما هو إذا شرع في السورة بقصد الجزئية للصلاة. و أمّا لو قرأها لا بذلك القصد فيجوز الترك و الشروع إلى الغير مطلقا، للأصل، و اختصاص الروايات- كما يشهد به قرينة المقام، و لفظ الرجوع، و سياق الكلام- بسورة الصلاة.

ز: لو عدل إلى ما لا يجوز تبطل الصلاة، لأنّ العدول ليس إلّا قراءة المعدول

______________________________

[1] قال الوحيد البهبهاني (ره) في شرح المفاتيح: بل في النهاية صرّح بذلك حيث قال (ص 77): و إذا قرأ الإنسان في الفريضة سورة بعد الحمد و أراد الانتقال إلى غيرها جاز ذلك ما لم يتجاوز نصفها، إلّا سورة الكافرين و الإخلاص، فإنه لا ينتقل عنهما إلّا في صلاة الظهر يوم الجمعة.

______________________________

(1) شرح المفاتيح للبهبهاني (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 122

إليها، فيكون منهيّا عنها، فيكون النهي متعلّقا بالجزء للصلاة، و هو مفسد.

المسألة السادسة عشرة [يجب قصد السورة المعيّنة في الصلاة قبل البسملة]

المشهور بين متأخري أصحابنا- كما قيل «1»- وجوب قصد السورة المعيّنة في الصلاة قبل البسملة.

لتوقف البراءة اليقينية عليه.

و لوجوب قراءة السورة الكاملة و عدم صيرورة البسملة جزءا منها في نفس الأمر إلّا بقصد كونها منها، لبطلان التخصيص بلا مخصّص.

و لأنّ المتبادر ممّا دلّ على قراءة السورة أن يقرأ جميع كلماتها المشتركة بقصد كونها منها.

و لأنّه كما يتوقف تحقق الامتثال على قصد القربة يتوقف على قصد التعيين أيضا، و لذا لو قرأ «الحمد للَّه ربّ العالمين» لا بقصد قراءة الحمد بل من غير قصد أو بقصد الشكر للَّه سبحانه، لم يعدّ ممتثلا للأمر بقراءة الفاتحة للصلاة و لو ضمّ

بعدها سائر الآيات.

و لأنّ المأمور به قراءة سورة معيّنة، و لا تتعيّن إلّا بتعيين جميع أجزائها لها، و لا تتعيّن أجزاؤها المشتركة في الواقع و نفس الأمر إلّا بقصد كونها منها.

و يرد على الأول: أنّ ما علم الشغل به و هو قراءة سورة مع بسملة فقد علم الإتيان به، و ما لم يعلم البراءة عنه لم يعلم الشغل به أيضا.

و على الثاني: منع توقف صيرورتها جزءا من سورة مخصوصة على القصد، بل يتحقق بما يعقبها أيضا من المميّزات أي تتمة السورة.

ألا ترى أنّه لو أمر المولى عبده بكتابة سورتي التوحيد و الفاتحة و عيّن لكلّ منهما أجرا فكتب: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، متردّدا في أن يبدأ بأيّ من السورتين،

______________________________

(1) انظر: الحدائق 8: 228.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 123

ثمَّ ظهر له أن يبدأ بكتابة التوحيد، بل و لو أراد حين كتابة البسملة أن يبدأ بالفاتحة ثمَّ بدا له الابتداء بالتوحيد فكتبه، يعدّ ممتثلا عرفا و يقال: كتب تمام التوحيد، و يستحقّ الأجر المعيّن. و لو عاقبه مولاه و لم يعطه الأجر معتذرا بأنّه لم يكتب السورة الكاملة، لعدم تعيّن السورة في قصده عند كتابة البسملة، يلام و يقبّح.

و كذا لو أمره بقراءة السورتين فقرأهما يستحقّ الأجر، و لا يتأمّل في أنه هل كان قاصدا قبل البسملة لتعيين السورة حتى تكون السورة كاملة أم لا، بل و كذلك لو علم عدم التعيين قبلها كما إذا قرأ البسملة ثمَّ قال لمولاه: بأيتهما أبدا؟

و هذا أمر ظاهر جدّا، نعم لمّا كان يتوقف صدق الامتثال على قصد الإطاعة فلو قرأ البسملة أولا بقصد آخر غير إطاعة أمر المولى لم يكن كافيا، لذلك.

و التوضيح: أنّ وجود السورة أمّا وجود

كتبي، و هو صورتها المرقومة، أو قولي، و هو السورة المقروءة، أو ذهني، و هو صورتها الذهنية، و ليس لها وعاء واقع و نفس أمر سوى أحد الثلاثة، و لا أفهم لجزئية البسملة لها في أحد هذه الأوعية معنى إلّا ضمّها مع سائر أجزائها في ذلك الوعاء، فإذا كانت معها تكون السورة كاملة و البسملة لها جزءا كائنا ما كان قصد الكاتب أو القارئ أو المتصوّر.

نعم لو تعلّق أمر بالكتابة أو القراءة يجب قصد الإطاعة في كتابة البسملة أو قراءتها في صدق الامتثال لا في جزئية البسملة للسورة، فإنّه لو قصد المصلّي في قراءة آية من الفاتحة الرياء تبطل صلاته، لا لعدم قراءة الفاتحة الكاملة، بل لعدم قصد القربة في جميع اجزائها.

و على الثالث: منع التبادر المذكور جدّا، بل لا يخطر ببال السامع قصد المأمور أصلا.

و على الرابع: منع توقف تحقق الامتثال على قصد التعيين أبدا، و منع عدم امتثال القارئ لآية الحمد من غير قصد الفاتحة إذا قصد القربة كما إذا تردّد بينها و بين غيرها ثمَّ عزم عليها، و أمّا عدم امتثال من قصد بها الشكر فهو لأجل قصد الغير لا عدم قصد الفاتحة، و هو أمر آخر يأتي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 124

و على الخامس: منع عدم تعيّن السورة إلّا بتعيّن جميع أجزائها لها إن أريد تعيّن كلّ جزء قبل قراءته أو حينها، بل يكفي تعيّنه بعدها أيضا، و منع عدم تعيّن الأجزاء المشتركة إلّا بالقصد إن أريد مطلق التعيّن، بل يتعيّن بما يتعقّب له.

و لضعف هذه الأدلّة ذهب جماعة من الأجلّة من متأخري متأخري الفرقة إلى عدم لزوم القصد [1]. و هو الحقّ، للأصل، و صدق الامتثال.

و هل يجب

عدم قصد سورة أخرى غير ما قرأها، حتى لو قصد بالبسملة سورة و قرأ غيرها عمدا وجب الرجوع إلى الأولى أو البسملة ثانيا قبل الركوع و بطل بعده، أم لا؟

الظاهر: نعم، إذ لا شك في تخصيص المشتركات و تميّزها بالنيّات كما مرّ في بحث نيّة الصلاة، و لذا ترى أنّه لو كتب أحد البسملة بقصد سورة يقال: إنه شرع في كتابة السورة، فمع قراءة البسملة بقصد سورة تكون جزءا منها، فلو قرأ غيرها بدون البسملة كان قارئا لبعضها. و تعقّب المميّز هنا يعارض القصد فلا يفيد.

مع أنه بقصد السورة الأولى صارت جزءا منها فيستصحب حتى علم خروجه عن هذه الجزئية و صيرورته جزءا لأخرى، و ذلك مع ممانعة القصد غير معلوم، فيكون قارئا لبعض كلّ من السورتين لا لسورة تامة.

و لكن ذلك إذا دخل البسملة بقصد السورة المعيّنة، أما لو أراد قبل الشروع فيها قراءة سورة، ثمَّ ذهل عن هذا القصد حتى دخل البسملة بلا قصد فلا ضير فيه.

ثمَّ إنّه لا ينافي ما ذكرناه من الحكمين شيئا من الأخبار الواردة في هذا المضمار، كما لا يخفى على من تأمّل فيها.

______________________________

[1] منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 248، و صاحب الحدائق 8: 228.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 125

المسألة السابعة عشرة: صرّح جماعة بوجوب الموالاة في القراءة،

[1] و أريد بها قراءة الحمد و السورة متتالية الكلمات و الآيات.

فإن أرادوا التتالي الحقيقي فلا دليل عليه، و الأصل ينفي وجوبه.

و إن أرادوا ضربا من التوالي العرفي فهو كذلك، لا للتأسّي أو أصل الاشتغال، لضعفهما في المقام كما عرفت مرارا. بل لأنه المتبادر من قراءة الحمد و السورة.

و التوضيح: أنه أمر بقراءتهما و الواجب الإتيان بالمأمور به، و المفهوم عرفا من قراءة سورة قراءتها مع

نوع توال عرفا بمعنى أنّه المتبادر من التركيب، فلو أخلّ بها لم يأت بالمأمور به، و لذا لو نذر أن يقرأ الحمد مثلا لا يمتثل بقراءة كلّ يوم بل ساعة آية منها.

ثمَّ الإخلال بها تارة يكون بقراءة شي ء آخر في خلالها، و اخرى بالسكوت.

و الأول: إمّا يكون بمزج كلمات اخرى بين كلمات الحمد مثلا بحيث يفهم الارتباط و يتوهّم السامع الجزئية و الاتحاد، كأن يقول: الحمد و الشكر للَّه رب العالمين، الرحمن المنّان الكريم الرحيم، مالك يوم الحشر و الجزاء و الدين، إياك نعبد و عليك نتوكّل و إيّاك نستعين، اهدنا الطريق القويم و الصراط المستقيم، و هكذا.

أو بدون المزج، كأن يقول بعد مالك يوم الدين: جلّ جلاله.

فإن كان من الأول تبطل به القراءة قطعا و لو كان بكلمة، لا للإخلال بالموالاة الواجبة، بل لأنّ المقروء يخرج عن كونه حمدا، فهو المخلّ بكونه حمدا مثلا دون قراءته.

و إن كان من الثاني، فإن زاد المتخلّل بحيث يخلّ بالمعنى المنصرف إليه الأمر بقراءة الحمد عرفا بطلت القراءة، و إلّا لم تبطل. فلا تبطل بتخلل كلمة أو كلمتين

______________________________

[1] منهم العلامة في نهاية الإحكام 1: 463، و الشهيد في الذكرى: 188، و الفيض في المفاتيح 1:

129.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 126

أو ثلاث أو فقرة دعاء أو آية، إلّا أن يتكرّر بحيث يخرج الحمد مثلا عن كونه حمدا عرفا.

و إن كان من الثالث فهو أيضا كالثاني، و الظاهر عدم الخروج به عن المعنى المفهوم عرفا إلّا بوصوله حدّ السكوت الطويل المبطل للصلاة أيضا، و سيجي ء بيانه في بحث المبطلات.

ثمَّ مع الإخلال فإن كان بالسكوت تبطل الصلاة، لأنّ غير المبطل لها لا يبطل القراءة أيضا.

و إن كان بغيره فقبل

الركوع يستأنف القراءة- عمدا كان أو سهوا- لوجوب الامتثال و بقاء المحلّ. و لا تبطل الصلاة مطلقا، للأصل. إلّا إذا كان المتخلل غير القرآن و الدعاء.

و قيل بالبطلان مع العمد «1»، للنهي المستلزم للفساد، أو لعدم ثبوت جواز مطلق القرآن و الدعاء.

و يضعّف الأول بانتفاء النهي، و الأمر بالموالاة نهي عن تركها مطلقا لا في الجملة. و الثاني بما يأتي في محلّه.

المسألة الثامنة عشرة: «و الضحى» و «أ لم نشرح» سورة واحدة، و كذا «الفيل» و «لإيلاف»،

على الأظهر الموافق للصدوق في اعتقاداته و الأمالي و الفقيه «2»، و الانتصار «3»، بل السيّد مطلقا كما نقلوه «4»، و المفيد «5»، و الشيخ في

______________________________

(1) كما في المختصر النافع: 30.

(2) أمالي الصدوق: 512، الفقيه 1: 200.

(3) الانتصار: 44.

(4) حكاه المحقق في المعتبر 2: 187، و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1: 203، و صاحب الحدائق 8: 202.

(5) حكاه عنه في المعتبر 2: 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 127

النهاية و التهذيب و الاستبصار «1»، بل مطلقا كما ذكروه «2»، و النافع و الشرائع و نهاية الفاضل و تحريره و تذكرته «3»، بل هو الأشهر كما صرّح به جمع ممّن تأخر [1]، بل في الاعتقادات و الانتصار و التهذيب و الثلاثة الأخيرة الإجماع عليه، و في الأمالي نسبته إلى دين الإمامية «4»، و في الاستبصار إلى آل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله «5».

للنصوص المستفيضة المنجبر ضعفها بما مرّ:

منها: الرضوي: «لا تقرأ في الفريضة الضحى و ألم نشرح، و كذا ألم تر كيف و لإيلاف» إلى أن قال: «لأنّه روي أنّ الضحى و ألم نشرح سورة واحدة، و كذلك ألم تر كيف و لإيلاف سورة واحدة» إلى أن قال: «فإذا أردت قراءة بعض هذه السور فاقرأ و الضحى و ألم نشرح و

لا تفصل بينهما، و كذلك ألم تر كيف و لإيلاف» «6».

و مرسلة الصدوق المروية في الهداية: «و موسّع عليك أيّ سورة قرأت في قراءة فرائضك إلّا أربع و هي: و الضحى و ألم نشرح في ركعة، لأنّهما جميعا سورة واحدة، و لإيلاف و ألم تر كيف في ركعة، لأنّهما جميعا سورة واحدة، و لا تنفرد بواحدة من هذه الأربع السور في ركعة فريضة» «7».

و المروي في المجمع و الشرائع مرسلا: «إنّ الضحى و ألم نشرح سورة

______________________________

[1] منهم الشهيد الثاني في روض الجنان: 269، و الروضة البهية 1: 269، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 279.

______________________________

(1) النهاية: 78، التهذيب 2: 72، الاستبصار 1: 317.

(2) انظر: المنتهى 1: 276، و التنقيح الرائع 1: 203، و الحدائق 8: 202.

(3) المختصر النافع: 31، الشرائع 1: 83، نهاية الإحكام 1: 468، التحرير 1: 39، التذكرة 1: 115.

(4) أمالي الصدوق: 510.

(5) الاستبصار 1: 317.

(6) فقه الرضا (ع): 112، مستدرك الوسائل 4: 164 أبواب القراءة ب 7 ح 3.

(7) الهداية: 31، البحار 82: 45- 34.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 128

واحدة، و كذا سورة ألم تر كيف و لإيلاف» «1».

و في تفسير العيّاشي عن أحدهما عليهما السلام: «ألم تر كيف و لإيلاف سورة واحدة» قال: «و روي أنّ ابيّ بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه» [1].

و في كتاب القراءة لأحمد بن محمّد بن سيّار بسندين عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال: «الضحى و ألم نشرح سورة واحدة» و «ألم تر و لإيلاف سورة واحدة» «2».

و تؤيّدهما صحيحة الشحّام: صلّى بنا أبو عبد اللَّه عليه السلام فقرأ الضحى و ألم نشرح في ركعة «3».

و جعلها دليلا على الوحدة- باعتبار أنّه لولاها

لزم تخصيص أخبار النهي عن القران و الأصل عدمه- مردود بأنّ الوحدة أيضا مستلزمة للنقل في لفظ السورة المستعملة في هذه الأربع، إذ لا تكون الواحدة منها سورة، مع أنّها يصدق عليها سورة الضحى حقيقة، للتبادر. و الأصل عدم النقل أيضا.

و على هذا فتجوز قراءتهما معا في ركعة من فريضة و لا يجوز الاكتفاء بواحدة منها، لأنّ أصالة هذين الحكمين مقتضى الحكم الأول و هو الوحدة، مع دلالة الروايتين الأوليين عليهما، و الأخيرة على أولهما، حيث إنّ الصلاة كانت فريضة بقرينة قوله: «صلّى بنا».

______________________________

[1] الموجود بأيدينا من تفسير العياشي من أول القرآن إلى سورة الكهف، و قد رويت هذه الرواية عن العياشي في مجمع البيان ج 10- 544. و الظاهر أن قوله: و روي أنّ ابيّ بن كعب .. من المجمع لا من تفسير العياشي، فهي رواية مستقلة، و قد رواهما في الوسائل 6: 55 أبواب القراءة ب 10 ح 6 و 7 عن مجمع البيان.

______________________________

(1) مجمع البيان 5: 507، الشرائع 1: 83، الوسائل 6: 55، 56 أبواب القراءة ب 10 ح 4 و 9.

(2) مستدرك الوسائل 4: 163 أبواب القراءة ب 7 ح 1 و 2.

(3) التهذيب 2: 72- 266، الاستبصار 1: 317- 1182، الوسائل 6: 54 أبواب القراءة ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 129

خلافا لجماعة من المتأخرين [1] في الأول، فمنعوا الوحدة تمسّكا- بعد تضعيف غير الصحيحة من الروايات و منع دلالتها إلّا على جواز الجمع و هو أعمّ من الوحدة- بأصالة عدم النقل التي سبق ذكرها.

و تواتر اثنينيّتهما في المصاحف.

و رواية المفضّل المتقدّمة في مسألة القران «1»، حيث إنّ الأصل في الاستثناء الاتّصال.

و صحيحة الشحّام: صلّى بنا

أبو عبد اللَّه عليه السلام فقرأ في الاولى و الضحى، و في الثانية ألم نشرح «2».

و يردّ الأول- بعد الجواب عن الضعف بالانجبار بما سبق- باندفاع الأصل بما ذكر.

و الثاني بمنع التواتر، و إنّما المتواتر تخلل البسملة، و هو غير المدّعى، مع أنّ في حجية هذا التواتر كلاما طويلا.

و الثالث بالحمل على متعارف الناس، مع أنّ الرواية ضعيفة و في هذا الحكم من الجابر خالية.

و الرابع بالحمل على النافلة، و بعدم الدلالة على التعدد فيمكن أن تكون هذه السور مستثناة من التبعيض الممنوع.

مضافا في الروايتين إلى رجحان معارضهما عليهما بمخالفة العامة «3».

مع أنه إذا قلنا بوجوب الجمع بين السورتين للروايتين- كما هو المصرّح به

______________________________

[1] كالشهيد الثاني في روض الجنان: 269، و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 243، و صاحب المدارك 3: 378.

______________________________

(1) راجع ص 109، و هي رواية البزنطي عن المفضّل.

(2) التهذيب 2: 72- 265، الاستبصار 1: 318- 1184 بتفاوت يسير، الوسائل 6: 54 أبواب القراءة ب 10 ح 3.

(3) كما في غرائب القرآن (جامع البيان 30): 114، و التفسير الكبير 32: 2، و روح المعاني 30:

165.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 130

في كلام الثانيين [1]- انتفت ثمرة نزاع البين كما أشار إليه، و لكن يرد عليهما عدم دلالة الخبرين إلّا على الجواز، و تظهر الثمرة حينئذ في الاكتفاء بأحدهما.

و مما ذكر يظهر دليل من خالف في الأحكام الثلاثة أيضا، إلّا أنّ ظاهر بعض مشايخنا عدم القول به بين أصحابنا «1».

ثمَّ على المختار هل تعاد البسملة بينهما؟ كالحلّي و الفاضل «2»، و كثير من المتأخرين [2]، لثبوتها بينهما متواترا، و كتبها في المصاحف إجماعا، و لحصول البراءة اليقينية به.

أو لا؟ كالنافع «3»، و

عن الشيخ «4»، لاقتضاء الوحدة ذلك، و دعوى المجمع أنّ الأصحاب لا يفصلون بينهما بها «5»، و قوله في الرضوي المتقدم: «و لا تفصل بينهما» و ما روي أنّ ابيّ لم يفصل بينهما بها.

الظاهر هو الأول، لا لما ذكر، لعدم حجية هذا التواتر لانتهائه إلى عمل الخلفاء الثلاث، و عدم العلم بالاشتغال بأزيد ممّا علم منه البراءة.

بل للأمر في رواية سالم بن سلمة بالقراءة كقراءة الناس «6»، و لا شك أنّهم يقرؤون كذلك. و اقتضاء الوحدة لترك البسملة ممنوع، لجواز تخللها بين السورة

______________________________

[1] المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 262، الشهيد الثاني في روض الجنان: 269، و لا يخفى أن المراد بالروايتين هنا هو صحيحة الشحام الاولى و رواية المفضل المتقدّمتان في الصفحة السابقة، كما صرّح به في جامع المقاصد و روض الجنان.

[2] منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1: 204، و الشهيد الثاني في الروضة 1: 269، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 244، و الخوانساري في الحواشي على شرح اللمعة: 276.

______________________________

(1) شرح المفاتيح للبهبهاني (المخطوط).

(2) الحلي في السرائر 1: 221، الفاضل في التحرير 1: 39.

(3) المختصر النافع: 31.

(4) التبيان 10: 371.

(5) مجمع البيان 5: 507.

(6) الكافي 2: 633 فضل القرآن ب 14 ح 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 131

كما في النمل. و عدم حجيّة دعوى الإجماع. و عدم دلالة الرضوي، لجواز أن يكون المراد عدم التفرّد بواحدة منها.

المسألة التاسعة عشرة: تخيّر المصلّي في كلّ ثالثة و رابعة من الفرائض الخمس بين قراءة الحمد وحدها و التسبيح،

بإجماعنا المحقّق، و المنقول في كلام الأصحاب مستفيضا «1»، بل- كما قيل- متواترا «2»، و عليه استفاضت أخبارنا بل تواترت كما تأتي طائفة منها.

و إطلاق كثير منها يقتضي عدم الفرق بين ناسي القراءة في الأوليين و غيره كما هو الأشهر، بل عليه غير

من شذّ و ندر و هو- كما قيل «3»- الشيخ في الخلاف «4»، و لكن عبارته فيه في الوجوب غير صريحة، بل احتجاجه بإجماع الفرقة و تعبيره أخيرا فيه بالأحوط ظاهر في عدمه، بل يريد الأولويّة و الاستحباب كما صرّح هو به في المبسوط «5»، و تبعه جماعة من الأصحاب [1].

لما مرّ من الإطلاق، بل عموم كثير من نصوص التخيير و عدم وجوب القراءة في الأخيرتين و إجزاء التسبيح فيهما.

و للأصل.

و استصحاب التخيير.

و صحيحة ابن عمّار: في الرجل يسهو عن القراءة في الأوليين فيذكر في

______________________________

[1] منهم ابن سعيد الحلي في الجامع للشرائع: 80، و صاحب الحدائق 8: 422، و صاحب الرياض 1: 161.

______________________________

(1) كما في المختلف: 92، و المهذب البارع 1: 371 و الذكرى: 188، و جامع المقاصد 2: 256، و روض الجنان: 261، و مدارك الاحكام 3: 344، و الذخيرة: 270، و كشف اللثام 1: 218.

(2) كما في الرياض 1: 161.

(3) انظر: الرياض 1: 161.

(4) الخلاف 1: 341.

(5) المبسوط 1: 106.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 132

الأخيرتين، قال: «أتمّ الركوع و السجود؟» قلت: نعم، قال: «إنّي أكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها» «1».

و موثقتي أبي بصير و سماعة، الأولى: «إذا نسي أن يقرأ في الاولى و الثانية أجزأه تكبير الركوع و السجود» «2».

و الثانية: عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب، قال: «فليقل- إلى أن قال:- فإذا ركع أجزأه إن شاء اللَّه» «3».

و خبر أبي بصير: عن رجل نسي أمّ القرآن، قال: «إن كان لم يركع فليعد أمّ القرآن» «4».

فإنها ظاهرة في إجزاء الركوع و تسبيحه عن القراءة إذا شرع فيهما، و لو وجبت القراءة في الأخيرتين تداركا لما صدق عليه الإجزاء.

و

يضعّف الأول: بكونه إمّا أعمّ مطلقا ممّا صرّح بأنّه: «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» «5» كما صرّح به بعض مشايخنا [1] فيخصّص به، أو من وجه كما ذكره بعض آخر منهم [2] و هو الأظهر، فيتساقطان و يرجع إلى الأصل و هو مع قراءة الفاتحة، لثبوت الاشتغال بشي ء إجماعا و لا يتعين بعد التساقط فيستصحب الاشتغال.

______________________________

[1] كصاحب الحدائق 8: 422.

[2] كصاحب الرياض 1: 161.

______________________________

(1) التهذيب 2: 146- 571، الاستبصار 1: 354- 1337، الوسائل 6: 92 أبواب القراءة ب 30 ح 1.

(2) التهذيب 2: 146- 572، الاستبصار 1: 354- 1338، الوسائل 6: 90 أبواب القراءة ب 29 ح 3.

(3) التهذيب 2: 147- 574، الاستبصار 1: 354- 1340، الوسائل 6: 89 أبواب القراءة ب 28 ح 2.

(4) الكافي 3: 347 الصلاة ب 35 ح 2، الوسائل 6: 88 أبواب القراءة ب 28 ح 1.

(5) عوالي اللئالي 1: 196- 2، المستدرك 4: 158 أبواب القراءة ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 133

و منه يظهر ضعف الثاني أيضا.

و الثالث: بمنع التخيير أوّلا، لأنه فرع عدم النسيان في الأوليين.

و الرابع: بمنع الدلالة، لجواز أن يكون المراد بجعل آخر الصلاة أولها قراءة الحمد و السورة كما تؤكّده بل تدل عليه مرسلة أحمد: «أيّ شي ء يقول هؤلاء في الرجل إذا فاتته مع الإمام ركعتان؟» قلت: يقولون يقرأ في الركعتين بالحمد و السورة، فقال: «هذا يقلب صلاته فيجعل أوّلها آخرها!!» فقلت: ما يصنع؟

قال: «يقرأ فاتحة الكتاب في كلّ ركعة» «1».

و لا دلالة للسؤال عن إتمام الركوع و السجود على عدم إرادة ذلك أصلا.

و البواقي: بأنها إنما تفيد لو كان مراد من يوجب القراءة في الأخيرتين أنها عوض عنها في

الأوليين، و هو غير معلوم، و لا منافاة بين إجزاء الركوع عن ركعته و بين وجوب قراءة أخرى بدليل آخر.

احتجّ الشيخ: بإجماع الفرقة.

و ما مرّ من أصل الاشتغال.

و من قولهم: «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب».

و رواية ابن حمّاد: أسهو عن القراءة في الركعة الأولى، قال: «اقرأ في الثانية» قلت: أسهو في الثانية، قال: «اقرأ في الثالثة» قلت: أسهو في صلاتي كلّها، قال: «إذا حفظت الركوع و السجود فقد تمّت صلاتك» «2».

و صحيحة زرارة: رجل نسي القراءة في الأوليين فذكرها في الأخيرتين، فقال: «يقضي القراءة و التكبير و التسبيح الذي فاته في الأوليين في الأخيرتين، و لا شي ء عليه» «3».

______________________________

(1) الكافي 3: 383 الصلاة ب 61 ح 10، الفقيه 1: 263- 1203 بتفاوت يسير، الاستبصار 1:

437- 1686، التهذيب 3: 46- 160، الوسائل 8: 389 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 7.

(2) الفقيه 1: 227- 1004، التهذيب 2: 148- 579، الاستبصار 1: 355- 1342، الوسائل 6: 93 أبواب القراءة ب 30 ح 3.

(3) الفقيه 1: 227- 1003، الوسائل 6: 94 أبواب القراءة ب 30 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 134

و ردّ الأول: بمنع الإجماع، بل الظاهر تحققه على خلافه.

و الثاني: باندفاعه بما مرّ.

و الثالث: بما ذكر من التعارض مع العموم الأول الراجح بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع بل لعلّها إجماع. مضافا إلى ضعف العموم الثاني و قصوره عن الشمول لما نحن فيه، لاختصاصه بحكم التبادر- الحاصل من تتبّع النصوص و الفتاوي- بالفاتحة في محلّها المقرّر لها شرعا، و هو الركعتان الأوليان خاصة.

و الرابع: بالضعف في السند و الدلالة، لظهوره في القراءة في الأخيرتين، و المراد بها حيث يطلق الحمد و السورة معا، و هو

مخالف للإجماع.

و منه يظهر ما في الخامس، مضافا إلى ظهوره في كون الإتيان بها قضاء عمّا فات في الأوليين لا أداء لوظيفة الأخيرتين كما هو المطلوب، مع أنّه صرّح فيه بقضاء التكبير و التسبيح الفائتين في الأوليين و هو أيضا مخالف للإجماع، مع أنّه- كسابقه- موافق لرأي أبي حنيفة «1» و إن كان رأيه مطلقا شاملا لما كان الترك عمدا.

و في الجميع- غير الأول- نظر:

أمّا الثاني، فلما عرفت من ضعف الدافع.

و أما الثالث، فلمنع إيجاب الشهرة في الفتوى للرجحان، و بمنع التبادر جدّا.

و أمّا الرابع، فلأن ضعف السند غير ضائر، و إرادة الحمد و السورة من مطلق القراءة ممنوعة، و لو سلّم فالإجماع على عدم إرادتهما معا قرينة.

و أمّا الخامس، فلذلك، و لعدم خروج جزء من الحديث عن الحجية بخروج جزء آخر منه عنها.

و لأجل ما ذكر نفى بعض مشايخنا المحدّثين البعد عن هذا القول «2»،

______________________________

(1) انظر: المبسوط للسرخسي 1: 18، و المجموع للنووي 3: 361، و الاستذكار 1: 170.

(2) انظر: الحدائق 8: 422.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 135

و جعله بعض آخر الأحوط [1].

إلّا أنّ شذوذ هذا القول جدّا- حتى نفى بعضهم وجود القائل به- يوجب عدم حجية ما دلّ عليه من الرواية و الصحيحة أصلا، مضافا إلى ما في الثانية من عدم الدلالة على الوجوب رأسا.

و أما عمومات نفي الصلاة عمّا لا فاتحة فيه، فهي و إن كانت مقبولة عند القوم في غير ذلك المقام، مستندا لهم في غير واحد من الأحكام، و لم تتحمّل الشذوذ المخرج لها عن الحجية، إلّا أنّه قد عرفت تعارضها مع عمومات إجزاء التسبيح في الأخيرتين و ما بمعناها بالعموم من وجه، و لو لا ترجيح الثانية

بما مرّ لتكافأتا و وجب الحكم بالتخيير الذي هو المطلوب. و أمّا التساقط و الرجوع إلى الأصل فإنّما هو فيما كان التخيير منفيّا بإجماع و نحوه و ليس هاهنا منه. فيتعيّن الحكم بالتخيير حينئذ أيضا، و به يندفع أصل الاشتغال.

المسألة العشرون: الأفضل في هذه الركعات للإمام التسبيح

عند العماني «1»، و الصدوقين «2»، و الحلّي «3»، و جملة من متأخّري المتأخّرين [2]، و مشايخنا «4»، و المعاصرين «5».

لطائفة جمّة من الأخبار الدالّة عليه.

إمّا بالعموم، كصحيحتي زرارة المصرّحتين بأنّ في السبع ركعات الأخيرة من الصلوات الخمس ليس قراءة، و زاد في إحداهما: «إنّما هو تسبيح و تكبير و تهليل

______________________________

[1] كالفاضل المقداد في التنقيح 1: 205.

[2] منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 272، و الحر العاملي في الوسائل 6: 122.

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 92.

(2) الصدوق في الفقيه 1: 209، و حكاه عن والده في المختلف: 92.

(3) السرائر 1: 230.

(4) انظر: الحدائق 8: 388، و شرح المفاتيح للبهبهاني (المخطوط)، و الدرة النجفية: 137، و كشف الغطاء: 237، و غنائم الأيام: 183.

(5) انظر: الحدائق 8: 388، و شرح المفاتيح للبهبهاني (المخطوط)، و الدرة النجفية: 137، و كشف الغطاء: 237، و غنائم الأيام: 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 136

و دعاء» «1».

و صحيحته الأخرى الواردة في حكم المسبوق، و فيها: «فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما، لأنّ الصلاة إنما يقرأ [فيها] في الأوليين، و في الأخيرتين لا يقرأ فيهما إنّما هو تسبيح و تكبير و تهليل و دعاء، ليس فيهما قراءة» «2».

و روايتي العجلي و محمّد بن أبي حمزة: الاولى في الفقيه «3»، و الثانية في العلل «4»، المعللتين أفضلية التسبيح عن القراءة في الأخيرتين بتذكّر النبي ليلة المعراج فيهما عظمة اللَّه عزّ

و جلّ فقال: «سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر».

و جعلهما خاصّتين بالإمام لاقتداء الملائكة حينئذ غير جيّد، لأنه غير الإمامة المتنازع فيها، و إلّا لكان المنفرد أيضا إماما، حيث ورد: إنّ من صلّى مثلا بأذان صلّى معه صفوف من الملائكة «5». و نحو ذلك.

و رواية الفقيه المعللة لجعل القراءة في الأوليين و التسبيح في الأخيرتين بالفرق بين ما فرضه اللَّه عز و جل و بين ما فرضه رسول اللَّه «6».

و صحيحة محمّد بن قيس المصرّحة بأنّ أمير المؤمنين كان يسبّح في الأخيرتين «7».

و المروي في العيون المصرّح بأنّ مولانا الرضا عليه السلام كان يسبّح فيهما

______________________________

(1) الكافي 3: 273 الصلاة ب 3 ح 7، الوسائل 6: 109 أبواب القراءة ب 42 ح 6.

(2) الفقيه 1: 256- 1162، التهذيب 3: 45- 158، الاستبصار 1: 436- 1683، الوسائل 8: 387 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(3) الفقيه 1: 202- 925، الوسائل 6: 123 أبواب القراءة ب 51 ح 3.

(4) علل الشرائع: 322- 1، الوسائل 6: 123 أبواب القراءة ب 51 ملحق بالحديث 3. و قد ضبط اسم الراوي فيهما محمد بن حمزة.

(5) انظر: الوسائل 5: 381 أبواب الأذان و الإقامة ب 4.

(6) الفقيه 1: 202- 924، الوسائل 6: 38 أبواب القراءة ب 1 ح 4.

(7) التهذيب 2: 97- 362، الوسائل 6: 125 أبواب القراءة ب 51 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 137

يقول: «سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر» ثلاث مرّات، من المدينة إلى المرو «1». إلى غير ذلك.

أو بالخصوص، كصحيحة زرارة: «لا تقرأنّ

في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أم غير إمام» قال: قلت: فما أقول؟

قال: «إن كنت إماما أو وحدك فقل: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه، ثلاث مرّات تكمله تسع تسبيحات» «2».

و رواية أبي خديجة و فيها: «فإذا كان- أي الاقتداء- في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرؤوا فاتحة الكتاب و على الإمام التسبيح» الحديث «3».

و قد يستدل «4» أيضا بصحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة في المسألة السابقة «5»، و صحيحة الحلبي: «إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل: الحمد للَّه و سبحان اللَّه و اللَّه أكبر» «6».

و فيهما نظر: أمّا في الأولى فلما مرّ، و أمّا في الثانية فلاحتمال كون قوله: «لا تقرأ» جملة حاليّة فلا دلالة فيها على المطلوب، بل و كذا لو كانت وصفيّة و يكون المعنى: الركعتين اللتين لا تجب القراءة فيهما، نعم لو كانت الجملة إنشائيّة لكانت لها دلالة، و لكن لا يتمّ الاستدلال بالاحتمال.

و الأفضل له القراءة عند الشيخ في الاستبصار «7»، و الحلبي «8»، و الشرائع

______________________________

(1) عيون اخبار الرضا 2: 178- 5، الوسائل 6: 110 أبواب القراءة ب 42 ح 8.

(2) الفقيه 1: 256- 1158، الوسائل 6: 122 أبواب القراءة ب 51 ح 1.

(3) التهذيب 3: 275- 800، الوسائل 6: 126 أبواب القراءة ب 51 ح 13.

(4) كما في المختلف: 92، و الحبل المتين: 232، و الحدائق 8: 397.

(5) راجع ص 131.

(6) التهذيب 2: 99- 372، الاستبصار 1: 322- 1203، الوسائل 6: 124 أبواب القراءة ب 51 ح 7.

(7) الاستبصار 1: 322.

(8) الكافي في الفقه: 144.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 138

و القواعد و المنتهى و التذكرة

و اللمعة و البيان و الدروس و شرح القواعد «1»، و الأردبيلي «2»، و المدارك «3».

لما دلّ عليه إمّا بالعموم، كرواية محمّد بن حكيم: أيّما أفضل، القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟ فقال: «القراءة أفضل» «4».

أو بالخصوص كصحيحة ابن حازم: «إذا كنت إمام قوم فاقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب، و إن كنت وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل» «5».

و صحيحة معاوية بن عمّار: عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين، فقال: «الإمام يقرأ فاتحة الكتاب و من خلفه يسبّح، و إذا كنت وحدك فاقرأ فيهما و إن شئت فسبّح» «6».

و رواية جميل: عمّا يقرأ الإمام في الركعتين الأخيرتين في آخر الصلاة، فقال «بفاتحة الكتاب و لا يقرأ الذين خلفه، و يقرأ الرجل وحده إذا صلّى فيهما بفاتحة الكتاب» «7».

و التوقيع المروي في الاحتجاج و كتاب الغيبة للشيخ بسند قويّ و هو: أنه كتب إليه يسأل عن الركعتين الأخيرتين فقد كثرت فيهما الروايات، فبعض يرى أنّ قراءة الحمد فيهما أفضل، و بعض يرى أنّ فيهما التسبيح أفضل، فالفضل لأيّهما

______________________________

(1) الشرائع 1: 82، القواعد 1: 33، المنتهى 1: 275، التذكرة 1: 116، اللمعة (الروضة 1):

259، البيان: 160، الدروس 1: 175، جامع المقاصد 2: 259.

(2) مجمع الفائدة: 208.

(3) المدارك 3: 345.

(4) التهذيب 2: 98- 370، الاستبصار 1: 322- 1201، الوسائل 6: 125 أبواب القراءة ب 51 ح 10.

(5) التهذيب 2: 99- 371، الاستبصار 1: 322- 1202، الوسائل 6: 126 أبواب القراءة ب 51 ح 11.

(6) الكافي 3: 319 الصلاة ب 23 ح 1، التهذيب 2: 294- 1185، الوسائل 6: 108 أبواب القراءة ب 42 ح 2.

(7) التهذيب 2: 295- 1186، الوسائل 6: 108 أبواب القراءة ب 42

ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 139

لنستعمله؟ فأجاب عليه السلام: «قد نسخت قراءة أمّ الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح، و الذي نسخ التسبيح قول العالم عليه السلام: كلّ صلاة لا قراءة فيها خداج، إلّا للعليل أو من يكثر عليه السهو، فيتخوّف بطلان الصلاة عليه» «1».

و لعلّ وجه النسخ بالقول المذكور أنّه دلّ على كثرة مناسبة و فضيلة و اهتمام للفاتحة في الصلاة، أو لأنّه إذا كان كذلك فالأفضل أن يكون في جميع الصلاة لتكون أحفظ من البطلان.

و يمكن أن يكون قوله: «فيتخوّف» متعلقا بذلك أيضا، أي نسخ بهذا القول، لخوف بطلان الصلاة بالسهو في القراءة في الأوليين.

و يمكن أن يكون المراد بالنسخ أنّه بني على أفضلية التسبيح بعد مقدمة ليلة المعراج، و كان البناء عليها لأجلها حتى صدر ذلك القول من العالم، فرفعت اليد عن تلك المقدمة و نسخت.

و أجاب الأوّلون عن هذه الروايات بأنّها مرجوحة بالنسبة إلى الأولى، لأنّها أكثر و أشهر، و في الدلالة أظهر، و مع ذلك مخالفة للعامة و هذه موافقة لها «2»، و يجب تقديم المخالف عند التعارض.

و يرد عليه: منع الأكثرية أوّلا، فإنّ العمومات و إن كانت كذلك إلّا أنّ خصوصات أفضليّة القراءة للإمام أكثر، مع أنّ بعد تحقّق الكثرة من الطرفين- سيّما مع اعتبار السند بل صحّته بل مع تعدّد الصحاح- لا يوجب نوع كثرة في أحد الطرفين ترجيحا.

و الأشهرية ثانيا، كيف؟! و القائلون بأفضليّة القراءة للإمام أكثر.

و الأظهرية ثالثا، و هو ظاهر جدّا.

و مخالفة الأولى لجميع العامّة رابعا، كيف؟! و المنقول عن سفيان كراهة

______________________________

(1) الاحتجاج: 491، كتاب الغيبة: 229 و لكن لم يذكر فيه السؤال، الوسائل 6: 127 أبواب القراءة ب 51 ح 14.

(2) انظر:

الام 1: 107، و المغني 1: 561.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 140

القراءة في الأخيرتين كما يظهر من كتب السيّد و الفاضل «1»، و عن الشافعي و الأوزاعي و أحمد روايتان «2»، إحداهما و إن كانت وجوب القراءة و لكن الأخرى غير معلومة لنا، فلعلّها موافقة لها.

و موافقة هذه خامسا، كيف؟! و صحيحتا ابني حازم و عمّار مصرّحتان بالتفصيل الذي لم ينقل من أحد من العامة، فهما أيضا مخالفتان لهم قطعا، فإنّه يصدق عليهما أنّهما مخالفتان للعامة.

مع أنّه لم تثبت أفضلية القراءة أو تعيينها في الركعتين من أحد من العامة، إذ قد عرفت أنّ لمن ذكر روايتان، و سفيان يكرهها، و الحسن يوجبها في كلّ صلاة في ركعة واحدة «3»، و مالك لا يوجبها في مجموع الأخيرتين «4»، و المنقول عن أبي حنيفة في كتب أصحابنا التخيير «5»، من غير تعرّض للأفضلية أصلا.

نعم ذكرها ابن روزبهان العامي الكذّاب في كتابه أنه يقول بالأفضلية، و لا يثبت بمجرّد ذلك أنّ ذلك قول أبي حنيفة بحيث يصير منشأ لمرجوحية الأخبار.

ثمَّ مع تسليم ذلك الترجيح للأولى نقول: صرّح التوقيع بمرجوحية روايات أفضلية التسبيح، و هو أخصّ من روايات الترجيح بمخالفة العامة، فيجب تقديمه قطعا.

و الخدش في التوقيع- إمّا بالإجمال [1]، أو بعدم جواز النسخ في المورد، أو بعدم صلاحية ما ذكره ناسخا للنسخ- ليس بشي ء، كما لا يخفى على المتدبّر.

نعم المستفاد من التوقيع ليس إلّا نسخ التسبيح بالقراءة، و إذ ليس هو نسخ

______________________________

[1] في «ق»: بالإجماع.

______________________________

(1) كالتذكرة 1: 116.

(2) انظر: الأم للشافعي 1: 107، المغني 1: 561، المبسوط للسرخسي 1: 18.

(3) انظر: بداية المجتهد 1: 126، المجموع 3: 361، المغني 1: 561.

(4) انظر: بداية المجتهد 1: 126،

المغني 1: 561، المبسوط للسرخسي 1: 18.

(5) راجع الخلاف 1: 341، و التذكرة 1: 115، و المنتهى 1: 275، و انظر المبسوط للسرخسي 1: 19، عمدة القارئ 6: 8، المجموع 3: 361، المغني 1: 561، الشرح الكبير 1:

560، نيل الأوطار 2: 233.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 141

وجوبه و لا جوازه إجماعا فالمراد نفي أفضليته. و الناسخ أيضا ليس وجوب القراءة إجماعا و لا جوازها، لعدم إيجابه لنسخ الأفضلية، فيمكن أن يكون المراد نسخ فضيلتها لأفضليّته أو أفضليّتها لأفضليّته، و حيث لا دليل على تعيين أحد الأمرين فالقدر الثابت منه ليس إلّا نسخ أفضليّة التسبيح، و أمّا كون القراءة أفضل فلا يثبت منه.

و على هذا لا يثبت من التوقيع ترجيح روايات أفضلية القراءة، بل غايته عدم العمل بروايات أفضلية التسبيح، و لازمه عدم ثبوت الأفضلية لشي ء منهما الموجب للحكم بالتساوي.

ثمَّ بعد ملاحظة روايات أفضلية كلّ منهما و عدم مرجّح آخر لشي ء منهما، تعلم أنّه لا تثبت أفضلية شي ء منهما على الآخر، و أنّ الحكم التساوي في حق الإمام كما هو مذهب الشيخ في النهاية و المبسوط و الجمل «1»، بل نقله المحدّث المجلسي عن أكثر كتبه «2»، و هو ظاهر الفاضلين في المعتبر و الإرشاد و المختلف «3».

و هاهنا مذهب آخر، و هو: التفصيل بأفضلية القراءة له مع تجويزه وجود مسبوق و التسبيح مع عدم ذلك، نقل عن الإسكافي «4»، و اختاره والدي العلّامة- رحمه اللَّه- في المعتمد جمعا بين الأدلّة.

و يضعّفه خلوّ هذا الجمع عن الشاهد و البيّنة.

و كذا الحكم للمنفرد على الأقوى، وفاقا لمن مرّ من القائلين بالتخيير للإمام، و للاستبصار و الشرائع و القواعد و المنتهى و شرح القواعد و البيان

«5»، و المحقّق الأردبيلي «6».

______________________________

(1) النهاية: 76، المبسوط 1: 106، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 181.

(2) البحار 82: 91.

(3) المعتبر 2: 190، الإرشاد 1: 253، المختلف: 92.

(4) حكاه عنه في المختلف: 92.

(5) الاستبصار 1: 322، الشرائع 1: 82، القواعد 1: 33، المنتهى 1: 275، جامع المقاصد 2: 259، البيان: 160.

(6) مجمع الفائدة 2: 209.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 142

لتعارض عمومات أفضلية التسبيح المتقدّمة «1» مع عمومات أفضلية القراءة و عمومات المساواة السابقتين «2»، و تعارض خصوصات أفضلية الأول للمنفرد كصحيحتي زرارة المذكورتين «3»، و موثقة الساباطي الواردة في المسبوق و فيها: «فإذا سلّم الإمام ركع ركعتين يسبّح فيهما» «4» مع خصوصات المساواة له، كصحيحة معاوية بن عمّار السالفة «5» بل صحيحة منصور أيضا «6»، و عدم المرجّح، فيصار إلى التخيير.

و توهّم دلالة رواية جميل «7» على أفضلية القراءة له، فاسد، لوقوع قوله:

«و يقرأ الرجل وحده» عقيب النهي أو ما بمعناه، فلا يفيد سوى انتفاء الحظر، مع أنه مع الدلالة أيضا يعارض ما مرّ و يرجع إلى المساواة.

و خلافا لمن مرّ من القائلين بأفضلية التسبيح للإمام، فقالوا بأفضليته له أيضا، و التذكرة و الدروس «8»، لنحو ما مرّ في الإمام بجوابه.

و أمّا المأموم فالأفضل له التسبيح، وفاقا لكلّ من مرّ من القائلين بأفضلية التسبيح للإمام، و للمنتهى «9»، لخصوص صحيحة معاوية و رواية جميل، الخاليتين عن المعارض المساوي، و أمّا المعارض العامّ فلا يقاوم الخاصّ بل يلزم تخصيصه به.

خلافا لمن قال بأفضلية القراءة له أو بالمساواة، لنحو ممّا مر مع دفعه،

______________________________

(1) في ص 136.

(2) في ص 136.

(3) في ص 135- 136.

(4) التهذيب 3: 247- 675، الوسائل 7: 350 أبواب صلاة الجمعة ب 29 ح

2.

(5) في ص 138.

(6) المتقدمة في ص 138.

(7) المتقدمة في ص 138.

(8) التذكرة 1: 115، الدروس 1: 175.

(9) المنتهى 1: 275.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 143

و لرواية أبي خديجة السابقة «1».

و يدفع بعدم تعيّن المستتر في قوله: «كان» فلعلّه الائتمام كما احتمله في الوافي «2» بأن يكون المأمومون مسبوقين، فتخرج الرواية عن المسألة. و مع كونه غير ذلك مما يشملها أيضا فتكون عامة أيضا، لشمولها للمسبوق فلا يفيد.

المسألة الحادية و العشرون: اختلفوا في المجزئ من التسبيح في الركعات الأواخر على أقوال.
اشاره

الأوّل: أنه اثنتا عشرة تسبيحة، صورتها: «سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر» ثلاثا، و هو قول العماني «3»، و الشيخ في ظاهر النهاية «4»، و مختصر المصباح «5»، و الاقتصاد «6»، و القاضي في ظاهر المهذّب «7»، و الفاضل في التلخيص كما حكي «8»، و هو ظاهر أكثر نسخ الفقيه المشهورة «9».

لاستصحاب الاشتغال.

و أقربيته إلى مساواة الحمد.

و للرضوي: «تقرأ فاتحة الكتاب و سورة في الركعتين الأوّلتين، و في الركعتين الأخيرتين الحمد وحده، و إلّا فسبّح فيهما ثلاثا ثلاثا تقول: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر، تقولها في كلّ ركعة منهما ثلاثا» «10».

______________________________

(1) في ص 137.

(2) الوافي 8: 1205.

(3) حكاه عنه في المختلف: 92.

(4) النهاية: 76.

(5) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 219.

(6) الاقتصاد: 261.

(7) المهذب 1: 94.

(8) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 219.

(9) الفقيه 1: 209.

(10) فقه الرضا (ع): 105، مستدرك الوسائل 4: 202 أبواب القراءة ب 31 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 144

و المروي في العيون عن الضحّاك: إنّه صحب الرضا عليه السلام من المدينة إلى مرو فكان يسبّح في الأخراوين و يقول: «سبحان اللَّه و

الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر» ثلاث مرّات ثمَّ يركع «1».

و المروي في صلاة السرائر عن كتاب حريز، عن أبي جعفر عليه السلام:

«لا تقرأ في الركعتين الأخيرتين من الأربع ركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام» قلت: فما أقول فيهما؟ قال: «إن كنت إماما فقل: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر، ثلاث مرّات ثمَّ تكبّر و تركع» «2» الحديث.

قيل: و رواه الفقيه كذلك في باب كيفية الصلاة «3». و هو اشتباه، لأنّ المذكور فيه كلام الصدوق و ليس رواية.

و يضعّف الأول: باندفاع الاستصحاب بالإتيان بما علم الاشتغال به.

و الثاني: بعدم وجوب تحصيله.

و الثالث: بالضعف الخالي عن الجابر أوّلا، و بعدم الدلالة على الوجوب التعييني- لمقام الجملة الخبرية- ثانيا.

و أمّا قوله: «فسبّح» فإنّه و إن كان أمرا إلّا أنّه لا يدلّ إلّا على وجوب مجرد التسبيح فقط لأنّه حقيقة فيه، فيمكن أن يكون البيان بيانا للأفضل، فيكون الزائد على مطلق التسبيح مستحبا، كما تقول: اجلس و تقرأ القرآن، فإنّه لا يدلّ على وجوب القراءة أيضا.

و به يضعّف الرابع أيضا، إذ لا دلالة له على كونه على سبيل الوجوب أصلا، مضافا إلى ما في البحار من أنّ الموجود في النسخ القديمة المصحّحة من العيون بدون التكبير، و الظاهر أنّ الزيادة من النسّاخ «4». انتهى.

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا 2: 180- 181 و ليس فيه: «ثمَّ يركع»، الوسائل 6: 110 أبواب القراءة ب 42 ح 8.

(2) السرائر 1: 219، الوسائل 6: 123 أبواب القراءة ب 51 ح 2.

(3) انظر: الرياض 1: 165.

(4) البحار 82: 88.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 145

كما أنّ بالأول [1] يضعّف الخامس،

فإنّ حال كتاب حريز عندنا غير معلوم، مع أنّ ناقله- الذي هو الحلّي- لم يعمل به و أفتى بالعشر «1»، و هو من مضعّفات الحديث جدّا.

مضافا إلى ما فيه من الاضطراب، حيث إنّه رواه في آخر السرائر بعينه عن كتاب حريز بإسقاط: «اللَّه أكبر» «2».

و لذا قال في البحار: إنّ الظاهر أنّ زيادة التكبير من قلمه أو قلم النسّاخ، و ذكر له مؤيدات منها: نسبة القوم إلى حريز الاكتفاء بالتسع «3». و لو لا الظهور فلا شك في سقوطه عن عرصة الاحتجاج. و ذكر التكبير في روايات أخر لا يدلّ على ترجيح النسخة المتضمنة له بوجه.

هذا، مع ما فيه من ضعف الدلالة، لعدم كون الأمر فيه لحقيقته التي هي الوجوب التعييني، لجواز قراءة الحمد أيضا. و حمله على التخييري ليس بأولى من الاستحباب.

و القول- بأنّ الأول أقرب إلى الحقيقة فيجب الحمل عليه- ضعيف غايته، لمنع وجوب الحمل على الأقرب، سيّما مع أنّ الثاني أشيع و أشهر.

مضافا إلى ما في الجميع من المعارضة مع ما يأتي.

و الثاني: أنه عشر بإسقاط التكبير في المرّتين الأوليين، و هو مختار المصباحين «4»، و الجملين «5»، و المبسوط و عمل اليوم و الليلة «6»، و ابني حمزة و زهرة،

______________________________

[1] أي: بالتضعيف الأوّل للدليل الثالث، و هو ضعف السند.

______________________________

(1) السرائر 1: 222.

(2) مستطرفات السرائر: 71- 2، الوسائل 6: 122 أبواب القراءة ب 51 ح 1.

(3) البحار 82: 87.

(4) حكاه عن مصباح السيد في المعتبر 2: 189، مصباح المتهجد: 44.

(5) نقله عن جمل السيد في شرحه للقاضي: 93، الجمل و العقود للشيخ (الرسائل العشر): 181.

(6) المبسوط 1: 106، عمل اليوم و الليلة (الرسائل العشر): 146.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 146

و

الديلمي، و الحلّي، و القاضي [1].

قال جماعة: و لم نقف له على مستند «1».

و يحتمل أن يكون لصحيحة زرارة: قال: قلت: فما أقول [فيهما؟]- أي في الأخيرتين- قال: «إن كنت إماما أو وحدك فقل: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه، ثلاث مرّات، تكمله تسع تسبيحات ثمَّ تكبّر و تركع» «2».

وجه الاستناد: إفادة قوله: «ثمَّ تكبّر» للوجوب، كما عليه جماعة في الجمل الخبريّة، فلا يمكن أن يكون تكبيرة الركوع، فيكون جزءا للتسبيح.

و هو حسن عند من يقول بتلك الإفادة، و لكنها عندنا غير ثابتة و لأجله يخرج عن الدلالة، مضافا إلى ما فيه من عدم أولوية الوجوب التخييري عن الاستحباب.

و قد تردّ أيضا «3» باضطراب الرواية، لاختلاف نسختها في الفقيه و كذا في السرائر فيشكل التمسك بها، سيّما و أنّ احتمال السقوط أرجح من الزيادة، سيّما مع وجود الزيادة في كثير من روايات المسألة و إن لم تكن لبعضها على الوجوب دلالة.

و فيه: منع الاختلاف في رواية الفقيه- التي هي الحجة- و إنّما هو في رواية السرائر خاصة «4»، و لا ضير في اختلافها، مع أنّ زيادة قوله فيها: «تكمله تسع تسبيحات» ترجّح جانب القلّة.

و الثالث: أنّه تسع بإسقاط التكبير في المرّات الثلاث، حكي عن حريز بن

______________________________

[1] لم نعثر على قول ابن حمزة في الوسيلة، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 557، الديلمي في المراسم: 72، الحلّي في السرائر 1: 222، القاضي في شرح الجمل: 93.

______________________________

(1) كما في المدارك 3: 379، و كشف اللثام 1: 219، و البحار 82: 90، و الحدائق 8: 413، و الرياض 1: 165، و غنائم الأيام: 182.

(2) الفقيه 1: 256- 1158، الوسائل 6: 122 أبواب القراءة ب

51 ح 1.

(3) كما في الرياض 1: 165.

(4) السرائر 1: 219، المستطرفات: 71- 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 147

عبد اللَّه السجستاني من قدماء الأصحاب «1»، و الصدوق «2»، و والده كما في المختلف «3»، و الحلبي كما قيل «4».

للصحيحة المتقدّمة، بجعل التكبيرة تكبيرة الركوع، لعدم دلالتها على وجوبها. و هو كذلك، بل في دلالتها على وجوب التسع أيضا ما مرّ من تعارض المجازين.

مع أنّ في النسبة إلى أكثر من ذكر أيضا كلاما، فإنّه و إن أسنده في المعتبر و المنتهى و الذكرى إلى حريز «5»، و في بعض الكتب إلى الصدوق و الحلبي «6»، و لكن عرفت رواية اثنتي عشرة عن حريز أيضا «7»، و مرّ تصريح الصدوق أيضا بها في الفقيه «8». و الظاهر أنّه لأجل روايته هذه الصحيحة في باب الجماعة، و لا يخفى أنّ نقلها بعد تصريحه بخلافها لا يثبت مذهبه. و صرّح في المنتهى بأنّ مذهب الحلبي ثلاث تسبيحات: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه «9».

و الرابع: أنّه أربع و هي التسبيحات الأربع، و هو مذهب المفيد «10»، و الشيخ في الاستبصار «11»، و المنتهى و التذكرة و القواعد و شرح القواعد «12»، و جمع

______________________________

(1) حكاه عنه في المعتبر 2: 189.

(2) الفقيه 1: 256.

(3) المختلف: 92.

(4) حكاه عنه في المختلف: 92.

(5) المعتبر 2: 189، المنتهى 1: 275، الذكرى: 188.

(6) كما في الذكرى: 188، و المنتهى 1: 275.

(7) راجع ص 144.

(8) راجع ص 144.

(9) المنتهى 1: 275.

(10) المقنعة: 113.

(11) الاستبصار 1: 321، و حكاه عنه في المنتهى 1: 275.

(12) المنتهى 1: 275، التذكرة 1: 115، القواعد 1: 33، جامع المقاصد 2: 256.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 5، ص: 148

آخر من المتأخرين [1]، و جوّزه الحلّي للمستعجل «1»، و جعله في المعتبر الأولى «2».

لصحيحة زرارة: ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال: «أن تقول: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر، و تركع» «3».

و رواية أبي خديجة: «إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوّلتين، و على الذين خلفك أن يقولوا: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر» إلى أن قال في الركعتين الأخيرتين: «و على الإمام التسبيح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين الأوليين» «4».

و غيرهما من الأخبار المتضمنة لهذه الأربع من غير تقييد بعدد، الظاهرة في كفاية الواحدة.

و ردّ باحتمال أن يكون المراد بيان إجزاء القول دون العدد.

و فيه: أنّه يفيد لو تمّت أدلة الزائد عن الواحدة.

نعم يرد على الأول أنّه لا يدلّ على عدم إجزاء غيره إلّا بالأصل المندفع بسائر الأخبار، فإنّ أجزاء شي ء لا ينافي إجزاء غيره سيّما مع ثبوت إجزاء الحمد أيضا.

و على الثاني بعدم إمكان الحمل على الحقيقة، التي هي الوجوب التعييني كما مرّ.

و الخامس: أنّه ثلاث: التسبيح و التحميد و التهليل، عزاه في المنتهى إلى الحلبي «5»، و لم أعثر على دليله.

______________________________

[1] كالفاضل المقداد في التنقيح 1: 205، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 261.

______________________________

(1) السرائر 1: 222.

(2) المعتبر 2: 190.

(3) الكافي 3: 319 الصلاة ب 23 ح 2، التهذيب 2: 98- 367، الوسائل 6: 109 أبواب القراءة ب 42 ح 5.

(4) التهذيب 3: 275- 800 بتفاوت يسير، الوسائل 6: 126 أبواب القراءة ب 51 ح 13.

(5) المنتهى 1: 275.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 149

و السادس: أنّه الثلاث

المذكور لكن مع تبديل التهليل بالتكبير، نسب إلى الإسكافي «1»، لصحيحة الحلبي: «إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل: الحمد للَّه و سبحان اللَّه و اللَّه أكبر» «2».

حيث إنّ الأمر فيها للوجوب قطعا، لأنّه إذا لم يقرأ يجب غيرها عينا، أو أنّ هذا التركيب مفيد للوجوب التخييري.

و يرد عليه ما مرّ سابقا من احتمال كون: «لا تقرأ» بمعنى لا تجب القراءة، أو إنشاء فالأمر حينئذ يكون مجازا قطعا.

و السابع: أنه مطلق الذكر، اختاره في البحار «3»، و احتمله صاحب الذخيرة «4»، لرواية عليّ بن حنظلة: عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟

فقال: «إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب و إن شئت فاذكر اللَّه، فهما سواء» قلت: فأيّهما أفضل؟ قال: «هما و اللَّه سواء، إن شئت سبّحت و إن شئت قرأت» «5».

و فيه: أنّه لا بدّ إمّا من حمل التسبيح في قوله: «سبّحت» على مطلق الذكر، أو المطلق في قوله: «فاذكر اللَّه» على التسبيح، و لا دليل على التعيين، فلا دليل على كفاية مطلق الذكر.

و الثامن: أنّ المصلّي مخيّر- اختاره المحقّق في المعتبر «6»، و صاحب

______________________________

(1) نسبه إليه في المختلف: 92.

(2) التهذيب 2: 99- 372، الاستبصار 1: 322- 1203، الوسائل 6: 124 أبواب القراءة ب 51 ح 7.

(3) البحار 82: 89.

(4) الذخيرة: 270.

(5) التهذيب 2: 98- 369، الاستبصار 1: 321- 1200، الوسائل 6: 108 أبواب القراءة ب 42 ح 3.

(6) المعتبر 2: 190.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 150

البشرى «1»، و جملة من المتأخرين، منهم: المدارك و المنتقى و الذخيرة و المفاتيح و الحدائق «2»- بين جميع ما ذكر حتى مطلق الذكر كبعض من ذكر «3»، أو جميع ما روي كبعض آخر «4»، فإنّه قد

روي غير ما مرّ أيضا كثلاث تسبيحات، كما في مرسلة الفقيه: «أدنى ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين ثلاث تسبيحات تقول: سبحان اللَّه سبحان اللَّه سبحان اللَّه» «5».

أو التسبيح و التحميد و الاستغفار، كما في صحيحة عبيد: عن الركعتين الأخيرتين من الظهر، قال: «تسبّح و تحمد اللَّه و تستغفر لذنبك، و إن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد و دعاء» «6».

أو مطلق التسبيح، كما في رواية ابن عمّار: عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين، فقال: «الإمام يقرأ فاتحة الكتاب و من خلفه يسبّح، و إذا كنت وحدك فاقرأ فيهما و إن شئت فسبّح» «7».

أقول: بعد رفع اليد عن دليلي القولين الأولين لما عرفت، و عن القول الخامس لعدم الدليل، و عن رواية مطلق الذكر و التسبيح، لمرسلة الفقيه المثبتة لأدنى ما يجزي من القول، و لما مرّ من عدم ثبوت مطلق الذكر.

يبقى دليل التسع، و الأربع، و ثلاث الإسكافي، و ثلاث تسبيحات،

______________________________

(1) حكاه عنه في الذكرى: 189.

(2) المدارك 3: 381، المنتقى 2: 23، الذخيرة: 270، المفاتيح 1: 130، الحدائق 8: 416.

(3) الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 130.

(4) المحقق السبزواري في الذخيرة: 270.

(5) الفقيه 1: 256- 1159، الوسائل 6: 109 أبواب القراءة ب 42 ح 7.

(6) التهذيب 2: 98- 368، الاستبصار 1: 321- 1199، الوسائل 6: 107 أبواب القراءة ب 42 ح 1.

(7) الكافي 3: 319 الصلاة ب 23 ح 1، التهذيب 2: 294- 1185، الوسائل 6: 108 أبواب القراءة ب 42 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 151

و التسبيح و التحميد و الاستغفار.

و لا يمكن حمل هذه الأدلّة على الوجوب المعيّن، لانتفائه قطعا. و لا على الاستحباب المصطلح- بمعنى جواز الترك لا

إلى بدل مع الثواب على الفعل- لوجوب البدل إجماعا، و لأنه إنما كان لو ثبت وجوب غيره معيّنا و احتمل كون ضمّ ذلك مستحبا و لم يثبت ذلك في شي ء منها.

و القول باستحباب واحد منها من غير ضمّ غير لو كان فيكون هو من باب الوجوب التخييري و يكون أفضل أفراد المخيّر.

فالأوامر و نحوها في هذه الأدلّة يراد بها الوجوب التخييري إما مطلقا أو أفضل أفراده، و لا يحتمل مجاز آخر.

ثمَّ المراد بالتخيير فيها إمّا أنه أحد أفراد المخيّر من بين جميع ما روي، أو أنه أحد فردي المخيّر منه و من الفاتحة حتى يتعيّن أحدهما.

و على الأول لا يكون تعارض بين الأخبار، و يكون الحكم التخيير بين هذه المذكورات.

و على الثاني و إن حصل التعارض و لكن الحكم معه أيضا للتخيير بينها، فهو الحكم في المسألة.

فروع:

أ:

الأظهر الأشهر- كما صرّح به بعض من تأخّر [1]- وجوب الترتيب بين هذه الأذكار، و إليه ذهب الفاضل و الشهيد «1». فإن اختار الأربع يقدّم التسبيح ثمَّ التحميد ثمَّ التهليل ثمَّ التكبير، و إن اختار التسع يكتفي بالثلاثة الأولى على

______________________________

[1] صرّح في كشف اللثام 1: 218، و الحدائق 8: 435 بأنه المشهور.

______________________________

(1) الفاضل في التذكرة 1: 115، المنتهى 1: 276، الشهيد في الذكرى: 189، الدروس 1: 173.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 152

الترتيب المذكور، و على الثلاث يبدّل التهليل بالتكبير مقدّما للتحميد.

للأمر بالترتيب في الأخبار، أي الأمر بقول هذه الهيئة المرتّبة، فلو خالفها لم يكن المقول ما أمر به.

خلافا لطائفة، منهم: المعتبر و المدارك و الذخيرة «1».

للأصل. و هو مدفوع بما مرّ.

و لعدم إفادة العطف بالواو للترتيب.

و فيه: أنّ العطف هنا جزء من أجزاء الكيفية المنقولة فتختلّ

باختلاله كالعطف في قوله عزّ شأنه لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ لا لتعداد المقول كما في قوله: اقرأ سورة كذا و سورة كذا. و الحاصل: أنّ خصوص حرف العطف أيضا جزء من المقول، و هو مجموع المعطوف و المعطوف عليه و العطف.

و لاختلاف الروايات في تعيينها، فبأيّ ترتيب ذكرت يوافق الرواية.

و ردّ بأنّه إنّما يتمّ على القول بالتخيير خاصة، و إلّا فكلّ من ذهب إلى قول استنادا إلى رواية مخصوصة فالواجب عنده الإتيان بما دلّ عليه دليله.

و فيه نظر، أمّا أوّلا: فلأنّ تماميته على التخيير إنّما هي لو لم يقصد أحد الأفراد أوّلا و لم يتعيّن بالقصد، و أمّا مع قصده و القول بتعيّنه به فلا بدّ من مراعاة الترتيب المستفاد من دليله.

و أمّا ثانيا: فلأن المخيّر فيه على القول بالتخيير أيضا لا يخلو من ترتيب، لتقديم التسبيح و الحمد على الباقيين على كلّ قول و دليل.

و أمّا ثالثا: فلأنّ وجوب الترتيب على سائر الأقوال و متابعة كلّ قائل دليله، إنّما هو إذا ترك سائر الروايات بالمرجوحية أو عدم الحجيّة.

و أما إذا لم يكن كذلك، بل سلّم حجية أخبار المسألة، و كان عمله بالأقلّ

______________________________

(1) المعتبر 2: 190، المدارك 3: 381، الذخيرة: 272.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 153

لحمله الزائد في أخباره على الاستحباب، أو بالزائد بحمل أخبار الناقص على عدم اشتمالها إلّا على بعض القدر الواجب، فلا تخرج عنده أخبار سائر الأقوال المخالفة لدليله عن الحجيّة فيما اشتمل عليه و منه الاختلاف في الترتيب.

فالصواب أن يجاب- على المختار- بأنّ اختلاف الرواية كما أوجب التخيير في أصل الذكر كذلك أوجبه في ترتيبه، و لكن في الترتيبات الواردة في أخبار الأقوال الثلاثة. فإن أريد من نفي

الترتيب ذلك فهو كذلك. و إن أريد مطلقه فهو فاسد، لخروج بعض الهيئات عن جميع النصوص.

ب:

لو شرع في القراءة أو التسبيح فهل يجوز له العدول إلى الآخر أم لا؟

الأظهر وفاقا لجماعة: نعم [1]، للأصل.

و قيل: لا «1»، للنهي عن إبطال العمل.

و فيه: منع النهي بحيث يشمل المورد- أوّلا- كما بيّنّاه في موضعه، و منع كونه إبطالا ثانيا.

و لإيجابه الزيادة في الصلاة.

و فيه: منع كونه زيادة مبطلة، كما يظهر وجهه ممّا سنذكره في بيان الزيادة المبطلة.

ج:

قال في شرح القواعد: تجوز قراءة الحمد في إحدى الأخيرتين و التسبيح في الأخرى، لانتفاء المانع «2». انتهى.

و يخدشه: أنّ انتفاء المانع إنما يفيد مع وجود المقتضي و لا مقتضي له.

و أمّا ما في المدارك- من أنّ التخيير في الركعتين تخيير في كلّ واحدة منهما «3»-

______________________________

[1] منهم صاحب المدارك 3: 382، و صاحب الحدائق 8: 438.

______________________________

(1) كما في الذكرى: 189.

(2) جامع المقاصد 2: 257.

(3) المدارك 3: 382.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 154

فإنّما يتمّ لو ورد مثل تلك العبارة و ليس. و ما ادّعاه من إشعار بعض الروايات به فلم نعثر عليه.

و استصحاب اشتغال الذمّة بذكر في الثانية بعد الأولى، يقتضي الإتيان بالمتيقّن، و هو ما أتى في الأولى، إلّا مع دليل على كفاية غيره، و لم نقف عليه.

د:

صرّح جمع من الأصحاب بأنّه لو شك في عدد التسبيح يبني على الأقل [1]. و هو كذلك، لأصالة عدم الزيادة. ثمَّ لو ذكرها فلا بأس.

ه:

تستحب الاثنتا عشرة تسبيحة، للرضوي «1»، و روايتي العيون و السرائر «2»، و فتوى جمع من الأجلة [2].

و هل تستحب الزيادة؟ المشهور: لا، للأصل.

و عن العماني: أنه يقال التسبيحات الأربع سبعا أو خمسا، و أدناه الثلاث في كلّ

ركعة «3». و نفى في الذكرى البأس عن اتباعه في الاستحباب «4». و هو كذلك، حيث إنّ المقام يتحمل التسامح.

و:

لا يجب القصد إلى واحد من القراءة أو التسبيح قبل الشروع في أحدهما، لأصالة عدم وجوب التعيين، و كفاية القصد الإجمالي إلى أجزاء الصلاة في نيّة القربة المعتبرة.

و لو كان قاصدا إلى أحدهما معيّنا، فسبق إلى لسانه الآخر، فله الإبقاء

______________________________

[1] منهم الشهيد في الذكرى: 189، و صاحب المدارك 3: 382، و المجلسي في البحار 82: 95، و صاحب الحدائق 8: 440.

[2] منهم الشيخ في النهاية: 76 و الاقتصاد: 261 و ابن أبي عقيل حكاه عنه في المدارك 3: 379 و العلامة في القواعد 1: 33.

______________________________

(1) راجع ص 143- 144.

(2) راجع ص 143- 144.

(3) حكاه عنه في المختلف: 92.

(4) الذكرى: 189.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 155

عليه، و العدول إلى غيره، لما مرّ.

و على الإبقاء هل يستأنفه أم لا؟.

استجود في الذكرى الأوّل، لأنّه عمل بغير نيّة «1».

و مال في الحدائق إلى الثاني «2». و هو الأقرب، لكفاية الاستدامة الحكمية في نيّة القربة المعتبرة فيه، و لا دليل على اعتبار الأزيد فإنّه لا يشترط في كلّ جزء قصده بخصوصه، بل يكفي كونه بحيث إذا التفت علم أنّه يصلّي للَّه، و هو كذلك، فهو في حال سبق اللسان إليه قاصد له إجمالا كمن يقرأ الفاتحة من غير التفات إليها.

و الحاصل: أنه لا شك في أنّ استباق لسانه إلى أحد المخيّرين ليس بحيث يكون فعله بلا قصد و شعور أصلا، بل هو قاصد في الجملة، و عمله للقربة و إن لم يكن ملتفتا إليها، و لم يثبت من دليل اشتراط النيّة أزيد من ذلك في أجزاء الفعل المركّب.

ز:

ليس في

التسبيح بسملة لا وجوبا و لا استحبابا، لعدم دليل عليها.

و لو أتى بها فإن كان لا بقصد جزئيتها فلا بأس قطعا. و كذا إن كان باعتقادها، على الأقرب، إذ اعتقاده إمّا ناش عن دليل شرعي دلّه إليها فهي جزء في حقه، أو عن تقصير في السؤال و استقرار ذلك في ذهنه، فغايته إثمه في التقصير أو في ذلك الاعتقاد أيضا، و أما حرمة البسملة حينئذ فلا دليل عليها أصلا. و توهّم كونها تشريعا «3» فاسد جدّا، كما بيّنّاه في موضعه.

ح:

صرّح في الذكرى بوجوب الموالاة الواجبة في القراءة في التسبيح أيضا «4».

______________________________

(1) الذكرى: 189.

(2) الحدائق 8: 439.

(3) كما في الحدائق 8: 439.

(4) الذكرى: 189.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 156

و نفاه في الحدائق «1». و هو جيّد، لعدم دليل عليه.

و لو قيل بالتفصيل، بأنه أمر مثلا بقراءة: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر، فيجب أن لا يتخلل شي ء بين هذه الأذكار بحيث لم يصدق على المجموع قراءة هذا المركّب لو كان له اسم، و لا ضير في التخلل بين المرّات، كان أجود.

نعم لو سكت سكوتا مبطلا للصلاة بطلت لأجله.

ط:

ظاهر المدارك استحباب الاستغفار مع التسبيحات أيضا «2»، و لعلّه لصحيحة عبيد المتقدّمة «3»، و هي لا تدل عليه إلّا مع الاكتفاء بالتسبيح و التحميد على القول بكفاية كلّ ما روي، فلا يستحب في غير هذه الصورة، و لا يبعد وجوبه حينئذ، فتأمّل.

المسألة الثانية و العشرون: يجب الجهر بالقراءة خاصة في الصبح و أوليي المغربين،
اشاره

و الإخفات بها في أوليي الظهرين، على الحقّ المشهور، و نسبه في المنتهى و التذكرة إلى أكثر علمائنا «4»، و عن الخلاف و الغنية الإجماع على الحكمين «5»، و عن السرائر نفي الخلاف عن عدم جواز الجهر

في الإخفاتية «6».

لا للشهرة أو الإجماع المنقول، لعدم حجيتهما.

و لا للتأسّي، لعدم وجوبه.

______________________________

(1) الحدائق 8: 439.

(2) المدارك 3: 381.

(3) في ص 150.

(4) المنتهى 1: 277، التذكرة 1: 116.

(5) الخلاف 1: 332، الغنية (الجوامع الفقهية): 558.

(6) السرائر 1: 218.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 157

و لا لصحيحتي زرارة: إحداهما: رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر فيه، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفات فيه، فقال: «أيّ ذلك فعل متعمّدا فقد نقض صلاته و عليه الإعادة، فإن فعل ذلك ساهيا أو ناسيا أو لا يدري فلا شي ء» «1».

و الأخرى مثلها مع زيادة في السؤال و الاقتصار بالناسي و الساهي «2».

لعدم دلالة الأولى إلّا إذا قلنا بأولوية تخصيص ما لا ينبغي بما لا يجوز، عن التجوز في قوله: «نقض صلاته و عليه الإعادة» بالحمل على الاستحباب، أو مجاز آخر. و الثانية إلّا على حجية مفهوم الوصف. و الأمران ممنوعان.

و لا لصحيحة محمّد: عن صلاة الجمعة في السفر، قال: «تصنعون كما تصنعون في الظهر، و لا يجهر الإمام فيها بالقراءة، و إنّما يجهر إذا كانت خطبة» «3».

لمكان الجملة الخبرية سيّما مع مقابلتها بقوله: «و إنّما يجهر» و هو للاستحباب إجماعا.

بل للصحيحين: أحدهما: عن القراءة خلف الإمام، فقال: «أمّا الصلاة التي يجهر فيها فإنّما أمر بالجهر لينصت من خلفه» الحديث «4».

و ثانيهما: «إنّ الصلاة التي يجهر فيها إنّما هي في أوقات مظلمة، فوجب أن

______________________________

(1) الفقيه 1: 227- 1003، التهذيب 2: 162- 635، الاستبصار 1: 313- 1163، الوسائل 6: 86 أبواب القراءة ب 26 ح 1.

(2) التهذيب 2: 147- 577، الوسائل 6: 86 أبواب القراءة ب 26 ح 2.

(3) التهذيب 3: 15- 54، الاستبصار 1: 416- 1598، الوسائل 6:

162 أبواب القراءة ب 73 ح 9.

(4) الكافي 3: 377 الصلاة ب 58 ح 1، التهذيب 3: 32- 114، الاستبصار 1: 427- 1649، علل الشرائع: 325- 1، الوسائل 8: 356 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 158

يجهر فيها ليعلم المارّ أنّ هناك جماعة» «1».

و رواية الفقيه المصرّحة بعلّة الجهر في صلاة الجمعة و المغرب و العشاء و الفجر: و إنّما أمر اللَّه سبحانه نبيّه صلى اللَّه عليه و آله بالإجهار في القراءة فيها و بالإخفاء في القراءة في صلاة العصر «2». و الأمر حقيقة في الطلب الحتمي لغة كلفظ الوجوب في مثل زمان الصادقين عليهما السلام بحكم الحدس و الوجدان.

و كونها أخصّ من المدّعى غير ضائر، لعدم القول بالفصل.

و تؤيّد المطلوب: المستفيضة المصرّحة بانقسام الصلاة إلى الجهرية و الإخفاتيّة [1] في نحو صحيحتي ابن يقطين «3»، و صحيحة ابن سنان «4»، و روايتي الأزدي «5»، و محمّد بن أبي حمزة «6»، فإنّ ظاهرها التوظيف الظاهر في الوجوب، سيّما مع انضمام الأخبار بعضها مع بعض.

خلافا للمحكي عن الإسكافي، فقال بالاستحباب «7»، و نسب إلى السيّد، حيث قال: إنه من وكيد السنن. و ليس بصريح في المخالفة و لو مع ضمّ ما بعده و هو قوله: حتى روي أنّه من تركهما عمدا أعاد. كما نقله في المنتهى «8»، حيث

______________________________

[1] ذكرها البهبهاني في شرح المفاتيح. منه رحمه اللَّه تعالى.

______________________________

(1) الفقيه 1: 203- 927، علل الشرائع: 263، عيون أخبار الرضا 2: 108، الوسائل 6: 82 أبواب القراءة ب 25 ح 1.

(2) الفقيه 1: 202- 925، الوسائل 6: 83 أبواب القراءة ب 25 ح 2.

(3) الاولى: التهذيب 3: 34- 122، الاستبصار 1: 429-

1657، الوسائل 8: 358 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 11، الثانية: التهذيب 2: 296- 1192، الوسائل 8: 358 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 13.

(4) التهذيب 3: 35- 124، الوسائل 8: 357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 9.

(5) الفقيه 1: 256- 1161، التهذيب 3: 276- 806، قرب الاسناد: 37- 120، الوسائل 8:

360 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 1.

(6) علل الشرائع: 322- 1، الوسائل 6: 83 أبواب القراءة ب 25 ح 2.

(7) حكاه عنه في المختلف: 93.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 5    159     المسألة الثانية و العشرون: يجب الجهر بالقراءة خاصة في الصبح و أوليي المغربين، ..... ص : 156

(8) المنتهى 1: 277.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 159

إنّ ظاهره عدم قوله بالإعادة، لأنّ الوجوب لا يستلزم الإعادة بالترك عند جميعهم، و اختاره طائفة من متأخري المتأخرين- كصاحبي المدارك و الذخيرة «1»- و يميل إليه كلام الأردبيلي «2».

للأصل.

و قوله عزّ شأنه وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ الآية «3».

و صحيحة علي: عن الرجل يصلّي من الفرائض ما يجهر فيه بالقراءة فهل عليه أن لا يجهر؟ قال: «إن شاء جهر و إن شاء لم يجهر» «4».

و الأصل مندفع بما مرّ.

و الآية مجملة، مع أنّها على جميع تفاسيرها عليه غير دالّة، بل على بعضها تدل على المطلوب.

و الصحيحة ضعيفة، لمخالفتها للشهرة العظيمة القديمة و الجديدة، فهي بالشذوذ عن حيّز الحجية خارجة. و مع ذلك بالنسبة إلى معارضها مرجوحة، لموافقتها العامّة «5»، كما صرّح به الشيخ «6» و جماعة من الخاصة [1].

فروع:

أ:

المشهور- كما في الحدائق «7»، بل ربما ادّعي عليه الإجماع كما فيه أيضا-

______________________________

[1] منهم العلامة في المنتهى 1: 277، و السبزواري في

الذخيرة: 274، و الفيض في المفاتيح 1:

134، و صاحب الرياض 1: 161.

______________________________

(1) المدارك 3: 358، الذخيرة: 274.

(2) مجمع الفائدة 2: 226 و 227.

(3) الإسراء: 110.

(4) التهذيب 2: 162- 636، الاستبصار 1: 313- 1164، قرب الاسناد: 205- 796 و فيه:

هل عليه أن يجهر؟، الوسائل 6: 85 أبواب القراءة ب 25 ح 6.

(5) انظر: المغني لابن القدامة 1: 642، و عمدة القاري 6: 27، و مغني المحتاج 1: 162.

(6) التهذيب 2: 162، الاستبصار 1: 313.

(7) الحدائق 8: 437.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 160

تحتم الإخفات في التسبيحات في الركعتين الأخيرتين.

للتسوية بينها و بين مبدلها.

و عموم الإخفات في الفرائض.

و صحيحة ابن يقطين: عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام، أ يقرأ فيهما بالحمد و هو إمام يقتدى به؟ قال: «فلا بأس و إن صمت فلا بأس» «1».

حيث إنّ الظاهر من قوله: «يصمت» أي يخافت، ففيه إشارة إلى أنه السنّة فيهما.

و صحيحة زرارة المتقدّمة «2»، حيث أمر فيها بالإعادة بالجهر فيما لا ينبغي الجهر فيه مطلقا، و المورد أيضا ممّا لا ينبغي الجهر فيه قطعا.

و ما في بعض الأخبار: إنّه عليه السلام أخفى ما سوى القراءة في الأوليين [1].

و يردّ الأول: بمنع البدليّة أولا، و وجوب التسوية ثانيا، و ثبوت الحكم في المبدل ثالثا.

و الثاني: بمنع عموم الإخفات، و أين هو؟ فإنّ ثبوته في خصوص الموارد بأمر النبي بالإخفات في القراءة في صلاة العصر، و بالإجماع المركّب، و هو في المقام غير ثابت.

و الثالث: بمنع إرادة الإخفات من الصمت، بل يحتمل كون المعنى الحقيقي مرادا و يكون إشارة إلى مذهب العامة، حيث إنّ أبا حنيفة ذهب إلى الصمت فيهما «3»، يعني: الركعتين اللتين هكذا يفعل الناس فيهما أو يكون

______________________________

[1]

روى المحقق (ره) في المعتبر 2: 176: «إن النبي صلّى اللَّه عليه و آله كان يجهر في هذه المواضع:

- أي في الصبح و أولتي المغرب و العشاء- و يسرّ ما عداها».

______________________________

(1) التهذيب 2: 296- 1192، الوسائل 8: 358 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 13.

(2) في ص 157.

(3) حكاه عنه في التفسير الكبير 1: 216، و عمدة القارئ 6: 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 161

تجوّزا عن ترك القراءة كما احتمله في الوافي «1»، فإنّه إذا تعيّن التجوّز فلا أولوية للأول. ثمَّ على المعنى الأول لا دلالة في الرواية على وجوبه فلعلّه على الأفضلية.

و الرابع: بما مرّ من تعارض المجازين فيه.

و الخامس: بعدم دلالته على الوجوب.

و لذلك ذهب الحلّي إلى انتفاء وجوب الإخفات و قال: يكون قياسه على القراءة باطلا «2». و هو جيّد، للأصل الخالي عن معارضة ما ذكر، كما ذكر، و إن كان الأحسن مراعاته، لدعوى الشهرة.

ب:

قيل: وجوب الإخفات في الأخيرتين على تقدير القراءة فيهما إجماعي «3». و لعلّه أراد عند القائلين بوجوب الجهر و الإخفات.

فإن ثبت و إلّا فالأصل ينفيه، إذ لا دليل عليه، فإنّ الإجماع المركّب غير جار هنا.

و أمر النبي بالإخفات بالقراءة في صلاة العصر لا يفيد، إذ لا يعلم قراءته في الأخيرتين، بل لا يعلم أنّه أتى بالأخيرتين أيضا، حيث إنّه ورد في المستفيضة بأنّ الصلاة المفروضة من اللَّه سبحانه كانت ركعتين ركعتين و زاد النبي الأخيرتين «4». و لم يعلم زيادتهما حينئذ.

و من هذا يظهر فساد التمسك بإطلاق القراءة أيضا، مع أنّ في إطلاقها في المورد- لكونها في مقام حكاية الحال- نظرا ظاهرا.

ج:

يعذر الجاهل و الناسي في الجهر و الإخفات في مواضعهما، فلا

______________________________

(1) الوافي 8: 1204.

(2) السرائر

1: 222.

(3) كما في السرائر 1: 218.

(4) انظر: الوسائل 4: 45 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 162

تجب الإعادة عليهما بتركهما، إجماعا محقّقا، و محكيّا مستفيضا «1»، له، و لصحيحتي زرارة المتقدّمتين «2». و مقتضاهما عدم وجوب التدارك و لو قبل الركوع، و لا سجود سهو بالإخلال بهما، و عدم الفرق بين جاهل الحكم و موضوعه. و هو كذلك.

د:

صرّح جماعة- منهم: الحلّي، و الراوندي، و الفاضلان، و الشهيد «3»- أنّ أقلّ الجهر أن يسمع القراءة من قرب منه تحقيقا أو تقديرا.

و الإخفات كما في القواعد و المنتهى و الشرائع «4»، أو أقلّه كما في النافع و التذكرة «5»، أو أعلاه كما في السرائر «6»: أن يسمعها نفسه فقط و لو تقديرا. و نسبه في التبيان إلى أصحابنا «7»، بل في المعتبر و المنتهى و التذكرة الإجماع عليه.

و قال المحقّق الثاني- بعد نقل قول الفاضل: أقلّ الجهر إسماع القريب، و حدّ الإخفات إسماع نفسه-: و ينبغي أن يزاد في الجهر قيد آخر و هو تسميته جهرا عرفا، و ذلك بأن يتضمّن إظهار الصوت على الوجه المعهود، إلى أن قال في الإخفات: و لا بدّ من زيادة قيد آخر و هو تسميته مع ذلك إخفاتا بأن يتضمّن إخفاء الصوت و همسه «8».

و قال في روض الجنان: أقلّ السرّ أن يسمع نفسه لا غير تحقيقا أو تقديرا،

______________________________

(1) كما في الحدائق 8: 143، و الرياض 1: 162.

(2) في ص 157.

(3) الحلي في السرائر 1: 223، الراوندي في فقه القرآن 1: 104، المحقق في المعتبر 2: 177، و الشرائع 1: 82، العلامة في التذكرة 1: 117، و المنتهى 1: 277، و التحرير 1:

39، الشهيد في الدروس 1: 173، و البيان: 158.

(4) القواعد 1: 33، المنتهى 1: 277، الشرائع 1: 82.

(5) المختصر النافع: 30، التذكرة 1: 117.

(6) السرائر 1: 223.

(7) التبيان 6: 534.

(8) جامع المقاصد 2: 260.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 163

و أكثره أن لا يبلغ أقلّ الجهر، و أقلّ الجهر أن يسمع من قرب منه إذا كان صحيح السمع مع اشتمال القراءة على الصوت الموجب للتسمية جهرا عرفا «1».

و بنحو ما ذكراه صرّح جماعة من المتأخرين [1]، بل كما قيل: كافّة من تأخّر عنهما «2».

فالجهر على الأول إسماع الغير مطلقا، و الإخفات إسماع نفسه فقط.

و على الثاني الجهر اشتمال الكلام على إظهار الصوت على النحو المعهود، إمّا مع إسماع الغير أيضا كما هو محتمل كلامهما، أو مطلقا كما هو ظاهر تفسير الجهر عرفا بتضمّن إظهار الصوت كما في كلام الأول، و جعل الاشتمال على الصوت موجبا للتسمية جهرا كما في كلام الثاني.

و به صرّح صاحب الحدائق، قال بعد نقل كلاميهما: فإن اشتمل الكلام على الصوت سمّي جهرا أسمع قريبا أو لم يسمع، و إن لم يشتمل عليه سمّي إخفاتا كذلك، و فسّره نفسه به أيضا، قال: و بالجملة المتبادر عرفا من الجهر ما اشتمل على هذا الهزيز الذي هو الصوت و إن كان خفيّا، و ما لم يشتمل عليه فإنّه يسمّى إخفاتا و إن أسمعه قريبا «3».

و الإخفات يتضمن إخفاء الصوت و همسه، إمّا مع عدم إسماع الغير كما هو المحتمل، أو مطلقا كما هو الظاهر.

ثمَّ دليل الأوّلين الإجماع المنقول، و متابعة اللغة، حيث إنّ الجهر هو الإعلان، أي الإظهار، و الإخفات هو الإسرار، أي الكتمان، كما صرّح بهما في الصحاح و القاموس «4»، و

لا شك أنّ الإظهار هو الإظهار للغير، و الكتمان الإخفاء عنه، فالجهر لا يتحقق إلّا مع إسماع الغير و معه يتحقق، و الإخفات لا يتحقق إلّا

______________________________

[1] منهم الفيض في المفاتيح 1: 134، و صاحب الحدائق 8: 140.

______________________________

(1) روض الجنان: 265.

(2) كما في الحدائق 8: 139.

(3) الحدائق 8: 139 و 140.

(4) الصحاح 1: 248 و ج 2: 618، القاموس المحيط 1: 152 و 409.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 164

مع عدم إسماعه و إن اشترط إسماع نفسه بدليل آخر.

و يضعّف الأوّل: بعدم حجيّة الإجماع المنقول، مع أنّه لا يتعين أن يكون على معنى الجهر و الإخفات، بل يمكن أن يكون المراد الإجماع على أنّ أقلّ ما يجهر به إسماع الغير و إن كان الجهر غير الإسماع، يعني لا يكفي في الجهر مجرده بل يجب إسماع الغير أيضا، كما أنّه لا يكفي في الإخفات مطلق الإخفاء بل يجب إسماع نفسه.

و الثاني: بأنّ تفسير الجهر و الإخفات بما ذكر معارض بتفسيرهما في الكتابين أيضا برفع الصوت و جعله عاليا، و الإخفات بالإسكان، و أنّ المتبادر من الإعلان و الكتمان العرفيان، و لا يتحقق الأول بمجرد إسماع القريب كيف كان و لو مع همس الصوت، كما لا ينافي الثاني ذلك أيضا، و لو سلّم فلا شك في استلزام إسماع النفس لإسماع الغير إذا قرّب اذنه الفم بقدر اذن المتكلّم أو أقرب منه.

و إرادة إسماع الغير في بعض الأوضاع في الجهر و عدمه كذلك في الإخفات تجوّز خارج عن متابعة اللغة.

و بالجملة: مطلق الإعلان و الكتمان غير مراد، و نوع خاص منهما خروج عن متابعة اللغة، مع عدم دليل عليه.

و دليل الآخرين وجوب الرجوع إلى العرف في تعيين معاني

الألفاظ، لأنّه المحكّم فيما لم يرد فيه توقيف. و لا ريب أنّ إسماع الغير لا يسمّى جهرا ما لم يتضمن صوتا، و ما لم يتضمن الصوت يسمّى إخفاتا و إن أسمعه الغير. و تقديم اللغة على العرف ممنوع سيّما مع التعارض.

مع أنّه روي في العيون أنّ أحمد بن علي صحب الرّضا عليه السلام فكان يسمع ما يقوله في الأخراوين من التسبيحات «1».

و يضعّف الأول: بأن الرجوع إلى العرف في تعيين معنى اللفظ إنما هو إذا

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا 2: 178- 5، الوسائل 6: 110 أبواب القراءة ب 42 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 165

كان عرف المتكلّم أو مطلقا مع عدم العلم بتغايره للّغة، و أمّا عرف الزمان المتأخر عن زمانه المغاير للّغة فلا يرجع إليه أبدا. مع أنّ مساعدة العرف لما ذكروه غير معلومة، إذ موافقة عرف العرب فيهما له غير ثابتة، و مرادفهما من سائر اللغات غير معيّن حتى يرجع إليها.

و الثاني: بأنّ تماميته موقوفة على وجوب الإخفات في التسبيحات في الأخيرتين، و هو ممنوع.

و منه يظهر ضعف دليل الطرفين، و لكن نقول: إنّ الجهر المأمور به في الأخبار على هذا يكون مجملا بين معان ثلاثة: التصويت، أو إسماع الغير، أو هما معا، و الإخفات أيضا كذلك: الهمس، أو عدم إسماع الغير، أو هما معا.

و ليس قدر مشترك يحكم بوجوبه و يعمل في الزائد بأصل البراءة، و الاشتغال اليقيني يستدعي اليقين بالبراءة و هو لا يحصل إلّا بأن يوجب في الجهر الوصفان:

التصويت و إسماع الغير، و في الإخفات: الهمس و عدم إسماعه، عملا بأصل الاشتغال، فيجبان معا.

و يظهر أنّ الواجب في الجهرية التصويت مع إسماع الغير، و في الإخفاتية الهمس مع

عدم إسماعه الكلام و القراءة، لا الهمهمة أو صفير بعض الحروف أو قلقلته و نحوهما، فإنّه لا حجر فيه قطعا.

فإن قيل: التصويت يستلزم إسماع الغير، كما أنّ عدم إسماعه لا ينفكّ عن الهمس، فيكون إسماع الغير في الجهر و الهمس في الإخفات واجبا على جميع الأقوال، فيتحقّق القدر المشترك.

قلنا: لو سلّم ذلك يعلم- بانضمام الإجماع على عدم جواز اجتماعهما في صلاة واحدة- لزوم تغاير آخر بينهما أيضا من التصويت في الجهر أو عدم الإسماع في الإخفات، و لا يتعيّن، فيعمل بأصل الاشتغال.

و المراد بالغير اللازم عدم إسماعه ليس الغير المتصل بالشخص، أو القريب بقدر لا يتعارف القرب بهذا القدر عادة، بل بقدر يتعارف من قرب الغير و بعده.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 166

ه:

لا جهر على المرأة في مواضعه إجماعا محقّقا، و محكيا مستفيضا «1»، للأصل، إمّا لأجل اختصاص النصوص الموجب له بحكم التبادر و مقتضى سياق أكثرها بالرجل- كما قيل «2»- و إن كان محل تأمل، أو لأجل عدم معلومية المأمور في الصحيحتين اللتين هما المعوّل عليهما في المقام «3»، و عدم إطلاق فيهما، و إطلاق الأمر و الوجوب لا يقتضي إطلاق المأمور. و الرواية مخصوصة بالنبي صلّى اللَّه عليه و آله «4»، و يتوقّف التعميم فيها على الإجماع المركّب المفقود في المقام.

و للمروي في قرب الإسناد: هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة؟ قال:

لا، إلّا أن تكون امرأة تؤمّ النساء، فتجهر بقدر ما تسمع» «5».

و لا يعارضه ذيله، لضعف الرواية المحتاج رفعه إلى الجابر، و هو مختصّ بصدره.

و منه يظهر عدم وجوب الإخفات في مواضعه أيضا، كما صرّح به جماعة [1]، و إن أوهم تخصيص النفي بالجهر في كثير من العبارات وجوبه، و

لا دليل له.

فيجوز لهنّ كل من الجهر و الإخفات في كلّ من الموضعين، إلّا أن تعلم بسماع صوتها الأجانب، فلا يجوز الجهر لها فيما لا يجوز لها الإسماع.

و هل تبطل الصلاة حينئذ؟.

الظاهر: نعم، للنهي الموجب للفساد «6»، و هو و إن كان متعلّقا بالعارض

______________________________

[1] منهم الشهيد الثاني في روض الجنان: 265، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 228، و صاحب الرياض 1: 162.

______________________________

(1) كما في المعتبر 2: 178، و التذكرة 1: 117، و الذكرى: 190.

(2) انظر: الرياض 1: 162.

(3) المتقدمتين في ص 157.

(4) المتقدمة في ص 158.

(5) قرب الإسناد: 223- 867، الوسائل 6: 95 أبواب القراءة ب 31 ح 3.

(6) انظر: الوسائل 20- 197 أبواب مقدمات النكاح ب 106، و المستدرك 14: 272 أبواب مقدمات النكاح ب 83.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 167

الأخصّ من وجه، إلّا أن الحقّ الفساد معه أيضا.

و:

يجب أن لا يبلغ الجهر العلوّ المفرط، كما صرّح به المحقّق الثاني «1»، و غيره [1]، لموثقة سماعة: عن قول اللَّه تعالى وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها «2»، قال: «المخافتة ما دون سمعك، و الجهر أن ترفع صوتك شديدا» «3».

و المرويين في تفسير القمي: أحدهما: في قوله تعالى وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها ذلك الجهر بها رفع الصوت، و المخافتة ما لم تسمع بإذنك» «4».

و ثانيهما: «الإجهار: رفع الصوت عاليا، و المخافتة: ما لم تسمع نفسك» «5».

و عدم ثبوت الحقيقة الشرعية للصلاة حين نزول الآية غير ضائر، لأن القراءة في الصلاة دعاء أيضا، مع تصريح صحيحة ابن سنان: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: على الإمام أن يسمع من خلفه و إن كثروا؟ فقال: «ليقرأ قراءة وسطا

يقول اللَّه تعالى وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها «6» بشمول الآية للصلاة، مضافا إلى إيجابها للقراءة الوسطى أيضا.

و لا الإخفات حدّا لا يسمع نفسه القراءة، أي الكلام و الحروف إجماعا، لما مرّ من الموثقة و الروايتين، إذ بدونه لا تخرج الحروف عن مخارجها و مع خروجها عنها يسمعها قطعا، و لأنّ ما لا تسمع حروفه لا يعدّ قراءة و لا فاتحة.

______________________________

[1] كالشهيد الثاني في روض الجنان: 265.

______________________________

(1) جامع المقاصد 2: 260.

(2) الاسراء: 110.

(3) الكافي 3: 315 الصلاة ب 21 ح 21، التهذيب 2: 290- 1164، الوسائل 6: 96 أبواب القراءة ب 33 ح 2.

(4) تفسير القمي 2: 30، الوسائل 6: 98 أبواب القراءة ب 33 ح 6.

(5) تفسير القمي 2: 30، المستدرك 4: 199 أبواب القراءة ب 26 ح 5.

(6) الكافي 3: 317 الصلاة ب 21 ح 27، الوسائل 6: 97 أبواب القراءة ب 33 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 168

و صحيحة زرارة: «لا يكتب من القرآن و الدعاء إلّا ما أسمع نفسه» «1».

و أما صحيحة الحلبي: هل يقرأ الرجل في صلاته و ثوبه على فيه؟ قال: «لا بأس بذلك إذا أسمع أذنيه الهمهمة» «2».

فإنّ الهمهمة الصوت الخفي كما في القاموس [1] من غير تقييد بتشخيص الحروف.

فلا تنافيها، لوجوب تقييدها بما إذا تضمن سماع الحرف أيضا بصحيحة زرارة، لأنّ الموصول فيها هو القرآن و الدعاء، و إسماعهما لا يكون إلّا بإسماع حروفهما.

أو بحال التقيّة، حيث إنّ الأدلة المذكورة مختصة بغيرها إجماعا و نصّا، كمرسلة محمّد بن أبي حمزة: «يجزيك من القراءة معهم مثل حديث النفس» «3».

و صحيحة ابن يقطين: عن الرجل يصلّي خلف من لا يقتدى بصلاته و الإمام

يجهر بالقراءة، قال: «اقرأ لنفسك، و إن لم تسمع نفسك فلا بأس» «4».

و منه يظهر كون الأدلّة أخصّ من صحيحة علي أيضا: عن الرجل له أن يقرأ في صلاته و يحرّك لسانه في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟ قال: «لا بأس أن [لا] يحرّك لسانه يتوهم توهما» «5» فتخصّ هي أيضا بها.

______________________________

[1] قال في القاموس 4: 194: الهمهمة: الكلام الخفي. و في لسان العرب 12: 622: الصوت الخفي.

______________________________

(1) الكافي 3: 313 الصلاة ب 21 ح 6، التهذيب 2: 97- 363، الاستبصار 320- 1194، الوسائل 6: 96 أبواب القراءة ب 33 ح 1.

(2) الكافي 3: 315 الصلاة ب 21 ح 15، التهذيب 2: 97- 364، الاستبصار 1:

320- 1195، الوسائل 6: 97 أبواب بالقراءة ب 33 ح 4.

(3) الكافي 3: 315 الصلاة ب 21 ح 16، التهذيب 2: 97- 366، الاستبصار 1:

321- 1197، الوسائل 6: 128 أبواب القراءة ب 52 ح 3.

(4) التهذيب 3: 36- 129، الاستبصار 1: 430- 1663، الوسائل 6: 127 أبواب القراءة ب 52 ح 1.

(5) التهذيب 2: 97- 365، الاستبصار 1: 321- 1196، الوسائل 6: 128 أبواب القراءة ب 52 ح 2، و ما بين المعقوفين من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 169

ز:

وجوب الجهر و الإخفات في مواضعهما مختصّ بالقراءة خاصة دون غيرها من الأذكار، بلا خلاف كما قيل «1»، للأصل، و عدم ثبوت الزائد من أدلّتهما، و صحيحة علي: عن التشهد و القول في الركوع و السجود و القنوت للرجل أن يجهر به؟ قال: «إن شاء جهر و إن شاء لم يجهر» «2».

ح:

حكم القضاء- و لو عن الغير تبرّعا أو إجارة مع اتحاد القاضي و المقضيّ عنه ذكورية و

أنوثية- في الجهر و الإخفات حكم الأداء، بالإجماع، كما عن الخلاف و المنتهى «3». و هو الحجة فيه، دون عموم التشبيه في قوله: «فليقضها كما فاتته» «4» لمنع العموم. و دون أدلّة وجوب الجهر أو الإخفات، لعدم شمولها للمورد بعموم أو إطلاق.

و مع اختلافهما- كالرجل يقضي عن المرأة و بالعكس- فقيل: المعتبر حال القاضي «5».

و الحقّ عندي: التخيير، لانتفاء الإجماع المقتضي للتعيين فيه.

ط:

القدر الواجب أن تسمّى القراءة جهرية أو إخفاتيّة عرفا، فلا يضرّ الجهر بحرف أو كلمة و كلمتين و نحوها في الإخفاتية و بالعكس، لبقاء التسمية.

المسألة الثالثة و العشرون: تستحب في القراءة أمور:
اشاره

______________________________

(1) انظر: الحدائق 8: 143، و الرياض 1: 162.

(2) التهذيب 2: 313- 1272، قرب الإسناد: 198- 758، الوسائل 6: 290 أبواب القنوت ب 20 ح 2.

(3) الخلاف 1: 387، المنتهى 1: 277.

(4) عوالي اللئالي 2: 54- 143 و ج 3: 107- 150.

(5) كما في الحدائق 8: 144.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 170

منها: الجهر بالبسملة في أوّل الحمد و السورة في مواضع الإخفات،

في جميع الركعات، للإمام و المأموم، على الأظهر الأشهر، كما صرّح به جماعة منهم المنتهى و شرح القواعد و المدارك «1»، بل عن الخلاف و في ظاهر التذكرة الإجماع عليه «2».

لنا على نفي الوجوب: إطلاق صحيحة الحلبيّين: عمّن يقرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب، قال: «نعم إن شاء سرّا و إن شاء جهرا» «3».

و ما صرّح بجهر المعصوم بها في صلاة لا يجهر فيها كصحيحة صفوان:

صلّيت خلف أبي عبد اللَّه أيّاما، كان يقرأ في فاتحة الكتاب بسم اللَّه الرحمن الرحيم، فإن كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم «4».

و روايته: صلّيت خلف أبي عبد اللَّه أيّاما، فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم، و كان يجهر في السورتين جميعا «5».

و حسنة الكاهلي: صلّى بنا أبو عبد اللَّه عليه السلام في مسجد كأهل، فجهر مرّتين ببسم اللَّه الرحمن الرحيم و أخفى «6».

أو في جميع صلواته بالليل و النهار، كالمروي في العيون: إنّ الرضا عليه

______________________________

(1) المنتهى 1: 278، جامع المقاصد 2: 268، المدارك 3: 360.

(2) الخلاف 1: 331، التذكرة 1: 116.

(3) التهذيب 2: 68- 249، الاستبصار 1: 312- 1161، الوسائل 6: 61 أبواب القراءة ب 12 ح 2.

(4) التهذيب 2: 68- 246، الاستبصار 1: 310- 1154، الوسائل 6: 57 أبواب القراءة

ب 11 ح 1.

(5) الكافي 3: 315 الصلاة ب 21 ح 20، الوسائل 6: 74 أبواب القراءة ب 21 ح 1.

(6) التهذيب 2: 288- 1155، الاستبصار 1: 311- 1157، الوسائل 6: 57 أبواب القراءة ب 11 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 171

السلام كان يجهر ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 1: 1 في جميع صلواته بالليل و النهار «1» المنجبر ضعفه- لو كان- بما مرّ.

و عدم ثبوت قراءته في الأخيرتين حتى يجهر بالبسملة غير ضائر، لعدم ثبوت وجوب الإخفات فيهما، مع أنه على فرض تسليمه لا دليل على وجوب إخفات البسملة فيهما أيضا كما لا يخفى، فيعمل فيهما بالأصل.

و على الاستحباب: ما مرّ من الشهرة و الإجماع المنقول الكافيين هنا- للتسامح- مؤيّدين بما مرّ من جهر الإمام، و بالمستفيضة الناطقة بأنّ من علامات المؤمن أو الشيعة الجهر ببسم اللَّه الرّحمن الرحيم «2».

و جعلهما دليلين على المطلوب غير جيّد.

أمّا الأول، فلجواز كون جهر الإمام على الجواز، و عدم ثبوت رجحان متابعة غير النبي فيما لم يعلم وجهه، مضافا إلى اختصاص غير رواية العيون بحال الجماعة فلا يدل على غيرها.

و لا يرد النقض باختصاصه بإمام الأصل أيضا مع أنه لا يقال به، لأنّه لعدم قول به.

و أما الثاني، فلأنه لا عموم فيه بالنسبة إلى محلّ الجهر، بل هو إمّا مطلق في مقام الإثبات فيكتفى فيه بفرد، أو مجمل. و إرجاعه إلى العموم- كما قيل «3»- لا وجه له.

خلافا للمحكي عن الإسكافي، فخصّ الاستحباب بالإمام «4»، و الحلّي فخصّه بالركعتين الأوليين «5»، محتجّين بلزوم الاقتصار- فيما خالف لزوم الإخفات المجمع عليه- على المتيقن، و هو الإمام فقط عند الأول، و الأوليان عند الثاني.

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا

2: 181، الوسائل 6: 76 أبواب القراءة ب 21 ح 7.

(2) انظر: الوسائل 14- 478 أبواب المزار ب 56.

(3) انظر: الرياض 1: 162.

(4) حكاه عنه في المختلف: 93.

(5) السرائر 1: 218.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 172

و يضعّفان بمنع كون الإخفات مطلقا مجمعا عليه، و إنّما هو في غير المسألة، و لا عموم و لا إطلاق يشمل الجميع سوى رواية الفقيه «1» العامة بالنسبة إلى ما تقدم فتخصّ به، مع أنّها- كما مرّ- لا تدلّ على لزوم الإخفات في الأخيرتين.

و هو وجه آخر لتضعيف الثاني، إذ اللازم الاقتصار- في وجوب الإخفات المخالف للأصل- على ما يشمله النصّ، و هو غير الأخيرتين.

و القاضي، فأوجب الجهر بها مطلقا «2»، و هو ظاهر الصدوق في الفقيه «3»، بل جعله في الأمالي من دين الإماميّة «4».

و الحلبي، ففي الأوليين خاصة «5».

لمداومتهم عليهم السلام على ذلك.

و للاحتياط.

و دعوى الإجماع.

و المروي في الخصال: «و الإجهار ببسم اللَّه الرحمن الرحيم في الصلاة واجب» «6».

و صحيحة ابن قيس في خطبة طويلة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام يذكر فيها بدع الخلفاء، فقال: «قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم» إلى أن قال: «و ألزمت الناس الجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم» الحديث «7».

و يدفع الأول: بالمنع، و عدم الدلالة على الوجوب لو ثبت.

______________________________

(1) الفقيه 1: 202- 925.

(2) المهذب 1: 92.

(3) الفقيه 1: 202.

(4) أمالي الصدوق: 511.

(5) الكافي في الفقه: 117.

(6) الخصال: 604، الوسائل 6: 75 أبواب القراءة ب 21 ح 5.

(7) الكافي 8: 58- 21، الوسائل 1: 457 أبواب الوضوء ب 38 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 173

و الثاني: بمنع كونه احتياطا-

لوجود القول بالحرمة- و عدم وجوب الاحتياط.

و الثالث: بالمعارضة بنقل الحلّي الإجماع على صحة الصلاة بترك الإجهار مطلقا «1»، و عدم الحجية.

و الرابع- بعد تسليم ثبوت الحقيقة الشرعية في الوجوب كما هو الأظهر- بوجوب تخصيصه بصحيحة الحلبيين المتقدّمة، لاختصاصها بغير الجهرية من الصلاة إجماعا. مضافا إلى ضعفه، لمخالفته الشهرتين العظيمتين.

و بهما يدفع الخامس أيضا.

مضافين إلى عدم عمومهما، فإرادة الأوليين من الصلاة الجهرية ممكنة.

و منها: الاستعاذة بعد التوجه قبل القراءة إجماعا،

كما عن الخلاف و المجمع و الذكرى «2»، و غيرها «3»، له، و للآية «4»، و المعتبرة، كصحيحة الحلبي: «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفّيك ثمَّ ابسطهما بسطا ثمَّ كبّر ثلاث تكبيرات» إلى أن قال: «ثمَّ تكبّر تكبيرتين» إلى أن قال أيضا: «ثمَّ تكبّر تكبيرتين» إلى أن قال:

«ثمَّ تعوّذ من الشيطان الرجيم، ثمَّ اقرأ فاتحة الكتاب» «5».

و مرسلة الفقيه و فيها: «ثمَّ كبّر تكبيرتين و قل: وجّهت وجهي» إلى قوله:

«و أنا من المسلمين أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم اللَّه الرحمن الرحيم» «6».

و موثقة سماعة: عن الرجل يقوم في الصلاة فنسي فاتحة الكتاب، قال:

______________________________

(1) السرائر 1: 218.

(2) الخلاف 1: 324، مجمع البيان 3: 385، الذكرى: 191.

(3) كالمنتهى 1: 269، و جامع المقاصد 2: 271، و البحار 82: 7، و كشف اللثام 1: 221.

(4) النحل: 98 فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ .

(5) الكافي 3: 310 الصلاة ب 20 ح 7، التهذيب 2: 67- 244، الوسائل 6: 24 أبواب تكبيرة الإحرام ب 8 ح 1.

(6) الفقيه 1: 197- 917.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 174

«فليقل: أستعيذ باللَّه من الشيطان الرجيم إنّ اللَّه هو السميع العليم، ثمَّ يقرؤها ما دام لم يركع» «1».

و المروي في قرب الإسناد: صلّيت خلف أبي عبد

اللَّه عليه السلام المغرب، فتعوّذ بإجهار «أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم و أعوذ باللَّه أن يحضرون» «2».

و في تفسير الإمام: «أمّا قوله الذي ندبك اللَّه إليه و أنزل عند قراءة القرآن:

أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم» «3».

و الرضوي: «ثمَّ افتتح الصلاة و ارفع يديك» ثمَّ ذكر تكبيرات الافتتاح إلى أن قال: «أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن الرحيم» «4».

و في الدعائم: «تعوّذ- بعد التوجّه- من الشيطان الرجيم، تقول: أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم» «5».

و ظاهر الآية و بعض الروايات و إن كان الوجوب- كما عن ولد الشيخ «6»- إلّا أنّ الإجماع المحقّق على عدمه، مضافا إلى رواية الأحنف- المنجبر ضعفها لو كان بما ذكر-: «إذا قرأت بسم اللَّه الرحمن الرحيم فلا تبال أن لا تستعيذ» «7» و رواية حمّاد الطويلة المتضمّنة لصلاة الإمام عليه السلام «8»، يدفعه.

______________________________

(1) التهذيب 2: 147- 574، الاستبصار 1: 354- 1340، الوسائل 6: 89 أبواب القراءة ب 28 ح 2.

(2) قرب الاسناد: 124- 436، الوسائل 6: 134 أبواب القراءة ب 57 ح 5.

(3) تفسير الإمام العسكري (ع): 16، الوسائل 6: 197 أبواب قراءة القران ب 14 ح 1. بتفاوت يسير.

(4) فقه الرضا (ع): 104 و 105، مستدرك الوسائل 4: 213 أبواب القراءة ب 43 ح 1.

(5) دعائم الإسلام 1: 157، مستدرك الوسائل 4: 213 أبواب القراءة ب 43 ح 2.

(6) حكاه عنه في الذكرى: 191.

(7) الكافي 3: 313 الصلاة ب 21 ح 3، الوسائل 6: 59 أبواب القراءة ب 11 ح 8، و فيهما:

عن فرات بن أحنف ..

(8) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، التهذيب 2:

81- 301، الوسائل 5: 459 و 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1 و 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 175

و المشهور أنّ محلّها الركعة الاولى من كل صلاة خاصة، و في المنتهى و شرح القواعد و عن ظاهر الذكرى الإجماع عليه «1».

فإن ثبت فهو، و إلّا فعموم الآية و الموثقة يثبته في كل ركعة يقرأ فيه، و هو الأقوى.

إلّا أن يراد استحبابه من جهة الصلاة فلا شك في انتفائه في غير الركعة الأولى، لعدم الدليل. و لكن لا دليل على ثبوته فيها أيضا، إذ لا يثبت من أدلّته الزائد على استحبابه، و هو ثابت لأجل ابتداء القراءة، و غيره غير معلوم، و كلام القوم أيضا غير ناصّ فيه بل احتجاجهم بالآية قرينة على عدم إرادته.

و الحاصل: أنّه إن أريد استحبابه من جهة أنّه دعاء أو ابتداء قراءة فلا دليل على تخصيصه بالأولى، و إن أريد من جهة الصلاة فلا دليل على ثبوته فيها أيضا.

و الظاهر كفاية كلّ ما يؤدّي الاستعاذة باللَّه من الشيطان.

و الأولى ذكر ما ورد في الروايات من قولهم عليهم السلام: أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم.

أو: أستعيذ باللَّه من الشيطان الرجيم إنّه هو السميع العليم، كما في الأخبار المتقدّمة.

أو: أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم، كما ذكرها في النفلية «2». و قال شارحها: و هذه الصيغة محل وفاق «3»، و بها رواية الخدري: إنّ النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم كان يقول قبل القراءة: «أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم» «4».

و يستحب الإسرار بها و لو في الجهرية، لأنه المشهور، بل عليه الإجماع عن

______________________________

(1) المنتهى 1: 270، جامع المقاصد 2: 271، الذكرى: 191.

(2) النفلية: 22.

(3) حكاه عنه في

الحدائق 8: 162.

(4) الذكرى: 191، الوسائل 6: 135 أبواب القراءة ب 57 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 176

الخلاف «1»، و قيل: بلا خلاف أجده «2»، و أمثال ذلك كاف في المقام.

و لا تنافيه رواية قرب الإسناد المتقدمة، لجواز الإجهار قطعا، و عدم وجوب المستحبات عليهم دائما.

و منها: الترتيل في القراءة إجماعا محقّقا،

و محكيّا مستفيضا «3»، و كتابا و سنّة، ففي مرسلة ابن أبي عمير: «ينبغي للعبد إذا صلّى أن يرتّل في قراءته» الحديث «4».

و قد أجمع أئمّة اللغة على أخذ التأنّي في القراءة و التبيّن في الحروف و الحركات في معناه «5». و تدل عليه رواية ابن سنان: عن قول اللَّه تعالى وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا «6»، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: تبينه تبيانا، و لا تهذّه هذّ الشعر، و لا تنثره نثر الرمل، و لكن اقرعوا به قلوبكم القاسية، و لا يكن همّ أحدكم آخر السورة» «7» و الهذّ: السرعة.

فهو المستحب.

و أمّا ما زاد على ذلك، من توفية الحقّ من الإشباع كما في المغرب و الكشّاف «8»، و حسن التأليف كما في القاموس «9»، و عدم مدّ الصوت كما عن نهاية الفاضل «10»، و تحسين الصوت كما في رواية ضعيفة فسّره فيها بأن تمكث فيه و تحسن به صوتك «11»، و مراعاة صفات الحروف من الهمس و الجهر و الاستعلاء و الإطباق

______________________________

(1) الخلاف 1: 327.

(2) كما في الرياض 1: 162.

(3) كما في المدارك 3: 361، و الحدائق 8: 172، و الرياض 1: 163.

(4) التهذيب 2: 124- 471، الوسائل 6: 68 أبواب القراءة ب 18 ح 1.

(5) انظر: مجمع البحرين 5: 378، و النهاية لابن الأثير 2: 194، و لسان العرب 11: 265.

(6) المزمل: 4.

(7) الكافي

2: 614 فضل القرآن ب 9 ح 1، الوسائل 6: 207 أبواب قراءة القرآن ب 21 ح 1، و فيهما: عن عبد اللَّه بن سليمان ..

(8) المغرب 1: 201، الكشاف 4: 637.

(9) القاموس المحيط 3: 392.

(10) نهاية الإحكام 1: 476.

(11) مجمع البيان 5: 377، الوسائل 6: 207 أبواب قراءة القرآن ب 21 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 177

و الغنّة و غيرها كما في النفلية «1»، و حفظ الوقوف كما في رواية ضعيفة منسوبة إلى مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قال فيها: «إنّه حفظ الوقوف و بيان الحروف» «2».

فلم يثبت استحبابه من جهة اعتباره في الترتيل و إن قلنا باستحباب بعض ما ذكر من جهة أخرى:

فنقول باستحباب الإشباع في الحركات، لإمكان إدخاله في لحن العرب المرغّب إلى القراءة به في بعض الأخبار «3».

و تحسين الصوت، باعتبار الرواية المتقدّمة للتسامح في أدلّة السنن و إن لم يتسامح من جهة تفسير الترتيل.

و حفظ الوقوف، لمثل ما ذكر أيضا. و المراد به إمّا المحافظة على الوقوف المثبتة في المصاحف أي أواخر الآيات، أو المحافظة على موضع الوقف بأن لا يقف إذا أراد الوقف إلّا في موضع يحسن فيه الوقف، فيقف على التامّ ثمَّ الحسن ثمَّ الجائز، فعلى الأول يكون الوقوف جمعا و اللام فيه للعهد، و على الثاني يحتمله و يحتمل المصدرية و اللام تكون جنسية.

و لا يتعيّن الوقف على موضع وجوبا، و لا يحرم في موضع ما لم يختلّ به النظم، للأصل، و الإجماع.

و كذا لا يتعيّن التنفّس في موضع و لا عدمه فيه، لما ذكر. و في صحيحة عليّ التصريح بجواز قراءة الفاتحة و سورة أخرى بنفس واحد «4».

و منها: ترك قراءة سورة قل هو اللَّه أحد بنفس واحد،

لرواية محمّد بن يحيى «5».

و منها: قراءة السور المعيّنة في الفرائض.

______________________________

(1) النفلية: 22.

(2) تفسير الصافي 1: 61، الوافي 9: 1739.

(3) الكافي 2: 614 فضل القرآن ب 9 ح 3، الوسائل 6: 210 أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 1.

(4) التهذيب 2: 296- 1193، قرب الإسناد: 203- 783، الوسائل 6: 113 أبواب القراءة ب 46 ح 1.

(5) الكافي 3: 314 الصلاة ب 21 ح 11، الوسائل 6: 114 أبواب القراءة ب 46 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 178

و بيان المقام: أنّه لا يجب في شي ء من الفرائض سورة معيّنة إجماعا قطعيّا، و به يحمل بعض ما يتضمّن الأمر على الاستحباب، و إنّما اختلفت الأخبار و كلمات العلماء الأخيار في المستحب منها في بعض الموارد.

و اللازم فيها أنّ ما اتفقت أدلّة الاستحباب فيه يحكم باستحبابه، و ما اختلفت فيه فإن كان الاختلاف في نفس الاستحباب أو الأفضلية يعمل بالراجح، و مع انتفاء الرجحان بالتخيير، و إن كان بسبب مراتبه بأن يدلّ دليل على استحباب هذه السورة و الآخر على أفضليّة سورة أخرى فيعمل بالدليلين لعدم المنافاة، فيحكم بفضيلة للأولى و أفضلية للثانية.

و على هذا فالمستحب في غير ليلة الجمعة و يومها قراءة «الأعلى» «و الشمس» و نحوهما في الظهر و العشاء، «و إذا جاء» «و التكاثر» و شبههما في العصر و المغرب، «و عمّ» «و هل أتى» «و لا اقسم» و مثلها في الغداة، لصحيحة محمّد المصرّحة بأنه يقرأ كذلك «1».

و لا تنافيها صحيحة عيسى بن عبد اللَّه الحاكية لقراءة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله الأوليين بما مرّ و ب «هل أتيك» و شبهها، و في الثانيتين ب «التوحيد» «و إذا جاء» «و إذا زلزلت»، و في

الأخيرة بما مرّ «و هل أتيك» و شبهها «2».

لإمكان إدخال محلّ الاختلاف في الشبه، مع أنّها لا تدل على استحباب الجميع فلعلّ البعض على الجواز.

نعم ظاهر الرضوي: «اقرأ في صلاة الغداة: المرسلات، و إذا الشمس كوّرت، و مثلهما، و في الظهر: إذا السماء انفطرت، و إذا زلزلت، و مثلهما، و في العصر: و العاديات، و القارعة، و مثلهما، و في المغرب: و التين، و قل هو اللَّه أحد، و مثلهما، و في يوم الجمعة و ليلة الجمعة: بسورة الجمعة، و المنافقين» «3» ينافيها في

______________________________

(1) التهذيب 2: 95- 354، الوسائل 6: 117 أبواب القراءة ب 48 ح 2.

(2) التهذيب 2: 95- 355، الوسائل 6: 116 أبواب القراءة ب 48 ح 1.

(3) فقه الرضا (ع): 124، مستدرك الوسائل 4: 207 أبواب القراءة ب 36 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 179

العصر و المغرب.

و لم أعثر على مصرّح بمضمونه، و به مع ما فيه من الضعف يصير مرجوحا، فالعمل على ما مرّ، فيقرأ واحدة ممّا مرّ في الركعتين ممّا ذكر، أو كلّ واحدة في ركعة، لصدق الامتثال بالأمرين.

خلافا للمشهور، فقالوا باستحباب قراءة سور المفصّل و هي من سورة «محمّد» إلى آخر القرآن عند الأكثر «1»، و قيل من «الجاثية» «2»، و قيل من «الحجرات» «3»، و قيل من «الفتح» «4» و قيل من «ق» «5»، و قيل من «الأعلى» «6» و قيل من «الضحى» «7»، سمّيت به لكثرة ما يقع فيها من فصول التسمية.

فمطوّلاتها و هي من «محمّد» إلى «عمّ» في الصبح، و متوسطاتها و هي من «عمّ» إلى «الضحى» في العشاء، و قصارها و هي من «الضحى» إلى آخر القرآن في الظهرين و المغرب، و

خصوص «هل أتى» في الاولى من غداة الاثنين و الخميس، و زاد الصدوق «هل أتيك» في ثانيتها «8».

و لم أعثر على رواية من طرقنا تدلّ على حكم غير غداة اليومين، مع كونه مخالفة لوجوه كثيرة لما ورد في أخبارنا الصحيحة، سيّما في التفرقة بين الظهر و العشاء المصرّح في الصحيحة المتقدّمة بأنهما سواء.

نعم هو للعامّة موافق «9»، و به تترك الشهرة التي يمكن التمسك بها في مقام المسامحة أيضا.

و أمّا حكم غداة اليومين فاستدل عليه برواية رجاء الآتية «10»، و هي عليه غير دالّة، لجواز كون ما فعل أحد أفراد ما يستحب.

______________________________

(1) منهم صاحب المدارك 3: 363، و صاحب الحدائق 8: 176.

(2) انظر الإتقان للسيوطي 1: 221.

(3) انظر الإتقان للسيوطي 1: 221.

(4) انظر الإتقان للسيوطي 1: 221.

(5) انظر الإتقان للسيوطي 1: 221.

(6) انظر الإتقان للسيوطي 1: 221.

(7) انظر الإتقان للسيوطي 1: 221.

(8) الفقيه 1: 201.

(9) انظر: المغني لابن قدامة 1: 568.

(10) في ص 181.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 180

نعم روى أبو عليّ ابن الشيخ في مجالسه، عن أبي الحسن العسكري عليه السلام: «من أحب أن يقيه اللَّه شرّ يوم الاثنين فليقرأ في أوّل ركعة من صلاة الغداة هل أتى على الإنسان» «1».

و الصدوق في ثواب الأعمال: «من قرأ سورة هل أتى على الإنسان في كلّ غدوة خميس زوّجه اللَّه من الحور العين ثمان مائة عذراء و أربعة آلاف ثيّب» «2».

و هما لا يدلّان إلّا على تعيين ثواب، و لا شك أنّ لغيرهما أيضا ثوابا و لم تثبت أقلّيته، فلا يفيدان، مع أنّ الأخير لا يثبت حكم الصلاة.

ثمَّ ما ذكر هو المستحب، و الأفضل منه- وفاقا للفقيه «3»- قراءة القدر و التوحيد في الجميع،

الاولى في الاولى، و الثانية في الثانية، لرواية أبي عليّ بن راشد: قلت لأبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك، إنّك كتبت إلى محمّد بن الفرج تعلمه أنّ أفضل ما يقرأ في الفرائض إنّا أنزلناه و قل هو اللَّه أحد، و إنّ صدري ليضيق بقراءتهما في الفجر، فقال عليه السلام: «لا يضيق صدرك بها، فإنّ الفضل و اللَّه فيهما» «4».

و المروي في فلاح السائل: يسأله عمّا يقرأ في الفرائض، و عن أفضل ما يقرأ فيها، فكتب عليه السلام إليه: «إنّ أفضل ما يقرأ في الفرائض إنّا أنزلناه في ليلة القدر و قل هو اللَّه أحد» «5».

و التوقيع المروي في كتابي الغيبة و الاحتجاج: كتب إليه: إنّ العالم عليه السلام قال: «عجبا لمن لم يقرأ في صلاته إنّا أنزلناه في ليلة القدر كيف تقبل

______________________________

(1) أمالي الطوسي: 228، مستدرك الوسائل 4: 210 أبواب القراءة ب 38 ح 2.

(2) ثواب الأعمال: 121، الوسائل 6: 122 أبواب القراءة ب 50 ح 2.

(3) الفقيه 1: 201.

(4) الكافي 3: 315 الصلاة ب 21 ح 19، التهذيب 2: 290- 1163، الوسائل 6: 78 أبواب القراءة ب 23 ح 1.

(5) فلاح السائل: 162، مستدرك الوسائل 4: 190 أبواب القراءة ب 19 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 181

صلاته؟!» و روي: «ما زكت صلاة لم يقرأ فيها بقل هو اللَّه أحد» إلى آخر السؤال.

التوقيع: «الثواب في السورة على ما قد روي، و إذا ترك سورة ممّا فيها الثواب و قرأ قل هو اللَّه أحد و إنّا أنزلناه لفضلهما اعطي ثواب ما قرأ و ثواب السورة التي ترك، و يجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين و تكون صلاته تامّة، و لكنّه يكون قد ترك

الأفضل» «1».

و تؤيّده بل تدل عليه رواية منصور: «من مضى به يوم واحد فصلّى فيه الخمس صلوات و لم يقرأ فيها بقل هو اللَّه أحد قيل له: يا عبد اللَّه لست من المصلّين» «2».

و مرسلة الفقيه، و رواية رجاء بن ضحّاك، و رواية الصائغ المرويتان في العيون:

الاولى:

حكى من صحب الرضا عليه السلام إلى خراسان أنّه كان يقرأ في الصلاة في اليوم و الليلة في الركعة الأولى الحمد و إنا أنزلناه، و في الثانية الحمد و قل هو اللَّه أحد «3».

و الثانية:

كان الرضا عليه السلام في طريق خراسان قراءته في جميع المفروضات في الأولى الحمد و إنّا أنزلناه، و في الثانية الحمد و قل هو اللَّه أحد، إلّا في صلاة الغداة و الظهر و العصر يوم الجمعة فإنّه كان يقرأ فيها بالحمد و سورة الجمعة و المنافقين، و كان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة في الأولى الحمد و سورة الجمعة و في الثانية الحمد و سبّح اسم ربّك الأعلى، و كان يقرأ في صلاة الغداة يوم الاثنين و يوم الخميس في الأولى الحمد و هل أتى على الإنسان، و في الثانية الحمد و هل أتيك حديث الغاشية «4».

______________________________

(1) الغيبة: 231، الاحتجاج: 482، الوسائل 6: 79 أبواب القراءة ب 23 ح 5.

(2) الكافي 2: 622 فضل القرآن ب 13 ح 10، المحاسن: 96- 56، ثواب الأعمال: 127، الوسائل 6: 80 أبواب القراءة ب 24 ح 2.

(3) الفقيه 1: 202- 923، الوسائل 6: 79 أبواب القراءة ب 23 ح 3.

(4) عيون اخبار الرضا 2: 180، الوسائل 6: 121 أبواب القراءة ب 50 ح 1 و ص 156 ب 70 ح 10، و فيهما: رجاء بن أبي

الضحاك.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 182

و الثالثة:

خرجت مع الرضا عليه السلام إلى خراسان، فما زاد في الفرائض على الحمد و إنّا أنزلناه في الاولى، و الحمد و قل هو اللَّه أحد في الثانية «1».

و أمّا الجمعة: فأمّا مغربها و عشاؤها فتستحب سورة الجمعة في الأولى منهما و الأعلى في الثانية.

كذلك عند الشيخ في النهاية و المبسوط «2»، و الصدوق و السيّد «3»، بل الأكثر كما قيل «4»، لرواية أبي بصير: «اقرأ في ليلة الجمعة بالجمعة و سبّح اسم ربك الأعلى، و في الفجر سورة الجمعة و قل هو اللَّه أحد» «5» و نحوه روى في قرب الإسناد «6».

و بتبديل الأعلى بالتوحيد في الثانية من الاولى عند الشيخ في المصباح و الاقتصاد «7»، لرواية الكناني: «إذا كان ليلة الجمعة فاقرأ في المغرب سورة الجمعة و قل هو اللَّه أحد، و إذا كانت العشاء الآخرة فاقرأ بالجمعة و سبح اسم ربّك الأعلى، و إذا كانت صلاة الغداة يوم الجمعة فاقرأ سورة الجمعة و قل هو اللَّه أحد» «8».

و بتبديلها بالمنافقين في الثانية من الثانية عند العماني «9»، لمرفوعة حريز و ربعي: «إن كانت ليلة الجمعة يستحب أن يقرأ في العتمة سورة الجمعة و إذا

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا 2: 206.

(2) النهاية: 78، المبسوط 1: 108.

(3) الصدوق في الفقيه 1: 201، السيد في الانتصار: 54.

(4) انظر: المدارك 3: 364.

(5) الكافي 3: 425 الصلاة ب 76 ح 2، التهذيب 3: 6- 14، الاستبصار 1: 413- 1582، الوسائل 6: 118 أبواب القراءة ب 49 ح 2.

(6) قرب الإسناد: 360- 1287، الوسائل 6: 156 أبواب القراءة ب 70 ح 11.

(7) مصباح المتهجد: 230، الاقتصاد: 262.

(8) التهذيب 3: 5- 13، الوسائل

6: 119 أبواب القراءة ب 49 ح 4.

(9) حكاه عنه في المختلف: 94.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 183

جاءك المنافقون، و في صلاة الصبح مثل ذلك، و في صلاة الجمعة مثل ذلك، و في العصر مثل ذلك» «1».

و الأول و إن كان أشهر إلّا أنّ لعدم التصريح في الروايتين بأنّه في الصلاة فيحتمل استحباب القراءة مطلقا، يكون العمل بالروايتين الأخيرتين، و القول باستحباب الجمعة في الأولى منهما و التوحيد في الثانية من الاولى، و التخيير بين الأعلى و المنافقين في الثانية من الثانية، أظهر و أولى.

إلّا أن يجعل نفس الشهرة دليلا على المشهور فيحكم بالتخيير في ثانية الأولى بين التوحيد و الأعلى، و في ثانية الثانية بينها و بين المنافقين.

و أمّا في غداتها، فتستحب الجمعة في أولاها إجماعا نصّا و فتوى، و التوحيد في ثانيتها عند الأكثر كما قيل «2»، لروايتي أبي بصير و الكناني المتقدّمتين، و صحيحة الحسين بن أبي حمزة: ما أقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة؟ فقال: «اقرأ في الأولى بسورة الجمعة و في الثانية بقل هو اللَّه أحد ثمَّ اقنت حتى تكونا سواء» «3».

و المنافقون فيها، عند الصدوق و السيّد «4»، للمرفوعة السابقة، و المروي في العلل صحيحا: «اقرأ سورة الجمعة و المنافقين فإنّ قراءتهما سنّة يوم الجمعة في الغداة و الظهر و العصر، فلا ينبغي لك أن تقرأ غيرهما في الظهر- يعني يوم الجمعة- إماما كنت أم غير إمام» «5».

و الرضوي: «و اقرأ في صلاة الغداة يوم الجمعة سورة الجمعة في الاولى و في

______________________________

(1) التهذيب 3: 7- 18، الاستبصار 1: 414- 1585، الوسائل 6: 119 أبواب القراءة ب 49 ح 3.

(2) انظر: جامع المقاصد 2: 274.

(3) الكافي 3: 425

الصلاة ب 76 ح 3، الوسائل 6: 121 أبواب القراءة ب 49 ح 10.

(4) الصدوق في الفقيه 1: 201، السيد في الانتصار: 54.

(5) علل الشرائع: 355- 1، الوسائل 6: 120 أبواب القراءة ب 49 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 184

الثانية المنافقين» الحديث «1».

و مقتضى الجمع التخيير، فهو كذلك.

و أمّا في صلاة الجمعة و ظهرها و عصرها، فبالجمعة في الاولى و المنافقين في الثانية إجماعا نصّا و فتوى في الجمعة، لما ذكر.

و على الأظهر الأشهر في الظهر، لرواية رجاء المتقدّمة، و صحيحة العلل السابقة، و صحيحة الحلبي: عن القراءة في الجمعة إذا صلّيت وحدي أربعا أجهر بالقراءة؟ فقال: «نعم» و قال: «اقرأ بسورة الجمعة و المنافقين يوم الجمعة» «2».

و من غير خلاف يعرف في العصر، للمرفوعة السالفة، و صحيحة الحلبي.

وجوبا عند الصدوق في الظهر و الجمعة «3»، و عند السيّد في الجمعة خاصة «4».

لأخبار دالّة عليه بظاهرها، يمكن الذبّ عنها بأدنى عناية. مع وجوب الحمل على الاستحباب قطعا بقرينة المرفوعة المتقدمة، و صحيحة علي: عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمّدا، قال: «لا بأس بذلك» «5».

و الأخرى: عن الجمعة في السفر ما أقرأ فيها؟ قال: «اقرأ بقل هو اللَّه أحد» «6».

______________________________

(1) فقه الرضا (ع): 128، مستدرك الوسائل 4: 207 أبواب القراءة ب 37 ح 1.

(2) الكافي 3: 425 الصلاة ب 76 ح 5، التهذيب 3: 14- 49، الاستبصار 1: 416- 1593، الوسائل 6: 16 أبواب القراءة ب 73 ح 3.

(3) المقنع: 45.

(4) الانتصار: 54.

(5) التهذيب 3: 7- 19، الاستبصار 1: 414- 1586، الوسائل 6: 157 أبواب القراءة ب 71 ح 1.

(6) التهذيب 3: 8- 23، الاستبصار 1: 415- 1590، الوسائل

6: 157 أبواب القراءة ب 71 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 185

و صحيحة ابن سنان: في صلاة الجمعة «لا بأس بأن تقرأ فيها بغير الجمعة و المنافقين إذا كنت مستعجلا» «1» و الاستعجال أعمّ من الضرورة المبيحة و غيرها.

و رواية الأزرق: رجل صلّى الجمعة، فقرأ سبّح اسم ربّك الأعلى و قل هو اللَّه أحد، قال: «أجزأه» «2» إلى غير ذلك.

و هذه الأخبار ما بين صريحة و ظاهرة في جواز الترك في الجمعة، فكذلك في الظهر، لعدم القول بالفرق إلّا ما توهّم من تخصيص الصدوق الوجوب بالظهر «3»، و هو ليس كذلك.

مع أنّ الصحيحة الثانية صريحة في الظهر، لأنّ جمعة السفر ظهر. بل يستفاد منها كون الظهر يطلق عليه الجمعة أيضا فيحتمل الاستناد إلى سائر الأخبار لعدم الوجوب في الظهر أيضا.

و هل الأفضلية المحكومة بها للقدر و التوحيد ثابتة في ليلة الجمعة و يومها أيضا أم لا؟

الظاهر: الاتفاق على العدم، فبه تخصّص أخبار أفضليتهما المطلقة. مضافا إلى ظاهر رواية رجاء في الغداة و الظهر و العصر، و صحيحة العلل في الظهر و المستفيضة الآمرة بالرجوع عن التوحيد في صلاة الجمعة أو يوم الجمعة «4».

و منها: الإجهار في النوافل الليلية، و الإخفات في النهارية،

إجماعا منّا، كما

______________________________

(1) الفقيه 1: 268- 1225، التهذيب 3: 242- 653، الوسائل 6: 157 أبواب القراءة ب 71 ح 3.

(2) التهذيب 3: 242- 654، الاستبصار 1: 415- 1592، الوسائل 6: 158 أبواب القراءة ب 71 ح 5.

(3) انظر: غنائم الأيام: 194.

(4) انظر: الوسائل 6: 152 أبواب القراءة ب 69.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 186

في المنتهى و شرح القواعد و عن المعتبر و الذكرى «1» و غيرها «2»، له، و للنصوص، منها: مرسلة ابن فضّال: «السنّة في صلاة

النهار الإخفات، و السنّة في صلاة الليل الإجهار» «3».

و منها: قراءة التوحيد ثلاثين مرّة في كل من الركعتين الأوليين من صلاة الليل،

وفاقا لجماعة [1]، لما رواه الشيخ في التهذيب، و الصدوق في المجالس «4».

و عن المفيد و القاضي: التوحيد ثلاثون مرّة في الاولى، و الجحد كذلك في الثانية «5»، و ربما احتمل كلام الحلّي أنّ به رواية «6».

و قال جمع بقراءة التوحيد في الاولى و الجحد في الثانية من غير تحديد «7»، و ظاهرهم المرّة، لمرسلة الكافي و التهذيب «8».

و منهم من عكس كذلك «9»، و لم أعثر له على مستند. و قد يستند فيه إلى حسنة معاذ «10»، و لا دلالة لها عليه، بل هي على عكسه أدلّ.

و منها: إسماع الإمام من خلفه قراءته،

بل مطلق الأذكار التي لم يجب

______________________________

[1] منهم العلامة في التذكرة 1: 118، و نهاية الإحكام 1: 478، و الشهيد في الدروس 1: 175.

______________________________

(1) المنتهى 1: 278، جامع المقاصد 2: 275، المعتبر 2: 184، الذكرى: 194.

(2) كالمختصر النافع: 31، و المفاتيح 1: 136، و الرياض 1: 163.

(3) التهذيب 2: 289- 1161، الاستبصار 1: 313- 1165، الوسائل 6: 77 أبواب القراءة ب 22 ح 2.

(4) التهذيب 2: 124- 470، أمالي الصدوق: 462- 5، الوسائل 6: 129 و 130 أبواب القراءة ب 54 ح 1 و 2.

(5) المفيد في المقنعة: 122، القاضي في المهذب 1: 135.

(6) السرائر 1: 307.

(7) النهاية: 120، مفاتيح الشرائع 1: 137.

(8) الكافي 3: 316 الصلاة ب 21 ح 22، التهذيب 2: 74- 274، الوسائل 6: 65 أبواب القراءة ب 15 ح 2.

(9) نقله في الذكرى: 115 عن موضع من الرسالة.

(10) الكافي 3: 316 الصلاة ب 21 ح 22، الفقيه 1: 314- 1427، التهذيب 2: 74- 273، الخصال: 347- 20، الوسائل 6: 65 أبواب القراءة ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 187

إخفاتها، ما

لم يبلغ العلوّ المفرط.

أمّا الأول، فللإجماع، كما في المنتهى و المدارك «1»، و صحيحة أبي بصير:

«ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول، و لا ينبغي لمن خلفه أن يسمعه شيئا ممّا يقول» «2».

خرج ما يجب إخفاته فبقي الباقي.

و يتأكد في الشهادتين، للصحيحين الآتيين في بحث الجماعة «3».

و أمّا الثاني، فلما مرّ من النهي عن العلوّ المفرط.

و منها: أن يسأل الرحمة إذا قرأ آية تشتمل عليها،

و يستعيذ من النقمة إذا قرأ آية تتضمنها، للعمومات «4»، و خصوص الموثقة «5»، و المرسلة «6».

و كذا المأموم إذا سمعها، لحسنة الحلبي «7».

و منها: السكوت بقدر تنفّس بعد القراءة و قبل تكبيرة الركوع،

لرواية حمّاد الحاكية لصلاة الصادق عليه السلام «8». بل بعد الحمد و قبل السورة أيضا، لرواية ابن عمّار «9». بل بعد تكبيرة الافتتاح و قبل الحمد أيضا، للمروي في الخصال «10».

______________________________

(1) المنتهى 1: 277، المدارك 3: 370.

(2) التهذيب 2: 102- 383، الوسائل 8: 396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.

(3) و هما صحيحة البختري: الفقيه 1: 260- 1189، الوسائل 8: 396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 1، و صحيحة أبي بصير: التهذيب 2: 102- 382، الوسائل 6: 401 أبواب التشهد ب 6 ح 3.

(4) انظر: الوسائل 6: 170 و 215 أبواب قراءة القرآن ب 3 و 27.

(5) الكافي 3: 301 الصلاة ب 17 ح 1، التهذيب 2: 286- 1147، الوسائل 6: 69 أبواب القراءة ب 18 ح 2.

(6) التهذيب 2: 124- 471، الوسائل 6: 68 أبواب القراءة ب 18 ح 1.

(7) الكافي 3: 302 الصلاة ب 17 ح 3، الوسائل 6: 69 أبواب القراءة ب 18 ح 3.

(8) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 2.

(9) التهذيب 2: 297- 1196، الوسائل 6: 114 أبواب القراءة ب 46 ح 2.

(10) الخصال: 74- 116، مستدرك الوسائل 4: 205 أبواب القراءة ب 34 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 188

و كونهما عاميين غير ضائر في مقام المسامحة.

و المستفاد من الأخير استحباب السكت بعد الحمد إذا قرأها في الركعتين الأخيرتين أيضا.

المسألة الرابعة و العشرون: يحرم قول آمين في آخر الحمد على الأشهر الأقوى،

بل كاد أن يكون إجماعا منّا، بل عليه الإجماع في كلام جملة من علمائنا منهم الانتصار و المنتهى «1»، و عن مجالس الصدوق «2»، و الشيخين و ابن زهرة «3»،

و التحرير و النهاية «4»، و نهج الحقّ «5».

لحسنة جميل: «إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد حتى فرغ من قراءتها فقل أنت: الحمد للَّه رب العالمين، و لا تقل آمين» «6».

و المروي في الدعائم: و روينا عنهم عليهم السلام أن قالوا- إلى أن قال-:

و حرّموا أن يقال بعد قراءة فاتحة الكتاب: آمين كما يقوله العامة «7».

و ضعفه منجبر بما مرّ.

و يؤيده رواية الحلبي: أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب: آمين؟ قال: «لا» «8».

______________________________

(1) الانتصار: 42، المنتهى 1: 281.

(2) أمالي الصدوق: 512.

(3) المفيد في المقنعة: 105، الطوسي في الخلاف 1: 332- 334، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 558.

(4) التحرير 1: 39، نهاية الإحكام 1: 465.

(5) نهج الحق للعلّامة (ره): 424.

(6) الكافي 3: 313 الصلاة ب 21 ح 5، التهذيب 2: 74- 275، الاستبصار 1: 318- 1185، الوسائل 6: 67 أبواب القراءة ب 17 ح 1.

(7) دعائم الإسلام 1: 160 و فيه: و كرهوا أن يقال بعد فراغ فاتحة الكتاب آمين كما تقول العامة، مستدرك الوسائل 4: 175 أبواب القراءة ب 13 ح 3.

(8) التهذيب 2: 74- 276، الاستبصار 1: 318- 1186، الوسائل 6: 67 أبواب القراءة ب 17 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 189

و الحسن المروي في العلل: «و لا تقولنّ إذا فرغت من قراءتك: آمين» «1».

و الاحتجاج بهما لا يخلو عن شي ء، لاحتمال الأخير النفي المفيد لمطلق المرجوحية، و ما قبله نفي الرجحان.

و الأظهر بطلان الصلاة به أيضا كما هو المشهور، لأنّ الكلام مبطل إلّا ما ثبت جوازه، و المحرّم غير جائز و إن كان دعاء.

لا لمنع كونه دعاء- كما قيل «2»- من حيث إنّه اسم للدعاء، و مع ذلك مشترك

بينه و بين كونه من أسمائه سبحانه على قول بعض أهل اللغة «3»، أو من جهة أنّ الدعاء إنما يتحقق إذا قصد بالقراءة الطلب دون مطلق التعبّد، فما لم يقصده لم يكن دعاء، فيبطل و يتعدّى إلى صورة القصد بالإجماع المركّب.

و لا للإجماعات المنقولة على الإبطال.

و لا لاحتمال شرطية عدمه في صحة الصلاة فيستصحب الاشتغال.

أمّا الأوّل، فلأنّ المراد بكونه اسما للفعل- كما صرّح به نجم الأئمة «4»- أنه مفيد لمعناه و لا يتصرّف فيه تصرّف الفعل أي ليس فعلا، لا أنّ معناه لفظ الفعل كما يقال: إنّ فعل الماضي معناه لفظ مثل ضرب، لاستعماله في معناه، و الأصل عدم النقل، فإنّ لفظة «آمين» استعملت في معنى الفعل في الأدعية كثيرا، و كذا «صه» ورد لطلب السكوت في الأحاديث في موارد عديدة.

و الاشتراك- لو سلّم- لا ينفي الجواز عند قصد المعنى الدعائي كما في سائر المشتركات، مع أنّ ذكر اسمه سبحانه أيضا داخل في الذكر المستثنى.

و لا تتوقف دعائيته على قصد الطلب من القراءة، لأنه نفسه طلب حاجة و هي الاستجابة كلّما دعي.

______________________________

(1) علل الشرائع: 358- 1، الوسائل 5: 464 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 6.

(2) انظر: التحرير 1: 39.

(3) انظر: القاموس المحيط 4: 199، و المصباح المنير: 25.

(4) شرح الكافية: 178.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 190

و أمّا الثاني، فلمنع الحجية.

و أمّا الثالث، فلأنه مبني على عدم جريان الأصل في شرائط العبادة، و هو عندنا غير صحيح.

و الظاهر اختصاص التحريم و الإبطال بكونه بعد قراءة الفاتحة دون أثناء الصلاة مطلقا، وفاقا لظاهر نهاية الشيخ و الفقيه و الشرائع و النافع و القواعد «1»، للأصل، و اختصاص الروايات.

خلافا في الأول للمحكي عن الإسكافي و

الأردبيلي، فكرهاه «2»، و مال إليه في المعتبر «3»، و احتمله في المدارك «4»، لصحيحة جميل: عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب: آمين، قال: «ما أحسنها و اخفض الصوت بها» «5».

بجعل «ما» نافية، و مدخولها فعل متكلّم، «و أخفض» فعل ماض و كلاما للراوي، و الضمير المجرور لكلمة ما أحسنها، حيث إنّ مثل ذلك القول لا يستعمل ظاهرا إلّا فيما يكون جائزا و مرجوحا فيدل على الكراهة.

أو بجعل «ما» استفهامية إنكارية، و البواقي كما ذكر بالتقريب المتقدم.

أو بجعلها تعجبية، و مدخولها فعل تعجب، «و اخفض» فعل أمر و كلاما للمعصوم أمر به للتخضع المطلوب في الدعاء سيّما طلب الإجابة، فيدلّ على الاستحباب، و يعارض ما دلّ على الترك، و يتردّد بين الحرمة و الاستحباب، و لا شكّ أنّ الاحتياط في مثله الترك فيكون مكروها.

و بهذا التقريب، أو لضعف روايات المنع، أو اشتهار استعمال الأمر في

______________________________

(1) النهاية: 77، الفقيه 1: 255، الشرائع 1: 83، المختصر النافع: 31، القواعد 1: 33.

(2) حكاه عن الإسكافي في الدروس 1: 174، الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 235.

(3) المعتبر 2: 186.

(4) المدارك 3: 374.

(5) التهذيب 2: 75- 277، الاستبصار 1: 318- 1187، الوسائل 6: 68 أبواب القراءة ب 17 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 191

الشريعة في الندب احتجّ بعضهم بأصالة الجواز أيضا «1».

و يجاب عن الأول- بعد الإغماض عن عدم حجيته لشذوذه على جميع الاحتمالات-: بمنع إفادة الاحتمال الثاني للجواز، بل يستعمل في الحرام أيضا، فيقال لمدمن الخمر: ما أحسنه عندك؟! و مرجوحيته على الاحتمال الأخير عن معارضة بموافقة العامة «2»، و مخالفة الإجماع، لعدم قول بالاستحباب، و مثل ذلك لا يصلح للاحتجاج.

و يجاب

عن الوجه الثاني: بمنع الضعف أوّلا، و جبره بما مرّ- لو كان- ثانيا.

و عن الثالث: بأنّه لا يوجب صرف اللفظ عن حقيقته.

و في الثاني للمدارك، فلم تبطل الصلاة به على الحرمة أيضا، لتعلق النهي بالخارج «3».

و يجاب عنه: بأنّ الفساد ليس لمجرّد النهي بل مع ما ذكر.

و للخلاف و شرح القواعد «4»- بل كل من استدل للتحريم بأنه من كلام الآدميّين و ليس دعاء كالانتصار و المنتهى «5»، و غيرهما «6»، بل هو المشهور كما قيل «7»- في الثالث، فقالوا بتحريمه و إبطاله للصلاة في أثنائها مطلقا، لظاهر بعض الإجماعات المنقولة.

و ضعفه عندنا ظاهر.

______________________________

(1) كما في مجمع الفائدة 2: 235.

(2) انظر: الأم للشافعي 1: 109، بدائع الصنائع 1: 207، نيل الأوطار 2: 244.

(3) المدارك 3: 374.

(4) الخلاف 1: 334، جامع المقاصد 2: 284.

(5) الانتصار: 43، المنتهى 1: 281.

(6) كالتنقيح الرائع 1: 202، جامع المقاصد 2: 284، روض الجنان: 267.

(7) انظر: كشف اللثام 1: 216.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 192

البحث الخامس في الركوع
اشاره

و هو واجب في كلّ ركعة من الفرائض و النوافل شرعا و شرطا، مرّة واحدة، بالضرورة من الدين و الأخبار المتواترة من الطاهرين «1»، إلّا في صلاة الآيات، فيجب في كلّ ركعة منها خمس مرّات كما سيأتي في بحثها إن شاء اللَّه. و ركن في الجملة إجماعا، و مطلقا على الأظهر الأشهر، كما يأتي.

و الكلام إمّا في واجباته أو مستحبّاته، فهنا مقامان:

المقام الأوّل في واجباته و هي أمور تذكر في مسائل:
المسألة الأولى: يجب فيه الانحناء إجماعا و ضرورة، له، و لأنّه معناه عرفا و لغة.
اشاره

بقدر ما تصل يداه ركبتيه و يتمكّن من وضعهما عليهما، بالإجماع المحقق، و المحكي في المنتهى و شرح القواعد «2»، و عن المعتبر و الشهيد «3»، و غيرهما «4»، له.

لا لصحيحتي زرارة: «و تمكّن راحتيك من ركبتيك، و تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى، و بلّع بأطراف أصابعك عين الركبة، و فرّج

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 310 أبواب الركوع ب 9 و ص 312 ب 10.

(2) المنتهى 1: 285، جامع المقاصد 2: 283.

(3) المعتبر 2: 193، الشهيد في الذكرى: 197.

(4) كالحدائق 8: 236.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 193

أصابعك إذا وضعتهما على ركبتيك» «1».

و زاد في الأخرى: «فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك، و أحبّ إليّ أن تمكّن كفّيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة، و فرّج بينهما، و أقم صلبك، و مدّ عنقك، و ليكن نظرك ما بين قدميك» «2» الحديث.

لأنّ قوله «و تمكّن راحتيك» محتمل للخبرية الغير الصريحة في الوجوب بل قوله: «و أحبّ إليّ» صريح في عدمه. و «بلّع» و إن كان أمرا إلّا أنّ التبليع غير واجب إجماعا، فهو على الندب محمول قطعا. و عدم الإجزاء المفهوم من قوله:

«فإن وصلت ..» يمكن أن يكون عن المأمور به الاستحبابي في الركوع.

و لا للتأسّي،

لعدم وجوبه.

و لا لتوقف حصول البراءة اليقينية عليه، لحصولها بما تيقّن الشغل به من الانحناء.

و هل الواجب وصول جزء من اليد و لو أطراف الأصابع إليها و الزائد مستحب؟ كما عن الشهيد الثاني «3»، و بعض آخر من المتأخّرين [1]، بل عن البحار أنّه مذهب الأكثر «4»، و إليه ذهب والدي المحقق العلامة- طاب ثراه- في المعتمد مقيدا بوصول جزء من باطن أطرافها لا مطلقا، بل هو محتمل كلّ من اكتفى بوصول اليدين إلى الركبتين كالمنتهى مدّعيا عليه الإجماع «5»، بل من قيّد بإمكان

______________________________

[1] كصاحب الرياض 1: 166.

______________________________

(1) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77- 289، الوسائل 6: 295 أبواب الركوع ب 1 ح 1.

(2) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83- 308، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

(3) المسالك 1: 31.

(4) البحار 82: 119- 120.

(5) المنتهى 1: 285.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 5    194     المسألة الأولى: يجب فيه الانحناء إجماعا و ضرورة، له، و لأنه معناه عرفا و لغة. ..... ص : 192

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 194

وضع اليدين أيضا، كالسرائر و الشرائع و القواعد و الذكرى «1»، لصدقه بوضع كلّ جزء من اليد و لو رأس الإصبع، بل من ذكر الكفّين أيضا، كالمعتبر و النافع و الدروس «2»، لأنّ الكفّ مجموع ما تحت الزند فيصدق وضعها بوضع جزء منها، و يؤيّده احتجاج المعتبر بالرواية الصريحة «3» في الاكتفاء بوصول رؤوس الأصابع.

أو وصول الزائد عن رؤوسها بل عن الأصابع أيضا؟ كما هو ظاهر شرح القواعد [1]، بل كلّ من ذكر الراحة بل الكفّ [2]، و مال إليه

في الذخيرة «4»، و قيل:

إنّه ظاهر عبارة الأكثر «5».

الحق هو الأوّل، للأصل، و منطوق قوله: «فإن وصلت» في الصحيحة، الخاليين عمّا يصلح للمعارضة سوى ما استدلّ به للقول الآخر من التأسي، و استصحاب الشغل، و الأمر بتمكّن الراحة و تبليع عين الركبة بأطراف الأصابع، أي التقامها المتوقف على وصول الزائد في الصحيحة «6»، و مل ء الصادق عليه السلام كفّيه من ركبتيه عند تعليم حمّاد كما في صحيحته «7»، و كونه المتبادر من إمكان وضع اليد المدّعى عليه الإجماع «8».

______________________________

[1] جامع المقاصد 2: 283. إنما قيدنا بالظاهر لاحتمال أن يكون مراده باطن رؤوس الأصابع فيكون كلامه في الباطن دون نفس الرأس. منه رحمه اللَّه تعالى.

[2] كالشيخ في النهاية: 71، العلامة في التذكرة 1: 118، الشهيد الثاني في روض الجنان: 271.

______________________________

(1) السرائر 1: 224، الشرائع 1: 84، القواعد 1: 34، الذكرى: 197.

(2) المعتبر 2: 193، المختصر النافع: 31، الدروس 1: 176.

(3) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77- 289، الوسائل 6: 295 أبواب الركوع ب 1 ح 1.

(4) الذخيرة: 281.

(5) الرياض 1: 166.

(6) المتقدمة في ص 193.

(7) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 459، 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(8) كما في جامع المقاصد 2: 283.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 195

و تضعّف الثلاثة الأولى: بما مرّ.

و الرابعة- بعد تسليم كون التبليع بالمهملة-: بمنع توقّفه على وصول الزائد عن الأصابع أوّلا، و الإجماع على عدم وجوبه ثانيا.

و الخامسة: بعدم دليل فيها على الوجوب، لاشتمال الرواية على كثير من المستحبّات.

و السادسة: بمنع التبادر و عدم كفايته لو سلّم، لوقوع

هذا الكلام في كلام بعض الفقهاء. و أمّا الإجماع المدّعى بعده، فمع عدم حجيّته يحتمل تعلّقه بالتحديد المشترك بين التحديدين، و هو ملاقاة اليدين الركبتين إمّا بالبلوغ، أو الوضع ردّا على أبي حنيفة.

فروع:

أ:

وجوب ما ذكر من الانحناء إنّما هو مختصّ بالرجل دون المرأة، لاختصاص الإجماع بل سائر الأدلّة- لو تمّت- به. و الاشتراك هنا غير مجمع عليه.

بل فتوى جماعة استحباب انحنائها أقلّ من ذلك «1»، كما يأتي، و يدلّ عليه الصحيح الآتي «2»، و به يخصّ عموم باقي الأدلّة لو شملتها أيضا. و حمله على الاختلاف في وضع اليدين دون قدر الانحناء يأباه التعليل المذكور فيه.

ب:

المعتبر الانحناء بقدر يمكن الوضع لو أراده، و لا يجب الوضع على الأقوى الأشهر، بل عليه الإجماع في بعض العبارات «3»، للأصل.

خلافا لبعض مشايخنا المحدّثين، فأوجبه، لظواهر الأخبار «4».

______________________________

(1) كما في السرائر 1: 224، و النفلية: 25.

(2) الكافي 3: 335 الصلاة ب 29 ح 2، التهذيب 2: 94- 350، الوسائل 6: 462 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 4.

(3) كما في الذكرى: 197.

(4) انظر: البحار 82: 120.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 196

و يردّ بعدم الدلالة على الوجوب، كما يظهر وجهه ممّا مرّ.

ج:

المعتبر إمكان الوضع بواسطة الانحناء، فلا اعتبار بإمكانه بغيره كالانخناس [1]، أو الجمع بينهما بحيث لو لا الانخناس لم يبلغ، لعدم صدق الركوع.

د:

مقطوع اليدين ينحني بقدر ما يصلان لو لا القطع، استصحابا لما يجب قبله.

و من كانت يداه قصيرتين ينحني بقدر مستوي الخلقة، لعدم ثبوت الزائد من الإجماع الذي هو الأصل في المسألة.

و لو كانتا طويلتين ينحني حتى يصدق الركوع قطعا، و هل يكفي مجرّد ذلك بعد وصول يديه، أو يشترط الانحناء بقدر يصل مع استواء

الخلقة؟.

مقتضى الأصل هو الأوّل، و المصرّح به في كلماتهم هو الثاني، قالوا: حملا لألفاظ النصوص على الغالب.

و فيه: أنّه لا نصّ على ذلك أصلا [2]، و إنّما الوارد التمكّن أو التبليع أو الوصول، الغير الواجبة عندهم إجماعا.

ه:

العاجز عن الانحناء بالقدر المعتبر ينحني بالمقدور، لأنّ الانحناء واجب ثابت بالنصوص «1»، و الزائد عن مطلقه واجب آخر يثبته الإجماع أو أخبار أخر، و سقوط أحدهما للعجز لا يوجب سقوط الآخر.

______________________________

[1] الانخناس أن يخرج ركبته و هو مائل منتصب. منه رحمه اللَّه تعالى.

[2] في شرح الإرشاد للأردبيلي، في طويل اليد: دليل الانحناء له بقدر مستوي الخلقة غير واضح، و لا يبعد القول بالانحناء حتى تصل إلى الركبتين مطلقا، نعم لو وصل بغير الانحناء يمكن اعتبار ذلك. (مجمع الفائدة 2: 256). منه رحمه اللَّه تعالى.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 334 أبواب الركوع ب 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 197

و عن مطلقه يومئ برأسه إجماعا، له، و لرواية الكرخي: «رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء و لا يمكنه الركوع و السجود؟ فقال: يومئ برأسه نحو القبلة إيماء» «1» بل للنصوص كما قيل «2».

و عن الإيماء بالرأس يومئ بالعين بلا خلاف.

و:

الراكع خلقة أو لعارض ينحني يسيرا، وجوبا عند المحقّق في الشرائع و الفاضل في جملة من كتبه «3»، تحصيلا للفرق بين حالتي القيام و الركوع.

و استحبابا عند الشيخ «4»، و المعتبر و المدارك «5»، لأنّ ذلك حدّ الركوع، فلا تلزم الزيادة عليه، و لا دليل على وجوب التفرقة على العاجز.

و لا يخفى أنّ الركوع لو كان مطلق الهويّ و لو من انحناء لكان للقول الأوّل وجه، و لكنّه ليس كذلك بل هو الانحناء من الانتصاب، و على هذا فالركوع

المأمور به لمثل هذا الشخص غير ممكن فالتكليف به ساقط، و تحصيل الفرق خال عن الدليل و إن استحبّ لفتوى الفقيه.

و لو قلنا بوجوب الإيماء بالرأس عليه لصدق عدم إمكان الركوع لم يكن بعيدا، و لو جمع بينه و بين يسير انحناء كان أحوط.

ز:

يجب أن يقصد بانحنائه الركوع و لو بالنيّة الاستمراريّة، فلو لم يقصده لم يأت بالركوع به، لأنّ الأعمال بالنيّات، و لكلّ امرئ ما نوى «6».

______________________________

(1) الفقيه 1: 238- 1052، التهذيب 3: 307- 951، الوسائل 5: 484 أبواب القيام ب 1 ح 11.

(2) انظر: الرياض 1: 166.

(3) الشرائع 1: 85، الفاضل في التذكرة 1: 118.

(4) المبسوط 1: 110.

(5) المعتبر 2: 194، المدارك 3: 387.

(6) انظر: الوسائل 1: 46 أبواب مقدمة العبادات ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 198

و على هذا فلو هوى لسجدة العزيمة في النافلة، أو لقتل موذ أو لقضاء حاجة، فلمّا انتهى إلى حدّ الركوع أراد أن يجعله ركوعا، لم يجز، بل يجب عليه الانتصاب ثمَّ الهوي للركوع، و كذا لو هوى للسجود ساهيا فتذكّر في الأثناء، يجب عليه الانتصاب للركوع. و لا تلزم في شي ء من الصور زيادة ركوع للصلاة و إن زاد ركوع لغوي، و لكنّه غير مضرّ، إذ ليس هو زيادة في الصلاة، كما يأتي بيانه.

و به صرّح جماعة [1]، بل قيل: إنّه لا خلاف فيه «1»، و يدلّ عليه الخبر أيضا: رأيت أبا الحسن عليه السلام يصلّي قائما و إلى جنبه رجل كبير يريد أن يقوم و معه عصا له، فأراد أن يتناولها، فانحطّ عليه السلام و هو قائم في صلاته فناول الرجل العصا ثمَّ عاد إلى صلاته «2».

و قد يستدلّ أيضا بإطلاق الموثّق: «لا

بأس أن تحمل المرأة صبيّها و هي تصلّي» «3».

و هو غير جيّد.

نعم لو كان الهوي للسّجود عمدا أو سهوا تصدق الزيادة في الصلاة و إن لم تصدق زيادة ركوع للصلاة، و لكنّه غير مبطل مع السهو قطعا، كما يأتي في محلّه.

ح:

الظاهر الاتّفاق على عدم الفرق بين الفريضة و النافلة في أقلّ الواجب من الانحناء في الركوع، و كذا في وجوب طمأنينة الركوع.

______________________________

[1] منهم الشهيد في الذكرى: 197، و صاحب الحدائق 8: 241، و صاحب الرياض 1: 166.

______________________________

(1) كما في الحدائق 8: 241.

(2) الفقيه 1: 243- 1079 و فيه: ثمَّ عاد إلى موضعه إلى صلاته، التهذيب 2: 332- 1369، الوسائل 5: 503 أبواب القيام ب 12 ح 1.

(3) التهذيب 2: 330- 1355، الوسائل 7: 280 أبواب قواطع الصلاة ب 24 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 199

ط: هل يجوز وضع اليد و الاعتماد حال الركوع على شي ء كعصا و نحوه؟.

لا ريب فيه مع الضّرورة، و كذا بدونها، للأصل.

المسألة الثانية: تجب الطمأنينة في الركوع إجماعا محقّقا،

و محكيا كما في الناصريات و التذكرة و المنتهى و شرح القواعد «1»، و عن الغنية و المعتبر و الخلاف «2» بل عن الأخير على ركنيتها. و هو الحجّة فيه مع المرسل المروي في الذكرى المنجبر ضعفه بما مرّ، و فيه: «ثمَّ اركع حتى تطمئنّ راكعا، ثمَّ ارفع رأسك حتى تعتدل قائما، ثمَّ اسجد حتى تطمئنّ ساجدا، ثمَّ ارفع حتى تستوي قائما» الحديث «3».

و المروي في قرب الإسناد: «فإذا قام أحدكم فليعتدل، و إذا ركع فليتمكّن، و إذا رفع رأسه فليعتدل، و إذا سجد فليفرّج و ليتمكّن، فإذا رفع رأسه فليعتدل، و إذا سجد فليفرّج، و إذا رفع رأسه فليلبث حتى يسكن» «4».

و الاستدلال له بتوقف

الذكر الواجب فيه عليه، و بحسنة زرارة: «بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم جالس في المسجد إذ دخل رجل، فقام يصلّي فلم يتمّ ركوعه و سجوده، فقال عليه السلام: نقر كنقر الغراب، لئن مات هذا و هكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني» «5».

فاسد، لمنع التّوقّف، لجواز الانحناء زائدا على أقلّ الواجب و الذكر في أثنائه.

و عدم دلالة الرواية، لإمكان كون عدم الإتمام بعدم الانحناء بالقدر

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 198، التذكرة 1: 118، المنتهى 1: 282، جامع المقاصد 2:

284.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 558، المعتبر 2: 194، الخلاف 1: 348.

(3) الذكرى: 196- 197.

(4) قرب الإسناد: 36- 118 بتفاوت يسير.

(5) الكافي 3: 268 الصلاة ب 2 ح 6، التهذيب 2: 239- 948، المحاسن: 79- 5، الوسائل 6:

298 أبواب الركوع ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 200

الواجب، أو عدم إتمام الذكر في الركوع و السجود، أو عدم الانتصاب بعدهما.

و أمّا التشبيه بالنّقر الظاهر في عدم الإتيان بالطمأنينة، فيحتمل أن يكون في السجود خاصّة، بل هو الظاهر فتفيد في إثبات الطمأنينة فيه.

و يجب كونها بقدر الذكر الواجب عند جماعة كالحلّي و الفاضلين و الشهيد «1»، بل ظاهر المعتبر و المنتهى الإجماع عليه «2»، و قيل: إنّه ممّا لا خلاف فيه «3».

فإن ثبت فهو، و إلّا فلا دليل عليه، لعدم تمامية ما استدلّوا به له من توقّف الذكر الواجب في الركوع عليه، و الأخبار المصرّحة بأنّ من نقص الذكر في الركوع لم يتمّ صلاته «4»، لما مرّ. و لذا لم يذكره جماعة منهم الناصريّات و النهاية و الجمل و المبسوط و الخلاف، و أمر الاحتياط واضح.

و من لم يتمكّن من الطمأنينة سقطت عنه

بلا خلاف.

و هل تجب عليه مجاوزة أقلّ الواجب من الانحناء لو تمكّن منها ليوقع الواجب من الذكر حال الركوع؟.

قيل: لا «5»، للأصل. و قيل: نعم «6»، لتوقف الذّكر في حال الركوع عليه.

و هو كذلك لو أرادوا من أقلّ الواجب من الانحناء أقلّه فيما يصدق الركوع لغة، و لو أريد ما تصل معه اليد الركبة ففيه تأمّل، لأنّ الثابت هو وجوب الذكر حال الركوع، إلّا أن يدّعى الحقيقة الشرعيّة فيه فيما تصل اليد الركبة، فتأمّل.

______________________________

(1) الحلي في السرائر 1: 224، المحقق في الشرائع 1: 85، العلامة في القواعد 1: 34، الشهيد في الدروس 1: 177.

(2) المعتبر 2: 194، المنتهى 1: 282.

(3) كما في الذخيرة: 283.

(4) الوسائل 6: 299 أبواب الركوع ب 4.

(5) كما في الذكرى: 197.

(6) كما في المدارك 3: 388.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 201

المسألة الثالثة: يجب رفع الرأس منه و الانتصاب و الطمأنينة فيه بمسمّاها

إجماعا محقّقا و محكيّا مستفيضا «1»، له، و للأخبار:

منها: صحيحة ابن أذينة الطويلة الواردة في بدو الأذان، و فيها بعد ركوع النبي في الصلاة ليلة المعراج: «ثمَّ أوحى إليه أن ارفع رأسك يا محمّد- صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم-» «2».

و منها: رواية أبي بصير: «إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك، فإنّه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه» «3».

و إقامة الصّلب لا تتحقّق بدون الثلاثة.

و روايته الأخرى: «و إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك حتى يرجع مفاصلك، و إذا سجدت فاقعد مثل ذلك» «4».

و الرضوي: «و إذا رفعت رأسك من الركوع فانصب قائما حتى يرجع مفاصلك كلّها إلى المكان، ثمَّ اسجد» «5».

و على هذا فلا يجوز أن يهوي للسجود قبل الانتصاب أو الطمأنينة.

نعم لو كان له عذر مانع من أحدهما سقط، لأنّ اللَّه أولى بالعذر،

كما ورد في الأخبار «6». و كذا لو تركه ناسيا حتى يخرج من محلّه، لأنّهما ليسا بركن. و عن الخلاف الركنيّة مدّعيا عليه الإجماع «7». و هو شاذّ، و سيأتي الكلام فيه.

______________________________

(1) انظر: الخلاف 1: 351، و المعتبر 2: 197، و المدارك 3: 389، و المفاتيح 1: 139.

(2) الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1، علل الشرائع: 312- 1، الوسائل 6: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.

(3) الكافي 3: 320 الصلاة ب 24 ح 6، التهذيب 2: 78- 290، الوسائل 6: 321 أبواب الركوع ب 16 ح 2.

(4) التهذيب 2: 325- 1332، الوسائل 6: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 9.

(5) فقه الرضا (ع): 102، مستدرك الوسائل 4: 87 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 7.

(6) انظر: الوسائل 8: 258 أبواب قضاء الصلوات ب 3.

(7) الخلاف 1: 351.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 202

و لا فرق في وجوب الرفع و الطمأنينة معه بين الفريضة و النافلة على ظاهر الإجماع، و إن كان الوجوب في الثانية شرطيّا، بل شرعيّا على القول بعدم جواز إبطال النافلة.

لقوله عليه السلام: «لا صلاة لمن لا يقيم صلبه» «1».

نفى حقيقة الصلاة كما هو مقتضى حقيقة هذا التركيب. و لا ينافيه كون الصلاة حقيقة في الأعمّ، لأنّه إنّما هو فيما لم يكن نصّ من واضع اللفظ على انتفاء الحقيقة في فرد.

خلافا للمحكي عن الفاضل في النهاية، فقال: لو ترك الاعتدال في الركوع أو السجود في صلاة التنفّل عمدا لم تبطل صلاته، لأنّه ليس ركنا في الفرض فكذا في النفل «2».

و هو شاذّ، و استدلاله عجيب.

و لو افتقر الراكع في الانتصاب إلى الاعتماد وجب، لوجوب مقدّمة الواجب. و

كذا للرفع. بل الظاهر جواز الاعتماد له بلا عذر أيضا، للأصل. بل و كذا حال الانتصاب، لما مرّ في القيام «3».

المسألة الرابعة: يجب فيه الذكر إجماعا محقّقا،
اشاره

و محكيّا في الانتصار و المنتهى و التذكرة و شرح القواعد و المدارك «4»، و غيرها «5»، له، و للمستفيضة من الأخبار «6».

______________________________

(1) الكافي 3: 320 الصلاة ب 24 ح 6، التهذيب 2: 78- 290، الوسائل 6: 321 أبواب الركوع ب 16 ح 2.

(2) نهاية الإحكام 1: 483.

(3) راجع ص 55- 59.

(4) الانتصار: 45، المنتهى 1: 282، التذكرة 1: 119، جامع المقاصد 2: 285، المدارك 3:

389.

(5) كالمفاتيح 1: 139.

(6) انظر: الوسائل 6: 299 أبواب الركوع ب 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 203

و الحقّ كفاية مطلقه فيه، وفاقا للجمل [1]، و المبسوط و السرائر و المنتهى و التذكرة و الإيضاح و شرح القواعد و المدارك «1»، و الشهيد الثاني «2»، و والدي العلّامة رحمه اللَّه، بل لعله الأشهر بين المتأخرين، و في السرائر نفي الخلاف فيه «3».

للأصل، و لصحيحتي الهشامين و حسنة أحدهما.

الأوليان: يجزئ عنّي أن أقول مكان التسبيح في الركوع و السجود: لا إله إلّا اللَّه و الحمد للَّه و اللَّه أكبر؟ فقال: «نعم كلّ هذا ذكر اللَّه» «4».

و الثالثة: «ما من كلمة أخفّ منها على اللسان من سبحان اللَّه» قال، قلت: يجزئني في الركوع و السجود أن أقول مكان التسبيح: لا إله إلّا اللَّه و الحمد للَّه و اللَّه أكبر؟ قال: «نعم كلّ ذا ذكر اللَّه» الحديث «5».

و تخصيصها بالأذكار الأربعة بعد تعميم التعليل بقوله: «كلّ ذا ذكر اللَّه» غير ضائر. و تخصيص الإجزاء بحال الضرورة مع إطلاق الرواية لا وجه له.

و يؤيّده ما في حسنتي مسمع من إجزاء ثلاث تسبيحات

أو قدرهنّ مترسّلا في الركوع و السّجود «6». و جعلهما مؤيّدتين لما فيهما من الإجمال، إذ لا يتعيّن قدرهنّ

______________________________

[1] نسب ذلك إلى جمل الشيخ في المنتهى 1: 282، و لكن الموجود فيه و كذا في جمل السيّد التسبيح في الركوع، انظر: الرسائل العشر: 180، و جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3):

32.

______________________________

(1) المبسوط 1: 111، السرائر 1: 224، المنتهى 1: 282، التذكرة 1: 119، إيضاح الفوائد 1:

112، جامع المقاصد 2: 286، المدارك 3: 392.

(2) المسالك 1: 31.

(3) السرائر 1: 224.

(4) الأولى: الكافي 3: 321 الصلاة ب 24 ح 8، التهذيب 2: 302- 1218، الوسائل 6: 307 أبواب الركوع ب 7 ح 2.

الثانية: التهذيب 2: 302- 1217، الوسائل 6: 307 أبواب الركوع ب 7 ح 2.

(5) الكافي 3: 329 الصلاة ب 26 ح 5، مستطرفات السرائر: 96- 12، الوسائل 6: 307 أبواب الركوع ب 7 ح 1.

(6) الاولى: التهذيب 2: 77- 286، مستطرفات السرائر: 95- 10، الوسائل 6: 302 أبواب الركوع ب 5 ح 1.

الثانية: التهذيب 2: 79- 297، الاستبصار 1: 323- 1208، الوسائل 6: 303 أبواب الركوع ب 5 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 204

من مطلق الذكر، مع أنّ مطلق الذكر أعمّ من قدرهنّ، إذ قد يكون أقلّ منهنّ [1].

خلافا للسيد و ابني بابويه و المفيد و العماني و الإسكافي «1»، و التهذيب و الخلاف «2»، و النهاية [2]، و الجامع «3»، و الحلبي و القاضي و الديلمي و ابن حمزة «4»، و النافع و الشرائع و الدروس «5»، فأوجبوا التسبيح خاصّة، و عن الذكرى أنّه قول المعظم «6»، بل في الانتصار و عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه «7»، و

الظاهر- كما قيل «8»- أنّه المشهور بين القدماء و إن اختلفوا في كيفيّته.

فمنهم من اكتفى بمطلق التّسبيح و لو واحدة صغرى، و مرجعه إلى التخيير بين جميع صور التّسبيح، و هو ظاهر الأوّل.

أمّا تعيينه، فلعلّه لأصل الاشتغال.

و رواية الحضرمي: «تدري أيّ شي ء حدّ الركوع و السجود؟» قلت: لا،

______________________________

[1] في الأقلّ خلاف منه رحمه اللَّه تعالى.

[2] النهاية: 81. اعلم أنّ الشيخ في النهاية قال أوّلا: و التسبيح في الركوع فريضة إلى أن قال: و لو قال بدلا من التسبيح: لا إله إلا اللَّه و اللَّه أكبر، كان جائزا. و هو و إن خصّ ببدليّة الذكرين إلّا أنّ الظاهر أنّ مراده مطلق الذكر، للإجماع المركّب، و التصريح بالبدليّة لا ينافي جواز مطلق الذكر. منه رحمه اللَّه تعالى.

______________________________

(1) السيد في الانتصار: 45، الصدوق في المقنع: 28، و الهداية: 32، المفيد في المقنعة: 105، و حكاه عن العماني في المعتبر 2: 195، و حكاه عن الإسكافي في المختلف: 95.

(2) التهذيب 2: 81، الخلاف 1: 348.

(3) الجامع للشرائع: 82.

(4) الحلبي في الكافي: 142، القاضي في المهذب 1: 97، الديلمي في المراسم: 69، ابن حمزة في الوسيلة: 93.

(5) المختصر النافع: 32، الشرائع 1: 85، الدروس 1: 177.

(6) الذكرى: 197.

(7) الانتصار: 45، الخلاف 1: 349، الغنية (الجوامع الفقهية): 558.

(8) انظر: الحدائق 8: 246.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 205

قال: «تسبح في الركوع ثلاث مرّات: سبحان ربّي العظيم و بحمده، و في السجود: سبحان ربّي الأعلى و بحمده، ثلاث مرّات، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته، و من نقص ثنتين نقص ثلثي صلاته، و من لم يسبّح فلا صلاة له» «1».

حيث نفى حقيقة الصّلاة لمن لم يسبّح.

و الروايات المصرّحة بإجزاء التسبيح الظاهر

في عدم إجزاء غيره «2».

و رواية هشام الآتية المصرّحة بكون التسبيحة فريضة «3».

و أمّا كفاية مطلقه و التخيير بين أفراده، فلعلّه لأصل البراءة، و الجمع بين الأخبار المتضمّنة للتسبيحة الكبرى و الصغرى «4»، و صحيحتي ابن يقطين إحداهما: عن الركوع و السجود كم يجزئ فيه من التسبيح؟ فقال: «ثلاثة، و تجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض» «5».

و الأخرى: عن الرجل يسجد، كم يجزئه من التسبيح في ركوعه و سجوده؟

فقال: «ثلاث، و تجزئه واحدة» «6».

و لا كلام لنا معه في الجزء الثاني، أي كفاية مطلق التسبيح.

و أمّا الأوّل، فنجيب عن الأصل: بحصول اليقين بالبراءة بمطلق الذكر بمقتضى ما تقدّم من الأخبار الصحيحة.

______________________________

(1) الكافي 3: 329 الصلاة ب 26 ح 1، التهذيب 2: 157- 615، الاستبصار 1: 324- 1213، الوسائل 6: 301 أبواب الركوع ب 4 ح 7.

(2) انظر: الوسائل 6: 302 أبواب الركوع ب 5.

(3) انظر: ص 208.

(4) انظر: الوسائل 6: 299، 302 أبواب الركوع ب 4 ح 5.

(5) التهذيب 2: 76- 284، الاستبصار 1: 323- 1206، الوسائل 6: 300 أبواب الركوع ب 4 ح 3.

(6) التهذيب 2: 76- 285، الاستبصار 1: 323- 1207، الوسائل 6: 300 أبواب الركوع ب 4 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 206

و أمّا عن رواية الحضرمي: بكونها أعمّ مطلقا ممّا مرّ، لدلالتها على أنّه لا صلاة لمن لم يسبّح سواء ذكر ذكرا آخر أم لا، و دلالة ما مرّ على صحّة صلاة الذاكر.

و لو جعل التعارض بالعموم من وجه باعتبار شمول الذكر للتسبيح أيضا، تعيّن تخصيص قوله «من لم يسبّح» بغير الذاكر، لعدم إمكان تخصيص الذاكر بالمسبّح، لوقوع السؤال عن غير المسبّح. مضافا إلى ترجيح ما مرّ

بالصحّة و الأكثريّة و الأصرحيّة.

بل ظاهر سوق الرواية نفي الفضيلة، لمقابلة عدم التسبيح مع نقص الواحدة و الثنتين و انتفاء [1] كلّ الصلاة بانتفاء ثلثها و ثلثيها مع أنّهما في الفضيلة قطعا، فإنّ المراد نقص ثلث الكمال و ثلثيه، فالمراد بعدم الصلاة أيضا انتفاء تمام الكمال و بقاء ماهيّة الصلاة، فتأمّل.

و عن الروايات: بأنّ إجزاء التسبيح الواحد أعمّ من الأمر به، و لا ينافي إجزاء غيره أيضا، نعم لا يحكم به مع عدم دليل، للأصل، و معه لا أثر للأصل.

و الحكم بلزومه و ظهوره في عدم إجزاء غيره ممنوع جدّا، سيّما مع ورود الإجزاء غالبا في السؤال.

و أمّا عن رواية هشام: فبأنّ الأصل في الأمر و لفظ الواجب و إن كان المعيّن و كان في المخيّر مجازا، إلّا أنّه يجب الحمل عليه مع القرينة، و ما ذكرنا من الأخبار قرينة عليه.

مضافا إلى أنّ الظاهر أنّ المراد من قوله: «من ذلك» التسبيحة الكبرى، و كونها واجبة معيّنة قول شاذّ تردّه الأخبار، فلا محيص فيه عن التجوّز إمّا بالحمل على المخيّر أو الندب، و لا أقلّ من احتمال إرادة الكبرى فلا يتمّ الاستدلال.

و منهم من عيّن ثلاث تسبيحات، أو التهليل أو التكبير أو الصلاة على النبي، بدلا عن التسبيحات، فجعل الأولى أصلا و أحد الثلاثة الأخيرة رخصه،

______________________________

[1] اي: و لمقابلة انتفاء كلّ الصلاة ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 207

و هو أحد الثانيين «1».

و لعلّه استند في أصالة التسبيحة و تعيينها ابتداء: بأخبارها مع حمل المطلق من التسبيح على المقيّد بالثلاث. و في بدليّة غيرها: بالجمع بينها و بين غيرها. و في التخصيص بالثلاثة: بالأمر بها في بعض الأخبار المتقدّمة مع التعبير فيه بالإجزاء، الظاهر في

البدليّة ممّا ذكر بما ذكرنا من أخبار مطلق الذكر.

و يضعّف: بأنّ الجمع لا يختصّ بذلك، بل يمكن بالتخصيص و الأفضلية و بيان بعض الأفراد و نحوها. مع أنّه لا تظهر لذلك فائدة إلّا كون الأصل أفضل، و أفضلية التسبيح مسلّمة مطلقا.

مضافا إلى أنّ تخصيص البدل مدفوع بما ذكرنا من عموم التعليل، و لو قطع النظر عنه فاللازم الاقتصار على التهليل و التكبير، لأنّهما المذكوران في الأخبار «2»، إلّا أن يكون لاستخراج الصلاة من رواية أخرى كما يأتي «3»، و لا بأس به.

و لذا اكتفى في النهاية و الجامع في البدل بهما «4»، و لكنه جعل ثلاث تسبيحات بدلا أيضا، و جعل الأصل تسبيحة واحدة كبرى، و هو أيضا قول آخر في المسألة، و مستنده و جوابه واضح ممّا مرّ، مضافا إلى أنّ المذكور في الأخبار المذكورة التحميد أيضا.

و منهم من أوجب تسبيحة كبرى أو ثلاث صغريات من غير ذكر تجويزه غيرها مع الضرورة، كما هو المنقول عن ظاهر التهذيب «5»، و ابني بابويه [1]، أو مع

______________________________

[1] قد نسب هذا القول إلى ابني بابويه في المدارك 3: 391، و الظاهر من الهداية ص 32 و الفقيه 1 ص 205 التخيير بين ثلاث كبريات و ثلاث صغريات و إجزاء واحدة للمريض و المستعجل. فراجع.

______________________________

(1) الصدوق في الأمالي: 512، و مراده من الثانيين ابنا بابويه، راجع ص 204.

(2) انظر: الوسائل 6: 307 أبواب الركوع ب 7.

(3) انظر: ص 225.

(4) النهاية: 81، الجامع للشرائع: 83.

(5) التهذيب 2: 80.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 208

التصريح بتجويز واحدة صغرى مع الضرورة كما في الشرائع و النافع و الدروس «1»، بل في المنتهى: الإجماع عليه «2»، و على هذا فعليه يحمل

إطلاق عبارات الأوّلين.

أو تجويز مطلق الذكر معها كما في اللمعة «3».

و مستندهم أمّا في كفاية التسبيحة الواحدة الكبرى فرواية هشام: عن التسبيح في الركوع و السجود، فقال: «يقول في الركوع: سبحان ربّي العظيم، و في السجود: سبحان ربّي الأعلى، الفريضة من ذلك تسبيحة، و السنّة ثلاث، و الفضل في سبع» «4».

و المروي في العلل، و فيها بعد ذكر أنّ النّبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ركع في ليلة الإسراء لما رأى من عظمة اللَّه و قال: سبحان ربّي العظيم و بحمده، و سجد و قال: سبحان ربّي الأعلى و بحمده: «فلذلك جرت به السنّة» «5».

و رواية عقبة بن عامر: لمّا نزلت فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ 56: 74 «6» قال لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: «اجعلوها في ركوعكم» فلمّا نزلت سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى «7» قال لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: «اجعلوها في سجودكم» «8».

و أمّا في كفاية الثلاثة من الصغرى، فموثّقة سماعة و فيها: «أمّا ما يجزيك

______________________________

(1) الشرائع 1: 85، المختصر النافع: 32، الدروس 1: 177.

(2) المنتهى 1: 283.

(3) اللمعة (الروضة 1): 270.

(4) التهذيب 2: 76- 282، الاستبصار 1: 322- 1204، الوسائل 6: 299 أبواب الركوع ب 4 ح 1.

(5) علل الشرائع: 332- 4، الوسائل 6: 328 أبواب الركوع ب 21 ح 2.

(6) الواقعة: 74.

(7) الأعلى: 1.

(8) التهذيب 2: 313- 1273، علل الشرائع: 333- 6، الوسائل 6: 327 أبواب الركوع ب 21 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 209

من الركوع فثلاث تسبيحات تقول: سبحان اللَّه، سبحان اللَّه، ثلاثا» «1».

و صحيحة ابن عمّار: أخفّ ما يكون من التسبيح في الصلاة؟ قال: «ثلاث

تسبيحات مترسّلا، تقول: سبحان اللَّه، سبحان اللَّه، سبحان اللَّه» «2».

و رواية أبي بصير: عن أدنى ما يجزئ من التسبيح في الركوع و السجود، فقال: «ثلاث تسبيحات» «3».

فإنّ التسبيح صادق على الصغرى قطعا.

و أمّا في التخيير بينهما: فحسنة مسمع: «يجزئك من القول في الركوع و السجود ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ مترسّلا» «4».

و الأخرى: «لا تجزئ الرجل في صلاته أقلّ من ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ» «5».

فإنّ الواحدة الكبرى بقدر ثلاث صغرى قطعا.

و صحيحة زرارة: ما يجزئ من القول في الركوع و السجود؟ فقال: «ثلاث تسبيحات في ترسّل، و واحدة تامّة تجزئ» «6».

و الظاهر أنّ المراد بالواحدة التامّة التسبيحة الكبرى، و بالثلاث

______________________________

(1) التهذيب 2: 77- 287، الاستبصار 1: 324- 1211، الوسائل 6: 303 أبواب الركوع ب 5 ح 3.

(2) التهذيب 2: 77- 288، الاستبصار 1: 324- 1212، الوسائل 6: 303 أبواب الركوع ب 5 ح 2.

(3) التهذيب 2: 80- 299، الاستبصار 1: 323- 1210، الوسائل 6: 303 أبواب الركوع ب 5 ح 6.

(4) التهذيب 2: 77- 286، مستطرفات السرائر: 95- 10، الوسائل 6: 303 أبواب الركوع ب 5 ح 1.

(5) التهذيب 2: 79- 297، الاستبصار 1: 323- 1208، الوسائل 6: 303 أبواب الركوع ب 5 ح 4.

(6) التهذيب 2: 76- 283، الاستبصار 1: 323- 1205 و فيه: في ترسل واحد و واحدة، الوسائل 6: 299 أبواب الركوع ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 210

الصغريات، و جعل كلّ منهما في قالب الإجزاء يقتضي كونهما في مرتبة واحدة.

و بهذه الأخبار يرتفع الإجمال عمّا تضمّنت الثلاث تسبيحات و واحدة مطلقا، كصحيحتي ابن يقطين المتقدّمتين «1» بحمل الثلاث على الصغريات، و الواحدة على الكبرى، لأنّ المجمل يحمل على

المفصّل.

و لعلّ المصرّح بتجويز الصغرى الواحدة عند الضرورة يحمل التسبيح على مطلقه الصادق على الصغرى أيضا، و يخصّص إجزاء الواحدة بحال الضرورة، بشهادة المرسل المروي في الهداية: «سبّح في ركوعك ثلاثا، تقول: سبحان ربّي العظيم و بحمده ثلاث مرّات، و في السجود: سبحان ربّي الأعلى و بحمده ثلاث مرّات، لأنّ اللَّه عزّ و جل لما أنزل على نبيّه فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ 56: 96 قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: اجعلوها في ركوعكم، فلمّا أنزل اللَّه سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال: اجعلوها في سجودكم، فإن قلت: سبحان اللَّه، سبحان اللَّه، سبحان اللَّه أجزأك، و التسبيحة الواحدة تجزي للمعتل و المريض و المستعجل» «2».

كما أنّ المخصّص لتجويز مطلق الذكر بها يحمل أخباره عليها.

و أمّا في تعيين أحدهما و عدم كفاية غيره للمختار، فما مرّ دليلا لوجوب مطلق التسبيح، و بحمله على المقيّد.

و الأمر بالكبرى في الكتاب العزيز حيث أمر بالتسبيح باسم ربّك العظيم، و باسم ربك الأعلى، و لا وجوب في غير الصلاة إجماعا.

و في صحيحة ابن أذينة الطويلة في صفة صلاة النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ليلة المعراج: «فأوحى إليه و هو راكع قل: سبحان ربّي العظيم، تفعل ذلك ثلاثا» «3».

______________________________

(1) في ص 205.

(2) الهداية: 32، مستدرك الوسائل 4: 424 أبواب الركوع ب 4 ح 4.

(3) الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1، علل الشرائع: 312- 1، الوسائل 5: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 211

و في روايتي هشام و عقبة.

و الأمر بالتسبيح كذلك في مرسلة الهداية، و في صحيحة زرارة و فيها: «ثمَّ اركع و قل: اللهمّ لك ركعت

و لك أسلمت- إلى أن قال-: سبحان ربّي العظيم و بحمده، ثلاث مرّات» «1».

و في الرضوي: «و قل في ركوعك بعد التكبير: اللهم لك ركعت» إلى أن قال: «سبحان ربّي العظيم و بحمده» ثمَّ ساق الكلام في السجود كذلك إلى أن قال: «سبحان ربي الأعلى و بحمده» «2».

و التصريح في الصغريات بأنّها أخفّ ما يكون، أو أدنى ما يجزئ، في صحيحه ابن عمّار، و رواية أبي بصير المتقدّمتين «3».

و لا كلام لنا معهم في كفاية أحد التسبيحين، و لا في التخيير بينهما، و لا في كفاية الواحدة الصغرى أو مطلق الذكر عند الضرورة.

و نجيب عن دليلهم على التعيين: أمّا عمّا مرّ دليلا لوجوب مطلق التسبيح، فبما مرّ.

و أمّا عن الأمر بالكبرى في الآية، فبمنع أنّ المراد أنّه قل هذا اللفظ، بل المراد نفس التنزيه و هو واجب في كلّ حال، و قول بعض المفسّرين ليس بحجة «4».

و أمّا عن صحيحة ابن أذينة، فبأنّ الأمر و إن كان حقيقة في الوجوب إلّا أنّه ليس باقيا على حقيقته هنا قطعا، لجواز غير الكبرى أيضا بصريح الأخبار و قول المعظم من الفقهاء. و الحمل على الوجوب التخييري غير متعيّن، إذ هو أيضا مجاز كالندب، بل هو أرجح، لشيوعه. غاية الأمر تكافؤ الاحتمالين، فتبقى أخبار

______________________________

(1) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77- 289، الوسائل 6: 295 أبواب الركوع ب 1 ح 1.

(2) فقه الرضا «ع»: 106، مستدرك الوسائل 4: 423 أبواب الركوع ب 4 ح 2.

(3) في ص 209.

(4) انظر: مجمع البيان 5: 228، و الدرّ المنثور للسيوطي 6: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 212

مطلق الذكر خالية عن المعارض اليقيني. و حمل المطلق

على الرخصة، و المقيّد على الأصالة غير مفيد، لأنّ المقصود في المطلق الكفاية، من باب الرخصة كانت أو الأصالة.

و منه يظهر الجواب عن رواية عقبة.

و أمّا عن الأمر بها في رواية هشام، فبأنّه ليس أمرا. و أمّا قوله: «الفريضة من ذلك ..» فإن حمل على الكبرى فهي ليست بفرض حقيقي عنده و مجازه متعدّد، و إن حمل على المطلق فمع كونه خلاف الظاهر هو لا يقول به.

و أمّا عن صحيحة ابن عمّار، و رواية أبي بصير، فبعدم دلالتهما على الوجوب، لاحتمال كون ما ذكر أخفّ ما يكون في مرتبة الاستحباب، و أدنى ما يجزئ عن الأمر الندبي.

و يؤيّده منع كونهما أخفّ و أدنى من تسبيحة كبيرة سيّما إذا لم يكن معها:

و بحمده، كما في كثير من الأخبار «1»، فيتعيّن الحمل على الخفّة و الدنو في الرجحان.

على أنّ مدلولهما أنّ الثلاث أخفّ ما يكون من التسبيح و أدنى ما يجزئ منه لا من مطلق الذكر، و لا ينافي ذلك جواز مطلق الذكر أصلا.

مضافا إلى أنّه قد مرّ في صحيحة ابن يقطين إجزاء تسبيحة واحدة «2»، و حملها على الكبيرة ليس بأولى من حمل ذلك على الاستحباب. بل قيد الترسّل في الصحيحة قرينة على الندب، لعدم وجوبه قطعا. و مع ذلك إرادة تسبيح الركعتين الأخيرتين فيها ممكنة.

و أمّا عن مرسلة الهداية، فبالضعف الخالي عن الجابر، بل وجود المضعّف و هو شذوذ القول بوجوب ثلاث كبريات، مضافا إلى معارضتها مع بعض ما مرّ.

و منه يظهر الجواب عن صحيحة زرارة، مع أنّ الأمر فيها ورد أوّلا على

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 299 أبواب الركوع ب 4 و ص 304 ب 6.

(2) راجع ص 205.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص:

213

الدعاء الغير الواجب قطعا، فحمله على الندب متعيّن.

و منه يظهر الجواب عن الرضوي.

و منهم من أوجب ثلاث كبريات أو مثلها صغريات مخيّرا بينهما، مع أفضلية الكبرى، و هو ظاهر كلام الحلبي «1»، و نقل عنه في المختلف قولا آخر «2».

و منهم من أوجب ثلاث كبريات خاصّة، حكاه في التذكرة عن بعض علمائنا «3».

و دليلهما يظهر ممّا مرّ كجوابهما، مع أنّه يكفي في ردّهما شذوذهما الموجب لدخولهما في خلاف المجمع عليه.

فروع:

أ:

هل يقدّر مطلق الذكر- على القول بكفايته- بقدر أم لا؟.

قيل: ظاهر كلام الصدوق أنّه يتعيّن منه مقدار ثلاث صغريات أو واحدة كبرى [1]، و اختاره بعض مشايخنا المعاصرين «4»، لظاهر حسنتي مسمع المتقدمتين «5».

و يردّ بأنّهما معارضتان مع صحيحتي ابن يقطين «6». و حملهما على الكبيرة ليس بأولى من حمل الحسنتين على إجزاء الأمر الندبي سيّما مع قرينة قوله مترسّلا في

______________________________

[1] قال في الأمالي ص 512: و القول في الركوع و السجود ثلاث تسبيحات، إلى أن قال: و من لم يسبح في ركوعه و سجوده فلا صلاة له إلّا أن يهلّل أو يكبّر أو يصلّي على النبي صلّى اللَّه عليه و آله بعدد التسبيح ..

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 142.

(2) المختلف: 96.

(3) التذكرة 1: 119.

(4) الرياض 1: 167.

(5) في ص 203- 204.

(6) راجع ص 205.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 214

إحداهما، فإنّه ليس بواجب قطعا. مع أنّه ليس في إحداهما تصريح بالركوع، فإرادة تسبيح الركعتين الأخيرتين ممكنة. مضافا إلى أنّ نفس الإجزاء و عدمه لا يتعيّن كونهما للأمر الوجوبي كما مرّ مرارا.

فالقول الثاني- كما هو ظاهر أكثر الفتاوى- أقوى.

ب:

لا شك في أنّه على القول بكفاية مطلق الذكر لا يجب ضمّ قوله: و بحمده مع التسبيحة

الكبرى. و أمّا على القول بوجوبها معيّنا أو مخيّرا فهل يجب أم لا؟.

صريح المحقق الثاني: نعم «1»، للأمر به في مرسلة الهداية، و صحيحة زرارة، و الرضوي «2»، و رواية حمّاد الطويلة المتضمنة لصلاته عليه السلام، و قوله في الآخر: هكذا صلّ «3»، و التصريح بجريان السنّة به في رواية العلل «4».

و لا ينافيه خلوّ بعض الأخبار عنه، لعدم وجوب ذكر كلّ واجب في كلّ خبر. مع أنّه يمكن أن يراد من «سبحان ربّي العظيم» ما تضمن قوله «و بحمده» كما يراد من بسم اللَّه «بسم اللَّه الرحمن الرحيم».

و صريح بعض آخر: لا «5». و هو الأقوى، للأصل، و عدم تمامية شي ء ممّا ذكر.

أمّا المرسلة، فلضعفها و خلوّها عن الدال على الوجوب.

و أمّا الصحيحة و الرضوي، فلعدم كون الأمر فيهما للوجوب قطعا كما مر.

و كذا رواية حمّاد، لاشتمالها على كثير من المستحبّات.

و أمّا رواية العلل، فلأنّ السنّة أعمّ من الواجب.

______________________________

(1) جامع المقاصد 2: 287.

(2) راجع ص 209 و 210 و 211.

(3) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 459، 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1، 2.

(4) راجع ص 208.

(5) كما في المدارك 3: 393.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 215

نعم يستحبّ ضمّه معه على جميع الأقوال قطعا، و وجهه ظاهر.

ج:

لا يختصّ وجوب الذكر في الركوع و السجود بالفريضة، بل يجب في النافلة شرطا أيضا، بل شرعا على المختار من تحريم إبطال النافلة.

و الظاهر أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب، و هو الحجة فيه، مضافا إلى قوله في رواية الحضرمي المتقدمة: «و من لم يسبّح فلا صلاة له» «1» خرج من خرج

عنه بالدليل أي الذاكر مطلقا، فيبقى الباقي. و كون نقص الثّلث أو الثّلثين نقصا في الكمال بدليل من خارج، لا يوجب حمل انتفاء الصلاة- الذي هو حقيقة في نفي حقيقتها- عليه أيضا.

د:

يجب أن يكون الذكر حال الركوع إجماعا، فتوى و نصا.

و هل يجب كونه حال الطمأنينة؟ لا دليل عليه، و الأصل ينفيه.

بل لو نوقش في وجوب كونه بعد وصول اليد إلى الركبتين و قيل بإجزاء وقوعه بعد الوصول إلى حدّ الركوع اللغوي، لم يكن بذلك البعد. و أمر الاحتياط واضح.

المقام الثاني في مستحبّاته و مكروهاته
أمّا المستحبّات فأمور:

منها:

أن يكبّر له، على المشهور، و عليه أكثر أهل العلم كما في المنتهى «2»،

______________________________

(1) راجع ص 204.

(2) المنتهى 1: 284.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 216

و في المدارك: إنّه المعروف من مذهب الأصحاب «1»، و في الحدائق: إنّ عليه اتّفاق غير أبي عقيل من الأصحاب قديما و حديثا «2»، بل هو الظاهر من المذهب كما عن المبسوط «3»، بل إجماعي كما عن الذكرى «4».

أمّا رجحانه فبالإجماع، و الأمر به في الأخبار كصحيحة زرارة: «إذا أردت أن تركع فقل و أنت منتصب: اللَّه أكبر، ثمَّ اركع» «5».

و الأخرى: «إذا أردت أن تركع و تسجد فارفع يديك و كبّر، ثمَّ اركع و اسجد» «6».

و أمّا عدم وجوبه، فللأصل الخالي عن معارضة ما دلّ على الوجوب ظاهرا، لشذوذه المخرج له عن الحجيّة لو ابقي على ظاهره و حقيقته، مع أنّ القرينة الصارفة عنها موجودة، و هي رواية أبي بصير: عن أدنى ما يجزئ من التكبيرة في الصلاة، قال: «تكبيرة واحدة» «7».

و المروي في علل الفضل: «إنّ التكبير المفروض في الصلاة ليس إلّا واحدة» «8» و ضعفه- لو كان- بما مرّ مجبور.

و الحمل على تكبيرات الافتتاح- كما قيل

«9»- بلا حامل، و جعل الأمر بتكبيرة الركوع حاملا له ليس أولى ممّا قلنا، فيتعارض الاحتمالان و يرجع إلى

______________________________

(1) المدارك 3: 394.

(2) الحدائق 8: 256.

(3) المبسوط 1: 110.

(4) الذكرى: 198.

(5) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77- 289، الوسائل 6: 295 أبواب الركوع ب 1 ح 1.

(6) الكافي 3: 320 الصلاة ب 24 ح 3، التهذيب 2: 297- 1197، الوسائل 6: 296 أبواب الركوع ب 2 ح 1.

(7) التهذيب 2: 66- 238، الوسائل 6: 10 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 5.

(8) علل الشرائع: 251.

(9) انظر: الحدائق 8: 257.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 217

الأصل.

مع أنّه على القول بجواز قطع النافلة لو ابقي الأمر على ظاهره لزم التخصيص بغير النافلة، و هو ليس بأولى من حمل الأمر على مطلق المطلوبية.

فالقول بالوجوب، كما عن العماني و الديلمي «1»، و يميل إليه كلام المدارك و الحدائق «2»، و لا يبعد كونه مذهب السيّد أيضا، حيث إنّه صرّح في الانتصار بوجوب رفع اليدين لغير تكبيرة الافتتاح من تكبيرات الصلاة أيضا «3»، و إيجاب رفع اليد للتكبير دون التكبير نفسه حتى يكون الوجوب تعليقيّا بعيد، للأمر به فيما مرّ، باطل.

و الاحتجاج بالرضوي: «و إنّ لها- أي للصلاة- أربعة آلاف حدّ، و إنّ فروضها عشرة: ثلاثة منها كبار و هي: تكبيرة الإحرام و الركوع و السجود، و سبعة منها صغار و هي: القراءة و تكبيرة الركوع و تكبيرة السجود و تسبيح الركوع و تسبيح السجود و القنوت و التشهد» «4».

بضعفة الخالي عن الجابر مردود، مع إمكان حمل الفرض على شدّة الرجحان بقرينة ما مرّ.

و يستحب أن يكون التكبير حال القيام قبل الهويّ، لقوله في الصحيحة

الأولى: «فقل و أنت منتصب» و في صحيحة حمّاد المتضمّنة لصلاة الصادق عليه السّلام: ثمَّ رفع يديه حيال وجهه فقال: «اللَّه أكبر» و هو قائم، ثمَّ ركع «5».

و هل يشترط فيه القيام حتى لو كبّر حين الهوي لم يأت بالمستحب؟

الظاهر: لا، وفاقا للخلاف و المنتهى و التذكرة و شرح القواعد و الشرائع

______________________________

(1) حكاه عن العماني في الذكرى: 198، الديلمي في المراسم: 71.

(2) المدارك 3: 394، الحدائق 8: 258.

(3) الانتصار: 44.

(4) فقه الرضا (ع): 110 بتفاوت يسير، مستدرك الوسائل 4: 427 أبواب الركوع ب 8 ح 1.

(5) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1 و ص 461 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 218

و المدارك «1»، و الأردبيلي «2».

فهو مستحب في المستحب لا أنّ مجموع التكبير قائما مستحب واحد، لإطلاقات الأمر بالتكبير قبل الركوع، و أصالة عدم تقييده بحال.

و أمّا الصحيحتان فلا تفيدان أزيد من استحباب كونه في الانتصاب، و هو مسلّم، و أمّا الاشتراط و عدم الاستحباب بعده لو ترك فيه فلا، و لا يحمل المطلق على المقيّد في مقام الاستحباب، و لو حمل لا يفيد الاشتراط.

نعم، يشترط كونه قبل الركوع، للإجماع. فلو كبّر بعد الوصول حدّ الركوع أو ذكر جزءا منه فيه لم يأت بالمستحب.

و لكن الثابت من الإجماع وجوب كونه قبل وصول اليد إلى الركبتين دون الركوع اللغوي، فلو كبّر قبل هذا الحدّ أتى بالمستحب و إن صدق عليه الراكع لغة.

و أمّا التصريح في أكثر الأخبار «3» بقوله: «ثمَّ اركع» الصريح في كونه قبل الركوع الصادق على الركوع اللغوي، فلا يضرّ بعد

إطلاق صحيحة زرارة: ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال: «أن تقول: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر، و تكبّر و تركع» «4».

و منها:

رفع اليدين بالتكبير، و هو راجح اتّفاقا فتوى و نصّا.

و لا يجب على الأظهر الأشهر، بل وفاقا لغير السيّد، للإجماع الغير القادح فيه خلاف النادر، و للأصل السالم عن المعارض التام.

و قد يستدلّ بعدم ذكره في بعض الأخبار. و فيه نظر.

______________________________

(1) الخلاف 1: 347، المنتهى 1: 284، التذكرة 1: 119، جامع المقاصد 2: 291، الشرائع 1: 85، المدارك 3: 395.

(2) مجمع الفائدة 2: 257.

(3) انظر: الوسائل 6: 295 أبواب الركوع ب 1 و ص 296 ب 2.

(4) الكافي 3: 319 الصلاة ب 23 ح 2، التهذيب 2: 98- 367، الاستبصار 1: 321- 1198 الوسائل 6: 109 أبواب القراءة ب 42 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 219

احتجّ السيّد «1»: بالإجماع، و هو ليس بحجّة علينا. و الأمر، و هو للاستحباب، و لولاه لخرج المتضمّن له عن الحجيّة بالشذوذ.

و هل يختصّ استحبابه بكونه للتكبير أو لا: بل يستحبّ و لو لم يكبّر أيضا؟.

ظاهر جماعة: الثاني [1]، و هو الحق، لإطلاق الحكم باستحبابه في إحدى صحيحتي زرارة، و صحيحة ابن مسكان: في الرجل يرفع يده كلّما أهوى للركوع و السجود و كلّما رفع رأسه من ركوع أو سجود، قال: «هي العبودية» «2».

و الحكم باستحبابه مع التكبير في بعض الأخبار لا يوجب التقييد، فهنا ثلاثة أمور مستحبّة: التكبيرة، و رفع اليدين، و تقارنهما.

ثمَّ الظاهر من الأصحاب اتحاد كيفيّة الرفع و قدره في تكبيرة الافتتاح و في غيرها من حالات الرفع، فالأولى كونه كذلك و إن

اختصّ الدليل في البعض بالأولى.

ثمَّ إنّه يظهر من استحباب التكبير قائما و انتهاء الرفع بانتهاء التكبير أنّه ينبغي أن يكون الركوع بعد إرسال اليدين.

و منها:

أن يضع يديه على ركبتيه، مقدّما لوضع اليمنى، مالئا كفّيه منهما، مفرّجات الأصابع، قابضا بها الركبتين، رادّا ركبتيه إلى خلفه، مستويا ظهره بحيث لو صبّت عليه قطرة ماء لم تزل لاستوائه، مادّا عنقه، مستحضرا فيه: آمنت بك و لو ضربت عنقي، أو: آمنت بوحدانيّتك و لو ضربت عنقي، صافّا لقدميه، باعدا بينهما قدر شبر، ناظرا بينهما، مجنّحا يديه، متجافيا بهما، داعيا أمام التسبيح بالآتي، كلّ ذلك للروايات.

ففي صحيحة زرارة: «ثمَّ اركع و قل: اللهم لك ركعت، و لك أسلمت، و بك آمنت، و عليك توكّلت، و أنت ربّي، خشع لك قلبي و سمعي و بصري

______________________________

[1] كالعلامة في التذكرة 1: 119، و صاحب المدارك 3: 396، و صاحب الحدائق 8: 259.

______________________________

(1) الانتصار: 44.

(2) التهذيب 2: 75- 280، الوسائل 6: 297 أبواب الركوع ب 2 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 220

و شعري و بشري و لحمي و دمي و مخّي و عصبي و عظامي و ما أقلّته قدماي، غير مستنكف و لا مستكبر و لا مستحسر، سبحان ربّي العظيم و بحمده، ثلاث مرّات في ترتيل، و تصفّ في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر، و تمكّن راحتيك من ركبتيك، و تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى، و [بلّع ] بأطراف أصابعك عين الركبة، و فرّج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك، و أقم صلبك، و مدّ عنقك، و ليكن نظرك بين قدميك» [1].

و في صحيحة حمّاد الواردة في التعليم: ثمَّ ركع و ملأ كفّيه من ركبتيه منفرجات، و ردّ

ركبتيه إلى خلفه، ثمَّ سوّى ظهره حتى لو صبّت عليه قطرة من ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره، و مدّ عنقه، و غمض عينيه، ثمَّ سبّح ثلاثا بترتيل فقال: «سبحان ربّي العظيم و بحمده» الحديث «1».

و فيها أيضا: و لم يضع شيئا من بدنه على شي ء منه في ركوع و لا سجود، و كان مجنّحا.

و قريبة منها صحيحته الأخرى [2].

و الرضوي: «و إذا ركعت فألقم ركبتيك راحتيك، و تفرّج بين أصابعك و اقبض عليهما».

و فيه أيضا: «فإذا ركعت فمدّ ظهرك و لا تنكس رأسك».

و فيه أيضا: «و ليكن نظرك في وقت القراءة إلى موضع سجودك، و في وقت

______________________________

[1] الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77- 289، الوسائل 6: 295 أبواب الركوع ب 1 ح 1، و بدل ما بين المعقوفين في النسخ و في الوسائل: بلّغ بالمعجمة، و قال في الحبل المتين ص 213: هو تصحيف. و في التهذيب: تلقم، و ما أثبتناه موافق للكافي.

[2] الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83- 308، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3، و في الجميع: عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة ..

______________________________

(1) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 459، 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1، 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 221

الركوع بين رجليك» «1».

و صحيحة ابن بزيع: رأيت أبا الحسن عليه السلام يركع ركوعا أخفض من ركوع كلّ من رأيته يركع، فكان إذا ركع جنّح بيديه «2».

و مرسلة الفقيه: ما معنى مدّ عنقك في الركوع؟ فقال: «تأويله

آمنت باللَّه و لو ضربت عنقي» «3».

و نحوها في العلل إلّا أنّه قال: «آمنت بوحدانيّتك و لو ضربت عنقي» «4».

و إنّما رجّحنا النظر إلى بين القدمين، مع ورود التغميض في صحيحة حمّاد، و فتوى النهاية و الحلّي به «5»، و القول بالتخيير كما هو ظاهر المنتهى «6»، لأكثريّة روايات النظر و أشهريّة الفتوى بها، كما صرّح به جماعة [1]، و اعتضادها بما في رواية مسمع: «إنّ النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم نهى أن يغمض الرجل عينيه في الصلاة» «7».

فيكون النظر موافقا لسنّة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم، و الموافق لها مقدّم على غيره عند التعارض، سيّما مع كون الرضوي المتضمّن للنظر أحدث، و مثله يقدّم. مضافا إلى عدم صراحة فعل الصادق عليه السلام في كونه على وجه الاستحباب، لجواز كونه اتفاقيّا.

______________________________

[1] منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 295، و المجلسي في البحار 81: 190، و صاحب الرياض 1: 176.

______________________________

(1) فقه الرضا (ع): 102 و 106، مستدرك الوسائل 4: 419 أبواب الركوع ب 1 ح 2 و 435 ب 15 ح 2.

(2) الكافي 3: 320 الصلاة ب 24 ح 5، عيون أخبار الرضا 2: 7- 18، الوسائل 6: 323 أبواب الركوع ب 18 ح 1.

(3) الفقيه 1: 204- 928، الوسائل 6: 325 أبواب الركوع ب 19 ح 2.

(4) علل الشرائع: 320- 1، الوسائل 6: 325 أبواب الركوع ب 19 ح 2.

(5) النهاية: 71، الحلي في السرائر 1: 225.

(6) المنتهى 1: 301.

(7) التهذيب 2: 314- 1280، الوسائل 7: 249 أبواب قواطع الصلاة ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 222

و منها:

أن يكون ذكره تسبيحا، للخروج من الخلاف، و

الأمر به في كثير من الأخبار.

و أزيد منه في الفضل أن تسبّح ثلاث صغريات أو واحدة كبرى، لما مرّ من الوجهين.

و الظاهر من الأخبار أفضلية الواحدة الكبرى من الثلاث صغريات، لوقوع الأمر بالواحدة في كثير من الروايات، بخلاف الثلاث، فإنّها لم يؤمر بها بخصوصها و إنّما ورد إجزاؤها، مع أنّه ورد أنّه أخفّ ما يكون من التسبيح «1»، و الظاهر كما مرّ الخفّة في الرجحان.

و الأزيد منهما فضلا الكبريان، لقوله في رواية الحضرمي: «و من نقص اثنتين نقص ثلثي صلاته» «2».

و الأزيد منهما ثلاث كبريات، للأمر بها في كثير من الروايات، و خصوص روايتي هشام و الحضرمي و مرسلة الهداية المتقدمة جميعا «3».

و الأفضل منها السبع، لرواية هشام.

و الأفضل منها التسع، للرضوي، قال بعد الأمر بقول سبحان ربّي العظيم ثلاث مرّات: «و إن شئت خمس مرّات، و إن شئت سبع مرّات، و إن شئت التسع فهو أفضل» «4».

و لا ينافيه قوله في رواية هشام: «و الفضل في سبع» كما هو الظاهر من الخلاف «5»، و الإسكافي «6»، و جماعة [1]، حيث يظهر منهم عدم استحباب الزيادة

______________________________

[1] منهم العلامة في المنتهى 1: 283، و صاحب المدارك 3: 397.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 302 أبواب الركوع ب 5.

(2) الكافي 3: 329 الصلاة ب 26 ح 1، التهذيب 2: 157- 615، الاستبصار 1: 324- 1213، الوسائل 6: 301 أبواب الركوع ب 4 ح 7.

(3) راجع ص 204 و 208 و 210.

(4) فقه الرضا (ع): 106، مستدرك الوسائل 4: 423 أبواب الركوع ب 4 ح 2.

(5) الخلاف 1: 349.

(6) حكاه عنه في الذكرى: 198.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 223

على السبع و أنّها نهاية الكمال، إذ لا شك في

وجود الفضل في غيرها أيضا، فإمّا يحمل على الفضل الكامل أو الفضل بالنسبة إلى الثلاث، و الكلّ محتمل فلا منافاة، و لعلّ الشيخ و تابعيه حملوه على الأوّل.

و ليس بعض ما ذكر منتهى الفضل كما هو ظاهر جماعة، بل تستحبّ الزيادة على التسع أيضا لو اتّسع لها الصدر بقدر ما يتسع و لا تحصل معه السأمة كما ذكره طائفة [1]، لموثقة سماعة: «و من كان يقوى أن يطوّل الركوع و السجود فليطوّل ما استطاع يكون ذلك في تسبيح اللَّه و تحميده و تمجيده و الدعاء و التضرع، فإنّ أقرب ما يكون العبد إلى ربّه و هو ساجد، فأمّا الإمام فإنّه إذا قام بالناس فلا ينبغي أن يطوّل بهم، فإنّ في الناس الضعيف و من له الحاجة، فإنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم كان إذا صلّى بالناس خفّف لهم» «1».

و يؤكّده تسبيح الصادق عليه السلام في الركوع و السجود ستّين تسبيحة كما في صحيحة ابن تغلب «2»، و ثلاثا أو أربعا و ثلاثين في صلاة الجماعة كما في رواية ابن حمران و الصيقل «3»، و في فلاح السائل عن المفضل بن صالح [2]، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «كان علي عليه السلام يركع فيسيل عرقه من طول الركوع» «4».

و مقتضى الموثّقة استحباب التطويل مع الاستطاعة مطلقا، و لكنّهم قيّدوه

______________________________

[1] كالمحقق في المعتبر 2: 202.

[2] في «ه» و «س» و «ح»: الفضل بن صالح.

______________________________

(1) التهذيب 2: 77- 287، الاستبصار 1: 324- 1211، الوسائل 6: 305 أبواب الركوع ب 6 ح 4.

(2) الكافي 3: 329 الصلاة ب 26 ح 2، التهذيب 2: 299- 1205، الوسائل 6: 304 أبواب الركوع ب 6 ح

1.

(3) الكافي 3: 329 الصلاة ب 26 ح 3، التهذيب 2: 300- 1210، الاستبصار 1:

325- 1214، الوسائل 6: 304 أبواب الركوع ب 6 ح 2.

(4) فلاح السائل: 109، مستدرك الوسائل 4: 440 أبواب الركوع ب 19 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 224

بما مرّ من اتّساع الصدر، و كأنّه لما يستفاد من الأخبار من مطلوبيّة الرغبة و الميل في المندوبات «1». و لا بأس به، و إن أمكن القول بالاستحباب مطلقا، لإطلاق الموثّقة.

و قد يقال باستحباب تطويل كلّ من الركوع و السجود بقدر القراءة، لصحيحتي ابن وهب و ابن حمزة، الدالّتين على أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم كان يفعل كذلك «2»، و لكن الاولى صريحة و الثانية ظاهرة في الصلوات المندوبة، فالقول به فيها خاصّة جيّد.

و كذا مقتضاها عدم استحباب التطويل للإمام بل كراهته.

و هل هو مخصوص بما إذا لم يعلم من المأمومين حبّ الإطالة؟

قيل: نعم «3»، لظاهر التعليل.

و فيه كلام، لأنّه إنّما هو إذا حمل الناس على المأمومين، و أمّا إذا ابقي على عمومه يكون معناه أنّه لوجود الصنفين في الناس شرّع هذا الحكم لكلّ إمام، فالتعميم أولى. و أمّا تطويل المعصوم كما في رواية الصيقل فلا يعلم أنّه لحبّ المأمومين فلعلّه لعلّة أخرى، أو لمعارضة كثرة ميله مع عدم حبّ المأمومين، أو عدم العلم بحبّهم.

و هل يكره الزائد عن القدر الواجب من الذكر للإمام مع وجود من يضعف عنه، أو ذي الحاجة الطالب للاقتصار؟

مقتضى التعليل ذلك، و إن كان ظاهر بعضهم استحباب الثلاث له مطلقا «4».

______________________________

(1) انظر: الوسائل 1: 85 أبواب مقدمة العبادات ب 26، و المستدرك 1: 144 أبواب مقدمة العبادات ب 24.

(2) صحيحة ابن

وهب: التهذيب 2: 334- 1377، الوسائل 6: 333 أبواب الركوع ب 26 ح 2.

صحيحة ابن حمزة: التهذيب 2: 123- 468، الوسائل 6: 332 أبواب الركوع ب 26 ح 1.

(3) كما في الروضة 1: 273.

(4) انظر: الذكرى: 199.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 225

ثمَّ استحباب التطويل أعمّ من أن يسبّح في الركوع بالكبرى أو الصغرى أو أتى بمطلق الذكر. و أمّا الأعداد المتقدّمة فاستحبابها مخصوص بالتسبيح، بل الكبرى منه في غير الثلاث، للأصل و الاختصاص.

و منها:

أن يصلّي في ركوعه و سجوده على النبي و آله بعد التسبيح أو قبله.

لا لما في الذكرى من صحيحة ابن سنان: عن الرجل يذكر النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و هو في الصلاة المكتوبة إمّا راكعا و إمّا ساجدا، فيصلّي عليه و هو على تلك الحال؟ فقال: «نعم، إنّ الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم كهيئة التكبير و التسبيح» الحديث «1».

لأنّها إنّما تدلّ على الاستحباب من حيث ذكره صلّى اللَّه عليه و آله، و المدّعى استحبابها ابتداء.

أو رواية الحلبي: «كلّما ذكرت اللَّه عزّ و جل و النبي فهو من الصلاة» «2».

لأنّها لا تثبت إلّا الجواز و عدم فساد الصلاة بها.

بل للصحيحة و للرواية، الأولى: أصلّي على النبي و أنا ساجد؟ فقال:

«نعم هو مثل سبحان اللَّه و اللَّه أكبر» «3».

و الأخرى: «من قال في ركوعه و سجوده و قيامه: صلّى اللَّه على محمّد و آل محمّد، كتب اللَّه له مثل الركوع و السجود و القيام» «4».

و مثلها في ثواب الأعمال إلّا أنّ فيه: «اللهم صلّ على محمّد و آل محمّد» «5».

و الظاهر اختصاص الاستحباب بإحدى العبارتين، و إن جاز غيرهما بل

______________________________

(1) الكافي 3: 322

الصلاة ب 25 ح 5، التهذيب 2: 299- 1206، الوسائل 6: 326 أبواب الركوع ب 20 ح 1.

(2) الكافي 3: 337 الصلاة ب 30 ح 6، التهذيب 2: 316- 1293، الوسائل 6: 327 أبواب الركوع ب 20 ح 4.

(3) التهذيب 2: 314- 1279، الوسائل 6: 326 أبواب الركوع ب 20 ح 2.

(4) الكافي 3: 324 الصلاة ب 25 ح 13، الوسائل 6: 326 أبواب الركوع ب 20 ح 3.

(5) ثواب الأعمال: 34، الوسائل 6: 326 أبواب الركوع ب 20 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 226

استحبّ من جهة كونه مطلق الذكر.

و منها:

أن يرفع يديه إذا رفع رأسه من الركوع، وفاقا للمحكي عن ابني بابويه و صاحب الفاخر [1]، و الذكرى «1»، و مال إليه شيخنا البهائي و صاحب المدارك «2»، لصحيحة ابن مسكان المتقدّمة «3»، و ابن عمّار: رأيت أبا عبد اللَّه عليه السلام يرفع يديه إذا ركع، و إذا رفع رأسه من الركوع، و إذا سجد، و إذا رفع رأسه من السجود، و إذا أراد أن يسجد الثانية «4».

خلافا للعماني و الإسكافي و الفاضلين فنفوه «5»، و ظاهر المعتبر الإجماع عليه «6».

و لا وجه له بعد دلالة الصحيحين.

و في الذكرى: يبتدئ بالرفع حين ابتداء رفع الرأس و ينتهي بانتهائه «7».

انتهى. و لا بأس به.

و هل يكبّر مع ذلك الرفع أم لا؟

ظاهر الأصحاب: الثاني، للأصل، و روايات حصر التكبيرات في خمس و تسعين «8».

و قال بعض المتأخّرين من الأخباريين بالأوّل [2]، استنادا إلى التلازم بينه

______________________________

[1] الصدوق في الفقيه 1: 205، و نقله عن والده و عن صاحب الفاخر في الذكرى: 199.

[2] حكاه في الحدائق 8: 260 عن السيد نعمة اللَّه الجزائري و الشيخ

عبد اللَّه البحراني.

______________________________

(1) الذكرى: 199.

(2) الحبل المتين: 239، المدارك 3: 396.

(3) في ص 219.

(4) التهذيب 2: 75- 279، الوسائل 6: 296 أبواب الركوع ب 2 ح 2.

(5) حكاه عن العماني و الإسكافي في الذكرى: 199، المحقق في المعتبر 2: 199، العلامة في التذكرة 1: 120.

(6) المعتبر 2: 199.

(7) الذكرى: 199.

(8) انظر: الوسائل 6: 18 أبواب تكبيرة الإحرام ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 227

و بين الرفع، و هو ممنوع جدّا.

إلّا أنّ في رواية الاحتجاج الآتية في تكبيرات السجود «1» دلالة على استحبابه، و هو يعارض روايات الحصر بالعموم من وجه، و التخيير طريق الجمع.

و منها:

أن يقول بعد رفع الرأس من الركوع: «سمع اللَّه لمن حمده» لصحيحة حمّاد: فلمّا استمكن من القيام قال: سمع اللَّه لمن حمده، ثمَّ كبّر و هو قائم و رفع يديه حيال وجهه، ثمَّ سجد «2».

و صحيحة زرارة: «ثمَّ قل: سمع اللَّه لمن حمده- و أنت منتصب قائم- الحمد للَّه ربّ العالمين أهل الجبروت و الكبرياء، و العظمة للَّه ربّ العالمين. تجهر بها صوتك، ثمَّ ترفع يديك بالتكبير و تخرّ ساجدا» «3».

و صريح الروايتين استحباب السمعلة بعد الانتصاب كما هو المشهور، و في الذكرى عن ظاهر العماني و الحلّي و صريح الحلبيّين: استحبابها حال الارتفاع، و باقي الأذكار بعد الانتصاب «4». و لا مستند لهم.

و مقتضى إطلاق الصحيحة و سائر الأخبار الآتية استحباب السمعلة لجميع المصلّين كما هو المشهور، بل عن الخلاف و المعتبر و المنتهى: الإجماع عليه «5».

و قيل: المأموم لا يسمعل، بل يقول: الحمد للَّه ربّ العالمين، لصحيحة جميل: ما يقول الرجل خلف الإمام إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده؟ قال: «يقول:

الحمد للَّه ربّ العالمين، و يخفض من

الصوت» «6».

______________________________

(1) انظر: ص 283.

(2) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 459، 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1، 2.

(3) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77- 289، الوسائل 6: 295 أبواب الركوع ب 1 ح 1.

(4) الذكرى: 199.

(5) الخلاف 1: 350، المعتبر 2: 203، المنتهى 1: 285.

(6) الكافي 3: 320 الصلاة ب 24 ح 2، الوسائل 6: 322 أبواب الركوع ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 228

و هو كان حسنا لو لم يحتمل إرجاع الضمير في قوله «إذا قال» إلى المأموم، و لكنّه محتمل. و أظهريّة إرجاعه إلى الإمام- لو سلّمت- تعارض الإجماعات المنقولة. مع أنّ استحباب الحمد له لا ينافي استحباب السمعلة، كما أنّ عدم ذكرها هنا أيضا- لو رجع الضمير إلى الإمام- لا ينفيه بعد ثبوتها بأخبار أخر «1».

و منها:

أن يقول بعد السمعلة: الحمد للَّه ربّ العالمين أهل الجبروت و الكبرياء، و العظمة للَّه ربّ العالمين، كما في الصحيحة المتقدمة.

و الظاهر أنّ العظمة مبتدأ و الكبرياء عطف على الجبروت، و يحتمل كون الكبرياء مبتدأ و العظمة عطفا عليه، و في بعض النسخ بعد قوله: و العظمة:

«الحمد للَّه ربّ العالمين» و عليه يكون الكبرياء و العظمة معا معطوفين على الجبروت.

أو يقول بعد السمعلة: «باللَّه أقوم و أقعد، أهل الكبرياء، و العظمة للَّه ربّ العالمين، لا شريك له و بذلك أمرت» كما في الرضوي [1].

أو: «أهل الجود و الكبرياء و العظمة» كما في المروي في المعتبر «2».

أو: «الحمد للَّه ربّ العالمين، أهل الكبرياء و العظمة و الجود و الجبروت» كما في المروي في

فلاح السائل «3».

أو: «الحمد للَّه ربّ العالمين، بحول اللَّه و قوّته أقوم و أقعد، أهل الكبرياء و العظمة و الجبروت» كما في المروي في الذكرى «4».

و أمّا مكروهاته:

يكره في الركوع أن يطأطئ رأسه، و أن يرفعه حتى يكون أعلى من

______________________________

[1] فقه الرضا (ع): 106، و فيه «الحمد للَّه ربّ العالمين» و ما ذكره في المتن موافق للنسخة الحجرية.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1، و ص 295 أبواب الركوع ب 1 ح 1.

(2) المعتبر 2: 203.

(3) فلاح السائل: 133.

(4) الذكرى: 199.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 229

جسده، لما رواه الصدوق في معاني الأخبار قال: و نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم أن يدبّح الرجل في الصّلاة كما يدبّح الحمار، قال: و معناه أن يطأطئ الرجل رأسه في الركوع حتى يكون أخفض من ظهره، و كان عليه السلام إذا ركع لم يصوّب رأسه و لم يقنعه، قال: معناه أنّه لم يرفعه حتى يكون أعلى من جسده و لكن بين ذلك «1».

و يستفاد من كراهة الأمرين استحباب تسوية الظهر مع الرأس، و هو كذلك.

و قيل: لا خلاف فيهما بين الأصحاب.

قالوا: و يكره أيضا أن يركع و يداه تحت ثيابه.

فإن أرادوا بذلك كراهة كونهما تحت جميع ثيابه بحيث يكون ملاصقا لبدنه، كما هو ظاهر إتيانهم بلفظ الجمع المضاف.

فتشهد له موثّقة عمّار: في الرجل يدخل يديه تحت ثوبه، قال: «إن كان عليه ثوب آخر، إزار أو سراويل، فلا بأس، و إن لم يكن فلا يجوز ذلك» «2».

و القول بأنّها أعمّ من المدّعى من جهة اختصاصه بالركوع، و أخصّ منه من جهة نفي الكراهة مع وجود ثوب آخر.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة    ج 5    229     و أما مكروهاته: ..... ص : 228

دود بعدم ضير الأعمّية، و منع الأخصّية، إذ مع إزار أو سراويل لا يكون تحت جميع الثياب.

و إن أرادوا كراهة كونهما تحت ثوب مطلقا، و استحباب كونهما بارزتين، كما هو صريح المبسوط حيث قال: يستحب أن تكونا بارزتين أو في كمّه «3».

فلا شاهد له، إلّا أن يثبت بقول الشيخ، و لا بأس به.

______________________________

(1) معاني الأخبار: 280، الوسائل 6: 323، 324 أبواب الركوع ب 18 ح 3 و 4.

(2) الكافي 3: 395 الصلاة ب 64 ح 10، التهذيب 2: 356- 1475، الاستبصار 1:

392- 1494، الوسائل 4: 432 أبواب لباس المصلي ب 40 ح 4، و فيها بتفاوت يسير.

(3) المبسوط 1: 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 230

بل في صحيحة محمّد: عن الرجل يصلّي و لا يخرج يديه عن ثوبه، قال:

«إن أخرج يديه فحسن، و إن لم يخرج فلا بأس» «1».

فإنّ وصف الإخراج بالحسن و عدمه بنفي البأس ظاهر في أحسنية الأوّل.

و لا يتوهم منافاة نفيه البأس عن الثاني لكراهته، لأنّ البأس هو العذاب، و الكراهة لا تنافي نفيه.

______________________________

(1) الفقيه 1: 174- 822، التهذيب 2: 356- 1474، الاستبصار 1: 391- 1491، الوسائل 4: 431 أبواب لباس المصلي ب 40 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 231

البحث السادس في السجود
اشاره

و وجوب سجدتين في كلّ ركعة من فريضة شرعا، أو نافلة شرطا مجمع عليه، بل ضروريّ الدين. و النصوص فيه متواترة معنى.

و هما معا ركن، بمعنى بطلان الصلاة بالإخلال بهما معا، عمدا و سهوا، و بزيادتهما معا كذلك، و لا تبطل بالإخلال بواحدة أو زيادتها سهوا.

أمّا الأوّلان فبالإجماعين، مضافا في أوّلهما إلى ما مرّ من أصالة

الركنيّة- بهذا المعنى- في كلّ جزء واجب من الصلاة، و صحيحة زرارة: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود» «1».

و في الثاني إلى ما يأتي من القاعدة المستندة إلى الأخبار الدالّة على بطلان الصلاة بالزيادة.

و تؤيّده رواية زرارة: «لا يقرأ في المكتوبة شي ء من العزائم، فإنّ السجود زيادة في المكتوبة» [1].

و قد يجعل ذلك دليلا «2»، و فيه نظر [2].

______________________________

[1] الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 6، التهذيب 2: 96- 361، الوسائل 6: 105 أبواب القراءة ب 40 ح 1 و في جميعها: «لا تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم ..».

[2] أمّا أولا فلأنّ قوله: «لا يقرأ» إخبار بقرينة قوله: «شي ء» فيمكن أن يكون المعنى: يرجّح ذلك لأنّ السجود زيادة و هي مرجوحة. و أمّا ثانيا فلأنّه يحتمل أن يكون مخصوصا بالعمد، إذ قوله: «فإنّ السجود زيادة» يحتمل أن يكون المعنى: و الزيادة محرّمة أو الزيادة مبطلة، و على الأوّل يختصّ بالعامد، إذ لا حرمة على الناسي. منه رحمه اللَّه.

______________________________

(1) الفقيه 1: 225- 991، التهذيب 2: 152- 597، الوسائل 6: 313 أبواب الركوع ب 10 ح 5.

(2) كما في الرياض 1: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 232

و جعلهما ركنا في بعض الركعات دون بعض- كما عن المبسوط «1»- باطل، كما يأتي في محلّه.

و أمّا الثالث و الرابع فعلى الحقّ المشهور، بل عن التذكرة و الذكرى: على أوّلهما الإجماع «2»، للمستفيضة في الأوّل، كصحيحة أبي بصير: عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها و هو قائم، قال: «يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمض على صلاته، فإذا انصرف قضاها وحدها و

ليس عليه سهو» «3».

و ابن جابر: في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر و هو قائم أنّه لم يسجد، قال: «فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلّم ثمَّ يسجدها، فإنّها قضاء» «4».

و قريبة منها موثّقة الساباطي «5»، و غيرها.

و لموثّقتي ابني حازم، و زرارة في الثاني:

الأولى: عن رجل صلّى فذكر أنّه زاد سجدة، فقال: «لا يعيد صلاة من سجدة و يعيدها من ركعة» «6».

______________________________

(1) المبسوط 1: 120.

(2) التذكرة 1: 138، الذكرى: 200.

(3) التهذيب 2: 153- 602، و الاستبصار 1: 359- 1361، الوسائل 6: 364 أبواب السجود ب 14 ح 1.

(4) التهذيب 2: 153- 604، الاستبصار 1: 359- 1362، الوسائل 6: 364 أبواب السجود 14 ح 2.

(5) الفقيه 1: 228- 1008، التهذيب 2: 152- 598، الاستبصار 1: 358- 1360، الوسائل 6: 465 أبواب السجود ب 14 ح 4، في التهذيب و الاستبصار لا توجد كلمة (وحدها).

(6) الفقيه 1: 228- 1009، التهذيب 2: 156- 610، الوسائل 6: 319 أبواب الركوع ب 14 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 233

و الثانية: «و اللَّه لا تفسد زيادة سجدة» «1».

خلافا في أولهما، للمحكي عن الكليني «2»، و ظاهر العماني «3»، فتبطل بالإخلال مطلقا.

للأصل المتقدّم.

و اقتضاء الركنيّة لذلك.

و رواية معلّى، عن أبي الحسن الماضي: «في الرجل ينسى السجدة من صلاته، قال: إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها و بنى على صلاته و سجد سجدتي السهو بعد انصرافه، و إن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة» «4».

و يدفع الأصل: بما مرّ.

و اقتضاء الركنيّة: بمنعها بهذا المعنى، و المسلّم الركنيّة بالمعنى الّذي ذكرنا، كيف؟! و لم يرد لفظ الركن في

نصّ، و لو ورد لم يثبت له معنى خاصّ، و إنّما هو أمر اصطلحوا عليه و لم يثبت الاصطلاح في السجدتين إلّا بذلك المعنى.

و الرواية: بعدم صراحتها، بل و لا ظهورها في المخالفة، لاحتمال السجدة فيها السجدتين لا الواحدة بقرينة تعريفها بلام الجنس. و احتمال الاستحباب، لعدم تضمّنها الأمر المفيد للوجوب، و لو سلّم فلا شك في شمولها للواحدة و الاثنتين فيتعيّن التخصيص بما مرّ.

مضافا إلى ما في الرواية من خللها باعتبار تقدّم المعلّى على أبي الحسن الماضي، فلا يمكن روايته عنه، و معارضتها مع ما هو أرجح منها سندا و عددا و عملا.

______________________________

(1) التهذيب 2: 156- 611، الوسائل 6: 319 أبواب الركوع ب 14 ح 3.

(2) الكافي 3: 361.

(3) حكاه عنه في الذكرى: 200.

(4) التهذيب 2: 154- 606، الاستبصار 1: 359- 1363، الوسائل 6: 366 أبواب السجود ب 14 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 234

و لظاهر التهذيب «1»، و محتمل الاستبصار «2»، فتبطل بالإخلال بالواحدة إذا كانت من الأوليين خاصّة، لصحيحة البزنطي «3»، القاصرة عن إفادة الوجوب، لتضمّنها الإخبار. بل عن الاستدلال، لما فيها من الإجمال. و عن معارضة ما مرّ، لاعتضاده بالكثرة و الشهرة. مضافا إلى اختصاصها بالركعة الاولى و عدم تعرّضها للثانية، مع دلالة رواية محمّد بن منصور «4» على عدم الإعادة في ترك السجدة الواحدة من الثانية.

و لوالد الصدوق و الإسكافي «5»، فتبطل بالإخلال بها إذا كانت من الركعة الأولى خاصّة، و ظهر وجهه و جوابه ممّا مرّ.

و في الثاني، للمحكي عن الكليني و جمل السيّد و الحلبيين و الحلّي «6»، فتبطل بالزيادة، للقاعدة المتقدّمة، و هي بالموثّقين المعتضدين بالشهرة مخصّصة.

و يأتي بيان هذه المسائل في باب الخلل.

[مطالب في السجود]
اشاره

ثمَّ إنّ للسجود واجبات، و مستحبّات، و أحكاما، نذكرها في ثلاثة مطالب:

______________________________

(1) التهذيب 2: 154.

(2) الاستبصار 1: 359.

(3) الكافي 3: 349 الصلاة ب 37 ح 3، التهذيب 2: 154- 605، الاستبصار 1:

360- 1364، قرب الإسناد: 365- 1308، الوسائل 6: 365 أبواب السجود ب 14 ح 3.

(4) التهذيب 2: 155- 607، الاستبصار 1: 360- 1365، الوسائل 6: 366 أبواب السجود ب 14 ح 8.

(5) حكاه عنهما في الرياض 1: 168.

(6) الكافي 3: 361، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 36، أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 119، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 565، الحلّي في السرائر 1: 254.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 235

المطلب الأوّل في واجباته و هي أمور:
الأول: السجود على سبعة أعضاء:
اشارة

الجبهة، و اليدين، و الركبتين، و الرجلين، بالإجماع المحقق و المحكي مستفيضا في كلمات أصحابنا. و هو الحجّة فيه، مضافا إلى النصوص المستفيضة:

منها: صحيحة حمّاد الواردة في التعليم، و فيها: فسجد على ثمانية أعظم:

الكفّين، و الركبتين، و أنامل إبهامي الرجلين، و الجبهة، و الأنف، و قال: «سبعة منها فرض يسجد عليها و هي الّتي ذكر اللَّه عزّ و جلّ في كتابه و قال أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً «1» و هي الجبهة، و الكفّان، و الركبتان، و الإبهامان، و وضع الأنف على الأرض سنّة» «2».

و زرارة: «السجود على سبعة أعظم: الجبهة، و اليدين، و الركبتين، و الإبهامين، و ترغم بأنفك إرغاما، و أمّا الفرض فهذه السبعة، و أمّا الإرغام بالأنف فسنّة» «3».

و المروي في تفسير العيّاشي، و فيه بعد السؤال عن الوجه في قطع السارق من أصول الأصابع: «قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم: السجود على سبعة أعضاء: الوجه، و اليدين،

و الركبتين، و إبهامي الرجلين، فإذا قطعت اليد

______________________________

(1) الجن: 18.

(2) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 459- 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1، 2.

(3) التهذيب 2: 299- 1204، الاستبصار 1: 327- 1224، الوسائل 6: 343 أبواب السجود ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 236

من الكرسوع أو المرفق لم تبق له يد يسجد عليها» «1».

و الرضوي: «و السجود على سبعة أعضاء: على الجبهة، و اليدين، و الركبتين، و الإبهامين من القدمين، و ليس على الأنف سجود، و إنّما هو الإرغام» «2».

فروع:

أ:

موضع السجود من اليدين الكفّان عند أكثر الأصحاب، بل في التذكرة و شرح القواعد و عن الخلاف و الذكرى الإجماع عليه «3»، لحمل مطلقات أخبار اليدين على المقيّد، و هو الصحيحة الأولى.

خلافا للحلّي و المحكي عن السيّد و الإسكافي «4»، فبدّلوا الكفين بمفصلهما عند الزندين.

فإن أرادوا تعيّنه فلا دليل عليه.

و إن أرادوا الاجتزاء به، كما نقل عنهم في شرح القواعد و الدروس «5»، و غيره، و هو الظاهر و إن عبّروا بالمفصل، فإنّ الظاهر أنّ مرادهم أنّه منتهى محل السجود، و حينئذ تحتمل موافقة كلّ من عبّر باليدين كالشيخ في النهاية «6» و غيره [1] لهم.

فالدليل معهم، لكون المفصل أيضا من اليدين الواردتين في الأخبار، بل الكفّين، لأنّ القدر المشترك بين الشيئين يكون من كلّ منهما ما دام الاشتراك.

______________________________

[1] كالعلامة في نهاية الإحكام 1: 488، و الشهيد في الدروس 1: 18.

______________________________

(1) تفسير العياشي 1: 319- 109، مستدرك الوسائل 4: 454 أبواب السجود ب 4 ح 1.

(2) فقه الرضا (ع): 106، مستدرك الوسائل 4: 454 أبواب السجود ب

4 ح 2.

(3) التذكرة 1: 120، جامع المقاصد 2: 300، الخلاف 1: 354 و فيه: بيديه، الذكرى: 201

(4) السرائر 1: 225، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 32، و حكاه عن الإسكافي في الذكرى: 201.

(5) جامع المقاصد 2: 300، الدروس 1: 18.

(6) النهاية: 71.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 237

و دعوى تبادر غيره من الكفّين و منافاته للتأسي و عمل الأئمّة غريبة، لتجويز المشهور السجود على ما دون المفصل و لو بيسير، و لا يختلف التبادر بالنسبة إليهما و لا التأسّي.

و هل يجب السجود على باطنيهما؟ كما عن نهاية الفاضل «1»، و الشهيدين «2»، و في المدارك «3»، بل عن الأوّل نسبته إلى ظاهر علمائنا إلّا المرتضى، و عن الذكرى إلى الأكثر، و استدلّ له في المدارك بالتأسي، و في غيره بأنّه المعهود من فعل النبي و الأئمّة و المسلمين «4».

أو لا يجب؟ كما هو محتمل عبارة الأكثر حيث أطلقوا، و تردّد في المنتهى «5».

مقتضى الأصل و الإطلاقات: الثاني.

و القول بأنّ المطلق ينصرف إلى الفرد الشائع المعهود، و المتعارف باطن الكفّ كما في الحدائق «6».

باطل، لأنّه إن أريد شيوع إرادة الباطن من اليد و الكفّ فهو ممنوع، و إن أريد شيوع وضع الباطن من إطلاق السجود عليها أو وضعها- فلو سلّم- فيحتمل أن يكون ذلك حادثا بعد زمان الشارع لاستحبابه أو فتوى الأكثر بوجوبه. بل الظاهر عدم شيوع السجدة على اليد قبل حكم الشارع بذلك حتى يكون له شائع، بل لا شائع للسجدة عليها و لا استعمال له في غير هذا الموضع. و أمّا وضع اليد و الكفّ فلا شيوع له في الباطن قطعا.

و التأسي غير واجب.

______________________________

(1) نهاية الإحكام 1: 488.

(2) الشهيد

الأوّل في الذكرى: 201، و البيان: 168، الشهيد الثاني في روض الجنان: 276.

(3) المدارك 3: 404.

(4) شرح المفاتيح للبهبهاني (ره) (المخطوط).

(5) المنتهى 1: 290.

(6) الحدائق 8: 278.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 238

و فعل الجميع كذلك- لو سلّم- لم يعلم أنّه على سبيل الوجوب.

فالقول الثاني لا يخلو عن قوّة، و الأوّل أحوط.

ب:

موضع السجود من الرجلين الإبهامان، على الحقّ المشهور، بل في الكتب المتقدّمة و غيرها: الإجماع عليه، و تدلّ عليه الأخبار المتقدّمة.

خلافا لجماعة من القدماء، فجعلوا عوض الإبهامين أصابع الرّجلين كما في كلام جماعة، منهم: الشيخ في المبسوط و موضع من النهاية «1»، و الحلبي «2»، بل عن شرح الجمل للقاضي نقل الإجماع عليه «3».

أو أطرافها، كما في كلام آخرين، منهم ابن زهرة «4».

و لعلّهما لروايتي الجمهور و ابن أبي جمهور عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم.

الاولى: «أمرت بالسجود على سبعة أعظم: اليدين، و الركبتين، و أطراف القدمين، و الجبهة» «5».

و الثانية ما رواه في العوالي: «اسجدوا على سبعة: اليدين، و الركبتين، و أطراف أصابع الرجلين، و الجبهة» «6».

و فيها أيضا: «أمرت أن أسجد على سبعة أطراف: الجبهة، و اليدين، و الركبتين، و القدمين» «7».

و المروي في قرب الإسناد: يسجد ابن آدم على سبعة أعظم: يديه،

______________________________

(1) المبسوط 1: 112، النهاية: 36.

(2) الكافي في الفقه: 119.

(3) شرح الجمل: 90.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 558.

(5) سنن البيهقي 2: 103.

(6) عوالي اللئالي 1: 196- 5، مستدرك الوسائل 4: 455 أبواب السجود ب 4 ح 3.

(7) عوالي اللئالي 2: 219- 16، مستدرك الوسائل 4: 455 أبواب السجود ب 4 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 239

و رجليه، و ركبتيه، و جبهته» «1».

و يردّ-

بعد الإغماض عن ضعفها- بوجوب حمل المطلق على المقيّد.

و الظاهر الاكتفاء فيهما بالباطن و الظاهر، للإطلاق، و إن كان السجود على رؤوسهما أفضل، لصحيحة حمّاد.

نعم لو تعذّر السجود عليهما لعدمهما أو قصرهما أو عذر آخر، أجزأ على بقيّة الأصابع كما ذكره في الذكرى «2»، و استحسنه في الذخيرة «3»، و قال بعض مشايخنا المحققين: إنّ عليه طريقة المسلمين في الأعصار و الأمصار «4»، بل الظاهر أنّ عليه فتوى الأصحاب، لظهور أنّ تقييد المطلقات بالإبهامين إنّما هو مع الإمكان، فبدونه تبقى بلا معارض، و ينجبر ضعفها بما مرّ من أنّه الظاهر من الأصحاب.

ج:

المعروف من الأصحاب أنّه يكفي فيما عدا الجبهة من هذه الأعضاء ما يصدق عليه الاسم، و لا يجب الاستيعاب، بل في المدارك و الذخيرة: لا نعرف فيه خلافا «5». و في الحدائق: من غير خلاف يعرف «6».

و هو كذلك، للأصل، و صدق الامتثال، و إطلاق الأخبار «7»، و رواية العيّاشي المتقدّمة «8» المنجبر ضعفها بما ذكر، و يؤيّده فحوى ما دلّ على الاكتفاء بالمسمّى في الجبهة «9». فتردّد المنتهى «10» في الكفّين لا وجه له.

______________________________

(1) قرب الاسناد: 22- 74، الوسائل 6: 345 أبواب السجود ب 4 ح 8.

(2) الذكرى: 201.

(3) الذخيرة: 286.

(4) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

(5) المدارك 3: 404، الذخيرة: 286.

(6) الحدائق 8: 277.

(7) انظر: الوسائل 6: 343 أبواب السجود ب 4.

(8) في ص 235.

(9) انظر: الوسائل 6: 355 أبواب السجود ب 9.

(10) المنتهى 1: 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 240

و الكفّان يشملان الأصابع أيضا، فيجوز الاكتفاء في السجود عليها. و ما في بعض كلمات القدماء من ذكر باطن الراحتين لا دليل على التخصيص به إن أراده.

و الحق المشهور الاكتفاء

به فيها أيضا، لما مرّ، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة المصرّحة، كصحيحة زرارة: الرجل يسجد و عليه قلنسوة أو عمامة، فقال: «إذا مسّ شي ء من جبهته الأرض فيما بين حاجبيه و قصاص شعره فقد أجزأ عنه» «1».

و الأخرى: «اسجد على المروحة أو عود أو سواك» «2» [1].

و الثالثة: عن حدّ السجود، قال: «ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد، أيّ ذلك أصبت به الأرض أجزأك» [2].

و نحوها موثّقة الساباطي «3»، و قريبة منهما روايتا زرارة «4»، و العجلي «5»، و زاد في الأخيرة: «و السجود عليه كلّه أفضل».

خلافا للمحكي عن الصدوق و الحلّي «6»، و الدروس و موضع من الذكرى «7»، فأوجبوا مقدار الدرهم.

______________________________

[1] توجد في «ح» زيادة: و مثله لا يستوعب الجبهة أو قدر الدرهم غالبا.

[2] التهذيب 2: 85- 313، الوسائل 6: 355 أبواب السجود ب 9 ح 2. و فيهما: «ما بين قصاص الشعر إلى موضع الحاجب ما وضعت منه أجزأك» و ما أورده في المتن مذكور في موثقة الساباطي.

______________________________

(1) الفقيه 1: 176- 833، التهذيب 2: 85- 314، الوسائل 6: 355 أبواب السجود ب 9 ح 1.

(2) الفقيه 1: 236- 1039 (و فيه بتفاوت يسير)، التهذيب 2: 311- 1264، الوسائل 5: 364 أبواب ما يسجد عليه ب 15 ح 1 و 2.

(3) الفقيه 1: 176- 836، التهذيب 2: 298- 1201، الاستبصار 1: 327- 1222، الوسائل 6: 356 أبواب السجود ب 9 ح 4.

(4) الفقيه 1: 176- 837، الوسائل 6: 356 أبواب السجود ب 9 ذيل حديث 4.

(5) التهذيب 2: 298- 1199، الاستبصار 1: 326- 1221، الوسائل 6: 356 أبواب السجود ب 9 ح 3.

(6) الصدوق في المقنع: 26، الحلي في السرائر 1: 225.

(7)

الدروس 1: 180، الذكرى: 201.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 241

قيل «1»: و لعلّه لحسنة زرارة: «الجبهة كلّها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود، فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك، مقدار الدرهم و مقدار طرف الأنملة» «2».

و لا أعرف لها وجه الدلالة، بل هو- كما اعترف به في المدارك و غيره «3»- بالدلالة على خلافه أشبه، إذ مقتضاها الاكتفاء بقدر طرف أنملة و هو دون الدرهم بكثير قطعا.

و قيل «4»: لصحيحة علي: المرأة تطول قصّتها، فإذا سجدت وقع بعض جبهتها على الأرض و بعض يغطّيه الشعر، هل يجوز ذلك؟ قال: «لا حتى تضع جبهتها على الأرض» «5».

و ظاهرها إيجاب تمام الجبهة، و هو إمّا خلاف الإجماع، أو شاذّ يخرج به الخبر عن الحجّية، فهي على الندب محمولة.

مع أنّه لا دلالة لها على الدرهم، و إخراج الزائد بالإجماع ليس بأولى من إرادة الاستحباب. و حملها على كون الواقع من الجبهة على الأرض ما دون المسمّى، أو ردّها باحتمال ذلك، باطل، إذ بعضها لا يقصر عن المسمّى البتّة، مع أنّ ترك الاستفصال يفيد العموم.

نعم ذكر الدرهم في خبرين:

أحدهما: الرضوي: «و ترغم بأنفك، و يجزئك في موضع الجبهة من قصاص الشعر إلى الحاجبين مقدار درهم» [1].

______________________________

[1] فقه الرضا (ع): 114 و فيه «ترغم بأنفك و منخريك».

______________________________

(1) كما في المدارك 3: 404.

(2) الكافي 3: 333 الصلاة ب 28 ح 1، الوسائل 6: 356 أبواب السجود ب 9 ح 5.

(3) المدارك 3: 404، و انظر: الذخيرة: 288، و الرياض 1: 168.

(4) انظر: الذكرى: 160.

(5) التهذيب 2: 313- 1276، مسائل علي بن جعفر: 239- 560، الوسائل 5: 363 أبواب ما يسجد عليه ب 14 ح 5.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 242

و الآخر: في الدعائم: «و أكمل ما يجزي أن يصيب الأرض من جبهتك قدر درهم» «1».

قيل: و هما نصّ فيما قالوه [1].

و هو في الثاني محلّ نظر، للتقييد بالأكمل [2]. بل و كذا في الأوّل، لما مرّ من إمكان إرادة أجزاء الأمر الندبي، مع أنّ فيه في النّسخ المصحّحة الّتي رأينا من فقه الرضا: «و منخريك» مقام «يجزيك» و لا تكون له دلالة حينئذ، مضافا إلى ما فيها من الضعف الخالي عن الجابر.

و في الذكرى- بعد اختيار مقدار الدرهم- قال: لتصريح الخبر و كثير من الأصحاب، فيحمل المطلق من الأخبار و كلام الأصحاب على المقيّد «2». انتهى.

فإن أراد بالخبر بعض ما مرّ فقد عرفت حاله، و إن أراد غيره فلا نعرفه ككثير من الأصحاب.

و قد ينقل عن الإسكافي القول بوجوب استيعاب الجبهة «3».

و هو شاذّ، و لا دليل عليه سوى الصحيحة، المردودة بالشذوذ، المعارضة بأكثر منها عددا، فيجب حملها على الاستحباب جمعا، بل قطعا بقرينة التصريح بأفضليّته في الرواية المتقدّمة «4».

الثاني: وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه:
اشارة

فإنّ لما يسجد عليه مدخليّة في المعنى الحقيقي للسجدة. و تحقيق المقام في هذا المرام، و بيان ما يصحّ السجود عليه و ما لا يصحّ بعد مقدّمة و هي:

______________________________

[1] لم نعثر على قائله.

[2] يوجد في نسخة الدعائم التي بأيدينا: «أقل» بدل «أكمل».

______________________________

(1) الدعائم 1: 164، مستدرك الوسائل 4: 458 أبواب السجود ب 8 ح 1.

(2) الذكرى: 201.

(3) حكاه عنه في الرياض 1: 168.

(4) ص 240، الرقم (4).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 243

أنّ السجود، هل هو وضع الجبهة على الأرض؟ كما فسّرت به سجدة الصلاة في بعض كتب اللغة «1»، و تؤيّده- على ما قيل- مرسلتا الفقيه: «السجود

على الأرض [فريضة] و على غير الأرض سنّة» [1] و في إحداهما: «و الخمرة» مكان «غير الأرض» [2] دلّتا على أنّ السجدة المأمور بها في كتابه سبحانه هي وضع الجبهة على الأرض.

أو الانحناء حتى يساوي موضع جبهته موقفه مع وضعها على شي ء؟ كما فسّرت به بعض الكتب الفقهيّة «2»، و يؤيّده عدم اشتراط الأرض فيما يوضع عليه غير الجبهة مع إطلاق السجود عليه.

الظاهر هو الثاني، لعدم صحّة السلب، و عدم تبادر الغير، و ثبوت الاستعمال في الأعم، و عدم ثبوته في غيره، فيتّحد المستعمل فيه المعلوم، فيكون الأصل فيه الحقيقة، و نحو قوله في الأخبار الكثيرة: السجود على الأرض و على غير الأرض، فإنّ المستفاد منه خروج كونها على الأرض عن معناها.

و أمّا ما مرّ من قول بعض اللغويين، فالظاهر أنّ المراد من الأرض مطلق ما يحاذي الموقف، لأنّه إنّما فسّر سجدة الصلاة بذلك مع أنّه من العامّة التي لا يشترط ذلك عنده فيها أصلا، بل على عدم الاشتراط إجماعهم، و مع أنّه في بيان المعنى الشرعي، و قوله فيه ليس بحجة قطعا.

و من هذا القبيل ما قال بعض فقهائنا: و يجب وضع سبعة أعظم على الأرض «3»، مع أنّه لا يقول باشتراط الأرض في غير الجبهة.

______________________________

[1] الفقيه 1: 174- 824، الوسائل 5: 345 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 8. و أضفنا ما بين المعقوفين من المصدر و فيه: «على غير ذلك» بدل: «على غير الأرض».

[2] لم نعثر على هذه المرسلة في الفقيه، و وجدناها في الكافي عن محمّد بن يحيى بإسناده. الكافي 3:

331 الصلاة ب 27 ح 8، الوسائل 5: 345 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 7.

______________________________

(1) انظر: الصحاح 2:

483، و لسان العرب 3: 206.

(2) كما في المفاتيح 1: 142.

(3) كما في مفاتيح الشرائع 1: 143.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 244

و أمّا المرسلتان، فليستا بنصّين و لا ظاهرتين في إرادة ما ذكر، بل لهما محامل أخر أيضا.

هذا بيان معنى السجدة لغة، و مقتضاه بضميمة الأصل: حصول الامتثال بكلّ ما يسجد عليه.

و لكن هاهنا أصلا آخر هو عدم جواز السجود إلّا على الأرض أو ما أنبتته شرعا، حصل ذلك الأصل بالإجماع المحقّق، و المحكي في المعتبر و التذكرة و المدارك «1»، و غيرها، و الأخبار، كصحيحة هشام: «لا يجوز السجود إلّا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلّا ما أكل أو لبس» «2».

و المروي في قرب الإسناد، و فيه بعد السؤال عن السجود: «لا يصلح حتى يضع جبهته على الأرض» «3».

المؤيّدة بصحيحة حمّاد: «السجود على ما أنبتت الأرض إلّا ما أكل أو لبس» «4».

و رواية البقباق: «لا يسجد إلّا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلّا القطن و الكتان» «5» و غيرهما من المستفيضة.

فليكن ذلك أصلا ثانويا في يدك، و مقتضاه عدم جواز السجود على كلّ ما علم عدم أرضيّته أو نباتيّته، أو شك فيهما إلّا ما أخرجه الدليل، فالمرجع حينئذ ذلك الأصل، فإن حصل الشك بعد الرجوع إليه- لتعارض أو نحوه- فالمرجع

______________________________

(1) المعتبر 2: 117، التذكرة 1: 91، المدارك 3: 241.

(2) الفقيه 1: 177- 840، التهذيب 2: 234- 925، الوسائل 5: 343 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 1.

(3) قرب الإسناد: 201- 772، الوسائل 5: 363 أبواب ما يسجد عليه ب 14 ح 6.

(4) الفقيه 1: 174- 826، التهذيب 2: 313- 1274، الوسائل 5: 344 أبواب ما يسجد عليه ب

1 ح 2.

(5) الكافي 3: 330 الصلاة ب 27 ح 1، التهذيب 2: 303- 1225، الاستبصار 1:

331- 1241، الوسائل 5: 344 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 245

الأصل الأوّل.

[مسائل ]
اشارة

إذا عرفت هذه فاعلم أنّ ما يمكن أن يسجد عليه إمّا أرض أو نباتها أو غيرهما، و الثاني على قسمين: الأوّل المأكول أو الملبوس، و الثاني غيرهما، فهذه أربعة أقسام، و هاهنا أقسام أخر: ما يشك في أرضيّته أو في نباتيّته، أو في مأكوليّته و ملبوسيّته.

فهذه أقسام تذكر أحكامها في مسائل:

المسألة الأولى [لفظ الأرض موضوع لتمام الكرة]

اعلم أنّ في كرة الأرض اجزاء مختلفة الحقائق عرفا، ترابيّة و رمليّة و جصّيّة و كحليّة و زرنيخيّة و ملحيّة و قيريّة و حجريّة و نحاسيّة و حديديّة و ذهبيّة و هكذا إلى آخر الفلزّات و الجواهر و المعادن، و لفظ الأرض موضوع لتمام الكرة أو مع قطعة عظيمة منها أيضا، و ليس موضوعا لكلّ جزء جزء منها بخصوصه، كما في لفظ الماء الموضوع للكلّ و الجزء، و إلّا لصدق على كلّ جزء الأرض إذا انفصل من الأرض أيضا، و ليس كذلك.

و لكن هذه الأجزاء الكائنة فيها: منها ما هو جزء للأرض أيضا، و يصدق عليه أنّه بعض الأرض و أنّه جزء أرضي، و منها ما ليس كذلك بل جزء فيها.

و الضابط في التفرقة بينهما أن تفرض كرة الأرض من ذلك الجزء خالصة فإن صدق عليها اسم الأرض حينئذ أيضا، أو فرضت كرة أخرى منه خالصة فإن صدق أنّه تعدّدت كرة الأرض، أو إذا حصلت قطعة عظيمة منه في الهواء صدق أنّها أرض ارتفعت، فهو جزء أرضى أو جزء للأرض و بعض منها، و ذلك كالتراب و الرمل بل الجصّ.

و إن لم يصدق ذلك فليس جزءا أرضيّا و لا بعضا منه، كالفضّة و الذهب و الحديد و نحوها.

فما كان من الأوّل يصدق على السجود عليه حال اتصاله بالأرض أنّه سجود على الأرض و إن

لم يكن هو بخصوصه إلّا بعض الأرض- كصدق تقبيل زيد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 246

و رؤيته على تقبيل جزء من وجهه و رؤيته- و يصحّ السجود عليه قطعا.

و ما كان من الثاني فإمّا لا يصدق على السجود عليه حال الاتّصال السجود على الأرض، أو يشكّ في صدقه عليه، و على التقديرين لا يكون السجود عليه صحيحا، للأصل الثانوي المتقدّم.

إذا عرفت ذلك تعلم أنّه يصحّ السجود على التراب و الرمل إذا تمكّنت الجبهة عليه حال اتّصالهما بالأرض، لصدق السجود على الأرض، الصحيح بالإجماع، بل الضرورة و استفاضة النصوص، بل تواترها معنى.

و أمّا ما في صحيحة محمّد بن الحسين: «لا تصلّ على الزجاج و إن حدّثتك نفسك أنّه ممّا أنبتت الأرض، و لكنّه من الملح و الرمل و هما ممسوخان» «1».

فلا يدلّ على عدم جواز السجود على الرمل، بل يدل على عدم جوازه على الحاصل منه و من الملح معا، و هو كذلك.

و أمّا قوله «و هما ممسوخان» فيمكن أن يكون المراد منه أنّهما مسخا فصارا زجاجا، لا أنّهما بنفسهما ممسوخان من الأرض.

و أمّا الحجر، فإن قلنا بكونه أرضا- كما هو ظاهر الأكثر بل صريحهم- فجواز السجود عليه ظاهر.

و إن قلنا بعدم أرضيّته، كما عن ظاهر الإسكافي «2»، و السرائر «3»، و صريح بعض المتأخرين «4»، بل هو ظاهر الشيخ في النهاية أيضا، حيث قال بعد نفيه جواز السجود إلّا على الأرض أو ما أنبتته، و حكمه بجواز السجود على الأرض: و لا بأس بالسجود على الجصّ و الآجر و الحجر و الخشب «5».

______________________________

(1) الكافي 3: 332 الصلاة ب 27 ح 14، التهذيب 2: 304- 1231، الوسائل 5: 360 أبواب ما يسجد عليه ب 12

ح 1.

(2) حكاه عنه في المختلف: 48.

(3) السرائر 1: 137.

(4) انظر: مفاتيح الشرائع 1: 62.

(5) النهاية: 103.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 247

أو شككنا في أرضيّته، كما هو كذلك.

لم تكن الأرضيّة موجبة لجواز السجود عليه. و لكن يحكم بصحته، للإجماع عليها، مضافا إلى روايات حمران، و الحلبي، و عيينة.

الأولى:

«فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد» «1».

و الثانية:

«دعا أبي بخمرة فأبطأت عليه، فأخذ كفّا من حصباء فجعله على البساط ثمَّ سجد» «2».

و الثالثة:

أدخل المسجد في اليوم الشديد الحرّ فأكره أن أصلّي على الحصى، فأبسط ثوبي فأسجد عليه؟ قال: «نعم لا بأس» «3».

و هي و إن كانت واردة في حال الانفصال، و لكن ما يجوز السجود عليه منفصلا يجوز متّصلا ضرورة.

و لا فرق بين أنواع الحجر من برام و رخام و نحوهما، و بالجملة كلّ ما يسمّى حجرا عرفا بالإطلاق حتى ما يقال له بالفارسية: مرمر، للإجماع المحقّق، و المحكي في كنز العرفان «4»، بل- كما قيل- بالضرورة «5»، و صدق الحصى و الحصباء على صغار الكلّ.

و لا يضرّ إطلاق المعدن على بعض أنواعه، بل كلّها، لعدم دليل على المنع في مطلق المعدن. و لا احتمال تكوّنه من الماء، و إلّا لم يجز السجود على حجر، لقيام الاحتمال في الكلّ.

______________________________

(1) الكافي 3: 332 الصلاة ب 27 ح 11، التهذيب 2: 305- 1234، الاستبصار 1:

335- 1259، الوسائل 5: 347 أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 2.

(2) الكافي 3: 331 الصلاة ب 27 ح 4، التهذيب 2: 305- 1235، الوسائل 5: 347 أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 3، و فيها: «حصى» بدل «حصباء».

(3) التهذيب 2: 306- 1239، الاستبصار 1: 332- 1248، الوسائل

5: 350 أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 1.

(4) كنز العرفان 1: 26.

(5) انظر: شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 248

نعم، لا يجوز فيما علم فيه الإجماع على عدم الجواز.

و الأحوط عدم السجود على حجر الكحل.

و أمّا الحجر الجصّي و الأرض الجصّية فيصحّ السجود عليه، لصدق الأرض أو الحجر و لو بعد الحرق، لاستصحاب الأرضية أو الحجرية، و لصحيحة ابن محبوب: عن الجصّ يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى ثمَّ يجصّص به المسجد، أ يسجد عليه؟ فكتب إليه بخطّه: «إنّ الماء و النار قد طهّراه» «1».

و حملها على التقيّة لا وجه له بعد عدم معارض معلوم. و كون السؤال عن السجود، و الجواب عن التطهّر غير ضائر، إذ يدلّ السؤال على أنّ الشك في السجود إنّما هو لملاقاة العذرة و عظام الموتى. و كذا لا يضرّ عدم كونهما مطهّرين بهذا النحو، لعدم تحقّق التنجس أيضا، فالمراد ارتفاع النفرة.

و الظاهر جواز السجود على النورة، أمّا قبل الإحراق فلكونه حجرا، و أمّا بعده فللاستصحاب. و لا يضر عدم إطلاق الحجر حينئذ، لجواز أن يكون سبب جواز السجود على الحجر أرضيّته، و زوالها هنا مشكوك فيه.

و لا يصحّ على شي ء من الأراضي الفلزّيّة و الجوهريّة و الملحيّة و القيريّة و نحوها بالإجماع، لما مرّ، مع تأيّده ببعض النصوص «2» و إن كانت واردة في البعض بالخصوص.

و أمّا ما في بعض الأخبار من نفي البأس عن السجود على القير و القار «3»، فمع شذوذه المخرج له عن الحجيّة، لعدم معلوميّة قائل بالجواز فيه، كما صرّح به الأردبيلي «4»، بل على خلافه اتّفاق الأصحاب، كما في الحدائق «5».

______________________________

(1) الكافي 3: 330 الصلاة ب 27 ح 3،

الفقيه 1: 175- 829، التهذيب 2: 306- 1237، الوسائل 5: 358 أبواب ما يسجد عليه ب 10 ح 1.

(2) انظر: الوسائل 5: 360 أبواب ما يسجد عليه ب 12.

(3) انظر: الوسائل 5: 353 أبواب ما يسجد عليه ب 6.

(4) مجمع الفائدة 2: 118.

(5) الحدائق 7: 256.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 249

معارض بما هو أقوى منه سندا، كحسنة زرارة: قلت له: أسجد على الزّفت؟- يعني القير- فقال: «لا» «1».

فإنّ السؤال عن الجواز قطعا فالنفي له.

و الترجيح لها، لمخالفتها العامّة، و اختصاصها بغير حال الضرورة، و الأوّل موافق لها [1]، و أعمّ منه. مع أنّه مع التكافؤ يرجع إلى أصالة عدم الجواز.

و مع ذلك لا دلالة لما نفي البأس فيه عن الصلاة، لجواز كون المراد القيام عليه حال الصلاة [2].

فتجويز القول بالكراهة- كما في المدارك و الوافي «2»- لا وجه له.

ثمَّ إنه ظهر ممّا ذكرنا أنّ المناط في تعيين ما لا يصحّ السجود عليه من الأجزاء الكائنة في الأرض: عدم صدق كونه بعض الأرض، بل الشك في صدقه أيضا إذا لم يسبق بالعلم بالصدق أوّلا حتى يستصحب، كما في الأجزاء المذكورة، لاحتمال كونها مخلوقة كذلك ابتداء أو متكوّنة من الأرض و غيره من ماء و نحوه.

و أمّا جعل الضابط، المعدنيّة- كما في كلام كثير من الأصحاب «3»- فعندي غير حسن، لصدق المعدن لغة و عرفا على الأعمّ من ذلك، فيقال: معدن الحجر الفلاني و التراب الكذائي، كمعدن حجر الرحى و التراب الأحمر و الجصّ و غيرها، مع أنّه لم يرد نصّ متضمّن لذلك اللفظ حتى يجب جعله المناط.

المسألة الثانية:

اعلم أنّه لا يصدق على شي ء من أجزاء الأرض حال

______________________________

[1] ادّعى المجلسي (ره) في البحار 82: 156

اتفاق المخالفين على الجواز، و لكن لم نجد في كتبهم تصريحا بذلك.

[2] مع أنّ في إرادة القير من القار نظرا لجواز أن يكون المراد منه الأشياء السود ممّا و هم السجود عليه، و يكون النهي للغيرية فيما ورد النهي عنه فيه. منه رحمه اللَّه.

______________________________

(1) الكافي 3: 330 الصلاة ب 27 ح 2، التهذيب 2: 303- 1226، الاستبصار 1:

331- 1242، الوسائل 5: 346 أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 1.

(2) المدارك 3: 244، الوافي 8: 736.

(3) انظر: جامع المقاصد 1: 160، و روض الجنان: 222، و المدارك 3: 243.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 250

انفصاله عنها اسم الأرض قطعا، كما صرّح به بعض متأخري المتأخرين «1»، و لا يطلق عليه اسمها حقيقة، لعدم التبادر، و صحّة السلب عرفا، فيكون مثل أجزاء الفرس حيث إنّه لا يصدق على شي ء منها حال الانفصال أنّه فرس. نعم يصدق عليه اسم بعض الأرض و جزئها الأرضى.

و كذا لا يصدق على السجود عليه أنّه سجود على الأرض.

و لكن كلّ ما صحّ السجود عليه حال الاتّصال يصحّ حال الانفصال أيضا بالإجماع بل الضرورة، و لخبر الخريطة الآتي «2»، و رواية صالح بن الحكم و فيها بعد السؤال عن الصلاة في السفينة و الجواب: فقلت له: آخذ مدرة معي أسجد عليها؟ قال: «نعم» «3».

فيصحّ السجود على التراب الموضوع على مثل البساط و السجّادة، و الحصى الملقاة عليه، و على المدرة و اللّبنة و نحوها.

و لو حصل تغيّر في شي ء من ذلك موجب للشك في خروجه عن صدق بعض الأرض، و في جواز السجود عليه، يحكم بالجواز، لاستصحاب البعضيّة و الجواز.

و كذا لو تغيّر تغيّرا موجبا للخروج عن صدق بعض الأرض و

شكّ في جواز السجود عليه، فيحتمل الحكم بالجواز أيضا، لاستصحابه، حيث إنّه لم يكن التجويز هنا لصدق الأرض حتى ينتفي بانتفائه.

و لكنّ الأحوط عدم الجواز، لأنّ الظاهر أنّ الإجماع على الجواز على الأجزاء المنفصلة، و تصريح الأخبار به إنّما هو لأجل صدق الأرضيّة أي جزئيّته لها، فهما قرينتان على أنّ المراد بالسجود على الأرض السجود على بعض منها.

______________________________

(1) انظر: الذخيرة: 240، و شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) انظر: ص 267، الرقم (2).

(3) التهذيب 3: 296- 897، الوسائل 5: 354 أبواب ما يسجد عليه ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 251

و على ما ذكر تظهر صحّة السجود على الخزف و الآجر و مثل السبحة المطبوخة، وفاقا للمحكي عن الأكثر و إن أنكره بعض من تأخّر «1»، بل في عبارة الفاضلين الإشعار بالإجماع على الجواز «2».

لاستصحاب الجواز الثابت بالإجماع و الأخبار، بل صدق الأرض عليه أيضا، و لو شككت فيه فاستصحبه أيضا.

و القول بأنّ هذا الاستصحاب معارض مع استصحاب بقاء شغل الذمة، مردود بأنّ الأوّل مزيل للثاني، فلا تعارض بينهما، كما بينّاه في الأصول.

و أمّا الرضويّ المانع عن السجدة على الآجر- يعني المطبوخ «3»- فليس منعه صريحا في النهي، مع أنّه- لضعفه الخالي عن جابر- عن إفادة المنع قاصر.

المسألة الثالثة: يجوز السجود على كلّ ما أنبتته الأرض- عدا ما يجي ء استثناؤه-

بالإجماع و النصوص، منها- مضافا إلى ما مرّ- صحيحة الفضل و العجلي: «فإن كان من نبات الأرض فلا بأس بالقيام عليه و السجود عليه» «4».

و حسنة ياسر: مرّ بي أبو الحسن عليه السلام و أنا أصلّي على الطبري و قد ألقيت عليه شيئا أسجد عليه، فقال لي: «مالك لا تسجد عليه، أ ليس هو من نبات الأرض؟» «5».

و صحيحة ابن أبي العلاء: عن السجود على البورياء

و الخصفة و النبات؟

______________________________

(1) انظر: الذخيرة: 241.

(2) المحقق في المعتبر 1: 375، العلامة في التذكرة 1: 62.

(3) فقه الرضا (ع): 113، مستدرك الوسائل 4: 10 أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح 1.

(4) الكافي 3: 331 الصلاة ب 27 ح 5، التهذيب 2: 305- 1236، الاستبصار 1:

335- 1260، الوسائل 5: 344 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 5.

(5) الفقيه 1: 174- 827، التهذيب 2: 308- 1249، الاستبصار 1: 331- 1243، الوسائل 5: 348 أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 252

قال: «نعم» «1».

و صحيحة محمّد: «لا بأس بالصلاة على البورياء و الخصفة و كلّ نبات إلّا التمرة» «2».

و استثناء التمرة قرينة على أنّ المراد بالصلاة السجود.

و أمّا صحيحة علي: عن الرجل يصلّي على الرطبة النابتة [1] قال، فقال:

«إذا ألصق جبهته بالأرض فلا بأس» الحديث «3».

فلا تنافي عموم ما مرّ، إذ المسؤول عنه هو الصلاة على الرطبة دون السجود، فيحتمل أن يكون السؤال باعتبار عدم حصول التمكّن عليه فلذا أجاب بما أجاب.

و على هذا فيصحّ السجود على كلّ خشب و ورق و قصب و علف و ورد و زهر، و على التبن و التنباك و المروحة و العود و العصا و السواك و البورياء و الحصير، و بالجملة كلّ ما أنبتته الأرض.

و لو شك في شي ء أنّه هل هو نبات أو لا، فلا يصحّ السجود عليه، للأصل المتقدّم.

و لو كان على نبات صبغ، فإن كان له جرم لا يسجد عليه لم يجز السجود عليه، و إلّا جاز.

و كذا يجوز على النبات لو سحق أو جفّ، و على الفحم، لصدق النبات و الاستصحاب.

و لا يجوز على الرماد، لخروجه عن

اسم النباتيّة جدّا، و تبدّل صورته النوعيّة

______________________________

[1] الرطبة: ما يقال له في الفارسيّة: يونجه. منه رحمه اللَّه.

______________________________

(1) التهذيب 2: 311- 1261، الوسائل 5: 346 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 10.

(2) الفقيه 1: 169- 800 و فيه: الّا الثمرة، التهذيب 2: 311- 1262، الوسائل 5: 345 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 9.

(3) الكافي 3: 332 الصلاة ب 27 ح 13، الفقيه 1: 162- 762، التهذيب 2: 304- 1230، الوسائل 5: 361 أبواب ما يسجد عليه ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 253

النباتيّة.

و لا على الحاصل من النبات ممّا لم يتعلّق به نفس نباتيّ و لا نموّ له، كالصمغ، و مياه النباتات إذا عصر و انجمد، لأنّه ليس نباتا.

و قال بعض مشايخنا المحققين بجواز السجود على ماء البقّم إذا كتب به، لأنّه من نبات الأرض [1]. و هو ضعيف جدّا.

المسألة الرابعة: يستثنى من النبات ما يؤكل و يلبس،

فلا يجوز السجود عليهما إجماعا من غير السيّد في بعض رسائله الغير القادح خلافه في ثياب القطن و الكتان «1»، و للنصوص المتقدّمة جملة منها.

و منها حسنة زرارة: أسجد على الزّفت؟ قال: «لا، و لا على الثوب الكرسف، و لا على الصوف، و لا على شي ء من الحيوان، و لا على طعام، و لا على شي ء من ثمار الأرض، و لا على شي ء من الرياش» «2».

و المرويّان في العلل و الخصال، الأوّل: «السجود لا يجوز إلّا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلّا ما أكل أو لبس» إلى أن قال: «لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون و يلبسون، و الساجد في سجوده في عبادة اللَّه عزّ و جل، فلا ينبغي أن يضع جبهته على معبود أبناء الدنيا» «3».

و

الثاني: «لا يسجد الرجل على كدس حنطة و لا شعير و لا لون ممّا يؤكل» «4».

و في الأخير أيضا: «لا يسجد إلّا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلّا

______________________________

[1] شرح المفاتيح (المخطوط). و البقّم: خشب شجره عظام و ورقه كورق اللوز و ساقه أحمر يصبغ بطبيخه- القاموس المحيط 4: 82.

______________________________

(1) انظر: الموصليات الثانية (رسائل السيّد المرتضى 1): 174.

(2) الكافي 3: 330 الصلاة ب 27 ح 2، التهذيب 2: 303- 1226، الاستبصار 1:

331- 1242، الوسائل 5: 346 أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 1.

(3) العلل: 341- 1، الوسائل 5: 343 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 1.

(4) الخصال: 628، الوسائل 5: 344 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 254

المأكول و القطن و الكتان» «1».

و الرضوي: «كلّ شي ء يكون غذاء الإنسان في المطعم و المشرب من الثمر و الكثر [1]، فلا تجوز الصلاة عليه، و لا على ثياب القطن و الكتان و الصوف و الشعر و الوبر و على الجلد، و لا على شي ء يصلح اللبس فقط و هو يخرج من الأرض، إلّا أن يكون في حال ضرورة» «2» إلى غير ذلك.

خلافا للسيّد في المسائل الموصليّة فجوّز السجود على ثياب القطن و الكتان، و هو ظاهر المعتبر مع كراهة «3»، كبعض متأخّري المتأخّرين «4».

و ظاهر الشرائع و النافع «5»، و شرح الشرائع للصيمري كما حكي: التردد.

كلّ ذلك لروايات متعددة، كرواية الصرمي: هل يجوز السجود على القطن و الكتان من غير تقيّة و لا ضرورة؟ فقال: «جائز» «6».

و الصنعاني: عن السجود على القطن و الكتان من غير تقيّة و لا ضرورة، فكتب إليّ: «ذلك جائز» «7».

و رواية ياسر

المتقدّمة «8»، و غير ذلك.

و تردّ- بعد تسليم دلالة الجميع و قطع النظر عن عموم بعضها بالنسبة إلى حال الضرورة فيخصّ لها-: بأنّها شاذّة غير صالحة للحجيّة، إذ لم يفت بها صريحا

______________________________

[1] الكثر: جمّار النخل- أي شحمة- أو طلعة. القاموس 2: 125.

______________________________

(1) الخصال: 604، الوسائل 5: 344 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 3.

(2) فقه الرضا (ع): 302، مستدرك الوسائل 4: 6 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 3.

(3) المعتبر 2: 119.

(4) الفيض في الوافي 8: 742.

(5) الشرائع 1: 73، المختصر النافع: 27.

(6) التهذيب 2: 307- 1246، الاستبصار 1: 332- 1246، الوسائل 5: 348 أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 6.

(7) التهذيب 2: 308- 1248، الاستبصار 1: 333- 1253، الوسائل 5: 348 أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 7.

(8) في ص 251.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 255

إلا السيّد في رسالته، مع أنّه قد أفتى بالمنع في الجمل و المصباح و الانتصار «1»، و نقل فيه إجماع الطائفة على المنع، كالشيخ في الخلاف «2»، و الفاضل في المختلف «3».

و لو سلّمت الحجيّة أيضا فتعارض ما مرّ من أخبار المنع عموما و خصوصا، و الترجيح للمنع بمخالفة العامّة «4» و موافقة أخبار الجواز لها، كما صرّح به في صحيحة ابن يقطين: «لا بأس بالسجود على الثياب في حال التقيّة» «5» فتكون محمولة على التقيّة.

و لا ينافيه طلب السائل في بعضها الجواب من غير تقيّة [1]، إذ لا يلزم الإمام إلّا الجواب بما فيه مصلحة السائل من التقيّة أو غيرها و إن ألحّ عليه في سؤال الحكم من غير تقيّة.

ثمَّ المراد بالمأكول: مأكول الإنسان إجماعا، كما صرّح به في الرضوي، و هو

المتبادر منه.

و بما أكل أو لبس: ما صدق عليه المأكول و الملبوس في عرف المحاورات، و هو ما كان مأكولا و ملبوسا عادة، إذ غيره لا يصدق عليه اللفظان عرفا، بل لا يتبادر منها غيره، و لأنّه المدلول عليه من التعليل المذكور في العلل، إذ ما لا يعتاد أكله أو لبسه ليس ممّا يعبد. و كذا يدلّ عليه لفظ الطعام و الغذاء المتقدّمين.

فلا منع في السجود على ما أكل أو لبس نادرا أو في مقام الاضطرار، كالعقاقير التي تجعل في الأدوية من النباتات التي لم يطّرد أكلها، لدخولها فيما أنبتت الأرض مع عدم شمول الاستثناء لها.

______________________________

[1] كما في روايتي الصرمي و الصنعاني المتقدمتين.

______________________________

(1) حكاه عن الجمل في شرحه للقاضي: 75 و عن المصباح في المنتهى 1: 251، الانتصار: 38.

(2) الخلاف 1: 357.

(3) المختلف: 86.

(4) انظر: نيل الأوطار 2: 289.

(5) الفقيه 1: 176- 831، التهذيب 2: 235- 930، الوسائل 5: 349 أبواب ما يسجد عليه ب 3 ح 1 و 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 256

و في مثل الزنجبيل و الزعفران و الدارجيني و العنّاب و نحوها وجهان، أقربهما جدّا المنع، لاعتياد أكلها.

و أمّا مثل عود الصندل و أصل الخطمي و ورقه و ورده و ما ماثلها، فالأقرب الجواز، لعدم الاعتياد.

و لو اعتيد أكل شي ء أو لبسه في قطر دون قطر، ففي اعتبار قطر الشارع لوجوب حمل اللفظ على متعارفة، أو اختصاص كلّ قطر بمعتاده لصدق اللفظ في أحدهما و عدمه في الآخر، أو المنع مطلقا لصدق المأكول عادة و لأنّ الحنطة و الشعير و التمر و الأرزّ و أمثالها يطّرد أكلها في قطر دون آخر، مع انعقاد الإجماع فيها على المنع، أوجه.

و الصحيح

أن يقال: إنّه إن كان ممّا يصدق عليه المأكول و الملبوس عند أهل كلّ من القطرين و إن قال أحدهما ما نعتاد بأكله، لا يجوز السجود عليه كالخبز، فإنّه و إن لم يعتد أكله عند أكثر أهل الطبرستان و بادية العرب و لكنّهم يقولون إنّه من المأكولات و إن لم يعتد أكله، و مثله الجبن و اللحم عند بعض الناس حيث لا يأكلونهما و يتحاشون عنهما و لكن لا يسلبون عنهما اسم المأكول.

و إن كان ممّا لا يصدق عليه المأكول و الملبوس عادة عند الطائفتين فيجوز السجود عليه، كالفحم و الطين و أصول بعض النباتات، حيث قد يعتاد بأكله بعض الناس و مع ذلك يقولون إنّه ليس بمأكول و لكنّا أعتدنا أكله.

و إن كان ممّا يصدق عليه المأكول و الملبوس عادة عند إحدى الطائفتين دون الأخرى، بل الأخرى تسلب عنه الاسم، فإن كانت إحداهما نادرة غير ملتفت إليهم و إلى عرفهم كأهل بادية بعيدة عن العمران أو جزيرة أو قرية من أطراف الأرض، و كان المعظم على خلافه، فالاعتبار بالمعظم، إذ قد عرفت أنّ المراد ممّا صدق عليه اللفظ عرفا، و المصداق العرفي ما عليه معظم الإنسان.

و إن لم تكن إحداهما كذلك بل كان عرف كلّ منهما ممّا يعتنى به و يلتفت إليه، فالحقّ الجواز، لحصول الشك في الاستثناء، و صدق النبات.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 257

و لو شاع أكل شي ء أو لبسه في عصر ثمَّ ترك و هجر في عصر آخر حتى زالت العادة، أو لم يعتد أكله أو لبسه ثمَّ شاع و اعتيد، فالحكم للسابق، للاستصحاب.

و تحتمل متابعة التسمية، فلكلّ زمان حكمه.

و لو كان لشي ء حالتان شاع أكله في إحداهما و

لم يؤكل في الأخرى أو ندر، كقشر اللوز و ورق الكرم، اختصّ المنع بحالة الأكل. و نحوه التين، فإنّه في بدء ظهوره لا يؤكل فيجوز السجود عليه، و لا يجوز إذا نضج.

و لو كان لشي ء أجزاء مأكولة أو ملبوسة و غيرهما كان لكلّ منهما حكمه، فيصحّ السجود على قشر الجوز و الرمّان و البطّيخ، و نواة التمر و المشمش، و قشر القطن و حبّه، و لا يجوز على لبّها، و كذا يجوز السجود على قشر بذر القرع و البطّيخ و نحوهما.

و لو كان شي ء ممّا يؤكل تبعا لآخر و لا يؤكل منفردا، جاز السجود حال الانفراد، كنواة العنب و الرمّان و قشر الحنطة و الشعير و القشر الرقيق على البصل و نحوها.

و لا يشترط في المأكول و الملبوس فعلية الانتفاع بهما، بل يكفي كونهما كذلك و لو بعد علاج فيه أو عمل، للصدق العرفي. فإنّ مثل اللوز المرّ و الحنطة و الشعير و القطن و الكتّان يصدق عليه المأكول و الملبوس عادة مع توقّف الأوّل على جعله حلوا، و الثانيين على الطحن و العجن و الطبخ، و الأخيرين على الغزل و النسج و الخياطة و غيرها.

خلافا للمحكي عن الفاضل في جملة من كتبه، فجوّز على الحنطة و الشعير قبل الطحن، لكونهما غير مأكولين عادة، و لكون القشر في الشعير حائلا بين المأكول و الجبهة «1».

و المناقشة فيهما- بعد ما عرفت من صدق كونهما مأكولين عادة- واضحة، مع أنّ الحنطة تشوى و تؤكل قبل الطحن أيضا شائعا، و كان كذلك قشر الشعير في

______________________________

(1) التذكرة 1: 92، المنتهى 1: 251، التحرير 1: 34.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 258

الصدر الأوّل، فقد حكي أنّه كان يؤكل غير

منخول و أوّل من نخلة معاوية «1»، على أنّ الطعام المنهيّ عن السجود عليه في الحسنة «2» شامل للحنطة و الشعير قبل الطحن لغة و عرفا و شرعا، بل في المرويّ عن الخصال- المنجبر ضعفه لو كان بالشهرة العظيمة- تصريح بالمنع عن السجود على الحنطة و الشعير «3».

و للمحكي عنه في النهاية، فجوّز على القطن و الكتّان قبل الغزل و النسج، و توقّف بعد الغزل «4». و ضعفه ظاهر ممّا مرّ.

و أمّا المرويّ عن تحف العقول: «كلّ شي ء يكون غذاء الإنسان في مطعمه أو مشربه أو ملبسه فلا تجوز الصلاة عليه و لا السجود، إلّا ما كان من نبات الأرض من غير ثمر قبل أن يصير مغزولا، و أمّا إذا صار مغزولا فلا تجوز الصلاة عليه إلّا في حال الضرورة» «5».

فلا يصلح للاستناد، لضعفه الخالي عن الجابر.

المسألة الخامسة: لا يجوز السجود على الوحل،

لأنّه ليس بأرض و لا ما أنبتته، و لعدم تمكّن الجبهة عليه، و يؤيّده بعض الأخبار «6».

فإن لم يقدر إلّا عليه، فإن تمكّن من غمس الجبهة فيه بحيث يصل إلى الأرض و يتمكّن عليها بلا مشقّة و ضرر وجب.

و إلّا فإن تمكّن من الجلوس و وضع الجبهة على الوحل بحيث يصدق السجدة بلا ضرر و مشقّة وجب، لعمومات السجود، و عدم توقّف صدقه على تمكّن الجبهة.

و إلّا فيركع ثمَّ يسجد إيماء كما هو قائم، لموثقة الساباطي: عن الرجل

______________________________

(1) كما في الحدائق 7: 257.

(2) راجع ص 253.

(3) راجع ص 253.

(4) نهاية الإحكام 1: 362.

(5) تحف العقول: 252، الوسائل 5: 346 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 11.

(6) انظر: الوسائل 5: 141 أبواب مكان المصلي ب 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 259

يصيبه المطر و هو لا يقدر

أن يسجد فيه من الطين و لا يجد موضعا جافّا، قال:

«يفتتح الصلاة فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلّى، فإذا رفع رأسه من الركوع فليومئ للسجود إيماء و هو قائم، يفعل ذلك حتى يفرغ من الصلاة و يتشهّد و هو قائم ثمَّ يسلّم» «1».

و ظاهر الرواية عدم إمكان الجلوس، حيث حكم بالتشهّد قائما أيضا، فإنّه يجب الجلوس له مع إمكانه إجماعا، و لا وجه لسقوطه بعدم إمكان السجود.

و لو أمكن فهل يجب الجلوس للسجود أو يومئ قائما؟

الظاهر جواز الأمرين، لعدم دليل على وجوب الجلوس للسجود.

و الاستدلال له بمثل قوله: «لا يسقط الميسور بالمعسور» «2» فاسد كما مرّ مرارا.

نعم، الظاهر وجوب الجلوس للسجدة الثانية، لوجوب الجلوس بين السجدتين، فتأمّل.

المسألة السادسة: يجوز السجود على القرطاس،

بلا خلاف فيه في الجملة، إلّا عن الشهيد في البيان و الذكرى، حيث توقّف فيهما «3». بل عن ظاهر جماعة «4»، و صريح المسالك و الروضة «5»: الإجماع عليه.

و تدلّ عليه صحيحة ابن مهزيار: عن القراطيس و الكواغذ المكتوبة، هل يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب: «يجوز» «6».

و الجمّال: رأيت أبا عبد اللَّه عليه السلام في المحمل يسجد على القرطاس،

______________________________

(1) التهذيب 2: 312- 1266، الوسائل 5: 142 أبواب مكان المصلي ب 15 ح 4.

(2) عوالي اللئالي 4: 58- 205.

(3) البيان: 134، الذكرى: 160.

(4) انظر: التذكرة 1: 92، و الذخيرة: 242، و الرياض 1: 144.

(5) المسالك 1: 26، الروضة 1: 227.

(6) الفقيه 1: 176- 830، التهذيب 2: 309- 1250، الاستبصار 1: 334- 1257، الوسائل 5: 355 أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 260

و أكثر ذلك يومئ إيماء «1».

و الظاهر أنّ المراد أنّ أكثر سجوده كان بالإيماء و هو حال السير

و عدم التمكن من السجود، و إذا تمكّن كان يسجد على القرطاس.

و أمّا صحيحة جميل: «كره أن يسجد على قرطاس فيه كتاب» «2».

ففي دلالتها منفردة نظر، لعدم تعيّن إرادة المعنى المصطلح من الكراهة، و عدم حجّية مفهوم الوصف.

احتجّ الشهيد للمنع: باشتماله على النورة المستحيلة، ثمَّ قال: إلّا أن يقال: الغالب جوهر القرطاس، أو إنّ جمود النورة يردّ إليها اسم الأرض «3».

و في احتجاجه و توجيهه نظر.

أمّا احتجاجه: فعلى القول بجواز السجود على النورة ظاهر، و على القول بعدمه يجب تخصيص النورة التي في القرطاس لرواياته.

و أمّا التوجيهان: فلأنّ أغلبيّة المسوّغ لا تكفي مع امتزاجه بغيره و اختلاط أجزائهما بحيث لا يتميّز، و جمود النورة لا يردّ إليها اسم الأرض لو لم تسمّ بها أوّلا، و إلّا فلا وجه للاستشكال.

ثمَّ مقتضى إطلاق الصحيحة الاولى و كلام أكثر الأصحاب بل تصريح جماعة «4»: عدم الفرق في القرطاس بين المتخذ من القنّب [1] و القطن و الكتان و الإبريسم.

خلافا للمحكي عن التذكرة «5»، فاعتبر فيه كونه مأخوذا من غير الإبريسم،

______________________________

[1] القنّب: بالضم و فتح النون المشددة: نبات يؤخذ لحاؤه ثمَّ يفتل حبالا. مجمع البحرين 2: 150.

______________________________

(1) التهذيب 2: 309- 1251، الاستبصار 1: 334- 1258، الوسائل 5: 355 أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح 1.

(2) الكافي 3: 332 الصلاة ب 27 ح 12، التهذيب 2: 304- 1232، الاستبصار 1:

334- 1256، الوسائل 5: 356 أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح 3.

(3) الذكرى: 160.

(4) انظر: الذخيرة: 242، و الحدائق 7: 347، و الرياض 1: 144.

(5) التذكرة 1: 92.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 261

و أرجع إليه إطلاق كلام علمائنا، لأنّه ليس بأرض و لا نباتها، و على هذا

فيجب استثناء المأخوذ من الصوف أيضا.

و فيه: أنّ هذا إنّما يصحّ، إذا جوّزنا السجود على النورة، و قلنا بصدق النبات على القرطاس المتّخذ من النبات، فإنّه يكون التعارض حينئذ بين العمومات المانعة عن السجود على غير الأرض و نباتها «1» و بين الصحيحة بالعموم من وجه، فيرجع في محل التعارض و هو القرطاس المتّخذ من غير النبات إلى المرجّح، و لا شكّ أنّه مع المانع لمخالفته للعامّة.

و أمّا إذا قلنا بعدم جواز السجود على النورة فتكون الصحيحة أخصّ مطلقا من العمومات، فتخصّ بها، و كذا إذا قلنا بعدم صدق النبات أو ما أنبتته الأرض على القرطاس مطلقا، كما هو كذلك، و صرّح به جماعة [1]، و لا يفيد كون أصله نباتا، ألا ترى أنّه يقال لزيد إنّه ممّا أولدته زينب، و إن كان ميّتا، و كذا أجزائه، بخلاف ما إذا استحيل إلى شي ء آخر كالرميم و التراب.

و استدلّ بعض مشايخنا المحقّقين لهذا القول- بعد تقويته- بندرة المأخوذ من الإبريسم، و الإطلاق ينصرف الى الغالب «2».

و يضعّف بأنّ المجوّز عام لا مطلق، مع أنّ الندرة الموجبة لانصراف اللفظ عنها ممنوعة جدّا.

و للدروس، فلم يجوّز السجود بالقرطاس المأخوذ من القطن و الكتان أيضا «3».

و وجهه ظاهر، و ضعفه أظهر، لعدم صدق الاسمين حينئذ و لا الملبوس.

ثمَّ إنّ مقتضى الصحيحة الأخيرة كراهة السجود على القرطاس المكتوب.

و هو كذلك، لها. و به صرّح الأصحاب.

______________________________

[1] منهم المحقق في المعتبر 1: 375، و صاحب الحدائق 7: 248.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 5: 343 أبواب ما يسجد عليه ب 1.

(2) شرح المفاتيح للبهبهاني (المخطوط).

(3) الدروس 1: 157.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 262

إلّا أنّهم قالوا باشتراط الصحة حينئذ بوقوع الجبهة على المكان الخالي

عن الكتابة، أو كون المكتوب منه مما يصحّ السجود عليه، و إلّا فيحرم.

و هو حسن، لأنّه إذا كان المكتوب منه مما لا يصحّ السجود عليه لم تصدق السجدة على القرطاس حتى تشمله أخباره، و يخرج بها عن دليل المنع.

نعم يكون المنع إذا كان له جرم مانع من وصول الجبهة إلى القرطاس. و إن كان مجرد اللون فلا منع.

و الظاهر عموم الكراهة للمبصر و القارئ و غيرهما.

خلافا للحلّي، و المحكي عن المبسوط، فخصّاها بالمبصر القارئ «1» و هو مبني على استنباط أنّ العلة في الكراهة حصول الشغل، و هو مخصوص بالقارئ.

و ضعّف: بمنع أنّه العلة، بل النصّ، و هو مطلق. مع أنّ القارئ لا يشغل حين السجدة، لعدم إمكان القراءة حينئذ.

و لو كانت الكتابة في أحد وجهي القرطاس، فهل يكره السجود على الوجه الآخر لصدق أنّ فيه كتابا؟.

الظاهر: نعم، لذلك.

المسألة السابعة: يجوز السجود على غير ما مرّ جواز السجود عليه في حال الضرورة و التقيّة،

لسقوط وجوب السجود على ما يصحّ السجود عليه بالاضطرار، و عدم سقوط السجود بالإجماع، و للمستفيضة من الروايات.

كرواية عيينة: أدخل المسجد في اليوم الشديد الحرّ، فأكره أن أصلّي على الحصى فأبسط ثوبي، فأسجد عليه؟ قال: «نعم ليس به بأس» «2».

و ابن الفضيل: الرجل يسجد على كمّه من أذى الحرّ و البرد؟ قال: «لا بأس

______________________________

(1) السرائر 1: 268، المبسوط 1: 90.

(2) التهذيب 2: 306- 1239، الاستبصار 1: 332- 1248، الوسائل 5: 350 أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 263

به» «1».

و أبي بصير: عن الرجل يصلّي في حرّ شديد، فيخاف على جبهته من الأرض قال: «يضع ثوبه تحت جبهته» «2».

و الأخرى: أكون في السفر فتحضر الصلاة، و أخاف الرمضاء على وجهي، كيف أصنع؟ قال: «تسجد على بعض ثوبك» قلت: ليس

عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه و لا ذيله، قال: «اسجد على ظهر كفّك، فإنّها أحد المساجد» «3».

و الثالثة: عن الرجل يسجد على المسح، فقال: «إذا كان في تقية فلا بأس به» «4».

و علي بن يقطين: عن الرجل يسجد على المسح و البساط، فقال: «لا بأس إذا كان في حال التقيّة» «5».

و أحمد بن عمر: عن الرجل يسجد على كمّ قميصه من أذى الحرّ و البرد، أو على ردائه إذا كان تحته مسح، أو غيره ممّا لا يسجد عليه، فقال: «لا بأس به» «6».

و منصور: إنّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج، أ فنسجد عليه؟ فقال:

______________________________

(1) التهذيب 2: 306- 1241، الاستبصار 1: 333- 1250، الوسائل 5: 350 أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 2.

(2) الفقيه 1: 169- 797، الوسائل 5: 352 أبواب ما يسجد عليه ب ح 8.

(3) التهذيب 2: 306- 1240، الاستبصار 1: 333- 1249، الوسائل 5: 351 أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 5.

(4) التهذيب 2: 307- 1244، الاستبصار 1: 332- 1245، الوسائل 5: 349 أبواب ما يسجد عليه ب 3 ح 3.

(5) الفقيه 1: 176- 831، التهذيب 2: 307- 1245، الوسائل 5: 349 أبواب ما يسجد عليه ب 3 ح 1 و 2.

(6) التهذيب 2: 307- 1242، الاستبصار 1: 333- 1251 بتفاوت يسير، الوسائل 5: 350 أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 264

«لا، و لكن اجعل بينك و بينه شيئا قطنا أو كتّانا» «1».

و المروي في العلل: الرجل يكون في السفر، فيقطع عليه الطريق، فيبقى عريانا في سراويل، و لا يجد ما يسجد عليه، يخاف أن يسجد على الرمضاء أحرقت وجهه

قال: «يسجد على ظهر كفه فإنّها أحد المساجد» «2».

و الرضوي: «و إن كانت الأرض حارّة تخاف على جبهتك أن تحترق، أو كانت ليلة مظلمة خفت عقربا أو حيّة أو شوكة أو شيئا يؤذيك، فلا بأس أن تسجد على كمّك إذا كان من قطن أو كتان» «3».

ثمَّ إنّ مقتضى رواية العلل تقديم القطن و الكتان عند الضرورة على غيرهما و لو ظهر الكف. و لا تزاحمها الروايات المتضمّنة أوّلا للثوب الشامل لما كان من غيرهما، لظهور عدم مدخليّة الثوبيّة، و لا ثوب المصلّي في ذلك قطعا، بل المنظور جنسه، فيكون أعم مطلقا من القطن و الكتان، فيخصّص بهما، و يؤكّده بل يدل عليه الرضوي المنجبر بفتوى الجماعة هنا.

و مقتضى رواية أبي بصير [الأخرى ] [1] تقديم ظهر الكف على سائر الأجناس بعد القطن و الكتّان.

و حمل الأمر فيها على الإرشاد تجوّز بلا قرينة. و التخصيص بما إذا لم يمكن غيرهما تخصيص بلا مخصّص.

فالقول بالترتيب بين الثوب أي القطن و الكتّان، و بين الكف و غيرهما بتقديم الأوّل ثمَّ الثاني، كما ذكره جماعة من الأصحاب من غير نقل خلاف، بل بين الثاني و الثالث- فيقدّم الكف على غيرها و غير القطن و الكتان- قويّ جدا.

و لا تنافيه الروايات المتقدّمة المتضمّنة لتجويز السجود على المسح و البساط

______________________________

[1] في النسخ: الاولى، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(1) التهذيب 2: 308- 1247، الاستبصار 1: 332- 1247، الوسائل 5: 351 أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 7.

(2) علل الشرائع: 340- 1، الوسائل 5: 349 أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 6.

(3) فقه الرضا (ع): 114، مستدرك الوسائل 4: 7 أبواب ما يسجد عليه ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5،

ص: 265

من غير تقييد، عند التقيّة «1»، لجواز كون التقيّة في ترك السجود عليهما و وضع شي ء عليهما بل هو الظاهر، فيكون مفهوم تلك الروايات دليلا آخر على الترتيب، حيث يثبت البأس إذا لم تكن تقيّة في ذلك، بالإطلاق، فيشمل ما أمكن السجود على الثوب أو الكف.

المسألة الثامنة: ما مرّ من صحة السجود ببعض الأشياء دون بعض إنّما هو بالنسبة إلى مسجد الجبهة خاصّة،

و أمّا غيرها فيجوز وضعها على أيّ شي ء كان، بالإجماع المحقّق و المحكي في كلام جماعة، له، و للأصل الخالي عن المعارض حتى ما مرّ، لأنّ معنى السجود إنّما هو وضع الجبهة.

و لبعض الأخبار، كصحيحة حمران: «كان أبي يصلّي على الخمرة، يجعلها على الطنفسة، و يسجد عليها، فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد» «2».

و المستفاد منها وضع سائر مساجده عليه السلام على الطنفسة.

و رواية أبي حمزة: «لا بأس أن تسجد و بين كفّيك و بين الأرض ثوبك» «3».

و في الرضوي المنجبر: «و لا بأس بالقيام و وضع الكفّين و الركبتين و الإبهامين على غير الأرض» «4».

المسألة التاسعة: السجود على الأرض أفضل من غيرها مما يصحّ السجود عليه،

بلا خلاف كما قيل «5»، له، و لكونه أبلغ في التذلّل، و لجملة من الأخبار،

______________________________

(1) راجع ص 263.

(2) الكافي 3: 332 الصلاة ب 27 ح 11، التهذيب 2: 305- 1234، الاستبصار 1:

335- 1259، الوسائل 5: 347 أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 2.

(3) التهذيب 2: 309- 1254، الوسائل 5: 353 أبواب ما يسجد عليه ب 5 ح 2.

(4) فقه الرضا (ع): 114، مستدرك الوسائل 4: 8 أبواب ما يسجد عليه ب 4 ذيل حديث 1.

(5) الحدائق 7: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 266

كرواية إسحاق: عن السجود على الحصر و البواري؟ فقال: «لا بأس، و أن يسجد على الأرض أحبّ إليّ» «1» الحديث.

و صحيحة هشام: «السجود على الأرض أفضل، لأنّه أبلغ في التواضع و الخضوع للَّه عزّ و جلّ» «2».

و يستفاد من التعليل أفضليّة السجود على التراب من غيره من الأجزاء الأرضية، بل وضع سائر المساجد السبعة على الأرض، بل على التراب.

و تدلّ على استحباب وضع اليدين على الأرض صحيحة زرارة الطويلة، و

فيها في حكم اليدين عند السجود: «و إن كان تحتهما ثوب فلا يضرّك، و إن أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل» «3».

و رواية السكوني: «إذا سجد أحدكم فليباشر بكفّيه الأرض لعلّ اللَّه يدفع عنه الغلّ يوم القيامة» «4».

و ظاهرها و إن كان الوجوب و لكن يحمل على الاستحباب بقرينة ما مرّ.

و أمّا روايته الأخرى: «ضعوا اليدين حيث تضعون الوجه فإنّهما تسجدان كما يسجد الوجه» «5».

فيحتمل أن يكون المراد منه حيث يوضع الوجه من جهة الارتفاع و الانخفاض.

و أفضل أفراد الأرض للسجود التربة الحسينيّة، لمرسلة الصدوق: «السجود على طين قبر الحسين عليه السلام ينوّر إلى الأرض السابعة» «6».

______________________________

(1) التهذيب 2: 311- 1263، الوسائل 5: 368 أبواب ما يسجد عليه ب 17 ح 4.

(2) الفقيه 1: 177- 840، علل الشرائع: 341- 1، الوسائل 5: 367 أبواب ما يسجد عليه ب 17 ح 1.

(3) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83- 308، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

(4) الفقيه 1: 205- 930، الوسائل 6: 344 أبواب السجود ب 4 ح 6.

(5) التهذيب 2: 297- 1198، الوسائل 6: 357 أبواب السجود 10 ح 3.

(6) الفقيه 1: 174- 725، الوسائل 5: 365 أبواب ما يسجد عليه ب 16 ح 1. بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 267

و المرويّ في الاحتجاج: عن السجود على لوح من طين القبر، هل فيه فضل؟ فأجاب عليه السلام: «يجوز ذلك و فيه الفضل» «1».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 5    267     المسألة التاسعة: السجود على الأرض أفضل من غيرها مما يصح السجود عليه، ..... ص : 265

في مصباح الشيخ: كان لأبي عبد اللَّه

عليه السلام خريطة ديباج صفراء و فيها تربة أبي عبد اللَّه، فكان إذا حضرته الصلاة صبّه على سجّادته و سجد عليه، ثمَّ قال: «إنّ السجود على تربة أبي عبد اللَّه عليه السلام يخرق الحجب» «2».

و في كتاب الحسن بن محمّد الديلميّ: كان الصادق عليه السلام لا يسجد إلّا على تربة الحسين تذلّلا للَّه و استكانة إليه «3».

و هل تتعدّى الفضيلة إلى تربة سائر الأئمة و الأنبياء؟

احتمله في شرح النفلية «4»، و الأصل ينفيه.

ثمَّ المراد من طين القبر و التربة و إن كان ما يسمّى بذلك عرفا و هو ما على القبر أو قريب منه جدّا، و لكن في مرسلة السراج، و المروي في كامل الزيارة، و المصباحين، و مصباح الزائر، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: قال: «يؤخذ طين قبر الحسين من عند القبر على سبعين ذراعا» «5».

و في الأخير: و روي في حديث آخر: «مقدار أربعة أميال» و روي «فرسخ في فرسخ» «6».

و في كامل الزيارة عنه عليه السلام: «يؤخذ طين قبر الحسين عليه السلام من عند القبر على سبعين باعا في سبعين باعا» «7».

______________________________

(1) الاحتجاج: 489، الوسائل 5: 366 أبواب ما يسجد عليه ب 16 ح 2.

(2) مصباح المتهجد: 677، الوسائل 5: 366 أبواب ما يسجد عليه ب 16 ح 3.

(3) إرشاد القلوب: 115، الوسائل 5: 366 أبواب ما يسجد عليه ب 16 ح 4.

(4) حكاه عنه في الحدائق 7: 261.

(5) الكافي 4: 588 الحج ب 24 ح 5، التهذيب 6: 74- 144، الوسائل 14: 511 أبواب المزار و ما يناسبه ب 67 ح 3، كامل الزيارات: 279- 2 و فيه: باعا مكان ذراعا، مصباح المتهجد:

676، مصباح الكفعمي: 508، حكاه عن مصباح الزائر

في البحار 98: 131- 53.

(6) حكاه عنه في البحار 98: 131- 54.

(7) كامل الزيارات: 281- 6، الوسائل 14: 511 أبواب المزار و ما يناسبه ب 67 ذيل ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 268

و مقتضى هذه الأخبار ترتّب الفضيلة على ما أخذ من سبعين ذراعا أو باعا، بل فرسخ، بل أربعة أميال. و هو كذلك، لذلك.

و لا يضرّ ضعف بعض الأخبار إن كان، لكون المقام مقام المسامحة.

و أمّا رواية الحجّال: «التربة من قبر الحسين بن علي عليهما السلام عشرة أميال» «1».

فلاختلاف النسخ فيها حيث إنّ في كثير منها «البركة» مقام «التربة» لا يتمّ الاستدلال بها.

المسألة العاشرة: يجب أن يكون موضع سجود الجبهة خاليا عن النجاسة إجماعا،

كما مرّ في بحث المكان مفصّلا.

و لا بأس بالموضع المشتبه بالنجس محصورا كان أو غير محصور. نعم لا يسجد على الجميع، بأن يسجد في كلّ سجدة من الصلاة بموضع أو في كلّ صلاة بموضع، فتفسد الصلاة في الأوّل و واحدة منها في الثاني. و لو صلّى كلّ واحد من أشخاص عديدة على موضع صحّت صلاة الجميع.

و لو جهل نجاسة موضع السجود و علم به بعد الصلاة، ففي وجوب الإعادة مطلقا، و عدمه كذلك، و الأوّل في الوقت و الثاني في خارجه، أقوال:

الأوّل ظاهر الجمل و العقود، قال: ما يوجب الإعادة في أحد و عشرين موضعا- إلى أن قال-: أو من سجد على شي ء نجس بعد علمه بذلك [1]. و إنّما قيّدنا بالظاهر لاحتمال أن يكون المعنى مع علمه بذلك.

و الثاني ظاهر المعتبر و الإرشاد «2»، و حكي عن المبسوط و مهذّب القاضي و التذكرة و نهاية الإحكام و التبصرة و البيان و الذكرى «3».

______________________________

[1] الجمل و العقود (الرسائل العشر): 186. و فيه: مع تقدم علمه بذلك.

______________________________

(1) التهذيب 6:

72- 136، الوسائل 14: 512 أبواب المزار و ما يناسبه ب 67 ح 7.

(2) المعتبر 2: 377، الإرشاد 1: 267.

(3) المبسوط 1: 119، المهذب 1: 154، التذكرة 1: 134، النهاية 1: 527، التبصرة: 35، البيان: 248، الذكرى: 219 و 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 269

و في نسبته إلى الأخير نظر، لأنّه صرّح فيه بأنّ السجود على النجس كالصلاة في الثوب النجس، و قد نقل في حكم الثوب قولين من غير ترجيح، ثمَّ قال بإمكان القول بعدم الإعادة مع الاجتهاد قبل الصلاة و الإعادة بدونه إن لم يكن إحداث قول ثالث.

و الثالث للمحقّق الثاني في حاشية الشرائع و حاشية الإرشاد، و المسالك بل روض الجنان «1»، و غيرهما [1].

و العجب من بعض المعاصرين أنّه قال بعدم العثور في المسألة على من حكمها بخصوصها بحكم «2».

و سيأتي تحقيقها في بحث الخلل.

المسألة الحادية عشرة: لو ألصق ترابا بجبهته،

أو وضع شيئا ممّا يسجد عليه تحت كور عمامته، أو كانت قلنسوته من الثياب المجوّز عليه السجود، أو إلى جبهته بطين فجفّ إذا كان له جرم و لو قليلا:

فصريح الذكرى: صحّة السجود «3».

و عن الشيخ: المنع من السجود على ما هو حائل له ككور العمامة و طرف الرداء «4».

فإن أراد المنع عن المحمول من حيث هو محمول- كما هو مقتضى التمثيل بطرف الرداء- حتّى يشمل مثل قطعة من المدر يأخذها الإنسان بيده و يضعها عند السجود و يسجد عليهما، فلا دليل على المنع.

______________________________

[1] كالسبزواري في الذخيرة: 351.

______________________________

(1) المسالك 1: 40، روض الجنان: 329.

(2) الرياض 1: 211.

(3) الذكرى: 159.

(4) الخلاف 1: 357.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 270

و إن أراد ما كان محمولا و موضوعا على الجبهة- كالأمثلة الّتي ذكرناها- فللمنع وجه قويّ، لعدم

صدق الوضع على الأرض أو السجود عليها معه إن كان ملصقا به قبل السجود أيضا.

المسألة الثانية عشرة: لو فقد ما يصحّ السجود عليه في أثناء الصلاة،

فإن أمكن تحصيله من غير قطع الصلاة أو فعل كثير وجب، و إلّا فإن لم يمكن مع قطع الصلاة أيضا، يسجد على ما أمكن، و إن أمكن فظاهر والدي- رحمه اللَّه- في المعتمد: السجود على ما لا يقطع معه الصلاة و إن كان من غير ما يصحّ السجود عليه.

و لعلّه لتحريم قطع الصلاة فهو ضرورة شرعيّة.

و يعارض بجواز القطع مع الضرورة أيضا و وجوب السجود على ما يصحّ السجود عليه فهو أيضا ضرورة شرعيّة.

مع أنّ حرمة القطع مطلقا- حتى في مثل ذلك الحال- لا دليل عليها، و دليلها لا يتعدّى إلى مثل هذا الموضع أيضا، و لو سلّم فيعارض أدلّة عدم جواز السجود إلّا على الأرض، و الترجيح لها، لمخالفتها العامّة.

بل هنا كلام آخر، و هو: أنّا نقول بانقطاع الصلاة و فسادها بترك السجود، أو بالسجود على غير ما يصحّ عليه مع إمكان تحصيله، فهي منقطعة لا أنّه يقطعها.

فالظاهر وجوب تحصيل ما يصحّ السجود عليه و لو بالخروج عن الصلاة.

و استصحاب صحّة الصلاة معارضة باستصحاب وجوب السجدة على ما يصحّ عليه.

المسألة الثالثة عشرة [عدم إمكان تحصيل ما يصحّ السجود عليه في أوّل الوقت ]

لو لم يمكن تحصيل ما يصحّ السجود عليه في أوّل الوقت أو في مكان معيّن كمسجد و أمكن في غيره، فهل يجب التأخير أو يجوز السجود على ما أمكن؟

الظاهر: الأوّل، لأدلّة وجوب السجود على ما يصحّ السجود عليه الموقوف

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 271

على التأخير، و وجوب مقدّمة الواجب.

و أمّا الأخبار المتقدّمة، المجوّزة للسجود على الكمّ و بعض الثوب و نحوهما مع العذر الشامل لما اختصّ بزمان أو مكان دون غيرهما.

فتعارض أخبار عدم جواز السجود إلّا على الأرض أو ما ينبت منها «1»- بعد تخصيصها بغير صورة عدم إمكانهما مطلقا بالإجماع و

غيره- بالعموم من وجه، فيرجع إلى المرجّحات، و هي مع أخبار عدم الجواز، لمخالفتها العامّة.

المسألة الرابعة عشرة: لو سجد على ما لا يصحّ السجود عليه سهوا و لم يتفطّن حتّى رفع رأسه، يمضي

و لا يعود إلى السجدة و لا يعيد الصلاة، للأصل، و انتفاء العود باستلزامه الزيادة المبطلة، و الإعادة بتصريح الصحيح بأنّه: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» «2» فلم يبق إلّا المضيّ.

و لا يرد أنّه أيضا ينتفي بوجوب السجود على ما يصحّ، لأنّ الوجوب إنّما هو مع الاختيار، و لا وجوب مع الغفلة، فلا تشمله أدلّة وجوبه.

و بعبارة أخرى: دليل وجوبه إمّا الإجماع المنتفي في المقام أو نحو قوله: «لا يجوز السجود إلّا على الأرض» و لا شكّ أنّ نفي الجواز إنّما هو مع التذكّر. و أمّا التوقيع فقد عرفت إجماله [1].

الثالث من واجبات السجود: الانحناء بقدر لم يكن موضع جبهته أرفع من موقفه بقدر معتدّ به،
اشارة

بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في المعتبر و التحرير «3».

بل بالأزيد عن اللبنة المقدّرة عند الأصحاب بأربع أصابع مضمومة تقريبا،

______________________________

[1] كذا في النسخ، و لكن سيأتي التوقيع و وجه إجماله في ص 276 و 277.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 5: 343 أبواب ما يسجد عليه ب 1.

(2) الفقيه 1: 225- 991، التهذيب 2: 152- 597، الوسائل 6: 313 أبواب الركوع ب 10 ح 5.

(3) المعتبر 2: 207، التحرير 1: 40.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 272

كما يؤيّده الآجر الموجود الآن في أبنية بني العبّاس بسرّ من رأى، و ظاهر المنتهى الإجماع على هذا التحديد «1».

لا لما قيل من أنّ الانحناء بأقلّ من هذا القدر غير معلوم كونه سجودا مأمورا به شرعا «2»، لوضوح عدم اختلاف صدقه بزيادة إصبع و نحوها كما هو المطلوب.

بل لمرسلة الكافي: «إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن رجليك قدر لبنة فلا بأس» «3».

و حسنة ابن سنان: عن السجود على الأرض المرتفعة، فقال: «إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك بقدر لبنة فلا بأس» «4».

دلّتا بمفهوم الشرط على ثبوت البأس- الذي

هو العذاب و الشدّة- مع الزيادة.

و القول بعدم دلالة البأس على الحرمة ضعيف.

و ربّما يوجد في بعض نسخ الحسنة «يديك» بالياءين المثنّاتين من تحت، بدل «بدنك» بالباء و النون في بعض النسخ، و على هذا فلا يتمّ الاستدلال بها.

و صحيحته: عن موضع جبهة الساجد، أ يكون أرفع من مقامه؟ فقال:

«لا، و لكن يكون مستويا» «5».

و ظاهر أنّ السؤال فيها عن الجواز قطعا فالنفي له، دلّت على عدم جواز الرفع مطلقا، خرج قدر اللبنة و ما دونه بما مرّ فيبقى الباقي.

و لا ينافي التخصيص جزأه الأخير، لأنّه كلام برأسه مثبت لحكم آخر، و هو رجحان الاستواء، و لا ريب فيه، و لا دلالة له على الوجوب أيضا.

______________________________

(1) المنتهى 1: 288.

(2) كما في الرياض 1: 169.

(3) الكافي 3: 333 الصلاة ب 28 بعد ح 4، الوسائل 6: 359 أبواب السجود ب 11 ح 3.

(4) التهذيب 2: 313- 1271، الوسائل 6: 358 أبواب السجود ب 11 ح 1.

(5) الكافي 3: 333 الصلاة ب 28 ح 4، التهذيب 2: 85- 315، الوسائل 6: 357 أبواب السجود ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 273

نعم في بعض النسخ: «و ليكن مستويا» و عليه يكون أمرا مفيدا للوجوب.

و لكن يشكل إثباته به بعد اختلاف النسخ، مع أنّه يتعيّن حمله على الندب لو كان صريحا في الوجوب أيضا، بقرينة ما مرّ، و شهادة صحيحة أبي بصير: عن الرجل يرفع موضع جبهته في المسجد قال: «إنّي أحب أن أضع وجهي في موضع قدمي، و كرهه» «1».

فالقول بوجوب المساواة- كما عن بعض «2»- ضعيف.

و ظاهر كلام المتقدّمين عدم لحوق الانخفاض بالارتفاع، فيجوز بأيّ قدر كان، و عن التذكرة الإجماع عليه «3».

و

هو الحقّ، للأصل، و صدق السجود معه، و رواية محمّد بن عبد اللَّه:

عمّن صلّى وحده فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه، فقال: «إذا كان وحده فلا بأس» «4».

و بها يخصّ المفهوم المتقدّم، حيث إنّ مقتضاه ثبوت البأس مع عدم ارتفاع الجبهة الشامل لمطلق الانخفاض أيضا.

و عن الشهيدين و بعض آخر: الإلحاق «5»، و اختاره والدي العلّامة- رحمه اللَّه- في المعتمد.

لموثقة عمّار: في المريض يقوم على فراشه و يسجد على الأرض، فقال: «إذا كان الفراش غليظا قدر آجرة أو أقلّ استقام له أن يقوم عليه و يسجد على الأرض، و إن كان أكثر من ذلك فلا» «6».

______________________________

(1) التهذيب 2: 85- 316، الوسائل 6: 357 أبواب السجود ب 10 ح 2.

(2) انظر: غنائم الأيام: 200.

(3) التذكرة 1: 121.

(4) التهذيب 3: 282- 835، الوسائل 6: 358 أبواب السجود ب 10 ح 4.

(5) الشهيد الأول في الدروس 1: 157، الشهيد الثاني في روض الجنان: 276، و انظر: جامع المقاصد 2: 299، و المدارك 3: 407.

(6) الكافي 3: 411 الصلاة ب 67 ح 13، التهذيب 3: 307- 949، الوسائل 6: 358 أبواب السجود ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 274

و يضعّف بأنّها تدلّ على نفي الاستقامة، و هو لا يدلّ على التحريم من وجه، بل غايته الكراهة و هي مسلّمة.

و العجب من صاحب الحدائق حيث إنّه بعد ما نقل انتفاء دلالة الموثّقة على التحريم عن بعضهم طعن عليه بأنّه مبنيّ على أصله الضعيف من عدم دلالة الأمر و النهي على الوجوب و التحريم «1».

و لا أدري أيّ أمر أو نهي في الموثّقة، على أنّها واردة في الفراش فيمكن أن يكون ذلك لأجل أنّ مع غلظته لا

يحصل الاستقرار المطلوب.

و ظاهر الأخبار و الفتاوي و مقتضى الأصل اختصاص الحكم بالموقف و مسجد الجبهة، فلا ضير في ارتفاعهما أو انخفاضهما عن باقي المساقط بالأزيد عن المقدّر.

قال والدي- رحمه اللَّه-: إلّا أن يثبت الإجماع على العموم، و الظاهر عدم ثبوته كما يفهم عن المنتهى و الذكرى «2»، و إن كان الأحوط اعتباره. انتهى.

و هو كذلك.

فروع:

أ:

صرح جماعة بأنّه لا فرق في الارتفاع الممنوع بين ما كان بالانحدار و غيره «3».

و هو كذلك، لإطلاق النصّ.

ب:

لو وقعت الجبهة على موضع مرتفع عن القدر الذي يجوز السجود عليه، أو

______________________________

(1) الحدائق 8: 286.

(2) المنتهى 1: 288، الذكرى: 202.

(3) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 32، و روض الجنان: 276، و صاحب المدارك 3: 408، و صاحب الحدائق 8: 287، و المحقق القمي في غنائم الأيام: 201.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 275

على ما لا يصحّ السجود عليه مع كونه مساويا للموقف أو مخالفا بالقدر المجزئ، فمقتضى القاعدة فيهما وجوب جرّ الجبهة على الأرض حتى يوضع على الموضع المأمور به، و عدم جواز الرفع إلّا إذا كان الارتفاع كثيرا لا يصدق معه السجود لغة أو يشك صدق السجود معه، إذ بالرفع يزيد في سجود الصلاة.

و كون السجود باطلا لا ينفع في تجويز الرفع، إذ السجود واجب، و الوضع على الموضع الغير المرتفع أو ما يصحّ السجود عليه واجب آخر، فعدم تحقّق أحدهما لا يجوّز زيادة الآخر.

و لا تتحقّق زيادة السجود بالجرّ، لأنّ السجود هو الوضع المسبوق بالرفع، فلا تلزم من الوضع على موضع بجرّة من موضع آخر زيادة سجود و إن تحقّق تجدّد وضع.

و الفرق بين الوضع على المرتفع أو ما لا يصحّ السجود عليه بتجويز الرفع في الأوّل

و عدمه في الثاني، لعدم استلزام الأوّل للزيادة و استلزام الثاني لها.

باطل، إلّا إذا قلنا بانتفاء صدق السجود على الوضع على المرتفع مطلقا، و هو تحكّم.

إلّا أنّ هاهنا أخبارا دالّة على جواز الرفع في الموضعين.

فما يدلّ في الأوّل رواية ابن حمّاد: أسجد فتقع جبهتي على الموضع المرتفع، فقال: «ارفع رأسك ثمَّ ضعه» «1».

و ما يدلّ في الثاني التوقيع المرويّ في الاحتجاج و الغيبة: عن المصلّي يكون في صلاة الليل في ظلمة، فإذا سجد يغلط بالسجادة و يقع جبهته على مسح أو نطع، فإذا رفع رأسه وجد السجادة، هل يعتدّ بهذه السجدة أم لا يعتدّ بها؟ فوقّع عليه السلام: «ما لم يستو جالسا فلا شي ء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة» «2».

______________________________

(1) التهذيب 2: 302- 1219، الاستبصار 1: 330- 1237، الوسائل 6: 354 أبواب السجود ب 8 ح 4.

(2) الغيبة: 233، الاحتجاج: 484، الوسائل 6: 354 أبواب السجود ب 8 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 276

و رواية ابن حمّاد: عن الرجل يسجد على الحصى، قال: «يرفع رأسه حتى يستمكن» «1».

و لكنّ الأوّل: معارض برواية أخرى لابن حمّاد: أضع وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر أو على شي ء مرتفع، أحوّل وجهي إلى مكان مستو؟ قال:

«نعم جرّ وجهك عن الأرض من غير أن ترفعه» «2».

و صحيحة ابن عمّار: «إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها، و لكن جرّها على الأرض» [1].

و الثاني: أمّا توقيعه فمقدوح بأنّه إنّما يبيّن حكم ما إذا رفع الرأس، كما هو المسؤول عنه، فلا دخل له بالمتنازع فيه، مع أنّه إن كان منه أيضا لا يفيد، لتحقّق الإجمال فيه بالتقييد بقوله: «ما لم يستو» حيث إنّه يعارض منطوقه بضميمة الإجماع المركّب

مفهومه مع هذه الضميمة.

و أمّا روايته فبمعارضتها مع صحيحة علي: عن الرجل يسجد على الحصى و لا يمكّن جبهته من الأرض قال: «يحرّك جبهته حتّى تمكّن فتنحّى الحصى عن جبهته و لا يرفع رأسه» «3».

و قد يجاب عن معارض الأوّل بأنّه يشمل جميع أفراد الارتفاع، و الأوّل مخصوص بما لا يجوز وضع الجبهة عليه، للإجماع على عدم جواز الرفع إذا كان الارتفاع أقلّ منه، فهو أخصّ مطلقا من معارضه فيجب التخصيص به.

______________________________

[1] الكافي 3: 333 الصلاة ب 28 ح 3، التهذيب 2: 302- 1221، الاستبصار 1:

330- 1238، الوسائل 6: 353 أبواب السجود ب 8 ح 1. و النبكة: بالتحريك و قد تسكّن الباء: الأرض التي فيها صعود و نزول، و التلّ الصغير أيضا. مجمع البحرين 5: 295.

______________________________

(1) التهذيب 2: 310- 1260، الوسائل 6: 354 أبواب السجود ب 8 ح 5.

(2) التهذيب 2: 312- 1269، الاستبصار 1: 330- 1239، الوسائل 6: 353 أبواب السجود ب 8 ح 2.

(3) التهذيب 2: 312- 1270، الاستبصار 1: 331- 1240، قرب الإسناد: 202- 779، الوسائل 6:

353 أبواب السجود ب 8 ح 3، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 277

و يضعّف بأنّ المعارض أيضا مخصوص بذلك، لعدم وجوب الجرّ مع الوضع على ما ارتفع بقدر يجوز السجود عليه، فيحصل التكافؤ.

مع أنّ المعارض مخصوص أيضا بصورة إمكان الجرّ بدون انفصال الجبهة، و الأوّل أعمّ منه، بل الغالب في المكان المرتفع أنّه تنفصل الجبهة بالجرّ إلى الموضع المساوي عن الأرض، فيتعارضان إمّا بالعموم من وجه فيرجع إلى القاعدة، أو المطلق، فيقدّم الخاصّ و هو أيضا مطابق للقاعدة.

و عن معارض الثاني بأنّه غير صريح في النهي عن الرفع بل غايته رجحان عدمه،

و هو لا ينافي جواز الرفع.

إلّا أنّ دليل الرفع مخصوص بصورة عدم تمكّن الجبهة لا الوضع على ما لا يسجد عليه كما هو المطلوب، و عدم الفصل غير معلوم.

فالقول بوجوب الجرّ مع الإمكان في الصورتين- كما هو مختار المدارك و الذخيرة «1»- أقوى ممّا عليه الأكثر من التفصيل بين الموضعين بتجويز الرفع في الأوّل و إيجاب الجرّ في الثاني «2»، مع أنّه أقرب إلى الاحتياط أيضا.

ج:

لو وضع جبهته على ما لا يسجد عليه سهوا و لم يتفطّن حتى رفع رأسه فيجي ء حكمه في باب خلل الصلاة «3».

الرابع: الذكر فيه مطلقا،

أو التسبيح منه خاصّة، على الخلاف المتقدّم في الركوع، فإنّ السجود كالركوع في ذلك، لاتّحاد الدليل، إلّا أنّه يبدّل لفظ العظيم بالأعلى استحبابا، للمستفيضة من النصوص «4».

______________________________

(1) المدارك 3: 408، الذخيرة: 285.

(2) انظر: جامع المقاصد 2: 299 و 300، روض الجنان: 276، الحدائق 8: 287.

(3) قد مرّ حكم هذا الفرع في ص 271 فراجع.

(4) انظر: الوسائل 6: 307 أبواب الركوع ب 7، 339 أبواب السجود ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 278

الخامس: الاعتماد على المواضع السبعة بإلقاء الثقل عليها،

على ما صرح به جماعة [1].

فلو اكتفى بمجرّد الإلصاق لم يجز، لأنّه المأخوذ في معنى الوضع المأخوذ في معنى السجدة.

فإن ثبت ذلك أو الإجماع فهو، و إلّا فللنظر فيه مجال، سيّما بملاحظة الأخبار المتضمّنة لمسّ الجبهة الأرض أو إلصاقها أو إصابتها إياها «1».

و أمّا صحيحة علي: «تجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض» «2» و رواية ابن حمّاد و صحيحة علي المتقدّمتان «3» و إن صلحت للتأييد و لكن في دلالتها نظر من وجوه، منها عدم صراحة الإمكان و الاستمكان في المطلوب.

و الأحوط مراعاته جدّا، فلو سجد على مثل الصوف أو القطن أو الفراش الغليظ يعتمد عليه حتى تثبت الأعضاء.

السادس: الطمأنينة،

للإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضا «4»، و المرسل و الحسنة المتقدّمتين في الركوع «5».

و الظاهر أنّ المراد منها السكون و الاستقرار (لا مجرّد استقراره على هيئة الساجد، فلو سجد محرّكا جبهته جارّا إيّاها على الأرض لم يطمئنّ) [2].

و من هذا يظهر عدم تماميّة الاستدلال على وجوب الطمأنينة بوجوب كون

______________________________

[1] كالشهيد في الذكرى: 201، و صاحب الحدائق 8: 279، و صاحب الذخيرة: 286.

[2] ما بين القوسين ليس في «ه».

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 355 أبواب السجود ب 9.

(2) التهذيب 2: 76- 284، الاستبصار 1: 323- 1206، الوسائل 6: 300 أبواب الركوع ب 4 ح 3.

(3) في ص 276.

(4) كما في المعتبر 2: 210، و المدارك 3: 409، و المفاتيح 1: 144.

(5) راجع ص 199.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 279

الذكر في السجود، و كذا يظهر عدم وجوب كونها بقدر الواجب من الذكر و إن كان الأحوط مراعاته، بل الظاهر اتّحاده مع المسمّى على ما اخترناه من كفاية مطلق الذكر.

و لو تعذّرت الطمأنينة سقطت، و يسقط معه

الذكر أيضا لو لم يتمكّن من أداء الواجب منه في السجدة.

السابع: أن يراعي هيئة السجود،

فلو أكبّ على وجهه و مدّ يديه و رجليه و وضع جبهته على الأرض لم يجز، لأنّ هذه الهيئة لا تسمّى سجودا، بل يقال نوم على وجهه.

و عن الفاضل: وجوب تجافي البطن، معلّلا بأنّ بدونه لا يسمّى سجودا «1».

و فيه منع ظاهر، كما صرّح به بعض آخر أيضا «2».

فلو ألصق بطنه الأرض مع كونه على هيئة الساجد و وضع باقي المساجد على كيفيتها الواجبة، فالظاهر الصحّة.

الثامن:

رفع الرأس من السجود حتّى يجلس.

التاسع: الطمأنينة في الجلوس بمسمّاها،

إجماعا محقّقا، و محكيّا في الموضعين «3».

و لمرسلة الذكرى «4».

و إحدى روايتي أبي بصير المتقدّمتين في الركوع «5».

______________________________

(1) كما في نهاية الإحكام 1: 490.

(2) انظر: الحدائق 8: 280.

(3) انظر: الغنية (الجوامع الفقهية): 558، و المعتبر 2: 210، و المنتهى 1: 288، و التذكرة 1:

121.

(4) الذكرى: 196.

(5) راجع ص 201.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 280

و صحيحة ابن أذينة الطويلة الواردة في بدو الأذان، و فيها- بعد أمر اللَّه سبحانه للنبي بالسجود للصلاة-: «ثمَّ أوحى اللَّه تعالى إليه: استو جالسا يا محمّد» «1».

و ظاهر أنّ الاستواء في الجلوس لا يتحقّق إلّا مع الطمأنينة.

المطلب الثاني في مستحبّات السجود و هي أمور:
الأوّل: التكبير للأولى إجماعا،

له، و لصحيحة زرارة و فيها: «فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير و خرّ ساجدا» «2».

و الأخرى: «ثمَّ ترفع يديك بالتكبير و تخرّ ساجدا» «3».

و الثالثة: «إذا أردت أن تركع و تسجد فارفع يديك و كبّر ثمَّ اركع و اسجد» «4».

و رواية حمّاد و فيها: ثمَّ كبّر و هو قائم و رفع يديه حيال وجهه ثمَّ سجد «5».

و رواية معلّى: «كان عليّ بن الحسين عليه السلام إذا هوى ساجدا انكبّ

______________________________

(1) الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1، علل الشرائع: 312- 1، الوسائل 5: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.

(2) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83- 308، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

(3) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77- 289، الوسائل 6: 295 أبواب الركوع ب 1 ح 1.

(4) الكافي 3: 320 الصلاة ب 24 ح 3، التهذيب 2: 297- 1197 و لم يذكر فيه قوله: و كبّر، الوسائل 6: 296 أبواب الركوع ب 2

ح 1.

(5) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 281

و هو يكبّر» «1».

و في الحسن: «إذا سجدت فكبّر و قل اللهمّ سجدت» «2» الحديث، أي:

إذا أردت السجود، إذ لا تكبير بعد الدخول فيه مستحبا إجماعا.

استحبابا على الأشهر الأظهر.

خلافا لشاذّ فأوجبه «3».

و تحقيقه في الركوع قد مرّ.

و يجوز كونه حال القيام أو الهويّ، كما صرّح به جماعة منهم الخلاف و المنتهى «4».

و يستحبّ كونه في حال القيام لما في المنتهى من أنّ عليه فتوى علمائنا «5»، بل هو ظاهر المعتبر أيضا «6»، و مثله كاف في مقام الاستحباب.

و أمّا الاستدلال عليه بالروايات الثلاث الاولى فغير تامّ، لعدم دلالة الأوليين منها على ترتيب، و الثالثة تثبت الترتيب بين التكبير و السجود لا بينه و بين الهويّ، و أمّا بالرابعة فكان حسنا لو لا معارضتها مع الخامسة، كما أنّ الاستدلال بالخامسة، على استحباب البدأة به قائما و الانتهاء به مع مستقرّه ساجدا، لا يتمّ لذلك أيضا.

الثاني:

التكبير بعد الرفع من السجدة الأولى.

______________________________

(1) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 5، الوسائل 6: 383 أبواب السجود ب 24 ح 2.

(2) الكافي 3: 321 الصلاة ب 25 ح 1، التهذيب 2: 79- 295، الوسائل 6: 383 أبواب السجود ب 24 ح 1.

(3) انظر: المراسم: 71، و الذكرى: 198.

(4) الخلاف 1: 353، المنتهى 1: 288.

(5) المنتهى 1: 288.

(6) المعتبر 2: 210.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 282

الثالث: التكبير للسجدة الثانية،

لفتوى الفقهاء، و صحيحة حمّاد: ثمَّ رفع رأسه من السجود، فلمّا استوى جالسا قال: اللَّه أكبر، ثمَّ قعد على فخذه الأيسر. إلى أن قال:- ثمَّ كبّر و هو جالس و سجد السجدة الثانية و قال كما قال في الأولى «1».

و للمرويّ في الاحتجاج و كتاب الغيبة: عن المصلي إذا قام من التشهّد الأوّل إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه أن يكبّر؟ فإنّ بعض أصحابنا قال: لا يجب عليه التكبير و يجزئه أن يقول: بحول اللَّه و قوّته أقوم و أقعد، فوقّع عليه السلام:

«إنّ فيه حديثين، أمّا أحدهما فإنّه إذا انتقل من حالة إلى حالة اخرى فعليه التكبير، و أمّا الآخر فإنّه روي أنّه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبّر ثمَّ جلس ثمَّ قام فليس عليه في القيام بعد القعود التكبير، و كذلك التشهد الأوّل يجري هذا المجرى، و بأيّهما أخذت من جهة التسليم [كان صوابا]» «2».

و تدلّ على الثانية رواية زرارة الثالثة أيضا.

الرابع: التكبير بعد الرفع من الثانية،

لفتوى الأصحاب، و لرواية الاحتجاج.

و تؤيّده الروايات المصرّحة بأنّ تكبيرات الصلاة خمس و تسعون «3».

و إنّما جعلناها مؤيّدة لاحتمال تبديل هذا التكبير بالتكبير بعد الرفع عن الركوع.

و المشهور استحباب كلّ من الثلاثة حال الاستواء جالسا، و هي و إن صلحت لإثباته، سيّما مع تكبير الإمام الأوّلين جالسا «4».

______________________________

(1) الكافي 3: 311 ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، الوسائل 5: 549 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(2) الاحتجاج: 483، الغيبة: 232. ما بين المعقوفين من المصدر.

(3) انظر: الوسائل 6: 18 أبواب تكبيرة الإحرام ب 5.

(4) راجع صحيحة حمّاد المذكورة آنفا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 283

إلّا أنّه روى السيد في مصباحه مرسلا: إنّه إذا كبّر للدخول في فعل

من الصلاة ابتدأ بالتكبير حال ابتدائه، و للخروج بعد الانفصال عنه.

و به تعارض الشهرة و الصحيحة.

مع أنّ في دلالة الصحيحة على الاستحباب نظرا، لجواز عدم كونه كذلك من العبادة، فإنّه لا بدّ من الإتيان به في حال.

فالوجه تساوي الأمرين في الثلاثة بل الأربعة، بل الأولى في الرابع إتمامه قبل الجلوس، لصريح رواية الاحتجاج، و لعدم تلازم بين استحبابه و جلسة الاستراحة فمع تركها لا يكون جلوس، نعم يستحبّ تكبير الركوع حال القيام لخصوصية دليله.

الخامس: أن يبدأ بيديه في الهويّ للسجود،

فيضعهما على الأرض قبل ركبتيه، إجماعا كما في الخلاف و المنتهى و التذكرة و نهاية الإحكام «1»، له، و للنصوص كصحيحة زرارة: «و ابدأ بيديك فضعهما على الأرض قبل ركبتيك، فضعهما معا» «2».

و صحيحتي محمّد «3»، و رواية ابن أبي العلاء «4»، و قد يحمل عليه حديث التخوّي الآتي أيضا «5».

و ظاهر الأمر في الأوّل و إن كان الوجوب، كما عن أمالي الصدوق مدّعيا في ظاهر كلامه الإجماع عليه «6».

______________________________

(1) الخلاف 1: 354، المنتهى 1: 288، التذكرة 1: 121، نهاية الإحكام 1: 492.

(2) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83- 308، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

(3) التهذيب 2: 78- 291 و 293، الاستبصار 1: 325- 1215 و 1217، الوسائل 6: 337 أبواب السجود ب 1 ح 1 و 2.

(4) التهذيب 2: 78- 292، الاستبصار 1: 325- 1216، الوسائل 6: 338 أبواب السجود ب 1 ح 4.

(5) انظر: ص 287 الهامش 2.

(6) أمالي الصدوق: 512.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 284

إلّا أنّه مدفوع بصحيحة البصري: عن الرجل إذا ركع ثمَّ رفع رأسه، أ يبدأ فيضع يديه على الأرض أم ركبتيه؟ قال: «لا

يضرّ، أيّ ذلك بدأ فهو مقبول» «1».

و موثقة أبي بصير: «لا بأس إذا صلّى الرجل أن يضع ركبتيه على الأرض قبل يديه» «2».

و ظاهر الصحيحة الأولى استحباب وضع اليدين معا كما صرّح به في الذكرى «3»، بل قيل: إنّه المشهور «4»، و في رواية مذكورة في بعض كتب الأصحاب: إنّه يضع اليمنى قبل اليسرى «5»، و هو اختيار الجعفي.

و التخيير بينهما وجه الجمع و إن كان العمل بالأوّل أولى، لشهرته و صحّة روايته.

السادس: التجنّح،

بمعنى تجافي الأعضاء حال السجود، بأن يجنح بمرفقيه و يرفعهما عن الأرض، مفرّجا بين عضديه و جنبيه، و مبعّدا يديه عن بدنه، و جاعلا يديه كالجناحين، بالإجماع كما قيل «6»، له، و لصحيحة زرارة: «لا تفترش ذراعيك افتراش السبع ذراعيه، و لا تضعنّ ذراعيك على ركبتيك و فخذيك و لكن تجنح بمرفقيك» «7».

______________________________

(1) التهذيب 2: 300- 1211، الاستبصار 1: 326- 1219، الوسائل 6: 337 أبواب السجود ب 1 ح 3.

(2) التهذيب 2: 78- 294، الاستبصار 1: 326- 1218، الوسائل 6: 338 أبواب السجود ب 1 ح 5.

(3) الذكرى: 201.

(4) كما في الحدائق 8: 292.

(5) انظر: الذكرى: 202.

(6) انظر: الغنية (الجوامع الفقهية): 559.

(7) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83- 308، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 285

و صحيحة حمّاد الواردة في التعليم «1».

و المروي عن جامع البزنطي: «إذا سجدت فلا تبسط ذراعيك كما يبسط السبع ذراعيه، و لكن اجنح بهما، فإنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم كان يجنح بهما حتّى يرى بياض إبطيه» «2».

و عن الإسكافي: أفضليّة عدم التجنّح «3»، و هو بما مرّ

محجوج.

هذا للرجل، و كذا سابقة.

و أمّا المرأة فتسبق في هويّها بالركبتين و تبدأ بالقعود، ثمَّ تضع يديها على الأرض، و تفترش ذراعيها حال السجود، لأنّه أستر، و لحسنة زرارة: «فإذا جلست فعلى أليتيها، ليس كما يقعد الرجل، و إذا سقطت للسجود بدأت بالقعود و بالركبتين قبل اليدين، ثمَّ تسجد لاطئة بالأرض» «4».

و صحيحة ابن أبي يعفور: «إذا سجدت المرأة بسطت ذراعيها» «5».

و مرسلة ابن بكير: «المرأة إذا سجدت تضمّمت، و الرجل إذا سجد تفتّح» «6».

السابع: ضمّ الأصابع جميعا حال وضعها على الأرض،

لظاهر الوفاق كما في المعتمد، و لقوله في صحيحة زرارة: «و لا تفرّجنّ بين أصابعك في سجودك و لكن

______________________________

(1) انظر: الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، التهذيب 81- 301، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 2.

(2) رواه عنه في البحار: 82: 137- 18.

(3) حكاه عنه في الذكرى: 203.

(4) الكافي 3: 335 الصلاة ب 29 ح 2، التهذيب 2: 94- 350، الوسائل 5: 462 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 4.

(5) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 4، التهذيب 2: 94- 351، الوسائل 6: 341 أبواب السجود ب 3 ح 2.

(6) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 8، التهذيب 2: 95- 353، الوسائل 6: 342 أبواب السجود ب 3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 286

ضمّهنّ جميعا» «1».

و في صحيحة حمّاد: و بسط كفّيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه «2».

و إطلاقهما يقتضي ضمّ الإبهام أيضا.

و عن الإسكافي: استحباب تفريقها عنها «3»، و لا أعرف مأخذه إلّا المروي في كتاب النرسي بإسناده عن سماعة: إنّه رأى أبا عبد اللَّه عليه السلام إذا سجد بسط يديه على الأرض بحذاء وجهه، و فرّج

بين أصابع يديه «4».

و هو لا يختصّ بالإبهامين، و مع ذلك لا يفيد، لأنّ القول مقدم على الفعل عند التعارض، فيحمل على الجواز.

مستقبلا بها إلى القبلة، للرضوي: «و ضمّ أصابعك، وضعها مستقبل القبلة» «5».

الثامن: وضع اليدين طولا-

أي: فيما بينه و بين القبلة-: حيث يحاذي وجهه لا متجاوزا عنه إلى القبلة، و لا غير واصل إليه قريبا إلى سمت الركبة، و عرضا: بين يدي الركبتين، لا قريبا من الوجه، و لا متجاوزا عن مقابلة الركبتين إلى اليمين و الشمال، لصحيحة حمّاد المتقدّمة، فقوله: «بين يدي ركبتيه» بيان لجهة العرض، أي: يضعهما حيث يقابل الركبتين من غير تجاوز إلى يمينهما أو شمالهما، و قوله:

«حيال وجهه» بيان لجهة الطول، أي حيث يحاذي الوجه، لا أقرب إلى الركبة منه، و لا إلى القبلة.

______________________________

(1) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83- 308، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

(2) الفقيه 1: 196- 916، الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(3) حكاه عنه في الذكرى: 203.

(4) رواه عنه في البحار 82: 140- 27.

(5) فقه الرضا (ع): 102، مستدرك الوسائل 4: 87 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 287

أو وضعهما طولا: حيث لم يصل حذاء الوجه، بل بحيث يحاذي المنكبين، و عرضا: حيث ينحرف عن بين يدي الركبتين قليلا إلى اليمين و الشمال، لقوله عليه السلام في صحيحة زرارة: «و لا تلصق كفّيك بركبتيك، و لا تدنهما من وجهك، بين ذلك حيال منكبيك، و لا تجعلهما بين يدي ركبتيك، و لكن تحرّفهما عن ذلك شيئا» «1».

فيكون قوله: «و لا تلصق» إلى قوله: «حيال منكبيك» بيانا لجهة الطول،

و ما بعده للعرض.

مخيّرا بين الطريقين، للخبرين. مع أولوية الثاني، لقوليّة روايته و إن ضمّ مع فعليّة الأوّل قوله أخيرا: «هكذا صلّ».

و يمكن أن يحمل الثاني على ما يطابق الأوّل أيضا، بأن يحمل قوله: «و لا تلصق» على بيان جهة الطول كما هو كذلك، و قوله: «و لا تدنهما» على جهة العرض، و قوله: «حيال منكبيك» على جهة العرض أيضا حيث إنّه يطابق حذاء الوجه عرضا، و قوله: «و لا تجعلهما بين يدي ركبتيك» أي: وسطهما، بل تحرفه عن الوسط إلى محاذاة الركبتين، و لكنّه تكلّف، و مع ذلك يلغو قوله: «بين ذلك» فتأمّل.

التاسع: أن يجافي بطنه،

أي: رفعه عن الأرض، لأنّه معنى التخوّي الثابت رجحانه من الأخبار «2»، و لقوله في مرسلة ابن بكير المتقدم: «و الرجل إذا سجد تفتّح» «3» و لفتوى الأصحاب.

العاشر: قبض اليدين إليه بعد بسطه على الأرض،

و هو عند رفع الرأس،

______________________________

(1) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83- 308، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

(2) انظر: الوسائل 6: 341 أبواب السجود ب 3.

(3) راجع ص 285.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 288

و يحتمل وجهين:

أحدهما: ما ذكره والدي- رحمه اللَّه- و هو أن يضمّها إلى جانبه بعد الرفع، ثمَّ يرفعهما بالتكبير، حتّى يكون رفعهما بالتكبير غير رفعهما عن الأرض، و لا يتحقّق الرفعان برفع واحد.

و الثاني: أن يكون المراد قبض الكفين بجمعهما، كمن يأخذ في قبضته شيئا.

و لم أعثر على مصرّح باستحبابه، و الظاهر أنّ في معناه إجمالا، لا يمكن أن يتمسك به لأحد الوجهين.

و أمّا حمله على أنّ المراد ضمّهما إلى الجانب و وضعهما على الركبتين ثمَّ بالتكبير، فلا يستفاد من القبض.

و أمّا قول الصدوق: و إذا رفع رأسه من السجدة الأولى قبض يديه إليه قبضا، فإذا تمكّن من الجلوس رفعهما بالتكبير «1».

فلا يفيد ذلك المعنى، كما توهّم «2».

الحادي عشر: رفع اليدين للسجدتين و الرفعين،

للروايات المتقدمة في الركوع «3».

و صريح الصحيحين رفعهما بالتكبير عند السجود الاولى، و الأولى جعلهما كذلك في البواقي أيضا.

الثاني عشر:

أن يكون موضع سجوده مساويا لموقفه، لما مرّ «4».

______________________________

(1) كما في الفقيه 1: 206.

(2) انظر: الحبل المتين: 213.

(3) انظر: الوسائل 6: 296 أبواب الركوع ب 2.

(4) راجع ص 272.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 289

و أمّا الأخفضيّة- كما في الشرائع «1»- فلا دليل على رجحانه.

الثالث عشر: وضع الأنف على ما يصحّ السجود عليه،

لصحيحة حمّاد التعليمية «2»، و موثقة عمّار: «لا تجزي صلاة لا يصيب الأنف فيها ما يصيب الجبين» «3».

و رواية ابن المغيرة: «لا صلاة لمن لا يصيب أنفه ما يصيب جبينه» «4».

و ظاهر الروايتين و إن كان الوجوب، إلّا أنّ عدم قائل به ينفيه، و يوجب حمله على الاستحباب، و أمّا الصدوق فظاهر كلامه وجوب الإرغام [1]، كما يأتي.

و أمّا نفي الوجوب هنا بخبر ابن مصادف- المنجبر بالشهرة بل الإجماع حقيقة-: «إنّما السجود على الجبهة، و ليس على الأنف سجود» «5» و بما يصرّح بظاهر الحصر فيما قال: «السجود على سبعة أعظم» «6».

فإنّما يفيد لو قلنا بعدم دخول الاعتماد في معنى السجود، و صدقه بمطلق الإصابة.

و أمّا إذا قلنا بدخوله فيه- كما صرّح به جماعة منهم شيخنا البهائي، و لذا جعل السجود أعمّ من وجه من الإرغام «7»- فلا تنافي، إذ نفي وجوب السجود

______________________________

[1] قال في الفقيه 1 ص 205: و من لا يرغم أنفه فلا صلاة له. و قال في الهداية ص 32: و الإرغام بالأنف سنّة و من تركها لم يكن له صلاة.

______________________________

(1) الشرائع 1: 87.

(2) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 459، 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1، 2.

(3) التهذيب 2: 298- 1202، الاستبصار 1: 327- 1223، الوسائل 6: 344 أبواب السجود ب

4 ح 4.

(4) الكافي 3: 333 الصلاة ب 28 ح 2، الوسائل 6: 345 أبواب السجود ب 4 ح 7.

(5) التهذيب 2: 298- 1200، الاستبصار 1: 326- 1220، الوسائل 6: 343 أبواب السجود ب 4 ح 1.

(6) التهذيب 2: 299- 1204، الاستبصار 1: 327- 1224، الوسائل 6: 343 أبواب السجود ب 4 ح 2.

(7) انظر: نهاية الإحكام 1: 489، و الذكرى: 201، و الحدائق 8: 296 نقلا عن الشيخ البهائي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 290

بذلك المعنى لا ينفي الإصابة و الإرغام.

و قد يستدلّ «1» على نفي الوجوب بقوله في صحيحة حمّاد، و قوله في صحيحة زرارة: إنّ الفرض سبعة، و الإرغام سنّة «2».

و هو شبهة، لأنّ السنّة في مقابل الفرض ما ليس في كتاب اللَّه سبحانه، كما تصرّح به صحيحة حمّاد أيضا [1].

و يستحب إرغامه، أي وضعه على الرغام و هو التراب، لصحيحة زرارة، و فيها بعد ذكر الأعضاء السبعة: «و ترغم بأنفك إرغاما، فأمّا الفرض فهذه السبعة، و أمّا الإرغام بالأنف فسنّة من النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم» «3».

و الرضوي: «و ترغم بأنفك و منخريك في موضع الجبهة، من قصاص الشعر إلى الحاجبين مقدار درهم» «4».

و الظاهر أنّه مستحب في مستحب، أي يستحبّ مع وضع الأنف على ما يصحّ السجود، وضعه على التراب بخصوصه أيضا، لورود الأمرين.

فهو سنّة مغايرة للأوّل، كما صرّح به شيخنا البهائي «5»، و نقله عن بعض مؤلّفات الشهيد.

و عن الشهيدين، و من تأخّر عنهما: إنّ هنا مستحبا واحدا، هو وضع الأنف على ما يصحّ السجود عليه من إرغام أو غيره «6». قيل: لأنّ مزيّة الأنف على الجبهة غير معقولة.

______________________________

[1] و تصرّح به أيضا صحيحة زرارة

كما ستأتي.

______________________________

(1) انظر: جامع المقاصد 2: 306.

(2) انظر: الهامش (2) من الصفحة السابقة و (4) من هذه الصفحة.

(3) التهذيب 2: 299- 1204، الاستبصار 1: 327- 1224، الوسائل 6: 343 أبواب السجود ب 4 ح 2.

(4) فقه الرضا (ع): 114.

(5) حكاه عنه في الحدائق 8: 296.

(6) كما في الدروس 1: 181، و المسالك 1: 32، و روض الجنان: 277. و انظر: الذخيرة: 286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 291

و يضعّف بأنّ هذا إذا خصّصنا الأنف بالإرغام و إلّا فيساوي الجبهة، لأنّ وضعها على التراب أيضا مستحبّ.

و قيل: لأنّ التغيير في التعبير في الأخبار- من لفظ الإرغام في بعض و السجود في بعض- من باب المسامحة، و إلّا فالمراد واحد، و هو وضع الأنف على ما يصحّ السجود عليه، و ذكر الإرغام إنّما هو من حيث أفضليّة السجود على الأرض بالجبهة، و الأنف تابع لها «1».

و فيه ما فيه: فإنّ بعد أفضليّة السجود على الرغام لا يكون المستحبّ أمرا واحدا.

ثمَّ ظاهر إطلاق الأخبار إجزاء إصابة الأنف المسجد بأيّ جزء اتّفق.

و السيّد، و الحلّي عيّنا العرنين منه [1]، و لعلّ مأخذه رواية العيون الآتية «2»، و لكنّها لا تدلّ على اختصاص الموضوع بالعرنين، فلعلّه كان يضع مجموع الأنف، و إن حصل الأثر في العرنين، لأنّه أقرب إلى التأثير، فتأمّل.

و يحتمل إرادتهما الإجزاء لا التعيين.

و يؤيّد المشهور بالرضوي المتقدّم، حيث إنّ ظاهره كفاية وضع الأنف بأيّ جزء منه حتى المنخرين.

و فيه: أنّ الظاهر أنّ قوله فيه: «و منخريك» غلط النسّاخ، و إن كان كذلك في كلّ نسخة منه رأيناه، إذ لا معنى صحيحا له.

و الظاهر أنّه «و يجزيك ..». و يؤيّده أنّ مقتضاه- من اعتبار قدر الدرهم في

موضع الجبهة- هو فتوى الصدوق «3»، المطابقة لعبارات ذلك الكتاب غالبا.

______________________________

[1] السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 32، الحلّي في السرائر 1: 225.

و العرنين هو كل شي ء أوّله، و عرنين الأنف: تحت مجتمع الحاجبين و هو أوّل الأنف حيث يكون فيه الشمم. انظر: الصحاح 6: 2163.

______________________________

(1) انظر: الحدائق 8: 297.

(2) انظر: ص 294.

(3) كما في المقنع: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 292

الرابع عشر:

أن يكون ذكره تسبيحا، على ما مرّ في الركوع عددا و كيفيّة «1»، إلّا بتبديل العظيم بالأعلى.

الخامس عشر: الدعاء أمام الذكر

بما في حسنة الحلبي: «إذا سجدت فكبّر، و قل: اللّهم لك سجدت، و بك آمنت، و لك أسلمت، و عليك توكّلت، و أنت ربي، سجد وجهي للّذي خلقه، و شقّ سمعه و بصره، الحمد للَّه ربّ العالمين، تبارك اللَّه أحسن الخالقين. ثمَّ قل: سبحان ربّي الأعلى و بحمده. فإذا رفعت رأسك، فقل بين السجدتين: اللهمّ اغفر لي، و ارحمني و أجرني، و ادفع عنّي، إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير، تبارك اللَّه ربّ العالمين» «2».

أو بما في الرضوي، و هو كما سبق، إلى قوله: «أنت ربي، سجد لك وجهي و شعري و بشري و مخّي و لحمي و دمي و عصبي و عظامي، سجد وجهي البالي الفاني الذليل المهين، للّذي خلقه و صوّره و شقّ سمعه و بصره، تبارك اللَّه أحسن الخالقين، سبحان ربّي الأعلى و بحمده- إلى أن قال:- و قل بين سجدتيك:

اللّهم اغفر لي و ارحمني و اهدني و عافني، فإنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير. ثمَّ اسجد الثانية، و قل فيه ما قلت في الأولى» الحديث «3».

و يستحبّ أن يقول في السجدات الأربع (الأولى) [1] قبل الذكر أو بعده ما في صحيحة الحذّاء [2].

______________________________

[1] ليس في «ه» و «ح».

[2] قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول و هو ساجد: «أسألك بحقّ حبيبك محمّد صلّى اللَّه عليه و آله إلّا بدّلت سيئاتي حسنات و حاسبتني حسابا يسيرا» ثمَّ قال في الثانية: «أسألك بحق حبيبك محمّد صلّى اللَّه عليه و آله إلّا كفيتني مئونة الدنيا و كلّ هول دون الجنة» و قال في الثالثة: «أسألك

بحق حبيبك محمّد صلّى اللَّه عليه و آله لما غفرت لي الكثير من الذنوب و القليل و قبلت منّى عملي اليسير» ثمَّ قال في الرابعة: «أسألك بحق حبيبك محمّد صلّى اللَّه عليه و آله لما أدخلتني الجنّة و جعلتني من سكّانها و لما نجّيتني من سفعات النار برحمتك». الكافي 3: 322 الصلاة ب 25 ح 4، الوسائل 6: 340 أبواب السجود ب 2 ح 2. منه رحمه اللَّه.

______________________________

(1) راجع ص 202- 213.

(2) الكافي 3: 321 الصلاة ب 25 ح 1، التهذيب 2: 79- 295، الوسائل 6: 339 أبواب السجود ب 2 ح 1.

(3) فقه الرضا (ع): 107.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 293

و أن يدعو ما في المرويّ في السرائر: «ادع في طلب الرزق في المكتوبة و أنت ساجد: يا خير المسؤولين و يا خير المعطين، ارزقني و ارزق عيالي من فضلك، فإنّك ذو الفضل العظيم» [1].

و أمّا الدعاء بغير المأثور بخصوصه و طلب الحاجات و إن جاز في سجدة الصلاة بالإجماع و الأصل و النصوص، إلّا أنه لا يستحبّ بخصوصه.

و يظهر من بعضهم استحبابه «1»، استنادا إلى رواية ابن سيابة: أدعو و أنا ساجد؟ قال: «نعم، فادع للدنيا و الآخرة» «2».

و ابن عجلان [2]: شكوت إلى أبي عبد اللَّه عليه السلام تفرّق أحوالنا و ما دخل علينا، فقال: «عليك بالدعاء و أنت ساجد، فإنّ أقرب ما يكون العبد إلى اللَّه عزّ و جلّ و هو ساجد» قال، قلت: فأدعو في الفريضة و أسمي حاجتي؟ فقال:

«نعم فقد فعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم، فدعا على قوم بأسمائهم و أسماء آبائهم، و فعله عليّ عليه السلام بعده» «3».

و لا دلالة لهما

إلّا على الجواز، فإنّ السؤال ظاهر فيه أو محتمل له.

نعم، تدلّ الثانية على استحباب كون الدعاء حالة السجود لا خصوص

______________________________

[1] لم نجده في السرائر، و هو موجود في الكافي 2: 551- 4، الوسائل 6: 372 أبواب السجود ب 17 ح 4.

[2] كذا في النسخ، و في المصادر: عبد اللَّه بن هلال.

______________________________

(1) انظر: الرياض 1: 170.

(2) الكافي 3: 323 الصلاة ب 25 ح 6، التهذيب 2: 299- 1207، الوسائل 6: 371 أبواب السجود ب 17 ح 2.

(3) الكافي 3: 324 الصلاة ب 25 ح 11، مستطرفات السرائر: 98- 20، الوسائل 6: 371 أبواب السجود ب 17 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 294

سجود الصلاة، بل ربّما يشعر بنوع كراهة فيه رواية محمّد: صلّى بنا أبو بصير بطريق مكّة فقال و هو ساجد- و قد كانت ضاعت ناقة لجمّالهم-: اللّهمّ ردّ على فلان ناقته. قال محمّد: فدخلت على أبي عبد اللَّه فأخبرته، فقال: «قد فعل؟» فقلت: نعم. قال: فسكت. قلت: أ فأعيد الصلاة؟ قال: «لا» «1».

السادس عشر:

الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم، على ما مرّ في الركوع كيفيّة و دليلا «2».

السابع عشر:

أن يزيد في تمكّن السجود على الجبهة، لفتوى الفقهاء «3»، و لأنّه الظاهر من مطلوبيّة تحصيل أثره الذي مدح اللَّه عليه بقوله سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ «4».

و في رواية السكوني: «إنّي لأكره للرجل أن أرى جبهته جلحاء ليس عليها أثر السجود» [1].

و المرويّ في العلل: «إنّ عليّ بن الحسين عليه السلام كان أثر السجود في جميع مواضع سجوده، فسمّي السجّاد» «5».

و منه يظهر استحباب زيادة الاعتماد في سائر المساجد أيضا. و في العيون:

قال: دخل على أبي الحسن موسى بن جعفر قال: فإذا بغلام أسود بيده مقصّ، يأخذ اللحم من جبينه و عرنين أنفه من كثرة السجود «6».

______________________________

[1] التهذيب 2: 313- 1375، الوسائل 6: 376 أبواب السجود ب 21 ح 1. الجلحاء: الملساء، و الأرض الجلحاء: التي لا نبات فيها. مجمع البحرين 2: 345.

______________________________

(1) الكافي 3: 323 الصلاة ب 25 ح 8، التهذيب 2: 300- 1208، الوسائل 6: 370 أبواب السجود ب 17 ح 1.

(2) راجع ص 225.

(3) انظر: المنتهى 1: 289، الذكرى: 203، الحدائق 8: 300.

(4) الفتح: 29.

(5) علل الشرائع: 232- 1، الوسائل 6: 376 أبواب السجود ب 21 ح 2.

(6) العيون 1: 63، الوسائل 6: 377 أبواب السجود ب 21 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 295

الثامن عشر:

أن يكون نظره حال السجود إلى طرفي أنفه، للرضوي:

«و يكون بصرك في وقت السجود إلى أنفك، و بين السجدتين في حجرك، و كذلك في وقت التشهد» «1».

التاسع عشر: الجلوس بعد السجدة الثانية و الطمأنينة فيه،

و يسمّى بجلسة الاستراحة.

و رجحانها مجمع عليه بين الأصحاب، و النصوص به متكثّرة كموثقة أبي بصير: «إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الأولى حين تريد أن تقوم، فاستو جالسا ثمَّ قم» «2».

و روايته و فيها: «فإذا كنت في الركعة الاولى و الثالثة فرفعت رأسك من السجود، فاستتمّ جالسا حتّى ترجع مفاصلك» «3».

و معتبرة أبي بصير و محمّد المرويّة في الخصال: «اجلسوا في الركعتين حتّى تسكن جوارحكم ثمَّ قوموا، إنّ ذلك من فعلنا» «4».

و صحيحة ابن عواض: رأى أبا عبد اللَّه عليه السلام إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى جلس حتّى يطمئنّ ثمَّ يقوم «5».

و رواية الأصبغ: كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا رفع رأسه من الصلاة قعد حتّى يطمئنّ ثمَّ يقوم، فقيل له: يا أمير المؤمنين كان من قبلك أبو بكر و عمر إذا رفعوا برؤوسهم من السجود نهضوا على صدور أقدامهم كما ينهض الإبل،

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 106.

(2) التهذيب 2: 82- 303، الاستبصار 1: 328- 1229، الوسائل 6: 346 أبواب السجود ب 5 ح 3.

(3) التهذيب 2: 325- 1332، الوسائل 5: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 9.

(4) الخصال: 628، الوسائل 5: 471 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 16.

(5) التهذيب 2: 82- 302، الاستبصار 1: 328- 1128، الوسائل 6: 346 أبواب السجود ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 296

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: «إنّما يفعل ذلك أهل الجفاء من الناس، إنّ هذا من توقير الصلاة» «1».

و

المرويّ في كتاب النرسيّ: «إذا رفعت رأسك من سجدتك في الصلاة قبل أن تقوم، فاجلس جلسة، ثمَّ بادر بركبتيك الأرض قبل يديك و ابسط يديك بسطا و اتّك عليهما ثمَّ قم، فإنّ ذلك وقار المؤمن الخاشع، و لا تطيش من سجودك مبادرا إلى القيام كما يطيش هؤلاء الأقشاب في صلاتهم» [1].

و مقتضى الأمر في الثلاث الاولى الوجوب، كما ذهب إليه السيّد- مدّعيا عليه إجماع الفرقة- و صاحب الوسيلة [2]. و ظاهر المحكيّ عن الإسكافي و العمانيّ و ابن بابويه «2» وجوب الجلوس، و إن لم يظهر وجوب الطمأنينة من كلماتهم.

خلافا للأكثر «3»، بل عن نهج الحقّ: الإجماع عليه «4»، للأصل المعتضد بالشهرة، و رواية زرارة: رأيت أبا جعفر و أبا عبد اللَّه عليهما السلام إذا رفعا رأسهما من السجدة الثانية نهضا و لم يجلسا «5».

و رواية رحيم: أراك إذا صلّيت و رفعت رأسك من السجود في الركعة الاولى و الثالثة فتستوي جالسا ثمَّ تقوم، فنصنع كما تصنع؟ قال: «لا تنظروا إلى ما أصنع إنّما اصنعوا ما تؤمرون» «6».

______________________________

[1] البحار 82: 184 بعد ح 10. الأقشاب جمع قشب بكسر الشين المعجمة ككتف: من لا خير فيه من الرجال. مجمع البحرين 2: 143.

[2] السيّد في الانتصار: 46، الوسيلة: 93 و عدّها من المختلف فيه.

______________________________

(1) التهذيب 2: 314- 1277، الوسائل 6: 347 أبواب السجود ب 5 ح 5.

(2) حكاه عنهم في الذكرى: 202.

(3) انظر: نهاية الإحكام 1: 494، و الذكرى: 202، و الحدائق 8: 302.

(4) نهج الحق: 428.

(5) التهذيب 2: 83- 305، الاستبصار 1: 328- 1231، الوسائل 6: 346 أبواب السجود ب 5 ح 2.

(6) التهذيب 2: 82- 304، الاستبصار 1: 328- 1230، الوسائل 6: 347 أبواب السجود

ب 5 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 297

و يمكن دفع الأصل بما مرّ، و الروايتين- مع عدم دلالة الثانية على عدم الوجوب- بأنّ غايتهما التعارض، و الترجيح لما مرّ، لمخالفته العامّة «1» كما تظهر من الأخبار المتقدّمة، و ترجيح القول على الفعل، و عدم فتوى الشيخ الناقل له غير موجب لوهنه، لأنّه إنّما هو لأجل المعارض الغير الراجح بزعمه. و كذا عدم عمل أكثر القدماء بعد عمل طائفة، و احتمال عمل جماعة أخرى أيضا بل ظنّه، لدعوى السيّد الإجماع. فتأمّل.

العشرون: أن يجلس بين السجدتين

و في جلسة الاستراحة متورّكا أي:

قاعدا على فخذه الأيسر، بالإجماع، لرواية أبي بصير: «إذا جلست في الصلاة فلا تجلس على يمينك و اجلس على يسارك» «2».

و الرضوي: «و إذا جلست فلا تجلس على يمينك، لكن انصب يمينك و اقعد على أليتيك» «3».

و صحيحة حمّاد: ثمَّ قعد على فخذه الأيسر و قد وضع ظاهر قدمه اليمنى على بطن قدمه اليسرى و قال: أستغفر اللَّه و أتوب إليه، ثمَّ كبّر و هو جالس و سجد الثانية «4».

واضعا ظاهر قدمه اليمنى على باطن اليسرى، للصحيحة المذكورة.

ملصقا أليتيه بالأرض، للرضوي المذكور، و رواية سعد: إنّي أصلّي في المسجد الحرام، فأقعد على رجلي اليسرى من أجل الندى؟ قال: «اقعد على أليتيك و إن كنت في الطين» «5».

______________________________

(1) انظر: نيل الأوطار 2: 302، و المغني 1: 171.

(2) التهذيب 2: 83- 307، الوسائل 6: 346 أبواب السجود ب 5 ح 4.

(3) فقه الرضا «ع»: 102، مستدرك الوسائل 4: 87 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 7.

(4) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196- 916، الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1 و

2.

(5) التهذيب 2: 377- 1573، الوسائل 6: 348 أبواب السجود ب 6 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 298

و صحيحة زرارة الآتية.

و يلزم هذا الجلوس وضع الركبة اليسرى على الأرض.

و أمّا سائر ما ذكره بعض الأصحاب من وضع الركبة اليمنى و طرف الإبهام على الأرض و الإفضاء بالمقعدة عليها.

فمع صعوبة وضع الركبتين مع الأليتين على الأرض، ليس على بعضها في مطلق الجلوس دليل، و إنّما ورد في التشهّد في صحيحة زرارة قال: «و إذا قعدت في تشهّدك فألصق ركبتيك الأرض و فرّج بينهما شيئا، و ليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض، و ظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى، و أليتاك على الأرض، و طرف إبهامك اليمنى على الأرض» «1» الحديث.

و الإجماع المركّب غير معلوم، كيف؟! و قال الإسكافي في الجلوس بين السجدتين: إنّه يضع أليتيه على بطن قدميه، و لا يقعد على مقدّم رجليه و أصابعهما، و لا يقعي إقعاء الكلب. و قال في تورّك التشهّد: يلزق أليتيه جميعا و وركه الأيسر و ظاهر فخذه الأيسر بالأرض [و لا يجزئه غير ذلك و لو كان في طين ] «2» و يجعل باطن ساقه الأيمن على رجله اليسرى و باطن فخذه الأيمن على عرقوبه الأيسر [1]، و يلزق طرف إبهام رجله اليمنى ممّا يلي طرفها الأيسر بالأرض و باقي أصابعها عاليا عليها، و لا يستقبل بركبتيه جميعا القبلة «3».

و هو كما ترى فرّق بين جلوس التشهّد و غيره و إن كان ما ذكره في جلوس السجدتين و بعض ما ذكره في التشهّد ممّا لم يذكره الأصحاب و لم يدلّ عليه دليل.

كما حكي عن السيد في مصباحه أنّه قال: يجلس مماسّا بوركه الأيسر مع ظاهر

فخذه الأيسر للأرض رافعا فخذه اليمنى على عرقوبه الأيسر و ينصب طرف

______________________________

[1] العرقوب: عصب غليظ فوق عقب الإنسان. القاموس 1: 107.

______________________________

(1) الكافي 3: 334 الصلاة ب 25 ح 1، التهذيب 2: 83- 308، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

(2) ما بين المعقوفين من المصدر.

(3) حكاه عنه في الذكرى: 202.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 299

إبهام رجله اليمنى على الأرض و يستقبل بركبتيه معا القبلة «1».

و لكن لا بأس بمراعاة ما ذكراه ممّا لا يخالف الصحيحة، إلّا أنّ ما ذكره السيّد لا يخالف شيئا ممّا ذكروه و انّما زاد فيه العرقوب و لا بأس به، لقوله.

بل يحتمل عدم الاختلاف، و لذا قال الحلّي في السرائر: و الظاهر اتّحاد الجميع للتلازم غالبا [1].

بل لا يبعد إرجاع قول الإسكافي أيضا إلى ما لا يختلف مع الجميع، ففي الجلوس الحكم ما مرّ، و في التشهّد ما في الصحيحة، مخيّرا في الجلوسين بين وضع ركبته اليمنى على الأرض و طرف الإبهام أو لا.

و لا يستحبّ عندنا الافتراش، و هو أن يثنّي رجله اليسرى، فيبسطها، و يجلس عليها، و ينصب رجله اليمنى، و يخرجها من تحته، و يجعل بطون أصابعه على الأرض معتمدا عليها، فتكون أطرافها إلى القبلة.

الحادي و العشرون:

أن يقول بين السجدتين بين التكبيرتين: ما مرّ في حسنة الحلبي، أو الرضوي المتقدّمتين «2»، أو: أستغفر اللَّه ربي و أتوب إليه، كما في صحيحة حمّاد الفعليّة «3».

الثاني و العشرون: أن يقوم سابقا برفع ركبتيه قبل يديه،

بالإجماع المحقّق، و المحكي في المنتهى و التذكرة و ظاهر المدارك و صريح الحدائق «4»، و غيرها «5»، له، و لصحيحة محمّد «6»، و المروي في كتاب النرسي المتقدم «7»، و لأنّه ملزوم الاعتماد

______________________________

(1) حكاه عنه في المعتبر 2: 215.

(2) في ص 292.

(3) انظر: الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، التهذيب 2: 81- 301، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 2.

(4) المنتهى 1: 291، التذكرة 1: 122، المدارك 3: 415، الحدائق 8: 309.

(5) كالذكرى: 203، و جامع المقاصد 2: 308، و الذخيرة: 287، و غنائم الأيام: 210.

(6) التهذيب 2: 78- 291، الوسائل 6: 337 أبواب السجود ب 1 ح 1.

(7) في ص 296.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 300

على اليدين.

معتمدا على يديه، لرواية الحضرمي: «إذا قمت من الركعة، فاعتمد على كفّيك، و قل: بحول اللَّه و قوّته أقوم و أقعد» «1».

و المروي في الدعائم: «إذا أردت القيام من السجود، فلا تعجن بيدك- يعني يعتمد عليها، و هي مقبوضة- و لكن ابسطهما بسطا، و اعتمد عليهما، و انهض قائما» «2».

باسطا كفّيه على الأرض، لا مقبوضة كالعاجن، لما مرّ، و لحسنة الحلبي:

«إذا سجد الرجل، ثمَّ أراد أن ينهض فلا يعجن بيديه في الأرض، و لكن يبسط كفيه من غير أن يضع مقعدته على الأرض» «3».

داعيا عند القيام بقوله: «بحول اللَّه و قوته أقوم و أقعد» كما في رواية الحضرمي المتقدّمة، و صحيحة محمّد «4». أو بإسقاط لفظ «و قوّته» كما في صحيحته الأخرى

«5».

أو: «اللّهم ربّي بحولك و قوّتك أقوم و أقعد» فقط، أو مع زيادة «و أركع و أسجد» كما في صحيحة ابن سنان «6»، أو بإسقاط «ربّي» و إثبات الزيادة، كما في صحيحته الأخرى المروية في السرائر «7»، أو بإسقاطهما معا، كما في المرويّ في

______________________________

(1) الكافي 3: 338 الصلاة ب 30 ح 10، التهذيب 2: 89- 328، الاستبصار 1:

338- 1269، الوسائل 6: 365 أبواب السجود ب 13 ح 5.

(2) الدعائم 1: 164، مستدرك الوسائل 4: 465 أبواب السجود ب 16 ح 2.

(3) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 6، التهذيب 2: 303- 1223، الوسائل 6: 374 أبواب السجود ب 19 ح 1.

(4) الكافي 3: 338 الصلاة ب 30 ح 11، التهذيب 2: 88- 326، الوسائل 6: 361 أبواب السجود ب 13 ح 3.

(5) التهذيب 2: 87- 321، الوسائل 6: 361 أبواب السجود ب 13 ح 2.

(6) انظر: التهذيب 2: 86- 320، الوسائل 6: 361 أبواب السجود ب 13 ح 1.

(7) مستطرفات السرائر: 96- 14، الوسائل 6: 362 أبواب السجود ب 13 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 301

الدعائم عن علي عليه السلام: «إنّه كان يقول إذا نهض من السجود للقيام:

اللّهم بحولك و قوّتك أقوم و أقعد» «1». أو بإسقاطهما و إسقاط «اللّهم» كما في موثّقة رفاعة: «كان علي عليه السلام إذا نهض من الركعتين الأوليين، قال: بحولك و قوّتك أقوم و أقعد» «2».

و بعض هذه الأخبار، و إن ورد في القيام من السجود، و بعضها في القيام من التشهّد، و بعضها مطلق، إلّا أنّ الظاهر عدم الفرق، فيستحبّ الكلّ في الكلّ. و لو عمل بما في الأخبار ما ورد في القيام من السجود

فيه، و من التشهّد فيه، و المطلق في ما أراد كان أحسن.

و وقت الدعاء عند الأخذ بالقيام، كما ذكره الصدوقان «3»، و الجعفي و الإسكافي «4»، و الشيخان «5»، و الديلمي «6»، و الحلبيان «7»، و الذكرى «8»، و يدل عليه رواية الحضرمي، و ظاهر أكثر الأخبار المذكورة.

و عن بعضهم: أنّه في جلسة الاستراحة «9»، و كأنّه استفاده من قوله في بعض هذه الروايات: «إذا قمت من السجود قلت ..».

و فيه: أنّ المراد إذا أردت القيام بعد السجود احترازا عن مطلق القيام، مع أنّه على فرض إرادة الرفع من السجود يكون عاما، يجب تخصيصه بما ذكر، فالأوّل هو الأصح.

______________________________

(1) الدعائم 1: 164، مستدرك الوسائل 4: 460 أبواب السجود ب 11 ح 1.

(2) التهذيب 2: 88- 327، الاستبصار 1: 338- 1268، الوسائل 6: 361 أبواب السجود ب 13 ح 4.

(3) انظر: الفقيه 1: 207، و حكاه عن والده في الذكرى: 203.

(4) حكاه عنهما في الذكرى: 203.

(5) المفيد في المقنعة: 106، و الشيخ في المبسوط 1: 111.

(6) المراسم: 71.

(7) أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 123، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 559.

(8) الذكرى: 253.

(9) انظر: المعتبر 2: 216.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 302

و هل يستحبّ التكبير عند القيام عن التشهّد؟ كما عن المفيد أنّه أثبته، و أسقط تكبيرات القنوت «1»، و إن حكي عنه رجوعه في آخر عمره «2»، و صريح التوقيع المذكور وجود القول به قبل المفيد أيضا، بل ظاهره- حيث نسب خلافه إلى بعض الأصحاب-: أنّ الأكثر كان على الاستحباب «3»، للحديث الذي تضمّنه التوقيع المحكي عن الاحتجاج سابقا.

أو لا؟ كما حكي عن الأكثر، للأصل، و للروايات المصرّحة بأنّه إذا قمت من

السجود قلت: بحول اللَّه «4»، و ضعفهما ظاهر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 5    302     الثالث و العشرون: ..... ص : 302

م، يدل عليه روايات حصر التكبيرات في خمس و تسعين «5»، و الحديث الآخر الذي تضمّنه التوقيع، و هو أخصّ من الأوّل، فكان المتّجه تخصيصه به- سيّما مع اعتضاده بروايات الحصر- لو لا تصريح الإمام فيه بالتخيير، و لكن معه لا محيص عنه أصلا، فهو المتّجه.

الثالث و العشرون:

كشفه جميع مساجده السبعة، ذكره في المبسوط «6»، و قوله كاف في إثبات الاستحباب، و إن لم نقف على مستنده.

______________________________

(1) حكاه عنه في نهاية الإحكام 1: 509.

(2) حكاه عنه في الذكرى: 184.

(3) راجع ص 282.

(4) انظر: الوسائل 6: 361 أبواب السجود ب 13.

(5) انظر: الوسائل 6: 18 أبواب تكبيرة الإحرام ب 5.

(6) المبسوط 1: 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 303

المطلب الثالث في سائر ما يتعلّق بهذا المقام و فيه مسائل:
المسألة الأولى: يكره الإقعاء في الصلاة.

سواء فسّر بأن يعتمد بصدور قدميه على الأرض، و يجلس على عقبيه، كما فسّره به الفقهاء «1».

أو بأن يجلس على أليتيه، و ينصب ساقيه، و يتساند إلى ظهره، كإقعاء الكلب، كما حكي عن اللغويين، و به فسّره في الصحاح و القاموس و النهاية الأثيريّة و المغرب و المصباح المنير «2»، و ابن القطّاع و المعمّر بن المثنّى، و القاسم بن سلّام، و غيرهم.

أمّا الأوّل: فلاشتهاره بين الأصحاب، و فتوى معاوية بن عمّار و محمّد بن مسلم من أجلّة القدماء به «3»، بل نقل الإجماع في الخلاف عليه «4».

مضافا إلى صحيحة زرارة: «إيّاك و القعود على قدميك، فتتأذى بذلك، و لا تكن قاعدا على الأرض، فيكون إنّما قعد بعضك على بعض، فلا تصبر للتشهد و الدعاء» «5».

______________________________

(1) انظر: المعتبر 2: 218، و المنتهى 1: 291، و الذكرى: 202.

(2) الصحاح 6: 2465، القاموس 4: 382، النهاية الأثيرية 4: 89، المغرب 2: 130، المصباح المنير: 510.

(3) حكاه عنهما في المعتبر 2: 218، و المنتهى 1: 290.

(4) الخلاف 1: 361.

(5) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83- 308، الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 304

و الأخرى و فيها: «و لا تقع على قدميك»

«1».

و المروي في معاني الأخبار: «لا بأس في الإقعاء بين السجدتين، و بين الركعة الاولى و الثانية، و بين الركعة الثالثة و الرابعة» قال: «و إذا أجلسك الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه فتجافى، و لا يجوز الإقعاء في موضع التشهدين إلّا من علّة، لأنّ المقعي ليس بجالس، و إنّما جلس بعضه على بعض» «2».

قال الصدوق بعد نقل هذا الخبر: و الإقعاء: أن يضع الرجل أليتيه على عقبيه في تشهده.

ثمَّ الظاهر أنّ كيفيّة الإقعاء بهذا المعنى: أن يضع صدر قدمه إلى ما يلي الأصابع من باطنه على الأرض و يعتمد عليه، بحيث تكون رؤوس أصابعه إلى القبلة، و يرفع باقي قدمه، بحيث يماسّ عقبيه أليتيه، فيجلس على عقبيه، أي:

يعتمد بأليتيه على عقبيه رافعا عقبيه، مع وضع ركبتيه على الأرض، أو مع رفع الركبتين أيضا.

أو كيفيّته: أن يضع ما يلي الأصابع من ظهر قدميه على الأرض بحيث تكون رؤوس أصابعه إلى خلاف جهة القبلة، و يرفع باقي قدميه بحيث يصل العقبين إلى الأليتين فيجلس عليهما، و لكنّه يتأذّى به كثيرا.

و أمّا بسط تمام ظهر القدمين على الأرض و افتراش الساقين و تثنية الفخذين عليهما، فهو ليس إقعاء، إذ ليس فيه اعتماد على صدر القدمين، بل الاعتماد على مجموع الساق و القدم، و ليس قعودا على القدمين كما في الرواية، و لا تأذّي فيه أصلا بل فيه الراحة، و هو جلوس حقيقيّ، فلا يصدق عليه ما في الأخبار أنّه ليس بجلوس.

______________________________

(1) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 9، التهذيب 2: 84- 309، الوسائل 6: 349 أبواب السجود ب 6 ح 5.

(2) معاني الأخبار: 300- 301، الوسائل 6: 349 أبواب السجود ب 6 ح 6.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 305

و أمّا الثاني: فلموثقة أبي بصير: «لا تقع بين السجدتين إقعاء» «1».

و صحيحة محمّد، و ابن عمّار، و الحلبي: «لا تقع في الصلاة بين السجدتين كإقعاء الكلب» «2».

و الإقعاء في الاولى، و إن كان محتملا للمعنيين، إلّا أنّ التقييد بإقعاء الكلب في الثانية يعيّنه فيما ذكر، بل مقتضى أصالة حمل اللفظ على المعنى اللغوي حتى يثبت النقل أو التجوّز دليل مستقل على وجوب حملهما عليه، و إنّما يصار إلى كراهة الأوّل لا لأنّه إقعاء، كما عرفت.

ثمَّ إنّ أكثر روايات المعنى الأوّل مخصوص بالتشهّد، كما أنّ ما مرّ من روايتي الثاني مخصوصتان بما بين السجدتين.

إلّا أنّ فتوى الأصحاب بالإطلاق، و دعوى الشيخ الإجماع في الأوّل «3»، بل إطلاق الصحيحة الأولى يثبت تعميمه في مطلق جلوس الصلاة «4». و كون ما نقل عن الصحيحة عقيب بيان جلوس التشهّد غير مفيد للتخصيص، و إن كان جريان العلّة المذكورة فيه في التشهّد أظهر، لأنّ الذكر فيه أكثر، فيكون موردا للتساوي.

كما أنّ حديث زرارة المروي في مستطرفات السرائر: «لا بأس بالإقعاء فيما بين السجدتين، و لا ينبغي الإقعاء في موضع التشهّدين، إنّما التشهّد في الجلوس و ليس المقعي بجالس» «5» يثبت كراهة الثاني في التشهد أيضا.

و لا يضرّ البأس المنفي فيها في كراهته فيما بين السجدتين، لأنّ نفي البأس

______________________________

(1) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 3، التهذيب 2: 301- 1213، الوسائل 6: 348 أبواب السجود ب 6 ح 1.

(2) التهذيب 2: 83- 306، الاستبصار 1: 328- 1227، الوسائل 6: 348 أبواب السجود ب 6 ح 2، و فيه: «قالوا: لا تقع ...».

(3) الخلاف 1: 361.

(4) راجع ص 303 صحيحة زرارة.

(5) مستطرفات السرائر: 73- 9،

الوسائل 6: 391 أبواب التشهد ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 306

لا ينافي الكراهة.

نعم هو دليل انتفاء التحريم الذي هو مقتضى ظاهر النهي في الموثّقة و الصحيحة، كما ينفى أيضا بعدم القائل، و بصحيحة الحلبي: «لا بأس بالإقعاء في الصلاة فيما بين السجدتين» «1».

فلا شكّ في انتفاء التحريم للمعنى الثاني مطلقا.

و أمّا المعنى الأوّل فانتفاء تحريمه فيما بين السجدتين مجمع عليه أيضا، و رواية معاني الأخبار المنجبرة ترشد إليه «2».

و أمّا في التشهّد فقال الشيخ في النهاية: و لا يجوز ذلك في حال التشهّد «3».

و حكي عن الصدوق أيضا «4».

إلّا أنّ شذوذ هذا القول و عدم ظهور قائل به عدا من ذكر، بل قال الحلّي في السرائر: و قد يوجد في بعض كتب أصحابنا: و لا يجوز الإقعاء في حال التشهّدين، و ذلك يدلّ على تغليظ الكراهة لا الحظر، لأنّ الشي ء إذا كان شديد الكراهة قيل لا يجوز، و يعرف ذلك بالقرائن. انتهى «5».

يمنع من المصير إليه، كما يخرج الخبر الدالّ عليه عن الحجيّة.

و لذلك يشكل القول بالتحريم، كما اختاره بعض مشايخنا الأخباريين أيضا «6»، إلّا أنّ تركه أحوط جدّا.

و أمّا القول بانتفاء الكراهة- كما حكي عن السيّد و المبسوط «7»- فبعيد عن

______________________________

(1) التهذيب 2: 301- 1212، الاستبصار 1: 327- 1226، الوسائل 6: 348 أبواب السجود ب 6 ح 3.

(2) راجع ص 304.

(3) النهاية: 72.

(4) الفقيه 1: 206.

(5) السرائر 1: 227.

(6) انظر: الحدائق 8: 317.

(7) حكاه عنهما في المنتهى 1: 290، و المعتبر 2: 218.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 307

الصواب، و كأنّ نظرهما إلى ما مرّ من نفي البأس عن الإقعاء في بعض الأخبار.

و لا يخفى أنّه لا ينافي

الكراهة.

مع أنّ في المبسوط قال: و إن جلس بعد السجدتين و بعد الثالثة مقعيا كان جائزا «1». و هو لا ينافي الكراهة. بل قال في موضع آخر منه: و لا يقعي بين السجدتين «2».

المسألة الثانية: من كان بجبهته دمّل أو جرح أو ورم:

فإن أمكن السجود عليه سجد عليه إجماعا.

و إلّا: فإن لم يستوعب الجبهة حفر حفيرة أو عمل شيئا من طين أو خشب أو نحوهما، و يجعل فيها الدمّل، و يوصل الصحيح من الجبهة على الأرض، وجوبا، وفاقا للمشهور، بل في المدارك: أنّه لا خلاف فيه بين العلماء «3».

و هو كذلك، كما يأتي، لوجوب مقدمة الواجب، و موثقة مصادف: «خرج بي دمّل، فكنت أسجد على جانب، فرأى أبو عبد اللَّه عليه السلام أثره، فقال:

ما هذه؟ قلت: لا أستطيع أن أسجد من أجل الدمّل، فإنّما أسجد منحرفا، فقال: لا تفعل، و لكن احفر حفيرة، و اجعل الدمّل في الحفيرة، حتى تقع جبهتك على الأرض» «4».

و الرضوي: «و إن كان في جبهتك علة لا تقدر على السجود، أو دمّل، فاحفر حفيرة، فإذا سجدت جعلت الدمّل عليها» «5».

و إن استوعبها، أو لم يمكن إيصال السليم من الجبهة إلى ما يسجد و لو

______________________________

(1) المبسوط 1: 113.

(2) المبسوط 1: 118.

(3) المدارك 3: 416.

(4) الكافي 3: 333 الصلاة ب 28 ح 5، التهذيب 2: 86- 317، الوسائل 6: 359 أبواب السجود ب 12 ح 1.

(5) فقه الرضا «ع»: 114، مستدرك الوسائل 4: 459 أبواب السجود ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 308

بمثل الحفر، سجد على أحد الجبينين جوازا، بلا خلاف فيه، بل بالإجماع، و وجوبا على الأشهر، كما صرّح به غير واحد، بل في المدارك: أنّه قول علمائنا و أكثر العامّة «1» بل ظاهر المحقّق

الثاني و الأردبيلي: أنّه إجماعي «2».

فإن ثبت فهو، و إن لم يثبت بل كان قول بالتخيير بينه و بين ذقنه كما تحتمله عبارة الخلاف «3»، فالحكم به مشكل و إن كان هو مقتضى أصل الاشتغال، لإطلاق المرسلة الآتية «4».

و أمّا الرضوي و المروي في تفسير القمي الأوّل: «و إن كان على جبهتك علّة لا تقدر على السجود من أجلها، فاسجد على قرنك الأيمن، فإن تعذّر فعلى قرنك الأيسر، فإن تعذّر عليك، فاسجد على ظهر كفّك، فإن لم تقدر عليه فاسجد على ذقنك» «5».

و الثاني: رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع أن يسجد عليها؟ قال: «يسجد ما بين طرف شعره، فإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيمن، و إن لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر، و إن لم يقدر فعلى ذقنه» الحديث «6».

فلا ينفعان، لضعفهما الخالي عن الجابر، حيث إنّ مدلولهما الترتيب، مع أنّ الثاني غير دالّ على الوجوب.

نعم الأحوط تقديم الجبينين، و لا ترتيب بينهما واجبا، للأصل، و ضعف المرويّين المذكورين، و لكنّه مستحبّ لأجلهما. و لو سجد عليهما معا، بأن يحفر الحفيرة و يجعل فيها القرحة مع إمكانه جاز قطعا، لصدق السجود على الأيمن.

فإن تعذّر الجبين فيسجد على ذقنه، وفاقا للأكثر، بل لغير الصدوقين، و في

______________________________

(1) المدارك 3: 417.

(2) المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 304، الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 265.

(3) الخلاف 1: 419.

(4) في ص 309.

(5) فقه الرضا «ع»: 114، مستدرك الوسائل 4: 459 أبواب السجود ب 10 ح 1.

(6) تفسير القمي 2: 30، الوسائل 6: 360 أبواب السجود ب 12 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 309

المدارك: انعقاد الإجماع عليه «1»، لمرسلة الكافي: عمن بجبهته علّة لا يقدر على السجود عليها،

قال: «يضع ذقنه على الأرض» «2».

و ضعفها- لو كان- بما مرّ منجبر، و قصورها عن إفادة الوجوب بأصل الاشتغال يجبر، فيقال: ثبت الجواز بالمرسلة فتحصل به البراءة و حصولها بغيره غير معلوم.

فإن تعذّر الجميع أومأ، كما في موضعه مرّ.

خلافا في الثاني للمحكي عن المبسوط و النهاية و الجامع «3»، فلم يوجبا الحفيرة بل خيّرا بينها و بين أحد الجبينين.

و عندي في نسبة الخلاف إليهما نظر، لأنّ ظاهرهما التخيير عند تعذّر.

السجود على الجبهة مطلقا، فلم يلتفتا إلى النادر الذي هو إمكان إيصال جزء منها إلى الأرض مع وجود العلّة، و التخيير حينئذ ممّا ليس فيه ريبة كما مرّت إليه الإشارة.

و كذا ما حكي عن ابن حمزة حيث قدّم السجدة على أحد الجبينين على الحفيرة «4»، فإنّ الظاهر أنّه أيضا في صورة الانتقال إلى الجبينين.

نعم يكون هو مخالفا في الثالث إن كان مراد القوم من السجود على أحد الجبينين السجود عليه كيف اتّفق، و لو بحفر الحفيرة، و تحقّقه في ضمن السجود على الجبينين معا كما ذكرنا.

و لو كان مرادهم منه السجود على أحدهما فقط فلا يكون خلاف أصلا، لأنّهم أيضا يقولون بوجوب حفر الحفيرة حينئذ بعد تعذّر السجود على أحد الجانبين، و لا ينتقلون إلى الذقن مع إمكانه.

______________________________

(1) المدارك 3: 417.

(2) الكافي 3: 334 الصلاة ب 28 ح 6، الوسائل 6: 360 أبواب السجود ب 12 ح 2.

(3) المبسوط 1: 115، النهاية: 82، الجامع للشرائع: 84.

(4) حكاه عنه في الذكرى: 201.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 310

و خلافا في الثالث لطائفة «1»، فأوجبوا الترتيب، لما مرّ «2».

و يدفع بما مرّ.

و في الرابع للصدوقين، فمع تعذّر الجبينين أوجبا ظهر الكف، و مع تعذّره الذقن «3»، للرضوي

المتقدّم، المندفع بالضعف الخالي عن الجابر في المورد، و المعارضة مع المرسل المتقدم و رواية القمّي.

ثمَّ المراد بالذقن مجمع اللحيين، و هل يجب كشف البشرة؟ فيه وجهان بل قولان، أظهرهما الثاني، لصدق السجود على الذقن مع الشعر أيضا، و لعدم وجوب حلق الشعر لمن يتوقّف الكشف عليه قطعا، و بعدم القول بالفصل يثبت المطلوب فيمن لا يتوقّف.

و هل يجب وضع الجبين أو الذقن على ما يسجد عليه عند الانتقال إليهما أم لا؟.

فيه نظر، و مقتضى الأصل الثاني.

المسألة الثالثة: سور العزائم في القرآن أربع:
اشارة

«حم السجدة»، و «الم تنزيل»، و «النجم»، و «اقرأ»، بالإجماع المحقّق، و المحكي مستفيضا «4»، له، و للنصوص، منها: صحيحة ابن سنان: «إذا قرأت شيئا من العزائم التي يسجد فيها، فلا تكبّر قبل سجودك، و لكن تكبّر حين ترفع رأسك، و العزائم أربع: حم السجدة، و ألم تنزيل، و النجم، و اقرأ باسم ربك» «5».

______________________________

(1) كالصدوق في المقنع: 26، و صاحب الحدائق 8: 321.

(2) راجع ص 308، الرضوي و المروي في تفسير القمي.

(3) الصدوق في المقنع: 26، و حكاه عن والده في الذكرى: 201.

(4) كما في الخلاف 1: 425، و المنتهى 1: 86، و المدارك 3: 418، و غيرها.

(5) الكافي 3: 317 الصلاة ب 22 ح 1، التهذيب 2: 291- 1170، الوسائل 6: 239 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 311

و نحوه المروي في مستطرفات السرائر، و في آخره: «و كان علي بن الحسين يعجبه أن يسجد في كل سورة فيها سجدة» «1».

و المروي في المجمع: «العزائم: الم تنزيل، حم السجدة، و النجم إذا هوى، و اقرأ باسم ربّك، و ما عداها في جميع القرآن مسنون، و ليس بمفروض» «2» و

في الخصال: «إنّ العزائم أربع: اقرأ باسم ربّك الذي خلق، و النجم، و تنزيل السجدة، و حم السجدة» «3».

و يجب السجود في هذه العزائم بالإجماعين «4»، و المستفيضة كرواية أبي بصير: «إذا قرئ شي ء من العزائم الأربع، فسمعتها، فاسجد و إن كنت على غير وضوء و ان كنت جنبا و إن كانت المرأة لا تصلّي، و سائر القرآن أنت فيه بالخيار، إن شئت سجدت، و إن شئت لم تسجد» «5».

و موثّقة سماعة: «إذا قرأت السجدة فاسجد، و لا تكبّر حتّى ترفع رأسك» «6».

و صحيحة محمّد: عن الرجل يعلّم السورة من العزائم، فتعاد عليه مرارا في المقعد الواحد، قال: «عليه أن يسجد كلّما سمعها، و على الذي يعلّمه أن يسجد» «7».

و المروي في الدعائم و فيها- بعد ذكر العزائم الأربع-: «و هذه العزائم لا بدّ من السجود فيها، و أنت في غيرها بالخيار» «8».

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 31- 28، الوسائل 6: 244 أبواب قراءة القرآن ب 44 ح 2.

(2) مجمع البيان 5: 516، الوسائل 6: 241 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 9.

(3) الخصال: 252- 124، الوسائل 6: 241 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 7.

(4) انظر: جامع المقاصد 2: 311، و المدارك 3: 419، و كشف اللثام 1: 230.

(5) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 2، التهذيب 2: 291- 1171، الوسائل 6: 240 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 2.

(6) التهذيب 2: 292- 1175، الوسائل 6: 240 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 3.

(7) التهذيب 2: 293- 1179، الوسائل 6: 245 أبواب قراءة القرآن ب 45 ح 1.

(8) الدعائم 1: 215، مستدرك الوسائل 4: 318 أبواب قراءة القرآن ب 35 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 5، ص: 312

و تستحبّ السجدة في أحد عشر موضعا آخر بالتفصيل الآتي، بالإجماع أيضا، كما صرّح به جماعة منهم: الذكرى و المدارك و الحدائق و التذكرة و شرح القواعد «1»، و هو الدليل عليه.

مع المروي في العلل: «إنّ أبي علي بن الحسين عليه السلام ما ذكر نعمة اللَّه عليه إلّا سجد، و لا قرأ آية من كتاب اللَّه عزّ و جلّ فيها سجدة إلّا سجد» إلى أن قال: «فسمّي السجّاد لذلك» «2».

و في الدعائم: «موضع السجود في القرآن خمسة عشر موضعا: أوّلها آخر الأعراف، و في سورة الرعد وَ ظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ و في النحل:

وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ و في بني إسرائيل وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً و في كهيعص:

خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا و في الحج إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ و فيها وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ و في الفرقان وَ زادَهُمْ نُفُوراً و في النمل رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ و في تنزيل السجدة وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ و في ص وَ خَرَّ راكِعاً وَ أَنابَ و في حم السجدة إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ و في آخر النجم، و في إذا السماء انشقت وَ إِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ و آخر اقرأ باسم ربّك- إلى أن قال:- العزائم من سجود القرآن أربع: في الم تنزيل السجدة، و حم السجدة، و النجم، و اقرأ. و هذه العزائم لا بد فيها من سجود، و أنت في غيرها بالخيار إن شئت فاسجد، و إن شئت فلا تسجد، و كان علي بن الحسين يعجبه أن يسجد فيهن كلهن» «3».

و عن الصدوق: استحباب السجدة في كل سورة فيها أمر بالسجدة، قال في الفقيه: و يستحبّ أن يسجد الإنسان في

كل سورة فيها سجدة، إلّا أنّ الواجب

______________________________

(1) الذكرى: 213، المدارك 3: 419، الحدائق 8: 332، التذكرة 1: 123، جامع المقاصد 2:

311.

(2) علل الشرائع: 232- 1، الوسائل 6: 244 أبواب قراءة القرآن ب 44 ح 1.

(3) الدعائم 1: 214- 215، مستدرك الوسائل 4: 320 أبواب قراءة القرآن ب 37 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 313

في هذه العزائم الأربع «1».

و يومئ إليه المرويان في العلل و المستطرفات المتقدمان «2».

و يحتمل بعيدا أن يكون مراد الصدوق كالروايتين استحباب السجدة في كل ما أمر فيه بالسجدة، و يكون المعنى: و تستحبّ السجدة في مواضع السجدة إلّا في العزائم فتجب، و حينئذ لا يخالف المشهور.

فروع:

أ:

مواضع السجود في العزائم الأربع، و الإحدى عشر الأخر هي آي السجدة المتقدمة، بالإجماع، و تدلّ عليه موثّقة الساباطي: عن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم، قال: «إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرؤها» «3».

فلا تجب في تتمة السورة، و تدلّ عليه رواية الدعائم المنجبرة، و أصالة عدم الوجوب أو الاستحباب في غيرها، إذ لم يثبت في كل إلّا سجدة واحدة.

و صريح الدعائم أنّه تمام الآية كما صرّح به جملة من الأصحاب، بل ظاهر الذكرى و البحار و الحدائق: اتفاق الأصحاب عليه «4»، و به ينجبر الخبر المذكور، فهو حجة عليه، مع أنّه مقتضى الأصل.

و عن المعتبر و في المنتهى: أنّ موضعه في حم السجدة وَ اسْجُدُوا لِلَّهِ حاكيين له عن الخلاف أيضا «5»، و ليس كذلك، بل كلام الخلاف صريح في أنّه

______________________________

(1) الفقيه 1: 201.

(2) في ص 311- 312.

(3) التهذيب 2: 293- 1177، الوسائل 6: 105 أبواب القراءة في الصلاة ب 40 ح 3.

(4) الذكرى: 214، البحار 82: 177،

الحدائق 8: 335.

(5) المعتبر 2: 273، المنتهى 1: 304.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 314

عقيب الآية [1]، بل قيل: إنّه ممّا لم يقل به أحد من المسلمين [2]، نعم قال بعض العامّة بأنّ موضع السجود وَ هُمْ لا يَسْأَمُونَ «1».

و استدل له بأنّه مقتضى فورية الأمر بالسجود، بل قيل: إنّ ظواهر الأخبار هو السجود عند ذكر السجدة، لتعلق السجود في جملة منها على سماع السجدة أو قراءتها أو استماعها، و المتبادر منها هو لفظ السجدة، و الحمل على تمام الآية يحتاج إلى تقدير «2».

و يردّ بما مرّ من الدعائم، و المروي في المجمع: إنّ السجود في سورة فصّلت عند قوله إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ «3».

و يجاب عن فورية الأمر- مضافا إلى منعها- بأنّه لم يتعلق حينئذ أمر اللَّه سبحانه حتى تجب المسارعة إليه، فإنّه لا مدخليّة لتلاوة القارئ في تعلّق الأمر أصلا، فلو اقتضى الأمر الفورية كان تجب السجدة بمجرد بلوغ كل أحد بعد اطلاعه على أمر اللَّه سبحانه و إن لم يسمع آيها، مع أنّ هذا القدر من التأخير لا ينافي الفورية.

و عن ظواهر الأخبار بأنّ لفظ السجدة مجاز في كلّ من لفظها و الآية المتضمّنة للفظها و السورة المتضمّنة لآيتها، و الحمل على كلّ واحد منها يحتاج إلى دليل، و إن لم يكن يؤخذ بالمتيقن وجوب السجدة عنده، و هو الفراغ عن الآية.

ثمَّ إنّه هل يجوز التقديم عليه و السجدة عند قوله تعالى وَ اسْجُدُوا لِلَّهِ

______________________________

[1] قال في الخلاف 1: 429: موضع السجود في حم السجدة عند قوله وَ اسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ثمَّ قال: و أيضا قوله تعالى وَ اسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَ أمر و الأمر يقتضي

الفور عندنا و ذلك يوجب السجود عقيب الآية. منه رحمه اللَّه.

[2] قال في الذكرى ص 214: فما قاله في المعتبر لا قائل به.

______________________________

(1) انظر: أحكام القرآن لابن العربي 4: 1664، أحكام القرآن للقرطبي 15: 364، احكام القرآن للجصاص 3: 385، المجموع 4: 60.

(2) انظر: الحدائق 8: 334.

(3) مجمع البيان 5: 15، الوسائل 6: 241 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 315

أم لا، بمعنى أنّه لو قدّمها لم يجز عن الواجب؟

مقتضى أصالة عدم الوجوب قبل تمام الآية، و أصالة الاشتغال: الثاني.

و منه يظهر عدم وجوب السجدة بتلاوة بعض الآية ما لم يتمّها، بل عدم وجوبها بتلاوة ما بعد لفظ السجدة إلى آخر الآية فقط، فلا تجب إلّا بقراءتهما معا، بل يمكن أن يقال بعدم وجوبها إلّا بقراءة تمام الآية لو لا الإجماع على وجوبها بقراءة لفظ السجدة و ما بعدها.

ب:

استحباب السجود في المواضع الإحدى عشر على القارئ و المستمع و السامع إجماعيّ، كما في التذكرة و شرح القواعد و غيرهما «1»، له، و لإطلاق بعض ما مرّ، كرجحانه للأخير، و وجوبه على الأوّلين في العزائم.

و الحقّ أنّها لا تجب فيها على السامع، وفاقا للشيخ و تهذيب النفس للفاضل و الشرائع و المنتهى و القواعد و التذكرة «2»، بل في الخلاف: الإجماع عليه «3».

للأصل، و رواية بن سنان: عن رجل يسمع السجدة تقرأ، قال: «لا يسجد إلّا أن يكون منصتا لقراءته مستمعا لها أو يصلّي بصلاته، فأمّا أن يكون يصلّي في ناحية و أنت تصلّي في ناحية أخرى، فلا تسجد لما سمعت» «4».

و لا توهن الرواية بتضمّنها وجوب السجود إذا صلّى بصلاة التالي لها، مع أنّه لا تجوز قراءة العزيمة

في الفريضة، و لا الائتمام في النافلة.

لجواز الائتمام في بعض النوافل كالاستسقاء و العيدين و الغدير، أو كون

______________________________

(1) التذكرة 1: 123، جامع المقاصد 2: 311، و انظر: كشف اللثام 1: 230.

(2) الشيخ في الخلاف 1: 431، الشرائع 1: 87، المنتهى 1: 304، القواعد 1: 35، التذكرة 1:

123.

(3) الخلاف 1: 431.

(4) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 3، التهذيب 2: 291- 1169، الوسائل 6: 242 أبواب قراءة القرآن ب 43 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 316

الصلاة خلف المخالف المجوّز لقراءة العزيمة في الفريضة، مع أنّ صدر الخبر يكفي في الاستدلال.

ثمَّ بهذه الرواية يخصّص عموم ما دلّ على الوجوب بمطلق السماع الشامل للاستماع و غيره، لكونها أخصّ منه مطلقا.

و جعل التعارض بالعموم من وجه- لشمولها للسجدات المستحبّة أيضا- باطل، لعدم تفاوت الحكم الثابت لها إجماعا، فلا يلائم التفصيل القاطع للشركة، مع أنّه عليه أيضا يثبت عدم الوجوب، للأصل.

و ترجيح الموجب- لمخالفته العامة- باطل، لأنّه و إن خالف قول مالك و أحمد و بعض آخر «1»، و لكنه يوافق أبا حنيفة بل الشافعي و ابن عمر و النخعي و سعيد بن جبير و بعضا آخر «2».

فالقول بالوجوب على السامع أيضا- كما ذهب إليه جماعة [1]، بل في السرائر الإجماع عليه «3»- غير سديد.

ج:

لا يستحبّ التكبير لهذه السجدة، و في المدارك: إجماع الأصحاب على عدم مشروعيته «4»، للأصل، و صحيحة ابن سنان و موثّقة سماعة المتقدمتين «5».

و عن أكثر العامّة القول بوجوبه قبلها «6».

نعم يستحبّ التكبير إذا رفع رأسه منها، للصحيحة، و الموثّقة، و مرسلة الفقيه: «يقول في سجدة العزائم: لا إله إلّا اللَّه حقّا حقّا، لا إله إلّا اللَّه إيمانا

______________________________

[1] كالمحقق الثاني في جامع

المقاصد 2: 311، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 32.

______________________________

(1) انظر: المغني 1: 688، و عمدة القارئ 7: 104.

(2) انظر: المغني 1: 688، و عمدة القارئ 7: 104.

(3) السرائر 1: 226.

(4) المدارك 3: 420.

(5) في ص 310- 311.

(6) كما في المغني 1: 686.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 317

و تصديقا، لا إله إلّا اللَّه عبودية و رقّا، سجدت لك يا ربّ تعبّدا و رقّا لا مستنكفا و لا مستكبرا، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير. ثمَّ يرفع رأسه ثمَّ يكبّر» «1».

و عن ظاهر الخلاف و المبسوط و الذكرى و بعض آخر: وجوب هذا التكبير، لظاهر الأمر «2».

و يجاب عنه: بمنع كونه أمرا و إنّما هو إخبار يحتمل الأمرين.

و لو كان أمرا يحمل على الاستحباب، للمرويين في مستطرفات السرائر و الدعائم، المنجبرين بالشهرة، الأوّل: عن الرجل إذا قرأ العزائم كيف يصنع؟

قال: «ليس فيها تكبير إذا سجدت و لا إذا قمت، و لكن إذا سجدت قلت ما تقول في السجود» «3».

و الثاني: «و يسجد و إن كان على غير طهارة، و إذا سجد فلا يكبّر، و لا يسلّم إذا رفع، و ليس في ذلك غير السجود، و يدعو في سجوده ما تيسّر من الدعاء» «4».

و مقتضى الأصل و الروايتين- كفتاوى الأصحاب- خلوّ هذه السجدة عن التشهد و التسليم.

د:

لا يشترط فيها الطهارة عن الحدث الأصغر، و لا الأكبر، و لا الخبث، و لا ستر العورة، و لا استقبال القبلة، وفاقا في الجميع للأكثر، بل في المنتهى: الإجماع على الأوّلين «5»، و في التذكرة: على عدم اشتراط ما يشترط في الصلاة «6».

للأصل في الكل.

و المرويّ في المستطرفات: فيمن قرأ السجدة و عنده رجل على غير وضوء،

______________________________

(1) الفقيه 1:

201، الوسائل 6: 245 أبواب قراءة القرآن ب 46 ح 2.

(2) الخلاف 1: 432، المبسوط 1: 114، الذكرى: 214، و انظر: كفاية الأحكام: 20.

(3) مستطرفات السرائر: 99- 22، الوسائل 6: 246 أبواب قراءة القرآن ب 46 ح 3.

(4) الدعائم 1: 215- 216، مستدرك الوسائل 4: 318 أبواب قراءة القرآن ب 35 ح 2.

(5) المنتهى 1: 305.

(6) التذكرة 1: 123.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 318

قال: «يسجد» «1» و فيه أيضا: يقرأ الرجل السجدة و هو على غير وضوء، قال:

«يسجد» «2» في الأوّل.

و موثّقة أبي بصير: «الحائض تسجد إذا سمعت السجدة» «3» و صحيحة الحذّاء: عن الطامث تسمع السجدة، قال: «إذا كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها» «4» في الثاني.

و روايتي الدعائم و أبي بصير- المتقدمتين- فيهما معا.

و المروي في العلل: عن الرجل يقرأ السجدة و هو على ظهر دابّته، قال:

«يسجد حيث توجهت به» «5» في الأخير في الجملة.

خلافا في الأوّل لنهاية الشيخ، حيث لم يجوّزها للحائض «6».

و المقنعة، حيث علّل منع الجنب و الحائض عن قراءة العزائم بقوله: لأنّ فيها سجودا واجبا، و لا يجوز السجود إلّا لطاهر من النجاسات بلا خلاف «7».

انتهى.

و الظاهر أنّ مراده النجاسة الحدثية، و إلّا لم يتمّ التعليل.

و هو ظاهر الانتصار أيضا، حيث قال- في بيان الفرق بين العزائم و غيرها، في المنع عن قراءة الجنب و الحائض الأولى دون غيرها-: و يمكن أن يكون الفرق بين عزائم السجود و غيرها أنّ فيها سجودا واجبا لا يكون إلّا على طهر «8». انتهى.

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 29- 17، الوسائل 6: 241 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 5.

(2) مستطرفات السرائر: 28- 12، الوسائل 6: 241 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح

6.

(3) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 4، التهذيب 2: 291- 1168، الوسائل 6: 103 أبواب القراءة في الصلاة ب 38 ح 1.

(4) الكافي 3: 106 الحيض ب 18 ح 3، التهذيب 1: 129- 353، الوسائل 2: 340 أبواب الحيض ب 36 ح 1.

(5) علل الشرائع: 358- 1، الوسائل 6: 248 أبواب قراءة القرآن ب 49 ح 1.

(6) النهاية: 25.

(7) المقنعة: 52.

(8) الانتصار: 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 319

و نسب إلى الإسكافي أيضا، و فيه كلام، لأنّه قال: غير الطاهر يتيمم «1».

و إرادة الاستحباب ممكنة.

لنفي الخلاف المتقدّم في كلام المفيد، و لصحيحة البصري: عن الحائض هل تقرأ القرآن و تسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟ قال: «تقرأ و لا تسجد» و في بعض النسخ: «لا تقرأ و لا تسجد» «2».

و المرويّ في السرائر: «لا تقضي الحائض الصلاة، و لا تسجد إذا سمعت السجدة» «3».

و يضعّف الأوّل: بعدم الحجيّة.

و الروايتان: بعدم الدلالة على الحرمة. نعم تصلحان لإثبات جواز الترك و اشتراط الطهارة في الوجوب- كما ذهب إليه في التهذيبين «4»- لو لا معارضتهما مع ما مرّ، و أمّا معها فتخصّصان به، لكون بعضه أخصّ من جهة اختصاصه بالعزائم و القارئ و المستمع، و عمومهما، فتحملان على نفي الوجوب في غير العزيمة أو السامع.

و في الثالث لمحتمل كلام المقنعة كما مرّ، بحمل النجاسة على الخبثية، و توجيه الاستدلال بعدم خلوّ الجنب عنها غالبا.

و لا دليل له سوى ما مرّ من نفي الخلاف الظاهر ضعفه.

و في الأخير للمرويّ في الدعائم: «إذا قرأت السجدة و أنت جالس فاسجد متوجّها إلى القبلة، و إذا قرأتها و أنت راكب فاسجد حيث توجّهت» «5».

______________________________

(1) انظر: الذكرى: 214.

(2) التهذيب 2: 292-

1172، الاستبصار 1: 320- 1193، الوسائل 2: 341 أبواب الحيض ب 36 ح 4.

(3) مستطرفات السرائر: 105- 47، الوسائل 2: 342 أبواب الحيض ب 36 ح 5.

(4) التهذيب 2: 292- 1172 ذ. ح، و الاستبصار 1: 320- 1193 ذ. ح.

(5) الدعائم 1: 216، مستدرك الوسائل 4: 326 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 320

و لكن ضعفه يمنع عن إثبات الحكم المخالف للأصل به، فيحكم بالاستحباب.

ه:

هل يشترط في هذه السجدة وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه، و عدم ارتفاع موضعها عن الموقف بأزيد من اللبنة، و وضع سائر المساجد السبعة؟

ظاهر جماعة منهم: الذكرى و شرح القواعد و المدارك «1»: التوقّف من حيث إطلاق اشتراط الثلاثة في السجود كما مرّ، و من حيث انصراف مطلق السجود إلى الشائع منه و هو سجدة الصلاة.

و قد ذكرنا في موضعه أنّ هذا الانصراف إنّما هو فيما إذا بلغ الشيوع حدّا يصلح قرينة للتجوّز و إرادة الفرد الخاصّ من المطلق بأن يكون صارفا للّفظ إليه، و هو في المورد ممنوع.

فالقول بالاشتراط قويّ.

نعم لا يشترط خلوّ موضع السجدة عن النجاسة، لأنّ دليله إمّا الإجماع الغير الثابت هنا، أو أخبار مخصوصة بالصلاة، أو عامّة ضعيفة خالية عن الجابر في المقام.

و:

صرّح جماعة من الأصحاب بفوريّة هذه السجدة، بل في شرح القواعد عزاه إلى أصحابنا «2»، و في المدارك: الإجماع عليه «3»، و في الحدائق: نفي الخلاف عنه «4».

و تدلّ عليه من الأخبار موثّقة أبي بصير: «إن صلّيت مع قوم فقرأ الإمام اقرأ

______________________________

(1) الذكرى: 214، جامع المقاصد 2: 313، المدارك 3: 420.

(2) جامع المقاصد 2: 313.

(3) المدارك 3: 421.

(4) الحدائق 8: 339.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5،

ص: 321

باسم ربّك الذي خلق، أو شيئا من العزائم، و فرغ من قراءته و لم يسجد، فأوم إيماء» «1».

فإنّه لو لا فوريّة السجدة لم يكن وجه لإيجاب الإيماء.

و منه تظهر دلالة موثّقة سماعة: «من قرأ اقرأ باسم ربّك فإذا ختمها فليسجد، فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب و ليركع» قال: «و إن ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزئك الإيماء و الركوع» «2».

مع أنّ الأمر بالسجدة بعد الختم قبل الركوع فيها صريح في فوريّتها.

ثمَّ لو نسيها، أو منعه عذر عنها، أو تركها عمدا، يأتي بها إذا ذكرها أو ارتفع العذر، إجماعا، له، و صحيحة محمّد: عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتّى يركع و يسجد، قال: «يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم» «3».

و اختصاصها بالنسيان يجبر بالإجماع المركّب.

و هل يجب حينئذ فورا؟ فيه نظر.

ز:

لو تعدّدت قراءة موضع السجدة فلو تخلّل بينها السجود يتكرر السجود قطعا.

و لو لم يتخلل فهل تكفي سجدة واحدة للجميع أم لا؟.

الظاهر: نعم، لما بيّنّا في موضعه من تداخل الأسباب.

و قيل: لا، لأصالة عدم التداخل «4»، و هي ممنوعة. و لصحيحة محمّد المتقدمة في صدر المسألة «5»، و هي غير دالّة.

______________________________

(1) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 4، التهذيب 2: 291- 1168، الاستبصار 1:

320- 1192، الوسائل 6: 103 أبواب القراءة في الصلاة ب 38 ح 1.

(2) التهذيب 2: 292- 1174، الاستبصار 1: 320- 1191، الوسائل 6: 102 أبواب القراءة في الصلاة ب 37 ح 2.

(3) التهذيب 2: 292- 1176، الوسائل 6: 104 أبواب القراءة في الصلاة ب 39 ح 1.

(4) كما في الذكرى: 215.

(5) راجع ص 311.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 322

ح:

الواجب إنّما هو السجود عند تلاوة هذه الآيات أو

سماعها، فلا يجب بتصويرها و تخيّلها و لا بكتابتها و لا بمشاهدتها مكتوبة، للأصل.

ط:

يستحب الذكر فيها إجماعا، له، و للنصوص.

و يكفي فيها كلّ ذكر كما في المروي في الدعائم: «و يدعو في سجوده ما تيسّر من الدعاء» «1».

و أفضله المأثور، و هو ما رواه في السرائر كما تقدّم حيث قال: «قلت ما تقول في السجود» «2».

أو ما في مرسلة الفقيه المتقدّمة «3».

أو ما في صحيحة الحذّاء: «إذا قرأ أحدكم السورة من العزائم فليقل في سجوده: سجدت لك يا ربّ تعبّدا و رقّا، لا مستكبرا عن عبادتك و لا مستنكفا و لا متعظّما، بل أنا عبد ذليل مستجير» «4».

و في مرسلة الغوالي: إنّ النبي صلّى اللَّه عليه و آله قال عند نزول وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ «5»: «أعوذ برضاك عن سخطك و بمعافاتك عن عقوبتك، و أعوذ بك منك، و لا احصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» «6».

و في الفقيه: «فليقل: إلهي آمنّا بما كفروا، و عرفنا منك ما أنكروا، و أجبناك إلى ما دعوا، إلهي فالعفو العفو» «7».

______________________________

(1) دعائم الإسلام 1: 215، مستدرك الوسائل 4: 318 أبواب القراءة في غير الصلاة ب 35 ح 2.

(2) راجع ص 317.

(3) في ص 316.

(4) الكافي 3: 328 الصلاة ب 25 ح 23، الوسائل 6: 245 أبواب قراءة القرآن ب 46 ح 1.

(5) العلق: 19.

(6) عوالي اللئالي 4: 113- 176، مستدرك الوسائل 4: 321 أبواب القراءة في غير الصلاة ب 39 ح 2.

(7) الفقيه 1: 201.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 323

البحث السابع في التشهد
اشارة

و هو واجب- بإجماعنا بل الضرورة من مذهبنا- في كلّ صلاة ثنائية مرّة بعد السجدة الأخيرة و قبل التسليم، و في الثلاثية و الرباعية

مرّتين: مرّة كما مرّ، و الأخرى بعد السجدة الرابعة.

و الأخبار به مستفيضة «1»، كما تأتي في بحث نسيان التشهد، و أخبار الشك بين الأربع و الخمس «2»، و من الاولى يظهر عدم ركنيته.

و أمّا صحيحة الفضلاء الثلاثة: «إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته، فإن كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلّم و انصرف أجزأه» «3».

فلا تنافيه، لعدم تعيّن المرجع في قوله: «فرغ» فلعلّه المأموم و كان الغرض عدم وجوب متابعته في السلام مع الاستعجال، بل اللازم حمل الرواية عليه و إلّا لم يكن لها معنى صحيح إلّا بتكلّف.

و لا الأخبار المصرّحة بأنّ التشهد سنّة «4»، لأنّها في مقابلة الفريضة بمعنى ما لم يثبت وجوبه من الكتاب.

و لا الأخبار الكثيرة المتضمنة لعدم بطلان الصلاة بالحدث قبل التشهد و إعادة الطهارة و التشهد «5»، لاحتمال إرادة التشهد بأن يصلّي متشهدا، مع أنّ غايتها- لو تمّت- نفي الجزئيّة أو تجويز البناء على الصلاة لو أحدث في أثنائها،

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 401 أبواب التشهد ب 7.

(2) انظر: الوسائل 8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14.

(3) التهذيب 2: 317- 1298، الوسائل 6: 397 أبواب التشهد ب 4 ح 2.

(4) انظر: الوسائل 6: 401 أبواب التشهد ب 7.

(5) انظر: الوسائل 6: 410 أبواب التشهد ب 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 324

و هما لا ينفيان الوجوب، و يأتي تحقيقهما.

و هاهنا مسائل:
المسألة الأولى: يجب فيه الجلوس بقدر ذكره الواجب

إجماعا محقّقا و محكيّا في المنتهى و التذكرة و تهذيب النفس للفاضل و شرح القواعد و المدارك «1»، و غيرها «2»، و هو الحجة فيه.

مضافا إلى صحيحة محمّد: التشهد في الصلاة، قال: «مرّتين» قال، قلت: و كيف مرّتين؟ قال: «إذا استويت جالسا فقل: أشهد أن لا إله

إلّا اللَّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، ثمَّ تنصرف» الحديث «3».

و رواية عليّ بن أبي حمزة: «إذا قمت في الركعتين الأوليين و لم تتشهد فذكرت قبل أن تركع فاقعد فتشهّد» «4».

و في حسنة الحلبي: «فاجلس و تشهّد و قم» «5».

و في صحيحة الفضيل في من نسي التشهد: «فليجلس ما لم يركع» «6».

و غير ذلك من المستفيضة من الصحاح و غيرها.

و على هذا فلو شرع في التشهد حين الرفع من السجود أو نهض قائما قبل

______________________________

(1) المنتهى 1: 294، التذكرة 1: 125، جامع المقاصد 2: 320، المدارك 3: 425.

(2) كالمفاتيح 1: 150، و كشف اللثام 1: 231، و الرياض 1: 171، و غنائم الأيام: 214.

(3) التهذيب 2: 101- 379، الاستبصار 1: 342- 1289، الوسائل 6: 397 أبواب التشهد ب 4 ح 4.

(4) الكافي 3: 357 الصلاة ب 42 ح 7، التهذيب 2: 344- 1430، الوسائل 8: 244 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 26 ح 2.

(5) الكافي 3: 357 الصلاة ب 42 ح 8، التهذيب 2: 344- 1429، الوسائل 6: 406 أبواب التشهد ب 9 ح 3.

(6) الكافي 3: 356 الصلاة ب 42 ح 2، التهذيب 2: 345- 1431، الوسائل 6: 405 أبواب التشهد ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 325

إكماله عمدا بطلت صلاته، و إن كان ناسيا تداركه ما دام محلّه باقيا، كما يأتي بيانه.

المسألة الثانية: تجب فيه مطلقا الشهادتان بالإجماع المحقّق،

و المحكي في التذكرة «1»، و عن الخلاف و الغنية و الذكرى «2»، و في شرح القواعد نفي الخلاف فيه بين أصحابنا، قال: إنّ عليه عمل الأصحاب كافة «3».

و تدلّ عليه مع الإجماع صحيحة محمّد المتقدّمة.

و رواية ابن كليب: أدنى ما

يجزئ من التشهد، فقال: «الشهادتان» «4».

و نحوه الرضوي «5».

صرّح فيهما بأنّهما أدنى ما يجزئ من التشهد الذي هو واجب فيكون الإجزاء عن الواجب، و لا يرد احتمال كون الإجزاء عن الأمر المستحب.

و يؤيّده سائر المعتبرة المستفيضة الآمرة بالشهادتين فيه على اختلاف كيفيتهما «6».

و أمّا رواية الخثعمي: «إذا جلس الرجل للتشهّد فحمد اللَّه أجزأه» «7».

و ما في رواية بكر: «إذا حمدت اللَّه أجزأ عنك» «8».

فلا ينافي ما مرّ، لإجمال المجزئ عنه فيحتمل أن يكون الأمر الندبي.

______________________________

(1) التذكرة 1: 125.

(2) الخلاف 1: 372، الغنية (الجوامع الفقهية): 558، الذكرى: 204.

(3) جامع المقاصد 2: 319.

(4) الكافي 3: 337 الصلاة ب 30 ح 3، التهذيب 2: 101- 375، الاستبصار 1:

341- 1285، الوسائل 6: 398 أبواب التشهد ب 4 ح 6.

(5) فقه الرضا (ع): 111، مستدرك الوسائل 5: 10 أبواب التشهد ب 3 ح 1.

(6) الوسائل 6: أبواب التشهد ب 3 و 4.

(7) التهذيب 2: 101- 376، الاستبصار 1: 341- 1286، الوسائل 6: 399 أبواب التشهد ب 5 ح 2.

(8) الكافي 3: 337 الصلاة ب 30 ح 1، التهذيب 2: 101- 378، الاستبصار 1: 342- 1288 و فيهما: أجزأك، الوسائل 6: 399 أبواب التشهد ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 326

و كذا روايته الأخرى: أيّ شي ء أقول في التشهّد و القنوت؟ قال: «قل بأحسن ما علمت فإنّه لو كان مؤقّتا لهلك الناس» «1».

فإنّه يمكن أن يراد المقول استحبابا.

خلافا للمحكي عن المقنع، فأدنى ما يجزئ في التشهد الشهادتان، أو قول: بسم اللَّه و باللَّه «2».

و عن صاحب الفاخر فتجزئ شهادة واحدة في التشهد الأوّل «3».

و لعلّ مستند الأول موثقة الساباطي: في رجل نسي التشهد في الصلاة، قال: «إن

ذكر أنّه قال: بسم اللَّه و باللَّه فقط فقد جازت صلاته، و إن لم يذكر شيئا من التشهّد أعاد الصلاة» «4» و نحوها روايته «5» إلّا أنّه ليس فيها: «و باللَّه».

و المروي في قرب الإسناد بعد السؤال عن رجل ترك التشهد حتى سلّم:

«فإن ذكر أنّه قال: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، أو بسم اللَّه و باللَّه أجزأ في صلاته، و إن لم يتكلم بقليل أو كثير حتى سلّم أعاد الصلاة» «6».

و مستند الثاني صحيحة زرارة: ما يجزئ من القول في التشهد في الركعتين الأوليين؟ قال: «أن يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له» قال، قلت: فما يجزئ من تشهد الركعتين الأخيرتين؟ قال: «الشهادتان» «7».

______________________________

(1) الكافي 3: 337 الصلاة ب 30 ح 2، التهذيب 2: 102- 381، الوسائل 6: 399 أبواب التشهد ب 5 ح 1.

(2) حكاه عنه في الذكرى: 204 و المدارك 3: 426.

(3) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 231.

(4) التهذيب 2: 192- 758، الاستبصار 1: 379- 1437 بتفاوت، الوسائل 6: 403 أبواب التشهد ب 7 ح 7، لم يذكر «و باللَّه» فيها و قد ذكر في الوافي 8: 943.

(5) التهذيب 2: 319- 1303، الاستبصار 1: 343- 1293، الوسائل 6: 403 أبواب التشهد ب 7 ح 7.

(6) قرب الاسناد: 195- 741، الوسائل 6: 404 أبواب التشهد ب 7 ح 8، و فيهما بتفاوت يسير.

(7) التهذيب 2: 100- 374، الاستبصار 1: 341- 1284، الوسائل 6: 396 أبواب التشهد ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 327

و يضعّف الكل بعدم الحجية، للشذوذ، و مخالفة الأصحاب، بل إجماعهم.

مضافا إلى قصور مستند الأوّل دلالة، بل انتفاء الدلالة فيه رأسا، إذ

إمضاء الصلاة إذا نسي التشهد مع تذكّر قول: بسم اللَّه و باللَّه، أو أشهد أن لا إله إلّا اللَّه لا يدلّ على كفاية أحدهما في التشهد، كيف؟! و الصلاة ممضاة لو لم يتذكّر شيئا منهما أيضا بل تذكّر عدمه أصلا، و أمّا الجزء الأخير الآمر بالإعادة مع عدم تذكّر شي ء، فهو مردود بمخالفة الإجماع، مع أنّ الإعادة لو ثبتت لكانت بأمر جديد، فلا دلالة فيها على جواز الاكتفاء بما لا إعادة مع تذكره في صورة العمد.

و تعارض مستند الثاني مع صحيحة البزنطي: التشهد الذي في الثانية يجزئ أن أقول في الرابعة؟ قال: «نعم» «1».

دلّت على كفاية ما للثانية للرابعة، و لا يمكن أن يكون هو الشهادة الواحدة باتفاق الخصم، فيجب الاثنتان في الأولى أيضا، و بعد تعارضهما تبقى المطلقات المتقدّمة خالية عن المعارض.

ثمَّ أقلّ الواجب من الشهادتين: «أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله» على الأظهر، وفاقا لظاهر النافع و الدروس و اللمعة «2».

لصحيحة محمّد المتقدمة، المؤيّدة بالرضوي: «فإذا حضر التشهد جلست تجاه القبلة بمقدار ما تقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، فإذا فعلت ذلك فقد تمّت صلاتك» «3».

و بصحيحة زرارة السابقة المنضمّة مع الإجماع المركّب.

______________________________

(1) التهذيب 2: 101- 377، الاستبصار 1: 342- 1287، الوسائل 6: 397 أبواب التشهد ب 4 ح 3.

(2) المختصر النافع: 32، الدروس 1: 182، اللمعة (الروضة 1): 276.

(3) فقه الرضا (ع): 150، مستدرك الوسائل 6: 519 أبواب صلاة الخوف و المطاردة ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 328

و بموثقة عبد الملك «1»، و المروي

في الخصال «2».

و جعلهما دليلين باطل، لتضمنهما ما لا يجب بالإجماع. و القول بأنّ خروج البعض عن الوجوب بدليل لا يضرّ في وجوب الباقي، إنّما يصح في العمومات دون مثل ذلك.

و احتمال كون المراد من المرّتين في الصحيحة التشهدين دون الشهادتين، غير ضائر في دلالتها على الوجوب، كما أنّ عدم تعرضها لذكر الصلاة على النبي لا يوهن في دلالتها على وجوب الشهادتين.

ثمَّ بهذه الصحيحة- لكونها مقيدة- تقيّد المطلقات المتقدمة.

فالقول بمقتضاها، و كفاية الشهادتين و لو بدون قوله: وحده لا شريك له، و قوله: عبده كما في نهاية الشيخ و السرائر و الشرائع و المنتهى و القواعد و شرح القواعد «3»، و المعتمد لوالدي قدّس سرّه، بل كثير من الأصحاب كما في شرح القواعد «4»، بل المشهور كما في الحدائق «5» و المعتمد، بل ظاهر الأصحاب كما في الذكرى «6»، أو التردد بين كفاية المطلق و لزوم المقيّد كما في التذكرة «7»، و عن نهاية الإحكام «8» و تهذيب النفس للفاضل.

غير جيّد، لوجوب حمل المطلق على المقيّد و المجمل على المفصّل.

و القول بصراحة المطلق لتصريحه بأنّه أدنى ما يجزئ و هو صريح في العدم،

______________________________

(1) التهذيب 2: 92- 944، الوسائل 6: 393 أبواب التشهد ب 3 ح 1.

(2) الخصال: 629، الوسائل 6: 412 أبواب التشهد ب 13 ح 5.

(3) النهاية: 83، السرائر 1: 241، الشرائع 1: 88، المنتهى 1: 292، القواعد 1: 35، جامع المقاصد 2: 318.

(4) جامع المقاصد 2: 318.

(5) الحدائق 8: 444.

(6) الذكرى: 204.

(7) التذكرة 1: 126.

(8) نهاية الإحكام 1: 500.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 329

و ظهور المقيّد، لأنّ غايته الأمر الظاهر في الوجوب، و الظاهر لا يقاوم الصريح.

باطل، لمنع الصراحة، فإنّ الشهادتين

فيها لا يزيد على الظهور في الإطلاق، بل ليس ظاهرا في عدم وجوب فرد مخصوص من الشهادة أيضا و إنما هو بالأصل الغير المقاوم لظاهر أصلا.

و من ذلك يظهر عدم معارضة موثقة أبي بصير «1»- الفاقدة للفظ: «أشهد» الثاني في التشهد الأول- للصحيحة أيضا، إذ غايتها عدم التعرض و هو لما تعرض له غير معارض، مع أنّ الرواية متضمّنة لزيادات و للفظ أشهد في موضع آخر فيمكن أن يكون هو المجزئ عن لفظ: «أشهد» الثاني في أوّل الشهادة الثانية، فيكون مخيّرا بين ما في الصحيحة و الموثّقة.

و أمّا رواية الحسن بن الجهم: عن رجل صلّى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة، فقال: «إن كان قال: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه و أنّ محمّدا رسول اللَّه فلا يعيد، و إن كان لم يتشهد قبل أن يحدث فليعد» «2».

فهي و إن كانت معارضة لها إلّا أنّها أعمّ منها باعتبار شمولها لما إذا اقتصر على ما فيها، أو زاد عليها ما في الصحيحة أيضا، فلتخصّص بالصحيحة، كما تخصّص بالنسبة إلى الصلوات أيضا على القول ببطلان الصلاة بالحدث قبلها.

على أنّ غايتها عدم وجوب الإعادة لو قال الشهادتين بدون الزيادة، و هو لا ينفي وجوب الزيادة، لجواز أن يجب أن يتلفّظ في التشهد بها و إن لم تجب إعادة الصلاة إذا سبقها الحدث بعد حصول ماهية الشهادتين، فتأمّل.

المسألة الثالثة: و تجب فيه الصلاة على النبي و آله

في كلّ من التشهدين على الأظهر الأشهر، بل في الناصريات و المنتهى و التذكرة و شرح

______________________________

(1) التهذيب 2: 99- 373، الوسائل 6: 393 أبواب التشهد ب 3 ح 2.

(2) التهذيب 2: 354- 1467، الاستبصار 1: 401- 1531، الوسائل 7: 234 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 6.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 5، ص: 330

القواعد «1»، و المعتمد، و عن الخلاف و الغنية و المعتبر و الذكرى: الإجماع عليه «2».

لصحيحة ابن أذينة أو حسنته الواردة في بدو الأذان، و فيها بعد تمام السجدة الرابعة: «اجلس فجلس فأوحى اللَّه إليه: يا محمّد إذا ما أنعمت عليك فسمّ باسمي، فالهم أن قال: بسم اللَّه و باللَّه و لا إله إلّا اللَّه و الأسماء الحسنى كلّها للَّه، ثمَّ أوحى اللَّه إليه: يا محمّد صلّ على نفسك و على أهل بيتك» الحديث «3».

و صحيحة زرارة و أبي بصير الواردة في زكاة الفطرة، و فيها: «و من صلّى و لم يصلّ على النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و ترك ذلك متعمّدا فلا صلاة له» «4».

و لا يضرّ تشبيه زكاة الفطرة فيها بالصلاة في أنّها من تمام الصوم كما أنّ الصلاة على النبي من تمام الصلاة مع عدم توقف قبول الصوم على الزكاة، لأنّ التشبيه لا يدل على المشابهة في جميع الأحكام، مع أنّ المشبّه به يكون لا محالة أقوى من المشبّه، مضافا إلى أنّ غايته عدم تمامية الاستدلال بهذا الجزء، و هو لا يوهن الاستدلال بما ذكرنا من ذيله.

و في اخرى: «إنّ الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم من تمام الصلاة، و لا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه و آله» «5».

و في رواية أخرى منجبرة نقلها بعضهم: «من صلّى و لم يصلّ فيها عليّ و على آلي لم تقبل منه تلك الصلاة» «6».

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 198، المنتهى 1: 293، التذكرة 1: 125، جامع المقاصد 2:

319.

(2) الخلاف 1: 365، الغنية (الجوامع الفقهية): 558، المعتبر 2: 266، الذكرى: 204.

(3)

الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1، علل الشرائع: 312- 1، الوسائل 5: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.

(4) التهذيب 2: 159- 625، التهذيب 4: 108- 314، الاستبصار 1: 343- 1292، الوسائل 6: 407 أبواب التشهد ب 10 ح 2.

(5) الفقيه 2: 119- 515، المقنعة: 264، الوسائل 6: 407 أبواب التشهد ب 10 ح 1.

(6) متشابه القرآن 2: 170، مستدرك الوسائل 5: 15 أبواب التشهد ب 7 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 331

و قد يستدل بالآية صَلُّوا عَلَيْهِ «1» و رواية محمّد بن هارون و ما بمضمونها: «إذا صلّى أحدكم و لم يذكر النّبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم في صلاته يسلك بصلاته غير سبيل الجنّة» «2».

و فيهما نظر، لعدم دلالة الأمر بالصلاة على قول الصلاة، لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة عند نزول الآية، و عدم دلالة وجوب الذكر على وجوب الصلاة فلعلّه تسميته في التشهد.

و غير الاولى من هذه الأخبار و إن كانت مطلقة غير معيّنة لموضع الصلاة في الصلاة، إلّا أنّ الاولى صريحة في تعيينها في التشهد، فهي مضافة إلى عدم قول بوجوبها في غيره أصلا تعيّن موضعها.

هذا، مضافا إلى الأخبار المتكثرة المصرّحة بوجوب الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم كلّما ذكر اسمه «3» كما يأتي، فلو لا عموم الوجوب بدليل لا أقلّ من وجوبها في التشهدين لعدم المخرج فيهما قطعا.

و لا يرد خروج الأكثر، إذ لم يعلم تحقق الأكثر من ذكره في التشهد، فإنّه يذكره كل أحد في كلّ يوم تسع مرّات لا محالة، و به يثبت الوجوب في التشهدين معا، فلا يضرّ عدم ثبوته من الأخبار المتقدمة.

و يستفاد من الروايتين الاولى

و الأخيرة وجوب إضافة الآل أيضا كما عليه الإجماعات المحكية، و تدلّ عليه صحيحة القدّاح: «سمع أبي رجلا متعلّقا بالبيت و هو يقول: اللّهم صلّ على محمّد، فقال له أبي: يا عبد اللَّه لا تبترها لا تظلمنا حقنا، قل: اللّهم صلّ على محمّد و أهل بيته» «4».

______________________________

(1) الأحزاب: 56.

(2) الكافي 2: 495 الدّعاء ب 20 ح 19، المحاسن: 95- 53، الوسائل 6: 408 أبواب التشهد ب 10 ح 3.

(3) انظر: الوسائل 7: 201 أبواب الذكر ب 42.

(4) الكافي 2: 495 الدعاء ب 20 ح 21، الوسائل 7: 202 أبواب الذكر ب 42 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 332

و صحيحة الحلبي: أسمّي الأئمة في الصلاة؟ قال: «أجملهم» «1».

الأمر دلّ على الوجوب، و لا وجوب في غير موضع النزاع بالإجماع.

خلافا للمحكي عن الصدوق، فلم يذكر في شي ء من كتبه الصلاة في شي ء من التشهدين، للأصل، و الأخبار المصرّحة بإجزاء الشهادتين «2»، و خلوّ كثير من الأخبار عنها، و تجويز الانصراف بعد الشهادتين في صحيحة محمّد السابقة «3»، و التصريح في صحيحة الفضلاء المتقدمة «4» بأنّه إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته.

و عن والده فلم يذكرها في الأول «5»، و لعلّه لما مرّ من الإطلاقات، و اختصاص الصحيحة الأولى بالتشهد الأخير.

و عن الإسكافي فاكتفى بها في أحدهما «6»، و لعلّه للإطلاق، مع ضميمة الإجماع على عدم الوجوب في غير التشهد، و عدم صراحة الصحيحة في اختصاص الوجوب بالأخير لاتحاد الأول و الأخير في صلاة النبي.

و يجاب عن أدلّة الأول: بضعف الأصل بما مرّ، و عدم دلالة أخبار الإجزاء إلّا عن الإجزاء عن التشهد فيحتمل أن تكون الصلاة خارجة عنه، و عدم تصريح الصحيحة بالانصراف

بعد التشهد بلا فصل، بل أتى بلفظة: «ثمَّ» الدالة على التراخي، فلعلّه بعد الصلاة على النبي و آله و إن لم تكن مذكورة فيها، مع احتمال إرادة الانصراف من التشهد دون الصلاة، و يؤكده عدم اختصاصها بالتشهد الأخير بل لا يضرّ لو أريد الانصراف من الصلاة لاحتمال خروج الصلاة على النبي

______________________________

(1) الفقيه 1: 208- 938 و 312- 1418، التهذيب 2: 326- 1338، الوسائل 6: 285 أبواب القنوت ب 14 ح 1.

(2) انظر: الوسائل 6: أبواب التشهد ب 4 و 5.

(3) في ص 324 الرقم 3.

(4) في ص 323 الرقم 3.

(5) حكاه عنه في الذكرى: 204.

(6) حكاه عنه في المدارك 3: 426.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 333

عنها كالتسليم.

و منه يظهر ضعف التمسك بصحيحة الفضلاء.

مع أنّ لنا أن نقول- على وجوب الصلاة على النبي و آله كلّما ذكر-: إنّه لا يحصل الفراغ من الشهادتين المشتملتين على اسمه الشريف إلّا بعد الصلاة عليه أيضا.

و عن دليل الثاني: بمنع اختصاص الصحيحة بالتشهد الأخير كما مرّ وجهه، مضافا إلى أنّ أحد أدلّة وجوبها و هو وجوبها عند ذكره صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم جار في التشهدين معا.

و منه يظهر الجواب عن دليل الثالث أيضا.

و هل ينحصر وجوبها في لفظ: «اللهم صلّ على محمّد و آل محمّد» أم يجوز كل ما أدّى مؤدّاه؟.

الظاهر: الثاني، للأصل، و صحيحة بدو الأذان.

و هي جزء للصلاة إجماعا، له، و لقوله في الأحاديث المتقدمة: «إنّها من تمام الصلاة» و تمام الشي ء جزؤه، و: «إنّ من تركها لا صلاة له» و لا تنتفي حقيقة الشي ء إلّا بانتفاء جزئه.

و لصحيحة الحلبي: «كلّ ما ذكرت اللَّه [به ] و النبي صلّى اللَّه عليه و آله فهو

من الصلاة، فإن قلت: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين فقد انصرفت» «1».

بل جزء من التشهد أيضا على ما هو ظاهر الأكثر حيث عدّوها من الواجبات في التشهد، بل هو الظاهر من أكثر الإجماعات المحكية، فإن ثبت الإجماع فهو و إلّا فالأصل يقتضي عدمه.

و تظهر الفائدة في وجوب الجلوس بها، و يمكن إثباته باستصحاب وجوب الجلوس، فتأمّل.

______________________________

(1) الكافي 3: 337 الصلاة ب 30 ح 6، التهذيب 2: 316- 1293، الوسائل 6: 426 أبواب التسليم ب 4 ح 1، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 334

المسألة الرابعة:

يستحب أن يزيد في تشهده في الركعتين الأوليين ما في رواية عبد الملك: «الحمد للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، اللّهم صلّ على محمّد و آل محمّد و تقبّل شفاعته و ارفع درجته» «1».

و الأكمل منه للتشهدين ما في موثقة أبي بصير: «إذا جلست في الركعة الثانية فقل: بسم اللَّه و باللَّه و الحمد للَّه و خير الأسماء للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أنّ محمّدا عبده و رسوله، أرسله بالحقّ بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة، أشهد أنّك نعم الربّ، و أنّ محمّدا نعم الرسول، اللّهم صلّ على محمّد و آل محمّد، و تقبّل شفاعته في أمّته و ارفع درجته. ثمَّ تحمد اللَّه مرّتين أو ثلاثا، ثمَّ تقوم، فإذا جلست في الرابعة قلت: بسم اللَّه و باللَّه و الحمد للَّه و خير الأسماء للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله أرسله بالحقّ

بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة، أشهد أنّك نعم الرب، و أنّ محمّدا نعم الرسول، التحيّات للَّه، و الصلوات الطاهرات الطيّبات الزاكيات الغاديات الرائحات السابغات الناعمات للَّه، ما طاب و زكا و طهر و خلص وصفا فللَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، أرسله بالحقّ بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة، أشهد أنّ ربّي نعم الربّ، و أنّ محمّدا نعم الرسول، و أشهد أنّ الساعة آتية لا ريب فيها، و أنّ اللَّه يبعث من في القبور، الحمد للَّه الذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا اللَّه، الحمد للَّه ربّ العالمين، اللّهم صلّ على محمّد و آل محمّد، و بارك على محمّد و آل محمّد، و سلّم على محمّد و آل محمّد، و ترحّم على محمّد و آل محمّد، كما صلّيت و باركت و ترحّمت على إبراهيم و آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد، اللّهم صلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربّنا إنّك رؤوف رحيم، اللهم صلّ على محمّد و آل محمّد و امنن عليّ بالجنّة و عافني من النار،

______________________________

(1) التهذيب 2: 92- 344، الوسائل 6: 393 أبواب التشهد ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 335

اللهم صلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفر للمؤمنين و المؤمنات و لمن دخل بيتي مؤمنا و للمؤمنين و المؤمنات و لا تزد الظالمين إلّا تبارا. ثمَّ قل: السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته، السلام على أنبياء اللَّه و رسله، السلام على جبرئيل

و ميكائيل و الملائكة المقرّبين، السلام على محمّد بن عبد اللَّه خاتم النبيّين لا نبيّ بعده، و السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين، ثمَّ تسلّم» [1].

أو ما في الفقه الرضوي، قال: «فإذا تشهّدت في الثانية فقل: بسم اللَّه و باللَّه و الحمد للَّه و الأسماء الحسنى كلّها للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، أرسله بالحقّ بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة.

و لا تزيد على ذلك، ثمَّ انهض إلى الثالثة» إلى أن قال: «فإذا صلّيت الركعة الرابعة فقل في تشهّدك: بسم اللَّه و باللَّه و الحمد للَّه و الأسماء الحسنى كلّها للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، أرسله بالحقّ بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة، التحيّات للَّه، و الصلوات الطيّبات الزاكيات الغاديات الرائحات التامّات الناعمات المباركات الصالحات للَّه، ما طاب و زكا و طهر و نما و خلص [فللَّه ] و ما خبث فلغير اللَّه، أشهد أنّك نعم الربّ، و أنّ محمّدا نعم الرسول، و أنّ عليّ بن أبي طالب نعم الولي، و أنّ الجنّة حقّ و النار حقّ و الموت حقّ و البعث حقّ، و أنّ الساعة آتية لا ريب فيها، و أنّ اللَّه يبعث من في القبور، الحمد للَّه الذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا اللَّه، اللهم صلّ على محمّد و على آل محمّد، و بارك على محمّد و على آل محمد، و ارحم محمّدا و آل محمّد، أفضل ما صلّيت و باركت و ترحّمت و سلّمت على إبراهيم و آل إبراهيم في العالمين إنّك

حميد مجيد، اللهم صلّ على محمّد المصطفى، و عليّ المرتضى، و فاطمة الزهراء، و الحسن و الحسين، و على الأئمة الراشدين من آل طه و ياسين، اللهم صلّ على نورك الأنور، و على حبلك الأطول، و على عروتك الأوثق، و على وجهك الأكرم، و على

______________________________

[1] التهذيب 2: 99- 373، الوسائل 6: 393 أبواب التشهد ب 3 ح 2، و ليس فيه كلمتا «و للمؤمنين و المؤمنات» الثانيتان.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 336

جنبك الأوجب، و على بابك الأدنى، و على مسلك الصراط، اللّهم صلّ على الهادين المهديّين الراشدين الفاضلين الطيّبين الطاهرين الأخيار الأبرار، اللهم صلّ على جبرائيل و ميكائيل و إسرافيل و عزرائيل، و على ملائكتك المقرّبين و أنبيائك المرسلين و رسلك أجمعين من أهل السماوات و الأرضين، و أهل طاعتك أكتعين، و اخصص محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله بأفضل الصلاة و التسليم، السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته، السلام عليك و على أهل بيتك الطيّبين، السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين. ثمَّ سلّم» [1].

ثمَّ إنّه لا شك في جواز الاكتفاء في التشهد بما في رواية. و هل يجوز التبعيض بأن يذكر بعض ما في رواية واحدة فيه؟.

لا ريب في جوازه من حيث إنّه دعاء، و أمّا من حيث وروده و استحبابه بخصوصه فمحلّ نظر، نعم يجوز الاكتفاء بأحد التشهدين بأن يذكر ما ورد فيه دون الآخر، و يجوز الاكتفاء بافتتاح التشهد خاصة كما في رواية بدو الأذان «1».

المسألة الخامسة: يستحب التورّك في التشهد،

و إسماع الإمام إيّاه من خلفه كما مرّ، و وضع اليد اليمنى على الفخذ اليمنى و اليسرى على اليسرى مبسوطتين مضمومتين، و ظاهر تهذيب النفس الإجماع عليه، و النظر إلى

حجره.

ختام:

هل تجب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه و آله حيث ما ذكر أم تستحب؟

المشهور: الثاني، بل في الناصريّات و الخلاف و المعتبر و المنتهى و التذكرة:

الإجماع على عدم الوجوب «2».

______________________________

[1] فقه الرضا «ع»: 108 و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

______________________________

(1) المتقدمة في ص 330.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 199، الخلاف 1: 370، المعتبر 2: 226، المنتهى 1: 293، التذكرة 1: 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 337

و عن كنز العرفان القول بالوجوب «1»، و اختاره من مشايخنا المحدّثين صاحب الحدائق، و نقله عن الصدوق، و شيخنا البهائي في مفتاح الفلاح، و المحدّث الكاشاني في الوافي، و الصالح المازندراني في شرح أصول الكافي، و بعض مشايخه البحرانيين «2».

و قال المقدّس الأردبيلي في آيات الأحكام: و يحتمل وجوب الصلاة عليه كلّما ذكر، كما دلّ عليه بعض الأخبار- إلى أن قال:- و يمكن اختيار الوجوب في كل مجلس مرّة إن صلّى آخرا، و إن صلّى ثمَّ ذكر يجب أيضا كما في تعدّد الكفارة بتعدد الموجب إذا تخلّلت، و إلّا فلا «3».

احتج الموجبون بأدلّة عمدتها الأخبار، و أظهرها دلالة و أصحّها سندا صحيحتا زرارة، و فيهما: «و صلّ على النبي صلّى اللَّه عليه و آله كلّما ذكرته، أو ذكره ذاكر عندك، في الأذان أو غيره» «4».

و أمّا غيرهما من الأخبار فلا يخلو من قصور في الدلالة أو السند كما لا يخفى على المتأمل فيها «5».

و احتج الآخرون بالإجماعات المتقدّمة، و إطباق جلّ القدماء و المتأخرين و معظمهم على انتفاء الوجوب، بل كلّ القدماء.

و أمّا الصدوق فليس وجه لنسبته إليه إلّا ذكره بعض الأحاديث المتضمّنة للأمر في كتابه، و كون كلّ أمر للوجوب عنده غير معلوم، و

لذا ترى كتابه مشحونا بالأوامر الغير المحصورة في الأدعية و الآداب من غير ذكر معارض، و لم ينسب أحد

______________________________

(1) كنز العرفان 1: 133.

(2) انظر الحدائق 8: 460.

(3) زبدة البيان: 85.

(4) الاولى: الفقيه 1: 184- 875، الوسائل 5: 451 أبواب الأذان و الإقامة ب 42 ح 1.

الثانية: الكافي 3: 303 الصلاة ب 18 ح 7، الوسائل 5: 451 أبواب الأذان و الإقامة ب 42 ح 1.

(5) انظر: الوسائل 7: 201 أبواب الذكر ب 42.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 338

غيره القول بوجوبه إليه.

و لزوم العسر و الحرج غالبا، سيّما إذا وجبت مع ذكر اسمه العلمي و اللقبي و الوصفي و الضمير العائد إليه، كما هو مقتضى الصحيحتين.

و عدم ذكرها في أكثر الأدعية المشتملة على اسمه الشريف مع تكثرها غاية الكثرة.

و ذكره في القرآن في مواضع كثيرة مع عدم تعرّضهم لوجوب الصلاة كما تعرّضوا لوجوب السجدات.

و اقتضاء وجوبها اشتهارها أكثر من ذلك، حيث إنّ الغالب في الأذانات الإعلامية سماعها جماعة غير محصورة سيّما في البلدان.

أقول: لا شك في أنّ مقتضى الصحيحتين الوجوب مطلقا، إلّا أنّ مخالفتهما لإجماع القدماء و لا أقلّ من الشهرة العظيمة بينهم تدخل عمومهما في حيّز الشذوذ، فالحكم بمقتضى عمومهما و الإفتاء به في غاية الإشكال، و الاحتياط لا يترك في شي ء من الأحوال.

ثمَّ الوجوب أو الاستحباب- على الاختلاف- هل يختصّ بذكره صلّى اللَّه عليه و آله باسمه العلمي و هو محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و أحمد، أو يتعدّى إلى لقبه و كنيته بل و ضميره الراجع إليه؟

صرّح الشيخ البهائي بالتعدّي إلى الأوّلين قطعا، و إلى الأخير إمكانا، و المحدّث الكاشاني في خلاصة الأذكار بالتعدّي إلى الثلاثة «1».

و فصّل صاحب الحدائق

فتعدّى إلى ما استمرت تسميته و توصيفه به و اشتهرت في الإطلاق، كالمصطفى و النبي و الرسول و أبي القاسم و نحوها، دون ما ليس كذلك كالمختار و خير الخلق و خير البريّة، و الضمائر «2».

______________________________

(1) حكاه عنه في الحدائق 8: 464.

(2) الحدائق 8: 464.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 339

و الحقّ التعدّي إلى الكل، لصدق ذكره صلّى اللَّه عليه و آله، فإنّه يحصل بالكلّ ذكره. نعم لا يتعدّى إلى ما يذكر في ضمن الصلاة عليه بعد ذكره، لخروجه بالقرينة الحاليّة و لزوم التسلسل.

و هل وجوبه أو استحبابه فوري أم لا؟

الأظهر: الثاني، للأصل.

و لا يدل قوله: «كلّما ذكرته» على الفورية، لأنّ التوقيت المستفاد من لفظة:

«ما» يمكن أن يكون مختصّا بالذكر دون الصلاة.

و لو تكرّر الذكر يكتفي للجميع بصلاة واحدة، إلّا أن تكرّر بعد الصلاة فتكرّر هي أيضا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 340

البحث الثامن في التسليم و فيه مسائل:
المسألة الأولى: التسليم واجب في الصلاة على الأصح،

وفاقا للسيّد في الناصريات و المحمدية «1»، و العماني و الراوندي و الديلمي و صاحب الفاخر و أبي الصلاح و ابن زهرة «2»، و البشرى و المعتبر و الوسيلة و الشرائع و النافع و المنتهى و التبصرة و المهذب و التنقيح و الإيضاح لفخر المحقّقين و اللمعة و الدروس و المعتمد- لوالدي العلّامة- و الحدائق «3» و غيرها «4»، و هو مختار أكثر مشايخنا المعاصرين [1]، بل قال بعض من تأخر: إنّه الأشهر «5». و عن الأمالي: أنّه من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به «6». و نسبه والدي في المعتمد إلى أكثر الطبقة الثانية.

و قيل: و في الناصريات الإجماع عليه من كل من جعل التكبير جزءا من

______________________________

[1] كالبهبهاني في حاشية المدارك (المدارك الحجري): 175، و السيّد بحر العلوم في

الدرّة النجفية: 144.

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 195، نقله عن المحمدية في المختلف: 97.

(2) نقله عن العماني في المختلف: 97، و عن الراوندي في الحبل المتين: 255، الديلمي في المراسم:

69، نقله عن صاحب الفاخر في الذكرى: 206، أبو الصلاح في الكافي: 119، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 558.

(3) نقله عن البشرى في الذكرى: 208، المعتبر 2: 233، الوسيلة: 96، الشرائع 1: 89، النافع: 33، المنتهى 1: 295، التبصرة: 28، المهذب البارع 1: 387، التنقيح 1: 211، الإيضاح 1: 115، اللمعة (الروضة 1): 277، الدروس 1: 183، الحدائق 8: 471.

(4) انظر: الجامع للشرائع: 84، و البيان: 176، و الحبل المتين: 255، و المفاتيح 1: 152.

(5) انظر: الرياض 1: 172.

(6) أمالي الصدوق: 512.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 341

الصلاة «1».

و لكن الظاهر أن مراده من العامة، لأنّه قال في صدر المسألة- بعد قول الناصر: تكبيرة الافتتاح من الصلاة و التسليم ليس منها-: لم أجد لأصحابنا إلى هذه الغاية نصّا في هاتين المسألتين «2».

لا للتأسي أو الاحتياط، لعدم وجوبهما.

و لا لاستصحاب تحريم ما يحرم فعله في الصلاة، لأنّه فرع عدم ثبوت خروجه عن الصلاة إذ معه لا يحرم ما ذكر، مع أنه معارض باستصحاب عدم الحرمة بعد التشهد الثابت قبل أمر الشارع بالصلاة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 5    341     المسألة الأولى: التسليم واجب في الصلاة على الأصح، ..... ص : 340

لا لوجوب التسليم في الآية «3» و لا شي ء منه بواجب في غير الصلاة، لجواز كون المراد التسليم لأمره و الإطاعة له.

و لا لأنه لولاه لم تبطل صلاة المسافر بالإتمام، لجواز استناد البطلان إلى نية التمام إلى آخر الصلاة، و إطلاق أخبار بطلانها ظاهر

في القصد «4»، مع أن البطلان بلا قصد التمام محلّ نظر، و أيضا يمكن أن تكون الزيادة ما دام المصلي في عرصة الصلاة و حيّزها مبطلة.

و لا لجعله في الأخبار المستفيضة العامية و الخاصية- التي كادت تبلغ التواتر- تحليل الصلاة بما يفيد انحصار المحلّل فيه في كثير منها «5»، فينحصر المحلّل فيه قطعا، و إن لم يضرّ قصور بعض هذه الأخبار سندا، لاشتهارها بين العلماء، و بلوغها من الكثرة إلى حدّ التواتر، و نقلها في الأصول المعتبرة.

لأنه يرد عليه أنّه لا شك في أنّ المنافيات الواقعة بعد التشهد قبل التسليم

______________________________

(1) الرياض 1: 172.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 195.

(3) الأحزاب: 56.

(4) الوسائل 8: 505 أبواب صلاة المسافر ب 17.

(5) انظر: سنن البيهقي 2: 172، و الوسائل 6: 415 أبواب التسليم ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 342

كالحدث و النوم محلّل أيضا، و كذا حصول ما يحلّل قطع الصلاة من الأعذار، فلا ينحصر المحلّل في التسليم قطعا، فلا يكون الكلام للحصر و الاستغراق، و إذا لم يكن كذلك فتتّسع دائرة الاحتمال.

مع أنّه لو ثبت- بمجرد كونه محلّلا- وجوبه لزم وجوب سائر المنافيات أي أحدها تخييرا أيضا، ضرورة كون الجميع محلّلا، و حرمة المنافيات إنّما هي في أثناء الصلاة، و كون ما بعد التشهد أثناء فرع وجوب التسليم.

و على هذا فيمكن أن يكون المراد أفضل أفراد المحلل و نحوه، مع أنّ في الاستدلال بها للوجوب أبحاثا أخر أيضا.

بل [1] للأمر به في المستفيضة من الصحاح و غيرها التي كادت تبلغ حدّ التواتر، منها: صحيحة ابن أذينة الطويلة الواردة في بدو الأذان، و فيها بعد التشهد: «فقيل: يا محمّد سلّم عليهم، فقال: السلام عليكم و رحمة اللَّه و

بركاته» «1».

و أبي بصير: «إذا كنت في صفّ سلّم تسليمة عن يمينك و تسليمة عن يسارك، لأنّ عن يسارك من يسلّم عليك، فإذا كنت إماما فسلّم تسليمة واحدة و أنت مستقبل القبلة» «2».

و سليمان بن خالد: عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأوليين، فقال:

«إن ذكر قبل أن يركع فليجلس، و إن لم يذكر حتى يركع فليتمّ الصلاة حتى إذا فرغ فليسلّم و ليسجد سجدتي السهو» «3».

______________________________

[1] عطف على قوله: لا للتأسّي ..

______________________________

(1) الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1، علل الشرائع: 312- 1، الوسائل 5: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.

(2) الكافي 3: 338 الصلاة ب 30 ح 7، الوسائل 6: 419 أبواب التسليم ب 2 ح 1.

(3) التهذيب 2: 158- 618، الاستبصار 1: 362- 1374، الوسائل 6: 402 أبواب التشهد ب 7 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 343

و في موثقة غالب فيمن رعف قبل السلام: «فاغسله ثمَّ ارجع و سلّم» «1».

و منها: الأخبار الواردة في باب الشك في عدد الركعات المتضمنة للأمر بالتسليم بعد التشهد، كصحيحتي الحلبي «2»، و صحيحة أبي بصير «3»، و موثقة عبد الرحمن و البقباق «4».

المؤيدة جميعا بالمروي في العلل: سأله عليه السلام عن العلّة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة الحديث «5».

و بأخبار أخر متضمنة لطلب التسليم و ذكره بحيث يحدس بعدم الاهتمام بشأن المستحبات هذا الاهتمام «6».

و بما دلّ على أنّ آخر الصلاة التسليم، كموثقة أبي بصير فيمن رعف قبل التشهد: «فليخرج فليغسل أنفه ثمَّ ليرجع فليتمّ صلاته، فإنّ آخر الصلاة التسليم» «7».

و جعلها دليلا من حيث دلالة الأمر بالرجوع- الذي هو للوجوب- على كون آخر الصلاة التسليم.

______________________________

(1) التهذيب 2:

319- 1304 و فيه: غسله ثمَّ رجع فسلّم، الوسائل 6: 425 أبواب التسليم ب 3 ح 6.

(2) الأولى: الكافي 3: 353 الصلاة ب 40 ح 8، الفقيه 1: 229- 1015، الوسائل 8: 219 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 1.

الثانية: الفقيه 1: 230- 1019، التهذيب 2: 196- 772، الاستبصار 1:

380- 1441، الوسائل 8: 424 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 4.

(3) التهذيب 2: 320- 1307، الاستبصار 1: 345- 1302، الوسائل 6: 416 أبواب التسليم ب 1 ح 4.

(4) الكافي 3: 353 الصلاة ب 40 ح 7، التهذيب 2: 184- 733، الوسائل 8: 211 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 7 ح 1.

(5) علل الشرائع: 359- 1، الوسائل 6: 417 أبواب التسليم ب 1 ح 11.

(6) انظر: الوسائل 6: 410 أبواب التشهد ب 13 ح 1 و ص 425 أبواب التسليم ب 3 ح 6.

(7) التهذيب 2: 320- 1307، الاستبصار 1: 345- 1302، الوسائل 6: 416 أبواب التسليم ب 1 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 344

ليس بجيّد، إذ ليس فيه دلالة على أنّ الرجوع لأجل ذكر التسليم، بل لعلّه لأجل التشهّد المعلوم دخوله في الصلاة يجعل آخرها التسليم.

و ما قيل من ضعف دلالة الأمر في أخبارنا على الوجوب «1»، ضعيف غايته كما بيّن في الأصول.

خلافا للشيخين و القاضي و الحلّي «2»، و الفاضل في القواعد و التذكرة و النهاية و تهذيب النفس، و المحقّق الثاني في شرح القواعد «3»، و المقدّس الأردبيلي «4»، و المدارك و الذخيرة و الكفاية «5»، بل جمهور المتأخرين كما قيل «6»، بل هو المشهور كما يظهر من تهذيب النفس، و ظاهر الجمل و العقود

التردد «7».

للأصل. و يدفع بما مرّ.

و لأنه لو كان من الصلاة لم تجب سجدة السهو، و لم يتحقق قطع الصلاة بالتسليم في غير موضعه. و يضعّف بمنع الملازمة، مع أنّ عدم كونه من الصلاة لا يوجب عدم الوجوب، للأخبار المستفيضة.

و لصحيحة محمّد المتقدّمة «8»، حيث قال فيها بعد الشهادتين: «ثمَّ تنصرف».

و صحيحة علي: عن المأموم يطول الإمام فتعرض له الحاجة، قال: «يتشهّد

______________________________

(1) الذخيرة: 291.

(2) المفيد في المقنعة: 139، الطوسي في النهاية: 89، القاضي في المهذب 1: 99، و في شرح الجمل:

95، الحلّي في السرائر 1: 231.

(3) جامع المقاصد 2: 326، نهاية الإحكام 1: 504، التذكرة 1: 127، القواعد 1: 35.

(4) مجمع الفائدة 2: 278.

(5) المدارك 3: 430، الذخيرة: 289، الكفاية: 19.

(6) كما في الحدائق 8: 471.

(7) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 183.

(8) في ص 324.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 345

و ينصرف» «1».

و صحيحة الفضلاء السابقة «2»، حيث صرّحت بأنّه: «إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته».

و صحيحة معاوية بن عمّار في ركعتي الطواف الآمرة فيهما بالقراءة و التشهد و الصلاة على النبي «3»، فإنّ ظاهرها عدم الوجوب فيهما، و لا قائل بالفصل.

و موثقة يونس: صلّيت بقوم صلاة، فقعدت للتشهد، ثمَّ قمت و نسيت أن أسلّم عليهم، فقالوا: ما سلّمت علينا، فقال: «ألم تسلّم و أنت جالس؟» قلت:

بلى، قال: «لا بأس عليك و لو نسيت حتى قالوا لك استقبلتهم بوجهك فقلت:

السلام عليكم» «4».

و الأخبار الدالة على عدم بطلان الصلاة بتخلل المنافي من الحدث و الالتفات و النوم و غير ذلك «5» و يجاب عن الصحاح الثلاثة الأولى: بأنّ غايتها حصول الانصراف عن الصلاة و تماميتها و مضيها بالفراغ من الشهادتين، و ذلك غير كاف

في إثبات عدم الوجوب، لجواز كون التسليم خارجا عن الصلاة، مع أنّها لو دلّت لتعارضت مع ما دلّ على وجوبه بالعموم المطلق، فتخصص به كما بالنسبة إلى الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه و آله.

______________________________

(1) الفقيه 1: 261- 1191، التهذيب 2: 349- 1446، قرب الاسناد: 207- 803 (بتفاوت)، الوسائل 8: 413 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 2.

(2) في ص 323.

(3) الكافي 4: 423 الحج ب 32 ح 1، التهذيب 5: 104- 339، الوسائل 13: 423 أبواب الطواف ب 71 ح 3.

(4) التهذيب 2: 348- 1442، قرب الاسناد: 309- 1206 و فيه: و لو شئت حين قالوا لك، الوسائل 6: 425 أبواب التسليم ب 3 ح 5.

(5) كما في الوسائل 6: 423 أبواب التسليم ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 346

بل قيل: إنّه يمكن أن يراد بالانصراف في الأوّلين هو التسليم «1»، بل هو مقتضى بعض الصحاح كصحيحة الحلبي «2» و غيرها «3».

و قد يستشهد له بالأمر بالانصراف- الذي أقلّه الطلب- في بعض الأخبار، و لا مطلوب بعد التشهد سوى التسليم.

و لم نقف على الأمر المطلق بالانصراف إلّا قوله: «ينصرف» في بعض الأخبار، و هو يحتمل أن يكون إخبارا عن حصول الانصراف بعد التشهد، مع أنّ في الأمر الوارد عقيب الحظر كلاما مشهورا. و أمّا الأمر المعلّق في هذه الصحيحة [1] فغايته مطلوبية الانصراف عن اليمين و هو يمكن أن يكون بنفسه مطلوبا. نعم في بعض الأخبار الواردة في الشك الأمر بالانصراف ثمَّ صلاة الاحتياط «4»، و يحتمل أن يكون الأمر فيه لمطلق الانصراف لأجل أداء الاحتياط، هذا، مع أنّ إطلاق الانصراف على التسليم مجاز و هو ليس بأولى من التجوز في الأمر

بإرادة الإباحة.

هذا، مضافا إلى ما في الصحيحة الثانية من اختلاف نسخها ففي موضع من التهذيب كما ذكر، و في آخر منه و في الفقيه بدل: «يتشهّد» «يسلّم» «5».

و يعضد هذه النسخة- مضافا إلى التعدّد و أضبطية الفقيه- الموافقة لصحيحين آخرين مرويين فيهما: عن رجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام

______________________________

[1] كذا في جميع النسخ، و الصحيح ظاهرا: في بعض الاخبار. انظر: الوسائل 6: 421 أبواب التسليم ب 2 ح 10، 13.

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 172.

(2) الكافي 3: 337 الصلاة ب 30 ح 6، التهذيب 2: 316- 1293، الوسائل 6: 426 أبواب التسليم ب 4 ح 1.

(3) انظر: الوسائل 6: 426 أبواب التسليم ب 4.

(4) انظر: الوسائل 8: 216 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10.

(5) التهذيب 3: 283- 842، الفقيه 1: 261- 1191، الوسائل 8: 413 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 347

للتشهد، قال: «يسلّم و يمضي لحاجته إن أحبّ» «1».

مع أنّها أوفق بالسؤال في صدر الصحيحة، حيث كان السؤال عن طول الإمام التشهد، و هو غالبا يكون في المستحبّات المتأخرة عن الشهادتين فقد حصل الفراغ عن التشهد.

و عن الرابعة: بأنّ عدم ذكر التسليم لا يدلّ على عدم وجوبه، إذ لا يلزم ذكر كلّ واجب في كل خبر. مع أنّ المقام فيها ليس مقام ذكر الواجبات، و لذا لم يذكر منها سوى قليل منها، بل المقام فيها مقام بيان بعض ما يستحب فيها، و لذا ذكر فيها الجحد و التوحيد و الحمد و الثناء.

و عن الموثقة: بأنّ تصريح السائل بالتسليم حين الجلوس يدل على أنّ السلام المنسي عند القيام هو السلام على القوم حين الالتفات إليهم كما كان

سنّة يومئذ- لا سيما في مقام التقية- أو كان مستحبا، فهو غير دالّ على مطلوبهم، بل تفريع انتفاء البأس بوقوع السلام جالسا دليل على ثبوت البأس- الذي هو العذاب- إذا ترك السلام مطلقا، فالموثقة على الوجوب أدلّ.

و عن الأخبار الدالة على عدم بطلان الصلاة بتخلل المنافي: بأنّها لو دلّت لدلّت على عدم الجزئيّة لا عدم الوجوب.

المسألة الثانية: هل التسليم الواجب هو جزء من الصلاة أو خارج عنها؟.

صرّح بعض مشايخنا بالأول، و قال: إنّه الأشهر، بل ذكر دعوى الناصريّات و الفاضل المقداد و المدارك و المنتهى الإجماع عليه [1]. و بهذا القول صرّح

______________________________

[1] الرياض 1: 172، و انظر: التنقيح 1: 213، و المدارك 3: 431، و لم نعثر على دعوى الإجماع في المنتهى كما سيشير اليه المصنف.

______________________________

(1) الأول: الفقيه 1: 257- 1163، الوسائل 6: 416 أبواب التسليم ب 1 ح 6.

الثاني: التهذيب 2: 317- 1299، الوسائل 8: 413 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 348

السيّد في الناصريّات، بل قال بركنيته «1».

و اختار والدي- قدّس سرّه- في المعتمد الثاني، و نسبه إلى الأكثر. و نقله في الدروس من بعضهم «2». و نقل عن قواعد الشهيد و الفاخر و البشرى «3»، و المحدّث الكاشاني و الحرّ العاملي و صاحب الحدائق «4».

و هو الأظهر، للأصل، و الأخبار، كصحيحتي سليمان و الفضلاء المتقدّمتين «5»، و صحيحة الحسين بن أبي العلاء في ناسي التشهد حتى يركع:

«فقال: فليتمّ صلاته ثمَّ يسلّم» «6».

و يؤيّده ما في صحيحة زرارة: «و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» «7».

و موثقته: عن الرجل يصلّي ثمَّ يجلس فيحدث قبل أن يسلّم، قال: «قد تمّت صلاته». «8»

و موثقة غالب: عن الرجل يصلّي المكتوبة فينقضي صلاته و يتشهّد ثمَّ ينام قبل

أن يسلّم، قال: «تمّت صلاته» «9».

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 195.

(2) الدروس 1: 183.

(3) نقله عن قواعد الشهيد في التنقيح 1: 212 و عن الفاخر في الذكرى: 206 و عن صاحب البشرى في الحدائق 8: 483.

(4) المفاتيح 1: 152، الحدائق 8: 483 و حكاه فيه عن الحرّ العاملي.

(5) في ص 323، و ص 342.

(6) التهذيب 2: 159- 623، الاستبصار 1: 362- 1373، الوسائل 6: 403 أبواب التشهد ب 7 ح 5.

(7) الكافي 3: 347 الصلاة ب 33 ح 2، التهذيب 2: 318- 1301، الاستبصار 1:

343- 1291، الوسائل 6: 410 أبواب التشهد ب 13 ح 1.

(8) التهذيب 2: 320- 1306، الاستبصار 1: 345- 1301، الوسائل 6: 424 أبواب التسليم ب 3 ح 2.

(9) التهذيب 2: 319- 1304، الوسائل 6: 425 أبواب التسليم ب 3 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 349

دليل الجزئية: الإجماعات الأربعة المحكية.

و استصحاب تحريم ما حرم قبله، و الكون في الصلاة.

و جعله تحليلا كما مرّ.

و الأخبار كموثقة أبي بصير: «إذا نسي الرجل أن يسلّم، فإذا ولّى وجهه عن القبلة و قال: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين فقد فرغ من صلاته» «1».

دلّت بالمفهوم على عدم الفراغ قبله.

و روايته و فيها: «فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة» «2».

و تؤيده الروايات المعلّقة للانصراف بهذا القول «3».

و موثقة أبي بصير المتقدمة «4» المصرّحة بأنّ آخر الصلاة التسليم.

و يردّ الأوّل: بعدم حجيتها، سيّما مع كون الأوّلين إجماعا مركّبا، ففي الأوّل «5» جعله قول كل من أوجب تكبيرة الافتتاح، مع أنّ الظاهر منه كما مرّ إجماع العامة، و في الثاني «6» قول من جعله واجبا، و أمّا الثالث «7» فالإجماع فيه على بطلان الصلاة بتخلل المنافي

بينه و بين التشهد لو وجب، و دلالته على الجزئية ممنوعة، لجواز كونه خارجا كذلك، و أمّا الأخير فلم نعثر على دعوى إجماع بسيط أو مركّب فيه.

و أوّل الاستصحابين: بوجود المعارض له كما مرّ، و عدم استلزامه للجزئية، لجواز توقف التحليل على الإتيان بفعل خارج. و ثانيهما: بزواله بما مرّ من الأدلّة.

______________________________

(1) التهذيب 2: 159- 626، الوسائل 6: 423 أبواب التسليم ب 3 ح 1.

(2) التهذيب 2: 93- 349، الاستبصار 1: 347- 1307، الوسائل 6: 421 أبواب التسليم ب 2 ح 8.

(3) الوسائل 6: 426 أبواب التسليم ب 4.

(4) في ص 343.

(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 195.

(6) التنقيح الرائع 1: 213.

(7) المدارك 3: 431.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 350

و الثالث: بعدم توقف كونه محلّلا على الجزئية، لجواز أن تكون حلّية ما يحرم في الصلاة بأمر خارج عنها قبل التسليم و إن كان واجبا خارجا، إلّا أنه لا دليل على جواز تعمّد فعل المنافي قبله، و هذا معنى كونه تحليلا، مضافا إلى أنّه يمكن أن يكون المراد من التحليل الخروج عن الصلاة و حلّ ما عقدته الصلاة، و يكون حينئذ على الخروج أدلّ، فتأمّل.

و البواقي غير الأخير: بأنّها أعم مطلقا ممّا مرّ من أدلة الخروج، لدلالتها بالمفهوم على عدم الفراغ و الانقطاع و الانصراف ما لم يقل بهذا القول سواء تمَّ التشهد أم لا، فتخصّص به، كما أنّ حديث الانقطاع يخصّص بسائر القاطعات أيضا.

و لا ينافي ذلك رواية أبي كهمش: عن الركعتين الأوليين إذا جلست فيهما للتشهد فقلت و أنا جالس: السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته، انصراف هو؟ قال: «لا، و لكن إذا قلت: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين

فهو الانصراف» «1» من جهة التصريح بعدم حصول الانصراف بعد التشهد و قبل التسليم.

لأنّ هذا في الركعتين الأوليين، و لا شك أنّ التشهد فيهما ليس آخر الصلاة و لا التسليم على النبي موجبا لانقطاع الصلاة. نعم ينقطع لو قال: السلام علينا، لأنّه موجب لانقطاع الصلاة إمّا لكونه آخرا لها أو خارجا عنها، و لهذا حكم ببطلان الصلاة به في حسنة ميسر «2». مع أنّ حصول الانصراف به لا يدلّ على الجزئية، و لذا قيل: الفراغ لا يستلزم الانصراف. انتهى.

هذا كلّه إذا كان التسليم المتنازع فيه مطلقة. و أمّا لو خصّ النزاع

______________________________

(1) الفقيه 1: 229- 1014، التهذيب 2: 316- 1292، الوسائل 6: 426 أبواب التسليم ب 4 ح 2.

(2) الخصال: 50- 59، التهذيب 2: 316- 1290، الوسائل 6: 409 أبواب التشهد ب 12 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 351

بالتسليمة الأخيرة و جعل هي المرادة من التسليم- كما يظهر من نهاية الشيخ [1]- فلا دلالة لهذه الأخبار مطلقا، لورود كلّها أو أكثرها في: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين.

و الأخير: بعدم صراحة التسليم فيها في المتنازع فيه، فيحتمل إرادة السلام المستحب في التشهد على النبي و يكون المراد التسليم المستحب كما مرّ الإشارة إليه.

المسألة الثالثة: اختلفوا في عبارة التسليم-
اشارة

الواجب عند الموجبين و المستحب عند الآخرين- أنّه هل هو السلام عليكم، أو السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين، أو أحدهما؟

فذهب الشيخ في النهاية و الصدوق و الحلّي و عن السيد و الحلبي و في المدارك و ظاهر شرح القواعد- و إن عبّر أوّلا بالأحوط- إلى الأوّل «1»، و هو مختار والدي رحمه اللَّه، و نسبه بعض المتأخرين إلى المشهور «2»، بل في الدروس: إنّ عليه الموجبين «3»،

و في البيان: إنّ السلام علينا لم يوجبه أحد من القدماء، و يلزمه وجوب السلام عليكم «4»، و هو محتمل كلّ من أطلق التسليم، حيث إنّه كثيرا ما يطلق و يراد به هذا كما في النهاية و السرائر «5»، بل في الأحاديث «6».

______________________________

[1] نسب التسليم الأخير إلى نهاية الشيخ و أنّه قال بعد ضمّ التشهد إلى قوله السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين: ثمَّ يسلّم به. منه رحمه اللَّه. انظر: النهاية: 84.

______________________________

(1) النهاية: 84، الصدوق في المقنع: 29، الحلي في السرائر 1: 231، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 43، و الناصريات (الجوامع الفقهية): 196، الحلبي في الكافي في الفقه: 119، المدارك 3: 437، جامع المقاصد 2: 326.

(2) انظر: الحدائق 8: 485.

(3) الدروس 1: 183.

(4) البيان: 177.

(5) النهاية: 72، السرائر 1: 231.

(6) انظر: الوسائل 6: 419 أبواب التسليم ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 352

و عن الجامع: الثاني «1».

و ذهب المحقّق في كتبه الثلاثة «2»، و الشهيد في الألفيّة و اللمعة و الدروس «3»، و الفاضل في القواعد و تهذيب النفس و النهاية و الإرشاد و المنتهى و التذكرة بل جميع كتبه «4»، و روض الجنان و الروضة «5»، إلى الثالث، و هو محتمل كلّ من أطلق التسليم، كالخلاف و الجمل و العقود و الوسيلة و الناصريات «6»، و عن المهذّب و النكت: دعوى الشهرة عليه «7». و الاحتمال الآخر إرادة السلام عليكم، كما يأتي وجهه.

و الحق هو الأوّل، لأصل الاشتغال، لحصول البراءة عن التسليم الواجب بالعبارة الأولى، للإجماع كما في التذكرة «8» و غيره «9»- و لا يقدح مخالفة الجامع في الإجماع- و عدم العلم بحصولها بغيرها.

و

لصحيحة ابن أذينة في بدو الأذان، و فيها: «فقيل: يا محمّد سلّم عليهم، فقال: السلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته» «10».

و رواية الحضرمي: إنّي أصلّي بقوم، فقال: «تسلّم واحدة و لا تلتفت، قل:

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 84.

(2) الشرائع 1: 89، المعتبر 2: 234، المختصر النافع: 33.

(3) الألفية: 60، اللمعة (الروضة 1): 277، الدروس 1: 183.

(4) القواعد 1: 35، نهاية الإحكام 1: 504، الإرشاد 1: 256، المنتهى 1: 296، التذكرة 1:

127، و انظر: التحرير 1: 41، و المختلف: 97.

(5) روض الجنان: 279، الروضة البهية 2: 279.

(6) الخلاف 1: 376، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 183، الوسيلة: 96، الناصريات (الجوامع الفقهية): 195.

(7) المهذب 1: 95.

(8) التذكرة 1: 126.

(9) كالذخيرة: 291.

(10) الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1، علل الشرائع: 312، الوسائل 5: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 353

السلام عليك أيّها النّبي و رحمة اللَّه و بركاته، السلام عليكم» الحديث «1».

و تؤيده صحيحة علي: رأيت إخوتي موسى و إسحاق و محمّدا بني جعفر يسلّمون في الصلاة عن اليمين و الشمال: «السلام عليكم و رحمة اللَّه، السلام عليكم و رحمة اللَّه» «2».

و موثقة أبي بصير المتقدّمة في التشهد الطويل، حيث قال فيها بعد قوله «و السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين»: «ثمَّ يسلّم» «3».

فإنّ الظاهر من إطلاقه أنّ التسليم المأمور به هو غير السلام علينا، و ليس إلّا السلام عليكم. و أيضا، ظاهره انصراف التسليم المطلق إليه.

و مثله الرضوي المتقدّم «4».

و ما في المؤثّق من أنّ التسليم إذن «5»، و التصريح في رواية أبي بصير: «بأنّ الإذن إنّما هو بالسلام عليكم» «6».

فعليه تحمل مطلقات الأمر بالتسليم.

احتج من قال

بالتخيير: بأنّ السلام علينا موجبة للخروج عن الصلاة و قاطعة لها، و كلّ ما كان كذلك فهو محلّل، فهذه العبارة محلّلة، و إذا كانت محلّلة كانت واجبة، و ليس عينا إجماعا، فيكون مخيرا.

أمّا المقدمة الأولى: فللأخبار المتكثرة المتقدمة أكثرها، المصرّحة بأنّه إذا قلت: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين فقد انصرفت، أو فقد انقطعت

______________________________

(1) التهذيب 3: 276- 803، الوسائل 6: 421 أبواب التسليم ب 2 ح 9.

(2) التهذيب 2: 317- 1297، الوسائل 6: 419 أبواب التسليم ب 2 ح 2.

(3) التهذيب 2: 99- 373، الوسائل 6: 393 أبواب التشهد ب 3 ح 2.

(4) في ص 335.

(5) انظر: التهذيب 2: 317- 1296، الوسائل 6: 416 أبواب التسليم ب 1 ح 7.

(6) التهذيب 2: 93- 349، الاستبصار 1: 347- 1307، الوسائل 6: 421 أبواب التسليم ب 2 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 354

الصلاة، أو فقد فرغ من صلاته «1».

و أمّا الثانية: فلأنّ بالخروج منها يتحقق التحليل، و للمرويّين في الخصال و العيون: «لا يقال في التشهد الأوّل: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين، لأنّ تحليل الصلاة هو التسليم، فإذا قلت هذا فقد سلّمت» «2».

و أمّا الثالثة: فلوجوب تحصيل التحليل من الصلاة، و للمروي في العلل:

عن العلّة الّتي من أجلها وجب التسليم في الصلاة، قال: «لأنّه تحليل الصلاة»- إلى أن قال:- فلم صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال: «لأنّه تحيّة الملكين» «3».

و بتقرير آخر: علّة وجوب التسليم حصول التحليل به، فهو يحصل بذلك، فيكون واجبا. و سند المقدّمتين يظهر ممّا مرّ.

و يجاب عنه بالتقرير الأوّل، مضافا إلى منع كلّية الثانية أي استلزام الخروج للتحليل- و جعله كلاما شعريا في الشرعيّات التي لا سبيل للعقل

إليها غالبا غريب- و إلى منع دلالة رواية العلل على أنّه علّة الوجوب، لأنّ الوجوب إنّما وقع في كلام السائل، و غايته تقرير الإمام على هذا الاعتقاد، و حجيّته غير واضحة، فيمكن أن يكون العلّة لمطلق الرجحان:

بأنّه إن أريد أنّ كلّ ما كان محللا كان واجبا فهو لا يقول به، و إلّا أوجب الصيغتين.

و إن أريد أنّ شيئا من المحلّل واجب، فهو لا يفيد.

فإن قلت: المراد أنّه من المحلّلات، و لا يجب في الصلاة إلّا تحصيل شي ء من المحلّلات.

قلنا: لا نسلّم أنّه لا يجب إلّا تحصيل شي ء من المحلّلات، كما يظهر وجهه ممّا يجاب به عن التقرير الآخر، و هو:

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 426 أبواب التسليم ب 4.

(2) الخصال: 604، العيون 2: 121- 122، الوسائل 6: 410 أبواب التشهد ب 12 ح 3.

(3) علل الشرائع: 359- 1. الوسائل 6: 417 أبواب التسليم ب 1 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 355

أنّه إن أريد أنّ علّة وجوب ماهيّة التسليم حصول التحليل به فهو مسلّم، و لكن يجب الزائد عنها أيضا إجماعا، و إلّا لكفى التسليم بأيّ نحو اتّفق و لو بمثل السلام على النبي، أو على الملائكة، أو على الناس، و لم تجب إحدى الصيغتين.

و إن أريد أنّ علّة وجوب التسليم المعهود هو ذلك، فلا دليل عليه، و مقتضى رواية العلل ليس إلّا علّية التحليل لوجوب المطلق. و حمله في الرواية على التسليمين مجاز لا دليل عليه، و لو سلّم جواز إرادة المعهود فلا يتعيّن كونه الصيغتين، فلعلّه السلام عليكم كما أطلق عليه التسليم في الأخبار و كلمات القدماء، بل يدلّ عليه ما في الأخبار من أنّ التسليم إذن، و أنّ الإذن يحصل بالسلام

عليكم.

و على هذا فنقول: التحليل و إن حصل بذلك و لكن لا تنحصر علّة وجوب أحد التسلمين المعهود بالتحليل. و لذا قال بعض أصحابنا- بل جماعة كما قيل-:

إنّه يخرج من الصلاة بقوله: السلام علينا .. و إن وجب الإتيان بالسلام عليكم أيضا «1»، و قال صاحب البشرى: لا مانع من أن يكون الخروج بالسلام علينا .. و إن كان يجب السلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته «2».

مع أنّ لنا أن نقول: إنّ مقتضى الرواية كون التحليل معلولا للتسليم المعيّن الذي هو السلام عليكم، لأنّه علّل فيها صيرورته تحليلا بأنّه تحيّة الملكين، و مثله ورد في المروي في معاني الأخبار «3»، و لا شك أنّها مخصوصة بالسلام عليكم.

و على هذا فيجب إمّا حمل التحليل في رواية الخصال على ما حملها به بعضهم من الانقطاع أو الانصراف أو الخروج «4»، أو ارتكاب تجوّز في رواية العلل.

______________________________

(1) انظر: المنتهى 1: 296، و الحبل المتين: 253، و المفاتيح 1: 152.

(2) حكاه عنه في الذكرى: 208.

(3) معاني الأخبار: 175، الوسائل 6: 418 أبواب التسليم ب 1 ح 13.

(4) كما في الحدائق 8: 489.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 356

فما قيل من أنّ صرف التحليل فيها عن معناه المعروف إلى أنّه عبارة عن انقطاع الصلاة و الخروج منها لا وجه له «1»، غير صحيح.

و منه يظهر الخدش في عموم التسليم الوارد في الرواية المصرّحة بأنّ «تحليلها التسليم» «2» لجميع الصيغ.

ثمَّ إنّ ذكر الدليل بتقرير به على تقرير القول باستحباب التسليم مع جوابه ظاهر.

و قد يستدلّ لهذا القول أيضا، بموثقة أبي بصير: «إذا كنت إماما فإنّما التسليم أن تسلّم على النبي عليه و آله السلام و تقول: السلام علينا و

على عباد اللَّه الصالحين، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة، ثمَّ تؤذن للقوم و تقول و أنت مستقبل القبلة: السلام عليكم، و كذلك إذا كنت وحدك تقول: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين، مثل ما سلّمت و أنت إمام، و إذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت، و سلّم على من على يمينك و شمالك» الحديث «3».

دلّت على أنّ التسليم المعهود هذه الصيغة، فيكون هو الواجب أو المستحب، بل ظاهرها انحصار التسليم فيها.

و يضعّف بأنّ مدلولها أنّ التسليم هو التسليم على النبي و هذه الصيغة، و لا شكّ أنّهما معا ليسا التسليم المعهود، فالمراد أمر آخر فلا يفيد، بل يمكن أن تكون الصيغة الأخرى أيضا جزءا له، فيكون «ثمَّ تؤذن و تقول» معطوفا على قوله «و تقول» و يكون قوله «فإذا قلت» إلى آخره جملة معترضة.

و استدلّ أيضا، بورود الأمر بالتسليم و هو يصدق على كلّ منهما، فيكون الواجب أو المستحب أحدهما.

______________________________

(1) انظر: الرياض 1: 173.

(2) انظر: الوسائل 6: 415 أبواب التسليم ب 1.

(3) التهذيب 2: 93- 349، الاستبصار 1: 347- 1307، الوسائل 6: 421 أبواب التسليم ب 2 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 357

و يردّ بأنّ التسليم و إن صدق على مطلقه، و لكن يجب الزائد على المطلق بالإجماع، بل الضرورة، حيث إنّه تجب كيفية خاصّة فبه يقيّد المطلق، فإذا لم يتعيّن القيد يرجع إلى أصل الاشتغال.

و بأنّ الروايات دلّت على انقطاع الصلاة بالسلام علينا، فلا يكون بعده واجب. و هو إنّما يرد على القائل بالجزئيّة.

و بما ذكر ظهر ضعف قول آخر يحكى عن الجامع، و هو وجوب السلام علينا- إلى آخره- خاصّة «1». و نسبه في المعتبر «2»

إلى الشيخ، و خطّأه الشهيد «3»، فإنّه شاذّ، بل في الذكرى: إنّه خروج عن الإجماع «4».

و مع ذلك لا يساعده دليل سوى ما قيل من أنّه ظهر من الأخبار أنّ التسليم الواجب أو المستحب هو المحلّل، و صرّح في المستفيضة بأنّ الانصراف الذي هو التحليل يحصل بهذه الصيغة «5».

و يردّ بأنّ حصوله بها لا ينافي حصوله بصيغة أخرى أيضا، سيّما مع شمول التسليم لها، بل ظهوره فيها.

و أضعف منه ما حكي عن الفاخر [1]، و كنز العرفان، و نقله عن بعض مشايخه المعاصرين أيضا «6»، لعدم وضوح مستند له إلّا ما قيل من الآية [2]، و الموثّقة المتقدّمة «7».

______________________________

[1] انظر: الذكرى: 206، قد حكى فيه عن صاحب الفاخر وجوب: السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته.

[2] .. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً الأحزاب: 56.

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 48.

(2) المعتبر 2: 234.

(3) انظر: الذكرى: 207.

(4) الذكرى: 208.

(5) انظر: الوسائل 6: 426 أبواب التسليم ب 4.

(6) كنز العرفان 1: 141.

(7) في ص 358.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 358

و يردّ الأوّل بأنّ الظاهر من التسليم فيه الانقياد، بل به صرّح في بعض الروايات «1». و الثاني بعدم صراحته في الوجوب، إذ ظاهر أنّ المحصور فيه ليس الموضوع حقيقة، و باب المجاز واسع، فلعلّه التسليم المستحب.

نعم، في موثّقة أبي بصير المشتملة على التشهد الطويل: «ثمَّ قل: السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته» «2».

و لكن لتعقّبها ما لا قائل بوجوبه يتعيّن حمل الأمر فيها على مطلق الرجحان.

مضافا إلى دعوى الفاضل الإجماع على استحباب هذا التسليم «3»، و جعل الشهيد القول بوجوبه غير معدود من المذهب مؤذنا بمخالفته الإجماع، بل الضرورة

«4».

هذا. ثمَّ إنّ القائلين بالقول الثاني [1] جعلوا الثانية مستحبة، و لا دليل عليه لو قدّم السلام عليكم.

فرعان:

أ: الواجب في التسليم بالصيغة الأولى، هل هو مجموع السلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته- كما عن ابن زهرة و ظاهر الشرائع و النافع «5»-؟

______________________________

[1] مراده (ره) بالقول الثاني هو القول بالتخيير بين الصيغتين، لا القول بوجوب السلام علينا ..

كما يوهمه صدر المسألة.

______________________________

(1) انظر: معاني الأخبار: 367.

(2) التهذيب 2: 99- 373، الوسائل 6: 393 أبواب التشهد ب 3 ح 2.

(3) انظر: المنتهى 1: 296.

(4) الذكرى: 206.

(5) انظر: الغنية (الجوامع الفقهية): 558، الشرائع 1: 89، المختصر النافع: 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 359

أو السلام عليكم خاصّة- كما عن الصدوق «1»، و العماني و الإسكافي «2»، و والدي رحمه اللَّه، و غيرهم، بل الأكثر كما قال بعض من تأخّر «3»-؟

أو بزيادة و رحمة اللَّه خاصّة؟.

الظاهر الثاني، لقوله في موثّقة أبي بصير: «و تقول و أنت مستقبل القبلة:

السلام عليكم» «4».

فإنّ الموضوع فيها إمّا التسليم الواجب، أو الكامل، أو نحوهما، و كيف ما كان ينفى وجوب الزائد.

و ينفى وجوب قوله: و بركاته بما مرّ في صحيحة علي أيضا «5»، مع أنّه صرّح جماعة بنفي الخلاف أو الإجماع على عدم وجوب: و بركاته «6».

ب: التسليمان الآخران و إن لم يكونا واجبين، و لكن لا شكّ في استحبابهما، بالإجماع، و الأخبار «7».

و الوظيفة تقديم السلام على النّبي عليهما كما في موثّقتي أبي بصير «8»، ثمَّ تقديم السلام علينا كما فيهما أيضا.

المسألة الرابعة: اختلفوا في المخرج من الصلاة من الصيغتين بما لا مزيد فائدة في بسط الكلام فيه.
اشارة

______________________________

(1) الفقيه 1: 210.

(2) حكاه عنهما في المنتهى 1: 296.

(3) انظر: المفاتيح 1: 153.

(4) التهذيب 2: 93- 349، الاستبصار 1: 347- 1307، الوسائل 6: 421 أبواب التسليم ب 2 ح 8.

(5) راجع ص 353.

(6) انظر: المنتهى 1: 296، و المفاتيح 1: 153.

(7) انظر: الوسائل 6: أبواب التسليم

ب 2 و 4.

(8) راجع ص 358- 360.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 360

و لتحقيق المقام نقول:

اعلم أوّلا أنّه يستعمل هاهنا ألفاظ الصارف، و القاطع، و المخرج، و المحلّل.

و الأوّلان متساويان، و هما أعمّان مطلقا من المبطل، فإنّ كلّ مبطل للصلاة صارف عنها قاطع لها و لا عكس، لأنّهما لو لحقا في الأثناء كانا مبطلين، و لو تعقّبا الجزء الأخير من الصلاة أو كانا نفسه لم يكونا مبطلين، بل يكونان حاجزين من عروض المفسد و المبطل، و يتساوقان للمخرج.

و أمّا المحلّل فهو أعمّ من وجه من المخرج و أخويه، إذ لا مانع عقلا من أن يحلّ بعض الأشياء أو كلّها قبل تمام الصلاة، كما قد يقال بعدم إبطال الحدث سهوا قبل السلام على القول بجزئيته، و لا من أن يتم الصلاة و يخرج منها، و توقف حلّية بعض الأشياء على أمر آخر، كما قاله صاحب الحدائق «1»، و إن أمكن دعوى ثبوت التلازم شرعا من أحد الطرفين بل من كليهما.

و هاهنا أمر آخر و هو المتمّم أي الجزء الأخير من الصلاة، فهو مباين للمبطل، و أعمّ من وجه من المخرج و أخويه، إذ يمكن أن يكون الجزء الأخير مخرجا، و يمكن أن لا يكون كذلك بل يتوقف الخروج و الصرف على أمر خارج يكون هو كالحاجز بينها و بين غيرها، فما لم يفعله يكون المصلّي في حيّز الصلاة و يكون ما يفعل بعده زيادة في الصلاة كما مرّ في إتمام المسافر «2»، و كذا من المحلّل.

إذا عرفت ذلك فنقول: قد ثبت حكم التسليمات من الوجوب و الاستحباب ممّا تقدّم.

و مقتضى الأصل عدم جزئية شي ء منها للصلاة أيضا، و لا كونه صارفا و لا مخرجا

و لا محلّلا.

إلّا أنّ صحيحة الحلبي المتقدّمة المصرّحة بأنّ «كلّ ما ذكرت اللَّه به و النبي

______________________________

(1) الحدائق 8: 484.

(2) راجع ص 341.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 361

صلّى اللَّه عليه و آله فهو من الصلاة، و إذا قلت: السلام علينا- إلى آخره- فقد انصرفت» «1» تدلّ على كون التسليمة الأولى جزءا من الصلاة، و لكن لا دليل على مخرجيّتها، بل في رواية أبي كهمش تصريح بعدم كونها صارفة «2»، فهي جزء مستحب غير مخرج و لا صارف.

و أمّا المحلّلية فهي و إن كانت بالنسبة إليها بخصوصها مخالفة للأصل، و لكن الأصل عدم حرمة شي ء بعد تمام الصلاة ما لم يكن عليها دليل. فتكون محلّلة من هذه الجهة أيضا، بمعنى أنّه يحلّ بعدها جميع المحرّمات، بل يحلّ قبلها أيضا، لكون الجزء الأخير الواجبي هو الصلاة و تكون هذه التسليمة محلّلة كاملة، بمعنى أنّه يستحب ترك المنافيات قبلها و إن جاز فعلها.

فإن قيل: كون الجزء الأخير محلّلا إنّما هو إذا لم يكن دليل على عدمه، و هو هنا موجود، و هو جعل تحليل الصلاة التسليم، إذ لا معنى للتحليل بعد التحليل.

قلنا: لا شك في حصول التحليل الاضطراري بحدوث المبطلات اضطرارا، و الاختياري المحرّم بالإتيان بالمنافيات في الأثناء بلا عذر، و المباح بل الواجب فيما إذا حصل العذر للقطع، سيّما بعد التشهد قبل التسليم. و أيضا:

المحلّل لا بدّ له من محلّل- بالفتح- و هو قد يكون جميع المحرّمات و قد يكون بعضها. و أيضا: المحلّل الكامل ما يكون بعد جميع الأجزاء المستحبّة، فهو إمّا كامل أو غير كامل.

و لا شك أنّ جميع هذه الأنواع لا ينحصر بالتسليم، فلا تكون القضيّة حصريّة حقيقية، و إذا كانت مجازيّة يتّسع

بابه و يدخل في حيّز الإجمال، فلا يفهم منه معنى منافيا لمحلّلية الجزء الأخير، و لا نافعا في محلّلية التسليم.

بل قد ورد في رواية أبي الجارود بعد الأمر بسجدتي السهو قبل التسليم:

______________________________

(1) راجع ص 333.

(2) راجع ص 350.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 362

«فإنّك إذا سلّمت ذهبت حرمة صلاتك» «1».

و الظاهر منها أنّ قبل التسليم يترجح ترك المنافيات احتراما للصلاة، فيمكن أن يكون هذا هو المراد من كونها تحليلا.

و أمّا الثانية فلا دليل على جزئيّتها، و القول بأنّها جزء مستحب للتشهد قول بلا دليل، فيحكم بمقتضى الأصل.

و لكن دلّت الأخبار المتقدّمة المتكثرة على مخرجيّتها و صارفيّتها، فيحكم بها قطعا، فتكون مبطلة لو وقعت في الأثناء، كما صرّح به في حسنة ميسر «2»، و مرسلة الفقيه «3»، و مخرجة فقط، لو وقعت في الآخر، بمعنى أنّها حاجزة عن عروض جميع المفسدات حتى الزيادة، فلو زاد بعده تكبيرة أو ركوعا لم تفسد الصلاة.

و هل هي محلّلة أم لا؟ إن أريد ما يحلّل جميع المحرمات و مبيحها، فلا دليل عليه أصلا، و إن أريد حصول نوع تحليل بها و لو فرد كامل بأن يكون الأفضل ترك المنافيات كلا أو بعضا قبلها، فلا بأس به من جهة رواية الخصال المتقدّمة «4»، إلّا أنّ في دلالتها على المحلّلية بهذا المعنى نظرا مرّت إليه الإشارة.

و أمّا الثالثة فقد مرّت عدم جزئيّتها «5».

و لا دليل على كونها مخرجة و صارفة أيضا من حيث هي هي بحيث لو وقعت في الأثناء لانقطعت الصلاة، إذ لو وقعت قبل التسليم الثاني كانت حاجزة عن جميع المفسدات.

إلّا أنّ الظاهر وقوع الإجماع على كونها مخرجة بهذا المعنى أيضا، و قد ادّعى

______________________________

(1) التهذيب 2: 195- 770، الاستبصار

1: 380- 1440، الوسائل 8: 208 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 5.

(2) الخصال: 50- 59، التهذيب 2: 316- 1290، الوسائل 6: 409 أبواب التشهد ب 12 ح 1.

(3) الفقيه 1: 261- 1190، الوسائل 6: 410 أبواب التشهد ب 12 ح 2.

(4) في ص 354.

(5) راجع ص 348.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 363

جماعة الإجماع عليه [1]، فلأجله يحكم بكونها مخرجة أيضا.

و أمّا المحلّلية فقد عرفت أنّه لا يمكن التمسك بقوله «و تحليلها التسليم» في إثبات شي ء، لإجماله. و لو قيل بأنّه غاية كمال التحليل- بمعنى أنّه يستحب ترك جميع المنافيات حتى يسلّم بهذه التسليمة- فلا بأس به.

فرع:

الأولى و الأحوط أن يراعى في التسليم جميع شرائط الصلاة من الاستقبال و الطهور و ترك المنافيات حتى السكوت الطويل.

و أن يكون جالسا عنده، بل صرّح جماعة بوجوبه [2]، و لا شك أنّه أحوط بل الأظهر، على الأظهر، كما يستفاد من عمل الناس في جميع الأعصار، بل من مطاوي الأخبار، بل المستفاد منها لزوم مراعاة جميع الشرائط المذكورة.

المسألة الخامسة: الإمام يسلّم بالتسليمة الأخيرة، مرّة واحدة،

لا تستحب له الزيادة، بالإجماع كما في الخلاف و تهذيب النفس و التذكرة «1»، للأصل و الأخبار، منها صحيحة ابن حازم: «الإمام يسلّم واحدة، و من وراءه يسلّم اثنتين، فإن لم يكن عن شماله أحد سلّم واحدة» «2».

و صحيحة أبي بصير المتقدّمة في المسألة الأولى «3»، فإنّ التفصيل قاطع للشركة.

حال كونه مستقبل القبلة، للأخيرة، و موثقة أبي بصير السابقة في المسألة الثالثة «4»، و المروي في المعتبر: عن تسليم الإمام و هو مستقبل القبلة، قال:

______________________________

[1] منهم المحقّق في المعتبر 2: 235، و العلّامة في التذكرة 1: 127، و الشهيد في الذكرى: 208.

[2] كالشهيد في الدروس 1: 183.

______________________________

(1) الخلاف 1: 377، التذكرة 1: 127.

(2) التهذيب 2: 93- 346، الاستبصار 1: 346- 1304، الوسائل 6: 420 أبواب التسليم ب 2 ح 4.

(3) راجع ص 342.

(4) راجع ص 356.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 364

«يقول: السلام عليكم» «1».

و مقتضى التفصيل في الأوليين بين الإمام و المأموم، و المفهوم منه- بجعل التسليم الأوّل إلى القبلة و التسليم الثاني عن اليمين و الشمال مع كونه مستقبلا للقبلة أيضا إجماعا، و إنّما يميل إلى الجهتين بالإيماء عينا أو وجها-: أنّ التسليم الأوّل إلى تجاه القبلة من غير إيماء أصلا، كما في الجمل و العقود حيث قال: و يسلّم أمامه إن كان إماما

أو منفردا، و إن كان مأموما يومئ إلى يمينه إيماء، و إن كان على يساره غيره فعن يساره أيضا «2»، و كذا عن المبسوط و محتمل الخلاف «3».

إلّا أنّ في الانتصار و النهاية و الوسيلة و الغنية و السرائر و الشرائع و النافع و المنتهى و التذكرة و تهذيب النفس و اللمعة و الدروس «4»، بل أكثر كتب القوم، بل عليه إجماع الفرقة صريحا في الانتصار «5»، و ظاهرا في تهذيب النفس: استحباب السلام للإمام إلى اليمين بأن يميل إليه بصفحة الوجه قليلا.

و هو الأظهر، لإمكان إرجاع التفصيل في الخبرين المتقدّمين إلى العدد، أي التسليمة و التسليمتين، فيبقى الإجماع المحكي و الشهرة الكافيان في مقام الاستحباب خاليين عن المعارض.

بل يمكن أن يستدلّ له أيضا بصحيحة ابن عواض: «إن كنت تؤمّ قوما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك، و إن كنت مع إمام فتسليمتين، و إن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة» «6».

______________________________

(1) المعتبر 2: 236.

(2) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 183.

(3) المبسوط 1: 116، الخلاف 1: 377.

(4) الانتصار: 47، النهاية: 73، الوسيلة: 69، الغنية (الجوامع الفقهية): 558، السرائر 1:

287 و 231، الشرائع 1: 89، المختصر النافع: 33، المنتهى 1: 297، التذكرة 1: 127، اللمعة (الروضة 1): 279، الدروس 1: 183.

(5) الانتصار: 47.

(6) التهذيب 2: 92- 345، الاستبصار 1: 346- 1303، الوسائل 6: 419 أبواب التسليم ب 2 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 365

و مقتضاها و إن كان استحباب الميل بالسلام إلى اليمين كيف ما كان- إمّا بالالتفات إليه أو الإيماء بالعين أو الوجه، كلّا أو بعضا، لصدق السلام عن اليمين عرفا في جميع الصور- و لكن خصّوه بالإيماء ببعض الوجه، للإجماع على عدم إرادة

صرف الوجه كلّه إلى اليمين. بل على كراهته تصريح رواية العلل، و فيها: فلم لا يكون الإيماء في التسليم بالوجه كلّه، و لكن يكون بالأنف لمن صلّى وحده، و بالعين لمن يصلّي بقوم؟ «1».

و قد يوجّه التخصيص أيضا، بأنّه المتبادر من اللفظ عند الإطلاق، و بالأخبار الدالّة على أنّ كلا من الإمام و المأمومين يسلّم على الآخر «2»، و هو يستلزم الميل بصفحة الوجه لا أقلّ منه، و إنّما اقتصروا عليه حذرا من الالتفات المكروه.

و التبادر مردود قطعا. و الاستلزام ممنوع جدّا، لكفاية الإسماع و القصد، مع أنّه قد يكون المأموم في اليسار أو الخلف أو الجهتين.

و عن الصدوق تخصيصه الإيماء بالعين «3»، و لعلّه لرواية العلل.

و هو حسن، إلّا أنّ الأوّل أولى، للشهرة القويّة. بل أظهر، لوقوع ذلك التفصيل في السؤال، و إثبات الحكم به موقوف على حجيّة التقرير على الاعتقاد سيّما في المستحبات.

و المنفرد كالإمام في العدد و الاستقبال و الإيماء و الجهة، إجماعا، له، و لصحيحة ابن عواض في الأولين، و رواية العلل في الثالث، و رواية البزنطي:

«إن كنت وحدك فسلّم تسليمة واحدة عن يمينك» «4» في الأوّل و الأخير.

بل في الإيماء بصفحة الوجه أيضا، على الأظهر، وفاقا للانتصار- مدّعيا

______________________________

(1) العلل: 359- 1، الوسائل 6: 422 أبواب التسليم ب 2 ح 15.

(2) انظر: الوسائل 6: 419 أبواب التسليم ب 2.

(3) الفقيه 1: 210 ذيل الحديث 944.

(4) المعتبر 2: 237.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 366

عليه الإجماع- و السرائر و الوسيلة و ظاهر المعتبر «1»، بل الفقيه و المقنع و الاقتصاد «2»، بل هو المشهور عند القدماء، لدعوى الإجماع المذكورة، و ظاهر التقرير في رواية العلل حيث إنّ الإيماء بالأنف لا يمكن

إلّا مع الإيماء بالوجه، و منه يظهر وجه النسبة إلى الثلاثة الأخيرة.

خلافا للنهاية و الشرائع و النافع «3»، و الفاضل «4»، بل هو المشهور بين المتوسطين، فبمؤخّر العين، جمعا بين ما دلّ على الاستقبال به و ما دلّ على أنّه عن اليمين.

و يضعّف بأنّ الجمع ممكن بما مرّ أيضا، سيّما مع وجود الشاهد له و أوفقيّته لما هو الظاهر من إطلاق «عن يمينك».

و ترجيح الثاني بالشهرة و الأوفقيّة لأخبار الاستقبال فاسد، لمكافأة الشهرة الجديدة بالقديمة، بل الإجماع المنقول. و منع الأوفقيّة، لصدق الاستقبال على التقديرين.

و للمبسوط و الجمل و العقود، فقالا بالتسليم تجاه القبلة «5»، لأخبار الاستقبال. و جوابه ظاهر.

و ربّما قيل بالتخيير، للرضوي: «ثمَّ تسلّم عن يمينك، و إن شئت يمينا و شمالا تجاه القبلة» «6».

و فيه: أنّه ظاهر في الدلالة على أفضليّة اليمين، و أمّا الجواز بغيره أيضا، فلا كلام فيه.

______________________________

(1) الانتصار: 47 و 48، السرائر 1: 231، الوسيلة: 69، المعتبر 2: 237.

(2) الفقيه 1: 210، المقنع 29، الاقتصاد: 264.

(3) النهاية: 72، الشرائع 1: 89، المختصر النافع: 33.

(4) انظر: المنتهى 1: 297، التذكرة 1: 127، التحرير 1: 41، القواعد 1: 35، نهاية الإحكام 1:

504.

(5) المبسوط 1: 116، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 183.

(6) فقه الرضا «ع»: 109، مستدرك الوسائل 5: 22 أبواب التسليم ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 367

و يستحب للمأموم أن يسلّم تسليمتين، بلا خلاف أجده، لصحيحة ابن عواض.

إحداهما إلى اليمين، سواء كان فيه أحد أو لا، و الأخرى إلى اليسار، بلا خلاف ظاهر أيضا، لصحيحة أبي بصير و موثقته المتقدّمتين «1»، و بهما يقيّد إطلاق الصحيحة السابقة «2».

إلّا أن لا يكون على يساره أحد فيكتفي بالواحدة

لليمين، على المشهور المصرّح به في أكثر العبارات كالنهاية و الخلاف و الجمل و العقود و الانتصار و السرائر و الوسيلة و الشرائع و القواعد و نهاية الإحكام و تهذيب النفس و المنتهى و التذكرة «3»، و غيرها.

للموثّقة و صحيحة ابن حازم المتقدّمتين «4»، و رواية ابن مصعب: عن الرجل يقوم في الصف خلف الإمام و ليس على يساره أحد، كيف يسلّم؟ قال:

«يسلّم واحدة عن يمينه» «5».

و بها يقيّد إطلاق الصحيحتين المتقدّمتين «6» الشامل لما لم يكن في اليسار أحد، مضافا إلى ما في ثانيتهما من التعليل الظاهر في اختصاصه بالمقيّد.

خلافا لظاهر بعض العبارات- كالنافع «7»- حيث أطلق التسليمتين إلى الجهتين، و كأنّه للمطلقات الواجب تقييدها بما ذكر.

______________________________

(1) في ص 342 و 356.

(2) و هي صحيحة ابن عواض، راجع ص 366.

(3) النهاية: 73، الخلاف: 377، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 183، الانتصار: 48، السرائر 1: 231، الوسيلة: 96، الشرائع 1: 89، القواعد 1: 35، نهاية الإحكام 1: 504، المنتهى 1: 297، التذكرة 1: 127.

(4) في ص 356 و 363.

(5) الكافي 3: 338 الصلاة ب 30 ح 9، التهذيب 2: 93- 347، الاستبصار 1: 346- 1305، الوسائل 6: 420 أبواب التسليم ب 2 ح 6، 7.

(6) صحيحة أبي بصير المتقدمة في ص 342، و صحيحة ابن عواض المتقدمة في ص 364.

(7) المختصر النافع: 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 368

و للفقيه و المقنع و الدروس «1»، فجعلوا الحائط على اليسار كالمأموم أيضا، فيسلّم إليها مع كون الحائط بجنبه.

و لم أجد دليلا عليه، إلّا أنّ الشهيد قال بعد نقل هذا القول عن الصدوقين: و لا بأس باتباعهما، لأنّهما جليلان لا يقولان إلّا عن ثبت «2».

و هو

كان حسنا لو لا معارضته للنصّ الدالّ على عدم الاستحباب حينئذ.

فتدبّر.

و الإيماء له أيضا- كما للإمام- بصفحة الوجه، كما هو المصرّح به في أكثر العبارات لا كلّه، بل الظاهر أنّه مراد من أطلق الوجه أيضا، كالنافع و المنتهى و التذكرة «3».

لحصول السلام عن اليمين بانصراف الصفحة، فيبقى الزائد خاليا عن الدليل، و لكون الالتفات بالجميع هو الالتفات المدّعى على كراهته الإجماع، مضافا إلى ما مرّ من رواية العلل «4».

ثمَّ إنّ الصدوق زاد للمأموم تسليمة اخرى للردّ على الإمام حتى يكون المجموع ثلاثا «5»، و ظاهر والدي- رحمه اللَّه- الميل إليه، لرواية العلل: قلت:

فلم يسلّم المأموم ثلاثا؟ قال: «تكون واحدة ردّا على الإمام و تكون عليه و على ملائكته، و تكون الثانية على من على يمينه و الملكين الموكلين به، و تكون الثالثة على من على يساره و [ملكيه ] الموكلين به» «6».

و هو جيّد و إن لم يذكرها الأكثر.

و مقتضى الرواية كون سلام الإمام مقدّما على الآخرين. و جعله الصدوق

______________________________

(1) الفقيه 1: 210، المقنع: 29، الدروس 1: 183.

(2) الذكرى: 208.

(3) المختصر النافع: 33، المنتهى 1: 297، التذكرة 1: 127.

(4) في ص 365.

(5) الفقيه 1: 210، المقنع: 29.

(6) العلل: 359، الوسائل 6: 422 أبواب التسليم ب 2 ح 15، و ما بين المعقوفين من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 369

واجبا، لكونه حق آدمي مضيّق «1».

و فيه: أنّه إذا علم قصد الإمام التحيّة، و إلّا فلا يجب الرد، و مع ذلك لم يثبت هذا القدر من التضيّق.

المسألة السادسة: ينبغي أن يقصد المصلّي بالتسليم التسليم على الأنبياء و الأئمّة و الحفظة،

و يزيد الإمام المأمومين، و المأموم الردّ عليه و من على بجانبه، كذا قيل «2».

فإن أريد قصد الأنبياء و الأئمة من قوله: و عباد اللَّه الصالحين، فهو جيد، و

إن أراد قصده من قوله: السلام عليكم، فلا دليل عليه. و المصرّح به في رواية العلل قصده ملكيه، و يزيد الإمام المأمومين، و هم الإمام و ملكيه و من على يمينهم و يسارهم.

إلّا أنّ المقام مقام المسامحة و المقصود أمر مرغوب، و مع ذلك في رواية صلاة النبي في المعراج دلالة عليه أيضا «3».

و لو اقتصر المأموم بواحدة جاز جمع الجميع في القصد، و لو كرّرها مرّتين يحتمل جمع الإمام و ملكيه في القصد مع التسليمتين، و قصدهم في الأولى خاصّة، و لو كرّر ثلاثا جعل الأولى للمأموم و ملكيه، و الثانية لأصحاب اليمين، و الثالثة لأصحاب اليسار كما به نطقت رواية العلل.

و هل يجب قصد الردّ إلى الإمام على المأمومين؟ قيل: نعم [1]، و المشهور لا.

______________________________

[1] قال الصدوق في الفقيه 1: 210، و المقنع: 29: و إن كنت خلف إمام تأتمّ به فسلّم تجاه القبلة واحدة ردّا على الإمام. انتهى، و احتمله الشهيد الأوّل في الذكرى: 208، و استظهره من كلام الصدوق، و قال الشهيد الثاني في الروضة 1: 280: و لو كانت وظيفة المأموم التسليم مرّتين فليقصد بالأولى الردّ على الإمام و بالثانية مقصده.

______________________________

(1) حكاه عنه الشهيد في الذكرى: 209.

(2) كما في المفاتيح 1: 153.

(3) الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1، العلل: 312، الوسائل 5: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 370

و الظاهر أنّه إن علم منه قصدهم وجب و لكن كفاية، فيسقط بالعلم بقصد البعض، و إلّا فلا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 371

الفصل الثاني في أفعالها المستحبّة
اشارة

و هي كثيرة قد مرّ أكثرها في طيّ الأفعال الواجبة، و بقيت أمور:

الأوّل: الدعاء قبل الافتتاح

بما في حسنة أبان و ابن وهب: «إذا قمت إلى الصلاة فقل: اللهم إنّي أقدّم إليك محمّدا صلّى اللَّه عليه و آله بين يدي حاجتي، و أتوجّه به إليك، فاجعلني به وجيها عندك في الدنيا و الآخرة و من المقرّبين، و اجعل صلاتي به مقبولة، و ذنبي به مغفورا، و دعائي به مستجابا، إنّك أنت الغفور الرحيم» «1».

و رواه البرقيّ أيضا بأدنى تغيير: قال: «تقول قبل دخولك في الصلاة:

اللهم إني أقدّم» «2» إلى آخره.

و بما في رواية صفوان: شهدت أبا عبد اللَّه استقبل القبلة قبل التكبير

______________________________

(1) الكافي 3: 309 الصلاة ب 19 ح 3، التهذيب 2: 287- 1149، الوسائل 5: 509 أبواب القيام ب 15 ح 3.

(2) الكافي 2: 544 الدعاء ب 51 ح 2، الوسائل 6: 509 أبواب القيام ب 15 ح 3 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 372

فقال: «اللّهم لا تؤيسني من روحك، و لا تقنّطني من رحمتك، و لا تؤمّنّي مكرك فإنّه لا يأمن مكر اللَّه إلّا القوم الخاسرون» «1».

و بما في رواية علي بن النعمان: «من قال هذا القول كان مع محمّد و آل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله، إذا قام من قبل أن يستفتح الصلاة: اللّهم إنّي أتوجّه إليك بمحمّد و آل محمّد و أقدّمهم بين يدي صلاتي، و أتقرّب بهم إليك، فاجعلني بهم وجيها في الدنيا و الآخرة و من المقرّبين، أنت مننت عليّ بمعرفتهم فاختم لي بطاعتهم و معرفتهم و ولايتهم فإنّها السعادة، اختم لي بها، إنّك على كلّ شي ء قدير» «2».

و بما رواه ابن طاوس في فلاح السائل: «قال قبل

أن يحرم و يكبّر: يا محسن قد أتاك المسي ء، و قد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسي ء، و أنت المحسن و أنا المسي ء، فبحقّ محمّد و آل محمّد صلّ على محمّد و آل محمّد و تجاوز عن قبيح ما تعلم منّي» «3».

و لا شكّ في أنّ محلّ هذه الأدعية قبل تكبيرة الإحرام كما يصرّح به في الروايات، و لا في كون محلّها قبل تكبيرات الست الأخر أيضا.

و هل يتعيّن ذلك أو يجوز بعدها أيضا؟ الظاهر الأوّل، كما هو الظاهر من قوله «قبل التكبير» «و قبل أن يستفتح».

الثاني: التوجه إلى الصلاة بستّ تكبيرات مضافة إلى تكبيرة الإحرام الواجب،

بإجماع الإماميّة على الظاهر، و المحكيّ عن الانتصار و الخلاف «4»، و به صرّح والدي في المعتمد، له، و لاستفاضة النصوص كحسنة زرارة: «أدنى ما يجزئ من التكبير في التوجّه تكبيرة واحدة، و ثلاث تكبيرات أحسن، و السبع

______________________________

(1) الكافي 2: 544 الدعاء ب 51 ح 3، الوسائل 5: 508 أبواب القيام ب 15 ح 1.

(2) الكافي 2: 544 الدعاء ب 51 ح 1، الوسائل 5: 508 أبواب القيام ب 15 ح 2.

(3) فلاح السائل: 155، مستدرك الوسائل 4: 123 أبواب القيام ب 9 ح 2.

(4) الانتصار: 40، الخلاف 1: 315.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 373

أفضل» «1».

و صحيحة الشحّام: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: الافتتاح؟ قال:

«تكبيرة تجزيك» قلت: فالسبع؟ قال: «ذلك الفضل» «2».

و محمّد: «التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزي، و الثلاث أفضل، و السبع أفضل كلّه» «3» إلى غير ذلك.

و يستحب أن يدعو خلالها بثلاثة أدعية، كما في حسنة الحلبيّ: «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفّيك، ثمَّ ابسطهما بسطا، ثمَّ كبّر ثلاث تكبيرات، ثمَّ قل: اللّهم أنت الملك الحقّ لا إله إلّا أنت، سبحانك إنّي ظلمت

نفسي فاغفر لي ذنبي، إنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت. ثمَّ تكبّر تكبيرتين، ثمَّ قل: لبّيك و سعديك، و الخير في يديك، و الشرّ ليس إليك، و المهديّ من هديت، لا ملجأ منك إلّا إليك، سبحانك و حنانيك، تباركت و تعاليت، سبحانك ربّ البيت. ثمَّ تكبّر تكبيرتين، ثمَّ تقول: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ ،- عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ،- حَنِيفاً مُسْلِماً- وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ،- إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ و أنا من المسلمين» «4».

و ظهر ممّا مرّ في الحسنة و الصحيحة جواز الاكتفاء بالثلاث، و أنّها أفضل من الواحدة، و إن كان دون السبع في الفضيلة.

و كذلك يجوز الاكتفاء بالخمس، لرواية أبي بصير: «إذا افتتحت الصلاة فكبّر إن شئت واحدة، و إن شئت ثلاثا، و إن شئت خمسا، و إن شئت سبعا، فكلّ

______________________________

(1) الكافي 3: 310 الصلاة ب 20 ح 3، الوسائل 6: 11 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 8.

(2) العلل: 332- 3، التهذيب 2: 66- 241، الوسائل 6: 9 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 2.

(3) التهذيب 2: 66- 242، الوسائل 6: 10 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 4.

(4) الكافي 3: 310 الصلاة ب 20 ح 7، التهذيب 2: 67- 244، الوسائل 6: 24 أبواب تكبيرة الإحرام ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 374

ذلك مجز عنك، غير أنّك إذا كنت إماما لم تجهر إلّا بتكبيرة» «1».

و مقتضى الأمر بالسبع كونها أفضل من الخمس.

و هل الخمس أفضل من الثلاث في المقام بخصوصه من حيث هو و إن كان أفضل مطلقا من وجه الزيادة؟ قيل:

نعم «2». و فيه نظر، لعدم الدليل.

و تجزئ التكبيرات ولاء من غير دعاء، لإطلاق ما مرّ، و موثّقة زرارة:

رأيت أبا جعفر أو سمعته استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاء «3».

و يجوز الاكتفاء ببعض الأدعية الثلاثة، لأصالة عدم الارتباط.

و يتخيّر في جعل أيّها شاء تكبيرة الإحرام و إن كان الأفضل جعلها الأخيرة، كما مرّ في بحث التكبير.

ثمَّ هذا الحكم يعمّ جميع الصلوات، المفروضة منها و المسنونة، المرتبة و غيرها، وفاقا للمحكيّ عن ظاهر الإسكافيّ و الانتصار و الجمل و صريح السرائر و المعتبر و الفاضل و الشهيد و المدارك «4» و المعتمد و اللوامع، و هو ظاهر الشرائع و النافع «5»، بل هو الأشهر كما صرّح به بعض من تأخّر «6» لإطلاق جملة من الأخبار، بل عموم طائفة من جهة اللفظ كما في حسنة الحلبيّ و رواية أبي بصير، أو ترك الاستفصال كما في بعض آخر، مضافا إلى الشهرة الكافية في مقام التسامح.

______________________________

(1) التهذيب 2: 66- 239، الوسائل 6: 21 أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 3.

(2) كما في الرياض 1: 174.

(3) الخصال: 347- 17، التهذيب 2: 287- 1152، الوسائل 6: 21 أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 2.

(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 99، الانتصار: 40، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 31، السرائر 1: 237، المعتبر 2: 155، الفاضل في المختلف: 99، و المنتهى 1:

269، الشهيد في الذكرى: 179، و البيان: 158، و الدروس 1: 168، المدارك 3: 441.

(5) الشرائع 1: 89، المختصر النافع: 33.

(6) انظر: الرياض 1: 175.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 375

و قد يؤيّد بفحوى لفظ «يجزيك» في رواية فلاح السائل: «افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجّه و التكبير: في

أول الزوال و صلاة الليل و المفردة من الوتر، و قد يجزيك فيما سوى ذلك من التطوّع أن تكبّر تكبيرة لكلّ ركعتين» «1».

و يضعّف بأنّه يحتمل أن يكون المراد بالتوجّه دعاء التوجه الذي هو الأخير من الأدعية الثلاثة، فيكون فحوى «يجزيك» جواز هذا الدعاء في سائر الصلوات أيضا.

و خلافا للمحكيّ عن السيّد في المسائل المحمديّة، فخصّ التكبيرات الستّ بالفرائض، و استدلّ له بانصراف الإطلاقات إليها للشيوع و التبادر «2». و هو ممنوع جدّا.

و عن علي بن بابويه و المفيد «3»، فخصّاها بأوّل كلّ فريضة، و أوّل ركعة من صلاة الليل، و مفردة الوتر، و أوّل ركعة من ركعتي الزوال، و أوّل ركعة نوافل المغرب، و أوّل ركعتي الإحرام، و زاد الأخير الوتيرة أيضا.

للرضويّ: «ثمَّ افتتح الصلاة و توجّه بعد التكبير، فإنّه من السنّة الموجبة في ستّ صلوات ..» «4» فذكر الستّ الاولى.

و نحوه مرسلا في الهداية «5».

و يردّ- مع عدم صلاحيّته سندا للمفيد- بمنع وروده في التكبيرات، بل الظاهر أنّه ورد لدعاء التوجّه. و لو سلّم فلا يدلّ على الاختصاص إلّا بمفهوم اللقب الضعيف. و لو سلّم فلا يصلح لتقييد المطلقات و تخصيص العمومات، لضعفه الخالي عن الجابر.

و كذا يعمّ المنفرد و الجامع، لما ذكر، مضافا إلى صحيحة الحلبي: «فإذا كنت

______________________________

(1) فلاح السائل: 130، مستدرك الوسائل 4: 139 أبواب تكبيرة الإحرام ب 5 ح 1.

(2) حكاه عنه في المختلف: 99.

(3) حكاه عن ابن بابويه في التهذيب 2: 94 ذيل الحديث 349، المفيد في المقنعة: 111.

(4) فقه الرضا «ع»: 138، مستدرك الوسائل 4: 152 أبواب تكبيرة الإحرام ب 10 ح 11.

(5) الهداية: 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 376

إماما فإنّه يجزيك أن تكبّر واحدة تجهر

فيها و تسرّ ستّا» «1».

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي، فقال بالاختصاص بالأوّل «2»، و لعلّه للصحاح المصرّحة بأنّه «إذا كنت إماما أجزأتك تكبيرة واحدة» «3».

و بأنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كان أتمّ الناس صلاة و أوجزهم، و كان إذا دخل في صلاته قال: اللَّه أكبر بسم اللَّه الرحمن الرحيم «4».

فإنّ الإيجاز ليس عن الواجب، لأنّها ليست بواجبة على المنفرد أيضا، فيكون عن المستحب.

و يردّ بالمعارضة مع ما مرّ، فتبقى الإطلاقات و الشهرة العظيمة خالية عن المعارض.

الثالث: القنوت،
اشارة

و هو في اللغة لمعان: كالطاعة، و السكون، و الدعاء، و القيام مطلقا أو في الصلاة، و الخشوع، و العبادة، و غير ذلك.

و في عرف المتشرّعة: الدعاء بعد القراءة في الصلاة قائما.

و الظاهر بحكم الحدس و الوجدان و تتبّع الأخبار اللذان هما الحاكمان في ثبوت الحقيقة الشرعيّة ثبوتها هنا في عصر الصادقين و ما بعده.

و في دخول رفع اليد في حقيقته الشرعيّة و عدمه وجهان بل قولان، أجودهما الثاني، للأصل. و دخوله في العرف المتأخّر- لو سلّم- لم يفد، لأصالة تأخّر الحادث.

و هاهنا مسائل:
المسألة الأولى: القنوت في الصلاة مندوب إليه،

إجماعا فتوى و نصّا متواترا، كما تأتي جملة منها.

______________________________

(1) التهذيب 2: 287- 1151، الوسائل 6: 33 أبواب تكبيرة الإحرام ب 12 ح 1.

(2) حكاه عنه في الذكرى: 180.

(3) انظر: الوسائل 6: 9 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1.

(4) الفقيه 1: 200- 921، الوسائل 6: 11 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 11 و هي مرسلة الصدوق.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 377

و لا يجب على الأظهر الأشهر، عند كلّ من تقدّم و تأخّر، بل في الانتصار و الناصريّات و السرائر و المنتهى و التذكرة «1»: الإجماع على استحبابه الظاهر في نفي الوجوب، بل في التذكرة «2»: التصريح به.

للأصل بل الإجماع، لعدم قدح خلاف من يأتي في انعقاده.

و صحيحة البزنطيّ: «إن شئت فاقنت و إن شئت لا تقنت، قال أبو الحسن عليه السلام: فإذا كان التقيّة فلا تقنت و أنا أتقلّد هذا» «3».

و رواية عبد الملك: عن القنوت قبل الركوع أو بعده؟ قال: «لا قبله و لا بعده» «4».

و موثقة سماعة: «فمن صلّى من غير إمام وحده فهي أربع ركعات بمنزلة الظهر، فمن شاء قنت في الركعة الثانية قبل أن يركع و إن شاء

لم يقنت، و ذلك إذا صلّى وحده» «5».

و صحيحة سعد النافية للقنوت إلّا عن الغداة و الجمعة و الوتر و المغرب «6»، و موثقة يونس النافية له عن غير الفجر «7».

______________________________

(1) الانتصار: 46، الناصريات (الجوامع الفقهية): 199، السرائر 1: 242، المنتهى 1: 298، التذكرة 1: 128.

(2) التذكرة 1: 128.

(3) التهذيب 2: 91- 340، الاستبصار 1: 340- 1281، الوسائل 6: 269 أبواب القنوت ب 4 ح 1.

(4) التهذيب 2: 91- 337، الاستبصار 1: 339- 1278، الوسائل 6: 269 أبواب القنوت ب 4 ح 2.

(5) التهذيب 3: 245- 665، الوسائل 6: 272 أبواب القنوت ب 5 ح 8.

(6) التهذيب 2: 91- 338، الاستبصار 1: 340- 1279، الوسائل 6: 265 أبواب القنوت ب 2 ح 6.

(7) التهذيب 2: 91- 339، الاستبصار 1: 340- 1280، الوسائل 6: 265 أبواب القنوت ب 2 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 378

خلافا لظاهر الفقيه و المقنع و الهداية «1»، و العماني على أحد النقلين عنه «2»، فأوجباه في اليوميّة، و قوّاه بعض متأخّري المتأخرين من علماء البحرين [1].

لقوله سبحانه وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ «3» و الأمر للوجوب و لا وجوب إلّا في المسألة.

و موثّقة عمّار: «و ليس له أن يدعه متعمّدا» «4».

و صحيحة محمّد: «القنوت في كلّ صلاة في الفريضة و التطوّع» «5».

و نحوها من الأخبار المثبتة للقنوت في كلّ صلاة أو بعض الصلوات.

و صحيحة ابن عبد ربّه: «من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له» «6».

و موثّقة محمّد عن أبي جعفر: عن القنوت في الصلوات الخمس، فقال:

اقنت فيهنّ جميعا» قال: و سألت أبا عبد اللَّه بعد ذلك عن القنوت، فقال لي: «أمّا ما جهرت فيه فلا تشكّ» «7».

و صحيحة

زرارة «الفرض في الصلاة: الوقت، و الطهور، و القبلة، و التوجّه، و الركوع، و السجود، و الدعاء» قلت: ما سوى ذلك؟ قال: «سنّة في فريضة» «8» و لا دعاء واجبا إلّا القنوت.

______________________________

[1] قال في الحدائق 8: 353: و إلى القول بوجوبه- كما هو ظاهر الصدوق- مال شيخنا أبو الحسن سليمان بن عبد اللَّه البحراني و ذكر أنّه صنّف رسالة في القول بالوجوب و لم أقف عليها.

______________________________

(1) الفقيه 1: 207، المقنع: 35، الهداية: 29.

(2) حكاه عنه في المعتبر 2: 243، و المختلف: 96.

(3) البقرة: 238.

(4) التهذيب 2: 315- 1285، الوسائل 6: 286 أبواب القنوت ب 15 ح 3.

(5) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 15، الفقيه 1: 207- 934 و فيه: في كل ركعتين، الوسائل 6: 264 أبواب القنوت ب 1 ح 12.

(6) الكافي 3: 339 الصلاة ب 31 ح 6، الوسائل 6: 263 أبواب القنوت ب 1 ح 11.

(7) الكافي 3: 339 الصلاة ب 31 ح 1، التهذيب 2: 89- 331، الوسائل 6: 262 أبواب القنوت ب 1 ح 7.

(8) الكافي 3: 272 الصلاة ب 3 ح 5، التهذيب 2: 139- 543، الوسائل 4: 295 أبواب القبلة ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 379

و رواية ابن المغيرة: «اقنت في كلّ ركعتين فريضة أو نافلة قبل الركوع» «1».

و المرويّ في الخصال: «القنوت في جميع الصلوات سنّة واجبة في الركعة الثانية قبل الركوع و بعد القراءة» «2».

و للنقل الآخر عن العماني فأوجبه في الجهريّة خاصّة «3»، للأخبار كذيل موثّقة محمّد المتقدمة، و صحيحة ابن وهب: «القنوت في الجمعة و العشاء و العتمة و الوتر و الغداة، فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا

صلاة له» «4».

و موثّقة سماعة: عن القنوت في أيّ صلاة هو؟ فقال: «كلّ شي ء يجهر فيه بالقراءة فيه قنوت، و القنوت قبل الركوع و بعد القراءة» «5».

و الجواب أمّا عن دليل الأوّل للأوّل: فبمنع ثبوت الحقيقة الشرعيّة للقنوت عند نزول الآية الكريمة، و إرادة معنى آخر محتملة، بل الأخبار بها مصرّحة، ففي المرويّ في تفسير العيّاشيّ: «قانِتِينَ أي: مطيعين راغبين» «6» و في آخر مرويّ فيه أيضا: «مقبلين على الصلاة محافظين لأوقاتها» «7» و نحوه في تفسير القميّ «8».

نعم في المجمع عن الصادق عليه السلام في تفسيرها: «أي: داعين في الصلاة حال القيام» «9».

و هو و إن ناسب المعنى الشرعيّ إلّا أنّه غير صريح فيه، لأنّ الدعاء حال

______________________________

(1) الكافي 3: 339 الصلاة ب 31 ح 4، الوسائل 6: 263 أبواب القنوت ب 1 ح 9.

(2) الخصال: 604، الوسائل 6: 262 أبواب القنوت ب 1 ح 6.

(3) حكاه عنه في الذكرى: 183.

(4) التهذيب 2: 90- 335، الاستبصار 1: 339- 1276، الوسائل 6: 265 أبواب القنوت ب 2 ح 2.

(5) التهذيب 2: 89- 333، الاستبصار 1: 339- 1274، الوسائل 6: 267 أبواب القنوت ب 3 ح 3.

(6) تفسير العياشي 1: 127- 416.

(7) تفسير العيّاشي 1: 127- 418 بتفاوت يسير.

(8) تفسير القمي 1: 79- 238.

(9) مجمع البيان 1: 343.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 380

القيام لا ينحصر في القنوت سيّما مع تضمّن الحمد للدعاء أيضا.

و مع تسليم إرادته يتعيّن حمل الأمر فيه على الاستحباب، بقرينة ما مرّ من الأخبار المعتضدة بعضها ببعض و الأصل و الشهرة العظيمة بل الإجماع على الظاهر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 5    380     المسألة الأولى: القنوت في الصلاة مندوب إليه،

..... ص : 376

لو سلّم عدم التعيّن فيحتمله، للزوم ارتكابه أو التخصيص بحال الصلاة و ليس الأخير أولى، هذا.

مع أنّه على التعارض مع الأخبار المذكورة أيضا إمّا يرجع إلى التخيير المنافي للوجوب، أو الأصل. و القول بلزوم ترجيح أخبار الوجوب لمخالفتها العامّة، مردود بمخالفة أكثر الاولى لهم أيضا، فإنّ حوالة القنوت إلى المشيئة أيضا لهم مخالفة.

و منه يظهر الجواب عن باقي أدلّته.

مضافا إلى عدم دلالة الأخبار المثبتة له على الوجوب أصلا.

و عدم دلالة صحيحة ابن عبد ربّه إلّا على نفي الصلاة عمّن كان تركه للقنوت رغبة عنه و هم العامّة، فيمكن أن يكون نفي الصحّة لذلك، حيث إنّه لا ينفكّ عن انتفاء الإيمان الموجب لعدم صحة الصلاة، لا لترك القنوت.

و معارضة ذيل و موثّقة محمّد- باعتبار التفصيل القاطع للشركة- لصدرها.

و عدم اختصاص الدعاء الوارد في صحيحة زرارة بالقنوت كما مرّ، مع أنّ القنوت لا يتعيّن بالدعاء بل يجوز فيه التسبيح أيضا كما ورد في الأخبار بل كلمات الفرج التي ليست بدعاء، و إن عمّمت الدعاء فيحتمل أن يراد به القراءة، مع أنّها تتضمّن ذكر التوجّه الغير الواجب إجماعا، و به يتعيّن حمل الفرض فيه على المؤكّد من الرجحان.

و عدم صراحة رواية ابن المغيرة في الوجوب إلّا على القول بحرمة إبطال النوافل.

و منه يظهر خدش آخر فيما بعدها.

و من جميع ما ذكر يظهر الجواب عن أدلّة المخالف الثاني أيضا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 381

المسألة الثانية [محلّ القنوت ]

محلّ القنوت في كلّ صلاة- سوى ما يأتي استثناؤه- في الركعة الثانية، بلا خلاف يعرف، بل بالإجماع المحقّق و المحكي في التذكرة و غيره «1»، لموثّقة سماعة و رواية الخصال المتقدّمتين، و صحيحة زرارة: «القنوت في كلّ صلاة في الركعة

الثانية قبل الركوع» «2».

و صريحها كونه قبل الركوع، كما عليه الإجماع أيضا في المنتهى و التذكرة «3»، و عن الخلاف و نهج الحق «4» و غيرهما. و في شرح القواعد: إنّه لا خلاف فيه «5»، و هو دليل آخر عليه.

مضافا إلى صحيحة ابن عمّار: «ما أعرف قنوتا إلّا قبل الركوع» «6».

و موثّقة أبي بصير: «كل قنوت قبل الركوع إلّا الجمعة» «7» و غير ذلك ممّا يأتي.

و أمّا رواية الجعفيّ و معمّر: «القنوت قبل الركوع، و إن شئت بعده» «8».

فلشذوذها غير مقاومة لما مرّ. مع أنّها لا تنافيه بل تؤكّده، لتصريحها بأنّ القنوت قبل الركوع غايتها تجويزه بعده على تقدير المشيئة، و لا كلام فيه، لأنّه دعاء يجوز في كلّ حال، و الكلام في الوقت المقرّر شرعا.

على أنّه يحتمل قريبا أن يكون «نسيت» مقام «شئت» فوقع التصحيف من النسّاخ.

______________________________

(1) التذكرة 1: 128، و انظر: المنتهى 1: 298، و نهاية الإحكام 1: 508.

(2) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 7، التهذيب 2: 89- 330، الاستبصار 1: 338- 1271، الوسائل 6: 266 أبواب القنوت ب 3 ح 1.

(3) المنتهى 1: 299، التذكرة 1: 128.

(4) الخلاف: 379، نهج الحق: 437.

(5) جامع المقاصد 2: 332.

(6) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 13، الوسائل 6: 268 أبواب القنوت ب 3 ح 6.

(7) التهذيب 2: 90- 334، الاستبصار 1: 339- 1275، الوسائل 6: 273 أبواب القنوت ب 5 ح 12.

(8) التهذيب 2: 92- 343، الاستبصار 1: 341- 1283، الوسائل 6: 267 أبواب القنوت ب 3 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 382

فما عن المعتبر و الروضة من الميل إلى التخيير بين فعله قبل الركوع و بعده «1»، ضعيف

جدّا.

و يستثنى من الحكم الأوّل الجمعة و الوتر، و من الثاني الأوّل خاصّة كما يأتي في محلّه.

و يتعيّن فيما قبل الركوع بعد القراءة، بلا خلاف، له، و للمعتبرة، منها:

روايتا ابن المغيرة و الخصال المتقدّمتان.

و موثّقة سماعة: «و القنوت قبل الركوع و بعد القراءة» «2».

و مثلها المرويّ في تحف العقول «3».

و صحيحة يعقوب و فيها- بعد السؤال عن أنّه قبل الركوع أو بعده-:

قال: «قبل الركوع حين تفرغ من قراءتك» «4».

ثمَّ لو نسيه قبل الركوع أتى به بعده، بلا خلاف يوجد كما في المنتهى و المدارك و الذخيرة «5»، و على الظاهر كما في الحدائق «6»، بل بالإجماع كما في المعتمد.

للمستفيضة من النصوص. منها: صحيحة زرارة و محمّد: عن الرجل ينسى القنوت حتّى يركع، قال: «يقنت بعد ركوعه، فإن لم يذكر فلا شي ء عليه» «7».

و محمّد: عن القنوت ينساه الرجل، فقال: «يقنت بعد ما يركع، و إن لم

______________________________

(1) المعتبر 2: 245، الروضة 1: 284.

(2) التهذيب 2: 89- 333، الاستبصار 1: 339- 1274، الوسائل 6: 267 أبواب القنوت ب 3 ح 3.

(3) تحف العقول: 417.

(4) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 14، الوسائل 6: 268 أبواب القنوت ب 3 ح 5.

(5) المنتهى 1: 300، المدارك 3: 448، الذخيرة: 294.

(6) الحدائق 8: 364.

(7) التهذيب 2: 160- 628، الاستبصار 1: 344- 1295، الوسائل 6: 287 أبواب القنوت ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 383

يذكر حتى ينصرف فلا شي ء عليه» «1».

و موثّقة عبيد: الرجل ذكر أنّه لم يقنت حتّى ركع، قال: «يقنت إذا رفع رأسه» «2».

و أمّا موثّقتا عمّار «3»، و رواية سهل «4»، و مرسلة الفقيه «5»، و صحيحة معاوية ابن عمّار «6»، في ناسي

القنوت قبل الركوع المصرّحة بأنّه «ليس عليه شي ء» أو «لا إعادة عليه» أو «لا يقنت».

فلا تنافي ما مرّ، لظهور الفقرتين الأوليين في نفي الوجوب و عدم بطلان الصلاة، و احتمال الثالثة له. مع أن المعاد في الثانية يمكن أن يكون هو الصلاة دون القنوت بل هو الظاهر، لبعد إطلاق الإعادة على إعادة القنوت، لعدم الإتيان به.

مضافا إلى موافقتها لأكثر العامّة، الموجبة للمرجوحيّة على التنافي.

ثمَّ التذكّر إن كان قبل الدخول في السجود أتى به حينئذ، بلا خلاف على الظاهر لإطلاق الصحيحتين و صريح الموثّق المتقدّمة.

و إن كان بعده أتى به بعده الصلاة جالسا مطلقا، كما صرّح به والدي في

______________________________

(1) التهذيب 2: 160- 629، الاستبصار 1: 344- 1296، الوسائل 6: 288 أبواب القنوت ب 18 ح 2.

(2) التهذيب 2: 160- 630، الاستبصار 1: 344- 1297، الوسائل 6: 288 أبواب القنوت ب 18 ح 3.

(3) الاولى: التهذيب 2: 315- 1285، الوسائل 6: 286 أبواب القنوت ب 15 ح 3.

الثانية: التهذيب 2: 131- 507، الوسائل 6: 286 أبواب القنوت ب 15 ح 2.

(4) التهذيب 2: 161- 632، الاستبصار 1: 345- 1299، الوسائل 6: 285 أبواب القنوت ب 15 ح 1.

(5) الفقيه 1: 312- 1421، الوسائل 6: 288 أبواب القنوت ب 18 ح 5.

(6) التهذيب 2: 161- 633، الاستبصار 1: 345- 1300، الوسائل 6: 288 أبواب القنوت ب 18 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 384

المعتمد، و مال إليه شيخنا في روض الجنان «1»، لموثّقة أبي بصير: في الرجل إذا سها في القنوت: «قنت بعد ما ينصرف و هو جالس» «2».

و الرضويّ: «و إن ذكرته بعد ما سجدت فاقنت بعد التسليم، و إن ذكرت و أنت تمشي في

طريقك فاستقبل القبلة و اقنت» «3».

و الموثّقة و إن شملت قبل السجود أيضا إلّا أنّه خرج منها بالصحيح و الموثّق المتقدّمين، لأنّ لزوم مخالفة ما بعد الغاية المذكورة فيهما لما قبلها خصّصهما بالتذكّر بعد دخول الركوع، فيكون أخصّ من هذه الموثّقة فتخصّص بهما.

لا حين التذكّر و لو كان في الصلاة، كما حكاه والدي في المعتمد نافيا عنه المستند، و يمكن استناده إلى إطلاق صحيحة محمّد. و يضعّف بوجوب حمل المطلق على المقيّد.

و ذكر الشيخان في المقنعة و النهاية «4»، و الفاضل في التذكرة «5»، بل نسبه في روض الجنان إلى الأصحاب كافّة «6»: أنّه لو لم يذكر القنوت حتى يركع في الثالثة قضاه بعد الفراغ، و لا دليل على التقييد.

و في المنتهى و عن المبسوط: عدم الإتيان به بعد النسيان حتّى دخل في ركوع الثالثة مطلقا «7»، و احتجّ له في المنتهى بصحيحة زرارة و محمّد السابقة و سائر ما نفى الإعادة أو الشي ء عليه.

و هي- كما مرّ- لا تدلّ إلّا على نفي الوجوب، و هو كذلك، مع أنّ إرادة

______________________________

(1) روض الجنان: 283.

(2) التهذيب 2: 160- 631، الاستبصار 1: 345- 1298، الوسائل 6: 287 أبواب القنوت ب 16 ح 2.

(3) فقه الرضا «ع»: 119، مستدرك الوسائل 4: 412 أبواب القنوت ب 12 ح 1.

(4) المقنعة: 139، النهاية: 90.

(5) التذكرة 1: 129.

(6) روض الجنان: 283.

(7) المنتهى 1: 300، المبسوط 1: 113.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 385

عدم التذكّر أصلا من الصحيحة محتملة بل هي فيها ظاهرة، فالقول بالإتيان به بعد الفراغ حينئذ أصحّ.

بل لو لم يتذكّر حتّى فرغ من الصلاة أيضا أتى به، لإطلاق ما مرّ.

بل و كذا لو تذكّر بعد الانصراف عن محلّ الصلاة

يأتي به في الطريق مستقبل القبلة، لما تقدّم من الرضويّ. و لا يضرّ ضعفه، لقاعدة التسامح، مع اعتضاده برواية زرارة: رجل نسي القنوت و هو في الطريق، قال: «يستقبل القبلة ثمَّ ليقله» «1».

و الظاهر اختصاص قضاء القنوت بصورة النسيان، أمّا لو تركه في محلّه عمدا أو لعذر- كالمأموم المسبوق الخائف فوات متابعة الإمام في الركوع لو اشتغل بالقنوت- فلا قضاء عليه، للأصل.

و لو ترك ناسية المتذكّر بعد الركوع عمدا فمقتضى بعض الإطلاقات المتقدّمة الإتيان به بعد الانصراف.

و قال والدي في المعتمد: و ظاهر بعض الأخبار سقوطه و لعلّه أظهر.

أقول: لم أقف على هذا الخبر، فالعمل بمقتضى الإطلاق أجود.

المسألة الثالثة: ليس في القنوت دعاء معيّن لا يتعدّى عنه،

بل يذكر فيه كلّ ما كان حمدا و ثناء للَّه سبحانه، أو صلاة على الرسول و الأئمة عليهم السلام، أو دعاء لنفسه أو لغيره، مأثورا كان أو غير مأثور، بالإجماع، له، و لصحيحة إسماعيل بن الفضل: عن القنوت و ما يقال فيه، قال: «ما قضى اللَّه على لسانك، و لا أعلم فيه شيئا موقّتا» «2».

و صحيحة الحلبيّ: عن القنوت، فيه قول معلوم؟ فقال: «أثن على ربّك

______________________________

(1) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 10، التهذيب 2: 315- 1283، الوسائل 6: 286 أبواب القنوت ب 16 ح 1.

(2) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 8، التهذيب 2: 314- 1281، الوسائل 6: 277 أبواب القنوت ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 386

و صلّ على نبيّك و استغفر لذنبك» «1».

و في رواية أبي بصير: عن أدنى القنوت، قال: «خمس تسبيحات» «2».

و في رواية ابن أبي سمال [1]: «تجزي من القنوت ثلاث تسبيحات» «3».

و أفضله المأثور عن الحجج، لأنّهم أعرف بآداب الثناء و الدعاء.

و أفضله كلمات

الفرج، لتصريح أكثر الأصحاب به كما قيل، و لما رواه الحلّي مرسلا، قال: و روي أنها أفضله «4». و العماني كذلك، قال بعد ذكر دعاء: و بلغني أنّ الصادق عليه السلام كان يأمر شيعته أن يقنتوا بهذه بعد كلمات الفرج «5». فتأمّل.

و كلمات الفرج معروفة و هي: «لا إله إلّا اللَّه الحليم الكريم، لا إله إلّا اللَّه العليّ العظيم، سبحان اللَّه ربّ السماوات السبع و ربّ الأرضين السبع و ما فيهنّ و ما بينهنّ و ربّ العرش العظيم، و الحمد للَّه ربّ العالمين» ورد ذلك في بعض الروايات «6».

و ذكر المفيد «7» و جمع من الأصحاب «و سلام على المرسلين» قبل التحميد، و رواه في الفقيه في أوّل باب غسل الميّت عن الصادق عليه السلام، ثمَّ قال: هذه الكلمات هي كلمات الفرج «8»، و قاله في كتاب الهداية أيضا في تلقين الميّت قال:

تلقينه عند موته كلمات الفرج، ثمَّ ذكرها كما ذكر «9»، و نحو ذلك أيضا في الفقه

______________________________

[1] في المصدر: ابن أبي سمّاك.

______________________________

(1) الفقيه 1: 207- 933، الوسائل 6: 278 أبواب القنوت ب 9 ح 4.

(2) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 11، التهذيب 2: 315- 1282، الوسائل 6: 273 أبواب القنوت ب 6 ح 1.

(3) التهذيب 2: 92- 342، الوسائل 6: 274 أبواب القنوت ب 6 ح 3.

(4) السرائر 1: 228.

(5) حكاه عنه في الذكرى: 184.

(6) انظر: الوسائل 2: 459 أبواب الاحتضار ب 38 ح 1.

(7) المقنعة: 107.

(8) الفقيه 1: 77- 346، الوسائل 2: 459 أبواب الاحتضار ب 38 ح 2.

(9) الهداية: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 387

الرضويّ قال: «و يستحبّ تلقين كلمات الفرج و هي: لا إله إلّا اللَّه الحليم

الكريم». إلى آخره «1».

و زيد في بعض الروايات: «و ما تحتهنّ» بعد «و ما بينهنّ» و الكلّ حسن إنشاء اللَّه، إلّا أنّه لم يذكر فيه لفظ كلمات الفرج بل فيه: يقول في القنوت كذا «2»، و كذا الروايات الخالية عن لفظ «و سلام على المرسلين» «3» فتأمّل.

و في العيون، عن رجاء بن أبي الضحاك في حديث نقل مولانا الرضا عليه السلام إلى خراسان: و كان قنوته في جميع صلواته: «ربّ اغفر و ارحم و تجاوز عمّا تعلم، إنّك أنت الأعزّ الأكرم» «4».

و تجوز تسمية الحاجة في القنوت، روى في مستطرفات السرائر عن عبد اللَّه بن هلال: قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إنّ حالنا قد تغيّرت، قال:

«فادع في صلاتك الفريضة» قلت: أ يجوز في الفريضة فاسمّي حاجتي للدين و الدنيا؟ قال: «نعم فإنّ رسول اللَّه قد قنت فدعا على قوم بأسمائهم و أسماء آبائهم و عشائرهم، و فعله عليّ عليه السلام من بعده» «5».

و في الذكرى: روي أنّ النبي صلّى اللَّه عليه و آله قال في قنوته: اللّهم أنج الوليد بن الوليد و سلمة بن هشام و عياش بن أبي ربيعة و المستضعفين من المؤمنين، و اشدد وطأتك على مضر و رعل و ذكوان [1]، و قنت أمير المؤمنين عليه السلام في صلاة الغداة فدعا على أبي موسى الأشعريّ و عمرو بن العاص و معاوية و أبي

______________________________

[1] مضر و رعل و ذكوان: أسماء ثلاث قبائل. انظر: الصحاح 4: 1710، و المصباح المنير: 231، و لسان العرب 11: 289.

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 165، مستدرك الوسائل 2: 128 أبواب الاحتضار ب 28 ح 2.

(2) انظر: فلاح السائل: 134.

(3) انظر: البحار 82: 206.

(4) العيون 2: 181 و

فيه «الأعز الأجلّ الأكرم».

(5) مستطرفات السرائر: 98- 20، الوسائل 6: 284 أبواب القنوت ب 13 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 388

الأعور و أشياعهم «1».

و روى في كتاب محمّد بن المثنى قريبا من ذلك «2».

و يظهر منها جواز تسمية من يدعو له في القنوت، و كذا الدعاء على الغير إذا جاز شرعا. و الظاهر أنّ الكلّ إجماعيّ أيضا.

و في جواز القنوت بغير العربيّة قولان يأتي في بحث قواطع الصلاة.

المسألة الرابعة: يستحبّ في القنوت أمور:

منها:

الجهر به لغير المأموم مطلقا، إخفاتيّة كانت الصلاة أو جهرية، إماما كان المصلّي أو منفردا، على الأظهر الأشهر، للشهرة، و لصحيحة زرارة: «القنوت كلّه جهار» «3».

و رواية ابن أبي سمال [1]: صلّيت خلف أبي عبد اللَّه عليه السلام الفجر، فلمّا فرغ من قراءته في الثانية جهر بصوته نحوا ممّا كان يقرأ، قال: «اللّهم اغفر لنا» «4» إلى آخره.

و أمّا ما في صحيحة عليّ و رواية ابن يقطين: «إن شاء جهر و إن شاء لم يجهر» «5» فلا ينافي الاستحباب.

و أمّا المأموم فيستحبّ له الإخفات، لما مرّ من الشهرة، و رواية أبي بصير:

______________________________

[1] في الفقيه: ابن أبي سمّاك.

______________________________

(1) الذكرى: 184.

(2) نقله عنه في البحار 82: 210- 29.

(3) الفقيه 1: 209- 944، مستطرفات السرائر: 72- 4، الوسائل 6: 291 أبواب القنوت ب 21 ح 1.

(4) الفقيه 1: 260- 1188، الوسائل 6: 291 أبواب القنوت ب 21 ح 2.

(5) أ- التهذيب 2: 313- 1272، قرب الإسناد: 198- 758، الوسائل 6: 290 أبواب القنوت ب 20 ح 2.

ب- التهذيب 2: 102- 385، الوسائل 6: 290 أبواب القنوت ب 20 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 389

«ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول، و لا

ينبغي للمأموم أن يسمعه شيئا ممّا يقول» «1».

و عن السيّد و الجعفيّ أنّه تابع للصلاة في الجهر و الإخفات «2»، لعموم قوله عليه السلام: «صلاة النهار عجماء و صلاة الليل جهرية» [1].

و ردّ بأنّه عامّ مطلقا بالنسبة إلى ما مرّ.

و فيه نظر. و الأولى أن يقال: لا دلالة لكون الصلاة عجماء على إخفات كلّ ما يذكر فيها حتّى الأذكار المستحبة، بل يتحقّق بإخفات القراءة أيضا.

و عن الإسكافيّ اختصاص الجهر بالإمام «3»، و لا دليل له.

و منها:

تطويل القنوت، لما رواه الصدوق: إنّه قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله: «أطولكم قنوتا في دار الدنيا أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف» «4».

و في الذكرى: و روي عنهم: «أفضل الصلاة ما طال قنوتها» «5».

و رأيت في بعض فوائد نصير الدين الطوسيّ أنّه ذكر أنّ طول القنوت في الصلاة يوجب الغنى، و للأئمة قنوتات طويلة مذكورة في المهج و غيره، و في البحار عقد بابا للقنوتات الطويلة المروية عن أهل العصمة «6».

و ينبغي أن يستثنى من ذلك صلاة الجماعة إلّا مع حبّ المأمومين، لما يستفاد من الأخبار من استحباب الإسراع فيها «7».

______________________________

[1] روى الجملة الأولى فقط، في الغوالي 1: 421- 98 عن النبي صلّى اللَّه عليه و آله، و كذلك في مستدرك الوسائل 4: 194 أبواب القراءة ب 21 ح 3.

______________________________

(1) التهذيب 2: 102- 383، الوسائل 8: 396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.

(2) حكاه عنهما في الذكرى: 184.

(3) حكاه عنه في الذكرى: 184.

(4) الفقيه 1: 308- 1406، الوسائل 6: 291 أبواب القنوت ب 22 ح 1.

(5) الذكرى: 185.

(6) انظر: البحار 82: 211 ب 33.

(7) انظر: الوسائل 8: 419 أبواب صلاة الجماعة ب 69.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 5، ص: 390

و منها: التكبير له، على الحقّ المشهور، له، و لصحيحة ابن عمّار «1» و غيرها.

و عن المفيد: نفيه في آخر عمره و إن كان يفتي به أولا «2»، و لا أعرف مستنده.

و منها:

رفع يديه حال القنوت تلقاء وجهه مبسوطتين تستقبل بطونهما السماء و ظهورهما الأرض، لفتوى العلماء، بل في الذكرى نسبته إلى الأصحاب «3» مشعرة بدعوى الإجماع، و هي كافية في المقام.

و يدلّ على رفع اليدين أيضا التوقيع المرويّ في الاحتجاج: عن القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه يردّ يديه على وجهه و صدره للحديث الذي روي: «أنّ اللَّه أجلّ من أن يردّ يدي عبد صفرا بل يملؤهما من رحمته» أم لا يجوز فإنّ بعض أصحابنا ذكر أنّه عمل في الصلاة؟ فأجاب عليه السلام: «ردّ اليدين من القنوت على الرأس و الوجه غير جائز في الفرائض، و الذي عليه العمل فيه إذا رجع يديه في قنوت الفريضة و فرغ من الدعاء أن يردّ بطن راحتيه من «4» صدره تلقاء ركبتيه على تمهّل و يكبّر و يركع، و الخبر صحيح، و هو في نوافل النهار و الليل دون الفرائض، و العمل به فيها أفضل» «5».

فإنّ في رجوع اليدين من الصدر دلالة على كونهما مرفوعتين.

و على رفعهما حيال الوجه صحيحة ابن سنان: «و ترفع يديك في الوتر حيال وجهك» «6».

______________________________

(1) الكافي 3: 310 الصلاة ب 20 ح 5، التهذيب 2: 87- 323، الوسائل 6: 18 أبواب تكبيرة الإحرام ب 5 ح 1.

(2) حكاه عنه الشيخ في الاستبصار 1: 337.

(3) الذكرى: 184.

(4) كذا في النسخ، و في الاحتجاج: مع، و في نسخة من الوسائل: على.

(5) الاحتجاج: 486، الوسائل 6: 293 أبواب القنوت ب 23 ح

1.

(6) الفقيه 1: 309- 1410، التهذيب 2: 131- 504، الوسائل 6: 282 أبواب القنوت ب 12 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 391

و هي و إن كانت مخصوصة بالوتر إلّا أنّه- كما قيل- لا قائل بالفرق، و هو كاف في مقام المسامحة.

مضافا إلى المرويّ في معاني الأخبار: «الرغبة أن تستقبل براحتيك إلى السماء و تستقبل بهما وجهك» «1».

و عن المقنعة الرفع حيال الصدر «2». و الأوّل أولى لشهرته.

و يستفاد من الأخير وجه آخر لجعل بطن اليدين إلى السماء مبسوطتين أيضا.

و حكى في المعتبر القول بالعكس «3»، لظواهر جملة من الأخبار «4».

و هو شاذّ، و أخباره مطلقة، محتملة للحمل على غير حال الصلاة.

و قال ابن إدريس: إنّ حين الرفع يفرّق الإبهام عن الأصابع «5». و لا بأس به، لقوله.

الرابع: أن يكون نظره حال قيامه إلى موضع سجوده كما مرّ،

و حال القنوت إلى باطن كفّيه، للشهرة، و قيل «6»: للجمع بين الخبرين الناهي أحدهما عن النظر إلى السماء و ثانيهما عن التغميض فيها «7». و راكعا إلى ما بين قدميه، و ساجدا إلى طرف أنفه، و جالسا بين السجدتين أو للتشهّد إلى حجره كما مرّ، لما مرّ، مع كونه أبلغ في الخضوع المطلوب في العبادة.

الخامس [من المستحبات ]

أن تكون يداه قائما: على فخذيه حذاء ركبتيه، و ساجدا: كما مرّ، و متشهّدا: على فخذيه مضمومة الأصابع مبسوطة، على المشهور كما في

______________________________

(1) معاني الأخبار: 369- 2، الوسائل 7: 50 أبواب الدعاء ب 13 ح 6.

(2) المقنعة: 124.

(3) المعتبر 2: 247.

(4) انظر: الوسائل 7: 48 أبواب الدعاء ب 13.

(5) السرائر 1: 228.

(6) انظر: المعتبر 2: 246، و المنتهى 1: 301.

(7) انظر: الوسائل 5: 510 أبواب القيام ب 16، و ج 7: 249 أبواب قواطع الصلاة ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 392

الذخيرة «1»، و في روض الجنان: تفرّد ابن الجنيد بأنّه يشير بالسبّابة في تعظيم اللَّه تعالى كما يفعله العامّة «2».

السادس: التعقيب،

و هو من السنن الأكيدة، و الروايات في الحثّ عليه مستفيضة، و منافعه في الدين و الدنيا كثيرة.

ففي مرسلة بزرج: «من صلّى صلاة فريضة و عقّب إلى أخرى فهو ضيف اللَّه، و حقّ على اللَّه أن يكرم ضيفه» «3».

و في رواية الوليد: «التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد، يعني بالتعقيب الدعاء تعقيب الصلاة» «4».

و في رواية عبد اللَّه بن محمّد: «ما عالج الناس شيئا أشدّ من التعقيب» «5».

و في رواية: «من عقب في صلاته فهو في صلاة» «6» إلى غير ذلك.

و لا شكّ في صدق التعقيب بالجلوس من بعد الصلاة لدعاء و مسألة أو ثناء اللَّه سبحانه، بل فسرّه به في القاموس و المجمل و المصباح المنير «7».

و هل يصدق على الجلوس بعدها بلا دعاء كما هو ظاهر النهاية الأثيريّة «8» و احتمله بعض الأصحاب كما حكاه في البحار «9»، أو الدعاء بلا جلوس كما نقل عن بعض فقهائنا «10»، أم لا؟.

______________________________

(1) الذخيرة: 295.

(2) روض الجنان: 283.

(3) الكافي 3:

341 الصلاة ب 32 ح 3، التهذيب 2: 103- 388، المحاسن: 51- 75، الوسائل 6: 430 أبواب التعقيب ب 1 ح 5.

(4) التهذيب 2: 104- 391، الوسائل 6: 429 أبواب التعقيب ب 1 ح 1.

(5) التهذيب 2: 104- 393، الوسائل 6: 429 أبواب التعقيب ب 1 ح 2.

(6) الذكرى: 210.

(7) القاموس المحيط 1: 110، المجمل لابن فارس 3: 392، المصباح المنير: 421.

(8) النهاية الأثيرية 3: 267.

(9) البحار 82: 316.

(10) حكاه عنه في الحبل المتين: 259، و الذخيرة: 295، و البحار 82: 314.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 393

الظاهر الثاني، بمعنى أنّه لا يحكم بحصوله شرعا بدون الأمرين، لعدم ثبوت حقيقة شرعيّة فيه و تعدّد المجاز، فيقتصر- في الحكم بثبوت أحكامه له- على المتيقّن.

و الاستدلال على صدقه بمجرّد أحدهما بالأخبار المثبتة للفضيلة لكلّ منهما لا يدلّ على كونه تعقيبا، لجواز ثبوتها لكلّ أيضا.

و التفسير المذكور في رواية الوليد لعلّه من أحد الرواة.

و أمّا ما في صحيحة هشام و مرسلة الفقيه- من أنّ الخارج لحاجته معقّب إن كان على وضوء «1»، و أنّ المؤمن معقّب ما دام على وضوئه «2»- فهو ليس بحقيقة، إذ ليس مجرّد البقاء على الوضوء تعقيبا إجماعا، فالمراد أنّه بمنزلته و لا يثبت منه ثبوت جميع أحكامه له، فلعلّه في شي ء من الفضيلة.

و الظاهر اشتراط اتّصاله بالصلاة و عدم الفصل مطلقا أو الكثير منه في صدق التعقيب، كما استظهره شيخنا البهائي «3».

و هل يشترط فيه الكون في المصلّى و على الطهارة و الاستقبال و الإقبال؟

الظاهر لا، للأصل و عدم قول به، و مراعاتها أولى.

و الظاهر عدم تعيّن الدعاء و المسألة في صدقه، فيصدق بالاشتغال بالتلاوة و البكاء- رغبة أو رهبة- و التفكّر.

و

لا يشترط كون الدعاء بالعربيّة و إن كان هو الأفضل، بل الأفضل الأدعية المأثورة كما هي في كتب القوم مذكورة.

و أفضل الجميع- كما صرّح به في الشرائع و النافع و المنتهى و المدارك «4»،

______________________________

(1) الفقيه 1: 216- 963، التهذيب 2: 320- 1308، الوسائل 6: 457 أبواب التعقيب ب 17 ح 1.

(2) الفقيه 1: 359- 1576، الوسائل 6: 457 أبواب التعقيب ب 17 ح 2.

(3) الحبل المتين: 260.

(4) الشرائع 1: 90، المختصر النافع: 33، المنتهى 1: 302، المدارك 3: 452.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 394

و غيرها- تسبيح الزهراء، لقول هؤلاء الأعلام، مضافا إلى ما في رواية مفضّل:

«سبّح تسبيح فاطمة عليها السلام، و هو: اللَّه أكبر أربعا و ثلاثين مرّة، و سبحان اللَّه ثلاثا و ثلاثين مرّة، و الحمد للَّه ثلاثا و ثلاثين مرّة، فو اللَّه لو كان شي ء أفضل منه لعلّمه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إيّاها» «1».

و في رواية ابن عقبة: «ما عبد اللَّه بشي ء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة عليها السلام، و لو كان شي ء أفضل منه لنحله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فاطمة عليها السلام» «2».

و صدرها و إن دلّ على الأفضلية من التحميد خاصّة و لكن ذيلها يعطي العموم.

و في صحيحة ابن سنان: «من سبّح تسبيح فاطمة عليها السلام قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر اللَّه له، و يبدأ بالتكبير» «3» و في مرسلة ابن ابي نجران: «من سبّح اللَّه في دبر الفريضة تسبيح فاطمة، المائة، و أتبعها بلا إله إلّا اللَّه مرّة غفر اللَّه له» «4».

و في رواية أبي خالد: يقول: «تسبيح فاطمة كل يوم في دبر كل صلاة أحبّ إليّ من

صلاة ألف ركعة في كلّ يوم» «5».

______________________________

(1) التهذيب 3: 66- 218، الاستبصار 1: 466- 1802، الوسائل 6: 445 أبواب التعقيب ب 10 ح 3.

(2) الكافي 3: 343 الصلاة ب 32 ح 14، التهذيب 2: 105- 398، الوسائل 6: 443 أبواب التعقيب ب 9 ح 1.

(3) الكافي 3: 342 الصلاة ب 32 ح 6، التهذيب 2: 105- 395، الوسائل 6: 439 أبواب التعقيب ب 7 ح 1، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(4) الكافي 3: 342 الصلاة ب 32 ح 7، التهذيب 2: 105- 396، الوسائل 6: 440 أبواب التعقيب ب 7 ح 3.

(5) الكافي 3: 343 الصلاة ب 32 ح 15، التهذيب 2: 105- 399، الوسائل 6: 443 أبواب التعقيب ب 9 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 395

و في رواية زرارة: «تسبيح فاطمة الزهراء الذكر الكثير الذي قال اللَّه تعالى:

اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً» «1».

إلى غير ذلك من الأخبار.

و صورتها أن يكبّر أربعا و ثلاثين مرة، و يحمد ثلاثا و ثلاثين مرّة، و يسبّح كذلك، إجماعا، للنصوص المستفيضة منها: رواية المفضّل المتقدّمة، و صحيحة محمّد بن عذافر «2»، و رواية أبي بصير «3»، و المرويّ في مشكاة الأنوار «4»، و غيرها.

و يقدّم التكبير- كما مرّ- إجماعا.

و الحقّ المشهور تقديم التحميد على التسبيح، وفاقا للنهاية و المبسوط و المقنعة و الديلميّ و القاضي و الحلي «5»، و غيرهم، لصحيحة ابن عذافر المصرّحة بلفظة «ثمَّ» الدالّة على التعقيب، المؤيّدة بالترتيب الذكري في بعض آخر.

و ظاهر عليّ بن بابويه و ولده و الإسكافيّ و الاقتصاد «6»: تقديم التسبيح على التحميد، لتقديمه ذكرا في بعض الروايات.

و هو للترتيب غير مفيد، فيحمل على الصحيحة، مع أنّ تقديم

التسبيح موافق لروايات العامّة «7»، فالعمل على خلافها.

و يستحبّ ختمها بلا إله إلّا اللَّه مرّة، للمرسلة المتقدّمة.

______________________________

(1) الكافي 2: 500 الدعاء ب 23 ح 4.

(2) الكافي 3: 342 الصلاة ب 32 ح 8، التهذيب 2: 105- 400، الوسائل 6: 444 أبواب التعقيب ب 10 ح 1.

(3) الكافي 3: 342 الصلاة ب 32 ح 9، التهذيب 2: 106- 401، الوسائل 6: 444 أبواب التعقيب ب 10 ح 2.

(4) مشكاة الأنوار: 278.

(5) النهاية: 85، المبسوط 1: 117، المقنعة: 110، الديلمي في المراسم: 73، القاضي في المهذب 1: 96، الحلي في السرائر 1: 233.

(6) حكاه عن علي بن بابويه و الإسكافي في المختلف: 98، الصدوق في المقنع: 28، الاقتصاد:

264.

(7) انظر: صحيح البخاري 1: 213.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 396

ثمَّ إنّ التعقيب لا يختصّ بالفرائض، بل هي سنّة في الفرائض و النوافل، كما صرّح به الشيخ في النهاية في مطلق التعقيب و تعقيبات خاصة أيضا كالتكبير ثلاثا رافعا بها يديه و تسبيح الزهراء و غيرهما «1»، و هو كاف في التعميم، مضافا إلى إطلاق أكثر الروايات بل عمومه سيّما في التكبير و التسبيح.

ثمَّ إنّه كما يستحبّ التعقيب المركّب من الجلوس و الدعاء، يستحبّ كلّ منهما منفردا عقيب الصلاة أيضا، لورود الحثّ على كلّ منهما منفردا، و بيان الثواب له في المستفيضة من الروايات. و يتحقّق كل منهما بمسمّاه عرفا و إن زاد الأجر بالزيادة.

نعم وردت فضائل خاصّة لقدر معيّن من بعضها كالجلوس في المصلّى إلى طلوع الشمس «2»، و الأدعية الخاصّة، فمن أراد أن يستحرزها فيعمل بما تترتّب الفضيلة عليه، كما أنّه وردت لبعض الأدعية أيضا آداب و شرائط، من شاء الوصول إلى كمال الأجر فليراعها.

السابع: سجدة الشكر على التوفيق لأدائها،
اشارة

بالإجماع

كما في التذكرة «3»، له، و للمستفيضة من النصوص بل المتواترة معنى.

و فيها فضل كثير، ففي صحيحة مرازم: «سجدة الشكر واجبة على كلّ مسلم، تتمّ بها صلاتك، و ترضي بها ربّك، و تعجب الملائكة منك، لأنّ العبد إذا صلّى ثمَّ سجد سجدة الشكر فتح الربّ تبارك و تعالى الحجاب بين العبد و الملائكة، و يقول: يا ملائكتي، انظروا إلى عبدي أدّى فرضي و أتمّ عهدي ثمَّ سجد لي شكرا على ما أنعمت به، ملائكتي ما ذا له؟ قال: فتقول له الملائكة: يا ربّنا رحمتك» [1] الحديث.

______________________________

[1] الفقيه 1: 220- 978، التهذيب 2: 110- 415، الوسائل 7: 6 أبواب سجدتي الشكر ب 1 ح 5. تمام الحديث: «ثمَّ يقول الرب تبارك و تعالى: ثمَّ ما ذا؟ فتقول الملائكة: يا ربّنا جنّتك، ثمَّ يقول الرب تبارك و تعالى: ثمَّ ما ذا؟ فتقول الملائكة: يا ربّنا كفاية مهمّه، فيقول الربّ تبارك و تعالى: ثمَّ ما ذا؟ قال: و لا يبقى شي ء من الخير الّا قالته الملائكة، فيقول اللَّه تبارك و تعالى: يا ملائكتي ثمَّ ما ذا؟ فتقول الملائكة ربّنا لا علم لنا، فيقول اللَّه تبارك و تعالى: أشكر له كما شكر لي و اقبل إليه بفضلي و أريه وجهي». منه رحمه اللَّه.

______________________________

(1) النهاية: 86.

(2) انظر: الوسائل 6: 458 أبواب التعقيب ب 18.

(3) التذكرة 1: 124.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 397

خلافا للجمهور، فأنكروها بعد الصلاة و شدّدوا في إنكارها مراغمة لنا مع ورودها في أخبارهم «1».

و بالموافقة لهم تردّ و على التقيّة تحمل صحيحة سعد بن سعد: عن سجدة الشكر فقال: «أيّ شي ء سجدة الشكر؟» فقلت له: إنّ أصحابنا يسجدون بعد الفريضة سجدة واحدة و يقولون هي

سجدة الشكر، فقال: «إنّما الشكر إذا أنعم اللَّه على عبده أن يقول: سبحان الذي ..» «2» الى آخره.

كما يشهد له التوقيع المرويّ في الاحتجاج، و فيه- بعد السؤال عن سجدة الشكر بعد الفريضة و أنّ أصحابنا ذكروا أنّها بدعة-: «سجدة الشكر من ألزم السنن و أوجبها، و لم يقل إنّ هذه السجدة بدعة إلّا من أراد أن يحدث في دين اللَّه بدعة» «3» الحديث.

و يشترط فيه قصد سجدة الشكر لتمتاز عن غيرها من السجدات.

و ليس فيها تكبير حتى تكبير الرفع و إن أثبته في المبسوط «4»، و لا دليل عليه.

و ليكن سجوده على ما يسجد عليه، لما مرّ في سجدة العزائم «5». و تردّد فيه في شرح القواعد «6»، و لم يشترطه في الذكرى و الحبل المتين «7»، للأصل، و هو يندفع

______________________________

(1) سنن النسائي 3: 65.

(2) الفقيه 1: 218- 972، التهذيب 2: 109- 413، الوسائل 7: 7 أبواب سجدتي الشكر ب 1 ح 6.

(3) الاحتجاج: 486، الوسائل 6: 490 أبواب التعقيب ب 31 ح 3.

(4) المبسوط 1: 114.

(5) راجع ص 321.

(6) جامع المقاصد 2: 317.

(7) الذكرى: 213، الحبل المتين: 245.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 398

بما مرّ.

و كذا الكلام في ارتفاع موضع السجود.

و اشترط في الذكرى فيها السجود على الأعضاء السبعة، معللا بتوقف صدق السجود عليه «1». و أنكره شيخنا البهائي [1]، و بعض آخر [2]، و هو كذلك.

فعدم الاشتراط قويّ. و أمّا أدلّة اشتراطه في سجود الصلاة فغير جارية هنا إلّا المطلقات المتضمّنة لقوله: «السجود على سبعة أعظم» «2» و دلالتها على الزائد على الرجحان ممنوعة. و أمّا ما في بعضها من أنّ السبعة فرض فحمله على الوجوب الأعمّ من الشرطيّ مجاز لا

قرينة له، بل يحتمل التخصيص بالسجدات الواجبة.

و الظاهر حصول المستحبّ بسجدة واحدة من غير ذكر أيضا.

و لكن يستحبّ فيها أن يفترش ذراعيه و يلصق صدره و بطنه بالأرض، لرواية ابن خاقان: رأيت أبا الحسن الثالث عليه السلام سجد سجدة الشكر، فافترش ذراعيه و ألصق صدره و بطنه بالأرض، فسألته عن ذلك فقال: «كذا يجب» «3».

و قريبة منها رواية جعفر بن عليّ «4».

و أن يقول فيه: شكرا شكرا ثلاث مرّات، كما في المرويّ في الذكرى «5»، أو يقول: شكرا للَّه ثلاثا، للمرويّين في العلل و العيون: «السجدة بعد الفريضة

______________________________

[1] الحبل المتين: 245 و ظاهره أنّ في المسألة وجهين، فهو غير منكر فيه.

[2] كصاحب الحدائق 8: 350.

______________________________

(1) الذكرى: 213.

(2) انظر: الوسائل 6: 343 أبواب السجود ب 4.

(3) الكافي 3: 324 الصلاة ب 25 ح 15 بتفاوت يسير، التهذيب 2: 85- 312، الوسائل 7:

13 أبواب سجدتي الشكر ب 4 ح 2.

(4) الكافي 3: 324 الصلاة ب 25 ح 14، التهذيب 2: 85- 311، الوسائل 7: 13 أبواب سجدتي الشكر ب 4 ح 3.

(5) الذكرى: 213.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 399

شكرا للَّه على ما وفّق له العبد من أداء فرضه، و أدنى ما يجزئ فيها من القول أن يقول: شكرا للَّه شكرا للَّه شكرا للَّه، ثلاث مرّات» «1» الحديث.

و أفضل منه مائة مرّة شكرا، أو عفوا، كما في رواية المروزي: «قل في سجدة الشكر مائة مرّة شكرا شكرا، و إن شئت عفوا عفوا» «2».

و أن يسجد سجدتين، كما صرّح به جماعة، و دلّت عليه رواية أخرى للمروزي: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام في سجدتي الشكر، فكتب إليّ:

«مائة مرّة شكرا شكرا، و إن شئت عفوا عفوا» «3».

فإنّ

المستفاد منها معروفيّة التعدّد، و ظاهرها كفاية المائة مرّة فيهما بأيّ نحو كان، سواء وزّعها عليهما أو خصّصها بإحداهما. و لكن صرّح في حسنة ابن جندب الآتية بذكرها في الأخيرة.

و أن يلصق بين السجدتين خدّيه بالأرض، بل في المنتهى و التذكرة و شرح القواعد: الإجماع على استحباب تعفيرهما فيه «4» و يدعو بالمأثور، كما في حسنة ابن جندب: عمّا أقول في سجدة الشكر فقد اختلف أصحابنا فيه، فقال: «قل و أنت ساجد: اللّهم إنّي أشهدك و أشهد ملائكتك و أنبياءك و رسلك و جميع خلقك أنّك أنت اللَّه ربّي، و الإسلام ديني، و محمّد نبيّي، و فلان و فلان- إلى آخرهم- أئمتي، بهم أتولّى و من عدوّهم أتبرّأ، اللهمّ إنّي أنشدك دم المظلوم، ثلاثا، اللهمّ إنّي أنشدك بإيوائك على نفسك لأعدائك لتهلكنّهم بأيدينا و أيدي المؤمنين، اللهمّ إنّي أنشدك بإيوائك على نفسك

______________________________

(1) العلل: 360- الباب 79، العيون 1: 219- 27، الوسائل 7: 5 أبواب سجدتي الشكر ب 1 ح 3.

(2) الفقيه 1: 218- 969، العيون 1: 218- 23، الوسائل 7: 16 أبواب سجدة الشكر ب 6 ح 2.

(3) الكافي 3: 344 الصلاة ب 32 ح 20، التهذيب 2: 111- 417، و فيهما: سجدة الشكر، بلفظ المفرد. الوسائل 7: 16 أبواب سجدتي الشكر ب 6 ذيل حديث 2.

(4) المنتهى 1: 303، التذكرة 1: 125، جامع المقاصد 2: 316.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 400

لأوليائك لتظفرنّهم بعدوّك و عدوّهم أن تصلّي على محمّد و على المستحفظين من آل محمّد، ثلاثا، اللهم إنّي أسألك اليسر بعد العسر، ثلاثا. ثمَّ ضع خدّك الأيمن على الأرض و تقول: يا كهفي حين تعييني المذاهب و تضيق عليّ الأرض بما رحبت،

و يا بارئ خلقي رحمة بي و قد كنت عن خلقي غنيّا، صلّ على محمّد و على المستحفظين من آل محمد. ثمَّ ضع خدك الأيسر و تقول: يا مذلّ كل جبّار و يا معزّ كل ذليل، قد و عزّتك بلغ مجهودي، ثلاثا. ثمَّ تقول: يا حنّان يا منّان يا كاشف الكرب العظام ثلاثا. ثمَّ تعود للسجود فتقول مائة مرّة شكرا شكرا، ثمَّ تسأل حاجتك إن شاء اللَّه» «1».

و ورد في رواية سليمان أدعية اخرى للسجدة الاولى و وضع الخدّين، و لم يذكر السجدة الثانية «2»، و لكن لا دلالة فيها على أنّها سجدة الشكر فلعلّها سجدة أخرى.

و ذكر جماعة منهم الشهيدان و صاحب المدارك الجبينين بدل الخدّين [1]، و لا دليل عليه إلّا بعض الأخبار الذي- لو تمّت دلالته على استحباب تعفيرهما- لم نعدّه في سجدة الشكر [2].

و يجوز إلصاق الخدّين بدون ذكر الدعاء، لأصالة عدم الاشتراط. بل بدون السجدة الأخيرة، بل بدون سجدة، لورود استحباب مطلق إلصاق الخدّين

______________________________

[1] الشهيد الأوّل في الذكرى: 213، الشهيد الثاني في المسالك 1: 32، و الروضة البهية 1: 286، صاحب المدارك 3: 424، لكن الظاهر من كلماتهم استحباب تعفير الجبينين و الخدين معا بين سجدتي الشكر.

[2] يظهر من الكتب الفقهية أنّ المراد من بعض الأخبار رواية مولانا العسكري عليه السلام:

«علامات المؤمن خمس- إلى أن قال:- و تعفير الجبين» مصباح المتهجد: 730، الوسائل 14:

478 أبواب المزار ب 56 ح 1.

______________________________

(1) الكافي 3: 325 الصلاة ب 25 ح 17، الفقيه 1: 217- 966، التهذيب 2: 110- 416، الوسائل 7: 15 أبواب سجدتي الشكر ب 6 ح 1.

(2) الكافي 3: 326 الصلاة ب 25 ح 19، التهذيب 2: 111- 418، الوسائل 7:

17 أبواب سجدتي الشكر ب 6 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 401

بالأرض بعد الصلاة. و الأولى عدم قصد كونها من سجدة الشكر في الأخيرين.

و هل يجوز تكرير السجدتين بدون الخدّين؟ فيه نظر.

ثمَّ إنّه ذكر جماعة أنّ هذه السجدة بعد تمام التعقيب [1]، و استدلّوا عليه بما رواه الصدوق من: أنّ الكاظم عليه السلام كان يسجد بعد ما يصلّي الفجر، فلا يرفع رأسه حتّى يتعالى النهار «1».

و في دلالته نظر، لعدم تعيّن كونه سجدة الشكر، و لا بعد تمام التعقيب، و لا على استحباب ما فعل بخصوصه.

و لكن لا بأس به بعد فتوى الفقيه، سيّما مع إيجابه شكر التوفيق للدعاء أيضا.

و قد اختلفت الأخبار و كلمات الأخيار في سجدة الشكر في صلاة المغرب، فصرّح في المنتهى أنّها بعد نافلتها، لرواية حفص: صلّى بنا أبو الحسن صلاة المغرب فسجد سجدة الشكر بعد السابعة، فقلت له: كان آباؤك يسجدون بعد الثالثة، فقال: «ما كان أحد من آبائي يسجد بعد الثالثة» [2].

و ظاهر الذكرى و المدارك التخيير «2»، جمعا بين ما مرّ و بين رواية جهم:

رأيت أبا الحسن موسى و قد سجد بعد الثلاث ركعات من المغرب، فقلت:

جعلت فداك رأيتك سجدت بعد الثلاث، فقال: «رأيتني؟» فقلت: نعم، فقال:

«فلا تدعها» «3».

______________________________

[1] منهم الشهيد الأوّل في الذكرى: 213، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 316، و صاحب المدارك 3: 424.

[2] التهذيب 2: 114- 426، الاستبصار 1: 347- 1308، الوسائل 6: 489 أبواب التعقيب ب 31 ح 1، و في جميعها: «ما كان أحد من آبائي يسجد إلّا بعد السابعة».

______________________________

(1) الفقيه 1: 218- 970، الوسائل 7: 8 أبواب سجدتي الشكر ب 2 ح 1.

(2) الذكرى: 113، المدارك 3:

16.

(3) الفقيه 1: 217- 967، التهذيب 2: 114- 427، الاستبصار 1: 347- 1309، الوسائل 6: 489 أبواب التعقيب ب 31 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 402

و كان هذا الجمع حسنا لو لا ترجيح الثانية بالتوقيع المرويّ في الاحتجاج، و فيه- بعد السؤال عن سجدة الشكر في صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد أربع ركعات النافلة-: «و أمّا الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب و الاختلاف في أنها بعد الثلاث أو بعد الأربع، فإنّ فضل الدعاء و التسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعد النوافل كفضل الفرائض على النوافل، و السجدة دعاء و تسبيح، فالأفضل أن تكون بعد الفرض، و إن جعلت أيضا بعد النوافل جاز» «1».

و أمّا مع هذا الخبر فيتعيّن ترجيح الثانية كما لا يخفى.

و يستحبّ بعد رفع الرأس من السجدة أن يضع باطن كفّه موضع سجوده ثمَّ يرفعها فيمسح بها وجهه و صدره، لمرسلة المقنعة: «فإذا رفع أحدكم رأسه من السجود فليمسح بيده موضع سجوده، ثمَّ يمسح بها وجهه و صدره» «2».

و روي في مكارم الأخلاق: «إذا أصابك همّ فامسح يدك على موضع سجودك، ثمَّ أمرّ يدك على وجهك من جانب خدّك الأيسر، و على جبهتك إلى جانب خدّك الأيمن، ثمَّ قل: بسم اللَّه الذي لا إله إلّا هو عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم، اللّهم أذهب عنّي الهمّ و الحزن، ثلاثا» «3».

و لكن الظاهر اختصاص استحباب هذا النوع بصورة إصابة الهمّ، و الطريق الأول عامّ، و على أيّ تقدير لا يختصّ شي ء منهما بسجدة الشكر، بل ورد بعد السجدة و إن ذكرهما بعض الأصحاب عقيبها «4».

و كذا ما ذكره بعضهم من استحباب إطالة السجود و قول يا ربّ يا

ربّ في السجدة حتّى ينقطع النفس «5»، فإنّ الكلّ في الأخبار مذكور «6»، و لكلّ فضل

______________________________

(1) الاحتجاج: 486، الوسائل 6: 490 أبواب التعقيب ب 31 ح 3.

(2) المقنعة: 109.

(3) مكارم الأخلاق: 287.

(4) انظر: الحدائق 8: 348.

(5) انظر: الحدائق 8: 352.

(6) انظر: الوسائل 7: ب 6 و 7 من أبواب سجدتي الشكر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 403

كثير، و لكن لم يذكر شي ء منه لخصوص سجدة الشكر.

فائدة:

ذكر الشيخ و جمع من الأصحاب أنّ حكم المرأة حكم الرجل في غير الجهر و الإخفات «1»، نعم يختلفان في بعض الآداب، كما ورد في حسنة زرارة حيث قال فيها: «إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها، و لا تفرّج بينهما و تضمّ يديها إلى صدرها لمكان ثدييها، فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تطأطئ كثيرا فيرتفع عجزها، و إذا جلست فعلى أليتها و ليس كما يقعد الرجل، و إذا سقطت للسجود بدأت بالقعود بالركبتين قبل اليدين ثمَّ تسجد لاطئة بالأرض، و إذا كانت في جلوسها ضمّت فخذيها و رفعت ركبتيها من الأرض، و إذا نهضت انسلّت انسلالا لئلّا يرتفع عجزها أولا» «2».

______________________________

(1) النهاية: 73 و انظر القواعد 1: 36، و جامع المقاصد 2: 363.

(2) الكافي 5: 335 الصلاة ب 29 ح 2، التهذيب 2: 94- 350، الوسائل 5: 462 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 4، و في المصادر «عجيزتها» مكان «عجزها».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 405

الباب الثاني في النوافل اليوميّة
مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 407

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: النوافل المرتّبة أربع و ثلاثون ركعة،

بالإجماع المحقّق، و المحكيّ عن الانتصار و الخلاف «1». و في المختلف: إنّه لم نقف فيه على خلاف «2». و في الذكرى: لا نعلم فيه مخالفا من الأصحاب «3»- و أمّا ما في الشرائع و النافع من أنّه الأشهر «4»، فالمراد في الرواية- فهو الحجّة فيه، مضافا إلى المستفيضة الدالّة على العدد جملة أو تفصيلا «5».

و أمّا الأخبار العادّة لها بأقلّ من الأربع و الثلاثين، بإسقاط الوتيرة كما في بعضها، أو مع أربع من نوافل العصر كما في آخر، أو معها وثنتين من المغربيّة كما في غيرهما «6».

فهي على نفي استحباب الزائد غير دالّة، فلما مرّ غير مخالفة. و مع مخالفتها فلعدم حجيّتها- و إن كثرت و تضمّنت الصحيح- باعتبار مخالفتها للشهرة بل الإجماع، و عدم عمل أحد من الأصحاب بها- كما صرّح به الصيمريّ أيضا «7»- مطروحة.

ثمَّ من هذه الأربع و الثلاثين ثمان للظهر قبلها، و ثمان للعصر قبلها، و أربع للمغرب بعدها، و الوتيرة ركعتان من جلوس يعدّ بركعة، و صلاة الليل ثمان ركعات، و ركعتا الشفع، و ركعة الوتر، و ركعتان للفجر قبلها، على المشهور على

______________________________

(1) الانتصار: 50، الخلاف 1: 525.

(2) المختلف: 123.

(3) الذكرى: 112.

(4) الشرائع 1: 60، المختصر النافع: 21.

(5) انظر: الوسائل 4: 45 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13.

(6) انظر: الوسائل 4: 45 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13، و ص 59 ب 14.

(7) حكاه عنه في الرياض 1: 99.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 408

ما قيل «1»، و هو صريح الدروس و اللمعة و القواعد و النافع و السرائر و البيان «2» و عن صريح المقنعة و المهذّب و الإيضاح و الإشارة «3».

و

هو في الشرائع و التذكرة و المنتهى و الذكرى: ثمان قبل الظهر و ثمان قبل العصر «4»، و هو ليس بنصّ بل و لا ظاهر في المشهور.

و في الهداية و عن ظاهر الجامع: أنّ الستّ عشر للظهر «5».

و عن الإسكافيّ: أنّ اثنتين منها للعصر و البواقي للظهر «6».

و في نهاية الشيخ و السرائر: ثمان بعد فريضة الظهر و قبل فريضة العصر «7».

و هو كما ترى لا يفيد أحد الأقوال.

للأوّل: المرويّ في العلل: لأيّ علة أوجب صلاة الزوال ثمان قبل الظهر و ثمان قبل العصر؟ فقال عليه السلام: «لتأكيد الفرائض» «8» الحديث.

و في العيون: «ثمان ركعات قبل فريضة الظهر و ثمان ركعات قبل فريضة العصر» «9».

و لا دلالة لهما على أنّ الثمان قبل العصر تطوّع لصلاة العصر، و ترجيح قبل العصر على بعد الظهر لعلّه لاستحباب التأخير إلى أن يقرب وقت العصر و يتّصل بصلاته.

______________________________

(1) المدارك 3: 11.

(2) الدروس 1: 136، اللمعة (الروضة 1): 169، القواعد 1: 24، المختصر النافع: 21، السرائر 1: 139، البيان: 108.

(3) المقنعة: 91، المهذب 1: 67، الإيضاح 1: 73، الإشارة: 87.

(4) الشرائع 1: 60، التذكرة 1: 70، المنتهى 1: 194، الذكرى: 112.

(5) الهداية: 30، الجامع للشرائع: 58.

(6) حكاه عنه في المختلف: 123.

(7) النهاية: 57، السرائر 1: 193.

(8) العلل: 328- 3، الوسائل 4: 53 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 21.

(9) عيون أخبار الرضا «ع» 2: 121، الوسائل 4: 54 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 409

و على ذلك يحتمل حمل ما ورد فيه أربع بعد الظهر و أربع قبل العصر أيضا «1»، فلا يصير مثله قرينة على إرادة نسبة النافلة

إلى الصلاة.

مع أنّهما مع الدلالة معارضتان بأكثر منهما و أقوى، كما في خبر حنّان: «كان النبي صلّى اللَّه عليه و آله يصلّي ثمان ركعات الزوال، و أربعا الاولى، و ثمان بعدها، و أربعا العصر» «2».

و خبر حمّاد بن عثمان: عن التطوّع بالنهار، فذكر أنّه يصلّي ثمان ركعات قبل الظهر و ثمان بعدها «3».

و صحيحة حمّاد بن عثمان و فيها: «إلا أخبرك كيف أصنع أنا؟» فقلت: بلى فقال: «ثمان ركعات قبل الظهر و ثمان بعدها» «4» إلى غير ذلك.

و رواية سليمان بن خالد و فيها: «ستّ ركعات بعد الظهر و ركعتان قبل العصر» «5».

و لعلّ غير الأخيرة ممّا ذكر دليل الهداية و الجامع، و هي دليل الإسكافي.

و قد عرفت ضعف الدلالة، فإنّ البعديّة و القبليّة غير دالّتين على أنها نافلتها، و وجه نسبة البعض إلى قبل العصر و بعضها إلى بعد الظهر فلعلّه أمر آخر كمراعاة الوقت، أو استحباب الاتّصال و الأقربيّة بإحدى الصلاتين كما مرّ.

مع أنّه على فرض الدلالة لا يصلح شي ء منها للاستناد، للتعارض الخالي من المرجّح رأسا. فالمسألة محلّ تردّد و توقّف جدّا.

إلّا أنّ لقول الإسكافي قوة، لموثّقة عمّار: «لكلّ صلاة مكتوبة ركعتان نافلة

______________________________

(1) انظر: الوسائل 4: 47 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 7.

(2) الكافي 3: 443 الصلاة ب 89 ح 5، التهذيب 2: 4- 4، الاستبصار 1: 218- 774، الوسائل 4: 47 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 6.

(3) الكافي 3: 444 الصلاة ب 89 ح 9، التهذيب 2: 9- 18، الوسائل 4: 48 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 8.

(4) التهذيب 2: 5- 7، الوسائل 4: 50 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13

ح 15.

(5) التهذيب 2: 5- 8، الوسائل 4: 51 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 410

إلّا العصر، فإنّه تقدّم نافلتها و هي الركعتان اللتان تمّت بها الثماني بعد الظهر» «1».

و إجمال بعض أجزائه لا يوجب ترك ما يدلّ على المطلوب منها.

ثمَّ إنّه ذكر جماعة أنّه لا ثمرة مهمّة لتحقيق ذلك بعد ثبوت استحباب الثمان، لعدم لزوم قصد ذلك في النية و عدم ظهور فائدة أخرى.

و ما قيل من ظهورها في اعتبار إيقاع الستّ قبل القدمين أو المثل، و فيما إذا نذر نافلة العصر «2»، ففيه تأمّل:

أمّا الأوّل فلأنّ المستفاد من الروايات ليس إلّا استحباب إيقاع الثمان التي قبل الظهر قبل القدمين أو المثل، و الثمان التي بعدها قبل الأربعة أو المثلين من غير إضافة إلى الظهر أو العصر، فلا يتفاوت الحكم سواء قلنا أنّها للظهر أو العصر.

و أمّا الثاني فلأنّ النذر تابع للقصد، فإن قصد الثمان أو الركعتين وجبت عليه ذلك. إلّا أن يقصد ما هو نافلة العصر شرعا مجملا، و حينئذ في انعقاد النذر إشكال، لعدم ظهور اختصاص من الأخبار.

أقول: الظاهر لمزاول الأخبار استفادة اختصاص نافلة بالعصر أيضا، و لو نوقش فيه أيضا فلا ريب في اختصاص صلاة الظهر بالنافلة كما تدلّ عليه موثّقة عمّار و فيها: «و للرجل إذا كان قد صلّى من نوافل الأولى شيئا قبل أن يحضر العصر فله أن يتمّ نوافل الاولى إلى أن يمضي بعد حضور العصر قدم» «3».

و حينئذ فتظهر الثمرة فيما إذا نذر ما هو نافلة صلاة الظهر.

و يمكن ظهور الفائدة أيضا فيما إذا صلّى المسافر الظهر في السفر ثمَّ دخل الوطن و صلّى العصر فيه، أو صلّى

الظهر في الوطن و سافر قبل صلاة العصر، فإنّه يجوز له إيقاع الثمان التي قبل العصر في الأوّل و لا يجوز في الثاني على المشهور،

______________________________

(1) التهذيب 2: 273- 1086، الوسائل 4: 284 أبواب المواقيت ب 61 ح 5.

(2) قد ذكر الثمرة الثانية في المختلف: 123.

(3) التهذيب 2: 273- 1086، الوسائل 5: 245 أبواب المواقيت ب 40 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 411

و يعكس الأمر على قول الهداية، و تجوز الركعتان خاصّة في الأوّل و لا تجوز كذلك في الثاني على قول الإسكافيّ.

المسألة الثانية: يكره الكلام بين أربع ركعات المغرب،

لرواية أبي الفوارس: نهاني أبو عبد اللَّه أن أتكلّم بين أربع ركعات التي بعد المغرب «1».

و رواية أبي العلاء: «من صلّى المغرب ثمَّ عقّب و لم يتكلّم حتّى يصلّي ركعتين كتبتا [له ] في علّيّين، فإن صلّى أربعا كتبت له حجّة مبرورة» «2».

و تدلّ الأخيرة على كراهة الكلام بينها و بين المغرب بغير التعقيب أيضا، كما صرّح بها الجماعة «3».

و أمّا التعقيب ففي استحباب تأخيره عنها مطلقا، للمرويّ عن النبي صلّى اللَّه عليه و آله أنّه لمّا بشّر بالحسن عليه السلام صلّى ركعتين بعد المغرب شكرا، فلمّا بشّر بالحسين عليه السلام صلّى ركعتين و لم يعقّب حتّى فرغ منها [1]. فإن ظاهره عدم الإتيان بشي ء من التعقيب إلى الفراغ من الأربع.

و المرويّ في إرشاد المفيد عن أبي جعفر الثاني عليه السلام: فصلى عليه السلام بالناس صلاة المغرب، و قام من غير أن يعقّب. فصلّى النوافل أربع ركعات، و عقّب بعدها، و سجد سجدتي الشكر «4».

______________________________

[1] الفقيه 1: 289- 1319، التهذيب 2: 113- 424، الوسائل 4: 88 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 24 ح 6. و لا يخفى أن فقرة: و

لم يعقب حتى فرغ منها، غير مذكورة في المصادر و لا إشعار بها فيها. و لكن ذكرها المفيد في المقنعة ص 117، حيث استدلّ على تأخير التعقيب عن نافلة المغرب بهذه الرواية.

______________________________

(1) الكافي 3: 443 الصلاة ب 89 ح 7، التهذيب 2: 114- 425، الوسائل 6: 488 أبواب التعقيب ب 30 ح 1.

(2) الفقيه 1: 143- 664، التهذيب 2: 113- 422، الوسائل 6: 488 أبواب التعقيب ب 30 ح 2.

(3) كما في التذكرة 1: 72، و الذكرى: 113، و المدارك 3: 14.

(4) الإرشاد 2: 288، الوسائل 6: 490 أبواب التعقيب ب 31 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 412

أو تأخير غير التسبيح بتخصيص ما مرّ بغيره، لصحيحة ابن سنان: «من سبّح تسبيح فاطمة عليها السلام قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر له» «1».

أو تأخير بعض و تقديم بعض، جمعا بين ما مرّ و بين ما يأتي، و للمرويّ في العيون عن الرضا عليه السلام أنّه كان يصلّي المغرب ثلاثا، فإذا سلّم جلس في مصلّاه يسبّح اللَّه و يحمده و يكبّره و يهلّله ما شاء اللَّه، ثمَّ يسجد سجدة الشكر، ثمَّ يرفع رأسه و لم يتكلّم حتّى يقوم، فيصلّي أربع ركعات بتسليمتين، ثمَّ جلس بعد التسليم في التعقيب ما شاء اللَّه «2».

أو تقديمه مطلقا، كما عن شيخنا البهائي، لرواية أبي العلاء المتقدّمة، و التوقيع المرويّ في الاحتجاج: كتب إليه يسأله عن سجدة الشكر في صلاة المغرب بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟ فأجاب عليه السلام: «إنّ فضل الدعاء و التسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعد النوافل كفضل الفرائض على النوافل، و السجدة دعاء و تسبيح، و الأفضل أن تكون بعد الفرض

فإن جعلت بعد النوافل أيضا جاز» «3».

و تؤيّده رواية سعيد بن زيد: «إذا صلّيت المغرب فلا تبسط رجلك و لا تكلّم أحدا حتّى تقول مائة مرّة: بسم اللَّه الرحمن الرحيم و لا حول و لا قوّة إلّا باللَّه العليّ العظيم» «4».

و رواية الحسين بن خالد: «من قال في دبر صلاة الفريضة قبل أن يثني رجليه: أستغفر اللَّه الذي لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم ذو الجلال و الإكرام، ثلاث

______________________________

(1) الكافي 3: 342 الصلاة ب 89 ح 6، التهذيب 2: 105- 395، الوسائل 6: 439 أبواب التعقيب ب 7 ح 1.

(2) العيون 2: 179، الوسائل 4: 55 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 24.

(3) الاحتجاج: 486، الوسائل 6: 490 أبواب التعقيب ب 31 ح 3.

(4) الكافي 2: 531 الدعاء ب 48 ح 29، الوسائل 6: 479 التعقيب ب 25 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 413

مرّات، غفر اللَّه له ذنوبه» «1».

و ما ورد من استحباب التكبيرات الثلاث و دعائها بعد التسليم «2».

أقوال [1]، أقواها الأخير، لما ذكر، مع ضعف الاحتجاج بما احتجّ به على خلافه:

أمّا حديث البشارة فلعدم ثبوته. و لا يفيد التسامح في أدلة السنن، لأنّه إنّما كان يفيد إذا ثبتت الملازمة بين فعله عليه السلام و بين استحبابه لنا، و هي غير ثابتة، بل الثابت- لو سلّم- هو الملازمة بين علمنا بفعله أو ثبوته بظنّ ثابت الحجيّة و بين استحبابه لنا، و هو هنا غير متحقّق، مع أنّ ثبوت الاستحباب بثبوت فعله مطلقا أيضا ممنوع.

و أمّا البواقي فلعدم ثبوت الاستحباب في حقّنا في فعل غير النبيّ من المعصوم إذا لم يعلم وجهه مطلقا، مع معارضتها بما روي في العيون عن

الرضا عليه السلام أنّه كان يسجد بعد تعقيب المغرب قبل النافلة «3».

و منه و من التوقيع المذكور تظهر أفضليّة تقديم سجدتي الشكر على النافلة أيضا، كما يظهر ممّا ذكرنا ضعف دلالة ما يستند إليه في أفضليّة تأخيرهما عنها.

المسألة الثالثة: قد عرفت أنّ من النوافل ركعتين بعد العشاء،

و هما من جلوس تعدّان ركعة من قيام، كما صرّح به المستفيضة بل المتواترة، كحسنة الفضيل: «الفريضة و النافلة إحدى و خمسون ركعة، منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعدّان بركعة و هو قائم» «4».

______________________________

[1] أي: في استحباب تأخير التعقيب عن نوافل المغرب مطلقا، أو تأخير غير التسبيح، أو تأخير بعض أو تقديمه مطلقا أقوال.

______________________________

(1) الكافي 2: 521 الدعاء ب 47 ح 1، الوسائل 6: 470 أبواب التعقيب ب 24 ح 4، و فيهما عن الحسين بن حماد.

(2) انظر: الوسائل 6: 452 أبواب التعقيب ب 14.

(3) راجع ص 412 الرقم 2.

(4) الكافي 3: 443 الصلاة ب 89 ح 2، التهذيب 2: 4- 2، الاستبصار 1: 218- 772، الوسائل 4: 46 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 414

و رواية البزنطي: قلت لأبي الحسن عليه السلام: إنّ أصحابنا يختلفون في التطوّع فبعضهم يصلّي أربعا و أربعين، و بعضهم يصلّي خمسين، فأخبرني بالذي تعمل به كيف هو حتّى أعمل بمثله؟ فقال: «أصلي واحدة و خمسين ركعة» و عدّها إلى أن قال: «و ركعتين بعد العشاء من قعود تعدّان بركعة من قيام» «1».

و رواية الحجّال، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: أنّه كان يصلّي ركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمائة آية و لا يحتسب بهما، و ركعتين و هو جالس يقرأ فيهما بقل هو اللَّه أحد و قل يا أيّها الكافرون «2» الحديث.

و

المرويّ في الخصال بعد عدّ صلاة الفريضة «و السنة أربع و ثلاثون ركعة» إلى أن قال: «و ركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة تعدّان بركعة» «3».

و مثله في العيون و تحف العقول «4».

و في دعائم الإسلام: «و بعد العشاء ركعتان من جلوس تعدّان بركعة، لأنّ صلاة الجالس لغير علّة على النصف من صلاة القائم» «5».

و في فقه الرضا: «و ركعتان بعد العشاء الآخرة من جلوس يحسب ركعة من قيام» «6».

و في العلل: لأيّ علّة يصلّى الركعتان بعد العشاء الآخرة من قعود؟ فقال:

«لأنّ اللَّه فرض سبع عشرة ركعة فأضاف إليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله مثليها،

______________________________

(1) الكافي 3: 444 الصلاة ب 89 ح 8، التهذيب 2: 8- 14، الوسائل 4: 47 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 7.

(2) التهذيب 2: 341- 1410، الوسائل 4: 253 أبواب المواقيت ب 44 ح 15.

(3) الخصال: 603، الوسائل 4: 57 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 25.

(4) العيون 2: 120- 1، تحف العقول: 312، الوسائل 4: 54 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 23.

(5) دعائم الإسلام 1: 208، مستدرك الوسائل 3: 49 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 2.

(6) فقه الرضا «ع»: 99، مستدرك الوسائل 3: 50 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 415

فصارت إحدى و خمسين ركعة، فتعدّ هاتان الركعتان من جلوس بركعة» «1».

و في رجال الكشي عن الرضا عليه السلام قال: «إنّ أهل البصرة سألوني فقالوا: إنّ يونس يقول: من السنّة أن يصلّي الإنسان ركعتين و هو جالس بعد العتمة، فقلت: صدق يونس» «2» إلى غير ذلك.

و تدلّ عليه

المستفيضة المصرّحة بأنّ الفرائض و النوافل إحدى و خمسون ركعة «3» و المستفيضة الدالة على أنّ التطوّع مثلا الفريضة «4».

و في أفضليّة الجلوس فيهما من القيام و عكسها قولان:

الأوّل صريح روض الجنان «5» و ظاهر الأكثر إن لم نقل بأنّ ظاهرهم تعيّن الجلوس، لما مرّ و للمستفيضة الدّالة على استحباب البيتوتة على وتر، و أنّه هو هاتان الركعتان.

فمن الأولى صحيحة زرارة: «من كان يؤمن باللَّه و اليوم الآخر فلا يبيتنّ إلّا بوتر» «6» و مثله في العلل «7».

و فيه أيضا: «و لا يبيتنّ الرجل و عليه وتر» «8».

و من الثانية المرويّ فيه أيضا: قلت: أصلّي العشاء الآخرة فإذا صلّيت صلّيت ركعتين و أنا جالس، فقال: «أما إنّها واحدة و لو بتّ بتّ على وتر» [1].

و فيه أيضا: قال: «من كان يؤمن باللَّه و اليوم الآخر فلا يبيتنّ إلّا بوتر»

______________________________

[1] علل الشرائع: 330- 2، الوسائل 4: 96 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 29 ح 7 و فيهما:

«و لو متّ متّ على وتر». و في البحار 84: 105 نقلا عن العلل مثل ما في المتن.

______________________________

(1) علل الشرائع: 330- 1، الوسائل 4: 96 أبواب أعداد الفرائض ب 29 ح 6.

(2) رجال الكشي 2: 784- 934، الوسائل 4: 97 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 29 ح 9.

(3) انظر الوسائل 4: 45 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13.

(4) انظر الوسائل 4: 45 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13.

(5) روض الجنان: 175.

(6) التهذيب 2: 341- 1412، الوسائل 4: 94 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 29 ح 1.

(7) علل الشرائع: 330- 4، الوسائل 4: 95 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 29 ح 4.

(8) علل الشرائع: 330-

3، الوسائل 4: 95 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 29 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 416

قلت: يعني الركعتين بعد العشاء الآخرة؟ قال: «نعم إنّهما ركعة، فمن صلّاهما ثمَّ حدث به حدث مات على وتر، فإن لم يحدث حدث الموت صلّى الوتر في آخر الليل» فقلت له: هل يصلّي رسول اللَّه هاتين الركعتين؟ قال: «لا» قلت: و لم؟

قال: «لأنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كان يأتيه الوحي، و كان يعلم أنه هل يموت في هذه الليلة أو لا، و غيره لا يعلم، فمن أجل ذلك لم يصلّهما و أمر بهما» «1».

و ردّ دلالة الأحاديث المتقدّمة: بأنّ غاية ما تدلّ عليه أنّ ما هو المقصود من شرعيّة النافلة يتحقّق مع الجلوس و هو غير مناف لأفضليّة غيره. و الحاصل أنّها لا تدلّ على أزيد من ثبوت فضيلة للجلوس لا أفضليّته، و لعلّ ذكره لأنّ هذا القدر من الفضيلة كاف في المقصود من النافلة و الزائد فضل آخر.

و البواقي: بأنّه إذا كانت الركعتان من قيام بدل الركعتين من جلوس المحسوبتين بركعة يصحّ إطلاق الركعة و الوتر عليهما مجازا.

و يجاب عن الأوّل: بأنّه إنّما يفيد لو ثبت أفضليّة الغير بل توقيفه.

و الثاني: بأنّ صحة التجوّز لا تدلّ على وقوعه.

و الثاني صريح الروضة «2»، و والدي في المعتمد، و نفى المحقّق الأردبيلي عنه البعد «3»، و مال إليه في الحدائق «4»، لصحيحة الحارث النصريّ على ما في التهذيب: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «صلاة النهار ستّ عشرة ركعة: ثمان إذا زالت الشمس و ثمان بعد الظهر، و أربع ركعات بعد المغرب. يا حارث، لا تدعهنّ في سفر و لا في حضر، و

ركعتان بعد العشاء الآخرة كان أبي يصلّيهما و هو قاعد، و أنا أصلّيهما و أنا قائم» «5».

______________________________

(1) علل الشرائع: 330- 1، الوسائل 4: 96 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 29 ح 8 مع تفاوت يسير.

(2) الروضة 1: 169.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 2: 6.

(4) الحدائق 6: 62.

(5) التهذيب 2: 4- 5 و 9- 16، الوسائل 4: 48 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 417

دلّت على مواظبة الإمام عليه السلام على القيام و هي آية الأفضليّة. و لا يعارضه فعل أبيه، لأنّه كان يصلّي جميع النوافل جالسا، كما نطقت به الأخبار [1].

و لموثّقة سليمان بن خالد: «صلاة النافلة ثماني ركعات حين تزول الشمس» إلى أن قال: و ركعتان بعد العشاء الآخرة يقرأ فيهما مائة آية قائما أو قاعدا، و القيام أفضل، و لا تعدّهما من الخمسين» «1».

و لعمومات أفضليّة القيام في الصلاة على القعود «2».

و يضعّف الأوّل: بأنّه معارض مع رواية البزنطيّ المتقدّمة الدالّة على مواظبة أبي الحسن عليه السلام على القعود فيهما «3». بل هذه بالتمسّك بها على أفضليّة الجلوس أحرى، لمعارضة الاولى مع رواية الحجّال السابقة الدالّة على مواظبة أبي عبد اللَّه عليه السلام أيضا على الجلوس «4»، الموجبة لتساقطهما، و خلوّ فعل أبي الحسن عليه السلام عن المعارض.

بل هنا كلام آخر و هو أنّ المستفاد من رواية الحجّال أنّ أبا عبد اللَّه عليه السلام كان يصلّي بعد العشاء ركعتين أخريين غير الوتيرة أيضا، و تصرّح به صحيحة ابن سنان: رأيته- يعني أبا عبد اللَّه- يصلّي بعد العتمة أربع ركعات «5».

فلعلّ هاتين الركعتين أيضا اللتين كان يصلّيهما من قيام كانتا غير الوتيرة، و هو

وجه الجمع بين صحيحة الحارث و رواية الحجّال.

______________________________

[1] منها خبر حنّان بن سدير. انظر: الوسائل 5: 491 أبواب القيام ب 4 ح 1.

______________________________

(1) التهذيب 2: 5- 8، الوسائل 4: 51 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 16.

(2) انظر: الوسائل 5: 492 أبواب القيام ب 4 ح 3، و رواها في الفقيه 1: 342- 1513.

(3) راجع ص 414.

(4) راجع ص 415.

(5) التهذيب 2: 6- 9، الاستبصار 1: 219- 775، الوسائل 4: 60 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 418

و منه يظهر ضعف التمسّك بالموثّقة أيضا، بل اتّحاد الركعتين اللتين جعل القيام فيهما أفضل فيها مع ما كان يضمّهما مع الركعتين من جلوس أظهر، بقرينة قراءة مائة آية فيهما و عدم احتسابهما من الركعتين- كما صرّح به في الموثّقة و في رواية الحجّال- و لا أقلّ من الاحتمال المساوي فيسقط الاستدلال.

و من ذلك يظهر القدح في تجويز القيام فيهما أيضا، إذ لا مجوّز له إلّا الصحيحة و الموثّقة، و بعد ما عرفت من عدم دلالتهما يبقى جواز القيام بلا دليل.

و لتوقيفيّة العبادة و عدم توقيف الركعتين إلّا جالسا لا يكون القيام فيهما جائزا. و هو الأقوى، كما هو ظاهر الأكثر أيضا حيث قيّدوهما بالجلوس من غير تجويز القيام، خلافا للجامع و الشهيد «1»، فصرّحا بجواز القيام لبعض ما عرفت ضعفه.

و أمّا ما ذكر أخيرا من عمومات أفضليّة القيام في الصلاة ففيه: منع ما دلّ بعمومه على أنّ القيام في كلّ صلاة أفضل، بل غاية ما ثبت من الأخبار أنّ صلاة القائم أفضل من صلاة القاعد، و هو لا يدلّ على جواز القيام أو أفضليّته في كلّ

صلاة.

ثمَّ الأفضل تأخير هاتين الركعتين عن التعقيب، للتوقيع المتقدّم «2». بل عن كلّ تنفّل يتنفل به بعد العشاء، لتصريح جماعة من العلماء به «3»، و هو كاف في مقام الاستحباب.

و يستحبّ أن يقرأ فيهما بالواقعة و التوحيد، لصحيحة ابن أبي عمير «4» و رواية عبد الخالق «5».

و في فلاح السائل عن أبي جعفر الثاني: «من قرأ سورة الملك في ليلته فقد

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 111، الشهيد في الدروس 1: 136.

(2) في ص 412 الرقم 3.

(3) كالمفيد في المقنعة: 118، و الشهيد الثاني في الروضة 7: 170.

(4) التهذيب 2: 116- 433، الوسائل 6: 112 أبواب القراءة في الصلاة ب 45 ح 1.

(5) التهذيب 2: 295- 1190، الوسائل 6: 112 أبواب القراءة في الصلاة ب 45 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 419

أكثر و أطاب و لم يكن من الغافلين، و إنّي لأركع بها بعد العشاء و أنا جالس» «1».

و يستشمّ منها أنّه كان يقرأ فيها في الوتيرة.

المسألة الرابعة: لا خلاف بيننا في جواز فصل واحدة الوتر عن ركعتي الشفع،

و حكاية الإجماع عليه متكرّرة «2»، و رواياتنا عليه مستفيضة كصحيحتي الحنّاط «3»، و روايتي عليّ بن أبي حمزة «4»، و غيرهما.

و منها ما يدلّ على رجحانه كموثّقة سليمان بن خالد: «الوتر ثلاث ركعات تفصل بينهنّ و تقرأ فيهن جميعا بقل هو اللَّه أحد» «5».

بل منها ما يدلّ على تعيّنه، كصحاح أبي بصير، و سعد و ابن عمّار، الاولى:

«الوتر ثلاث ركعات ثنتين مفصولة و واحدة» «6».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 5    419     المسألة الرابعة: لا خلاف بيننا في جواز فصل واحدة الوتر عن ركعتي الشفع، ..... ص : 419

الثانية: عن الوتر أ فصل أم وصل؟ قال: «فصل» «7».

______________________________

(1) فلاح السائل: 259.

(2) انظر: الخلاف 1: 531،

و المنتهى 1: 195، و كشف اللثام 1: 154.

(3) الأولى: الكافي 3: 449 الصلاة ب 89 ح 29، التهذيب 2: 127- 487، الاستبصار 1:

348- 1313، الوسائل 4: 62 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 1.

الثانية: التهذيب 2: 128- 489، الوسائل 4: 64 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 8.

(4) الاولى: التهذيب 2: 128- 490، الوسائل 4: 65 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 14.

الثانية: التهذيب 2: 128- 493، الوسائل 4: 65 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 13.

(5) التهذيب 2: 127- 484، الاستبصار 1: 348- 1310، الوسائل 4: 64 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 9.

(6) التهذيب 2: 127- 485، الاستبصار 1: 348- 1311، الوسائل 4: 64 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 10.

(7) التهذيب 2: 128- 492، الاستبصار 1: 348- 1314، الوسائل 4: 65 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 420

و الثالثة: «اقرأ في الوتر في ثلاثتهنّ بقل هو اللَّه أحد و سلّم في الركعتين، توقظ الراقد و تأمر بالصلاة» «1».

كما ذهب إليه جماعة، بل ظاهر التهذيب و المعتبر و التذكرة إجماعنا عليه «2».

خلافا لطائفة من المتأخرين منهم: المدارك و المفاتيح و الحدائق و الفاضل الهندي «3»، فجوّزوا الوصل أيضا، لصحيحتي يعقوب بن شعيب و ابن عمّار: في ركعتي الوتر: «إن شئت سلّمت، و إن شئت لم تسلّم» «4».

و الرضوي: «الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة مثل صلاة المغرب، و روي أنّه واحد و يوتر بركعة و يفصل ما بين الشفع و الوتر بسلام» «5».

و رواية كردويه: عن الوتر، فقال: «صله» «6».

و ردّ الأوليان:

بوجوه بعيدة، أقربها حمل التسليم فيهما على التسليم المستحبّ يعنى: السلام عليكم، لشيوع إطلاقه عليه في الأخبار و الفتاوي إطلاقا شائعا، بحيث يفهم منه كون الإطلاق عليه حقيقيا و على غيره مجازيّا.

و الأخريان: بالضعف.

و الأخيرة: باحتمال كون قوله «صله» بتشديد اللام أمرا من الصلاة.

و الجميع بالشذوذ، كما ذكره في المعتبر حيث قال بعد ذكر رواية التخيير:

و هي متروكة عندنا «7».

______________________________

(1) التهذيب 2: 128- 488، الوسائل 4: 64 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 7.

(2) التهذيب 2: 129، المعتبر 2: 14، التذكرة 1: 71.

(3) المدارك 3: 18، المفاتيح 1: 33، الحدائق 6: 43، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:

154.

(4) التهذيب 2: 129- 494 و 495، الاستبصار 1: 348- 1315 و 1316، الوسائل 4: 66 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 16 و 17.

(5) التهذيب 2: 129- 496، الاستبصار 1: 349- 1317، الوسائل 4: 66 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 18.

(6) فقه الرضا «ع»: 138.

(7) المعتبر 2: 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 421

أقول: ما ردّ به الأخيرتان و إن كان صحيحا و لكن شذوذ روايات التخيير عندنا غير معلوم، و ثبوته بقول بعض الآحاد غير واضح.

و صيرورة التسليم حقيقة في السلام عليكم غير ثابت، فحمله على حقيقته المعلومة متعيّن، و يلزمه جواز تركه بجميع أفراده لمكان النفي في قوله «و إن شئت لم تسلّم» فيدلّ على جواز التسليم.

إلّا أنّ هنا احتمالا آخر، و هو وجوب الفصل بقصد الخروج ثمَّ التكبير لمفردة الوتر على حدة و إن لم يجب التسليم بناء على عدم كونه جزءا من الصلاة مطلقا، بل كونه خارجا واجبا في الفريضة مستحبّا في النافلة، فلا يلزم

من التخيير فيه التخيير في الفصل أيضا. و على هذا يكون الفصل متعيّنا، لانحصار التوقيف فيه.

المسألة الخامسة [القراءة في ثلاث ركعات الوتر]

قد ورد فيما يقرأ في ثلاث ركعات الوتر روايات.

إحداها:

التوحيد في الثلاث، كما في صحيحة ابن سنان: عن الوتر ما يقرأ فيهنّ جميعا؟ قال: «بقل هو اللَّه أحد» قلت: ثلاثتهنّ؟ قال: «نعم» «1».

و الحارث بن المغيرة: «كان أبي يقول: قل هو اللَّه أحد ثلث القرآن، و كان يحبّ أن يجمعها في الوتر ليكون القرآن كلّه» «2».

و البجلي: «كان بيني و بين أبي باب، فكان إذا صلّى يقرأ في الوتر في ثلاثتهنّ بقل هو اللَّه أحد» «3».

و الحسين عن ابن أبي عمير عن أبي مسعود الطائيّ: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يجمع قل هو اللَّه أحد في الوتر لكي يجمع القرآن كلّه» «4».

الثانية:

المعوّذتين في الأوليين و التوحيد في الثالثة، كما في مرسلة الفقيه:

«من قرأ في الوتر بالمعوّذتين و قل هو اللَّه أحد قيل له: أبشر يا عبد اللَّه فقد قبل اللَّه

______________________________

(1) الكافي 3: 449 الصلاة ب 89 ح 30، الوسائل 6: 131 أبواب القراءة في الصلاة ب 56 ح 1.

(2) التهذيب 2: 127- 482، الوسائل 6: 131 أبواب القراءة في الصلاة ب 56 ح 3.

(3) التهذيب 2: 126- 481، الوسائل 6: 131 أبواب القراءة في الصلاة ب 56 ح 2.

(4) التهذيب 2: 124- 469، الوسائل 6: 129 أبواب القراءة في الصلاة ب 53 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 422

و ترك» «1».

و صحيحة يعقوب بن يقطين: عن القراءة في الوتر و قلت: إنّ بعضا روى قل هو اللَّه أحد في الثلاث، و بعضا روى المعوّذتين و في الثالثة قل هو اللَّه أحد، فقال: «اعمل بالمعوّذتين و

قل هو اللَّه أحد» «2» الحديث.

الثالثة:

ما رواه أبو الجارود: «كان عليّ عليه السلام يوتر بتسع سور» «3».

قيل: لعلّه كان يقرأ في كلّ من الثلاث بكلّ من الثلاث، و يحتمل تثليث التوحيد في كلّ منها.

الرابعة:

ما رواه الشيخ في المصباح: «إنّ النبي صلّى اللَّه عليه و آله كان يصلّي في الثلاث ركعات بتسع سور، في الأولى: ألهاكم التكاثر و إنّا أنزلناه و إذا زلزلت، و في الثانية: العصر و إذا جاء نصر اللَّه و إنّا أعطيناك، و في المفردة من الوتر: قل يا أيّها الكافرون و تبّت و قل هو اللَّه أحد» «4».

و يمكن حمل رواية أبي الجارود على ذلك.

و الخامسة:

ما ورد في فقه الرضا عليه السلام: «و تقرأ في ركعتي الشفع سبّح اسم ربّك، و في الثانية قل يا أيّها الكافرون، و في الوتر قل هو اللَّه أحد» «5».

و السادسة:

قراءة التوحيد ثلاثا في كلّ من الثلاث، و المعوّذتين أيضا في الثالثة، رواه في العيون، كما يأتي في المسألة الآتية «6».

و ذكر الشيخ في النهاية، و الحلّي في السرائر استحباب قراءة الملك و هل أتى على الإنسان في ركعتي الشفع «7».

______________________________

(1) الفقيه 1: 307- 1404، الوسائل 6: 132 أبواب القراءة في الصلاة ب 56 ح 8.

(2) التهذيب 2: 127- 483، الوسائل 6: 132 أبواب القراءة في الصلاة ب 56 ح 5.

(3) التهذيب 2: 337- 1390، الوسائل 6: 52 أبواب القراءة في الصلاة ب 8 ح 8.

(4) مصباح المتهجد: 132، الوسائل 6: 133 أبواب القراءة في الصلاة ب 56 ح 10.

(5) فقه الرضا «ع»: 138.

(6) انظر: ص 425.

(7) النهاية: 120، السرائر 1: 308.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 423

أقول: لا ريب في جواز العمل بالكلّ، بل قراءة

غير هذه السور، للإجماع على عدم التعيّن، و إنّما الكلام في الأفضل.

و لا ينبغي الريب في أفضليّة الاولى من غير الثانية، لأشهريّتها رواية و فتوى، و أصحيّة رواياتها، و أصرحيّتها، و التصريح في صحيحة الحارث بحبّ الإمام لها.

و لا في أفضليّة الثانية من الاولى، للتصريح بالأفضليّة في صحيحة ابن يقطين. فهي أفضل من الجميع، ثمَّ الاولى، ثمَّ البواقي من قراءة غير هذه السور.

و الأفضل الجمع بين الثانية و السادسة، لتضمّنه العمل بهما و بالأولى، و مراعاة الاحتياط فيما يسمّى وترا.

ثمَّ المستحبّ في الأوليين قراءة سورة الناس في الاولى و الفلق في الثانية، لأنّ الشيخ نسب ذلك في المصباح إلى الرواية، و ذكر في مفتاح الفلاح «1» عكس ذلك. و العمل بالرواية أولى. و لا يستحبّ جمعهما في كلّ من الركعتين بخصوصه، للأصل. و لا في ركعة واحدة دون الأخرى، له و للإجماع.

المسألة السادسة: الظاهر عدم الخلاف في استحباب القنوت في ثالثة الوتر،

و ذكره في كلام الأصحاب مشهور «2»، و الروايات به مستفيضة، عموما كصحيحة البجلي: عن القنوت، فقال: «في كلّ صلاة فريضة و نافلة» «3».

و رواية محمّد: «القنوت في كلّ صلاة في الفريضة و التطوّع» «4».

و مرسلة الفقيه: «القنوت في كلّ الصلوات» «5».

______________________________

(1) مصباح المتهجد: 132 و مفتاح الفلاح: 252.

(2) كما في الخلاف 1: 532، المعتبر 2: 25، المدارك 3: 19.

(3) الكافي 3: 339 الصلاة ب 31 ح 5، الوسائل 6: 263 أبواب القنوت ب 1 ح 8.

(4) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 15، الوسائل 6: 264 أبواب القنوت ب 1 ح 12.

(5) الفقيه 1: 208- 935، الوسائل 6: 261 أبواب القنوت ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 424

و خصوصا كصحيحة ابن سنان: «القنوت في المغرب في الركعة

الثانية، و في العشاء و الغداة مثل ذلك، و في الوتر في الركعة الثالثة» «1».

و لا في استحبابه فيها قبل الركوع بعد القراءة، و هو أيضا مدلول عليه بالأخبار العامّة كصحيحة ابن عمّار: «ما أعرف قنوتا إلّا قبل الركوع» «2».

و موثّقة سماعة: «و القنوت قبل الركوع و بعد القراءة» «3».

و الخاصّة كصحيحة يعقوب بن يقطين: عن القنوت في الوتر و الفجر و ما يجهر فيه قبل الركوع أو بعده، فقال: «قبل الركوع حين تفرغ من قراءتك» «4».

و مرسلة الفقيه: عن القنوت في الوتر، قال: «قبل الركوع» قال: فإن نسيت أقنت إذا رفعت رأسي؟ فقال: «لا» «5».

و إنّما الخلاف في موضعين:

أحدهما:

في ثانية الشفع، فالمشهور- كما يستفاد من كلام شيخنا البهائيّ في حواشي مفتاح الفلاح و بعض شرّاح المفاتيح- استحبابه فيها أيضا، للعمومات الاولى، مضافة إلى صحيحة الحارث بن المغيرة: «اقنت في كلّ ركعتين فريضة أو نافلة قبل الركوع» «6».

و زرارة: «القنوت في كلّ صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع» «7».

______________________________

(1) التهذيب 2: 89- 332، الاستبصار 1: 338- 1273، الوسائل 6: 267 أبواب القنوت ب 3 ح 2.

(2) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 13، الوسائل 6: 268 أبواب القنوت ب 3 ح 6.

(3) التهذيب 2: 89- 333، الاستبصار 1: 339- 1274، الوسائل 6: 267 أبواب القنوت ب 3 ح 3.

(4) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 14، الوسائل 6: 268 أبواب القنوت ب 3 ح 5.

(5) الفقيه 1: 312- 1421، الوسائل 6: 288 أبواب القنوت ب 18 ح 5.

(6) الكافي 3: 339 الصلاة ب 31 ح 4، الوسائل 6: 263 أبواب القنوت ب 1 ح 9.

(7) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 7،

التهذيب 2: 89- 330، الاستبصار 1: 338- 1271، الوسائل 6: 266 أبواب القنوت ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 425

و موثقة سماعة: عن القنوت في أيّ صلاة؟ فقال: «كلّ شي ء يجهر فيه بالقراءة فيه قنوت» «1».

و محمّد: «القنوت في كلّ ركعتين في التطوّع و الفريضة» «2».

و المرويّ في العيون: «يقوم فيصلّي ركعتي الشفع يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة و قل هو اللَّه أحد ثلاث مرّات، و يقنت في الثانية بعد القراءة، ثمَّ يقوم فيصلّي ركعة الوتر يقرأ فيها الحمد و قل هو اللَّه أحد ثلاث مرّات و قل أعوذ بربّ الفلق مرّة، و يقنت فيها قبل الركوع و بعد القراءة» «3».

و في بعض النسخ: «و المعوّذتان مرّة» و لعلّه الأصحّ.

و قيل بسقوطه فيها، و هو المصرّح به في كلام شيخنا البهائيّ في حواشي مفتاح الفلاح، و يظهر من المدارك و الذخيرة أيضا «4»، و اختاره في الحدائق «5».

لأنّ القنوت لكونه عبادة يجب توظيفها، و التوظيف في الصحيحة إنّما هو في المفردة.

و لصحيحة ابن سنان المتقدّمة، بتقريب أنّ تعريف المبتدأ يفيد الحصر، فيستفاد منها أنّ القنوت منحصر في الأربعة المذكورة فيها، على كون قوله: «في المغرب و في العشاء و في الوتر» خبرا.

أو أنّ القنوت في المغرب و العشاء منحصر في الثانية، و في الوتر- الذي هو اسم للثلاث- في الثالثة، على كون قوله: «في المغرب» و ما عطف عليه ظرفا لغوا، و كون قوله: «في الركعة الثانية و في الركعة الثالثة» خبرا.

و يؤيّده ما ورد في الأخبار المتكثّرة من أنّه عليه السلام كان يدعو في قنوت

______________________________

(1) التهذيب 2: 89- 333، الاستبصار 1: 339- 1274، الوسائل 6: 267 أبواب القنوت ب

3 ح 3.

(2) الفقيه 1: 312- 1416، الوسائل 6: 261 أبواب القنوت ب 1 ح 2.

(3) عيون أخبار الرضا «ع» 2: 180، الوسائل 4: 55 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 24.

(4) المدارك 3: 18 و 19، الذخيرة: 184.

(5) الحدائق 6: 39.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 426

الوتر بكذا، و يستغفر كذا، و يستحبّ فيه كذا «1». و لو كان في الثانية قنوت لم يحسن هذا الإطلاق، لأنّ الوتر اسم للثلاث، بل كان ينبغي التقييد و لو في بعضها بالقنوت الثاني.

و يرد على الأوّل: أنّ عدم التوظيف في الصحيحة بعد التوظيف في غيرها غير ضائر.

و على الثاني بتقريره الأوّل: أنّ المفهوم حينئذ يكون عامّا فيخصّص بما مرّ من النوافل، كما خصّ سائر النوافل و الفرائض.

و بتقريره الثاني: أنّ المفهوم حينئذ و إن كان خاصّا، حيث إنّه حينئذ أن لا قنوت في الوتر في غير الثالثة، و لكنّه يعارض خبر العيون المنجبر ضعفه لو كان بالعمل- مع كونه غير ضائر، لمقام التسامح- و الترجيح لرواية العيون، لمخالفتها العامّة. و لولاه أيضا لتساقطا و يرجع إلى العمومات المتقدّمة.

و أمّا ما أيّده ففيه: أنّه يمكن أن يكون استحباب الأمور المذكورة ثابتا في مطلق قنوت الوتر، فلذا أطلق.

و ثانيهما:

فيما بعد الركوع من الثالثة، فإنّه صرّح جماعة منهم: المعتبر، و المنتهى، و التذكرة، و التحرير، و الروضة باستحباب القنوت فيه أيضا «2». و في الثاني: لا أعرف فيه خلافا «3».

و لكن يظهر من بعض هذه الكتب «4» أنّ المراد به الدعاء المأثور الذي أوّله:

«هذا مقام من حسناته نعمة منك» «5» إلى آخره، و صرّح بذلك في الذكرى، قال:

سمّى في المعتبر الدعاء بعد الركوع قنوتا «6».

______________________________

(1) انظر: الوسائل

6: 279 أبواب القنوت ب 10.

(2) المعتبر 2: 241، المنتهى 1: 299، التذكرة 1: 127، التحرير 1: 42، الروضة 1: 284.

(3) المنتهى 1: 299.

(4) كالمعتبر و المنتهى و التذكرة.

(5) الكافي 3: 325 الصلاة ب 25 ح 16، مستدرك الوسائل 4: 414 أبواب القنوت ب 16 ح 2.

(6) الذكرى: 184.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 427

و على هذا فمن أثبته هناك إن أراد مجرّد هذا الدعاء فلا كلام معه. و إن أراد معه غيره أيضا من رفع اليد إلى حيال الوجه، أو توظيف كلّ ما ورد في قنوت الوتر فلا دليل له، فإنّ المتيقّن من الأخبار أنّ ما قبل الركوع قنوت، فيكون كلّ ما ورد في القنوت فيه موظّفا، و أمّا شمول القنوت الوارد في الأخبار لذلك أيضا فغير ثابت.

المسألة السابعة: قالوا: يستحبّ في قنوت الوتر الدعاء للإخوان بأسمائهم، و أقلّهم أربعون.

ذكره الشيخ في المصباح «1»، و الشهيد في البيان و الذكرى «2»، و الكفعميّ «3»، و المدارك «4»، و غيرهم. و نقل في الذكرى عن ابن حمزة و بعض المصريّين من الشيعة أنّه يذكرهم من أصحاب النبيّ و الأئمة و يزيدهم ما شاء «5».

و الظاهر كفاية نقل هؤلاء الأعلام في إثبات الاستحباب و إن لم يذكروا عليه رواية.

و يستحبّ فيه الاستغفار سبعون مرّة، كما في الروايات المعتبرة، منها:

الصحاح الأربع لأبناء حازم «6»، و عمّار «7»، و يزيد «8»، و أبي يعفور «9». بل الزائد إلى

______________________________

(1) مصباح المتهجد: 136.

(2) البيان: 180، الذكرى: 115.

(3) مصباح الكفعمي: 53.

(4) المدارك 3: 20.

(5) الذكرى: 115.

(6) الكافي 3: 450 الصلاة ب 89 ح 33، التهذيب 2: 130- 500، الوسائل 6: 280 أبواب القنوت ب 10 ح 8.

(7) التهذيب 2: 130- 498، علل الشرائع: 364- 1، الوسائل 6: 280 أبواب القنوت ب

10 ح 7.

(8) الفقيه 1: 309- 1408، المحاسن: 53، الوسائل 6: 279 أبواب القنوت ب 10 ح 2، 3.

(9) الفقيه 1: 309- 1409، علل الشرائع: 364- 2، الوسائل 6: 279 أبواب القنوت ب 10 ح

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 428

مائة: للمرويّ في المصباح «1». و ذكر العفو ثلاثمائة مرّة، لمرسلة الفقيه «2».

و ظاهر الشيخين- الطوسيّ و الكفعميّ- تقديم الدعاء للإخوان ثمَّ الاستغفار ثمَّ العفو «3».

و لا بأس بالقول بهذا الترتيب، لقولهما، مع ما ورد في الأوّل من أنّ تقديمه على الدعاء معين على استجابته.

و ورد في صحيحة ابن أبي يعفور في الاستغفار نصب اليد اليسرى و العدّ باليمنى «4».

و قد يقال بذلك في غيره من الدعاء و العفو أيضا.

و فيه إشكال، سيّما مع ما ورد في مطلق القنوت و خصوص قنوت الوتر من استحباب رفع اليدين. و الظاهر أنّه الباعث على اقتصار شيخنا البهائي في مفتاح الفلاح في ذلك بالاستغفار.

و لو فعل ذلك في غيره أيضا لا بقصد استحبابه فلا محذور فيه.

المسألة الثامنة: قد صرّح جملة من الأصحاب بترك النافلة لعذر

«5»، و منه الهمّ و الغمّ.

و ليس مرادهم عدم استحبابها حينئذ، للإجماع على أنّ فاعلها مع ذلك آت بالمستحبّ مثاب. و لا أنّ بدون العذر لا يجوز تركها، للإجماع على الجواز أيضا.

بل المراد نقصان التأكيد الوارد في حقّها- حتّى إنّه جعل تركها معصية، تأكيدا في فعلها- و أقليّة المطلوبيّة حينئذ.

و هو كذلك، لما في الرواية: «إنّ للقلوب إقبالا و إدبارا، فإذا أقبلت

______________________________

(1) مصباح المتهجد: 136.

(2) الفقيه 1: 310- 1411، الوسائل 6: 280 أبواب القنوت ب 10 ح 5.

(3) مصباح المتهجد: 136، مصباح الكفعمي: 53.

(4) راجع الهامش (9) من الصفحة السابقة.

(5) كما في الذكرى: 116، و الحدائق 6: 50.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 5، ص: 429

فتنفّلوا، و إذا أدبرت فعليكم بالفريضة» «1».

و المرويّ في النهج: «إنّ للقلوب إقبالا و إدبارا، فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل، و إذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض» «2».

و في رواية عليّ بن أسباط: إنّ أبا الحسن عليه السلام إذا اغتمّ ترك النافلة «3».

و نحوه روي عن الرضا عليه السلام «4».

المسألة التاسعة [استحباب ركعتي الغفيلة]

صرّح جماعة من الأصحاب [1] باستحباب ركعتين بين المغرب و العشاء و تسمى ركعتي الغفيلة، يقرأ بعد الحمد في الأولى وَ ذَا النُّونِ الآيتين «5»، و في الثانية وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ الآية «6»، و يقنت فيها بما يأتي.

و يدلّ عليه ما رواه الشيخ في المصباح: «من صلّى بين العشاءين بركعتين يقرأ في الأولى الحمد و قوله تعالى وَ ذَا النُّونِ ، إلى وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ، و في الثانية الحمد و قوله وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ - الآية- فإذا فرغ من القراءة رفع يديه و قال: اللّهم إنّي أسألك بمفاتح الغيب الّتي لا يعلمها إلّا أنت أن تصلّي على محمّد و آل محمّد و أن تفعل بي كذا و كذا، و يقول: اللّهم أنت وليّ نعمتي و القادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بمحمّد و آله عليه و عليهم السلام لمّا قضيتها لي، و سأل اللَّه حاجته، أعطاه اللَّه ما سأل» «7».

______________________________

[1] كالشهيد في الذكرى: 116، و صاحب الحدائق 6: 68.

______________________________

(1) الكافي 3: 454 الصلاة ب 90 ح 16، الوسائل 4: 69 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 16 ح 8.

(2) نهج البلاغة 3: 228- 312، الوسائل 4: 70 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 16 ح 11.

(3) الكافي 3: 454 الصلاة ب 90 ح 15، التهذيب 2: 11- 24، الوسائل 4: 68

أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 16 ح 5، و في الجميع «إذا اهتمّ».

(4) التهذيب 2: 11- 23، الوسائل 4: 68 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 16 ح 4.

(5) سورة الأنبياء 21: 87- 88.

(6) سورة الأنعام 6: 59.

(7) مصباح المتهجد: 94، الوسائل 8: 121 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 20 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 430

و روى مثله السيد ابن طاوس في فلاح السائل و زاد: «فإنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال: لا تتركوا ركعتي الغفيلة و هما ما بين العشاءين» «1».

و روي في الفقيه مرسلا، و في العلل مسندا موثّقا أنّه «قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: تنفّلوا في ساعة الغفلة و لو بركعتين خفيفتين، فإنّهما تورثان دار الكرامة».

قال: و في خبر آخر: «دار السلام و هي الجنة، و ساعة الغفلة ما بين المغرب و العشاء الآخرة» «2».

و مثله في التهذيب و زاد: «قيل: يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و ما ساعة الغفلة؟ قال: ما بين المغرب و العشاء» «3».

و رواها في فلاح السائل أيضا و زاد: «و قيل: يا رسول اللَّه و ما معنى خفيفتين؟ قال: تقرأ فيهما الحمد وحدها، قيل: يا رسول اللَّه متى أصلّيهما؟ قال:

ما بين المغرب و العشاء» «4».

و لا يخفى أنّ المستفاد من رواية الفقيه و ما بعدها استحباب التنفّل في ساعة الغفلة، و أنّ فرده الأدنى ما يقتصر فيه على الحمد، و لا يثبت منها استحباب الزائد عن أربع المغرب. و كما يستفاد من الذكرى جواز الاقتصار في ركعتي الغفيلة على الحمد أيضا و هو فرده الأدنى «5». و هذا لا خفاء فيه.

و كذا في جواز جعل

ركعتي الغفيلة ركعتين من الأربع، لجواز الإتيان بالأربع بهذه الكيفية إجماعا، و يصدق على الفاعل حينئذ أنّه صلّى بين العشاءين كذا.

______________________________

(1) فلاح السائل: 245، مستدرك الوسائل 6: 303 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 15 ح 3.

(2) الفقيه 1: 357- 1564، العلل: 343- 1.

(3) التهذيب 2: 243- 963، الوسائل 8: 120 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 20 ح 1.

(4) فلاح السائل: 245، 248، مستدرك الوسائل 6: 302 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 15 ح 2.

(5) الذكرى: 116.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 431

و أمّا تقييده بالزائد على الأربع فلا دليل عليه، و ثبوت نوع من الثواب لكيفيّة في الأربع كقراءة التوحيد لا ينافي ثبوت نوع آخر منه لكيفيّة أخرى، كما في قراءة السور في فريضة خاصّة.

و إنّما الخفاء في وجوب جعلهما منها- و لو على القول بجواز الإتيان بغير الرواتب في وقت الفرائض- بناء على توقيفيّة العبادة و عدم دلالة على كونهما غير الأربع، فيقتصر في التوقيف على المتيقن، و عدمه.

و الثاني هو الأظهر، لقوله: «من صلّى بين العشاءين» إلى آخره، فإنّه يشمل بعمومه من صلّى الأربع أيضا، و يجزي في غيره بالإجماع المركّب.

المسألة العاشرة: يجوز الجلوس في النوافل كلّها و لو اختيارا،
اشارة

بالإجماع المحقّق و المحكيّ في المعتبر و المنتهى و التذكرة و الإيضاح و البيان و المدارك «1»، و غيرها. و هو الحجّة في المقام، مضافا إلى الأصل و المستفيضة كروايتي سدير «2»، و ابن ميسرة «3»، و حسنة سهل «4»، و غيرها.

و خلاف الحلّي شاذّ «5»، و تخصيصه المجوّز بالنهاية غريب.

و الأفضل أن يصلّي قائما، لظواهر المستفيضة و صريح المرويّ في العلل و العيون: «صلاة القاعد على نصف صلاة القائم» «6».

______________________________

(1) المعتبر 2: 23، المنتهى 1: 197، التذكرة 1: 75، الإيضاح

1: 100، البيان: 152، المدارك 3:

25.

(2) الكافي 3: 410 الصلاة ب 69 ح 1، التهذيب 2: 169- 674، الوسائل 5: 491 أبواب القيام ب 4 ح 1.

(3) الفقيه 1: 238- 1050، التهذيب 2: 170- 678، الوسائل 5: 502 أبواب القيام ب 11 ح 3.

(4) الفقيه 1: 238- 1047، التهذيب 3: 232- 601، الوسائل 5: 491 أبواب القيام ب 4 ح 2.

(5) السرائر 1: 309.

(6) العلل: 262، العيون 2: 107، الوسائل 5: 493 أبواب القيام ب 5 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 432

أو يقوم في آخر السورة و يتمّها و يركع، لصحيحتي الحمّادين «1»، و موثّقة زرارة «2».

أو يضعّف الركعات، فإنّه أيضا من المستحبّ، كما صرّح به المفيد «3»، و الفاضلان في المعتبر و التذكرة و القواعد «4»، و الشهيد في البيان «5»، لروايتي الصيقل «6»، و محمّد «7»، و المرويّ في كتاب عليّ: عن المريض إذا كان لا يستطيع القيام كيف يصلّي؟ قال: «يصلّي النافلة و هو جالس و يحسب كلّ ركعتين بركعة، و أمّا الفريضة فيحسب كلّ ركعة بركعة و هو جالس إذا كان لا يستطيع القيام» «8».

و في قرب الإسناد: عن رجل يصلّي نافلة و هو جالس من غير علّة كيف تحسب صلاته؟ قال: «ركعتين بركعة» «9».

و وروده في الاولى و إن كان بالأمر الدالّ على الوجوب، إلّا أنّ الإجماع على عدم وجوب الإتيان بتمام العدد في النوافل ينفيه، مضافا إلى صحيحة أبي بصير:

إنّا نتحدّث نقول: من صلّى و هو جالس من غير علة كانت صلاته ركعتين بركعة

______________________________

(1) الأولى: التهذيب 2: 170- 676، الوسائل 5: 498 أبواب القيام ب 9 ح 3.

الثانية: الفقيه 1: 238- 1046، التهذيب 2: 295- 1188،

الوسائل 5: 498 أبواب القيام ب 9 ح 2.

(2) الكافي 3: 411 الصلاة ب 69 ح 8، التهذيب 2: 170- 675، الوسائل 5: 498 أبواب القيام ب 9 ح 1.

(3) المقنعة: 142.

(4) المعتبر 2: 23، التذكرة 1: 75، القواعد 1: 31.

(5) البيان: 152.

(6) التهذيب 2: 166- 656، الاستبصار 1: 293- 1081، الوسائل 5: 493 أبواب القيام ب 5 ح 4.

(7) التهذيب 2: 166- 655، الاستبصار 1: 293- 1080، الوسائل 5: 493 أبواب القيام ب 5 ح 3.

(8) مسائل علي بن جعفر: 171- 294، الوسائل 5: 493 أبواب القيام ب 5 ح 5.

(9) قرب الاسناد: 209- 818، الوسائل 5: 494 أبواب القيام ب 5 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 433

و سجدتين بسجدة، فقال: «ليس هو هكذا، هي تامّة لكم» «1».

و ظاهرها كون التمام للشيعة تفضّليا، فلا ينافي أفضليّة القيام- الثابتة مع النصوص بالإجماع- و كونه أكثر ثوابا بالاستحقاق، و نريد ذلك بالتفضيل.

فرعان:

أ: يستحبّ التربّع للمصلّي جالسا حال القراءة، و ثني الرجلين حال الركوع، بالإجماع كما في المنتهى «2»، و تدلّ عليه أيضا موثّقة حمران: «كان أبي إذا صلّى جالسا تربّع فإذا ركع ثنى رجليه» «3».

و قد مضى تفسيرهما «4».

ب: لا يجوز الاضطجاع و لا الاستلقاء، على الأصحّ الأشهر، لتوقيفيّة العبادة، و عدم النقل، و لا معلومية صدق الصلاة عليه حينئذ و إن صدق في الجملة معه.

خلافا للإيضاح «5»، لدليل عليل.

المسألة الحادية عشرة: سقوط نوافل الظهرين في السفر
اشارة

كعدم سقوط نوافل المغرب و الفجر و إحدى عشرة ركعة الليل و الوتر إجماعي، مدلول عليه بالمعتبرة المستفيضة التي يأتي ذكر بعضها.

و في ركعتي الوتيرة قولان:

السقوط، و هو للأكثر، بل في السرائر، و المنتهى، و عن الغنية: الإجماع

______________________________

(1) الكافي 3: 410 الصلاة ب 69 ح 2، الفقيه 1: 238- 1048، التهذيب 2: 170- 677، الوسائل 5: 492 أبواب القيام ب 5 ح 1.

(2) المنتهى 1: 197.

(3) الفقيه 1: 238- 1049، التهذيب 2: 171- 679، الوسائل 5: 502 أبواب القيام ب 11 ح 4.

(4) راجع ص 65.

(5) إيضاح الفوائد 1: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 434

عليه «1»، للعمومات المستفيضة كصحاح حذيفة، و ابن سنان، و أبي بصير:

«الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء» «2».

و زاد في الثانية: «إلّا المغرب» «3».

و في الثالثة مع ذلك: «فإنّ بعدها أربع ركعات لا تدعهنّ في حضر و لا سفر، و ليس عليك قضاء صلاة النهار، و صلّ صلاة الليل و اقضه» «4».

و موثّقة سماعة: عن الصلاة في السفر، فقال: «ركعتين ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء، إلّا أنّه ينبغي للمسافر أن يصلّي بعد المغرب أربع ركعات، و ليتطوّع بالليل ما شاء» «5» الحديث.

و رواية التمّار: «إنّما

فرض اللَّه على المسافر ركعتين لا قبلهما و لا بعدهما شي ء، إلّا صلاة الليل على بعيرك حيث توجّه بك» «6».

و تدلّ عليه أيضا العلة المصرّحة بها في رواية أبي يحيى: عن صلاة النافلة بالنهار في السفر، فقال: «يا بنيّ لو صلحت النافلة في السفر لتمّت الفريضة» «7».

و عدمه، و هو للشيخ في النهاية «8»، و ظاهر الصدوق في الفقيه و العلل

______________________________

(1) السرائر 1: 194، المنتهى 1: 195، الغنية (الجوامع الفقهية): 564.

(2) التهذيب 2: 14- 34، المحاسن: 371، الوسائل 4: 81 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21 ح 2.

(3) التهذيب 2: 13- 31، الاستبصار 1: 220- 778، الوسائل 4: 82 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21 ح 3. و في الجميع: «إلّا المغرب ثلاث».

(4) الكافي 3: 439 الصلاة ب 87 ح 3، التهذيب 2: 14- 36، الوسائل 4: 83 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21 ح 7.

(5) الكافي 3: 439 الصلاة ب 87 ح 1، الوسائل 4: 87 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 24 ح 4.

(6) الفقيه 1: 284- 1292، التهذيب 2: 16- 43، الوسائل 4: 84 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 22 ح 3.

(7) الفقيه 1: 285- 1293، تهذيب 2: 16- 44، الاستبصار 1: 221- 780، الوسائل 4: 82 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21 ح 4.

(8) النهاية: 57.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 435

و الأمالي «1»، بل في الأخير أنّه من دين الإماميّة. و هو صريح الفضل بن شاذان، كما يظهر من باب الثالث و الثلاثين من العيون «2»، و قوّاه في الذكرى و الروضة «3»، و استجوده في المدارك «4»، و اختاره في الحدائق «5»، و

هو الظاهر من بعض مشايخ والدي رحمه اللَّه [1].

و هو الحقّ، للأصل، و ما رواه في الفقيه و العلل و العيون: «و إنّما ترك تطوّع النهار و لم يترك تطوّع الليل لأنّ كل صلاة لا يقصر فيها لا يقصر في تطوعها، و ذلك أنّ المغرب لا يقصر فيها فلا يقصر فيما بعدها من التطوّع، و كذلك الغداة لا يقصر فيما قبلها من التطوّع، و إنّما صارت العتمة مقصورة و ليس يترك ركعتيها لأنّ الركعتين ليستا من الخمسين، و إنّما هي زيادة في الخمسين تطوّعا ليتمّ بها بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوّع» «6».

و في الفقه الرضويّ: «و النوافل في السفر أربع ركعات» إلى أن قال:

«و ركعتان بعد العشاء الآخرة من جلوس» «7».

و ضعف سند الاولى- كما قيل «8»- ممنوع، إذ ليس فيه من يتوقّف فيه إلّا عبد الواحد بن عبدوس و عليّ بن محمّد بن قتيبة، و هما من مشايخ الإجازة فلا يضرّ عدم توثيقهما. و لو سلّم فبعد وجوده في الأصول المذكورة غير ضائر.

______________________________

[1] الظاهر أنّه الوحيد البهبهاني، انظر: حاشية المدارك (المدارك بالطبع الحجري): 115.

______________________________

(1) الفقيه 1: 290، العلل: 267، الأمالي: 514.

(2) العيون 2: 112 قد ذكر علل الفضل بن شاذان في الباب الرابع و الثلاثين من العيون، فراجع.

(3) الذكرى: 113، الروضة 1: 171.

(4) المدارك 3: 27.

(5) الحدائق 6: 46.

(6) الفقيه 1: 290- 1320، العلل: 267، العيون 2: 112، الوسائل 4: 87 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 24 ح 5.

(7) فقه الرضا «ع»: 100، مستدرك الوسائل 3: 63 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 22 ح 1.

(8) انظر: المدارك 3: 27.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 436

و لو قطع النظر

عنه أيضا فللتسامح في أدلّة السنن لا ضير فيه.

و القول بأنّه إنّما هو حيث لا يحتمل التحريم- كما في المقام- للزوم التشريع، و إلّا فلا تسامح قولا واحدا «1».

كلام خال عن التحصيل، كيف؟! و جميع أدلّة التسامح جارية فيه، و لولاه لما كان تسامح في شي ء من العبادات إذ كلّها ممّا يستلزم التشريع، مع أنّ هذا ممّا أورده النافون للتسامح على مثبتية، و أجابوا عنه بأنّ بعد دلالة الأدلّة على التسامح لا يلزم التشريع المحرّم. فدعوى الإجماع على عدم التسامح في مثله من أغرب الدعاوي. كدعوى شذوذ الأخبار الدالّة على عدم السقوط لندرة القائل، فإنّ بعد فتوى مثل الفضل و الصدوق و الشيخ من قدماء الأصحاب، و دعوى أنّه من دين الإمامية الظاهرة في اشتهاره في الصدر الأوّل، و ذهاب جمع من المتأخّرين إليه، و تردّد طائفة منهم في المسألة كالفاضلين في النافع و التحرير «2»، و المقداد «3»، و الصيمريّ «4»، بل نسب إلى التذكرة و الجامع أيضا «5»، كيف ينسب الخبر إلى الشذوذ؟! فلا تأمّل في حجيّته في المقام.

سيّما مع تأيّده بصحيحة محمّد: عن الصلاة تطوّعا في السفر، قال: «لا تصلّ قبل الركعتين و لا بعدهما شيئا نهارا» «6».

بل هي أيضا تدلّ على عدم السقوط، لأنّ الظاهر كون القيد بعد الإطلاق في السؤال احترازيّا.

و يتأيّد أيضا بما مرّ من الأخبار الدالّة على كون الوتيرة عوض الوتر يقدم

______________________________

(1) انظر: الرياض 1: 100.

(2) المختصر النافع: 21، التحرير 1: 26.

(3) التنقيح الرائع 1: 163.

(4) حكاه عنه في الرياض 1: 100.

(5) التذكرة 1: 71، الجامع للشرائع: 59.

(6) التهذيب 2: 14- 32، الوسائل 4: 81 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 5، ص: 437

عليها من يخاف فوتها «1»، و الوتر لا تترك في السفر فكذا عوضها.

فلم يبق إلّا تعارض هذه الأخبار مع ما سبق من أخبار السقوط، و لا شكّ في ترجيح هذه، لكونها خاصّة و أخبار السقوط عامّة.

و ترجيح الثانية باعتضادها بالشهرة و الإجماع المنقول لا يكافئ الخصوصيّة، سيّما مع معارضة نقل الإجماع مع مثله، بل أقوى منه، لكونه أقرب إلى المعصوم و أظهر في الدلالة، و اعتضاد الأولى أيضا بالاستصحاب، و بعمومات المستفيضة المثبتة لهاتين الركعتين مطلقا، مع أنّها أيضا بنفسها معارضة لعمومات السقوط بالعموم من وجه موجبة للرجوع إلى الاستصحاب لو لا الترجيح.

هذا كله مع ما في كثير من أخبار السقوط من ضعف الدلالة، فإنّ قوله:

«الصلاة في السفر» في صحيحة أبي بصير و موثّقة سماعة «2» و إن كان عامّا، إلّا أنّ قوله في الاولى: «و صلّ صلاة الليل» الظاهر فيما يقابل صلاة النهار بقرينة قوله:

«و ليس عليك قضاء صلاة النهار» و في الثانية: «و ليتطوّع بالليل ما شاء» ممّا يعارض هذا العموم و يصلح قرينة للتخصيص، و الحمل على العموم في مثل ذلك غير ثابت، و كذا في رواية التمّار.

مع أنّ هاهنا كلاما آخر و هو: أنّ الظاهر من الأخبار و الفتاوي أنّ الساقط هو نافلة الصلاة فإنّ المراد من قوله «ليس قبلهما و لا بعدهما» أنّه ليس من نافلتهما لا من مطلق النافلة، و إلّا فقبل العشاء لا تسقط ركعات المغرب، و الوتيرة ليست نافلة لصلاة العشاء- و إن أضيفت إليها في بعض الأحاديث حيث يكفي أدنى ملابسة فيها- و تدلّ عليه رواية الفقيه و العلل المتقدّمة «3»، و ما دلّ على كونها عوضا للوتر، و أنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه

و آله كان لا يفعلها لذلك، و الأخبار المصرّحة بأنّها لا تعدّ

______________________________

(1) انظر: الوسائل 4: 45 و 96 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 2 و ب 29 ح 8.

(2) المتقدمة ص 434.

(3) في ص 435.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 438

من الخمسين «1». و على هذا فلا تعارض بين أخبار عدم السقوط و بين ما سبق أيضا.

فروع:

أ:

سقوط ما يسقط من النوافل في السفر عزيمة، كما يدلّ عليه نفي صلاحيتها في رواية الحنّاط المرادف للفساد «2»، و نفي أصلها الدالّ على انتفاء التوقيف في العمومات «3».

و ليس في النصوص الدالّة على جواز قضاء النوافل النهاريّة في الليل «4»- لو تمّت دلالتها عليه- دلالة على مشروعيّتها نهارا، حتّى يجعل دليلا على أنّ المراد بالسقوط الرخصة و رفع [1] تأكّد الاستحباب.

ب:

من صلّى العشاء في وطنه و سافر بعده فهل يجوز له أن يصلّي الوتيرة في السفر على القول بسقوطها أم لا؟ و من صلّاها في السفر ثمَّ دخل الوطن هل يجوز له الوتيرة في الوطن أم لا؟

و كذا من دخل عليه [الوقت ] [2] في الوطن و أراد السفر و الإتيان بصلاة الظهر في السفر هل يجوز له الإتيان بنافلة الظهر في الوطن أم لا؟ و لو أخّر المسافر الذي صلّى الظهر في السفر صلاة عصره إلى دخول الوطن فهل يجوز له أن يصلّي نوافل العصر في السفر؟.

ظاهر عمومات: «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء» «5» أنّ كلّ ما يقصر ليس قبله و لا بعده شي ء سواء كان وقت النافلة حاضرا أو مسافرا،

______________________________

[1] في «س» و «ح»: دفع.

[2] أضفناه لاستقامة المتن.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 4: 94 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها

ب 29.

(2) راجع ص 434، رواية أبي يحيى.

(3) انظر: الوسائل 4: 81 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21.

(4) انظر: الوسائل 4: 84 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 22.

(5) انظر: الوسائل 4: 81 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 439

و أنّ كلّ ما لا يقصر يجوز نافلته و إن كان وقت النافلة في السفر.

إلّا أنّ موثّقة عمّار تدلّ على غير ذلك و هي أنّه: سئل: إذا زالت الشمس و هو في منزله ثمَّ يخرج في سفر؟ قال: «يبدأ بالزوال فيصلّيها ثمَّ يصلّي الاولى بتقصير ركعتين، لأنّه خرج من منزله قبل أن تحضر الاولى» و سئل: فإن خرج بعد ما حضرت الاولى؟ قال: «يصلّي أربع ركعات ثمَّ يصلّي بعده النوافل ثماني ركعات، لأنّه خرج من منزله بعد ما حضرت الأولى، فإذا حضرت العصر صلّى العصر بتقصير» «1».

و مضمونها هو المشهور، بل نسبه بعض مشايخنا إلى الأصحاب، و عليه الفتوى. فيجوز لمن أدرك وقت النافلة في الحضر فعلها أداء و قضاء و لو أخّر الفريضة إلى السفر أو قدّمها في السفر.

ج:

ظاهر الأخبار عدم سقوط النوافل في الأماكن الأربعة الشريفة، لاختصاص قوله: «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء» بغيرها قطعا.

فتبقى عمومات النوافل سليمة عن المعارض، بل معاضدة بغيرها أيضا كصحيحة عليّ بن مهزيار: «قد علمت- يرحمك اللَّه- فضل الصلاة في الحرمين على غيرها، فأنا أحبّ لك إذا دخلتهما أن لا تقصر و تكثر فيهما من الصلاة» «2».

و رواية عليّ بن حديد: عن الصلاة في الحرمين، قال: «صلّ النوافل ما شئت» «3».

و المرويّ في كامل الزيارة في المسافر قال: «صلّ في المسجد الحرام ما شئت

______________________________

(1) التهذيب 2:

18- 49، الاستبصار 1: 222- 785، الوسائل 4: 85 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 23 ح 1.

(2) الكافي 4: 525 الحج ب 95 ح 8، التهذيب 5: 428- 1487، الاستبصار 2:

333- 1183، الوسائل 8: 525 أبواب صلاة المسافر 25 ح 4.

(3) التهذيب 5: 426- 1483، الاستبصار 2: 331- 1179، الوسائل 8: 533 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 440

تطوّعا، و في مسجد الرسول ما شئت تطوّعا، و عند قبر الحسين عليه السلام، فإنّي أحبّ ذلك» و عن الصلاة عند قبر الحسين عليه السلام تطوّعا، قال: «نعم، ما قدرت عليه» «1».

و ينبّه على الجواز أيضا ما مرّ من قوله: «لو صلحت النافلة لتمّت الفريضة» «2».

المسألة الثانية عشرة: لا يجوز نقص النوافل عن الركعتين و لا زيادتها عنهما في غير الوتر و صلاة الأعرابيّ،

بل لا بدّ في كلّ ركعتين منها عن تسليمة، لأنّه المعروف من صاحب الشريعة، فيجب الاقتصار عليه، لتوقيفيّة العبادة، و لقوله:

«صلّوا كما رأيتموني أصلّي» «3».

و لخصوص المستفيضة من طرق الفريقين، ففي النبويّ: «صلاة الليل و النهار مثنى مثنى» «4».

و في آخر: «بين كلّ ركعتين تسليمة» «5».

و في المرويّ في قرب الإسناد: عن الرجل يصلّي النافلة أ يصلح له أن يصلّي أربع ركعات لا يسلّم بينهنّ؟ قال: «لا، إلّا أن يسلّم بين كلّ ركعتين» «6».

و في مستطرفات السرائر: «و افصل بين كلّ ركعتين من نوافلك بالتسليم» «7».

و ظاهر هذه الأخبار- المنجبر ضعفها بالشهرة و كلمات الأصحاب- حرمة

______________________________

(1) كامل الزيارات: 246، الوسائل 8: 535 أبواب صلاة المسافر ب 26 ح 1.

(2) راجع ص 434 رواية أبي يحيى.

(3) صحيح البخاري 1: 162.

(4) سنن ابن ماجه 1: 419- 1322.

(5) سنن ابن ماجه 1: 419- 1324.

(6) قرب الإسناد: 194- 736، الوسائل 4: 63 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها

ب 15 ح 2.

(7) مستطرفات السرائر: 71- 1، الوسائل 4: 63 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 15 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 5، ص: 441

الزيادة و النقص من دون تشهّد و تسليم، بل صرّح بها جماعة منهم الحلّي مدّعيا عليه الإجماع «1».

و أمّا ما تدلّ عليه عبارة الخلاف و المنتهى أوّلا من أنّ ذلك على الأفضليّة «2»، فليس المراد منه ذلك، لتصريحهما أخيرا بالتحريم.

______________________________

(1) السرائر 1: 193.

(2) الخلاف 1: 527، المنتهى 1: 196.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، الجزء 06

[تتمة كتاب الصلاة]

[تتمة المقصد الثاني في ماهية الصلاة و أفعالها بأقسامها]

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الباب الثالث في الصلوات الواجبة غير اليومية
اشارة

و هي عدّة صلوات تذكر في مطالب

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 7

المطلب الأوّل في صلاة الجمعة
اشارة

و الكلام إمّا في حكمها، أو شرائطها، أو من تجب عليه، أو كيفيّتها، أو وقتها، أو لواحقها، فهاهنا ستة أبحاث.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 9

البحث الأوّل في حكمها
اشارة

و فيه ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: صلاة الجمعة واجبة في الجملة، بإجماع الأمّة، بل الضرورة الدينيّة.

و تدلّ عليه- مضافا إليهما- السنّة المتواترة «1».

بل الآية الشريفة «2»- على ما ذكره الأكثر- و إن كان فيه نظر على الأظهر؛ لعدم صراحتها في صلاة الجمعة، لعموم الذكر، و عدم المخصّص إلّا ما قيل: من اتّفاق المفسرين «3».

و إشعار المروي في العلل: «إذا قمت إلى الصلاة فأتها سعيا- إلى أن قال:- فإنّ اللَّه عز و جل يقول يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ و معنى فاسعوا هو الانكفاء» «4».

و عدم وجوب السعي إلى غيرها حين النداء، بل و لا استحبابه مترتبا عليه.

و الأوّل ممنوع

، كيف؟! و فسّره في الكشّاف و تفسير البيضاوي بمطلق الصلاة «5». و بعض المفسّرين منّا بالحجج عليهم السلام. و عن صاحب التيسير «6» عن المفسرين: أنّ المراد إمّا الصلاة، أو الخطبة، أو سماع الوعظ. و قال بعض المفسّرين إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ فبادروا

______________________________

(1) انظر: الوسائل 7: 295 أبواب صلاة الجمعة ب 1.

(2) الجمعة: 8.

(3) انظر: رسائل الشهيد الثاني: 51، و روض الجنان: 284.

(4) العلل: 357- 1، الوسائل 5: 203 أبواب أحكام المساجد ب 7 ح 1، و فيه (الانكفات).

(5) الكشّاف 4: 535، تفسير البيضاوي 5: 133.

(6) في النسخ المخطوطة: التفسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 10

إلى وظائفه من الغسل و قصّ الأظافر و الشّوارب و التطيّب و التنوير و حلق الرأس، و غير ذلك «1» و لو سلّم فلا دليل على حجيّته، كيف؟! مع أنّ أكثرهم من أهل الخلاف؛ و لا أدري من لا يقبل الإجماعات المتواترة من العلماء على عدم الوجوب العيني، كيف يقبل دعوى اتّفاق المفسرين!؟

و الثاني غير مشعر

؛

لصحّة تعليل رجحان السعي إلى الصلاة- التي هي من أفراد الذكر- بأمر اللَّه سبحانه بالسعي إلى مطلقه.

بل في المروي في الكافي إشعار على خلافه، حيث قال: قلت له: قول اللَّه عز و جل فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ قال: «اعملوا و عجّلوا فإنّه يوم مضيّق على المسلمين» «2» الحديث.

فإنّ ظاهره الأمر بالتعجيل إلى مطلق العمل.

و الثالث: بعدم لزوم حمل الأمر على الوجوب

؛ لأنّ ارتكاب التجوّز في الذكر ليس بأولى منه في السعي، فيحمل على الاستحباب و يكون ترتّبه على النداء لكثرة ما رغب فيه من الوظائف و الأعمال فيما بعد الزوال.

مع أنّ إرادة الأذان عند الزوال من النداء غير معلومة؛ لجواز أن يراد به أذان الفجر، الذي هو أيضا للصلاة من يوم الجمعة- كما نقل بعض المتأخّرين في رسالته في صلاة الجمعة عن بعض المفسرين، و هو ظاهر من حمل الذكر على وظائف يوم الجمعة كما مرّ- لعدم دليل على إرادة الصلاة المعهودة، سيّما عند نزول الآية.

فيكون إشارة إلى ما ورد في الروايات من كثرة أعمال يوم الجمعة، حتى إنّ أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه و آله كانوا يتجهّزون للجمعة يوم الخميس لأنّه يوم

______________________________

(1) قد روي بهذا المضمون رواية في تفسير القمي 2: 367.

(2) الكافي 3: 415 الصلاة ب 71 ح 10، الوسائل 7: 353 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 31 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 11

مضيّق، لكثرة وظائفه و أعماله «1».

سلّمنا أنّ المراد بالذكر صلاة الجمعة، و لكن لا تدلّ الآية على وجوبها إلّا بعد ثبوت ترجيح التجوّز في مادّة فاسعوا على التجوّز في الهيئة؛ ضرورة عدم وجوب السعي الذي هو السير بالتعجيل.

المسألة الثانية: إذا عرفت أنّها واجبة في الجملة، فاعلم أنّه لا خلاف عندنا في وجوبها عينا
اشارة

على كلّ من استجمع الشرائط الآتية، مع حضور

الإمام المعصوم، أو من ينصبه بخصوصه- عموما أو لصلاة الجمعة- و تمكّنه من إقامتها، و إنّما الخلاف في صورة عدم حضوره و لا حضور منصوبه المذكور، أو عدم تمكّنه- كزمان الغيبة- في انتفاء الوجوب العيني، و ثبوته.

فالأوّل مختار كلّ من شرط في وجوبه أو جوازه، الإمام أو نائبه، أو جعله منصب الإمام.

و منهم: العماني و المفيد في الإرشاد «2»، و الشيخ في الخلاف و المبسوط و الجمل و النهاية و المصباح و التبيان «3»، و السيد في الناصريّات في المسألة الحادية عشرة و المائة و الميافارقيات «4»، و الفقه الملكي، و الديلمي في المراسم و رسالته و القاضي و الكفعمي «5»، و الوسيلة و السرائر و الغنية و المجمع و الجامع و المعتبر و الشرائع

______________________________

(1) انظر: الوسائل 7: 353 أبواب صلاة الجمعة ب 31.

(2) حكاه عن العماني في المختلف: 108، الإرشاد: 347.

(3) الخلاف 1: 626، المبسوط 1: 143، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 190، النهاية: 103، المصباح: 324، التبيان 10: 8.

(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 203 قال في المسألة الحادية عشرة بعد المائة: و الذي يذهب إليه أصحابنا في صلاة العيدين بأنّهما فرض على الأعيان مع تكامل الشروط التي يلزم معها صلاة الجمعة مع حضور السلطان العادل. منه رحمه اللَّه تعالى. الميافارقيات (رسائل السيّد المرتضى) المجموعة الأولى: 272.

(5) المراسم: 77، القاضي في المهذب 1: 100، الكفعمي في المصباح: 410.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 12

و النافع «1»، و الموجز و شرحه للصيمري، و المنتهى و التذكرة و التحرير و الإرشاد و القواعد و النهاية و المختلف «2»، و الإيضاح و المهذّب و التنقيح «3»، و الذكرى و النكت و الدروس و البيان و اللمعة «4»،

و روض الجنان و الروضة و شرح القواعد للمحقق الثاني «5».

و جماعة من المتأخرين منهم: المحقق الخوانساري و والده، و الشيخ البهائي، و سلطان العلماء، و المدقّق الشيرواني، و مولانا خليل القزويني، و المولى عبد اللَّه الشوشتري، و رفيع الدين النائيني، و صالح الجيلاني، و الفاضل الهندي «6»، و التوني، و الكاظمي، و والدي العلامة أخيرا، و أكثر مشايخنا «7»، و معاصرينا «8».

و هو ظاهر الكراجكي، و محتمل الحلبي «9»، و نسبه صريحا في الإيضاح و النكت و البيان و روض الجنان إلى الأخير «10».

بل هو ظاهر الشيخين الجليلين الصدوق و الكليني «11»، بل مذهب كافة

______________________________

(1) الوسيلة: 103، السرائر: 1: 290 و 1: 303، الغنية (الجوامع الفقهية): 560، مجمع البيان 5: 288، الجامع للشرائع: 94، المعتبر 2: 279، الشرائع 1: 94 و 98، المختصر النافع: 35 و 36.

(2) المنتهى 1: 317 و 336، التذكرة 1: 144 و 145، التحرير 1: 43 و 185، مجمع الفائدة و البرهان 2: 333 و 360، القواعد 1: 36، نهاية الإحكام 1: 14، المختلف: 109.

(3) الإيضاح 1: 119، المهذب البارع 1: 413، التنقيح 1: 231.

(4) الذكرى: 230، الدروس 1: 186، البيان: 188، اللمعة (الروضة 1): 299.

(5) روض الجنان: 290، الروضة 1: 299 و 301، جامع المقاصد 1: 371.

(6) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 241 و 244 و 245.

(7) كالسيّد بحر العلوم في الدرّة النجفية: 165، و صاحب كشف الغطاء: 252، و صاحب الرياض 1: 184 و 190.

(8) كالمحقق القمي في غنائم الأيام: 100، و صاحب مفتاح الكرامة 1: 72.

(9) الحلبي في الكافي في الفقه: 151.

(10) الإيضاح 1: 119، البيان: 188، روض الجنان: 291.

(11) انظر ص 16.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 6، ص: 13

القدماء ظاهرا، حيث لم ينقل أحد مع بذل جهد طائفة من المتأخرين في نقل الأقوال في هذه المسألة و الفحص عن القائل بالوجوب العيني إلّا عن ثلاثة أو أربعة منهم «1»؛ و هو أيضا ليس كذلك كما يأتي.

و توهّم عدم صراحة كلام العماني و إرشاد المفيد و الخلاف- كما اتّفق لبعض المتأخرين- فاسد غايته:

لتخصيص الأوّل فرضية الحضور إلى صلاة الجمعة بالبلد الذي فيه الإمام، أو المكان الذي فيه امراؤه، و لو لا انتفاء الوجوب بدونه لما كان للتخصيص وجه.

و استدلال الثاني على وجوب وجود الإمام في كلّ عهد بأن يجمع الجمعات و العيدين، و لو وجب مع غيره أيضا، لما كان للدليل معنى. و ذكره بعض أمور أخر قد تصدر من الفقهاء أيضا، ممنوع؛ إذ كلّ ما ذكره بعمومه الذي هو مقتضى ألفاظه لا يمكن صدوره إلّا من إمام مبسوط اليد.

و تصريح الثالث بعدم انعقاد الجمعة بدون الإمام أو أميره، و بأنّه لم يفعله من زمان النبي إلى زماننا غيرهما، و بأنّ الإماميّة أجمعوا على اشتراط الإمام فيه بقول مطلق.

و أمّا ما ذكره في أثناء كلامه من أنّ ما روي من جواز الجمعة لأهل القرى و السواد فهو مأذون فيه فجرى مجرى نصب الإمام.

فهو توجيه للأخبار المروية بحملها على الاستحباب؛ لحصول ما يجري مجرى النصب و إن لم يحصل حقيقة النصب الّذي هو شرط الوجوب. ففي الحقيقة هو تأويل لتلك الأخبار، و هو لا يدل على أنّه فتواه، كما ارتكب في التهذيب كثيرا، مع أنّه لو كان فتواه أيضا لم يضر، هذا.

ثمَّ إنّه على اشتراط الإمام أو نائبه- في وجوبها أو جوازها- الإجماع في كثير من كلمات الأصحاب، كما في الخلاف و

السرائر و الغنية و كلام القاضي و الديلمي

______________________________

(1) انظر ص 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 14

و المعتبر و المنتهى و التحرير و النهاية «1»، و ثلاثة مواضع من التذكرة «2»، و مثلها من الذكرى «3»، و موضعين من شرح القواعد للمحقق الثاني «4»، و مثلهما من رسالته و كنز العرفان و روض الجنان و الروضة «5»، و شرحي الألفيّة و الجعفريّة، و عيون المسائل للسيّد الداماد، و الرسالتين للفاضل التوني و المحقق الخوانساري، بل جعل ثانيهما القول بالوجوب بدون الإمام بدعة مخترعة.

و في شرح الهندي على الروضة نفي الشك عن وقوع الإجماع على اشتراط الوجوب العيني بالإمام عليه السّلام، و دعوى تواتر الأخبار بالإجماع، بل قيل:

قد أطبق الأصحاب على نقل الإجماع عليه لا رادّ له في الأصحاب «6». و صرّح الأردبيلي في شرح الإرشاد بأنّ القول بالوجوب العيني في زمان الغيبة قول مع عدم الرفيق «7»، إلى غير ذلك.

و التشكيك في دعاوي الفاضل الإجماع- لمنعه إيّاه في المختلف «8»- ليس في محلّه قطعا؛ لأنّ الممنوع فيه الإجماع على اشتراطه في مطلق الوجوب الشامل للتخييري أيضا، لا خصوص العيني.

و كذلك لا يضرّ في هذه الدعاوي ذهاب طائفة من المدّعين إلى التخيير في زمن الغيبة «9»؛ إذ لا منافاة بين التخيير و نفي العينية. و استلزام الاشتراط لانتفاء المشروعية- لو سلّم- لا يوهن في دعوى الإجماع؛ لاحتمال الغفلة عن الملازمة أو

______________________________

(1) راجع ص 11.

(2) التذكرة 1: 144 و 145 و 443.

(3) الذكرى: 230 و 231.

(4) جامع المقاصد 2: 371 و 379.

(5) كنز العرفان 1: 168، روض الجنان: 290، الروضة 1: 30.

(6) حكاه في مفتاح الكرامة 3: 60 عن عيون المسائل للمحقق الداماد.

(7) مجمع الفائدة و

البرهان 2: 363.

(8) المختلف: 109.

(9) انظر ص 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 15

ثبوت مطلق المشروعية بدليل آخر.

و الثاني لشيخنا الشهيد الثاني «1»، و تبعه أولاده «2»، و تلاميذه «3»، و جماعة ممّن تأخر عنهم، كالمجلسيين «4»، و صاحب الذخيرة «5»، و أكثر الأخباريين اللاحقين لهم «6»، و إليه كان يذهب والدي العلامة أوّلا، و ألّف فيه رسالة مبسوطة لم أر أحسن منها، و قد كتب عليها التصديق جمع من الأخباريين من معاصريه.

و نسب هذا القول إلى ظاهر المفيد في الإشراف و الحلبي في الكافي، و الصدوق في الهداية و المقنع و الأمالي بل الفقيه، و الكليني «7»، و أبي الفتح الكراجكي و عماد الدين الطبرسي «8».

أقول:

ظاهر الأوّلين و إن كان ذلك. إلّا أنّ ذهاب الأوّل إلى خلافه في الإرشاد بل المقنعة «9»، حيث شرط كون الإمام مأمونا، و ليس إلّا المعصوم أو نائبه. و قال أيضا: صادقا في خطبته، و لا يعلم ذلك إلّا من الإمام أو من ينصبه.

و تركه لصلاة الجمعة- و إلّا لنقل قطعا و لم يخف على تلامذته المدّعين للإجماع على حرمته- مع وفور الشيعة في عهده، و رفعه ستر التقية، و مجادلته في المذهب مع المخالفين، و تصريحه في كتبه بما ينافي التقية، و تسلّط سلاطين الديالمة الذين هم من الشيعة في بلده.

______________________________

(1) رسائل الشهيد: 51.

(2) منهم صاحب المدارك 4: 21، و نقل في الحدائق 9: 389 عن الحسن بن الشهيد في الاثني عشرية و عن ابنه محمّد في شرحها.

(3) منهم الشيخ حسين بن عبد الصمد والد الشيخ البهائي، نقله عنه في الحدائق 9: 387.

(4) روضة المتقين 2: 574، بحار الأنوار 86: 146.

(5) الذخيرة: 308.

(6) كالفيض الكاشاني في المفاتيح

1: 17، و البحراني في الحدائق 9: 355.

(7) الإشراف (مصنفات الشيخ المفيد 3): 25، الكافي في الفقه: 151، الهداية: 34، المقنع:

45، الأمالي: 513، الفقيه 1: 267، الكافي 3: 418 عنوان الباب.

(8) حكاه عنهما في الحدائق 9: 381 و 382.

(9) الإرشاد: 347، المقنعة: 163.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 16

مضافا إلى ما قيل: من أنّ نسبة كتاب الإشراف إلى المفيد غير ثابتة، و في الإجازات غير منقول، و لم ينقل إلّا في الرسالة المنسوبة إلى الشهيد الثاني و من تبعه بعده.

و نسبة خلافه إلى الثاني في الإيضاح و النكت و البيان «1».

ممّا «2» يقدح في النسبتين جدّا؛ لعدم ثبوت الكتابين بعينهما منهما بأقوى ممّا يخالفهما، أو يحكم لهما بالقولين معا.

مع أنّ ما نقل عن الحلبي في المختلف «3» لا يدلّ إلّا على انعقاد الجمعة بإمام الجماعة أيضا، لا وجوبه. و أمّا ذيل كلامه الظاهر في ذلك فهو غير مذكور، و إنّما ذكر في الرسالة المنسوبة إلى الشهيد الثاني «4».

و أمّا البواقي فلا ظهور لكلماتهم في هذه النسبة أصلا:

أمّا الهداية و المقنع، فلتصريحهما باشتراط الإمام، و سيأتي ظهوره في المعصوم، سيّما في الأوّل، حيث عطف عليه قوله: و قاضيه، و لا أقلّ من احتماله.

و أمّا الأمالي، فلعدم ذكره فيه إلّا وجوب الجمعة، و هو ممّا لا كلام فيه، كما يقولون بوجوب الجهاد أيضا، بل يعدّونه من فروع الدين، مع أنّه مشروط بالإمام.

و منه يظهر عدم ظهور كلام الفقيه أيضا، مع أنّه ذكر فيه صحيحة محمّد الآتية المتضمّنة لذكر الإمام و قاضيه «5»، و سائر أخبار اشتراط الإمام، و أخبار من يخطب، و سيأتي إجمالها، و نقل في ذلك الباب صحيحة عبد الرحمن: «لا بأس أن يدع

الجمعة في المطر» «6» و لا شك أنّ هذا ليس شأن الواجب، و حمله على ما يستلزم

______________________________

(1) الإيضاح 1: 119، البيان: 188.

(2) خبر لقوله: إلّا أنّ ذهاب الأوّل ..

(3) المختلف: 108.

(4) رسائل الشهيد: 79.

(5) انظر: ص 24.

(6) الفقيه 1: 267- 1221، التهذيب 3: 241- 645، الوسائل 7: 341 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 17

الحرج لا وجه له. و كذا كلام الكليني.

مع أنّ الصدوق لو أوجبها لما تركها مع ما له من العزّ و الاحترام عند سلاطين الشيعة و وزرائهم، و لو فعلها لنقل البتة، و لم يقل الشيخ: إنّ إلى زماننا هذا لم يصلّها إلّا الخلفاء و الأمراء «1».

و أمّا الكراجكي، فلتصريحه باشتراط الإمام المرضي المتمكّن. و شيوع إطلاق الإمام المرضي على الإمام المعصوم- كما صرّح به المحقق الخوانساري- واضح، و لا أقلّ من الاحتمال؛ مع أنّ كتاب تهذيب المسترشدين الذي نقل عنه ليس موجودا و لم ينقل عبارته إلّا في الرسالة الشهيدية التي أنكر جماعة كونها منه، و نقل بعض العلماء عن صاحب المعالم إنكار الرسالة، و لا بعد فيه، كما يظهر لمن تأمل فيها و في سائر ما ذكره الشهيد الثاني في سائر كتبه في صلاة الجمعة.

و أمّا الطبرسي، فلعدم ذكره إلّا وجوب الجمعة عند الإمامية، و كونهم أشدّ إيجابا لها من المخالفين، و لا دلالة له على عدم اشتراط الإمام بوجه أصلا.

و من هذا يظهر سرّ ما ذكرناه سابقا، من عدم ظهور مخالف من القدماء في انتفاء الوجوب العيني.

و قد نسب بعض الأخباريين القول بالوجوب إلى جماعة من المتأخرين، استنادا إلى مواظبتهم على هذه الصلاة «2»، مع أنّه لا دلالة لها عليه

أصلا.

و الحقّ هو الأوّل.

لنا

: اشتراط الوجوب العيني بالإمام المعصوم أو نائبه الخاص، و إذا انتفى الشرط انتفى المشروط. أمّا الثاني فظاهر.

و أمّا الأوّل فلوجوه من الأدلّة:
الأوّل: الأصول،

كأصالة البراءة عن الخطبة و الإصغاء إليها، و الركعتين، عند فقد من ذكر.

______________________________

(1) انظر: الخلاف 1: 627.

(2) كما في الحدائق 9: 395.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 18

و لا يضر لنا هنا معارضتها بمثلها في ركعتي الظهر من القراءة و الركوع و السجود و غيرها ممّا يجب في الركعتين، إذ غاية التعارض الرجوع إلى التخيير فينتفي الوجوب العيني.

و كذا أصالة عدم توقيف الجمعة- على كون ألفاظ العبادات أسامي للصحيحة- متعارضة مع أصالة عدم توقيف الظهر أيضا، حيث إنّه لا تتحقق الظهر الصحيحة مع الجمعة، و يرجع إلى التخيير.

و أمّا على المختار من أنّها ألفاظ للأعم فتبقى أصالة عدم توقيف الجمعة بلا معارض، حيث إنّه لا يعلم تحقق صلاة الجمعة و لو بالمعنى الأعم إذا لم يكن الإمام أو نائبه كما يأتي، بخلاف الظهر بالمعنى الأعم.

الثاني: الإجماع المحقّق

- المعلوم من تطابق فتاوى الفقهاء جيلا بعد جيل إلى زمن الشهيد الثاني- على الاشتراط، من غير ظهور مخالف، أو إلّا شاذّ نادر، حتّى إنّ صاحب مصائب النواصب «1»- مع شدّة اهتمامه في الردّ على الناصبي الطاعن علينا بترك الجمعة- لم ينقل القول بالوجوب إلّا عن الشهيد الثاني. و حتّى إنّ في المختلف لم ينقل إلّا القول بالحرمة و التخيير «2». و جعل الأردبيلي الشهيد بلا رفيق «3». و الخوانساري الوجوب من البدع المحدثة في هذه الأزمان، مع عموم البلوى في المسألة.

و تكثر دعوى الإجماع عليه بل تواتره، و قد صرّح بالتواتر جماعة «4»، بل قيل:

أطبق الأصحاب على نقل الإجماع عليه «5»، و قد نقلنا فيما سبق خمسة أو ستة

______________________________

(1) و هو القاضي نور اللَّه التستري المستشهد في سنة 1019، و ألّف كتابه هذا ردّا على كتاب نواقض الروافض

لميرزا مخدوم الشريفي.

(2) المختلف: 108.

(3) مجمع الفائدة 2: 363.

(4) كما في كشف الغطاء: 251، و الرياض 1: 183.

(5) قاله المحقق الداماد في كتاب عيون المسائل، على ما حكاه في مفتاح الكرامة 3: 60.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 19

و عشرين من دعاوي الإجماع عليه «1»، و عدّ بعضهم أزيد من أربعين دعوى عليه «2»، و في بعضها: أجمع علماؤنا قاطبة، و في آخر: أجمع علماؤنا الإمامية طبقة بعد طبقة من عصر أئمّتنا عليهم السلام إلى عصرنا على انتفاء الوجوب العيني في زمان الغيبة «3»، و في ثالث: غبّ دعوى الإجماع و عمل الطائفة على عدم الوجوب في سائر الأعصار و الأمصار، و في رابع: بلا خلاف بين أصحابنا «4»، و في خامس:

و ذلك إجماع أهل الأعصار، فإنّ من عهد النبي صلّى اللَّه عليه و آله إلى زماننا ما أقام الجمعة إلّا الخلفاء و الأمراء «5». إلى غير ذلك.

مضافا إلى كون ظهوره عندنا بحيث عدّه النواصب من معايبنا، قال صاحب نواقض الروافض: من هفواتهم لزوم ترك الجمعة.

و إلى إطباق علمائنا على تركه إلى زمن الشهيد الثاني مع تمكنّهم من الإتيان به في كثير من الأزمنة، كأزمنة الصفارية، و الديالمة، و سلاطين المغول لا سيّما الجايتو و ما بعده، و أزمنة آل مظفّر، و غيرها، بل في كثير من الأمكنة مطلقا، كسبزوار و قم و الحلّة، سيّما مع عدم تقاعدهم عمّا هو أعظم و أشدّ من ذلك بكثير، حتى ظهر منهم و شاع، كسبّ الشيخين، و تحليل المتعتين، و مسح الرجلين.

و لو لا ثبوت الإجماع في ذلك لما ثبت إجماع في الفروع أصلا و أبدا؛ و لا سيّما مع أنّه لو لا اشتراط الإمام أو منصوبه،

لشاع فعله بدونهما في زمن النبي و الولي و الحسن، حيث إنّهم لم يعيّنوا أميرا لكلّ بلدة بلدة، و قرية قرية، و كان يتخلّل بين عزل المنصوب و قيام الآخر زمان كثير لا محالة، فلو لا الشرط لفعله الفاقدون للمنصوب، و لو فعلوه لم يخف بهذه المثابة جدّا.

______________________________

(1) راجع ص 14.

(2) انظر: شرح المفاتيح للبهبهاني (المخطوط).

(3) حكاه عن المحقق الثاني في مفتاح الكرامة 3: 60

(4) كما في السرائر 1: 303.

(5) كما في الخلاف 1: 627.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 20

الثالث: المستفيضة من الأخبار:

منها:

رواية حمّاد بن عيسى: «إذا قدم الخليفة مصرا من الأمصار جمّع بالناس، ليس لأحد ذلك غيره» «1».

نفى التجميع عن غير الخليفة عن الرسول، و نائبه الخليفة عنه؛ و تخصيص النفي بحال الخليفة حتى يكون بيانا للحكم حال قدومه خلاف الأصل، كما أنّ عطفه على «جمّع» بحذف العاطف حتى يكون مقيّدا بالشرط كذلك من وجهين «2».

و حملها على التقيّة- لاشتراطها المصر الدال على عدم التجميع في غيره- مدفوع، بأنّ ذكر المصر هنا وارد مورد الغالب فلا اعتبار بمفهومه.

و ضعفها سندا- لو سلّم- مجبور بالشهرة المحققة و الإجماعات المحكيّة.

و منها:

رواية حفص: «ليس لأهل القرى جمعة» «3».

فإنّ نفيها عنهم عموما لا يمكن أن يكون لعدم تمكّنهم من الصلاة جماعة؛ لإمكانها فيها غالبا، كما ورد في بعض الأخبار الآتية أيضا. و لا لعدم وجود قادر على الخطبة؛ لوجوده أيضا في الأغلب، سيّما أدنى الخطبة التي يقدر عليه كلّ من يصلّي و لو بالتلقين، و هو: الحمد للَّه ربّ العالمين، اللّهم صلّ على محمّد و آل محمّد، حيّ على الفلاح، و سورة خفيفة. فلم يبق إلّا لعدم حضور الإمام عليه السلام أو نائبه، حيث إنّه لا يكون إلّا

في الأمصار، كما هو ظاهر.

و منها:

موثقة ابن بكير- الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه-:

______________________________

(1) التهذيب 3: 23- 81، الوسائل 7: 339 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 20 ح 1.

(2) أحدهما حذف العاطف، و الآخر التعليق على الشرط. منه رحمة اللَّه.

(3) التهذيب 3: 248- 679، الاستبصار 1: 420- 1618، الوسائل 7: 307 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 3 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 21

عن قوم في قرية ليس من يجمّع، أيصلّون الظهر يوم الجمعة جماعة؟ قال:

«نعم إذا لم يخافوا» «1».

أي من عدم حضور جماعة المخالفين حيث يقرب قريتهم مصر الجمعة، صرّحت بمغايرة إمام الجمعة لإمام الجماعة. و ليس التغاير في مجرّد القدرة على الخطبة، لتلازم القدرة على الجماعة و على أقلّ الواجب من الخطبة غالبا، بل دائما كما ذكرنا. فلم يبق إلّا العصمة أو النيابة بالإجماع. و لو منع، فيحصل الإجمال في الشرط، الموجب للإجمال في مخصص عمومات الجمعة، و العام المخصص بالمجمل ليس بحجّة.

و منها:

مرسلة الكافي: عن صلاة الجمعة [فقال ]: «أمّا مع الإمام فركعتان، و أمّا من يصلّي وحده فهي أربع ركعات و إن صلّوا جماعة» «2».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 6    22     الثالث: المستفيضة من الأخبار: ..... ص : 20

التقريب ما تقدّم، و معنى قوله وحده أي: بدون الإمام.

و منها:

موثقة سماعة: عن الصلاة يوم الجمعة، فقال: «أمّا مع الإمام فركعتان، و أمّا من يصلّي وحده فهي أربع ركعات بمنزلة الظهر. يعني إذا كان إمام يخطب، و أمّا إذا لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعات و إن صلّوا جماعة» «3».

وجه الاستدلال: أنّ من المعلوم أنّ المراد بإمام يخطب ليس من كان مشتغلا بالخطبة، بل

من من شأنه ذلك، و لا يمكن أن يكون المراد شأنه بواسطة القدرة، لما عرفت من التلازم، فلا يكون إلّا باعتبار الصلاحية شرعا، و إطلاق مثل ذلك شائع، و ليس بعد القدرة و سائر ما يشترط في إمام الجماعة ما ينفي الصلوح إلّا فقد

______________________________

(1) التهذيب 3: 15- 55، الاستبصار 1: 417- 1599، قرب الاسناد: 169- 619، الوسائل 7: 327 أبواب صلاة الجمعة ب 12 ح 1.

(2) لم نعثر عليها في الكافي و إنّما الموجود فيه موثقة سماعة الآتية، و قال في الرياض 1: 184 و جواهر الكلام 11: 160 إن تلك الموثقة وردت بنحو آخر في نسخة من الكافي، و أوردها أيضا في الوسائل 7: 314 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 8.

(3) الكافي 3: 421 الصلاة ب 75 ح 4، التهذيب 3: 19- 70، الوسائل 7: 310 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 22

العصمة أو النيابة، و لو لم نقل بذلك فلا أقلّ من حصول الإجمال، المستلزم لوجوب الاقتصار على المتيقّن.

و منها:

صحيحة زرارة الآتية: «إنّما وضعت الركعتان اللّتان أضافهما النبي يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الإمام، فمن صلّى بقوم يوم الجمعة في غير جماعة فليصلّها أربعا كالظهر في سائر الأيّام» «1».

أي في غير جماعة خاصة كما في شرح الروضة للهندي، أو في غير صلاة الجمعة كما في الوافي «2»، فتكون في الجمعة جماعة معتبرة غير المعهودة، و ليس إلّا مع الإمام، أو يكون مجملا.

و منها:

موثقة البقباق: «إذا كان قوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات، فإن كان لهم من يخطب بهم جمّعوا إذا كانوا خمسة نفر» «3».

و التقريب ما مرّ، مع أنّ في الإتيان

بقوله: «لهم من يخطب» الدالّ على نوع اختصاص دون: فيهم من يخطب، إشعارا بعدم شمول من يخطب لكلّ من يقدر عليه.

و منها:

صحيحة محمّد: عن أناس في قرية، هل يصلّون الجمعة جماعة؟

قال: «نعم، يصلّونها أربعا إذا لم يكن لهم من يخطب» «4».

وجه الاستدلال ما مرّ أيضا، هذا إذا جعلت لفظة «نعم» تصديقا لما قبلها و يجعل جملة «يصلّونها» مستأنفة، و أريد بالجمعة صلاة الجمعة. و لو جعلت تصديقا لقوله: «يصلّونها» بأن يراد بالجمعة الظهر دلّت الرواية بتقريب آخر مرّ

______________________________

(1) الكافي 3: 271 الصلاة ب 3 ح 1، الفقيه 1: 124- 600، الوسائل 7: 312 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 6 ح 1.

(2) الوافي 8: 1121.

(3) التهذيب 3: 238- 634، الاستبصار 1: 420- 1614، الوسائل 7: 306 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 3 ح 2.

(4) التهذيب 3: 238- 633، الاستبصار 1: 419- 1613 بتفاوت يسير، الوسائل 7: 306 أبواب صلاة الجمعة ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 23

أيضا، و هو دلالتها على مغايرة إمامي الجمعة و الجماعة.

و منها:

رواية طلحة: «لا جمعة إلّا في مصر تقام فيه الحدود» «1».

و ليس ذلك إلّا فيما كان فيه الإمام أو نائبه. و حمله على التقية لأجل اشتراط المصر، مردود بأنّه لأجل أنّ الإمام أو أميره لا يكون غالبا إلّا فيه؛ على أنّ إرادة مجتمع الناس عنه ممكنة، و كونه مجازا- لو سلّم- لا يضرّ، لأولويّته عن الحمل على التقية.

و منها:

الأخبار المتكثرة المشترطة لصلاة الجمعة بالإمام، كموثقة سماعة، و صحيحة زرارة، و مرسلة الكافي المتقدّمة «2».

و صحيحة زرارة: «لا يكون الخطبة و الجمعة و صلاة ركعتين على أقلّ من خمسة رهط، الإمام و أربعة» «3».

و الأخرى:

«صلاة الجمعة فريضة، و الاجتماع إليها فريضة مع الإمام» «4».

و صحيحة محمّد: «تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين، و معنى ذلك إذا كان إمام عادل» «5».

و الأخرى: «تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين، و لا يجب على أقلّ منهم: الإمام، و قاضيه، و المدعي حقا، و المدعى عليه، و الشاهدان، و الّذي

______________________________

(1) التهذيب 3: 239- 639، الاستبصار 1: 420- 1617، الوسائل 7: 307 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 3 ح 3.

(2) في ص 21 و 22.

(3) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 4، التهذيب 3: 240- 640، الاستبصار 1:

419- 1612، الوسائل 7: 303 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 2 ح 2.

(4) المحاسن: 85- 23، أمالي الصدوق: 392- 13، الوسائل 7: 297 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 1 ح 8.

(5) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 2، التهذيب 3: 23- 80، الاستبصار 1: 421- 1620، الوسائل 7: 315 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 7 ح 2؛ و لا يخفى انّ ذيل الحديث غير مذكور في الكافي و الاستبصار، و إنّما ذكر في التهذيب، و يحتمل قويا كونه من كلام الشيخ.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 24

يضرب الحدود بين يدي الإمام» «1».

و صحيحة ابن عمّار في قنوت الجمعة: «إذا كان إماما قنت في الركعة الأولى، فإن كان يصلّي أربعا ففي الركعة الثانية قبل الركوع» «2».

و المروي في رجال الكشي بسنده المتصل من أصحابنا الإمامية إلى النبي صلّى اللَّه عليه و آله: «إذا اجتمع خمسة أحدهم الإمام فلهم أن يجمّعوا» «3».

دلّ بالمفهوم على نفي الجواز بدون الإمام، إلى غير ذلك.

دلّت هذه الأخبار على اشتراط وجوب الجمعة بوجود الإمام،

و المتبادر منه حين أطلق: المعصوم، كما صرّح به جماعة منهم التوني و الخوانساري. و لذا ترى جماعة من علماء العرب- منهم الفاضل في المنتهى «4»- قد حملوه عليه، و جماعة أخرى كالعماني و السيّد و الشيخ و الحلي أطلقوه «5» و أرادوا به إمام الأصل. و لذا لو فرض وجود المعصوم في بلد فقال أحد: كان الإمام في بيتي، يتبادر هو قطعا، و أمّا عدم التبادر حينئذ فللقرينة الحالية، و لذا لو قال أحد: رأيت الإمام في المنام يتبادر المعصوم، انظر إلى أنّه لو حكي عن زمان الظهور حكايات فقيل: قال الإمام وجاء الإمام و ذهب الإمام، لم يتبادر غير المعصوم.

و الظاهر- كما صرح به بعضهم «6»- أنّ الإمام لا يطلق على غيره إلّا بالقرينة، فيقال: إمام المسجد، و إمام الصلاة، و إمام البلد، و لذا ترى يطلق على

______________________________

(1) الفقيه 1: 267- 1222، التهذيب 3: 20- 75، الاستبصار 1: 418- 1608، الوسائل 7:

305 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 9.

(2) الكافي 3: 427 الصلاة ب 77 ح 2، التهذيب 3: 16- 59، الاستبصار 1: 417- 1603، الوسائل 6: 270 أبواب القنوت ب 5 ح 1.

(3) رجال الكشي 1: 389- 279 الوسائل 7: 306 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 11.

(4) المنتهى 1: 317.

(5) حكاه عن العماني في المختلف: 108، السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 41، الشيخ في النهاية: 103، الحلي في السرائر 1: 303.

(6) كصاحب مفتاح الكرامة 3: 69.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 25

الاثنا عشرية الإمامية، و لذا ورد في الأحاديث أنّ الإمام إمامان: إمام هدى و إمام ضلالة «1».

و قد أريد منه ذلك في الأخبار بحيث

يثبت منه تبادره عنه في تلك العهود، كما في صحيحة محمّد المتقدّمة «2» حيث أطلقه و أراد به إمام الأصل بقرينة قوله «و قاضيه».

و في رواية ابن سيابة: «و على الإمام أن يخرج المحبسين في الدّين يوم الجمعة إلى الجمعة، و يوم العيد إلى العيد، و يرسل معهم، فإذا قضوا الصلاة ردّهم إلى السجن» «3».

و في رواية الرقّي: «إنّ الحجّة لا تقوم للَّه على خلقه إلّا بإمام، حتى يعرف» «4».

و رواية إسحاق: «إنّ الأرض لا تخلو إلّا و فيها إمام» «5».

و في صحيحة ابن أبي العلاء: تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: «لا» «6».

و في رواية أبي حمزة: «لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت» «7».

و في رواية أبي هراسة: «لو أنّ الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها» «8».

و في رواية يونس: «لو لم يكن في الأرض إلّا اثنان لكان الإمام أحدهما» «9».

______________________________

(1) الكافي 1: 215 الحجّة ب 25 ح 1.

(2) في ص 23.

(3) التهذيب 3: 285- 852، الوسائل 7: 340 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 21 ح 1.

(4) الكافي 1: 177 الحجّة ب 4 ح 1.

(5) الكافي 1: 178 الحجّة ب 5 ح 2.

(6) الكافي 1: 178 الحجّة ب 5 ح 1.

(7) الكافي 1: 179 الحجّة ب 5 ح 10.

(8) الكافي 1: 179 الحجّة ب 5 ح 12.

(9) الكافي 1: 180 الحجّة ب 6 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 26

و في الحديث المشهور: «من مات و لم يعرف إمام زمانه ..» «1».

بل في الآية الشريفة وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً «2».

و قال في حق إبراهيم إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً «3».

بل صرّح بعض العلماء

أنّ الإمام في مقابل الرعية.

سلّمنا عدم تبادر مطلق الإمام، و لكن لا شكّ أنّ المراد من الإمام العادل- المذكور في صحيحة محمّد «4»- حيث يطلق في الأخبار هو إمام الأصل، كما لا يخفى على المتتبع في الأخبار.

ففي التهذيب عن الباقر عليه السلام: فيمن قتل ناصبيّا غضبا للَّه تعالى [و لرسوله، أ يقتل به؟] قال: «أما هؤلاء فيقتلونه، و لو رفع إلى إمام عادل لم يقتله به» «5».

و في الكافي و الفقيه عن الصادق عليه السلام: في امرأة قتلت من قصدها بحرام إنّه: «ليس عليها شي ء، و إن قدّمت إلى إمام عادل هدر دمه» «6».

و في الكافي عن الرسول صلّى اللَّه عليه و آله: «ساعة إمام عادل أفضل من عبادة سبعين سنة، و حدّ يقام في أرضه أفضل من مطر أربعين صباحا» «7».

______________________________

(1) المحاسن: 153- 78.

(2) القصص: 5.

(3) البقرة: 124.

(4) راجع ص 23، الهامش رقم (5)، و قد ذكرنا أنّ جملة: «و معنى ذلك إذا كان إمام عادل» يحتمل كونها من كلام الشيخ في التهذيب.

(5) التهذيب 10: 213- 843، الوسائل 29: 132 أبواب القصاص في النفس ب 68 ح 1. و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(6) الكافي 7: 291 الديات ب 4 ح 2، الفقيه 4: 75- 232، الوسائل 29: 61 أبواب القصاص في النفس ب 23 ح 1.

(7) الكافي 7: 175 الحدود ب 1 ح 8، الوسائل 18: 12 أبواب مقدمات الحدود ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 27

و في الكافي أيضا، عنه: «لا غزو إلّا مع إمام عادل» «1».

و في التهذيب في باب قتال أهل البغي، عن أمير المؤمنين عليه السلام: أنّه قال: «إن خرجوا على إمام عادل فقاتلوهم،

و إن خرجوا على إمام جائر فلا تقاتلوهم» «2».

و في التهذيب في باب حدّ السرقة: «إذا سرق السارق من البيدر من إمام جائر فلا قطع عليه، فإذا كان من إمام عادل عليه القطع» «3».

و في المحاسن عن الباقر عليه السلام: «من دان اللَّه بعبادة يجهد فيها نفسه بلا إمام عادل فهو غير مقبول» «4».

و في رواية ثواب زيارة الحسين عليه السلام: «من أتى الحسين عارفا بحقّه» إلى قوله: «و عشرين حجّة مقبولة و عمرة مع نبي مرسل أو إمام عادل» «5».

و في رواية أبي بصير: «إنّ اللَّه أجّل و أعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل» «6».

سلّمنا عدم تبادر الإمام في إمام الأصل، و لكن لا شك في وجوب الحمل عليه مع القرينة، و أيّ قرينة أقوى و أدلّ ممّا ذكر من فهم الأصحاب، و الإجماعات المنقولة متواترة، و الأخبار المتقدّمة الظاهرة أو المشعرة بذلك، و سائر ما تقدّم.

مع أنّ قوله في صحيحة محمّد: «الإمام و قاضيه» صريح في إمام الأصل، و هذه الصحيحة بنفسها كافية في إثبات المطلوب. و لا يضرّ اشتمالها على غير الإمام ممّن لا نقول باشتراطه؛ لأنّ خروج بعض الحديث بدليل عن ظاهره أو الحجيّة لا

______________________________

(1) الكافي 5: 20 الجهاد ب 5 ح 1، الوسائل 15: 43 أبواب جهاد العدو و ما يناسبه ب 10 ح 2.

(2) التهذيب 6: 145- 252، الوسائل 15: 80 أبواب جهاد العدو و ما يناسبه ب 26 ح 3.

(3) التهذيب 10: 628- 510، الوسائل 28: 289 أبواب حد السرقة ب 24 ح 5.

(4) المحاسن: 92- 47.

(5) الكافي 4: 580 الحجّ ب 20 ح 1، الفقيه 2: 346- 1586، التهذيب 6: 46- 101، الوسائل 14: 459

أبواب المزار و ما يناسبه ب 49 ح 1.

(6) الكافي 1: 178 الحجّة ب 5 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 28

يوجب خروج الباقي. مع أنّ المحكي عن صاحب نوادر الحكمة و الفقيه و الهداية الفتوى بمضمون الجميع «1».

سلّمنا عدم القرينة، فيكون الإمام مجملا، فيجب الاقتصار فيه على المتيقّن، مضافا إلى أنّه بعد الإجمال- فحيث خصّ وجوب الجمعة به- تخرج أخبار الوجوب في غير موضع الإجماع عن الحجيّة.

فإن قيل:

لا إجمال فيه، بل المراد منه من يقتدى به و يتّبع أو يقصد، و هذا أمر معلوم.

قلنا:

من أين علم انحصار معناه في ذلك لغة حتى يجب الأخذ به فيما لا قرينة فيه، و الأصل يجزي لو لم يعلم استعماله في غير ذلك المعنى أيضا، مع العلم بالوضع لذلك، و قد فسّره في القاموس بمعان، منها: قيّم الأمر المصلح له، و النبي، و الخليفة، و الدليل «2»، و قد فسّر اللغويّون الامّ بالأصل «3»، فيمكن أن يكون مأخوذا منه.

سلّمنا، و لكن لا شك أنّه لم يوضع لكلّ متبّع و مقصود و لو لأمر سهل، كمن قصد رؤيته أو التكلّم معه، أو من يتّبع و يقتدى به في جلوس في مكان، أو التكلّم بكلام و نحو ذلك؛ بل يلزم فيه شي ء آخر إمّا اتّباع أكثريّ بل مع وجوبه، أو غير ذلك، فمن أين ثبت إطلاقه حقيقة في عهد المعصومين على من يتّبع في ركوع و سجود و تسليم؟.

فإن قيل:

استعمل لفظ الإمام في الأخبار في إمام الأصل و الجماعة، و الأصل عدم التجوّز، فيكون للقدر المشترك.

قلنا:

فيكون مجازا في الخصوصيات مع استعماله فيها، فالتجوّز لازم على ذلك أيضا، و هذا ليس بأولى من التجوّز في إمام الجماعة خاصّة.

______________________________

(1) الفقيه

1: 267- 1222، الهداية: 34.

(2) القاموس المحيط 4: 78.

(3) انظر: القاموس المحيط 4: 77، و مجمع البحرين 6: 9، و أقرب الموارد 1: 19.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 29

و منها:

المروي في العلل و العيون: فإن قال قائل: فلم صارت الجمعة إذا كان مع الإمام ركعتين و إذا كان بغير إمام ركعتين و ركعتين؟ قيل: لعلل شتّى- إلى أن قال-: و منها أنّ الصلاة مع الإمام أتمّ و أكمل، لعلمه و فقهه و فضله و عدله- إلى أن قال-: فإن قال قائل: فلم جعلت الخطبة؟ قيل: لأنّ الجمعة مشهد عام، فأراد أن يكون للأمير سبب إلى موعظتهم، و ترغيبهم في الطاعة، و ترهيبهم عن المعصية، و توقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم و دنياهم، و يخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق- إلى أن قال-: و ليس بفاعل غيره ممن يؤمّ الناس في غير يوم الجمعة. فإن قال: فلم جعلت خطبتين؟- إلى أن قال-: و الأخرى للحوائج و الأعذار و الإنذار و الدعاء و ما يريد به أن يعلمهم من أمره و نهيه ما فيه الصلاح و الفساد «1».

جعل عليه السلام أوّلا علّة الركعتين علم الإمام وفقهه و فضله، و ظاهر أنّ مجرّد كونه كذلك في بعض الأوقات لا يصلح علّة للسقوط دائما، فلا بدّ من اشتراط هذه الأوصاف في الإمام، و لا يشترط في إمام الجماعة اتّفاقا، فيكون إمام الجمعة غيره، فهو إمّا الفقيه أو إمام الأصل، لعدم الفصل، ثمَّ بملاحظة ما يلحقه من الكلام يتعيّن الثاني.

و ثانيا علّة الخطبة حصول سبب للأمير، و ليس هو إلّا الإمام أو نائبه الخاص، ثمَّ قال: «و توقيفهم على ما أراد» و ليس هذا شأن كلّ

إمام جماعة. ثمَّ قال: «و ليس بفاعل غيره» ثمَّ قال: «و ما يريد أن يعلمهم من أمره و نهيه».

و إثبات شي ء من العلم و الفقه و الفضل لكلّ إمام جماعة- مع أنّه ممنوع- يجعل العلّة لغوا.

و كون العلل الشرعيّة معرّفات إنّما هي في الأدلّة و الأسباب، دون ما يعلّل به الأحكام، فإنّ الأصل فيها العلّية الحقيقية التامّة.

______________________________

(1) العلل: 264، العيون 2: 109، الوسائل 7: 312 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 6 ح 3 و 39 ب 25 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 30

و تعميم الأمير لكلّ من يصلح لأمر و لو للأمر بالمعروف، خلاف الظاهر، بل هو جدّا بارد.

و ضعف بعض هذه الأخبار- لو سلّم- بما مرّ مجبور.

و هنا أمور أخر، كلّ منها يؤيّد المطلوب قويّا، بل باجتماعها يحصل العلم به، كعبارة الصحيفة السجّادية في دعاء الجمعة و الأضحى «1».

و ما روي عن أهل البيت عليهم السلام: «أنّ في كلّ جمعة وعيد يتجدّد حزن لآل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله، لأنّهم يرون حقّهم في يد غيرهم» «2».

فإنّه لو لا أنّ صلاة اليومين من حقّ الإمام فأيّ حقّ يرى في اليومين لا يرى في غيرهما من الأيّام. و تداول إبراز الأمراء عظمتهم و شوكتهم فيهما لا يفيد؛ لأنّ الشوكة ليست حقّا لشخص، مع أنّها ترى في سائر الأيّام أيضا.

فذلك صريح في المطلوب، إلّا أنّه لما كان المرويّ في التهذيب بدون لفظ الجمعة، و إنّما روي معه في طائفة من كتب الأصحاب جعلناه مؤيّدا.

و النبويّين «3»: أحدهما: «أربع إلى الولاة: الفي ء، و الحدود، و الجمعة، و الصدقات» و الآخر: «إنّ الجمعة و الحكومة لإمام المسلمين».

و استمرار عمل النبيّ و الوليّ و غيرهما

من المتمكّنين في تعيين إمام الجمعة.

و صحيحة زرارة: حثّنا أبو عبد اللَّه عليه السلام على صلاة الجمعة حتّى ظننت أنّه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدو عليك؟ فقال: «لا، إنّما عنيت عندكم» «4».

و موثقّة عبد الملك: قال: «مثلك يهلك و لم يصلّ فريضة فرضها اللَّه تعالى»

______________________________

(1) و هي: «اللّهم إنّ هذا المقام لخلفائك و أصفيائك و مواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها، قد ابتزّوها ..».

(2) التهذيب 3: 289- 870، الوسائل 7: 475 أبواب صلاة العيد ب 31 ح 1.

(3) لم نجدهما في الكتب الحديثية التي بأيدينا، و أورد النبوي الأول في المنتهى 1: 317 عن الجمهور، و أوردهما في الرياض 1: 183 معبّرا عنهما بالنبويين المشهورين.

(4) التهذيب 3: 239- 635، الاستبصار 1: 420- 1615، الوسائل 7: 309 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 31

فقلت: كيف أصنع؟ قال: «صلّوا جماعة، يعني صلاة الجمعة» «1».

دلّتا على ترك زرارة و عبد الملك لها، و مثلهما لا يتركان الفريضة الكذائية لو لا لها شرط لم يتمكّنا منه، سيّما مع قراءتهما سورة الجمعة، و رواية زرارة أكثر أخبار وجوبها. و لا يمكن أن يكون تركهما للتقيّة؛ لأنّها إن أمكن لهما بدونها فلا معنى للتقيّة، و إلّا فلا معنى للحثّ على ترك التقيّة.

مع أنّ في قول زرارة: حتى ظننت أنّه يريد أن نأتيه، دلالة واضحة على المطلوب، إذ لو لا أنّها منصبه لما كان لذلك الظنّ و قوله: «نغدو عليك» وجه، بل كان المناسب أن يقول: حتّى ظننت أنّه يجوز فعلها عقيب الفاسق أيضا.

و أظهر منه قول عبد الملك: فكيف أصنع، حيث تحيّر و اضطرب، و لو لا اشتراط إذن الإمام

لم يكن لذلك وجه. و ظاهر أنّه لم يكن مراده كيف أصنع مع وجود التقيّة، إذ لم يكن جوابه حينئذ «صلّوا جماعة».

و حسنة محمّد و زرارة: «تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين» «2».

و نحوها حسنة محمّد، و زاد فيها: «فإن زاد على ذلك فليس عليه شي ء» «3».

و غيرهما ممّا دلّ على أنّها لا تجب على من كان بينه و بينها أزيد من فرسخين؛ فإنّه لو لا كون الجمعة منصب شخص معيّن لم يكن لها موضع معيّن، و لم يكن لنفي وجوبها عمّن بعد عنها بالزائد عن الفرسخين على الإطلاق وجه.

و أيضا: من الأمور البديهيّة وقوع الاختلاف بين الفقهاء في نفس العدالة، و موجباتها، و نواقضها، و الكبائر، و أصالة الفسق و العدالة، بحيث لا يكاد يتحقّق فقيهان متفقان في جميع ذلك. و لا شكّ أنّ الفاقد للمرتبة العليا فاسق عند المشترط

______________________________

(1) التهذيب 3: 239- 638، الاستبصار 1: 420- 1616، الوسائل 7: 310 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 5 ح 2.

(2) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 2، التهذيب 3: 240- 643، الاستبصار 1:

421- 1620، الوسائل 7: 309 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 4 ح 5.

(3) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 3، التهذيب 3: 240- 641، الاستبصار 1:

421- 1619، الوسائل 7: 309 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 4 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 32

لها في العدالة، و الأغلب في البلاد سيّما الكبيرة و ما حواها وجود فقهاء كثيرة، و لا أقلّ من فقيهين، أو وجود مقلّدي فقهاء أخر.

و على هذا فنقول: لو لم يشترط الإمام، و وجب عينا على الأعيان، فلا يخلو إمّا يجب على

الجميع الائتمام بواحد، و لو كان فاسقا عنده، أو لا.

و الأوّل باطل.

و على الثاني فإمّا يجب على الجميع الائتمام بصاحب المرتبة العليا، أو لا.

و الأوّل فاسد؛ للإجماع القطعيّ على عدم اشتراط ذلك الشرط.

و على الثاني فإمّا تجب على كلّ إقامة جمعة مع مقلّديه، أو مع من يقلّد مجتهده في بلد واحد، أو لا.

و الأوّل غير جائز إجماعا، و كذا الثاني؛ للإجماع على عدم الاشتراط بعدم إقامة جمعة ممنّ ليس هو بعادل عنده، فلم يبق إلّا انتفاء الوجوب العينيّ.

و لو قلنا بعدم جواز ائتمام المجتهد أو مقلّده بمجتهد آخر أو مقلّده، المخالف له في بعض مسائل الصلاة- كما اختاره بعضهم- سيّما مع ظهور أنّه لا يتفق مجتهدان متفقان في جميع مسائل الصلاة و مقدّماتها، يصير المحذور أشدّ، و المطلوب أوضح.

و أيضا: من البديهيّات وجود عدول عديدة صالحين لإمامة الجماعة و الخطبة في أكثر البلاد و ما يقربها إلى فرسخين، حتّى نشاهد إقامة قريب من مائة صلاة الجماعة في المدن الكبيرة و قرأها.

و على هذا فنقول: لو وجبت الجمعة عينا، و لم تكن منصبا لمعيّن يجب على الكلّ الحضور إلى جمعته، فإمّا أن يكون بناء أحد هؤلاء العدول على إمامة الجمعة، أم لا.

فعلى الأوّل إمّا يجب على الباقين الحضور إلى جماعته، أم لا.

و الأوّل باطل قطعا؛ ضرورة عدم دليل على أنّ إرادة واحد لها و بناءه يوجب تعيينه و عدم جواز إمامة غيره ممّن هو مثله.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 33

و على الثاني- و كذا على عدم بناء واحد منهم على الإمامة- إمّا لا يجب عليهم تعيين إمام لها قبل الزوال، أو يجب.

و الأوّل باطل؛ لأنّه إذا لم يجب عليهم ذلك، فإذا دخل الزوال إمّا

تجب إمامة الجمعة على كلّ هؤلاء العدول، أو على واحد مع عدم إمكان درك الجميع جمعته من رأس الفرسخين أو الفرسخ، بل الأقلّ أيضا سيّما مع عدم الاطّلاع و القسمان باطلان.

و على الثاني، أي وجوب التعيين قبل الزوال- فمع عدم دليل عليه، و استلزامه مفاسد لو اختلفوا في التعيين، و لا دليل على ما يرفع شيئا منها- إمّا يجتمعون على تعيين واحد، أو لا، بل يتركون ذلك الواجب.

فعلى الأوّل إمّا لا يتعيّن شرعا بهذا التعيين، أو يتعين.

و الأوّل باطل؛ لاستلزامه انتفاء فائدة وجوب التعيين، بل عود المحذورات اللازمة على عدم وجوب التعيين.

و إن تعيّن شرعا فإمّا لا تبطل جمعة غيره لو شرع فيها بعد التعيين، أو تبطل.

و الأوّل ينفي فائدة وجوب التعيين، و تعود المحذورات، و الثاني يوجب زيادة شرط في إمام الجمعة لم يقل به أحد.

و إن لم يجتمعوا على التعيين حتّى دخل الزوال، فإمّا تجوز لكلّ منهم إقامة الجمعة، أو لواحد منهم.

و القسمان باطلان كما مرّ.

فلم يبق إلّا عدم وجوب الجمعة إلّا مع من عيّنه اللَّه سبحانه.

و أيضا: من الضروريّات اشتراط العدالة في إمام الجمعة، و على هذا فإمّا يجب على كلّ من في البلد و ما دون الفرسخ من القرى تحصيل العلم بعدالة واحد معيّن شرعا، أو لا.

و الأوّل باطل، سيّما في المدن الكبيرة الكثيرة القرى، كأصبهان و شام

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 34

و قسطنطنية و نحوها؛ إذ حصول ذلك ليس اختياريا، سيّما مع اختلاف العلماء في العدالة و منافياتها، فالتكليف به تكليف بغير الاختياريّ.

فتعيّن الثاني، و حينئذ فإذا لم تظهر عدالة الإمام لجماعة بل للأكثر، كما هو الأغلب، فإمّا تجب عليهم إقامة جمعة أخرى، أو تسقط الجمعة عنهم.

و القسمان

باطلان، أمّا الأوّل، فللزوم إقامة جمعتين فيما دون فرسخ، بل في مسجد و هو باطل، سيّما مع عدم العلم ببطلان جمعة اخرى، و أمّا الثاني فظاهر.

فإن قيل:

يجب عليهم الخروج إلى ما فوق الفرسخ.

قلنا

- مع أنّه لا دليل عليه، و أنّه في الأكثر يورث الفتنة-: قد لا يمكن الخروج لحرّ أو برد أو خوف، أو تقام الجمعة أيضا من مجهول لهؤلاء فيما فوق الفرسخ، أو لم ييأسوا من ظهور عدالة الأوّل إلى أوّل الزوال، أو لم يعيّن الإمام إلّا حينئذ، مع أنّ اجتماع جميع هؤلاء على واحد أيضا قد لا يتيسّر، فيلزم خروج جماعات إلى أطراف، إلى غير ذلك من المفاسد. فيلزم أن يكون منصب إمامة الجمعة معيّنا من جانب اللَّه سبحانه.

و الإنصاف أنّ هذه الوجوه من الأدلة القويّة على نفي الوجوب العينيّ في زمن الغيبة.

و ممّا يؤكّد نفيه: أنّه كان النبيّ و الخلفاء بعده يعيّنون لصلاة الجمعة، كما كانوا يعيّنون للأمارة و الحكومة.

و ممّا يؤكّده أيضا: كثرة الأخبار الدالّة على الوجوب بزعم الموجبين، مع ذهاب أكثر المتقدّمين و المتأخّرين إلى نفيه، و عدم العمل بها مع اطّلاعهم على هذه الأحاديث.

و أيضا:

يحكم العرف و العادة بأنّ صلاة الجمعة لو كانت واجبة كصلاة العصر، و سائر الصلوات اليوميّة لشاع ذلك، بحيث لا يشكّ فيه أحد، بل صار من الضروريّات كسائر الصلوات، و لم يكن بهذه المثابة حتّى إنّه لم يفعلها من العلماء الإمامية في قريب من ألف سنة إلى زمن الشهيد الثاني، و لم يشتهر وجوبها،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 35

بل ذهب كثير منهم إلى حرمتها.

فإن قيل:

لعلّ التقيّة كانت مانعة.

قلنا:

هل التقيّة فيه كانت أشدّ منها في أمر المتعة؟ مع كونها مستحبّة، و مع ذلك صار

ضروريّا. و كذا مسح الرجلين، و السجود على الأرض، و عدم جواز التكفير، إلى غير ذلك.

احتجّ المثبتون للوجوب العيني بوجوه:
الأوّل: الآية

. و قد عرفت عدم دلالتها «1»

و الثاني: الاستصحاب

، فإنّ الجمعة كانت واجبة في زمن النبي صلّى اللَّه عليه و آله و خلفائه فيستصحب.

و يردّ أولا:

بمعارضته باستصحاب وجوب الظهر و عدم وجوب الجمعة، فإنّ قبل إيجاب الجمعة كان الظهر واجبا، و الجمعة غير واجبة، فإنّه علم انتفاء لأوّل و ثبوت الثاني إلى زمان تمكّن المعصوم، و لم يعلم فيما بعده، فيستصحب وجوب الأوّل و عدم وجوب الثاني.

و ثانيا:

بمعارضته باستصحاب وجوب الظهر في زمان نزول الجمعة على من لم يتمكّن من حضور جمعة المعصوم.

فإن قلت:

لا ينافي ذلك عند من يشترط المعصوم في عهده لكلّ أحد، و لو لم يتمكّن الحضور إلى جمعته.

قلنا:

فيسقط استصحابك رأسا؛ إذ على هذا يكون الاشتراط في عهده مسلّما، و لا يجري الاستصحاب في الواجب المشروط.

و ثالثا:

بأنّ الأصل في الواجب ما دام الوصف كونه بشرطه، فلا يجري الاستصحاب. إلّا أنّ تمامية ذلك إنّما هي على ما يأتي من عدم تماميّة دلالة الظواهر على وجوب الجمعة مطلقا. و إلّا فلا يتمّ؛ لأنّ الواجب ما دام الوصف لو ثبت

______________________________

(1) راجع ص 9

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 36

بالإطلاق، فالأصل فيه ليس كونه بشرطه.

و رابعا:

بانتفاء الاستصحاب بما مرّ من الأدلّة على الاشتراط.

و قد يجاب عن الاستصحاب أيضا: بتغيّر الموضوع، فإنّ موضوع الوجوب الموجودون في زمانهم، و النزاع في غيرهم.

و يضعّف:

بفرض الكلام في شخص واحد مدرك للزمانين، و يتمّ المطلوب بالإجماع المركّب.

الثالث: أصل عدم اشتراط المعصوم

، فإنّه لا خلاف في اشتراط إمام الجماعة، و الشك في اشتراط الزائد، فينفى بالأصل.

و جوابه أوّلا:

أنّه إن أريد إجراء الأصل من دون ملاحظة ما يدّعيه من إطلاقات وجوب الجمعة الآتية، فالأصل مع الاشتراط؛ لأصالة عدم الوجوب بدون الشرط.

و إن أريد إجراؤه بملاحظة الإطلاقات، فهو إنّما يتمّ إن تمّت دلالتها على وجوب

صلاة الجمعة مطلقا، ثمَّ على ثبوت أنّ صلاة الجمعة صادقة على ما يقتدى فيه بغير إمام الأصل، و سيأتي عدم التماميّة.

و ثانيا:

أنّ الأصل إنّما يعمل به إذا لم يكن هناك دليل يخرج عنه، و إنّا قد بينّا الدليل على اشتراط إمام الأصل أو نائبه، و لو منع صراحة ما مرّ فيه فغايته الإجمال، و به تخرج مطلقات وجوب الجمعة عن الحجيّة.

سلّمنا حجيّة المخصّص بالمجمل، و لازمه حجيّة مطلقات الظهر أيضا، كالمروي في الكافي في باب التفويض: إنّ الرسول زاد ركعتين في الظهر و العصر و العشاء، فلا يجوز تركهنّ إلّا في سفر، و لم يرخّص رسول اللَّه لأحد تقصير الركعتين اللتين ضمّهما، بل ألزمهم إلزاما واجبا، و لم يرخّص لأحد في شي ء من ذلك إلّا للمسافر «1».

و صحيحة زرارة: «عشر ركعات: ركعتان من الظهر، و ركعتان من

______________________________

(1) الكافي 1: 266 الحجّة ب 52 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 37

العصر، و ركعتا الصبح، و ركعتا المغرب، و ركعتا العشاء الآخرة، لا يجوز الوهم فيهن»- إلى أن قال-: «و هي الصلاة التي فرضها اللَّه على المؤمنين في القرآن، و فوض إلى محمّد صلّى اللَّه عليه و آله، فزاد النبي في الصلاة سبع ركعات» «1».

و موثّقة سماعة: «إذا زالت الشمس فصلّ ثماني ركعات، ثمَّ صلّ الفريضة أربعا، فإذا فرغت من سبحتك، قصرت أو طوّلت، فصلّ العصر» «2».

و صحيحة محمّد بن أحمد: «إذا زالت الشمس، فقد دخل وقت الصلاة، و بين يديها سبحة، و هي ثمان ركعات، فإن شئت طوّلت و إن شئت قصرت، ثمَّ صلّ الظهر» «3» إلى غير ذلك.

فتتعارضان بالعموم من وجه، و يرجع في مورد التعارض إلى التخيير.

الرابع: الروايات العديدة:

كصحيحة زرارة: «فرض اللَّه تعالى

على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا و ثلاثين صلاة، منها صلاة [واحدة] «4» فرضها اللَّه عزّ و جلّ في جماعة، و هي الجمعة» «5».

و صحيحة أبي بصير و محمّد: «إنّ اللَّه فرض في كل سبعة أيام خمسا و ثلاثين صلاة، منها صلاة واجبة على كلّ مسلم أن يشهدها إلّا خمسة» «6».

و اخرى لزرارة: على من تجب الجمعة؟ قال: «على سبعة نفر من المسلمين، و لا جمعة لأقلّ من خمسة من المسلمين، أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعة و لم

______________________________

(1) الكافي 3: 273 الصلاة ب 3 ح 7، الوسائل 4: 49 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 12.

(2) التهذيب 2: 245- 976، الاستبصار 1: 249- 895، الوسائل 4: 134 أبواب المواقيت ب 5 ح 11.

(3) التهذيب 2: 249- 990، الاستبصار 1: 254- 913، الوسائل 4: 134 أبواب المواقيت ب 5 ح 13.

(4) في النسخ: واجبة، و ما أثبتناه موافق للمصادر.

(5) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 6، الفقيه 1: 266- 1217، التهذيب 3: 21- 77، الوسائل 7: 295 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 1 ح 1.

(6) الكافي 3: 418 الصلاة ب 73 ح 1، الوسائل 7: 299 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 1 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 38

يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم» «1».

و ثالثة له قد تقدّمت «2»: «لا تكون الخطبة و الجمعة و صلاة ركعتين على أقل من خمسة رهط: الإمام و أربعة».

و رابعة له قد تقدّمت أيضا «3»: «صلاة الجمعة فريضة، و الاجتماع إليها فريضة مع الإمام، فإن ترك رجل ثلاث جمع من غير علّة فقد ترك ثلاث فرائض».

و صحيحة منصور: «يجمّع القوم إذا كانوا

خمسة فما زاد»- إلى أن قال-:

«الجمعة واجبة على كلّ أحد، و لا يعذر الناس فيها إلّا خمسة» «4».

و صحيحة زرارة أيضا: «الجمعة واجبة على من إن صلّى الغداة في أهله أدرك الجمعة» «5».

و صحيحة عمر بن يزيد: «إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في جماعة، و ليلبس البرد و العمامة» «6».

و صحيحة أخرى لأبي بصير و محمّد: «من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات طبع اللَّه على قلبه» «7» و قريبة منها روايات أخر.

______________________________

(1) الفقيه 1: 267- 1218، الوسائل 7: 304 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 2 ح 4.

(2) في ص 23.

(3) في ص 23.

(4) التهذيب 3: 239- 636، الاستبصار 1: 419- 1610، الوسائل 7: 304 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 2 ح 7.

(5) التهذيب 3: 240- 642، الاستبصار 1: 421- 1621، الوسائل 7: 307 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 4 ح 1.

(6) التهذيب 3: 245- 664، الاستبصار 1: 418- 1607، الوسائل 7: 341 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 24 ح 2.

(7) التهذيب 3: 238- 632، المحاسن: 85- 22، الوسائل 7: 299 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 1 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 39

و النبوي المروي في بعض الكتب: «كتب عليكم الجمعة فريضة واجبة إلى يوم القيامة» «1».

و الآخر: «لينتهينّ أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمنّ اللَّه على قلوبهم» «2».

و الثالث خطبته عليه السلام: «إنّ اللَّه فرض عليكم الجمعة، فمن تركها في حياتي أو بعد مماتي و له إمام عادل، استخفافا بها أو جحودا لها، فلا جمع اللَّه شمله، و لا بارك له في أمره» «3» الحديث.

و صحيحة محمّد المتقدّمة: «تجب الجمعة على من كان منها على رأس

فرسخين، و معنى ذلك إذا كان إمام عادل» «4».

و صحيحة زرارة السابقة أيضا، المصدّرة بقوله: حثّنا أبو عبد اللَّه ..» «5».

و موثّقات البقباق، و سماعة، و عبد الملك المتقدمة جميعا «6»، و غير ذلك ممّا هو بمضمون ما مرّ أو قريب منه.

و الجواب عنها

- مع أنّ بعض هذه الأخبار خطاب مشافهة، و لا يثبت العموم فيها- إمّا بالخصوص أو الكلّية.

أمّا الأوّل:

فأمّا عن الاولى:

فبعدم دلالتها على أزيد من أنّ بعضا من الخمسة و الثلاثين الواجبة من الجمعة إلى الجمعة صلاة الجمعة، و هو أعمّ من أن يكون واحدا منها، أو فردا من واحد، فإنه إذا كانت الجمعة واجبة في بعض

______________________________

(1) المعتبر 2: 277، الوسائل 7: 301 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 1 ح 22، و قريب منه في كنز العمّال 7: 721- 21092.

(2) صحيح مسلم 2: 591- 865.

(3) سنن ابن ماجه 1: 343- 1081.

(4) راجع ص 23.

(5) راجع ص 30.

(6) راجع ص 22، 21، 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 40

الأوقات، و الظهر في بعض، أو الأوّل على بعض الأشخاص- كما في زمن الغيبة على من يحضر عند الإمام الغائب من أولاده و أصحابه- و الثاني على بعض آخر، فلا محالة تكون الجمعة بعضا من الخمسة و الثلاثين.

و لو لم تصدق البعضيّة على مثل ذلك، لم تصدق على صلاة الجمعة أصلا؛ لعدم وجوبها في شي ء من الأزمنة على قرية ليس فيها من لا يصلح للإمامة، أو طائفة كذلك، و لا على المرأة و المسافر، و المملوك و المريض و غير ذلك.

و الحاصل: أنّا نسلم وجوب الخمسة و الثلاثين صلاة في كلّ جمعة إلى الجمعة على الناس، و أنّ بعضا منها صلاة واجبة تجب فيها

الجماعة، و لكن لا نسلّم أنّ هذا البعض واجب على الكلّ؛ لصدق البعضيّة بوجوبه «1» في الجملة.

بل لا يمكن أن يراد أنه واجب على الكلّ؛ ضرورة عدم وجوبه على كثير من الناس. و لا يمكن أن يقال: خرج ما خرج بالدليل؛ لأنّ هذا إنّما هو على تقدير وجود لفظ عامّ، كأن يقول: منها صلاة واجبة على الكلّ، و ليس كذلك، بل يجب التقدير، فلا يقدّر إلّا ما علم وجوب تقديره، فمن أين يقدّر ما يعمّ فاقد الإمام أيضا؟.

مع أنّ في كثير من النسخ هكذا: «فرض اللَّه تعالى على أولئك الناس» و على هذا، فيسقط الاستدلال رأسا؛ لجواز أن يكون إشارة إلى أهل زمانه عليه السلام.

و أمّا عن الثانية:

فبأنّا نسلّم أنّ بعضا من الخمسة و الثلاثين ممّا يجب على كلّ مسلم أن يشهدها و يحضرها، و لكن بيّن لنا ذلك البعض، هل هو الركعتان الصادرتان من مطلق إمام الجماعة، أو من إمام الأصل؟.

و وجوبه على كلّ مسلم لا يدلّ إلّا على وجوبه عليهم عند تحقق شرائطه، ألا ترى أنّه يصحّ أن يقال: إنّ الصلوات الواجبة كثيرة، منها ما يجب على كلّ

______________________________

(1) في «ق»: بوقوعه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 41

مسلم، و هو صلاة الزلزلة، مع أنّه قد لا تتحقّق الزلزلة في مائة سنة إلّا مرّة واحدة، و لا تقع في بعض الأصقاع أصلا.

مع أنّ قوله: «كلّ مسلم» متعلّق بقوله: «أن يشهدها» و الشهود يتوقّف على التحقّق، فالمعنى: يجب على كلّ مسلم أن يشهدها لو تحقّقت. و لا نزاع في ذلك.

و تفسير «يشهدها» بأن يفعلها خلاف الحقيقة.

و أمّا عن الثالثة و الرابعة و الخامسة:

فبتعليق الوجوب فيها على الإمام و هو لو لم يكن ظاهرا في إمام

الأصل، يكون محتملا له قطعا، فلا يعلم الوجوب بدونه.

و لا يفيد إطلاق البعض في قوله: «أمّهم بعضهم» في أولاها؛ إذ ظاهر أنّ الإضافة فيه للعهد، إذ هذا البعض هو الإمام الذي ذكره بقوله: «أحدهم الإمام» مضافا إلى احتمال كون الذي من كلام الصدوق.

مع أنّ ما يدلّ على الوجوب في الاولى و هو قوله: «على سبعة نفر» لا عموم فيه، و ما فيه العموم و هو قوله: «فإذا اجتمع ..» لا دلالة فيه على الوجوب.

و في الثانية لا دلالة إلّا على نفي الوجوب على الأقلّ من خمسة، و أمّا الوجوب على كلّ خمسة فلا.

و أمّا عن السادسة:

فبعدم دلالة صدرها على وجوب أصلا؛ لخلوّه عن الدالّ عليه، مع ما فيه من إجمال التجميع، لما يأتي.

و أمّا ذيلها فلم يوجب إلّا الجمعة، و هي حقيقة في اليوم المعهود مجاز في غيره، و المعنى المجازي المراد له عليه السلام غير معلوم لنا، فكما يمكن أن يكون الركعتين مع إمام الجماعة، يمكن أن يكون ما كان مع إمام الأصل، أو ما كان يصلّى في زمان الظهور، و هو ما كان مع الخلفاء و الولاة. و ظهورها في هذا الزمان في مطلق صلاة الجمعة- لو سلّم- لا يفيد؛ لأصالة عدم الظهور في زمان الصدور.

و منه يظهر الجواب عن السابعة أيضا

، مضافا إلى أنّ الوجوب فيها غير باق

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 42

على معناه الحقيقي؛ ضرورة عدم الوجوب على كلّ من إن صلّى الغداة في أهله أدرك الجمعة.

و تخصيص الوجوب بمن كان على أقلّ من فرسخين، ليس أولى من التجوّز في الوجوب، مع أنّه لا يلائم تتمّة الحديث حيث قال عليه السلام: «و كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و

آله إنّما يصلّي العصر في وقت الظهر في سائر الأيّام كي إذا قضوا الصلاة مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله رجعوا إلى رحالهم قبل الليل».

فإنّ مع التخصيص المذكور لم يكن الرجوع موقوفا على التأخير.

و أمّا عن الثامنة:

فبعدم عموم فيها أصلا؛ لعدم تعيّن المرجع في قوله:

«كانوا» و «ليلبس» عندنا، فلعلّه كان من فيهم إمام الأصل، و إرجاعه إلى المسلمين أو الناس لا دليل عليه، مضافا إلى أنّ عطف ما ليس بواجب قطعا على قوله «فليصلّوا» يوهن في وجوبه أيضا.

و أمّا عن التاسعة و ما بمعناها:

مع ضعف أكثرها سندا، فبعدم الدلالة على الوجوب أصلا؛ إذ قد تحصل من ارتكاب المكروه أو ترك المستحب كدرة في القلب أيضا، و لذا ورد أشدّ من ذلك في ترك بعض المستحبات أيضا، سيّما مع أنّه رتّب الطبع و ما بمعناه على ترك ثلاث جمع المتّصفة بالمتوالية، و سيّما مع التقييد في بعض تلك الروايات بتركها تهاونا بها.

مضافا إلى أنّ إرادة الركعتين مع الخطبتين من لفظ الجمعة- الحقيقة في اليوم- غير معلومة بل إرادتهما مع صدورهما عن الإمام ممكنة، بل يمكن أن يكون المراد غسل الجمعة أيضا.

و منه يظهر الجواب عن العاشرة و الحادية عشرة

، مع أنّهما خاليتان عن العموم جدّا، بل ذكر الودع في الثانية صريح في حصوله، فهو مخصوص بأيّام حياته.

و عن الثانية عشرة:

مع ما مرّ، أنّ فيه قيد الإمام العادل، و قد عرفت ظهوره في المعصوم، و قيد الاستخفاف و الجحود، و هو مسلّم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 43

و أمّا عن الثالثة عشرة:

فبما مرّ أيضا، من قيد الإمام العادل.

و أمّا عن البواقي:

فبأنّها على نفي الوجوب أدلّ، و لذا النافي له بها استدلّ، كما مرّ في

دليل القول الأوّل.

مع أنّ شيئا منها لا يدلّ على الوجوب على الجميع:

أمّا الثلاثة الأولى، فلخلوّها عن لفظ الوجوب، أو الأمر الدالّ عليه، بل أولاها متضمّنة للفظ «الحثّ» الظاهر في الاستحباب.

و أمّا الأخيرة، فلعدم دلالتها على عموم الوجوب، فلعلّه على من كان يتمكّن من الائتمام بإمام الأصل، أو الاستئذان منه.

و ممّا ذكر يظهر الجواب عن سائر ما لم يذكر أيضا، فإنّها بين ضعيفة و خالية عن الدالّ على الواجب أو عمّن تجب عليه، و متضمّنة للفظ الجمعة المحتملة لأن يكون تجوّزها ما وقع مع الإمام أو نائبه و نحو ذلك.

و أمّا الثاني

- أي: الجواب عن الجميع كلّيا- فتارة

بعدم حجيّة شي ء منها على فرض الدلالة؛ لمخالفتها الشهرة القديمة الموجبة لخروجها عن الحجيّة.

و اخرى:

بخروجها عن الحجيّة لتخصيصها بما مرّ من الأخبار الدالّة على اشتراط الإمام، أو من يخطب زائدا على من يصلح للجماعة، و قد عرفت احتمالهما لإمام الأصل لو لا تعيّنهما له، و المخصّص بالمجمل ليس بحجّة في مقام الإجمال قطعا، فيعمل فيه بأصالة عدم الوجوب.

و ثالثة:

بعدم إفادتها لمطلوبهم؛ إذ غايتها وجوب صلاة الجمعة (على كلّ أحد) «1» عينا و هو ممّا لا شكّ فيه، و إنّما الكلام في صلاة الجمعة إنّها ما هي؟.

و الخصم يقول: إنّها ما وقع مع الإمام، أو بإذنه، و لا تفيد هذه الأخبار في ردّه.

أمّا على القول بكون العبادات أسامي للصحيحة فظاهر.

و أمّا على القول بالأعمّ فبعد بيان مقدمة، هي:

______________________________

(1) ما بين القوسين يوجد في «ح» فقط.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 44

أنّ أجزاء العبادات على القول بكونها أسامي للأعم على قسمين: ما يعلم انتفاء المسمّى بانتفائه قطعا، كالركوع و السجود بالنسبة إلى الصلاة، و ما يعلم عدم انتفائه بانتفائه كذلك،

كذكر الركوع.

و قد يكون هنا قسم ثالث، و هو: ما يشكّ في كونه ممّا ينتفي المسمّى بانتفائه أم لا، كما إذا لم ينضبط المعنى العرفي في لفظ في زمان، أو انضبط فيه و شكّ في معناه في الزمان السابق و لم تجر أصالة الاتّحاد، كما في ما نحن فيه على القول بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ صلاة الجمعة، لو سلّم فيها الحقيقة المتشرعة في هذا الزمان في الأعمّ ممّا كان مع الإمام.

فما كان من القسمين الأولين فحكمه ظاهر.

و ما كان من الثالث فتجري فيه أصالة عدم الجزئية بواسطة أصالة عدم الوجوب إن لم يكن موقوفا عليه لوجوب سائر الأجزاء، و أصالة الجزئية بواسطة أصالة عدم وجوب السائر بدونه إن كان موقوفا عليه له، كما في ما نحن فيه.

و الحاصل: أنّ الوضع للأعمّ إنّما هو في ما إذا لم يكن الجزء ممّا احتمل كونه سببا للتسمية، و أمّا معه فلا.

ألا ترى أنّه إذا وضع اسم لعبد، ثمَّ تغيّر لون العبد، و اصفرّ بعد الحمرة، لا يتغيّر الموضوع له؟ بخلاف ما إذا وضع لفظ لعبد أحمر من جهة أنه أحمر، فلا يطلق اللفظ بعد زوال الحمرة، و كذا لو شك أنّه هل هو موضوع لمطلق العبد أو للأحمر منه. نعم لا يختلف الإطلاق لو تغيّر حمرة يده مثلا.

فإنّا نعلم أنّ إطلاق الصلاة على الأركان المخصوصة و الأجزاء المعلومة ليس لأجل خصوص السورة أو ذكر الركوع مثلا، و لكن نعلم أنه موضوع لمعنى هما جزءان له، فيختلف في أنّه هل المعنى القدر المشترك أو مع هذا الجزء، فالحقّ القدر المشترك.

و الملخّص:

أنّ النزاع في الوضع للصحيح أو الأعمّ إنّما هو فيما إذا علم وضع لفظ لشي ء أو استعماله

فيه مجازا، و شكّ في أنّ المستعمل فيه أو الموضوع له

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 45

هو بتمام أجزائه أو لا؛ و أمّا لو شكّ في أنّ الموضوع له أو المستعمل فيه هل هو هذا الشي ء لأجل هذا الجزء أو الشرط فلم يقل أحد بأنه للأعم.

و لو شئت التوضيح فانظر إلى لفظ وضع لكتاب، فإنّه لا تتغيّر التسمية لو وجد فيه أغلاط و تروك و لا يقال إنّه موضوع للصحيح، بخلاف ما إذا وضع لفظ له من جهة أنّه صحيح غاية الصحة.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّا لو سلّمنا كون صلاة الجمعة حقيقة في الأعم مما كان مع الإمام في هذا الزمان، فلا نسلّمه في زمان الشارع؛ لجواز أن يكون معناه حينئذ ما كان معه، و لم تثبت فيها الحقيقة الشرعية حتّى يحكم باتحادها مع عرف هذا الزمان بأصالة عدم النقل، فلا نعلم أنّها هل هي ما كان مع الإمام أم لا، و لا بعد في ذلك، كما أنّ صلاة الجماعة لا تصدق إلّا مع الائتمام بإمام و لو تحقق جميع الأجزاء من إقامة الصفوف و غيرها، بل قد ينتفي المسمّى بانتفاء أقلّ من ذلك، كمجرد قصد الصلاة، فإنّ بانتفائه ينتفي المسمّى و لو تحقّق جميع سائر الأجزاء.

و الحاصل: أنّه يمكن أن يكون المستعمل فيه ما كان مع الإمام لأجل أنه كذلك، و على هذا فلا يدلّ ما دلّ على وجوب صلاة الجمعة على وجوب ما لا إمام فيه أو نائبه أصلا؛ إذ لا نسلّم أنه صلاة جمعة.

و رابعة:

بأنّه لا دخل لهذه الأخبار بالمطلوب أصلا؛ إذ لا نزاع لأحد في وجوب صلاة الجمعة، بل هو من ضروريات الدين، و لا في عدم اختصاصه بزمان دون

زمان من حيث هو زمان، بل الكلّ قائلون بوجوبها في كلّ زمان من حيث هو هذا الزمان، و إنّما الاختلاف في شرط من شرائطها أنّه هل هو الاقتداء بالمعصوم أو نائبه، أم لا.

و هل الاستدلال بهذه الأخبار على مطلوبكم إلّا كمن استدلّ على عدم اشتراط العدالة في إمام الجماعة بعمومات مرغّبات الجماعة؟ أو كمن استدلّ بعمومات وجوب الحجّ على وجوبه مع سدّ الطريق أيضا؟ ألا ترى أنّا نقول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 46

بوجوب الحجّ إلى يوم القيامة، و لا ينافيه لو فرض سدّ الطريق أو منع التقية عن الحج في ألف سنة.

و الحاصل أنا نقول: إنّ اللَّه سبحانه جعل لنا إماما بعد إمام إلى يوم القيامة، بحيث لم يخل زمانا عنه، و نهى عباده عن الإتيان بما يقتضي غيبته و استتاره، و أمرنا بصلاة معه كذلك؛ و حصول الحرمان عن خدمته بعصيان الأمّة و إيجابه تعطيل واجب مشروط به بسوء أعمالنا لا ينافي دوام وجوبه، و لا أدري ما يقول الموجب في حقّ عدم وجوبها في بلاد التقية- التي هي أكثر بلاد الإسلام- و أزمنتها.

فإن قيل:

لا شكّ أنّ مفاد تلك الأخبار وجوبها في كلّ جمعة و على كلّ مسلم، سواء حضر المعصوم أم لا، و مقتضى الاشتراط اختصاص الوجوب بحال الحضور، فعموم الروايات يدفع الاشتراط.

قلنا:

هذا اشتباه نشأ من الخلط بين شرط الوجوب و شرط الصحّة، و كذا بين كون الشي ء مخصّصا للعامّ أم لا، و كونه من أفراد مخصّصة القطعي أم لا.

بيان ذلك: إنّ الشي ء إن كان شرطا لوجوب شي ء يكون موجبا لتخصيص عمومات وجوبه و مقيّدا لإطلاقاته لا محالة، بخلاف ما إذا كان شرطا لصحته، فإنّه لم يقل أحد بأنّ قوله تعالى

إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا .. مخصّص لقوله سبحانه أَقِيمُوا الصَّلاةَ 2: 43 نعم لما كان انتفاء شرط الصحة مستلزما لانتفاء المشروط الصحيح، فبانتفائه ينتفي التمكّن عن الإتيان بالمطلوب، و وجوبه مخصوص بحال التمكّن قطعا، فيكون انتفاء الشرط من أفراد عدم التمكن الذي خصّ العامّ به عقلا و شرعا قطعا.

و الحاصل: أنّا لا ندعي أزيد من أنّ الائتمام بالمعصوم أو نائبه شرط لصحّة الجمعة، فإذا لم يتمكن المكلف منه فنقول: إنّ عمومات وجوب الجمعة مخصّصة- باعترافك- بحال التمكّن من صحيحها قطعا، و لذا لا يقول بوجوبهها عند فقد إمام عادل أو من يخطب أو العدد اللازم و نحوها، و نحن أيضا لا ندّعي أزيد من

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 47

ذلك.

نعم نحن نقول: إنّه يشترط في صحتها الائتمام بالمعصوم، فإذا لم يتمكن منه ينتفي التمكن من الجمعة الصحيحة، و أنت لا تقول به.

فليس النزاع إلّا في انتفاء إمكان الائتمام بالمعصوم، هل هو من أفراد عدم التمكّن من الجمعة المخصوصة عموماتها بغيره قطعا أم لا؟ و ليس ذلك نزاعا في التخصيص أصلا، فلا وجه للتمسك بالعمومات في دفعه.

فنحن و أنتم متفقون في اختصاص العمومات بحال التمكّن من الجمعة الصحيحة، و مختلفون في أنّ حال عدم إمكان الائتمام بالمعصوم هل هي حال التمكن أم لا؟ فأنت تقول بالتمكن، لعدم اشتراط الصحة به، و نحن نقول بعدمه، للاشتراط، و ليس في يدك شي ء يتمسّك به سوى أصالة عدم الاشتراط، و قد عرفت حالها.

و الحاصل: أنّ الأخبار المتقدمة و ما لم يذكر منها بأجمعها- على فرض الحجّية و الدلالة على الوجوب- بين دالّة على وجوب الجمعة في الجملة، أو على وجوبها المطلق، أو على وجوبها على كلّ أحد،

أو وجوبها أبدا.

و الاحتجاج بالأولى إنّما يصحّ في مقابلة من ينفي وجوبها رأسا.

و بالثانية في مقابلة من قال: إنّها واجبة مقيدة، نحو: إن كنت متوضئا فتجب عليك الصلاة.

و بالثالثة في مقابلة من قال: إنّها واجبة على طائفة خاصة، نحو: تجب الصلاة على المتطهرين.

و بالرابعة في مقابلة من قال: إنّها واجبة في زمان، ثمَّ نسخ، أو كان وجوبها مخصوصا ببعض الأزمنة، نحو: تجب الصلاة في زمان النبي.

و نحن لا نقول بشي ء من ذلك، بل نقول: إنّها واجبة مطلقة على كلّ أحد إلى يوم القيامة، و لكنّه مثل الصلاة بالنّسبة إلى الوضوء، حيث خلق اللَّه سبحانه الماء ثمَّ أمر كلّ أحد إلى يوم القيامة بالصلاة، و شرط فيها الوضوء، أي: أمر به

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 48

عندها، و نفى صحّتها بدونه، فكذلك جعل اللَّه سبحانه للأمة إماما بعد إمام إلى يوم القيامة و أمر الناس بطاعته و الاجتناب عمّا يوجب غيبته و استتاره. ثمَّ أمر كلّ أحد إلى يوم القيامة بصلاة الجمعة، و شرط فيها الاقتداء بذلك الإمام، و نفى صحتها بدونه.

بل نسبته إلى صلاة الجمعة كنسبة الترتيب في الوضوء بالنسبة إلى الصلاة؛ لاتّفاق الكلّ على اشتراط الإمام، و إنّما النزاع في وصف منه، فكما لا يعقل عن العالم الاحتجاج بأوامر الصلاة على من يقول بوجوب الترتيب في الوضوء، فكذا ها هنا. و هل يصحّ الردّ على الخصم هنا إلّا بنصّ يصرّح بعدم وجوب الترتيب، أو بأصالة عدم وجوبه؟.

و ليس هنا نصّ يصرّح بعدم وجوب الائتمام بالإمام أو نائبه، فلم يبق إلّا أصالة عدم وجوب الائتمام به. و هل يصحّ من فاضل الاستدلال في مقابل ذلك الخصم بالآيات و الروايات؟!.

نعم كما أنّه لو لم يتمكن

أحد من الطهارة المائية، أو من الترتيب فيها، و لم تثبت بدلية التيمم عنها، ينتفي التمكن من الصلاة المأمور بها، و لذا يسقط وجوبها، كذلك نقول: لو لم يتمكّن أحد من الائتمام بالإمام أو نائبه، ينتفي التمكن من صلاة الجمعة المأمور بها، و لذا تسقط. و هذا ليس من باب تخصيص مخصوص بعموماتها، بل هو من التخصيص بالتمكّن و القدرة الثابت باعتراف الخصم شرعا و عقلا فيها و في كلّ أمر.

فليس شي ء ينفع للخصم هنا إلّا أن يقول: إنّه لم يثبت الأمر بالاقتداء بالإمام أو نائبه، و هو أصل عدم اشتراط الصحّة؛ إذ عدم الثبوت لا يفيد بدون ضمّ الأصل. أو يقول: إنّه ثبت الأمر بالاقتداء بغير الإمام، و ليس له شي ء يدلّ على ذلك.

و بعبارة أخرى في أصل الجواب: المراد من هذه الأخبار و معناها:

إمّا وجوب الجمعة في الجملة، فهو مما لا كلام فيه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 49

أو وجوبها بشرائطها مجملة، فلا ينفع لك أصلا؛ إذ الواجب حينئذ الكلام في الشرائط، و ليس لك شي ء في ردّ هذا الشرط إلّا الأصل.

أو وجوبها بشرط عدم شرط، مطلقا أو إلّا بعض الشروط المذكورة، فيكون منافيا لمطلوبك من اشتراط كثير من الشرائط الغير المذكورة فيها، سيّما انتفاء التقية «1» و نحوها، فكيف لا يضرّ ذلك و يضرّ عدم ذكر شرط واحد آخر؟! فإنّ الفريقين قائلان بالوجوب و الكلّ يشترطون شروطا إلّا أنّا نشترط شرطا واحدا آخر، فكيف تصير هذه الأخبار ردّا علينا دون الباقين؟! و كيف يمنع شرط واحد عن الشمول دون شروط كثيرة؟!.

فإن قيل:

سلّمنا جميع ذلك، و لكن نقول: إنّه لا شكّ أنّ بواسطة عدم التمكّن من الشرط في غير زمان النبي و

الولي و قليل من زمان مولانا الحسن عليه السلام و أزمنة ظهور القائم، على القول بالاشتراط ينتفي التمكّن عن صلاة الجمعة المأمور بها، فيسقط وجوبها في جميع تلك الأزمنة التي هي أكثر بكثير من زمان التمكّن، فهل تحسن تلك التسديدات و التعميمات مع وجود مثل هذا التخصيص؟!.

قلنا؛

بعد النقض بأوامر الجهاد و عموماته، و الحدود، و وجود الإمام في كلّ عصر لدفع الشبهات و إقامة الحجج و الردع عن الباطل و نحو ذلك؛ أولا: أنّك تقول باشتراط الإمام العادل و العدد و المذكورة و الحريّة و الحضر و الصحّة، مع أنّه ليس الجامع لجميع هذه الشرائط مساويا للفاقد لها البتة، بل تقول باشتراط انتفاء التقية، و تسند عدم وقوع الجمعة من العلماء في جميع الأزمنة السالفة إلى التقية، مع أنّ التقية كانت قائمة في غير زمان النبي و الولي و قليل من زمان الحسن إلى قريب من هذه الأزمنة في جميع البلاد، بل إلى هذا الزمان في معظم بلاد الإسلام، بل غير شرذمة من ولايات العجم، فكيف لا يضرّ هذا التخصيص لك و يضرّ لنا؟!.

______________________________

(1) في جميع النسخ: انتفاء عدم التقية، و الظاهر زيادة كلمة «عدم».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 50

مع أنّا نقول:

إنّه لا علم لنا بلزوم خروج الأكثر أيضا، لإمكان كون أزمنة ظهور القائم عليه السلام أكثر بكثير من جميع تلك الأزمنة، بل هو الظاهر من الأخبار، بل يحتمل أن تكون في جميع أزمنة الغيبة للإمام بلاد و أصحاب كثيرة يقيمون الجمعة، كما يستفاد من بعض الحكايات «1».

هذا كلّه مع أنّ كل ذلك إذا قلنا بوضع صلاة الجمعة للأعم. و لكن إذا قلنا بالوضع للصحيحة، كما هو مذهب كثير من الأصحاب، أو قلنا

بأنّ خصوص الجمعة اسم لما فعل مع الإمام، كما عن القاضي و بعض آخر، و هو المحتمل، فلا ينفع الاستدلال بالآية و الأخبار أصلا، بل اللازم إبطال هذين الأمرين، و يكون جميع تلك الاستدلالات تطويلا بلا طائل، و سكوتا عمّا يقول الخصم.

و قد يستدل أيضا بروايات أخر بيّنة الوهم لا فائدة في التعرض لها.

المسألة الثالثة [إذا ثبت انتفاء الوجوب العيني للجمعة فهل ينتفي عنها الجواز أيضا؟ أم لا]

و إذا ثبت في المسألة السابقة انتفاء الوجوب العيني للجمعة مع عدم حضور الإمام أو نائبه، فهل ينتفي عنها الجواز أيضا؟ بمعنى تجويز الشارع فعلها بدلا عن الظهر، و معناه الوجوب التخييري، و إلّا فلا معنى للجواز بمعنى تساوي الطرفين مطلقا فيها.

أم لا ينتفي بل تجوز؟.

الأول الأظهر، وفاقا لظاهر المفيد في الإرشاد «2»، و السيد في المواضع الثلاثة المتقدمة «3»، و الشيخ في الجمل «4»، و صريح الحلي و الديلمي و ابن حمزة

______________________________

(1) لعلّه أراد بها حكاية الجزيرة الخضراء، أوردها في البحار 52: 159.

(2) الإرشاد 2: 342.

(3) في ص: 11 و لم يتوهم من قول السيد في الفقه الملكي: و الأحوط، أنّه لا يقول بانتفاء الوجوب، حيث قال: و الأحوط ان لا يصلي الجمعة إلّا بإذن السلطان و إمام الزمان، لأنّها إذا صليت على هذا الوجه انعقدت و جازت بإجماع، و إذا لم يكن فيها إذن السلطان لم يقطع على صحتها و إجزائها. فإنّ آخر كلامه صريح في نفي الجواز، و الاحتياط عنده الدليل سيّما في هذا الكتاب الذي ردّ فيه على العامّة بالاحتياط، و بناؤه فيه على ذلك. منه رحمه اللَّه.

(4) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 190.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 51

و القاضي «1»، و الفاضل في المنتهى و موضع من التحرير «2» «3»، و هو أحد احتمالات

كلام العماني و التبيان و الغنية و الموجز و شرحه و المجمع و المراسم «4»، و إليه ذهب الفاضل الهندي من متأخري المتأخرين «5»، و نقله في الحدائق عن بعض علماء البحرين «6»، و اختاره غير واحد من مشايخنا «7».

لاستصحاب وجوب الظهر من وجوه:

أحدها:

أنّه كان واجبا على كلّ أحد قبل إسلام عدد الجمعة بل قبل الهجرة؛ لعدم تشريع الجمعة قبلها. و بتشريعها علم انتفاء وجوبها ما دام حضور الإمام و تمكنه، بالإجماع، و انتفاؤه مع انتفائه غير معلوم فيستصحب وجوبه مع عدم تمكنه.

و لا يعارضه استصحاب وجوب الجمعة مع انتفاء تمكّن الإمام؛ لمعارضته مع استصحاب عدم وجوبها حينئذ الثابت لها قبل التشريع.

و ثانيها:

استصحاب وجوب الظهر بعد تشريع الجمعة على من لم يكن على رأس فرسخين أو أدون من جمعة المعصوم و إن كان له إمام الجماعة و الخطيب، و يتمّ المطلوب بعدم الفصل.

و ثالثها:

استصحاب وجوب الظهر على هذا الشخص، لو فرض بقاؤه إلى زمان انتفاء تمكّن الإمام، كما كان كذلك، و يتمّ المطلوب بالإجماع على المشاركة أو

______________________________

(1) الحلّي في السرائر 1: 303، حكاه عن الديلمي في الرياض 1: 190، ابن حمزة في الوسيلة:

103، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 123.

(2) المنتهى 1: 317، التحرير 1: 43.

(3) في «س» زيادة: و الشيخ إبراهيم القطيفي.

(4) حكاه عن العماني في المختلف: 108، التبيان 10: 8، الغنية (الجوامع الفقهية): 560، مجمع البيان 5: 288، المراسم: 77.

(5) كشف اللثام 1: 245.

(6) الحدائق 9: 442.

(7) كصاحب الرياض 1: 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 52

عدم الفصل.

و رابعها:

استصحاب الحكم السابق على زمان تشريع الجمعة، و هو وجوب الظهر على جميع المكلفين، و بعد تشريعها لم يثبت نقض ذلك الحكم إلّا

بالنسبة إلى بعضهم، و كوننا منهم أول الدعوى لو لم نقل بكوننا غيرهم.

و الحاصل: أنّ اللَّه سبحانه ما أوجب الجمعة إلّا بعد مدة مديدة من البعثة، و كانت الفريضة بالنسبة إلى جميع المكلفين في تلك المدة هي الظهر بالضرورة، ثمَّ بعد تلك المدة تغيّر التكليف بالنسبة إلى بعض المكلّفين، بالإجماع و الضرورة و الأخبار المتواترة، فمن ثبت تغيّر حكمه فلا نزاع، و من لم يثبت فالأصل بقاء الظهر اليقينية بالنسبة إليه حتّى يثبت خلافه، و لم يثبت.

و التوضيح: أنّا نعلم علما ضروريا أنّ الظهر كانت ثابتة قبل تشريع الجمعة على كلّ أحد، و كانت بحيث لو لم تشرع الجمعة كانت واجبة عليهم إلى يوم القيامة، و يعلم أنّ الموجودين في هذا الزمان كانوا يعلمون وجوبها عليهم و على من بعدهم إلّا مع ناسخ أو مسقط، و كانت بعينها كصلاة العصر و الفجر و غيرهما، يعتقدون وجوبها إلّا بناسخ أو مسقط، و يستفاد ذلك من أخبار الظهر المتقدمة أيضا، و تدلّ عليه مرسلة الفقيه: «إنّما وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الإمام» «1» فإنّ الوضع فرع الثبوت.

ثمَّ بالإجماع و الأخبار علم سقوط الظهر عمّن أدرك الإمام أو نائبه متمكنا، و لم يعلم سقوطه من غيره فيستصحب، ثمَّ إنّه لم يعلم من أدلّة وجوب الجمعة- كما مرّ- سقوط الظهر عنّا، فيكون واجبا عينيا علينا، فلا تكون الجمعة مشروعة إجماعا؛ إذ شرعيّة الجمعة مسقطة للظهر قطعا.

و يدلّ عليه أيضا أصل الاشتغال، فإنّ كلّ أحد مكلّف بأحد الأمرين من الظهر و الجمعة قطعا، و بعد انتفاء الوجوب العيني للجمعة بما مرّ يكون الظهر مبرئا

______________________________

(1) الفقيه 1: 267- 1219، الوسائل 7: 312 أبواب صلاة الجمعة

و آدابها ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 53

للذمة قطعا، بخلاف الجمعة؛ لأنّها إمّا جائزة أو محرّمة، فلا تحصل البراءة اليقينية إلّا بالظهر، فيتعيّن وجوبه، و يستلزمه عدم مشروعيّة الجمعة؛ إذ مع مشروعيتّها لا يتعيّن وجوب الظهر.

و يدلّ عليه أيضا أنّ جوازها متوقف على التوقيف، و الأصل عدمه؛ لأنّ المسلّم من الموقّف ما كان مع الإمام أو نائبه، إذ عرفت احتمال كون الجمعة اسما لما كان معه، مضافا إلى ما مرّ من سقوط إطلاقاتها بعروض الإجمال لها، كما مرّ.

و يدلّ عليه أيضا أنّ جميع ما مرّ من الأخبار المستدلّ بها على الاشتراط أو أكثرها يدلّ على اشتراط الشرعية به، فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط.

خلافا للشيخ في المصباح و المعتبر و الشرائع و النافع و النكت و الروضة و ظاهر الخلاف «1»، و هو مختار والدي العلامة- رحمه اللَّه- أخيرا:

فتجوز الجمعة بمعنى أنّها أحد فردي الواجب مطلقا، فقيها كان الإمام أم لا، بل تستحب، فهي أفضل الفردين.

و نسب إلى نهاية الشيخ و الحلبي و المختلف و التذكرة «2»، و ليس كذلك، و منهم من نسبه إلى المشهور، و فيه نظر.

أمّا الجواز بالمعنى المذكور، فللجمع بين أدلة الاشتراط و عمومات الجمعة.

و لأوامر الجمعة؛ فإنّ مقتضاها الوجوب، و هو أعمّ من العيني أو التخييري، و لمّا انتفى الأوّل بالإجماع أو أدلة الاشتراط أو بالأصل تعيّن الثاني.

و لحصول التعارض بين عمومات الظهر و الجمعة و أصولهما فيرجع إلى التخيير.

و لمرسلة الكافي و موثقة سماعة و صحيحة زرارة المتتالية المتقدمة في أدلة المختار في المسألة السابقة «3»، الدالة على أنّ من صلّى الصلاة يوم الجمعة في جماعة أو مع

______________________________

(1) مصباح المتهجد: 324، المعتبر 2: 297، الشرائع

1: 98، المختصر النافع 1: 36، الروضة 1: 301، الخلاف 1: 626.

(2) نسب إليهم في غاية المراد كما في مفتاح الكرامة 3: 63.

(3) راجع ص 21 و 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 54

من يخطب لا تجب أربع ركعات فتجب الجمعة، و لما انتفى الوجوب العيني بما مر ثبت التخييري.

و أمّا أفضلية الجمعة، فلصحيحة زرارة، و موثقة عبد الملك المتقدمتين «1»، المصدرة أولاهما بقوله: «حثّنا» و الثانية بقوله: «مثلك يهلك» حيث إنّ ظاهرهما يشعر بأنّ الرجلين كانا متهاونين بالجمعة، و لم يقع من الإمامين إنكار عليهما، فلا تكون واجبة، و لكن ترغيبه إياهما يدلّ على الاستحباب.

و بعض أخبار أخر مرّت، و كانت قاصرة عن إفادة الوجوب، إمّا لاشتمالها على الجملة الخبرية، أو التحذير بما يحذر بمثله في ترك المستحبات.

و المروي في مصباح المتهجد: «إنّي لأحب للرجل أن لا يخرج من الدنيا حتّى يتمتّع و لو مرة، و أن يصلّي الجمعة في جماعة» «2».

و روي في أمالي الصدوق أيضا بزيادة قوله: «و لو مرة» بعد قوله «في جماعة» أيضا «3».

و يضعف الأول:

بأنه جمع بلا شاهد.

و الثاني:

بمنع أعميّة الوجوب المستفاد من الأمر؛ لاختصاصه- بحكم التبادر- بالعيني، بل و كذا في مطلق الوجوب، و لأنّ مئال التخيير إلى وجوب شي ء آخر غير الفرد و هو أحدهما لا على التعيين.

سلّمنا الأعمية و لكن غير الإجماع من أدلة الاشتراط يدلّ على اشتراط الوجوب المستفاد من تلك الأوامر، فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط سواء كان وجوبا عينيا أو تخييريا.

و الثالث:

بأنه إنما يصحّ لو تمت دلالة أدلّة الجمعة على الوجوب، ثمَّ على عدم ثبوت تخصيص عمومات الجمعة بما مرّ من أدلّة الاشتراط، أو عدم خروجها

______________________________

(1) في ص 30 و 31.

(2) مصباح

المتهجد: 324، الوسائل 21: 14 أبواب المتعة ب 2 ح 7.

(3) لم نجده في الأمالي، و قد نقله عنه في الوافي 8: 1115، و فيه: «و يصلي الجمعة و لو مرة».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 55

عن الحجية بواسطة إجمال دليل الاشتراط.

فإن قلت:

إجماله يوجب الإجمال في أدلة الظهر أيضا.

قلنا:

فيرجع إلى الاستصحابات المتقدمة.

و الرابع

- أي الأخبار الثلاثة-: بما مرّ من تقيّدها بالإمام أو بمن يخطب، مع ما فيها من الإجمال المتقدم ذكره.

و الخامس:

أولا:

بأنه يمكن أن يكون قوله عليه السلام: «إنّما عنيت عندكم» و قوله عليه السلام: «صلّوا جماعة» إذنا لهما أو أمرا بالتجميع مع مأذون سرّا، و لا كلام في الصورتين في الوجوب العيني.

و ثانيا:

بأنّه يمكن أن يكون حثّا على حضور جماعة المخالفين، حيث كان الرجلان من معاريف أصحابهما و كان عدم حضورهما مظنة للضرر، فلا يدلان على جواز التجميع في غير موضع التقية، و هو الذي يظهر من المقنعة، حيث قال:

يجب حضور الجمعة مع من وصفناه من الأئمة فرضا، و يستحب مع من خالفهم تقية و ندبا، روى هشام بن سالم عن زرارة قال: «حثنا أبو عبد اللَّه» الحديث.

انتهى «1».

و السادس:

بأنه إنما يتمّ لو تعيّن المراد من صلاة الجمعة، و سلمت تلك الأخبار من التخصيص بأدلة الاشتراط أو الإجمال بها.

و منه يظهر ضعف السابع أيضا.

مضافا إلى أنّ قوله: «في جماعة» مقيّد قطعا، ضرورة اشتراط الجماعة فيها بشروط كالعدالة و العدد و غيرهما، و على هذا فكما يمكن التقييد بهذه الجماعة، يمكن أن تكون مقيدة بجماعة المخالفين، بل هي الغالب في زمانهم عليهم السلام.

و إلى أنه يمكن أن يكون المراد من الجمعة ظهرها؛ لعدم ثبوت الحقيقة

______________________________

(1) المقنعة: 164.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 56

الشرعية،

و لذا أطلقت الجمعة على الظهر في الأخبار، كما في صحيحة البقباق السابقة: «إذا كان قوم في قرية صلوا الجمعة أربع ركعات» «1» بل هو الظاهر؛ إذ لو كان المراد صلاة الجمعة لكان التقييد بالجماعة لغوا، و لم يكن وجه لقوله: أحبّ أن يصليها في جماعة، فيكون الخبر تأكيدا لاستحباب الجماعة في ظهر الجمعة.

و إلى وجوب تخصيصها بما إذا كان إمام يخطب، أو مطلق الإمام بموثقة سماعة و مرسلة الكافي المتقدّمتين، فيخص إما بإمام الأصل أو بالمجمل الموجب للخروج عن الحجية.

و لظاهر نهاية الشيخ و المختلف و الذكرى «2»، و [البيان ] «3» و أحد احتمالات كلام العماني و المبسوط و التبيان «4»، بل يحتمله كلام جمع آخر، كالغنية و الموجز و شرحه للصيمري و المجمع و المراسم «5»:

فتجوز من غير ذكر الأفضلية؛ لبعض ما مرّ بجوابه.

و للمحقق الثاني زاعما أنّه مذهب جمهور القائلين بالجواز في زمن الغيبة، بل قال: لا نعلم أنّ أحدا من علماء الإمامية في عصر من الأعصار صرّح بكون الجمعة في حال الغيبة واجبة حتما مطلقا أو تخييرا بدون حضور الفقيه «6»، و هو أحد احتمالات اللمعة و الدروس «7»:

فتجوز مع الفقيه الجامع لشرائط الفتوى، و لا تجوز بدونه.

أما انتفاء العيني، فللإجماع المنقول «8»، بل المحقق.

______________________________

(1) تقدمت في ص 22 بعنوان موثقة البقباق.

(2) النهاية: 107، المختلف: 109، الذكرى: 231.

(3) في النسخ: التبيان، و الصحيح ما أثبتناه، راجع البيان: 188.

(4) حكاه عن العماني في المختلف: 108، المبسوط 1: 151، التبيان 10: 8.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 560، مجمع البيان: 288، المراسم: 77.

(6) رسائل المحقق الكركي 1: 163.

(7) اللمعة (الروضة 1): 299، الدروس 1: 186.

(8) راجع ص 19.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 57

و

أمّا ثبوت التخييري، فللأخبار المثبتة للوجوب لها عموما، و الوجوب ماهيّة كلية صادقة على جميع أفرادها.

و أمّا اشتراط الفقيه، فلما دلّ على اشتراط الإمام أو نائبه في مطلق الوجوب الشامل للوجوبين، و النائب شامل للفقيه أيضا.

و بعبارة أخرى: ثبت وجوبها مطلقا مع الإمام أو نائبه، و الوجوب أعمّ من التخييري و العيني، و النائب من الخاصّ و العامّ، و العيني منفي في الغيبة، و النائب الخاص غير موجود، فيتعين التخيير و النائب العام.

و يضعف- بعد منع شمول الوجوب للتخييري كما مرّ- بمنع دليل على كفاية النائب العامّ؛ إذ الأخبار إنّما كانت متضمنة للإمام، و النائب ادخل بالإجماع، و هو في العامّ غير متحقق.

إن قيل:

الفقيه نائب من الإمام بصريح الروايات في جميع ما كان له، و منه الجمعة، فتكون له.

قلنا:

النيابة في الجميع ممنوعة، و لا دليل عليه، و الثابت من الروايات ليس إلّا في الجملة أو في بعض الأمور.

و لظاهر نهاية الإحكام «1»، و أحد احتمالات اللمعة و الدروس، فكالسابق من دون ذكر عدم الجواز بدونه.

و لظاهر التنقيح و المهذب «2»، و صريح المحقق الثاني في حواشي الإرشاد، فكسابقه بزيادة ذكر أفضلية الجمعة.

و للمحكي في شرح الجعفرية للجواد، و يشعر به كلام الذكرى «3»، فالجواز مع الفقيه إن أمكن، و بدونه إن لم يمكن.

و لظاهر الإرشاد و القواعد و جهاد التذكرة بل صلاته «4»، و ظاهر

______________________________

(1) نهاية الإحكام 2: 14.

(2) التنقيح 1: 231، المهذب البارع 1: 413.

(3) الذكرى: 231.

(4) الإرشاد 1: 257، القواعد 1: 36، التذكرة 1: 145 و 443.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 58

الأردبيلي «1»، و التوني، فتردّدوا.

و يظهر أدلة هذه الأقوال، و جوابها مما ذكر.

ثمَّ لا يخفى أنّ ما ذكرنا- من عدم

جواز الجمعة في زمان الغيبة و حرمتها- إنّما هو إذا فعلت بدلا عن الظهر، و أمّا بدون ذلك فهل يجوز فعلها أم لا؟.

صريح النافين لمطلق وجوبها: الثاني؛ إذ عدم جوازها بدلا ليس إلّا لعدم ثبوت توقيفها و تشريعها بدون الشرط، فإنّ الجمعة الموقّفة هي التي تكون بدلا عن الظهر، فتنتفي بانتفاء البدلية قطعا، و العبادة إذا لم تكن موقّفة مشروعة كانت محرّمة، لكونها تشريعا و إدخالا في الدين.

أقول:

من الأمور الضرورية الثابتة بالأخبار المتواترة المنضمّة بالإجماع و الاعتبار: مشروعية الاحتياط، و ثبوته ندبا من الشارع، و تعلق التوقيف به.

و يلزمه كون كلّ ما كان من أفراد الاحتياط مشروعا ندبا موقّفا، و لا شكّ أنّ الإتيان بالجمعة مع الظهر من أفراد الاحتياط؛ لكونها مبرئة للذمّة قطعا، و ليس الاحتياط إلّا ذلك، فتثبت مشروعيّتها ندبا من الاحتياط، فتكون بهذا القصد جائزة و مستحبة.

فإن قيل:

فعلها أيضا يحتمل التشريع، فيكون حراما، فلا يكون موافقا للاحتياط.

قلنا:

التشريع فعل شي ء لم يثبت من الشرع، و فعلها مع الظهر بهذا القصد ثابت بأدلّة الاحتياط، فلا يكون تشريعا، كما في سائر موارد الاحتياط، فإنّها أيضا غير ثابتة من الشرع بخصوصها، و إلّا لم يكن احتياطا، و ثبوتها و استحبابها إنّما هو بمجرّد أدلّة الاحتياط.

و التوضيح: أنّ العبادة التي لم تثبت بخصوصها لا يمكن أن تفعل بقصد أنّها عبادة ثابتة بخصوصها؛ لأنّ القصد ليس أمرا اختياريا، فما لم تثبت لا يمكن ذلك القصد.

______________________________

(1) مجمع الفائدة 2: 363.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 59

فإذا فعلت فأمّا يؤتى بصورتها لا بقصد عبادة (و لا بأن يظهر للناس أنّها عبادة ثابتة بخصوصها) «1» كالحمية في يوم الفطر بقصد الإمساك، و لا حرمة فيه قطعا؛ للأصل، و عدم الدليل.

أو

يؤتى لا بقصد أنها عبادة ثابتة بخصوصها، و لكن يظهر للناس أنّها عبادة ثابتة بخصوصها، و هذا هو التشريع المحرم.

أو يؤتى بها لاحتمال أن تكون موقّفة واجبة فيما يتأتى فيه هذا الاحتمال، كما في المسألة، فيقصد بها الخروج عن احتمال ترك الواجب، و لا يظهر للناس إلّا أنّ فعلها لذلك. و هذا ليس دليل على حرمته أصلا، بل لا يحتملها، بل مقتضى أدلّة الاحتياط، و قوله: «لكل امرئ ما نوى» «2» حسنه و استحبابه و ترتب الثواب عليه.

و على هذا فيكون فعل الجمعة بهذا القصد مستحبا، و يكون مع الجماعة؛ إذ لا جمعة بدونها، فإنّ ما يحتاط به هو بهذه الهيئة، لا أنّ الركعتين مع الخطبتين مطلقا مستحبة و الجماعة أمر زائد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 6    60     الشرط الثاني: العدد، ..... ص : 60

على هذا تكون الجمعة مستحبة لا وجوب فيها أصلا، و يكون الواجب هو الظهر و يجوز مع الجماعة أيضا بل يستحب.

______________________________

(1) ما بين القوسين ليس في «ق».

(2) الوسائل 1: 48 أبواب مقدّمة العبادات ب 5 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 60

البحث الثاني في شرائطها
اشارة

أي: ما تتوقّف صحتها عليه، و هي أمور:

الشرط الأول: إمام الأصل، أو نائبه الخاص،

و قد تقدم بدليله.

الشرط الثاني: العدد،

بالإجماع المحقق، و المحكي مستفيضا «1». و أقلّه سبعة في الوجوب العيني، و خمسة في التخييري على الأصح، بمعنى: أنها تجب عينا إذا اجتمعت سبعة، و تخييرا إذا اجتمعت خمسة.

وفاقا للمحكي عن الصدوق و الشيخ و القاضي و ابني حمزة و زهرة «2»، و جماعة من المتأخرين منهم: الهندي و صاحبا الذخيرة و الحدائق «3»، و مال إليه في الذكرى و المدارك «4».

أمّا انتفاء مطلق الوجوب بالنقص عن الخمسة، فبالإجماع، و قوله في بعض الأخبار الآتية: «و لا جمعة لأقلّ من خمسة» أو: «لا تكون جمعة ما لم يكن خمسة» و سائر الأخبار المشتملة على ذكر الخمسة «5».

و أمّا ثبوت العيني بالسبعة، فبالإجماع أيضا، و الأخبار الآتية المصرّحة بالوجوب على السبعة الظاهر في العيني.

______________________________

(1) انظر: الغنية (الجوامع الفقهية): 560، التذكرة 1: 146، جامع المقاصد 1: 383، و الرياض 1: 184.

(2) الصدوق في الفقيه 1: 267، الشيخ في النهاية: 103، و المبسوط 1: 143، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 123، ابن حمزة في الوسيلة: 103، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 560.

(3) كشف اللثام 1: 248، الذخيرة: 299، الحدائق 10: 74.

(4) الذكرى: 231، المدارك 4: 29.

(5) انظر: الوسائل 7: 303 أبواب صلاة الجمعة ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 61

و أمّا انتفاء العيني في الخمسة، فلمفهوم الشرط في قوله في صحيحة عمر بن يزيد: «إذا كانوا سبعة يوم الجمعة، فليصلّوا في جماعة» «1».

بل منطوق صحيحة محمّد: «تجب الجمعة على سبعة نفر، و لا تجب على أقلّ منهم» «2» الحديث.

و لا يضرّ اشتماله على اشتراط أشخاص يخالف اشتراطهم الإجماع، أو الشهرة؛ لأنّه محتمل التمثيل، مع أنّ خروج جزء من

الحديث عن الحجية لا يخرج الباقي عنها.

المؤيّدين بصحيحة متقدمة لزرارة: على من تجب الجمعة؟ قال: «على سبعة نفر من المسلمين، و لا جمعة لأقلّ من خمسة من المسلمين، أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعة و لم يخافوا، أمّهم بعضهم و خطبهم» «3».

فإنّ في إثباتها الوجوب- الظاهر بل الحقيقة في العيني- للسبعة أولا، و نفيها حقيقة الجمعة- الشاملة للعيني و التخييري- ثانيا عن [الأقل من ] «4» الخمسة، إشعارا بعدم وجوب العيني على الخمسة.

و احتمال كون قوله: «و لا جمعة ..» من كلام الصدوق بعيد غاية البعد.

نعم هو محتمل في قوله: «فإذا اجتمع ..» كما مرّ، و لذا جعلناه أيضا داخلا في التأييد مع حجيّة مفهومه.

مع أنّ جعل الأول أيضا من قول الصدوق لا يسقط التأييد بالرواية؛ إذ الجواب بالسبعة بعد السؤال عمن تجب عليه الجمعة- الظاهر في السؤال عن أقلّ الواجب لعدم حاجة ما سواه إلى السؤال- كاف في التأييد، بل يصلح للاستدلال

______________________________

(1) التهذيب 3: 245- 664، الاستبصار 1: 418- 1607، الوسائل 7: 305 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 10.

(2) الفقيه 1: 267- 1222، التهذيب 3: 20- 75، الاستبصار 1: 418- 1608، الوسائل 7:

305 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 9.

(3) الفقيه 1: 267- 1218، الوسائل 7: 304 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 4.

(4) أضفناه لاقتضاء المعنى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 62

أيضا.

و يؤيده أيضا الترديد في موثقة أبي العباس: «أدنى ما يجزي في الجمعة سبعة أو خمسة أدناه» «1».

و متعلق الإجزاء هي كون الجمعة مأمورا بها، أي: أدنى ما يجزئ في الأمر السبعة أو الخمسة، بأن يكون أحدهما إجزاء في أحد قسمي الأمر، و الآخر في الآخر، و لا يستلزم تفكيكا. و يكون

أدناه أمّا: خبرا لمبتدأ محذوف، أي هي، أي:

الخمسة أدناه، أو صفة للخمسة، فتكون الخمسة أدنى الأدنى، و بذلك يسلم الخبر عن الخدش دون ما إذا جعلنا المتعلق أحد الوجوبين أو الصحة.

و تؤيده أيضا صحيحة الحلبي: «في صلاة العيدين إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنّهم يجمّعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة» «2».

و مما ذكر ظهر دليل ثبوت التخييري في الخمسة أيضا.

خلافا للمحكي عن القديمين «3»، و المفيد و السيد و الحلي و الفاضلين و المحقق الثاني «4»، بل الأكثر، كما صرّح به جمع ممن تأخر «5»، فأوجبوا على الخمسة عينا.

لإطلاق أوامر الجمعة بالنسبة إلى كلّ عدد، خرجت [ما دون ] «6» الخمسة بالاتفاق، فينفى الزائد بالأصل.

______________________________

(1) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 5، التهذيب 3: 21- 76، الاستبصار 1: 419- 1609، الوسائل 7: 303 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 1.

(2) الفقيه 1: 331- 1489، الوسائل 7: 303 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 3.

(3) ابن جنيد و العماني، حكاه عنهما في المختلف: 103.

(4) المفيد في المقنعة: 164، السيد في الانتصار: 53، الحلي في السرائر 1: 290، المحقق في المعتبر 2:

282، و الشرائع 1: 94، العلّامة في نهاية الإحكام 2: 19، و المنتهى 1: 317، المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 383.

(5) انظر: المدارك 4: 27، و الذخيرة: 298.

(6) أضفناه لاقتضاء المعنى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 63

و لتعلّق الأمر في الآية بالسعي بالجميع، و أقله ثلاثة، و المنادي و الإمام خارجان عنهم، فأقله الخمسة.

و للمستفيضة من الأخبار، كصحيحة منصور، و صحيحة زرارة المشتملة على خمسة رهط: الإمام و أربعة، و موثّقة البقباق، المتقدمة كلها «1».

و موثقة ابن أبي يعفور: «لا تكون جمعة ما

لم يكن القوم خمسة» «2».

و المروي في رجال الكشي بسنده المتصل عن النبي: «إذا اجتمع خمسة أحدهم الإمام فلهم أن يجمعوا» «3».

و ضعف الكل ظاهر؛ لاندفاع الأصل بما مر، و لخلوّ الجميع عن الدالّ على الوجوب جدا، غايتها الرجحان كما هو الثابت من الجملة الخبرية، مع أنّ دلالة الثانية ليست إلّا بمفهوم ضعيف غايته، و الأخيرتين لا تدلّان إلّا على أنّ مع الخمسة تكون الجمعة، أولهم التجميع، و أين هما من احتمال الوجوب؟!.

ثمَّ لو دلّ بعضها على الوجوب العيني بالخمسة لتعارض مع ما ذكرنا، و كان المرجع أيضا التخيير؛ لأنّه المرجع عند التعارض مهما أمكن، سيّما مع وجود الشاهد له و هو صحيحة زرارة المذكورة «4».

ثمَّ إن هذا الشرط يختص بالابتداء دون الاستدامة، بلا خلاف ظاهر بيننا، كما صرّح به غير واحد منّا «5»، بل عن الشيخ جعله قضية المذهب «6».

فلو نقص العدد بعد الدخول في الصلاة و لو بالتكبيرة لم يسقط الوجوب، بل يتمّها الباقي إماما كان أو مأموما أو كليهما؛ لاستصحاب الصحة الخالي عن

______________________________

(1) راجع ص 22 و 23 و 38.

(2) التهذيب 3: 239- 637، الاستبصار 1: 419- 1611، الوسائل 7: 305 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 8.

(3) رجال الكشي 1: 389- 279، الوسائل 7: 306 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 11.

(4) في ص 61

(5) انظر: المدارك 4: 29، و الحدائق 10: 77، و الرياض 1: 185.

(6) الخلاف 1: 600.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 64

مكاوحة ما دلّ على اشتراط الوجوب بالعدد «1»، لظهوره- بحكم التبادر، و ندرة النقص بعد الاجتماع و الدخول في الصلاة جدا، بل كأنه لم يتحقق إلى الآن- في الابتداء، بل بل مدلول بعضه عدم تعلق

الوجوب بدون العدد الظاهر أو الصريح في عدم مسبوقيته بالوجوب، و هو غير السقوط.

و تدلّ على عدم السقوط لو نقص العدد بعد تمام الركعة: رواية جابر في صلاة الجمعة: «و من أدرك ركعة فليضف إليها أخرى» «2».

و صحيحة البقباق: «من أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة» «3».

و لا يدلّ مفهوما هما على السقوط لو انفضّوا قبل الركعة، كما عن محتمل نهاية الإحكام و التذكرة «4»؛ لعدم ثبوت كون الباقي بعد الانفضاض غير مدرك الركعة إلّا بعد ثبوت اشتراط بقاء العدد في الإدراك.

ثمَّ إنّ مقتضى ما ذكرنا من الاستصحاب و إن كان عدم الاشتراط و لو نقص عددهم بعد الشروع في الخطبة قبل الصلاة، إلّا أنّه خارج بالإجماع.

الشرط الثالث: الخطبتان،
اشارة

بإجماعنا المحقق، بل إجماع أكثر أهل العلم، على الظاهر المصرّح به في كلام جماعة «5»؛ له، و للمروي في المعتبر عن جامع البزنطي: «لا جمعة إلّا بخطبة، و إنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين» «6» و ضعفه منجبر بالعمل.

المؤيّدين بأخبار أخر متقدمة، كصحيحة محمّد، و موثقتي البقباق

______________________________

(1) و قد يستدل لذلك باستصحاب الوجوب، و فيه نظر، لمعارضته باستصحاب عدمه. منه رحمه اللَّه.

(2) التهذيب 3: 160- 344، الوسائل 7: 347 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 26 ح 8.

(3) التهذيب 3: 161- 346، الوسائل 7: 346 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 6.

(4) نهاية الإحكام 2: 22، التذكرة 1: 147.

(5) انظر: المنتهى 1: 318، و التذكرة 1: 150، و المدارك 4: 30، و الحدائق 10: 81، و الرياض 1: 185.

(6) المعتبر 2: 283.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 65

و سماعة «1»، الدالّة بالمفهوم على أنّه إذا لم يكن لهم من يخطب لا يجمّعون.

و جعلها مؤيّدة لما مرّ من الإجمال فيمن

يخطب، و احتمال إرادة الوجوب من الجملة، فيكون مفهومها نفي الوجوب دون الصحة.

و بأخبار أخر تأتي في عدد الخطبة و كيفيتها و آدابها.

و هاهنا مسائل:
المسألة الأولى: يجب الإتيان بخطبتين إجماعا؛

له، و لصحيحة عمر بن يزيد: «و ليقعد قعدة بين الخطبتين» «2».

فإنّ إيجاب القعود بين الخطبتين يستلزم إيجابهما من باب المقدمة.

المؤيّدين بما تقدم من رواية المعتبر، و ما بمعناها من الروايات السابقة، كصحيحة زرارة، و رواية العلل «3»، و بصحيحة معاوية بن وهب: «الخطبة و هو قائم خطبتان، يجلس بينهما جلسة لا يتكلم فيها قدر ما يكون الفصل بين الخطبتين» «4» و الأخبار الواردة في كيفية الخطبة «5».

المسألة الثانية: يجب في كل منهما الحمد للَّه سبحانه،
اشارة

و الصلاة على النبي و آله، و شي ء من الوعظ، بزيادة قراءة سورة في الأولى خاصة، دون الثانية.

وفاقا للأكثر في الثلاثة الاولى، بل عن الخلاف ظاهر الإجماع عليها «6».

لا لورودها في الأخبار؛ لعدم دلالة شي ء منها في شي ء من الثلاثة على الوجوب، مضافا إلى اشتمال أكثرها على ما ليس بواجب قطعا.

بل لأصل الاشتغال، فإنّ المراد بالخطبة في الأخبار ليس معناها اللغوي

______________________________

(1) راجع ص 21 و 22.

(2) التهذيب 3: 245- 29، الوسائل 7: 334 أبواب صلاة الجمعة ب 16 ح 2.

(3) راجع ص 22 و 29.

(4) التهذيب 3: 20- 74، الوسائل 7: 334 أبواب صلاة الجمعة ب 16 ح 1.

(5) انظر: الوسائل 7: 342 أبواب صلاة الجمعة ب 25.

(6) الخلاف 1: 616.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 66

قطعا، بل الظاهر ثبوت الحقيقة الشرعية فيها كالمتشرعة الظاهر اتحادهما؛ لأصالة عدم النقل و عدم معلومية صدقها في شي ء من العرفين على أقلّ من ذلك، و صدقها على المتضمن للثلاثة قطعا.

و الحاصل: أنّا نعلم وجوب اشتمالها على الحمد و شي ء آخر من الصلاة أو الوعظ أو كليهما أو أحدهما لا على التعيين، فليس بين الزائد المعلوم قدر مشترك يقيني الوجوب فيعمل فيه بأصل الاشتغال.

و لجماعة منهم: المبسوط و الجمل و

العقود، و المراسم و الوسيلة و السرائر و الشرائع و النافع «1»، و غيرهم، في الرابع؛ لقوله عليه السلام في صحيحة محمّد في الخطبة الأولى بعد ذكر الثلاثة: «ثمَّ اقرأ سورة من القرآن» «2» و للمعتبر و النافع «3»، و جماعة أخرى «4»، في الخامس؛ للأصل الخالي عن معارضة ما مرّ، لاختصاص الأمر بالأولى، و عدم توقف صدق الخطبة على القراءة قطعا.

خلافا لمن زاد في الأولى الثناء و الشهادة بالرسالة أيضا، كالسيد «5»، و في الثانية الاستغفار للمؤمنين و المؤمنات، و الصلاة على أئمّة المسلمين، كالنافع و حكي عن السيد أيضا «6»؛ لورود الجميع في بعض الأخبار الخالي عن الدالّ على الوجوب جدّا «7»، مضافا إلى جواز اتحاد الثناء مع الحمد، كما عن ظاهر الخلاف «8».

______________________________

(1) المبسوط 1: 147، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 190، المراسم: 77، الوسيلة: 103، السرائر 1: 292، الشرائع 1: 95، المختصر النافع: 35.

(2) الكافي 3: 422 الصلاة ب 75 ح 6، الوسائل 7: 342 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 1.

(3) المعتبر 2: 284، المختصر النافع: 35.

(4) منهم صاحب المدارك 4: 34، و الذخيرة: 300، و الحدائق 10: 93.

(5) حكاه عنه في المعتبر 2: 284.

(6) المختصر النافع: 35، و حكاه عن السيد في المعتبر 2: 284.

(7) انظر: الوسائل 7: 342 أبواب صلاة الجمعة ب 25.

(8) الخلاف 1: 616.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 67

و فيهما القراءة أيضا، كالمحكي عن الأكثر «1»؛ لدعوى الإجماع في الخلاف «2» المردود بعدم الحجية، مضافا إلى أنّها على مطلق القراءة الشامل للآية أيضا، فلا ينطبق على المدّعى، إلّا مع ما قيل من عدم الفرق بين الخطبتين «3» الممنوع ثبوته جدا.

و لمن نقص الثانية عن

الاولى كالنافع و الحلّي و السيد «4»، أو الثالثة عنهما كما عن الأخير «5»، و عن الثانية خاصة كما عن الثالثة أيضا «6»، أو الرابعة عنهما كما عن الحلبي «7» و لمن اكتفى عن الرابعة بآية تامّة الفائدة، كما عن الخلاف و جماعة «8».

كل ذلك للأصل المندفع بما ذكرنا.

و لمن أوجب الرابعة بين الخطبتين فقط، كما عن الاقتصاد و المهذب و الإصباح و الجامع «9»؛ للصحيح: «يخرج الإمام بعد الأذان، فيصعد المنبر، فيخطب، و لا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر، ثمَّ يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ قل هو اللَّه أحد، ثمَّ يقوم فيفتتح خطبته» «10».

و هو غير دالّ على مطلوبهم.

______________________________

(1) حكاه عنهم في الرياض 1: 186.

(2) الخلاف 1: 617.

(3) انظر: الرياض 1: 186.

(4) المختصر النافع: 35، السرائر 1: 295، حكاه عن السيد في المعتبر 2: 284.

(5) حكاه عنه في المعتبر 2: 284.

(6) حكاه عنه في نهاية الإحكام 2: 34.

(7) الكافي في الفقه: 151.

(8) الخلاف 1: 616، انظر: جامع المقاصد 2: 395 و الذخيرة: 300.

(9) المهذب 1: 103، الجامع للشرائع: 94.

(10) الكافي 3: 424 الصلاة ب 75 ح 7، التهذيب 3: 241- 648، الوسائل 7: 343 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 68

فروع:
أ: يجب أن يكون الحمد بلفظه،

بلا خلاف ظاهر، بل عن التذكرة الإجماع عليه «1»؛ لظاهر الإجماع.

و هل يتعيّن الحمد للَّه، كما هو صريح جماعة «2»، أو يجزي مثل الحمد للرحمن، أو لرب العالمين، كما عن نهاية الإحكام «3»؟.

الثاني أقوى؛ للأصل. و الأول أحوط كما في الصلاة أيضا، فإنّ الأحوط الإتيان بلفظها.

ب: هل يتعين في الوعظ نوع خاص

من الأمر بالتقوى أو الإطاعة أو التحذير و نحوها؟ الحق لا؛ للأصل.

ج: الأولى زيادة الشهادتين في الاولى،

و الصلاة على أئمّة المسلمين، و الاستغفار للمؤمنين و المؤمنات؛ لورودها في بعض الأخبار «4».

د: قالوا: يجب الترتيب فيحمد أولا، ثمَّ يصلّي، ثمَّ يعظ، ثمَّ يقرأ؛

لظاهر الإجماع، و الموثقة «5».

و في ثبوت الأول كلام، كما في دلالة الثانية؛ للأمر فيها بالتأخير بعد ما لا يجب قطعا، و باعتبار عدم تعيّن الصلاة الواجبة من بين الصلاتين المذكورتين فيها.

______________________________

(1) التذكرة 1: 150.

(2) كالشهيدين في الذكرى: 236، و المسالك 1: 34، و صاحبي الحدائق 10: 94، و الرياض 1:

185.

(3) نهاية الإحكام 2: 33.

(4) كما في الوسائل 7: 342 أبواب صلاة الجمعة ب 25.

(5) الكافي 3: 421 الصلاة ب 75 ح 1، التهذيب 3: 243- 655، الوسائل 7: 342 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 69

ه: الظاهر عدم وجوب العربية في الخطبتين

كما عن المسالك «1»؛ للأصل.

و يؤيده انتفاء الفائدة التي هي علة التشريع لو لم يفهمها العدد. و لو ضمّ خطبة- يفهمها السامعون بأيّ لغة كانت- مع العربية، كان أولى و أحوط.

المسألة الثالثة: يجب تقديم الخطبتين على الصلاة

، وفاقا للمعظم، بل في المدارك: إنّه المعروف من مذهب الأصحاب «2»، و في المنتهى: لا نعرف فيه مخالفا «3»، و في الوافي: و هذا ممّا لا يختلف فيها أحد فيما أظنّ «4».

لظاهر الإجماع، و للمروي في العلل: فلم جعلت الخطبة يوم الجمعة قبل الصلاة، و جعلت في العيدين بعد الصلاة؟ قيل: «لأنّ الجمعة أمر دائم ..» «5».

و المستفيضة المصرّحة بأنّ خطبة النبيّ قبل الصلاة «6»، و المشتملة على أنّ الإمام يخطب قبل الصلاة «7».

فإنّ في دلالتها على الوجوب و إن كان نظر، إلّا أنّه يتمّ باستلزام رجحان التقديم لوجوبه بالإجماع المركّب.

خلافا لظاهر الصدوق، في العيون و العلل و الهداية و الفقيه، فذهب إلى تأخّرهما عن الصلاة يوم الجمعة «8»؛ لكونهما بدل الركعتين.

و لمرسلته: «أوّل من قدّم الخطبة على الصلاة يوم الجمعة عثمان ..» «9».

و الأوّل اجتهاد في مقابلة النصّ.

______________________________

(1) المسالك 1: 34.

(2) المدارك 4: 37.

(3) المنتهى 1: 327.

(4) الوافي 9: 1317.

(5) العلل: 265، الوسائل 7: 333 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 15 ح 4.

(6) انظر: الوسائل 7: 332 أبواب صلاة الجمعة ب 15.

(7) انظر: الوسائل 5: أبواب صلاة الجمعة ب 14 و 25.

(8) عيون أخبار الرضا «ع» 2: 110، العلل: 265، الهداية: 34، الفقيه 1: 278.

(9) الفقيه 1: 278- 1263، الوسائل 7: 332 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 15 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 70

و الثاني ضعيف بالشذوذ، و المعارضة مع أقوى منه و أكثر.

و هل تجب إعادة

الصلاة لو عكس؟.

الظاهر: نعم؛ لوجوب الإتيان بالصلاة بعد الخطبة.

و لو لم يعد عمدا أو لعذر، فهل يبطل ما فعل و تجب الظهر، أم لا؟.

الظاهر: الأوّل؛ لأنّ وجوب الإعادة و لو في الجملة يدلّ على عدم كون ما أتى به موافقا للمأمور به، و لأنّ الأمر بالخطبة قبل الصلاة نهي عن ضدّه الذي هو الصلاة قبل الخطبة، و النهي يوجب الفساد.

المسألة الرابعة: يجوز إيقاع الخطبتين بعد تحقّق الزوال، و قبله على الأظهر،

وفاقا في الأوّل للأكثر، بل عليه الإجماع في كلام جماعة «1»، و في الثاني، للخلاف و المبسوط «2»، و القاضي و المحقق «3»، و عن الشهيدين الميل إليه «4»، و اختاره جمع من المتأخرين منهم: صاحب الذخيرة و الفاضل الهندي «5»، و نسبه في النافع إلى أشهر الروايتين «6»، بل عن الخلاف: الإجماع عليه «7».

للأصل فيهما.

و ظاهر الإجماع في الأوّل.

و الروايات الدالّة على توقيت الصلاة بأوّل الزوال المستلزم لجواز تقديم الخطبتين عليه «8»، و صحيحة ابن سنان: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يصلّي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك، و يخطب في الظلّ الأوّل فيقول جبرئيل:

______________________________

(1) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 560، و الرياض 1: 187.

(2) الخلاف 1: 620، المبسوط 1: 151.

(3) القاضي في المهذّب 1: 103، المحقق في المعتبر 2: 287، و الشرائع 1: 95.

(4) الشهيد الأول في الذكرى: 236، و البيان: 189، الشهيد الثاني في المسالك 1: 34.

(5) الذخيرة: 311، كشف اللثام 1: 249.

(6) المختصر النافع: 35.

(7) الخلاف 1: 621.

(8) الوسائل 7: 315 أبواب صلاة الجمعة ب 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 71

يا محمّد- صلّى اللَّه عليه و آله- قد زالت الشمس، فانزل فصلّ» «1» في الثاني.

و تأويل الصلاة في الروايات بها و ما في حكمها- أعني الخطبة-

لكونها بدلا من الركعتين، خلاف الأصل و الظاهر.

كتأويل الخطبة في الصحيحة بالتأهّب لها كما عن التذكرة «2».

أو تأويل الظلّ الأوّل بأوّل الفي ء كما عن المنتهى «3»، أو بما قبل المثل من الفي ء، و الزوال بالزوال عن المثل كما عن المختلف «4».

أو حملها على أنّه إذا أراد تطويل الخطبة كان يشرع فيها قبل الزوال، و لم ينوها خطبة الصلاة، حتى إذا زالت الشمس كان يأتي بالواجب منها للصلاة، ثمَّ ينزل فيصلّي.

و لا ينافي المطلوب تصريح الصحيحة بأنّ الصلاة كانت حين تزول الشمس قدر شراك، فلا تكون أوّل الزوال بل بعده؛ لأنّ قدر الشراك كناية عن غاية القلّة. و حمله على طوله أو موضع القدم منه خلاف الظاهر جدّا. مع أنّ النزول عن المنبر بعد الخطبتين و تسوية الصفوف يستدعي هذا القدر من الوقت أيضا، فلا تكون الخطبة إلّا قبل الزوال، بل لا يحصل العلم بالزوال قبله. مع أنّ ما بعد هذا اللفظ من قوله: «في الظلّ الأوّل» و قول جبرئيل: «قد زالت الشمس فانزل» صريح في وقوعها قبله.

و القول «5»: بأنّ الأوّلية أمر إضافي يختلف باختلاف المضاف إليه.

و أنّه لا بدّ من تقدير شي ء مع الظلّ الأوّل، و ليس تقدير ابتدائه مثلا أولى من تقدير انقضائه.

______________________________

(1) التهذيب 3: 12- 42، الوسائل 7: 316 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 4.

(2) التذكرة 1: 151.

(3) المنتهى 1: 325.

(4) المختلف 104.

(5) انظر: جامع المقاصد 2: 393.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 72

و أنّ معنى قول جبرئيل: «أنّه قد زالت»: قدر شراك، بقرينة ما قبله.

ساقط جدّا:

أمّا الأوّل

، فلأنّ الظلّ مستعمل مقابل الفي ء، و الأوّل قبل الزوال، و الثاني بعده، و قد يوصف بالأوّل لتأكيد بيان قبليّة الزوال- كما في

طائر يطير بجناحيه- حيث قد يطلق الظلّ على ما بعد الزوال أيضا.

و أمّا الثاني

، فلمنع الاحتياج إلى التقدير، فإنّ المراد إيقاع الخطبتين قبل الزوال، و أمّا كونه آخر الظل الأوّل أو قبله فلا، بل يحصل المراد بمجرد ظرفيته لهما، و الظرف لا تجب مساواته للمظروف.

و أمّا الثالث

، فلمنع كون المعنى ذلك، بل المراد أنّه قد حصل الزوال.

و إنّما كان يصلي قدر الشراك، لما مرّ من إخبار جبرئيل، و النزول و التقدّم و تسوية الصفوف.

خلافا للمحكي عن ابن حمزة في الأوّل، فأوجب تقديمهما على الزوال «1»؛ و لعلّه لما مرّ من الأخبار الدالّة على وجوب الصلاة بمجرد الزوال و تضيّق وقتها.

و هو كان حسنا لو لا الإجماع على جواز الإيقاع بعد الزوال، كما هو المحقّق ظاهرا- لعدم قدح مخالفة واحد فيه- و المصرّح به في كلام جماعة. مضافا إلى أنّ الأمر بفعل في وقت و إرادته مع مقدماته شائعة، خصوصا مثل الخطبة التي هي كجزء من الصلاة.

و للسيّد و العماني و الحلبي و الحلّي و الفاضل «2»، و جمع آخر «3»، و نسبه في الذكرى إلى معظم الأصحاب «4»، و عن روض الجنان و التذكرة شهرته «5»، في

______________________________

(1) الوسيلة: 104.

(2) حكاه عن مصباح السيّد في السرائر 1: 296، و عن العماني في المختلف: 104، الحلبي في الكافي في الفقه: 151، الحلّي في السرائر 1: 296، الفاضل في نهاية الإحكام 2: 35، و المختلف: 104، و التذكرة 1: 151.

(3) كصاحبي الحدائق 10: 11، و الرياض 1: 187.

(4) الذكرى: 236.

(5) روض الجنان: 293، التذكرة 1: 151.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 73

الثاني، فأوجبوا إيقاعهما بعد الزوال.

لأصل الاشتغال.

و ما دلّ على أنّ الخطبة بعد الأذان من الآية «1»

و الرواية «2».

و على أنّ الخطبتين عوض من الركعتين «3»، فإنّ البدل وقته وقت المبدل منه.

و رواية ابن ميمون: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذّنون» «4».

و استحباب التنفّل بركعتين عند الزوال، فلو وقعت الخطبة قبله لزم تخلّل النافلة بينها و بين الصلاة.

و يضعّف الأوّل:

باندفاعه بالإطلاقات و بما مرّ.

و الثاني:

بعدم دلالته على التعيّن و الوجوب، بل غايته الرجحان. مضافا إلى ابتنائه في الآية و الروايات على وجوب كون الأذان يوم الجمعة عند الزوال، و عدم جواز الأذان للخطبة قبله، و هو- كما قيل «5»- ممنوع. و في الآية على إرادة الأذان للصلاة من النداء، و الخطبة من الذكر، و هما ممنوعان.

و الثالث:

بمنع البدليّة أوّلا، و وجوب الاتّحاد في الوقت ثانيا سيّما إذا علم تغاير الوقتين في الجملة، فإنّهما لو كانا بدلا لكانا عن الركعتين الأخيرتين، فلا يكون وقتهما أوّل الزوال قطعا؛ لوجوب تأخيرهما عن الأوليين، مع أنّه يجوز.

و الرابع:

باحتمال أن يكون القعود بعد الخطبة، مضافا إلى عدم دلالته على الوجوب.

______________________________

(1) الجمعة: 9.

(2) الكافي 3: 424 الصلاة ب 75 ح 7، التهذيب 3: 241- 648، الوسائل 7: 343 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 3.

(3) انظر: الوسائل 7: 312 أبواب صلاة الجمعة ب 6.

(4) التهذيب 3: 244- 663، الوسائل 7: 349 أبواب صلاة الجمعة ب 28 ح 2.

(5) انظر: الذخيرة 312.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 74

و الخامس:

بجواز اختصاص التنفّل بمن لم يقدّم الخطبة.

المسألة الخامسة: يجب القيام في الخطبتين بلا خلاف،

كما صرّح به جماعة «1»، بل هو مذهب الأصحاب، كما في المدارك «2»، بل إجماعي، كما عن التذكرة و روض الجنان و شرح القواعد «3»؛ لظاهر الإجماع المؤيّد بجملة من

الأخبار، كصحيحتي معاوية بن وهب «4»، و عمر بن يزيد «5»، و المروي في تفسير القمي: عن الجمعة كيف يخطب الإمام؟ قال: «يخطب قائما إنّ اللَّه تعالى يقول:

وَ تَرَكُوكَ قائِماً.» «6».

و قد يستدلّ له بهذه الأخبار. و في دلالتها على الوجوب نظر.

كما قد يستدل أيضا بما ورد أنّهما صلاة حتى ينزل [الإمام ] «7» فإنّ دلالته إنّما يتمّ على ثبوت عموم المنزلة، أو التشبيه، و هو ممنوع، مع أنّ جميع أجزاء الصلاة لا يجب فيه القيام.

ثمَّ لو خطب جالسا مع القدرة بطلت صلاته، و صلاة من علم بذلك من المأمومين؛ و يعلم وجهه ممّا سبق، فيما إذا أخّرهما عن الصلاة.

و أمّا من لم يعلمه فصلاته صحيحة، و إن رآه جالسا، و إن انكشف له عدم العذر؛ لإتيانه بما كان مأمورا به له على وجهه حينئذ، و لأنّ المستند التامّ ينحصر في الإجماع المنتفي هنا.

و منه يعلم أنّه يجوز الجلوس مع عدم إمكان القيام؛ للأصل، و اختصاص

______________________________

(1) انظر: مجمع الفائدة 2: 341، و الحدائق 10: 84، و الرياض 1: 186.

(2) المدارك 4: 38.

(3) التذكرة 1: 151، روض الجنان: 285، جامع المقاصد 2: 398.

(4) التهذيب 3: 20- 74، الوسائل 7: 334 أبواب صلاة الجمعة ب 16 ح 1.

(5) التهذيب 3: 245- 664، الاستبصار 1: 418- 1607، الوسائل 7: 305 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 10.

(6) تفسير القمّي 2: 367، الوسائل 7: 334 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 16 ح 3.

(7) أضفناه من المصدر، انظر: الوسائل 7: 331 أبواب صلاة الجمعة ب 14 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 75

الإجماع بحال الإمكان، فلا تجب الاستنابة.

و هل تجب فيه الطمأنينة؟.

صريح الفاضل و غيره: نعم «1»؛ للتأسي،

و عموم التشبيه و البدلية، و أصل الاشتغال.

و الكلّ ضعيف، يظهر وجهه ممّا سبق. و الأصل ينفيه.

المسألة السادسة: لا شكّ في رجحان اتّحاد الخطيب و الإمام؛

للاحتياط، و المروي في تفسير القمي المتقدّم، و قوله في موثقة سماعة السابقة: «و أمّا إذا لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعات» «2».

و في صحيحة زرارة: «لمكان الخطبتين مع الإمام» «3».

و في رواية العلل المتقدّمة بعد بيان علّة الخطبة: «و ليس بفاعل غيره ممّن يؤمّ الناس في غير يوم الجمعة» «4».

و قوله في صحيحة أخرى لزرارة تقدمت: «أمّهم بعضهم و خطبهم» «5».

و للاتّحاد في صلاة النبي و الأئمّة عليهم السلام.

و الأخبار المتضمّنة للنهي عن الكلام و الإمام يخطب «6».

و هل يجب ذلك كما عن الراوندي في أحكام القرآن و المنتهى و التذكرة «7»، لما

______________________________

(1) انظر: التذكرة 1: 151، و المدارك 4: 38، و الذخيرة: 299.

(2) الكافي 3: 421 الصلاة ب 75 ح 4، التهذيب 3: 19- 70، الوسائل 7: 310 أبواب صلاة الجمعة ب 5 ح 3.

(3) الفقيه 1: 124- 600، الوسائل 7: 312 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 1.

(4) العلل: 265، الوسائل 7: 344 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 6.

(5) الفقيه 1: 267- 1218، الوسائل 7: 304 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 4.

(6) الوسائل 7: 330 أبواب صلاة الجمعة ب 14.

(7) فقه القرآن: 135، المنتهى 1: 324، التذكرة 1: 146.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 76

مرّ كلا أو بعضا. أو لا كما عن نهاية الإحكام «1»، و ظاهر المدارك و الذخيرة:

التردد «2»، للأصل.

الحقّ هو الثاني؛ لما ذكر، و عدم دلالة شي ء ممّا مرّ على الوجوب حتى موثقة سماعة، لجواز أن يراد بالإمام فيها مطلق من يتّبع و لو في أمر أو نهي،

مع ما مرّ من الإجمال في معنى قوله «يخطب».

المسألة السابعة: و يجب الفصل بينهما بجلوس،

على الأشهر الأظهر؛ لقوله عليه السلام في صحيحة عمر بن يزيد: «و ليقعد قعدة بين الخطبتين» «3» المؤيّد بصحيحة ابن وهب السابقة «4».

و التأسي.

و قوله في موثقة سماعة بعد الخطبة الاولى: «ثمَّ يجلس ثمَّ يقوم» «5».

و في حسنة محمّد- أو صحيحته- بعد ذكر الخطبة و الأمر بالقراءة: «ثمَّ تجلس قدر ما يمكن هنيئة ثمَّ تقوم» «6».

و في صحيحة محمّد بن النعمان في خطبة أمير المؤمنين عليه السلام بعد الخطبة الاولى: «ثمَّ جلس قليلا ثمَّ قام» «7».

و في مرسلة الفقيه بعد ذكر الخطبة الاولى: «ثمَّ يجلس جلسة خفيفة ثمَ

______________________________

(1) نهاية الإحكام 2: 18.

(2) المدارك 4: 39، الذخيرة: 299.

(3) التهذيب 3: 245- 664، الاستبصار 1: 418- 1607، الوسائل 7: 305 أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 10.

(4) في ص 74.

(5) الكافي 3: 421 الصلاة ب 75 ح 1، التهذيب 3: 243- 655، الوسائل 7: 305 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 2.

(6) الكافي 3: 422 الصلاة ب 75 ح 6، الوسائل 7: 342 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 1.

(7) الكافي 8: 173 خطبة الجمعة لأمير المؤمنين عليه السلام ح 194.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 77

يقوم» «1».

و في حسنة محمّد: «ثمَّ يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ قل هو اللَّه أحد ثمَّ يقوم» «2».

خلافا للمحكي عن ظاهر المهذّب و النهاية، فقالا باستحبابه «3»، و عن النافع و المعتبر و المنتهى فتردّدا في الوجوب «4»؛ للأصل المندفع بما مرّ.

و يستحبّ كون الجلسة خفيفة، و أن تكون بقدر قراءة سورة التوحيد؛ لما مرّ.

و أن يكون حال الجلوس ساكتا؛ لقوله في صحيحة ابن وهب: «يجلس بينهما جلسة لا

يتكلّم فيها».

و حمله على النهي عن التكلّم بالخطبة «5»، خلاف مقتضى عمومه.

و لا يجب ذلك وفاقا لبعضهم «6»؛ للأصل.

و قيل بالوجوب؛ للنهي المذكور «7».

و يردّ بعدم صراحته في الحرمة كما هو شأن الجمل الخبرية.

و في اشتراط الطمأنينة في الجلوس قول «8»، ينفيه الأصل.

و لو خطب جالسا لعذر يفصل بينهما بسكتة عند جماعة «9»، و بضجعة على

______________________________

(1) الفقيه 1: 275- 1261، الوسائل 7: 407 أبواب صلاة الجمعة ب 53 ح 3.

(2) الكافي 3: 424 الصلاة ب 75 ح 7، التهذيب 3: 241- 648، الوسائل 7: 343 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 3.

(3) المهذب 1: 103، النهاية: 105.

(4) النافع: 35، المعتبر 2: 285، المنتهى 1: 327.

(5) كما في جامع المقاصد 2: 399.

(6) كصاحبي الحدائق 10: 88، و الرياض 1: 186.

(7) كما في الذكرى: 236.

(8) كما في التذكرة 1: 151، و الروض: 294، و المدارك 4: 39.

(9) انظر: المنتهى 1: 327، و جامع المقاصد 2: 399، و المدارك 4: 40.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 78

ما احتمله في التذكرة «1».

و لا دليل على شي ء منهما، إلّا أن يستدلّ للأوّل بوجوب الجلسة مع السكوت، و ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه.

و يردّ: بمنع وجوب السكوت، فيجوز الفصل بدعاء و نحوه أيضا. بل لو لا احتمال الإجماع لكان الحكم بعدم وجوب الفصل أيضا قويّا، إلّا أن يدّعى توقّف تحقّق التعدّد بالفصل، و فيه نظر.

المسألة الثامنة: لا تشترط فيهما الطهارة على الأصحّ،

وفاقا للحلّي و النافع و الشرائع و المعتبر و المختلف و التبصرة و الذخيرة و القواعد «2»، و غيرها «3»؛ للأصل و الإطلاقات، الخاليين عن المخرج.

خلافا للخلاف و المبسوط و ابن حمزة و المنتهى و الروضة و روض الجنان و شرح القواعد و

ظاهر التذكرة «4»، و غير واحد من المتأخرين «5».

للتأسي.

و الاحتياط.

و عموم التشبيه أو وجوب الحمل على أقرب المجازات حيث انتفت الحقيقة، في صحيحة ابن سنان: «إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين، فهي صلاة حتّى ينزل الإمام» «6».

و اقتضاء وجوب الموالاة بين الخطبة و الصلاة له.

______________________________

(1) التذكرة 1: 151.

(2) السرائر 1: 291، المختصر النافع: 35، الشرائع 1: 95، المعتبر 2: 285، المختلف: 103، التبصرة: 31، الذخيرة: 315، القواعد 1: 37.

(3) انظر: مجمع الفائدة 2: 384، و كشف اللثام 1: 251.

(4) الخلاف 1: 618، المبسوط 1: 147، الوسيلة: 103، المنتهى 1: 327، الروضة 1: 298، الروض: 296، جامع المقاصد 2: 401، التذكرة 1: 151.

(5) كصاحبي المدارك 4: 41، و الرياض 1: 186.

(6) التهذيب 3: 12- 42، الوسائل 7: 313 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 79

و قضية البدلية.

و يردّ الأوّل

- على فرض ثبوت كون النبي متطهرا في الخطبة دائما، و هو ممنوع- بعدم وجوبه، كما بيّنا في موضعه.

و كذا الثاني

إن أريد من حيث إنّه احتياط؛ و إن أريد من جهة استصحاب الاشتغال فيعارض باستصحاب عدمه بالطهارة.

و الثالث:

بمنع عمومه، و عدم دليل على الحمل على أقرب المجازات، كما بيّن الحكمان في موضعهما.

مضافا إلى احتمال إرادة المعنى اللغوي من الصلاة؛ لتقدّم الحقيقة اللغوية على المجاز الشرعي. و احتمال عود الضمير إلى الجمعة كما تلائمه الوحدة.

و إن ضعّف الأوّل منهما: بثبوت الحقيقة الشرعية للصلاة أوّلا، و عدم إمكان إرادة الحقيقة اللغويّة- لعدم كون الخطبة دعاء فقط- ثانيا، و عدم ملائمته لفاء التفريع ثالثا. و الثاني: بانتفاء ذلك الاحتمال؛ لما في الرواية من الغاية، مع معارضة الوحدة بالقرب، و توسّط الضمير بين اسمين،

فتجوز مراعاة أيّهما كان في المطابقة.

و الرابع:

بمنع وجوب الموالاة أوّلا، و منع اقتضائه لاشتراط الطهارة؛ لجواز التطهّر في أثناء الخطبة أو في المسافة بين المنبر و المحراب ثانيا.

و الخامس:

بمنع البدليّة أوّلا، و منع اقتضائها الاشتراك في جميع الأحكام ثانيا، و لذا لم يشترط فيهما القبلة و التسليم و التكبير و نحوها. هذا حكم الحدث.

و لا تشترط الطهارة من الخبث أيضا؛ لما مرّ. و يظهر من بعضهم أنّ عدم اشتراطها مسلّم عند المشترطين للطهارة من الحدث.

و ظاهر المنتهى و بعض آخر اشتراطها «1»؛ لعين ما مرّ بجوابه.

و ممّا ذكر يظهر عدم اشتراط شي ء من الطهارتين في السامعين أيضا، كما هو ظاهر الأكثر، حيث قيّدوا بالخطيب أو الإمام.

______________________________

(1) المنتهى 1: 327، و انظر: البيان: 189.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 80

و يظهر من بعض متأخّري المتأخّرين الميل إلى اشتراطها فيهم «1»، و هو ضعيف غايته.

المسألة التاسعة: هل يجب على الخطيب رفع الصوت بحيث يسمعها العدد المعتبر فصاعدا، أم لا؟.

تردّد فيه في الشرائع «2»، و هو في موقعه، بل مقتضى الأصل العدم.

و جزم بالوجوب في القواعد و شرحه «3».

لأصل الاشتغال.

و التأسي، فإنّه روي: أنّ النبي صلّى اللَّه عليه و آله كان إذا خطب رفع صوته كأنّه منذر جيش «4».

و لأنّ المقصود من الخطبة لا يحصل بدونه.

و يردّ الأوّل:

بما مرّ مرارا.

و كذا الثاني

، مضافا إلى منع ثبوت ذلك دائما من النبي صلّى اللَّه عليه و آله، و الرواية ضعيفة، و لو ثبتت لدلّت على رفع الصوت كثيرا، و هو غير واجب قطعا.

و الثالث:

بمنع انحصار المقصود في فهم الحاضرين، بل لا دليل على كونه مقصودا في التحميد و الصلاة، و هما أيضا من الخطبة. و لو كان المقصود منحصرا فيه لزم رفع الصوت بحيث يسمعه جميع من تجب عليه الجمعة، و لا

يقولون بذلك، بل لا دليل عليه. فما يجعلونه فائدة لحضور الباقين يكون فائدة لمطلق الخطبة.

و كذا فائدته فائدة الخطبة عند تعذّر رفع الصوت بهذا القدر، و فائدته

______________________________

(1) انظر: الذخيرة: 315، و الحدائق 10: 102، و الرياض 1: 186.

(2) الشرائع 1: 95.

(3) القواعد 1: 37، جامع المقاصد 2: 399.

(4) صحيح مسلم 2: 592- 43 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 81

لحضور الأصمّ، و لذا اشترط بعضهم فيهما العربية و لو لم يفهمها العدد «1»، فيمكن أن تكون تعبدا كالصلاة و القنوت بالعربي و الإنصات للقرآن بالنسبة إلى من لا يفهم العربية.

و أمّا رواية العلل المتقدّمة «2» فلا تدل إلّا على أن شرّع الخطبة لأن يكون سبب للأمير للترغيب و التحذير، و مقتضاه أنّه إذا أراد ذلك كان له باعث، و لم يقل أن شرّعها للترغيب و التحذير.

نعم يستحبّ الرفع بحيث يسمع كلّ من يمكن قطعا.

المسألة العاشرة: لا يجب إصغاء العدد و لا الحاضرين للخطبة،

وفاقا للمعتبر و النافع و المبسوط و الذخيرة «3»؛ للأصل، و لأنّ تخصيص الوجوب بالعدد تخصيص بلا دليل، و تعميمه يوجب التكليف بالممتنع إن لم نوجب رفع الصوت على الخطيب بحيث يسمعه الكلّ، و ما لا يقولون به، و لا دليل عليه إن أوجبناه.

خلافا للأكثر كما صرّح به بعض من تأخّر «4».

لبعض ما مرّ.

و للأمر في الآية بالإنصاف و الاستماع للقرآن، «5»، و ورد ورود الآية في الخطبة «6»، و سمّيت قرآنا لاشتمالها عليه.

و للصحيحة المتقدّمة المصرّحة بأنّها صلاة حتّى ينزل الإمام «7».

______________________________

(1) كما في المدارك 4: 35.

(2) في ص 69.

(3) المعتبر 2: 294، النافع 1: 36، المبسوط 1: 148، الذخيرة: 315.

(4) انظر: جامع المقاصد 2: 401، و المدارك 4: 63، و كفاية الأحكام: 21.

(5) الأعراف: 204.

(6) انظر: مجمع

البيان 2: 515، و تفسير الفخر الرازي 5: 102.

(7) راجع ص 78.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 82

و النصوص الكثيرة الآتية الناهية عن الكلام في أثناء الخطبة «1»؛ لظهور أنّ وجه النهي فيها إنّما هو وجوب الإصغاء.

و بعض الأخبار المتقدّمة المتضمّنة لقوله: «خطبهم» و «يخطب بهم» فإنّه لا يتحقّق بدون الإصغاء.

و يضعّف ما مرّ:

بما مرّ، سيّما ما ذكروه من انتفاء الفائدة، فإنّ استماع الكلّ- سيّما في المدن الكبيرة مع ذلك الاجتماع العظيم- ممتنع عادة، ففائدة حضور من لا يمكنه السماع- مع وجوب الجمعة عليه قطعا- هي الفائدة في المطلق.

و الثاني:

بمنع ورودها في الخطبة، و ضعف مستنده، و معارضته مع ما عن بعض التفاسير أنّها في الصلاة المكتوبة «2»، و عن تفسير القمي: «أنّها في صلاة الإمام الذي يأتمّ به» «3» و عن التبيان: أنّ فيها أقوالا «4».

و القول بكفاية إطلاقها؛ لشمولها للقراءة في الخطبة، فيتمّ المطلوب بالإجماع المركب.

مردود بأنّ الإجماع المركّب إنّما يفيد لو كان الإنصات حال القراءة لأجل أنّها جزء من الخطبة، و أمّا لأجل أنّها قرآن فلا إجماع أصلا. مع أنّه على الإطلاق يرد عليه عدم وجوب الإنصات في المطلق، و التخصيص بالبعض ليس أولى من الحمل على الاستحباب.

و الثالث:

بما مرّ، مضافا إلى أنّه لا يدلّ على أزيد على أنّ الخطيب في الصلاة، دون السامعين، سلّمنا و لكن لا يجب الإصغاء في الصلاة.

و الرابع

- بعد تسليم حرمة الكلام-: بمنع انحصار وجهها في الإصغاء، مع أنّ الإصغاء ممكن مع الكلام أيضا، كما أنّ عدمه يكون مع عدمه، و يمكن أن يكون وجهها كونها صلاة كما يقولون هؤلاء به.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 7: 330 أبواب صلاة الجمعة ب 14.

(2) انظر: مجمع البيان 2: 515.

(3) تفسير

القمي 1: 254.

(4) التبيان 5: 67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 83

و الخامس:

بمنع توقّف الخطبة لهم على ذلك، فإنّه يصدق بمجرد الخطبة في محضر منهم.

نعم يستحب الإصغاء إجماعا؛ له، و لبعض ما مرّ، و للمروي في الدعائم:

«يستقبل الناس الإمام عند الخطبة بوجوههم و يصغون إليه» «1».

المسألة الحادية عشرة: لا خلاف في مرجوحية الكلام للإمام و المأمومين في أثناء الخطبة،
اشارة

و تدلّ عليها المستفيضة: كصحيحة محمّد: «إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلّم حتّى يفرغ من خطبته، فإذا فرغ تكلّم ما بينه و بين ما أن تقام الصلاة» «2».

و المرويّات في قرب الإسناد: أحدها:

«يكره الكلام يوم الجمعة و الإمام يخطب، و في الفطر و الأضحى و الاستسقاء» «3».

و الثاني:

«إنّ عليّا كان يكره ردّ السلام و الإمام يخطب» «4».

و الثالث:

«و رجل شهدها- أي الجمعة- و الإمام يخطب فقام يصلّي، فقد أخطأ السنة» «5».

و المستفيضة المصرّحة بأنّه: «لا كلام و الإمام يخطب» «6» و أنّه: «لا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر» «7».

______________________________

(1) الدعائم 1: 183، مستدرك الوسائل 6: 22 أبواب صلاة الجمعة ب 12 ح 5.

(2) الكافي 3: 421 الصلاة ب 75 ح 2، التهذيب 3: 20- 71، الوسائل 7: 330 أبواب صلاة الجمعة ب 14 ح 1.

(3) قرب الإسناد: 150- 544، الوسائل 7: 331 أبواب صلاة الجمعة ب 14 ح 5.

(4) قرب الإسناد: 149- 539، الوسائل 7: 331 أبواب صلاة الجمعة ب 14 ح 6.

(5) قرب الإسناد: 34- 111، الوسائل 7: 416 أبواب صلاة الجمعة ب 58 ح 1.

(6) انظر: الوسائل 7: 330 أبواب صلاة الجمعة ب 14.

(7) الكافي 3: 424 الصلاة ب 75 ح 7، التهذيب 3: 241- 648، الوسائل 7: 343 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 6، ص: 84

و النبوي: «إذا قلت لصاحبك: أنصت، و الإمام يخطب، فقد لغوت» «1».

و هل يحرم ذلك؟ كالمشهور، و منهم: الشيخ في النهاية و الخلاف مدّعيا فيه الإجماع عليها «2».

أو لا؟ كالمبسوط و موضع من الخلاف «3»، على ما قيل «4»- و إن أنكره بعضهم، و هو كذلك، فإنّ كلامه في هذا الموضع الذي صرّح فيه بالكراهة و عدم الحظر إنّما هو في الكلام ما بين الخطبة و الصلاة، كما يظهر من دليله- و المحقق و الذخيرة «5».

ألحقّ هو الأوّل، لا للمستفيضة الأخيرة؛ لعدم دلالتها على الحرمة، مع كون النهي عن الصلاة أخصّ من المدّعى. و لا لقوله: «هي صلاة حتّى ينزل» لما مرّ.

بل لصحيحة محمّد: «لا بأس أن يتكلّم الرجل إذا فرغ الإمام من الخطبة يوم الجمعة ما بينه و بين أن تقام الصلاة» «6».

دلّت بمفهوم الشرط على ثبوت البأس الذي هو العذاب في التكلّم قبل الفراغ.

و المروي في مجالس الصدوق في مناهي النبي: «أنّه نهى عن الكلام يوم الجمعة و الإمام يخطب، فمن فعل ذلك فقد لغا، و من لغا فلا جمعة له» «7».

و في دعائم الإسلام: عن الصادق عليه السلام: «إذا قام الإمام يخطب،

______________________________

(1) سنن ابن ماجه 1: 352- 1110، سنن أبي داود 1: 290- 1112، سنن الدارمي 1: 364.

(2) النهاية: 105، الخلاف 1: 615.

(3) المبسوط 1: 148، الخلاف 1: 625.

(4) انظر: المهذّب البارع 1: 409، و الذخيرة: 315، و الحدائق 10: 96.

(5) المحقق في الشرائع 1: 97 و 99، و المختصر: 36، و المعتبر 2: 294، الذخيرة: 315.

(6) الفقيه 1: 269- 1229، الوسائل 7: 331 أبواب صلاة الجمعة ب 14 ح 3.

(7) أمالي الصدوق: 347، الوسائل 7: 331 أبواب صلاة الجمعة

ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 85

فقد وجب على الناس الصمت» «1».

و فيه أيضا: عنه عليه السلام: «إنّما جعلت الخطبة عوضا عن الركعتين اللتين اسقطتا من صلاة الظهر، فهي كالصلاة لا يحلّ فيها إلّا ما يحلّ في الصلاة» «2».

و ضعف هذه بالشهرة المحكيّة «3»، بل المحقّقة، بل الإجماع المنقول في الخلاف «4»، منجبر.

احتجّ المخالف: بالأصل الخالي عن المخرج؛ لعدم دلالة بعض ما جعلوه مخرجا حتى صحيحة محمّد، لعدم صراحة ثبوت البأس في الحرمة، و ضعف الباقي.

و بقوله: لا ينبغي و يكره، في الروايات السابقة.

و بعض الروايات العاميّة «5».

و جواب الأوّل ظهر ممّا مرّ.

و يجاب عن الثاني بأعمّية اللفظين، فيشملان الحرام أيضا.

و عن الثالث بعدم الحجية.

فروع:
أ: هل ترك الكلام واجب فقط، أو شرط في صحة الصلاة أيضا؟.

الظاهر الأوّل، بل ادّعي نفي القول بخلافه «6»، بل عن نهاية الإحكام:

______________________________

(1) الدعائم 1: 182، مستدرك الوسائل 6: 22 أبواب صلاة الجمعة ب 12 ح 2.

(2) الدعائم 1: 183، مستدرك الوسائل 6: 15 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 2.

(3) انظر: الحدائق 10: 96، و الرياض 1: 189.

(4) الخلاف 1: 615.

(5) انظر: سنن البيهقي 3: 221.

(6) كما في الذخيرة: 315، و الحدائق 10: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 86

الإجماع على عدم البطلان «1»؛ للأصل.

و عن المسالك و روض الجنان: الاشتراط في العدد دون الزائد «2». و الأصل ينفيه.

ب: استحباب الإصغاء و حرمة الكلام هل يختص بالعدد أم يشمل الجميع؟.

الظاهر الثاني؛ لعموم الأدلّة.

و عن التذكرة: الأوّل، إلّا أن يمنع تكلّم غير العدد عن سماع العدد «3».

ج: هل يختصّ الأمران بالمتمكّن عن السماع، أو يعمّ غيره أيضا كالبعيد، و الأصم؟.

المحكي عن بعضهم: الثاني «4».

و هو كذلك في حرمة الكلام، وفاقا للمحكي عن المسالك و روض الجنان و حواشي القواعد و المنتهى «5»؛ للعموم. دون الإصغاء؛ لعدم إمكانه في حقّهما.

د: هل يحرم غير الكلام ممّا يحرم في الصلاة كالالتفات و نحوه، أم لا؟.

الظاهر: الثاني: للأصل.

و قال بعض متأخري الأخباريين بالأوّل «6»، و نقله عن السيد؛ لرواية الدعائم. و يضعّف بالضعف.

______________________________

(1) نهاية الإحكام 2: 38.

(2) المسالك 1: 35، الروض: 297.

(3) التذكرة 1: 152.

(4) كما في الحدائق 10: 100.

(5) المسالك 1: 297، الروض: 297، المنتهى 1: 331.

(6) انظر: الحدائق 10: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 87

ه: هل تختصّ الحرمة بحال الاشتغال بالخطبة، أو تعمّ حال السكوت بين الخطبتين أيضا؟.

المحكي عن النهاية و التذكرة: الأوّل؛ «1»، للأصل.

و عن المسالك و روض الجنان و ظاهر الروضة: الثاني «2».

و هو الأقوى، لا لقوله: «و هي صلاة حتى ينزل [الامام ]» «3» لما عرفت، و لا لقوله في صحيحة ابن وهب: «يجلس بينهما جلسة لا يتكلّم فيها» «4» لعدم دلالته على الوجوب، و اختصاصه بالإمام.

بل لمفهوم الشرط في صحيحة محمّد المتقدّمة «5»، و به يندفع الأصل المتقدّم.

و: هل حرمة الكلام تختصّ بغير الإمام؟

كما عن ظاهر نهاية الشيخ و الحلّي و الحلبي و نهاية الإحكام و الدروس و البيان «6».

أو تعمّه أيضا؟ كظاهر الروضة و روض الجنان و المسالك «7» و حواشي القواعد، و بعض آخر «8».

الحقّ هو الأوّل؛ للأصل، و اختصاص الأدلّة بغيره، و يؤيّده بعض الأخبار

______________________________

(1) نهاية الإحكام 2: 38، التذكرة 1: 152.

(2) المسالك 1: 35، الروض: 297، الروضة 1: 298.

(3) التهذيب 3: 12- 42، الوسائل 7: 313 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 4؛ و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(4) التهذيب 3: 20- 74، الوسائل 7: 334 أبواب صلاة الجمعة ب 16 ح 1.

(5) في ص 83.

(6) النهاية: 105، الحلي في السرائر 1: 295، الحلبي في الكافي في الفقه: 152، نهاية الإحكام 2:

38، الدروس 1: 187، البيان: 189.

(7) الروضة 1: 298، الروض: 297، المسالك 1: 35.

(8) كالمهذّب البارع 1: 410، و الحدائق 10: 101.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 88

النبويّة الدالّة على تكلّمه في أثناء الخطبة «1».

و للمخالف بعض ما مرّ- مع جوابه- من تنزيلها منزلة الصلاة.

ز: لا بأس بالتكلّم ما بين الخطبة و الصلاة؛

للأصل، و بعض ما تقدّم من الأخبار «2».

المسألة الثانية عشرة: يستحبّ أن يكون الخطيب بليغا

جامعا بين الفصاحة- التي هي خلوص الكلام عن ضعف التأليف و تنافر الكلمات و التعقيد، و عن كونها غريبة وحشية- و بين القدرة على تأليف الكلام المطابق لمقتضى الحال من الزمان و المكان و الحاضرين، مع الاحتراز عن الإيجاز المخلّ، و التطويل المملّ؛ ليكون كلامه أوقع في القلوب، و به يحصل من الخطبة المطلوب.

مواظبا على الطاعات، مجانبا عن المحرّمات؛ ليكون وعظه أبلغ تأثيرا، و لا يكون من الذين يقولون ما لا يفعلون.

متعمّما متردّيا شتاء و صيفا؛ لرواية سماعة «3»، و صحيحة عمر بن يزيد «4».

معتمدا حال الخطبة على سيف أو قوس أو عصا؛ للأخيرة.

قائما على مرتفع من منبر و نحوه؛ لفعل الحجج، و بعض الأخبار «5».

و أن يكون أذان المؤذّن بعد صعود المنبر، أو جلوسه؛ لرواية ابن ميمون «6»، و رواية الدعائم: «إذا صعد الإمام المنبر جلس، فأذّن المؤذّنون بين يديه، فإذا فرغوا من الأذان قام فخطب» «7».

______________________________

(1) صحيح مسلم 2: 596 و 597 ب 14 و 15.

(2) في ص 84، الهامش 6.

(3) الكافي 3: 421 الصلاة ب 75 ح 1، التهذيب 3: 243- 655، الوسائل 7: 341 أبواب صلاة الجمعة ب 24 ح 1؛ بتفاوت يسير.

(4) التهذيب 3: 245- 664، الوسائل 7: 341 أبواب صلاة الجمعة ب 24 ح 2.

(5) الوسائل 7: 343 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 3.

(6) التهذيب 3: 244- 663، الوسائل 7: 349 أبواب صلاة الجمعة ب 28 ح 2.

(7) الدعائم 1: 183، مستدرك الوسائل 6: 15 أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 89

و أمّا بعض الروايات الدالّة على تقديم الأذان فلا يفيد أزيد من

الرخصة «1».

و أن يستقبل الناس بوجهه عند الخطبة، و يستقبله الناس؛ لمرسلة الفقيه:

«كلّ واعظ قبلة، و كل موعوظ قبلة للواعظ» يعني في الجمعة و العيدين و صلاة الاستسقاء في الخطبة يستقبلهم الإمام، و يستقبلونه حتى يفرغ من خطبته» «2».

و قريبة منها رواية السكوني «3».

و أن يجلس أمام الخطبة؛ لبعض ما مرّ، مضافا إلى نفي الخلاف عنه في بعض العبائر «4».

و أن يسلّم على الناس إذا استقبلهم؛ لمرفوعة عمرو بن جميع «5».

خلافا للخلاف «6»؛ لأصالة البراءة.

و هو كان حسنا لو لا المرفوعة المنجبرة بالشهرة، مضافا إلى ثبوت المسامحة في المقام، و عموم أدلّة استحباب التسليم الشامل للمسألة.

و لذا عن الفاضل في النهاية و التذكرة: استحبابه مرّتين، مرة إذا دنا المنبر يسلّم على من عنده، قال: لاستحباب التسليم لكلّ وارد، و اخرى إذا صعده، فانتهى إلى الدرجة التي يلي القعود «7».

الرابع من الشرائط: الجماعة
اشارة

، فلا تصحّ فرادى، إجماعا من المسلمين، و به استفاضت النصوص، و قد تقدّم شطر منها.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 7: 343 أبواب صلاة الجمعة ب 25 ح 3.

(2) الفقيه 1: 275- 1261، و لا يوجد فيه: في الخطبة .. إلى آخر المرسلة، الوسائل 7: 407 أبواب صلاة الجمعة ب 53 ح 3.

(3) الكافي 3: 424 الصلاة ب 75 ح 9، الوسائل 7: 407 أبواب صلاة الجمعة ب 53 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 6    90     المسألة الأولى: تتحقق الجماعة بنية اقتداء المأمومين بالإمام ..... ص : 90

(4) كما في الرياض 1: 187.

(5) التهذيب 2: 244- 662، الوسائل 7: 349 أبواب صلاة الجمعة ب 28 ح 1.

(6) الخلاف 1: 624.

(7) نهاية الإحكام 2: 40، التذكرة 1: 152.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 90

و

هل اشتراطها إنّما هو في الابتداء خاصة؟ كما عن جماعة «1»، بل لعلّهم الأكثر.

أو تشترط استدامة أيضا؟ كما عن المنتهى و البيان «2»، و نسب إلى محتمل الشرائع و القواعد «3».

مقتضى الاستصحاب المتقدّم في العدد: الأوّل، و ظاهر إطلاق بعض الأخبار: الثاني.

و ها هنا مسائل:
المسألة الأولى: تتحقق الجماعة بنية اقتداء المأمومين بالإمام

، فلو أخلّوا بها جميعا بطلت صلاتهم. و لو أخلّ بعضهم، فإن كان من العدد بطلت صلاة الجميع أيضا مع علمهم بالإخلال، و صلاة المخلّ خاصة إن لم يعلم الباقي، و إن كان من الزائد بطلت صلاته خاصة مطلقا.

و هل تجب على الإمام نية الإمامة؟ قال الشهيدان: نعم «4». و قيل: فيه نظر، من حصول الإمامة إذا اقتدي به، و من وجوب نيّة كلّ واجب «5».

أقول: و يمكن أن يكون مراد المشترط لنيّة الإمام كونه عالما باقتداء المأمومين به حتى يحصل العلم بالإمامة بالنسبة إليه أيضا. و على هذا، فلا ريب في اشتراطها حتى تشرع صلاته؛ إذ لا ينفكّ ذلك العلم عن النيّة و يستلزمها. فلو لم يعلمه لم تحصل المشروعيّة، و لو علمه حصلت النيّة أيضا.

هذا، مع أنّه لما لم تكن الجمعة منفكّة عن الجماعة لزم قصد القربة بالجماعة

______________________________

(1) انظر: المسالك 1: 34، و كشف اللثام 1: 252، و الحدائق 10: 114، و الرياض 1: 187.

(2) المنتهى 1: 335، البيان: 190.

(3) الشرائع 1: 99، القواعد 1: 37.

(4) الشهيد الأوّل في الذكرى: 234، و البيان: 191، الشهيد الثاني في المسالك 1: 34، و الروض: 285.

(5) كما في الرياض 1: 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 91

أيضا، و هو يتوقّف على قصد الجماعة، فمراد المشترط لنيّة الإمام الائتمام به إن كان مجرّد قصده الإمامة، كان ما قيل صحيحا، و لكن مراده ما هو

المصطلح من النية في العبادات من قصد القربة بها.

و على هذا، فالتنظّر فيها فاسد البتّة، بل يتعيّن القول باشتراطها.

المسألة الثانية: لو لم يدرك المأموم الخطبة و أوّل الصلاة
اشارة

، فإن أدرك الإمام قبل الدخول في الركوع الثاني صحّت جمعته، و يجب عليه الائتمام بركعة و إتمام الأخرى، بلا خلاف، بل عليه الإجماع في المدارك و غيره «1».

للمستفيضة من الصحاح، و غيرها، منها: صحيحتا البقباق: «من أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة» «2».

و صحيحة العزرمي: «إذا أدركت الإمام يوم الجمعة و قد سبقك بركعة، فأضف إليها ركعة أخرى، و اجهر بها، و إن أدركته و هو يتشهّد، فصلّ أربعا» «3» و غير ذلك.

و أمّا صحيحة ابن سنان: «لا تكون الجمعة إلّا لمن أدرك الخطبتين» «4».

فلمخالفتها لفتوى الطائفة شاذّة، و لموافقتها لعمل جمع من العامّة «5» تحتمل التقية، أو المراد منها نفي الكمال و الفضيلة، أو نفي الحقيقة حيث إنّ حقيقة الجمعة هي الركعتان مع الخطبتين النائبتين عن الأخيرتين، فيكون المراد من أخبار

______________________________

(1) المدارك 4: 17، و انظر: التذكرة 1: 182، و الذكرى: 234.

(2) الاولى: التهذيب 3: 161- 346 الوسائل 7: 346 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 6.

الثانية: الفقيه 1: 270- 1232، التهذيب 3: 243- 657، الاستبصار 1:

422- 1623، الوسائل 7: 345، 346 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 2 و 4.

(3) التهذيب 3: 244- 659، الاستبصار 1: 422- 1625، الوسائل 7: 346 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 5.

(4) التهذيب 3: 160- 345 و 243- 658، الاستبصار 1: 422- 1624، الوسائل 7: 346 أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 7.

(5) انظر: الاستذكار 2: 291، و المجموع 4: 558.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 92

الإدراك إدراك ما يجزئ الجمعة.

و كذا إن أدركه في الركوع الثاني،

على الأظهر الأشهر، بل عليه كافة من تأخّر، كما في الذكرى و غيره «1»، و في السرائر نسبه الى باقي الفقهاء غير الشيخ، مدّعيا تواتر الأخبار به «2»، و في الخلاف الإجماع عليه «3».

لأنّ الجمعة تدرك بإدراك الركعة، و إدراكها يتحقّق بإدراك الركوع.

أمّا الأوّل

، فلما تقدم من المعتبرة.

و أمّا الثاني

، فللأخبار المستفيضة كصحيحة الحلبي: «إذا أدركت الإمام و قد ركع، فكبّرت و ركعت قبل أن يرفع رأسه، فقد أدركت الركعة، فإن رفع الإمام رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة» «4».

و صحيحة سليمان: «في الرجل إذا أدرك الإمام و هو راكع، فكبّر الرجل و هو مقيم صلبه، ثمَّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه، فقد أدرك الركعة» «5».

و مضمرة الشحّام: عن الرجل انتهى إلى الإمام و هو راكع، قال: «إذا كبّر و أقام صلبه، ثمَّ ركع، فقد أدرك» «6».

و رواية ابن شريح: «إذا جاء الرجل مبادرا و الإمام راكع، أجزأته تكبيرة لدخوله في الصلاة و الركوع» «7».

______________________________

(1) الذكرى: 275، و انظر: الذخيرة: 311، و الرياض 1: 183.

(2) السرائر 1: 285.

(3) الخلاف 1: 622.

(4) الكافي 3: 382 الصلاة ب 61 ح 5، الفقيه 1: 254- 1149، التهذيب 3: 43- 153، الاستبصار 1: 435- 1680، الوسائل 8: 382 أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 2.

(5) الكافي 3: 382 الصلاة ب 61 ح 6 بتفاوت يسير، التهذيب 3: 43- 152، الاستبصار 1:

435- 1679، الوسائل 8: 382 أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 1.

(6) الفقيه 1: 254- 1150، الوسائل 7: 383 أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 3؛ بتفاوت يسير.

(7) الفقيه 1: 265- 1214، الوسائل 8: 393 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6،

ص: 93

و تدلّ عليه أيضا رواية الجعفي «1»، و مرسلة الفقيه «2»، الواردتان في قدر انتظار الإمام في الركوع.

و صحيحة البصري «3»، الواردة فيمن ظنّ أنّه إن مشى إلى الإمام رفع رأسه من الركوع.

و المروي في الاحتجاج عن الحميري: عن مولانا الصاحب عليه السلام:

«إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة، اعتدّ بتلك الركعة» «4».

خلافا للمحكي عن المقنعة و الشيخ في النهاية و التهذيب و الاستبصار و القاضي «5»، فاشترطوا في إدراكها إدراك تكبيرة الركوع.

لحسنة الحلبي: «إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة، فقد أدركت الصلاة، و إن أنت أدركته بعد ما ركع، فهي الظهر أربعا» «6».

و قريبة منها صحيحته «7».

و الصحاح الأربع لمحمّد: الاولى: «إن لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة، فلا تدخل معهم في تلك الركعة» «8».

و الثانية: «لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام» «9».

______________________________

(1) التهذيب 3: 48- 167، الوسائل 8: 394 أبواب صلاة الجماعة ب 50 ح 1.

(2) الفقيه 1: 255- 1151، الوسائل 8: 395 أبواب صلاة الجماعة ب 50 ح 2.

(3) الكافي 3: 385 الصلاة ب 62 ح 5، الفقيه 1: 254- 1148، التهذيب 3: 44- 155، الاستبصار 1: 436- 1682، الوسائل 8: 385 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 3.

(4) الاحتجاج: 488، الوسائل 8: 383 أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 5.

(5) حكاه عن المقنعة في الذخيرة. 312 و لم نجده فيها، النهاية: 114، التهذيب 3: 44، الاستبصار 1: 435، القاضي في المهذّب 1: 103.

(6) الكافي 3: 427 الصلاة ب 78 ح 1، التهذيب 3: 243- 656، الاستبصار 1:

421- 1622، الوسائل 7: 345 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 26 ح 3.

(7) الفقيه

1: 270- 1233، الوسائل 7: 345 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 26 ح 1.

(8) التهذيب 3: 43- 149، الاستبصار 1: 434- 1676، الوسائل 8: 381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 2.

(9) التهذيب 3: 43- 150، الاستبصار 1: 435- 1677، الوسائل 8: 381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 94

و الثالثة: «إذا لم تدرك تكبيرة الركوع، فلا تدخل معهم في تلك الركعة» «1».

و الرابعة: «إذا أدركت التكبيرة قبل أن يركع الإمام فقد أدركت الصلاة» «2».

و يضعّف هذه الأخبار؛ مضافا إلى قصورها عن المقاومة لما مرّ، لاعتضاده بالشهرة العظيمة، و لاستفاضته و كثرته، و انتفائهما فيها حيث إنّ الأصل في أكثرها محمّد؛ بأنّ ما مرّ أخصّ مطلقا من هذه الأخبار، فيجب تخصيصها به، لاختصاصه بالراكع الغير الرافع رأسه، و شمولها له و لغيره ممن رفع رأسه، كما في حسنة الحلبي، و صحيحته، أولهما و لمن كبّر، فلم يدخل في الركوع أيضا كما في البواقي، فيجب التخصيص بغير الرافع رأسه.

مع أنّ لأعمية غير الأوليين- أي: الصحاح الأربع- وجها آخر أيضا، و ذلك لأنّ مدلولها عدم الدخول و عدم إدراك الصلاة و عدم الاعتداد ما لم يدرك التكبير. و ظاهر أنّه لا يعارض ما دلّ على إدراك الركعة فقط ممّا مرّ؛ لعدم المنافاة.

و إنّما يعارض هذه منضما مع ما دلّ على إدراك الصلاة بإدراك الركعة ممّا مرّ، و هو كان مخصوصا بصلاة الجمعة، فيكون أخصّ مطلقا عن البواقي، فتخصّ به، و يعمل بمدلولها في غير صلاة الجمعة، فإنّ مدلول الثلاثة الاولى ليس زائدا عن مرجوحية الدخول و الاعتداد، و هما و إن لم يمكن ارتكابهما في صلاة الجمعة لوجوب الدخول-

و منه يظهر فساد الجواب بحمل هذه الروايات على الكراهة مطلقا- إلّا أنّهما يجريان في غيرها. و مدلول الأخيرة عدم إدراك الصلاة، و هو أيضا مسلّم؛ لأنّ الثابت ممّا مرّ ليس أزيد من إدراك ما يجزئ عن الجماعة.

______________________________

(1) الكافي 3: 381 الصلاة ب 61 ح 2، الوسائل 8: 381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 4.

(2) التهذيب 3: 43- 151، الاستبصار 1: 435- 1678، الوسائل 8: 381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 95

هذا كلّه مضافا إلى أنّ مع التعارض يجب العمل بما مرّ أيضا؛ إذ من المرجّحات المنصوصة تقديم الأحدث، و لا شكّ أنّ رواية الاحتجاج أحدث من الجميع.

فرعان:
أ: مقتضى ما مرّ إدراك الصلاة إذا أدرك الإمام في حدّ الراكع

و لو أخذ في الرفع، كما هو أحد وجهي المسألة.

إلّا أنّ رواية الاحتجاج تفيد بالمفهوم عدم الاعتداد لو لم يدرك تسبيحة واحدة. و لكن في إفادتها الوجوب نظر، فيمكن أن يراد المرجوحية الإضافية و قلّة الكمال. و مراعاة مدلولها أحوط.

ب: لو شكّ في أنّه حين دخل الركوع رفع الإمام رأسه أم لا صحّت جمعته؛

لاستصحاب ركوع الإمام، و أصالة عدم رفع رأسه. و لا تعارضهما أصالة عدم إدراكه؛ لزوالها بهما.

المسألة الثالثة: لو ركع المأموم في الركعة الاولى مع الإمام، و منعه الزحام عن السجود فيها

، لا يجوز له أن يسجد على ظهر غيره، أو رجله، أو يومئ لها، إجماعا، بل ينتظر حتى يتمكّن من السجود، فإن أمكنه السجود بعد قيام الصفوف سجد، و لحق الإمام في الركوع الثاني وجوبا، و ما حصل له من الإخلال بالمتابعة في الركن مغتفر بالعذر، كما سيأتي في محلّه.

و إن فرغ من السجدة الاولى و قد رفع الإمام رأسه من الركوع الثاني، ففي لزوم الانفراد، أو حذف ما فعل و متابعة الإمام، أو الجلوس حتى يفرغ الإمام من الصلاة ثمَّ الإتيان بالركعة الثانية، أو التخيير بين الأوّل و الثالث، أقوال، و لكلّ وجه، و لعلّ الأخير أوجه.

و إن لم يمكنه السجود حتى يركع الإمام ثانيا لم يركع مع الإمام في الركعة الثانية، بل يصبر إلى أن يسجد الإمام لها، فإذا سجد سجد معه و نوى بهما للركعة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 96

الاولى، ثمَّ أتمّ صلاته بركعة أخرى بعد تسليم الإمام، و صحّت صلاته، إجماعا محقّقا، و محكيا في المعتبر و المنتهى و التنقيح و الذكرى و الحدائق «1»؛ له، و لرواية حفص: في رجل أدرك الجمعة و قد ازدحم الناس، فكبّر مع الإمام و ركع، و لم يقدر على السجود، و قام الإمام و الناس في الركعة الثانية، و قام هذا معهم، فركع الإمام، و لم يقدر هو على الركوع في الركعة الثانية من الزحام، و قدر على السجود كيف يصنع؟. فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «أمّا الركعة الأولى، فهي إلى عند الركوع تامّة فلمّا لم يسجد لها حتى دخل في الركعة الثانية لم يكن

له ذلك، فلمّا سجد في الثانية، فإن كان نوى أنّ هذه السجدة للركعة الأولى، فقد تمّت الاولى، و إذا سلّم الإمام قام، فصلّى ركعة يسجد فيها، ثمَّ يتشهّد و يسلّم، و إن كان لم ينو أن تكون تلك السجدة للركعة الأولى لم تجز عنه الاولى و لا الثانية، و عليه أن يسجد سجدتين، و ينوي أنّهما للركعة الاولى، و عليه بعد ذلك ركعة تامة يسجد فيها» «2».

و ضعفها- إن سلّم- لم يضرّ؛ للانجبار في هذا الحكم بما مرّ.

و لو لم ينو بهما للأولى بطلت صلاته مطلقا سواء نوى بهما للثانية، أو لم ينو شيئا منهما، وفاقا لنهاية الشيخ و الفاضل «3»، و جماعة «4» فيهما، و للحلّي و القاضي و الفاضلين «5»، و غيرهما «6»، في الأوّل خاصّة بل قيل: إنّه المشهور بين

______________________________

(1) المعتبر 2: 299، المنتهى 1: 333، التنقيح 1: 232، الذكرى: 234، الحدائق 10: 114.

(2) الكافي 3: 429 الصلاة ب 80 ح 9، الفقيه 1: 270- 1235، التهذيب 3: 21- 78، الوسائل 7: 335 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 17 ح 2.

(3) النهاية: 107، نهاية الإحكام 2: 28.

(4) منهم صاحب الحدائق 10: 117 و 118؛ و نقله في مفتاح الكرامة 3: 158 عن غاية المرام و الموجز و كشف الالتباس.

(5) الحلي في السرائر 1: 300، القاضي في المهذّب 1: 104، المحقق في الشرائع 1: 98، و العلّامة في المنتهى 1: 333.

(6) كالشهيد الأوّل في الدروس 1: 191، و الشهيد الثاني في الروضة 1: 306.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 97

المتأخرين «1».

لعدم إجزائهما للأولى و لا للثانية، بصريح الرواية التي هي في نفسها معتبرة، و مع ذلك بدعوى الشهيد اشتهارها مطلقا «2»،

و غيره اشتهارها بين المتأخرين منجبرة. فلو لم يأت بسجدتين أخريين لزم خلوّ الركعتين عن السجدة رأسا، و إن أتى بهما للأولى، ثمَّ أتى بالركعة الثانية زاد في الصلاة ركنا، و إن أتى للثانية نقص من الاولى السجدتين لما مرّ، مضافا إلى أنّ الأعمال بالنيّات فيما إذا نوى بما أتى للثانية.

خلافا في الأوّل للمحكي عن مصباح السيد و المبسوط و الخلاف «3»، بل عن الأخير الإجماع عليه، فلا تبطل، بل يحذف السجدتين، و يسجد أخريين للأولى، و يتمّ الصلاة؛ للإجماع المنقول، و الرواية المنقولة.

و الأوّل مردود: بعدم الحجية، سيّما مع كثرة المخالفة.

و الثاني: بعدم الدلالة؛ لعدم تعيّن أن يكون قوله: «و عليه أن يسجد» معطوفا على جواب الشرط، بل يمكن أن يكون كلاما مستأنفا مؤكّدا لما تقدم، و يكون المعنى: أنّه إذا لم ينو للأولى لم تجزء عنها و لا عن الثانية، بل كان الواجب عليه أن ينوي بهما للأولى، و عليه بعد ذلك ركعة ثانية.

مضافا إلى معارضتها بما يفهم من المبسوط حيث قال: إنّ على البطلان رواية «4»، فإنّه في حكم رواية مرسلة.

و في الثاني للحلّي و البيان و الدروس و روض الجنان و الروضة و المدارك و شرح القواعد و الذخيرة «5»، فحكموا بالصحة؛ لأنّ أجزاء الصلاة لا تفتقر إلى نيّة، بل

______________________________

(1) كما في الحدائق 10: 117.

(2) الذكرى: 235.

(3) حكاه عن المصباح في المعتبر 2: 299، المبسوط 1: 145، الخلاف 1: 603.

(4) المبسوط 1: 145.

(5) الحلّي في السرائر 1: 300، البيان 194، الدروس 1: 191، الروض: 298، الروضة 1:

298، المدارك 4: 81، جامع المقاصد 2: 430، الذخيرة: 316.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 98

هي على ما افتتحت عليه ما لم يحدث نية

مخالفة، فهما ينصرفان مع الإطلاق إلى ما في الذمّة.

و يضعّف: بأنّه اجتهاد في مقابلة النص، مضافا إلى أنّ عدم افتقار الأبعاض إلى النية و الانصراف إلى ما في الذمّة إنّما هو في مقام الإتيان بالفعل في محلّه على الترتيب الشرعي الذي وضعت عليه الصلاة، لا فيما يحتمل وجهين، كما في المسألة.

و لو زوحم عن ركوع الاولى و سجودها جميعا صبر حتى يتمكّن منهما، ثمَّ يفعلهما، و يلتحق بالإمام إن أمكن قبل رفع الإمام من ركوع الثانية؛ لصحيحة عبد الرحمن «1» و لو زوحم عن ركوعها خاصّة صبر حتى يلحقه في ركوعه الثانية، فيركع معه للأولى، و يتم الصلاة؛ و إن لم يمكن تداركهما قبل رفع الإمام يركع معه، و يسجد في الثانية للأولى، فإن نوى بهما أو بأحدهما للثانية أو أطلق، فكما مرّ.

و إن لم يلحقه أيضا إلّا بعد رفع الرأس من الثانية:

ففي إدراك الجمعة، كجمع من الأصحاب منهم: الذكرى و شرح القواعد «2»، استنادا إلى عموم الصحيحة، و صدق إدراك الركعة، و إطلاقات وجوب الجمعة، و عدم اشتراط استدامة الجماعة.

و عدمه، كبعض آخر «3»؛ للتوقّف على درك ركوع في صدق إدراك الركعة.

قولان، و لعلّ أوّلهما أظهرهما؛ لبعض ما ذكر.

و كذا إن لم يدرك إلّا بعد الرفع من السجدة الأخيرة، فقد يقال بإدراك الجمعة؛ لجميع ما ذكر.

______________________________

(1) الفقيه 1: 270- 1234، التهذيب 3: 161- 347، الوسائل 7: 335 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 17 ح 1.

(2) الذكرى: 235، جامع المقاصد 2: 434.

(3) انظر: المعتبر 2: 300، و الروضة 1: 306.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 99

و قد يقال بعدمه فيعدل إلى الظهر أو يستأنفها على اختلاف القولين.

و لعلّ الأخير أظهر؛ لعدم انطباقه على

الصحيحة، لعدم إمكان القيام في الصفّ هنا لانتفاء حالة قيامهم. و لا على روايات درك الركعة؛ لكونها حقيقة في الركوع، و عدم معلوميّة عدم اشتراط الاستدامة في الجماعة.

المسألة الرابعة: ذكر بعضهم شرائط لإمام الجمعة «1»

، و تحقيق المقال:

أنّا إن قلنا باشتراط الإمام أو نائبه الخاصّ و أنّه لا تجوز الجمعة مع غيره، فالتعرّض لذكر هذه الشرائط ساقط إلّا لذكر شرائط النائب، و هو أيضا ممّا لا فائدة فيه.

و أمّا على سائر الأقوال حتّى على جوازها احتياطا فالتعرّض له لازم، و لكن لا يشترط فيه أمر زائد على ما يشترط في إمام الجماعة إجماعا، سوى الفقاهة عند من يقول باشتراطها في الوجوب التخييريّ «2»، و سوى السلامة عن البرص و الجذام عند الحلّي، فاشترطها في الجمعة دون مطلق الجماعة «3».

أمّا الفقاهة فاشتراطها عند من يقول به ظاهر، و المراد منها معلوم.

و أمّا السلامة عن المرضين، فلا دليل على اختصاص اشتراطها بالجمعة أصلا، فهي بالنسبة إليها كمطلق الجماعة، و يأتي تحقيقه و بيان شرائط إمام الجماعة في بحث الجماعة إنشاء اللَّه.

الخامس من الشروط: الوحدة في مسافة فرسخ
اشارة

، أي لا يكون في هذه المسافة أكثر من جمعة و لا بين الجمعتين أقلّ من هذه المسافة، إجماعا منّا محقّقا، و محكيا مستفيضا فتوى «4»- إلّا عن ابن فهد في الجمعة المندوبة حال الغيبة، فأجاز

______________________________

(1) كما في الشرائع 1: 97، و الحدائق 10: 2، و الذخيرة: 302.

(2) راجع ص 57.

(3) السرائر 1: 280.

(4) كما في الخلاف 1: 628، و التذكرة 1: 149، و الحدائق 10: 128، و الرياض 1: 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 100

في موجزه التقارب فيها «1»- و نصّا:

ففي صحيحة محمّد: «يكون بين الجماعتين ثلاثة أميال» يعني لا تكون جمعة إلّا فيما بينه و بين ثلاثة أميال، و ليس تكون جمعة إلّا بخطبة، قال: «فإذا كان بين الجماعتين في الجمعة ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمّع هؤلاء و يجمّع هؤلاء» «2».

و موثّقته: «إذا كان بين

الجماعتين ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمّع هؤلاء و يجمّع هؤلاء، و لا يكون بين الجماعتين أقلّ من ثلاثة أميال» «3».

دلّتا بالمفهوم على ثبوت البأس- الذي هو العذاب- بتجميع الطائفتين إذا لم يكن بينهما ثلاثة أميال، مضافا إلى نفيهما أقلّ هذه المسافة بين الجماعتين بأن يبقى النفي على ظاهره و حملت الجمعة أو الجماعة على الصحيحة، أو يحمل على النهي تجوّزا.

و هاهنا مسائل:
المسألة الأولى: هل الوحدة شرط تبطل بانتفائها الجمعة، أو واجب خارج؟.

مقتضى إثبات البأس لتجميع الطائفتين تعلّق النهي المفسد للعبادة بهما فتكون شرطا؛ و كذا مقتضى نفي الجمعة و الجماعة فيما لم يكن كذلك إذا حملت الجملتان على الخبريّة، و إن أمكن الحمل على نفي الكاملة أيضا باعتبار مقارنتها للمنهيّ عنه الخارجيّ و هو الإيقاع في المكان المقارب، و لكن في كونه خارجيّا أيضا نظر بل المنهيّ عنه هو الفرد المخصوص كالصلاة في المكان المغصوب، فالقول بعدم شرطيّة الوحدة و إن كانت واجبة ساقط جدّا.

______________________________

(1) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 253.

(2) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 7، التهذيب 3: 23- 79، الوسائل 7: 314 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 7 ح 1.

(3) الفقيه 1: 274- 1257 بتفاوت يسير، التهذيب 3: 23- 80، الوسائل 7: 315 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 7 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 101

المسألة الثانية: الشرط هل هو عدم التعدّد الواقعيّ حتّى تبطل الجمعتان معه و لو لم يعلم به شي ء من الطائفتين بل و لو جزمتا بعدم التعدّد، أو الجزم بعدم التعدّد، أو عدم الجزم بالتعدّد؟.

صرّح شيخنا الشهيد الثاني بأنّ الشرط عدم العلم بالتعدّد «1».

و إلى هذا أيضا يشير قول من قال بعدم بطلان اللاحقة إذا لم يكونوا عالمين بحال السابقة؛ لاستحالة توجّه الخطاب إلى الغافل «2» و ردّه آخر بأنّ خطاب الوضع يستوي فيه الغافل و المتذكّر إلّا أن يكون الخطاب مخصوصا بالمتذكّر، و ليس هناك اختصاص و لا تخصيص.

و مقتضى قول الأوّل: الثالث، و مقتضى الثاني: الأوّل.

و الحقّ هو الثالث، فالشرط هو عدم العلم بالتعدّد، و المانع هو العلم به؛ لأصالة عدم اشتراط الزائد عن الأوّل و لا مانعيّة الزائد عن الثاني، و أصالة عدم تقيّد الإطلاقات بالزائد، الخاليتين عمّا يزيلهما؛ إذ ليس إلّا الإجماع. و حاله ظاهرة. و الخبران، و هما أيضا لا يقيّدان المطلقات بالزائد؛ لأنّ دلالتهما على الاشتراط و المانعيّة بواسطة

مفهوم الجملة الشرطية، و منطوق الجملة المنفيّة.

أمّا الأوّل:

فهو أنّه إذا لم يكن بين الجماعتين ثلاثة أميال ففي تجميع الطائفتين بأس و عذاب، أي إذا كان أقلّ من ثلاثة أميال فيحرم تجميعهما. و لا شكّ أنّه لا يمكن إبقاؤه على مقتضى وضع الألفاظ للمعاني الواقعيّة حتّى يكون المعنى: إذا كان في الواقع أقلّ يحرم ذلك سواء جزمت الطائفتان بانتفاء الواقع أو لم تعلما به و لو بعد الفحص ما أمكن؛ لإيجابه تكليف ما لم يعلم، و اقتضائه إخراج من لم يعلم وقوع جمعة اخرى و لو بعد الفحص- و إن احتملها بل أو ظنّها- بدون مخصّص إن قلنا بعدم وجوب الجمعة عليه حال الاحتمال؛ إذ معه لا يعلم وقوع جمعة أخرى في الأقل واقعا حتّى يكون هو المخصص.

______________________________

(1) روض الجنان: 294.

(2) كما في المدارك 4: 46، و الحدائق 10: 130.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 102

و القول بأنّه لا يحرم حينئذ بل بعد كشف الواقع يكون معاقبا يلزم العقاب على فعل الواجب؛ و بأنّه لا يعاقب و لكن تبطل جمعته يلزم الإبطال بدون دليل إذا كان سببه النهي و الحرمة المنتفيين هنا حينئذ، و لا باعث له غيرهما. فانحصر أن يكون إذا علم أنّ بينهما أقلّ و لو بعد الفحص يحرم، فيكون هو المانع، و الشرط عدمه و أمّا الثاني:

فمع عدم تحصيل معنى لهذه الجملة في الصحيحة؛ إذ لا يظهر معنى لقوله: «إلّا فيما بينه و بين ثلاثة أميال» و تكون محتملة.

إمّا تكون الجمعة و الجماعة فيهما باقيتين على إطلاقهما، و تكون الجملة محمولة على الإنشائيّة تجوّزا، فيكون خطابا شرعيّا و حكما اقتضائيا، حالها حال الأوّل.

أو تكون الجملة باقية على خبريّتها، و تقيّد الجمعة و

الجماعة بالصحيحتين، فيكون خطابا وضعيّا، و إخبارا عن الواقع.

و إذ لا مرجّح لأحد الحملين يكون مجملا لا تقيّد به الإطلاقات، و لا تزال به الأصول.

مع أنّه على الحمل على الصحيحتين أيضا يكون كالأوّل؛ إذ الصحّة هي موافقة المأمور به، فيكون المعنى: لا يكون بين جماعتين مأمور بهما أقلّ من ثلاثة أميال، فما كان أقلّ لا يكون من المأمور به.

و لا شكّ أنّه لا يمكن أن يكون المعنى: فما كان أقلّ واقعا سواء جزم بالأكثريّة أم لا ليس مأمورا به؛ ضرورة تحقّق الأمر حينئذ و شمول الإطلاقات له.

بل و كذلك إذا لم يعلم الأقليّة بعد الفحص و إن احتملها؛ لعين ما مرّ. فالمعنى:

فما علم أقليّته لا يكون مأمورا به.

و ممّا ذكر طهر فساد ما حكي عن بعضهم من جعل الحكم هنا من باب خطاب الوضع، و قوله بأنّ خطاب الوضع ممّا يستوي فيه الغافل و المتذكّر؛ فإنّه ليس الأمر هنا من باب خطاب الوضع، و لو كان لكان ممّا يتضمّن الاقتضاء

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 103

و الحكم الشرعيّ، و مثله لا يستوي فيه الغافل و المتذكّر.

هذا كلّه مع أنّه لو كان الشرط عدم التعدّد واقعا أو معلوما و المانع التعدّد الواقعيّ أو عدم العلم بالوحدة، لزم سقوط الجمعة غالبا في المدن الكبيرة على القول بعدم اشتراط الإمام أو نائبه؛ إذ قلّما يحصل العلم بعدم التعدّد، لجواز تجميع خمسة في بيت، إمّا لعدم علمهم بهذا التجميع أو لعدم اعتنائهم بهذه الجمعة.

المسألة الثالثة: لا شكّ أنّ الشرط هو عدم تعدّد الجمعة الصحيحة لو لا انتفاء هذا الشرط

، فلو كانت هناك جمعة فاسدة مع قطع النظر عن هذا الشرط أيضا جازت جمعة اخرى، كما إذا علم تدليس النائب في دعواه إذن الامام و نيابته على القول باشتراط الإمام أو نائبه، أو

فسقه على القول الآخر.

و المناط فسق هذا الإمام عند نفسه و من يقتدي به، فلو كان فاسقا على رأي إمام آخر لا على رأيه أو رأي مجتهده- كأن يرتكب عملا لم يكن كبيرة عنده و كان كبيرة عند الآخر- لم يضرّ.

و كذا إذا كان فاسقا في نفس الأمر و لكن كان عادلا عند من يقتدي به و لو واحدا منهم لم تصحّ جمعة اخرى؛ لصدق تحقق الجمعة الصحيحة.

المسألة الرابعة: هل الشرط هو عدم العلم بوقوع جمعة اخرى مطلقا،

و المانع العلم بوقوعها كذلك، أو عدم العلم بسبق جمعة أو مقارنتها لهذه، و المانع العلم بالسبق أو المقارنة؟.

الحقّ هو الأوّل؛ لإطلاق الروايتين «1». فلو علم كلّ من الطائفتين بتجميع الأخرى بطلت جمعتهما و إن كانت إحداهما سابقة، و لو علم إحداهما دون الأخرى بطلت جمعة العالمين.

المسألة الخامسة: قيل: يعتبر الفرسخ من المسجد إن صلّيت فيه،

و إلّا

______________________________

(1) المتقدمتين في ص: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 104

فمن نهاية المصلّين «1».

و استشكل فيما لو كان بين الإمام و العدد و بين الجمعة الاولى النصاب فصاعدا و بين بعض المأمومين و بينها أقلّ منه.

فاحتمل بطلان صلاة القريب خاصّة؛ لاستجماع من عداه شرائط الصحة.

و احتمل بطلان صلاة المجموع؛ إذ المجموع جماعة واحدة عرفا.

و الظاهر الأوّل؛ لصدق تحقّق النصاب بين البعيد منهم و بينها.

بل الظاهر ذلك فيما لو صلّيت في المسجد أيضا؛ لعدم دليل على اعتبار الفرسخ من المسجد. إلّا أنّه يأتي في بحث صلاة المسافر أنّ نهاية الفرسخ ليست محدودة حقيقة بل هي أمر تقريبيّ لا يظهر التفاوت فيه في أمثال ذلك.

المسألة السادسة: لو اتّفق وقوع جمعتين في مسافة فرسخ فله صور:
الاولى: أن تسبق إحداهما و لو بالتكبيرة

، قالوا: لا ريب في صحّة السابقة و بطلان اللاحقة، و عن التذكرة: أنّه مذهب علمائنا أجمع «2»، و عن الشهيد الثاني:

أنّ صحّة السابقة إنّما هي إذا لم يعلم بوقوع اللاحقة و إلّا لم تصحّ صلاة كلّ منهما «3»، و عن بعضهم: عدم بطلان السابقة مطلقا و عدم بطلان اللاحقة إذا لم يكونوا عالمين بحال السابقة «4».

و الحقّ: بطلان الجمعتين مع علم كلّ منهما، و صحتهما مع عدم علم شي ء منهما، و بطلان جمعة العالم خاصّة مع الاختلاف، و يظهر وجهه ممّا سبق.

الثانية: أن تقترنا

، قالوا ببطلانهما جميعا؛ لامتناع الحكم بصحتهما، و لا أولويّة لإحداهما و إن كان إمام إحداهما أرجح من حيث الزهد و الفقه و الراتبيّة؛

______________________________

(1) كما في الروض: 286.

(2) التذكرة 1: 150.

(3) الروض: 294.

(4) كما في كشف اللثام 1: 252.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 105

لعدم ثبوت الترجيح بذلك في المقام.

و إطلاق كلامهم بل صريح بعضهم عدم الفرق بين ما إذا علم كلّ فريق بالآخر، أم لا، مع حصول العلم بالاقتران بعد الفراغ «1».

و استشكل بعضهم في صورة عدم العلم «2»، و هو في موقعه، بل التحقيق- على ما علم وجهه- أنّ مع علم الفريقين تبطل الجمعتان، و مع جهلهما تصحّ كلتاهما، و مع الاختلاف تبطل جمعة العالم خاصّة.

الثالثة: أن يشتبه الحال

إمّا باعتبار الاشتباه في تحقّق سبق لإحداهما و عدمه، أو باعتبار اشتباه السابقة منهما مع العلم بسبق إحداهما من أوّل الأمر أو بعد العلم بالسابقة، و حكم الكلّ واضح على ما قدّمناه.

ثمَّ على المختار إن بطلت جمعة واحدة دون الأخرى يعيد الأخرى الصلاة جمعة، إن بقي وقتها بالاقتداء بالأولى إن أمكن، أو التباعد من موضع الاولى بقدر النصاب، و ظهرا إن لم يبق وقتها، أو لم يمكن الاقتداء و لا التباعد.

و إن بطلت الجمعتان يعيدها الطائفتان جمعة مجتمعتين على واحدة مع الوقت، و ظهرا بدونه.

و للقوم فيما إذا اشتبه السبق أو السابقة في المعاد أقوال نشأت من حكمهم بصحّة الجمعة السابقة و لو مع العلم بجمعة لاحقة، و بطلان اللاحقة و لو مع عدم العلم، و لا فائدة كثيرة في ذكرها على ما اخترناه.

______________________________

(1) انظر: التذكرة 1: 150، و الروض: 286، و مجمع الفائدة 2: 370.

(2) كما في الذخيرة: 312.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص:

106

البحث الثالث في من تجب عليه الجمعة
اشارة

و يراعى فيه شروط:

الأوّل و الثاني: البلوغ و العقل، و يجمعهما التكليف

، و لا ريب في اشتراطه في هذه الصلاة و غيرها.

فلا تجب على المجنون حال جنونه و إن كان دوريّا. و لو أفاق وقت الصلاة خوطب بها خطابا مراعى ببقاء الإفاقة إلى آخر الصلاة.

و لا على الصبيّ و إن كان مميّزا؛ نعم تصحّ من المميّز تمرينا و تجزئه عن ظهره كذلك.

الثالث: عدم الأنوثيّة

بالإجماع المحقّق و المحكيّ في المعتبر و المنتهى و التذكرة «1»، و تدلّ عليه الروايات بلا معارض «2».

فلا تجب على المرأة و إن أذن لها زوجها و أمنت من الفتنة، أو كانت من العجائز؛ لعموم ما دلّ على السقوط. و إن استحبّت للعجائز مع الإذن، عند الفاضل في النهاية «3».

و الحقّ وجوبها على المشكل من الخناثي، وفاقا للروض «4»؛ للشك في خروجه عن العمومات و لو من جهة احتمال كونها طبيعة ثالثة

______________________________

(1) المعتبر 2: 289، المنتهى 1: 321، التذكرة 1: 153.

(2) انظر: الوسائل 7: 295 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 1.

(3) نهاية الإحكام 2: 42.

(4) الروض: 287.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 107

و خلافا للشهيد «1»، بل نهاية الإحكام «2»، بل ظاهر كلّ من اشترط الذكورية «3»؛ للشكّ في ذكوريته التي هي سبب الوجوب.

و يردّ بمنع اشتراط الذكوريّة، بل الشرط عدم الأنوثيّة، فيشكّ في خروجه بعد ما علم دخوله في عنوان كلّ أحد؛ نعم لو لم يخرج عن الطبيعتين جاء فيه الإشكال.

الرابع: الحريّة

، بالإجماع و الأخبار، فلا تجب على العبد مطلقا سواء كان قنّا أو مدبّرا أو مكاتبا لم يؤدّ شيئا، و إن أمره المولى؛ للعمومات.

و الإيجاب حين الأمر- لأنّ السقوط لرعاية حقّ المولى- استنباط مردود.

نعم يمكن القول به حينئذ؛ لوجوب إطاعته، لا لخصوصيّة الصلاة.

الخامس: انتفاء السفر

فلا تجب على المسافر، إجماعا فتوى و نصّا.

قالوا: المراد منه السفر الشرعيّ، فتجب على من لم يقصد المسافة، و ناوي الإقامة عشرة، و المقيم في بلد ثلاثين يوما، و عن المنتهى الإجماع عليه «4» و لا تجب على كثير السفر و العاصي بسفره، و في المنتهى: لم أقف على قول لعلمائنا في اشتراط الطاعة بالسفر في السقوط «5»، و استشكل فيه بعضهم «6» أقول: لا شكّ في عدم ثبوت حقيقة شرعيّة للسفر و المسافر، فيجب الحكم بالسقوط عمّن كان مسافرا عرفا، و في صدقه عرفا على من لم يقصد المسافة نظر، فيكون داخلا تحت عمومات الجمعة، و لكن يصدق على البواقي، فالحكم فيها بالسقوط إلّا من ثبت فيه الإجماع متّجه.

______________________________

(1) الذكرى: 232.

(2) نهاية الإحكام 2: 45.

(3) كالمعتبر و المنتهى راجع الرقم (1) من الصفحة السابقة و جامع المقاصد 2: 385.

(4) المنتهى 1: 322.

(5) المنتهى 1: 322.

(6) انظر: الذخيرة: 300.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 108

و المسافر في أحد المواضع الأربعة مسافر تسقط عنه الجمعة، و إن تخيّر بين القصر و الإتمام في الصلاة.

السادس: انتفاء المرض و العمى

إجماعا نصا و فتوى. و لا ينافيه عدم ذكر الأعمى في بعض الأخبار «1»؛ لأنّ غايته الإطلاق الواجب تقييده بالمقيّد، مع إمكان إدخاله في المريض، و إن كان فيه نظر.

و إطلاق النصّ و كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق فيهما بين ما يشقّ معهما الحضور و عدمه، بل صرّح جماعة بالتعميم «2». و اعتبر بعض أصحابنا فيهما التعذّر أو التعسّر «3»، و هو تقييد للنصّ بلا دليل.

السابع: انتفاء العرج

، ذكره الشيخ في عدّة من كتبه «4»، و المحقّق «5»، و جمع آخر من أصحابنا، بل في المنتهى: أنّه مذهب علمائنا أجمع «6»، و عليه الإجماع في شرح القواعد أيضا «7».

و قيّده في التذكرة بالبالغ حدّ الإقعاد و ادّعى عليه إجماعنا «8»، و قيّده بعضهم بحصول المشقّة بالحضور «9» و ليس في الروايات تصريح به سوى ما ذكره السيّد في المصباح قال: و قد يروى: «أنّ العرج عذر» «10».

______________________________

(1) الوسائل 7: 295 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 1.

(2) كالعلّامة في المنتهى 1: 323، و السبزواري في الذخيرة: 300، و صاحب الرياض 1: 187.

(3) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 34، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 386.

(4) كالنهاية: 103، و المبسوط 1: 143، و الجمل و العقود (الرسائل العشر): 190.

(5) في الشرائع 1: 96، و المختصر النافع: 36.

(6) المنتهى 1: 323.

(7) جامع المقاصد 2: 386.

(8) التذكرة 1: 153.

(9) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 34، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 386.

(10) نقله عنه في المعتبر 2: 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 109

و ما في كتاب الشيخ أبي محمّد جعفر بن أحمد بن عليّ القميّ، قال- بعد ذكر صحيحة زرارة-: و روي مكان «المجنون» «الأعرج»

«1».

و هما و إن كانا كافيين بعد انجبارهما بدعوى الإجماع المتقدّمة، إلّا أن احتمال إرادة المقعد أو ما يشقّ معه الحضور- لا أقلّ- من الإجماع- بل قيل «2»: يشعر به سياق عبارة المنتهى «3»- يضعّف الانجبار في غير ما يشقّ، فتخصيص السقوط به أولى.

الثامن: انتفاء الكبر بالشيخوخة

، فلا تجب على الشيخ الكبير، إجماعا كما في المنتهى «4»؛ للنصوص منها:

صحيحة زرارة: «وضعها عن تسعة: الصغير و الكبير» «5» الحديث.

و خطبة الأمير المنقولة في الفقيه و المصباح: «إلّا على الصبيّ و المريض و المجنون و الشيخ الكبير» «6» الخبر.

و قيّده بعضهم بالبالغ حدّ العجز «7»، و جماعة بالبالغ حدّه أو المشقّة الشديدة «8»، و عبّر بعضهم بالهمّ- بكسر الهاء- أي الشيخ الفاني «9»، و آخر بالكبير المزمن «10»

______________________________

(1) مستدرك الوسائل 6: 5 أبواب صلاة الجمعة ب 1 ح 1، نقلا عن كتاب العروس.

(2) الرياض 1: 187.

(3) قال فيه: و لا تجب على الأعرج و هو مذهب علمائنا أجمع، لأنّه معذور بعرج لحصول المشقة في حقه. المنتهى 1: 323.

(4) المنتهى 1: 324.

(5) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 6، الفقيه 1: 266- 1217، الوسائل 7: 295 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 1 ح 1.

(6) الفقيه 1: 275- 1262، مصباح المتهجد: 341، الوسائل 7: 297 أبواب صلاة الجمعة ب 1 ح 6.

(7) كالعلّامة في القواعد 1: 37.

(8) كما في جامع المقاصد 2: 387.

(9) كالمحقق في الشرائع 1: 96، و الشهيد في الروض 287، و صاحب الرياض 1: 187.

(10) كما في الإرشاد 1: 257.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 110

و قيل: كلّ ذلك تقييد للنصّ بلا دليل «1».

أقول: الظاهر انفهام بعض هذه المراتب- لا أقلّ من كونه موجبا للمشقّة-

من النصّ، و يؤكّده حصول الكبر و الشيخوخة لغة بالتجاوز عن الستّين مع إتيان من بلغها من الحجج بالجمعة، فالتقييد بإيجابه المشقّة لازمة.

التاسع: انتفاء المطر

، وفاقا للأكثر، بل عن التذكرة أنّه لا خلاف فيه بين جملة العلماء «2»؛ و تدلّ عليه صحيحة عبد الرحمن: «لا بأس بأن يترك الجمعة في المطر» «3».

و الظاهر أنّ المراد المطر الكثير الموجب لنوع تعسّر لا مطلقا.

و ألحق به بعضهم الوحل، و الحرّ و البرد الشديدين، إذا خاف الضرر معها «4».

و عن السيّد أنّه قال: و روي أنّ من يخاف على نفسه ظلما أو ماله فهو معذور «5»، و كذا من كان متشاغلا بجهاز ميّت، أو تعليل والد، و من يجري مجراه من ذوي الحرمات الوكيدة.

و الظاهر عدم السقوط إلّا بما ورد به النصّ أو أوجب الحرج أو الضرر أو كان واجبا مضيّقا.

العاشر: عدم تباعد الجمعة منه بفرسخين أو بأزيد من فرسخين على اختلاف القولين و الروايتين
اشارة

، فالأوّل

قول الصدوق في المقنع و الفقيه و الأمالي «6»،

______________________________

(1) قاله صاحب الحدائق 10: 151

(2) التذكرة 1: 153.

(3) الفقيه 1: 267- 1221، التهذيب 3: 241- 645، الوسائل 7: 341 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 23 ح 1؛ و في الجميع: تدع، بدل يترك.

(4) كما في التذكرة 1: 153، و الروض: 287، و الحدائق 10: 151.

(5) نقله عنه في المعتبر 2: 191.

(6) لم نعثر عليه في المقنع، و حكاه عنه في الحدائق 10: 152، و وجدناه في الهداية: 34؛ و هو في الفقيه 1: 266- 1217، و الأمالي: 514.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 111

و ابن حمزة «1»؛ و عليه دلّت صحيحة زرارة، و رواية خطبة الأمير عليه السلام.

و الثاني

مختار الشيخين و السيّد و الحلبيّ و الحلي و الديلميّ و الفاضلين «2»، بل هو الأشهر كما قيل «3»، و عن الخلاف و الغنية و ظاهر المنتهى: الإجماع عليه «4»؛ و عليه دلت صحيحة محمّد «5»، و المرويّات في العلل «6»،

و العيون «7»، و الدعائم «8»، و الأمر في ذلك سهل.

و عن العماني: الوجوب على من إذا غدا من أهله بعد ما يصلّي الغداة يدرك الجمعة «9»، و عن الإسكافيّ: وجوبها على من يصل إلى منزله إذا راح منها قبل خروج نهار يومه «10»، و هو مناسب لسابقة.

و تدلّ عليهما صحيحة زرارة المتقدّمة «11»، و هي بمخالفة الشهرة العظيمة شاذّة، و مع ذلك بجميع ما مرّ معارضة، فحمل الوجوب فيها على الاستحباب متعيّن.

______________________________

(1) الوسيلة: 103.

(2) المفيد في المقنعة: 164، الطوسي في النهاية: 103، حكاه عن السيّد في المعتبر 2: 290، الحلبي في الكافي في الفقه: 151، الحلّي في السرائر 1: 293، الديلمي في المراسم: 77، المحقق في المعتبر 2: 291، و الشرائع 1: 96، العلّامة في القواعد 1: 37، و المختلف: 106.

(3) كما في الرياض 1: 188.

(4) الخلاف 1: 594، الغنية (الجوامع الفقهية): 560، المنتهى 1: 323.

(5) الكافي 3: 419 الصلاة ب 73 ح 3، التهذيب 3: 240- 641، الاستبصار 1:

421- 1619، الوسائل 7: 309 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 4 ح 6.

(6) العلل: 266 ب 182.

(7) العيون 2: 111، الوسائل 7: 308 أبواب صلاة الجمعة ب 4 ح 4.

(8) الدعائم 1: 181، المستدرك 6: 12 أبواب صلاة الجمعة ب 4 ح 1.

(9) حكاه عنه في المعتبر 2: 290، و المختلف: 106.

(10) حكاه عنه في المختلف: 106.

(11) في ص 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 112

و ها هنا مسائل:
المسألة الأولى: قد عرفت سقوط وجوب حضور الجمعة عن المذكورين قطعا، فهل يجوز لهم الحضور و التجميع، و يجزئ ذلك عن ظهرهم أم لا؟.

الظاهر نعم، وفاقا لجماعة «1»؛ لعدم دلالة أخبار الوضع و السقوط على الزائد على وضع الوجوب، حتّى ما صرّح فيه بوضع الجمعة؛ إذ لا معنى لوضع نفسها، بل حكمها، و هو كما يحتمل أن يكون مطلق المشروعيّة

يحتمل الرجحان، فإنّ أدلّة الجمعة منها ما يثبت منه الوجوب، و منها ما لا يدلّ على أزيد من الرجحان و المشروعيّة، و لا يلزم من انتفاء الأوّل انتفاء الثاني.

نعم لو كان أخبار الجمعة منحصرة بما كان صريحا في الوجوب، أمكن أن يقال إنّ بانتفائه و وضعه ينتفي الرجحان؛ لأنّ ثبوته حينئذ يكون تبعيّا، كثبوت الجنس بثبوت فصله، فيرتفع بارتفاع متبوعه، و لكن ليست منحصرة، فيبقى ما دلّ على مطلق مشروعيّته أو رجحانه خاليا عن المعارض.

مضافا في المسافر، إلى المرويّ في ثواب الأعمال و الأمالي: «أيّما مسافر صلّى الجمعة رغبة فيها و حبّا لها، أعطاه أجر مائة جمعة [للمقيم ]» «2».

و في المرأة، إلى صحيحة أبي همام: «إذا صلّت المرأة في المسجد مع الإمام يوم الجمعة الجمعة ركعتين فقد نقصت صلاتها، و إن صلّت في المسجد أربعا نقصت صلاتها، لتصلّ في بيتها أربعا أفضل» «3».

المسألة الثانية: غير الصبيّ و المجنون من هؤلاء لو حضروا فهل تجب عليهم حينئذ كلا أو بعضا، أم لا؟.

______________________________

(1) كالشيخ في النهاية: 103، و الحلبي في الكافي: 151، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):

560.

(2) ثواب الأعمال: 37، الأمالي: 19- 5، الوسائل 7: 339 أبواب صلاة الجمعة ب 19 ح 2، و ما بين المعقوفين من المصادر.

(3) التهذيب 3: 241- 644، الوسائل 7: 340 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 22 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 113

صرّح الشيخ في النهاية بالوجوب «1»، و حكي عن المفيد أيضا «2»، و في المعتبر و النافع و الشرائع: الوجوب في غير المرأة «3»، و في المدارك: أنّه المشهور مطلقا «4»، بل عن ظاهر الغنية الإجماع في غير المرأة «5»، و عن الإيضاح في غيرها و غير العبد و المسافر «6»، و في شرح القواعد: نفي الخلاف عن الوجوب على الأعمى

و المريض و الكبير و الأعرج و من هو على رأس أزيد من فرسخين «7»، و في التذكرة: على المريض و الممنوع للمطر و الخوف «8»، و في المنتهى: على المريض «9»، و في المدارك: نفي الخلاف عنه في البعيد «10».

لعمومات وجوب الجمعة.

و اختصاص ما دلّ على وضعها عنهم- بعد ضمّ بعضها إلى بعض- بإفادة وضع وجوب الحضور عليهم إليها، لا مطلقا، و إلّا لما جاز فعلها لهم بدلا عن الظهر، و هو باطل إجماعا.

و خبر حفص المنجبر بالشهرة المحقّقة و المحكيّة: إنّ اللَّه عزّ و جلّ فرض الجمعة على جميع المؤمنين و المؤمنات، و رخص للمرأة و المسافر و العبد أن لا يأتوها، فلمّا حضروها سقطت الرخصة، و لزمهم الفرض الأوّل، فمن أجل ذلك أجزأ عنهم «11».

______________________________

(1) النهاية: 103.

(2) حكاه عنه في المدارك 4: 54.

(3) المعتبر 2: 292، النافع 1: 36، الشرائع 1: 96.

(4) المدارك 4: 54.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 560.

(6) الإيضاح 1: 124.

(7) جامع المقاصد 2: 388.

(8) التذكرة 1: 144.

(9) المنتهى 1: 323.

(10) لم نعثر عليه في المدارك، و حكى في الرياض 1: 188، عن المدارك نفي الخلاف في العبد، و لم نعثر عليه أيضا فيه.

(11) الكافي 3: 429 الصلاة ب 80 ح 9، الفقيه 1: 270- 1235، التهذيب 3: 21- 78، الوسائل 7: 337 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 114

و يؤيّده في المرأة: المرويّ في قرب الإسناد: عن النساء هل عليهنّ من صلاة العيدين و الجمعة ما على الرجال؟ قال: «نعم» «1» بحمله على صورة الحضور.

و يضعّف الأوّل:

بتخصيص العمومات بالمسقطات.

و الثاني:

بالمنع، غايته تصريح بعض ما دلّ على الوضع بوضع لزوم الشهود، و

لكنّه صرّح في بعض آخر بوضع وجوب الجمعة أو نفسها، و لا يدلّ الأوّل على تقييد الثاني أيضا. و جواز الفعل بدلا عن الظهر إجماعا- لو سلّم- لا يدلّ على الوجوب العينيّ.

و الرواية مخصوصة بثلاثة.

فالحكم بالوجوب بالحضور في الثلاثة متّجه. و كذا في البعيد؛ لأنه مع الحضور يخرج من عنوان البعيد و يدخل في العنوان الآخر. و في الأعرج أيضا إذا كان السقوط عنه بواسطة الإجماع أو الانجبار المفقودين في المقام جدّا. بل في المحبوس بالمطر على الظاهر؛ لتبادر أنّ المراد التحرّز عن المطر، فبعد الحضور لا يكون في المطر. و كذا في كلّ من كان السقوط عنه للحرج أو الضرر دون النصّ.

فإن ثبت الإجماع المركّب في البواقي، و هم: الكبير و المريض و الأعمى، فيتمّ الحكم بالوجوب فيهم أيضا، و إلّا فلا.

خلافا لمن لم يوجبها عينا على شي ء منهم كالمدارك «2»؛ لعموم المسقطات و ضعف الروايات.

أو على المرأة و العبد و المسافر كبعضهم؛ لذلك أيضا، و للزوم الاقتصار في تخصيص المسقطات بالمجمع عليه و هو غير الثلاثة.

أو على الأوّلين خاصّة، كبعض آخر؛ لما مرّ مع ظنّ الإجماع على الوجوب

______________________________

(1) قرب الإسناد: 224- 871، الوسائل 7: 338 أبواب صلاة الجمعة ب 18 ح 2.

(2) المدارك 4: 55.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 115

على البواقي.

أو على الاولى خاصّة، كما عن المبسوط «1»، بل نسب إلى الأكثر أيضا.

للأصل.

و الاتّفاق، كما في المعتبر «2».

و اختصاص انجبار الخبر بغيرها.

و إطلاق صحيحة أبي همام المتقدّمة بالكراهة الغير المجامعة للوجوب.

و يردّ الأوّل:

باندفاعه بما مرّ.

و الثاني:

بعدم الحجيّة سيّما مع مخالفة الأجلّة.

و الثالث:

بأن الضعف سندا غير ضائر بعد وجود الرواية في الكتب المعتبرة، مع أنّ دعوى الشهرة في الجميع لها جابرة، مضافا

إلى فتوى الأجلّة و منهم التهذيب و الكافي و المقنعة و النهاية و الإرشاد و التحرير و المنتهى و غيرهم بمضمونها «3».

و الرابع:

بأنّ النقص غير الكراهة المصطلحة، و لذا جمع مع الصلاة أربعا في المسجد أيضا، فيمكن أن يكون هذا واجبا ناقصا أجره عن واجب آخر، و هو الصلاة أربعا في البيت.

و ممّا ذكر يظهر الجواب عن أدلّة الأقوال السابقة عليه أيضا.

المسألة الثالثة: هل ينعقد بهؤلاء عدد الجمعة أم لا؟.

الظاهر عدم الخلاف في غير المرأة و العبد و المسافر، بل ادّعي الاتّفاق في بعضهم في طائفة من العبائر «4».

______________________________

(1) المبسوط 1: 143.

(2) المعتبر 2: 292.

(3) التهذيب 3: 21، الكافي في الفقه: 151، حكاه عن المقنعة في المدارك 4: 54، النهاية 3: 1، الإشارة: 97، التحرير 1: 44، المنتهى 1: 321؛ و انظر: المدارك 4: 54، و الذخيرة: 301.

(4) كما في الإيضاح 1: 124، و جامع المقاصد 2: 388، و الرياض 1: 188.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 116

و وجهه؛ بعد ما عرفت من جواز تجميعهم بل وجوبه مع الحضور، و إطلاق ما دلّ على اشتراط العدد بالنسبة إليهم؛ ظاهر.

و منه يظهر الانعقاد أيضا بالعبد و المسافر، كما هو مذهب الأكثر.

و أمّا المرأة فالظاهر عدم الانعقاد بها، وفاقا للأكثر، بل عن جماعة دعوى الاتّفاق عليه «1».

لاختصاص أدلّة اشتراط العدد بالمسلمين أو الضمير الراجع إلى المذكّر، أو القوم أو الرهط أو النفر.

و اختصاص الأوّلين بالرجال ظاهر، و كذا البواقي؛ لتصريح اللغويّين باختصاصها بالرجال. و منهم من تردّد بين الاختصاص و الاشتراك، و غايته الإجمال الموجب لعدم حجيّة عمومات انعقاد الجمعة في موضع الإجمال. و الجواز و الوجوب لا يستلزمان الانعقاد أيضا كما لا يخفى.

______________________________

(1) كما في المدارك 4: 55، و الذخيرة: 301.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 117

البحث الرابع في كيفيّتها
اشارة

و فيه مسألتان:

المسألة الأولى: اعلم أنّ صلاة الجمعة كصلاة الصبح كميّة و كيفيّة،

بالإجماع و النصوص.

إلّا أنّه لا يجب فيها الجهر بالقراءة، كما لا يجب الإخفات أيضا؛ للأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة.

و مرسلة ابن فضّال: «السنّة في صلاة النهار بالإخفات» «1». غير صريحة في إيجاب الإخفات.

كما أنّ قوله في صحيحتي ابن أبي عمير و محمّد: «و إنّما يجهر إذا كانت خطبة» «2» غير صريحة في إيجاب الجهر.

نعم يستحبّ الجهر فيها؛ لذلك، مضافا إلى فتوى الأصحاب، بل إجماعهم كما في المدارك و غيره «3».

المسألة الثانية: المشهور- كما صرّح به غير واحد «4»- أنّ في الجمعة قنوتين،

أحدهما في الأولى قبل الركوع، و الثاني في الثانية بعده، و عن الخلاف الإجماع

______________________________

(1) التهذيب 2: 289- 1161، الاستبصار 1: 313- 1165، الوسائل 6: 77 أبواب القراءة في الصلاة ب 22 ح 2.

(2) التهذيب 3: 15- 53 و 54، الاستبصار 1: 416- 1597، و 1598، الوسائل 6: 161 و 162 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 8 و 9.

(3) المدارك 4: 10، و انظر: نهاية الإحكام 2: 49، و الذخيرة: 317.

(4) انظر: المدارك 3: 446، و الحدائق 8: 372.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 118

عليه «1».

لصحيحة أبي بصير: سئل عن القنوت يوم الجمعة فقال: «في الركعة الثانية» فقال له: حدّثنا بعض أصحابنا أنّك قلت: في الركعة الأولى، فقال: «في الأخيرة» و عنده ناس كثير، فلمّا رأى غفلة منهم قال: «يا محمّد هو في الركعة الاولى و الأخيرة» قلت: جعلت فداك قبل الركوع أو بعده؟ قال: «كلّ القنوت قبل الركوع إلّا الجمعة، فإنّ الركعة الأولى القنوت فيها قبل الركوع، و الأخيرة بعد الركوع» «2».

و صحيحة زرارة و فيها بعد ذكر صلاة الجمعة: «و على الإمام فيها قنوتان، قنوت في الركعة الأولى قبل الركوع، و في الثانية بعد الركوع» «3» و موثّقة سماعة: «أمّا الإمام

فعليه القنوت في الركعة الأولى بعد ما يفرغ من القراءة قبل الركوع، و في الثانية بعد ما يرفع رأسه من الركوع قبل السجود» «4».

و المرويّين في العلل و العيون في صلاة الجمعة: فإن قال: فلم جعل الدعاء في الركعة الأولى قبل القراءة، و لم جعل في الركعة الثانية القنوت بعد القراءة»؟ «5» الحديث.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافيّ و المفيد و المختلف و المدارك، فقالوا: إنّ قنوتها واحد في الأولى قبل الركوع «6»؛ لظواهر المستفيضة، كصحاح ابن عمّار «7»،

______________________________

(1) الخلاف 1: 631

(2) التهذيب 2: 90- 334، التهذيب 3: 17- 62، الاستبصار 1: 339- 1275، الاستبصار 1: 418- 1606، الوسائل 6: 273 أبواب القنوت ب 5 ح 12.

(3) الفقيه 1: 266- 1217، الوسائل 6: 271 أبواب القنوت ب 5 ح 4.

(4) التهذيب 3: 245- 665، الوسائل 6: 272 أبواب القنوت ب 5 ح 8.

(5) العلل: 260 ب 182، العيون 2: 105، الوسائل 6: 262 أبواب القنوت ب 1 ح 5.

(6) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 106، المفيد في المقنعة: 164، المختلف: 106، المدارك 3: 447.

(7) الكافي 3: 427 الصلاة ب 77 ح 2، التهذيب 3: 16- 59، الاستبصار 1: 417- 1603، الوسائل 6: 270 أبواب القنوت ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 119

و سليمان «1»، و عمر بن يزيد «2»، و موثّقتي أبي بصير «3»، و رواية عمر بن حنظلة «4».

و أكثرها لا يدلّ إلّا على ثبوت القنوت في الاولى، و هو غير مناف للقنوت في الثانية أيضا بدليل آخر، و لا دلالة له على الاختصاص، و ما دلّ منه عليه يحتمل إرادة القنوت المخصوص بصلاة الجمعة.

و للمحكيّ عن الصدوق و الحليّ، فقالا بأنّه

واحد في الثانية «5»، كسائر الصلوات؛ لعمومات القنوت المتقدّمة في محلّه، الواجب تخصيصها بهذه المستفيضة المعتضدة بالشهرة العظيمة و مخالفة العامّة، كما يستفاد من الصحيحة الاولى.

ثمَّ على المختار من تعدّد القنوت فهل هو ثابت مطلقا، كما عن ظاهر الأكثر، بل عن ظاهر الخلاف الإجماع عليه «6»، أم يختصّ بالإمام، كما عن جماعة «7».

الظاهر الأوّل؛ لإطلاق جملة من الأخبار المتقدّمة.

احتجّ الثاني بظواهر جملة أخرى منها.

و يجاب بأنّها مثبتة للقنوتين للإمام، لا نافية لهما عن غيره، مع أنّ الظاهر من سياقها أنّ المراد من الإمام فيها من يقابل المنفرد و من يصلّي أربعا، لا المأموم أيضا.

______________________________

(1) التهذيب 3: 16- 56، الاستبصار 1: 417- 1600، الوسائل 6: 271 أبواب القنوت ب 5 ح 6.

(2) التهذيب 3: 245- 664، الوسائل 6: 272 أبواب القنوت ب 5 ح 11.

(3) الأولى: الكافي 3: 426 الصلاة ب 77 ح 1، التهذيب 3: 18- 64، الوسائل 6: 270 أبواب القنوت ب 5 ح 2.

الثانية: التهذيب 3: 16- 58، الاستبصار 1: 417- 1602، الوسائل 6: 271 أبواب القنوت ب 5 ح 7.

(4) الكافي 3: 327، الصلاة ب 77 ح 3، التهذيب 3: 16- 57، الوسائل 6: 271 أبواب القنوت ب 5 ح 5.

(5) الهداية: 34، السرائر 1: 299.

(6) الخلاف 1: 631

(7) انظر: المعتبر 2: 244، و التذكرة 1: 128.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 120

البحث الخامس في وقتها
اشارة

أوّل وقتها الزوال بمعنى أن يخطب في الفي ء الأوّل، فإذا زالت الشمس صلّى، أو يخطب أيضا بعد الزوال، على اختلاف القولين كما يأتي، فيكون المراد على الثاني أنّ وقت الصلاة بعد الزوال بقدرهما، أو يبنى على دخولهما في الصلاة، أو يكون المراد وقت الصلاة و مقدماتها، و أنّ

الوقت بالأصالة للصلاة و إن وجب تأخيرها عن الخطبتين، كما أنّ بعد أربع الركعات من الزوال مشترك بين الظهرين، لكن يجب تقديم الظهر على العصر.

ثمَّ إنّ كون أوّل وقتها ما ذكر للإجماع المحكيّ في الخلاف و روض الجنان و شرح القواعد «1»، بل المحقّق عند المحقّق؛ لعدم قدح مخالفة من سيذكر فيه، و الأخبار المتكثّرة من الصحاح و غيرها، كصحاح عليّ و ابن أبي عمير و الفضيل و زرارة و الحلبيّ و ابن سنان و مرسلتي الفقيه و موثّقتي سماعة و الساباطي و رواية القسري، الآتية كثير منها، «2»، و غير ذلك.

و الاستدلال بأصالة عدم المشروعيّة قبل الزوال، و توقّف الوظائف الشرعية على التوقيف ضعيف؛ لاندفاع الأوّل، و حصول الثاني بالمطلقات.

خلافا للمحكيّ في الخلاف عن بعض أصحابنا، و عزاه إلى السيّد أيضا «3»، فيجوز فعلها عند قيام الشمس.

و هو شاذّ جدّا، مع أنّه قال الحلّي بعد نقل هذه النسبة عن الشيخ: و لعلّ

______________________________

(1) الخلاف 1: 620، الروض: 284، جامع المقاصد 2: 366.

(2) في ص 123 و 124 و 125، و رواية القسري في التهذيب 2: 284- 1137، الوسائل 5: 379 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 3.

(3) الخلاف 1: 620.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 121

شيخنا سمعه من المرتضى مشافهة، فإنّ الموجود في مصنّفات السيّد موافق للمشهور «1»؛ و مع ذلك لا دليل عليه سوى روايات عاميّة لا حجيّة فيها «2».

و في آخره أقوال:
الأوّل: صيرورة ظلّ كلّ شي ء- أي الفي ء الزائد- مثله

، و هو المشهور بين الأصحاب، كما صرّح به جماعة «3»، إلّا أنّه- كما اعترف به جماعة ممّن تأخّر «4»- لا دليل عليه إلّا ما قالوه من الشهرة، و ما في المنتهى من دعوى الإجماع، و كون النبيّ صلّى اللَّه عليه و

آله أنّه يصلّي في ذلك الوقت «5».

و الأوّلان ليسا بحجّة، سيّما مع مصير جمع من أعاظم القدماء على خلافه «6»، و عدم كون ثانيهما صريحا في دعوى الإجماع على آخر الوقت؛ لما في كلامه من نوع إجمال. قال: و الوقت شرط في الجمعة و هو أن يصير ظلّ كلّ شي ء مثله، و هو مذهب علمائنا أجمع، إلّا ما نقله الشيخ قدّس سرّه عن السيّد المرتضى، قال: و في أصحابنا من قال: إنّه يجوز أن يصلّي الفرض عند قيام الشمس يوم الجمعة خاصّة و هو اختيار المرتضى. انتهى «7».

و الثالث لا دلالة فيه؛ لأنّ الوقت الذي كان يصلّي النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فيه كان ينقص عن ذلك المقدار غالبا، و لم يقل أحد بالتوقيف بذلك الناقص، كذا في الذكرى «8».

______________________________

(1) السرائر 1: 296.

(2) صحيح مسلم 2: 588- 32، سنن أبي داود 1: 284- 1035، سنن ابن ماجه 1: 350.

(3) كالشهيد الثاني في الروض: 284، و السبزواري في الذخيرة: 298.

(4) كالشهيد الأول في الذكرى: 235، و الشهيد الثاني في الروض: 284، و السبزواري في الذخيرة: 298.

(5) المنتهى 1: 318.

(6) انظر: ص 122.

(7) المنتهى 1: 318.

(8) الذكرى: 235.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 122

و هو غير جيّد؛ لأنّ مراد المستدلّ أنّ فعل النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله في هذا الوقت يدلّ على بقاء الوقت إليه فينفى التضيّق، و ينفى ما زاد عنه بعدم ثبوت التوقيف. و لا يضرّ فعله في الناقص غالبا في ذلك؛ لأنّ فعل النادر كاف في نفي التضيّق، كما أن عدم ثبوت التوقيف كاف في نفي الزائد.

فالصواب أن يردّ بعدم ثبوت فعل النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله في هذا الوقت

أوّلا، و حصول التوقيف بالمطلقات ثانيا.

و قد يستند تحديدهم هذا إلى أخبار دلّت على أنّها مضيّقة بالنسبة إلى الظهر «1»، و لا بدّ حينئذ من أن ينضبط آخره، و لا ينضبط بقدر الفعل و لا بساعة، فاستنبطوا ممّا دلّ من الأخبار على أنّ وقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر سائر الأيام هذا التحديد؛ لأنّ نهاية أوّل وقت الظهر إنّما هو المثل، فغاية ما يؤخّر المتنفّل الظهر أن يؤخّرها عن المثل في الغالب، فإذا جعل ما بعد المثل وقت العصر دلّ على انتهاء وقت الجمعة حينئذ.

و ضعفه ظاهر؛ لمنع عدم الانضباط بقدر الفعل بأن يشرع في أوّل الوقت حتّى يتمّ، و لو سلّم فما الضرر فيه، و منع دلالة جعل ما بعد المثل وقت العصر على انتهاء وقت الجمعة حينئذ، فلعلّه ينتهي قبله بل أو بعده أيضا.

و الثاني: مضيّ قدر الأذان و الخطبتين و الركعتين من أوّل الزوال

، بمعنى وجوب التلبس في أوّل الوقت و إن تفاوت آخره بالنسبة إلى بطء القراءة و سرعتها، و اختصار الخطبة و السورة و القنوت و الأذكار و تطويلها. لا بمعنى أنّ الوقت بقدر ما يمكن من هذه الأمور، حتّى جاز التأخير من أوّل الوقت و الإتيان بأقلّ الواجب بعده. و لا بمعنى أنّ الوقت بقدر أقلّ الواجب منها؛ لمخالفته الإجماع، بل الضرورة.

و هو المحكيّ عن الحلبيّ و ابن زهرة و ظاهر المقنعة و الإصباح و المهذّب «2»،

______________________________

(1) انظر: الوسائل 7: 315 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8.

(2) الحلبي في الكافي في الفقه: 151- 153، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 560، المقنعة: 164، المهذّب 1: 103.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 123

و قد مال إليه جماعة من المتأخّرين «1»، و عن الغنية الإجماع عليه «2».

للمستفيضة من الصحاح،

كصحيحة ابن أبي عمير: عن الصلاة يوم الجمعة، فقال: «نزل بها جبرئيل مضيّقة، إذا زالت الشمس فصلّها» «3».

فإنّ التضيّق لا يكون إلا مع مساواة الوقت للفعل، مضافا إلى الأمر بالصلاة بعد الزوال بلفظة الفاء الدالّة على التعقيب.

و من الأوّل ظهرت دلالة صحيحة الفضيل، و فيها: «و الجمعة ممّا ضيّق فيها، فإنّ وقتها يوم الجمعة ساعة تزول» «4».

و زرارة، و فيها: «فإنّ صلاة الجمعة من الأمور المضيّقة، إنّما لها وقت واحد حين تزول» «5».

و من الثاني دلالة صحيحة عليّ، و فيها: «فإذا زالت الشمس فصلّ الفريضة» «6».

و ابن سنان: «إذا زالت الشمس يوم الجمعة فابدأ بالمكتوبة» «7» هذا مضافا إلى أنّ المستفاد من قوله: «إذا زالت فصلّ الفريضة» الفوريّة؛ لأنّ مقتضاه أنّ وقت تحقّق الزوال صلّها، فيكون ذلك الوقت وقتا للفعل.

و إلى تصريحه في الصحيحة الثانية بأنّ وقتها ساعة تزول. و لا ينافيه لفظ الساعة؛ لأنّها تطلق عرفا على الزمان القليل، لا الساعة النجوميّة.

______________________________

(1) كيحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 94، و الشهيد الأوّل في الدروس 1: 188، و البيان 187، و الشهيد الثاني في الروضة 1: 296.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 560.

(3) الكافي 3: 420 الصلاة ب 74 ح 4، الوسائل 7: 319 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 16.

(4) الكافي 3: 274 الصلاة ب 4 ح 2، الوسائل 7: 315 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 1.

(5) التهذيب 3: 13- 46، الوسائل 7: 316 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 3.

(6) قرب الإسناد: 214- 840، الوسائل 7: 326 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 11 ملحق بالحديث 16.

(7) الكافي 3: 420 الصلاة ب 74 ح 2، الوسائل 7: 319

أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 124

و منه تظهر دلالة مرسلة الفقيه أيضا: «وقت صلاة الجمعة ساعة تزول الشمس، و وقتها في السفر و الحضر واحد، و هو من المضيّق» «1».

و في الثالثة «2» بأنّ لها وقتا واحدا. فإنه لا يكون واحدا لو زاد وقتها عن ذلك؛ إذ لا شكّ أنّ أوّل الوقت فيها أفضل.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة الحلبي: «وقت الجمعة زوال الشمس» «3».

و لمّا لم يسع الزوال للصلاة فزيد ممّا بعد بقدر يسعها.

و ابن سنان: «وقت صلاة الجمعة عند الزوال» «4».

و موثّقة الساباطيّ: «وقت صلاة الجمعة إذا زالت الشمس شراك أو نصف» «5».

و سماعة: «وقت الظهر يوم الجمعة حين تزول الشمس» «6».

و رواية إسماعيل: جعل اللَّه لكلّ صلاة وقتين، إلّا الجمعة في السفر و الحضر، فإنّه قال: «وقتها إذا زالت الشمس» «7».

و موثّقة الأعرج: عن وقت الظهر، هو إذا زالت الشمس؟ فقال: «بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك، إلّا في السفر أو يوم الجمعة فإنّ وقتها إذا زالت» «8».

و يؤيّده الاحتياط، و أصالة الاشتغال، و إجماع المسلمين على المبادرة إليها

______________________________

(1) الفقيه 1: 267- 1220، الوسائل 7: 318 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 12.

(2) أي: مضافا إلى تصريحه في الصحيحة الثالثة ..

(3) الفقيه 1: 269- 1227، الوسائل 7: 318 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 11.

(4) التهذيب 3: 13- 43، الوسائل 7: 317 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 5.

(5) التهذيب 2: 273- 1086، الوسائل 4: 245 أبواب المواقيت ب 40 ح 1.

(6) الكافي 3: 420 الصلاة ب 74 ح 1، التهذيب 3: 12- 41، الوسائل 7: 317

و 318 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 8 و 14.

(7) مصباح المتهجّد: 324، الوسائل 7: 319 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 18.

(8) التهذيب 2: 244- 970، الاستبصار 1: 247- 884، الوسائل 4: 145 أبواب المواقيت ب 8 ح 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 125

حين الزوال.

و لا يرد على هذا القول ما قيل: من أنّه لو صحّ لما جاز التأخير عن الزوال بالنفس الواحد، مع أنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله: «كان يخطب في الظلّ الأوّل فيقول جبرئيل: يا محمّد، قد زالت الشمس، فانزل فصلّ» «1». و هو دليل على جواز التأخير بقدر قول جبرئيل و نزوله.

لأنّ الوقت على هذا القول بقدر ما يسع الخطبتين أيضا، و النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله لمّا قدّمهما كانت له الوسعة، مع أنّه ليس المراد الحصر الحقيقيّ بل العرفيّ.

و لا أنّه ينافي الأخبار الدالّة على جواز ركعتي الزوال بعد دخول وقت الفريضة «2»؛ لمعارضتها مع أكثر منها عددا و أصحّ سندا من الروايات الدالّة على وجوب تأخير الركعتين عن الزوال كما يأتي.

و لا مرسلة الفقيه: «أوّل وقت الجمعة ساعة تزول الشمس إلى أن تمضي ساعة» «3».

لأنّ المراد بالساعة الزمان القليل. و لو أنكرته فيكون مجملة؛ لأنّ النجوميّة من الاصطلاحات الطارئة.

نعم يرد على صحيحة الحلبيّ و ما تأخّر عنها: أنّه لا شكّ أنّه ليس المراد أنّ تمام وقتها الزوال أو عنده أو حينه أو إذا زالت؛ بل المراد أنّه أوّل وقتها. و وقت الفعل ما يجوز فيه فعله لا ما يجب، كما يقال: أوّل وقت الظهر الزوال.

فالاستدلال بها غير سديد، بل بالوجوه المتقدّمة عليها أيضا:

أمّا الوجه المتقدّم عليها من جعل وقتها

واحدا، فلأنّه لا تدلّ الوحدة على الانطباق على الفعل و التضيّق، ألا ترى أنّه جعل لغيرها من الصلوات وقتين، مع

______________________________

(1) التهذيب 3: 12- 42، الوسائل 7: 316 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 4.

(2) انظر: الوسائل 7: 322 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 11.

(3) الفقيه 1: 267- 1223، الوسائل: 318 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 126

أنّ كلا منهما موسّع، و ورد في الأخبار أنّ لصلاة المغرب وقتا واحدا؟! فيمكن أن يكون المراد أنّ لها وقتا واحدا من وقتي الفضيلة و الإجزاء، أو الاضطرار و الاختيار، أو غيرهما، و إن كان ذلك الوقت الواحد متسعا.

و أمّا ما تقدّم على ذلك الوجه من جعل وقتها ساعة تزول، فلما مرّ أوّلا.

و أمّا ما تقدّم عليه فلمنع استفادة الفوريّة؛ إذ ليس معنى قوله: إذا ضربك زيد اضربه، أنّه اضربه حين ضربه؛ لجواز أن يقال: اضربه بعد ساعة، و إذا جاز ذلك التقييد من غير لزوم تجوّز و لم يكن الأمر بنفسه للفوريّة فما الدليل على تقييده بهذا الوقت؟ ألا ترى أنّه يقال: إذا مات زيد فانكح زوجته، و لا تجوّز فيه؟! و يقال: إذا تزوّجت امرأة فأنفق عليها، و ليس المراد أنفق حين التزوّج.

و أمّا ما تقدّم عليه، فللخلاف في إفادة الفاء الجزائيّة للتعقيب، سلّمناه و لكن مفادها تعقيب الجزاء الشرط دون متعلق الجزاء و الجزاء هو وجوب الصلاة لا فعلها؛ لعدم ترتّبه على الشرط. و حصول الوجوب بالزوال مسلّم و لكن ليس فوريّا.

و أمّا ما تقدّم عليه، فلعدم ملازمة بين التضيّق في صلاة الجمعة و توقيتها بهذا القدر؛ لأنّ استعمال الواجب المضيّق فيما انطبق الفعل على الوقت

اصطلاح جديد للأصوليّين، و أمّا العرف و اللغة فلم يعلم ذلك منهما بل هو أمر إضافيّ، و لذا ورد أنّ وقت صلاة المغرب مضيّق و هو من الغروب إلى غروب الحمرة، مع أنّه يتّسع أضعاف صلاة المغرب؛ فإذا جاز الإتيان بصلاة الظهر في سائر الأيّام من الزوال إلى قريب الغروب، و حدّ صلاة الجمعة ما بين الزوال و صيرورة الظلّ مثله يصدق التضيّق عرفا و لغة.

هذا مضافا إلى أنّ صلاة يوم الجمعة في الصحيحة الأولى شاملة لظهرها أيضا.

و قد ورد في موثّقة الأعرج أنّ وقتها عند الزوال، و في بعض الأخبار أنّ وقت الظهر يوم الجمعة مضيّق، و هو محمول على الأفضليّة قطعا، فيمكن أن يكون هي المراد في الصحيحة أيضا. و حمل الصلاة على الجمعة ليس بأولى من حمل التضيّق على

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 127

الأفضليّة إلّا أن يراد أولويّة التقيّد و التخصيص من التجوّز إن كان ذلك مجازا.

و من هذا يظهر ضعف كلّ هذه الوجوه أيضا.

إلّا أن يقال: إنّ كلّ واحد واحد و إن كان كذلك، إلّا أنّه يستفاد من تعليل قوله في الصحيحة الأولى: «إذا زالت الشمس فصلّها» بكونها مضيّقة، و تفريع «كون وقتها ساعة تزول» عليه، في الثانية، و ترتّب «وحدة وقته و كونه حين تزول» عليه، في الثالثة، وجوب الفعل حين الزوال و عدم جواز التأخير عنه.

و منه تظهر قوة هذا القول و ضعف سابقة.

[و الثالث قول الحلي بامتداد وقتها إلى وقت الظهر]

كما يظهر ضعف قول الحلّي بامتداد وقتها إلى وقت الظهر «1»، و اختاره في الدروس و البيان «2»، و هو محتمل كلام المبسوط «3»؛ لتحقق البدليّة، و أصالة البقاء.

و الأوّل جدّا ممنوع، و الثاني بما مرّ مدفوع.

و أمّا ما في الموثّقة السابقة «4»

من أنّ وقتها إذا زالت الشمس قدر شراك أو نصف.

فلا ينافي ما مرّ؛ لعدم تحقّق الزوال لنا قبل ذلك، مع أنّ مثل ذلك التأخير لا ينافي أوّليّة الزوال عرفا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 6    128     و الثالث قول الحلي بامتداد وقتها إلى وقت الظهر ..... ص : 127

منه يظهر عدم منافاة ما في صحيحة [ابن سنان ] «5» أيضا: من أنّ «رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كان يصلّي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك».

و كذا لا تنافيه رواية الشيخ في المصباح: عن صلاة الجمعة، فقال: «وقتها إذا زالت الشمس فصلّ ركعتين قبل الفريضة، و إن أبطأت حتّى يدخل الوقت

______________________________

(1) السرائر 1: 296.

(2) الدروس 1: 188، البيان 186.

(3) المبسوط 1: 147.

(4) في ص 124.

(5) في النسخ: زرارة، و لم نعثر على رواية منه بذلك المضمون، و الظاهر أنه سهو، انظر: التهذيب 3: 12- 42، الوسائل 7: 316 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 128

هنيئة فابدأ بالفريضة» «1».

لعدم صراحتها في فعل الركعتين بعد الزوال، بل ما بعده ظاهر في فعله قبله.

و لا مرسلة الفقيه: «أوّل وقت الجمعة ساعة تزول الشمس إلى أن يمضي ساعة» «2».

لجواز أن يكون الانتهاء انتهاء ما يجوز فعل الصلاة فيه و إن وجب الشروع في الأوّل.

[الرابع القول بامتداد الوقت إلى القدمين ]

و كذا ظهر ضعف القول بامتداد الوقت إلى القدمين، كما اختاره بعض متأخّري الأخباريّين «3»؛ لجعل وقت العصر في الجمعة وقت الظهر في سائر الأيّام في الأخبار و مبدأ وقت الظهر القدمين، مضافا إلى ما أشير إليه في قدح مثل هذا الوجه الذي ذكروه للقول الأوّل «4».

فروع:
أ: على ما اخترناه من وجوب الشروع في أوّل الزوال عرفا

فهل لآخره حدّ لا يجوز تطويل الخطبتين و السورة و القنوت و الأذكار إلى أن يتجاوز عنه، أو يجوز التطويل بأيّ قدر شاء؟.

مقتضى الأصل: الثاني، إلّا أن يتجاوز عن حدّ يتعارف التطويل به في الصلوات. بل لا يبعد جواز التطويل بقدر ثبت جوازه من العمومات و لو بلغ إلى المثل بل تجاوز عنه إلى تضيّق وقت العصر؛ للأصل.

______________________________

(1) المصباح: 323، الوسائل 7: 319 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 17.

(2) تقدّمت في ص 125.

(3) انظر: الحدائق 10: 138.

(4) راجع ص 121

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 129

ب: قالوا: لو خرج الوقت و قد تلبّس بالصلاة

فإن أدرك ركعة في الوقت صحّت جمعته بلا خلاف؛ لصحيحة البقباق: «من أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة» «1».

و الأخرى: «إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة، و إن فاتته فليصلّ أربعا» «2».

و الروايات المتقدّمة في بحث الوقت المصرّحة بأنّ من أدرك ركعة فقد أدرك الوقت «3».

و تخصيص بعضها بمن أدرك ركعة من صلاة الإمام فلا يشمل الإمام- مع أنّه غير ضائر للإجماع المركّب- تخصيص بلا مخصّص.

و لو لم يدرك الركعة فذهب جماعة، منهم: الشيخ و المحقّق و الفاضل في القواعد، إلى صحّة الجمعة «4».

لاستصحاب صحّة الصلاة، و كون ما فعل لو ضمّ معه الباقي صحيحا.

و النهي عن إبطال العمل.

و استكماله شرائط الوجوب؛ لظنه سعة الوقت. فيجب الإتمام؛ لمشروعيّة الدخول، و لا يشرع إلّا فيما وجب إتمامه. و انكشاف الضيق لا يصلح لرفع الوجوب.

و يردّ الأوّل:

بما يأتي من دليل البطلان، مع أنّ الصحّة الواقعيّة و كون ما فعل كما ذكر واقعا ممنوع، و بحسب ظنّه لا يفيد.

و الثاني:

بالمنع على الإطلاق، مع أنّ المنهيّ عنه هو الإبطال فيما لم يبطل، و الخصم يدّعي البطلان.

______________________________

(1) التهذيب 3: 161- 346، الوسائل

7: 346 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 26 ح 6.

(2) الفقيه 1: 270- 1232، الوسائل 7: 345 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 26 ح 2.

(3) انظر: الوسائل 4: 217 أبواب المواقيت ب 30.

(4) الشيخ في المبسوط 1: 147، المحقق في المعتبر 2: 277، الفاضل في القواعد 1: 36.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 130

و الثالث:

بأنّ استكمال الشرائط بحسب ظنّه لا يوجبه واقعا، نعم يتعبّد بظنّه لو لم يظهر خلافه، و وجوب الإتمام أوّلا ممنوع، بل الواجب عليه الإتمام لو صادف الواقع ظنّه، كما يجب الشروع في الصلاة على ظانّ البقاء. و الحاصل أنّ المشروط بشي ء يجب إتمامه مع بقاء الشرط لا مطلقا.

و بما ذكر يظهر ضعف قول آخر اختاره بعض مشايخنا الأخباريين من الفرق بين المتلبّس بظنّ البقاء فأوجب الإتمام، و بدون ظنّه فلا يجب «1».

و ذهب جمع آخر، منهم: الشهيد، و الفاضل في التحرير، و المحقّق الثاني و صاحبا المدارك و الذخيرة، إلى فوات الجمعة «2».

و هو الحقّ؛ لمفهوم الأخبار المتقدّمة، بل صريح ذيل الصحيحة الثانية، و لأنّ توقيت الفعل بوقت يجعل صحّته مشروطا به، فإذا خرج الوقت انتفى الشرط فينتفي المشروط.

ثمَّ لا يخفى أن الكلام في هذه المسألة على القول بتحديد وقتها بالقدمين أو المثل أو وقت الظهر ظاهر.

و أمّا على قول الحلبيّ «3»- الذي هو المختار- فقد يتوهّم عدم جريان المسألة فيه؛ لعدم تحديد لآخر الوقت، حيث إنّه يجب الشروع بالزوال حتّى يتمّ فلا يشمله قوله: «من أدرك ركعة في الوقت».

و ذلك إنّما كان صحيحا لو كان مراد القائل أنّه يجب الشروع في أوّل الزوال، و يجوز التطويل إلى أيّ قدر شاء؛ بل يحدّ الآخر إمّا بالتعارف، أو القدمين،

أو وقت الظهر، فتشمله الروايات أيضا.

و على هذا، فعلى ما هو الظاهر من جواز التطويل إلى تضيّق وقت العصر و ملاحظة شمول أحاديث الركعة للمضطرّ و المختار، لا يكون فارق بين قولي الحلّي

______________________________

(1) الحدائق 10: 141.

(2) الذكرى: 235، التحرير 1: 43، جامع المقاصد 2: 367، المدارك 4: 16، الذخيرة: 298.

(3) راجع ص 122.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 131

و الحلبيّ إلّا في مجرّد الإثم بالتأخير عن أوّل الوقت لو كان عن عمد. فتأمّل.

ج: قالوا: لو فاتته الجمعة بفوات الوقت يصلّي الظهر أربعا أداء

إن كان وقته باقيا، و قضاء إن خرج وقته.

أقول:

لا شكّ في أنّه إذا فاتت الجمعة من جهة فوت شرط منها غير الوقت، يجب الظهر قضاء أو أداء؛ لصحيحتي البقباق المتقدّمتين «1»، و حسنة الحلبيّ: «فإن فاتته الصلاة فلم يدركها فليصلّ أربعا» «2».

و كذا لا شكّ في أنّه لو كان الفوات بفوات الوقت و فات وقت الظهر أيضا، يجب الظهر قضاء؛ لإطلاق ما تقدّم.

و أمّا أداء الظهر بفوات الوقت فلا يكون إلّا على القول المشهور أو القدمين أو الحلبيّ مع انتهاء وقت جواز الاستمرار قبل وقت الظهر، و إلّا فلا يتحقّق وقت فاتت الجمعة بفوات الوقت و أمكن أداء الظهر.

د: لو وجبت الجمعة فصلّى الظهر

فإمّا يكون عمدا أو نسيانا، و على التقديرين إمّا يتمكّن من الجمعة بعده أم لا.

فإن كان عمدا بطلت ظهره مطلقا؛ لأنّه كان منهيا عنه، و لعدم كونه مأمورا به. ثمَّ إن تمكّن من الجمعة وجب السعي إليها؛ لوجوبها عليه. و إلّا أعاد الظهر؛ للعمومات المتقدّمة.

و لو كان سهوا أو نسيانا كأن ينسى وجوب الجمعة أو أنّه يوم الجمعة، فمع التمكّن من الجمعة بعد التذكّر يأتي بها؛ لوجوبها، و عدم إيجاب ما فعل لرفعه.

و مع عدمه صحّ ما فعل؛ لأنّ المأتيّ به موافق لتكليفه حيث إنّ الناسي لا يكلّف بما نسيه فأتى بما كلّف به، و الأصل عدم وجوب غيره.

______________________________

(1) في ص 129

(2) الكافي 3: 427 الصلاة ب 78 ح 1، التهذيب 3: 160- 343، التهذيب 3: 243- 656، الاستبصار 1: 421- 1622، الوسائل 7: 345 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 26 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 132

ه: لو صلّى الظهر وقت الجمعة ثمَّ ظهر عدم التمكّن من الجمعة في وقتها،

فإن كان عمدا بطل ظهره؛ لكونه منهيّا عنه فيعيده ثانيا.

و إن كان سهوا صحّ؛ لأنّه كان مأمورا به واقعا و ظاهرا، و ذلك النسيان لا يوجب ارتفاع الأمر أو فساد الأمر الواجب عليه.

و: لو لم تكن شرائط الجمعة مجتمعة في أوّل الوقت

و لكن احتمل اجتماعها قبل خروج الوقت، فهل تجوز له صلاة الظهر لعدم اجتماع شرائط الجمعة و أصالة عدم اجتماعها، أم لا تجوز لأنّ مشروعيّة الظهر إنّما هي إذا علم عدم التمكّن من الجمعة؟.

فيها قولان، الظاهر: الأوّل؛ للأصل المذكور، و به يحصل العلم الشرعيّ بعدم التمكّن من الجمعة.

ثمَّ لو صلّى الظهر حينئذ و اجتمعت الشرائط فالأقرب عدم الاجتزاء بالظهر؛ لعدم دليل على سقوط الجمعة.

و قيل بالاجتزاء «1»؛ لسقوط التكليف عنه فيه بفعل الظهر، و امتناع وجوبهما معا.

و يضعّف بمنع المقدّمتين في المورد.

ز: لو صلّى الجمعة و هو شاكّ أو ظانّ في أنّها هل وقعت في وقتها أو وقعت كلّا أو بعضا خارج الوقت، صحّت؛

لاستصحاب الوقت. و إفادته ظنّ البقاء غير ضائر؛ لأنّه قائم مقام العلم هنا شرعا.

و منه يظهر وجوب الشروع في الجمعة لو لم يتلبّس مع ظنّ امتداد الوقت أو الشكّ فيه أيضا، بل ظنّ عدم الامتداد.

ح: لو ظنّ أو تيقّن عدم اتّساع الوقت للجميع،

و لكن ظنّ أو تيقّن اتّساعه

______________________________

(1) كما في جامع المقاصد 2: 423.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 133

للركعة، وجبت الجمعة على الأقرب؛ للأخبار المتقدّمة. بل تجب ما لم يتيقّن عدم اتّساع الوقت لها؛ لأنّ اليقين لا ينقضه إلّا يقين آخر. و تخصيص الأخبار بمن أدرك ركعة مع ظنّ إدراك الجميع- كما قيل «1»- تخصيص بلا دليل.

______________________________

(1) انظر: جامع المقاصد 2: 369.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 134

البحث السادس في لواحق صلاة الجمعة
اشارة

و فيه مسائل و خاتمة:

المسألة الأولى: يحرم السفر بعد الزوال قبل صلاة الجمعة يوم الجمعة
اشارة

على المستجمع لشرائط وجوبها، إلى غير جمعة البلد و غير مكان تقام فيه جمعة أخرى، إجماعا مصرّحا به في التذكرة و المنتهى و غيرهما «1».

و هو الحجة في المقام، دون غيره مما ذكروه كالنبويّ: «من سافر من دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة، لا يصحب في سفره و لا يعان على حاجته» «2».

و المرويّ في النهج: «لا تسافر في يوم جمعة حتّى تشهد الصلاة، إلّا فاصلا في سبيل اللَّه أو في أمر تعذر به» «3».

و في مصباح الكفعميّ: «ما يؤمن من يسافر يوم الجمعة قبل الصلاة، أن لا يحفظه اللَّه في سفره و لا يخلفه في أهله و لا يرزقه من فضله» «4».

و في الفقيه و الخصال: «يكره السفر و السعي في الحوائج يوم الجمعة، يكره «5» من أجل الصلاة، و أمّا بعد الصلاة فجائز يتبرّك به» «6»

______________________________

(1) التذكرة 1: 144، المنتهى 1: 336، و انظر: المدارك 4: 59، و الذخيرة: 313.

(2) المغني (لابن قدامة) 2: 218، نقلا عن الدار قطني في الافراد.

(3) نهج البلاغة (عبده) 3: 143، الوسائل 7: 407 أبواب صلاة الجمعة ب 52 ح 6، و فيه:

«ناصلا» و المعنى واحد، أي خارجا.

(4) مصباح الكفعمي: 420، الوسائل 7: 406 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 52 ح 5

(5) في الفقيه و الوسائل: بكرة، و ما في المتن موافق للخصال.

(6) الفقيه 1: 273- 1251، الخصال: 393- 95، الوسائل 7: 406 أبواب صلاة الجمعة ب 52 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 135

و فحوى قوله تعالى وَ ذَرُوا الْبَيْعَ «1».

و صحيحة أبي بصير: «إذا أردت الشخوص في يوم عيد و انفجر الصبح و أنت في البلد، فلا

تخرج حتّى تشهد ذلك العيد» «2».

و إذا حرم السفر لتفويت العيد حرم لتفويت الجمعة بطريق أولى.

و أنّه بعد الزوال مأمور بالصلاة، و الأمر بالشي ء نهي عن ضدّه الخاصّ عند المحققين من العلماء.

لضعف الأوّل أوّلا، و عدم دلالته على الحرمة ثانيا؛ لشيوع ورود مثل ذلك في المكروهات أيضا، مع أنّه لو سلّم تردّد الأمر بين تخصيص اليوم بما بعد الزوال قبل الصلاة، أو الحمل على الكراهة، و ليس الأوّل بأولى، سيّما مع كونه تخصيصا للأكثر.

و هو وجه الضعف في الثلاثة المتعقبة له، مضافا إلى التضمّن للجملة الخبريّة في الأوّل منها، و للفظ الكراهة في الثالث.

و الخامس: بمنع دلالة الفحوى؛ لجواز أن يكون لنفس البيع مدخليّة سيّما مع أنّه ليس مسقطا لوجوب الجمعة بخلاف السفر.

و السادس: بمنع الأولويّة، مضافا إلى عدم دلالته أيضا على الحرمة.

و السابع أوّلا: بمنع الأمر بالجمعة حينئذ إلّا بعد ثبوت حرمة السفر، و هو أوّل الكلام، فإنّه بعد ما ثبت سقوطها عن المسافر فيكون وجوبها مقيّدا بعدم السفر و ما دام حاضرا، فإذا دخل الزوال نقول: إنّها تجب عليه لو لم يسافر، و أمّا معه فلا نسلّم الوجوب. و ثانيا: بمنع كون السفر ضدّا مطلقا؛ لجواز إمكان إقامتها في السفر، فالسفر لا يكون حينئذ ضدّا خاصّا.

قيل:

لا تجب الجمعة على المسافر قطعا، فيكون السفر مجوّزا لتفويت

______________________________

(1) الجمعة: 9.

(2) الفقيه 1: 323- 1480، التهذيب 3: 286- 853، الوسائل 7: 471 أبواب صلاة العيد ب 27 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 136

الواجب، و تجويز تفويت الواجب منفيّ، فجواز السفر منفيّ.

قلنا

- بعد تسليم عدم وجوبها على مثل هذا المسافر أيضا الذي وجب عليه أوّل الوقت-: إنّ بطلان تجويز تفويت الواجب ممنوع، إنّما الباطل تفويته،

و أمّا تجويز التفويت فهو الإتيان بما يسقط وجوبه معه شرعا، و لا دليل على بطلانه.

و قد يردّ الأخير أيضا بأنّه لو حرم السفر لم تسقط الجمعة؛ لوجوبها على العاصي بسفره. فلو حرم السفر لم يحرم السفر، و ما كان كذلك فهو باطل.

و فيه: إنّما يتمّ في صورة إمكان جمعة اخرى، و عدم الحرمة حينئذ مسلّم، و أمّا في صورة عدم الإمكان فالمحرّم يكون هو الفوات دون السفر.

فروع:
[الأول ]

أ: و إذا عرفت أنّ دليل الحرمة منحصر في الإجماع، فلا يحرم فيما لم يثبت الإجماع فيه:

منه:

ما إذا كان السفر واجبا، أو مضطرّا إليه، و يدلّ عليه أيضا المرويّ عن النهج.

و منه:

ما إذا كان بين يدي المسافر جمعة اخرى يمكن له إدراكها، فلا يحرم حينئذ، وفاقا لجماعة «1».

قيل:

يلزم أن تكون الجمعة واجبة عليه في السفر مع أنّه خلاف النصوص.

قلنا:

لا نسلّم اللزوم؛ لأنّ منع الحرمة حينئذ لانتفاء الإجماع، أو مع إمكان الجمعة لو أراد، لا إمكان الجمعة مطلقا.

و قد يجاب أيضا بلزوم التخصيص في تلك النصوص؛ لأنّ ها هنا حكمين، أحدهما: أنّ كلّ حاضر تجب عليه صلاة الجمعة، و ثانيهما: أنّ كلّ مسافر لم تجب عليه. و هذا قبل السفر حاضر داخل

______________________________

(1) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 313 و الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط) و نسبه في المدارك 4: 61 الى المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 421 فراجع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 137

في موضوع الأوّل، و مقتضاه وجوب الجمعة عليه و لو في حال السفر؛ لعدم التقييد، فإذا تركها حال الحضور ثمَّ سافر وجب عليه الإتيان في السفر. فعموم الأوّل اقتضى وجوبها حال السفر على ذلك، و عموم الثاني عدمه. و الترجيح للأوّل؛ للإجماع

على وجوب الجمعة على الحاضر مطلقا من غير أن يكون مشروطا بعدم صدق السفر عليه لاحقا.

و فيه: أنّ الظاهر المتبادر من الوجوب على الحاضر وجوبها عليه ما دام حاضرا، أي أن يفعلها في الحضر.

خلافا لبعضهم فحرمه أيضا «1»؛ لعموم الأخبار. و قد عرفت أنّه لا عموم.

و لاستلزامه تجويزه الدور؛ لأنّ جوازه موقوف على وجوب صلاة الجمعة على هذا المسافر، و هو على حرمة السفر عليه، إذ لا تجب في السفر المباح قطعا، و هي على عدم وجوب صلاة الجمعة إذ لو وجبت لم يحرم، و هو على جواز السفر لوجوبها في السفر المحرّم.

و فيه: منع المقدّمة الأولى أوّلا؛ لما مرّ. و الثانية ثانيا؛ لإمكان تخصيص أدلّة الحرمة بمن لم تجب عليه أوّل الوقت.

و لثالث، فاحتمل التفصيل بالجواز لو كانت الجمعة الأخرى قبل محلّ الترخّص إن أمكن، و عدمه إن كانت فيه «2». و دليله مع جوابه ظاهر.

[و الثاني ]

ب: قال في روض الجنان: و متى سافر بعد الوجوب كان عاصيا، فلا يترخّص حتّى تفوت الجمعة فيبتدئ السفر من موضع تحقّق الفوات، و نسبه إلى الأصحاب «3». و هو كذلك.

[و الثالث ]

ج: لو كان بعيدا عن الجمعة بفرسخين فما دون، يخرج مسافرا في صوب الجمعة؛ لما مرّ من انتفاء الإجماع في محلّ النزاع سيّما إذا كان الخروج قبل زمان

______________________________

(1) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 35، و صاحب المدارك 4: 61

(2) انظر: الذكرى: 233.

(3) الروض: 295.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 138

تعلّق وجوب السعي. و فيه أقوال أخر لا فائدة في ذكرها.

[و الرابع ]

د: يكره السفر بعد طلوع الفجر يوم الجمعة إلى الزوال، إجماعا، كما في التذكرة و المنتهى؛ له، و لإطلاق الروايات المتقدّمة، خرج منه بعد وقت صلاة الجمعة بالإجماع، فيبقى الباقي.

و مقتضى إطلاقها الكراهة مطلقا سواء كان المسافر ممّن استجمع شرائط الجمعة أو لا. و تقييد بعضها بقوله: «حتّى تشهد الصلاة» لا يوجب تقييد البواقي، كما أنّ تقييد البعض بقوله: «قبل الصلاة» لا يوجب تقييد غيره بما إذا كان هناك صلاة.

ثمَّ لا شكّ أنّ الكراهة للمستجمع إنّما هي قبل الزوال، و بعده يحرم في حال و يباح في أخرى، و كذا غير المستجمع بالنسبة إلى قبل الصلاة و بعد وقت الصلاة.

و أمّا ما بين الزوال و خروج وقت الصلاة فلا يحرم عليه قطعا، فهل يكره أو يباح؟ مقتضى الإطلاقات: الأوّل.

المسألة الثانية: اختلف الأصحاب في الأذان الثاني يوم الجمعة، و في المراد منه

، فذهب في المبسوط و المعتبر في الأوّل إلى الكراهة «1»؛ للأصل. و الحلي «2»، و عامّة المتأخّرين إلى الحرمة؛ لكونه غير متوقّف فيكون بدعة، و لرواية حفص:

«الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة» «3» و جعله ثالثا باعتبار تقدّم الأذان الأوّل و الإقامة.

و قيل في الثاني: هو ما وقع ثانيا بالزمان بعد أذان آخر في الوقت سواء كان

______________________________

(1) المبسوط 1: 149، المعتبر 2: 296.

(2) السرائر 1: 295.

(3) الكافي 3: 421 الصلاة ب 75 ح 5، التهذيب 3: 19- 67، الوسائل 7: 400 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 49 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 139

بين يدي الخطيب أو على المنارة أو غيرهما «1» و قيّده بعضهم بما إذا كان من مؤذّن واحد قاصد كونه ثانيا «2».

و قيل: إنّه ما لم يكن بين يدي الخطيب لأنّه الثاني باعتبار الإحداث سواء وقع أوّلا بالزمان أو ثانيا

«3».

و قيل: ما يفعل بعد نزول الإمام مضافا إلى الأذان الذي عند الزوال «4».

و قال في المجمع في معنى قوله إِذا نُودِيَ : إذا أذّن لصلاة الجمعة، و ذلك إذا جلس الإمام على المنبر يوم الجمعة، و لم يكن على عهد رسول اللَّه نداء سواه- إلى أن قال-: فكان إذا جلس الإمام على المنبر أذّن على باب المسجد، فإذا نزل أقام الصلاة، ثمَّ كان أبو بكر كذلك، حتّى إذا كان عثمان و كثر الناس و تباعدت المنازل زاد أذانا فأمر بالتأذين الأوّل على سطح دكّة له بالسوق، و كان يؤذّن عليها، فإذا جلس عثمان على المنبر أذّن مؤذّنه، فإذا نزل أقام الصلاة.

انتهى «5».

و إذا كان الأمر كذلك فالبحث عن المسألة قليل الفائدة.

مع أنّه لا دليل على الحرمة سوى الرواية، و أنّه بدعة.

و الأوّل ضعيف بإمكان إرادة أذان العصر.

و الثاني بعدم اختصاصه بنوع خاصّ من الأذان، بل و لا بالأذان و لا بيوم الجمعة، بل كلّ عبادة فعلت تشريعا بأن يظهر للناس أنّها من الشريعة فهي حرام.

و على هذا يمكن أن يقال في المسألة: إنّ كلّ أذان وقع ثانيا في الوقت من مؤذّن واحد بإظهار أنّه ثان مشروع- بل مؤذنّين بهذا القصد- فهو حرام، و ما عداه

______________________________

(1) كما في الروض: 295، و الرياض 1: 189.

(2) كما في المسالك 1: 35.

(3) كما في مجمع الفائدة 2: 376، و الحدائق 10: 182.

(4) كما في السرائر 1: 295.

(5) مجمع البيان 5: 288.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 140

ليس بحرام و لا مكروه؛ للأصل.

المسألة الثالثة: إذا أذّن لصلاة الجمعة حرم البيع.

لا للآية الكريمة؛ لما عرفت من عدم صراحتها في أذان صلاة الجمعة.

و لا لمرسلة الفقيه: كان بالمدينة إذا أذّن يوم الجمعة نادى مناد: حرم البيع لقوله

تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ «1» حيث إنّ ظاهره عموم ذلك الفعل حتّى في زمان النبيّ و الوليّ، و هما قرّرا المنادي على قوله، و تقريرهما حجّة.

لمثل ما مرّ في الآية، فإنّ تخصيص الأذان بأذان صلاة الجمعة ليس بأولى من ارتكاب التجوّز في الحرمة.

بل للإجماع المحقق و المحكيّ «2»، و كون الأمر بالشي ء مستلزما للنهي عن ضدّه.

و مقتضى الأخير اختصاص الحرمة بمن وجبت عليه الجمعة و في زمان وجبت، كما أنّ الثابت من الأوّل أيضا ليس الزائد عنه.

و كذا مقتضاهما الاختصاص بالبيع المانع عن الصلاة، فلا يحرم العقد المقارن للذهاب إليها، و لا المانع من إدراك الصلاة و لو بعد الأذان.

و كذا مقتضى الثاني حرمته قبل الأذان لو كان مانعا عن الإدراك، بل قبل الزوال لو لا الإجماع على عدمها فيه مطلقا، و كذا حرمة غير البيع من أنواع المعاوضات بل مطلق الشواغل.

و هل يحرم على من لم تجب عليه الصلاة لو كان أحد طرفي المعاوضة و كان الآخر ممّن تجب عليه؟.

قيل: نعم؛ لأنّه معاون على الإثم «3».

______________________________

(1) الفقيه 1: 195- 914، الوسائل 7: 408 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 53 ح 4.

(2) انظر: التذكرة 1: 156، و المدارك 4: 76، و المفاتيح 1: 23، و كشف اللثام 1: 256، و الرياض 1: 190.

(3) كما في نهاية الإحكام 2: 54، و الروض: 296، و المدارك 4: 78.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 141

و فيه نظر؛ لمنع كونه معاونا.

ثمَّ لو وقع البيع أو غيره، فهل ينعقد و يصحّ و إن كان حراما؟.

يبتني على اقتضاء النهي في المعاملة للفساد و عدمه، و لمّا كان الحقّ عندنا هو الأوّل يكون فاسدا.

المسألة الرابعة: إذا لم يكن إمام الجمعة ممّن يصحّ الاقتداء به تخيّر المكلّف

- متى

ألجأته التقيّة أو الضرورة إلى الصلاة معه- بين الصلاة أربعا قبل الفريضة، ثمَّ يصلّي معه نافلة، كما في روايتي الحضرمي «1» و ابن سنان «2»، و بين أن يصلّي معه ثمَّ يتمّها بركعتين بعد فراغه، كما في روايات أخر «3»، و في الأفضل منهما تردّد.

و روي وجه ثالث أيضا، و هو: الصلاة معهم نافلة ثمَّ الصلاة أربع ركعات بعدها «4». و الكلّ جائز.

______________________________

(1) التهذيب 3: 246- 671، الوسائل 7: 350 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 29 ح 3.

(2) الفقيه 1: 265- 1210، الوسائل 8: 302 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 2 و 3.

(3) الوسائل 7: 349 أبواب صلاة الجمعة ب 29.

(4) كما في الكافي 3: 374 الصلاة ب 55 ح 6، التهذيب 3: 266- 756، الوسائل 7: 350 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 29 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 142

خاتمة في سائر آداب يوم الجمعة و سننه
فمنها: الغسل

، و قد مرّ.

و منها: التنفّل للظهرين زائدا على كلّ يوم، بالإجماع في الجملة.
اشارة

و الزيادة عند الأكثر بأربع ركعات حتّى يكون المجموع عشرين ركعة؛ لصحيحة يعقوب: عن التطوّع يوم الجمعة، قال: «إذا أردت أن تتطوّع يوم الجمعة في غير سفر صلّيت ستّ ركعات ارتفاع النهار، و ستّ ركعات قبل نصف النهار، و ركعتين إذا زالت الشمس قبل الجمعة، و ستّ ركعات بعد الجمعة» «1».

و صحيحة ابن أبي نصر: عن التطوّع يوم الجمعة، قال: «ستّ ركعات في صدر النهار، و ستّ [ركعات ] قبل الزوال، و ركعتان إذا زالت الشمس، و ستّ ركعات بعد الجمعة، فذلك عشرون [ركعة] سوى الفريضة» «2».

و روايته: «صلاة النافلة يوم الجمعة ستّ ركعات بكرة، و ستّ ركعات صدر النهار، و ركعتان إذا زالت الشمس، ثمَّ صلّ الفريضة و صلّ بعدها ستّ ركعات» «3».

______________________________

(1) التهذيب 3: 11- 36، الاستبصار 1: 410- 1567، الوسائل 7: 324 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 11 ح 10.

(2) التهذيب 3: 246- 668، الاستبصار 1: 410- 1569، الوسائل 7: 323 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 11 ح 6؛ و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(3) الكافي 3: 427 الصلاة ب 79 ح 1، التهذيب 3: 10- 34، الاستبصار 1: 409- 1565، الوسائل 7: 325 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 11 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 143

و في الفقيه- بعد ما نسب مضمون هذه الرواية إلى رسالة أبيه- زاد: و في نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى: «و ركعتين بعد العصر» «1».

و رواية ابن خارجة: «أمّا أنا فإذا كان يوم الجمعة و كانت الشمس من المشرق مقدارها من المغرب في وقت صلاة العصر صلّيت ستّ ركعات، فإذا ارتفع النهار صلّيت ستّا، فإذا زاغت

أو زالت صلّيت ركعتين، ثمَّ صلّيت الظهر، ثمَّ صلّيت بعدها ستّا» «2» و في مرسلة رواها الشيخ: «صلّ يوم الجمعة عشر ركعات قبل الصلاة و عشرا بعدها» «3».

و المرويّ في السرائر نقلا من كتاب حريز، عن الباقر عليه السلام: «إن قدرت يوم الجمعة أن تصلّي عشرين ركعة فافعل ستّا بعد طلوع الشمس، و ستّا قبل الزوال إذا تعالت الشمس، و افصل بين كلّ ركعتين من نوافلك بالتسليم، و ركعتين قبل الزوال و ستّ ركعات بعد الجمعة» «4».

و في العلل: «إنّما زيد في صلاة السنّة يوم الجمعة أربع ركعات تعظيما لذلك اليوم» «5».

و ستّ ركعات عند الإسكافي «6»، حتّى يكون المجموع اثنتي و عشرين ركعة.

و يدلّ عليه ما تقدّم من نوادر ابن عيسى، و صحيحة الأشعريّ: عن الصلاة يوم الجمعة كم ركعة هي قبل الزوال؟ قال: «هي ستّ ركعات بكرة،

______________________________

(1) الفقيه 1: 267- ذ ح 1223.

(2) الكافي 3: 428 الصلاة ب 79 ح 2، التهذيب 3: 11- 35، الاستبصار 1: 410- 1566، الوسائل 7: 325 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 11 ح 12؛ و بتفاوت في عبارة: ارتفع.

(3) التهذيب 3: 247- 673، الوسائل 7: 322 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 4.

(4) مستطرفات السرائر: 71- 1، الوسائل 7: 326 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 1.

(5) العلل: 266 ب 182، الوسائل 7: 322 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 1.

(6) حكاه عنه في المختلف: 110.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 144

و ستّ بعد ذلك اثنتا عشرة ركعة، و ستّ ركعات بعد ذلك ثمان عشرة ركعة، و ركعتان بعد الزوال، فهذه عشرون ركعة، و ركعتان بعد العصر فهذه ثنتان و عشرون ركعة» «1».

و الأربع المتقدّمة

عند الصدوقين كما في المشهور، إن فرقت النوافل و صلّيت بعضها قبل الفريضة و بعضها بعدها، و إن قدّمت النوافل أو أخّرت فهي ستّ عشرة ركعة كسائر الأيام «2».

و يدلّ عليه الرضويّ: «لا تصلّ يوم الجمعة بعد الزوال غير الفرضين و النوافل قبلهما أو بعدهما، و في نوافل يوم الجمعة زيادة أربع ركعات يتمّها عشرين ركعة، يجوز تقديمها في صدر النهار و تأخيرها إلى بعد صلاة العصر، فإن استطعت أن تصلّي يوم الجمعة إذا طلعت الشمس ستّ ركعات، و إذا انبسطت ستّ ركعات، و قبل المكتوبة ركعتين، و بعد المكتوبة ستّ ركعات، فافعل، و إن صلّيت نوافلك كلّها يوم الجمعة قبل الزوال أو أخّرتها إلى بعد المكتوبة أجزأك و هي ستّ عشرة ركعة، و تأخيرها أفضل من تقديمها، و إذا زالت الشمس يوم الجمعة فلا تصلّ إلّا المكتوبة» «3».

و ورد في بعض الأخبار أنّها ستّ عشرة مطلقا، ففي صحيحة سليمان بن خالد: النافلة يوم الجمعة، قال: «ستّ ركعات قبل زوال الشمس و ركعتان عند زوالها، و القراءة في الأولى بالجمعة و في الثانية بالمنافقين، و بعد الفريضة ثمان ركعات» «4».

و في صحيحة الأعرج: عن صلاة النافلة يوم الجمعة، فقال: «ستّ عشرة

______________________________

(1) التهذيب 3: 246- 669، الاستبصار 1: 411- 1571، الوسائل 7: 323 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 11 ح 5.

(2) الفقيه 1: 267 نقلا عن رسالة أبيه.

(3) فقه الرضا «ع»: 129، مستدرك الوسائل 6: 21 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 1.

(4) التهذيب 3: 11- 37، الاستبصار 1: 410- 1568، الوسائل 7: 324 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 11 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 145

ركعة قبل العصر، ثمَّ قال: كان

عليّ عليه السلام يقول: ما زاد فهو خير، و قال إن شاء رجل أن يجعل فيها ستّ ركعات في صدر النهار و ستّ ركعات نصف النهار و يصلّي الظهر و يصلّي معها أربعة ثمَّ يصلّي العصر» «1».

أقول: و لعلّ المشهور لمّا رأوا كراهة التنفّل بعد العصر، و تعارض أدلّتها مع رواية الركعتين بعده، و ترجيح الأوّل بالاشتهار. و رأوا قصور الرضويّ مقاومة لما مرّ، و دلالة لأنّ صدره يصرّح بتجويز تقديم العشرين على الزوال و تأخيرها عن العصر، فغاية ما يثبت من قوله «أجزأك و هي ستّ عشرة ركعة» كفاية الستّ عشرة لو قدّم أو أخّر، و هذا غير التفصيل الذي قاله الصدوق من أنّه في الصورتين يقتصر عليها، و سندا لضعف الرواية، و عدم كون هذا المعنى التفصيليّ الذي تضمّنه من المستحبّات التي تتحمل التسامح. و رأوا عدم منافاة الصحيحين الأخيرين لاستحباب العشرين، لأنّ غاية ما تدلّ عليه الاولى أنّ الستّ عشرة ركعة من النوافل يستحبّ أن يفعل بالترتيب الذي فيها، و الثانية تضمّنت قوله «ما زاد فهو خير».

أسقطوا قولي الإسكافي و الصدوق، و لم يلتفتوا إلى الصحيحين، و قالوا بالعشرين مطلقا. و لا بأس به.

إلّا أنّه لمّا كانت الكراهة في العبادات بمعنى أقليّة الثواب و المرجوحيّة الإضافية لا تدلّ أدلّة كراهة التنفّل بعد العصر على عدم استحباب الركعتين، فلو قيل بهما أيضا مع أقليّة ثوابهما عن سائر الركعات كان حسنا.

ثمَّ إنّه يستحبّ فعل العشرين كلّها قبل الفريضة، وفاقا للنهاية و المبسوط و الخلاف و المقنعة «2»، و كافّة المتأخّرين، بل الأكثر مطلقا، بل في المنتهى: وقت النوافل يوم الجمعة قبل الزوال إجماعا «3».

______________________________

(1) التهذيب 3: 245- 667، الاستبصار 1: 413- 1580، الوسائل 7:

323 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 11 ح 7.

(2) النهاية: 104، المبسوط 1: 150، الخلاف 1: 632، المقنعة: 165.

(3) المنتهى 1: 337.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 146

لتضافر الأخبار بإيقاع فرض الظهر فيه أوّل الزوال، و الجمع بين الفرضين فيه، و نفي التنفل بعد العصر، و صحيحة علي بن يقطين: عن النافلة التي تصلّى يوم الجمعة قبل الجمعة أفضل أم بعدها؟ قال: «قبل الصلاة» «1».

و الرواية: «إذا زالت الشمس يوم الجمعة فلا نافلة» «2».

و خلافا للمحكيّ عن والد الصدوق، فتأخيرها عن الفريضة أفضل «3».

للرضويّ المتقدّم، و رواية ابن مصعب: أيّما أفضل أقدّم الركعات يوم الجمعة أو أصلّيها بعد الفريضة؟ قال: «لا، بل تصلّيها بعد الفريضة» «4».

و سليمان بن خالد: أقدّم يوم الجمعة شيئا من الركعات؟ قال: «نعم ستّ ركعات» قلت: فأيّهما أفضل أقدّم الركعات يوم الجمعة أم أصلّيها بعد الفريضة؟

قال: «تصليها بعد الفريضة أفضل» «5».

و حملها على ما إذا زالت الشمس و لم يتنفّل- كما قيل «6»- بعيد.

و يضعّف بالشذوذ.

مضافا إلى مناقضة قوله في الاولى «و إذا زالت الشمس ..» لما قبله ممّا يدلّ على أفضليّة التأخير.

و إجمال الروايتين من حيث الركعات هل هي المجموع أو الستّ، و من حيث الفريضة هل هي الأولى أو الفرضين، فلا يصلح استنادا لشي ء منهما.

______________________________

(1) التهذيب 3: 12- 38، الاستبصار 1: 411- 1570، الوسائل 7: 322 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 11 ح 3.

(2) أمالي الشيخ 705، الوسائل 7: 329 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 13 ح 5.

(3) حكاه عنه في المختلف: 110.

(4) التهذيب 3: 246- 670، الاستبصار 1: 411- 1572، الوسائل 7: 328 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 13 ح 3.

(5) التهذيب 3:

14- 48، الاستبصار 1: 411- 1573، الوسائل 7: 328 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 13 ح 1.

(6) انظر التهذيب 3: 14 ذ. ح 48، و المعتبر 2: 302.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 147

و عن السيّد و الإسكافي و العماني «1»، فيستحبّ ستّ منها بين الظهرين؛ للأخبار المتقدّمة الدالّة عليه.

و ردّ: بمعارضتها مع ما دلّ على أفضليّة الجمع بين الفرضين، و على أنّه إذا زالت الشمس يوم الجمعة لا نافلة، فتبقى صحيحة الأشعريّ «2» خالية عن المعارض.

مضافا إلى أنّها لا تدلّ على أزيد من كون ذلك مستحبّا موجبا للثواب، و لا كلام فيه و إنّما الكلام في الأفضل، و صرّح في صحيحة ابن يقطين بأفضليّة تقديم الكلّ و لا معارض لها، فتتّبع.

ثمَّ المشهور في كيفيّة التقديم: أن يصلّي الست عند انبساط الشمس، و الستّ عند ارتفاعها، و الستّ قبل الزوال، و ركعتان عنده. و هو حسن.

أمّا في توزيع الثماني عشرة، فلدلالة كثير من الأخبار المتقدّمة على فعل الستّ عند الارتفاع و الستّ قبل الزوال بلا معارض. نعم ورد الستّ بعد الطلوع أو البكرة، و هما و إن كانا أعمّين إلّا أنّ الشهرة و ما دلّ على كراهيّة التنفّل ما بين الطلوعين و عند الطلوع و رواية ابن خارجة «3» تعيّن ما ذكروه.

و أمّا في الركعتين، فلتظافر الأخبار به.

ثمَّ المراد ب: عند الزوال فيهما هو حال الزوال، عند ظاهر كلام السيّد و الإسكافي و الحلبيّ «4»، و الشيخ في النهاية و المبسوط «5»، بل المفيد و القاضي «6».

لما ورد في بعض ما مرّ من فعلهما بعد الزوال قبل الفريضة، و في بعضه إذا زالت الشمس.

______________________________

(1) حكاه عنهم في المختلف: 110.

(2) المتقدمة في ص 143.

(3)

المتقدمة في ص 143.

(4) نقل كلام السيد و الإسكافي في المختلف: 110، الحلبي في الكافي في الفقه: 152.

(5) النهاية: 104، المبسوط 1: 150.

(6) المفيد في المقنعة: 165، القاضي في المهذب 1: 103.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 148

إلّا أنّهما يعارضان ما دلّ على أنّ وقت الفريضة يوم الجمعة أوّل الزوال، و أنّه لا نافلة قبلها بعد الزوال كما مرّ، و المرويّ في السرائر المتقدّم «1»، و المروي فيه أيضا: «إذا قامت الشمس فصلّ ركعتين، و إذا زالت فصلّ الفريضة ساعة تزول» «2».

و فيه أيضا: عن الركعتين اللتين قبل الزوال يوم الجمعة، قال: «أمّا أنا فإذا زالت الشمس بدأت بالفريضة» «3».

و المرويّ في مجالس الشيخ عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: و كان لا يرى صلاة عند الزوال إلّا الفريضة، و لا يقدّم صلاة بين يدي الفريضة إذا زالت الشمس «4».

و صحيحة عليّ: عن الزوال يوم الجمعة، قال: «إذا قامت الشمس صلّ الركعتين، فإذا زالت الشمس فصلّ الفريضة» «5».

و رواية ابن أبي عمير في الصلاة يوم الجمعة و فيها: قلت: إذا زالت الشمس صلّيت الركعتين ثمَّ صلّيتها، قال: فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «أمّا أنا إذا زالت الشمس لم أبدأ بشي ء قبل المكتوبة» «6».

و المرويّ في قرب الإسناد: «إذا قامت الشمس صلّ الركعتين، فإذا زالت الشمس قبل أن تصلّي الركعتين فلا تصلّهما و ابدأ بالفريضة» «7» إلى غير ذلك.

و لذا ذهب العماني إلى أنّهما قبل الزوال «8» بترجيح هذه الأخبار؛ لأكثريتّها،

______________________________

(1) في ص 143.

(2) مستطرفات السرائر: 54- 6، الوسائل أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 11 ح 16.

(3) مستطرفات السرائر: 29- 19، الوسائل 7: 326 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 15.

(4) أمال الطوسي:

704، الوسائل 7: 328 أبواب صلاة الجمعة ب 13 ح 4.

(5) قرب الإسناد: 214- 840 بتفاوت يسير، الوسائل 7: 326 أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 16.

(6) الكافي 3: 420 الصلاة ب 74 ح 4، الوسائل 7: 319 أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 16.

(7) قرب الإسناد: 214- 840.

(8) حكاه عنه في المختلف: 111.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 149

و أصرحيّتها، و أوفقيّتها لعمومات المنع من النافلة بعد دخول الفريضة، و غير ذلك.

و جمع جمع من المتأخّرين بينهما بفعلهما عند الزوال قبل تحقّقه «1» بشهادة رواية ابن عجلان: «إذا كنت شاكّا في الزوال فصلّ ركعتين، فإذا استيقنت الزوال فصلّ الفريضة» «2».

و هو أيضا يرجع إلى مذهب العماني.

و لا يخفى أنّ بعد إيقاع التعارض بين ما ورد في الركعتين بخصوصهما و إسقاطهما، تبقى عمومات: لا نافلة بعد الزوال، و أنّ وقت الفريضة أوّل الزوال، و ما ضاهاهما ممّا تقدّم، خالية عن المعارض، و به تظهر قوة قول العماني، و يتعيّن حال قيام الشمس و الآن المتّصل بالزوال ببعض ما مرّ أيضا.

فرع [ظاهر النصوص و الفتاوى في المسألة]

ظاهر إطلاق النصوص و الفتاوي عموم استحباب العشرين و تقديمها لمن يصلّي الجمعة أو الظهر. و عن نهاية الإحكام ما يشعر باختصاصه بالأوّل «3»، و لا وجه له.

و منها: أن يجهر فيه بالقراءة في صلاة الجمعة و الظهر.

أمّا الأولى فبلا خلاف، بل عليه الإجماع في كلام جماعة مستفيضا «4»؛ و تدلّ عليه صحيحة عمر بن يزيد و فيها: «و ليقعد قعدة بين الخطبتين، و يجهر بالقراءة» «5».

______________________________

(1) انظر: الرياض 1: 191.

(2) الكافي 3: 428 الصلاة ب 80 ح 3، التهذيب 3: 12- 39، الاستبصار 1: 412- 1574، الوسائل 7: 318 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 8 ح 10.

(3) نهاية الإحكام 2: 52.

(4) كالمحقق في المعتبر 2: 208، و العلّامة في التذكرة 1: 155، و الشهيد الثاني في الروضة 1:

314، و صاحب الحدائق 8: 189.

(5) التهذيب 3: 245- 664، الوسائل 7: 313 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 6 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 150

و في صحيحة زرارة: «و القراءة فيها بالجهر» «1».

و في صحيحة العرزميّ: «إذا أدركت الإمام يوم الجمعة و قد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أخرى، و اجهر فيها، فإن أدركته و هو يتشهّد فصلّ أربعا» «2».

و تؤيّده صحيحة محمّد: عن الصلاة في السفر، قال: «تصنعون كما تصنعون في الظهر، و لا يجهر الإمام فيها بالقراءة، و إنّما يجهر إذا كانت خطبة» «3».

و نحوها صحيحة جميل «4».

و إنّما جعلنا الأخيرتين مؤيّدتين لاحتمال كون الجملة الإخباريّة إنشاء لبيان الجواز حيث وقعت بعد جملة أخرى مثلها نافية.

و ظاهر صحيحة العرزميّ و إن كان الوجوب، إلّا أنّ عدم قول به بين الأصحاب ظاهرا أوجب شذوذه المانع عن إثبات الزائد عن الاستحباب بها.

و أمّا الثانية، فعلى الأقوى الأشهر، كما صرّح به جمع

ممّن تأخّر «5»، بل عن الخلاف الإجماع عليه «6»؛ لصحيحة عمران الحلبيّ: عن الرجل يصلّي الجمعة أربع ركعات، أ يجهر فيها بالقراءة؟ فقال: «نعم» «7».

و حسنة الحلبي: عن القراءة في الجمعة إذا صلّيت وحدي أربعا، أجهر بالقراءة؟ فقال: «نعم» «8»

______________________________

(1) الفقيه 1: 266- 1217، الوسائل 6: 160 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 2.

(2) التهذيب 3: 244- 659، الاستبصار 1: 422- 1625، الوسائل 7: 346 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 26 ح 5.

(3) التهذيب 3: 15- 54، الاستبصار 1: 422- 1625، الوسائل 6: 162 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 9.

(4) التهذيب 3: 15- 53، الاستبصار 1: 416- 1597، الوسائل 6: 161 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 8.

(5) انظر: المدارك 4: 89، و الحدائق 8: 189.

(6) الخلاف 1: 633.

(7) التهذيب 3: 14- 50، الوسائل 6: 160 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 1.

(8) الكافي 3: 425 الصلاة ب 76 ح 5، التهذيب 3: 14- 49، الاستبصار 1: 416- 1593، الوسائل 6: 160 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 151

و صحيحة محمّد: «صلّوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة و اجهروا بالقراءة» فقلت: إنّه ينكر علينا الجهر بها في السفر، فقال: «اجهروا بها» «1».

و رواية محمّد بن مروان: عن صلاة الظهر يوم الجمعة كيف نصلّيها في السفر؟ قال: «تصلّيها في السفر ركعتين و القراءة فيها جهرا» «2».

و بهذه الأخبار يخصّص ما لعلّه دلّ بعمومه على الجهر في مطلق الظهر، مع أنّه قد عرفت عدم دليل عليه سوى ما لا يجري هنا.

و لكن في دلالة غير الأخيرتين على الرجحان نظرا؛ لاحتمال إرادة

الجواز.

و أمّا الأخيرتان فمخصوصتان بالسفر، و لذا ترى الصدوق ظاهره الجواز في الظهر في غير ما إذا صلّيت في السفر جماعة و الاستحباب فيه «3».

و هو و إن كان حسنا بمقتضى ظواهر الأخبار إلّا أنّ اشتهار الرجحان مطلقا، بل نقل الإجماع عليه، مع عدم دليل على المنع، كاف في إثبات المطلوب في مقام المسامحة.

خلافا لبعض الأصحاب- على ما نقله في المعتبر قائلا أنّه الأشبه بالمذهب «4»- فمنع من الجهر بالظهر مطلقا، و عن بعض المتأخّرين استقرابه «5»؛ لصحيحتي محمّد و جميل.

و يردّ: بعدم دلالتهما على الحرمة، مضافا إلى احتمالهما التقيّة، كما صرح به جمع من الطائفة «6»، و صحيحة أخرى لمحمّد المتقدمة.

______________________________

(1) التهذيب 3: 15- 51، الاستبصار 1: 416- 1595، الوسائل 6: 161 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 6.

(2) التهذيب 3: 15- 52، الاستبصار 1: 416- 1596، الوسائل 6: 161 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 7.

(3) الفقيه 1: 269.

(4) المعتبر 2: 209.

(5) كالشهيد في الذكرى: 193، و الدروس 1: 175، و البيان: 162.

(6) كالشيخ في الاستبصار 1: 417، و صاحب المدارك 4: 90، و السبزواري في الذخيرة: 317، و صاحب الرياض 1: 192.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 152

و للمحكي عن الحليّ، فمنعه إذا صلّيت فرادى «1»؛ للمروي في قرب الإسناد: عن رجل صلّى العيدين وحده و الجمعة، هل يجهر فيهما؟ قال: «لا يجهر إلّا الإمام» «2».

و يردّ: بعدم الحجيّة أوّلا، و المعارضة مع الأقوى منه ممّا مرّ ثانيا، و عدم الدلالة ثالثا لعدم صراحته في الظهر، إلّا أن يكون «وحده» قيدا للجمعة أيضا و هو غير معلوم، فيكون المعنى: أنّ في الجمعة لا يجهر غير الإمام، و هو كذلك

إذ لا قراءة على غير الإمام.

و الظاهر اختصاص استحباب الجهر بالقراءة في الأوليين؛ لانصراف القراءة إليهما.

و منها: المباكرة إلى المسجد للإمام و غيره

، و أن يكون مع سكينة و وقار، لابسا أفضل ثيابه، داعيا بالمأثور أمام التوجّه إلى المسجد؛ كلّ ذلك للمستفيضة من النصوص «3».

و منها: الاستطابة و التنظيف بأمور:
منها: التنوير

، ففي رواية حذيفة: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يطلي العانة و ما تحت الأليتين في كلّ جمعة» «4».

و في مرفوعة البرقيّ: يزعم الناس أنّ النورة يوم الجمعة مكروهة، فقال:

«ليس حيث ذهبت، أيّ طهور أطهر من النورة يوم الجمعة؟!» «5».

______________________________

(1) السرائر 1: 298.

(2) قرب الإسناد: 215- 842، الوسائل 6: 162 أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 10.

(3) كما في الوسائل 7: باب 27 و 42 و 47 من أبواب صلاة الجمعة و آدابها.

(4) الكافي 6: 507 الزيّ و التجمّل ب 45 ح 14، الوسائل 7: 367 أبواب صلاة الجمعة ب 38 ح 2.

(5) الكافي 6: 506 الزيّ و التجمّل ب 45 ح 10، الوسائل 7: 366 أبواب صلاة الجمعة ب 38 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 153

و أمّا مرسلة الفقيه: «إنّها يوم الجمعة تورث البرص» «1».

و مرسلة الريّان: «من تنوّر يوم الجمعة فأصابه البرص فلا يلومنّ إلّا نفسه» «2».

فمحمولان على التقيّة كما تشعر به المرفوعة.

و يستفاد من الرواية الأولى استحباب التنوير في كلّ سبعة أيّام، بل في روايتي أبي بصير «3»، و خلف بن حمّاد «4»، ما يدلّ على رجحانه كلّ ثلاثة أيّام.

و يتأكّد الرجحان في كلّ خمسة عشر يوما، حتّى روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: «أحبّ للمؤمن أن يطلي في كلّ خمسة عشر يوما» «5».

و عن الصادق عليه السلام: «السنّة في النورة في كلّ خمسة عشر يوما» «6».

و يشتدّ التأكيد في عشرين حتّى روي: «فإن أتت

عليك عشرون يوما، و ليس عندك فاستقرض على اللَّه» «7».

و يكره شديدا ترك طلي العانة للرجال فوق أربعين يوما، و للنساء فوق عشرين، روي عن الصادق عليه السلام: قال: «قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: من كان يؤمن باللَّه و اليوم الآخر فلا يترك عانته فوق أربعين يوما، و لا يحلّ لامرأة تؤمن باللَّه و اليوم الآخر أن تدع ذلك منها فوق عشرين يوما» «8».

______________________________

(1) الفقيه 1: 68- 267، الوسائل 7: 367 أبواب صلاة الجمعة ب 38 ح 4.

(2) الفقيه 1: 68- 268، الوسائل 7: 367 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 38 ح 5.

(3) الكافي 6: 505 الزيّ و التجمّل ب 45 ح 6، الوسائل 2: 69 أبواب آداب الحمام ب 32 ح 4.

(4) الكافي 6: 505 الزيّ و التجمّل ب 45 ح 4، الوسائل 2: 70 أبواب آداب الحمام ب 32 ح 6.

(5) الكافي 6: 506 الزيّ و التجمّل ب 45 ح 8، الفقيه 1: 67- 258، الوسائل 2: 71 أبواب آداب الحمام ب 33 ح 3.

(6) الكافي 6: 506 الزيّ و التجمّل ب 45 ح 9، الفقيه 1: 67- 259، الوسائل 2: 71 أبواب آداب الحمّام ب 33 ح 2.

(7) الكافي 6: 506 الزيّ و التجمّل ب 45 ح 9، الفقيه 1: 67- 259، الوسائل 2: 71 أبواب آداب الحمّام ب 33 ح 2.

(8) الكافي 6: 506 الزيّ و التجمّل ب 45 ح 11، الفقيه 1: 67- 260، الوسائل 2:

139 أبواب آداب الحمام ب 86 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 154

و طلي الإبطين أفضل من حلقهما، كما أنّ حلقهما أفضل من نتفهما كما ورد في الرواية «1».

و

روي عن الصادق عليه السلام: «إنّه من أراد أن يتنور فليأخذ من النورة و يجعله على طرف أنفه و يقول: اللّهم ارحم سليمان بن داود كما أمرنا بالنورة، فإنّه لا تحرقه النورة» «2».

و يستحبّ بعد النورة الطلي بالحنّاء و روي: «أنّه من دخل الحمّام فاطلى ثمَّ أتبعه بالحناء من قرنه إلى قدمه، كان أمانا من الجنون و الجذام و البرص و الأكلة، إلى مثله من النورة» «3».

و في رواية اخرى «أنّه ينفي الفقر» «4».

و في رواية عبدوس: رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام و قد خرج من الحمّام و هو من قرنه إلى قدمه مثل الورد من أثر الحنّاء «5».

و كذا يستحبّ أخذ الحنّاء بالأظافير بعدها، ففي رواية الحكم بن عتيبة:

«إنّ الأظافير إذا أصابتها النورة غيّرها حتّى تشبه أظافير الموتى، فغيّرها بالحنّاء» «6».

بل لا يختصّ بما بعد النورة، ففي المرويّ في الخصال: «أربع من سنن المرسلين: العطر، و النساء، و السواك، و الحنّاء» «7».

و إطلاقه يقتضي استحباب الحنّاء في اليدين و الرجلين أيضا، و قد ورد في

______________________________

(1) كما في الوسائل 2: 136 أبواب آداب الحمام ب 85.

(2) الكافي 6: 506 الزيّ و التجمّل ب 45 ح 13، الوسائل 2: 66 أبواب آداب الحمام ب 29 ح 1.

(3) الكافي 6: 509 الزيّ و التجمّل ب 47 ح 1، الوسائل 2: 73 أبواب آداب الحمام ب 35 ح 1.

(4) الكافي 6: 509 الزيّ و التجمّل ب 47 ح 3، الوسائل 2: 73 أبواب آداب الحمام ب 35 ح 2.

(5) الكافي 6: 509 الزيّ و التجمّل ب 47 ح 4، الوسائل 2: 73 أبواب آداب الحمام ب 35 ح 3.

(6) الكافي 6: 509 الزيّ و التجمّل ب 47

ح 2، الوسائل 2: 75 أبواب آداب الحمام ب 36 ح 2.

(7) الخصال: 242- 93، الوسائل 2: 10 أبواب السواك ب 1 ح 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 155

الأخبار أخذ الإمام الحنّاء بيديه «1» و أمّا ما في بعض الأخبار من خلافه «2» فإن دلّ فعلى التقيّة محمول؛ لأنّ تركه من عادة العامّة.

و كذا يستحبّ خضاب اللحية بالحنّاء و بالسواد، و استفاضت بهما الروايات «3».

و منها: غسل الرأس بالخطميّ

، فإنّه روي «أنّ غسل الرأس بالخطميّ في كلّ جمعة أمان من البرص و الجنون» «4» و في رواية ابن سنان: «من أخذ من شاربه و قلم أظفاره و غسل رأسه بالخطميّ في كلّ جمعة كمن أعتق نسمة» «5» و في رواية سفيان السمط: أنّ هذه الثلاث تنفي الفقر و تزيد في الرزق «6» و روي ذلك في الأخير خاصّة أيضا «7» و كذا في غسله بالسدر «8»، و روي: أنّه يجلي به الهمّ و يصرف وسوسة الشيطان سبعين يوما «9».

______________________________

(1) الوسائل 2: 75 أبواب آداب الحمام ب 36 ح 1.

(2) الوسائل 2: 76 أبواب آداب الحمام ب 36 ح 4.

(3) الوسائل 2: 88 أبواب آداب الحمام ب 45 و 46.

(4) الكافي 6: 504 الزيّ و التجمّل ب 44 ح 2، الفقيه 1: 71- 290، التهذيب 3:

236- 624، الوسائل 7: 354 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 32 ح 1.

(5) الكافي 6: 504 الزيّ و التجمّل ب 44 ح 4، التهذيب 3: 236- 623، الوسائل 7: 354 أبواب صلاة الجمعة ب 32 ح 2.

(6) الكافي 6: 504 الزيّ و التجمّل ب 44 ح 1، الوسائل 2: 60 أبواب آداب الحمام ب 25 ح 1.

(7) كما في ثواب الأعمال:

19، الوسائل 2: 61

(8) الوسائل 2: 62 أبواب آداب الحمام ب 26 ح 1.

(9) انظر: الوسائل 2: 62- 63 أبواب آداب الحمام ب 26 ح 2 و 4 و 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 156

و منها: حلق الرأس

، فقد روي: أنّ أبا عبد اللَّه عليه السلام كان يحلق في كلّ جمعة «1».

و لو لا ذلك لكفى اشتهاره بين الأصحاب في إثبات استحبابه.

و منها: أخذ الشارب

، ففي مرسلة الفقيه: «أخذ الشارب من الجمعة إلى الجمعة أمان من الجذام» «2».

و في رواية عبد اللَّه بن هلال: «خذ من شاربك و أظفارك في كلّ جمعة، فإن لم يكن فيها شي ء فحكّها، لا يصيبنّك جنون و لا جذام و لا برص» «3».

و في رواية أبي بصير: ما ثواب من أخذ من شاربه و قلم أظفاره في كلّ جمعة؟ قال: «لا يزال مطهّرا إلى الجمعة الأخرى» «4».

و في رواية السكونيّ: «لا يطولنّ أحدكم شاربه، فإنّ الشيطان يتّخذه مخبأ يستتر به» «5».

و في رواية عبد الرحيم القصير: «من أخذ من أظفاره و شاربه كلّ جمعة و قال حين يأخذ: بسم اللَّه و باللَّه و على سنّة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، لم يسقط منه قلامة و لا جزازة إلّا كتب به عتق نسمة، و لا يمرض إلّا مرضه الذي يموت فيه» «6».

______________________________

(1) الكافي 6: 485 الزيّ و التجمّل ب 34 ح 7، الفقيه 1: 71- 286، الوسائل 2: 107 أبواب آداب الحمام ب 60 ح 7.

(2) الفقيه 1: 73- 306، الوسائل 7: 356 أبواب صلاة الجمعة ب 33 ح 5.

(3) الكافي 6: 490 الزيّ و التجمّل ب 38 ح 3، التهذيب 3: 237- 628، الوسائل 7: 357 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 33 ح 11.

(4) الكافي 6: 490 الزيّ و التجمّل ب 38 ح 8، الوسائل 7: 358 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 33 ح 13.

(5) الكافي 6: 487 الزيّ و التجمّل ب 36 ح 11،

الفقيه 1: 73- 308، الوسائل 2: 114 أبواب آداب الحمام ب 66 ح 3.

(6) الكافي 6: 491 الزيّ و التجمّل ب 38 ح 9، الفقيه 1: 73- 304، التهذيب 3: 237- 627، الوسائل 7: 362 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 35 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 157

و في رواية أبي كهمش بعد ذكر زيادة الرزق بالجلوس بعد صلاة الفجر:

«أ لا أعلّمك في الرزق ما هو أنفع من ذلك؟» قال، قلت: بلى، قال: «خذ من شاربك و أظفارك في كلّ جمعة» «1».

و قريبة منها رواية أخرى و فيها: «و لو بحكّها» «2» إلى غير ذلك.

و يستحبّ أيضا أخذ شعر الأنف، و روي أنّه يحسن الوجه «3».

و قطع الزائد من اللحية عن القبضة، كما ورد في المستفيضة «4». و الظاهر ابتداء القبضة من آخر الذقن كما قيل؛ للأصل، و لأنّه المتبادر.

و منها: تقليم الأظفار كما مرّ

، و في الصحيح: «تقليم الأظفار يوم الجمعة يؤمّن من الجذام و البرص و العمى، و إن لم تحتج فحكّها حكّا» «5».

و في خبر آخر: «فإن لم تحتج فأمر عليها السكّين و المقراض» «6».

و ورد في الأخبار استحبابه يوم الخميس أيضا، ففي رواية خلف: أنا أشتكي عيني، فقال: «ألا أدلّك على شي ء إن فعلته لم تشتك عينك؟» فقلت: بلى، فقال: «خذ من أظفارك في كلّ خميس» قال: ففعلت فما اشتكيت عيني إلى يوم أخبرتك» «7».

______________________________

(1) الكافي 6: 491 الزيّ و التجمّل ب 38 ح 11، الوسائل 7: 359 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 33 ح 16.

(2) الكافي 6: 491 الزيّ و التجمّل ب 38 ح 12، الوسائل 7: 359 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 33 ح 17.

(3) الكافي 6: 488

الزيّ و التجمّل ب 37 ح 1، الوسائل 2: 118 أبواب آداب الحمام ب 68 ح 1.

(4) الوسائل 2: 112 أبواب آداب الحمام ب 65.

(5) الكافي 6: 490 الزيّ و التجمّل ب 38 ح 2، الفقيه 1: 73- 302، الوسائل 7: 355 أبواب صلاة الجمعة ب 33 ح 1.

(6) الفقيه 1: 73- 303، الوسائل 7: 355 أبواب صلاة الجمعة ب 33 ح 2.

(7) الكافي 6: 491 الزيّ و التجمّل ب 38 ح 13، الوسائل 7: 360 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 34 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 158

و في مرسلة الفقيه: «من أخذ من أظفاره كلّ خميس لم يرمد هو و ولده» «1».

و يستحبّ في قصّ الأظافير أن يبدأ بالخنصر الأيسر ثمَّ يختم بالخنصر الأيمن، كما في مرفوعة ابن أبي عمير «2»، و مرسلة الفقيه «3»، و غيرهما.

و يستحبّ دفن الظفر بعد قطعه، و كذا الشعر و الدم، كما في مرسلة الفقيه «4»، و غيرها.

و منها: الطيب

، فإنّه من أخلاق الأنبياء، و في رواية معمّر: «لا ينبغي للرجل أن يدع الطيب في كلّ يوم، فإن لم يقدر فيوم و يوم لا، و إن لم يقدر ففي كلّ جمعة و لا يدع» «5».

و الأخبار في الباب أكثر من أن يأتي عليها الكتاب.

و منها يظهر استحباب التطيّب في كلّ يوم.

و ممّا يستحبّ في كلّ يوم أيضا: تسريح اللحية و التمشّط فيها إجماعا، و استفاضت الروايات به، و في مرسلة الفقيه: «من سرّح لحيته سبعين مرّة و عدّها مرّة مرّة لم يقر به الشيطان أربعين يوما» «6».

و روي: «أنّه يجلب الرزق، و يحسّن الشعر، و ينجز الحاجة، و يزيد في ماء الصلب، و يقطع البلغم»

«7».

و روي: «أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كان يسرّح تحت لحيته أربعين

______________________________

(1) الفقيه 1: 74- 312، الوسائل 7: 360 أبواب صلاة الجمعة ب 34 ح 3.

(2) الكافي 6: 492 الزيّ و التجمّل ب 38 ح 16، الوسائل 2: 135 أبواب آداب الحمام ب 83 ح 1.

(3) الفقيه 1: 73- 305، الوسائل 2: 135 أبواب آداب الحمام ب 83 ح 2.

(4) الفقيه 1: 74- 317 و 318، الوسائل 2: 128 أبواب آداب الحمام ب 77 ح 3 و 4.

(5) الكافي 6: 510 الزيّ و التجمّل ب 48 ح 4، الفقيه 1: 274- 1255، الوسائل 7: 364 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 37 ح 1.

(6) الفقيه 1: 75- 322، الوسائل 2: 126 أبواب آداب الحمام ب 76 ح 1.

(7) روضة الواعظين: 308، الوسائل 2: 126 أبواب آداب الحمام ب 76 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 159

مرّة و من فوقها سبع مرّات» «1».

و يستحبّ التمشّط عند كلّ صلاة فريضة و نافلة، كما في رواية أبي بصير «2».

و يبدأ في التسريح من تحت اللحية إلى الفوق، و يقرأ إنّا أنزلناه، ثمَّ يسرّح من الفوق إلى التحت، و يقرأ و العاديات «3».

و يكره التمشّط قائما؛ للمستفيضة من الأخبار، و ورد أنّه يورث الفقر، و يوجب الدين و ضعف القلب «4».

و يستحبّ أيضا السواك و روي: أنّه من سنن المرسلين و أخلاق الأنبياء، و مطهرة للفم، و مرضاة للربّ، و مفرّحة للملائكة، و هو من السنّة، و يجلو البصر، و يشدّ اللثة، و يذهب بالبلغم و بالحفر «5» و هو صفرة الأسنان أو تقشير فيها أو بثرة تحت أصولها «6» و قد مرّ في

بحث الوضوء.

و ممّا يستحبّ في كل ليلة الاكتحال، و استفاضت به الأخبار «7».

و الأفضل أن يكون المجموع وترا بأن يكتحل في اليمنى أربعا و في اليسرى ثلاثا، أو اليمنى ثلاثا و اليسرى ثنتين، أو يكون كلّ واحد وترا، و قد روي كلّ ذلك «8».

و يستحبّ أن يكون ذلك عند المنام، و أن يكون الميل من الحديد، و الكحل من الإثمد، و هو حجر معروف يؤتى به الآن من مكّة، كذا قيل.

______________________________

(1) روضة الواعظين: 308، الوسائل 2: 127 أبواب آداب الحمام ب 76 ح 3.

(2) تفسير العياشي 2: 13- 25، الوسائل 2: 122 أبواب آداب الحمام ب 71 ح 5.

(3) انظر: الوسائل 2: 126 أبواب آداب الحمام ب 76 ح 4 و 5.

(4) انظر: الوسائل 2: 125 أبواب آداب الحمام ب 74.

(5) انظر: الوسائل 2: 5 أبواب السواك ب 1.

(6) البثر و البثور: خراج صغار، واحدتها: بثرة، و الخراج بضمّ المعجمة و كسرها و خفّة راء: ما يخرج في البدن من القروح و الورم. الصحاح 2: 584، مجمع البحرين 2: 294.

(7) انظر: الوسائل 2: 98 أبواب آداب الحمام ب 54.

(8) انظر: الوسائل 2: أبواب آداب الحمام ب 57 و 58.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 161

المطلب الثاني في صلاة العيدين: الفطر و الأضحى
اشارة

و الكلام إمّا في حكمها، أو شرائطها، أو وقتها، أو كيفيّتها، أو لواحقها، فهاهنا خمسة أبحاث.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 163

البحث الأول في حكمها
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: صلاة العيدين مشروعة ضرورة و كتابا و سنّة

، قال اللَّه سبحانه قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى «1».

و قال فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ «2».

قال في الوافي: قد ورد في الأخبار أنّ الآية الأولى نزلت في زكاة الفطر و صلاة عيد الفطر، و الثانية نزلت في صلاة عيد الأضحى و نحر الهدي و الأضحيّة «3»، انتهى.

و في مرسلة الفقيه: عن قول اللَّه عز و جلّ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى قال:

من أخرج الفطرة» فقيل له وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى قال: «خرج إلى الجبّانة فصلّى» «4».

و استفاضت الأخبار بمشروعيّتها، بل كونها فريضة كما يأتي.

المسألة الثانية: و هي واجبة في الجملة

، بإجماعنا المحقق و المحكيّ مستفيضا «5»، و أخبارنا المرويّة مستفيضة، بل في المعنى متواترة:

______________________________

(1) الأعلى: 14 و 15.

(2) الكوثر: 2.

(3) الوافي 9: 1283.

(4) الفقيه 1: 323- 1478، الوسائل 7: 450 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 4 و الجبّان و الجبّانة، بالتشديد: الصحراء- الصحاح 5: 2091.

(5) كما في المعتبر 2: 308، و المنتهى 1: 339، و التذكرة 1: 157، و الذكرى: 238.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 164

ففي صحيحة جميل: «صلاة العيدين فريضة، و صلاة الكسوف فريضة» «1».

و في الأخرى: عن التكبير في العيدين، قال: «سبع و خمس» و قال: «صلاة العيدين فريضة» «2».

و نحوها رواية الشحّام «3».

و مرسلة ابن المغيرة: عن صلاة الفطر و الأضحى، فقال: «صلّها ركعتين في جماعة و غير جماعة، و كبّر سبعا و خمسا» «4».

و في الفقه الرضويّ: «و صلاة العيدين فريضة واجبة مثل صلاة يوم الجمعة» «5».

صحيحة سعد: عن المسافر إلى مكّة و غيرها هل عليه صلاة العيدين الفطر و الأضحى؟ قال: «نعم إلّا بمنى يوم النحر» «6».

و ابن سنان: «من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل و

ليتطيّب بما وجد و ليصلّ في بيته وحده كما يصلّي في الجماعة» «7» و إن كان في الاستدلال ببعض هذه الأخبار نظر يظهر وجهه ممّا يأتي، إلى

______________________________

(1) الفقيه 1: 320- 1457، الاستبصار 1: 443- 1711، الوسائل 7: 483 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 2.

(2) التهذيب 3: 127- 270، الوسائل 7: 435 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 4.

(3) التهذيب 3: 127- 269، الاستبصار 1: 443- 1710، الوسائل 7: 420 صلاة العيد ب 1 ح 4.

(4) الفقيه 1: 320- 1461، التهذيب 3: 135- 294، الاستبصار 1: 446- 1724، الوسائل 7: 426 أبواب صلاة العيد ب 5 ح 1.

(5) فقه الرضا «ع»: 132، مستدرك الوسائل 6: 124 أبواب صلاة العيد ب 5 ح 2.

(6) الفقيه 1: 323- 1481، التهذيب 3: 288- 867، الاستبصار 1: 447- 1727، الوسائل 7: 432 أبواب صلاة العيد ب 8 ح 3.

(7) الفقيه 1: 320- 1463، التهذيب 3: 136- 297، الاستبصار 1: 444- 1716، الوسائل 7: 424 أبواب صلاة العيد ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 165

غير ذلك.

و أمّا ما في صحيحة زرارة: «صلاة العيدين مع الإمام سنّة» «1».

فالمراد بها مقابل الفرض الثابت بالكتاب، و المعنى أنّ كونها مع الإمام سنّة، فلا ينافي ما مرّ من ثبوتها بالكتاب أيضا.

و هل يختصّ وجوبها بحال حضور الإمام أو من ينصبه، أو يعمّ حال الغيبة أيضا؟

الأوّل مذهب الأكثر، و في الذخيرة: عدم ظهور مصرّح بالوجوب في زمن الغيبة «2»، بل في روض الجنان و شرح الألفيّة الإجماع على انتفائه «3»، و عن الانتصار و الناصريّات و الخلاف و المعتبر و المنتهى و النهاية و التذكرة و غيرها:

الإجماع، أو عدم الخلاف في

اشتراط وجوبها بشروط الجمعة التي منها السلطان العادل عندهم «4».

للمعتبرة المستفيضة المصرّحة باعتبار الإمام، الظاهر في إمام الأصل، أو المحتمل له الموجب لخروج عمومات وجوبها عن الحجيّة في موضع الإجمال كما مرّ، كصحيحة زرارة في صلاة العيدين: «و من لم يصلّ مع إمام في جماعة فلا صلاة له، و لا قضاء عليه» «5».

و الأخرى: «لا صلاة يوم الفطر و الأضحى إلّا مع إمام» «6».

______________________________

(1) الفقيه 1: 320- 1458، التهذيب 3: 134- 292، الاستبصار 1: 443- 1712، الوسائل 7: 419 أبواب صلاة العيد ب 1 ح 2.

(2) الذخيرة: 318.

(3) روض الجنان: 299.

(4) الانتصار: 56، الناصريات (الجوامع الفقيه): 203، الخلاف 1: 251، المعتبر 2: 308، المنتهى 1: 342، نهاية الإحكام 2: 55- 56، التذكرة 1: 157، و انظر: الغنية (الجوامع الفقيه): 561، و التنقيح 1: 234، الرياض 1: 192.

(5) الكافي 3: 459 الصلاة ب 93 ح 1، التهذيب 3: 129- 276، ثواب الأعمال 79، الوسائل 7: 423 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 10.

(6) ثواب الأعمال: 78، الوسائل 7: 421 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 166

و الثالثة: «من لم يصلّ مع الإمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له و لا قضاء عليه» «1».

و صحيحة محمّد: عن الصلاة يوم الفطر و الأضحى، فقال: «ليس صلاة إلّا مع إمام» «2».

و أبان: «إنّما صلاة العيدين على المقيم، و لا صلاة إلّا مع إمام» «3».

و موثّقة سماعة: «لا صلاة في العيدين إلّا مع إمام، فإن صلّيت وحدك فلا بأس» «4».

و في الفقه الرضويّ: «فإنّ صلاة العيدين مع الإمام مفروضة و لا تكون إلّا بإمام و خطبة» «5» إلى غير ذلك.

و لا دلالة

بل و لا إشعار في تنكير الإمام و لا في مقابلة الجماعة بالوحدة في جملة منها على كون المراد من الإمام فيها مطلق إمام الجماعة، مع أنّه في بعض منها عرّف باللام.

و مع ذلك معارض بموثّقة سماعة: متى يذبح؟ قال: «إذا انصرف الإمام» قلت: فإن كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلّي بهم جماعة؟ فقال: «إذا استقلّت الشمس» و قال: «لا بأس أن تصلّي وحدك و لا صلاة إلّا مع إمام» «6». حيث أثبتت الجماعة مع نفي الإمام.

مضافا إلى بعض ما مرّ في اشتراط وجوب صلاة الجمعة بهذا الشرط من

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 6    167     المسألة الثانية: و هي واجبة في الجملة ..... ص : 163

____________________________________________________________

(1) التهذيب 3: 128- 273، الاستبصار 1: 444- 1714، ثواب الأعمال 78، الوسائل 7: 421 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 3.

(2) التهذيب 3: 128- 275، الاستبصار 1: 444- 1715، الوسائل 7: 421 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 4.

(3) التهذيب 3: 387- 862، الوسائل 7: 422 أبواب العيد ب 2 ح 7.

(4) الفقيه 1: 320- 1459، التهذيب 3: 128- 274، الاستبصار 1: 445- 1719، ثواب الأعمال: 78، الوسائل 7: 421 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 5.

(5) فقه الرضا «ع»: 131، مستدرك الوسائل 6: 122 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 1.

(6) التهذيب 3: 287- 861، الوسائل 7: 422 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 167

الأصول، و عبارة الصحيفة «1»، و رواية عبد اللَّه بن دينار: «ما من عيد للمسلمين أضحى و لا فطر إلّا و هو يجدّد لآل محمّد فيه حزنا» قلت: و لم ذلك؟ قال: «لأنّهم

يرون حقّهم في يد غيرهم» «2».

و يمكن القدح: أمّا في روايات اعتبار الإمام، فبأنّها ظاهرة في نفي المشروعيّة بدونه و هم لا يقولون به، و الأخبار- كما تأتي- مصرّحة بخلافه، بل الإجماع منعقد على المشروعيّة. و الحمل على نفي الوجوب تجوّز ليس بأولى عن الحمل على نفي الكمال. و أقربيّته عن نفي الحقيقة و وجوب الحمل على الأقرب ممنوع.

و أمّا في عبارة الصحيفة فبعدم الصراحة.

و أمّا في رواية ابن دينار، فبأنّ الحقّ كما يمكن أن يكون اختصاص الوجوب بالحضور بجماعة الإمام، يمكن أن يكون اختصاص الكمال به، فإنّهم إذا رأوا حضور الناس بصلاة المخالف معتقدا أنّه الأكمل يرون حقّهم في يد غيرهم.

و الثاني- كما قيل «3»- لجماعة من متأخّري المتأخرين، و مال إليه في البحار «4»، و استظهره في الكفاية «5»، و اختاره شيخنا صاحب الحدائق، و عزاه الى كل من يقول بوجوب صلاة الجمعة عينا في زمن الغيبة «6» و فيه نظر.

و استدلّوا بالإطلاقات المتقدّمة.

و المروي في ثواب الأعمال: في صلاة العيد: «فأمّا من كان إمامه موافقا لمذهبه و إن لم يكن مفروض الطاعة لم يكن له أن يصلّي بعد ذلك حتّى تزول

______________________________

(1) راجع ص 30.

(2) الكافي 4: 169 الصيام ب 28 ح 2، الفقيه 1: 324- 1484 رواها مرسلة، التهذيب 3:

289- 870 و فيه عن عبد اللَّه بن ذبيان، الوسائل 7: 475 أبواب صلاة العيد ب 31 ح 1.

(3) في الحدائق 10: 203، و الرياض 1: 193.

(4) البحار 87: 354.

(5) الكفاية: 21.

(6) الحدائق 10: 205.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 168

الشمس» «1».

و أجابوا عن أخبار اعتبار الإمام: بشمولها لإمام الجماعة.

و يردّ: بمنع الإطلاق، فإنّ غاية ما دلّت عليه الأخبار كون صلاة العيد

فريضة، و لا كلام فيه، و أمّا وجوبها على كلّ أحد في كلّ حال فلا. ألا ترى أنّه يصحّ أن يقال: الجهاد فريضة، مع أنّه ليس بواجب على الإطلاق، و كذا الزكاة مع أنّها مشروطة بشروط.

و اقتران صلاة العيد في بعضها بصلاة الكسوف- الواجبة مطلقا- لا يفيد؛ لأنّ وجوبها مطلقا أيضا بدليل خارج.

و القول بأنّ حمل الطبيعة الكليّة يقتضي اتّصاف كلّ فرد منها بالوجوب- كما في الذخيرة «2»- فاسد جدّا بوجوه شتّى.

نعم ظاهر روايات ابن المغيرة و سعد و ابن سنان «3» الإطلاق، و لكنّها ليست للوجوب قطعا؛ لعدم وجوبها على المنفرد و المسافر إجماعا.

و أمّا المنقول عن ثواب الأعمال فهو من كلام الصدوق لا جزء الرواية، و مع ذلك لا دلالة له على الوجوب مع إمام غير مفترض الطاعة، فيمكن أن يكون الإتيان بها معه من باب الاستحباب، مضافا إلى أنّه يمكن أن يكون ذلك الإمام منصوب السلطان لصلاة العيد و الجمعة.

أقول: و بما ذكرنا ظهر ضعف مستند الفريقين، و إن كان الحقّ مع الأوّل، لا لما ذكروه، بل للأصل السالم عن المعارض المعلوم في غير موضع الإجماع، فلا تجب إلّا مع الإمام أو منصوبه الخاصّ.

و يؤيّده بل يدلّ عليه: استئذان الناس عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في أن يخلّف رجلا أو يأمره بأن يصلّي لبقيّة الناس و عدم قبوله كما في صحيحة

______________________________

(1) ثواب الأعمال: 78.

(2) الذخيرة: 318.

(3) راجع ص 164.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 169

محمّد «1»، و المرويّات عن دعائم الإسلام «2»، و [المحاسن ] «3» و كتاب عاصم بن حميد «4».

المسألة الثالثة: و إذا عرفت عدم وجوبها في زمان الغيبة، فهل تستحبّ مطلقا جماعة أو فرادى كما عن الأكثر؟.
اشارة

أو الأوّل خاصّة؟ كما هو ظاهر الحلّي، بل عليه حمل كلام الأصحاب «5».

أو الثاني كذلك؟ كما عن المقنعة و

المبسوط و التهذيب و الناصريّات و جمل العلم و العمل و الاقتصاد و المصباح و مختصره و الجمل و العقود و الخلاف و الحلبيّ «6»، و جماعة من متأخّري المتأخّرين «7»، و إن جوّز بعض المتأخّرين إرادة هؤلاء جميعا غير الحلبيّ الوحدة عن الإمام «8»، كما قيل في بعض أخبار الجمعة فيشمل الجماعة أيضا. و قيل: مرادهم الفرق بينها و بين الجمعة باستحباب صلاتها منفردة بخلاف الجمعة، كما نصّ به في المراسم «9».

أو لا تستحبّ مطلقا؟ كما عن المقنع و العمانيّ «10».

الحقّ هو الأوّل.

______________________________

(1) التهذيب 3: 137- 302، الوسائل 7: 451 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 9.

(2) دعائم الإسلام 1: 185، مستدرك الوسائل 6: 133 أبواب صلاة العيد ب 14 ح 2.

(3) في النسخ: المجالس، و الظاهر هو سهو من النساخ، انظر: المحاسن: 222.

(4) حكاه عنه في البحار 87: 373- 26.

(5) السرائر 1: 315.

(6) المقنعة: 194، المبسوط 1: 171، التهذيب 3: 135، الناصريات (الجوامع الفقهية): 203، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 44، الاقتصاد: 270، المصباح: 598، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 74، الخلاف 1: 664، الحلبي في الكافي في الفقه: 154.

(7) كصاحبي المدارك 4: 97، و الحدائق 10: 220.

(8) الرياض 1: 193.

(9) المراسم: 78.

(10) المقنع: 46، حكاه عن العماني في المختلف 1: 113.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 170

أمّا استحباب الجماعة، فلعمل الأكثر، و دعوى الإجماع صريحا من الحليّ «1»، و ظاهرا من الراونديّ و المختلف «2»، و هما كافيان في مقام الاستحباب.

و تقرير الإمام في موثّقة سماعة الثانية «3»، و عموم رواية الحلبيّ: «في صلاة العيدين، إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنّهم يجمّعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة»

«4».

و قد يستدلّ أيضا بمرسلة ابن المغيرة السابقة «5».

و فيه: أنّه إنّما يتمّ إذا علم أنّ المقصود بالذات فيها قيد في جماعة و غير جماعة، لا قيد ركعتين. مع أنّه لو لم يحمل على ذلك لكان إطلاقها مخالفا للإجماع؛ لأنّ التخيير المستفاد منه حينئذ مخصوص بصورة فقد الشرائط، و إلّا فمع اجتماعها تجب الجماعة إجماعا، فلا بدّ فيه من مخالفة للظاهر، و هي كما تحتمل أن تكون ما ذكر، تحتمل أن تكون ما مرّ.

و أمّا استحباب الانفراد فللشهرة، و المرسلة، و صحيحة ابن سنان، و موثّقتي سماعة المتقدّمة «6»، و موثّقة الحلبيّ: عن الإمام لا يخرج يوم الفطر و الأضحى، أ عليه صلاة وحده؟ فقال: «نعم» «7».

احتجّ للثاني: بصحيحتي زرارة المتقدّمتين النافيتين للصلاة بدون الإمام في جماعة «8»، بل ما ينفيها بدون الإمام مطلقا.

______________________________

(1) السرائر 1: 316.

(2) المختلف: 113، و حكاه عن الراوندي أيضا.

(3) المتقدّمة في ص 166.

(4) الفقيه 1: 331- 1489، الوسائل 7: 482 أبواب صلاة العيد ب 39 ح 1.

(5) في ص 164.

(6) في ص 164- 166.

(7) التهذيب 3: 136- 299، الاستبصار 1: 444- 1717، الوسائل 7: 424 أبواب صلاة العيد ب 3 ح 2.

(8) راجع ص 165.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 171

و رواية ابن قيس: «إنّما الصلاة يوم العيدين على من خرج إلى الجبّانة، و من لم يخرج فليس عليه صلاة» «1».

و الغنويّ و فيها: أرأيت إن كان مريضا لا يستطيع أن يخرج أ يصلّي في بيته؟

قال: «لا» «2».

و الجواب عن الأوّل بما يأتي، مع أنّه لو حمل الإمام على المعصوم نفي الجماعة أيضا.

و عن الثاني: بأنّه يدلّ على نفي الوجوب عن المنفرد و هو مسلّم، مع أنه نفى الصلاة

عن غير الخارج إلى الجبّانة و إن كانت جماعة، و هو لا يقول به، فالحمل على ما ذكرنا متعيّن.

و عن الثالث: بأنّه محتمل لإرادة نفي الوجوب، حيث إنّه ليس سؤالا عن الوقوع الذي هو حقيقته، و مجازه كما يمكن أن يكون جواز الصلاة يمكن أن يكون وجوبها، مع أنّ المسؤول عنه أعمّ من الجماعة و الانفراد، و التخصيص بالأخير ليس بأولى ممّا ذكرنا.

و للثالث «3»: بروايات نفي الصلاة بدون إمام الأصل، خرج الانفراد بأدلّته فيبقى الباقي.

و بأصالة عدم جواز الجماعة في النوافل لأخبار المنع «4».

و بمفهوم قوله «فإن صلّيت وحدك» في موثّقة سماعة الاولى «5».

و بعدم جوابه بقوله: نعم، و الاكتفاء ببيان وقت الذبح بعد ما سئل فيها

______________________________

(1) التهذيب 3: 285- 851، الاستبصار 1: 445- 1720، الوسائل 7: 423 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 9.

(2) الفقيه 1: 321- 1464، التهذيب 3: 288- 864، الوسائل 7: 422 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 8.

(3) أي: احتجّ للقول الثالث، و هو استحباب صلاة العيدين فرادى خاصّة.

(4) انظر: الوسائل 8: 45 أبواب نافلة شهر رمضان ب 10 و ص 333 أبواب صلاة الجماعة ب 20.

(5) المتقدّمة في ص 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 172

عن فعلها جماعة حيث لم يكن إمام الأصل [في موثّقة الثانية] «1».

و الاقتصار على الأمر بالانفراد في صورة عدم شهود جماعة الناس في صحيحة ابن سنان المتقدّمة «2».

و النهي في موثّقة الساباطي: هل يؤمّ الرجل بأهله في صلاة العيدين في السطح أو بيت؟ قال: «لا يؤمّ بهنّ و لا يخرجن و ليس على النساء خروج» «3». و لا قائل بالفرق بين الإمامة للأهل و غيرهم.

و الجواب عن الأوّل:

بخروج الجماعة أيضا بأدلّتها السابقة.

فإن

قلت:

لو خرج معه الانفراد أيضا، لزم خروج جميع الأفراد، و إلّا لزم ترجيح المرجوح؛ لأظهريّة أدلّة خروج الانفراد و أكثريّتها و أصرحيّتها.

قلت

- مع أنّه يمكن أن يكون المراد بالصلاة وحده صلاتها مع غير الإمام و لو في جماعة، كما مرّ في توجيه قول القائلين بهذا القول، فتشمل أدلّة الانفراد للجماعة أيضا، و تزيد الجماعة بأدلّتها، و لا يلزم ترجيح المرجوح-:

إنّ على تقدير إخراج الانفراد خاصّة أيضا يلزم خروج الأكثر؛ لخروجه و خروج الجماعة مع منصوب الإمام، و لا شكّ أنّهما أكثر بكثير من الصلاة مع إمام الأصل، و هو أيضا غير جائز، فيتعيّن إخراج الكلام عن الحقيقة الّتي هي نفي الصلاة، بل عن حمله على نفي الصحّة أيضا و الحمل على نفي الوجوب أو الكمال، فلا ينافي استحباب شي ء من الجماعة أو الانفراد.

و عن الثاني:

بأنّ أدلّة المنع عن الجماعة في النوافل- لو سلّم شمولها لهذه أيضا- لكانت عامّة بالنسبة إلى ما ذكرنا، فتخصّص به، كما خصّصت صلاة الاستسقاء أيضا.

و عن الثالث:

مع ما ذكر من احتمال شموله للجماعة أيضا، بأنّه مفهوم

______________________________

(1) أضفناه لاقتضاء السياق، راجع ص 166.

(2) في ص 164.

(3) التهذيب 3: 289- 872، الوسائل 7: 471 أبواب صلاة العيد ب 28 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 173

وصف لا حجيّة فيه. و إن كان نظره إلى عموم مفهوم «إن صلّيت» فلا يمكن إبقاء البأس حينئذ على معناه؛ لأنّه لا يقول بثبوت العذاب مع عدم الصلاة.

و عن الرابع:

بمنع كونه سؤالا عن فعلها جماعة، بل هو إخبار عنه كما هو حقيقته. مع أنّه على ما ذكرنا من احتمال شموله للجماعة المنفردة عن الإمام أيضا لما كان اكتفاء ببيان وقت الذبح خاصّة.

و عن الخامس:

مع ما ذكر

من احتمال الشمول، بعدم منافاة استحباب أمر لاستحباب غيره، و عدم وجوب التعرض لكلّ مستحبّ في كلّ خبر، مع أنّ جماعة الناس أعمّ من الواجب و المستحبّ، فيدلّ على استحباب الجماعة أيضا.

و عن السادس:

بجواز أن يكون المراد نفي الجماعة بهنّ إذا اجتمعت الشرائط الموجبة على الرجل، فإنّه يجب حينئذ عليه حضور الجماعة. أو يكون المراد المرجوحيّة الإضافية التي هي أحد مجازات الجملة المنفيّة؛ لجواز أن يكون الخروج إلى الصحراء و شهود عيد الناس أرجح من ذلك. أو نفي تأكّد الجماعة في حقّ النسوة كما عن الذكرى «1»، و يشعر به التعرض في ذيله لخروجهنّ أيضا.

و للرابع «2»: بالنصوص المتقدّمة المتضمّنة لأنّه لا صلاة إلّا مع إمام «3»، و رواية الغنويّ السابقة «4»، و قد مرّ جوابهما.

فرع: المستفاد من إطلاق الأخبار و مقتضى ظواهر كلمات كثير من الأصحاب التخيير بين الجماعة المستحبّة و الانفراد.

و قال في الذخيرة: المشهور بين الأصحاب استحباب هذه الصلاة منفردا مع تعذّر الجماعة «5».

______________________________

(1) الذكرى: 238.

(2) أي: احتجّ للقول الرابع، و هو عدم استحباب صلاة العيدين مطلقا.

(3) راجع ص 166.

(4) في ص 171.

(5) الذخيرة: 319.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 174

فإن أراد الجماعة الواجبة كما هو الظاهر، فلا كلام فيه، و إلّا فلا دليل على هذا التقييد.

ثمَّ من أراد الاحتياط في زمن الغيبة فهل هو في فعلها جماعة كما في الذخيرة «1»، أو فرادى كما قيل «2»، أو في تركها؟

الظاهر هو الأوّل، و يظهر وجهه ممّا في صلاة الجمعة قد مرّ.

______________________________

(1) الذخيرة: 319.

(2) الرياض 1: 194.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 175

البحث الثاني في بيان شرائطها، و من تجب عليه أو تستحبّ

اعلم أنّه لا شكّ في اشتراطها عند وجوبها بشرائط، و إن اختلفوا فيها، فمنهم من صرّح باشتراطها بشرائط الجمعة «1»، و منهم من نقص عنها «2».

و كذا لا شكّ في عدم وجوبها- على القول به- على من لا تجب عليه الجمعة كلا أو بعضا.

و لسقوط القول بوجوبها في هذه الأزمان عندنا لا فائدة مهمّة في التعرض لذلك.

و أمّا استحبابها جماعة أو فرادى، فظاهر الأكثر عدم اشتراطها صحّة أو استحبابا بهذه الشروط، بل تستحبّ بلا قيد، و على كلّ مكلّف تصحّ منه الصلاة.

و يدلّ عليه الأصل، لا أصل العدم- كما قيل- لأنّه مع الاشتراط، بل الأصل الإطلاقي. و هو في الانفراد ظاهر؛ لإطلاق أخباره.

و أمّا الجماعة و إن لم يكن ما يدلّ عليها من الأخبار مطلقة إلّا أنّ فتوى الأكثر و الإجماع المنقول مطلقان، بل و كذا رواية الحلبيّ «3» بالنسبة إلى غير العدد.

فلا ينبغي الريب في عدم اشتراط غير العدد، لا في الصحة و لا في الاستحباب. بل في عدم

اشتراطه أيضا؛ لإطلاق الأوّلين و إن كان ظاهر بعض المتأخّرين اشتراطه مع الاستحباب في الجماعة أيضا.

______________________________

(1) كالشيخ في المبسوط 1: 169، و الخلاف 1: 664، و الحلي في السرائر 1: 315، و المحقّق في الشرائع 1: 100، و المعتبر 2: 309.

(2) كالعلامة في القواعد 1: 39، و التذكرة 1: 157.

(3) انظر: ص 170.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 176

و لا يضرّ مفهوم الرواية؛ لاحتمال كون الجملة الخبريّة للوجوب، فيكون المنفيّ في المفهوم عند انتفاء العدد الوجوب. و لا التشبيه بالجمعة فيها؛ لعدم ثبوت عمومه حتّى بالنسبة إلى الشرائط الخارجيّة.

كما لا يضرّ في المسافر: صحيحة أبان المتقدّمة «1»، و الفضيل: «ليس في السفر جمعة و لا فطر و لا أضحى» «2».

و لا في المرأة: موثّقة الساباطيّ السابقة «3»، و صحيحة ابن سنان: «إنّما رخص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله للنساء العواتق في الخروج في العيدين للتعرّض للرزق» «4».

و رواية محمّد بن شريح: عن خروج النساء في العيدين، فقال: «لا، إلّا عجوز عليها منقلاها» يعني الخفّين «5».

و لا في المريض: رواية الغنويّ المذكورة «6».

و لا في الخمسة: الرضويّ: «و صلاة العيدين واجبة مثل صلاة الجمعة إلّا على خمسة: المريض، و المملوك، و المرأة، و الصبيّ، و المسافر» «7».

لظهور بعضها في نفي الوجوب، و احتمال بعض آخر له.

و لا في تعدّدها فيما دون الفرسخ: عدم نصب أمير المؤمنين عليه السلام من يصلّي بمن بقي في البلد من الضعفاء، معتذرا بأنّي لا أخالف السنّة «8»؛ لعدم صراحته في الحرمة مع كون الصلاة حينئذ واجبة.

______________________________

(1) في ص 166.

(2) التهذيب 3: 289- 868، الاستبصار 1: 446- 1726، الوسائل 7: 432 أبواب صلاة العيد ب 8 ح 4.

(3) في

ص 172.

(4) التهذيب 3: 287- 858، الوسائل 7: 471 أبواب صلاة العيد ب 28 ح 1.

(5) الكافي 5: 538 النكاح ب 86 ح 1، الوسائل 7: 472 أبواب صلاة العيد ب 28 ح 3.

(6) في ص: 171.

(7) فقه الرضا «ع»: 132، مستدرك الوسائل 6: 124 أبواب صلاة العيد ب 5 ح 2.

(8) راجع ص 169. الرقم (1).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 177

و لا بالنسبة إلى الخطبة: المرويّ في العلل و العيون: «إنّما جعلت الخطبة يوم الجمعة في أوّل الصلاة، و جعلت في العيدين بعد الصلاة» «1».

و الرضويّ: «صلاة العيد مع الإمام فريضة، و لا تكون إلّا بإمام و خطبة» «2».

و ذكرهم الخطبتين في بيان كيفيّة الصلاة، حيث إنّ ظاهر ذكر شي ء في بيان كيفيّة شي ء جزئيته له أو شرطيته.

لأنّ الجعل في الأولى أعمّ من الشرطيّة، فيصحّ أن يقال: جعل التعقيب بعد الصلاة و الأذان قبلها.

و النفي في الثاني راجع إلى الوجوب أو الكمال، كما مرّ.

و منع ذكر الخطبتين في بيان كيفيّة الصلاة، بل أكثر الأخبار المثبتة لها خالية عنها، و ما تعرّض فيه لها لم يزد على أن قال: الخطبة بعد الصلاة.

هذا كلّه مضافا إلى التصريح بالثبوت- مع انتفاء بعض الشروط- في الأخبار، كصحيحة سعد المتقدّمة المصرّحة بثبوتها للمسافر «3».

و المرويّ في قرب الإسناد: عن النساء هل عليهنّ صلاة العيد؟ قال:

«نعم» «4».

و في الذكرى، عن كتاب إبراهيم بن محمّد الثقفيّ، بإسناده إلى عليّ عليه السلام: أنّه قال: «لا تحبسوا النساء عن الخروج في العيدين، فهو عليهنّ واجب» «5».

الدالّين على ثبوتها للمرأة.

و صحيحة منصور: «مرض أبي يوم الأضحى، فصلّى في بيته ركعتين ثمَ

______________________________

(1) العلل: 265، العيون 2: 110، الوسائل 7: 443 أبواب صلاة العيد

ب 11 ح 12.

(2) فقه الرضا «ع»: 131، مستدرك الوسائل 6: 122 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 1.

(3) راجع ص 164.

(4) قرب الإسناد: 224- 871 بتفاوت يسير، الوسائل 7: 473 أبواب صلاة العيد ب 28 ح 6.

(5) الذكرى: 239.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 178

ضحّى» «1».

و دلالة بعض هذه الأخبار على الوجوب غير مفيد للقائل به؛ لأنّه بين معارض بمثله المانع عن إثباته الحكم، و ضعيف غير صالح لدفع الأصل.

______________________________

(1) الفقيه 1: 320- 1462، التهذيب 3: 136- 300 و 288- 865، الاستبصار 1:

445- 1718، الوسائل 7: 425 أبواب صلاة العيد ب 3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 179

البحث الثالث في وقتها
اشارة

و فيه مسألتان:

المسألة الأولى: مبدأ وقتها طلوع الشمس من يوم العيد، و منتهاه زوالها فيه

، وفاقا للمشهور، بل في الذخيرة: أنّ الظاهر أنّه اتّفاقيّ «1»؛ و نقل فيه اتّفاقهم عليه عن النهاية أيضا «2»، بل في شرح القواعد و عن التذكرة: الإجماع عليهما «3»، و عن المنتهى علي الثاني «4».

أمّا الأوّل، فللإطلاقات المقتضية لصحّة فعلها في أيّ وقت كان، خرج قبل الطلوع بالإجماع فبقي الباقي. أو لأنّ مقتضى إضافة الصلاة إلى يوم العيد في الأخبار المتضمّنة لانتسابها إليه- و ليس المراد إلّا نسبة الفعل فيه- وقوعها فيه، و الأصل عدم توقيت آخر، خرج ما بين الطلوعين إمّا بالإجماع، أو لعدم صدق المبدأ عرفا إلّا بطلوع الشمس.

خلافا للمحكيّ عن النهاية و المبسوط و الاقتصاد و الكافي و الغنية و الوسيلة و الإصباح و السرائر، فقالوا: وقتها انبساط الشمس و ارتفاعها «5»؛ للأصل، و الاستصحاب.

و يندفعان بالإطلاق.

______________________________

(1) الذخيرة: 320.

(2) نهاية الإحكام 2: 56.

(3) جامع المقاصد 2: 451، التذكرة 1: 157.

(4) المنتهى 1: 343.

(5) النهاية: 134، المبسوط 1: 169، الاقتصاد: 270، الكافي في الفقه: 153، الغنية (الجوامع الفقهية): 561، الوسيلة (: 111)، السرائر 1: 320.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 180

و أمّا الأخبار المستفيضة الدالّة على أنّ الطلوع وقت الخروج إليها «1»، فلا تصلح دليلا لشي ء من القولين، و إن تمسّك بعضهم «2» بها للأوّل، سيّما بما تضمّن أنّ «أذانهما طلوع الشمس إذا طلعت خرجوا» «3» حيث إنّ الأذان إعلام بدخول الوقت.

و فيه: منع كون الأذان حقيقة فيما ذكر، و إنّما هو إعلام فيمكن أن يكون إعلاما لدخول وقت مقدّماتهما المستحبّة، و يكفي أدنى ملابسة في الإضافة.

و آخر «4» للثاني، حيث إنّه إذا كان وقت الخروج الطلوع يتأخّر وقت الصلاة عنه.

و فيه- مع كونه أخصّ من المدّعى، إذ

قد لا يمتدّ زمان الخروج إلى وقت الانبساط-: أنّها لا تدلّ على عدم جواز الصلاة أوّل الطلوع لمن لا يخرج بوجه.

و أمّا الثاني «5»، فلمثل ما مرّ أيضا، مضافا إلى الاستصحاب، بإخراج ما بعد الزوال و قطع الاستصحاب فيه بالإجماع. بل إلى الإجماع «6»؛ لعدم قدح مخالفة من سيأتي فيه.

و قد يستدلّ لذلك بصحيحة محمّد بن قيس: «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بالإفطار «7» في ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل الزوال، و إن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بالإفطار في ذلك

______________________________

(1) انظر: الوسائل 7: 452 أبواب صلاة العيد ب 18 و ص 473 أبواب صلاة العيد ب 29.

(2) كصاحب الرياض 1: 194.

(3) الكافي 3: 459 الصلاة ب 93 ح 1، التهذيب 3: 129- 276، الوسائل 7: 429 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 5.

(4) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 261، فتمسّك هو بالأخبار الدالة على أنّ الطلوع وقت الخروج إلى الصلاة، للقول الثاني، و هو: أول وقتها انبساط الشمس

(5) أي: الجزء الثاني من أصل المسألة، و هو: آخر وقتها زوال الشمس في يوم العيد.

(6) أي: بل مضافا إلى الإجماع.

(7) زاد في الكافي: «و صلّى».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 181

اليوم و أخّر الصلاة إلى الغد» «1».

قيل: دلّت على الفوات بعد الزوال، و إلّا لما كان للتأخير إلى الغد وجه.

و على الامتداد إليه؛ لظهور الشرطيّتين فيها في سقوط قوله: و صلّى بهم بعد قوله «في ذلك اليوم» في الشرطيّة الاولى، و إلّا للغتا طرّا، فلا وجه للتفصيل بهما بعد اشتراكهما في الحكم بالإفطار «2».

و يرد على الأوّل: أنّ المراد بالفوات بعد الزوال فوات وقتها

مطلقا، لا وقتها في ذلك اليوم فقط، فالصحيح دالّ على خلاف المطلوب. مع أنّ الصلاة في الغد غير معمول به عند المستدلّ، فهذا الجزء في حكم السقوط عنده، فلا يصلح دليلا لشي ء، و دلالته التبعيّة على ترك الصلاة بعد الزوال فرع بقاء متبوعه.

و على الثاني: أنّ مقتضى ذكر الشرطيّتين سقوط شي ء في الشرطيّة الاولى، و أمّا أنّه هو: و صلّى بهم فلا دليل عليه، فلعلّه: و صلّى بهم بعد الزوال، أو:

و سقطت الصلاة، أو: و قضى الصلاة «3». و دعوى الإجماع المركّب هنا باطلة جدّا.

و يحتمل أن يكون قوله: «و أخّر الصلاة» مستأنفة، و كان حكما للصورتين، لا معطوفة على الجزائيّة الثانية، و تكون فائدة التفصيل أمرا غير معلوم لنا سقط من البين.

و عليهما: أنّه لأحد أن يقول: إنّ غاية ما يدلّ عليه، الامتداد إلى الزوال و الفوات به في الصورة المذكورة فيها، فيجوز أن ينتهي بما قبل الزوال، أو يبقى بعد الزوال في غير هذه الصورة، فلا يثبت بها الحكم كليّا. فتأمّل.

خلافا لبعض مشايخنا، فقال بعدم امتداد وقتها إلى الزوال، بل اختصاصه

______________________________

(1) الكافي 4: 169 الصيام ب 27 ح 1، الفقيه 2: 109- 267، الوسائل 7: 432 أبواب صلاة العيد ب 9 ح 1.

(2) انظر: الرياض 1: 194.

(3) قد ذكرنا أنّ في الكافي زيادة «و صلّى» في الشرطية الاولى، فلا وجه لهذه الاحتمالات.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 182

بصدر النهار «1»، و عزاه إلى ظاهر الشيخين «2».

للأخبار المشار إليها المتضمّنة لأنّه إذا طلعت الشمس خرجوا «3»، و أنّ الغدوّ إلى الصلاة بعد الطلوع «4»، و أنّ الحجج خرجوا بعده «5».

و إطلاق المرفوعة: «إذا أصبح الناس صياما و لم يروا الهلال، و جاء قوم

عدول يشهدون على الرؤية فليفطروا و ليخرجوا من الغد أوّل النهار إلى عيدهم» «6» خرج عنه أوّل النهار بالإجماع، فيبقى الباقي.

و المرويّ في الدعائم: في القوم لا يرون الهلال، فيصبحون صياما، حتى مضى وقت صلاة العيد من أوّل النهار، فيشهد شهود عدول أنّهم رأوه من ليلتهم الماضية، قال: «يفطرون و يخرجون من غد، فيصلّون صلاة العيد من أوّل النهار» «7».

و يردّ الأوّلان:

بأنّ مقتضاهما دخول الوقت بالطلوع، لا انحصار وقته بالزمان المتّصل به أو القريب منه.

و الثانيان:

بعدم الحجيّة؛ لمخالفتهما الشهرة العظيمة الجديدة و القديمة، مضافا إلى ضعف ثانيهما في نفسه، و احتمال أوّل النهار فيه نصفه الأوّل لا جزأه الأوّل.

المسألة الثانية: من فاتته صلاة العيد في وقتها فليس عليه قضاء

، سواء كان ممّن وجبت عليه الصلاة أو استحبّت؛ لصحيحتي زرارة المتقدّمتين في البحث

______________________________

(1) الحدائق 10: 227.

(2) المفيد في المقنعة: 194، و الطوسي في المبسوط 1: 169.

(3) راجع ص 180.

(4) انظر: الوسائل 7: 452 و 473 ب: 18 و 29 أبواب صلاة العيد.

(5) انظر: الوسائل 7: 452 و 453 ب: 18 و 19 أبواب صلاة العيد.

(6) الكافي 4: 169 الصيام ب 27 ح 2، الفقيه 2: 110- 468، الوسائل 7: 433 أبواب صلاة العيد ب 9 ح 2.

(7) الدعائم 1: 187، مستدرك الوسائل 6: 124 أبواب صلاة العيد ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 183

الأوّل «1»، و بهما تخصّص عمومات موجبات قضاء الصلوات الفائتة، مضافا في صورة الاستحباب إلى اختصاصها بالصلوات الواجبة، و عدم تعقّل وجوب قضاء المستحبّ.

و أمّا رواية أبي البختريّ: «من فاتته صلاة العيد فليصلّ أربعا» «2».

فشاذّة؛ إذ لم يعمل بها إلّا شاذّ في صورة مخصوصة، و مع ذلك بما مرّ معارضة، و لقول جمع من العامّة موافقة «3»، و

لإرادة الظهر محتملة و إن كانت بعيدة.

و من لا يجب القضاء عليه لا يستحبّ أيضا؛ للأصل السالم عن المعارض حتّى فتوى الحلّي «4»، و إن نسب استحباب القضاء إليه «5»، و لكن كلامه ليس صريحا فيه، كما يظهر للمتأمّل فيه «6». و عمومات قضاء النوافل بين ظاهرة و صريحة في اليوميّة، فلا تفيد فيمن تستحبّ له الصلاة.

إلّا إذا كان الفوات لأجل عدم ثبوت العيد إلّا بعد خروج الوقت، فيستحبّ القضاء في الغد، سواء كان ممّن تجب عليه الصلاة أو تستحبّ؛ لصحيحة محمّد بن قيس و المرفوعة و الدعائميّ، المتقدّمة «7»، وفاقا للمحكيّ عن الصدوق و الكلينيّ و الإسكافيّ «8».

______________________________

(1) في ص 165- 166.

(2) التهذيب 3: 135- 295، الاستبصار 1: 446- 1725، الوسائل 7: 426 أبواب صلاة العيد ب 5 ح 2.

(3) انظر: بداية المجتهد 1: 224، و مغني المحتاج 2: 244، و الإنصاف 2: 433.

(4) السرائر 1: 318.

(5) كما في الحدائق 10: 231.

(6) قال في السرائر: و ليس على من فاتته صلاة العيدين قضاء واجب و إن استحبّ له أن يأتي بها منفردا.

(7) في ص 181- 182.

(8) الصدوق في الفقيه 2: 109، الكليني في الكافي 4: 169، حكاه عن الإسكافي في المختلف:

114.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 184

و مال إليه جماعة من متأخّري المتأخّرين، بل ظاهرهم الوجوب «1».

و لكن الروايات عن إفادته قاصرة: أمّا غير المرفوعة فظاهر؛ لمكان الجملة الخبريّة، مع ضعف الدعائميّ. و أمّا هي فلأنّها و إن تضمّنت الأمر، و لكن الخروج ليس بواجب إجماعا، فيتردّد بين التجوّز في المادة أو الهيئة، و لا ترجيح.

و لكن الظاهر اختصاص ذلك بعيد الفطر؛ لاختصاص الروايات. و لا يلزم خرق إجماع؛ إذ ظاهر الشيخين الكلينيّ

و الصدوق أيضا الاختصاص «2».

و إلّا إذا كان ممّن تجب عليه و لحق خطبة الإمام، فيستحبّ له الجلوس حتّى يسمع الخطبة، ثمَّ يقوم فيصلّي و إن كان بعد الزوال؛ لإطلاق صحيحة زرارة:

أدركت الإمام على الخطبة، قال: «تجلس حتّى يفرغ من خطبته، ثمَّ تقوم فتصلّي» «3».

و التخصيص بمن تجب عليه للفظ الإمام، و الحكم بالاستحباب لمقام الجملة الخبريّة.

خلافا في الأوّل في صورة وجوب الصلاة لمحتمل المحكيّ في الروضة عن بعضهم، فحكم بالقضاء «4». و قائله كمستنده غير معلوم، إلّا أن يستند إلى عمومات القضاء. و يجاب بما مرّ.

و للمحكيّ عن عليّ بن بابويه، و الإسكافي و المقنعة و الوسيلة، فحكموا بوجوب القضاء إذا لحق الخطبتين «5»؛ للصحيح المتقدّم. و هو على الوجوب غير دالّ، كما أنّ كلام هؤلاء في القضاء غير صريح.

______________________________

(1) انظر: الذخيرة: 320، و الحدائق 10: 231، و الرياض 1: 194.

(2) الكليني في الكافي 4: 169، الصدوق في الفقيه 2: 109.

(3) التهذيب 3: 136- 301، الوسائل 7: 425 أبواب صلاة العيد ب 4 ح 1.

(4) الروضة 1: 307.

(5) حكاه عن علي بن بابويه في الحدائق 10: 231، و عن الإسكافي في المختلف: 114، المقنعة:

200، الوسيلة: 111.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 185

و في الثاني للمحكيّ عن الحليّ «1». و لا مستند له مع أنّ فتواه ليست صريحة في ذلك.

و في الثالث للأكثر، فلم يثبتوا الصلاة في الغد؛ للأصل، و مخالفة الصحيح و الروايات الثلاث لنقل الإجماع على انتفاء القضاء مطلقا، و الشهرة المحقّقة.

و يردّ: بعدم صلاحيّة الإجماع المنقول لمعارضة الخبر سيّما الصحيح منه، و عدم ثبوت تحقّق الشهرة القديمة الموجبة لدخول الخبر في حيّز الشذوذ.

و في الرابع للمشهور، فلم يثبتوا الصلاة إذا كان

فراغ الإمام عن الخطبة بعد الزوال.

لاحتمال كون المراد من الصحيح إن لم تزل الشمس.

و عدم صراحته في القضاء.

و عموم نافيات القضاء هنا.

و يردّ الأوّل:

بأنّ الاحتمال لا يدفع الإطلاق بل العموم المستفاد من ترك الاستفصال.

و الثاني:

بأنّ مرادنا من القضاء ما يفعل بعد الوقت استدراكا له، سواء ينوي القضاء أم لا.

و الثالث:

بأنّها تنفي وجوبه دون استحبابه.

______________________________

(1) السرائر 1: 318.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 186

البحث الرابع في كيفيّتها
اشارة

و هي: ركعتان مطلقا، جماعة صلّيت أو فرادى، يكبّر تكبيرة الإحرام لهما ثمَّ يقرأ الحمد و سورة وجوبا، ثمَّ يكبّر خمسا بعد القراءة استحبابا على الأقوى، و يقنت عقيب كلّ منها كذلك، ثمَّ يكبّر و يركع و يسجد، و يقوم للثانية فيقرأ الحمد و السورة وجوبا، ثمَّ يكبّر أربعا استحبابا، و يقنت عقيب كلّ منها كذلك، ثمَّ يكبّر خامسة للركوع، و يتمّ الصلاة.

أمّا كونها ركعتين مطلقا فعلى الأشهر الأقوى؛ لمرسلة ابن المغيرة السابقة «1»، و صحيحة ابن سنان: «صلاة العيدين ركعتان بلا أذان و إقامة، و ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء» «2» و سائر ما يأتي من الأخبار.

خلافا للإسكافي و عليّ بن بابويه «3»، و التهذيب «4»، فيما إذا لحق خطبتي الإمام، فقالوا: إمّا أربع ركعات بعد استماع الخطبة أمّا بتسليمتين كالأوّل، أو تسليمة كالثاني، أو مخيّرا بينها و بين الركعتين كالثالث، لرواية أبي البختريّ المتقدّمة بردّها «5».

و أمّا النيّة و تكبيرة الإحرام و القراءة وجوبا، فبالإجماع بل الضرورة.

و أمّا زيادة التكبير، فبالأوّل و الأخبار.

______________________________

(1) في ص 164.

(2) التهذيب 3: 128- 271، الاستبصار 1: 446- 1722، الوسائل 7: 429 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 7.

(3) حكاه عنهما في المختلف: 114.

(4) التهذيب 3: 134.

(5) راجع ص 183.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 6، ص: 187

و أمّا كون الزائد خمسا في الاولى و أربعا في الثانية، فعلى المشهور المنصور، بل عليه الإجماع عن الانتصار و الاستبصار و الناصريّات و الخلاف و السرائر و المختلف «1»؛ للمعتبرة المستفيضة كمرسلة ابن المغيرة السابقة، و صحيحة الشحّام: عن التكبير في العيدين، قال: «سبع و خمس» «2».

و جميل: عن التكبير في العيدين، قال: «سبع و خمس» و قال: «صلاة العيدين فريضة» و سألته: ما يقرأ فيهما؟ قال: «و الشمس و ضحاها، و هل أتاك حديث الغاشية، و أشباههما» «3».

و معاوية: عن صلاة العيدين، فقال: ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء، و ليس فيهما أذان و لا إقامة، يكبّر فيهما اثنتي عشرة تكبيرة يبدأ بتكبير و يفتتح الصلاة، ثمَّ يقرأ فاتحة الكتاب، ثمَّ يقرأ و الشمس و ضحاها، ثمَّ يكبّر خمس تكبيرات، ثمَّ يكبّر فيركع فيكون يركع بالسابعة، ثمَّ يسجد سجدتين، ثمَّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب و هل أتاك حديث الغاشية، ثمَّ يكبّر أربع تكبيرات و يسجد سجدتين و يتشهّد و يسلّم» قال: «و كذلك صنع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، و الخطبة بعد الصلاة» «4».

و الكنانيّ: عن التكبير في العيدين، قال: «اثنتي عشرة تكبيرة، سبع في الاولى و خمس في الأخيرة» «5».

______________________________

(1) الانتصار: 56، الاستبصار 1: 448، الناصريات (الجوامع الفقهية): 203، الخلاف 1:

658، السرائر 1: 316، المختلف 1: 112.

(2) التهذيب 3: 127- 269، الاستبصار 1: 443- 1710، الوسائل 7: 437 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 12.

(3) التهذيب 3: 127- 270، الوسائل 7: 435 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 4.

(4) الكافي 3: 460 الصلاة ب 93 ح 3، التهذيب 3: 129- 278، الاستبصار 1:

448- 1733، الوسائل 7:

434 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 2.

(5) الفقيه 1: 324- 1485، التهذيب 3: 130- 280، الاستبصار 1: 447- 1728، الوسائل 7: 435 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 188

و رواية عليّ بن أبي حمزة: في صلاة العيدين، قال: «يكبّر ثمَّ يقرأ، ثمَّ يكبّر خمسا و يقنت بين كلّ تكبيرتين، ثمَّ يكبّر السابعة و يركع بها، ثمَّ يسجد ثمَّ يقوم في الثانية فيقرأ، ثمَّ يكبّر أربعا يقنت بين كلّ تكبيرتين، ثمَّ يكبّر و يركع بها» «1».

و سليمان بن خالد: في صلاة العيدين: «كبّر ستّ تكبيرات و اركع بالسابعة، ثمَّ قم في الثانية فاقرأ، ثمَّ كبّر أربعا و اركع بالخامسة، و الخطبة بعد الصلاة» «2».

و أبي بصير: «التكبير في الفطر و الأضحى اثنتا عشرة تكبيرة، يكبّر في الأولى واحدة، ثمَّ يقرأ، ثمَّ يكبّر بعد القراءة خمس تكبيرات، و السابعة يركع بها، ثمَّ يقوم في الثانية فيقرأ، ثمَّ يكبر أربعا و الخامسة يركع بها» «3».

و يعقوب بن يقطين بل صحيحته: التكبير في العيدين أقبل القراءة أو بعدها؟ و كم عدد التكبير في الاولى و في الثانية و الدعاء بينهما؟ و هل فيهما قنوت أم لا؟ فقال: «تكبير العيدين للصلاة قبل الخطبة، يكبّر تكبيرة يفتتح بها الصلاة، ثمَّ يقرأ و يكبّر خمسا و يدعو بينها، ثمَّ يكبّر اخرى يركع بها، فذلك سبع تكبيرات بالتي افتتح بها، ثمَّ يكبّر في الثانية خمسا، يقوم فيقرأ ثمَّ يكبّر أربعا و يدعو بينهنّ، ثمَّ يكبّر التكبيرة الخامسة» «4».

و إسماعيل الجعفيّ: في صلاة العيدين، قال: «يكبّر واحدة يفتتح بها الصلاة، ثمَّ يقرأ أمّ الكتاب و سورة، ثمَّ يكبّر خمسا يقنت بينهنّ، ثمَّ يكبّر واحدة

______________________________

(1) الكافي 3:

460 الصلاة ب 93 ح 5، التهذيب 3: 130- 279، الاستبصار 1:

448- 1734، الوسائل 7: 434 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 3؛ بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 3: 130- 281، الاستبصار 1: 448- 1735، الوسائل 7: 436 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 9.

(3) التهذيب 3: 131- 286، الاستبصار 1: 449- 1736، الوسائل 7: 435 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 7.

(4) التهذيب 3: 132- 287، الاستبصار 1: 449- 1737، الوسائل 7: 435 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 189

و يركع بها، ثمَّ يقوم فيقرأ أمّ القرآن و سورة، يقرأ في الأولى سبّح اسم ربّك الأعلى، و في الثانية و الشمس و ضحاها، ثمَّ يكبّر أربعا و يقنت بينهنّ، ثمَّ يركع بالخامسة» «1».

و محمّد: عن التكبير في الفطر و الأضحى، فقال: «ابدأ فكبّر تكبيرة، ثمَّ تقرأ، ثمَّ يكبّر بعد القراءة خمس تكبيرات، ثمَّ تركع بالسابعة، ثمَّ تقوم فتقرأ، ثمَّ تكبّر أربع تكبيرات، ثمَّ تركع بالخامسة» «2» إلى غير ذلك.

و لا تنافيه صحيحة محمّد: «الصلاة قبل الخطبتين و التكبير بعد القراءة سبع في الاولى و خمس في الثانية» «3» حيث يستفاد منها أنّ التكبير في الأولى ثمانية، التكبيرة للإحرام و السبع بعد القراءة.

لأنّه إنّما هو إذا جعل «سبع» خبرا للتكبير و ليس كذلك، بل خبره قوله:

«بعد القراءة» و ما بعده جملة مستأنفة تشمل تكبيرة الإحرام أيضا.

خلافا للمحكيّ عن الصدوقين و العمانيّ «4»، فجعلوا التكبير الزائد سبع تكبيرات.

و عن محتمل السيّد و المفيد «5»، بل الديلميّ و الحلبيّ و القاضي و ابن زهرة «6»، فجعلوه ثمان تكبيرات خمسا للأولى و ثلاثا للثانية حيث قالوا: إنّه إذا نهض للثانية

______________________________

(1) التهذيب 3: 132-

288، الاستبصار 1: 449- 1738 و فيه: إسماعيل الجبلي، الوسائل 7:

436 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 10.

(2) التهذيب 3: 132- 289، الاستبصار 1: 449- 1739، الوسائل 7: 436 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 11.

(3) التهذيب 3: 287- 859، الوسائل 7: 441 أبواب صلاة العيد ب 11 ح 2؛ بتفاوت يسير.

(4) نسب ذلك إلى ابن بابويه و العماني في المنتهى 1: 340. و في المختلف: 112 أنّ العماني قائل بالمشهور، و نسب إلى ابني بابويه ثمان تكبيرات، و لكن المستفاد من عبارات الفقيه 1: 324، و المقنع: 46، و الهداية: 53 الطريق المشهور أيضا، فراجع.

(5) السيد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 203، و الانتصار: 56، المفيد في المقنعة: 195.

(6) الديلمي في المراسم: 78، الحلبي في الكافي في الفقه: 153، القاضي في المهذّب 1: 122، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 562.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 190

كبّر و قرأ ثمَّ كبّر أربعا يركع بالأخيرة منها، فإن جعلت الأولى تكبيرة القيام يكون الزائد في الثانية ثلاثا، و إن جعلت تكبيرة صلاة العيد يكون موافقا للمشهور.

و مستندهما- كما قيل «1»- غير ظاهر، إلّا أن يستند للثاني إلى ثبوت الخمس للثانية بالأخبار، و لاستحباب التكبير للقيام و الركوع لم يبق إلّا ثلاثا.

و الى موثّقة سماعة و فيها: «ثمَّ يقوم في الثانية فيقرأ، فإذا فرغ من القراءة كبّر أربعا و يركع بها» «2».

و رواية علي بن أبي حمزة المتقدّمة «3»، على ما في بعض نسخ التهذيب، فإنّ فيه في الثانية «ثمَّ يركع بها» بإسقاط قوله «يكبّر».

و يردّ الأوّل: بعدم ثبوت التكبير للقيام، و بدلالة الأخبار على كون الخمس بعد القراءة.

و الثانيتان باحتمال إرادة الأربع الزائدة الواجبة، و لم

يذكر الخامسة لعدم وجوبها، فلا ينافي ثبوت استحبابها بدليل آخر.

و أمّا كون التكبيرات الزائدة في الركعتين بعد القراءة فعلى الحقّ الموافق للأكثر، بل عن الانتصار و الخلاف: الإجماع عليه «4»؛ لأكثر ما مرّ من الأخبار.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي و هداية الصدوق، فجعلاه في الأولى قبل القراءة «5»؛ لروايات كثيرة كصحاح ابن سنان «6»، و إسماعيل بن سعد «7»، و هشام

______________________________

(1) الرياض 1: 195

(2) التهذيب 3: 130- 283، الاستبصار 1: 450- 1742، الوسائل 7: 439 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 19.

(3) في ص 188

(4) الانتصار: 56، الخلاف 1: 658.

(5) حكاه عن الإسكافي في المختلف 1: 111، الهداية: 53.

(6) التهذيب 3: 131- 284، الاستبصار 1: 450- 1740، الوسائل 7: 439 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 18.

(7) التهذيب 3: 131- 285، الاستبصار 1: 450- 1741، الوسائل 7: 439 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 191

ابن الحكم «1»، و الكنانيّ «2»، و موثّقة سماعة «3».

و يجاب عنها بمرجوحيتها عن الأخبار المتقدّمة؛ لموافقتها لمذهب العامّة، لأنّهم بين قائل بالتقديم في الركعتين، و نقله في المنتهى عن الشافعيّ، و أبي هريرة، و الفقهاء السبعة، و عمر بن عبد العزيز، و الزهريّ، و مالك، و الليث، و أحمد في إحدى الروايتين، و قائل بالتقديم في الأولى خاصّة، و نقله عن ابن مسعود، و حذيفة، و أبي موسى، و الحسن، و ابن سيرين، و الثوريّ، و أصحاب الرأي، أي أبي حنيفة و أتباعه «4».

مضافا إلى أنّ في الثلاثة الأولى جعل السبع قبل القراءة و هو ممّا لم يقل به أحد؛ لأنّ تكبيرة الركوع بعدها قطعا، فإمّا تحمل هذه السبع على السبع الافتتاحيّة، و أهمل

فيها ذكر تكبيرات العيد تقيّة، أو المعنى: بعض السبع قبل القراءة، و حينئذ فيمكن أن تكون هي تكبيرة الافتتاح.

و للمنقول عن علي بن بابويه، فجعلها قبلها في الركعتين «5». و لم أعثر على مستنده.

و عن السيّد و المفيد و الصدوق و الديلميّ و الحلبيّ و القاضي و ابن زهرة، ففرّقوها في الثانية، فجعلوا واحدة منها قبل القراءة و الباقية بعدها «6».

و هذا إنّما هو على جعلهم الأربعة التي غير تكبيرة الركوع من خصائص هذه

______________________________

(1) التهذيب 3: 284- 847، الاستبصار 1: 450- 1744، الوسائل 7: 438 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 16.

(2) الفقيه 1: 324- 1485، التهذيب 3: 130- 280، الاستبصار 1: 447- 1728، الوسائل 7: 435 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 6.

(3) تقدّمت في الصفحة السابقة.

(4) انظر: المنتهى 1: 342.

(5) حكاه عنه في مفتاح الكرامة 3: 172.

(6) السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 44، المفيد في المقنعة: 195، الصدوق في الفقيه 1: 324، الديلمي في المراسم: 78، الحلبي في الكافي في الفقه: 154، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 131، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 562.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 192

الصلاة؛ و حينئذ فيردّ قولهم بعدم الدليل و المخالفة لما مرّ.

و أمّا لو جعلت الاولى للقيام، و الثلاثة لصلاة العيد فليست لهم مخالفة مع المشهور في ذلك المقام، و إنّما يكون خلافهم في المقام السابق خاصّة، و قد مرّ جوابه.

و أمّا كون التكبيرات الزائدة على سبيل الاستحباب دون الوجوب، فوفاقا للمحكيّ عن المفيد و التهذيب و الخلاف و في المعتبر و الشرائع و النافع و المنتهى و التحرير و الذكرى «1»، و طائفة من متأخّري

المتأخّرين «2».

للأصل السالم عن معارضة الدالّ على الوجوب؛ لورود أكثر الأخبار بالجملة الخبريّة الغير الدالّة عليه سوى مرسلة ابن المغيرة و رواية سليمان بن خالد المتقدّمتين «3».

و الواردة فيهما و إن كانت بلفظ الأمر إلّا أنّهما تعارضان صحيحة زرارة:

عن الصلاة في العيدين فقال: «الصلاة فيهما سواء يكبّر الإمام تكبيرة الصلاة قائما كما يصنع في الفريضة، ثمَّ يزيد في الركعة الأولى ثلاث تكبيرات و في الأخرى ثلاثا سوى تكبيرة الصلاة و الركوع و السجود، إن شاء ثلاثا و خمسا، و إن شاء خمسا و سبعا، بعد أن يلحق ذلك إلى وتر» «4».

______________________________

(1) حكاه عن المفيد في المقنعة في الحدائق 10: 242، و لم نجده فيها، التهذيب 3: 134، حكاه عن الخلاف في الذخيرة: 321، المعتبر 2: 312، الشرائع 1: 101، النافع: 38، المنتهى 1 341، التحرير 1: 46، الذكرى: 241.

(2) لم نجد فيهم من صرّح بالاستحباب و قال في المدارك 4: 104 إنّ الوجوب أصحّ، و في البحار 78:

351: الاحتياط في الإتيان بهما، و في الكفاية: 21، و كشف اللثام 1: 263، و الحدائق 10:

243: الأقرب الوجوب.

(3) في ص 164، 188.

(4) التهذيب 3: 134- 291، الاستبصار 1: 447- 1732، الوسائل 7: 438 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 193

المؤيّدة برواية الغنويّ: عن التكبير في الفطر و الأضحى، قال: «خمس و أربع، فلا يضرّك إذا انصرفت على وتر» «1».

و الرضويّ: «روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام صلّى بالناس صلاة العيد فكبّر في الركعة الأولى ثلاث تكبيرات، و في الثانية خمس تكبيرات، و قرأ فيهما سبّح اسم ربّك الأعلى و هل أتاك حديث الغاشية» «2».

فإنّ التعليق في الأولى على المشيّة، و

نفي الضرر إذا انصرف على الوتر مطلقا في الثانية، و فعل عليّ عليه السلام في الثالثة، قرائن على عدم إرادة الحقيقة من الأمر في الخبرين، و لولاها لكان التعارض موجبا للرجوع إلى الأصل.

و ترجيح الدالّ على الوجوب لكون الروايات الأخيرة موافقة لمذهب كثير من العامّة- على ما في الاستبصار «3»- غير جيّد؛ إذ لا يعلم هذا الكثير هل كانوا في زمان صدور الرواية أو بعده، و هل كان المخالفون لهم أكثر أم لا.

مضافا إلى عدم إمكان حمل الأمر في المرسلة على حقيقته؛ لقوله: «و غير جماعة» مع عدم وجوب الصلاة فرادى إجماعا فلا يكون تكبيرها واجبا، و الوجوب الشرطيّ مجاز كالندب. و أيضا: أمر بالسبع و الخمس، و فيهما تكبير الركوع الغير الواجب قطعا.

خلافا للسيّد و الإسكافي و الحلّي و الحلبي و الاستبصار و القواعد و شرحه «4»، بل الأكثر كما في المختلف و الذكرى و النكت و روض الجنان و شرح الألفية

______________________________

(1) التهذيب 3: 286- 854، الوسائل 7: 437 أبواب صلاة ب 10 ح 14.

(2) فقه الرضا «ع»: 132- 133، مستدرك الوسائل 6: 126 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 4.

(3) الاستبصار 1: 448.

(4) السيد في الانتصار: 56، و جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 44- 45، و الناصريات (الجوامع الفقهية): 203، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 112، الحلي في السرائر 1: 316، الحلبي في الكافي في الفقه: 153- 154، الاستبصار 1: 447، القواعد 1: 39، جامع المقاصد 2: 455.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 194

و غيرها «1»، بل ظاهر الاستبصار الإجماع عليه «2»، فأوجبوها لما أشير إليه بجوابه.

و أمّا القنوت فبالإجماع و الأخبار، و أمّا استحبابه فوفاقا لكلّ من قال

باستحباب التكبيرات و بعض من قال بوجوبها؛ للأصل السالم عن معارضة غير الجمل الخبريّة الغير المفيدة للوجوب، مضافا إلى كونه لازم استحباب التكبيرات.

خلافا للمحكيّ عن الأكثر «3»، و عن الانتصار الإجماع عليه «4»؛ لما ذكر بجوابه.

و قد يستدلّ له و لوجوب بعض ما مرّ أيضا بالتأسي و أصل الاشتغال، و جوابهما ظاهر.

و أمّا كونه خمسة في الاولى و أربعة في الثانية، فلصحيحة الكنانيّ المفصّلة «5»، و موثّقة سماعة «6»، و روايتي جابر «7»، و محمّد بن عيسى بن أبي منصور «8»، المصرّحة بأنّ بين كلّ تكبيرتين في صلاة العيد الدعاء، خرج ما بين تكبيرة الافتتاح و غيره بالإجماع، فيبقى الباقي.

و أمّا ما تضمّن ذكر الدعاء بين كلّ تكبيرتين من الخمس و الأربع فلا ينافي ذلك؛ إذ لا منافاة بين استحبابه بين كلّ اثنتين منها و بين استحباب غيره أيضا، مع أنّ إرادة بين كلّ تكبيرتين من الخمس و الأربع و تكبيرة الركوع أيضا ممكنة.

______________________________

(1) المختلف: 112، الذكرى: 241، روض الجنان: 301، و انظر: جامع المقاصد 2: 455، و المدارك 4: 104.

(2) الاستبصار 1: 448.

(3) كما في التنقيح 1: 237، و الروض: 301، و المفاتيح 1: 149، و الرياض 1: 197.

(4) الانتصار: 57.

(5) الفقيه 1: 324- 1485، التهذيب 3: 132- 290، الاستبصار 1: 450- 1743، الوسائل 7: 469 أبواب صلاة العيد ب 26 ح 5.

(6) التهذيب 3: 131- 283، الاستبصار 1: 450- 1742، الوسائل 7: 439 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 19.

(7) التهذيب 3: 140- 315، الوسائل 7: 468 أبواب صلاة العيد ب 26 ح 3.

(8) التهذيب 3: 139- 314، الوسائل 7: 468 أبواب صلاة العيد ب 26 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6،

ص: 195

فروع:
[الأول ]

أ: يستحبّ التوجّه بالتكبيرات المستحبّة الافتتاحيّة في الصلوات اليوميّة هنا أيضا، كما صرّح به في الذكرى «1»؛ لعمومات استحبابها و إطلاقاتها كما تقدّمت في موضعه.

و قال بعض مشايخنا الأخباريّين بعدم استحبابها؛ للأصل، حيث إنّ المتبادر من الإطلاقات الفرائض اليوميّة.

و اتّفاق أخبار صلاة العيد على عدم ذكر هذه التكبيرات.

و المرويّ في العلل و العيون: فلم جعل سبع في الاولى و خمس في الأخيرة و لم يسوّ بينهما؟ قيل: «لأنّ السنّة في صلاة الفريضة أن يستفتح بسبع تكبيرات فلذلك بدئ هنا بسبع تكبيرات، و جعل في الثانية خمس تكبيرات لأنّ التحريم من التكبير في اليوم و الليلة خمس تكبيرات» «2» قال: و قضيّة ذلك عدم الإتيان بالسبع الافتتاحيّة و إلّا للزم الجمع بين العوض و المعوّض عنه «3».

و يردّ: بأنّ الأصل بالإطلاقات مدفوع، و التبادر الذي ادّعاه ممنوع.

و عدم ذكرها في هذه الأخبار لا يدلّ على عدم الاستحباب بعد ذكرها في أخبار أخر، و لذا لا ينكر استحباب تكبيرات السجود و لا بعض مستحبّات أخر، و لا وجوب ذكر الركوع و السجود و نحوها، مع عدم ذكرها في هذه الأخبار.

و رواية العلل لا تدلّ على أنّ السبع عوض عن هذه السبع و إلّا لزم كونها ثمانا؛ لاستحباب تكبيرة الركوع في كلّ صلاة. بل يمكن أن يكون المراد أنّه لمّا كان افتتاح الصلوات بسبع كان المناسب أن تكون التكبيرة الأولى التي هي أيضا

______________________________

(1) الذكرى: 243.

(2) العلل: 270، العيون 2: 114، الوسائل 7: 433 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 1.

(3) الحدائق 10: 258.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 196

كالافتتاح سبعا حتّى يتوافق الافتتاحان.

[و الثاني ]

ب: لا خلاف في وجوب السورة في الركعتين، و لا في عدم تعيّن سورة،

و لا في أفضليّة السور الثلاث: الأعلى و الشمس و الغاشية.

و إنّما الخلاف في الأفضل منها في كلّ من الركعتين.

فعن الخلاف و السيّد و المفيد و الحلبيّ و القاضي و ابن زهرة و المدارك و غيرهم:

أنّه الشمس في الاولى و الغاشية في الثانية «1»؛ لصحيحتي معاوية و جميل المتقدمتين «2». إلّا أنّ في الثانية زاد «و أشباههما» فليست صريحة في أفضليّتهما، و مع ذلك لم تعيّن فيها وظيفة كلّ ركعة إلّا بترتيب الذكر الضعيف دلالته.

و عن المبسوط و النهاية و المقنع و الفقيه و النافع و القواعد و الإرشاد و جمع آخر:

أنّه الأعلى في الاولى و الشمس في الثانية «3»؛ لرواية الجعفيّ السابقة «4»، و صحيحة الكناني و فيها: «و تقرأ الحمد و سبّح اسم ربك الأعلى، و تكبّر السابعة، و تركع و تسجد، و تقوم، و تقرأ الحمد و و الشمس و ضحاها» «5» الحديث.

و عن عليّ بن بابويه: أنّه الغاشية في الاولى و الأعلى في الثانية «6»، و عن العمانيّ: نحوه في الاولى و الشمس في الثانية «7»؛ للرضويّ: «و اقرأ في الركعة الأولى

______________________________

(1) الخلاف 1: 662، السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 44، المفيد في المقنعة: 194- 195، الحلبي في الكافي في الفقه: 153، القاضي في المهذّب 1: 122، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 561، المدارك 4: 108، و انظر كشف اللثام 1: 258.

(2) في ص 187.

(3) المبسوط 1: 170، النهاية: 135، الهداية: 52، الفقيه 1: 324، النافع: 37، القواعد 1:

38، الإرشاد 1: 259- 260؛ و انظر السرائر 1: 316، و المراسم: 78، و الجوامع للشرائع:

107.

(4) في ص 188.

(5) الفقيه 1: 324- 1485، التهذيب 3: 132- 290،

الوسائل 7: 469 أبواب صلاة العيد ب 26 ح 5.

(6) حكاه عنه في المختلف: 112.

(7) حكاه عنه في المختلف: 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 197

هل أتاك حديث الغاشية، و في الثانية و الشمس أو سبّح اسم» «1».

و لا يخفى أنّه لا يوافق تعينّهما في الثانية، نعم المرويّ عن أمير المؤمنين عليه السلام في الرضويّ السابق يعيّن الأعلى فيها «2».

أقول:

الظاهر التخيير بين مفاد هذه الأخبار و إن كان القولان الأوّلان أولاها؛ لأشهريتهما و أصحيّة أخبارهما. و كان الأولى منهما ثانيهما؛ لأكثريّة أخباره، فتأمّل.

[و الثالث ]

ج: لا يتعيّن في القنوت لفظ مخصوص وجوبا؛ للأصل و عدم صراحة ما تضمنّه في الوجوب، و صحيحة محمّد: عن الكلام الذي يتكلّم به فيما بين التكبيرتين في العيدين، فقال: «ما شئت من الكلام الحسن» «3».

و يعضده اختلاف الروايات في القنوت المرسوم بينهم.

و ربّما ظهر من عبارة الحلبي وجوب «اللّهم أهل الكبرياء و العظمة» إلى آخره «4»، و هو شاذّ.

و يستحبّ القنوت بالمأثورات و يتخيّر بينها «5».

[و الرابع ]

د: يستحبّ رفع اليدين مع كلّ تكبيرة، كما صرّح به جملة من الأصحاب؛ لرواية يونس: عن تكبير العيدين أ يرفع يده مع كلّ تكبيرة أم يجزيه أن يرفع في أوّل تكبيرة؟ فقال: «يرفع يده مع كلّ تكبيرة» «6».

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 131، مستدرك الوسائل 6: 126 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 4.

(2) راجع ص 193 و فيه: «و قرأ فيهما سبّح اسم ربّك الأعلى و هل أتاك حديث الغاشية». و مقتضى الترتيب في الذكر تعيّن الغاشية في الثانية.

(3) التهذيب 3: 288- 863، الوسائل 7: 467 أبواب صلاة العيد ب 26 ح 1.

(4) الكافي في الفقه: 154.

(5) القنوت المشهور مذكور في مصباح المتهجّد: 598، و ذكره ابن طاوس أيضا في الإقبال: 289.

(منه رحمه اللَّه.

(6) التهذيب 3: 288- 866، الوسائل 7: 474 أبواب صلاة العيد ب 30 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 198

[و الخامس ]

ه: يستحبّ رفع اليدين عند كلّ قنوت تلقاء وجهه؛ لبعض ما مرّ في بحث القنوت.

[و السادس ]

و: يستحبّ الجهر بالقراءة فيها للإمام و المنفرد؛ لصحيحة ابن سنان و فيها: «و يجهر بالقراءة كما يجهر في الجمعة» «1».

[و السابع ]

ز: تستحبّ الخطبة لها في الجماعة بالإجماع، كما صرّح به في المعتبر «2»، و هو الحجّة فيه مضافا إلى الأخبار المصرّحة بثبوت الخطبة لها مطلقا القاصرة عن إفادة الوجوب.

منها: المرويّ في العلل و العيون: و إنّما جعلت الخطبة يوم الجمعة في أوّل الصلاة و جعلت في العيدين بعد الصلاة لأنّ الجمعة أمر دائم- إلى أن قال-:

و العيد إنّما هو في السنة مرتين و الناس إليه أرغب، و إن تفرّق بعض الناس بقي عامّتهم «3».

و فيه إشعار باختصاصها بصلاة الجماعة، فلا تستحبّ للمنفرد، و الظاهر أنّه إجماعيّ.

و الخطبة فيهما كما في صلاة الجمعة حتّى في التعدّد، إلّا أنّهما هنا بعد الصلاة بالإجماع المحقّق و المحكيّ في طائفة من كلماتهم «4». و النصوص به و بأنّ تقديمهما على الصلاة من بدع عثمان مستفيضة «5».

و يستحبّ للحاضرين استماعهما؛ للنصّ «6».

[و الثامن ]

ح: لو نسي التكبيرات أو القنوت- كلّا أو بعضا- حتّى يدخل في الركوع مضى في صلاته.

______________________________

(1) التهذيب 3: 130- 282، الوسائل 7: 476 أبواب صلاة العيد ب 32 ح 1.

(2) المعتبر 2: 324.

(3) العلل: 265، العيون 2: 110، الوسائل 7: 443 أبواب صلاة العيد ب 11 ح 12.

(4) كما في الخلاف 1: 662، و التذكرة 1: 159.

(5) الوسائل 7: 440 أبواب صلاة العيد ب 11.

(6) الدعائم 1: 186، مستدرك الوسائل 6: 146 أبواب صلاة العيد ب 25 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 199

أمّا على المختار من استحبابها فظاهر.

و أمّا على القول بالوجوب فلأنّه لا يمكن تداركه في الصلاة؛ إذ بالرجوع إلى موضعه يزيد الركن و هو مبطل، و فعله بعد الركوع موقوف على الدليل، و إعادة الصلاة منفيّة بعموم صحيحة زرارة: «لا تعاد الصلاة إلّا

من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود» «1».

و هل يقضي المنسيّ بعد الصلاة على الوجوب؟.

قيل: نعم «2»؛ لصحيحة ابن سنان: «إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا ثمَّ ذكرت فاصنع الذي فاتك سهوا» «3».

و قيل: لا «4»، و هو الحقّ؛ للأصل، و ضعف دلالة الصحيحة، للزوم تخصيصها إمّا بالتذكّر في الصلاة قبل فوات المحلّ، أو بغير الركوع و السجودين و تكبيرات الصلوات اليوميّة، لأنّها بين مستحبّة و بين مبطل تركها للصلاة. و الأول أولى بل متعيّن؛ لكون الثاني تخصيصا للأكثر.

و لو زاد التكبير فلا يضرّ على المختار. و على الآخر يبطل مع العمد؛ لأصالة بطلان الصلاة بالزيادة فيها كما مرّ. دون السهو؛ للإجماع على عدم إبطال زيادة غير الركن سهوا.

[و التاسع ]

ط: لو شكّ في عدد التكبير بنى على الأقلّ؛ للأصل. و لو ذكر الإتيان به بعد فعله لم يضرّ على القولين.

[و العاشر]

ى: لا يتحمل الإمام غير القراءة؛ لأصالة عدم السقوط، فيأتي المأموم

______________________________

(1) الفقيه 1: 225- 991، الوسائل 6: 91 أبواب صلاة العيد ب 29 ح 5.

(2) نسبه في المعتبر 2: 315 و في المدارك 4: 110 إلى الشيخ، و لكن لم نجده فيها بأيدينا من كتب الشيخ، و قال في مفتاح الكرامة 3: 205: و ليس لذلك في الخلاف عين و لا أثر.

(3) الفقيه 1: 228- 1007، التهذيب 2: 350- 1450، الوسائل 6: 316 أبواب الركوع ب 12 ح 3.

(4) كما في المعتبر 2: 315.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 200

بالتكبيرات و القنوتات.

[و الحادي عشر]

يا: لو أدرك المأموم بعض التكبيرات مع الإمام دخل معه، فإذا ركع الإمام أتى بالتكبير و القنوت مخففا، و لحق به في الركوع، و إن لم يمكن ذلك ترك من التكبير و القنوت ما يمنعه من اللحوق، على المختار، و على القول بالوجوب فيحتمل تركه مطلقا أو مع قضائه بعد التسليم، و ترك المتابعة و نيّة الانفراد، و ترك القنوت خاصّة، و بطلان الصلاة. و اللَّه أعلم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 201

البحث الخامس في سائر ما يتعلّق بهذا الباب
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: يستحبّ في صلاة العيدين زيادة على ما مرّ أمور:
منها: أن يصلّي في مكان بارز

- أي غير مسقّف- بالإجماع؛ له، و لصحيحة أبي بصير: «لا ينبغي أن تصلّي صلاة العيد في مسجد مسقّف و لا في بيت، إنّما تصلّي في الصحراء أو في مكان بارز» «1».

و أن يكون مكانا يرى فيه آفاق السماء؛ للمستفيضة من الأخبار «2».

و الأفضل الإصحار بها أي الخروج إلى الصحراء، بالإجماع كما نقله جماعة «3»؛ و هو الدليل عليه، مضافا إلى المعتبرة، كمرفوعة محمّد: «السنّة على أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في العيدين، إلّا أهل مكّة فإنّهم يصلّون في المسجد الحرام» «4».

و صحيحة معاوية: «و ينبغي للإمام أن يلبس يوم العيدين بردا، و يعتم، شاتيا كان أو قائظا، و يخرج إلى البر حيث ينظر إلى آفاق السماء، و لا يصلّي على حصير و لا يسجد عليه» «5».

______________________________

(1) الفقيه 1: 322- 1471، الوسائل 7: 449 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 2.

(2) الوسائل 7: 449 أبواب صلاة العيد ب 17.

(3) انظر: المنتهى 1: 344، و الذخيرة: 322، و الرياض 1: 195.

(4) الكافي 3: 461 الصلاة ب 93 ح 10، التهذيب 3: 138- 307، الوسائل 7: 451 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 8.

(5) الكافي 3: 460 الصلاة ب 93 ح 3، التهذيب 3: 129- 278، الوسائل 7: 440 أبواب صلاة العيد ب 11 ح 1 و ب 17 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 202

و مرسلة الفقيه: عن قول اللَّه عزّ و جل قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى قال: «من أخرج الفطرة» فقيل له وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى قال: «خرج إلى الجبّانة فصلّى» «1» و الجبّانة و الجبّان: الصحراء.

و عن النهاية: لا تجوز إلّا في الصحراء «2». قيل: و لعلّ

مراده تأكّد الاستحباب «3».

و مقتضى المرفوعة و رواية أخرى «4» استثناء مكّة- كما صرّح به أكثر الأصحاب أيضا «5»- فإنّ أهلها يصلّون في المسجد الحرام. و لتكن فيه أيضا تحت السماء؛ للعمومات السابقة.

و ألحق بها الإسكافيّ المدينة؛ للحرمة «6». و عن الحلّي حكايته عن طائفة أيضا «7».

و يردّه العمومات و خصوص رواية المراديّ «8».

و يستثنى أيضا حال الضرورة المانعة عن الخروج، و وجهه ظاهر. بل الموجبة لمشقّة، كمطر أو وحل أو برد أو حرّ أو خوف؛ لعمومات نفي العسر و الحرج، و عدم إرادة اللَّه سبحانه العسر من العباد، و في بعض الأخبار إشعار به أيضا.

و منها: يستحبّ أن يكون الخروج بعد طلوع الشمس

، بالإجماع كما عن

______________________________

(1) الفقيه 1: 323- 1478، الوسائل 7: 450 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 4.

(2) النهاية: 133.

(3) الرياض 1: 195.

(4) الفقيه 1: 321- 1470، الوسائل 7: 449 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 3.

(5) انظر المعتبر 2: 316، و الذخيرة: 322، و الرياض 1: 195.

(6) حكاه عنه في المختلف: 115.

(7) السرائر 1: 318.

(8) الكافي 3: 460 الصلاة ب 93 ح 4، الوسائل 7: 451 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 203

الخلاف «1»؛ لأنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كان يخرج بعده كما في بعض الأخبار «2»، و مولانا الرضا عليه السلام خرج بعده «3».

و لصحيحة زرارة: «أذانهما طلوع الشمس، فإذا طلعت خرجوا» «4».

و موثّقة سماعة: عن الغدوّ إلى الصلاة في الفطر و الأضحى، فقال: «بعد طلوع الشمس» «5».

و المرويّ في الإقبال: «لا تخرج من بيتك إلّا بعد طلوع الشمس» «6».

و عن المفيد أنّ وقته قبل الطلوع «7»، و لا مستند له واضحا، و ما مرّ يردّه، و

نسب إلى ظاهر جوامع الجامع للطبرسي أيضا «8»، و لا ظهور له فيه.

و منها: أن يسجد على الأرض دون غيرها ممّا يصحّ السجود عليه

، إظهارا لمزيد التذلّل فيها؛ و عليه تدلّ جملة من الصحاح و غيرها «9».

بل يستحبّ أن يصلّي على الأرض بحيث لا يكون تحته بساط و لا بارية و لا حصير، لصحيحة معاوية و فيها: «لا تصلّينّ يومئذ على بساط و لا بارية» «10» و اخرى و فيها- في صلاة العيد-: «و لا يصلى على حصير و لا يسجد عليه» «11».

______________________________

(1) الخلاف 1: 675.

(2) الوسائل 7: 452 أبواب صلاة العيد ب 18.

(3) كما في الوسائل 7: 453 أبواب صلاة العيد ب 19 ح 1.

(4) الكافي 3: 459 الصلاة ب 92 ح 10، التهذيب 3: 129- 276، الوسائل 7: 429 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 5.

(5) التهذيب 3: 287- 859، الوسائل 7: 473 أبواب صلاة العيد ب 29 ح 2.

(6) الإقبال: 281، الوسائل 7: 452 أبواب صلاة العيد ب 18 ح 2.

(7) المقنعة: 194.

(8) جوامع الجامع: 493.

(9) انظر: الوسائل 7: 449 أبواب صلاة العيد ب 17.

(10) التهذيب 3: 285- 849، الوسائل 7: 451 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 10.

(11) الكافي 3: 460 الصلاة ب 93 ح 3، التهذيب 3: 129- 278، الوسائل 7: 450 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 204

و يدلّ عليه الرضويّ الآتي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 6    204     و منها: الخروج إلى الصلاة - جماعة أو فرادى - بعد الغسل، متطيبا، لابسا أحسن ثيابه ..... ص : 204

و منها: أن يقول المؤذّن عوض الأذان و الإقامة- فإنّه لا أذان لها و لا إقامة-: الصلاة، بالرفع أو النصب، ثلاثا

، بلا خلاف فيه بين العلماء كما قيل «1»، لصحيحة إسماعيل بن جابر: أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان و إقامة؟ قال:

«ليس فيهما أذان و لا إقامة، و لكنّها ينادى: الصلاة، ثلاث مرّات» «2»

إلى غير ذلك.

و عن العمانيّ: أنّه يقال: الصلاة جامعة «3»، و لم نقف على مستنده.

و هل المقصود من النداء الإعلام بالخروج إلى الصلاة فينادي عند الخروج، أو بالدخول فيها فينادي عند القيام إليها؟.

الظاهر تأدّي السنّة بكلّ منهما كما قيل «4».

و الظاهر اختصاص هذا النداء بالجماعة، فلا نداء في الانفراد.

و منها: الخروج إلى الصلاة- جماعة أو فرادى- بعد الغسل، متطيّبا، لابسا أحسن ثيابه

، كما استفاضت به الروايات.

منها:

صحيحة ابن سنان المتقدّمة «5»، و الرضوي: «و إذا أصبحت يوم الفطر اغتسل، و تطيّب، و تمشّط، و البس أنظف ثيابك، و أطعم شيئا من قبل أن تخرج إلى الجبّانة، فإذا أردت الصلاة فابرز تحت السماء، و قم على الأرض، و لا تقم على غيرها» «6».

______________________________

(1) المدارك 4: 113.

(2) الفقيه 1: 322- 1473، التهذيب 3: 290- 873، الوسائل 7: 428 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 1.

(3) حكاه عنه في المنتهى 1: 245.

(4) المدارك 4: 113.

(5) في ص 164.

(6) فقه الرضا «ع»: 213، مستدرك الوسائل 7: 133 أبواب صلاة العيد ب 14 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 205

و المروي في الدعائم: «ينبغي لمن خرج إلى العيد أن يلبس أحسن ثيابه، و يتطيّب بأحسن طيبه» «1».

و منها: خروج الإمام حافيا، ماشيا، مشمّرا ثيابه

، لخروج النبيّ و الوصيّ و مولانا الرضا عليه السلام كذلك، كما تدلّ عليه الرواية المرويّة في خروج مولانا عليه السلام في مرو، و فيها: أنّه لما بعث إليه المأمون أن يصلّي العيد، قال: «و إن لم تعفني خرجت كما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السلام» فقال المأمون: اخرج كيف شئت، و أمر المأمون القوّاد و الناس أن يركبوا و يباكروا إلى باب أبي الحسن عليه السلام- إلى أن قال-: فلمّا طلعت الشمس قام فاغتسل و تعمم بعمامة بيضاء من قطن، ألقى طرفا منها على صدره و طرفا بين كتفيه، و تشمّر، و قال لجميع مواليه: «افعلوا مثل ما فعلت» ثمَّ أخذ بيده عكازا، ثمَّ خرج و نحن بين يديه، و هو حاف قد شمّر سراويله إلى نصف الساق، و عليه ثياب مشمّرة- إلى أن قال-:

فتزعزعت مرو بالبكاء و الضجيج و الصياح لمّا نظروا إلى أبي الحسن عليه السلام، و سقط القوّاد عن دوابهم و رموا بخفافهم «2» الحديث.

و منه يثبت استحباب ذلك للمأمومين أيضا، و تدلّ عليه حكاية الإجماع على الإطلاق عن التذكرة و نهاية الإحكام «3»، و المروي في المعتبر و التذكرة: أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يقول: «من اغبرت قدماه في سبيل اللَّه تعالى حرمهما على النار» «4».

و هذا أيضا سبيل اللَّه، كما يدلّ عليه المروي في الدعائم: عن عليّ عليه السلام أنّه كان يمشي في خمس مواطن حافيا و يعلّق نعليه بيده اليسرى، و كان

______________________________

(1) الدعائم 1: 185، مستدرك الوسائل 6: 130 أبواب صلاة العيد ب 11 ح 1.

(2) الكافي 1: 488 الحجّة ب 11 ح 7، العيون 2: 147- 21، الوسائل 7: 453 أبواب صلاة العيد ب 19 ح 1.

(3) التذكرة 1: 159، نهاية الإحكام 2: 64.

(4) المعتبر 2: 317، التذكرة 1: 160، و الحديث عامي موجود في مسند أحمد 3: 479.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 206

يقول: إنّها مواطن للَّه فأحبّ أن أكون فيها حافيا، يوم الفطر، و يوم النحر، و يوم الجمعة، و إذا عاد مريضا، و إذا شهد جنازة «1».

بل يستفاد من إطلاق الإجماع و ما بعده استحبابه للمنفرد.

و كذا يظهر من رواية صلاة مولانا استحباب التعمّم لكلّ من الإمام و المأموم، و يدلّ عليه بعض روايات أخر «2».

و منها: الذهاب إلى المصلّى من طريق و العود من آخر

، بل الظاهر استحباب ذلك في كلّ ذهاب و إياب، ففي رواية السكونيّ: إنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله كان إذا خرج إلى العيدين لم يرجع عن الطريق الذي بدأ فيه، يأخذ في طريق غيره «3».

و في رواية

موسى بن عمر: قلت للرضا عليه السلام: إنّ الناس رووا أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله كان إذا أخذ في طريق رجع في غيره، فهكذا كان؟

قال: فقال: «نعم فأنا أفعل كثيرا» ثمَّ قال لي: «أما إنّه أرزق لك» «4».

و نحوه روي في الإقبال، و في آخره: «و هكذا فافعل فإنّه أرزق لك» «5».

المسألة الثانية: يستحبّ أن يطعم قبل خروجه إلى الصلاة في عيد الفطر، و بعد عوده في الأضحى

، بإجماع أصحابنا كما نصّ عليه جماعة «6»، و هو الحجّة فيه، للنصوص المستفيضة، منها: رواية المدائنيّ: «اطعم يوم الفطر قبل أن تصلّي، و لا تطعم يوم الأضحى حتّى ينصرف الإمام» «7».

______________________________

(1) الدعائم 1: 185، مستدرك الوسائل 6: 136 أبواب صلاة العيد ب 15 ح 3.

(2) انظر: الوسائل 7: 440 أبواب صلاة الجمعة ب 11.

(3) الفقيه 1: 323- 1479، الوسائل 7: 479 أبواب صلاة العيد ب 36 ح 1.

(4) الكافي 5: 314 المعيشة ب 159 ح 41، الكافي 8: 147- 124، الوسائل 7: 479 أبواب صلاة العيد ب 36 ح 2.

(5) الإقبال: 283، الوسائل 7: 479 أبواب صلاة العيد ب 36 ذ. ح 2.

(6) منهم المحقق في المعتبر 2: 317، و العلّامة في التذكرة 1: 159، و صاحب المدارك 4: 114.

(7) الكافي 4: 168 الصيام ب 26 ح 2، الفقيه 2: 113- 483، التهذيب 3: 138، 310، الوسائل 7: 444 أبواب صلاة العيد ب 12 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 207

و يؤكّده أنّ الصدقة في الفطر قبل الصلاة و في الأضحى بعدها، فاستحبّ فيهما أن يكون الأكل حين أكل المساكين لتشاركهم فيه، و لأنّ في تعجيل الإطعام في الفطر دفعا لهواجس النفس، و في الأضحى يستحبّ الأكل من الأضحيّة و لا يكون إلّا بعد الصلاة.

و يستحبّ في

الأوّل الحلو، لفتوى جماعة- منهم: المبسوط و السرائر و المهذّب و المنتهى و التحرير و التذكرة «1»- به.

و أفضل الحلو التمر أو الزبيب أو السكّر، للمرويّين في الإقبال و الفقه الرضويّ:

الأوّل: «كل تمرات يوم الفطر، فإن حضرك قوم من المؤمنين فأطعمهم مثل ذلك» «2».

و الثاني: «و الذي يستحبّ الإفطار عليه يوم الفطر الزبيب و التمر، و أروي عن العالم الإفطار على السكّر» «3».

و في الثاني أضحيته إن كان ممّن يضحى، للأخبار، منها: صحيحة زرارة:

«لا تخرج يوم الفطر حتّى تطعم شيئا، و لا تأكل يوم الأضحى إلّا من هديك و أضحيّتك إن قويت عليه، و إن لم تقو فمعذور» «4».

و أمّا الإفطار بالتربة الحسينيّة فقد ورد في بعض الروايات «5»، و لكن لشذوذه- كما صرّح به في الروضة و غيرها «6»- يشكل تخصيص أخبار الحرمة به «7»، فالترك

______________________________

(1) المبسوط 1: 169، السرائر 1: 318، المهذّب 1: 121، المنتهى 1: 345، التحرير 1: 46، التذكرة 1: 159.

(2) الإقبال: 281، الوسائل 7: 445 أبواب صلاة العيد ب 13 ح 2.

(3) فقه الرضا «ع»: 210، مستدرك الوسائل 6: 130 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 2.

(4) الفقيه 1: 321- 1469، الوسائل 7: 443 أبواب صلاة العيد ب 12 ح 1.

(5) انظر: الوسائل 7: 445 أبواب صلاة العيد ب 13 ح 1.

(6) الروضة 1: 308، و انظر: مجمع الفائدة 2: 409.

(7) كما في الوسائل 24: 220 و 226 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58 و 59.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 208

أحوط.

المسألة الثالثة: يرجّح التكبير في العيدين
اشارة

، بالإجماع، و الأخبار المستفيضة بل المتواترة، الآتي ذكر جملة منها.

و لا يجب، بل يستحبّ على الأقوى الأشهر، بل عليه كافّة من تأخّر، و في شرح القواعد: أنّه

قول الأكثر، بل قال بإمكان ادّعاء الإجماع عليه «1»، بل عن المنتهى عليه الإجماع «2».

للأصل، و رواية النقّاش: «أما إنّ في الفطر تكبيرا و لكنّه مسنون» قال، قلت: و أين هو؟ قال: «في ليلة الفطر في المغرب و العشاء الآخرة و في صلاة الفجر و في صلاة العيد، ثمَّ يقطع» قال، قلت: كيف أقول؟ قال: تقول: «اللَّه أكبر اللَّه أكبر، لا إله إلّا اللَّه، و اللَّه أكبر اللَّه أكبر اللَّه أكبر «3»، و للَّه الحمد، اللَّه أكبر على ما هدانا، و هو قول اللَّه تعالى وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ- يعني الصيام- وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ » «4».

و صحيحة عليّ: عن التكبير أيّام التشريق أ واجب هو أم لا؟ قال:

«يستحبّ، و إن نسي فلا شي ء عليه» «5».

و المرويّ في مستطرفات السرائر: عن التكبير بعد كلّ صلاة، قال: «كم شئت، إنّه ليس بمفروض» «6».

______________________________

(1) جامع المقاصد 2: 448- 449.

(2) المنتهى 1: 247.

(3) التكبير الثالث لا يوجد في المصادر، و هو موافق لنسخة الوافي 9: 1341.

(4) الكافي 4: 166 الصيام ب 35 ح 1، الفقيه 2: 108- 464، التهذيب 3: 138- 311، الوسائل 7: 455 أبواب صلاة العيد ب 20 ح 2.

(5) التهذيب 5: 488- 1745، قرب الإسناد: 221- 862، الوسائل 7: 461 أبواب صلاة العيد ب 21 ح 10.

(6) مستطرفات السرائر: 30- 27، الوسائل 7: 465 أبواب صلاة العيد ب 24 ذ. ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 209

و حمل السنة في الأولى على الوجوب النبويّ دون الكتابيّ- مع عدم مناسبته للاستدراك فيه- ينافي ذيلها المصرّح بالوجوب الكتابيّ، كما دلّ عليه بعض نصوص أخر، و صرّح به جمع من المفسرين منهم: التبيان و المجمع و

فقه القرآن للراونديّ «1»، و كذا ينافي قوله سبحانه وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ «2» فإنّها أيّام التشريق، و الذكر فيها التكبير كما في الخبر الصحيح «3».

و منه يظهر عدم إمكان حمل الفرض المنفيّ في الأخير على الكتابيّ أيضا، مع أنّه غير ملائم لجعله النفي علّة للتفويض إلى المشيّة.

كما أنّ العدول إلى الجواب بقوله «يستحبّ» في الثانية لا يلائم حمل الاستحباب فيها على المعنى الشامل للوجوب أيضا، بل هو صريح في أنّ المراد به المعنى المصطلح.

نعم يمكن الخدش في دلالة الأخيرة بعدم صراحتها في التكبيرات المطلوبات، فيحتمل المسنون في التعقيب.

خلافا للمنقول في الفطر خاصّة عن متشابه القرآن لابن شهرآشوب «4»، و في الأضحى كذلك مطلقا عن جمل السيّد «5»، و على من كان بمنى عن التبيان و المبسوط و الاستبصار و الجمل و العقود و روض الجنان للشيخ أبي الفتوح و فقه القرآن للراونديّ و القاضي و ابن حمزة «6»، و فيهما عن السيّد و الإسكافيّ «7».

______________________________

(1) التبيان 2: 125، مجمع البيان 1: 277، فقه القرآن 1: 160.

(2) البقرة: 203.

(3) انظر: الوسائل 7: 457 أبواب صلاة العيد ب 21.

(4) متشابهات القرآن 2: 177.

(5) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 45.

(6) التبيان 2: 125، المبسوط 1: 170، الاستبصار 2: 299، الجمل و العقود (الرسائل العشر):

248، فقه القرآن 1: 160، القاضي في المهذّب 1: 261، ابن حمزة في الوسيلة: 112.

(7) السيّد في الانتصار: 57، حكاه عن الإسكافي في المختلف 1: 115.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 210

للإجماع، حكاه في الانتصار «1».

و طريقة الاحتياط.

و الأمر به في الآيات الثلاثة الواردة في هذه التكبيرات «2»، كما صرّحت به الروايات و الأخبار كالمرويّ في الخصال: «و

التكبير في العيدين واجب، أمّا في الفطر ففي خمس صلوات يبتدئ به من صلاة المغرب ليلة الفطر إلى صلاة العصر من يوم الفطر، و هو أن يقول: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر، و للَّه الحمد، اللَّه أكبر على ما هدانا، و الحمد للَّه على ما أبلانا، يقول اللَّه عزّ و جلّ:

وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ «3».

و في العيون: «و التكبير في العيدين واجب، في الفطر دبر خمس صلوات و يبدأ في دبر المغرب ليلة الفطر» «4».

و نحوه المرويّ في تحف العقول «5».

و موثّقة عمّار: «التكبير واجب دبر كلّ فريضة أو نافلة أيّام التشريق» «6».

و اخرى: عن الرجل ينسى أن يكبّر أيّام التشريق، قال: «إن نسي حتّى قام من موضعه فليس عليه شي ء» «7».

دلّت بمفهوم الشرط على وجوب شي ء لو لم ينتبه حتى قام من موضعه.

______________________________

(1) الانتصار: 58.

(2) البقرة: 185 وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ البقرة: 203 وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ الحج: 28 وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ .

(3) الخصال: 609، الوسائل 7: 457 أبواب صلاة العيد ب 20 ح 6.

(4) العيون 2: 124، الوسائل 7: 456 أبواب صلاة العيد ب 20 ح 5.

(5) تحف العقول: 422، الوسائل 7: 456 أبواب صلاة العيد ب 20 ذ. ح 5.

(6) التهذيب 5: 270- 923، الاستبصار 2: 299- 1070، الوسائل 7: 466 أبواب صلاة العيد ب 25 ح 1.

(7) التهذيب 5: 270- 924، الاستبصار 2: 299- 1071، الوسائل 7: 465 أبواب صلاة العيد ب 23 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 211

و رواية حفص: «على الرجال و النساء أن يكبّروا

أيّام التشريق في دبر الصلاة، و على من صلّى وحده و من صلّى تطوّعا» «1».

و صحيحة عليّ المتقدّمة و في ذيلها: عن النساء هل عليهنّ التكبير أيّام التشريق؟ قال: «نعم و لا يجهرن» «2».

و حسنة معاوية: «يكبّر ليلة الفطر و صبيحة الفطر كما يكبّر في العشر» «3».

و يجاب عن الجميع: بتعيّن حمل الدالّ على الوجوب على الاستحباب، بقرينة ما مرّ من الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع، المؤيّدة باختلاف النصوص و الفتاوى في كيفيّة التكبير، و بترك عامّة الناس له مع عموم البلوى.

مضافا إلى ردّ الأوّل: بمنع الحجيّة.

و الثاني: بمنع الوجوب.

و آية الفطر: بعدم صراحتها في الأمر إلّا أن يجعل اللام فيها لام الأمر، و هو- كما صرّح به بعض الأجلّة «4»- غير معلوم، و دخولها- كما قيل- على صيغة الخطاب نادر، و بعدم التصريح فيها بالتكبير المراد، فلعلّه هو إجلال اللَّه الواجب في كلّ حال.

نعم فسّره في رواية النقّاش بذلك، و لكن فيها التصريح بعدم الوجوب، و مع ذلك معارضة بالمرويّ في العلل الدالّ على أنّ المراد به التكبيرات الزائدة في الصلاة، حيث قال: فلم جعل التكبير فيها- أي في عيد صلاة الفطر- أكثر منه في غيرها من الصلوات؟ قيل: لأنّ التكبير إنّما هو تعظيم للَّه و تمجيده على ما هدى و عافى، كما قال اللَّه عزّ و جلّ:

______________________________

(1) التهذيب 3: 289- 869، الوسائل 7: 463 أبواب صلاة العيد ب 22 ح 2.

(2) قرب الإسناد: 224- 872، الوسائل 7: 463 أبواب صلاة العيد ب 22 ح 3.

(3) الكافي 4: 167 الصيام ب 35 ح 2، الوسائل 7: 455 أبواب صلاة العيد ب 20 ح 1.

(4) انظر: جامع المقاصد 2: 449، و كشف اللثام

1: 261.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 212

وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ «1».

و الآيتين الأخريين: باختلاف التفاسير و الروايات فيهما، ففي بعضها أنّ المراد بالأيّام المعدودات أيّام التشريق، و بالمعلومات عشر ذي الحجّة المستحبّ فيها التكبير قطعا، و في بعض آخر بالعكس «2». و إذا لم يتعيّن الدالّ على المطلوب، مع عدم صراحة آية الأيّام المعلومات في الوجوب- لعدم تعيّن كونها أمرا- يسقط الاستدلال.

و رواية الخصال و الثلاثة المتعقّبة لها: بأنّه إن ثبت الحقيقة في المعنى المصطلح في الوجوب فكذا في الاستحباب و السنّة الواردين فيما مرّ، فيجب حمل أحد الفريقين على المجاز بقرينة الآخر، و لعدم التعيّن يرجع إلى الأصل. و إن لم يثبت في شي ء منهما فالاستدلال باطل.

مع أنّ التكبير المحكوم بوجوبه في رواية الخصال منفيّ الوجوب في غيرها كرواية النقّاش، حيث لم يذكر فيها بعض الفقرات.

و مع أنّ بقاء الوجوب في رواية عمّار على حقيقته غير ممكن، لتضمّنها النافلة المنفيّ وجوبه عقيبها في صحيحة داود: «التكبير في كلّ فريضة، و ليس في النافلة تكبير أيّام التشريق» «3».

و الروايات المتضمّنة للفظة «على»: باستعمالها في المستحبّ كثيرا.

و الحسنة: بعدم صراحتها في الوجوب.

فروع:
أ: محلّ التكبير أمّا في الفطر فعقيب أربع صلوات:

مغرب العيد،

______________________________

(1) العلل: 269، الوسائل 7: 433 أبواب صلاة العيد ب 10 ح 1.

(2) انظر: التبيان 2: 175، و مجمع البيان 2: 299، و ج 7: 81، و البرهان 1: 203. و ج 3: 87، و الوسائل 7: 457 أبواب صلاة العيد ب 21، و ج 14- 270 أبواب العود إلى منى ب 8.

(3) التهذيب 5: 270- 925، الاستبصار 2: 300- 1072، الوسائل 7: 467 أبواب صلاة العيد ب 25 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6،

ص: 213

و عشائه، و فجره، و صلاة العيد، على المشهور، و تدلّ عليه رواية النقّاش السابقة.

و عن المقنع و الأمالي بل الفقيه «1»: زيادة ظهره و عصره أيضا. و هو الأظهر، لمرسلة الفقيه حيث قال بعد ذكر الرواية المذكورة: و في غير رواية سعيد: في الظهر و العصر.

و الرضويّ: «و كبّر بعد المغرب، و العشاء الآخرة و الغداة، و صلاة العيد، و الظهر، و العصر» «2».

و المرويّ في تفسير العيّاشيّ و فيه: «في الفطر تكبير و لكنّه مسنون: في المغرب، و العشاء، و الفجر، و الظهر، و العصر، و ركعتي العيد» «3».

و لا يضرّ ضعف هذه الروايات، للتسامح، مع أنّ بعضها معتبر.

و لا ينافيه قوله «ثمَّ يقطع» في رواية النقّاش، لجواز كون مجازه معنى مفاده خفّة الاستحباب فيما بعد.

و لا ما مرّ من كونه عقيب خمس صلوات يبدأ من المغرب إلى العصر، لأنّه لا يفيد قصر الاستحباب، و لا يجب ذكر جميع ما يستحبّ في كلّ خبر، فاكتفى فيه بالخمس و هي المغرب و العشاء و الفجر و العيد و الظهر، و يقطع في العصر، إذ هي الفرائض الخمس اليوميّة، و يستفاد الزائد من غيره.

و لا يستحبّ عقيب النوافل غير صلاة العيد تطوّعا في الفطر، للأصل.

و بعض الأخبار المثبتة له- مع ماله من المعارض- مخصوص بأيّام التشريق «4»، و الإجماع المركّب غير ثابت.

______________________________

(1) المقنع: 46، الأمالي: 517، الفقيه 2: 108.

(2) فقه الرضا «ع»: 209.

(3) تفسير العياشي 1: 82- 195، مستدرك الوسائل 6: 137 أبواب صلاة العيد ب 16 ح 4.

(4) انظر: الوسائل 7: 466 أبواب صلاة العيد ب 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 214

و عن الإسكافي استحبابه. «1»، و لم نقف له على

مستند.

و أمّا في الأضحى فعقيب خمس عشرة صلاة فريضة لمن كان بمنى، و عقيب عشر صلوات مفروضة لمن كان في غيرها. مبدؤهما ظهر يوم العيد، على الحقّ المعروف من مذهب الأصحاب، بل قيل: بلا خلاف أجده «2»، للأخبار المستفيضة الآتية بتحقيقها في كتاب الحجّ إن شاء اللَّه تعالى.

و ظاهر الأكثر اختصاص الاستحباب هنا أيضا بالفرائض، لصحيحة داود المتقدّمة.

و عن الشيخ و الإسكافي: استحبابها عقيب النوافل أيضا «3»، لموثقة عمّار و رواية حفص المتقدمتين «4».

و يردّ بالمعارضة مع ما مرّ، فيرجع إلى الأصل. و حمل ما مرّ على نفي الوجوب غير ممكن، لانتفائه في الفريضة أيضا.

و عن البزنطيّ و الإسكافي و المفيد: استحباب الخروج بالتكبير إلى صلاة العيدين «5»، و استحسنه في المنتهى «6»، و قوّاه بعض الأجلّة «7». و هو الأظهر، لحديث خروج مولانا الرضا عليه السلام «8»، و لما روي عن عليّ عليه السلام: إنّه خرج يوم العيد، فلم يزل يكبّر حتّى انتهى إلى الجبّانة «9».

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 115.

(2) الحدائق 10: 289.

(3) الشيخ في الخلاف 1: 670، حكاه عن الإسكافي في المختلف 1: 115.

(4) في ص 210- 211.

(5) حكاه عن جامع البزنطي في المعتبر 2: 320، لم نعثر- فيما بأيدينا من الكتب الفقهية- على ما حكاه عن الإسكافي، المفيد في المقنعة: 202.

(6) المنتهى 1: 348.

(7) كشف اللثام 1: 260.

(8) الكافي 1: 488 الحجّة ب 11 ح 7، عيون أخبار الرضا «ع» 2: 147- 21، الوسائل 7: 453 أبواب صلاة العيد ب 19 ح 1.

(9) المغني لابن قدامة 2: 231.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 215

و التكبير فيهما و إن احتمل مطلقه دون التكبير المخصوص، إلّا أنّه أيضا من أفراد المطلق، فلا

بأس به سيّما مع احتمال إرادته في المقام.

ب: يستحب هذا التكبير للجامع و المنفرد

و الرجال و النساء و الحاضر و المسافر، و بالجملة كلّ مكلّف، للإطلاقات، مع التصريح بالنساء و المنفرد في طائفة من الأخبار «1».

ج: لو نسيه حتّى قام من موضعه سقط

، لموثّقة عمّار السابقة «2».

د: يستحبّ فيه رفع اليد قليلا أو تحريكها

، لصحيحة عليّ: عن التكبير أيّام التشريق هل يرفع فيه اليدين أم لا؟ قال: «يرفع يده شيئا أو يحرّكها» «3».

ه: الظاهر تقديم هذا التكبير على سائر التعقيبات،

كما صرّح به بعض متأخّري المتأخّرين «4»، لما رواه الصدوق عن عليّ عليه السلام: أنّه كان إذا صلّى كلّ صلاة يبدأ بهذا التكبير «5» فتأمّل.

و: قد اختلفت كلمات الأصحاب و أخبار الأطياب في صفة هذا التكبير في العيدين.

فممّا ورد في الفطر ما مرّ في رواية النقّاش و ما سبق في رواية الخصال «6»، و منه أيضا ما هو كالأوّل إلّا في التكبير بين التهليل و التحميد فمرّتان، و منه ما هو كذلك أيضا إلّا فيه فمرّة، و منه ما هو غير ذلك.

و ممّا ورد في الأضحى ما في حسنة زرارة: «اللَّه أكبر اللَّه أكبر، لا إله إلّا اللَّه، و اللَّه أكبر، و للَّه الحمد، اللَّه أكبر على ما هدانا، اللَّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة

______________________________

(1) الوسائل 7: 463 أبواب صلاة العيد ب 22.

(2) في ص 210.

(3) قرب الإسناد: 221- 861، الوسائل 7: 464 أبواب صلاة العيد ب 22 ح 5.

(4) حكاه صاحب الحدائق 10: 292، عن بعض المحققين من مشايخه.

(5) الفقيه 1: 328- 1487، الوسائل 7: 460 أبواب صلاة العيد ب 21 ح 6.

(6) راجع ص 208- 210.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 216

الأنعام» «1» و منه غير ذلك، و العمل بالكل أحسن.

المسألة الرابعة [كراهة التنفّل قبل صلاة العيد و بعدها إلى الزوال،]

المشهور بين الأصحاب- بل في شرح القواعد و عن الخلاف و ظاهر المنتهى: الإجماع عليه «2»- كراهة التنفّل قبل صلاة العيد و بعدها إلى الزوال، للمستفيضة من الصحاح، كصحيحة زرارة: «صلاة العيدين مع الإمام سنّة، و ليس قبلهما و لا بعدهما صلاة ذلك اليوم إلى الزوال، فإن كان فاتك الوتر ليلتك قضيته بعد الزوال» «3».

و الأخرى: «ليس في يوم الفطر و الأضحى أذان و لا إقامة» إلى أن قال:

«و ليس قبلهما و لا بعدهما صلاة» «4».

و ثالثة: «لا تقض وتر ليلتك إن كان فاتك حتّى تصلّي الزوال في يوم العيدين» «5».

و صحيحة ابن سنان و فيها: «ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء» «6».

و رواية الهاشميّ: «ركعتان من

السنّة ليس تصلّيان في موضع إلّا بالمدينة، قال: يصلي في مسجد الرسول في العيد قبل أن يخرج إلى المصلّى، ليس ذلك إلّا بالمدينة» «7».

______________________________

(1) الكافي 4: 516 ب 91 ح 2، التهذيب 3: 139- 313، الوسائل 7: 458 أبواب صلاة العيد ب 21 ح 2.

(2) جامع المقاصد 2: 457، الخلاف 1: 665، المنتهى 1: 346.

(3) التهذيب 3: 129- 277، الوسائل 7: 419، 420 أبواب صلاة العيد ب 1 ح 2- 3.

(4) الكافي 3: 459 الصلاة ب 93 ح 1، التهذيب 3: 129- 276، الوسائل 7: 429 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 5.

(5) الفقيه 1: 322- 1474 و فيه: عن حريز، الوسائل 7: 428 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 2.

(6) التهذيب 3: 128- 271، ثواب الأعمال: 78، الوسائل 7: 429 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 7.

(7) الكافي 3: 461 الصلاة ب 93 ح 11، الفقيه 1: 322- 1475، التهذيب 3: 138- 308، الوسائل 7: 430 أبواب صلاة العيد ب 7 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 217

و حمل الثلاثة الأولى على نفي التوظيف غير ضائر، إذ يدلّ على أنّه لا صلاة موظّفة من الشارع مشروعة منه قبل صلاة العيد و بعدها، أعمّ من أن يكون توظيفها بالخصوص أو بالعموم، فلا تكون صلاة أصلا، و لا تكون عمومات الصلوات من ذوي الأسباب و غيرها شاملة ليوم العيد.

إلّا أن يكون مراده من التوظيف جعلها وظيفة هذا اليوم، أو وظيفة قبل صلاة العيد أو بعدها، حتّى يكون المعنى: لا صلاة قبل صلاة العيد من حيث إنّها قبلها.

و هذا و إن كان محتملا بحسب الظاهر إلّا أنّه ينفيه قيد «ذلك اليوم» و التفريع بقوله «فإن

كان» في الاولى، و يتعيّن منهما التوظيف بمعنى التوقيف مطلقا، فلا تكون صلاة موقّفة و مشروعة قبل صلاة العيد و بعدها إلى الزوال.

و لكن مقتضى ذلك عدم المشروعيّة، فهو الأظهر، كما هو مذهب جماعة من القدماء كما قيل «1»، و هو ظاهر الكلينيّ «2»، و الصدوق في ثواب الأعمال «3»، و المحكيّ عن ابني حمزة و زهرة و الحلبيّ «4».

و اشتهار الكراهة بين المتأخّرين- المعتضد بالإجماع المنقول و أصل البراءة- لا يصلح لردّ الأخبار المعتبرة الموافقة لفتوى جمع من قدماء الطائفة.

و معارضتها مع عمومات النوافل ذوات الأسباب إنّما هي بالعموم من وجه، فيرجع في موضع التعارض إلى الأصل، و هو معنا، إذ مرادنا عدم ثبوت شرعيّتها دون تحريمها. و الرجوع إلى عمومات الأمر بالصلاة مطلقا فاسد، لأنّها أعمّ مطلقا من الأخبار المانعة فتخصّ بها قطعا. و تقديم التعارض مع الفرقة الأولى تحكّم.

______________________________

(1) الرياض 1: 197.

(2) الكافي 3: 459.

(3) ثواب الأعمال: 78.

(4) ابن حمزة في الوسيلة: 111، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 562، الحلبي في الكافي في الفقه: 155.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 218

مع أنّه يمكن القول بتعارض الأخبار المانعة مع كلّ من الفريقين بالخصوص المطلق، للتصريح بالمنع عن قضاء الوتر بضميمة الإجماع المركّب.

فالقول باستثناء صلاة تحيّة المسجد- لو صلّيت العيد فيه- للتعارض المذكور ضعيف.

و أمّا ما رواه الصدوق في ثواب الأعمال من صلاة أربع ركعات بعد صلاة العيد «1»، فيحتمل بعد الزوال. و لو سلّم فهذا يكون مستثنى، كصلاة ركعتين قبلها في مسجد النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله، فإنّها أيضا تستثنى بالنصّ المعتضد بعمل الأصحاب من غير تعدّ إلى غيره من الأمكنة الشريفة، لاختصاص النصّ بل تصريحه بعدم التعدّي «2»، فالقول

به ضعيف.

ثمَّ إنّ كراهة التنفّل أو حرمتها تعمّ حال وجوب صلاة العيد و استحبابها، و لمن يصلّيها جماعة أو فرادى، بل لمن لم يصلّها، لإطلاق الأخبار.

المسألة الخامسة: قالوا: يحرم السفر بعد طلوع الشمس من يوم العيد، قبل صلاته لمن وجبت عليه «3»

، و نفى بعضهم الخلاف عنه «4»، و أثبت بعضهم الإجماع عليه «5».

فإن ثبت و إلّا فلا دليل عليه، كما يظهر ممّا ذكرنا في السفر يوم الجمعة.

نعم يكره بعد طلوع فجره قبل الصلاة لمن وجبت عليه أو استحبّت، لفتوى الأصحاب «6»، و صحيحة أبي بصير المتقدّمة في الجمعة، الغير الناهضة

______________________________

(1) ثواب الأعمال: 77، الوسائل 7: 427 أبواب صلاة العيد ب 6 ح 1.

(2) راجع ص 216، الهامش 7.

(3) كما في الشرائع 1: 102، و المدارك 4: 122، و الذخيرة: 320.

(4) كما في الرياض 1: 230.

(5) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 562.

(6) منهم الحلي في السرائر 1: 320، و العلّامة في المنتهى 1: 348، و السبزواري في الذخيرة: 320.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 219

لإثبات الزائد من الاستحباب «1»، لاحتمال الجملة فيها الخبريّة.

و لا كراهة فيما قبل الفجر، و لا بعد الصلاة أو الزوال، للأصل.

و كذا يكره نقل المنبر إلى المصلّى لو كان مقام ليس له منبر، بل يعمل للإمام شبيه منبر من طين، بلا خلاف كما في المنتهى «2»، بل بالاتّفاق كما في الذخيرة «3»، بل بالإجماع كما في النهاية و التذكرة و المدارك و شرح القواعد و عن المعتبر و الذكرى «4».

و هو الحجّة فيه، مضافا إلى صحيحة إسماعيل بن جابر و فيها: «و ليس فيهما منبر، المنبر لا يحرّك عن موضعه، و لكن يصنع للإمام شي ء شبه المنبر من طين، فيقوم عليه فيخطب الناس، ثمَّ ينزل» «5».

و هي لمكان الجملة الخبريّة عن إفادة الحرمة قاصرة، فاحتمالها

لأجلها، ضعيف.

المسألة السادسة: إذا اتّفق العيد و الجمعة فالحاضر لصلاة العيد بالخيار

في حضور صلاة الجمعة- عند وجوبها- و عدمه فيصلّي الظهر، على الأشهر الأظهر، بل عليه الإجماع عن بعضهم «6»، للروايات الخاصّيّة «7» و العاميّة «8»، الصحيحة و غيرها.

______________________________

(1) راجع ص 135.

(2) المنتهى 1: 345.

(3) الذخيرة: 322.

(4) نهاية الإحكام 2: 65، التذكرة 1: 159، المدارك 4: 122، جامع المقاصد 2: 458، المعتبر 2: 325، الذكرى: 241.

(5) الفقيه 1: 322- 1473، التهذيب 3: 290- 873 بتفاوت يسير، الوسائل 7: 476 أبواب صلاة العيد ب 33 ح 1

(6) انظر: الخلاف 1: 673، و المنتهى 1: 348.

(7) كما في الوسائل 7: 447 أبواب صلاة العيد ب 15.

(8) انظر: سنن ابن ماجه 1: 415، و سنن أبي داود 1: 281.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 220

و الظاهر اختصاص التخيير بغير الإمام، و أمّا هو فيجب عليه حضور الجمعة، فإن حضر العدد صلّاها، و إلّا يصلّي الظهر.

و يستحبّ لإمام العيد إعلام المأمومين بذلك، للنصّ، و فعل الحجّة «1»، و فتوى الطائفة «2».

______________________________

(1) انظر: الوسائل 7: 447 أبواب صلاة العيد ب 15.

(2) كما في المعتبر 2: 326، و المنتهى 1: 349، و الذكرى: 243.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 221

المطلب الثالث في صلاة الآيات
اشارة

و الكلام إمّا في سببها، أو وقتها، أو كيفيتها، أو أحكامها، فهاهنا أبحاث أربعة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 223

البحث الأوّل في سببها
اشارة

و هو: ما يوجبها.

أجمع علماؤنا كافّة على وجوب الصلاة لكسوف الشمس، و خسوف القمر.

و ادّعاء الإجماع عليه قد استفاض، بل تواتر، و هو دليله، مضافا إلى النصوص المستفيضة:

ففي صحيحة جميل «1»، و روايتي أبي أسامة «2»، و محمّد بن حمران «3»، و مرسلة المقنعة «4»: «صلاة الكسوف فريضة».

و في رواية عليّ بن عبد اللَّه: «أيّها الناس، إنّ الشمس و القمر آيتان من آيات اللَّه» إلى أن قال: «فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلّوا» «5».

و في مرسلة الفقيه: «فإذا انكسف أحدهما فبادروا إلى مساجدكم» «6».

و في مكاتبة الواسطيّ: إذا انكسفت الشمس أو القمر، و أنا راكب لا أقدر على النزول، قال: فكتب إليّ: «صلّ على مركبك الذي أنت عليه» «7» إلى غير ذلك.

______________________________

(1) التهذيب 3: 290- 875، الوسائل 7: 485 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 9.

(2) التهذيب 3: 127- 269، الوسائل 7: 484 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 8.

(3) التهذيب 3: 155- 331، الوسائل 7: 484 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 7.

(4) المقنعة 209، الوسائل 7: 484 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 6.

(5) الكافي 3: 208- 7 و 463- 1، التهذيب 3: 154- 329، المحاسن: 313- 31، الوسائل 7: 485 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 10.

(6) الفقيه 1: 341- 1510، الوسائل 7: 491 أبواب صلاة الكسوف ب 6 ح 2.

(7) الكافي 3: 465 الصلاة ب 95 ح 7، الفقيه 1: 346- 1531، التهذيب 3: 291- 878، الوسائل 7: 502 أبواب صلاة الكسوف ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 6، ص: 224

و كذا تجب لزلزلة الأرض، و كأنّه أيضا إجماعيّ، كما في شرح الإرشاد «1» بل في المنتهى «2»، و عن الخلاف و المعتبر و التذكرة: الإجماع عليه و كلّ مخوف «3».

نعم، لم يتعرّض الإسكافي و ابن زهرة و الحلبي لها، بل الأخير لم يتعرض لغير الكسوفين «4»، و لكن الأوّلين ذكرا كلّ مخوف سماويّ «5»، و اندراجها تحته محتمل.

و في الحدائق عن المفاتيح حكاية القول باستحباب صلاة الزلزلة «6»، و ليس كذلك، بل حكاه في الرياح و نحوها «7».

و تدلّ على وجوبها لها رواية الديلميّ: «إنّ اللَّه تعالى و كلّ بعروق الأرض ملكا، فإذا أراد اللَّه أن يزلزل أرضا أوحى إلى ذلك الملك أن يحرّك عرق كذا و كذا إلى أن قال: قلت: فإذا كان ذلك فما أصنع؟ قال: «صلّ صلاة الكسوف» «8».

و الرضويّ: «و إذا هبّت الريح صفراء أو سوداء أو حمراء فصلّ لها صلاة الكسوف، و كذلك إذا زلزلت الأرض فصلّ صلاة الكسوف» «9».

و صحيحة محمّد و العجليّ: «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صلّيتها ما لم تتخوّف أن تذهب وقت الفريضة، فإن تخوّفت فابدأ بالفريضة، و اقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف، فإذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت، و احتسب ما مضى» «10».

______________________________

(1) مجمع الفائدة 2: 413.

(2) المنتهى 1: 349.

(3) الخلاف 1: 682، المعتبر 2: 329، التذكرة 1: 163.

(4) الحلبي في الكافي في الفقه: 155.

(5) حكاه عن الإسكافي في المختلف 1: 116، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 562.

(6) الحدائق 10: 300.

(7) الموجود في المفاتيح 1: 30 حكاية القول باستحباب الصلاة في الزلزلة و الرياح و غيرها من أخاويف السماء. فراجع.

(8) الفقيه 1: 343- 1517، العلل:

556- 7، الوسائل 7: 486 أبواب صلاة العيد ب 2 ح 3.

(9) فقه الرضا «ع»: 135، مستدرك الوسائل 6: 165 أبواب صلاة الكسوف ب 2 ح 1.

(10) الفقيه 1: 346- 1530، الوسائل 7: 491 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 225

فإنّ «بعض هذه الآيات» يشمل الزلزلة أيضا، و قوله «فارجع» يدلّ على وجوبها و إن لم يدلّ قوله «صلّيتها» عليه.

و إن أمكن الخدش في الأوّل: بمنع الشمول، لعدم تعيّن المشار إليه أوّلا، و عدم تحقّق معنى الآية ثانيا. و في الثاني: بأنّ لعلّ وجوبها حينئذ لتتميم العمل، فتأمّل.

ثمَّ مقتضى الأخيرة- إن تمّت دلالتها- وجوب الصلاة لكلّ مخوف سماويّ من ريح عاصف، أو ظلمة عارضة، أو حمرة شديدة، أو صاعقة عظيمة، أو رعد شديد، أو صوت قويّ، كما هو مذهب المفيد و السيّد و الصدوقين و العمانيّ و الإسكافيّ و الحلّي و الديلميّ و القاضي و الخلاف «1»، و جمهور المتأخّرين، بل عن الخلاف إجماع الفرقة عليه «2».

و هو المختار، لما ذكر، و لصحيحة زرارة و محمّد: أرأيت هذه الرياح و الظلم التي تكون هل يصلّى لها؟ قال: «كلّ أخاويف السماء- من ظلمة أو ريح أو فزع- فصلّ له صلاة الكسوف حتّى يسكن» «3».

و يؤيّده الصحيح المرويّ في الفقيه: «إنّما جعلت للكسوف صلاة لأنّه من آيات اللَّه تبارك و تعالى» «4» الحديث.

و المرويّ في الدعائم: «يصلّى في الرجفة و الزلزلة، و الريح العظيمة، و الظلمة، و الآية تحدث، و ما كان مثل ذلك، كما يصلّى في صلاة كسوف الشمس

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 210، السيّد في جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى 3): 46، الصدوق في المقنع: 44 حكاه عن العماني

و الإسكافي في المختلف: 116، الحلي في السرائر 1: 321، الديلمي في المراسم: 80، القاضي في المهذّب 1: 124، الخلاف 1: 682.

(2) الخلاف 1: 682.

(3) الكافي 3: 464 الصلاة ب 95 ح 3، الفقيه 1: 346- 1529، التهذيب 3: 155- 330، الوسائل 7: 486 أبواب صلاة الكسوف ب 2 ح 1.

(4) الفقيه 1: 342- 1513، الوسائل 7: 483 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 226

و القمر سواء» «1».

و إنّما جعلناهما مؤيّدين، مع كون مفهوم التعليل في الأوّل حجّة، و الآية في الثاني- سيّما مع قوله «و ما كان مثل ذلك»- لجميع المطلوب شاملة، و ضعفه بما ذكر مجبورا، لعدم صراحة الجعل في الأوّل و الجملة في الثاني في الوجوب.

و لمثل ذلك لم يستدلّ هنا ببعض ما استدلّ به بعض آخر أيضا. مع كفاية ما ذكر في المطلوب، لكونه صريحا صحيحا، و بعمل معظم الطائفة، و دعوى الإجماع و الشهرة معتضدا.

و لا يضرّ قوله فيه: «حتّى يسكن» حيث إنّه لا يجب فعل الصلاة إلى هذه الغاية.

لأنّ لفظة «حتّى» إمّا للتعليل أو الغاية، و على الثاني إمّا لغاية الوجوب أو الصلاة بمعنى أن يصلّي متّصلا حتّى يسكن، و عدم الوجوب- إن كان قائما- هو على الأخير خاصّة و هو احتماليّ، و بمحضه لا يرفع اليد عن حقيقة الأمر.

فالقول باستحباب الصلاة لغير الثلاثة الأولى كما نقله في الشرائع «2»، أو الترديد في وجوبه له كما فيه و في المعتبر و النافع «3»، أو عدم وجوبه كما هو محتمل من لم يتعرّض له كلا أو بعضا كجماعة من الأصحاب، لا وجه له.

فروع:
[الأول ]

أ: المصرّح به في النصّ المثبت للوجوب هو: المخوّف السماويّ،

أي الناشئ من جهة العلوّ. و شموله للأخاويف الأرضيّة كالصوت الشديد الخارج من الأرض، و الخسف المجرّد عن الزلزلة إن أمكن، و سقوط جبل و نحوها، في الأخبار

______________________________

(1) الدعائم 1: 202، مستدرك الوسائل 6: 165 أبواب صلاة الكسوف ب 2 ح 2.

(2) الشرائع 1: 103.

(3) الشرائع 1: 103، المعتبر 2: 330، النافع: 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 227

غير معلوم، و لو سلّم ظهورها في ذلك فإنّما هو في بعض عبارات الفقهاء «1»، فالقول بعدم الوجوب لها- كما هو ظاهر بعض الأجلّة «2»، بل المفيد و الخلاف «3»- متعيّن.

[و الثاني ]

ب: لا صلاة لانكساف سائر الكواكب بعضها ببعض، أو بأحد النيّرين، أو أحدهما ببعضها، وفاقا لنهاية الإحكام و التذكرة و الموجز و الدروس و البيان و الروضة و الجعفريّة و حواشي الإرشاد للمحقق الثاني و الذخيرة و شرح الروضة «4»، للأصل، و عدم النصّ، و خفائه غالبا عن الحسّ، و عدم ترتّب خوف عليه للعامّة.

و خلافا للمحكيّ عن شرح الإرشاد لفخر المحقّقين و الذكرى «5»، لاندراجه تحت الأخاويف.

و ضعفه ظاهر، كيف؟! و لا يطّلع عليه غالبا إلّا بقول المنجّمين الغير المورث للخوف للمعظم.

[و الثالث ]

ج: المذكور في الرواية هو الأخاويف، و لا بدّ لها من خائف و هو غير فهو إمّا خائف مطلقا و لو كان واحدا، أو معظم الناس لو اطّلعوا عليه.

كلّهم فليس مرادا بالإجماع و عدم إمكان العلم.

و لكن الأوّل غير معلوم فيقتصر فيه على الثاني، للأصل، و به صرّح جماعة من الأصحاب «6».

______________________________

(1) كما في المختلف: 116، و مجمع الفائدة 2: 414.

(2) انظر: كشف اللثام 1: 266.

(3) المفيد في المقنعة: 210، الخلاف 1: 682.

(4) نهاية الإحكام 2: 76، التذكرة 1: 165، الدروس 1: 191، البيان: 206، الروضة 1: 311، الذخيرة: 324.

(5) الذكرى: 247.

(6) كالشهيد الثاني في الروضة 1: 311، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 265، و صاحب الرياض 1: 198.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 228

هذا في غير الثلاثة الأولى، للتنصيص بها بخصوصها، فتجب الصلاة لها و لو لم يوجب خوفا. و النصّ و إن وقع في بعض من غيرها أيضا إلّا أنّه مع درجة في الأخاويف، إلّا في بعض ما لا دلالة له على الوجوب «1».

[و الرابع ]

د: المناط التخويف لو لا العارض. فلو لم يحصل الخوف من بعضها لكثرة وقوعه و تكرّره في بلدة تجب الصلاة، لصدق المناط و الاستصحاب. و بذلك يمكن درج الثلاثة الأولى في الأخاويف أيضا.

______________________________

(1) كالرضوي و المروي في الدعائم، المتقدمين في ص 224- 225.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 229

البحث الثاني في وقتها
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: ابتداء وقت صلاة الكسوفين الأخذ في الكسف
اشارة

، بمعنى جواز الشروع في الصلاة حينئذ، و عدم جواز التقديم، بالإجماع، حكاه جماعة «1».

أمّا الثاني فظاهر، و أمّا الأوّل فللأمر بها حين تحقّق الكسوف- الصادق بالشروع- في الأخبار، كرواية عليّ بن عبد اللَّه، و مرسلة الفقيه، و صحيحة محمّد و العجليّ المتقدّمة «2»، و غيرها، و صحيحة جميل: «وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف» «3».

و آخرها تمام الانجلاء، على الأقوى، بمعنى أنّه يجوز تأخيرها إلى زمان يتمّ بتمام الانجلاء. و لا يجوز التأخير عنه عمدا، و لو أخّر كان قضاء.

وفاقا في الأوّل للعمانيّ و السيّد و الحلبيّ و الديلميّ و المعتبر و الشرائع و المنتهى و الدروس و الذكرى و شرح القواعد و المدارك و الذخيرة «4»، و شرح الروضة، و مال إليه في البيان و روض الجنان و المسالك «5».

______________________________

(1) كما في المنتهى 1: 352، و الذخيرة: 324، و الرياض 1: 198.

(2) راجع ص 223- 224.

(3) الكافي 3: 464 الصلاة ب 95 ح 4، التهذيب 3: 293- 886، الوسائل 7: 488 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 2.

(4) حكاه عن العماني في المنتهى 1: 352، حكاه عن السيد في المختلف: 117، الحلبي في الكافي في الفقه: 156، الديلمي في المراسم: 81، المعتبر 2: 330، الشرائع 1: 103، المنتهى 1:

352، الدروس 1: 195، الذكرى: 244، جامع المقاصد 2: 471، المدارك 4: 129، الذخيرة:

324.

(5) البيان: 207، روض الجنان: 303، المسالك 1: 36.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 230

للاستصحاب، و أصالة البراءة عن حرمة التأخير، و رواية ابن أبي يعفور:

«إذا انكسف الشمس و القمر و انكسف كلّها فإنّه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلّي بهم، و أيّهما كسف بعضه فإنه

يجزي الرجل يصلّي وحده» «1».

وجه الدلالة: أنّه لا يعلم كليّة الكسوف أو جزئيّته أبدا، و لا يظنّ غالبا سيّما لعامّة الناس، سيّما عند الأعراب الّذين لا منجّم عندهم قبل الشروع في الانجلاء، فلو تمَّ الوقت به- كما هو القول الآخر- لما كان لهذا التفصيل الوارد في ذلك الحديث مورد و كان لغوا.

و تؤيّده موثّقة الساباطيّ: «إن صلّيت الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس و القمر و تطول في صلاتك فإنّ ذلك أفضل، و إن أحببت أن تصلّي فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز» «2».

و صحيحة الرهط، و فيها: «صلّاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و الناس خلفه في كسوف الشمس، ففرغ حين فرغ و قد انجلى كسوفها» «3».

فإنّ الذهاب و الانجلاء حقيقتان في تمام الانجلاء، و لو كان الوقت يخرج قبل تمام الانجلاء لم يجز التطويل إليه.

و صحيحة ابن عمّار: «إن فرغت قبل أن ينجلي فأعد» «4».

و لو كان الوقت يخرج قبل الانجلاء لم تشرع الإعادة وجوبا و لا استحبابا.

و إنّما جعلنا الثلاثة الأخيرة مؤيّدة لاحتمال أن يقال: إنّ المراد بانتهاء وقتها بالأخذ في الانجلاء وجوب الشروع و الدخول فيها قبله، و إن جاز التطويل بعد الدخول إلى تمام الانجلاء، و إنّ وجوب الإعادة أو استحبابها قبل تمام الانجلاء لا ينافي وجوب فعلها قبل الأخذ فيه.

______________________________

(1) التهذيب 3: 292- 881، الوسائل 7: 503 أبواب صلاة الكسوف ب 12 ح 2.

(2) التهذيب 3: 291- 876، الوسائل 7: 489 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 5.

(3) التهذيب 3: 155- 333، الوسائل 7: 489 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 4.

(4) التهذيب 3: 156- 334، الوسائل 7: 498 أبواب صلاة الكسوف ب

8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 231

و دعوى الإجماع على انتفاء الأمرين- كما قيل «1»- مشكلة جدّا، فإنّه غير ثابت البتّة.

خلافا للمحكيّ عن الشيخين و ابن حمزة و الحلّي و النافع «2»، و الفاضل في جملة من كتبه منها القواعد و الإرشاد «3»، و عليه دعوى الشهرة في كلام جماعة «4»، بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا «5»، و عن شرح الإرشاد لفخر المحقّقين إلى الإماميّة، مؤذنين بإجماعهم عليه، فقالوا: إنّ آخره الشروع في الانجلاء.

لزوال العذر الموجب.

و حصول ردّ النور.

و صحيحة حمّاد: ذكرنا انكساف القمر و ما يلقى الناس من شدّته، قال:

فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «إذا انجلى منه شي ء فقد انجلى» «6».

و ضعف الأوّلين ظاهر.

و يضعّف الثالث: بأنّه إنّما يفيد إذا كان هناك دليل على ذهاب الوقت بمطلق الانجلاء، و ليس كذلك، مع أنّه لا يعلم أنّ المراد تساوي الحالتين، في ما ذا و لا يعلم أنّ مراد السائل من الشدّة ما ذا.

و يمكن أن يستدلّ لهم بصحيحة جميل السابقة حيث صرّحت بأنّ «وقتها في الساعة التي تنكسف» و هي تصدق ما دامت لم تشرع في الانجلاء، إذ تنكسف

______________________________

(1) الرياض 1: 198.

(2) الشيخ الطوسي في النهاية: 137، حكاه عن المفيد في المعتبر 2: 33، الحلي في السرائر 1: 322، النافع: 39.

(3) القواعد 1: 39، الإرشاد 1: 261.

(4) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 36، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 471، و صاحب الرياض 1: 198.

(5) التذكرة 1: 163.

(6) الفقيه 1: 347- 1535، التهذيب 3: 291- 877، الوسائل 7: 488 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 232

شيئا فشيئا، و لا تصدق بعده،

بل هو ساعة تنجلي. و ظاهر الكلام الحصر، لحمل الخبر الخاصّ على المبتدأ المعرفة. و الحمل على وقت الوجوب خلاف الظاهر بل الحقيقة.

و يجاب عنها: بأنّ دلالتها على عدم وقت غيرها بعموم مفهوم الحصر، و يجب تخصيصه بما دلّت عليه رواية ابن أبي يعفور من بقاء وقت بعد هذه الساعة أيضا، و ليس إلّا إلى تمام الانجلاء إجماعا.

و إجماعا في الثاني و هو: عدم جواز التأخير عن تمام الانجلاء، على الظاهر.

و هو الدليل عليه- و به يدفع الاستصحاب- مع بعض الأخبار الآتية المتضمّنة لمثل قوله «إذا فاتتك صلاة الكسوف» إذ لو لا توقيته بوقت محدود لم يتحقّق فوت، و ليس بعد تمام الانجلاء حدّ إجماعا.

و صحيحة جميل السابقة الدالّة على انحصار الوقت بالساعة التي تنكسف، خرج ما خرج بالدليل فيبقى الباقي.

و مكاتبة الواسطيّ السابقة «1»، فإنّه لو لا التوقيت لما كان وجه لوجوب الصلاة راكبا.

و تؤيّده أخبار القضاء «2»، المستلزم للتوقيت الغير المتجاوز عن تمام الانجلاء بالإجماع.

و إنّما جعلناها مؤيّدة لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة للقضاء في المعنى المصطلح، و إن كان هو الظاهر من بعض أخبار المقام.

و قد يستدلّ له أيضا بمثل قوله عليه السلام في الأخبار: «إذا انكسفتا أو إحداهما فصلّوا» «3» حيث أوجب الصلاة وقت الانكساف.

و يضعّف: بأنّه يفيد السببيّة دون التوقيت كما في قوله عليه السلام «إذا

______________________________

(1) في ص 223.

(2) الآتية في ص 237- 238.

(3) انظر: الوسائل 7: 485 أبواب صلاة الكسوف ب 1 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 233

زالت الشمس فصلّ» و ليس معناه إذا انكسفت فصلّ وقت الكسوف.

فرع:

قد فرّع جماعة من الأصحاب على التوقيت المذكور أنّه لو قصر الوقت عن الصلاة سقطت أداء، لاستحالة التكليف بعبادة

في وقت يقصر عنها. و قضاء، إذ لا قضاء فيما لا يجب أصله «1».

و مقتضى ذلك أنّه لو شرع فيها ابتداء الوقت، ثمَّ تبيّن ضيقه عنها لم يجب الإتمام، بل يقطعها لانكشاف عدم الوجوب.

قال في الذخيرة بعد ذكر ذلك: و الظاهر أنّ الأدلّة غير دالّة على التوقيت، بل ظاهرها سببيّة الكسوف لإيجاب الصلاة، و مقتضى ذلك عدم تقدير الوجوب بمقدار إدراك الصلاة أو ركعة منها، فإن ثبت إجماع على شي ء من ذلك تعيّن المصير إليه، و إلّا لم يكن معدل عن إطلاق الأدلّة «2». انتهى.

و يظهر ضعفه ممّا ذكرنا من أدلّة التوقيت.

و أضعف منه ما ذكره في الحدائق بعد نقل السقوط بدليل الاستحالة المذكورة من أنّ التعويل على مثل هذه القواعد العقليّة في مقابل إطلاق الأخبار فاسد «3».

فإنّ استحالة التكليف بعبادة في وقت لا يسعها من البديهيّات التي لا تقبل الارتياب، فإنّه تكليف بما لا يطاق، و لو عزل العقل عن أمثال هذه الأحكام فبأيّ شي ء تثبت حجيّة الأخبار؟.

نعم لو منع التوقيت، لم يكن ظاهر الفساد بهذه المثابة، و رجع إلى كلام الذخيرة، أو أراد عدم ثبوت ترتّب عدم وجوب القضاء أو الفعل بعده على ذلك، كما لا يترتّب على عدم وجوب الحجّ على من مات عام الاستطاعة في الطريق عند

______________________________

(1) انظر: الدروس 1: 195، و مجمع الفائدة 2: 418، و المدارك 4: 130.

(2) الذخيرة: 325.

(3) الحدائق 10: 308.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 234

جماعة، فله أيضا وجه.

ثمَّ أقول:

إنّ مقتضى الإطلاقات وجوب الصلاة بمجرّد حصول السبب الذي هو الانكساف، سواء اتّسع زمانه زمان الصلاة أم لا، و مقتضى دليل التوقيت وجوب التلبس بالصلاة في الوقت المعيّن، فإن كان الوقت بقدر يفي بتمامها يتمها فيه،

و إلّا فيتمّها فيما بعده، سيّما إذا كان هناك دليل على وجوب الإتمام لو لم يتمّ في الوقت، كما في المورد، لصحيحة زرارة و محمّد الآتية، فيجب التلبّس بالصلاة في ساعة الانكساف.

سلّمنا اقتضاء التوقيت للتمام فيه، فيتعارض الإطلاق و دليل التوقيت في صورة عدم الاتّساع، و تعارضهما بالعموم من وجه، و محلّ التعارض صورة عدم اتّساع الوقت، و اللازم فيها الرجوع إلى المرجّح إن كان، و إلّا فالتخيير، فالحكم بالسقوط و وجوب القطع لا وجه له.

مع أنّ التخيير أو السقوط إنّما يكون إذا لم يكن دليل آخر على الحكم في صورة عدم اتّساع الوقت عموما أو خصوصا، و الدليل الخارجيّ هنا موجود، و هو صحيحة زرارة و محمّد و فيها: «و إن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتمّ ما بقي» «1».

فإنّها بعمومها تشمل ما إذا لم يتّسع زمانه الصلاة أيضا، و حكم فيها بوجوب الإتمام.

فإن قيل:

مدلول الصحيحة وجوب الإتمام لو شرع فيها كما هو مختار المنتهى «2»، و أمّا وجوب فعلها لو لم يشرع فمن أين؟.

قلنا:

نحن نقول بوجوب التلبس في الوقت الذي هو الساعة التي

______________________________

(1) الكافي 3: 463 الصلاة ب 95 ح 2، التهذيب 3: 156- 335، الوسائل 7: 494 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 6.

(2) المنتهى 1: 352.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 235

تنكسف، للأمر في الإطلاقات، و تعيين الوقت في صحيحة جميل «1».

مع أنّ من يقول بوجوب القضاء في صورة العلم باحتراق البعض و الترك حينه، له أن يقول بأنّه لو لم يشرع يجب عليه الفعل بعده، لأدلّة وجوب القضاء.

فإنّه لا يجب فيه وجوب أداء كما في النائم عن اليوميّة. و إطلاق القضاء على ما كان له وقت يسعه البتّة-

يجب فيه أو لم يجب- اصطلاح جديد.

مع أنّ ها هنا كلاما آخر، و هو: إنّا لو سلّمنا أنّ التوقيت يقتضي وجوب انطباق تمام الفعل على الوقت، فمقتضى أدلّة التوقيت أنّ التوقيت بهذا الوقت لوجوب الصلاة منحصر بصورة الاتّساع، و عند عدمها أمّا ينتفي التوقيت، أو الوجوب، و لا يعلم أحد الأمرين، فتبقى الإطلاقات بلا معارض معلوم.

فالوجوب مطلقا و لو لم يتّسع زمان الكسوف- كما اختاره في الحدائق «2»، و يميل إليه كلام الذخيرة «3»، و احتمله الفاضلان «4» كما قيل- قويّ جدّا.

و لكن المسألة قليلة الفائدة، لأنّ مثل هذا الكسوف إمّا لا يحسّ به حتّى يعلم و تجب صلاته، أو يحسّ و لا يحسّ بانجلائه التامّ قبل أخفّ صلاة يفعل، فيجب الاستصحاب.

المسألة الثانية: وقت هذه الصلاة في سائر الآيات غير الزلزلة وقتها،

لصحيحة زرارة و محمّد السابقة «5»، فإنّ لفظة «حتّى» فيها إمّا للغاية أو التعليل.

و على كلّ منهما يثبت التوقيت، لدلالتها على انتفاء الوجوب بعد السكون، إمّا بمفهوم الغاية أو العلّة.

______________________________

(1) المتقدمة في ص 229.

(2) الحدائق 10: 309.

(3) الذخيرة: 325.

(4) انظر: المعتبر 2: 341، و نهاية الإحكام 2: 79.

(5) في ص 225.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 236

و حملها على الأمر بتطويل الصلاة و إعادتها حتّى يسكن يوجب صرف الأمر عن حقيقته، لعدم وجوب ذلك قطعا، فالأمر قرينة على إرادة التعليل، أو كونها غاية الوجوب، و بها تقيّد الإطلاقات لو كانت.

و مقتضى التوقيت وجوب التلبس حين حدوث الآية، فإن و في زمانها بها، و إلّا فيتمّها بعدها كما مرّ.

و أمّا في الزلزلة فلا وقت لها، للأصل، و عدم ثبوت الزائد عن السببيّة عن أدلّتها. فوقتها تمام العمر. و لا يجب الفور- للأصل- و إن استحبّ.

المسألة الثالثة: لو ترك صلاة أحد الكسوفين

، فإن كان كلّيا قضاها مطلقا سواء علم به و تركها عمدا أو نسيانا أو اضطرارا، أو لم يعلم به.

و كذا إن كان جزئيا و علم به حاله.

و إن كان جزئيا و لم يعلمه فلا قضاء عليه.

وفاقا للأكثر في الجميع كما صرّح به جماعة «1»، بل عن جماعة التصريح بعدم الخلاف في الأوّل «2»، بل عن التذكرة «3»، و إطلاق عبارتي الانتصار و الخلاف الإجماع عليه «4»، كما عن السرائر نفي الخلاف في الثاني «5»، مع شمول إطلاق عبارتي الانتصار و الخلاف له، و عن التذكرة نفي الخلاف عن الثالث «6»، بل عن القاضي التصريح بالإجماع فيه «7».

لنا على الأوّل:

عمومات قضاء الفوائت المذكورة في مظانّها. و تخصيص

______________________________

(1) كالعلامة في المنتهى 1: 353.

(2) كما في الرياض 1: 199.

(3) التذكرة 1: 143.

(4)

الانتصار: 58، الخلاف 1: 678.

(5) السرائر 1: 321.

(6) التذكرة 1: 163.

(7) انظر: شرح جمل العلم و العمل: 136.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 237

الجميع باليوميّة لا وجه له، و دعوى تبادرها ممنوعة.

مضافا في صورة العلم بالكليّة، إلى فحوى المعتبرة الآتية المثبتة للقضاء في صورة الجهل، و مرسلة حريز: «إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل و لم يصلّ فليغتسل من غد و ليقض الصلاة، و إن لم يستيقظ و لم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلّا القضاء من غير غسل» «1».

و الجزء الأخير من موثقّة الساباطيّ الآتية.

و في صورة الجهل بها، إلى ذيل تلك المرسلة، و الأخبار المستفيضة كصحيحة زرارة و محمّد: «إذا انكسفت الشمس كلّها و احترقت و لم تعلم، ثمَّ علمت بعد ذلك، فعليك القضاء، و إن لم يحترق كلّها فليس عليك قضاء» «2».

و الفضيل و محمّد: أ يقضي صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم، و إذا أمسى فعلم؟ قال: «إن كان القرصان احترقا كلّهما قضيت، و إن كان احترق بعضهما فليس عليك قضاؤه» «3».

و رواية حريز: «إذا انكسف القمر، و لم تعلم به حتّى أصبحت، ثمَّ بلغك، فإن كان احترق كلّه فعليك القضاء، و إن لم يكن احترق كلّه فلا قضاء عليك» «4».

و بهذه يقيّد إطلاق موثّقة الساباطيّ: «و إن لم تعلم حتى يذهب الكسوف

______________________________

(1) التهذيب 3: 157- 337، الاستبصار 1: 453- 1758، الوسائل 7: 500 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 5.

(2) الكافي 3: 465 الصلاة ب 95 ح 6، التهذيب 3: 157- 339، الاستبصار 1:

454- 1759، الوسائل 7: 500 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 2.

(3) الفقيه 2: 346- 1532، الوسائل 7: 499 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 1.

(4) التهذيب

3: 157- 336، الوسائل 7: 500 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 238

ثمَّ علمت بعد ذلك فليس عليك صلاة الكسوف، و إن أعلمك أحد و أنت نائم فعلمت ثمَّ غلبتك عيناك فلم تصلّ فعليك قضاؤها» «1».

و صحيحة عليّ: عن صلاة الكسوف هل على من تركها قضاء؟ فقال: «إذا فاتتك فليس عليك قضاء» «2».

و قريبة منها رواية الحلبيّ «3».

و لنا على الثاني:

عمومات القضاء.

و إطلاق صدر مرسلة حريز، و ذيل الموثّقة.

و خصوص مرسلة الفقيه «4»: «إذا علم الكسوف و نسي أن يصلّي فعليه القضاء، و إن لم يعلم به فلا قضاء عليه، هذا إذا لم يحترق كلّه».

قيل:

هي و إن اختصّت بالنسيان إلّا أنه يلحق به العمد بالفحوى، مع عدم قائل بالفرق بينهما «5».

و قوله في الرضويّ الآتي: «و إن لم يحترق القرض فاقضها».

خلافا في ذلك للمحكيّ عن جمل السيّد و مصباحه و مسائله المصريّة

______________________________

(1) التهذيب 3: 291- 876، الاستبصار 1: 454- 1760، الوسائل 7: 501 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 10.

(2) التهذيب 3: 292- 884، الاستبصار 1: 453- 1756، قرب الإسناد: 219- 858، الوسائل 7: 501 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 7.

(3) التهذيب 3: 157- 338، الاستبصار 1: 453- 1757، الوسائل 7: 501 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 9.

(4) كذا في النسخ، و لكن لم نعثر عليها فيه، بل وجدناها في الكافي 3: 465 ذ. ح 6، و عنه في الوسائل 7: 500 أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 3.

(5) انظر: الرياض 1: 199.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 239

الثالثة «1»، و الشيخ في التهذيب، و الحلّي «2»، و قوّاه في الروضة «3»، و رجّحه في

المدارك «4»، فلا قضاء حينئذ، للأصل، و إطلاق صحيحة عليّ و رواية الحلبيّ السابقتين، و ذيلي صحيحتي زرارة و محمّد، و الفضيل و محمّد. و تخصيصهما بحال الجهل لا وجه له، و اختصاص ما قبلهما بها لا يصلح قرينة لاختصاصهما أيضا، و لا يدلّ عليه بوجه أصلا.

و يجيبون هؤلاء عن أدلّة وجوب القضاء حينئذ بعد تضعيف الرضويّ سندا:

بأنّ العمومات مخصصة بما مرّ، لأعميتها مطلقا.

و المرسلة و الموثّق- لاختصاصهما بحال العلم، و شمولهما لاحتراق الكلّ- أعمّان من وجه من ذيلي الصحيحين الأوّلين، لاختصاصهما باحتراق البعض، و لا مرجّح لشي ء من الفريقين، و إن كان أحدهما أرجح سندا و الآخر من حيث الاعتضاد بالشهرة فتوى، إلّا أنّهما مع عدم صلاحيتهما للترجيح على التحقيق متكافئان. و موافقة الذيلين لمذهب العامّة «5»- كما تستفاد عن الانتصار و الخلاف- لا تضرّ بعد مخالفة صدرهما، فيبقى إطلاق الصحيح و الرواية الأخيرين الذي هو أخصّ مطلقا من عمومات القضاء سالما عن معارض ظاهر.

و جعل إطلاق المرسل و الموثّق قريبا من النصّ في احتراق البعض، لندرة احتراق الكلّ، و غلبة انكساف البعض- مع عدم اعتبار أمثال ذلك- لا تفيد، إذ لو صحّ لكان إطلاق الصحيح و الخبر الأخير أيضا بسقوط القضاء قريبا من النصّ فيه.

مضافا إلى أنّ سياق المرسلة ربّما يشير إلى كون موردها خصوص احتراق

______________________________

(1) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 46، حكاه عن المصباح في المدارك 4: 135، و عن المسائل المصرية في المختلف: 116.

(2) التهذيب 3: 157، الحلّي في السرائر 1: 321.

(3) الروضة 1: 315.

(4) المدارك 4: 136.

(5) انظر: المغني 2: 280، و الأم 1: 244.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 240

الكلّ، للأمر بالغسل في صورة العمد،

و نفيه و إثبات القضاء في صورة الجهل، و شي ء منهما لا يوافق المشهور في احتراق البعض.

و أمّا المرسلة الأخيرة فخصوصيتها ممنوعة، لأنّها إنّما هي إذا كان المشار إليه لقوله: «هذا» مجموع الحكمين، و هو غير معلوم، بل الأصل و العرف يقتضي اختصاصه بالأخير، فتكون هذه أيضا أعم من وجه كسابقتيها، و قد عرفت الحال.

أقول:

كلّ ذلك كان مفيدا لو لا انجبار الرضويّ المذكور بما مرّ من الشهرة المحقّقة و المحكيّة مستفيضة، و حكاية نفي الخلاف، و دعوى الإجماع. و أمّا معه فيردّ به دعوى ضعفه، ثمَّ يعارض به الذيلان لتساويهما، فإن رجّحناه بمخالفة العامّة و إلّا فيشتغلان بأنفسهما، و لا يعلم مخصص أو معارض للمرسلتين و الموثّقة، فيعمل بإطلاقهما في الحكم بالقضاء مع العلم، سواء احترق الكلّ أو البعض، مع أنّ ظهور الذيلين في حال الجهل ممّا لا يقبل المنع، سيّما ذيل الثانية، فلا ينافيان المطلوب أصلا.

و لنا على الثالث:

ما استدلّ به المخالف في الثاني. مضافا إلى رواية حريز و الموثّقة الخاليتين عن مكاوحة الرضويّ أيضا، لضعفه الخالي عن الجابر في المقام.

مع أنّ رواية حريز خاصّة مقدّمة على الجميع.

خلافا فيه خاصّة للمحكيّ عن الصدوقين و الإسكافيّ «1»، و الحلبيّ و الديلميّ في ظاهر قوله «2»، و المقنعة و الانتصار و الخلاف «3»، فأوجبوا القضاء فيه، و عن ظاهر الأخيرين الإجماع عليه، له، و للعمومات.

و الرضويّ: «و إن انكسفت الشمس أو القمر و لم تعلم به فعليك أن تصليها إذا علمت، فإن تركتها متعمّدا حتّى تصبح فاغتسل و صلّ، و إن لم يحترق القرص

______________________________

(1) حكاه عنهم في المختلف: 116.

(2) الحلبي في الكافي في الفقه: 156، الديلمي في المراسم: 81.

(3) المقنعة: 211، الانتصار: 58، الخلاف 1: 678.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 241

فاقضها و لا تغتسل» «1».

و يردّ الأوّل:

بعدم الحجيّة، مع احتمال اختصاصه- كما قيل «2»- باحتراق الكلّ، و معارضته بنقل ادّعاء الإجماع على انتفاء القضاء في هذه الصورة عن القاضي «3»، و نفي الخلاف إلّا عن المفيد كما عن ظاهر التذكرة «4».

و الثاني:

بوجوب تخصيصها بما مرّ من الأدلّة الخاصّة المعتضدة بالأصل و الشهرة.

و الثالث:

بضعفة الخالي عن الجابر في المقام بالمرّة، مع معارضته بما هو أخصّ مطلقا منه من رواية حريز السالفة.

المسألة الرابعة: لو ترك صلاة غير الكسوفين و الزلزلة من الآيات جهلا به،

فعن الشرائع و التذكرة و التحرير و البيان «5»، بل نسبه جماعة إلى المشهور «6»، بل قيل: إنه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا «7»: عدم وجوب القضاء، للأصل، و عدم دليل سوى العمومات المتبادرة منها اليوميّة، مع أنّها إنّما تدلّ على الوجوب على مفوّت الفريضة، و هي ليست فريضة بالنسبة إليه، لامتناع تكليف الغافل، و فحوى ما دلّ عليه في الكسوفين، لكون وجوب صلاتهما أقوى.

و لو كان عن عمد، فعن التحرير و الذكرى: وجوب القضاء «8»، و احتمله في نهاية الإحكام «9».

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 135، مستدرك الوسائل 6: 174 أبواب صلاة الآيات ب 9 ح 1.

(2) انظر: الرياض 1: 199.

(3) انظر: شرح جمل العلم و العمل: 136.

(4) التذكرة 1: 163.

(5) الشرائع 1: 103، التذكرة 1: 163، التحرير 1: 47، البيان: 208.

(6) كما في الذخيرة: 325، و الرياض 1: 199.

(7) كما في المدارك 4: 134.

(8) التحرير 1: 47، الذكرى: 244.

(9) نهاية الاحكام 2: 78.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 242

و قوّى في الروضة وجوبه على التقديرين «1»، و مال إليه في الذخيرة «2». و هو قوّى جدّا، للعمومات الشاملة لمثلها أيضا، لعدم ظهور مخصص، و لو لم

يكن واجبا في الوقت، كما يأتي في بحث القضاء.

و أمّا الزلزلة فتجب مدّة العمر، للأمر المطلق، و عدم ثبوت التوقيت فيها.

______________________________

(1) الروضة 1: 315.

(2) الذخيرة: 325.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 243

البحث الثالث في كيفيتها
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: هي ركعتان، فيهما عشر ركوعات و قيامات و قراءات، و أربع سجدات

، بعد كلّ خمس ركوعات سجدتان، و قبل كلّ ركوع قراءة.

فينوي، ثمَّ يكبّر للإحرام، فيقرأ وجوبا، ثمَّ يركع فيقوم من غير أن يسجد، فيقرأ، ثمَّ يركع، ثمَّ يقوم و يقرأ و يركع، ثمَّ كذلك، ثمَّ كذلك، و يسجد بعد الركوع الخامس، فيقوم و يفعل كما فعل في الأولى، بالإجماع المحقّق و المحكيّ عن الناصريّات و الانتصار و الخلاف و المعتبر و المنتهى و غيرها «1»، له، و للمستفيضة كصحيحة زرارة و محمّد: «هي عشر ركعات و أربع سجدات، تفتتح الصلاة بتكبيرة، و تركع بتكبيرة، و ترفع رأسك بتكبيرة إلّا في الخامسة التي تسجد فيها، و تقول: سمع اللَّه لمن حمده، و تقنت في كلّ ركعتين قبل الركوع، و تطيل القنوت و الركوع على قدر القراءة و الركوع و السجود، فإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد فادع اللَّه حتّى ينجلي، و إن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتمّ ما بقي، و تجهر بالقراءة» «2» الحديث، كما يأتي.

و صحيحة الحلبيّ: «عن صلاة الكسوف كسوف الشمس و القمر، قال:

عشر ركعات و أربع سجدات، تركع خمسا، ثمَّ تسجد في الخامسة، ثمَّ تركع

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 204، الانتصار: 59، الخلاف 1: 679، المعتبر 2: 334، المنتهى 1: 350، و انظر: التذكرة 1: 162، و الرياض 1: 200.

(2) الكافي 3: 463 الصلاة ب 95 ح 2، التهذيب 3: 156- 335، الوسائل 7: 494 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 244

خمسا، ثمَّ تسجد في العاشرة» «1» الحديث.

و صحيحة الرهط: «إنّ الصلاة في هذه الآيات كلّها سواء، و أشدّها و أطولها كسوف الشمس، تبدأ فتكبّر بافتتاح الصلاة، ثمَّ تقرأ أمّ الكتاب و

سورة، ثمَّ تركع ثمَّ ترفع رأسك من الركوع، فتقرأ أمّ الكتاب و سورة، ثمَّ تركع الثانية ثمَّ ترفع رأسك من الركوع، فتقرأ أمّ الكتاب و سورة، ثمَّ تركع الثالثة ثمَّ ترفع رأسك من الركوع، فتقرأ أمّ الكتاب و سورة، ثمَّ تركع الرابعة ثمَّ ترفع رأسك من الركوع، فتقرأ أمّ الكتاب و سورة، ثمَّ تركع الخامسة، فإذا رفعت رأسك قلت: سمع اللَّه لمن حمده، ثمَّ تخرّ ساجدا فتسجد سجدتين، ثمَّ تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الأولى» «2» الحديث.

و الرضويّ: «إنّ صلاة الكسوف عشر ركعات بأربع سجدات، تفتتح الصلاة بتكبيرة واحدة، ثمَّ تقرأ الفاتحة و سورا طوالا، و طوّل في القراءة و الركوع و السجود ما قدرت، فإذا فرغت من القراءة ركعت، ثمَّ رفعت رأسك بتكبير و لا تقول: سمع اللَّه لمن حمده، تفعل ذلك خمس مرّات، ثمَّ تسجد سجدتين، ثمَّ تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الركعة الاولى» «3».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 6    245     المسألة الأولى: هي ركعتان، فيهما عشر ركوعات و قيامات و قراءات، و أربع سجدات ..... ص : 243

الدعائميّ: «صلاة الكسوف في الشمس و القمر و عند الآيات واحدة، و هي عشر ركعات و أربع سجدات، يفتتح الصلاة بتكبيرة و يقرأ بفاتحة الكتاب و سورة طويلة و يجهر فيها بالقراءة، ثمَّ يركع فيلبث راكعا مثل ما قرأ، ثمَّ يرفع رأسه و يقول: اللَّه أكبر» «4» و ساق الحديث قريبا ممّا مرّ.

و أمّا روايتا أبي البختري و يونس الدالّة أولاهما على أنّ عليّا عليه السلام

______________________________

(1) الفقيه 1: 346- 1533، الوسائل 7: 495 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 7.

(2) التهذيب 3: 155- 333، الوسائل 7: 492 أبواب صلاة الكسوف

ب 7 ح 1.

(3) فقه الرضا «ع»: 134، مستدرك الوسائل 6: 169 أبواب صلاة الكسوف ب 6 ح 1.

(4) دعائم الإسلام 1: 200، مستدرك الوسائل 6: 169 أبواب صلاة الكسوف ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 245

صلّى في الكسوف ركعتين في أربع ركعات و أربع سجدات «1»، و ثانيتهما على أنّ أبا جعفر عليه السلام صلّى حال الخسوف ثماني ركعات «2».

فشاذّتان، و على التقيّة- لموافقتهما للعامّة كما صرّح به جماعة «3»- محمولتان، مع أنّهما سيّما الثانية ليستا صريحتين في أنّ ما فعلاه كان صلاة الكسوف.

المسألة الثانية: تجب القراءة قبل كلّ ركوع كما مرّ، إجماعا.

و كيفيتها أن يقرأ بعد تكبيرة الافتتاح و قبل الركوع الأوّل الحمد و سورة أو بعضها فيركع، فإذا انتصب منه قرأ الحمد ثانيا و سورة أو بعضها إن كان أتمّ السورة في الاولى، و إلّا فلا يقرأ الحمد، بل يقرأ السورة من حيث قطع خاصّة، فيركع، فإذا انتصب يقرأ الحمد و سورة أو بعضها مع تمام السورة في الثانية، و السورة خاصّة من حيث قطعها في الثانية بدونه، و هكذا يفعل إلى أن يتمّ خمس ركوعات، فيسجد بعد الخامسة، فإذا قام من السجود قرأ الحمد و سورة أو بعضها و ركع، فإذا انتصب قرأ كما في الركعة الأولى إلى أن يتمّ خمس ركوعات.

و على هذا فتتعيّن الفاتحة قبل الركوع الأوّل بعد النيّة و قبل السادس بعد القيام من السجود، و أمّا قبل سائر الركوعات فيتخيّر بين قراءة الفاتحة و عدمها، بمعنى أنّه إن أتمّ السورة في الركوع السابق تجب قراءة الحمد، و إلّا فلا.

بلا خلاف من أحد مطلقا في الأوّل أي أصل تعيّن الفاتحتين. و صرّح به في تتمّة صحيحة الحلبيّ المتقدّمة «4» قال: «و إن

شئت قرأت سورة في كلّ ركعة، و إن شئت قرأت نصف سورة في كلّ ركعة، فإذا قرأت سورة في كلّ ركعة فاقرأ فاتحة

______________________________

(1) التهذيب 3: 291- 879، الاستبصار 1: 452- 1753، الوسائل 7: 493 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 4.

(2) التهذيب 3: 292- 880، الاستبصار 1: 453- 1754، الوسائل 7: 494 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 5.

(3) كالشيخ في الخلاف 1: 679 و التهذيب 3: 292، و العلامة في المنتهى 1: 350.

(4) في ص 243.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 246

الكتاب، و إن قرأت نصف السورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلّا في أوّل ركعة حتّى تستأنف أخرى».

و بلا خلاف من أحد- صريح- في موضع تعيّن الفاتحتين، و تدلّ عليه أيضا الصحيحة المذكورة.

و عن الفاضل:

الاحتمال ضعيفا أنّه إن لم يتمّ السورة قبل الركوع الخامس لا تجب الفاتحة قبل السادس، بل يقرأ من حيث قطع السورة، و لكن قال: تجب الفاتحة في ركوع آخر من الثانية حيث لا يجوز الاكتفاء بالحمد مرّة في الركعتين «1».

و قوّى في الحدائق ذلك الاحتمال بما يأتي من النهي عن قراءة الفاتحة إن لم يتمّ السورة «2».

أقول:

لا يخفى أنّ قوله في الصحيحة «إلّا في أوّل ركعة» أخصّ مطلقا ممّا يأتي، و مقتضاه أنّ النهي إنّما هو في غير أوّل ركعة فيجب التخصيص به.

مع أنّه لا إطلاق أو عموم يدلّ على جواز القطع خلال السورة في الركوع الخامس و الأخذ منه في السادس، و لو كان لكان مقتضاه جواز ذلك في تمام الركوعات، فإيجاب حمد في الثانية يكون مخالفا له، للنهي المذكور.

و بلا خلاف من غير المحكيّ عن الحلّي «3»، و محتمل الروضة «4»، في الثاني، فلم يوجب

الحمد زيادة على مرّة في كلّ من الركعة الاولى و الثانية مطلقا و لو أكمل السورة و أتمّها في كلّ ركوع، بل استحبّها.

و هو محجوج- بعد ظاهر الإجماع المحقّق، و المحكيّ ظاهرا في كلام جماعة «5» كما قيل- بالأمر الدالّ على الوجوب في المعتبرة المستفيضة، منها الصحيحة

______________________________

(1) التذكرة 2: 162.

(2) الحدائق 10: 333.

(3) حكاه عنه في الحدائق 10: 331.

(4) الروضة 1: 12.

(5) كالمحقق في المعتبر 2: 334، و العلامة في المنتهى 1: 350، و صاحب الرياض 1: 200.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 247

المتقدّمة، و منها تتمّة صحيحة زرارة و محمّد «1»: قال، قلت: كيف القراءة فيها؟

فقال: «إن قرأت سورة في كلّ ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب، و إن نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت، و لا تقرأ فاتحة الكتاب».

و الصحيحان المرويّان في مستطرفات السرائر و كتاب عليّ بن جعفر و فيهما:

عن القراءة في صلاة الكسوف، قال: «تقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب» قال: «فإذا ختمت سورة و بدأت بأخرى فاقرأ فاتحة الكتاب، و إن قرأت سورة في ركعتين أو ثلاث فلا تقرأ فاتحة الكتاب حتّى تختم السورة» «2».

و يؤيّده الرضويّ: «و لا تقرأ سورة الحمد إلّا إذا انقضت السورة، فإذا بدأت بالسورة بدأت بالحمد» «3».

ثمَّ إنّه كما أنّ قراءة الحمد بعد إكمال السورة واجبة عزيمة، فهل تركها مع عدم إكمالها أيضا كذلك للنهي، أم تجوز قراءتها أيضا؟.

الظاهر: الثاني، لا لما قيل من أنّ النهي لوروده مورد توهّم الوجوب لا يفيد الحظر، لأنّ الحقّ إفادته له حينئذ أيضا.

بل لعدم النهي صريحا، لوروده بما يحتمل الجملة المنفيّة الغير الصريحة في الحرمة.

ثمَّ إنّ الموجب للفاتحة هل هو ختم السورة في الركوع السابق- إمّا بقراءتها أجمع

فيه أو مع ما قبله، أو بقراءة بعضها الأخير خاصّة إن جاز- أو الابتداء بالأخرى في الركوع الذي فيه أخذا من مبدئها أو أثنائها إن جاز؟.

مقتضى الصحيحين الأخيرين و الرضويّ الأوّل، و مقتضى قوله في الصحيحة الأولى: «حتّى تستأنف أخرى» الثاني.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 243.

(2) مستطرفات السرائر: 54- 7، مسائل علي بن جعفر «ع»: 248- 586، الوسائل 7: 497 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 13.

(3) فقه الرضا «ع»: 134، مستدرك الوسائل 6: 169 أبواب صلاة الكسوف و الآيات ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 248

و الأوّل أظهر، لصراحة مقتضية، و إمكان ورود الثاني مورد الغالب من عدم الاستئناف ما لم يختم الأولى، أو محمولا على عدم جواز الاستئناف ما لم يختم السابقة، و عدم جواز الاقتصار على النصف الأخير من السورة من غير قراءة نصفها الأوّل في ركوع هذا النصف أو ما قبله.

هذا حكم الفاتحة.

و أمّا السورة فانعقد الإجماع على وجوبها فيها، و هو الحجّة فيه، دون الأخبار، لخلوّها عن الأمر بها، غايتها تضمنّها الجمل الخبريّة المقترنة بما ليس للوجوب أيضا، و لو كان أمر فهو أيضا مقترن بما ليس للوجوب قطعا، نعم في قوله «فاقرأ من حيث نقصت» في صحيحة زرارة و محمّد نوع دلالة.

و كذا انعقد الإجماع على وجوب سورة تامّة أو بعض سورة قبل كلّ ركوع.

و الظاهر انعقاده على وجوب إتمام سورة واحدة في الركوعات العشر أيضا.

و تدلّ صحيحة زرارة و محمّد على وجوب الأخذ فيما بعده من حيث قطع لو اكتفى بالبعض.

و هذا هو القدر الثابت وجوبه في أحكام السورة، بل لا يبعد وجوب إتمام السورة في كلّ ركعة من الركعتين حتّى لا تخلو ركعة عن

سورة تامّة، أو إتمام سورتين في الركعتين حتّى لا يخلو مجموع الصلاة عن السورتين.

و أمّا ما عدا ذلك فلم يثبت وجوبه، فليعمل فيه بالأصل.

فتجوز له قراءة عشر سور، في كلّ ركعة سورة، و أقلّ منها إلى اثنتين، مخيّرا في كيفيّة التوزيع في الناقص عن العشر، فيقرأ خمسا في ركعة و أربعا أو أقلّ في أخرى، أو واحدة في ركعة و واحدة في أخرى، أو واحدة و بعضها في ركعة و مثلها في الأخرى، و هكذا إلى غير ذلك من الفروع المتكثّرة.

بل تجوز قراءة سورتين أو أزيد و بعض سورة.

نعم لو شرع ابتداء في سورة يجب إتمامها بالترتيب، لأنّه مقتضى وجوب سورة تامّة و وجوب القراءة من حيث قطع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 249

بل مقتضى وجوب إتمام السورتين مع وجوب الأخذ من موضع القطع وجوب إتمام سورتين ابتداء، و كذا مقتضى الأخير عدم جواز رفض سورة كما جوّزه بعضهم «1».

المسألة الثالثة: تستحبّ في هذه الصلاة أمور:
منها: أنّه إن فرغ عن الصلاة قبل تمام الانجلاء جلس في مصلّاه و دعا اللَّه سبحانه و مجّده، أو يعيد الصلاة.

أمّا الأوّل فلصحيحة زرارة و محمد المتقدمة في المسألة الاولى «2».

و المرويّ في الدعائم: صلّى عليّ عليه السلام صلاة الكسوف، فانصرف قبل أن ينجلي، فجلس في مصلّاه يدعو و يذكر اللَّه، و جلس الناس كذلك يدعون و يذكرون اللَّه حتّى تجلّت «3».

و أمّا الثاني فلصحيحة ابن عمّار السابقة في المسألة الاولى من البحث الثاني «4».

و يدلّ عليهما أيضا الرضويّ: «و إن صلّيت و بعد لم ينجل فعليك الإعادة، أو الدعاء و الثناء على اللَّه تعالى و أنت مستقبل القبلة» «5».

و ظاهر الثالثة و إن كان وجوب الإعادة بخصوصها، كما عن ظاهر السيّد و الحلبيّ و الديلميّ «6»، و اختاره بعض مشايخنا الأخباريّين «7»، و مفاد الاولى وجوب القعود بخصوصه، و مقتضى الرابعة الوجوب التخييريّ

بينهما، كما هو ظاهر

______________________________

(1) كما في الروضة 1: 312.

(2) راجع ص 243.

(3) الدعائم 1: 201، مستدرك الوسائل 6: 173 أبواب صلاة الكسوف و الآيات ب 7 ح 2.

(4) في ص 230.

(5) فقه الرضا «ع»: 135، مستدرك الوسائل 6: 173 أبواب صلاة الآيات ب 7 ح 1.

(6) السيّد في جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى 3): 46، الحلبي في الكافي في الفقه: 156، الديلمي في المراسم: 81.

(7) الحدائق 10: 334.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 250

الصدوق في الفقيه «1»، بل والده في الرسالة «2» و إن نفى القول به في المدارك و الذخيرة «3».

إلّا أنّ ضمّ موثّقة الساباطيّ- المتقدمة في المسألة الاولى من البحث الثاني «4»- مع الثالثة يخرجها عن الظهور، و يصير قرينة على إرادة عدم المنع من النقيض عنها.

و حمل الموثّقة على الفراغ من الصلاة الأولى بعيد غايته، و عدم فتوى واحد بمفاد الاولى يمنعها عن الحجيّة و إثبات خلاف الأصل بها، و كذا ضعف الرابعة، فلم يبق إلّا الحكم باستحبابهما مخيّرا.

و منهم من أجاب عن دليل وجوب الإعادة عليه: بمعارضته مع دليل وجوب القعود، و الجمع بينهما يمكن بالتخيير و بالحمل على الاستحباب، و إذ لا قول بالأوّل، فيبقى الثاني. مع أنّه أرجح، لموافقته الأصل «5».

و فيه:

أنّ بعد تحقّق التعارض يتعيّن التخيير، لأنّه حكم المتعارضين الخاليين عن المرجّح، فلا يساويه الحمل على الاستحباب. و هذا التخيير حكم اضطراريّ لمن لا يعلم الترجيح، فلا ضير في عدم القائل به إلّا إذا علم عدم القائل به مع التعارض و عدم الترجيح أيضا، أي علم الإجماع على عدم التخيير مع التعارض أيضا، و هو هنا غير معلوم، بل القائل بالتخيير أيضا موجود.

و قد أنكر الحلّي استحباب

الإعادة أيضا «6»، فإن أراد معيّنة- كما هو المحتمل- فهو كذلك، و إن أراد مطلقا فلا وجه له إلّا على أصله من عدم حجيّة الآحاد.

______________________________

(1) الفقيه 1: 347.

(2) حكاه عنه في المختلف: 117.

(3) المدارك 4: 143، الذخيرة: 326.

(4) راجع ص 230.

(5) انظر: الرياض 1: 200.

(6) السرائر 1: 324.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 251

و منها: أن يطوّل في صلاته بقدر زمان الكسوف تقريبا

المعلوم بالحسّ، أو المظنون بالاستصحاب، بإجماع العلماء كما عن المعتبر «1»، و عن المنتهى لا نعرف فيه خلافا «2»، له، و للموثّقة المتقدّمة، و الرضوي: «و تطوّل في الصلاة حتّى ينجلي» «3» و غير ذلك.

و لو انجلى و بقي شي ء من الصلاة أتّمها، كما مرّ في النصّ، و يخففها، صرّح به في الرضوي قال بعد ما ذكر: «و إذا انجلى و أنت في الصلاة فخفّف».

و المستفاد من الأخبار أشديّة استحباب التطويل في كسوف الشمس.

و مقتضى إطلاق ما ذكر استحباب الإطالة حتى للإمام، و تدلّ عليه أيضا مرسلة الفقيه: انكسفت الشمس على عهد أمير المؤمنين، فصلّى بهم حتّى كان الرجل ينظر إلى الرجل ابتلّت قدمه من عرقه «4».

و رواية القداح: «انكسفت الشمس في زمن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، فصلّى بالناس ركعتين، و طوّل حتّى غشي على بعض القوم ممّن كان وراءه من طول القيام» «5».

إلّا أنّ في صحيحة زرارة و محمّد: «يستحبّ أن يقرأ فيهما بالكهف و الحجر إلّا أن يكون إماما يشقّ على من خلفه» «6».

و توافقها العمومات الواردة في صفة صلاة الجماعة الآمرة بالتخفيف و الإسراع لرعاية حال المأمومين.

______________________________

(1) المعتبر 2: 336.

(2) المنتهى 1: 350.

(3) فقه الرضا «ع»: 135، مستدرك الوسائل 6: 166 أبواب صلاة الكسوف و الآيات ب 3 ح 3.

(4) الفقيه 1: 341- 1511،

الوسائل 7: 499 أبواب صلاة الكسوف ب 9 ح 2.

(5) التهذيب 3: 293- 885، الوسائل 7: 498 أبواب صلاة الكسوف ب 9 ح 1.

(6) الكافي 3: 463 الصلاة ب 95 ح 2، التهذيب 3: 156- 335، الوسائل 7: 494 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 252

و طريق الجمع تخصيص هذه العمومات بغير صلاة الكسوفين بالأخبار المتقدّمة، و تخصيص تلك الأخبار بغير صورة العلم بكونه شاقّا على من وراءه.

و منها: أن يقرأ السور الطوال

مثل يس و النور و الكهف و الحجر مع سعة الوقت، بالإجماع كما عن الخلاف و المنتهى و غيرهما «1»، و هو الدليل عليه، مع الصحيحة و الرضويّ «2» السابقتين، و رواية أبي بصير: «و يقرأ في كلّ ركعة مثل يس و النور» إلى أن قال: قلت: فمن لم يحسن يس و أشباهها، قال: «فليقرأ ستّين آية في كلّ ركعة» «3».

و الدعائميّ و فيه: «و إن قرأ في صلاة الكسوف بطوال المفصّل ..» «4».

و إنّما قيّدنا بالسعة لما مرّ من الأمر بالتخفيف إذا خرج الوقت، و هو أخصّ من أدلّة التطويل.

و منها: إطالة الركوع و السجود

، لمطلقاتها، و حكاية الإجماع عليها بخصوص المورد في المنتهى «5»، و مثلها كافية في المقام.

و تستحبّ إطالة الركوع بقدر القراءة إجماعا، كما عن الخلاف و الغنية «6»، و هو الحجّة فيه، مضافا إلى مضمرة أبي بصير: «و يكون ركوعك مثل قراءتك و سجودك مثل ركوعك» «7».

______________________________

(1) الخلاف 1: 679، المنتهى 1: 351، و انظر: المعتبر 2: 337.

(2) المتقدم في ص 244.

(3) التهذيب 3: 294- 890، الوسائل 7: 493 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 2.

(4) الدعائم 1: 201، مستدرك الوسائل 6: 169 أبواب صلاة الكسوف و الآيات ب 6 ح 2، و تتمّة الرواية: و رتّل القراءة فذلك أحسن.

(5) المنتهى 1: 351.

(6) الخلاف 1: 679، الغنية (الجوامع الفقهية): 562.

(7) التهذيب 3: 294 890، الوسائل 7: 493 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 253

و استدلّ جماعة بالفقرة الثانية على استحباب كون السجود أيضا مثل القراءة «1».

و فيه نظر، لأنّها تدلّ على استحباب كونها مثل الركوع، و لازمه أنّه لو كان الركوع أخفّ من القراءة أو أطول استحبّ

ذلك في السجود أيضا.

و قد يستدلّ له بقوله في صحيحة زرارة و محمّد: «و يطيل القنوت و الركوع مثل القراءة و الركوع و السجود» «2».

و هو أيضا مخدوش، لأنّه مبنيّ على كون السجود منصوبا، بل عدم ذكر الركوع الثاني كما في بعض كتب الفقه «3»، و أمّا مع خفضه فلا، و كذا مع تكرّر الركوع كما في كتب الحديث، بل يحصل حينئذ إجمال في الحديث لا يمكن الاستدلال به.

و منه يظهر ما في استدلال بعضهم بها على استحباب مساواة القنوت للقراءة «4»، مضافا إلى احتمال كون المراد أنّ مجموع القنوت و الركوع يستحبّ أن يكون كذلك. و لا ينافيه ثبوت استحبابه في الركوع خاصّة، لأنّ للاستحباب مراتب عديدة.

و منها: أن يكبّر عند الرفع من كلّ ركوع سوى الخامس و العاشر، فيقول فيهما، سمع اللَّه لمن حمده

، نصّ على الجميع في صحيح زرارة و محمّد «5»، و المرويّ

______________________________

(1) كما في الذخيرة: 326.

(2) الكافي 3: 463 الصلاة ب 95 ح 2، التهذيب 3: 156- 335، الوسائل 7: 494 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 6.

(3) كالرياض 1: 200.

(4) كما في مجمع الفائدة 2: 417.

(5) الكافي 3: 463 الصلاة ب 95 ح 2، التهذيب 3: 156- 335، الوسائل 7: 494 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 254

في الدعائم «1»، و على الأخير في صحيحتي المستطرفات «2» و الرهط «3»، و بهذه يختص الرضويّ المتقدّم في المسألة الأولى «4»، فالمراد منه عدم التسميع في غير الأخيرة.

ثمَّ إنّ مقتضاه عدم استحباب التسميع في غير الأخيرتين، و به صرّح في صحيحة الحلبيّ المتقدّم بعضها «5»: «و لا تقل سمع اللَّه لمن حمده في رفع رأسك من الركوع إلّا في الركعة التي تريد أن تسجد فيها».

و أمّا ما في بعض الأخبار من

التسميع عند الانتصاب من ركوع تمّت السورة قبله «6»، فمع أنّه لا يقاوم ما مرّ، و أنّه مبنيّ على الغالب المتعارف من تمام السورة في الأخيرتين، يكون أعمّ مطلقا ممّا مرّ فيخصّ به.

ثمَّ الروايتان الأوليان تتضمّنان التكبير عند الهويّ إلى كلّ ركوع، فهو أيضا مستحبّ. و لم يتعرّض له كثير من الأصحاب، لأنّه معلوم بالقياس إلى سائر الصلوات، و المهمّ بيان ما يختصّ به هذه من بينها.

و منها: أن يقنت بعد القراءة و قبل الركوع في كلّ زوج من الركوعات حتّى يقنت في الجميع خمس قنوتات

، قيل: بلا خلاف «7»، و هو الدليل عليه، مضافا إلى صحيحتي زرارة و محمّد، و الرهط، و رواية ابن أذينة «8»، و الرضويّ، و الدعائميّ.

______________________________

(1) الدعائم 1: 200، مستدرك الوسائل 6: 169 أبواب صلاة الكسوف ب 6 ح 2.

(2) مستطرفات السرائر: 45- 7، الوسائل 7: 497 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 13.

(3) التهذيب 3: 155- 333، الوسائل 7: 492 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 1.

(4) في ص 244.

(5) في ص 244.

(6) لم نعثر عليه في الكتب الحديثية، و رواه الشهيد- رحمه اللَّه- في النفلية ص 37 مرسلا حيث قال:

و روي نادرا عمومه- أي عموم قول سمع اللَّه .. إذا فرغ من السورة لا مع التبعيض.

(7) كما في الحدائق 10: 338.

(8) الفقيه 1: 347- 1534، الوسائل 7: 495 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 255

و عن الصدوق و النهاية و المبسوط و الوسيلة و الإصباح و الجامع و المنتهى و التحرير و النفليّة و البيان و الدروس: جواز الاقتصار في القنوت على ما قبل الخامس و العاشر «1». و لا ريب فيه، لأنّه دعاء مستحبّ، و مع ذلك به خبر مرسل، لقول الصدوق بعد ذكره: لورود الخبر «2».

و الظاهر

كما في المسالك عدم استحباب الجمع بين القنوت في الرابع و الخامس، بل إنّما يستحبّ في الخامس مع تركه قبلها «3»، و عن المبسوط و النهاية و ابن حمزة و البيان: جواز الاكتفاء بالقنوت قبل العاشر «4».

و منها: أن يجهر فيها بالقراءة

، بالإجماع كما عن الخلاف و ظاهر المعتبر و المنتهى و التذكرة «5»، له، و لصحيحة زرارة و محمّد، و ما روي عن النبيّ و الوليّ أنّهما صليا صلاة الكسوف فجهرا فيها «6».

و عن موضع من التذكرة و نهاية الإحكام: استحباب الإسرار بصلاة كسوف الشمس، لأنّها صلاة نهار لها نظيرة بالليل «7». و يردّه ما مرّ.

و منها: أن يكون بارزا تحت السماء

، لقوله في الصحيحة المذكورة: «و إن استطعت أن تكون صلاتك بارزا لا يجنّك بيت فافعل».

______________________________

(1) الصدوق في الهداية: 36، النهاية: 137، المبسوط 1: 173، الوسيلة: 113، الجامع للشرائع: 109، المنتهى 1: 351، التحرير 1: 47، النفلية: 37، البيان: 211، الدروس 1: 195. و لا يخفى أن الموجود في النهاية و المبسوط و الوسيلة و الجامع هو جواز الاكتفاء بما قبل العاشر فقط كما سيأتي في الرقم (4).

(2) الهداية: 36.

(3) المسالك 1: 37.

(4) المبسوط 1: 173، النهاية: 137، ابن حمزة في الوسيلة: 113، البيان:

211.

(5) الخلاف 1: 681، المعتبر 2: 339، المنتهى 1: 351، التذكرة 1: 163.

(6) سنن أبي داود 1: 309 ح 1188، و روى الشيخ في الخلاف 1: 681 عن عليّ عليه السلام أنّه جهر بالقراءة في الكسوف، و رواها عنه في الوسائل 7: 497 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 14.

(7) التذكرة 1: 163، نهاية الإحكام 2: 75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 256

و لا ينافيه الأمر في جملة من الأخبار بالمبادرة إلى المساجد حينئذ، إذ لم تكن المساجد مسقّفة في الصدر الأوّل، مع أنّ للمسقّف منها أيضا بارزا من فضاء أو سطح. هذا إذا ثبتت الحقيقة الشرعيّة في المسجد، و إلّا فالأمر أظهر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 257

البحث الرابع في أحكامها
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: تجوز هذه الصلاة جماعة و فرادى

، إجماعا، لروايتي روح و محمّد بن يحيى:

الاولى:

عن صلاة الكسوف تصلّى جماعة؟ قال: «جماعة و غير جماعة» «1».

و الثانية:

عن صلاة الكسوف تصلّى جماعة أو فرادى؟ فقال: «أيّ ذلك شئت» «2».

و قوله في صحيحة زرارة و محمّد: «إلّا أن يكون إماما يشقّ على من خلفه».

و يستحبّ أن تكون جماعة، للإجماع المحكيّ عن التذكرة «3»، و غيرها «4»، و العمومات، و هما الحجتان فيه، مؤيّدتين بفعل الحجج إيّاها جماعة «5».

و لا فرق في ذلك بين الكسوف الكليّ و الجزئيّ على المشهور، و لا بين الأداء و القضاء.

خلافا للمحكيّ عن الصدوقين فنفياها في الثاني «6»، و للمفيد ففي الرابع «7»، و مستندهما- كما صرّح به جماعة «8»- غير واضح.

______________________________

(1) التهذيب 3: 292- 882، الوسائل 7: 503 أبواب صلاة الكسوف ب 12 ح 1.

(2) التهذيب 3: 294- 889، الوسائل 7: 503 أبواب صلاة الكسوف ب 12 ح 3.

(3) التذكرة 1: 163.

(4) كالذخيرة: 326.

(5) راجع ص 251. الهامش (4) و (5).

(6) المقنع: 44، و حكاه عنهما في المختلف: 118.

(7) المقنعة: 211.

(8) كصاحب الرياض 1: 200.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 258

نعم في رواية ابن أبي يعفور- المتقدّمة في المسألة الاولى من البحث الثاني «1»- فرق بين الكليّ و الجزئيّ في ذلك، إلّا أنّها غير دالّة على المنع عن الجماعة في الجزئيّ، و إنّما غايتها الدلالة على إجزائها فرادى، و هو لا ينافي استحباب الجماعة.

كما أنّها لا تدلّ على وجوب الجماعة في الكليّ، كما قد ينسب إلى ظاهر الصدوقين «2».

نعم يظهر منها تأكّد استحبابها مع الكليّة، و هو كذلك.

المسألة الثانية: إذا حصلت الآية الموقتة في وقت فريضة حاضرة:
اشارة

فإن تضيّق وقت إحداهما تعيّنت للأداء، ثمَّ يصلّي بعدها ما اتّسع وقتها.

و إن تضيّقتا قدّمت الحاضرة.

و إن اتّسع الوقتان تخيّر في

تقديم أيّهما شاء.

بالإجماع في الأوّل، كما صرّح به جماعة، منهم: المدارك و الذخيرة و الحدائق «3»، و إن كان ظاهر كلام الصدوق في الحكم بتقديم الحاضرة شاملا لذلك أيضا «4».

و بلا خلاف في الثاني كما عن الذكرى «5»، بل بالإجماع كما صرّح به بعض الأجلّة في شرح الروضة «6»، و حكي عن التنقيح أيضا «7».

و على الحقّ المشهور في الثالث.

أمّا الأوّل فلاستلزام تجويز تقديم غير المضيّقة منهما تجويز الإخلال بالواجب

______________________________

(1) راجع ص 230.

(2) انظر: الرياض 1: 200.

(3) المدارك 4: 144، الذخيرة: 326، الحدائق 10: 345.

(4) المقنع: 44.

(5) الذكرى: 246.

(6) الظاهر هو الفاضل الهندي في شرحه على الروضة المسمّى ب «المناهج السّوية» و هي مخطوطة.

(7) التنقيح 1: 244.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 259

لا لضرورة، مضافا إلى الأخبار الآتية على تقدير تضيّق الحاضرة، و أمّا مطلقات تقديم الحاضرة فيأتي جوابها.

و أمّا الثاني فلصحيحة محمّد و العجلي المتقدّمة «1»، و صحيحة محمّد: عن صلاة الكسوف في وقت صلاة الفريضة، فقال: «ابدأ بالفريضة» «2» و الخزّاز: عن صلاة الكسوف قبل أن تغيب الشمس و يخشى فوات الفريضة، فقال: «اقطعوا و صلّوا الفريضة و عودوا إلى صلاتكم» «3».

و محمّد: ربّما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب و قبل العشاء الآخرة، فإن صلّينا الكسوف خشينا أن تفوتنا الفريضة، فقال: إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك و اقض فريضتك، ثمَّ عد فيها» «4».

و المرويّ في الدعائم: من وقف في صلاة الكسوف حتّى دخل وقت صلاة، قال: «يؤخّرها و يمضي في صلاة الكسوف حتّى يصير إلى آخر الوقت، فإن خاف فوت الوقت قطعها و صلّى الفريضة» «5».

و بعض هذه الأخبار و إن اختصّ بما إذا دخل في صلاة الكسوف، و لكنّه يثبت الحكم في

غيره بطريق أولى.

و أمّا الثالث فللأصل، و الجمع بين ما دلّ على جواز صلاة الآيات في وقت الفريضة قبلها، كصحيحة محمّد و العجليّ، و رواية معاوية بن عمّار: «خمس صلوات لا يتركن على حال: إذا طفت بالبيت، و إذا أردت أن تحرم، و إذا نسيت فصلّ إذا ذكرت، و صلاة الكسوف، و الجنازة» «6».

______________________________

(1) في ص 224.

(2) الكافي 3: 464 الصلاة ب 95 ح 5، الوسائل 7: 490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 1.

(3) التهذيب 3: 293- 888، الوسائل 7: 490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 3.

(4) التهذيب 3: 155- 332، الوسائل 7: 490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 2.

(5) الدعائم 1: 201، مستدرك الوسائل 6: 167 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 2.

(6) الكافي 3: 287 الصلاة ب 10 ح 2، التهذيب 2: 172- 683، الوسائل 4: 241 أبواب المواقيت ب 39 ح 4، و في جميع المصادر قدّم قوله: «و صلاة الكسوف» على قوله: «و إذا نسيت ..».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 260

و ما دلّ على وجوب الابتداء بالفريضة، كصحيحة محمّد، و الرضويّ: «و لا تصلّها في وقت الفريضة، فإذا كنت فيها و دخل عليك وقت الفريضة، فاقطعها و صلّ الفريضة، ثمَّ ابن على ما صلّيت من صلاة الكسوف» «1».

فإنّهما دليلان تعارضا، و لا مرجّح، فيصار إلى التخيير.

و توهّم أعميّة الأوّل مطلقا- لشموله قبل وقت الفريضة أيضا- فيجب تخصيصه بالثاني.

مدفوع: بأعميّة الثاني أيضا من جهة شموله لتضيق وقت الفريضة، و اختصاص الأوّل بما إذا لم يتضيّق وقتها، فالتعارض بالعموم و الخصوص من وجه، و الحكم التخيير.

و حمل الأوّل على وقت [الفضيلة] «2»- كما في الحدائق «3»- حمل بلا

دليل، و الاستشهاد له بصحيحتي الخزاز و محمّد عليل، مع أنّه ليس بأولى من حمل الثاني على آخر وقت الإجزاء.

و قد يستدلّ أيضا على التخيير: بأنّهما فرضان اجتمعا، و لا أولويّة لأحدهما، و الجمع محال، و تعيّن أحدهما ينافي وجوب الآخر.

و يمكن منع انتفاء الأولويّة، لأهميّة الفرائض اليوميّة. و منع المنافاة المذكورة كما في الظهرين و العشاءين في الوقت المشترك.

خلافا في الأخير للمحكيّ عن الصدوق في المقنع و الفقيه و رسالة أبيه «4»، و النهاية و مصباح السيّد و المفيد و ابن حمزة و القاضي «5»، و جعله في المبسوط

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 135، مستدرك الوسائل 6: 167 أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 1.

(2) في النسخ: الفريضة، و الصحيح ما أثبتناه.

(3) الحدائق 10: 348.

(4) المقنع: 44، الفقيه 1: 347، حكاه عن الرسالة في المختلف: 117.

(5) النهاية: 137، حكاه عن المصباح في المعتبر 2: 340، ابن حمزة في الوسيلة: 112، القاضي في المهذب 1: 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 261

أحوط «1»، و اختاره في الحدائق «2»، لما مرّ بجوابه.

فروع:
[الأول ]

أ: إذا اتّسع الوقتان، فهل المستحبّ تقديم صلاة الآية؟ كما هو محتمل المبسوط أوّلا «3»، و ظاهر صحيحة محمّد و العجليّ.

أو الحاضرة؟ كما عن الفاضل «4» و غيره «5»، بل لعلّه المشهور.

الظاهر: الثاني، لأهميّة الحاضرة، و كثرة النصوص التي هي بتقديمها آمرة، مع احتمال كون مجاز الجملة الخبريّة في الصحيحة هو الجواز الخالي عن الرجحان.

[و الثاني ]

ب: لو اجتمعت الآية مع فريضة أخرى، فمع تضيّق إحداهما قدّم، و الوجه ظاهر. و مع تضيّقهما أو اتّساعهما تخيّر من غير ترجيح ما لم يكن موجب و لا مرجّح خارجيّ، و يجب أو يرجّح تقديم ما يوجد مقتضية مع وجوده.

و عن المبسوط و التحرير: رجحان تقديم صلاة الجنازة عليها «6»، كما عن الأخير تقديمها على صلاة العيد مع تساوي الوقتين «7»، و لا يحضرني وجهه.

[و الثالث ]

ج: لو دخل في الآتية بظنّ سعة وقت الحاضرة، ثمَّ تبيّن ضيقها في الأثناء قطعها و صلّى الحاضرة، إجماعا كما صرّح به جماعة «8»، و دلّت عليه أكثر الأخبار السالفة.

ثمَّ بنى على ما قطع، وفاقا للصدوق و السيّد و نهاية الشيخ و المنتهى و التحرير

______________________________

(1) المبسوط 1: 172.

(2) الحدائق 10: 347.

(3) المبسوط 1: 172.

(4) التذكرة 1: 164، نهاية الإحكام 2: 79.

(5) كالفاضل المقداد في التنقيح 1: 243.

(6) المبسوط 1: 172، التحرير 1: 47.

(7) التحرير 1: 47.

(8) كالمعتبر 2: 341، و التذكرة 1: 164، و الذخيرة: 326.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 262

و البيان و الدروس «1»، بل الأكثر كما صرّح به جمع ممّن تأخّر «2»، بل علمائنا كما في المنتهى «3» مؤذنا بإجماعهم عليه.

لا لصحيحتي الخزّاز و محمّد- كما في الذخيرة «4»- لاحتمال إرادة العود إلى أصل الصلاة.

بل لصحيحة محمّد و العجليّ، و الرضويّ المنجبر بما مرّ.

خلافا للمحكيّ عن المبسوط و التذكرة و نهاية الإحكام و الذكرى فيستأنف «5»، و المعتبر فتردّد «6»، لأنّ البناء بعد تخلّل صلاة لم يعهد من الشرع، و لعمومات إبطال الفعل الكثير.

و يضعّف: بأنّ ما ذكر عهد من الشرع، و مخصّص للعمومات. مع أنّه لا عموم يدلّ على إبطال الفعل الكثير بحيث يشمل

المقام.

و لا فرق في وجوب إتمام الآتية بعد الحاضرة بالبناء بين ما إذا خرج وقتها بعد الحاضرة أولا، لإطلاق دليله، مضافا إلى ما مرّ من وجوب إتمام صلاة الكسوف لو خرج وقتها في الأثناء.

ثمَّ مدلول ما ذكر وجوب البناء، و مقتضاه تحريم فعل ما يبطل الصلاة عمدا قبل الاشتغال بالحاضرة أو بعده قبل إتمام الآتية. و لو فعله، أو فعل سهوا ما يبطلها مطلقا يجب الاستئناف قطعا.

و هل الحكم يختصّ باليوميّة، أو يعمّ غيرها من الفرائض أيضا؟.

______________________________

(1) الصدوق في المقنع: 44، السيد في جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى 3): 45، المنتهى 1:

353، التحرير 1: 47، البيان: 209، الدروس 1: 195.

(2) كالشهيد في البيان: 209، و السبزواري في الذخيرة: 326.

(3) المنتهى 1: 353.

(4) الذخيرة: 326.

(5) المبسوط 1: 172، التذكرة 1: 164، نهاية الإحكام 2: 80، الذكرى: 247.

(6) المعتبر 2: 341.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 263

الظاهر: الأوّل، كما صرّح به بعض الأجلّة «1»، لأنّ المتبادر من الصحيحة و الرضويّ اليوميّة فيستأنف في غيرها الآتية.

بل قد يتردّد في جواز القطع في غيرها أيضا، لعموم حرمة إبطال العمل، فيعارض عموم وجوب الفريضة.

و يضعّف: بمنع عموم الأوّل.

[و الرابع ]

د: لو ضاق الوقتان فصلّى الحاضرة و خرج وقت الآتية، فهل يجب عليه قضاؤها أم لا؟.

فعن ظاهر إطلاق المفيد عدمه مطلقا «2»، و عن بعضهم وجوبه كذلك «3»، و عن المعتبر و المنتهى و التحرير و الروضة التفصيل «4»: فالأوّل مع عدم تفريط في تأخير إحدى الصلاتين، و الثاني مع التفريط في تأخير إحداهما.

و منهم من فرق بين التفريط في صلاة الكسوف و الحاضرة «5».

و منهم من تعرّض لتفريط إحداهما دون الأخرى «6».

و الوجه عندي القضاء مطلقا فيما يجب فيه القضاء،

فيجب مع العلم بالكسوف مطلقا، و بدونه إن كان كليّا، لجريان أدلّة هذا التفصيل في المقام بعينه.

فسبب الوجوب موجود، و العارض لا ينافيه، إذ ليس إلّا عدم التقصير في التأخير، بل عدم تحقّق الوجوب أداء في بعض الصور، و هو لا ينافي وجوب القضاء لدليل آخر، كما في صلاة النائم تمام الوقت، و صوم الحائض. فتدبّر.

[و الخامس ]

ه: لو كانت الحاضرة نافلة قدّم الآتية وجوبا مع ضيقها، بلا خلاف

______________________________

(1) انظر: كشف اللثام 1: 267.

(2) المقنعة: 211.

(3) انظر: الذكرى: 247.

(4) المعتبر 2: 341، المنتهى 1: 354، التحرير 1: 47، الروضة 1: 314.

(5) كما في الذخيرة: 327.

(6) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 473.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 264

ظاهرا كما قيل «1»، و عن المنتهى أنّ عليه علماءنا أجمع «2».

و تدلّ عليه صحيحة محمّد: فإذا كان الكسوف آخر الليل فصلّينا صلاة الكسوف فاتتنا صلاة الليل، فبأيّهما نبدأ؟ فقال: «صلّ صلاة الكسوف و اقض صلاة اللّيل» «3».

و اختصاصها بصلاة الليل غير ضائر، لعدم القائل بالفرق، و تنقيح المناط القطعيّ، بل طريق الأولويّة، لأفضليّة صلاة الليل عن سائر النوافل.

و كذا مع سعتها على ما يقتضيه إطلاق كلام جماعة «4»، و يدلّ عليه إطلاق صحيحة أخرى لمحمّد: عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة، فقال: «ابدأ بالفريضة» فقيل له: في وقت صلاة الليل، فقال: «صلّ صلاة الكسوف قبل صلاة الليل» «5».

و لا إشكال فيه على القول بالمنع من النافلة في وقت الفريضة، و أمّا على القول بالجواز ففيه إشكال، سيّما مع ضيق وقت النافلة وسعة الآتية. و لا بعد في العمل بالإطلاق المذكور حينئذ أيضا، إذ غايته تعارض إطلاق النافلة مع ذلك الإطلاق، و رجوع النافلة إلى أصل عدم المطلوبيّة،

و الآتية إلى الإجماع على جواز فعلها.

المسألة الثالثة: لا يجوز أن يصلي الآتية ماشيا أو راكبا، اختيارا

، كما مرّ مشروحا في مسألة الصلاة كذلك.

و يجوز في حال الاضطرار إجماعا، له، و لمكاتبة الواسطي: إذا انكسفت الشمس و القمر و أنا راكب لا أقدر على النزول، فكتب: صلّ على مركبك الذي

______________________________

(1) الرياض 1: 202.

(2) المنتهى 1: 454.

(3) التهذيب 3: 155- 332، الوسائل 7: 490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 2.

(4) انظر: الذكرى: 247، و الرياض 1: 202.

(5) الكافي 3: 464 الصلاة ب 95 ح 5، الوسائل 7: 490 أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 265

أنت عليه» «1».

المسألة الرابعة: يشترط في وجوب هذه الصلاة العلم بوجود سببها

، فلا تجب بدونه و إن ظنّ قويّا بالقواعد الرصديّة، للأصل.

و كذا لا اعتبار بشهادة واحد أو أكثر بالعلم بحصوله من القواعد.

و لو شهد بمشاهدته فالأقرب عدم الكفاية ما لم يحصل العلم، و الاكتفاء مع تعدّد العدل أحوط.

و تجب بحصول العلم بالمشاهدة، أو إخبار جماعة عنها، أو غير ذلك، كأن يظنّ بالقواعد و ضمّ معها حصول الظلمة حال كون الشمس تحت غيم لا يوجب بنفسه هذه الظلمة، بل و كذا لو حصل العلم بمحض القواعد المجربة مرارا لأهلها.

و لكن في حصوله بمجردها إشكال، لتخلّف القواعد كثيرا، لاختلاف الآلات الرصديّة، و احتمال اختلالها.

و كذا الحكم في خروج وقت هذه الصلاة بالانجلاء لو غاب القرص قبله تحت غيم أو غرب، فيستصحب البقاء إلى أن يحصل العلم بالانجلاء.

المسألة الخامسة: لو اجتمعت آئيّتان- من الآتية الموقتة- في وقت واحد

، فمع اتّساعه لهما يفعلهما مخيّرا في تقديم أ يتّهما شاء، و لو وسع لإحداهما لا غير فالظاهر التخيير، للأصل.

و قيل بوجوب تقديم صلاة الكسوف، لكون وجوبها إجماعيا «2».

و في إيجاب ذلك للحكم بالوجوب نظر ظاهر.

______________________________

(1) الكافي 3: 465 الصلاة ب 95 ح 7، الفقيه 1: 346- 1531، التهذيب 3: 291- 878، قرب الإسناد: 393- 1377، الوسائل 7: 502 أبواب صلاة الكسوف ب 11 ح 1.

(2) الذكرى: 247.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 266

و لا يدلّ عليه أيضا قوله في صحيحة الرهط: «و روي أن الصلاة في هذه الآيات كلها سواء، و أشدّها و أطولها كسوف الشمس» «1».

لجواز أن يكون المراد الأشدية في المشقة باعتبار طولها.

و يحتمل قريبا جواز التداخل، فيكتفي بصلاة واحدة للجميع، لما ثبت عندنا من أصالة تداخل الأسباب.

المسألة السادسة: لو شك في عدد الركوعات

فيأتي حكمه في بحث الخلل الواقع في الصلاة. إن شاء اللَّه سبحانه تعالى.

______________________________

(1) التهذيب 3: 155- 333، الوسائل 7: 492 أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 267

المطلب الرابع في الصلاة على الأموات
اشارة

و الكلام فيها: إمّا في من يصلّى عليه، أو في من يصلّي عليه، أو في كيفيتها، أو في أحكامها، فهنا أربعة أبحاث.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 269

البحث الأول في من يصلّى عليه
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لا تجب الصلاة على غير المسلمين من جميع طوائف الكفار

إجماعا، له، و للأصل.

بل لا تجوز، للأول، و لقوله سبحانه بعد ذكر الكفار و المنافقين وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ ماتُوا وَ هُمْ فاسِقُونَ «1».

إلّا أنّ في دلالتها نظرا، لاحتمال إرادة الدعاء- الذي هو معنى الصلاة- عنها. و تعديتها ب «على» لتضمنها معنى الترحّم، كما في قوله سبحانه إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ «2».

بل تتعين إرادة ذلك بملاحظة خبر محمد بن مهاجر: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إذا صلّى على ميت كبّر فتشهّد، ثمَّ كبّر فصلّى على الأنبياء و دعا، ثمَّ كبّر و دعا للمؤمنين، ثمَّ كبّر الرابعة و دعا للميت، ثمَّ كبّر و انصرف، فلما نهاه اللَّه تعالى عن الصلاة على المنافقين كبّر فتشهد، ثمَّ كبّر فصلّى على النبيين، ثمَّ كبّر و دعا للمؤمنين، ثمَّ كبّر الرابعة و انصراف» «3».

و يدل على عدم الجواز أيضا أنّه نوع مودّة نهي عنها مع الكفار.

______________________________

(1) التوبة: 84.

(2) الأحزاب: 56.

(3) الكافي 3: 181 الجنائز ب 52 ح 3، الفقيه 1: 100- 469، التهذيب 4: 189- 431، العلل: 303- 3، الوسائل 3: 60 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 270

و منه يظهر أنه لا تجوز الصلاة على المرتدّ الخارج بارتداده عن الإسلام، و المنكر لضروري الدين من دون شبهة محتملة في حقه لصدق الكفر بالرسول.

و كذا لا تجوز الصلاة على النواصب، و الخوارج، و الغلاة، و إن كانوا من المنتحلين للإسلام، بالإجماع، و قول الحسين بن علي عليهما السلام، المروي في الاحتجاج «1»، المتقدم في بحث غسل الميت، و بهما يخرجون عمّا يأتي

مما دلّ على وجوب الصلاة على أهل القبلة أو الأمّة «2»، مع أن صدقهما على الغلاة غير معلوم.

المسألة الثانية: تجب الصلاة على كلّ مسلم
اشارة

- عدا من ذكر- سواء كان شيعة إماميّة، أو غير إمامية، أو غير الشيعة، بالإجماع بل الضرورة في الأول، و على الأظهر الأشهر- كما صرّح به جمع ممّن تأخر «3»- في البواقي، بل عن المنتهى نفي الخلاف «4»، و عن التذكرة الإجماع على وجوبها على كلّ مسلم «5».

لعموم النبوي المشهور: «صلّوا على من قال: لا إله إلّا اللَّه» «6».

و رواية طلحة بن زيد: «صلّ على من مات من أهل القبلة، و حسابه على اللَّه» «7».

و السكوني: «صلّوا على المرجوم من أمّتي، و على القاتل نفسه من أمّتي، و لا تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة» «8».

______________________________

(1) قال عليه السلام لمعاوية: «لو قتلنا شيعتك، ما كفّناهم و لا صلّينا عليهم و لا قبرناهم»- الاحتجاج: 297.

(2) انظر: الوسائل 3: 132 أبواب صلاة الجنازة ب 37.

(3) منهم السبزواري في كفاية الاحكام: 22، و صاحب الرياض 1: 202.

(4) المنتهى 1: 447.

(5) التذكرة 1: 44.

(6) الجامع الصغير 2: 98- 5030.

(7) التهذيب 3: 328- 1025، الاستبصار 1: 468- 1809، الوسائل 3: 133 أبواب صلاة الجنازة ب 37 ح 2.

(8) الفقيه 1: 103- 480، التهذيب 3: 328- 1026، الاستبصار 1: 468- 1810، الوسائل 3: 133 أبواب صلاة الجنازة ب 37 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 271

و ضعفها- لو كان- منجبر بالعمل، مع أنّ ثانيتها صحّت عن ابن محبوب الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، فلا يضرّ وقوع طلحة قبله، مضافا إلى أنّ الشيخ ذكر في فهرسته أنّ كتابه معتمد «1».

خلافا للمحكي عن المفيد و ظاهر التهذيب و الحلبي، فمنعوا

عن الصلاة على غير أهل الحق «2». و الحلّي فلم يوجبها «3». و يعزى إلى الديلمي أيضا «4»، لاشتراطه في الغسل اعتقاد الحق.

للأصل.

و استفاضة النصوص بل تواترها على كفرهم «5»، المستلزم لعدم جواز الصلاة عليهم بالإجماع و الآية المتقدمة و ما بمعناها من الأخبار «6»، و على نصبهم «7»، الموجب له بالأوّل.

و يردّ الأول: بما مرّ.

و الثاني: بمنع الصغرى أولا. و أخبار كفرهم معارضة بروايات إسلامهم، كما مرّ شطر منها في كتاب الطهارة.

و كلّية الكبرى ثانيا. و إثباتها بالإجماع و الآية فاسد: أمّا الأوّل فلوضوح انعقاده على نوع خاصّ من الكفار دون الكلّية. و أمّا الثاني فلما مرّ في معنى الآية، مع دلالة العلة على أنّ المنهي عن الصلاة عليهم هم الكافرون باللَّه و رسوله، و كون المتنازع فيه كذلك ممنوع جدّا، و إن كانوا كفّارا ببعض الحق.

و التوضيح: أنّه لا شك أنّ المراد بالكفر في المقدمتين ليس حقيقته اللغوية،

______________________________

(1) الفهرست: 86.

(2) المفيد في المقنعة: 85، التهذيب 1: 335، الحلبي في الكافي في الفقه 157.

(3) السرائر 1: 356.

(4) المراسم: 45.

(5) الوسائل 1: 13 أبواب مقدمة العبادات ب 1 و أيضا ج 28: 339 أبواب حدّ المرتد ب 10.

(6) الوسائل 3: 69 أبواب صلاة الجنازة ب 4.

(7) الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 272

و أما الحقيقة الشرعية فلو سلمناها فإنّما هي في غير أهل القبلة، فالمراد في دليل الصغرى الذي هو الأخبار أحد مجازاته، و في دليل الكبرى الذي هو الإجماع و الآية هو حقيقته الشرعية إن ثبتت، و إلّا فمعناه المجازي أيضا، و اختلاف المعنيين على ثبوت الحقيقة الشرعية معلوم، و على تقدير عدم ثبوتها

محتمل، فلا يثبت الاستلزام المدّعى. بل- لظهور مورد الإجماع، و مقتضى التعليل المذكور في الآية- الاختلاف معلوم على التقديرين.

فإن قيل:

استعمل في دليل الصغرى الكافر في المتنازع فيه، و الأصل في الاستعمال الحقيقة.

قلنا:

بل الاستعمال أعمّ منها.

فإن قيل:

يكفي التجوز أيضا، لأنّ حرمة الصلاة أحد وجوه الشبه، فيثبت المطلوب بعموم التشبيه.

قلنا:

عمومه ممنوع جدا كما بيّنا في موضعه، سيّما مع تبادر بعض أحكام أخر كما في المورد.

سلّمنا أصالة الحقيقة، و لكن الثابت له الحكم في دليل الكبرى غير هذا المعنى بالتقريب المتقدم، فلا يفيد.

و ممّا ذكر يظهر الجواب عن أخبار نصبهم أيضا.

و قد يجاب عن الآية و ما بمعناها: بوجوب تخصيصها بما مرّ من الأخبار الموجبة.

و يضعّف:

بأنّ المعارضة لو سلّمت فبالعموم من وجه، و الترجيح للآية لو دلّت قطعا، إذ كلّ خبر لم يوافق كتاب اللَّه فهو زخرف، سيّما مع موافقته للعامة، بل التقية بل الأصل.

هذا كله مع عدم التقية، و أما معها فتجب قولا واحدا بكيفية يأتي ذكرها إن شاء اللَّه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 273

فرعان:
[الأول ]

أ: لا خلاف بين الأصحاب ظاهرا- كما في الذخيرة «1» و غيرها- في وجوب الصلاة على مرتكبي الكبائر من أهل الحق، و تدل عليه العمومات السالفة، و خصوص صحيحة هشام بن سالم شارب الخمر و الزاني و السارق يصلى عليهم إذا ماتوا؟ فقال: نعم» «2».

[و الثاني ]

ب: في حكم المسلم من يلحق به من المجانين، إجماعا.

المسألة الثالثة: لا تجب الصلاة على أطفال المسلمين ما لم يبلغوا ستّ سنين
اشارة

، و تجب إذا بلغوا هذا الحدّ، على الأظهر الأشهر في الحكمين، بل عن السيد و المنتهى الإجماع عليه «3»، و يشعر به كلام الدروس «4».

أما الأوّل فللأصل، و صحيحة زرارة الواردة في صلاة أبي جعفر عليه السلام على ابن له مات، حيث قال: «ألا إنّه لم يكن يصلّى على مثل هذا» و كان ابن ثلاث سنين «كان علي عليه السلام يأمر به، فيدفن و لا يصلّى عليه، و لكن الناس صنعوا شيئا فنحن نصنع مثله» قلت: فمتى تجب عليه الصلاة؟ فقال:

«إذا عقل الصلاة و كان ابن ستّ سنين» «5».

دلّت بالمفهوم على عدم الوجوب بانتفاء الوصفين المتحقق بانتفاء أحدهما.

و نحوها مرسلة الفقيه: متى تجب الصلاة عليه؟ قال: «إذا عقل الصلاة و كان ابن ست سنين» «6».

______________________________

(1) الذخيرة: 328.

(2) الفقيه 1: 103- 481، التهذيب 3: 328- 1024، الاستبصار 1: 468- 1808 و فيه: عن هشام بن الحكم، الوسائل 3: 132 أبواب صلاة الجنازة ب 37 ح 1.

(3) السيّد في الانتصار: 59، المنتهى 1: 448.

(4) الدروس 1: 111.

(5) الكافي 3: 207 الجنائز ب 73 ح 4، الوسائل 3: 95 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 3.

(6) الفقيه 1: 105- 488، الوسائل 3: 95 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 274

إلّا أنّه يخدشها احتمال إرادة الثبوت من الوجوب، و التمرينية من الصلاة كما ذكروه في سائر أخبار الباب. و لا يحتمل ذلك في الصحيحة بقرينة التفريع في قوله: «فمتى ..».

و قد يستدل أيضا بصحيحة الحلبي: عن الصلاة على الصبي متى يصلّى عليه؟ فقال: «إذا عقل» «1».

و علي: عن الصبي يصلّى عليه

إذا مات و هو ابن خمس سنين؟ قال: «إذا عقل الصلاة صلّي عليه» «2».

و الرضويّ: «و اعلم أنّ الطفل لا يصلّى عليه حتى يعقل الصلاة» «3».

بضميمة صحيحة محمد: في الصبي متى يصلّى عليه؟ قال: «إذا عقل الصلاة» قلت: متى يعقل الصلاة و تجب عليه؟ قال: «لستّ سنين» «4».

فإنّ الثلاثة المتقدمة على هذه الصحيحة دلّت على عدم وجوب الصلاة قبل عقل الصلاة، و دلّت هذه على أنّ عقل الصلاة إنّما هو لستّ سنين، فلا تجب قبل الست.

أقول:

يرد عليه أنّه لا شكّ أنّ من الأطفال من يعقلها قبل الستّ، و من لا يعقلها إلّا بعدها، فالصحيحة واردة مورد الغالب.

و أيضا:

من البديهيات أنّه لا يتفاوت الحال في عقلها في يوم أو يومين أو عشرة و نحوها، فلا يكون غير عاقل لها قبل الستّ بأيام يسيرة و يصير عاقلا بكمال الستّ، فالمراد من الصحيحة التقريب، فلا يثبت المطلوب الذي هو عدم

______________________________

(1) الكافي 3: 206 الجنائز ب 73 ح 2، الفقيه 1: 104- 486، التهذيب 3: 198- 456، الاستبصار 1: 479- 1855، الوسائل 3: 95 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 1.

(2) التهذيب 3: 199- 458، قرب الاسناد: 218- 855، الوسائل 3: 96 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 4.

(3) فقه الرضا «ع»: 178، مستدرك الوسائل 2: 272 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 1.

(4) التهذيب 2: 381- 1589، الاستبصار 1: 408- 1562، الوسائل 4: 18 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 275

الوجوب قبل الستّ في كلّ أحد و لو بنحو يوم.

على أنّه يمكن أن يكون المراد من الصحيحة ثبوت العقل و الوجوب معا، أي: وجوب الصلاة التمرينية بمعنى ثبوتها كما

ذكروه في الستّ، فلا ينافي ثبوت العقل المعلّق عليه صلاة الجنازة قبل الست.

خلافا فيه «1» للمحكي عن الإسكافي، فأوجب الصلاة على الصبي مطلقا بعد أن يكون خرج حيّا مستهلّا «2».

للنصوص المستفيضة: كصحيحة ابن سنان، و فيها: «و إذا استهلّ فصلّ عليه و ورثه» «3».

و علي: كم يصلّى على الصبي إذا بلغ السنين و الشهور؟ قال: «يصلّى عليه على كلّ حال، إلّا أن يسقط لغير تمام» «4».

و نحوها مرسلة أحمد «5».

و رواية السكوني: «يورّث الصبي و يصلّى عليه إذا سقط عن بطن امّه ما استهلّ صارخا» «6».

و يجاب عنها- مع عدم دلالة غير الاولى على الوجوب-: بأنّها أعمّ مطلقا ممّا مرّ بأجمعها حتى روايات التعليق بالعقل، فيجب تخصيصها به، سيّما مع اعتضاده بالشهرة القوية- التي كادت أن تكون في نفي ذلك إجماعا- و بالأصل،

______________________________

(1) أي في الحكم الأول، و هو: عدم وجوب الصلاة على الطفل ما لم يبلغ ستّ سنين.

(2) حكاه عنه في المختلف 1: 119.

(3) التهذيب 3: 199- 459، الاستبصار 1: 480- 1857، الوسائل 3: 96 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 1.

(4) التهذيب 3: 331- 1037، الاستبصار 1: 481- 1861، الوسائل 3: 97 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 2.

(5) التهذيب 3: 331- 1036، الاستبصار 1: 480- 1859، الوسائل 3: 97 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 4.

(6) التهذيب 3: 331- 1035، الوسائل 3: 97 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 276

و بمخالفته العامة- التي هي مرجّحة له لو تحقق التعارض أيضا- كما صرّح بها جماعة من الأصحاب «1»، و تشهد لها جملة من الأخبار، منها صحيحة زرارة السابقة، و في صحيحة أخرى له- بعد صلاته عليه

السلام على طفل له-: «لم يكن يصلّي على الأطفال، و إنّما كان أمير المؤمنين يأمرهم فيدفنون، و لا يصلّي عليهم، و إنّما صلّيت عليه من أجل أهل المدينة كراهة أن يقولوا: لا يصلّون على أطفالهم» «2».

و في رواية هشام: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إنّ الناس يكلّمونا و يردّون علينا قولنا: إنّه لا يصلّى على الطفل «3» الحديث.

و عن المفيد و الجعفي و المقنع، فأوجبوا الصلاة على من يعقل الصلاة «4»، و هو بإطلاقه يشمل من لم يبلغ الست أيضا، و إرجاعه إلى المشهور إنّما يصحّ إذا كان دليل على تلازم عقلها و بلوغ الست، و ليس كذلك كما عرفت، فهو قول مخالف على الظاهر للمشهور.

لروايات التعليق على العقل المتقدمة.

و يجاب عنها: بعدم دلالتها على الوجوب بالعقل، غايتها الرجحان، و هو غير المطلوب. سلّمنا و لكنها أعمّ مطلقا من صحيحة زرارة السالفة، فتختص بها قطعا.

و أمّا الثاني «5»، فللإجماع، لعدم قدح مخالفة شاذ- يأتي- فيه أصلا، و لهذه

______________________________

(1) كالشيخ في الاستبصار 1: 480، و العلامة في المختلف 1: 119، و صاحب الحدائق 10:

371.

(2) الكافي 3: 206 الجنائز ب 73 ح 3، التهذيب 3: 198- 457، الاستبصار 1: 479- 1856، الوسائل 3: 98 أبواب صلاة الجنازة ب 15 ح 1.

(3) الكافي 3: 209 الجنائز ب 73 ح 8، التهذيب 3: 332- 1039، الوسائل 3: 100 أبواب صلاة الجنازة ب 15 ح 3.

(4) المفيد في المقنعة: 229، حكاه عن الجعفي في الذكرى: 54، المقنع: 21.

(5) أي وجوب الصلاة على الطفل إذا بلغ ست سنين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 277

الصحيحة «1» بضميمة الإجماع المركّب، حيث إنّ بها ثبت الوجوب ببلوغ الست مع عقل الصلاة، و

كلّ من يقول بذلك يقول بوجوبها به مطلقا، فإنّ المفيد و تابعيه و إن لم يقولوا بوجوبها به من دون العقل، و لكنّهم لا يقولون بوجوبها به مطلقا، بل بالعقل و إن كان قبل الست.

مضافا إلى أنّ الظاهر عدم انفكاك بلوغ الست عن عقل الصلاة، لثبوت الخطاب التمريني بها فيها، كما ورد في صحيحة الحلبي و فيها: قلت: متى تجب الصلاة عليه؟ قال: «إذا كان ابن ستّ سنين، و الصيام إذا أطاقه» «2».

و ظاهر أنّه لا تمرين بدون عقلها.

و بذلك تظهر دلالة موثّقة الساباطي أيضا على المطلوب: عن المولود ما لم يجر عليه القلم، هل يصلّى عليه؟ قال: «لا، إنّما الصلاة على الرجل و المرأة إذا جرى عليهما القلم» «3».

حيث إنّ الخطاب التمريني أيضا قلم لا محالة. بل لا فرق في صدقه بينه و بين التكليفي أصلا، لثبوته من الشرع.

و لا ينافيه حصر الصلاة في الرجل و المرأة الظاهرين في البالغ، لانتفاء الظهور مع شرطية جري القلم، فإنّ المتبادر منها عدم استفادة جري القلم من السابق، و حمل الجملة الشرطية على التأكيد خلاف الظاهر جدّا، فهي قرينة على إرادة المعنى الأعم من الرجل و المرأة.

نعم، الموثّقة مثبتة للرّجحان، و أمّا دلالتها على الوجوب فغير ظاهرة.

خلافا للعماني، فاشترط في الوجوب البلوغ «4»، و تبعه بعض متأخّري

______________________________

(1) أي: صحيحة زرارة المذكورة في صدر المسألة.

(2) الكافي 3: 206 الجنائز ب 73 ح 2، الفقيه 1: 104- 486، التهذيب 3: 198- 456، الاستبصار 1: 479- 1855، الوسائل 3: 95 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 1.

(3) التهذيب 3: 199- 460، الاستبصار 1: 480- 1858، الوسائل 3: 97 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 5.

(4) حكاه عنه في المختلف: 119.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 278

المتأخّرين «1»، فقال بوجوبها بالبلوغ، و استحبابها بالعقل للصلاة، و عدم مشروعيّتها قبله.

للموثّقة المذكورة.

و الأصل.

و عدم احتياجه إليها قبله.

و رواية هشام، و فيها: «إنّما يجب أن يصلّى على من وجبت عليه الصلاة و الحدود، و لا يصلّى على من لا تجب عليه الحدود» «2».

و يجاب عن الاولى:

بما مرّ.

و عن الثاني:

باندفاعه بما ذكر.

و عن الثالث:

بالمنع، و انتقاضه بالصّلاة على النبيّ و الأئمّة عليهم السلام، مع أنّه اجتهاد في مقابلة الدليل.

و عن الرابع:

بالضعف بالشذوذ، و مخالفة شهرة القدماء و عمل صاحب الأصل.

فرع:

مقتضى طائفة من الأخبار المتقدّمة عدم استحباب الصلاة على من لم يعقل الصلاة، كما حكي القول به عن جماعة منهم: المفيد و الكليني و الصدوق و المبسوط «3»، و مال إليه جمع من متأخري المتأخرين «4»، بل ظاهر الأول انتفاؤه عند آل محمّد عليهم السلام.

______________________________

(1) كالفيض الكاشاني في الوافي 3: 75 أبواب التجهيز ب 91 بالطبع الحجري.

(2) الكافي 3: 209 الجنائز ب 73 ح 8، التهذيب 3: 332- 1039، الوسائل 3: 100 أبواب صلاة الجنازة ب 15 ح 3.

(3) المفيد في المقنعة: 231، حكاه عن الكليني في كفاية الأحكام: 22، الصدوق في المقنع: 21، المبسوط 1: 180، لكن عبارته- كما قال المحقق السبزواري (ره) في الذخيرة: 328- مشعرة بنفي استحباب الصلاة عمّن لم يبلغ ستّ سنين، فراجع.

(4) كالمحقق السبزواري في الذخيرة: 328، و العلّامة المجلسي في البحار 78: 359، و الآقا جمال الخوانساري في شرحه على الروضة: 113، لكن ظاهر عباراتهم نفي الاستحباب أو الميل اليه فيمن لم يبلغ ستّ سنين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 279

و ظاهر طائفة أخرى- مرّت مستندة للإسكافي «1»- رجحانها و استحبابها، كما

حكي عن الأكثر «2».

و مقتضى قاعدة ترجيح المخالف للعامّة من الأخبار العمل بالأولى، فعلى مضمونها الفتوى. و لا تفيد حكاية الشهرة و أدلّة الاحتياط للخروج عن الخلاف، و إن كان المقام متحمّلا للتسامح، لأنّه إنّما هو إذا لم يكن دليل على انتفاء الاستحباب، و هذه الأخبار الراجحة على معارضتها أدلّة عليه.

و فعل الحجّة- الوارد في بعض ما مرّ من الأخبار- للتقيّة و رفع التهمة، كما يستفاد من الرواية.

و استبعاد ذلك لإمكان الاعتذار لترك الصلاة بأعذار و عدم ارتكاب المحرّم.

مدفوع: بأنّ في العذر أيضا مظنّة التهمة، و الحرمة مع عدم قصد المشروعيّة ممنوعة.

المسألة الرابعة: لو وجد بعض الميّت

فإن كان صدرا أو ما فيه الصدر يصلّى عليه وجوبا، وفاقا للمحكي عن النهاية و المبسوط و الخلاف و المقنعة و المراسم و الوسيلة و السرائر و المعتبر و الشرائع و النافع «3»، و جملة من كتب الفاضل «4»، و غيرها، بل هو المشهور، كما هو في طائفة من الكلمات مذكور «5»، بل الظاهر كونه إجماعيّا.

______________________________

(1) راجع ص 275.

(2) انظر: الذخيرة: 328.

(3) النهاية: 40، المبسوط 1: 182، الخلاف 1: 715، المقنعة: 85، المراسم: 46، الوسيلة: 63، السرائر 1: 167، المعتبر 1: 316، الشرائع 1: 37، النافع: 15.

(4) كما في المنتهى 1: 434، و التذكرة 1: 46، و القواعد 1: 19.

(5) المختلف: 46، الحدائق 10: 374، الرياض 1: 68.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 280

فهو الحجّة فيه، لا الأخبار الواردة في المقام، لخلوّها طرّا عن الدالّ على الوجوب، بل غايتها الرجحان.

نعم في رواية طلحة بن زيد: «لا تصلّ على عضو رجل من رجل أو يد أو رأس منفردا، و إن كان البدن فصلّ عليه و إن كان ناقصا من الرأس و اليد و

الرجل» «1».

و لكنها أخصّ من المدّعى، إلّا أن يتمّ بالإجماع المركّب.

و ظاهر بعض المعتبرة رجحان الصلاة على كلّ عضو تامّ «2»، و قيل بوجوبها «3»، و الاستحباب أظهر.

بل الظاهر من بعض الأخبار الاستحباب في كلّ عظم «4»، و لا بأس به.

و يشترط في الصلاة على العضو المنفرد موت صاحبه، إجماعا كما في الذكرى «5»، فلو كان الباقي حيّا لا يصلّى عليه.

المسألة الخامسة: لو اشتبه ميّت المسلم بغيره:

فإمّا لا يكون الميّتان حاضرين، كأن يفقد أحدهما، و كان الموجود مشتبها، فالظاهر عدم وجوب الصلاة على الحاضر، للأصل، فإنّه لا تجب الصلاة على المسلم إلّا مع حضوره.

و إن كانا حاضرين يصلّى عليهما بنيّة الصلاة على المسلم، بمعنى أنّه يتوجّه إليهما، و ينوي المسلم منهما بالصلاة، لإمكان الصلاة عليه بهذا الوجه، فتجب، و لا دليل على اشتراط تعيينه بخصوص شخصه الخارجي في النيّة أيضا، سيّما في مثل ذلك المقام.

______________________________

(1) التهذيب 3: 329- 1029، الوسائل 3: 136 أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 7.

(2) انظر: الوسائل 3: 137، 138 أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 9 و 13.

(3) كما عن الإسكافي في المختلف: 46.

(4) انظر: الوسائل 3: 136 أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 8.

(5) الذكرى: 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 281

و أمّا الصلاة على كلّ واحد واحد بشرط إسلامه- كما قيل «1»- فصحّته غير معلومة، لأجل التعليق في القصد.

و يشكل الأمر فيما لو كثر الموتى بحيث يوجب الجمع تباعد البعض بالحدّ الخارج عن القدر المجوّز، و لا يبعد العفو عن هذا التباعد حينئذ.

المسألة السادسة: الحقّ المشهور وجوب الصلاة على ولد الزنا إذا كان بالغا مسلما

، بل عن الخلاف الإجماع عليه «2»، للعمومات المتقدّمة.

خلافا للمحكي عن الحلّي فمنع عنها «3»، لكفره المانع منها.

و في كلّ من الموصوف و الوصف نظر، يظهر وجهه ممّا مرّ.

و لو كان صبيّا فعن الذكرى الاستشكال فيه «4»، لعدم لحوقه بالأبوين حتى يتبعهما أو أحدهما في الإسلام.

و هو كان في موقعه لو كان دليل الصلاة عليه مجرّد الإجماع، أو اللحوق، و لكن العمومات المتقدّمة في الصبي و إطلاقاته تشمل كلّ ما لم يخرج بالإجماع، فتجب الصلاة عليه.

و منه يظهر وجوب الصلاة على لقيط دار الإسلام، بل دار الكفّار إذا احتمل كون

الطفل متولّدا من المسلم. نعم، لا تجب على المتولّد من الكافرين، لأنّ الإجماع أخرجه.

______________________________

(1) انظر: المبسوط 1: 182.

(2) الخلاف 1: 713.

(3) السرائر 1: 357.

(4) الذكرى: 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 282

البحث الثاني في من يصلّي على الميّت
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: صلاة الميّت واجبة كفاية على كلّ من علم بموته.

أمّا وجوبها فقد مرّ.

و أما عدم وجوبها على الجميع، فللإجماع بل الضرورة، و للعلم بأنّ المطلوب ليس إلّا إدخال واحدة في الوجود.

و أمّا عدم تعيّنها على أحد بخصوصه، فللأصل، و إطلاقات الأمر بالصلاة المتقدّمة، و نحو صحيحة عليّ- في أكيل السبع إذا بقي عظامه-: «يغسّل و يصلّى عليها و يدفن» «1».

فتكون واجبة كفائية.

و لا ينافيه توجّه الخطاب في بعض الأخبار إلى الولي، لأنّه إمّا على سبيل الأفضليّة العينيّة الغير المنافية للوجوب الكفائي، أو مخصوص بالإمامة فيها، كما يأتي.

مع أنّ الخطاب فيها إلى الولي أو من يأمره، فلو كان للوجوب لكانت واجبة كفاية أيضا على الولي أو مأذونه. و لو عصى و لم يفعل و لم يأذن، تجب حينئذ على سائر الناس كفاية أيضا. فالواجب الكفائي هو الصلاة بإذن الولي سواء فعلها بنفسه، أو بنصب الغير. و إن لم يفعلها و لم يأذن للغير، يكون الواجب الكفائي هو

______________________________

(1) الكافي 3: 212 الجنائز ب 76 ح 1، الفقيه 1: 96- 444، الوسائل 3: 134 أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 283

الصلاة مطلقا، فيصدق على الصلاة أنّها واجبة كفاية.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 6    283     المسألة الثانية: أحق الناس بالصلاة على الميت و أولاهم بها، أحقهم و أولاهم به ..... ص : 283

فإن قيل:

حاصله الوجوب الكفائي على الولي، أو من يأذن له، فما الوجه في الإطلاق؟.

قلنا:

الوجه ما ذكر من الوجوب على غيرهما أيضا لو لم يأذن لأحد، فلا يختصّ الوجوب بهما، فإنّ لازم ذلك عدم براءة أحد علم بموته إلّا بالعلم بصلاة الولي أو مأذونه، أو بصلاته، فلو لم يصلّ عليه يكون الكلّ معاقبا، و

لو فعله أحد يسقط عن الكلّ، و هو معنى الواجب الكفائي و لو لزم أوّلا مراعاة إذن الولي. مع أنّه لا منافاة بين الوجوب الكفائي و الإناطة برأي بعض المكلّفين.

المسألة الثانية: أحقّ الناس بالصلاة على الميّت و أولاهم بها، أحقّهم و أولاهم به
اشارة

، بلا خلاف صريح أجده، و في المدارك: أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب، و أنّ ظاهرهم أنّه مجمع عليه «1»، و في الذخيرة: أنّه في الجملة ممّا لا خلاف فيه «2»، و في الحدائق: نفي الخلاف صريحا في الحكم «3»، و نسبه في المنتهى إلى علمائنا «4»، مؤذنا بالإجماع عليه، و الظاهر أنّه كذلك، و إن لم يذكره في الكافي، و لكنّه غير قادح في الإجماع، فهو الحجّة فيه.

مضافا إلى مرسلتي ابن أبي عمير و البزنطي: «يصلّي على الجنازة أولى الناس بها، أو يأمر من يحبّ» «5».

______________________________

(1) المدارك 4: 155.

(2) الذخيرة: 334.

(3) الحدائق 10: 382.

(4) المنتهى 1: 450.

(5) الاولى: الكافي 3: 177 الجنائز ب 48 ح 1، التهذيب 3: 204- 483، الوسائل 3: 114 أبواب صلاة الجنازة ب 23 ح 1.

الثانية: الكافي 3: 177 الجنائز ب 48 ح 5، الوسائل 3: 114 أبواب صلاة الجنازة ب 23 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 284

و الرضوي: «و يصلّي عليه أولى الناس به» «1».

و الآخر: «أولى الناس بالصلاة على الميّت الولي أو من قدّمه الولي، فإن كان في القوم رجل من بني هاشم فهو أحقّ بالصلاة إذا قدّمه الولي، فإن تقدّم من غير أن يقدّمه الولي فهو غاصب» «2».

و قصور السند مجبور بما مرّ، مع أنّ كلا من المرسلتين بنفسه معتبر، و منهما ما عن المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه قد صحّ.

و استدلوا أيضا بالآية الكريمة «3».

و ردّه جماعة من المتأخّرين بعدم الدلالة

«4». و هو كذلك، لعدم ثبوت إرادة الأولويّة في مثل ذلك أيضا، سيّما مع أنّه لا يبيّن الأولى منهم. و إجراء دليل تعميم المطلقات هنا- كما قيل «5»- باطل، لأنّه الإطلاق المنتفي هنا.

نعم لو تمسّك في أمثالها بالتعميم بالحكمة لجرى هنا أيضا، و لكنّه غير تامّ بلا شبهة، كما بينّاه في موضعه، سيّما إذا كان بعض الموارد أشيع و أظهر، فإنّ الميراث و التربية و التصرف في الأمر و النيابة و نحوها أظهر من نحو الصلاة و التجهيز.

و احتجاج الحجج بالآية في أولوية اولي الأرحام في الميراث و الإمامة لا يدلّ على التعميم أصلا، إذ لعلّه مستند إلى قرينة مخفيّة علينا، أو لأجل ظهورها في الأولويّة فيما للميّت حقّ التصرف فيه و توليته من الحقوق المالية و غيرها، فلا يتعدّى إلى ما لا ظهور لها فيه كالمورد.

مع أنّ الظاهر إجماع الفريقين على إرادة الأولويّة فيما ذكر منها، كما يظهر من

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 184.

(2) فقه الرضا «ع»: 177، مستدرك الوسائل 2: 278 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 1.

(3) وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ - الأنفال: 76.

(4) كصاحب المدارك 4: 156، و السبزواري في الذخيرة: 334.

(5) انظر: الرياض 1: 203.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 285

تتبّع كتبهم، فلذا استدلّ بها الإمام، و لا أقلّ من احتمال كون ذلك مسلّما عند الكلّ مصحّحا لاستدلالهم بها، فالتجاوز عنه باطل.

مع أنّه ورد في بعض الأخبار ما ينافي العموم: روى العيّاشي في تفسيره عن مولانا الباقر عليه السلام: في قول اللَّه سبحانه وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ : «إنّ بعضهم أولى ببعض في الميراث، لأنّ أقربهم رحما إليه أولى به» «1».

و في

[كتاب ] «2» ابن الحجّام: عن قول اللَّه عزّ و جل وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ، قال: «نزلت في ولد الحسين عليه السلام» قلت: جعلت فداك، نزلت في الفرائض؟ قال: «لا» قلت: في المواريث؟ قال: «لا» قال:

«نزلت في الإمرة».

ثمَّ هذه الأحقيّة و الأولوية هل هي على سبيل التعيين و اللزوم؟ كما هو محتمل أكثر الكلمات، و ظاهر كثير منها و صريح بعضها، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه في الإمامة، و يشعر به استدلالهم بالآية هنا كاستدلالهم بها في المواريث المراد منها فيها التعيّن قطعا.

أو لا، بل على سبيل الأفضليّة و الاستحباب؟ كما هو محتمل بعض من العبارات أيضا.

الظاهر في بادئ النظر هو: الثاني، للأصل، و الإطلاقات، و عدم دليل على الأحقيّة بمعنى الوجوب، إذ لا دليل عليها سوى:

الآية المردودة دلالتها رأسا، مضافا إلى قصورها عن إفادة الوجوب لو دلّت

______________________________

(1) تفسير العياشي 2: 72- 86، الوسائل 26: 89 أبواب موجبات الإرث ب 8 ح 11.

(2) في النسخ: مكاتبة و لكنّا لم نعثر على مكاتبة منه بذلك المضمون، و الرواية موجودة في البحار 23:

257- 3 عن كنز جامع الفوائد، عن محمّد بن العبّاس. و محمّد بن العبّاس هو ابن الحجّام، له كتب منها: تأويل ما نزل في النبي و آله عليهم السلام، كما قاله الشيخ في الفهرست: 149.

فالصحيح هو كتاب ابن الحجّام، و يشهد له أنّ المصنّف سيذكر الرواية في كتاب الإرث باب مواريث ذوي الأنساب، عن كتاب ابن الحجّام.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 286

أيضا.

و الأخبار الأربعة الغير الناهضة لإثبات اللزوم، لمكان الجملة الخبرية في ثلاثة منها، و عدم الزيادة على التصريح بالأولوية الغير الصريحة في الوجوب في الأخيرة.

و الإجماع الغير المعلوم تحقّقه على اللزوم

جدّا، كيف؟! مع أنّه لا دلالة صريحة في أكثر العبارات على إرادة اللزوم، و مع ذلك لم يذكر بعضهم أصل الأولوية «1» كما مرّ، و منهم من نصّ على إشكال إثبات الوجوب: قال المحقق الأردبيلي- بعد تضعيفه الأدلّة-: و بالجملة الحكم بعدم جوازها مطلقا أو جماعة إلّا بإذن الولي، سيّما مع مقابلة هذه الرواية فقط مع الأوامر العامّة في الصلاة على الأموات، و عدم نقل الاستئذان من الخلف، و الأصل الدال على العدم، مع الصعوبة في الجملة، لا يخلو عن صعوبة، إلّا أن يكون اتّفاقيا «2». انتهى. و ظاهر المدارك التردّد «3»، و صرّح بعضهم بأنّ مراد الأصحاب إنّما هو في الجماعة «4»، و خصّه بعضهم بالإمامة «5».

فلا يثبت الإجماع على اللزوم في مطلق الصلاة، بل الجماعة أو الإمامة البتة.

و تقديم الولي على من أوصى الميّت إليه بالصلاة لا يدلّ على ثبوت اللزوم، حيث إنّ المقدّم على الواجب لا يكون إلّا واجبا، لعدم دليل على وجوب العمل بمثل هذه الوصية أيضا، مع أنّ أصل التقديم خلافي كما يأتي.

إلّا أنّ في قوله في الرضوي الأخير: «فهو غاصب» دلالة على الأوّل.

و ضعفه غير ضائر، لتحقّق الجابر كما مرّ. إلّا أنّه مخصوص بالجماعة، لمكان لفظ التقديم.

______________________________

(1) راجع الكافي في الفقه 156.

(2) مجمع الفائدة 2: 456.

(3) المدارك 4: 156.

(4) كما في الذخيرة: 334.

(5) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 456.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 287

فالأظهر الأوّل في إمامة الجماعة، و عدم التقدم بدون إذن الولي، و الثاني في غيرها.

فروع:
أ: صرّح الأكثر بأنّ المراد بأولى الناس بالميّت أولاهم بميراثه،

و عزاه في الذخيرة إلى فهم الأصحاب و عملهم «1»، و نسبه بعض متأخري المتأخّرين إلى الأصحاب «2»، و في المنتهى: أنّه قول علمائنا «3»، مؤذنين بالإجماع عليه، و

في الحدائق: أنّه لا خلاف فيه «4».

و هو كذلك، أمّا على استحباب التقديم، فلما ذكر، فإنّ مثله كاف في المقام حينئذ.

و أمّا على اللزوم، فللتعليل المذكور في المروي في تفسير العيّاشي المتقدّم، المنجبر بما ذكر، و صحيحة الكناسي، المشهورة، الواردة في تفضيل الأولى من ذوي الأرحام بقوله: «ابنك أولى بك من أمّك «5» و ابن ابنك أولى بك من أخيك» «6» الحديث.

فإنّه قد أثبت فيها الأولويّة المطلقة- المعلّقة عليها الصلاة في الأخبار المتقدمة- للأكثر من المقدّمين في الميراث، و يتمّ المطلوب في الباقي بعدم الفصل.

مع أنّ الأولى بالميراث هو الأولى بالميّت بأيّ معنى أخذ قطعا، إلّا في نادر، كما في الوصي للأب أو الحاكم الشرعي، مع المعتق بل مثل ابن العم، فإنّ كونه أولى منهما به بجميع المعاني غير معلوم.

______________________________

(1) الذخيرة: 334.

(2) كصاحب الرياض 1: 203.

(3) المنتهى 1: 450.

(4) الحدائق 10: 382.

(5) كذا في النسخ، و في المصادر: «ابن ابنك».

(6) الكافي 7: 76 المواريث ب 3 ح 1، التهذيب 9: 268- 974، الوسائل 26: 63 أبواب موجبات الإرث ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 288

فلا يضرّ عدم استفادة المراد من الأولى من الأخبار المتقدّمة. بل قيل باستفادته منها أيضا «1»، لدلالة تتبّع النصوص على أنّ المراد بالأولى مطلقا المستحق للميراث، كما في المرسل: في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام، قال: «يقضيه أولى الناس به» «2».

فقد أطلق الأولى و أراد الأولى بالميراث.

و لذا ورد في الصحيح مثله مبدلا لفظة «به» بقوله «بميراثه» «3».

و كما في صحيحة الكناسي المتقدّمة.

و لكن فيه نظر، إذ قد ورد في النصوص الأولى مطلقا بمعنى آخر أيضا، قال اللَّه سبحانه النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ «4».

و

في الخبر: قال النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله: «أ لست أولى بكم من أنفسكم» «5».

و كون المراد به في المرسل ذلك ممنوع، فإنّه لا يقضيه الأب و الجدّ و الام و باقي المستحقين للميراث غير الابن الأكبر، عند الأكثر، و ظاهر أنّه ليس بالأولى بالميراث مطلقا. و منه يعلم أنّ وروده في الصحيح أيضا لا يخلو عن تجوّز. و كذا لا نسلّم أنّ المراد منها في صحيحة الكناسي الأولى بالميراث خاصّة و إن كان كذلك واقعا.

ب: قد ظهر ممّا ذكر أولويّة كلّ طبقة مقدّمة في الإرث على المتأخرة فيها.

و أمّا أهل كلّ طبقة واحدة فقالوا فيهم: الأب أولى من الابن، و الجدّ للأب

______________________________

(1) الرياض 1: 203.

(2) الوسائل 8: 278 أبواب قضاء الصلاة ب 12 ح 6، نقله عن كتاب غياث سلطان الورى للسيّد ابن طاوس.

(3) الكافي 4: 123 الصيام ب 44 ح 1، الوسائل 10: 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 5.

(4) الأحزاب: 6.

(5) تفسير القمي 1: 174.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 289

من الأخ، و المتقرّب بالأبوين من المتقرّب بأحدهما، و بالأب خاصّة من المتقرب بالأم، و العم من الخال. و هذا الحكم مشهور بين الأصحاب، بل تكرّر نفي الخلاف، بل دعوى الوفاق على الأوّل «1».

فعلى كون الحكم على سبيل الاستحباب يكفي ما ذكر في ثبوته، مضافا- في بعض أفراد المتقرب بالأبوين- إلى التصريح بأولويّته في صحيحة الكناسي، بل في مطلقه إلى عموم تعليل المروي في تفسير العيّاشي.

و أمّا لو بني الحكم على الوجوب فإثبات الحكم بذلك و ببعض التعليلات التي ذكروها في المقام- ممّا لا يقبلونها في غير المقام- مشكل، و لذا استشكل بعض المتأخّرين في الحكم «2».

و الحكم بكون الأكثر نصيبا أولى من الأقلّ مطلقا- لصحيحة الكناسي- فاسد، لأنّ تقديم

بعض من هو أكثر نصيبا فيه لا يدلّ على الكليّة، إلّا بالقياس المردود.

إلّا أنّه يمكن إثباته في جميع أفراد المتقرّب بالأبوين بضمّ الإجماع المركّب إلى الصحيحة. و في الجميع بأصل الاشتغال، لثبوت ولاية من ذكروه إجماعا دون غيره. و احتمال ولاية غيره إنّما يضرّ في هذا الأصل لو أوجبنا اجتماع الأولياء المتعدّدة في الصلاة، و ليس كذلك كما يأتي.

ج: يظهر من بعضهم أنّ مع تعدّد الولي من طبقة يقدّم الأكبر سنّا «3».

فإن ثبت الحكم بشهرة أو نحوها، فيحكم به على استحباب تقديم الولي، و إلّا فلا دليل عليه، كما لا دليل أصلا على المختار من وجوب التقديم.

و قد يستدلّ بصحيحة الصفّار: رجل مات، و عليه قضاء شهر رمضان عشرة أيّام، و له وليّان، هل يجوز لهما أن يقضيا جميعا، أحد الوليّين خمسة أيّام

______________________________

(1) التذكرة 1: 47، المدارك 4: 157، الذخيرة: 334.

(2) كما في المدارك 4: 158.

(3) كما في الحدائق 10: 390.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 290

و الآخر خمسة؟ فوقّع عليه السلام: «يقضي عنه أكبر وليّيه عشرة أيّام» «1».

و دلالتها ممنوعة، بل هي تدلّ على ثبوت الولاية لكلّ منهما، و إن كان القضاء على أكبرهما.

د: لا ريب في ثبوت الولاية للأنثى أيضا،

لعموم التعليل المتقدّم، و تصريح الأصحاب، و صحيحة زرارة: المرأة تؤم النساء؟ قال: «لا، إلّا على الميّت إذا لم يكن أحد أولى منها» «2» الحديث.

و صحيحة الصفّار و فيها: «و إن لم يكن له وليّ من الرجال، قضاه وليّه من النساء» «3».

و إذا اجتمع الذكور و الأنثى في طبقة فحكموا بتقديم الذكر، و نفى عنه الريب بعض من تأخّر «4»، و الحكم به في كلماتهم قد تكرّر، بل عن المنتهى نفي الخلاف عنه «5».

و هو يكفي في المقام- على الاستحباب- مضافا إلى تقديم صحيحة الكناسي الا بن على الأم «6»، بضميمة عدم الفصل.

و أمّا على القول بالوجوب، فدليله الصحيحة مع الضميمة، و الأصل المتقدّم.

______________________________

(1) الكافي 4: 124 الصيام ب 44 ح 5، الفقيه 2: 98- 441، التهذيب 4: 247- 732، الاستبصار 1: 108- 355، الوسائل 10: 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 3.

(2) الفقيه 1: 259- 1177، الوسائل 3: 117 أبواب صلاة الجنازة ب 25 ح 1.

(3) لا

توجد إلّا في فقه الرضا «ع»: 212، و رواها عنه في الحدائق 10: 390، و المستدرك 7: 449 أبواب أحكام شهر رمضان ب 16 ح 1، فالظاهر وقوع السهو في التعبير عنها بصحيحة الصفار.

(4) انظر: المدارك 4: 159.

(5) المنتهى 1: 451.

(6) هذا بناء على ما ورد في المتن من الصحيحة «ابنك أولى بك من أمّك»- تبعا للرياض- و لكنّ الموجود في المصادر: «ابنك أولى بك من ابن ابنك» كما أشرنا إليه سابقا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 291

و حكي القول بمشاركتها مع الورثة «1»، و هو ضعيف.

و قد يظهر من بعضهم تقدّم الذكر و لو تأخّر طبقة، على الأنثى و لو تقدّمت.

و عموم رواية العيّاشي بضميمة الإجماع المركّب يضعّفه.

و تقويته بمفهوم صحيحة الصفّار السابقة، و صحيحة حفص الواردة في القضاء: قلت: إن كان أولى الناس به امرأة؟ فقال: «لا، إلّا الرجل» «2».

ضعيفة جدّا، لدلالة الأولى على عدم قضاء المرأة مع وجود الولي من الرجال، و يمنع ولايتهم مع وجود المرأة الأقرب. و عدم دلالة الثانية إلّا على اختصاص القضاء بالرجل، و هو لا يدلّ على تقديمه مطلقا، بل يدلّ على أنّه قد تكون المرأة أولى بالميّت مع وجود الرجل، و إن كان القضاء عليه.

ه: الزوج أولى بالزوجة من سائر أقاربها، و إن كانت متمتّعة أو مملوكة،

كما مرّ بدليله في بحث غسل الميّت.

و لا تلحق به الزوجة، للأصل.

و: لو تعدّدت الأولياء فقد يحصل التأمّل في ثبوت ولاية الصلاة لهم،

إذ ليس المراد بالأولى الذي له تولية الصلاة جميعهم، إذ ليس المطلوب إلّا صلاة واحدة، و لا واحدا منهم، لأنّه ليس بأولى من جميع من هو غيره، لوجود المساوي له في الولاية، و إرادة الأولى في الجملة غير معلومة.

و هو كان في موقعه لو انحصر الدليل على أولويّة الأولى بالمرسلين المتضمّنتين للفظ الأولى «3».

و أمّا الرضوي الأخير «4» فهو يثبت الأولويّة للولي الصادق على كلّ واحد.

______________________________

(1) حكاه صاحب المدارك 4: 160.

(2) الكافي 4: 123 الصيام ب 44 ح 1، الوسائل 10: 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 5.

(3) راجع ص 283- 284.

(4) راجع ص 284.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 292

و ضعفه منجبر باشتهار عدم جواز التقدّم إلّا بإذن الولي، و دعوى الإجماع عليه في كلام بعض المتأخّرين، فيثبت تولية الصلاة لكلّ من المتعدّد.

و على هذا فلو لم يكن بينهم اختلاف بأن لا ينازع بعضهم بعضا في الصلاة، أو المأذون فيها، فلا إشكال.

و لو خالفوا فيها فأراد كلّ منهم الصلاة بنفسه، أو في من يصلّي، فأراد كلّ منهم صلاة شخص، فقالوا: يقدّم الهاشمي، ثمَّ الأفقه، ثمَّ الأقرأ، ثمَّ الأسنّ، ثمَّ الأصبح «1»، بمعنى أنّه ينبغي للأولياء الاجتماع على تقديمه.

فإن أرادوا بذلك الأفضليّة كما هو الظاهر، بل صريح الأكثر، فهو كذلك، لاشتهار الحكم الكافي في إثبات الأفضليّة، مضافا في الأوّل إلى الرضوي المتقدّم، و العامي: «قدّموا قريشا و لا تقدّموهم» «2».

و إن أرادوا اللزوم، فلا دليل عليه، لقصور الروايتين عن إثباته سندا و دلالة، و الخلو عن الجابر المعلوم في المقام.

و المناط في الترجيح إنّما هو الصلاة دون الإذن، فلو اختلفت

الأولياء في هذه الصفات و أرادوا نصب الغير لم تعتبر هذه الصفات فيهم، بل تعتبر في المصلّي.

ثمَّ إن اجتمعوا على الأفضل فهو، و إن لم يتّفقوا عليه، و تساووا في الصفات، فقيل: يقرع «3». و الحقّ جواز تقدّم كلّ من الأولياء، أو من أذن له أحدهم، و كفاية صلاته، و يظهر وجهه ممّا مرّ.

ز: لو انحصر الأولى بالميّت في الصغير أو المجنون،

فالظاهر أنّه لا ولاية للصلاة حينئذ لأحد، بل يجوز تقدّم من شاء، إذ المذكور في الأخبار أنّه يصلّي الأولى بالميّت، أو الولي، أو يأمر من يحب، و ظاهر أنّ الصغير و المجنون لا

______________________________

(1) كما في الشرائع 1: 105، و التذكرة 1: 47، و المسالك 1: 37.

(2) الجامع الصغير 2: 253- 6108 و 6109 و 6110.

(3) كما في المبسوط 1: 184.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 293

يصلحان لتعلّق هذا الحكم، فهما خارجان من الأخبار، و غيرهما ليس مصداقا للأولى و الولي حتى يتعلّق به الحكم.

فهما و إن كانا أولى بالميّت- و لذا يقدّمان في الإرث لذلك- و لكن لا يصلحان للحكم، و غيرهما و إن كان صالحا له، و لكن ليس بأولى إلى الميّت، و إن كان أولى إلى الصغير و المجنون، لعدم دليل عليه.

و منه يظهر أنّ الحكم كذلك لو كان الأولى بالميّت غائبا لا يمكن الاستيذان منه قبل فوات الصلاة.

و لو كان مع أحدهما أنثى في مرتبته تقدّم في الصلاة أو الإذن، لأنّها أيضا من الأولياء، و إن كانت تؤخّر عن الذكور لأدلّة غير جارية هنا.

ح: لو مات أحد، و لم يعلم له قريب و لا وليّ غير الحاكم،

فهو أولى الناس به مع وجوده، و عدول المسلمين مع عدمه، فلا تجوز لأحد الصلاة عليه إمامة بدون إذنه، و لو اطّلع الحاكم تجب عليه المبادرة في الصلاة أو الإذن.

ط: لا شكّ في جواز تقدّم من يعلم إذن الولي بالفحوى، لصدق الأمر و التقديم.

و هل يكفي في تحقق الإذن شاهد الحال؟.

فيه نظر، لأنّ المذكور في الأخبار أمر الولي أو تقديمه، و صدقهما في المورد غير معلوم.

إلّا أن يقال: إنّ عدم جواز تقدّم غير الولي أو المأذون منه كان بالرضوي بتوسط الانجبار بما ذكر، و تحقّق الانجبار في المورد غير معلوم، فيجوز له التقدّم.

و لا بأس به.

ي: ظاهر الشرائع و النافع و الذكرى و غيرها: اختصاص التوقّف على إذن الولي بالجماعة «1»،

و نسبه في روض الجنان إلى الأصحاب كافّة «2»، و نحوه في

______________________________

(1) الشرائع 1: 105، النافع: 40، الذكرى: 57، و انظر: الرياض 1: 204.

(2) روض الجنان: 311.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 294

الذخيرة «1»، بل صرّح بعضهم بأنّ ذلك في الإمام دون المأموم «2»، و لعلّه أيضا مرادهم من الجماعة.

و هو كذلك، لما عرفت من انحصار الدليل على التوقّف بالرضوي المشتمل على لفظ التقدّم، الظاهر أو المحتمل للإمامة، فينحصر بها. مع أنّ العلم بانجباره أيضا منحصر فيها.

يا: لو تقدّم أحد بدون إذن الولي، فهل فعل حراما فقط، أو تبطل معه صلاته؟.

قد يقال بالأوّل، لأنّ الواجب الذي هو الاستئذان من الولي أمر خارج عن حقيقة الفعل، فلا يبطل بانتفائه.

و فيه: أنّ الواجب هو الاستيذان قبل الصلاة فصلاته قبله ضدّه، و الأمر بالشي ء نهي عن ضده، و النهي يوجب فساد العبادة.

مع أنّ المصرّح به في الرضوي أنّه غاصب، و في كلام كثير من الأصحاب أنّه لا يجوز، و ادّعى عليه بعض مشايخنا الإجماع «3»، فيكون التقدّم و الإمامة حراما البتّة، و ليس المراد منهما إلّا الصلاة مقدّما- إذ ليست الإمامة غير ذلك- فتكون باطلة.

و هل تبطل صلاة المأمومين حينئذ أيضا أم لا؟.

مقتضى الأصل: الثاني، إذ ليست المأموميّة هنا إلّا التأخّر في تكبيرة الإحرام و المتابعة في الأفعال و الأقوال، و لا يتحمل الإمام عن المأموم واجبا تبطل ببطلانه صلاته، غايته متابعته قولا و فعلا مشروعا لمن ليس له قوله و فعله كذلك، و هو لا يوجب البطلان.

______________________________

(1) الذخيرة: 334.

(2) مجمع الفائدة 2: 456.

(3) الرياض 1: 204.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 295

و أمّا ما دلّ على بطلان صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام، فلا يفيد هنا، لمنع كونها صلاة.

و منه يظهر سقوط الصلاة عن الغير بوقوع صلاة على الميّت

و لو بدون إذن الولي، لأنّها إن كانت فرادى لم يشترط فيها الإذن، و إن كانت جماعة لا ينفك عن مأموم لا يشترط له الإذن أيضا.

يب: إطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق في أحقيّة الولي بالصلاة

بين ما لو أوصى الميّت بها إلى غيره أم لا. قيل: و لعلّه المشهور «1»، بل عن المختلف نسبته إلى علمائنا «2»، مؤذنا بدعوى إجماعهم عليه.

خلافا للمحكي عن الإسكافي في صورة الوصيّة «3»، لعموم آية النهي عن تبديل الوصيّة «4».

و ردّ: بأنّه معارض بعمومات الآية و الأخبار المتقدّمة. و الترجيح معها، للشهرة.

و يضعّف: بأنّ الآية الثانية- كما مرّ «5»- غير دالّة، و الشهرة للترجيح غير قابلة، و الأخبار مع الكتاب غير مكافئة، فلو تمّت دلالة الآية على لزوم مطلق الوصيّة حتى مثل المسألة لكان الترجيح مع الوصيّة. و يتمّ تحقيقه في بحث الوصايا.

المسألة الثالثة: لا تشترط في المصلّي على الميت وحده العدالة إجماعا

، للأصل و العمومات.

و المشهور اشتراطها في إمام الجماعة فيها و إن كان وليّا، و قيل: بلا خلاف

______________________________

(1) الرياض 1: 203.

(2) المختلف: 120.

(3) حكاه عنه في المختلف: 120.

(4) البقرة: 181.

(5) في ص 284.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 296

أجده «1»، و عن المنتهى: أنّه اتّفاق علمائنا «2»، له، و لأصالة عدم مشروعيّة الاقتداء بغير ما اتّفقوا عليه، و إطلاق ما دلّ على اعتبارها في إمام الجماعة.

و يمكن القدح في الأوّل: بعدم الحجيّة.

و في الثاني: بأنّ عمومات مشروعيّة الجماعة هنا من غير تقييد- كما يأتي- تثبت الشرعيّة، و تدفع الأصالة.

و في الثالث: بمنع إطلاق يشمل المسألة، لأنّه بين متضمّن للفظ الصلاة الغير الصادقة هنا على الحقيقة، و مطلق لا يعلم صدقه على إمام الصلاة مطلقا، بل تحتمل إرادة إمام الملّة.

و لذا ناقش في اعتبارها المحقّق الأردبيلي في شرح الإرشاد، قال بعد ذكر اشتراط العدالة و أنّه محلّ تأمّل: إذ لا دليل على الاشتراط هنا، مع أنّه لا يتحمل شيئا و ليس إلّا تقدّم صورة، إلّا أن يكون إجماعا «3».

و كذا في الذخيرة،

فقال: إنّ للمنازعة فيه مجالا، لعموم النص، و عدم كونها صلاة حقيقة «4».

و مراده من النصّ ليس نصوص صلاة الميّت، لأنّ عمومها لا يكفي في تعميم الإمام، فإنّ جواز صلاة كلّ أحد لا يثبت مشروعيّة الائتمام به و مطلوبيّة متابعته. إلّا أن يقال: إنّ الصلاة تشمل الجماعة أيضا، و مشروعية الصلاة لكلّ أحد و لو جماعة تستلزم مشروعية الاقتداء به. و لكن فيه تأمل.

بل المراد النصّ الدال على الجماعة هنا، كالرضوي الأخير في الهاشمي، حيث يشمل غير العادل منه أيضا «5»، و صحيحة زرارة: المرأة تؤم النساء؟ قال:

______________________________

(1) الرياض 1: 204.

(2) المنتهى 1: 451.

(3) مجمع الفائدة 2: 459.

(4) الذخيرة: 335.

(5) راجع ص 284.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 297

«لا، إلّا على الميّت إذا لم يكن أحد أولى منها، تقوم وسطهن في الصفّ، تكبّر و يكبّرن» «1».

و إذا ثبت الحكم في المرأة يثبت في الرجل بالإجماع المركّب، و الفحوى.

و منه تظهر قوّة جانب عدم اعتبارها، و إن كان الاعتبار أحوط.

و على هذا فالاحتياط للولي الغير العادل استنابة غيره من العدول، كما أنّ على لزوم اعتبارها يجب عليه ذلك لو أراد الجماعة.

المسألة الرابعة: يستحب للولي و لو كان عادلا تقديم الأكمل منه

- لو وجد- بالهاشمية، للرضويّ المتقدّم.

أو الأعلميّة، للمرسل: «من أمّ قوما و فيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم إلى سفال إلى يوم القيامة» «2».

أو الأسنّية، لبعض الأخبار «3».

بل في مطلق الكمال إذا كان الأكمل في تلك الصفات عادلا.

و في الذخيرة احتمال ترجيح الولي مع اجتماعه الشرائط مطلقا، لاختصاصه بمزيد الرقّة التي هي مظنّة الإجابة من اللَّه سبحانه «4».

______________________________

(1) الفقيه 1: 259- 1177، التهذيب 3: 206- 488، الاستبصار 1: 426- 1648، الوسائل 3: 117 أبواب صلاة الجنازة ب 25 ح 1.

(2) الفقيه 1:

247- 1102، الوسائل 8: 346 أبواب صلاة الجنازة ب 26 ح 1.

(3) الوسائل 8: 351 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 1.

(4) الذخيرة: 335.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 298

البحث الثالث في كيفيّة الصلاة عليه
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: يجب أن ينوي أوّلا صلاة الميّت تقرّبا إلى اللَّه تعالى

، لأنّها عبادة، فتفتقر إلى النيّة.

و لا تجب نيّة الوجوب أو الندب، على ما مرّ في كتاب الطهارة.

و يشترط تعيين الميّت، بأن يقصد الصلاة على هذا الميّت أو هذه الأموات، إذا لم يتعيّن المصلّى عليه من الخارج، حتى يصدق الامتثال و ينصرف الأمر إليه.

و لا تشترط معرفة الميّت، للأصل.

و هل يكفي منويّ الإمام للمأموم إذا لم يتعيّن من الخارج؟ فيه احتمال قوي.

و تجب استدامة النيّة حكما إلى الفراغ.

و على المأموم عند إرادة الائتمام نيّة الاقتداء كغيرها من الصلوات، على احتمال. و في شرح الإرشاد: أنّه ليس بمعلوم الوجوب، لعدم سقوط شي ء «1»، و هو كذلك.

ثمَّ يكبّر خمس تكبيرات، أولاها تكبيرة الإحرام، بالإجماع، و النصوص المستفيضة بل المتواترة معنى من طرقنا كصحيحتي ابن سنان «2»، و صحيحة

______________________________

(1) مجمع الفائدة 2: 432.

(2) الأولى: التهذيب 3: 315- 976، الاستبصار 1: 474- 1832، الوسائل 7: 74 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 6.

الثانية: الفقيه 1: 100- 468، التهذيب 3: 330- 1033، الوسائل 7: 76 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 299

إسماعيل بن سعد «1»، و حسنة أبي ولّاد «2»، و روايتي أبي بصير «3»، و روايات الحضرمي «4»، و الجعفري «5»، و ابن زائدة «6»، و غير ذلك مما يأتي بعضها.

و في الرضويّ: «إذا أردت أن تصلي على الميّت، فكبّر عليه خمس تكبيرات» «7».

و إن كان في دلالة بعضها على الوجوب تأمّل، و لكنّه غير ضائر، لكفاية ثبوت مطلق الرجحان في إثبات الإيجاب بالإجماع المركّب.

و أمّا ما يدلّ على الأربع فلما مرّ غير مكافئة، و على التقيّة محمولة، لأنّه مذهب جميع العامّة كما صرّح به عظماء الطائفة «8»، و

استفاضت به أحاديث العترة، منها المروي في العلل: لأيّ علّة تكبّر على الميّت خمس تكبيرات، و يكبّر مخالفونا أربع تكبيرات؟ «9» الحديث.

و في العيون: «فمن قبل الولاية يكبّر خمسا، و من لم يقبل الولاية يكبّر أربعا،

______________________________

(1) التهذيب 3: 192- 439، الاستبصار 1: 477- 1848، الوسائل 3: 74 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 5.

(2) التهذيب 3: 316- 980، الاستبصار 1: 474- 1836، الوسائل 3: 75 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 9.

(3) الاولى: التهذيب 3: 315- 977، الاستبصار 1: 474- 1833، الوسائل 3: 75 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 8.

الثانية: التهذيب 3: 315- 978، الاستبصار 1: 474- 1834، الوسائل 3: 75 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 10.

(4) الكافي 3: 181 الجنائز ب 52 ح 5، التهذيب 3: 189- 430، الخصال: 280- 26، المحاسن: 316- 36، العلل: 302- 1، الوسائل 3: 73 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 4.

(5) العلل: 302- 2، الوسائل 3: 73 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 3.

(6) التهذيب 3: 316- 979، الاستبصار 1: 474- 1835، الوسائل 3: 75 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 11.

(7) فقه الرضا «ع»: 183، مستدرك الوسائل 2: 255 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 2.

(8) كالسيّد في الانتصار: 59، و العلامة في التذكرة 1: 50، و الشهيد في الذكرى: 58.

(9) العلل: 303- 1، الوسائل 3: 77 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 300

فمن أجل ذلك تكبّرون خمسا و من خالفكم يكبّر أربعا» «1».

بل به اعترف علماء العامّة. قال بعض شرّاح صحيح مسلم: إنّما ترك القول بالتكبيرات الخمس في صلاة الجنازة، لأنّه صار علما للتشيّع، و قال عبد

اللَّه المالكي في كتابه المسمى بفوائد مسلم: إنّ يزيدا كبّر خمسا، و كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم يكبّرها، و هذا المذهب الآن متروك، لأنّه صار علما على القول بالرفض.

مع أنّه يحتمل حملين آخرين:

أحدهما:

الحمل على الصلاة على المنافقين و المتّهمين بالنفاق، كما مرّ في رواية محمّد بن مهاجر «2»، و في صحيحة إسماعيل بن سعد: عن الصلاة على الميّت، فقال: «أمّا المؤمن فخمس تكبيرات، و أمّا المنافق فأربع، و لا سلام فيها» «3».

و في صحيحة هشام بن سالم: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم يكبّر على قوم خمسا، و على آخرين أربعا، فإذا كبّر على رجل أربعا فاتّهم بالنفاق» «4».

و في رواية إسماعيل بن همّام: «فأمّا الذي كبّر عليه خمسا فحمد اللَّه تعالى و مجّده في التكبيرة الاولى، و دعا في الثانية للنبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم، و دعا في الثالثة للمؤمنين و المؤمنات، و دعا في الرابعة للميّت، و انصرف في الخامسة، و أمّا الذي كبّر عليه أربعا، فحمد اللَّه تعالى و مجّده في التكبيرة الاولى، و دعا لنفسه و أهل بيته في الثانية، و دعا للمؤمنين و المؤمنات في الثالثة، و انصرف في الرابعة فلم يدع

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا «ع» 2: 81- 20، الوسائل 3: 76 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 16.

(2) راجع ص 269.

(3) التهذيب 3: 192- 439، الاستبصار 1: 477- 1848، الوسائل 3: 74 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 5.

(4) الكافي 3: 181 الجنائز ب 52 ح 2، التهذيب 3: 197- 454 و 317- 982، الاستبصار 1:

475- 1839، العلل: 303- 2، الوسائل 3: 72 أبواب صلاة الجنازة ب

5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 301

له، لأنّه كان منافقا» «1».

و الثاني:

أنّ المراد بالأربع الإخبار عمّا يقال بين التكبيرات من الدعاء، فإنّ الخامسة ليس بعدها دعاء، كما تكشف عنه رواية أبي بصير: سأله رجل عن التكبير على الجنائز، فقال: «خمس تكبيرات» ثمَّ سأله آخر عن الصلاة على الجنازة فقال: «أربع صلوات» فقال الأوّل: جعلت فداك، سألتك فقلت: خمسا و سألك هذا فقلت: أربعا، فقال: «إنّك سألتني عن التكبيرة، و سألني هذا عن الصلاة» ثمَّ قال: «إنّها خمس تكبيرات بينهنّ أربع صلوات» «2».

هذا كلّه مع أنّ الإثبات مقدّم على النفي، فلعلّ راوي الأربع لم يسمع الخامسة، لكونها منفردة عن الدعاء، و كونه بعيدا عن الإمام عليه السلام.

ثمَّ إنّه لا فرق في وجوب التكبيرات الخمس بين كون الميّت مؤمنا أو مخالفا تجب عليه الصلاة، للعمومات المتقدّمة المثبتة للوجوب، و لو بضميمة الإجماع المركّب.

و أمّا ما مرّ من روايات تكبير النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم أربعا، فإنّما هو في المنافق، و صدقه على مطلق المخالفين غير معلوم، و إن أطلق عليهم في بعض الأخبار، و لكنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة، و المجاز غير منحصر في واحد.

المسألة الثانية: يدعى بين كلّ تكبيرتين بالدعاء إجماعا

، له، و للمستفيضة بل المتواترة معنى من الأخبار «3».

و هل هو على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟.

______________________________

(1) التهذيب 3: 317- 983، الاستبصار 1: 475- 1840، الوسائل 3: 64 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 9.

(2) التهذيب 3: 318- 986، الاستبصار 1: 476- 1842، الوسائل 3: 75 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 12.

(3) انظر: الوسائل 3: 60 أبواب صلاة الجنازة ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 302

الحقّ هو الأوّل، وفاقا للأكثر كما صرّح به

جماعة «1»، بل عن ظاهر الخلاف و المنتهى و الذكرى الإجماع عليه «2».

لا لوقوع الأمر به في الأخبار المتكاثرة.

و لا لوروده في بيان كيفيّة الواجب.

و لا لحمله مع ذلك على الصلاة في رواية أبي بصير السابقة بقوله فيها تارة «أربع صلوات» و اخرى «خمس تكبيرات بينهنّ أربع صلوات».

و لا لتوقّف حصول البراءة اليقينيّة عليه كما في الذخيرة «3».

لإمكان القدح في الأوّل: بمنع الأمر به في الأخبار، و غايتها الجمل الخبريّة التي هي أعمّ من الوجوب. مع أنّها لو فرضت دلالتها على الوجوب لم تكن نافعة في المقام، لأنّ هذه الأوامر ليست واردة على مطلق الدعاء، بل على دعوات مخصوصة غير واجبة إجماعا، معارضة بعضها مع بعض في الخصوصيّة، المانع تعارضها عن إيجاب واحد منها.

و منه يظهر وجه القدح في الثاني أيضا، مضافا إلى أنّه إن أريد وروده في بيان الكيفيّة الواجبة للواجب، فلا دليل عليه، و ظهوره فيه ممنوع، و إن أريد مطلق الكيفيّة له- أي الأعم من الواجبة و المستحبة- فلا يفيد.

و منه يظهر القدح في الثالث أيضا. و الحمل و إن كان حقيقة في الحقيقي و هو يوجب اتحاد صلاة الميّت مع ما ذكر فيكون واجبا، إلّا أنّ إرادة الحقيقي هنا غير ممكنة، لأنّ حقيقة الدعاء على الميّت- الذي هو معنى الصلاة لغة- معلومة، و هي مطلق الدعاء عليه، فيكون خصوص الأربع مغايرا للحقيقة.

مع أنّ حقيقة صلاة الميّت لو كانت هي ما يجب شرعا في صلاة الجنائز،

______________________________

(1) منهم العلامة في المنتهى 1: 451، و السبزواري في الذخيرة: 328، و صاحب الرياض 1:

204.

(2) الخلاف 1: 724، المنتهى 1: 451، الذكرى: 59.

(3) الذخيرة: 328.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 303

لكان المحمول مغايرا للموضوع هنا

قطعا، لوجوب أمور أخر فيها من النيّة و القيام و الاستقبال و غيرها. فلا بدّ من ارتكاب تجوّز إمّا في الحمل أو الموضوع بإرادة المشروع من الصلاة أو الواجب منها أو المستحب، و المقصود غير متعيّن، فالاستدلال به غير تامّ.

و في الرابع: بأنّ المعلوم اشتغال الذمّة به- و هو خمس تكبيرات- علمت البراءة عنه، و الاشتغال بالزائد غير معلوم، فلا يستدعي اليقين بالبراءة.

بل «1» لوقوع الأمر بالصلاة على الميّت مطلقة في أخبار كثيرة، و الصلاة لغة حقيقة في الدعاء فيجب الدعاء له، و بوجوبه تجب الأربع بالإجماع المركّب.

فإن قيل:

الدعاء و إن كان حقيقة لغويّة للصلاة، و لكنّه مجاز شرعي، لحصول الحقيقة الشرعية فيها، فهو معنى مجازي أيضا كالتكبيرات، فلا تتعيّن إرادته.

قلنا:

نعم، كذلك حين ثبوت الحقيقة الشرعية للصلاة. و حصولها في زمان النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم سيّما زمان صدور الأخبار النبويّة- المتقدّم ذكرها في صدر الباب- غير معلوم، فالحمل على الحقيقة اللغويّة لازم، و ليس هو إلّا مطلق الدعاء.

فإن قيل:

تجب في صلاة الميّت التكبيرات و تعدّد الصلوات و أمور أخر أيضا، و هي خارجة عن حقيقتها اللغويّة، فعدم إرادتها معلوم، و المجاز غير متعيّن.

قلنا:

وجوب هذه الأمور لا يستلزم إرادتها من الصلاة، بل الثابت من الأمر بالصلاة ليس إلّا وجوب الدعاء و إن علم وجوب أمور أخر بأوامر أخر.

و يؤكّد ما ذكرنا من إرادة المعنى اللغوي، و كونها هنا بمعنى الدعاء: ما مرّ من رواية محمّد بن مهاجر السالفة «2»، المصرّحة بأنّ بعد ما نهى اللَّه عن الصلاة

______________________________

(1) عطف على قوله: لا لوقوع الأمر به ..

(2) في ص 269.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 304

على المنافقين بقوله سبحانه وَ لا تُصَلِّ عَلى

أَحَدٍ مِنْهُمْ ترك النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم الدعاء عليهم، و اقتصر بالتكبيرات و الثناء و الصلاة و الدعاء للمؤمنين.

و رواية أبي بصير المتقدّمة «1»، المتضمّنة لقوله: «أربع صلوات» سيّما بعد السؤال عن الصلاة على الميّت.

و تدلّ على المطلوب- بضميمة الإجماع المركّب المذكور- صحيحة ابن أذينة و الفضيل: «إذا صلّيت على المؤمن فادع له، و اجتهد في الدعاء» «2» الحديث.

خلافا لصريح الشرائع و ظاهر النافع، فيستحبّ الدعاء «3»، و هو ظاهر المحقّق الأردبيلي في شرح الإرشاد «4».

للأصل.

و الاختلاف العظيم في الدعاء الوارد فيها.

و إطلاق الروايات المتضمّنة لأنّ الصلاة على الميّت خمس تكبيرات، الواردة في مقام البيان، الدالّة بظاهرها على عدم وجوب ما عدا ذلك.

و الأصل يدفع بما مرّ.

و الاختلاف إنّما يوهن في الوجوب لو كان المدّعى وجوبه أمرا معيّنا و اختلف فيه، دون ما إذا كان الواجب هو القدر المشترك بين المختلفات، و كان الاختلاف في الخصوصيّات كما في المقام.

و الإطلاق إنّما يفيد لو كان السؤال عن الصلاة. و الظاهر من الروايات المذكورة كون السؤال و الجواب فيها إنّما هو بالقياس إلى خصوص التكبير و مقداره، لكونه محلّ الخلاف بين الخاصّة و العامّة، و لذا لم يذكر سائر الواجبات من النيّة

______________________________

(1) في ص 301.

(2) الكافي 3: 187 الجنائز ب 57 ح 2، التهذيب 3: 196- 450، الوسائل 3: 67 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 3.

(3) الشرائع 1: 106، النافع: 40.

(4) مجمع الفائدة 2: 434.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 305

و القيام و الاستقبال و غيرها، مع وجوبها إجماعا. مع أنّ بعد التسليم غايتها الإطلاق، فيجب تقييده بما مرّ.

المسألة الثالثة: مقتضى الأمر بالصلاة على الميّت في أوامرها، و الدعاء له في صحيحة ابن أذينة و الفضيل: وجوب ذلك

، أي الدعاء له، فلا مناص عنه.

و لا تضرّه صحيحة زرارة و

محمّد: «ليس في الصلاة على الميّت قراءة و لا دعاء موقّت، تدعو بما بدا لك، و أحقّ الموتى أن يدعى له أن يبدأ بالصلاة على النبيّ» «1».

لأنّها أعمّ مطلقا ممّا مرّ، فيجب التخصيص به.

و لا موثّقة يونس: عن صلاة الجنازة أصليّ عليها على غير وضوء؟ فقال:

«نعم، إنّما هو تسبيح و تكبير، و تحميد و تهليل» «2».

لأنّ جهة إثبات هذه الأمور لا تنافي ثبوت الغير أيضا. و أمّا جهة نفي الغير التي هي الملحوظة في الرواية فإنّما هي بالنسبة إلى الركوع و السجود، لأنّ انتفاءهما هو الصالح لعلّية انتفاء الوضوء. و لو سلّم العموم، فتكون أعمّ مطلقا ممّا مرّ أيضا، فتخصّ به.

و لكن لا يتعيّن في الدعاء له لفظ خاصّ، و لا موضع خاصّ، للأصل.

و كذا لا يتعيّن في الدعوات الأربع غير ما ذكر شي ء خاص معنى أو لفظا، وفاقا للإسكافي «3»، و جماعة من المتأخرين، منهم: المدارك و الذخيرة و الحدائق «4»، و نسبه في الأول إلى الأكثر.

للأصل السالم عن المعارض الدالّ على الوجوب جدّا، إلّا الرضوي الآتي

______________________________

(1) التهذيب 3: 189- 429، الوسائل 3: 89 أبواب صلاة الجنازة ب 7 ح 3.

(2) الكافي 3: 178 الجنائز ب 49 ح 1، الفقيه 1: 107- 495، التهذيب 3: 203- 475، الوسائل 3: 89 أبواب صلاة الجنازة ب 7 ح 2.

(3) حكاه عنه في الحدائق 10: 405.

(4) المدارك 4: 167، الذخيرة: 329، الحدائق 10: 405.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 306

المتضمّن للأمر «1»، و لكنّه تعلّق بألفاظ و معاني لا يجب جميعها إجماعا، فيحمل على الاستحباب قطعا. و لصحيحة زرارة و محمد و موثّقة يونس المتقدّمتين.

و يؤيده اختلاف النصوص، و عدم توافق بعضها مع بعض في تعيين

الأذكار، مع كثرتها و استفاضتها.

بل هو دليل على المطلوب، حيث إنّ إيجاب الكلّ غير ممكن، و البعض المعيّن تحكّم، و ترجيح بلا مرجّح، و التخيير بينها غير صحيح، لاشتمال الأكثر على معاني و ألفاظ غير واجبة إجماعا. و القدر المشترك بين الجميع ليس إلّا الدعاء المطلق، و هو المطلوب. مع أنّه يثبت بالتخيير الذي هو المرجع عند التعارض أيضا، لأنّ من أفراد المخيّر هنا مطلق الدعاء بعد رفع اليد عن خصوص اللفظ بالإجماع.

خلافا لجماعة «2»، بل نسب إلى المشهور، إمّا مطلقا كما في الذخيرة «3»، أو مقيّدا بكونه بين المتأخرين كبعض آخر «4»، بل عن الخلاف الإجماع عليه «5»، فأوجبوا الشهادتين بعد التكبيرة الاولى، و الصلاة على النبي و آله بعد الثانية، و الدعاء للمؤمنين بعد الثالثة، و للميّت بعد الرابعة.

للشهرة.

و الإجماع المنقول.

و تحصيل اليقين بالبراءة.

و لرواية محمّد بن مهاجر السالفة في أوّل الباب «6»، و رواية إسماعيل بن همّام المتقدّمة في المسألة الاولى «7»، و الرضوي الآتي.

______________________________

(1) انظر ص 308.

(2) كالعلامة في التحرير 1: 19، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 424.

(3) الذخيرة: 328.

(4) انظر: الرياض 1: 204.

(5) الخلاف 1: 724.

(6) راجع ص 269.

(7) راجع ص 300.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 307

و يردّ الأوّلان:

بعدم الحجيّة.

و الثالث:

بحصولها بالنسبة إلى ما علم به اشتغال الذمّة.

و الروايات:

بعدم الدلالة على الوجوب، و لو تضمّن بعضها قوله: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يفعل كذا» المشعر بالدوام و المواظبة.

مع أنّ أولاها تتضمّن الصلاة على الأنبياء الدالّ على الاستغراق، و هم لا يقولون بوجوبه، و تخالف ما تضمّنته الثانية من الدعاء لنفسه خاصّة.

و ثانيتها تتضمّن التحميد و التمجيد بعد الاولى، و هم لا يوجبونهما، و

تخالف ما تضمّنته الاولى من الشهادة.

و ثالثتها تتضمّن أمورا لا يجب شي ء منها قطعا، و تخالف ما في مواضع أخر من ذلك الكتاب لفظا و معنى.

و مع ذلك كلّه، فهي مع ما مرّ من الأخبار الدالّة على نفي التوقيت- كما مرّ- أو المشتملة على أذكار أخر معارضة. هذا.

ثمَّ إنّه على القول بوجوب الأذكار الأربعة لا يتعيّن فيها لفظ مخصوص، كما نقل التصريح به عن كثير من الأصحاب، بل لعلّه إجماعي، و يدلّ عليه الأصل أيضا، فتجوز تأديتها بأيّ لفظ كان.

المسألة الرابعة: تجوز تأدية الدعاء المطلق- على المختار- و الأذكار الأربعة- على القول بوجوبها- بالفارسيّة

، على الأقوى، و تجوز قراءة الدعوات المأثورة من المكتوب أيضا، للأصل.

و ما يظنّ دليلا لعدم جوازهما- لو كان به قائل هنا- يعلم دفعه ممّا مرّ في مسألتي جواز القراءة في الصلاة عن المصحف، و جواز القنوت بالفارسيّة.

المسألة الخامسة: يستحب الدعاء بالأذكار الأربعة الموزّعة على التكبيرات الأربع

، تأسيّا بما حكي عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله، و اتّباعا للشهرة و الإجماع المحكيّين، و خروجا عن شبهة الخلاف.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 308

و تأديتها «1» بما في الرضوي، لأجله، حيث إنّه تفصيل ذلك المجمل، قال:

«و ارفع يديك بالتكبير الأوّل و كبّر و قل: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، و أنّ الموت حق، و الجنّة حق، و النّار حق، و البعث حق، و أنّ الساعة آتية لا ريب فيها، و أنّ اللَّه يبعث من في القبور. ثمَّ كبّر الثانية و قل: اللّهم صلّ على محمّد و آل محمّد، و بارك على محمّد و آل محمّد، و ارحم محمّدا و آل محمّد، أفضل ما صلّيت و باركت و رحمت و ترحّمت و سلّمت على إبراهيم و آل إبراهيم في العالمين، إنّك حميد مجيد. ثمَّ تكبّر الثالثة و تقول: اللّهم اغفر لي و لجميع المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات، الأحياء منهم و الأموات، و تابع بيننا و بينهم بالخيرات، إنّك مجيب الدعوات، و وليّ الحسنات، يا أرحم الراحمين.

ثمَّ تكبّر الرابعة و تقول: اللّهم إنّ هذا عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك، نزل بساحتك، و أنت خير منزول به، اللّهم إنّا لا نعلم منه إلّا خيرا، و أنت أعلم به منّا، اللّهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، و إن

كان مسيئا فتجاوز عنه، و اغفر لنا و له، اللّهم احشره مع من يتولاه و يحبّه، و أبعده ممّن يتبرّأ و يبغضه، اللّهم ألحقه بنبيّك، و ارحمنا إذا توفّيتنا يا إله العالمين. ثمَّ تكبّر الخامسة و تقول: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَ قِنا عَذابَ النَّارِ. و لا تسلّم و لا تبرح من مكانك حتى ترى الجنازة على أيدي الرجال» «2».

ثمَّ المشهور أنّ هذا التوزيع هو الأفضل.

و عن العماني و الجعفي أنّ الأفضل جميع الأذكار الأربعة عقيب كلّ تكبيرة «3»، و إن اختلفت عباراتهما في كيفيّة الأدعية، كما ورد في موثّقة سماعة «4».

______________________________

(1) أي: و تستحبّ تأدية الأذكار ..

(2) فقه الرضا «ع»: 177، مستدرك الوسائل 2: 247 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 1.

(3) حكاه عنهما في الذكرى: 59.

(4) الكافي 3: 182 الجنازة ب 54 ح 1، التهذيب 3: 191- 435، الاستبصار 1:

478- 1849، الوسائل 3: 63 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 309

و قيل:

الأولى تكرار الدعاء له «1»، كما ورد في رواية كليب «2»، بل التشهّد و الصلاة على النّبي و آله بعد كلّ تكبيرة، كما في صحيحتي أبي ولّاد «3»، و الحلبي «4».

و لا شكّ أنّه لا بأس بشي ء منها، و يجوز العمل بكلّ منها، بل بغيرها ممّا ورد في الروايات المخالفة لما ذكر، كصحيحة زرارة «5»، و موثّقة عمّار «6»، و غيرهما، و إن اختلفوا في الأفضل، فمن رجّح المشهور فنظره إلى حصول موافقة الاحتياط، و الخروج عن الشبهة به، و من رجّح الأخير فنظر إلى صحّة الرواية و تعدّدها، و من رجّح الجمع بين الجميع في الجميع فكان نظر إلى

الأمرين، و ليس ببعيد، إذ المشهور لا يقول بحرمة الزائد عن الواجب قطعا.

و منه يظهر فساد ما قيل- بعد ذكر تكرار الدعاء بل التشهّد و الصلاة و نقل أولويّتها عن بعضهم-: و لعلّه لصحّة السند، إلّا أنّ الأفضل ما قدّمنا، فإنّ دفع الشبهة و موافقة المشهور مهما أمكن لعلّه أولى «7».

ثمَّ إنّه قد وردت في صحيحة الحلبيّ زيادة: «اللّهم عفوك عفوك» بعد الدعاء المذكور فيها في كلّ تكبيرة، و كذا في موثّقة عمّار في كلّ تكبيرة بعد أدعية مذكورة فيها، و في موضع من الفقه الرضوي في كلّ تكبيرة أيضا بعد أدعية مذكورة فيه «8».

و لا ريب في رجحان ذكره لو دعا بهذه الأدعية، و لا في جوازه، بل رجحانه من حيث هو دعاء بعد كلّ دعاء آخر من الدعوات المتقدّمة. و يحتمل رجحانه

______________________________

(1) كما حكاه في الرياض 1: 205 أيضا.

(2) التهذيب 3: 315- 975، الوسائل 3: 64 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 7.

(3) الكافي 3: 184 الجنائز ب 54 ح 3، التهذيب 3: 191- 436، الوسائل 3: 62 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 5.

(4) الكافي 3: 184 الجنائز ب 54 ح 4، الوسائل 3: 61 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 3.

(5) الكافي 3: 183 الجنائز ب 54 ح 2، الوسائل 3: 61 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 2.

(6) التهذيب 3: 330- 1034، الوسائل 3: 65 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 11.

(7) الرياض 1: 205.

(8) فقه الرضا «ع»: 185.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 310

بخصوصه أيضا بعد الكلّ، إذ يظنّ من وروده في الروايات الثلاث مع اختلاف الأدعية أنّه راجح برأسه من غير تعلّقه بدعاء. فتأمّل.

المسألة السادسة: إن كان الميّت طفلا يستحبّ أن يقول في دعائه ما في رواية عمرو بن خالد:

عن علي عليه

السلام في الصلاة على الطفل أنّه: «كان يقول: اللّهم اجعله لأبويه و لنا سلفا و فرطا و أجرا» «1».

و ليس بواجب، لعدم دلالتها على الوجوب، و إن كان مطلق الدعاء- الصادق على ذلك أيضا- واجبا، و لكن لا ينحصر به، بل و لا في السؤال لجعله مصلحا لحال أبيه، لتأتي رفع الدرجة و إعطاء المثوبة في حقّه.

و مقتضى إطلاق الرواية و كلام الأصحاب استحباب ذلك في الصلاة على الطفل الذي تجب الصلاة عليه أيضا، إلّا أنّ في الرضوي: «إنّ الطفل لا يصلّى عليه حتى يعقل الصلاة، فإذا حضرت مع قوم يصلّون عليه فقل: اللّهمّ اجعله لأبويه و لنا ذخرا و مزيدا و فرطا و أجرا» «2» و لكنّه لا يدلّ على الاختصاص.

المسألة السابعة: ما مرّ من وجوب الدعاء للميّت

، و استحباب توزيعه على النحو المتقدّم إنّما هو في الصلاة على المؤمن. و أمّا غير المؤمن ممّن تجب الصلاة عليه من المخالف و المستضعف و مجهول الحال، فلا يجب الدعاء له، بل يقول في كلّ منهم بدعائه.

أمّا في المخالف فيقول ما في صحيحة محمّد: «إن كان جاحدا للحق فقل:

اللّهم املأ جوفه نارا، و قبره نارا، و سلّط عليه الحيّات و العقارب» «3» و الجاحد و إن كان أعمّ منه، إلّا أنّه يكفي شموله له.

______________________________

(1) التهذيب 3: 195- 449، الوسائل 3: 94 أبواب صلاة الجنازة ب 12 ح 1.

(2) فقه الرضا «ع»: 178، مستدرك الوسائل 2: 272 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 1.

(3) الكافي 3: 189 الجنائز ب 58 ح 5، الوسائل 3: 71 أبواب صلاة الجنازة ب 4 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 311

و أمّا الأدعية التي وردت في بعض الأخبار في المنافق و عدوّ اللَّه و العدوّ

لأهل البيت من الذين لا تجب الصلاة عليهم «1»- فلأنّ صدق الموضوع على كلّ مخالف غير معلوم- خارجة عن محلّ الكلام، و إنّما هي لمن ابتلي بصلاة هؤلاء لعذر، أو المراد بالصلاة فيها مجرّد الدعاء.

و أمّا في المستضعف- و هو من لا يعرف الحق، و لا يبغض أهله على اعتقادهم من غير تقصير- فيقول ما في صحيحة محمّد: «الصلاة على المستضعف و الذي لا يعرف: الصلاة على النبيّ، و الدعاء للمؤمنين و المؤمنات، تقول: ربّنا اغفر لِلَّذِينَ تابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَ قِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ . إلى آخر الآيتين» «2» و الآية الثانية هكذا رَبَّنا وَ أَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «3».

أو ما في صحيحة زرارة و محمّد: «الصلاة على المستضعف و الذي لا يعرف مذهبه: يصلّى على النبي و آله، و يدعى للمؤمنين و المؤمنات، و يقال: اللّهم اغفر لِلَّذِينَ تابُوا» «4» الآية.

و في صحيحة ابن أذينة و الفضيل: «و إن كان واقفا مستضعفا، فكبّر، و قل: اللّهم اغفر للذين» «5» الآية.

و في صحيحة الحلبي: «إن كان مستضعفا فقل: اللهم اغفر للذين ..» «6» الآية.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 3: 69 أبواب صلاة الجنازة ب 4.

(2) الكافي 3: 186 الجنائز ب 57 ح 1، الوسائل 3: 67 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 2.

(3) الغافر: 7 و 8.

(4) الفقيه 1: 105- 489، الوسائل 3: 67 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 1.

(5) الكافي 3: 187 الجنائز ب 57 ح 2، التهذيب 3: 196- 450، الوسائل 3: 67 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 3.

(6) الكافي 3: 187 الجنائز ب 57 ح 3، الفقيه 1:

105- 491، الوسائل 3: 68 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 312

و أمّا في المجهول فتقول ما في هذه الصحيحة أيضا: «و إذا كنت لا تدري ما حاله فقل: اللّهم إن كان يحبّ الخير و أهله فاغفر له و ارحمه و تجاوز عنه».

و نحوه في الرضوي «1».

و ظاهر الأمر في هذه الأخبار الخالية عن المعارض الوجوب، كما هو مذهب جماعة «2».

و لا يعارض المجهول ما في صحيحة زرارة و محمّد السابقة «المستضعف و الذي لا يعرف مذهبه» لأنّه ليس صريحا في المجهول، لاحتمال كون قوله: «لا يعرف» بصيغة الفاعل، و يكون بيانا للمستضعف، أي: لا يعرف الحقّ الذي هو مذهبه حقيقة.

و قيل بعدم الوجوب في الأول، لأنّ التكبير عليه أربع، و بها يخرج عن الصلاة «3».

و فيه- مضافا إلى أنّه لا يتعيّن وقوع الدعاء وجوبا بعد الرابعة، و إلى أنّه لا ضير في وجوب هذا الدعاء بعد الخروج-: منع كون التكبير هنا أربعا. و أمّا الأخبار الدالّة عليها فكما مرّ واردة في المنافق، و صدقه على كلّ مخالف غير معلوم، فتخصيص المخالف من أخبار الخمس لا دليل عليه، و عدم معلومية التفرقة بين المنافق و المخالف غير ضائر، و إنّما الضائر معلومية عدم التفرقة، و هي غير حاصلة.

و ظاهر تصريحات القوم كون هذه الدعوات في هذه الصلاة بعد الرابعة.

و لا بأس بالقول باستحبابه، لذلك.

المسألة الثامنة: تجب في هذه الصلاة مضافا إلى ما مرّ أمور:
اشارة

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 178، مستدرك الوسائل 2: 252 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 1.

(2) كالشهيد في البيان: 76، و صاحب المدارك 4: 166، و صاحب الرياض 1: 206.

(3) كما في جامع المقاصد 1: 425.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 313

منها: الاستقبال بلا خلاف

، كما في المدارك و الذخيرة و الحدائق «1»، بل الظاهر أنّه إجماعي، كما يستفاد من كتب الأصحاب و عمل الناس مستمرا من الصدر الأول إلى هذا الزمان.

فهو الحجّة فيه، مضافا إلى استفادته من رواية أبي هاشم الجعفري الواردة في الصلاة على المصلوب أيضا «2»، حيث علّل فيها وجوب القيام على منكبه الأيسر بقوله: «فإنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة» أوّلا، و أمر بالقيام على المنكب المخالف للقبلة الموجب لمواجهة القبلة ثانيا. و قال: «و ليكن وجهك إلى ما بين المشرق و المغرب» ثالثا.

و تؤيده أيضا روايتا جابر و الرضوي الآتيتان في المسألة الثانية من البحث الرابع «3».

و لو تعذر من المصلّي أو الميّت، أو جهلت القبلة سقط وجوبه، للأصل.

و منها: القيام مع القدرة إجماعا

، كما عن الذكرى و في المدارك و الذخيرة و الحدائق «4»، و الظاهر منها و من استمرار عمل الناس عليه أنّه أيضا إجماعي.

و يسقط مع العجز قطعا.

و في الاكتفاء بصلاة العاجز مع وجود القادر احتمالان، أظهرهما الاكتفاء، اقتصارا فيما يخالف الأصل على موضع الوفاق، مضافا إلى اشتمال العمومات للعاجز أيضا، فصلاته مشروعة، فيؤدي بها الواجب.

و منها: جعل رأس الميّت إلى يمين المصلّي في غير المأموم مع الإمكان

، بلا خلاف أجده، بل في الذخيرة و الحدائق نفي الخلاف فيه صريحا «5»، و تؤيده- مع الاستمرار المتقدّم- موثّقة عمّار: عن ميّت صلّي عليه، فلما سلّم الإمام فإذا الميّت

______________________________

(1) المدارك 4: 170، الذخيرة: 331، الحدائق 10: 422.

(2) الكافي 3: 215 الجنائز ب 78 ح 2، التهذيب 3: 327- 1021، الوسائل 3: 130 أبواب صلاة الجنازة ب 35 ح 1.

(3) انظر ص 336.

(4) الذكرى: 58، المدارك 4: 171، الذخيرة: 331، الحدائق 10: 423.

(5) الذخيرة: 331، الحدائق 10: 425.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 314

مقلوب رجلاه إلى موضع رأسه، قال: «يستوي و تعاد الصلاة عليه و إنّ حمل ما لم يدفن، فإذا دفن فقد مضت الصلاة و لا يصلّى عليه» «1».

بل في مفهوم الشرط في قوله: «فإذا دفن فقد مضت» دلالة على المطلوب.

قالوا: و لا بدّ مع ذلك من كون الميّت مستلقيا «2».

و منها: تقارب المصلّي إلى الجنازة بحيث لا يكون متباعدا كثيرا

، ذكره جمع من الأصحاب «3»، و استدلّ بالتأسيّ، و أصل الاشتغال، و عدم صدق الصلاة عليه مع كثرة البعد.

و في الكلّ نظر، إلّا أنّه لم ينقل فيه خلاف، و عليه استمرار العمل من الصدر الأوّل.

قالوا: و المرجع فيه إلى العرف «4».

و عن الذكرى: لا يجوز التباعد بمائتي ذراع «5».

و عن الفقيه القرب بحيث لو هبّت الريح تصل الثوب إلى الجنازة «6». و كأنّ مراده الاستحباب.

و صرّح جماعة «7» باشتراط عدم ارتفاع الجنازة عن موقف المصلّي، و لا انخفاضها كثيرا. فإن ثبت الإجماع، و إلّا ففيه النزاع.

و لا يضرّ الاختلاف الغير البالغ حدّ التفاحش قطعا.

______________________________

(1) الكافي 3: 174 الجنائز ب 45 ح 2، التهذيب 3: 201- 470، التهذيب 3: 322- 1004، الاستبصار 1: 482- 1870، الوسائل 3: 107 أبواب صلاة الجنازة ب

19 ح 1.

(2) كما في الدروس 1: 113، و الذخيرة: 331.

(3) منهم الشهيد في الدروس 1: 113، و السبزواري في الذخيرة: 331، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 126.

(4) كما في الذخيرة: 331.

(5) الذكرى: 61.

(6) الفقيه 1: 101.

(7) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان: 308، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 331، فراجع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 315

و لا يجب رفع الحائل بين المصلّي و بين الجنازة، للأصل.

و منها: كون الصلاة بعد التغسيل- أو ما في حكمه من التيمّم

عند تعذّره- و التكفين، حيث يجبان، فظاهرهم الاتّفاق عليه، كما في الحدائق «1»، و في المنتهى: لا نعلم فيه خلافا «2»، و في المدارك: هذا قول العلماء كافّة «3».

فإن ثبت الإجماع كما هو الظاهر، و إلّا فالأصل و صدق الامتثال يقتضيان العدم.

و كيف كان تصحّ صلاة الجاهل و الناسي قبل ذلك، لعدم ثبوت الإجماع فيهما.

و لو كان الميّت فاقدا للكفن يغسّل فيجعل في القبر، و تستر عورته بلبنة أو نحوها، و يصلّى عليه ثمَّ يدفن، بلا خلاف، بل عليه الإجماع في كلام جماعة «4».

لموثّقة عمّار: في قوم كانوا في سفر فإذا هم برجل ميّت عريان، و هم عراة، فكيف يصلّون عليه و هو عريان و ليس معهم فضل ثوب يكفنونه به؟ قال: «يحفر له و يوضع في لحده و يوضع اللبن على عورته، و يصلّى عليه، ثمَّ يدفن» «5».

و إن أمكن ستر عورته بثوب صلّي عليه قبل الوضع في لحده، لمفهوم مرسلة ابن أسلم عن رجل من أهل الجزيرة عن أبي الحسن الرضا عليه السلام الواردة في قوم يمشون على الشط، فإذا هم برجل ميّت عريان، و ليس للقوم ثوب يوارونه، فكيف يصلّون عليه؟ قال: «إذا لم يقدروا على ثوب يوارون به عورته فليحفروا قبره

و يضعونه في لحده، يوارون عورته بلبن أو حجار أو تراب، ثمَّ يصلّون عليه، ثمَّ يوارونه في قبره» قلت: و لا يصلّون عليه و هو مدفون بعد ما يدفن؟ قال: «لو

______________________________

(1) الحدائق 10: 425.

(2) المنتهى 1: 456.

(3) المدارك 4: 173.

(4) كالمدارك 4: 173، و الرياض 1: 205.

(5) الكافي 3: 214 الجنائز ب 77 ح 4، الفقيه 1: 104- 482، التهذيب 3: 179- 406، التهذيب 3: 327- 1022، الوسائل 3: 131 أبواب صلاة الجنازة ب 36 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 316

جاز ذلك لأحد لجاز لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم، فلا يصلّى على المدفون و لا على العريان» «1».

و هل هو على سبيل الوجوب أو الجواز؟ فيه وجهان، و الأظهر الثاني، للأصل، و قصور الرواية عن الدلالة على الوجوب.

المسألة التاسعة: لا تشترط في هذه الصلاة الطهارة من الحدث

، بالإجماع المصرّح به في جملة من الكتب، كالخلاف و التذكرة و المنتهى و الذكرى و روض الجنان و الروضة «2»، و المستفيضة من الأخبار، كصحيحة محمّد «3»، و موثّقة يونس «4» و الرضوي «5»، معلّلا في بعضها بأنّه إنّما هو تكبير و تسبيح و تحميد و تهليل، و في آخر بأنّه ليس بالصلاة إنّما هو التكبير، و الصلاة هي التي فيها الركوع و السجود، و الأخبار المصرّحة بجواز هذه الصلاة من الحائض، كصحيحة محمّد «6»، و موثّقة سماعة «7»، و روايات عبد الحميد «8»، و عبد الرحمن «9» و ابن المغيرة «10»،

______________________________

(1) التهذيب 3: 328- 1023، المحاسن: 303- 12، الوسائل 3: 132 أبواب صلاة الجنازة ب 36 ح 2.

(2) الخلاف 1: 724، التذكرة 1: 49، المنتهى 1: 455، الذكرى: 60، الروض: 309، الروضة 1: 139.

(3) الكافي 3: 178 الجنائز

ب 49 ح 4، الوسائل 3: 110 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 1.

(4) الكافي 3: 178 الجنائز ب 49 ح 1، الفقيه 1: 107- 495، التهذيب 3: 203- 475، الوسائل 3: 110 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 3.

(5) فقه الرضا «ع»: 179، مستدرك الوسائل 2: 269 أبواب صلاة الجنازة ب 8 ح 1.

(6) الكافي 3: 179 الجنائز ب 50 ح 4، الفقيه 1: 107- 496، التهذيب 3: 204- 479، الوسائل 3: 112 أبواب صلاة الجنازة ب 22 ح 1.

(7) الفقيه 1: 107- 497، التهذيب 3: 204- 481، الوسائل 3: 113 أبواب صلاة الجنازة ب 22 ح 5.

(8) الكافي 3: 178 الجنائز ب 49 ح 3، التهذيب 3: 203- 476، الوسائل 3: 110 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 2.

(9) الكافي 3: 179 الجنائز ب 50 ح 3، التهذيب 3: 203- 478، الوسائل 3: 113 أبواب صلاة الجنازة ب 22 ح 3.

(10) التهذيب 3: 204- 482، الوسائل 3: 113 أبواب صلاة الجنازة ب 22 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 317

و الرضوي «1».

و لا من الخبث، كما صرّح به بعض الأصحاب «2»، للأصل السالم عن المعارض، المؤكّد بإطلاقات أخبار جواز صلاة الحائض، مع عدم انفكاكها عن الخبث غالبا.

و لا ستر العورة، للأصل المذكور، وفاقا للفاضل «3»، و خلافا للذكرى «4»، لوجه غير وجيه.

و لا قراءة فيها واجبا إجماعا، كما عن الخلاف و الروض «5»، للأصل، و صحيحة محمّد و زرارة و موثّقة يونس، المتقدّمتين في المسألة الثالثة «6».

و أمّا ما في رواية القداح من «أنّ عليا كان إذا صلّى على ميّت يقرأ بفاتحة الكتاب» «7».

و رواية ابن سويد: في الصلاة على الميّت

«يقرأ في الأولى بأمّ الكتاب» «8».

فلا يدلّان على الوجوب و غايتهما الاستحباب، و لا بأس به إن لم يكن عدمه إجماعيا كما ادّعاه في الروض بل الخلاف «9»، و لكنّ الظاهر من الذكرى عدم ثبوته «10»، بل ظاهر المنتهى جواز قراءة الفاتحة، حيث قال في الجواب عن الرواية

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 179، مستدرك الوسائل 2: 278 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 1.

(2) انظر: روض الجنان: 309.

(3) المنتهى 1: 451، التحرير: 19.

(4) الذكرى: 58.

(5) الخلاف 1: 723، الروض: 309.

(6) راجع ص 305.

(7) التهذيب 3: 319- 988، الاستبصار 1: 477- 1845، الوسائل 3: 89 أبواب صلاة الجنازة ب 7 ح 4.

(8) التهذيب 3: 193- 440، الاستبصار 1: 477- 1844، الوسائل 3: 89 أبواب صلاة الجنازة ب 7 ح 5.

(9) الروض: 309، الخلاف 1: 723.

(10) الذكرى: 60.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 318

بأنّ وقوعه مرّة لا يدلّ على الوجوب، و نحن لم نوظّف فيها شيئا، بل المستحب الشهادة، و معناها موجود في الفاتحة فجاز أن يقرأها «1».

و لا ينافيه الصحيح و الموثّق المذكوران، لاحتمالهما نفي الوجوب. بل هو الظاهر من الصحيح، حيث إنّ النفي تعلّق بها و بالدعاء الموقّت، مع أنّه مستحب إجماعا، و حمل الروايتين على التقيّة إنّما هو إذا كان لهما معارض ينافيهما. و الأحوط الترك.

و لا تسليم كذلك، إجماعا أيضا كما عن السيّد و الخلاف و الذكرى و الروضة «2».

و تدلّ عليه المستفيضة من الأخبار كصحيحتي الحلبي «3»، و الأشعري «4»، و رواية الحلبي «5»، و المرويّين في الفقه الرضوي «6»، و تحف العقول «7»، النافية جميعا التسليم في صلاة الميّت، و بإزائها روايات دالّة بظاهرها على الاستحباب «8»، و الكلام فيه هنا

كالكلام فيه في القراءة.

و هل يشترط فيها ترك ما يجب تركه في سائر الصلوات- غير الحدث و الخبث- من التكلّم و الالتفات و الفعل الكثير و القهقهة و غيرها؟.

______________________________

(1) المنتهى 1: 452.

(2) السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 52، و الانتصار: 59، الخلاف 1: 724، الذكرى: 60، الروضة 1: 139.

(3) الكافي 3: 185 الجنائز ب 55 ح 3، التهذيب 3: 192- 438، الاستبصار 1:

477- 1847، الوسائل 3: 91 أبواب صلاة الجنازة ب 9 ح 2.

(4) التهذيب 3: 192- 439، الاستبصار 1: 477- 1848، الوسائل 3: 91 أبواب صلاة الجنازة ب 9 ح 1.

(5) الكافي 3: 185 الجنائز ب 55 ح 2، التهذيب 3: 192- 437، الاستبصار 1:

477- 1846، الوسائل 3: 91 أبواب صلاة الجنازة ب 9 ح 3.

(6) فقه الرضا «ع»: 184، مستدرك الوسائل 2: 269 أبواب صلاة الجنازة ب 9 ح 1.

(7) تحف العقول: 418، الوسائل 3: 91 أبواب صلاة الجنازة ب 9 ح 5.

(8) كموثقة عمّار و رواية يونس. انظر الوسائل 3: 65 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 10 و 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 319

ظاهر المدارك و الذخيرة بل صريحهما الاستشكال «1». و هو في موقعه، لعدم الدليل، و عدم ثبوت الإجماع بل و لا نقله، و الأصل هو المناص، و الاحتياط أولى.

المسألة العاشرة: تستحب في هذه الصلاة مضافا إلى ما مرّ أمور:
منها: وقوف المصلّي عند وسط الرجل و صدر المرأة على المشهور

، بل عن الغنية الإجماع عليه «2»، لرواية ابن المغيرة: «من صلّى على امرأة فلا يقوم في وسطها، و يكون ممّا يلي صدرها، و إذا صلّى على الرجل، فليقم في وسطه» «3».

و في الرضوي: «إذا أردت أن تصلّي على الميّت، فكبّر عليه خمس تكبيرات، يقوم الإمام عند وسط الرجل و صدر المرأة»

«4».

و عن الاستبصار الوقوف عند رأس المرأة و صدر الرجل «5»، لرواية موسى ابن بكر: «إذا صليت على المرأة فقم عند رأسها، و إذا صلّيت على الرجل فقم عند صدره» «6».

و عن الخلاف و والد الصدوق عكس ما في الاستبصار «7»، لنقل الأوّل الإجماع عليه.

و في رواية جابر: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم يقوم من الرجل بحيال السرّة و من النساء أدون من ذلك قبل الصدر» «8».

______________________________

(1) المدارك 4: 172، الذخيرة: 331.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 6    320     منها: وقوف المصلي عند وسط الرجل و صدر المرأة على المشهور ..... ص : 319

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 564.

(3) الكافي 3: 176 الجنائز ب 47 ح 1، التهذيب 3: 190- 433، الاستبصار 1:

470- 1818، الوسائل 3: 119 أبواب صلاة الجنازة ب 27 ح 1.

(4) فقه الرضا «ع»: 183، مستدرك الوسائل 2: 255 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 2.

(5) الاستبصار 1: 471.

(6) الكافي 3: 177 الجنائز ب 47 ح 2، التهذيب 3: 190- 432، الاستبصار 1:

470- 1817، الوسائل 3: 119 أبواب صلاة الجنازة ب 27 ح 2.

(7) الخلاف 1: 730، حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 119.

(8) التهذيب 3: 190- 434، الاستبصار 1: 471- 1819، الوسائل 3: 119 أبواب صلاة الجنازة ب 27 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 320

و استظهر بعض مشايخنا الجمع بين الأخبار الثلاثة بالتخيير «1».

و الوجه التخيير بين الكلّ، جمعا. و عدم ظهور قائل بما حكي عن الخلاف علينا لا يضرّ، لأنّ الإجماع المنقول يكفي في إثبات الاستحباب. نعم عن المقنع إطلاق الوقوف على الصدر «2»، و مستنده غير واضح.

و مقتضى ظاهر أكثر

الأخبار الوجوب، إلّا أنّ الإجماع أوجب الصرف عنه.

و العموم «3»، إلّا أنّ تعسّره بل تعذّره عند التعدّد، و استمرار العمل على خلافه أوجب التخصيص بالإمام و المنفرد. و لو اقتصر على ما إذا كثر المأمومون لكان أولى، فيقف المأموم الواحد أو الاثنان خلف الإمام مقام الاستحباب، و يدلّ عليه ما سيأتي من استحباب وقوف المأموم الواحد خلف الإمام، فالتخصيص بالأوّلين مطلقا ليس بحسن.

ثمَّ إنّ لاستحباب هذا الوقوف قالوا: إذا تعدّدت الجنائز المختلفة بالذكورة و الأنوثة جعل وسط الأوّل محاذيا لصدر الثانية «4».

و لكنّ الأخبار الواردة عند التعدّد لا تساعده «5»، بل منها ما صرّح بوضع المرأة عند رجلي الرجل، و منها ما صرّح بوضع رأسها على أليتيه أو وركه. و الأخيران أخصّان من الأوّل، و المجموع ممّا مرّ، لشمولهما الوحدة و التعدّد، و الاختلاف و عدمه، و العمل بالخاصّ مقدّم.

و منها: أنّه إذا اجتمعت الجنائز المختلفة

جعل الرجل ممّا يلي الإمام و المرأة

______________________________

(1) انظر: الحدائق 10: 427.

(2) المقنع: 21.

(3) عطف على الوجوب، أي: مقتضى ظاهر أكثر الأخبار العموم.

(4) كما في المختصر النافع: 40، و كشف اللثام 1: 126، و الرياض 1: 205.

(5) انظر: الوسائل 3: 124 أبواب صلاة الجنازة ب 32.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 321

إلى القبلة لصحيحتي محمّد «1»، و الحلبي «2»، و مرسلة ابن بكير «3».

و عليها يحمل ما تضمّن تقدّم الرجال و تأخّر النساء أو عكسه، بحمل الأوّل على التقدّم بالنسبة إلى الإمام، و الثاني بالنسبة إلى القبلة، حملا للمجمل على المفصّل، و تقديما للنصّ على المحتمل.

و أمّا رواية الحلبي المتضمّنة لعكس ما ذكر «4»، فمع إمكان التكلّف فيها و إرجاعها إلى الأوّل، شاذّة، و لدعوى الإجماع المتكرّرة مخالفة، فهي بالنسبة إلى ما مرّ مرجوحة، سيّما

مع أكثريّته عددا و أصحيّته سندا.

و الصبي في قبلة الرجل و المرأة في قبلته، لمرسلة ابن بكير.

و مقتضى إطلاقها تقديم الصبي على المرأة بالنسبة إلى الإمام و إن لم يبلغ الستّ حيث يصلّى عليه- إمّا لضرورة أو للقول باستحبابها أو وجوبها- كما عن الصدوقين «5».

و منهم من خصّه بالبالغ ستّا، و جعل غيره ممّا يلي قبلة النساء، لوجه اعتباري «6» لا يصلح مقيّدا لإطلاق الرواية و لو كان في مقام الفضيلة.

كما لا يصلح له عدم ثبوت استحباب الصلاة عليه، لأنّه قد تدعو إليها

______________________________

(1) الكافي 3: 175 الجنائز ب 45 ح 4، التهذيب 3: 323- 1005، الاستبصار 1:

471- 1822، الوسائل 3: 124 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 1.

(2) التهذيب 3: 323- 1006، الاستبصار 1: 471- 1823، الوسائل 3: 128 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 10.

(3) الكافي 3: 175 الجنائز ب 45 ح 5، التهذيب 3: 323- 1007، الاستبصار 1:

472- 1824، الوسائل 3: 125 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 3.

(4) التهذيب 3: 323- 1008، الاستبصار 1: 472- 1825، الوسائل 3: 127 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 7.

(5) المقنع: 21، و نقل عن والده في الفقيه 1: 107.

(6) قال الشهيد الثاني في روض الجنان ص 309: .. لتكون الصلاة عليه مندوبة فيتأخّر عمّن تجب عليه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 322

الضرورة.

و دعوى الندرة فيها فلا يشملها الإطلاق ضعيفة، لأنّ في زمان صدور الخبر و مكانه الندرة ممنوعة، لكثرة المخالطة مع العامّة، كما تشعر به صلاتهم عليهم السّلام على أطفالهم، كما مرّ.

و لا إيجابه «1» بعد من تجب الصلاة عليه عن الإمام أو عمّن تجب الصلاة عليه «2»، لأنّ مضرّة مثل هذا القدر من

التباعد غير ثابتة، مع أنّ دليلها ليس إلّا الإجماع المنتفي في موضع النزاع.

فالقول بالتخصيص ضعيف.

و أضعف منه إطلاق العكس، كما في النافع و النهاية «3»، لعدم ظهور مستنده بالمرّة، مع مخالفته لإطلاق المرسلة و دعوى الإجماع عن شيخ الطائفة «4».

و منها: وقوف المأموم و لو كان واحدا خلف الإمام

، بخلاف غيرها من الصلوات، فإنّ المأموم الواحد يقف عن يمين الإمام.

و إذا كان مع الرجال نساء وقفن خلفهم. و إن كانت فيهنّ حائض انفردت عن جميعهنّ.

كلّ ذلك للنصوص «5»، و فتوى الأصحاب.

إلّا أنّ في المنتهى احتمل في الحائض انفرادها عن الرجال خاصّة، لتذكير الضمير في النصوص «6».

______________________________

(1) عطف على عدم ثبوت استحباب، أي: و لا يصلح دليلا لجعل الصبيّ ما دون الستّ في قبلة النساء إيجابه ..

(2) انظر: الرياض 1: 206.

(3) النافع: 41، النهاية: 144.

(4) الخلاف 1: 722.

(5) انظر: الوسائل 3: أبواب صلاة الجنازة ب 22 و 28.

(6) المنتهى 1: 455.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 323

و يردّه إطلاق الوحدة و البروز في موثّقة سماعة: عن المرأة الطامث إذا حضرت الجنازة، قال: «نعم و تصلّي عليها و تقوم وحدها بارزة عن الصفّ» «1».

و لا يضرّ عدم شمول سائر النصوص لجمعها مع النساء من جهة تذكير الضمير.

و منها: كون المصلّي متطهّرا

، للشهرة بل الإجماع، و رواية عبد الحميد: الجنازة تخرج بها و لست على وضوء، فإن ذهبت أتوضّأ فاتتني الصلاة، أ يجزيني أن أصلّي عليها على غير وضوء؟ قال: «تكون على طهر أحبّ إليّ» «2».

و أمّا الرضوي: «و قد كره أن يتوضّأ إنسان عمدا للجنازة، لأنّه ليس بالصلاة، إنّما هو التكبير، و الصلاة هي التي فيها الركوع و السجود» «3».

فلا يضرّنا، لأنّ الكراهة لا يمكن أن تكون بالمعنى المصطلح، لاستحالة تحقّقه في العبادة، فهي إمّا بمعنى الحرمة، أو عدم المشروعيّة، أو المرجوحيّة الإضافيّة. و الأوّلان لا يثبتان به، لضعفه. و الثاني يؤكّد المطلوب. و أمّا الحمل على قصد الوجوب من العمد، ففيه ما لا يخفى من البعد.

و منها: نزع النعلين

، بلا خلاف أجده، و نسبه في المدارك و الذخيرة إلى مذهب الأصحاب مشعرين بدعوى الإجماع «4».

و هو الحجّة فيه، مضافا إلى رواية سيف بن عميرة: «و لا يصلّى على الجنازة بحذاء، و لا بأس بالخفّ» «5».

______________________________

(1) الفقيه 1: 107- 497، التهذيب 3: 204- 481، الوسائل 3: 113 أبواب صلاة الجنازة ب 22 ح 5 و في المصادر: «تتيمم و تصلي ..».

(2) الكافي 3: 178 الجنائز ب 49 ح 3، التهذيب 3: 203- 476، الوسائل 3: 110 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 2.

(3) فقه الرضا «ع»: 179، مستدرك الوسائل 2: 269 أبواب صلاة الجنازة ب 8 ح 1.

(4) المدارك 4: 178، الذخيرة: 332.

(5) الكافي 3: 176 الجنائز ب 46 ح 2، التهذيب 3: 206- 491، الوسائل 3: 118 أبواب صلاة الجنازة ب 26 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 324

و مرسلة المقنع: «لا يجوز للرجل أن يصلّي على جنازة بنعل حذو» «1».

و نحوه الرضوي «2»،

إلّا أنّه عبّر بقوله: «و لا يصلّي».

و لضعف الرواية سندا و قصورها دلالة على الحرمة حتى الوسط- لاحتمال إرادة تساوي الطرفين من الجواز- لا يثبتان سوى الكراهة الموجبة لاستحباب الترك، فالقول بالمنع- كما عن المقنع- ضعيف.

و استحباب نزع الحذاء إمّا يشمل جميع النعال حتى العجميّة و نحوها، أو يدلّ على استحباب نزعها أيضا بالفحوى، أو عدم الفارق، فيستحبّ نزعها أيضا.

و يستثنى الخفّ، لما مرّ.

و صرّح جماعة باستحباب التحفّي «3»، و استدلّوا عليه ببعض الوجوه الضعيفة، إلّا أن يحكم به بفتواهم، حيث إنّ المقام يتحمّل المسامحة.

و منها: رفع اليدين بالتكبيرات الخمس أجمع

، إجماعا محقّقا، و محكيّا مستفيضا، في الاولى «4»، و وفاقا للمحكي عن والد الصدوق «5»، و التهذيب و الاستبصار «6»، و المعتبر و الشرائع و النافع «7»، و المنتهى و الإرشاد و غيرهما من كتب الفاضل «8»، و ظاهر المدارك و شرح الإرشاد و الذخيرة و الحدائق «9»، و جمع آخر من

______________________________

(1) لم نعثر عليها في المقنع المطبوع، و لكن نقلها عنه في الذكرى: 61.

(2) فقه الرضا «ع»: 179، مستدرك الوسائل 3: 281 أبواب صلاة الجنازة ب 23 ح 1.

(3) كما في المعتبر 2: 355، و التذكرة 1: 49، و المدارك 4: 178.

(4) انظر: الغنية (الجوامع الفقهية): 564، و المعتبر 2: 355، و جامع المقاصد 1: 426.

(5) حكاه عنه في الرياض 1: 206.

(6) التهذيب 3: 195، الاستبصار 1: 479.

(7) المعتبر 2: 355، الشرائع 1: 106، النافع: 41.

(8) المنتهى 1: 455، الإرشاد 1: 262، و انظر: التذكرة 1: 49، و التحرير 1:

19.

(9) المدارك 4: 179، مجمع الفائدة 2: 449، الذخيرة: 333، الحدائق 10: 440.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 325

المتأخرين «1»، بل ادّعي عليهم شهرتهم، في البواقي «2».

لصحيحة العرزمي:

«صلّيت خلف أبي عبد اللَّه عليه السلام خلف جنازة، فكبّر خمسا يرفع يديه في كلّ تكبيرة» «3».

و بمضمونها رواية محمّد بن خالد «4».

و رواية يونس عن مولانا الرضا عليه السلام: إنّ الناس يرفعون أيديهم في التكبيرة على الميّت في التكبيرة الاولى، و لا يرفعون فيما بعد ذلك، فأقتصر على التكبيرة الأولى كما يفعلون أو أرفع يدي في كلّ تكبيرة؟ فقال: «ارفع يديك في كلّ تكبيرة» «5».

خلافا للمحكي عن المفيد و السيّد و النهاية و المبسوط و الحلّي «6»، بل نسبه جماعة إلى الأكثر «7»، و عن الغنية و السرائر و شرح الجمل للقاضي الإجماع عليه «8»، فقالوا: إنّه في غير الاولى غير مستحبّ.

لموثّقة غياث: «عن علي عليه السلام أنّه لا يرفع يده في الجنازة إلّا مرّة واحدة، يعني في التكبير «9».

______________________________

(1) كما في جامع المقاصد 1: 426، و الرياض 1: 206.

(2) كما في الرياض 1: 206.

(3) التهذيب 3: 194- 445، الاستبصار 1: 478- 1851، الوسائل 3: 92 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 1.

(4) التهذيب 3: 195- 447، الاستبصار 1: 478- 1850، الوسائل 3: 93 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 2.

(5) الكافي 3: 184 الجنائز ب 54 ح 5، التهذيب 3: 195- 446، الاستبصار 1:

478- 1852، الوسائل 3: 93 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 3.

(6) المفيد في المقنعة: 228، السيد في جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى 3): 52، النهاية:

145، المبسوط 1: 185، الحلي في السرائر 1: 356.

(7) كما في المدارك 4: 178، و الذخيرة: 333، و الرياض 1: 206.

(8) الغنية (الجوامع الفقهية): 564، السرائر 1: 356، شرح جمل العلم: 158.

(9) التهذيب 3: 194- 443، الاستبصار 1: 479- 1854، الوسائل 3: 93 أبواب صلاة

الجنازة ب 10 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 326

و بمضمونها رواية الورّاق «1».

و يؤيّده الرضويّان المصرّحان برفع اليد في التكبيرة الاولى «2».

و يردّ، بعد الجواب عن الرضويّين بعدم الدلالة إلّا بمفهوم الوصف الذي ليس بحجّة، سيّما مع احتمال كون الرفع في تكبيرة الإحرام آكد و أشد استحبابا، أنّ الفعل مقدّم على الترك عند التعارض، سيّما إذا كان الترك بالفعل الذي لا يعارض القول، سيّما في مقام الاستحباب الذي يجوز تركه و لو دائما، سيّما إذا كان موافقا لعمل أكثر العامّة، بل رؤسائهم كأبي حنيفة و مالك و الثوري «3»، بل الجميع في ذلك العهد، كما يستفاد من رواية يونس، سيّما إذا كان رواية الفعل متأخّرة عن الترك حيث إنّ رواية يونس عن الرضا عليه السلام و البواقي عن الصادق عليه السلام، و الأخذ بالأحدث من المرجّحات المنصوصة.

و منه ظهر أنّ أدلّة الاستحباب عن المعارض خالية، و لو سلّم فهي راجحة.

فترجيح المخالف بموافقة الشهرة و حكاية الإجماع ضعيف، كيف؟! مع أنّهما بنفسهما ليستا بحجّة، و الشهرة المرجّحة إنّما هي في الرواية، و هي هنا مفقودة، بل ليست إلّا الفتوى، و مع ذلك ليست هي أيضا إلّا المحكيّة.

و منها: وقوف المصلّي موقفه حتى ترفع الجنازة

، للشهرة، و روايات حفص «4»، و يونس «5»، و الرضوي «6».

و في الأخير: «و لا تبرح من مكانك حتى ترى الجنازة على أيدي الرجال».

و مقتضى إطلاقاتها شمول الحكم للإمام، و المأموم، و المنفرد.

______________________________

(1) التهذيب 3: 194- 444، الاستبصار 1: 478- 1853، الوسائل 3: 93 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 5.

(2) فقه الرضا «ع»: 177 و 183، مستدرك الوسائل 2: 247 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 1.

(3) انظر: بدائع الصنائع 1: 314، و بداية

المجتهد 1: 235.

(4) التهذيب 3: 195- 448، الوسائل 3: 94 أبواب صلاة الجنازة ب 11 ح 1.

(5) التهذيب 3: 318- 987، الوسائل 3: 65 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 10.

(6) فقه الرضا «ع»: 178، مستدرك الوسائل 2: 247 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 327

فلا يخصّص بالأوّل، كما عن الإسكافي و الشهيد «1»، من غير وضوح المستند.

نعم لو فرض صلاة جميع الحاضرين استثني منهم أقلّ ما يمكن به رفع الجنازة قطعا، و وجهه ظاهر.

و منها: كون المصلّين عليه كثيرا

، للشهرة، و أقربيّة دعائهم إلى الاستجابة، و رجاء مجاب الدعوة فيهم، و النبوي: «من صلّى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب» «2».

و استدلّ عليه أيضا بروايات لا تفيد أزيد من مطلوبيّة شفاعة أربعين رجلا من المؤمنين كما في الصحيح «3»، أو ممّن لا يشرك باللَّه، أو مائة كما في روايات عاميّة «4»، أو دعائهم له «5».

و هي أعمّ من المطلوب، و لكنّها لا بأس بها في مقام التسامح، سيّما مع عدم العلم بوقوع الدعاء غالبا إلّا مع الصلاة.

و لا يضرّ اختصاص العدد فيها، لأنّ رجاء حصول وصف الإيمان و عدم الشرك في العدد مع التجاوز أقرب.

و منها: الصلاة في المواضع المعتادة لذلك

، ذكره جملة من الأصحاب «6»، و علّلوه بأنّه ليكون طريقا إلى تكثير المصلّين، حيث إنّ السامع موته يقصدها للصلاة عليه فيها.

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي في الذكرى: 64، الشهيد في الذكرى: 64.

(2) كما في سنن أبي داود 3: 202- 3166، و سنن الترمذي 2: 246- 1033.

(3) انظر: الوسائل 3: 285 أبواب الدفن ب 90.

(4) انظر: صحيح مسلم 2: 654- 947 و 655- 949.

(5) انظر: الوسائل 3: 104 أبواب صلاة الجنازة ب 18.

(6) كصاحب المدارك 4: 182، و السبزواري في الذخيرة: 331، و صاحب الحدائق 10: 448.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 328

المسألة الحادية عشرة: تجوز صلاة الجنازة في المساجد كلّها، مع عدم العلم بإيجابها تلوّثها

، بلا خلاف أجده، و في الذخيرة: الظاهر أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب «1»، و نفى الريب عنه في المدارك «2».

لصحيحة الفضل: هل يصلّى على الميّت في المسجد؟ قال: «نعم» «3».

و نحوها موثّقته «4»، و رواية محمّد «5».

و لكنّها مكروهة مطلقا، وفاقا للأكثر، كما صرّح به في المدارك و الذخيرة و الحدائق «6»، للشهرة المحكيّة «7» الكافية في المقام، و رواية أبي بكر العلوي، و فيها- بعد إخراجه عن المسجد حيث أراد صلاة الجنازة فيه-: «يا أبا بكر، إنّ الجنائز لا يصلّى عليها في المسجد» «8».

و النبوي: «من صلّى على جنازة في المسجد فلا شي ء له» «9».

و ضعفهما- لو كان- لا يضرّ في مقام التسامح، سيّما مع الانجبار بالشهرة.

خلافا للمدارك، فنفى الكراهة مطلقا، للأصل، و ضعف الرواية «10».

و الجواب ظاهر.

______________________________

(1) الذخيرة: 332.

(2) المدارك 4: 182.

(3) الفقيه 1: 102- 473، التهذيب 3: 320- 992، الاستبصار 1: 473- 1829، الوسائل 3: 122 أبواب صلاة الجنازة ب 30 ح 1.

(4) التهذيب 3: 325- 1015، الوسائل 3: 122 أبواب صلاة الجنازة ب 30 ح 1.

(5)

التهذيب 3: 325- 1014، الاستبصار 1: 473- 1830، الوسائل 3: 122 أبواب صلاة الجنازة ب 30 ح 1.

(6) المدارك 4: 182، الذخيرة: 332، الحدائق 10: 448.

(7) انظر: الذخيرة: 332.

(8) الكافي 3: 182 الجنائز ب 53 ح 1، التهذيب 3: 326- 1016، الاستبصار 1:

473- 1831، الوسائل 3: 123 أبواب صلاة الجنازة ب 30 ح 2.

(9) سنن أبي داود 3: 207- 3191 بتفاوت يسير.

(10) المدارك 4: 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 329

و للمحكي عن الإسكافي، فخصّ الكراهة بالمساجد الصغار دون الجوامع «1».

و لعلّه لأنّ الجوامع من المواضع المعتادة.

و الإطلاق مع عدم نصّ على خصوص تلك المواضع، و استناد استحباب الصلاة فيها إلى علّة غير صالحة للتقييد، يردّه. و اللَّه أعلم.

______________________________

(1) حكاه عنه في الذكرى: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 330

البحث الرابع في سائر أحكامها
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: اختلفوا في تكرار الصلاة على الميّت الواحد:

فالمعظم على الجواز، إمّا مع الكراهة مطلقا، كما هو المشهور على ما ذكره في المختلف و غيره «1»، بل عن الغنية الإجماع عليه «2».

أو جماعة دون فرادى، كما عن الحلّي «3».

أو ممّن صلّى عليه مرّة خاصّة مطلقا، دون من لم يصلّ عليه، كما عن ظاهر الخلاف «4»، بل نسبه في الذكرى إلى ظاهرهم احتمالا «5».

أو منه بشرط أن لا يكون إماما كما في المدارك «6».

أو منه مطلقا أو مع منافاته للتعجيل أيضا، كما عن الشهيد الثاني «7».

أو الثاني و إذا خيف على الميّت أيضا، كما عن قول للفاضل «8».

أو إذا خيف عليه خاصّة، كما عن قول آخر له «9».

______________________________

(1) المختلف: 120، و انظر الحدائق 10: 449.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 564.

(3) السرائر 1: 360.

(4) الخلاف 1: 726.

(5) الذكرى: 55.

(6) المدارك 4: 185.

(7) روض الجنان: 310، قال فيه: و الظاهر أنّ المراد: من المصلّى الواحد أو مع منافاة التعجيل.

(8) حكاه عنه في روض الجنان: 310. فقيّد الكراهية بأمرين: منافاة التعجيل، و الخوف على الميّت.

(9) التذكرة 1: 51.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 331

و احتمل في الاستبصار استحبابه مطلقا «1».

و ظاهر شرح الإرشاد للأردبيلي عدم مشروعيّته كذلك «2».

و لا يخفى أنّ مقتضى الأصل الأخير.

و لا تدفعه عمومات الأمر بالصلاة مطلقا، أو بالصلاة على الميّت، أو إطلاقاتهما، لاختصاص الاولى بما ثبتت فيه الحقيقة الشرعيّة، و هو ذات الركوع و السجود. و الثانية بالواجبة المنتفية هنا إجماعا، لأنّه حقيقة الأمر، و لا يحضرني الآن عامّ أو مطلق صريح في مطلق الرجحان أو الجواز في صلاة الميّت.

و لا المستفيضة المتضمّنة لتكرار الصحابة الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم «3»، لأنّ المستفاد من أكثرها

أنّ المكرّر كان الدعاء لا التكبيرات المتخلّل بينها الأدعية، و أنّها وقعت من الأمير و أهل البيت خاصّة.

إلّا أنّه يندفع بما ورد في خصوص التكرار، كموثّقتي عمّار و يونس: الاولى:

«الميّت يصلّى عليه ما لم يوار بالتراب، و إن كان قد صلّي عليه» «4».

و الثانية: عن الجنازة لم أدركها حتى بلغت القبر، أصلّي عليها؟ قال: «إن أدركتها قبل أن تدفن فإن شئت فصلّ عليها» «5».

و الأخبار المستفيضة المشتملة على الصحيح المصرّحة بصلاة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام على سهل بن حنيف خمس صلوات، في كلّ صلاة خمس تكبيرات، صلّى عليه، ثمَّ مشى، ثمَّ وضعه، فصلّى عليه إلى تمام الخمس «6». و في

______________________________

(1) الاستبصار 1: 485.

(2) مجمع الفائدة 2: 453.

(3) انظر: الوسائل 3: 80 أبواب صلاة الجنازة ب 6.

(4) التهذيب 3: 334- 1045، الاستبصار 1: 484- 1874، الوسائل 3: 86 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 19.

(5) التهذيب 3: 334- 1046، الاستبصار 1: 484- 1875، الوسائل 3: 86 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 20.

(6) انظر: الوسائل 3: 80 أبواب صلاة الجنازة ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 332

بعضها: «أنّه كلّما أدركه الناس قالوا: يا أمير المؤمنين لم نصلّ على سهل، فوضعه، فكبّر عليه خمسا حتى صلّى عليه خمس مرّات» «1».

و الواردة في صلاة النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم على عمّه حمزة سبعين تكبيرة «2».

و أكثرها و إن كانت محتملة لغير المطلوب بأن يصلّي صلاة واحدة مشتملة على هذا العدد، إلّا أنّ في المروي في العيون و صحيفة الرضا عليه السلام: أنّه كبّر على حمزة أوّلا خمس تكبيرات، ثمَّ شركه مع كلّ شهيد يصلّي عليه بعده حتى تمَّ العدد «3».

و مع هذه

الأخبار المعتضدة بغاية الاشتهار بل الإجماع لا ينبغي الريب في المشروعية و الجواز.

و لا تنافيه روايتا وهب و إسحاق: الاولى: «إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم صلّى على جنازة، فلما فرغ جاء أناس فقالوا: يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم- لم ندرك الصلاة عليها، فقال: لا يصلّى على جنازة مرّتين، و لكن ادعوا له» «4».

و نحوها الثانية «5».

و المروي في قرب الإسناد: «إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم صلّى على جنازة، فلمّا فرغ جاءه قوم لم يكونوا أدركوها، فسألوا الرسول أن يعيد الصلاة

______________________________

(1) الكافي 3: 186 الجنائز ب 56 ح 3، الفقيه 1: 101- 470، التهذيب 3: 197- 455، الوسائل 3: 81 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 5.

(2) كما في الوسائل 3: 80 أبواب صلاة الجنازة ب 6.

(3) عيون أخبار الرضا «ع» 2: 45- 167، الوسائل 3: 82 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 7.

(4) التهذيب 3: 332- 1040، الاستبصار 1: 485- 1879، الوسائل 3: 87 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 24.

(5) التهذيب 3: 324- 1010، الاستبصار 1: 484- 1878، الوسائل 3: 87 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 333

عليها، فقال لهم: قد قضيت الصلاة عليها، و لكن ادعوا لها» «1».

لعدم صراحتها في الحرمة أو عدم المشروعيّة- لمكان الجملة الخبريّة- و عدم منافاة قضاء الصلاة لجواز صلاة أخرى، فيحتمل الحمل على الكراهة.

و الإيراد:

بأنّ الكراهة بالمعنى المصطلح هنا- لكونها عبادة قطعا- منفيّة.

و بمعنى أقلّية الثواب أو المرجوحيّة الإضافية غير ممكنة، إذ ليس ما يضاف إليه إلّا الفرد الآخر من هذه الطبيعة أي الصلاة على الميّت

الذي لم يصلّ عليه، و لا معنى للنهي عن عبادة و تفويتها لقلّة ثوابها و مرجوحيّتها بالنسبة إلى غيرها الذي فات و لا تحقّق له.

مدفوع:

بأنّه لا يجب أن يكون المضاف إليه فردا من هذه الطبيعة، بل يمكن أن يكون من غيرها ممّا لا يمكن اجتماعها مع المضاف و هو هنا التعجيل، فيمكن أن يكون المراد بيان ترجيحه على التكرار، فينبغي التقديم عليه لو كان سببا لتفويته كما هو الأغلب.

و من هنا ظهر مستند الكراهة أيضا، و إطلاقه يقتضي الكراهة مطلقا، كما هو المشهور، فهي الحقّ المنصور.

و لا يضرّ اختصاص المورد بمن لم يدرك الصلاة، لأنّ العبرة بعموم الجواب لا خصوص السؤال. مع أنّه لا قائل بالفرق بهذا النحو، فيدلّ على الكراهة لمن صلّى، بالإجماع المركّب، بل بدلالة الفحوى.

و لا ينافيها ما مرّ من فعل النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم و الولي مع جنازة حمزة و سهل، لأنّ الفعل لا يعارض القول. مع أنّه لا معارضة هنا، لجواز ارتكابهما المكروه بهذا المعنى قطعا و لو خمس مرّات، بل ألف مرّة، لعدم محذور فيه بالمرّة، سيّما مع احتمال وجود أمر هناك يوجب إحراز ثواب و رجحان أكثر ممّا يفوّته التكرار، من إظهار شرف شخص معيّن، أو استمالة قلب أهله، أو ترغيب الغير إلى التشبّه به، أو مكافاة لسعي منه، أو غير ذلك.

______________________________

(1) قرب الإسناد: 88- 293، الوسائل 3: 84 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 334

و لذا استدلّ بعضهم به لانتفاء الكراهة في مثل حمزة و سهل ممّن له مزيّة.

و لكنّه يضعّف بأنّه إنّما يتمّ لو علم أنّ العلّة مطلق المزيّة، و هو غير معلوم، بل ظاهر

بعض الروايات في سهل أنّه لمزايا خاصّة، حيث علّله بكونه جامعا لمناقب خمسة «1».

دليل المخالف:

للأوّل:

تكرار الصحابة صلاة النبي فرادى.

و فيه مع ما مرّ:

أنّ الانفراد غير معلوم، بل المذكور في الأخبار أنّه كلّما دخل قوم صلّوا عليه، أو صلّوا عليه فوجا فوجا، أو عشرة عشرة، مع أنّ صلاة حمزة و سهل كانت جماعة البتة.

و للثاني:

اختصاص روايتي الجواز «2»- ظاهرا كاولاهما، أو صريحا كثانيتهما- بمن لم يصلّ، فبهما يقيّد إطلاق روايات المنع الدالّة على الكراهة، أو المحمولة عليها للاتّفاق على الجواز.

و فيه،

مع منع ظهور اولى الروايتين فيمن لم يصلّ، و خروج من صلّى في الجملة أيضا بروايات تكرار الصلاة على حمزة و سهل، و عدم معارضة بين الجواز و الكراهة، أنّ دلالة روايات المنع على كراهة صلاة من لم يصلّ صريحة غير قابلة للتخصيص بغيرها، إلّا أن يقال بتعارض روايتي الجواز مع روايات المنع فيمن لم يصلّ، فلا يحكم فيه بالجواز، فيرجع فيه إلى دليل آخر، و هو انتفاء الزائد عن الكراهة بالإجماع، و تبقى الكراهة فيمن صلّى خالية عن المعارض، فيجاب حينئذ بغير الأخير من الأجوبة الثلاثة السابقة عليه.

و للثالث:

ما مرّ بإخراج الإمام بروايات صلاة سهل.

و جوابه يظهر ممّا مرّ.

و للثلاثة المتعقّبة له:

إخراج المخوف عليه من الأموات أو المنافية للتعجيل

______________________________

(1) انظر: الوسائل 3: 86 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 18.

(2) و هما موثقّتا عمّار و يونس، راجع ص 331.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 335

من الصلاة، عن روايات الجواز أيضا، بأدلّة استحباب رفع الخوف عليه و التعجيل في أمره «1».

و جوابه ظاهر.

و للسابع:

ظاهر الجملة الخبريّة في روايتي الجواز، و عمل النبي و الولي.

و يردّ:

بعدم صراحة الجملة فيهما في الرجحان، فلعلّ مجازها الجواز، سيّما الجواز

في هذا المقام المتضمّن للرجحان في الترك. و عدم معلومية الوجه في عمل الحجّتين، فلعلّه أمر لا يجري في غير الموردين.

و للثامن:

ضعف روايات الطرفين، فتبقى أصالة عدم مشروعية الزائد عن المجمع عليه، و هو القدر الواجب كفاية.

و انتفاء الوجوب له قطعا، و الاستحباب إجماعا، و الإباحة و الكراهة المصطلحة عقلا، و بمعنى المرجوحيّة الإضافية شرعا، لتوقّفها على وجود بدل شرعي له من أفراد طبيعته، فلم يبق إلّا الحرمة.

و يردّ الأوّل:

بمنع ضعف الروايات أوّلا، و عدم ضيره بعد الانجبار ثانيا.

و الثاني:

بمنع انتفاء مطلق الاستحباب، بل هو ثابت إجماعا و إن كان أقلّ ثوابا ممّا يقارنه غالبا- و هو التعجيل- و هو معنى الكراهة في المقام.

المسألة الثانية: من أدرك مع الإمام بعض التكبيرات و فاته البعض دخل معه في الصلاة عليه، و أتمّ ما بقي منها
اشارة

، بلا خلاف بين العلماء كما عن المنتهى «2»، بل بالإجماع كما عن الخلاف «3» للمستفيضة من الصحاح و غيرها، منها: صحيحة الحلبي: «إذا أدرك

______________________________

(1) انظر: الوسائل 2: 471 أبواب الاحتضار ب 47.

(2) المنتهى 1: 455.

(3) الخلاف 1: 725.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 336

الرجل التكبيرة و التكبيرتين من الصلاة على الميّت فليقض ما بقي منها متتابعا» «1».

و العيص: عن الرجل يدرك من الصلاة على الميّت تكبيرة، قال: «يتمّ ما بقي» «2».

و قريبة منها رواية زيد الشحام «3».

و رواية خالد القلانسي: في الرجل يدرك مع الإمام في الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين، فقال: «يتمّ التكبير و هو يمشي معها، فإذا لم يدرك التكبير كبّر عند القبر، فإن كان أدركهم و قد دفن، كبّر على القبر» «4».

و جابر: أرأيت إن فاتتني تكبيرة أو أكثر، قال: «تقضي ما فاتك» قلت:

أستقبل القبلة؟ قال: «بلى و أنت تتبع الجنازة» «5».

و الرضوي: «إذا فاتك مع الإمام بعض التكبير و رفعت الجنازة فكبّر عليها تمام الخمس و

أنت مستقبل القبلة» «6».

و المروي صحيحا في كتاب المسائل لعلي: عن رجل يدرك تكبيرة أو اثنتين على ميّت كيف يصنع؟ قال: «يتمّ ما بقي من تكبيرة و يبادره دفعة، و يخفّف» «7».

و لا تنافيها رواية إسحاق بن عمّار: «إنّ عليا عليه السلام كان يقول: لا

______________________________

(1) الفقيه 1: 102- 471، التهذيب 3: 200- 463، الاستبصار 1: 482- 1865، الوسائل 3: 102 أبواب صلاة الجنازة ب 17 ح 1.

(2) التهذيب 3: 199- 461، الاستبصار 1: 481- 1861، الوسائل 3: 102 أبواب صلاة الجنازة ب 17 ح 2.

(3) التهذيب 3: 200- 464، الاستبصار 1: 481- 1863، الوسائل 3: 102 أبواب صلاة الجنازة ب 17 ح 3.

(4) التهذيب 3: 200- 462، الاستبصار 1: 481- 1862، الوسائل 3: 103 أبواب صلاة الجنازة ب 17 ح 5.

(5) التهذيب 3: 325- 1012، الاستبصار 1: 484- 1877، الوسائل 3: 103 أبواب صلاة الجنازة ب 17 ح 4.

(6) فقه الرضا «ع»: 179، مستدرك الوسائل 2: 274 أبواب صلاة الجنازة ب 15 ح 1.

(7) مسائل علي بن جعفر: 117- 53، الوسائل 3: 140 أبواب صلاة الجنازة ب 17 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 337

يقضى ما سبق من تكبيرة الجنائز» «1».

لاحتمال إرادتها نفي الوجوب. و هو كذلك، لانتفاء وجوب أصله بعد سبق الغير إلى الصلاة.

مع أنّها- على ما في أكثر النسخ- ليست نصّا في المسألة، لجواز كون فعل النفي مبنيّا للمفعول و «سبق» مبنيّا للفاعل، دون العكس كما هو الظاهر لو حملت الرواية على المسألة.

و على هذا، فإمّا أن يكون مراده عليه السلام ذكر أنّ ما سبق من صلوات الجنائز على الأموات قبل أيّام خلافته بالتكبيرات الأربع كما يفعله المخالفون، أو بدون إذن

الولي لتقيّة و نحوه لا يقضى، بل يكتفى بما سبق، أو يكون مراده أنّ صلاة الجنائز ليست كسائر الصلوات، حيث يقضي إذا ظهر الخلل فيها بعد انقضائها في الجملة، بل ما سبق لا يقضى أصلا.

نعم ما في بعض النسخ الآخر من قوله: «ما بقي» مكان قوله: «ما سبق» يكون صريحا في المسألة.

مضافا إلى أنّه مع التعارض أيضا فالترجيح لما تقدّم بالاشتهار رواية و فتوى، و الأصحيّة سندا.

و حملها على إرادة نفي الدعاء- كما عن التهذيبين «2»- بعيد جدّا.

ثمَّ إنّهم ذكروا كما قيل: أنّه يأتي بالتكبيرات الباقية متتابعة أي من غير تخلّل الدعاء بينها، في صورة إيجاب الاشتغال بالدعاء حصول المنافي من بعد الميّت، أو الانحراف عنه، أو عن القبلة. و استدلّوا له بإطلاق الصحيحة الاولى.

و اختلفوا في صورة التمكّن منه بدون المنافي، فقال في الشرائع و النافع و الإرشاد و الذخيرة و الحدائق و غيرها بالتتابع حينئذ أيضا «3»، لإطلاق الصحيحة.

______________________________

(1) التهذيب 3: 200- 465، الاستبصار 1: 481- 1864، الوسائل 3: 103 أبواب صلاة الجنازة ب 17 ح 6.

(2) التهذيب 3: 200، الاستبصار 1: 482.

(3) الشرائع 1: 107، النافع: 41، الإرشاد 1: 263، الذخيرة: 336، الحدائق 10: 464.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 338

و عن الفاضل في بعض كتبه «1»، و الذكرى و روض الجنان و الروضة «2»:

تخصيص التتابع بالصورة الاولى، و نسبه في البحار إلى الأكثر، حيث قال: و قال الأكثر: إن أمكن الدعاء يأتي بأقلّ المجزي، و إلّا يكبّر ولاء من غير دعاء «3».

انتهى.

قيل:

لعموم ما دلّ على وجوب الدعاء، خرج منه صورة الضرورة بالنصّ و الإجماع «4».

و ردّ:

بأنّ الوجوب كفائي إجماعا، فلا تشمل أدلة الوجوب لموضع النزاع.

و أجيب عنه:

بأنّ هذا يتمّ لو

كان متعلّق الوجوب الكفائي هو نفس الدعاء لا الصلاة. و ليس كذلك بل المتعلّق هو الصلاة، و ليس الكلام فيها، بل في وجوب الدعاء، و هو في حقّ من دخل في الصلاة عيني، للأمر به الذي هو حقيقة فيه، و لا إجماع على كفائيّته «5».

و فيه:

منع عينيّة وجوب الدعاء على من دخل في الصلاة.

قوله:

للأمر به.

قلنا:

إن أريد به الأمر المتعلّق به بعد دخوله في الصلاة بخصوصه من غير اشتمال على الأمر بالدخول في الصلاة، فليس هناك أمر كذائي. و إن أريد الأمر المتعلّق به في ضمن ما تضمّن الأمر بالدخول في التكبير و بعد الأمر به، فشموله لمثل ذلك الشخص يتوقّف على حمل الأمر الأوّل بالتكبير على الوجوب و الاستحباب أو مطلق الرجحان، و الأوّل غير جائز، و الثاني مجاز، و هو ليس بأولى من تخصيص ذلك الأمر و ما بعده- من الأمر بالدعاء و التكبيرات الباقية- بالصلاة

______________________________

(1) كالتذكرة 1: 51.

(2) الذكرى: 63، الروض: 313، الروضة 1: 142.

(3) البحار 78: 363.

(4) الرياض 1: 208.

(5) الرياض 1: 208.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 339

الأولى، أي: نفس الصلاة الغير المسبوقة بغيرها.

إلّا أن يقال بمنع سقوط الوجوب الكفائي ما لم تتمّ الصلاة الأولى، فالأمر الأوّل باق على حقيقته التي هي الوجوب، و شامل لمثل هذا الشخص أيضا، و كذا باقي الأوامر، خرج منها من أدرك الجنازة بعد تمام الصلاة. و الحاصل: أنّ الأوامر مطلقة شاملة للكل، فيجب على الجميع، و المسلّم سقوطه إنّما هو عمّن لم يدخل الصلاة إلّا بعد تمام صلاة.

و يجاب حينئذ: بأنّ عموم ما دلّ على وجوب الصلاة الشامل للدعاء أيضا- كما مرّ- معارض بعموم الصحيحة الآمرة بالتتابع، بالعموم و الخصوص من وجه. فكما يمكن

تخصيص الثاني بغير حال الضرورة، يمكن تخصيص الأوّل بغير مثل ذلك الشخص، و لا ترجيح.

و منع العموم في الصحيح، بل غايته الإطلاق المنصرف إلى صورة عدم التمكّن من الدعاء كما هو الغالب.

مردود أوّلا: بدلالته على العموم عرفا و إن كان فيها كلام لغة.

و ثانيا: بورود مثل ذلك في الأوّل أيضا، لأنّه أيضا مطلق فينصرف إلى غير من دخل في الأثناء كما هو الغالب.

و ثالثا: بمنع غلبة عدم التمكّن من الدعاء المخفّف، سيّما إذا أدرك تكبيرتين أو ثلاثا.

بل لنا أن نقول بكون التعارض بالعموم المطلق، و أنّ الصحيحة أخصّ مطلقا، لاختصاصها بالداخل في الأثناء، و أعميّة العمومات. و أخصيّتها إنّما هي لو سلّمنا الإجماع على خروج صورة الضرورة منها، و هو غير ثابت. بل نقول: إنّ وجوب الاستقبال و عدم انحراف الميّت و نحوهما، إنّما كان ثبوته بالإجماع، و تحقّقه بالنسبة إلى الجميع- حتى في موضع يوجب ترك الدعاء الواجب بالأخبار، و في موضع رفعت الجنازة في الأثناء- غير مسلّم، فخصوصيّة العمومات ممنوعة، و لازمة تخصيصها بالصحيحة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 340

إلّا أنّه يمكن أن يقال بعدم معارضة الصحيحة للعمومات أصلا، لأنّها إنّما هي إذا أرجعنا الضمير في قوله: «منها» إلى التكبيرة و هو ممنوع، بل يحتمل رجوعه إلى الصلاة، بل هو الأولى، للأقربيّة، فيكون المأمور به إتمام ما بقي من الصلاة متتابعا أي: من غير فصل خارجي، و لعلّ تقييده لدفع توهّم جواز تأخير الباقي بعد رفع الجنازة إلى استقرارها، فيكون هذا قريبا من المعنى المصرّح به في سائر الأخبار من الإتمام ماشيا و تابعا للجنازة.

و ربّما يشعر بإرادة هذا المعنى قوله في الصحيحة المرويّة عن المسائل: «يبادره دفعة و يخفّف» «1».

بل يمكن

أن يكون المعنى: حال كونه- أي المصلّي- متتابعا للجنازة، فيتّحد مع باقي الأخبار معنى.

و على هذا، فيكون القول الثاني هو الأقوى، و تؤكّده رواية القلانسي السابقة «2» حيث إنّه لو وجب الولاء في التكبيرات كما هو مقتضى الصحيحة- لو حملت على هذا المعنى- لم يبلغ الحال إلى المشي خلف الجنازة قطعا.

فرعان:
أ: هل يدعو هذا الشخص بعد التكبير الذي أدركه مع الإمام دعاء الإمام،

و يدعو فيما بقي بما هو وظيفة هذا التكبير و لو أوجب التكرار، استحبابا أو وجوبا، على اختلاف القولين؟.

أو يدعو فيما أدركه دعاء الإمام و فيما بقي ما فاته من الدعاء؟.

أو يدعو في كلّ تكبير بما هو وظيفته و لو أوجب عدم متابعة الإمام فيه؟.

الظاهر- كما صرّح به في المنتهى من غير نقل خلاف فيه «3»- الأخير،

______________________________

(1) راجع ص 336.

(2) في ص 336.

(3) المنتهى 1: 456.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 341

لعمومات توظيف الأدعية، و عدم ثبوت وجوب متابعة الإمام في المقام.

ب: مقتضى رواية القلانسي أنّه لو رفعت الجنازة و قبل الإتمام يمشي معها،

و يتمّ، و مقتضى الروايتين المتعقّبتين لها أنّه يتمّها مستقبل القبلة. فلو أمكن الجمع بينهما فلا إشكال، و إلّا فالظاهر ترجيح المشي مع الجنازة مواجهتها.

المسألة الثالثة: لا يتحمل الإمام في هذه الصلاة شيئا من التكبيرات و لا الأذكار

، و الظاهر الإجماع عليه كما قيل أيضا، و هو أيضا مقتضى الأصل.

نعم تجب متابعته في التكبيرات، اتّباعا لظاهر الإجماع، و تحقيقا لمعنى الاقتداء.

و لو سبق بتكبيرة أو أزيد سهوا أو ظنا أنّ الإمام قد كبّر لم تبطل الصلاة، للأصل، و الإجماع.

و قالوا باستحباب الإعادة مع الإمام «1».

و لا بأس بالقول به، لقولهم، و إلّا فلا دليل عليه. و الحمل على السبق في الركوع و السجود قياس باطل.

و لو سبق عمدا قيل: يأثم و يستمرّ حتى يلحقه الإمام «2». و استجود في المدارك وجوب إعادة التكبير مع الإمام، و احتمل بطلان الصلاة أيضا «3». و لا وجه له، إذ غايته النهي عنه، و لم يثبت بطلان هذه الصلاة بمثله.

المسألة الرابعة: النقيصة في التكبيرات الخمس تبطل الصلاة و لو سهوا

، لعدم صدق الامتثال. إلّا أن يتداركها قبل بطلان الصورة.

و الزيادة لا تبطلها مطلقا، للخروج عن الصلاة بالخامسة.

و لو شكّ في عدد التكبيرات بنى على الأقلّ، للأصل. و لو أتى به ثمَّ تذكّر

______________________________

(1) كما في الشرائع 1: 107، و التذكرة 1: 52.

(2) الذكرى: 63.

(3) المدارك 4: 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 342

سبقه لم يضرّ.

المسألة الخامسة: لو دفن من تجب الصلاة عليه بغير صلاة تجب الصلاة عليه في القبر

، ما دام الميّت باقيا و لو استصحابا، بحيث لو كان على تلك الحال خارجا يصلّى عليه، فيصلّى على قبره كما كان يصلّى على جنازته، وفاقا لجماعة منهم المحقّق الأردبيلي، و الفاضل السبزواري «1».

لاستصحاب الوجوب.

و أصالة عدم تقييده و اشتراطه بما قبل الدفن.

و أصالة جواز التأخير عنه. و لا تعارضها أصالة عدم الوجوب بعده، لمعارضتها مع أصالة عدم الوجوب قبله بخصوصه أيضا.

و لعمومات وجوب الصلاة عليه السالمة عن مكاوحة ما يصلح للمعارضة و الاستثناء.

و أمّا بعض الأخبار التي يتوهّم منافاته لها، كموثّقتي عمّار و يونس، المتقدّمتين في المسألة الاولى «2»، و موثّقتي عمّار و مرسلة ابن أسلم، المتقدّمة في المسألة الثامنة من البحث السابق «3»، و رواية ابن ظبيان: «نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم أن يصلّى على قبر، أو يقعد عليه» «4».

فليس كذلك، لعدم التعارض.

أمّا الاولى،

فلأنّ مفهومها أنّه لا يصلّى عليه مطلقا أي حتى و إن كان قد صلّي عليه بعد الدفن، لا أنّه لا يصلّى عليه أصلا. مع أنّه لا دلالة له على الحرمة في الأوّل أيضا، لجواز إرادة انتفاء الرجحان المطلق، حيث إنّه يكره تكرار

______________________________

(1) مجمع الفائدة 2: 450، كفاية الأحكام: 22.

(2) راجع ص 331.

(3) راجع ص 315.

(4) التهذيب 1: 461- 1504، التهذيب 3: 201- 469، الاستبصار 1: 482- 1869، المقنع:

21، الوسائل

3: 105 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 343

الصلاة.

و أمّا الثانية،

فلظهور قوله فيها: «لم أدركها» في وقوع الصلاة عليها أوّلا، و لذا علّق الصلاة ثانيا على المشيّة، فهي أيضا كسابقتها تنفي تكرار الصلاة بعد الدفن. و مع ذلك فغايتها نفي ضرب من الاستحباب، إذ المراد بقوله: «صلّ» ليس حقيقته- للتعليق المذكور- و مجازه كما يمكن أن يكون مطلق الاستحباب، يمكن أن يكون تأكده.

و أمّا الثالثة،

فلدلالتها على كفاية الصلاة مقلوبا إذا علم بعد الدفن، و هو لا يدلّ على عدم وجوبها لو لم يصلّ عليه أصلا.

و أمّا الرابعة،

فلأنّ غايتها رجحان كون الصلاة قبل الدفن، و أين هو من سقوطها لو لم يصلّ عليه؟ بل وجوب التقدّم أيضا بدليل لا يدلّ على سقوطها لو لم يتقدّم.

و منه يظهر عدم دلالة الخامسة أيضا.

و أمّا السادسة،

فلأنّها إنّما هي في إقامة الصلاة عند القبور لا صلاة الميّت.

نعم هنا روايتان، ظاهرهما التعارض:

إحداهما:

قوله في ذيل الخامسة: قلت: و لا يصلّون عليه و هو مدفون؟

إلى آخره.

و الثانية:

صحيحة زرارة و محمّد: «الصلاة على الميّت بعد ما يدفن إنّما هو الدعاء» قلت: فالنجاشي لم يصلّ عليه النبي؟ قال: « [لا] إنّما دعا له» «1».

و ظاهر أنّهما لا تصلحان لمعارضة ما مرّ، لشذوذهما جدّا، لدلالتهما على المنع مطلقا، و لا قائل به من الأصحاب، و إن حكي عن بعضهم القول به محدودا بحدّ

______________________________

(1) التهذيب 3: 202- 473، الاستبصار 1: 483- 1873، الوسائل 3: 105 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 344

يأتي ذكره.

و مع ذلك فهما موافقتان للمحكي عن أبي حنيفة «1»، و على فتاواه أكثر العامّة، و معارضتان لأكثر منهما من المعتبرة

الدالّة على جواز الصلاة بعد الدفن، و أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم صلّى بعده.

كرواية القلانسي المتقدّمة «2».

و صحيحة هشام: «لا بأس أن يصلّي الرجل على الميّت بعد ما يدفن» «3».

و رواية مالك: «إذا فاتتك الصلاة على الميّت حتى يدفن فلا بأس بالصلاة عليه و قد دفن» «4».

و عمرو بن جميع: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم إذا فاتته الصلاة على الميّت صلّى على القبر» «5».

و روي: أنّ النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم صلّى على قبر مسكينة دفنت ليلا «6».

و الرضوي: «فإن لم يلحق الصلاة على الجنازة حتى يدفن الميّت فلا بأس أن يصلّي بعد ما دفن» «7».

و الترجيح لها، للأشهريّة رواية، و الأبعديّة عن فتاوى العامّة، و الاعتضاد بعمل الطائفة، و به يثبت الجواز، و هو أيضا دليل آخر على الوجوب بضميمة

______________________________

(1) بداية المجتهد 1: 238.

(2) في ص 336.

(3) التهذيب 1: 477- 1530، التهذيب 3: 200- 466، الاستبصار 1: 482- 1866، الوسائل 3: 104 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 1.

(4) الفقيه 1: 103- 475، التهذيب 3: 201- 467، الاستبصار 1: 482- 1867، الوسائل 3: 104 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 2.

(5) الفقيه 1: 103- 476، التهذيب 3: 201- 468، الاستبصار 1: 482- 1868، الوسائل 3: 105 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 3.

(6) انظر: سنن النسائي 4: 40.

(7) فقه الرضا «ع»: 179، مستدرك الوسائل 2: 274 أبواب صلاة الجنازة ب 16 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 345

الإجماع المركّب.

هذا مع احتمال حملهما على معنى آخر، بأن يكون السؤال في ذيل الخامسة عن جواز تقديم دفن من ذكر على الصلاة

اختيارا، فيكون المراد أنّه هل يجوز أن يدفن أوّلا ذلك الشخص، ثمَّ يصلّى عليه؟ فيكون المنع متعلّقا به، و لا يثبت المنع عن الصلاة لو دفن أوّلا اضطرارا، بل و لا اختيارا. و يجري ذلك المعنى في مرسلة أخرى لابن أسلم لا تتضمّن الصدر المذكور أيضا «1»، إذ الظاهر اتّحاد الروايتين.

و يكون قوله: «بعد ما يدفن» في الصحيحة خبرا للصلاة، و يكون قوله:

«إنّما هو» علّة له، يعنى: إنّ الصلاة تكون بعد الدفن، لأنّ صلاة الميّت دعاء، يجوز في كلّ وقت، و صلاة النبي أيضا لم تكن إلّا هذه الصلاة دون الصلاة الحقيقيّة.

و الإيراد بأنّ اختصاص الصلاة بما بعد الدفن ممّا لم يقل به أحد، مشترك، إذ اختصاص ما بعد الدفن بالدعاء الخالي عن التكبير، و عدم جواز غيره أيضا كذلك، و التأويل يجري على المعنيين.

و منه يظهر وجه ما ذكرنا من سلامة العمومات المذكورة عن المعارض، مع أنّه لو سلّمت المعارضة، فتكون بالعموم من وجه، فلو لا ترجيح العمومات بما ذكرنا في مورد التعارض و هو: من لم يصلّ عليه حتى يدفن، لوجب الرجوع إلى الاستصحاب، و مقتضاه أيضا وجوب الصلاة على من لم يصلّ عليه، و تخصيص الروايتين و ما بمعناهما- لو كان- بمن صلّي عليه.

مع أنّهما فيه أيضا معارضتان بما مرّ، و الترجيح له كما عرفت. بل لو لا الترجيح أيضا لكان المرجع استصحاب الجواز، و إن كان مع الكراهة كما مرّ.

فالحقّ الجواز له أيضا مطلقا، كما عن علي بن بابويه و العماني «2». و قرّبه الشهيد في

______________________________

(1) التهذيب 3: 201- 471، الاستبصار 1: 483- 1871، الوسائل 3: 106 أبواب صلاة ب 18 ح 8.

(2) حكاه عن علي بن بابويه في الذخيرة: 333،

و عن العماني في المختلف: 120.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 346

البيان «1»، و اختاره في الذخيرة «2»، بل هو ظاهر المحكي عن المعتبر و المنتهى «3».

خلافا في الأوّل «4» للأخيرين و المدارك، فقالوا بعدم الوجوب «5»، و إن جوّزوها لوجه اعتباري لا وجه له.

و في الثاني «6» للمحكي عن المختلف، فمنع عنه مطلقا «7»، و لعلّه للجمع بين أخبار الجواز و روايات المنع بتخصيص الثانية بمن صلّي عليه.

و هو كان حسنا، لو كان له شاهد. مع أنّه غير جار في رواية القلانسي «8»، لتصريحها بصلاة الجماعة عليه. بل- كما قيل «9»- في غيرها أيضا، لتبادر صورة الصلاة عليه منها.

و عن الشيخين و القاضي و الحلّي و الكيدري و ابني حمزة و زهرة و الشرائع و الإرشاد «10»، و غيرها، بل الأكثر كما في الذخيرة و المدارك، و عن الذكرى و الروضة «11»، فقيّدوا الجواز بيوم و ليلة، بل ظاهر بعض هؤلاء شمول التحديد لمن لم يصلّ عليه أيضا.

______________________________

(1) البيان: 77.

(2) الذخيرة: 333.

(3) المعتبر 2: 358، المنتهى 1: 449.

(4) أي: الصلاة بعد الدفن على من لم يصلّ عليه.

(5) المنتهى 1: 450، المعتبر 2: 358، المدارك 4: 188.

(6) أي: الصلاة بعد الدفن على من صلّي عليه.

(7) المختلف: 120.

(8) المتقدمة في ص 336.

(9) الرياض 1: 207.

(10) المفيد في المقنعة 231، الطوسي في النهاية: 146، القاضي في المهذب 1: 132، الحلي في السرائر 1: 360، حكاه عن الكيدري في الذكرى: 55، ابن حمزة في الوسيلة: 120، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 564، الشرائع 1: 107، الإرشاد 1: 262.

(11) الذخيرة: 333، المدارك 4: 187، الذكرى: 55، الروضة: 1: 142 و فيها: على أشهر القولين.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 6، ص: 347

و عن الديلمي فقيّده بثلاثة أيّام «1».

و عن الإسكافي فيما لم تتغيّر صورته «2».

و في المدارك، فنفى البعد عن التقدير بيوم الدفن «3».

و لا مستند لشي ء منها كما اعترف به في المعتبر و المنتهى لغير الأخير «4»، مع أنّه يحتمل أن يكون مرادهم تحديد الجواز الخالي عن الكراهة و يكون بعده مكروها، فلا يكون لهم خلاف في أصل الجواز.

إلّا أنّ الظاهر من إثباتهم الكراهة للتكرار مطلقا أوّلا، ثمَّ تحديدهم الجواز بذلك أنّهم يحرّمونه بعده.

و لذا نسب جماعة «5» إليهم بعده الحرمة، و أثبت بعضهم لأجل ذلك لها بعده الشهرة «6».

و كيف كان فعدم المستند يردّه، و الجمع بين الأخبار به فرع شاهد عليه.

و قد يجمع بينها بحمل أخبار الجواز على مجرّد الدعاء بشهادة صحيحة زرارة المتقدّمة و غيرها.

و هو كان حسنا لو كانت مقاومة لما مرّ، و قد عرفت عدمها، فاللازم طرحها، أو حملها على ما ذكرنا من المحامل، أو على مرتبة من الكراهة.

المسألة السادسة: لو حضرت جنازة في أثناء الصلاة على الأخرى

، فعن

______________________________

(1) المراسم: 80.

(2) حكاه عنه في المختلف: 120.

(3) المدارك 4: 188.

(4) المعتبر 2: 359، المنتهى 1: 450.

(5) منهم صاحب المدارك 4: 187، و الآقا جمال الخوانساري في الحواشي على الروضة: 123، و صاحب الحدائق 10: 459.

(6) كما في الرياض 1: 208. و مرجع الضمير في «لها» الحرمة، و في «بعده» التحديد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 348

الصدوقين و الشيخ و الفاضلين «1»، بل- كما قال جماعة «2»- هو المشهور: أنّه يتخيّر المصلّي بين إتمام الصلاة على الاولى و استينافها للثانية، و بين قطع الاولى و الصلاة عليهما معا.

و عن الإسكافي «3» تخييره بين أن يجمع بينهما بأن يتمّ على الثانية خمسا مشتركا معها الاولى في الجميع

فتزيد تكبيرات الاولى عن الخمس، و بين أن يتم الخمس للأولى مشتركا للثانية معها فيما بقي، ثمَّ يومئ برفع الاولى، و يتمّ ما بقي إلى الخمس للثانية، و هو المحكي عن ظاهر التهذيبين «4»، بل عن جماعة من المتأخرين «5».

احتج للأوّل تارة بصحيحة علي: في قوم كبّروا على جنازة تكبيرة أو تكبيرتين، و وضعت معها اخرى، قال: «إن شاؤوا تركوا الاولى حتى يفرغوا من التكبير على الأخيرة، و إن شاؤوا رفعوا الاولى و أتمّوا التكبير على الأخيرة» «6».

و اخرى بالرضوي المنجبر ضعفه بدعوى الشهرة: «و إن كنت تصلّي على الجنازة و جاءت الأخرى، فصلّ عليهما صلاة واحدة خمس تكبيرات، و إن شئت استأنفت على الثانية» «7».

و للثاني بالصحيحة.

و في الكلّ نظر: أمّا الأخير فلأنّه إنّما يتم لو لم يتعيّن المصلّى عليه بالنيّة،

______________________________

(1) الصدوق في المقنع: 21، و حكاه عن والده في الذكرى: 63، الشيخ في النهاية: 147، المحقق في المعتبر 2: 360، العلامة في المنتهى 1: 458.

(2) كصاحب الحدائق 10: 467، و صاحب الرياض 1: 209.

(3) حكاه عنه في الذكرى: 64.

(4) التهذيب 3: 316، الاستبصار 1: 474.

(5) كالشهيد في الذكرى: 63، و المجلسيّين في روضة المتقين 1: 432، و البحار 78: 364، فراجع.

(6) الكافي 3: 190 الجنائز ب 59 ح 1، التهذيب 3: 327- 1020، الوسائل 3: 129 أبواب صلاة الجنازة ب 34 ح 1.

(7) فقه الرضا «ع»: 179، مستدرك الوسائل 2: 285 أبواب صلاة الجنازة ب 29 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 349

و إلّا- كما هو الواقع- فيمكن أن يكون معنى الفقرة الاولى: إن شاؤوا تركوا الأولى باقية في مكانها بعد تمام الصلاة عليها حتى يصلّى على الأخيرة إمّا صلاة مستأنفة،

كما هو أحد الاحتمالين، أو منضمّة بعضها مع ما بقي من الاولى فتشترك الثانية مع الاولى فيما بقي منها، و لا تشترك الاولى مع الثانية فيما زيد لها، كما هو الاحتمال الآخر.

و مع ذلك يمكن أن يكون المراد بإتمام التكبير على الأخيرة استئناف الصلاة لها، لا ضمّ الباقي مع ما أدركته من الاولى، فيكون المراد من الصحيحة التخيير بين رفع الاولى و تركها بعد إتمام صلاتها.

و منه يظهر وجه النظر في الأوّل أيضا، مضافا إلى احتمال مذهب الإسكافي في الصحيحة أيضا، و عدم دلالتها على القطع بوجه.

و أمّا في الثاني فلاحتمال أن يكون المراد منه بيان تجويز التشريك و التفريق، مع بيان أولوية تقديم المتقدّمة من الجنائز مع التفريق، فيكون المعنى: إن كنت تريد الصلاة على جنازة حاضرة فجاءت الأخرى، فأنت بالخيار بين التشريك، و بين أن تصلّي بالأولى ثمَّ بالثانية. و هذا المعنى و إن احتاج إلى حمل قوله «تصلّي» على إرادتها و لكنّ المعنى الذي راموه أيضا يحتاج إلى إرادته عليه السلام ترك الصلاة بالأولى، و إسقاط ما تقدّم من التكبير، و هو خلاف الظاهر.

فالصواب أن يستدلّ للقول الأوّل بالأصل. فيقال بجواز القطع و الصلاة عليهما معا، لأصالة عدم حرمته. و دليل حرمة إبطال العمل- لو تمَّ- لم يجر هناك.

و جواز الإتمام و الاستيناف للثانية، لأصالة عدم وجوب التعجيل لها، و لا القطع، و لا التشريك.

و لعلّ هذا مراد الفاضل في المنتهى حيث استدلّ بأنّ مع كلّ من شقّي التخيير تحصل الصلاة و هو المطلوب «1».

و أمّا احتمال جمعهما إلى أن يتمّ الخمس للثانية كما هو مذهب الإسكافي،

______________________________

(1) المنتهى 1: 458.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 350

فيردّه إيجاب زيادة صلاة الأولى عن

خمس تكبيرات، و هي باطلة بالأخبار المصرّحة بأنّ صلاة الميّت خمس تكبيرات. و احتمال جمعهما فيما بقي من تكبيرات الاولى و تفريد الثانية بالباقية، فيردّه عدم القائل.

المسألة السابعة: إذا تعدّدت الجنائز يجوز تخصيص كلّ منها بصلاة.

و يجوز تشريك الجميع، للأصل، و الإجماع، و الروايات الواردة في كيفيّة ترتيب الجنائز «1».

و حينئذ فينوي الجميع، و يشرك بينهم في الأذكار فيما يتّحد لفظه، و يراعي الجميع في المختلف، فلو كان منهم مؤمن و طفل و مجهول، راعى وظيفة كلّ واحد منهم، و مع اتّحاد الصنف يراعي تثنية الضمير و جمعه و تذكيره و تأنيثه، أو يذكر مطلقا مؤوّلا بالميّت، أو يؤنّث كذلك مؤوّلا بالجنازة، و لعلّ الأوّل أولى.

المسألة الثامنة: يشترط في وجوب الصلاة على الميّت وجوده إجماعا

، و تدلّ عليه روايات انتفاء الصلاة على اللحم المجرّد و نحوه «2». فلا يصلّى على الرميم لو لم يصلّ عليه أوّلا، و ما أكله السبع، و الغريق في البحر و نحوها.

المسألة التاسعة: يجوز إيقاع هذه الصلاة في كلّ وقت من غير كراهة

، و لو كان من الأوقات المكروهة فيها الصلاة، للأصل، و الإجماع المحقّق، و المحكي عن الخلاف و المنتهى و التذكرة و غيرها «3»، و النصوص المستفيضة كصحيحتي الحلبي «4»،

______________________________

(1) انظر: الوسائل 3: 124 أبواب صلاة الجنازة ب 32.

(2) انظر: الوسائل 3: 134 أبواب صلاة الجنازة ب 38.

(3) الخلاف 1: 721، المنتهى 1: 458، التذكرة 1: 51، و انظر المدارك 4: 188.

(4) التهذيب 3: 321- 999، الاستبصار 1: 470- 1815، الوسائل 3: 108 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 351

و محمّد «1»، و روايته «2»، و المروي في العلل «3»، و العيون «4»، و غيرها.

و أمّا رواية الحلبي: «تكره الصلاة على الجنائز حتى تصفرّ الشمس و حين تطلع» «5».

فلا تصلح معارضة لما مرّ، لوجوه عديدة، منها كونها موافقة للعامّة «6».

و لو زاحمت هذه الصلاة فريضة حاضرة فمع ضيق وقت إحداهما- و لو بمثل الخوف على الجنازة- وسعة الأخرى يقدّم المضيّق وقتها بلا خلاف، و الوجه ظاهر.

و لو تضيّقتا معا: ففي وجوب تقديم الحاضرة، كظاهر الحلّي و الشرائع و النافع و المدارك «7»، و جماعة أخرى «8»، بل حكي عليه الشهرة «9».

أو صلاة الجنازة، كما عن ظاهر المبسوط «10».

قولان، و لعلّ الأول أقرب، لتقدّم الفريضة على السنّة، و كون الصلاة في الدين هي العمدة.

و لو اتسعتا فلا تقديم لأحدهما وجوبا قطعا.

______________________________

(1) الكافي 3: 180 الجنائز ب 51 ح 2، التهذيب 3: 321- 998، الاستبصار 1:

470- 1814، الوسائل

3: 108 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 2.

(2) الكافي 3: 180 الجنائز ب 51 ح 1، التهذيب 3: 321- 997، الاستبصار 1:

470- 1813، الوسائل 3: 109 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 3.

(3) العلل: 268، الوسائل 3: 109 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 4.

(4) العيون 2: 113، الوسائل 3: 109 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 4.

(5) التهذيب 3: 321- 1000، الاستبصار 1: 470- 1816، الوسائل 3: 109 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 5.

(6) انظر: بداية المجتهد 1: 242.

(7) الحلي في السرائر 1: 360، الشرائع 1: 107، النافع: 41، المدارك 4: 189.

(8) منهم العلّامة في المنتهى 1: 458، و الشهيد في الدروس 1: 114، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 132.

(9) الرياض 1: 208.

(10) المبسوط 1: 185.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 352

و في أفضليّة تقديم الحاضرة أو الجنازة روايتان خاصّتان «1»، أولاهما معتضدة بعمومات فضيلة أوّل الوقت، و ثانيتهما بعمومات استحباب تعجيل التجهيز.

و الوجه التخيير، و إن كان الأوّل أظهر، لما مرّ من كون الحاضرة فريضة عمدة و صلاة الجنازة سنّة.

______________________________

(1) الوسائل 3: 123 أبواب صلاة الجنازة ب 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 353

الباب الرابع في الصلوات النوافل الغير اليوميّة
اشارة

و هي كثيرة مضبوطة في كتب الأدعية لا حصر لها، فإنّ الصلاة خير موضوع، فمن شاء استقلّ، و من شاء استكثر، إلّا أنّا نذكر هنا ممّا ذكره الأصحاب أربع صلوات

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 355

الأولى صلاة الاستسقاء
اشارة

و هو: طلب السقي أو السقيا أو الإسقاء، و هو كان مشروعا في الملل السابقة، كما يستفاد من الكتاب «1» و السنة، و إن لم يستفد منهما كونه بالصلاة أو مجرّد الدعاء بلا صلاة، حيث إنّ الطريقين ثابت في ملّتنا. أمّا الأخير فبإجماع الفريقين، و ورود دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم كذلك في بعض أخبارنا «2»، و هو- كما قيل «3»- أدنى الاستسقاء.

و أوسطه الدعاء عقيب صلاة أو في أثنائها، حيث إنّه أقرب إلى الإجابة.

و أفضله الاستسقاء بالصلاة، فتستحبّ عند غور الأنهار، و فتور الأمطار و حبسها عرفا، بإجماعنا المحقّق و المصرّح به في كلمات جماعة «4»، بل إجماع كلّ من يحفظ عنه العلم غير أبي حنيفة، فإنّه قال بمجرّد الدعاء «5»، و مع ذلك النصوص به مستفيضة بل متواترة معنى.

و الكلام إمّا في كيفيّتها، أو مستحبّاتها.

أمّا الأولى: فهي ركعتان بالإجماع، و النصوص، ففي موثّقة ابن بكير:

في الاستسقاء، قال: «يصلّي ركعتين، و يقلّب رداءه الذي على يمينه، فيجعله على يساره، و الذي على يساره على يمينه، و يدعو اللَّه فيستسقي» «6».

و رواية طلحة: «إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم صلّى للاستسقاء

______________________________

(1) وَ إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ .. البقرة: 60.

(2) انظر: الوسائل 8: 7 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 4.

(3) الروضة 1: 319.

(4) كالعلامة في التذكرة 1: 167، و صاحب الرياض 1: 209.

(5) انظر: بداية المجتهد 1: 215.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة    ج 6    356     الأولى صلاة الاستسقاء ..... ص : 355

(6) التهذيب 3: 148- 321، الوسائل 8: 9 أبواب صلاة الاستسقاء ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 356

ركعتين و بدأ بالصلاة قبل الخطبة، و كبّر سبعا و خمسا، و جهر بالقراءة» «1».

و مرسلة الفقيه: «كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم يصلّي للاستسقاء ركعتين، و يستسقي و هو قاعد، و قال، بدأ بالصلاة قبل الخطبة، و جهر بالقراءة» «2».

و صحيحة هشام: عن صلاة الاستسقاء، قال: «مثل صلاة العيدين، يقرأ فيها، و يكبّر فيها، كما يقرأ و يكبّر فيهما، يخرج الإمام، فيبرز إلى مكان نظيف في سكينة و وقار و خشوع و مسكنة، و يبرز معه الناس، فيحمد اللَّه، و يمجّده، و يثني عليه، و يجتهد في الدعاء، و يكثر من التسبيح و التهليل و التكبير، و يصلّي مثل صلاة العيدين بركعتين في دعاء و مسألة و اجتهاد، فإذا سلّم الإمام، قلّب ثوبه، و جعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر، و الذي على الأيسر على الأيمن، فإنّ النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم كذلك صنع» «3» إلى غير ذلك.

و يستفاد من صريح بعض هذه الأخبار، و من مماثلتها للعيدين في الأخيرة أنّه يكبّر فيها سبعا و خمسا كما في العيدين، كما عليه إجماع علمائنا محقّقا، و محكيّا مستفيضا «4»، و تدلّ عليه روايات أخر أيضا، منها رواية ابن المغيرة: يكبّر في صلاة الاستسقاء كما يكبّر في العيدين، في الأوّل سبعا، و في الثانية خمسا، و يصلّي قبل الخطبة، و يجهر بالقراءة، و يستسقي و هو قاعد «5».

و كذا تظهر من

المماثلة المذكورة المماثلة في القراءة و ما يقرأ فيها من السورة استحبابا، و إن جاز كلّ سورة. و القنوتات، كما عليه الإجماع، لأنّها- كالتكبيرات-

______________________________

(1) التهذيب 3: 150- 326، الاستبصار 1: 415- 1748، الوسائل 8: 10 أبواب صلاة الاستسقاء ب 4 ح 1.

(2) الفقيه 1: 338- 1505، الوسائل 8: 7 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 6 و 7.

(3) الكافي 3: 462 الصلاة ب 94 ح 2، التهذيب 3: 149- 323، الاستبصار 1:

452- 1750، الوسائل 8: 5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 1.

(4) الخلاف 1: 658، التذكرة 1: 167، الذخيرة: 346، الحدائق 10: 484.

(5) الكافي 3: 463 الصلاة ب 94 ح 4، الوسائل 8: 6 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 357

من الأحكام الشائعة الظاهرة للعيدين المنصرفة إليها المماثلة المطلقة قطعا، كما عليه الإجماع أيضا.

إلّا أنّهم صرّحوا بأنّه ينبغي أن يكون القنوت هنا بطلب الرحمة و توفير المياه، و لا يتعيّن فيه دعاء خاصّ، بل يدعو بما تيسّر له و أمكنه، و إن كان أفضل ذلك الأدعية المأثورة عن أهل بيت العصمة، فإنّهم أعرف بما يناجي به الربّ سبحانه.

و ربّما يقال: إنّ مقتضى المماثلة شمولها للوقت أيضا، فيخرج ما بين طلوع الشمس إلى الزوال، كما نصّ عليه الشهيدان «1»، و عن العماني و الحلبي «2»، و نسبه في الذكرى إلى ظاهر الأصحاب «3»، و في المختلف إلى ظاهر الشيخين «4»، حيث إنّهما لم يتعرّضا لوقتها، إلّا أنّهما حكما بمساواتها للعيد «5».

و أنت خبير أنّه ليس بظاهر، إذ المتبادر من المساواة و المماثلة المساواة في الكيفيّة لا الأمور الخارجيّة.

و منه يحصل الخدش فيما استظهره في الذكرى أيضا، إذا الظاهر-

كما صرّح به بعض الأجلّة «6»- أنّها وجهه، و إلّا فالأكثر- و منهم: الصدوق و الحلّي و الديلمي و الفاضلان- لم يتعرّضوا لوقتها.

و كذلك يحصل الخدش في استفادة المماثلة في الوقت من الصحيحة، و من رواية مرّة مولى خالد: «ثمَّ يخرج كما يخرج يوم العيدين» «7».

و منه بضميمة الأصل و الإطلاق يظهر أنّ الأقوى عدم التوقيت فيها، كما

______________________________

(1) الشهيد الأوّل في البيان: 220، الشهيد الثاني في الروضة 1: 319.

(2) حكاه عن العماني في المختلف: 126، الحلبي في الكافي في الفقه: 162.

(3) الذكرى: 251.

(4) المختلف: 126.

(5) انظر: المقنعة 207، الاشراف (مصنفات الشيخ المفيد 9): 29، المبسوط 1: 134، الانتصار: 271.

(6) كشف اللثام 1: 270.

(7) الكافي 3: 462 الصلاة ب 94 ح 1، التهذيب 148- 322، الوسائل 8: 5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 358

عن المعتبر و النهاية و التذكرة التحرير و الدروس «1» و جمع آخر «2»، بل عن النهاية و التذكرة الإجماع عليه «3».

إلّا أنّ في الأخير: أنّ الأقرب عندي إيقاعها بعد الزوال، لأنّ ما بعد العصر أشرف.

و ضعفه ظاهر، كما حكي عن الإسكافي و الحلّي من التوقيت بما بعد الفجر «4».

و أمّا مستحبّاتها و سننها- مضافة إلى ما استفيد مما مرّ- أمور:
منها: أن يصوم الناس ثلاثا متوالية، و الخروج يوم الثالث

، بلا خلاف فيه ظاهر، كما قيل «5»، له، و للنصوص. منها: رواية حمّاد السراج و فيها: «ليس الاستسقاء هكذا فقل له: يخرج فيخطب الناس، و يأمرهم بالصيام اليوم و غدا، و يخرج بهم اليوم الثالث و هم صيام» «6» الحديث.

و منها: أن يكون الخروج يوم الاثنين

، وفاقا للصدوق و الشيخ و القاضي و الحلّي و ابن حمزة «7»، بل هو المشهور كما صرّح به جماعة «8»، بل قيل «9»: إنّ الأصحاب لم يتعرّضوا لغير الاثنين، إلّا أبا الصلاح و من بعده.

______________________________

(1) المعتبر 2: 364، نهاية الإحكام 2: 104، التذكرة 1: 168، التحرير 1: 47، الدروس 1: 196.

(2) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 270، و صاحب الحدائق 10: 485.

(3) نهاية الإحكام 2: 104، التذكرة 1: 168.

(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 126، و أمّا الحلّي فلم يعيّن لها وقتا، انظر: السرائر 1: 325.

(5) انظر: التذكرة 1: 167.

(6) التهذيب 3: 148- 320، الوسائل 8: 8 أبواب صلاة الاستسقاء ب 2 ح 1.

(7) الصدوق في المقنع: 47، الشيخ في النهاية: 138، القاضي في المهذب 1: 144، الحلي في السرائر 1: 325، ابن حمزة في الوسيلة: 113.

(8) منهم صاحب الرياض 1: 209، و انظر: مفتاح الكرامة 3: 249.

(9) الرياض 1: 209.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 359

لرواية مرّة، و فيها: قلت له: متى يخرج جعلت فداك؟ قال: «يوم الاثنين» «1».

و المروي في العيون: متى تفعل ذلك؟ و كان يوم الجمعة، فقال: «يوم الاثنين، فإنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم أتاني البارحة في منامي، و معه أمير المؤمنين علي عليه السلام فقال: يا بنيّ، انتظر يوم الاثنين فابرز إلى الصحراء و استسق ..» «2» الحديث.

و عن المفيد في

المقنعة و الحلبي: أنّهما لم يذكرا سوى الجمعة «3»، و لعلّه لشرفه، و ما ورد من تأخير قضاء الحوائج إليه «4»، و ذمّ الاثنين، و النهي عن طلب الحوائج فيه «5».

و خيّر أكثر المتأخّرين بين اليومين «6»، لما ذكر، و للنصّ، و هما كانا حسنين لو لا النصّ الخاصّ الواجب تقديمه- سيّما مع الاعتضاد بعمل الأكثر- على العام.

و عن صريح الذكرى و الدروس و البيان و ظاهر التحرير و الشرائع و النفلية:

الترتيب بينهما بتقديم الاثنين «7»، فإن لم يتّفق فالجمعة.

______________________________

(1) الكافي 3: 462 الصلاة ب 94 ح 1، التهذيب 3: 148- 322، الوسائل 8: 5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2.

(2) عيون أخبار الرضا «ع» 2: 165- 1، الوسائل 8: 8 أبواب صلاة الاستسقاء ب 2 ح 2.

(3) لا يوجد في المقنعة: 207- 208، بل صرّح الشهيد ره في الذكرى: 250، بانّ المفيد ره لم يعيّن وقتا للخروج، الحلبي في الكافي: 162.

(4) انظر: الوسائل 7: 381، 383 أبواب صلاة الجمعة ب 40 و 41 ح 20 و 1.

(5) كما في الوسائل 11: 351 أبواب آداب السفر الى الحج ب 4 ح 1 و 2 و 3.

(6) كالمحقق في المعتبر 2: 362، و العلّامة في القواعد 1: 40، و الشهيد في اللمعة (الروضة 1):

319، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 324، و العلامة المجلسي في البحار 88: 312، و صاحب الحدائق 10: 485.

(7) الذكرى: 250، الدروس 1: 196، البيان: 218، التحرير 1: 47، الشرائع 1: 109، النفلية:

44.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 360

و عن العماني و الإسكافي و الديلمي: أنّهم لم يعيّنوا لها وقتا «1».

و منها: الإصحار بها إجماعا

، كما عن المعتبر و المنتهى و الذكرى و

غيرها «2»، للتأسي، و الأخبار، كرواية العيون السابقة، و رواية أبي البختري: «مضت السنّة أنّه لا يستسقى إلّا بالبراري، حيث ينظر الناس إلى السماء، و لا يستسقى في المساجد إلّا بمكّة» «3».

و ذكر بعضهم: أنّه لو حصل مانع من الصحراء كخوف و شبهه، صلّيت في المساجد «4». و لا بأس به.

و منها: أن يخرجوا حفاة، نعالهم بأيديهم

، لأنّه أبلغ في التذلّل و الانكسار، و للأمر بالمشي كما يمشي في العيدين.

في ثياب بذلة، للتذلّل، و التأسي، كما ذكره الفاضل في التذكرة و النهاية «5».

في تواضع و تخشّع و استكانة و سكينة و وقار، كما مرّ في بعض الأخبار.

مطرقين، مكثرين لذكر اللَّه و الاستغفار من ذنوبهم و سيّئات أعمالهم، قال اللَّه سبحانه اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ 11: 52 .. يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً 11: 52 «6».

و منها: أن يكون المؤذّنون بين يدي الإمام، و في أيديهم غيرهم

، كما في رواية مرّة.

و أن يخرج المنبر بخلاف العيد، لهذه الرواية أيضا، و في الرضوي: «يخرج

______________________________

(1) حكاه عن العماني و الإسكافي في المختلف: 125، الديلمي في المراسم: 83.

(2) المعتبر 2: 362، المنتهى 1: 355، الذكرى: 251، و انظر: الرياض 1: 209.

(3) التهذيب 3: 150- 325، قرب الإسناد: 137- 481، الوسائل 8: 10 أبواب صلاة الاستسقاء ب 4 ح 1.

(4) كما في الذكرى: 251.

(5) التذكرة 1: 168، نهاية الإحكام 2: 103.

(6) هود: 52.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 361

الإمام، و يبرز تحت السماء، و يخرج المنبر و المؤذّنون أمامه» «1».

و منها: أن يستصحبوا الشيوخ، سيّما أبناء الثمانين، و العجائز، و الأطفال، و البهائم

، لتصريح الأصحاب، و لأنّهم أقرب إلى الرحمة، و مظنّة الرقّة، و أسرع إلى الإجابة.

و في النبوي: «إذا بلغ الرجل ثمانين سنة غفر اللَّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر» «2».

و في آخر: «لو لا أطفال رضّع، و شيوخ ركّع، و بهائم رتّع لصبّ عليكم العذاب صبّا» «3».

و في الرضوي في جملة الخطبة المذكورة فيه هنا: «اللّهم ارحمنا بمشايخ ركّع، و صبيان رضّع، و بهائم رتّع، و شبّان خضّع» «4».

و في بعض خطب الاستسقاء: «اللّهم ارحم أنين الآنّة، و حنين الحانّة، اللّهم ارحم تحيّرها في مراتعها، و أنينها في مرابضها» «5».

و في بعض الروايات: خروج سليمان بن داود إلى الاستسقاء، و رجوعه لدعاء النملة «6».

و زاد بعضهم التفريق بين الأطفال و أمّهاتهم، ليكثروا من الضجيج و البكاء، و ليكون ذلك سببا لإدراك الرحمة «7».

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 153، مستدرك الوسائل 6: 181 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 4.

(2) مسند أحمد 2: 89.

(3) سنن البيهقي 3: 345، الجامع الصغير 2: 443، باختلاف يسير.

(4) فقه الرضا «ع»: 154، مستدرك الوسائل 6: 181 أبواب

صلاة الاستسقاء ب 1 ح 4.

(5) الفقيه 1: 335- 1504، نهج البلاغة (محمد عبده) 1: 225 ح 111، مستدرك الوسائل 6:

199 أبواب صلاة الاستسقاء ب 11 ح 2.

(6) كما في الفقيه 1: 333- 1493، الوسائل 8: 7 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 5.

(7) انظر: المختصر النافع: 41، و الذخيرة: 346.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 362

و منها: أن يكون الخارجون من المسلمين خاصّة

، كما ذكره جماعة «1»، فيمنع الكفّار بأصنافهم عن الحضور معهم.

و عن الحلّي زيادة المتظاهرين بالفسق و المكر و الخداعة من أهل الإسلام أيضا «2».

و علّل في المنتهى بأنّهم أعداء اللَّه، و مغضوب عليهم، و قد بدّلوا نعمة اللَّه كفرا، فهم بعيدون عن الإجابة، و قال اللَّه سبحانه وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ 13: 14 «3».

ثمَّ ذكر ما ورد في دعاء فرعون حين غار النيل، كما ورد في رواياتنا «4»، و رجّح عدم المنع «5» و في الحدائق: و يعضده خروج المنافقين مع النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم، و كذا خروج المنافقين مع الرضا عليه السلام «6»، و يعضده أيضا ما ورد من أنّ اللَّه عزّ و جل ربّما حبس الإجابة عن المؤمن، لحبّ سماع دعائه، و عجّل الإجابة للكافر، لبغض سماع صوته «7»، على أنّهم يطلبون ما ضمّنه اللَّه تعالى لهم من رزقهم، و هو سبحانه لا يخلف الميعاد «8».

و منها: أن يصلّى جماعة

، للتأسي و ظواهر الأخبار، بل قيل: إنّ ظواهرها

______________________________

(1) منهم: الشيخ في المبسوط 1: 135، و القاضي في المهذب 1: 145، و المحقّق في النافع: 41، و الشهيد في الذكرى: 251، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 270.

(2) السرائر 1: 325.

(3) الرعد: 14.

(4) الفقيه 1: 334- 1502.

(5) المنتهى 1: 355.

(6) انظر: الوسائل 8: أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 و 2.

(7) كما في الوسائل 7: 61 أبواب الدعاء ب 21.

(8) الحدائق 10: 488.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 363

متّفقة على الجماعة، و ليس هناك خبر يدلّ على جوازها فرادى «1».

و هو و إن كان كذلك، إلّا أنّ إجماعنا- كما صرّح به جماعة «2»- المؤيّد بقضيّة التشبيه بالعيدين كاف

في إثباته.

و منها: أن يقلّب رداءه بأن يجعل الذي على يمينه على يساره، و بالعكس

، للنصوص المستفيضة، كموثّقة ابن بكير، و صحيحة هشام المتقدّمتين «3».

و في رواية مرّة: «يصلّي بالناس ركعتين بغير أذان و لا إقامة، ثمَّ يصعد المنبر، فيقلّب رداءه، فيجعل الذي على يمينه على يساره، و الذي على يساره على يمينه، ثمَّ يستقبل القبلة، فيكبّر اللَّه مائة تكبيرة رافعا بها صوته، ثمَّ يلتفت إلى الناس عن يمينه، فيسبّح اللَّه مائة تسبيحة رافعا بها صوته، ثمَّ يلتفت إلى الناس عن يساره، فيهلّل اللَّه مائة تهليلة، رافعا بها صوته، ثمَّ يستقبل الناس، فيحمد اللَّه تعالى مائة تحميدة، ثمَّ يرفع يديه، فيدعو ثمَّ يدعون» «4» الحديث.

و مرفوعة [محمّد بن سفيان ] «5»: عن تحويل النبي صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم رداءه إذا استسقى، فقال: «علامة بينه و بين أصحابه، يحوّل الجدب خصبا» «6».

و في الرضوي: «ثمَّ يسلّم، و يصعد المنبر، فيقلّب رداءه» إلى أن قال:

«ثمَّ يحوّل وجهه إلى القبلة» «7» الحديث.

______________________________

(1) الحدائق 10: 495.

(2) انظر: المنتهى 1: 356، و المدارك 4: 314، و الرياض 1: 228.

(3) في ص: 355- 356.

(4) الكافي 3: 462 الصلاة ب 94 ح 1، التهذيب 3: 149- 322، الوسائل 8: 5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2.

(5) في النسخ: محمد بن سنان، و الصحيح ما أثبتناه كما يظهر من المصادر و كتب الرجال.

(6) التهذيب 3: 150- 324، الوسائل 8: 9 أبواب صلاة الاستسقاء ب 3 ح 2، و رواها في الفقيه 1: 338- 1506 مرسلة.

(7) فقه الرضا «ع»: 153، مستدرك الوسائل 6: 181 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 364

ثمَّ إنّ التقليب على الوجه المذكور يتوقّف على أحد القلبين: إمّا جعل الأسفل الأعلى، أو الظاهر

الباطن، فيتخيّر بينهما. و أمّا جمع الثلاثة- كما في بعض كتب أصحابنا «1»- فغير ممكن، و لعلّ مراده الجمع بالإتيان بهما معا و لو في زمانين، تحصيلا للاحتمالين، لا في آن واحد.

ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق الموثّقة استحباب ذلك للإمام و المأموم كما نصّ عليه في الخلاف و المبسوط «2»، و اختاره في الذكرى و البيان و روض الجنان و المسالك «3».

خلافا لجماعة «4»، فخصّوه بالإمام، و حكي عن الخلاف أيضا «5»، و هو خطأ «6»، لتقييد ما في الروايات به، و وجوب حمل المطلق على المقيّد.

و يضعف: بأنّه إنّما هو مع التنافي، و لا منافاة بين المطلق و المقيّد، إلّا على اعتبار مفهوم اللقب، و هو ضعيف جدّا.

و هل يقلّب مرّة؟ كما هو ظاهر الأكثر، للأصل و الإطلاق.

أو مرّتين؟ كما احتمله بعضهم، مرّة بعد السلام، لصحيحة هشام «7»، و اخرى بعد صعود المنبر، لرواية مرّة، و الرضوي.

______________________________

(1) الروضة 1: 319.

(2) الخلاف 1: 688، المبسوط 1: 135، و انظر الهامش (6).

(3) الذكرى: 251، البيان: 219، روض الجنان: 325، المسالك 1: 39.

(4) كالمفيد في المقنعة: 208، و الديلمي في المراسم: 83، و المحقق في الشرائع 1: 109.

(5) حكاه عنه في الحدائق 10: 489.

(6) قال في الخلاف: تحويل الرداء يستحب للإمام، سواء كان مقوّرا أو مربعا، و به قال مالك و أحمد.

و قال الشافعي: ان كان مقوّرا حوّله، و إن كان مربّعا فيه قولان: أحدهما يحوّله و الآخر يقلّبه.

و يفعل مثل ذلك المأموم. و قال محمّد: يقلّبه وحده دون المأموم. انتهى. و الظاهر أنّ الماتن قد نظر إلى جملة: و يفعل مثل ذلك المأموم، و لكنه من قول الشافعي،- انظر: مغني المحتاج 1: 325 و الامّ 1: 251-

فتظهر صحّة ما حكي عن الخلاف من القول بالاختصاص.

(7) المتقدمة في ص 356.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 365

أو ثلاث مرّات؟ كما عن المفيد و الديلمي «1»، و [القاضي ] «2»، و لا مستند لهم ظاهرا إن أرادوا متتالية، كما هو ظاهر المحكي عنهم أنّهم يجعلونها بعد الخطبة «3».

نعم إن أريد واحدة بعد السلام، و اخرى قبل الخطبة، و الثالثة بعدها، أمكن الاحتجاج للأولين بما مرّ، و للثالثة بالمرفوعة حيث إنّ معنى «إذا استسقى»:

إذا فرغ منه. إلّا أنّه يضعّف بأنّ الظاهر منه إذا أراد الاستسقاء، و أو اشتغل به، فيكون قبل الخطبة.

و منه- مضافا إلى كون ذلك كلام السائل- يظهر ضعف زيادة الثالثة.

و كذا يظهر ضعف زيادة الاولى بعدم دلالة الصحيحة على أنّه كان بعد التسليم فورا، مع أنّه لا يراخى محسوسا كثيرا بينه و بين صعود المنبر، فيحمل المجمل على المبيّن، فلا يستحبّ إلّا مرّة بعد صعود المنبر قبل الاشتغال بالدعاء، كما تدلّ عليه رواية مرّة و الرضوي.

و منها: أنّه إذا صعد الإمام المنبر و حوّل الرداء يستقبل القبلة، و يكبّر اللَّه

مائة مرّة، ثمَّ يلتفت إلى يمينه و يسبّح مائة، ثمَّ إلى يساره و يهلّل مائة، ثمَّ يستقبل الناس، و يحمد اللَّه مائة، رافعا صوته في الأذكار.

كلّ ذلك للشهرة المتأخّرة، و رواية مرّة، و إن لم يذكر فيها رفع الصوت في التحميد، و لكن تكفي في إثباته فتاواهم.

و لبعض القدماء أقوال أخر في الأذكار «4»، لا مستند لها، و المتّبع ما في الرواية.

قالوا: و يتابعه المأمومون في الأذكار «5»، و زاد بعضهم في رفع الصوت

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 208، الديلمي في المراسم: 83.

(2) في جميع النسخ: الحلي، و لم نعثر عليه في السرائر، و الظاهر أنّه سهو، كما يظهر من كشف اللثام 1: 269، و الحدائق 10:

489، راجع المهذب 1: 144.

(3) انظر: الحدائق 10: 489.

(4) كالقاضي في المهذّب 1: 144، و الديلمي في المراسم: 83.

(5) كما في الكافي في الفقه: 163.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 366

أيضا «1». و لا بأس به، لأنّه مقام التسامح.

و أمّا التحويل إلى الجهات فلم أعثر على مصرّح بالمتابعة فيه، و الأصل ينفيه.

ثمَّ مقتضى الرواية المذكورة كون الأذكار قبل الدعاء. فإن كان المراد بالخطبة أيضا هو ذلك الدعاء كما صرّح به جماعة «2»، فثبت منه تقدّم الأذكار على الخطبة أيضا، كما عن العماني و الشيخ و ابن حمزة «3»، و جمهور المتأخرين، و إلّا فثبت منها و من مرسلة الفقيه الرواية لخطبة مولانا أمير المؤمنين «4»، حيث إنّه يعقّب الدعاء فيها للحمد و الصلاة بلا فصل بضميمة أصالة عدم دعائه بغير بذلك، فتأمّل.

و منها: أن يخطب بالناس

، بالإجماع و النصوص.

و هل المراد بالخطبة هنا هو الدعاء فقط، و إن جاز أو استحبّ تصديره بالحمد و الصلاة؟ كما صرّح به بعض مشايخنا «5»، و يدلّ عليه عدم ذكر خطبة في رواية مرّة، بل ذكر أنّه بعد السلام يصعد المنبر، ثمَّ يذكر، ثمَّ يدعو، و كذا في الرضوي المشتمل على عبارات الدعاء أيضا «6».

أو ما يشمل على الحمد و الصلاة و الوعظ و الدعاء؟.

أو مع خروج الدعاء عنها؟ كما عن الذكرى «7».

كل محتمل، لجواز استعمال الخطبة في الدعاء مجازا، كما أنّها في الحمد

______________________________

(1) كما في الكافي في الفقه: 163.

(2) انظر: روض الجنان: 325، و الحدائق 10: 491.

(3) حكاه عن العماني في المختلف: 125، الشيخ في المبسوط 1: 135، ابن حمزة في الوسيلة: 113.

(4) الفقيه 1: 335- 1504، و المتقدمة في ص 361.

(5) انظر: الحدائق 10: 491 و 493.

(6) فقه الرضا

«ع»: 153، مستدرك الوسائل 6: 181 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 4.

(7) الذكرى: 252.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 367

و الصلاة و الوعظ أيضا كذلك، و لعدم دلالة عدم ذكرها في بعض الروايات بخصوصها على اتّحادها مع الدعاء.

و الظاهر من رواية خطبة أمير المؤمنين عدم اشتراط تضمّنها الوعظ.

و الأولى اشتمالها على الحمد و الصلاة و الوعظ و الدعاء، و تقديم الثلاثة الأولى على الأخير.

و هل تتعدّد الخطبة فيه كما في العيدين؟ كما في الذكرى «1»، لقوله في الصحيحة: «يصلّي بمثل صلاة العيدين بركعتين» «2».

أولا، بل تكفي الخطبة الواحدة؟ كما ذكره بعض مشايخنا «3»، للإطلاق، و وحدة الخطبة المرويّة.

و هو الأظهر، لذلك، و التشبيه إنّما هو في الصلاة، و الخطبة خارجة عنها.

ثمَّ الخطبة هنا بعد الصلاة بإجماعنا المحقّق، و المحكي مستفيضا «4»، كالنصوص «5». و ما دلّ على أنّها قبل الصلاة شاذّة «6»، و للحمل على التقيّة- كما قيل «7»- محتملة.

و مقتضى الأصل عدم شرطية الخطبة و لو كان المراد منها الدعاء في الصلاة، فتجوز الصلاة بقصد الاستسقاء منها بلا دعاء.

و كذا تختصّ الخطبة و الأذكار بما إذا صلّيت جماعة، لأنّه الوارد في الأخبار، فالمنفرد يصلّي و إن شاء يدعو.

و منها: أن يبالغوا في الدعاء

، و إن تأخّرت الإجابة أعادوا الخروج، بالإجماع

______________________________

(1) الذكرى: 251.

(2) راجع ص 356.

(3) انظر: الحدائق 10: 494.

(4) الخلاف 1: 687، السرائر 1: 326، التذكرة 1: 168، المفاتيح 1: 35، الرياض 1: 210.

(5) الوسائل 8: أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 و 5.

(6) و هي رواية إسحاق بن عمّار، راجع الوسائل 8: 11 أبواب صلاة الاستسقاء ب 5 ح 2.

(7) كما في الوسائل 8: 12 ذيل الحديث 2، و الرياض 1: 210.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 6، ص: 368

كما عن المنتهى «1»، لأنّ اللَّه يحبّ الملحّين في الدعاء، و لأنّ الحاجة باقية فكان طلبها مشروعا. و يبنون على الصوم الأول إن لم يفطروا بعده، و إلّا فيستأنفون الصوم استحبابا.

و منها: قول المؤذّن قبل الصلاة: الصلاة، ثلاثا، كما في العيدين

، لتصريحهم به. لا للتشبيه بصلاة العيد كما قيل، لعدم دلالته عليه. و لا أذان فيها و لا إقامة بالإجماع و النص «2».

و منها: أن يجهر فيها بالقراءة

، للنصوص المستفيضة «3». و أضافوا إليها القنوتات أيضا، و لا بأس به.

و منها: أن يكون الدعاء و الخطبة قاعدا

، كما تدلّ عليه المرسلة المتقدّمة في صدر البحث «4»، و رواية ابن المغيرة السابقة «5»، و غيرها.

و لم أعثر على أحد من الأصحاب عدّ ذلك من المستحبّات، بل- كما قيل «6»- ظاهر كلامهم القيام حال الاستسقاء. و لم أر له وجها سوى التشبيه بالعيدين، و فيه ما فيه. و حمل ما في الروايتين على العذر ينفيه إشعارهما بالاستمرار.

______________________________

(1) المنتهى 1: 356.

(2) كرواية مرّة، السابقة في ص 363.

(3) الوسائل 8: أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 و 5.

(4) راجع ص 356.

(5) راجع ص 356.

(6) الحدائق 10: 495.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 369

الثانية صلاة التسبيح و تسمى بصلاة جعفر عليه السلام، و صلاة الحباء
اشارة

و استحباب هذه الصلاة ثابت بإجماع علماء الإسلام، كما صرّح به جمع من الأعلام «1»، و استفاضت به نصوص أئمّة الأنام، و ثوابها عظيم، و أجرها جسيم، كفّارة للآثام.

ففي الصحيح: «متى ما صلّيتهنّ غفر اللَّه لك ما بينهنّ، إن استطعت كلّ يوم، و إلّا فكلّ يومين، أو كلّ جمعة، أو كلّ شهر، أو كلّ سنة، فإنّه يغفر لك ما بينهما» «2».

و في صحيحة ابن أبي البلاد: أيّ شي ء لمن صلّى صلاة جعفر؟ قال: «لو كان عليه مثل رمل عالج و زبد البحر ذنوبا لغفرها اللَّه له» قلت: فهذه لنا؟! قال: «فلمن هي إلّا لكم خاصّة؟!» «3».

و في رواية أبي بصير: «إن أنت صنعته كلّ يوم كان خيرا لك من الدنيا و ما فيها، و إن صنعته بين يومين غفر لك ما بينهما، أو كلّ جمعة، أو كلّ شهر، أو كلّ سنة غفر لك ما بينهما» «4».

و في رواية إبراهيم بن عبد الحميد: قلت: فما ثوابها؟ قال: «لو كان عليه مثل رمل عالج ذنوبا غفر له» «5».

______________________________

(1) كالعلامة في المنتهى 1: 359، و

المجلسي في البحار 88: 212.

(2) التهذيب 3: 186- 420، الوسائل 8: 50 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 3.

(3) الفقيه 1: 348- 1539، التهذيب 3: 186- 421، ثواب الأعمال: 40، الوسائل 8: 54 أبواب صلاة جعفر ب 2 ح 2.

(4) الكافي 3: 465 الصلاة ب 96 ح 1، الوسائل 8: 49 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 1.

(5) الكافي 3: 466 الصلاة ب 96 ذ. ح 1، التهذيب 3: 187- 423، المقنع: 43، الوسائل 8:

54 أبواب صلاة جعفر ب 2 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 370

و في رواية الثمالي: «إذا أنت صلّيتها لو كنت فررت من الزحف و كان عليك مثل رمل عالج و زبد البحر ذنوبا غفرت لك».

و في آخرها: «و يكتب لك بها اثنتي عشرة ألف حسنة، الحسنة منها مثل جبل احد و أعظم» «1».

و في رواية إسحاق: من صلّى صلاة جعفر هل يكتب له من الأجر مثل ما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم لجعفر؟ قال: «إي و اللَّه» «2».

و في الفقه الرضوي: «من صلّى صلاة جعفر كلّ يوم لا تكتب عليه السيّئات، و تكتب له بكلّ تسبيحة فيها حسنة، و ترفع له درجة في الجنة» إلى أن قال: «فإنّك إن صلّيتها محي عنك ذنوبك، و لو كانت مثل رمل عالج، أو مثل زبد البحر» «3» إلى غير ذلك.

و هي: أربع ركعات، بالإجماع نصّا، و فتوى.

بتسليمتين، على الحق المشهور، كما صرّح به في الذكرى و غيره «4». بل الظاهر كونه إجماعيا، إذ لم ينقل الخلاف فيه إلّا عن المقنع «5»، مع أنّه قال في البحار بعد نقل كلام المقنع و الذكرى: لا دلالة في عبارة

المقنع، إلّا من حيث إنّه لم يذكر التسليم، و لعلّه أحاله على الظهور، كما في التشهّد و القنوت و غيرهما «6».

انتهى.

إلّا أنّه قال في المقنع- على ما نقله في المختلف-: و روي أنّها بتسليمتين «7».

______________________________

(1) الفقيه 1: 347- 1536، الوسائل 8: 51 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 5.

(2) الكافي 3: 467 الصلاة ب 96 ح 7، الفقيه 1: 349- 1540، التهذيب 3: 188- 426، الوسائل 8: 50 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 2.

(3) فقه الرضا «ع»: 155، مستدرك الوسائل 6: 224 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 2.

(4) الذكرى: 249، و انظر: أيضا المختلف: 127.

(5) لم نعثر عليه في المقنع، و الموجود فيه: صلّ أربع ركعات (ص 43) و قد حكى الخلاف عنه في المختلف: 127.

(6) البحار 88: 212.

(7) المختلف: 127.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 371

و هو يشعر بما في الذكرى.

و كيف كان فخلافه غير قادح في الإجماع، فهو الدليل عليه.

مضافا إلى مرسلة المقنع المذكورة المنجبرة.

و رواية الثمالي، و فيها بعد ذكر كيفيّة الركعتين الأوليين: «ثمَّ تتشهّد، و تسلّم، ثمَّ تصلّي ركعتين أخراوين، تصنع فيهما مثل ذلك، ثمَّ تسلّم» «1».

و الرضوي و فيه بعد ذكر الركعتين: «ثمَّ تشهّد و تسلّم، فقد مضى لك ركعتان، ثمَّ تقوم، و تصلّي ركعتين أخريين على ما وصفت لك» الحديث «2».

يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى سورة «الزلزلة» و في الثانية «و العاديات» و في الثالثة «النصر» و في الرابعة «التوحيد».

اختاره الصدوق و السيد و الإسكافي و القاضي و الحلبي و الديلمي «3»، بل هو المشهور، كما صرّح به جماعة، و عليه كافّة المتأخّرين، لروايتي إبراهيم بن عبد الحميد «4»، و المفضّل بن عمر «5».

و عن

عليّ بن بابويه العكس في الأوليين «6»، للرضوي: «يقرأ في أولاهما فاتحة الكتاب و العاديات، و في الثانية: إذا زلزلت، و في الثالثة: إذا جاء نصر اللَّه، و في الرابعة: قل هو اللَّه أحد، و إن شئت كلّها بقل هو اللَّه أحد» «7».

______________________________

(1) الفقيه 1: 347- 1536، الوسائل 8: 51 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 5.

(2) فقه الرضا «ع»: 156، مستدرك الوسائل 6: 224 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 2.

(3) الصدوق في المقنع: 43، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 43، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 127، القاضي في المهذّب 1: 149، الحلبي في الكافي: 161، الديلمي في المراسم: 85.

(4) المتقدمة في ص 369.

(5) مصباح المتهجد: 275.

(6) حكاه عنه في المختلف: 127.

(7) فقه الرضا «ع»: 155، مستدرك الوسائل 6: 228 أبواب صلاة جعفر ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 372

و عن العماني: العكس في الوسطيين «1». و عن المقنع: التوحيد في الجميع «2».

و لم نقف لهما على مستند.

و في صحيحة بسطام «3»، و رواية ابن المغيرة «4»: أنّه يقرأ في كلّ ركعة بالتوحيد، و الجحد.

و في صحيحة ابن أبي البلاد «5»: الزلزلة، و النصر، و القدر، و التوحيد.

و الظاهر أنّ المراد الترتيب في هذه السور بالنسبة إلى الركعات.

و الظاهر التخيير بين كلّ ما روي، و إن كان المشهور أولى.

و يجوز التوحيد في الجميع، للرضوي المتقدّم. بل كلّ سورة، لإطلاق رواية الثمالي، و عدم دلالة غيرها على الشرطيّة.

ثمَّ بعد الفراغ من القراءة في كلّ ركعة يقول قائما: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر، خمس عشرة مرّة، ثمَّ يركع و

يقولها عشرا، ثمَّ يرفع رأسه و يقولها عشرا قائما، ثمَّ يسجد و يقولها عشرا في السجدة، ثمَّ يرفع رأسه و يقولها كذلك جالسا، ثمَّ يسجد و يقولها كذلك ساجدا، ثمَّ يرفع رأسه و يقولها كذلك جالسا، فيكون الجميع ثلاث مائة تسبيحات أربع، في كلّ ركعة خمس و سبعون، و ألف و مائتا ذكر، في كلّ ركعة ثلاث مائة.

بالإجماع نصّا و فتوى في ما عدا محلّ التسبيح الذي قبل الركوع، و ترتيب الأذكار الأربعة، و التسبيح الذي بعد السجدة الثانية من الركعتين الاولى و الثالثة.

و على الحق المشهور قديما و حديثا- بل ظاهر الإجماع- فيها أيضا.

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 127.

(2) المقنع: 43.

(3) التهذيب 3: 186- 420، الوسائل 8: 50 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 3.

(4) الفقيه 1: 348- 1538، الوسائل 8: 53 أبواب صلاة جعفر ب 2 ح 1.

(5) المتقدمة في ص 369.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 373

لصحيحة بسطام، و رواية أبي بصير، و الرضوي في الجميع، مضافة إلى رواية الثمالي في الأخير.

و ظاهر الصدوق في الفقيه «1»: التخيير في الأوّلين «2»، بين ما ذكر و بين ما في رواية الثمالي: «تفتتح الصلاة، ثمَّ تكبّر خمس عشر مرّة تقول: اللَّه أكبر و سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه. ثمَّ تقرأ الفاتحة ثمَّ سورة و تركع، و كذا في سائر الركعات».

و عن العماني: كون التسبيح بعد السجدة الثانية في الركعتين بعد القيام قبل القراءة «3». و لا مستند له.

و العمل على المشهور، لاشتهاره رواية و فتوى، بل كونه مجمعا عليه.

فروع:
أ: الحق المشهور جواز احتساب هذه الصلاة من النوافل الليليّة و النهاريّة

الأدائيّة و القضائيّة، لروايتي ذريح «4»، و رواية أبي بصير «5»، و في العيون: إنّ مولانا الرضا عليه السلام

كان يصلّي في آخر الليل أربع ركعات بصلاة جعفر و يسلّم في كلّ ركعتين، و يقنت في كلّ ركعتين في الثانية قبل الركوع و بعد التسبيح، و يحتسب بها من صلاة الليل «6».

و في الذكرى عن بعض الأصحاب جواز جعلها من الفرائض أيضا «7».

______________________________

(1) الفقيه 1: 348.

(2) أي: محلّ التسبيح الّذي قبل الركوع، و ترتيب الأذكار الأربعة.

(3) حكاه عنه في المختلف: 127.

(4) الاولى: التهذيب 3: 187- 422، الوسائل 8: 57 أبواب صلاة جعفر ب 5 ح 1.

الثانية: الكافي 3: 466 الصلاة ب 96 ح 2، الوسائل 8: 58 أبواب صلاة جعفر ب 5 ح 3.

(5) الفقيه 1: 349- 1542، الوسائل 8: 58 أبواب صلاة جعفر ب 5 ح 5.

(6) عيون أخبار الرضا «ع» 2: 178- 5، الوسائل 4: 55 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 24.

(7) الذكرى: 250.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 374

و ظاهره قبوله. و إليه مال بعض المحققين من متأخري المتأخرين.

و ربّما يدلّ عليه إطلاق قضاء الصلاة في إحدى روايتي ذريح. و يثبته أيضا جواز هذه الأذكار في الصلاة قطعا.

و ردّه بعض مشايخنا الأخباريين بإيجابه التغيير الفاحش في الفريضة، مع أنّ العبادات توقيفية «1».

و فيه: منع التغيير، و ثبوت التوقيف بجواز كلّ ذكر و دعاء في الصلاة.

ب: يستحبّ القنوت فيها في الركعتين الثانية و الرابعة قبل الركوع بعد القراءة و التسبيح إجماعا،

للعمومات، و خصوص روايتي العيون «2»، و الاحتجاج «3».

إلّا أنّ في الأخيرة: «و القنوت فيها مرّتان في الثانية قبل الركوع، و في الرابعة بعده».

و لم أر قائلا به، و العمل على الأول.

ج: إذا كانت له حاجة يستعجل بها يصلي الأربع ركعات مجرّدة عن التسبيح،

ثمَّ يقضي التسبيح و هو ذاهب في حوائجه، كما صرّح به في روايتي أبي بصير «4»، و أبان «5». و مقتضى إطلاقهما أنّه لا يشترط قصد تعيين المحل ممّا يقضي.

و لو عرضت الحاجة في الأثناء فهل يجوز تجريد الباقي و قضاء ما بقي؟

الظاهر نعم، لفحوى الروايتين.

______________________________

(1) انظر: الحدائق 10: 507.

(2) عيون أخبار الرضا «ع» 2: 178- 5، الوسائل 4: 55 أبواب أعداد الفرائض نوافلها ب 13 ح 24.

(3) الاحتجاج: 491، الوسائل 8: 56 أبواب صلاة جعفر ب 4 ح 1.

(4) الفقيه 1: 349- 1543، الوسائل 8: 60 أبواب صلاة جعفر ب 8 ح 2.

(5) الكافي 3: 466 الصلاة ب 96 ح 3، التهذيب 3: 187- 424، الوسائل 8: 59 أبواب صلاة جعفر ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 375

د: لو صلّى ركعتين فعرضت له حاجة جاز ان يذهب إلى حاجته،

ثمَّ يصلّي الباقيتن، كما صرّحت به صحيحة ابن الريّان «1». و مقتضى مفهومها أنّه لو لم يكن هاهنا أمر لا بدّ منه يصلّي الأربع في مقام واحد، و هو الأحوط.

ه: لو سها عن بعض التسبيحات أو كلّها في محلّ، و تذكّر في محل آخر من هذه الصلاة قضاه فيه،

رواه الشيخ في كتاب الغيبة، و الطبرسي في الاحتجاج، عن مولانا الصاحب عليه السلام، و فيه بعد السؤال عن سهو التسبيح في قيام أو قعود أو ركوع أو سجود، و تذكّره في حالة اخرى من هذه الصلاة: «إذا سها في حالة من ذلك، ثمَّ ذكر في حالة اخرى، قضى ما فاته في الحالة التي ذكره» «2».

و مقتضى إطلاق الجواب القضاء لو تذكّر بعد الصلاة أيضا.

و: قد تكرّر في الأخبار أنّه يجوز فعلها في أيّ وقت شاء من ليل أو نهار،

سفر أو حضر، إلّا أنّه ورد في التوقيع المروي في كتاب الاحتجاج: أنّ أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة «3».

ز: يستحبّ أن يقول في آخر سجدة من صلاة جعفر بعد التسبيح ما في مرفوعة السراد:

يا من لبس العزّ و الوقار، يا من تعطّف بالمجد، و تكرّم به، يا من لا ينبغي التسبيح إلّا له، يا من أحصى كلّ شي ء علمه، يا ذا النعمة و الطول، يا ذا المنّ و الفضل، يا ذا القدرة و الكرم، أسألك بمعاقد العزّ من عرشك، و منتهى الرحمة من كتابك، و باسمك الأعظم الأعلى، و كلماتك التامّات، أن تصلّي على محمّد و آل محمّد، و أن تفعل بي كذا و كذا «4».

______________________________

(1) الفقيه 1: 349- 1541، التهذيب 3: 309- 957، الوسائل 8: 59 أبواب صلاة جعفر ب 6 ح 1.

(2) الغيبة: 230، الاحتجاج: 482، الوسائل 8: 61 أبواب صلاة جعفر ب 9 ح 1.

(3) الاحتجاج: 491، الوسائل 8: 56 أبواب صلاة جعفر ب 4 ح 1.

(4) الكافي 3: 466 الصلاة ب 96 ح 5، الفقيه 1: 349- 1544، الوسائل 8: 56 أبواب صلاة جعفر ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 376

أو بما في رواية المدائني «1»، و هو أيضا قريب ممّا ذكر.

و يتخيّر بينهما، و يجوز الجمع أيضا.

______________________________

(1) الكافي 3: 467 الصلاة ب 96 ح 6، التهذيب 3: 187- 425، الوسائل 8: 55 أبواب صلاة جعفر ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 377

الثالثة ألف ركعة نافلة شهر رمضان زيادة على النوافل المرتّبة

فإنّها مستحبّة على الأشهر رواية و فتوى، بل عليه الإجماع عن السيد و الحلّي و الديلمي «1».

خلافا للمحكيّ عن الصدوق «2»، و في الخلاف عن قوم من أصحابنا «3»، و لطائفة من الأخبار «4».

و هما مردودان بالشذوذ، مع أنّ ظاهر الصدوق في الفقيه الجواز المستلزم للاستحباب «5»، فيكون الجواز إجماعيّا، و به ينتفي اعتضاد الأخبار المانعة بأدلّة الاحتياط، مع أنّه لا تستفاد منها

الحرمة أيضا، و تبقى روايات الاستحباب «6» الراجحة بالاشتهار و الانجبار بعمومات مرغّبات الصلاة «7» خالية عن المعارض، مع إمكان التأويل في المانعة بوجوه عديدة.

ثمَّ في كيفيّة توزيع الألف على الشهر صورتان قال بكلّ منهما طائفة، و نسب في المنتهى واحدة منهما، و في الذكرى الأخرى- كما حكي- إلى أكثر الأصحاب «8».

______________________________

(1) السيد في الانتصار: 56، الحلي في السرائر 1: 310، الديلمي في المراسم: 82.

(2) حكاه عنه في الرياض 1: 210.

(3) الخلاف 1: 351.

(4) انظر الفقيه 2: 88- 395 و 396، الوسائل 8: 42، 43 أبواب نافلة شهر رمضان ب 9 ح 1 و 2،

(5) الفقيه 2: 89.

(6) انظر: الوسائل 8: 28 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7.

(7) انظر: الوسائل 4: 38 أبواب أعداد الفرائض ب 10، و أيضا: دعائم الإسلام 1: 133.

(8) المنتهى 1: 358، الذكرى، 255.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 378

إحداهما:

أن يصلّي في كلّ ليلة من الشهر عشرين ركعة، ثمان بعد المغرب، و اثنتي عشرة بعد العشاء، أو بالعكس، و يزيد في العشر الآخر في كلّ ليلة عشر ركعات بعد العشاء، و في الليالي الثلاثة القدريّة مائة زائدة على وظيفتها.

ثانيتهما:

ما ذكر، إلّا أنّه يقتصر في الليالي الثلاثة على المائة، فيبقى ثمانون ركعة يوزّعها على الجمعات الأربع فيصلّي في كلّ يوم جمعة عشرا، أربعا بصلاة علي عليه السلام، يقرأ في كلّ ركعة بعد الحمد التوحيد خمسين مرّة، و أربعا بصلاة جعفر- كما مرّت- و ركعتين بصلاة فاطمة عليها السلام، يقرأ بعد الحمد في الأولى القدر مائة مرّة، و في الثانية التوحيد كذلك، و عشرين في ليلة الجمعة الأخيرة بصلاة علي، و عشرين في عشيّتها ليلة السبت بصلاة فاطمة عليها السلام.

و على الطريقتين

دلّت الروايات «1»، و التخيير طريق الجمع بينهما.

و لو اتّفقت عشيّة الجمعة الأخيرة ليلة العيد قال الشهيد الثاني: يصلّي وظيفتها في آخر ليلة ست منها «2». و يدلّ عليه إطلاق رواية مفضّل «3»، فما قيل:

إنّ دليله غير معلوم «4»، ليس بجيّد.

و لو اتّفق في الشهر خمس جمعات ففي كيفية التقسيط احتمالات، بل أقوال، أظهرها سقوط وظيفة الجمعة الأخيرة، لإعطاء كلّ جمعة حقّها. و يحتمل تخييره في تعيين الجمعة المسقطة حقّها.

و لو نقص الشهر سقطت وظيفة ليلة الثلاثين، و لا يشرع قضاؤها و إن نقصت الألف، إذ لا تكليف بعبادة موقّتة لم يخلق وقتها.

و لا يصلّي ليلة الشك أوّل شهر رمضان. و هل يقضيها إذا ثبتت الرؤية؟

______________________________

(1) الوسائل 8: 28 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7.

(2) المسالك 1: 39.

(3) التهذيب 3: 66- 218، المقنعة: 170، الوسائل 8: 28 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 1.

(4) انظر: مجمع الفائدة 3: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 379

الظاهر ذلك، لعمومات قضاء النوافل «1»، و منه يظهر استحباب قضاء كلّ ما فات منها.

و لا فرق في استحباب هذه النوافل بين الصائم و غيره، للعمومات.

و عن الحلبي التخصيص بالأوّل «2». و مستنده غير ظاهر.

______________________________

(1) كما في الوسائل 4: 274 أبواب المواقيت ب 57.

(2) الكافي في الفقه: 159.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 380

الرابعة صلاة يوم الغدير

و استحبابها مشهور بين الأصحاب قديما و حديثا، و تدلّ عليه رواية العبدي و غيرها.

و كيفيّتها على ما في هذه الرواية قال بعد ذكر فضائل هذا اليوم المبارك:

«و من صلّى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول مقدار نصف ساعة يسأل اللَّه عزّ و جلّ، يقرأ في كلّ ركعة سورة الحمد،

و عشر مرّات قل هو اللَّه أحد، و عشر مرّات آية الكرسي، و عشر مرّات إنّا أنزلناه، عدلت عند اللَّه عزّ و جل مائة ألف حجّة و مائة ألف عمرة، و ما سأل اللَّه عزّ و جل حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة إلّا قضيت له كائنة ما كانت الحاجة» إلى أن قال: «و ليكن من دعائك في دبر هاتين الركعتين أن تقول: ربّنا إنّنا سمعنا» إلى آخر الدعاء.

و هو طويل مذكور في التهذيب، و المصباح «1».

و أنكرها الصدوق حاكيا له عن شيخه ابن الوليد أيضا، لضعف الرواية «2».

و يضعف:

بأنّه مقام المسامحة، مع أنّها بما ذكرنا منجبرة، و بروايات أخر معتضدة، فهو ضعيف، كما حكي عن الحلبي من استحباب الجماعة و الخطبتين و الخروج إلى الصحراء فيها «3»، كما يأتي في بحث الجماعة.

______________________________

(1) التهذيب 3: 143- 317، مصباح المتهجّد: 680، الوسائل 8: 89، 90 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 3 ح 1 و 2.

(2) الفقيه 2: 55.

(3) الكافي في الفقه: 160.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 6، ص: 381

و الأولى مراعاة الترتيب الذكري في القراءة كما عليه جماعة «1». و قد تقدّم القدر على آية الكرسي، و قيل: به رواية «2».

______________________________

(1) كما في النهاية: 142، و المراسم: 82، و المختلف 1: 128.

(2) انظر: السرائر 1: 312.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 5

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، الجزء 07

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[تتمة كتاب الصلاة]

المقصد الثالث في منافيات الصلاة، و مبطلاتها، و مكروهاتها، و أحكام الخلل الواقع فيها

اشارة

و الكلام فيه إمّا في منافيات الصلاة، أو في الخلل الواقع في الصلاة و السهو في شرائطه أو أفعاله و الشك. فهاهنا بابان.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 7

الباب الأول في منافيات الصلاة و مبطلاتها و مكروهاتها
اشارة

و فيه فصلان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 9

الفصل الأوّل في منافياتها و مبطلاتها
اشارة

و هي أمور:

الأول: ما يبطل الطهارة و ينقضها من الأحداث.

و هو يبطل الصلاة و يقطعها إن كان حدثا أكبر مطلقا بالإجماع.

و كذا إن كان أصغر و صدر عمدا، و استفاض عليه نقل الإجماع أيضا «1».

و كذا لو صدر من غير اختيار، أو سهوا عن كونه في الصلاة مع اختيارية الحدث، على الأظهر الأشهر. بل في الناصريات: الإجماع على الأول «2». و في التذكرة و نهاية الإحكام و شرح الجعفرية على الثاني «3». و في شرح الإرشاد للأردبيلي فيهما إذا كانت الطهارة المنتقضة مائية «4». و حكي نفي الخلاف في ذلك عن التهذيب أيضا «5».

و في الأمالي: إنّ قطع الصلاة بخروج ما ينقض الوضوء- الشامل لجميع ما ذكر بعمومه- من دين الإمامية «6».

لا لبطلان الصلاة بالفعل الكثير إجماعا.

أو لشرطية الطهارة في الصلاة.

أو لأصالة الاشتغال.

______________________________

(1) انظر التذكرة 1: 129، و المدارك 3: 455، و الحدائق 9: 2.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 199.

(3) التذكرة 1: 129، نهاية الإحكام 1: 513.

(4) مجمع الفائدة 3: 48.

(5) التهذيب 1: 205.

(6) الأمالي: 513.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 10

أو توقيفية العبادة المستلزمة للاقتصار بما نقل عن الشارع.

لضعف الأول: بمنع كون مجرّد الطهارة- الذي هو محل الكلام خصوصا إذا كانت تيمّما- فعلا كثيرا أولا. و منع إبطال كلّ فعل كثير ثانيا، فإنّ مستنده الإجماع و هو منتف في محلّ النزاع.

و الثاني: بأنّ اللازم منه عدم وقوع شي ء من أجزاء الصلاة من غير طهارة، لا عدم تخلّل الحدث في الأثناء.

و القول بأنّ الصلاة ليست تلك الأجزاء بالخصوص، بل هي و ما بينها من الانتقالات.

كلام واه، و إلّا لكان غسل الرعاف و ردّ السلام و صفق اليدين للتنبيه، منها.

و دعوى خروجها بالدليل فاسد، لأنّ الدخول محتاج إليه، و لا دليل على

كون غير الأجزاء المخصوصة صلاة. و لذا ترى جماعة «1» يصرّحون بعدم بطلان الصلاة بنية القطع أو المنافي لو رجع عنها و لم يشتغل حينئذ بشي ء من أجزاء الصلاة.

و أيضا: ثبوت أجزاء الصلاة إنّما هو بالشرع، و أجزاؤها معدودة، و لم يعدّ منها السكوت بقدر التطهّر لو أحدث.

فإن قيل: قوله: «تحليلها التسليم» يدلّ على أنّه في الصلاة، إذ الانصراف إنّما هو بالتسليم.

قلنا: الكون في الصلاة و عدم الانصراف عنها غير التلبّس بأجزائها، ألا ترى أنّ الجالس في أثناء طريق السفر، و المتكلّم في خلال الأكل، و الساكت قليلا في أثناء القراءة، غير منصرف عنها، مع أنّه غير متلبّس به؟

و الثالث: بمنع العلم بالاشتغال بالزائد عمّا فعله، مع أنّ حرمة إبطال ما فعل محتملة، فلا يتيقّن بالبراءة- بترك البناء و الاستئناف- عن جميع ما اشتغلت

______________________________

(1) كالشيخ في المبسوط 1: 102، و العلامة في المنتهى 1: 267 و التذكرة 1: 111.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 11

به الذمّة.

و الرابع: بأنّ لازم توقيفية العبادة الاقتصار في أجزائها أو شرائطها بما ورد من الشرع، و لم يرد منه أنّ اتّصال الطهارة أيضا من الأجزاء أو الشرائط. و عدم فعل الشارع نحو المدّعى لعلّه لعدم سبق حدث منه.

بل «1» للإجماع فيما إذا كان المنتقض الطهارة المائيّة، لعدم ظهور مخالف فيه- كما يأتي- و عدم قدح من نسب الخلاف إليه- لو كان مخالفا- في الإجماع.

و للنصوص المستفيضة المعتضدة بالشهرة العظيمة مطلقا، منها: موثّقة الحضرمي: «لا يقطع الصلاة إلّا أربع: الخلاء، و البول، و الريح، و الصوت» «2».

و الساباطي: عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حبّ القرع كيف يصنع؟ قال: «إن كان خرج نظيفا من العذرة فليس عليه شي ء و

لم ينقض وضوءه، و إن كان متلطخا بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء، و إن كان في صلاته قطع الصلاة و أعاد الوضوء و الصلاة» «3».

و رواية ابن جهم الواردة فيمن أحدث حين جلس في الرابعة، و فيها: «و إن لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد» «4».

و الكناني: عن الرجل يخفق و هو في الصلاة، قال: «إن كان لا يحفظ حدثا منه إن كان، فعليه الوضوء و إعادة الصلاة» «5».

و الحسين بن حمّاد: «إذا أحسّ الرجل أنّ بثوبه بللا و هو يصلّي فليأخذ ذكره

______________________________

(1) عطف على قوله: لا لبطلان الصلاة .. (في ص 9).

(2) الكافي 3: 364 الصلاة ب 50 ح 4، التهذيب 2: 231- 1362، الاستبصار 1:

400- 1030، الوسائل 7: 333 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 2.

(3) التهذيب 1: 11- 20، الاستبصار 1: 82- 258، الوسائل 1: 259 أبواب نواقض الوضوء ب 5 ح 5.

(4) التهذيب 1: 205- 596، الاستبصار 1: 401- 1531، الوسائل 7: 234 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 6.

(5) التهذيب 1: 7- 8، الاستبصار 1: 80- 250، الوسائل 1: 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 12

بطرف ثوبه فيمسّه بفخذه، فإن كان بللا ينصرف فليتوضأ و يعيد الصلاة» «1» الحديث. و المراد ما إذا لم يستبرئ.

و المرويّين في قرب الإسناد و المسائل: عن رجل يكون في صلاته فعلم أنّ ريحا قد خرجت عنه و لا يجد ريحا و لا يسمع صوتا، قال: «يعيد الوضوء و الصلاة، و لا يعتدّ بشي ء ممّا صلّى إذا علم ذلك يقينا» «2».

و ضعف بعضها سندا منجبر بما مرّ، و قصور بعض عن إفادة الوجوب مجبور بعدم القول باستحباب

إعادة الصلاة، بل القائل بين محرم لها و موجب.

خلافا للمحكي عن السيد في المصباح «3»، و الشيخ في المبسوط و الخلاف «4» في صورة سبق الحدث، فقالا بالتطهير و البناء.

للاستصحاب.

و الأصل.

و صحيحة الفضيل: أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا، فقال: «انصرف ثمَّ توضّأ و ابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمدا، فإن تكلّمت ناسيا فلا شي ء عليك، فهو بمنزلة من تكلّم في الصلاة ناسيا» قلت: و إن قلّب وجهه عن القبلة؟ قال: «نعم و إن قلّب وجهه عن القبلة» «5».

و رواية القماط: عن رجل وجد غمزا في بطنه أو أذى أو عصرا من البول

______________________________

(1) التهذيب 2: 353- 1465، الوسائل 7: 234 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 5.

(2) قرب الإسناد: 200- 769 مسائل علي بن جعفر: 184- 359، الوسائل 7: 235 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 7.

(3) حكاه عنه في المعتبر 2: 250.

(4) المبسوط 1: 117، الخلاف 1: 410.

(5) الفقيه 1: 240- 1060، التهذيب 2: 332- 1370، الاستبصار 1: 401- 1533، الوسائل 7: 235 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 13

- إلى أن قال-: «فقال إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس أن يخرج لحاجته تلك فيتوضأ، ثمَّ ينصرف إلى مصلّاه الّذي كان يصلي فيه، فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصلاة بكلام» قال، قلت: و إن التفت يمينا و شمالا، أو ولّى عن القبلة؟ قال: «نعم، كلّ ذلك واسع» «1».

و حسنة زرارة «2» و موثقته «3» و موثقة ابنه «4»، الواردة في الحدث بعد السجدة الأخيرة و قبل التشهّد، الآمرة

بالوضوء و البناء.

و يجاب عن الأصلين: بالاندفاع بما مرّ.

و عن الأخبار: أوّلا: بمعارضتها مع ما مرّ، مع اختصاص أكثره بمورد الكلام بحيث لا يمكن التخصيص فيه بغيره، فإنّ الثلاثة الأخيرة مخصوصة بمن سبقه الحدث. بل و كذلك الثانية، إذ الظاهر أنّ خروج حبّ القرع لا يكون في الصلاة اختياريا.

و يرجّح ما مرّ عليها، لموافقتها للعامّة، فإنّ ذلك مذهب مالك و أبي حنيفة، و الشافعي في قوله [القديم ] «5» كما في الناصريات و في الخلاف و التذكرة و المنتهى «6»، و غيرها «7».

و ثانيا: بعدم حجيّتها، لشذوذها و مخالفتها لشهرة القدماء و المتأخرين. بل لمذهب ناقليها. بل للإجماع، لإطباق العلماء قديما و حديثا على خلافها.

______________________________

(1) التهذيب 2: 355- 1468، الوسائل 7: 237 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 11.

(2) الكافي 3: 347 الصلاة ب 33 ح 2، الوسائل 6: 411 أبواب التشهد ب 13 ذ. ح 1.

(3) التهذيب 2: 318- 1300، الوسائل 6: 411 أبواب التشهد ب 13 ح 2.

(4) الكافي 3: 346 الصلاة ب 33 ح 1، الاستبصار 1: 342- 1290، الوسائل 6: 411 و 412 أبواب التشهد ب 13 ح 2 و 4.

(5) في النسخ: الجديد، و الظاهر هو سهو من قلمه الشريف، كما يظهر من كتب العامّة و الخاصة.

(6) الناصريات (الجوامع الفقهية): 199، الخلاف 1: 412، التذكرة 1: 130، المنتهى 1:

307.

(7) كالرياض 1: 177.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 14

و مخالفة من ذكر- سيّما في بعض الكتب بعد الموافقة في سائر كتبه «1»- لا تقدح في الإجماع.

مع أنّ المخالفة في الخلاف أيضا غير معلومة، بل صرّح الشيخ فيه بعد نقله الروايتين الأولى البطلان، و الثانية البناء و جعله الأول أحوط، بأنّ الّذي

أعمل و افتي به هو الاولى «2».

و لا ينافيه جعلها أحوط أوّلا، لأنّ الاحتياط- و المراد تحصيل البراءة اليقينيّة- عنده دليل شرعي. و لذا استدلّ على ما أفتى به في الخلاف بتيقّن البراءة، و لذا تراه كالسيد و تابعيه يستدلّون على مذاهبهم بطريقة الاحتياط.

و من هذا يظهر حال المبسوط أيضا، لتصريحه فيه بأحوطيّة البطلان «3»، بل السيد أيضا، لذلك.

هذا مع عدم مطابقة الروايتين الأوليين للدعوى، لأنّها في صورة سبق الحدث بغير اختيار، و مدلولهما الحدث اختيارا، حيث أمر بالانصراف و قضاء الحاجة. و لو لم تحملا على ذلك يكون عدم المطابقة أظهر، لأنّ الغمز و أخويه ليس إحداثا.

و الثلاثة الأخيرة أخصّ، لورودها قبل التشهّد الأخير خاصّة. و لا إجماع مركب، لأنّ الصدوق قد أفتى في الفقيه بمضمونها «4». و قوّاه المحدّث المجلسي في البحار حتى في صورة العمد أيضا «5»، و كذا والد شيخنا البهائي في شرح الألفيّة.

و هذا قول ثان مخالف للمشهور، و هو الفرق بين ما بعد السجدة الأخيرة و بين ما قبلها، فالبناء في الأوّل، و الإعادة في الثاني.

و دليله ما مرّ، و جوابه قد ظهر، سيّما أنّ الموافقة للعامّة هنا أشدّ و أظهر،

______________________________

(1) كما في الجمل و العقود (الرسائل العشر): 185، و الاقتصاد: 264.

(2) الخلاف 1: 412.

(3) المبسوط 1: 117.

(4) الفقيه 1: 233 ذيل الحديث 1030.

(5) البحار 81: 282.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 15

حيث إنّ أبا حنيفة و مالك و جمعا آخر من فقهائهم ينفون وجوب التشهّد الأخير «1».

مع أنّ الظاهر أنّ البطلان في صورة العمد إجماعيّ، بل قيل: كاد أن يكون ضروري المذهب «2».

و هنا خلاف ثالث للمشهور، و هو: القول بالبناء فيما إذا كان المنتقض الطهارة الترابيّة

خاصّة، حكي عن العماني و الشيخين و ابن حمزة في الواسطة «3»، و مال إليه في المعتبر «4»، و قوّاه في المدارك «5»، و نفى عنه البعد في شرح الإرشاد للأردبيلي «6».

لصحيحة زرارة و محمّد: رجل دخل في الصلاة و هو متيمّم، فصلّى ركعة ثمَّ أحدث فأصاب الماء، قال: «يخرج و يتوضّأ ثمَّ يبني على ما مضى من صلاته التي صلّى بالتيمّم» «7».

و نحوها صحيحة زرارة الأخرى «8».

و هما أخصّان من المدّعى على ما يظهر من نهاية الشيخ «9»، و ما حكاه الحلّي في السرائر «10» من وجوب الطهارة و البناء على المتيمّم إذا أحدث مطلقا.

______________________________

(1) بداية المجتهد 1: 129، المغني و الشرح الكبير 1: 614.

(2) كما في الرياض 1: 177.

(3) حكاه عن العماني في المختلف 1: 53، المفيد في المقنعة: 61، الطوسي في النهاية: 48، حكاه عن ابن حمزة في الذكرى: 111.

(4) المعتبر 1: 407.

(5) المدارك 3: 459.

(6) مجمع الفائدة 3: 49.

(7) الفقيه 1: 58- 214، التهذيب 1: 204- 594، الاستبصار 1: 167- 580، الوسائل 7:

236 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 10.

(8) التهذيب 1: 403- 1263، الاستبصار 1: 167- 579، الوسائل 3: 383 أبواب التيمم ب 21 ح 5.

(9) النهاية: 48.

(10) السرائر 1: 139.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 16

نعم تنطبقان عليه على ما نقله في المنتهى و المدارك من أنّه إذا أحدث فوجد الماء «1».

فيجاب عنهما: بأنّهما تعارضان ما مرّ، و توافقان العامّة «2».

و مع ذلك لا بدّ من ارتكاب تخصيص أو تجوّز فيهما، إذ لا شكّ في البطلان في صورة العمد، و التخصيص بالسهو ليس أولى من حمل الركعة على الصلاة، كما عن المختلف «3»، فيكون المراد من قوله: «يبني

على ما مضى» أي: يجتزئ بتلك الصلاة السابقة، فإنّه لم يثبت للبناء حقيقة شرعية في هذا المعنى المدّعى، كما مرّ في مسألة واجد الماء في أثناء الصلاة من بحث التيمّم.

أو تخصيص الرجل بمن صلّى صلاة بالتيمّم ثمَّ دخل في الأخرى، كما عن المنتقى «4»، فيكون المراد بالصلاة في قوله: «يبني على ما مضى من صلاته» هو صلاته التي صلّاها بالتيمّم تامّة قبل هذه الصلاة الّتي أحدث فيها، و مرجعه إلى أنّه يخرج من هذه الصلاة و لا يعيد ما صلّاها بهذا التيمّم و إن كان في الوقت، و يشعر بهذا المعنى قوله: «التي صلّى بالتيمّم».

الثاني: التكفير،

بمعنى وضع اليمين على الشمال، كما فسّره به في صحيحة محمّد «5»، أو هو أو عكسه، كما به فسّره في المروي في الدعائم «6».

و حرمته في الصلاة مشهورة، صرّح بها في الانتصار و الخلاف و النهاية و الجمل و السرائر و الوسيلة و الغنية و النافع و المنتهى و التذكرة و نهاية الإحكام

______________________________

(1) المنتهى 1: 157، المدارك 3: 459.

(2) انظر: بدائع الصنائع 1: 220.

(3) المختلف 1: 53.

(4) المنتقى 1: 362.

(5) التهذيب 2: 84- 310، الوسائل 7: 265 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 1.

(6) الدعائم 1: 159، مستدرك الوسائل 5: 421 أبواب قواطع الصلاة ب 14 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 17

و التحرير و الإرشاد و القواعد و شرحه و الروضة «1»، و غيرها، بل عامّة المتأخّرين كما قيل «2».

إلّا أنّ بعضهم عبّر بالمعنى الأوّل، و بعضهم بالثاني، و بعضهم بالتكفير، و في الانتصار و الغنية الإجماع عليها في المعنى الأوّل مطلقا «3»، و في الخلاف على الثاني كذلك «4».

و عن الحلبي و الإسكافي و المعتبر عدمها

بشي ء من المعنيين «5».

و الحق هو الأوّل بمعنى حرمته، سواء فسر بالمعنى الأوّل أو بالثاني، للمروي في كتاب المسائل لعليّ، عن أخيه عليه السلام: عن الرجل يكون في صلاته يضع إحدى يديه على الأخرى بكفّه أو ذراعه، قال: «لا يصلح ذلك، فإن فعل فلا يعودنّ له» «6».

فإنّ نفي الصلاحيّة يستلزم الحرمة، كما بيّنا وجهه في عوائد الأيام «7». و لا ينافيه ما بعده، لأنّ معناه أنّه إن كان فعل ذلك قبل هذا فلا يعود إليه بعد ذلك، و هذا ملائم للحرمة لا مناف لها.

و ضعفه منجبر بدعوى الشهرة على تحريم الأصل و العكس في طائفة من العبارات، منها في شرح الجعفرية، بل الإجماع في الخلاف «8».

______________________________

(1) الانتصار: 41، الخلاف 1: 321، النهاية: 73، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 184، السرائر 1: 217، الوسيلة: 97، الغنية (الجوامع الفقهية): 558، النافع:

34، المنتهى 1: 311، التذكرة 1: 132، نهاية الإحكام 1: 523، التحرير 1: 42، الإرشاد 1: 268، القواعد 1: 35، جامع المقاصد 2: 344، الروضة 1: 235.

(2) الرياض 1: 179.

(3) الانتصار: 41، الغنية (الجوامع الفقهية): 558.

(4) الخلاف 1: 322.

(5) الحلبي في الكافي في الفقه: 125، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 100، المعتبر 2: 257.

(6) مسائل علي بن جعفر: 170- 288، الوسائل 7: 266 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 5.

(7) عوائد الأيام: 82.

(8) الخلاف 1: 322.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 18

و تؤيده روايات مستفيضة أخرى، كصحيحة محمّد «1»، و مرسلة حريز «2»، و المرويّات في الخصال «3»، و الدعائم «4»، و قرب الإسناد «5».

و عدم الاستدلال بها- كالأكثر- لخلوّها عن الصريح في التحريم، لأنّها بين ألفاظ إخباريّة أو محتملة لها.

و أمّا قوله في رواية الدعائم:

«و لكن أرسلهما إرسالا» و إن كان أمرا، إلّا أنّها- لضعفها و عدم حصول الانجبار لها في وجوب إرسالها، لاحتمال جواز وضع اليدين على الثديين أو الضلعين، أو إحداهما- لا تصلح لإثبات الحرمة.

و أمّا المروي في تفسير العياشي: أ يضع الرجل يده على ذراعيه في الصلاة؟

قال: «لا بأس» «6».

فضعيف غير منجبر، و مع ذلك للعامّة موافق.

و لا فرق في الحرمة بين كون الوضع فوق السّرة أو تحتها، وضع الكفّ على الكفّ أو على الساعد، لإطلاق الرواية و الإجماعات المنقولة الجابرة لها، بل صرّح بالإجماع في الخلاف على عموم فوق السرّة و تحتها «7».

ثمَّ إنّه هل هو موجب لبطلان الصلاة؟ كما صرّح به كثير من المحرّمين «8»، و منهم والدي- رحمه اللّه- في بحث المنافيات من التحفة الرضويّة.

______________________________

(1) التهذيب 2: 84- 310، الوسائل 7: 265 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 1.

(2) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 9، التهذيب 2: 84- 309، الوسائل 7: 266 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 3.

(3) الخصال: 622، الوسائل 7: 267 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 7.

(4) الدعائم 1: 159، مستدرك الوسائل 5: 421 أبواب قواطع الصلاة ب 14 ح 2.

(5) قرب الإسناد 208- 809، الوسائل 7: 266 أبواب قواطع الصلاة 15 ح 4.

(6) تفسير العياشي 2: 36- 100، مستدرك الوسائل 5: 421 أبواب قواطع الصلاة ب 14 ح 4.

(7) الخلاف 1: 322.

(8) كالعلامة في نهاية الأحكام 1: 523، و التذكرة 1: 132، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:

237.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 19

أو لا؟ كما في شرح الإرشاد للأردبيلي، و الروضة و المسالك «1»، و والدي- رحمه اللّه- في بحث القيام من الكتاب

المذكور.

الحقّ هو الثاني، للأصل الخالي عن المعارض مطلقا، إلّا ما استدلّ به من الإجماع البسيط المنقول في الخلاف «2»، و المركّب المصرّح به في كلام الثانيين «3»، و كونه فعلا كثيرا، و أصل الاشتغال، و توقيفيّة العبادة، و لزوم الزيادة في الصلاة.

و الكلّ ضعيف، يظهر وجهه ممّا مرّ مرارا.

و لا يحرم ذلك في حال التقيّة مطلقا إجماعا، بل يجب، و معها لو تركه لم تبطل صلاته قطعا.

الثالث: الالتفات عن القبلة.

و تحقيقه: أنّ الالتفات إمّا يكون خطأ في القبلة مع التقصير أو بدونه.

أو جهلا بوجوب مراعاتها.

أو ظنّا بتمام الصلاة كمن سلّم في غير موقعه.

أو عمدا.

أو سهوا من أنّه في الصلاة، أو من أنّه لا يجوز الانحراف، و منه الغفلة كأن يسمع صوتا من خلفه فيلتفت من غير شعور.

أو مكرها.

و الأوّلان قد مضيا في باب القبلة.

و الثالث يأتي في مسألة السلام في غير موضعه.

و الكلام هنا في الثلاثة الأخيرة.

______________________________

(1) مجمع الفائدة 3: 51، الروضة 1: 235، المسالك 1: 32.

(2) الخلاف 1: 322.

(3) المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 345، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 330.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 20

فإن كان عمدا فهو إمّا يكون بالبدن كلّه أو الوجه خاصّة، و على التقديرين إمّا يكون إلى الخلف، و المراد به ما يجاوز عن أحد الجانبين و إن لم يبلغ مقابل القبلة، و لذا تراهم قابلوه باليمين و الشمال، أو إلى أحد الجانبين، أو إلى ما بينه و بين القبلة.

فعلى الأوّل، فإن كان إلى الخلف يبطل بالإجماع، و المستفيضة من الصحاح و غيرها الآتية.

و إلّا فعلى الأقوى، إن بلغ أحد الجانبين، وفاقا لنهاية الشيخ و المعتبر و روض الجنان و الذكرى و البيان و الروضة و شرح

الجعفرية و شرح القواعد و الحدائق «1» و المعتمد، بل للأكثر، بل للجميع كما يظهر من اشتراطهم في بحث القبلة عدم الانحراف عمدا و لو يسيرا، و هو قرينة على أنّ مرادهم من الالتفات الغير المبطل هنا هو الالتفات بالوجه خاصّة، كما صرّح به بعضهم أيضا «2»، و قد استعمل كثيرا مطلقا فيه كما يظهر للمتتبّع، و إن أمكن حمل كلامهم في القبلة على ما إذا صلّى على غير القبلة، و هنا على ما إذا التفت بدون إيقاع شي ء من الصلاة حينئذ.

للمستفيضة من الصحاح و غيرها، كصحيحة ابن أذينة: عن رجل رعف و هو في الصلاة و قد صلّى بعض صلاته، فقال: «إن كان الماء عن يمينه أو عن شماله أو عن خلفه فليغسله من غير أن يلتفت، و ليبن على صلاته، فإن لم يجد الماء حتى يلتفت فليعد الصلاة» «3».

و زرارة: «الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكلّه» «4».

______________________________

(1) النهاية: 94، المعتبر 2: 260، الروض: 332، الذكرى: 216، البيان: 182، الروضة 1:

236، جامع المقاصد 2: 347، الحدائق 9: 31.

(2) انظر: الذخيرة: 353.

(3) الفقيه 1: 239- 1056، الوسائل 7: 238 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 1.

(4) التهذيب 2: 199- 780، الاستبصار 1: 405- 1543، الوسائل 7: 244 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 21

و محمّد: عن رجل يلتفت في الصلاة؟ قال: «لا» «1».

و حسنة الحلبي: «إذا التفتّ في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا» «2».

و المروي في الخصال: «الالتفات الفاحش يقطع الصلاة» «3».

و مرسلة الفقيه: «و لا تلتفت عن يمينك و لا عن يسارك، فإن التفتّ حتى ترى من خلفك وجب عليك إعادة

الصلاة» «4».

و المستفيضة الآتية المصرّحة بالبطلان بتقلّب الوجه و صرفه و تحويله، اللازمة للالتفات بالجميع.

و أمّا رواية عبد الحميد: عن الالتفات، أ يقطع الصلاة؟ قال: «لا، و ما أحبّ أن يفعل» «5».

فهي عامّة مطلقة بالنسبة إلى ما مرّ من جهة الالتفات و الصلاة حيث تشمل النافلة أيضا، فتخصّص بما مرّ، سيّما مع أنّ الأخبار المبطلة معاضدة بأشهريّتها رواية، و بالموافقة لقوله سبحانه وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ 2: 144 «6».

و أمّا مفهوم خبري قرب الإسناد و المستطرفات، و صحيحة علي الآتية «7» فلا يفيد الجواز في غير الخلف، لأنّ مفهومها ما ذكر فيها بقوله: «و إن كانت نافلة» و بقوله: «إن كان في مقدّم ثوبه أو جانبيه» و مثل ذلك لا يعتبر فيه مفهوم آخر،

______________________________

(1) الكافي 3: 366 الصلاة ب 50 ح 12، التهذيب 2: 199- 781، الاستبصار 1:

405- 1544، الوسائل 7: 244 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 1.

(2) الكافي 3: 365 الصلاة ب 50 ح 10، التهذيب 2: 323- 1322، الاستبصار 1:

405- 1547، الوسائل 7: 245 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 2.

(3) الخصال 2: 622، الوسائل 7: 245 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 7.

(4) الفقيه 1: 197- 917، الوسائل 5: 509 أبواب القيام ب 15 ح 3.

(5) التهذيب 2: 200- 784، الاستبصار 1: 405- 1546، الوسائل 7: 245 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 5.

(6) البقرة: 144.

(7) في ص: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 22

لانتفاء التبادر المثبت للمفهوم، مع أنّ الصحيحة مختصّة بالالتفات بالوجه كما يأتي.

و أمّا مفهوم الحسنة و المرسلة، فلا ينافي ما مرّ، لأنّ الالتفات إلى أحد الجانبين فاحش جدا و موجب لرؤية الخلف قطعا.

و

إن لم يبلغ حدّ أحد الجانبين [1] فمع الاشتغال بشي ء من أجزاء الصلاة قطع صلاته إجماعا، له، و لأدلّة اشتراط الاستقبال في أجزائها.

بل لولاه للغى شرط الاستقبال في الصلاة، إذ لا فرق في الأجزاء بين قليلها و كثيرها إجماعا.

و إن لم يشتغل به فالظاهر عدم البطلان، لتعارض مفهوم المرسلة مع بعض المبطلات بالخصوص المطلق، فيخصّصه، و مع بعض آخر بالعموم من وجه، و حيث لا مرجّح يرجع إلى الأصل و هو مع الصحّة.

نعم لو التفت إلى قريب من أحد جانبيه بحيث يعدّ فاحشا عرفا، و يكون موجبا لرؤية الخلف- حيث إنّ الخلف لا يختصّ بنقطة مقابل القبلة و يمكن رؤية الخلف قبل البلوغ حدّ أحد الجانبين أيضا- يمكن القول أيضا بكونه مبطلا.

و لا يلزم منه الإبطال في غير هذه الصورة بالإجماع المركّب، لأنّه غير ثابت.

نعم لو ثبت لكان مفيدا. و لا يعارضه حينئذ ضمّ الإجماع المركّب مع ما دون ذلك و الحكم بالصحّة، لأنّ هذا الحكم يكون حينئذ بالأصل، فلا يعارض ما ثبت من جهة الدليل.

و على الثاني [2]، فإن كان إلى الخلف- و هو أمر جائز على ما ذكرنا من تعميم الخلف، سيّما مع أنّ الالتفات بالوجه إلى خصوص شي ء يحصل بميله إليه و إن لم ينقلب كلّه إليه- فيبطل أيضا، وفاقا لظاهر النهاية و الجمل و الخلاف و السرائر

______________________________

[1] أي: إذا كان الالتفات بجميع البدن و لم يبلغ أحد الجانبين.

[2] و هو: إذا كان الالتفات بالوجه خاصّة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 23

و الوسيلة و الغنية و الشرائع و النافع و التذكرة و المنتهى و التحرير و الإرشاد و نهاية الإحكام و القواعد و الذكرى و شرح القواعد للمحقق الثاني «1»، و

غير ذلك، بل هو مذهب الأكثر حيث ذكروا البطلان بالالتفات إلى ما وراءه، و هو يصدق على الالتفات بالوجه و إن لم يكن صريحا، و لذا قال المحقق الثاني: لا تصريح للأصحاب فيه «2».

لخصوص صحيحة علي: عن الرجل يكون في صلاته فيظنّ أنّ ثوبه قد انخرق أو أصابه شي ء، هل يصلح له أن ينظر فيه أو يفتّشه؟ قال: «إن كان في مقدّم ثوبه أو جانبه فلا بأس، و إن كان في مؤخّره فلا يلتفت، فإنه لا يصلح» «3».

و لغير الصحيحة الثانية من الأخبار المتقدّمة.

و صحيحة زرارة: «ثمَّ استقبل القبلة بوجهك، و لا تقلّب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك» «4».

و قريبة منها حسنته «5»، و مرسلة الفقيه «6».

و حسنة الحلبي: «و إن لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلّم فقد قطع صلاته» «7».

______________________________

(1) النهاية: 94، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 184، الخلاف: لم نجد فيه مبحث الالتفات، السرائر 1: 243، الوسيلة: 97، الغنية (الجوامع الفقهية): 558، الشرائع 1:

91، النافع: 34، التذكرة 1: 132، المنتهى 1: 307، التحرير 1: 43، الإرشاد 1:

268، نهاية الإحكام 1: 522، القواعد 1: 36، الذكرى: 217، جامع المقاصد 2: 347.

(2) جامع المقاصد 2: 348.

(3) التهذيب 2: 333- 1374، قرب الإسناد 191- 716، الوسائل 7: 245 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 4.

(4) الكافي 3: 300 الصلاة ب 16 ح 6، الفقيه 1: 180- 856، التهذيب 2: 286- 1146، الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9 ح 3.

(5) الفقيه 1: 180- 855، الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9 ح 2.

(6) الفقيه 1: 197- 917، الوسائل 5: 509 أبواب القيام ب 15 ح 3.

(7) الكافي 3: 365 الصلاة ب 50 ح

10، التهذيب 2: 323- 1322، الاستبصار 1: 405- 1547، الوسائل 7: 244 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 24

و رواية أبي بصير: «إن تكلّمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد» «1».

و محمّد، و فيها: «فإذا حوّل وجهه فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالا» «2».

و المرويّات في قرب الإسناد، و المسائل، و المستطرفات: «إذا كانت الفريضة و التفت إلى خلفه فقد قطع صلاته، فيعيد ما صلّى و لا يعتدّ به، و إن كانت نافلة فلم يقطع ذلك صلاته» «3». و غير ذلك.

خلافا لثاني الشهيدين في شرح الألفيّة ناسبا له إلى ظاهر الأصحاب، و للمحكي عن ظاهر المعتبر «4»، فلا يبطل، لصحيحة الفضيل، و رواية القماط، المتقدّمتين في النقض بالحدث «5»، و مفهوم صحيحة زرارة الاولى «6»، و رواية عبد الحميد «7».

و يجاب عن جميع ذلك: بعدم حجيّة الأوّلتين، لورودهما في حقّ المحدث، و صلاته باطلة كما مرّ.

و تعارض باقييها مع كثير ممّا ذكر و إن كان بالعموم من وجه، إلّا أنّ صحيحة عليّ أخصّ مطلقا منهما، إذ المراد بالالتفات فيها الالتفات بالوجه قطعا- إذ لو كان بكلّ البدن لما أمكن التفتيش، لانتقال الثوب بانتقاله أيضا- فهو المراد قطعا بل خاصّة، فيخصّصان بها.

______________________________

(1) الفقيه 1: 239- 1057، الوسائل 7: 245 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 6.

(2) التهذيب 2: 184- 732، الاستبصار 1: 368- 1401، الوسائل 8: 209 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 6 ح 2.

(3) قرب الإسناد: 210- 820، مستطرفات السرائر: 53- 2، الوسائل 7: 246 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 8.

(4) المعتبر 2: 160.

(5) راجع ص: 12.

(6) المتقدمة في ص: 20.

(7) المتقدمة في ص: 21.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 7، ص: 25

و إن كان إلى غيره [1] لا يبطل مطلقا، سواء بلغ أحد الجانبين أو لا، وفاقا لصريح أكثر من ذكر، بل ظاهر الجميع، لصحيحة عليّ، و مفهومي الحسنة و صحيحة زرارة «1».

خلافا للمحكي عن فخر المحقّقين، فقال بالبطلان بالالتفات بالوجه مطلقا [2]، و قوّاه الأردبيلي في شرح الإرشاد «2»، و مال إليه في المدارك «3»، و استجوده في الحدائق «4»، و حكي عن جمع آخر من المتأخّرين أيضا [3]، للعمومات المتقدّمة.

و يردّ: بوجوب تخصيصها بما ذكر، لكون الأكثر أخصّ مطلقا منها حيث إنّ غير الفاحش يختصّ بهذه الصورة على الظاهر، و الصحيحة أيضا مخصوصة بالالتفات بالوجه خاصّة، كما مرّ.

هذا كلّه في العمد.

و أمّا السهو فهو أيضا كالعمد على الأقوى في جميع الصور، إلّا إذا لم يبلغ الالتفات بالبدن كلّه إلى أحد الجانبين، فلا يبطل حينئذ و إن اشتغل بالصلاة حين الالتفات، و التفت بالوجه إلى الخلف [4].

أمّا الأوّل فلإطلاق أكثر الأدلّة المذكورة بالنسبة إلى العمد و السهو، فيتّحد مقتضاها في الحالين.

و ليس دليل آخر مخالف في الحكم يختصّ بصورة السهو سوى ما قد يتوهّم

______________________________

[1] أي: إذا كان الالتفات بالوجه، و كان إلى غير الخلف.

[2] قال في الذكرى: 217: كان بعض مشايخنا المعاصرين يرى أنّ الالتفات بالوجه يقطع الصلاة.

و قال في الحدائق 9: 34: و الظاهر أنّه فخر المحققين ابن العلامة كما نقله غير واحد من الأصحاب.

[3] كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1: 219، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 241.

[4] أي: .. و إلّا إذا التفت بالوجه إلى الخلف، فلا يبطل إذا كان سهوا.

______________________________

(1) المتقدمتين في ص: 20 و 21.

(2) مجمع الفائدة 3: 62.

(3) المدارك 3: 461.

(4) الحدائق 9: 35.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 26

من بعض الأخبار الواردة في الصلاة على غير القبلة، الفارقة بين الوقت و خارجه في الإعادة «1»، المتقدمة في بحث القبلة.

و هو خطأ، لأنّها إمّا صريحة في خطإ القبلة أو ظاهرة فيه، و لا دخل لها بالسهو.

مع أنّها أيضا لا تنافي شيئا ممّا ذكر، لأنّ موردها الانحراف بكلّ البدن، لأنّه معنى الصلاة على غير القبلة، و قد حكم فيها بالإعادة. و أمّا نفي القضاء في بعضها فلا يضرّ، لأنّه بأمر جديد.

و أمّا رواية ابن الوليد: عن رجل تبيّن له و هو في الصلاة أنّه على غير القبلة، قال: «يستقبلها إذا أثبت ذلك» «2» فلإجمالها- حيث يحتمل إرجاع الضمير في «يستقبلها» إلى كلّ من الصلاة و القبلة- لا يصلح منشأ لحكم.

و أمّا الثاني فلموثقة الساباطي: في رجل صلّى على غير القبلة، فيعلم و هو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته، قال: «إن كان متوجّها فيما بين المشرق و المغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة حين يعلم، و إن كان متوجّها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة، ثمَّ يحوّل وجهه إلى القبلة، ثمَّ يفتتح الصلاة» «3».

فإنّها مختصّة بالساهي و الخاطئ بقرينة قوله: «فيعلم ..» و هي إمّا أخصّ مطلقا من عمومات القطع بالالتفات إن قلنا بشمولها أيضا للخاطئ كما تشمل الساهي و العامد، فتخصّص بها، أو من وجه، فيرجع إلى أصل الصحّة.

و أمّا الثالث فلأنّك قد عرفت أنّ الإبطال فيه مستند إلى صحيحة عليّ، و هي مخصوصة بالعمد.

و أمّا إن كان مكرها، فإن كان بالاختيار- كأن يأمره قاهر بالالتفات- فهو

______________________________

(1) انظر: الوسائل 4: 315 أبواب القبلة ب 11.

(2) التهذيب 2: 48- 158، الاستبصار 1: 297- 1096، الوسائل 4: 314 أبواب القبلة ب

10 ح 3.

(3) الكافي 3: 285 الصلاة ب 8 ح 8، التهذيب 2: 48- 159، الاستبصار 1: 298- 1100، الوسائل 4: 315 أبواب القبلة ب 10 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 27

كالسهو أيضا، لاتّحاد الدليل.

و إن كان اضطرارا- كأن يقلّبه متغلّب عن القبلة- فإن كان بالوجه مطلقا، و البدن إلى غير أحد الجانبين و ما وراءه، لم يبطل قطعا، للأصل السالم عن المعارض، لعدم شمول غير صحيحة زرارة: «الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكلّه» «1» و رواية الخصال «2» من المبطلات لهذه الصورة قطعا.

و هما و إن شملتاها إلّا أنّهما معارضتان في غير ما كان بالكلّ، فيرجع فيه إلى الأصل. و كذا فيما كان بالكلّ من غير تفاحش.

مع أنّ عدم الإبطال حينئذ عمدا يوجب عدمه هنا بطريق أولى.

و إن كان بالكلّ إلى أحد الجانبين أو ما وراءه فمقتضى إطلاق الصحيحة و الرواية الإبطال، و بهما تخصّص رواية عبد الحميد «3».

إلّا أنّ هذا إذا لم نقل بظهور لفظ الالتفات فيما كان بعمل الملتفت و اختياره، و إلّا فلا تبطل بالالتفات الاضطراري من حيث هو مطلقا، إلّا أن يترتّب عليه أمر آخر من فعل كثير، أو خروج عن صورة الصلاة، أو نحوهما.

ثمَّ إنّ كثيرا من الأخبار المتقدّمة و إن كان اختصّ بواسطة التقييد أو الأمر بالإعادة بالفرائض، إلّا أنّ بعضها يشمل النوافل أيضا.

و لكن ورد في جملة من النصوص الفرق بينهما بتخصيص الحكم بالأولى، كما في المرويّات في قرب الإسناد و المسائل و المستطرفات «4». و فيما خصّ البطلان بالمكتوبة أيضا إيماء إليه.

فالقول بعدم البطلان فيها ما لم يمح صورة الصلاة و لم يشتغل حين الالتفات بالكلّ بأجزاء الصلاة أجود.

______________________________

(1) تقدمت في ص: 20.

(2)

المتقدمة في ص: 21.

(3) المتقدمة في ص: 21.

(4) المتقدمة في ص: 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 28

الرابع: التكلّم عمدا
اشارة

بغير أجزاء الصلاة الواجبة أو المستحبّة إلّا ما يجي ء استثناؤه، إجماعا محقّقا، و محكيّا في كلام جماعة، منهم: الخلاف و التذكرة و المنتهى و الذكرى و غيرها «1»، له، و للنصوص المتقدّم بعضها.

و منها: صحيحة محمّد و فيها: «فإن تكلّم فليعد الصلاة» «2».

و مرسلة الفقيه: «من تكلّم في صلاته ناسيا كبّر تكبيرات، و من تكلّم في صلاته متعمّدا فعليه إعادة الصلاة، و من أنّ في صلاته فقد تكلّم» «3».

و مقتضى إطلاقها بطلان الصلاة بما يصدق عليه التكلّم مطلقا، و منه ما تركّب من حرفين فتبطل به أيضا، كما صرّح به في الخلاف و السرائر و الشرائع و النافع و القواعد و المنتهى و التذكرة و شرح القواعد و الذكرى «4»، و غيرها، بل في الثلاثة الأخيرة الإجماع عليه.

و هل يشترط التركّب منهما، فلو نطق بحرفين من غير تركيب كأن يقول: ب ت لم يبطل، أو لا يشترط؟.

الظاهر الأوّل سيّما مع قليل فصل، لعدم ثبوت الصدق و لا الإجماع.

و الظاهر عدم اشتراط الإفهام و الوضع للمعنى فيهما، فلو تكلّم بالمهمل بطلت، كما صرّح به في نهاية الإحكام «5»، لصدق التكلّم عرفا.

و لا تبطل بالحرف الواحد الغير الموضوع، على ما قطع به الأصحاب كما في

______________________________

(1) الخلاف 1: 403، التذكرة 1: 129، المنتهى 1: 308، الذكرى: 216، و انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 558.

(2) الكافي 3: 365 الصلاة ب 50 ح 9، التهذيب 2: 323- 1323، الوسائل 7: 282 أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 7.

(3) الفقيه 1: 232- 1029، الوسائل 7: 281 أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 2.

(4)

الخلاف 1: 407، السرائر 1: 225، الشرائع 1: 91، النافع: 34، القواعد 1: 35، المنتهى 1: 308، التذكرة 1: 129، جامع المقاصد 2: 341، الذكرى: 216.

(5) نهاية الاحكام 1: 515.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 29

المدارك «1»، بل بلا خلاف كما في التذكرة «2»، بل إجماعا كما في المنتهى و الذكرى «3»، للأصل، و عدم صدق التكلّم، و لا أقلّ من الشك فيه.

و أمّا الموضوع منه فيبطل، وفاقا لصريح جماعة، منهم: المنتهى و المدارك و الذكرى و شرح القواعد «4»، لصدق التكلّم عرفا، كما صرّح به نجم الأئمّة «5»، و حكي عن شمس العلوم «6»، و نسبه في الحدائق إلى ظاهر الأصحاب «7». فإنّه لو قال أحد: ق، بعد سؤال غيره عنه: هل أقيه أم لا؟ يقال: تكلّم.

و استشكل فيه في نهاية الأحكام و التذكرة «8»، و تردّد في القواعد «9».

و هو للشك في الصدق.

و مفهوم قولهم: النطق بحرفين فصاعدا.

و يدفع الأوّل: بما مرّ.

و الثاني: بأنّه في أعم من المفهم و غيره، مع أنّ كلامهم وارد في الغالب الشائع.

و المراد بالموضوع الموضوع لمعنى و لو كان لفظا، فتبطل بالتكلّم بلفظة ف و ب و ت و نحوها، لكونها موضوعة للباء و الفاء و التاء.

و لا يشترط في الوضع كونه وضعا لغويّا أو عرفيّا عامّا، بل يكفي الوضع مطلقا و لو عند المتكلّم و شخص آخر، أو في لغة غير معروفة، لصدق التكلّم في الجميع.

______________________________

(1) المدارك 3: 463.

(2) التذكرة 1: 130.

(3) المنتهى 1: 309، الذكرى: 216.

(4) المنتهى 1: 309، المدارك 3: 463، الذكرى: 216، جامع المقاصد 2: 341.

(5) شرح الكافية: 2.

(6) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 238.

(7) الحدائق 9: 18.

(8) نهاية الأحكام 1: 515،

التذكرة 1: 130.

(9) القواعد 1: 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 30

نعم يشترط قصد المتكلّم منه الحرف الموضوع، بل معناه الموضوع له، لعدم معلومية الصدق بدونه.

و لا تبطل بالحرف الواحد الممدود و لو بقدر خمسة أحرف، و لا بالمشبع ما لم يحصل من الإشباع حرف آخر ظاهر، للشك في الصدق.

و تبطل بحرف بعده حرف مدّ، لصدق الحرفين.

فروع:

أ: يستثنى من الكلام المبطل كلّ ما كان ذكر اللّه سبحانه أو دعاء و طلبا منه، للمستفيضة من النصوص، منها مرسلة حمّاد: «كلّ ما كلّمت اللّه به في صلاة الفريضة فلا بأس و ليس بكلام» «1».

و مرسلة الفقيه: «كلّ ما ناجيت به ربّك في الصلاة فليس بكلام» «2».

و صحيحة ابن مهزيار: عن الرجل، يتكلّم في صلاة الفريضة بكلّ شي ء يناجي ربّه؟ قال: «نعم» «3».

و رواية عبد اللّه بن هلال، و فيها: فأدعو في الفريضة و أسمّي حاجتي؟

فقال: «نعم قد فعل ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فدعا على قوم بأسمائهم و أسماء آبائهم، و فعله عليّ عليه السلام بعده» «4».

و صحيحة الحلبي: «كلّ ما ذكرت اللّه و النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فهو من الصلاة» «5».

______________________________

(1) الكافي 3: 302 الصلاة ب 17 ح 5، التهذيب 2: 325- 1330، الوسائل 7: 264 أبواب قواطع الصلاة ب 13 ح 3.

(2) الفقيه 1: 208- 939، الوسائل 6: 289 أبواب القنوت ب 19 ح 4.

(3) التهذيب 2: 326- 1337، الوسائل 7: 263 أبواب قواطع الصلاة ب 13 ح 1.

(4) الكافي 3: 324 الصلاة ب 25 ح 11، مستطرفات السرائر: 98- 20، الوسائل 6: 371 أبواب السجود ب 17 ح 3.

(5) الكافي 3: 337 الصلاة

ب 30 ح 6، التهذيب 2: 316- 1293، الوسائل 7: 263 أبواب قواطع الصلاة ب 13 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 31

و صحيحة إسماعيل بن الفضل: عن القنوت و ما يقال فيه، فقال: «ما قضى اللّه على لسانك، و لا أعلم فيه شيئا موقّتا» «1».

و صحيحة الحلبي «2»، المتقدّمة في القنوت أيضا.

و الأخبار المصرّحة بجواز التسبيح لإرادة الحاجة، كموثّقة الساباطي «3»، و صحيحتي عليّ «4» و الحلبي «5»، إلى غير ذلك.

و تؤكده عمومات الأمر بالذكر و الدعاء و التمجيد في كلّ حال، أو في السجود «6».

و مقتضى إطلاق الجميع جواز ذلك في كلّ حال من حالات الصلاة، سواء كان قائما أو قاعدا، راكعا أو ساجدا، قائما أو متشهّدا، ما لم يخلّ بشي ء من الصلاة، كالدعاء الطويل في خلال القراءة.

و الظاهر- كما صرّح به بعضهم- أنّه إجماعي أيضا إذا كان ذلك بالعربيّة «7».

و مقتضى الأصل و عموم كثير من الأخبار المذكورة جوازه بغير العربيّة أيضا، كما حكى القول به بعض من تأخّر «8».

بل هو مختار الشيخ في النهاية «9»، و إن قيّده بمن لم يحسن العربيّة، و لكن

______________________________

(1) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 8، التهذيب 2: 314- 1281، الوسائل 6: 277 أبواب القنوت ب 9 ح 1.

(2) الفقيه 1: 207- 933، الوسائل 6: 278 أبواب القنوت ب 9 ح 4.

(3) الفقيه 1: 242- 1077، الوسائل 7: 255 أبواب قواطع الصلاة ب 9 ح 4.

(4) التهذيب 2: 331- 1363، قرب الإسناد: 200- 767، الوسائل 7: 256 أبواب قواطع الصلاة ب 9 ح 6.

(5) الكافي 3: 365 الصلاة ب 50 ح 7، الفقيه 1: 242- 1075، الوسائل 7: 254 أبواب قواطع الصلاة ب

9 ح 2.

(6) كما في الوسائل 6: 370 أبواب السجود ب 17.

(7) كما في الانتصار: 47.

(8) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 333.

(9) النهاية: 74.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 32

لعدم إيجاب العجز عن العربيّة في غير الواجبات لتجويز ما لا يجوز، يفهم تجويزه مطلقا.

و الفاضل في المنتهى و التذكرة و التحرير و القواعد و المختلف، و التنقيح و كنز العرفان و الدروس و البيان و الكفاية و شرح الإرشاد للأردبيلي «1».

و هو المحكي عن الشيخ المتقدّم محمّد بن الحسن الصفّار و ابن بابويه «2»، و المحقق «3»، و غيرهم.

و نسبه في شرح القواعد إلى الشهرة بين الأصحاب، بل قال: إنّه لا يعلم قائل بالمنع سوى سعد «4».

و كلام أكثر هؤلاء و إن كان في القنوت، إلّا أنّ الظاهر عدم الفرق، بل غيره أولى منه بالجواز، حيث إنّه أمر موقّف.

خلافا للمحكي عن سعد بن عبد اللّه فمنعه «5»، و نقله والدي- طاب ثراه- عن جماعة و اختاره، كطائفة من مشايخنا المعاصرين «6».

للاقتصار في الكلام المنهي عنه، على الظاهر حصول الرخصة فيه «7».

و انصراف الأخبار المجوّزة إلى الكلام المتعارف عندهم.

و توقيفيّة العبادة.

و قوله: «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» «8».

______________________________

(1) المنتهى 1: 310، التذكرة 1: 125، التحرير 1: 42، القواعد 1: 35، المختلف 1: 98، التنقيح 1: 215، كنز العرفان 1: 145، الدروس 1: 171، البيان: 180، الكفاية: 20 مجمع الفائدة 2: 302.

(2) انظر: الفقيه 1: 208.

(3) المعتبر 2: 241.

(4) جامع المقاصد 2: 322.

(5) حكاه عنه في الفقيه 1: 208.

(6) كالسيد بحر العلوم في الدرة النجفية: 149، و صاحب الحدائق 8: 371.

(7) أي: على ما هو ظاهر حصول الرخصة فيه، و هي العربية.

(8) سنن الدار قطني 1:

273- 2، عوالي اللئالي 1: 197- 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 33

و الكلّ ضعيف جدّا:

أمّا الأوّل، فلحصول الرخصة بما مرّ. و لو شكّ فيه من جهة انصراف المرخّصات إلى الكلام المتداول عندهم- مع كونه ممنوعا غايته سيّما مع شيوع سائر اللغات بين أهل الإسلام في زمن الصادقين و من بعدهما- لجرى مثله في الناهيات أيضا، فيبقى غير العربي تحت أصل الجواز.

ثمَّ منه يظهر ضعف الثاني أيضا. مع أنّ الانصراف إلى الشائع إنّما هو في المطلقات، و أكثر ما ذكر عمومات، و إرجاع عمومها إلى المعاني دون الألفاظ- كما قيل- تخصيص بلا دليل.

و أمّا الثالث، فلتحقق التوقيف بما مرّ. مع أنّ المحتاج إلى التوقيف من العبادات هو أجزاؤها و شرائطها، و هي معلومة في الصلاة، لا ما يخرج منها.

و منه يظهر ضعف الرابع أيضا، فإنّ مورد النزاع ليس من الصلاة.

هذا كلّه إنّما هو في غير الأذكار الواجبة.

و أمّا الواجبة منها فلا تجوز بغير العربية، و إن قلنا بكفاية مطلق الذكر في الركوع و السجود، بالإجماع بل الضرورة الدينيّة.

و هل يشترط في جواز الأذكار و نحوها قصد القربة بها، و قصد كونها ذكر اللّه سبحانه، أم لا؟.

الظاهر الثاني، لعدم توقّف صدق الذكر عليه، و للتصريح به في صحيحة علي: عن الرجل يكون في صلاته، و إلى جنبه رجل راقد، فيريد أن يوقظه، فيسبّح و يرفع صوته، لا يريد إلّا أن يستيقظ الرجل، أ يقطع ذلك صلاته؟ و ما عليه؟ قال: «لا يقطع ذلك صلاته، و لا شي ء عليه» «1».

ب: ذكر جماعة من الأصحاب اشتراط جواز الدعاء بعدم كونه سؤال شي ء محرّم، فلو طلب محرّما بطلت صلاته «2». قيل: بلا خلاف أجده «3»، و عن

______________________________

(1) قرب

الإسناد: 200- 766، الوسائل 7: 257 أبواب قواطع الصلاة ب 9 ح 9.

(2) كما في جامع المقاصد 2: 322، و المدارك 3: 476، و كشف اللثام 1: 239.

(3) الرياض 1: 182.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 34

التذكرة: الإجماع عليه «1».

و استدل له بعموم النهي عن التكلّم «2»، فيقتصر في التعدي عنه على المتيقّن، و هو ما جاز طلبه، لاختصاص أكثر مجوّزات الدعاء به، باعتبار تجويز تكلّمه، أو الأمر به، أو نفي البأس عنه، و شي ء منها لا يتحقّق في المحرّم.

أقول: إن ثبت الإجماع فهو. و إلّا فإن ثبت حرمة طلب المحرّم من اللّه سبحانه فكذلك أيضا، لما ذكر. و إلّا- كما هو الظاهر، إذ لا دليل أجده يوجب حرمة سؤال المحرّم من اللّه سبحانه- فللنظر فيه مجال، لصدق التكلّم مع اللّه، أو المناجاة معه، إلّا أن يدّعى تبادر غير سؤال المحرّم منه، و لكنّه للمنع قابل، و أمر الاحتياط واضح.

نعم لو كان نفس السؤال محرّما فلا شكّ في الإبطال به، لما ذكر.

ثمَّ إنّه هل يتقيّد الحكم بالبطلان فيما يبطل بصورة العلم بحرمة المدعوّ به أو الدعاء، أم لا؟.

الظاهر التفصيل بالتقصير و عدمه، فإن كان مقصّرا في تحصيل العلم تبطل، و إلّا فلا.

ج: لو قرأ دعاء غلطا فلو أخرجه عن كونه دعاء بطلت الصلاة، بأن يغيّر المعنى إلى ما لا معنى له، أو له معنى غير الدعاء، سواء كان الغلط في الكلمة، أو الحرف، أو الإعراب. و إلّا فلا تبطل. و كذا الكلام في الغلط في الأذكار المستحبّة في الصلاة.

د: الظاهر الإجماع على استثناء القرآن أيضا، فتجوز قراءته في جميع حالات الصلاة ما لم يتحقّق بها القرآن بين السورتين.

______________________________

(1) التذكرة 1: 131.

(2) كما في كشف

اللثام 1: 239.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 35

و تدلّ عليه أيضا عمومات الأمر بقراءة القرآن فيها «1»، تعارض ما نهى عن التكلّم، و يرجع في موضع التعارض إلى الأصل.

و يدلّ على جواز ما كان منه ذكر اللّه أو دعاء ما مرّ من الأخبار، و حيث كان الدليل في غير ما كان كذلك الإجماع و العمومات، فيقتصر فيه على ما يدلّان عليه.

فلو قرأ آية لمحض الإفهام، كما إذا قال مستفهما ما بيد شخص اسمه موسى:

وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى لم يجز، لعدم الإجماع، و لا قصد التقرّب حتى يشمله الأمر.

و بما ذكر يظهر اشتراط كون القراءة ممّا لم يمنع منه الشرع، كآية السجدة في الفريضة، أو القران بين السورتين فيها.

ه: لا فرق في الكلام بين ما كان لمصلحة الصلاة و بين غيره، بالإجماع، كما عن الخلاف و المنتهى و التذكرة «2»، لإطلاق الأدلّة.

و: في حكم العمد الجهل بالإبطال، أو بكون هذا الكلام مبطلا، لعموم الأدلّة، و ظاهر المنتهى الإجماع عليه، حيث نسب الخلاف إلى الشافعي «3».

و كذا الإكراه على الأقوى، وفاقا لنهاية الاحكام و التذكرة و التحرير «4»، و الجعفريّة، لعموم النصوص و الفتاوى.

و خلافا للقواعد، و ظاهر الذكرى و المدارك و شرح الجعفريّة، فتردّدوا «5».

للأصل.

و حصر وجوب الإعادة في الخمسة.

______________________________

(1) كما في الوسائل 6: 186 أبواب قراءة القران ب 11.

(2) الخلاف 1: 402، المنتهى 1: 308، التذكرة 1: 129.

(3) المنتهى 1: 308.

(4) نهاية الإحكام 1: 516، التذكرة 1: 130، التحرير 1: 43.

(5) القواعد 1: 35، الذكرى: 216، المدارك 3: 464.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 36

و رفع ما استكرهوا عليه.

و تبادر الاختيار من الإطلاق.

و يردّ الأوّل: بالإطلاقات.

و الثاني: بأعميّة ما عدا

موضع الحصر عن التكلّم مطلقا، فيخصّ بأدلّة إبطاله.

و الثالث: بعدم الدلالة، إذ غاية ما يسلّم رفع المؤاخذة.

و الرابع: بالمنع.

و الفرق بين ضيق الوقت و اتساعه، و البطلان في الثاني، لما مرّ، و الصحة في الأوّل، لأنّه مع الضيق مضطرّ إلى فعله مؤدّ لما عليه.

مردود: بأنّه مع السعة أيضا كذلك، و لا دليل على أنّ الضيق شرط في الاضطرار، و لا على إعادة المضطر إذا بقي الوقت.

ز: و إن كان التكلّم سهوا عن كونه في الصلاة، أو غفلة بأن يسبق على لسانه من غير قصد، أو ظنّا لخروجه عنها، لم تبطل الصلاة، إجماعا في الأوّلين، و على الأصحّ الأشهر في الثالث.

و في الناصريّات و التذكرة و المنتهى و غيرها: الإجماع على الأوّل «1».

فهو الحجّة فيه، مضافا إلى النصوص المستفيضة كصحيحة الفضيل، و مرسلة الفقيه المتقدّمتين «2».

و صحيحة البجلي: عن الرجل يتكلّم ناسيا في الصلاة، يقول: أقيموا صفوفكم، قال: «يتمّ صلاته، ثمَّ يسجد سجدتين» «3» الحديث.

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 199، التذكرة 1: 130، المنتهى 1: 309، و انظر: الذكرى:

216.

(2) في ص: 12 و 28.

(3) الكافي 3: 356 الصلاة ب 42 ح 4، التهذيب 2: 191- 755، الاستبصار 1:

378- 1433، الوسائل 8: 206 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 37

و زرارة: في الرجل يسهو في الركعتين، و يتكلّم، قال: «يتمّ ما بقي من صلاته تكلّم أو لم يتكلّم، و لا شي ء عليه» «1».

و بما ذكر يقيّد إطلاق بعض الأخبار إن شمل الساهي أيضا «2».

و منه تظهر الحجّة في الثاني، لصدق السهو. مضافا إلى ظهور رواية عقبة:

في رجل دعاه رجل و هو يصلّي، فسها، فأجابه لحاجته، قال: «يمضي على صلاته،

و يكبّر تكبيرا كثيرا» «3» فيه بخصوصه.

و أمّا حجّة الثالث: فصحيحة محمّد: في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة، فسلّم، و هو يرى أنّه قد أتمّ الصلاة، و تكلّم، ثمَّ ذكر أنّه لم يصلّ غير ركعتين، فقال: «يتمّ ما بقي من صلاته، و لا شي ء عليه» «4».

و المستفيضة الواردة في سهو النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إتمامه مع تكلّمه، و استفهامه عن ذي الشمالين أو غيره، كصحيحة الأعرج «5»، و موثّقة سماعة «6»، و غيرهما.

خلافا للمحكي عن الشيخ في بعض أقواله «7»، و عن الحلبي «8»، و بعض

______________________________

(1) التهذيب 2: 191- 756، الاستبصار 1: 378- 1434، الوسائل 8: 200 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 5.

(2) انظر: الوسائل 7: 281 أبواب قواطع الصلاة ب 25.

(3) التهذيب 2: 351- 1456، الاستبصار 1: 378- 1435، الوسائل 8: 206 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 4 ح 2.

(4) التهذيب 2: 191- 757، الاستبصار 1: 379- 1436، الوسائل 8: 200 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 9.

(5) الكافي 3: 357 الصلاة ب 42 ح 6، التهذيب 2: 345- 1433، الوسائل 8: 203 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 16.

(6) الكافي 3: 355 الصلاة ب 42 ح 1، التهذيب 2: 346- 1438، الاستبصار 1:

369- 1405، الوسائل 8: 201 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 11.

(7) انظر: النهاية: 90.

(8) حكاه عنه في المختلف: 101.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 38

آخر «1».

و لم أعثر لهم على دليل معتبر، و لعلّه لبعض الإطلاقات «2»، الواجب تقييده بما مرّ لو سلّم شموله لمثله. و إن لم يشمله- كما قيل «3»- حيث إنّ

الظاهر من التكلّم عمدا في الصلاة أن يعلم أنّه فيها، و من ظنّ خروجه منها لم يتعمّد الكلام في الصلاة، ارتفع الإشكال رأسا، و لا يحتاج إلى تقييد.

و منه يظهر أنّه لو تكلّم بعد السلام مع احتماله عدم الإتمام، كأن يسأل عن التمام و نحوه، لم تبطل الصلاة أيضا، و إن لم أعثر على مصرّح بالصحّة هنا. و لكن يحتمل شمول ظنّ الإتمام في كلماتهم له أيضا، لعدم صدق التكلم عمدا في الصلاة.

و تدلّ عليه أخبار سهو النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صريحا. و لا يوجب اشتمالها على سهوه ضعفا، لأنّ المسلّم امتناع سهوه لا إسهائه.

و أمّا لو تكلّم عمدا بعد العلم بعدم تمامية الصلاة فتبطل صلاته قطعا، لصدق التعمّد بالتكلّم في الصلاة، و كأنّه إجماعي أيضا.

و أمّا صحيحة الرازي: كنت مع أصحاب لي في سفر، و أنا إمامهم، و صلّيت بهم المغرب، فسلّمت في الركعتين الأوليين، فقال أصحابي: إنّما صلّيت بنا ركعتين، فكلّمتهم، و كلّموني، فقالوا: أمّا نحن فنعيد، فقلت: لكنّي لا أعيد و أتمّ بركعة، فأتممت بركعة، ثمَّ سرنا، فأتيت أبا عبد اللَّه عليه السلام فذكرت له الذي كان من أمرنا، فقال: «أنت كنت أصوب منهم فعلا» «4».

- حيث صوّب عليه السلام فعله، مع قوله: لكنّي لا أعيد و أتمّ بركعة- فمحمول على قوله ذلك في نفسه لا بلسانه، أو بفعله أي: فعلت ذلك،

______________________________

(1) كابن حمزة في الوسيلة 102.

(2) كما في الوسائل 7: 282 أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 7 و 8.

(3) الحدائق 9: 25.

(4) الفقيه 1: 228- 1011، التهذيب 2: 181- 726، الاستبصار 1: 371- 1411، الوسائل 8: 199 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 3.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 39

أو على سبق اللسان من غير قصد.

و أمّا كون القوم مصيبين أيضا- كما يدلّ عليه التفضيل- فلأنّهم كلّموا بالأجنبي كما صرّح به قوله: «فقال أصحابي» فكان حكمهم الإعادة.

و أمّا أصوبيّة الرازي فلأنّه لم يتكلم و أتمّ، و هذا أصوب ممّن تكلّم و أعاد.

فإن قلت: بناء على وجوب الإتمام- كما هو المذهب- يكون التكلّم حراما لا صوابا، و لذا جرّد الصيغة بعضهم عن معنى الأفضليّة «1»، و رخّص آخر في الإعادة «2».

قلت: لعلّ تكلمهم كان جهلا من غير تقصير، فلا يكون حراما و تجب عليهم الإعادة، و يكون هذا حكمهم، و لكنّ الأصوب ما فعله الرازي.

و يمكن أن يكون تصويبهم في مجرّد الإعادة بعد التكلّم يعني: أنّهم أصابوا في الإعادة لتكلّمهم، و هو في [الإتمام ] «3» و لكنّه أصوب، لأنّ ما فعل هو الواجب عليه ابتداء، و ما فعلوا وجب عليهم بفعل محرّم، فتأمّل.

ح: لا تبطل الصلاة بالتنحنح، و التنخّم، و التأوّه، و الأنين، و نفخ موضع، بالإجماع، له، و للأصل و الأخبار.

و أمّا ما في رواية طلحة و غيرها «من أنّ في صلاته فقد تكلّم» «4».

فلا يدلّ على البطلان، لعدم كونه كلاما حقيقة. و يمكن أن يكون مجازه المراد أنّ: من أنّ عرّض نفسه معرض التكلّم، فيقرب أن يصدر منه كلام.

و هل تبطل لو خرج من أحد هذه الأمور حرفان، أم لا؟

صرّح جماعة بالأوّل، لصدق التكلّم «5».

______________________________

(1) انظر: الحدائق 9: 25.

(2) انظر: الوافي 8: 959.

(3) في النسخ: الإعادة.

(4) التهذيب 2: 330- 1356، الوسائل 7: 281 أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 4.

(5) انظر: التذكرة 1: 131، و الذكرى: 216.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 40

و فيه نظر، لمنع

الصدق في مثل هذين الحرفين. فالحقّ عدم البطلان.

و خصّه في المعتبر بما إذا كان التأوّه من خوف اللّه «1».

و اعترض بأنّه إن كان الجواز من حيث عدم صدق الكلام عليه فلا اختصاص له بما كان من خوفه سبحانه، و إن كان من حيث الخوف مع صدق الكلام، فلا دليل على التخصيص «2».

و فيه: أنّه لصدق الكلام، و مع الخوف يكون ممّا ناجى به ربّه فيكون مستثنى، فتأمّل.

الخامس: القهقهة،

و هي مبطلة للصلاة مع العمد، إجماعا محقّقا و محكيّا في كلام جماعة، منهم المعتبر و المنتهى و نهاية الإحكام و التذكرة و الذكرى «3»، له، و للمعتبرة من النصوص، كصحيحة زرارة: «القهقهة لا تنقض الوضوء و تنقض الصلاة» «4».

و موثّقة سماعة: عن الضحك هل يقطع الصلاة؟ قال: «أمّا التبسّم فلا يقطع، و أمّا القهقهة فهي تقطع الصلاة» «5».

و بمعناها مرسلة الفقيه «6»، و رواية الخصال «7».

______________________________

(1) المعتبر 2: 254.

(2) انظر: الحدائق 9: 190.

(3) المعتبر 2: 254، المنتهى 1: 310، نهاية الإحكام 1: 519، التذكرة 1: 131، الذكرى:

216.

(4) الكافي 3: 364 الصلاة ب 50 ح 6، التهذيب 2: 324- 1324، الوسائل 7: 250 أبواب قواطع الصلاة ب 7 ح 1.

(5) الكافي 3: 364 الصلاة ب 50 ح 1، التهذيب 2: 324- 1325، الوسائل 7: 250 أبواب قواطع الصلاة ب 7 ح 2.

(6) الفقيه 1: 240- 1062، الوسائل 7: 251 أبواب قواطع الصلاة ب 7 ح 4.

(7) الخصال: 629، الوسائل 5: 471 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 41

و إطلاقها يشمل الجاهل بالمسألة، و بكونه قهقهة، و المختار، و غيره، كمن سبقه الضحك بحيث لا يمكنه دفعه، فيبطل مع الاضطرار أيضا، كما

صرّح به في الذكرى و شرح القواعد و البيان «1»، بل قيل: يظهر من التذكرة أنّه مجمع عليه «2».

و عن جمل العلم و العمل احتمال عدم البطلان «3»، و ظاهر الروضة التردّد «4»، و لا وجه لهما.

و ظاهر الإطلاق و إن شمل السهو أيضا إلّا أنّه خرج بالإجماع المحقّق و المحكيّ في الذكرى و شرح القواعد و نهاية الإحكام و شرح الجعفرية و التذكرة و غيرها «5».

ثمَّ المراد بالقهقهة هل هو الضحك المتضمّن لصدور قه قه؟ كما عن الديوان و الصحاح و الأساس «6».

أو المشتمل على المدّ و الترجيع؟ كما عن العين «7» و ابن المظفّر، و هو يشمل بظاهره ترجيع النفس أو الصوت في الصدر أو الحلق.

أو المشتمل على الصوت مطلقا؟ كما عن القاموس «8» و المفصّل و المصادر للزوزنيّ و البيهقيّ، و قريب منها ما عن المجمل و المقاييس من أنّها الإعراب في الضحك «9»- إن قرئ بالمهملة- و هو يشمل بظاهره ظهور الصوت في الحلق أو

______________________________

(1) الذكرى: 216، جامع المقاصد 2: 349، البيان: 183، و تعمّد القهقهة لا التبسم.

(2) الحدائق 9: 39.

(3) جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 34.

(4) الروضة 1: 234.

(5) الذكرى: 216، جامع المقاصد 2: 349، نهاية الإحكام 1: 519، التذكرة 1: 131، و انظر المدارك 3: 465.

(6) الصحاح 6: 2246، أساس البلاغة: 380.

(7) العين 3: 341.

(8) القاموس 4: 293.

(9) المجمل لابن فارس 4: 111، المقاييس 5: 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 42

الخيشوم و إن كان في صدق الصوت على الثاني نظر.

أو المبالغة في الضحك و الشدّة فيه؟ كما عن شمس العلوم و القاموس أيضا، بل المجمل و المقاييس، إن قرئ الإغراب بالمعجمة.

أو الترجيع مع الشدّة كما

عن روض الجنان «1»؟

كلّ محتمل، إلّا أنّ العرف يوافق أحد الأوّلين. و الأصل يقتضي الأوّل، فعليه العمل. و ترك الثاني أيضا أحوط سيّما إذا اشتمل على الصوت و الشدّة أيضا.

بل لا بعد في اتّحاد ذلك مع الأول، إذ لا يبعد أن يكون المراد بقه قه ما فيه التكرار و الشدّة، لا ما تضمّن خصوص لفظي القاف و الهاء، فيكون ذلك اسما لهذا النوع من الضحك، كطق طق لضرب شي ء له صوت.

و مقابلة القهقهة للتبسّم- الذي هو ما لا صوت له- لا تدلّ على أنّه يراد بها ما له صوت مطلقا، إذ لا يفيد الانحصار فيهما، لجواز الواسطة.

و لو سلّم فلا دليل على دخول ما له صوت من غير ترجيع و شدّة في الأوّل مجازا، لجواز أن يدخل في الثاني كذلك.

و التبسّم لا يبطل إجماعا نصّا و فتوى.

السادس: الفعل الكثير الخارج من الصلاة
اشاره

، ذكره أكثر الأصحاب، بل استفاضت على البطلان به عمدا حكاية الإجماع و الوفاق، حكاه الأردبيلي و الكركي نافيا عنه الخلاف بين علماء الإسلام «2»، و المنتهى ناسبا له إلى أهل العلم كافّة «3»، و التذكرة و نهاية الإحكام «4»، و شرح الجعفريّة، و عن المعتبر «5»، و غيرها. و هو المستند لهم في

______________________________

(1) روض الجنان: 332.

(2) الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 69، الكركي في جامع المقاصد 2: 350.

(3) المنتهى 1: 310.

(4) التذكرة 1: 131، نهاية الأحكام 1: 521.

(5) المعتبر 2: 255.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 7    43     السادس: الفعل الكثير الخارج من الصلاة ..... ص : 42

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 43

الحكم.

و قد يراد أيضا الخروج به عن كونه مصليّا، كما في المنتهى «1»، و شرح الإرشاد للأردبيليّ، قال: كان دليله الإجماع و

العقل الدالّ على أنّ في الصلاة إذا اشتغل بفعل، يخرجه العرف عن كونه مصليّا «2».

كما قد يضاف المرويّان في قرب الإسناد:

أحدهما: في التكتّف في الصلاة: «إنّه عمل في الصلاة، و ليس فيها عمل» «3».

و ثانيهما: عن الرجل يقرض أظافيره أو لحيته و هو في صلاته، و ما عليه إن فعل ذلك متعمّدا؟ قال: «إن كان ناسيا فلا بأس، و إن كان متعمّدا فلا يصلح له» «4».

و بعض الأخبار الناهي عن قتل الحيّة بعد أن يكون بينه و بينها أكثر من خطوة «5»، أو عن الإيماء في الصلاة «6»، و نحو ذلك.

ثمَّ إنّهم بعد ذلك اختلفوا في حدّ الكثير المبطل:

فمنهم من أرجعه إلى العرف و العادة، ذكره في السرائر و نهاية الإحكام و الدروس و شرح القواعد و التذكرة «7»، و نسبه فيه إلى علمائنا، قال: و الذي عوّل عليه علماؤنا البناء على العادة، فما يسمّى في العادة كثيرا فهو كثير، و إلّا فلا.

______________________________

(1) المنتهى 1: 310.

(2) مجمع الفائدة 3: 69.

(3) قرب الإسناد: 208- 809، الوسائل 7: 266 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 4.

(4) قرب الإسناد: 190- 813، الوسائل 7: 29 أبواب قواطع الصلاة ب 34 ح 1.

(5) الفقيه 1: 241- 1072، التهذيب 2: 331- 1364، الوسائل 7: 273 أبواب قواطع الصلاة ب 19 ح 4.

(6) الكافي 3: 305 الصلاة ب 18 ح 20، التهذيب 2: 54- 185، الاستبصار 1:

301- 1111، الوسائل 5: 396 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 12.

(7) السرائر 1: 238، نهاية الأحكام 1: 521، الدروس 1: 185، جامع المقاصد 2: 350، التذكرة 1: 131.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 44

و استدلّ له تارة: بأنّ المرجع فيما لم يبيّن الشارع

معناه العرف. و اخرى:

بأنّ عادة الشارع ردّ الناس فيما لم ينصّ عليه إلى عرفهم.

و منهم من جعله ما يخرج المصلّي عن كونه مصليّا، و هو المراد من محو صورة الصلاة، و هو صريح الروضة «1»، و ظاهر كلّ من استدلّ لإبطاله بإيجابه الخروج عن وصف الصلاة، كالمنتهى «2»، و غيره.

و لا بدّ فيه أيضا من الرجوع إلى العرف، قال الأردبيلي: و الظاهر أنّ المحتاج إلى الحوالة إلى العرف ما يخرج عن كونه مصلّيا، لأنّه المبطل عقلا «3».

و منهم من قال بأنّ مستند الحكم لما كان هو الإجماع فتجب إناطة الحكم بمورد الاتّفاق، فكلّ فعل ثبت الاتّفاق على كونه فعلا كثيرا فهو مبطل، و متى ثبت انّه ليس بكثير هو ليس بمبطل. و متى اشتبه الأمر فلا يبعد القول بعدم كونه مبطلا، لأنّ اشتراط الصحّة بتركه يحتاج إلى دليل. و يحتمل البطلان، لتوقّف البراءة اليقينيّة عليه «4».

و من العامّة من حدّ القليل بما لا يسع زمانه فعل ركعة، و الكثير ما اتّسعه «5».

و بعضهم بما لا يحتاج إلى فعل اليدين، و ما يحتاج إليه «6».

أقول: لا شكّ للمتتبّع في انعقاد الإجماع على إبطال الفعل الكثير للصلاة في الجملة.

و لا في انعقاده على أنّ للصلاة جزءا صوريّا زائدا على أجزائها الماديّة، إذ لا

______________________________

(1) الروضة 1: 233.

(2) المنتهى 1: 310.

(3) مجمع الفائدة 3: 69.

(4) انظر: الذخيرة: 355.

(5) حكاه العلامة في التذكرة 1: 132 عن بعض الشافعية، و لم نعثر عليه في كتب العامة التي بأيدينا.

(6) انظر: بدائع الصنائع 1: 241.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 45

شكّ في اشتراط الترتيب بل نوع توال و تركيب لأجزائها، بل الزائد على ذلك أيضا، ضرورة خروج الشخص عن كونه مصليّا عند

جميع العلماء بأفعال صادرة من بعض الجوارح، و لو لم يخلّ بالترتيب أو التوالي، كالمشتغل بالرياضة أو الحياكة أو الضرب الطويل و نحوها.

و لا في أنّ ما يخرج المصلّي عن كونه مصليّا يبطل الصلاة، لإيجابه انتفاء جزئها الصوريّ. و إلى هذا يشير قول من جعله مبطلا عقلا.

و المراد بالإخراج عن كونه مصليّا- كما أشرنا إليه- محو صورة الصلاة عنه بحيث لم يصدق عليه أنّه صلّى، لا مجرّد صدق عدم اشتغاله بالصلاة حين ارتكابه ذلك الفعل و لو عاد إليها بعد تركه الفعل، فإنّ الساكت لحظة في الأثناء ليس حينئذ مصليّا، و لكن لو عاد و أتّم الصلاة يقال: إنّه صلّى.

و الحاصل: أنّه لو أتى بأفعال الصلاة مع شغله بهذا الفعل لم يصدق عليه المصلّي و المشتغل بالصلاة أيضا، أو لم يصدق عليه أنّه صلّى لو أتى معه بجميع أجزاء الصلاة أيضا.

ثمَّ إنّه ليس أمر آخر وراءهما نافع في المقام.

و أمّا الأخبار: فبين غير دالّ، كالخبر الأوّل، حيث إنّه لا يتعيّن معنى قوله:

ليس عمل في الصلاة، أنّه ليس مأمورا به فيها، أو مستحبا، أو مباحا، أو جائزا.

و مع ذلك فما يتضمّن ذلك خبر ضعيف لم يثبت انجباره بتمام ما يفيده.

و بين معارض بما هو أقوى منه سندا و عملا.

و بين مخصوص بفعل خاصّ لا ينفع للمقام.

فاللازم متابعة الأمرين، و بعد ما عرفت من الإجماع عليهما لا يبقى إشكال في إيجابهما الإبطال، إنّما الإشكال في تعيينهما.

أمّا الأوّل فقد عرفت تحديده تارة بالعرف، و اخرى بالخروج به عن الصلاة، و ثالثة بما اجمع على أنّه كثير.

و ردّ الأوّل تارة: بأنّه إنّما يكون فيما إذا ثبت من الشارع لفظ، و كان مستنده

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 46

النصّ،

و أمّا إذا كان مستنده الإجماع فلا وجه للرجوع إلى العرف قطعا «1».

أقول: يمكن أن يكون الثابت بالإجماع هو مصداق هذا اللفظ، فيجب تعيين معناه بالعرف. و لكن البيان في إثبات ذلك، فإنّ كلام أكثر القدماء خال عن ذكر الفعل الكثير. نعم ذكر جماعة منهم خصوص بعض الأفعال، و الثابت بالإجماع ليس إلّا هذا المدلول في الجملة.

و اخرى: بأنّ العادة المحكوم بالرجوع إليها إن كان المراد بها ما يرادف العرف العامّ ففساده واضح، إذ لا اطّلاع لغير المتشرعة على ذلك. و إن كان المراد بها عرف المتشرّعة فهو فرع ثبوته، و هو في حيّز المنع لو أريد بهم العلماء خاصّة، لاختلافهم في الكثير المبطل، و معه لا تتحصّل الحقيقة، و كذا لو أريد بهم العوام مع أنّهم ليسوا المرجع في شي ء «2».

أقول: يمكن أن يقال: إنّ المراد العرف العامّ. و لا فساد فيه، إذ لا شكّ أنّ للفعل الكثير في العرف العامّ معنى، و لا حاجة في تعيين معناه إلى علمهم بالإبطال أيضا.

فإن قيل: الكثير له معنى بنفسه، و معنى بالنسبة إلى غيره، كما أنّه يقال:

في القدر حنطة كثيرة، إذا كان فيه نصف منّ، و لا يقال: في البيت حنطة كثيرة، إلّا إذا كان فيه ألف منّ مثلا، و لا يقال في البلد إلّا إذا كان أضعاف ذلك بكثير، و كذا المال الكثير بالنسبة إلى الأشخاص، و نحو ذلك.

و لا شكّ أنّ الأوّل ليس منضبطا في حدّ خاصّ و أنّ أهل العرف لا يفهمون من الحنطة الكثيرة قدرا معيّنا، و الثاني- و هو الكثير بحسب كلّ شي ء- فيلاحظ هنا بالنسبة إلى الصلاة، و لا شكّ أنّ الفعل الكثير بحسب الصلاة لا يعيّن إلّا بعد العلم

بالصلاة و شرائطها، و لا اطّلاع للعرف العامّ في ذلك، و إنّما يعلمها المتشرعة.

______________________________

(1) الرياض 1: 179.

(2) الرياض 1: 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 47

قلنا: لا يشترط في تعيين العرف العامّ الكثير بحسب الصلاة اعتقادهم بوجوبها، و علمهم بشرائطها، بل يكفي أن يعرض أجزاء الصلاة عليهم، و نسبة الفعل إليها، فما يحكمون بكثرته بحسبها يكون كثيرا.

و من هذا ظهرت صحّة الحوالة في تحديدها إلى العرف و العادة. و لكن قد عرفت أنّها إنما تتمّ لو ثبت الإجماع على هذا المصداق و هو غير معلوم، لخلوّ كلام أكثر القدماء عن هذا العنوان. مع أنّه لو فرض وجوده في جميع الكلمات لا يفيد الإجماع على العنوان، لجواز أن يكون التعبير بالعنوان باعتبار معتقدهم، و كان المبطل عند كلّ طائفة نوعا من الفعل اعتقده كثيرا فعبّر به.

و من هذا يظهر بطلان ما قيل- بعد ردّ الحوالة على العادة بالوجهين- من لزوم الاقتصار على مورد الإجماع على كونه كثيرا: فإنّه لو ثبت الإجماع على البطلان بما يصدق عليه الكثير، فما الضرر في الحوالة على العرف؟ و إن لم يثبت فما الفائدة في الإجماع على كون فعل كثيرا؟ و إذ عرفت عدم الثبوت فلا يفيد شي ء منهما.

نعم لما ثبت الإجماع على البطلان ببعض الأفعال الكثيرة، فالصواب الإناطة بالإجماع على البطلان، فكلّ فعل ثبت الإجماع على البطلان به يحكم بالبطلان، و يحكم فيما عداه بمقتضى الأصل.

و من هذا يظهر حال التحديد الثالث أيضا، و لكن لا يبعد اتّحاد مقتضى الإجماعين، فإنّ كلّ ما كان كثيرا إجماعا يبطل إجماعا و بالعكس، فتأمّل.

و أمّا التحديد الثاني- و هو جعل الكثير ما يخرج به عن كونه مصليّا- فصحته موقوفة على ثبوت التلازم

بين الوصفين، و هو ممنوع جدّا.

مضافا إلى ما في هذا الوصف أيضا من الإجمال الموجب للاقتصار على موضع الإجماع، و ذلك لأنّك قد عرفت أنّ المراد ليس ما يخرج به عن الصلاة حين الاشتغال به، إذ لا ملازمة بين هذا الخروج و بين بطلان الصلاة، كما في الغسل الترتيبيّ، فإنّه يخرج الغاسل عن كونه غاسلا ببعض الأفعال المتخللة بين أجزائه، مع أنّه يصحّ الغسل.

بل المراد ما يخرج به عن كونه مصليّا مطلقا، حتّى لو أتى بتمام الإجزاء أيضا

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 48

يقال: إنّه ما صلّى، و الحاصل أن يكون الآتي بأفعال الصلاة مع هذا الفعل بحيث لم يصدق عليه أنّه مصلّ، فإنّه إذا كان كذلك تبطل به الصلاة، لانتفاء جزئها الصوريّ، كما مرّ.

و لكن لعدم انضباط ذلك عرفا، بل لا سبيل للعرف إلى فهم ذلك أصلا، فإنّه يتوقّف على فهم الصورة الموضوعة لها، فالمرجع في فهم ذلك أيضا إلى الإجماع، فكلّ ما يبطل الصورة بالإجماع يكون مبطلا، و لا يبعد اتّحاد ذلك أيضا مع مورد الإجماعين المتقدمين.

و من ذلك ظهر أنّه لا حاجة إلى بعض الأبحاث في المسألة، مثل أنّه هل يشترط في الكثرة التوالي أم لا؟ و أنّه هل يكون غيره بالعدد أم لا؟ و نحو ذلك.

و ظهر أيضا عدم بطلان الصلاة بالفعل الكثير إذا صدر ناسيا أو ساهيا، لعدم كونه مورد الإجماع. بل ظاهر بعضهم- كالتذكرة و الذكرى و غيرهما «1»- الإجماع على عدم كونه مبطلا. نعم لو انمحت به الصورة قطعا و خرج به عن كونه مصليّا إجماعا، اتّجه البطلان و لو كان سهوا، لانتفاء الجزء الصوريّ، و أصالة بطلان المأمور به بانتفاء جزئه و لو سهوا.

فائدة:

لا يخفى

أنّ ها هنا أفعالا نطقت الروايات بجوازها في الصلاة، فيحكم به فيها ما لم يثبت الإجماع على خلافه، و إن كان كثيرا، بل و لو ماحيا للصورة، إذ يكون ذلك خروجا عن تحت القاعدة بالدليل.

فيجوز غسل الرعاف و غسل الثوب منه و من النجاسة الطارئة في الأثناء، لأخبارهما كما مرّ في موضعه.

و عدّ الصلاة بالخاتم أو حصى يأخذها بيده، و تسوية الحصى في موضع السجود، و مسح التراب عن الجبهة، و نفخ موضع السجود ما لم يظهر منه حرفين،

______________________________

(1) التذكرة 1: 131، الذكرى: 215، و انظر: جامع المقاصد 2: 350.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 49

و ضرب الحائط أو الفخذ باليد لإعلام الغير، و صفق اليدين لذلك، و الإيماء و رمي من يمرّ بالحصى لإشعاره، و مناولة العصا للغير، و حمل الصبيّ مطلقا، و إرضاعه في التشهّد، و احتكاك الجسد، و التقدّم بخطوة بل خطوتين، و قتل الأسودين و البرغوث و البقّة و القمّلة، و دفنها، و قطع الثواليل، و مسح الدماميل، و أخذ الذكر، و نزع المتحرّك من الأسنان، و حكّ خرء الطير، و رفع القلنسوة و وضعها، و رفع اليد من الركوع أو السجود لاحتكاك الجسد، و إدارة السبحة.

كلّ ذلك للمعتبرة من الروايات «1».

السابع: الأكل و الشرب عمدا

، عند جماعة من الأصحاب، منهم: الخلاف و المبسوط و التذكرة و نهاية الإحكام و السرائر و القواعد و الإرشاد «2»، و غيرها، بل الشيخ ادّعى عليه الإجماع «3»، و نسبه في كفاية الأحكام إلى المشهور «4»، و نسب إلى نهاية الشيخ أيضا «5»، و لم أعثر عليه إلّا تصريحه بجواز ما ورد في الوتر «6»، كما يأتي، و ظهوره في المنع عن غيره ممنوع، لاشتماله على أمور

أخر أيضا.

و منعه المحقّق في المعتبر «7»، و اختاره الأردبيليّ «8»، و والدي- رحمه اللّه- في المعتمد ناسبا له إلى أكثر الثالثة، و صاحب الحدائق «9»، و غيرهم «10»، فلم يبطلوا

______________________________

(1) انظر: الوسائل 7: أبواب قواطع الصلاة ب 19 إلى 27.

(2) الخلاف 1: 413، المبسوط 1: 118، التذكرة 1: 131، نهاية الاحكام 1: 522، السرائر 1:

215، القواعد 1: 36، الإرشاد 1: 268.

(3) كما في الخلاف 1: 413.

(4) كفاية الأحكام: 24.

(5) كما في التنقيح الرائع 1: 216، و المهذب البارع 1: 393، و الرياض 1: 180.

(6) النهاية: 121.

(7) المعتبر 2: 259.

(8) مجمع الفائدة 3: 77.

(9) الحدائق 9: 55.

(10) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 50

به من حيث هو.

و هو مذهب من قيّد الإبطال بهما بحصول الفعل الكثير، كالذكرى و المنتهى «1»، أو الإعراض عن الصلاة، كما نقله الكركيّ عن بعض كتب الشهيد «2».

و هو الحقّ، للأصل الخالي عن المعارض، سوى:

ما مرّ من الإجماع المنقول، الممنوع انصرافه إلى القليل، ثمَّ حجيّته، سيّما مع مخالفة الفحول.

و ما قيل من استلزامه الفعل الكثير لاحتياجه إلى الأخذ و الوضع و الازدراد و الابتلاع «3»، الممنوع احتياجه إليها مطلقا، ثمَّ كونها فعلا كثيرا بإطلاقها جدّا.

و تؤيّده النصوص المجوّزة لكثير من الأفعال، المتقدّمة في بحث الفعل الكثير، و الإجماع المدّعى في المنتهى على عدم البطلان بابتلاع نحو ما بين الأسنان، و بوضع سكّرة في فيه، فتذوب و تسوغ مع الريق «4».

إلى أن يبلغ حدّا تنمحي به صورة الصلاة قطعا، أو يكون في الكثرة حدّا يبطل الصلاة إجماعا.

ثمَّ إنّه قد استثني الشرب في الوتر لمريد الصوم، إذا لم يستدع منافيا غيره، بلا خلاف بين الأصحاب كما قيل

«5»، بل بالإجماع.

لرواية الأعرج المنجبرة بالعمل: إنّي أبيت و أريد الصوم، فأكون في الوتر، فأعطش، فأكره أن أقطع الدعاء و أشرب، و أكره أن أصبح و أنا عطشان، و أمامي قلّة، و بيني و بينها خطوتان أو ثلاثة، قال: «تسعى إليها و تشرب منها حاجتك،

______________________________

(1) الذكرى: 215، المنتهى 1: 312.

(2) جامع المقاصد 2: 352.

(3) كما في التذكرة 1: 132، و الذكرى: 215.

(4) المنتهى 1: 312.

(5) الحدائق 9: 55.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 51

و تعود في الدعاء» «1».

و الاستثناء إنّما هو على مذهب الشيخ، أو كون ما ذكر فعلا كثيرا عند من يبطل بمطلق الكثير، و أمّا على ما ذكرنا فلا حاجة إليه.

و على قول الشيخ هل يتعدّى إلى مطلق النافلة، و إلى الوتر لغير مريد الصوم، و خائف العطش؟.

قيل: لا، لاختصاص النصّ «2». حتّى قيل بالاقتصار على دعاء الوتر، لذلك «3».

و يضعّف بأنّ هذا إنّما يصحّ لو كان له دليل مطلق على الإبطال، حتّى يلزمه الاقتصار على مورد النصّ. و ليس كذلك، بل دليله الإجماع، فلعلّه غير ثابت في غير الفريضة، بل صرّح بذلك في المبسوط، قال: لا بأس بشرب الماء في صلاة النافلة، لأنّ الأصل الإباحة، و إنما منعناه في الفريضة بالإجماع «4».

الثامن: البكاء، على الحقّ المشهور

، بل نسبه في التذكرة إلى علمائنا «5»، مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و في شرح الإرشاد إلى قول الأصحاب، و قال: و كأنّه إجماع «6».

لرواية أبي حنيفة: عن البكاء في الصلاة أ يقطع الصلاة؟ قال: «إن بكى لذكر جنّة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة، و إن كان ذكر ميّتا له فصلاته

______________________________

(1) التهذيب 2: 329- 1354، الوسائل 7: 279 أبواب قواطع الصلاة ب 23 ح 1.

(2) كما

في المعتبر 2: 260.

(3) كما في روض الجنان: 334، و الذخيرة: 357، و كشف اللثام 1: 240.

(4) المبسوط 1: 118.

(5) التذكرة 1: 131.

(6) مجمع الفائدة 3: 73.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 52

فاسدة» «1».

و ضعفها سندا- لو كان- ينجبر بالشهرة.

و الرواية و إن كانت مخصوصة بالبكاء للميّت، إلّا انّ الأكثر عمّموه لكلّ أمر دنيويّ، حتّى أنّه يظهر منهم الشمول لطلب الأمور الدنيويّة من اللّه سبحانه، قيل: لعدم القائل بالفرق، مضافا إلى قرينة المقابلة الظاهرة في أنّ ذكر خصوص البكاء على الميّت إنّما هو لمجرّد التمثيل، و إلّا لجعل مقابله مطلق البكاء على غيره، لا البكاء على خصوص ذكر الجنّة و النار «2»، و إلى مفهوم صدر الخبر.

و يخدشه: عدم كفاية عدم القول بالفرق، بل اللازم الإجماع على عدم الفرق، و هو غير معلوم، سيّما بالنسبة إلى طلب الأمور المباحة الدنيويّة من اللّه سبحانه الذي هو مأمور به و مندوب إليه، بل صرّح بعض مشايخنا بعدم البطلان به «3»، و هو الظاهر من النهايتين «4».

و دلالة المقابلة على التمثيل لا تدلّ على شمول الممثّل لمثل ما ذكر أيضا، بل لعلّه داخل في التمثيل بالجنّة و النار.

و مفهوم الصدر معارض بمفهوم الذيل، مع أنّه ليس إلّا عدم كون غير المنطوق أفضل الأعمال، و هذا القدر غير كاف.

فالحقّ اختصاص الإبطال بالبكاء لفوات الأمور الدنيويّة، لا طلبها من اللّه جلّ شأنه.

و هل يختصّ الإبطال بالبكاء المشتمل على الصوت و النحيب، أو يعمّ جميع أنواعه؟.

______________________________

(1) التهذيب 2: 317- 1295، الاستبصار 1: 408- 1558، الوسائل 7: 247 أبواب قواطع الصلاة ب 5 ح 4.

(2) انظر: الرياض 1: 179.

(3) الحدائق 9: 52.

(4) النهاية: 74، نهاية الإحكام 1: 516.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 7، ص: 53

الحقّ هو الأوّل، كما في كلمات جماعة منها: الروضة «1»، و شرح الجعفريّة، اقتصارا على المتيقّن.

و قيل بالثاني، لإطلاق النصّ «2».

و يضعّف: باشتماله على لفظ البكاء، و لا يدرى أ ممدود فيه فيختصّ، أم مقصور فيعمّ، كما نصّ عليه جمع من أهل اللغة منهم صاحب القاموس «3».

و أصالة عدم الزيادة في لفظ البكاء و لا في معناه فيكون مقصورا، باردة جدّا بل فاسدة.

و القول بأنّ لفظ البكاء المحتمل للأمرين إنّما هو في كلام الراوي، و أمّا لفظ الإمام الذي هو المعتبر فإنّما هو «بكى» بصيغة الفعل المطلق الشامل للأمرين، كما في شرح الإرشاد و غيره «4».

باطل، إذ بعد الإجمال في المصدر يسري إلى فعله أيضا، لعدم تعيّن مبدئه.

و جعل الفرق لغويّا لا عرفيّا إنّما يفيد لو قدّم العرف على اللغة مطلقا، و هو باطل جدّا، و إنّما كان كذلك لو ثبت عرف زمان الشارع أيضا.

و إطلاق النصّ يقتضي عدم الفرق في البكاء المبطل بين كونه عمدا أو سهوا أو علما أو جهلا بالمسألة، كما في الوسيلة و الروضة «5»، و شرح الجعفريّة، و عن المبسوط و المهذّب «6»، و الإصباح.

خلافا للتحرير و الذكرى «7»، و المحكيّ عن الحلبيّين «8»، لتبادر صورة

______________________________

(1) الروضة 1: 233.

(2) كما في الرياض 1: 179.

(3) القاموس المحيط 4: 306، و انظر: الصحاح 6: 2284، و مجمع البحرين 1: 59.

(4) مجمع الفائدة 3: 73، و انظر: الرياض 1: 179.

(5) الوسيلة: 97 و لكن اختصّ فيها بالعمد، الروضة 1: 233.

(6) المبسوط 1: 118، المهذب 1: 98.

(7) التحرير 1: 43، الذكرى: 216.

(8) أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 120، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 558.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7،

ص: 54

العمد، و هو ممنوع. و رفع القلم، و هو غير دالّ. و حصر وجوب الإعادة في الخمسة. و دليله أعمّ مطلقا ممّا ذكر، فيجب التخصيص به.

و الظاهر مساواة النافلة للفريضة، لإطلاق الصلاة في الرواية، و كلام الجماعة. فالتقييد باطل. و وقوع المساهلة فيها مخصوص بمواقعها.

ثمَّ إنّ المجمع عليه بين الطائفة و صريح الرواية: عدم البطلان بالبكاء للآخرة، و عليه دلّت روايتا بزرج «1»، و سعيد «2».

و هل يعمّ عدم البطلان حينئذ ما إذا اشتمل على التنطّق بحرفين أيضا كما في التذكرة و نهاية الإحكام «3»، و غيرهما، أو يختصّ بما إذا لم يشتمل عليه، كجمع آخر «4»؟.

الحقّ هو الأوّل، لا لعموم المجوّزات، لأنّ عمومها في البكاء، و الحرفان خارجان عن حقيقته لغة و عرفا، و الحروف عوارض للصوت.

بل لأنّ البطلان بالحرفين إنّما هو للإجماع، أو صدق الكلام، و كلاهما ممنوعان في المقام.

التاسع: السكوت الطويل

، ذكره جماعة من الأصحاب «5»، مستدلّين عليه بفوات الموالاة بين أجزاء الصلاة.

و يضعف: بعدم ثبوت اشتراط الولاء فيها بإطلاقه.

______________________________

(1) الفقيه 1: 208- 940، الوسائل 7: 247 أبواب قواطع الصلاة ب 5 ح 1.

(2) الكافي 3: 301 الصلاة ب 17 ح 2، التهذيب 2: 287- 1148، الاستبصار 1:

407- 1557، الوسائل 7: 248 أبواب قواطع الصلاة ب 5 ح 5.

(3) التذكرة 1: 131، نهاية الاحكام 1: 519.

(4) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان: 333، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 74.

(5) منهم الشهيد الأول في الذكرى: 217، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 344، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 238.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 55

و قيّده في القواعد بصورة الإخراج عن كونه مصليّا «1»، و مثّل بمن مضى

عليه ساعتان و ساعات و معظم اليوم. و هو جيّد جدّا.

العاشر: نقص جزء من الأجزاء

الواجبة للصلاة، أو شرطها، عمدا.

الحادي عشر: زيادة جزء كذلك

، بالتفصيل الآتي في بحث الخلل.

______________________________

(1) القواعد 1: 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 56

الفصل الثاني فيما يكره فعله في الصلاة و هو أيضا أمور:
منها: الالتفات بالبصر أو الوجه يمينا و شمالا

، عند معظم الأصحاب كما قيل «1»، و هو عليه الدليل.

مضافا في الأوّل إلى استحباب النظر إلى المسجد المستلزم لكراهة تركه.

و في الثاني إلى ما روي عنه عليه السلام: «أما يخاف الذي يحوّل وجهه في الصلاة أن يحوّل اللّه تعالى وجهه وجه حمار؟!» «2».

و المراد بتحويل وجهه وجه الحمار أنّه يصرفه عن سجدته سبحانه و عبادته، أو المراد أنّه في معرض هذا التحويل. و إطلاقه يشمل التحويل عن القبلة مطلقا.

و الحمل على تحويل وجه القلب صرف عن الظاهر، مع إمكان إرادة الوجهين، فيكون أحدهما من البطون.

و فيهما إلى رواية عبد الحميد المتقدّمة في مسألة الالتفات «3»، و إلى المرويّ في جامع البزنطيّ «و لا تلتفت فيها، و لا يجز طرفك موضع سجودك» «4».

و أمّا الاستدلال بقوله عليه السلام: «لا صلاة لملتفت» «5».

فليس بجيّد، إذ حمله على نفي الكمال ليس بأولى من تخصيصه بالالتفات إلى الخلف، أو بكلّ البدن.

______________________________

(1) الحدائق 9: 56.

(2) أسرار الصلاة (رسائل الشهيد الثاني): 107، البحار 81: 259- 58.

(3) راجع ص: 21.

(4) نقله عنه في البحار 81: 222- 6، و مستدرك الوسائل 4: 86 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 5.

(5) عمدة القارئ 3: 311 عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 57

و منها: عقص الرجل شعره

، وفاقا للأكثر، منهم المفيد و الحلّي و الديلمي و الحلبي «1»، و كافّة المتأخّرين، له، و لرواية مصادف «2»، القاصرة عن إفادة البطلان، لمقام الجملة الخبريّة.

و المروي في الدعائم: «نهاني رسول اللّه عن أربع» و عدّ منها: «و أن أصلّي و أنا عاقص رأسي من خلفي» «3» القاصر عنها، لقصور السند.

فالقول به، كما عن التهذيب و المبسوط و الخلاف «4»- مدّعيا في الأخير

عليه الإجماع- و الذكرى «5»، و اختاره بعض الأخباريّين من المتأخّرين «6»، ضعيف.

و الإجماع المنقول ليس بحجّة، و الاحتياط المستدلّ به لا يفيد الحرمة.

هذا مع أنّ كلام اللغويين في معناها مختلف [1]، و الحكم بكراهة واحد ممّا ذكروه تحكّم، و بكراهة الكلّ غير صحيح، فالمسألة عن الفائدة خالية.

و منها: التثاؤب،

من الثوباء بضم المثلّثة و فتح الواو و المدّ، و هو: ما يقال له بالفارسيّة: خميازة.

و التمطّي، و هو: مدّ اليدين.

و العبث بلحيته أو بشي ء من أعضائه.

______________________________

[1] قال في المغرب 2: 52: العقص: جمع الشعر على الرأس، و قيل: ليّه و إدخال أطرافه في أصوله.

و في الصحاح 3: 1046: عقص الشعر: ضفره وليّه على الرأس. و في القاموس 2: 320:

عقص شعره: ضفره و فتله. و في كشف اللثام 1: 240 عن ابن دريد: عقصت شعرها: شدّته في قفاها و لم تجمعه جمعا شديدا.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 152، الحلّي في السرائر 1: 271، الديلمي في المراسم: 64، الحلبي في الكافي في الفقه: 125.

(2) الكافي 3: 409 الصلاة ب 67 ح 5، التهذيب 2: 232- 914، الوسائل 4: 424 أبواب لباس المصلي ب 36 ح 1.

(3) الدعائم 1: 174، مستدرك الوسائل 3: 221 أبواب لباس المصلي ب 27 ح 1.

(4) التهذيب 2: 232، المبسوط 1: 119، الخلاف 1: 510.

(5) الذكرى: 217.

(6) كالحر العاملي في الوسائل 4: 424 أبواب لباس المصلي ب 36.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 58

و نفخ موضع السجود.

و التنخّم و البصاق، خصوصا إلى القبلة أو اليمين.

و فرقعة الأصابع أي نقضها، و الضرب بها لتصوت.

كلّ ذلك لروايات الأطياب «1»، و فتاوى الأصحاب، و منافاتها للخشوع و الإقبال.

و منها: التأوّه بحرف واحد

، ذكره في الشرائع و النافع «2»، و غيرهما «3»، بل نفي عنه و عن سوابقه الخلاف «4». و هو الأصل لنا في الكراهة، و إلّا فلم نعثر على دليل عليه.

و القيد للاحتراز عن ظهور الحرفين، فإنّه مبطل عندهم، و أمّا عندنا فهو أيضا يكون مكروها، للأولويّة.

و منها: مدافعة البول، أو الغائط، أو الريح

، ذكره الأصحاب، بل قيل:

لا خلاف فيه «5»، و في المنتهى: أنّه قول من يحفظ عنه العلم «6»، و هو الحجة فيه.

مضافا في الجميع إلى منافاتها للخشوع و الإقبال المطلوبين في الصلاة.

و في الأوّلين إلى الأخبار، ففي صحيحة هشام: «لا صلاة لحاقن و لا حاقنة «7»، كما في بعض النسخ، أو «و لا حاقب» كما في بعض آخر.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 7: أبواب قواطع الصلاة ب 11 و 12 و 14.

(2) الشرائع 1: 92، النافع: 34.

(3) كالمعتبر 2: 262، و الدروس 1: 184.

(4) انظر: الرياض 1: 181.

(5) كما في الرياض 1: 181.

(6) المنتهى 1: 312.

(7) التهذيب 2: 333- 1372، المحاسن: 83- 15، الوسائل 7: 251 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 59

و الحاقن: حابس البول، و الحاقب: حابس الغائط.

و في رواية الحضرميّ: «لا تصلّ و أنت تجد شيئا من الأخبثين» «1».

و المرويّ في الخصال: «ثمانية لا يقبل لهم صلاة» إلى أن قال: «و الزبّين قالوا: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- و ما الزّبّين؟ قال: الذي يدافع البول و الغائط» «2».

و في معاني الأخبار: «لا صلاة لحاقن و لا لحاقب» «3».

و في المحاسن: «لا يصلّي أحدكم بأحد العصرين، يعني البول و الغائط» «4».

و أكثرها و إن كان ظاهرا في الحرمة و البطلان، إلّا أنّ الإجماع المحقّق و المصرّح

به في المنتهى و غيره أوجب صرفه عن الظاهر.

و قيل «5»: أيضا لصحيحة عبد الرحمن: عن الرجل يصيب الغمز في بطنه، و هو يستطيع أن يصبر عليه، أ يصلّي على تلك الحال أو لا يصلّي؟ قال: «إن احتمل الصبر و لم يخف إعجالا عن الصلاة فليصلّ و ليصبر» «6».

و فيه نظر، لأنّ الأمر بالصلاة و الصبر ظاهر في أنّه عرض في الأثناء، فهو دليل على ما صرّحوا به من أنّ الحكم المذكور مخصوص بما إذا عرض له ذلك قبل دخوله في الصلاة، و إلّا فلو كان في الأثناء فلا كراهة إجماعا.

و به، و بما مرّ يخصص إطلاق الأخبار أيضا، مضافا إلى معارضته مع ما دلّ على حرمة قطع الصلاة.

و تلحق بالمقام مسائل:
اشارة

______________________________

(1) التهذيب 2: 326- 1333، الوسائل 7: 252 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 3.

(2) الخصال: 407- 3، الوسائل 7: 252 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 6.

(3) معاني الأخبار: 237- 1، الوسائل 7: 252 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 5.

(4) المحاسن: 82- 14، الوسائل 7: 253 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 8.

(5) الحدائق 9: 63.

(6) الكافي 3: 364 الصلاة ب 50 ح 3، الفقيه 1: 240- 1061، التهذيب 2: 324- 1326، الوسائل 7: 251 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 60

المسألة الأولى:

قد وقع التصريح في كلمات جملة من الأصحاب، كالوسيلة و الشرائع و النافع و المنتهى و التذكرة و التحرير و الإرشاد و نهاية الإحكام و الروضة و الذكرى و القواعد و شرحه «1»، و غيرها «2»، بحرمة قطع الصلاة، إمّا مطلقا كأكثر من ذكر، أو مقيدا بالفريضة كالثلاثة الأخيرة.

و نفي عنه الريب في الأخير، و الخلاف المعروف في الحدائق «3»، و مطلقا في كلام جماعة «4». و في شرح الإرشاد: كأنّه إجماعيّ في الفريضة «5».

بل صرّح به جملة في جملة من المنافيات المتقدّمة، كالشهيد في الذكرى في الكلام و الحدث و القهقهة «6».

و كان بعض متأخّري المتأخّرين- على ما حكي عنه- يفتي بجواز قطع الصلاة اختيارا، و يجوّزه في الشكوك المنصوصة و الإعادة «7».

و الحقّ هو الأوّل.

لا لما قيل من أنّ الإتمام واجب و هو ينافي القطع «8»، لكونه مصادرة.

و لا لقوله سبحانه لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ «9».

______________________________

(1) الوسيلة: 97، الشرائع 1: 92، النافع: 34، المنتهى 1: 311، التذكرة 1: 132، التحرير 1: 43، الإرشاد 1: 268، نهاية الإحكام 1: 522، الروضة 1: 292، الذكرى:

215، القواعد 1: 36، جامع المقاصد 2: 358.

(2) كما في روض الجنان: 338، و الذخيرة: 363، و كشف اللثام 1: 241، و الرياض 1: 180.

(3) الحدائق 9: 101.

(4) انظر: كشف اللثام 1: 241، و الرياض 1: 180.

(5) مجمع الفائدة 3: 109.

(6) الذكرى: 215.

(7) انظر: الحدائق 9: 101.

(8) كما في الذكرى: 215، و كشف اللثام 1: 241.

(9) محمّد (صلّى اللّه عليه و آله): 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 61

لعدم تماميّة الاستدلال به، من جهة تعارض التجوّز و التخصيص في النهي و الأعمال، و من جهة الإجمال في معنى الإبطال كما بيّناه في العوائد «1».

و لا لمفهوم مرسلة حريز الآتية، إذ مفهومها- على فرض حجيّته- عدم وجوب القطع دون عدم جوازه.

و لا لصحيحة زرارة: «و لا تقلّب وجهك عن القبلة» «2».

لعدم صراحتها في النهي.

بل للأخبار المتكثّرة المصرّحة بأنّ تحريمها التكبير «3»، و لا معنى لكون التكبير تحريما إلّا تحريمه ما كان حلالا قبله.

و صحيحة البجلي: عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه، و هو يستطيع أن يصبر عليه، أ يصلّي على تلك الحال، أو لا يصلّي؟ فقال: «إذا احتمل الصبر و لم يخف إعجالا عن الصلاة فليصلّ و ليصبر» «4».

و الأمر بالصبر حقيقة في الوجوب، و لو لا حرمة القطع لما وجب.

و صحيحة ابن أذينة المتقدّمة في مسألة الالتفات «5»، فإنّه لو لا حرمة القطع، لما وجب الغسل من غير التفات.

و موثّقة الساباطيّ المتقدّمة فيها أيضا، الآمرة بالتحويل إلى القبلة إن كان متوجّها إلى المشرق أو المغرب، و بالقطع إن كان متوجّها دبر القبلة «6»، و التقريب ما ذكر.

و مقتضى إطلاق الثلاثة الأخيرة عموم الحكم للفريضة و النافلة، فيعمهما.

______________________________

(1) عوائد الأيام: 151.

(2) الكافي 3: 300 الصلاة

ب 16 ح 6، الفقيه 1: 180- 856، التهذيب 2: 286- 1146، الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9 ح 3.

(3) انظر: الوسائل 6: 9 أبواب تكبيرة الإحرام ب 1.

(4) الكافي 3: 364 الصلاة ب 50 ح 3، الفقيه 1: 240- 1061، التهذيب 2: 324- 1326، الوسائل 7: 251 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 1.

(5) راجع ص: 20.

(6) راجع ص: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 62

و خصّ جماعة- مرّت إليهم الإشارة- بالأولى، تبعا للحلّي [1]، لمفهوم المرسلة المذكورة، و بعض الأخبار الواردة في الالتفات عن القبلة «1»، و بهما تقيّد الإطلاقات.

و يردّ الأوّل: بعدم الدلالة، و الثاني: بأنّه يدلّ على عدم انقطاع النافلة بالالتفات، لا على جوازه مع كونه قاطعا.

و يستثنى من تحريم القطع ما إذا خاف من تركه ضررا في مال أو نفس أو عرض من نفسه أو غيره، و الظاهر- كما قيل «2»- اتّفاقهم عليه، له، و لعمومات نفي الضرر، و انتفاء العسر و الحرج.

و لمرسلة حريز: «إذا كنت في صلاة الفريضة، فرأيت غلاما لك قد أبق، أو غريما لك عليه مال، أو حيّة تتخوّفها على نفسك، فاقطع الصلاة، و اتّبع غلامك و غريمك، و اقتل الحيّة» «3».

و رواها الصدوق بطريق صحيح «4».

و موثّقة سماعة: عن الرجل يكون قائما في صلاة الفريضة، فنسي كيسه أو متاعا يخاف ضيعته أو هلاكه، قال: «يقطع و يحرز متاعه، ثمَّ يستقبل القبلة» قلت: فيكون في صلاة الفريضة، فتفلت عليه دابّته، فيخاف أن تذهب أو يصيب منها عنتا، فقال: «لا بأس بقطع صلاته و يتحرّز و يعود إلى صلاته» «5».

______________________________

[1] قال في السرائر في كتاب الاعتكاف 1: 422 .. لأنّ عندنا العبادة المندوب إليها لا

تجب بالدخول فيها- بخلاف ما ذهب إليه أبو حنيفة- ما خلا الحج المندوب، فإنه يجب بالدخول فيه، و حمل باقي المندوبات عليه قياس ..

______________________________

(1) انظر: الوسائل 7: 246 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 8.

(2) انظر: الرياض 1: 180.

(3) الكافي 3: 367 الصلاة ب 52 ح 5، التهذيب 2: 331- 1361، الوسائل 7: 276 أبواب قواطع الصلاة ب 21 ح 1.

(4) كما في الفقيه 1: 242- 1073.

(5) الكافي 3: 367 الصلاة ب 52 ح 3، الفقيه 1: 241- 1071، التهذيب 2: 330- 1360، الوسائل 7: 277 أبواب قواطع الصلاة ب 21 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 63

و في القويّ: في رجل يصلّي و يرى الصبيّ يحبو إلى النار، و الشاة تدخل البيت لتفسد الشي ء، قال: «فلينصرف و ليتحرّز ما يتخوّف منه و يبني على صلاته ما لم يتكلّم» «1».

و اختصاصها ببعض أفراد المطلوب مجبور بالإجماع المركّب.

ثمَّ إنّ القطع على سبيل الوجوب إذا كان الخوف على النفس، أو المال المحترم المحرّم إتلافه شرعا، كما يدلّ عليه الأمر في بعض تلك الأخبار. و على سبيل الجواز إن كان على مطلق المال المحترم، كما يقتضيه إطلاق الكيس و المتاع و الشي ء في الخبرين الأخيرين.

و من هذا تظهر صحة ما ذكره الشهيدان و غيرهما من تقسيم القطع إلى الأقسام الخمسة «2»، و تندفع مناقشة بعضهم في بعض الأقسام «3».

و هل يعيد الصلاة بعد القطع، كما هو الظاهر من القطع؟.

أو يبني على ما هو مضى؟ كما هو ظاهر قوله «و يعود إلى صلاته» في الخبر الثاني، و صريح الثالث.

الظاهر الأوّل إن ارتكب ما يبطل الصلاة عمدا، لعمومات إبطاله بلا معارض، و قوله «ما لم يتكلّم» في الخبر

الأخير. و يبني على صلاته إن لم يفعله، للأصل، و القويّ.

المسألة الثانية: يجوز على الأظهر الأشهر، بل يستحبّ للمصلّي تسميت العاطس،

بالمهملة و المعجمة.

و هو: الدعاء له عند العطاس بنحو قوله: يرحمك اللّه، إذا كان مؤمنا كما

______________________________

(1) التهذيب 2: 333- 1375، الوسائل 7: 278 أبواب قواطع الصلاة ب 21 ح 3.

(2) الشهيد في الذكرى: 215، الشهيد الثاني في الروضة 1: 292، و انظر: جامع المقاصد 2: 359.

(3) كما في المدارك 3: 478.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 64

قيل «1»، أو مسلما كما ذكره بعضهم «2»، أو مطلقا كما يقتضيه عموم روايات التسميت «3»، و خصوص مرسلة ابن أبي نجران: عطس رجل نصرانيّ عند أبي عبد اللّه عليه السلام، فقال له القوم: هداك اللّه، فقال أبو عبد اللّه: «يرحمك اللّه» فقالوا له: إنّه نصرانيّ، فقال: «لا يهديه اللّه حتّى يرحمه» «4».

و إنّما جاز التسميت للمصلّي لكونه دعاء جائزا في الصلاة مطلقا، و عمومات ما دلّ على جواز التسميت، بل استحبابه لكلّ أحد إلّا إذا زادت العطسة عن الثلاث «5».

و عن المعتبر التردّد فيه، و لا وجه له، مع أنّه رجع عنه بعده إلى الجواز، و جعله مقتضى المذهب «6».

و أمّا المرويّ في مستطرفات السرائر عن جعفر عليه السلام: في رجل عطس في الصلاة، فسمّته رجل، فقال: «فسدت صلاة ذلك الرجل» «7».

فحمله بعضهم على التقيّة «8»- حيث إنّ المنسوب إلى الشافعيّ و بعض العامّة تحريمه «9»- و ردّه آخر بالشذوذ.

و الصواب ردّه بالإجمال، إذ لم يذكر فيه كون المسمّت في الصلاة، و فساد صلاة العاطس لا وجه له.

و قد يستند في التردّد إلى بعض الروايات العاميّة القاصرة دلالة «10».

______________________________

(1) الرياض 1: 181.

(2) كالسبزواري في الذخيرة: 367.

(3) انظر الوسائل 12: أبواب أحكام العشرة ب 57 و 58.

(4)

الكافي 2: 656 العشرة ب 15 ح 18، الوسائل 12: 96 أبواب أحكام العشرة ب 65 ح 1.

(5) انظر: الوسائل 12: 91 أبواب أحكام العشرة ب 61.

(6) المعتبر 2: 263.

(7) مستطرفات السرائر: 98- 19، الوسائل 7: 272 أبواب قواطع الصلاة ب 18 ح 5.

(8) كصاحب الحدائق 9: 100.

(9) انظر: مغني المحتاج 1: 197.

(10) كما في سنن أبي داود 4: 307.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 65

و كذلك يجوز له ردّ المسمّت بقوله: يغفر اللّه لك و يرحمك، كما في بعض الأخبار، أو: يغفر اللّه لك و لنا، كما في بعض آخر «1»، لما مرّ.

بل يجب عليه و على كلّ عاطس ردّه، للمرويّ في الخصال: «إذا عطس أحدكم فسمتوه، قولوا: يرحمكم اللّه، و هو يقول: يغفر اللّه لكم و يرحمكم، قال اللّه عزّ و جل إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها «2».

و تؤيّده رواية محمّد: «إذا عطس الرجل فليقل: الحمد للّه لا شريك له، و إذا سمعت الرجل يعطس فلتقل: يرحمك اللّه، و إذا رددت فلتقل: يغفر اللّه لك و لنا» «3».

فالقول بعدم الوجوب- كما عن المحقّق الثاني و المدارك لعدم صدق التحيّة عليه «4»- ضعيف.

و لكن لا يجب ما في الرواية، بل يجوز بمثل التسميت أو أحسن منه كلّ ما كان.

و كما يجوز له التسميت، يجوز له التحميد و الصلاة على النبيّ و آله عند سماع العطسة، فإنّه أيضا مستحبّ، بل ورد في الأخبار الأمر به و إن كان بينك و بينه البحر «5»، و ورد في بعض المعتبرة: «إنّه من سمع العطسة، فحمد اللّه تعالى، و صلّى على نبيّه و أهل بيته، لم يشتك عينيه و لا ضرسه» «6».

و كذا يجوز

له و لكلّ عاطس أن يحمد اللّه تعالى، و يصلّي على النّبي و آله، كما ورد في الأخبار المتكثّرة «7»، و في المنتهى أنّه مذهب أهل البيت عليهم

______________________________

(1) انظر: الوسائل 12: 88 أبواب أحكام العشرة ب 58.

(2) الخصال: 633، الوسائل 12: 88 أبواب أحكام العشرة ب 58 ح 3.

(3) الكافي 2: 655 العشرة ب 15 ح 13، الوسائل 12: 88 أبواب أحكام العشرة ب 58 ح 2

(4) المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 354، المدارك 3: 472.

(5) انظر الوسائل 7: 271 أبواب قواطع الصلاة ب 18.

(6) انظر الوسائل 12: 94 أبواب أحكام العشرة ب 63 ح 2.

(7) كما في الوسائل 7: 271 أبواب قواطع الصلاة ب 18، و الوسائل 12: أبواب أحكام العشرة ب 62 و 63.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 66

السلام «1». و أن يكون ذلك بعد وضع إصبعه على أنفه.

و يستحبّ أيضا للعاطس أن يقول بعد التحميد و الصلاة واضعا إصبعه على أنفه: رغم أنفي للّه رغما داخرا.

المسألة الثالثة: يجوز السلام على المصلّي
اشاره

، للأصل، و العمومات «2»، و خصوص الروايات في ردّ السلام للمصلّي «3»، و تقرير النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و الإمام صلوات اللّه عليه، المسلّمين عليهم في الصلاة «4»، و المرويّ في الذكرى: «إذا دخلت المسجد و الناس يصلّون، فسلّم عليهم، و إذا سلّم عليك فاردد، فإنّي أفعله» «5».

و أمّا المروي في الخصال: «لا تسلّموا على اليهود و النصارى» إلى أن قال:

«و لا على المصلّي، لأنّه لا يستطيع أن يردّ السلام» «6».

و في قرب الإسناد: «إذا دخلت المسجد الحرام و القوم يصلّون فلا تسلّم عليهم» «7».

فلا يعارض ما مرّ، لندرته رواية و فتوى.

مع أنّ الثابت ممّا مرّ ليس الزائد

على الجواز، أمّا غير رواية الذكرى فظاهر، و أمّا هي فلعدم كون الأمر فيها للوجوب قطعا، فيمكن أن يكون مجازه الجواز، سيّما مع كونه في مقام توهّم الحظر و مقابلتها مع الروايتين الأخيرتين، و هما أيضا لا تثبتان الزائد من الكراهة، أمّا الأخيرة فلضعفها، و احتمالها الجملة الخبريّة، و أمّا الأولى فلاشتمالها على بعض من يكره السلام عليه، و عدم جواز استعمال اللفظ في

______________________________

(1) المنتهى 1: 313.

(2) كما في الوسائل 12: أبواب أحكام العشرة ب 32 و 33.

(3) الوسائل 7: 267 أبواب قواطع الصلاة ب 16.

(4) الوسائل 7: أبواب قواطع الصلاة ب 16 و 17.

(5) الذكرى: 218، الوسائل 7: 271 أبواب قواطع الصلاة ب 17 ح 3.

(6) الخصال: 484- 57، الوسائل 7: 270 أبواب قواطع الصلاة ب 17 ح 1.

(7) قرب الإسناد: 94- 317، الوسائل 7: 270 أبواب قواطع الصلاة ب 17 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 67

حقيقته و مجازه.

فالقول بالكراهة- كما ذهب إليه بعض المتأخّرين «1»- هو الأقوى.

و بالروايتين الأخيرتين تخصص عمومات التسليم.

و يجوز للمصلّي بل يجب عليه ردّه، كما يجب على غير المصلّي، بلا خلاف كما قيل «2»، بل بالإجماع كما صرّح به جماعة «3».

لعمومات الكتاب، و السنّة المستفيضة، و خصوص المعتبرة، منها:

صحيحة محمّد: دخلت على أبي جعفر عليه السلام و هو في الصلاة فقلت:

السلام عليك فقال: «السلام عليك» فقلت: كيف أصبحت؟ فسكت، فلما انصرف قلت: أ يردّ السلام و هو في الصلاة؟ فقال: «نعم مثل ما قيل له» «4».

و الأخرى: «إذا سلّم عليك مسلّم و أنت في الصلاة فسلّم عليه، تقول:

السلام عليك، و أشر بأصابعك» «5».

و موثّقة سماعة: عن الرجل يسلّم عليه و هو في الصلاة، قال: «يردّ بقوله:

سلام

عليكم، و لا يقول: عليكم السلام» «6».

و غير ذلك من الأخبار المتكثّرة.

و الظاهر عدم تعيّن صيغة الردّ لغير المصلّي من الصيغ الأربع المشهورة، بل الثمان، للأصل، و بعض الروايات، و إن كان الأولى له الردّ بتقديم الظرف.

و أوجب بعضهم الردّ به، لأخبار غير صالحة لإثبات الوجوب «7».

______________________________

(1) كصاحب المدارك 3: 475.

(2) في الحدائق 9: 79.

(3) كالسيد في الانتصار: 47، و صاحب المدارك 3: 473، و صاحب الحدائق 9: 75.

(4) التهذيب 2: 329- 1349، الوسائل 7: 267، أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 1.

(5) الفقيه 1: 240- 1063، مستطرفات السرائر: 98- 18، الوسائل 7: 268 أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 5.

(6) الكافي 3: 366 الصلاة ب 51 ح 1، التهذيب 2: 328- 1348، الوسائل 7: 267 أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 2.

(7) انظر: الحدائق 9: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 68

و أمّا المصلّي فهل يجب عليه الردّ بالمثل؟ كما نسب إلى المشهور بين الأصحاب «1»، و عن صريح السيّد و الخلاف «2»، و ظاهر المدارك «3»، بل روض الجنان «4»، و غيره: إجماعهم عليه.

لصحيحة محمّد الاولى، و صحيحة منصور: «إذا سلّم عليك الرجل و أنت تصلّي، قال: تردّ عليه خفيّا كما قال» «5».

و لا تنافيهما صحيحة محمّد الثانية، و لا الموثّقة، لكونهما مبنيين على ما هو الشائع من وقوع التسليم هكذا.

أو بقوله: سلام عليكم؟ كما هو ظاهر النافع «6»، و صريح بعض آخر «7»، للموثّقة.

أو يجوز الردّ بأيّ نحو كان، و لو بقوله: عليكم السلام؟ كما عن الحلّي و المختلف «8».

الظاهر الأخير، للأصل، و عدم دلالة شي ء من الروايات على الوجوب، لمكان الجملة الخبريّة، مع أنّها معارضة بعضها مع بعض، و غلبة

السلام بقوله:

السلام عليكم لا تفيد للصحيحة الثانية، مع أنّها لا تخصّص العموم المستفاد من ترك الاستفصال.

مضافا إلى أنّه يمكن أن يراد بالمماثلة في الصحيحة عدم الزيادة على التسليم من قوله: و رحمة اللّه و بركاته، و هو المناسب للخبرين الأخيرين. و به يحصل الجمع

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 181.

(2) السيد في الانتصار: 47، الخلاف 1: 388.

(3) المدارك 3: 474.

(4) الروض: 339.

(5) الفقيه 1: 241- 1065، التهذيب 2: 332- 1366، الوسائل 7: 268 أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 3.

(6) النافع: 34.

(7) كصاحب الرياض 1: 182.

(8) الحلي في السرائر 1: 236، المختلف: 102.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 69

التامّ بينها.

و يمكن أن يكون المراد المماثلة في تقديم السلام، لأنّه الأقرب إلى ما ورد في القرآن، فتخلو الصلاة عن كلام الآدميين.

و لا يختصّ وجوب الردّ على المصلّي أو غيره بصورة كون التسليم بتأخير الظرف، وفاقا للحلّي «1»، بل- كما قيل «2»- هو ظاهر الأصحاب، للأصل، و صدق التسليم عليه.

و عن التذكرة و الذخيرة و غيرهما: الاختصاص «3»، لأنّ صورة تقديم الظرف صيغة الجواب، دون السلام الواجب ردّه.

و يضعّف بالمنع، لعدم دليل على اختصاص التسليم بتقديم السلام، و وروده كذلك في حكاية بعض التسليمات لا يدلّ على الوجوب، كما أنّ بعض الروايات العاميّة لا يفيد في إثباته «4».

و هل يجب الردّ إذا سلّم بنحو قوله: سلام، أو السلام من غير ذكر الظرف؟.

أنكره جماعة «5»، للأصل. و تردّد بعض آخر، بل أوجب «6»، لصدق التحيّة و التسليم. و هو الأظهر، لذلك.

و لا يجب الردّ إذا سلّم بما لا يصحّ لغة، كبعض الأعجام يسلّم بقوله:

سرام، أو سلوم و نحوهما، للأصل، و عدم معلوميّة صدق التحيّة.

______________________________

(1) في السرائر 1: 236.

(2)

حكاه عن بعض المتأخرين في الحدائق 9: 72.

(3) التذكرة 1: 130، الذخيرة: 366، و انظر المعتبر 2: 264.

(4) سنن أبي داود 4: 353- 5209.

(5) كصاحب الحدائق 9: 74.

(6) كما في مجمع الفائدة 3: 117، و كفاية الأحكام: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 70

فروع:
أ: لا خلاف- كما قيل «1» في أنّ الردّ واجب كفاية لا عينا

، إذا كان الرادّ من المسلّم عليهم، لتحقّق التحيّة و الردّ.

و فيه نظر، لأنّ السلام إذا كان على الكلّ، كان كلّ أحد مأمورا بالردّ بمقتضى الأخبار، بل الآية، و الأصل عدم السقوط عنه بفعل الغير، فإن ثبت الإجماع، و إلّا فيجب على الكلّ.

و على القول بالكفاية، هل يستحبّ للباقين الردّ حينئذ أيضا؟.

عن روض الجنان: الاتّفاق على استحبابه «2»، و نحوه كاف في المقام، فيكون مستحبّا.

و قد يستدلّ بعموم الروايات، و لا يخلو عن نظر.

و هل يشمل الاستحباب المصلّي أيضا؟.

فيه نظر، لاختصاص حكاية الاتّفاق بغير المصلّي، و جوازه بقصد القرآن أمر آخر. إلّا أن يقال: إنّ ردّه دعاء للمسلّم، فيكون جائزا، بل مستحبّا من هذه الجهة، إلّا أنّه أيضا غير استحباب الردّ من حيث هو.

و كذا قالوا: إنّ الابتداء بالسلام من المستحبّات كفاية أيضا «3»، و عن التذكرة الإجماع عليه «4».

و تدلّ عليه موثّقة غياث «5»، و مرسلة ابن بكير «6»، و مقتضاهما كفائيّة الاستحباب إذا كان الداخلون جماعة، لا أنّه إذا سلّم أحد على جماعة مطلقا أجزأ عن غيره كذلك.

______________________________

(1) الحدائق 9: 75.

(2) الروض: 339.

(3) كما في الحدائق 9: 75.

(4) لم نعثر عليه في بحث قواطع الصلاة من التذكرة، و لكن حكاه عنه في الحدائق 9: 75.

(5) الكافي 2: 647 العشرة ب 7 ح 3، الوسائل 12: 75 أبواب أحكام العشرة ب 46 ح 2.

(6) الكافي 2: 647 العشرة ب

7 ح 1، الوسائل 12: 75 أبواب أحكام العشرة ب 46 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 71

ثمَّ المستفاد من قوله «أجزأ» فيهما أنّ تسليم الواحد يكفي عن تسليم الكلّ، و هل يستحبّ لغير الواحد التسليم بعد تسليم أحدهم؟ فيه احتمالان.

ب: يجب ردّ سلام الصبيّ المميّز، في الصلاة

و غيرها، وفاقا لجملة من الأصحاب، منهم روض الجنان و المدارك «1».

لا لعموم الآية كما قيل «2»، لاتّحاد المرجع في «حييتم» و «حيّوا» و الثاني مخصوص بالمكلّفين فكذا الأوّل.

بل لعموم طائفة من الأخبار المتقدّمة و غيرها.

و هل يكتفى بردّه؟.

الظاهر لا، وفاقا للمدارك و غيره «3»، لأنّ الأمر بالتحيّة بالمثل في الآية، و الردّ في الأخبار مخصوص بالمكلّفين.

ج: وجوب الردّ على المصلّي و غيره إذا علم دخوله في المسلّم عليه

. و إن شكّ فيه فلا يجب، بل يشكل جوازه للمصلّي، إلّا إذا قصد القرآن، أو من حيث كونه دعاء للمسلّم.

د: قالوا: يجب إسماع الردّ للمسلّم

تحقيقا أو تقديرا «4». و هو صحيح، إذ لا يعلم صدق التحيّة و الردّ، و لرواية ابن القدّاح: «فإذا ردّ أحدكم فليجهر بردّه، لا يقول: سلّمت و لم يردّوا عليّ» «5».

إلّا أنّ في كفاية التقديري نظر، إذ ظاهر أنّ صدق الردّ أمر لا يتوقّف على الإمكان و عدمه، فإن صدق ردّه بدون الإسماع لم يجب مطلقا، و إلّا وجب مع الإمكان، و يسقط وجوب الردّ مع عدم إمكان الإسماع.

______________________________

(1) الروض: 339، المدارك 3: 475.

(2) في الحدائق 9: 76.

(3) المدارك 3: 475، و انظر: الروض: 339.

(4) كما في الروض: 339، و الحدائق 9: 77.

(5) الكافي 2: 645 العشرة ب 7 ح 7، الوسائل 12: 65 أبواب أحكام العشرة ب 38 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 72

و لا يبعد صدق الردّ عليه بالتسليم مع الإشارة المفهمة له بالإصبع أو الرأس، فيكون كافيا كذلك مطلقا.

و لا تنافيه رواية ابن القدّاح، لأنّ المستفاد من تعليلها أنّ المطلوب إفهام المسلّم، و هو يحصل بذلك، فإن لم يمكن ذلك أيضا سقط وجوب الردّ.

هذا في غير المصلّي، و أمّا هو فالمشهور فيه أيضا وجوب الإسماع، لما ذكر.

و عن المحقّق و الأردبيليّ- طاب ثراهما- عدمه «1»، لصحيحة منصور المتقدّمة «2»، و موثّقة الساباطيّ: «إذا سلّم عليك رجل من المسلمين و أنت في الصلاة تردّ عليه فيما بينك و بين نفسك، و لا ترفع صوتك» «3».

و تدلّ عليه صحيحة محمّد الثانية «4»، حيث تضمّنت قوله «و أشر بأصابعك» فإنّه لو كان جهرا لما احتاج إلى ذلك.

و ردّ بالحمل على التقيّة،

لأنّ عدم وجوب ردّ المصلّي نطقا مذهب أكثر العامّة «5».

و هو كان حسنا لو كان وجوب الإسماع ثابتا. و أمّا على ما ذكرنا من وجوب الإفهام، فلا داعي للحمل عليها، بل يسلّم خفيّا، و يشير بالإصبع- كما في صحيحة محمّد- تحصيلا للتفهيم. إلّا أنّه لا يجب ذلك، كما حكي عن الفاضلين المذكورين، لقصور الروايات عن إفادة الوجوب، حتّى الصحيحة الأخيرة الآمرة بالإشارة، لعدم وجوب خصوص هذه الإشارة إجماعا.

ه: المشهور بين الأصحاب أنّ وجوب الردّ في الصلاة و غيرها فوريّ

، إذ هو المتبادر من الردّ، و مقتضى الفاء الدالة على التعقيب بلا مهلة في الآية.

______________________________

(1) المحقق في المعتبر 2: 264، الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 119.

(2) في ص: 68.

(3) الفقيه 1: 240- 1064، التهذيب 2: 331- 1365. الوسائل 7: 268 أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 4.

(4) المتقدمة في ص: 67.

(5) انظر: بداية المجتهد 1: 181، و المغني 1: 747.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 73

و الأوّل ممنوع، و كذا الثاني في الفاء الجزائيّة، و لذا توقّف فيه بعضهم «1».

إلّا أنّ المعلوم من سيرة النبيّ و الأئمة و أصحابهم و العلماء المسارعة إلى الجواب، فالظاهر أنّه إجماعيّ.

إلّا أنّه- كما صرّح به بعضهم «2»- الفوريّة المعتبرة هنا إنّما هو تعجيله بحيث لا يعدّ تاركا عرفا، فلا يضرّ إتمام كلمة أو كلام وقع السلام في أثنائه.

و: لو ترك المصلّي ردّا هل تبطل صلاته، أم لا؟.

المشهور هو الأوّل، لقاعدتي عدم اجتماع الأمر و النهي، و كون الأمر بالشي ء نهيا عن ضدّه.

و الحقّ عدم البطلان و إن صحّت القاعدتان، كما بينّا وجهه في كتبنا الأصوليّة.

ز: يجب ردّ السلام الواقع في وراء ستر أو جدار أيضا

. و هل يجب إذا سلّم عليه بلسان رسول؟ الظاهر نعم، لصدق التحية و السلام.

و في وجوبه إذ كتب بالسلام نظر، لعدم معلومية الصدق. نعم لو كان جواب الكتاب واجبا- كما اختاره بعض الأصحاب «3» و تدل عليه صحيحة عبد اللّه بن سنان صريحة «4»، و هو الأقوى لذلك- كان واجبا من هذه الجهة.

و هل يختصّ وجوب جواب الكتاب بما إذا تضمّن الدعاء و السلام، بل كان مخصوصا به، أو يجب مطلقا؟ فيه تأمّل.

ح: الحقّ جواز تسليم الأجنبية على الأجنبي

، للأصل و الأخبار.

______________________________

(1) انظر: الحدائق 9: 81.

(2) انظر: الذخيرة: 367.

(3) كصاحب الحدائق 9: 82.

(4) الكافي 2: 670 العشرة ب 27 ح 2، الوسائل 12: 57 أبواب أحكام العشرة ب 33 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 74

و قيل بعدمه «1»، لأنّ صوتها عورة.

و هو ممنوع، و الخبر المانع عنه لا يفيد أزيد من الكراهة «2».

ط: لا يبتدئ بالسلام على الكافر

، بل الظاهر عدم جوازه، للنهي عنه في رواية غياث «3»، المؤيّدة برواية الخصال المتقدّمة «4». إلّا أن تدعو إليه الضرورة، كما يدلّ عليه خبر عبد الرحمن بن الحجاج «5».

و لو سلم كافر على مسلم فهل يجب الردّ أم لا؟.

الظاهر نعم، لعموم الآية، و أكثر الأخبار، و خصوص رواية غياث، و موثّقتي محمّد «6»، و سماعة «7».

و المشهور المنصور أنه يردّ على أهل الذمّة ب «عليك»، للرواية و الموثقتين المذكورة.

و هل يجب الاقتصار على ذلك، أم يجوز بغيره؟.

ظاهر الأمر فيها يقتضي الوجوب. إلّا أنّ في رواية زرارة: «تقول في الردّ على اليهودي و النصراني: سلام» «8».

و مقتضى القاعدة التخيير، إلّا أنّ الأوّل أشهر رواية، و هو من المرجّحات المنصوصة، و على هذا فلا يجوز بمثل عليك السلام.

______________________________

(1) كما في الحدائق 9: 83.

(2) الكافي 5: 535 النكاح ب 83 ح 2، الوسائل 20: 234 أبواب مقدمات النكاح ب 131 ح 2.

(3) الكافي 2: 648 العشرة ب 11 ح 2، الوسائل 12: 77 أبواب أحكام العشرة ب 49 ح 1.

(4) في ص: 66.

(5) الكافي 2: 650 العشرة ب 11 ح 7، الوسائل 12: 83 أبواب أحكام العشرة ب 53 ح 1.

(6) الكافي 2: 649 العشرة ب 11 ح 4، مستطرفات السرائر: 138- 7، الوسائل 12: 77 أبواب أحكام العشرة

ب 49 ح 3.

(7) الكافي 2: 649 العشرة ب 11 ح 3، الوسائل 12: 79 أبواب أحكام العشرة ب 49 ح 6.

(8) الكافي 2: 649 كتاب العشرة ب 11 ح 6، الوسائل 12: 77 أبواب أحكام العشرة ب 49 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 75

ي: المستفاد من بعض الأخبار أنّه يستحبّ أن يسلّم الراكب على الماشي و القائم على الجالس،

و الطائفة القليلة على الكثيرة، و الصغير على الكبير، و أصحاب الخيل على أصحاب البغال، و هم على أصحاب الحمير «1». و لكن ذلك مستحبّ في مستحبّ، فلو وقع العكس في بعض الصور لم يخرج من الاستحباب أيضا.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 12: 73 أبواب أحكام العشرة ب 45.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 77

الباب الثاني في الخلل الواقع في الصلاة المتعلق بأجزائها، أو صفاتها، أو شرائطها
اشارة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 79

و هو: إمّا عن عمد، أو جهل، أو سهو، أو بسبب تعلّق الشكّ بأحد هذه الأمور، أو الظنّ. ثمَّ الخلل الحاصل بسبب أحد هذه الأمور إمّا نقص أو زيادة.

و المراد بالعمد: كونه بشعور و قصد.

و بالسهو: عزوب المعنى عن القوّة الذاكرة مع بقائه في الحافظة، و لهذا يحصل بالتذكّر، و يرادفه النسيان.

و قد يطلق النسيان على عزوبه عن القوّتين، فيحتاج حصوله إلى المراجعة و التعلّم، و على ذلك يرادف الجهل بأحد معنييه، و المعنى الآخر عدم حصول المعنى في الذهن أوّلا أيضا.

و بالشك: تساوي الاعتقادين المتضادين. و قد يطلق السهو في الأخبار و كلام الأصحاب على الشك أيضا.

و بالظن: رجحان أحد الطرفين.

فهاهنا مباحث، نذكرها بعد ذكر أصل، يحصل منه حكم كثير من مسائل الباب، هو: أنّ الأصل في كلّ شرط أو جزء واجب أو صفة واجبة بطلان الصلاة بنقصه عمدا، أو جهلا، أو سهوا. و كذا في زيادة الأجزاء.

أمّا أصالة البطلان بنقص ما ذكر عمدا، أو جهلا مع التقصير و احتمال الخلاف، فلإيجابه عدم الإتيان بالمأمور به، و مخالفته الموجبة لعدم تحقّق الامتثال.

و أمّا أصالته بنقصه جهلا من غير تقصير، أو سهوا، فالمراد بالبطلان حينئذ ليس عدم موافقة ما فعل للمأمور به حين الجهل و النسيان، إذ لا تكليف على الغافل فوق ما عمله.

بل المراد وجوب الفعل في الوقت ثانيا- إن ارتفع الجهل أو النسيان فيه- مع الشرط أو الجزء المتروك أوّلا، سواء كان الترك لأجل الخطإ جهلا أو نسيانا، في حكم الجزء أو الشرط، أو في موضوعه.

أمّا الأوّل فكمن ظنّ عدم وجوب السورة في الصلاة، أو عدم وجوب الاستقبال، أو ستر العورة فيها، و صلّى بدون السورة، أو غير مستقبل القبلة، أو

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 80

مكشوف العورة، ثمَّ تبيّن له خلافه مع بقاء الوقت.

و الوجه في البطلان بالمعنى المذكور حينئذ أنّ بعد تبيّن الخلاف حصل له أمر، و هو: أنّ كلّ مكلّف يجب عليه الفعل مع هذا الجزء أو الشرط في الوقت الفلاني، و المفروض بقاء الوقت، فيكون داخلا في الموضوع، فيجب عليه الفعل.

و لا ينافي ذلك صحة ما فعله أوّلا، حيث إنّه له المأمور به حينئذ، لأنّه المأمور به له حين يعلم أنّه المأمور به له، و لا يضرّ ذلك في كون شي ء آخر مأمورا به له في وقت آخر.

و الحاصل أنّ ها هنا أمرين: مطلقا و مقيّدا، و كان الأوّل واجبا عليه في الوقت الأوّل، و الثاني في الثاني.

و أمّا الثاني فهو إمّا خطأ في المفهوم، أو المصداق.

فالأوّل كمن ظنّ سهوا أو جهلا أنّ المراد بالمغرب غروب الشمس، فصلّى، ثمَّ تبيّن له مع بقاء الوقت أنّ مفهومه زوال الحمرة.

أو ظنّ أنّ القبلة ما بين المشرق و المغرب، فصلّى في العراق إلى حوالي المشرق، ثمَّ ظهر له أنّ ذلك قبلة المتحيّر.

أو ظنّ أنّ ستر العورة يتحقّق مع اللباس الحاكي أيضا، ثمَّ ظهر له أنّه ليس بساتر.

أو ظنّ أنّ السورة الواجبة في الصلاة صادقة على آية من السورة أيضا، ثمَّ ظهر له خطؤه.

و أمّا

الثاني فكمن علم أنّ المراد بالمغرب زوال الحمرة، و سها، فظنّ حصوله قبل حصوله، و صلّى، ثمَّ تبيّن خطؤه.

أو علم أنّ القبلة الجهة المخصوصة للكعبة و ظنّها في سمت، و صلّى إليه، ثمَّ ظهر خطؤه.

و يظهر وجه وجوب الإعادة في الوقت فيهما أيضا ممّا مرّ.

هذا حكم الإعادة في الوقت.

و أمّا القضاء فالأصل ينفيه، و ثبوته إنّما هو بأمر جديد، فلا يندرج تحت

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 7    81     الباب الثاني في الخلل الواقع في الصلاة المتعلق بأجزائها، أو صفاتها، أو شرائطها ..... ص : 77

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 81

ضابطة كليّة، بل تجب متابعة الأمر في كلّ موضع. إلّا أنّه ثبت وجوبه في الخلل العمدي الحاصل في أجزاء الصلاة الواجبة نقصا، أو زيادة، أو نقص أوصافها الواجبة، كما يأتي بعد ذلك.

و إن أردت تحقيق المقام في هذه الأقسام، مع نقض و إبرام بما لا يتصوّر مزيد عليه، فارجع إلى كتابنا المسمّى بعوائد الأيّام، فقد استوفينا الكلام في أقسام الخاطئ و الجاهل، و ذكرنا تحقيقات لا توجد في غيره «1».

ثمَّ لا يخفى أنّ البطلان بهذا المعنى أي: وجوب الإعادة في الوقت إنّما هو مقتضى الأصل، و قد يدلّ دليل خارجي على عدم الوجوب، كما في نسيان الفاتحة أو السورة، و بالجملة غير الأركان من أجزاء الصلاة.

كما قد يوجد دليل على وجوب القضاء خارج الوقت أيضا، كما في السهو عن الأركان، أو الطهارة و نحوها. بل الظاهر الإجماع على أنّ ما يوجب الإعادة في الوقت من نقص أجزاء الصلاة سهوا يوجب القضاء خارجه.

و أمّا أصالة بطلان الصلاة بزيادة الأجزاء بأحد الوجوه الثلاثة، فلرواية أبي بصير: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» «2».

و

صحيحة زرارة و بكير: «إذا استيقن أنّه زاد في صلاته [المكتوبة] لم يعتدّ بها، و استقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا» «3».

و قوله: «زاد في صلاته» يحتمل معنيين:

أحدهما: أنّ من زاد صلاته بمعنى أن يصلي صلاة زائدة عمّا يجب عليه، كما يقال: زاد زيد في داره، إذا اشترى دارا أخرى أيضا.

______________________________

(1) عوائد الأيام: 83.

(2) الكافي 3: 355 الصلاة ب 41 ح 5، التهذيب 2: 194- 764، الاستبصار 1:

376- 1429، الوسائل 8: 231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 2.

(3) الكافي 3: 354 الصلاة ب 41 ح 2، التهذيب 2: 194- 763، الاستبصار 1:

376- 1428، الوسائل 8: 231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 1، و ما بين المعقوفين ليس في النسخ، أضفناه من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 82

و ثانيهما: أنّ من زاد فيها شيئا.

و الأوّل يحتاج إلى كون لفظة «في» زائدة و إرادة الركعة و مثلها عن الصلاة، إذ لا تبطل الصلاة بزيادة صلاة أخرى قطعا، و كلاهما خلاف الأصل، فالمعنى:

زاد فيها غيرها.

و لا يتوهّم أنّه يقتضي تقدير المفعول لقوله: «زاد» و هو غير معيّن، لاحتمال الركن أو الركعة أو غيرهما، فيسقط الاستدلال.

إذ المبطل هو مهيّة الزيادة من غير احتياج إلى التقدير، نحو: من أكل اليوم، أو قتل فعليه كذا، و زيد أكول، فإنّ الشرط و المخبر عنه هو مطلق الأكل، و القتل، و كثرة الأكل.

فالمبطل هو الزيادة، و يكون المفعول نسيا منسيّا، كقولهم: فلان يمنع و يعطي، فالمبطل الزيادة في الصلاة لا المزيد.

و قد يستدلّ للمطلوب في الجملة بما في بعض الصحاح: «لا يعيد الصلاة من سجدة، و يعيدها من ركعة» «1».

و مقابلة الركعة فيها

بالسجدة قرينة على أنّ المراد منها الركوع.

و فيه: أنّه يحتمل الزيادة و النقصان، فلا يتمّ الاستدلال بها، كما لا يضرّ حكمها بعدم الإعادة بالسجدة لذلك أيضا.

و التأمل في الخبرين الأوّلين باعتبار استلزامهما خروج الأكثر باطل، و إن كان عمومهما لغويّا أيضا، لمنع خروج الأكثر، لشمولهما للعمد و الجهل و السهو، و لم يخرج من الأولين شي ء ممّا يصدق عليه الزيادة على ما ذكرنا، و لا من الثاني أكثر الأفعال و إن خرج أكثر الجزئيّات، و لكن المقصود كلّيات الأفعال.

و يشترط أن يكون المزيد من أجزائها، لأنّه معنى ذلك المركّب، فإنّه لا يقال لمن أمر ببناء معيّن على نحو معيّن كوضع خمس لبنات و تطيينه إلى ذراعين: إنّه زاد في البناء، إلّا إذا زاد في اللبنة، أو الجصّ و نحوهما. و لا يقال: إنّه زاد فيه، لو قرأ

______________________________

(1) الفقيه 1: 228- 1009، الوسائل 6: 319 أبواب الركوع ب 14 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 83

حين البناء شعرا، أو فعل فعلا آخر، فيلزم أن يكون المزيد ممّا يعدّ من أجزاء الصلاة لو زاد. هذا.

ثمَّ إنّ ما يزاد فيه شي ء إمّا يعرف ما منه و ما ليس منه عرفا، فالمناط ما كان منه عرفا، كالبناء، فلو أدخل فيه خشبا يكون قد زاد فيه.

و إمّا ما يتوقّف معرفة ما منه و ليس منه على التوقيف الشرعي، فلا بدّ في معرفة كون الزائد من الصلاة أو ليس منها من الرجوع إلى الشرع، و هي إنّما تتحقّق بالتطبيق على الأجزاء المعلومة أنّها من الصلاة قطعا، فزيادة مثلها تكون زيادة في الصلاة، و ما ليس منها لا يكون زيادة فيها، فلو حرّك يده في الصلاة مثلا لم يكن زيادة

في الصلاة.

و قد يتوهّم أنّه يكون زيادة إذا اعتقد جزئيتها.

و هو سهو، لأنّ الاعتقاد لا يكون إلّا عن دليل، فما لم يدلّ دليل له على الجزئية لا يمكن له الاعتقاد، و إذا دلّ دليل عليها لا يكون زيادة بل يكون جزءا من الصلاة في حقّه مع ذلك الاعتقاد.

نعم يشترط في صدق الزيادة في الصلاة أن يكون الزائد ممّا يعدّ جزءا من الصلاة عرفا، فلو كان فعل يتحقّق في الصلاة و في غيرها، فلا بدّ إمّا قصد كونه من الصلاة، أو انضمام خصوصيّة أخرى تختص بالصلاة، كالانحناء، فإنّه يتحقّق تارة في ركوع الصلاة و اخرى في غيره، فلا يكون زيادة إلّا بقصد جعله من ركوع الصلاة، أو ضمّ الخصوصيات الواردة في الصلاة كالانحناء بالحدّ الخاصّ مع الطمأنينة و الذكر، فإنّ مثل ذلك من الصلاة. و بالجملة لا بدّ من ضمّ شي ء يصرفه و يطبقه على أجزاء الصلاة.

و لا يخفى أيضا أنّ الزيادة في الأجزاء إنّما تتحقّق إذا زاد شيئا منها على القدر المعيّن شرعا عدده، كالركعة و الركوع و السجود، أو محلّه من حيث هو صلاة، فيزيد إذا أتى به في غير محلّه أيضا من حيث هو للصلاة، و إن لم يعيّن عدده أيضا، كالقراءة بعد الركوع، و التشهد في الركعة الأولى، إذا قرأ قبله أيضا، و تشهد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 84

بعدها، أمّا لو اقتصر على غير المحلّ فلا يعدّ زيادة عرفا، بل هو إخلال بالترتيب.

فلا زيادة ما لم يتعيّن عدده شرعا و إن تعيّن قدره الواجب عقلا، مثلا لو أمر بكتابة عشر صفحات في كلّ صفحة عشرة أسطر، و شرط عدم الزيادة في الكتابة، فيزيد لو زاد السطر عن العشرة، أو الصفحة

عنها، بخلاف ما لو كتب في السطر عشر كلمات، و إن تأدّي الواجب بخمس كلمات مثلا أيضا لصدق السطر، إذ هو ممّا لم يعيّنه الآمر.

و على هذا فكلّما عيّن الشارع في الصلاة كميّة يكون الزائد على ما عيّن زيادة، بخلاف ما لم يعيّنه الشارع و إن عيّن الأصل. فلا تصدق الزيادة بتكرار الآيات، و لا السورة، و لا القراءة مطلقا لو لا النهي عن قران السورتين، لأنّ المأمور به مطلق الفاتحة و السورة.

و كذا تتحقّق الزيادة بزيادة ما لم يعيّن الشارع عدده، و لكن عيّن محلّه، إذا أتى به في غير محلّه و في محلّه. و لو أتى في غير المحلّ خاصّة لم يكون زيادة، بل إخلالا. و لو أتى أوّلا في غير المحلّ، فإن قصد الإتيان في المحلّ أيضا فهو زيادة، و إلّا فإخلال.

و لو أتى به سهوا لا تتحقق الزيادة إلّا بعد أن يفعله في المحلّ أيضا، فهو سبب تحقّق الزيادة، و إن كان الزائد ما وقع في غير المحلّ.

و هل الزيادة في أجزاء الفاتحة أو السورة- بأن يقرأ جزءا منها سهوا في غير المحلّ، ثمَّ قرأه بعد ذلك- زيادة في الصلاة؟.

فيه نظر، فإنّ الظاهر أنّ المصداق هو زيادة الأجزاء المقرّرة للصلاة المرتّبة، لا جزء الجزء.

لا يقال: قد ورد في الأخبار: «إنّه لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود» «1» فهو يعارض خبري أبي بصير و زرارة

______________________________

(1) التهذيب 2: 152- 597، الوسائل 7: 234 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 85

المتقدّمتين «1».

لأنّا نقول: التعارض بالعموم المطلق، فإنّه أعمّ مطلقا منهما، فيجب التخصيص. و ذلك حيث إنّه لا شكّ

أنّ الإعادة من خمسة تحتاج إلى تقدير من نقص أو زيادة، إذ لا معنى للإعادة من الخمسة نفسها، و لا شك أن المقدّر للوقت و القبلة بل الطهور النقص و الخلل دون الزيادة، فهو مقدّر قطعا و لا يعلم تقدير شي ء آخر، فالمعنى: لا تعاد الصلاة من غير نقصان الخمسة، و من البيّن أنّه أعمّ مطلقا من الزيادة.

لا يقال: قد ورد في رواية سفيان بن السمط: «تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان» «2».

دلّت على ثبوت سجدتي السهو في جميع زيادات الصلاة سهوا أو نقصاناتها. و لا سجدة سهو إلّا مع الصحّة، للإجماع على عدم سجدة السهو في الزيادة أو النقيصة المبطلة. فتدلّ على صحة الصلاة بكلّ زيادة و نقصان سهوا، إذ لا سجدة سهو في العمد. فهي أخصّ مطلقا من جميع ما مرّ، فيخصّ بها، و مقتضاها صحّة الصلاة بالزيادة أو النقيصة سهوا.

قلنا: قد اعترفت بالإجماع على اختصاص سجدة السهو بالزيادة أو النقيصة الغير المبطلة، و هو كذلك أيضا، فيكون معنى الحديث: كلّ زيادة غير مبطلة، أو نقص كذلك، و علمنا أيضا من الزيادات و النقائص السهويّة ما يبطل الصلاة قطعا.

إذا عرفت ذلك فنقول:

______________________________

(1) في ص 81.

(2) التهذيب 2: 155- 608، الاستبصار 1: 361- 1367، الوسائل 8: 251 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 86

المبحث الأوّل في العمد و فيه مسألتان:
المسألة الأولى: كلّ من نقص من واجب صلاته شيئا عمدا بطلت صلاته

، جزءا كان أو وصفا أو شرطا، بالإجماع، له، و للأصل المتقدّم الخالي عن مكاوحة شي ء ممّا يعارضه.

المسألة الثانية: كلّ من زاد في صلاته

تكبيرة الإحرام، أو ركوعا، أو سجودا و لو واحدا، أو ركعة، عمدا، بطلت صلاته.

و كذا لو قرأ في غير موضعه، أو تشهّد كذلك، بقصد قراءة الصلاة و تشهّدها، أو جلس أو قام كذلك، كلّ ذلك للأصل المتقدّم.

و يستفاد بعضها من عموم بعض الأخبار الآتية في مطاوي المباحث الآتية أيضا.

و لا تبطل بتكرير آيات الفاتحة، أو السورة، أو فقرات التشهّد، أو القنوت، و نحو ذلك، للأصل، و عدم صدق الزيادة في الصلاة، كما مرّ بيانه.

و يدلّ على بعضه بعض الروايات الدالّ على تكرار الإمام بعض آيات الفاتحة «1».

و لا بأس بالانحناء بقصد تناول شي ء من الأرض، و لو بلغ حدّ الراكع، لعدم كونه زيادة في الصلاة كما سبق، و ورد في الأخبار أيضا «2».

______________________________

(1) كما في الوسائل 6: 151 أبواب القراءة في الصلاة ب 68.

(2) الوسائل 5: 503 أبواب القيام ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 87

المبحث الثاني: في الجهل

كلّ من ترك شرطا من شروط الصلاة المتقدّمة، أو جزءا واجبا منها، أو صفة واجبة، جهلا بالحكم أو بموضوعه، أثم و بطلت صلاته، إن كان الجهل مستندا إلى تقصيره بأن يحتمل عنده الخلاف و قصّر في التحصيل، لكونه عامدا حقيقة غير آت بالمأمور به تاركا له، فتجب عليه الإعادة في الوقت، و القضاء في خارجه.

و كذا إن زاد في الصلاة جهلا، لعمومات مبطلات الزيادة المتقدّمة.

و إن لم يكن مستندا إلى تقصيره، و لم يحتمل عنده الخلاف، فحكم الخلل الواقع بسببه المتعلّق بالشروط و المنافيات ما مرّ كلّ في موضعه، فما كان مبطلا للصلاة يوجب إعادتها و قضاءها، و ما لم يكون كذلك لا يوجبهما.

و أمّا ما له تعلّق بأجزاء الصلاة أو أوصافها الواجبة، فلا شكّ في عدم

ترتّب الإثم، و الوجه ظاهر.

و لكنّه في بطلان الصلاة بمعنى وجوب الإعادة و القضاء بالنقص و الزيادة فحكمه حكم العمد.

أمّا في وجوب الإعادة بالنقص، فبالإجماع و الأصل المتقدّم، و الأخبار الآتية.

و أمّا في وجوبها وجوب القضاء بالزيادة، فبالإجماع البسيط و المركّب، حيث إنّ كلّ من يقول بوجوبها بالنقص، يقول به بالزيادة، و بإطلاق الخبرين المتقدّمين «1».

______________________________

(1) في ص 81.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 88

و أمّا في وجوب القضاء بالنقص، فبالإجماع، و إطلاق الأخبار، كموثّقة البقباق، و ابن أبي يعفور: في الرجل يصلّي فلم يفتتح بالتكبير، هل يجزئه تكبيرة الركوع؟ قال: «لا، بل يعيد صلاته، إذا حفظ أنّه لم يكبّر» «1».

و صحيحة محمّد و فيها: «إذا استيقن أنّه لم يكبّر فليعد» «2».

و صحيحة أبي بصير: «إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة، و قد سجد سجدتين، و ترك الركوع، استأنف الصلاة» «3».

و ما يأتي من قولهم عليه السلام: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود».

و هذه الأخبار و إن كانت واردة في بعض الأفعال، و لكنّه يتمّ المطلوب بالإجماع المركّب.

بل هنا إجماع مركّب آخر أيضا، و هو: أنّ كلّ من يقول بوجوب الإعادة في الوقت بخلل حاصل بالجهل يقول بوجوب القضاء في خارجه به أيضا.

بل لنا أن نقول بأنّ ما يفعله جهلا عمد، لأنّه في الفعل متعمّد، و إن كان جاهلا بحكمه، و الجهل بالحكم لا يخرج الفعل عن التعمّد، فيدلّ على المطلوب جميع الأخبار المتضمّنة للفظ التعمّد، أو الدالّة بمفهوم عدم النسيان على الإعادة و القضاء.

و يستثنى من الجهل الموجب للبطلان الجهل بالجهر و الإخفات، فإنّ الجاهل فيهما معذور إجماعا، كما مرّ في بحثهما.

و كذا الجهل بحكم السفر كما يأتي في بحثه.

______________________________

(1) الكافي 3: 347 الصلاة ب 34 ح 2، التهذيب 2: 143- 562، الاستبصار 1:

352- 1333، الوسائل 6: 16 أبواب تكبيرة الإحرام ب 3 ح 1.

(2) التهذيب 2: 143- 558، الاستبصار 1: 351- 1327، الوسائل 6: 13 أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 2.

(3) التهذيب 2: 148- 580، الاستبصار 1: 355- 1343، الوسائل 6: 313 أبواب الركوع ب 10 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 89

و الجهل بالموضوع الموجب للبطلان إنّما هو إذا لم يكن العلم جزءا للموضوع، و إلّا فلا يوجب الجهل البطلان، لعدم ترك الواجب حينئذ، كما في غصبية الثوب و المكان، و نجاسة الثوب أو البدن، فإنّ الشرط الواجب في الصلاة ليس عدم غصبيّة الثوب، و لا عدم نجاسته واقعا، بل هو عدم العلم بالغصبية و عدم العلم بالنجاسة. بل الطاهر الشرعي حقيقة هو ما لم يعلم نجاسته، إذ كلّ شي ء طاهر حتى تعلم أنّه قذر. فلا تجب الإعادة على جاهل الغصبية، أو النجاسة، إلّا أنّه قد دلّت الأخبار في الثاني على الإعادة في الوقت، فهو بأمر جديد، كما تقدّما مع سائر ما يتعلّق بهذه المسائل في أبحاثهما.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 90

المبحث الثالث في السهو و هو إمّا بالنقص، أو الزيادة، فهاهنا فصلان:
الفصل الأوّل في الخلل الواقع بالنقص سهوا و هو على قسمين
اشاره

، لأنّه إمّا يوجب البطلان، أو لا يوجبه.

القسم الأوّل: فيما يوجب البطلان و الإعادة، و فيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: كلّ من ترك النيّة و لم يتذكّر حتى كبّر للإحرام
اشاره

، أو التكبير و لم يتذكّر حتى دخل القراءة، أو الركوع و لم يتذكّر حتى دخل السجدة، أو السجدتين و لم يتذكّر حتى دخل الركوع، تبطل صلاته، و تجب عليه إعادة الصلاة، بلا خلاف في غير الركوع و السجدتين، و وفاقا للمشهور و منهم: المفيد و السيّد و العماني و الديلمي و الحلّي و الحلبي و القاضي «1»، بل جمهور المتأخرين، فيهما أيضا.

أمّا في غير النّية فلاستلزام التدارك الزيادة في الصلاة، و عدمه النقص فيها، و هما مبطلان.

و تخصيص المبطل بزيادة الركن- فلا يجري الدليل في صورة تذكّر ترك الركوع بعد الدخول في السجدة الاولى- ليس بجيّد، لما عرفت.

مضافا في الركوع مطلقا إلى خبر أبي بصير المنجبر ضعفه- لو كان- بالشهرة

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 137، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 35، حكاه عن العماني في المختلف: 129، الديلمي في المراسم: 89، الحلي في السرائر 1: 242، الحلبي في الكافي: 119، القاضي في المهذّب 1: 153.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 91

العظيمة: عن رجل نسي أن يركع، قال: «عليه الإعادة» «1».

و فيه إذا دخل السجدتين، إلى صحيحته: «إذا أيقن الرجل أنّه ترك الركعة من الصلاة، و قد سجد سجدتين، و ترك الركوع، استأنف الصلاة» «2».

و عدم دلالة الأخيرة على الوجوب مجبور بظاهر الإجماع على انتفاء الاستحباب، و إن احتمله بعض المتأخّرين «3».

و في السجدتين، إلى رواية معلّى: في الرجل ينسى السجدة من صلاته- إلى أن قال-: «و إن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة» «4».

و أمّا في النيّة- الغير الثابت بطلان الصلاة بزيادتها، لاحتمال شرطيتها- فلإيجاب تركها وقوع التكبير بلا نيّة، و هي شرط

فيه أيضا.

و فرض نيّة التكبير دون الصلاة غير مفيد، إذ لو نوى تكبيرة الإحرام للصلاة فقد نوى الصلاة، و إن نوى مطلق التكبير، فلم ينو تكبيرة الإحرام.

و قد يستدلّ للحكم في الركوع بصحيحة رفاعة «5» و موثّقة ابن عمّار «6».

و يضعّفان باحتمال إرادة فعل الركوع من قوله فيهما: «يستقبل».

خلافا في الركوع للمحكي في المبسوط و غيره عن بعض الأصحاب «7»، و في

______________________________

(1) التهذيب 2: 149- 584، الاستبصار 1: 356- 1346، الوسائل 6: 313 أبواب الركوع ب 10 ح 4.

(2) التهذيب 2: 148- 580، الاستبصار 1: 355- 1343، الوسائل 6: 313 أبواب الركوع ب 10 ح 3.

(3) انظر: المدارك 4: 218.

(4) التهذيب 2: 154- 606، الاستبصار 1: 359- 1363، الوسائل 6: 366 أبواب السجود ب 14 ح 5.

(5) الكافي 3: 348 الصلاة ب 36 ح 2، التهذيب 2: 148- 582، الاستبصار 1:

355- 1345، الوسائل 6: 312 أبواب الركوع ب 10 ح 1.

(6) التهذيب 2: 149- 583، الاستبصار 1: 356- 1347، الوسائل 6: 313 أبواب الركوع ب 10 ح 2.

(7) المبسوط 1: 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 92

المنتهى و غيره عن الشيخ «1»، فيلفّق أي يسقط الزائد، و يتدارك الفائت، و يأتي بما بعده مطلقا، لصحاح محمّد «2»، و العيص «3»، و ابن سنان «4»، و المروي في مستطرفات السرائر «5».

و يردّ: بالشذوذ، و مخالفة الشهرة القديمة، المخرجين لها عن الحجّية، و بالمعارضة مع ما مرّ من خبر أبي بصير، و لو لا ترجيحه بموافقة الشهرة يرجع إلى القاعدة المذكورة.

و لا يتوهّم أعميّته مطلقا منها باعتبار شموله لما بعد الفراغ أيضا، فيخصص به.

لبيان صحيحة محمّد حكم بعد الفراغ أيضا بما يخالفه.

بل بالمعارضة مع صحيحته أيضا

[1]، حيث إنّها دلّت على رجحان الاستئناف لا أقلّ، و هو يخالف الوجوب [2].

و الحمل على الاستحباب- كما قيل- لو صحّ لم يكن مفيدا لذلك المخالف.

مضافا في صحيحة العيص إلى قصور الدلالة، لعدم ارتباطها بالمسألة أصلا، لورودها في التذكّر بعد الفراغ.

و المحكي عن المبسوط و التهذيب و الاستبصار، فيلفّق في الركعتين الأخيرتين من الرباعيّة خاصّة «6»، جمعا بين الصحيحين المذكورين، و بين ما مرّ، بناء على ما ادّعاه هو و المفيد من أنّ كلّ سهو يلحق بالأوليين في الأعداد و الأفعال فهو موجب

______________________________

[1] أي: بل يردّ دليل المخالف بالمعارضة مع صحيحة أبي بصير أيضا.

[2] أي: وجوب التلفيق.

______________________________

(1) المنتهى 1: 408.

(2) الفقيه 1: 228- 1006، التهذيب 2: 149- 585، الاستبصار 1: 356- 1348، الوسائل 6: 314 أبواب الركوع ب 11 ح 2.

(3) التهذيب 2: 149- 586، الوسائل 6: 315 أبواب الركوع ب 11 ح 3.

(4) الفقيه 1: 288- 1007، التهذيب 2: 350- 1450، الوسائل 6: 316 أبواب الركوع ب 12 ح 3.

(5) مستطرفات السرائر: 81- 17، الوسائل 6: 318 أبواب الركوع ب 13 ح 7.

(6) المبسوط 1: 109، التهذيب 2: 149، الاستبصار 1: 356.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 93

للإعادة «1».

و يضعّف: بأنّ الجمع فرع الحجيّة و الدلالة، و كلتاهما- كما مرّ- ممنوعتان، مع أنّه فرع الشاهد عليه، و هو و إن كان على فرض ثبوت ما ادّعاه مع المفيد، و لكنّه غير ثابت، بل- كما عرفت- بعض الأصحاب، فيه، باعتراف الشيخ، مخالف.

و عن نهاية الشيخ و الإسكافي و والد الصدوق أقوال أخر شاذّة جدّا غير واضحة المستند «2»، سوى الرضوي الضعيف الغير المنجبر في بعضها «3».

و من المتأخّرين «4»، من يظهر منه الميل إلى

الفرق بين التذكّر بعد الدخول في السجدة الواحدة، و بينه بعد الدخول في السجدتين:

فالتلفيق في الأوّل، لعدم إيجاب زيادة السجدة الواحدة إبطالا، و ضعف خبر أبي بصير الدالّ على البطلان مطلقا.

و جوابه قد ظهر.

و التخيير بينه و بين الإعادة مع أفضليّتها، في الثاني، جمعا بين الأخبار.

و هو كان حسنا على فرض التكافؤ، و قد عرفت عدمه.

و خلافا في السجدتين لمن حكم بالتلفيق فيهما أيضا مطلقا، كما نسب إلى بعضهم.

و للمحكي عن الجمل و الاقتصاد، فحكم به في الركعتين الأخيرتين من الرباعيّة «5».

و مستندهما غير واضح، سوى ما قد يتوهّم من اتحاد طريق المسألتين. و هو ممنوع. مع أنّ الحكم في الأصل- كما عرفت- غير ثابت.

______________________________

(1) انظر: المقنعة: 145، و المختلف: 131 نقلا عن الشيخ عن بعض علمائنا.

(2) النهاية: 88، حكاه عن الإسكافي و والد الصدوق في المختلف: 129.

(3) فقه الرضا «ع»: 116، مستدرك الوسائل 4: 429 أبواب الركوع ب 9 ح 2.

(4) انظر: المدارك 4: 218.

(5) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 188، الاقتصاد: 266.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 94

فرع: لا فرق في بطلان الصلاة بنسيان الركوع حتى دخل السجود بين ما إذا وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه، أو ما لا يصحّ

، على الحقّ المشهور كما قيل «1»، لإطلاق الأخبار.

خلافا لبعض مشايخنا، لعدم كون ذلك سجودا شرعيا «2».

و فيه نظر، لأنّه سجود شرعي، و إن وجب الزائد عليه أيضا.

المسألة الثانية: لو تيقّن ترك سجدتين، و لم يدر أنّهما من ركعة أو ركعتين، بطلت الصلاة

على الأقوى، لما مرّ من أصالة بطلان الصلاة بالنقص، و لإطلاق رواية معلّى:

في الرجل ينسى السجدة من صلاته- إلى أن قال-: «و إن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة» «3».

خرج نسيان السجدة الواحدة، أو السجدتين من ركعتين تعيينا- بما يأتي من أدلّتها- عن تحت الأصل و الإطلاق، و بقي الباقي.

المسألة الثالثة: لو نقص من صلاته ركعة فما زاد
اشاره

، فإن تذكّر بعد التسليم، و قبل فعل المنافي مطلقا، يتمّ الصلاة بدون إعادة، بلا خلاف كما قيل «4»، للأصل الثابت بما سيأتي من عدم بطلان الصلاة بزيادة التشهّد و التسليم سهوا، و المتواترة معنى من

______________________________

(1) انظر: البحار 85: 138.

(2) راجع الحدائق 9: 156.

(3) التهذيب 2: 154- 606، الاستبصار 1: 359- 1363، الوسائل 6: 366 أبواب السجود ب 14 ح 5.

(4) الحدائق 9: 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 95

الأخبار، كصحيحتي الأعرج «1»، و جميل «2»، و موثّقتي سماعة «3»، و أبي بصير «4»، الواردة كلّها في خصوص سهو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و الصحاح الأربع لمحمد «5»، و الرازي «6»، و ابني المغيرة «7»، و زرارة «8»، و حسنة ابن أبي العلاء «9»، و الموثّقات الثلاث للساباطي «10»، و ابن زرارة «11»، و غيرها.

و كذلك إن تذكّر بعد فعل المنافي غير الحدث و التحويل عن القبلة، و إن طال الزمان و كثر الكلام بحيث خرج عن كونه مصلّيا، على الأقوى، بل الأشهر

______________________________

(1) الكافي 3: 357 الصلاة ب 42 ح 6، التهذيب 2: 345- 1433، الوسائل 8: 203 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 16.

(2) التهذيب 2: 345- 1434، الوسائل 8: 200 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 7.

(3) الكافي 3: 355 الصلاة ب 42 ح 1، التهذيب 2:

346- 1438، الاستبصار 1:

369- 1405، الوسائل 8: 201 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 11.

(4) التهذيب 2: 346- 1435، المقنع: 31، الوسائل 8: 201 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 10.

(5) التهذيب 2: 191- 757، الاستبصار 1: 379- 1436، الوسائل 8: 200 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 9.

(6) الفقيه 1: 228- 1011، التهذيب 2: 181- 726، الاستبصار 1: 371- 1411، الوسائل 8: 199 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 3.

(7) التهذيب 2: 180- 725، الاستبصار 1: 370- 1410، الوسائل 8: 198 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 2.

(8) الفقيه 1: 229- 1013، التهذيب 2: 346- 1437، الاستبصار 1: 367- 1399، و فيه عن ابن زرارة، مستطرفات السرائر: 99- 23، الوسائل 8: 210 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 6 ح 4.

(9) الكافي 3: 383 الصلاة ب 62 ح 11، التهذيب 2: 183- 731، الاستبصار 1:

367- 1400، الوسائل 8: 209 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 6 ح 1.

(10) موثقة الساباطي الأولى: التهذيب 2: 353- 1466، الوسائل 8: 203 أبواب الخلل ب 3 ح 14. موثقته الثانية: الفقيه 1: 229- 1012، التهذيب 2: 192- 758، الاستبصار 1:

379- 1437، الوسائل 8: 204 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 20.

(11) التهذيب 2: 182- 729، الوسائل 8: 204 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 96

أيضا، بل عن التذكرة نسبته إلى ظاهر علمائنا «1»، للأصل المذكور، و إطلاق أكثر الأخبار المذكورة و غير المذكورة، أو عمومه الناشئ من ترك الاستفصال، و صريح طائفة كثيرة منها في خصوص التكلّم،

الثابت منها حكم الباقي ممّا لا يبطل الصلاة سهوا بالإجماع المركّب، و به يدفع إطلاق ما يشمل المورد ظاهرا كروايتي القهقهة و البكاء «2»، و ترجّح إطلاقات المسألة عليه، مع معاضدتها بالأصل، مضافا إلى عدم جريان دليل بعضه- كالأكل و الشرب و الفعل الكثير- في المقام أيضا.

خلافا في التكلّم للشيخ في بعض أقواله، كما مرّ في بحث المنافيات «3».

و في الفعل الكثير لبعضهم، لإيجابه سهوا بطلان الصلاة، و عمومات إبطاله.

و الأوّل ممنوع، بل ادّعي الإجماع على عدم إبطاله فيما نحن فيه. و الثاني غير موجود، كما عرفت في بحثه «4».

و فيما إذا طال الزمان، أو كثر الكلام بحيث يخرج عن كونه مصلّيا، لبعض آخر، لكونه فعلا كثيرا، و قد عرفت حاله.

و أمّا ما في موثّقتي سماعة و أبي بصير، و صحيحة جميل، و حسنة ابن أبي العلاء، المتقدّمة، من إعادة الصلاة إن تذكّر بعد ما ذهب أو برح من مكانه أو انصرف.

فمع عدم دلالة غير الأخير على الوجوب، و احتمال الأخير بل ظهوره في إرادة الانصراف عن القبلة، و أعميّتها من صدور الفعل الكثير أو طول الزمان.

معارضة بأكثر ممّا ذكر و أصرح، كصحيحة عبيد و موثّقته المصرّحتين بالصحة إن ذهب و جاء، و صحيحته المصرّحة بها إن خرج في حوائجه «5»، و موثّقة الساباطي

______________________________

(1) التذكرة 1: 134.

(2) الوسائل 7: أبواب قواطع الصلاة ب 5 و 7.

(3) راجع ص: 37.

(4) راجع ص: 42.

(5) التهذيب 2: 347- 1439، الاستبصار 1: 368- 1402، الوسائل 8: 210 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 6 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 97

المصرّحة بها إن قام و تكلّم و مضى في حوائجه، بل و لو بلغ إلى الصين، و

حسنة ابن أبي العلاء المصرّحة بها إن تذكّر بعد أن يذكر اللّه حتى طلعت الشمس.

و لو تذكّر تحويل وجهه بكلّيته عن القبلة، أو صدور الحدث تجب إعادة الصلاة.

أمّا الأوّل، فلخصوص صحيحة محمّد في المورد، و فيها: «فإذا حوّل وجهه فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالا» «1».

مضافا إلى المعتبرة المستفيضة الدالّة على القطع به، المتقدّمة في بحث الالتفات «2»، و به يخصص ما مرّ من المطلقات.

و أمّا ما ينافيها بظاهره، كصحيحة زرارة المصرّحة بالصحّة لو صلّى بالكوفة و تذكّر في بلدة اخرى «3»، و موثّقة عمّار المصرّحة بها و لو بلغ إلى الصين «4».

فلا تكافئ ما مرّ، لشذوذها جدّا، إذ لم ينقل القول بمضمونها إلّا عن المقنع [1]، مع أنّه ذكر بعض الأجلّة عدم وجدانه فيما عنده من نسخ المقنع «5»، و مع ذلك للتقيّة محتملة كما قيل «6».

و أمّا الثاني، فلعمومات بطلان الصلاة بالحدث، الخالية عن معارضة غير ما عرفت حاله «7».

______________________________

[1] نقله عنه في المختلف: 136. و لكن فيما عندنا من نسخة المقنع ص 31: و إن صلّيت ركعتين ثمَّ قمت فذهبت في حاجة لك فأعد الصلاة و لا تبن على ركعتين.

______________________________

(1) التهذيب 2: 184- 732، الاستبصار 1: 368- 1401، الوسائل 8: 209 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 6 ح 2.

(2) راجع ص: 23.

(3) التهذيب 2: 347- 1440، الاستبصار 1: 368- 1403، الوسائل 8: 204 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 19.

(4) التهذيب 2: 192- 758، الاستبصار 1: 379- 1437، الفقيه 1: 229- 1012، الوسائل 8: 204 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 20.

(5) كشف اللثام 1: 274.

(6) في الرياض 1: 213.

(7) راجع ص: 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7،

ص: 98

مع أنّه بعد ثبوت الحكم في الأوّل يثبت فيه أيضا بالإجماع المركّب.

فالقول بالصحّة في الأوّل، كما حكي عن المقنع، و بعض المتأخرين «1»، أو بالتخيير فيه بين البناء و الإعادة، كبعض آخر منهم «2»، ضعيف جدّا.

فروع:

أ: لو فعل المنافي عمدا بعد التذكّر و قبل الشروع في الإتمام، فمقتضى إطلاق بعض الأخبار المتقدّمة، بل عمومه المستفاد من ترك الاستفصال الصحّة.

و لكن ظاهر الأصحاب البطلان، لأدلّة الإبطال به عمدا، و لكن يعارضه ما مرّ بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل لو لا الإجماع على البطلان، و لكن الظاهر تحقّقه.

ب: لا فرق بين أن يتذكّر و الوقت باق أو خرج، للمطلقات، و خصوص حسنة ابن أبي العلاء.

ج: لو فعل المنافي بعد التشهّد قبل التسليم لم تبطل صلاته، لكون التسليم خارجا.

القسم الثاني: في النقص سهوا
اشارة

الذي لا يوجب بطلان الصلاة، و هو على أنواع، لأنّه إمّا يجب تداركه في الصلاة، أو لا يجب تداركه أصلا، أو يجب تداركه و قضاؤه بعد الفراغ بلا سجدة سهو، أو معها، فهاهنا مواضع:

الموضع الأوّل: فيما يجب تداركه في أثناء الصلاة.
اشاره

______________________________

(1) كالفيض في المفاتيح 1: 175.

(2) انظر: المدارك 4: 228، و الذخيرة: 360.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 99

فكلّ من نسي القراءة كلّا أو بعضا، و تذكّر قبل الدخول في الركوع، أو الركوع قبل السجود، أو إحدى السجدتين أو كلتيهما أو التشهّد قبل الركوع، لم تبطل الصلاة و وجب عليه العود و الإتيان بالمنسي، ثمَّ الإتيان بما بعده، بلا خلاف، بل بالإجماع في غير السجدتين، و على الأظهر الأشهر فيهما أيضا.

لا لما قيل من إمكان الإتيان بالمنسي على وجه لا يؤثر خللا، و لا إخلالا بمهيّة الصلاة، أو لفحوى ما دلّ على هذا الحكم في صورة الشك، كما في الذخيرة «1»، و غيره «2».

لردّ الأوّل: بمنع عدم الخلل في جميع الصور، لإيجاب بعضها الزيادة في الصلاة، و هي خلل.

و الثاني: بمنع الفحوى، لأنّها إنّما هي إذا علمت علّة الحكم في صورة الشك، و هي غير معلومة، فلعلّه لخصوصية الشك فيه مدخليّة.

بل في الأوّل و هو نسيان القراءة كلا أو بعضا: للدليل الأوّل، مضافا إلى الإجماع المحقّق و المحكي في الجميع «3»، و رواية أبي بصير: عن رجل نسي أمّ القرآن، قال: «إن كان لم يركع فليعد أمّ القرآن» «4».

و موثّقة سماعة: عن الرجل يقوم في الصلاة، فينسى فاتحة الكتاب- إلى أن قال-: «ثمَّ ليقرأها ما دام لم يركع» «5» في نسيان خصوص الفاتحة.

و صحيحتي ابني حكيم و سنان الآتيتين، و بهما يثبت الحكم في أجزاء الفاتحة و السورة أيضا، كما

صرّح به جماعة

______________________________

(1) الذخيرة: 371.

(2) كالرياض 1: 213.

(3) انظر: الرياض 1: 213.

(4) الكافي 3: 347 الصلاة ب 35 ح 2، الوسائل 6: 88 أبواب القراءة في الصلاة ب 28 ح 1.

(5) التهذيب 2: 147- 574، الاستبصار 1: 354- 1340، الوسائل 6: 89 أبواب القراءة في الصلاة ب 28 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 100

و لكنّه تعارضهما رواية ابن وهب «1»، المتقدّمة في بحث القراءة في السهو عن بعض أجزاء سورة، الدالّة على عدم الالتفات بالسهو في الأجزاء و وجوب المضي، و هي أخصّ مطلقا. و مقتضاه عدم الالتفات لو لا الإجماع على خلافه، و شذوذ الرواية لأجله، و أمر الاحتياط واضح.

ثمَّ إنّه لو كان السهو في الفاتحة بعد دخول السورة، يقرأ السورة بعدها أيضا، لأدلّة وجوب قراءتها بعد الفاتحة.

و لا تجب إعادة السورة الأولى، على المشهور، للأصل الخالي عن المعارض.

و أمّا ما في الرضوي: «و إن نسيت الحمد حتى قرأت السورة، ثمَّ ذكرت قبل أن تركع، فاقرأ الحمد و أعد السورة، و إن ركعت فامض» «2».

فالمراد مطلق السورة، و الإتيان بلفظ الإعادة لسبق المطلق أيضا.

و منه يظهر أنّ قول بعض الأصحاب بإعادة السورة «3»، ليس ظاهرا في إعادة السورة المخصوصة.

إلّا أن يعارض الأصل في صورة التذكّر عند تمام السورة، باستلزام اختلاف السورة القران المحرّم، على المختار من اختصاص القران بالسورتين المتغايرتين، و تعميمه بالنسبة إلى المتّصلتين و المنفصلتين، كما مرّ في بحثه.

و في الثاني و هو نسيان الركوع: للإجماع، و صحيحة ابن حكيم: عن رجل ينسى من صلاته ركعة، أو سجدة، أو الشي ء منها، ثمَّ تذكّر بعد ذلك، فقال:

«يقضي ذلك بعينه» قلت: يعيد الصلاة؟ قال: «لا» «4».

و صحيحة ابن سنان: «إذا نسيت

شيئا من الصلاة ركوعا، أو سجودا، أو

______________________________

(1) التهذيب 2: 351- 1458، الوسائل 6: 95 أبواب القراءة في الصلاة ب 32 ح 1.

(2) فقه الرضا «ع»: 116، مستدرك الوسائل 4: 195 أبواب القراءة في الصلاة ب 23 ح 1.

(3) انظر: الذكرى: 220.

(4) التهذيب 2: 150- 588، الاستبصار 1: 357- 1350، الوسائل 8: 200 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 101

تكبيرا، ثمَّ ذكرت، فاصنع الذي فاتك سهوا» «1».

و أمّا خبر أبي بصير المتقدّم الدالّ على الإعادة في نسيان الركوع مطلقا «2»، فيخصّ بما إذا دخل السجود، كما تحمل هاتان الصحيحتان على ما قبله جمعا، و الشاهد الإجماع.

و به يجاب عن الاعتراض بشمول الصحيحتين لما إذا دخل السجود أيضا، مع أنّ لمخالفتهما فيه للشهرة العظيمة الجديدة و القديمة- الموجبة لشذوذهما فيه- أخرجتا فيه عن الحجيّة.

و لا يضرّ لزوم زيادة الهويّ، لكون الصحيحين من حيث التصريح بالركوع و السجود أخصّ في المورد من أخبار الزيادة.

و الظاهر أنّه يجب عليه الانتصاب، ثمَّ الركوع، لتوقّف صدق الركوع عليه، فإنّه الانحناء من الانتصاب.

إلّا أن لم يبلغ بعد حدّ الراكع، بأن يهوي بقصد السجود فتذكّر قبل الوصول إلى حدّ الركوع أنّه لم يركع، فينحني بقصد الركوع، لعدم اشتراط الانحناء من إقامة الصلب في الركوع، مع أنّه أيضا متحقّق. و لا يضرّ إرادة السجود أصلا.

و كذا لو بلغ حدّ الركوع و لم يتجاوز عنه، على احتمال، فإنّه إذا تذكّر و نوى كفى، و لا يشترط الهوي بقصد الركوع، لأصالة عدم اشتراط هذا القصد، لأنه وجوب تبعيّ.

و يمكن أن يمنع تبعيّة الهوي، بل هو مقصود بالأصالة، لأنّه جزء مفهوم الركوع المصدري الذي هو المأمور به، فيجب

قصده خصوصا، أو استدامة، و على ذلك فيجب الانتصاب حينئذ أيضا، و هو الأظهر، كما كان يجب لو تجاوز.

و لا تتوهّم زيادة الركوع حينئذ لو بلغ هويّه أوّلا إلى هيئة الراكع، لأنّه ليس

______________________________

(1) التهذيب 2: 350- 1450، الوسائل 6: 316 أبواب الركوع ب 12 ح 3.

(2) راجع ص: 90.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 102

زيادة في الصلاة، إذ لم يقصد به الركوع، و لا انضمّ إليه ما يصرفه إليه.

و لو قصد بالهوى الركوع، فنسيه بعد الوصول إلى حدّه و هوى للسجود، فهو حقيقة نسيان للطمأنينة و الذكر و الرفع، و سيجي ء حكمه.

و في الثالث و هو نسيان إحدى السجدتين: لما ذكر من الإجماع المحقّق، و المصرّح به في كلام جماعة «1»، و لصحيحتي أبي بصير، و ابن جابر:

الاولى: عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة، فذكرها و هو قائم، قال:

«يسجدها، إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع، فليمض على صلاته، فإذا انصرف قضاها وحدها، و ليس عليه سهو» «2».

و الثانية: في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام، فذكر و هو قائم أنّه لم يسجد، قال: «فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع، فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد، فليمض على صلاته حتى يسلّم، ثمَّ يسجدها فإنّها قضاء» «3».

و في الرابع و هو نسيان السجدتين: لصحيحة ابن سنان المتقدّمة، و لرواية معلّى بن خنيس- المنجبر ضعفها لو كان بادّعاء الشهرة العظيمة «4»، بل تحقّقها- في الرجل ينسى السجدة من صلاته، قال: «إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها، و بنى على صلاته، ثمَّ سجد سجدتي السهو بعد انصرافه، و إن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة، و نسيان السجدة في الأوّلتين و الأخيرتين سواء» «5».

و إطلاق

السجدة فيها و إن شمل الواحدة و الاثنتين، إلّا أنّ قوله: «و إن

______________________________

(1) كما في المدارك 4: 235، و الحدائق 9: 135، و الرياض 1: 213.

(2) الفقيه 1: 228- 1008، التهذيب 2: 152- 598، الوسائل 6: 365 أبواب السجود ب 14 ح 4.

(3) التهذيب 2: 153- 602، الاستبصار 1: 359- 1361، الوسائل 6: 364 أبواب السجود ب 14 ح 1.

(4) انظر: الرياض 1: 213.

(5) التهذيب 2: 154- 606، الاستبصار 1: 359- 1363، الوسائل 6: 366 أبواب السجود ب 14 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 103

ذكرها بعد ركوعه» إلى آخره قرينة على إرادتهما.

و قد يستدلّ أيضا: ببقاء المحلّ بدلالة تدارك السجدة الواحدة.

و بأصالة بقاء الصحّة.

و بالصحيحة المتضمّنة لقوله: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» «1».

و الأخرى المتضمّنة لتدارك الركوع بعد السجدتين «2»، فإنّه إذا جاز تداركه مع تخلّل السجدتين اللتين هما ركن، جاز تدارك السجود مع تخلّل القيام خاصّة بطريق أولى.

و يظهر ضعف الأوّل باحتمال اختصاص المحلّ بالواحدة.

و الثاني بزوال الأصل بلزوم أحد المحذورين من زيادة القيام، بل هو مع القراءة، أو نقص السجدتين.

و الثالث بأنّ السجود من الخمسة إلّا أن يراد أنّه لو رجع و سجد لم تلزم عليه إعادة لأجل الزيادة.

و الرابع ببطلان حكم الأصل.

خلافا للمقنعة و الحلّي و الحلبي، فأوجبوا الإعادة «3».

للروايات الدالّة على البطلان بنسيان السجود «4»، خرج منها ما خرج، فيبقى الباقي.

و للزوم أحد المحذورين المذكورين.

و يجاب عن الأوّل: بخروج المورد أيضا بما مرّ.

و عن الثاني: بعدم كون الزيادة محذورة بعد دلالة الدليل على جوازها.

______________________________

(1) التهذيب 2: 152- 597، الوسائل 7: 234 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 4.

(2) الفقيه 1: 228- 1006، التهذيب 2: 149- 585، الاستبصار

1: 356- 1348، الوسائل 6: 314 أبواب الركوع ب 11 ح 2.

(3) المقنعة: 138، الحلّي في السرائر 1: 241، الحلبي في الكافي: 119.

(4) الوسائل 6: 389 أبواب السجود ب 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 104

و في الخامس أي نسيان التشهّد: للإجماع أيضا، و للأخبار المستفيضة، كالصحاح الأربع، للحلبي، و الفضيل، و ابن أبي يعفور، و سليمان بن خالد، و رواية علي بن أبي حمزة.

أولاها: «إذا قمت في الركعتين من ظهر أو غيرها، و لم تتشهد فيهما، فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع، فاجلس و تشهّد و قم، فأتمّ صلاتك، و إن أنت لم تذكر حتى تركع، فامض في صلاتك حتى تفرغ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم» «1».

و ثانيتها: في الرجل يصلي ركعتين من المكتوبة، فيقوم قبل أن يجلس بينهما، قال: «فليجلس ما لم يركع، و قد تمّت صلاته، فإن لم يذكر حتى ركع فليمض في صلاته، فإذا سلّم سجد سجدتين و هو جالس» «2».

و ثالثتها: عن الرجل يصلّي ركعتين من المكتوبة، فلا يجلس فيهما، فقال:

«إن كان ذكر و هو قائم في الثالثة فليجلس، و إن لم يذكر حتى يركع فليتمّ صلاته، ثمَّ يسجد سجدتين و هو جالس قبل أن يتكلّم» «3».

و رابعتها: عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأوليين، فقال: «إن ذكر قبل أن يركع فليجلس، و إن لم يذكر حتى يركع فليتمّ الصلاة حتى إذا فرغ فليسلّم، و يسجد سجدتي السهو» «4».

و خامستها: «إذا قمت في الركعتين الأوليين و لم تتشهّد، فذكرت قبل أن تركع فاقعد و تشهّد، و إن لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك كما أنت، فإذا

______________________________

(1) الكافي 3: 357 الصلاة

ب 42 ح 8، التهذيب 2: 344- 1429، الوسائل 6: 406 أبواب التشهد ب 9 ح 3.

(2) الكافي 3: 356 الصلاة ب 42 ح 2، التهذيب 2: 345- 1431، الوسائل 6: 405 أبواب التشهد ب 9 ح 1.

(3) الفقيه 1: 231- 1026، التهذيب 2: 159- 624، الوسائل 6: 402 أبواب التشهد ب 7 ح 4.

(4) التهذيب 2: 158- 618، الاستبصار 1: 362- 1374، الوسائل 6: 402 أبواب التشهد ب 7 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 105

انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما، ثمَّ تشهّد التشهّد الّذي فاتك» «1».

إلى غير ذلك.

فروع:
أ: لو نسي الصلاة على النبي و آله في التشهّد الأوّل، و تذكّر قبل الركوع،

فالمستفاد من بعض الكلمات، و المصرّح به في بعض آخر أنّه كالتشهّد «2»، فيؤتى بها، ثمَّ بما بعدها، و لم يذكره بعض آخر.

فإن ثبت عليه الإجماع، و إلّا فلا دليل عليه، و لزوم الزيادة ينفيه.

و صحيحتا ابني سنان و حكيم «3» لا تدلّان على فعلها هنا، بل تحتملان القضاء بعد الصلاة أيضا، و أوامر الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله ليست بحيث تشمل المقام.

إلّا أن يضمّ الإجماع المركّب مع الصحيحين حيث إنّ من يقول بفعله إذا تذكّر قبل الركوع يقول به في الأثناء.

و لكن تتعارضان حينئذ مع أخبار الزيادة، و الأصل مع عدم وجوب التدارك، إلّا أنّ الظاهر انعقاد الإجماع على خلافه.

ب: لو نسي رفع الرأس من الركوع

، أو مع طمأنينة الركوع، أو مع ذكره أيضا و تذكّر قبل السجدة يرفع رأسه قطعا، لوجوبه و إمكان الامتثال بلا محذور.

و هل يعود قبله إلى حالة الركوع للطمأنينة و الذكر؟.

الظاهر نعم، لوجوبهما و عدم محذور إلّا توهّم زيادة الركوع، و ليس كذلك، لأنّه الانحناء من الانتصاب و لم يتحقّق، بل ما يفعله حينئذ حقيقة تتمّة من

______________________________

(1) الكافي 3: 357 الصلاة ب 42 ح 7، التهذيب 2: 344- 1430، الوسائل 8: 244 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 26 ح 2.

(2) انظر: المنتهى 1: 415، و الحدائق 9: 144.

(3) المتقدمتان في ص 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 106

الركوع السابق.

و منه يظهر أنّه لو سقط من الركوع قبل الرفع يرفع، و قبل الذكر أو الطمأنينة يعود و يطمئن و يذكر ثمَّ يرفع، و قبل الوصول إلى حدّ الركوع يركع ثمَّ يرفع، و الوجه في الكلّ ظاهر بعد ما مرّ.

ج: لو كان المنسي مجموع السجدتين

و عاد إليهما لا يجلس قبلهما، للأصل.

و لو كان إحداهما، فإن كان قد جلس عقيب الأوّل و اطمأنّ بنيّة الفصل، أو بلا نيّة لم يجب الجلوس قبل السجدة أيضا، بلا كلام كما قيل «1»، لحصوله من قبل.

و إن لم يكن قد جلس كذلك، أو لم يطمئنّ وجب، كما به صرّح شيخنا الشهيد الثاني و صاحب المدارك «2»، لأنّه من أفعال الصلاة الواجبة بالإطلاقات، و لم يأت به مع إمكان تداركه بلا استلزامه محذورا من جهة أصلا.

خلافا للمحكي عن المبسوط و المنتهى «3»، و هو ظاهر الذخيرة «4»، فجوّزوا تركه.

لتحقّق الفصل بين السجدتين.

و لأنّ القدر الذي ثبت هو وجوب الجلوس و الفصل بين السجدتين المتّصل بهما، و قد فات و لا يمكن تداركه.

و يتبيّن ضعف الأوّل:

بأنّ الواجب هو الجلوس على الوجه المخصوص الغير الحاصل، لا مطلق الفصل.

و الثاني: بأنّ الخصوصيّة التي ذكرت لا دخل لها في وجوب الجلوس و إن اتّفق ذلك، و إلّا لزم إجراء هذا الكلام في جميع الأجزاء التي يجب تداركها.

______________________________

(1) الحدائق 9: 137.

(2) الشهيد الثاني في المسالك 1: 41، المدارك 4: 236.

(3) المبسوط 1: 120، المنتهى 1: 414.

(4) الذخيرة: 372.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 107

و لو كان جلس و لكن بنيّة الاستراحة لمظنّة أنّه قد أتى بالسجدتين، ففي الاكتفاء به للفصل، و عدمه، وجهان.

الظاهر الثاني، إذ لكلّ امرئ ما نوى «1»، و لأنّ قصده الاستراحة مانع عن انطباقه على الأمر الموجب للفصل.

و قال بعض مشايخنا الأخباريين- طاب ثراه- بالاكتفاء «2».

لاقتضاء نيّة الصلاة كون كلّ فعل في محلّه، فلا تعارضها النيّة الطارئة سهوا.

و للأخبار الدالّة على أنّه لو دخل في الصلاة بنيّة الفريضة، ثمَّ سها في أثنائها و قصد الندب ببعض أفعالها لم يضرّه ذلك «3».

و الأوّل مع عروض النيّة المنافية ممنوع.

و الثاني غير المسألة، فإنّ هذا المنوي سهوا أيضا من أجزاء هذه الفريضة.

و لو شكّ هل جلس أم لا بنى على الأصل، فيجب الجلوس و إن كان حالة الشك قد انتقل من المحلّ، لأنّه بالعود إلى السجدة مع استمرار شكّه يصير في المحلّ، كذا قيل «4».

و الأولى أن يقال: إنّ ذلك إنّما هو للشك في تجاوز محلّه فيستصحب المحلّ.

أو المراد بالتجاوز عن الفعل المعلّق عليه عدم العود للشك المذكور في الأخبار: التجاوز عن المحلّ المقرّر له شرعا، لعدم صحّة غيره. و هو في المورد بعد السجدة الاولى و قبل الثانية.

و هو كذلك، و كون القيام المتقدّم على السجدة الثانية المأمور بإلقائه تجاوزا عن الموضع

غير معلوم.

و مثله ما لو نسي سجدة و شكّ في أخرى، فإنّه يجب الإتيان بهما معا عند

______________________________

(1) الوسائل 1: 48 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 10.

(2) صاحب الحدائق 9: 138.

(3) الوسائل 6: 6 أبواب النية ب 2.

(4) روض الجنان: 345.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 108

الجلوس و إن كان ابتداء الشك بعد الانتقال.

و منه ما لو تذكّر نسيان السجدتين قبل الركوع، و شكّ في الركوع السابق مع العلم بالهويّ، على القول بعدم كون الهويّ تجاوزا عن المحلّ، فيركع للسابق و يسجد السجدتين، فيقوم.

د: متى تدارك المنسي تجب عليه إعادة ما بعده من تشهّد أو تسبيح أو قراءة

و إن أتى به أوّلا، إجماعا، له، و لإطلاق الأمر به بعده، و لرعاية الترتيب.

و لا يعتدّ بما أتى به قبله، لوقوعه في غير محلّه فيكون كالعدم. و لا تضرّ الزيادة، لا لعدم كونها ركنا، لإطلاق مبطلات الزيادة. بل للإجماع، و لصحة الصلاة قطعا مع اشتمالها على هذه الزيادة.

ه: لو كان المنسي سجدتي الركعة الأخيرة أو إحداهما

، و تذكّر في أثناء التشهّد، أو بعده و قبل السلام على القول بجزئيّته، عاد و أتى بالمنسي، للإجماع المركّب و البسيط، و إطلاق صحيحتي ابن سنان و حكيم «1». و بما بعده، تحصيلا للترتيب الواجب، و اتّباعا لإطلاق الأمر بالتشهّد و السلام بعد السجدة الثانية.

و لو تذكّر بعد التشهّد و قبل السلام على القول بعدم جزئيّته، فإن كان المنسي السجدة الواحدة فلا شكّ في صحّة الصلاة و وجوب الإتيان به.

فهل يأتي به قضاء حتى يجوز تأخيره عن التسليم و لا يضرّ تخلّل الحدث و نحوه بينه و بين الصلاة، أو أداء حتى يجب تقديمه و الإتيان بالتشهّد بعده؟.

الظاهر الثاني، لعدم بطلان الصلاة إجماعا، و وجوب الإتيان به كذلك، و أصالة عدم جواز تأخيره عن التسليم، و عدم الفراغ عن الصلاة، لأنّه بعد التشهّد الذي تسبقه السجدتان. و ليس هناك عموم أو إطلاق دالّ على تمام الصلاة بالتشهّد مطلقا. و شمول ما دلّ عليه لمثل المقام غير معلوم.

و لإطلاق الأمر بالتشهّد بعد السجدتين من غير معارض. و استلزامه

______________________________

(1) المتقدمتين في ص: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 109

الزيادة في الصلاة معارض باستلزام الآخر نقص السجدة، حيث إنّ المقضي بعد التسليم إنّما هو بأمر آخر. مع أنّك قد عرفت أنّ تكرار التشهّد ليس زيادة مبطلة من حيث التعدّد، نعم تكون زيادته بإيقاعه في غير محلّه مبطلا

و هو قد حصل بالتشهّد السابق، و لم يوجب الإبطال قطعا، فلا تلزم من التشهّد اللاحق زيادة أصلا.

و إن كان السجدتين، فهل تبطل الصلاة؟ لتركهما إلى الفراغ و استلزام التدارك الزيادة و عدمه النقيصة.

أولا، فيأتي بهما ثمَّ بالتشهّد؟ لظاهر الإجماع المركّب بينهما و بين السجدة الواحدة، و إطلاق الصحيحتين المتقدّمتين، و أصالة عدم الفراغ، و عدم البطلان، و مطلقات الأمر بالسجدتين ثمَّ التشهّد، و الزيادة هنا غير مبطلة، للصحيحين.

كلّ محتمل. و الثاني أظهر، لما مرّ. و الاحتياط بالإتيان بالمنسي و ما بعده و التسليم و إعادة الصلاة لا ينبغي أن يترك.

و تبطل الصلاة بتخلّل الحدث هنا قطعا.

و لو تذكّر بعد التسليم نسيان السجدة الأخيرة فعلها، للصحيحين المذكورين.

و هل يتشهّد بعدها و يسلّم لإطلاق الأمر بهما بعد السجدة، أو لا؟.

الظاهر الثاني، لحصول الفراغ من الصلاة، و الانصراف عنها بالتسليم و لو في غير موضعه، للأخبار المتقدّمة في باب التسليم كرواية أبي كهمش «1»، و غيرها، فخرج عن الصلاة به، فإذا نقصت السجدة فالأصل يقتضي بطلان الصلاة، و لكنّه اندفع بالإجماع على عدم الإعادة هنا، و بصحيحة ابن حكيم، فلم يبق إلّا العود إلى الصلاة و الدخول فيها، أو المضي بلا تدارك، أو تدارك السجدة خارج

______________________________

(1) الفقيه 1: 229- 1014، التهذيب 2: 316- 1292، مستطرفات السرائر: 97- 16، الوسائل 6: 426 أبواب التسليم ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 110

الصلاة. و الأوّل خلاف الأصل، و الثاني باطل بالصحيحين، فلم يبق إلّا الأخير.

فتكون هذه السجدة غير ما أمر به في الصلاة، و الأمر بالتشهّد بعدها إنّما هي في سجدة الصلاة.

و لو كان المنسي بعد التسليم السجدتين الأخيرتين بطلت صلاته، لفوات الركن مع الخروج عن

الصلاة، و هو مبطل بالأصل و الإجماع.

و منع الخروج مدفوع بالأخبار المتقدّمة. و كون التسليم في غير المحلّ لا يضرّ. و لا يرد لزوم بطلان الصلاة بالتسليم في غير المحل مطلقا، مع أنّه ليس كذلك، لأنّ ما ليس كذلك يعاد فيه إلى الصلاة بالدليل.

و أمّا الصحيحان فيعارضان الصحيح: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» «1» و عدّ منها السجود.

دلّ على الإعادة من نقصان السجود مطلقا، خرجت السجدة الواحدة بالإجماع و الأخبار التي منها صحيحة ابن حكيم، فيبقى الباقي.

و: لو نسي التشهد الأخير ثمَّ تذكّر بعد السلام قضاه بعده.

لا لما قيل من عدم الفرق بينه و بين التشهّد الأوّل «2»، لمنع عدم الفرق. و لا يتوهّم أنّ بناء الأصحاب على اتّحاد التشهّدين، إذ ليس كذلك. قال في الحدائق في بحث قضاء التشهّد: أمّا صحيحة محمّد فموردها التشهّد الأخير، و محلّ البحث في الأخبار و كلام الأصحاب التشهّد الأوّل «3».

بل للصحيحين المتقدّمين، و صحيحة محمّد: في الرجل يفرغ من صلاته و قد نسي التشهّد حتى ينصرف، فقال: «إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهّد، و إلّا طلب مكانا نظيفا فتشهّد فيه» «4».

______________________________

(1) التهذيب 2: 152- 597، الوسائل 7: 234 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 4.

(2) كما في الذكرى: 221.

(3) انظر: الحدائق 9: 143.

(4) التهذيب 2: 157- 617، الوسائل 6: 401 أبواب التشهد ب 7 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 111

و رواية محمّد الحلبي: عن الرجل يسهو في الصلاة فينسى التشهّد، قال:

«يرجع فيتشهّد» قلت: أ يسجد سجدتي السهو؟ فقال: «لا، ليس في هذا سجدتا السهو» «1».

إلّا أنّ في دلالة بعضها على الوجوب نظرا يندفع بضمّ البعض الآخر، و الإجماع المركّب.

و لا يجب السلام بعده، على الأشهر، للخروج عن الصلاة.

خلافا للمحكي عن الخلاف و

النهاية و موضع من المقنعة، و السيّد في موضع من الجمل «2»، و ابن حمزة و الحلّي «3»، فقالوا بأنّه يسلّم بعده، استنادا إلى أنّ هذا السلام لم يكن في موقعه، فبه لم يخرج عن الصلاة، بخلاف ما إذا نسي التشهّد الأوّل و سائر ما كان قبل الركوع ممّا يقضى، حيث إنّ لورود الأمر بالمضي في الصلاة يقع السلام موقعه، فيخرج به عن الصلاة و يكون قضاء.

و يلزمهم على ذلك أن تكون السجدة الواحدة في الأخيرتين، بل السجدتان الأخيرتان أيضا كذلك، فيجب تداركها و الإتيان بما بعدها، و لا يبعد أن يقولوا به أيضا، و إن لم يحضرني الآن تصريحهم به أو بخلافه، و إن صرّح بعضهم به.

و يلزمهم أيضا بطلان الصلاة بتخلّل الحدث و نحوه، كما صرّح به بعض هؤلاء في التشهّد «4».

ثمَّ إنّه يردّ قولهم بمنع توقّف الخروج عن الصلاة بكون السلام في موقعه، بل المستفاد من الأخبار العموم و إن حصل العود في بعض الصور بالدليل.

و لا فرق فيما ذكر من وجوب القضاء في السجدة الواحدة و التشهّد،

______________________________

(1) التهذيب 2: 158- 622، الاستبصار 1: 363- 1376، الوسائل 6: 406 أبواب التشهد ب 9 ح 4.

(2) لا يوجد الحكم بوجوب التسليم في الكتب المذكورة الموجودة بأيدينا، و لم نجد أيضا من حكاه عنها.

(3) الحلّي في السرائر 1: 259، و لم نعثر على قول ابن حمزة في الوسيلة.

(4) و هو الحلي في السرائر 1: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 112

و البطلان في السجدتين، بين ما إذا تخلّل الحدث و نحوه- ممّا يبطل الصلاة سهوا- بين التسليم و بين القضاء أم لا.

فإن كان المنسي السجدتين تبطل الصلاة، و وجهه ظاهر.

و إن كان السجدة

أو التشهّد يقضيهما، و لم يقع الحدث في أثناء الصلاة حتى يبطلها، و لا دليل على كونه مبطلا إذا وقع بين الصلاة و أجزائها المقضيّة، كما يأتي.

ز: لو نسي جلسة الاستراحة- على القول بوجوبها- لم يجب تداركها

إذا تذكّر بعد القيام، لتقييد دليل وجوبها بأنّها حين يريد أن يقوم بعد السجدة، فإذا قام فاتت و لا يمكن التدارك.

ح: حكم الصلاة على النبي و آله في التشهّد الأخير حكم التشهّد

، فيأتي بها لو نسيها إلى أن سلّم.

لا لما قيل من أنّ التشهّد يقضى بالنصّ فكذا أبعاضه، تسوية بين الكلّ و الجزء «1».

لمنع التسوية، و لذا تقضى أمور لا تقضى أجزاؤها.

قيل: الأصل يقتضي التسوية، إذ فوات الجزء يستلزم فوات كلّه المستلزم للقضاء بالنصّ «2».

قلنا: هذا إنّما يتمّ في الجزء الذي يفوت بفوته الكلّ عرفا لا مطلقا، و ليس المورد كذلك.

و لا لما قيل من أنّ فوات المحلّ لا يقتضي الصحّة، بل الفساد كما في كلّ جزء، و انتفاؤه هنا بالإجماع لا يدلّ على الصحة بدون التدارك أيضا، بل غاية ما علم منه الخروج عن الاشتغال مع التدارك خاصّة، لا بدونه، فقاعدة أصالة

______________________________

(1) كما في الذكرى: 221.

(2) كما في الرياض 1: 214.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 113

الاشتغال تقتضي لزوم التدارك «1».

إذ يخدش ذلك أنّ ما علم به الاشتغال هو الصلاة في محلّ خاصّ، كما هو المفروض و إلّا لم يكن محلّه فائتا، و هي قد فاتت، و علم براءة الذمّة من الإتيان بها في المحلّ بإعادة الصلاة بالإجماع، و الاشتغال بغيرها يحتاج إلى دليل آخر.

بل لإطلاق الصحيحين المتقدّمين. و لا يضرّ خروج كثير من الأفراد منهما، إذ لم يخرج الأكثر، و لو خرج أيضا فعمومهما إطلاقي لا يضرّ فيه ذلك.

و هل يجب قضاء التشهّد معها أيضا؟.

الحقّ لا، للأصل، و عدم التوقّف.

و لا يجب التسليم بعده، للأصل. و إطلاق الأمر به بعد التشهد إنّما هو فيما يقع في الصلاة دون ما يقضى في الخارج بدليل خارجي.

و لا تجب في شي ء من هذه سجدة سهو،

للأصل، و اختصاص سجدة السهو في التشهّد بالأوّل كما يأتي. إلّا أنّه تستحبّ، لأنّه أيضا نقصان.

و كذا يقضي الصلاة على النبي و آله لو تركها من التشهّد الأوّل و تذكّر بعد الفراغ، لإطلاق الصحيحين. بل بعد الركوع مطلقا، لهما، و عدم العود حينئذ إجماعا.

الموضع الثاني: فيما لا تدارك له أصلا.

و هو من نسي الجهر أو الإخفات مطلقا، أو القراءة كلا أو بعضا حتى يركع، أو الذكر في الركوع، أو الطمأنينة فيه حتى يرفع، أو الرفع منه، أو الطمأنينة فيه حتى يسجد، أو الذكر في السجدة، أو الطمأنينة فيها، أو السجود على أحد الأعضاء غير الجبهة منها حتى يرفع، أو إكمال رفع الرأس منه، أو الطمأنينة فيه حتى يسجد، أو الطمأنينة في الجلوس للتشهّد حتى يقوم.

______________________________

(1) انظر: الرياض 1: 214.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 114

بالإجماع في أكثرها، و بلا خلاف يعتدّ به في الجميع.

للصحيح: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود» «1».

و به يخرج عن الأصل المتقدّم. دلّ على عدم إعادة الصلاة بنقصان شي ء ممّا ذكر و إن تذكّر في أثناء الصلاة و لم يعد إلى الإتيان به، فتكون صلاته حينئذ صحيحة، فلا يجب التدارك.

مع أنّ مقتضى الصحيح عدم الإعادة بنقصه و لو تركه في الأثناء عمدا، خرج ما خرج منه بالإجماع، فيبقى الباقي، و مقتضاه اختصاص جزئيّة هذه الأمور بصورة تركها في غير محلّ الكلام هنا.

و أمّا تعارض الصحيحين «2» في أكثر هذه الموارد فيجاب عنهما بأنّهما فيه خلاف الإجماع، لعدم قول بالعود و لا بالقضاء.

هذا، مضافا في الجهر و الإخفات إلى الصحيحين «3»، المتقدّمين في بحثهما.

و في القراءة إلى ما مرّ في بحثها من المعتبرة المستفيضة «4». و ما

دلّ على خلافه فيها شاذّ «5»، كخلاف ابن حمزة- على ما قيل «6»- فيها، كما مرّ.

و في طمأنينتي الركوع و السجود إلى اختصاص دليلهما بما لا يتمّ في المورد، لأنّه إمّا الإجماع، أو الخبر الضعيف المحتاج إلى الانجبار، و شي ء منهما لم يتحقّق في المقام.

______________________________

(1) تقدّم في ص: 110.

(2) و هما صحيحتا ابني حكيم و سنان المتقدّمتان في ص 100.

(3) الأول: الفقيه 1: 227- 1003، التهذيب 2: 162- 635، الاستبصار 1: 313- 1163، الوسائل 6: 86 أبواب القراءة ب 26 ح 1.

الثاني: التهذيب 2: 147- 577، الوسائل 6: 86 أبواب القراءة ب 26 ح 2.

(4) الوسائل 6: 87 أبواب القراءة ب 27.

(5) التهذيب 2: 146- 573، الاستبصار 1: 354- 1339، الوسائل 6: 88 أبواب القراءة ب 27 ح 4.

(6) حكاه عنه في التنقيح 1: 197.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 115

فما حكي عن الشيخ فيهما من الخلاف ضعيف، كدعواه الإجماع عليه «1»، مع أنّ الظاهر من الخلاف أنّ مراده بالركنيّة هو الوجوب، كما هو ظاهر القدماء أيضا، و عليه دعواه الإجماع.

و في ذكرهما إلى روايتي القدّاح و ابن يقطين:

الاولى: عن رجل ركع و لم يسبّح ناسيا، قال: «تمّت صلاته» «2».

و الثانية: عن رجل نسي تسبيحة في ركوعه و سجوده، قال: «لا بأس بذلك» «3».

و إن أمكن الخدش في أولاهما بإرادة تسبيح القيام أي التسبيحات الأربع.

و في الثانية بأنّ نسيان التسبيحة لا يدلّ على نسيان مطلق التسبيح، إلّا أن يقرأ «تسبيحه» بالضمير، كما عليه النسخ الصحيحة.

و في الرفعين و طمأنينتهما إلى أنّ ثبوتها في مواضعها بالإجماع المنتفي في المقام، أو الأمر الغير المتعلّق بالساهي قطعا، و عدم ثبوت أمر بعد الدخول فيما بعدها.

الموضع الثالث: فيما يتدارك بعد الصلاة
اشارة

، و

يسجد له سجدتا السهو أيضا.

و هو أن ينسى السجدة الواحدة حتى يدخل الركوع، أو التشهّد كذلك، فيقضيهما بعد الصلاة و يسجد سجدتي السهو.

و أمّا قضاء السجدة فعلى الأظهر الأشهر، للصحيحتين المتقدّمتين «4»، و صحيحتي أبي بصير، و ابن جابر المتقدّمتين «5»، و موثّقة الساباطي: في الرجل

______________________________

(1) الخلاف 1: 359 و 348.

(2) التهذيب 2: 157- 613، الوسائل 6: 320 أبواب الركوع ب 15 ح 1.

(3) التهذيب 2: 157- 614، الوسائل 6: 320 أبواب الركوع ب 15 ح 2.

(4) في ص 100.

(5) في ص 102.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 116

ينسى سجدة فذكرها بعد ما قام و ركع، قال: «يمضي في صلاته و لا يسجد حتى يسلّم، فإذا سلّم سجد مثل ما فاته» «1»، إلى غير ذلك.

و لا يضرّ عدم صراحة بعضها في الوجوب، لكون البواقي قرينة على إرادة الوجوب عنه أيضا.

خلافا للمحكي عن الكليني و العماني «2»، فأفسدا الصلاة بترك السجدة مطلقا، كما مرّ في بحث السجود بدليله و جوابه.

و عن المفيد و التهذيب «3»، فكذلك إذا كانت السجدة من الركعتين الأوليين خاصّة، لصحيحة البزنطي: عن رجل صلّى ركعة ثمَّ ذكر- و هو في الثانية، و هو راكع- أنّه ترك سجدة من الاولى، فقال: «كان أبو الحسن عليه السلام يقول: إذا تركت السجدة في الركعة الاولى و لم تدر واحدة أم ثنتين استقبلت حتى يصحّ لك أنّهما ثنتان، و إذا كان في الثالثة و الرابعة فتركت سجدة بعد أن يكون قد حفظت الركوع أعدت السجود» «4».

و رواها في الكافي مع زيادة و نقصان «5»، فزاد لفظ الصلاة بعد قوله:

«استقبلت» و نقص قوله: «و إذا كان في الثالثة» إلى آخره.

و أجيب عنه «6» تارة: بحمل قوله:

«و لم تدر ..» على الشك بين الواحدة و الاثنتين من الركعة.

و يضعّفه بعده جدّا.

و اخرى: بحمل الرواية على الشك في ترك السجدة، فلا ينطبق على

______________________________

(1) التهذيب 2: 153- 604، الاستبصار 1: 359- 1362، الوسائل 6: 364 أبواب السجود ب 14 ح 2.

(2) الكليني في الكافي 3: 349، حكاه عن العماني في المختلف: 131.

(3) حكاه عنهما في الذكرى: 220، و هو في التهذيب 2: 154.

(4) التهذيب 2: 154- 605، الاستبصار 1: 360- 1364، قرب الإسناد 365- 1308، الوسائل 6: 365 أبواب السجود ب 14 ح 3.

(5) الكافي 3: 349 الصلاة ب 37 ح 3.

(6) انظر: الحدائق 9: 147.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 117

المدّعى.

و تردّه صراحتها في ترك السجدة الواحدة و الشك في الزائد. و لا عبرة به، لفوات المحلّ.

و ثالثة: بحمل «استقبلت» على استقبال السجود.

و لا يلائمه التفصيل بين الركعتين الأوليين و غيرهما، مع أنّ في غيرهما أيضا حكم بذلك.

و الصواب أن يجاب- مضافا إلى عدم دلالتها على الوجوب، و شذوذها المخرج لها عن الحجّية جدّا- بأنّها غير دالّة على مطلوبهم، لأنّها تبيّن حكم ما إذا ترك السجدة و لم يدر الوحدة و التعدّد.

و أمّا وقوع السؤال عن ترك السجدة خاصّة و انضمام الشك في الجواب لا محالة لا بدّ و أن يكون لفائدة، و إلّا لغت الضميمة، فيحتمل أن تستحبّ الإعادة حينئذ، و عدل عن جواب السؤال لمصلحة.

و قد يستدلّ للشيخ أيضا برواية أبي بصير: «إذا سهوت في الركعتين الأوليين فأعدهما» «1».

و حسنة الوشاء: «الإعادة في الركعتين الأوليين، و السهو في الركعتين الأخيرتين» «2».

و يجاب عن الأولى: بأنّ السهو في الركعة غير السهو في أجزائها، فيمكن أن يكون المراد ترك الركعة، أو

المراد الشك، كما هو الشائع في الأخبار.

و عن الثانية: بعدم تعيّن سبب الإعادة، و عدم دليل على العموم.

و أمّا كون قضائها بعد الصلاة فعلى الحقّ الموافق للأكثر بل غير من شذّ

______________________________

(1) التهذيب 2: 177- 706، الاستبصار 1: 364- 1383، الوسائل 8: 191 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 15.

(2) الكافي 3: 350 الصلاة ب 38 ح 4، التهذيب 2: 177- 709، الاستبصار 1:

364- 1386، الوسائل 8: 190 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 118

و ندر، لما مرّ من الأخبار.

و أمّا صحيحة ابن أبي يعفور: «إذا نسي الرجل سجدة و أيقن أنّه قد تركها فليسجدها بعد ما يقعد، قبل أن يسلّم» الحديث «1».

فلم يفت بمضمونها- الذي هو وجوب كون القضاء قبل التسليم، واجبا كان أو مستحبّا- أحد، فهي للشذوذ مطروحة.

مع أنّها تعمّ ما إذا تذكّر النسيان قبل الركوع، و يكون المراد أن يقعد و يسجد.

هذا مضافا إلى معارضتها مع ما مرّ، و ترجيحه للأشهريّة رواية و فتوى.

خلافا لوالد الصدوق، فأوجب قضاءها بعد ركوع الثالثة إن كانت المنسيّة من الاولى و تذكّر بعد ركوع الثانية، و في الرابعة إن تذكّر بعد ركوع الثالثة إن كانت من الثانية، و بعد التسليم إن تذكّر بعد ركوع الرابعة إن كانت من الثالثة «2».

للرضوي المصرّح بذلك «3»، القاصر عن معارضة ما مرّ بوجوه.

و عن المفيد في العزيّة، فقال: فإن ذكر بعد الركوع فليسجد ثلاث سجدات: واحدة منها قضاء، و الاثنتان للركعة التي هو فيها «4».

و هو أيضا قريب من سابقة، و جوابه ظاهر.

و أمّا وجوب سجدتي السهو لها فعلى المشهور، بل عن المنتهى و التذكرة الإجماع عليه «5».

للإجماع المنقول، و

رواية ابن السمط: «تسجد سجدتين في كلّ زيادة

______________________________

(1) التهذيب 2: 156- 609، الاستبصار 1: 360- 1366، الوسائل 6: 370 أبواب السجود ب 16 ح 1.

(2) حكاه عنه في المختلف: 131.

(3) فقه الرضا (عليه السلام): 117، مستدرك الوسائل 4: 461 أبواب السجود ب 12 ح 1.

(4) حكاه عنه في المختلف: 131.

(5) المنتهى 1: 417، التذكرة 1: 138.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 119

تدخل عليك أو نقصان» «1».

و فيها: أنّها غير دالّة على الوجوب، بل تحتمل.

و للأمر بالسجدة في صحيحة الحلبي في صورة الشكّ «2»، فيثبت في السهو بالطريق الأولى.

و فيه: منع الأولويّة، سيّما مع تدارك السجدة مع احتمال الزيادة.

خلافا للمحكي عن الصدوقين، و المفيد في العزيّة، و العماني «3»، و أكثر متأخري المتأخرين «4»، فلم يوجبوهما لها، للأصل، و خلو ظواهر الصحاح الواردة في مقام البيان الآمرة بقضاء السجدة عن ذكرهما، و صريح صحيحة أبي بصير المتقدّمة «5»، و موثقة الساباطي: عن الرجل ينسى الركوع أو ينسى سجدة، هل عليه سجدتا السهو؟ قال: «لا، قد أتمّ الصلاة» «6».

و لا يضرّ عدم ثبوت هذا الحكم للركوع، لأنّ الحكم فيه محمول على ما قبل دخول السجود.

و موثقة سماعة: «من حفظ سهوه و أتمّه فليس عليه سجدتا السهو، إنّما السهو على من لم يدر أ زاد في صلاته أم نقص منها» «7».

و هذه الأخبار كما ترى أكثر من الاولى و أصرح، و معاضدة بالأصل،

______________________________

(1) التهذيب 2: 155- 608، الاستبصار 1: 361- 1367، الوسائل 8: 251 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32 ح 3.

(2) الفقيه 1: 230- 1019، التهذيب 2: 196- 772، الاستبصار 1: 380- 1441، الوسائل 8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 4.

(3)

الصدوق في الفقيه 1: 225- ذ ح 993، حكاه عن والد الصدوق و المفيد و العماني في المختلف:

140.

(4) منهم السبزواري في الذخيرة: 373، و صاحب الحدائق 9: 151، و صاحب الرياض 1: 215.

(5) في ص: 102.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 7    120     الموضع الثالث: فيما يتدارك بعد الصلاة ..... ص : 115

(6) التهذيب 2: 353- 1466، الوسائل 8: 245 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 26 ح 3.

(7) الكافي 3: 355 الصلاة ب 41 ح 4، الوسائل 8: 239 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 120

و بعضها أخصّ مطلقا من رواية ابن السمط، فالحقّ عدم الوجوب.

و أمّا قضاء التشهّد فهو المشهور، بل عن الخلاف الإجماع عليه «1»، لصحاح محمّد و ابني حكيم و سنان، و رواية علي بن أبي حمزة، المتقدّمة جميعا «2».

إلّا أنّ الإجماع المنقول ليس بحجّة، و غير صحيحة ابن سنان منها لا يدلّ على الوجوب أصلا، فيحتمل الاستحباب.

مضافا إلى أنّه يجوز أن يراد من التشهّد في الرابعة تشهّد سجدتي السهو، كما يشعر به العطف ب «ثمَّ» حيث إنّهم يقولون بوجوب تقديم قضاء المنسي على السجدتين.

و لا يفيد التقييد بالتشهّد الذي فاتك مع أنّ تشهّد سجدتي السهو خفيف، لجواز الخفيف مطلقا على المشهور.

مع أنّه على التغاير لا يفيد أيضا، لأنّ القيد لا يفيد أزيد من المماثلة في الشهادة. و لذا ورد في الرضوي: «و تشهّد فيهما بالتشهّد الذي فاتك» «3».

فذكر القيد مع التصريح بقوله: «فيهما».

و لكن صحيحة ابن سنان كافية في إثبات الوجوب، فهو الحقّ.

خلافا للمحكي عن الصدوقين و المفيد في الرسالة «4»، فقالوا بإجزاء تشهّد السجدتين عن قضاء التشهّد، و

إليه مال بعض الميل صاحب المدارك «5»، و استظهره في الحدائق «6».

للأصل.

و خلوّ الأخبار المصرّحة بوجوب سجدة السهو لنسيان التشهّد- الواردة في

______________________________

(1) الخلاف 1: 453.

(2) في ص 100 و 104 و 110.

(3) فقه الرضا عليه السلام: 118، مستدرك الوسائل 5: 12 أبواب التشهد ب 5 ح 1.

(4) انظر: الفقيه 1: 233، و حكاه عنهم في الذكرى: 221.

(5) المدارك 4: 243.

(6) الحدائق 9: 153.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 121

مقام البيان- عن ذكر القضاء.

و يجاب عنه: بكفاية صحيحة ابن سنان لدفع الأصل.

و لا يضرّ عدم القائل بعمومها، إذ يخرج منها ما خرج بالدليل.

و لا الإيراد بخروج الأكثر منها، لمنعه. مع أنّه لو كان لم يضرّ، لكون العموم فيها إطلاقيا.

و بعدم دلالة خلوّ بعض الأخبار عنه على العدم، إذ لعلّه كان معلوما.

فالحقّ مع المشهور.

و أمّا وجوب سجدتي السهو له، فهو أيضا الحقّ المشهور بين الأصحاب، و عن الخلاف الإجماع عليه «1»، و نفى بعض الأصحاب الخلاف فيه «2».

و تدلّ عليه صحيحة الحلبي المتقدّمة «3»، المتأيّدة بصحاح أخر.

و لا ينافيها حديث محمّد الحلبي السابقة «4»، لأنّها إمّا فيما إذا تذكّر قبل الركوع بدليل قوله: «يرجع فيتشهّد» أو في التشهّد الأخير.

و قد ينسب الخلاف فيه إلى العماني و الجمل و الاقتصاد و أبي الصلاح «5»، و لعلّه لبعض العمومات الواجب تخصيصه بما مرّ.

و الظاهر اختصاص سجدة السهو بالتشهّد الأوّل، لأنّه مورد الأخبار. و أمّا الأخير فلا دليل عليه، و عدم الفصل غير ثابت. كيف؟! و قد قيّد المفيد في العزيّة و الشيخ في المبسوط و الخلاف «6» التشهّد- الواجب لنسيانه السجدة- بالأوّل. و هو ظاهر المقنعة و الكافي و جمل السيّد «7»، بل كلّ من قيّد نسيانه بقوله:

حتى يركع.

______________________________

(1) الخلاف 1: 453.

(2) كما في المدارك 4: 242.

(3) في ص: 104.

(4) في ص: 111.

(5) حكاه عن العماني في المختلف: 140، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 188، الاقتصاد:

267، أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 149.

(6) حكاه عن المفيد في المختلف: 140، المبسوط 1: 122، الخلاف 1: 453.

(7) المقنعة: 148، الكافي 3: 361، حكاه عن جمل السيّد في شرحه للقاضي: 107.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 122

و صرّح بعضهم بأنّ محلّ البحث هو الأوّل، قال في الحدائق: أمّا صحيحة محمّد فموردها التشهّد الأخير، و محلّ البحث في الأخبار و كلام الأصحاب هو الأوّل «1».

و أمر الاحتياط ظاهر.

فروع:
أ: تقضى أبعاض التشهّد أيضا

، لإطلاق الصحيحين.

و من المتأخّرين من فرّق بين إحدى الشهادتين و بين أبعاضها، فحكم بالقضاء في الأوّل، إذ تصدق عليه الشهادة، دون الأخير، للأصل «2».

و ضعفهما ظاهر.

و إذا قضى البعض لا يضمّ إليه غيره إلّا ما توقّف تمام المعنى عليه.

ب: لا يضرّ تخلّل الحدث و نحوه بين السلام و بين شي ء ممّا يقضى،

للأصل.

ج: المراد بالقضاء في الأجزاء المنسيّة الإتيان بها بعد الصلاة

، سواء كان في وقتها أو في خارجه. و لا تعتبر فيه نيّة القضاء، و لا وقت الصلاة، و لا الفوريّة، جميع ذلك للأصل.

د: لا يجب الترتيب بين الأجزاء المنسيّة و لا بينها و بين سجود السهو لها، أو لغيرها

، لإطلاق الأدلّة، و الأصل الخالي عن المعارض.

و منهم من أوجبه في بعض ما ذكر «3». و لا دليل عليه.

______________________________

(1) الحدائق 9: 154.

(2) كما في الروضة 1: 325.

(3) انظر: الذكرى: 229.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 123

الفصل الثاني في الخلل الواقع بالزيادة سهوا و فيه مسائل:
المسألة الاولى: من زاد تكبيرة الإحرام، أو الركوع، أو السجدتين بطلت صلاته

، بلا خلاف أجده، و به صرّح جماعة «1»، بل هو إجماعي، له، و للقاعدة المتقدّمة.

و منه ظهر البطلان بزيادة الركعة أيضا، بأن يزيدها قبل التسليم مطلقا، بعد التشهّد أو قبله، كما هو المتّفق عليه- على ما حكاه جماعة منهم الفاضلان و الشهيد «2»، و غيرهم «3»- إذا لم يجلس عقيب الرابعة بقدر التشهّد، و على المشهور إذا جلس أيضا و إن قلنا بعدم جزئيّة التسليم.

لصدق الزيادة عرفا ما لم يتمّ الصلاة، مضافا إلى رواية الشحام: «عن الرجل صلّى العصر ستّ ركعات، أو خمس ركعات، قال: إن استيقن أنّه صلّى خمسا أو ستّا فليعد» «4».

خلافا للمحكي عن الإسكافي و المعتبر و التحرير و المختلف، بل المنتهى «5»، فلا إعادة إن جلس في الرباعيّة بقدر التشهّد و إن لم يتشهّد.

______________________________

(1) كصاحب المدارك 4: 223، و السبزواري في الكفاية: 25، و صاحب الرياض 1: 212.

(2) المحقق في المعتبر 2: 380، العلامة في التحرير 1: 49، الشهيد في الذكرى: 219.

(3) كالسبزواري في الذخيرة: 359.

(4) التهذيب 2: 352- 1461، الوسائل 8: 225 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 5.

(5) حكاه عن الإسكافي في الذكرى: 219، المعتبر 2: 380، التحرير 1: 49، المختلف: 135، المنتهى 1: 409.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 124

و جعله المحقق أحد قولي الشيخ «1»، و نسبه في المنتهى إلى التهذيب «2»، و فيه تأمّل واضح.

دليلهم: أنّ نسيان التشهّد غير مبطل، فإذا جلس بقدره فقد

فصل بين الفرض و الزيادة، و لصحيحتي زرارة «3»، و جميل «4»، و رواية محمّد «5».

و يضعّف الأوّل: بأنّ الفصل بالجلوس لا يقتضي عدم وقوع الزيادة.

و الخبران: بمرجوحيّتهما عمّا مرّ، لمخالفته العامّة، فإنّ أكثرهم، بل جميعهم على الصحّة مع زيادة الركعة سهوا، و رواياتهم بها ناطقة متضافرة، و إن اختلفوا في اشتراط الجلوس بقدر التشهّد و عدمه، و أبو حنيفة و أتباعه على الأوّل «6»، و الباقون على الثاني، و الموافقته شهرة الأصحاب.

و بأنّ المراد فيهما من الجلوس بقدر التشهّد التشهّد، لشيوع مثل ذلك، و ندور تحقّق الجلوس بهذا القدر من دون الإتيان به.

أقول: تضعيف الأوّل و إن كان قويّا، إلّا أنّه يرد على أوّل التضعيفين للخبرين: بأنّ التعارض إنّما هو بالعموم و الخصوص المطلقين، و تلك الأخبار أخصّ مطلقا. و ليس بناؤهم حينئذ على الرجوع إلى المرجّحات، لعدم التعارض حقيقة، بل الخاص قرينة معيّنة لمعنى العام، فلا تفيد مخالفة أحدهما للعامة، أو موافقته للشهرة، إلّا أنّ تصل الشهرة إلى حدّ شذوذ خلافها، و هو في ذلك المقام غير معلوم.

______________________________

(1) المعتبر 2: 380.

(2) المنتهى 1: 409.

(3) التهذيب 2: 194- 766، الاستبصار 1: 377- 1431، الوسائل 8: 232 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 4.

(4) الفقيه 1: 229- 1016، الوسائل 8: 232 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 6.

(5) التهذيب 2: 194- 765، الاستبصار 1: 377- 1430، و رواها في المقنع: 31 مرسلة، الوسائل 8: 232 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 5.

(6) انظر: المغني 1: 721.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 125

و الثاني: بأنّه مجاز لا يصار إليه إلّا بقرينة، و الندرة المدّعاة حتى في صورة السهو، و

كونها واصلة حدّ صلاحية القرينة ممنوعة، و الاستعمال في خبر أو خبرين- كما قيل- لا يوجب ثبوت الشيوع.

مع أنّ مقتضى ذلك الجواب الصحّة بالزيادة بعد التشهّد قبل التسليم و إن قلنا بوجوبه و جزئيّته، و لا يقول به بعض المجيبين بهذا الجواب، و إن حكي عن بعض آخر.

فهو على ذلك خلاف آخر في المسألة مستندا إلى هذا الحمل.

و يردّ: بأنّ حمله على ذلك خلاف ظاهر اللفظ و إن عبّر عن التشهّد بالجلوس في بعض الأخبار «1». فإنّ كان الاستناد إليه فهو غير صالح له، و إن كان إلى شمول الجلوس بقدر التشهّد للتشهّد أيضا، فيثبت الحكم فيه أيضا، فالعمل به فرع العمل بأصله، و هو القول بالصحّة مع الجلوس مطلقا، فيكون صحيحا على ذلك القول، و إلّا فهو دلالة تبعيّة تنتفي بانتفاء متبوعها.

نعم يكون لذلك القول وجه على المختار من عدم جزئيّة التسليم، حيث إنّه تتمّ الصلاة بالتشهّد.

مع أنّ فيه أيضا نظرا، لصدق زيادة الركعة عرفا ما لم يتحقّق الانصراف عن الصلاة بالتسليم أو صارف آخر، فلو لا الأخبار المذكورة لكان الحكم بالبطلان حينئذ أيضا متّجها، إلّا أنّ معها يثبت اغتفار الزيادة. هذا.

ثمَّ إنّ ما ذكرناه إنّما هو إذا تذكّر بعد الركوع الخامس، أمّا لو تذكّر قبله فلا تبطل الصلاة أصلا، بل يجلس و يتمّها.

و على القول بالصحّة إذا جلس بقدر التشهّد مطلقا هل ينسحب حكمه إلى زيادة أكثر من ركعة و إلى زيادة الركعة في غير الرباعيّة؟.

فيه وجهان، أظهرهما العدم إن اختصّ المستند بالصحيحتين. و الانسحاب إن استند إلى تماميّة الصلاة و عدم صدق الزيادة.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 6: 402 أبواب التشهد ب 7 ح 3 و 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 126

المسألة الثانية: قالوا: تبطل الصلاة بزيادة القيام المتّصل بتكبيرة الإحرام، أو الركوع،

لكونه ركنا.

و فيه: أنّه لا دليل على البطلان بزيادة خصوص الركن، إلّا أن يوجّه بأنّ سبب الإبطال القاعدة المتقدّمة، خرج منها غير الركن بالإجماع، فيبقى الباقي.

و لكن المسألة قليلة الجدوى جدّا، إذ لو لم يجتمع مع التكبير، أو الركوع لم يكن مقارنا له، فلا يكون ركنا، و لو اجتمع تفسد بزيادة التكبير أو الركوع.

المسألة الثالثة: لا تبطل الصلاة بزيادة غير ما ذكر سهوا
اشارة

، بالإجماع، فهو الحجّة فيه، مضافا في النيّة إلى عدم ثبوت جزئيّتها، و عدم صدق الزيادة في الصلاة بزيادتها، و في غيرها إلى الأخبار الواردة في الموارد الخاصّة، كأخبار سهو النبي الدالّة على عدم البطلان بزيادة التشهّد و التسليم «1»، و أخبار أخر دالّة عليه أيضا «2»، و الأخبار الواردة في حكم التسليم في غير موضعه، الدالّة على عدم البطلان بزيادته «3»، و أخبار سجدة السهو لمن قام أو قعد في غير موضعهما، الدالّة على عدم البطلان بزيادة القيام و القعود «4» و ما صرّح بأنّه لا تعاد الصلاة من سجدة «5» إلى غير ذلك.

فائدة: إذا سها الإمام أو المأموم، أو كلاهما، فيأتي حكمه

في الفصل الرابع من المبحث الآتي، بعد بيان حكم شكّ الإمام و المأموم.

______________________________

(1) الوسائل 8: 199 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 4 و 7 و 11.

(2) الوسائل 8: 198 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 2 و 9 و 14.

(3) الوسائل 8: 198 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3.

(4) الوسائل 8: 244 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 26.

(5) الوسائل 6: 319 أبواب الركوع ب 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 127

المبحث الرابع في الشك و الظنّ، و بيان سائر مواضع سجدة السهو، و كيفيّتها، و كيفيّة صلاة الاحتياط، و حكم الشاكّ المتذكّر بعد الفراغ من الصلاة. ثمَّ الشك إمّا يتعلّق بأعداد الركعات، أو بغيرها، فهاهنا فصول:
الفصل الأوّل في حكم الشك في أعداد الركعات و فيه مسائل:
المسألة الاولى: من شكّ في عدد الفريضة الثنائيّة
اشاره

يوميّة كانت، أو غيرها بطلت صلاته، و كذا الثلاثيّة، بلا خلاف، كما قيل «1»، بل بإجماع غير الصدوق، كما في المنتهى «2»، بل مطلقا، كما عن الخلاف و الاستبصار و الانتصار و السرائر «3»، و جعله في الأمالي من دين الإماميّة الذي يجب الإقرار به «4»، فهو الدليل في المسألة.

مضافا إلى المستفيضة كصحيحة الحلبي «5»، و روايتي عنبسة «6»،

______________________________

(1) الحدائق 9: 162.

(2) المنتهى 1: 410.

(3) الخلاف 1: 447، الاستبصار 1: 372، الانتصار: 48، السرائر 1: 245.

(4) الأمالي: 513.

(5) التهذيب 2: 180- 723، الاستبصار 1: 366- 1396، الوسائل 8: 194 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2 ح 5.

(6) التهذيب 2: 179- 718، الاستبصار 1: 366- 1393، الوسائل 8: 194 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2 ملحق بالحديث 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 128

و حفص «1»: «إذا شككت في المغرب فأعد، و إذا شككت في الفجر فأعد».

و رواية موسى بن بكر: «في صلاة المغرب إذا لم تحفظ ما بين الثلاث إلى الأربع فأعد صلاتك» «2».

و موثّقة سماعة: في صلاة الغداة، قال: «إذا لم تدر واحدة صلّيت أم ثنتين فأعد الصلاة من أوّلها، و الجمعة

أيضا إذا سها فيها الإمام فعليه أن يعيد الصلاة، لأنّها ركعتان، و المغرب إذا سها فيها، فلم يدر كم ركعة صلّى فعليه أن يعيد الصلاة» «3».

و عموم التعليل فيها يثبت الحكم في جميع الثنائيّات، بل يدلّ عليه عموم قوله: «إذا لم تدر ..» و خصوص السؤال لا يخصّص الجواب.

و يدلّ على عمومه أيضا ما دلّ على وجوب الإعادة إذا شكّ بين الواحدة و الاثنتين، كحسنة محمّد «4»، و رواية الجعفي و ابن أبي يعفور «5»، و غيرهما.

و أمّا موثّقتا عمّار، الواردتان في المغرب و الفجر «6»، الدالّتان على صحّة الصلاة، فيسلّم و يضيف إليها ركعة، فلا تعارضان ما مرّ، لعدم فتوى أحد من

______________________________

(1) الكافي 3: 350 الصلاة ب 39 ح 1، التهذيب 2: 178- 714، الاستبصار 1:

365- 1390، الوسائل 8: 193 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2 ح 1.

(2) التهذيب 2: 179- 719، الوسائل 8: 195 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2 ح 9.

(3) التهذيب 2: 179- 720، الاستبصار 1: 366- 1394، الوسائل 8: 195 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2 ح 8.

(4) الكافي 3: 351 الصلاة ب 39 ح 2، التهذيب 2: 179- 715، الاستبصار 1:

365- 1391، الوسائل 8: 189 أبواب الخلل ب 1 ح 7.

(5) التهذيب 2: 176- 702، الاستبصار 1: 363- 1379، الوسائل 8: 191 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 16.

(6) الاولى: التهذيب 2: 182- 727، الاستبصار 1: 371- 1412، الوسائل 8: 196 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2 ح 11.

الثانية: التهذيب 2: 182- 728، الاستبصار 1: 366- 1397، الوسائل 8: 196 أبواب الخلل ب 2 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 129

الطائفة

بمضمونهما، مع أنّهما موافقتان لجمع من العامّة، كما عن الوسائل «1».

خلافا للمحكي عن الصدوق، فخيّر بين الإعادة، و البناء على الأقلّ في الموضعين، كما قيل «2»، أو في الثلاثيّة فقط مع الرباعيّة مطلقا كما ذكره بعض آخر «3»، و إن أنكر بعض المتأخّرين النسبتين «4».

جمعا بين ما مرّ و بين ما دلّ على وجوب البناء على الأقلّ مطلقا، كرواية إسحاق بن عمّار «5»، و صحيحتي عبد الرحمن بن الحجاج «6»، و زرارة «7»، أو إذا لم يدر واحدة صلّى أم ثنتين أو ثلاثة، كصحيحة ابن يقطين «8»، أو إذا لم يدر واحدة صلّى أم ركعتين، كصحيحتي ابن أبي العلاء «9»، و رواية ابن أبي يعفور «10».

و يجاب عنها: بأنّ الجمع فرع حجيّة الطرفين. و ليس هنا كذلك، لضعف أخبار المخالف بالشذوذ جدّا.

مع أنّه على التعارض تتعارض أخبارنا بالأشهرية رواية و الموافقة للخاصّة و المخالفة للعامّة، و كلّ ذلك من المرجّحات المنصوصة، بخلاف أخبار المخالف، فإنّها في طرف الضدّ من الجميع.

______________________________

(1) الوسائل 8: 197 أبواب الخلل ب 2 ذيل الحديث 12. و فيه: لجميع العامة.

(2) حكاه عنه في المنتهى 1: 410.

(3) حكاه عنه في الذكرى: 224.

(4) الحدائق 9: 162 و 193 و 210.

(5) الفقيه 1: 231- 1025، الوسائل 8: 212 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 2.

(6) التهذيب 2: 344- 1427، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 5.

(7) الكافي 3: 358 الصلاة ب 43 ح 2، التهذيب 2: 188- 747، الاستبصار 1:

374- 1422، الوسائل 8: 228 أبواب الخلل ب 16 ح 2.

(8) التهذيب 2: 187- 745، الاستبصار 1: 374- 1420، الوسائل 8: 227 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب

15 ح 6.

(9) التهذيب 2: 177- 710 و 713، الاستبصار 1: 364- 1387، الوسائل 8: 192 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 20 و 21.

(10) التهذيب 2: 178- 712، الاستبصار 1: 365- 1389، الوسائل 8: 192 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 130

و مع هذا كلّه فما ذكرناه مقتضى وجوب تحصيل البراءة اليقينيّة، مضافا إلى كون القسم الأوّل من هذه الأخبار أعمّ مطلقا من حيث شموله الركعتين الأخيرتين، و الكلّ كذلك من حيث شموله للنوافل أيضا، سوى صحيحة ابن يقطين الظاهرة في الفرائض حيث تضمّنت سجدة السهو، إلّا أنّها غير صالحة لمعارضة ما مرّ جدّا، و مع ذلك يمكن أن يكون لفظ الجزم فيها بالحاء المهملة، و يكون المراد تحصيل اليقين بالإعادة.

و لوالده، فحكم بالإعادة في الشكّ في الركعة الاولى و الثانية مرّة واحدة، و بالبناء على الأقلّ، و صلاة الاحتياط إن شكّ مرّة أخرى «1». و لا أعرف له مستندا، و أمّا الرضوي فهو لا يفيد ذلك الحكم «2».

فروع:
أ: لا فرق في الشك بين أن يكون في النقصان، أو في الزيادة

، لإطلاق الفتاوى، و أكثر الأخبار.

قيل «3»: و به صرّحت رواية موسى بن بكر في المغرب: قال: «إذا لم تحفظ ما بين الثلاث إلى الأربع، فأعد صلاتك» «4».

و في كونها صريحة نظر. مع أنّها مختلفة، و قد رواها في الاستبصار بنوع آخر «5».

خلافا للمحكي عن المقنع فيها إذا تعلّق بالزيادة، فيضيف إليها ركعة أخرى [1].

______________________________

[1] حكاه عنه في المختلف: 134، و الموجود فيما عندنا من نسخة المقنع هكذا: فاذا شككت في المغرب فأعد، و روي: و إذا شككت في المغرب و لم تدر واحدة صليت أم اثنتين فسلّم ثمَّ قم فصلّ ركعة، و إن

شككت في المغرب فلم تدر في ثلاثة أنت أم أربع و قد أحرزت الاثنتين في نفسك و أنت في شك من الثلاث و الأربع فسلّم و صلّ ركعتين و أربع سجدات. (المقنع: 30).

______________________________

(1) حكاه عنه في الذكرى: 224.

(2) فقه الرضا (عليه السلام): 117.

(3) انظر: الرياض 1: 215.

(4) التهذيب 2: 179- 719، الوسائل 8: 195 أبواب الخلل ب 2 ح 9.

(5) الاستبصار 1: 370- 1407.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 131

و هو قول نادر جدّا غير واضح المستند.

ب: الحكم يعمّ صلاة السفر و المنذورة ثنائية، و صلاة الجمعة و العيدين

- على وجوبهما- لما تقدّم من دليل التعميم، مضافا إلى حسنة محمّد المصرّحة به في الجمعة و صلاة السفر «1».

ج: قد ذكر كثير من المتأخّرين أنّ حكم صلاة الآيات في الشكّ المتعلّق بالركعتين حكم الثنائيّة

، لكونها ركعتين، فيشملها حكمها. و في المتعلّق بالركوعات البناء على الأقلّ إن لم يتجاوز المحلّ و لم يوجب الشك في الركعة «2».

و عن الراوندي و ابن طاوس قولان آخران مبنيّان على كونها عشر ركعات «3»، كما ورد في الصحاح «4».

و ردّ بأنّ المراد منها الركوع لا الركعة المصطلحة بقرينة قوله في الصحاح المذكورة: «عشر ركعات، و أربع سجدات» و إلّا قال: بأربع سجدات، و لذا ورد في أخبار أخر أنّها ركعتان في أربع سجدات، و لأنّه قد ورد في خبرين آخرين أنّها ركعتان. و الحكم بالإعادة في الأخبار إنّما هو للركعات المصطلحة، كما هو ظاهر من سياق أكثرها، و يشعر به قوله فيها: «إذا لم تدر واحدة صلّيت أم ثنتين» فإنّه لا يقال للركوع: صلّيته، فيعمل في الشكّ في الركوعات بالأصل.

أقول: لا شكّ في أنّ الركعة لغة هي الركوع.

و أمّا في عرف الشارع فيستعمل فيه، و في الركعة المصطلحة التي هي مجموع الركوع و ما قبله من القراءة و ما بعده من السجود و التشهّد. و الاستعمالان في

______________________________

(1) راجع ص 128.

(2) انظر: الذكرى: 225، و المسالك 1: 41، و المدارك 4: 246، و الرياض 1: 215.

(3) حكاه عنهما في الذكرى: 225.

(4) انظر: الوسائل 7: 492 أبواب صلاة الكسوف و الآيات ب 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 132

الأحاديث ذائعان. بل يمكن في كثير منها أن يكون المستعمل فيه الركوع، و ما قبله من القراءة.

و قد تحقّق الاستعمالان الأوّلان، أو الأخيران في صلاة الآيات في الروايات.

و أمّا أخبار حكم الشك المتضمّنة للركعة و مثلها-

الممكن شمولها لصلاة الآيات- فمنها ما يتضمّن الركعة، و منها ما يتضمّن الواحدة و الثلاث، و الظاهر منها عدم إرادة المعنى اللغوي. و لكن إرادة ما تضمّن السجود أيضا غير معلوم.

فيمكن أن يكون المراد منها مجموع القراءة و القنوت و الركوع، فيشمل العشر أيضا، كما يمكن أن يكون مجموع ما مرّ مع السجود. و لا دليل صحيحا على تعيين أحدهما.

و على هذا و إن كان ما ذكروه في أحكام الشك في الركوعات من الرجوع إلى الأصل تامّا، إلّا أنّه لا يكون الحكم بالبطلان في الشك في الركعتين في موضعه.

مع أنّ شمول الركعتين لمثل ذلك الفرد المشتمل على خمس ركوعات أيضا خفيّ جدّا.

بل في البناء في الشك في الركوعات على الأقلّ مع استفاضة النصوص على وجوب البناء على الأكثر في الشك في الصلاة- كما يأتي- نظر.

و القول بعدم انصرافها إلى هذا الفرد مناف لإجراء أحكام أخبار الإعادة هنا.

و تضمّنها لصلاة الاحتياط لا يصرفها عنه، لإمكان الإتيان بصلاة الاحتياط هنا أيضا، كما ذكره الراوندي و ابن طاوس.

و معارضة أخبار أخر دالة على البناء على اليقين لا تضرّ، إذ سيأتي أنّ المراد بالبناء على اليقين يمكن أن يكون الأكثر.

فهو الوجه في المسألة سواء كان الشك في الركوعات أو الركعتين. و لا يترك الاحتياط بالإعادة في شي ء من الأحوال.

المسألة الثانية: من شكّ في الأوليين من الرباعيّة تجب عليه الإعادة

، على الأظهر الأشهر،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 133

سواء كان المشكوك فيه أنّ الركعة التي فيها هل هي الأولى أو الثانية، أو أنّ التي صلّاها و أتمّها هل هي الأولى أو الثانية.

أمّا الأوّل فيدلّ عليه رواية عنبسة: «إذا شككت في الركعتين الأوليين فأعد» «1».

و صحيحة البقباق: «إذا لم تحفظ الركعتين الأوليين فأعد صلاتك» «2».

و صحيح زرارة، و رواية

العامري، و صحيح ابن أذينة الآتية «3».

و صحيح محمّد: «عن رجل شكّ في الركعة الأولى، قال: يستأنف» «4» و غيرها.

و أمّا الثاني فيدلّ عليه ما تقدّم من أوامر الإعادة إذا لم تدر واحدة صلّيت أم ثنتين «5».

و موثّقة سماعة: «إذا سها الرجل في الركعتين الأوليين من الظهر و العصر و العتمة، و لم يدر واحدة صلّى أم ثنتين، فعليه أن يعيد الصلاة» «6».

و صحيحة زرارة: «رجل لا يدري واحدة صلّى أم ثنتين، قال: يعيد» «7».

______________________________

(1) التهذيب 2: 176- 701، الاستبصار 1: 263- 1378، الوسائل 8: 190 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 14.

(2) التهذيب 2: 177- 707، الاستبصار 1: 364- 1384، الوسائل 8: 190 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 13.

(3) في ص 138.

(4) التهذيب 2: 176- 700، الاستبصار 1: 363- 1377، الوسائل 8: 190 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 11.

(5) راجع ص 128.

(6) الكافي 3: 350 الصلاة ب 38 ح 2، التهذيب 2: 176- 704، الاستبصار 1:

364- 1381، الوسائل 8: 191 أبواب الخلل ب 1 ح 17.

(7) الكافي 3: 350 الصلاة ب 38 ح 3، التهذيب 2: 192- 759، الاستبصار 1:

364- 1385، الوسائل 8: 189 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 134

و نحوها صحيحة محمّد، إلّا أنّ فيها: «يستقبل» مكان «يعيد» «1».

و في رواية الجعفي و ابن أبي يعفور: «إذا لم تدر واحدة صلّيت أم ثنتين فاستقبل» «2» إلى غير ذلك.

و الخلاف في المسألة محكيّ عن الصدوقين، كما مرّ مع بيان ضعفه «3».

المسألة الثالثة: المستفاد من صحيحة البقباق، و رواية العامري، و ابن أذينة و صحيحة محمّد بطلان الصلاة كلّما تعلّق الشك بالواحدة

، كالشّك بين الواحدة و الثلاث، و الواحدة و الأربع، و غير ذلك. و يستلزمه

البطلان بالشك في الثانية أيضا، لاستلزامه الشك فيها و عدم حفظها.

المسألة الرابعة: من شكّ في جميع ركعات الرباعية، و لم يدر كم صلّى من ركعة واحدة أو ثنتين أو ثلاث أو أربع، تجب عليه إعادة الصلاة

، بالإجماع، صرّح به بعضهم «4».

لصحيحة ابن أبي يعفور: «إذا شككت فلم تدر أ في ثلاث أنت أم في ثنتين أم في واحدة أم في أربع، فأعد و لا تمض على الشكّ» «5».

و صفوان: «إن كنت لا تدري كم صلّيت، و لم يقع وهمك على شي ء، فأعد

______________________________

(1) الكافي 3: 351 الصلاة ب 39 ح 2، التهذيب 2: 179- 715، الاستبصار 1:

365- 1391، الوسائل 8: 189 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 7.

(2) التهذيب 2: 176- 702، الاستبصار 1: 363- 1379، الوسائل 8: 191 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 16.

(3) راجع ص 129.

(4) كصاحب الرياض 1: 215.

(5) الكافي 3: 358 الصلاة ب 43 ح 3، التهذيب 2: 187- 743، الاستبصار 1:

373- 1418، الوسائل 8: 226 أبواب الخلل ب 15 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 135

الصلاة «1».

و تؤيّده صحيحة علي: عن الرجل يقوم في الصلاة فلا يدري صلّى شيئا أم لا، قال: «يعيد الصلاة» «2».

و صحيحة زرارة و أبي بصير: الرجل يشكّ كثيرا في الصلاة حتى لا يدري كم صلّى، و لا ما بقي عليه، قال: «يعيد» «3».

و صحيحة الرازي: «إنما يعيد من لم يدر ما صلّى» «4».

و الأخبار الكثيرة الدالّة على بطلان الصلاة مع عدم سلامة الأوليين.

و أمّا رواية ابن أبي حمزة: عن الرجل يشكّ، فلا يدري واحدة صلّى أم ثنتين أم ثلاثا أم أربعا تلتبس عليه، قال: «كلّ ذلك؟» قلت: نعم، قال: «فليمض على صلاته» «5» إلى آخره.

فهو محمول على ما بعد الفراغ، لعمومه له، أو على كثير الشك بقرينة قوله بعد ما ذكر: «و يتعوّذ

باللّه من الشيطان الرجيم، فإنّه يوشك أن يدعه».

و عن علي بن بابويه: أنّه إن شككت فلم تدر واحدة صلّيت أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا، صليت ركعتين من قيام، و ركعتين من جلوس «6». لمرسلة الفقيه فيمن تلبس عليه الأعداد كلها، قال: و روي «أنّه يصلّي ركعة من قيام و ركعتين

______________________________

(1) الكافي 3: 358 الصلاة ب 43 ح 1، الوسائل 8: 225 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 15 ح 1.

(2) التهذيب 2: 189- 748، قرب الإسناد: 197- 751، الوسائل 8: 227 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 15 ح 5.

(3) الكافي 3: 358 الصلاة ب 43 ح 2، التهذيب 2: 188- 747، الاستبصار 1:

374- 1422، الوسائل 8: 228 أبواب الخلل ب 16 ح 2.

(4) التهذيب 2: 181- 726، الاستبصار 1: 371- 1411، الوسائل 8: 226 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 15 ح 4.

(5) الفقيه 1: 230- 1022، التهذيب 2: 188- 746، الاستبصار 1: 374- 1421، الوسائل 8: 228 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 4.

(6) حكاه عنه في المختلف: 132، و الذكرى: 225، و فيه: ركعة من قيام، بدل: ركعتين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 136

من جلوس» «1».

و جوابها- مع شذوذها- عدم تكافئها لما مرّ، لأصحّيته، و أشهريته رواية و فتوى، و أصرحيته دلالة، حيث إنه لا تصريح أصلا في الرواية بعدم الإعادة، فلعلّ ما فيها حكم تعبّدي مستحب.

و استدلّ له بصحيحة ابن يقطين: عن الرجل لا يدري كم صلّى واحدة أو اثنتين أو ثلاثا، قال: «يبني علي الجزم و يسجد سجدتي السهو و يتشهّد تشهّدا خفيفا» «2».

و بعموم صحيحة زرارة: «لا تعتدّ بالشك في حال» «3».

و رواية عمّار: «إذا

سهوت فابن على الأكثر» «4».

و رواية عنبسة: عن الرجل لا يدري أ ركعتين ركع، أم واحدة أم ثلاثا، قال: «يبني صلاته على ركعة واحدة يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، و يسجد سجدتي السهو» «5».

على أن يكون المراد بالبناء على ركعة أنّه يبني على الأكثر، و يضيف ركعة واحدة، كما أنّه قد فهم منها الشيخ ذلك.

و يضعّف: بأنّها بين غير دالّ على مذهبه، بل على حكم لم يقل به أحد، و بين مجمل، و بين عامّ للنوافل، يجب تخصيصه بما مرّ.

مع أنّ إرادة البناء على الأقلّ من الجزم في الصحيحة الأولى- كما عن

______________________________

(1) الفقيه 1: 231- 1024، الوسائل 8: 223 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 3.

(2) التهذيب 2: 187- 745، الاستبصار 1: 374- 1420، الوسائل 8: 227 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 15 ح 6.

(3) الكافي 3: 351 الصلاة ب 40 ح 3، التهذيب 2: 186- 740، الاستبصار 1:

373- 1416، الوسائل 8: 216 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 3.

(4) التهذيب 2: 349- 1448، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل ب 8 ح 3.

(5) التهذيب 2: 353- 1463، الاستبصار 1: 376- 1427، الوسائل 8: 193 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 137

الشيخ «1»- ممكنة، و مع ذلك فمدلولها موافق للعامّة «2»، فيحمل على التقيّة.

و نسب الخلاف في المسألة هنا إلى الصدوق أيضا بتجويزه البناء على الأقلّ «3».

و كلامه في الفقيه صريح في موافقة المشهور، قال: و من لم يدر كم صلّى، و لم يقع وهمه على شي ء، فليعد الصلاة «4».

و كيف كان فدليله الجمع بين ما مرّ، و بين صحيحة ابن يقطين السابقة،

و مثل رواية ابن اليسع فيما إذا تلبس عليه الأعداد كلّها «أنّه يبني على يقينه، و يسجد سجدتي السهو بعد التسليم و يتشهّد تشهّدا خفيفا» «5».

و جوابه ما مرّ من الشذوذ، و موافقة العامّة، و جواز كون المراد من البناء على اليقين و الجزم البناء على الأكثر، كما قيل، و يأتي «6»، فيحصل الإجمال في الحديث.

المسألة الخامسة: الظاهر عدم الخلاف في بطلان الصلاة بالشك بين الركعة الثانية و غيرها قبل تمام الثانية

، لعموم قوله في صحيحة زرارة: «من شكّ في الأوليين أعاد حتى يحفظ و يكون على يقين» «7».

و في الأخرى: «عشر ركعات- إلى أن قال-: لا يجوز الوهم فيهنّ، و من

______________________________

(1) لم نعثر على هذا الحمل في كتب الشيخ (ره) الموجودة عندنا، بل حمل في التهذيب 2: 188 و الاستبصار 1: 374 على استئناف الصلاة و استحباب سجدتي السهو.

(2) انظر: بداية المجتهد 1: 202.

(3) انظر: المدارك 4: 253، و الذخيرة: 362.

(4) الفقيه 1: 233.

(5) الفقيه 1: 230- 1023، الوسائل 8: 223 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 2.

(6) في ص 145.

(7) الفقيه 1: 128- 605، مستطرفات السرائر: 74- 18، الوسائل 8: 187 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 138

و هم في شي ء منهنّ استقبل الصلاة» «1».

و في رواية العامري: «من شكّ في أصل الفرض في الركعتين الأوليين استقبل صلاته» «2».

و في صحيحة ابن أذينة: «و من أجل ذلك صارت الركعتان كلّما أحدث فيهما حدثا كان على صاحبهما إعادتهما» «3».

و لا ريب أنّ حصول الشك حدث.

و في صحيحة البقباق: «إذا لم تحفظ الركعتين الأوليين فأعد صلاتك» «4».

و لا ريب أنّه لو شكّ في الركعة ما لم يتمّ الثانية يصدق عدم حفظ الأوليين و الشك فيهما، فإنّ المراد به الشك

في إحداهما.

بل- كما قيل- يدلّ عليه أيضا جميع الأخبار المتقدّمة المصرّحة بوجوب إعادة الصلاة إذا لم يدر واحدة صلّى أم ثنتين، إذ معناها أنّه لم يدر هل ما صلّاها و أتمّها الركعة الاولى و ما دخل فيه هو الثانية، أو أنّ ما دخل فيه الثالثة أو غيرها، فإنّ قبل تمام الركعة لا يصحّ أن يقال لها صلّاها. و لذا استدلّ بعض الأجلّة على البطلان في المسألة بأنّه قبل تمام الثانية يكون في الحقيقة شكّا بين الاولى و الثانية.

و قد يستدلّ له أيضا بصحيحة عبيد: عن رجل لم يدر ركعتين صلّى أم ثلاثا، قال: «يعيد»، قلت: أ ليس يقال: لا يعيد الصلاة فقيه؟ فقال: «إنّما ذلك في الثلاث و الأربع» «5».

______________________________

(1) الكافي 3: 273 الصلاة ب 3 ح 7، الوسائل 4: 49 أبواب أعداد الفرائض ب 13 ح 12.

(2) الكافي 3: 487 الصلاة ب 24 ح 2، الوسائل 8: 189 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 9.

(3) الكافي 3: 482 الصلاة ب 24 ح 1، علل الشرائع: 312- 1، الوسائل 5: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.

(4) التهذيب 2: 177- 707، الاستبصار 1: 364- 1384، الوسائل 8: 190 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 13.

(5) التهذيب 2: 193- 760، الاستبصار 1: 375- 1424، الوسائل 8: 215 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 9 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 139

فحمل صدرها على ما قبل تمام الثانية، و ذيلها على ما بعده و الدخول في الثالثة، حتى يكون الشك في أنّه هل دخل في الثالثة أم الرابعة.

و بصحيحة زرارة: رجل لم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثا، فقال: «إن دخله

الشك بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة، ثمَّ يصلّي الأخرى و لا شي ء عليه، و يسلّم» قلت: فإنّه لم يدر في ثنتين هو أم في أربع، قال: «يسلّم و يقوم، فيصلّي ركعتين، ثمَّ يسلّم» «1».

فإنّ معنى قوله: «بعد دخوله» أي بعد أن يعلم ذلك، المجامع مع العلم بعدم الزيادة و مع الشك فيها، و هو لا يتحقق إلّا مع العلم بتمام الثانية، فيدلّ بالعموم على المسألة و يخرج عنها ما خرج بالدليل.

و لا يخفى أنّ تمامية الاستدلال بالصحيحة الأولى تتوقّف على ارتكاب التجوّز في قوله: «صلّى» بحمله على ما قبل تمام الركعة. و هو ليس بأولى من التخصيص بالثنائية و الثلاثية، كما فعله الشيخ طاب ثراه «2».

و تماميته في الثانية تتوقّف على كون الحكم في المفهوم إعادة الصلاة، و هو أمر غير معلوم. إلّا أن يتمّم بالإجماع المركّب، و هو كذلك.

و لا ينافي حكم المسألة بعض العمومات الآمرة بالبناء على الأكثر في بعض صور الشك بين الاثنتين و غيرها، لأنّه ظاهر في إتمام الاثنتين بالتقريب المذكور.

و لا الآمرة به مطلقا، لأعمّيته مطلقا، فيجب التخصيص.

ثمَّ إنّه هل تتمّ الثانية بتمام ركوعه، أو بدخوله في السجدة الثانية مطلقا، أو في إكمال ذكرها و إن لم يرفع رأسه، أو في رفع الرأس منها؟ كما قال بكلّ منها طائفة. و يستدلّ للأخير بأنّ رفع الرأس من السجدة الأخيرة من متممات الركعة و أجزائها، فلا يصدق تمام الركعة بدونه.

______________________________

(1) الكافي 3: 350 الصلاة ب 38 ح 3، التهذيب 2: 192- 759، الاستبصار 1:

375- 1423، الوسائل 8: 214 أبواب الخلل ب 9 ح 1.

(2) الاستبصار 1: 375- ذ ح 1424.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 140

و لا يخفى ما

فيه بعد ما عرفت ما حقّقناه في بيان الركعة في بيان شك صلاة الآيات «1».

و مقتضاه الحكم بالبطلان قبل تمام الركوع، و الشك في جميع ما بينه و بين رفع الرأس من السجدة الأخيرة.

و لا يفيد استصحاب الركعة، إذ الركعة بمعنى الركوع، و ما قبله قد تمَّ يقينا، و مع ما بعده لا يعلم إرادته. و استصحاب بقاء ما أراده الإمام بعد، يعارض استصحاب عدم إرادة الزائد.

و لا أخبار حفظ الأوليين و اعتبار اليقين فيهما، حيث لا حفظ هنا، إذ مراد الإمام عليه السلام الحفظ من جهة الشك بين الركعات، و عدم العلم هنا لأجل الجهل بمعنى الركعة، و هذا غير مراد قطعا.

و على هذا، فكان الحكم في موضع الشك في تمام الركعة الرجوع إلى عمومات البناء على الأكثر لو لا صحيحة زرارة الأخيرة، إلّا أنّ مقتضى مفهومها بضميمة الإجماع المركّب المتقدم البطلان إلّا في صورة رفع الرأس عن السجدة الأخيرة، فهو الأظهر.

المسألة السادسة: لو شكّ بعد إتمام الثانية

و قطعه بإحرازها بينها و بين الثالثة، أو الرابعة، أو الثالثة و الرابعة، أو بين الثالثة و الرابعة، بنى في الجميع على الأكثر، على الأظهر الأشهر بين من تقدّم و تأخّر، بل عليه الإجماع عن صريح الانتصار، و الخلاف، و ظاهر السرائر «2»، و غيره «3»، و عن أمالي الصدوق أنّه جعله من دين الإماميّة الذي يجب الإقرار به «4».

______________________________

(1) راجع ص 131.

(2) الانتصار: 49، الخلاف 1: 445، السرائر 1: 254.

(3) كالتذكرة 1: 139.

(4) الأمالي: 513.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 141

لموثّقة عمّار: «أجمع لك السهو كلّه في كلمتين: متى ما شككت فخذ بالأكثر، و إذ سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك قد نقصت» «1».

و الأخرى: «إلا أعلّمك شيئا إذا فعلته، ثمَّ

ذكرت أنك أتممت أو نقصت، لم يكن عليك شي ء؟» قلت: بلى، قال: «إذا سهوت فابن على الأكثر، فإذا فرغت و سلّمت، فقم، فصلّ ما ظننت أنّك نقصت» «2» الحديث.

و ثالثة: «كلّما دخل عليك الشك في صلاتك، فاعمل على الأكثر» قال:

«فإذا انصرفت، فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت» «3».

مضافا في الاولى، و الثانية إلى صحيح زرارة المتقدّم، فإنّ ظاهر قوله «مضى في الثالثة» أن يحكم بأنّ ما فعله الثالثة «ثمَّ يصلّي الأخرى» أي: الرابعة.

و استعمال الإمضاء فيما مضى أكثر من استعماله فيما بقي، كما يأتي في أحاديث الشك في الأجزاء قبل تجاوز المحل.

و هذه الصحيحة و إن اختصّت في الصورة الأولى بما إذا دخل في أفعال الثالثة أو مقدّماتها أيضا، و لا تشمل ما إذا كان جالسا للتشهد، إلّا أنّه يتمّ المطلوب بالإجماع المركب.

و في الأولى خاصّة إلى ما حكي عن العماني من تواتر الأخبار بها «4». و هو و إن كان مرسلا، إلّا أنّه بالعمل منجبر. إلّا أنّه يخدشه ما يأتي من احتمال إرادته العمومات.

و المروي في قرب الإسناد الآتي «5»، المنجبر أيضا.

و في الثانية خاصة إلى صحيحة محمّد: عن رجل صلّى ركعتين، فلا يدري

______________________________

(1) الفقيه 1: 225- 992، الوسائل 8: 212 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 1.

(2) التهذيب 2: 349- 1448، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 3.

(3) التهذيب 2: 193- 762، الاستبصار 1: 376- 1426، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 4.

(4) حكاه عنه في الذكرى: 226.

(5) في ص 146.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 142

ركعتان هي أو أربع، قال: «يسلم، ثمَّ يقوم، فيصلّي ركعتين بفاتحة الكتاب، و يتشهّد، و

ينصرف، و ليس عليه شي ء» «1».

و صحيحة ابن أبي يعفور: عن الرجل لا يدري ركعتين صلّى أم أربعا، قال: «يتشهّد و يسلّم، ثمَّ يقوم، فيصلّي ركعتين و أربع سجدات، يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب، ثمَّ يتشهّد و يسلّم» إلى أن قال: «و إن تكلّم فليسجد سجدتي السهو» «2».

و في الثالثة كذلك إلى مرسلة ابن أبي عمير: في رجل صلّى و لم يدر ثنتين صلّى أم ثلاثا أم أربعا، قال: «يقوم فيصلّي ركعتين من قيام و يسلّم، ثمَّ يصلّي ركعتين من جلوس و يسلّم، فإن كانت أربع ركعات، كانت الركعتان نافلة، و إلّا تمّت الأربع» «3».

و المراد بالأربع ركعات الزائدة صلاة الاحتياط. لا أن يكون الأوليان تتمة الصلاة، و يكون البناء على الأقلّ، إذ على ذلك لم يكن الأمر بركعتين جالسا صحيحا إجماعا. مع أنّ في قوله: «يقوم» إشارة إلى ذلك، إذ لو لا إرادة الاحتياط لم تكن إليه حاجة، بل كان مخلا، إذ يمكن أن يكون الشك حال القيام. و كذا في قوله: «من قيام» إشارة إليه، إذ لا حاجة إليه في تتمة الصلاة.

و صحيحة البجلي: رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثا أم أربعا، فقال:

«يصلّي ركعة من قيام ثمَّ يسلّم، ثمَّ يصلّي ركعتين و هو جالس» «4».

______________________________

(1) التهذيب 2: 185- 737، الاستبصار 1: 372- 1414، الوسائل 8: 221 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 6.

(2) الكافي 3: 352 الصلاة ب 40 ح 4، التهذيب 2: 186- 739، الاستبصار 1:

372- 1315، الوسائل 8: 219 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 2.

(3) الكافي 3: 353 الصلاة ب 40 ح 6، التهذيب 2: 187- 742، الوسائل 8: 223 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب

13 ح 4.

(4) الفقيه 1: 230- 1021، الوسائل 8: 222 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 1 و في الفقيه و نسخة من الوسائل: «ركعتين من قيام» و ستأتي الإشارة من المصنف- ره- الى هذا الاختلاف في ص 154.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 143

و لا يضرّ عدم صراحتهما في الوجوب، للإجماع، و لأنّهما بيان للموثّقات الآمرة.

و في الثانية و الرابعة إلى صحيحة الحلبي: «إذا لم تدر ثنتين صلّيت أم أربعا، و لم يذهب وهمك إلى شي ء فتشهّد و سلّم، ثمَّ صلّ ركعتين و أربع سجدات، تقرأ فيهما بأمّ القرآن، ثمَّ تشهّد و تسلّم» إلى أن قال: «و إن كنت لا تدري ثلاثا صلّيت أم أربعا، و لم يذهب وهمك إلى شي ء، فسلّم، ثمَّ صلّ ركعتين و أنت جالس، تقرأ فيهما بأمّ الكتاب» «1» الحديث.

و في الرابعة خاصّة إلى موثّقة البقباق: «إذا لم تدر ثلاثا صلّيت أو أربعا، و وقع رأيك على الثلاث، فابن على الثلاث، و إن وقع رأيك على الأربع، فسلّم و انصرف، و إن اعتدل وهمك، فانصرف، و صلّ ركعتين و أنت جالس» «2».

و صحيحة ابن أبي العلاء: «إن استوى وهمه في الثلاث و الأربع، سلّم و صلّى ركعتين و أربع سجدات بفاتحة الكتاب و هو جالس، يقصر في التشهد» «3».

خلافا في الأولى للمحكي عن السيد، فيبني على الأقلّ.

لصحيحة زرارة المتقدّمة بحمل قوله: «مضى في الثالثة» على أن يجعل الركعة التي دخل فيها ثالثة، و هي الأقلّ، حيث إنّه لعلمه بتمام الثانية يشكّ في أنّ ما دخل فيها الثالثة أو الرابعة، فتكون الركعة مترددة بين الثالثة و الرابعة.

و للأخبار الدالّة على البناء على الأقلّ مطلقا، كصحيحة زرارة: من لم

يدر في أربع هو أم في ثنتين و قد أحرز الثنتين؟ قال: «يركع ركعتين و أربع سجدات و هو

______________________________

(1) الكافي 3: 353 الصلاة ب 40 ح 8، الفقيه 1: 229- 1015، الوسائل 8: 219 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 1.

(2) الكافي 3: 353 الصلاة ب 40 ح 7، التهذيب 2: 184- 733، الوسائل 8: 211 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 7 ح 1.

(3) الكافي 3: 351 الصلاة ب 40 ح 2، التهذيب 2: 185- 736، الوسائل 8: 218 أبواب الخلل ب 10 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 144

قائم بفاتحة الكتاب، و يتشهّد، و لا شي ء عليه، و إذا لم يدر في ثلاث هو أو أربع و قد أحرز الثلاث، قام فأضاف إليها أخرى، و لا شي ء عليه، و لا ينقض اليقين بالشك» «1» الحديث.

فإنّ قوله في آخر الحديث: «و لا ينقض اليقين» عامّ لهذه الصورة أيضا، و هو دليل على أنّ المراد بالركعتين و الركعة المضافة هي تتمة الصلاة دون صلاة الاحتياط.

و رواية ابن اليسع: عن رجل لا يدري ثلاثا صلّى أم ثنتين، قال: «يبني على النقصان، و يبني على الجزم، و يتشهّد بعد انصرافه تشهّدا خفيفا كذلك في أوّل الصلاة و آخرها» «2».

و رواية ابن عمّار: «إذا شككت فابن على اليقين» قلت: هذا أصل؟ قال:

«نعم» «3».

و روايتي البجلي و علي: في السهو في الصلاة، فقال: «تبني على اليقين، و تأخذ بالجزم، و تحتاط بالصلوات كلّها» «4».

و الجواب عن الأوّل: أنّها في البناء على الأكثر أظهر و عليه أدلّ، بالتقرير الذي مرّ، بحمل الثالثة على ما مرّ، و الركعة الأخرى على الركعة التي فيها دخل.

و لو لا الأظهرية،

فلا أقلّ من تساوي الاحتمالين الموجب لسقوط الاستدلال.

و قد تحمل الثالثة على هذه الركعة و يحمل المضي فيها على إتمام الصلاة بها، و تحمل الركعة الأخرى على ركعة الاحتياط، فتكون الرواية دالّة على البناء على الأكثر.

______________________________

(1) الكافي 3: 351 الصلاة ب 40 ح 3، التهذيب 2: 186- 740، الاستبصار 1:

373- 1416، و أورد صدره في الوسائل 8: 220 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 3، و ذيله في ص: 216 ب 10 ح 3.

(2) الفقيه 1: 230- 1023، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل ب 8 ح 6.

(3) الفقيه 1: 231- 1025، الوسائل 8: 212 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 2.

(4) التهذيب 2: 344- 1427، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 145

و فيه بعد ظاهر.

و عن البواقي: بمعارضتها مع ما مرّ، و ترجيحه بوجوه عديدة كالأشهرية رواية و فتوى، و الأصرحية دلالة، و الأبعدية عن طريقة العامّة التي هي من المرجّحات المنصوصة، فإنّهم يبنون على الأقلّ، كما يظهر من الانتصار و المعتبر و روض الجنان و البحار و الوسائل «1»، بل من كتب أنفسهم كصحيح مسلم و شرح السنة و غيرهما «2».

مضافا إلى أنّ الظاهر أنّ المراد بالركعتين و الركعة في صحيحة زرارة صلاة الاحتياط بقرينة قوله: «و هو قائم» فإنّه لو كان المراد تتمة الصلاة لم يحتج إلى هذا القيد، و كذا قوله: «بفاتحة الكتاب».

و أمّا التعليل بقوله: «و لا ينقض اليقين» فلا يدلّ على ما راموه، لجواز أن يكون المراد اليقين بالصحة، و يكون المعنى: و لا ينقض اليقين بصحة الصلاة بواسطة الشك. أو المراد اليقين بعدم

فعل الطرف الزائد، و يكون التعليل لإضافة صلاة الاحتياط، فإنّه لو كان ينقض اليقين بالشكّ في الزائد، لكان يبني عليه من غير تدارك. و أمّا مع التدارك فهو عين عدم الالتفات إلى الشك.

و منه يظهر جواب آخر عن البواقي و هو: أنّ المراد بالبناء على اليقين يمكن أن يكون البناء على الصحة، فلا ينافي ما مرّ. و أن يكون البناء على الأكثر و صلاة الاحتياط، فإنّه لو كان بانيا على الشكّ لبني على الأكثر من غير احتياط، و أمّا مع الاحتياط فليس بناء عليه، بل بناء على اليقين قطعا، كما صرّح به في الأخبار تعليلا لصلاة الاحتياط من أنّه لو كانت الصلاة ناقصة لأتمّت «3»، فليس ذلك إلّا عدم الالتفات بالشك و الأخذ باليقين.

______________________________

(1) الانتصار: 49، المعتبر 2: 391، و لم نعثر عليه في روض الجنان، البحار 85: 183، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل ب 8 ذيل الحديث 6.

(2) انظر: صحيح مسلم 1: 400، و سنن البيهقي 2: 339، و سنن الترمذي 1: 247، و عمدة القارئ 7: 313، و بدائع الصنائع 1: 165.

(3) انظر: الوسائل 8: 212 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 146

فالأخذ بالنقصان و اليقين كما يمكن أن يكون بالبناء على الأقلّ، يمكن أن يكون بالبناء على الأكثر و صلاة الاحتياط، فإنّه أيضا بناء على النقصان و الجزم و اليقين، و إلّا لم يحتط بالصلاة.

بل الظاهر من الأخبار إرادة هذا المعنى، كما يدلّ عليه قوله في آخر رواية البجلي و علي: «و تحتاط بالصلوات كلّها».

و المروي في قرب الإسناد: رجل صلّى ركعتين و شكّ في الثالثة، قال: «يبني على اليقين، فإذا فرغ تشهّد، و قام

قائما يصلّي ركعة بفاتحة الكتاب» «1».

و المراد بالبناء على اليقين هنا الأكثر قطعا، لمكان أمره بصلاة الاحتياط. و لا يمكن حملها على بقية الصلاة، و الحمل على الأقلّ، لأنّ الباقي حينئذ ركعتان، و ليس فيهما فاتحة الكتاب، و لم يكن معنى لقوله: «فإذا فرغ تشهد».

و صحيحة زرارة المتقدّمة «2» بالتقريب الذي ذكرناه «3».

بل لنا أن نقول: ينحصر البناء على اليقين بالبناء على الأكثر، لأنّ المراد اليقين بعدم وقوع خلل في الصلاة، فلو بنى على الأقلّ احتملت الزيادة المبطلة إجماعا بلا تدارك، بخلاف ما لو بنى على الأكثر مع صلاة الاحتياط.

و إلى ذلك أشار السيد في الانتصار، قال في توجيه المذهب المشهور بعد دعوى الإجماع عليه: و لأنّ الاحتياط أيضا فيه، لأنه إذا بنى على النقصان لم يأمن أن يكون قد صلّى على الحقيقة الأزيد، فيكون ما أتى به زيادة في صلاته- ثمَّ قال-:

فإذا قيل: إذا بنى على الأكثر كان كما تقولون لا يأمن أن يكون إنّما فعل الأقلّ، فلا ينفع ما فعله من الجبران، لأنّه منفصل من الصلاة، و بعد التسليم. قلنا: ما ذهبنا إليه أحوط على كلّ حال، لأنّ الإشفاق من الزيادة في الصلاة لا يجري مجرى الإشفاق من تقديم السلام في غير موضعه «4».

______________________________

(1) قرب الإسناد: 30- 99، الوسائل 8: 215 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 9 ح 2.

(2) في ص 139.

(3) في ص 141.

(4) الانتصار: 49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 147

و قريب منه كلام المعتبر و المنتهى «1»، و كلامهما كالصريح في أنّ البناء على اليقين إنّما يحصل بالبناء على الأكثر، لا الأقلّ.

و من هنا يظهر فساد نسبة القول بالبناء على الأقلّ إلى السيد في الناصريّات، لأنّ ما أوجب

هذه النسبة إليه قوله فيها- في ذيل قول جدّه الناصر: و من شكّ في الأوليين استأنف، و من شكّ في الأخيرتين بنى على اليقين-: هذا مذهبنا، و هو الصحيح عندنا، و باقي الفقهاء مخالفون في ذلك «2». انتهى.

و في قوله هذا أيضا دلالة على ما ذكرنا، لأنّ مذهب المخالفين البناء على الأقلّ و سجدة السهو، و كتبهم بذلك مشحونة، و دلائلهم عليه مشهورة.

قال البغوي في شرح السنة بعد ذكر رواية مصرّحة بالبناء على الأقلّ مطلقا في الشك في الركعات عن صحيح مسلم: هذا الحديث يشتمل على أحكام، أحدها: أنّه إذا شك في صلاته فلم يدر الركعة يأخذ بالأقلّ. و الثاني: أنّ محل سجدتي السهو قبل التسليم. أمّا الأوّل فأكثر العلماء على أنّه يبني على الأقلّ، إلى آخره «3».

هذا مع احتمال البناء على اليقين و النقص معنى آخر، ذكره الحلّي في توجيه كلام السيد، زعما منه كون البناء في كلامه البناء على الأقلّ، و هو: البناء عليه بعد التسليم و الخروج عن الصلاة، قال: فقبل سلامه يبني على الأكثر، لأجل التسليم، و بعده يبني على الأقلّ، كأنّه ما صلّى إلّا ما تيقنه، و ما شك فيه يأتي به، ليقطع على براءة ذمته «4».

و بالجملة فهذه الأخبار موافقة لما مرّ، و لو قطع النظر عنها فمعارضتها له غير معلومة، و لو سلّم التعارض فالمكافأة مفقودة.

______________________________

(1) المعتبر 2: 391، المنتهى 1: 415.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 201.

(3) حكاه المجلسي (ره) في البحار 85: 183.

(4) السرائر 1: 255.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 148

و عن الصدوق [1] في الفقيه و والده في الرسالة، فقالا بالتخيير في هذه الصورة «1». و استوجهه في الذخيرة «2».

جمعا بين الفريقين من الأخبار.

و للرضوي

المصرّح بالخيار مع اعتدال الوهم في هذه الصورة «3».

و يردّ الأوّل: بعدم التعارض أوّلا، كما مرّ، و عدم التكافؤ ثانيا.

و قد يردّ أيضا: بأنّه جمع بلا شاهد.

و يخدشه أنّ قول الإمام بالتخيير عند التعارض و عدم الترجيح أقوى الشواهد.

هذا مع أنّ في نسبته إلى الصدوق نظرا ظاهرا، كيف؟! و هو قد صرّح في الأمالي بأنّ البناء على الأكثر من دين الإمامية «4».

و قال أيضا في الفقيه: و من شكّ في الثانية و الثالثة و الرابعة بنى على الأكثر، و إذا سلّم أتمّ ما ظنّ أنّه قد نقص «5».

و هذا صريح في موافقة المشهور.

و كأنّ منشأ الاشتباه في النسبة إليه هنا و فيما تقدّم من الشكّ في الأوليين و الثنائيّة و الثلاثيّة كلام له في الفقيه، بعد تصريحه أوّلا بوجوب الإعادة في الصور الثلاث المذكورة، و البناء على الأكثر في ما مرّ، ثمَّ ذكره صورا كثيرة من الشك و بيان حكمها، ثمَّ ذكره أخبارا أخر، حيث قال: و ليست هذه الأخبار مختلفة، و صاحب هذا السهو بالخيار بأيّ خبر منها أخذ «6».

فأرجع كثير من المتأخّرين الإشارة إلى جميع ما تقدّم من المسائل المتفرّقة،

______________________________

[1] أي: و خلافا للمحكي عن الصدوق ..، في الصورة الأولى، و هو الشك بين الثانية و الثالثة.

______________________________

(1) الفقيه 1: 231.

(2) الذخيرة: 376.

(3) فقه الرضا (عليه السلام): 118، مستدرك الوسائل 6: 408 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 9 ح 2.

(4) الأمالي: 513.

(5) الفقيه 1: 225.

(6) الفقيه 1: 231.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 149

مع أنّه غير معلوم، فهذه النسبة أيضا كالأوّل مقدوحة.

و عن المقنع، فحكم بوجوب الإعادة في هذه الصورة «1»، لموثّقة عبيد المتقدّمة «2».

و فيه- مضافا إلى منع دلالتها على الوجوب،

و شذوذها المخرج لها عن الحجية لو دلت عليه-: أنّها أعمّ مطلقا من المروي في قرب الإسناد المجبور ضعفه بالشهرة العظيمة، بل الإجماع في الحقيقة، إذ لم ينقل القول بالبطلان إلّا منه، و في كونه قولا منه أيضا نظر، فإنّه ذكره بعنوان الرواية، و مثله على الفتوى غير دالّ.

و للمحكي عن الصدوق في الثانية، فحكي عنه التخيير أيضا «3»، و احتمله في المدارك قويا «4».

جمعا بين ما مرّ، و بين صحيحة زرارة المتقدّمة «5» دليلا لقول السيد.

و موثّقة أبي بصير: «إذا لم تدر أربعا صلّيت أم ركعتين، فقم و اركع ركعتين ثمَّ سلّم، و اسجد سجدتين و أنت جالس، ثمَّ سلّم بعدهما» «6».

و يردّ الأول: بما مرّ من ظهورها في البناء على الأكثر، كما مرّ.

و الثانية: باحتمالها له أيضا، فيكون المراد بالركعتين صلاة الاحتياط. و أمّا الأمر بالسجدتين فلعلّه لاستحبابهما، كما قيل «7»، أو محمول على من تكلّم ناسيا، كما صرّح به في صحيحة ابن أبي يعفور المبيّنة لحكم صورة الشك بين الاثنتين و الأربع، فقال بعد الأمر بالبناء على الأكثر و صلاة الاحتياط: «و إن تكلّم فليسجد

______________________________

(1) المقنع: 31.

(2) في ص 138.

(3) حكاه عنه في الرياض 1: 218.

(4) المدارك 4: 260.

(5) راجع ص 143.

(6) التهذيب 2: 185- 738، الوسائل 8: 221 أبواب الخلل ب 11 ح 8.

(7) الرياض 1: 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 150

سجدتي السهو» «1».

و لو سلّم فيعارض ما مرّ ممّا هو أكثر منهما، و أوفق بالعمل، و مع ذلك توافقان العامّة كما مرّ. مع أنّ في نسبته إلى الصدوق ما مرّ.

و لا تبعد نسبة البناء على الأقلّ هنا إلى السيد أيضا عند من ينسب إليه الخلاف في الأولى، لأنّ

كلامه يشملهما، بل الصورتين الأخيرتين أيضا.

و عن المقنع، فحكم بالإعادة «2»، و احتملها الفاضل في نهاية الإحكام، و الشهيد في الذكرى أيضا «3»، و ظاهرهما استحبابها، حيث عبّرا عن البناء على الأكثر بالرخصة، و هو ظاهر المدارك أيضا «4».

لصحيحة محمّد: عن الرجل لا يدري صلّى ركعتين أم أربعا، قال: «يعيد الصلاة» «5».

و الجواب عنها: بشمولها لغير الرباعية أيضا، و اختصاص ما مرّ من معارضاتها بالرباعية بقرينة الأمر بصلاة الاحتياط، فيجب تخصيصها به.

و في الثالثة للمحكي عن الصدوق أيضا «6»، و إن كان فيه ما مرّ، و الإسكافي «7»، و استوجهه في الذخيرة «8»، فخيّرا بين ما مرّ و بين البناء على الأقلّ، لصحيحة زرارة المتقدّمة بجوابها «9».

و في الرابعة للمنقول عن الإسكافي، فجوّز البناء على الأقلّ ما لم يخرج

______________________________

(1) راجع ص 142.

(2) المقنع: 31.

(3) نقل عن النهاية و الذكرى في البحار 85: 182، و لكن لم نجده فيهما.

(4) المدارك 4: 260.

(5) التهذيب 2: 186- 741، الاستبصار 1: 373- 1417، الوسائل 8: 221 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 7.

(6) حكاه عنه في المدارك 4: 258.

(7) حكاه عنه في المدارك 4: 258.

(8) الذخيرة: 377.

(9) راجع ص 139.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 151

الوقت «1»، لبعض ما مرّ. و جوابه ظاهر.

المسألة السابعة: تجب في الصور الأربع المذكورة بعد البناء على الأكثر صلاة الاحتياط،

إجماعا من كلّ من يقول بالبناء عليه.

ففي الأولى [1] يحتاط بركعتين من جلوس، أو بركعة من قيام، مخيّرا بينهما على الأشهر، كما صرّح به جماعة «2»، بل عن الانتصار و الخلاف الإجماع عليه «3»، له، و لما عن العماني من تواتر الأخبار به «4»، و عن الحلّي من ورود الخبر بكلّ من الأمرين «5»، و هما بمنزلة مرسلتين منجبرتين بما مرّ، و لورود

النصّ بهما في الصورة الرابعة، و عدم القول بالفرق بينهما، كما يظهر من الذكرى و روض الجنان «6».

خلافا للمحكي عن العماني و الجعفي فقالا بالأوّل «7»، و لم يذكرا التخيير، لظاهر الصحاح الآمرة به في الرابعة، بضميمة عدم الفرق بينها و بين هذه الصور.

و ردّ بورود الخيار فيها أيضا، كما يأتي.

و عن عليّ بن بابويه و عن المفيد و القاضي و ظاهر الديلمي: تحتم القيام «8»، و اختاره في الحدائق، و إليه يميل كلام الذخيرة «9».

______________________________

[1] و هو الشكّ بين الثانية و الثالثة.

______________________________

(1) حكاه عنه في الذكرى: 226.

(2) منهم: الشهيد في الذكرى: 226، و صاحب الرياض 1: 218.

(3) الانتصار: 49، الخلاف 1: 445.

(4) حكاه عنه في الذكرى: 226.

(5) السرائر 1: 254.

(6) الذكرى: 226، الروض: 351.

(7) حكاه عن العماني في المختلف: 133، و عن الجعفي في الذكرى: 227.

(8) حكاه عن ابن بابويه في المختلف: 133، و عن المفيد و القاضي في الرياض 1: 218، الديلمي في المراسم: 89.

(9) الحدائق 9: 226، الذخيرة: 377.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 152

لقوله عليه السلام في المستفيضة المتقدّمة: «فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت» «1» فإنّ ظاهرها بل صريحها الموافقة لما نقص.

و المروي في قرب الإسناد المتقدّم «2».

و ردّ: بضعف الأخير. و عدم صراحة الأول، لأنّ إتمام ما نقص كما يمكن بالموافق يمكن ببدله أيضا، بل ثبوت الخيار في الرابعة- مع شمول هذه الأخبار لها أيضا- يعيّن أنّ المراد بإتمامه أعمّ من الإتيان بموافقة، أو ما يقوم مقامه.

أقول: هذا كان حسنا لو لا الأمر بالقيام في إحدى الموثّقات، و لكن قال في بعضها: «فإذا فرغت و سلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت» «3» و مع ذلك لا يرد هذا.

فدلالة

الموثقة على مطلوبهم صريحة.

و لا يعارضها ما سبق من الإجماع المنقول، لعدم حجّيته.

و لا دعوى العماني و لا الحلّي، إذ لا يعلم بعد ما ادّعياه حتّى يظهر دلالته أو عدمها، و الاكتفاء بفهمهما غير جائز.

نعم لو ثبت الإجماع المركّب الذي تقدّم، تعارض به الموثقة، بل يقدّم عليها، إلّا أنّ ثبوته مشكل.

و قد يستدلّ على المشهور بصحيحة ابن أبي العلاء المتقدّمة «4»، حيث إنّه يصدق حينئذ أنّه يستوي وهمه في الثلاث و الأربع، فتجوز له الركعتان جالسا بها، كما تجوز الركعة قائما بما مرّ. بل بخبر جميل الآتي «5»، المصرّح بالخيار.

و لو شكّ في الصدق بعد الفراغ عن السجدتين قبل القيام، فلا شكّ في الصدق بعده، و يتمّ المطلوب بالإجماع المركب.

______________________________

(1) انظر: الوسائل 8: 212 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8.

(2) في ص 146.

(3) التهذيب 2: 349- 1448، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل ب 8 ح 3.

(4) في ص 143.

(5) في ص 157.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 153

و يرد عليهما: أنّ معنى اعتدل وهمه في الثلاث و الأربع إمّا في فعل الثلاث و الأربع و مضيّهما، أو في التلبس بهما.

و الظاهر من الخبر: الأوّل، بقرينة السؤال و رجوع الضمائر في الجواب إلى المسؤول عنه. بل هو مراد قطعا- للسؤال- و إرادة المعنى الأخير غير معلومة.

و أمّا الصحيحة فهي مجملة من هذه الجهة فلا تصلح للتخصيص.

إلّا أن يقال: العامّ المخصّص بالمجمل ليس بحجة، فتخرج الموثّقة أيضا عن الحجية، فلا يجب القيام أيضا، و يكون المكلّف مخيّرا.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ الركعة من قيام مجزية قطعا، فتجب لأصل الاشتغال. فإن منعت قطعية إجزائها، ثبت بواسطة رواية قرب الإسناد «1»، المنجبر ضعفها باشتهار إجزائها.

لا يقال:

ليس المورد محلّ جريان أصل الاشتغال، بل يجري أصل البراءة عن القيام، لثبوت القدر المشترك بينهما بالإجماع.

لمنع ثبوت القدر المشترك من جهة القول بالتخيير، فإنّه ثبت الزائد عن مهيّة الصلاة، من التخيير أو أحد الفردين، فيجب العمل بأصل الاشتغال، حتّى تعلم البراءة، و هي لا تعلم إلّا بالقيام، فوجوبه الأظهر، سيّما مع أنّ الموثّقة تثبت المطلوب في صورة الجلوس قبل القيام بلا معارض، فيضمّ معه الإجماع المركب.

و لعلّه لبعض ما ذكر، و للأوفقيّة للفائت جعل الفاضلان- طاب ثراهما- الركعة من قيام هنا و في الرابعة [1] أولى من الركعتين جالسا «2».

و في الثانية [2] بركعتين من قيام حتما إجماعا، كما عن الانتصار و الخلاف «3»، لما مرّ من الموثّقات، و خصوص الصحاح المتقدّمة الواردة في المورد.

______________________________

[1] أي: الصورة الرابعة، و هو الشكّ بين الثالثة و الرابعة.

[2] و هو الشكّ بين الثانية و الرابعة.

______________________________

(1) المتقدمة في ص 146.

(2) المحقق في المعتبر 2: 393، الفاضل في التذكرة 1: 140.

(3) لم نجده في الانتصار، الخلاف 1: 445.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 154

و في الثالثة [1] بركعتين من قيام، و ركعتين من جلوس، على الأظهر الأشهر، كما صرّح به جماعة ممن تأخّر «1»، لمرسلة ابن أبي عمير المتقدّمة «2».

و عن الصدوقين و الإسكافي: الاحتياط بركعة من قيام و ركعتين من جلوس «3»، و استقربه في الروضة [2].

لصحيحة البجلي عن أبي إبراهيم عليه السلام: قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثا أم أربعا، فقال: «يصلّي ركعة من قيام، ثمَّ يصلّي ركعتين و هو جالس» «4».

و الرضوي: «و إن شككت فلم تدر اثنتين صلّيت أم ثلاثا أم أربعا، فصلّ ركعة من قيام

و ركعتين من جلوس» «5».

و قوّاه في الذكرى من حيث الاعتبار أيضا، لأنّهما تنضمّان حيث تكون الصلاة اثنتين، و يجزئ بإحداهما حيث تكون ثلاثا «6».

و يردّ الصحيحة، مع ما في سندها من عدم معهودية رواية الكاظم عليه السلام عن الصادق عليه السلام بهذا النحو، و من الاقتصار في بعض النسخ على أبي إبراهيم، و ما في مضمونها من المخالفة للشهرة العظيمة، أنّها غير صالحة للاستناد، للاختلاف في متنها، ففي بعض النسخ- كما في المنتقى «7» و غيره- و في أكثر النسخ- كما صرّح به بعض الأجلّة «8»-: «يصلّي ركعتين من قيام» بدل

______________________________

[1] و هو الشكّ بين الثانية و الثالثة و الرابعة.

[1] قال في الروضة 1: 330: .. و هو قريب من حيث الاعتبار .. إلّا أنّ الأخبار تدفعه.

______________________________

(1) منهم: السبزواري في كفاية الأحكام: 26، و صاحب الرياض 1: 219.

(2) في ص 142.

(3) حكاه عنهم في المختلف: 133.

(4) الفقيه 1: 230- 1021، الوسائل 8: 222 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 1.

(5) فقه الرضا (عليه السلام): 118، مستدرك الوسائل 6: 411 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 12 ح 1.

(6) الذكرى: 226.

(7) منتقى الجمان 2: 311.

(8) الرياض 1: 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 155

«ركعة».

و الرضوي: بالضعف.

و الاعتبار: بعدم الاعتبار، مع أنّه ينازع في قوّته، من حيث إنّه يستلزم تلفيق البدل الواحد من الفعل قائما و قاعدا على تقدير كون الواحد ركعتين، و يستلزم زيادة بعض الأفعال كالنية و التكبير في البدل، و تغيير صورته على التقدير المذكور.

ثمَّ في تبديل الركعتين جالسا بركعة قائما حتما، كما عن العزّية و الديلمي «1».

أو تخييرا، كما عن الفاضل و الشهيدين «2»، و اختاره بعض مشايخنا الأخباريين

«3».

أو عدم جوازه، كما عن الأكثر، و نسبه في الذكرى إلى الأصحاب «4».

أقوال، أحوطها الأخير، بل هو أقواها.

للرضوي المنجبر بالشهرة في المقام، بل لأصل الاشتغال أيضا، حيث إنّ جواز الجلوس يقيني بما مرّ.

للأوّل: ظواهر الأوامر العامّة المصرّحة بإتمام ما ظننت قائما.

و للثاني: فحوى مرسلة ابن أبي عمير، لأنّها إنّما تصلّى لتكون بدلا عن المحتمل فواته، و الركعة قائما أقرب إليه.

و يضعّف الأوّل: بتحقّق القيام المأمور به هنا، لمكان الركعتين قائما، و لم يثبت وجوب القيام في كلّ ما يفعل. مع أنّ المرسلة أخصّ منها، فتخصّصها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 7    156     المسألة السابعة: تجب في الصور الأربع المذكورة بعد البناء على الأكثر صلاة الاحتياط، ..... ص : 151

الثاني: بمنع الأولوية، لأنّها إنما هي على فرض معلوميّة العلّة، و هي ممنوعة.

و هل يجب تقديم الركعتين من قيام؟ كما عن المفيد في المقنعة و السيّد في أحد

______________________________

(1) حكاه عن العزية في المختلف: 134، الديلمي في المراسم: 89.

(2) الفاضل في التذكرة 1: 140، الشهيد في الذكرى: 226، الشهيد الثاني في الروضة 1: 330.

(3) انظر: الحدائق 9: 243.

(4) الذكرى: 226.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 156

قوليه، و الحلّي و الروضة و البيان و الألفيّة «1»، و جمع من متأخري المتأخرين «2»، و حكي عن الروضة نسبته إلى المشهور «3»، و هو غير ظاهر، لإمكان رجوعه إلى الأربع ركعات لا إلى الترتيب، كما تؤكّده نسبته التخيير في الذكرى و المسالك إلى الأكثر «4».

أو الركعتين من جلوس؟ كما يحكى عن بعضهم.

أو يتخيّر في تقديم أيّهما شاء؟ كما هو المشهور.

للأوّل: مكان لفظة «ثمَّ» الدالّة على الترتيب في النصّ.

و في إثبات الوجوب به هنا نظر.

و دليل الثاني غير معلوم.

و

للثالث: الأصل. و هو الأظهر.

و في الرابعة [1] بركعتين من جلوس، أو ركعة من قيام، مخيّرا بينهما على الأقوى الأشهر.

للأمر بالأوّل في صحيحتي الحلبي و ابن أبي العلاء، و موثقة البقباق المتقدّمة جميعا «5».

و بالثانية في عموم الموثّقات السابقة «6»، و خصوص قوله: «قام فأضاف إليها ركعة أخرى» في صحيحة زرارة المتقدّمة «7» بالتقريب المذكور.

______________________________

[1] أي: الصورة الرابعة، و هو الشكّ بين الثالثة و الرابعة.

______________________________

(1) المقنعة: 147، حكاه عن السيّد في المختلف: 134، الحلي في السرائر. 254، الروضة 1: 330، البيان: 254، و قال في الألفية: 73: و الاحتياط بركعتين جالسا و بركعتين قائما.

(2) كصاحب المدارك 4: 261، و السبزواري في الذخيرة: 378، و صاحب الرياض 1: 219.

(3) الروضة 1: 330.

(4) الذكرى: 226، المسالك 1: 402.

(5) في ص 143.

(6) راجع ص 141.

(7) في ص 143.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 157

فيجمع بينهما بالتخيير، بشهادة خبر جميل المنجبر ضعفه- لو كان- بالشهرة العظيمة و الإجماع المنقول، و فيها: «و إذا اعتدل وهمه في الثلاث و الأربع فهو بالخيار إن شاء صلّى ركعة و هو قائم، و إن شاء صلّى ركعتين و أربع سجدات و هو جالس» «1».

بل هو بنفسه قرينة على إرادة الوجوب التخييري.

المسألة الثامنة: لو شكّ بين الأربع و الخمس، فإن كان بعد الفراغ من السجدتين يبني على الأقلّ

وفاقا، و يسجد سجدتي السهو على الأظهر الأشهر، و عن العماني نسبته إلى آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله «2».

للمستفيضة من الصحاح و غيرها، كصحيحة ابن سنان: «إذا كنت لا تدري أربعا صلّيت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك، ثمَّ سلّم بعدها» «3».

و أبي بصير، و هي أيضا قريبة منها «4».

و الحلبي: «إذا لم تدر أربعا صلّيت أم خمسا، أم نقصت أم زدت، فتشهّد و سلّم، و اسجد سجدتين

بغير ركوع و لا قراءة تتشهّد فيهما تشهّدا خفيفا» «5».

و صحيحة زرارة: «إذا شكّ أحدكم في الصلاة فلم يدر زاد أم نقص

______________________________

(1) الكافي 3: 353 الصلاة ب 40 ح 9، التهذيب 2: 184- 734، الوسائل 8: 216 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 2.

(2) حكاه عنه في المختلف: 140.

(3) الكافي 3: 355 الصلاة ب 41 ح 3، التهذيب 2: 195- 767، الوسائل 8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 1.

(4) الكافي 3: 355 الصلاة ب 41 ح 6، الوسائل 8: 224 أبواب الخلل ب 14 ح 3.

(5) الفقيه 1: 230- 1019، التهذيب 2: 196- 772، الاستبصار 1: 380- 1441، الوسائل 8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 158

فليسجد سجدتين و هو جالس» «1».

و الفضيل: «من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو، و إنّما السهو على من لم يدر أ زاد في صلاته أم نقص منها» «2».

و يدلّ عليه أيضا جميع الأخبار المتقدّمة الدالّة على البناء على اليقين و النقصان و الجزم، إذ لا معنى للبناء عليها و صحّة الصلاة بعد احتمال الزيادة إلّا ذلك. و لا تعارضها أخبار البناء على الأكثر، لاختصاصها بعدم احتمال الزيادة من جهة اشتمالها على الأمر بإتمام ما نقص.

خلافا للمحكي عن المفيد و الخلاف و الديلمي و الحلبي، فلم يذكروا سجدتي السهو «3». بل عن ظاهر الأوّلين: نفيهما. و لم أجد مستنده.

و عن المقنع، فحكم مع البناء على الأقلّ بصلاة الاحتياط ركعتين جالسا، بدلا عن سجدة السهو «4».

و تدلّ عليه رواية الشحّام: «إن استيقن أنّه صلّى خمسا أو ستّا فليعد، و إن كان لا يدري

أ زاد أم نقص فليكبّر و هو جالس، ثمَّ ليركع ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته، ثمَّ يتشهّد» «5».

و الرضوي: «و إن لم تدر أربعا صلّيت أم خمسا، أو زدت أو نقصت، فتشهّد و سلّم و صلّ ركعتين و أربع سجدات و أنت جالس بعد تسليمك» قال: و في حديث آخر: «يسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة» «6».

و يجاب عنهما بالشذوذ الموجب لرفع اليد عنهما.

______________________________

(1) الكافي 3: 354 الصلاة ب 41 ح 1، الوسائل 8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 2.

(2) الفقيه 1: 230- 1018، الوسائل 8: 225 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 6.

(3) المفيد في المقنعة: 148، الخلاف 1: 451، الديلمي في المراسم: 90، الحلبي في الكافي: 148.

(4) المقنع: 31.

(5) التهذيب 2: 352- 1461، الوسائل 8: 225 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 5.

(6) فقه الرضا (عليه السلام): 120، مستدرك الوسائل 6: 412 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 159

مضافا إلى ما في الثاني من الضعف الشديد، و في الأوّل من قصور الدلالة باعتبار أعميّته من المسألة و أخبارها.

و إن كان قبله، فإن كان قبل الركوع أيضا، فيجلس حتى ينقلب شكّه إلى ما بين الثلاث و الأربع، فيبني على الأربع و يسلّم و يحتاط، كما في الشكّ بين الثلاث و الأربع، بلا خلاف، كما صرّح به جماعة «1»، لأنّه ما لم يركع شاكّ في أنّ ما صلّى ثلاث حتى يكون ما قام إليه الرابعة، أم أربع حتى يكون ما قام إليه الخامسة، فيشمله جميع الأخبار الواردة في حكم من لم يدر أنّه صلّى

ثلاثا أم أربعا.

بل يكون الشكّ حقيقة في أوّل الأمر بين الثلاث و الأربع، إذ الشكّ إنّما هو فيما فعل لا ما لم يفعل، و أمّا ما شرع فيه فلا تصدق عليه الركعة بعد.

و إن كان بعد دخول الركوع و قبل إتمام السجدتين بأقسامه فالمشهور أيضا- كما قيل «2»- أنّه أيضا كما بعد السجدتين، فيبني على الأربع و يسجد سجدتي السهو، و هو الحقّ.

أمّا البناء على الأربع فلأصالة عدم الزائد الخالية عن المعارض بالمرّة، إذ ليس إلّا أخبار البناء على الأكثر، و هي- لاشتمالها على الأمر بإتمام ما نقص- لا تشمل هذه الصورة قطعا. و أصالة عدم البطلان المترتّب عليها ذلك، الخالية عن المعارض، إذ ليس إلّا ما يأتي بجوابه. و لأخبار البناء على اليقين و النقصان، فإنّها بأيّ معنى فسّرت تدلّ على ما ذكرنا من الحكم في المسألة.

و أمّا وجوب سجدتي السهو فلصحيحتي زرارة و الفضيل المتقدّمتين.

خلافا للمحكي عن الفاضل «3»، و تبعه بعض من لحقه «4»، فقال ببطلان الصلاة به، لما ذكره نفسه، و هو: التردّد بين محذورين: الإكمال المعرض للزيادة،

______________________________

(1) منهم صاحب الحدائق 9: 247، و حكاه أيضا عن الشيخ عبد اللّه البحراني.

(2) في الحدائق 9: 248.

(3) في التحرير 1: 50، و القواعد 1: 43، و التذكرة 1: 140.

(4) نسبه في مفتاح الكرامة 3: 363 إلى الموجز الحاوي لابن فهد الحلّي، و كشف الالتباس للصيمري.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 160

و الهدم المعرض للنقيصة، بل للزيادة أيضا، حيث إنّ بدخول الركوع يزيد الركن.

و ما ذكره في الروضة «1»، و هو: خروجه عن النصوص، فإنّه لم يكمل الركعة حتى يصدق عليه أنّه شكّ.

و يرد على الأوّل: أنّه إن أراد من المحذورين تيقّن الزيادة

و النقيصة فهو ممنوع، كيف؟! و ليس في الإكمال إلّا احتمال الزيادة. و إن أراد احتمالها فكونه مبطلا ممنوع، و لا دليل عليه، بل في الموثّقة: «إذا استيقن أنّه زاد فعليه الإعادة» «2» و مفهومها أنّه لا يعاد مع عدم التيقّن.

و بتقرير آخر: إن كان نظره إلى أنّه يشترط في صحّة الصلاة أن يفعل على وجه لا يحتمل البطلان فهو ظاهر البطلان، إذ لا يتحقّق في شي ء من صور الشك. و إن أراد أنّه يشترط فيه أن يفعل على وجه يحتمل الصحّة فالإكمال هنا كذلك.

و على الثاني: أنّه إن أراد خروجه عن نصوص الشكّ بين الأربع و الخمس، كما هو ظاهر كلامه، فهو كذلك، و لكن لا يفيد، إذ لا يقتضي ذلك البطلان بوجه. و إن أراد خروجه من مطلقها عامّها و خاصّها فهو ممنوع، كما عرفت، مع أنّ اقتضاءه البطلان أيضا ممنوع.

و ممّا يمكن أن يستدلّ له أيضا أخبار الشكّ بين الثلاث و الأربع، فإنّ المسألة من أفراده، فإنّه يشكّ في أنّ الركعة التي صلّاها و أتمّها قبل ما هو فيه، هل الثالثة أم الرابعة، و مقتضى أخباره البناء على الرابعة، و إذا بنى عليها يكون ما فعله بعدها زائدا، فتلزم زيادة الركوع قطعا، فتبطل.

و يردّ: بأنّ مقتضى تلك الأخبار البناء على الرابعة، و أنّ الصلاة صحيحة بقرينة الأمر بالاحتياط و إتمام الصلاة، فلا تشمل صورة البطلان. مع أنّه لو سلّم

______________________________

(1) الروضة 1: 330.

(2) الكافي 3: 354 الصلاة ب 41 ح 2، التهذيب 2: 194- 763، الاستبصار 1:

376- 1428، الوسائل 8: 231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 161

لدلّت الأخبار على صحّة هذه الصلاة، و

هي غير مطلوبة. على أنّ المذكور في تلك الأخبار ليس البناء على الرابعة، بل يأمر بالتشهّد و التسليم، و مقتضاه البناء على الأربع في المسألة أيضا، فتأمّل.

ثمَّ إنّه لا فرق في هذه الصورة بين رفع الرأس من الركوع و ما قبله. و تجويز الهويّ لو لم يرفع، و هدم الركعة و صرف الشكّ إلى ما بين الثلاث و الأربع ضعيف، لحصول الركوع الموجب للزيادة.

المسألة التاسعة: ما مرّ من صور الخمس للشكّ فيما زاد عن الأوليين من الرباعيّة كان ممّا يفرض له في النصوص

بالخصوص، و ها هنا صور أخر غير منصوصة بخصوصها.

منها: الشك بين ركعتين أو ثلاث ركعات و الخمس، و هو أربع صور:

الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الخمس بعد إكمال السجدتين، أو الاثنتين و الأربع و الخمس كذلك، أو الاثنتين و الثلاث و الأربع و الخمس كذلك، أو الثلاث و الأربع و الخمس.

و في جميع هذه الصور أقوال ثلاثة- بعد الاتّفاق في الأخيرة على هدم الركعة، و الرجوع إلى حكم الشك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع لو كان قبل الركوع-:

أحدها: البناء على الأقلّ و سجدتي السهو. اختاره في الذخيرة «1».

و هو الحقّ، لما مرّ في الشكّ بين الأربع و الخمس.

و ثانيها: البناء على الثلاث في الاولى، و الأربع في البواقي، و صلاة الاحتياط بما تقتضيه الصورة بعد إلقاء الخمس منها. اختاره في الحدائق «2».

______________________________

(1) الذخيرة: 380.

(2) الحدائق 9: 252، و لكنّه استظهر في الصورة الأولى البطلان، فراجع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 162

لإطلاق الأخبار المتقدّمة لهذه الصور إذا لم يكن معها خمس، فإنّها مطلقة غير مقيّدة لحال الانفراد أو الاجتماع، فإنّ ما تضمّن أنّ من شكّ بين الثلاث و الأربع مثلا حكمه كذا، مطلق شامل لما إذا اجتمع معهما الخمس أيضا، أم لا.

و يضعّف: بأنّ الظاهر منها ما إذا تعلّق

الشكّ بما تضمّنته الرواية فحسب.

و ثالثها: البطلان، حكي عن بعض الأصحاب، لمثل ما مرّ دليلا للفاضل في الشكّ بين الأربع و الخمس. و قد عرفت ضعفه.

و منها: الشكّ بين غير الأربع من ركعة أخرى واحدة و بين الخمس، و هو صورتان: الشكّ بين الاثنتين و الخمس بعد إكمال السجدتين، و بين الثلاث و الخمس بعد دخول الركوع، إذ قبله يهدم الركعة حتى ينقلب الشكّ إلى ما بين الاثنتين و الأربع بعد إكمال السجدتين.

و قد اختلفوا فيها على قولين:

البناء على الأقلّ و سجدة السهو. رجّحه في الذخيرة «1». و هو الأقوى، لما مرّ.

و البطلان، لمثل بعض ما مرّ بجوابه.

و لا تتوهّم دلالة صحيحة صفوان المتقدّمة «2» على وجوب الإعادة في غير المنصوص من هذه الصور، لأنّ من لم يدر أنّه صلّى أربعا أو خمسا مثلا يصدق عليه أنّه لا يدري كم صلّى.

لمنع الصدق، لأنّه يدري أنّه صلّى أربعا، و لا يدري الزائد.

المسألة العاشرة: لو شكّ بين الأربع و ما زاد على الخمس ففيه أوجه:

البطلان. احتمله في المختلف استنادا إلى أنّ زيادة الركن مبطلة، و مع

______________________________

(1) الذخيرة: 380.

(2) في ص 134.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 163

احتمالها لا يتيقّن البراءة «1».

و يردّ: بأنّ الزيادة المبطلة هي المتيقّنة، و اليقين الشرعي بعد إجراء أصل عدم الزيادة حاصل.

و التسوية بينه و بين الخمس. نقل الفاضل عن العماني، و اختاره هو «2»، و مال إليه الشهيدان في الرسالة الصلاتيّة «3» و شرحها، فيصحّ حيث يصحّ، و يبطل حيث يبطل، لإطلاق صحيحة الحلبي المتقدّمة «4»، على القول بالبطلان في بعض صوره.

و البناء على الأقلّ مطلقا. نقله في الذخيرة عن بعض الأصحاب، و قال:

إنّه وجيه «5».

و هو كذلك، لما مرّ من أصالة عدم الزيادة، و أخبار البناء على اليقين، و تجب حينئذ

سجدتا السهو، لما مرّ.

و الظاهر اتّحاد ذلك مع الوجه السابق، إذ الحكم فيه أيضا ذلك. نعم من يبطله في سابقة يلزمه البطلان أيضا هنا، لاتّحاد الدليل.

و سواء في ذلك ما لو كان الشكّ قبل الركوع أو بعده. و لا يهدم الركعة، لعدم دليل عليه، و عدم ترتّب فائدة على هدمها.

و كذا الحكم في جميع صور الشكّ بين الست و غيرها من الاثنتين بعد إكمال الركعة، و الثلاث و الأربع، و ما لم يتعلّق الشكّ بإحدى الأوليين، بل و كذا إذا تجاوز المشكوك فيه عن الست أيضا.

و لو كان الشكّ بين الخمس و الست يهدم الركعة إن كان قبل الركوع ليرجع

______________________________

(1) المختلف: 135.

(2) كما في المختلف: 135.

(3) الألفية: 75.

(4) في ص 157.

(5) الذخيرة: 380.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 164

إلى الشكّ بين الأربع و الخمس. و حكمه كمن زاد ركعة بعد الأخيرة إن كان بعد الركوع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 165

الفصل الثاني في الشك في أفعال الصلاة
اشاره

و بيانه: أنّ من شكّ في فعل من أفعالها و لم ينتقل من موضعه إلى غيره أتى به، و أتمّ الصلاة. قيل: لا أعرف فيه خلافا «1».

لأصالة عدم فعله، و إمكان الإتيان به من غير خلل و لا إخلال، و بقاء الخطاب بفعله، و المستفيضة من الصحاح و غيرها الواردة في الشكّ في الركوع و هو قائم، أو في السجود و لم يستو جالسا، أو قائما، و هي و إن كانت مختصّة بالركوع و السجود إلّا أنّه لا قائل بالفرق على ما صرّح به بعضهم «2».

و يؤيّده عموم مفهوم جملة من الأخبار المصرّحة بعدم التدارك للشي ء بعد الخروج عن موضعه و الانتقال عنه.

و أمّا موثّقة الفضيل: أستتمّ قائما فلا أدري ركعت أم

لا، قال: «بلى قد ركعت فامض صلاتك، فإنّما ذلك من الشيطان» «3».

فلا ينافي ما مرّ، لاحتمال إرادة الشكّ في الركوع بعد استتمام القيام الذي بعد الانحناء للركوع، أو بعد السجدتين. بل أحدهما هو الظاهر من استتمامه، إذ لا معنى لاستتمام القيام قبل الركوع و لا الانحناء. فيحمل على ما ذكر، أو على إرادة ترك الطمأنينة، أو الذكر في الركوع، فأطلق عليه الركوع على التجوّز.

و يمكن الحمل على القيام من الانحناء قبل الوصول إلى حدّ الراكع المورث للظّن بالركوع.

______________________________

(1) كما في الحدائق 9: 168.

(2) انظر: الذخيرة: 374، و الرياض 1: 215.

(3) التهذيب 2: 151- 592، الاستبصار 1: 357- 1354، الوسائل 6: 317 أبواب الركوع ب 13 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 166

أو على كثير الشكّ، كما يشعر به قوله: «أستتمّ» بصيغة الاستقبال الدالّة على التجدّد الاستمراري و قوله: «إنّما ذلك من الشيطان».

و لو كان الشكّ في شي ء من الأفعال بعد الانتقال من موضعه و دخوله في غيره مضى في صلاته و لم يتدارك، و صحّت، إجماعا إذا لم يكن من الركعتين الأوليين، و على الأشهر الأقوى إذا كان منهما.

للمستفيضة من الصحاح و غيرها، كصحيحة زرارة: رجل شكّ في الأذان و قد دخل في الإقامة، قال: «يمضي» قلت: رجل شكّ في الأذان و الإقامة و قد كبّر، قال: «يمضي» قلت: رجل شكّ في التكبير و قد قرأ، قال: «يمضي» قلت: شكّ في القراءة و قد ركع، قال: «يمضي» قلت: شكّ في الركوع و قد سجد، قال:

«يمضي على صلاته» ثمَّ قال: «يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثمَّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ء» «1».

و موثّقة محمّد: «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه

كما هو» «2».

و صحيحة ابن جابر: «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض، و إن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض، كلّ شي ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه» «3».

و نحوها خبر أبي بصير «4».

و صحيحة حمّاد: أشكّ و أنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا، قال:

«امض» «5» إلى غير ذلك.

______________________________

(1) التهذيب 2: 352- 1459، الوسائل 8: 237 أبواب الخلل ب 23 ح 1.

(2) التهذيب 2: 344- 1426، الوسائل 8: 237 أبواب الخلل ب 23 ح 3.

(3) التهذيب 2: 153- 602، الاستبصار 1: 358- 1359، الوسائل 6: 317 أبواب الركوع ب 13 ح 4.

(4) الفقيه 1: 228- 1008، التهذيب 2: 152- 598، الوسائل 6: 365 أبواب السجود ب 14 ح 4.

(5) التهذيب 2: 151- 593، الاستبصار 1: 358- 1355، الوسائل 6: 317 أبواب الركوع ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 167

و بهذه الأخبار يقيّد بعض المطلقات الآمرة بالركوع و السجود بعد الشكّ فيهما بالإطلاق «1».

خلافا في الحكمين في الركعتين الأوليين للمحكي عن المقنعة و النهاية و التهذيب «2».

فقال الأول: كلّ سهو يلحق الإنسان في الركعتين الأوليين من فرائضه حتى تلبّس عليه ما صلّى منهما، أو ما قدّم و أخّر من أفعالهما فعليه لذلك إعادة الصلاة. إلّا أنّه قال قبله: فإن شكّ في الركوع و هو قائم ركوع، و إن كان قد دخل في حالة اخرى من السجود و غيره مضى في صلاته و ليس عليه شي ء، فأطلق و لم يخصّه بما عدا الأوليين.

و قال الثاني: و من شكّ في الركوع و السجود في الركعتين الأوليين أعاد الصلاة.

و مثله في الثالث.

و حكي عن الشيخ قول

بوجوب الإعادة بكلّ شكّ متعلّق بكيفيّة الأوليين، كأعدادهما. و عن الشيخ عن بعض القدماء نقله أيضا «3».

كلّ ذلك للمستفيضة، كصحيحة زرارة: «من شكّ في الأوليين أعاد حتى يحفظ و يكون على يقين، و من شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم» «4».

و رواية موسى بن بكر: «إذا شككت في الأوليين فأعد» «5».

______________________________

(1) كما في الوسائل 6: 315 أبواب الركوع ب 12.

(2) المقنعة: 145، النهاية: 88، التهذيب 2: 150.

(3) قال الشيخ (ره) في النهاية: 92: من شكّ في الركوع أو السجود في الركعتين الأوليين أعاد الصلاة. و ما في المتن حكاه عنه المحقق (ره) في المعتبر 2: 388، و ما نقله الشيخ (ره) عن بعض القدماء حكاه الشهيد (ره) في الذكرى: 224.

(4) الفقيه 1: 128- 605، مستطرفات السرائر: 74- 18، الوسائل 8: 187 أبواب الخلل ب 1 ح 1.

(5) التهذيب 2: 176- 703، الاستبصار 1: 364- 1380، الوسائل 8: 192 أبواب الخلل ب 1 ح 19.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 168

و صحيحة البقباق: «إذا لم تحفظ الركعتين الأوليين فأعد صلاتك» «1».

و صحيحة أخرى [لزرارة] المصرّحة بأنّه عشر ركعات لا يجوز الوهم فيهنّ، و من وهم في شي ء منهنّ استقبل الصلاة، و عدّ الركعات الأوليين من الصلوات الأربع و ركعتي الفجر «2».

و رواية العامري و فيها: «فمن شكّ في أصل الفرض في الركعتين الأوليين استقبل صلاته» «3».

و يجاب عن غير الثلاثة الأخيرة: بأنّ الشك في الركعة حقيقة في الشكّ في نفسها، و صدقه على الشكّ في الأجزاء و الكيفيّات و الشرائط غير معلوم، فيرجع إلى الشكّ في العدد، و لا كلام فيه.

بل هو الجائز في صحيحة البقباق أيضا، لجواز أن يكون المراد حفظ نفس الركعة.

بل هو المحتمل

في ما قبل الأخيرة أيضا، إذ من الجائز أن يكون المراد من قوله: «في شي ء منهنّ» أي واحدة من الركعات.

و لو سلّم الشمول فتعارض هذه الأخبار مع عموم ما مرّ من الصحاح المستفيضة المتقدّمة المصرّحة بصحّة الصلاة و التدارك مع بقاء المحلّ، و المضيّ مع خروجه، بالعموم من وجه.

فإن رجّحنا المتقدّمة بالشهرة العظيمة، و إلّا فيرجع إلى أصالة الصحّة و عدم وجوب الإعادة، المستلزمتين للتدارك في المحلّ، لأصالة عدم الفعل، و المضي بعده للإجماع المركّب.

مع أنّ في المتقدّمة ما صرّح بالحكم في التكبير و القراءة، و هما مختصّان

______________________________

(1) الكافي 3: 487 الصلاة ب 105 ح 2، الوسائل 8: 189 أبواب الخلل ب 1 ح 9.

(2) التهذيب 2: 177- 707، الاستبصار 1: 364- 1384، الوسائل 8: 190 أبواب الخلل ب 1 ح 13.

(3) الكافي 3: 273 الصلاة ب 3 ح 7، الوسائل 4: 49 أبواب أعداد الفرائض ب 13 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 169

بالأوليين.

و توافقه أيضا رواية محمّد بن منصور: عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية، أو شكّ فيها، فقال: «إذا خفت أن لا تكون وضعت جبهتك إلّا مرّة واحدة فإذا سلّمت سجدت سجدة واحدة، و تضع وجهك مرّة واحدة، و ليس عليك سهو» «1».

و هذه أخصّ مطلقا من أخبار المخالف ينضمّ إليها الإجماع المركّب في سائر الأفعال، فيجب التخصيص بها، سيّما مع تأيّدها بما يدلّ على صحّة الصلاة بالسهو عن السجدة الواحدة و لو من الأوليين، و على أنّ نسيان السجدتين في الأوليين و الأخريين على السواء، مع عدم قول بالفرق بين الشكّ و السهو.

و لا تعارضها صحيحة البزنطي المتقدّمة «2» فيمن ترك السجدة في الركعة الأولى، حيث ذكر

فيها «استقبلت الصلاة» لما عرفت من إجمالها، مع عدم صراحتها في الوجوب.

ثمَّ إنّ الفاضل- طاب ثراه- في التذكرة استصوب الفرق بين الركن و غيره «3»، فالإعادة في الأوّل و [عدم ] «4» الإعادة في الثاني، لوجه اعتباري فيه ضعف جدّا.

فروع:
أ: إطلاق الأخبار- كما عرفت- يقتضي عدم الفرق بين الشك في الركن و غيره.

______________________________

(1) التهذيب 2: 155- 607، الاستبصار 1: 360- 1365، الوسائل 6: 366 أبواب السجود ب 14 ح 6.

(2) في ص 116.

(3) التذكرة 1: 136.

(4) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 170

ب: و كذلك يقتضي عدم الفرق بين أن يكون الغير الذي دخل فيه من الأفعال المستحبّة للصلاة أو الواجبة

. و توهّم كونه مخصوصا بالواجبات فاسد.

و كذا بين الأفعال المطلوبة حقيقة، أو تبعا.

و تحقيق المقام: أنّك قد عرفت وجوب الإتيان بالمشكوك فيه قبل دخوله في غيره، و وجوب المضيّ بعده.

و قد وقع الخلاف في ذلك الفعل الذي يتجاوز المحلّ بالدخول فيه، هل هو ما كان من الأفعال الحقيقيّة للصلاة، المطلوبة بالذات، المقرّرة بالترتيب الخاصّ في كتب الفقهاء من النيّة، و التكبير، و القراءة، و نحو ذلك من الأمور المعدودة فيها، أو الأعمّ منها و من مقدّمات تلك الأفعال أيضا، كالهويّ للسجود، و الانحناء للركوع، و النهوض للقيام و نحو ذلك.

فاختار الشهيدان «1»، و غيرهما «2» الأوّل، لأنّه المتبادر من الغير الذي حكم في الأخبار بالمضيّ بعد الدخول فيه، و لعموم صحيحة ابن جابر، و خبر أبي بصير المتقدّمتين «3»، سيّما مع تذييله بعد ذلك بقوله: «كلّ شي ء شكّ فيه بعد ما جاوزه ..» فإنّ الظاهر منه أنّ هذا هو التجاوز.

و خصوص موثّقة البصري: رجل رفع رأسه من السجود، فشكّ قبل أن يستوي جالسا، فلم يدر سجد أم لم يسجد، قال: «يسجد» قلت: فرجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائما، فلم يدر سجد أم لم يسجد، قال «يسجد» «4».

و لعطف قوله: «دخلت في غيره» في صحيحة زرارة «5»، بلفظة «ثمَّ» الدالّة

______________________________

(1) الشهيد الأول في البيان: 253، الشهيد الثاني في الروضة 1: 323، و الروض: 349، و المسالك 1: 41.

(2) كصاحبي الحدائق 9: 179، و الرياض 1:

216.

(3) في ص 166.

(4) التهذيب 2: 153- 603، الاستبصار 1: 361- 1371، الوسائل 6: 369 أبواب السجود ب 15 ح 6.

(5) المتقدمة في ص 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 171

على المهلة المشعرة بوجود الواسطة بين الخروج و الدخول، و إلّا فالخروج من الشي ء يستلزم الدخول في غيره.

و ذهب بعض المتأخرين إلى الثاني «1»، لأنّه المفهوم لغة و عرفا من الدخول في غيره، و لموثّقة اخرى للبصري: رجل أهوى إلى السجود فلم يدر ركع أم لم يركع، قال: «قد ركع» «2».

و ردّ ذلك «3» تارة بظهورها فيما إذا كان الشك حال السجود لا قبله، و إلّا كان يقول: «للسجود» بدل «إلى السجود»، و لو سلّم فيعمّه أيضا، فيجب تخصيصها بما مرّ، و موردهما و إن كان مختلفا إلّا أنّهما من باب واحد لاشتراكهما في كونهما من مقدّمات أفعال الصلاة. و اخرى بحملها على كثير السهو.

و لم يتعرّض في المدارك لبيان ذلك الفعل بضابط كلّي، إلّا أنّه قال في الشكّ في السجود قبل الاستواء بالعود، و في الركوع بعد الهويّ بالمضي، عملا بالروايتين «4».

و أصرّ في الذخيرة على تعميم ذلك الفعل بالنسبة إلى المقدّمات، و غيرها، و جعل غيره خلاف المفهوم لغة و عرفا «5»، إلّا أنّه عمل بكلّ من الروايات في موقعه من باب التخصيص و الاستثناء فيما يخالف الضابطة.

أقول: إنّ الحكم في الأخبار متعلّق بالخروج عن فعل و التجاوز و الدخول في غيره. و ظاهر أنّ المراد بالخروج عنه ليس بعد الدخول فيه، لأنّ فعله مشكوك فيه، بل المراد الخروج من موضعه و محلّه، و المراد من محلّه الموضع الذي قرّر له الشارع من بين الأفعال.

______________________________

(1) كصاحب الذخيرة: 376.

(2) التهذيب 2: 151- 596،

الاستبصار 1: 358- 1358، الوسائل 6: 318 أبواب الركوع ب 13 ح 6.

(3) انظر: الرياض 1: 216.

(4) المدارك 2: 249.

(5) الذخيرة: 376.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 172

و على هذا فلو فعل فعلا آخر غير أجزاء الصلاة، ثمَّ شكّ في فعل قبله لم يكن خارجا عنه و إن كان داخلا في غيره. كما إذا هوى لأخذ شي ء و شكّ في القراءة. و لكن إذا دخل في فعل آخر بعد ذلك الفعل ممّا رتّبه الشارع أو طلبه وجوبا أو استحبابا يصدق الوصفان: الخروج و الدخول.

و اللازم في تحقّق ذلك صدق الغيريّة و كون محلّ الغير بعد الفعل المشكوك فيه، لصدق الخروج حينئذ. سواء في ذلك كونه مطلوبا ذاتيا أصليّا، أو تبعيّا مفهوما من الخطاب. فإنّا نعلم قطعا أنّ الشارع طلب تبعا الهوي إلى السجود و النهوض إلى القيام و أنّهما بعد الركوع و السجود، و لا مدخليّة للمطلوبيّة الأصليّة في ذلك أصلا، فلا وجه لتخصيص الغير بما خصّصوه به.

و التبادر الّذي ادّعاه الأوّلون ممنوع جدّا، و لذا ادّعى بعضهم تبادر العموم.

و دلالة بعض الأخبار مفهوما أو منطوقا على الإتيان بالمشكوك فيه بعد دخول بعض المقدّمات، لا تدلّ على خروج جميع المقدّمات من معنى الغيريّة.

و تعليل دخول السجود أو القيام في التذييل بكونه تجاوزا و دخولا في غيره لا يدلّ على أنّ غيره ليس كذلك.

و لو سلّمت إفادة لفظة «ثمَّ» للتراخي فليس هو المراد هنا قطعا، لعدم تحقّقه بين النيّة و التكبير، و بين التكبير و القراءة، و كذا كثير ممّا يحكمون فيه بتجاوز المحلّ. مع أنّ صدق التراخي العرفي بمجرّد الانحناء إلى الركوع، أو الهويّ إلى السجود ممنوع. و لو سلّم فالتجوّز فيها ليس بأبعد

من تقييد الغير، و لذا أتى في أخبار أخر بلفظة «الواو». مع أنّ موثّقة محمّد «1» لا تتضمّن الدخول في الغير أيضا، بل اكتفى فيها بمجرّد مضيّ المحلّ.

و منه يظهر عدم وقع ما يتوهّم تأييدا لإرادة الأفعال المعهودة، من عطف الدخول في الغير على الخروج من المشكوك فيه، حيث إنّه يشعر بفصل بينهما فلا بدّ من عدم شمول الغير للمقدّمات. مع أنّ في إشعاره بالفصل منعا ظاهرا، بل

______________________________

(1) المتقدمة في ص 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 173

هو مشعر بالتغاير و هو متحقّق مفهوما و إن اجتمعا وجودا، كما في: أخذت قلنسوتي و كشفت رأسي.

و قد ظهر من ذلك أنّ الحقّ في الضابط هو الثاني، و هو الأصل في المسألة، و لو حصل التخلّف عنه فإنّما هو بالدليل، و يكون هو المخصّص، و قياس غيره به و جعلهما من باب واحد خلاف التحقيق.

ج: و إذ عرفت الضابطة يعلم أنّه لو شكّ في أصل النيّة، أو في شي ء من خصوصيّاتها، أو في مقارنتها للتكبير بعد أن كبّر يمضي،

و لو شكّ في أصل التكبير، أو شي ء من واجباته، و منها المقارنة للنيّة بعد أن شرع في القراءة يمضي، إجماعا فيهما.

و لو شكّ في الفاتحة و هو في السورة يمضي على الأظهر، وفاقا للمفيد في رسالته إلى ولده و الحلّي و المعتبر و الذخيرة و الأردبيلي و المجلسي «1»، لصدق التجاوز عن شي ء هو الفاتحة، و الدخول في الغير الذي هو السورة.

و قيل: تجب الإعادة، و هو اختيار المدارك «2»، و نسب إلى المشهور «3».

لعدم تحقّق التجاوز عن محلّ القراءة.

و أنّه يلوح من قوله: قلت: شكّ في القراءة و قد ركع «4» أنّه لو لم يركع لم يمض.

و يضعّف الأوّل: بعدم لزوم التجاوز عن محلّ القراءة، بل اللازم التجاوز عن محلّ المشكوك و قد تحقّق.

و الثاني: بأنّه في السؤال عن

محلّ الوصف فلا يلوح منه شي ء.

و جعل قول الإمام في قوّة أن يقال: إذا شكّ في القراءة و قد ركع فليمض،

______________________________

(1) حكاه عن المفيد في السرائر 1: 248، الحلي في السرائر 1: 249، المعتبر 2: 231، الذخيرة:

375، الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 147، المجلسي في البحار 85: 158.

(2) المدارك 4: 249.

(3) كما في الحدائق 9: 181.

(4) كما في صحيحة زرارة المتقدمة في ص 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 174

فيدلّ على العود في المقام بمفهوم الشرط، كما في الحدائق «1».

من غرائب الاستدلالات، فإنّ المسلّم أنّه في قوّة أن يقال: فليمض هذا الشاك، فمفهومه لقبي. و أغرب منه تمسّكه بتقرير الإمام السائل على ما ذكره.

و قد يستدلّ بأنّ المراد من الأخبار الدخول في أحد الأفعال المعهودة التي منها القراءة. و ظهر ما فيه.

و منه يظهر أنّه لو شكّ في آية من الفاتحة أو السورة بعد الدخول في آية أخرى، بل في كلمة بعد الدخول في غيرها لا يعود، بل يمضي، كما صرّح به الأردبيلي و صاحب الذخيرة أيضا «2»، و نفى عنه البعد في البحار «3».

و لا يبعد إجراء الحكم في الحرف من الكلمة الواحدة، إذا شكّ في إخراجه من مخرجه، إذا دخل في حرف آخر.

و لو شكّ في القراءة و هو في القنوت فالظاهر المضي، كما اختاره في الذخيرة «4»، لما مرّ.

و قيل: يجب العود «5»، للأمر بالعود إلى السجود لو شكّ قبل استتمام القيام في موثّقة البصري «6»، فكذا هنا بالطريق الأولى.

و الأولويّة ممنوعة، إذ العلّة غير معلومة. مع أنّها معارضة بالأمر بالمضي إذا شكّ في الركوع بعد الهوي في موثّقته الأخرى.

و لأنّ القنوت ليس من أفعال الصلاة المعهودة فلا يدخل في الأخبار.

و

يردّ: بأنّه إن أريد بالمعهودة: الواجبة فالأوّل مسلّم و الثاني ممنوع. و إن أريد المطلق فكلاهما ممنوعان.

______________________________

(1) الحدائق 9: 182.

(2) الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 172، الذخيرة: 375.

(3) البحار 85: 158.

(4) الذخيرة: 375.

(5) كما في الروض: 350.

(6) المتقدمة في ص 170.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 175

و لو شكّ فيها و هو كبّر للركوع، أو انحنى له لا يعود، لما مرّ.

و لو شكّ في الركوع و قد رفع رأسه منه بأن يعلم انحناءه بقصد الركوع، و شكّ في وصوله حدّ الراكع بعد الرفع منه، فالظاهر المضيّ أيضا، كما ذكره بعض متأخّري المتأخّرين «1»، لما مرّ، و لموثّقة الفضيل المتقدّمة «2».

خلافا لبعضهم، فحكم بالعود «3»، لصحيحة عمران: الرجل يشكّ و هو قائم فلا يدري أركع أم لا، قال: «فليركع» «4».

و نحوها صحيحة أبي بصير «5».

و يردّ: بكونها أعمّ مطلقا من الموثّقة، لاختصاصها بالقيام الاستتمامي المسبوق بالانحناء، و أعميّة هذه. و لو قيل باختصاص هذه أيضا بالقيام المتقدّم على السجود بقرينة الأمر بالركوع، و عموم الموثّقة بالنسبة إليه لكان التعارض بالعموم من وجه، فيرجع إلى عمومات المضي بعد تجاوز المحلّ.

و كذا لو شكّ في طمأنينته أو ذكره حينئذ.

و كذا لو شكّ في الركوع بعد الهوي للسجود قبل دخوله فيه، وفاقا لجماعة «6»، لما مرّ، و لموثّقة البصري. و تخصيصها بما إذا دخل السجود لا وجه له، إذ الهوي إلى السجود أعمّ منه قطعا.

و خلافا لبعض آخر «7»، لعدم دخوله في الأفعال المعهودة، و لمفهوم قوله في

______________________________

(1) قال صاحب الحدائق 9: 192: و احتمل بعض مشايخنا عدم العود.

(2) في ص 165.

(3) كما في الروض: 347، و الحدائق 9: 191، و الرياض 1: 215.

(4) التهذيب 2: 150- 589،

الاستبصار 1: 357- 1351، الوسائل 6: 315 أبواب الركوع ب 12 ح 1.

(5) الكافي 3: 348 الصلاة ب 36 ح 1، التهذيب 2: 150- 590، الاستبصار 1:

357- 1352، الوسائل 6: 316 أبواب الركوع ب 12 ح 2.

(6) كصاحب المدارك 4: 249، و السبزواري في الذخيرة: 375.

(7) كالشهيد الثاني في الروض: 350، و صاحب الحدائق 9: 185، و صاحب الرياض 1: 215.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 176

صحيحة ابن جابر: «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض» «1».

و جواب الأوّل ظاهر ممّا مرّ.

و جواب الثاني: أنّ المفهوم هنا غير معتبر، لأنّ الشرط إنّما هو لدفع توهّم كون المنطوق مانعا من المضي، حيث إنّه معرض هذا التوهّم، كما في: إن ضربك زيد فلا تضربه، و إن سهوت في الصلاة فصلاتك صحيحة.

مع أنّه لو كان معتبرا لدلّ على انتفاء الحكم عند عدم الشك بعد ما قام «2»، و هو ليس كذلك قطعا، لأنّ انتفاء الشك بعده لا يصلح لعليّة عدم الإمضاء.

و أمّا اجتماع الشك قبل القيام مع عدمه بعده و إن كان من صور المفهوم، و لكن لو اعتبر المفهوم لدلّ على انتفاء الحكم حينئذ أيضا لانتفاء الشك بعد ما قام، لا لما اجتمع معه، مع أنّه ليس كذلك.

و لو شكّ في السجود و التشهّد بعد استكمال القيام فيمضي على الأظهر الأشهر، لما قد مرّ.

خلافا لنهاية الشيخ- طاب ثراه- فيرجع إلى السجود ما لم يركع «3».

و نسب في الذكرى إليه الرجوع إلى التشهّد أيضا ما لم يركع «4»، كما نسب الخلاف فيهما في المدارك «5» إلى المبسوط أيضا.

و كلاهما خطأ، لتصريحه في النهاية بعدم الرجوع في التشهّد بعد القيام «6»، و في المبسوط بعدم رجوعه إلى

شي ء منهما بعده «7».

______________________________

(1) راجع ص 166.

(2) لا يخفى أنّ المناسب للفرع المفروض و استدلال المخالف بمفهوم فقرة «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض» تبديل «قام» ب «سجد» و كذلك فيما ذكره بعدا.

(3) النهاية: 92.

(4) الذكرى: 224.

(5) المدارك 4: 250.

(6) النهاية: 92.

(7) المبسوط 1: 122.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 177

و احتجّ له بصحيحة الحلبي: عن رجل سها فلم يدر سجد سجدة أم سجدتين، قال: «يسجد اخرى» «1».

و بمضمونها صحيحة الشّحام «2»، و رواية أبي بصير «3».

فإنّها بإطلاقها تشمل المورد أيضا.

و يجاب عنها: بوجوب تخصيصها بما قبل القيام لمنطوق صحيحة ابن جابر.

و للقاضي في أحد قوليه، فيرجع إلى التشهد ما لم يركع دون السجود «4».

و هو محجوج بالصحيحة المذكورة أيضا.

د: لو شكّ في السجود و هو في التشهّد، أو بعده و قبل استكمال القيام، يمضي

عند الشيخ في المبسوط «5»، و جملة من الأصحاب «6»، كما مرّ.

و عن ظاهر الذكرى الرجوع «7».

استنادا إلى موثّقة البصري المتقدّمة من جهة إطلاق عدم استكمال القيام، فيشمل ما لو تشهّد بعد السجود أيضا.

و لأصالة عدم فعله و بقاء محلّه.

و لمفهوم الشرط في قوله: «و إن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض».

و يضعّف الأول: بأنّها ظاهرة فيما إذا كان النهوض بعد السجود من غير تشهد في البين، لأنّ النهوض يستعمل فيما إذا كان إلى القيام. فالنهوض من

______________________________

(1) الكافي 3: 349 الصلاة ب 37 ح 1، التهذيب 2: 152- 599، الاستبصار 1:

361- 1368، الوسائل 6: 368 أبواب السجود ب 15 ح 1.

(2) الكافي 3: 349 الصلاة ب 37 ح 4، التهذيب 2: 152- 601، الاستبصار 1:

361- 1370، الوسائل 6: 368 أبواب السجود ب 15 ح 2.

(3) الكافي 3: 349 الصلاة ب 37 ح 2، التهذيب 2: 152- 600، الاستبصار 1:

361- 1369، الوسائل

6: 368 أبواب السجود ب 15 ح 3.

(4) المهذب 1: 156.

(5) المبسوط 1: 122.

(6) كالشهيد الثاني في الروضة 1: 323، و صاحبي الحدائق 9: 183، و الرياض 1: 216.

(7) الذكرى: 224.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 178

السجود أن يتحرّك للقيام منه. و يؤيّده التعبير برفع الرأس في الأول المتضمّن لقوله: «قبل أن يستوي جالسا» و عطف قوله: «فشك» بالفاء التي هي للتعقيب بلا مهلة.

و الثاني: باندفاع الأصل بما مرّ.

و الثالث: بما سبق في جواب الاستدلال بالمفهوم في الركوع.

نعم، يمكن أن يستدلّ له بإطلاق صحيحتي الحلبي و الشّحام، و رواية أبي بصير المتقدّمة، بل عمومها الحاصل من ترك الاستفصال.

و هي تعارض أخبار المضيّ بعد التجاوز عن المحل بالعموم من وجه، و لا ترجيح. و لا يمكن العمل بأصل عدم الفعل، و الرجوع إلى السجود، لأنّه يستلزم زيادة التشهد المبطلة. و إن مضينا يلزم النقص، لأصالة عدم الفعل. و لا إجماع على أحد الطرفين، إذ مضى قول الشيخ في النهاية بالرجوع إلى السجود ما لم يركع، و كذا الفاضل في النهاية «1». و لا تبطل الصلاة أيضا بالإجماع. فالظاهر التخيير بين العود و المضيّ.

و لو شكّ في السجود بعد رفع الرأس منه و قبل الجلوس للتشهد إن كان موضعه، و قبل استكمال القيام لو لم يكن موضعه، يعود على الأظهر، وفاقا للشهيدين و المدارك «2»، و جمع آخر «3»، لموثّقة البصري، و إطلاق صحيحتي الحلبي، و الشحام، و رواية أبي بصير. و بها تخصّص الأخبار السابقة.

و هذا و سابقة مستثنى من الضابطة.

و أمّا التشهد فلو شكّ فيه بعد الأخذ في القيام و قبل استكماله فالظاهر عدم الرجوع، لما مرّ.

______________________________

(1) نهاية الاحكام 1: 539.

(2) الشهيد الأول في

الذكرى: 224، الشهيد الثاني في الروضة 1: 323، المدارك 4: 250.

(3) يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 85، العلامة المجلسي في البحار 85: 160، صاحب الرياض 1: 216.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 179

ه: لو تدارك ما شكّ في محله، ثمَّ ذكر فعله

، فإن كان ركنا أعاد الصلاة، بلا خلاف أجده ظاهرا، للزيادة المبطلة بالنصّ.

و إن كان واجبا غير ركن صحّت الصلاة مطلقا على الأشهر الأظهر، لصحيحة منصور «1»، و موثقة عبيد «2».

و هما و إن كانتا واردتين في خصوص السجدة، إلّا أنّه يتمّ المطلوب بالإجماع المركب، إذ لا قول بإعادتها من زيادة غير السجدة. نعم حكي القول بالإعادة بزيادة السجدة الواحدة هنا عن السيّد، و العماني و الحلبي «3». و الروايتان حجّة عليهم.

و: لو تلافى ما شكّ فيه بعد الانتقال، فالظاهر المصرّح به في عبارات جملة من الأصحاب البطلان «4».

لا لما قيل من حصول الإخلال بنظم الصلاة «5»، و لا لأنّ المأتي به ليس من أفعالها، و لا لأصل الاشتغال، لأنّ الكلّ محلّ نظر لا يخفى.

بل لحصول الزيادة، فإنّ ما تداركه ليس من أفعال هذه الصلاة الواجبة أو المستحبّة. و لكن ذلك يختصّ بما يوجب الزيادة كالركوع و السجود لا مثل القراءة و أجزائها «6».

ز: لو شكّ في الركوع و هو قائم، فركع ثمَّ ذكر في أثناء الركوع أنّه قد ركع بطلت صلاته

على الأظهر الأشهر بين المتأخّرين، لصدق الزيادة المبطلة، و عدم توقّف صدق الركوع على رفع الرأس منه.

______________________________

(1) الفقيه 1: 228- 1009، التهذيب 2: 156- 610. الوسائل 6: 319 أبواب الركوع ب 14 ح 2.

(2) التهذيب 2: 156- 611، الوسائل 6: 319 أبواب الركوع ب 14 ح 3.

(3) حكاه عن السيد و العماني في المختلف: 131، الحلبي في الكافي: 119.

(4) روض الجنان: 351، البحار 85: 163، الحدائق 9: 189.

(5) كما في المدارك 4: 251.

(6) قد مرّ توضيح ذلك في ص 84.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 180

فلا يفيد اشتراك الانحناء بين الركوع و الهوي للسجود و التميز يتوقّف على الرفع، لمنع هذا التوقّف، للتميز بالقصد أيضا كما في سائر الأفعال. و لا يعارضه التحاق الهوي له، لأنّه إنّما هو بعد صيرورته ركوعا بالقصد و استباق الركوع عليه، و إلّا لزم عدم زيادة ركوع أصلا.

هذا، مع أنّ الصدق العرفي للزيادة واضح.

خلافا للمحكي عن الكليني و الشيخ و السيّد و الحلّي و الحلبي «1»، و جماعة من المتأخّرين، منهم: الدروس و الذكرى و المدارك و شرح الإرشاد للأردبيلي، فقالوا:

يرسل نفسه إلى السجود، و لا شي ء عليه «2».

و استدلّ لهم ببعض الوجوه الضعيفة. و يمكن أن يكون لنصّ وصل إليهم.

______________________________

(1) الكليني في الكافي 3: 360، الشيخ في النهاية: 92، السيد في جمل

العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 36، الحلّي في السرائر 1: 251، الحلبي في الكافي: 118.

(2) الدروس 1: 199، الذكرى: 222، المدارك 4: 223، مجمع الفائدة و البرهان 3: 171.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 181

الفصل الثالث في حكم الظنّ
اشارة

بأن يتردد ذهنه بين أمرين، و كان أحدهما راجحا عنده.

و حكمه البناء على الظنّ، بمعنى جعل الواقع ما ظنّه من غير احتياط، و تقدير الصلاة كأنّها وقعت على هذا الوجه، سواء اقتضى الصحة أو الفساد.

فإن ظنّ الأقلّ بنى عليه، و إن ظنّ الأكثر من غير زيادة في عدد الصلاة كالأربع، تشهّد و سلّم، و إن ظنّ الزيادة كالخمس فكأنّه زاد ركعة، فتبطل إن لم يكن جلس في الرابعة أو مطلقا، و هكذا.

بلا خلاف يوجد إذا تعلّق ذلك بعدد الركعتين الأخيرتين من الرباعيّة.

لا لدفع العسر كما قيل «1»، إذ لا عسر إلّا مع الكثرة، و معها يرتفع حكم الشك.

بل للنبويين العاميّين:

أحدهما: «إذا شكّ أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليبن عليه» «2».

و الآخر: «إذا شكّ أحدكم في الصلاة فليتحرّ الصواب» «3».

و لموثّقة البقباق، و صحيحتي الحلبي، و ابن أبي العلاء، المتقدّمة جميعا في المسألة السادسة من الفصل الأوّل «4».

______________________________

(1) في الذكرى: 222.

(2) صحيح مسلم 1: 400- 90، سنن النسائي 3: 28.

(3) صحيح مسلم 1: 400- 90، سنن النسائي 3: 28، سنن أبي داود 1: 268- 1020.

(4) راجع ص 143.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 182

و قد يستدلّ أيضا بمفهوم صحيحة صفوان المتقدّمة في الرابعة منه «1».

و لا يخفى أنّها مختصة بما كان متعلّق الشك جميع الركعات لا الأخيرتين.

و إثبات الحكم فيهما بعدم الفصل إنّما يفيد لو تمَّ الحكم في الأصل، و سيأتي عدم تماميّته فيه.

فالدليل ما مرّ. و لكنّه لا يشمل جميع صور الشكّ بين الأخيرتين، و إنّما يتعدّى إلى الجميع بالإجماع المركّب.

و على هذا، فيشكل الحكم فيما إذا كان أحد طرفي الشك ما زاد على الأربع، إلّا إذا ثبت عدم القول بالفصل فيه أيضا كما هو الظاهر. و أمر الاحتياط واضح.

و على الأشهر- كما صرّح به جمع «2»- إذا تعلّق بأعداد الركعات مطلقا، بل قيل: إنّه إجماع «3».

للشهرة.

و نقل الإجماع.

و عموم النبويين.

و مفهوم الصحيحة الأخيرة.

و استقراء اعتبار الظن في غير الأوليين، فيعتبر فيهما أيضا.

و مفهوم مثل قوله: «إذا شككت في الفجر فأعد» «4».

و يردّ الأوّلان: بعدم الحجّية، سيّما مع ظنّ مخالفة جمع من الأجلة «5».

و الثالث: بالضعف سندا، و عدم فائدة الانجبار في الأخبار العاميّة، و القصور بل الإجمال دلالة، لعدم صراحتهما في المطلوب، لاحتمال أن يكون المراد

______________________________

(1) راجع ص: 134.

(2) انظر: الذخيرة: 368، و الحدائق 9: 206، و الرياض 1: 217، و في الجميع: على المشهور.

(3) كما في مجمع الفائدة 3: 128.

(4) انظر: الوسائل 8: 193 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2.

(5) كما سيأتي في ص: 184.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 183

سيّما في الثاني منهما التروّي لنيل الصواب.

و الرابع- بعد تسليم دلالته بالمفهوم على المطلوب-: بمعارضته مع ما هو أكثر عددا، و أصرح دلالة، و أوفق بما نهي عن متابعة الظنّ و غير العلم من الكتاب و السنّة، من الروايات الدالّة على البطلان في صورة عدم اليقين و عدم الدراية في عدد الأوليين أو الثنائية أو الثلاثية، و وجوب التحفّظ فيها، كما مرّ، بل جميع الروايات الدالّة على الإعادة بالشكّ فيها، لأنّه لغة ما قابل اليقين، بالعموم من وجه.

و مع صحيحة زرارة: «كان الّذي

فرض اللّه على العباد من الصلاة عشر ركعات، و فيهنّ القراءة و ليس فيهنّ وهم» إلى أن قال: «فمن شكّ في الأوليين أعاد حتى يحفظ و يكون على يقين، و من شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم» «1».

المؤيّدة بالأخرى: «عشر ركعات- إلى أن قال-: لا يجوز الوهم فيهنّ، و من وهم في شي ء منهنّ استقبل الصلاة» «2».

بالعموم و الخصوص المطلق، فإنّ قوله في الأولى: «عمل بالوهم» أي إذا وقع وهمه على شي ء، و إلّا لما كان للعمل بالوهم معنى، فيكون معنى صدره: من شكّ في الأوليين وقع وهمه على شي ء لم يعمل به، بضميمة كون التفصيل قاطعا للشركة، و موردها خاصّ بالأوليين.

فإن قيل: المراد من قوله: «كم صلّى» في صحيحة صفوان إمّا الشاكّ في الجميع بخصوصه، أو من لم يدر قدر ما صلّى مطلقا. و الأوّل لا يشمل الشك في غير الأخيرتين، و على الثاني أيضا يختصّ بغيرهما، للإجماع على عدم وجوب الإعادة بالشك فيهما، فلو وجبت الإعادة مع وقوع الوهم على غيرهما يصير التقييد لغوا

______________________________

(1) الفقيه 1: 128- 605، مستطرفات السرائر: 74- 18، الوسائل 8: 187 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 1.

(2) الكافي 3: 273 الصلاة ب 4 ح 7، الوسائل 4: 49 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 13 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 184

بالمرّة.

قلنا: هذا إنّما يفيد على حجيّة مفهوم الوصف، لأنّ مرجع الكلام إنّما هو إليها.

إلّا أنه يمكن أن يقال: إنّ أخصّية صحيحة زرارة مطلقا إنّما هي بعد إرادة الظن من الوهم في قوله «عمل بالوهم» و هو ليس بأولى من أن يراد بالعمل بالوهم العمل بمقتضى الشك من البناء على الأكثر. مضافا إلى أنّ مقتضاها

العمل بالظن في المغرب أيضا، و هو مخالف لما يضمّ مع إعادة الأوليين من الإجماع المركب. و إلى احتمال أن يكون قوله: «فمن شك» من كلام الفقيه.

و الخامس: بعدم حجيّة هذا الاستقراء.

و السادس: بأنه مبني على كون المراد بالشك ما يتساوى طرفاه، و هو خلاف ما ذكره اللغويون و ما تساعده الأخبار، فمنطوقه على خلاف المطلوب أدلّ. مع أنّه على فرض الشمول يعارض ما مرّ.

و على هذا فالقول بعدم مساواة غير الأخيرتين لهما في ذلك الحكم، بل بطلان الصلاة في غيرهما قوي جدّا، كما عن الحلّي «1»، بل قيل «2»: هو ظاهر الكليني و الفقيه و المقنعة و النهاية و المبسوط و الخلاف و المنتهى و النافع «3»، و هو ظاهر الانتصار أو محتمله «4»، و اختاره بعض مشايخنا المتأخّرين [1]. و ظاهر الأردبيلي و الذخيرة و الكفاية التردّد «5».

______________________________

[1] قوّى صاحب الحدائق 9: 208، القول بالبطلان، و قال البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط) و صاحب الرياض 1: 217: بالاحتياط بالإتمام و الإعادة، فراجع.

______________________________

(1) في السرائر 1: 245.

(2) انظر: الرياض 1: 217.

(3) الكليني في الكافي 3: 359، الفقيه 1: 225، المقنعة: 145، النهاية: 90، المبسوط 1: 121، الخلاف 1: 447، المنتهى 1: 410، النافع: 44.

(4) الانتصار: 48.

(5) الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 128، الذخيرة: 368، الكفاية: 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 185

و هذا القدر كاف في عدم ثبوت الإجماع في المسألة. و لا يضرّ شي ء من الاضطراب في بعض كلمات هؤلاء الموجب لاحتمال موافقة المشهور، لأنّ عدم ثبوت الموافقة لهم كاف لجواز مخالفتهم بالدليل.

لا يقال: رواية ابن عمّار: «إذا ذهب وهمك إلى التمام، ابدأ في كلّ صلاة فاسجد سجدتين بغير ركوع» «1».

تشمل بعمومها

الثنائية و الثلاثيّة أيضا، فتكونان صحيحتين مع الوهم.

قلنا: وهم التمام لا يكون إلّا مع الفراغ، و لا اعتبار بشكّ و لا ظنّ حينئذ أصلا. مع أنّها أيضا أعمّ مطلقا ممّا مرّ.

و مما ذكر ظهر الحكم في الأفعال أيضا، و أنّ الحقّ أنّ الظنّ فيها كالشك، وفاقا لظاهر كلّ من لم يذكر حكم الظن إلّا في الأعداد، و منهم المحقّق في النافع «2».

و لا يرد أنّ أخبار حكم الشك في الأفعال متضمّنة للفظ الشك، و صدقه على الظنّ غير معلوم.

لأنّا نجيب بأعميّته لغة عن الظن. و الحقيقة الشرعية غير ثابتة و إن لم تثبت الأعميّة في عرف الشارع أيضا كما هو الظاهر من الأخبار. مع أنّ الحكم في بعضها متعلّق بعدم الدراية الشامل للظنّ قطعا. و اختصاصه ببعض الصور- بعد عدم القول بالفرق- غير ضائر.

و خلافا للمشهور، لبعض ما مرّ مع ضعفه، و للقياس على الأعداد بالطريق الأولى. و الأولوية ممنوعة جدّا.

و عن علي بن بابويه قول آخر و هو: البطلان في الشك في الأوليين أوّلا، و البناء على ظنّه فيهما ثانيا، مع صلاة الاحتياط عند البناء على الثانية «3»، للرضوي

______________________________

(1) التهذيب 2: 183- 730، الوسائل 8: 211 أبواب الخلل ب 7 ح 2.

(2) النافع: 44.

(3) حكاه عنه في المختلف: 132.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 186

المصرّح بذلك «1».

و هو ضعيف لا يصلح لمعارضة ما مرّ. و مع ذلك موافق- على ما حكي- لقول أبي حنيفة «2». مضافا إلى شذوذه المخرج للخبر الصحيح عن الحجّية أيضا.

كما أنّ قوله الآخر، و هو: البناء على الثلاث مع صلاة الاحتياط و سجدة السهو إذا شكّ بينها و بين الاثنتين فظنّ الثلاث «3»، أيضا كذلك. و مع ذلك خال

عن المستند. و توهّم دلالة موثقة أبي بصير «4» عليه فاسد. بل هي دالّة على حكم آخر شاذّ أيضا لم يعمل به أحد، كبعض أخبار أخر دالّة على صلاة الاحتياط، أو سجدة السهو في بعض صور البناء على المظنون، أو كلّها «5». فكلّ ذلك بالشذوذ مطروح، و حملها على الاستحباب ممكن، بل منها ما لا يفيد أزيد منه أيضا.

فرع: هل يجب التروّي عند حصول الشك ليحصل اليأس عن الترجيح،

أو يترجّح أحد الطرفين فيبني عليه، أم لا؟

قيل: لا «6»، للأصل، و الإطلاقات، و عدم تقدير حدّ التروي.

و قيل: نعم «7»، لجريان العادة بالتّروي في استحصال المطالب، بل لعدم صدق الشاك و لا أدري و نحوهما إلّا بعد التروّي. و به يدفع الأصل. و الإطلاق ينصرف إلى الكامل، و هو المستقرّ لا بمجرد الخطور و البدار. و يقدّر حدّه بما يبني عليه أهل العرف أمرهم في حكمهم بأنّا شاكّون في كذا و كذا، و هو حدّ معروف

______________________________

(1) فقه الرضا (عليه السلام): 117، مستدرك الوسائل 6: 401 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 1.

(2) انظر: بدائع الصنائع 1: 165.

(3) حكاه في المختلف: 132.

(4) التهذيب 2: 185- 735، الوسائل 8: 218 أبواب الخلل ب 10 ح 7.

(5) انظر: الوسائل 8: 211 و 218 أبواب الخلل ب 7 ح 2 و ب 10 ح 8 و 9.

(6) انظر الذخيرة: 368.

(7) روض الجنان: 340.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 187

يبنى عليه في المحاورات كثيرا.

و هو الأقوى، لما أشير إليه من عدم معلومية صدق الموضوع بمجرد الخطور ما لم يتروّ شيئا ما.

و يؤيده استلزام عدمه الهرج في الصلاة، و الإشارة إليه في بعض الأخبار، كالأخبار المتضمّنة لقوله: «وقع رأيك على الثلاث» و قوله: «و إن ذهب وهمك» «و

إن وقع شكه» و أمثال ذلك. فتأمّل.

ثمَّ المتروّي لا يرتكب شيئا من أفعال الصلاة حال التروّي حتّى يبنى أمره على طرف، لعدم معلومية وظيفته. إلّا إذا كانت الوظيفة مشتركة. و لو أتى بغير المشترك بقصد الصلاة تفسد الصلاة إن كان ممّا يفسدها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 188

الفصل الرابع في بقيّة أحكام الشك و الظن و فيه مسائل:
المسألة الاولى: لا حكم للشك مع الكثرة
اشاره

اتفاقا، كما صرّح به بعض الأجلّة، و بعض آخر ممّن لحقه «1».

لصحيحة زرارة و أبي بصير: الرجل يشكّ كثيرا في صلاته حتى لا يدري كم صلّى و لا ما بقي عليه، قال: «يعيد» قلنا: فإنّه يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شكّ، قال: «يمضي في شكه» ثمَّ قال: «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم بنقض الصلاة فتطمعوه، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد، فليمض أحدكم في الوهم و لا يكثرنّ نقض الصلاة، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشك» «2» الحديث.

و لا يضرّ في الاستدلال بها قوله: «يعيد» أوّلا مع كون السؤال أيضا عمّن يشكّ كثيرا، كما أنّ السؤال عنه أيضا ثانيا، كما توهّمه المحقق الأردبيلي، و لأجله حكم بتخيير كثير الشك بين المضيّ و عدم الالتفات، و بين العمل بمقتضى الشك «3»، و احتمله في الذكرى و الذخيرة أيضا «4».

لأنّ المراد بالكثرة أولا كثرة أطراف الشك لا أفراده كما يشعر به قوله: «حتى

______________________________

(1) انظر: شرح المفاتيح للبهبهاني (ره) (مخطوط).

(2) الكافي 3: 358 الصلاة ب 43 ح 2، التهذيب 2: 188- 747، الاستبصار 1:

374- 1422، الوسائل 8: 228 أبواب الخلل ب 16 ح 2.

(3) مجمع الفائدة 3: 142 و 147.

(4) الذكرى: 223، الذخيرة: 370.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 189

لا يدري كم صلّى و لا ما بقي عليه» و بها ثانيا كثرة أفراده التي هي

محلّ البحث بقرينة قوله: «كلّما أعاد شك» و لو سلّم عدم صراحة الأول في كثرة الأطراف، فلا أقلّ من احتماله المسقط لمدافعته مع الثاني.

و كذا لا يضرّ في إفادة الوجوب الإتيان بالجملة الخبرية في قوله: «يمضي في شكّه».

لصريح النهي في التعليل بقوله: «لا تعودوا» و صريح الأمر في قوله:

«فليمض أحدكم في الوهم» المراد به الشك قطعا كما يدلّ عليه قوله: «لم يعد إليه الشك».

و صحيحة محمّد: «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك، فإنّه يوشك أن يدعك، إنّما هو من الشيطان» «1».

و هي و إن كانت متضمّنة للسهو الذي شموله للشك محلّ كلام، إلّا أنّ التعليل فيها يفيد التعميم، كما يظهر من الصحيحة السابقة و غيرها.

و موثّقة الساباطي: في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة، فيشكّ في الركوع، فلا يدري أركع أم لا، و يشكّ في السجود فلا يدري أسجد أم لا، قال:

«لا يسجد، و لا يركع» «2».

و رواية عليّ بن أبي حمزة، المتقدّمة في مسألة الشك في جميع الركعات «3»، فإنّها و إن لم يصرّح فيها بكثرة الشك، إلّا أنّ تعليله بقوله: «يوشك ..»

كالصريح في إرادتها.

و هل الحكم مختصّ بالشك؟ كما عن المعتبر و المنتهى و التذكرة و نهاية

______________________________

(1) الكافي 3: 359 الصلاة ب 43 ح 8، الفقيه 1: 224- 989، التهذيب 2: 343- 1424، الوسائل 8: 227 أبواب الخلل ب 16 ح 1.

(2) التهذيب 2: 153- 604، الاستبصار 1: 362- 1372، الوسائل 8: 229 أبواب الخلل ب 16 ح 5.

(3) راجع ص 135.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 190

الإحكام، و في المدارك «1»، بل قيل: إنّه مذهب الأكثر «2».

أو يجري في السهو أيضا؟ كما عن الشيخ و ابن زهرة و الحلّي و

في روض الجنان و الروضة و الذخيرة «3»، إمّا مطلقا أو في غير الركن، و قال بعض مشايخنا الأخباريين: الظاهر أنّه المشهور «4»، و نسبه في الذخيرة إلى كثير من الأصحاب «5»، بل يستفاد من الذكرى أن عليه ظاهر الأصحاب، حيث حكم بشمول ظاهر كلامهم لسقوط سجدة السهو و اختاره «6».

و هو الحقّ مطلقا، لصحيحة محمّد المتقدّمة، و مرسلة الفقيه: «إذا كثر عليك السهو في الصلاة فامض في صلاتك و لا تعد» «7».

و صحيحة ابن سنان: «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك» «8».

و كذا يدلّ عليه العموم المستفاد من التعليل في الصحيحة الاولى.

و بذلك يخصّص عموم ما دلّ على لزوم الإتيان بمتعلّق السهو و موجبه.

و توهّم عدم صلاحيتها للتخصيص، لأنّ المراد بالسهو فيها الشك، للاتفاق على إرادته منه، فلو أريد المعنى الحقيقي يلزم استعمال اللفظ في حقيقته و مجازه، و عموم المجاز يتوقّف على قرينة دالّة عليه، و هي مفقودة، و الاتفاق على إرادة الشك أعمّ من إرادته، لاحتمال كونه قرينة على إرادة الشك بالخصوص «9».

______________________________

(1) المعتبر 2: 393، المنتهى 1: 411، التذكرة 1: 136، نهاية الأحكام 1: 533، المدارك 4: 271.

(2) الحدائق 9: 288 و فيه: نقل بعض مشايخنا أنه مذهب الأكثر.

(3) الشيخ في النهاية: 93، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 566، الحلي في السرائر 1:

248، روض الجنان: 343، الروضة 1: 339، الذخيرة: 370.

(4) الحدائق 9: 288.

(5) الذخيرة: 370.

(6) الذكرى: 223.

(7) الفقيه 1: 224- 988، الوسائل 8: 229 أبواب الخلل ب 16 ح 6.

(8) التهذيب 2: 343- 1423، الوسائل 8: 228 أبواب الخلل ب 16 ح 3.

(9) انظر: الرياض 1: 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 191

مردود: بمنع الاتفاق المذكور.

و استدلال

بعضهم بها أيضا في المقام قد يكون لجمعه بين حكم السهو و الشك معا فيحتجّ برواياتهما. و قد يكون لاستفادة حكم الشك أيضا بالتعليل المذكور كما تقدّم منا، أو بضميمة الإجماع المركب، إذ كلّ من يقول بسقوط حكم السهو يقول به في الشك أيضا.

و لو كان صريح بعضهم أيضا الاستدلال بها لحكم الشك بخصوص إرادته من السهو لا يثبت منه اتفاق و لا حجة.

و نسبته في الصحيحة الاولى إلى الشيطان لا ترجّح إرادة الشك منه حيث إنّه المنسوب إليه في كثير من الأخبار، و السهو من لوازم طبيعة الإنسان، لأنّ السهو أيضا منه، قال اللّه سبحانه وَ إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ «1». و قال وَ ما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ «2».

و بالجملة لم يثبت اتفاق، و لم يعلم من جهة أخرى إرادة الشك من السهو في هذه الروايات أصلا لا من حيث الخصوص، و لا من حيث العموم. و بمجرّد احتمالها و قول بعض أو طائفة، لا ترفع اليد عن الحقيقة اللغوية و العرفية المعلومتين.

مع أنّه على فرض ثبوت الاتفاق يمكن ترجيح إرادة الأعمّ بكونه أقرب المجازين. و لكنّه محل نظر.

و دعوى أنّ كثرة استعمال السهو في الشك بلغت حدّا لا يمكن حمله على أحدهما بدون القرينة كما في البحار «3».

مدفوعة بالمنع، كيف؟! و غاية ما روي استعماله فيه خمس أو عشر أو ما يقربهما، و لا تثبت بذلك الكثرة الموجبة لرفع اليد عن الحقيقة.

______________________________

(1) الأنعام: 68.

(2) الكهف: 63.

(3) البحار 85: 281.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 192

هذا، مع أنّ الحجية ليست منحصرة بما يتضمن لفظ السهو، بل عموم التعليل أيضا- كما عرفت- يدلّ على المطلوب.

و القول بأنّ حمله على السهو يوجب تخصيصات كثيرة تخرجه عن

الظهور، للإجماع على وجوب الإتيان بما بقي محلّه من المتروك، و البطلان إذا كان المتروك ركنا، و قضاء ما يقضى بعد الصلاة من الأجزاء المنسية، فتنحصر فائدة نفي السهو في سقوط سجدتي السهو، و ارتكاب مثل هذا التخصيص بعيد جدّا، و أبعد بكثير من حمل السهو على خصوص الشك. مع أنّ مدلول الروايات المضيّ في الصلاة، و هو لا ينافي وجوب سجود السهو، إذ هو خارج عن الصلاة، فلا تحصل للروايات على حملها على المعنى الحقيقي فائدة، كما قاله في البحار «1».

غير جيد، إذ ليس هناك تخصيص، إذ المذكور في الأخبار «امض في صلاتك» فلو ثبتت الإجماعات المذكورة لا بدّ أن يجعل ذلك تجوّزا عن إرادة عدم الإتيان بسجود السهو، فكان عليه أن يقول: إنّ ذلك المجاز ليس بأولى من إرادة الشك من السهو. إلّا أنّ مبنى كلامه مردود بعدم ثبوت الإجماعات المذكورة، و لا دليل آخر على هذه الأمور، بل صرّح بعض مشايخنا بالمضيّ في الجميع «2»، فتكون الروايات بجميع ألفاظها باقية على حقائقها.

و لا يحتاج في تصحيح الاستدلال بالأخبار إلى ما قيل من أنّ وجوب تدارك المسهوّ عنه في الصلاة أو بعدها لا يوجب تخصيص معنى السهو، إذ ليس هو السبب في وجوب الحكم بتداركه، و إنّما هو عموم أدلّته، و سببيّة السهو ليست إلّا بالنسبة إلى سجود السهو، فلا يجب مع الكثرة و ليس فيه تخصيص. و بالجملة المراد من السهو المنفي موجبه، و هو ليس إلّا سجود السهو، و إلّا فالمسهوّ عنه ما وجب أداء و تداركا إلّا لعموم أدلّة لزوم فعله، و كذا فساد الصلاة بالسهو عن

______________________________

(1) البحار 85: 277.

(2) الحدائق 9: 295.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 193

الركن

لم ينشأ من نفس السهو، بل من حيث الترك، حتى لو حصل من غير جهته لفسدت أيضا «1».

مضافا إلى ما فيه أنّه ليس في رواياتنا نفي سهو حتى يصحّ ذلك، بل المذكور فيها: «امض في صلاتك». نعم ورد ذلك في بعض كلمات الأصحاب.

مع أنّ قوله: سببيّة السهو ليست إلّا بالنسبة إلى سجود السهو، غير صحيح، لأنّ التدارك أيضا مسبّب للسهو بأنه لولاه لما حصل التدارك، و عموم أدلّته لا يفيد إلّا وجوب الأجزاء أداء، و لذا يقتصر في التدارك على ما عليه دليل بخصوصه. و إن أراد بالأدلّة أدلّة التدارك فسجود السهو أيضا كذلك، فإنّه لا يسجد سهوا إلّا فيما عليه دليل خاص.

و بالجملة سببيّة السهو للزوم التدارك و سجدة السهو مشتركة و إن احتاج بيان سببيّته إلى التوقيف، بل و كذلك في السهو عن الركن لو قلنا بالبطلان و الفساد من غير جهته لا ينفي الفساد من جهته أيضا.

احتجّ المخالف في السهو بعموم أدلّة أحكام السهو، مع تضعيف مخصّصاتها ببعض ما ذكر بجوابه.

فروع:
أ: كثير الظن مثل كثير الشك،

فلا يلتفت إلى ظنّه لو كان مقتضاه مخالفا لحكم كثير الشك، لصدق الموضوع، فإنّ الشكّ هو خلاف اليقين، كما يظهر من الأخبار بل اللغة. و لجريان العلّة، فإنّ الظنّ أيضا لا يكون إلّا مع سهو و نسيان لا محالة، و النسيان من الشيطان، بل لا يكون إلّا مع غفلة، و الغفلة هو معنى السهو، فتشمله الأخبار المتضمّنة للسهو أيضا.

و يؤيّده أيضا قوله: «حتى يستيقن يقينا» في آخر موثقة الساباطي «2»، كما

______________________________

(1) انظر: الرياض 1: 220.

(2) التهذيب 2: 153- 604، الاستبصار 1: 362- 1372، الوسائل 8: 229 أبواب الخلل ب (16) ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 194

يدلّ على عدم

اعتبار ظنّ كثير الشك، إذ دلّت على أنّه لا يلتفت كثير الشك إلّا إذا استيقن يقينا فلا يعبأ بظنّه.

ب: المرجع في معرفة الكثرة العرف،

وفاقا للفاضل و الشهيدين «1»، و أكثر المتأخّرين «2»، بل مطلقا كما قيل «3»، لأنه المحكّم فيما لم يرد به بيان من الشرع و لا تعيين من اللغة.

و أمّا صحيحة ابن أبي حمزة: «و إذا كان الرجل يسهو في كلّ ثلاث فهو ممّن يكثر عليه السهو» «4».

فليست فيها مخالفة للعرف، إذ كلّ من لا يسلم كلّ ثلاث صلوات متتالية منه من سهو فهو كثير السهو عرفا قطعا. و صدقه على غير ذلك- كمن يسهو في ثلاث واحدة أو ثلاثين متكررا- غير ضائر، إذ ليست في الصحيحة دلالة على الحصر.

و لا يتوهّم أنّ مفهومها يدلّ عليه، لعدم اعتبار المفهوم فيه، إذ مقتضى منطوقه أنّ ما ذكر فيه بعض أفراد من يكثر عليه السهو، فيكون له بعض أفراد أخر أيضا هو ممّن لم يكن كذلك، فلو اعتبر فيه المفهوم لزم التناقض. مع أنّا نعلم قطعا عدم انحصار كثير السهو في ذلك، فعلى اعتبار المفهوم لا بدّ من ارتكاب تجوّز في قوله: «ممّن يكثر عليه السهو» بإرادة من يكون له حكم كثير السهو، أو إرادة نوع خاصّ من كثير السهو، و هو الّذي أراده الشارع، و ليس ذلك بأولى من التجوّز بعدم اعتبار المفهوم، فلا يعلم معارض للمنطوق.

و أمّا ردّ الحديث بالإجمال و تعدّد الاحتمال فليس بجيد، لكونه ظاهرا فيما

______________________________

(1) الفاضل في التذكرة 1: 136، الشهيد الأول في الذكرى: 222، الشهيد الثاني في الروضة 1:

339.

(2) كالفيض في المفاتيح 1: 180، و السبزواري في الكفاية: 26.

(3) في الرياض 1: 221.

(4) الفقيه 1: 224- 990، الوسائل 8: 229 أبواب الخلل ب

16 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 195

ذكرنا من المعنى.

و المراد بعدم خلوّ كلّ ثلاث كونه كذلك أيضا عرفا، أي يقال في العرف:

إنّه يسهو في كلّ ثلاث، لا كلّ ثلاث من أيام تكليفه أو حياته، أو من شهر أو سنة أو غير ذلك ممّا يتصور، فلا إجمال فيه من هذه الجهة أيضا، فهو ممّا يبيّن أحد المصاديق العرفية.

و له مصداقات أخر أيضا، و الظاهر صدقه على من يسهو في كلّ من صلوات خمس من يوم، أو أكثرها من يومين أو أكثر، و على من يسهو خمسا أو أكثر في صلاة واحدة. بل لا يبعد صدقه بالسهو ثلاثا في صلاة واحدة أو في ثلاث صلوات متتالية فرائض أو نوافل، فيعمل في الرابعة بعمل كثير السهو دون الثالثة، إذ الظاهر عدم صدق الكثرة إلّا بالسهو الرابع. و لو حصلت تلك الثلاث غير متتالية لم يعتدّ بها. نعم لو تكرّر أياما بحيث تصدق الكثرة عرفا تعيّن اعتبارها.

و لعلّ إلى ذلك نظر من حدّه بثلاث مرّات متتالية كابن حمزة «1»، أو في شي ء واحد ثلاث مرات، أو في أكثر الخمس كالحلّي «2».

و التحديد بالاثنين لقوله: «لا إعادة في إعادة» «3» غير صحيح، لعدم الدلالة.

و الشك كالسهو في ذلك كلّه.

و ما لم يعلم تحقّق الكثرة يعمل بمقتضى السهو أو الشك.

ج: لو كثر شكّه أو سهوه في فعل بعينه يعمل بعمل ذي الكثرة

في غيره أيضا، لصدق الكثرة، و إطلاق الأدلّة، و جريان العلّة.

نعم يشترط أن يكون الفعلان جزأي عبادة واحدة، كالوضوء أو الصلاة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 7    196     ج: لو كثر شكه أو سهوه في فعل بعينه يعمل بعمل ذي الكثرة ..... ص : 195

ّا مع تغاير نوع العبادة فلا، فكثير الشك في الصلاة لا يرفع

اليد عن حكم

______________________________

(1) الوسيلة: 102.

(2) السرائر 1: 248.

(3) انظر: الوسائل 8: 243 أبواب الخلل ب 25 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 196

الشك في الوضوء، و بالعكس، لعدم دليل على هذا التعميم، فإنّ الأخبار منحصرة في الصلاة.

نعم يستفاد التعميم من التعليل، و دلالة عمومه على مثل ذلك غير معلومة، و لو سلّمت فمفهوم الشرط في مرسلة الفقيه المتقدمة «1» يخصّص، و يثبت الحكم في غير موردها بالإجماع المركّب.

و يشترط أيضا في صدق الكثرة تعدّد الشك أو السهو، و لا يكفي تعدّد المسهوّ منه و المشكوك فيه خاصة. فلو سها عن أفعال متعدّدة متّصلة بسهو واحد، كأن يترك السجدتين و واجباتهما و التشهد من ركعة لم يكن كثير السهو.

و أمّا رواية ابن أبي حمزة فالظاهر منها- كما مرّ- كثير الشك بقرينة قوله:

«يوشك أن يدعه» «2».

مع أنّها معارضة مع صدر صحيحة زرارة المتقدّمة في صدر المسألة «3»، فلا تصير حجة علينا.

و لا يشترط كون متعلّق الشكوك ما يترتّب على الشك فيه حكم، كنقض أو تدارك أو سجود سهو، لعدم توقّف صدق كثير الشك عليه. فلو شكّ كثيرا بعد تجاوز المحل، أو في النافلة، أو مع رجحان أحد الطرفين، في الأخيرتين أو مطلقا- على اختلاف القولين- ثمَّ شكّ شكّا له حكم، سقط حكمه.

و قيل بالاشتراط، للاقتصار في موضع خالف حكم الأصل- الدالّ على لزوم حكم الشك- على المتيقّن من النصّ، و ليس إلّا شكّ كثير له حكم «4».

و فيه: منع انحصار المتيقّن إن أراد بالنصّ أعمّ ممّا هو ظاهر بحسب

______________________________

(1) في ص 190.

(2) راجع ص 135.

(3) راجع ص 188.

(4) الرياض 1: 220.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 197

الإطلاق أو العموم، و منع لزوم الاقتصار عليه

إن أريد الأخصّ منه.

د: يجب في صدق كثرة الشك و السهو تحقّق الكثير

، فلا تكفي دلالة الحال على وقوعهما كثيرا من غير تحقّق، كتشاغل قلب و كثرة همّ، للأصل و الاستصحاب، كما أنّه لو كثر شكّه لمثل تلك الحالة، ثمَّ ارتفعت بحيث يعلم انتفاء الكثرة بعد ذلك، لا يرتفع حكم كثير الشك ما لم يصلّ صلوات خالية عن الشك أيضا، لما سبق.

ه: متى حكم بثبوت الكثرة لشخص يستمرّ له حكم كثير الشك و السهو إلى أن يزول الصدق في العرف

، فيتعلّق به حكم السهو أو الشك الطارئ.

و يتحقّق زواله بزوال السهو و الشك غالبا، و عدم حصوله إمّا مطلقا أو إلّا نادرا في مدّة يعتدّ بها، بحيث يحكم في العرف أنّه غير كثير السهو أو الشك.

و قيل: زواله أن تخلو من السهو فرائض يتحقّق بها وصف الكثرة إن حدّدناها بها أو مطلقا، كما في الذكرى و روض الجنان و الروضة «1». و جزم في الموجز بزواله بتوالي ثلاث بغير شك، و في المهذّب اكتفى بواحدة «2».

و يشترط في انتفاء كثرة الشك أن يكون عدم شكّه لحالة نفسانية، فلو تكلّف كثير الشك في صلوات كثيرة بأن يعدّ الركعات بخاتم، أو يأمر شخصا خارجيا بأن يحفظ صلواته، و لذلك لم يشكّ، و كان بحيث لو خلّي و نفسه شك، لم يفد ذلك، للشك في انتفاء الصدق، فيستصحب.

و: لو شكّ أو سها في الصلاة بما له تدارك بعد الصلاة، ثمَّ شكّ ثانيا فيها ثمَّ ثالثا، ثمَّ رابعا حتى صار كثير الشك، يسقط حكم الرابع

دون ما تقدّم عليه، لاستقراره في ذمّته قبل صيرورته كثير الشك، فيستصحب.

______________________________

(1) الذكرى: 223، روض الجنان: 343، الروضة 1: 340.

(2) المهذب البارع 1: 456.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 198

ز: المراد بانتفاء الحكم عن كثير الشك، كما به صرّح جمع «1»، بل- كما قيل «2»- من غير خلاف بينهم يعرف: أنّه لا يلتفت إليه

و يبني على وقوع المشكوك فيه و إن كان في محلّه ما لم يستلزم الزيادة، و إن اشتمل على ما يبطلها في غير تلك الحال.

و إن استلزم الزيادة يبني على الصحيح. فيبني على الأكثر في الركعات طرّا حتى الأوليين و الثنائية و الثلاثية، و ليست عليه صلاة احتياط.

لأنّه المتبادر من المضيّ في الصلاة أو في الشك، الواردين في النصوص، و الموافق للتعليل المذكور فيها، إذ لو بنى على الأقلّ كان معوّدا للخبيث، و المصرّح به في موثقة الساباطي المتقدّمة في خصوص الركوع و السجود «3»، و رواية علي بن أبي حمزة في الشاك بين جميع الركعات «4»، مع عدم قول بالفصل.

و توقّف بعضهم- كالأردبيلي و الهندي- في سقوط صلاة الاحتياط، لعدم دلالة الأحاديث عليه «5».

و فيه: أنّ التعليل المذكور فيها ينفيها، لأنّ الإتيان بها يوجب تعويد الخبيث، لأنه عين الالتفات إلى الشك، بل هو يبني حقيقة على البناء على عدم الفعل. مع أنّ الظاهر أنّه إجماعي.

و مع الزيادة يبني على العدد المصحّح، لئلّا يلزم نقض الصلاة الممنوع منه في تلك الأخبار.

و لو تعدّد العدد المصحّح حينئذ كالشك بين الثلاث و الأربع و الخمس، فالظاهر البناء على الأقلّ، للأصل.

______________________________

(1) كالشهيد الأول في الذكرى: 223، و الشهيد الثاني في الروضة 1: 339، و السبزواري في كفاية الأحكام: 25.

(2) في الرياض 1: 220.

(3) راجع ص 189.

(4) المتقدمة في ص 135.

(5) الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 145، و الهندي في كشف اللثام 1: 274.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 7، ص: 199

و أمّا كثير السهو- فعلى المختار من اعتبار الكثرة فيه أيضا- فالمراد بانتفاء حكم السهو فيه- على ما صرّح به جماعة «1»- انتفاء وجوب سجود السهو عنه، دون تدارك ما يتدارك بعد الصلاة أو في أثنائها مع بقاء محلّه، أو بطلان الصلاة مع الانتقال عن المحلّ إن كان ركنا.

قيل: للإجماع على عدم سقوط هذه الأحكام، و للعمومات الدالّة على ثبوتها «2».

و منهم من احتمل انتفاء التدارك بعد الصلاة «3». و في الذكرى: جواز اغتفار زيادة الركن منه أيضا «4».

و قال بعض مشايخنا بالعموم، فقال بانتفاء جميع أحكام السهو عنه أيضا، كما في الشك «5».

و هو الظاهر من الأخبار، و المستفاد من قوله «لا تعد» في المرسلة «6».

و الإجماع المدّعى ممنوع، و إن كان في البحار مذكورا [1]، كيف؟! مع أنّ الواقع في كلام كثير من الأصحاب أنّه لا حكم للسهو مع الكثرة و إرادتهم ما ذكرناه منه محتملة بل ظاهرة.

و العمومات مخصّصة بأخبار كثير السهو، كما تخصّص عمومات أحكام الشك بأخبار كثير الشك.

نعم، لو جاز تأمّل لكان في سقوط سجدة السهو، لعدم صراحة الأخبار في نفيها. إلّا أنّ الإجماع المركّب و التعليل ينفيانها. و الاحتياط الإتيان بها، بل بصلاة

______________________________

[1] البحار 85: 280، لكن عبارته غير صريحة في ادّعاء الإجماع، فراجع.

______________________________

(1) كالشهيد في الذكرى: 223، و السبزواري في الذخيرة: 370، و صاحب الرياض 1: 220.

(2) كما في الرياض 1: 219، و قال في حاشيته: إنّ الإجماع منقول عن البحار 85: 280.

(3) الروض: 343.

(4) الذكرى: 223.

(5) انظر: الحدائق 9: 291.

(6) المتقدمة في ص 190.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 200

الاحتياط أيضا.

ح: مقتضى الأمر بالإمضاء و النهي عن تعويد الخبيث في الأخبار: أنّ الحكم المذكور لكثير الشك و السهو حتم لا رخصة

، كما هو الظاهر من الفتاوى أيضا، و على هذا فلو خالفه و

أتى بالمشكوك فيه أو المسهوّ عنه ارتكب المحرم مطلقا، و بطلت الصلاة إن كان ممّا تبطل بزيادته فيها مطلقا، أو مع حرمته.

ط: الحكم المذكور شامل لجميع أجزاء الصلاة و أفعالها

، واجباتها و مستحباتها، للإطلاق.

ي: لو شكّ كثير الشك في أصل فعل الصلاة لا يلتفت إليه

، و يبني على الفعل، كما صرّح به بعض مشايخنا المحققين «1»، و تدلّ عليه العلّة المتقدّمة.

المسألة الثانية: المصلّي جالسا فحكم شكّه حكم شك القائم

، للإطلاقات بل العمومات.

إلّا أنّه قال بعض مشايخنا المحققين «2»: لا يختار الركعتين جالسا موضع الركعة، لأنّ الركعتين نصف صلاته لا ربعها، فإن اختارهما تزيد صلاته على الأربع، بل يأتي بركعة جالسا موضع الركعتين جالسا. و لا يختار الركعتين قائما، لعدم ثبوت كونهما بدلا عن الركعتين جالسا. ففي الشك بين الثلاث و الأربع يأتي بركعة جالسا، و في الثنتين و الأربع بركعتين جالسا، و في الثنتين و الثلاث و الأربع بركعتين جالسا و ركعة كذلك.

كلّ ذلك لأنّ من لم يقدر على القيام فغير داخل فيما يتضمّن الأمر بصلاة الاحتياط قائما تخييرا أو تعيينا، فيستخرج حكمه من مثل قوله: «متى شككت

______________________________

(1) البهبهاني (ره) في شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) البهبهاني (ره) في شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 201

فابن على الأكثر، فإذا سلمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت».

أقول: حاصله أنّ أخبار صلاة الاحتياط قائما لا يمكن شمولها للمورد، فيرجع فيه إلى عموم: «ما ظننت أنّك نقصت».

و فيه: أنّه لو سلّم ذلك، فلا شكّ أنّ الأخبار المتضمنة للصلاة جالسا فقط شاملة له، فما وجه تنصيف صلاة الجالس؟.

فإن قلت: انصراف هذه الأخبار إلى المورد غير معلوم، لكونه الفرد النادر.

قلنا- مع أنّ أكثرها عمومات-: يرد مثله في جميع أخبار حكم الشك.

و التحقيق أنّه كما يحتمل رفع اليد عن أخبار تفصيل صلاة الاحتياط لما ذكر، و الرجوع إلى عمومات إتمام «ما ظننت أنّك قد نقصت» كذلك يحتمل العمل بأخبار صلاة الاحتياط، و الرجوع فيما حكم فيه بالقيام إلى حكم العاجز عن القيام، فيحكم بشمولها للعاجز أيضا و إن تضمّنت الأمر بالقيام، لبيان

حكم من حكمه القيام، و لا يقدر عليه.

و هنا احتمالان آخران: من جهة أنّ من أخبار تفصيل صلاة الاحتياط ما لا يتضمّن إلّا الصلاة جالسا، فيحكم بعموم هذه للقادر و غيره، و يرجع فيما تضمّنت القيام إمّا إلى أخبار حكم العاجز، و إمّا إلى عمومات إتمام ما ظنّ أنّه نقص. و الأوجه هذا الوجه، لعدم مخصّص للأخبار المتضمّنة لصلاة الاحتياط جالسا، و اختصاص ما تضمّن القيام منها بالقادر، فيرجع إلى العمومات، لعدم عموم في أخبار حكم العاجز بحيث يشمل المورد أيضا البتة، فتدبّر.

المسألة الثالثة: لو شكّ في شي ء من أجزاء الصلاة بعد الفراغ منها-

المتحقّق بالتسليمة الاولى من التسليمتين الأخيرتين- لم يلتفت إليه و مضى، سواء كان شكّا في الأعداد أو الأفعال، لما مرّ من أخبار عدم الالتفات إلى الشكّ بعد الدخول في غيره، و لصحيحتي محمّد، إحداهما: في الرجل يشك بعد ما انصرف من صلاته،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 202

فقال: «لا يعيد و لا شي ء عليه» «1».

و الأخرى: «كلّ ما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض و لا تعد» «2».

المسألة الرابعة: لو شكّ في أصل الصلاة هل أتى بها أم لا

، فإن كان في وقتها وجب الإتيان بها، و إن كان قد خرج وقتها لم يلتفت إلى شكّه، صرّح به في الذكرى «3»، بل هو المشهور في الحكمين، كما في البحار «4».

و يدلّ على الأوّل: قيام السبب و أصالة عدم الفعل.

و على الثاني: ما مرّ من عمومات عدم الالتفات إلى الشك بعد مضيّه أي:

مضيّ وقته، أو بعد الخروج عن موضعه.

مضافا فيهما إلى صحيحة زرارة و الفضيل: «و متى ما استيقنت أو شككت في وقتها أنّك لم تصلّها، أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها صلّيتها، فإن شككت بعد ما خرج وقت الفوت فقد دخل حائل، فلا إعادة عليك من شك حتى تستيقن، فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حال كنت» «5».

و أمّا ما رواه في السرائر عن كتاب حريز: «فإن شكّ في الظهر فيما بينه و بين أن يصلّي العصر قضاها، و إن دخله الشكّ بعد أن يصلّي العصر فقد مضت إلّا أن يستيقن، لأنّ العصر حال فيما بينه و بين الظهر، فلا يدع الحائل لما كان من

______________________________

(1) التهذيب 2: 348- 1443، الاستبصار 1: 369- 1404، الوسائل 8: 246 أبواب الخلل ب 27 ح 1.

(2) التهذيب 2: 352- 1460، الوسائل 8: 246 أبواب

الخلل ب 27 ح 2.

(3) الذكرى: 130.

(4) البحار 85: 190.

(5) الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 10، التهذيب 2: 276- 1098، الوسائل 4: 282 أبواب المواقيت ب 60 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 203

الشكّ إلّا بيقين» «1».

فمقتضاه و إن كان عدم الفعل مع الشك في الوقت أيضا إذا دخل في صلاة أخرى، و هو أيضا مقتضى أخبار المضيّ بعد دخول الغير، إلّا أنّه- كما في البحار «2»- خلاف فتوى الأصحاب. و مع ذلك يعارض الصحيحة بالعموم من وجه، و الأصل مع عدم الفعل.

المسألة الخامسة: من شكّ في ركعة أنّها رابعة الظهر أو أوّل العصر أتّمها ظهرا

، ثمَّ صلّى بعده العصر، للأصل و الاستصحاب.

و كذا من شكّ في ركعة أنّها رابعة الظهر أو العصر، أو أولى الظهر أو العصر، و كذا في جميع الفرائض، لما ذكر، كما صرّح به بعض مشايخنا المحقّقين.

و كذا الحال في النوافل. و كذا لو دخل في فريضة و شكّ في ركعة أنّها هل هي من الفريضة، أو أتمّها و شرع في النافلة، أو بالعكس فيبني على الاولى التي دخل أوّلا فيها، و يأتي بعده باللاحقة.

المسألة السادسة: لو تحقّقت نيّة الصلاة و شكّ هل نوى الندب مثلا أو الفرض، أو الظهر أو العصر، أو الأداء أو القضاء، فالظاهر البطلان

، كما صرّح به جماعة «3».

هذا إذا تعدّدت الصلوات التي أمر بها، و لو اتّحدت الصلاة و ما كان مقصوده، و شكّ فيما أخطره بالبال فلا يضرّ.

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 75- 20، الوسائل 4: 283 أبواب المواقيت ب 60 ح 2.

(2) البحار 85: 190.

(3) كالشهيد الثاني في روض الجنان: 337، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 101، و السبزواري في الذخيرة: 362.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 204

المسألة السابعة: لو ظنّ بعد الصلاة نقصا في الصلاة، فحكمه عند من يلحق الظنّ بالعلم مطلقا واضح.

و أمّا على المختار من اختصاص اعتبار الظنّ بمواقع خاصّة، و الرجوع في البواقي إلى حكم الشك فيشكل الأمر، إذ الرجوع فيها إليه لتعلّق هذه الأحكام بعدم الدراية، الصادق على الظانّ أيضا كلا أو بعضا بضميمة الإجماع المركّب، و في المورد لم يتعلّق حكم بعدم الدراية، إلّا أن يتمسّك بشمول لفظ الشكّ للظنّ لغة كما مرّ، إلّا أنّ ترتّب الحكم عليه فقط لا يخلو عن إشكال، و مقتضى أصل الاشتغال بالصلاة الإعادة لو تعلّق الظّن بالمبطل. نعم، إن كان الموهوم النقص أو البطلان فالظاهر الصحّة و المضي، لأنّه كذلك مع الشك فمع الوهم أولى.

و الحاصل: أنّ المظنون إن كان ما يوجب البطلان مع العلم يعيد، إلّا إذا صار كثير الظّن.

و إن كان ما لا يلتفت إليه مع العلم، فكذلك هنا، للأولوية.

و إن كان ما يوجب التدارك مع العلم، فالظاهر الصحّة للأولوية، و عدم التدارك للأصل، فإنه كانت صلاته صحيحة و لو لم يتدارك.

المسألة الثامنة: قد صرّح الأصحاب بأنّه: لا سهو في سهو.
اشاره

و الأصل فيه صحيحة البختري: «ليس على الإمام سهو، و لا على من خلف الإمام سهو، و لا على السهو سهو، و لا على الإعادة إعادة» «1».

و مرسلة يونس: «و لا سهو في سهو» «2».

______________________________

(1) الكافي 3: 359 الصلاة ب 43 ح 7، التهذيب 2: 344- 1428، الوسائل 8: 240 و 243 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 و 25 ح 3 و 1.

(2) الكافي 3: 358 الصلاة ب 43 ح 5، الوسائل 8: 243 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 25 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 205

و لكن في كلّ من العبارتين إجمالا من حيث المراد من السهو في الموضعين، و المراد من السهو الثاني بخصوصه باعتبار

احتمال الحذف و عدمه في السهو، و المراد من نفي السهو.

أمّا الأوّل: فباعتبار احتمال إرادة الشك منه، أو النسيان، أو الأعم، و لأجله تحصل احتمالات تسعة: نفي الشك في الشك، و في السهو بالمعنى الأخص، و في الأعم، و نفي السهو كذلك، و نفي الأعمّ كذلك.

و أمّا الثاني: فباعتبار احتمال إرادة نفس السهو بأحد معانيه الثلاثة عنه، أو إرادة مسبّبه و موجبه، كالتدارك، أو صلاة الاحتياط، أو سجدة السهو، فهذه ثمانية عشر احتمالات.

و أمّا الثالث: فباعتبار عدم إمكان إرادة الحقيقة من النفي، و مجازه هنا متعدّد من عدم الالتفات، أو عدم الموجبيّة، بالكسر، أو غير ذلك.

فالاستدلال بالحديثين في شي ء من الموارد غير ممكن. و الحمل على الجميع باطل، لاستلزامه استعمال اللفظ في حقيقته و مجازه، بل استلزام التقدير و عدمه.

و لو فرض ترجيح بعض المعاني:

كحمل السهو على معناه الحقيقي، لأصالة الحقيقة.

أو على الشك، لحمل جمع من الفقهاء عليه، مع ظهوره في الجملة من السياق.

أو حمل السهو الثاني على المسبّب و الموجب، لكون نفي السهو في السهو نفسه مقتضى الأصل، فلا يحتاج إلى النصّ، و المحتاج إليه إنّما هو حكم الشك في موجبه، لمخالفته الأصل الدال على لزوم تحصيل المأمور به على وجهه، و لا يتمّ إلّا مع عدم الشك، مضافا إلى إطلاق ما دلّ على لزوم تدارك المشكوك مع بقاء المحلّ، و التأسيس أولى من التأكيد، و الظاهر إرادة إثبات حكم مخالف للأصل، مضافا إلى تصريح بعضهم «1» بأنّه مراد الفقهاء.

______________________________

(1) منهم العلّامة في المنتهى 1: 411.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 206

فلا شكّ [1] في عدم خروج الكلام عن الإجمال بعد أيضا، مع أنّ إثبات الترجيح ببعض ما ذكر غير تامّ.

فاللازم رفع اليدين

عن الحديثين و الكلام في كلّ من الاحتمالات الثمانية عشر بخصوصه.

ثمَّ بعد ملاحظة أنّ ببيان حكم كلّ من السهو و الشك يظهر حكم احتمالات المعنى الأعم، يبقى اللازم بيان حكم ثمانية احتمالات، و هي التي ذكرها طائفة من متأخّري المتأخّرين «1».

فنقول:

الاحتمال الأوّل: أن يشكّ في نفس الشك،

بأن شكّ في أنّه هل شكّ أم لا.

فقيل: لا يلتفت إليه «2»، لأصالة عدمه.

و قيل: إن كان زمان الشكّين واحدا فهو شاكّ في أصل الفعل، فيحكم بمقتضاه. و إن كان في زمانين فإن كان في هذا الزمان أيضا شاكّا فيما شكّ في شكّه فكالأوّل، و إلّا فيحكم بمقتضى علمه و جزمه، و لا يتيقّن بالشكّ السابق، و الأصل عدمه «3».

و لا يخفى أنّ الظاهر من الشك في الشك هو ما كان في زمانين دون الأوّل.

و البناء فيه على اليقين منه بإطلاقه غير جيّد. و أصالة عدم الشكّ غير تامّة، لأصالة عدم اليقين أيضا، لأنّ كلا منهما حادث، لأنّ الموجود سابقا هو اليقين بفعل آخر غير ما شكّ في الشك فيه.

______________________________

[1] جواب لقوله: و لو فرض ترجيح بعض المعاني.

______________________________

(1) منهم المجلسي في البحار 85: 257، و صاحبا الحدائق 9: 259، و الرياض 1: 220.

(2) انظر: الروضة 1: 340، و نسبه في البحار 85: 257 إلى الأصحاب.

(3) البحار 85: 257.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 207

و التحقيق: أنّ الشكّ السابق المشكوك فيه إمّا في الأفعال، أو الأعداد.

و الأوّل إمّا تجاوز محلّه لو كان شكّ، أولا.

فعلى الأوّل، كأن شكّ بعد القيام في أنّه هل شكّ قبله في السجود و لم يعد، أم لا، أو يشك في العود أيضا. و يتعارض فيه أصل عدم الشك فيه مع أصالة عدم اليقين بفعله أيضا، فلا حكم لذلك الأصل. و

لكن يمضي لأصول أخر، لأنّ شكّه إن كان في الشكّ مع اليقين بعدم العود عمدا و تبطل صلاته [إن كان شك ] «1»، فالأصل الصحّة. و إن كان في الشك مع اليقين بعدم العود سهوا، إن كان شكّ، فالأصل عدم وجوب عود عليه و صحّة صلاته. و إن كان مع الشك في العود أيضا، فلمضيّ محلّ العود المشكوك فيه، و أصالة عدم وجوب عود آخر و صحّة صلاته.

و على الثاني، كأن شكّ في آخر التشهّد في أنّه هل شكّ في ابتدائه في إحدى السجدتين- على القول بعدم تجاوز المحلّ بدخول التشهّد- فإن كان حينئذ باقيا على الشكّ أيضا يعود. و إن تيقّن الفعل يسقط حكم الشكّ الأوّل قطعا.

و إن كان في الأعداد، كأن يشكّ في الرابعة في أنّه هل شكّ سابقا و بنى على عدد هذه رابعته فتجب صلاة الاحتياط، أو هذه رابعة واقعيّة فلا تجب، و الأصل حينئذ عدم وجوب صلاة الاحتياط. و لا تعارضه أصالة الاشتغال بالصلاة، لوجوب إتمام الصلاة بهذه الرابعة على التقديرين، و الأصل براءة الذمّة عن الزائد.

و لو شكّ في أنّه هل شكّ سابقا، و على الشك هل بنى على ما يقتضيه أم لا، فلا يلتفت إليه، لمضيّ المحل.

و هنا شقوق أخر:

أحدها: أن يشكّ في أنّ ما فيه شكّ أو ظنّ. و الظاهر البناء على الشك،

______________________________

(1) أضفناه لاستقامة المتن.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 208

إذ ما دام في هذا الشك فهو لا يتيقّن بترجيح أحد الطرفين فهو شاكّ. أو في أن ما سبق هل كان شكّا أو ظنّا. و الظاهر عدم الالتفات إليه إن بنى أوّلا على أحدهما و أتى بمقتضاه.

و ثانيها: أن يشكّ في المشكوك فيه، كأن يشكّ في

أنّ ما شكّ فيه هل هو السجدة أو التشهّد. فإن علم أنّه بنى على أحدهما و أتى بمقتضاه فقد مضى. و إن لم يعلم ذلك، فإن بقي محلّهما فيأتي بهما، لأنّه حينئذ شاك فيهما، و إن تجاوز فلا يلتفت إليه.

و ثالثها: أن يشكّ بعد الفراغ و إرادة التدارك في المشكوك فيه، كأن يشكّ في أنّ الشك هل كان بين الاثنتين و الأربع، أو الثلاث و الأربع حتّى يأتي بصلاة الاحتياط بمقتضى ما شكّ. و الظاهر وجوب الإتيان بوظيفتهما معا، مع التداخل إن أمكن و بدونه إن لم يمكن، لأصل الاشتغال.

الاحتمال الثاني: أن يشكّ في موجب الشك

- بالفتح- كأن يشكّ في صلاة الاحتياط أو سجدة السهو.

فإن كان الشك في أصل فعله، كأن يشكّ أنّه هل أتى بسجدة السهو، أو صلّى الاحتياط أم لا. و الظاهر وجوب فعله، لأصالة عدم فعله.

و إن كان في عدد أحدهما، أو فعل من أفعاله، فالمصرّح به في كلام كثير منهم عدم الالتفات إليه، و البناء على الفعل «1»، بل قيل: ظاهر الأصحاب الاتّفاق عليه «2»، و استدلّوا بالروايتين السابقتين.

و عن الأردبيلي الميل إلى البناء على الأقلّ و عدم الفعل، لأصالة عدم

______________________________

(1) انظر: المنتهى 1: 411، و التنقيح 1: 362، و الحدائق 9: 269، و الرياض 1: 220.

(2) الحدائق 9: 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 209

الفعل «1».

و هو قويّ جدّا، لما عرفت من إجمال الروايتين، و عدم ثبوت الاتّفاق المدّعى علينا. إلّا إذا كان قد خرج من موضع المشكوك فيه، فلا يلتفت إلى الشك، لما مرّ.

و من هذا الاحتمال ما لو علم أنّه شكّ في السجدة قبل تجاوز المحلّ، أو بين الاثنتين و الثلاث مثلا، و كان موجب الأوّل العود، و موجب الثاني البناء على

الثلاث، و شكّ في أنّه هل أتى بالسجدة أم لا، أو هل بنى على الثلاث أم لا، مع علمه بأنّ ما فيه حينئذ الركعة الأخيرة مثلا. و الظاهر عدم الالتفات، للدخول في الغير. إلّا أن يكون في موضعه، فيأتي بالموجب المشكوك فيه، فيسجد في الأوّل، و يبني على الثالث في الثاني.

الاحتمال الثالث: الشك في السهو نفسه

، بأنّ يشكّ في أنّه سها أم لا. فإن كان بعد الصلاة لا يلتفت إليه. و إن كان في أثنائها فهو حقيقة شكّ في الفعل الذي شكّ في السهو فيه، فيأتي به مع عدم الدخول في الغير، و يمضي مع الدخول فيه.

الاحتمال الرابع: أن يشك في موجب السهو- بالفتح

- كأن يشكّ في السجدة أو التشهّد المنسيين، اللذين يقتضيهما بعد الصلاة، أو في سجدة السهو.

فإن كان الشك في الإتيان بها يأتي بلا خلاف، كما قيل «2».

و إن كان في بعض أجزائها فعلا أو عددا، فقيل: يبني على الفعل «3»، بل

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 3: 136.

(2) الحدائق 9: 264.

(3) كما في الحدائق 9: 264.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 210

هو ظاهر الأكثر، للخبرين المذكورين. و بعد ما عرفت من إجمالهما تعلم وجوب الإتيان به، إلّا فيما دخل في غيره.

و من هذا الاحتمال ما لو شكّ في أثناء الصلاة أنّه هل تدارك ما سها فيه و تذكّر قبل تجاوز المحلّ، و يجب عليه الإتيان به لو كان ذلك في المحلّ، و المضيّ لو تجاوز عنه أي المحلّ المعتبر في الشكّ، و هو الدخول في الغير. فلو شكّ في حال القراءة أنّه هل أتى بالسجدة التي سها فيها و تذكّر بعد القيام أم لا، فيمضي.

الاحتمال الخامس: السهو في نفس الشك،

كأن شكّ في شي ء قبل الدخول في غيره، ثمَّ نسي الشك و مضى، فقيل: إنّه لا يلتفت إليه إن تذكّر بعد تجاوز المحلّ، و يأتي به إن كان المحل باقيا «1».

أقول: إن أراد بتجاوز المحلّ ما يعتبر في السهو، و هو الدخول في ركن آخر، فهو صحيح. و إن أراد ما يعتبر في الشك ففيه نظر، لأنّ بعد الشك قبل الدخول في الغير وجب عليه المنسي. فإذا سها عنه يأتي به ما لم يدخل في ركن آخر، للعمومات الواردة في النسيان.

و التنظر في شمولها للمورد، لأنّها وردت في أجزاء الصلاة الأصليّة و هذا ليس منها.

غير وارد، لأنّ ذلك أيضا من أجزاء الصلاة الأصليّة، لأصالة عدم فعله.

الاحتمال السادس: السهو في موجب الشك،

كأن يسهو في شي ء من أفعال صلاة الاحتياط، أو سجدتي السهو.

و لا ينبغي الشكّ في عدم وجوب سجدة سهو للسهو في سجدة السهو.

______________________________

(1) انظر: الحدائق 9: 269.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 211

و أمّا لصلاة الاحتياط، فقيل: لا تجب أيضا، بل هو الأشهر، للأصل، و عدم معلوميّة شمول الأدلّة لمثل ذلك السهو أيضا، بل الظاهر منها السهو في أصل الفرائض «1».

و فيه تأمّل، لإطلاق الأدلّة. فوجوبها أظهر. و الإجماع على العدم غير معلوم، بل ظاهر بعض مشايخنا عدمه، حيث نسب عدمه إلى الأشهر الأظهر «2».

و أمّا نفس الفعل المسهوّ عنه، فيأتي به قطعا إن تذكّر قبل التجاوز عن محلّه، بمعنى عدم الدخول في غيره، للأمر بهذه الأفعال، فيجب الإتيان بها.

و كذا إن دخل في غيره ما لم يفرغ عن العمل في سجدة السهو، فيرجع و يأتي بالمسهوّ عنه، ثمَّ بما بعده. و إن فرغ عنها فيعيدها من رأسها، مع احتمال إعادة المسهوّ عنه مع ما بعده خاصّة حينئذ

أيضا.

و أمّا في صلاة الاحتياط، فالظاهر أنّها كالأصل، فيفعل كما يفعل في الأصل، لإطلاق أدلّته، و عدم تيقّن الاختصاص بالأصل، و كذا في قضاء الأجزاء المنسيّة.

و من السهو في موجب الشك السهو فيما يفعله بعد الشك فيه قبل تجاوز محلّه، كالسجدتين قبل استتمام القيام إذا ترك واحدا منهما، أو الطمأنينة، أو الذكر فيهما سهوا. و الظاهر أنّ حكمه حكم السهو فيما سها عنه في الأصل، لأنّه منه أيضا.

الاحتمال السابع: أن يسهو في نفس السهو

بأن ينسى تدارك ما نسيه و تذكّر في المحلّ و نسي نسيانه، فإن تذكّر ثانيا قبل تجاوز المحلّ أتى به، و إلّا مضى و قضاه إن كان له قضاء، و تبطل الصلاة إن كان ذلك مبطلا.

______________________________

(1) انظر: البحار 85: 265.

(2) انظر: الحدائق 9: 265.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 212

و من ذلك يظهر أنّه لا يترتّب على السهو هنا حكم جديد، بل ليس حكمه إلّا حكم السهو في نفس الفعل.

الاحتمال الثامن: أن يسهو في موجب السهو

كأن يسهو عن قضاء الأجزاء المنسيّة، أو سجدة السهو، و يأتي بما نسيه إذا تذكّر.

و منه أيضا السهو في التدارك في الأثناء قبل تجاوز المحل، كما ذكر في السابق.

و منه السهو عن أجزاء الفعل المتروك الذي يجب تداركه، و حكمه حكم نفس الفعل.

و منه السهو عن أجزاء الفعل الذي يقضيه بعد الصلاة، كالسجدة، أو التشهّد، أو عن أجزاء سجدة السهو.

فقيل فيه: بعدم الالتفات «1»، و قيل: هو كالسهو في أجزاء الصلاة «2».

و هما ضعيفان. و قوله: «لا سهو في سهو» الذي هو مستند الأوّل مجمل، كما عرفت. فالتحقيق الإتيان بالمسهوّ قبل الفراغ عمّا هو جزؤه، و إعادته بعده.

المسألة التاسعة:

مقتضى قوله في الصحيحة المتقدّمة: «لا إعادة في إعادة» «3» أنّه لو أعاد الصلاة لما يوجبها كالشك في الأوليين، و نحوهما، ثمَّ شكّ فيها أو سها بما يوجب الإعادة لا يعيدها، فهو كذلك.

و الاحتمالات الأخر التي ذكروها لمعنى العبارة خلاف الظاهر. و الإجماع

______________________________

(1) كما في الدروس 1: 200، و المسالك 1: 42.

(2) كما في البحار 85: 267.

(3) راجع ص: 204.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 213

على خلافه، أو الشهرة الموجبة للشذوذ غير ثابت. و أمر الاحتياط واضح.

المسألة العاشرة: يرجع كلّ من الإمام و المأموم إلى الآخر لو شكّ و حفظ عليه الآخر
اشاره

، بلا خلاف بين الأصحاب، كما صرّح به جماعة «1». و قال جمع: إنّه مقطوع به في كلام الأصحاب «2»، بل قال بعض الأجلّة باتّفاق الأصحاب.

للصحيحة المتقدّمة «3»، و صحيحة علي: رجل يصلّي خلف الإمام لا يدري كم صلّى، هل عليه سهو؟ قال: «لا» «4».

و مرسلة يونس: عن الإمام يصلّي بأربعة أنفس، أو خمسة أنفس، فيسبّح اثنان على أنّهم صلّوا ثلاثا، و يسبّح ثلاثة على أنّهم صلّوا أربعا، و يقول هؤلاء: قوموا، و يقول هؤلاء: اقعدوا، و الإمام مائل مع أحدهما، أو معتدل الوهم، فما يجب عليه؟ قال: «ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتّفاق «5» منهم، و ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام، و لا سهو في سهو، و ليس في المغرب و الفجر سهو، و لا في الركعتين الأوليين من كلّ صلاة، و لا في نافلة، فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه و عليهم في الاحتياط الإعادة و الأخذ بالجزم» «6».

و المراد بالسهو هنا الشك، كما يستفاد من قرائن المقام و سياق الكلام.

______________________________

(1) كالفيض في المفاتيح 1: 179، و صاحبي الحدائق 9: 268، و الرياض 1:

221.

(2) كما في المدارك 4: 269، و الذخيرة: 369.

(3) في ص: 203.

(4) التهذيب 2: 350- 1453، الوسائل 8: 239 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 1.

(5) هذا موافق لنسخة الوافي ج 8: 1000 باب من لا يعتدّ بسهوه، و كذلك موافق للفقيه، و أما في النسخة المطبوعة من الكافي و التهذيب. «بإيقان».

(6) الكافي 3: 358 الصلاة ب 43 ح 5، التهذيب 3: 54- 187، الوسائل 8: 241 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 8، و رواها في الفقيه 1: 231- 1028 عن نوادر إبراهيم بن هاشم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 214

و بما تتضمّنه الأخيرة من اشتراط حفظ المرجوع إليه في رجوع الآخر و نفي الشك عنه، يقيّد إطلاق البواقي، مع أنّه بدون الحفظ لا معنى للرجوع.

و مقتضى عموم الأخبار رجوع الشاك منهما إلى المتيقّن مطلقا، سواء كان الشك في الركعات، أو الأفعال، و سواء كان موجبا للاحتياط، أو التدارك في المحلّ، أو سجدة السهو، أو الإبطال. و بالأوّل و الأخير تصرّح الصحيحة الثانية.

و سواء كان في الرباعيّة أو غيرها.

و بها تخصّص الأخبار الآمرة بالإعادة في بعضها، و بالتدارك في آخر، و بالبناء على أحد الطرفين في ثالث.

و لا يضرّ كون أخبار المسألة أعمّ من وجه من كلّ من هذه الفرق الثلاث، لأنّها و إن كانت كذلك إلّا أنّ معارضتها لا تختصّ بفرقة منها حتى يجوز تخصيص كلّ منهما، بل هي معارضة مع الجميع، فالجميع في طرف و أخبار المسألة في طرف آخر، و أخصّ مطلقا من الجميع.

و لو لوحظت معارضته مع كلّ و جاز تخصيصها به لزم إمّا الترجيح بلا مرجّح إن خصّت بفرقة دون أخرى، أو طرح أخبار

المسألة بالمرّة.

و لا تجب حينئذ صلاة احتياط، و لا سجدة سهو، للأصل و اختصاص أدلّة وجوبهما بصورة البناء على أحد الطرفين.

فروع:
أ: لا ريب في حكم المذكور مع شكّ أحدهما و يقين الآخر

، فيرجع الشاك إلى المتيقّن.

و هل يرجع الشاكّ إلى الظانّ، أو الظانّ إلى المتيقّن، أم لا؟.

الظاهر في الأول: لا، و في الثاني: نعم.

أمّا الأوّل فللأصل، و اختصاص الرجوع- كما عرفت- بحفظ المأموم الظاهر في اليقين، و عدم سهو الإمام، و السهو شامل للظن أيضا قطعا، لا سيّما

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 215

مع ملاحظة ما في نسخ التهذيب و الكافي من المرسلة من لفظ «الإيقان» مكان «الاتفاق» كما في الفقيه.

و أما الثاني فلإطلاق الصحيحة الثانية بضميمة الإجماع المركب، و لأن السهو شامل للظن أيضا، كما يستفاد من صحيحة محمّد، حيث قسّم فيها السهو على قسمين و قال: «و من سها» ثمَّ فصّل حكمه بأنّه إن اعتدل شكه كذا، و إن ذهب وهمه إلى الأربع كذا «1»، و غيرها من الأخبار، و من كلام بعض أهل اللغة.

و لرواية محمّد بن سهل: «الإمام يتحمّل أوهام من خلفه إلّا تكبيرة الإحرام» «2».

و يدخل في الأوهام الظنّ، لإطلاقه عليه في الأخبار بل في كلام اللغويين «3»، و معنى تحمّله أوهامهم: أنّهم يتركون أوهامهم و يرجعون إلى يقين الإمام. و إذا ثبت الحكم فيه ثبت في العكس أيضا بالإجماع المركب.

و قد يستدلّ أيضا بأنّ اليقين أقوى من الظنّ فيجب الرجوع إليه «4».

و فيه: أنّه أقوى منه إذا لوحظا في واحد. و أمّا مع تعدّد المحلّ فلا نسلّمه، بل ربما كان ظنّ شخص له أقوى من يقين غيره.

خلافا في الموضعين لبعضهم، فقيل برجوع الشاكّ إلى الظانّ، لأنّ الظن في باب الشك في الصلاة بمنزلة اليقين «5».

و فيه: منع المنزلة

بالنسبة إلى غير الظانّ.

و قيل بعدم رجوع الظانّ إلى المتيقّن، للأصل، و عموم ما دلّ على تعبّد

______________________________

(1) الكافي 3: 352 الصلاة ب 40 ح 5، الوسائل 8: 217 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 4.

(2) الفقيه 1: 264- 1205، التهذيب 3: 277- 812، الوسائل 8: 240 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 2، و في الجميع: الافتتاح، بدل: الإحرام.

(3) انظر: المصباح المنير: 674، و لسان العرب 12: 644.

(4) كما في الروض: 342.

(5) كما في الروضة 1: 341، و المفاتيح 1: 179، و الذخيرة: 369، و الحدائق 9: 270.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 216

المصلّي بظنّه مطلقا، أو في الأعداد كذلك، أو في الأخيرتين، على اختلاف الأقوال.

و التخصيص يحتاج إلى دليل و ليس. و شمول الوهم في الخبر و السهو في الأخبار للظنّ غير معلوم «1».

و الأصل يردّ بما مرّ. و العموم يخصّص به. و منع شمول الوهم و السهو للظنّ ضعيف، كما يستفاد من تتبّع الأخبار و اللغة. و لو سلّم فشمول عدم الدراية- الواردة في الصحيحة الثانية «2»- له، لا يقبل المنع. و ضمّ الإجماع المركّب إليها يعمّم المطلوب.

هذا إذا لم يحصل من يقين الآخر للظانّ يقين، و إلّا فيرجع إليه البتة، بل لم يحصل له ظنّ أقوى من ظنّه، و إلّا فالظاهر عدم الخلاف في رجوعه إلى يقينه أيضا، و طرح ظنّه فيما يرجع فيه إلى الظنّ لحصول الظنّ لنفسه، فيرجع إليه لأجل ذلك و إن لم يرجع لكونه يقين الآخر.

بل و كذا في الموضع الأوّل فيرجع الشاكّ إلى الظانّ إذا حصل ظنّ له من ظنّه، لما مرّ بعينه. و لكن الثمرة في هذا الموضع قليلة، إذ درك

كون الآخر ظانّا في أثناء الصلاة متعذّر جدّا.

ب: مقتضى إطلاق الأخبار و كلام الأصحاب عدم الفرق في رجوع الإمام

الشاكّ أو الظانّ إلى المأموم المتيقّن بين كون المأموم ذكرا أو أنثى، عادلا أو فاسقا، واحدا أو متعدّدا، مع اتفاقهم يحصل اليقين أو الظنّ بقولهم أو لم يحصل، بل و كذا لو كان صبيّا مميزا، لإطلاق قوله: «من خلفه».

و أمّا غير المأموم فلا تعويل عليه و إن كان عدلا، للأصل. نعم لو أفاد قوله الظنّ رجع إليه لذلك فيما يعتبر فيه الظنّ، لا لكونه مخبرا.

ج: لو شكّ الإمام و المأموم معا

، فإمّا يتّحد محلّه كما إذا شكّا بين الثلاث

______________________________

(1) انظر: الذخيرة: 369، و الحدائق 9: 270، و الرياض 1: 221.

(2) و هي صحيحة علي المتقدّمة في ص 213.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 217

و الأربع، فيلزمهما حكمه.

أو يختلف، فإن كان لأحدهما متيقّن وجب الرجوع إليه لما مرّ، كما إذا شكّ أحدهما بين الاثنتين و الثلاث و الآخر بين الثلاث و الأربع، فيبنيان على الثلاث، لأنّ المأموم متيقّن فيه و الإمام شاكّ، كما أنّ الإمام متيقّن بانتفاء الأربع و المأموم شاكّ (و لا فرق في ذلك بين كون شكّ أحدهما موجبا للبطلان و عدمه) «1».

و لو كان الباقي بعد أخذ المتيقّن أيضا شكّا في محلّ واحد يؤخذ بالمتيقّن و يلزمهما حكم الشك، كما إذا شكّ أحدهما بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، و الآخر بين الثلاث و الأربع.

و إن لم يكن لأحدهما متيقّن كما إذا شكّ أحدهما بين الاثنتين و الثلاث، و الآخر بين الأربع و الخمس، تعيّن الانفراد و لزم كلا منهما العمل بمقتضى شكّه.

و كذا الحكم لو تعدّد المأمومون و اختلفوا هم و إمامهم، فيرجع الجميع إلى المتيقّن إن وجد، و إلى الانفراد إن لم يوجد.

د: لو كان كلّ من المأموم و الإمام موقنا أو ظانّا بخلاف ما تيقّنه الآخر أو ظنّه،

ينفرد المأموم و يعمل كلّ منهما بمقتضى يقينه أو ظنّه.

ه: لو اختلف المأمومون بأن كان بعضهم متيقّنا و بعضهم شاكّا

، فإن كان الإمام موافقا للموقنين رجع الشاكون اليه، و الوجه ظاهر.

و إن كان شاكّا قيل: يرجع إلى الموقنين لما مرّ، و الشاكّون إليه «2».

و لا شكّ فيه إن حصل الظنّ للشاكّين. و إلّا ففيه نظر، لأصالة عدم الرجوع إلى الغير، و عمومات أحكام الشك، و اختصاص المرسل الدالّ على الرجوع بصورة اتّفاق المأمومين و لو في بعض النسخ، لوجوب الاقتصار في الحكم المخالف للأصل على المتيقّن، و ليس إلّا صورة الاتّفاق. سيّما أنّ قوله: «و لو

______________________________

(1) ما بين القوسين لا توجد في «ق».

(2) كما في الروضة 1: 341، و البحار 85: 245، و الحدائق 9: 276، و الذخيرة: 370.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 218

اختلف» في آخر المرسلة ظاهر في صحّة هذه النسخة.

مع أنّ الظاهر من النسخة الأخرى أيضا ذلك، لقوله «منهم» بضمير الجمع الراجع إلى المأمومين.

و لا يفيد إطلاق غير المرسلة من الأخبار النافية للسهو عن الإمام و المأموم، لظهورها في صورة الاتّفاق.

فرجوع كلّ من الإمام و المأمومين الشاكّين إلى حكمه أقوى، كما هو المشهور على ما صرّح به بعضهم «1».

فإن اتّحد مقتضاه كأن تيقّن بعضهم بالأربع و شكّ الإمام و الباقون بين الثلاث و الأربع، يبني الشاكّون أيضا على الأربع و يتمّون الصلاة كلّهم جماعة.

و إن اختلف انفرد المخالفون مع الإمام.

و لا ينافيه قوله في آخر المرسلة: «فإذا اختلف على الإمام ..» حيث إنه يدلّ على أنّ في صورة اختلاف المأمومين تجب الإعادة.

إذ الظاهر من قوله «اختلف على الإمام من خلفه» أن تيقّن كل على أمر، و أمّا مع شكّ بعضهم و يقين الآخر ففي صدق اختلافهم عليه نظر. مع أنّه

على فرض الصدق يتمّ الحكم بالمنافاة لو كان قوله: «في الاحتياط الإعادة» بدون إقحام الواو بين الاحتياط و بين الإعادة. و أمّا معه كما في بعض النسخ فلا، بل يكون المعنى: أنّ على الإمام و على كلّ من المأمومين أن يعمل كلّ منهم على ما يقتضيه شكّه أو يقينه في الاحتياط و الإعادة و الأخذ بجزمه، و الظاهر منه حينئذ وجوب عمل كلّ بمقتضى شكه.

و هذه النسخة هي الموافقة للقواعد، إذ لا وجه لإعادة الموقنين إذا لم يحصل لهم شكّ.

و لو منع الظهور في هذا المعنى فلا أقلّ من الإجمال المسقط للاستدلال

______________________________

(1) البحار 85: 246.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 219

الموجب للرجوع إلى الأصل و العمومات.

و لو كان الإمام شاكّا، و المأمومون متيقّنون مختلفون في محلّ اليقين، فعلى الأظهر الأشهر ينفردون كلا إلّا من كان يقينه موافقا لمقتضى عمل الإمام بشكّه إن كان، لما مرّ، و الوجه فيه يظهر مما مرّ، و لا يعارضه آخر المرسلة، لما عرفت من اختلاف النسخ.

ثمَّ إنّه قد ذكر بعضهم في المقام صورا عديدة لا ينبغي للمحقّق التعرض لها، لعدم ترتب فائدة عليها من جهة ما ذكرنا من تعذّر اطّلاع الإمام أو المأموم بحال الآخر في أكثر تلك الصور.

و: إذا شكّ الإمام يجب عليه الاستعلام ممّن خلفه

و لو بالبناء على أحد الطرفين لأجل الاستعلام، لوجوب بنائه على يقينهم و توقفه على الاستعلام.

و اختصاص الوجوب بصورة وجود اليقين لهم، و هو غير معلوم لاحتمال شكّهم أيضا.

مردود بأصالة عدم شكّهم، مع أنّ في صورة شكّهم أيضا له واجب يتوقّف امتثاله على الاستعلام.

فإذا استعلم فإن نبّهه من خلفه بكونه خطأ يرجع إلى ما نبّهوه عليه، و إلّا فيمضي، لما مرّ من أصالة عدم شكّهم، و لمفهوم قوله: «فإذا اختلف

على الإمام» في المرسلة المتقدمة. و ليس عليه سجدة سهو أو احتياط إن كان المبني عليه ما يقتضيه لو كان منفردا، لأنّ حفظ المأمومين بمنزلة اليقين إجماعا، و للمفهوم المذكور.

ز: يظهر ممّا مرّ من الأصل و المفهوم و الإطلاقات المتقدّمة

أنّه تجب على كلّ منهما حين الشك متابعة الآخر ما لم يعلم شكّه أو خطاءه، و لا يلتفت إلى احتمال شكه أو خطائه، و عليه الإجماع أيضا و يوافقه الظاهر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 220

المسألة الحادية عشرة: لو اشترك الإمام و المأموم في السهو

فلا خلاف ظاهرا- كما قيل «1»- في وجوب عمل كلّ منهما بما يقتضيه حكم ذلك السهو، اتّفقا في خصوصيّته أو اختلفا.

فالأول كما إذا تركا سجدة فذكراها بعد الركوع، فيمضيان في الصلاة، و يقضيان السجود بعدها، و يسجدان للسهو على وجوبها هنا. و لو ذكرها قبل الركوع يأتيان بها و يستأنفان الركعة.

و الثاني كما إذا ذكر الإمام السجدة المنسيّة بعد ركوعه، و المأموم قبله، فيأتي المأموم بها ثمَّ يلحق الإمام، و الإمام يقضيها بعد تمام صلاته.

و لو نسيا السجدتين معا، و ذكرهما الإمام بعد الركوع، و المأموم قبله، بطلت صلاة الإمام، و المأموم يأتي بهما و ينفرد.

كلّ ذلك لعمومات أحكام السهو و إطلاقاتها. و لا يعارضها ما ورد من «أنّه لا سهو على من خلف الإمام» «2» و من «أنّ الإمام ضامن» «3» إذ لكلّ من الفقرتين احتمالات عديدة- سيأتي ذكرها- موجبة لإجماله، و معه يسقط جواز الاستدلال به. و مع ذلك معارض بما هو أرجح منه كما يأتي.

و لو اختصّ المأموم بالسهو فالظاهر عدم الخلاف في وجوب التدارك لو تذكّر في المحلّ، و لا في البطلان لو تذكّر بعده و كان المسهوّ عنه ركنا أو زاد ركنا سهوا.

و تدلّ عليه عمومات تلك الأحكام، و موثّقة عمار: عن رجل سها خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة، قال: «يعيد الصلاة» «4».

و لا يعارضها ما مرّ، لما يأتي.

و إنّما الخلاف في سجود السهو و في قضاء المسهوّ عنه لو كان ممّا يقضى.

______________________________

(1)

في الحدائق 9: 280.

(2) انظر: الوسائل 8: 239 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24.

(3) انظر: الوسائل 5: 378 أبواب الأذان و الإقامة ب 3 ح 2.

(4) التهذيب 2: 353- 1466، الوسائل 8: 241 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 221

فالحقّ المشهور وجوبهما عليه أيضا، لعموماتهما، و رواية القصّاب: أسهو في الصلاة و أنا خلف الإمام، فقال: «إذا سلّم فاسجد سجدتين و لا تهب» [1].

و صحيحة عبد الرحمن: عن رجل يتكلّم ناسيا في الصلاة يقول: أقيموا صفوفكم، قال: «يتمّ صلاته ثمَّ يسجد سجدتين» «1».

فإنّ قوله: «أقيموا صفوفكم» يقرب كون المتكلّم مأموما، و لو منع فتكون من العمومات أيضا، و تدلّ على المطلوب بالعموم.

و تؤيده المستفيضة النافية لضمان الإمام كصحيحتي زرارة، إحداهما: عن الإمام يضمن صلاة القوم؟ قال: «لا» «2».

و في الأخرى: «ليس على الإمام ضمان» «3».

و صحيحة أبي بصير: أ يضمن الإمام للصلاة؟ قال: «لا ليس بضامن» «4».

و صحيحة ابن وهب: أ يضمن الإمام صلاة الفريضة؟ فإنّ هؤلاء يزعمون أنّه يضمن، فقال: «لا يضمن، أيّ شي ء يضمن» «5».

و رواية ابن كثير و فيها: «ليس يضمن الإمام صلاة من خلفه، إنّما يضمن

______________________________

[1] التهذيب 2: 353- 1464، الوسائل 8: 241 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 6.

قال في الحدائق 9: 286: «و لا تهب» يحتمل أن يكون من المضاعف أي: لا تقم من مكانك حتى تأتي بهما .. و يحتمل أن يكون على بناء الأجوف، و على هذا فيحتمل أن يكون المراد به عدم الخوف عليه من تشنيع الناس عليه بالسهو في الصلاة، أو عدم الخوف من المخالفين للخلاف بينهم في ذلك. و اللّه العالم.

______________________________

(1) الكافي

3: 356 الصلاة ب 42 ح 4، التهذيب 2: 191- 755، الاستبصار 1:

378- 1433، الوسائل 8: 206 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 4 ح 1.

(2) الكافي 3: 377 الصلاة ب 58 ح 5، التهذيب 3: 269- 769، الوسائل 8: 354 أبواب صلاة الجماعة ب 30 ح 4.

(3) الكافي 3: 378 الصلاة ب 59 ح 3، الفقيه 1: 264- 1207، التهذيب 3: 269- 772، الوسائل 8: 371 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 2.

(4) الفقيه 1: 264- 1206، التهذيب 3: 279- 819، الوسائل 8: 353 أبواب صلاة الجماعة ب 30 ح 2.

(5) التهذيب 3: 277- 813، الوسائل 8: 373 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 222

القراءة» «1».

خلافا في سجود السهو للمحكيّ عن السيّد و الخلاف و المبسوط و المعتبر و الذكرى «2»، فنفوها عن المأموم مطلقا، و نقل الأول في المصباح، و الثاني عليه إجماع العلماء إلّا مكحولا في القيام مع قعود الإمام «3»، له، و لصحيحة حفص المتقدّمة «4»، حيث صرّح فيها بأنّه ليس على الإمام سهو، و لا على من خلف الإمام سهو، و سائر ما تضمّن ذلك المعنى.

و لما دلّ على أنّ الإمام ضامن.

و لرواية سهل السابقة [1].

و لموثقتي عمار: إحداهما: عن الرجل سها خلف الإمام بعد ما افتتح الصلاة، فلم يقل شيئا و لم يكبّر و لم يسبّح و لم يتشهد حتى يسلّم، فقال: «قد جازت صلاته، و ليس عليه شي ء إذا سها خلف الإمام و لا سجدتا السهو، لأنّ الإمام ضامن لصلاة من خلفه» «5».

و الأخرى: عن الرجل ينسى و هو خلف الإمام أن يسبّح في السجود أو في الركوع، أو ينسى أن

يقول بين السجدتين شيئا، فقال عليه السلام: «ليس عليه شي ء» «6».

______________________________

[1] كذا في النسخ، و لكن لم يسبق منه (ره) ذكر الرواية المشار إليها، و الظاهر وقوع سهو من قلمه الشريف أو من النساخ، و يشهد له أنّه (ره) لم يتعرّض لها في مقام الجواب.

______________________________

(1) الفقيه 1: 247- 1104، التهذيب 2: 279- 820، الوسائل 8: 353 أبواب صلاة الجماعة ب 30 ح 1.

(2) حكاه عن السيد في المعتبر 2: 395، الخلاف 1: 463، المبسوط 1: 123، المعتبر 2: 395، الذكرى: 223.

(3) الخلاف 1: 464.

(4) في ص 204.

(5) الفقيه 1: 264- 1204، التهذيب 3: 278- 817، الوسائل 8: 240 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 5.

(6) الفقيه 1: 263- 1202، التهذيب 3: 278- 816، الوسائل 8: 240 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 223

و الجواب عن الأوّل: بعدم الحجية، مع أنّ إرادة علماء العامة عنه محتملة، بل هو الظاهر حيث عبّروا بالفقهاء، المتعارف عندهم إرادة فقهاء العامة منها.

و عن الثاني: بعدم إمكان حمله على نفي سجدة السهو أو القضاء، لنفي السهو عن الإمام أيضا. مع أنّهما ليس منفيين عنه قطعا و لا يقول المخالف بهما جزما. فيحتمل أن يكون المراد منه الشك أو معنى آخر، بل قيل: إنّه مراد منه قطعا «1»، فلا يمكن حمله على السهو أيضا لاستلزامه استعمال اللفظ في المعنيين، إلّا بعموم المجاز الذي هو مرجوح لندرته، و إن كان راجحا لأقربيته، إلّا أنّ في إرادته منه قطعا تأملا، و انتفاء الشك عنه لا يدلّ على أنه المراد هنا أيضا.

و عن الثالث: بمعارضته مع ما هو أكثر منه و أصحّ كما مرّ،

مع رجحان ما مرّ بمخالفة العامة كما تدلّ عليه صحيحة ابن وهب المتقدمة، و صرّح به جمع من الخاصة «2».

مضافا إلى أنّ المراد من ضمان الإمام غير معلوم، و قد ذكروا فيه وجوها منها:

ضمان القراءة كما يدلّ عليه بعض تلك الأخبار، و منها: ضمان الإخلال بالشرائط و الأفعال، فلو أخلّ الإمام كان ضامنا، و منها: ضمان الثواب و العقاب، و منها غير ذلك.

و عن الرابع: بمعارضته مع رواية القصّاب، و رجحانها عليه بموافقة الأصحاب و مخالفة أكثر ذوي الأذناب، فيحمل على التقية، و يشهد لها التعليل بضمان الإمام الذي هو مذهب العامة.

و عن الخامس: بالقول بمضمونه، لعدم وجوب سجدة السهو لما تضمنه.

و للمعتبر، فنفى مع سجود السهو قضاء الأجزاء المنسية «3»، لبعض ما مرّ بجوابه.

______________________________

(1) الرياض 1: 221.

(2) انظر: الذخيرة: 370، و البحار 85: 256، و الحدائق 9: 283، و الرياض 1: 221.

(3) المعتبر 2: 394.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 224

و لو اختصّ الإمام به، فلا شكّ في تداركه مع بقاء المحلّ، و قضائه ما يقضى منه بعده، و إتيانه بسجدتي السهو فيما فيه سجدة.

و هل يتبعه المأموم فيها، أم لا؟.

المشهور العدم، للأصل.

و خلافا لصريح المبسوط و ظاهر الخلاف «1»، فيما إذا سها الإمام فيما اقتدى به المأموم، دون ما لم يقتد به كما في الإمام السابق إذا سها في أول صلاته قبل لحوق المأموم.

و نقل ذلك القول عن جملة من أتباع الشيخ «2»، و جعله في الروضة الأحوط «3». و ظاهر الذخيرة التردّد «4».

لما دلّ على وجوب المتابعة.

و موثّقة عمّار: عن الرجل يدخل مع الإمام و قد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فسها الإمام، كيف يصنع؟ فقال: «إذا سلّم الإمام فسجد سجدتي

السهو فلا يسجد الرجل الذي دخل معه، و إذا قام و بنى على صلاته و أتّمها و سلّم سجد الرجل سجدتي السهو» «5».

و أجيب عن الأول: بمنع ثبوت وجوبها إلّا في نفس الصلاة، و سجدة السهو خارجة عنها.

و عن الثاني: بالحمل على التقية- فإنّه مذهب أكثر العامّة «6»- و على اشتراكهما في السهو.

و الجواب عن الأوّل تام.

______________________________

(1) المبسوط 1: 124، الخلاف 1: 462.

(2) انظر: البحار 85: 253، و الحدائق 9: 285.

(3) الروضة 1: 342.

(4) الذخيرة: 370.

(5) التهذيب 2: 353- 1466، الوسائل 8: 241 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 24 ح 7.

(6) انظر: المغني 1: 731، و بداية المجتهد 1: 197، و الام 1: 131 و 132.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 225

و يرد على الثاني أنّ موافقة العامّة تؤثّر مع وجود المعارض، و أمّا بدونه فلا وجه للحمل على التقية. و الحمل على الاشتراك بعيد في الغاية.

نعم، هي على الوجوب غير دالّة فغاية ما يثبت منها الرجحان، إلّا أن يضمّ معها الإجماع المركّب حيث لا قول بالجواز بدون الوجوب في المسألة. فالقول بالوجوب لا يخلو عن قوّة.

ثمَّ الواجب متابعته هو فيما إذا كان السهو فيما أدركه المأموم، فلو كان مسبوقا و سها الإمام قبل لحوقه لم تجب المتابعة، كما صرّح به الشيخ في الكتابين.

و تدلّ عليه الموثقة، لمكان لفظة الفاء في قوله «فسها» فإنّها تدلّ على أنّ السهو بعد دخول المأموم.

و كذا فيما علم المأموم أنّه سجد لسهو في تلك الصلاة وجوبا، فلو احتمل كونها لصلاة أخرى و قد نسيها سابقا، أو لأمر يوجبها في هذه الصلاة استحبابا لم تجب.

المسألة الثانية عشرة: إن كانت الصلاة الواقع فيها الخلل نافلة، فإن كان من عمد أو جهل، فحكمها حكم الفريضة

إن كان نقصا أو زيادة غير مبطلة، لموافقته الأصل الجاري في النافلة أيضا.

و

أمّا إن كان زيادة مبطلة في الفريضة فلا دليل على إبطالها النافلة أيضا، لاختصاص أخبار البطلان بالزيادة بالمكتوبة، إمّا بصريحها أو لإيجاب الإعادة المنتفي في النافلة، إلّا أن يثبت الإجماع على البطلان كما هو المحتمل بل المظنون، سيّما إن كان الزائد من الأركان.

و إن كان سهوا أو شكّا فقال في المدارك: لا فرق في مسائل السهو و الشك بين الفريضة و النافلة إلّا في الشك في الأعداد، فإنّ الثنائية من الفريضة تبطل بذلك بخلاف النافلة، و في لزوم سجود السهو، فإنّ النافلة لا سجود فيها بفعل

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 226

ما يوجبه في الفريضة «1». انتهى.

و استجوده بعض آخر أيضا «2».

أقول: تفصيل الكلام في المقام أن يقال: إنّ مقتضى أكثر عمومات أحكام السهو و الشك المتقدمة في الفريضة أو إطلاقاتها ثبوت جميع ما مرّ من الأحكام- حتى قضاء الأجزاء المنسيّة و سجدة السهو- في النافلة أيضا و إن وردت بالألفاظ الدالّة على الوجوب، إذ على ما اخترنا من حرمة قطع النافلة يتمشّى وجوب جميع هذه الأحكام سوى ما كان يوجب الإعادة من زيادة الأركان أو نقصها، فإنّ الإعادة في النوافل لا تجب قطعا.

و مع ذلك روى الصيقل: في الرجل يصلّي الركعتين من الوتر يقوم فينسى التشهّد حتى يركع فتذكّر و هو راكع، قال: «يجلس من ركوعه فيتشهّد ثمَّ يقوم فيتم» قال، قلت: [أ ليس قلت ] في الفريضة إذا ذكر بعد ما ركع مضى ثمَّ سجد سجدتين بعد ما ينصرف يتشهد فيهما؟ قال: «ليس النافلة مثل الفريضة» «3».

و هي صريحة في عدم البطلان بالزيادة سهوا و لو ركنا.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة الحلبي: عن رجل سها في ركعتين من النافلة و لم يجلس بينهما

حتى قام فركع في الثالثة، قال: «يدع ركعة و يجلس و يتشهد و يسلم، ثمَّ يستأنف الصلاة بعد» «4».

و معنى قوله «ثمَّ يستأنف الصلاة» أي: يستأنف الركعتين الأخريين، فإنّ المستفاد من قول السائل: و لم يجلس بينهما، أنّه يريد فعل النافلة بعد هاتين الركعتين أيضا يبني على الركعة الزائدة، لا أنه يستأنف الركعتين الأوليين.

______________________________

(1) المدارك 4: 274.

(2) كما في الحدائق 9: 346.

(3) الكافي 3: 448- 22، التهذيب 2: 189- 751، الوسائل 6: 404 أبواب التشهد ب 8 ح 1، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(4) التهذيب 2: 189- 750، الوسائل 8: 231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 18 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 227

و تؤيده رواية زرارة: «لا تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم، فإنّ السجود زيادة في المكتوبة» «1».

فهذا هو الأصل في المسألة أي: شمول أحكام السهو و الشك مطلقا للنوافل سوى البطلان بالزيادة سهوا و لو كان الزائد ركنا.

و لا يتوهم أنّ مقتضى رواية الصيقل و صحيحة الحلبي الرجوع إلى المسهوّ عنه و لو بعد دخول ركن آخر، لأنّهما إنّما يختصان بمورد خاص نسلّمهما فيه، و لا دليل على التعدّي إلى غيره.

إلّا أنه خرج من الأصل حكمان في السهو و حكمان في الشك.

أما الأوّلان فوجوب قضاء الأجزاء المنسية و سجود السهو، فلا يثبتان للنوافل، لصحيحة محمّد: عن السهو في النافلة، قال: «ليس عليك شي ء» «2».

فإنّ معناها أنه لا يجب عليك شي ء باعتبار السهو، و الواجب لأجله القضاء و سجدة السهو، فيكونان منفيين. و لو عورضت بها عموماتهما أيضا لرجعنا الى الأصل. و لا يتوهّم شمولها لغير الأمرين من أحكام السهو، إذ ليس شي ء منها غيرهما مما وجب لأجل

السهو.

و يؤيد المطلوب نفي السهو في النافلة في الصحيحة و غيرها «3»، الشامل للأمرين أو المختصّ بسجدة السهو. فلا وجه لما عن روض الجنان من إثبات سجدة السهو في النوافل أيضا «4»، مع أنّ ظاهر المنتهى و المدارك عدم الخلاف فيه «5».

______________________________

(1) الكافي 3: 318 الصلاة ب 23 ح 6، التهذيب 2: 96- 361، الوسائل 6: 105 أبواب القراءة ب 40 ح 1.

(2) الكافي 3: 359 الصلاة ب 43 ح 6، التهذيب 2: 343- 1422، الوسائل 8: 230 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 18 ح 1.

(3) انظر: الوسائل 8: 241 أبواب الخلل ب 24 ح 8.

(4) إنّ الموجود في الروض مخالف لما نسب إليه، راجع ص 353.

(5) المنتهى 1: 417، المدارك 4: 274.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 228

و أما الثانيان فوجوب البناء على الأكثر في الشك في الركعات و صلاة الاحتياط فلا يثبتان في النافلة، بل لا احتياط فيها، و يتخيّر بين البناء على الأقلّ و الأكثر.

أمّا الأول فللأصل، و اختصاص أكثر موجباته بالفرائض، و إيجاب سقوط موجب السهو لسقوطه إمّا باعتبار شمول السهو له، أو اختصاصه به، أو بالطريق الأولى.

و أما الثاني فللإجماع المصرّح به في كلام جمع من الأصحاب «1».

مضافا في البناء على الأقلّ إلى الأصل، و مرسلة الكافي: «إذا سها في النافلة بنى على الأقل» «2».

و في البناء على الأكثر إلى عدم وجوب النافلة بالشروع، فله فيها ما أراد، و نفي السهو في النافلة في الأخبار، و عدم وجوب شي ء بالسهو الشامل للشك أو المختص به فيها، كما في صحيحة محمد السابقة، و عمومات البناء على الأكثر الشاملة للنوافل أيضا. و لا يضرّ تضمّنها لصلاة الاحتياط الغير الواجبة هنا،

لأنّ عدم وجوب جزء لا ينفي عموم جزء آخر.

أقول: أمّا الأصل في الأول مندفع بإيجابه في الموثقات الموجبة له عموما.

و منه يظهر جواب الاختصاص المدّعى.

و إيجاب سقوط موجب السهو لسقوطه ممنوع، لمنع شمول السهو له أو إرادته منه فيما لا قرينة فيه.

و الأولويّة ممنوعة.

و عدم وجوب النافلة بالشروع الذي جعلوه دليلا للبناء على الأكثر في الثاني

______________________________

(1) انظر: المعتبر 2: 395، و التذكرة 1: 138، و الذخيرة: 379، و الحدائق 9: 345، و الرياض 1: 222.

(2) الكافي 3: 359 الصلاة ب 43 ح 9، الوسائل 8: 230 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 18 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 229

ممنوع. و لو سلّم لا يفيد، لأنّ الكلام في تحقق الامتثال و تحصيل ثواب النافلة بذلك لا في جواز قطعها.

و نفي السهو لا يدلّ على نفي الشك بدون قرينة على التجوّز فيه. و لو سلّم فلا يثبت منه جواز البناء على الأكثر أصلا.

و منه يظهر عدم شمول عدم وجوب شي ء بالسهو للشك أيضا.

و عمومات البناء على الأكثر دالّة على الوجوب المنتفي هنا بالمرسل، و استعمال اللفظ في المعنيين غير جائز، و عموم المجاز فيها غير ثابت.

نعم، الظاهر انعقاد الإجماع على الحكمين، مضافا في جواز البناء على الأقلّ إلى المرسل المتقدم المنجبر بالعمل. و لا يثبت منه التعيين، لعدم صراحته في الوجوب فيه.

و بالإجماع المذكور يخرج في الحكمين عن الأصل المتقدّم، و يبقى سائر الأحكام باقية تحته. إلّا أنّ البناء على الأقل هو الأحوط في تحصيل امتثال الأمر الندبي.

و بذلك يظهر ضعف ما قيل من انتفاء جميع أحكام الشك حتّى في الأفعال في النوافل، استنادا إلى عموم روايات نفي السهو فيها، لمنع الشمول.

و هل جواز

البناء على الأكثر يعمّ ما لو استلزم فساد النافلة كما إذا شكّ في الزائد عن الركعتين، أو يختص بما لم يستلزمه و إلّا فيبني على الأقلّ؟.

الظاهر الثاني، لما عرفت من انحصار دليل البناء على الأكثر في الإجماع، الغير المعلوم ثبوته هنا البتة، بضميمة حرمة إفساد النافلة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 230

الفصل الخامس في بقية مواضع سجدتي السهو و في بيان كيفيتهما، و صلاة الاحتياط، و حكم الشاكّ المتذكّر بعد الفراغ. و فيه أربع مسائل:
المسألة الأولى: قد تقدم وجوب سجدتي السهو في موضعين:
اشاره

أحدهما: في نسيان التشهد الأول. و الثاني: في الشك بين الأربع و الخمس، بل كلّما تعلّق الشك بالزائد عن الأربع.

و تجب في مواضع أخر أيضا:

منها: التكلم في أثناء الصلاة ناسيا، وفاقا للعماني و علي بن بابويه و المقنعة و العزّية و الكافي «1»، و المبسوط و النهاية و الجمل و الخلاف و الاقتصاد «2»، و جمل السيد و الفقيه «3»، و الديلمي و الحلبي و القاضي و ابني حمزة و زهرة و الحلّي «4»، و المعتبر

______________________________

(1) حكاه عن العماني في المختلف: 140، المقنعة: 148، حكاه عن العزية في المختلف: 140، الكافي 3: 360.

(2) المبسوط 1: 123، النهاية: 93، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 189، الخلاف 1: 459، الاقتصاد: 267.

(3) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 37، الفقيه 1: 232.

(4) الديلمي في المراسم: 90، الحلبي في الكافي: 148، القاضي في المهذّب 1: 156، ابن حمزة في الوسيلة: 102، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 566، الحلّي في السرائر: 257.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 231

و الجامع و النافع و الشرائع «1»، و المنتهى و المختلف و الإرشاد و التبصرة بل سائر كتبه «2»، و شرحي القواعد و الإرشاد لفخر المحققين «3»، و الدروس و البيان و الروضة «4»، و غير ذلك، بل هو المشهور، بل عن العماني نسبته الى آل

الرسول «5»، و عن الغنية و المنتهى الإجماع عليه «6».

لصحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة في مسألة الشك بين الاثنتين و الأربع «7».

(و لا يضرّ احتمالها إرادة التكلم في صلاة الاحتياط أو بينها و بين الأصل، لإيجابه وجوبها للتكلم في الأصل بالطريق الأولى.

و لموثقة الساباطي: عن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام، ثمَّ ذكر من قبل أن يقدّم شيئا أو يحدث شيئا، قال: «ليس عليه سجدة السهو حتى يتكلم بشي ء» «8».

دلّت بمفهوم الغاية- الذي هو أقوى المفاهيم- على وجوب سجدة السهو بعد التكلم.

و لا يضرّ كون مورده القائم في محل القعود، لعدم الفصل، مع أنه يمكن أن يكون مرجع المجرور الرجل فيكون عاما. و تخصيص التكلم بشي ء بالفاتحة أو التسبيح- كما في الوافي «9»- لا وجه له) «10».

و صحيحة ابن الحجاج، المتقدمة في مسألة اشتراك الإمام و المأموم في

______________________________

(1) المعتبر 2: 396، الجامع للشرائع: 86، النافع: 45، الشرائع 1: 119.

(2) المنتهى 1: 417، المختلف: 140، الإرشاد 1: 270، التبصرة: 37.

(3) الإيضاح 1: 142.

(4) الدروس 1: 206، البيان: 251، الروضة 1: 327.

(5) حكاه عنه في المختلف: 140.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 566، المنتهى 1: 417.

(7) راجع ص 142.

(8) التهذيب 2: 353- 1466، الوسائل 8: 250 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32 ح 2.

(9) الوافي 8: 993.

(10) ما بين القوسين لا توجد في «ق».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 232

السهو «1»، و صحيحة الأعرج «2»، و موثقة سماعة «3»، الواردتين في سهو النبي و تكلّمه و سجوده سجدتين. إلّا أنّ الثلاثة الأخيرة عن الصريح في الوجوب خالية، فإنّما هي مؤيدة.

خلافا للمحكي عن الصدوقين «4»، فلم يوجباهما هنا، و مال إليه في الذخيرة «5»، لصحيحة زرارة: في الرجل

يسهو في الركعتين و يتكلم، قال: «يتمّ ما بقي من صلاته، تكلّم أم لم يتكلّم، و لا شي ء عليه» «6».

و محمد: في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة، فسلّم و هو يرى أنه قد أتمّ الصلاة و تكلّم، ثمَّ ذكر أنه لم يصلّ ركعتين، فقال: «يتمّ ما بقي من صلاته و لا شي ء عليه» «7».

و صحيحة الفضيل و فيها: «و إن تكلّمت ناسيا فلا شي ء عليك» «8».

و يردّ: بأنّ الشي ء أعمّ من الإثم و الإعادة و سجدة السهو، و ما ذكرنا يختص بالأخير، و الخاصّ يقدّم على العام عند التعارض، سيما مع موافقة الخاص لعمل الأكثر بل الإجماع المحقّق عند المحقّق، لعدم قدح مخالفة من ذكر فيه، مع أنّ مخالفة الصدوق غير واضحة.

______________________________

(1) راجع ص: 120.

(2) الكافي 3: 357 الصلاة ب 42 ح 6، التهذيب 2: 345- 1433، الوسائل 8: 203 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 16.

(3) الكافي 3: 355 الصلاة ب 42 ح 1، التهذيب 2: 346- 1438، الوسائل 8: 201 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 11.

(4) حكاه عنهما في المختلف: 140.

(5) الذخيرة: 379.

(6) التهذيب 2: 191- 756، الاستبصار 1: 378- 1434، الوسائل 8: 200 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 5.

(7) التهذيب 2: 191- 757، الاستبصار 1: 379- 1436، الوسائل 8: 200 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 9.

(8) الفقيه 1: 240- 1060، التهذيب 2: 332- 1370، الاستبصار 1: 401- 1533، الوسائل 7: 282 أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 233

ثمَّ الظاهر عدم الفرق عندهم بين التكلم ناسيا أو ظانّا لخروجه عن الصلاة و إن تكلّم حينئذ

عمدا، و هو موافق لظاهر إطلاق الصحيحة و الموثقة.

إلّا أنّ صحيحة محمد النافية للشي ء عليه مختصة بالظانّ للخروج، فيصير التعارض فيه بالعموم من وجه، و الأصل يرجّح العدم. فلو ثبت الإجماع المركب- كما يشعر به كلام الذخيرة «1»- فهو، و إلّا فللتوقف في وجوبها على الظانّ للخروج مجال واسع، و أمر الاحتياط واضح.

و منها: السلام في غير موضعه، فأوجب المشهور فيه سجدتي السهو، بل عن الغنية و المنتهى و ظاهر المعتبر: الإجماع عليه «2».

لأنّه كلام زيادة أو نقصان.

و لأنّه كلام غير مشروع في غير موضعه، فتجب له السجدة لما مرّ.

و لموثّقة سماعة و صحيحة الأعرج، الواردتين في تسليم النبي صلّى اللّه عليه و آله في غير موضعه و سجدته سجدة السهو.

و موثقة عمار: عن رجل صلّى ثلاث ركعات و ظنّ أنها أربع فسلّم، ثمَّ ذكر أنّها ثلاث، قال: «يبني على صلاته و يصلي ركعة و يتشهد و يسلّم و يسجد سجدتي السهو» «3».

و صحيحة العيص: عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها، ثمَّ ذكر أنه لم يركع، قال: «يقوم فيركع و يسجد سجدتين» «4».

و يرد على الأول: منع وجوب السجدة لكل زيادة و نقصان كما يأتي.

______________________________

(1) الذخيرة: 379.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 566، المنتهى 1: 417، المعتبر 2: 381.

(3) التهذيب 2: 353- 1466، الوسائل 8: 203 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 14.

(4) التهذيب 2: 350- 1451، الوسائل 6: 315 أبواب الركوع ب 11 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 234

[و على الثاني ] «1»: أنّ المتبادر من التكلّم المأمور فيه بسجدة السهو غير ذلك.

و على البواقي: بعدم الدلالة على الوجوب، مضافا إلى معارضة الموثقة الاولى و الصحيحة بما دلّ على

أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يسجد سجدة السهو أصلا «2»، مع احتمال أن تكون سجدته- لو سجد- للتكلّم. و احتمال الموثقة الثانية أن يكون السجود للجلوس في غير موضعه أو زيادة التشهد، و الصحيحة أن يكون لأجل ذلك أيضا أو لنسيان الركوع.

إلّا أنه يمكن أن يستدلّ للمطلوب برواية إسحاق بن عمار: «إذا ذهب وهمك إلى التمام ابدأ في كلّ صلاة، فاسجد سجدتين بغير ركوع» «3».

فإنّ معناها: ذهب وهمك إلى التمام مطلقا، خرج ما إذا لم يظهر خلافه و لم يحتمل الخلاف بالإجماع، و بقي الباقي، فيشمل المطلوب أيضا. و تخصيصها بمن غلب على ظنّه التمام و احتمل النقص لا وجه له.

و الرضوي المنجبر ضعفه بما مرّ: عن رجل سها في الركعتين من المكتوبة، ثمَّ ذكر أنه لم يتمّ صلاته، قال: «فليتمّها و ليسجد سجدتي السهو» «4».

فإنّ الظاهر من قوله: «فليتمّها» التسليم في غير موضعه، و لو سلّم عدم الاختصاص فيشمله قطعا. و لم يزد هنا جلوس و لا تشهد، لوجوبهما في الركعتين.

فاحتمال كون السجدة لهما- كما قيل «5»- باطل. و الجلوس للتسليم لو كان موجبا لها لكان المطلوب ثابتا بالكلية، غاية الأمر أنّك تقول إنّ السجدة لجلوس التسليم لا نفسه، و هو سهل.

______________________________

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

(2) انظر: الوسائل 8: 203 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 17.

(3) التهذيب 2: 183- 730، الوسائل 8: 211 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 7 ح 2.

(4) فقه الرضا (عليه السلام): 120، مستدرك الوسائل 6: 403 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 1.

(5) الحدائق 9: 317، لكنه اختار ظهور الرواية في المطلوب، فراجع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص:

235

و بهاتين الروايتين يخصّص عموم صحيحة محمد المتقدمة، و بعض الإطلاقات الأخر، و الروايات المتضمنة لبعض أحكام من سلّم في غير موضعه من غير تعرض لسجدة السهو.

فالخلاف في المسألة، كصريح الكليني و عن علي بن بابويه و ولده في المقنع «1»، و هو ظاهر العماني و المفيد و السيد و الديلمي و ابني زهرة و حمزة «2»، و مال إليه بعض المتأخّرين «3»، غير جيّد. و اللّه سبحانه هو المؤيّد.

و منها: القيام في موضع القعود أو بالعكس، أوجبها لهما الصدوق و السيّد و الديلمي و الحلبي و الحلي و القاضي و ابني حمزة و زهرة و الفاضل في التبصرة و الشهيد في اللمعة «4»، لأنه زيادة في الصلاة، و لرواية القصاب المتقدمة في مسألة سهو المأموم «5»، حيث دلّت على وجوب سجدة السهو لمطلق السهو، و المورد منه.

و موثقة الساباطي: عن السهو، ما تجب فيه سجدة السهو؟ قال: «إذا أردت أن تقعد فقمت، أو أردت أن تقوم فقعدت، أو أردت أن تقرأ فسبّحت، أو أردت أن تسبح فقرأت، فعليك سجدتا السهو» «6» الحديث.

______________________________

(1) الكليني في الكافي 3: 360، حكاه عن علي بن بابويه في المختلف: 140، و ولده في المقنع:

31- 33.

(2) حكاه عن العماني في المختلف: 140، المفيد في المقنعة: 147- 148، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 37، الديلمي في المراسم: 90، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 566، ابن حمزة في الوسيلة: 102.

(3) كالسبزواري في الذخيرة: 379.

(4) الصدوق في الأمالي: 513، السيد في الجمل (رسائل المرتضى 3): 37، الديلمي في المراسم:

90، الحلبي في الكافي: 148، الحلي في السرائر 1: 257، القاضي في المهذب 1: 156، ابن حمزة في الوسيلة: 102،

ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 566، التبصرة: 37، اللمعة (الروضة 1): 327.

(5) راجع ص 220.

(6) التهذيب 2: 353- 1466، الوسائل 8: 250 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 236

و لا يضادّها قوله في هذه الرواية: عن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام، ثمَّ ذكر من قبل أن يقدّم شيئا أو يحدث شيئا، قال: «ليس عليه سجدتا السهو حتى يتكلم».

لأنّ المراد منه قبل استتمام القيام و حصوله.

و صحيحة معاوية بن عمار: عن الرجل يسهو فيقوم في حال قعود، أو يقعد في حال قيام، قال: «يسجد سجدتين بعد التسليم، و هما المرغمتان يرغمان الشيطان» «1».

خلافا للمنقول عن العماني و الإسكافي و علي بن بابويه و الكليني و الشيخين و المحقق و صاحب الجامع «2»، و الفاضل في جملة من كتبه منها المنتهى «3»، و غيرهم، للأصل، و موثقة سماعة: «من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو، إنما السهو على من لم يدر أ زاد في صلاته أم نقص منها» «4».

و رواية محمد بن علي الحلبي: عن الرجل يسهو في الصلاة فنسي التشهد، فقال: «يرجع و يتشهد» قلت: أ يسجد سجدتي السهو؟ فقال: «ليس في هذا سجدتا السهو» «5».

و صحيحة أبي بصير: عن رجل نسي أن يسجد واحدة فذكرها و هو قائم، قال: «يسجدها إذا ذكرها و لم يركع، فإن كان قد ركع فليمض على صلاته، فإذا

______________________________

(1) الكافي 3: 357 الصلاة ب 42 ح 9، الوسائل 8: 250 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32 ح 1.

(2) حكاه عن العماني و الإسكافي و علي بن بابويه في المختلف: 140، الكليني في الكافي 3: 360، المفيد في المقنعة:

147- 148، الطوسي في المبسوط 1: 123، و الخلاف 1: 459، المحقق في المعتبر 2: 399، الجامع للشرائع: 86.

(3) المنتهى 1: 417.

(4) الكافي 3: 355 الصلاة ب 41 ح 4، الوسائل 8: 239 أبواب الخلل ب 23 ح 8.

(5) التهذيب 2: 158- 622، الاستبصار 1: 363- 1376، الوسائل 6: 406 أبواب التشهد ب 9 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 7    237     المسألة الأولى: قد تقدم وجوب سجدتي السهو في موضعين: ..... ص : 230

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 237

انصرف قضاها وحدها و ليس عليه سهو» «1».

و الصحاح و غيرها المتكثرة الواردة في نسيان السجدة الواحدة أو التشهد قبل تجاوز المحلّ و بعده، الخالية عن ذكر سجدتي السهو الظاهرة في عدم وجوبهما، مع أنّ في بعضها الأمر بهما في التشهد أو السجدة بعد تجاوز المحلّ، و لم يتعرض لهما قبله، و التفصيل قاطع للشركة.

أقول: عدم ذكر السجدة للسهو في مقام السؤال عن حكم سهو السجدة، أو التشهد- لو دلّ على عدم وجوبهما- لدلّ عليه لأجل سهو السجدة أو التشهد، و هو لا ينافي وجوبهما لأمر آخر مقارن له.

و منه يظهر ضعف الاستناد إلى التفصيل، فإنّه إنّما هو في بيان حكم نسيان السجدة و التشهد. و كذا ضعف الاستناد إلى صحيحة أبي بصير و رواية الحلبي.

كما يظهر ضعف الاستناد إلى الدليل الأول [1] بما يأتي من عدم وجوبهما لكل زيادة.

فما يصلح مستندا لنفي الوجوب ليس إلّا الأصل و عموم الموثقة. و هما كافيان في المسألة، إذ ليس فيها شي ء يصلح لمعارضتهما سوى إطلاق رواية القصاب، إذ ليس إلّا ما مرّ. و الصحيحة الأخيرة منه غير دالّة على الوجوب، و كذا الموثّقة

المتقدّمة عليها، لاشتمالها على القراءة في موضع التسبيح التي لا تجب لها سجدة سهو قطعا، فإخراج الدالّ عليه عنه لازم، و استعمال اللفظ في معنييه غير جائز.

و الإطلاق المذكور و إن عارض العموم المتقدم إلّا أنّ العموم أرجح، لمخالفته العامة حيث إنّ القول بالوجوب هنا منقول عن أبي حنيفة و الشافعي

______________________________

[1] أي: الدليل الأوّل لوجوب السجدتين، و هو الزيادة في الصلاة.

______________________________

(1) الفقيه 1: 228- 1008، التهذيب 2: 152- 598، الوسائل 6: 365 أبواب السجود ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 238

و أتباعهما «1». و لو لا الترجيح لكان يرجع إلى الأصل أو التخيير، و هما أيضا كافيان لنفي الوجوب.

و منها: كلّ زيادة و نقصان غير مبطل، نقله في الخلاف عن بعض الأصحاب «2»، و نسب إلى ظاهري التهذيب و الاستبصار «3»، و اختاره الفاضل في جملة من كتبه منها التحرير «4»، و ولده في شرحي القواعد و الإرشاد «5»، و الشهيد الأوّل في اللمعة و الذكرى «6»، مع أنّه قال في الدروس: و لم أظفر بقائله و لا بمأخذه «7»، و الثاني في روض الجنان «8»، و حكاه في التحرير و الروضة عن الصدوق «9»، و كأنه- كما قيل- لإيجابه إياها في صورة الشك في الزيادة و النقصان «10»، فيقول به مع اليقين بالطريق الأولى أيضا.

لرواية سفيان السمط: «تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك و نقصان» «11».

و لما دلّ على وجوبهما بالشّك في الزيادة أو النقصان ففي اليقين أولى.

و يردّ الأوّل: بعدم الدلالة على الوجوب.

و الثاني: بمنع الأولوية لو ثبت الحكم في الأصل.

______________________________

(1) انظر: بدائع الصنائع 1: 164، و الامّ 1: 128، و المحلّى 4: 160.

(2) الخلاف 1: 459.

(3)

انظر: التهذيب 2: 155، و الاستبصار 1: 361.

(4) التحرير 1: 50.

(5) الإيضاح 1: 142.

(6) اللمعة (الروضة 1): 327، الذكرى: 229.

(7) الدروس 1: 207.

(8) الروض: 354.

(9) التحرير 1: 50، الروضة 1: 327.

(10) الرياض 1: 222.

(11) التهذيب 2: 155- 608، الاستبصار 1: 361- 1367، الوسائل 8: 251 أبواب الخلل ب 32 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 239

و لذا ذهب الأكثر- كما صرّح به جماعة «1»- إلى عدم الوجوب. و هو الأقوى، للأصل المؤيّد بل المدلول عليه بجملة من الأخبار النافية لسجدة السهو في مواضع تحقق فيها أحد الأمرين، منها موثقة الساباطي: عن الرجل ينسى الركوع أو ينسى سجدة، هل عليه سجدتا السهو؟ قال: «لا» «2».

و يتمّ المطلوب بعدم الفصل.

فرع: لو جلس بعد السجدة الثانية في الاولى و الثالثة و لم يتشهد، قيل: صرف إلى جلسة الاستراحة

و لا سجود له واجبا أو مستحبا «3».

و قيل: إن جلس بقدر التشهد يسجد [1].

و قيل: إن جلس بقصد التشهد يسجد و إن جلس بقصد الاستراحة لا يسجد و إن طال «4». و هو أجود الأقوال. و إن جلس لا عن قصد يصرف إلى الاستراحة.

و منها: الشك في أنّه زاد أو نقص، نسب إلى الخلاف و المختلف «5»، و مال إليه في روض الجنان «6»، و اختار المفيد في العزيّة وجوبهما إن لم يدر زاد سجدة أو نقص سجدة، أو نقص ركوعا أو زاد ركوعا.

______________________________

[1] نسبه الشيخ (ره) في الخلاف 1: 459، الى من قال من أصحابنا بوجوب سجدتي السهو في كلّ زيادة و نقصان.

______________________________

(1) منهم السبزواري في الذخيرة: 381، و الكفاية: 27، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 152، و صاحبا الحدائق 9: 326 و الرياض 1: 223.

(2) التهذيب 2: 353- 1466، الوسائل 8: 238 أبواب الخلل ب 23 ح 5.

(3) انظر: الذكرى: 230.

(4)

انظر: الحدائق 9: 339.

(5) الخلاف 1: 460، المختلف: 141.

(6) الروض: 354.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 240

لصحيحة الفضيل المتقدمة «1»، و صحيحة زرارة: «إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدر أ زاد أم نقص، فليسجد سجدتين و هو جالس» «2».

و صحيحة الحلبي: «إذا لم تدر أربعا صلّيت أم خمسا، أم نقصت أم زدت، فتشهد و سلّم و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة، يتشهد فيهما تشهّدا خفيفا» «3».

و لا يخفى أنّ تلك الأخبار يحتمل أحد المعاني الثلاثة:

أحدها: أن يكون المعنى إذا شكّ في الزيادة و عدمها أو في النقيصة و عدمها فتجب سجدة السهو لكل منهما.

و ثانيها: أن يكون المراد إذا شكّ في أنّ الواقع هل هو زيادة أو نقص مع القطع بوقوع أحدهما فتجب السجدة.

و ثالثها: أن يكون المراد إذا شكّ في أنّه هل وقع زيادة أو نقص أو لم يقع شي ء منهما تجب السجدة، فيشترط على هذا اجتماع احتمال الزيادة و النقص.

و ظهورها في بعض هذه المعاني و إن ادّعي و لكنه ليس ظهورا يليق للاتّكال و يتمّم الاستدلال، فلذلك يحصل فيها الإجمال المانع عن الاحتجاج.

و لعلّه لأجل ذلك لم يذهب إلى مدلولها غير شاذّ نادر، و هو أيضا أحد وجوه ضعفها المسقط لحجّيتها، سيّما مع خلوّ أخبار أحكام الشكّ عن ذكرها، فعدم الوجوب هو الأقوى.

و قد وردت سجدة السهو في بعض مواضع أخر في بعض الروايات، و لكنّها لعدم القول بها أو شذوذه لا تصلح لإثبات الحكم المخالف للأصل بل لإطلاق

______________________________

(1) لا يخفى أنّه لم تتقدم صحيحة الفضيل و قد تقدمت موثقة سماعة في ص: 236، و متنها موافق للصحيحة، انظر: الوسائل 8: 238 أبواب الخلل ب 23 ح 6.

(2)

الكافي 3: 354 الصلاة ب 41 ح 1، الوسائل 8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 2.

(3) الفقيه 1: 230- 1019، التهذيب 2: 196- 772، الاستبصار 1: 380- 1441، الوسائل 8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 241

بعض الروايات.

المسألة الثانية: في بيان كيفية سجدة السهو و أحكامها:
اشاره

اعلم أولا أنّ موضع سجدتي السهو بعد التسليم، وفاقا للمحكي عن الصدوقين و العماني و الشيخين و السيد و الحلبي و الديلمي «1»، بل هو المشهور، بل عن الناصريات و الخلاف و الأمالي: أنّ عليه إجماعنا «2»، و إليه ذهب عامّة متأخري أصحابنا، للمستفيضة من الصحاح و غيرها، كصحاح ابن سنان «3»، و أبي بصير «4»، و ابن خالد «5»، و ابن الحجاج «6»، و رواية القداح «7»، و غير ذلك، بضميمة عدم الفصل لبعضها.

خلافا للمحكي في المعتبر عن قوم من أصحابنا «8»، فموضعهما للنقيصة قبل

______________________________

(1) الصدوق في الأمالي: 513، حكاه عن والد الصدوق و العماني في المختلف: 142، الشيخ المفيد في المقنعة: 148، الشيخ الطوسي في الخلاف 1: 448، و المبسوط 1: 125، و النهاية: 93، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 37، و الناصريات (الجوامع الفقهية): 201، الحلبي في الكافي: 148، الديلمي في المراسم: 90.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 201، الخلاف 1: 449، أمالي الصدوق: 513.

(3) الكافي 3: 355 الصلاة ب 41 ح 3، التهذيب 2: 195- 767، الوسائل 8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 1.

(4) الكافي 3: 355 الصلاة ب 41 ح 6، الوسائل 8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 3.

(5) التهذيب 2: 158- 618، الاستبصار 1: 362- 1374، الوسائل

6: 402 أبواب التشهد ب 7 ح 3.

(6) الكافي 3: 356 الصلاة ب 42 ح 4، التهذيب 2: 191- 755، الاستبصار 1:

378- 1433، الوسائل 8: 207 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 1.

(7) الفقيه 1: 225- 994، التهذيب 2: 195- 768، الاستبصار 1: 380- 1438، الوسائل 8: 208 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 3.

(8) المعتبر 2: 399.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 242

التسليم و للزيادة بعده، و تدلّ عليه صحيحتا الأشعري «1»، و الجمّال «2».

و في الشرائع عن قائل «3»، فقبل التسليم مطلقا، و تدلّ عليه رواية أبي الجارود «4».

و يجاب عنهما تارة بالشذوذ، إذ لم ينقل الأوّل إلّا عن الإسكافي «5»، مع أنه أنكره في الذكرى «6»، و لم ينسب الثاني إلى قائل، بل في المدارك عدم الظفر بقائله «7».

و ثانيا بمرجوحيتهما بالنسبة إلى ما مرّ، لموافقتهما للعامّة كما تظهر من الفقيه و التهذيبين و الذكرى «8».

نعم في المعتبر و المنتهى نسب إلى أبي حنيفة الموافقة لأصحابنا «9»، و به يضعّف الجواب بموافقة العامّة، كما يضعّف الجواب بالشذوذ بمنعه، سيّما مع النسبة في المعتبر إلى قوم منّا.

إلّا أنّ أكثر أخبار المشهور يدلّ على الوجوب، و دلالة أخبار القولين الأخيرين عليه غير معلومة، فغاية ما تدلّ عليه الجواز، إلّا أن تتمّم الدلالة بالإجماع المركب، فالقول بالتفصيل غير بعيد.

ثمَّ اعلم أنّه يجب بعدهما التشهّد و التسليم، على المشهور، بل عن المعتبر

______________________________

(1) التهذيب 2: 195- 769، الاستبصار 1: 380- 1439، الوسائل 8: 208 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 4.

(2) الفقيه 1: 225- 995، الوسائل 8: 208 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 6.

(3) الشرائع 1: 119.

(4)

التهذيب 2: 195- 770، الاستبصار 1: 380- 1440، الوسائل 8: 208 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 5.

(5) حكاه عنه في المختلف: 142.

(6) الذكرى: 229.

(7) المدارك 4: 282.

(8) الفقيه 1: 225- 995، التهذيب 2: 195، الاستبصار 1: 380، الذكرى: 229.

(9) المعتبر 2: 399، المنتهى 1: 418.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 243

و المنتهى الإجماع عليه «1»، للأخبار المستفيضة الواردة في الموارد الجزئية الآمرة فيهما بالتشهّد و التسليم. إلّا أنه ليس شي ء منها صريحا في وجوب التشهّد، لورودها بالجمل الخبرية الغير الصريحة في الوجوب جدا.

و أمّا صحيحة ابن أبي يعفور: «إذا نسي الرجل سجدة و أيقن أنّه قد تركها- إلى أن قال-: و إن كان شاكّا فليسلّم ثمَّ ليسجدها و ليتشهّد تشهّدا خفيفا و لا يسمّيها نقرة» «2».

فهي و إن تضمّنت الأمر إلّا أنّ المراد بالتشهّد فيها السجدة، و هي ليست بواجبة في المورد قطعا، فلا يكون الأمر للوجوب أيضا، و كذا ما تضمّن الأمر بالتشهّد الفائت فيها إذا نسي التشهّد، فإنّه يمكن أن يكون وجوبه حينئذ لقضاء التشهّد.

نعم، في صحيحة ابن سنان: «إذا كنت لا تدري أربعا صلّيت أو خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثمَّ سلّم بعدهما» «3».

دلّت على وجوب التسليم و به يثبت وجوب التشهد أيضا للإجماع المركب.

إلّا أنّه تعارضها موثقة الساباطي: عن سجدتي السهو، هل فيهما تكبير أو تسبيح؟ فقال: «لا، إنّهما سجدتان فقط، فإن كان الذي سها هو الإمام كبّر إذا سجد و إذا رفع رأسه ليعلم من خلفه أنه قد سها، و ليس عليه أن يسبّح فيهما، و لا فيهما تشهّد بعد السجدتين» «4».

و هي تدلّ على عدم وجوب التشهّد الموجب لعدم وجوب السلام أيضا

______________________________

(1) المعتبر 2:

401، المنتهى 1: 418.

(2) التهذيب 2: 156- 609، الاستبصار 1: 360- 1366، الوسائل 6: 370 أبواب السجود ب 16 ح 1.

(3) الكافي 3: 355 الصلاة ب 41 ح 3، التهذيب 2: 195- 767، الوسائل 8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 1.

(4) الفقيه 1: 226- 996، التهذيب 2: 196- 771، الاستبصار 1: 381- 1442، الوسائل 8: 235 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 20 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 244

بالإجماع المركّب، فيكون قرينة على عدم كون الأمر بالسلام للوجوب أيضا.

مضافا إلى النصوص الواردة بالأمر بالسجدتين من غير إيجاب لشي ء بعدهما مع ورودها في مقام الحاجة ظاهرا. و غايته التعارض الموجب للرجوع إلى وجوه التراجيح، و الترجيح مع الموثّقة، لمخالفتها لما عليه أكثر العامّة و منهم أصحاب أبي حنيفة كما صرّح به في المنتهى «1».

مع أنّه لولاه أيضا لوجب الرجوع إلى الأصل أو التخيير النافيين للوجوب أيضا، فهو الحق، كما اختاره في المختلف «2»، و تبعه في الوافي و الذخيرة «3»، و إليه يميل كلام المدارك «4»، و غيره أيضا «5».

و يستحبان فيهما قطعا، لما مرّ.

و كذا لا يجب فيهما تكبيرة و لا تسبيح، وفاقا في الأوّل للأكثر، و في الثاني للمعتبر و النافع و المنتهى و المدارك و الذخيرة «6»، و جمع آخر من متأخري أصحابنا «7»، للأصل، و الموثّقة المتقدمة، فإنّها تصرّح بأنّهما سجدتان فقط، و هو ظاهر في نفي الغير سيّما مع السؤال عن التكبير و التسبيح.

و بذلك يظهر دفع ما قيل في عدم دلالة الموثقة بأنّها تنفي التسبيح و هو مسلّم، إذ ذكرهما ليس تسبيحا «8».

و خلافا في الأول للمنقول عن المبسوط «9»، و لم ينقل

له دليل.

و في الثاني للأكثر، للأخبار المتضمّنة لذكرهما، كصحيحة الحلبي: «تقول

______________________________

(1) المنتهى 1: 418.

(2) المختلف: 143.

(3) الوافي 8: 996، الذخيرة: 382.

(4) المدارك 4: 283.

(5) كالحدائق 9: 333، و كفاية الأحكام: 27.

(6) المعتبر 2: 401، النافع: 45، المنتهى 1: 418، المدارك 4: 283، الذخيرة: 382.

(7) كابن فهد في المهذّب البارع 1: 450، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 162.

(8) الحدائق 9: 336.

(9) المبسوط 1: 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 245

في سجدتي السهو: بسم اللّه و باللّه اللّهم صلّ على محمّد و آل محمّد» قال: و سمعته مرّة أخرى يقول فيهما: «بسم اللّه و باللّه السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللّه و بركاته» «1».

و الأخرى مثلها أيضا إلّا أنّ فيها: «و صلّى اللّه على محمّد و آل محمّد» «2».

و في بعض النسخ «و السلام عليك» بزيادة الواو.

و قريبة منها في الرضوي «3».

و تردّ بعدم دلالتها على الوجوب، فيكون مستحبا كالتكبير أيضا، لفتوى الجماعة الكافية في مقام الاستحباب. لا للموثقة، لاختصاصها بالإمام و أنه للإعلام لا لخصوص السجدة.

ثمَّ الظاهر أداء المستحب من الذكر بكلّ واحد من النسخ المذكورة، و أما القول باستحباب مطلق الذكر فيهما فلا مستند له.

و أمّا التشهد المستحب فيهما فالظاهر حصوله بمطلق الشهادتين، لإطلاق التشهد. لا للتقييد بالخفيف في الأخبار، لأنّه كما يمكن أن يكون المراد به مقابل التشهد الواجب في الصلاة، يمكن أن يكون المراد مقابل التشهد الطويل المستحب فيها و إن كان الظاهر الأول.

و يضمّ الصلاة على النبي و آله معه أيضا، للإجماع.

و أمّا التسليم فهو أيضا و إن كان مطلقا إلّا أنّ الشائع في الأخبار عند الإطلاق إحدى الصيغتين الأخيرتين، فالظاهر تعيّن إحداهما و عدم حصول الانصراف بالأولى كما

عن الحلبي «4».

______________________________

(1) الكافي 3: 356 الصلاة ب 42 ح 5، الوسائل 8: 234 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 20 ح 1.

(2) الفقيه 1: 226- 997، التهذيب 2: 196- 773، الوسائل 8: 234 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 20 ح 1.

(3) فقه الرضا (عليه السلام): 120، مستدرك الوسائل 6: 415 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 18 ح 1.

(4) الكافي في الفقه: 148.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 246

و الحقّ عدم وجوب الطهارة و الاستقبال فيهما أيضا، وفاقا لبعض الأجلّة، و ظاهر التحرير و المختلف «1»، و تردّد في القواعد فيهما «2»، للأصل.

و قيل بوجوبهما «3»، لما دلّ على وجوبهما قبل التكلّم، و لكونهما مكمّلتان للصلاة التي يشترط الأمران فيها.

و ضعفهما ظاهر.

و لا السجود على الأعضاء السبعة، لما ذكر.

نعم، الظاهر وجوب السجود على ما يصحّ السجود عليه، لما مرّ في سجود التلاوة.

و كذا يجب رفع الرأس عن الأول تحقيقا للتثنية.

و أمّا الطمأنينة في السجود، أو الجلوس بينهما، أو الطمأنينة فيه، فلا دليل عليها، و الأصل ينفيها.

فروع:
أ: لو ترك سجدة السهو عمدا لم تبطل صلاته

، و وجب الإتيان بها و إن طالت المدة، على الحق المشهور، لأصالة عدم اشتراط صحة الصلاة بها.

و عن الخلاف الاشتراط «4»، لأصل الاشتغال.

و يردّ بحصول البراءة ممّا علم الاشتغال به.

ب: هل وجوبها فوري، أم لا؟.

صرّح بعضهم بالأول «5»، لدلالة الأخبار على أنّ محلّها بعد التسليم قبل

______________________________

(1) التحرير 1: 50، المختلف: 143.

(2) القواعد 1: 44.

(3) كما في نهاية الإحكام 1: 548، و الألفية: 72.

(4) الخلاف 1: 462.

(5) كما في الحدائق 9: 339.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 247

التكلم.

و فيه: أنّه غير دالّ على الفورية.

و الأصل يقتضي الثاني، و هو الأظهر، له، و لموثقة عمار: عن الرجل يسهو في صلاته فلا يذكر ذلك حتى يصلّي الفجر، كيف يصنع؟ قال: «لا يسجد سجدتي السهو حتى تطلع الشمس و يذهب شعاعها» «1».

و ممّا ذكر يظهر عدم وجوب كونها في الوقت أيضا.

ج: لو تعدّد الموجب للسجود فالحقّ التداخل و كفاية سجدتين للجميع

، وفاقا للمبسوط «2»، و جمع من أفاضل متأخّري المتأخّرين «3»، للأصل، و صدق الامتثال، و لقولهم عليهم السلام المروي بأسانيد عديدة: «إذا اجتمعت للّه عليك حقوق أجزأك عنها حقّ واحد» «4».

و لأصالة تداخل الأسباب كما بيّناها في موضعه.

خلافا للفاضل «5»، و جمع من المتأخّرين «6»، فقالوا بعدم التداخل مطلقا.

لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «لكلّ سهو سجدتان» «7».

و لأصالة عدم التداخل.

و يردّ الأول: بعدم ثبوت الخبر، بل هو عامي غير حجة.

______________________________

(1) التهذيب 2: 353- 1466، الوسائل 8: 250 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32 ح 2.

(2) المبسوط 1: 123.

(3) منهم السبزواري في الذخيرة: 382، و المجلسي في البحار 85: 227، و صاحب الحدائق 9:

341.

(4) الكافي 3: 41 الطهارة ب 28 ح 1، التهذيب 1: 107- 279، الوسائل 2: 261 أبواب الجنابة ب 43 ح 1، و في الجميع: «أجزأك عنها غسل واحد».

(5) في التحرير 1: 50، و التذكرة 1: 142، و نهاية الإحكام 1: 549.

(6) كالشهيد في الذكرى: 229، و الأردبيلي في مجمع الفائدة

3: 198، و نسب في مفتاح الكرامة 3:

376 إلى العلّامة و الموجز الحاوي و كشف الالتباس و الجعفرية و العزية و إرشاد الجعفرية و شرح الألفية للكركي و الجواهر.

(7) سنن أبي داود 1: 272- 1038.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 248

و الثاني: بالمنع.

و قد أطال بعضهم زمام الكلام في هذا المقام بذكر ما يذكر في الأصول من أدلّة أصالة عدم التداخل، و قد ذكرناها هناك.

و للحلّي، فقال بالتفصيل بالتداخل مع تجانس الأسباب المتعددة، و بعدمه مع التغاير في الجنس «1»، إذ مع التجانس كتكرار التكلم ليس إلّا أمر واحد هو مثلا قوله: «من تكلّم ساهيا يجب عليه سجدتا السهو» فيمتثل بفعل واحد، و مع التغاير كالتكلّم و نسيان التشهد تتعدد الأوامر، إذ ورد لكلّ منهما أمر على حدة، فيحتاج امتثال كلّ منهما إلى فعل آخر.

و يردّ: بمنع المقدمة الأخيرة، لحصول امتثال الأوامر العديدة بفعل واحد أيضا.

د: ظاهر جمع من الأصحاب تحريم تخلّل منافيات الصلاة بينها و بين سجدة السهو،

و ربما كان التفاتهم إلى ورود الأمر بها قبل الكلام الذي هو من المنافيات، و تخصيصه بالذكر من حيث إنّه الغالب وقوعه بعد الفراغ، و ذكره من باب التمثيل.

و فيه: منع كون ذلك من هذا القبيل، و مقتضى الأصل التخصيص بخصوص ما ورد، مع أنّ الأخبار المتضمنة لكونها قبل الكلام لا صراحة لها على الوجوب أصلا.

فالحقّ عدم تحريم تخلّل الكلام الذي هو مورد الأخبار أيضا، كما ذكره الشهيد في الألفية «2»، فكيف بغيره من المنافيات؟!.

المسألة الثالثة: فيما يتعلق بصلاة الاحتياط من الأحكام، و هي أمور:
اشارة

______________________________

(1) السرائر 1: 258.

(2) الألفية: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 249

منها: أنّه يجب أن تكون بعد التسليم، بلا خلاف يوجد، كما قيل «1»، للأخبار المستفيضة المصرّحة، كالموثقات الأربع المتقدمة لعمّار و البقباق «2»، و الصحاح الخمس السابقة لمحمّد و ابن أبي يعفور و الحلبي و البجلي و ابن أبي العلاء «3»، و غير ذلك، المؤيّدة كلّها بتضمّن جملة منها أنه إن كان ما صلّى تماما كانت هذه نافلة، و لا يستقيم ذلك إلّا بعد انفرادها عن الفريضة، و بما ذكر يقيّد ما تضمّن الأمر بها مطلقا.

و منها: أنّه يجب فيها النية، و تكبيرة الإحرام، و التشهّد، و التسليم، و سائر ما يجب في الصلاة غير القيام في الجملة، لا لما قيل من أنّه لازم انصرافها إلى النافلة المصرّح به في الروايات «4»، لمنع الاستلزام، بل لظاهر الإجماع.

مضافا في النية، إلى ما يدلّ على اعتبارها في سائر الأفعال.

و في التكبيرة بل في سائر الواجبات، إلى مطلقات الأمر بها في مطلق الصلاة الذي هذا أيضا فرد منه، كما يظهر من الأخبار الآمرة بها في موارد كلّ منها بخصوصه، سيّما التكبيرة. و عدم صراحة بعضها في الوجوب غير ضائر، للإجماع المركّب.

و

في التكبيرة، إلى رواية الشحّام الواردة فيمن صلّى الست و الخمس المتقدّمة «5». و لا يضرّ عدم وجوب صلاة الاحتياط هنا، لأنّ انتفاء حكم بدليل عن شي ء لا ينفي غيره أيضا، مع أنّه لا قائل بالفصل، فكلّ من يثبت التكبير يوجبه.

و فيها و في التسليم، إلى الروايات المصرّحة بأنّ تحريمها التكبير و تحليلها

______________________________

(1) الرياض 1: 219.

(2) راجع ص 141 و 143.

(3) راجع ص 142 و 143.

(4) الرياض 1: 219.

(5) في ص 158.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 250

التسليم، حيث إنّه حلّل عن الصلاة الأولى بالتسليم الذي هو محلّل بالأخبار، فلا بدّ لهذه الصلاة من محرّم.

و فيه، إلى صحيحة زرارة «1»، و مرسلة ابن أبي عمير «2».

و فيه و في التشهّد، إلى صحيحة محمد «3».

و فيهما و في السجدة، إلى صحيحتي ابن أبي يعفور «4»، و الحلبي «5».

و عن الراوندي أنّه قال: من أصحابنا من قال: إنّه لو شكّ بين الاثنتين و الأربع أو غيرهما من تلك الأربعة فإذا سلّم قام ليضيف ما شكّ فيه إلى ما يتحقق، قام بلا تكبيرة الإحرام و لا تجديد نيّة، و يكفي بذلك علمه و إرادته، و يقول: لا تصح نيّة متردّدة بين الفريضة و النافلة على الاستئناف، و إنّ صلاة واحدة تكفيها نيّة واحدة، و ليس في كلامهم ما يدلّ على خلافه، و قيل: ينبغي أن يؤدّي ركعات الاحتياط قربة إلى اللّه، و يكبّر و يصلّي. انتهى «6».

و ظاهر الراوندي نفسه التردد، و هو ظاهر بعض مشايخنا الأخباريين، بل ظاهره الميل إلى العدم، و قال: إطلاق الأخبار في الاحتياط يعضده، و الذي وقفت عليه من عبارات جملة من المتقدمين و جلّ المتأخرين خال عن ذكر التكبير أيضا.

______________________________

(1) الكافي

3: 350 الصلاة ب 38 ح 3، التهذيب 2: 192- 759، الاستبصار 1:

375- 1423، الوسائل 8: 214 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 9 ح 1.

(2) الكافي 3: 353 الصلاة ب 40 ح 6، التهذيب 2: 187- 742، الوسائل 8: 223 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 13 ح 4.

(3) التهذيب 2: 185- 737، الاستبصار 1: 372- 1414، الوسائل 8: 221 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 6.

(4) الكافي 3: 352 الصلاة ب 40 ح 4، التهذيب 2: 186- 739، الوسائل 8: 219 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 2.

(5) الكافي 3: 353 الصلاة ب 40 ح 8، الفقيه 1: 229- 1015، الوسائل 8: 219 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 1.

(6) حكاه في الحدائق 9: 302 عن بعض متأخري أصحابنا عن القطب الراوندي في شرح النهاية الطوسية.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 251

انتهى «1».

أقول: ما ذكره البعض من كفاية العلم و الإرادة فإن أراد العلم و الإرادة المتحققين للصلاة الأصلية حتى يكون مراده كفاية الاستدامة الحكمية، فقد عرفت في المباحث السالفة أنّ تحققها فرع عدم نية المنافي، و هي هنا بالتسليم قد تحققت، فلا يفيد العلم و الإرادة السابقان. و إن أراد العلم و الإرادة المتجدّدين حين صلاة الاحتياط فهو عين النية و لا يريد منها.

إلّا أن يكون غرضه عدم الاحتياج إلى ضمّ القربة. و بطلانه ظاهر، لأنّه إن أراد كفاية قصد القربة المتقدم فليقل به في العلم و الإرادة أيضا. و إن أراد عدم الحاجة إلى قصد القربة مطلقا ففساده ظاهر.

و ليست النّية المتجدّدة متردّدة بين الفرض و النافلة، بل ينوي الفريضة البتة، نعم ورد في

الأخبار أنّ مع تمامية الصلاة يحسب تلك نافلة، لا أنّ المصلي ينويها.

و ليست هذه الصلاة مع الأصل صلاة واحدة، لتخلّل التسليم بينهما.

و أما ما ذكره بعض مشايخنا من اعتضاد إطلاق الأخبار لذلك و كذا خلوّ أكثر العبارات ففيه: أنّ ذلك موكول إلى الظهور، فإنّ الأمر بالصلاة يكفي عن الأمر بجميع ذلك، لظهور جزئيتها لها، و لذا لم يتعرّض في أوامر الصلوات الكثيرة الواجبة أو المستحبة لشي ء منها.

و منها: أنّه تجب فيها قراءة الفاتحة، على الأظهر الأشهر، كما صرّح به جماعة من المتأخرين «2»، لأنّها صلاة منفردة، كما يظهر من الأخبار، و لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب. و انصراف الأخبار إلى الأفراد الشائعة إنّما هو في الإطلاق دون العمومات، مع أنّ صلاة الاحتياط ليست بأندر من كثير مما يستدلّون بذلك فيه.

و لأصالة الاشتغال، فإنّ وجوب أحد الأمرين من الفاتحة و التسبيح ثابت

______________________________

(1) الحدائق 9: 302.

(2) انظر: كفاية الأحكام: 26، و البحار 85: 211، و الحدائق 9: 307، و الرياض 1: 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 252

قطعا، فلا تحصل البراءة اليقينية إلّا بالإتيان بما يوجب البراءة يقينا و هو الفاتحة.

و يؤيّده تضمّن المستفيضة الواردة في المسألة للفاتحة أو أمّ القرآن أو أمّ الكتاب و إن كان بالجملة الخبرية التي هي في الوجوب غير صريحة.

خلافا للمنقول عن المفيد و الحلّي، فخيّرا بينها و بين التسبيح «1».

لأصالة عدم التعيين.

و إطلاق كثير من الروايات.

و نصّ بعضها بأنّه «يتمّ ما ظنّ أنّه نقص» و الصلاة بالتسبيح أيضا مثل ما نقص.

و لأنّها بدل من الناقص، و البدل لا يزيد حكمه عن المبدل.

و يردّ الأول: باندفاعه بما مرّ.

و الثاني: بتقييده به و بالإجماع، حيث إنّه يجب في هذه الصلاة غير ما

أطلق في هذه الروايات من الركعتين شي ء آخر من الفاتحة أو التسبيح.

و الثالث: بأنّ الصلاة المتضمّنة لكلّ من الفاتحة و التسبيح و إن كانت مثل ما نقص إلّا أنّه لا ينافي ثبوت الزيادة بدليل آخر كما علمت زيادة التكبير و التشهّد و التسليم، مع أنّه لا عموم للفظة ما الموصولة، و الزائد عمّا يقتضيه واجب قطعا فيعمل فيه بأصل الاشتغال.

و الرابع: بمنع عدم إمكان الزيادة.

و منها: أنّه هل يجب الاحتراز عن منافيات الصلاة بينها و بين صلاة الأصل، أم لا؟ و على الأول هل تبطل الصلاة بعدم الاحتراز، أم لا؟.

أمّا الأول فيظهر من الذكرى أنّ ظاهر الفتاوى و الأخبار وجوب الاحتراز «2»، و نسبه بعض مشايخنا إلى الأكثر «3».

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 146، الحلي في السرائر 1: 254.

(2) الذكرى: 227.

(3) الرياض 1: 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 253

و يظهر من بعض المتأخرين الميل إلى عدم الوجوب «1»، بل هو ظاهر أكثر من يقول بعدم الإبطال. و هو الأظهر، لحصول التحليل بالتسليم، و للأصل الخالي عن المعارض سوى ما قيل «2» من أنّه مبطل للصلاة كما يأتي، و إبطال العمل حرام، فتركه واجب.

و من الأمر بسجدة السهو لو تكلّم في صحيحة ابن أبي يعفور، قال فيها- بعد الأمر بصلاة الاحتياط-: «و إن تكلّم فليسجد سجدتي السهو» «3» و لا يمكن أن يكون المراد التكلّم في أصل الصلاة، إذ لا مدخل له في جواب السؤال، و لا في صلاة الاحتياط، لأنها من السهو الذي لا حكم له، فالمراد التكلم بين الصلاتين.

و للأمر بها بعد التسليم بالفاء المفيدة للتعقيب بلا مهلة في عدة روايات، كموثقات عمار المتقدمة «4»، و رواية أبي بصير «5»، و غيرها.

و لقوله

في صحيحة زرارة: «و إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع [و قد أحرز الثلاث ] قام فأضاف إليها أخرى» «6» فإنّ جعل القيام جزاء يقتضي تعقيب فعله بالشرط.

و للاستصحاب.

و يردّ الأوّل: بمنع إبطاله الصلاة كما يأتي.

و الثاني: بمنع ترتّب سجدة السهو على التكلّم في صلاة الاحتياط،

______________________________

(1) كما في الذخيرة: 378.

(2) انظر: الرياض 1: 219.

(3) الكافي 3: 352 الصلاة ب 40 ح 4، التهذيب 2: 186- 739، الاستبصار 1:

372- 1415، الوسائل 8: 219 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 2.

(4) في ص 141.

(5) التهذيب 2: 185- 738، الوسائل 8: 221 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 8.

(6) الكافي 3: 351 الصلاة ب 40 ح 3، التهذيب 2: 186- 740، الاستبصار 1:

373- 1416، الوسائل 8: 216 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 3، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 254

فيحتمل أن يكون هو المراد، أو يكون المراد التكلّم في الصلاة و لم يكن جوابا عن السؤال بل بيانا لحكم من الأحكام، سلّمنا و لكن ترتب سجدة السهو عليه غير صريح في تحريمه.

و الثالث: بمنع دلالة الفاء الجزائية على التعقيب بلا مهلة- كما صرّح به بعضهم «1»- أولا، و منع منافاة كلّ مناف للصلاة للتعقيب ثانيا.

و قد يجاب عنه أيضا بوجوب إخراج الفاء عن معنى التعقيب بلا مهلة هنا قطعا بدلالة ذكر «ثمَّ» في بعض الأخبار، و عدم ذكر شي ء منهما في بعض آخر.

و وهنه ظاهر، إذ لا يجب التراخي هنا إجماعا، فلا تبقى لفظة «ثمَّ» على معناها بالإجماع، و ذلك لا يوجب الخروج عن حقيقة لفظ آخر أيضا، فهو باق على حقيقته

مقيّد لما لم يتعرض، لعدم ذكر شي ء منهما.

و الرابع: بمنع اقتضاء الجزاء تعقيب فعل الجزاء له، بل يقتضي تعقيب الترتّب و هو حاصل.

و الخامس: باندفاع الاستصحاب ببعض ما مرّ، مع أنّه معارض باستصحاب الحلّية قبل الصلاة.

و أمّا الثاني فعن القواعد و المختلف و الذكرى «2»، و جمع آخر «3»: البطلان، و هو ظاهر المفيد «4»، لبعض ما مرّ بجوابه، مضافا إلى أنّ تسليم وجوب المبادرة و الاحتراز لا يستلزم البطلان بانتفائهما.

و لأنّ الاحتياط معرض لأن يكون تماما للصلاة، فكما تبطل الصلاة بتخلّل المنافي بين أجزائها المحقّقة فكذا ما هو بمنزلتها.

و يردّ: بأنّ فعل شي ء استدراكا للفائت في الصلاة لا يقتضي جزئيتها لها،

______________________________

(1) الذخيرة: 378.

(2) القواعد 1: 43، المختلف: 139، الذكرى: 227.

(3) منهم صاحب الرياض 1: 219، و نسبه في مفتاح الكرامة 3: 367 إلى الدرّة و المصابيح و غيرهما.

(4) حكاه عنه في المختلف: 139.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 255

سيّما مع انفصالها عنها بالنية و التكبير و نحوهما.

و ذهب الحلّي، و الفاضل في التحرير و الإرشاد، و ولده في شرح القواعد إلى عدم البطلان «1».

و هو الأقوى، للأصل، و إطلاق ما ورد من أنّ تحليل الصلاة التسليم، و هو شامل للمورد أيضا، فتكون المنافيات حلالا، فلا تبطل بها الصلاة. و إطلاق الأخبار الدالّة على صحّة الصلاة بتخلّل الحدث قبل التسليم.

و منها: أنّه هل يجب أن يكون في وقت صلاة الأصل؟.

لا يحضرني الآن من تعرّض له، إلّا أنّ القول بجزئيتها لها يستلزمه، و لكن الجزئية ممنوعة.

و منها: أنّه هل يجب الفور بها؟.

الأصل يقتضي عدمه.

فائدة: حكم الأجزاء المنسية المقضية بعد الصلاة حكم صلاة الاحتياط

في عدم وجوب الفورية و الاحتراز عن تخلل المنافي، و عدم بطلان الصلاة لو تخلل، للأصل السالم عن المعارض بالمرة.

و قال

جماعة منهم الفاضل في التذكرة و النهاية بالبطلان «2»، بل قيل بأنّ الحكم بالبطلان هنا أولى منه في صلاة الاحتياط، لمحوضة الجزئية اليقينية هنا «3».

و فيه: منع المحوضة بل الجزئية، و إنما هي أفعال اخرى يؤتى بها بأوامر أخرى، و قد حلّل بالتسليم ما كان حراما، فلا وجه لتحريمه بلا دليل.

______________________________

(1) الحلي في السرائر 1: 256، التحرير 1: 50، الإرشاد 1: 270، الإيضاح 1: 142.

(2) التذكرة 1: 140، نهاية الإحكام 1: 545.

(3) الرياض 1: 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 256

و به يظهر الجواب عن التمسك باستصحاب الحرمة و الإبطال، مضافا إلى ما مرّ من معارض الاستصحاب.

و عن شرح القواعد لفخر المحققين «1»، و ابن فهد في المحرّر «2»: أنّه لو أحدث قبل الأجزاء المنسية عامدا بطلت صلاته، و لو كان سهوا، أو بعد الوقت، أو بعد أن مضى بعد التسليم زمان يخرج عن كونه مصليا، لم تبطل. بل ظاهر الأول الإجماع على عدم البطلان في هذه الصور، إذ مع ذلك يخرج عن الجزئية فلا تبطل، بخلاف ما قبله، فإنّها جزء حينئذ.

و فيه منع ظاهر.

و قد يستدل للجزئية بالأصل و الظاهر، لأنّ الأصل و الظاهر عدم إجزاء عبادة عن أخرى، و أيضا الأصل بقاؤها على الجزئية، و الظاهر اتحاد المتوافقين في الهيئة.

و ضعف الجميع في غاية الظهور.

و ممّا ذكرنا ظهر عدم دليل على اشتراط الطهارة في الأجزاء المنسية أيضا، كما هو مقتضى الأصل.

المسألة الرابعة: لو تذكّر الشاك بعد الفراغ من الصلاة الأمر المشكوك فيه

، فإمّا يتذكّر بعد صلاة الاحتياط أو في أثنائها أو قبلها، و على التقادير إمّا يتذكّر عدم الحاجة إلى صلاة الاحتياط و كون ما بني عليه من الأكثر مطابقا للواقع، أو الحاجة إليه.

فإن تذكّر بعدها عدم الحاجة إليها، كأن يتذكّر الشاك

بين الثلاث و الأربع بعد صلاة الاحتياط أنّ ما صلّاها كان أربعا فلا خلاف و لا إشكال في صحة الصلاة.

______________________________

(1) الإيضاح 1: 143.

(2) حكاه عن المحرّر في غاية المرام على نقل صاحب مفتاح الكرامة 3: 370.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 257

و إن تذكّر في الأثناء أو قبلها فظاهرهم الاتفاق على تماميّة الصلاة، و جواز قطع الاحتياط في الأول من جهة عدم توقّف صحة الصلاة عليه و إن اختلف فيه من جهة جواز قطع النافلة و عدمه، و الاستغناء عنها في الثاني.

و يدلّ عليه قوله في صحيحة ابن أبي يعفور: «و إن كان صلّى أربعا كانت هاتان نافلة» «1».

فإنّه بعد تذكّر عدم الحاجة إلى الاحتياط يعلم كونها نافلة، فيكون مستغنى عنها لأجل الصلاة، و بذلك يدفع استصحاب وجوب الاحتياط.

و إن تذكّر الحاجة إليها أي نقصان الصلاة عمّا بنى عليه: فإن كان بعد الفراغ عن الاحتياط لم يلتفت إلى ما تذكّر و صحّت صلاته، على الأظهر الأشهر كما قيل «2»، بل بالاتفاق كما صرّح به بعض الأجلّة.

للاستصحاب، و اقتضاء الأمر للإجزاء، و تصريح الأخبار بأنّ الصلاة لو كانت ناقصة كان الاحتياط متمّما، بل صرّح في موثّقة الساباطي بقوله: «و إن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت» «3».

و به يدفع ما لعلّه يتوهّم من دلالة ما دلّ على بطلان الصلاة بالنقص، على البطلان أو إتمام الصلاة مع عدم تخلّل المنافي هنا، مع أنّ في شمول أدلّتها للمورد نظرا ظاهرا، كما لا يخفى على المتتبّع فيها.

و عن بعض الأصحاب البطلان في صورة مخالفة الاحتياط للناقص [1]، كما إذا شكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، ثمَّ ظهر له بعد الاحتياط كون ما صلّى

ثلاثا، للزوم الاختلال بنظم الصلاة، حيث إنّ ما يبدأ به من الاحتياط ركعتان

______________________________

[1] الظاهر هو أبو العبّاس ابن فهد في كتابه الموجز الحاوي، كما حكاه عنه صاحب مفتاح الكرامة 3:

358.

______________________________

(1) الكافي 3: 352 الصلاة ب 40 ح 4، التهذيب 2: 186- 739، الاستبصار 1:

372- 1415، الوسائل 8: 219 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 2.

(2) نسبه صاحب الحدائق (9: 308) إلى المشهور.

(3) التهذيب 2: 349- 1448، الوسائل 8: 213 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 258

من قيام، و هو مخالف الناقص، و المطابق له متأخّر.

و فيه: أنّ ذلك إنّما يتمّ على جزئية صلاة الاحتياط، و هي ممنوعة، مع أنّه لو اشترط المطابقة بين الاحتياط و ما يعوّض عنه لم يسلم احتياط تذكّر فاعله الحاجة إليه، لتحقق زيادة النية و التكبيرة و نحوهما.

و إن كان في أثنائه فلا يخلو إمّا أن يكون الاحتياط مطابقا للناقص أو غير مطابق.

فعلى الأول فيه قولان:

بطلان الصلاة و استئنافها، نظرا إلى أنّ المعلوم ثبوته من الأخبار ورودها بالنسبة إلى الشك المستمرّ إلى الفراغ من الاحتياط، و الشرط المذكور فيها بأنّه إن كانت صلاته تامّة فكذا و إن كانت ناقصة فكذا، إنّما هو بالنظر إلى الواقع لا بالنظر إلى ظهور ذلك للمكلّف.

و صحّتها وجوب إتمام الاحتياط، لعموم الأدلة. و اختصاصها بالشك المستمر ممنوع غايته بعد تسليم الاختصاص بالمستمرّ إلى الفراغ عن صلاة الأصل.

و هو الحقّ، لما ذكر، و للاستصحاب.

و على الثاني قيل «1»: فيه احتمالات: إتمام الاحتياط كما كان يتمّه قبل التذكر، و الاقتصار على القدر المطابق إن لم يتجاوزه، و بطلان الصلاة.

أجودها الأول، لما مرّ.

و إن كان بين الصلاتين فقيل

«2»: إمّا أن يكون فعل منافيا يبطل الصلاة عمدا و سهوا، أو لا. فعلى الثاني يتمّ صلاة الأصل و يسجد سجدة السهو لما زاده من التشهد و التسليم. و على الأول يبني على المسألة المتقدمة المبيّنة لحكم من سلّم في غير موضعه من كون المنافي مبطلا أم لا.

______________________________

(1) الحدائق 9: 309.

(2) الحدائق 9: 309.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 259

أقول: لو قلنا بوجوب إتمام الاحتياط و عدم الالتفات إلى التذكّر لعموم أدلته، لم يكن ذلك ببعيد.

و عدم انصرافها إلى مثل تلك الصورة لندرتها، معارض بورود ذلك بعينه في أدلّة إتمام الصلاة قبل فعل المنافي لو سلّم في غير موضعه، و بطلانها بعده.

و المسألة محلّ تردّد، و الأولى العمل بالأمرين معا.

هذا كلّه إذا لم يحتمل الزيادة. و أمّا إذا احتملها كما إذا شكّ بين الخمس و غيرها و بنى على الأقلّ، فإن تذكّر المطابقة فلا إشكال. و إن تذكّر الزيادة فإن كان الشك بين غير الخمس و الأربع فالظاهر عدم الإشكال في بطلان الصلاة، لأخبار البطلان بتيقن الزيادة، و كان البناء على الأقل للأصل الغير المقاوم للخبر.

و إن كان بينهما فيحصل الإشكال من جهة ما ذكر و من جهة خصوص الأمر المقتضي للإجزاء هنا، و الاحتياط ثانيا فيه طريق الاحتياط.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 261

المقصد الرابع في سائر ما يتعلق بالصلاة من أحكام القضاء، و الجماعة، و السفر

اشارة

و فيه ثلاثة أبواب

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 263

الباب الأول في القضاء
اشارة

و هو إمّا يكون قضاء للقاضي نفسه أو لغيره، فهاهنا فصلان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 265

الفصل الأول فيما يقضي كلّ أحد عن نفسه و الكلام فيه إمّا فيما يجب قضاؤه أو في أحكام ما يجب قضاؤه، فهاهنا بحثان:
البحث الأول فيما يجب قضاؤه، و فيه مسائل:
المسألة الاولى: من ترك الصلاة من المكلّفين

المسلمين مستحلا تركها أو مستخفا بها، خرج عن الإسلام و كفر، و جرت عليه أحكام الارتداد، بلا خلاف يوجد، و في المنتهى و غيره: الإجماع عليه «1»، لإنكاره ما علم ثبوته من الدين ضرورة، و لصحيحة ابن سنان: «من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنّها حلال أخرجه من الإسلام» «2».

و أمّا كون ترك الصلاة كبيرة فتدل عليه الأخبار، منها رواية عبيد: عن الكبائر، فقال: «هنّ في كتاب علي عليه السلام سبع: الكفر باللّه «إلى أن قال:

قلت: فما عددت ترك الصلاة في الكبائر! فقال: «أيّ شي ء أوّل ما قلت لك؟

قال: قلت: الكفر، قال: «فإنّ تارك الصلاة كافر» «3».

و لرواية مسعدة و فيها بعد السؤال عن وجه تسمية تارك الصلاة كافرا قال:

«و تارك الصلاة لا يتركها إلّا استخفافا بها- إلى أن قال-: و إذا وقع الاستخفاف وقع الكفر» «4».

______________________________

(1) المنتهى 1: 424، و انظر: التذكرة 1: 86، و الذكرى: 131، و التحرير 1: 51.

(2) الكافي 2: 285- 23، الوسائل 1: 33 أبواب مقدمة العبادات ب 2 ح 10.

(3) الكافي 2: 278- 8، الوسائل 15: 321 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 46 ح 4.

(4) الفقيه 1: 132- 616، الوسائل 4: 41 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 266

و المروي في ثواب الأعمال و محاسن البرقي: «ما بين المسلم و بين أن يكفر إلّا أن يترك الصلاة الفريضة متعمدا أو يتهاون بها و لا يصليها» «1».

و لا يتوهّم تعارض مفهومي الصحيحة و رواية مسعدة في المستحلّ و المستخفّ بالعموم من

وجه فلا يثبت الحكم في مادة التعارض، لأنّ كلّ مستحلّ مستخفّ، فالتعارض بالعموم المطلق فلا يضرّ.

و بمفهوم الصحيحة و رواية مسعدة يقيّد إطلاق كفر تارك الصلاة في كثير من الروايات بالمستحل و المستخفّ، أو تحمل الإطلاقات على المبالغة، أو على ضرب من الكفر غير ما يوجب الارتداد، أو على ترتّب بعض أحكام الكفر عليه من وجوب القتل بعد تكرره، كما هو ظاهر أكثر تلك الروايات من اعتبار التكرر.

ثمَّ مقتضى الإطلاقات الارتداد بتركها مستحلا أو مستخفّا و إن احتملت الشبهة في حقه، إلّا أنّ الأصحاب قيّدوه بعدم احتمالها كما هو مقتضى الدليل الأول، و هو الموافق للاحتياط في الدماء.

قيل: و في حكم ترك الصلاة ترك جزء أو شرط معلوم ثبوته من الدين ضرورة، كالركوع و الطهارة، دون ما ليس كذلك.

و هو كذلك إذا لم تحتمل الشبهة في حقّه و دلّ على إنكاره النبي صلّى اللّه عليه و آله.

و لو تركها لا عن استحلال أو استخفاف عزّر، فإن عاد يعاد إلى التعزير، فإن عاد ثالثة يقتل على قول، و قيل: يقتل في الرابعة «2».

و الخلاف هنا مبني على الخلاف في أصحاب الكبائر هل يقتلون في الثالثة أو الرابعة، و لتحقيق المسألة محلّ آخر يأتي إن شاء اللّه.

______________________________

(1) ثواب الأعمال: 274- 1، المحاسن 1: 80- 8، الوسائل 4: 42 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 11 ح 6.

(2) كما في المبسوط 1: 129، و الذكرى: 131، و روض الجنان: 355.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 267

المسألة الثانية: الأصل في كلّ من أخلّ بالصلاة الواجبة

الموقّتة عمدا كان الإخلال بها أو سهوا أو جهلا أو لعذر أو ضرورة، و بالجملة بأيّ نحو كان، أنّه يجب عليه القضاء.

لصحيحة زرارة و الفضيل: «و متى ما استيقنت أو شككت

في وقتها أنك لم تصلّها، أو في وقت فوتها أنك لم تصلها، صليتها، فإن شككت بعد ما خرج وقت الفوت فقد دخل حائل، فلا إعادة عليك من شك حتى تستيقن، فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أي حال كنت» «1».

و روايته: «إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى، فإن كنت تعلم أنك إذا صلّيت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك، فإنّ اللّه تعالى يقول: أقم الصلاة لذكري، و إن كنت تعلم أنك إذا صلّيت التي فاتتك فاتتك التي بعدها فابدأ بالتي أنت في وقتها فصلّها، ثمَّ أقم الأخرى» «2».

و النبوي المشهور: «من فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها فذلك وقتها» «3».

و غير ذلك من الأخبار المتواترة الواردة في خصوص النائم و الناسي و الساهي و المغمى عليه و المصلّي بغير طهور.

و توهّم عدم شمول ما تضمّن لنحو قوله «فاتته» لمن لم يكلّف بالأداء- كما هو مذكور في عبارات كثير من العلماء كالمنتهى و روض الجنان و الذكرى «4»، و غيرها- لأنّ موضعها من صدق عليه الفوت، و ليس إلّا من طولب بالأداء، و إلّا لم يصدق الفوت، كما لا يصدق على الصغير و المجنون و نحوهما، غير صحيح.

______________________________

(1) الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 10، التهذيب 2: 276- 1098، الوسائل 4: 283 أبواب المواقيت ب 60 ح 1.

(2) الكافي 3: 293 الصلاة ب 12 ح 4، التهذيب 2: 268- 1070، الاستبصار 1:

287- 1051، الوسائل 4: 287 أبواب المواقيت ب 62 ح 2.

(3) صحيح مسلم 1: 471- 309.

(4) المنتهى 1: 420، روض الجنان: 355، الذكرى: 134.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 268

لا لما قيل من عدم صحة السلب، فلا يقال للنائم

الفائت عنه صلواته: ما فاتته الصلاة «1»، لجواز استناد ذلك إلى اشتراط قابليّة المحلّ في صدق الفوت و عدمه، و لذا لا يقال للصغير: فاتته الصلاة و لا ما فاتته.

بل لمنع توقف صدق الفوت على وجوب الأداء، كيف؟! و قد استعمل في الإغماء المستوعب و النسيان و النوم إلى خارج الوقت بحيث لا يحصى كثرة في الأخبار، و الأصل في الاستعمال الحقيقة، إذ لا يعلم له معنى سواه غير شامل لذلك، بل مقتضى المعنى اللغوي أيضا شموله له.

نعم، يشترط في صدقه أن يكون الموضع من كان من شأنه الطلب منه الأداء و لو فعله كان مأمورا به صحيحا، و لذا لا يستعمل ذلك في الصغير و المجنون و نحوهما.

مع أنّه لو سلّم ذلك فلا ينحصر دليل ذلك بما تضمن لفظ الفوت، بل فيها ما يشمل الكل قطعا كصحيحة زرارة و الفضيل.

هذا فيما إذا ترك أصل الصلاة أو عمدتها التي يصدق معه ترك الصلاة عرفا.

و أما وجوب القضاء بمجرد الإخلال بجزء أو شرط واجب فقد ثبت بالموارد الجزئية الآمرة بالقضاء، أو الإعادة المستلزمة لوجوب القضاء إن ترك الإعادة الواجبة بتلك الأخبار، هذا.

ثمَّ إنّ ما ذكرناه هو الأصل، و قد خرج منه موارد إجماعا، و وقع الخلاف في بعض موارد أخر.

منها: ما فات عن الحائض و النفساء حالتي الحيض و النفاس، فلا يجب قضاؤها إجماعا، كما مرّ في بحث الطهارة.

و منها: ما فات لفقد الطهور، فقد وقع الخلاف فيه، و قد مرّ تحقيقه في بحث التيمم.

______________________________

(1) الرياض 1: 225.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 269

و منها: ما فات عن الكافر الأصلي، و غير البالغ، و المجنون المطبق، أو الدوري المستوعب للوقت، فلا يجب عليهم قضاؤه، بالإجماع

المحقق و المحكي مستفيضا «1».

و هو الدليل عليه، دون الأصل كما قيل «2»، لما عرفت، و لا حديثي جبّ الإسلام و رفع القلم، لإجمال الأول، و استلزام الثاني رفع القلم حال الصغر و الجنون دون ما بعدهما، نعم كان يصحّ ذلك لو كنّا نقول بترتب القضاء على الأداء، و ليس كذلك، بل هو بأمر جديد شامل لهما بعد رفع الحجر، و على هذا فلا يسقط عنه قضاء ما فات بجنون مسبّب من فعله، لعدم الإجماع فيه.

و منها: ما فات عن غير المؤمن من فرق المسلمين باعتبار الإخلال بشرط واجب عندنا إذا كان صحيحا عنده، و أما إذا لم يكن صحيحا عنده أو فات من أصله فيجب قضاؤه بعد الاستبصار.

أما الثاني فلعموم الأدلة الدالة على وجوب قضاء الفوائت.

و أما الأول فللمستفيضة من الصحاح و غيرها المصرّحة به، كصحيحة الفضلاء «3»، و صحيحة ابن أذينة «4»، و صحيحة العجلي «5»، و غيرها، بل ورد في رواية عمّار المروية في كتاب الكشي، و في الذكرى عن كتاب الرحمة: سقوط قضاء ما فات عنهم حال الضلالة أيضا «6»، إلّا أنها لضعفها غير صالحة لتخصيص العمومات.

______________________________

(1) كما في التذكرة 1: 81، و روض الجنان: 355- 356، و المدارك 4: 289، و الحدائق 11: 2، و الرياض 1: 224.

(2) استدلّ به لسقوط القضاء عن المجنون في كشف اللثام 1: 170.

(3) الكافي 3: 545 الزكاة ب 28 ح 1، التهذيب 4: 54- 143، العلل: 373- 1، الوسائل 9:

216 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 2.

(4) الكافي 3: 546 الزكاة ب 28 ح 5، الوسائل 9: 217 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 3.

(5) التهذيب 5: 9- 23، الوسائل 9: 216 أبواب المستحقين

للزكاة ب 3 ح 1.

(6) رجال الكشي 2: 652- 667، الذكرى: 136، الوسائل 1: 127 أبواب مقدمة العبادات ب 31 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 270

و منها: المغمى عليه، فإنّه يقضي ما فاته حال الإغماء أن أفيق في وقته بقدر الطهارة و ركعة من الصلاة، إجماعا، و لا يقضي ما استوعب الإغماء وقته، على الأظهر الأشهر بين من تقدّم و تأخّر، بل- كما قيل «1»- بلا خلاف فيه إلّا عن نادر، بل بالإجماع كما عن الغنية «2»، و عن المنتهى و الدروس الإشعار بدعوى الإجماع أيضا «3».

أما الأول فللأصل المتقدم، و خصوص المستفيضة، كصحيحة أبي بصير:

عن المريض يغمى عليه ثمَّ يفيق، كيف يقضي صلاته؟ قال: «يقضي الصلاة التي أدرك وقتها» «4».

و الأخرى: عن المريض يغمى عليه نهارا ثمَّ يفيق قبل غروب الشمس، قال: «يصلي الظهر و العصر، و من الليل إذا أفاق قبل الصبح يقضي صلاة الليل» «5».

و الحلبي: عن المريض هل يقضي الصلاة إذا أغمي عليه؟ قال: «لا، إلّا الصلاة التي أفاق فيها» «6».

و الرضوي: «ليس على المريض أن يقضي الصلاة إذا أغمي عليه إلّا الصلاة التي أفيق في وقتها» «7». و غير ذلك.

و أما الثاني فقيل: للأصل، و عدم دليل على وجوب القضاء هنا، إذ ليس

______________________________

(1) الرياض 1: 224.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 562.

(3) المنتهى 1: 420، الدروس 1: 145.

(4) الكافي 3: 412 الصلاة ب 70 ح 4، التهذيب 3: 304- 932، الاستبصار 1:

459- 1779، الوسائل 8: 262 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 17.

(5) التهذيب 3: 305- 940، الاستبصار 1: 460- 1787، الوسائل 8: 263 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 21.

(6) الفقيه 1: 236- 1040، التهذيب 3: 304- 933،

الاستبصار 1: 459- 1780، الوسائل 8: 258 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 1.

(7) فقه الرضا (عليه السلام): 125، مستدرك الوسائل 6: 433 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 271

إلّا عمومات قضاء الفائتة المتضمنة لقوله «من فاتته» و هي غير معلومة الشمول لمفروض المسألة كما مرّ «1».

و فيهما نظر ظهر وجهه.

بل للمستفيضة من الأخبار كصحيحة الحلبي المتقدمة، و الخزاز: عن رجل أغمي عليه أياما لم يصلّ، ثمَّ أفاق أ يصلّي ما فاته؟ قال: «لا شي ء عليه» «2».

و حفص: في المغمى عليه قال: «ما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر» «3».

و محمّد: في الرجل يغمى عليه الأيام، قال: «لا يعيد شيئا من صلاته» «4».

و رواية معمر: عن المريض يقضي الصلاة إذا أغمي عليه؟ فقال: «لا» «5».

و ابن سنان: «كلّ ما غلب اللّه عليه فليس على صاحبه شي ء» «6».

و صحيحة ابن مهزيار: عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب: «لا يقضي الصوم و لا يقضي الصلاة» «7».

و المروي في الخصال: الرجل يغمى عليه اليوم و اليومين و الأربعة و أكثر من ذلك كم يقضى من صلاته؟ فقال: «ألا أخبرك بما يجمع كلّ هذا و أشباهه؟ كلّ ما غلب اللّه عز و جل عليه من أمر فاللّه أعذر لعبده» «8». إلى غير ذلك.

خلافا للمحكي عن المقنع، فيقضي كلّ ما فاته «9»، للعمومات و خصوص

______________________________

(1) الرياض 1: 225.

(2) الكافي 3: 412 الصلاة ب 70 ح 3، التهذيب 3: 302- 924، الاستبصار 1:

457- 1771، الوسائل 8: 261 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 14.

(3) الكافي 3: 413 الصلاة ب 70 ح 7، التهذيب 3: 302-

923، الوسائل 8: 261 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 13.

(4) التهذيب 4: 243- 713، الوسائل 8: 263 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 23.

(5) الكافي 3: 412 الصلاة ب 70 ح 2، التهذيب 3: 303- 926، الاستبصار 1:

457- 1773، الوسائل 8: 261 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 15.

(6) التهذيب 4: 245- 726، الوسائل 8: 263 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 24.

(7) التهذيب 3: 176- 395، الوسائل 8: 262 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 18.

(8) الخصال: 644- 24، الوسائل 8: 260 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 8.

(9) المقنع: 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 272

الروايات كصحيحة ابن سنان: «كلّ شي ء تركته من صلاتك لمرض أغمي عليك فيه فاقضه إذا أفقت» «1».

و محمد: عن الرجل يغمى عليه ثمَّ يفيق، قال: «يقضي ما فاته» «2».

و ابن حازم: في المغمى عليه قال: «يقضي كلّ ما فاته» «3».

و رفاعة: عن المغمى عليه شهرا ما يقضيه من الصلاة؟ قال: «يقضيها كلّها، إنّ أمر الصلاة شديد» «4».

و حفص: «يقضي المغمى عليه ما فاته» «5».

و الجواب عنها:

أولا: بتضعيف دلالة غير الاولى على الوجوب، و الاولى و إن دلّت عليه إلّا أنها تشمل ما أدرك وقتها أيضا، فهي أعمّ مطلقا من بعض ما مرّ فيجب تخصيصها به.

و ثانيا: بأنّه على فرض دلالتها و مساواتها محمولة على الاستحباب بقرينة الأخبار السابقة، و تشعر به رواية أبي كهمس: عن المغمى عليه أ يقضي ما ترك من الصلاة؟ فقال: «أمّا أنا و ولدي و أهلي فنفعل ذلك» «6».

و قريبة منها رواية ابن حازم «7».

و ثالثا: بأنّها على فرض كونها للوجوب لا تصلح لمعارضة ما مرّ، لشذوذها،

______________________________

(1) التهذيب 4: 244- 721، الاستبصار

1: 459- 1782، الوسائل 8: 264 أبواب قضاء الصلاة ب 4 ح 1.

(2) التهذيب 3: 304- 936، الاستبصار 1: 459- 1783، الوسائل 8: 265 أبواب قضاء الصلاة ب 4 ح 2.

(3) التهذيب 3: 305- 937، الاستبصار 1: 459- 1784، الوسائل 8: 265 أبواب قضاء الصلاة ب 4 ح 3.

(4) التهذيب 4: 244- 719، الاستبصار 1: 459- 1785، الوسائل 8: 265 أبواب قضاء الصلاة ب 4 ح 4.

(5) التهذيب 4: 243- 716، الوسائل 8: 266 أبواب قضاء الصلاة ب 4 ح 8.

(6) التهذيب 4: 245- 724، الوسائل 8: 266 أبواب قضاء الصلاة ب 4 ح 12.

(7) التهذيب 4: 245- 725، الوسائل 8: 266 أبواب قضاء الصلاة ب 4 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 273

و مخالفتها الشهرة القديمة المخرجة لها عن الحجية.

و رابعا: بأنّ مع المعارضة يرجّح ما مرّ بأحدثيّة بعضها، و أبعديّتها عن فتاوى العامة، و أشهريّتها، و أصرحيّتها.

و للمحكي عن بعض آخر من أصحابنا، فيقضي آخر أيام إفاقته إن أفاق نهارا و آخر ليلة إن أفاق ليلا [1]، لمرسلة المقنع: (و روي أنّه «ليس على المغمى عليه أن يقضي إلّا صلاة اليوم الذي أفاق فيه و الليلة التي أفاق فيها» «1».

و رواية العلاء و فيها: «إن أفاق قبل غروب الشمس فعليه قضاء يومه هذا، فإن أغمي عليه أياما ذوات عدد فليس عليه أن يقضي إلّا آخر أيامه إن أفاق قبل غروب الشمس، و إلّا فليس عليه قضاء» «2».

و صحيحة الحجّال و فيها: «يقضي صلاة اليوم الذي يفيق فيه» «3».

و الجواب عنها- مع ندرتها، و شذوذها، و ضعف الاولى، و قصور البواقي عن إفادة الوجوب، و عدم ظهور حكم الليلة من غير الأولى

الضعيفة، بل دلالة الثانية على عدم القضاء مطلقا إن أفاق بعد الغروب-: أنّ الظاهر منها إرادة الصلاة التي أدرك وقتها.

و مما ذكر يظهر الجواب عن بعض أخبار أخر منافية على الظاهر للمختار من قضاء ثلاثة أيام أو يوم مطلقا «4»، إذ لا قائل بشي ء منها، و لا صراحة على الوجوب

______________________________

[1] في الذكرى: 135: قال ابن الجنيد: و المغمى عليه أيّاما من علّة سماويّة غير مدخل على نفسه ما لم يبح عليه إدخاله عليها، إذا أفاق في آخر نهاره إفاقة يستطيع معها الصلاة قضى صلاته ذلك اليوم، و كذلك إن أفاق في آخر الليل قضى صلاة تلك الليلة، إلى آخره.

______________________________

(1) المقنع: 37، الوسائل 8: 260 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 10.

(2) التهذيب 3: 303- 931، الاستبصار 1: 458- 1778، الوسائل 8: 262 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 19.

(3) التهذيب 3: 305- 939، الاستبصار 1: 459- 1776، الوسائل 8: 263 أبواب قضاء الصلاة ب 3 ح 22.

(4) انظر: الوسائل 8: 264 أبواب قضاء الصلاة ب 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 274

فيها، فيحمل على الاستحباب و تحمل الاختلافات على تفاوت مراتب الفضيلة، فأعلاها الجميع، ثمَّ الشهر خاصة كما حكاه في السرائر رواية «1»، ثمَّ ثلاثة أيام، ثمَّ يوم.

و هل سقوط القضاء في هذه الصورة يعمّ ما إذا كان المكلّف نفسه سبب الإغماء أيضا، أم يختص بما إذا لم يكن السبب فعله؟.

ظاهر النافع و البيان و الدروس و الذخيرة، بل- كما قيل- الصدوق في الفقيه:

الأول «2»، لإطلاق الأدلة.

و عن السيّد و الإسكافي و الحلّي و الديلمي: الثاني «3»، و صرّح به في الذكرى، و أسنده إلى فتوى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع «4»، لعمومات قضاء الفوائت،

الخالية حينئذ عن مكاوحة تخصيص مسقطات القضاء عن المغمى عليه، لانصرافها إلى الأفراد الشائعة و هي غير المورد، بل يدلّ التعليل في جملة من الأخبار بأنّ «ما غلب اللّه أولى بالعذر» عليه أيضا، فتخصّص به العمومات، بل المتبادر من الأخبار من لفظ «أغمي عليه» أو «المغمى عليه» ما لا يكون بفعل نفسه.

و لا يخفى أنّ الشيوع المدّعى بحيث يوجب الانصراف غير معلوم، و اختصاص العلة فيما تضمّن التعليل بما إذا كان الإغماء عن فعله سبحانه يوجب اختصاص اقتضائها به، لا نفي الاقتضاء عن غيرها إذا كان مندرجا تحت العمومات، و كون المتبادر منه كون إغمائه عن غيره لا عن نفسه غير مسلّم، بل يشمل الجميع، و لا أقل من احتمال الجميع، فتكون العمومات مخصوصة

______________________________

(1) السرائر 1: 276.

(2) النافع: 46، البيان: 256، الدروس 1: 145، الذخيرة: 383، الفقيه 1: 237- 1042 ذ. ح.

(3) السيد في جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 38، الذكرى: 135 حكاه عن الإسكافي الحلي في السرائر 1: 276، الديلمي في المراسم: 91 و 92.

(4) الذكرى: 135.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 275

بالمجمل، فلا تكون حجة في موضع الإجمال (فالقول بالسقوط فيما كان بفعله أيضا أقوى) «1».

و على هذا فيسقط في جميع أفراد المغمى عليه، و لا حاجة إلى التطويل بذكر بعض الفروع التي تختلف أحكامها بواسطة التفصيل بين ما إذا كان الإغماء لا بعمله أو بعمله، كما إذا لم يعلم أداء عمله إلى الإغماء، أو علمه، أو أكره عليه و نحو ذلك.

و ظاهر بعضهم أنّ السكران من المغمى عليه «2»، و في صدقه على جميع أفراده نظر، فكلّ ما يعلم صدقه عليه يحكم في حقه بالسقوط مع استيعاب الوقت، و

ما لم يعلم- كالذي يدرك الخوف و الألم و الجوع و العطش- فيبقى تحت عمومات وجوب القضاء.

بل تظهر من بعضهم مغايرته له مطلقا حيث صرّح بعدم نصّ في السكران، و أنّ دليل سقوط القضاء عنه التعليل الوارد بعدم القضاء مع الإغماء «3».

و الظاهر أنّه كذلك، و على هذا فيجب الاقتصار في السقوط في حقّه على مورد التعليل.

لو قيل: يتعارض عمومه مع عمومات القضاء.

قلنا: فيرجع إلى أصالة عدم وجوب القضاء، فيجب القضاء على من كان سكره بفعله و لو أغمي عليه و استوعب.

المسألة الثالثة: النائم عن صلاة يقضيها وجوبا

، و لو استوعب النوم الوقت أو كان على

______________________________

(1) ما بين القوسين ليس في «ق».

(2) كما في الذكرى: 135، و روض الجنان: 355.

(3) الرياض 1: 224.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 276

خلاف العادة، لعمومات قضاء الفوائت، و مرسلتي ابني مغيرة و مسكان:

الأولى: في رجل نام عن العتمة فلم يقم إلّا بعد انتصاف الليل، قال:

«يصلّيها و يصبح صائما» «1».

و الثانية: «من نام قبل أن يصلّي العتمة فلم يستيقظ حتى يمضي نصف الليل، فليقض صلاته و ليستغفر اللّه» «2».

و صحيحة زرارة: عن رجل صلى بغير طهور، أو نسي صلوات لم يصلّها، أو نام عنها، فقال: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها» إلى أن قال: «إذا قضاها فليصلّ ما فاته ممّا قد مضى» «3».

و موثقة البصري: «إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلّى حين تذكّرها» «4».

و صحيحة ابن سنان: «إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما» إلى أن قال:

«و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمَّ المغرب ثمَّ العشاء قبل طلوع الشمس» «5».

خلافا للذكرى، فألحق النوم على غير العادة بالإغماء في

عدم وجوب القضاء، قال: و قد نبّه عليه في المبسوط «6»، للأصل، و عدم دليل على وجوب القضاء هنا، لاختصاص النصوص الواردة به في النوم العادي منه، لأنه المتبادر منه إلى الذهن عند الإطلاق.

و فيه: أنه لو سلّم التبادر المذكور و عدم دلالة نصوص النوم، فلا شكّ في

______________________________

(1) الكافي 3: 295 الصلاة ب 12 ح 11، الوسائل 4: 216 أبواب المواقيت ب 29 ح 8.

(2) التهذيب 2: 276- 1097، الوسائل 4: 215 أبواب المواقيت ب 29 ح 6.

(3) الكافي 3: 292 الصلاة ب 12 ح 3، التهذيب 3: 159- 341، الاستبصار 1:

286- 1046، الوسائل 8: 256 أبواب قضاء الصلوات ب 2 ح 3.

(4) الكافي 3: 293 الصلاة ب 12 ح 5، التهذيب 2: 269- 1071، الوسائل 4: 291 أبواب المواقيت ب 63 ح 2.

(5) التهذيب 2: 270- 1076، الوسائل 4: 288 أبواب المواقيت ب 62 ح 4.

(6) الذكرى: 135، و هو في المبسوط 1: 126.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 277

اندراجه تحت عمومات الفوائت، سيّما صحيحة زرارة و الفضيل المتقدمة «1»، فبها يخرج عن الأصل.

نعم تعارض العمومات بعموم التعليل الوارد في أخبار الإغماء، و مقتضاه الرجوع إلى أصالة عدم الوجوب، إلّا أنّ في التبادر المذكور نظرا، و أخبار القضاء بالنوم أخصّ مطلقا من عموم التعليل، فيخصّص بها.

______________________________

(1) في ص: 267.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 278

البحث الثاني في بيان أحكام القضاء، و فيه مسائل
المسألة الأولى: هل يجب قضاء الفائتة من الفرائض فورا أو يجوز التأخير؟.
اشارة

المحكي عن السيّد و الحلّي و الحلبي: الفورية «1»، حتى حكي عنهم المنع عن الأكل و الشرب و النوم إلّا ما لا بدّ منه و التكسب، و هو ظاهر المفيد و الديلمي أيضا «2».

و يظهر من طائفة من المتأخّرين أنّه مذهب كلّ من يقول بوجوب تقديم القضاء

على الفريضة الحاضرة، و لذا لم يذكروا إلّا مسألة واحدة و استدلّوا بما يدلّ على كلّ منهما للآخر، و أنكره بعض مشايخنا المحققين و جعلهما مسألتين، و قال:

من حكم بوجوب تقديم الفائتة فإنّما هو من حيث هو هو مع قطع النظر عن الفورية، ثمَّ قال: سلّمنا عدم ظهور الاتحاد [1] و لكن ظهور كون وجوب تقديم الفائتة من جهة خصوص الضيق من أين؟ و كذا لو ادّعي الإجماع المركب بأنّ كلّ من قال بالوجوب قال بالفور البتة، بحيث يكشف عن قول المعصوم؟.

و نعم ما قال.

و يشعر به كلام الفاضل في التذكرة حيث قال: إنّ أكثر علمائنا على وجوب

______________________________

[1] شرح المفاتيح للبهبهاني (مخطوط)، قال فيه- بعد أن ادّعى ظهور جملة من كلمات الأصحاب في عدم اتحاد المسألتين-: سلّمنا عدم الظهور لكن ظهور كون وجوب ..، فلعلّ الصحيح في المتن: سلّمنا عدم ظهور عدم الاتحاد.

______________________________

(1) السيد في حمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 38، الحلي في السرائر 1: 272- 274، الحلبي في الكافي: 149.

(2) انظر: نهاية الإحكام: 125، تحرير الأحكام 1: 50، إرشاد الأذهان 1: 271، قواعد الأحكام 1: 44، المختصر النافع: 46، المقتصر: 89.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 279

الترتيب، ثمَّ قال: و جماعة من علمائنا ضيّقوا الأمر في ذلك و شدّدوا على المكلف غاية التشديد «1».

فإنّ نسبة الترتيب إلى الأكثر و التضييق إلى جماعة مشعرة باختلاف المسألتين.

و كيف يعلم اتحاد المسألتين و كون القول بالترتيب مترتبا على القول بالفورية و التضيق مع أنّ كثيرا من علمائنا عنونوا المسألة بوجوب تقديم الفائتة و عدمه، و لم يتعرّضوا للفورية و ما يترتب عليها، كما في نهاية الشيخ و التحرير و الإرشاد و القواعد و النافع

و غيرها «2»؟!.

بل يشعر التفصيل بين الفائتة الواحدة و المتعددة و فائتة اليوم و غيرها أنّ الكلام في مسألة الترتيب غير الكلام في التضيق و الفورية.

نعم لما كانت طائفة من القائلين بالترتيب كانوا يقولون بالفور أيضا، بل كان الترتيب عندهم لأجل الفورية و استدلّوا بكون الأمر للفور، فلأجله توهّم بعضهم اتحاد المسألتين.

و بالجملة الظاهر- كما قلنا- اختلاف المسألتين، و على هذا فلا يمكن دعوى الشهرة على الفورية أيضا، بل الظاهر أنّها على المواسعة، إذ لم يتعرض لفورية القضاء إلّا من ذكر، أو مع نادر غيرهم، و ظاهر بعض القدماء كون المواسعة إجماعية «3»، و نسبها في الذخيرة ظاهرا إلى شهرة القدماء «4»، كما يأتي في المسألة السابعة.

و كيف كان، فالحقّ عدم الفورية و جواز التأخير، للأصل الخالي عمّا يصلح للمعارضة رأسا، و لزوم العسر و الحرج المنفيين، بل التكليف بما لا يطاق عادة في بعض الأحيان لولاه، و عمل المسلمين من السلف و الخلف، إذ قلّ من لم تتعلق ذمته بفائتة و لو لإخلال شرط أو ترك تقليد سيّما في أوائل بلوغه، و مع ذلك ينامون

______________________________

(1) التذكرة 1: 82.

(2) انظر: ص: 278، هامش رقم: 2.

(3) انظر: ص 288.

(4) الذخيرة: 210.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 280

و يجلسون و يكتسبون و يصلّون في أوائل الأوقات، مع أنّ المشهور عندهم أنّ الأمر بالشي ء نهي عن ضده، و ما يأتي من المستفيضة المجوّزة لتأخير الفائتة عن الحاضرة، مع أنّ كل من يقول بجواز تأخيرها عنها يقول بعدم الفورية.

و صحيحة ابن سنان: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رقد فغلبته عيناه و لم يستيقظ حتى آذاه حرّ الشمس، ثمَّ استيقظ فعاد ناديه ساعة و ركع ركعتين

ثمَّ صلّى الصبح» «1».

قوله «فعاد ناديه ساعة» أي: عاد إلى مكانه الذي فيه أصحابه فمكث ساعة، و لو كان فوريا لما أخّر ذلك القدر، و كذا لم يحوّل من مكانه قبل القضاء، مع أنّ في مضمرة سماعة تنحيّه عنه قبله «2»، و في صحيحة زرارة مع ذلك مخاطبته لبلال و استماع جوابه و أمر الأصحاب بالتنحّي عن مكان الغفلة «3».

و القدح في هذه الأخبار، بإيجابها القدح في النبي باعتبار رقوده عن فرض، سيّما مع أنّه لا ينام قلبه، و سيّما مع تضمّن بعضها لقوله عليه السلام: «إنّما نمتم بوادي الشيطان» الدالّ على أنّ منشأ نومهم تسلّط الشيطان مع أنّ سلطانه على الّذين يتولونه لا على المؤمنين الذين معه.

مخدوش جدّا، لمنع كون رقوده قدحا فيه بل رحمة للأمة كما ورد في بعض هذه الأخبار «4». و إنامته سبحانه له لمصلحة لا توجب قدحا فيه أصلا، و لا ينافي تيقظ قلبه. و كونه وادي الشيطان لا يدلّ على تسلّطه على الجميع، غايته إنامته لبعض منهم، و هذا ليس بمنفي، إذ لم يكن الجميع من أهل العصمة بل لعلّ أهل النفاق كانوا فيهم أيضا.

و تدلّ على المطلوب أيضا صحيحة زرارة الطويلة، و في آخرها: «أيّهما- أيّ: أيّ العشاءين- ذكرت فلا تصلّيهما إلّا بعد شعاع الشمس» قال، قلت: لم

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 7    281     المسألة الأولى: هل يجب قضاء الفائتة من الفرائض فورا أو يجوز التأخير؟. ..... ص : 278

____________________________________________________________

(1) التهذيب 2: 265- 1058، الاستبصار 1: 286- 1049، الوسائل 4: 283 أبواب المواقيت ب 61 ح 1.

(2) الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 8، الوسائل 8: 267 أبواب قضاء الصلوات ب 5 ح 1.

(3)

الذكرى: 134، الوسائل 4: 285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.

(4) انظر: الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 281

ذلك؟ قال: «لأنك لست تخاف فوتها» «1».

يعني: أنّها ليست موقّتة و لا فوريّة حتى يجب التعجيل فيها و فعلها في الأوقات المكروهة.

و لا يضرّ الأمر بتقديم الفائتة على الحاضرة في صدر هذه الصحيحة، لعدم ملازمة بين انتفاء الترتيب و المواسعة.

و القدح فيها بعدم مرجوحيّة قضاء الفرائض في الأوقات المكروهة عند الإمامية بالإجماع، و مع ذلك تعارضها أخبار كثيرة كما مرّت في بحث الأوقات، فيتعين حملها على التقية.

مردود بأنّ مقتضى الإجماع عدم المرجوحيّة، و هو لا ينافي جواز التأخير، فيمكن أن يكون قوله «لا تصلّهما» مجازا في الإباحة، كما قالوا في النهي الواقع عقيب الوجوب، بل هو هنا أيضا كذلك، لتقديم الأمر بتقديم الفائتة على الحاضرة، و يؤكّده التعليل لأنّه إنّما يلائم علّة لجواز التأخير، فيكون مطلوبه عليه السلام بيان جواز التأخير عن شعاع الشمس، حتى لا يتوهّم الراوي حرمته فيوجب ذلك وقوعه في موقع نفيه.

مع أنّه لو سلمنا عدم دلالة قوله «فلا تصلّهما» على المطلوب لمخالفته الإجماع أو وجود المعارض له، فلا شك في دلالة التعليل عليه، و لا معارض له من إجماع أو خبر.

و تدلّ على المطلوب أيضا موثقة الساباطي و فيها: عن الرجل تكون عليه صلاة في الحضر هل يقضيها و هو مسافر؟ قال: «نعم يقضيها بالليل على الأرض، و أما على الظهر فلا» «2».

دلّت على رجحان فعل ما يجب على المسافر من قضاء الحضر بالليل، و إن

______________________________

(1) الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158- 340، الوسائل 4: 290 أبواب المواقيت ب 63

ح 1.

(2) التهذيب 2: 273- 1086، الوسائل 8: 268 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 282

أمكن في النهار بعد النزول (عن الظهر، بل و إن أمكن النزول) «1» في أثناء الطريق، و لو كان القضاء فوريا لما كان ذلك جائزا فضلا عن الرجحان.

فإن قيل: رجحان التأخير إلى الليل مناف للإجماع على رجحان التعجيل.

قلنا: لا نسلّم ذلك الإجماع بالإطلاق، لجواز أن يكون الراجح للمسافر التأخير إلى الليل، ليستريح غبّ نزوله عن مشقة الركوب و يهيّئ ما يحتاج إليه، مع أنّه يمكن أن يكون قوله «يقضيها» للإرشاد دون الرجحان.

و من هنا يظهر جواز الاستدلال للمطلوب برواية الساباطي أيضا: عن الرجل ينام عن الفجر حتى تطلع الشمس و هو في سفر، كيف يصنع؟ أ يجوز له أن يقضي بالنهار؟ قال: «لا يقضي صلاة نافلة و لا فريضة بالنهار، و لا يجوز له و لا يثبت له، و لكن يؤخرها فيقضيها بالليل» «2».

فإنّ المراد أنّ الرجل المسؤول عنه- الذي هو في السفر- لا يقضي بالنهار، أي حال الركوب، حيث إنّه الغالب للمسافر في النهار، بل في حال النزول أيضا، لكونه كسلا متعبا حينئذ، بل يؤخّرها إلى الليل، و يكون التأكيد محمولا على غاية الكراهة للمسافر، و على هذا ليس خلاف إجماع في الرواية كما قيل «3». و كون رجحان التعجيل في القضاء حتى من المسافر في النهار إجماعيا ممنوع جدا.

و يدلّ على المطلوب أيضا تقديم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قضاء ركعتي النافلة على قضاء الفريضة كما ورد في أخبار رقوده، المتقدم صدرها.

و رواية أبي بصير: عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس، قال:

«يصلي ركعتين ثمَّ يصلي الغداة» «4».

______________________________

(1)

ما بين القوسين لا توجد في «ق».

(2) التهذيب 2: 272- 1081، الاستبصار 1: 289- 1057، الوسائل 8: 258 أبواب قضاء الصلاة ب 2 ح 6.

(3) الحدائق 6: 362.

(4) التهذيب 2: 265- 1057، الاستبصار 1: 286- 1048، الوسائل 4: 284 أبواب المواقيت ب 61 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 283

دلّت على جواز تقديم النافلة- قضاء كما في الأول أو مطلقا كما في الثاني- على قضاء الفريضة، و هو مناف للفورية قطعا.

و الخدش في الأخيرة بأنّها تدلّ على استحباب تقديم ركعتين على القضاء و إن لم تفت عنه ركعتا النافلة، و هو ممّا لم يقل به أحد.

مردود بأنّه من أين يثبت الإجماع على عدم استحباب ذلك، و عدم ذكره لا يدلّ على العدم.

و على هذا فيمكن أن يستدلّ للمطلوب بموثّقة الساباطي: «إذا أردت أن تقضي شيئا من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصلّ شيئا حتى تبدأ فتصلي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها، ثمَّ اقض ما شئت» «1».

و قد يستدل أيضا بما دلّ على استحباب الأذان و الإقامة لقضاء الفرائض «2».

و فيه نظر، لأنّهما من مقدمات الصلاة، غاية الأمر كونهما من المقدمات المستحبة، و الاشتغال بمقدمات الشي ء لا ينافي فوريته، لأنها تعدّ معه فعلا واحدا.

احتجّ أهل المضايقة بوجوه:
الأوّل: الأمر بالقضاء

و هو للفور.

الثاني: قوله سبحانه أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي «3»

. فإنّها واردة في الفائتة، كما ورد في صحيحة زرارة في رقود رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «4»، و في رواية أخرى له: «إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت اخرى

______________________________

(1) التهذيب 2: 273- 1086، الوسائل 4: 284 أبواب المواقيت ب 61 ح 5.

(2) انظر: الوسائل 8: 254 و 270 أبواب قضاء الصلوات ب 1 ح 3 و 4 و ب 8.

(3) طه: 14.

(4) الذكرى: 134، الوسائل 4: 285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 284

فإن كنت تعلم أنك إذا كنت صلّيت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك، فإنّ اللّه تعالى يقول أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي «1».

فيكون المعنى: أقم الصلاة وقت ذكر صلاتي، على أن يكون اللام للظرفية و يقدّر المضاف، أو: وقت ذكري إيّاك لما نسيت من الصلاة، فيكون الذكر مضافا إلى الفاعل، فيكون القضاء وقت التذكر واجبا فورا.

الثالث: الأخبار الدالّة على وجوب فعل القضاء حين التذكر

و أنه وقته، كصحيحة زرارة: عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلاة أن يصلّيها أو نام عنها، فقال: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار، فإذا دخل وقت صلاة و لم يتمّ ما فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي حضرت» «2».

و موثقة البصري: عن رجل نسي صلاة حتى دخل في وقت صلاة أخرى، فقال: «إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلّى حين يذكرها، و إن ذكرها و هو في صلاته بدأ بالتي نسي، و إن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة ثمَّ صلّى المغرب» «3» الحديث.

و صحيحة زرارة: «أربع يصليهنّ الرجل في كل ساعة: صلاة فاتتك متى ذكرتها أدّيتها» «4» الحديث.

______________________________

(1) الكافي 3:

293 الصلوات ب 12 ح 4، التهذيب 2: 268- 1070، الاستبصار 1:

287- 1051، الوسائل 4: 287 أبواب المواقيت ب 62 ح 2.

(2) الكافي 3: 292 الصلاة ب 12 ح 3، التهذيب 2: 266- 1059، الاستبصار 1:

286- 1046، الوسائل 4: 284 أبواب المواقيت ب 61 ح 3.

(3) الكافي 3: 293 الصلاة ب 12 ح 5، التهذيب 2: 269- 1071، الوسائل 4: 291 أبواب المواقيت ب 63 ح 2.

(4) الكافي 3: 288 الصلاة ب 10 ح 3، الفقيه 1: 278- 1265، الخصال: 247- 107، الوسائل 4: 240 أبواب المواقيت ب 39 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 285

و صحيحة ابن عمار: «خمس صلوات لم تترك على كل حال: إذا طفت بالبيت، و إذا أردت أن تحرم، و صلاة الكسوف، و إذا نسيت فصلّ إذا ذكرت، و صلاة الجنازة» «1».

و صحيحة يعقوب: عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس، أ يصلّي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تبسط الشمس؟ قال: «يصلي حين يستيقظ» قلت: يوتر أو يصلي الركعتين؟ قال: «يبدأ بالفريضة» «2».

و رواية الرازي: عن رجل فاته شي ء من الصلاة فذكر عند طلوع الشمس و عند غروبها، قال: «فليصلّ حين ذكرها و لو بعد العصر» «3».

و صحيحة زرارة و الفضيل: «فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حال كنت» «4».

و قوله عليه السلام: «من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها» «5».

و يزيد فيه دلالة أنه متضمن للفاء المفيدة للتعقيب بلا مهلة.

و قد زيد في بعض الروايات: «فذلك وقتها» «6» و في بعضها: «أنّ من فاتته صلاة فوقتها حين يذكرها» «7».

و حديث زرارة: «إذا نسي الرجل صلاة أو صلّاها بغير طهور و هو مقيم أو

مسافر فليقض الذي وجب عليه، لا يزيد على ذلك و لا ينقص، و من نسي أربعا

______________________________

(1) الكافي 3: 287 الصلاة ب 10 ح 2، التهذيب 2: 172- 683، الوسائل 4: 241 أبواب المواقيت ب 39 ح 4.

(2) التهذيب 2: 265- 1056، الاستبصار 1: 286- 1047، الوسائل 4: 284 أبواب المواقيت ب 61 ح 4.

(3) التهذيب 2: 171- 680، الوسائل 4: 244 أبواب المواقيت ب 39 ح 16.

(4) الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 10، التهذيب 2: 276- 1098، الوسائل 4: 282 أبواب المواقيت ب 60 ح 1.

(5) عوالي اللئالي 1: 201- 17، مستدرك الوسائل 6: 430 أبواب قضاء الصلاة ب 1 ح 11.

(6) سنن ابن ماجه 1: 228- 698، المعتبر 2: 406، بتفاوت.

(7) سنن الدار قطني 1: 423- 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 286

فليقض أربعا حين يذكرها مسافرا كان أو مقيما، و إن نسي ركعتين صلّى ركعتين إذا ذكر مسافرا كان أو مقيما» «1».

و صحيحته و فيها: «و إن كنت قد صلّيت الظهر و قد فاتتك الغداة فذكرتها فصلّ الغداة أيّ ساعة ذكرتها» «2».

و الجواب عن الأوّل: بمنع كون الأمر للفور.
و عن الثاني: بأنّ للآية محتملات كثيرة

كأن يكون الذكر بمعنى وقت الصلاة، أو بمعنى الآذان، أو قصد القربة، أو يكون اللام للتعليل أي لتذكّري فيها، أو لذكري لها و أمري بها، أو لأذكرك كما قال جلّ شأنه فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ «3» أو لذكري خاصّة غير مشوب برياء، أو ليكون ذاكرا لي.

و ليس في الحديثين دلالة على إرادة المعنى الأوّل، إذ يمكن أن يكون التعليل لمطلق الأمر بالقضاء و الحثّ عليه، و بعض المحتملات يلائم التعليل بذلك. أو يكون مبنى التعليل على أمر لا نعلمه، فإنّ تطبيق الآية على معنى يلائم تعليل التضيق به

يحتاج إلى ارتكاب تخصيصات و تقديرات و تأويلات ليس بأقرب من ارتكاب خلاف ظاهر في التعليل.

مع أنّ الصلاة تشمل النوافل أيضا و تعجيل قضائها مستحب، و ليس حمل الأمر على الاستحباب بأبعد من تخصيص الصلاة.

و مع أنّ هذا التعليل ورد في صحيحة زرارة أيضا مع أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يعجّل بالقضاء، بل تحوّل من مكانه و تنفّل و تكلّم ثمَّ قضى «4».

و على فرض تسليم جميع ما ذكر لا يدلّ على أزيد من أنّ وقت الذكر وقت القضاء، و أمّا الفورية و التضيق فلا.

______________________________

(1) الفقيه 1: 282- 1283، التهذيب 3: 225- 568، الوسائل 8: 269 أبواب قضاء الصلاة ب 6 ح 4.

(2) الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158- 340، الوسائل 4: 290 أبواب المواقيت ب 63 ح 1.

(3) البقرة: 152.

(4) الذكرى: 134، الوسائل 4: 285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 287

و عن الثالث: بأنّ أكثر أخباره بين متضمّن للجملة الخبرية الغير الدالّة على الوجوب صريحا، أو للفظ الصلاة الشاملة للنوافل

، فلا يكون تخصيصها بالواجبة أولى من حمل الأمر فيها على مطلق الرجحان أو الجواز الذي هو أيضا من مجازات الأمر، أو للأمرين معا، مع أنّ منها ما هو عامي لا يصلح للحجية.

و ما خلا عن أحد هذه الوجوه- و ليس هو إلّا رواية زرارة و صحيحته الأخيرتين- ففي دلالته على الفورية نظر. بل يدلّ على وجوب القضاء حين يذكرها أو أيّ ساعة ذكرها سواء كان أول حال الذكر أو بعدها، فإنّه يصدق على الكلّ أنّه حين يذكرها و ساعة كذلك.

مضافا إلى أنّ الاولى منهما منساقة لبيان كيفية القضاء من القصر و الإتمام، فالمعنى أنّه يجب القضاء على نحو نسيها حين التذكر.

و إلى أنّ الأمر في الأخيرة

بل في الجميع وارد مورد توهّم الحظر أو الكراهة، حيث نهي عن الصلاة في أوقات مخصوصة، و كان ذلك شائعا معروفا، و هذه الأوامر لدفع هذا التوهم كما يشعر به قوله «في أيّ ساعة» و قوله «و لو بعد العصر» بل ذكر بعض هذه الأوقات، و في مثل ذلك الأمر ألف كلام.

و لو قطع النظر عن جميع ذلك فتعارض تلك الأخبار ما مرّ من أخبار المواسعة، و أخبارا كثيرة أخر واردة في موارد غير عديدة من مجوّزات النوافل و قضائها في أيّ وقت، و مرغّبات الصلاة في أول الوقت و مجوّزاتها تخييرا، و مجوّزات سائر الأفعال، فيرجع إلى الأصل أو التخيير. مع أنّ أخبار المواسعة تصلح قرينة لحمل هذه على الندب أو الجواز، فيجب الحمل عليه.

و ترجيح أخبار التضيّق بموافقة الكتاب و مخالفة العامة ممنوع.

لمنع التوافق للأوّل كما عرفت، بل أخبار المواسعة أوفق لمثل قوله أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ «1» كما يأتي.

و منع التخالف للثاني. مع أنّ المرجّح هو المخالف لروايات العامّة، و بعض

______________________________

(1) الإسراء: 78.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 288

ما مرّ من أخبار المضايقة عامي، فرواياتها لأخبارهم موافقة. بل الظاهر أن ذلك معنى قوله «خذ بما خالف العامة».

بل القول بالمضايقة و الترتيب مذهب أكثر العامة أيضا «1»، كما صرّح به بعض مشايخنا المحققين، قال بعد ترجيحه المضايقة و الترتيب: و يخدشه كون ذلك مذهب أكثر العامة، فلعلّهم ذكروا ذلك في أخبارهم الصحاح الكثيرة اتقاء للشيعة «2».

هذا كلّه مع أنّ في دلالة أكثر أخبار المضايقة عليها تأملا من وجوه أخر أيضا.

المسألة الثانية: لا خلاف نصّا و لا فتوى في وجوب تقديم الحاضرة على الفائتة
اشارة

مع ضيق وقت الحاضرة، و الأخبار مع ذلك به مستفيضة.

و أمّا مع سعته، ففي عدم وجوب تقديم الفائتة الواجبة مطلقا، أو وجوبه

كذلك، أو التفصيل فالأول مع تعدّد الفائتة و الثاني مع وحدتها، أو الأول إن صلّى القضاء في غير يوم الفوات و الثاني إن صلّاها في يوم فواتها، أقوال.

الأول- و هو الحقّ- مذهب عبيد اللّه بن علي الحلبي في أصله الذي عرض على الصادق عليه السلام و أثنى عليه.

و أبي الفضل محمّد بن أحمد بن سليم، قال في كتابه الفاخر: و الصلوات الفائتة يقضين ما لم يدخل وقت صلاة، فإذا دخل بدأ بالتي دخل وقتها و قضى بالفائتة متى أحبّ.

بل يظهر منه أنّه إجماعي حيث قال في خطبته لهذا الكتاب: إنّه ما روى فيه إلّا ما اجمع عليه و صحّ من قول الأئمة عليهم السلام.

و أبي عبد اللّه الحسين بن أبي عبد اللّه الواسطي، قال في كتابه النقض: إن

______________________________

(1) انظر: المغني و الشرح الكبير 1: 676، و بداية المجتهد 1: 183.

(2) البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 289

سأل سائل و قال: أخبرونا عمّن ذكر صلاة و هو في أخرى ما الذي يجب عليه؟

قال: يتم التي هو فيها و يقضي ما فاته، ثمَّ ذكر خلاف المخالفين.

ذكر هذه الثلاثة السيد ابن طاوس في بعض رسائله «1».

و القدح في الأخيرين بأنّ ظاهرهما وجوب تقديم الحاضرة، و هو خلاف الإجماع و الأخبار.

فاسد، لعدم دلالة الأول على الوجوب أصلا، فإنّ الجملة الخبرية لم تثبت دلالتها على الوجوب سيّما في كلمات القدماء أبدا. و أما الثاني فمقتضاه عدم جواز العدول عن الحاضرة و وجوب إتمامها، و هذا غير وجوب تقديم الحاضرة مطلقا (و إجماعية خلافه بل اشتهاره بل قول أحد ممن يقول بالمواسعة به في غير الفريضتين المشتركتين في الوقت ممنوع جدا، بل و كذا إجماعية عدم

وجوب تقديم الحاضرة مطلقا) «2».

و نسب ابن إدريس في رسالة عملها في هذه المسألة هذا القول إلى طائفة من العلماء الخراسانيين.

و هو أيضا مختار الصدوقين، و الحسين بن سعيد، و الراوندي، و نصير الدين عبد اللّه بن حمزة الطوسي، و سديد الدين محمود الحمصي، و يحيى بن سعيد جدّ المحقق، و نجيب الدين يحيى ابن عمّه، و السيد ضياء الدين بن الفاخر، و الشيخ أبي علي بن طاهر الصوري، جميعا من قدماء أصحابنا، نقل عنهم الشهيد «3».

و هو محتمل الكلام العماني «4». و نسبة القول بوجوب تقديم الفائتة إليه غير جيّد.

و في الذخيرة: و كأنّ القول بالمواسعة كان مشهورا بين القدماء «5».

______________________________

(1) نقلها في البحار 85: 327.

(2) ما بين القوسين لا توجد في «س».

(3) الظاهر أنه نقل عنهم في غاية المراد، انظر: مفتاح الكرامة 3: 386.

(4) حكاه عنه في المختلف: 144.

(5) الذخيرة: 210.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 290

و هو مختار الفاضل في أكثر كتبه «1»، و والده و ولده «2»، و أكثر من عاصره من المشايخ، نقله في المختلف «3»، و الشهيدين في اللمعة و الروضة «4»، بل أكثر المتأخرين و متأخريهم «5»، و دعوى شهرتهم عليه مستفيضة، و اختاره ابن طاوس و الأردبيلي و صاحب الذخيرة «6».

و الثاني لكلّ من قال في المسألة السابقة بالفورية و المضايقة، و هو مذهب الشيخ و الإسكافي و ابن زهرة و الحلّي «7»، و ادعي عليه شهرة القدماء مستفيضة «8»، بل عن الخلاف و الغنية و السرائر و رسالتي المفيد و الحلي: الإجماع عليه «9»، و اختاره بعض مشايخنا مع قوله في المسألة الأولى بالمواسعة «10».

و الثالث للمعتبر و الشرائع و النافع و المدارك «11»، و

قواه الشهيد في بعض كتبه «12».

و الرابع للمختلف «13».

______________________________

(1) كالمنتهى 1: 421، و التذكرة 1: 81، و نهاية الاحكام 1: 322، و التحرير 1: 50.

(2) ولده في الإيضاح 1: 146، و نقل عن والده في المختلف: 144.

(3) المختلف: 144.

(4) اللمعة و الروضة 1: 345.

(5) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 494، و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 185، و المجلسي في البحار 85: 323.

(6) ابن طاوس في رسالته التي أورد بعضها في البحار 85: 327، و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 2: 39، الذخيرة: 210.

(7) الشيخ في النهاية: 125، و الخلاف 1: 382، و المبسوط 1: 126 حكاه عن الإسكافي في المختلف: 144، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 562، الحلي في السرائر 1: 203 و 272.

(8) انظر: الرياض 1: 226.

(9) الخلاف 1: 385، الغنية (الجوامع الفقهية): 562، السرائر 1: 203.

(10) الرياض 1: 226.

(11) المعتبر 2: 405، الشرائع 1: 121، النافع: 46، المدارك 4: 295.

(12) نقله في مفتاح الكرامة 3: 390 عن غاية المراد.

(13) المختلف: 144.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 291

لنا وجوه:

الأوّل: الأصل.

الثاني: إطلاق قوله سبحانه أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ «1».

دلّت على جواز صلاة الظهر عند الدلوك مطلقا، فعلى من يقول بعدم الجواز لمن عليه الفائتة الإثبات.

و القول بأنّه لو تمَّ لدلّ على وجوب تقديم الحاضرة أو رجحانه، و الأكثر لا يقولون به.

مردود بأنّ الأمر في الآية مجاز إمّا في الوجوب التخييري أو الجواز، وارد لبيان التوقيف، و إلّا فلا معنى للوجوب أو الرجحان العيني إلى غسق الليل.

الثالث: إطلاق الأخبار المبيّنة لأوقات الصلاة، و المجوّزات أو الأوامر للصلاة فيها، كقوله: «إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر و العصر» «2».

و

صحيحة سعد: «إذا دخل الوقت عليك فصلهما فإنّك لا تدري ما يكون» «3».

و عمومات الأخبار الدالّة على فضيلة أول الوقت أو أفضليته.

و الإيراد عليه بنحو ما مرّ من أنّ مقتضاها- بعد ملاحظة الإجماع و الأدلّة الخارجية الدالّة على عدم الوجوب في أوّل الوقت- رجحان فعل الحاضرة و لو على من كانت عليه فائتة، و هم لا يقولون به، و الحمل على الجواز ليس بأولى من التخصيص بمن ليست عليه فائتة.

مردود بأنّه إنّما يجري في بعضها دون الجميع مما لا يتضمن أمرا أو نحوه.

مع أنّه إنّما يتمّ لو سلّم الإجماع على عدم رجحان تقديم الحاضرة، و هو بعد غير

______________________________

(1) الإسراء: 78.

(2) انظر: الوسائل 4: 125 أبواب المواقيت ب 4.

(3) التهذيب 2: 272- 1082، الوسائل 4: 119 أبواب المواقيت ب 3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 292

معلوم.

و قد يردّ الإيراد أيضا بأنّ غايته ترك أفضلية تقديم الحاضرة بسبب المعارض فيبقى الجواز.

و فيه نظر يظهر وجهه مما مرّ من عدم أولوية التجوز عن التخصيص.

الرابع: العمومات المجوّزة لفعل النوافل أداء أو قضاء على من عليه قضاء فريضة.

منها: ما مرّ في المسألة السابقة.

و منها: الأخبار المصرّحة بأنّ الصلاة الفائتة- الشاملة لقضاء النوافل- تقضى في كلّ وقت و في كلّ ساعة و حين ذكرها «1»، الشامل للمورد أيضا.

و منها: المصرّحة بأن خصوص النوافل تقضى في كلّ وقت، كصحيحة حسان بن مهران «2»، و مكاتبة محمد بن يحيى «3»، و رواية سليمان بن هارون «4».

فإنه لو جاز فعل النوافل و قضاؤها قبل قضاء الفريضة جاز فعل الفريضة الحاضرة بالطريق الأولى و الإجماع المركب.

و منع جواز النافلة لمن عليه فريضة، باطل، كما مرّ في بحث الأوقات.

نعم يمكن منع الأولوية و

الإجماع المركب بالنسبة إلى قضاء النوافل، كما صرّح به بعضهم «5»، و تدل عليه صحيحة زرارة المتضمنة لإخباره بما سمع لحكم ابن عيينة و أصحابه، فإنها تدلّ على أنّ الترتّب إنّما هو بين الحاضرة و الفائتة، دون النافلة الفائتة و الفريضة الكذائية «6».

______________________________

(1) الوسائل 8: 253 و 256 أبواب قضاء الصلوات ب 1 و 2.

(2) التهذيب 2: 272- 1084، الاستبصار 1: 290- 1064، الوسائل 4: 242 أبواب المواقيت ب 39 ح 9.

(3) الكافي 3: 454 الصلاة ب 90 ح 17، التهذيب 2: 272- 1083، الوسائل 4: 240 أبواب المواقيت ب 39 ح 3.

(4) التهذيب 2: 173- 690، الاستبصار 1: 290- 1061، الوسائل 4: 243 أبواب المواقيت ب 39 ح 11.

(5) انظر: شرح المفاتيح للبهبهاني (مخطوط).

(6) الذكرى: 134، الوسائل 4: 285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 293

الخامس: صحيحتا ابن سنان و أبي بصير: «إن نام رجل أو نسي أن يصلي المغرب و العشاء الآخرة- إلى أن قال-: «و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمَّ المغرب ثمَّ العشاء قبل طلوع الشمس» «1» الحديث.

و لا تضرّ دلالتهما على كراهة قضاء الفرائض عند طلوع الشمس، و لا على امتداد وقت العشاءين إلى الفجر.

لأنّ مخالفة جزء من الحديث للقاعدة لا تخرج باقيه عن الحجية.

مع أنّ الثاني- أي امتداد وقتهما إلى الفجر في الجملة- هو الأظهر، كما في موضعه قد مرّ.

بل قد يرجّح الأول- و هو ترك القضاء في الأوقات المكروهة- لمصلحة، فيمكن أن يكون المقام منه، فيرجح الترك اتقاء عن العامة. و ليس مرادنا أنّ ما ذكر في ذلك الخبر تقية حتى لا يكون الحكم واقعيا، بل المراد أنّه مع تشدّد العامة

و جعله من علائم الرفض يكون القضاء في هذه الأوقات مرجوحا واقعا، فلا مخالفة في الصحيحين للقاعدة أصلا.

و القدح فيهما بدلالتهما على وجوب تقديم الحاضرة.

مردود بأنّه لو سلّم عدم وجوبه فيكون الدليل عليه قرينة لإرادة الرجحان المطلق، و لو كان دليل على انتفائه أيضا يكون ذلك دليلا على إرادة الجواز من الأمر أو الوجوب التخييري.

السادس: صحيحة الحلبي و رواية محمد:

الأولى: رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال: «متى شاء، إن شاء بعد المغرب و إن شاء بعد العشاء» «2».

و الثانية: عن الرجل تفوته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال: «متى شاء، إن

______________________________

(1) التهذيب 2: 270- 1076 و 1077، الاستبصار 1: 288- 1053 و 1054، الوسائل 4: 288 أبواب المواقيت ب 62 ح 3 و 4.

(2) الكافي 3: 452 الصلاة ب 90 ح 6، التهذيب 2: 163- 639، الوسائل 4: 241 أبواب المواقيت ب 39 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 294

شاء بعد المغرب و إن شاء بعد العشاء» «1».

و الإيراد عليه بأنّ الظاهر من «صلاة النهار» نافلته فاسد، لعدم تحقق شي ء يوجب الظهور أصلا. و قياسه على صلاة الليل المختصة بصلاة مخصوصة كما ترى.

و الخدش بأنّ الحوالة على المشيّة توجب التسوية مع أنّ تقديم الفائتة راجح، يأتي جوابه.

السابع: مرسلة جميل: تفوت الرجل الاولى و العصر و المغرب و يذكر عند العشاء، قال: «يبدأ بالوقت الذي هو فيه، فإنّه لا يأمن [الموت ] «2» فيكون قد ترك الفريضة في وقت قد دخل، ثمَّ يقضي ما فاته الأول فالأول» «3».

و القدح فيها بدلالتها على رجحان تقديم الحاضرة و هو خلاف الإجماع.

مردود بما مرّ و يأتي من منع الإجماع على خلافه. و لو سلّم فيكون هو قرينة على

إرادة مطلق الجواز.

و بأنّ «4» وقت العشاء مشترك فلا معنى لتقديم العشاء، يأتي جوابه.

الثامن: موثقة الساباطي: عن الرجل يفوته المغرب حتى تحضر العتمة، فقال: «إن حضرت العتمة و ذكر أنّ عليه صلاة المغرب فإن أحبّ أن يبدأ بالمغرب بدأ، و إن أحبّ بدأ بالعتمة ثمَّ صلّى المغرب بعدها» «5».

و أورد عليها بأنّ المراد بوقت العتمة إن كان وقتها المختص فالحكم بالتخيير غير معقول، لوجوب تقديم العتمة. و إن كان الوقت المشترك فمع عدم وجه لاختصاصه بالحكم لا يعقل التخيير أيضا، لوجوب تقديم المغرب. و الحمل على

______________________________

(1) الكافي 3: 452 الصلاة ب 90 ح 7، التهذيب 2: 163- 640، الوسائل 4: 241 أبواب المواقيت ب 39 ح 6.

(2) في النسخ: الفوات، و ما أثبتناه موافق للمصدر.

(3) المعتبر 2: 407، الوسائل 4: 289 أبواب المواقيت ب 62 ح 6.

(4) عطف على قوله: بدلالتها، أي: و القدح فيها بأنّ ..

(5) التهذيب 2: 271- 1079، الاستبصار 1: 288- 1055، الوسائل 4: 288 أبواب المواقيت ب 62 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 295

المغرب السابقة خلاف الظاهر. فالرواية شاذّة مطروحة.

و الجواب عنه: أمّا على ما هو الحقّ المختار من اختصاص وقت المختار للمغرب بزوال الحمرة المغربية فواضح ظاهر، بل هي أيضا من أدلة ذلك المذهب.

و أمّا على اشتراك الوقت فبأنه لا شكّ أنّ اللفظ صالح للمغرب السابقة، و لا قرينة في الكلام على مغرب هذه الليلة أصلا، فلم لا يحمل على السابق بقرينة عدم معقولية غيرها مع أنّهم يحملون الألفاظ على مجازات أبعد من ذلك بقرائن أخفى من هذه؟! و ليس هذا مجازا بعيدا، بل هو من باب استعمال المطلق في فرد، مع أنّ اللاحقة أيضا ليست إلّا

فردا آخر من المطلق.

و الإيراد بأنّ الحوالة على مشتهى المكلف خلاف الإجماع، لأنّ تقديم الفائتة راجح إجماعا.

ففيه: أنّه لو سلّم ذلك الإجماع لم يضرّ تلك الحوالة، لوقوعها في المستحبات كثيرا، و لم يذكر في الخبر إلّا جواز الأمرين مع إرادته، و ذلك لا يناقض استحباب أحد الطرفين أصلا. ألا ترى أنّه ورد في الوتر «أنها ليست بمكتوبة فإن شئت صلّيتها» «1»؟ و ورد في الصلاة «فمن أراد استقلّ و من أراد استكثر» «2».

التاسع: المروي في قرب الإسناد للحميري: عن رجل نسي الفجر حتى حضر الظهر، قال: «يبدأ بالظهر ثمَّ يصلّي الفجر» «3».

العاشر: المروي في كتاب الحسين بن سعيد بإسناده عن الصادق عليه السلام: عن رجل نسي أو نام عن الصلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى- إلى أن قال-: «و إن كانت صلاة العصر فليصلّ العشاء ثمَّ يصلّ العصر» «4».

______________________________

(1) الوسائل 4: 67 أبواب أعداد الفرائض ب 16 ح 1، و رواها الشيخ في التهذيب 2: 11- 22.

(2) مستدرك الوسائل 3: 43 أبواب أعداد الفرائض ب 10 ح 9 عن النفلية للشهيد (ره).

(3) قرب الإسناد: 198- 754، الوسائل 8: 255 أبواب قضاء الصلاة ب 1 ح 9.

(4) مستدرك الوسائل 6: 428 أبواب قضاء الصلاة ب 1 ح 6 عن كتاب الصلاة للحسين بن سعيد (ره).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 296

و الإيراد ببعض ما مر عليهما يظهر دفعه مما مرّ.

احتجّ القائلون بالقول الثاني:
اشاره

أولا: بالإجماع المنقول كما تقدّم.

و ثانيا: بأصل الاشتغال و طريقة الاحتياط المطلوبة في العبادات.

و ثالثا: بجميع ما مرّ دليلا للمضايقة.

و رابعا: بالمرويّ عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مرسلا: أنّه قال: «لا صلاة لمن عليه صلاة» «1».

و خامسا: بالأخبار، و هي كثيرة:

منها: صحيحة زرارة

الطويلة و فيها: «و إن كنت ذكرت أنّك لم تصلّ العصر حتى دخل وقت المغرب و لم تخف فوتها فصلّ العصر ثمَّ صلّ المغرب، و إن كنت قد صليت المغرب فقم فصلّ العصر، و إن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمَّ ذكرت العصر فانوها العصر، ثمَّ قم فأتمّها بركعتين ثمَّ سلم ثمَّ صلّ المغرب، و إن كنت قد صلّيت العشاء الآخرة و نسيت المغرب فقم فصلّ المغرب، و إن كنت ذكرتها و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمَّ سلّم ثمَّ قم فصلّ العشاء الآخرة، و إن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر فصلّ العشاء الآخرة، و إن كنت ذكرتها و أنت في ركعة أولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثمَّ قم فصلّ الغداة و أذّن و أقم، و إن كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة ثمَّ ابدأ بالمغرب ثمَّ العشاء، فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثمَّ بالغداة ثمَّ صلّ العشاء، فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة ثمَّ صلّ المغرب و العشاء» «2» الحديث.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل 3: 160 أبواب المواقيت ب 46 ح 2 عن الرسالة السهوية للشيخ المفيد (ره).

(2) الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158- 340، الوسائل 4: 290 أبواب المواقيت ب 63 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 297

و منها: رواية الحلبي: عن رجل نسي الأولى- إلى أن قال-: «و إن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر، و لا يؤخّرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعا، و لكن يصلّي العصر

فيما قد بقي من وقتها، ثمَّ ليصلّي الأولى بعد ذلك على أثرها» «1».

وجه الدلالة: الأمر بالأولى بعد الفراغ من العصر على أثرها.

و منها: ما مرّ في المسألة السابقة من رواية زرارة المتضمنة لقوله «فابدأ بالتي فاتتك» و صحيحته المشتملة على قوله «فليقض ما لم يتخوف» إلى آخرها، و موثقة البصري «2».

و صحيحة صفوان: عن الرجل نسي الظهر حتى غربت الشمس و قد كان صلّى العصر، فقال: «كان أبو جعفر عليه السلام أو كان أبي يقول: إن أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها، و إلّا صلّى المغرب ثمَّ صلّاها» «3».

و رواية أبي بصير: عن رجل نسي الظهر حتى دخل وقت العصر قال: «يبدأ بالظهر، و كذلك الصلوات تبدأ بالتي نسيت إلّا أن تخاف أن يخرج وقت الصلاة فتبدأ بالتي أنت في وقتها، ثمَّ تقضي التي نسيت» «4».

و معمّر بن يحيى: رجل صلّى إلى غير القبلة ثمَّ تبين له و قد دخل وقت صلاة أخرى، قال: «يعيدها قبل أن يصلّى هذه التي قد دخل وقتها» «5».

و صحيحة الحلبي: عن رجل أمّ قوما في العصر، فذكر و هو يصلّي بهم أنّه لم يكن صلّى الأولى، قال: «فيجعلها الأولى التي فاتته، و يستأنف بعد صلاة

______________________________

(1) التهذيب 2: 269- 1074، الاستبصار 1: 287- 1052، الوسائل 4: 129 أبواب المواقيت ب 4 ح 18.

(2) راجع ص: 284.

(3) الكافي 3: 293 الصلاة ب 12 ح 6، التهذيب 2: 269- 1073، الوسائل 4: 289 أبواب المواقيت ب 62 ح 7.

(4) الكافي 3: 292 الصلاة ب 12 ح 2، التهذيب 2: 172- 684، الوسائل 4: 290 أبواب المواقيت ب 62 ح 8.

(5) التهذيب 2: 46- 150، الاستبصار 1: 297- 1099، الوسائل

4: 313 أبواب القبلة ب 9 ح 5. و الراوي في جميعها: عمرو بن يحيى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 298

العصر» «1».

و المروي في قرب الإسناد: عن رجل نسي العشاء ثمَّ ذكر بعد طلوع الفجر، كيف يصنع؟ قال: «يصلي العشاء ثمَّ الفجر» و سألته عن رجل نسي الفجر حتى حضرت الظهر، قال: «يبدأ بالفجر ثمَّ يصلّي الظهر، كذلك كل صلاة بعدها صلاة» «2».

و الجواب

أمّا عن الأوّل: فبعدم حجيّة الإجماع المنقول جدا، سيّما مع مخالفة فحول القدماء، و معارضته بظاهر دعوى الإجماع المتقدم عن كتاب الفاخر «3»، و استفاضة دعوى الشهرة المتأخرة «4».

و أمّا عن الثاني: فبما مرّ مرارا من أنّ في مثل المقام يجري أصل البراءة دون أصل الاشتغال، و أمّا الاحتياط فلو سلّم جريانه هنا فليس إلّا مستحبا.

و أمّا عن الثالث: فبما مرّ في المسألة السابقة. مضافا إلى عدم استلزام الفورية للترتّب المطلوب، لحصول التعارض بين أدلّة فوريته و بين أدلّة تجويز الحواضر في جميع أوقاتها و ترغيب أول أوقاتها بالعموم من وجه، و الترجيح لأدلّة الحواضر بالأكثرية و مخالفة العامة و موافقة الكتاب.

و أمّا عن الرابع: فبضعفه الخالي عن الجابر. و اشتهار القول بالترتّب- لو سلّم- لا يوجب اشتهار بطلان الحاضرة، كيف؟! و من القائلين بالترتّب جمع لا يقولون ببطلان الحاضرة لو فعلها [1].

مع أنّ نسبته إلى الحاضرة و الفائتة على السواء، إذ يصدق على من دخل

______________________________

[1] قال الشهيد في الذكرى: 134: و لم يصرّح في النهاية و الخلاف ببطلان الحاضرة لو أوقعها لا مع الضيق، و كذلك المفيد و ابن أبي عقيل و ابن الجنيد، نعم صرّح به المرتضى و ابن البرّاج و أبو الصلاح و الشيخ في المبسوط و ابن

إدريس.

______________________________

(1) الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 7، التهذيب 2: 269- 1072، الوسائل 4: 292 أبواب المواقيت ب 63 ح 3.

(2) قرب الإسناد 197- 753 و 754، الوسائل 8: 255 أبواب قضاء الصلاة ب 1 ح 8 و 9.

(3) راجع ص: 288.

(4) راجع ص 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 299

عليه وقت الفريضة أنه عليه صلاة الحاضرة، فلا تتم منه صلاة الفائتة.

هذا كلّه مع أنّه معارض برواية علي بن جعفر، و فيها: «لا صلاة في وقت صلاة» «1».

و أمّا عن الأخبار: فبأنّ غير الأربعة الأولى منها خالية عن الدالّ على الوجوب بالمرة، بل لا يتضمن إلّا جملا إخبارية هي عن الدلالة على الوجوب قاصرة، بل لكلّ من الوجوب و الرجحان بل مطلق الجواز محتملة.

و دعوى إفادتها الوجوب ناشئة من عدم حقّ التأمّل في المسألة، فإنّها مستعملة في معان مجازية، فلو سلّمت إفادتها الوجوب في هذا العصر فهي إفادة حادثة، و الأصل في كلّ حادث التأخر.

مضافا إلى ما في موثقة البصري من عدم دلالتها- مع الإغماض عن جميع ما ذكر- إلّا على وجوب تقديم الفائتة الواحدة، فإنّ قوله: «أتمّها بركعة ثمَّ صلّى المغرب» يدلّ على أنّ الفائتة صلاة واحدة، فكيف يستدل بها للقول بالترتّب المطلق؟!.

و منه يظهر قدح آخر في صحيحتي صفوان و الحلبي و رواية قرب الإسناد.

مع ما في صحيحة الحلبي أيضا من خروجها عن المتنازع فيه البتة، لعدم الخلاف في وجوب تقديم الظهر على العصر، فإنّه من باب ترتّب الحواضر.

و منه يظهر قدح آخر في رواية أبي بصير، لأنّه أيضا من ذلك الباب.

و لا يتوهّم إطلاق قوله: «و كذلك الصلوات».

إذ مقتضى تشبيهها بما تقدّم عليه أنّ المشتركين في الوقت إذا نسي أوّلهما

تقدّم على اللاحقة، فيكون اللام في «الصلوات» للعهد بقرينة التشبيه. و لا أقلّ عن تساوي الاحتمالين المسقط للاستدلال.

و لو أبيت إلّا عن الإطلاق فيكون شاملا للنوافل المنسية أيضا، و لا شكّ في عدم وجوب تقديمها بل عدم رجحانه، فيعارض التخصيص مع التجوّز بإرادة

______________________________

(1) التهذيب 3: 320- 996، الوسائل 3: 124 أبواب صلاة الجنازة ب 31 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 300

الندب أو الإباحة، و الحقّ عدم أولوية أحدهما عن الآخر، سيّما عن تجوّز استعمال الدالّ على الوجوب- لو كان- في الاستحباب الذي هو في الشيوع بمكان يتوقف في تقديم الوجوب عليه فيما هو حقيقة في الوجوب.

و من ذلك يظهر قدح آخر في رواية معمر، فإنّ الصلاة فيها أيضا مطلقة، مضافا إلى مخالفتها لما عليه الفتوى من عدم إعادة الصلاة خارج الوقت مع تبيّن الخطأ في القبلة.

و من ذلك ظهر عدم دلالة غير الأربعة الاولى.

و الأخيرتان منها أيضا مقدوحتان بما مرّ من إطلاق الصلاة فيهما الشاملة للنافلة و الفريضة، الغير الواجب تقديم الاولى قطعا، الموجب لتعارض التخصيص و التجوّز.

فلم يبق إلّا الأوليين.

و الأخيرة منهما أيضا مختصّة بالفائتة الواحدة، فالاستدلال بها على الإطلاق غلط. مضافا إلى أنّ في دلالة قوله «على أثرها» على التعجيل و التقديم على المغرب نظرا.

مع أنّه لو قطع النظر عن ذلك أيضا فلا شكّ أنّها مختصة بالفائتة المقضية في يومها، التي أفتى الفاضل باختصاص التقديم بها، فكيف يستدلّ بها على الإطلاق؟!.

و من ذلك يظهر قدح آخر في كثير مما مرّ، بل في الصحيحة الأولى أيضا إن كان المراد بيوم الفائتة ما يشمل الليلة أيضا أو احتمل ذلك حتى يوجب الوهن للإجماع المركّب.

مع أنّه لو قطع النظر عن ذلك غايته تكون

هناك صحيحة واحدة دالّة معارضة مع أخبار كثيرة، فكيف تقدم عليها؟!.

مع أنّه لو سلّمت دلالة الجميع فتحصل المقابلة بين الفريقين من الأخبار، و من البديهيات أن تجويز الترك قرينة واضحة على عدم إرادة الحقيقة من الأمر، و يجب صرفه عن الحقيقة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 301

و لو قطع النظر عن ذلك أيضا لحصل التعارض بين الفريقين، فيجب الرجوع إلى المرجّح، و لا شكّ أنّ أخبار عدم الترتّب أرجح من جميع وجوه المرجّحات المنصوصة: فإنّها موافقة لعموم الكتاب الدالّ على جواز إقامة الصلاة في أول أوقاتها، و الدالّ على انتفاء العسر و الحرج، و مطابقة للسنة النبوية من كونه مبعوثا بالملّة السهلة السمحة، و مخالفة لروايات العامة و فتواهم، إذ- كما صرّح به جمع من علمائنا منهم صاحب الذخيرة و بعض مشايخنا المحققين و غيرهما، و تدل عليه رواياتهم- القول بالمضايقة و الترتّب فتوى أكثر العامة.

بل من جهة بعض المرجّحات الغير المنصوصة أيضا، كموافقة الأصل، و أوفقية العمومات الكثيرة الغير العديدة، و عمل الناس من الصدر الأول إلى زماننا هذا.

و ترجيح أخبار المضايقة و الترتّب بالأكثرية و الأصحية غلط واضح.

نعم، قد تترجّح بموافقة شهرة القدماء و الإجماعات المنقولة.

و يعارضه ما مرّ من شهرة المتأخرين المستفيضة حكايتها و دعوى الإجماع من بعضهم على خلافه.

مع أنّه يستفاد من كلام الحلّي الوهن في دعوى إجماعه بل إجماع غيره جدا، حيث إنه في الرسالة الّتي عملها للمسألة قال: أطبقت عليه الإمامية خلفا عن سلف- إلى أن قال-: لأنّ ابني بابويه و الأشعريين كسعد بن عبد اللّه و سعد بن سعد و محمد بن علي بن محبوب، و القميين كعلي بن إبراهيم و محمد بن الحسن بن الوليد عاملون

بالأخبار المتضمنة للمضايقة، لأنّهم ذكروا أنّه لا يحلّ ردّ الخبر الموثوق روايته. انتهى.

و لا يخفى ما في تعليله لعمل هؤلاء بأخبار المضايقة، فإنّه بعينه يجري في أخبار المواسعة أيضا.

ثمَّ لو سلّمت مكافاة الترجيحين فالعمل إمّا بالأصل أو التخيير، و مقتضاهما أيضا عدم الترتّب.

و مما ذكرنا ظهر أنّ المسألة واضحة جدا و إن توهّم بعض مشايخنا الأخباريين

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 302

الأمر بالعكس، و جعل الوضوح للمضايقة، و أطال في المسألة بما أكثره استعجابات و خطابيات لا تسمن و لا تغني من جوع «1».

احتجّ كلّ من المخالفين الآخرين: بالأمر بتقديم الفائتة الواحدة أو فائتة اليوم في بعض الأخبار، و تجويز تأخيرها في المتعددة أو من غير اليوم في بعض آخر.

و ضعفهما ظاهر ممّا مرّ، فإنّ كلّا من الأمر بالتقديم و تجويز التأخير ورد في كلّ من الواحدة و المتعدّدة و فائتة اليوم و غيرها، فإنّ صحيحة زرارة الطويلة تتضمّن الأمر بتقديم الواحدة و المتعدّدة من غير يوم الفوات «2»، كما أنّ موثّقة الساباطي و ما بعدها من روايتي قرب الإسناد و كتاب الحسين تتضمّن تجويز التأخير في الفائتة الواحدة «3»، و مرسلة جميل و غيرها تتضمّن تجويز التأخير في يوم الفوات أيضا «4».

و الانصاف أنّه لا مناص عن القول بالتفصيل بين الواحدة و المتعدّدة على طريقة صاحب المدارك و من يحذو حذوه من عدم العمل بالموثّقات و أخبار غير الكتب الأربعة، إذ ليس ما يصرّح بتجويز تقديم الفائتة الواحدة إلّا العمومات و الموثّقة و ما بعدها، و الصحيحة الآمرة بتقديمها خاصّة، فعلى أصله لا تقاومها الموثقة و ما يتعقبها، و يجب تخصيص العمومات بها.

نعم، على أصلنا من العمل بالموثقات- سيّما على ما اخترنا من

انتهاء وقت المغرب بزوال الحمرة- لا يكون للتفصيل دليل تامّ، لدلالة الموثقة على تقديم العشاء على المغرب مع انتهاء وقتها، مع العمومات و سائر ما مر.

فروع:
أ: إذ قد عرفت أنّ الحق عدم ترتّب الفوائت على الحواضر

[1]، فهل الراجح

______________________________

[1] الظاهر أنّ التعبير بترتّب الفائتة على الحاضرة من باب صناعة القلب، و الأصل: ترتّب الحاضرة

______________________________

(1) انظر: الحدائق 6: 338 الى 368.

(2) راجع ص 296.

(3) راجع ص 294.

(4) راجع ص 294.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 303

تقديم الفائتة كما اختاره أكثر المتأخرين القائلين بعدم الترتب «1»؟ أو الحاضرة كما عن الصدوقين «2»، و مال إليه بعض المتأخرين «3»؟.

و التحقيق أنّه قد ورد الأمر بكلا الأمرين في الفريقين من الروايات، و يشتركان في عمومات الأمر بالاستباق و المسارعة إلى الخيرات.

و مزية تقديم الحاضرة بالأخبار الغير العديدة من الصحاح و غيرها الدالّة على أفضلية أول الوقت، و المرغّبة للتعجيل إلى الصلاة في أوائل أوقاتها و أنّها رضوان اللّه، إنّما كانت مفيدة لو لا معارضتها مع ما مرّ من تقديم الفائتة من الظواهر في الرجحان أو الوجوب، و أدلّة الاحتياط. و اشتهار رجحان تقديم الفائتة- لو كانت- شهرة في الفتوى، و هي ليست من المرجّحات المنصوصة.

فلو لا موافقة أخبار تقديم الفائتة لروايات العامة و فتاوى أكثرهم- التي هي من موجبات مرجوحيّة الخبر نصا و فتوى- لكانت وظيفتنا الحكم بتساوي الأمرين، لا بمعنى أنّه الحكم واقعا، بل لكونه حكم من لم يظهر له ترجيح أحد الطرفين. و لكن الموافقة المذكورة تمنعنا عن الحكم المذكور، و يترجّح عندنا رجحان تقديم الحاضرة لأجل ذلك.

و أمّا ما يستفاد من كلام بعض مشايخنا من توهّم الإجماع على رجحان تقديم الفائتة «4».

فليس بشي ء، إذ مذهب أكثر من تقدّم من القائلين بعدم الترتب لنا غير معلوم،

فكيف يمكن دعوى الإجماع فيه، سيّما مع مخالفة مثل الصدوقين صراحة؟!.

ب: لو قلنا بفورية القضاء يحرم تركها قطعا

، و يكون جميع أضداد القضاء

______________________________

على الفائتة، كما نبّه عليه الشهيد الثاني (ره) في روض الجنان: 189.

______________________________

(1) كالعلامة في المنتهى 1: 421، و الشهيدين في اللمعة و الروضة 1: 345.

(2) المقنع: 32، الفقيه 1: 232، و حكاه عن والده في المختلف: 144.

(3) المحقق السبزواري في الذخيرة: 213.

(4) انظر: الرياض 1: 226.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 304

الخاصة منهيا عنها على المختار، فيحرم كلّ ما ليس على جوازه أو استحبابه أو وجوبه دليل عامّ يعارض ذلك النهي، و يرجع إلى حكم التعارض فيما كان فيه عامّ كذائي، كما بيّناه في الأصول.

ج: لو قدّم الحاضرة مع سعة وقتها حال كونه ذاكرا للفائتة، فعلى القول بوجوب تقديم الفائتة تجب إعادتها

، لكونها باطلة، لأنّ النهي عن ضدّ الأمر بالابتداء بالفائتة مطلقا أو فوائت مخصوصة كالمغرب و العشاء و نحوهما أخصّ مطلقا عمّا يتضمّنه الأمر بالحاضرة في جميع أوقاتها أو الترغيب بها في أوائل أوقاتها، فيخصّ بها، و تبطل به الحاضرة.

و لو فعل ذلك سهوا لم يعد الحاضرة قولا واحدا، لعدم تعلّق النهي بالساهي.

د: لو تذكر من عليه فائتة في أثناء الحاضرة عدل إلى الفائتة

- على القول بالترتب- مع الإمكان، و هو حيث لا تتحقق زيادة ركوع، بلا خلاف من القائلين بالترتب، و تدل عليه الصحيحة الطويلة و موثقة البصري «1». و مقتضى الأولى جواز العدول مع الفراغ من الفريضة، و لم نعثر على قائل به.

المسألة الثالثة: من فاتته فريضة واحدة حضرا من يوم، و لم يعلمها بعينها، صلّى ثنائية و ثلاثية و رباعية بنية قضاء ما في ذمته
اشاره

، على الأقوى الأشهر، كما صرّح به جماعة «2»، و عن الخلاف و السرائر: الإجماع عليه «3».

لأصالة عدم اشتغال الذمة بالزائد عن ذلك. و لا تعارضها أصالة الاشتغال، لعدم تيقّن الشغل بالأزيد، و ما علم الشغل به فقد حصل.

______________________________

(1) المتقدمتان في ص 284 و 296.

(2) كالعلامة في التذكرة 1: 82، و السبزواري في الكفاية: 27، و صاحب الرياض 1: 227.

(3) الخلاف 1: 309، السرائر 1: 275.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 305

فإن قلت: اشتغلت الذمة بشي ء معين، و الحاصل أمر غير معين.

قلنا: لا معنى لحصول غير المعيّن، إذ الشي ء ما لم يتعيّن لم يوجد. نعم لا يتعيّن في القصد، و لم يثبت اشتغال الذمة بالمعيّن في القصد هنا، و التعيّن الذي كان واجبا في الفائت- من الأدائية و الظهرية مثلا- غير ممكن التحقق فيما نحن فيه، فلا يكون مكلفا به قطعا.

و منه يظهر عدم اندفاع الأصل بعموم المماثلة الواردة في بعض الأخبار «1» لو سلّم العموم.

فإن قلت: إن كان الفائت الظهر مثلا فقد اشتغلت الذمة بقضاء الظهر، و الحاصل ليس ذلك.

قلت: إن أردت اشتغال الذمة بقضاء صلاة بنية كونها ظهرا فهو باطل قطعا، و إن أردت اشتغالها بقضاء صلاة بقصد كونها قضاء ظهر فلا نسلّم الاشتغال به، بل المسلّم اشتغالها بقضاء أربع ركعات للأربع الفائتة.

و القول بأنّ العبادات توقيفية، و لم يثبت من الشارع الاكتفاء بواحدة.

مردود بأنّه لم يثبت من الشارع أزيد

من وجوب ركعات.

و أضعف منه تأيّد التعدد في الأربع بأصالة عدم التداخل كما في الحدائق «2»، فإنّ الاكتفاء بالواحدة لأجل عدم ثبوت الزائد، لا لتداخل أكثر من الواحدة.

و تدلّ على المطلوب أيضا مرسلة ابن أسباط: «من نسي صلاة من صلاة يومه واحدة و لم يدر أيّ صلاة هي صلّى ركعتين و ثلاثا و أربعا» «3».

و المروي في محاسن البرقي: عن رجل نسي صلاة من الصلوات ما يدري أيها هي، قال: «يصلّي ثلاثا و أربعا و ركعتين، فإن كانت الظهر أو العصر أو

______________________________

(1) انظر: الوسائل 8: 268 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 1، عوالي اللئالي 2: 54- 143.

(2) الحدائق 11: 19.

(3) التهذيب 2: 197- 774، الوسائل 8: 275 أبواب قضاء الصلاة ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 306

العشاء فقد صلّى أربعا، و إن كانت المغرب أو الغداة فقد صلّى» «1».

و إرسالهما غير ضائر، للانجبار بما مرّ.

خلافا للمحكي عن الحلبي و ابن حمزة، فأوجبا الخمس «2»، و يستنبط ذلك من باب الوضوء من المبسوط أيضا حيث حكم بأنّ من توضّأ و صلّى الظهر، ثمَّ توضّأ و صلّى العصر، ثمَّ ذكر انه أحدث عقيب إحدى الطهارتين قبل أن يصلّي توضّأ و أعاد الصلاتين معا «3».

لتحصيل نية التعيين الواجبة إجماعا مع الإمكان، و لوجوب الجهر أو الإخفات الغير الممكن جمعهما في صلاة واحدة.

و يردّان: بأنّهما اجتهاد في مقابلة النصّ.

مضافا في الأول إلى أنه إن أراد الإجماع على وجوبها إذا كان معيّنا عند المكلّف فلا يفيد هنا، و إن أراد الإجماع عليه مع عدم التعيين عند المكلّف فهو أوّل المسألة.

و في الثاني إلى أنّ مقتضاه الاكتفاء بالأربع بزيادة رباعية يجهر في إحداهما و يخفت في

الأخرى. مع أنّ ثبوت وجوب الجهر أو الإخفات في المورد ممنوع، إذ قد عرفت أنّ إيجابه في القضاء بالإجماع الغير المتحقّق هنا.

و من ذلك يظهر تخيّر المكلف في الرباعية الواحدة بين الجهر و الإخفات، للأصل، و استحالة التكليف بهما، و عدم الترجيح.

و لو كان في وقت العشاء، يردّد بين الأداء و القضاء إن أوجبنا نيتهما.

و لو فاتته الواحدة سفرا يصلّي مغربا و ثنائية مطلقة بين الثنائيات الأربع، وفاقا لجماعة «4»، للأصل المذكور.

______________________________

(1) المحاسن: 325- 68، الوسائل 8: 276 أبواب قضاء الصلاة ب 11 ح 2.

(2) الحلبي في الكافي: 150، و لم نعثر عليه في الوسيلة و حكاه عن ابن زهرة في المختلف: 148 و هو موجود في الغنية (الجوامع الفقهية): 562.

(3) المبسوط 1: 25.

(4) كالعلامة في التذكرة 1: 82، و الشهيد الأول في الذكرى: 99، و الشهيد الثاني في الروض:

358.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 307

لا لفحوى النصّين المتقدّمين، لعدم انفهام الأولوية أصلا.

و لا لظهور قوله في رواية المحاسن: «فإن كانت الظهر و العصر ..» في العموم، لأنه- لو سلّم- لم يفد هنا، لضعف الرواية و عدم ظهور الجابر في المسألة، لاختصاص الشهرة الجابرة بغيره، و جبره بالاعتبار و فتوى طائفة لا اعتبار به.

خلافا للمحكي عن الحلّي «1»، فأوجب هنا الخمس اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النصّ المنجبر بالعمل.

فرعان:
أ: لا ترتيب هنا بين الثلاث قطعا

، للأصل، و عدم المقتضي.

ب: لو تعدّدت الفائتة المجهولة شخصا مع العلم بالعدد، يقضيها على الوجه المذكور.

فلو علم فوات صلاتين من يوم و لم يعلمهما، صلّى ثنائية و ثلاثية و رباعيتين. و لو كانت ثلاثة أو أربعة ثلّث الرباعية. و لو كان مسافرا صلّى ثلاثية مع ثنائيتين في الأول و مع ثلاث ثنائيات في الأخيرتين. و لو كانت الفائتتان من يومين صلّى ثنائيتين و ثلاثيتين و رباعيتين، و هكذا.

المسألة الرابعة: لو فاتته من الفرائض ما لم يحصه عددا فالمشهور أنّه يجب عليه القضاء حتى يغلب على ظنّه الوفاء

، بل في المدارك: أنّه المقطوع به في كلام الأصحاب «2»، مشعرا بالإجماع.

لصحيحة مرازم: عليّ نوافل كثيرة، فقال: «اقضها» فقلت: لا أحصيها،

______________________________

(1) السرائر 1: 275

(2) المدارك 4: 306.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 308

فقال: «توخّ» «1».

و رواية ابن سنان: في رجل فاته من النوافل ما لا يحصى، لا يدري ما هو من كثرته، كيف يصنع؟ قال: «يصلّي حتى لا يدري كم صلّى من كثرته» «2».

دلّتا من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى على وجوب ذلك في الفرائض أيضا. بل يحتمل وجوب الأزيد منه من تحصيل العلم بالبراءة، و لكنّه نفي بعدم إمكان تحصيل العلم، و استلزامه العسر و الحرج عادة، فبقيت المساواة.

و لاستصحاب شغل الذمّة، فلا تحصل البراءة إلّا مع العلم بها الموجب للإتيان بأكثر ما يحتمل فواته. إلّا أنه لما مرّ من عدم إمكان تحصيل العلم يكتفي بالظنّ، لوجوب الرجوع إلى الظنّ بعد سدّ باب العلم، و لنحو قوله عليه السلام:

«ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» «3».

و يرد على الروايتين- بعد تسليم الأولوية-: أنّ الحكم فيهما على الاستحباب قطعا، فغايته استحباب التوخّي و لا كلام فيه.

و على الاستصحاب: بأنّ ما علم الشغل به يقينا- و هو ما تيقّن بفواته أي الأقلّ- تحصل البراءة عنه بالأقلّ، فلا معنى لاستصحاب الاشتغال به، و الزائد لم يعلم به شغل أولا حتى يصحّ استصحابه.

و استصحاب نفس اشتغال الذمة مطلقا لا معنى له، لأنّ الاشتغال لا بدّ له من متعلّق.

و أما ما ذكره بعض مشايخنا المحقّقين في توجيه الاستصحاب بأنّ المكلّف حينما علم الفوات صار مكلّفا بقضاء هذه الفائتة قطعا و كذلك الحال في الفائتة الثانية و الثالثة و هكذا. و مجرّد عروض النسيان بعد ذلك لا يرفع الحكم الثابت من الإطلاقات و الاستصحاب، و لا تأمّل في التكليف بالقضاء قبل النسيان «4».

______________________________

(1) الكافي 3: 451 الصلاة ب 90 ح 4، التهذيب 2: 199- 779، علل الشرائع 362- 2، الوسائل 4: 78 أبواب أعداد الفرائض ب 19 ح 1.

(2) الكافي 3: 453 الصلاة ب 90 ح 13، الفقيه 1: 359- 1577، التهذيب 2: 11- 25، الوسائل 4: 75 أبواب أعداد الفرائض ب 18 ح 2.

(3) عوالي اللئالي 4: 58- 207.

(4) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 309

فمن أغرب الغرائب، إذ بعد ما أتى بما تيقّن فواته لم يبق شي ء علم فواته أوّلا و نسيه بعد ذلك حتى يستصحب، و كيف يعلم الفائت أوّلا؟!.

و كذا ما ذكره أيضا من أنّ ردّ صاحب الذخيرة و بعض آخر دليل استصحاب الاشتغال هنا مبني على عدم حجية الاستصحاب عنده مع أنّه يقول بحجيته فيما يتحقّق فيه الإطلاق.

فإنّ ردّهم ليس لذلك أصلا، بل لعدم كونه موضع جريان الاستصحاب كما عرفت.

و كذا ما ذكره أيضا من أنّهم يسلّمون استدعاء الشغل اليقيني بأمر واقعي البراءة اليقينية مهما أمكن و إن وقع الإجمال و تعدّد الاحتمال في ذلك الواقعي، فلم لا يقولون به هنا؟!.

و ذلك لأنّه إنّما هو فيما إذا لم يعلم المكلّف به اليقيني، أي كان ما علم التكليف به يقينا

مجملا كالصلاة الواحدة الفائتة المترددة بين الخمس، فإنّه لا صلاة هنا يحكم بالتكليف بها يقينا.

و ما نحن فيه ليس كذلك، إذ ما علم التكليف به يقينا معلوم و هو الأقلّ، و لا إجمال فيه، و الزائد لا علم به، فيجري فيه أصل البراءة الثابت بالشرع و العقل و الإجماع.

و عدم التفرقة في جريان أصل الاشتغال بين هذه المسألة و مسألة الصلاة الواحدة المترددة- كما ذكره بعض الأجلّة- ناشئ من عدم التأمّل.

ثمَّ إنّا لو سلّمنا جريان أصل الاشتغال و الاستصحاب هنا فمقتضاهما وجوب تحصيل العلم، كما عن روض الجنان في بعض الصور «1»، و بعض آخر «2»، فالاكتفاء بالظنّ لا وجه له.

و القول بعدم إمكان تحصيل العلم فاسد جدّا، إذ كيف لا يمكن مع أنّ مبدأ زمان التكليف معلوم، و منتهاه- و هو زمان إرادة القضاء- أيضا كذلك،

______________________________

(1) روض الجنان: 359.

(2) كصاحب الرياض 1: 228.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 310

و وظيفة كلّ يوم من الفرائض أيضا معلومة، فلو قضى جميع ما بين الطرفين يحصل العلم. و لو علم قطعا أنّه لم يترك بعضها كنصف أيام تكليفه أو ثلثه أو عشرة يحصل العلم بفعل ما نقص عنه ذلك أيضا، و لا يلزم أن يكون تحصيل العلم بالإتيان بما فات من غير زيادة و نقصان، بل اللازم فيه الإتيان بما لا ينقص عن الفائت قطعا.

و أما استلزامه العسر و الحرج المسقطين للتكليف فهو ممنوع البتة، كيف؟! و لو علم أحد أنّه فاتت صلوات كثيرة منه منذ سنة أو سنتين أو ثلاث سنين و لم يعلم عددها، فغايته فوت تمام صلوات هذه الأيام، فيقضي صلوات ثلاث سنين، و قد ينقص ثلثها أو أقلّ أو أزيد أيضا بأن

علم قطعا الإتيان بالثلث أو نحوه، و كثير من الناس يصير أجيرا لأزيد من ذلك فيفعله في شهر أو شهرين.

و كذا كثيرا ما يحكمون بوجوب قضاء صلوات عشر سنين أو عشرين أو أزيد- لوقوع خلل أو ترك تقليد- لأجل الدليل، و لا ينفونه بالعسر و الحرج.

فإذا كان الاستصحاب هنا أيضا دليلا فلم لا يحكم بمقتضاه لأجل العسر و الحرج لو سلّمنا؟ مع أنّ التفاوت فيما يحصل به الظن و ما به يحصل العلم لا يكون كثيرا غالبا، فإذا وجب الأول بدون عسر و حرج يكون الثاني أيضا كذلك.

ثمَّ لو سلّمنا عدم إمكان تحصيل العلم و استلزامه العسر و الحرج فمقتضاه سقوط تحصيل العلم و ما يقتضيه الاستصحاب و الاشتغال، و أمّا الاكتفاء بالظنّ فلا دليل عليه أصلا. و مثل «ما لا يدرك كلّه لا يترك كله» لا يدلّ بوجه كما بيّنا في موضعه، و الرجوع إليه بعد سدّ باب العلم ممنوع غايته، بل يرجع إلى سقوط التكليف فيما ليس فيه علم، و من ذلك ظهر عدم دليل تامّ لشي ء من ذينك القولين.

و هنا قول آخر، و هو: الاكتفاء بقضاء ما تيقّن فواته. استوجهه في المدارك و الذخيرة «1»، و هو ظاهر التذكرة و نهاية الإحكام «2».

______________________________

(1) المدارك 4: 307، الذخيرة: 384.

(2) التذكرة 1: 83، نهاية الإحكام 1: 325.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 311

و هو الأقوى، لأصالة البراءة عن الزائد عمّا علم فواته. و لا يعارضها استصحاب شغل الذمّة كما مر.

و أمّا ما قيل من عدم إمكان حصول العلم بالأقل، إذ كلّ عدد يفرضه مثل ذلك الشخص يحتمل النقصان عنه و الزيادة عليه «1».

فكلام واه جدّا، ظاهر وجهه مع التأمل.

و تدل عليه أيضا صحيحة

زرارة و الفضيل و فيها: «و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوات فقد دخل حائل، فلا إعادة عليك من شي ء حتى تستيقن، و إن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حال» «2».

فإنّه إذا فعل ما تيقّنه من العدد الأقلّ يكون الزائد مشكوكا فيه بعد خروج الوقت، فلا يكون فيه قضاء.

و الإيراد بأنّ المتبادر من الرواية هو الشكّ في ثبوت أصل القضاء في الذمّة و عدمه، و هو غير ما نحن فيه و هو الشكّ في مقدار القضاء بعد القطع بثبوت أصله في الذمّة و الاشتغال به مجملا، و الفرق بينهما واضح.

مردود بأنّ بعد إخراج العدد المقطوع به عن الثاني يكون ثبوت أصل القضاء الزائد عنه موضع الشك، فلا فرق.

و ها هنا قول آخر اختاره الفاضل في الإرشاد «3»، و هو: الاكتفاء بالظن مع تعيين الصلاة الفائتة كيفية و ترديدها عددا، و وجوب تحصيل العلم مع عدم التعيين كما و كيفا.

و وجه التفصيل غير واضح.

المسألة الخامسة: يستحب قضاء النوافل الرواتب اليومية استحبابا مؤكدا

، بالإجماع، كما عن

______________________________

(1) انظر: شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).

(2) الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 10، التهذيب 2: 276- 1098، الوسائل 4: 282 أبواب المواقيت ب 60 ح 1.

(3) الإرشاد 1: 271.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 312

الخلاف و المنتهى و روض الجنان «1»، و غيرها «2»، له، و للمستفيضة من الأخبار المتكثرة.

منها: رواية ابن سنان: عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري ما هو من كثرتها، كيف يصنع؟ قال: «فليصلّ حتى لا يدري كم صلّى من كثرتها، فيكون قد قضى بقدر ما علم من ذلك» ثمَّ قال: «قلت له: فإنّه لا يقدر على القضاء، فقال: «إن كان شغله في طلب معيشة لا بدّ منها

أو حاجة لأخ مؤمن فلا شي ء عليه، و إن كان شغله لجمع الدنيا و التشاغل به عن الصلاة فعليه القضاء، و إلّا لقي اللّه تعالى و هو مستخفّ متهاون مضيّع لحرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» قال، قلت: فإنّه لا يقدر على القضاء فهل يجزئ أن يتصدّق؟ فسكت مليّا، ثمَّ قال: «فليتصدّق بصدقة» قلت: فما يتصدّق؟ قال: «بقدر طوله، و أدنى ذلك مدّ لكلّ مسكين مكان كلّ صلاة» قلت: و كم الصلاة التي يجب فيها مدّ لكلّ مسكين؟ قال: «لكلّ ركعتين من صلاة الليل و لكلّ ركعتين من صلاة النهار مدّ» فقلت: لا يقدر، فقال: «مدّ إذا لكلّ أربع ركعات من صلاة النهار» قلت: لا يقدر، فقال: «مدّ إذا لصلاة الليل و مدّ لصلاة النهار، و الصلاة أفضل و الصلاة أفضل و الصلاة أفضل» «3».

أقول: المراد أنّ صلاة القاضي أفضل من صدقة المتصدّق و أكثر ثوابا منه، لا أنّ الصلاة للمتصدّق أفضل، لأنّ المفروض عدم قدرته.

و لو فاتت النافلة لمرض لم يتأكّد القضاء تأكّد غيره، لما في صحيحة مرازم:

كنت مرضت أربعة أشهر لم أتنفل فيها، فقلت: أصلحك اللّه تعالى، أو:

جعلت فداك، إنّي مرضت أربعة أشهر لم أصلّ فيها نافلة، فقال: «ليس عليك قضاء، إنّ المريض ليس كالصحيح، كلّ ما غلب اللّه تعالى [عليه ] فاللّه أولى

______________________________

(1) الخلاف 1: 524، المنتهى 1: 423، روض الجنان: 361.

(2) كالمعتبر 2: 413، و التذكرة 1: 83، و الذكرى: 137.

(3) الكافي 3: 453 الصلاة ب 90 ح 13، الفقيه 1: 359- 1577، التهذيب 2: 11- 25، الوسائل 4: 75 أبواب أعداد الفرائض ب 18 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 313

بالعذر فيه» «1».

و يستفاد من التعليل عموم

ذلك الحكم لكلّ معذور من غير اختصاص بالمريض، و لا بأس به.

و تستحب الصدقة مع العجز عن القضاء عن كلّ ركعتين بمدّ، على التفصيل المتقدّم في رواية ابن سنان.

و المذكور في كلام الأصحاب أنّه إن عجز عن المدّ لكلّ ركعتين يتصدّق عن كلّ يوم مدّا. و لم أقف على مستنده، و العمل بالرواية أولى.

المسألة السادسة: يجوز الاحتياط بقضاء صلاة احتمل اشتمالها على خلل، أو احتمل تركها

بعد الوقت، أو شك فيه، لأنّ جميع الأخبار المطلقة في الاحتياط يدلّ عليه، لصدق الاحتياط لغة و عرفا.

و أمّا توهّم أنّه ربما يوجب التشريع فقد يقتضي الاحتياط الترك، فيظهر جوابه ممّا ذكرنا في بحث صلاة الجمعة، و منه يظهر ما في الذكرى من أنّ للبحث فيه مجالا «2».

المسألة السابعة: من فاتته صلاة يومية واجبة و علم الترتيب، تجب عليه مراعاته في قضائها،
اشاره

إجماعا محققا و محكيا في الخلاف و المعتبر و المنتهى و التنقيح «3»، و شرح الألفية لابن أبي جمهور، و شرح الإرشاد للمحقق الثاني.

و لا يقدح فيه ما نسبه في الذكرى إلى بعض من صنّف في المضايقة و المواسعة

______________________________

(1) الكافي 3: 451 الصلاة ب 90 ح 4، التهذيب 2: 199- 779، علل الشرائع 362- 2، الوسائل 4: 80 أبواب أعداد الفرائض ب 20 ح 2، و ما بين المعقوفين من المصادر.

(2) الذكرى: 138.

(3) الخلاف 1: 382، المعتبر 2: 405، المنتهى 1: 421، التنقيح 1: 267.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 314

من أصحابنا من القول بالاستحباب «1»، و مال إليه بعض متأخري المتأخرين «2».

فهو الحجة فيه، مضافا إلى صحيحة زرارة: «إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء و كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولاهن، فأذّن لها و أقم ثمَّ صلّها، ثمَّ صلّ ما بعدها بإقامة، إقامة لكلّ صلاة» و في آخرها: «و إن كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلي الغداة ابدأ بالمغرب ثمَّ العشاء» إلى أن قال: «فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة ثمَّ صلّ المغرب و العشاء ابدأ باولاهما» «3».

و رواية جميل: تفوت الرجل الاولى و العصر و المغرب، و ذكرها عند العشاء الآخرة، قال: «يبدأ بالوقت الذي هو فيه، فإنه لا يأمن الموت، فيكون قد

ترك صلاة فريضة في وقت قد دخلت، ثمَّ يقضي ما فاته الأولى فالأولى» «4».

و صحيحة ابن سنان: «إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة- إلى أن قال-: و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمَّ المغرب ثمَّ العشاء قبل طلوع الشمس» «5».

و إن كان في دلالة الأخيرتين على الوجوب نظر: أمّا الأولى فلأنها خالية عن الدالّ عليه، و أمّا الثانية فلعدم وجوب تقديم الصبح قطعا.

كما أنّه لا دلالة لما استدلّوا به من عموم النبوي: «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» «6».

و حسنة زرارة: رجل فاتته صلاة السفر فذكرها في الحضر، فقال: «يقضي

______________________________

(1) الذكرى: 136.

(2) هو المحقق السبزواري في الذخيرة: 385، و الكفاية 28.

(3) الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158- 340، الوسائل 4: 290 أبواب المواقيت ب 63 ح 1.

(4) المعتبر 2: 407، الوسائل 4: 289 أبواب المواقيت ب 62 ح 6، و تقدمت أيضا في ص 218 مع اختلاف يسير.

(5) التهذيب 2: 270- 1076، الوسائل 4: 288 أبواب المواقيت ب 62 ح 4.

(6) عوالي اللئالي 2: 54- 143، و ج 3: 107- 150.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 315

ما فاته كما فاته، إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها، و إن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته» «1».

قالوا: إنّ الأصل في التشبيه حيث لم يظهر وجه شبهه- و لو بتبادر أو غلبة أو شيوع أو نحوها- المشاركة في جميع وجوه الشبه، و منها الترتيب هنا. و ورود الثانية في مورد خاص غير ضائر بعد عموم الجواب و عدم القائل بالفرق من الأصحاب.

لمنع «2» اقتضاء التشبيه المماثلة من جميع الجهات أوّلا،

و تعديّه إلى الأوصاف الغير المعتبرة في مهيّة الممثّل له- كما في ما نحن فيه- ثانيا، فإنّه لا شكّ أنّه لو سلّم العموم فالمتبادر منه المماثلة فيما هو داخل في حقيقة الممثّل له، بل هو حقيقة مقتضى معناها الحقيقي، و لا شكّ أنّ الترتيب غير داخل في مهيّة الصلاة.

مع أنّ العصر التي فاتته مثلا كانت تجب قبل قضاء الظهر الفائتة قطعا، إذ فواتهما لا يكون إلّا بخروج وقتهما، و لا شكّ أنّ بعد خروج وقت الظهر و بقاء وقت العصر خاصّة يجب تقديمها على القضاء، و كذا فيما يلحق بهما، فالثابت من الرواية خلاف المطلوب. و أيضا: الثابت أنّ ما فات من الظهر يترتّب شرعا على العصر الأدائي دون القضائي و إن ترتّب عليه عقلا أيضا، و لكنه لا يثبت به هنا حكم الشرع.

و إن جهل الترتيب فالأكثر على سقوط وجوب مراعاته، للأصل، و اختصاص دليله بصورة العلم:

أمّا الإجماع فهو ظاهر.

و أمّا غيره فلأنّه بين مخصوص بها كذيل الصحيحة، و مخصّص بها كصدرها، لتقييد المكلّف به بالعلم قطعا، فمعنى «فابدأ بأولاهنّ»: ابدأ بها إذا علمتها- و إن كانت الألفاظ للمعاني النفس الأمرية- لاشتراط التكليف بموضوع

______________________________

(1) الكافي 3: 435 الصلاة ب 83 ح 7، التهذيب 3: 162- 350، الوسائل 8: 268 أبواب قضاء الصلاة ب 6 ح 1.

(2) تعليل لقوله: كما أنّه لا دلالة ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 316

بالعلم به لئلّا يلزم التكليف بما لا يطاق، و لعدم تبادر صورة الجهل من الإطلاق، بل ظهور عدمه.

و منه يظهر اختصاص سائر ما استدلّوا به أيضا على الترتيب لو تمّت دلالته.

مع أنّه على فرض إطلاق الأدلّة يجب التخصيص، لامتناع التكليف بالمحال و الحرج، اللازمين لكثير

من صور وجوبه، مع عدم القول بالفرق كما صرّح به جماعة «1»، مضافا إلى أنسبيته بالملّة السمحة، و شهرته بين الطائفة.

و يضعف الأصل بوجود الدليل على وجوب الترتيب، و هو استصحاب وجوبه قبل عروض الجهل به.

و المسلّم من تقييد التكليف بالعلم إنّما هو في الجملة، و لا دليل على تقييده بالعلم من جميع الجهات حتّى التعيين من بين أمور يمكن الامتثال بالإتيان بالجميع.

و لزوم العسر و الحرج إنّما هو في بعض الصور، و لازمه اختصاص السقوط به، و عدم القول بالفصل غير ثابت.

بل مال إليه بعض المحققين من مشايخنا قال: و بالجملة المسألة لا تخلو من إشكال، و إن كان القول بالسقوط في صورة لزوم الحرج و عدم تقصيره أصلا لا يخلو من قوّة.

بل صرّح باختصاص القول بالترتيب بغير صورة التكليف بالمحال، قال:

لا شك في عدم قول أحد بالترتيب و إن لزم التكليف بالمحال «2».

و تخصيصه بصورة عدم تقصيره مبني على ما قيل من جواز التكليف بما لا يطاق إذا كان عدم إطاقته ناشئا من تقصير المكلّف.

و هو عندي في حيّز المنع، لعموم أدلّة عدم جواز التكليف بما لا يطاق، و عموم قبحه، و عدم مخصّص بل عدم قبوله للتخصيص. و ما ورد من تكليف

______________________________

(1) كالشهيد الثاني في الروضة 1: 345، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 385، و صاحب الرياض 1: 225.

(2) انظر: شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 317

المصوّر بإحداث الروح في صورة حيوان صوّره، و الكاذب في نومه بعقد الشعير و أمثاله- لو ثبت- فالمراد غير ظاهر، و لو سلّم فإنّما هو في غير دار التكليف، و الكلام فيه.

هذا مع أنّ الممتنع الذي لا يجوز التكليف به هو

ما لا يطاق الذي يستحيل امتثاله، و أمّا ما يمكن و لكن يشتمل على العسر و الحرج و لو كانا شديدين فلا نسلّم عدم جواز التكليف به، بل يحكم به مع وجود الدليل الشرعي، كيف؟! و في الدين حرج كثير اقتضاه الدليل.

بل كثيرا ما يتحقّق في نفس القضاء أيضا كترتيبه، كمن ظهر بطلان جميع صلواته بعد ثمانين سنة مثلا، سيّما إذا علم أنّ فيها صلاة سفرية أيضا مع عدم تعيين مقدارها، سيّما مع القول بالمضايقة، و قد صرّح الحلّي في السرائر بوجوب الاشتغال بالقضاء و حرّم عليه جميع الأفعال المانعة إلّا بقدر سدّ الرمق المحتاج إليه في التعيّش، سيما إذا كان هو الابن الأكبر و فاتت من أبيه صلوات كثيرة، فبعد التكليف بالقضاء نفسه مع لزوم الحرج في بعض صوره بعموم الأدلة لم لا يكلّف بالترتيب معه به مع اشتراكهما في عدم ظهور القول بالفرق؟.

و التبادر الذي ادّعوه بالمنع [1].

و الأوفقية للملّة السمحة و الشهرة بعدم الحجية.

و لذا خالف فيه جماعة، فأوجبوا الترتيب من غير تقييد بعدم لزوم الحرج مع الجهل أيضا، و منهم: الفاضل في التذكرة و الإرشاد مطلقا «1»، و الشهيد في الدروس مع ظنّه أو وهمه، و في الذكرى مع ظنّه خاصة «2».

و لكن يمكن أن يقال: إنّ الدليل و إن كان عامّا بالنسبة إلى العسر و الحرج أيضا، و لكن لأدلّة نفيهما أيضا عموما بالنسبة إليه فيتعارضان بالعموم من وجه.

و الترجيح لأدلّة نفي الحرج، لموافقتها للعقل و الكتاب. و تخصيصها

______________________________

[1] أي: و يضعّف التبادر .. بالمنع. و الأوفقية .. بعدم الحجيّة.

______________________________

(1) التذكرة 1: 82، الإرشاد 1: 271.

(2) الدروس 1: 145، الذكرى: 136.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 318

بعمومات القضاء في

عدد الفائتة و القول بوجوب قضاء الجميع بالإجماع- و لو سلّم- لا يستلزم تخصيصها في الترتيب أيضا مع عدم المرجّح، بل رجحانها بما مرّ.

و على هذا فيكون الترجيح للتفصيل، بثبوت الترتيب مع الجهل أيضا إلّا إذا استلزم العسر و الحرج.

إلّا أنه يمكن الخدش في أصل دليل وجوب الترتيب مع الجهل:

أمّا عن الاستصحاب، فبمعارضته مع استصحاب العقل، مع أنّ موضوع وجوب الترتيب أوّلا هو الأداء، و الكلام في القضاء الذي هو بأمر جديد.

و أمّا عن الروايات، فبعدم دلالة غير إطلاق صدر الصحيحة، لما عرفت من أنّه بين غير دالّ على الوجوب و مخصوص بصورة العلم.

و أمّا هو و إن كان مطلقا على الظاهر إلّا أنه يعلم تقييده بالعلم بعد التأمّل، لأنّ العلم في الجملة و إن كان كافيا في إمكان الامتثال و لكنه يتمّ في مثل التكليف بأحد الأمرين أو الأمور معيّنا في الواقع مجهولا في الظاهر، فيمتثل بالإتيان بالجميع، و لكنّه لا يتمشّى في مثل قوله: «فابدأ بأولاهن» إذ ما لا يعلم التعيين لا يمكن البدأة به، و كلّ ما يبتدئ به لا يعلم أنّه الاولى.

و الحاصل أنّ خصوص الأمر بالابتداء بشي ء لا يمتثل إلّا بعدم مسبوقية شي ء عليه، و هو يتوقف على اليقين، كما إذا قيل: ابدأ بإكرام زيد ثمَّ عمرو، فإذا لم يعلم تعيين زيد لا يعلم الابتداء بإكرامه بإكرام كل مرّة ثمَّ إكرام غيره، لأنّ ما بدئ به هو ما بدئ به أوّلا، و كل ما عداه فليس مبتدأ به.

مع أنّ في دلالة الصحيحة على الوجوب خدشة تحصل من قوله: «فأذّن و أقم» حيث إنّ الفاء فيه تفصيلية، و هو تفصيل لقوله «فابدأ» و بعض التفصيل ليس بواجب قطعا.

(و من ذلك يظهر

أنّ الحق في المسألة هو المشهور من عدم وجوب الترتيب في صورة الجهل) «1».

______________________________

(1) ما بين القوسين غير موجود في «ق».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 319

ثمَّ وجوب الترتيب- على القول به- إنّما هو مختصّ بفوائت الفرائض، و منها باليومية، كما هو الأشهر الأظهر، للأصل، و عدم الدليل، لأنّه إمّا الإجماع و حاله ظاهر، أو الصحيحة و اختصاص غير صدرها بقضاء اليومية واضح، و كذا صدرها للأمر بالأذان و الإقامة.

و لو دخل في اللاحقة سهوا قالوا: إن ذكر في أثنائها حيث يمكن العدول إلى السابقة عدل، للإجماع المحكي من الشيخ «1»، و صحيحة زرارة: «فإن ذكرت أنّك لم تصلّ الاولى و أنت في صلاة العصر و قد صلّيت منها ركعتين، فانوها الاولى و صلّ الركعتين الباقيتين، و قم فصلّ العصر» إلى أن قال: «و إن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمَّ ذكرت العصر، فانوها العصر ثمَّ قم فأتمها ركعتين ثمَّ سلّم ثمَّ صلّ المغرب، و إن كنت قد صلّيت العشاء الآخرة و نسيت المغرب قم فصلّ المغرب، و إن كنت ذكرتها و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة، فانوها المغرب ثمَّ سلّم، و إن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صلّيت الفجر فصلّ العشاء الآخرة، و إن كنت ذكرتها و أنت في ركعة أولى أو في الثانية من الغداة، فانوها العشاء ثمَّ قم فصلّ الغداة» «2» الحديث.

قالوا: و إن لم يمكن العدول أو تمّت اللاحقة أتى بعدها بالسابقة و اغتفر الترتيب هنا، لما مرّ في الصحيحة. و لكن دلالتها بصورة الإتمام مختصّة.

و فسّروا عدم الإمكان بلزوم زيادة ركن في السابقة لو عدل، و جعلوا زيادة غيره من الواجبات من

الإمكان، لاغتفار زيادة غير الركن سهوا.

و يمكن أن يستدلّ على جواز العدول بعموم صحيحة البصري المتقدمة في مسألة الاشتغال بالعصر قبل الظهر «3»، و فيها أيضا ما يمكن أن يستدل به لاغتفار زيادة غير الركن، لعموم الأمر بالعدول في الصلاة خرج بعد دخول الركن بالإجماع

______________________________

(1) الخلاف 1: 385.

(2) الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158- 340، الوسائل 4: 290 أبواب المواقيت ب 63 ح 1.

(3) تقدّمت أيضا في ص 284 معبّرا عنها بالموثقة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 320

فيبقى الباقي.

و في الكلّ نظر:

أما الإجماع المنقول فلعدم حجيته.

و أما الروايتان فلظهورهما في الأداء. و التعدّي قياس باطل.

و إن منع الظهور و جعلنا أعمّ من الأداء فلا بدّ من تخصيصهما بغير ما إذا اقتضى الترتيب في القضاء تقديم العصر أو العشاء أو الفجر، و هو ليس بأولى من تخصيصهما بالأداء.

و أمّا اغتفار زيادة غير الركن سهوا فلمنع كون الزيادة هنا سهوا، بل زيد عمدا، و السهو تعلّق بأمر آخر، و دليل الاغتفار سهوا غير جار في مثل ذلك، و الأصل يقتضي عدم الاغتفار، مع أنّ المجوّز في الروايتين من العدول إنّما هو فيما لا تلزم الزيادة مطلقا، و لذا جعل السيّد و الفاضل في المنتهى فوات محل العدول بزيادة الواجب مطلقا «1».

فهو الأقوى لو جوّزنا العدول. و هو أيضا محلّ نظر لو لا الإجماع على خلافه، لمخالفته الأصل، و عدم دليل تامّ عليه.

بل اغتفار الترتيب في صورة التذكّر عند [عدم ] «2» إمكان العدول أو بعد إتمام اللاحقة أيضا خلاف أصالة وجوبه الخالية عن الرافع.

و لذا توقّف فيه في المدارك «3». و هو في محلّه جدّا إن كان التذكّر في الأثناء.

و شرعيّة الدخول

لا تستلزم شرعيّة الإتمام. و النهي عن إبطال العمل- لو سلّم- لا يفيد، لأنّ النزاع في البطلان. و تحقّق الامتثال الموجب للصحّة ممنوع في الباقي.

نعم، إن كان بعد الإتمام يقوّى الصحة و الاغتفار، لصحة هذه الصلاة، الموجبة لبراءة الذمة عن قضائها، الموجبة للخروج عن عنوان «و إن كان عليك

______________________________

(1) السيد في جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 38، المنتهى 1: 422.

(2) أضفناه لتصحيح المتن.

(3) المدارك 3: 104.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 321

قضاء صلوات» بالنسبة إليها.

و من ذلك يعلم الاغتفار و الصحة لو أتمّ اللاحقة جهلا بالحكم جهلا ساذجا.

بل يمكن أن يستدلّ على الصحة و الاغتفار مطلقا بإطلاق قوله «و إن كنت قد صلّيت العشاء الآخرة و نسيت المغرب ..» بضميمة عدم الفصل لتمام المطلوب. و لكنّها مخصوصة بصورة العلم، و المسألة حينئذ مشكلة.

(فرع: لو علم الترتيب في البعض و جهل في بعض آخر فله صور:

منها: أن يعلم ما فات أولا و دخل الجهل فيما بعده، كأن يعلم فوات الظهر من يوم معين أو مع عصره أيضا و علم فوات صلوات كثيرة أخرى بعدها و جهل الترتيب فيها.

فتجب حينئذ البدأة بالظهر المذكورة أولا، ثمَّ بالعصر المذكورة إن كانت، ثمَّ بسائر الفوائت و لا ترتيب فيها. أمّا الأول فلصحيحة زرارة، و أمّا الثاني فلما دلّ على وجوب تقديم المغرب على العشاء بقول مطلق، و أما الثالث فللأصل و عدم الدليل كما عرفت.

و منها: أن تفوت منه صلوات مجهولة الترتيب، ثمَّ فاتت منه صلاة واحدة.

و لا ترتيب حينئذ أصلا، لعدم تعيين الأولى حتى تستدلّ لها بالصحيحة، و عدم دليل آخر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 7    322     فائدة: إذا جهل الترتيب و قلنا بوجوب تحصيله يكرر الصلاة حتى يعلم حصوله. ..... ص : 322

منها:

السابقة إلّا أن تتعدّد الفوائت اللاحقة.

و لا ترتيب بينها و بين السابقة، للأصل. و تجب مراعاة الترتيب بينها بأنفسها مع العلم به، لما مرّ من أخبار تقديم المغرب.

و منها: أن تفوت صلاة معيّنة أولا أو صلوات كذلك، ثمَّ فاتت صلوات و جهل ترتيبها، ثمَّ فاتت صلاة معيّنة أو صلوات كذلك.

و تجب البدأة بالفائتة الأولى أولا للصحيحة، ثمَّ ما بعدها مرتبا إن علم

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 322

الترتيب لما مرّ، ثمَّ البواقي و لا ترتيب بينها حتى بين المتوسطة و الأخيرة. نعم لو تعدّدت الأخيرة و علم الترتيب بينها تجب مراعاته لما مرّ) «1».

فائدة: إذا جهل الترتيب و قلنا بوجوب تحصيله يكرّر الصلاة حتى يعلم حصوله.

و ضابطه أنّ الفائتة إن كانت اثنتين يصلّي ثلاثا بتوسيط إحداهما بين الأخرى و مثلها، كأن يصلّي عصرا بين ظهرين أو بالعكس. فإن زادت ثالثة يفعل مثل المرتبة السابقة قبلها و بعدها، أي توسيط الثالثة بين وظيفة السابق و مثلها.

فإن زادت رابعة توسّطها بين وظيفة الثالثة و هكذا.

و بطريق آخر: يبتدئ بما شاء و يصلّي حتى يتم عدد الفائتة و يكرر هذا العمل بعدد الفائتة إلا واحدة ثمَّ يختم بالصلاة التي ابتدأ بها.

فإذا كانت الفائتة ظهرا و عصرا يكون عدد الفائتة اثنتين، فيصلّي ظهرا و عصرا و ظهرا. و إن ضمّت معها المغرب يصلّي ظهرا و عصرا و مغربا و ظهرا و عصرا و مغربا و ظهرا. و إن ضمّت معها عشاء يصلّي الأربعة المبتدأة بالظهر ثلاثا و يضمّ إليها ظهرا.

و له البدأة بغير الظهر، فإن كانت الفائتة صلوات يوم يصلّي أربعة أيام بترتيب واحد و يزيد عليها صلاة واحدة هي ما ابتدأ به و هكذا.

و بطريق ثالث: يبدأ بما شاء و يصلّي حتى يتمّ عدد الفائتة بأي ترتيب شاء،

ثمَّ يبدأ بما بعد ما ابتدأ به أولا و يصلي بالترتيب المتقدم حتى يختم بما ابتدأ به أولا، ثمَّ يبدأ بما بعد ما ابتدأ به ثانيا و يصلّي بالترتيب حتى يختم بما ابتدأ به ثانيا، و هكذا يكرّر بعدد الصلوات الفائتة. و تلك الضابطة ضابطة أخذ الزمام المصطلح للأعداديين.

و بطريق رابع: يصلّي الصلوات الفائتة بأيّ ترتيب أراد إلى أن يتمّ و يكرّر

______________________________

(1) هذا الفرع بتمامه غير موجود في «س».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 323

ذلك بعدد الفائتة، فمن فاتت منه صلوات يوم و جهل الترتيب يصلّي خمسة أيّام بترتيب واحد، و من فاتته صلوات عشرة أيام يصلّي خمسين يوما و هكذا.

و الأخيران متساويان في الحاصل، و يزيدان على الثاني بعدد الفائتة إلّا واحدة، و ينقصان عن الأول بكثير إذا تجاوز عدد الفائتة عن الأربع، و يزيدان عليه بواحدة في الأربع و باثنتين في الثلاث.

و لا يخفى أنّ الاحتياج إلى التكرار في جميع الصلوات على النحو المذكور إنّما هو إذا كان الترتيب في الجميع مجهولا، و أما مع العلم به في بعضه فلا يكرّر إلّا في المجهول ترتيبه، و على هذا فلو فاتته صلوات عام مثلا متصلة و جهل مبدأها، يعمل بوظيفة الجاهل في صلاة يوم و يكرّرها حتى يحصل الترتيب في صلاته، ثمَّ يتمّ الباقي إلى العام.

و هناك طريق خامس يسهل به الأمر و يرتفع العسر و الحرج كثيرا و هو: أن يقضي جميع صلوات مدة يجوز أن تكون الفائتة منها.

و بعبارة أخرى: يعيّن أول وقت يحتمل فوت صلاة فيه و آخر وقت كذلك و يقضي جميع ما بينهما.

و بعبارة ثالثة: يقضي عن أول صلاة يمكن أن تكون الفائتة و يختم بآخر صلاة كذلك.

فإذا

علم فوات صلاة يوم متّصلة و لم يعلم الترتيب، فيقضي صلاة يومين متصلة. و إذا علم فوات مائة صلاة من شهر معيّن و لم يعلم الترتيب، يقضي الشهر كلّه، فيبدأ من أول صلاة يمكن أن تكون الفائتة و يختم بآخرها. و إذا علم فوات ألف صلاة من عام يقضي جميع صلوات العام.

و هذا أخصر الطرق غالبا لمن يراعي الترتيب مع الجهل سيّما إذا تكثّرت الفوائت. نعم لو كانت قليلة و زمانها كثيرا كعشر صلوات مجهولة الترتيب من عام فالأسهل العمل بإحدى الضوابط المتقدمة.

و لو كانت الفائتة في مدة نوعين من الصلاة أو ثلاثة أو أربعة اقتصر على قضاء هذه الأنواع لا غيرها، فمن يعلم فوات مائة ظهر و عصر و مغرب من سنة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 324

و لم يعلم الترتيب، يبتدئ من أول زمان احتمال الفوت و يقضي الثلاثة من كل يوم الى آخر الستة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 325

الفصل الثاني في قضاء الصلاة عن الأموات و الصلاة لهم و فيه مسائل:
المسألة الأولى: تجوز الصلاة للميّت بأن يصلّي صلاة و يجعلها له

و إن لم يكن عليه قضاء و لم يكن المصلّي ولده.

و تدلّ عليه المستفيضة من الأخبار التي ذكر كثيرا منها السيّد الجليل رضي الدين علي بن طاوس في كتابه المسمّى ب «غياث سلطان الورى لسكّان الثرى» و قد نقلها في الذكرى و الذخيرة و الحدائق عنه، فمن أراد الاطّلاع عليها فليرجع إليها «1».

فيجوز لكلّ أحد أن يصلّي صلاة و يجعلها لميّت بأن ينوي الصلاة عنه، أو يصلّي الصلاة لنفسه و يجعل ثوابها له.

و يدلّ على الأول عموم رواية الفقيه: «من عمل من المسلمين عملا صالحا عن ميّت أضعف اللّه أجره و نفع اللّه به الميّت» «2».

و نحوها رواية عمر بن يزيد «3»، و المرويّ في كتاب حمّاد بن عثمان «4».

و

خصوص رواية عمر بن يزيد: كان أبو عبد اللّه عليه السلام يصلّي عن

______________________________

(1) انظر: الذكرى: 74، و الذخيرة: 385، و الحدائق 11: 32، و نقلها عنه أيضا في الوسائل 8:

276- 282 أبواب قضاء الصلوات ب 12، و البحار 85: 309.

(2) الفقيه 1: 117- 555، الوسائل 2: 444 أبواب الاحتضار ب 28 ح 4.

(3) الذكرى: 75، الوسائل 8: 282 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 25، عن غياث سلطان الورى.

(4) الذكرى: 75، الوسائل 8: 281 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 24، عن غياث سلطان الورى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 326

ولده في كلّ ليلة ركعتين، و عن والده في كلّ يوم ركعتين- إلى أن قال-: و كان يقرأ فيهما القدر و الكوثر» «1».

و رواية محمّد بن مروان: «ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيّين و ميّتين يصلّي عنهما، و يتصدّق عنهما، و يحجّ عنهما، و يصوم عنهما، فيكون الذي صنع لهما، و له مثل ذلك، فيزيده اللّه ببرّه و صلته خيرا كثيرا» «2».

و ظاهر أنّ ذلك غير القضاء، لعدم جوازه عن الحي.

و رواية الفقيه: أ يصلّى عن الميت؟ فقال: «نعم حتّى إنّه ليكون في ضيق فيوسّع عليه ذلك الضيق، ثمَّ يؤتى فيقال له: خفّف اللّه عنك ذلك الضيق لصلاة فلان أخيك عنك» «3».

و نحوها رواية محمّد بن عمر بن يزيد المروية في التهذيب «4».

و المروي في مسائل علي: عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي أو يصوم عن بعض موتاه؟ قال: «نعم فيصلّي ما أحبّ و يجعل تلك للميّت، فهو للميّت إذا جعل ذلك له» «5».

و نحوه روايته الأخرى «6».

و رواية علي بن أبي حمزة: عن الرجل يحجّ و يعتمر و يصلّي و

يصوم و يتصدق عن والديه و ذوي قرابته، «قال لا بأس به، يؤجر فيما يصنع، و له أجر آخر بصلته قرابته» «7».

______________________________

(1) التهذيب 1: 467- 1533، الذكرى: 75، الوسائل 2: 445 أبواب الاحتضار ب 28 ح 7.

(2) الكافي 2: 159 الايمان و الكفر ب 69 ح 7، الوسائل 8: 276 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 1.

(3) الفقيه 1: 117- 554، الوسائل 2: 443 أبواب الاحتضار ب 28 ح 1.

(4) لم نجدها في التهذيب، و لكن رواها في الذكرى: 73، و الوسائل 8: 277 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 4 عن غياث سلطان الورى.

(5) الوسائل 8: 277 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 2، مسائل علي بن جعفر: 199- 429.

(6) الوسائل 8: 277 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 3، البحار 10: 291.

(7) الوسائل 8: 278 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 8. عن غياث سلطان الورى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 327

و المروي في كتاب الحسين الكوكبي: أحجّ و أصلّي و أتصدّق عن الأحياء و الأموات من قرابتي و أصحابي؟ قال: «نعم تصدّق عنه و صلّ عنه» «1». إلى غير ذلك.

و لا شكّ في جواز ذلك في النوافل التي يجوز للمكلّف الإتيان بها لنفسه في كلّ وقت شاء و أراد.

و هل ينسحب إلى الفرائض بأن يصلّي صلاة ظهر عنه مع علمه بفراغ ذمة الميت عنها؟.

ظاهر الذخيرة و البحار التوقّف «2»، و صرّح في الحدائق بالعدم «3». و هو الأصحّ، لأنّ الإتيان بمثل هذه الصلاة للميّت إمّا يكون بقصد القضاء عنه، أو لا بقصده بل يصلّي صلاة ظهر- مثلا- له. و أيّ منهما كان تتوقّف شرعيّته على التوقيف، و لم تثبت شرعية قضاء

فعل فعله المكلّف أو لم يتعلّق بذمته عموما. نعم ثبتت في بعض الفوائت الغير الواجبة على المكلّف بالعمومات المخصوصة بمواضع مخصوصة، كما مرّ في قضاء النائم و نحوه. و كذا لم تثبت صلاة ظهر مشروعة- مثلا- إلّا أداء واحد في وقته للمكلف، أو القضاء لمن كان عليه قضاؤها.

مضافا في الأول إلى موثقة أبي بصير: عن امرأة مرضت في شهر رمضان، فماتت في شوال، فأوصتني أن أقضي عنها، قال: «هل برئت من مرضها؟» قلت: لا ماتت عليه، قال: «لا يقضى عنها، فإن اللّه تعالى لم يجعله عليها» قلت: فإنّي أشتهي أن أقضي عنها و قد أوصتني بذلك، قال: «كيف تقضي شيئا لم يجعله اللّه تعالى عليها؟!» «4».

و السؤال و إن كان مخصوصا بالصوم إلّا أنّ التعليل يثبت العموم.

و أمّا الأخبار المتقدّمة المجوّزة فغير واضحة الدلالة على العموم.

______________________________

(1) الوسائل 8: 278 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 9 عن غياث سلطان الورى.

(2) الذخيرة: 387، البحار 85: 320.

(3) الحدائق 11: 42.

(4) الكافي 4: 137 الصيام ب 9 ح 8، التهذيب 4: 248- 737، الاستبصار 2: 109- 358، الوسائل 10: 332 أحكام شهر رمضان ب 23 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 328

و أمّا قضية صفوان بن يحيى و عبد اللّه بن جندب و علي بن النعمان، و تعاقدهم على أنّ من مات منهم يصلّي من بقي صلاته و يصوم عنه و يحجّ عنه ما دام حيا، فمات صاحباه و بقي صفوان فكان يفي لهما بذلك، فيصلّي كلّ يوم و ليلة خمسين و مائة ركعة «1».

فغير ثابتة. و لو ثبتت فليست لنا بحجّة. و لو كانت حجة فعلى العموم غير دالّة، فلعلّه كان عليهم قضاء يقينا أو

احتمالا.

و تدل على الثاني رواية ابن جندب: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الرجل يريد أن يجعل أعماله من الصلاة و البرّ و الخير أثلاثا، ثلثا له و ثلثين لأبويه، أو يفردهما من أعماله بشي ء ممّا يتطوّع و إن كان أحدهما حيّا و الآخر ميتا، فكتب إليّ: «أمّا الميّت فحسن جائز، و أما الحيّ فلا إلّا البرّ و الصلة» «2».

فإن الظاهر أنّ المراد جعل ثوابها لهما، لأنّه الصالح للتشريك ثلثا و ثلثين و التفريد، و لأنه لا تجوز صلاة نفسه الواجبة عنهما، بأن ينوي إنّي أصلّي الظهر عنهما، إذ لا تصحّ صلاته لنفسه حينئذ.

المسألة الثانية: إذا علم فوات الصلاة عن ميّت فلا شكّ في جواز القضاء عنه.

و يدلّ عليه ما مرّ من إطلاق روايات الصلاة عن الميّت، و روايات قضاء الولي، و رواية الساباطي: عن الرجل يكون عليه صلاة أو يكون عليه صوم، هل يجوز له أن يقضيه رجل غير عارف؟ قال: «لا يقضيه إلّا رجل مسلم عارف» «3».

و عموم صحيحة محمّد: «يقضى عن الميّت الحجّ و الصوم و العتق و فعاله الحسن» «4».

______________________________

(1) راجع رجال النجاشي: 197، و فهرست الشيخ: 83.

(2) الوسائل 8: 280 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 16 عن غياث سلطان الورى.

(3) الوسائل 8: 277 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 5 عن غياث سلطان الورى.

(4) الوسائل 8: 281 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 23 عن غياث سلطان الورى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 329

و نحوها صحيحة ابن أبي يعفور «1»، و أخبار كثيرة أخرى.

و تدلّ عليه قضيّة الخثعميّة المشهورة في كتب الفريقين: «سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقالت: إنّ أبي أدركته فريضة الحجّ شيخا زمنا لا يستطيع أن يحجّ، إن حججت عنه أ

ينفعه ذلك؟ فقال لها: أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أ كان ينفعه ذلك؟ قالت: نعم، قال: فدين اللّه أحقّ بالقضاء» «2».

و لا شكّ أنّ الصلاة أيضا دين اللّه، كما استفاضت به الأخبار، منها المروي في الفقيه: «إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخّرها بشي ء، صلّها و استرح منها، فإنّها دين» «3» و نحوها رواية حماد «4»، إلى غير ذلك.

و هل يجوز ذلك باحتمال أنّ عليه قضاء أو توهّمه أو تخيّله؟

قال في الذخيرة: فيه نظر و شك، لعدم الدليل، و توقف العبادات على التوقيف «5». انتهى.

أقول: قد مرّ جواز ذلك بل استحبابه للمكلّف نفسه في صلاته لأدلّة الاحتياط. و لكن في شمولها للمقام نظر ظاهر، إذ لا احتياط على الغير في حقّ الغير، و لا يجب على الولي إلّا ما علم فواته قطعا.

إلّا أنّ الظاهر كفاية مثل قولهم عليهم السّلام: «لكلّ امرئ ما نوى» و «إنّما الأعمال بالنيات» «6» و قضية تعاقد المشايخ الثلاثة المذكورة- مع التسامح في أدلّة السنن، و غلبة الظنّ بأنّ ذلك لم يكن لقضاء صلاة متروكة يقينا- في إثبات

______________________________

(1) الوسائل 8: 281 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 19 عن غياث سلطان الورى.

(2) الذكرى: 75 عن غياث سلطان الورى، و نقل مضمونها في الدعائم 1: 336، و في مستدرك الوسائل 8: 26 أبواب وجوب الحج ب 18 ح 3 عن الدعائم و عن تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي، و انظر: سنن النسائي 5: 117، و سنن البيهقي 4: 328.

(3) الفقيه 2: 195- 884، الوسائل 11: 440 أبواب آداب السفر ب 52 ح 1.

(4) الوسائل 8: 282 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 26، عن غياث سلطان الورى.

(5) الذخيرة: 387.

(6) الوسائل 1:

46 أبواب مقدمة العبادات ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 330

الجواز و الاستحباب و حصول التوقيف، فإنّ عدم التوقيف إنّما يمنع من الفعل بقصد التوقيف، فإذا فعله بقصد الدخول في تلك العمومات فأيّ مانع منه؟ و لم لا يثاب عليه؟

المسألة الثالثة: لا شكّ في عدم وجوب قضاء ما علم فواته من الميّت
اشاره

من الصلوات على غير الولي، للأصل الخالي عن المعارض مطلقا.

و أمّا الولي ففيه أقوال:

الأول: أنّه يجب عليه قضاء جميع ما فات عن الميّت، و نسب إلى ظاهر الشيخين و العماني و القاضي و ابن حمزة و الفاضل في أكثر كتبه «1».

الثاني: أنّه يجب عليه قضاء ما فات عنه من صلاة أو صوم لعذر، كالمرض و السفر و الحيض، لا ما تركه الميّت عمدا مع قدرته عليه، و هو المنقول عن المحقّق في بعض مصنفاته «2»، و السيّد عميد الدين «3»، و نفى عنه البأس في الذكرى «4».

الثالث: أنه يجب عليه قضاء الصلوات الفائتة عنه في حال مرض موته فحسب، ذهب إليه الحلّي و يحيى بن سعيد و الشهيد في اللمعة «5»، و مال إليه في الروضة «6».

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 684، الطوسي في النهاية: 633، الذكرى: 128 نقلا عن العماني، و القاضي في المهذب 2: 132، و ابن حمزة في الوسيلة: 150، و الفاضل في التحرير 2: 164 و القواعد 2: 171، و التبصرة: 173، و التذكرة 1: 271.

(2) نقله في الذكرى: 138 عن البغدادية للمحقق، و لا يخفى أن ظاهره (ره) في الشرائع 4: 25 و النافع: 268 وجوب قضاء جميع ما فات، فراجع.

(3) نقله عنه في الذكرى: 138.

(4) الذكرى: 138.

(5) الحلي في السرائر 1: 409، يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 89، اللمعة (الروضة 1):

352، و قال: و قيل ما فاته

مطلقا و هو أحوط.

(6) الروضة 1: 352.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 331

الرابع: أنه يجب عليه قضاء ما فات عنه في المرض مطلقا، مخيّرا بينه و بين التصدّق لكلّ ركعتين بمدّ، فإن لم يقدر فلكلّ أربع مدّ، فإن لم يقدر فمدّ لصلاة النهار و مدّ لصلاة الليل مع أفضلية القضاء، حكي عن الإسكافي و السيّد «1».

الخامس: أنه يجب عليه قضاء جميع ما فات عنه لمرض أو غيره، مخيّرا بينه و بين الصدقة على النحو المذكور، نسب إلى ابن زهرة «2».

و مرجع الأخيرين إلى عدم وجوب القضاء عليه بخصوصه.

و منهم من نسب إلى هؤلاء الأجلّة الثلاثة مع التخيير التخصيص بمرض الموت أيضا «3».

السادس: عدم وجوب القضاء عنه مطلقا، يظهر من السيّد ابن طاوس في رسالته المذكورة وجود القائل به «4».

و ظاهر الذخيرة التوقف في أصل وجوب القضاء مطلقا «5».

دليل الأول: رواية الساباطي المتقدّمة في المسألة الثانية «6»، حيث إنّها دلّت على الوجوب على المسلم العارف، خرج غير الولي بالإجماع، فبقي الولي.

و صحيحة البختري: في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام، قال:

«يقضيه أولى الناس به» قلت: إن كان أولى الناس به امرأة؟ فقال: «لا، إلّا الرجال» «7».

و مرسلة ابن أبي عمير: في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام، قال:

______________________________

(1) حكاه عنهما في المختلف: 148.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية) 563.

(3) نسب التخصيص بمرض الموت إلى الإسكافي و المرتضى، في المختلف: 148، و لم نجد من نسبه الى ابن زهرة.

(4) انظر: الذكرى: 75.

(5) الذخيرة: 387.

(6) راجع ص 328.

(7) الكافي 4: 123 الصيام ب 44 ح 1، الوسائل 10: 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 332

«يقضيه أولى الناس به»

«1».

و رواية ابن سنان: «الصلاة التي حصل وقتها قبل أن يموت الميّت يقضي عنه أولى الناس به» «2».

و عموم الأخبار الكثيرة، المتقدم بعضها المتضمن لقوله: «يقضى عن الميّت فعاله الحسن» «3».

و يرد على الجميع خلوّه عن الدالّ على الوجوب رأسا، و أيّ دلالة في قوله:

«يقضى» على الوجوب؟ مع أنّ استعمال الإخبار في المستحبات أكثر من أن يحصى. و دعوى تبادر الوجوب ممنوعة جدا. و لو سلّم فما فائدته لزمان الشارع؟

و قياسه على الأمر فاسد، إذ يضمّ مع تبادره أصالة عدم النقل، و هو هنا متحقّق قطعا لو سلّم التبادر، فتجري فيه أصالة تأخّر الحادث.

هذا مع أنّ الظاهر من الأول ليس إلّا الجواز، و لو سلّم ظهور الوجوب فتخصيص المسلم العارف بالولي ليس بأولى من حمل «يقضيه» على الجواز.

و كذا العمومات الأخيرة، إذ لا يجب قضاء جميع فعاله الحسن قطعا، و التخصيص بالصلاة- مع كونه قبيحا لكونه فردا نادرا- ليس بأولى من حمل «يقضى» على الاستحباب.

نعم وردت الأخبار- الظاهرة في الوجوب- في خصوص الصوم «4». و قياس الصلاة عليه فاسد، و الإجماع المركب غير ثابت، بل عدمه ثابت، لتحقق الفصل بينهما في هذه المسألة في كثير من الموارد.

دليل الثاني- على ما في الذكرى-: إطلاق الأخبار المتقدّمة بحمله على الغالب، و هو كون ترك الصلاة للعذر، قال: أمّا تعمّد ترك الصلاة فإنّه نادر،

______________________________

(1) الوسائل 8: 278 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 6 عن غياث سلطان الورى.

(2) الوسائل 8: 281 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 18 عن غياث سلطان الورى.

(3) راجع ص 328.

(4) الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 333

قال: نعم قد يتفق فعلها لا على الوجه

المبرئ للذمّة، و الظاهر أنّه يلحق بالتعمّد للتفريط «1». انتهى.

و يردّ: بمنع دلالة الإطلاقات على الوجوب أولا، كما مرّ. و منع الغلبة المدّعاة الموجبة لانصراف المطلق إليها- سيّما مع إلحاق ما ذكره بالتعمّد- ثانيا.

دليل الثالث: أمّا على عدم وجوب قضاء ما فات في غير مرض الموت فالأصل الخالي عن المعارض. و أمّا على وجوب قضاء ما فات في مرض موته فالإجماع، نقله الحلّي «2».

و يردّ: بعدم حجية الإجماع المنقول، و عدم ثبوت المحقّق، كيف؟! و لا يوجبه السيّد و الإسكافي و ابن زهرة عينا و إن أوجبوا تخييرا.

و دليل الرابع و الخامس غير معلوم، كما صرّح به جماعة «3».

و دليل السادس: الأصل، و هو حسن.

إلّا أنّ الظاهر ثبوت الإجماع على وجوب شي ء على الولي عينا أو تخييرا، و لا أقلّ من الفائتة في مرض الموت، فإنّ من يقول بعدم الوجوب أصلا غير معلوم، و إن كان فهو نادر، خلافه في الإجماع غير قادح.

ثمَّ إنّ هذا الشي ء الواجب قطعا هو قضاء الفائتة في مرض الموت قطعا، إذ كلّ من يقول بوجوب شي ء يقول بوجوبه لا أقلّ، فهو بأحد الوجوبين- العيني بخصوصه أو في ضمن الزائد، أو التخييري- موصوف البتة، و وجوب الزائد غير معلوم البتة، ثمَّ بضميمة أصل الاشتغال يثبت وجوبه عينا، فإنّ كلّ من يقول بالتخيير بين الصلاة و الصدقة يقول بحصول البراءة بالصلاة.

و من ذلك يظهر أنّ الأقوى هو القول الثالث، و هو اختصاص الوجوب على الولي بقضاء ما فات في مرض الموت، و الأحوط قضاؤه ما فات في المرض مطلقا.

______________________________

(1) الذكرى: 138.

(2) في السرائر 1: 399 و 408.

(3) كصاحب الحدائق 11: 57.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 334

فروع:
أ: يستحب للولي قضاء جميع ما فات عن الميت،

للأخبار المتقدمة، و التحرز

عن الخلاف.

ب: المشهور أنّ الولي الذي يجب عليه القضاء الرجال من الورثة

دون النساء، و الأولاد من الرجال منهم دون غيرهم، و الأكبر من الأولاد دون غيره.

فيختصّ القاضي بالابن الأكبر سواء وجد غيره أم لا.

و عن المفيد و الصدوقين و الإسكافي و ابن زهرة و القاضي: إطلاق الولي من غير تخصيص «1».

و ظاهر الذكرى التخصيص بالذكور دون غيره «2».

و من مشايخنا الأخباريين من خصّه بالرجل و الأكبر دون الولد «3».

و استدلّوا على هذه التخصيصات بوجوب الاقتصار على المتيقّن، فإنّ الأصل يقتضي عدم القضاء إلّا ما وقع الاتفاق عليه و هو الابن الأكبر، و عدم صدق الولي على غيره.

مضافا في التخصيص بالرجال إلى صحيحة البختري المتقدمة «4»، فإنّ مقتضى قوله «يقضيه» فيها إمّا الجواز أو الاستحباب أو الوجوب، و أيّ منها كان ينتفي بنفيه الوجوب عن الإناث.

و في التخصيص بالأكبر إلى صحيحة الصفار: رجل مات و عليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام و له وليّان، هل يجوز لهما أن يقضيا [عنه ] جميعا، خمسة أيام

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 823، الصدوق في المقنع: 63، و في المختلف: 242 نقلا عن والده و في ص 148 حكاه عن الإسكافي، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 563، القاضي في شرح الجمل:

112.

(2) الذكرى: 139.

(3) المحدث البحراني في الحدائق 11: 55.

(4) في ص 331.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 335

أحد الوليين و خمسة أيام الآخر؟ فوقّع عليه السلام: «يقضي عنه أكبر وليّيه عشرة أيام ولاء إن شاء اللّه تعالى» «1».

و احتجّ من أطلق الولي بإطلاقاته، مضافا إلى رواية الصدوق: «إذا مات الرجل و عليه صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله» «2».

و من خصّ بالذكور بصحيحة الحفص في التخصيص، و الإطلاق بالنسبة إلى غيره لعدم المخصص.

و من خصّ

معه بالأكبر بصحيحة الصفار في التخصيص و الإطلاق في غيره.

أقول: أمّا دليل الاقتصار على المتيقّن ففيه: أنه يصحّ فيما إذا انحصر الوارث بغير الابن، فيصحّ أن يقال: الأصل عدم الوجوب عليه، و أمّا إذا اجتمع الابن و غيره كالأب فالأصل كما يقتضي عدم الوجوب على غير الابن يقتضي عدم الوجوب عليه عينا أيضا.

و أمّا دليل عدم الصدق ففاسد جدا، لمنعه. كيف؟! مع أنّه تعلّقت أحكام من الميّت بالولي و أولى الناس به أيضا، و عمموه فيها كما مرّ.

و أمّا دليل التخصيص بالأكبر ففيه: أنه مخصوص بقضاء الصوم. و إثبات عدم الفصل مشكل جدّا. مضافا إلى معارضته مع رواية الصدوق المتقدّمة، و قصوره عن إفادة الوجوب، لاحتمال إرادة الرجحان، بل هي المتضمّنة، للتقييد بقوله «ولاء» و هو غير واجب.

و أما دليل الإطلاق بالنسبة إلى الولي أو غير الأكبر أو الرجل فإنما يتمّ لو كان دليل الوجوب هو الإطلاقات، و قد عرفت قصورها عن إثباته حتى رواية الصدوق

______________________________

(1) الكافي 4: 124 الصيام ب 44 ح 5، الفقيه 2: 98- 441، التهذيب 4: 247- 732، الاستبصار 2: 108- 355. الوسائل 10: 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 3. و ما بين المعقوفين من المصادر.

(2) الفقيه 2: 98- 440، الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 336

المتضمنة للأمر، لعدم الوجوب على من شاء.

و التحقيق: أنّه لا ينبغي الريب في الاختصاص بالذكور، لصحيحة البختري بالتقريب المتقدم.

و لا في عدم الوجوب على غير الابن في صورة عدم وجود ابن، للأصل المتقدم، حيث إنّه- كما عرفت- ينحصر الدليل على الوجوب بالإجماع المنتفي في المقام.

و لا في عدم الوجوب على غير

الابن و الأب مع وجود الابن، لانتفاء الولاية، فلا قول بالوجوب عليه البتة.

فبقي الإشكال في صورة اجتماع الابن و الأب، و صورة تعدّد الأبناء، فإنّه و إن وجب إمّا على الابن الأكبر معيّنا أو على أحدهم مخيّرا، لعدم قول بغير ذلك، إلّا أنّه تجري أصالة عدم الوجوب المعيّن في حقّ الابن الأكبر و المخيّر في حقّ البواقي، فلا يمكن الحكم بالوجوب المعيّن على الابن الأكبر، كما في واجدي المني في الثوب المشترك. و الأحوط للولد الأكبر قضاء ما فات في مرض الموت حينئذ.

ج: لو كان الولد الأكبر أو غيره من الأولياء- على القول بالتعميم- غير مكلّف

فهل يتعلّق الوجوب به أم لا؟

قال في الذكرى: الأقرب اشتراط كمال الولي حال الوفاة، لرفع القلم عن الصبي و المجنون «1».

و فيه: أنّه لو تمَّ لزم عدم وجوبه على الغافل عند الموت و النائم، و الجاهل بالموت، لمشاركتهما مع غير الكامل في عدم التكليف حال الوفاة. و لو جاز التعلّق بعد رفع المانع لجاز في غير البالغ أيضا، فيلحقه الأمر عند البلوغ.

و قيل: الأقوى عدم الاشتراط، لثبوت الحبوة لغير البالغ، المستلزم لثبوت القضاء، و لعموم النصّ «2».

______________________________

(1) الذكرى: 139.

(2) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 337

و يردّ الأول: بمنع التلازم. و الثاني: بمنع وجود النصّ المقتضي للوجوب.

و الحقّ عدم الوجوب، لما عرفت من انحصار الدليل في الإجماع المنتفي في موضع النزاع.

د: لا يشترط خلوّ ذمّة الولي من صلاة واجبة،

فتلزمان معا. و لا ترتيب بينهما، و لا بين فوائت الميّت لو علم الولي الترتيب أو لم يعلمه.

كلّ ذلك للأصل، و عدم الدليل، و ظهور أدلّة الترتيب في فوائت نفسه.

و وجوب الترتيب على الميّت لو كان يقضيه بنفسه لا يستلزم وجوبه على الولي أيضا، سيّما مع اختصاص الوجوب بالفائتة في مرض الموت التي لم يتعلّق وجوب قضائها بذمة الميت أصلا.

و دعوى تبادر وجوب القضاء على الولي بالنحو الذي كان واجبا على الميّت غريبة جدا، إذ لا تبادر في ذلك أصلا.

ه: لو مات هذا الولي قبل قضائه فوائت الميّت لا يتحمّلها وليه

، للأصل، و الاقتصار على المجمع عليه.

و لو كان المستند الروايات لقوي القول بالتحمل، لإطلاقها. و انصرافه إلى الشائع إنما يسلّم إذا بلغ الشيوع حدا يوجب التبادر، و هو في المقام ممنوع.

و: المقضي عنه هو الرجل، اقتصارا على موضع الوفاق،

وفاقا للحلّي و الفخري «1»، و أكثر المتأخرين «2».

و كلام المحقّق مؤذن بالقضاء عن المرأة «3»، قال في الذكرى: لا بأس به «4»،

______________________________

(1) الحلي في السرائر 1: 399، فخر المحققين في الإيضاح 1: 240.

(2) كالشهيد الأول في الذكرى: 139، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 80، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 78، و صاحب الرياض 1: 322.

(3) المختصر النافع: 70.

(4) الذكرى: 139.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 338

و اختاره بعض مشايخنا المحققين «1»، بل هو مختار الشيخ في النهاية «2»، و عن القاضي و التذكرة و المختلف و الدروس «3».

أخذا بظاهر الروايات، حيث إنّ معظمها يتضمّن لفظ الميّت، و هو في الاستعمال مشترك، و لأنّ المرأة مثل الرجل في التكليفات الشرعيّة، و لأنّ عناية اللّه سبحانه بالنسبة إليهما على السواء.

و الأول كان حسنا لو كانت الرواية دالّة على الوجوب، و الثاني ضعيف، لأنّ المسلّم المماثلة في تكاليف أنفسهم، و الثالث من الاستحسانات المردودة في مذهبنا.

و استدلّ الفاضل أيضا ببعض الأخبار الظاهرة في جواز قضاء الصوم عن المرأة «4».

و ضعفه ظاهر، فإنّ الكلام في الوجوب ثمَّ على الولي.

ز: لو أوصى الميّت إلى غير الولي بقضائها عنه بأجرة أو غيرها، فالأقرب عدم الوجوب على الولي

و لو قبل إتيان الغير به، لما مرّ من الاقتصار في الوجوب عليه على موضع الإجماع.

هذا إذا لم تفت من الميّت بعد الوصية صلاة. و لو تقدّمت الوصيّة فوت بعض الصلوات يجب على الولي ما فات بعده في مرض الموت، لأنّ الوصية تعلّقت بقضاء ما تقدّمت على الوصية.

هذا إذا أوصى بقضاء ما علم فواته. و لو أوصى بقضاء صلوات احتياطا ثمَّ فاتت عنه صلوات فلا يبعد الاكتفاء بالوصية. فتأمل.

ح: هل يجوز للولي استئجار ما يجب عليه من القضاء، أم لا؟

______________________________

(1) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) النهاية: 158.

(3) القاضي في المهذب 1: 196، التذكرة 1: 276، المختلف: 243، الدروس 1: 289.

(4) المختلف: 243، و التذكرة 1: 276.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 339

الأقرب الثاني، وفاقا للحلّي و المنتهى و الذكرى و الحدائق «1»، لأصالة عدم السقوط عنه بفعل الغير، و استصحاب الوجوب، و عدم ثبوت جواز الاستنابة في الصلاة عن الحي، و الولي حيّ و التكليف عليه. و الفرق بينه و بين وصيّة الميّت ظاهر، إذ في صورة الوصيّة لم يثبت الوجوب على الولي بخلاف المورد، فإنّ الوجوب ثبت عليه، و السقوط يحتاج إلى دليل.

خلافا للمحكي عن التذكرة و صوم الدروس و ابن فهد «2»، فجوّزوا الاستيجار.

لأنّ قوله «يقضي» الوارد في أكثر تلك الأخبار ليس صريحا في المباشرة.

و لدلالة الأخبار على كون الصلاة دينا، و الدين يصحّ أن يقضيه كلّ أحد.

و لقوله في رواية عمار السابقة: «لا يقضيه إلّا رجل مسلم عارف» «3» دلّ على جواز قضاء كلّ أحد.

و لقبول القضاء عن الميّت النيابة و الاستيجار.

و يردّ الأول: بأنّ قوله «يقضي» حقيقة في قضائه بنفسه، لأنّه معناه، فكيف ليس صريحا؟! بل هو المتبادر منه، و الاستيجار ليس معنى لقوله «يقضي».

و الثاني: بأنّا لا نسلّم

أنّ كلّ دين مما يصحّ أن يقضيه كلّ أحد، و لذا لا تصحّ الصلاة عن الحي. و التعليل في قضية الخثعمية «4»- لو ثبت- فإنّما ينفع في موضع الانجبار، لضعفها.

سلّمنا، و لكن الكلام ليس في سقوط الصلاة عن الميت، بل عن الولي، و لا استبعاد في سقوطها عنه بفعل الغير و بقائها على ذمّة الولي أيضا، لتعلّق الوجوب به أولا، و لذا نقول بالوجوب عليه لو تبرّع أحد بالصلاة للميت أيضا.

______________________________

(1) الحلي في السرائر: 399، المنتهى 2: 604، الذكرى: 139، الحدائق 11: 62.

(2) التذكرة 1: 276، الدروس 1: 289، المهذب البارع 2: 76.

(3) راجع ص: 328.

(4) المتقدمة في ص: 329.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 340

فإن قلت: لا صلاة على الميّت حينئذ حتى يجب قضاؤها على الولي.

قلنا: كانت عليه الصلاة حين الوفاة، و صار هو سببا لتعلّق الوجوب بالولي، فيستصحب وجوبه عليه، و إن سقط عن الميت بفعل غيره تبرعا. و لذا لو استأجر الوصي أحدا لقضاء ما لا يجب على الولي من فوائت الميت لا يرتفع الوجوب عن الأجير بتبرّع غيره.

مع أنّ في صحة هذه الصلاة إجارة و سقوطها عن الميت نظرا، فإنّ وجوبها عينا على الولي ينافي السقوط بفعل الغير. و لو كان كذلك لما وجب قضاء على ولي عينا أبدا بل يكون واجبا عليه و على سائر الناس تخييرا، و يكون واجبا كفائيا، و هم لا يقولون به، و لا يقولون بعقاب غير الولي مع الترك، و هو معنى الوجوب العيني، و إذا وجب عليه عينا فلا معنى لوجوبه على غيره أيضا بمعنى أنه لو فعله لسقط أيضا.

و الثالث: بأنّه لا كلام في جواز قضاء كلّ أحد عن الميّت، بل الكلام

في جواز استيجار الولي فيما وجب عليه، و جواز قضاء ما وجب على الولي.

و الرابع: بمنع قبول مطلق القضاء للاستنابة و الاستيجار، و السند واضح مما مرّ.

المسألة الرابعة: ألحقّ المشهور بين أصحابنا الإمامية جواز الاستيجار للصلاة،
اشاره

بل في الحدائق: أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب فيما أعلم «1».

إذ تجوز لكل أحد الصلاة عن الميت، و كلّ ما يجوز لأحد فعله لغيره يجوز استيجاره له.

أمّا الأول فللعمومات الكثيرة المتقدمة «2»، و الإجماع كما صرّح به غير

______________________________

(1) الحدائق 11: 44.

(2) في ص 325.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 341

واحد «1».

و أمّا الثاني فللإجماع، و لذا لا يطلب في الاستيجار لكلّ فعل فعل بخصوصه نصّ بخصوصه.

فإن سلّم المخالف الإجماع على الكلّية- كما هو الواقع- فلا وجه لمخالفته في المسألة، و إلّا فلم يجوّز الاستيجار في كلّ فعل مباح غير الصلاة؟ و من أين ثبت له الإجماع على كلّية غير هذا الفرد؟ أو أين العامّ الشامل لكلّ فعل سوى الصلاة؟

فإن قلت: الفارق ثبوت الإجماع في غيرها.

قلنا: إن أردت تصريح الجميع في الجميع فأين ذلك؟ و إن أردت عدم التعرّض للخلاف فأين التعرّض له في الصلاة سوى من بعض المتأخرين الذي لا يعبأ بخلافه و وفاقه في انعقاد الإجماع؟

و يدلّ على الثاني أيضا بعض العمومات أو الإطلاقات، كرواية محمد بن سنان: سألته عن الإجارة، فقال: «صالح لا بأس بها إذا نصح قدر طاقته، قد آجر موسى عليه السلام نفسه و اشترط» «2».

و هو بإطلاقه بل عمومه المستفاد من ترك الاستفصال يشمل المطلوب.

و المروي في تحف العقول للشيخ الحسن بن شعبة، عن الصادق عليه السلام، المنجبر ضعفه بالشهرتين بل نقل عدم الخلاف «3»، قال: «و أما تفسير الإجارات فإجارة الإنسان نفسه أو ما يملك أو يلي أمره من قرابته

أو دابته أو ثوبه لوجه الحلال من جهات الإجارات، أو يوجر نفسه أو داره أو شيئا يملكه فيما ينتفع به من وجوه المنافع أو العمل بنفسه و ولده و مملوكه أو أجيره» إلى أن قال:

______________________________

(1) كالشهيد الأول في الذكرى: 75، و نقل عن إرشاد الجعفرية في مفتاح الكرامة 2: 61.

(2) الكافي 5: 90 المعيشة ب 16 ح 2، الفقيه 3: 106- 442، التهذيب 6: 353- 1003، الاستبصار 3: 55- 178، الوسائل 17: 238 أبواب ما يكتسب به ب 66 ح 2.

(3) الذكرى: 75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 342

«و كلّ من آجر نفسه أو آجر ما يملك أو يلي أمره من كافر أو مؤمن أو ملك أو سوقة على ما فسرناه مما تجوز الإجارة فيه فحلال فعله و كسبه» «1».

فإنّه دلّ على أنّ كلّ ما تجوز إجارته حلال مطلق عمله، و أنّ الإنسان مما تجوز إجارته.

و تدلّ عليه أيضا عمومات وجوب الوفاء بالشرط، و لازمه وجوب الاستيجار أو الإجارة لو شرطه، بل نفس الإجارة أيضا شرط.

خلافا لنادر من متأخري المتأخرين كصاحبي الذخيرة و الوافي «2».

و منشأ شبهة الأول زعمه انحصار مستند هذه الإجارة في الإجماع و عدم ثبوته عنده في المقام.

و هو لا يضرّ من ادّعى ثبوته عند نفسه. مع أنّه يلزمه ما مرّ من توقّفه في صحّة الإجارة على غير شاذّ من الأعمال، لانتفاء النصّ المخصوص، و عدم موجب لثبوت الإجماع في غير الصلاة دونها.

و سبب منع الثاني ما مرّ أيضا مضافا إلى منافاة الاستيجار لنية الأجير القربة المقصودة في العبادة، قال: و أمّا جواز الاستيجار للحجّ فلأنّه إنّما يجب بعد الاستيجار، و فيه تغليب لجهة المالية، فإنّه إنّما يأخذ المال ليصرفه في

الطريق ليتمكّن من الحجّ. انتهى.

و يردّ: بمنع منافاة الاستيجار لنية القربة، لإمكان الإخلاص بعد إيقاع عقد الإجارة، فإنّ العمل يصير بعده واجبا، و يصير من قبيل ما لو وجب بنذر و شبهه، فيمكن تحقّق الإخلاص في العمل و إن صارت الأجرة سببا لتوجّه الأمر الإيجابي إليه.

قيل: المتصوّر من نيّة التقرب من جهة الإجارة إنّما هي من جهتها لا من جهة أنّها عبادة مخصوصة، و لا ريب أنّ المعتبر في الصلاة و نحوها نية التقرب بها

______________________________

(1) تحف العقول: 248، الوسائل 17: 83 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1.

(2) الذخيرة: 387، صاحب الوافي في المفاتيح 3: 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 343

إلى اللّه تعالى من حيث إنّها هي.

قلنا: لم يثبت من أدلة وجوب الإخلاص أزيد من وجوب قصد كون الفعل للّه سبحانه و لأجل إطاعته و امتثال أمره، و هو يتحقّق من الأجير، و إلّا يأخذ الأجرة و يترك الصلاة. أمّا وجوب نية الإطاعة من حيث إنّ الفعل هذا الفعل أو لأجل الإيجاب من هذه الجهة فلا، و لو وجب ذلك لم يبرأ من نذر واجبا أصليا أبدا، فيدفع الإشكال.

بل الظاهر عدم وروده ابتداء أيضا، لأنّ القدر المسلّم وجوب الإخلاص في كلّ عبادة على من يتعبّد بها. و كون ما يلزم بالإجارة ممّا هو في الأصل عبادة عبادة للأجير ممنوع. و كونه عبادة لمن وجب عليه بأصل الشرع لا يقتضي كونه عبادة للأجير أيضا. و وجوبه بالإجارة لا يجعله عبادة، كسائر الأفعال الواجبة بالإجارة.

نعم، يشترط فيه قصد ما يميّزه عن غيره من الأفعال إن لم يتميز بغيره، و قصد كونه أداء لما وجب بالإجارة، كما هو شرط في أداء كلّ حقّ لازم. و

أمّا وجوب ما سوى ذلك فلا دليل عليه.

فإن قيل: لا شك أنّ الصلاة الفائتة التي تتدارك بالاستيجار كان قصد القربة جزءا لها، فتجويز تداركها بالاستيجار يقتضي تدارك جميع أجزائها.

قلنا: كون قصد الإخلاص جزءا لمهية الصلاة ممنوع، و إنّما هو شرط في صحّتها في الجملة أي حين التعبد بها. و لو سلّم فلا نسلّم جزئيّته لمطلق الصلاة، و إنّما هو جزء للصلاة الصادرة ممن يتعبّد بها.

ثمَّ بما ذكرنا من عدم كونها عبادة للأجير يندفع إشكال آخر أورد من جهة اعتبار الرجحان في العبادة. و الرجحان من جهة الإجارة غير مفيد في رجحان أصل المنفعة.

هذا كله مع أنّ ما اعتذر به في الاستيجار للحجّ غير تامّ جدا، كما لا يخفى على المتأمل.

و سيأتي تمام الكلام في ذلك، و بيان عدم تمامية سائر ما اعتذر به لانتفاء نيّة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 344

القربة هنا في بحث المكاسب.

فروع:
أ: قد ظهر ممّا ذكرنا عدم وجوب قصد التقرب على الأجير

من جهة أنّها عبادة، بل و لا من جهة الإجارة أيضا.

ب: يجوز الاستيجار لأن يصلّي للميّت ما يحتمل تركه عنه

أو يتوهّم فيه خلل، بل قضاء جميع صلواته إذا احتملت الخلل، لما عرفت من جواز فعلها عن الميّت، و جواز الاستيجار في كلّ ما يجوز فعله عن الغير. نعم لا يجوز الاستيجار لقضاء ما علم عدم فواته عن الميّت و عدم خلل فيه، و يظهر وجهه مما مرّ في المسألة الأولى.

ج: لا يجب الترتيب على الأجير إلّا مع الشرط

، و لا قرار الترتيب بين الأجراء المتعدّدة، للأصل فيهما.

د: يجوز استيجار كلّ من الرجل و المرأة لقضاء صلاة الآخر

، للأصل.

و هل يجوز استيجار المميّز من الصبيان بإذن وليّه؟

مقتضى الأصل ذلك. و لا تمنع عنه تمرينيّة عبادة نفسه، لأنّ الصلاة نيابة ليست عبادة للنائب حقيقة.

و أما رواية عمار: عن الرجل تكون عليه صلاة أو يكون عليه صوم هل يجوز له أن يقضيه رجل غير عارف؟ قال: «لا يقضيه إلّا رجل مسلم عارف» «1» و لا شكّ أنّ الصبي ليس برجل.

فهي منساقة لبيان أمر آخر و هو اشتراط المعرفة، مع أنّها عن إفادة الحرمة قاصرة.

______________________________

(1) الوسائل 8: 277 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 5. عن غياث سلطان الورى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 345

إلّا أن يجعل السؤال عن الجواز قرينة على إرادة عدمه في الجواب، و السياق لا ينافي مع الإطلاق، فيثبت منها عدم الجواز.

مع أنّ أصل الإجماع المدّعى في مطلق الإجارة هنا غير معلوم.

و رواية تحف العقول و إن شملت المورد بل نصّت عليه «1»، إلّا أنّها ضعيفة، و انجبارها في المورد غير معلوم. فالمنع أظهر.

ه: لو كان على شخص قضاء صلوات فهل يجب عليه إعلام الولي عند موته

إن كان مما يجب على الولي قضاؤه؟ أو الوصية بالاستيجار و نحوه إن كان مما لا يجب عليه؟

الظاهر لا، للأصل، و عدم دليل على الوجوب.

فإن قيل: ذمّته مشغولة بالصلاة، و تحصيل البراءة عنها واجبة، و لا تحصل إلّا بالإعلام و الوصية، و مقدمة الواجب واجبة.

قلنا: الثابت اشتغال ذمّته بأن يصلّي نفسه أو يقضي بنفسه، و المفروض أنه غير متمكّن منهما، و لم يثبت الاشتغال بشي ء آخر حتى تجب مقدمته.

نعم، يكون هو عاصيا آثما لو ترك الصلاة أو قضاءها بالاختيار.

فإن قلت: دفع مضرّة العصيان و الإثم واجب، و هو لا يتحقّق إلّا بالإعلام و الوصية.

قلنا: الدافع للمضرّة هو التوبة و التلافي بنفسه مع الإمكان، و أما فعل

الغير فليس دافعا لمضرّة العصيان لو لم يتب. نعم به يصل ثواب إليه، و وجوب تحصيل الثواب غير معلوم، و كونه من شرائط قبول التوبة غير معلوم علينا.

و: هل تشترط عدالة الأجير للصلاة للميّت، أو لا؟

لم أعثر على مصرّح بأحد الطرفين في المسألة.

نعم، ذكروه في مسألة أجير الحج الواجب، و اشترط المتأخّرون فيه عدالة

______________________________

(1) راجع ص 341.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 346

الأجير استنادا إلى أنّ الإتيان بالحجّ الصحيح إنّما يعلم بأخبار النائب، و الفاسق لا تعويل على إخباره، لآية التثبّت. و اكتفى بعضهم فيه بكونه ممّن يظنّ صدقه و يحصل الوثوق بقوله.

أقول: لا شكّ في أنّه لا دليل على اشتراط عدالته من حيث هو هو، بحيث لو جعل غير العادل أجيرا و صلّى كانت صلاته باطلة.

و على هذا فنقول: لا ريب في جواز الوصية باستئجار شخص معيّن و إن لم يكن معلوم العدالة، أو شخص مطلقا سواء كان عادلا أم لا، إذ عرفت عدم وجوب تحصيل العلم بتحقّق القضاء من الغير على الميّت. و كذا لا ريب في جواز استيجار المتبرّع للميت كلّ من شاء و أراد.

و إنّما الإشكال في الوصي إذا لم يصرّح الموصي باستئجار العادل أو استيجار شخص و لو غير عادل.

فمقتضى الأصل و إن كان عدم اشتراط شي ء فيمن يستأجره الوصي، إلّا أنّ القرينة الحالية قائمة على عدم إرادة الموصي استئجار كلّ أحد، فإنّا نعلم قطعا أنه لو سئل عنه عن استيجار شخص كان المظنون في حقه عدم الإتيان بالفعل لا يجوّزه، بل و كذا من تساوى الفعل و عدمه في حقه، بل نعلم قطعا أنّه لا يريد إلّا استيجار من كان المظنون في حقه الفعل، لا مجرّد الظنّ الشرعي الحاصل من أصالة حمل فعل المسلم على

الصحة، بل الظنّ الواقعي، لا أقل من ذلك البتة.

فاشتراط كون الأجير موثوقا به من هذه الجهة مما لا شكّ فيه، و لمّا كان لا يحصل هذا الظنّ و الوثوق غالبا إلّا من جهة العدالة فتكون شرطا من باب المقدمة، نعم، لو فرض حصوله من جهة أخرى فلا بأس بالاكتفاء بها.

و كذا الكلام في من يستأجره وكيل الوصي.

و أما الاستناد إلى ما ذكروه من أنّ الإتيان بالحج الصحيح يعلم بأخبار النائب.

ففيه: أنّه لا يحصل العلم من قول العادل أيضا، و بعد عدم إمكانه

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 347

فاشتراط تحصيل الظنّ بالإتيان به لا دليل عليه من غير الجهة التي ذكرناها. بل يمكن الاكتفاء بمجرّد إخباره كما في التذكية و التطهير و نحوهما.

و بالجملة إن أريد لزوم تحصيل العلم بالفعل الصحيح فهو غير ممكن، و إن أريد لزوم تحصيل الظن فلا دليل عليه إلّا ما ذكرناه.

ز: يلزم على المستأجر قبول إخبار الأجير في الإتيان بالصلاة

- فيما يترتب على الإتيان بالفعل و يتفرّع عليه من الأحكام- ما لم يظهر عليه خلافه علما أو ظنا بقرينة، لأنّ ذلك مقتضى هذه الإجارة، لعدم إمكان غير ذلك في المسألة، فلو أراد غيره كان تكليفا بالمحال. نعم لو ادّعى المستأجر ظنّ كذبه أو علمه فيسمع دعواه، و الظاهر الاكتفاء فيه بتحليف الأجير.

ح: يجب أن يكون الأجير حال الصلاة عالما بفقه الصلاة

في أجزائها الواجبة و شرائطها و منافياتها و مبطلاتها، اجتهادا أو تقليدا، فعلا، و بأحكامها العارضة غالبا كأحكام السهو و الشك، قوّة قريبة، بحيث يتمكن منها عند الحاجة.

لتوقّف الإتيان بالعمل الواجب عليه، و لفحوى رواية مصادف: أ تحجّ المرأة عن الرجل؟ قال: «نعم إذا كانت فقيهة مسلمة» «1».

و هل يشترط علم المستأجر بعلم الأجير أو عدم علمه بعدم علمه أو ظنه بعلمه، أو لا يشترط شي ء منها؟

الظاهر الثاني، إذ لم يعهد من أحد استعلام كلّ جزئي جزئي من أجزاء الصلاة و شرائطها و منافياتها من الأجير.

إلّا أن يقال: إنّه إن تتوقّف صحّة الإجارة على التمكّن من الفعل الموقوف على العلم بالأجزاء و الشرائط، فهو شرط في صحّة الإجارة، و ما لم يعلم الشرط لا يعلم المشروط. على هذا فاللازم في الحكم بصحّة الإجارة العلم بعلم الأجير بالأجزاء و الشرائط و المنافيات.

______________________________

(1) التهذيب 5: 413- 1436، الاستبصار 2: 322- 1142، الوسائل 11: 177 أبواب النيابة في الحج ب 8 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 348

إلّا أنّ الظاهر كفاية ثبوت عدالته شرعا في ذلك العلم، بل لا يبعد الاكتفاء في ذلك بظاهر حاله من إسلامه و إيمانه، بل على ذلك البناء في الجمعة و الجماعات و الشهادات و غير ذلك.

ط: لو حصل للأجير في الصلاة شك أو سهو، يعمل بأحكامه

كالمصلّي لنفسه، و لا تجب عليه الإعادة، لعمومات أحكامهما من غير معارض.

ي: لو عرض للأجير عذر مسوّغ للتيمم أو الصلاة قاعدا أو مومئا أو راكبا أو نحو ذلك، لم تجز له صلاة الإجارة

كذلك إذا كانت الإجارة حال عدم العذر، أو لم تكن قرينة على إرادة نحو ذلك أيضا، سواء كان وقت الصلاة الاستيجارية موسّعة أو مضيّقة.

بل يجب عليه مع التوسعة التأخير إلى انتفاء العذر، و مع الضيق فكالعاجز عن أصل الصلاة، لأصالة عدم وجوب وظيفة المعذور عليه، و عدم استحقاق الأجرة بالإتيان بها، و لأنّ الظاهر أنّ المعهود بين طرفي الإجارة و منظورهما حين العقد هو الصلاة بالوضوء- مثلا- و قائما و نحو ذلك، فهو المقصود بالإجارة، فهو الواجب، فلا يكفي غيره.

فإن قيل: لا شكّ أنّ وجوب ما يجب بالإجارة إنّما هو بأمر الشارع، و هو أيضا قد جوّز التيمم و الجلوس- مثلا- للمعذور، فتشمل عمومات العذر لمثل هذا الشخص أيضا.

قلنا- مع أنّ ظهور الصلاة الاستيجارية من تلك العمومات محلّ كلام، و عدم ظهور أكثرها معلوم-: إنّها إنّما هي تعارض عمومات الوفاء بالعقد و العهد و الإجارة و الشرط بالعموم من وجه، فلا يعلم براءة الذمة بالصلاة مع العذر.

و أيضا: مدلول عمومات العذر أنّ من تجب عليه الصلاة و حصل له العذر يصلّي كذا و كذا، و لا نسلّم وجوب الصلاة على مثل ذلك الشخص، لأنّ ما وجب عليه بالعقد هو الصلاة مع الوضوء مثلا، فمع عدم التمكّن منها لا يكون شي ء واجبا عليه. و لا يمكن استصحابه، لأنّ الواجب أولا هو المشروط.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 349

نعم لو كان عموم متضمّن لمثل قوله: من وجبت عليه الصلاة متوضئا أو قائما فيفعل كذا و كذا مع العذر، لدلّت العمومات. و لكنّها ليست كذلك.

مع أنّ كونه معذورا مع عدم تعيين زمان الإجارة- كما هو

الأكثر- أو تعيينه و سعته ممنوع، فلا تشمله عمومات المعذور. و لو كان مثل تلك العمومات يجري في الأجير أيضا لزم أن يجب عليه القصر في صلاة الإجارة لو سافر، و بطلانه ظاهر.

فإن قيل: الصلاة في الاستيجار للصلاة مطلقة، فتشمل صلاة المتيمم مع العذر أيضا.

قلنا: إن أريد أنّ الصلاة فيه مطلقة عامّة للفردين مطلقا فتكون الإجارة باطلة، لعدم تعيين العمل، و استلزامه كفاية التيمم بدون العذر أيضا. و إن أريد أنّ المقصود بالإجارة التوضّؤ بدون العذر و التيمم معه، فهذه لا تكون مطلقة بل فرد خاصّ لا بدّ من ثبوت وقوع الإجارة عليه، و هو غير معلوم.

و الفرق بين ذلك و بين أحكام السهو و الشك ظاهر، فإنّا نعلم قطعا أنّ مراد المستأجر الرجوع فيها إلى حكم الشارع، و مع ذلك تشمل عموماتها الصلاة الاستيجارية جدّا، بخلاف مثل التيمم و القعود.

فنقول: إنّ منظور المستأجر منها الرجوع إلى حكم السهو و الشك، مع أنّ شمول الصلاة في استيجار الصلاة لمثل ذلك واضح، و ليس بين الفردين اختلاف يضرّ معه عدم التعيين، فالصلاة مطلقة شاملة لمثل ذلك أيضا، و لذا نقول بحصول البراءة بكلّ من الصلاتين مطلقا: الخالية عن السهو و الشك، و المتضمّنة لأحدهما، بخلاف مثل التوضّؤ، فإنّه لا يمكن أن يقال بحصول الامتثال بكلّ من الفردين مطلقا كما هو مقتضى الإطلاق، بل لو صحّ لكان المراد الامتثال بالتوضّؤ بدون العذر و بالتيمم معه، و هذا ليس من باب الإطلاق، بل هو فرد معين لا يحكم بصحته و كفايته إلّا مع العلم بالإرادة.

و من ذلك علم أنّ المناط و الضابط أنّه إذا كان الفردان ممّا يمكن إرادة الإتيان بأيّهما حصل في كلّ وقت حتّى يشملهما إطلاق

اللفظ، و لم يكن بينهما

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 350

اختلاف معتدّ به ينافي التعيين، يحصل الامتثال بكلّ منهما إذا كان اللفظ حين الإجارة مطلقا، و إلّا فلا، بل يجب الإتيان بالمتيقّن إرادته.

يا: هل تجوز للأجير صلاة الإجارة مع الجماعة

على ما هو وظيفة المأموم، حتّى يكتفي بقراءة الإمام بل بركعته لو أدركه في الركوع، و يسقط عنه الأذان و الإقامة، أم لا؟

الظاهر أنّه إن صرّح في العقد بشي ء تنافيه الجماعة- كما يصرّحون بأن يقيم لكل صلاة و يؤذّن في مجلس، و بأن يقرأ الحمد و السورة- ففي الجواز إشكال يظهر وجهه ممّا مرّ في الفرع السابق.

و إن صرّحوا بتجويز الجماعة فلا إشكال.

و إن أطلقوا فإن قلنا بتبادر غير الجماعة و معهوديته- كما هو المحتمل- فلا تجوز أيضا، لما مرّ. و إن قلنا بعدم تبادره تصحّ.

و الأحوط عدم الائتمام في صلاة الإجارة أو التصريح به حين العقد.

يب: لا شكّ في أنّ الأجير يعمل فيما يعرض له من الشك و السهو و نحوهما بمقتضى رأيه

لو كان مجتهدا، و مقتضى رأي مجتهده إن كان مقلّدا، و لا يقلّد مجتهد الميت أو المستأجر.

و هل يجوز له تقليده لو لم يثبت عنده عدالته أو اجتهاده أو كان مجتهده ميّتا و لم يجز للأجير تقليد الميت؟

الظاهر لا، لعدم كون هذا العمل صحيحا في حقّه و إن صحّ في حقّ المقضي عنه لو فعل نفسه، و المتبادر من الاستيجار إرادة الصلاة الصحيحة في حقه.

نعم، لو شرطوا البناء على رأي مجتهد المقضي عنه أمكن الجواز. و يحتمل عدمه أيضا، لأنّه شرط غير مشروع في حقّه. إلّا أن يمنع عدم ثبوت عدم المشروعية في حقّه في المورد، و هو الأقرب.

و الظاهر أنّ الحكم كذا في الأجزاء و الشرائط أيضا، فلو قضى عن ميّت لا

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 7، ص: 351

تجوز له قراءة السورة العزيمة و جازت لذلك النائب، يقضي كما يجوز له، و كذا في سائر الأجزاء و الشرائط، لأنّ وجوب ذلك العمل إنّما هو بأمر آخر غير أمر الميت بالصلاة. و كذا الحكم في قضاء المكلف نفسه.

و الأحوط التصريح بذلك حين العقد.

يج: لو فات صلاة عن المقضي عنه حال العذر، كفقد الماء أو تعذّر استعماله أو العجز عن القيام، يقضيه النائب الصحيح صحيحا

، بالإجماع، و كذا القاضي لنفسه إلّا المسافر، كما يأتي في بحث السفر.

يد: لو أوصى أحد باستئجار صلاة أيام تكليفه و علم مسافرته في بعض تلك الأحيان، وجب استئجار الصلاة القصرية

أيضا بقدر ما علم مسافرته، و يعمل في مورد الشك بالأصل.

يه: يشترط في صلاة الإجارة كلّ ما يشترط في الصلاة، و ينافيها كلّ ما ينافيها،

بالإجماع و العمومات. بل يستحبّ فيها كلّ ما يستحبّ فيها، لذلك، إلّا مع شرط فعله فيجب.

و لو شرطا شرطا مباحا أو مرجوحا غير محرّم، كأن يصلّي في بيته أو في الحمام أو مع الثياب السود أو نحوها فالظاهر وجوبه.

يو: لا شكّ أنّ من يستأجر لميّت تبرّعا يجوز له استيجار ذوي الأعذار

كالعاجز عن القيام و المعذور عن استعمال الماء و نحوهما.

و لو استأجر وصاية فيتّبع إرادة الموصي المفهومة بالقرائن الخارجية و شاهد الحال. و لو لم يعلم مراده أصلا فالظاهر التخيير، للأصل.

و هل يجوز للموصي الوصيّة باستئجار ذوي الأعذار؟

نعم، للأصل، و ما مرّ من عدم وجوب وصيّة قضاء الفوائت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، الجزء 08

[تتمة كتاب الصلاة]

[تتمة المقصد الرابع في سائر ما يتعلق بالصلاة من أحكام القضاء و الجماعة و السفر]

الباب الثاني: في صلاة الجماعة
اشارة

و الكلام إمّا في فضلها، أو فيما فيه الجماعة من الصلوات، أو فيما به الجماعة أي تتحقّق الجماعة به، أو في شرائطها و آدابها و لوازمها، أو في أحكامها.

فهاهنا مقدّمة و فصول.
اشارة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 7

المقدمة: في فضل صلاة الجماعة.

اعلم أنّ فضلها عظيم و ثوابها جسيم، قال اللّه سبحانه وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ «1».

و قد ورد في فضلها و ذمّ تاركها ضروب من التأكيدات ما كاد يلحقها بالواجبات.

فمن الأوّل صحيحة ابن سنان: «الصلاة في جماعة تفضل على صلاة الفذّ بأربع و عشرين درجة» «2».

و الفذّ بالفاء و الذال المعجمة و التشديد: الفرد.

و حسنة زرارة: ما يروي الناس أنّ الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمسة و عشرين صلاة؟ فقال: «صدقوا» فقلت: الرجلان يكونان جماعة؟ فقال: «نعم» «3».

و رواية محمّد بن عمّار: عن الرجل يصلّي المكتوبة وحده في مسجد الكوفة أفضل أو صلاته في جماعة؟ فقال: «الصلاة في جماعة أفضل» «4».

هذا، مع ما ورد: «أنّ الصلاة المكتوبة في مسجد الكوفة لتعدل بألف صلاة، و أنّ النافلة فيه لتعدل بخمسمائة صلاة، و أنّ الجلوس فيه بغير تلاوة و لا

______________________________

(1) البقرة: 43.

(2) التهذيب 3: 25- 85، ثواب الأعمال: 37، الوسائل 8: 285 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 1.

(3) الكافي 3: 371 الصلاة ب 54 ح 1، التهذيب 3: 24- 82، الوسائل 8: 286 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 3.

(4) التهذيب 3: 25- 88، الوسائل 5: 240 أبواب أحكام المساجد ب 33 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 8

ذكر لعبادة» «1».

و مرسلة الفقيه: «من صلّى الغداة و العشاء الآخرة في جماعة فهو في ذمّة اللّه عزّ و جلّ» «2».

و المروي في روض الجنان عن كتاب الإمام و المأموم للشيخ أبي محمّد جعفر ابن أحمد القمي، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أتاني جبرئيل مع سبعين ألف ملك بعد صلاة الظهر، فقال:

يا محمّد، إنّ ربك يقرئك السلام و أهدى إليك هديّتين. قلت: ما تلك الهديّتان؟ قال: الوتر ثلاث ركعات و الصلاة الخمس في جماعة. قلت: يا جبرئيل، ما لأمّتي في الجماعة؟ قال:

يا محمّد، إذا كانا اثنين كتب اللّه لكلّ واحد بكلّ ركعة مائة و خمسين صلاة، و إذا كانوا ثلاثة كتب اللّه لكلّ واحد بكلّ ركعة ستّمائة صلاة، و إذا كانوا أربعة كتب اللّه لكلّ واحد بكلّ ركعة ألفا و مائتي صلاة، و إذا كانوا خمسة كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة ألفين و أربعمائة صلاة، و إذا كانوا ستّة كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة أربعة آلاف و ثمانمائة صلاة، و إذا كانوا سبعة كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة تسعة آلاف و ستّمائة صلاة، و إذا كانوا ثمانية كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة تسعة عشر ألفا، و مائتي صلاة، و إذا كانوا تسعة كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة ستّة و ثلاثين ألفا و أربعمائة صلاة، و إذا كانوا عشرة كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة سبعين ألفا و ألفين و ثمانمائة صلاة، فإن زادوا على العشرة فلو صارت السماوات كلّها مدادا و الأشجار أقلاما و الثقلان مع الملائكة كتّابا لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة. يا محمّد، تكبيرة يدركها المؤمن مع الإمام خير من ستّين ألف حجّة و عمرة و خير من الدنيا و ما فيها بسبعين ألف مرّة، و ركعة يصلّيها المؤمن مع الإمام خير من مائة ألف دينار يتصدّق بها على المساكين، و سجدة يسجدها

______________________________

(1) الكافي 3: 490 الصلاة ب 107 ح 1، التهذيب 3: 250- 688، المحاسن: 56- 86، الوسائل 5: 252 أبواب

أحكام المساجد ب 44 ح 3؛ بتفاوت يسير.

(2) الفقيه 1: 246- 1098، الوسائل 8: 295 أبواب صلاة الجماعة ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 9

المؤمن مع الإمام في جماعة خير من مائة عتق رقبة» «1».

و المروي في النفليّة عن الصادق عليه السلام: «الصلاة خلف العالم بألف ركعة و خلف القرشي بمائة» «2» إلى غير ذلك.

و لا يخفى أنّه إذا اجتمعت الجماعة- التي هي بنفسها تجعل الواحدة خمسا و عشرين- مع العالم تصير خمسا و عشرين ألفا، ثمَّ إذا كانت في مسجد السوق الذي الصلاة فيه باثنتي عشرة صلاة تصير ثلثمائة ألف صلاة، و إذا كانت في مسجد القبيلة الذي الصلاة فيه بخمسة و عشرين تصير ستّمائة و خمسة و عشرين ألف صلاة، و إذا كانت في المسجد الأعظم في بلدة أو قرية أي ما هو مجتمع القبائل الذي تعدل الصلاة فيه مائة صلاة تصير اثنتي ألف ألف صلاة و خمس مائة ألف صلاة، على الروايات المشهورة من أنّ الصلاة الواحدة في الجماعة بخمس و عشرين صلاة «3».

و أمّا على الرواية الطويلة المصرّحة بأنّ ركعة منها تعدل مائة و خمسين صلاة حتّى تكون صلاة واحدة رباعية ستّمائة صلاة، تصير مع العالم ستّمائة ألف، و معه في المسجد الأعظم ستّين ألف ألف، و إذا كان الإمام مع ذلك قرشيا تصير ستّ ألف ألف ألف. هذا كلّه إذا كان المأموم واحدا، و إذا زاد زاد بزيادته الثواب إلى ما لا يبلغه الحساب.

و من الثاني صحيحة زرارة و الفضيل: الصلاة في جماعة فريضة هي؟ قال:

«الصلاة فريضة و ليس الاجتماع بمفروض في الصلاة كلّها، و لكنّها سنّة من تركها رغبة عنها و عن جماعة المؤمنين من

غير علّة فلا صلاة له» «4».

______________________________

(1) روض الجنان: 362، المستدرك 6: 443 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 3.

(2) النفلية: 39.

(3) الوسائل 8: 285 أبواب صلاة الجماعة ب 1.

(4) الكافي 3: 372 الصلاة ب 54 ح 6، التهذيب 3: 24- 83، الوسائل 8: 285 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 10

و صحيحة محمّد: «لا صلاة لمن لا يشهد الصلاة من جيران المسجد إلّا مريض أو مشغول» «1».

و رواية ابن أبي يعفور: «همّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بإحراق قوم في منازلهم كانوا يصلّون في منازلهم و لا يصلّون الجماعة، فأتاه رجل أعمى فقال:

يا رسول اللّه إنّي ضرير البصر و ربما أسمع النداء و لا أجد من يقودني إلى الجماعة و الصلاة معك، فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله: شدّ من منزلك إلى المسجد حبلا و احضر الجماعة» «2».

و مرسلة الفقيه: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لقوم: «لتحضرنّ المسجد أو لأحرقنّ عليكم منازلكم» «3».

و صحيحة ابن سنان: «إنّ أناسا كانوا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أبطؤوا عن الصلاة في المسجد فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ليوشك قوم يدعون الصلاة في المسجد أن نأمر بحطب يوضع على أبوابهم فتوقد عليهم نار فتحرق بيوتهم» «4».

و مشهورة ابن أبي يعفور و فيها: «لا صلاة لمن لا يصلّي في المسجد مع المسلمين إلّا من علّة، و لا غيبة لمن صلّى في بيته و رغب عن جماعتنا، و من رغب عن جماعة المسلمين وجبت على المسلمين غيبته، و سقطت بينهم عدالته، و وجب هجرانه، و إذا دفع إلى إمام المسلمين

أنذره و حذّره، فإن حضر جماعة المسلمين و إلّا أحرق عليه بيته» «5».

و المروي في مجالس الصدوق و محاسن البرقي و ثواب الأعمال: «قال رسول

______________________________

(1) الفقيه 1: 245- 1091، الوسائل 8: 291 أبواب صلاة الجماعة ب 2 ح 3.

(2) التهذيب 3: 266- 753، الوسائل 8: 293 أبواب صلاة الجماعة ب 2 ح 9.

(3) الفقيه 1: 245- 1092، الوسائل 8: 291 أبواب صلاة الجماعة ب 2 ح 4.

(4) التهذيب 3: 25- 87، الوسائل 8: 293 أبواب صلاة الجماعة ب 2 ح 10.

(5) التهذيب 6: 241- 596، الاستبصار 3: 12- 33، الوسائل 27: 392 أبواب الشهادات ب 41 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 11

اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لينتهينّ أقوام لا يشهدون الصلاة أو لآمرنّ مؤذّنا يؤذّن، ثمَّ آمر رجلا من أهل بيتي- و هو عليّ- فليحرقنّ على أقوام بيوتهم لأنّهم لا يأتون الصلاة» «1».

و في مجالس الشيخ: «رفع إلى أمير المؤمنين أنّ قوما من جيران المسجد لا يشهدون الصلاة جماعة في المسجد، فقال: ليحضرنّ معنا صلاتنا جماعة أو ليحولنّ عنا و لا يجاورونا و لا نجاورهم» «2».

و فيه أيضا: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام بلغه أنّ قوما لا يحضرون الصلاة في المسجد، فخطب فقال: إنّ قوما لا يحضرون الصلاة معنا في مساجدنا فلا يؤاكلونا و لا يشاربونا و لا يشاورونا و لا يناكحونا أو يحضروا معنا صلاتنا جماعة، و إنّي لأوشك [أن آمرهم] بنار تشعل في دورهم فأحرقها عليهم أو ينتهون. قال:

فامتنع المسلمون من مؤاكلتهم و مشاربتهم و مناكحتهم حتّى حضروا لجماعة المسلمين» «3» إلى غير ذلك.

ثمَّ المستفاد من كثير من هذه الأخبار و إن كان وجوبها و حرمة تركها كما عن

أكثر العامة فإنّ منهم من فرضها على الأعيان «4»، و منهم من قال إنّها فرض كفاية في الصلوات الخمس «5»، إلّا أنّه لم يقل به أحد من علمائنا و أجمعوا على عدم وجوبها و به صرفت تلك الأخبار عن ظواهرها.

مضافا إلى التصريح به في صحيحة زرارة و الفضيل المتقدّمة. و لا يمكن حمل السنّة فيها على ما لم يثبت من الكتاب؛ لثبوت الجماعة به أيضا كما مرّ.

______________________________

(1) مجالس الصدوق: 392- 14، المحاسن: 84- 20، ثواب الأعمال: 276- 2؛ الوسائل 8:

292 أبواب صلاة الجماعة ب 2 ح 6.

(2) مجالس الشيخ: 705، الوسائل 5: 195 أبواب أحكام المساجد ب 2 ح 7.

(3) مجالس الشيخ: 705، الوسائل 5: 196 أبواب أحكام المساجد ب 2 ح 9. و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(4) انظر بداية المجتهد 1: 141، و بدائع الصنائع 1: 155.

(5) انظر نيل الأوطار 3: 151.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 12

و كذا في صحيحة محمّد السابقة حيث جعل الشغل عذرا، و لا يترك الواجب بالشغل.

فالأخبار المذكورة محمولة على تأكّد الاستحباب و شدّته، أو على من تركها استخفافا كما يشعر به التقييد بالرغبة عنه في جملة منها.

و تحمل تارة أيضا على الجماعة الواجبة، و اخرى على الحضور مع المعصوم، و ثالثة بأنّها لعلّها كانت واجبة فنسخت، و لم أر قائلا بهما.

و كيف كان، فطريقة الإيمان عدم الترك من غير عذر سيّما مع الاستمرار عليه، فإنّه- كما ورد- لا يمنع الشيطان من شي ء من العبادات منعها «1»، و يعرض عليهم الشبهات من جهة العدالة و نحوها حيث لا يمكنهم إنكارها، لأنّ فضلها من ضروريّات ديننا.

______________________________

(1) لم نعثر على رواية بهذا المضمون، و الظاهر أنه من كلام

المجلسي (ره) في البحار 85: 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 13

الفصل الأوّل فيما فيه الجماعة و فيه ثلاث مسائل
الأولى: تجب الجماعة في الجمعة و العيدين مع الشرائط المتقدّمة

لوجوبهما في بحثهما كما مرّ مفصّلا فيه.

و على جاهل القراءة مع ضيق الوقت عن التعلّم كما مرّ أيضا.

و لا تجب في غيرهما بالإجماع كما مرّ؛ لأصالة عدم وجوب متابعة شخص في الأفعال، و عدم سقوط ما ثبت وجوبه من الأعمال. و ما دلّ بظاهره على حرمة الترك مطلقا أو في اليومية مؤوّلة، كما مرّ.

الثانية: تستحبّ في الفرائض كلّها

، ذهب إليه علماؤنا أجمع كما عن المنتهى «1»، بل قيل: إنّه من الضروريّات الدينيّة «2».

و مقتضى إطلاقهما دعوى الإجماع و الضرورة في جميع الفرائض، بل في الأخير: و لا سيّما في الفرائض اليوميّة. و هو كالصريح في التعميم للجميع حتّى المنذورة و صلاة الاحتياط و ركعتي الطواف أداء أو قضاء. و بالتعميم للمنذورة و القضاء صرّح في روض الجنان و الذكرى «3»، بل يفهم من الأخير كونه إجماعيّا بيننا، و هذا القدر كاف في إثبات التعميم لكون المقام مقام الاستحباب.

و لا يضرّ استلزامه سقوط الواجب الغير الثابت فيه المسامحة؛ لأنّه من اللوازم و الاعتبار في ذلك بالملزوم، كما تثبت النافلة بالتسامح مع استلزامه حرمة

______________________________

(1) المنتهى 1: 363.

(2) كما في المفاتيح 1: 159.

(3) روض الجنان: 363، الذكرى: 265.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 14

القطع على القول بها، و الوضوء و الغسل المستحبان به مع سقوط الواجب منهما بهما.

و لا احتمال التحريم؛ لعموم أدلّة التسامح.

مضافا إلى شمول إطلاق كثير من الأخبار، منها صحيحة ابن سنان و حسنة زرارة المتقدّمتين «1»، و صحيحة سليم الآتية في المسألة الآتية، للجميع. بل يشمله عموم مثل قوله: لا صلاة لمن لم يشهد الجماعة كما في صحيحة محمّد و رواية ابن أبي يعفور السالفتين «2».

فالإشكال في التعميم مطلقا أو في خصوص صلاة الاحتياط و ركعتي الطواف-

كما في المدارك و الذخيرة و الحدائق «3»- غير جيّد.

ثمَّ إنّه يتأكّد الاستحباب في الفرائض الخمس اليومية بالإجماع و الأخبار «4»، و منها في الغداة و العشاء كما يظهر من بعض الروايات «5».

الثالثة: لا تجوز الجماعة في غير ما ثبت استثناؤه من النوافل

، بالإجماع المحقّق و المحكي عن المنتهى و التذكرة و كنز العرفان «6»، له، و للأصل المتقدم ذكره، و المستفيضة من النصوص، منها: صحيحة سليم بن قيس في خطبة مولانا أمير المؤمنين: «و أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلّا في فريضة، و أعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة» «7».

و رواية سماعة بن مهران و إسحاق بن عمّار: «إنّ هذه الصلاة نافلة و لن يجتمع للنافلة، فليصلّ كلّ رجل منكم وحده و ليقل ما علّمه اللّه [من] كتابه،

______________________________

(1) في ص 7.

(2) في ص 10.

(3) المدارك 4: 310، الذخيرة: 389، الحدائق 11: 83.

(4) الوسائل 8: 285 أبواب صلاة الجماعة ب 1.

(5) الوسائل 8: 294 أبواب صلاة الجماعة ب 3.

(6) المنتهى 1: 364، التذكرة 1: 170، كنز العرفان: 194.

(7) الكافي 8: 62- 21، الوسائل 8: 309 أبواب صلاة الجماعة ب 10 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 15

و اعلموا أنّه لا جماعة في نافلة» «1».

و المروي في الخصال: «و لا يصلّى التطوع في جماعة، لأنّ ذلك بدعة، و كلّ بدعة ضلالة، و كلّ ضلالة في النار» «2».

و في العيون: «لا جماعة في نافلة» «3».

و ضعف سند بعضها- لو كان- بما مرّ مجبور.

و النصوص المستفيضة المانعة عن الاجتماع في النافلة بالليل في شهر رمضان مطلقا الشاملة لكلّ النوافل، منها: صحيحة الفضلاء: «إنّ الصلاة بالليل في شهر رمضان النافلة في جماعة بدعة» «4».

و أخصيّتها عن المدّعى تجبر بعدم القول بالفصل، فإنّ التجويز

لو كان لكان إمّا في مطلق النوافل سوى التراويح، أو في مجرّد الاستسقاء و الغدير. و أمّا المنع في النوافل الليلية من رمضان و التجويز في البواقي فإحداث قول ثالث.

خلافا للمحكي عن الحلبي بل المفيد و اللمعة و المحقّق الثاني «5»، و بعض متأخّري المتأخرّين في رسالته الصلاتية «6»، فجوّزوها في نافلة الغدير، و نفى عنه البعد المحقّق الأردبيلي «7».

______________________________

(1) التهذيب 3: 64- 217، الاستبصار 1: 464- 1801، الوسائل 8: 32 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 6. بدل ما بين المعقوفين في النسخ: في، و ما أثبتناه موافق للمصادر.

(2) الخصال: 606، الوسائل 8: 335 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 5.

(3) لم نجده في العيون، و هو موجود في التهذيب و الاستبصار في ضمن حديث طويل، راجع التهذيب 3: 64- 217، و الاستبصار 1: 464- 1801.

(4) الفقيه 2: 87- 394، التهذيب 3: 69- 266، الاستبصار 1: 467- 1807، الوسائل 8:

45 أبواب نافلة شهر رمضان ب 10 ح 1.

(5) الحلبي في الكافي: 160، المفيد في المقنعة: 204، اللمعة (الروضة 1): 377، المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 502، و فيه: و في الغدير خلاف.

(6) حكاه صاحب الحدائق 11: 87 عن شيخه أبي الحسن في رسالته في الصلاة، و الظاهر ممّا ذكره في الحدائق 10: 17 أنّه الشيخ سليمان بن عبد اللّه البحراني.

(7) مجمع الفائدة 3: 243.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 16

لما يظهر من الأوّل في كافيه أنّ به رواية، و ما علّله به في الروضة من ثبوت الشرعية في صلاة العيد و هو عيد «1»، و ما ذكره الأخير من انحصار دليل المنع بالإجماع و هو في المقام مفقود.

و الرواية لنا غير

معلومة فلعلّها غير تامّة الدلالة، بل انفهام ورودها من عبارته (الّتي فهموه منها) «2» غير معلومة.

قال: و من وكيد السنن الاقتداء برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في يوم الغدير بالخروج إلى ظاهر المصر عند الصلاة .. إلى آخره.

و يمكن أن يكون نظره في ذلك إلى ما ورد من حكاية الرسول في غدير خم دون رواية أخرى، بل هو الظاهر من آخر كلامه حيث قال: و ليصعد المنبر قبل الصلاة، و يخطب خطبة مقصورة على حمد اللّه و الثناء عليه و الصلاة على محمّد و آله و التنبيه على عظم حرمة يومه و ما أوجب اللّه فيه من إمامة أمير المؤمنين- إلى أن قال-: فإذا انقضت الخطبة تصافحوا و تهانئوا و تفرّقوا «3».

و شرعيّة الجماعة في مطلق صلاة العيد ممنوعة، مع أنّ العيد في عهدهم إلى اليومين منصرف.

و انحصار المانع بالإجماع غير مسلّم كما مرّ.

إلّا أنّ المقام مقام المسامحة، فالاكتفاء فيه بفتوى هؤلاء ممكن. و لكن العدول عن ظاهر الإجماع و عمومات التحريم بذلك جدّا مشكل.

و للمحكي في المفاتيح «4» عن بعضهم، فجوّزها في النافلة مطلقا، و ربما استفيد وجود القول به عن الشرائع بل الذكرى «5». و صريح الذخيرة و ظاهر

______________________________

(1) الروضة 1: 378.

(2) ما بين القوسين غير موجود في «ق» و «ه».

(3) الكافي في الفقه: 160، و قوله: تهانئوا، غير موجود فيه، و قد ورد بدله في المختلف: 128:

تعانقوا.

(4) المفاتيح 1: 159.

(5) الشرائع 1: 123، و راجع الذكرى: 266.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 17

المدارك «1» التوقف.

لإطلاق بعض الروايات باستحباب الجماعة في الصلاة من غير تقييد بالفريضة.

و خصوص صحيحة هشام: عن المرأة تؤمّ النساء؟ فقال: «تؤمّهنّ في النافلة، فأمّا في المكتوبة

فلا» «2».

و البصري: «صلّ بأهلك في رمضان الفريضة و النافلة، فإنّي أفعله» «3».

و أجيب عن الأوّل: بمنع الإطلاق بالنسبة إلى النافلة؛ لاختصاصه- بحكم التبادر و الغلبة- بالفريضة، مع أنّه منساق لإثبات أصل استحبابها في الجملة من دون نظر إلى شخص، فيكون بالنسبة إلى الأفراد كالقضيّة المهملة يكفي في صدقها الثبوت في فرد «4».

و فيه: منع الغلبة بالنسبة إلى الفريضة، كيف؟! و الأمر بالعكس جدّا. بل و كذا التبادر سيّما مع شيوع الجماعة في النافلة في تلك الأعصار. و اختصاص الانسياق المذكور- لو كان- بالمطلقات، و في الأخبار المرغّبة عمومات كما مرّ، فلا يجري فيها ذلك.

فالصواب أن يجاب عن الإطلاق: بوجوب التقييد بما مرّ.

و عن الصحيحين: بعدم صلاحيّتهما للمقاومة مع ما مرّ؛ للشذوذ، و مرجوحيّتهما عنه بالموافقة القطعيّة للعامّة «5»، كيف؟! مع أنّهم بعد منع الأمير عليه السلام عنها رفعوا أصواتهم بوا عمراه و وا رمضاناه و ضجّوا و قالوا: يا أهل الإسلام

______________________________

(1) الذخيرة: 389، المدارك 4: 316.

(2) الفقيه 1: 259- 1176، التهذيب 3: 205- 487، الوسائل 8: 333 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 1.

(3) التهذيب 3: 267- 762، الوسائل 8: 337 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 13.

(4) الرياض 1: 229.

(5) انظر المغني 1: 811، و الأم 1: 142.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 18

غيّرت سنّة عمر «1».

مضافا إلى أنّهما غير دالّتين على ذلك أصلا:

أمّا الأولى: فلعدم دلالتها إلّا على جواز إمامتها في النافلة لا على جوازها في مطلق النافلة، فيحتمل إرادة النافلة المشروع فيها الجماعة.

و أمّا الثانية: فلاحتمال كون المراد من الصلاة بالأهل الصلاة معهم أو فيهم أي في البيت لا في الخارج، فإنّ الصلاة بالأهل ليست حقيقة و لا ظاهرة في

الايتمام لهم. و حينئذ يكون الأمر بذلك لأجل ردع الراوي عن الابتلاء بالدخول في البدعة حيث إنّ الصلاة في الخارج في شهر رمضان جماعة في الفريضة و النافلة كانت توجب البدعة، و في الفريضة خاصّة توجب البليّة. و يؤكّده التخصيص برمضان الذي هو زمان البدعة، و ذكر الفريضة مع أنّها في المسجد تتضمّن ما لا يحصى من الفضيلة.

مع أنّه يرد عليهما ما أورده بعض المجوّزين على الأخبار الناهية عن الاجتماع بالنوافل في ليل شهر رمضان من الأخصّية من المدّعى؛ فإنّ الأولى منهما مخصوصة بالنساء، و الثانية برمضان. و الدفع بالإجماع المركّب مشترك كما مرّ.

و الترجيح مع الناهية بوجوه عديدة.

______________________________

(1) الكافي 8: 58- 21، الوسائل ج 8: 46 أبواب نافلة شهر رمضان ب 10 ح 4. مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 8    19     الأول: العدد. و أقل ما تنعقد به الجماعة في غير العيدين و الجمعة اثنان ..... ص : 19

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 19

الفصل الثاني: فيما به الجماعة أي في شرط تحقّق الجماعة و هو اثنان:
الأوّل: العدد. و أقلّ ما تنعقد به الجماعة في غير العيدين و الجمعة اثنان

، أحدهما الإمام، بلا خلاف كما قيل «1». و تدلّ عليه النصوص المستفيضة المشتملة على الصحاح «2».

و أمّا ما في بعض المعتبرة من أنّه: إن لم يحضر المسجد أحد فالمؤمن وحده جماعة «3»، و نحو ذلك.

فلعلّ المراد أنّه إذا طلب الجماعة و لم يجدها تكون صلاته مع الانفراد مساوية لصلاة الجماعة تفضّلا منه تعالى و معاملة له بمقتضى نيّته.

و في بعضها: فأبقى أنا وحدي فأؤذّن و أقيم أ فجماعة أنا؟ قال: «نعم» «4».

و علّله في الفقيه بأنّه متى أذّن و أقام، صلّى خلفه صفّان من الملائكة، و متى أقام و لم يؤذّن صلّى خلفه صفّ من الملائكة «5».

و الظاهر حصول الجماعة بالصبي المميّز الّذي كلّف

بالصلاة تمرينا؛

______________________________

(1) الرياض 1: 229.

(2) الوسائل 8: 296 أبواب صلاة الجماعة ب 4.

(3) الفقيه 1: 246- 1095؛ لم نعثر عليه في الوسائل، و لعلّه من كلام الصدوق.

(4) الكافي 3: 371 الصلاة ب 54 ح 2، التهذيب 3: 265- 749، الوسائل 8: 296 أبواب صلاة الجماعة ب 4 ح 2.

(5) الفقيه 1: 246- 1095.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 20

لإطلاق الأخبار، و ظاهر خبر الجهني «1»، و خصوص رواية أبي البختري «2».

الثاني: نيّة الاقتداء

، بالإجماع، كما عن المعتبر و المنتهى و النهاية و الذكرى «3»؛ لأنّ الأعمال بالنيّات، و لكلّ امرئ ما نوى «4»، و لا عمل إلّا بنية «5».

فإنّ ترك نيّة الاقتداء فإن نوى الانفراد و أتى بجميع ما يجب عليه صحّت صلاته و إن تابع أحدا صورة؛ للأصل. إلّا أن يوجب منافيا آخر كسكوت طويل و نحوه.

و كذا إن لم ينو الانفراد أيضا لعدم الالتفات إليه فتنصرف صلاته إليه؛ لعدم احتياجه إلى النية بخلاف الجماعة، و لذا لا يوجبون قصد الانفراد. و لأصالة صحّة الصلاة، و عدم وجوب المتابعة، و عدم سقوط ما يسقط بالجماعة بدون قصدها.

و منه يظهر الصحة و الانصراف إلى الانفراد لو دخل في الصلاة متردّدا بين الانفراد و الجماعة.

و لو شكّ في أنّه نوى الانفراد أو الجماعة بعد التكبيرة بنى على ما قام إليه إن علمه؛ إذ لا عبرة بالشك فيه بعد الانتقال عن المحلّ كما مرّ. و إن لم يعلمه بنى على الانفراد، للأصول المذكورة، مع أصالة عدم نية الايتمام و جواز نية الانفراد لو نوى الايتمام.

و يجب أن يكون المنويّ كونه إماما واحدا؛ للإجماع، و لأنّه المتبادر من الأخبار و المعهود من الشرع، و احتمال المخالفة، و لو

قرّرا على الموافقة فنيته إن كانت على المتابعة على فرض التوافق فهو ترديد في نيّة الاقتداء و تعليق، و إن كان

______________________________

(1) راجع رقم (4) من ص 19.

(2) التهذيب 3: 56- 193، قرب الإسناد 156- 575، الوسائل 8: 298 أبواب صلاة الجماعة ب 4 ح 8.

(3) المعتبر 2: 423، المنتهى 1: 365، النهاية 2: 125، الذكرى: 271.

(4) الوسائل 1: 48 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 10.

(5) الوسائل 1: 46 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 21

مطلقا امتنع.

فلو نوى الايتمام بالاثنين و أتمّ الصلاة جماعة إمّا بأنّ يتّفق الاثنان في الأفعال كأن يكونا إماما و مأموما، أو بأن يتابع أحدهما بطلت صلاته؛ لتركه الواجبات «1» في غير الجماعة المشروعة.

و كذا لو أتى بالأفعال معتقدا عدم مشروعيّتها؛ لانتفاء القربة فيها.

و لو أتى بها معتقدا مشروعيّتها جهلا أو تقليدا لمن يجوّزه، فالظاهر صحّة الصلاة- و إن بطلت الجماعة- إذا قصد بأصل الصلاة القربة؛ إذ غايته زيادة نيّة فاسدة، و إفسادها الفعل غير معلوم.

و يجب أيضا كون الواحد معيّنا حال النية.

فلو لم يتعيّن مطلقا كأحد هذين، أو تعيّن بعد ذلك كالسابق بالركوع أو الجاهر صوته بالذكر بعد ذلك، لم تصحّ الجماعة.

لا لما قيل من عدم دليل على الصحّة حينئذ «2»؛ لكفاية المطلقات أدلّة.

بل للأدلّة المذكورة.

و الكلام في صلاته كما مرّ في تعدّد الإمام.

و القدر اللازم في التعيين هو التعيّن في الواقع مع إمكان المتابعة من المأموم و لو لم يتعيّن على المأموم ظاهرا؛ لأنّه القدر المسلّم من الإجماع.

فلو نوى الاقتداء بزيد و لم يعرفه بعينه من بين الأشخاص المتعدّدة، صحّت صلاته إذا أمكن متابعته بأن يكون هو إماما أو علم توافقهم. بخلاف

ما لو كان بين جماعة منفردين؛ لعدم إمكان المتابعة.

و كذا لو نوى الاقتداء بإمام هذه الجماعة إذا علم استجماعه للشرائط و إن لم يعرفه بعينه أو المصلّي جهرا إذا صلّى جماعة في ظلمة و جهر أحدهم بالصلاة.

و منه تظهر كفاية الإشارة الذهنيّة، كما إذا اقتدى خلف صفوف عديدة لا

______________________________

(1) في «ق»: الواجب.

(2) الرياض 1: 233.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 22

يرى الإمام. و الخارجية بطريق أولى؛ للتعيّن الواقعي و الظاهري.

و يظهر أيضا مراد القوم من قولهم بلزوم التعيين اسما أو وصفا أو ذهنا أو إشارة، فإنّ مرادهم من الأوّلين ما إذا لم يتعيّن في الذهن أو الخارج عنده و إلّا لم يحسن المقابلة و أمكن المتابعة و هو ظاهر، فما عبّرنا به أحسن.

و لو اقتدى بمعيّن جامع للشرائط على أنّه زيد فبان أنّه عمرو، ففي الروضة: البطلان «1»، و في الذخيرة: الصحّة «2»، و في الحدائق: التردّد «3».

و الوجه: التفصيل بأنّه إن نوى الاقتداء و المتابعة لهذا الحاضر و إن ظنّ أنّه زيد من غير قصد زيد و «4» لهذا الحاضر الّذي هو زيد، صحّ الايتمام؛ للمطلقات، و عدم ثبوت إيجاب هذا الاختلاف للفساد.

و إن نوى الاقتداء بزيد و إن ظنّ أنّه الحاضر لم يصحّ؛ لأنّ من اقتدى به لم يتابعه و من تابعه لم يقتد به.

و لو شكّ في أثناء الصلاة أو بعدها فيما نوى من هذه الأقسام صحّت صلاته؛ للشك في تحقّق ما يجب عليه بعد الانتقال عن المحلّ.

هذا في المأموم.

و أمّا الإمام فإن كانت الجماعة واجبة تجب عليه نيّتها كما مرّ في صلاة الجمعة.

و إن كانت مندوبة فلا تشترط في صحّة صلاته بالإجماع كما في التذكرة «5» و كلام بعض الأجلّة؛

للأصل، و عدم تفاوت أفعاله مع المنفرد، و لجواز الاقتداء به في أثناء الصلاة و هو لا يعلم اتّفاقا، و اقتداء الخثعميّة الّتي رأت النبي صلّى اللّه

______________________________

(1) الروضة 1: 382.

(2) الذخيرة: 399.

(3) الحدائق 11: 119.

(4) في «ق» و «ح»: أو.

(5) التذكرة 1: 174.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 23

عليه و آله مصليا وحده و عدم اطّلاعه صلّى اللّه عليه و آله إلّا بعد غشيتها بقراءته صلّى اللّه عليه و آله آية من سورة الحجر «1».

و لا في إمامته؛ لما ذكر أيضا، لأنّها أمر لا يتوقّف تحقّقها منه على النيّة.

و لا في دركه ثواب الجماعة، وفاقا لجماعة، منهم: الفاضل و الشهيدان و الأردبيلي «2»؛ لمطلقات ترتب الثواب عليها، و إنّما المتوقّف حصوله على النيّة ما توقف صحّته على القربة، أو كان ذا وجهين و لم يرد الثواب على مطلقه كالأكل و الشرب.

و قيل بالاشتراط فيه؛ لقوله: «لكلّ امرئ ما نوى».

و فيه: أنّه لا يدلّ على أنّه ليس له ما لم ينو.

نعم لو قصد بالايتمام جاها أو مالا أو كان مكرها فيه فالظاهر الإجماع على عدم الثواب، و يدل عليه أيضا الخبر المذكور أيضا في الجملة.

و هل تصح صلاته و صلاة المأمومين إذا اطّلعوا على قصده؟

الظاهر نعم إذا قصد بأصل صلاته القربة؛ لكون الجماعة خارجة عن الصلاة بالمرّة.

و لو صلّى اثنان و قال كلّ منهما بعد الفراغ: كنت مأموما لك، أعادا الصلاة وجوبا. و لو قال: كنت إماما، صحّت صلاتهما؛ لرواية السكوني «3» المصرّحة بالقسمين، المنجبرة بعمل الأصحاب كافّة، كما صرّح به جماعة مشعرين بدعوى الإجماع عليه «4»، و المعتضدة بالاعتبار.

______________________________

(1) انظر الجامع لأحكام القران للقرطبي 10: 31.

(2) الفاضل في نهاية الاحكام 2: 127، الشهيد الأوّل

في الذكرى: 271، الشهيد الثاني في روض الجنان: 376، الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 318.

(3) الكافي 3: 375 الصلاة ب 56 ح 3، الفقيه 1: 250- 1123 مرسلا، التهذيب 3:

54- 186، الوسائل 8: 352 أبواب صلاة الجماعة ب 29 ح 1.

(4) روض الجنان: 375، و مجمع الفائدة 3: 319، و الذخيرة: 399، و الحدائق 11: 121.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 24

و استشكال بعضهم في الأوّل لبعض التعليلات «1»، غير صحيح بعد النصّ الكذائي.

______________________________

(1) انظر جامع المقاصد 2: 500.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 25

الفصل الثالث: في شرائط الجماعة و آدابها و لوازمها
اشارة

و الكلام إمّا في الشرائط المختصّة بالإمام أو في غيرها، فهاهنا بحثان.

البحث الأوّل: في الشرائط المختصّة بالإمام. و هي إمّا واجبة أو مستحبّة، فهاهنا مقامان.
المقام الأوّل: في شرائط الإمام الواجبة، و هي أمور:
الأوّل: العقل،

فلا تصحّ إمامة المجنون المطبق و لا ذي الأدوار حال الجنون، اتّفاقا؛ له، و لصحيحة زرارة: «لا يصلينّ أحدكم خلف المجذوم، و الأبرص، و المجنون، و المحدود، و ولد الزنا، و الأعرابي لا يؤمّ المهاجرين» «1».

و نحوها مرسلة الفقيه؛ «2».

و أبي بصير: «خمسة لا يؤمّون الناس على كلّ حال: المجذوم، و الأبرص، و المجنون، و ولد الزنا، و الأعرابي» «3».

و لا يضرّ اشتمالها على الجملة الخبرية أو المحتملة لها بعد الاتفاق على الحرمة، فإنّها قرينة على إرادتها هنا.

______________________________

(1) الكافي 3: 375 الصلاة ب 56 ح 4، الوسائل 8: 325 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 6.

(2) الفقيه 1: 247- 1106، الوسائل 8: 325 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 6.

(3) الكافي 3: 375 الصلاة ب 55 ح 1، التهذيب 3: 26- 92، الاستبصار 1: 422- 1626، الوسائل 8: 325 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 26

و تصحّ من الأخير في حال الإفاقة؛ للأصل، و العمومات.

و المشهور كراهته؛ لإمكان عروضه حال الصلاة، و عدم أمنه عن الاحتلام حال الجنون، بل روي أنّ المجنون يمني حال جنونه [1]، و لذا قيل باستحباب الغسل له حال الإفاقة «1».

و عن بحث الجمعة من التذكرة المنع لذلك «2». و ضعفه ظاهر.

الثاني: الإيمان بالمعنى الخاصّ

، بالإجماع المحقّق و المحكي مستفيضا «3»، و النصوص المستفيضة، و في رواية زرارة: عن الصلاة خلف المخالفين، فقال:

«ما هم عندي إلّا بمنزلة الجدر» «4».

مضافة إلى عموم ما دلّ على بطلان عبادة المخالف «5»، و عدم الاعتداد بالصلاة خلفه و النهي عنها و أمر المؤتمّ به بالقراءة خلفه «6»، و فحوى ما دلّ على اعتبار العدالة بل صريحه على القول بفسق المخالف.

الثالث: العدالة،

بالإجماعين «7»، بل نقل بعض المخالفين إجماع أهل البيت عليه [2].

و هو الحجّة في اشتراطها، لا آية الركون «8»؛ لعدم معلوميّة كون الايتمام

______________________________

[1] لم نجد الرواية في كتب الأخبار، و رواها مرسلة في الذخيرة: 302، و الحدائق 10: 4، و استدل العلامة في النهاية 1: 179 لاستحباب الغسل للمجنون بقوله: لما قيل إنّ من زال عقله أنزل.

[2] هو أبو عبد اللّه البصري على ما ذكره الشيخ في الخلاف 1: 560 نقلا عن السيّد المرتضى، و لم نجده في كتب العامّة الموجودة عندنا.

______________________________

(1) نهاية الإحكام 1: 179.

(2) التذكرة 1: 144.

(3) كما في الخلاف 1: 549، و المعتبر 2: 432، و التذكرة 1: 176.

(4) الكافي 3: 373 الصلاة ب 55 ح 2، التهذيب 3: 266- 755، الوسائل 8: 309 أبواب صلاة الجماعة ب 10 ح 1.

(5) انظر الوسائل 1: 118 أبواب مقدمة العبادات ب 29.

(6) الوسائل 8: 309 أبواب صلاة الجماعة ب 10.

(7) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 590، و التذكرة 1: 176.

(8) هود: 113.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 27

ركونا، و منع كون غير العادل مطلقا ظالما. و لا يدلّ قوله سبحانه وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ «1» إلّا على ظلم من تعدّى جميع الحدود أو أكثرها، مع أنّها لو

دلّت لدلت على النهي عن الايتمام بمن علم تعدّيه دون المجهول حاله و هو أخصّ من المدّعى.

و لا الأخبار؛ إذ لم نعثر إلى الآن على خبر يتضمّن ذكر اشتراط العدالة فيه أو مانعيّة الفسق، حتّى يمكن إثبات اشتراط العدالة بها بضميمة أصالة الفسق أو توقّف العلم بعدم المانع على ثبوت العدالة.

و إنّما المستفاد من الأخبار المنع عن الايتمام بالعاقّ للأبوين القاطع كما في صحيحة عمر بن يزيد «2»، أو المجاهر بالفسق و المجهول المحتمل لمجهول المذهب و الاعتقاد بل فسّره به جماعة «3» كمرسلتي حمّاد «4» و الفقيه «5»، أو المقارف للذنوب كرواية سعد بن إسماعيل عن أبيه «6»، أو المحدود كالمستفيضة «7»، أو شارب الخمر المحدود كالمروي في تفسير العيّاشي «8»، أو من لا يثق بدينه و أمانته كرواية أبي عليّ ابن راشد «9»، أو من لا يثق به من غير قيد كرواية المرافقي و النصري «10»، أو من لا

______________________________

(1) الطلاق: 1.

(2) الفقيه 1: 248- 1114، التهذيب 3: 30- 106، الوسائل 8: 313 أبواب صلاة الجماعة ب 11 ح 1.

(3) منهم الفيض ره في الوافي 8: 1182، و المجلسي ره في البحار 85- 24.

(4) التهذيب 3: 31- 109، الوسائل 8: 310 أبواب صلاة الجماعة ب 10 ح 6.

(5) الفقيه 1: 248- 1111، الوسائل 8: 310 أبواب صلاة الجماعة ب 11 ح 4.

(6) الفقيه 1: 249- 1116، التهذيب 3: 31- 110، الوسائل 8: 316 أبواب صلاة الجماعة ب 11 ح 10؛ بتفاوت يسير.

(7) الوسائل 8: 322 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 6، و ص 324 ب 15 ح 3، و 6.

(8) لم نجد الرواية في تفسير العياشي.

(9) الكافي 3: 374 الصلاة ب 55 ح

5، التهذيب 3: 266- 755، الوسائل 8: 309 أبواب صلاة الجماعة ب 10 ح 2؛ بتفاوت يسير.

(10) التهذيب 3: 33- 120، الوسائل 8: 303 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 28

لا يثق بدينه و تديّنه كالرضوي المنجبر «1»، أو غير المأمون على قراءته الإخفاتية كصحيحة ابن سنان «2».

و لا تثبت مانعيّة الفسق مطلقا من حسنة زرارة: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام صلّى خلف فاسق فلمّا سلّم و انصرف قام أمير المؤمنين عليه السلام فصلّى أربع ركعات لم يفصل بينهنّ بتسليم» الحديث «3».

و لا من المروي عن أبي ذر: إمامك شفيعك إلى اللّه، فلا تجعل إمامك سفيها و لا فاسقا «4».

لمنع العموم أو الإطلاق في الفاسق في الأول حتّى يشمل الفاسق بواسطة الأصل أيضا فإنّه قضيّة في واقعة فلعلّه المجاهر أو المقارف للذنب، مضافا إلى عدم صحّة صلاة من يتقدّم الحجّة.

و منع إرادة إمام الجماعة من الإمام و النهي من قوله: «فلا تجعل» في الثاني.

مع أنّه قول أبي ذر و لا حجّية فيه إلّا إذا أخبر، و إن ورد أنّه ليس أصدق لهجة منه «5».

و لا من رواية زيد بن علي: «الأغلف لا يؤمّ القوم و إن كان أقرأهم لأنّه ضيّع من السنّة أعظمها» «6».

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 144، مستدرك الوسائل 6: 462 أبواب صلاة الجماعة ب 9 ح 1.

(2) التهذيب 3: 35- 124، الوسائل 8: 357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 9.

(3) الكافي 3: 374 الصلاة ب 55 ح 6، التهذيب 3: 266- 756 الوسائل 7: 350 أبواب صلاة الجمعة ب 29 ح 4.

(4) الفقيه 1: 247- 1103، التهذيب 3: 30- 107، الوسائل 8: 314 أبواب

صلاة الجماعة ب 11 ح 2.

(5) البحار 22: 329.

(6) الفقيه 1: 248- 1107، التهذيب 3: 30- 108، الوسائل 8: 320 أبواب صلاة الجماعة ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 29

حيث إنّ عموم التعليل يقتضي عدم جواز إمامة كلّ من ضيّع السنّة و منه الفاسق.

لمنع الدلالة على الحرمة أوّلا، و تقيّدها بتضييع أعظم السنّة ثانيا.

و لا من رواية إبراهيم بن شيبة: عن الصلاة خلف من يتولّى أمير المؤمنين عليه السلام و هو يرى المسح على الخفّين، أو خلف من يحرّم المسح و هو يمسح، فكتب إليّ: «إن جامعك و إيّاهم موضع فلم تجد بدّا من الصلاة فأذّن لنفسك و أقم فإن سبقك إلى القراءة فسبّح» «1». حيث دلّت على عدم جواز الصلاة خلف من يحرّم المسح على الخفّين و هو يمسح لقلّة «2» مبالاته بالدين.

لجواز أن يكون ذلك لبطلان صلاته ببطلان طهارته.

و لا اشتراط العدالة «3» من مرسلة الفقيه: «إمام القوم وافدهم فقدّموا أفضلكم» «4».

و الأخرى: «إن سركم أن تزكو صلاتكم فقدّموا خياركم» «5».

و صحيحة زرارة: أصلّي خلف الأعمى؟ قال: «نعم إذا كان [له] من يسدّده و كان أفضلهم» «6». حيث دلّت على وجوب تقديم الأفضل و الخيار و منع التقديم مع عدم الأفضليّة، خرج ما أجمعوا فيه على عدم الوجوب فيبقى الباقي و منه العادل الّذي هو أفضل من المجهول و الفاسق.

لتوقّف تماميّته على ترجيح التخصيص من حمل الأمر على الندب و هو ممنوع.

مع ما في الأوّل من الإجمال في معنى الإمام، و ما في الثاني من عدم الصراحة في

______________________________

(1) التهذيب 3: 276- 807، الوسائل 8: 363 أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 2.

(2) في ه: لعدم.

(3) أي: و لا يثبت

اشتراط العدالة ..

(4) الفقيه 1: 247- 1100، الوسائل 8: 347 أبواب صلاة الجماعة ب 26 ح 2.

(5) الفقيه 1: 247- 1101، الوسائل 8: 347 أبواب صلاة الجماعة ب 26 ح 3.

(6) الكافي 3: 375 الصلاة ب 56 ح 4، الوسائل 8: 339 أبواب صلاة الجماعة ب 21 ح 5؛ و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 30

الوجوب المطلق، للتعليق على ما يمكن منع وجوبه. مع أنّه قد يكون المجهول أو الفاسق أعلم و أقرأ، و مفضوليّته عن العادل الفاقد للوصفين غير مسلّم.

و لا مانعيّة الأوّل و اشتراط الثاني بوجوب الاقتصار فيما يخالف أصالة عدم وجوب المتابعة و سقوط القراءة و نحوها بالقدر المتيقن، و باقتضاء الشغل اليقيني بالصلاة البراءة اليقينيّة الغير الحاصلة من الاقتداء بغير العادل، و بورود المنع عن إمامة بعض المبتلين بالعيوب الجسمية فالمبتلى بالنفسانية منها أولى بالمنع.

لزوال الأصل و حصول اليقين بالمطلقات بل العمومات، و منع الأولويّة المدّعاة.

و الحاصل: أنّه لا يثبت من الأخبار سوى اشتراط انتفاء عقوق الوالدين و قطيعة الرحم و المجاهرة بالفسق و المقارفة للذنوب، و وجود الوثوق بالدين و التديّن به و الأمانة.

و مساوقة الأخير للعدالة- كما قيل «1»- غير ثابتة؛ إذ المعلوم منه الاطمئنان بمذهبه و بتمسّكه به و بالأمانة دون الزائد منه.

فلم يبق إلّا الإجماع، و الثابت منه أيضا ليس إلّا ما هو المتّفق عليه بين الكلّ في اشتراطه في العدالة دون ما هو معنى ذلك اللفظ؛ إذ لم يثبت الاتّفاق على اشتراط ما هو معناه، و لم يذكر أكثر المتقدّمين خصوص ذلك اللفظ سيّما في هذا المقام.

و من جميع ما ذكر يظهر أنّه لا تترتّب ثمرة على تحقيق معنى

العدالة و ما به تعرف في ذلك المورد و إن أثمر في موضع آخر، بل اللازم الأخذ بالمجمع على اشتراطه. و الظاهر تحقّقه بمن جمع فيه ما مرّت استفادته من الأخبار، فهو الشرط في إمام الصلاة، كما صرّح به بعض المتأخّرين منّا بل جعله الحزم في الدين، قال:

و الحزم أن لا تصلّي خلف من لا تثق بدينه و أمانته «2». انتهى.

______________________________

(1) انظر مجمع الفائدة 2: 357.

(2) المفاتيح 1: 19.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 31

و حاصله أن لا يكون مجاهرا بالفسق، أي معلنا بالمعصية من ترك واجب أو فعل محرّم عاصيا جهرا. و لا مقارفا للذنوب أي جنسها المتحقّق بمقارفة ذنوب متعدّدة، ضرورة أنّ المراد منها ليس ما هو معنى الجمع المحلّى من مقارفة جميع الأفراد، لعدم الإمكان، و اشتهار استعمال مثل ذلك اللفظ فيمن يصدر عنه معاصي متعددة. و لا غير موثوق به أصلا أي لم يتحقّق نوع من الوثوق به. و لا غير موثوق بدينه و أمانته بخصوصه. و مأمونا على قراءته.

و الشرط عدم العلم بالمجاهرة و لا المقارفة و لو بعد الفحص، و حصول الوثوق بما يحصل به.

و لا تنافيه رواية القصير: «إذا كان الرجل لا تعرفه يؤمّ الناس و يقرأ القرآن فلا تقرأ خلفه و اعتدّ بصلاته» «1».

لأنّ شهادة لسان حال المأمومين كافية في تعريفه و توثيقه.

و لا ما دلّ على الاكتفاء في الشاهد أو معرفة العدالة بأقلّ من ذلك؛ لعدم الملازمة.

و لا يخفى أنّ ما ذكرناه لا يقصر عن العدالة سيّما ببعض معانيها الّذي اعتبره أكثر الطبقتين الاولى و الثالثة من ظاهر الإسلام مع عدم ظهور الفسق كالأولى «2»، أو حسن الظاهر كالثانية «3». بل يزيد بعد اشتراط الفحص

الممكن. و غرضنا أنّه لا حاجة إلى تحقيق معنى العدالة و ما تعرف به في هذا المقام. و طريق الاحتياط واضح و قد أفلح من سلكه.

الرابع: طهارة المولد،

بأن لا يعلم كونه ولد الزنا، بالإجماع؛ و هو الدليل عليه.

و تدلّ عليه الصحيحتان و المرسلة المتقدّمة في الشرط الأوّل. و لا يضرّ

______________________________

(1) التهذيب 3: 275- 798، الوسائل 8: 319 أبواب صلاة الجماعة ب 12 ح 4.

(2) انظر الإشراف (مصنفات الشيخ المفيد 9): 25، و الشيخ في الاستبصار 3: 14، و الخلاف 2:

591.

(3) منهم صاحب المدارك 4: 66، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 302، و الكفاية: 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 32

اشتمالها على الجملة الخبرية؛ لأنّها فيها للحرمة لتضمّنها المجنون المحرّم إمامته إجماعا، فلا يمكن التجوّز بالمرجوحيّة الإضافيّة أو أقليّة الثواب، و عدم إمكان إرادة المرجوحيّة المطلقة لكونها عبادة، و يأتي توضيحه أيضا في مسألة المجذوم و الأبرص.

و تؤيّده صحيحة محمّد: «خمسة لا يؤمّون الناس و لا يصلّون بهم صلاة فريضة في جماعة: الأبرص، و المجذوم، و ولد الزنا، و الأعرابي حتّى يهاجر، و المحدود» «1».

و المرويان في السرائر و تفسير العيّاشي:

الأوّل: «لا ينبغي أن يؤمّ الناس ولد الزنا» «2».

و الثاني: «لا يؤمّ ولد الزنا بالناس، لم يحمله نوح في السفينة و قد حمل فيها الكلب و الخنزير» «3».

و لا بأس بإمامة من تناله الألسن، و لا ولد الشبهة، و لا مجهول الأب؛ للأصل و إن كره جماعة إمامة هؤلاء «4».

الخامس: البلوغ

، فلا تصحّ إمامة الطفل لغيره؛ للأصول المتقدّمة. إن كان غير مميّز بالاتّفاق، و إن كان مميّزا على الأظهر الأشهر، و عن صوم المنتهى نفي الخلاف عنه «5».

لأنّه لا يؤمن أن يخلّ بشي ء من الشروط أو الواجبات و إن كان ثقة، لعلمه بعدم تكليفه، و لأنّ الإمام ضامن و لا يصلح للضمان إلّا المكلّف، و لرواية إسحاق ابن عمّار المنجبر ضعفها- لو

كان- بما مرّ: «لا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم،

______________________________

(1) الفقيه 1: 247- 1105، الوسائل 8: 322 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 4.

(2) مستطرفات السرائر: 145- 17، الوسائل 8: 332 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 6. بتفاوت يسير.

(3) تفسير العياشي 2: 148- 28، مستدرك الوسائل 6: 465 أبواب صلاة الجماعة ب 13 ح 5.

(4) كما في التذكرة 1: 177، و نهاية الأحكام 2: 143، و الذكرى: 231، و المدارك: 4: 70.

(5) المنتهى 1: 324.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 33

و لا يؤمّ حتى يحتلم، فإن أمّ جازت صلاته و فسدت صلاة من خلفه» «1».

و يؤيّده اشتراط بعض الصفات الغير المعلوم تحقّقه في الصبي، و نزول مرتبته عن القيام بهذا المنصب الجليل، و عدم شرعيّة صلاته على المشهور.

خلافا للمحكي عن الخلاف و المبسوط «2»، فأجاز إمامته إذا كان مراهقا عاقلا، مدّعيا عليه الإجماع، و عن التنقيح حكاية القول به عن السيّد «3»، و اختاره في الحدائق «4»، و مال إليه الأردبيلي و السبزواري «5» بعض الميل.

للإجماع المنقول، و المطلقات، و لرواية غياث: «لا بأس بالغلام الّذي لم يبلغ الحلم أن يؤمّ القوم» «6». و طلحة: «لا بأس أن يؤذّن الغلام الّذي لم يحتلم [و] أن يؤمّ» «7».

و موثّقه سماعة: «يجوز صدقة الغلام، و عتقه، و يؤمّ الناس إذا كان له عشر سنين» «8».

و إجماعهم موهون بالمعارضة بالمثل و مصير الأكثر حتّى الشيخ في التهذيبين و النهاية و الاقتصاد إلى الخلاف «9» مع أنّه ليس بحجّة.

و المطلقات بما مرّ مقيّدة، مع أنّ المتبادر منها البالغ.

و الأخبار بالشذوذ فلا تصلح لمقابلة ما مرّ.

______________________________

(1) الفقيه 1: 258- 1169، التهذيب 3: 29- 103، الاستبصار 1: 423-

1632، الوسائل 8: 322 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 7.

(2) الخلاف 1: 553، المبسوط 1: 154.

(3) التنقيح 1: 274.

(4) الحدائق 10: 4.

(5) الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 244، السبزواري في الكفاية: 28.

(6) الكافي 3: 376 الصلاة ب 56 ح 6، الوسائل 8: 321 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 3.

(7) التهذيب 3: 29- 104، الاستبصار 1: 424- 1633، الوسائل 8: 323 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 8؛ و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(8) الفقيه 1: 358- 1571، الوسائل 8: 322 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 5.

(9) التهذيب 3: 29، الاستبصار 1: 424، النهاية: 113.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 34

مع أنّ المذكور في الأوليين الغلام الغير المحتلم، و هو لا يستلزم عدم البلوغ، لجواز حصوله بالإنبات أو السنّ. و هذا و إن كان جاريا في رواياتنا إلّا أنّها محمولة على غير البالغ إجماعا.

و أيضا المذكور فيهما نفي البأس فلعلّه عن الغلام إذ ليس عليه تكليف، و الإمامة في الثانية مطلقة فلعلّها للأطفال.

و الثالثة مخالفة للإجماع؛ إذ لم يقل أحد منّا بهذا التقدير فلا يفيد. بل و كذا عموم الأوليين؛ لتقييد المخالف بالمراهق.

و للمحكي عن القواعد و الدروس و الذكرى «1»، فأجازا إمامته في النوافل خاصّة لبعض الوجوه الاعتبارية. و عموم النصّ يدفعه.

و هل تجوز إمامته لمثله؟

جوّزه جماعة «2»، و لا بأس به.

و عن الإسكافي و فخر المحقّقين في إشكالاته «3» و ابن فهد في موجزه: أنّ غير البالغ إذا كان مستخلفا للإمام الأكبر كالولي لعهد المسلمين يكون إماما و ليس لأحد أن يتقدّمه فتجوز إمامته.

قيل: لأنّ هذا الصبي يكون بمنزلة الإمام و هو صالح للرئاسة العامّة و هو معصوم، فلأن

يكون إماما في الصلاة أولى، و كأنّ من لم يستثنه عوّل على الظهور.

انتهى.

و لا يخفى أنّه غير المتنازع فيه، فإنّ الكلام في الرعيّة، و ليس علينا التكلّم في أحكام الإمام.

السادس: الذكورة إذا كان المأموم ذكرا أو ذكرا و أنثى، فلا تجوز إمامة المرأة

______________________________

(1) القواعد 1: 45، الدروس 1: 219، الذكرى: 266.

(2) كما في الدروس 1: 219، و روض الجنان: 364.

(3) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 153، فخر المحققين في الإيضاح 1: 149.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 35

لرجل، باتفاق العلماء كما عن المعتبر «1»، بل بالإجماع المحقّق و المحكي في التذكرة و المفاتيح و شرحه و عن المنتهى و روض الجنان و الذكرى «2»، و غيرها «3»؛ و هو الدليل عليه.

مضافا إلى التأيّد بالنبوي المشهور «4» و المرتضوي المروي في الدعائم «5»- اللذين ضعفهما بالعمل مجبور-: «لا تؤمّ المرأة رجلا».

و إنّما جعلناهما مؤيّدين لاحتمال الجملة المنفية الغير الصريحة في التحريم.

قيل: مجازها إمّا نفي الجواز أو الاستحباب أو وجود الكراهة المصطلحة، و الثلاثة يستلزم الحرمة، و أمّا إرادة المرجوحية الإضافيّة أو أقليّة الثواب فهي مجاز مرجوح غير متبادر إلى الذهن أصلا، فلا معنى لحمل اللفظ عليه بدون قرينة مجوّزة لا أقلّ.

و فيه: شيوع هذا التجوّز في الأوامر و النواهي و الجملة الخبرية المستعملة في العبادات. نعم لو كانت الجملة واردة في مورد السؤال لأمكن القول ببعد هذا التجوز كما يأتي.

و أمّا إمامتها للمرأة فجائزة في النوافل الجائزة فيها الجماعة بلا خلاف أجده، بل بالإجماع كما عن جماعة «6»؛ و تدل عليه النصوص المستفيضة العامّة و الخاصّة الآتية.

و في الفرائض على المشهور كما صرّح به جماعة «7»، بل عن صريح الخلاف

______________________________

(1) المعتبر 2: 438.

(2) التذكرة 1: 177، المفاتيح 1: 160، المنتهى 1: 373، الروض: 365، الذكرى: 267.

(3) كالرياض

1: 236.

(4) سنن البيهقي 3: 90 بتفاوت يسير.

(5) الدعائم 1: 152، مستدرك الوسائل 6: 468 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 1، (بتفاوت يسير).

(6) الشيخ في الخلاف 1: 562، الشهيد الثاني في روض الجنان: 367، البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

(7) العلّامة في المختلف: 154، الشهيد الأوّل في البيان: 231، الشهيد الثاني في روض الجنان: 367.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 36

و التذكرة و ظاهر المعتبر و المنتهى الإجماع عليه «1».

للمطلقات، و المستفيضة الصريحة أو الظاهرة في خصوص المسألة:

منها: النبوي العامي: إنّه صلّى اللّه عليه و آله أمر أمّ ورقة أو تؤمّ أهل دارها و جعل لها مؤذّنا «2».

و رواية الصيقل: كيف تصلّي النساء على الجنائز إذا لم يكن معهنّ رجل؟

قال: «يقمن جميعا في صفّ واحد و لا تتقدّمهنّ امرأة» قيل: ففي صلاة مكتوبة أ يؤمّ بعضهنّ بعضا؟ قال: «نعم» «3».

و مرسلة ابن بكير: عن المرأة تؤمّ النساء؟ قال: «نعم تقوم وسطا بينهنّ و لا تتقدّمهنّ» «4».

و موثقة سماعة: عن المرأة تؤمّ النساء؟ قال: «لا بأس به» «5».

و صحيحة علي: عن المرأة تؤمّ النساء، ما حدّ رفعها صوتها بالقراءة؟ قال:

«قدر ما تسمع» «6».

و نحوها رواية ابن يقطين «7»، و المروي في قرب الإسناد و زاد فيه: عن النساء هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة و النافلة؟ قال: «لا إلّا أن تكون امرأة تؤمّ

______________________________

(1) الخلاف 1: 562، التذكرة 1: 171، المعتبر 2: 427، المنتهى 1: 368.

(2) كنز العمال 8: 306- 23044.

(3) الفقيه 1: 103- 479، الوسائل 3: 117 أبواب صلاة الجنازة ب 25 ح 2.

(4) التهذيب 3: 31- 112، الاستبصار 1: 426- 1645، الوسائل 8: 336 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 10.

(5) التهذيب 3: 31-

111، الاستبصار 1: 426- 1644، الوسائل 8: 336 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 11.

(6) الفقيه 1: 363- 1201، التهذيب 3: 267- 761، الوسائل 8: 335 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 7؛ بتفاوت يسير.

(7) التهذيب 3: 267- 760، الوسائل 6: 94 أبواب القراءة في الصلاة ب 31 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 37

النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها» «1».

خلافا للمحكي عن الإسكافي و الجعفي و السيّد «2»، فمنعوا فيها- و قد ينسب إلى الأخيرين المنع مطلقا «3»- و اختاره بعض الأجلّة كما قيل، و هو ظاهر الصدوق بل الكليني «4»، و عن المختلف نفي البأس عنه «5»، و في المدارك نوع ميل إليه «6»، و في الاستبصار احتماله «7».

و هو المختار؛ للمستفيضة من الأخبار كصحيحة هشام: عن المرأة هل تؤمّ النساء؟ فقال: «تؤمّهنّ في النافلة، فأمّا في المكتوبة فلا، و لا تتقدّمهنّ، و لكن تقوم وسطهنّ» «8».

و بمضمونها صحيحة سليمان بن خالد «9».

و رواية الحلبي: «المرأة تؤمّ النساء في الصلاة تقوم وسطا منهنّ و يقمن عن يمينها و شمالها، تؤمّهنّ في النافلة و لا تؤمّهنّ في المكتوبة» «10».

و صحيحة زرارة: المرأة تؤمّ النساء؟ قال: «لا، إلّا على الميّت إذا لم يكن أحد أولى منها» «11».

______________________________

(1) قرب الاسناد: 223- 867، الوسائل 6: 95 أبواب القراءة في الصلاة ب 31 ح 3.

(2) حكاه في المختلف: 154، عن الإسكافي و السيد، و في المفاتيح 1: 160 عن الجعفي.

(3) انظر الكفاية: 30 للمحقّق السبزواري.

(4) الصدوق في الفقيه 1: 259، الكليني في الكافي 3: 376 الصلاة ب 57.

(5) المختلف: 154.

(6) المدارك 4: 353.

(7) الاستبصار 1: 427.

(8) الفقيه 1: 259- 1176، التهذيب 3: 205- 487، الوسائل 8:

333 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 1.

(9) الكافي 3: 376 الصلاة ب 57 ح 2، التهذيب 3: 269- 768، الاستبصار 1: 426- 1646، الوسائل 8: 336 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 12.

(10) التهذيب 3: 268- 765، الاستبصار 1: 427- 1647، الوسائل 8: 336 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 9.

(11) التهذيب 3: 268- 766، الوسائل 8: 334 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 38

و المروي في الدعائم: «لا تؤمّ المرأة بالرجال و لا تصلّي بالنساء» «1».

و حملها على الكراهة فاسد؛ لعدم تعقّلها بالمعنى المصطلح في العبادة بل عدم قول بها بالمرّة، لأنّ المجوّزين يستحبّونها كلا كما صرّح به في الخلاف و المنتهى «2».

و إرادة المرجوحيّة الإضافيّة أو أقليّة الثواب في المقام بعيدة، بل هي عند الذهن السليم غير محتملة، فإنّ السؤال عن مثل ذلك غير معهود.

و جعل النافلة و المكتوبة صفة للجماعة خلاف الظاهر المتبادر بل بعيد غايته، مع أنّه في الأخيرين غير محتمل أصلا.

فهذه لما مرّ معارضة و هي من غير الأوليين منه خاصّة مطلقة سواء قلنا فيه بالإطلاق أو العموم من جهة ترك الاستفصال، فتخصيصه بها لازم. مع أنّ الثلاثة الأخيرة منه ليس بمطلق أيضا كما لا يخفى، بل و كذا السابقتين عليهما، لعدم اشتمالهما على لفظ الصلاة حتى تكون مطلقة بالنسبة إلى النافلة و الفريضة بل جوّز الإمامة و هي بالنسبة إليهما مجملة فيحكم بالمفصّلة.

و جعل الزيادة في الأخير مشعرة أو دالّة على العموم- كما قيل «3»- باطل؛ إذ لا إشعار فيها أصلا، فإنّ السؤال عن جهرهنّ في الفريضة و النافلة، و الجواب بنفيه إلّا إذا كان إماما لا يشعر بجواز الإمامة فيهما

بوجه.

و نفي أعمّية أخبار الجواز و إجمالها لظهورها في الفريضة لكونها أظهر الأفراد فتختصّ بها، مردود بأنّه إنّما هو إذا تضمّنت لفظ الصلاة حتى ينصرف إلى أظهر أفرادها و ليس كذلك.

سلّمنا، و لكن نمنع الظهور المدّعى، كيف؟! و النافلة أكثر من الفريضة.

______________________________

(1) الدعائم 1: 152 و فيه: لا تؤم المرأة الرجال و تصلّي بالنّساء .. و رواها في المستدرك 6: 468 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 1.

(2) الخلاف 1: 562 و فيه: يستحلّ للمرأة ..، و لكن بدله في الطبعة المحقّقة ج 1 ص 562:

يستحبّ ..؛ المنتهى 1: 368.

(3) الرياض 1: 236.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 39

و ممّا ذكر ظهر رفع توهّم عدم جواز هذا التخصيص لإيجابه خروج أكثر الأفراد، حيث إنّه لا يبقى إلّا النافلة المجوّزة فيها الجماعة كالعيدين و الاستسقاء و الغدير على قول. مع أنّ بطلان خروج الأكثر عن المطلق ليس بمعلوم.

ثمَّ مع تسليم الجميع غايته التعارض بالتساوي. فإن رجّحنا المانعة بالأصحيّة سندا و الأصرحيّة دلالة و المخالفة للعامة كما يأتي، و إلّا فيرجع إلى الأصول. و هي مع المنع دون الجواز؛ لمنع عموم شامل للامرأة أيضا، بل المذكور في الأخبار إمّا الرجل أو ما بمعناه أو الإمام المتوقّف صدقه على المرأة على جواز إمامتها.

و منه يظهر ضعف الاستدلال بالمطلقات.

كما أنّ منه و من سابقة يظهر الجواب عن الأوليين، فإنّ غايتهما التعارض مع دليل المنع و الرجوع إلى الأصل لعدم الترجيح أو تحقّقه للمانع.

و ترجيح المجوّز بالاعتضاد بالشهرة، و الإجماعات المنقولة، و المخالفة لأكثر العامّة، و اتّصاف المانع بالشذوذ و الندرة، و دلالته على تجويز الجماعة في مطلق النافلة و هي باطلة إلّا بالتخصيص بما تجوز فيه الجماعة و

هي نادرة غاية الندرة، باطل.

لعدم صلاحيّة الأوّلين للترجيح.

و منع الثالث، بل الأمر بالعكس، لأنّ الجواز قول الأئمّة الأربعة «1»، و نقل عن عائشة و أمّ سلمة و عطاء و الثوري و الأوزاعي و إسحاق و أبي ثور و نافع و عمر بن عبد العزيز «2»، إلّا أنّ بعضهم قال بالكراهة و هي للجواز و نفي البأس غير منافية بل المنع ينافيها؛ و لم ينقل المنع في الفرائض إلّا عن الشعبي و النخعي و قتادة «3»، فمن يتّقى عنه في طرف الجواز مع الكراهة أو بدونها.

______________________________

(1) انظر الام 1: 164، و بداية المجتهد 1: 145، و بدائع الصنائع 1: 157.

(2) كما في المغني 2: 36، و الام 1: 164.

(3) المغني 2: 36.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 40

و منع الرابع جدّا، كيف؟! مع أنّ مثل الفحول المذكورين إمّا يفتون بمقتضاها أو يجوّزون الفتوى به، و مثل ذلك بعيد عن حيّز الشذوذ بمراحل عديدة، بل لا نعلم من القدماء في الطرف الآخر أكثر منهم.

و لزوم الخامس لو كان الأخبار منساقة لبيان ما تجوز فيه الجماعة من النافلة، و ليس كذلك، بل هي شارحة لمن يصلح للإمامة، فلا حكم فيها لإطلاق النافلة.

هذا كلّه مع ما في النبوي من الضعف لأجل العامية- و الانجبار بالعمل لا يفيد إلّا في أخبارنا المروية- و كونه قضيّة في واقعة فلا يعلم شموله للفريضة و لعلّها كانت في صلاة العيد. و جعل المؤذّن لها لا يفيد؛ لأنّ الأذان لغة الإعلام، و ثبوت الحقيقة الشرعية في هذا الوقت غير معلوم، فلعلّ المراد به ما يؤذن به لصلاة العيد من قول المؤذّن: «الصلاة» ألا ترى أنّه ورد في الأحاديث و كلمات الفقهاء أنّ المؤذّن

يقول: «الصلاة» ثلاثا «1»، و أنّ المؤذّنين يمشون بين يدي الإمام في الاستسقاء «2».

بل يمكن منع العموم أو الإطلاق في رواية الصيقل أيضا؛ لاحتمال كون إضافة الصلاة إلى المكتوبة للعهد و إرادة صلاة الجنازة بقرينة تقدّم السؤال عنها، حيث إنّه عليه السلام لمّا أجاب بما يظهر منه جواز إمامة النساء في الجنائز مع أنّها صلاة مكتوبة أي واجبة استدرك السائل و قال: أ في هذه الصلاة الواجبة؟

السابع: تمكّنه من القيام في الصلاة إن كان المأمومون قائمين

، فلا تجوز إمامة القاعد للقائم، إجماعا محقّقا و محكيّا عن الخلاف و السرائر و التذكرة و ظاهر المنتهى و صريح الحدائق «3»؛ و هو الدليل عليه.

و تؤيّده مرسلة الفقيه: «صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بأصحابه

______________________________

(1) الوسائل 71: 428 أبواب صلاة العيد ب 7.

(2) الوسائل 8: 5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1.

(3) حكاه عنهم في الرياض 1: 235 و هو في الخلاف 1: 544، و انظر السرائر 1: 281، التذكرة 1: 177، المنتهى 1: 371، الحدائق 11: 193.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 41

جالسا، فلمّا فرغ قال: لا يؤمّن أحدكم بعدي جالسا» «1».

و احتمالها الجملة المنفية يمنع عن الاستدلال به. و لعلّه لذلك و عدم اعتبار الإجماع يظهر من الشيخ الحرّ في الوسائل الكراهة «2». و هو غير جيّد.

و إطلاق المرسلة- لو تمّت دلالتها- و إن اقتضى المنع عن إمامة القاعد بمثله أيضا، إلّا أنّه قد عرفت عدم تماميّتها. مع أنّ منهم من ادّعى الإجماع على التقييد بما إذا أمّ قائما، و يدل عليه ما ورد في جماعة العراة من صحيح الروايات المعمول به بين الأصحاب «3».

الثامن: عدم كونه أمّيا

، أي من لا يحسن قراءة الحمد أو السورة أو أبعاضهما و لو حرفا أو تشديدا أو صفة، و لا مؤوف اللسان كالألثغ بالمثلّثة [1]، و الأليغ بالمثناة التحتانية [2]، و الأرتّ [3]، و التمتام و الفأفاء، بأحد تفسيريهما [4]، إذا أمّ القارئ و السليم.

و هو في الأوّل مع إمكان التصحيح و التقصير ظاهر؛ لبطلان صلاته. و كذا فيهما مع إمكان المتابعة للقارئ أو الايتمام و القول بوجوبه عليهما لعدم جواز صلاته فرادى فكيف بالإمامة.

و أمّا بدون الأمرين فقد يستدلّ له تارة بالإجماع المنقول

عن الذكرى «4».

و اخرى بالمروي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «يتقدّم القوم أقرؤهم» «5».

______________________________

[1] اللّثغة في اللسان هو أن يصيّر الراء لاما.

[2] الليغ: أن لا يبيّن الكلام.

[3] الرتّة: حبسة في لسان الرجل.

[4] و هو: من يبدّل التاء و الفاء بغيرهما، كما قال في الحدائق 11: 195. و التفسير الآخر هو: من يتردّد في التاء و الفاء. انظر فقه اللغة للثعالبي: 106.

______________________________

(1) الفقيه 1: 249- 1119، الوسائل 8: 345 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 1.

(2) الوسائل 8: 345 أبواب صلاة الجماعة ب 25 عنوان الباب.

(3) الوسائل 4: 450 أبواب لباس المصلّي ب 51.

(4) الذكرى: 268.

(5) الكافي 3: 376 الصلاة ب 56 ح 5، التهذيب 3: 31- 113، الوسائل 8: 351 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 42

و ثالثة بإخلاله بالقراءة فتكون صلاته عنها خالية، و لا صلاة إلّا بالفاتحة، فكيف يضمن قراءة المأموم، مع أنّ الأصل عدم سقوطها.

و رابعة بعدم تبادر مثله، و لا معهوديّته من الشريعة.

و الأوّل إن ثبت فهو، و إلّا فمنقولة ليس بحجّة.

و الثاني قاصر في الدلالة بوجوه كثيرة.

و الثالث مردود بعدم إخلاله بما يجب عليه من القراءة، و ما قرأه هو في حقّه الفاتحة، فلا تكون صلاته عنها خالية. و لو سلّم فتوقّف الضمان على الأزيد من ذلك في شأنه ممنوع، و الأصل بالعمومات و المطلقات مدفوع.

و الرابع بمنع تبادر الغير أيضا، و عدم المعهودية غير مسلّمة، كيف؟! مع أنّ صلاة الجماعة بين الصحابة و التابعين و أصحاب الأئمّة و أهل أعصارهم كانت في غاية الشيوع و لا نعلم حال جميع أئمّتهم. و لو كان الأمر كما قالوه فكيف يجوّزونها للمثل كما

صرّح به الأكثر «1»؟. و بالجملة لو لم يثبت الإجماع لكان القول بالجواز متّجها.

و منه يظهر الجواز في اللاحن الغير المقصّر مطلقا كما عن الشيخ «2»، أو إذا لم يغيّر اللحن المعنى كما عن الحلّي بطريق أولى «3»، و كذا في التمتام و ألفا فاء بالتفسير الآخر و هو من لا يحسن تأدية التاء و الفاء إلّا بترديدهما مرّتين فصاعدا، كما صرّح غير واحد بجواز إمامتهما أيضا «4»، نعم كرهها بعض الأصحاب «5» و لا بأس به.

______________________________

(1) منهم الحلي في السرائر 1: 281، و المحقق في المعتبر 2: 438، و العلّامة في التذكرة 1: 178، و الشهيد في الذكرى: 268.

(2) المبسوط 1: 153.

(3) السرائر 1: 281.

(4) منهم المحقّق في المعتبر 2: 438، و العلامة في المنتهى 1: 372.

(5) كالعلّامة في نهاية الاحكام 2: 149.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 43

المقام الثاني: في الشروط المستحبّة للإمام، و هي أيضا أمور:
منها: أن لا يكون أجذم و لا أبرص

؛ إذ تكره إمامتها.

أمّا مرجوحيّتها فممّا لا خلاف فيه أعرفه، بل عن الانتصار و الخلاف الإجماع عليها «1»، و هو الحجّة فيها، لكفايته في مثلها سيّما مع انضمامها بالشهرة المحقّقة المعلومة، مضافا إلى الصحيحتين و المرسلة المتقدّمة في صدر المقام الأوّل «2».

و أمّا الجواز- كما هو الأظهر الأشهر سيّما بين من تأخّر- فللأصل الخالي عن معارضة ما يصلح حجّة للمنع؛ إذ ليس إلّا ما مرّ و هي عن الدال على التحريم خالية، لكونها متضمّنة للجملة الخبريّة أو مالها محتملة.

و اشتمالها على من تحرم إمامته إجماعا، فيكون المراد من الجملة التحريم، لئلّا يستعمل اللفظ في المجازين أو الحقيقة و المجاز على القول بإفادة الجملة الخبريّة للتحريم، غير مفيد؛ إذ الحمل على مطلق المرجوحيّة ممكن و هو من باب عموم المجاز الشائع.

إلّا أن يقال بأنّ المرجوحيّة

المتصوّرة هنا هي الإضافية و بمعنى أقلّية الثواب، و ليس قدر مشترك بينها و بين الحرمة، فيتعيّن حمل الجملة فيها على الحرمة لا غيرها، و تكون عليها حجّة.

إلّا أنّها معارضة مع ما دلّ على الجواز، كرواية عبد اللّه بن يزيد: عن

______________________________

(1) الانتصار: 50، الخلاف 1: 561.

(2) راجع ص 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 44

المجذوم و الأبرص يؤمّان المسلمين؟ فقال: «نعم» «1».

و نحوها المروي في محاسن البرقي «2».

و ضعفهما سندا غير ضائر؛ لانجبارهما بالشهرة المحكية و لو كانت من المتأخّرين. مع أنّ الأولى نفسها عندنا حجة.

و بعد تعارضهما إمّا يرجع إلى التخيير المثبت للجواز، أو التساقط الموجب للرجوع إلى مجوّزات إمامتهما من إطلاقات الكتاب و السنّة بل مرغّباتها، فتكون مستحبة، إلّا أنّه يحكم بالمرجوحيّة الإضافيّة للإجماع المتقدّم.

خلافا فيه للمحكي عن الجمل و المصباح للسيّد «3»، و غير التهذيبين للشيخ «4»، و الحلبي و ابني حمزة و زهرة «5»، بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه، فنفوا الجواز بل حرّموها.

للأخبار المذكورة إمّا بالتقريب الّذي ذكرنا، أو بجعل الجمل الخبرية مفيدة للحرمة، مع ردّ المعارض بالضعف في السند و عدم معلوميّة الجابر له، إذ ليس سوى شهرة متأخّرة، و كونها صالحة للجبران سيّما مع معارضتها لشهرة القدماء و الإجماعات المحكيّة غير معلوم. و أمّا دعوى الانتصار الإجماع على الكراهة «6»، فاحتمال الحرمة منها ممكن بل فيه ما تظهر منه إرادتها.

و هو حسن عند من يلاحظ السند في أخبار الكتب المعتبرة.

______________________________

(1) التهذيب 3: 27- 93، الاستبصار 1: 422- 1627، الوسائل 8: 323 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 1.

(2) المحاسن: 326- 76، الوسائل 8: 324 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 4.

(3) جمل العلم و العمل (رسائل

الشريف المرتضى 3): 39، و حكاه عن المصباح في المعتبر 2: 442.

(4) الخلاف 1: 561، المبسوط 1: 155، النهاية: 112، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 191، الاقتصاد: 269.

(5) الحلبي في الكافي: 143، قال ابن حمزة في الوسيلة: 105: تكره إمامة .. المجذوم و الأبرص؛ ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية) 560.

(6) الانتصار: 50.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 45

و للمحكي عن المقنعة و الحلّي، فمنعا عن إمامتهما في الجماعة الواجبة خاصة «1».

و لبعض آخر، فمنع عنها للأصحّاء «2».

و لا أعرف مستندهما، إلّا أن يستند في الثاني إلى تبادر ذلك من أدلّة المنع.

و لا بأس به.

و منها: أن لا يكون محدودا بعد توبته.

أمّا مرجوحيّة إمامته فللأخبار المتقدّمة في الشرط الأوّل الواجب بالتقريب المذكور في المجذوم و المبروص، و الإجماع.

و أمّا جوازها فللأصل، و عموم نحو: «يؤمّكم أقرؤكم» «3» و مفهوم بعض الأخبار المصرّحة بأنّ خمسة لا يؤمّون «4» و ليس منهم المحدود، و كونه أحسن حالا من الكافر بعد إسلامه فيدلّ على الجواز هنا بالأولويّة.

خلافا للمحكي عن السيّد و الحلبي و ابن زهرة و ظاهر الشيخ «5»، بل عليه الإجماع عن الأخيرين، فحرّموها لتلك الأخبار «6»، لدلالتها على الحرمة إمّا بنفسها أو بالتقريب الّذي ذكرناه.

و هو قويّ، و الأصل و العموم مدفوع و مخصّص بما مرّ، و المفهوم عددي لا حجيّة فيه، و الأولويّة ممنوعة سيّما مع أنّهم لا يقولون بها لعدم قولهم بالكراهة ظاهرا في الكافر و القول بها في المحدود.

______________________________

(1) المقنعة: 163، الحلّي في السرائر 1: 280.

(2) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 560.

(3) الفقيه 1: 185- 880، الوسائل 5: 410 أبواب الأذان و الإقامة ب 16 ح 3 و أيضا 8: 351 أبواب صلاة الجماعة ب 28، كنز العمّال

7: 587.

(4) الوسائل 8: 321 أبواب صلاة الجماعة ب 14.

(5) السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 39، و الحلبي في الكافي: 144، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 560، الشيخ في النهاية: 112.

(6) و هي الأخبار التي تقدمت في ص 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 46

و منها: الأغلف الغير المقصّر في تأخير الختان

؛ للإجماع على مرجوحيّته، و الأخبار القاصرة عن إفادة الحرمة إمّا دلالة أو سندا «1».

إلّا أنّ بعض رواياته معتبرة و التقريب المتقدّم فيها جار، فالقول بالحرمة كما عن بعض القدماء قوي «2».

و لا تبطل صلاته؛ للأصل، و الاتّفاق إلّا عن شاذّ «3».

و منها: أن لا يكون ممّن يكرهه المأمومون
اشارة

على الأظهر الأشهر؛ لمرسلة الفقيه: «ثمانية لا يقبل اللّه لهم صلاة» إلى أن قال: «و إمام قوم صلّى بهم و هم له كارهون» «4».

و رواية الحسين بن زيد في حديث المناهي قال: «و نهى أن يؤمّ الرجل قوما إلّا بإذنهم و هم به راضون» «5».

و المروي في الخصال: «أربعة لا تقبل لهم صلاة» إلى أن قال: «و الرجل يؤمّ القوم و هم له كارهون» «6».

و في الأمالي: «ثلاثة لا تقبل لهم صلاة» إلى أن قال: «و رجل أمّ قوما و هم له كارهون» «7».

و عن المنتهى نفي الكراهة «8»؛ لوجه اعتباري لا اعتبار له في مقابلة النصّ.

و عن التذكرة التفصيل بعدم الكراهة إن كان كراهة المأمومين لتديّنه و تصلّبه

______________________________

(1) انظر: الوسائل 8: 320 أبواب صلاة الجماعة ب 13. و أيضا: ب 14 ح 6.

(2) كالسيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 39، و الحلبي في الكافي: 144.

(3) قال الشهيد الثاني في روض الجنان: 368: و لو قدر و أهمل فهو فاسق، و لا تصحّ صلاته بدونه و ان كان منفردا.

(4) الفقيه 1: 36- 131، الوسائل 8: 348 أبواب صلاة الجماعة ب 27 ح 1.

(5) الفقيه 4: 9- 1، الوسائل 8: 349 من صلاة الجماعة ب 27 ح 2؛ بتفاوت يسير.

(6) الخصال: 242- 94، الوسائل 8: 349 أبواب صلاة الجماعة ب 27 ح 3.

(7) أمالي الطوسي: 196، الوسائل 8: 350 أبواب

صلاة الجماعة ب 27 ح 6.

(8) المنتهى 1: 374.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 47

في الدين، و الكراهة إن كان لغير ذلك «1».

و هو حسن؛ لأنّ المتبادر الظاهر من الأخبار الثاني، فتختصّ الكراهة بمن لم يكن للمأمومين فيه مزيد اعتقاد و يرجّحون غيره عليه و يريدون الايتمام بغيره، و هو مع ذلك يحملهم على الايتمام به و يمنعهم من غيره.

و هاهنا ثلاث مسائل ينبغي الإشارة إليها.
المسألة الأولى: قد صرّح الأصحاب بأنّ صاحب المسجد- أي الراتب فيه- و صاحب المنزل مع اجتماع شرائط الإمامة فيه، أولى
اشارة

بالإمامة فيه من غيره مطلقا و لو كان غيره أفضل، و نفى بعضهم خلاف الأصحاب فيه «2»، و في المنتهى: إنّه لا نعرف فيه خلافا «3».

و يدل على الأوّل: الرضوي، و فيه: «صاحب المسجد أحقّ بمسجده» «4».

و في موضع آخر منه: «أولى الناس بالتقدّم في الجماعة أقرؤهم» إلى أن قال:

«و صاحب المسجد أولى بمسجده» «5».

و الدعائمي: «يؤمّكم أكثركم نورا، و النور القرآن، و كلّ أهل مسجد أحقّ بالصلاة في مسجدهم، إلّا أن يكون أمير حضر فإنّه أحقّ بالإمامة من أهل المسجد» «6».

و فيه أيضا: «صاحب المسجد أحقّ بمسجده» «7».

ثمَّ إنّ ضعفها بالشهرة منجبر، مع أنّه في مقام المسامحة غير ضائر.

إلّا أنّ في استفادة الراتب من لفظ الصاحب نظرا، لاحتمال أن يكون

______________________________

(1) التذكرة 1: 179.

(2) كصاحب الحدائق 11: 198.

(3) المنتهى 1: 374.

(4) فقه الرضا عليه السلام: 124، مستدرك الوسائل 6: 475 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 5.

(5) فقه الرضا عليه السلام: 143، مستدرك الوسائل 6: 475 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 4.

(6) الدعائم 1: 152، مستدرك الوسائل 6: 474 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 1.

(7) الدعائم 1: 152، مستدرك الوسائل 6: 475 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 48

المراد: المالك- إذ لا يلزم كون كلّ

مسجد وقفا- أو الواقف. نعم، الظاهر صدق أهل المسجد- الوارد في الدعائمي- على راتبة، فيتمّ الاستناد إليه.

و على الثاني: رواية الحذّاء الواردة في الأولى بالتقديم في الجماعة، و فيها:

«و لا يتقدّمنّ أحدكم الرجل في منزله» «1».

و ذكروا أيضا أنّ الهاشمي الجامع لشرائط جماعة الصلاة أولى من غيره.

و هو كذلك؛ لفتوى العظماء، و لأنّ فيه إكرام ذريّة النبي صلّى اللّه عليه و آله، و لما روي من قوله عليه السلام: «قدّموا قريشا و لا تتقدّموهم» [1].

و تحمّل ذلك المقام للمسامحة يجبر ما في هذه الوجوه من الضعف.

و أولويّته- كما صرّح به بعضهم «2»- إنّما هي بالنسبة إلى غير راتب المسجد و صاحب المنزل، و أمّا هما فيقدّمان عليه لأخصّية دليلهما.

و أيضا الأولى تقديم الأقرأ للقرآن أي الأكثر قراءة و أفصحها و الأكثر إتقانا للحروف و أحسن إخراجا لها من مخارجها، لا الأعرف بالأصول و القواعد المقرّرة عند القرّاء.

و الأكبر سنّا و أعلمهم بالسنّة و أفقههم في الدين؛ لرواية الحذّاء الواردة في صلاة الجماعة: «يتقدّم القوم أقرؤهم للقرآن، فإن كانوا في القراءة سواء فأقدمهم في الهجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنّا، فإن كانوا في السنّ سواء فأعلمهم بالسنّة و أفقههم في الدين، و لا يتقدّمنّ أحدكم الرجل في منزله و لا صاحب سلطان في سلطانه».

و مقتضى هذه الرواية تقديم صاحب المنزل على الثلاثة؛ لأنّه المتبادر من الأمر بتقديمه بعد ذكر الثلاثة، و قد عرفت تقديمه على الهاشمي أيضا. و لا يجتمع

______________________________

[1] رواها الشهيد في الذكرى: 270 عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، و صرّح بأنّها مرسلة أو مسندة بطريق غير معلوم، و نقلها السيوطي في الجامع الصغير 2: 253- 6108.

______________________________

(1) الكافي 3: 376 الصلاة

ب 56 ح 5، التهذيب 3: 31- 113، الوسائل 8: 351 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 1.

(2) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 45.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 49

مع راتب المسجد، لاختلاف المحلّ، فهو مقدّم على الجميع ثمَّ الثلاثة.

نعم يشكل الترجيح بين الراتب و أحد الثلاثة، و الظاهر عدم الترجيح لتعارض روايتهما.

و أمّا الثلاثة فمقتضى الرواية تقديم الأقرأ ثمَّ الأسنّ ثمَّ الأفقه، إلّا أنّه قد ورد في الرضوي «1» و الدعائمي «2» تقديم الأقرأ ثمَّ الأفقه ثمَّ الأسنّ، فتتعارض الروايات حينئذ في الأفقه و الأسنّ، و لا يبعد ترجيح الروايتين الأخيرتين فيقدّم الأفقه، إذ توافقان الاعتبارات العقلية و العمومات القرآنية و الخبرية، كقوله عزّ شأنه هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ «3». و النبوي: «من صلّى خلف عالم فكأنّما صلّى خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» «4» إلى غير ذلك.

و لأجل أمثال ذلك قد ذهب جمع من المتأخّرين، كصاحبي المدارك و الذخيرة و المحدّثين الكاشاني و العاملي «5»، تبعا للفاضل- قدّس سرّه- في المختلف [1]، إلى تقديم الأفقه على الأقرأ أيضا.

إلّا أنّ الروايات المذكورة متّفقة طرّأ على خلافه، و هي أخصّ مطلقا ممّا مرّ، و مع ذلك على مدلولها الشهرة القديمة و الجديدة، بل عليه الإجماع في كلمات طائفة

______________________________

[1] الظاهر من عبارة المختلف: 155 تقديم الأقرأ على الأفقه، كما صرّح به صاحب مفتاح الكرامة 3: 478.

______________________________

(1) المتقدم في ص: 47.

(2) المتقدم في ص 47.

(3) الزمر: 12.

(4) رواها الشهيد- مرسلا- في الذكرى: 265، و روى عنه في الوسائل 8: 348 أبواب صلاة الجماعة ب 26 ح 5، و رواها عن لبّ اللباب في المستدرك 6: 473 أبواب صلاة الجماعة ب

23 ح 8 (بتفاوت يسير).

(5) المدارك 4: 359، الذخيرة: 391، الكاشاني في المفاتيح 1: 164، و أما العاملي فقال في عنوان الباب 26 من صلاة الجماعة: استحباب تقديم الأفضل الأعلم الأفقه، و لكنه اختار في الباب 28 تقديم الأقرأ على الأفقه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 50

من الأصحاب «1»، فالعمل عليها لازم.

مع أنّ في دلالة كثير ممّا ذكروه نظرا ظاهرا، كقبح تقديم المفضول؛ فإنّه لو سلّم فلا نسلّم في مثل ذلك، إذ يمكن أن يكون الأقرأ أفضل في الإمامة من الأفقه بعد تساويهما في فقه ما يلزم من أحكام الصلاة كما هو المفروض.

و نحو قولهم عليهم السلام: «من أمّ قوما و فيهم من هو أعلم منهم لم يزل أمرهم إلى سفال إلى يوم القيامة» «2».

إذ ظاهره أنّ المراد إمام الدين لا الصلاة و لا أقلّ من الاحتمال، و صدقه لغة عليه غير معلوم، كما مرّ في بحث صلاة الجمعة.

و نحو ما مرّ في كراهة إمامة العبد من نفي البأس إذا لم يكن أفقه منه. و لا شكّ أنّه أخصّ من المدّعى.

و نحو قوله: «أئمتكم وفدكم فانظروا من توفدون في دينكم و صلاتكم» «3».

فإنّه لم يعيّن الوافد فلعلّه الأقرأ.

إلى غير ذلك ممّا ذكره بعض المتأخّرين و يظهر ما في الجميع ممّا ذكرنا، هذا.

و يستفاد من الرواية المتقدّمة تقديم صاحب السلطان في سلطانه أيضا. و لا يبعد شموله لكلّ من له إنفاذ الأحكام الشرعيّة و الرئاسة الدينيّة في محلّ، لصدق السلطنة اللغوية.

فروع:
أ: لا يخفى أنّ مرجع هذه الأدلّة إلى الاستحباب

و الأفضليّة، فهل متعلّق ذلك الاستحباب هو الإمام الراجح بمعنى أنّه يستحبّ له التقدّم لو لا المانع، أو غيره من الأئمّة بمعنى أنّه يستحبّ له تقديم الراجح، أو المأمومون بمعنى أنّه

______________________________

(1) انظر الغنية (الجوامع

الفقهية): 560، و المنتهى 1: 375، و الرياض 1: 237.

(2) الفقيه 1: 247- 1102، التهذيب 3: 56- 194، الوسائل 8: 346 أبواب صلاة الجماعة ب 26 ح 1.

(3) قرب الاسناد: 77- 250، الوسائل 8: 347 أبواب صلاة الجماعة ب 26 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 51

يستحبّ لهم الايتمام بالراجح، أو الجميع؟

الظاهر أنّه الإمام الراجح و غيره من الأئمّة، فيستحبّ له التقدّم و يستحبّ لهم تقديمه. و أمّا المأمومون فلا يستحبّ شي ء لهم إلّا من قبل الأمر بالمعروف.

و يظهر من بعض متأخّري المتأخّرين أنّ الخطاب متوجّه إلى غير الإمام الراجح فيستحبّ للغير تقديمه.

و لا يخفى ما فيه؛ فإنّ ما يتضمّن قوله: «أهل المسجد أحقّ» يشمل ذلك الإمام أيضا، بل قوله: «يتقدّم أقرؤهم» خطاب إليه خاصة، نعم يستلزم ذلك خطاب غيره من الأئمة أيضا.

ب: هل الأفضل للراجح تقدّمه من غير أن يأذن لغيره

، و لغيره تقديم الراجح و لو أذن له الراجح، أو ينتفي الرجحان و الأولوية بإذن الأولى؟

الظاهر: الأوّل؛ لإطلاق الأخبار. مع أنّ التقدّم على صاحب المنزل بدون إذنه صريحا أو فحوى غير جائز مبطل للصلاة، فما ذكروه من الاستحباب فيه لا بدّ و أن يكون مع إذنه.

ج: أولوية تقديم من ذكر إنّما هي في صورة حضوره

، أمّا الثلاثة الأخيرة فلأنّه مورد الرواية إذ صدرها هكذا: عن القوم من أصحابنا يجتمعون فتحضر الصلاة.

و أمّا الراتب فلأنّ دليل تقديمه و إن كان مطلقا إلّا أنّه ورد في بعض الروايات الآتية في مسألة استحباب قيام المأمومين عند قول المؤذّن: «قد قامت الصلاة» ما يعارض ذلك «1».

د: إذا حضر الراجح فهل المستحب لغيره من الأئمة تقديمه

و الايتمام به، أو عدم التقدّم عليه، حتّى لو تقدّم غير الراجح لطائفة أخرى و لم يتقدّم على الراجح و لم يتأخّر عنه ترك الأفضل أم لا؟

______________________________

(1) الوسائل 5: 450 أبواب الأذان و الإقامة ب 41 و ج 8: 379 أبواب صلاة الجماعة ب 42.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 52

ظاهر الأخبار: الأوّل.

المسألة الثانية: إذا تشاحّ الأئمة

فأراد كلّ تقديم الآخر أو تقدّم نفسه على وجه لا ينافي العدالة يقدّم منهم الأولى بتقديمه على الترتيب المتقدّم؛ لإطلاق أخباره بالنسبة إلى صورة التشاحّ و غيرها.

و قد ذكر جماعة «1» أنّ مراعاة ذلك الترتيب إنّما هي في صورة اختلاف المأمومين، و أمّا في صورة اتفاقهم على واحد فيقدّم مختارهم، استنادا إلى ما مرّ من كراهة إمامة شخص لقوم و هم له كارهون. و هو جيّد.

و يستفاد من الرضوي «2» تقديم الأصبح وجها على غيره أيضا مع التساوي في المرجّحات المذكورة. و لا بأس به.

الثالثة: قد استفاضت الروايات بل تواترت معنى على استحباب الاقتداء بالمخالفين

بل وجوبه إذا اقتضته التقيّة، على أحد الوجهين:

أحدهما: أن يصلّي في منزله لنفسه و يخرج إلى الصلاة معهم، كما في رواية عمر بن يزيد: «ما منكم أحد يصلّي صلاة فريضة في وقتها ثمَّ يصلّي معهم صلاة تقيّة و هو متوضّئ لها إلّا كتب اللّه تعالى له بها خمسا و عشرين درجة» «3».

و قريبة منها رواية ابن سنان «4».

و رواية الأرجاني: «من صلّى في منزله ثمَّ أتى مسجدا من مساجدهم يصلّي معهم خرج بحسناتهم» «5».

______________________________

(1) منهم المحقق في الشرائع 1: 125، و العلّامة في النهاية 2: 152، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 366.

(2) المتقدم في ص 47 الرقم (5).

(3) الفقيه 1: 250- 1125، الوسائل 8: 302 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 1.

(4) الفقيه 1: 265- 1210، الوسائل 8: 302 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 2.

(5) الكافي 3: 380 الصلاة ب 60 ح 8، الفقيه 1: 265- 1209، التهذيب 3: 270- 778 بتفاوت يسير، الوسائل 8: 304 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 53

و كذا روايات نشيط بن صالح «1» و ناصح

«2»، و الحضرمي «3» و أبي الربيع «4»، و غير ذلك.

الثاني: أن يصلّي معهم ابتداء صلاة منفردة يؤذّن و يقيم و يقرأ لنفسه مع الإمكان.

و لا شك في الاجتزاء بتلك الصلاة مع الضرورة، و بدونها إذا تمكّن من الإتيان بجميع الواجبات بنفسه، و كذا مع عدم التمكّن إذا لم تكن له مندوحة عن تلك الصلاة و لم يمكنه الصلاة منفردا، كالمصاحب في سفر مع جماعة المخالفين.

و إنّما الإشكال فيما إذا لم يتمكّن من الواجبات بأسرها و كانت له مندوحة من الصلاة معهم، أو لم تكن و لكن أمكن له الانفراد أيضا قبلها أو بعدها.

و الظاهر الاجتزاء أيضا؛ لصحيحة أبي بصير «5»، و روايات البزنطي «6»، و أحمد بن عائذ «7»، و ابن أسباط «8»، و ابن عذافر «9»، و إسحاق بن عمّار «10»، و غيرها.

و لكن الظاهر أنّ ذلك إنّما هو فيما كان لذلك جهة رجحان، و لا أقلّ من أن

______________________________

(1) التهذيب 3: 273- 789، الوسائل 8: 303 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 6.

(2) التهذيب 3: 270- 775، الوسائل 8: 304 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 7.

(3) التهذيب 3: 246- 671، الوسائل 7: 350 أبواب صلاة الجماعة ب 29 ح 3.

(4) التهذيب 3: 33- 120، الوسائل 8: 303 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 5.

(5) التهذيب 3: 275- 801، الوسائل 8: 367 أبواب صلاة الجماعة ب 34 ح 1.

(6) التهذيب 3: 37- 132، الاستبصار 1: 431- 1665، الوسائل 8: 365 أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 6.

(7) التهذيب 3: 37- 131، الاستبصار 1: 431- 1664.

(8) التهذيب 3: 36- 130، الاستبصار 1: 430- 1659، الوسائل 8: 364 أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 5.

(9)

التهذيب 2: 296- 1194، علل الشرائع: 340- 2، الوسائل 8: 363 أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 3.

(10) التهذيب 3: 38- 133، الاستبصار 1: 431- 1666، الوسائل 8: 368 أبواب صلاة الجماعة ب 34 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 54

يكون في ولاية المخالف، أو موجبا لتأليف قلوبهم أو لرفع التهمة عن نفسه فيما تترتب عليهما فائدة، كما هو مورد تلك الأخبار، فلا يجزي في غير ذلك.

فلا يجوز الاجتزاء و ترك الواجب فيما إذا وجد مخالف ذليل في بلاد الشيعة، فاقتدى به شيعي لا مخالطة بينهما و لا يريد رفع تهمة عن نفسه، لأنّ مثل ذلك غير مورد تلك الأخبار.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 55

البحث الثاني: في سائر شرائط الجماعة و لوازمها. و هي أيضا إمّا واجبة أو مستحبة، فهاهنا أيضا مقامان.
المقام الأوّل: في سائر الشرائط الواجبة للجماعة و لوازمها، و هي أمور:
منها: عدم وجود حائل أو جدار بين الإمام و المأموم
اشارة

، فلا تصحّ صلاة المأموم مع وجود الحائل، بالإجماع المصرّح به في كلمات جمع من الأواخر و الأوائل.

لصحيحة زرارة المرويّة في الكافي و الفقيه: «إن صلّى قوم و بينهم و بين الإمام ما لا يتخطّى فليس ذلك الإمام لهم إمام، و أيّ صفّ كان أهله يصلّون بصلاة إمام و بينهم و بين الصفّ الّذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّى فليس ذلك لهم بصلاة، فإن كان بينهم ستر أو جدار فليس تلك لهم بصلاة إلّا من كان بحيال الباب» قال: «و هذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس، و إنّما أحدثها الجبّارون، و ليست لمن صلّى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة» قال أبو جعفر عليه السلام: «ينبغي أن تكون الصفوف تامّة متواصلة بعضها إلى بعض لا يكون بين الصفين ما لا يتخطّى، و يكون قدر ذلك مسقط جسد الإنسان» «1».

و زاد في الفقيه: «.. إذا سجد. قال، و قال: أيّما امرأة صلّت خلف إمام

و بينها و بينه ما لا يتخطّى فليس لها تلك بصلاة».

ثمَّ المتبادر من الستر و الجدار ما كان جسما- كما صرّح به جماعة «2»- فلا ضير في حيلولة الظلمة و امتناع المشاهدة بالعمى، إذ لم يتعلّق الحكم بعدم المشاهدة.

و اللازم في المانع صدق الساتر أو الجدار، فلا بأس بغيره، و منه: الثوب

______________________________

(1) الكافي 3: 385 الصلاة ب 62 ح 4، الفقيه 1: 253- 1143، 1144، الوسائل 8: 407 أبواب صلاة الجماعة ب 59 ح 1، و ص 410 ب 62 ح 1 و 2.

(2) كالشهيد الثاني في الروضة 1: 380، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 277، و السبزواري في الذخيرة: 393، و البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 56

الرقيق الحاكي للّون بل الشبح، لعدم صدق الستر.

و أيضا منه: الشبابيك المانعة عن الاستطراق دون المشاهدة.

خلافا للمحكي عن الشيخ في بعض كتبه «1»، فقال بعدم جواز الصلاة وراءها، مستدلا عليه بالإجماع و الصحيحة المذكورة.

و الإجماع ممنوع سيّما مع أنّ الأكثر على خلافه.

و الصحيح غير دالّ؛ لأنّ موضع دلالتها إمّا النهي عن الصلاة خلف المقاصير، أو نفي الصلاة مع توسّط ما لا يتخطّى.

و يضعّف الأوّل: بمنع كون المقاصير مشبّكة، كما يستفاد من ذكر حكم المقاصير بعد اشتراط عدم حيلولة الستر و الجدار.

و الثاني: بأنّ المراد بما لا يتخطّى في الصحيحة ما كان كذلك بحسب البعد لا باعتبار الحائل، و لا أقلّ من الاحتمال المانع من الاستدلال. و ليس من باب الإطلاق أو العموم حتّى يكتفي به، كما يجي ء بيانه.

و يمكن أن يكون مراده من الشبابيك ما يمنع من المشاهدة، حيث إنّها في اللغة بمعنى ما يعمل من القصب و نحوه على نحو

عمل الحصر و البواري، من تشبيك القصبان و نحوها بعضها في بعض، سواء منعت المشاهدة أم لا، فيحمل كلامه على الأوّل كما هو صريح المبسوط «2». مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 8    57     منها: عدم وجود حائل أو جدار بين الإمام و المأموم ..... ص : 55

َّ المصرّح به في كلام جماعة «3» انتفاء البأس عن الحائل القصير الّذي لا يمنع المشاهدة في جميع الأحوال و إن كان مانعا في بعضها، كالمانع حال الجلوس دون القيام أو بالعكس.

و لا يخفى أنّ مقتضى إطلاق قوله: «فإن كان بينهم ستر» إلى آخره مانعيّة الستر بينهم مطلقا سواء كان في تمام الصلاة أو في بعضها، و التخصيص بالمستمرّ

______________________________

(1) الخلاف 1: 557.

(2) المبسوط 1: 156.

(3) منهم الشهيد في البيان: 236، و السبزواري في الذخيرة: 394، و صاحب الحدائق 11: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 57

في تمام الصلاة لا وجه له. و مقتضاه بطلان الصلاة بوجود الساتر في بعض الأحوال، فهو الأجود.

نعم، يشترط في مانعيّته ستره لجميع أجزاء الإمام، فلو لم يستر بعضه بحيث يصدق عرفا عدم ستره لم يضرّ و إن كان في جميع الأحوال. و تلزمه كفاية إمكان مشاهدة جزء معتدّ به من الإمام دائما، كما صرّح بكفايته بعض الأجلّة.

و يستفاد من بعض الكلمات عدم البأس بوجود الحائل التامّ في بعض الأحوال دون بعض «1».

و من بعض آخر عدم البأس بما يمكن معه شهود جزء من الإمام مطلقا، لعدم معلوميّة صدق الساتر مع مشاهدة جزء.

و الأوّل غير سديد؛ لأنّه تقييد للإطلاق المذكور بلا مقيّد. نعم، يصحّ ذلك إذا كان بحيث لم يكن له استمرار أصلا كشخص عبر ما بينهما. و منع صدق الساتر

على الساتر في بعض الأحوال فاسد جدّا.

و الثاني صحيح لو شوهد جزء معتدّ به، فلا تكفي مشاهدة إحدى يديه أو جزء يسير من رأسه، لصدق الساتر عرفا معه.

مع أنّ الوارد في الصحيحة هو الساتر أو الجدار. و على هذا، فلو نسلّم عدم معلوميّة صدق الساتر على الساتر في بعض الأحيان أو [لبعض] «2» الأجزاء، و لكنّه قد يصدق عليه الجدار، كما إذا كان بقدر لا يرى وراءه إلّا رأس الإمام أو مع شي ء من جسده حال القيام، فإنّه يصدق عليه الجدار الممنوع عنه في الصحيحة قطعا، و الإجماع على تجويز مثل ذلك [غير] «3» معلوم.

نعم لو كان يسيرا بحيث يشكّ في صدق الجدار عليه كذراع بل أزيد منه بقليل، انتفى البأس من جهته و إن ثبت من جهة الستر حال الجلوس. و كأنّهم

______________________________

(1) كما في نهاية الاحكام 2: 122، و الذكرى: 272.

(2) في النسخ: لجميع، غيّرناه لتصحيح المتن.

(3) أضفناه لتصحيح المتن.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 58

بنوا الحكم على الساتر و الحائل و ظنّوا انتفاءه مع المشاهدة في الجملة، و غفلوا عن لفظ الجدار.

و أشكل منه ما لو كانت الواسطة جدارا رفيعا فيه ثقبة أو ثقبتان يرى منها بعض الإمام دائما أو في بعض الأحيان، لصدق الجدار. و لا يفيد إمكان المشاهدة، لعدم تعليق حكم عليها.

و أمّا على ما ذكرنا من مانعيّة الستر في بعض الأحيان أيضا و اشتراط شهود جزء معتدّ به في انتفاء الستر فلا يختلف حكم الساتر و الجدار، إذ ما يمنع من المشاهدة في جميع الأحيان مانع جدارا كان أو غيره، و ما لا يمنع عن مشاهدة الجزء المعتدّ به حتّى في حال الجلوس لا يصدق عليه الجدار. و كذا

لو كانت فيه ثقبة يشاهد فيها المعتدّ به من الإمام في جميع الأحيان لم يكن جدار بينهما أيضا، إذ موضع الثقبة ليس جدار. و لو كانت فيه ثقبات صغيرة كثيرة تجعله شباكا.

فروع مهمّة:
أ: المانع عن الصحة هو الحائل بين المأموم و بين الإمام و المأمومين جميعا،

فلو لم يشاهد المأموم الإمام لحيلولة المأمومين و لكن لم يكن حائل بينه و بين بعض المأمومين صحّت صلاته إجماعا بل ضرورة، و إلّا لم تحصل جماعة للصفوف المتعدّدة.

و تدلّ عليه أيضا العمومات و الإطلاقات الخالية عن المعارض، حيث إنّ الصحيحة لم تدلّ إلّا على وجوب انتفاء الستر بين المأموم و الصفّ الّذي يتقدّمه، حيث إنّ مرجع ضمير الجمع هو قوله: «أهله» فيكون الطرف الآخر الصفّ الذي يتقدّمهم كما في سابقة و لا أقلّ من احتماله الكافي لنا في المقام.

ب: مقتضى الصحيحة هو تحقق الصحة بانتفاء الحائل بين المأموم و بين من يتقدّمه

من الإمام أو الصفّ الّذي يتقدّمه، بل بعض المأمومين من أهل الصفّ المتقدّم؛ لصدق الصفّ، و عدم الفصل. سواء كان حائل بينه و بين بعض آخر من أهل هذا الصفّ أو لا، و سواء أمكن له مشاهدة من لا حائل بينه و بينه من

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 59

أهل الصفّ بدون الالتفات بالرأس أو معه أو لم يمكن له للبعد و نحوه. و هذا هو الضابط الصحيح الثابت من الصحيحة في المسألة.

و على هذا فلو كان هناك جدار قدّامه إمام و وراءه صفّ، فإن لم يتجاوز أحد طرفي الصفّ عن محاذاة الجدار إلى حيث يتمكّن من في هذا الطرف من مشاهدة الإمام بطلت صلاتهم جميعا، و إن تجاوز أحد الطرفين أو كلاهما إلى حدّ لم يمنع الجدار من مشاهدة الإمام، صحّت صلاة كلّ من يمكنه المشاهدة من هذه الجهة و إن بطلت من حيث التباعد في بعض الصور، و بطلت صلاة من يحاذي الجدار أو يمنعه عن مشاهدة الإمام و إن لم يكن محاذيا له، لصدق توسّط الجدار بينهما.

و لو كان قدّام الجدار صفّ يتجاوز عن طرفيه أو عن أحدهما و وراءه أيضا

كذلك صحّت صلاة الجميع، لأنّ من يحاذي الجدار من أهل صفّ الوراء يشاهد أهل طرف الصفّ القدّام، إلّا مع حيلولة الجدار عن مشاهدته إيّاهم.

و يلزمه لو كان هناك باب يحاذي المسجد و صفّ جماعة خارجه فإن لم يحاذ الباب أحد و صفّوا عن يمينه و شماله بطلت صلاة الجميع إلّا إذا تباعد الصفّ عن جدار المسجد بحيث يرى من في طرفيه بعض أهل المسجد.

و لو صفّوا في محاذاة الباب و طرفيه صحّت صلاة المحاذي و من يليه ممّن يتمكّن من المشاهدة و تبطل صلاة الباقين. و لو صفّ بعد هؤلاء جماعة أخرى صحّت صلاة الجميع. هذا مقتضى الصحيحة، و يؤكّده قوله في ذيلها: «إلّا من كان بحيال الباب» بل هو صريح في ذلك.

و من الأصحاب جماعة «1» صرّحوا بصحة صلاة كلّ من في الصفّ الخارج الواقف حذاء الباب و طرفيه، و احتجّوا له بأنّ من تجاوز الباب و إن لم يشاهد من الصفّ المتقدّم أحدا و لكنّه يشاهد من بحذاء الباب عن يمينه أو عن يساره و المشاهدة المطلقة كافية.

و فيه: أنّه إنّما يصحّ لو ثبت تعليق الحكم على المشاهدة، و ليس كذلك، بل

______________________________

(1) منهم الشيخ في المبسوط 1: 156، و العلّامة في المنتهى 1: 365، و صاحب الحدائق 11: 98.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 60

هو معلّق بعدم الحائل بينه و بين الصفّ المتقدّم، فلا وجه للاحتجاج بكفاية المشاهدة المطلقة سيّما مع تصريح الصحيحة بعدم صحة صلاة غير من بحيال الباب.

و العجب من شيخنا صاحب الحدائق، حيث إنّه بعد ما نقل الاستشكال في صحّة صلاة من على يمين الباب و يساره عن الذخيرة استنادا إلى ظاهر الصحيحة، قال ما خلاصته: إنّ منشأ الشبهة

تخصيص المشاهدة الّتي هي شرط صحّة القدوة بمشاهدة من يكون قدّامه دون من على يمينه و يساره، و لازمه أنّه لو استطال الصفّ الأوّل على وجه لا يرى من في طرفيه الإمام تبطل صلاتهم حيث إنّهم لا يشاهدون الإمام و لا تكفي مشاهدة من على اليمين و اليسار. و كذلك لو استطال الصفّ الثاني أو الثالث زيادة على ما تقدّمه و كان في مقابل الزيادة جدار دون المأموم يلزم بطلان صلاة الزيادة لعدم وجود المأموم قدّامهم و لعلّه لا يقول به. و الظاهر من قوله: «إلّا من كان بحيال الباب» يعني من الصفوف لا من المأمومين بقرينة قوله: «و أيّ صف كان أهله» إلى آخره. و مثل الصورتين وقوف بعض المأمومين خلف الأساطين بحيث كانت الأسطوانة في قبلته فهو لا يرى من قدّامة من المأمومين و إنّما يرى من على يمينه و يساره، مع أنّ صحيحة الحلبي «1» دلّت على أنّه لا بأس بالصلاة بين الأساطين «2». انتهى.

و فيه: أنّه لم يثبت اشتراط صحّة القدوة بالمشاهدة من دليل، بل الثابت اشتراط انتفاء الحائل بين أهل صفّ و أهل الصفّ المتقدّم، فليس المنشأ تخصيصا في المشاهدة بل صدق الحائل.

و منه يظهر عدم لزوم بطلان الصلاة في الصفّ المستطيل الأوّل؛ لعدم الحائل. و عدم المشاهدة باعتبار طول المسافة غير ضائر كالظلمة.

______________________________

(1) الكافي 3: 386 الصلاة ب 62 ح 6، الفقيه 1: 253- 1141، التهذيب 3: 52- 180، الوسائل 8: 408 أبواب صلاة الجماعة ب 59 ح 2.

(2) الحدائق 11: 99.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 61

و لا في زيادة الصفّ المستطيل الثاني إذا لم يكن الجدار الّذي فرضه حائلا بينه و بين جميع أهل الصفّ المتقدّم،

و إن كان حائلا يعترف ببطلان صلاتهم البتة.

و لا في الواقف بين الأساطين إذا يرى بعض من تقدّمه، و لو لم ير أحدا منهم نقول بالبطلان، و لا تنافيه صحيحة الحلبي كما لا يخفى.

و أمّا إرادة الصفّ من قوله: «من كان بحيال الباب» فبعيد غايته، و لا دلالة لقوله: «و أيّ صف» عليه أصلا، لتقييده بقوله: «أهله» فمعناه: إذا كان بين أهل صفّ و أهل صفّ تقدّمه ستر تبطل صلاتهم إلّا من كان بحيال الباب من أهل الصفّ، مع أنّه لا يصدق على جميع هذا الصفّ أنّه بحيال الباب، مع أنّه لو كان كما توهّم لم يحسن الاستثناء.

ثمَّ بما ذكرناه هنا يظهر الحكم في أكثر الفروع المتعلّقة بالمقام.

ج: المستفاد من إطلاق الصحيحة منع الحائل عن صحّة الجماعة مطلقا،

سواء كان في تمام الصلاة أو بعضها، و سواء كان الساتر مستقرا كجدار، أو لا كثوب ترفعه الريح تارة و تضعه أخرى، أو مصلّ يقوم تارة و يجلس اخرى.

و منه يظهر أنّه كما أنّه يشترط انتفاء الحائل ابتداء يشترط استدامة أيضا، و انّه لو عرض في أثناء الصلاة تبطل الجماعة و إن لم يكن اختياريا، لأنّه حكم وضعي لا يتوقّف على الاختيار. و يلزمه بطلان جماعة صفّ تقدّمه صفّ آخر غير مأمومين و لو علم بذلك في الأثناء أو تمّت صلاتهم كالمسافرين إذا اشتغلوا بعد الركعتين بنافلة حتى يحصل الستر.

نعم، يشترط شي ء من الاستمرار له حتى يصدق أنّ بينهم سترا، فلا بأس بعبور شخص بينهم و إن ستر في الجملة حال العبور.

و كذا يشترط كونه بحيث يصدق الساتر به عرفا، فلا يضرّ شي ء قصير يحول حال السجود خاصّة مثلا، لعدم صدق الستر بينهما عرفا. فتأمّل.

د: لا يتوهّمنّ أنّ مقتضى اشتراط انتفاء الساتر

أن يتوقّف في صحّة صلاة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 62

الصفّ المتأخّر و دخوله في الصلاة [قبل] «1» دخول من تقدّم عليه كلا أو المحاذي له في الصلاة، حيث إنّه قبله ساتر و ليس بمأموم.

لأنّ الشرط انتفاء الساتر بينه و بين الصفّ المتقدّم عليه كما هو صريح النصّ، و لا يشترط في صدق الصفّ دخول أهله في الصلاة بل اللازم صفّهم للصلاة جماعة و كونهم معدودين من المأمومين قاصدين للايتمام، إذ بذلك يصدق الصف المتقدّم عرفا و لم يثبت توقّف صدقه على شي ء آخر.

ه: هذا الشرط مخصوص بما إذا كان المأموم رجلا أو امرأة اقتدت بامرأة،

و أمّا إذا اقتدت برجل فلا يضرّ الحائل إذا عرفت انتقالات الإمام، على الأظهر الأشهر، بل نسبه في التذكرة إلى علمائنا «2» مؤذنا بدعوى الإجماع عليه، و قيل: بلا خلاف إلّا ممّن يأتي «3».

للأصل، و العمومات، و موثقة عمّار: عن الرجل يصلّي بالقوم و خلفه دار فيها نساء، هل يجوز لهنّ أن يصلّين خلفه؟ قال: «نعم إن كان الإمام أسفل منهنّ»، قلت: فإنّ بينهنّ و بينه حائطا أو طريقا، قال: «لا بأس» «4».

و يؤيّده أنّهنّ عورة لا ينبغي لهنّ مخالطة الرجال، مع أنّ فضيلة الجماعة عامّة.

و قد يستدلّ أيضا بعدم شمول الصحيحة «5» لهنّ، و لعلّه لتذكير الضمير.

و فيه ما فيه، مع أنّ هذا المستدلّ يمنع عن الحائل إذا كان إمامها امرأة للصحيحة.

خلافا للمحكي عن الحلّي «6»؛ لضعف الرواية تارة. و هو ممنوع. و لو سلّم

______________________________

(1) أضفناه لتصحيح المتن.

(2) التذكرة 1: 174.

(3) الرياض 1: 229.

(4) التهذيب 3: 53- 183، الوسائل 8: 409 أبواب صلاة الجماعة ب 60 ح 1.

(5) المتقدمة في ص 55.

(6) السرائر 1: 289.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 63

فمجبور. و باحتمالها للحائط القصير اخرى. و هو

بالإطلاق مدفوع.

نعم يصحّ ذلك فيما إذا كان إمامها امرأة فيما يجوز؛ لاختصاص الموثّقة، و عموم الصحيحة.

و منها: عدم كون موقف الإمام أعلى من موقف المأموم، فلو كان أعلى لم تصحّ صلاة المأموم، على الحقّ المشهور كما صرّح به جماعة «1»، بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا «2» مؤذنا بالإجماع.

لعموم مفهوم موثقة عمّار المتقدّمة آنفا، خرجت منه صورة التساوي فيبقى العلوّ مبطلا.

و موثقته الأخرى: عن الرجل يصلّي بقوم و هم في موضع أسفل من موضعه الّذي يصلّي فيه، فقال: «إن كان الإمام على شبه الدكّان أو على موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم» «3».

خلافا للمحكي عن الخلاف، فقال بالكراهة مدّعيا عليها إجماع الطائفة «4»، و اختاره في المدارك «5»، و تردّد في المعتبر و الشرائع و النافع «6»، و هو ظاهر الكفاية و الذخيرة «7».

لدعوى الإجماع، و الأصل، و العمومات، مع ضعف الرواية سندا و تهافتها متنا و اختلافها نسخا.

______________________________

(1) منهم العلّامة في المختلف: 160، و الكاشاني في المفاتيح 1: 161، و السبزواري في الذخيرة:

394.

(2) التذكرة 1: 174.

(3) الكافي 3: 386 الصلاة ب 62 ح 9، الفقيه 1: 253- 1146، التهذيب 3: 53- 185، الوسائل 8: 411 أبواب صلاة الجماعة ب 63 ح 1.

(4) الخلاف 1: 556.

(5) المدارك 4: 320.

(6) المعتبر 2: 420، الشرائع 1: 123، النافع: 46.

(7) الكفاية: 31، الذخيرة: 394.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 64

و الأوّل غير ثابت، و منقوله غير حجّة سيّما مع عدم ظهور موافق له من قدماء الفرقة. مع أنّه- كما صرّح به في المختلف «1»- إرادة الحرمة من الكراهة كما شاعت في الصدر الأوّل محتملة، بل قيل: عبارة الخلاف بها أيضا شاهدة «2». فلا يكون الشيخ مخالفا

في المسألة، و لا إجماعه منافيا للحرمة.

و الثانيان مندفعان بالموثقتين. و ضعفهما ممنوع، كيف؟! و هما من الموثّقات و هي في نفسها حجّة، و مع ذلك بالشهرة العظيمة من الجديدة و القديمة منجبرتان.

و التهافت و الاختلاف لو سلّم ففي الأخيرة، و الاولى عنهما سالمة، مع أنّهما فيها أيضا لا يتعلّقان بما يفيد ذلك الحكم، و إنّما هما في بيان قدر العلوّ، و هو غير المسألة.

فروع:
أ: اشتراط عدم العلوّ إنّما هو في غير الأرض المنحدرة

. و أمّا فيها فلا يضر علوّ الإمام مطلقا، بلا خلاف فيه كما قيل «3»؛ لذيل الموثقة الأخيرة: «و إن كان أرضا مبسوطة و كان في موضع منها ارتفاع، فقام الإمام في الموضع المرتفع و قام من خلفه أسفل منه و الأرض مبسوطة إلّا أنّهم في موضع منحدر، فلا بأس».

ب: اختلفوا في قدر العلوّ المانع

، فحوّله الحلّي «4»، و جماعة «5»، بل الأكثر إلى العرف و العادة.

و قدّره في النهاية و التذكرة و الدروس و البيان و المسالك و روض الجنان «6» بما لا

______________________________

(1) المختلف: 160.

(2) الرياض 1: 230.

(3) الرياض 1: 230.

(4) السرائر 1: 283.

(5) منهم الشهيد في الذكرى: 273، و الشهيد الثاني في الروضة 1: 380، و صاحب الحدائق 11:

111.

(6) نهاية الاحكام 2: 124، التذكرة 1: 174، الدروس 1: 220، البيان: 236، المسالك 1: 43، روض الجنان: 370.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 65

يتخطّى.

و بعض آخر بشبر «1» و الأظهر: الأوّل؛ لأنّه المرجع حيث لا تقدير في الشرع كما هنا، إذ ليس ما يتوهّم منه ذلك إلّا صحيحة زرارة- السابقة «2» في مسألة الحائل- المقدّرة له بما لا يتخطّى، و هو دليل الثاني، و بعض نسخ التهذيب في الموثقة الأخيرة المقدّر له بالشبر، و هو دليل الثالث.

و الأوّل مردود: باحتمال إرادة هذا المقدار في البعد دون اختلاف الموقف كما يأتي. مع أنّه على تقدير الشمول لذلك أيضا بإطلاقه يدلّ على مانعيّة هذا القدر- و هو يوافق العرف- دون اغتفار ما دونه إلّا بمفهوم الوصف الضعيف أو إدخاله في مفهوم الشرط بتكلّف بعيد.

و الثاني: بأنّه لا يصلح للاستناد، لمكان الاختلاف.

ثمَّ لا شكّ في دخول ما لا يتخطّى في العلوّ عرفا، و لا في خروج الشبر و ما دونه

عنه. و يؤكّده ما في التذكرة من الإجماع على عدم مانعيّة اليسير «3». و الأحوط بل الأظهر الاجتناب (عن ما بينهما) «4».

ج: لا يضرّ علوّ المأموم من الإمام مطلقا

بالإجماع، كما عن المنتهى «5» و غيره «6»؛ للأصل، و العمومات، و خصوص منطوق الموثقة الاولى، و عموم مفهوم صدر الثانية، و صريح ذيلها: قال: و سئل: فإن قام الإمام أسفل من موضع من يصلّي خلفه، قال: «لا بأس» و قال: «إن كان رجل فوق بيت أو غير ذلك دكّانا

______________________________

(1) حكاه في الروضة 1: 380.

(2) في ص 55.

(3) التذكرة 1: 174.

(4) ما بين القوسين موجود في «ح» فقط.

(5) المنتهى 1: 366.

(6) كالمدارك 4: 320.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 66

أو غيره و كان الإمام على الأرض أسفل منه جاز أن يصلّي خلفه و يقتدي بصلاته و إن كان أرفع منه بشي ء كثير».

و أمّا قوله في رواية محمّد بن عبد اللّه: «يكون مكانهم مستويا» «1»، فلا يثبت وجوب التساوي، بل غايته الاستحباب. و لا بأس به.

و منها: عدم تباعد المأموم عن الإمام أو الصفّ الّذي يتقدّمه

، بالإجماع المحقّق و المحكي في عبارات جمع من الأصحاب، منهم: المدارك و الذخيرة «2» و غيرهما «3».

و هو الحجّة المخرجة عن الأصل المخصّصة للعمومات، دون غيره من صحيحة زرارة المتقدمة «4»، و رواية الدعائم: «ينبغي للصفوف أن تكون متواصلة، و يكون بين كلّ صفين قدر مسقط جسد الإنسان إذا سجد، و أيّ صف كان أهله يصلّون بصلاة إمام و بينهم و بين الصف الّذي يتقدمهم أزيد من ذلك فليس تلك الصلاة لهم بصلاة» «5».

لإجمال الاولى، و ضعف الثانية.

أمّا الأوّل فبيانه أنّ موضع الاستدلال من الصحيحة اشتراط ما لا يتخطّى، و المحتمل إرادته من هذا اللفظ- كما يستفاد من كلام الأصحاب- معان ثلاثة: ما لا يتخطّى من الحائل، أو من العلوّ، أو من البعد.

و ظاهر الأكثر عدم حمله على الأخير حيث لم يستندوا إليه في مقدار البعد.

و حمله جماعة

على الثاني حيث اعتبروا هذا القدر في العلوّ.

و ليس احتماله لهذه المعاني من باب الإطلاق الشامل للجميع حتّى تصحّ

______________________________

(1) التهذيب 3: 282- 835، الوسائل 8: 412 أبواب صلاة الجماعة ب 63 ح 3.

(2) المدارك 4: 322، الذخيرة: 394.

(3) كالتذكرة 1: 173.

(4) في ص 55.

(5) دعائم الإسلام 1: 156، مستدرك الوسائل 6: 499 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 67

إرادة الشامل للجميع في استعمال واحد، إذ ما لا يتخطّى على الأوّل معنى غيره على الأخيرين، فإنّه على الأوّل شي ء مانع عن التخطّي، و على الأخيرين شي ء لا يصير خطوة.

ثمَّ إنّ هذا اللفظ قد تكرّر في الصحيحة في أربعة مواضع:

أمّا الموضع الأوّل فعلى حمله على الحائل يكون معنى لا يتخطّى نحو: لا يمكن التخطّي أولا يصلح أو ليس من شأنه، و يلزم تقدير نحو لفظة: «منه» أي ما لا يتخطّى منه، و هو خلاف أصل.

و على حمله على العلوّ يفسّر إمّا كالسابق، أو يكون المعنى: ما لا تقطعه الخطوة و لا يصير محل التخطّي مطلقا لا بخطوة واحدة و لا أكثر، فإنّ العلوّ المفرط لا يتخطّى من حيث هو و إن أمكن تخطّيه بالدّرج، و هو أمر خارج عن نفس العلوّ، فالمرتفع كثيرا لا يصير محلا للتخطّي مطلقا إلّا بتقليله شيئا فشيئا و جعله مدرجا، كما أنّ الحائل لا يتخطّى منه كذلك إلّا برفعه. و على هذا لا يستلزم خلاف أصل.

و على حمله على البعد يكون المعنى: ما ليس من شأنه أن يتخطّى.

و يلزم حمل التخطّي على الخطوة الواحدة، أي ما لا يتخطّى بخطوة واحدة، ضرورة إمكان قطع المسافة و إن بعدت بخطوات كثيرة. و هذا مخالف للأصل؛ لأنّ التخطّي

هو قطع المسافة بالخطوة واحدة كانت أم متعددة.

و كذا يلزم التخصيص بالصفّ الأوّل، أو التجوّز في الإمام بإرادة من تقدّم على المأموم إماما كان أو مأموما آخر، ضرورة عدم اشتراط انتفاء هذا البعد بين كلّ مأموم و الإمام. و هذا خلاف أصل آخر.

و يلزم أيضا تخصيص أهل الصفّ الأوّل بمن في خلف الإمام خاصّة أو مع من يليه، أو إرادة محاذاة الإمام من لفظ: «الإمام» ضرورة عدم اشتراط انتفاء هذا البعد بينه و بين نفس الإمام في طرفي الصفّ. و هذا خلاف أصل ثالث، بل غير جائز، لاستلزامه عدم بقاء غير واحد أو اثنين أو ثلاثة من الأفراد الغير العديدة بل من أزيد من عشرة آلاف في بعض الأوقات.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 68

فإرادة البعد من: «ما لا يتخطّى» في هذا الموضع مرجوح غايته.

و أمّا الموضع الثاني ففي حمله على أحد الأوّلين كالموضع السابق.

و أمّا في الثالث فينتفي المحذوران الآخران و يبقى الأوّل خاصة، و من هذه الجهة يساوي المعنى الأوّل، لأنّه أيضا يستلزم خلاف أصل واحد، إلّا أنّه يصير مرجوحا عنه بملاحظة قوله: «فإن كان بينهم ستر» إلى آخره، فإنّ الظاهر من لفظة: «الفاء» أنّه حكم مترتّب متفرّع على سابقة و لا يلائم غيره، فيكون المراد ما لا يتخطّى من الحائل و إن كانت إرادته مرجوحة هنا من جهة إقحام لفظ: «القدر» و لكن التأويل فيه أسهل منه في لفظة: «الفاء».

و منه يظهر عدم رجحان إرادة البعد في هذا الموضع أيضا.

و أمّا الموضع الثالث فهو أيضا كالثاني في انتفاء المحذورين عن المعنى الثالث بل محذور التفريع أيضا، و يلائم هذا المعنى ما تعقّبه من قوله: «و يكون قدر ذلك» بل هو بنفسه

كاف في إفادة هذا المعنى و لو كان جملة مستأنفة. إلّا أنّه عن دلالة الاشتراط خال، بل ظاهر لفظ: «ينبغي» الاستحباب، فلا يصلح حجّة للاشتراط.

و أمّا الموضع الرابع فيزيد المحذور فيه للمعنى الأوّل بعدم اشتراط انتفاء الحائل في المرأة و لكن المحذورات الثلاثة للمعنى الثالث فيه مجتمعة، و ليس ارتكابها بأسهل من حمل نفي الصلاة مع الحائل في المرأة على ضرب من الكراهة أو إرادة انتفاء العلوّ.

هذا كلّه مع ما في إرادة البعد من المخالفة للشهرة العظيمة حيث إنّه لم ينقل التحديد بهذا القدر إلّا عن الحلبي و ابن زهرة «1».

و المعارضة مع إطلاق موثقة عمّار المتقدّمة «2» في بيان جواز اقتداء المرأة مع الحائل، بل ظاهرها حيث إنّ الطريق يكون ممّا لا يتخطّى غالبا.

______________________________

(1) الحلبي في الكافي: 144، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 560.

(2) في ص 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 69

و الإجمال من حيث المبدإ، فإنّ مبدأه لا يتعيّن هل هو من الموقف أو المسجد. و لا يفيد قوله: «إذا سجد» في الصحيحة؛ لاحتمال تعلّقه بقوله: «قدر ذلك» كما يحتمل التعلّق بالجسد.

مع ما في الأوّل من الاستبعاد الواضح- كما صرّح به في المعتبر «1»- بل الامتناع، إذ مع تقارب الموقفين بهذا القدر الّذي لا يزيد على شبرين غالبا لا يتمكّن المصلّي عن السجدة بل يكون مسجده محلّ ركبته أو ملاصقا معه.

و ما في الثاني من عدم القائل ظاهرا، فإنّ الظاهر أنّ من اعتبره اعتبره من الموقف. فتأمّل.

مع أنّ في الحمل على هذا المعنى إجمالا من جهة أخرى أيضا، فإنّ معنى:

«ما لا يتخطّى» ما لا يعتاد تخطّيه أو ما ليس من شأنه ذلك، و هذا كما يمكن أن يكون من جهة

الإفراط يمكن أن يراد من جهة التفريط و يكون المعنى: إذا كان بينهم ما لا يتخطّى من القلّة فلا صلاة لهم، لعدم إمكان السجدة.

و ظهر من جميع ذلك سرّ عدم اعتناء الأكثر في اعتبار مقدار البعد إلى الصحيحة.

و أمّا الثانية [1] فلعدم العلم بصحّة روايات الدعائم و عدم انجبار هذه الرواية أيضا، مضافا إلى قصور دلالتها أيضا لبعض ما تقدّم.

و إذ قد عرفت أنّ المستند في المسألة هو الإجماع خاصّة فاللازم فيما يتفرّع عليها الاقتصار على ما ثبت انعقاده عليه.

و منه: مقدار البعد المبطل، فيجب تحديده بما ثبت الإجماع على اشتراط انتفائه.

و لا يبعد انعقاده على ما يقال في العرف: إنّ هذا الصفّ بعيد كثيرا عن ذلك الصفّ، إذ لا خلاف في البطلان به، إلّا ما حكي عن المبسوط من حكمه

______________________________

[1] مراده (ره) من الثانية رواية الدعائم الّتي استدلّوا بها لمسألة عدم التباعد، راجع ص 66.

______________________________

(1) المعتبر 2: 419.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 70

بجواز التباعد بثلاث مائة ذراع «1»، و عن الخلاف من تحديده البعد الممنوع منه بما يمنع من مشاهدة الإمام و الاقتداء بأفعاله «2». و مجرّد ذلك غير قادح في حكم الحدس بالإجماع. مع أنّ كلامهما كما صرّح به جماعة «3» غير صريح بل و لا ظاهر في المخالفة، فيكون البطلان به مجمعا عليه.

و هو الدليل له، دون ما قيل من الأصل، و عدم مصحّح للعبادة معه؛ لأنّ الأصل يندفع بالإطلاقات، و هي أيضا كافية في التصحيح.

و القول بعدم انصرافها إلى من يبعد بهذه المثابة واه؛ لأنّ التحديد في ذلك موكول إلى الشرع و لا مدخليّة لغيره فيه، فلا انصراف إلى حدّ قبل تحديده.

و لا يبطل بما دونه؛ لما مرّ من

الأصل و الإطلاق المؤيّدين بالشهرة العظيمة الّتي- كما قيل- كادت أن تكون إجماعا «4».

خلافا للمحكي عن الحلبي و ابن زهرة «5»، فمنعا عن البعد بما لا يتخطّى؛ للصحيحة و الرواية المتقدّمتين «6».

و قد عرفت ما في الاستناد إليهما من الإجمال في هذا اللفظ.

و لو استندا في التقدير فيهما بمسقط جسد الإنسان لأجبنا بعدم دلالة الصحيحة على وجوبه؛ لإتيانه فيه بالجملة الخبرية. بل في الإتيان بقوله: «ينبغي» و ضمّه مع تواصل الصفوف و تماميّتها دلالة واضحة على الاستحباب، بل- كما قيل «7»- هي أظهر من دلالة: «لا صلاة» على الفساد. مع أنّه إذا جعل المبدأ المسجد فلا يكون لهما كثير مخالفة مع المختار- سيّما مع احتمال إرادة مسقط تمام

______________________________

(1) المبسوط 1: 156.

(2) الخلاف 1: 559.

(3) منهم الشهيد في الذكرى: 272، و صاحبا الحدائق 11: 105، و الرياض 1: 230.

(4) الرياض 1: 230.

(5) الحلبي في الكافي: 144، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 560.

(6) في ص 55، و 66.

(7) الرياض 1: 230.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 71

جسد الإنسان حيث ينام مادّا رجليه- على أن يكون «إذا سجد» متعلّقا بالقدر.

و منه: ما ذكروه من أنّه هل يشترط ذلك مطلقا كما عن الشهيدين «1»، أم يختصّ بابتداء الصلاة خاصّة حتّى لو انتفى بخروج الصفوف المتخلّلة عن الاقتداء بظهور عدم اقتدائهم أوّلا أو عدولهم إلى الانفراد ثانيا أو انتهاء صلاتهم لم ينفسخ الاقتداء كما عليه جماعة «2»؟

فيحكم بالثاني، لأنّه المجمع عليه دون غيره.

و منه: أنّه هل يجب على البعيد من الصفوف أن لا يحرم بالصلاة حتّى يحرم بها قبله من يزول معه التباعد، أم لا، بل يجوز لكلّ أحد من المأمومين الإحرام قبل كلّ من تقدّمه؟

فالمختار وفاقا لصريح

جماعة «3» و ظاهر الأكثر: الثاني؛ لعدم ثبوت الإجماع على مضرّة مثل ذلك البعد المشغول بمن يريد الاقتداء و المظنون انتفاؤه قبل الركوع أيضا، مضافا إلى عدم تسميته بعدا عرفا، و عدم دلالة الصحيحة على اشتراط انتفاء مثل ذلك أيضا لصدق الصفّ كما مرّ في الحائل، و استمرار عمل الناس كلا سلفا و خلفا عليه و عدم انتظار كلّ لا حق من الصفوف لإحرام سابقة.

و منه: ما إذا تجاوز طرف الصفّ المتأخّر عن مقابلة المتقدّم، فيخلو مقابله عن المأموم إمّا مطلقا أو في مجرّد ذلك الصفّ، أو كان وسط المتقدّم منقطعا بحوض أو أسطوانة أو نحوهما، فهل تبطل صلاة من في طرف الصفّ أو مقابل الحوض من الصفّ المتأخّر؟

و الحكم عدم البطلان؛ لأنّ الثابت من الإجماع اشتراط انتفاء هذا البعد بين الصفّ المتأخّر و المتقدّم و لو كان المتقدّم أقلّ من المتأخّر، بل و لو كان شخصا واحدا فيكون حكمه حكم الإمام و يكون قرب بعض من الصفّ المتأخّر إليه

______________________________

(1) الشهيد الأول في البيان: 235، الشهيد الثاني في روض الجنان: 370.

(2) منهم السبزواري في الذخيرة: 394، و صاحبا المدارك 4: 323، و الحدائق 11: 108.

(3) منهم الشهيد في البيان: 235، و الشهيد الثاني في الروض: 370، و صاحب الرياض 1: 231.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 72

كافيا.

مضافا إلى ما مرّ من الصحيح «1» الدالّ على جواز الصلاة بين الأساطين الغير المنفكّة عن مثل ذلك غالبا، و استمرار الأمّة عليه من جهة تخلّل الأساطين بين الصفوف.

و منه: ما إذا توسّط بين الإمام و المأموم أو المأمومين بعضهم مع بعض ما يمنع التخطّي و كان أقلّ من البعد الممنوع، كنهر أو بئر، أو كان أحدهما في

سطح و آخر في سطح آخر فلا يضرّ على المختار.

إلى غير ذلك من الفروع.

و منها: عدم تقدّم المأموم على الإمام
اشارة

بمعنى أن يكون أقرب إلى القبلة منه، بالإجماع المحقّق و المحكي مستفيضا «2»، المؤيّد بطريقة الحجج و عمل الأمّة و الشواهد الاعتبارية، و تضمّن الأخبار الواردة في الجماعة قيام المأموم خلف الإمام أو جنبه «3»، فلو تقدّم المأموم بطلت صلاته.

و لا يجب تأخّره عنه، على الحقّ المشهور، بل عن التذكرة الإجماع عليه «4»؛ للأصل، و الإطلاقات، و رواية السكوني المتقدّمة المصرّحة بصحّة صلاة كلّ من الشخصين الناويين أنّه إمام «5»، فإنّ مع اشتراط التأخّر لا يتصور ذلك.

و صحيحة محمّد: «الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه، فإن كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه» «6».

و غيرها ممّا يدل على استحباب وقوف المأموم الواحد عن يمين الإمام، فإنّ القيام عن اليمين أعمّ من التساوي.

______________________________

(1) المتقدم في ص 60.

(2) كما في التذكرة 1: 171، و المدارك 4: 330، و المفاتيح 1: 161.

(3) الوسائل 8: 341 أبواب صلاة الجماعة ب 23.

(4) التذكرة 1: 171.

(5) راجع ص 23.

(6) التهذيب 3: 26- 89، الوسائل 8: 341 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 73

و لا ينافيه جزؤها الآخر المتضمّن لقيام الأكثر من الواحد خلفه؛ إذ لا يثبت من شي ء من روايته الزائد من الرجحان لمكان الجملة الخبرية. مضافا إلى أنّ المخالف في المقام أيضا لا يحمله على الوجوب بل يجعله من مستحبّات الموقف.

خلافا للمحكي عن الحلّي «1»، فأوجب التأخّر بقليل، لدليل عليل.

ثمَّ المعتبر في التقدّم و التساوي هو ما كان موردا للإجماع حيث إنّه دليل المسألة. و الظاهر الإجماع على حصول التقدّم بتقدّم الأعقاب و الأصابع جميعا حال القيام، و الركبتين

و الأليتين حال الجلوس، و البطن و الصدر في الحالين بمعنى اعتبار الجميع. و يساعده العرف و العادة اللذان حكّمهما جماعة «2» في المقام للخلوّ عن البيان الشرعي، فتجب مجانبة المأموم عن التقدّم بمجموع هذه، و لا يضرّ التقدّم بالبعض.

و لا يضرّ تقدّم رأسه حالتي الركوع و السجود لطول قامته و استطالته في حال السجود، أو الأعقاب خاصّة أو الأصابع أو الركبتين أو الأليتين كذلك، أو تقدّم البطن أو الصدر.

خلافا لجماعة، منهم: الذكرى و البيان و الدروس و الروضة [1]، فاعتبروا الأعقاب خاصة.

و لأخرى، منهم: النهاية و المسالك و روض الجنان «3»، فاعتبروا الأعقاب و الأصابع معا من غير التفات إلى غيرهما.

و لا دليل على شي ء منهما و إن كان الأخير أقرب إلى العرف.

فرع: تجوز استدارة المقتدين بإمام واحد حول الكعبة

بشرط أن لا يكونوا

______________________________

[1] لم نعثر عليه في الذكرى، و لكنه موجود في التذكرة 1: 171، البيان: 234، الدروس 1: 220، الروضة 1: 381.

______________________________

(1) السرائر 1: 277.

(2) منهم السبزواري في الذخيرة: 394، و صاحبا المدارك 4: 331، و الرياض 1: 233.

(3) نهاية الإحكام 2: 117، المسالك 1: 44، روض الجنان: 371.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 74

أقرب إلى الكعبة من الإمام، وفاقا للمحكي عن الإسكافي و الذكرى «1» مدّعيا عليه الأخير الإجماع؛ للأصل و الإطلاقات.

و خلافا للفاضل في جملة من كتبه «2»، فأوجب وقوف المأموم في الناحية الّتي فيها الإمام، لوجه غير تامّ.

و منها: أي من لوازم صلاة الجماعة: سقوط وجوب القراءة عن المأموم
اشارة

في الجملة.

و تحقيق الحال فيها يستدعي بسط المقال برسم مسائل:

المسألة الأولى: لا قراءة واجبة على المأموم

الغير المسبوق في الأوليين من الصلوات الجهرية إذا سمع صوت الإمام.

إجماعا فتوى محقّقا و محكيّا في الخلاف و المعتبر و المنتهى و التذكرة «3»، و في السرائر نفي الخلاف عن ضمان الإمام القراءة «4».

و اتفاقا نصّا، ففي صحيحتي الحلبي: «إذا صلّيت خلف إمام يؤتمّ به فلا تقرأ خلفه، سمعت قراءته أو لم تسمع» «5».

و زاد في إحداهما: «إلّا أن تكون صلاة تجهر فيها بالقراءة فلم تسمع فاقرأ» «6».

و عمر بن يزيد: عن إمام لا بأس به، قال: «لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقا» «7».

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 160، الذكرى: 162.

(2) منها التذكرة 1: 171، و القواعد 1: 46.

(3) الخلاف 1: 339، المعتبر 2: 420، المنتهى 1: 378، التذكرة 1: 184.

(4) السرائر 1: 284.

(5) التهذيب 3: 34- 121، الوسائل 8: 358 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 12.

(6) الكافي 3: 377 الصلاة ب 58 ح 2، الفقيه 1: 255- 1156، الاستبصار 1: 428- 1650، الوسائل 8: 355 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 1.

(7) الفقيه 1: 248- 1114، التهذيب 3: 30- 106، الوسائل 8: 313 أبواب صلاة الجماعة ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 75

و البجلي: «أمّا الصلاة الّتي لم تجهر فيها بالقراءة فإنّ ذلك جعل إليه فلا تقرأ خلفه، و أمّا الصلاة الّتي تجهر فيها فإنّما أمر بالجهر لينصت من خلفه، فإن سمعت فأنصت و إن لم تسمع فاقرأ» «1».

و زرارة: «من قرأ خلف إمام يأتمّ به فمات بعث على غير الفطرة» «2».

و اخرى: «و إن كنت خلف إمام فلا تقرأنّ شيئا في الأوليين، و أنصت لقراءته، و

لا تقرأنّ شيئا في الأخيرتين، إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول للمؤمنين وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ يعني في الفريضة خلف الإمام فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا «3» و الأخيرتان تبع للأوليين» «4».

و ثالثة: «إذا كنت خلف إمام تأتمّ به فأنصت و سبّح في نفسك» «5».

و رواية المرافقي و أبي أحمد: «إذا كنت خلف الإمام تولّاه و تثق به فإنّه تجزيك قراءته، و إن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه، فإذا جهر فأنصت، قال اللّه سبحانه وَ أَنْصِتُوا «6».

و القصير: «إذا كان الرجل لا تعرفه يؤمّ الناس فقرأ القرآن فلا تقرأ و اعتدّ بصلاته» «7».

______________________________

(1) الكافي 3: 377 الصلاة ب 58 ح 1، التهذيب 3: 32- 114، الاستبصار 1: 427- 1649، الوسائل 8: 356 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 5.

(2) الكافي 3: 377 الصلاة ب 58 ح 6، الفقيه 1: 255- 1155، التهذيب 3: 269- 770، المحاسن: 79- 3، مستطرفات السرائر: 75- 2، الوسائل 8: 356 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 4.

(3) الأعراف: 204.

(4) الفقيه 1: 256- 1160، الوسائل 8: 355 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 3.

(5) الكافي 3: 377 الصلاة ب 58 ح 3، التهذيب 3: 32- 116، الاستبصار 1: 428- 1651، الوسائل 8: 357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 6.

(6) التهذيب 3: 33- 120، الوسائل 8: 359 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 15.

(7) التهذيب 3: 275- 798، الوسائل 8: 319 أبواب صلاة الجماعة ب 12 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 76

و في بعض النسخ: «فلا تقرأ و اعتدّ بقراءته» مكان قوله: «فلا تقرأ و اعتدّ بصلاته» و الأوّل أصحّ.

و ابن بشير: عن القراءة خلف الإمام قال:

«لا، إنّ الإمام ضامن، و ليس الإمام يضمن صلاة الّذين خلفه و إنّما يضمن القراءة» «1».

و موثقة يونس و فيها: «من رضيت به فلا تقرأ خلفه» «2».

و صحيحة ابن سنان: «إن كنت خلف الإمام في صلاة لا تجهر فيها حتّى تفرغ و كان الرجل مأمونا على القراءة فلا تقرأ خلفه في الأوليين» قال: «و يجزيك التسبيح في الأخيرتين» قلت: أيّ شي ء تقول أنت؟ قال: «أقرأ فاتحة الكتاب» «3».

و قتيبة: «إذا كنت خلف إمام ترضى به في صلاة تجهر فيها فلا تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك، و إن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ» «4».

و موثقة سماعة: عن الرجل يؤمّ الناس فيسمعون صوته و لا يفهمون ما يقول، فقال: «إذا سمع صوته فهو يجزيه، و إذا لم يسمع قرأ لنفسه» «5».

و رواية عبيد: «إن سمع الهمهمة فلا يقرأ» «6».

و الرضوي: «إذا صلّيت خلف إمام يقتدى به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أم لم تسمع، إلّا أن تكون صلاة تجهر فيها فلم تسمع فاقرأ» «7».

______________________________

(1) التهذيب 3: 279- 820، و في الفقيه 1: 247- 1104، و الوسائل 8: 353 أبواب صلاة الجماعة ب 30 ح 1.

(2) التهذيب 3: 33- 118، الاستبصار 1: 428- 1653، الوسائل 8: 359 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 14.

(3) التهذيب 3: 35- 124، الوسائل 8: 357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 9.

(4) الكافي 3: 377 الصلاة ب 58 ح 4، التهذيب 3: 33- 177، الاستبصار 1: 428- 1652، الوسائل 8: 357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 7.

(5) التهذيب 3: 34- 123، الاستبصار 1: 429- 1656، الوسائل 8: 358 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 10.

(6) الفقيه 1: 256- 1157، الوسائل 8:

355 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 2.

(7) فقه الرضا عليه السلام: 124، مستدرك الوسائل 6: 477 أبواب صلاة الجماعة ب 27 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 77

و ما ذكره الديلمي مرسلا قال: و روي «أنّ ترك القراءة في صلاة الجهر خلف الإمام واجب» «1». إلى غير ذلك.

و كذا لا قراءة راجحة في الأوليين منها مع سماع الصوت بالإجماع، و نسبه في التذكرة إلى علمائنا أجمع «2». بل الظاهر عدم الخلاف في مرجوحيّتها أيضا، كما حكي عن التنقيح و روض الجنان «3».

و يدلّ عليه عموم صحيحة زرارة الاولى، و خصوص مرسلة الديلمي، و ضعفها منجبر بما ذكر، و إن كان في دلالة البواقي نظر يظهر وجهه.

و هل هي على الحرمة؟ كما هو صريح المقنع و المبسوط و النهاية و التهذيب و الاستبصار و الوسيلة و الغنية و آيات الأحكام للراوندي «4»، و ابن نما و المسائل المهنّائية للفاضل و تحريره و مختلفه و المدارك و الذخيرة «5»، و ظاهر السيّد و الخلاف و الواسطة لابن حمزة و القاضي و الحلّي و القواعد و التبصرة «6»، بل هي المشهور عند الطبقة الثالثة.

أم الكراهة؟ كما هي مختار الديلمي و المعتبر و الشرائع و النافع و الإرشاد «7» و الموجز و المحرّر و البيان و اللمعة و النفلية «8». و عن الدروس و الروضة «9» عليها

______________________________

(1) المراسم: 87.

(2) التذكرة 1: 184.

(3) التنقيح 1: 272، روض الجنان: 373.

(4) المقنع: 36، المبسوط 1: 158، النهاية: 113، التهذيب 3: 32، الاستبصار 1: 429، الوسيلة: 106، الغنية (الجوامع الفقهية): 560، آيات الأحكام 1: 141.

(5) المسائل المهنائية: 130، التحرير 1: 52، المختلف: 158، المدارك 4: 323، الذخيرة: 396.

(6) جمل العلم

و العمل (رسائل المرتضى 3): 40، الخلاف 1: 339، القاضي في المهذّب 1: 81، الحلي في السرائر 1: 284، القواعد 1: 45، التبصرة: 38.

(7) الديلمي في المراسم: 87، المعتبر 2: 420، الشرائع: 1: 123، النافع: 71، الإرشاد 1:

272.

(8) البيان: 226، اللمعة (الروضة 1): 381، النفلية: 41.

(9) الدروس 1: 222، الروضة 1: 381.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 78

دعوى الشهرة. و ظاهر الفاضل في النهاية و المنتهى و التذكرة «1» و ابنه في شرح الإرشاد و الشهيد في جملة من كتبه: التردّد.

الحقّ هو الثاني.

لا لما قيل من ظهور التعبير في موثّقة سماعة المتقدّمة بالإجزاء في عدم المنع عن القراءة أصلا، أو عدم كونه للحرمة، فهي قرينة مقرّبة لاحتمال إرادة الاستحباب ممّا ظاهره الوجوب «2»؛ لمنع الظهور المذكور. و لو سلّم فإنّما هو في مثل قوله: يجزيك أن تفعل كذا، لا في مثل: يجزيك فعل فلان.

و لا لصحيحة ابن يقطين: عن الرجل يصلّي خلف إمام يقتدى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلا يسمع القراءة، قال: «لا بأس إن صمت و إن قرأ» «3».

لكونها غير المسألة.

بل للأصل السالم عن معارضة ما يصلح لإثبات الحرمة بالمرّة؛ لضعف دلالة ما جعلوه عليها حجّة. و هو: ما استدلّ به المخالف القائل بالحرمة.

و هو: الأمر بالإنصات المنافي للقراءة في الآية الكريمة، و أربعة من الأخبار المتقدّمة.

و التصريح بأنّ القراءة موجبة للبعث على غير الفطرة في الصحيحة «4» و بوجوب تركها في المرسلة «5».

و النهي- الّذي هو حقيقة في التحريم- في باقي الأخبار السالفة.

و رواية ابن أبي خديجة الآتية الآمرة بالتسبيح.

المؤيّد كلّ ذلك بأدلّة الاحتياط و ضمان الإمام للقراءة.

______________________________

(1) نهاية الاحكام 2: 160، المنتهى 1: 378، التذكرة 1: 184.

(2) الرياض 1:

231.

(3) التهذيب 3: 34- 122، الاستبصار 1: 429- 1657، الوسائل 8: 358 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 11.

(4) و هي صحيحة زرارة الأولى، المتقدّمة في ص 75.

(5) و هي مرسلة الديلمي، المتقدّمة في ص 77.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 79

و وجه الضعف: أمّا في الأوّل: فلعدم منافاة وجوب الإنصات لجواز القراءة؛ لأنّه هو الاستماع للحديث، كما ذكره أهل اللغة، قال في الصحاح:

الإنصات: السكوت و استماع الحديث «1».

و قال الثعلبي في تفسيره: و قد يسمّى الرجل منصتا و هو قارئ أو مسبّح إذا لم يكن جاهرا به، ألا ترى أنّه قيل للنبي: ما تقول في إنصاتك؟ قال، أقول:

اللهم اغسلني من خطاياي. انتهى.

و أيضا فسّره به في الآية في الصحيحة «2».

و هو يتحقّق مع القراءة أيضا، سيّما إذا كانت خفيّة.

و لا ينافيه ما في صحيحة معاوية بن وهب: «إنّ عليّا كان في صلاة الصبح فقرأ ابن الكوّاء- و هو خلفه- آية، فأنصت عليّ (عليه السلام) تعظيما للقرآن حتّى فرغ من الآية، ثمَّ عاد في قراءته، ثمَّ أعاد ابن الكوّاء فأنصت عليّ أيضا ثمَّ قرأ، فأعاد ابن الكوّاء فأنصت عليّ» «3».

فإنّه لو لم يكن الإنصات سكوتا لما كان يترك القراءة.

فإنّ القراءة لمّا كانت جهريّة لصلاة الصبح كانت منافية للاستماع، فلعلّه لذلك قطع القراءة.

و كذا لا تنافيه مقابلته مع الأمر بالقراءة مع عدم السماع في صحيحة البجلي، أو في الإخفاتية في رواية المرافقي، أو مقارنته مع النهي عن القراءة سيّما مع تعليل النهي عنها بالأمر به في إحدى صحاح زرارة، أو مع الأمر بالتسبيح في النفس في الأخرى، كما قاله بعض الأجلّة. و جعل بعض هذه الأمور قرينة على إرادة السكوت من الإنصات و ترك القراءة.

لأنّ

مقتضى المقابلة عدم وجوب القراءة أو رجحانها مع السماع و في

______________________________

(1) الصحاح 1: 268.

(2) و هي صحيحة زرارة الثانية، المتقدّمة في ص 75.

(3) التهذيب 3: 35- 127، الوسائل 8: 367 أبواب صلاة الجماعة ب 34 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 80

الجهريّة، لا عدم جوازها، فيكون المعنى: الراجح أو الواجب في الجهريّة مع السماع الاستماع سواء كان مع القراءة أو بدونها، و في الإخفاتيّة أو مع عدم السماع القراءة.

و المقارنة الأولى كانت مفيدة لو كان القرين نهيا مفيدا للحرمة، و هو غير معلوم، كما يأتي. فيمكن أن يكون المراد بيان كراهة القراءة أو عدم وجوبها و وجوب الإنصات. و كون التعليل للنهي غير معلوم، فلعلّه للأمر بالإنصات بل هو كذلك. مع أنّ تعليل كراهة القراءة بوجوب الإنصات المتوقّف كماله على السكوت لا ضير فيه.

و الثانية كذلك [1] لو كان الأمر بالتسبيح للوجوب، و هو ليس كذلك لعدم وجوبه إجماعا.

فيمكن جمع القراءة مع الإنصات من دون تضادّ و منافاة.

و يدلّ عليه أيضا ما يصرّح بجواز الذكر و الدعاء في الركعتين الأوليين، إمّا مطلقا كرواية أبي خديجة: «إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوليين، و على الّذين خلفك أن يقولوا: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر» «1».

أو في خصوص الجهريّة كمرسلة الفقيه: أكون خلف الإمام و هو يجهر بالقراءة فأدعو و أتعوّذ؟ قال: «نعم فادع» «2».

فإنّه لا تفاوت بين الذكر و الدعاء و بين القراءة في المنافاة [2] و عدمها.

و لذا جعل من يظنّ منافاة الإنصات للقراءة أخباره معارضة لهاتين الروايتين و به أجاب عنها [3]، ثمَّ ردّ ضعفهما- لو كان- بأنّه ينجبر بما عن

التنقيح من نسبة

______________________________

[1] أي: و المقارنة الثانية- و هي مقارنة الإنصات مع الأمر بالتسبيح- كانت مفيدة لو كان ..

[2] في جميع النسخ توجد زيادة: للذكر و الدعاء.

[3] أي: و بهذا التعارض أجاب عن أخبار الإنصات.

______________________________

(1) التهذيب 3: 275- 800، الوسائل 8: 362 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 6.

(2) الفقيه 1: 264- 1208، الوسائل 8: 361 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 81

وجوب الإنصات إلى ابن حمزة خاصّة، قال: و الباقون سنّوه «1». و هو ظاهر في دعوى الاتّفاق و صريح في ادّعاء الشهرة على عدم وجوبه، و بذلك تخرج أخباره عن صلاحيّة تأسيس الحكم. و قال: لا تفيد موافقتها للكتاب، للإجماع- على ما حكاه بعض الأصحاب- على عدم وجوب الإنصات للقراءة على الإطلاق كما هو ظاهر الآية، فإطلاقها للاستحباب قطعا، و به يخرج الأمر بالإنصات في الأخبار عن إفادة الوجوب أيضا، لتعليله بالأمر به في الآية، فيكون الأمران متوافقين.

و لكن يخدشه أنّ صحيحة زرارة الثانية صريحة في اختصاص الآية بالفريضة خلف الإمام، و لا إجماع على عدم الوجوب فيها، و الإجماع على الاستحباب في غيرها لا ينافي الوجوب فيها، فيكون الأمر في الآية للوجوب و به يتقدّم موافقها على غيره، و لا تخرج الأخبار الآمرة بالإنصات عن حقيقتها بسبب التعليل.

و أمّا في الثاني [1]: فلأنّه ليس صريحا في الوجوب؛ لشيوع ورود أمثال ذلك في المكروهات. مع أنّه ليس باقيا على حقيقته قطعا، سيّما مع شمول الرواية للإخفاتية المصرّحة في الأخبار بجواز القراءة فيها، فهي على المبالغة محمولة.

و أمّا في الثالث: فلضعفه الخالي عن الجابر. مع أنّ الظاهر أنّه ليس رواية مخصوصة، بل نقل لما فهمه من الأخبار

المتضمّنة لمثل قوله: «لا تقرأ» و يأتي ضعف دلالتها.

و أمّا في الرابع: فلعدم صراحة غير رواية القصير «2»- على بعض النسخ الّذي لا يفيد لأجل الاختلاف- في النهي المفيد للحرمة، لاحتمال النفي أيضا، و هو لا يثبت سوى المرجوحيّة. بل في إثباتها هنا أيضا نظر؛ لكون المقام ممّا يحتمل أن يكون مجازه نفي الوجوب.

مع أنّ أكثر هذه الروايات شاملة للإخفاتية، المجوّزة فيها القراءة في الأخبار

______________________________

[1] أي: و أمّا وجه الضعف في الدليل الثاني على حرمة القراءة للمأموم، راجع ص 78.

______________________________

(1) التنقيح 1: 272.

(2) المتقدّمة في ص 75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 82

كما يأتي، و تخصيصه بالجهريّة ليس بأولى من الحمل على المرجوحيّة أو نفي الوجوب.

و منه يظهر ضعف رواية القصير على تلك النسخة أيضا.

هذا كلّه مع ما في النهي الوارد في مقام توهّم الوجوب و بعد ثبوته من كلام المشهور.

و أمّا في الخامس: فلعدم كون هذا التسبيح واجبا.

المسألة الثانية: الحقّ المشهور- بل نسب إلى الكلّ عدا الحلّي «1»- جواز القراءة في الجهريّة
اشارة

مع عدم سماع صوت الإمام و همهمته؛ لصحاح الحلبي و البجلي و قتيبة، و موثّقة سماعة، و رواية عبيد و الرضوي المتقدّمة «2» و إنّما خصّصنا الحكم بعدم سماع الصوت و الهمهمة دون ما يعمّ سماع القراءة الظاهرة في سماع الكلمات و الحروف، لأنّ الأخبار بين متضمّن للفظ: «لم تسمع» مطلقا، و للفظ: «لا تسمع قراءته» و لقوله: «إذا لم يسمع صوته» و لقوله:

«إن سمع الهمهمة».

و اختصاص الأخيرين ظاهر. و كذا الثاني؛ لأنّه و إن عبّر بقوله: «فلا تسمع قراءته» و لكن قوله بعده: «فإن كنت تسمع الهمهمة» صريح في إرادة عدم سماع الهمهمة من الأوّل أيضا.

و الأوّل مجمل؛ لأنّ ما لا يسمع غير معلوم هل هو القراءة أو الهمهمة، و القدر المتيقّن خروج عدم

سماع الهمهمة، إذ الحكم الثابت لعدم سماع القراءة ثابت له أيضا و لا عكس، فعدم سماع الهمهمة مراد قطعا. مع أنّ المجمل يحمل على المفصّل. و جعل عدم السماع من باب الإطلاق غلط؛ إذ لا معنى لتعليق الحكم لمطلق عدم السماع و مهيّته، مع أنّه على فرضه يجب حمله على المقيّد.

______________________________

(1) نسبه صاحب الرياض 1: 231.

(2) جميعا في ص 75، 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 83

خلافا لظاهر المقنع و الخلاف و الحلّي و التبصرة «1»، حيث أطلقوا عدم جوازها في الجهريّة؛ و لعلّه لإطلاق روايات عدم القراءة خلف الإمام مطلقا أو في الأوليين أو في الجهريّة.

و يجاب عنها- مضافا إلى منع صراحتها في التحريم كما مرّ- بوجوب تقييد الكلّ، لأخصيّة ما مرّ عن جميع ما ذكر حتّى صحيحة الحلبي المتضمّنة لقوله:

«سمعت قراءته أو لم تسمع» «2» لشمولها الإخفاتية و سماع الهمهمة. مع أنّ الظاهر أنّ المراد فيها بقوله: «لم تسمع» الصلاة الإخفاتية بقرينة صحيحته الثانية «3»، فإنّها صريحة في أنّ المراد ب: «ما لم تسمع» السريّة.

و هل هو على الوجوب؟ كما هو ظاهر السيّد و المبسوط و النهاية و الوسيلة و الواسطة و صريح التهذيب و الاستبصار «4»، و محتمل جمع آخر.

أو الاستحباب؟ كالمعتبر و المختلف و التذكرة و النهاية و التحرير و الإرشاد و البيان و الموجز و المحرّر و شرح الإرشاد لفخر المحقّقين و النفلية «5» و محتمل بعض آخر.

أو الإباحة؟ كما هو ظاهر الراوندي و ابن نما و عن القاضي «6» و محتمل طائفة أخرى.

أو الكراهة؟ كما عن الديلمي «7».

______________________________

(1) المقنع: 36، الخلاف 1: 339، الحلي في السرائر 1: 284، التبصرة: 38.

(2) تقدمت في ص 74.

(3) المتقدمة في ص 74.

(4)

جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 40، المبسوط 1: 158، النهاية: 113، الوسيلة:

106، التهذيب 3: 32، الاستبصار 1: 429.

(5) المعتبر 2: 421، المختلف: 158، التذكرة 1: 184، نهاية الاحكام 2: 160، التحرير 1:

52، الإرشاد 1: 272، البيان: 226، النفلية: 41.

(6) الراوندي في فقه القرآن: 141، القاضي في المهذب 1: 81.

(7) المراسم: 87.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 84

الحقّ هو الأوّل؛ لصريح الأمر- الّذي هو حقيقة في الوجوب- به في الصحاح. و وروده في محلّ توهّم المنع ممنوع، كيف؟! و هو موقوف على ثبوت تقدّم المطلقات المانعة عن القراءة خلف الإمام بدون القرينة المقيّدة، على صدور الأخبار المفصّلة، و من أين علم ذلك؟! مع أنّ صرف الأمر عن حقيقته بوروده في المحلّ المذكور ممنوع عند أهل التحقيق و إن قال به جماعة.

دليل المخالف: صحيحة ابن يقطين السابقة «1»، الظاهرة في تساوي الطرفين في الراجحية و المرجوحيّة، فبها تخرج الأوامر عن حقيقتها لو أفادت الوجوب، مع أنّها- لما مرّ- ممنوعة.

و زاد القائل بالاستحباب أنّه يتحمّل المسامحة، فيثبت الرجحان باشتهاره و لو في ضمن الإيجاب عند الطائفة.

و يضعّف: بأنّ الصحيحة متضمّنة للفظ سماع القراءة الّذي هو بدون القرينة ظاهر في سماع الكلمات و الحروف بل حقيقة فيه، فعدمه أعمّ من سماع الهمهمة و عدمه، فهي أعمّ من أخبار الوجوب فتخصّص بها قطعا، و يحمل الجواز مع التساوي أو الرجحان على صورة عدم سماع القراءة و سماع الهمهمة خاصّة، كما فعله في المبسوط و النهاية و التهذيب و الاستبصار «2»، و الواسطة و الشيخ ابن نما.

و منع إفادتها الوجوب لما مرّ ضعيف، كما مرّ.

فرع: هل يجب أن يجهر المأموم بالقراءة

حينئذ و كذا فيما إذا قرأ مع سماع القراءة، أم لا؟

الظاهر: التخيير، إذ

لا تجري أدلّة الجهر في جميع مواضعه الّتي منها هنا إلّا بالإجماع المركّب، و تحقّقه هنا غير معلوم.

الثالثة: لا تجب القراءة في أوليي الصلاة الإخفاتية أيضا

، إجماعا محقّقا و محكيّا عن جميع من سبق في الجهريّة فتوى و نصّا؛ و يدلّ عليه جميع ما تقدّم فيها

______________________________

(1) في ص 2334.

(2) المبسوط 1: 158، النهاية: 113، التهذيب 3: 32، الاستبصار 1: 429.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 85

من الأخبار.

و في حرمتها، كأكثر من قال بها في الجهرية «1».

أو كراهتها، كأكثر من قال بها فيها «2».

أو إباحتها، كما حكي عن بعضهم «3».

أو استحبابها بالحمد خاصّة، كما نسب إلى النهاية و المبسوط و جماعة «4»، لكن صرّح في الكتابين بعدم الجواز أوّلا و إن صرّح بعده باستحباب الحمد، و يمكن حمل الأخير على الجهريّة عند عدم سماع الهمهمة دفعا للتناقض و إن كان بعيدا غايته.

أقوال. أقواها ثانيها.

أمّا المرجوحيّة فلعموم صحيحة زرارة الاولى «5» و خصوص صحيحة الأزدي: «إنّي لأكره للمؤمن أن يصلّي خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنّه حمار» قال: قلت: جعلت فداك فيصنع ما ذا؟ قال: «يسبّح» «6».

مضافا إلى الشهرة العظيمة الّتي كادت أن تكون إجماعا، و الفرار عن مخالفة فحول القدماء القائلين بالحرمة.

و أمّا انتفاء الحرمة فلما مرّ في الجهريّة من الأصل السالم عمّا يصلح لإثباتها حتى عن كثير ممّا يظنّ ثبوتها به في الجهريّة كأوامر الإنصات و المرسلة «7».

______________________________

(1) كما في التهذيب 3: 32، و التحرير 1: 52، و المدارك 4: 323.

(2) كما في المعتبر 2: 420، و الإرشاد 1: 272، و الدروس 1: 222.

(3) كالشهيد في اللمعة (الروضة 1): 381.

(4) النهاية: 113، المبسوط 1: 158، و انظر المهذّب 1: 81، و الجامع للشرائع: 100، و القواعد 1:

47.

(5) المتقدمة في ص 75.

(6) الفقيه 1: 256- 1161، التهذيب 3: 276- 806، قرب الإسناد: 37- 120، الوسائل 8:

360 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 1.

(7) المتقدمة في ص 75- 77.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 86

مضافا إلى معاضدته برواية المرافقي السابقة «1»، المنجبرة، المصرّحة بأنّه إن أحبّ أن يقرأ فيقرأ فيما يخافت فيه.

و صحيحة [ابن] «2» يقطين: عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أ يقرأ فيهما بالحمد و هو إمام يقتدى به؟ قال: «إن قرأت فلا بأس و إن سكتّ فلا بأس» «3».

و سليمان بن خالد: عن الرجل في الاولى و العصر خلف الإمام و هو لا يعلم أنّه يقرأ، فقال: «لا ينبغي له أن يقرأ، يكله إلى الإمام» «4».

حيث إنّ الظاهر من قوله: «لا ينبغي» و الشائع استعماله فيه هو الكراهة.

و لكن الاعتضاد بالأخيرتين محلّ نظر و إن قاله بعضهم «5»؛ لاحتمال الأوّل للأخيرتين، بأن يكون المراد بالصمت ترك القراءة، كما ذكره في الوافي «6»؛ و ظهور الثاني فيهما، لأنّهما اللتان لا يعلم بالقراءة فيهما.

الرابعة: الأقوى عدم وجوب شي ء من القراءة و التسبيح في أخيرة الثلاثية

و أخيرتي الرباعية على المأموم، كما لا يجب تركهما فيها أيضا.

وفاقا في الأوّل لظاهر السيّد حيث قال: و أمّا الآخرتان فالأولى أن يقرأ فيهما أو يسبّح، و روي أنّه ليس عليه ذلك «7». و ابن حمزة حيث قال في الواسطة: و في الأخيرتين إن قرأ كان أفضل من السكوت. و صريح الحلّي حيث قال: فأمّا الركعتان الآخرتان فقد روي أنّه لا قراءة فيهما و لا تسبيح، و روي أنّه يقرأ فيهما أو

______________________________

(1) في ص 75.

(2) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(3) التهذيب 2: 296- 1192، الوسائل 8: 358 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 13.

(4) التهذيب 3:

33- 119، الاستبصار 1: 428- 1654، الوسائل 8: 357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 8.

(5) الرياض 1: 231.

(6) الوافي 8: 1204

(7) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 41.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 87

يسبّح، و الأوّل أظهر «1». و اختاره بعض أجلّة المتأخّرين «2».

لعموم عشر من الروايات المصدّرة بها المسألة الاولى «3»، و خصوص واحدة منها و هي صحيحة زرارة الثانية، و مرسلتي السيّد و الحلّي المتقدّمتين آنفا، و صريح صحيحة [ابن] يقطين السالفة في المسألة السابقة، بل ظاهر صحيحة سليمان حيث إنّ سياقها- كما صرّح به بعضهم- صريح في أنّ المراد بالقراءة المنفيّة ما يعمّ التسبيح أيضا، و مفهوم صحيحة زرارة: «لا تقرأنّ في الركعتين الأخيرتين من الأربع ركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام» قلت: فما أقول؟ قال:

«إن كنت إماما أو وحدك فقل: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه ثلاث مرّات» «4».

و لا يجوز إرجاع غير الواجب أو المستحب في المفهوم إلى العدد أو خصوص الذكر؛ للإجماع على اتّحاد الوظيفة في التسبيح أينما كانت وظيفة.

و تخصيص العمومات النافية للقراءة خلف الإمام بالقراءة المتعيّنة لا مطلقا- و ليست إلّا في الأوليين، لأنّ وظيفة الأخيرتين القراءة المخيّرة بينها و بين التسبيح- لا وجه له، و دعوى تبادرها ممنوعة.

نعم، يمكن أن يقال باختصاص دلالتها بانتفاء قراءة الفاتحة لا ما يعمّ التسبيح أيضا، كما يستفاد من تتبّع النصوص و الفتاوى.

و لكنّه غير ضائر؛ إذ الثابت أوّلا- الّذي هو الأصل- وجوب أحد الأمرين، فبعد انتفاء وجوب أحدهما يحتمل تعيّن الآخر و بدليّة السكوت عن الأوّل، و نسبة الأصل إليهما على السواء، فتبقى أصالة جواز السكوت خالية عن المعارض.

و بعبارة

أخرى: الثابت من أدلّة التسبيح وجوبه التخييري، فإذا انتفى

______________________________

(1) السرائر 1: 484.

(2) المحقق السبزواري في الكفاية: 31.

(3) المتقدّمة في ص 74، 75.

(4) الفقيه 1: 256- 1158، الوسائل 6: 122 أبواب القراءة ب 51 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 88

ذلك بهذه العمومات ينفى تعيّنه أيضا بالأصل.

و لا تعارضها رواية أبي خديجة و فيها: «فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الّذين خلفك أن يقرؤوا فاتحة الكتاب و على الإمام التسبيح» «1».

لأنّها ظاهرة في عدم إرادة الوجوب بقرينة مقابلته مع قوله: «و على الإمام» و بشهادة سائر الأخبار المتقدّمة. مع أنّه لا قائل بوجوب الفاتحة على المأموم قطعا، فعلى فرض دلالتها عليه تكون شاذّة مطروحة. و مع ذلك كلّه فهي مجملة، لاحتمال كون المستتر في: «كان» للايتمام و يكون بيانا لحكم المسبوق، كما مرّ في بحث القراءة.

خلافا للمقنع و الحلبي و ابن زهرة و المختلف و الذخيرة «2»، فأوجبوا أمّا التسبيح مطلقا كالأوّل؛ لصحيحة ابن عمّار: عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين، فقال: «الإمام يقرأ فاتحة الكتاب و من خلفه يسبّح» «3».

و صحيحة الأزدي السابقة «4». و هي و إن كانت ظاهرة في الأوليين من الإخفاتية، إلّا أنّ قوله: «فيقوم كأنّه حمار» ظاهر في مكروهيّة السكوت مطلقا.

و الكراهة و إن كانت إمّا مقابلة للحرمة أو أعمّ منها، إلّا أنّ الأمر بالتسبيح يعيّن إرادة الحرمة.

مضافا إلى صحيحة الحلبي: «إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل: الحمد للّه و سبحان اللّه و اللّه أكبر» «5».

______________________________

(1) التهذيب 3: 275- 800، الوسائل 8: 362 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 6.

(2) المقنع: 36، الحلبي في الكافي: 144، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 560، المختلف:

158، الذخيرة:

271.

(3) الكافي 3: 319 الصلاة ب 23 ح 1، التهذيب 2: 294- 1185، الوسائل 8: 361 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 5.

(4) راجع ص 85.

(5) التهذيب 2: 99- 372، الاستبصار 2: 322- 1203، الوسائل 6: 124 أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 89

أو أحدهما كذلك كالثانيين؛ للأصل، و عموم ما دلّ على وجوب وظيفتهما.

أو الثاني [1] في الإخفاتية خاصّة كالرابع؛ لصحيحة ابن سنان المتقدّمة في صدر المسألة الأولى «1»، حيث صرّحت في الأخيرتين من الإخفاتية بإجزاء التسبيح المشعر بوجوب أحد الشيئين و كفاية التسبيح و ليس الشي ء الآخر إلّا الفاتحة، مضافا إلى تصريحها أخيرا بأنّه عليه السلام كان يقرأ الفاتحة فيكون مخيّرا بينهما.

و صحيحة الحلبي المتقدّمة آنفا حيث دلّت على وجوب أحد الأمرين من القراءة و التسبيح مطلقا.

أو الجهريّة كذلك كما نسب إلى الخامس؛ لثبوت حرمة القراءة في الإخفاتية مطلقا و عدمه في الجهريّة إلّا إذا سمع الهمهمة؛ فيبقى غيره تحت الأصل و العمومات.

و يضعّف دليل الأوّل: أمّا الصحيحان الأوّلان فلعدم دلالة قوله: «يسبّح» على الوجوب، غايته الجواز أو الاستحباب، و ليس كلامنا فيه. مع أنّه لو دلّ على الوجوب لزم إمّا حمله على ما ذكر لمعارضته مع ما سبق و ما دلّ على جواز قراءة الفاتحة أيضا، أو طرحه لشذوذ القول به و ندرته بحيث يخرج معه الخبر عن الحجّيّة.

و أمّا الصحيح الآخر باحتمال كون جملة: «لا تقرأ فيهما» حاليّة فلا يثبت وجوب التسبيح مطلقا.

و دليل الثاني: باندفاع الأصل و تخصيص العمومات بما مرّ.

و دليل الثالث: أمّا صحيحته الاولى فبجواز إرادة الإجزاء عن الأمر الاستحبابي، و لا دليل على إرادة الوجوبي منه. مع أنّ الظاهر

من التسبيح مطلقه لا خصوص التسبيح الّذي هو وظيفة الركعتين، و لم يقل أحد بوجوب غير الوظيفة، و تخصيصه ليس بأولى من التجوّز في الإجزاء لو كان ظاهرا فيما ظنّه.

______________________________

[1] أي: القول الثاني، و هو التخيير بين القراءة و التسبيح.

______________________________

(1) في ص 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 90

و أمّا قراءة الإمام عليه السلام فلا تصلح استنادا لشي ء، لأنّه لا يقتدي بمن يجوز الاقتداء به، و أمّا غيره فلا كلام فيه بل لا تسقط معه الوظيفة قطعا.

و أمّا صحيحته الثانية فلجواز كون جملة: «لا تقرأ فيهما» وصفيّة، و حينئذ يكون الأمر بالتسبيح للجواز أو الاستحباب جزما.

و يظهر ضعف دليل الرابع بما ذكر في الثاني.

و وفاقا في الثاني [1] لغير الحلّي؛ لأصالة عدم وجوب ضدّ القراءة و التسبيح، و عدم نهوض شي ء من الأخبار لإثبات الحرمة كما مرّ، و الأخبار المتقدّمة المصرّحة بجواز القراءة أو التسبيح في الأخيرتين، و فحوى الصحاح المستفيضة و غيرها المتقدّمة «1»، الدالّة على جواز القراءة بل استحبابها في أوليي الجهريّة مع عدم سماع الهمهمة، و حيث ثبت جواز القراءة ثبت جواز التسبيح أيضا لعدم قول بالفرق من هذه الجهة.

خلافا لمن ذكر «2»، فظاهره وجوب ترك القراءة و التسبيح؛ لظواهر بعض الأخبار المتقدّمة مع ما يجيب عنها.

و منه يظهر عدم حرمة خصوص القراءة فيهما أيضا، كما هو مذهب المقنع و الخلاف و الحلّي و التبصرة «3» و غيرها، صريحا في بعض و ظاهرا في آخر؛ لقصور الأخبار عن إثباتها، مع دلالة بعضها على جوازها.

و هل تكره؟ كما عن الديلمي و الشرائع و النافع و الشهيد «4»، و ابن فهد و فخر المحققين.

أو تستحب؟ كما عن المبسوط و النهاية «5».

______________________________

[1] و هو:

عدم وجوب ترك القراءة و التسبيح في الركعة الثالثة و الرابعة، راجع ص 2342.

______________________________

(1) في ص 74 و 75- 77.

(2) و هو الحلّي في السرائر 1: 284.

(3) المقنع: 36، الخلاف 1: 339، الحلي في السرائر: 61، التبصرة: 38.

(4) الديلمي في المراسم: 87، الشرائع 1: 123، النافع: 71، الشهيد في البيان: 226.

(5) المبسوط 1: 158، النهاية: 113.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 91

أو تباح؟ كما عن بعضهم «1».

الظاهر هو الأوّل؛ للعمومات النافية للقراءة، و خصوص صحيحة زرارة الثانية و سليمان و ابن عمّار و الأزدي السابقة «2»، و رواية جميل: عمّا يقرأ الإمام في الركعتين في آخر الصلاة، فقال: «بفاتحة الكتاب و لا يقرأ الّذين خلفه» «3».

دليل المخالف الأوّل: قراءة الإمام الفاتحة كما صرّح به في صحيحة ابن سنان «4»، و رواية أبي خديجة السالفة «5». و مرّ دفعهما.

و عمومات أفضليّة القراءة للتسبيح، و لا يفيد للمقام إلّا بعد ثبوت أفضليّة التسبيح عن السكوت أو مساواتها له، مع أنّ العامّ لا يعارض الخاصّ.

و دليل الثاني: عمومات مساواة القراءة و التسبيح المتقدّمة في بحث القراءة.

و جوابها ظاهر.

الخامسة: لا شكّ في استحباب التسبيح للمأموم في السبع ركعات الأخيرة

؛ و تدل عليه صحاح ابن سنان و ابن عمّار و الأزدي.

و الظاهر استحبابه له حال قراءة الإمام في الأوليين من الإخفاتية أيضا، كما ذكره جمع من الأصحاب «6»؛ لرواية أبي خديجة و صحيحة الأزدي، و صحيحة عليّ ابن جعفر المرويّة في كتابه: عن الرجل يكون خلف الإمام يقتدي به الظهر و العصر يقرأ خلفه؟ قال: «لا و لكن يسبّح و يحمد اللّه و يصلّي على النبي و أهل بيته» «7».

______________________________

(1) كالشهيد في اللمعة (الروضة البهية 1): 381.

(2) راجع ص 75، 85، 86، 88.

(3) التهذيب 2: 295- 1186، الوسائل

6: 108 أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 4.

(4) المتقدمة في ص 76.

(5) في ص 88.

(6) منهم الشيخ في التهذيب 3: 32، و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 302، و صاحب الحدائق 11: 136.

(7) مسائل علي بن جعفر: 128- 102، قرب الإسناد: 211- 826 الوسائل 8: 361، أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 92

و ذكر جمع من المتأخّرين «1» استحبابه في أوليي الجهرية أيضا. و هو كذلك؛ لإطلاق رواية أبي خديجة، و مرسلة الفقيه السابقة «2».

و لا ينافيه الأمر بالإنصات؛ لما مرّ من عدم منافاة الذكر للإنصات سيّما إذا كان خفيّا بل الظاهر عدم المنافاة و لو فسّر الإنصات بالسكوت؛ لأنّ المراد منه العرفي، و لا ينافي السكوت العرفي مع الذكر الخفي سيّما إذا كان بمثل تحريك اللسان في اللهوات.

و لا قوله: «سبّح في نفسك» «3» لعدم التعارض. مع أنّ الظاهر أنّ التسبيح في النفس هو التسبيح الخفي دون الذكر القلبي، أو يعمّ الأمرين معا.

السادسة: ما ذكر من سقوط القراءة إنّما هو إذا كان الاقتداء بالإمام المرضي.

و أمّا لو اقتدى بغيره لم تسقط بل تجب القراءة، بلا خلاف يعرف كما صرّح به في طائفة من كتب الأصحاب «4»؛ لانتفاء القدوة فهو في حكم المنفرد، و للمستفيضة من المعتبرة «5».

و لا تنافيها المعتبرة الآمرة بالإنصات و الاستماع لقراءته في الجهريّة «6»؛ لما مرّ من إمكان الاجتماع. مضافا إلى احتمالها للاختصاص بخصوص السائلين حيث كان عليه السلام عالما بلحوق الضرر بهم، كما ورد مثله في قضيّة إسحاق بن

______________________________

(1) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 302، و صاحب الحدائق 11: 136.

(2) في ص 80.

(3) الكافي 3: 377 الصلاة ب 58 ح 3، التهذيب 3: 32- 116، الاستبصار 1: 428-

1651، الوسائل 8: 357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 6.

(4) منها السرائر 1: 284، و المنتهى 1: 378، و الرياض 1: 232.

(5) الوسائل 8: 363 أبواب صلاة الجماعة ب 33.

(6) الوسائل 8: 367 أبواب صلاة الجماعة ب 34 ح 2 و 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 93

عمّار في صلاة الجماعة معهم «1»، و عليّ بن يقطين «2» و داود بن زربي «3» في الوضوء ثلاثا، أو لشدّة التقية فحينئذ ينصت و يقرأ فيما بينه و بين نفسه سرّا.

و لا يجب الجهر بالقراءة في الصلاة الجهريّة؛ لصحيحة علي بن يقطين «4»، و مرسلة محمّد بن إسحاق «5» بل و لا سماع نفسه القراءة؛ لهاتين الروايتين.

و تجزيه الفاتحة وحدها مع تعذّر قراءة السورة و إن كانت واجبة، بلا خلاف، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه «6»؛ للمعتبرة من الأخبار.

و لو ركع الإمام قبل إكمال المأموم الفاتحة سقطت أيضا؛ لمكان الضرورة، و تصريح المعتبرة. و وجوب إتمامها في الركوع- كما قيل «7»- لا مستند له.

و لو ألجأته التقيّة إلى ترك التشهد في محلّه يتركه و يتشهّد قائما، كما ورد في بعض الأخبار «8».

ثمَّ لا يخفى أنّ هذه طريقة الصلاة معهم إذا دعت التقية لها و لم يمكن تداركها من تقديم الصلاة الصحيحة أو إعادتها، و إلّا وجبت الصحيحة.

و الظاهر من الأخبار أنّ هذه تحسب له نافلة؛ أو تكون محض المتابعة تترتب عليها المثوبات الكثيرة و لو لم يكن ملجأ إلى الصلاة معهم؛ للأخبار الكثيرة «9»، و تأليف

______________________________

(1) التهذيب 3: 38- 133، الاستبصار 1: 431- 1666، الوسائل 8: 368 أبواب صلاة الجماعة ب 34 ح 4.

(2) إرشاد المفيد 2: 227، الوسائل 1: 444 أبواب الوضوء ب 32

ح 3.

(3) التهذيب 1: 82- 214، الاستبصار 1: 71- 219، الوسائل 1: 443 أبواب الوضوء ب 32 ح 1.

(4) التهذيب 3: 36- 129، الاستبصار 1: 430- 1663، الوسائل 8: 363 أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 1.

(5) الفقيه 1: 260- 1185، التهذيب 3: 36- 128، الاستبصار 1: 430- 1662، الوسائل 8: 364 أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 4.

(6) كصاحب المدارك 4: 325.

(7) الرياض 1: 232.

(8) المحاسن: 325- 70، الوسائل 6: 392 أبواب التشهد ب 2 ح 1.

(9) الوسائل 8: 302 أبواب صلاة الجماعة ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 94

القلوب الشقيّة. بل يظهر من بعض الأخبار عدم وجوب الصحيحة حينئذ أيضا، و قد مرّ تحقيقه.

السابعة: و كذا يختصّ ما ذكر من سقوط القراءة بما إذا لم يكن المأموم مسبوقا

. و أمّا إذا كان كذلك فتجب عليه القراءة كما يأتي في فصل الأحكام.

و منها: متابعة المأموم للإمام.
اشارة

و تحقيق الحال في ذلك المجال أنّه تجب على المأموم متابعة الإمام في الأفعال- أي الركوع و السجود و الرفع منهما و القيام بعد السجود- إجماعا محقّقا و محكيّا في المعتبر و المنتهى و المدارك و المفاتيح و شرحه «1»، و نفى عنه الخلاف في الذخيرة «2»؛ و هو الحجّة عليه.

مضافا إلى النبويّين المرويّين في مجالس الصدوق و غيره من كتب أصحابنا، المنجبرين بالاشتهار و العمل.

أحدهما: «إنّما جعل الإمام إماما ليؤتمّ به، فإذا كبّر فكبّروا، و إذا ركع فاركعوا، و إذا سجد فاسجدوا» «3».

و ثانيهما: «أما يخشى الّذي يرفع رأسه و الإمام ساجد أن يحوّل اللّه رأسه رأس حمار؟» «4».

و النصوص المتضمّنة للفظ الإمامة أو القدوة «5»، لعدم صدقهما بدون المتابعة.

و ما يأتي من الأخبار الآمرة بالعود لو رفع رأسه قبل الإمام من الركوع أو

______________________________

(1) المعتبر 2: 421، المنتهى 1: 379، المدارك 4: 326، المفاتيح 1: 162.

(2) الذخيرة: 398.

(3) مجالس الصدوق: 264- 10 بتفاوت، و أيضا في عوالي اللئالي 2: 225- 42.

(4) لم نجده في مجالس الصدوق، و هو موجود في صحيح مسلم 1: 320- 427 بتفاوت يسير.

(5) الوسائل 8: 348 أبواب صلاة الجماعة ب 26 و 27.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 95

السجدة «1».

و ما صرّح بانتظار الإمام لو فرغ المأموم عن القراءة، إمّا لجوازها مطلقا كما هو المختار، أو فيما يجوز كالمسبوق أو الّذي لا يسمع الهمهمة، كموثّقة زرارة: عن الإمام أكون معه فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ، قال: «فأمسك آية و مجّد اللّه و أثن عليه، فإذا فرغ فاقرأ الآية و اركع» «2». مستند الشيعة في

أحكام الشريعة    ج 8    95     و منها: متابعة المأموم للإمام. ..... ص : 94

عمر بن أبي شعبة: أكون مع الإمام فأفرغ قبل أن يفرغ عن قراءته، قال:

«فأتمّ السورة و مجّد اللّه و أثن عليه حتّى يفرغ» «3».

و اختصاص الأخبار ببعض الأفعال غير ضائر؛ لعدم القائل بالفرق على الظاهر.

و كذا تجب المتابعة في تكبيرة الإحرام إجماعا؛ له، و لأوّل النبويين، و المروي في قرب الإسناد: عن الرجل يصلّي، إله أن يكبّر قبل الإمام؟ قال: «لا يكبّر إلّا مع الإمام، فإن كبّر قبله أعاد التكبير» «4».

و ضعفهما بما مرّ منجبر.

و كون الجواب في الثاني أخبارا غير ضائر؛ لأنّ قصد الوجوب منه ظاهر، لظهور كون السؤال عن الجواز، و بطلان الصلاة بإعادة تكبيرة الإحرام لو لا بطلان الاولى.

و لا تجب المتابعة في سائر الأذكار من القراءة- حيث تجوز أو تجب- و ذكر الركوع و السجود و التشهد و الأذكار المستحبّة، على الأظهر الأشهر كما صرّح به جمع ممّن تأخر «5»؛ للأصل، و حصول الامتثال، و التقرير في الموثّقتين المتقدّمتين،

______________________________

(1) انظر: ص 102.

(2) الكافي 3: 373 الصلاة ب 55 ح 1 و فيه: فأبق آية، التهذيب 3: 38- 135، المحاسن:

326- 73، الوسائل 8: 370 أبواب صلاة الجماعة ب 35 ح 1.

(3) التهذيب 3: 38- 134، الوسائل 8: 370 أبواب صلاة الجماعة ب 35 ح 3.

(4) قرب الإسناد 218- 854، الوسائل 3: 101 أبواب صلاة الجنازة ب 16 ح 1.

(5) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 306، و الكاشاني في المفاتيح 1: 162، و صاحب الرياض 1: 232.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 96

و إيجابها إمّا وجوب الجهر على الإمام مطلقا، أو تكليف المأمومين بتأخير الذكر إلى

أن يعلم وقوعه من الإمام و لم يقل بشي ء منهما أحد، و استلزامها لزوم اختيار ما يختاره الإمام من الأذكار و ليس كذلك، و المستفيضة من الصحاح و غيرها المصرّحة بجواز إتمام المأموم التشهد و التسليم قبل الإمام إذا أطال الإمام التشهد «1».

خلافا للمحكي عن الشهيد فأوجبها فيها أيضا «2»؛ للنبوي الأوّل.

و يردّ بعدم انجباره في المقام بالعمل. مع أنّ مطلق الايتمام بالمتابعة في الأفعال قد حصل و لم يثبت وجوب الزائد منها من هذه الرواية و لا سائر الروايات المتضمّنة للايتمام و الاقتداء.

و المراد بالمتابعة الواجبة في الأفعال و التكبيرة عدم تقدّم المأموم على المشهور، بل لم أعثر على مصرّح بخلافه في الأفعال، بل عن شرح الإرشاد لفخر المحقّقين الإجماع عليه فيها. فتجوز المقارنة و إن انتفت معها فضيلة الجماعة عند بعضهم «3»، و نقصت عند آخر «4»، و لكن عن بعض آخر عدم النقص أيضا «5».

للأصل، و صدق الامتثال، و عدم ثبوت الزائد عنه من الإجماع و لا غيره من أدلّة المتابعة.

و تعاضده رواية السكوني «6» الواردة في مصلّيين قال كلّ منهما: كنت إماما أو مأموما، المصرّحة بصحّة صلاتهما في الصورة الأولى؛ إذ لو لا جواز المقارنة لما تصوّرت فرض المسألة غالبا.

______________________________

(1) الوسائل 8: 414 أبواب صلاة الجماعة ب 64.

(2) البيان: 238.

(3) الشهيد الثاني في الروضة 1: 384.

(4) المحقق السبزواري في الذخيرة: 398.

(5) الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 162.

(6) الكافي 3: 375 الصلاة ب 56 ح 3، الفقيه 1: 250- 1123، التهذيب 3: 54- 186، الوسائل 8: 352 أبواب صلاة الجماعة ب 29 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 97

و رواية قرب الإسناد المتقدّمة، فإنّ ظاهر المعيّة المقارنة سيّما مع تفريع

التكبير قبله خاصّة بعده عليه. و إذا جازت في التكبيرة جازت في غيرها، لعدم القائل بالفرق بينهما جوازا فيها و منعا في غيرها و إن وجد القائل بالعكس.

و تدلّ عليه أخبار أخر مصرّحة بالركوع أو السجود مع الإمام لو رفع رأسه قبله، كما يأتي «1».

خلافا في تكبيرة الإحرام خاصّة للمحكي عن المنتهى و الشهيدين و المدارك و الذخيرة «2» فأوجبوا تأخّر المأموم فيها، و عن شرح الإرشاد لفخر المحقّقين الإجماع عليه، بل قيل: و لم أعرف القائل بخلافه منّا و إن أشعرت به عبارات جماعة «3».

و تردّد الفاضل في النهاية و التذكرة كما حكي «4».

للإجماع المنقول.

و للنبوي المذكور المجبور ضعفه في المقام أيضا بما عرفت، فإنّ الفاء تفيد التعقيب.

و لأنّ الائتمام إنّما يكون بالمصلّي، و لا يكون الإمام مصلّيا إلّا بعد أن يكبّر.

أو للشكّ في تحقّق الايتمام و الجماعة الموجب للشك في حصول البراءة عن الشغل اليقيني.

و يضعّف الأول: بعدم الحجية.

و الثاني: بجواز كون الفاء للمقارنة، كما في قوله سبحانه:

فَاسْتَمِعُوا «5». مع أنّ الفاء جزائيّة، و هي في العرف قد تمحّضت لربط الجزاء بالشرط.

______________________________

(1) في ص 101.

(2) المنتهى 1: 379، الشهيد في الذكرى: 276، الشهيد الثاني في الروضة 1: 384، المدارك 4:

327، الذخيرة: 398.

(3) الرياض 1: 232.

(4) نهاية الاحكام 2: 135، التذكرة 1: 185.

(5) الأعراف: 203.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 98

و الثالث: بأنّ اللازم كون الإمام مصلّيا حال كون المأموم مقتديا، و هو بعد فراغهما من التكبير، و حينئذ فهو مصلّ.

و الرابع: بمنع الشك، لصدقه عرفا.

و مع ذلك فالأحوط عدم المقارنة في التكبير بل في سائر الأفعال أيضا، لأنّها في معرض المقارنة [1] غالبا. فالأولى تأخّر المأموم في التحريمة و الأفعال بمعنى شروعه

بعد شروعه و إن كان قبل فراغه و فراغه قبل فراغه. لا شروعه بعد فراغه كما قيل، لعدم الدليل.

فروع:
أ: لو خالف المأموم فيما يجب عليه من المتابعة و تقدّم و استمرّ على المخالفة

بأن يمضي في صلاته كذلك، فإن كان مع قصده العدول عن الايتمام، فإن صحّ ذلك صحّت صلاته و إلّا لم تصح.

و إن كان مع الايتمام بطلت؛ لأنّ مقتضى وجوب المتابعة حرمة الإتيان بأفعال الصلاة مقدّما على الإمام، لأنّ الأمر بالشي ء نهي عن ضدّه، فتكون الأفعال المأتية منهيّا عنها، و النهي مفسد للعبادة.

و لو لم يستمرّ عليها بل إنّما خالفه في فعل، كأن يتقدّم عليه في ركوع أو سجود أو رفع منه أو قيام، فقيل: مقتضى وجوب المتابعة فساد الصلاة مع المخالفة مطلقا، إذ معها لا يعلم كونها العبادة المطلوبة «1».

و فيه: أنّ مقتضاها العود إلى الحالة الاولى و تحصيل المتابعة دون فساد الصلاة، إذ معه تحصل المتابعة و يعلم كونها عبادة مطلوبة بعمومات الجماعة، و أصالة عدم بطلان الصلاة بمجرّد المخالفة في فعل تتبعها المتابعة الواجبة فيه.

إلّا أن تضمّ معها مقدّمة أخرى ثابتة قد تقدّمت مفصّلة مبرهنة، و هي: قاعدة بطلان الصلاة بالزيادة.

______________________________

[1] كذا، و الظاهر أنّ الصحيح: المسابقة أو ما يفيد معناها، و المراد أنّ المقارنة في معرض المسابقة.

______________________________

(1) الرياض 1: 232.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 99

فيقال: إنّه لو تقدّم في فعل فالبقاء عليه حتّى يلحق الإمام سبب لانتفاء المتابعة الواجبة، و سبب الحرام حرام. أو هو ضدّ للمتابعة و ضدّ الواجب منهيّ عنه. و عدم البقاء- الذي هو العود و اللحوق بالإمام- سبب لحصول الزيادة في الصلاة، و هي أيضا محرّمة، فهو أيضا حرام، فلم يبق إلّا إعادة الصلاة.

لا يقال: إنّها موقوفة على قطعها، و هو أيضا حرام.

لمنع عموم على حرمته يشمل

المقام. مع أنّا نقول: إنّها قد قطعت شرعا، لأنّ إتمامها منهيّ عنه إذ ليس إلّا بارتكاب أحد المحرّمين.

و لعلّ هذا أيضا مراد ذلك القائل، و ترك ذكر هذه المقدّمة لظهورها، و أراد أنّ مع ارتكاب أحد الأمرين لا يعلم أنّها العبادة المطلوبة، لاستلزام أحدهما الزيادة و الآخر المخالفة.

و حينئذ يتمّ ما ذكره، إلّا أنّه يتوقّف على ثبوت المقدّمة الاولى، و هي وجوب المتابعة مطلقا حتّى في هذا الفعل الّذي تقدّم فيه سهوا أو عمدا بعد التقدّم بأن يرجع و يتابع.

و هو ممنوع جدّا؛ إذ عمدة أدلّتها الإجماع، و انتفاؤه هنا واضح. و صدق الايتمام و عدم انتفائه بمجرّد هذا التقدّم اليسير المتعقّب للمتابعة ظاهر. و خبرا المجالس «1» ضعيفان، و انجبارهما في المقام غير معلوم، مع أنّ ثانيهما لا يدلّ إلّا على حرمة التقدّم عمدا، و هو مسلّم، و الكلام في وجوب المتابعة فيما تقدّم بعده.

و الخبران الآخران «2» موردهما غير هذه الصورة، لأنّهما وردا لحكم من فرغ قبل الإمام عن القراءة و لم يركع بعد. بل الظاهر من النبوي الأوّل أيضا ذلك، فإنّ المتبادر عنه أنّه إن لم تركعوا فاركعوا مع الإمام. مع أنّ هذه الروايات لا تشمل الرفع و القيام في المسألة أيضا.

و بالجملة: لا دليل على وجوب المتابعة في فعل حصل فيه التقدّم أصلا،

______________________________

(1) راجع ص 94.

(2) و هما موثّقتا زرارة، و عمر بن أبي شعبة، راجع ص 95.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 100

و على هذا فلا يكون لفساد الصلاة وجه أصلا.

بل هاهنا كلام آخر، و هو: أنّ الظاهر الإجماع على عدم البطلان مطلقا، إذ صرّح الكل بصحة الصلاة و لم ينقل من أحد القول ببطلانها حينئذ إلّا ما حكي

عن المبسوط أنّه قال: من فارق الإمام من غير عذر بطلت صلاته «1».

و مراده ما إذا فارقه رأسا و أتمّ الصلاة مفارقا له؛ إذ هو معنى المفارقة، أو مع عدم تمام القراءة، لأنّه قال فيه بعد ذلك: و ينبغي أن لا يرفع رأسه عن الركوع قبل الإمام، فإن رفع رأسه ناسيا عاد إليه يكون رفعه مع رفع الإمام، و كذلك القول في السجود، و إن فعل ذلك متعمّدا لم يجز له العود إليه أصلا بل يقف حتّى يلحقه الإمام «2». انتهى.

و مثله الصدوق «3».

و على هذا فلا يصحّ الحكم ببطلان الصلاة، بل اللازم الحكم بالتخيير بين العود و الاستمرار إن قلنا بوجوب المتابعة حتّى في المقام، و بوجوب الاستمرار إن قلنا بعدم ثبوته، كما هو كذلك.

و توضيح ذلك: إنّا لو سلّمنا هذه المقدّمة و ضممناها مع المقدّمة السابقة و هي حرمة الزيادة، فمقتضى المقدّمتين كما مرّ بطلان الصلاة مطلقا و وجوب الإعادة، إلّا أنّ الإجماع دلّنا على ارتفاع أحد المحذورين و وجوب أحد الأمرين من الاستمرار حتى يلحق الإمام أو العود للّحوق به، و لعدم تعيّنه علينا يحكم بالتخيير.

هذا في غير التقدّم في القيام. و أمّا فيه فالحكم التخيير مطلقا مع قطع النظر عن الإجماع أيضا، لعدم ثبوت البطلان بزيادته، كما يظهر وجهه ممّا ذكر في تحقيق الزيادة المبطلة في محلّه. و لا بهذا القدر من التقدّم فيه، لعدم ذكره في أخبار

______________________________

(1) المبسوط 1: 157.

(2) المبسوط 1: 159.

(3) لا يوجد في كتبه الموجودة بأيدينا، و انظر ما حكاه عنه في الذكرى: 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 101

المتابعة، و إنّما هو بالإجماع البسيط أو المركّب، و تحقّقه في المقام غير معلوم، و انتفاء صدق

الاقتداء بمجرّده ممنوع.

و إن لم نسلّم هذه المقدّمة، أي وجوب المتابعة حتّى في هذا الفعل الّذي حصل التقدّم فيه- كما هو كذلك أيضا- فمقتضى المقدّمة الأخرى حرمة العود؛ لاستلزامه الزيادة. و مقتضى حرمة قطع الصلاة إذا كانت مندوحة عنه كما في المقام- لجواز البقاء على الفعل- عدم جوازه، فلم يبق إلّا البقاء على الفعل حتّى يلحق الإمام، فيكون هو الواجب.

و لمّا كان الحقّ عدم ثبوت وجوب المتابعة حتّى في المورد، سيّما مع ما ذكرنا من الإجماع على عدم بطلان الصلاة مطلقا، فيكون الواجب هو الاستمرار مطلقا سواء كان التقدّم في الركوع أو السجود أو في الرفع، و سواء كان عمدا أو سهوا.

و يكون هذا هو الأصل لا يترك إلّا بدليل.

إلّا أنّه قد وردت أيضا في المسألة روايات ستّ:

الأولى: موثّقة ابن فضّال: في الرجل كان خلف إمام يأتمّ به، فركع قبل أن يركع الإمام و هو يظنّ أنّ الإمام قد ركع، فلمّا رآه لم يركع رفع رأسه ثمَّ أعاد الركوع مع الإمام، أ يفسد ذلك صلاته أم تجوز له الركعة؟ فكتب: «يتمّ صلاته و لا يفسد ما صنع صلاته» «1».

الثانية: صحيحة ابن يقطين: عن الرجل يركع مع إمام يقتدي به ثمَّ يرفع رأسه قبل الإمام، فقال: «يعيد ركوعه معه» «2».

الثالثة: رواية محمّد بن سهل الأشعري أو صحيحته، و هي أيضا نحوها «3».

______________________________

(1) التهذيب 3: 277- 811، الوسائل 8: 391 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 4.

(2) التهذيب 3: 277- 810، الوسائل 8: 391 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 3.

(3) الفقيه 1: 258- 1172، التهذيب 3: 47- 163، الاستبصار 1: 438- 1688، الوسائل 8: 390 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 8، ص: 102

الرابعة: صحيحة ربعي و الفضيل: عن رجل صلّى مع إمام يأتمّ به، فرفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود، قال: «فليسجد» «1».

و الخامسة: رواية محمّد بن عليّ بن فضّال: أسجد مع الإمام و أرفع رأسي قبله، أعيد؟ قال: «أعد و اسجد» «2».

و السادسة: موثّقة غياث: عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام، أ يعود فيركع إذا أبطأ الإمام و يرفع رأسه معه؟ قال: «لا» «3».

دلّت الاولى منها على جواز العود و عدم بطلان الصلاة بهذه الزيادة. و الثانية و الثالثة على رجحانه. و الرابعة و الخامسة على وجوبه.

و لعدم المنافاة بين الجواز و الرجحان و بين الوجوب يحمل الجميع على الوجوب.

و السادسة على عدم وجوب العود بل جواز البقاء و الاستمرار. و أمّا رجحانه أو وجوبه- كما توهّم «4»- فلا، لعدم صراحة: «لا يعود» في الوجوب، بل و لا في الرجحان في المقام، لجواز كون تجوّزه الجواز، حيث إنّ المقام مقام توهّم الوجوب.

ثمَّ إنّ من يرى أنّ المتبادر من الخمسة الأولى صورة النسيان لأنّه الغالب في التقدّم، إذ قلّ من يتقدّم عمدا، و لأنّه مقتضى حمل فعل المسلم على الصحّة، و لأنّه مورد الأولى لأنّ ظنّ تقدّم الإمام أيضا سهو، و لذا استدلّ بها في المنتهى «5» للعود إلى الركوع في صورة النسيان خاصّة، فهي أيضا شاهدة للاختصاص. و مع ذلك يرى الأخيرة غير قابلة لإثبات حكم إمّا لعدم حجّية الموثّق بنفسها أو لضعفها عن مقاومة البواقي لأكثريّتها عددا و أصحّيتها سندا و أصرحيّتها دلالة و أشهريّتها

______________________________

(1) التهذيب 3: 48- 165، الوسائل 8: 390 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 1.

(2) التهذيب 3: 280- 824، الوسائل 8: 391

أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 5.

(3) الكافي 3: 384 الصلاة ب 61 ح 14 بتفاوت يسير، التهذيب 3: 47- 164، الاستبصار 1:

438- 1689، الوسائل 8: 391 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 6.

(4) في الرياض 1: 233.

(5) المنتهى 1: 379.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 103

رواية.

يحكم بوجوب العود في صورة النسيان للروايات، و بوجوب البقاء حتّى يلحق الإمام في العمد، للأصل المتقدّم، كالمشهور.

و هذا هو مستندهم. لا ما قيل لهم من الجمع بين الروايات؛ لأنّه جمع بلا شاهد. و لا أنّ العود في العمد زيادة في الركن بلا عذر، و لا كذلك النسيان لأنّه عذر؛ لأنّ زيادة الركن عندهم مبطلة مطلقا، مع أنّ عدم جواز الزيادة في العمد لا يثبت وجوب الاستمرار، لأنّه إن كان مخالفة للإمام غير مجوّزة فلا يجوز حينئذ أيضا فيجب الحكم ببطلان الصلاة، و إلّا فيجب الحكم بجوازه في السهو أيضا.

و من يرى مع ما ذكر- من ضعف الأخيرة عن مقاومة البواقي- إطلاق البواقي أو عمومها لصورتي العمد و السهو، يحكم بوجوب العود مطلقا، كما عن المقنعة [1].

و من يرى حجّية الموثّق و صلاحيّته- مع ما ذكر من اختصاص الأخبار بصورة النسيان- للقرينة على نفي إرادة الوجوب من سائر الأخبار، سيّما مع عدم دلالة الثلاثة الأولى على الزائد على الجواز أو الرجحان فلا تعارض بينها و بينه، و مع عدم صراحة الباقيتين أيضا فيه لورودهما مورد توهم المنع.

يحكم في صورة العمد بمقتضى الأصل من وجوب الاستمرار، و في السهو باستحباب العود و جواز الاستمرار، كما عن التذكرة و النهاية «1».

و من يرى حجّية الموثّقة و كونها قرينة و إطلاق الروايات، يحكم باستحباب العود مطلقا، كالوافي و المفاتيح و شرحه

«2».

______________________________

[1] لا يوجد في باب جماعة المقنعة، و لكن نقل عنها في المدارك 4: 327 عبارة تدلّ على وجوب العود، و الصحيح أنها من كلام الشيخ (ره) في التهذيب 3: 47 كما نبّه عليه صاحب مفتاح الكرامة 3:

461.

______________________________

(1) التذكرة 1: 185، نهاية الإحكام 2: 136.

(2) الوافي 8: 1255، المفاتيح 1: 162.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 104

و من المتأخّرين من يجعل الموثّق معارضا مع البواقي لا قرينة، و لأجله يحكم بالتخيير في بعض الصور «1»، كما هو الحكم عند التعارض و عدم المرجّح.

هذا على ما ذكرنا من ثبوت الإجماع على عدم البطلان مطلقا أو عدم ثبوت وجوب المتابعة حتّى في المقام.

و من المتأخّرين من لم يثبت عنده الإجماع لتوهّم الخلاف من المبسوط «2»، و ظنّ ثبوت عموم وجوب المتابعة.

فمنهم من عمل بالأخبار في صورة النسيان ظنّا اختصاصها به و حكم بالبطلان أو احتمله في العمد «3».

و منهم من ترك الأخبار للتعارض و استشكل في المسألة، مع احتماله البطلان مطلقا و أمره بالاحتياط «4».

و منهم من ترك الأخبار لما ذكر و لكن سلّم عدم ثبوت وجوب المتابعة في حقّ الناسي، فحكم بالاستمرار له و بالبطلان للعامد. و هو الظاهر من بعض عبارات المحقّق الأردبيلي «5».

هذا كلّه على عدم الفصل بين الهويّ و الرفع، و لا بين الركوع و السجود هويّا أو رفعا.

و من المتأخّرين من فصّل بين الأوّلين أو احتمل الفصل بينهما، فحكم في الثاني بالعود وجوبا أو استحبابا أو مخيّرا- على ما أدّاه إليه نظره من التعارض- مطلقا أو في صورة النسيان، على ما رأى من إطلاق الأخبار أو اختصاصها.

و حكم في الأوّل بالتفصيل بين العمد و النسيان بحمل الرواية الأولى على صورة النسيان،

مع الحكم بالبطلان في العمد لظنّه وجوب المتابعة مطلقا إلّا ما

______________________________

(1) الذخيرة: 398، الكفاية: 31.

(2) راجع ص 100.

(3) كما هو ظاهر الذكرى: 275.

(4) انظر الذخيرة: 398.

(5) انظر مجمع الفائدة 3: 307.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 105

أخرجه الدليل، أو بالاستمرار فيه لعدم ثبوت إطلاق وجوبها. و قد يترك الرواية الأولى لعدم صحتها و يعمل في جميع صور العمد بالبطلان أو الاستمرار «1».

و منهم من احتمل الفصل بين الأخيرين أيضا، فاحتمل اختصاص مقتضى الرواية الأولى بالهويّ إلى الركوع و مقتضى الأخيرة بالرفع منه.

و لذلك حصلت عندهم في المسألة احتمالات غير عديدة و إشكالات، كما يظهر طرف منها من الرجوع إلى المنتهى و المدارك و الذخيرة و شرح الإرشاد للأردبيلي «2» و بعض كتب الشهيدين «3» و غيرها «4». و للناس فيما يعشقون مذاهب.

و التحقيق في المسألة- بعد أن يعلم أوّلا أنّ الحقّ أصالة وجوب الاستمرار لما ذكرنا أوّلا، و أنّه لا فرق بين الركوع و السجود هويّا و لا رفعا لعدم الفرق بينهما قطعا فيتعدّى حكم أحدهما في المقام إلى الآخر بالتنقيح المناط القطعي، مضافا إلى عدم القول بالفصل بينهما جزما، و تشكيك مثل صاحب الذخيرة لا يقدح في ثبوت الإجماع المركّب أصلا، و لكن لم يثبت الإجماع المركب بين الهوي و الرفع كما يظهر من المنتهى و غيره، و أنّ الموثق من الأخبار حجّة كالصحيح يصلح قرينة أو معارضا للبواقي، و أنّ تخصيص الأخبار بالنسيان تخصيص بلا بيان بل المتّجه اتّباع إطلاقها:

أنّ المتقدّم في الرفع سواء كان عمدا أو سهوا يتخيّر بين العود للأخبار الأربعة المتوسّطة، و بين الاستمرار للخبر الأخير بجعله قرينة لعدم إرادة الوجوب منها مع استحبابه سيّما في صورة النسيان لاشتهار

الرجحان.

و كذا المتقدّم في الهوي مع ظنّ تقدّم الإمام، لثبوت جواز الاستمرار بالأصل المذكور، و العود بالرواية الأولى فإنّ مفادها ليس إلّا جواز العود. و يجب

______________________________

(1) انظر الحدائق 11: 142.

(2) المنتهى 1: 379، المدارك 4: 328، الذخيرة: 398، مجمع الفائدة و البرهان 3: 307، 308.

(3) الشهيد الأول في الذكرى: 275، الشهيد الثاني في روض الجنان: 374.

(4) كالحدائق 11: 142.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 106

الاستمرار في سائر صور الهوي، للأصل المذكور، سواء كان من العمد أو النسيان.

و يوافقنا فيما ذكرناه- من العود في الرفع و الاستمرار في الهويّ- الفاضل في المنتهى «1»، إلّا أنّه قوّى ثانيا العود في الهويّ نسيانا للرواية الأخيرة، و خصّصناه بصورة المظنّة، لأنّها يمكن أن تعدّ عمدا و أن تجعل من السهو، فإنّها عمد من وجه و سهو من آخر فتتردّد بينهما. فالحكم بإلحاق جميع أفراد إحدى الصورتين بخصوصها به مشكل، و إلحاق الظانّ مطلقا بالناسي- كما في الدروس و البيان و الروضة «2»- غير واضح الدليل جدّا.

و أمّا المتقدّم في القيام فكما في الرفع يكون مخيّرا بين الأمرين مطلقا، و ظهر وجهه ممّا ذكرنا أوّلا.

ب: لو خالف المتقدّم المذكور وظيفته

فعاد مع وجوب الاستمرار عليه- و هو على ما اخترناه لا يتحقّق إلّا في أكثر صور التقدّم في الهويّ الّذي يجب عليه فيها الاستمرار، لأنّه مخيّر في البواقي- فالوجه بطلان صلاته؛ لزيادته في الصلاة الركن من دون مجوّز. و كذا فيما يجب عليه الاستمرار غير ما ذكرنا على القول به؛ لما ذكر.

أو كان العود واجبا عليه و استمرّ كما في السهو على المشهور؛ لعدم الاعتداد بما فعله أوّلا فيفوت جزء من الصلاة. و دعوى أنّ التدارك لقضاء حقّ المتابعة لا لكونه جزءا من الصلاة

ممنوعة، غايته احتمال الأمرين فلا يعلم امتثال هذا الجزء.

ج: لو تقدّم عن الإمام بتمام فعل أو فعلين ركن أو غيره

، كأن يركع قبل الإمام و يتمّ ركوعه و يرفع رأسه و يهوي للسجود قبل دخول الإمام في الركوع، أو يقوم قبله و يدخل في الركوع قبل قيام الإمام، فحكم في المنتهى بصحّة صلاته و ايتمامه و جعل حكمه حكم المتقدّم في بعض الفعل، و حكى عن الشافعي بطلان

______________________________

(1) المنتهى 1: 379.

(2) الدروس 1: 221، البيان 238، الروضة 1: 385.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 107

الصلاة بالتقدّم بركنين «1».

و الحقّ وجوب البقاء عليه فيما هو فيه حتّى يلحقه الإمام؛ للأصل المذكور.

إلّا إذا تقدّم بقدر يوجب البقاء عليه محو صورة الصلاة فيبطل ايتمامه. و هل تبطل صلاته حينئذ أم لا؟ فيه تفصيل يذكر.

د: لو تأخّر المأموم سهوا أو عمدا عن الإمام بقدر فعل أو أكثر

، ركن أو غيره، كأن يجلس للتشهّد الأوّل حتّى يدخل الإمام في الركوع أو رفع رأسه أيضا، أو يبقى قائما حتّى يرفع الإمام رأسه من الركوع، أو راكعا حتّى يسجد، أو ساجدا حتّى يتشهّد، صحّت صلاته و اقتداؤه، كما صرّح به الشهيد في الذكرى «2» و المحقّق الثاني في الجعفرية. و ظاهر الأوّل اتّفاقنا عليه. و عن التذكرة «3» التوقّف و إن يظهر منه الميل إلى الصحّة أيضا، و استبعد بعض المتأخّرين في توقّفه.

لنا: ثبوت الصحّة للصلاة و الاقتداء، و الأصل بقاؤهما حتّى جاء المزيل، و هو غير معلوم؛ إذ ليس إلّا تحقّق القدوة، و مثل ذلك التأخّر لا ينافيها؛ أو وجوب عدم التأخّر عنه بركن أو أكثر- كما قيل «4»- و هو ممنوع جدّا، و لو سلّم فيختصّ بصورة العمد و عدم العذر، و لو سلّم فإيجاب تركه لبطلان الصلاة أو القدوة ممنوع، غايته أنّه ترك واجبا و كونه جزءا للصلاة أو القدوة أو شرطا لأحدهما ممنوع غايته؛ أو ارتكب محرّما

هو التأخّر، و إبطاله لأحدهما غير ثابت، لكونه خارجا، و لا يستلزم وقوع فعل من الصلاة منهيّا عنه، لأنّ النهي إنّما تعلّق بالتأخّر و الفعل الموجب له، و أمّا ما بعده ممّا يفعله للالتحاق بالإمام فلا، فلو بقي قائما حتى يرفع الإمام رأسه يكون هذا البقاء أو القيام الزائد منهيا عنه و هو لم يكن مأمورا به، و أمّا الركوع فهو ليس تأخرا بل هو التحاق.

______________________________

(1) المنتهى 1: 379.

(2) الذكرى: 276.

(3) التذكرة 1: 185.

(4) الحدائق 11: 146.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 108

مضافا في صورة السهو إلى صحيحة عبد الرحمن: عن رجل يصلّي مع الإمام يقتدي به، فركع الإمام و سها الرجل و هو خلفه لم يركع حتّى رفع الإمام رأسه و انحطّ للسجود، أ يركع ثمَّ يلحق الإمام و القوم في سجودهم أو كيف يصنع؟

قال: «يركع ثمَّ ينحطّ و يتمّ صلاته معهم، و لا شي ء عليه» «1».

و في صورة الاضطرار إلى صحيحته الأخرى: في رجل صلّى جماعة يوم الجمعة فلمّا ركع الإمام ألجأه الناس إلى جدار أو أسطوانة لم يقدر على أن يركع و لا أن يسجد حتّى رفع القوم رؤوسهم، أ يركع ثمَّ يسجد ثمَّ يقوم في الصفّ؟ قال:

«لا بأس» «2».

ثمَّ إنّه هل يجوز التأخّر كذلك عمدا كما هو ظاهر من ذكر، أو لا كما صرّح به بعض مشايخنا الأخباريين و نقله عن المدارك أيضا؟ «3».

الحقّ هو الأوّل؛ للأصل السالم عن المعارض.

احتجّ المخالف بصحيحة معاوية بن وهب «4» المصرّحة بجواز ترك المسبوق القراءة لعدم إمهال الإمام إيّاه حتى يتمّها، و صحيحة زرارة «5» المصرّحة بجواز ترك المسبوق السورة لدرك الإمام.

و يجاب أوّلا: باحتمال عدم وجوب إتمام القراءة و السورة هنا لدرك فضيلة

موافقة الإمام و اختصاص الوجوب بغير هذه الصورة، مع أنّ في وجوب السورة حينئذ مطلقا كلاما يأتي.

______________________________

(1) التهذيب 3: 55- 188، الوسائل 8: 413 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 1.

(2) الفقيه 1: 270- 1234، التهذيب 3: 161- 347، الوسائل 7: 335 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 1.

(3) اختاره في الحدائق 11: 146، لكنّه لم ينقله عن المدارك و إنا لم نجد القول فيه.

(4) التهذيب 3: 47- 162، التهذيب 3: 274- 797، الاستبصار 1: 438- 1687، الوسائل 8:

388 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 5.

(5) الفقيه 1: 356- 1162، التهذيب 3: 45- 158، الاستبصار 1: 436- 1683، الوسائل 8: 388 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 109

و ثانيا: بعدم تصريح الروايتين بما لا يدركه المأموم مع الإمام لو أتمّ المأموم القراءة أو السورة، فلعلّ المراد أنّ الإمام يخرج من الصلاة لو قرأ الحمد أو السورة و هو غير المسألة.

نعم، يتّجه تقييد جواز التأخّر بما لم يكن كثيرا كأفعال كثيرة، لاحتمال إخلال ذلك عرفا بصدق الاقتداء. و لذا قيّد فخر المحقّقين في شرح الإرشاد جواز التأخّر حتّى فرغ الإمام عن فعل يصدق معه المتابعة.

و كذا يجب تقييد جواز التأخّر عن الركوع بما إذا أدرك جزءا من الصلاة مع الإمام قبله، و إلّا فلو أدرك الإمام و هو راكع فلا يدرك الركعة إلّا بالركوع معه، كما مرّ في بحث صلاة الجمعة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 110

المقام الثاني في آداب صلاة الجماعة، أي مستحبّاتها و مكروهاتها
أمّا المستحبّات فأمور:
منها: أن يقف المأموم عن يمين الإمام محاذيا له أو متأخرا عنه قليلا إن كان رجلا واحدا

و خلفه إن كان اثنين فصاعدا، إجماعا محقّقا و محكيّا مستفيضا في أصل رجحانه «1»، فهو الدليل فيه.

مضافا إلى المستفيضة من النصوص، كصحاح زرارة «2»، و محمّد «3» و إبراهيم بن

ميمون «4»، و روايات أبي البختري «5»، و الحسين بن سعيد «6»، و المدائني «7»، و المرويات في العلل «8»، و فقه الرضا «9»، و قرب الإسناد «10»، و المجالس للصدوق «11».

______________________________

(1) كما في الخلاف 1: 554، و التذكرة 1: 171، و الرياض 1: 234.

(2) الكافي 3: 271 الصلاة ب 54 ح 1، التهذيب 3: 24- 82 الوسائل 8: 286 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 3.

(3) الفقيه 1: 252- 1139، الوسائل 8: 297 أبواب صلاة الجماعة ب 4 ح 3.

(4) الكافي 3: 377 الصلاة ب 57 ح 3، الفقيه 1: 257، 1167، التهذيب 3: 268- 767، الوسائل 8: 333 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 6.

(5) التهذيب 3: 56- 193، قرب الإسناد: 156- 575، الوسائل 8: 341 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 2.

(6) الكافي 3: 387 الصلاة ب 62 ح 10، الوسائل 8: 344 أبواب صلاة الجماعة 24 ح 1.

(7) الفقيه 1: 258- 1174، التهذيب 3: 26- 90، الوسائل 8: 345 أبواب صلاة الجماعة ب 24 ح 2.

(8) علل الشرائع: 325- 1، الوسائل 8: 343 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 10.

(9) فقه الرضا عليه السلام: 124، مستدرك الوسائل 6: 470 أبواب صلاة الجماعة ب 21 ح 3.

(10) قرب الإسناد: 114- 395، الوسائل 8: 344 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 12.

(11) لم نجد الرواية في أمالي الصدوق.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 111

و في روايتي المدائني و ابن سعيد: أنّه إذا وقف في اليسار و الإمام علم به في الصلاة يحوّله إلى يمينه.

و على الأظهر الأشهر بل الإجماع المحقّق- لعدم انقداحه بمخالفة من شذّ و ندر- و المحكي عن ظاهر الخلاف

«1» و في صريح المنتهى «2»، في عدم وجوبه.

للإجماع المذكور، و الأصل، و الإطلاقات السالمة عن المعارض رأسا، إذ ليس إلّا ما مرّ من الأخبار، و هي بأسرها خالية عن الدالّ على الوجوب لورودها بنحو الجمل الخبرية الّتي لا تفيد عند المتأمّل أزيد من الرجحان، إلّا واحدة منها «3» آمرة للصبي بالقيام إلى الجنب. و هي غير ناهضة؛ لعدم تعلّق الوجوب بالصبي قطعا.

بل في روايتي المدائني و ابن سعيد دلالة على انتفاء الشرطية قطعا، و إلّا لبطلت صلاة الواقف على اليسار أوّلا و لم يفد التحويل في الأثناء. و به يسهل الأمر على من لا يجري الأصل في الأجزاء و الشروط أيضا، إذ ينتفي الاشتراط بهذه الرواية المنجبرة، و الوجوب التعبدي بالأصل.

مع أنّ في صحيحة الكناني: عن الرجل يقوم في الصفّ وحده، فقال: «لا بأس إنّما يبدو واحد بعد واحد» «4» دلالة على نفي الوجوب أيضا. و حملها على ما بعد [من] «5» الصفوف خاصّة- كما في الحدائق «6» لا وجه له، لإطلاقها.

ثمَّ على فرض دلالة الأخبار المذكورة على الوجوب لا تصلح لإثباته؛ لشذوذه، و مخالفته الشهرة القديمة و عمل أرباب أصولها.

______________________________

(1) الخلاف 1: 554.

(2) المنتهى 1: 376.

(3) و هي صحيحة إبراهيم بن ميمون المذكورة آنفا.

(4) التهذيب 3: 280- 828، علل الشرائع: 361- 1، الوسائل 8: 406 أبواب صلاة الجماعة ب 57 ح 2.

(5) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

(6) الحدائق 11: 90.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 112

خلافا للمحكي عن الإسكافي فقال بالوجوب «1»، و قوّاه شيخنا صاحب الحدائق؛ لما مرّ بجوابه.

و لو كان المأموم امرأة وجب تأخّرها إن قلنا بتحريم المحاذاة. و إلّا- كما هو المختار- استحبّ ذلك و إن كانت واحدة؛

لروايتي أبي العباس «2» و ابن بكير «3» و غيرهما من الروايات الغير الدالّة شي ء منها على الوجوب لمكان الخبرية، سوى واحدة آمرة بإقامة الغلمان و لو كانوا عبيدا بين أيديهنّ «4». و عدم وجوب ذلك ظاهر؛ إذ لا صلاة على الصبي. و الوجوب الشرطي أو التخييري ليس بأولى من الاستحباب، فالاستدلال بها على الوجوب غير سديد.

و منها يظهر ضعف الاستدلال بما في صحيحة علي من قيام امرأة بحيال إمام تصلّي عصرها مؤتمّة- إلى أن قال-: «و تعيد المرأة صلاتها» «5». فإنّها ليست صريحة في وجوب الإعادة.

و أضعف منها الاستدلال بصحيحة الفضيل: «المرأة تصلّي خلف زوجها الفريضة و التطوّع و تأتمّ به في الصلاة» «6».

فإنّها لا وجه لدلالتها إلّا بمفهوم اللقب الذي هو من أضعف المفاهيم.

فالقول بالوجوب- كما عن جملة من كتب الفاضلين «7»- ضعيف. مع أنّ في إرادتهما الوجوب نظرا، و لو كانت فلعلّها لقولهما بحرمة المحاذاة. و فتواهما

______________________________

(1) نقله عنه في المختلف: 160.

(2) الكافي 3: 376 الصلاة ب 57 ح 1، التهذيب 3: 267- 757 الوسائل 8: 333 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 5.

(3) التهذيب 3: 31- 112، الاستبصار 1: 426- 1645، الوسائل 8: 332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 4.

(4) الفقيه 1: 259- 1179، الوسائل 8: 343 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 9.

(5) التهذيب 3: 49- 173، الوسائل 5: 130 أبواب مكان المصلّي ب 9 ح 1.

(6) التهذيب 3: 379- 1579، الوسائل 8: 332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 1.

(7) المعتبر 2: 426، المختصر النافع: 47، نهاية الأحكام 2: 118، المنتهى 1: 376.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 113

بالكراهة في مواضع أخر لا تنافيه، لإمكان تغيّر الرأي.

فلا يكون وجوب التأخّر في الجماعة خاصة قولا. و على هذا فيتمّ المطلوب بالإجماع المركّب، لعدم القول بالفرق بين الجماعة و الانفراد، إلّا أنّ مع احتمال تفرقة الفاضلين يشكل التمسّك بالإجماع المركّب.

ثمَّ إن كانت المرأة واحدة يستحبّ لها مع التأخّر أن تقف على يمين الإمام؛ لصحيحة هشام: «الرجل إذا أمّ المرأة كانت خلفه عن يمينه يكون سجودها مع ركبتيه» «1».

و رواية الفضيل: أصلّي المكتوبة بأمّ علي؟ قال: «نعم، تكون عن يمينك يكون سجودها بحذاء قدميك» «2».

و إن كان المأموم رجلا واحدا مع النساء وقف الرجل عن يمين الإمام و النساء خلفه، كما نصّ به في رواية القاسم بن الوليد «3».

هذا كلّه إذا كان الإمام رجلا. و لو كانت امرأة تؤمّ النساء وقفن معها صفّا واحدا أو أزيد من غير أن تبرز بينهنّ مطلقا، بلا خلاف بين القائلين بجواز إمامتها، بل عن المعتبر و المنتهى «4» اتّفاقهم عليه. و هو الحجّة فيه، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة «5» الدالّة على الرجحان الغير الناهضة لإثبات الوجوب.

و منها: وقوف الإمام وسط الصفّ،

كما صرّح به الفاضل و الشهيدان «6»؛ لما رواه الجمهور عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «وسّطوا الإمام و سدّوا الخلل» «7».

______________________________

(1) الفقيه 1: 259- 1178، الوسائل 5: 225 أبواب مكان المصلّي ب 5 ح 9.

(2) التهذيب 3: 267- 758، الوسائل 8: 332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 2.

(3) التهذيب 3: 268- 763، الوسائل 8: 332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 3.

(4) المعتبر 2: 427، المنتهى 1: 377.

(5) الوسائل 8: 333 أبواب صلاة الجماعة ب 20.

(6) الفاضل في التحرير 1: 52، و الشهيدان في الذكرى: 273، و الروض: 371.

(7) سنن أبي داود 1: 182- 681.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 8، ص: 114

و مثله كاف في مقام المسامحة.

و لا ينافيه المروي في الكافي: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يصلّي بقوم و هو إلى زاوية من بيته يقرب الحائط، و كلّهم عن يمينه، و ليس على يساره أحد «1».

لأنّه واقعة في حادثة، فلعلّه لمانع من التوسيط كما في الذكرى «2».

و منها: أن يكون في الصفّ الأوّل أهل الفضل

أعني من له مزيّة و كمال من علم أو عقل أو عمل؛ لحكاية الاتّفاق عليه «3»، و لرواية جابر: «ليكن الّذين يلون الإمام أولى الأحلام منكم و النّهى، فإن نسي الإمام أو تعايا قوّموه، و أفضل الصفوف أوّلها، و أفضل أوّلها، ما دنا من الإمام» «4».

و النبوي العامي: «ليليني أولوا الأحلام ثمَّ الّذين يلونهم ثمَّ الّذين يلونهم ثمَّ الصبيان ثمَّ النساء» «5».

ثمَّ إنّ هذا الحكم إنّما هو لكلّ أهل الفضل من المأمومين و من دونهم، فيستحبّ للأوّلين المبادرة إلى الصفّ الأوّل و للآخرين تمكينهم منه. إلّا أنّه لمّا دلّ ذيل الرواية الأولى على أفضليّة أوّل الصفوف مطلقا، و كذا ما رواه الصدوق من أنّ: «الصلاة في الصفّ الأوّل كالجهاد في سبيل اللّه» «6» يتعارض المستحبّان في حقّ غير اولي الفضل، إذ المستفاد من صدر الرواية و ما بمعناها استحباب تمكينهم لأهل الفضل في الصف الأوّل، و من ذيلها و ما بمعناها استحباب الاندراج في الصفّ الأوّل لكلّ أحد، إذ لا شكّ أنّ ما ذكر من فضيلة الصفّ الأوّل لا يختصّ

______________________________

(1) الكافي 3: 386 الصلاة ب 62 ح 8، الوسائل 8: 342 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 6.

(2) الذكرى: 273.

(3) كما في الذخيرة: 395.

(4) الكافي 3: 372 الصلاة ب 54 ح 7، التهذيب 3: 265- 751، الوسائل 8: 305 أبواب صلاة الجماعة ب

7 ح 2.

(5) صحيح مسلم 1: 323- 123- 432 (بتفاوت).

(6) الفقيه 1: 252- 1140، الوسائل 8: 307 أبواب صلاة الجماعة ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 115

بأولى الفضل. فالظاهر أنّ هاهنا مستحبّين لا يمكن جمعهما لما دون أهل الفضل في جميع الأوقات، و إذ لم يثبت ترجيح لأحدهما فلهم اختيار أيّ منهما أرادوا.

و في الذكرى: و ليكن يمين الصف لأفاضل الصف الأوّل؛ لما روي من أنّ: «الرحمة تنتقل من الإمام إليهم، ثمَّ إلى يسار الصفّ، ثمَّ إلى الثاني» «1».

و لا يخفى أنّه لا دلالة له على تخصيص الميامن بالأفضل. و رجحان الأفضل للأفضل معارض بأنّ الأفضل له الفضيلة، فيرجّح ازدياد فضل لمن ليس له ذلك.

نعم يدلّ على أفضلية ميامن الصفّ الأوّل. و هو كذلك. و تدل عليها أيضا رواية سهل: «فضل ميامن الصفوف على مياسرها كفضل الجماعة على صلاة الفرد» «2».

و يظهر من ذلك و من قوله في ذيل الرواية: «إنّ أفضل أوّلها ما دنا من الإمام» أنّ أفضل الميامن ما قرب من الإمام.

و يظهر منهما أيضا تعارض الفضيلتين في أواخر الميامن و أوائل المياسر، فللاولى فضل الميمنة و للثانية فضل القرب من الإمام.

ثمَّ إنّ ما ذكر من أفضلية الصفّ الأوّل إنّما هو في غير صلاة الجنازة، و أمّا فيها فأفضل الصفوف آخرها كما نسب إلى الأصحاب جملة «3»، و دلّت عليه المعتبرة المستفيضة «4»، و بها تقيّد الإطلاقات المتقدّمة.

و منها: إقامة الصفوف و اعتدالها و سدّ الفرج الواقعة فيها

؛ لاستفاضة النصوص العاميّة و الخاصيّة.

فمن الاولى: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يسوّي صفوفنا كأنّما يسوّي القداح «5».

______________________________

(1) الذكرى: 273.

(2) الكافي 3: 373 الصلاة ب 54 ح 8، الوسائل 8: 307 أبواب صلاة الجماعة ب 8 ح 2.

(3)

الرياض 1: 235، و فيه: و ربما عزي إلى الأصحاب جملة، و لا بأس به.

(4) الوسائل 3: 121 أبواب صلاة الجنائز ب 29.

(5) صحيح مسلم 1: 324- 128، سنن أبي داود 1: 178- 663، سنن النسائي 2: 89.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 116

و قال: «أقيموا صفوفكم» «1».

و قال: «سوّوا صفوفكم فإنّ تسوية الصفوف من تمام الصلاة» «2».

و كان يمسح مناكبهم في الصلاة و يقول: «استووا و لا تختلفوا فتختلف قلوبكم» «3».

و من الثانية: صحيحة محمّد: «أقيموا صفوفكم، فإنّي أراكم من خلفي كما أراكم من قدّامي و من بين يديّ» «4».

و المروي في التهذيب: «سوّوا بين صفوفكم و حاذوا بين مناكبكم لئلّا يكون فيكم خلل» «5».

و في بصائر الصفّار: «لتقيمنّ صفوفكم أو ليخالفنّ اللّه بين قلوبكم» «6».

و فيه أيضا: «أقيموا صفوفكم إذا رأيتم خللا» «7».

و فيه أيضا: «سوّوا صفوفكم و حاذوا بين مناكبكم» [1]. إلى غير ذلك.

و منها: تقارب الصفوف بعضها من بعض

بأن لا يزيد ما بينها على مقدار مسقط جسد الإنسان؛ لرواية الدعائم المتقدّمة في مسألة تباعد المأموم و الإمام «8».

و منها: أن يمجّد اللّه المأموم بالتسبيح و نحوه إذا فرغ من قراءته قبل الإمام
اشارة

فيما تجوز فيه القراءة من خلف الإمام الغير المرضي أو المرضي، أو يمسك آية

______________________________

[1] لم نجده في البصائر، و لكنه موجود في دعائم الإسلام 1: 155. و فيه: «صلوا» بدل «سوّوا»، راجع مستدرك الوسائل 6: 506 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 8.

______________________________

(1) سنن أبي داود 1: 178- 662.

(2) صحيح مسلم 1: 324- 124، سنن أبي داود 1: 179- 668.

(3) صحيح مسلم 1: 323- 122.

(4) الفقيه 1: 252- 1139، الوسائل 8: 423 أبواب صلاة الجماعة ب 70 ح 5.

(5) التهذيب 3: 283- 839، الوسائل 8: 423 أبواب صلاة الجماعة ب 70 ح 4، بتفاوت يسير.

(6) بصائر الدرجات: 419- 2 و 3، الوسائل 8: 424 أبواب صلاة الجماعة ب 70 ح 8.

(7) بصائر الدرجات: 420- 5، الوسائل 8: 224 أبواب صلاة الجماعة ب 7 ح 9.

(8) راجع ص 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 117

و يمجّد اللّه و يثني عليه حتّى إذا فرغ الإمام قرأها و ركع معه.

و تدلّ على الأوّل رواية عمر بن أبي شعبة: أكون مع الإمام و أفرغ قبل قراءته، قال: «فأتمّ السورة و مجّد اللّه و أثن عليه حتّى يفرغ» «1».

و على الثاني: موثّقة زرارة: عن الإمام أكون معه فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ، قال: «فأمسك آية و مجّد اللّه و أثن عليه فاقرأ الآية و اركع» «2».

و الأمر فيهما و إن دلّ على الوجوب إلّا أنّه حمل على الاستحباب للإجماع على عدم الوجوب.

و منها: أن يصلّي الإمام بصلاة أضعف من خلفه

، إجماعا نصّا و فتوى كما قيل «3»؛ له و للأخبار المستفيضة.

منها: رواية ابن عمّار: «ينبغي للإمام أن تكون صلاته على أضعف من خلفه» «4».

و المروي في النهج في عهده للأشتر: «و إذا قمت في صلاتك

فلا تكن منفّرا و لا مضيّعا، فإنّ في الناس من به العلّة و له الحاجة» «5».

و الرضوي: «و إذا صلّيت فخفّف بهم الصلاة» «6».

و لو أحسّ بشغل لبعض المأمومين استحبّ التخفيف أزيد من ذلك، كما يستفاد من صحيحة ابن سنان «7» الواردة في صلاة النبي و سماعه صراخ الصبي،

______________________________

(1) التهذيب 3: 38- 134، الوسائل 8: 370 أبواب صلاة الجماعة ب 35 ح 3.

(2) الكافي 3: 373 الصلاة ب 55 ح 1 (بتفاوت يسير)، التهذيب 3: 38- 135، المحاسن:

326- 73، الوسائل 8: 370 أبواب صلاة الجماعة ب 35 ح 1.

(3) الحدائق 11: 173.

(4) الفقيه 1: 255- 1152 (بتفاوت يسير)، التهذيب 3: 274- 795، الوسائل 8: 420 أبواب صلاة الجماعة ب 69 ح 3.

(5) نهج البلاغة 3: 114 (شرح محمد عبده).

(6) فقه الرضا عليه السلام: 143، و 144، مستدرك الوسائل 6: 502 أبواب صلاة الجماعة ب 53 ح 2.

(7) التهذيب 3: 274- 796. الوسائل 8: 419 أبواب صلاة الجماعة ب 69 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 118

سيّما بزيادة ما في حديث آخر في عدّة الداعي حيث قال صلّى اللّه عليه و آله:

«خشيت أن يشتغل به خاطر أبيه» «1».

و لا شك في بقاء الاستحباب ما لم يعلم حبّ التطويل من جميع المأمومين.

و أمّا إذا علمه فاستثناه بعض الأصحاب «2» نظرا إلى أنّ الظاهر من الأخبار مراعاة حالهم لأغراضهم و حوائجهم و أمراضهم. و لا بأس به، إلّا أنّ ظاهر بعض الأخبار الإطلاق.

و منها: أن لا يقوم الإمام من مقامه بعد التسليم حتّى يتمّ من خلفه صلاته

من المسبوقين أو الحاضرين لو كان الإمام مسافرا، كما في صحيحة إسماعيل: «لا ينبغي للإمام أن يقوم إذا صلّى حتّى يقضي من خلفه كلّ ما فاته من الصلاة» «3».

[و صحيحة الحلبي] «4»: «لا

ينبغي للإمام أن ينتقل إذا سلّم حتّى يتمّ من خلفه الصلاة» «5» الحديث.

و البختري: «ينبغي للإمام أن يجلس حتّى يتمّ من خلفه صلاتهم» «6».

و موثّقة سماعة: ينبغي للإمام أن يلبث قبل أن يكلّم أحدا حتّى يرى أنّ من خلفه قد أتمّوا صلاتهم» «7».

و مقتضى الأخيرة استحباب عدم التكلّم أيضا.

و صحيحة أبي بصير: «أيّما رجل أمّ قوما فعليه أن يقعد بعد التسليم و لا يخرج من ذلك الموضع حتّى يتمّ الّذين خلفه الّذين سبقوا صلاتهم، ذلك على كلّ

______________________________

(1) عدة الداعي: 79، المستدرك 6: 503 أبواب صلاة الجماعة ب 53 ح 4.

(2) كالشهيد في البيان: 240.

(3) التهذيب 3: 49- 169، الوسائل 6: 434 أبواب التعقيب ب 2 ح 4.

(4) ما بين المعقوفين أضفناه لتصحيح المتن.

(5) الكافي 3: 341 الصلاة ب 1 ح 1، التهذيب 2: 103- 386، الوسائل 6: 433 أبواب التعقيب ب 2 ح 2.

(6) الفقيه 1: 260- 1189، الوسائل 6: 433 أبواب التعقيب ب 2 ح 1.

(7) التهذيب 2: 104- 390، الوسائل 6: 434 أبواب التعقيب ب 2 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 119

إمام واجب إذا علم أنّ فيهم مسبوقا، فإن علم أنّه ليس فيهم مسبوق بالصلاة فليذهب حيث شاء» «1».

و مقتضى ذلك و إن كان الوجوب، إلّا أنّه حمل على الاستحباب؛ للإجماع على عدم وجوب الجلوس في مورد الرواية الذي هو المسبوق و إن قيل في الإمام المسافر كما يأتي، و لموثّقة الساباطي: عن الرجل يصلّي بقوم فيدخل قوم في صلاته بعد ما قد صلّى ركعة أو أكثر من ذلك، فإذا فرغ من صلاته و سلّم أ يجوز له و هو إمام أن يقوم من موضعه قبل أن يفرغ من دخل

في صلاته؟ قال: «نعم» «2».

خلافا للمحكي عن السيّد و الإسكافي «3»، فأوجبا انتظار الإمام المسافر لتمام صلاة الحاضرين. و لم ينقل لهما مستند سوى الصحيحة، و هي- كما عرفت- مخصوصة بالمسبوق و معارضة مع الموثّق.

و منها: أن يسمع الإمام من خلفه مطلق القراءة و الأذكار الّتي يجوز الإجهار فيها

ما لم يبلغ العلوّ المفرط، و عدم إسماع من خلفه له شيئا؛ لصحيحة أبي بصير:

«ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول، و لا ينبغي لمن خلف الإمام أن يسمعه شيئا ممّا يقول» «4».

و يتأكّد الاستحباب في التشهد؛ لصحيحة البختري: «ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه التشهّد و لا يسمعونه هم شيئا» «5».

و في صحيحة أبي بصير: صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام فلمّا كان في آخر تشهّده رفع صوته حتى أسمعنا، فلمّا انصرف قلت: كذا ينبغي للإمام أن

______________________________

(1) الكافي 3: 341 الصلاة ب 1 ح 2، التهذيب 2: 103- 387. الوسائل 6: 434 أبواب التعقيب ب 2 ح 3.

(2) التهذيب 3: 273- 790، الوسائل 6: 435 أبواب التعقيب ب 2 ح 7.

(3) جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 39، و حكاه عن الإسكافي في الروض: 374.

(4) التهذيب 3: 49- 170، الوسائل 8: 396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.

(5) الكافي 3: 337 الصلاة ب 30 ح 5، الفقيه 1: 260- 1189، التهذيب 3: 102- 384 (بتفاوت يسير)، الوسائل 8: 396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 120

يسمع تشهّده من خلفه؟ قال: «نعم» «1».

و إنّما قيّدنا بما يجوز فيه الإجهار، لخروج ما لا يجوز فيه الجهر- و هو القراءة في أوليي الظهرين- بما دلّ على إخفات الإمام فيها من الأخبار المتقدّمة في المسائل المتقدّمة في قراءة المأموم، الدالّة على

أنّ الإمام أيضا يخافت في القراءة، سيّما صحيحة [ابن] يقطين المتضمّنة لقوله: عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام و صحيحة سليمان بن خالد المذكورة بعدها «2».

و بما لم يبلغ العلوّ المفرط، لأنّه قد يخرج المصلّي عن كونه مصلّيا، و لعدم معهوديّة مثله عن أحد من السلف و الخلف حتى الحجج عليهم السلام.

و أمّا في الركعتين الأخيرتين فلعدم ثبوت وجوب الإخفات فيهما، فلا بأس بالقول باستحباب جهر الإمام فيهما؛ لعموم صحيحة أبي بصير. و لأجل ذلك أفتى بعضهم باستحبابه أيضا، حيث إنّه لا يرى وجوب الإخفات فيهما مطلقا، لا أنّه يوجبه فيهما في غير الإمام و لا يوجبه في الإمام.

و منها: إنّه إذا أحسّ الإمام بدخول أحد في ركوعه يطيل ركوعه بقدري ما كان يركع

انتظارا للداخلين ثمَّ يرفع و إن أحسّ بداخل؛ لروايتي الجعفي «3»، و مروك «4».

و منها: أن يقول المأموم عند فراغ الإمام من قراءته الفاتحة: الحمد للّه ربّ العالمين

؛ لصحيحة جميل «5»، و غيرها المروي في المجمع «6» و غيره.

______________________________

(1) التهذيب 2: 102- 382، الوسائل 6: 401 أبواب التشهد ب 6 ح 3.

(2) راجع ص 86.

(3) التهذيب 3: 48- 167، الوسائل 8: 394 أبواب صلاة الجماعة ب 50 ح 1.

(4) الكافي 3: 330 الصلاة ب 26 ح 6، الفقيه 1: 255- 1151، الوسائل 8: 395 أبواب صلاة الجماعة ب 50 ح 2.

(5) الكافي 3: 313 الصلاة ب 21 ح 5، التهذيب 2: 74- 275، الاستبصار 1: 318- 1185، الوسائل 6: 367 أبواب القراءة في الصلاة ب 17 ح 1.

(6) مجمع البيان 1: 31، الوسائل 6: 368 أبواب القراءة في الصلاة ب 17 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 121

و منها: أن يكون قيام المأمومين عند قول المؤذّن: قد قامت الصلاة؛

لتصريح روايتي الحنّاط «1» و معاوية بن شريح «2» بذلك من غير معارض، مضافا إلى حكاية الإجماع عن الخلاف في أواسط كتاب الصلاة «3».

و عن المبسوط و الخلاف «4» استحباب قيامهم عند فراغ المؤذّن عن الأذان، و عن بعض آخر عند قول المقيم: حيّ على الصلاة «5»، لوجوه اعتبارية غير صالحة للاستناد.

و أمّا مكروهاتها، فهي أيضا أمور:
منها: أن يقف المأموم وحده في صفّ

، إلّا أن تمتلئ الصفوف فلا يجد موضعا يدخل فيه فإنّه يقف في صفّ وحده من غير كراهة، بالإجماع كما في المنتهى و المدارك «6»؛ له، و لرواية السكوني: «لا تكوننّ في العثكل» قلت: و ما العثكل؟

قال: «أن تصلّي خلف الصفوف وحدك، فإن لم يمكن الدخول في الصفّ قام حذاء الإمام أجزأه، فإن هو عاند الصفّ فسدت عليه صلاته» [1].

و هي دلّت على الحكمين. و نحوها في الدعائم إلى قوله: «وحدك» «7».

______________________________

[1] التهذيب 3: 282- 838، الوسائل 8: 407 أبواب صلاة الجماعة ب 58 ح 1، و في التهذيب:

العيكل. و قال العلّامة المجلسي- رحمه اللّه- في البحار 85: 117: لم أر العيكل بهذا المعنى في كتب اللغة .. و في بعض النسخ بالثاء المثلثة، و هو أيضا كذلك ليس له معنى مناسب، و لا يبعد أن يكون «الفسكل» بالفاء و السين المهملة، و هو بالضم و الكسر: الفرس الذي يجي ء في الحلبة آخر الخيل. انتهى. انظر النهاية 3: 446 و الصحاح 5: 1790.

______________________________

(1) الفقيه 1: 252- 1137، التهذيب 2: 285- 1143، الوسائل 8: 379 أبواب صلاة الجماعة ب 42 ح 1.

(2) التهذيب 3: 42- 146، الوسائل 8: 380 أبواب صلاة الجماعة ب 42 ح 2.

(3) الخلاف 1: 317.

(4) المبسوط 1: 157، و الخلاف 1: 564.

(5) نقله عنه في المختلف: 160.

(6) المنتهى 1: 377،

المدارك 4: 345.

(7) الدعائم 1: 155، مستدرك الوسائل 6: 498 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 122

مضافا في الثاني إلى المروي في الدعائم: عن رجل دخل مع القوم في جماعة فقام وحده ليس معه في الصفّ غيره و الصفّ الذي بين يديه متضايق، قال: «إذا كان كذلك صلّى وحده فهو معهم» و قال: «قم في الصفّ ما استطعت و إذا ضاق المكان فتقدّم أو تأخّر فلا بأس» «1».

و قد يستدلّ له أيضا بصحيحة الأعرج «2» و موثقته «3»، و لا يخفى أنّهما لا تدلّان إلّا على الجواز الغير المنافي للكراهة.

خلافا في الأوّل للمحكي عن الإسكافي، فحرّم القيام وحده مع وجود موضع في الصفّ «4»؛ لظاهر رواية السكوني.

إلّا أنّ اتّفاق الأصحاب على عدم وجوبه ضعّفها بالشذوذ المخرج لها عن صلاحيّة إثبات الوجوب، سيّما مع معارضتها لعموم صحيحة الكناني: عن الرجل يقوم في الصفّ وحده، فقال: «لا بأس إنّما يبدو واحد بعد واحد» «5».

ثمَّ إذا لم يجد موضعا و قام وحده قام حذاء الإمام، كما في الرواية و موثّقة الأعرج. و المراد به أن يكون موقفه بعد الصفوف محاذيا لموقف الإمام.

و منها: التنفّل بعد قول المؤذّن: قد قامت الصلاة؛ لصحيحة عمر بن يزيد: عن الرواية التي يروون أنّه لا ينبغي أن يتطوّع في وقت فريضة، ما حدّ هذا الوقت؟ قال: «إذا أخذ المقيم في الإقامة» فقال له: إنّ الناس مختلفون في الإقامة، قال: «المقيم الذي تصلّي معه» «6».

______________________________

(1) الدعائم 1: 156، مستدرك الوسائل 6: 497 أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 1 و 3.

(2) التهذيب 3: 51- 179، الوسائل 8: 405 أبواب صلاة الجماعة ب 57 ح 1.

(3) الكافي 3:

385 الصلاة ب 62 ح 3، التهذيب 3: 272- 786، الوسائل 8: 406 أبواب صلاة الجماعة ب 57 ح 3.

(4) نقل عنه الشهيد في الذكرى: 274.

(5) التهذيب 3: 280- 828، علل الشرائع 361- 1 (بتفاوت يسير). الوسائل 8: 406 أبواب صلاة الجماعة ب 57 ح 2.

(6) الفقيه 1: 252- 1136، التهذيب 3: 283- 841. الوسائل 4: 228 أبواب المواقيت ب 35 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 123

كذا ذكروه. و لا يخفى أنّ مقتضى الرواية الكراهة حين الشروع في الإقامة لا قوله: «قد قامت الصلاة» و كذا ظاهرها كراهة التنفّل في ذلك الوقت مطلقا و ظاهر كثير من الأصحاب كراهة الابتداء به، و اتّباع الرواية الصحيحة أولى، فيكره مطلق التنفّل عند الشروع في الإقامة بمعنى المرجوحية الإضافية و أقليّة الثواب، فلا تنافيها حرمة قطع النافلة أو كراهتها.

و قد حرّم التنفّل في الوقت المذكور الشيخ في النهاية و ابن حمزة على ما حكي عنهما «1». و لا مستند لهما، إذ الصحيحة لا تفيد أزيد من الكراهة.

و منها: أن يخصّ الإمام نفسه بالدعاء

؛ لمرسلة الفقيه «2».

قيل: الظاهر تخصيص الحكم بالدعاء الذي يخترعه الإمام من نفسه، أمّا لو قرأ بعض الأدعية المأثورة عن الأئمة فيأتي بالكيفية الواردة. و فيه تأمّل.

و منها: التكلّم بعد قول المؤذّن: قد قامت الصلاة

، فإنّه و إن كره في غير الجماعة أيضا إلّا أنّه فيها آكد؛ لصحيحة ابن أبي عمير: عن الرجل يتكلّم في الإقامة؟ قال: «نعم، فإذا قال المؤذّن: قد قامت الصلاة، فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلّا أن يكونوا قد اجتمعوا من شتّى و ليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض: تقدّم يا فلان» «3».

و زرارة: «إذا أقيمت الصلاة حرم الكلام على الإمام و أهل المسجد إلّا في تقديم إمام» «4».

و ظاهرهما و إن كان التحريم إلّا أنّه حمل على الكراهة؛ للإجماع على عدم الحرمة، و للجمع بينهما و بين صحيحة حمّاد: عن الرجل أ يتكلّم بعد ما يقيم

______________________________

(1) النهاية: 119، الوسيلة: 106.

(2) الفقيه 1: 260- 1186، الوسائل 7: 106 أبواب الدعاء ب 40 ح 2.

(3) التهذيب 2: 55- 189، الاستبصار 1: 301- 116، الوسائل 5: 395 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 7.

(4) الفقيه 1: 252- 1138، الوسائل 5: 393 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 124

الصلاة؟ قال: «نعم» «1».

و منها: أن يأتمّ المسافر للحاضر أو الحاضر للمسافر
اشارة

، على المعروف من مذهب الأصحاب كما في المدارك «2». بل عن المعتبر و المنتهى بل جملة من كتب الفاضل «3»، و صريح بعض المتأخّرين: الإجماع عليه.

أمّا الجواز فللأصل، و ظاهر الإجماع و العمومات.

و أمّا المستفيضة المبيّنة لكيفيّة صلاة المسافر المقتدي بالحاضر، كصحيحة الحلبي: في المسافر يصلّي خلف المقيم، قال: «يصلّي ركعتين و يمضي حيث شاء» «4». و نحوها صحيحة حمّاد «5».

و موثّقة عمر بن يزيد: عن المسافر يصلّى مع الإمام فيدرك من الصلاة ركعتين أ يجزي ذلك عنه؟ قال: «نعم» «6».

و رواية محمّد بن علي: عن الرجل المسافر إذا دخل في الصلاة

مع المقيمين، قال: «فليصلّ صلاته ثمَّ يسلّم و ليجعل الأخريين سبحة» «7».

و صحيحة محمّد: «إذا صلّى المسافر خلف قوم حضور فليتمّ صلاته ركعتين و يسلّم، فإن صلّى معهم الظهر فليجعل الأوليين الظهر و الأخريين العصر» «8» إلى

______________________________

(1) التهذيب 2: 54- 187، الاستبصار 1: 301- 1114، الوسائل 5: 395 أبواب الأذان و الإقامة ب 10 ح 9.

(2) المدارك 4: 364.

(3) المعتبر 2: 441، المنتهى 1: 373، التذكرة 1: 179، نهاية الإحكام 2: 151.

(4) الكافي 3: 439 الصلاة ب 86 ح 1، الوسائل 8: 329 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 2.

(5) التهذيب 3: 165- 357 و 227- 576، الاستبصار 1: 425- 1641، الوسائل 8: 329 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 2.

(6) الكافي 3: 439 الصلاة ب 86 ح 2، التهذيب 3: 165- 359، الوسائل 8: 331 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 7.

(7) التهذيب 3: 165- 356 و 227- 575، الاستبصار 1: 425- 1640، الوسائل 8: 330 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 5.

(8) الفقيه 1: 287- 1308، الوسائل 8: 329 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 125

غير ذلك.

فغير جيّد؛ لأنّ هذه الروايات منساقة لبيان حكم آخر غير الجواز، و هو كيفيّة اقتداء المسافر بالحاضر و بالعكس لو اتّفق، ردّا على جماعة من العامّة القائلين بأنّه إذا اقتدى المسافر بالمقيم لزمه التمام «1»، فليست صريحة الدلالة على الجواز. نعم تصلح للتأييد في تجويز إمامة الحاضر للمسافر بل في تجويز عكسه أيضا بضميمة عدم القول بالفرق.

إلّا أنّه يمكن أن يقال بمنع ظهور الروايات في السؤال عن كيفية الاقتداء خاصّة، بل الظاهر: السؤال عن مطلق ما يلزم المسافر المصلّي خلف

الحاضر الشامل للإجزاء و الكيفية، و مقتضى ترك الاستفصال عموم الحكم الذي ذكره المستلزم للجواز و الصحة، فيتمّ الاستدلال بالروايات أيضا.

و أمّا الكراهة فللشهرة الكافية في مقام التسامح، و صحيحة أبي بصير: «لا يصلّي المسافر مع المقيم، فإن صلّى فلينصرف في الركعتين» «2».

و موثّقة البقباق: «لا يؤمّ الحضري المسافر و لا المسافر الحضري، فإذا ابتلى بشي ء من ذلك فأمّ قوما حاضرين فإذا أتمّ الركعتين سلّم ثمَّ أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم، فإذا صلّى المسافر خلف قوم حضور» «3» إلى آخر ما في صحيحة محمّد.

و الرضوي: «اعلم أنّ المقصّر لا يجوز له أن يصلّي خلف المتمّم، و لا يصلّي المتمّم خلف المقصّر، فإن ابتليت بقوم لم تجد بدّا من أن تصلّي معهم فصلّ ركعتين و سلّم و امض لحاجتك» «4».

______________________________

(1) المغني 2: 130.

(2) التهذيب 3: 165- 358، الاستبصار 1: 426- 1642، الوسائل 8: 329 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 3.

(3) التهذيب 3: 164- 355 و 226- 574، الاستبصار 1: 426- 1643، الوسائل 8: 330 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 6.

(4) فقه الرضا عليه السلام: 163، مستدرك الوسائل 6: 466 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 126

خلافا في الأوّل للمحكي عن عليّ بن بابويه، فلم يجوّز إمامة المتمّم للمقصّر و لا عكسه «1»، و نسب إلى المقنعة موافقته له فيهما أيضا «2». و عن ولده فلم يجوّز الأصل في المقنع «3»؛ للروايات الثلاث الأخيرة التي هي أخصّ من العمومات السالفة، بل من الروايات المذكورة، لاختصاص المنع فيها بحال عدم الضرورة كما يدلّ عليه ذيل الموثّقة و الرضوي.

و يردّ: بعدم حجّيتها؛ لشذوذها، و معارضتها مع ظواهر الروايات المتقدّمة عليها.

مضافا إلى تضمّن الاولى للجملة الخبرية الغير الصريحة في الإيجاب، و احتمال الثانية لها أيضا المانع عن الاستدلال بها للوجوب، و ضعف الثالثة بنفسها.

و لظاهر المختلف و النافع و جماعة «4»، و صريح الديلمي «5» في الثاني، فخصّوا الكراهة باقتداء الحاضر بالمسافر؛ للأصل، و بعض الوجوه الاعتبارية، المندفعين بالإجماعات المنقولة و الشهرة المحقّقة و الأخبار الثلاثة المصرّحة. و لضعف روايات المنع، المردود بعدم ضيره في مقام الكراهة، مع أنّ منها الصحيحة و الموثقة اللتين هما بنفسهما حجّة سيّما مع اعتضادهما بالشهرة.

فرع: ظاهر عبارات كثير من الأصحاب كراهة الائتمام المذكور مطلقا

مقصورة كانت الفريضة أم لا؛ لإطلاقات الروايات المتقدّمة.

و عن السيّد و الحلّي و المعتبر و جملة من كتب الفاضل و البيان «6»، بل هو

______________________________

(1) نقله عنه في المختلف: 155.

(2) لم نجده في المقنعة، بل نقل في الحدائق 11: 154 عن المفيد كراهة ائتمام الحاضر بالمسافر و عكسه.

(3) لم نجده في المقنع، و لكن نقله عنه في المختلف 1: 155.

(4) المختلف: 155، و المختصر النافع: 48، و انظر المبسوط 1: 154، و الوسيلة: 105، و المهذب 1: 80.

(5) المراسم: 86.

(6) جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 1): 39، السرائر 1: 281، المعتبر 2: 442، نهاية الاحكام 2: 151، التحرير 1: 53، و المنتهى 1: 373، البيان: 232.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 127

المشهور- كما قيل «1»- اختصاص الكراهة بالفريضة المقصورة.

و هو الأقوى؛ للأصل، و عدم ظهور الروايات في الإطلاق لاختصاص حكم أذيالها في المقصورة، فلا بدّ إمّا من ارتكاب التخصيص في الصدر أو في موضوع الذيل و هو المستتر في قوله: «فإنّ صلّى» في الاولى، و في: «فإن ابتلى» في الثانية، و في: «إن ابتليت» في الثالثة. و ليس الثاني أولى من الأوّل فلا

يعلم الإطلاق.

و منه يظهر أنّه تدخل في غير المقصورة: الرباعية الّتي يتمّها في أحد المواطن الأربعة كما صرّح به في التذكرة «2».

و منها: أن يكون الإمام متيمّما إذا كان المأمومون متوضّئين أو غاسلين

، على المشهور المنصور؛ لرواية عبّاد: «لا يصلّي المتيمّم بقوم متوضّئين» «3».

و السكوني: «لا يؤمّ صاحب التيمم المتوضّئين» «4».

و قصورهما عن إفادة الحرمة أوجب القول بالكراهة. مضافا إلى صحيحة جميل «5»، و موثّقة ابن بكير «6»، و حسنته «7»، و رواية أبي أسامة «8»، المجوّزة لها أو

______________________________

(1) البحار 85: 56.

(2) التذكرة 1: 179.

(3) التهذيب 3: 166- 361، الاستبصار 1: 424- 1634، الوسائل 8: 328 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 6.

(4) التهذيب 3: 166- 362، الاستبصار 1: 424- 1135، الوسائل 8: 328 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 5.

(5) التهذيب 3: 167- 365، الاستبصار 1: 425- 1638، الوسائل 8: 327 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 1.

(6) التهذيب 3: 167- 364، الاستبصار 1: 424- 1637، الوسائل 8: 327 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 2.

(7) التهذيب 3: 167- 366، الاستبصار 1: 425- 1639، الوسائل 8: 327 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 3.

(8) التهذيب 3: 167- 363، الاستبصار 1: 424- 1636، الوسائل 8: 328 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 128

النافية للبأس عنها.

خلافا للمحكي عن ظاهر السيّد فحرمها «1». و هو شاذّ مردود بما مرّ.

و لبعض متأخّري المتأخّرين فنفى الكراهة «2»؛ لضعف الروايتين الأوليين سندا، و نفي الكراهة في معارضاتها مع رجحانها عليهما بالأكثريّة و الأصحّية و المخالفة للعامة.

و يردّ الأوّل: بأنّ المقام يتحمّل المسامحة.

و الثاني: بمنع نفي المعارضات الكراهة بل غايته إثبات الجواز، و نفي البأس ليس إلّا نفي العذاب.

و منها: أن يكون الإمام مملوكا

؛ لرواية السكوني: «لا يؤمّ العبد إلّا أهله» «3» القاصرة عن إفادة الحرمة المعارضة مع ما صرّح بالجواز كصحيحتي زرارة «4»، و محمّد «5»، و موثقة سماعة

«6»، و المروي في قرب الإسناد «7».

فالقول بها مطلقا كما عن ابن حمزة «8»، أو إلّا لأهله كما عن المقنع «9»، أو إلّا لمواليه كما عن المبسوط و النهاية «10»، ضعيف.

______________________________

(1) الجمل و العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 39.

(2) الحدائق 11: 227.

(3) التهذيب 3: 29- 102، الاستبصار 1: 423- 1631، الوسائل 8: 326 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 4.

(4) الكافي 3: 375 الصلاة ب 56 ح 4، الوسائل 8: 325 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 1.

(5) التهذيب 3: 29- 99، 100، الاستبصار 1: 423- 1628، 1629، الوسائل 8: 326 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 2.

(6) التهذيب 3: 29- 101، الاستبصار 1: 423- 1630، الوسائل 8: 326 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 3.

(7) قرب الإسناد: 156- 575، الوسائل 8: 326 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 5.

(8) نقل عنه في الحدائق 11: 227.

(9) المقنع: 35.

(10) المبسوط 1: 155. النهاية: 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 129

نعم مفهوم بعض الصحاح المذكورة ثبوت البأس إذا كان في المأمومين من هو أفقه منه، و لكن لا قائل بالحرمة حينئذ، فيحمل على الكراهة.

و مقتضى الرواية المذكورة اختصاص الكراهة بالإمامة لغير أهله، فالتخصيص بها أولى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 130

الفصل الرابع: في سائر أحكام صلاة الجماعة و فيه مسائل:
المسألة الأولى: لو علم المأموم كفر الإمام أو فسقه أو حدثه أو كونه على غير القبلة أو إخلاله بالنيّة بعد الصلاة لم يعدها مطلقا
اشارة

، على الأقوى الأشهر، بل وفاقا لغير من شذّ و ندر، بل بالإجماع في الأوّل كما عن الخلاف «1».

و تدلّ على الجميع: أصالة براءة الذمّة عن الإعادة، لحصول الامتثال المقتضي للإجزاء.

و على الأوّل صريحا و الثاني فحوى بل إجماعا مركّبا: مرسلة ابن أبي عمير:

في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال و كان يؤمّهم رجل، فلمّا صاروا إلى الكوفة علموا أنّه يهودي، قال:

«لا يعيدون» «2».

و المروي في الفقيه عن كتاب القندي و نوادر ابن أبي عمير: في رجل صلّى بقوم من حين خرجوا من خراسان حتّى قدموا مكة فإذا هو يهودي أو نصراني، قال: «ليس عليهم إعادة» «3».

و على الثالث: صحيحة محمّد: عن رجل أمّ قوما و هو على غير طهر فأعلمهم بعد ما صلّوا، قال: «يعيد هو و لا يعيدون» «4».

و الأخرى: عن الرجل يؤمّ القوم و هو على غير طهر فلا يعلم حتى تنقضي

______________________________

(1) الخلاف 1: 551.

(2) الكافي 3: 378 الصلاة ب 59 ح 4. التهذيب 3: 40- 141، الوسائل 8: 374 أبواب صلاة الجماعة ب 37 ح 1.

(3) الفقيه 1: 263- 1200، الوسائل 8: 374 أبواب صلاة الجماعة ب 37 ح 2.

(4) الكافي 3: 378 الصلاة ب 59 ح 1، الوسائل 8: 372 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 131

صلاته، فقال: «يعيد و لا يعيد من خلفه و إن أعلمهم أنّه كان على غير طهر» «1».

و رواية ابن أبي يعفور: عن رجل أمّ قوما و هو على غير وضوء، قال: «ليس عليهم إعادة، و عليه هو أن يعيد» «2».

و صحيحة زرارة: سألته عن قوم صلّى بهم إمامهم و هو غير طاهر، أ تجوز صلاتهم أم يعيدونها؟ فقال: «لا إعادة عليهم، تمّت صلاتهم، و عليه هو الإعادة، و ليس عليه أن يعلمهم، هذا عنه موضوع» «3».

و الحلبي: «من صلّى بقوم و هو جنب أو على غير وضوء فعليه الإعادة، و ليس عليهم أن يعيدوا، و ليس عليه أن يعلمهم و لو كان ذلك عليه لهلك» قال، قلت:

كيف يصنع بمن خرج إلى خراسان؟ و كيف يصنع بمن لا يعرف؟

قال: «هذا عنه موضوع» «4».

و موثقة ابن بكير: عن رجل أمّنا في السفر و هو جنب و قد علم و نحن لا نعلم، قال: «لا بأس» «5».

و على الرابع: صحيحة الحلبي: في الأعمى يؤمّ القوم و هو على غير القبلة، قال: «يصيد و لا يعيدون فإنّهم قد تحرّوا» «6».

و صحيحة الحلبي: عن رجل يصلّي بالقوم ثمَّ يعلم أنّه صلّى بهم إلى غير

______________________________

(1) التهذيب 3: 39- 137، الاستبصار 1: 432- 1668، الوسائل 8: 372 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 4.

(2) التهذيب 3: 39- 138، الاستبصار 1: 432- 1669، الوسائل 8: 373 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 7.

(3) التهذيب 3: 39- 139، الاستبصار 1: 432- 1670، الوسائل 8: 372 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 5.

(4) الفقيه 1: 262- 1197، الوسائل 8: 371 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 1.

(5) التهذيب 3: 39- 136 الاستبصار 1: 432- 1667، الوسائل 8: 373 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 8.

(6) الكافي 3: 378 الصلاة ب 59 ح 2، التهذيب 3: 269- 771، الوسائل 8: 339 أبواب صلاة الجماعة ب 21 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 132

القبلة، فقال: «ليس عليهم إعادة شي ء» «1» و غير ذلك.

و على الخامس: صحيحة زرارة: رجل دخل مع قوم في صلاتهم و هو لا ينويها صلاة، فأحدث إمامهم، فأخذ بيد ذلك الرجل فقدّمه فصلّى بهم، أ تجزيهم صلاتهم بصلاته و هو لا ينويها صلاة؟ فقال: «لا ينبغي للرجل أن يدخل مع قوم- إلى أن قال-: قد تجزي عن القوم صلاتهم و إن لم ينوها» «2».

خلافا للمحكي عن السيّد في المصباح في الأوّلين دون الثانيين «3»، بل صرّح فيه بعدم الإعادة

في الثالث، فنسبة الخلاف فيه أيضا إليه سهو.

و عن الإسكافي في الأوّلين مطلقا و في الثالث إن علم في الوقت «4».

لفوات الشرط الذي هو أهليّة الإمام، و للنهي عن الصلاة خلف الكافر و الفاسق.

و هما ممنوعان؛ لأنّ الشرط هو الأهليّة بحسب علم المأمومين أو ظنّهم لاستحالة التكليف بالواقع، و لأنّ النهي إنّما هو عن الصلاة خلف من يعلم كفره أو فسقه.

و لخبر العرزمي: «صلّى عليّ عليه السلام بالناس على غير طهر و كانت الظهر، ثمَّ دخل فخرج مناديه: أنّ أمير المؤمنين صلّى على غير طهر فأعيدوا» «5».

و المروي في نوادر الراوندي: «من صلّى بالناس و هو جنب أعاد هو و أعاد الناس» «6».

______________________________

(1) التهذيب 3: 40- 142، الوسائل 8: 375 أبواب صلاة الجماعة ب 38 ح 1.

(2) الكافي 3: 382 الصلاة ب 61 ح 8، الفقيه 1: 262- 1195، الوسائل 8: 376 أبواب صلاة الجماعة ب 39 ح 1.

(3) حكاه عنه في المختلف: 156.

(4) حكاه عنه في المختلف: 156.

(5) التهذيب 3: 40- 140، الاستبصار 1: 433- 1671، الوسائل 8: 373 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 9.

(6) بحار الأنوار 85: 67- 19، و لم نجده في النوادر المطبوع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 133

و خبر آخر مروي في الدعائم «1».

و يردّ الأوّل: بكونه باطلا، لمنع عصمته عليه السلام عمّا نسب إليه.

و الثانيان: بالضعف الخالي عن الجابر، مع موافقة الكلّ لمذهب أصحاب الرأي «2»، فيجب حملها على التقية.

و للمحكي في الفقيه عن جماعة من مشايخه في الأوّل، فحكموا بالإعادة فيما لم يجهر بهم من الصلاة و عدمها فيما جهر بهم «3». و ظاهره الميل إليه بل فتواه به، لخبر يدلّ عليه كما يظهر من الفقيه.

و لكنّا لم نعثر عليه.

و للمحكي عن الشيخ في الرابع، فحكم بوجوب إعادة المأمومين مع الاستدبار مطلقا، و في الوقت خاصّة مع الكون إلى يمين القبلة أو شمالها «4».

و عن الحلّي فيه، فحكم بوجوب الإعادة مطلقا في الوقت خاصّة، و نسبه إلى الشيخ أيضا «5».

و عن الإسكافي فأوجب الإعادة عليهم في الوقت مطلقا، و في خارجه إن لم يتحرّوا و تحرّى الإمام، و عليه خاصّة إن لم يتحرّ و تحرّوا «6». مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 8    134     المسألة الأولى: لو علم المأموم كفر الإمام أو فسقه أو حدثه أو كونه على غير القبلة أو إخلاله بالنية بعد الصلاة لم يعدها مطلقا ..... ص : 130

الظاهر أنّ مراد الجميع ما إذا تبع المأموم الإمام في الصلاة إلى غير القبلة كما يدلّ عليه تفصيل الإسكافي أيضا، و على هذا فيخرج عن مفروض المسألة و يدخل في مسألة من صلّى إلى غير القبلة و قد سبق حكمه.

و لا ينافيه الصحيحان، إذ لا دلالة فيهما على كون صلاة المأمومين إلى غير القبلة أيضا، فتبقى أدلّة الإعادة عليهم- مطلقا أو في بعض الصور- خالية عن المعارض.

______________________________

(1) الدعائم 1: 152، مستدرك الوسائل 6: 485 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 2.

(2) المغني 2: 55.

(3) الفقيه 1: 263: ذيل الحديث 1200.

(4) المبسوط 1: 158.

(5) السرائر 1: 289.

(6) نقله عنه في المختلف: 157.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 134

نعم لو كان المراد مفروض المسألة، و هو ما إذا صلّى المأمومون إلى القبلة دون الإمام كما إذا صلّوا في مكان مظلم أو مع حائل كما إذا كان المأمومون نسوة، فالصحيحان يردان عليهم جميعا.

فروع:
أ: لو تبيّن الخلل في أثناء الصلاة ففي جواز الانفراد، أو لزوم الاستئناف قولان.

أقواهما الأوّل؛ للأصل المتقدّم [1]، و

لرواية زرارة: عن رجل صلّى بقوم ركعتين ثمَّ أخبرهم أنّه ليس على وضوء، قال: «يتمّ القوم صلاتهم فإنّه ليس على الإمام ضمان» «1».

ب: صريح صحيحتي زرارة و الحلبي عدم وجوب الإعلام بالحال على الإمام بعد الصلاة.

و لو تذكّر الحدث في الأثناء أو عرض له حدث أو خلل يجب عليه الإعلام إجماعا ظاهرا؛ له، و لبعض الروايات، كمرسلة الفقيه: «ما كان من إمام تقدّم في الصلاة و هو جنب ناسيا أو أحدث حدثا أو رعافا أو أذى في بطنه، فليجعل ثوبه على أنفه و لينصرف و ليأخذ بيد رجل فليصلّ مكانه» «2» الحديث.

و لا ينافيه التعبير بقوله: «لا ينبغي» في صحيحة زرارة الأخيرة، لصدقه على المحرّم أيضا.

ج: حكم سائر الخلل المبطل للصلاة حكم ما مرّ

لو علمه المأموم في صلاة الإمام عمدا منه أو سهوا؛ لفحوى ما مرّ، و الإجماع المركب.

المسألة الثانية: قد عرفت إدراك المأموم الركعة بإدراك الإمام راكعا
اشارة

و فوتها بعدم إدراكه كذلك.

______________________________

[1] و هي أصالة البراءة عن وجوب الإعادة. راجع ص 130.

______________________________

(1) الكافي 3: 378 الصلاة ب 59 ح 2، الفقيه 1: 264- 1207، التهذيب 3: 269- 772 الاستبصار 1: 440- 1695، الوسائل 8: 371 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 2.

(2) الفقيه 1: 261- 1192.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 135

و على هذا لو دخل المأموم موضعا تقام فيه الجماعة و قد ركع الإمام و خاف بالالتحاق بالصفّ رفع الإمام رأسه عن الركوع فإنّه يكبّر في مكانه و يركع و يمشي في ركوعه حتّى يلتحق بالصفّ، و لو سجد الإمام قبل التحاقه جاز له السجود في موضعه ثمَّ الالتحاق بالصفّ إذا قام، بلا خلاف فيه يعرف كما قيل «1»، بل عن الخلاف و المنتهى «2» الإجماع عليه.

لصحيحة محمّد: عن الرجل يدخل المسجد فيخاف أن تفوته الركعة، فقال: «يركع قبل أن يبلغ القوم و يمشي و هو راكع حتّى يبلّغهم» «3».

و البصري: «إذا دخلت المسجد و الإمام راكع فظننت أنّك إن مشيت إليه رفع رأسه قبل أن تدركه فكبّر و اركع، فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك، فإذا قام فالحق بالصفّ، و إن جلس فاجلس مكانك فإذا قام فالحق بالصفّ» «4».

و قد يستدلّ له بصحيحة معاوية: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يوما و قد دخل المسجد لصلاة العصر، فلمّا كان دون الصفوف ركعوا فركع وحده و سجد سجدتين، ثمَّ قام فمضى حتّى لحق بالصفّ «5».

و في دلالتها نظر؛ لاحتمال أن تكون صلاته بنيّة الانفراد، بل هي كذلك.

فلو دلّت فإنّما تدلّ على جواز المشي إلى القبلة

في الصلاة في الجملة، و هي مسألة أخرى غير ما نحن فيه؛ إذ الكلام هنا في جواز الاقتداء بالإمام قبل الوصول إلى الحدّ المجوّز شرعا؛ فإنّ هنا مسألتين: إحداهما: تقدّم المصلّي من

______________________________

(1) الرياض 1: 240.

(2) الخلاف 1: 555، المنتهى 1: 382.

(3) الفقيه 1: 257- 1166، التهذيب 3: 44- 154، الاستبصار 1: 436- 1681، الوسائل 8: 384 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 1.

(4) الكافي 3: 385 الصلاة ب 62 ح 5، الفقيه 1: 254- 1148، التهذيب 3: 44- 155 الاستبصار 1: 436- 1682، الوسائل 8: 385 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 3.

(5) الكافي 3: 384 الصلاة ب 62 ح 1، التهذيب 3: 272- 785، 281- 829 الوسائل 8: 384 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 136

مكانه إمّا لسدّ خلل الصفوف أو ضيق المكان أو إتمام الصفّ أو غيره، و الأخرى:

ما لو كان بين الداخل و بين أهل الصلاة أزيد ممّا يشترط في الاقتداء من المسافة.

و الكلام هنا في الثانية، و الصحيحة لا تدلّ عليها، لعدم كون الإمام عليه السلام مقتديا.

و منه: يظهر عدم صحة الاستدلال بصحيحة محمّد: الرجل يتأخّر و هو في الصلاة؟ قال: «لا» قلت: فيتقدّم؟ قال: «نعم ماشيا إلى القبلة» «1».

و كذا يظهر ما في كلام المنتهى في هذه المسألة حيث قال: و لو فعل ذلك من غير ضرورة و خوف فوت فالظاهر الجواز خلافا لبعض العامة، لأنّ للمأموم أن يصلّي في الصفّ منفردا أو أن يتقدّم بين يديه، و حينئذ يثبت المطلوب «2». انتهى.

فإنّ ما استدلّ به هو المسألة الاولى، و هي لا تثبت الثانية.

فالمناط هو الصحيحان. و مقتضى إطلاقهما جواز الاقتداء مع خوف

الفوات و لو كان بينه و بين أهل الصلاة مسافة كثيرة.

و لا معارض له أيضا؛ إذ- كما عرفت- دليل مانعيّة التباعد منحصر في الإجماع «3» المنتفي في المقام، بل المشهور هنا خلافه، و إنّما اشترط انتفاء ما لا يجوز من التباعد الفاضل المقداد و بعض آخر «4». و لا وجه له.

مع أنّه لو كان البعد بما لا يجوز له التباعد اختيارا مانعا شرعيا هنا لما كان الحكم هنا اتفاقيا، بل كان اللازم اختصاصه بالمشهور دون من لا يجوّز التباعد بما لا يتخطّى مع أنّه لم ينقل الخلاف عنه هنا.

فروع:
اشارة

______________________________

(1) الكافي 3: 385 الصلاة ب 62 ح 2 (بتفاوت يسير)، التهذيب 3: 272- 787، الوسائل 8: 385 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 5.

(2) المنتهى 1: 382.

(3) راجع ص 66.

(4) التنقيح 1: 277، الروض: 376.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 137

أ: قيّد شيخنا الشهيد الثاني المشي حالة الصلاة بغير حالة الذكر الواجب

«1».

و لعلّ منشأه المحافظة على الطمأنينة في موضعها.

و لا يخفى أنّ ظاهر النصوص الإطلاق، و كأنّه يخصّه بأدلّة وجوب الطمأنينة.

و فيه: أنّ انتهاضها على وجوبها مطلقا حتّى في المورد غير معلوم، مع أنّ تقييد هذا الإطلاق بأدلّتها ليس أولى من العكس. فالظاهر جوازه في جميع الحالات.

ب: مقتضى صحيحة محمّد الأولى المشي للالتحاق حال الركوع.

و مقتضى صحيحة البصري تأخير الالتحاق إلى حال قيام الإمام بعد السجود.

و في رواية إسحاق: أدخل المسجد و قد ركع الإمام فأركع بركوعه و أنا وحدي و أسجد، فإذا رفعت رأسي فأيّ شي ء أصنع؟ فقال: «قم فاذهب إليهم، فإن كانوا قياما فقم معهم، و ان كانوا جلوسا فاجلس معهم» «2».

و مقتضاها تأخير الالتحاق إلى حال رفع اللاحق رأسه من السجود فيقوم فيلتحق، و إن لم يقم القوم فيجلس معهم إن كانوا جلوسا.

و مقتضى الجمع التخيير بين الأنحاء الثلاثة.

و لو مشى راكعا و لم يلحق حتّى تمَّ الركوع فالظاهر جواز المشي بعد رفع الرأس عنه قبل السجود ما لم يخف فوت السجود مع الإمام، لعدم المانع.

و لو قام للالتحاق بعد السجود حين جلوس القوم و لم يتمّ حتّى خاف فوت المتابعة في الجلوس جلس أينما بلغ ثمَّ التحق بعد القيام. و لا يبعد جواز الالتحاق ثمَّ الجلوس بنفسه للتشهّد ثمَّ القيام و إن قام الإمام قبل جلوسه.

______________________________

(1) الروض: 376.

(2) الفقيه 1: 257- 1164، التهذيب 3: 281- 830، الوسائل 8: 386 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 138

ج: المغتفر في هذا المقام لإدراكه الركعة هو التباعد.

و أمّا سائر الشرائط كعدم الحائل و عدم علو الإمام فلا دليل على اغتفاره، فلا يجوز الايتمام مع الحائل أو العلو ثمَّ المشي إلى مكان ارتفع فيه المانع بعد الركوع؛ لعموم أدلّة مانعيّتهما، و عدم ما يصلح للتخصيص، فإنّ المتبادر من الأخبار ليس إلّا اغتفار التباعد بل الظاهر من دخول المسجد الوارد في الأخبار عدم مانع آخر، لتساوي سطح المسجد الواحد، و عدم الحائل فيه غالبا في المساجد المتداولة في هذه الأعصار.

د: قد أشرنا هنا إلى مسألة أخرى هو: جواز المشي في الصلاة

إلى القبلة أو الخلف لالتحاق صفّ أو إتمامه أو ضيق مكان أو غير ذلك. و هو كذلك، للأصل، و عدم المانع، حتّى لو عدّ فعلا كثيرا، لعدم ثبوت مبطليّة ذلك بإجماع إلّا إذا انمحت به صورة الصلاة.

و تدلّ عليه صحيحة محمّد الأخيرة أيضا، و صحيحة علي: عن القيام خلف الإمام ما حدّه؟ قال: «إقامة ما استطعت فإذا قعدت فضاق المكان فتقدّم و تأخّر فلا بأس» «1».

و موثّقة سماعة: «لا يضرّك أن تتأخّر وراءك إذا وجدت ضيقا في الصف فتتأخّر إلى الصفّ الّذي خلفك، و إن كنت في صفّ فأردت أن تتقدّم قدّامك فلا بأس أن تمشي إليه» «2» و غير ذلك.

و مقتضى غير الاولى جواز التأخّر أيضا، فما في الأولى يتحمّل الكراهة.

و الاولى أن لا يكون ذلك حالة الذكر الواجب.

ه: لو كان الداخل قد دخل المسجد من قدّام الإمام جاز له التكبير و المشي قهقرى

إن أمكن ما لم تنمح به صورة الصلاة، للإطلاق.

و: يستحبّ أن يجرّ الماشي في هاتين المسألتين رجليه على الأرض

و لا يتخطّى،

______________________________

(1) التهذيب 3: 285- 799، الوسائل 8: 422 أبواب صلاة الجماعة ب 70 ح 1.

(2) التهذيب 3: 280- 825، الوسائل 8: 422 أبواب صلاة الجماعة ب 70 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 139

لمرسلة الفقيه: و روي: «أنّه يمشي في الصلاة يجرّ رجليه» «1».

المسألة الثالثة: لو كان أحد في نافلة فأحرم الإمام للصلاة قال جماعة «2»: إنّه يقطع النافلة
اشارة

إن خاف الفوات، و يدخل الفريضة مع الإمام.

و لو كان في فريضة عدل بنيته إلى النافلة، فيتمّها ركعتين و يقتدي.

أمّا الأوّل فاستدلّ له تارة بأنّ فيه تحصيلا لما هو أهمّ في نظر الشرع، فإنّ الجماعة في نظره أهمّ من النافلة.

و اخرى بفحوى الأخبار الآتية الآمرة بالعدول من الفريضة إلى النافلة، إذ هو في معنى إبطال الفريضة، فإذا جاز ذلك لدرك فضيلة الجماعة جاز إبطال النافلة لدركها بطريق أولى.

و ثالثة بصحيحة عمر بن يزيد «3» المتضمّنة للسؤال عن الرواية التي يروون أنّه لا ينبغي أن يتطوّع في وقت فريضة، ما حدّ هذا الوقت؟ قال: «إذا أخذ المقيم في الإقامة».

فإنّها دلّت على أنّه إذا أخذ المقيم في الإقامة فلا ينبغي التطوّع، و هو أعمّ من أن يبتدئ به بعد أخذ المقيم في الإقامة أو يحصل الأخذ بعد دخوله في النافلة.

و الكلّ منظور فيه: أمّا الأوّل فلمنع الأهميّة بعد الدخول، حيث إنّ قطع النافلة حرام- على ما مرّ- فالإتمام واجب، و الواجب أهمّ من المستحب.

و أمّا الثاني فلمنع كونه إبطالا للعمل- كما صرّح به في المختلف «4» و الرضوي الآتي في الحكم الثاني- بل هو تبديل، و لا نسلّم أولويّة قطع النافلة منه.

و أمّا الثالث فلمنع كونه تطوّعا بعد الدخول، بل الإتمام واجب.

و الصواب أن يستدلّ له بالرضوي: «و إن كنت في صلاة نافلة و أقيمت

______________________________

(1) الفقيه 1: 254- 1148،

الوسائل 8: 385 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 4.

(2) منهم المحقق في المعتبر 2: 445، و العلامة في المنتهى 1: 383، و صاحب الحدائق 11: 257.

(3) المتقدمة في ص 122.

(4) المختلف: 159.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 140

الصلاة فاقطعها و صلّ الفريضة مع الإمام» «1».

و ضعفه غير ضائر، لانجباره بما صرّح به بعض الأجلّة من قوله في بيان المسألة: من غير خلاف يظهر. بل بما ذكره أيضا من قوله: فالمستند لعلّه الإجماع، بل بما ذكره بعض مشايخنا من نسبته إلى الأكثر. بل بما قاله من أنّ استحباب القطع لعلّه متّفق عليه بين الجماعة «2».

و أمّا الثاني فللإجماع كما عن التذكرة و غيرها «3»، و المعتبرة من النصوص، كصحيحة سليمان بن خالد: عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة، فبينما هو قائم يصلّي إذ أذّن المؤذّن و أقام الصلاة، قال: «فليصلّ ركعتين ثمَّ ليستأنف الصلاة مع الإمام، و لتكن الركعتان تطوّعا» «4».

و موثقة سماعة: عن رجل كان يصلّي، فخرج الإمام و قد صلّى الرجل ركعة من صلاة الفريضة، فقال: «إن كان إماما عدلا فليصلّ اخرى و ينصرف و يجعلهما تطوّعا و ليدخل مع الإمام في صلاته كما هو» «5» الحديث.

و الرضوي: «و إن كنت في فريضتك و أقيمت الصلاة فلا تقطعها و اجعلها نافلة و سلّم في الركعتين ثمَّ صلّ مع الإمام» «6».

و عن المبسوط جواز قطع الفريضة من غير حاجة إلى العدول كالنافلة أيضا «7»، و قوّاه الشهيد الأوّل في الذكرى و البيان، و الثاني في الروضة «8»، إمّا مع

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 145، مستدرك الوسائل 6: 496 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 1.

(2) الرياض 1: 241.

(3) التذكرة 1: 184، الذخيرة: 401

و فيه: و هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب.

(4) الكافي 3: 379، الصلاة ب 6 ح 3، التهذيب 3: 274- 792، الوسائل 8: 404 أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 1.

(5) الكافي 3: 380 الصلاة ب 60 ح 7، التهذيب 3: 51- 177، الوسائل 8: 405 أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 2.

(6) فقه الرضا عليه السلام: 145، مستدرك الوسائل 6: 496 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 1.

(7) المبسوط 1: 157.

(8) الذكرى: 277، البيان: 130، الروضة 1: 383.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 141

خوف فوات الجماعة كبعضهم، أو مطلقا كآخر، لوجه اعتباري لا يقاوم أدلّة حرمة إبطال الصلاة، بل الرضوي الأخير المنجبر بالعمل.

فروع:
أ: جواز قطع النافلة هل هو مقيّد بخوف فوات الجماعة

، كما عن الأكثر؟

أو لا، كما عن ظاهر الشيخ و الحلّي و القاضي «1»؟

و على الأوّل، فهل المعتبر خوف فوات الركعة أو الصلاة جملة؟

مقتضى قاعدة حرمة قطع النافلة إلّا فيما ثبت الجواز الأوّل في الأوّل و الثاني في الثاني، إذ ليس على الجواز دليل تامّ سوى الرضوي المحتاج إلى الانجبار الغير المعلوم في غير حال خوف فوت الصلاة و إن كان بنفسه موافقا للإطلاق.

ب: لا شكّ في أنّ الأمر بالقطع في الأوّل و في النقل في الثاني ليس على الوجوب

، للإجماع.

و هل هو للجواز كما هو ظاهر تعبير بعضهم «2»، أو الاستحباب؟

كلّ محتمل، لأنّ الأمر في الروايات ليس باقيا على حقيقته و كلّ منهما مجازه، و شيوع التجوّز بالاستحباب يعارض كونه في مقام توهّم الحظر. فتأمّل.

ج: العدول من الفريضة هنا هل يباح مطلقا

، أو مع خوف فوات الركعة، أو فوت صلاة الجماعة كليّة؟

مقتضى إطلاق الأخبار الأوّل و لكنّ الاحتياط في الثاني.

و هل يتوقّف جواز العدول على دخول الإمام في الصلاة أو بالشروع في الإقامة أو بإتمامها؟

الأحوط الأوّل، و الأقرب الثالث، لإطلاق الأخبار سيّما الموثقة.

د: لو دخل في ركوع الثالثة من الفريضة فأقيمت الجماعة لم يجز العدول،

لخروجه عن موضع النصوص، و أصالة عدم جواز العدول.

______________________________

(1) النهاية: 118، السرائر 1: 289، المهذب 1: 83.

(2) النهاية: 118.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 142

و لو أقيمت بعد قيامه للثالثة ففي جواز النقل هنا أيضا بأن يهدمها، أو قطع الفريضة من أصلها، أولا ذاك و لا هذا بل يبقى مستمرّا، أوجه.

استقرب الفاضل في التذكرة و النهاية «1» و بعض من تأخّر منه «2» الأخير، اقتصارا فيما خالف أصل حرمة قطع الصلاة و عدم جواز العدول على المتيقّن من مورد النص و الفتوى.

و يمكن أن يقال بشمول الصحيحة لمثل هذه الصورة أيضا، فيكون جواز العدول حينئذ أيضا أوجه.

ه: لو عدل إلى النافلة فهل يجوز قطعها

لإدراك الجماعة إمّا مطلقا أو مع خوف فوات الركعة أو الصلاة.

الأقرب: لا، لعدم ثبوت الانجبار للرضوي- الذي هو مستند القطع المحرّم- في النافلة المعدول إليها أيضا، مع أنّ ظاهر الرضوي النافلة الابتدائية حيث قال: «و إن كنت في نافلة و أقيمت الصلاة».

و: لو علم فوات الجماعة أو الركعة مع العدول إلى النافلة

أيضا، كأن يفتتح بطي ء القراءة فريضة الظهر قضاء في الصبح، فافتتح الإمام [الذلق] «3» اللسان فريضة الفجر، فهل يقطع الصلاة مطلقا، أو بعد العدول إلى النافلة، أو يستمرّ على صلاته؟

الظاهر: الأخير، و وجهه ظاهر ممّا مرّ.

ز: لو كانت الفريضة الّتي يصلّيها ثنائية فهل يجوز العدول عنها إلى النافلة

إذا شرع الإمام في الصلاة؟

الظاهر: لا، لخروجه عن مورد الأخبار. و لا يقطعها أيضا، للأصل المتقدّم. بل يستمرّ على صلاته.

______________________________

(1) التذكرة 1: 184، نهاية الاحكام 2: 159.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 3: 331.

(3) في «ه» و «ح»: اللزق، و في «ق» و «س»: اللوق. و الظاهر أنّهما مصحّفان عمّا أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 143

المسألة الرابعة: إذا فات المأموم شي ء من الركعات مع الإمام صلّى ما يدركه
اشارة

و جعله أوّل صلاته و أتمّ ما بقي منها، بإجماعنا كما عن المعتبر و المنتهى و التذكرة و روض الجنان و غيرها «1».

خلافا للمحكي في المعتبر عن أبي حنيفة و أتباعه فقالوا: إنّ ما يدركه المأموم يجعله آخر صلاته إذا كان مسبوقا. فعندهم يلزم فيما أدركه ما يلزم في الأخيرتين من القراءة أو التسبيح أو السكوت، و ما انفرد به يثبت فيه ما ثبت في الأوليين.

و قد استفاضت رواياتنا في الردّ عليهم.

و على هذا فإن أدرك الثانية يجعلها أوّل صلاته لا يقرأ فيها لقراءة الإمام و يقرأ في ثالثة الإمام التي هي له ثانية.

و إن أدرك الثالثة يقرأ فيها و في رابعة الإمام التي هي لها ثانية.

و إن أدرك الرابعة قرأ فيها و في ثانية التي انفرد بها.

و يدلّ على الأوّل الرضوي: «إذا فاتك مع الإمام الركعة الأولى التي فيها القراءة فأنصت للإمام في الثانية التي أدركت، ثمَّ اقرأ أنت في الثالثة للإمام و هي لك ثنتان» «2».

و الدعائمي: في صلاة العشاء الآخرة و قد سبقه بركعة و أدرك القراءة في الثانية فقام [الإمام] في الثالثة: «قرأ المسبوق في نفسه كما كان يقرأ في الثانية و اعتدّ بها لنفسه أنّها الثانية» «3».

و على الأوّل و الثالث رواية البصري: «إذا سبقك الإمام بركعة فأدركت القراءة الأخيرة قرأت في الثالثة

من صلاته و هي ثنتان لك، فإن لم تدرك معه إلّا

______________________________

(1) المعتبر 2: 446، المنتهى 1: 383، التذكرة 1: 181، روض الجنان: 376 الرياض 1:

241.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 122، مستدرك الوسائل 6: 491 أبواب صلاة الجماعة ب 38 ح 5.

(3) الدعائم 1: 191، مستدرك الوسائل 6: 489 أبواب صلاة الجماعة ب 38 ح 1، و ما بين المعقوفين من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 144

ركعة واحدة قرأت فيها و في التي تليها» «1». الحديث.

و على الثاني: صحيحة البجلي: عن الذي يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟ فقال: «اقرأ فيهما فإنّهما لك الأوليان، و لا تجعل أوّل صلاتك آخرها» «2».

و موثقة عمّار بن موسى: عن الرجل يدرك الإمام و هو يصلّي أربع ركعات و قد صلّى الإمام ركعتين، قال: «يفتتح الصلاة فيدخل معه و يقرأ معه في الركعتين» «3».

و الدعائمي: «إذا أدركت الإمام و قد صلّى ركعتين فاجعل ما أدركت معه أوّل صلاتك، فاقرأ لنفسك بفاتحة الكتاب إن أمهلك الإمام أو ما أدركت أن تقرأ، و اجعلها أوّل صلاتك» «4».

و على الأوّل و الثاني: الرضوي: «فإن سبقك بركعة أو ركعتين فقرأ في الركعتين الأوليين من صلاتك الحمد و سورة، فإذا لم تلحق السورة أجزأك الحمد» «5».

و على الثاني و الثالث: صحيحة زرارة: «إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض، خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه، جعل ما أدرك أوّل صلاته، إن أدرك من الظهر أو العصر أو من العشاء ركعتين و فاتته ركعتان قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف الإمام في نفسه بأمّ الكتاب و سورة، فإن لم يدرك السورة تامّة أجزأته أمّ الكتاب» إلى أن قال: «و إن أدرك ركعة

قرأ فيها خلف الإمام فإذا سلّم الإمام

______________________________

(1) الكافي 3: 381، الصلاة ب 61 ح 4، التهذيب 3: 271- 780 الوسائل 8: 387 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 3.

(2) الكافي 3: 381 الصلاة ب 61 ح 1، التهذيب 3: 46- 159، الاستبصار 1: 437- 1684، الوسائل 8: 387 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 2.

(3) التهذيب 3: 247- 675، الوسائل 7: 350 أبواب صلاة الجماعة ب 29 ح 2.

(4) الدعائم 1: 192، مستدرك الوسائل 6: 490 أبواب صلاة الجماعة ب 38 ح 4.

(5) فقه الرضا عليه السلام: 144.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 145

قام فقرأ بأمّ الكتاب و سورة، ثمَّ قعد فتشهّد، ثمَّ قام فصلّى ركعتين ليس فيهما قراءة» «1».

و يظهر من هذه الصحيحة، بل من صحيحة البجلي و الدعائمي المتقدّمتين و رواية أحمد بن النضر: «أيّ شي ء يقول هؤلاء في الرجل الّذي تفوته مع الإمام ركعتان؟» قلت: يقولون: يقرأ فيهما بالحمد و سورة، فقال: «هذا يقلب صلاته، يجعل أوّلها آخرها» قلت: فكيف يصنع؟ قال: «يقرأ فاتحة الكتاب في كلّ ركعة» «2».

أنّ مرادهم عليهم السلام من جعل ما أدرك مع الإمام أوّل الصلاة القراءة فيه، و معنى: «لا تجعل أوّل صلاتك آخرها» أنّه لا تترك فيه القراءة. بل الظاهر أنّه لا معنى له غير ذلك، إذ بالقراءة تفترق الأوليين عن الأخيرتين فلا يحصل التقليب إلّا بتقليب القراءة.

و على هذا فتدلّ على المطلوب في الجميع: صحيحة الحلبي: «إذا فاتك شي ء مع الإمام فاجعل أوّل صلاتك ما استقبلت منها و لا تجعل أوّل صلاتك آخرها» «3».

و رواية طلحة: «يجعل الرجل ما أدرك مع الإمام أوّل صلاته» «4».

ثمَّ إنّ هذه القراءة للمسبوق هل هي على الوجوب؟ كما

اختاره جماعة من مشايخنا «5»، و حكي أيضا عن أعيان القدماء كالشيخ في التهذيبين و النهاية و السيّد

______________________________

(1) الفقيه 1: 256- 1162، التهذيب 3: 45- 158، الاستبصار 1: 436- 1683، الوسائل 8: 388 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4.

(2) الكافي 3: 383 الصلاة ب 61 ح 10، الفقيه 1: 263- 1202 (مرسلا)، التهذيب 3:

46- 160 الاستبصار 1: 437- 1686، الوسائل 8: 389 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 7.

(3) الفقيه 1: 263- 1198، الوسائل 8: 386 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 1.

(4) التهذيب 3: 46- 161، الاستبصار 1: 437- 1685، الوسائل 8: 389 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 6.

(5) منهم صاحب الحدائق 11: 247، و البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط)، و صاحب الرياض 1:

242.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 146

و الحلبي بل الصدوقين و الكليني «1». و إن قال شيخنا في الحدائق: و لم أقف على من صرّح بوجوب القراءة من المتقدّمين إلّا على كلام السيّد و الحلبي «2». و قال صاحب المدارك: و كلام أكثر الأصحاب خال عن التعرّض لذلك «3». و قال في المنتهى:

و نقل عن بعض فقهائنا الوجوب «4»، و هو مشعر بندرة القول به بل عدم كونه قولا لواحد من مشاهيرهم حيث نسبه إلى النقل.

أو على الاستحباب؟ كما ذهب إليه الحلّي، و الفاضل في جملة من كتبه كالمنتهى و التذكرة و المختلف، و المحقّق الأردبيلي و صاحب المدارك «5».

الحقّ هو الأوّل، للأمر بالقراءة- الّذي هو حقيقة في الوجوب- في صحيحة البجلي، و بجعل ما أدرك مع الإمام أوّل الصلاة- و معناه كما عرفت: القراءة- في صحيحة الحلبي.

و هما كافيان في إثبات المطلوب، فلا يضر كون غيرهما إمّا

ضعيفا أو خاليا عن الدالّ على الوجوب مع أنّه أيضا يؤيّد الوجوب جدّا.

و اختصاص الصحيحة الأولى بحكم الثاني- و هو ما إذا أدرك الركعتين خاصّة- غير ضائر، لعدم القول بالفصل قطعا. مع أنّ التعليل المذكور بقوله:

«فإنّهما لك الأوليان» يجري في الجميع، فيثبت به الحكم فيه، كما بالصحيحة الأخرى أيضا و عموم ما دلّ على وجوب القراءة.

______________________________

(1) التهذيب 3: 46، الاستبصار 1: 437، النهاية: 115، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 41، الحلبي في الكافي في الفقه: 145، الصدوق في الفقيه 1: 263، و لم نعثر على قول والده كما نسبه في الرياض 1: 242 إلى الصدوق فقط، الكليني في الكافي 3: 381.

(2) الحدائق 11: 242.

(3) المدارك 4: 383.

(4) المنتهى 1: 384.

(5) الحلي في السرائر 1: 286، المنتهى 1: 384، التذكرة 1: 182، المختلف: 159، المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 3: 327، المدارك 4: 383.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 147

و قد يستدلّ أيضا بقوله: «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» «1».

و فيه نظر، إذ لا يتعيّن أن يكون ذلك في الأوليين. مع أنّ فاتحة الإمام و لو في اولييه كافية في صدق الكلام.

احتجّ من قال بالاستحباب: بالأصل، و عموم ما دلّ على سقوط القراءة خلف الإمام المرضي، المخصّص به عموم موجبات القراءة و المعارض به الأوامر المذكورة، فيدور الأمر بين تخصيص عمومات السقوط أو جمل تلك الأوامر على الندب و لا أولويّة، فيبقى الأصل خاليا عن المعارض.

مع أنّ قرينة الندبية لها موجودة، و هي انضمامها بما هو للندب قطعا كالتجافي و غيره، و بالأمر بالقراءة في النفس التي هي غير القراءة الحقيقة المختلفة في وجوبها، بل هي غير واجبة إجماعا.

و

يردّ الأصل بما مرّ.

و العموم- لو سلّم- بوجود المخصّص، و هو ما ذكر، فإنّه أخصّ مطلقا من هذه العمومات فيجب التخصيص به. و هو في مثل تلك الصورة أولى من التجوّز بحمل الأمر على الندب إجماعا، كما بيّن في الأصول. و لولاه لانسدّ باب التخصيص بالخاصّ المطلق، إذ ما من خاص إلّا و يحتمل ارتكاب تجوّز البتة.

و أمّا القرينتان المذكورتان فغير صالحتين لما راموه:

أمّا الاولى فلأنّ خروج بعض الأوامر مخرج الاستحباب بقرينة لا يقتضي انسحابه فيما لا قرينة له، و إنّما هو مسلّم إذا كان الأمر الواحد واردا على أمور متعدّدة بعضها كان غير واجب قطعا، و هاهنا ليس كذلك بل الأمر متعدّد. مع أنّه معارض بتضمّن بعض الأخبار لما هو للوجوب قطعا.

هذا كلّه، مع أنّ في صحيحة البجلي التي هي العمدة وقع الأمر بالقراءة فيها في سؤال منفصل على حدة غير السؤال المشتمل على الأمر بالتجافي، و ظاهر أنّ اشتمال الرواية على أسئلة متعددة عن أحكام متباينة شائع ذائع. مع أنّ في

______________________________

(1) العوالي 1: 169- 2، مستدرك الوسائل 4: 158 أبواب القراءة ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 148

استحباب التجافي خلافا أيضا.

و أمّا الثانية فلأنّ معنى القراءة في النفس لا يتعيّن أن يكون هو القراءة القلبيّة، إذ يمكن أن يكون المراد منها الإخفاء بها كما شاع التعبير به عنها في الأخبار، و منها: ما ورد في الصلاة خلف المخالف مع الاتّفاق على وجوب القراءة الحقيقية فيها.

مع أنّ القراءة في النفس بالمعنى الّذي فهموه ليست قراءة حقيقة، و ليس حملها على هذا المعنى و إخراج القراءة عن حقيقتها بأولى من حملها على الإخفاء.

و لو سلّم فيكون مقتضاها وجوب القراءة النفسية أو

استحبابها، و هذا ممّا لم يقل به أحد، و كيف يصير ذلك قرينة على استحباب القراءة اللفظية؟! و لو سلّم استحباب ذلك أو وجوبه فأيّ منافاة بينه و بين وجوب القراءة اللفظية حتّى يصير قرينة على استحبابها في سائر الأخبار؟! ثمَّ الواجب هل هو قراءة الحمد خاصّة- كما يقتضيه استدلال بعضهم بحديث: «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب»- أو مع السورة؟

الظاهر: الثاني و إن كانت القراءة في صحيحة البجلي مطلقة، لأنّ التعليل المذكور فيها يدل على أنّ المراد منها الحمد و السورة، و كذلك الأمر بجعل الركعتين أوّل الصلاة.

إلّا أن يقال بعدم ثبوت وجوب السورة في مطلق الأوليين حتّى في مثل المسألة، لما عرفت في بحث السورة من انحصار دليل وجوبها برواية مختصّة بصلاة المنفرد الموجبة لانضمام الإمام أيضا بالإجماع المركّب الغير المعلوم تحقّقه في المقام.

و على هذا فعدم الوجوب أظهر بل تكون مستحبة.

و لا ينافيه مفهوم قوله: «أجزأته أمّ الكتاب» في الصحيحة، لجواز كون المراد الإجزاء من الأمر الندبي.

فروع:
أ: لو ضاق الوقت عن قراءة الحمد و السورة

بأن لو قرأهما لم يدرك الإمام في

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 149

الركوع اكتفى بالحمد خاصّة، كما صرّح به في صحيحة زرارة. و لكن ذلك على الجواز أو الاستحباب دون الوجوب، لما عرفت سابقا من عدم ثبوت وجوب المتابعة بعدم التأخّر «1».

و مقتضى الأصل و الصحيحة أنّه لو علم عدم إدراك تمام السورة أجزأته الفاتحة، و لو أدرك بعض السورة فليس عليه قراءته.

إلّا أنّ موثّقة الساباطي: عن الرجل يدرك الإمام و هو يصلّي أربع ركعات و قد صلّى الإمام ركعتين، قال: «يفتتح الصلاة و يدخل معه و يقرأ خلفه في الركعتين، يقرأ في الأولى الحمد و ما أدرك من سورة الجمعة و يركع مع الإمام،

و في الثانية الحمد و ما أدرك من سورة المنافقين و يركع مع الإمام» «2».

تدلّ على استحباب قراءة البعض أيضا. و هو كذلك، لذلك.

و لا تنافيه الصحيحة، لأنّ الإجزاء لا يفيد أزيد من الرخصة. نعم لو أريد الوجوب لحصلت المنافاة، و لكن لا دليل عليه، و لا تثبته الموثّقة أيضا، لمكان الجملة الخبرية، مضافا إلى أنّ متعلّقها قراءة بعض سورة الجمعة و المنافقين، و هو غير واجب البتّة.

و لو ضاق عن قراءة الحمد أيضا فهل يقرأ و إن فاته إدراك الركوع فيقرأ و يلحقه في السجود، أو يترك الفاتحة و يدرك الركوع؟

الحقّ: الأوّل، لوجوب القراءة بما مرّ، و عدم دليل على السقوط أصلا سوى ما يأتي ضعفه.

و قيل بالثاني «3»، لوجوب المتابعة و انفساخ القدوة بالإخلال بها في ركن.

و لصحيحة ابن وهب: عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام و هي أوّل صلاة

______________________________

(1) راجع ص 107.

(2) التهذيب 3: 247- 675، الوسائل 7: 350 أبواب صلاة الجماعة ب 29 ح 2.

(3) الرياض 1: 242.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 150

الرجل فلا يمهله حتّى يقرأ فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال: «نعم» «1» فإنّ المراد بعدم الإمهال عدم درك الركوع.

و مفهوم الشرط في الدعائمي الثاني «2».

و يردّ الأوّل: بعدم ثبوت وجوب هذه المتابعة، كما مرّ في مسألتها.

و الثاني: بعدم دلالته على وجوب ترك الحمد و الالتحاق أوّلا، و عدم تعيّن ما لا يدركه المأموم بإتمام الحمد ثانيا، فلعلّه الركوع أو هو مع السجدتين أو هما مع بقية الصلاة، فلا يثبت شيئا نافعا، و عدم دلالتها على المطلوب إلّا بالتقرير على الاعتقاد ثالثا، و في حجّيتها كلام سيّما مع كون أكثر صلوات أصحابهم عليهم السلام مع المخالفين و

قد صرّحت الأخبار بأنّهم يجعلون أوّل صلاتهم آخرها فلا يقرؤون فيها، فكان في تقريرهم على ذلك الاعتقاد حقنا لدمائهم و حفظا لتقيّتهم، بل في الجواب إشعار بذلك حيث قرّره فيه على القضاء في الآخر الّذي من مذهب العامة و ليس في مذهبنا.

و الثالث: بعدم حجية رواية الدعائم، سيّما مع عدم ثبوت جابر لها أصلا.

ب: لا خفاء في أنّه لو كانت الصلاة إخفاتية يخفت المأموم القراءة

في ذلك المورد. و لو كانت جهريّة ففي وجوب الإخفات كما عن صريح السيّد «3»، أو استحبابه كما هو ظاهر بعضهم «4» قولان.

أظهرهما: الثاني.

أمّا عدم وجوب الجهر فللأصل الخالي عن المعارض، لاختصاص أدّلة وجوب الجهر بغير ذلك المورد كما مرّ في بحثه، و عدم ثبوت الإجماع المركّب بل

______________________________

(1) التهذيب 3: 47- 162، 274- 797، الاستبصار 1: 438- 1687، الوسائل 8: 388 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 5.

(2) تقدّم في ص 144.

(3) جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 41.

(4) الرياض 1: 242.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 151

وجود القول بعدم وجوبه، بل الظاهر: الإجماع على عدم الوجوب، لعدم نقل قول بوجوبه هناك أصلا.

و أمّا عدم وجوب الإخفات فللأصل أيضا مع عدم دليل على الوجوب.

و أمّا استحبابه فلصحيحة زرارة المتقدّمة المشتملة على الجملة الخبرية «1»، و مراعاة ما يستحبّ اتفاقا من عدم إسماع المأموم الإمام شيئا.

ج: صرّح في الحدائق و بعض آخر من مشايخنا بأنّ وجوب القراءة على المسبوق إذا أدرك الأخيرتين

إنّما هو إذا أدرك الإمام قبل دخوله في الركوع كما ذكره الأوّل «2»، أو قبل تكبيره للركوع كما قاله الثاني «3». و أمّا إذا أدركه بعد ذلك فتتمّ له الركعة و لا قراءة عليه و يكتفي بالقراءة في الركعة اللاحقة لها. و هو كذلك.

و الوجه فيه: أنّ وجوب القراءة إنّما هو إذا أدرك الركعة، و إدراك الركعة إذا كان الإمام في الركوع موقوف على اللحوق معه في الركوع، كما صرّحت به الأخبار الصحاح المستفيضة، المتقدّمة في مسألة إدراك الركعة من صلاة الجمعة، و القراءة حينئذ غير ممكنة، فالأمر بالقراءة مقيّد بغير هذه الحالة.

فقوله في صحيحة البجلي التي هي الأصل في وجوب القراءة: عن الّذي يدرك الركعتين الأخيرتين كيف يصنع بالقراءة؟ قال: «اقرأ فيهما» «4» لا يمكن أن يكون

المراد به الّذي يدركهما و لو مع كون الإمام في الركوع، إذ لا يتحقّق الإدراك حينئذ إلّا بإدراك الركوع و لا تتيسّر القراءة حينئذ غالبا سيّما بملاحظة الأخبار التي وردت في مقدار تطويل الإمام الركوع للمسبوقين «5».

فالمراد منه: الّذي يدركهما و تتيسر له القراءة فيهما قبل ركوع الإمام أو بعد إتمامه أيضا. فلو أدركت يسيرا قبل الركوع يأتمّ و يقرأ و إن لحق بعد إتمام الإمام

______________________________

(1) راجع ص 144.

(2) الحدائق 11: 248.

(3) الرياض 1: 242.

(4) تقدمت في ص 144.

(5) الوسائل 8: 394 أبواب صلاة الجماعة ب 50.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 152

الركوع، إذ وجوب إدراكه في الركوع إنّما هو إذا افتتح المأموم الصلاة حال ركوع الإمام. و لو أدركه في الركوع يأتمّ و يركع. و كذا الحال في سائر أخبار القراءة.

و بتقرير آخر: لو أدرك المأموم الإمام في ركوع إحدى الركعتين الأخيرتين أو في تكبيره فلا يخلو إمّا يمكنه شرعا إدراك الركعة، أو لا. و الثاني باطل بالإجماع و الأخبار المستفيضة، فبقي الأوّل. و عليه فإمّا يدركها مع وجوب القراءة عليه بأن لا يلحق في الركوع، أو مع عدم وجوبها. و الأوّل باطل، لصريح الأخبار سيّما ما دلّ على أنّه تجزيه تكبيرة واحدة للتحريمة و تكبيرة الركوع كرواية ابن شريح «1».

فتعيّن الثاني و هو المطلوب. و لا يمكن القول بعدم إدراك الركعة إذا أدرك الإمام في الركوع أو تكبيره، لمخالفته الإجماع بل المستفيضة من الصحاح.

فإن قلت: مدلول أخبار إدراك الركعة بإدراك الركوع أنّ كلّ من افتتح الصلاة حال ركوع الإمام و ركع معه أدرك الركعة مع أنّه لا تتيسر له القراءة، سواء كان الإمام في الركعتين الأوليين أو الأخريين، و لازمها بل صريحها

عدم وجوب القراءة. و مدلول أخبار القراءة أنّ كلّ مدرك للركعتين الأخيرتين تجب عليه القراءة سواء أدركه في الركوع أو غيره، و لكن في الأوّل لا يمكنه القراءة فيلزمه عدم كونه مدركا للركعة إذا كان ذلك في الركعتين الأخيرتين، فيتعارضان، فما وجه الترجيح؟

قلنا: لا شكّ أنّ وجوب القراءة مقيّد بالإمكان قطعا فلا يشمل ما إذا أدرك الإمام في الركوع إذ لا إمكان حينئذ فلا تعارض. مع أنّه على التعارض تترجّح أخبار إدراك الركعة بالإجماع على إدراكها لو أدرك الإمام في الركوع أو تكبيره و ركع معه.

د: لو لحق المسبوق في الركعة الثانية يستحبّ له أن يقنت مع الإمام إذا قنت

، كما صرّح به جماعة من الأصحاب «2»، و نصّ عليه موثقة عبد الرحمن بن أبي

______________________________

(1) الفقيه 1: 265- 1214، التهذيب 3: 45- 157، الوسائل 8: 393 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 6.

(2) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 3: 328، و صاحب الذخيرة: 401، و صاحب الحدائق 11: 249، و صاحب الرياض 1: 242.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 153

عبد اللّه «1».

ه: يجب على المسبوق الجلوس إذا جلس الإمام للتشهد،

لوجوب المتابعة في الأفعال التي منها الجلوس و القيام. و تجويز القيام بعد رفع الرأس من السجدة قبل التشهد على القول بعدم وجوب المتابعة في الأقوال- كما في الذخيرة «2»- لا وجه له، لأنّه من باب المتابعة في الأفعال. نعم، لا يبعد التأمّل في الوجوب من جهة عدم انتهاض أدلّة وجوب المتابعة لإثبات ذلك أيضا.

و يستحبّ أن يكون حين الجلوس متجافيا مقعيا، وفاقا للأكثر، لقوله في صحيحة البجلي الواردة في المسبوق بركعة: كيف يصنع إذا جلس الإمام؟ قال:

«يتجافى و لا يتمكّن من القعود» «3».

و في صحيحة الحلبي: «و من أجلسه الإمام في موضع يجب أن يقوم فيه تجافى و أقعى إقعاء و لم يجلس متمكّنا» «4».

و عن الصدوق وجوبه للروايتين «5». و هما قاصرتان عن إفادته، لخلوّهما عن الأمر.

و: و تستحبّ له المتابعة في التشهد

و إن لم يكن موضعه للمأموم، لموثقة ابني المختار و الحصين: عن رجل فاتته ركعة من المغرب مع الإمام و أدرك الثنتين فهي الاولى له و الثانية للقوم يتشهّد فيها؟ قال: «نعم» قلت: و الثانية أيضا؟ قال:

«نعم» قلت: كلّهنّ؟ قال: «نعم، فإنّما هو بركة» «6».

______________________________

(1) التهذيب 2: 315- 1287، الوسائل 6: 287 أبواب القنوت ب 17 ح 1.

(2) الذخيرة 1: 401.

(3) الكافي 3: 381 الصلاة ب 61 ح 1، التهذيب 3: 46- 159، الاستبصار 1: 437- 1684، الوسائل 8: 387 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 2.

(4) الفقيه 1: 263 بعد حديث 1198، الوسائل 8: 418 أبواب صلاة الجماعة ب 67 ح 2.

(5) الفقيه 1: 263.

(6) التهذيب 3: 56- 196، 3: 281- 832، المحاسن: 326- 72، الوسائل 8: 416 أبواب صلاة الجماعة ب 66 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 154

و رواية إسحاق بن

يزيد: يسبقني الإمام بركعة فتكون لي واحدة و له ثنتان، أ فأتشهّد كلّما قعدت؟ قال: «نعم فإنّما التشهد بركة» «1».

خلافا للمحكي عن جماعة، فمنعوا عن قول التشهد و أثبت بعضهم بدله التسبيح «2».

و لا وجه له بعد دلالة الروايتين عليه سوى ضعفهما الغير الضائر عندنا.

ز: يجوز له الجلوس حال تسليم الإمام

، بل الظاهر استحبابه، لقوله في صحيحة زرارة الواردة في المسبوق «3»: «فإذا سلّم الإمام قام فقرأ بأمّ الكتاب».

و لا يجب البتة، لخروج السلام عن الصلاة بل يجوز له القيام قبله.

و لو جلس لم يسلّم هو، لما ورد من أنّه به تنقطع الصلاة «4».

ح: إذا جاء محلّ تشهّد المأموم فليلبث قليلا

إذا قام الإمام بقدر التشهد المجزي، ثمَّ يلحقه إجماعا، له و لصحيحة البجلي «5».

المسألة الخامسة: قد عرفت في بحث صلاة الجمعة إدراك المأموم الركعة بإدراكه الإمام قبل رفع رأسه من الركوع.

و لو أدركه بعد ذلك فلا خلاف في عدم إدراكه الركعة، و الأخبار المتقدّمة في البحث المذكور تدلّ عليه، إلّا أنّه تستحبّ له المتابعة.

و التفصيل: أنّه إمّا يكون قبل السجدة، أو بعدها.

______________________________

(1) الكافي 3: 381 الصلاة ب 61 ح 3، التهذيب 3: 270- 779، الوسائل 8: 417 أبواب صلاة الجماعة ب 66 ح 2.

(2) منهم الحلبي في الكافي في الفقه: 145، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية) 560، و ابن حمزة على ما نقله عنه في الذكرى: 278.

(3) المتقدّمة في ص 144.

(4) التهذيب 2: 93- 349، الاستبصار 1: 347- 1307، الوسائل 6: 421 أبواب التسليم ب 2 ح 8.

(5) المتقدّمة في ص 144.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 155

فعلى الأوّل يستحبّ له التكبير و الدخول مع الإمام في السجدتين بغير ركوع إن لم يركع، و إن ركع بظنّ الإدراك فلم يدرك هوى إلى السجود، بلا خلاف فيه على الظاهر كما صرّح به جمع «1».

أمّا التكبير فلفتوى الجماعة التي هي كافية في مقام المسامحة.

و قيل: لا يكبّر كما نقله بعض الأجلّة، لأنّه لا اعتداد بهذا السجود. و هو لنفي استحبابه غير صالح.

و أمّا السجود معه فلها، و لرواية المعلّى: «إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته و قد رفع رأسه فاسجد معه و لا تعتدّ بها» «2».

و رواية ربعي و الفضيل: «و من أدرك الإمام و قد رفع من الركوع فليسجد معه و لا يعتدّ بذلك السجود» «3».

و ضعفهما- لو كان- غير ضائر، لوجوه عديدة.

و قد يستدلّ أيضا بفحوى صحيحة محمّد: متى يكون يدرك الصلاة مع الإمام؟ قال: «إذا أدرك الإمام و

هو في السجدة الأخيرة من صلاة فهو مدرك لفضل الصلاة مع الإمام» «4».

فإنّه إذا أدرك الفضل مع درك الإمام في السجدة الأخيرة ففي ما قبلها بالطريق الأولى.

و فيه: أنّه يمكن أن يكون المعنى أنّه إذا بادر أحد إلى صلاة الجماعة و لم يبلغها فله فضل الجماعة إن أدرك الإمام في السجدة الأخيرة و لو لم يدخل معه، و فحواه إدراك الفضيلة بدركه قبل ذلك أيضا لا أنّه يستحبّ الدخول معه. مع أنّه

______________________________

(1) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 3: 334، و صاحبا الحدائق 11: 251، و الرياض 1: 242.

(2) التهذيب 3: 48- 166، الوسائل 8: 392 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 2.

(3) التهذيب 3: 48- 165، و فيه: «و قد رفع رأسه ..»، الوسائل 8: 390 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ذ ج 1.

(4) التهذيب 3: 57- 197، الوسائل 8: 392 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 156

على فرض إرادة الدخول فالأولويّة ممنوعة، إذ يمكن تجوّز التكبير و النيّة في السجدة الأخيرة من غير استئناف الصلاة دون ما قبلها كما جوّزه بعضهم «1» لعدم زيادة الركن حينئذ.

خلافا للمحكي عن المختلف «2»، فتوقّف في استحباب الدخول معه، لصحيحتي محمّد:

الأولى: «إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل في تلك الركعة» «3».

و الأخرى: «إن لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل في تلك الركعة» «4».

و أجيب عنهما بالحمل على الكراهة «5»، و لعلّ المراد منها المرجوحيّة الإضافية، و إلّا فهي للاستحباب منافية.

و الأولى أن يجاب بأنّ المنهي عنه فيهما الدخول في تلك الركعة، و عدم جوازه مسلّم، و هو غير مجرّد المتابعة، و تفصح عنه

صحيحة ثالثة لمحمّد: «لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام» «6».

ثمَّ بعد فراغ الإمام من هذه الركعة يستأنف الصلاة بنيّة و تكبيرة مستأنفة، مقتديا بالإمام إن شاء إن لم يكن ركعته الأخيرة، و منفردا إن كانت الأخيرة. فلا يكون ما فعل جزءا من الصلاة وفاقا للأكثر.

لعدم ثبوت التعبّد للصلاة بمثل ذلك، مع وجود المانع و هو حصول الزيادة عمدا في الصلاة و هي لها مبطلة.

______________________________

(1) الذخيرة: 401.

(2) المختلف: 158.

(3) الكافي 3: 381 الصلاة ب 61 ح 2، الوسائل 8: 381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 4.

(4) التهذيب 3: 43- 149، الاستبصار 1: 434- 1676، الوسائل 8: 381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 2.

(5) المدارك 4: 385.

(6) التهذيب 3: 43- 150، الاستبصار 1: 435- 1677، الوسائل 8: 381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 157

خلافا للمحكي عن الشيخ و الحلّي «1»- و إن ذكر في الذكرى أنّ كلام الشيخ ليس بصريح في عدم الاستئناف «2»- فينوي في الأوّل للصلاة و لا يستأنف الصلاة قيل: لاغتفار الزيادة في المتابعة «3».

و هو كان حسنا لو كان هناك دليل على كون ما فعل من الصلاة، و لم يوجد شي ء سوى الخبرين، و هما لا يدلّان إلّا على مطلوبيّة السجود مع الإمام، و هي لا تلازم كونه من الصلاة حتّى يستلزم اغتفار الزيادة.

قيل: السكوت عن الأمر بالاستيناف دليل على عدم لزومه، لورود النصّ مورد الحاجة «4».

قلنا: ممنوع، و أيّ حاجة في الأمر بالاستئناف إذا أمر بشي ء مستحبّ قبل الصلاة؟

مع احتمال عدم السكوت بعد الإتيان بقوله: «و لا تعتدّ بها» في الرواية الأولى، لاحتمال رجوع الضمير فيها إلى الصلاة، بل

استدلّ به على الاستئناف.

و لكنّه ضعيف، لاحتمال رجوعه إلى الركعة أيضا، فلا ينافي عدم الاستئناف. مع أنّ هذا الاحتمال أولى، لكون المرجع- عليه- مذكورا قبل الضمير صريحا، بخلاف الأوّل لعدم سبق ذكر له قبله إلّا ضمنا.

قيل: قوله: أدركته و أدرك في الروايتين يدلّان على أنّه يدخل في الصلاة فينوي و يكبّر تكبيرة الإحرام، لأن الإدراك كناية عنه، و بعد الدخول فيها يحتاج الخروج إلى الدليل، بل لو احتاج إلى استئناف لوجب بيانه حينئذ «5».

قلنا: لا نسلّم أنّ ذلك معنى الإدراك، ألا ترى قوله في آخر رواية ابن

______________________________

(1) الشيخ في المبسوط 1: 159، الحلي في السرائر 1: 285.

(2) الذكرى: 275.

(3) الرياض 1: 242.

(4) الرياض 1: 243.

(5) الحدائق 11: 253.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 158

شريح: «و من أدركه و قد سلّم فعليه الأذان و الإقامة» «1» و في موثقة الساباطي:

الرجل أدرك الإمام حين سلّم، قال: «عليه أن يؤذّن و يقيم و يفتتح الصلاة» «2».

فإنّه لا أذان و لا إقامة و لا افتتاح بعد الدرك بالمعنى الّذي ذكره.

و على الثاني- و هو أن يدركه بعد دخول السجود- فإمّا يدركه قبل رفع الرأس من السجدة الأخيرة، أو بعده.

فعلى الأوّل فالمشهور- كما قيل «3»- أنّ حكمه حكم السابق، لعموم الروايتين، و خصوص رواية ابن شريح و فيها: «و من أدرك الإمام و هو ساجد سجد معه و لم يعتدّ بها».

و المروي في الوسائل عن مجالس الشيخ: «إذا جئتم إلى الصلاة و نحن سجود فاسجدوا و لا تعتدّوها شيئا» «4».

و لعدم تعقّل الفرق بين ما إذا أدركه قبل السجود و بعده.

و عن شيخنا الشهيد الثاني التخيير حينئذ بين ما ذكر و بين التوقّف في مكانه «5»، و مال إليه

بعض مشايخنا الأخباريين «6». و لا بأس به.

للجمع بين ما ذكر و بين رواية البصري: «و إذا وجدت الإمام ساجدا فاثبت مكانك حتّى يرفع رأسه، و إن كان قاعدا قعدت و إن كان قائما قمت» «7».

و لا دلالة للخبر على وجوب الإثبات، لعدم صراحة قوله: «فاثبت» في

______________________________

(1) الفقيه 1: 265- 1214، الوسائل 8: 393 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 6.

(2) الفقيه 1: 258- 1170، التهذيب 3: 282- 836، الوسائل 5: 431 أبواب الأذان ب 25 ح 5.

(3) الذخيرة: 401.

(4) مجالس الطوسي: 398، الوسائل 8: 394 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 7.

(5) روض الجنان: 378.

(6) الحدائق 11: 254.

(7) الكافي 3: 381 الصلاة ب 61 ح 4، التهذيب 3: 271- 780، الوسائل 8: 393 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 159

الأمر، لجواز كونه ماضيا كما يلائمه قوله: قعدت و قمت، و لو سلّم فيجب الحمل على الاستحباب، لعدم وجوب أصل الاقتداء و المتابعة.

و ترجيح الأوّل بالشهرة بل الإجماع و صحّة المستند ضعيف، لمنع الإجماع بل الشهرة- لعدم تعرّض الأكثر لخصوص السجدة، و لو سلّمت فلا تصلح للترجيح- و تكافؤ السندين كما عرفت.

و على الثاني- و هو أن يدركه بعد السجدة الأخيرة- فالمشهور كما قيل «1»: أنّه يكبّر و يجلس معه جلسة الاستراحة أو جلسة التشهد الأوّل أو الأخير.

و تدلّ عليه المقطوعة: «إذا أتيت الإمام و هو جالس قد صلّى ركعتين فكبّر ثمَّ اجلس، فإذا قمت فكبّر» «2».

و رواية البصري المتقدّمة.

و موثّقة الساباطي: في الرجل يدرك الإمام و هو قاعد للتشهد ليس خلفه إلّا رجل واحد عن يمينه قال: «لا يتقدّم الإمام و لا يتأخّر الرجل، و لكن يقعد

الّذي يدخل معه خلف الإمام، فإذا سلّم الإمام قام الرجل فأتمّ صلاته» «3».

و لكن لا دلالة للأخيرين على التكبير إلّا أن يستنبط من قوله في الأخيرة:

«يدخل معه» و قوله: «فأتمّ الصلاة» إلّا أنّ في صلاحيّته للاستناد نظرا.

و رواية ابن شريح، و فيها: «و من أدرك و قد رفع رأسه من السجدة الأخيرة و هو في التشهد فقد أدرك الجماعة» «4».

و لكن في دلالتها على التكبير و الجلوس نظر. و استنباطهما من إدراك الإمام فيه ما مرّ، و من إدراك الجماعة غير [جائز] «5» إذ لا مانع من درك فضيلة الجماعة

______________________________

(1) الرياض 1: 243.

(2) الفقيه 1: 260- 1184.

(3) الكافي 3: 386 الصلاة ب 62 ح 7، التهذيب 3: 272- 788، الوسائل 8: 392 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 3.

(4) راجع ص 158.

(5) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: جماعة، و لم نفهم المراد منها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 160

بالمسارعة إليها و اتّفاق عدم الوصول إلّا بعد السجدة و إن لم يتابع الإمام.

و منه يظهر عدم دلالة صحيحة محمّد المتقدّمة «1».

و مع ذلك تعارض هذه الأخبار على فرض الدلالة موثّقة الساباطي: عن رجل أدرك الإمام و هو جالس بعد الركعتين، قال: «يفتتح الصلاة و لا يقعد مع الإمام حتّى يقوم» «2».

فالقول بالتخيير هناك أيضا أظهر، بل كان تعيّن الأخير أقرب لو لا دعوى الشهرة على الأوّل. و أمّا ترجيح الأوّل بها بل بالإجماع ضعيف، لمنع صلاحيّة الشهرة ما لم يبلغ خلافها حدّ الشذوذ للترجيح، و عدم ثبوت الإجماع.

و عدم معلوميّة القائل بالتخيير هنا غير ضائر، إذ المتبوع هو الدليل دون القائل ما لم يثبت الإجماع على عدم القول بمقتضى الدليل.

ثمَّ لو كبّر و جلس

هل يستأنف النيّة و التكبير للصلاة بعد القيام أو لا؟

الظاهر: الأوّل، لعدم الدليل على استمرار الصلاة، و وجود المانع و هو الزيادة. و جعل قوله: «أتمّ الصلاة» في بعض ما مرّ دليلا و إن كان ممكنا إلّا أنّه يعارضه قوله: «فكبّر» في بعض آخر. و كون الأخير مقطوعا غير ضائر سيّما مع عدم صراحة الأوّل، لإمكان إرادة الشروع في الصلاة و إتمامها من الأوّل.

و دعوى اغتفار المانع غير مسموعة، لعدم الدليل. و اغتفار زيادة الجلوس في المسبوق لا يدل على اغتفاره هنا أيضا.

و لو لم يجلس فهل يجوز له التكبير بنيّة الاقتداء و الاستمرار عليه قائما حتّى يقوم الإمام فيلحقه أو يتمّ صلاته إن كانت الركعة الأخيرة فيتمّها، أم لا؟

الظاهر: الأوّل، لدلالة بعض الأخبار المتقدّمة و غيره عليه، و عدم مانع منه.

المسألة السادسة: يجوز للمأموم بعد الفراغ عن السجدة الأخيرة أن يسلّم
اشارة

______________________________

(1) في ص 155.

(2) التهذيب 3: 274- 793، الوسائل 8: 393 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 161

قبل الإمام لعذر أو مع نية الانفراد، بلا خلاف ظاهر، بل هو المقطوع به في كلام الأصحاب كما في المدارك و الذخيرة «1»، بل بالإجماع كما عن المنتهى «2».

للأصل، و خصوص الأخبار، كصحيحة علي: عن الرجل يكون خلف الإمام فيطول في التشهد فيأخذه البول أو يخاف على شي ء أن يفوت أو يعرض له وجع، كيف يصنع؟ قال: «يسلّم و ينصرف و يدع الإمام» «3».

و أبي المعزى: عن الرجل يصلّي خلف إمام فيسلّم قبل الإمام، قال: «ليس عليه بذلك بأس» «4».

و الحلبي: في الرجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهد، قال:

«يسلّم من خلفه و يمضي في حاجته إن أحبّ» «5».

و مقتضى إطلاق الأخيرتين الجواز بدون العذر أيضا و إن لم

ينو الانفراد، كما نسبه في روض الجنان و الذخيرة «6» إلى ظاهر الأصحاب و الجماعة مشعرين بدعوى الإجماع عليه.

و هو الأقوى، لما ذكر، و لعدم ثبوت وجوب متابعة الإمام في الأقوال، فلا ينافي ذلك التقديم الايتمام.

خلافا لظاهر النافع و المحكي عن الذكرى «7»، فاعتبروا العذر أو نيّة الانفراد.

______________________________

(1) المدارك 4: 387، الذخيرة: 402.

(2) راجع المنتهى 1: 384 و 385.

(3) الفقيه 1: 261- 1191، التهذيب 3: 283- 842، قرب الإسناد 207- 803، الوسائل 8:

413 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 2.

(4) التهذيب 3: 55- 189، الوسائل 8: 414 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 4.

(5) الفقيه 1: 257- 1163، التهذيب 3: 349- 1445، الوسائل 8: 413 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 3.

(6) في روض الجنان: 379، الذخيرة: 402.

(7) النافع: 48، نقله عن الذكرى في الروض: 379.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 162

و ليس له وجه ظاهرا سوى وجوب المتابعة في الأقوال، و هو ممنوع. أو عدم جواز المفارقة من غير نيّتها في غير تلك الحال، و هو غير مفيد للمطلوب في ذلك المجال.

و يستفاد من إطلاق تلك الأخبار بل عمومها الحاصل من ترك الاستفصال سيّما الثانية: عدم توقّف جواز التقدّم على الإمام و التسليم قبله على كونه بعد السجدة الأخيرة، بل جوازه في أثناء الصلاة مطلقا من غير ضرورة، كما حكي عن الأكثر «1»، بل عن الخلاف و ظاهر المنتهى و صريح التذكرة و النهاية «2»: الإجماع عليه.

و استدلّ له أيضا: بالإجماعات المنقولة.

و بخروج النبي صلّى اللّه عليه و آله عن صلاته جماعة يوم ذات الرقاع و إتمامها منفردا «3».

و بعدم وجوب الجماعة ابتداء فكذا استدامة.

و بأن الغرض من الايتمام تحصيل الفضيلة فتركه مفوّت

لها دون الصحّة.

و بأصالة عدم وجوب استمرار الايتمام.

و في الكلّ نظر:

أمّا الإطلاقات فلظهورها في التقدّم في التسليم خاصّة دون سائر الأفعال، فإنّ ذكر التقدّم فيه خاصّة مشعر بعدم التقدّم في غيره. مع أنّ جواز التقدّم في التسليم لا يدلّ على جواز التقدّم في غيره مع ثبوت وجوب المتابعة ممّا مرّ من أدلّتها سيّما أخبار الفراغ قبل قراءة الإمام.

______________________________

(1) الرياض 1: 243.

(2) الخلاف 1: 552، غير أنه لم يصرح فيه بالإجماع، المنتهى 1: 384، التذكرة 1: 175 نهاية الإحكام 2: 128.

(3) الكافي 3: 456 الصلاة ب 91 ح 2، الفقيه 1: 293- 1337، التهذيب 3: 172- 380، الوسائل 8: 435 أبواب صلاة الخوف و المطاردة ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 163

و أمّا الثاني فلعدم حجّيّتها.

و أمّا الثالث فلأنّه لو ثبت فإنّما هو للعذر و لا أقلّ من احتماله. و لا إطلاق له لكونه قضيّة في واقعة.

و أمّا الرابع فلكونه قياسا باطلا في مذهبنا.

و أمّا الخامس فلأنّ الايتمام كما يحصّل الفضيلة يحصّل الصحة أيضا. مع احتمال كون تركه أوّلا مفوّتا لأمر و آخرا لآخر.

و أمّا السادس فلاندفاعه باستصحاب الاشتغال بالصلاة الموقوفة البراءة عنها على الأخذ بالمتيقّن من أحد الأمرين المختلفين في أمور كثيرة- كوجوب المتابعة على الاقتداء، أو القراءة في الأوليين و التسبيح في الأخيرتين على الانفراد- و هو الايتمام.

و لذا ذهب بعضهم إلى عدم جواز المفارقة من دون عذر عن الإمام مطلقا الشامل لما إذا نوى المفارقة أم لا. و هو ظاهر الناصريّات و المبسوط «1»، و قوّاه في الذخيرة و الحدائق «2»، و هو الأقوى.

لا للأخبار الآمرة باستنابة الإمام الّذي عرض له حادث و تصريح بعض الصحاح منها بأنّه لو

لم يستنب لا صلاة لهم «3»، لأنّها- كما يأتي- محمولة على الفضيلة. مع أنّه مع عدم استنابته يكون من الأعذار المسوّغة للمفارقة بالإجماع سيّما إذا لم يمكن الاستنابة، كما إذا لم يوجد غير المأموم الواحد أو كان الجميع فسّاقا.

بل للاستصحاب المذكور، فإنّا نعلم قطعا وجوب أحد الأمرين عليه و ليس بينهما قدر مشترك لم يعلم الزائد عليه، فيجري أصل الاشتغال الغير المندفع إلّا باستمرار الايتمام. و شمول أخبار أحكام المنفرد لمثل ذلك الفرد النادر الملفّق من

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية) 201، المبسوط 1: 160.

(2) الذخيرة: 402، الحدائق 11: 240.

(3) الوسائل 8: 426 أبواب صلاة الجماعة ب 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 164

الأمرين غير معلوم. فالأقوى وجوبه و عدم جواز نيّة الانفراد إلّا لعذر. و التجويز مع العذر و إن كان أيضا مخالفا للأصل المذكور إلّا أن الإجماع حينئذ قد رفعه.

فروع:
أ: ما مرّ من جواز الانفراد مطلقا أو مع عذر فإنّما هو في الجماعة المستحبّة.

أمّا الواجبة فلا يجوز فيها الانفراد بل يجب الإتمام بدون العذر، و قطع الصلاة معه لو كان مسوّغا له.

ب: حيث جاز الانفراد فإن كان قبل القراءة أتى بها.

و إن كان في أثنائها ففي البناء على قراءة الإمام، أو إعادة السورة التي فارق فيها، أو استئناف القراءة من أوّلها، أقوال. أقربها الأوّل، للأصل.

و الأولى بالأجزاء ما لو كان الانفراد بعد تمام القراءة قبل الركوع.

ج: هل يجوز عدول المنفرد إلى الايتمام في أثناء الصلاة؟ فيه قولان،

أقربهما العدم وفاقا للذخيرة «1»، لعدم ثبوت التعبّد بمثله، و استصحاب الشغل المتقدّم.

و جوّزه الشيخ في الخلاف مدّعيا عليه الإجماع «2»، و نفى عنه البأس في التذكرة «3».

د: لو كان يصلّي مع جماعة فحضرت طائفة أخرى يصلّون جماعة، فهل يجوز له أن يخرج نفسه من متابعة إمامه

و يوصل صلاته بصلاة الإمام الآخر؟

فيه وجهان، أقربهما العدم، لما ذكر. و استوجه في التذكرة الجواز «4».

ه: لو زادت صلاة المأموم عن الإمام بأن كان حاضرا أو مسبوقا، فهل يجوز اقتداؤه في التتمّة

بأحد المؤتمين أو منفرد أو إمام آخر؟

______________________________

(1) الذخيرة: 402.

(2) الخلاف 1: 552.

(3) التذكرة 1: 175.

(4) التذكرة 1: 175.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 165

فيه الوجهان. و الترك أحوط بل الأقرب، لما مرّ.

المسألة السابعة: لو عرض للإمام عارض يمنعه من إتمام الصلاة
اشارة

من تذكّر حدث أو صدوره أو رعاف لم يمكن غسله بدون المنافي، أو وجع شديد لا يتمكّن معه من إتمامها، قطع صلاته و يدع القوم في صلاتهم، إجماعا فيهما فتوى و نصّا.

و من هذه النصوص صحيحة زرارة: عن رجل صلّى بقوم ركعتين ثمَّ أخبرهم أنّه ليس على وضوء. قال: «يتمّ القوم صلاتهم» «1».

ثمَّ فإن لم يمكن استنابة إمام آخر لوحدة المأموم أو عدم حضور من يصلح للإمامة أتمّوا منفردا بمقتضى الصحيحة.

و إن أمكنت الاستنابة يستنيب الإمام من يؤمّهم، بالإجماع و المستفيضة «2».

و لو لم يستنب تقدّم بعضهم و صلّى لهم، لصحيحة علي «3». أو يقدّمون رجلا و يأتمّون به.

و كذا إن مات الإمام أو أغمي عليه.

كلّ ذلك استحبابا و إن كان مقتضى الأمر الواقع في أكثر تلك الأخبار سيّما استنابة الإمام الوجوب، و لكن الإجماع على عدم وجوبه أوجب صرف تلك الأوامر عن مقتضى حقائقها.

و قد يستند في نفي الوجوب إلى الصحيحة المتقدّمة، فإنّها ظاهرة في جواز الإتمام منفردين.

و فيه نظر، لأنّ إتمامهم صلاتهم أعمّ من أن يكون بالايتمام أو الانفراد، فالصارف هو الإجماع.

______________________________

(1) الكافي 3: 378 الصلاة ب 59 ح 3، الفقيه 1: 264- 1207، التهذيب 3: 269- 772، الاستبصار 1: 440- 1695، الوسائل 8: 371 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 2.

(2) الوسائل 8: 426 أبواب صلاة الجماعة ب 72.

(3) الفقيه 1: 262- 1196، التهذيب 3: 283- 843، الوسائل 8: 426 أبواب صلاة الجماعة ب 72 ح 1.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 8، ص: 166

فروع:
أ: و من موارد استحباب الاستنابة كون الإمام مسافرا و المأمومين حاضرين،

كما صرّح به في موثّقة البقباق «1».

ب: لو مات الإمام في الأثناء أو أغمي عليه استناب المأمومون استحبابا،

كما ورد في الأخبار «2».

ج: تكره استنابة المسبوق،

لورود المنع عنه في بعض الروايات «3»، إلّا أنّه يقصر عن إفادة الحرمة، مع أنّه يدلّ بعض آخر على الجواز أيضا «4»، فلا يثبت سوى الكراهة.

و قد ذكروا للمسألة فروعا كثيرة لا اهتمام بشأنها، لكونها ممّا يندر وقوعها سيّما ما يتعلّق باستنابة المسبوق، فالإعراض عنها و الاشتغال بما هو أهمّ منها أولى و بمحافظة الوقت أحرى.

المسألة الثامنة: الحقّ المعروف من مذهب الأصحاب جواز اقتداء المفترض بمثله

في فروض الصلوات اليومية و إن اختلفت في التسمية أو في الكميّة، بل في المنتهى: إنّه قول علمائنا أجمع «5».

و عن الصدوق الخلاف في الموضعين، فقال: إنّه لا يصلّي العصر خلف من يصلّي الظهر إلّا أن يظنّها العصر، و إنّه يشترط في الصحة اتّحاد الكميّة «6».

و لكن المنقول عنه غير ثابت كما صرّح به بعضهم «7».

______________________________

(1) التهذيب 3: 164- 355، 3: 226- 574، الاستبصار 1: 426- 1643، الوسائل 8: 330 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 6.

(2) الوسائل 8: 380 أبواب صلاة الجماعة ب 43.

(3) راجع الوسائل 8: 378 أبواب صلاة الجماعة ب 41.

(4) راجع الوسائل 8: 377 أبواب صلاة الجماعة ب 40.

(5) المنتهى 1: 367.

(6) نقله عنه الشهيد الأوّل في الذكرى: 266، و الشهيد الثاني في الروض: 376.

(7) الحدائق 11: 149.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 167

لنا على الحكمين: الإجماع المحقّق لعدم قدح المخالفة المذكورة و لو ثبتت، و عمومات الجماعة.

مضافا في الأوّل إلى صحيحة حمّاد: عن رجل إمام قوم يصلّي العصر و هي لهم الظهر، قال: «أجزأت عنه و أجزأت عنهم» «1».

و موثقة الفضل في اقتداء الحاضر بالمسافر و عكسه، و فيها: «و إن صلّى معهم الظهر فليجعل الأوليين الظهر و الأخيرتين العصر» «2».

و صحيحة محمّد في صلاة المسافر خلف الحاضر: «و إن صلّى معهم الظهر

فليجعل الأوليين الظهر و الأخيرتين العصر» «3».

و في الأخير إلى الأخيرتين، و سائر ما يدلّ على جواز اقتداء المسافر بالحاضر و عكسه.

احتجّ للصدوق في الأوّل بوجه اعتباري غير تامّ، و صحيحة علي «4» في اقتداء المرأة عصرها بإمام يصلّي الظهر الغير المثبتة لمطلوبه بوجوه كثيرة.

و كذا يجوز اقتداء المفترض بالمتنفّل كائتمام من لم يصلّ بمعيد الصلاة، و عكسه كاقتداء الصبي بالبالغ و معيد الصلاة بمن لم يصلّ، بلا خلاف فيهما كما صرّح به غير واحد «5»، بل بالإجماع صرّح في الخلاف و المنتهى «6»، و تدلّ عليهما العمومات السليمة عن المعارض، بل النصوص المذكورة في مواضعها.

و كذا اقتداء المتنفّل بالمتنفّل في الاستسقاء و العيد مع فقد شرائط الوجوب.

______________________________

(1) التهذيب 3: 49- 172، الاستبصار 1: 439- 1691، و فيهما عن رجل يؤمّ بقوم .. الوسائل 8: 398 أبواب صلاة الجماعة ب 53 ح 1.

(2) التهذيب 3: 164- 355، 3: 226- 574، الاستبصار 1: 426- 1643 الوسائل 8: 330 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 6.

(3) الفقيه 1: 287- 1308، الوسائل 8: 329 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 1.

(4) التهذيب 3: 49- 173، الوسائل 8: 399 أبواب صلاة الجماعة ب 53 ح 2.

(5) منهم المحقّق في المعتبر 2: 425 و العلامة في التذكرة 1: 175، و صاحب الرياض 1: 234.

(6) الخلاف 1: 546، المنتهى 1: 367.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 168

كلّ ذلك مع توافق الصلاتين نظما و هيئة، و إلّا فلا يجوز الاقتداء في أحدهما بالآخر إجماعا، فلا يقتدى في الخمس مثلا بصلاة الجنازة و الكسوفين و العيدين، و لا العكس، لعدم إمكان المتابعة المشترطة نصّا و فتوى.

المسألة التاسعة: تستحبّ إعادة المصلّي منفردا صلاته جماعة

إذا وجدت الجماعة بعدها، سواء كان

ذلك المنفرد إماما ثانيا أو مأموما، بلا خلاف فيه بين الأصحاب كما صرّح به جماعة «1»، بل بالإجماع كما حكي مستفيضا «2»، له، و للمستفيضة من الصحاح كصحيحة ابن بزيع: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام: إنّي أحضر المساجد مع جيراني و غيرهم، فيأمروني بالصلاة بهم و قد صلّيت قبل أن آتيهم- إلى أن قال-: فكتب: «صلّ بهم» «3».

و الحلبي: «إذا صلّيت صلاة و أنت في المسجد و أقيمت الصلاة فإن شئت فاخرج و إن شئت صلّ بهم و اجعلها سبحة» «4».

و البختري: في الرجل يصلّي الصلاة وحده ثمَّ يجد جماعة قال: «يصلّي معهم و يجعلها الفريضة» «5».

و نحوها صحيحة هشام إلّا أنّه زاد في آخرها: «إن شاء» «6».

و رواية أبي بصير: أصلّي ثمَّ أدخل المسجد فتقام الصلاة و قد صلّيت،

______________________________

(1) منهم العلامة في المنتهى 1: 367، و صاحب الحدائق 11: 162.

(2) المدارك 4: 341، المعتبر 2: 428، المنتهى 1: 379، التذكرة 1: 175، الرياض 1: 234.

(3) الكافي 3: 380، الصلاة ب 60 ح 5، التهذيب 3: 50- 174، الوسائل 8: 401 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 5.

(4) الفقيه 1: 265- 1212، التهذيب 3: 279- 821 (بتفاوت يسير) الوسائل 8: 402 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 8.

(5) الكافي 3: 379 الصلاة ب 60 ح 1، التهذيب 3: 50- 176، الوسائل 8: 403 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 11.

(6) الفقيه 1: 251، 1132، الوسائل 8: 401 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 169

فقال: «صلّ معهم، يختار اللّه تعالى أحبّهما إليه» «1».

و الساباطي: عن الرجل يصلّي الفريضة ثمَّ يجد قوما يصلّون جماعة، أ يجوز له أن يعيد

الصلاة معهم؟ قال: «نعم و هو أفضل» قلت: فإن لم يفعل؟ فقال:

«لا بأس» «2».

و ورود الأمر الدالّ على الوجوب في بعض تلك الأخبار لا ينفع في إثباته، للإجماع على عدم الوجوب. مضافا إلى التصريح بالتخيير النافي للوجوب في بعضها. و ظاهره و إن كان إفادة الإباحة المحضة- كما لا يستفاد ممّا وقع فيه الأمر جوابا عن السؤال عنها أيضا أزيد من ذلك، لاحتمال كون السؤال عن أصل الرخصة- إلّا أنّ التصريح في الأخير بالأفضليّة يثبت الاستحباب. مضافا إلى ورود الأمر في بعضها خاليا عن السؤال أو ذكر التخيير. مع الأمر في البعض بجعلها سبحة فإنّه أيضا قرينة على الاستحباب. مع أنّ الرخصة في الإعادة مستلزمة لاستحباب المعادة، لأنّها عبادة و هي لا تكون إلّا بفضيلة.

و هل تتعيّن في المعادة نيّة الندب- على القول باشتراط نيّة الوجه- أو الوجوب، أو يتخيّر؟

الظاهر: الأوّل كما حكي عن الأكثر «3»، لخروجه بالأولى عن العهدة قطعا، فلا معنى لقصد الوجوب. مضافا إلى الأمر بجعلها سبحه في الصحيحة المتقدّمة، و في الرضوي و فيه بعد ذكر الاستحباب: «صلّ معهم تطوّعا و اجعلها تسبيحا» «4». مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 8    170     المسألة التاسعة: تستحب إعادة المصلي منفردا صلاته جماعة ..... ص : 168

فا للمحكي عن الشهيدين «5»، فجوّزا بنيّة الفرض أيضا، لصحيحتي

______________________________

(1) الكافي 3: 379 الصلاة ب 60 ح 2، التهذيب 3: 370- 776، الوسائل 8: 403 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 10.

(2) التهذيب 3: 50- 175، الوسائل 8: 403 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 9.

(3) الرياض 1: 234.

(4) فقه الرضا عليه السلام: 125.

(5) نقله عنهما صاحب الرياض 1: 234.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص:

170

البختري و هشام السابقتين الآمرتين بجعلها الفريضة، و رواية أبي بصير السابقة المصرّحة بأنّ اللّه تعالى يختار أحبّهما.

و دلالة الأوليين ليست بواضحة، لاحتمال الفريضة فيها الفائتة دون التي يراد فيها الإعادة، أو المراد أنّه يجعل الصلاة المعادة هي الفريضة التي صلّاها أوّلا دون غيرها من الفرائض، أو المراد إدراك الجماعة في أثناء الأولى فيجعلها نافلة و الثانية المعادة هي الفريضة كما يستفاد من الأخبار المعتبرة.

و لا دلالة للأخيرة أصلا، لأنّ اختياره سبحانه للأحبّ و الأفضل لا يجعلها فرضا تصحّ نيّته فيها.

و هل يختصّ استحباب الإعادة بالمنفرد، أو يشمل الجامع أيضا كمن صلّى فريضة جماعة ثمَّ وجدت جماعة أخرى سيّما إذا كانت الثانية متضمّنة لمزيّة أو مزايا؟

فيه قولان ناشئان من إطلاق بعض الأخبار المتقدّمة، بل عمومه الحاصل من ترك الاستفصال، فيشمل الجامع أيضا.

و من ظهورها في المنفرد، لأنّ الظاهر من قوله: «و أقيمت الصلاة» أو:

«فتقام» أو: «ثمَّ يجد جماعة» عدم تحقّقها أوّلا فلا شمول في غير الاولى [1]، و أمّا هي و إن لم تتضمّن مثل تلك العبارة إلّا أنّها ظاهرة في كون صلاتها الاولى في البيت، و الشائع فيه الفرادى.

و ما ذكر في نفي الشمول لغير الاولى ليس ببعيد، و أمّا ما ذكر لنفي شمولها ففيه منع ظهور كونها في البيت.

فلا بعد في القول الثاني، إلّا أنّ الأوّل أحوط، سيّما مع شهرته الجابرة لما روي عنهم من قولهم: «لا تصلّ صلاة في يوم مرّتين» «1».

و كذا الكلام فيما لو صلّى اثنان فرادى، فإنّ في استحباب الصلاة لهما جماعة

______________________________

[1] أي الرواية الاولى، و هي صحيحة ابن بزيع و فيها: «.. و قد صلّيت قبل أن آتيهم».

______________________________

(1) عوالي اللئالي 1: 60- 94، سنن البيهقي 2: 302، مسند

أحمد 2: 19، و 41.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 171

وجهين. أظهرهما العدم، لعدم استفادة هذه الصورة من النصوص، و توقّف العبادة على التوقيف.

المسألة العاشرة: لو علم المأموم نجاسة ثوب الإمام أو بدنه في أثناء الصلاة لم يجب عليه الإعلام

، و لم يجز له ترك الايتمام، وفاقا لطائفة من الأعلام «1»، فتصحّ صلاته.

أمّا الأوّل فللأصل الخالي عن المعارض، المعاضد برواية محمّد: عن رجل يرى في ثوب أخيه دما و هو يصلّي، قال: «لن يؤذنه حتّى ينصرف» «2».

و المروي في قرب بالإسناد: عن رجل أعار رجلا ثوبا يصلّي فيه و هو لا يصلّي فيه، قال: «لا يعلمه» «3».

و صحيحة ابن سنان: إنّ مولانا الباقر عليه السلام اغتسل و بقيت لمعة من جسده لم يصبها الماء فقيل له، فقال: «ما [كان] عليك لو سكتّ؟!» «4».

و أمّا الثاني فللاستصحاب، و عمومات صحّة الايتمام الخالية عن المخصّص سوى ما توهم ممّا يذكر فساده.

خلافا في الأوّل للفاضل في جواب المسائل المهنّائية، فأوجب الإعلام من باب الأمر بالمعروف «5».

و ضعفه ظاهر، لأنّ أدلّة الأمر بالمعروف لا تشمله، لعدم توجّه الخطاب إلى الجاهل و الذاهل و الناسي، فلا معروف و لا منكر بالنسبة إليهم. و لو كان من ذلك

______________________________

(1) منهم المحدّث البحراني في الحدائق 11: 242، و نقل في مفتاح الكرامة 3: 473 عن نهاية الإحكام و الموجز الحاوي و كشف الالتباس.

(2) الكافي 3: 406 الصلاة ب 66 ح 8، التهذيب 2: 361- 1493، الوسائل 31: 474 أبواب النجاسات ب 40 ح 1.

(3) قرب الإسناد 169- 620، الوسائل 3: 488 أبواب النجاسات ب 47 ح 3.

(4) الكافي 3: 45 الطهارة ب 29 ح 15، الوسائل 3: 259 أبواب الجنابة ب 41 ح 1، و ما بين المعقوفين من المصدر.

(5) أجوبة المسائل المهنائية: 49.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 8، ص: 172

الباب للزم كون ذلك الجاهل آثما معاقبا، و هو خلاف الإجماع.

و إن أراد من قوله: من باب الأمر بالمعروف، كونه من باب الإرشاد فوجوبه بل رجحانه إنّما يسلّم في الأحكام دون الموضوعات.

و في الثاني للمحكي عن المحقّق الشيخ علي و بعض العلماء البحرانيين «1»، فمنعا من الايتمام و أوجبا الانفراد مبنيّا على صلاة الإمام، لأنّ طهارة الثوب و البدن واجبة في الصلاة و لا تصحّ الصلاة مع العلم بالنجاسة، و صلاة الإمام متّحدة مع صلاة المأموم، فتكون كأنّها في ثوبه أو بدنه.

و فيه: منع الاتّحاد. و كونه بمنزلة كون النجاسة في ثوبه و بدنه ممنوع. مع أنّ الثابت من أدلّة اشتراط الطهارة ليس إلّا اشتراطها في ثوبه و بدنه بنفسه، لا ما هو بمنزلته.

و قد يستدلّ أيضا بأنّ صلاة الإمام فاسدة واقعا صحيحة ظاهرا، و المأموم عالم بفساده الواقعي، فلا يصحّ الايتمام به.

و فيه: منع الفساد واقعا، إذ ليس الفساد إلّا عدم الموافقة للمأمور به، و لا أمر إلّا بالمعلوم.

المسألة الحادية عشرة: يصحّ اقتداء أحد المجتهدين أو مقلّده بالمجتهد الآخر أو مقلّده

و إن علم المأموم مخالفة الإمام له في كثير من أحكام الصلاة و مقدّماتها و شرائطها، وفاقا لبعض الأجلّة.

لأصالة عدم اشتراط الاتّحاد في الفروع مع القدوة.

و إجماع الأمّة، لأنّ بناء السلف و الخلف على ذلك من غير تفتيش عن اجتهاد الإمام و الموافقة و المخالفة في المجتهد، مع عدم ثبوت أصل يقتضي الموافقة، و اقتداء المجتهدين بعضهم ببعض و كذا المقلّدين مع العلم العادي بالاختلاف حتّى فيما تبطل به الصلاة في حقّ واحد دون الآخر، و كذا اقتداء أصحاب الأئمة

______________________________

(1) انظر الحدائق 11: 261.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 173

عليهم السلام و تقرير الأئمة لهم، مع اختلافهم كثيرا في الفروع باختلاف

الأخبار كما يظهر من أصولهم.

و لأنّها صلاة صحيحة عند الإمام و المأموم فالإمام يصلّي صلاة صحيحة باتّفاقهما، فتشمله عمومات الجماعة طرّا من غير مخصّص.

و لا يضرّ بطلان الصلاة في بعض الصور في حقّ المأموم بمعنى أنّه لو فعلها نفسها كذلك مع ما عليه من الرأي عليه تكون باطلة.

لأنّه بطلان فرضي، أي لو فرض صدورها من المأموم كذلك تكون باطلة، فإنّها لم تصدر حينئذ منه بل من الإمام، و الصلاة الواقعة صحيحة عندهما، فلا وجه لعدم جواز الاقتداء، و لذا لو نذر المأموم أن يعطي من صلّى صلاة صحيحة باعتقاد ذلك المأموم درهما يبرأ بإعطائه ذلك الإمام، لأنّ صلاته صحيحة باعتقاد المأموم و إن كان لو صدر مثل ذلك عن المأموم يكون باطلا.

و قيّد بعضهم الصحّة بما إذا لم تكن صلاة الإمام باطلة عند المأموم.

فإن أراد البطلان عنده في حقّ الإمام أيضا، كأن يزعم تقصيره في الاجتهاد أو عدم كون مجتهده جائز الاتّباع مع تقصير المقلّد في معرفة حاله، فهو كذلك و نحن نقول به و وجهه ظاهر.

و إن أراد البطلان عنده في حقّ نفسه لو فعلها كذلك فهو غير صحيح، لما ذكر، و ليست صلاة الإمام صلاة المأموم حقيقة بل و لا بمنزلتها حتّى تكون باطلة في حقّ المأموم حينئذ أيضا.

ثمَّ على ما ذكرنا لو كانت المخالفة فيما لا يجب على المأموم فعله أو تركه بل كان ساقطا عنه، فلا يفعله المأموم و لا شي ء عليه لو فعله الإمام، كما إذا كان مذهب الإمام عدم وجوب السورة و لم يقرأها، أو جواز القران في الفريضة و قرن، أو جواز قراءة العزيمة و قرأها، فلا شي ء على المأموم، و كذا لو رأى المأموم شيئا ناقضا للوضوء

أو الغسل و لم يره الإمام كذلك و بنى على الطهارة السابقة عليه فإنّ الإمام متطهّر عندهما.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 174

و لو كانت فيما يجب على المأموم فعله و لم يجب عليه البناء فيه على فعل الإمام، فيبني على اجتهاد نفسه أو مجتهده. فلو رأى الإمام جواز المسح بالبلّة الجديدة و لم يجوّزه المأموم يتوضّأ المأموم باجتهاد نفسه. و لو أوجب المأموم رفع اليدين بتكبيرة الإحرام دون الإمام يرفعهما المأموم و إن لم يرفعهما الإمام. و لو أوجب المأموم القنوت دون الإمام يقنت و لو لم يقنت الإمام، و يلحقه في الركوع، و هكذا.

و كذا الكلام في الاجتهاد في الموضوعات، فلو توضّأ بماء مغصوب عند المأموم دون نفسه صحّ الاقتداء، و لو تخالفا في القبلة يتوجّه كلّ منهما إلى قبلته.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 175

الباب الثالث في صلاة المسافر
اشارة

اعلم أنّه يجب التقصير في الرباعية خاصّة بإسقاط أخيرتيها في السفر المستجمع لشرائط التقصير الآتية، بإجماع أصحابنا الإمامية، و عليه تواترت أخبارهم.

و كذا لا خلاف في سقوط نوافلها إلّا الوتيرة، فإنّ فيها خلافا قد سبق مع بيان الحق فيه في بحث النوافل.

و كذا يسقط وجوب الجمعة عليه كما تقدّم في بحث صلاة الجمعة.

و لا قصر في غير الرباعية، و لا سقوط لغير نوافلها من النوافل، إجماعا.

ثمَّ الكلام في ذلك المقام تارة في شرائط القصر، و اخرى في أحكامه، فهاهنا فصلان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 177

الفصل الأول في شروط القصر
اشارة

و هي أمور:

الأول: المسافة المخصوصة
اشارة

، بإجماع العلماء من الخاصّة و العامّة سوى داود «1» فاكتفى بمجرّد صدق المسافر و الضرب في الأرض. و على اعتبارها إجماع علمائنا كافّة، و حكاية الإجماع عليه متواترة «2»، فهو فيه الحجة. مضافا إلى الأخبار المتكثرة، بل في المعنى متواترة، و إن اختلفوا في تعيين المسافة، كما يبيّن بتحقيق المقال فيه في مسائل:

الأولى: اتّفق جميع أصحابنا على عدم اعتبار الأزيد من ثمانية فراسخ،

فيجب التقصير إذا بلغت المسافة إليها، إجماعا، له، و للمستفيضة كمعتبرة الفضل: «و إنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ، لا أقلّ من ذلك و لا أكثر، لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة و القوافل و الأثقال، فوجب التقصير في مسيرة يوم» «3» الحديث.

و موثقة سماعة: في كم يقصر الصلاة؟ قال: «في مسيرة يوم، و ذلك بريدان، و هما ثمانية فراسخ» «4».

______________________________

(1) المجموع 4: 425.

(2) انظر الانتصار: 51، و الخلاف 1: 567، و السرائر 1: 334، و المعتبر 2: 465، و التذكرة 1:

188، و المدارك 4: 428، و الذخيرة: 405، و الرياض 1: 248.

(3) الفقيه 1: 290- 1320، العلل: 266، ب 182. عيون الأخبار 2: 111، الوسائل 8: 451 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 1.

(4) التهذيب 3: 207- 492، الاستبصار 1: 222- 768، الوسائل 8: 453 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 178

و الساباطي: عن الرجل يخرج في حاجة فيسير خمسة فراسخ أو ستّة فراسخ، فيأتي قرية فينزل فيها، ثمَّ يخرج منها فيسير خمسة فراسخ أخرى أو ستّة، لا يجوز ذلك، ثمَّ ينزل في ذلك الموضع، قال: «لا يكون مسافرا حتّى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ، فليتم الصلاة» «1».

و المعنى: أنّ الرجل لا يكون مسافرا حتّى يقصد أن يسير من منزله ثمانية

فراسخ، فهذا الشخص يتمّ الصلاة لعدم كونه قاصدا لها، نعم يقصر في الرجوع لتحقّق القصد.

أو المعنى: هذا الشخص لا يكون مسافرا حتى يسير ثمانية فراسخ، فإذا سار الثمانية و لو بدون القصد يكون مسافرا، فقبل ذلك يتمّ الصلاة.

و المعنى الأوّل يوجب جعل سير ثمانية فراسخ بمعنى قصده، و الثاني يوجب تخصيص الأمر بالإتمام بما قبل وصول هذا الرجل الثمانية.

و الأول أظهر، لشيوع إرادة قصد السير من السير في أخبار السفر.

و رواية البجلي، و فيها: كم أدنى ما يقصر فيه الصلاة؟ قال: «جرت السنّة ببياض يوم» فقلت له: إنّ بياض يوم يختلف- إلى أن قال-: ثمَّ أومأ بيده أربعة و عشرين ميلا يكون ثمانية فراسخ «2».

و تدلّ الأخيرة من غير معارض على كون ثمانية فراسخ أربعة و عشرين ميلا، كما هو اتفاقي بين الفقهاء، على ما صرّح به غير واحد «3»، بل بين العلماء كافة كما في المدارك «4»، بل عليه كلّ اللغويين كما في المصباح المنير «5».

و تدلّ عليه أيضا مرسلة الفقيه: «لمّا نزل عليه جبرئيل بالتقصير قال له

______________________________

(1) التهذيب 4: 225- 661، الاستبصار 1: 226- 805، الوسائل 8: 469 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 3.

(2) التهذيب 4: 222- 649، الوسائل 8: 455 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 15.

(3) انظر المعتبر 2: 467، و التذكرة 1: 188، و كفاية الاحكام: 32، و الحدائق 11: 301.

(4) المدارك 4: 429.

(5) المصباح المنير: 588.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 179

النبي: في كم ذلك؟ فقال: في بريد، قال: و كم البريد؟ قال: ما بين ظلّ عير إلى في ء و عير [1]، فذرعته بنو أمية ثمَّ جزّؤوه على اثني عشر ميلا، فكان كلّ ميل ألفا و خمس

مائة ذراع، و هو أربعة فراسخ» «1».

و رواية المروزي، و فيها: «فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلا و ذلك أربعة فراسخ» «2» الحديث.

و على هذا فيدلّ على المطلوب ما تضمنت الأميال من الأخبار أيضا، كموثقة العيص: في التقصير «حدّه أربعة و عشرون ميلا» «3».

و حسنة الكاهلي: في التقصير في الصلاة، قال: «بريد في بريد أربعة و عشرون ميلا» «4».

و صحيحة زرارة و محمّد، و فيها: «و قد سافر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى ذي خشب، و هي مسيرة يوم من المدينة يكون إليها بريدان، أربعة و عشرون ميلا، فقصر و أفطر، فصارت سنّة، و قد سمّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من صام حين أفطر: العصاة» «5». الحديث.

و يستفاد من الأخيرتين و المرسلة المتقدّمة كون أربعة و عشرين ميلا- التي هي ثمانية فراسخ- بريدين أيضا، بل في المرسلة تصريح باتّحاد البريدين و ثمانية فراسخ، كما دلّت عليه موثقة سماعة المتقدمة، و صحيحة زرارة: «التقصير في

______________________________

[1] عير و وعير جبلان بالمدينة انظر: مجمع البحرين 3: 418 و روضة المتقين 2: 638.

______________________________

(1) الفقيه 1: 286- 1303، الوسائل 8: 461 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 16.

(2) التهذيب 4: 226- 664، الاستبصار 1: 227- 808، الوسائل 8: 457 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 4.

(3) التهذيب 4: 221- 647، الاستبصار 1: 223- 788، الوسائل 8: 454 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 14.

(4) الفقيه 1: 279- 1269، التهذيب 3: 207- 493، 4: 223- 652 الاستبصار 1:

223- 787، الوسائل 8: 452 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 3.

(5) الفقيه 1: 278- 1266، الوسائل 8: 452 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح

4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 180

البريد، و البريد أربعة فراسخ» «1». و الأخرى: عن التقصير فقال: «بريد ذاهب و بريد جائي، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أتى ذبابا قصّر، و ذباب على بريد، و إنّما فعل ذلك لأنّه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ» «2».

و أمّا ما في رواية المروزي: «التقصير في الصلاة بريدان، أو بريد ذاهبا و جائيا، و البريد ستّة أميال، و هو فرسخان» «3». الحديث.

فمع ما فيها من الحكم المخالف للإجماع من التقصير في فرسخين، و احتمال كون تفسير البريد و ما بعده من الراوي كما في الوافي «4»، لا يعارض ما مرّ لشذوذها، كما صرّح به غير واحد «5»، مع أنّها مرجوحة عما مرّ بوجوه.

و على هذا فيدلّ على المطلوب ما دلّ على التقصير في البريدين أيضا، كصحيحة خزاز: عن التقصير، قال: «في بريدين أو بياض يوم» «6».

و نحوها صحيحة أبي بصير «7».

و مرسلة ابن بكير: في الرجل يخرج من منزله يريد منزلا آخر له أو ضيعة له اخرى، قال: «إن كان بينه و بين منزله أو ضيعته التي يؤمّ بريدان قصّر، و إن كان دون ذلك أتمّ» «8».

______________________________

(1) الكافي 3: 432 أبواب السفر ب 2 ح 1، التهذيب 4: 223- 653، الاستبصار 1:

223- 790، الوسائل 8: 459 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 1.

(2) الفقيه 1: 287- 1304، الوسائل 8: 461 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 14 و 15.

(3) راجع الرقم (3) من الصفحة السابقة.

(4) الوافي 7: 136.

(5) منهم الفيض في الوافي 7: 136، و الحر العاملي في الوسائل 8: 457 أبواب صلاة المسافر ب 2 ذيل الحديث 4.

(6) التهذيب 3:

210- 506، الاستبصار 1: 225- 802، الوسائل 8: 453 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 7.

(7) التهذيب 4: 222- 651، الاستبصار 1: 223- 789، الوسائل 8: 454 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 11.

(8) التهذيب 4: 221- 648، الوسائل 8: 492 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 181

و يستفاد من رواية البجلي المتقدّمة اتّحاد بياض اليوم مع الأميال و الفراسخ، المتحدتين مع البريدين، فتكون لفظة، «أو» في صحيحة خزاز لبيان أفراد كيفية التقدير.

بل يستفاد منها أنّ بياض اليوم هو مسيرة يوم التي حدّ التقصير بها في كثير من الأخبار. فتكون هي أيضا متّحدة مع ثمانية، لذلك و لمعتبرة الفضل، و موثقة سماعة، و صحيحة زرارة و محمد، المتقدّمة جميعا.

و على هذا فيدلّ على المطلوب أيضا ما حدّ التقصير بمسيرة اليوم، كبعض ما مرّ، و صحيحة ابن يقطين: عن الرجل يخرج في سفره و هو مسيرة يوم، قال:

«يجب عليه التقصير إذا كان مسيرة يوم و إن كان يدور في عمله» «1».

و قد ظهر من جميع ذلك اتّحاد جميع هذه التقديرات و أنّ مرجعها إلى ثمانية فراسخ.

و أمّا ما يخالفها ممّا دلّ على أنّه مسيرة يوم و ليلة، أو ثلاثة برد، أو مسيرة يومين «2».

فمع قصوره عن المقاومة لما مرّ من وجوه منها الشذوذ فتوى و رواية، بل المخالفة للإجماع، محمولة على التقية، فإنّ لكلّ منها قائلا من العامّة «3».

ثمَّ إنّه يظهر من ذلك ما في كلام بعض المتأخّرين- كالروض و المدارك «4»، و غيرهما «5»- من اعتبار المسافة بمسيرة يوم و التقدير بالفراسخ معا، ثمَّ نفي الإشكال عن الاكتفاء بالسير و التقدير مع موافقتهما، و الاستشكال فيما لو اختلفا،

و ترجيح التخيير تارة بالتقصير ببلوغ المسافة بأحدهما، و تقديم السير أخرى، لأنّه

______________________________

(1) التهذيب 3: 209- 503، الاستبصار 1: 225- 799، الوسائل 8: 455 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 16.

(2) انظر الوسائل 8: 453 أبواب صلاة المسافر 1: ح 5 و 9 و 10.

(3) بدائع الصنائع 1: 93.

(4) الروض: 383، المدارك 4: 430.

(5) كالذخيرة: 407.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 182

أضبط و دلالة النص عليه أقوى، و التقدير ثالثة، لكونه تحقيقا، و الاحتياط بالقصر و الإتمام في مقام الاختلاف رابعة.

و ذلك لأنّ مسيرة يوم أمر مطلق، مختلفة الأفراد قطعا، لتفاوتها باعتبار اختلاف السير في كيفية السير، و نفس سير المراكب، و الأمكنة، و الأزمنة، و الراكب، و الأثقال، و اختلاف الأيام. و الأخبار المقيدة بثمانية فراسخ مقيدة.

و حمل المطلق على المقيّد واجب، فيتعين الحمل على الفراسخ. و أضبطيّة السير ممنوعة. مع أنّ الوارد في الأخبار المتقدّمة ضبط مسيرة يوم أيضا بالفراسخ، فيعلم أنها المراد منها، و إن كان ذلك لأجل علمهم بأنّها الأغلب للعامّة في مسيرة اليوم.

ألا ترى أنّه إذا أمر الشارع بالإطعام بقدر تشبع عامة الناس، ثمَّ عيّنه بالمدّ يحمل عليه؟! و لقد أجاد بعض بعض الأجلّة في شرحه على الروضة [1]، حيث قال- بعد ذكر ما نقلنا عن بعض المتأخّرين-: لا مجال لاعتبار السير إذا خالف التقدير، فإنّ الأخبار الناطقة بالتقدير ممّا لا تحصى كثرة، و الناطقة بالسير لا شكّ أنّها مطلقة بالنسبة إلى الأوّلة، و لا بدّ من حمل المطلق على المقيّد، لا سيّما و بعضها مصرّح بتقييد ذلك المطلق بذلك القيد. هذا، مع أنّ تعليق الحكم الشرعي بالأمر المنضبط أولى من تعليقه بأمر مضطرب، و أنّ التقصير في أقلّ

ذلك مخالف للأصل من وجهين، فإنّ الأصل بقاء حكم الإتمام و عدم التقصير، و الأصل عدم تحقّق الشرط.

فالتقدير بثمانية فراسخ مما لا ينبغي الشك فيه. انتهى.

و على هذا فاللازم الرجوع إلى تعيين معنى الفرسخ بالفحص في الأخبار، فإن تعيّن [و إلّا] «1» فالرجوع إلى اللغة أو العرف.

فإن قلت: التقدير كما ورد بالفراسخ ورد بالبريد و الأميال أيضا، و مع ذلك يظهر من الأخبار اتحاد الثلاثة، فهلّا جعلت الحدّ أحد الأخيرين، و الرجوع إلى

______________________________

[1] الظاهر هو «المناهج السّوية في شرح الروضة البهية» للفاضل الهندي (مخطوط).

______________________________

(1) أضفناه لاستقامة العبارة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 183

الأخبار أو العرف أو اللغة في تعيين معناه؟

قلنا: لأنّ الوارد في الأخبار تفسيرهما بالفراسخ، و تعيين معناهما بها، فيعلم أنّ الفراسخ هي المرجع.

و من ذلك يعلم أنّ بعد تعيين معنى الفرسخ لا يضرّ إجمال معنى الآخرين أو الخلاف فيه، بل و لا مخالفته لغة للمعنى المعلوم للفرسخ، إذ بعد دلالة الأخبار على أنّ البريدين و أربعة و عشرين ميلا هو ثمانية فراسخ، و معلومية معنى الفرسخ، يعلم مراد الشارع من البريد و الميل، و إن كان مخالفا للمعنى اللغوي لهما، غاية الأمر كونه مجازا شرعيا.

نعم، لو لم يعلم معنى الفرسخ، و علم معنى لهما أو لأحدهما، يجب حمل الجميع عليه.

فاللازم الرجوع في وجوب التقصير إلى ثمانية فراسخ.

ثمَّ الفرسخ ثلاثة أميال، إجماعا محققا، و منقولا مستفيضا «1»، لغة و شرعا، كما دلّت عليه الأخبار المتقدمة.

و الميل يقدّر تارة بمدّ البصر من الأرض، و اخرى بالذراع.

و لا يمكن أن يكون المراد به في المقام المعنى الأوّل، لعدم انضباطه البتة، لاختلاف مدّ البصر باختلاف المبصر، و الباصرة، و الأرض، و رقّة الهواء و غلظته، بل

لا يكاد يوجد عشرة أشخاص لم يختلف مدّ أبصارهم غاية الاختلاف، بل يختلف في ثمانية فراسخ بقدر ضعفها.

مع أنّ المراد بمدّ البصر غير ثابت. و ما قيل من أنّه ما يمتاز فيه الراجل عن الراكب لا دليل عليه أصلا، و قد جرّبنا كثيرا من الناس، فمنهم من يميز بينهما في فرسخ، سيّما إذا كان في أرض لها انحدار، و منهم من لا يميّز في ألف ذراع. و مثل ذلك يستحيل أن يكون مناطا للأحكام الشرعية.

فتعيّن الثاني.

______________________________

(1) انظر الانتصار: 51، و الخلاف 1: 568، و الرياض 1: 248.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 184

و عدده أربعة آلاف ذراع بذراع اليد، لأنه المشهور المعروف بين اللغويين، و الفقهاء، و العرف، كما صرّح به غير واحد «1»، بلا معارض أصلا، إذ ليس إلّا بعض الأخبار المحدّدة له بألف و خمسمائة ذراع «2»، أو ثلاثة آلاف و خمسمائة ذراع «3»، أو بعض كلمات أهل اللغة القائلة بأنّه ثلاثة آلاف ذراع «4»، و ليس الذراع في شي ء منها مقيّدا بذراع اليد، و للذراع إطلاقات كثيرة عند اللغويين، و لها اختلافات، كذراع القدماء، و ذراع المحدّثين، و الذراع الأسود، و بعضها اثنان و ثلاثون إصبعا، و بعضها أربعة و عشرون، و يحتمل أن يكون بعضها غير ذلك.

و بالجملة: لا يعلم مغايرة التحديد بالذراع المطلق للتحديد بذراع اليد، فيمكن أن يكون العدد الّذي حدّدوه به مطلقا هو بعينه أربعة آلاف ذراع اليد، فلا يعلم معارض للمشهور استعماله فيه. فيحمل عليه، لأصالة عدم التعدد في المستعمل فيه، و عدم استعمال الميل- المراد منه الذراع- في الأقلّ من أربعة آلاف ذراع اليد أو الأكثر.

مع أنّ استعمال الفرسخ في اثني عشر ألف ذراع بذراع

اليد مقطوع به، مشهور بين الفقهاء و اللغويين. بل الأزهري- بعد ما صرّح بأنّ الميل عند كلّ من القدماء و المحدّثين أربعة آلاف ذراع بذراع اليد، و أنّ الاختلاف في الذراع لفظي- قال: و الكلّ متفقون على أنّ الفرسخ ثلاثة أميال «5». و مقتضاه الاتفاق على أنّ الفرسخ اثني عشر ألف ذراع بذراع اليد.

فهذا الاستعمال مما لا ريب فيه، و الاستعمال في غيره غير معلوم، و الأصل في الاستعمال الحقيقة، فيكون الفرسخ حقيقة في ذلك.

______________________________

(1) كالسيد بحر العلوم في رسالة صلاة المسافر المنقولة في مفتاح الكرامة 3: 507.

(2) انظر الوسائل 8: 460 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 13.

(3) انظر الوسائل 8: 461 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 16.

(4) المصباح المنير: 588 نقلا عن قدماء أهل الهيئة.

(5) نقله عن الأزهري في المغرب 2: 195.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 185

مع أنّه لو قطع النظر عن ذلك، و قلنا بعدم معلوميّة المراد من الميل، و عدم تعيّنه، يجب الرجوع في معنى الفرسخ- الذي به فسّر البريد و الأميال في الأخبار- إلى العرف، فيراد به ما يطلق عليه الفرسخ عرفا، و هو موافق لاثني عشر ألف ذراع، فإنّا قد سمعنا التقدير كثيرا، و التطابق بين ما يطلق عليه الفرسخ عرفا- أي المسافة المشهورة بالفرسخ- و بين هذا العدد تقريبا، و لم يوجد اختلاف أكثر ممّا يتحقّق بواسطة تفاوت الأذرع و التقريب «1» الحاصل باعتبار تفاوت مبادئ الذراع أو يسير انحراف في الطريق حين المساحة. فلا شكّ في لزوم تحديد الفرسخ بذلك.

ثمَّ إنّهم حدّدوا الذراع بالأصابع، و هي بالشعيرات، و هي بالشعرات.

و هو- مع أنّه ليس مستندا إلى دليل- لا فائدة فيه، إذ الاختلاف المتحقّق من

جهة اختلاف الشعيرات و الشعرات و الأصابع ليس بأقلّ من الحاصل بواسطة الأذرع، فلا يحصل بذلك تحقيق و انضباط أكثر.

فائدة: اعلم أنّه لا شكّ في أنّه لا حدّ حقيقيا للفرسخ لا يزيد عنه و لا ينقص، سواء يرجع فيه إلى العرف أو الأذرع، إذ إطلاق العرف لا يختلف باختلاف عشرة أذرع أو عشرين، بل بنحو من ألف ذراع في ثمانية فراسخ.

و كذا الأذرع، فإنّه و إن كان المرجع في تحديد الذرع إلى مستوى الخلقة، و لكن من ضروريات الحسّ و العيان تفاوت أذرع أكثر الناس، و لو بنصف إصبع أو إصبع، و من اجتماع التفاوت في أربعة فراسخ أو ثمانية ربما بلغ الاختلاف إلى نحو من ألف ذراع. و لا شكّ أيضا في صدق الفرسخ على كلّ من المختلفين.

و على هذا فيكفي في لزوم القصر أو جوازه تحقّق الأقلّ، للصدق. فكلّ ما علم صدق ثمانية فراسخ عليه عرفا، أو صدق ستة و تسعين ألف ذراع عليه يكون محلّ الحكم، و كذا في الأربعة، و لو كان القدر الأقلّ، إذا لم يختلف العرف فيه،

______________________________

(1) كذا في النسخ، و الظاهر أنّ الأنسب: التقدير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 186

أو كان من أذرع المتعارف من أفراد الناس.

المسألة الثانية: هل هذه الثمانية الموجبة للقصر ثمانية ممتدّة ذهابية، أو أعمّ منها و من الملفّقة من الذهابية و الإيابيّة؟
اشارة

المشهور بين القدماء و المتأخّرين الأول، بل ادّعى جماعة نفي القول بخلافه، و الأخرى الإجماع على بطلان خلافه كما يأتي «1».

و عن العماني الثاني «2»، و اختاره شرذمة من متأخّري المتأخرين «3».

و الحقّ هو الأول، للأصل، و الإجماع كما يأتي بيانه، و ظهور أخبار الثمانية و البريدين و اثني عشر ميلا و مسيرة يوم و نحوها في الممتدّة، بل كونها حقيقة فيه، إذ لا شكّ أنّ الفرسخ و البريد و

ثمانية فراسخ و الأربعة و البريدين و نحوها ألفاظ موضوعة لغة و عرفا لمسافة معينة ممتدّة امتدادا متّصلا في جهة واحدة، فالفرسخ اسم لاثني عشر ألف ذراع مبتدأة من مبدإ منتهية إلى موضع، حقيقة فيه، للتبادر، و صحة السلب، فإنه لو سمع الفرسخ يتبادر منه مسافة ممتدة، و كذا ثمانية فراسخ، و لا يسبق إلى الذهن من الأول ربع فرسخ متكرر أربع مرّات، و لا من الثاني فرسخ متكرر ثمان مرات، و يصحّ سلب الفرسخ من الأوّل و ثمانية فراسخ عن الثاني. و كذا بياض يوم و أربع و عشرون ميلا و البريدان و غيرها، و لا يقال لألف ذراع إنّه فرسخ، حيث يمكن الذهاب و الإياب فيه اثني عشر مرة، و كذا لا يقال له بريد من هذه الجهة، و لذا قال جماعة: إنّ المتبادر هو المسافة الذهابية «4».

و تدل عليه أيضا رواية المروزي المتقدّمة «5»، العاطفة «بريد ذاهبا و بريد جائيا» على البريدين، المقتضي لتغايرهما.

______________________________

(1) انظر، ص 206.

(2) نقله عنه في المختلف: 162.

(3) كالذخيرة: 406، و مفاتيح الشرائع 1: 25، و الحدائق 11: 325.

(4) المدارك 4: 438، الذخيرة: 407، الرياض 1: 249.

(5) في ص 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 187

احتجّ من عمّها بوجوه:

الأوّل: صدق الثمانية و البريدين و نحوهما على الملفّقة.

الثاني: أنّ المراد سير ثمانية فراسخ، و هو أعمّ من سيرها ممتدّة أو ملفّقة، بل صرّح في بعض الروايات بالسير، كموثّقة الساباطي المتقدمة «1»، و قوله في صحيحة أبي ولّاد الآتية: «فإن كنت سرت في يومك الذي خرجت منه بريدا فكان عليك حين رجعت أن تصلّي بالتقصير» «2».

الثالث: الأخبار الآتية الدالة على تحتّم القصر في الأربعة، فهي قرينة على إرادة الملفّقة.

الرابع:

صحيحة زرارة المتقدّمة «3»، المصدّرة بقوله: عن التقصير، فقال:

«بريد ذاهب و بريد جائي».

و هي تدل من وجهين: أحدهما قوله: «بريد ذاهب و بريد جائي» فإنه يدلّ على أنّ الثمانية ملفقة. و ثانيهما: تعليله تقصير الرسول في البريد بأنه إذا رجع كان بريدين.

و صحيحة معاوية بن وهب: أدنى ما يقصّر فيه الصلاة؟ قال: «بريد ذاهبا و بريد جائيا» «4».

و رواية المروزي السابقة.

الخامس: رواية صفوان: عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل، فلم يزل يتبعه حتّى بلغ النهروان، و هي أربعة فراسخ من بغداد، أ يفطر إذا أراد الرجوع و يقصر؟ قال: «لا يقصر و لا يفطر، لأنّه خرج من منزله،

______________________________

(1) في ص 178.

(2) التهذيب 3: 298- 909، الوسائل 8: 469 أبواب صلاة المسافر ب 5 ح 1.

(3) في ص 180.

(4) التهذيب 3: 208- 496، 4: 224- 657، الاستبصار 1: 223- 792، الوسائل 8: 456 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 188

و ليس يريد السفر ثمانية فراسخ، إنّما خرج يريد أن يلحق صاحبه، فتمادى به السير إلى الموضع الذي بلغه، و لو أنّه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا و جائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا و الإفطار» «1».

دلّت على وجوب التقصير بالأربعة الذهابية و الإيابية، بل يدلّ قوله: «و لو أنّه خرج» بعد قوله: «لأنّه ليس يريد السفر ثمانية فراسخ» على أنّ الأربعة فراسخ ذاهبا و جائيا من أفراد السفر ثمانية فراسخ، فتكون الثمانية أعمّ من الملفقة.

السادس: تعليل وجوب القصر في البريد و الأربعة بأنّه إذا رجع كان سفره ثمانية في حديث العلل و المحاسن، و فيها بعد الأمر بالتقصير في الأربعة:

«هل تدري كيف صار هكذا؟» قلت: لا أدري، قال: «لأنّ التقصير في البريدين، و لا يكون التقصير في أقلّ من ذلك، فلمّا كانوا قد ساروا بريدا و أرادوا أن ينصرفوا بريدا كانوا قد ساروا سفر التقصير» «2».

و هذا صريح في إرادة الأعمّ من الملفقة.

و الجواب أما عن الأول: فبمنع الصدق كما مرّ.

و أما عن الثاني: فبمنع أعمية سير الثمانية، فإنّ لفظ الثمانية إذا كانت حقيقة في الممتدّة يكون سيرها حقيقة في سير الممتدّة، لأصالة عدم وضع آخر للهيئة التركيبيّة، و لذا لا يتبادر من قولك: أعطيته ألف درهم، إلّا إعطاء ألف متعدّدة دون المكرّرة، و كذا: رأيت ألف شخص، و قرأت ألف بيت.

مضافا إلى أنّ الأخبار المتضمّنة لمثل قوله: «التقصير في بريدين أو ثمانية فراسخ» لا يشتمل على لفظ «سير» فكما يمكن أن يكون المراد سير هذه المسافة يمكن أن يكون ذهابها، بل هو المتبادر الظاهر.

______________________________

(1) التهذيب 4: 225- 662، الاستبصار 1: 227- 806، الوسائل 8: 468 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 1.

(2) العلل: 367 ب 89 ح 1، المحاسن: 312- 29. الوسائل 8: 466 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 11 (بتفاوت يسير).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 189

و الموثّقة صريحة في الممتدّة، إذ لو أراد الملفّقة أيضا لوجب الحكم بالتمام في خمسة فراسخ الثانية، لقصده الذهاب إليها و الإياب، بخصوصه كما هو الظاهر، أو بالعموم الحاصل من ترك استفصال أنّ الخمسة الثانية هل كانت مقصودة بتمامها أوّلا أو لا. مع أنّ مقتضاها حصول السفر بسير ثمانية فراسخ، و لا دلالة لها على وجوب التقصير به، بل غايته أنّ بدونه لا يقصر، فيمكن أن يكون للقصر شرط غيره أيضا ككون السفر ذهابيا.

و

الصحيحة صريحة في أنّ سير البريد ذهابي لقوله بعده «حين رجعت» فلا دلالة لها من حيث إطلاق السير، و أمّا من حيث إيجاب التقصير في البريد فيأتي جوابه.

و أمّا عن الثالث: فبعدم دلالة أكثر أخبار الأربعة على التحتم، و يعارض ما دلّ منها عليه مع الأقوى منها، كما يأتي مفصلا، مع انّها لو تمّت دلالتها لدلّت على التقصير في الأربعة مطلقا و إن لم يكن فيها إياب قبل قطع السفر، فلا تكون قرينة على تلفيق الثمانية، بل تكون معارضة لأخبارها.

و أما عن الرابع: فبأنّه لا يدل على الأزيد من مشروعيّة التقصير و جوازه في بريد ذاهب و بريد جائي، و أنّ علّة المشروعية صيرورتها ثمانية ملفّقة كما يأتي، و لا دلالة فيه على أنّ الثمانية الموجبة أيضا هي أعمّ من الملفّقة، و يمكن أن تكون الثمانية الملفّقة صالحة لعليّة الجواز لا الوجوب.

و أمّا عن الخامس و السادس: فبأنّ الاستناد إليهما إنّما كان صحيحا لو لا ضعفهما بالشذوذ و المعارض، و لكن حكمهما عموما شاذّ، و مع ذلك يعارضان الرضوي الآتي المنجبر بالعموم المطلق، فيجب تخصيصهما بغير محلّ التعارض، كما يأتي في المسألة الرابعة.

فائدة: الفرق بين هذه المسألة، و مسألة تحتّم القصر في الأربعة و عدمه بالعموم من وجه

، فتفترق هذه المسألة عن الآتية فيما إذا لم يكن الذهاب أربعة، كمن يقصد السير من طريق مسافته ثلاثة فراسخ، و العود ممّا مسافته خمسة، و فيما

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 190

إذا سافر غير ناو للمسافة حتّى إذا بلغ سبعة فراسخ مثلا، فنوى ذهاب فرسخ و العود، و فيما إذا تردّد في ثلاثة فراسخ ثلاث مرّات، فيقصّر بناء على هذه المسألة دون الآتية. و تفترق الآتية فيما إذا قصد الأربعة، و تعقبها قاطع السفر، فيقصر على المسألة الآتية دون تلك

المسألة.

المسألة الثالثة: الحقّ ضمّ الإياب مع الذهاب في الثمانية المجوّزة للقصر،

سواء بلغ ذهابه أربعة أم لا، بل ذهب فرسخا و رجع سبعة، فيجوز القصر في الثمانية الملفقة و إن لم يجب، للأدلّة الثلاثة الأخيرة من أدلة القائلين بالتلفيق في المسألة المتقدّمة، أمّا أوّلها فلما مرّ من أنّه يدلّ على علّية الضمّ للجواز، و أما الأخيران فلاختصاص شذوذهما و تعارضهما بما في دلالتهما على وجوب القصر دون جوازه.

المسألة الرابعة: ما مرّ كان حكم الثمانية الممتدّة
اشارة

، و قد عرفت أنّ حكمها وجوب التقصير.

و أمّا الأربعة الممتدّة فإمّا يريد الرجوع عنها ليومه، أم لا.

فإن أراد الرجوع ليومه قصّر وجوبا أيضا، على الأصح الموافق للعماني و السيّد و المفيد و الصدوقين و التهذيب و النهاية و المبسوط و الحلّي و الديلمي «1»، و كافّة المتأخّرين، بل هو المشهور كما به صرّح جماعة «2»، بل وفاقا لغير من شذّ و ندر، كما ذكر جمع آخر «3»، بل عن ظاهر الأمالي: أنّه من دين الإماميّة «4».

______________________________

(1) حكاه عن العماني و الصدوقين في المختلف: 162، و السيد في جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 47، و المفيد في المقنعة: 349، و انظر الهداية: 33، و الأمالي: 514، و الفقيه 1: 280 ذيل الحديث 1269، التهذيب 3: 207 ذيل الحديث 495، النهاية: 122، المبسوط 1: 141، الحلي في السرائر 1: 329، الديلمي في المراسم: 75.

(2) منهم الشهيد الثاني في الروضة 1: 370، و البحراني في الحدائق 11: 313.

(3) انظر الرياض 1: 249.

(4) أمالي الصدوق: 514.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 191

لعموم خبر صفوان المتقدّم «1»، و موثقتي ابني عمّار و بكير، الاولى: في كم أقصّر الصلاة؟ فقال: «في بريد، ألا ترى أنّ أهل مكة إذا خرجوا إلى عرفات كان عليهم التقصير؟!» «2».

و الثانية: عن القادسية أخرج إليها

أتمّ أم أقصّر؟ قال: «و كم هي؟» قال:

هي الّتي رأيت. قال: «قصّر» «3».

قال في المغرب: القادسية موضع بينه و بين الكوفة خمسة عشر ميلا «4».

دلّت بعمومها على وجوب التقصير في الأربعة الممتدّة، لم يعمل بها في غير الراجع ليومه لأجل المعارض و المضعف- كما يأتي- فبقي الباقي.

و خصوص الرضوي المنجبر ضعفه بما سبق، حيث قال: «فإن كان سفرك بريدا واحدا و أردت أن ترجع من يومك قصّرت، لأنّ ذهابك و مجيئك بريدان» إلى أن قال: «فإن سافرت إلى موضع مقدار أربعة فراسخ، و لم ترد الرجوع من يومك، فأنت بالخيار إن شئت أتممت و إن شئت قصرت» «5».

و لا يضرّ عدم صراحة قوله «قصرت» في الوجوب، لأنّه يصير صريحا بعد تذييله بما ذيّل به من إثبات الخيار لو لم يرجع، لأنّ التفصيل قاطع للشركة، بل مفهوم الذيل أيضا كاف في نفي الخيار و إثبات الوجوب مع الرجوع في اليوم.

و بذلك يدفع استصحاب وجوب التمام، و يخصّص عموم ما دلّ على أنّه لا قصر في أقلّ من الثمانية.

و قد يستدلّ أيضا بموثقة محمد: عن التقصير، فقال: «في بريد» قلت:

______________________________

(1) في ص 187.

(2) التهذيب 3: 208- 499، الاستبصار 1: 224- 795، الوسائل 8: 464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 5.

(3) التهذيب 3: 208- 497، الاستبصار 1: 224- 793، قرب الإسناد 170- 625 بتفاوت، الوسائل 8: 458 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 7.

(4) المغرب 2: 110.

(5) فقه الرضا عليه السلام: 161، مستدرك الوسائل 6: 529 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 192

بريد؟! قال: «إنّه إذا ذهب بريدا و جاء بريدا شغل يومه» «1».

دلّت على أنّ كلّ بريد ذاهبا و

بريد جائيا شاغل لليوم، و أنّ كلّ شاغل لليوم يوجب التقصير، فكلّ بريد ذاهبا و بريد جائيا يوجبه، و ظاهر أنّ البريد الذاهب و البريد الجائي الشاغل ما كان في يوم واحد.

و ذلك حسن، إلّا أنّه لا يدلّ على أزيد من مشروعية التقصير، كما يأتي بيانه.

خلافا للمحكي في الذكرى عن الصدوق في كتابه الكبير، و عن التهذيب و المبسوط، و قواه نفسه «2»، فأثبتوا التخيير بين القصر و الإتمام لمن رجع من يومه في الأربعة، و الإتمام لمن كان غير راجع، جمعا بين روايات الثمانية و الأربعة، و تضعيفا للرضوي المتقدّم ذكره.

و فيه: أنّ وجه الجمع لا ينحصر بالتخيير، بل يمكن بإيجاب القصر مع العود و التخيير بدونه في الأربعة أيضا، و ضعف الرضوي مجبور بما مرّ.

مع أنّ في نسبة ما ذكر إلى المبسوط و التهذيب نظرا، بل الأول صريح في وجوب الإتمام في الأربعة مع العود «3»، و الثاني محتمل له «4»، كما يظهر من كلامه- طاب ثراه- فيهما.

فروع:
أ: مفاد الرضوي و إن كان وجوب التقصير إذا كان العود في اليوم خاصة، إلّا أنّ مقتضى العمومات عموم وجوبه

، سواء كان العود في اليوم أو الليلة، أو الذهاب في الليلة و العود فيها، أو في اليوم، أو كان الذهاب في يوم و العود في آخر، خرج الأخير بما سيأتي من المعارض و الشذوذ، فيبقى الباقي، فيجب التقصير في

______________________________

(1) التهذيب 4: 224- 658، الوسائل 8: 459 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 9.

(2) الذكرى: 256.

(3) المبسوط 1: 141.

(4) التهذيب 3: 207 ذيل الحديث 495.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 193

الذهاب و الإياب ليلا، أو الذهاب في أحدهما و الرجوع في الآخر، سواء ذهب في آخر أحدهما و آب في أول الآخر، أو بالعكس.

و يدلّ عليه الإجماع المركّب و تنقيح المناط في بعض هذه

الأقسام أيضا، و لا يضرّ مفهوم ذيل الرضوي السابق في هذه الأقسام، لعدم ثبوت انجباره فيه.

ب: مقتضى الأدلّة التي ذكرنا للمسألة اشتراط ذهاب الأربعة، و العود مطلقا

، فلو ذهب إلى موضع من طريق مسافته ثلاثة فراسخ، و عاد من طريق آخر مسافته خمسة لم يقصر، و لو عكس قصر، و كذا لو ذهب من طريق الأربعة، و عاد من طريق ثلاثة فراسخ.

و من يبني هذه المسألة على ضمّ الإياب مع الذهاب في الثمانية الموجبة يلزمه وجوب القصر في الأولين، و عدم جواز القصر في الأخير.

ج: يشترط في صدق العود و الرجوع أمران:

أحدهما: قصد المنزل الأول، و الثاني عدم البعد عنه حين الإياب بعدا معتدّا به عرفا و لو محرّفا، لعدم صدق الإياب بدون الأمرين، و صحة السلب.

و على هذا فلو ذهب أربعة فراسخ و عاد منه فرسخا غير مريد للرجوع إلى موضعه الأول، بل أراد الإقامة عشرة في رأس الفرسخ، أو العود منه إلى الموضع الثاني، أو الذهاب إلى موضع ثالث لم يكن عود. و كذا لو رجع عن طريق آخر مبعد عن المنزل الأول بعدا معتدّا به غير متقرّب إليه في ذلك اليوم و الليلة.

د: يصدق الرجوع بعد تحقّق الأمرين و لم يدخل في هذا اليوم و الليلة إلى منزله الأول

، بل مكث في رأس فرسخ مثلا ثمَّ دخل في غده، فيقصر حينئذ وجوبا أيضا، سواء أراد الرجوع إلى الأول في هذا اليوم و لم يتيسر، أو أراد الرجوع من الثاني فيه و دخول الأول في الغد.

المسألة الخامسة: إن لم يرد الرجوع ليومه في الأربعة
اشارة

، ففي المنع من التقصير و تحتّم الإتمام مطلقا، أو عكسه كذلك فيجب التقصير و يمنع عن الإتمام مطلقا، أو التخيير كذلك، أو التفصيل بين ما إذا لم يتخلّل بينها و بين العود إقامة العشرة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 194

أو غيرها من القواطع، و بين ما إذا تخلّل، فالتخيير أو تحتم التقصير على الأول و تحتّم الإتمام على الثاني، خمسة أقوال.

الأول للسيد و الحلّي «1»، و نسب إلى المشهور بين المتأخّرين «2»، و هو كذلك.

و الثاني لبعض فضلاء متأخري المتأخرين ناسبا له إلى الكليني «3».

و الثالث للشيخ في النهاية و المبسوط و التهذيب «4»، و المفيد و الصدوقين «5»، و نسب إلى الكليني أيضا «6».

و الرابع للقاضي و الديلمي و ظاهر الوسيلة «7».

و الخامس للعماني «8» و جمع ممّن يقارب عهده عصرنا «9».

دليل الأولين: أخبار إناطة وجوب التقصير بالثمانية و ما بمعناها، الحقيقة في الممتدّة الذهابية

كما مرّ.

و يجيبون عمّا يأتي من أخبار الأربعة بالحمل على مريد العود في اليوم، فبه يجمعون بين الصنفين، مستشهدا له بموثقة محمد المتقدّمة في المسألة السابقة «10»، دلّ التعليل فيها على أنّ القصر في البريد إنّما هو إذا شغل اليوم، و ليس هو إلّا إذا

______________________________

(1) حكاه عن السيد في المعتبر 2: 468، الحلي في السرائر 1: 329.

(2) انظر الحدائق 11: 313.

(3) الحدائق 11: 316 نقله عن بعض مشايخه المحققين عن الفاضل المشار إليه.

(4) النهاية: 122، المبسوط 1: 141، التهذيب 2: 207 ذيل الحديث 495.

(5) المفيد في المقنعة: 349، المختلف: 162 عن الصدوقين، و انظر الفقيه 1: 280، و الهداية: 33 و الأمالي: 514.

(6) الحدائق 11: 316 نقلا عن بعض مشايخه المحققين.

(7) القاضي في المهذب 1: 106، و الديلمي في المراسم: 75، الوسيلة: 108.

(8) حكاه عنه في المختلف: 162.

(9) منهم الذخيرة:

406، و مفاتيح الشرائع 1: 25، و الحدائق 11: 326، و الرياض 1: 257.

(10) راجع ص 191.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 195

رجع في يومه. و بما دلّ على أنّ القصر في مسيرة يوم أو بياض يوم، حيث إنّ المستفاد منه أنّ القصر إنّما هو إذا كان يومه سائرا، و هو يتحقّق بأحد الأمرين: مسير ثمانية فراسخ، أو أربعة مع الرجوع في اليوم.

أقول: في كلّ من الاستدلال بأكثر أخبار الثمانية و ما بمعناها، و الجمع و الاستشهاد نظر.

أمّا الأوّل فلأنّ من الأخبار المذكورة ما أناط تحتّم القصر على الثمانية و ما بمعناها كمعتبرة الفضل «1»، و صحيحة زرارة و محمد «2»، و صحيحة ابن يقطين «3»، و منها ما يحتمل ذلك حيث يبيّن الحكم بالجملة الخبرية المحتملة للوجوب، كموثقة سماعة و رواية البجلي «4». و شي ء منهما لا ينافي جواز التقصير في الأقلّ من ذلك فلا ينافي التخيير.

و منها ما يحتاج إلى تقدير، و هو كلّ ما جعل التقصير في البريدين أو مسيرة يوم، أو نحوهما، كحسنة الكاهلي «5»، و صحيحتي الخزاز و أبي بصير «6»، و موثقة العيص «7»، و غيرها، فإنّه لا شك في أنّها لا يستقيم إلّا بتقدير نحو قوله:

شرعيّة التقصير، أو جوازه، أو وجوبه، أو حدّ أحدها، فيحتمل أن يكون بيانا لحدّ الوجوب، فلا ينافي التخيير.

نعم يتمّ استدلالهم بموثّقة الساباطي و مرسلة ابن بكير المتقدّمتين «8».

أمّا الأولى فلدلالتها على انتفاء المسافرة- المراد منها ما يشرع معه التقصير-

______________________________

(1) المتقدمة في ص 177.

(2) المتقدمة في ص 179.

(3) المتقدمة في ص 181.

(4) المتقدمتين في ص 177 و 178.

(5) المتقدمة في ص 179.

(6) المتقدمتين في ص 180.

(7) المتقدمة في ص 179.

(8) في ص 178،

و 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 196

ما لم يسر من منزله ثمانية فراسخ الّتي هي- كما مرّ- حقيقة في الممتدة، و على وجوب الإتمام على السائر ذهابا خمسة أو ستّة، الشامل لمن قصد تلك المسافة أو لا، لترك الاستفصال.

و أما الثانية فلأنّ قوله فيها: «و إن كان دون ذلك أتم» و إن كان متضمّنا للإخبار المحتمل بنفسه للجواز، إلّا أنّ الظاهر من ذكره بعد قوله «قصر» الذي هو للوجوب البتّة أنّ المراد منه الوجوب أيضا. و حمل أحدهما على الوجوب و الآخر على الجواز بعيد. و حملهما على الجواز- حيث إنّه جنس للوجوب أيضا- ينفيه التفصيل القاطع للشركة.

و يدلّ عليه أيضا صدر رواية البجلي السابقة «1»، و هو: إنّ لي ضيعة قريبة من الكوفة، و هي بمنزلة القادسية من الكوفة، فربما عرضت لي الحاجة أنتفع بها، أو يضرّني القعود عنها في رمضان، فأكره الخروج إليها، لأنّي لا أدري أصوم أم أفطر. فقال لي: «فاخرج و أتمّ الصلاة و صم، فإنّي قد رأيت القادسية».

و أما وجه النظر في الجمع فلإباء بعض أخبار الأربعة عنه، و صراحته في غير الراجع ليومه كما يأتي.

و أما في الاستشهاد فلأنّ التعليل يمكن أن يكون للقصر في البريد ذاهبا خاصّة، فيكون معناه أنّه يقصّر في البريد، لأنّه إذا ذهب بريدا و جاء بريدا في يوم شغل يومه، و كلّما كان كذلك يجوز القصر في ذهابه خاصّة أيضا، حيث إنّه لو رجع لكان شاغلا. و أمّا ما دلّ على أنّ القصر في مسيرة يوم و نحوها، فلا يدل إلّا على أنّ قصد هذه المسافة أو سيرها يوجب القصر، لا أنّه يجب أن يكون في يوم واحد.

حجة القول الثاني، و هو تحتّم التقصير مطلقا وجهان:

أحدهما: وجوب القصر في

الثمانية الملفّقة، و لزوم ضمّ الإياب مع الذهاب كما مرّت أدلته.

______________________________

(1) في ص 178.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 197

و ثانيهما: الأخبار الدالّة على أنّ حدّ التقصير أربعة فراسخ، و هي مع كثرتها على قسمين.

القسم الأول: ما يدلّ على التقصير في أربعة فراسخ، الظاهر في الوجوب عند جماعة، و القاصر عن إفادته على الأظهر، بل لا يدلّ على الأزيد من المشروعية و الجواز، و هو مرسلة الفقيه، و صحيحتا زرارة، و رواية المروزي، المتقدمة كلها في صدر المسألة الاولى «1»، و صحيحة ابن وهب المتقدمة في المسألة الثانية «2»، و موثقة محمّد السالفة في المسألة الرابعة «3»، و مرسلة الخزاز «4»، و هي مثل مرسلة الفقيه، و صحيحته: أدنى ما يقصر فيه المسافر؟ فقال: «بريد» «5».

و صحيحة الشحام: «يقصر الرجل الصلاة في مسيرة اثني عشر ميلا» «6».

و صحيحة زرارة الطويلة، الواردة في تقصير النبي بمنى، حين أقام فيه ثلاثا، ثمَّ الخلفاء بعده إلى زمن عثمان و إتمامه، و أمره عليا عليه السلام بالإتمام و استنكافه منه «7». و لا يتوهّم دلالة استنكافه على وجوب التقصير، لجواز أن يكون ذلك لاعتقادهم وجوب الإتمام.

و رواية الهاشمي: عن التقصير، فقال: «في أربعة فراسخ» «8».

______________________________

(1) راجع ص 179.

(2) راجع ص 187.

(3) راجع ص 191.

(4) الكافي 3: 432 الصلاة ب 2 ح 3، الوسائل 8: 460 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 13.

(5) الكافي 3: 432 أبواب السفر ب 82 ح 2، التهذيب 3: 207- 495، و 4: 223- 654 الاستبصار 1: 223- 791، الوسائل 8: 460 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 11.

(6) التهذيب 3: 208- 498، و 4: 223- 655، الاستبصار 1: 224- 794، الوسائل 8: 456

أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 3.

(7) الكافي 4: 518 الحج ب 92 ح 3، الوسائل 8: 456 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 9.

(8) التهذيب 3: 208- 500، الاستبصار 1: 224- 796، الوسائل 8: 457 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 198

و أبي الجارود: في كم التقصير؟ فقال: «في بريد» «1».

و القسم الثاني: ما يدلّ بظاهره على التحتّم، و هو رواية صفوان المذكورة في المسألة الثانية «2»، و موثّقتا ابني عمار و بكير، المتقدّمتان في المسألة الرابعة «3».

و مرسله ابن أبي عمير: عن حدّ الأميال الّتي يجب فيها التقصير، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حدّ الأميال من ظلّ عير إلى ظلّ و عير» «4».

و صحيحة معاوية بن عمار: إنّ أهل مكة يتمّون الصلاة بعرفات، قال:

«ويلهم، أو: ويحهم، و أيّ سفر أشدّ منه؟! لا تتمّ» «5».

و رواية إسحاق بن عمار: في كم التقصير؟ فقال: «في بريد، ويحهم كأنّهم لم يحجّوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقصّروا» «6».

و اخرى: عن قوم خرجوا في سفر، فلما انتهوا إلى الموضع الّذي يجب عليهم فيه التقصير قصّروا من الصلاة، فلمّا صاروا على فرسخين أو على ثلاثة فراسخ أو أربعة تخلّف عنهم رجل لا يستقيم لهم سفرهم إلّا به، و أقاموا ينتظرون مجيئه إليهم، و أقاموا على ذلك أيّاما لا يدرون هل يمضون في سفرهم أو ينصرفون، هل ينبغي لهم أن يتمّوا الصلاة أو يقيموا على تقصيرهم؟ قال: «إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم، أقاموا أم انصرفوا، و إن كانوا ساروا

______________________________

(1) التهذيب 3: 209- 501، الاستبصار 1: 224-

797، الوسائل 8: 458 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 6.

(2) راجع ص 187.

(3) راجع ص 191.

(4) الكافي 3: 433 أبواب السفر ب 82 ح 4، الوسائل 8: 460 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 12.

(5) الكافي 4: 519 الحج ب 92 ح 5، الفقيه 1: 286- 1302، التهذيب 3: 210- 507 و 5:

487- 1740، الوسائل 8: 463 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 1.

(6) التهذيب 3: 209- 502، الاستبصار 1: 225- 798، الوسائل 8: 464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 199

أقلّ من أربعة فراسخ فليتمّوا الصلاة أقاموا أم انصرفوا، فإذا مضوا فليقصروا» «1».

و رواها في العلل و المحاسن، و زاد فيها: «هل تدري كيف صار هكذا؟» إلى آخر ما مرّ في المسألة الثانية «2».

و صحيحة أبي ولّاد: إني كنت خرجت من الكوفة في سفينة إلى قصر ابن هبيرة، و هو من الكوفة على نحو من عشرين فرسخا في الماء، فسرت في يومي ذلك، أقصر الصلاة، ثمَّ بدا لي في الليل الرجوع إلى الكوفة، فلم أدر أصلّي في رجوعي بتقصير أم بتمام- إلى أن قال-: فقال: «فإن كنت سرت في يومك الّذي خرجت فيه بريدا لكان عليك حين رجعت أن تصلّي بالتقصير، لأنّك كنت مسافرا إلى أن تصير إلى منزلك، و إن كنت لم تسر بريدا فإنّ عليك أن تقضي كلّ صلاة صليتها في يومك بالتقصير من قبل أن تريم من مكانك ذلك» «3».

و صحيحة [عمران بن محمد] «4»: إنّ لي ضيعة على خمسة عشر ميلا، خمسة فراسخ، ربما خرجت إليها فأقيم فيها ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو سبعة أيام، فأتمّ الصلاة أو أقصّر؟ قال: «قصّر

في الطريق، و أتمّ في الضيعة» «5».

بحملها على كون الضيعة وطنا للسائل، أو حمل جزئها الأخير على التقية بمعنى حمل الأمر بالإتمام في الضيعة عليها، لكون الملك مطلقا من القواطع عند جماعة من العامة.

أقول: يظهر ما في الوجه الأول مما مرّ في المسألة الثانية.

و أمّا الوجه الثاني، أي أخبار الأربعة، فيرد عليه أنّ القسم الأول منها غير

______________________________

(1) الكافي 3: 433 أبواب السفر ب 82 ح 5، الوسائل 8: 466، أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 10.

(2) راجع ص 188.

(3) التهذيب 3: 298- 909، الوسائل 8: 469 أبواب صلاة المسافر ب 5 ح 1.

(4) في النسخ: محمد بن عمران، و الصحيح ما أثبتناه، كما يظهر من المصادر و كتب الرجال.

(5) التهذيب 3: 210- 509، الاستبصار 1: 229- 811، الوسائل 8: 496 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 200

دالّ على الوجوب، قاصر عن إفادته. نعم يدلّ على مشروعيّة التقصير في الأربعة.

و أمّا القسم الثاني منها فكثير من أخباره غير صالح للاستدلال أيضا، كرواية إسحاق بن عمار الأولى، فإنّها قاصرة عن إفادة الوجوب أيضا، لعدم معلومية سبب الويح، فهو كما يمكن أن يكون إنكارا على الإتمام، يمكن أن يكون على اعتقاد وجوبه، فيكون المعنى: في كم يجوز التقصير؟ فقال: في بريد، ويح لمن لا يجوز فيه. نعم ظاهر صحيحة ابن عمار كون الويح على الإتمام.

و مرسلة ابن أبي عمير، فإنّها و إن كانت دالة على الوجوب إلّا أنّ غايتها وجوب التقصير في الأربعة في الجملة، و لا يدلّ على الوجوب مطلقا و بلا شرط.

ألا ترى أنه يصحّ أن يقال: حدّ السنّ الّذي يجب فيه الصيام سنّ البلوغ، مع أنّ وجوب الصوم

فيه مشروط بدخول الوقت، و الخلوّ عن الحيض و المرض و السفر، و غيرهما. فيصحّ القول بأنّ حدّ وجوب التقصير الأربعة، و إن كان مشروطا بشرط كالرجوع في اليوم، أو المسبوقيّة بقصد الثمانية الممتدّة.

و الحاصل أنّها تدلّ على أنّ كلّ اثني عشر ميلا حدّ يجب فيه التقصير، و يصدق ذلك بوجوبه فيه عند الرجوع ليومه. مع أنّه لا بدّ فيها من تقدير، فكما يمكن أن يكون المعنى: يجب في سيرها التقصير، يمكن أن يكون: في سير خاصّ فيها التقصير، و لا إطلاق في السير فيها حتّى يحكم به.

و رواية إسحاق بن عمار الثانية، و صحيحة أبي ولّاد، فإنّهما أخصّان من المدّعى، لاختصاصهما بسير الأربعة، المسبوق بقصد الثمانية الممتدّة، الراجع عن قصدها بعد سير الأربعة، و الوجوب حينئذ مسلّم، و لا يدلّ على الوجوب في غير ذلك الفرد، و لذا قال بالوجوب فيه من لا يقول به في غيره، كما يأتي.

نعم تبقى خمسة أخرى من أخبار القسم الثاني- و هي: رواية صفوان، و الموثّقتان، و التعليل الوارد في رواية العلل، و صحيحة عمران بن محمد- دالّة على الوجوب ظاهرا.

مستند القول الثالث، و هو التخيير مطلقا

، بعد إبقاء ما دلّ على جواز

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 201

التقصير أو وجوبه في الثمانية، و القسم الأول من أخبار الأربعة الدالّ على الجواز فيها، على ظواهرها، لعدم المنافاة:

إمّا حمل ما أمر بالإتمام فيما دون الثمانية، و هي الأخبار الثلاثة المتقدّمة أعني موثّقة الساباطي، و مرسلة ابن بكير، و رواية البجلي «1»، و ما أمر بالتقصير في الأربعة، و هي الخمسة المذكورة، على الجواز جمعا، لصلاحيّة كلّ منهما قرينة لذلك الحمل في الآخر.

أو جعل هذين الصنفين متعارضين خاليين عن المرجّح، فيجب المصير إلى التخيير،

لذلك.

مضافا إلى الرضوي المتقدّم في المسألة الرابعة «2».

أقول: يرد على وجه استدلالهم الأول: أنّ الجمع الّذي ذكروه إنّما يحسن مع وجود الشاهد عليه، و لا شاهد. و صلاحيّة كلّ منهما قرينة لحمل الآخر على الجواز ممنوع. نعم، يصلح تجويز الترك قرينة لحمل الدالّ على الوجوب على الاستحباب، و تجويز الفعل قرينة لحمل الدالّ على الحرمة على الكراهة، و أمّا تحتم الطرفين فليس بينهما إلّا التعارض.

و على وجه استدلالهم الثاني أولا: أنّ الرجوع إلى التخيير عند التعارض إنّما هو إذا كان بالتباين أو العموم من وجه، و أمّا إذا كان بالعموم المطلق، فيجب حمل العامّ على الخاصّ قطعا. و ما نحن فيه كذلك، لأنّ موثّقة الساباطي من الأخبار الثلاثة عامّة بالنسبة إلى قصد المسافة و عدمه، و أكثر الأخبار الخمسة خاصّة من هذه الجهة سيّما رواية صفوان، و لا جهة خصوصيّة أخرى للموثقة بالنسبة إليها.

و مرسلة ابن بكير أعمّ مطلقا من جميع الخمسة من جهة شمولها لما دون الأربعة أيضا. مضافا إلى إمكان الخدش في صراحتها في الوجوب، و رواية البجلي عامّة من جهة كون الضيعة وطنا للراوي، و كثير من الأخبار الخمسة خاصّة من

______________________________

(1) راجع ص 178، و 180، و 196.

(2) راجع ص 191.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 202

الجهتين، و كذا قوله في معتبرة الفضل: و لا يجب في أقلّ من ذلك [1]، فإنّه أعمّ مما دون الأربعة أيضا.

و ثانيا: أنّا سلّمنا التعارض، و لكن الترجيح مع أخبار الأربعة الخمسة، لموافقتها لعموم الكتاب [2]، فإنّ مقتضاه نفي الجناح عن التقصير فيما يصدق عليه الضرب في الأرض مطلقا، و المورد منه، و أخبار التمام يوجب الجناح فيه، و مخالفتها للعامّة، لأنّ غير شاذّ منهم

يوجبون التمام في المورد «1».

و على وجه استدلالهم الثالث و هو الرضوي: بضعفة المانع عن حجيّته.

دليل القولين الآخرين- و هما التفصيل في تحتم القصر أو التخيير، بين ما إذا تخلّل القاطع و بين ما إذا لم يتخلّل- وجوه:

أحدها: انصراف إطلاق ما دلّ على التقصير في الأربعة نصّا و فتوى إلى مريد الرجوع قبل القاطع، لأنّه الغالب.

و تؤيّده موثّقة محمد المتقدّمة «2»، حيث إنّ فيها- بعد الحكم بالتقصير في بريد بقول مطلق، و تعجّب الراوي عنه- علّل الحكم بأنّه إذا رجع شغل يومه، و هو ظاهر في أنّ الأربعة حيث تطلق يراد بها ما يتعقّبه الرجوع. و نحوها الأخبار الأخرى الدالّة على اعتبار الإياب بنحو قوله: «ذاهبا و جائيا» و مثل ذلك.

و ثانيها: أنّ مع عدم الرجوع يكون ذلك سفرين، كلّ منهما أربعة فراسخ، لا سفر واحد، فالتقصير في كلّ منهما يوجب طرح أخبار الثمانية. بل المتبادر من الثمانية لو لم يكن الذهابية فقط فلا شك في لزوم كونها في سفر واحد، غير متخلّل في أثنائه القاطع.

______________________________

[1] راجع ص 177، و عبارة الرواية: «و إنما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك و لا أكثر».

[2] وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ .. النساء 101.

______________________________

(1) بداية المجتهد 1: 168.

(2) في ص 191.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 203

و تنافيه التعليلات الناصّة للتقصير في الأربعة بأنّها تصير مع الرجوع ثمانية، سيّما قوله في رواية العلل: «و أرادوا أن ينصرفوا» «1».

و ثالثها: الرضوي، حيث قال- بعد الحكم بوجوب التقصير في الأربعة مع إرادة الرجوع ليومه كما مر-: «و إن عزمت على المقام، و كان سفرك بريدا واحدا، ثمَّ تجدّد لك فيه الرجوع من يومك، فلا تقصّر» «2».

هذا، مع أنّ كثيرا من الأخبار التامّة الدلالة على وجوب التقصير في الأربعة، أو المستدلّ

به له، غير شاملة أو غير ظاهرة الشمول لما إذا تخلّل القاطع.

كما دلّ على وجوب تقصير الحاجّ أو أهل مكة في عرفة، لعدم وقوفهم فيها عشرة قطعية، أو ثلاثين متردّدة، إلّا نادرا لا يحمل الكلام عليه.

و كرواية إسحاق بن عمار الأخيرة، لندرة انتظارهم الرجل المذكور متردّدين بأزيد من ثلاثين يوما، بل استبعاده، بل القطع عادة بخلافه، بل المتيقّن إمّا مجيئه أو يأسهم عن مجيئه قبلها.

و كرواية العلل المتضمّنة لإرادة الانصراف، و رواية صفوان المشتملة على قوله «ذاهبا و جائيا» و صحيحة أبي ولّاد المصرّحة بإرادة الرجوع من الطريق.

أقول: يمكن القدح في بعض هذه الوجوه، كمنع الانصراف و الغلبة المذكورتين، و منع إشعار الموثّقة، و كمنع تعدّد السفر بتخلّل القاطع مطلقا، فإنّه لا وجه لتعدّد السفر عرفا بتخلّل العشرة مع نيّة الإقامة دون العشرين بدون النية، أو التسعة مع النية أيضا، و تضعيف الرضوي بعدم ثبوته، مع أنّ في صحيحة عمران دلالة على التقصير في الأربعة مع تخلّل القاطع «3».

ثمَّ أقول: إنّ بما ذكرنا ظهرت أدلّة جميع الأقوال الخمسة، و ما يرد على كلّ

______________________________

(1) راجع ص 188.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 159، مستدرك الوسائل 6: 528 أبواب صلاة المسافر 2: ح 1، و فيه صدر الحديث.

(3) راجع ص 199.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 204

منها، فيلزم علينا الآن المحاكمة بينها و ترجيح الراجح منها.

فنقول: قد عرفت أنّ ما يدلّ على تحتّم الإتمام فيما دون الثمانية الممتدّة دلالة تامة ينحصر في أخبار ثلاثة معارضة مع جميع أخبار القسمين من أخبار الأربعة، و هي راجحة بالأشهرية رواية جدّا، و الأصحية سندا، فيجب ترجيحها، مضافا إلى ما عرفت من أعمّية الثلاثة مطلقا عن كثير من أخبار الأربعة، فيجب

تخصيصها بها بالحمل على غير قاصد المسافة أو الأربعة، أو المتخلّل له دخول الوطن، و مع ذلك يصرّح الرضوي المنجبر بخلافها. و لو قطع النظر عن جميع ذلك فبعد حصول التعارض يجب الرجوع إلى التخيير.

و منه يظهر ضعف القول بالتمام وجوبا جدّا، و كذا القول بتحتّم القصر مطلقا، لما عرفت من أنّ ما تتمّ دلالته عليه منحصر في روايات خمس، و روايتا صفوان و العلل. و موثّقة ابن عمار- كما عرفت- غير شاملة لما لم يتخلّل القاطع، أو غير ظاهرة فيه.

فلم يبق إلّا عموم موثّقة ابن بكير، و خصوص صحيحة عمران، و لكنّهما غير صالحتين لإثبات الوجوب، لشذوذه جدا، فإنّه لم ينقل قائل به من القدماء و المتأخّرين مطلقا، و لا معروف من متأخّري المتأخّرين، و إنّما نسبه بعض مشايخنا إلى واحد منهم، و أمّا نسبته إلى الكليني فغير واضحة، بل نسب إليه القول المشهور كما مرّ «1»، فالخبر الدالّ عليه شاذّ نادر، بل للإجماع البتّة مخالف.

و مع هذا كلّه لا دلالة في الصحيحة على كون الأمر بالإتمام في الضيعة لأجل تخلّل القاطع، فلعله لأجل التقيّة، حيث كان في الضيعة من المخالفين جماعة، بخلاف الطريق.

فلم يبق إلّا عموم الموثّقة المعارضة بالرضوي المذكور، المخصوص، النافي لوجوب التقصير مع عزم المقام، المنجبر بالشهرة القديمة و الجديدة العظيمة بل الإجماع، فتخصيصها به لازم، و رفع اليد عن ذلك القول أيضا متحتّم، فبقيت

______________________________

(1) راجع ص 194.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 205

ثلاثة أخرى.

و قد عرفت ضعف ما استدلّوا به للتخيير بعد معارضته لأخبار التحتّم، و قوة أخبار التحتم، فلو خلّيا و أنفسهما لكان الترجيح للأخير، و كان جدّا قويا، إلّا أنّ القول بالتخيير يتقوّى بالرضوي المتقدّم في المسألة

الرابعة المصرّح بالخيار «1»، و هو و إن كان ضعيفا بنفسه، إلّا أنه منجبر بفتوى جماعة من فحول القدماء كالصدوقين و الشيخين و أتباعهما «2»، بل بالشهرة القديمة، كما صرّح به بعض مشايخنا «3»، بل بنقل الإجماع عن أمالي الصدوق عليه «4»، بل به تشعر عبارة التهذيب حيث قال:

على أنّ الّذي نقوله في ذلك: إنّما يجب التقصير إذا كان مقدار المسافة ثمانية فراسخ، و إذا كان أربعة فراسخ كان بالخيار «5».

و القول بالتحتّم يوهن بندور القول به و شذوذه، كما صرّح به جماعة «6»، و لم ينقل القول به عن الطبقتين الاولى و الثانية إلّا عن العماني «7»، و إنّما هو شي ء ذهب إليه طائفة ممن يقاربنا عهده «8»، و نفى المحقق الأردبيلي القول بتحتّم القصر فيما دون الثمانية لغير مريد الرجوع في يومه «9»، بل في السرائر: الإجماع على جواز التمام، و نفي الخلاف عن حصول البراءة به «10»، و هو المستفاد من المختلف أيضا «11»، و عن شيخنا الشهيد الثاني في رسالته: بطلان لزوم القصر في الأربعة

______________________________

(1) راجع ص 191.

(2) راجع ص 194.

(3) انظر الرياض 1: 257.

(4) أمالي الصدوق: 514.

(5) التهذيب 2: 207.

(6) منهم صاحب الرياض 1: 257، و انظر مفتاح الكرامة 3: 503.

(7) حكاه عنه في المختلف: 162.

(8) راجع ص 194.

(9) مجمع الفائدة و البرهان 3: 361.

(10) السرائر 1: 130.

(11) المختلف: 162.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 206

لغير مريد الرجوع في يومه إجماعا «1»، و كذا صرّح بالإجماع على عدم تحتّم التقصير في الأربعة بعض الأجلة في شرح الروضة، و صرّح بعض مشايخنا بإجماع من عدا العماني على عدم التحتم أولا، و بالإجماع المطلق ثانيا «2».

و لا شك أنّ بذلك يضعّف

أخبار التحتّم جدّا، فإنّ كلا من شهرة القدماء على خلاف خبر، و شذوذ القول بمضمونه ممّا يخرجه عن الحجّية، بل المخرج هنا حقيقة الإجماع، إذ لو لم يثبت الإجماع هنا لم يثبت إجماع لم يقدح فيه مخالفة معروف النسب و لا الشاذّ.

و على هذا فيبقى القول بالتحتّم بلا دليل صالح للحجية، مع أنّه على فرض وجوده يكون في إزائه الرضوي المذكور الّذي بما مرّ مجبور، و هو مع أنّه كاف في نفسه لإثبات التخيير يصلح قرينة لحمل الأوامر فيها على الجواز، سيّما مع ما في دلالة هذه الأوامر على الوجوب من الكلام، من جهة كونها في مقام توهّم الحظر بل مسبوقيّتها به.

مضافا إلى ما عرفت من ظهور أخبار الثمانية و البريدين و نحوهما في الممتدّة، و إلى عدم رجحان أخبار الأربعة عن الرضوي باعتبار موافقة الكتاب، و لا مخالفة العامة، لأنّ التخيير أيضا كذلك، مع أنّ في رجحانها عن أخبار تحتّم الإتمام بالأول أيضا نظرا، لأنّ الضرب في الأرض حقيقة في معنى لا يراد هنا قطعا، و يمكن أن يكون مجازه السفر، و صدقه على السير في الأربعة مطلقا محلّ نظر.

مع أنّ الرضوي أخصّ من الجميع باعتبار اختصاصه بغير مريد الرجوع ليومه، فيجب التخصيص به. و هذا هو وجه ردّ الدليلين الأخيرين لضمّ الإياب مع الذهاب المشار إليه في المسألة الثانية «3».

هذا كلّه مع دلالة جميع أخبار القسم الأول من أخبار الأربعة على جواز

______________________________

(1) نتائج الأفكار (رسائل الشهيد الثاني): 172.

(2) انظر الرياض 1: 257.

(3) راجع ص 187، و 188.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 207

القصر من غير ثبوت التحتّم منها «1»، و هي مع كثرتها تشتمل على الصحاح، و يدلّ عليه ما مرّ في

المسألة الثالثة من ضمّ الإياب في الجواز «2».

و على هذا فيكون الترجيح للتخيير البتة، فعليه العمل، و به الفتوى، و هو الأصحّ.

و هل هو ثابت على الإطلاق كما هو ظاهر أكثر القدماء، أو مشروط بعدم تخلّل القاطع؟

الحق هو الأول، لإطلاق أكثر أخبار القسم الأول من أخبار الأربعة، و بعض أخبار القسم الثاني، من غير معارض سوى الرضوي الدالّ على عدم التقصير مع العزم على المقام «3». و هو- مع ضعفه الغير المجبور في المورد- لا يدلّ على حرمة القصر، فلا ينافي المطلوب، و إن نافى إطلاق تحتّم القصر، و كان منجبرا فيه.

فروع:
أ: و إذا عرفت التخيير فيما دون الثمانية، فهل يتساوى الأمران فيه، أو الأفضل القصر، أو الإتمام؟

الظاهر هو الثاني مع عدم تخلّل القاطع، للأخبار الدالّة على تقصير الرسول في عرفة و ذباب، و عدم رضاء الولي فيها بالإتمام «4»، و ظهور أخبار القسم الأول من أخبار الأربعة في الرجحان «5»، و لا ينافيه الخيار المثبت في الرضوي «6». و الثالث

______________________________

(1) راجع ص 197.

(2) راجع ص 190.

(3) المتقدم في ص 203.

(4) انظر الوسائل 8: 461 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 15، و ص 463 ب 3 من تلك الأبواب ح 1 و 5 و 6.

(5) راجع ص 197.

(6) المتقدم في ص 191.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 208

مع تخلّل القاطع، للرضوي الذي هو أخصّ مما ذكر «1»، و ضعفه في مقام السنن غير ضائر.

ب: ذكر جماعة «2» أنّ مبدأ تقدير المسافة من آخر خطّة البلد في جهة المسافة

في الصغير و المعتدل، و آخر محلّته في المتّسع.

و استدل للأول بأنّه المتبادر من إطلاق النصّ و الفتوى. و للثاني بعدم تبادره من الإطلاق، فيرجع إلى المتبادر، كما يرجع في إطلاق الوجه إلى مستوي الخلقة.

أقول: إنّ ما ورد من أنّ التقصير في بريد أو بريدين أو مسيرة يوم أو ثمانية فراسخ أو نحو ذلك، يحتمل أن يكون المراد مبتدأ من البيت أو مبدأ السير أو آخر خطّة البلد، و بالجملة في مبدإ المسافة إجمال.

فإن أراد المستدلّ أنّ المتبادر من ذلك الاستعمال إرادة آخر البلد مطلقا، فلو سلّم فينبغي أن لا يتفاوت حكمه في المعتدل و المتّسع، و لا بلد مذكورا حتّى يقال بانصراف إطلاقه إلى الشائع.

و إن أراد أنّ المتبادر منه إرادة ذلك في المعتدل خاصّة، فهو ممنوع غايته.

نعم الحكم الذي ذكروه في المعتدل من اعتبار البلد موافق للأصل، فيجب اتّباعه قطعا، و لكنّه جار في المتّسع أيضا.

و التحقيق أن يقال: إنّ التقصير في كثير من

الأخبار و إن كان معلّقا على البريد أو البريدين أو نحوهما مجملا، إلّا أنّه في بعض الروايات نحو صحيحة أبي ولّاد «3»، و موثّقة الساباطي «4»، و رواية العلل «5»، معلّق على السير، و معناه معلوم

______________________________

(1) راجع ص 203.

(2) منهم الشهيد في الذكرى: 257، و ابن فهد في المهذب البارع 1: 482. و الشهيد الثاني في الروض: 283.

(3) المتقدّمة في ص 199.

(4) المتقدّمة في ص 178.

(5) المتقدّمة في ص 188.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 209

لا إجمال فيه، فاللازم منه اعتبار مبدأ السير، كما ذهب إليه بعضهم، و تحمل المجملات أيضا على المبيّن، فهو المعتبر لا غير، سيّما فيما إذا كان المسافر من أهل البوادي و الخيام.

نعم قد ظهر لك في المسألة الاولى أنّ الفرسخ و نحوه أمر تقريبي، سواء رجع فيه إلى العرف أو الأذرع، و لا يتفاوت في صدقه- سيّما في صدق أربعة فراسخ أو الثمانية- اختلاف نحو ألف ذراع بل أكثر، و على هذا فلا يختلف الحكم في البلاد الصغيرة أو المعتدلة، سواء اعتبر المبدأ من البيت الّذي هو مبدأ السير، أو البلد، لصدق المسافة المعتبرة على التقديرين.

و هذا هو السرّ في شيوع اعتبار البلد و تبادره، لا من جهة مدخليّة نفس آخره، و هو السرّ فيما ورد في الأخبار المتقدّمة من نسبة المسافة إلى المدينة في صحيحة زرارة و محمد «1»، و إلى الكوفة و بغداد في روايات أخر، فإنّ مسافة عشرين فرسخا أو بياض يوم لا تختلف في هذه البلاد باختلاف المبدأ لو اعتبر من آخر البلد أو الوسط، و لذا لو علّق حكم على مسافة قليلة كألف ذراع لا يتبادر آخر البلد.

نعم قد يختلف إذا اتّسع البلد كثيرا،

و حينئذ فيكون المرجع هو مبدأ السير، كما هو مقتضى الأخبار المثبتة.

فالتحقيق أن يقال: إنّ المعتبر مبدأ السير تقريبا مطلقا، لكنّه لمّا كان لا يختلف الحكم باعتباره في البلاد المعتدلة يكفي اعتبار مبدأ البلد، و أمّا في المتّسعة فلإمكان الاختلاف يناط حكمها بمبدإ السير.

ج: قال في الذكرى: لو قصد المسافة في زمان يخرج عن اسم المسافر، كشهرين أو ثلاثة أشهر، فالأقرب عدم القصر

لزوال التسمية. و من هذا الباب ما لو قارب المسافر بلده، فتعمّد ترك الدخول فيه للتقصير، فلبث في قرى متقاربة

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 210

بحيث خرج بها عن اسم المسافر، و ظاهر [النظر] «1» يقتضي عدم الترخّص بحال «2».

قال في المدارك بعد ذكر ذلك: و يمكن المناقشة في عدم الترخص في الصورة الثانية بأنّ السفر بعد استمراره ينقطع بأحد القواطع، و بدونه يجب البقاء على حكم القصر. و أمّا ما ذكره من عدم الترخّص في الصورة الأولى فجيّد، لأنّ القصر إنّما يثبت في السفر الجامع لشرائط القصر، فمتى انتفى السفر أو بعض شرائطه قبل انتهاء السفر انتفى التقصير «3». انتهى.

أقول: مبنى كلام الشهيد على اشتراط صدق المسافر في جواز تقصيره، و عدم الصدق في الصورتين. و مبنى كلام صاحب المدارك على الشك في الصدق و عدمه في الصورتين، فيجب استصحاب الحالة السابقة.

و قد يقال في تأييد كلام الشهيد قدس سرّه: إنّ تعلّق الحكم بالمسافر إنّما هو بالأفراد المتعارفة الشائعة، و مثل ذلك ليس منها «4».

ثمَّ أقول: مقتضى بعض الظواهر و إن كان اشتراط السفر، كمفهوم قوله سبحانه وَ إِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ [1] و مفهوم ما في بعض الأخبار: «و من سافر قصّر» و تعليق الأمر بالتمام على عدم كونه مسافرا في موثّقة الساباطي، و قوله في رواية صفوان: «لأنّه لا يريد السفر ثمانية فراسخ»

و رواية العلل [2] و نحو ذلك، إلّا

______________________________

[1] الظاهر أنه سهو من قلمه الشريف، لأن الآية المذكورة لم ترد في مسألة القصر، بل وردت في مسألة الرهن (البقرة: 283) و في مسألة التيمّم (النساء: 43، و المائدة: 6). و كأنّ مراده (ره) قوله سبحانه وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ البقرة: 185، الوارد في الصوم، و يدلّ على جواز القصر أيضا كما ثبت في محله.

[2] لا يخفى أنّه علّق الحكم فيها على السير لا على السفر، فراجع ص 188.

______________________________

(1) في النسخ: النصّ، و ما أثبتناه موافق للمصدر.

(2) الذكرى: 257.

(3) المدارك 4: 432.

(4) انظر الحدائق 11: 306.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 211

أنّه علّق الحكم في بعض روايات أخر بالسير الذي هو أعمّ من صدق السفر.

و منه ينقدح الإشكال في اشتراطه، مع أنّه على فرض اشتراطه فانتفاء صدقه في الصورتين محل نظر، فيحصل الشك في دخولهما تحت الحكم. و لكن ندرة هذين الفردين من أفراد سير المسافة توجب الشك فيه أيضا، فإنّ القرائن الحالية الموجودة حال الخطاب تصرفه عن ظاهره، كما أنّها توجب الشك في دخولهما تحت حكم الحاضر أيضا، فالأظهر فيهما العمل بمقتضى اليقين السابق، كما ذكره في المدارك.

د: البحر كالبرّ في جواز القصر أو وجوبه مع بلوغ المسافة أحد النصابين،

و إن قطعت في ساعة، كما به صرّح جماعة، منهم المنتهى قائلا إنّه لا نعرف في ذلك خلافا «1».

و هو كذلك، لترتّب وجوب القصر على قصد المسافة المتحقّق في المورد. و لا يضرّ قطع المسافة في زمان قليل، لتعارفه في البحر.

ه: إنّما يجب القصر مع العلم ببلوغ المسافة

بالاعتبار، أو الشياع، أو القرائن.

و مع الشك يتمّ بلا خلاف، عملا بالأصل، لا أصل عدم بلوغ المسافة، لأنّ القصر تابع لقصدها، و المسافة المقصودة لا يعلم مقدارها، و لا يجري فيها أصل. بل أصل وجوب الإتمام و استصحابه حتّى يعلم وجوب القصر أو جوازه، و استصحاب مشروعيّة الإتمام لو شكّ في بلوغ حدّ مسافة الوجوب.

و في وجوب الاعتبار حين الشك و عدمه وجهان، نظرا إلى وجوب تحصيل البراءة اليقينية الموقوف عليه، و إلى أنّ الواجب عليه التقصير بشرط العلم لا مطلقا، فيكون الواجب عليه مشروطا، و لا يجب تحصيل مقدّمة الواجب المشروط، و الحاصل: أنّ الذمّة مشغولة قبل العلم بالتمام، و قد حصلت البراءة به.

______________________________

(1) المنتهى 1: 390.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 212

و الحق هو الأول مع الإمكان، لشهادة العرف بإرادة الفحص في مثل ذلك، كما مرّ بيانه في مسألة الاجتناب عن الاستقبال، في آداب الخلوة.

و لو عصى و ترك الاعتبار لم تجز له الصلاة، لأنّ المفهوم عرفا وجوب تأخير الصلاة عن الفحص، إلّا أن تركه حتّى ضاق الوقت عنه فيصلّي تماما، للأصل المذكور.

و لو ظهر بلوغ المسافة بعد الاعتبار حينئذ لم تجب الإعادة، للإتيان بالمأمور به المقتضي للإجزاء.

و لو صلّى قصرا أعاد مطلقا، و إن ظهر أنّه مسافة، لأنّ فرضه التمام و لم يأت به، و ما أتى به لم يؤمر به.

و لو سافر مع ظنّ عدم بلوغ المسافة، ثمَّ ظهر

في الأثناء أنّ المقصد مسافة، يجب التقصير حينئذ و إن قصر الباقي عن المسافة، لظهور كونه قاصدا للمسافة أولا، لأنّه كان قاصدا لمسافة معيّنة، غايته عدم علمه بكونه مسافة و علمه حينئذ، فيعلم كونه قاصدا للمسافة أولا. و أمّا اشتراط علمه أولا بأنّ مقصوده مسافة أيضا فلا دليل عليه، و الأصل ينفيه. مع أنّ في مرسلة ابن بكير: «إن كان بينه و بين منزله أو ضيعته التي يؤمّ بريدان قصّر» «1» و هو صادق في المورد.

و لا تجب إعادة ما صلّى تماما قبل ذلك، لأنّه صلّى صلاة مأمورا بها، و الأحوط الإعادة مع بقاء الوقت، بل هو الأظهر فيه.

و هل يقوم الظنّ ببلوغ المسافة مقام العلم؟

ظاهر الدليل: لا، و لو كان حاصلا من شهادة العدل بل العدلين، لأنّ الأصل حرمة العمل بالظنّ و عدم حجيّته إلّا ما قام عليه دليل، و لا دليل على اعتبار العدل أو العدلين في خصوص المورد أو كليا.

و: لا يضمّ الذهاب مع الإياب في الأربعة، كما كان يضمّ في الثمانية

وجوبا عند جماعة، و جوازا على الأقوى، للأصل، و اختصاص الدليل بالثمانية، و لصريح

______________________________

(1) التهذيب 4: 221- 648، الوسائل 8: 492 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 213

صحيحة أبي ولّاد، و رواية إسحاق بن عمار المتقدّمتين «1»، فلا يتخيّر في الثلاثة فما دونها و إن رجع.

ز: لو كان لبلد طريقان أحدهما مسافة دون الآخر، فإن سلك الأقرب أتمّ

ذهابا و إيابا.

و إن سلك الأبعد لعلّة غير الترخّص قصّر إجماعا، كما صرّح به غير واحد «2».

و كذا إن كان للترخّص، على الأظهر الأشهر، بل عن ظاهر البعض كونه إجماعيا «3»، لصدق قصد المسافة.

خلافا للمحكي عن القاضي فيتمّ «4»، لأنّه كاللاهي بصيده.

و هو ضعيف، لأنّ السفر بقصد الترخّص غير محرّم، للأصل، و القياس فاسد.

و لو ذهب من الأقرب قاصدا للرجوع من الأبعد قصّر في الذهاب على الجواز، و في الرجوع على الوجوب. أمّا الثاني فظاهر. و أمّا الأول فلما مرّ من ضمّ الإياب مع الذهاب جوازا.

و لو عكس قصّر فيهما وجوبا.

و لو كان أبعد المسافتين مسافة جواز التقصير- أي الأربعة إلى ما دون الثمانية- و الأقرب أقلّ من الأربعة، فإن سلك من الأبعد جاز التقصير سواء رجع منه أو من الأقرب، و إن سلك الأقرب أتمّ ذهابا وجوبا إن عاد منه أو من الأبعد مع عدم بلوغ المجموع الثمانية، و جوازا إن بلغ المجموع ثمانية.

ح: لو تردّد يوما في ثلاثة فراسخ ذاهبا و جائيا

، فإن بلغ في الرجوع موضع

______________________________

(1) في ص 199.

(2) كالتذكرة 1: 188، و الذخيرة: 407، و الرياض 1: 249.

(3) يظهر ذلك من التذكرة 1: 188.

(4) المهذب 1: 107.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 214

سماع الأذان و مشاهدة الجدران فالظاهر- كما صرّح به جماعة «1»- عدم الخلاف في عدم القصر، و يدلّ عليه الأصل.

و إن لم يبلغ فالمقطوع به في كلام الأكثر عدم جواز القصر أيضا، لأنّ من هذا شأنه ينقطع سفره بالرجوع، و إلّا لزم القصر لو تردّد في فرسخ ثمان مرّات، و لعدم صدق المسافر عليه شرعا و لا عرفا.

و للتأمّل في الوجهين مجال.

و الأولى أن يقال في الدليل: إنّ الأصل لزوم الإتمام خرج منه قاصد الثمانية أو

الأربعة الّتي لا تكون ملفّقة من الذهاب و الإياب أو تكون ملفّقة منهما فقط من غير أن يضمّ معهما عود ثالث، فيبقى الباقي، و لعموم قوله في مرسلة ابن بكير:

«و إن كان دون ذلك أتمّ» «2».

فالحكم بالتمام فيه لازم، و الخلاف فيه- كما عن التحرير «3»- ضعيف غايته.

و الاحتجاج بثبوت التلفيق باطل، لأنّ الثابت منه- وجوبا كما قيل، أو جوازا كما هو الأصح- تلفيق إياب مع ذهاب كما هو مورد دليله، لا تلفيق التكرار ثلاثا أو أربعا. و هو السرّ في عدم القصر في الفرسخ المتكرر فيه ثمان مرّات، لا عدم صدق السفر كما قيل «4»، و إلّا لما جاز في فرسخ حول بلده يدور في عمله أيضا، لعدم التفاوت.

ط: لو قصد المسافة عرضا لا طولا، كأن يقصد البعد عن بلده فرسخا يدور عليه حول بلده حتى بلغ المسافة، يقصر

، لصدق المسافة، و لقوله في صحيحة ابن يقطين: «و إن كان يدور في عمله» «5» قال في الوافي: معناه: و إن كان

______________________________

(1) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 407.

(2) التهذيب 4: 221- 648، الوسائل 8: 492 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 3.

(3) التحرير 1: 55.

(4) انظر الذكرى: 257، و الحدائق 11: 311. مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 8    215     الشرط الثاني: قصد إحدى المسافتين المذكورتين ..... ص : 215

(5) التهذيب 3: 209- 503، الاستبصار 1: 225- 799، الوسائل 8: 455 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 215

مسيره يكون في عرض المسافة «1».

ي: لو ذهب إلى منزل من طريق و قصد الرجوع من طريق آخر شبه قوس، لم يقصّر ما لم يبلغ قدر المسافة

الّتي تعدّ في العرف ذهابا من البلد مسافة موجبة أو مجوّزة، إلّا أن يبلغ المجموع ثمانية ملفّقة، فيقصر على الجواز. و الوجه ظاهر مما مرّ.

الشرط الثاني: قصد إحدى المسافتين المذكورتين
اشارة

للوجوب أو الجواز و لو في أثناء الطريق.

فلو قصد الأقلّ أو لم يقصد مسافة لم يجب التقصير أو لم يجز، و إن ذهب أضعاف المسافة. و إن قصدها يجب أو يجوز، و لو لم يقطع بعد المسافة بالإجماع المحقّق و المحكي مستفيضا في الحكمين «2». له، و لرواية صفوان المتقدّمة «3»، فيهما. و لا يضرّ الإتيان بالجملة الخبرية، لعدم الفصل. و لموثّقة الساباطي و ذيل مرسلة ابن بكير السالفتين «4»، في الحكم الأوّل. و لصدر الثانية، في الثاني، مضافا إلى الإجماع على اعتبار المسافة، و ليس المراد قطعها إجماعا و نصّا، كما يظهر من أخبار حدّ الترخص و غيرها، و استلزام إرادته عدم القصر في الثمانية الّتي بين الوطنين، و بطلانه ظاهر.

نعم يقصّر في الرجوع إذا بلغ المسافة و قصد الرجوع إلى أولها، إجماعا، لحصول الشرط، و موثّقة الساباطي: عن الرجل يخرج في حاجة له و هو لا يريد السفر، فيمضي في ذلك فيتمادى به المضيّ حتى يمضي به ثمانية فراسخ، كيف

______________________________

(1) الوافي 7: 131.

(2) انظر المعتبر 2: 468، و المنتهى 1: 390، و المدارك 4: 439، و الذخيرة: 407، و الرياض 1: 250.

(3) في ص 187.

(4) في ص 178 و 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 216

يصنع في صلاته؟ قال: «يقصّر و لا يتمّ الصلاة حتى يرجع إلى منزله» «1».

دلّت على وجوب التقصير بعد مضيّ ثمانية فراسخ سواء كان بعد في الذهاب أو العود أو البقاء، خرج الأخير بالإجماع، فيبقى الباقي. كما أنّه يخصّ الأمر بالإتمام في موثّقته

الأخرى المتقدّمة «2» بالانتهاء أو مع الذهاب، على الخلاف.

و كذلك إرادة الرجوع في رواية صفوان تخصّ بحال البقاء، أو يبقى على حاله، لعدم دلالة على حرمة القصر و عدم وجوبه في الأربعة.

و في ضمّ بقية الذهاب مع الإياب ممّا هو أقلّ من المسافة احتمالات:

أولها: عدم الضمّ، فلا يقصر إلّا عند الشروع في الرجوع دون هذه البقية، حكي عن الأكثر «3»، بل ادّعي عليه الإجماع.

و ثانيها: الضمّ، فيقصّر إذا بلغ مجموع البقية و الإياب مسافة، فإذا ذهب ستّة فراسخ بغير قصد، ثمَّ قصد فرسخا ثمَّ الرجوع، يقصّر وجوبا في ذلك الفرسخ الباقي أيضا، و ظاهر الحدائق الميل إليه «4».

و ثالثها: الضمّ بشرط بلوغ الإياب وحده حدّ المسافة، كأن يذهب سبعة فراسخ بغير قصد، ثمَّ قصد فرسخا ثمَّ الرجوع، نقله في الحدائق عن بعض مشايخه المحققين «5».

دليل الأول: عدم ضمّ الإياب مع الذهاب.

و دليل الثاني: لزوم ضمّه معه.

و حجّة الثالث: أنّ مع بلوغ الرجوع حدّ المسافة و قصده الرجوع يصدق قصد المسافة من غير تلفيق، فإنّ التلفيق الباطل إنّما هو ما حصل به نفس المسافة

______________________________

(1) التهذيب 4: 226- 663، الاستبصار 1: 227- 807، الوسائل 8: 469 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 3.

(2) في ص 178.

(3) الرياض 1: 250، و حكى فيه الإجماع عليه.

(4) الحدائق 11: 332.

(5) الحدائق 11: 330.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 217

لا مطلقا، و هي في المقام من دونه حاصلة.

أقول: يرد على الأول: منع عدم الضمّ في جواز القصر.

و على الثاني: منع لزومه.

و على الثالث: أنّ اللازم فيما إذا قصد المسافة القصر عند الشروع في تلك المسافة المقصودة لا مطلقا.

و منه يظهر أنّ الحقّ جواز القصر في البقية إن بلغت مع الإياب

ثمانية فصاعدا، و وجوبه في الإياب خاصّة إن بلغ بنفسه الثمانية.

و تدلّ على الأول أيضا موثّقة الساباطي المذكورة في هذا الشرط، حيث دلّت على جواز القصر حين مضت ثمانية فراسخ و إن بقيت بقيّة. و لا يضرّ اختصاصها بالثمانية، لأنها كانت في السؤال. و لا تعارضها موثّقته المتقدّمة «1»، لما عرفت من إجمال معناها.

فروع:
أ: إذا تمَّ الذهاب ثمانية فراسخ و لم يشرع بعد في الرجوع، لا يجب القصر،

للأصل، و عدم دليل على الوجوب. و لا يجوز أيضا إذا لم يكن قاصدا لمسافة ذهابية قبله لعدم قصد مسافة قبله و لا الشروع فيها بعد، لظاهر الإجماع، و رواية صفوان. و بها يخصّ عموم الموثّقة المذكورة هنا، لاختصاص النهي فيها بحال إرادة الرجوع أي حال البقاء، و عموم الموثّقة له و للعود.

و لو ضمّت بقية معه جاز القصر حينئذ، كما مرّ.

ب: يعتبر في هذا الشرط استمراره إلى حدّ المسافة

، بمعنى أن لا يرجع عن قصده المسافة و لا يتردّد فيه قبل بلوغ المسافة، فلو رجع قبله أو تردّد لم يقصّر، بلا خلاف فيه كما قيل «2»، بل قيل: إنّه إجماع «3».

______________________________

(1) في ص 178.

(2) الرياض 1: 250.

(3) الذخيرة: 407.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 218

لرواية إسحاق بن عمار في منتظر الرفقة، و صحيحة أبي ولّاد المتقدّمتين «1»، و رواية المروزي و فيها: «فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلا، و ذلك أربعة فراسخ، ثمَّ بلغ فرسخين، و نيّته الرجوع أو فرسخين آخرين قصّر، و إن رجع عمّا نوى عند ما بلغ فرسخين و أراد المقام فعليه التمام، و إن كان قصّر ثمَّ رجع عن نيّته أعاد الصلاة» «2».

قيل: في دلالة الأخيرتين نظر:

أمّا الأولى فلعدم تصريح فيها بالقصر بعد نيّة الرجوع قبل بلوغ المسافة، و إنّما صرّح فيها بقضاء ما صلّاه بالتقصير لو رجع عن النية قبل بلوغها، و ذلك و إن استلزم الحكم الأول إلّا أنّ الملزوم- و هو وجوب قضاء ما صلّاه مطلقا- باطل إجماعا، مخالف لصريح صحيحة زرارة المتضمّنة لقوله «تمّت صلاته و لا يعيد» «3» فيبطل اللازم، إذ لا بقاء للدلالة التبعية بعد فساد متبوعها. و لا يتوهّم دلالة قوله «فإن كنت سرت ..» بالمفهوم

على المطلوب، لأنّ مع تعقيبه بقوله «و إن كنت لم تسر ..» لم يبق له مفهوم غيره عرفا.

و أمّا الثانية فلأنّ محلّ دلالتها إمّا قوله «فعليه التمام» أو أمره بعده بإعادة الصلاة، و الأول لا يفيد، لأنّ الإتمام لعلّه لقصد المقام دون نيّة الرجوع، و كذا الثاني، لما مرّ في السابقة.

أقول: وجوب قضاء الصلاة مطلقا و إن كان مخالفا للإجماع، إلّا أنّ وجوبه في الوقت خاصّة ذكره الشيخ في الاستبصار «4»، و استحبابه مطلقا ممّا اختاره

______________________________

(1) في ص 198، و 199.

(2) التهذيب 4: 226- 664، الاستبصار 1: 227- 808، الوسائل 8: 457 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 4.

(3) الفقيه 1: 281- 1272، التهذيب 4: 227- 665، 3: 230- 593، الاستبصار 1:

228- 809، الوسائل 8: 521 أبواب صلاة المسافر ب 23 ح 1.

(4) الاستبصار 1: 228.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 219

بعضهم «1»، و ليس ببعيد كما يأتي، و كلّ منهما أيضا يستلزم المطلوب. مع أنّ في آخر الصحيحة الاولى: «و عليك إذا رجعت أن تتمّ الصلاة حتّى تصير إلى منزلك» و هو أيضا مثبت للمطلوب.

ج: لو صلّى قبل نيّة الرجوع قصرا، ثمَّ رجع عن قصد المسافة قبل بلوغها، تستحبّ إعادة الصلاة المقصورة

، لصحيحة أبي ولّاد، و رواية المروزي. و لا تجب، لمعارضتهما مع صحيحة زرارة السابقة، الموجبة لحمل الأوليين على الاستحباب لأجل كونها قرينة له، أو حملهما على التخيير المستلزم للرجحان في العبادات، مع أنّ الرواية عن إفادة الوجوب قاصرة.

د: المعتبر- كما صرّح به في روض الجنان «2»، و غيره «3»- قصد المسافة النوعيّة لا الشخصية

. فلو نوى السفر إلى أحد البلدين أو البلدان مع بلوغ كلّ مقدار المسافة كفى، بشرط اتّحاد أصل الطريق الخارج من بلده، لصدق قصد المسافة، و صدق أنّ بينه و بين ما يؤمّ بريدان، كما صرّح به في مرسلة ابن بكير «4».

و كذا لو قصد مسافة معيّنة، فسلك بعضها، ثمَّ رجع إلى قصد موضع آخر تكون نهايته إلى محلّ الرجوع عن القصد مسافة إجماعا.

و كذا لو كان بحيث تكون نهايته مع ما مضى مسافة، على الأظهر، فإنّه يمضي على التقصير أيضا، للاستصحاب، و صدق السفر إلى المسافة المقصودة و إن تغيّر شخصها الّذي لا دليل على اعتباره أصلا، مع اختصاص ما دلّ من النصّ و الفتوى على التمام إذا لم يقصد المسافة أو رجع عن قصده- بحكم التبادر بل في بعضه التصريح- بغير محلّ البحث، و هو ما لم يقصد فيه المسافة أصلا أو قصد الرجوع في أثنائها إلى منزله.

______________________________

(1) كصاحب المدارك 4: 440، الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط).

(2) روض الجنان: 385.

(3) كالرياض 1: 250.

(4) المتقدّمة في ص 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 220

و احتمل بعضهم «1» عدم التقصير في الأخير، لبطلان المسافة الأولى بالرجوع عنها، و عدم بلوغ المقصود الثاني مسافة.

و يردّ: بمنع بطلان الاولى إن أريد مطلق المسافة، إذ لا دليل على بطلانها بمجرد الرجوع عن شخصها مع بقاء نوعها، فيرجع إلى استصحاب وجوب القصر، و منع مدخليّة الشخص في الحكم

إن أريد بطلان الشخص.

ه: قد عرفت وجوب التمام لو رجع عن عزم السفر قبل بلوغ المسافة،

و المراد بها مسافة جواز التقصير و هي الأربعة. أمّا لو بلغ الأربعة فلا يجب الإتمام- على ما اخترناه من التخيير- قطعا، لبلوغه المسافة التخييرية، و لاختصاص الإجماع و الأخبار المتقدّمة الآمرة بالإتمام لو نوى الرجوع بما قبل الأربعة.

و هل يتخيّر في هذه الصورة أيضا، أو يجب القصر و لو في الإياب أيضا ما لم يقطع سفره في الأربعة؟

اختار الشيخ في النهاية الثاني «2»، و نفى عنه البعد بعض مشايخنا «3»، مع أنّ مذهبهما في الأربعة إذا قصدت في مبدأ السفر من غير إتمام الثمانية عدم وجوب القصر ما لم يرجع ليومه، بل جوازه.

و وجه الفرق بينهما عدم ثبوت ما يوجب تحتّم القصر في الثاني، من ثبوته و استصحاب وجوبه، بخلاف الأول، فإنّه حصل موجب القصر الاتفاقي- و هو قصد الثمانية الذهابية في مبدأ السفر- في الأول دون الثاني، إذ المسافة المقصودة فيه أولا إنّما هي الثمانية الملفّقة من الذهاب و الإياب.

و هو قوي جدّا، للاستصحاب المتقدّم، و الأمر في رواية إسحاق و صحيحة أبي ولّاد بالقصر مع بلوغ الأربعة في المورد «4»، و سائر أخبار تحتّم القصر في

______________________________

(1) الشهيد الثاني في روض الجنان: 385.

(2) النهاية: 125.

(3) انظر الرياض 1: 250.

(4) راجع ص 198، و 199.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 221

الأربعة «1»، الخالية في المورد عن الشذوذ و مخالفة الإجماع و معارضة الرضوي «2»، فيجب اتّباعها.

و: هل اللازم في قصد المسافة العلم العادي و الجزم، أو يكفي الظنّ

مطلقا، أو إذا كان قويا؟

الأول للأكثر، للأصل. و استقوى في الروضة الأخير «3».

و اللازم الرجوع إلى العرف في القصد و الإرادة المذكورتين في الأخبار، كمرسلة ابن بكير و رواية صفوان و غيرهما، و سيأتي بيانه عند تحقيق قصد إقامة العشرة.

ز: التابع للمسافر- كالعبد و الزوجة و الخادم و الأجير و الأسير- في حكم المتبوع

إذا علموا غرضه، فيقصّرون إن جزموا على المتابعة و علموا جزم متبوعهم المسافة، لاستلزامه قصدهم المسافة الموجب للتقصير و فقد المعارض.

و إن لم يكونوا عازمين على المتابعة، بل قصدوا الرجوع لو تمكّنوا منه بالعتق أو الطلاق، أو ولّوا بالنشوز و الإباق، فظاهر جماعة التقصير مطلقا، بل كلام المنتهى يشعر بكونه اتفاقيا عند الفريقين في الأولين، و عند الإمامية في الأسير «4».

و قال في نهاية الإحكام بالإتمام، لعدم القصد «5».

و فصّل الشهيد فقال: إن لم يحتمل التمكّن منه قبل المسافة عادة و لم تظهر أمارة التمكّن لهم قصّروا وجوبا أيضا، لكونهم قاصدين للمسافة بالعلم العادي، و لو احتمل ذلك بظهور أماراته أتّموا «6». و هو الصحيح.

أمّا القصر في الأوّل فلما مرّ. و لو كان ذلك منافيا للقصد لكان عزم كلّ

______________________________

(1) راجع ص 198.

(2) المتقدم في ص 191.

(3) الروضة: 1: 371.

(4) المنتهى 1: 391.

(5) نهاية الأحكام 2: 171.

(6) الذكرى: 256.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 222

مسافر للرجوع قبل المسافة لو مرض أو قطع الطريق أو نحو ذلك مخلا للقصد و لو لم تظهر أماراته، فلا يقصّر أحد لكون كلّ أحد عازما على ذلك. و بالجملة هو يعزم جزما عاديا على المسافة و هو المناط للتقصير.

و أما الإتمام في الثاني فلعدم القصد. و أصالة عدم التمكّن و بقاء الاستيلاء لا تفيد، لأنّ الحكم منوط بالقصد و هو لا يختلف بالأصل و الاستصحاب، و لذا [يتم] «1» طالب

الآبق و مستقبل المسافر إذا احتمل الوصول قبل المسافة مع أنّ الأصل عدم الوصول.

ح: المكره في السفر كالتابع إذا لم يسلب الإكراه الاختيار.

و لو سلبه كأن تشدّ يداه و رجلاه و حمل إلى السفر و علم حمله إلى المسافة فقد يختلج بالبال فيه الإشكال، إذ القصد إنّما يكون على العمل و لا يصدر عنه عمل حتّى يكون قاصدا له، و لعدم شمول كثير من أخبار القصر لمثله، و عدم تبادره من شي ء من أخباره، و إجمال نحو قلوه «التقصير في بريدين» لاحتمال إرادة قصد بريدين أو سيره، و مثل ذلك لا يقصد و لا يسير، إلّا أنّ الظاهر الإجماع على وجوب القصر عليه.

و يمكن الاستدلال له أيضا بقوله سبحانه وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ «2» فإنّ ذلك كائن في السفر و إن لم يكن مقصودا له، و لا معارض له، فيجب عليه التقصير أيضا.

الشرط الثالث: أن لا ينقطع سفره في أثناء الطريق
اشاره

بأحد القواطع، فلو انقطع أتمّ.

و هذا الشرط تارة يكون لأصل شرعيّة التقصير، و الأخرى لاستمراره.

فعلى الأول يكون المراد أنّه يشترط في شرعيّة التقصير أن ينوي مسافة لا ينقطع سفره في أثنائها قبل وصوله حدّ مسافة التقصير. فلو نوى مسافة منقطعة في الأثناء بأحد القواطع لا يجوز له التقصير لا في الطريق و لا في المنزل.

______________________________

(1) في جميع النسخ: لا يتمّ، و هو سهو كما يظهر بالتأمل.

(2) البقرة: 185.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 223

و على الثاني يكون المراد: أنّه يشترط في استمرار التقصير أن لا ينقطع سفره في أثنائه بعد بلوغ المسافة بأحد القواطع. فلو انقطع يتمّ حين الانقطاع هذه إلى أن يستأنف قصد مسافة جديدة، و يقصّر قبله.

و مراد الأكثر في هذا المقام حيث ذكروا هذا الشرط هو المعنى الأول، و لذا لم يذكروا في القواطع هنا تردّد ثلاثين يوما، لأنّه في الأول غير متصوّر،

إذ لا معنى لعزم التردّد في الأثناء ثلاثين يوما، بل اقتصروا على عدم عزم دخوله الوطن أو موضعا يعزم فيه إقامة العشرة.

و امّا المعنى الثاني فقد ذكروه في مطاوي أحكام السفر، لأنّه ليس حقيقة من شروط التقصير بل شرط استمراره.

و نحن نذكر هنا الأمرين في مقامين:

المقام الأول: في بيان ما يتعلّق بهذا الشرط بالمعنى الأول.
اشارة

فنقول: إنّه يشترط في شرعيّة التقصير- جوازا أو وجوبا- أن لا يقصد الدخول في وطن له في أثناء المسافة الشرعية، و لا يعزم على إقامة العشرة في موضع في أثنائها. فلو قصد أحد الأمرين لم يجز له القصر في الطريق إن كان الوطن أو الموضع في خلال الأربعة، و لم يجب إن كان ما بينها و بين الثمانية، و كذا في نفس الوطن أو ذلك الموضع، و لا في ما بعد ذلك الموضع ما لم ينو مسافة جديدة بعده، و لا يكفي في القصر انضمام ما بقي من المسافة بعد الانقطاع إليها قبله، و كذا لا يقصّر في المسافة، بلا خلاف في الجميع كما صرّح به غير واحد «1»، بل بالإجماع كما نقله جماعة «2».

و استدلّ له بالأخبار المستفيضة الآتية المصرّحة بانقطاع السفر بوصول أحد الموضعين و وجوب الإتمام فيه. و هو غير واف بتمام المدّعى، لأنّه لا يثبت إلّا وجوب التمام في نفس أحد الموضعين، أمّا قبله و بعده فلا.

______________________________

(1) كصاحبي المدارك 4: 441، و الرياض 1: 250.

(2) منهم العلامة في التذكرة 1: 190، و الشهيد الثاني في روض الجنان: 386.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 224

و لذا استدلّ لهما بعضهم «1» بالإجماعات المنقولة.

و بأنّ ما دلّ على القصر في المسافة يدل عليه إذا كانت المسافة سفرا واحدا، و هي هنا تسار في سفرين.

و باستصحاب وجوب التمام

الثابت في البلد في الأول و في أحد الموضعين في الثاني، مدّعيا أنّه ليس في إطلاق ما دلّ على وجوب القصر في المسافة عموم يشمل نحو هذه المسافة المنقطعة بالتمام في أثنائها، لاختصاصه- بحكم التبادر- بغيرها.

أقول: يضعّف الأول: بعدم حجية الإجماع المنقول.

و الثاني: بمنع تعدّد السفر عرفا، فإنّه لا وجه لكون المسافة المتخلّلة في أثنائها إقامة تسعة أيام و نصف سفرا واحدا و إقامة عشرة أيام سفرين عرفا، و كذا لا يفرّق العرف بين ما إذا مرّ بمنزلة الّذي يتوطّنه سيّما إذا مرّ راكبا سيما عن حواليه، و بين ما إذا لم يمرّ.

و الثالث: بعدم إمكان منع شمول أكثر أخبار التقصير لمثل ذلك، بل الظاهر شمول الأكثر، سيّما على القول بكون مطلق الملك وطنا حيث إنّه يكثر أفراده أيضا. و تسليم شمولها للمقيم في الأثناء تسعة أيام و منعه للمقيم عشرة لا وجه له.

و لذا قال في الذخيرة- بعد ذكر هذا الحكم و قوله: لا أعرف فيه خلافا- لكن إقامة حجّة واضحة عليه لا تخلو عن إشكال «2»، و هو كذلك.

إلّا أن يستدلّ للإتمام في المسافة التي بعد المنزل بعموم التعليل بقوله: «لأنّه خرج من منزله لا يريد السفر ثمانية فراسخ» في رواية صفوان السابقة «3»، و له في الّتي قبل ما يريد الإقامة فيه عشرة أيام بعموم نحو صحيحة الخزّاز: «إن حدث

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 250.

(2) الذخيرة: 408.

(3) في ص 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 225

نفسه بإقامة عشرة أيام فليتمّ الصلاة» «1» خرج عنه ما خرج فيبقى الباقي و منه المورد، و لتمام المطلوب بالإجماع المركب.

فروع:
أ: لو لم يقصد أولا الوطن المتخلّل أو إقامة العشرة و عزم عليه في الأثناء،

كأن يقصد سفرا له طريقان يشتركان في بعض الطريق، أحدهما مارّ بوطنه دون الآخر، فعزم أولا

الآخر و سلك الطريق المشترك، ثمَّ رجع عن قصده و سلك في الباقي ما يمرّ بالوطن، أو لم يكن قاصدا لإقامة العشرة في رأس ثلاثة فراسخ مثلا، ثمَّ عزم عليها بعد الوصول إلى رأس الثلاثة، فلا شكّ في لزوم القصر ما لم يقصد الطريق المارّ بالوطن و لا الإقامة، و وجهه ظاهر. و كذا في لزوم الإتمام فيما بعد الوطن أو موضع الإقامة لو لم يكن مسافة مستأنفة، لما مرّ.

و أما فيما بعد قصد الوطن أو الإقامة و قبل دخول الوطن أو موضع الإقامة لو حصل القصد قبل الوصول إليهما ففيه إشكال.

و الظاهر هو الإتمام، لعموم صحيحة ابن يقطين: عن رجل خرج في سفر، ثمَّ تبدو له الإقامة و هو في صلاته، قال: «يتمّ إذا بدت له الإقامة» «2».

و نحوها رواية سهل «3»، إلّا أنّها خالية عن قوله «و هو في صلاته» فتأمّل.

ب: لو تردّد أولا في سلوك الطريق المارّ إلى الوطن

أو إقامة العشرة في موضع من أثناء المسافة و احتملهما احتمالا غير بعيد، لا يقصّر أصلا، لعدم قصد المسافة الموجبة للتقصير و هي الغير المتخلّلة للإقامة.

ج: حكم التوقّف مع التردّد ثلاثين يوما عند احتماله في أول السفر

أو

______________________________

(1) الكافي 3: 436 الصلاة ب 84 ح 3، التهذيب 3: 219- 548، الاستبصار 1: 238- 849، الوسائل 8: 501 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 12.

(2) الكافي 3: 435 الصلاة ب 83 ح 8، الفقيه 1: 285- 1299، التهذيب 3: 224- 564، الوسائل 8: 511 أبواب صلاة المسافر ب 20 ح 1.

(3) التهذيب 3: 224- 565، الوسائل 8: 511 أبواب صلاة المسافر ب 20 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 226

حصوله من غير قصد في أثناء المسافة حكم إقامة العشرة و تخلّل الوطن في الأثناء، فيتمّ في الأول مطلقا، و في الثاني فيما بعد موضع التوقّف لو لم يكن مسافة، بل الإتمام فيه أظهر من الأولين، لكون ذلك من الأفراد النادرة كثيرا، فيشكّ في شمول إطلاقات التقصير له.

ثمَّ إنّه لا ينافي ما ذكرناه هنا ما تقدّم في صدر المقام من عدم تصوّر قطع السفر بتردّد ثلاثين يوما في هذا الشرط، لأنّ ما مرّ إنّما هو في عزم تخليل القاطع في بدء السفر، و ما ذكرناه إنّما هو في احتماله فيه أو حصوله في الأثناء.

المقام الثاني: في بيان ما يتعلّق بهذا الشرط بالمعنى الثاني.
اشاره

فنقول: إنّه يشترط في جواز التقصير- جوازا أو وجوبا- أن لا ينقطع سفره بوصوله إلى الوطن، و لا إلى موضع ينوي فيه الإقامة عشرة أيام، و أن لا يبقى متردّدا في بلد في الأثناء ثلاثين يوما.

فهذه ثلاثة قواطع للسفر، يجب على المسافر الإتمام بحصول كلّ واحد منها، نذكرها في ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: في بيان الوصول إلى الوطن.
اشارة

فنقول: إنّ انقطاع السفر به و وجوب الإتمام معه في الجملة مجمع عليه، و في الأخبار المستفيضة بل المتواترة معنى- الآتية طائفة منها- تصريح به.

و مقتضى إطلاق بعضها- كصحيحة ابن بزيع الآتية في بيان الوطن «1»، و موثّقة إسحاق و رواية المحاسن الآتيتين في حدّ الترخص للعائد من السفر «2»- شمول الحكم للواصل إلى البلد مطلقا، مجتازا كان أم غير مجتاز، نزل منزلة أم لم ينزل.

خلافا للإسكافي و الحلبي، فأوجبا القصر على المجتاز.

قال الأول: من وجب عليه التقصير في سفره، فنزل منزلا أو قرية ملكها

______________________________

(1) انظر ص 232.

(2) انظر ص 299.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 227

أو بعضها، أتمّ و إن لم يقم المدة التي توجب التمام على المسافر. و إن كان مجتازا بها غير نازل لم يتمّ «1».

و قال الثاني: و إن دخل مصرا له فيه وطن فنزل فيه فعليه التمام «2». حيث شرط النزول في المصر فيتمّ غير النازل.

و العمومات المذكورة تردّهما، مع أنّه يمكن أن يكون خلاف الإسكافي فيما له ملك من غير أن يكون وطنا شرعيّا أو عرفيا، فيكون موافقا للمشهور في المجتاز عن الملك مخالفا له في غير المجتاز.

و منهم من جعل قول الحلبي قولا غير قولي الإسكافي و المشهور، فأرجع الضمير في قوله: «فيه» إلى الوطن، و حمل الوطن على داره في المصر، فعزا إليه أنّه لو

لم يكن مجتازا و دخل دارا غير داره في المصر يقصّر.

و فيه: أنّ رجوع الضمير إلى المصر هو الظاهر، مع أنّ المراد من الوطن يمكن أن يكون التوطّن فينحصر المرجع بالمصر.

و كيف كان فالقولان شاذّان مردودان بما ذكر، و ينقطع السفر بالوصول إلى الوطن مطلقا.

و اللازم هنا تحقيق الوطن القاطع للسفر و أنّه ما هو؟
اشارة

فنقول: اختلفوا في الوطن أي الموضع الّذي يجب الإتمام و الصيام بمجرّد الوصول إليه و لو لم ينو فيه إقامة العشرة على أقوال:

الأول: أنّه ما له فيه ملك مطلقا. و هذا القول ظاهر الإسكافي، قال: من وجب عليه التقصير في سفره، فنزل منزلا أو قرية ملكها أو بعضها، أتمّ و إن لم يقم المدة الّتي توجب التمام على المسافر. و إن كان مجتازا بها غير نازل لم يتمّ.

الثاني: أنه ما له فيه ملك مطلقا مع استيطان ستّة أشهر مطلقا. و هو

______________________________

(1) نقله عنه في المختلف: 170.

(2) الكافي في الفقه: 117.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 228

صريح المبسوط و السرائر و الشرائع و الإرشاد «1»، بل سائر كتب الفاضل و من تأخّر عنه كما في المدارك «2»، بل هو المشهور بين المتأخّرين كما في الذخيرة و الحدائق «3»، بل عن روض الجنان و التذكرة: الإجماع على كفاية الستّة أشهر مطلقا «4». و قال بعض الأجلّة: لا أعرف فيه خلافا إلّا من الصدوق على وجه.

و مراد هؤلاء إن كان من الاستيطان الإقامة و الإسكان- كما هو الظاهر- يكون شرط الوطن عندهم أمرين: الملك و إقامة ستة أشهر. و إن كان إسكانا يعدّ وطنا عرفا يكون الشرط أمورا ثلاثة: الأمران، مع التوطّن العرفي في ستّة أشهر.

ثمَّ مقتضى ذلك القول اشتراط دوام الملك في حال الصلاة، و حصول الاستيطان المذكور و لو في

وقت.

الثالث: أنّه ما يكون له فيه منزل مع استيطانه ستّة أشهر، فهو أخصّ من سابقة باعتبار المنزل دون مطلق الملك إن قلنا إنّ مرادهم بالمنزل المملوك، و إلّا فيكون أعمّ من وجه منه من هذه الجهة. اختاره في النافع و الروضة «5».

الرابع: أنه ما يكون له فيه منزل مع استيطانه فيه ستّة أشهر في السنة.

و هو مذهب الصدوق في الفقيه «6». و هو أخصّ من سابقة باعتبار الستّة أشهر، فإنّها في السابق مطلقة، و في ذلك مقيّدة بالسنة، و ظاهره أن تكون الستّة أشهر من سنة، فلا تكفي الستّة من سنين متعدّدة، بخلاف الأول. و قد فهم بعضهم منه ستّة أشهر من كلّ سنة «7»، و هو بعيد من ظاهره، بل هو غير مستقيم.

الخامس: أنّه ما يكون له فيه منزل مع استيطانه فيه فعلا، فهو أعمّ من

______________________________

(1) المبسوط 1: 136، السرائر 1: 331، الشرائع 1: 133، الإرشاد 1: 274.

(2) المدارك 4: 443.

(3) الذخيرة: 408، الحدائق 11: 359.

(4) روض الجنان: 386، التذكرة 1: 190.

(5) المختصر النافع: 51، الروضة 1: 372.

(6) الفقيه 1: 288.

(7) انظر الذخيرة: 408، و الحدائق 11: 372.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 229

سابقيه باعتبار الاستيطان، فإنّه فيه مطلق، و فيهما مقيّد بستة أشهر، و يحتمل الاتّحاد باعتبار تفسير الاستيطان في بعض الصحاح الآتية بذلك، و أخصّ منه من جهة فعلية الاستيطان. و هو ظاهر الشيخ في النهاية «1»، و القاضي في الكامل، حيث عبّرا بقولهما: كان له فيها موضع يستوطنه و ينزل فيه. و لا شكّ أنّ ظاهره الفعلية.

السادس: ما يكون له فيه وطن مطلقا. و هو مذهب الحلبي «2»، و ظاهره أنّه ما كان وطنا له فعلا، و الظاهر اتحاده مع

السابق، لعدم انفكاك الوطن عن المنزل، سيّما إذا لم يشترط في المنزل الملكية.

السابع: ما يكون له فيه منزل مع استيطانه فيه عرفا. اختاره في الذخيرة و الكفاية «3»، و بعض آخر من متأخّري المتأخّرين «4»، فإن كان مراد سابقة من الوطن العرفي يتّحد معه، كما يتّحدان مع سابقهما إن كان مراده من الاستيطان ذلك، و إن كان سكنى ستّة أشهر حصل الاختلاف.

الثامن: أن يكون له فيه ملك أقام فيه ستّة أشهر، أو يكون وطنا له عرفا، و حاصله كفاية أحد الوطنين الشرعي أو العرفي. اختاره بعض متأخّري أصحابنا، و صرّح بعض مشايخنا بعدم الخلاف نصّا و فتوى في كفاية الأخير.

و محصّل الأقوال: أنّ بناء الأقوال الأربعة الأولى على الوطن الشرعي و إن اختلفوا فيما يتحقّق به، و بناء الخامس و السادس يحتمل أن يكون على الشرعي و على العرفي، و بناء السابع على العرفي، و بناء الثامن على كلّ منهما.

حجة الأول: المستفيضة من الأخبار، مثل صحيحة عمران بن محمد

______________________________

(1) النهاية: 124.

(2) الكافي في الفقه: 117.

(3) الذخيرة: 408، الكفاية: 34.

(4) كالعلامة المجلسي (ره) في البحار 86: 37 و نقله في الحدائق 11: 371 عن بعض مشايخه المحققين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 230

المتقدمة «1»، و صحيحة الهاشمي: عن رجل سافر من أرض إلى أرض و إنما نزل قراه و ضيعته، قال: «إذا نزلت قراك و ضيعتك فأتمّ الصلاة، و إن كنت في غير أرضك فقصّر» «2».

و موثقة الساباطي: في الرجل يخرج في سفر فيمرّ بقرية له أو دار، فينزل فيها، قال: «يتمّ الصلاة و لو لم يكن له إلّا نخلة واحدة، و لا يقصّر و ليصم إذا حضره الصوم و هو فيها» «3».

و رواية البزنطي:

عن الرجل يخرج إلى ضيعته و يقيم اليوم و اليومين و الثلاثة، أ يقصّر أو يتمّ؟ قال: «يتمّ الصلاة كلّما أتى ضيعة من ضياعه» «4».

و رواية موسى بن الخزرج: أخرج إلى ضيعتي، و من منزلي إليها اثنا عشر فرسخا، أتمّ الصلاة أم أقصّر؟ قال: «أتمّ» «5» يعني في الضيعة.

أقول: كانت الحجة تامة لو لا تعارضها مع غيرها، و لكنّه تعارضها مستفيضة أخرى، كرواية موسى بن حمزة: إنّ لي ضيعة دون بغداد، فأخرج من الكوفة أريد بغداد، فأقيم في تلك الضيعة، أقصّر أم أتمّ؟ قال: «إن لم تنو المقام عشرا فقصّر» «6».

و رواية ابن سنان: «من أتى ضيعته ثمَّ لم يرد المقام عشرة أيّام قصّر، و إن

______________________________

(1) في ص 199.

(2) الفقيه 1: 287- 1309، التهذيب 3: 210- 508، الاستبصار 1: 228- 810، الوسائل 8: 492 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 2.

(3) التهذيب 3: 211- 512، الاستبصار 1: 229- 814، الوسائل 8: 493 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 5.

(4) الكافي 3: 437 الصلاة ب 85 ح 3، التهذيب 3: 214- 523، الاستبصار 1: 231- 823، الوسائل 8: 497 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 17.

(5) التهذيب 3: 210- 510، الاستبصار 1: 229- 812، الوسائل 8: 496 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 15.

(6) التهذيب 3: 211- 514 الاستبصار 1: 230- 816، المحاسن 371- 131، الوسائل 8:

499 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 231

أراد المقام عشرة أيام أتمّ الصلاة» «1».

و مرسلة التهذيب: «إنّه صلّى في ضيعته فقصّر في صلاته» «2».

و الصحاح الثلاث لابن يقطين:

الاولى: عن الرجل يمرّ ببعض الأمصار، له بالمصر دار، و ليس المصر وطنه، أ يتمّ الصلاة

أم يقصّر؟ قال: «يقصّر الصلاة، و الضياع مثل ذلك إذا مرّ بها» «3».

و الثانية: إنّ لي ضياعا و منازل بين القرية و القرية الفرسخان و الثلاثة، قال:

«كلّ منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير» «4».

و الثالثة: الرجل يتّخذ المنزل فيمرّ به أ يتمّ أم يقصّر؟ فقال: «كلّ منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل، فليس لك أن تتمّ فيه» «5».

و صحيحة سعد: عن الدار تكون للرجل بمصر أو الضيعة فيمرّ بها، قال:

«إن كان ممّا سكنه أتمّ الصلاة فيه، و إن كان ممّا لم يسكنه فليقصّر» «6».

و صحيحة الحلبي: في الرجل يسافر فيمرّ بالمنزل [له] في الطريق، يتمّ الصلاة أم يقصّر؟ قال: «يقصّر، إنّما هو المنزل الذي توطّنه» «7».

______________________________

(1) التهذيب 3: 211- 513، الاستبصار 1: 229- 815، الوسائل 8: 499 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 6.

(2) التهذيب 3: 213- ملحقة بحديث 520، الوسائل 8: 494 أبواب صلاة المسافر ب 14 ذ ح 11.

(3) التهذيب 3: 212- 516، الوسائل 8: 493 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 7.

(4) التهذيب 3: 213- 519، الاستبصار 1: 230- 820. الوسائل 8: 494 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 10.

(5) التهذيب 3: 212- 515، الاستبصار 1: 230- 817، الوسائل 8: 493 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 6.

(6) التهذيب 3: 212- 518، الاستبصار 1: 230- 819، الوسائل 8: 494 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 9.

(7) التهذيب 3: 212- 517، الاستبصار 1: 230- 818، الوسائل 8: 493 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 8، و ما بين المعقوفين من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 232

و صحيحة ابن بزيع: عن الرجل يقصّر في ضيعته، قال: «لا بأس ما لم

ينو مقام عشرة أيّام إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه» فقلت: و ما الاستيطان؟

فقال: «أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر، فإذا كان كذلك يتمّ فيها متى يدخلها» «1».

و هذه الأخبار أكثر من الأولى. و طائفة منها تعارضها بالتباين كالروايتين الأوليين و المرسلة الأخيرة. و أكثرها أخصّ منها مطلقا من جهة اشتراط الاستيطان و السكنى. مضافا في صحيحتي الحلبي و ابن بزيع من جهة اشتراط المنزل أيضا.

هذا إذا حمل مطلق المنزل على المملوك، و إلّا فيكون التعارض مع الصحيحتين بالعموم من وجه، و مع البواقي- كما مرّ- بالعموم المطلق، فيجب تخصيص الأخبار الأولى بما نوى فيه العشرة، كما هو مقتضى الروايات الثلاث المعارضة للأولى، و بما فيه منزل يستوطنه، كما هو مقتضى البواقي، سيّما مع ندرة القائل بمضمونها و موافقته لمذهب جمع من العامة.

و منه يظهر سقوط ذلك القول جدّا.

دليل القول الثاني على اعتبار الملك: صحيحة الهاشمي، و مفهوم رواية البزنطي.

و على كفاية مطلقه من غير حاجة إلى المنزل: جميع الروايات الأربع الاولى، و صحيحة سعد المكتفية بالضيعة و السكنى فيها.

و على اعتبار الاستيطان: الصحاح الستّ الأخيرة.

و على اعتبار ستّة أشهر: اعتبارها في تحقّق الاستيطان شرعا، للصحيحة الأخيرة.

أقول: ما استدلّوا به للجزء الأول و إن لم تعارضه الروايات التسع الأخيرة،

______________________________

(1) الفقيه 1: 288- 1310، التهذيب 3: 213- 520، الاستبصار 1: 231- 821، الوسائل 8: 494 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 233

إذ لا تدلّ الأربع الأولى منها إلّا على عدم كفاية مطلق الملك و هو لا ينافي اعتباره، و كذا السابعة.

و أمّا الخامسة فهي أيضا كذلك، إلّا أن يعتبر مفهوم الوصف في قوله: «كلّ منزل

من منازلك لا تستوطنه» و جعل المنزل أعمّ من المملوك و غيره، و الأول ممنوع، و الثاني محلّ خدشة و كلام.

و المستفاد من قوله: «فليس لك أن تتمّ فيه» تفريعا على قوله: «فليس لك بمنزل» في السادسة انتفاء الإتمام بانتفاء المنزل، لا وجوده مع وجوده مطلقا حتّى إذا لم يكن المنزل مملوكا، فلا ينافي اعتبار الملك أيضا.

و أمّا الثامنة فإنّما تفيد عدم اعتبار الملك إذا جعل المنزل أعمّ من المملوك، و جعلنا مرجع ضمير «هو» ما يتمّ الصلاة فيه. و الأول قد عرفت أنه محلّ كلام، و الثاني ممنوع، لاحتمال أن يكون المرجع ما يتوقف عليه الإتمام، فيدلّ على اشتراط منزل و هو لا ينافي اشتراط الملك أيضا.

مع أنّ فيها احتمالا آخر بعيدا، لجواز أن يكون المرجع المنزل الّذي في الطريق، فيكون المعنى: قال: يقصّر في ذلك المنزل، لأنّه المنزل الّذي يسكنه، لا الّذي يتمّ فيه الصلاة.

و أمّا التاسعة فموضوعها ما فيه الملك، حيث إنّ السؤال فيها عن الضيعة، و قيّدها في الجواب أيضا بقوله «فيها» أي في الضيعة في موضعين.

و لا يضرّه أيضا ما قيل من أنّ المذكور في الصحيحة و الرواية «أرضك» و «ضيعته» و يكفي في تحقّق الإضافة مطلق الانتساب و الاختصاص و لو بالاستئجار أو الاستيعار أو الاستيداع، فلا يفيدان اعتبار الملكية.

لأنّا نقول: إنّ المتبادر من أرض الشخص و ضيعته و قريته ما يكون ملكا له، و لا يصحّ السلب عن المملوك، و هما أمارتان للحقيقة. و لا يتبادر غيره من الأرض المستأجرة و نحوها، و يصحّ السلب عنها، و هما أمارتان للمجاز، و يجب حمل اللفظ على حقيقته.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 234

و لا ما قيل من أنّ

ما فسّره اللغويون به الوطن لا يتضمّن الملك أصلا، و لا يعتبره أهل العرف أيضا «1».

لأنّا نقول: ليس المراد اعتباره في معنى الوطن عرفا أو لغة بل و لا شرعا بل نقول: إنّ المستفاد من الأخبار اعتبار الملك في إتمام الصلاة و إن اعتبر غيره فيه أيضا.

إلّا أنّه تعارضه الأخبار المستفيضة من الصحاح و غير الصحاح الآتية، المصرّحة بوجوب الإتمام في الدار و البيت و المنزل و الأهل و أنّ أهل كلّ بلد يتمّون فيه، بالعموم من وجه، و الترجيح للأخبار الآتية من جهة الأكثريّة و المخالفة للعامّة، لأنّهم يقولون بالإتمام في الملك دون غيره فعندهم يشترط الملك، و الموافقة لمفهوم قوله سبحانه وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ «2» إذ من يدخل وطنه العرفي الّذي لا ملك له فيه ليس على سفر.

هذا كلّه مع أنّ قوله «و إن كنت في غير أرضك» في الصحيحة لا يمكن إبقاؤه على حقيقته، و إلّا لوجب كونه في نفس الموضع المملوك دون غيره كالمسجد، و هو باطل إجماعا غير مراد قطعا، فلا بدّ من تجوّز إمّا في الكون في الأرض بأن يراد القرب منها، أو الكون في حواليها و نحوهما، أو في لفظ «أرضك» بأن يراد ماله علاقة فيها من نحو ملك أو توطّن أو منزل، كما يقال: أرض العدوّ و أرض الحبيب، و لم يتعيّن المجاز، فلا يمكن الاستناد إليه في الاشتراط.

و منه يظهر ما في الاستناد إلى مفهوم رواية البزنطي أيضا، مع أنّ اعتبار مفهومها أيضا محلّ نظر، إذ ليس من المفاهيم المعتبرة.

و منه يظهر سقوط الجزء الأوّل من ذلك القول و عدم اشتراط الملك أصلا.

و أمّا ما استدلّوا به للجزء الثاني فيرد عليه: أنّه

تعارضه صحيحة ابن بزيع المشترطة للمنزل، بل صحيحة الحلبي الدالّة على اشتراطه، بالخصوص المطلق،

______________________________

(1) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).

(2) البقرة: 185.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 235

فيجب تخصيصه بهما قطعا. بل يعارضه كلّ ما دلّ على اشتراط الاستيطان و الأهل، لعدم انفكاك صدقهما عن وجود المنزل، سواء أريد الوطن العرفي أو الشرعي. بل و كذلك الّتي اشترطها في صحيحة سعد. فهي أيضا من أدلّة المخالفين في ذلك الجزء.

و منه يظهر سقوط ذلك الجزء أيضا و أنّه لا مناص عن اعتبار المنزل أيضا.

و أمّا ما استدلّوا به على الجزء الثالث من اعتبار الاستيطان فهو كذلك، لدلالة أكثر الأخبار المذكورة عليه.

و أمّا ما استدلّوا به على الجزء الرابع، و هو كفاية استيطان ستّة أشهر واحدة و لو ماضية في سوالف الأيام و تحقّق الاستيطان به، فيتمّ الصلاة مع تحقّق ذلك و لو ترك المنزل و الاستيطان فيه حينئذ للصحيحة الأخيرة، فيرد عليه: أنّ قوله «أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستّة أشهر» ليس باقيا على معناه الحقيقي الاستقبالي مجرّدا، لعدم العلم بالمستقبل، إلّا أن يضمّ معه القصد و العزم، فيكون إمّا بمعنى أقام، أو يعزم و يريد أن يقيم.

فهو على ذلك يحتمل معنيين:

الأول: أن يكون المعنى: منزل أقام فيه ستّة أشهر.

و الثاني: أن يكون المعنى: يعزم على إقامة ستّة أشهر.

و كلّ من المعنيين ممّا يصلح إرادته منه، بل الثاني أوفق بقوله «يستوطنه» المتبادر منه الفعلية، أي فعلية القصد و إن لم تكن الإقامة فعلية حتّى يلائم قوله «ما لم ينو ..».

و ليس الثاني مخالفا للإجماع، لاحتمال كونه مراد أرباب القولين الرابع و الخامس، و إن كان حمله على المعنى الاستقبالي مطلقا من غير تفسيره بالعزم

أي عزمه بأن يقيم في الزمان المستقبل و لو في برهة من الأزمنة الآتية- كما قيل- مخالفا له.

و على هذا فتكون الصحيحة مجملة غير صريحة في كفاية الماضي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 236

و قد يقال بدلالة قوله «توطّنه» و «سكنه» في الصحيحة بضميمة هذه الصحيحة عليه.

أو يقال: دلّتا على كفاية التوطّن و السكنى الماضيين مطلقا، خرج ما دون ستّة أشهر بالإجماع، فيبقى الباقي.

و يرد على الأول: أنّ لفظ «توطّنه» يمكن أن يكون بصيغة المضارع من باب التفعل محذوفة منها إحدى التاءين، أو من باب التفعيل من دون حذف.

و على الثاني: أنه ليس المراد بقوله: «سكنه» معناه اللغوي قطعا، و مجازه يمكن أن يكون جعله مسكنا عرفا أو وطنه أو نحو ذلك، فلا يفيد شيئا.

و توهّم استدلالهم في كفاية الماضي بعدم اشتراط مبدأ الاشتقاق في صدق المشتق و نحوه خطأ، إذ الخلاف في المشتقات ليس في صيغ الماضي و المضارع، و الألفاظ الدالّة على اشتراط الوطن هنا منهما، و لم يذكر الوطن إلّا في لفظ بعض السائلين فيما لا يترتّب عليه حكم.

و من ذلك يظهر سقوط هذا القول كسابقه أيضا.

دليل الثالث أمّا على لزوم المنزل: فدلالة الأخبار عليه، و اشتراط صدق الاستيطان به.

و أمّا على لزوم الاستيطان و تحقّقه بستّة أشهر فما مرّ.

و الجزء الأوّل تامّ لا بحث عليه، و كذا اشتراط الاستيطان.

و أمّا الاكتفاء بستّة أشهر و لو ماضية فقد عرفت ما فيه.

حجة الرابع أمّا على اعتبار المنزل و الاستيطان ستّة أشهر فما مرّ.

و أمّا على اعتباره في السنة، فإن أريد به اشتراط كون الستّة في سنة، و لا تفيد الستّة المتفرقة في السنين المتعدّدة بأن يقيم في كلّ سنة شهرا أو أقلّ،

و كان مرادهم ستّة أشهر في سنة و لو من السنين الماضية، فدليلهم على اعتبار كونها في السنة: أنّ المتعارف في ذكر الشهور كونها منسوبة إلى السنين، فيقال: إنّه أقام شهرا أي من السنة. و على كفاية الماضي: ما مرّ.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 237

و إن أريد إقامة ستّة أشهر من كلّ سنة فدليلهم: ورود اعتباره بصيغة المضارع المفيدة للتجدّد الاستمراري، فلا بدّ من استمرارها في كلّ سنة.

فإن كان مرادهم الأول، فاكتفاؤهم بالسنة الماضية و إن كان مردودا بما مرّ، و لكن اشتراطهم كون الستّة في السنة صحيح، بل الظاهر اعتبار كونها فيما دون السنة أيضا، إذ الستّة أشهر و إن صدقت على المتحققة في السنة أو الأكثر إلّا أنّ الظاهر من استيطان ستّة أشهر و سكون ستّة أشهر و نحوهما كونها متوالية، و لذا لو قال أحد: كنت ستّة أشهر في البلد الفلاني، و أقمت فيه كذا، تتبادر منه المتوالية.

و إن كان مرادهم الثاني، ففيه أولا: أنّ تقييد التجدّد بكلّ سنة أي بتجدّد إقامة ستّة أشهر في كلّ سنة تقييد بلا دليل، و إرادة تجدّد إقامة كلّ ستّة أشهر تفيد دوام الإقامة، و لا يقول به أحد.

و ثانيا: أنّه إن أريد من التجدّد الاستمراري تجدّدها مستمرّا دائما، فدلالة المضارع عليه غير مسلّمة، و إن أريد حصوله كذلك متكررا عرفا، فهو مسلّم و لكنّه غير التكرر كلّ سنة.

و ثالثا: أنّ المسلّم لزوم تكرّر المبدأ خاصّة دون متعلّقه، و لذا لو قال أحد:

فلان يكرم العلماء، يستفاد منه تكرّر الإكرام و لو بواسطة تعدّد العلماء، لا تكرّر إكرام العلماء حتّى يلزم إكرام كلّ عالم متكرّرا، فاللازم هنا تكرّر الإقامة و لو بتوسّط تعدّد أيّام ستّة

أشهر أو شهورها، و لا يلزم تكرّر إقامة ستّة أشهر.

و رابعا: يمنع كون مطلق صيغة المضارع مفيدا للتجدّد الاستمراري، و لذا لو قال أحد: إذا جاءك من يبيع حنطة فاشتر منه، يجب الاشتراء إذا تراه يبيع و لو مرّة، و هو أمر يختلف باختلاف القرائن و الموارد.

و التحقيق أنّه استعمل في المعنيين، و كونه حقيقة في التجدّد الاستمراري غير مسلّم جدّا.

حجة الخامس و السادس على اعتبار المنزل: ما تقدّم ذكره.

و على اعتبار الاستيطان بمعنى أن يقيم فيه ستّة أشهر أي يعزم على ذلك

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 238

صحيحة ابن بزيع بأحد معنييها، إن كان مرادهم من الاستيطان ذلك، و سائر الأخبار المتقدّمة المتضمّنة للاستيطان، و ما يأتي من الأخبار الدالّة على الإتمام في الأهل مع ضميمة رفع اليد عن الصحيحة لإجمالها، أو حملها على ما لا ينافي ذلك، إن كان مرادهم بالاستيطان العرفي.

و هو كان صحيحا لو لا إيجابه لطرح الصحيحة رأسا أو حملها على ما يوجب إخراجها عن ظاهرها.

حجة السابع: ما مرّ من الأخبار المتضمّنة للاستيطان، المحمولة على المعنى العرفي بعد عدم ثبوت معنى له شرعا أمّا لإجمال الصحيحة أو حملها على ما لا ينافيه، و الأخبار الدالة على إتمام أهل كلّ بلد فيه أو في الأهل، كصحيحة زرارة:

«من قدم قبل يوم التروية بعشرة أيّام وجب عليه إتمام الصلاة، و هو بمنزلة أهل مكة» «1».

و موثّقة إسحاق: عن أهل مكة إذا زاروا عليهم إتمام الصلاة؟ قال:

«نعم» «2».

و اخرى فيها: «بل يكون مقصرا حتى يدخل أهله» «3».

و صحيحة إسماعيل بن جابر: يدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في السفر فلا أصلّي حتّى أدخل أهلي، فقال: «صلّ و أتمّ الصلاة» «4» الحديث.

و معنى أهل

بلد: المتوطّن فيه، كما أنّ الظاهر من أهله: وطنه الذي فيه أهله.

______________________________

(1) التهذيب 5: 488- 1742، الوسائل 8: 464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 3.

(2) التهذيب 5: 487- 1741، الوسائل 8: 472 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 6.

(3) الكافي 3: 434 الصلاة ب 83 ح 5، الفقيه 1: 284- 1291، التهذيب 3: 222- 555، الاستبصار 1: 242- 863، الوسائل 8: 474 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 3.

(4) الفقيه 1: 283- 1288، التهذيب 3: 163- 353، 3: 222- 558، الاستبصار 1:

240- 856، الوسائل 8: 513 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 239

أقول: هذا القول كان حسنا لو لا ما ذكر من رفع اليد عن الحسنة «1»، أو حملها على خلاف ظاهرها.

حجة الثامن أمّا على اعتبار الوطن العرفي و كفايته: فهذه الأخبار الأخيرة.

و أمّا على اعتبار الوطن الشرعي و هو ما أقام فيه ستّة أشهر: فالصحيحة المذكورة مع عدم تعارض بينهما كما يأتي.

و هو كان حسنا لو لا احتمال الصحيحة للمعنى الثاني المتقدّم.

و من هذا ظهر أدلّة جميع الأقوال و ما يرد عليها.

ثمَّ أقول لتحقيق الحال و بيان الحقّ من الأقوال:

إنّه قد ظهر لك مما مرّ ذكره بطلان كفاية الملك أو اشتراطه، و كذا ظهر عدم وضوح دليل على الاكتفاء بإقامة ستّة أشهر ماضية مطلقا، أو في السنة، أو اشتراط استيطانها في كلّ سنة مع الملك أو المنزل.

و منه ظهر سقوط جميع الأقوال الأربعة الاولى، بل الخامس و السادس على إرادتهما إقامة ستّة أشهر و لو فعلا بمعنى قصدها و العزم عليها.

و أمّا إن أرادا الاستيطان العرفي فقد عرفت دلالة أخبار الأهل على كفايته، بل سائر أخبار

الاستيطان لو لا الصحيحة، فلا مناص عن القول بكفايته، فهما يتمّان من هذه الجهة، إلّا أنّ عدم اعتبار غيره و عدم كفايته محلّ نظر، لأنّ الصحيحة و إن كانت مجملة باعتبار احتمال المعنيين، و لكنّه لا إجمال فيها من جهة القدر المتيقّن منهما و هو المعنيان معا، فإنّه تثبت منهما كفاية إقامة ستّة أشهر في الزمان الماضي، و قصدها و العزم عليه في المستقبل، سواء صدق معه التوطّن العرفي أم لا، فتركها و عدم اعتبارها أصلا ممّا لا وجه له.

و منه يظهر سقوط هذين القولين على ذلك المعنى، و كذا القول السابع من جهة عدم اعتبار الاستيطان بهذا المعنى أي المعنى الشرعي، و إن كانت الثلاثة صحيحة باعتبار الاكتفاء بالوطن العرفي.

______________________________

(1) كذا في النسخ الأربع، و الظاهر أن الصحيح: الصحيحة، و هي صحيحة ابن بزيع المذكورة آنفا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 240

فبقي القول الثامن المعتبر للوطنين العرفي و الشرعي، و هو الحقّ المطابق للجمع بين الأخبار، إلّا أنّ في تفسيره الوطن الشرعي بما أقام فيه ستّة أشهر و لو ماضية ما عرفت من عدم صراحة الصحيحة فيها، و أنّ القدر الثابت منها تحقّق الاستيطان الشرعي بتحقّق المعنيين جميعا بأن أقام ستّة أشهر في الزمان المتقدّم على حال الصلاة، و العزم على إقامتها بعد حال الصلاة أيضا متّصلة بها، أو غير متّصلة بشرط تحقّق العزم في الحال.

فالحقّ أن يقال بكفاية أحد الأمرين في انقطاع السفر:

أوّلهما: ما كان أهلا و وطنا عرفا، و المراد بالوطن العرفي مكان اتّخذه مسكنا، و هو يحصل بقطع العلاقة عن غير ذلك المكان و إرادة الاستقرار و الاستمرار و الكون في ذلك المكان، و الشروع في الاستقرار و التمكن و

إن لم يستمرّ بعد إلّا زمان قليل، بل لا يشترط قطع العلاقة الكليّة عن الغير أيضا.

و اعتبار ذلك المعنى ليس لأخبار الاستيطان المتقدّمة، لاحتمال إرادة الاستيطان الشرعي منها بل هو الظاهر، بل لأخبار الأهل الأخيرة، فإنّ كلّ ما كان وطنا و مسكنا عرفا و يعدّ وطن شخص، يصدق على هذا الشخص أنّه أهله و أنّه دخل على أهله.

و الثاني: ما كان وطنا شرعيا، و القدر المتيقّن منه ما تحقّق معه إقامة الستّة أشهر الماضية و العزم على إقامتها في الآتية، فيكفي كلّ من هذين المعنيين.

و لا تعارض بين أخبار الأهل و الصحيحة، لعدم المنافاة و التعارض بين كفاية كلّ من الأمرين.

و لا يتوهّم معارضة مفهوم الحصر في الصحيحة مع أحاديث الأهل، حتّى يدلّ على أنّه لا يقصّر فيما لم يكن له فيه منزل يقيم فيه ستّة أشهر و إن كان وطنا عرفا.

و معارضة مفهوم الغاية في موثّقة إسحاق الثانية من أخبار الأهل مع الصحيحة، لدلالته على أنّه ما لم يدخل أهله يقصّر و إن دخل الوطن الشرعي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 241

لاندفاع الأول بأنّه قد عرفت عدم تعيين خصوص معنى للصحيحة، و أمّا ما انتفى فيه المعنيان فلم يقم فيه ستّة أشهر و لم يقصد إقامتها بعد ذلك أيضا لا يكون البتة وطنا عرفا حتّى يحصل التعارض.

و الثاني بمنع عدم صدق أهله على الوطن الشرعي بالمعنى الّذي ذكرنا، فإنّ أهل كلّ شخص ليس غير عياله و عشيرته، و كنّي هنا به عن وطنه، فيمكن أن يراد به الوطن الشرعي أيضا.

ثمَّ لا يخفى أنّه يشترط وجود المنزل على كلّ من الوطنين، و وجهه ظاهر.

و لا يتوهّم كفاية مطلقه من غير اعتبار الوطنية من جهة

دلالة أخبار كثيرة على الإتمام في المنزل و البيت و الدار، إذ لا شكّ أنّه يجب تقييدها بالوطن، لأخباره الّتي هي منها أخصّ، خصوصا صحيحة ابن يقطين الثالثة «1».

فروع:
أ: اللازم في الموطن العرفي صدق كونه من أهله

، فلو كان قبل ذلك، كأن يكون أول أمره و أراد حينئذ السكنى فيه دائما، و لكنّه لم يدخل بعد تحت اسم أهله، لا يجوز له الإتمام فيه، بل يرجع إلى قواعد السفر، للاستصحاب، و عدم صدق الأهل الّذي هو مناط الوطن العرفي، و لا ثبوت الوطن الشرعي. نعم لو مضى على ذلك ما يصدق معه الوطن الشرعي أتمّ.

ب: لا تشترط في المنزل الملكية،

لصدق المنزل على المستأجرة و المعارة و نحوهما، و المنزل أعمّ من المملوك و غيره. نعم في بعض الأخبار قيّد بمنزل له أو منزله أو بيته أو داره، و المتبادر من هذه اللام و الإضافة الاختصاص دون الملكية.

و منه يظهر عدم الاكتفاء بالوقوف العامّة، كما صرّح به في الذخيرة «2»، لعدم تبادر هذا النوع من الاختصاص. و أمّا الخاصّ به فلا شكّ في دخوله فيه، كما نقله

______________________________

(1) المتقدمة في ص 231.

(2) الذخيرة: 408.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 242

في الذخيرة عن جماعة من الأصحاب «1»، و الظاهر أنّه لا تشترط الخصوصيّة به، بل إذا كان وقفا على محصور هو منهم كان كافيا أيضا.

ج: هل يجب التتابع و التوالي في الأشهر؟

قال في الذخيرة: الظاهر لا، و نسبه إلى جماعة «2»، و ممّن نفاه الفاضل و الشهيدان «3»، للعموم، و أصالة عدم الاشتراط.

و عن ظاهر المعتبر اعتباره «4»، و قوّاه بعض الأجلّة قال: لأنّه المتبادر، و العموم الّذي ادّعوه ممنوع.

أقول: و هو الأظهر عندي في تحقّق الوطن الشرعي، للتبادر الذي ادّعاه كما مرّت إليه الإشارة «5»، و لا أقلّ من الشك في صدق ستّة أشهر بالمتفرقة سيّما في خلال السنين المتكثرة، فلا يعلم ترتّب ما يترتّب عليه من الحكم.

د: اللازم في صدق إقامة الستّة أشهر المتوالية الإقامة العرفية

، فلا يضرّ الخروج في بعض الأيام إلى حدود البلد، بل لا يبعد عدم الضرر في الخروج إلى أكثر منها مع العود سريعا بحيث لا يضرّ في تحقّق الإقامة، و تأتي زيادة تحقيق له في بيان معنى إقامة العشرة.

ه: لا تشترط الإقامة في الستّة أشهر في خصوص المنزل، بل تكفي الإقامة في بلده

، لأنّه معنى الإقامة في المنزل شرعا، إلّا أن لا يدخل المنزل أصلا أو في الأغلب، فإنّه يشكّ في الصدق حينئذ فيرجع إلى الأصل.

و: هل يشترط في الإقامة في ستّة أشهر كون هذه المدّة كلّها ممّا يتمّ فيه الصلاة

لأجل الإقامة؟

______________________________

(1) الذخيرة: 408.

(2) الذخيرة: 408.

(3) الفاضل في المنتهى 1: 393، الشهيد الأول في الذكرى: 257، الشهيد الثاني في روض الجنان:

386.

(4) انظر المعتبر 2: 469.

(5) راجع ص 237.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 243

أو يكفي الإتمام و لو لأجل البقاء ثلاثون يوما متردّدا أو الإتمام سهوا أو لكونه كثير السفر أو عاصيا بسفره؟

الظاهر الأول، لا لأجل اشتراط إتمام الصلاة فيه لعدم دليل عليه، بل لأجل عدم صدق العزم على إقامة ستّة أشهر بدون ذلك.

نعم يشكل ذلك في الستّة أشهر الماضية حيث تصدق إقامتها و لو لم يكن ناويا لها، و الظاهر عدم الاشتراط فيها، للأصل.

ز: المراد بكون شخص أهل بلد: كونه أهله و من قاطنيه عرفا في الحال،

فلا تكفي الأهليّة السابقة المسلوبة عرفا حينئذ، و لا تكفي النسبة المتحقّقة باعتبار التولّد و نشوء الآباء و الأجداد.

ح: لا شكّ في إمكان تعدّد الوطن الشرعي

، و كذا الظاهر إمكان تعدّد العرفي أيضا، فإنّه إذا كان لأحد منزلان في بلدين، يقيم في كلّ منهما بعض السنة و ينوي الاستدامة على ذلك يقال: إنّه من أهلهما و متوطّن فيهما.

ط: يمكن التوطّن في مكان عرفا

و زواله بعد مدة.

المسألة الثانية: في بيان قطع السفر بالوصول إلى موضع ينوي الإقامة فيه عشرة
اشارة

و وجوب الإتمام فيه.

و هو ثابت بإجماعنا، و الضرورة من مذهبنا، و المتواترة من أخبارنا.

منها: صحيحة زرارة: أرأيت من قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون مقصّرا و متى ينبغي له أن يتمّ؟ فقال: «إذا دخلت أرضا فأيقنت أنّ لك بها مقام عشرة أيام فأتمّ الصلاة، و إن لم تدر ما مقامك بها تقول: غدا أخرج أو بعد غد، فقصّر ما بينك و بين أن يمضي شهر، فإذا تمَّ لك شهر فأتمّ الصلاة و إن أردت أن تخرج من ساعتك» «1».

و منصور: «إذا أتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة أيام فأتمّ الصلاة، فإن تركه

______________________________

(1) الكافي 3: 435 الصلاة ب 84 ح 1، التهذيب 3: 219- 546، الاستبصار: 237- 847، مستطرفات السرائر: 72- 5، الوسائل 8: 500 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 244

رجل جاهلا فليس عليه شي ء» «1».

و الخزّاز: عن المسافر إن حدّث نفسه بإقامة عشرة أيام، قال: «فليتمّ الصلاة، و إن لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعدّ ثلاثين يوما، ثمَّ ليتمّ و إن كان أقام يوما أو صلاة واحدة» فقال له محمد: بلغني أنّك قلت: خمسا، فقال: «قد قلت ذاك» «2».

و ابن وهب: «إذا دخلت بلدا و أنت تريد المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة حين تقدم، و إن أردت المقام دون العشرة فقصّر، و إن أقمت تقول: غدا أخرج و بعد غد، و لم تجمع على عشرة، فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا تمَّ الشهر فأتمّ الصلاة» «3».

و علي: عن الرجل يدركه شهر رمضان في السفر فيقيم الأيام في المكان أ عليه صوم؟ قال: «لا حتّى يجمع على مقام عشرة

أيام، و إذا أجمع على مقام عشرة أيام صام و أتمّ» «4».

و رواية أبي بصير: «إذا قدمت أرضا و أنت تريد أن تقيم بها عشرة أيام فصم و أتمّ، و إن كنت تريد أن تقيم أقلّ من عشرة أيام فأفطر ما بينك و بين شهر، فإذا بلغ الشهر فأتمّ الصلاة و الصيام و إن قلت: أرتحل غدوة» «5» إلى غير ذلك.

و مقتضى صريح الثلاثة الأخيرة و مفهوم البواقي أنّه لو نوى دون العشرة قصّر و لو كان خمسة أيام أو أكثر، كما هو الأقوى الأشهر، بل عليه عامّة أصحابنا

______________________________

(1) التهذيب 3: 221- 552، الوسائل 8: 506 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 3.

(2) الكافي 3: 436 الصلاة ب 84 ح 3. التهذيب 3: 219- 548، الاستبصار 1: 238- 849 الوسائل 8: 501 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 12.

(3) الفقيه 1: 280- 1270، التهذيب 3: 220- 551، الوسائل 8: 503 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 17.

(4) الكافي 4: 133، الصيام ب 53 ح 2، الوسائل 8: 498 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 1.

(5) الكافي 4: 133 الصيام ب 53 ح 2، الوسائل 8: 498 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 245

كما عن المنتهى «1».

خلافا للإسكافي، فيتمّ في خمسة «2»، لذيل صحيحة الخزّاز المتقدّمة، القاصرة عن إفادة الحكم، لشذوذها و معارضتها مع ما هو أكثر و أصحّ و أصرح و أشهر منها، مع ما فيها من الاحتمالات الّتي ذكروها من الحمل على التقية، أو الاستحباب، أو التخصيص بالحرمين، أو إرجاع الإشارة في قوله «ذاك» إلى الإتمام في العشرة.

فروع:
أ: لا فرق في موضع الإقامة بين كونه قرية أو بلدا أو بادية،

و لا بين العازم على السفر بعد المقام و

غيره، لإطلاق الفتاوى و النصوص. نعم يشترط في البادية أن يقصد الإقامة في موضع معيّن منها ممّا يعدّ موضعا واحدا عرفا، كمجتمع الخيام أو قطعة أرض معيّنة، و لم يثبت الحكم في أزيد من ذلك، كما يظهر وجهه ممّا نذكره في بيان معنى إقامة البلد.

ب: المراد بنيّة الإقامة تحقّق قصد المقام في نفسه

، كما دلّت عليه الأخبار المتقدّمة، و على هذا فيدخل من نوى الإقامة اقتراحا، أو علّقها على قضاء حاجة يعلم عادة توقف انقضائها على العشرة، أو على شرط فوجد الشرط، و لكنه يقصّر قبل وجوده.

و بالجملة المناط إرادة الإقامة، و هي تحصل بأحد الأمرين:

الأول: قصد الإقامة إلى حصول وصف، بشرط العلم بعدم حصوله قبل العشرة عادة. و لا يكفي الظنّ هنا، لعدم صدق قصد العشرة.

و ثانيهما: قصد الإقامة إلى خصوص العشرة فصاعدا.

و لا بدّ هنا من عدم الالتفات إلى احتمال حصول المانع، أو الالتفات إليه مع ظنّ عدم حصوله و لو بالاستصحاب، في المانع الغير الموجود. و أما المانع

______________________________

(1) المنتهى 1: 396، و فيه: ذهب إليه علماؤنا أجمع.

(2) حكاه عنه في المختلف: 164.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 246

الموجود فلا بدّ مع الالتفات إليه من العلم بارتفاعه، و لا يكفي الظنّ به، و كذا وجود المقتضي.

كلّ ذلك لدوران الصدق العرفي مداره، فمن دخل بلدا و أراد إقامة عشرة يتمّ و لو كان بحيث لو بلغ خبر موت والده أو زوجته لا يقيم، لأنّ أمثال ذلك لا يضرّ في صدق القصد و العزم العرفيين، و إلّا لم يكن مقام يتمّ فيه لإقامة العشرة.

ج: لا شكّ في اشتراط التوالي في الأيام العشرة لتحقّق إقامة عشرة أيام،

لأنّه المتبادر، بل هو اتّفاقي. فلو أقام خمسة ثمَّ خرج و سافر أيّاما ثمَّ أقام خمسة أخرى لم يكن كافيا إجماعا، و يجب أن تكون أيام الإقامة في بلد متتالية.

نعم اختلفوا في أنّه هل يشترط في تحقّق الإقامة في موضع عدم الخروج منه أصلا، أو لا بل لا يضرّ فيه الخروج عنه في زمان يسير؟ و لو سلّم اشتراط عدم الخروج منه فهل يشترط عدم الخروج عن حدّ ترخصه، أو عدم البلوغ

حدّ المسافة؟

و الحاصل أنّه لا شكّ في تعليق الحكم على إقامة العشرة المتتالية في بلد، إنّما الكلام في معنى الإقامة في بلد.

فقيل: معناها أن لا يخرج عن محلّ الإقامة إلى حدّ الترخّص فما فوقه، كما عن الشهيدين «1».

و قيل: أن لا يخرج إلى المسافة فما فوقها، فلا يضرّ فيها أن يخرج إلى ما دون المسافة مع رجوعه ليومه و ليلته، كما عن فخر المحققين «2».

و قيل: يناط ذلك إلى العرف، فيشترط فيه انتفاء ما يضرّ عرفا بإقامة البلد عرفا، و لا يشترط غير ذلك كما ذهب إليه جمع من أفاضل المتأخرين «3».

______________________________

(1) الشهيد الأول في البيان: 160، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 49، و نتائج الأفكار (الرسائل):

190.

(2) نقله عنه الشهيد الثاني في نتائج الأفكار (الرسائل): 191.

(3) انظر المدارك 4: 460، و البحار 86: 43، و الذخيرة: 411، و الحدائق 11: 346، و الرياض 1: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 247

دليل الأول: أنّ معنى الإقامة في البلد أن لا يخرج عن حدود ذلك البلد، و المستفاد من الأخبار أنّ الحدود الشرعية لكلّ بلد منتهى سماع أذانها و رؤية بيوتها و جدرانها، و هو الّذي يحصل به الترخّص من جميع أطرافها، فما دام يكون فيما دون حدّ الترخّص يكون في البلد، و إذا تجاوز عنه يكون خارجا عنه.

أو يقال: ليس المراد بالإقامة معناها اللغوي، و لم تثبت فيه حقيقة شرعية، فيقتصر فيه على موضع الإجماع، و هو ما لم يتجاوز حدّ الترخّص.

أو يقال: معنى الإقامة في البلد الإقامة فيه عرفا، و عدم الخروج عن حدّ الترخّص عن بلد أقام فيه عرفا، دون ما تجاوز عنه.

و يرد على الأوّل: منع كون الحدود لبلد هو حدّ

الترخص. و اعتباره في كلّ من الخروج و الدخول من السفر لا يستلزم اعتباره في معنى الإقامة أو البلد أو الموضع، فإنّه أمر شرعي لا مدخل له في أمر عرفي مستفاد من اللفظ المترتّب عليه الحكم الشرعي. و تقديم الشرع على اللغة أو العرف إنّما هو فيما إذا أفاد الشرع حقيقة شرعية لذلك اللفظ الّذي نيط به الحكم، دون ما إذا أفاد شرطا شرعيا لحكم في بعض الموارد كما نحن فيه، فإنّ غاية ما يستفاد من الشرع اعتبار حدّ الترخص حال خروج المسافر و دخوله في القصر و الإتمام، لا صيرورة الإقامة حقيقة شرعية فيما لم يحصل معه الخروج إلى حدّ الترخّص للفظها.

و على الثاني: منع عدم إرادة المعنى اللغوي عن الإقامة في موضع، بل هو المراد، و هو ما يصدق عليه ذلك عرفا فإنّه لا يعلم للإقامة في موضع لغة معنى سوى ما يفهمه العرف، و على هذا فلا حاجة إلى الاقتصار على موضع الإجماع، بل يرجع إلى العرف، مع أنّ أصل الإجماع الذي ادّعاه ممنوع.

و على الثالث: أنّ بعد الإناطة إلى العرف لا يتفاوت فيه التجاوز عن حدّ الترخص بقليل أو عدم البلوغ إليه كذلك، و الحاصل أنّه لا وجه لإناطة العرف بخصوص حدّ الترخص.

دليل الثاني: أنّ الإقامة إنّما تنقطع بالسفر الشرعي، و السفر إلى ما دون

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 248

المسافة ليس سفرا شرعيا فلا يقدح في اتّصال الإقامة. و بعبارة أخرى: المراد بالإقامة ترك السفر، فلا ينافي قصد ما دون المسافة فيه.

و رواية الحضيني: استأمرت أبا جعفر عليه السلام في الإتمام و التقصير، قال: «إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيام و أتمّ الصلاة» فقلت له: إنّي أقدم مكة قبل

التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة، قال: «انو مقام عشرة أيام و أتمّ الصلاة» «1».

و لا ريب أنّ القادم بيومين أو ثلاثة قبل التروية من نيّته الخروج إلى عرفة قبل العشرة، و لا يتمّ معه الحكم بالتمام إلّا على هذا القول.

و صحيحة ابن مهزيار و فيها: «إذا توجّهت من منى فقصّر الصلاة، فإذا انصرفت عن عرفات إلى منى و زرت البيت و رجعت إلى منى فأتمّ الصلاة تلك الثلاثة الأيام» «2».

فإنّ إتمام الصلاة في منى في الأيام الثلاثة لا يتمّ إلّا على عدم ضرر ما دون المسافة في قصد الإقامة، لأنّه بعد الثلاثة يقصد مكة.

و صحيحة زرارة: «من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة و هو بمنزلة أهل مكة، فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير، فإذا زار البيت أتمّ الصلاة، و عليه إتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتّى ينفر» «3».

فإنّ إتمام الصلاة في منى لا يتمّ إلّا على القول المذكور، و لذا قال في الوافي بعد ذكر الرواية و الكلام فيها: إلّا أن يقال إرادة ما دون المسافة لا تنافي عزم الإقامة، و عليه الاعتماد «4». انتهى.

و ظاهره- كما ترى- موافقته لهذا القول لأجل هذه الروايات.

______________________________

(1) التهذيب 5: 427- 1484، الاستبصار 2: 332- 1180، الوسائل 8: 528 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 15.

(2) التهذيب 5: 428- 1487، الاستبصار 2: 333- 1183، الوسائل 8: 537 أبواب صلاة المسافر ب 27 ح 3.

(3) التهذيب 5: 488- 1742، الوسائل 8: 464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 3.

(4) الوافي 7: 154.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 249

و يرد على الأول: منع توقّف انقطاع الإقامة بالسفر الشرعي، بل ينقطع عرفا بغيره أيضا.

و حمل الإقامة على ترك السفر الشرعي لا يوافق حقيقة لغوية و لا شرعية و لا عرفية.

و على الرواية الأولى: أنّها معارضة مع الصحيحتين الأخيرتين، فإنّهما تدلّان على أنّ قصد عرفات يوجب التقصير و يهدم قصد الإقامة، فهما حجّتان على المستدلّ لو قال بعدم كون أربعة فراسخ مسافة، و لا تصلح حجّة له لو قال بكونها مسافة. مع أنّ لزوم خروج كلّ من يرد مكة إلى عرفات ممنوع، و من أين علم خروج الراوي؟

و على الأخيرتين: أنّهما صرّحتا بهدم الإقامة الأولى بقصد عرفة و لم يعلم أنّ الحكم بالتمام فيهما لمن يأتي منى لأجل قصد إقامة مستأنفة قبل الإتيان بمنى ثانيا بمكة، لخلوهما عن هذا التقييد، و ليس منه فيهما عين و لا أثر، بل مقتضاهما التمام و لو لم يقصد الإقامة المستأنفة أيضا.

و دعوى أكثريّة عزم الإقامة بمكة بعد الفراغ من الحج- كما في الوافي- «1» ممنوعة جدا، سيّما في زمان الإمام لأهل مدينة و نحوهم.

بل الأخيرة صريحة في أنّه ليس لذلك، لجعلها غاية التمام النفر المستلزم لعدمه بعد النفر و دخول مكة مع أنّه لو كان السبب ذلك لوجب التمام بعد النفر في مكة أيضا، و حمل النفر على النفر إلى بلده يوجب بطلان الإتمام للقصد في مكة إجماعا.

و منه يظهر تقييد الصحيحة الأولى بما قبل النفر أيضا و تخرجان بذلك عن مفروض المسألة، غاية الأمر أنّه لا يكون سرّ الإتمام في منى فيهما معلوما لنا، فلا تفيدان لنا في المسألة شيئا.

و يمكن أن يكون الإتمام لقصد إقامة مستأنفة بعد النفر من منى في مكة، حتّى تكون أيام منى محصورة بين قصد إقامتين بأن لا تضرّ مسافة التخيير في

______________________________

(1) الوافي 7: 154.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 250

ذلك.

و دليل الثالث: أنّه لم يرد نصّ في معنى إقامة الأرض و البلد، فيرجع فيه إلى ما تعدّ إقامة البلد عرفا، لأنّه الحاكم في أمثال ذلك. و فرّعوا عليه أنّه لو نوى ما يقال له في العرف: إنّه إقامة ذلك البلد، فهو يكفي و إن انضمّ إليه التردّد إلى البساتين المتّصلة بالبلد و المحلّات الخارجة عن سوره، الغير المنفصلة عن البلد عرفا، ما لم يصل إلى موضع بعيد يخرجه عن المقيمين في البلد.

و بالجملة ليس معنى الإقامة و لا البلد و نحوه أمرا تحقيقيّا، بل هما أمران عرفيان، فالإقامة هي عدم الخروج عرفا، و قد لا يضرّ الخروج في دقيقة أو ساعة في إقامة مدّة طويلة، و البلد و نحوه هو ذلك الموضع عرفا و قد لا يضرّ البعد عن بيوته بنصف ميل و نحوه فالمناط فيهما العرفيان.

و الظاهر عدم الخروج عن إقامة بلد بالتردّد إلى بساتينه و مزارعة، المتّصلة به القريبة منه المعدودة عند أهل البلد من بساتين البلد و مزارعه، ما لم تعدّ في العرف موضعا على حدة مقابلا لذلك البلد، فيقال: هذا في البلد، و هذا في الموضع الفلاني و هذا بستان البلد، و هذا بستان القرية الفلانية.

أقول- و من اللّه التوفيق-: إنّ لنا لفظين، أحدهما: الإقامة، و ثانيهما:

موضع الإقامة من الأرض أو البيت أو المكان أو البلد أو نحوها، و ليس شي ء منهما مبيّنا شرعا، فيجب في تعيين معناهما الرجوع إلى العرف. و لكن اللفظ الأول واحد في الأخبار و هو لفظ الإقامة، و أمّا الثاني فيجب أولا تعيين المضاف إليه للإقامة ثمَّ الرجوع في استخراج معناه إلى العرف، فإنّ إقامة البيت غير إقامة المحلّة، و

هي غير إقامة البلد و القرية، و هي غير إقامة الرستاق و المملكة و هكذا.

فنقول أولا لبيان ذلك: إنّ أخبار الإقامة منها ما لم يذكر فيه محلّ الإقامة و ما يقيم فيه، بل يتضمّن حكم الإقامة مطلقة كصحيحة الخزّاز و نحوها، و منها ما يتضمّن الإقامة بأرض كصحيحة زرارة و رواية أبي بصير، و منها ما يتضمّن الإقامة بمكان كصحيحة علي، و منها ما يتضمّن الإقامة بالبلدة كصحيحتي منصور و ابن

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 251

وهب المتقدّمتين «1»، و صحيحة أبي ولّاد و غيرها الآتية في مسألة الإتمام في المواطن الأربعة «2» و غير ذلك.

و الصنف الأول مجمل من حيث محلّ الإقامة، و الثانيان شاملان لإقامة البيت و المحلّة و البلد و الرستاق و المملكة و نحوها، و لا شكّ في تفاوت حكم الخارج بقصد كلّ منها، إلّا أنّ الصنف الأخير أخصّ مطلقا من الجميع، فيجب الحمل على إقامة البلدة و نحوها من القرية، لأنّها أيضا بحكمها إجماعا، حملا للمطلق على المقيّد، و المجمل على المبيّن.

و حمل الإقامة على ترك السفر حتّى لا يحتاج إلى المضاف إليه لا دليل عليه، لأنّه ليس معنى الإقامة لغة و لا شرعا و لا عرفا، مع أنّ ناوي الإقامة مسافر عرفا أيضا، و أيضا نرى أنّه لو كان يقول: من أقام في بيت عشرة أيام يتمّ، كان يختلف حكمه مع قوله: من أقام في محلّة أو أقام في بلد، و لو كان المراد ترك السفر لم يختلف البتة، و يحصل من ذلك أنّ متعلّق حكم الإتمام هو قصد إقامة البلد أو القرية أو المصر أو المدينة أو نحوها.

و على هذا فلا بدّ من الرجوع في معنى المضاف

و المضاف إليه إلى العرف.

و معنى الأول عرفا واضح، و هو التوقّف في ذلك الموضع و عدم الخروج منه، و هو يختلف باختلاف المدة، فلو قال: أقم في البيت الدقيقة الفلانية، يعصى بالخروج منه بنصف دقيقة، و لو قال: أقم فيه شهرا، لا يعصى بالخروج إلى حواليه دقيقة عرفا على الظاهر، بل و لا ساعة أو ساعات إذا لم يبعد المسافة كثيرا.

و أمّا الثاني فلا شكّ في صدقه على ما أحاط به سور البلدة أو القرية أو ما تجمعه حدود بنيانها و دورها، و لكن قد يقتصر على ذلك في العرف كما يقال لمن أقام عند درب بغداد: ما دخل بغداد و اجتاز منها، و لذا لو نذر أحد أن لا يدخل بغداد لا يحنث لو ذهب إلى قرب سوره.

______________________________

(1) راجع ص 243، و 244.

(2) انظر ص 307.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 252

و قد استعمل ذلك في بعض الأخبار الآتية في بيان حدّ الترخص، بل هذا هو الاستعمال الأكثري كما يستفاد من الأخبار أيضا، و لذا اعتبروا ابتداء المسافة من خارج البلد بهذا المعنى، و لذا يصحّ أن يقال: فلان خرج من البلد، إذا تجاوز عن دربه و سوره.

و قد يتجاوز عن ذلك فيستعمل فيما ذكر و في حدوده المتّصلة به و بساتينه، كما مرّت الإشارة إليه.

و قد يتجاوز عن ذلك أيضا فيستعمل في بلدة و قرأها و قرية و مزارعها البعيدة، فيقال: فلان ساكن بغداد، و إن سكن بعض قرأها.

و نحن لا نعلم المراد من البلدة و القرية التي أضيفت إليها الإقامة، و لا شكّ أنّ ذلك ليس منوطا إلى قصد المقيم حتّى لو نوى المقام بالبلدة بالمعنى الأخير لم يضرّ الخروج

إلى قرأها البعيدة التي منها إليها عشرة فراسخ و أكثر و يكون المجموع في حكم الوطن، بل القدر الثابت أنّ قصد الإقامة في البلدة و القرية موجب للإتمام، و البلدة تستعمل في معان، و القدر المعلوم أنّ قصدها بالمعنى الأول- و هو ما جمعته الدور و البنيان و حفّته السور و الجدران- يوجب الإتمام قطعا، و الباقي غير معلوم لنا، فلا يعلم تعلّق الحكم به أيضا.

فإن قلت: معنى البلدة في إقامة البلدة مركّبة غير معناها مفردة.

قلنا- مع أنّه خلاف الأصل للعلم بالمعنى التركيبي لغة-: إنّه لو قال: أقم في داخل السور، فهل يفهم جواز التجاوز عنه؟ بل لا شكّ في عدم جوازه، فإذا احتمل كون المراد بالبلدة ذلك المعنى كيف يتفاوت معنى إقامة البلدة؟! نعم في معنى الإقامة عشرة أيام عرفا توسّع لا يضرّ الخروج ساعة أو ساعتين أو ساعات حتّى لو قال: أقم داخل السور عشرة أيام، لم يضرّ هذا القدر من الخروج إذا لم يبعد المسافة كثيرا، و هو توسّع في معنى الإقامة مختلف باختلاف مدّته قصرا و طولا أو في معنى عشرة أيام، لا في معنى البلدة.

و من هذا يظهر أنّ ما نقله في الحدائق ناسبا له إلى الغفلة، و هو أنّه اشتهر

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 253

في هذه الأزمنة المتأخّرة أنّ من أقام في بلدة أو قرية مثلا فلا يجوز له الخروج من سورها المحيط بها أو عن حدود دورها و بنيانها «1»، هو الحقّ الحقيق بالاتّباع، و عليه الفتوى و الاعتماد. و لا يتوهّم أنّ ذلك قول مغاير للقول الثالث، بل هو عينه، إلّا أنّا نقول: إنّ هذا هو المعنى العرفي لإقامة البلد.

نعم لا يضرّ خروج ساعة أو

ساعتين أو نحو ربع يوم إلى حوالي البلد، لا لصدق البلد على الحوالي، بل لعدم منافاته لصدق الإقامة عشرة حتّى لو قال:

أقم داخل السور عشرة أيام، لم يضرّ ذلك أيضا.

و بهذا ينضبط أمر الإقامة، و إلّا فيحصل الاضطراب في الرستاق القريبة القرى و في نحو ذلك.

فاللازم في قصد الإقامة قصد التوقّف في مجتمع البنيان و الدور من بلد عرفا، و عدم الخروج منها خروجا عرفيا لا بنحو عشرة أقدام و عشرين و نحوهما ممّا لا يخلّ بالإقامة من خروج زمان يسير.

و حمل الإقامة على ترك السفر الشرعي كان معنى حسنا منضبطا لو كان على إرادته و الحمل عليه دليل، و لكن لا دليل عليه أصلا.

د: قال في المنتهى: لو عزم على إقامة طويلة في رستاق

ينتقل فيه من قرية إلى قرية، و لم يعزم على الإقامة في واحدة منها المدّة التي يبطل حكم السفر فيها، لم يبطل حكم السفر، لأنّه لم ينو الإقامة في بلد بعينه، فكان كالمنتقل في سفره من منزل إلى منزل «2».

قال في المدارك: و هو حسن «3» و تبعه جمع آخر «4».

و هو كذلك، و وجهه واضح، فإنّ الثابت هو تعلّق الإتمام على من قصد

______________________________

(1) الحدائق 11: 344.

(2) المنتهى 1: 398.

(3) المدارك 4: 461.

(4) كالمحقق السبزواري في الذخيرة: 412، و العلامة المجلسي في البحار 86: 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 254

الإقامة في قرية دون رستاق أو مملكة. و على هذا فيضرّ في قصد الإقامة قصد الخروج إلى قرية أخرى و لو كانت قريبة جدّا، و لا يضرّ الخروج عن دورها بقليل أو في زمان يسير.

ه: لو نوى المسافر الإقامة في بلدة و أقام العشرة أو صلّى فيها صلاة تامّة، ثمَّ بدا له الخروج

، فإن كان إلى المسافة فحكمه واضح.

و إن كان إلى ما دونها: فإمّا لا يريد العود إلى موضع الإقامة، أو يريده.

فإن لم يرد: فإمّا يقصد المسافرة من ذلك الموضع بغير قصد إقامة في الموضع الثاني فيقصّر، أو يقصد فيه الإقامة، فيتمّ في ذلك الموضع و الطريق إن لم يبلغ الأربعة، و يتخيّر في الطريق إن بلغها، و الكلّ ظاهر.

و إن أراد العود: فإمّا يكون بعد قصد إقامة في ذلك الموضع الثاني أو قبله.

فإن كان بعده يتمّ في الطريق ذهابا و إيابا وجوبا مع عدم كونه أربعة، و تخييرا مع كونه أربعة، و في ذلك الموضع و الموضع الأول وجوبا إن أراد قصد إقامة مستأنفة في الموضع الأول، و يقصّر حين الخروج من ذلك الموضع الثاني في الطريق و في الموضع الأول إن لم يرده.

و إن كان قبله: فإمّا بلغ

المسافة أربعة، أم لا.

فإن بلغ: فإن أراد العود ليومه يقصّر في الطريق ذهابا و إيابا و في ذلك الموضع وجوبا و كذا في محلّ الإقامة مع عدم قصد إقامة جديدة فيه.

و إن لم يرد العود ليومه بل عاد بعد يوم و نحوه: فإن قصد إقامة مستأنفة بنى على ضمّ الإياب مع الذهاب في وجوب القصر أو جوازه أو عدم الضم أصلا، و المشهور هنا الأخير، و قيل: بلا خلاف ظاهر، بل قيل: إنّه إجماع «1». و الحقّ الثاني، لما مرّ في المسألة الثالثة من الشرط الأول «2»، بل الأول، لعدم معلوميّة

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 260.

(2) راجع ص 190.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 255

شذوذ القول بالضمّ هنا.

و لو لم يقصد إقامة مستأنفة فالمشهور وجوب القصر بالخروج عن الموضع الأول، و نسب إلى الشيخ و الحلّي و الفاضل «1». و قيل باختصاصه بحال الإياب فيتمّ في الذهاب، حكي عن الشهيدين «2»، و نسبه بعضهم إلى الأكثر أيضا، بل نسب القول بالتمام مطلقا- حتى في الإياب- إليهم.

و على هذا فهو قول ثالث، و أفتى به الفاضل في جواب المسائل المهنائية «3».

و هنا قول رابع و هو القصر ذاهبا و جائيا و في الموضعين، إلّا إذا قصد إقامة جديدة أو أراد تكميل الإقامة الاولى، نسب إلى ظاهر المختلف «4».

و قد يحكى قول خامس ينسب إلى البيان، و هو الفرق في العود بين عدم إقامة أصلا و بين الإقامة في الجملة و إن كان دون العشرة، فيقصّر ذاهبا و جائيا في الأول و عائدا خاصّة في الثاني «5».

دليل الأولين: ضمّ الذهاب مع الإياب، و إطلاقات وجوب القصر على المسافر، خرج موضع الإقامة حال الإقامة فيبقى الباقي.

و دليل الثاني:

عدم ضمّه، و كون الأصل في الصلاة التمام كما يستفاد من الغلبة، و استصحاب حال المكلف، خرج حالة الإياب لقصد المسافة، فبقي الباقي.

و دليل الثالث: ذلك الأصل، و كون محلّ الإقامة بمنزلة الوطن.

و دليل الأخيرين: اعتبارات ضعيفة.

______________________________

(1) الشيخ في المبسوط 1: 138، الحلي في السرائر 1: 346، الفاضل في المنتهى 1: 398، و القواعد 1: 50.

(2) الشهيد الأول في الدروس 1: 214، الشهيد الثاني في نتائج الأفكار (رسائل الشهيد الثاني):

186.

(3) أجوبة المسائل المهنائية: 131.

(4) المختلف: 171.

(5) البيان: 266.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 256

و إذ قد عرفت أنّ الحق الضمّ في جواز القصر تعرف أنّ القوّة مع جواز القصر ذهابا و ما دام في الموضع الأول، له و لجواز القصر في الأربعة مطلقا، و وجوبه إيابا. بل الظاهر الأقوى الوجوب في الذهاب في هذه المسألة أيضا، لما عرفت من أنّ رفع اليد عن أدلّة وجوب الضمّ إنّما كان لشذوذها، و هو في المسألة مفقود، و لما مرّ من إطلاقات قصر المسافر، و لما يأتي ممّا يدلّ على القصر فيما دون الأربعة.

و أصالة التمام في كلّ صلاة ممنوعة، و لو سلّمت فبما مرّ مدفوعة، و كون محلّ الإقامة بمنزلة الوطن في جميع الأحكام لا دليل عليه، و عموم المنزلة التي ادّعي مما لا ينبغي الركون إليه.

و إن لم يبلغ المسافة أربعة فمع قصد إقامة مستأنفة في محلّ الإقامة لا يقصّر مطلقا، إذ لا موجب له.

و مع عدم قصدها فكالأربعة، فيقصّر ذهابا و إيابا و في الموضعين، باعتبار ضمّ الإياب مع الذهاب هنا وجوبا، و تدلّ عليه بالتصريح صحيحة أبي ولّاد الآتية في حكم الصلاة في المواطن الأربعة «1»، و رواية الجعفري الآتية في الفرع التاسع

«2».

و لا يخفى أنّ المراد بعدم قصد الإقامة المستأنفة في محلّ الإقامة هنا عدم قصدها في ذلك السفر مطلقا و لو بعد التردّد إلى الموضع الثاني مرّات. فلو قصدها و لو بعد التردّد يتمّ ذهابا و إيابا و في الموضعين وجوبا، كمن قصد الإقامة في بغداد ثمَّ أراد الذهاب إلى الكاظمين عليهما السلام، فإن لم يرد إقامة ثانية في بغداد أصلا في هذا السفر يقصّر وجوبا ذهابا و إيابا و في الموضعين. و إن أراد إقامة ثانية فيها و لو بعد التردّد إلى الكاظمين مكرّرا بأن تكون تلك التردّدات محصورة

______________________________

(1) انظر ص 307.

(2) انظر ص 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 257

بين قصد إقامتين يتمّ في الجميع وجوبا، لما ذكرنا سابقا من أنّ الثابت ضمّ إياب واحد مع الذهاب لا التردّد مكررا.

هذا إذا لم تكن المسافة بين الموضعين أربعة، و إلّا فكما عرفت يجب القصر مع قصد الإقامتين في طرفي التردّدات.

و: اليوم و إن كان حقيقة فيما بين الطلوعين إلّا أنّه يدخل هنا الليالي إجماعا

، لا بمعنى اشتراط عشرة ليال أيضا، بل بمعنى أن يقيم في الليالي المتخلّلة بين العشرة أيام، فلو أقام الأيام و خرج الليالي لم يكن إقامة عشرة إجماعا، و لكن لو دخل أوّل طلوع الشمس من يوم و خرج أول غروبها من العاشر كفى و إن لم يقم إلّا تسعة ليال، للإجماع أيضا و صدق إقامة العشرة.

ز: تجب إقامة عشرة أيام تامة

، لأنّها مقتضى اللفظ، فلو نقص عنها بعض يوم و لو نصف ساعة لم يكن إقامة العشرة.

و يظهر من بعضهم احتساب يوم الدخول و الخروج منها و لو كانا بعض يوم «1».

و لا وجه له، و الصدق العرفي الذي ادّعاه ممنوع.

و لو دخل في أثناء يوم و خرج في أثناء يوم آخر ففي احتسابهما أربعة أوجه بل أقوال:

الأول: عدم احتسابهما مطلقا لا يوما و لا يومين و اشتراط عشرة تامّة غيرهما، اختاره في المدارك «2».

و الثاني: احتسابهما يوما واحدا بالتلفيق، استقر به في الذكرى و روض الجنان و البحار «3»، و بعض مشايخنا «4».

______________________________

(1) نقله في الحدائق 11: 347 عن بعض مشايخه المحققين.

(2) المدارك 4: 460.

(3) الذكرى: 256، روض الجنان: 386، البحار 86: 43. مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 8    258     ح: لو حصل له قصد الإقامة عشرة في أثناء صلاة مقصورة يتم الصلاة، ..... ص : 258

(4) الرياض 1: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 258

و الثالث: احتسابهما يومين مطلقا، فيتمّ العشرة بهما و بثمانية أخرى، يظهر من بعضهم القول به.

و الرابع: احتسابهما يومين إن دخل قبل الزوال كثيرا و خرج بعده كذلك، و لو عكس أو دخل و خرج عند الزوال فيسقطهما أو يلفق «1».

و الحق هو الأول، لأنّ اليوم حقيقة في

ذلك الزمان الممتدّ المتصل تاما، و لا يصدق على نصف من يوم و نصف من آخر أو غير معلوم صدقه عليه، فما لم يتحقّق هذا الزمان الممتدّ عشر مرّات لم يعلم صدق عشرة أيام. و التلفيق مطلقا أو احتساب الناقص كذلك خلاف الأصل و الحقيقة، فيحتاج إلى دليل.

و مستند المخالفين و دفعه ظاهر، و أقوى اعتمادهم على الصدق العرفي الممنوع جدّا.

ح: لو حصل له قصد الإقامة عشرة في أثناء صلاة مقصورة يتمّ الصلاة،

بلا خلاف ظاهر، بل من بعضهم الإجماع عليه «2»، و تدلّ عليه صحيحة ابن يقطين: عن رجل خرج في سفر ثمَّ تبدو له الإقامة و هو في صلاته، قال: «يتمّ إذا بدت له الإقامة» «3».

و نحوها حسنة سهل بن اليسع «4».

ط: إن رجع ناوي الإقامة عن قصده فإن لم يصلّ صلاة تامّة رجع إلى التقصير

، و إن صلّى صلاة تامّة و لو واحدة أتمّ سائر ما يصلي في ذلك المقام و لو صلاة واحدة، بلا خلاف في شي ء من الحكمين، بل عن جماعة الإجماع عليه «5».

______________________________

(1) كما يظهر ذلك من بعض مشايخ صاحب الحدائق، انظر الحدائق 11: 347.

(2) التذكرة: 193.

(3) الكافي 3: 435 الصلاة ب 83 ح 8، الفقيه 1: 285- 1299، التهذيب 3: 224- 564، الوسائل 8: 511 أبواب صلاة المسافر ب 20 ح 1.

(4) التهذيب 3: 224- 565، الوسائل 8: 511 أبواب صلاة المسافر ب 20 ح 2.

(5) منهم صاحب المدارك 4: 463 و الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 259

و تدل عليه صريحا صحيحة أبي ولّاد الآتية في حكم الصلاة في المواطن الأربعة «1»، و الرضوي المنجبر «2»، و هو أيضا بمعناها.

و أما رواية الجعفري: لمّا أن نفرت من منى نويت المقام بمكة، فأتممت الصلاة حتى جاءني خبر من المنزل، فلم أجد بدّا من المصير إلى المنزل، و لم أدر أتمّ أم أقصّر، و أبو الحسن عليه السلام يومئذ بمكة، فأتيته فقصصت عليه القصة، فقال: «ارجع إلى التقصير» «3».

فهي غير منافية لما ذكر، لأنّ المراد الرجوع إلى التقصير بعد الخروج من مكة، و هو كذلك ما لم يقصد إقامة جديدة.

و ظاهر قوله في الصحيحة: «حتى بدا لك أن لا تقيم» أنّ الموجب للرجوع إلى التقصير قبل الصلاة هو قصد

عدم الإقامة. فلو حصل له التردّد بعد القصد لا يقصّر، لعمومات التمام في موضع قصد فيه الإقامة، و استصحاب وجوب التمام. و لا تعارضها عمومات قصر المتردّد، لظهورها فيمن كان كذلك ابتداء.

و كذا ظاهرها أنّ الموجب للرجوع هو قصد عدم الإقامة سواء قصد المسافة أو ما دونها، فيقصّر لو كان رجوعه قبل الصلاة إلى قصد ما دون المسافة، وفاقا لجماعة «4»، و خلافا لآخرين لوجه ضعيف «5».

ثمَّ إنّ الحكم بالإتمام فيها وقع معلّقا بالصلاة، فلا يكفي الصوم الواجب و لو أتمّه قبل الرجوع، لعموم الصحيحة.

و قيل: يكفي إن رجع بعد الزوال «6»، لما دلّ من العمومات على وجوب

______________________________

(1) انظر ص 307.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 161، مستدرك الوسائل 6: 540 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 1.

(3) الفقيه 1: 283- 1286، التهذيب 3: 221- 554، الاستبصار 1: 239- 852، الوسائل 8: 509 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 2.

(4) كالعلّامة المجلسي في البحار 68: 44، و صاحبي الرياض 1: 260، و الحدائق 11: 405.

(5) كالشهيد الثاني في الروض: 314، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 412.

(6) التنقيح 1: 294، روض الجنان: 395.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 260

المضيّ في الصوم إذا سافر بعد الزوال «1»، فإذا صحّ فلا بدّ أن لا تبطل إقامته، و إلّا فيلزم وقوع الصوم في السفر.

و فيه أولا: أنّ شمول العمومات لما نحن فيه ممنوع، لأنّها الظاهرة فيمن سافر من المكان الذي يتحتّم فيه الصوم. و ثانيا: أنّ بطلان وقوع الصوم مطلقا في السفر أيضا ممنوع، إنّما هو إذا كان مجموعه حاصلا في السفر.

و قيل: يكفي مطلقا، لصحة الصوم قبل الزوال، فتكون إقامته صحيحة، و إلّا لزم جواز الصوم في السفر

«2».

و فيه: أنّه مراعى بعدم الرجوع أو بإتمام فريضة تامة للصحيحة، و ذلك واسطة بين الصحة الحتمية و البطلان الحتمي، فالصوم صحيح ما لم يرجع أو يصلّي فريضة تامة.

و كذا علّق الحكم على وقوع الصلاة، فلا يكفي مضيّ زمانها مع تركها عمدا أو سهوا أو لإغماء أو جنون.

و على إتمامها، فلا يكفي بعض الصلاة، فلو رجع عن العزم في أثناء الصلاة يقصّرها، وفاقا لجماعة «3».

و قيل: لا يرجع لأنّ الصلاة على ما افتتحت عليه «4».

و قيل: يرجع إن لم يتجاوز محلّ القصر، و إن تجاوز لم يرجع، لاستلزامه إبطال العمل- المنهي عنه- لو رجع، فيتمّ ثمَّ يصدق أنّه صلّى صلاة تامة «5».

و فيه: منع إنّه إبطال، بل هو بطلان. سلّمنا و لكن لا نسلّم النهي عن الإبطال هنا.

______________________________

(1) انظر الوسائل 1: 185، أبواب من يصح منه الصوم ب 5.

(2) العلامة في التذكرة 1: 193، و التحرير 1: 56، القواعد 1: 50، و نهاية الأحكام 2: 185.

(3) انظر المنتهى 1: 498، و المدارك 4: 483، و الذخيرة: 412، و الحدائق 11: 425.

(4) كما في المبسوط 1: 139، و المهذب 1: 108، و عن ابن الجنيد في المختلف: 169.

(5) كما في نهاية الأحكام 2: 185، و المختلف: 169، و التذكرة 1: 193، و التحرير 1: 56، و الدروس 1: 211، و البيان: 261.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 261

و على كون الصلاة فريضة، فلا تكفي النافلة التي تسقط في السفر.

و أن تكون الصلاة بتمام، فلا تكفي الفريضة الغير المقصورة، و لا المقصورة إذا أتممت لشرف البقاع.

و يمكن الخدش فيه بأنّ من صلّى المغرب أو الصبح مثلا يصدق أنّه صلّى فريضة بتمام، و تقييدها بالمقصورة لا دليل

عليه، و تبادر أنّ الإتمام لنيّة الإقامة ممنوع. نعم يتبادر أن تكون الصلاة تامّة مع الاختيار و القصد، فلو تمَّ المقصورة بغير نيّة الإقامة سهوا لم يكن كافيا. و بالجملة مقتضى الصحيحة كفاية الصلاة التامة الواقعة بقصد المكلّف كيف ما كان، و التقييد بتامّة مخصوصة لا دليل عليه.

و على هذا فلو ترك الصلاة حتى مضى وقتها بنيّة الإقامة، ثمَّ قضاها تامة ثمَّ رجع لا يقصر.

ثمَّ إنّه بعد إيقاع الصلاة الواحدة تامة لو رجع، كما يصلّي باقي الصلوات تامة يصوم أيضا، لمفهوم قوله: «إذا قصّرت أفطرت» «1» و يجبر عدم دلالته على الوجوب بالإجماع المركب.

المسألة الثالثة: في بيان قطع السفر بالتردّد شهرا في موضع

، بمعنى أنه لو تردّد في الإقامة عشرة في موضع قصّر ما بينه و بين شهر، فإذا تمَّ الشهر أتمّ الصلاة و لو صلاة واحدة، بلا خلاف فيه، بل عليه الإجماع في كلمات جملة من الأصحاب «2»، بل هو إجماعي محققا، فهو الدليل عليه.

مضافا إلى المستفيضة من الصحاح و غيرها، منها: صحاح زرارة و الخزّاز و ابن وهب و رواية أبي بصير المتقدّمة «3»، و صحيحة أبي ولّاد الآتية في بيان حكم المواطن الأربعة «4».

______________________________

(1) انظر الوسائل 10: 184 أبواب من يصح منه الصوم ب 4.

(2) كصاحب المدارك 4: 463.

(3) في ص 243، 244.

(4) انظر ص 307.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 262

و هل المعتبر الشهر الهلالي الحاصل برؤية الهلال إلى رؤيته، كما هو الوارد في أكثر الروايات المتضمنة للفظ الشهر؟

أو الثلاثون يوما كما في صحيحة الخزاز؟

أطلق الأكثر الأول تبعا لأكثر الروايات.

و قال الفاضل و الشهيدان بالثاني «1»، حملا للمجمل على المبين أو المطلق على المقيد.

و الحق هو الثاني، لا لما ذكر، لمنع كون الشهر مجملا أو مطلقا، بل الظاهر

كونه حقيقة شرعا في الهلالي.

بل لأنّ الحكم بالإتمام إذا تمَّ الشهر في رواياته عامّ يشمل ما قبل تمام الثلاثين و ما بعده، و صحيحة الخزّاز خاصّة بالنسبة إلى الأول، فيجب التخصيص بها، و يدلّ عليه استصحاب حكم القصر أيضا إلى أن يعلم حصول سبب التمام. و منه يعلم وجوب البناء على الثلاثين أيضا لو قلنا بتعارض الروايات.

و حكم الخروج إلى ما دون المسافة هنا و تلفيق اليومين كما مرّ في إقامة العشرة بعينه.

الشرط الرابع: أن يكون السفر سائغا غير محرّم
اشارة

، بلا خلاف بين الأصحاب كما في الذخيرة «2»، بل بالإجماع كما صرّح به جماعة منهم المحقّق في المعتبر و الفاضل في جملة من كتبه «3»، بل هو إجماع محقّقا، له، و للمستفيضة من الأخبار كصحيحة ابن مروان: «من سافر قصّر و أفطر، إلّا أن يكون رجلا سفره إلى صيد، أو في معصية اللّه، أو رسولا لمن يعصي اللّه، أو في طلب شحناء أو

______________________________

(1) الفاضل في التذكرة 1: 190، الشهيد الأول في الذكرى: 256، الشهيد الثاني في الروض:

378.

(2) الذخيرة: 409.

(3) المعتبر 2: 470، و انظر المنتهى 1: 392، و التذكرة 1: 191.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 263

سعاية أو ضرر على قوم مسلمين» «1».

و رواية ابن بكير: عن الرجل يتصيد اليوم و اليومين و الثلاثة أ يقصر الصلاة؟ قال: «لا: إلّا أن يشيّع الرجل أخاه في الدين، و إنّ التصيّد مسير باطل لا يقصر الصلاة فيه» «2».

و موثّقة عبيد: عن الرجل يخرج إلى الصيد يقصر أم يتمّ؟ قال: «يتمّ لأنّه ليس بمسير حقّ» «3».

و مرسلة الفقيه: «لا يقصر الرجل في شهر رمضان إلّا بسبيل حق» «4».

و صحيحة حمّاد و فيها في باغي الصيد و السارق: «و ليس لهما أن يقصرا في

الصلاة» «5».

و زرارة: عمن يخرج عن أهله بالصقور و البزاة و الكلاب مسيرة الليلة أو الليلتين و الثلاث هل يقصر من صلاته أم لا يقصر؟ قال: «إنّما خرج في لهو لا يقصر» «6».

و موثّقة سماعة: «و من سافر قصّر الصلاة و أفطر إلّا أن يكون رجلا مشيّعا لسلطان جائر أو خرج إلى صيد» «7».

______________________________

(1) الكافي 4: 129 الصيام ب 50 ح 3، التهذيب 4: 219- 640، بتفاوت يسير، الوسائل 8:

476 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 3.

(2) الكافي 3: 437 الصلاة ب 85 ح 4، التهذيب 3: 217- 536، الاستبصار 1: 235- 841، الوسائل 8: 480 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 7.

(3) الكافي 3: 438 الصلاة ب 85 ح 8، التهذيب 3: 217- 537، الاستبصار 1: 236- 841، الوسائل 8: 479 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 4.

(4) الفقيه 2: 92- 410، الوسائل 8: 476 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 1.

(5) الكافي 3: 438 الصلاة ب 85 ح 7، التهذيب 3: 217- 539، الوسائل 8: 476 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 2.

(6) التهذيب 3: 218- 540، 4: 220- 641، الاستبصار 1: 236- 842، الوسائل 8: 478 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 1.

(7) التهذيب 3: 207- 492، 4: 222- 650، الاستبصار 1: 222- 786، الوسائل 8: 477 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 264

و رواية أبي سعيد الخراساني: في رجلين سألاه عن التقصير- إلى أن قال-:

و قال للآخر: «وجب عليك التمام لأنّك قصدت السلطان» «1».

و رواية إسماعيل بن أبي زياد: «سبعة لا يقصرون الصلاة» إلى أن قال:

«و الرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا، و

المحارب الّذي يقطع السبيل» «2».

ثمَّ إنّ صريح هذه الأخبار عدم التقصير في السفر الّذي تكون غايته حراما أي يقصد بسفره أمرا محرّما. و لا ريب فيه.

و مقتضى فتاوى الأصحاب و الإجماعات المنقولة الإتمام فيه و فيما إذا كان السفر نفسه معصية حراما أيضا و إن لم تكن غايته كذلك كالناشزة المسافرة إلى صلة الأرحام، و قد صرّح بذلك جماعة «3».

و استدلّوا له بعموم صحيحة ابن مروان، و عموم التعليل في الروايتين المتعقّبتين لها، و بالاستثناء في المرسلة، و بأنّ التقصير تخفيف من اللّه سبحانه و رحمة منه و تعطّف لموضع سفره و تعبه و نصبه و اشتغاله بظعنه و إقامته كما صرّح به في مرسلة الفقيه «4»، و لا شكّ أنّ التخفيف و الرحمة و التعطّف للعاصي لا يناسب الحكمة، و بأنّ المنع عن التقصير لمن غاية سفره معصية يقتضي منعه لمن نفس سفره معصية بالطريق الأولى.

أقول: تحقيق المقال إنّ السفر الّذي يعصى فيه على أقسام أربعة:

الأول: أن تكون غايته معصية أي يكون المقصود منه كلا أو جزءا معصية، بمعنى أن يكون سفره لأجل الوصول إلى المعصية.

______________________________

(1) التهذيب 4: 220- 642، الاستبصار 1: 235- 838، الوسائل 8: 478 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 6.

(2) الفقيه 1: 282- 1282، التهذيب 4: 218- 635، الاستبصار 1: 232- 826، الوسائل 8: 477 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 5.

(3) منهم صاحب المدارك 4: 446، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 409، و صاحبا الرياض 1:

252، و الحدائق 11: 381.

(4) الفقيه 1: 290- 1320، الوسائل 4: 87 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 24 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 265

و الثاني: أن لا تكون الغاية حراما

و لكن يكون أصل السفر منهيّا عنه شرعا ذاتا، خصوصا كالفرار من الزحف، أو عموما كالإباق من المولى، و النشوز عن الزوج، و سفر الولد بدون إذن الوالد، و سلوك السبيل المخوف، أو مع المرض المضرّ معه السفر و نحو ذلك.

و من هذا القسم ما كان السفر تصرّفا في ملك الغير فإنّه يكون هذا السفر منهيّا عنه، لأنّ النهي عن تصرّف ملك الغير نهي عن جميع أفراد التصرّف منها الحاصل بسبب السفر، كالسفر بركوب الدابة المغصوبة، فإنّ الحركة السفرية عين التصرّف في الدابة، و كالسفر بالنعل الغصبي.

و الثالث: أن لا يكون الغاية محرّمة و لا السفر منهيّا عنه ذاتا و أصالة، و لكن كان مستلزما لمحرّم و علّة و سببا له حتّى يكون السفر محرّما بالتبع، و من هذا القسم ما كان ضدّا خاصا لواجب مضيّق يستلزم السفر تركه.

و الرابع: أن لا يكون الغاية محرّمة و لا السفر علّة لمحرّم، و لكن تصاحبه المعصية و لا ينفكّ فيه عن معصية، كأن يكون مشغولا بغيبة شخص أو بالملاهي الّتي كان مشغولا بها في الحضر أيضا.

و لا شكّ في عدم الترخّص في كلّ ما كان من القسم الأوّل، و الإجماع عليه منعقد و الأخبار به ناطقة.

كما أنّه لا شكّ في الترخّص في ما كان من القسم الرابع، لعمومات السفر، و كونه جائزا قطعا، و أصالة عدم حرمته.

و إنّما وقع الخلاف في الثانيين عن ثاني الشهيدين «1»، فرخّص فيهما أيضا، لاختصاص الأخبار بالأوّل.

و ممّن لحقه من فرّق بين القسمين فلم يرخّص في الثاني و رخّص في الثالث «2»، نظرا إلى عدم جعله الحرام التبعي معصية، أو عدم قوله بكون مسبّب

______________________________

(1) في روض الجنان: 388.

(2) المدارك 4: 447، الذخيرة:

409.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 266

الحرام و ملزومه حراما، أو عدم جعله الأمر بالشي ء نهيا عن ضدّه الخاص، كما قال بكل بعض من لا حظّ له من التحقيق.

و ظاهر الأكثر بل صريحهم- كما عرفت- و مقتضى إطلاقات إجماعاتهم المنقولة عدم الترخّص فيهما أيضا، لما نقلنا عنهم من الوجوه.

أقول: بعض ما ذكروه من الوجوه و إن كان محلّ نظر كعموم صحيحة ابن مروان، إذ عمومها إنّما هو لو جعلت لفظة: «في» بمعنى المصاحبة أو الباء، و أمّا لو جعلت للتعليل أو السببيّة أو بمعنى: «إلى» فلا يكون لها عموم. و كعدم ملاءمته لعلّة شرعيّة التقصير، فإنّ مقتضاها وجود المعلول كلّما وجدت العلّة و أمّا انتفاؤه مع انتفائها فإنّما هو يقتضيه الأصل الّذي لا أثر له هنا مع وجود إطلاقات الترخّص. و كالقياس بالطريق الأولى، فإنّه موقوف على العلم بالعلّة و هو هنا محل كلام.

إلّا أنّ إثبات المطلوب بعموم التعليل الوارد في الرواية و الموثّقة حسن سيّما الموثّقة، إذ لا شك أنّ الحقّ هنا إنّما هو بمعنى الحقيق و اللائق أو الواجب، و كلّ ما كان فليس السفر المحرّم بنفسه أصلا أو تبعا منه، لأنّ المنهي عنه كيف ما كان لا يكون حقّا، بل بأيّ من المعاني الصالحة للمقام من معانيه أخذ لا يكون المحرّم منه قطعا.

و منه يظهر دلالة مرسلة الفقيه أيضا.

و يدلّ عليه أيضا الرضوي المنجبر بما مرّ: قال: «في أربعة مواضع لا يجب أن تقصر: إذا قصدت مكّة و مدينة و مسجد الكوفة و الحيرة، و سائر الأسفار التي ليست بطاعة مثل طلب الصيد و النزهة و معاونة الظالم، و كذلك الملّاح و الفلّاح و المكاري» «1».

و لا شكّ أنّ كلّ سفر

منهي عنه و لو تبعا ليس بطاعة، و التمثيل بما مثّل لا يوجب التخصيص، و أصرح منه ما قاله بعد كلام: «و لا يحلّ التمام في السفر إلّا

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 161، مستدرك الوسائل 6: 544 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 267

لمن كان سفره للّه جلّ و عزّ معصية أو سفرا إلى صيد».

و تعضده إطلاقات الفتاوى و الإجماعات المنقولة بل المحقّق على الظاهر أيضا، و عدم مناسبة علّة الترخص له، و مظنونيّة علّة عدم إتمام من غاية سفره الحرام، فلا ينبغي الريب في ثبوت الحكم للقسمين أيضا.

فروع:
أ: مقتضى إطلاق أكثر الروايات المتقدّمة و إن كان عدم الترخّص في الصلاة و لا الصوم للصائد مطلقا

، إلّا أنّه خصّ بما إذا كان الصيد للّهو، دون ما إذا كان لقوته و قوت عياله مع الحاجة إليه، بلا خلاف فيه على ما صرّح به جماعة «1»، بل بالإجماع كما عن المنتهى و التذكرة «2»، و دون ما إذا كان للتجارة إجماعا أيضا في الإفطار، و على الأشهر بين المتأخّرين بل كما قيل: عليه كافتهم «3»، وفاقا للمحكي عن السيّد و العماني و الديلمي «4» من المتقدّمين، في قصر الصلاة أيضا.

إمّا جمعا بين ما ذكر و بين صحيحة ابن سنان: عن الرجل يتصيّد، قال:

«إن كان يدور حوله فلا يقصر، و إن كان تجاوز الوقت فليقصر» «5» أي بلغ حدّ الرخصة.

بشهادة صحيحة زرارة و رواية إسماعيل بن أبي زياد المتقدمتين، بل التعليل المذكور في موثقة عبيد أيضا.

أو لرفع اليد عن المتعارضين للتعارض و بقاء ما مرّ ممّا اختص بالمنع عن التقصير في صيد اللهو بلا معارض مقاوم.

______________________________

(1) منهم الفاضل المقداد في التنقيح 1 288، و صاحب المدارك 4: 448، و المحقق السبزواري في الذخيرة: 409، و صاحب الرياض

1: 252.

(2) المنتهى 1: 392، التذكرة 1: 192.

(3) الرياض 1: 252.

(4) السيد في الانتصار: 51، المختلف: 161 عن العماني، الديلمي في المراسم: 74.

(5) التهذيب 3: 218- 541، الاستبصار 1: 236- 843، الوسائل 8: 479 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 268

مضافا فيما إذا كان للقوت إلى مرسلة محمّد بن عمران: الرجل يخرج إلى الصيد مسيرة يوم أو يومين يقصر أو يتمّ؟ قال: «إن خرج لقوته و قوت عياله فليفطر و يقصر، و إن خرج لطلب الفضول فلا و لا كرامة» «1».

و الرضوي: «و إذا كان ممّا يعود به على عياله فعليه التقصير في الصلاة و الصوم» «2».

بل هما يدلّان على التقصير في التجارة أيضا، إذ الصيد للقوت أعمّ من أن يتقوّت به نفسه أو يتّجر به للقوت. هذا مع ما ورد في الصحاح و غيرها: «إذا قصّرت أفطرت و إذا أفطرت قصّرت» «3».

خلافا في الصلاة فيما إذا كان الصيد للتجارة فيتمّها للمحكي عن المفيد و نهاية الشيخ و المبسوط و عليّ بن بابويه و القاضي و ابن حمزة و الحلّي «4»، بل أكثر القدماء كما قيل «5»، بل ادّعى الأخير الإجماع عليه، و ادّعى بعض مشايخنا عليه الشهرة القديمة المحقّقة القريبة من الإجماع، بل قال: لم ينقل مخالف فيه من القدماء عدا السيّد و من مرّ، و هم لم ينصّوا على المسألة بل حكموا بالقصرين في السفر المباح و بتلازم القصرين، فلعلّهم أرادوا التخصيص «6».

و هو الأظهر، لمرسلة المبسوط حيث قال: و إن كان للتجارة دون الحاجة

______________________________

(1) الكافي 3: 438 الصلاة ب 85 ح 10، الفقيه 1: 288- 1312، التهذيب 3: 217- 538، الاستبصار 1: 236- 485، الوسائل

8: 480 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 5.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 162، مستدرك الوسائل 6: 533 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 2.

(3) كما في صحيحة معاوية بن وهب، انظر: الفقيه 1: 280- 1270، التهذيب 3: 220- 551، الوسائل 8: 503 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 17.

(4) المفيد في المقنعة: 349، النهاية: 122، المبسوط 1: 136، المختلف: 161 عن علي بن بابويه القاضي في المهذب 1: 106، ابن حمزة في الوسيلة: 109، و لكن الموجود فيها لزوم التقصير في الصلاة دون الصوم، الحلي في السرائر 1: 327.

(5) الرياض 1: 252.

(6) الرياض 1: 252.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 269

روى أصحابنا أنّه يتمّ الصلاة و يفطر الصوم «1».

و مرسلة السرائر حيث قال: و روى أصحابنا بأجمعهم أنّه يتمّ الصلاة و يفطر الصوم «2».

و الرضوي: «و إذا كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة و القصر في الصوم» «3».

و ضعفها غير ضائر، لأنّ ما مرّ من دعوى الإجماع و الشهرة بل تحققها «4» لها الجابر، مع أنّ المبسوط و السرائر من الكتب المعتبرة و المروي فيهما لا يخلو عن اعتبار و حجيّة سيّما مع ظهور الأوّل و صراحة الثاني في كون الرواية مجمعا عليها. و لا يوجب دعوى الشهرة المتأخّرة بل و لا المطلقة- كما عن التذكرة «5»- و هنا في حجّية ما انجبر بالشهرة القديمة، لعدم التعارض. و لا يعارضها شي ء ممّا مرّ، لأعمّيتها عنها مطلقا فيخصّ بها.

و هل المراد بالتجارة الّتي قلنا فيها بإتمام الصلاة مطلق التكسب و البيع و لو كان لأجل القوت، أو المراد بها ما لم يكن للقوت و لو بالمعاوضة و المبايعة بل كان الغرض زيادة المال؟

الظاهر:

الثاني: لمقابلة التجارة في مرسلة المبسوط بقوله: «دون الحاجة» و احتمال ذلك في مرسلة السرائر أيضا، لعدم معلومية المرجع، بل لعدم ثبوت الانجبار المتوقّف حجّية الأخبار عليه فيما إذا كان للحاجة و لو بالمعارضة.

و هنا روايتان أخريان:

إحداهما: الرضوي المذكور في كتاب الصوم قال: «و صاحب الصيد إذا

______________________________

(1) المبسوط 1: 136.

(2) السرائر 1: 327.

(3) فقه الرضا عليه السلام: 162، مستدرك الوسائل 6: 533 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 2.

(4) في «ه» و «ح»: تحققهما.

(5) لم نجدها في التذكرة، لكن نقلها عنها في الرياض 1: 252.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 270

كان صيده بطرا فعليه التمام في الصلاة و الصوم، و إذا كان للتجارة فعليه التمام في الصلاة و الصوم» «1».

و ثانيتهما: المروي في كتاب النرسي، قال في حكم الصائد: «فإن كان ممّن يطلبه للتجارة و ليست له حرفة إلّا من طلب الصيد فإنّ سعيه حقّ و عليه التمام في الصلاة و الصيام، لأنّ ذلك تجارته فهو بمنزلة صاحب الدور الّذي يدور في الأسواق في طلب التجارة و المكاري و الملّاح» «2».

و مقتضى الأوّل عدم ترخّص التاجر بالصيد في شي ء من الصلاة و الصوم، و مقتضى الثاني التفصيل فيه بين ما إذا كان الصيد حرفته و عمله و عدمه.

و لكنّهما ضعيفان، و لقول الفرقة مخالفان، فلا يصلحان لإثبات حكم.

ب: كما يعتبر هذا الشرط ابتداء يعتبر استدامة أيضا

، فلو عرض قصد المعصية في الأثناء انقطع الترخّص حينئذ و بالعكس، بلا خلاف يعلم من الأصحاب في الموضعين كما في الذخيرة «3».

و يشترط على الثاني كون الباقي مسافة، ذهابا على ما قيل «4»، لأنّه ابتداء السفر المسوّغ للقصر، و لاستصحاب الإتمام. و لو كان مع العود مسافة جاز قصره في بقية الذهاب، كما مرّ وجهه

في المسائل المتقدّمة.

و على الأوّل لو عاد ثانيا إلى قصد الطاعة فإن كان الباقي مسافة- و لو كان مع ضمّ العود- جاز القصر قطعا، بل وجب لو كان العود في اليوم، كما أنّه لو كان كذلك بنفسه وجب أيضا كذلك.

و لو لم يكن بنفسه مسافة فعن القواعد «5» عدم وجوب القصر و عدم ضمّ ما

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 208، مستدرك الوسائل 6: 533 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 2.

(2) كتاب زيد النرسي (الأصول الستة عشر): 50، مستدرك الوسائل 6: 532 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 1.

(3) الذخيرة: 409.

(4) الرياض 1: 252.

(5) القواعد 1: 50.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 271

قبل المعصية مع ما بعده، للأصل.

و عن الذكرى و ظاهر المعتبر و المنتهى وجوبه «1»، بل هو ظاهر الصدوق و الشيخ في المبسوط و النهاية و السرائر «2»، لإطلاق مرسلة السيّاري: «إنّ صاحب الصيد يقصر ما دام على الجادة، فإذا عدل عن الجادة أتمّ، فإذا رجع إليها قصر» «3».

و عن التذكرة و النهاية و التحرير و المسالك و روض الجنان: التردّد «4».

و الأظهر: الثاني، لأنّه قصد أوّلا الثمانية فكان عليه القصر في جميع هذه المسافة، خرج عنه ما خرج لقصد المعصية، فيبقى الباقي.

و منه يظهر القصر لو لم يكن الباقي مع ما قبل قصد المعصية مسافة أيضا إذا كان المجموع مسافة. فتأمل.

ج: لو انتهى سفره عصيانا و أراد العود إلى منزله فإن كان سائغا قصر

، لأنّه مسير حقّ. و إلّا لم يقصر كما إذا قصد بالعود تصرّفا في مال الغير أو ظلما أو حكومة باطلة.

د: قد عرفت أنّ السفر الموجب للإتمام هو ما كان منهيّا عنه،

سواء كان لأجل أنّ المقصود منه المعصية أو نفس السفر معصية ذاتا أو تبعا لسببيته لمعصية، و أنّه لا يتم لو كانت المعصية مقارنة للسفر لا مسبّبة عنه.

و سفر المعصية ذاتا ما تعلّق به النهي خصوصا أو عموما كما عرفت، و تبعا ما تعلّق به النهي بتبعيّة غيره، و هو يكون بكونه ضدّا خاصّا لواجب أي كان مانعا عن فعل واجب مضيّق، أو ملزوما لحرام لزوما عقليا أو عاديا، أو سببا له سببيّة

______________________________

(1) الذكرى: 258، المعتبر 2: 470، المنتهى 1: 392.

(2) الصدوق في الفقيه 1: 288، المبسوط 1: 142، النهاية: 124، السرائر 1: 343.

(3) التهذيب 3: 218- 543، الاستبصار 1: 237- 846، الوسائل 8: 480 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 6.

(4) التذكرة 1: 191، نهاية الإحكام 2: 181، التحرير 1: 56، المسالك 1: 49، روض الجنان:

388.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 272

عقلية أو عادية بمعنى أنّه يوجب من وجوده الوجود.

و لا يحرم غير ذلك و إن قارن السفر أو كان مشروطا بالسفر، إذ شرط الحرام ليس بحرام، فلا يحرم السفر المستصحب فيه دابّة الغير من غير ركوبها و لو حملت عليه الآلات، أو الخمية المغصوبة، أو الّذي ينزل فيه منزلا مغصوبا، أو يتضرّر به الغير إذا لم يكن التضرر لازما عقليا أو عاديا للسفر بل كان بإرادة المكلّف، و نحو ذلك.

و بالجملة: المناط في الإتمام العصيان بالسفر دون العصيان في السفر.

و معنى العصيان بالسفر كون السفر معصية، و المناط في كونه معصية كونه بخصوصه منهيا عنه أو من أفراد المنهي عنه، أو

ملزوما و سببا لحرام لزوما و سببية عقلية أو عرفية بحيث لا يمكن تخلّفه عنه عقلا أو عادة، لا أن يكون لأجل اختيار المكلّف و إن كان ذلك الحرام ترك واجب.

ه: لو كان المسافر سفر المعصية مكرها على السفر

إكراها يزيل الحظر كما فيه خوف على النفس أو المال المحترم أو العرض و نحو ذلك يجب عليه التقصير، إذ مع ذلك لا يكون السفر منهيا عنه و لو كان ارتكاب المعصية في السفر اختياريا غير مكره عليها.

و لو كان مكرها على المعصية دون السفر بمعنى أن علم أنّه لو سافر يكره على المعصية كالركوب على الدابة المغصوبة أتمّ، لكون السفر معصية لوجوب ترك هذه المعصية الموقوف على ترك السفر، فيكون تركه واجبا فيكون فعله حراما. و ما يقول من أنّ الامتناع بالاختيار ينافي الاختيار يريد منه أنّه ينافي الاختيار حال الامتناع لا مطلقا.

و: لو كان سفر المعصية مكرهة و لكن كان الإكراه على نفس السفر دون وقته، كأن يتمكّن من التأخير يوما أو بعض يوم و لو بتمارض و نحوه وجب التأخير.

و لو سافر قبل ما لا يتمكّن من التأخير إليه يجب عليه الإتمام إلى وصول زمان لا يتمكّن من التأخير عنه، إذ ليس مكرها حال السفر لو قدّم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 273

ز: الشاك في صدور المعصية في السفر و عليّته لها يقصر

، لعدم عصيانه بالسفر. بل و كذا الظانّ.

ح: التابع للغير كالخادم و العسكر إن علم بصدور معصية موجبة لعدم الترخص عنه أي معصية تجعل السفر معصية و لو تبعا لمتبوعه، يتمّ

إذا لم يكن مكرها على السفر.

الشرط الخامس: أن لا يكون السفر عمله و صناعته،
اشارة

فإن كان كذلك لم يقصر صلاة و لا صياما، بلا خلاف إلّا عن العماني «1»، بل بالإجماع كما عن الانتصار و الخلاف و السرائر و التذكرة و نهاية الإحكام «2»، له، و للمستفيضة كصحيحة زرارة: «أربعة قد يجب عليهم التمام في السفر كانوا أو في الحضر:

المكاري، و الكريّ، و الراعي، و الأشتقان، لأنّه عملهم» «3».

و مرفوعة ابن أبي عمير المرويّة في الخصال: «خمسة يتمّون، في السفر كانوا أو الحضر: المكاري، و الكريّ، و الراعي، و الأشتقان و هو البريد، و الملّاح، لأنّه عملهم» «4».

و الرضوي: «و الذي يلزمه التمام للصلاة و الصوم في السفر: المكاري، و البريد، و الراعي، و الملّاح، و الرابح، لأنّه عملهم» «5».

و صحيحة هشام: «المكاري و الجمّال يختلف و ليس له مقام يتمّ الصلاة و يصوم شهر رمضان» «6».

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف 163.

(2) الانتصار: 53، الخلاف 1: 576، السرائر 1: 336، و لم نعثر على ادّعاء الإجماع في التذكرة و نهاية الاحكام.

(3) الكافي 3: 436 الصلاة ب 85 ح 1، الفقيه 1: 281- 1276، التهذيب 3: 215- 526، الخصال: 252- 122، الوسائل 8: 485 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 2.

(4) الخصال: 302- 77، الوسائل 8: 487 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 12.

(5) فقه الرضا عليه السلام: 208، مستدرك الوسائل 7: 378 أبواب من يصح منه الصوم ب 4 ح 1.

(6) الكافي 4: 128 الصيام ب 50 ح 1، التهذيب 4: 218- 634، الوسائل 8: 484، أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 274

و محمّد بن جزك: إنّ لي جمالا و لي قوّاما عليها و لست أخرج

فيها إلّا إلى طريق مكة لرغبتي في الحج أو في الندرة إلى بعض المواضع، فما يجب عليّ إذا أنا خرجت معهم أن أعمل، أ يجب عليّ التقصير في الصلاة و الصيام في السفر أو التمام؟ فوقّع عليه السلام: «إذا كنت لا تلزمها و لا تخرج معها في كلّ سفر إلّا إلى مكّة فعليك تقصير و فطور» «1».

و محمّد: «ليس على الملّاحين في سفينتهم تقصير، و لا على المكاري و الجمّال» «2».

و رواية إسحاق: عن الملّاحين و الأعراب هل عليهم تقصير؟ قال: «لا، بيوتهم معهم» «3».

و قريبة منها مرسلة الجعفري «4».

و رواية إسماعيل بن أبي زياد: «سبعة لا يقصرون الصلاة: الجابي الّذي يدور في جبايته، و الأمير الّذي يدور في إمارته، و التاجر الّذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق، و الراعي، و البدوي الّذي يطلب مواضع القطر و منبت الشجر» «5» إلى غير ذلك.

و تحقيق الكلام في ذلك المقام برسم مسائل:

الأولى: اعلم أنّ الحكم في تلك الأخبار و غيرها معلّق على أشخاص
اشاره

______________________________

(1) الكافي 3: 438 الصلاة ب 85 ح 11، الفقيه 1: 282- 1280، التهذيب 3: 216- 534، الاستبصار 1: 234- 835، الوسائل 8: 489 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 4.

(2) الكافي 3: 437 الصلاة ب 85 ح 2، الفقيه 1: 281- 1277، الوسائل 8: 485 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 4.

(3) الكافي 3: 438 الصلاة ب 85 ح 9، التهذيب 3: 215- 527، الاستبصار 1: 233- 829، الوسائل 8: 485 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 5.

(4) الكافي 3: 437 الصلاة ب 85 ح 5، الوسائل 8: 486 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 6.

(5) الفقيه 1: 282- 1282، التهذيب 3: 214- 524، 4: 218- 635، الاستبصار 1:

232- 826، الوسائل 8:

486 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 275

معيّنين، و هم بعد ردّ المترادفة منها بعضها إلى بعض عشرة: المكاري، و الكريّ، و الراعي، و الأشتقان، و الملّاح، و البريد، و الأعراب، و الجابي، و الأمير، و التاجر.

و قد يستفاد العلّة من بعض هذه الأخبار أيضا كاستفادة كون السفر عملا لهم من التعليل في الثلاثة الاولى، و استفادة الاختلاف و عدم المقام من الوصف المشعر بالعلّية في صحيحة هشام، و الإلزام و الخروج في كلّ سفر من الشرط المشعر بالعليّة في صحيحة ابن جزك، و كون بيوتهم و منازلهم معهم من التعليل في رواية إسحاق، و كثرة الدوران و السفر أي التكرر المستفاد من صيغة المضارع الدالّة على التجدّد الاستمراري في رواية إسماعيل من اشتراك الجميع في هذا الوصف، و غير ذلك ممّا قد يستنبط من تلك الأخبار.

و لذا ترى الأصحاب مختلفين في التعبير عن المسألة و عنوانها:

فمنهم من يعنونها بالأشخاص على اختلاف منهم في تعدادهم. فعلّق الصدوق الحكم في المقنع و الأمالي على خمسة: المكاري، و الكريّ، و الاشتقان، و الراعي، و الملّاح «1». و الفاضلان على الخمسة المذكورين في رواية إسماعيل «2».

و ابن حمزة على ثمانية هم بزيادة المكاري، و الملّاح، و البريد «3». و البيان على تسعة هؤلاء بزيادة الجمّال «4». و هكذا.

و منهم من عنونها بالعلّة المنصوصة، فعلّقه على من كان السفر عملا و حرفة له «5».

و منهم من عنونها بكثير السفر كجماعة «6».

______________________________

(1) لم نجده في المقنع بل وجدناه في الهداية: 33 و فيه بدل الاشتقان: البريد، الأمالي: 514.

(2) المحقق في المعتبر 2: 472، و العلامة في التذكرة 1: 191.

(3) الوسيلة: 108.

(4) البيان: 264.

(5)

كما في الحدائق 11: 390، و الرياض 1: 252.

(6) منهم الشهيد الأول في الدروس 1: 211، و الشهيد الثاني في الروضة 1: 373، و صاحب المدارك 4: 449.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 276

و منهم من عنونها بمن يكون سفره أكثر من حضره، كالشيخين و السيّد و الديلمي و الحلّي و الشرائع و القواعد و التحرير و الإرشاد و التبصرة «1»، بل ادّعى على ذلك العنوان الإجماع. إلى غير ذلك.

و لعلّ نظر الأوّلين إلى عدم دليل تامّ على غير خصوص هؤلاء المعدودين في النصوص: أمّا كون السفر عملا لهم فلأنّه إنّما يتمّ لو ارجع الضمير المنصوب إلى السفر، و هو غير متعيّن، لإمكان إرجاعه إلى مبادئ الأوصاف المذكورة في الروايات. و أمّا العنوانان الأخيران فلعدم ذكر منهما في شي ء من الأخبار.

و نظر الثاني إلى العلّة المنصوصة.

و نظر الأخيرين إلى استفادة هذين العنوانين من تعليق الحكم على هؤلاء الأشخاص لأنّهما الوصف المشترك بينهم.

أقول: لا يخفى أنّ التعبير عن المسألة بالعنوانين الأخيرين و إن لم يكن جيّدا لعدم دليل عليهما سوى العلّة المستنبطة الّتي هي عندنا ليست بحجّة، و أمّا العنوان المتقدّم عليهما و هو كون السفر عملا و شغلا و حرفة له فهو ممّا نصّت عليه الروايات، و إرجاع الضمير إلى السفر هو الظاهر المتبادر منها بل لا مرجع له غيره في الكلام مذكورا، و الإرجاع إلى غير المذكور خلاف الأصل و الظاهر، فلا مفرّ من اعتباره و صحة عنوان المسألة به. و كذا يلزم عنوان آخر أيضا، و هو عدم كونهم ممّن منازلهم معهم كما علّل به في الرواية و المرسلة، و هما ليسا بمتّحدين، إذ الظاهر عدم عدّ السفر شغلا و لا حرفة

للذين منازلهم معهم.

و أمّا العنوان بالأشخاص و إن كان صحيحا إلّا أنّ بعد ملاحظة التعليلين يكون أخصّ من مناط الحكم و متعلّقه، إذ لا ينحصر من يكون السفر عمله لهؤلاء

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 348، و الشيخ في النهاية: 122، السيد في الانتصار: 53، الديلمي في المراسم: 74، الحلي في السرائر 1: 338، الشرائع 1: 134، القواعد 1: 50، التحرير 1:

56، الإرشاد 1: 275، التبصرة 41.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 277

الأشخاص، إلّا أنّ الغالب في هذه الحرفة أنّه لا يخرج عن واحد من هؤلاء و إن أمكن فرض غيرهم أيضا نادرا إلّا أنّه غير شائع. و يمكن أن يكون نظر المكتفين بالأشخاص إلى ذلك أيضا، و لكنّ الأولى العنوان بمقتضى العلّتين.

فإن قلت: لا شكّ أنّ من يكون السفر عمله أعمّ من هؤلاء الأشخاص من وجه، و كذلك هؤلاء أعمّ منه من وجه، إذ من له دوابّ اشتراها للبيع أو شغل آخر إذا كاراها مكرّرا يصدق عليه المكاري و إن لم يقصد التحرّف به، و كذا يطلق البريد على من سافر مرّات في الرسالة و إن لم يتخذ ذلك شغلا له، و على هذا فالأولى العنوان بهما معا كما فعله جماعة.

قلنا: لو سلّمنا أنّ ذلك الاستعمال على عنوان الحقيقة نقول: إنّ تعليل إتمامهم بأنّ سفرهم لأجل أنّه عملهم يخصّصهم بذلك.

نعم، يشكل الأمر فيما لم يذكر فيه تلك العلّة، و هو الجابي و الأمير و التاجر، إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ قوله: «يدور» في هؤلاء الثلاثة ليس باقيا على معناه الاستقبالي فالمراد إمّا أن يكون من شأنه ذلك أو قصده ذلك أو من عمله ذلك، و على التقادير يتوقّف على التحرّف به. و لو سلّم

فيكون محتملا للمجموع مجملا فلا يثبت الحكم في غير من كان ذلك عمله. و منه يظهر أنّ جعل أحد هؤلاء قسيما و مقابلا لمن يكون السفر عمله غير جيّد.

فروع:
أ: يشترط في صدق المناط المذكور و هو كون السفر شغلا و عملا له أمران:

أحدهما: اتّخاذ السفر لأجل بعض تلك الحرف شغلا لنفسه، أي قصد التصنع و الاستحراف و الاشتغال به و البناء على ذلك، فلو لم يقرّره و لم يتخذه حرفة له لا يتمّ و لو سافر أزيد من عشرين سفرا.

و ثانيهما: التكسب به أي الشروع في العمل و تحقّق السفر و صدوره عنه، فإنّ قاصد الكراء و غيره و الموطّن نفسه عليه ما لم يشتغل بالسفر لا يقال: إنّه حرفته، بل يقال: إنّه مريد له، و إن استعمل اللفظ في حقّه يكون من باب مجاز

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 278

المشارفة.

ب: لا يشترط في صدق المناط المذكور كون العمل ممّا لا يتأتّى إلّا بالسفر

كالمكاري و الملّاح و البريد، بل يكفي في الصدق قصده على أن يسافر بالعمل.

بيان ذلك: إنّ الأعمال على قسمين.

أحدهما: ما يكون السفر جزءا لمفهومه و داخلا في حقيقته كالثلاثة المذكورة.

و ثانيهما: ما ليس كذلك بل يمكن في السفر و الحضر، كالطبيب و الجرّاح و التاجر و البيطار و الراثي و الواعظ و نحوها.

فما كان من الأوّل يكفي فيه قصد الشغل و الشروع، و ما كان من الثاني يشترط فيه مع ذلك قصد اتخاذ ذلك شغلا له في السفر أي يوطّن نفسه على المسافرة إلى البلاد المختلفة لذلك و قرّر شغله في المسافرة.

لا يقال: الظاهر من كون السفر عمله هو ما كان من الأوّل، إذ الشغل و العمل في الثاني ليس إلّا التجارة و الطبابة و نحوهما غاية الأمر أنّهما تقارنان السفر فليس السفر شغلا و عملا.

لأنّا نقول: الشغل و العمل ليس شيئا معيّنا لا يختلف، فكما أنّ التجارة شغل و الطبابة شغل، كذلك التجارة السفرية و الطبابة السفرية أيضا شغل، و لا شك أنّ السفر جزء حقيقة ذلك الشغل.

ج: إذ قد عرفت أنّه يحصل صدق المناط المذكور بالاتّخاذ و القصد و الشروع

يعلم أنّه لا يتوقّف إتمام من هذا شأنه على تكرّر سفر، بل يتمّ في السفر الأوّل، كما هو ظاهر جماعة من المعنونين لهؤلاء الأشخاص، و صريح بعض من عنون بالعنوان المذكور «1».

إلّا أنّه لما يشترط في إتمام بعض هؤلاء عدم إقامة العشرة- كما يأتي- فيجب مع الصدق تحقيق هذا الشرط أيضا لا لأجل اشتراط التكرار. فلو دخل أحد منزله

______________________________

(1) كالحلي في السرائر 1: 340.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 279

أو بلدا آخر من سفر ثمَّ قرّر نفسه على الكراء و اشترى دوابا و خرج قبل العشرة أيضا يتمّ و لو خرج بعدها يقصر.

نعم، لو عنونت

المسألة بأحد العنوانين الأخيرين فالظاهر توقّف الإتمام على التكرّر، لعدم صدق كثير السفر و لا أنّ سفره أكثر من حضره بدون التكرّر. و لكن يرد حينئذ أنّ صدق العنوانين بالثلاثة ممنوع، و اشتراط الزائد عليها بالإجماع مدفوع، فيبقى اشتراط الثلاثة أو الاثنين بلا دليل، و ليس من قبيل اللفظ العام حتّى يبقى غير ما خرج بالدليل.

و لو كان العنوان أحد هؤلاء فإن كان المراد بهذه الألفاظ أهل حرفتها كما يستعمل كثيرا في الحرفة فلا يحتاج إلى التكرّر، و إن كان ذوي ملكاتها كما هو أيضا من الاستعمالات الشائعة فالظاهر التوقّف على التكرّر بل أزيد ممّا ذكروه من ثلاثة أسفار، و إن لم يعلم المراد فالواجب في غير المتكرّر الرجوع إلى عمومات القصر في السفر إلّا أنّها حينئذ تكون عمومات مخصّصة بمجملات فلا تكون حجّة في موضع الإجمال و يرجع إلى أصل التمام.

و هنا احتمال ثالث و هو إرادة المتلبس بالمبدإ أيضا، و عليه أيضا يكفي المرّة في مثل المكاري و البريد الخاليين عن المبالغة.

قيل: لو جعل العنوان و المناط كون السفر عملا أو أحد هؤلاء و لو بمعنى المتحرّف بهذه الحرفة يلزم التكرر أيضا و لو لم نقل باشتراط في الصدق، للزوم حمل المطلقات على الغالب الشائع المتبادر منها و ليس هو إلّا من تكرّر منه السفر ثلاثا فصاعدا لا من يحصل منه في المرّة الاولى «1».

و فيه: منع التبادر أولا، و لو سلّم فلا تفاوت بين المرة الاولى و الثالثة في عدم التبادر و الغلبة و هم لا يشترطون أزيد من الثلاثة، فإذا لم يحمل على الغالب فيحمل على الحقيقة.

المسألة الثانية: يشترط في وجوب التمام على من ذكر عدم إقامته عشرة أيّام
اشاره

______________________________

(1) الرياض 1: 252.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 280

في بلده و لا

بلد آخر، فلو أقام كذلك قصر، على المعروف من مذهب الأصحاب، بل هو مقطوع به عندهم، و عن المعتبر نفي الخلاف فيه «1».

لا للتقييد بالّذي يختلف و ليس له مقام، في صحيحة هشام المتقدمة «2»- كما قيل- حيث إنّ المراد بالإقامة فيها الإقامة عشرة بشهادة التتبع، مع أنّ الإقامة دونها حاصلة لكلّ كثير السفر لصدقها على نحو يوم بل ساعة و لا يخلو منها أحد، فيوجب التقييد عدم وجود كثير السفر الّذي يلزمه التمام «3».

إذ لو تمَّ ذلك لكان بمفهوم الوصف و هو غير معتبر، سيّما مع جواز كون الشرط واردا مورد الغالب كما هو الأكثر في المكاري، على أنّه يمكن أن يكون المراد بالمقام محل الإقامة العرفية الّتي صدقها على إقامة العشرة غير معلوم.

بل لمرسلة يونس: عن حدّ المكاري الّذي يصوم و يتمّ، قال: «أيّما مكار أقام في منزله أو في البلد الّذي يدخله أقلّ من عشرة أيام وجب عليه الصيام و التمام أبدا، و إن كان مقامه في منزله أو في البلد الّذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير و الإفطار» «4».

و رواية ابن سنان: «المكاري إن لم يستقرّ في منزله إلّا خمسة أيّام أو أقلّ قصّر في سفره بالنهار و أتمّ بالليل و عليه صوم شهر رمضان، و إن كان له مقام في البلد الّذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر قصّر في سفره و أفطر» «5».

و نحوها صحيحته إلّا أنّه زاد فيها بعد قوله: «أو أكثر»: «و ينصرف إلى منزله

______________________________

(1) المعتبر 2: 472.

(2) في ص 273.

(3) الرياض 1: 253.

(4) التهذيب 4: 219- 639، الاستبصار 1: 234- 837، الوسائل 8: 488 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 1.

(5) التهذيب 3: 216-

531، الاستبصار 1: 234- 836، الوسائل 8: 490 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 281

و يكون له مقام عشرة أيام أو أكثر» «1».

و لا يضرّ ضعف الأوليين سندا لو سلّم.

لكونه مجبورا بالشهرة العظيمة و موافقة عمل الأصحاب و نفي الخلاف فيه في كثير من العبارات.

و لا تعارض مفهوم الشرطية الاولى في حكم العشرة التامة مع مفهوم الثانية فيه، حيث يدل الأول على التقصير و الثاني على التمام.

لعدم اعتبار المفهومين من وجهين: أحدهما: أنّ مع ذكر المقدّمتين كلّ في مقابل الآخر يكون مفهوم كلّ هو الآخر عرفا دون غيره. و ثانيهما: أنّ إقامة العشرة التامة بحيث لا يزيد عليها و لا ينقص نادرة جدا فلا يلاحظ في المفاهيم. و على هذا فيكون حكم التامة غير معلوم من هذه الرواية فيستنبط من الإجماع المركّب أو من الروايتين الأخيرتين.

و لا ما قيل من أنّ المراد بالإقامة عشرة فيها إن كان المنوية يكون الحكم في بلده مخالفا لفتوى الأصحاب لعدم اشتراط النية فيه، و إن كان الأعم يكون الحكم في غير البلد كذلك لاشتراط النية فيه «2».

إذ نختار الأوّل أوّلا غير كون حكم الإقامة المنوية في البلد ذلك ليس مخالفا لفتواهم، بل عدم كون حكم غير المنوية كذلك مخالف لها و الرواية غير دالّة عليه، فلا تكون الرواية مخالفة و يستفاد حكم غير المنوية في بلده من الخارج، و الثاني ثانيا و يكون حكم العشرة الغير المنوية في غير البلد مغايرا- لو سلّم- من باب تخصيص العام، و العام المخصّص حجّة في الباقي.

و لا اشتمال الثانيتين على ما لم يفت به أصحابنا كما قال في الوافي «3».

إذ خروج جزء من الخبر عن

الحجيّة بدليل لا يقدح في حجّية باقيه، مع أنّ

______________________________

(1) الفقيه 1: 281- 1278، الوسائل 8: 489 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 5.

(2) الرياض 1: 253.

(3) الوافي 7: 171.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 282

عدم فتواهم به ممنوع كما يأتي.

و لا اشتمال الثالثة على تعليق القصر على إقامتين: إقامة في البلد الّذي يذهب إليه، و إقامة في منزله الّذي ينصرف إليه، و هو ممّا لم يقل به أحد.

لأنّ لفظة الواو في قوله: «و ينصرف» إمّا بمعنى أو، أو للجمع في الحكم بقرينة الإجماع و الروايتين المتقدّمتين. مع أنّ عدم قول أحد به ممنوع، كيف؟! و نفى عنه البعد في الذخيرة و قال: استوجهه بعض أفاضل المتأخّرين «1». و لكنّه لا يقدح في انعقاد الإجماع و لأجله يجب حمل الرواية على ما ذكرنا، و لا يتطرق الخدش في الاستدلال بالصحيحة، كما أنّه لا يتطرق باحتمال أن يراد منها القصر في السفر المتقدّم على الإقامة أيضا، فإنّه يتوقّف على حمل قوله: «كان له مقام» على إرادة المقام و هو تجوّز، و مع ذلك مخالف لفهم الأصحاب و إجماعهم.

فروع:
أ: ليس اشتراط هذا الشرط لإيجاب إقامة العشرة سلب العنوان،

لعدم إيجابه له أصلا حتّى لو جعل العنوان كثير السفر، إذ لا يتفاوت ذلك في إقامة تسعة أيام أو عشرة، بل هو تعبّد محض يتعبّد به لأجل الروايات، إلّا أن يجعل كثير السفر اصطلاحا فيمن يجب عليه الإتمام في سفره فعلا.

ب: قالوا: إن كانت إقامة العشرة في بلده لم يحتج إلى نيّتها

، و إن كان في بلد آخر يشترط فيها النية.

و لم أقف في هذه الأخبار على ما يدلّ على الفرق بين بلده و غير بلده في كون العشرة منوية و غير منوية، فإنّا لو حملنا مقام عشرة و إقامة عشرة الواردين في الروايات على المنوية فالكلام فيهما سواء و إخراج بلده يحتاج إلى دليل، و إن أبقيناهما على الإطلاق فيحتاج إقحام النية في غير البلد إلى دليل.

و قد يستند في ذلك إلى دعوى روض الجنان الإجماع على عدم اعتبار العشرة

______________________________

(1) الذخيرة: 410.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 283

المتردّدة في غير البلد «1»، و كذا ادّعاه العلّامة المجلسي كما حكي عنه «2».

و إلى أنّ اعتبار هذه الإقامة للإخراج عن كثير السفر و هو يحصل بقطع السفر، و العشرة الغير المنوية في بلده سفر أيضا.

و يضعف الأوّل: بعدم حجيّة الإجماع المنقول.

و الثاني: بمنع كون الاعتبار لما ذكر بل هو تعبّدي.

نعم لو ثبت الإجماع على ذلك لكان متّبعا، و في ثبوته كلام، كيف؟! و ظاهر إطلاق كلام النافع «3» تساوي البلدين و عدم اشتراط النية في شي ء من الإقامتين، و نسب بعضهم «4» إلحاق العشرة المنوية بالعشرة البلدية إلى الفاضلين و من تأخّر عنهما المشعر بعدم ذكر لها فيما تقدم عليهم فكيف يثبت الإجماع؟! فالقول بكفاية إقامة العشرة مطلقا و لو في غير بلده قويّ غايته.

و منه يظهر إلحاق الثلاثين المتردّدة و العشرة بعدها بطريق أولى،

كما اختاره ابن فهد في المهذّب و جعله المشهور «5»، و قوّاه المحقّق الشيخ علي «6». بل و كذلك لو قلنا باشتراط النية في العشرة، إذ لو قلنا به لكان للإجماع المنتفي في الثلاثين و العشرة الملحقة بها، سيّما مع ما ورد في بعض الروايات من تنزيل الثلاثين المتردّدة منزلة الإقامة في الوطن «7».

ج: يشترط في العشرة التوالي

بمعنى عدم الخروج في أثنائها إلى المسافة، إجماعا. و لا يشترط التوالي بمعنى عدم الخروج إلى حدود البلد بحيث يعدّ جزءا منه عرفا و هو ما دون حدّ الترخص، بل ما لا يخرج عن حدود مجتمع حيطان البلد

______________________________

(1) روض الجنان: 391.

(2) حكاه عنه في الرياض 1: 253.

(3) النافع: 51.

(4) كالمحقّق السبزواري في الذخيرة: 410، و صاحب الحدائق 11: 395.

(5) المهذب البارع 1: 486.

(6) جامع المقاصد 2: 513.

(7) الوسائل 8: 498 أبواب صلاة المسافر ب 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 284

كذلك.

و في اشتراطه بمعنى عدم الخروج إلى ما يخرج عن حوالي البلد و يقصر عن المسافة خلاف.

فمنهم من اشتراطه مطلقا «1».

و منهم من لم يشترطه كذلك «2».

و منهم من فصّل، فقال بالأوّل في غير بلده و بالثاني في بلده «3».

و منهم من فرّق بين الخروج في جزء يسير من اليوم بحيث لم يكن منافيا لصدق الإقامة عرفا و في الأكثر المنافي له.

ثمَّ من يقول بعدم اشتراطه إمّا يقول بكون المدة الّتي يكون خارجا محسوبا من العشرة، أو يلفّق فيجمع ما قبلها مع ما بعدها و يسقط الزائد.

و الحقّ الاشتراط مطلقا، لتعليق الحكم في الأخبار و الفتاوي على إقامة العشرة، و المتبادر منها المتتالية، و لا أقلّ من احتمالها الموجب لبقاء الحكم الثابت بالعمومات إلى أن يعلم المخصّص. و لا أعرف

وجها لكون الخروج إلى ثمانية فراسخ منافيا للتتالي العرفي دون سبعة و نصف. و صدق اسم العشرة على غير المتتالية غير كاف، لأنّ المناط صدق إقامة العشرة و هو في غير المتتالية غير معلوم.

و منه يظهر دفع النقض بنذر صوم عشرة حيث لا يشترط فيه التتابع.

و أمّا الاحتجاج بأصالة البراءة عن التتالي فضعيف غايته و معارض بالاستصحاب.

د: اعلم أنّ الروايات المتضمنة للتقصير بعد إقامة العشرة

مختصّة

______________________________

(1) كما في البيان: 266، و الروضة 1: 373، و المدارك 4: 452.

(2) كما في الوافي 7: 154، و شرح المفاتيح للبهبهاني (المخطوط). و حكاه في الرياض عن فخر المحققين 1: 259.

(3) كما يستفاد من مجمع الفائدة و البرهان 3: 409، و البحار 86: 42، و الحدائق 11: 346، و الرياض 1: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 285

بالمكاري، و نقل في الشرائع و النافع قولا بالاختصاص به أيضا «1»، و قوّاه بعض الأجلّة «2» اقتصارا في تخصيص العمومات بمورد النصّ.

و المشهور التعدّي إلى كلّ من العنوانات السابقة، و استدلّ له بأنّه قد عرفت أنّ المناط في الإتمام اتّخاذ السفر عملا من غير خصوصية للمكاري، و سبب التقصير هنا انقطاع المناط بإقامة العشرة، و هو متحقّق في الجميع.

و فيه: منع كون ما ذكر سببا كما مرّ.

و قد يستند فيه إلى الاتّفاق. و هو ممنوع جدّا.

فالأقوى الاختصاص به. بل لا يتعدّى إلى الملّاح و الأجير أيضا، لعدم إطلاق المكاري عليهما.

ه: إذا وجب التقصير و الإفطار على المكاري بإقامة العشرة فلا شكّ في وجوبه في السفر الأوّل

لأنّه أقلّ ما يحصل به الامتثال، و لا في العود إلى التمام في الثالث للإجماع، و إنّما وقع الخلاف في الثاني.

فذهب الحلّي و جماعة «3» إلى الإتمام فيه، و لعلّه الأشهر، و هو الأظهر، اقتصارا فيما خالف العمومات الدالّة على وجوب التمام- المقيّد بالتأبيد و العموم بمثل قوله: سواء كانوا في الحضر أو السفر، و بالتعليل بأنّه عملهم، و بالنكرة المنفية مثل: ليس عليهم تقصير، و نحو ذلك- على هؤلاء على المتيقّن، و ليس إلّا السفر الأوّل.

لا يقال: إطلاق النص بالتقصير يقتضيه مطلقا، خرج الثابت بالإجماع فيبقى الباقي.

لأنّا نقول: لا إطلاق هنا مفيد للعموم، بل حكم بوجوب التقصير المتحقّق امتثاله بالتقصير مرّة واحدة كما في

قولك: تجب الصلاة، فإنّ إيجاب الماهية يقتضي

______________________________

(1) الشرائع 1: 134، النافع: 51.

(2) الرياض 1: 253.

(3) السرائر 1: 340، و انظر المختلف: 163، و المدارك 4: 453، و الذخيرة: 410.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 286

إيجاب فرد منها لا جميع الأفراد. مع أنّه لو كان كذلك لم يجز التقييد بهذا القدر حتّى لا يبقى إلّا اثنان للإجماع على التمام في الثالث.

خلافا للمحكي عن الشهيد فحكم [بالقصر] «1» إلى الثالث، لزوال الاسم بالإقامة فيكون كالمبتدئ. «2».

و يضعّف بمنع الزوال.

ثمَّ المراد بالسفر الثاني الذي يتمّ فيه هل هو ما ينشئه بعد ذهابه إلى مقصوده في الأوّل سواء كان عودا إلى مبدئه للسفر الأوّل أو إنشاء لسفر آخر، أو الثاني خاصة، أو ما ينشئه بعد العود إلى المبدأ؟

الظاهر: الأوّل، لما مرّ من الاقتصار على المتيقّن.

المسألة الثالثة: لو أقام من السفر عمله في أحد البلدان أقلّ من عشرة كان باقيا على حكم الصيام و التمام في الليل و النهار

، على المشهور سيّما بين المتأخّرين، و عن السرائر دعوى الإجماع عليه «3»، للعمومات المتقدّمة المتضمّنة لأنّ كثير السفر يجب عليه الإتمام، خرج من أقام العشرة بالإجماع و النص فبقي غيره.

خلافا للمحكي عن الإسكافي «4»، فجعل الخمسة كالعشرة مطلقا. و لا دليل عليه ظاهرا.

و للمحكي عن المبسوط و النهاية و القاضي و ابن حمزة «5»، فجعلوها كالعشرة في تقصير صلاة النهار خاصة دون الليلية و الصيام، لصحيحة ابن سنان و روايته المتقدّمتين «6».

______________________________

(1) في النسخ بالإتمام، و الصحيح ما أثبتناه.

(2) الذكرى: 258.

(3) السرائر 1: 341.

(4) حكاه عنه في الذكرى: 260.

(5) المبسوط 1: 141، النهاية: 122، القاضي في المهذب 1: 106، ابن حمزة في الوسيلة: 108.

(6) في ص 280.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 287

و ردّ بكون الروايتين متروكتين، لتضمنّهما ثبوت الحكم في الأقلّ من الخمسة أيضا الصادق على ثلاثة و أربعة بل

يوم أو بعض يوم، و لم يقل به هؤلاء الجماعة.

و معارضتين مع النصوص المتقدّمة و مع ما ورد في بعض الصحاح من أنّه «إذا قصّرت أفطرت و إذا أفطرت قصّرت» «1».

و يجاب عن الأوّل: بأنّ ذلك غير ضائر في الحجيّة، لأنّه يكون كالعام المخصّص، مع أنّه نفى في الذخيرة البعد عن القول بمضمونها و قال: إنّ ظاهر الإقامة يقتضي قدرا معتدّا به، فلا يصدق على يوم واحد أو بعض يوم و المتيقّن منه المساواة بين الخمسة و ما قاربها، و العمل به غير بعيد- إلى أن قال طاب ثراه-:

و بالجملة فالمتّجه عندي العمل بمضمون الخبر كما قاله بعض أفاضل المتأخّرين.

ثمَّ ذكر- في بيان انتفاء الشهرة القديمة على خلافه- أنّ مخالفة من تقدّم على الشيخ بمضمون الرواية غير واضح، بل إيراد الصدوق لها يقتضي عمله بها «2».

و عن الثاني: بأنّ التعارض بالعموم و الخصوص المطلقين، و حمل العام على الخاص لازم.

و من ذلك تظهر قوّة قول الشيخ و تابعيه، بل ما نفى عنه البعد في الذخيرة.

إلّا أن دليلهم عن إفادة وجوب التقصير بالنهار قاصر لمكان الجملة الخبرية، و إثبات الوجوب بالإجماع المركب مشكل، و على هذا فلو أتمّ في النهارية أيضا ما لم يقم العشرة كان أحوط.

المسألة الرابعة: استفاضت الروايات على وجوب التقصير على المكاري و الجمّال
اشاره

إذا جدّ بهما السير.

ففي صحيحة محمّد: «المكاري و الجمّال إذا جدّ بهما فليقصرا» «3».

______________________________

(1) الفقيه 1: 280- 1270، التهذيب 3: 220- 551، الوسائل 8: 503 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 17.

(2) الذخيرة: 410.

(3) التهذيب 3: 215- 528، الاستبصار 1: 233- 830، الوسائل 8: 490 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 288

و في صحيحة البقباق: عن المكارين الّذين يختلفون، فقال: «إذا جدّوا

السير فليقصروا» «1».

و في مرسلة الكافي: «المكاري إذا جدّ به السير فليقصر» ثمَّ قال: و معنى جدّ به السير يجعل منزلين منزلا «2».

و في مرسلة عمران: «الجمّال و المكاري إذا جدّ بهما السير فليقصرا فيما بين المنزلين و يتمّا في المنزل» «3».

و في المروي في كتاب عليّ بن جعفر: عن المكارين الّذين يختلفون إلى النيل هل عليهم إتمام الصلاة؟ قال: «إذا كان مختلفهم فليصوموا و ليتمّوا الصلاة، إلّا أن يجدّ بهم السير فليقصروا و ليفطروا» «4».

و معنى الجدّ بالسير الإسراع فيه و الاهتمام بشأنه، يقال: جدّ بسيرة إذا اجتهد فيه، كذا في مجمع البحرين «5»، و هو المعنى المتفاهم عرفا، و إليه ينظر تفسير الكليني له بأنّ معناه أن يجعل منزلين منزلا، و هو الموافق لما ذكره بعض آخر من أنّ أظهر معانيه إرادة المشقة الشديدة الخارجة عن معتادهم.

و أمّا تفسيره بأنّ يستمرّ بهم السير مثل سفر الحج و الزيارة، أو حصل لهم السفر بعد الإقامة مأخوذا من التجديد فهما مخالفان للظاهر جدّا كسائر ما قيل في تفسيره، و الظاهر ما ذكرنا في معناه.

و عمل بها الكليني و الشيخ في التهذيب على الظاهر «6»، و جماعة من

______________________________

(1) التهذيب 3: 215- 529، 4: 219- 638، الاستبصار 1: 233- 831، الوسائل 8: 490 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 2.

(2) الكافي 3: 437 الصلاة ب 85 ح 2، الوسائل 8: 491 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 4.

(3) الفقيه 1: 282- 1279، التهذيب 3: 215- 530، الاستبصار 1: 233- 832. الوسائل 8: 491 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 3.

(4) مسائل علي بن جعفر: 115- 46، الوسائل 8: 491 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 5.

(5) مجمع

البحرين 3: 21.

(6) الكليني في الكافي 3: 437 ذيل الحديث 2، الشيخ في التهذيب 3: 215.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 289

المتأخّرين منهم المدارك و المنتقى و المحدّث الكاشاني و الفاضل الهندي و صاحبا الذخيرة و الحدائق «1»، و أفتى بها بعض أفاضل معاصرينا.

و هو الصحيح، إذا لا مجال في ترك روايات معتبرة ظاهرة المعنى بلا معارض مساو أو أخصّ، فبها العمومات تخصّص. و جعلها مجملة لاختلاف الأصحاب في تنزيلها بعد تفسير اللغوي و المحدّث و الفقيه و الفهم العرفي باطل جدّا.

و هل التقصير عليهم في الطريق و المنزل معا كما هو مقتضى إطلاق أكثر الروايات المذكورة، أو في الطريق خاصة كما تدل عليه المرسلة؟

الأظهر الثاني، لكون المرسلة مقيّدة، و يجب حمل المطلق على المقيّد.

و قيل بالأوّل، لضعف المرسلة، و إجمالها لاحتمال أن يكون المراد من: «ما بين المنزلين» المنزل الذي يخرج منه و المنزل الذي يذهب إليه يعني مبدإ سفره و منتهاه «2».

و كلاهما ممنوعان، بل الرواية معتبرة و مفادها واضح و ما ذكره تقييد بلا مقيد.

فرعان:
أ: هذا الحكم أيضا كالحكم بالتقصير بعد إقامة العشرة مختصّ بالمكاري و الجمّال

، لاختصاص الأخبار.

ب: تقصيرهما إنّما هو في منزل جدّ به السير

، فإذا انتفى و عادا إلى السير المعتاد في منزل آخر يتمّان.

المسألة الخامسة: لو أنشأ من عمله السفر سفرا آخر

غير ما هو صنعته كسفر الحج أو الزيارة أو صلة الرحم قبل إقامة العشرة في منزل، فهل يقصر أو يتمّ؟

______________________________

(1) المدارك 4: 456، المنتقى 2: 177، المحدث الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1: 24، الذخيرة:

410، الحدائق 11: 393.

(2) الذخيرة: 410.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 290

قيل بالأوّل «1»، لأنّ الظاهر أنّ المراد بالسفر الذي يتم هؤلاء هو السفر الّذي كان عملهم، و يشعر به التعليل بذلك.

و لروايتي إسحاق بن عمّار، إحداهما: عن الّذين يكرون الدواب يختلفون كلّ الأيام، أ عليهم التقصير إذا كانوا في سفر؟ قال: «نعم» «2».

و الأخرى: عن المكارين الّذين يكرون الدواب و قلت: يختلفون كلّ أيام، كلّما جاءهم شي ء اختلفوا، فقال: «عليهم التقصير إذا سافروا» «3».

وجه الاستدلال: إمّا أنّ الظاهر من السفر في الروايتين غير السفر الّذي يعملون فيه، أو أنهما دلّتا على وجوب التقصير في كلّ سفر، خرج ما كان صنعتهم بما مرّ فيبقى الباقي.

و قيل بالثاني، لعدم دليل صالح للخروج عن مقتضى الأدلّة العامة «4».

و هو الأقوى، لذلك.

و يضعّف الظهور الّذي ادعاه الأوّلون بالمنع. و لا إشعار للتعليل به أيضا، لأنّ عليّة كون السفر عملا للإتمام في السفر لا تدلّ على أنّه فيما كان يعمل به أصلا، لجواز أن تكون عمليّته علّة للإتمام في كلّ سفر.

و الروايتان أمّا على التقريب الأوّل فبأنّ ظهورهما في السفر الّذي ادّعوه لا وجه له أصلا.

و أمّا على التقريب الثاني فبأنّه إنّما يتمّ لو كانت أخبار إتمامهم في السفر مخصوصة بالسفر الّذي يعملون فيه، و لكنّها عامة كهاتين الروايتين، فتتعارضان بالتساوي، و لا شاهد على ذلك الجمع، فترجّح عليهما، لكونها أشهر رواية

______________________________

(1) الذكرى:

258.

(2) التهذيب 3: 216- 532، الاستبصار 1: 233- 833، الوسائل 8: 488 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 2.

(3) التهذيب 3: 216- 533، 4: 219- 637، الاستبصار 1: 234- 834، الوسائل 8: 488 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 3.

(4) الرياض 1: 254.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 291

و اعتضادها بالإجماع، و شذوذ الروايتين جدّا.

الشرط السادس: الخروج إلى حدّ الترخّص
اشارة

و فيه مسألتان.

المسألة الأولى: يشترط في التقصير البلوغ إلى حدّ الترخص
اشارة

، وفاقا للأكثر، بل بلا خلاف إلّا عن شاذّ، بل بالإجماع المحكي «1» بل المحقّق، له، و للمعتبرة المستفيضة الآتية.

خلافا للمحكي عن والد الصدوق «2»، فلم يعتبر هذا الشرط بالكلية بل اكتفى بنفس الخروج من البلد، لمرسلة الفقيه: «إذا خرجت من منزلك فقصّر إلى أن تعود إليه» «3».

و نحوه الرضوي «4».

و الموثّق: «أفطر إذا خرج من منزله» «5».

و يردّ- مع شذوذ الجميع و ضعف سند الثاني- بكونه أعمّ مطلقا ممّا يأتي، فيجب تخصيصه به، بل الظاهر أنّ المخصّص هو المراد، و أنّ إطلاق الرضوي مسبوق بما يأتي من التخصيص.

ثمَّ إنّهم اختلفوا في حدّ الترخص، فالمشهور بين القدماء- و قيل:

مطلقا «6»- أنّه أحد الأمرين من خفاء جدران البلد أو أذانه، بمعنى كفاية أحد الأمرين في لزوم القصر، و لزومه بتحقّق أحدهما كما هو المحتمل. أو بمعنى التخيير بينهما أي جواز القصر بتحقّق كلّ واحد منهما كما صرّح به بعضهم بقوله

______________________________

(1) الرياض 1: 254.

(2) حكاه عنه في المختلف: 163.

(3) الفقيه 1: 279- 1268، الوسائل 8: 475 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 5.

(4) فقه الرضا عليه السلام: 162، مستدرك الوسائل 6: 530 أبواب صلاة المسافر ب 5 ح 1.

(5) التهذيب 4: 228- 669، الاستبصار 2: 98- 319، الوسائل 1: 187، أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 10.

(6) الحدائق 11: 405.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 292

بعد ذكر الأمرين: مخيّرا بينهما «1» و عليه يدلّ كلام صاحب الذخيرة حيث عبّر عن هذا القول بالقول بالتخيير «2».

و أكثر المتأخّرين تبعا للسيّد و الشيخ في الخلاف «3» على أنّه الأمران معا، فلا يجوز القصر إلّا بتحققهما معا.

و عن المقنع أنّه الأوّل «4».

و عن المفيد

و الديلمي و الحلّي أنّه الثاني «5».

و منشأ الاختلاف اختلاف الأخبار الواردة في المورد، و هي صحيحة محمّد:

الرجل يريد السفر متى يقصّر؟ قال: «إذا توارى من البيوت» «6».

و ابن سنان: «إذا كنت في الموضع الّذي تسمع الأذان فأتمّ، و إذا كنت في الموضع الّذي لا تسمع الأذان فقصّر، و إذا قدمت من سفر فمثل ذلك» «7».

و موثقة إسحاق بن عمّار المروية في العلل، و فيها: «أ ليس قد بلغوا الموضع الّذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم؟» «8».

و الرضوي: «و إن كان أكثر من بريد فالتقصير واجب إذا غاب عنك أذان مصرك، و إن كنت في شهر رمضان فخرجت من منزلك قبل طلوع الفجر إلى السفر أفطرت إذا غاب عنك أذان مصرك» «9».

______________________________

(1) الرياض 1: 254.

(2) الذخيرة: 411.

(3) السيد في جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 47، الخلاف 1: 572.

(4) المقنع: 37.

(5) المفيد في المقنعة: 350، الديلمي في المراسم: 75، الحلي في السرائر 1: 331.

(6) الكافي 3: 434 الصلاة ب 83 ح 1، الفقيه 1: 279- 1276، التهذيب 2: 12- 27، 3:

224- 566، 4: 230- 676، الوسائل 8: 470 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 1.

(7) التهذيب 4: 230- 675، الاستبصار 1: 242- 862، الوسائل 8: 472 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 3.

(8) علل الشرائع: 367- 1 الوسائل 8: 466 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 11.

(9) فقه الرضا عليه السلام: 159، مستدرك الوسائل 6: 529 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 293

و المروي في المحاسن: «إذا سمع الأذان أتمّ المسافر» «1».

فتعارض منطوق الصحيحة الاولى مع منطوق الشرطية الاولى في الثانية و منطوق الرواية الأخيرة و مفهوم

الرضوي بالعموم من وجه، و مفهومها مع منطوق الشرطية الثانية في الثانية و منطوق الرضوي و مفهوم الرواية الأخيرة كذلك.

فبناء القول الأوّل بالمعنى الأوّل على العمل بالإتمام فيما أجمعت عليه الروايات و هو ما لم يختف الجدران و لا الأذان، و بالتقصير فيما أجمعت عليه أيضا و هو ما اختفى الجدران و الأذان معا، و رفع اليد عن الروايات في موضع التعارض و هو ما اختفى فيه أحدهما و الرجوع إلى العمومات الدالّة على التقصير الغير المعلوم خروج المورد عنه كالعمومات المتقدّمة في دليل والد الصدوق و غيرها ممّا يدلّ على وجوب التقصير على المسافر بقول مطلق.

و بناء هذا القول بالمعنى الثاني الرجوع في مورد التعارض و عدم المرجّح إلى التخيير كما هو القاعدة في المتعارضين.

و بناء القول الثاني على الجمع بين المتعارضين بتخصيص كلّ منهما بالآخر، أو على رفع اليد عنهما في موضع التعارض و الرجوع فيه إلى مقتضى الأصل و استصحاب بقاء وجوب التمام إلى ثبوت الترخيص، و ليس بثابت بأحدهما.

و بناء القولين الآخرين- كما قيل «2»- على ترجيح أحد المتعارضين و طرح الآخر من البين.

أقول: لا يخفى أنّ تخصيص كلّ منهما بالآخر كما هو مبنى القول الثاني لا وجه له أصلا، و لذا لا يعملون بذلك في مواقع التعارض مع أنّه ممكن في جميع ما إذا كان بالعموم من وجه، و ليس هو من مقتضى متفاهم العرف، و لا شاهد آخر عليه أيضا، و كذا [المبنى] «3» الآخر من الرجوع إلى الاستصحاب فإنّه إنّما هو لو لا

______________________________

(1) المحاسن: 371- 127، الوسائل 8: 473 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 7.

(2) الرياض 1: 254.

(3) في النسخ: المعنى، و الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 8، ص: 294

اندفاعه بالعمومات و الإطلاقات المذكورة و إلّا فاللازم الرجوع إليها.

و منه يظهر سقوط ذلك القول البتة.

و كذا القولان الآخران، إذا لا وجه لردّ أحد المتعارضين مع تساويهما في استجماع شرائط الحجيّة.

فلم يبق إلّا القول الأوّل و هو الصحيح المعقول، لأنّه إن قلنا بأنّ مراد القائلين به هو المعنى الأوّل و ليس في المسألة قول بالتخيير بالمعنى الّذي ذكرناه- أي كون المسافر مخيّرا في جعل حدّ الترخص كلا منهما شاء- فيتّجه هذا القول البتّة، إذ بعد الاتّفاق على انتفاء التخيير في موضع التعارض يرفع اليد عن المتعارضين و يرجع إلى العمومات.

و إن كان مرادهم المعنى الثاني و لم يكن التخيير منافيا للإجماع اتّجه ذلك القول جدّا أيضا، لأنّه المناص عند التعارض.

فإن قيل: هذا إنّما يتمّ على ما ادّعيت من تساوي المتعارضين في شرائط الحجية، و ليس كذلك، لأنّ من جملة الشرائط عدم الإجمال، و الصحيحة الأولى مجملة من وجهين:

أحدهما: أنّ المذكور فيها: «توارى عن البيوت» و لا معنى للتواري عن البيت إلّا بتقدير الأهل حتى يكون من باب مجاز الحذف، أو المراد تواريه عن البيوت كما فهمه الأصحاب و هذا أيضا مجاز، و ليس أحد المجازين أولى من الآخر و بين مقتضاهما بون بعيد، فإنّ الإنسان يتوارى عن أهل البيت ببعد ميل و لا يتوارى البيت عنه بفرسخ.

و ثانيهما: أنّه على التقديرين يمكن أن يراد تواري الشبح كما قيل «1»، أو الهيئة بأن يتميّز هذا البيت أنّه بيت فلان و جداره من الطين أو اللبنة أو الحجر أو الجصّ، و هذا الشخص أنّه راكب أو راجل قصير أو طويل زيد أو عمرو، و لا دليل

______________________________

(1) الرياض 1: 254.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 8، ص: 295

على تعيين أحدهما، و بينهما أيضا تفاوت فاحش، و ليس كذلك روايات الأذان، إذ ليس المراد به مجرّد الصوت لأنّه ليس أذانا بل تمييز الكلمات بحيث يفهم أنّه يؤذّن و هو أمر لا يتفاوت.

و على هذا فتخرج الاولى عن الحجيّة و تبقى أخبار الأذان كما هو القول الأخير.

قلنا: أمّا الوجه الأول ففيه: منع التفاحش بين المقتضيين، لأنّ المراد بتواري البيوت كما صرّحوا به تواريها من حيث إنّها بيوت و لا اعتبار بظهور المنارات و القباب و السور و أمثالها، و تواري البيت لا يتفاوت كثيرا مع تواري الشخص سواء أريد فيهما الشبح أو الهيئة، لأنّ شبح الشخص يرى من فرسخ بل فرسخين كشبح البيت، و كذا الهيئة فإنّ كل موضع يمتاز البيت أنّه من لبنة أو حجر أو بيت زيد أو عمرو يمتاز الشخص أيضا، فلا إجمال من هذه الجهة، و لو كان تفاوت فليس بأكثر من التفاوت الحاصل بتفاوت سماع الأذان.

و أمّا الوجه الثاني ففيه: أنّه و إن احتمل التواري كلا من الأمرين إلّا أنّه مع احتمالهما و عدم المعيّن يجب الأخذ بالقدر المشترك و هو تواري الصورة و الهيئة عملا بعمومات القصر في السفر، و لأنّ الشبح ممّا لا يتوارى في بعض المواضع الخالية عن الموانع في أزيد من فرسخين أو ثلاثة فراسخ، و الإتمام في مثله خلاف الإجماع و تنافيه أخبار الأذان أيضا بل يعلم منها عدم إرادته قطعا فلا إجمال من هذه الجهة أيضا.

بل منه يعلم وجه آخر لرفع الإجمال الأوّل، إذ بعد الحمل على الهيئة يتقارب المعنيان كما أشرنا إليه.

و من ذلك يعلم ضعف ما قيل في وجه ترجيح مجاز الحذف من أنه أقرب إلى أخبار الأذان، بل

يظهر عدم الاختلاف بين أخبار البيوت و الأذان أيضا، و لا يضرّ التفاوت اليسير فإنّه حاصل على كلّ من الأمرين بخصوصه أيضا، و مع ذلك مدار أمثال هذه الأمور في الشرع على التقريب كما هو كذلك عرفا أيضا، و على هذا قلنا

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 296

الاكتفاء بأحد الأمرين من هذه الجهة أيضا.

و قد تلخّص ممّا ذكرنا جواز الاكتفاء بكلّ من الأمرين كما هو مقتضى القول الأوّل بالمعنى الثاني إمّا لأجل أنّ التخيير هو المرجع عند التعارض أو التقارب الأمرين. و الأحوط القصر مع تحقّق أحدهما حذرا عن مخالفة المعنى الأوّل للقول الأوّل.

فروع:
أ: المراد بالتواري عن البيوت أو تواريها عنه التواري من جهة البعد

و السير في الأرض، لا التواري كيف اتّفق و لو لأجل حائل أو و هدة و إن ترى بعده كما توهّم، لأنّه المتبادر منه في المقام، لأنّ المراد بيان قاعدة كليّة و وضع ضابطة جلية يترتب عليها حكم التقصير و التمام، و الحائل الّذي قد يكون و قد لا يكون و قد يقرب و قد يبعد فلا يصلح لأن يكون ضابطا كليّا، و كذا خفاء الأذان.

ب: يكفي سماع الأذان في آخر البلد و رؤية آخر البيوت من البلد في عدم لزوم التقصير

، فالواجب خفاء أذان آخر البلد و تواري آخر بيوتها، لأنّ الحكم في الأذان معلّق على أذان المصر فيجب أن لا يسمع شي ء من أذانه، و أذان آخر البلد أذان مصر أيضا، و في البيوت معلّق على الجمع المحلّى المفيد للاستغراق فيجب خفاء جميع البيوت الذي لا يتحقّق إلّا بخفاء آخر بيت منه، سواء في ذلك القرية و البلد الصغير و المعتدل و الكبير.

و أمّا ما قيل من أنّه إذا اتّسع خطّة البلد حيث خرجت عن العادة فيعتبر بيوت محلّتها و كذا أذانها «1»، فلا أعرف له وجها و ليس له عندي وقعا، لإطلاق المصر و البيوت، مع أنّ المصر يطلق غالبا على البلاد المتّسعة و لذا يقال للبصرة و الكوفة المصرين. و أمّا القول بأنّ إرادة المحلّة موافقة في البلاد المتّسعة لإطلاق الأدلّة و فهم العرف فممنوع غايته.

ج: قد أشرنا أنّ المراد خفاء البيت من حيث إنّه بيت،

و المتبادر منه خفاء

______________________________

(1) كما في روض الجنان: 392، و المدارك 4: 458.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 297

الهيئة و الصورة و عدم تمييز البيوت و أوصافها بعضها عن بعض، و أنّه مقتضى الأصل. و كذا المراد خفاء الأذان من حيث إنّه أذان و عدم تمييز فصول الأذان.

فلا عبرة بسواد المدينة و شبحها و لا بأعلام البلد و مناراتها و قبابها و بساتينها و أشجارها.

د: قالوا: المعتبر الأذان المتوسّط أي المتعارف في الإعلامي و الأرض المتوسّطة و الحاسّتان المتوسّطتان

و لو احتاج إلى التقدير في البلد المنخفض و المرتفع و مختلف الأرض و عادم الأذان و الأعمى و الأصمّ.

و هو كذلك، لأنّها المتبادر من الإطلاق و المحمول عليها الألفاظ عند الاستعمال الإطلاقي.

ه: اعلم أنّ هذا الشرط إنّما يعتبر فيمن خرج عن نحو بلده مسافرا

، دون نحو الهائم و العاصي بسفره إذا زال مانعهما، فإنّهما يقصّران متى زال المانع و شرعا بعده في السير، للعمومات، مع اختصاص ما دلّ على هذا الشرط بمن ذكرناه، مضافا إلى خصوص المعتبرة المتضمّنة لأنّهما يقصران حين زوال المانع.

و هل البلد الّذي أقام فيه عشرة أو ثلاثين متردّدا في حكم بلده أم لا؟

فيه وجهان- كما قيل «1»- من جهة كونه بمنزلة الوطن في الأحكام، و من جهة عدم الدليل بالخصوص. و ربما يقال: إنّ التواري من البيوت في صحيحة محمّد «2» يشملهما أيضا.

و لا يخفى أنّ كونه بمنزلة الوطن في جميع الأحكام غير ثابت و عموم المنزلة ممنوع، و شمول الصحيحة غير واضح لأنّها تبيّن حكم من يريد السفر و هو ظاهر فيمن لم يكن مسافرا قبله و ذلك مسافر. و لا يفيد استصحاب الإتمام للأوّل، لأنّ إطلاقات قصر المسافر تدفعه. و لا يتوهّم معارضتها مع إطلاقات الإتمام في محلّ الإقامة، لعدم كون الخارج فيه، كما مرّ في بحث إقامة العشرة.

______________________________

(1) الحدائق 11: 354. مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 8    298     المسألة الثانية: المشهور - بل عن الذكرى أنه يكاد أن يكون إجماعا - أنه كما يعتبر هذا الشرط أي الوصول إلى حد الترخص في بدء السفر و الذهاب كذا يعتبر في آخره ..... ص : 298

(2) المتقدمة في ص 292.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 298

و: قد ورد في روايتي الخدري «1» و عمرو بن سعيد «2» أنّ النبيّ و الوليّ كانا إذا سافرا يقصّران في فرسخ

. و هو لا ينافي ما مرّ من حدّ الترخص لأنّه فعل، فلعلّهما أخّرا الصلاة استحبابا أو لجهة أخرى.

المسألة الثانية: المشهور- بل عن الذكرى أنّه يكاد أن يكون إجماعا «3»- أنّه كما يعتبر هذا الشرط أي الوصول إلى حدّ الترخّص في بدء السفر و الذهاب كذا يعتبر في آخره
اشاره

و الإياب، فيقصّر في العود من السفر إلى أن ينتهي إلى أحد الأمرين المتقدمين، فإذا انتهى يتمّ و لو لم يدخل البلد فضلا عن المنزل، لذيل صحيحة ابن سنان المتقدّمة «4»، مضافا إلى إطلاق ما دلّ على وجوب التمام على من كان في الوطن، و اشتراط القصر بالسفر و لا يصدق عرفا على من بلغ هذا الحدّ.

و ذهب والد الصدوق و السيّد و الإسكافي «5» إلى عدم اعتبار هذا الشرط في الإياب فيقصّر حتى يدخل منزله، و اختاره بعض مشايخنا الأخباريين «6»، و هو محتمل المقنعة و النهاية و الجمل و المبسوط و الخلاف و ابن حمزة و سلّار «7» حيث لم يتعرّضوا لحال العود، و في المعتبر «8» نسبة القول بموافقة الإياب للذهاب إلى المبسوط و النهاية، و ليس فيهما ما يدلّ عليه.

______________________________

(1) التهذيب 4: 224- 659، الاستبصار 1: 226- 803، الوسائل 8: 472 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 4.

(2) التهذيب 4: 224- 660، الاستبصار 1: 226- 804، الوسائل 8: 471 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 2.

(3) الذكرى: 258.

(4) في ص 292.

(5) المختلف: 164 عن والد الصدوق و الإسكافي، السيد في جمل العلم و العمل: 77.

(6) الحدائق 11: 412.

(7) المقنعة: 55، النهاية: 123، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 221، المبسوط 1: 136، الخلاف 1: 222، ابن حمزة في الوسيلة: 149، سلار في المراسم: 75.

(8) المعتبر 2: 474.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 299

لصحيحة العيص: «لا يزال المسافر مقصّرا حتّى يدخل بيته» «1».

و الأخرى: و فيها: «لا يزال يقصّر حتّى يدخل بيته» «2».

و

صحيحة معاوية بن عمّار: «أهل مكّة إذا زاروا البيت و دخلوا منازلهم أتمّوا، و إذا لم يدخلوا منازلهم قصّروا» «3».

و في صحيحة أخرى في أهل مكة: «و إذا زاروا و رجعوا إلى منازلهم أتمّوا» «4».

و الصحيح المروي في المحاسن: «المسافر يقصّر حتى يدخل المصر» «5».

و موثقة الساباطي و فيها: «و لا يتمّ الصلاة حتى يرجع إلى منزله» «6».

و إسحاق: عن الرجل يكون مسافرا ثمَّ يقدم فيدخل بيوت الكوفة أ يتمّ الصلاة أم يكون مقصّرا حتى يدخل أهله؟ قال: «بل يكون مقصّرا حتى يدخل أهله» «7».

و ابن بكير: عن الرجل يكون بالبصرة و هو من أهل الكوفة له بها دار و منزل، فيمرّ بالكوفة و إنّما هو مجتاز لا يريد المقام إلّا بقدر ما يتجهز يوما أو يومين، قال:

«يقيم في جانب المصر و يقصّر» قلت: فإن دخل؟ قال: «فعليه التمام» «8».

______________________________

(1) التهذيب 3: 222- 556، الاستبصار 1: 242- 864، الوسائل 8: 475 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 4.

(2) التهذيب 3: 162- 352، الوسائل 8: 513 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 4.

(3) الكافي 4: 518 الحج ب 92 ح 1، الوسائل 8: 464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 7.

(4) التهذيب 5: 488- 1743، بتفاوت فراجع، الوسائل 8: 464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 4.

(5) المحاسن: 371- 126، الوسائل 8: 473 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 8.

(6) التهذيب 4: 226- 663، الوسائل 8: 469 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 2.

(7) الكافي 3: 434 الصلاة ب 83 ح 5، الفقيه 1: 284- 1291، التهذيب 3: 222- 555، الاستبصار 1: 242- 863، الوسائل 8: 474 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 3.

(8) الكافي 3:

435 الصلاة ب 84 ح 2، التهذيب 3: 220- 550، قرب الإسناد: 172- 630 بتفاوت يسير، الوسائل 8: 474 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 300

و الإيراد على بعض هذه الأخبار بأنّه حكم بالقصر للمسافر، و نحن لا نسلّم أنّ الداخل في موضع سماع الأذان مسافر، باطل جدّا، لأنّه قبل دخوله فيه مسافر قطعا فحكم له بالقصر حتى دخل البيت أو المنزل.

و حمل البيت و المنزل في بعض هذه الأخبار على ما بحكمهما و هو ما دون الترخّص، بعيد جدّا بل خلاف الأصل، مع أنّه لا يمكن حمل غير الصحيحتين الأوليين و الموثقة الأولى على ذلك أصلا سيّما في الموثقة الثانية المتضمنة لدخول البلد و الحكم فيها مع ذلك بالقصر إلى دخول الأهل.

و حملها على أنّ الحكم به معه إنّما هو لسعة الكوفة يومئذ، فلعلّ البيوت الّتي دخلها لم يبلغ حدّ الترخيص المعتبر في مثلها و هو آخر محلّته.

مردود أوّلا: بما مرّ من عدم التفرقة بين البلد الكبير و المعتدل.

و ثانيا: بعموم الجواب الناشئ عن ترك الاستفصال خصوصا مع قوله بعد الحكم بالتقصير: «حتّى يدخل أهله».

و ثالثا: بأنّه ورد في موثّقة غياث بن إبراهيم: أنّ مولانا الباقر عليه السلام كان يقصّر الصلاة حين يخرج من الكوفة في أوّل صلاة تحضره «1»، دلّت على أنّ قصر الصلاة كان بعد الخروج من الكوفة، إلّا أنّ ذلك إنّما يتمّ لو جعل الحين ظرفا للتقصير، و يحتمل أن يكون ظرفا للخروج فلا يتمّ التقريب فيها، مضافا إلى أنه يمكن أن يكون بيته عليه السلام في أواخر البلد.

و الخدش فيها بورودها مورد الغالب من أنّ المسافر إذا بلغ حدّ الترخّص يسارع إلى أهله

من غير مكث للصلاة كما هو المشاهد غالبا من العادة، فلا يطمئن بشمول إطلاق الحكم بالقصر إلى دخول الأهل لمحلّ البحث، كلام شعري لا ينبغي الإصغاء إليه.

أقول: هذه الأخبار و إن كانت مستفيضة مشتملة على عدّة من الصحاح،

______________________________

(1) التهذيب 3: 235- 617، الوسائل 8: 472 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 301

إلّا أنّها مع احتمال موافقتها لمذهب العامة- كما حكي عن الوسائل «1» يرد عليها أنّ غير الأخيرتين منها أعمّ مطلقا من صحيحة ابن سنان «2»، إذ مدلولها وجوب قصر المسافر قبل دخول البيت أو المنزل أو المصر مطلقا سواء بلغ موضع سماع الأذان أم لا، و مدلول الصحيحة وجوب الإتمام في بعض خاصّ منه و هو ما بعد سماع الأذان فيجب تخصيصها به، بل و كذلك الموثّقة الأخيرة لأعميّة جانب المصر عن موضع سماع الأذان.

و لا يضرّ عموم الصحيحة باعتبار الممثّل له، حيث إنّ له أيضا فردين:

وجوب القصر عند عدم سماع الأذان، و الإتمام عند سماعه، بل إجمالها لتعدّد ما يحتمل التشبيه به فلعلّ التشبيه في الأوّل خاصّة بجعل المشار إليه هو الجزء الأخير و هو قوله: «إذا كنت في الموضع الّذي لا تسمع الأذان فقصّر».

لبعد ذلك الاحتمال جدّا و ظهور إرادة التشبيه في الحكمين، مع أنّه يثبت المطلوب مع تخصيص التشبيه بالجزء الأخير أيضا، إذ الجزء الأخير ليس هو وجوب القصر في موضع لا يسمع الأذان خاصّة بل جملة شرطيّة لها منطوق و مفهوم، فيدلّ بالمفهوم على عدم القصر إذا لم يكن في موضع لا يسمع الأذان.

و منه تظهر تماميّة دلالة الصحيحة على ما في بعض النسخ الغير المشهورة منها من إسقاط الشرطية الاولى في حكم

الذهاب، لكفاية الثانية في ذلك أيضا، مع أنّ اشتهار النسخة المتضمنة للشرطين سيّما مع تقدم الإثبات على الإسقاط كاف في المطلوب.

فلم يبق إلّا الموثّقة الاولى، و هي غير صريحة بل و لا دالّة على المطلوب لعدم تصريح فيها على كون الرجل من أهل الكوفة إلّا أن يتمسّك بعمومها الحاصل من ترك الاستفصال الواجب تخصيصه بالصحيحة أيضا لأخصّيتها مطلقة.

مع أنّها معارضة في ذلك الحكم مع الصحيحة المحاسنيّة المنجبرة في هذا

______________________________

(1) الوسائل 8: 475 أبواب صلاة المسافر ب 7 ذيل الحديث 6.

(2) المتقدمة في ص 292.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 302

الحكم و الموثقة الثانية، الدالّتين على وجوب التمام بدخول الكوفة و المصر و إن لم يدخل البيت، و مع صحيحة ابن بزيع المذكورة في بيان الوطن الدالّة على التمام بدخول الضيعة «1».

و من ذلك ظهر قوة القول المشهور.

نعم، يشكل الحكم فيما إذا كان مجتازا عن وطنه و لم يدخل بلده و نزل في جانبه في موضع سمع الأذان، من حيث إنّ صدق القدوم من السفر حينئذ غير معلوم، فلا يكون حكمه مستفادا من الصحيحة و لا من رواية أخرى، فيكون عموم الموثقة خاليا عن المعارض المعلوم. إلّا أن يتمسّك بعدم الفرق بين خارج البلد و داخله المعلوم حكمه بالأخبار الثلاثة المذكورة آنفا. إلّا أنّ ثبوته مشكل، و أمر الاحتياط بالقصر و الإتمام هنا واضح.

و هل يعتبر في الإتمام هنا أيضا الأمران من خفاء البيوت و الأذان كما هو المشهور، بل قيل: بلا خلاف إلّا عن بعض المتأخرين «2»؟

أو الأذان خاصّة كما عزي إلى الشرائع و التحرير «3»، لاختصاص الصحيحة به، و عدم دليل تامّ غيرها على حكم العود يشمل البيوت أيضا إلّا ما قيل من

عمومات الإتمام في الوطن «4» المعارض لما دلّ على وجوب القصر حتى يدخل البيت، أو عدم القول بالفرق الممنوع جدّا؟

نعم يسهل الأمر على ما ذكرنا من تلازم الأمرين غالبا، لإرادة خفاء الهيئة و الكلام، و هما متقاربان.

فرع: هل يعتبر ذلك في بلد يراد فيه إقامة عشرة أيّام قبل الوصول إليه، أم لا؟

______________________________

(1) الفقيه 1: 288- 1310، التهذيب 3: 213- 520، الاستبصار 1: 231- 821، الوسائل 8: 494 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 11.

(2) الرياض 1: 255.

(3) الشرائع 1: 134، التحرير 1: 56.

(4) الرياض 1: 254.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 303

الظاهر الثاني، لاستصحاب وجوب التقصير، و إطلاق كثير من الأخبار بلا معارض في المقام. و كون بلد الإقامة بمنزلة الوطن في جميع الأحكام ممنوع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 304

الفصل الثاني في بيان سائر أحكام صلاة القصر
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: إذا اجتمعت الشرائط المذكورة يجب القصر بحذف أخيرتي الرباعية
اشاره

عزيمة لا رخصة، بالضرورة من مذهب الإماميّة، و عليه أكثر العامة «1»، و النصوص به من طرقهم مستفيضة «2».

فلا يجوز التمام إلّا في أحد المواطن الأربعة: مكة و المدينة و جامع الكوفة و حائر الحسين عليه السلام، فيجوز فيها الأمران، بلا خلاف إلّا من شاذّ يأتي، بل بالإجماع كما عن غير واحد من الأصحاب «3»، و جعله بعضهم من منفردات الإماميّة «4».

لظاهر الإجماع، و الأمر بالإتمام في المستفيضة و بالقصر في الأخرى.

فمن الأوّل: رواية إبراهيم بن شيبة الآمرة بإتمام الصلاة في الحرمين «5»، و عثمان بن عيسى الآمرة بإتمام الصلاة فيهما و لو صلاة واحدة «6».

______________________________

(1) انظر بداية المجتهد 1: 166، و احكام القرآن للجصاص 2: 253، و بدائع الصنائع 1: 91.

(2) صحيح مسلم 1 478 ب صلاة المسافر، صحيح البخاري 2: 53 ب التقصير.

(3) السرائر 1: 346، الوسائل 8: 534 أبواب صلاة المسافر ب 25 ذيل الحديث 34.

(4) روض الجنان: 397.

(5) الكافي 4: 524 الحج ب 59 ح 1، التهذيب 5: 425- 1476، الاستبصار 2: 330- 1172، الوسائل 8: 529 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 18.

(6) الكافي 4: 524 الحج ب 95 ح 2، التهذيب 5: 425- 1477، الاستبصار 2: 330- 1173، الوسائل 8: 529 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 305

و صحيحة البجلي «1» و رواية عمر بن رياح «2» الآمرتان بالإتمام في مكة و مدينة، و صرّح في أولاهما بقوله: «و لو صلاة واحدة» و في الثانية: «أمرّ على المدينة».

و صحيحة مسمع الآمرة بالإتمام في مكة يوم تدخله «3».

و رواية أبي شبل الآمرة بإتمام الصلاة في قبر الحسين عليه السلام و

نسبة التقصير فيه إلى الضعفة «4».

و رواية القندي الآمرة بالإتمام في الحرمين و بالكوفة و عند قبر الحسين عليه السلام «5».

و رواية قائد الحنّاط المرويّة في كامل الزيارة لابن قولويه الآمرة بإتمام الصلاة في الحرمين و لو مررت مارّا «6».

و رواية سماعة بن مهران المرويّة في البحار عن كتاب عبد اللّه بن يحيى الكاهلي الآمرة بالإتمام في الحرمين مكة و المدينة «7».

______________________________

(1) التهذيب 5: 426- 1481، الاستبصار 1: 331- 1177، الوسائل 8: 525 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 5.

(2) التهذيب 5: 426- 1479، الاستبصار 2: 330- 1175 الوسائل 8: 526 أبواب صلاة المسافر 25 ح 8.

(3) التهذيب 5: 426- 1480، الاستبصار 2: 331- 1176، الوسائل 8: 526 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 7.

(4) الكافي 4: 587 الزيارات ب 23 ح 6، التهذيب 5: 431- 1496، الاستبصار 2:

335- 1193، الوسائل 8: 527 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 12.

(5) التهذيب 5: 431- 1499، الاستبصار 2: 335- 1192، الوسائل 8: 527 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 13.

(6) كامل الزيارات: 250- 9، الوسائل 8: 532 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 31.

(7) كتاب عبد اللّه بن يحيى الكاهلي (الأصول الستة عشر): 115. البحار 86: 65- 19.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 306

و روايات حذيفة «1» و أبي بصير «2» و عبد الحميد «3» المجوّزة لإتمام الصلاة في المسجد الحرام و مسجد الرسول و مسجد الكوفة و حرم الحسين عليه السلام.

و رواية ابن أبي البلاد المجوّزة له في المسجد الحرام و مسجد الرسول و عند قبر الحسين عليه السلام «4»- و إنّما لم نجعلها آمرة لاشتمالها على الجملة الخبرية.

و صحيحتا ابن عمّار «5» و مسمع

«6» المصرّحتان بأنّ من المذخور الإتمام في الحرمين.

و صحيحة حمّاد المصرّحة بأنّ من مخزون علم اللّه الإتمام في حرم اللّه و حرم رسوله و حرم أمير المؤمنين و حرم الحسين عليهم السلام «7».

و مرسلة الفقيه المصرّحة بأنّ من الأمر المذخور الإتمام بمكة و المدينة و مسجد الكوفة و الحائر «8».

و من الثاني: صحيحة ابن بزيع الآمرة بالتقصير في مكة و المدينة ما لم يعزم

______________________________

(1) الكافي 4: 586 الزيارات ب 23 ح 3، التهذيب 5: 431- 1498، الاستبصار 2:

335- 1195، الوسائل 8: 530 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 23.

(2) الكافي 4: 586 الزيارات ب 23 ح 2، التهذيب 5: 432- 1500، الاستبصار 2:

335- 1196، الوسائل 8: 531 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 25.

(3) الكافي 4: 587 الزيارات ب 23 ح 5، التهذيب 5: 431- 1497، الوسائل 8: 528 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 14.

(4) الكافي 4: 586 الزيارات ب 23 ح 4، كامل الزيارات: 249- 2، الوسائل 8: 530 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 22.

(5) الكافي 4: 524 الحج ب 95 ح 5، التهذيب 5: 429- 1490، الاستبصار 2: 334- 1187، الوسائل 8: 530 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 20.

(6) التهذيب 5: 426- 1478، الاستبصار 2: 330- 1174، الوسائل 8: 524 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 2.

(7) التهذيب 5: 430- 1494، الاستبصار 2: 334- 1191، الوسائل 8: 524 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 1.

(8) الفقيه 1: 283- 1284، الوسائل 8: 531 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 307

على مقام عشرة «1».

و صحيحة ابن وهب المروية في العلل المشتملة على أنّ مكة و

المدينة كسائر البلدان، و المتضمنة لأنّ الأمر بالإتمام في المدينة بعد خمسة أيّام لأنّ أصحابكم كانوا [يقدمون] و يخرجون من المسجد عند الصلاة «2».

و صحيحة ابن عمّار الآمرة بالتقصير في مكّة ما دام محرما «3».

و صحيحة أبي ولّاد الحنّاط: إنّي كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها عشرة أيّام فأتمّ الصلاة، ثمَّ بدا لي بعد أن لا أقيم بها فما ترى لي أتمّ أم أقصّر؟

فقال: «إن كنت [حين] دخلت المدينة صلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصر حتّى تخرج منها، و إن كنت حين دخلتها على نيّتك المقام و لم تصلّ صلاة فريضة بتمام حتّى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت فانو المقام عشرا و أتمّ، و إن لم تنو المقام عشرا فقصّر ما بينك و بين شهر فإذا مضى لك شهر فأتمّ الصلاة» «4».

و رواية عليّ بن حديد الناطقة بأنّه لا يكون الإتمام في الحرمين إلّا أن تجمع على إقامة عشرة «5».

و صحيحة ابن وهب المتضمّنة بعد السؤال عن التقصير عن الحرمين لقوله:

«لا تتمّ حتّى تجمع على مقام عشرة أيّام» و لأنّ الأمر بالتمام كان لأجل أنّ

______________________________

(1) الفقيه 1: 283- 1285، التهذيب 5: 426- 1482، الاستبصار 2: 331- 1178، الوسائل 8: 533 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 32.

(2) علل الشرائع: 454- 10، الوسائل 8: 531 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 27، و بدل ما بين المعقوفين في النسخ: يصلون و ما أثبتناه موافق للمصدر.

(3) التهذيب 5: 474- 1668، الوسائل 8: 525 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 3.

(4) التهذيب 3: 221- 553، الاستبصار 1: 238- 851، الوسائل 8: 508 أبواب صلاة المسافر

ب 18 ح 1. و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(5) التهذيب 5: 426- 1483، الاستبصار 2: 331- 1179 الوسائل 8: 533 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 308

الأصحاب كانوا يصلّون و يخرجون و يراهم الناس كذلك «1».

و رواية الحضيني المتضمّنة بعد الاستيمار في الإتمام و التقصير لقوله: «إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيّام و أتمّ الصلاة» «2».

وجه الاستدلال: أنّه تعارض الفريقان من الأخبار، فيجب الجمع بينهما بالحمل على التخيير إمّا لأنّه المرجع عند التعارض و عدم الترجيح، أو لشهادة الأخبار بذلك كرواية عليّ بن يقطين: عن التقصير بمكة فقال: «أتمّ، و ليس بواجب، إلّا أنّي أحبّ لك ما أحبّ لنفسي» «3».

و ابن المختار: إنّا إذا دخلنا مكة و المدينة نتم أو نقصر؟ قال: «إن قصرت فذاك، و إن أتممت فهو خير تزداد» «4».

و رواية عمران: أقصّر في المسجد الحرام أو أتمّ؟ قال: «إن قصرت فلك، و إن أتممت فهو خير و زيادة الخير خير» «5».

و صحيحة ابن يقطين في الصلاة بمكة: «من شاء أتمّ و من شاء قصّر» «6».

مضافا إلى أنّ روايتي أبي بصير و عبد الحميد و ما تعقّبهما من روايات الصنف الأوّل غير دالّة على وجوب الإتمام، كما أنّ رواية عليّ بن حديد و ما تعقّبها من

______________________________

(1) التهذيب 5: 428- 1485، الاستبصار 2: 332- 1181، الوسائل 8: 534 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 34.

(2) التهذيب 5: 427- 1484، الاستبصار 2: 332- 1180، الوسائل 8: 528 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 15.

(3) الكافي 4: 524 الحج ب 95 ح 3، التهذيب 5: 429- 1488، الاستبصار 2: 333- 1184.

الوسائل 8: 529 أبواب صلاة المسافر ب

25 ح 19.

(4) الكافي 4: 524 الحج ب 95 ح 6، التهذيب 5: 430- 491، الاستبصار 2: 334- 1188، الوسائل 8: 529 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 16.

(5) التهذيب 5: 430- 1493، 5: 474- 1669، الاستبصار 2: 334- 1190، الوسائل 8:

526 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 11.

(6) التهذيب 5: 430- 1492، الاستبصار 2: 334- 1189، الوسائل 8: 526 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 309

الصنف الثاني لا تدلان على وجوب التقصير بل غايتهما الجواز الغير المنافي للتخيير.

خلافا للصدوق في الفقيه و الخصال «1»، فقال بمساواة هذه المواضع لغيرها في وجوب التقصير ما لم ينقطع سفره بأحد القواطع، و تبعه القاضي على ما حكي عنه «2»، بل الاستبصار و التهذيب على احتمال «3».

للصنف الثاني من الأخبار بترجيحه على الصنف الأوّل باعتبار كونه أخصّ مطلقا منه، لعموم الأوّل بالنسبة إلى قصد العشرة و عدمه و اختصاص الثاني بقصدها، و باعتبار كون الأوّل صادرا للتقية كما تدلّ عليه صحيحتا ابن وهب، و باعتبار موافقة الثاني لعمومات القصر، فبعد تعارضهما و عدم الترجيح- لو فرض- يرجع إليها، و لعلّه يحمل الصنف الثالث على التخيير بين الإتمام و القصر باعتبار التخيير بين قصد الإقامة و عدمه.

و يردّ الاعتبار الأوّل- مضافا إلى بعد ذلك التخصيص في تلك الأخبار- بأنّه غير جار فيما أمر بالتمام بمجرّد المرور كما في روايتي قائد و ابن رياح، أو يوم الدخول كما في صحيحة مسمع، أو و لو صلاة واحدة كما في صحيحة البجلي و رواية عثمان.

و الثاني: بأنّه إن أراد أنّ الصنف الأوّل موافق للعامة و يصير لأجله مرجوحا ففيه: أنّه ليس كذلك، لأنّ إيجاب التمام

على ما هو مقتضى الأمر ليس مذهبا لأحد من العامة لأنّهم ما بين موجب للقصر مطلقا و هم أكثرهم و منهم أبو حنيفة «4»، و مخيّر بينه و بين الإتمام كذلك و هو الشافعي و غيره «5».

و إن أريد أنّ الأمر بالتمام كان لاتّقاء الأصحاب عن إتمام الصلاة قبل

______________________________

(1) الفقيه 1: 283، الخصال: 252.

(2) المهذب 1: 109.

(3) الاستبصار 2: 332، التهذيب 5: 427 و 428.

(4) حكاه عن أبي حنيفة في بداية المجتهد 1: 166، و أحكام القرآن للجصاص 2: 252.

(5) الام 1: 179، و انظر المغني و الشرح الكبير 2: 108، و بداية المجتهد 1: 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 310

الناس كما تدلّ عليه صحيحتا ابن وهب المتقدّمتان ففيه- مضافا إلى أنّ المذكور في إحداهما أنّ الأمر بالتمام بعد خمسة أيّام لذلك، حيث إنّ الإتمام بعدها مذهب الشافعي «1»، و منه يظهر تقييد الأخرى بذلك أيضا فلا يجري في الأخبار الآمرة بالتمام مع المرور و يوم الورود و صلاة واحدة-: أنّ غاية ما تدلّان عليه أنّ الأمر بالتمام و إلزامه إنّما هو للتقيّة عن تخلّفهم عن الناس في الصلاة لا عن مخالفتهم في القصر و الإتمام و لا في تجويز الإتمام دون تجويزه.

مع أنّهما معارضتان مع ما يدلّ على أنّ الأمر بالتمام ليس للتقية بل هو مخالف للعامة، كما في صحيحة البجلي: إنّ هشاما روى عنك أنك أمرته بالتمام في الحرمين و ذلك من أجل الناس، قال: «لا، كنت أنا و من مضى من آبائي إذا وردنا مكّة أتممنا الصلاة و استترنا من الناس» «2».

و نحو ما يدلّ على أنّ الإتمام من الأمور المخزونة أو المذخورة كما في المستفيضة من الأخبار المتقدّمة، فإنّ

المخزون إنّما يكون فيما يخالف العامة.

و مع ذلك يدلّ أكثر تلك الأخبار على أنّ التمام أمر مخصوص بتلك الأماكن و لا وجه لتخصيص التقية بها، لأنّ العامة إنّما يخيّرون بين القصر و الإتمام أو يوجبون القصر و هو مذهب أبي حنيفة.

و منه يظهر أنّ حمل أوامر التقصير على التقية أولى- كما صرّح به جماعة من أصحابنا «3»- لاتّفاقهم على جواز القصر مع اشتهار مذهب أبي حنيفة قديما و حديثا.

و على هذا يكون الترجيح من هذه الجهة لأخبار التمام و التخيير، مضافا إلى الترجيح باعتبار الأشهرية رواية و فتوى.

______________________________

(1) الام 1: 186، و حكاه عنه في بداية المجتهد 1: 169.

(2) التهذيب 5: 428- 1486، الاستبصار 2: 332- 1182، الوسائل 8: 526 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 6.

(3) كصاحبي الحدائق 11: 452، و الرياض 1: 256.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 311

فإن قيل: يستفاد من الأخبار اشتهار التقصير ما لم ينو المقام بين قدماء الأصحاب و هو أولى بالترجيح، ففي صحيحة ابن مهزيار: إنّ الرواية قد اختلفت عن آبائك في الإتمام و التقصير في الحرمين، فمنها أن يتمّ الصلاة و لو صلاة واحدة، و منها أن يقصّر ما لم ينو مقام عشرة أيّام، و لم أزل على الإتمام فيهما إلى أن صدرنا في حجّنا في عامنا هذا، فإنّ فقهاء أصحابنا أشاروا عليّ بالتقصير إذا كنت لا أنوي مقام عشرة أيّام فصرت إلى التقصير، و قد ضقت بذلك حتّى أعرف رأيك. فكتب إليّ بخطّه: «قد علمت- يرحمك اللّه- فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما، فأنا أحبّ لك إذا دخلتهما أن لا تقصّر و تكثر فيهما بالصلاة» إلى أن قال: فقلت:

أيّ شي ء تعني بالحرمين؟ فقال: «مكّة و

المدينة» «1».

و في المروي في كامل الزيارة لابن قولويه، عن سعد بن عبد اللّه قال: سألت أيوب بن نوح عن تقصير الصلاة في هذه المشاهد مكة و المدينة و الكوفة و قبر الحسين عليه السلام و الّذي روي فيها، فقال: أنا أقصّر و كان صفوان يقصّر و ابن أبي عمير و جميع أصحابنا يقصرون «2».

قلنا: لا تدلّ هذه الأخبار على اشتهار وجوب التقصير- و هو المضعف لأخبار التمام و المعارض لاشتهار جوازه- بل غاية ما تدلّ عليه اشتهار فعله، فلعلّه كان مع تجويز التمام أيضا، و إنّما اختاروا ذلك الفرد لمصلحة من تقيّة و نحوها، حيث إنّ الفرق بين الأماكن من مذهب الشيعة أغرب من حتم التقصير، فهذه أيضا مخالفة جديدة للناس و القصر كان معروفا من مذهبهم.

مضافا إلى أنّ خبر كامل الزيارة ضعيف لا يصلح لإثبات شي ء، بل الصحيحة أيضا و إن كانت حجّة إلّا أنّ ثبوت حجّيتها إنّما هو في إثبات الأحكام الشرعية دون غيرها. مع أنّها و إن تضمّنت شهرة التقصير إلّا أنّها تتضمّن حبّ

______________________________

(1) الكافي 4: 525 الحج ب 95 ح 8، التهذيب 5: 428- 1487، الاستبصار 2: 333- 1183 الوسائل 8: 525 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 4.

(2) كامل الزيارات: 248- 7، المستدرك 6: 545 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 312

الإمام للتمام، و العبرة به لا بغيره. هذا مع أنّ صدرها ظاهر في رجحان التمام عند راويه كما أنّ في رواية عليّ بن حديد: أنه كان ممّن يتم و أنّ ابن جندب كان يتمّ و أنّه كان محبّتي أن يأمرني بالإتمام «1».

هذا مع أنّه لو سلّم ثبوت اشتهار القصر عندهم فلا

شك أنّه لا يبلغ حدّ الإجماع، فيعارض باشتهار خلافه بين أصحابنا في زماننا و ما تقدّم عليه إلى قرب زمان الإمام بحيث كاد أن يكون إجماعا، بل هو إجماع صريحا كما في عبارة جماعة من أصحابنا.

و الاعتبار الثالث «2» بأنّ الرجوع بعد التعارض إلى العمومات إنّما هو إذا لم يكن مرجع آخر، و هو هنا موجود، و هو الصنف الثالث من الأخبار المصرّحة بالتخيير.

و حمله على ما مرّ خلاف الظاهر جدّا بل خلاف مقتضى الأصل و حقيقة اللفظ كما لا يخفى.

مع أنّ المرجع الثابت شرعا عند التعارض أيضا هو التخيير فلا وجه لرفع اليد عنه.

هذا كلّه مع أنّ الرجوع إلى وجوه الترجيح إنّما هو إذا لم يكن في المورد ترجيح خاصّ من الإمام، و هو في المسألة موجود و هو ما ورد في صحيحة ابن مهزيار المتقدّمة بعد السؤال عن الاختلاف في المسألة من الجواب بأفضلية الإتمام.

فإن قلت: قد ورد هذا السؤال في رواية عليّ بن حديد أيضا و أجاب بأنّه لا يكون الإتمام ما لم يجمع العشرة.

قلت: مع أنّ الصحيحة أقوى من الرواية سندا و اعتضادا بالعمل، مرويّة عن أبي جعفر الثاني و الرواية عن الرضا عليه السلام، و الترجيح للأخير الأحدث.

______________________________

(1) تقدمت في ص 307.

(2) أي: و يردّ الاعتبار الثالث ..، راجع ص 309.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 313

ثمَّ إنّ هاهنا خلافا آخر محكيّا عن السيّد و الإسكافي «1»، و هو لزوم التمام في المواطن المذكورة، للصنف الأوّل من الأخبار المتقدّمة، و لقوله سبحانه في المسجد الحرام سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ «2».

و الجواب عن الآية بعدم الدلالة، و عن الأخبار بأنّه كان صحيحا لو لا معارضة الصنفين الآخرين و تصريح

بعضها بعدم وجوب الإتمام، مع أنّه قول شاذ نادر، بل كونه مذهبا لمن حكي عنه غير ظاهر، لاحتمال إرادته الاستحباب كما عن السرائر «3».

فروع:
أ: بعض هذه الأخبار و إن اختص بالحرمين إلّا أنّ كثيرا منها كما عرفت يتضمّن الإحرام الأربعة

، و بذلك صرّح في الرضوي أيضا قال: «في أربعة مواضع لا يجب أن تقصر: إذا قصدت مكة و المدينة و مسجد الكوفة و الحيرة «4»» «5».

و مع ذلك انعقدت الشهرة على الأربعة فلا مناص عن الحكم في الجميع.

ب: قد وقع الخلاف في تحديد محلّ التخيير من المواطن الأربعة إلى أقوال:

الأوّل: ما حكي عن المبسوط و النهاية «6» على وجه، و ابن حمزة و يحيى بن سعيد و المحقّق في كتاب له في السفر «7»، و هو محتمل السيّد و الإسكافي «8» حيث عبّرا بالمشاهد، و هو: أنّه البلدان الأربعة.

______________________________

(1) السيد في جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 47، عن الإسكافي في المختلف: 168.

(2) الحج: 25.

(3) السرائر 1: 343.

(4) كذا في النسخ و المصدر، و لعلّه مصحّف الحير أو الحائر.

(5) فقه الرضا عليه السلام: 161، مستدرك الوسائل 6: 544 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 2.

(6) المبسوط 1: 141، النهاية: 124.

(7) لم نعثر على قول ابن حمزة في الوسيلة، يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 93، و حكى الشهيد عن المحقق في الذكرى: 256.

(8) حكاه عنهما في المختلف: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 314

و الثاني: ما نسب إلى الأوّلين على وجه آخر، و الخلاف و المعتبر و الشرائع و النافع و المنتهى و التحرير و ظاهر الإرشاد و التبصرة و النفلية «1»، و هو: أنّه البلدان مكة و المدينة، مع جامع الكوفة و الحائر.

و الثالث: ما عزي إلى التهذيب و الاستبصار «2»، و هو: أنّه البلاد الثلاثة:

مكّة و المدينة و الكوفة، مع الحائر، و اختاره في الذكرى «3».

و الرابع: ما قاله السيّد في الجمل و الإسكافي «4»، و هو: أنّه بلد مكّة و مسجد الرسول و مسجد الكوفة و المشاهد.

و الخامس: ما اختاره

في السرائر و المختلف و اللمعة و الدروس و البيان «5»، و الشهيد الثاني في كتبه «6»، و هو: أنّه المساجد الثلاثة و الحائر.

دليل الأوّلين: أمّا على تحديد الأوّلين بالبلدين فللتصريح بهما في كثير من الأخبار المتقدّمة، و بالحرمين المفسّرين في صحيحة ابن مهزيار بالبلدين «7»، و في صحيحة ابن عمّار: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّ مكّة حرم اللّه، و إنّ المدينة حرمي، و إنّ ما بين لابتيها حرم» «8».

و أمّا على تحديد الثالث بالبلد فللتصريح به في رواية القندي السابقة «9»،

______________________________

(1) المبسوط 1: 141، النهاية: 124، الخلاف 1: 576، المعتبر 2: 476، الشرائع 1: 135، النافع: 51، المنتهى 1: 294، التحرير 1: 55، الإرشاد 1: 276، التبصرة: 41، النفلية: 38.

(2) التهذيب 5: 432، الاستبصار 2: 336.

(3) الذكرى: 256.

(4) السيد في جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 47، عن الإسكافي في المختلف: 168.

(5) السرائر 1: 342، المختلف: 167، اللمعة (الروضة البهية 1): 375، الدروس 1: 209، البيان: 159.

(6) الروضة 1: 375، المسالك 1: 49، روض الجنان: 397.

(7) راجع ص 311.

(8) الكافي 4: 564 الزيارات ب 11 ح 5، التهذيب 6: 12- 23، الوسائل 14: 362 أبواب المزار ب 17 ح 1.

(9) في ص 305.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 315

و في صحيحة حمّاد السابقة المصرّحة بالإتمام في الإحرام الأربعة: حرم اللّه، و حرم رسوله، و حرم أمير المؤمنين، و حرم الحسين «1».

و نطقت الروايات بأنّ الكوفة حرم أمير المؤمنين، ففي رواية حسّان بن مهران عن أمير المؤمنين عليه السلام: «مكة حرم اللّه، و المدينة حرم رسول اللّه، و الكوفة حرمي» «2».

و في رواية خالد القلانسي: «الكوفة حرم اللّه و

حرم رسوله و حرم أمير المؤمنين» «3».

و في الموثّق المروي في الأمالي: «مكة حرم اللّه، و المدينة حرم محمّد رسول اللّه، و الكوفة حرم علي بن أبي طالب» «4».

و أمّا على التحديد الرابع بالبلد فلصحيحة حمّاد المصرّحة بالإتمام في حرم الحسين عليه السلام، و البلد حرمه قطعا إذ ورد في بعض الروايات: «إنّ حريم الحسين خمسة فراسخ» «5».

و في مرسلة محمّد بن إسماعيل البصري: «فرسخ في فرسخ من أربع جوانب القبر» «6».

و نحوه المروي في كامل الزيارة «7»، و صحيفة الرضا عليه السلام.

و لذا وقع الخلاف في أنّ حرم الحسين خمسة فراسخ أو أربعة أو فرسخ، و قال

______________________________

(1) راجع ص 306.

(2) الكافي 4: 563 الزيارات ب 11 ح 1، التهذيب 6: 12- 21، الوسائل 14: 360 أبواب المزار ب 16 ح 1.

(3) الكافي 4: 586 الزيارات ب 23 ح 1، التهذيب 6: 31- 58، الوسائل 5: 256 أبواب أحكام المساجد ب 44 ح 12، و 13.

(4) أمالي الطوسي: 682 و فيه: مكة حرام إبراهيم، البحار 97: 399- 43.

(5) التهذيب 6: 71- 132، كامل الزيارات: 272- 3، الوسائل 14: 510 أبواب المزار ب 67 ح 1.

(6) التهذيب 6: 71- 133، الوسائل 14: 510 أبواب المزار ب 67 ح 2.

(7) كامل الزيارات: 271- 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 316

الشيخ نجيب الدين «1»: و الكلّ حرم و إن تفاوتت في الفضيلة.

و لا يعارض ما ذكرنا الأخبار المتضمّنة لذكر المساجد و الحائر بخصوصها، إذ استحباب الإتمام أو التخيير فيها لا يمنع منه في غيرها و لا دلالة فيها على النفي في غيرها، غاية الأمر أن ينزّل الاختلاف على التفاوت في الفضل بحسب التفاوت في الشرف، بل مقتضى

ما ذكر استحباب الإتمام في الإحرام الأربعة كما نصّ عليه ابن حمزة و ابن سعيد «2».

و دليل الثاني: أمّا في تحديد الأوّلين بالبلدين فما مرّ من التفسير في الأخبار الصحيحة.

و أمّا في تحديد الثانيين بالمسجد و الحائر فللاقتصار فيهما على القدر المتيقّن، حيث إنّ الروايات المفسّرة للحرمين بما مرّ ضعيفة سندا.

و دليل الثالث على تحديد الأوّلين: ما مرّ. و على الثالث بالبلد فلرواية القندي «3»، و عدم الفصل بين حرم الرسول و حرم أمير المؤمنين، قال في التهذيب:

لم يفرّق أحد بين الحرمين «4»، و على الرابع بالحائر الاقتصار على المتيقّن.

و دليل الرابع: التصريح في الأخبار بخصوص مكة، و الاقتصار في البواقي على المتيقّن.

و دليل الخامس: الاقتصار في الجميع على المتيقّن، و جعل التعبير في بعض الأخبار بالمساجد و الحائر قرينة على إرادتها من الحرم.

أقول: بعد ما عرفت من عدم التعارض بين ما ذكر المساجد و الحائر بخصوصها و بين ما ذكر البلد أو الحرم يعرف ضعف الاستدلال على التخصيص بهذه الأخبار، و كذا يظهر ضعف التمسّك بالاقتصار على المتيقّن بحصول التيقّن

______________________________

(1) نقله عنه في الذكرى: 256.

(2) لم نعثر على قول ابن حمزة في الوسيلة، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 93.

(3) المتقدمة في ص 305.

(4) التهذيب 5: 432.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 317

بالأخبار المذكورة. و ضعف سند بعضها بعد وروده في الكتب الأربعة و غيرها من الكتب المعتبرة غير ضائر.

فأقوى الأقوال هو الأوّل، بل لو لا الشهرة العظيمة لقلنا بالتخيير في مجموع الإحرام الأربعة كما قاله ابنا حمزة و سعيد.

و منه يظهر جواز الإتمام في تمام بلدة كربلاء و المدينة و مكة الموجودة اليوم، لكونها جزءا من الحرم، أمّا مكة فظاهر، و أمّا المدينة

فلما صرّح بأنّ ما بين لابتيها حرم الرسول، و أمّا كربلاء فلما عرفت من أنّ حرم الحسين عليه السلام فرسخ في فرسخ، فلا حاجة إلى بيان تحديد البلاد الثلاثة في زمان الأئمة عليهم السلام.

نعم، لمّا لم يرد تحديد في الكوفة فيقتصر فيها على ما تيقّن دخوله في البلد في زمان عمارته، و كذلك المساجد و الحائر على القول بالاختصاص، و قد وردت في بيان التغيير في المساجد و عدمها أخبار لا يهمّنا ذكرها. و منهم من تعدّى في الكوفة إلى الغري و النجف أيضا «1». و لا دليل تامّا عليه.

ج: مقتضى الأصول و الأصول المخالفة لها بإثبات التمام في المواطن الأربعة اختصاصه بالصلاة

و عدم التعدية إلى الصوم كما عليه الأصحاب، بل هو إجماع ظاهرا كما قيل «2».

و تشعر به أيضا رواية عثمان بن عيسى حيث سئل فيها عن إتمام الصلاة و الصيام، فأجاب عن الصلاة خاصة على ما في أكثر النسخ من تأنيث الضمير «3».

بل تدلّ عليه صحيحة البزنطي: عن الصيام بمكة و المدينة و نحن [في] سفر، فقال: «فريضة؟» فقلت: لا و لكنّه تطوّع كما يتطوّع بالصلاة، فقال:

«تقول: اليوم و غدا؟» قلت: نعم، فقال: «لا تصم» «4».

______________________________

(1) كما يظهر من المبسوط 1: 141.

(2) الرياض 1: 256.

(3) راجع ص 304.

(4) التهذيب 4: 235- 690، الاستبصار 2: 102- 332، الوسائل 10: 202 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 2، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 318

فإنّ المنع عن التطوع يستلزمه في غيره بطريق أولى.

و أمّا ما في بعض الروايات من قوله: «إذا قصّرت أفطرت و إذا أفطرت قصّرت» «1» فيمكن أن يكون المراد به الحتم على القصر إمّا لأنّه الغالب- كما قيل «2»- أو لاحتمال الجملة الخبرية له.

د: لا يلحق غير المواطن الأربعة بها،

للأصل.

خلافا للسيّد و الإسكافي فطرّدا حكمها في جميع المشاهد الشريفة «3»، لشرف المكان، و التعليل المستفاد من قوله: «قد علمت يرحمك اللّه ..» في صحيحة ابن مهزيار المتقدمة «4».

و يردّ الأوّل: بمنع كونه علّة تامة.

و الثاني: بأنّه يحتمل أن تكون العلّة فضل الصلاة على مطلق غيرهما كما هو المصرّح به فيها دون مطلق فضل الصلاة، أو فضلها على بعض ما هو غيرهما و لم يعلم ذلك في سائر المشاهد.

و قد يتوهّم دلالة الرضوي عليه حيث قال: «إذا بلغت موضع قصدك من الحج و الزيارة و المشاهد و غير ذلك مما قد

بيّنته لك فقد سقط عنك السفر و وجب عليك الإتمام».

و هو غلط، لأنّ صدره هذا: «و السفر الّذي يجب فيه التقصير في الصوم و الصلاة هو سفر في الطاعة، مثل الحج و الغزو و الزيارة و قصد الصديق و الأخ و حضور المشاهد و قصد أخيك لقضاء حقه و الخروج إلى ضيعتك أو مال تخاف تلفه أو متجر لا بدّ منه، فإذا سافرت في هذه الوجوه وجب عليك التقصير، و إن

______________________________

(1) الفقيه 1: 280- 1270، التهذيب 3: 220- 551، الوسائل 8: 503 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 17.

(2) البحار 86: 91.

(3) راجع ص 314، الرقم (4).

(4) في ص 311.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 319

كان غير هذه الوجوه وجب عليك الإتمام، و إذا بلغت» «1» إلى آخر ما مرّ.

فقوله: «و غير ذلك ممّا قد بيّنته» إشارة إلى جميع الأسفار المذكورة، و ظاهر أنه لم يرد الإتمام فيها فالمراد [من] «2»: «إذا بلغت موضع قصدك» أنّه إذا انتهى سفرك و دخلت موضع قصدك الإقامة فيه.

ه: صرّح جماعة بأنّه لا يعتبر في الصلاة في تلك المواطن التعرض لنية القصر أو الإتمام «3».

فإن أرادوا أنّه لا يتعيّن عليه أحدهما بنيته، فلو نوى الإتمام جاز له الرجوع إلى القصر ما لم يتجاوز المحلّ و لا يتعيّن عليه المضي على الإتمام، و كذا لو نوى القصر جاز له العدول إلى التمام ما لم يسلّم على الركعتين، فهو صحيح.

و كذا إن أرادوا أنّه لو لم يلتفت أوّلا إلى أحدهما و نوى الصلاة ثمَّ عيّن أحدهما في النية قبل إتمام الصلاة، أو لم يعيّن أحدهما أيضا بل أتمّ أو قصّر مستصحبا لنية الصلاة، لتعيّن الفعل بما يفعله من القصر أو الإتمام.

و إن أرادوا الإطلاق حتّى أن يصحّ لو دخل بنية الإتمام ثمَّ سلّم على الركعتين

ساهيا أو بنيّة القصر ثمَّ صلّى الركعتين الأخيرتين ساهيا، فالحكم بالصحة مشكل، و إن أمكن القول بها حينئذ أيضا للأصل، إلّا أن يستشكل بعدم قصد التقرب في الركعتين الأخيرتين حينئذ إن نوى أوّلا القصر، و الأحوط عدم الاجتزاء بما فعل حينئذ.

و قد يقال باعتبار النية لتغاير الماهيتين.

و فيه: عدم استلزام التغاير مطلقا لوجوب التعيين في النية سيّما مع حصول التعيين بما يلحقه من الأجزاء.

و: قد صرّح جماعة من المتأخّرين منهم الشهيد في الذكرى و الأردبيلي

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 160، مستدرك الوسائل 6: 531 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 2.

(2) أضفناه لاستقامة المعنى.

(3) انظر المعتبر 2: 150، و المدارك 4: 470، و البحار 86: 91.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 320

و السبزواري و المجلسي و الكاشاني و غيرهم «1» بجواز فعل النافلة الساقطة في السفر في هذه الأماكن سواء اختار القصر أو الإتمام.

و هو كذلك، للتحريض و الترغيب على كثرة الصلاة فيها، و لما في بعض الأخبار المتقدّمة أنّ الزيادة في الصلاة خير و زيادة الخير خير «2»، و في بعض آخر:

صلّ النافلة ما شئت «3».

و يدلّ عليه أيضا ما في بعض الروايات من أنّه لو صلحت النافلة في السفر لتمت الفريضة «4».

و يدل عليه أيضا ما روي في كامل الزيارة: عن الصلاة بالنهار عند قبر الحسين عليه السلام و مشاهد النبي و الحرمين تطوّعا و نحن نقصّر، قال: «نعم، ما قدرت عليه» «5».

و فيه أيضا: عن التطوع عند قبر الحسين و بمكة و المدينة و أنا مقصّر، قال:

«تطوّع عنده و أنت مقصّر بما شئت» «6».

و لا تعارض شيئا منها أخبار سقوط النوافل في السفر «7»، لاحتمال اختصاصها بما إذا تعيّن القصر و تحتّم فإنّها مصرّحة بأنه لا نافلة مع الركعتين.

ز: لو فاتت صلاة في هذه المواضع فالظاهر بقاء التخيير في قضائها

و إن لم

______________________________

(1) الشهيد في الذكرى: 26، و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 3: 427، و السبزواري في الذخيرة: 413، و المجلسي في البحار 86: 91، و الكاشاني في المفاتيح 1: 34، و انظر الحدائق 11: 469.

(2) راجع ص 308.

(3) التهذيب 5: 426- 1483، الاستبصار 2: 331- 1179، الوسائل 8: 533 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 33.

(4) الفقيه 1: 285- 1293، التهذيب 2: 16-

44، الاستبصار 1: 221- 780، الوسائل 4:

82 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21 ح 4.

(5) كامل الزيارات: 246- 1، الوسائل 8: 535 أبواب صلاة المسافر ب 26 ح 1.

(6) كامل الزيارات: 247- 2، الوسائل 8: 535 أبواب صلاة المسافر ب 26 ح 2.

(7) الوسائل 4: 81 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 21.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 321

يقض فيها، لعموم قوله: «من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته» «1». و لأصالة عدم التعيين.

و لا يتخير في هذه الأماكن في قضاء ما فاتته في غيرها، لما مرّ، و لاختصاص التخيير بحكم التبادر بالصلوات الأدائية.

ح: الأفضل في المواطن الأربعة الإتمام،

كما يستفاد من الأخبار المذكورة تصريحا و تلويحا.

المسألة الثانية: لو أتمّ من يجب عليه التقصير عالما بوجوب التقصير عامدا في الإتمام تجب عليه الإعادة
اشاره

مطلقا سواء كان في الوقت أو خارجه. و الظاهر أنّه متّفق عليه بين الأصحاب، و نقل في التذكرة اتّفاقهم عليه أيضا «2».

و يدلّ عليه عدم صدق الامتثال، و صحيحة زرارة و محمّد: رجل صلّى في السفر أربعا، أ يعيد أم لا؟ قال: «إن كان قرئت عليه آية التقصير و فسّرت له فصلّى أربعا أعاد، و إن لم يكن قرئت [عليه] و لم يعلمها فلا إعادة عليه» «3».

و صحيحة الحلبي: صلّيت الظهر أربع ركعات و أنا في السفر، فقال:

«أعد» «4».

و ظهورها في النسيان لكون الحلبي أجلّ شأنا من أن يفعل ذلك عمدا غير ضائر، إذ وجوب الإعادة مع النسيان يستلزمها مع العمد بالطريق الأولى.

و مفهوم صحيحة ليث المرادي: «إذا سافر الرجل في شهر رمضان أفطر، فإن صامه بجهالة لم يقضه» «5».

و في المروي في الخصال: «و من لم يقصّر في السفر لم تجز صلاته لأنّه قد زاد

______________________________

(1) عوالي اللئالي 2: 54- 143، و ج 3: 107- 150.

(2) التذكرة 1: 193.

(3) التهذيب 3: 226- 571، الوسائل 8: 506 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 4 و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(4) التهذيب 2: 14- 33، الوسائل 8: 507 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 6.

(5) الكافي 4: 128 الصيام ب 50 ح 3، الوسائل 10: 180 أبواب من يصح منه الصوم ب 2 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 322

في فرض اللّه عزّ و جلّ» «1».

و الرضوي «و إن كنت صلّيت في السفر صلاة تامّة فذكرتها و أنت في وقتها فعليك الإعادة، و إن ذكرتها بعد خروج الوقت فلا شي ء عليك، و إن أتممتها بجهالة فليس

عليك فيما مضى شي ء و لا إعادة عليك إلّا أن تكون قد سمعت الحديث» «2».

و ضعفه غير ضائر، لانجباره بالشهرة العظيمة.

و إن لم يكن عامدا فإمّا يكون جاهلا أو ناسيا، فهاهنا مقامان.

المقام الأوّل: أن يكون جاهلا.

فالحقّ المشهور بين الأصحاب عدم وجوب الإعادة مطلقا لا في الوقت و لا في خارجه، بل عليه الإجماع عن ظاهر جملة من عبارات الأصحاب «3»، لصحيحتي زرارة و محمّد و ليث المتقدّمة.

خلافا للعماني «4» فيعيد مطلقا، للأصول، و إطلاق صحيحة الحلبي و رواية الخصال المتقدّمتين.

و يجاب عن الجميع بأعمّيته ممّا مرّ مطلقا فيجب تخصيصه به، مضافا إلى ظهور صحيحة الحلبي في الناسي.

و للمحكي عن الإسكافي و الحلبي «5» فيعيد في الوقت خاصة، لإطلاق صحيحة العيص: عن رجل صلّى و هو مسافر فأتمّ الصلاة، فقال: «إن كان في وقت فليعد، و إن كان الوقت قد مضى فلا» «6».

______________________________

(1) الخصال: 604، الوسائل 8: 508 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 8.

(2) فقه الرضا عليه السلام: 162، مستدرك الوسائل 6: 539 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 2.

(3) حكاه في الرياض 1: 257.

(4) حكاه عنه في المختلف: 164.

(5) عن الإسكافي في المختلف: 164، الحلبي في الكافي في الفقه: 116.

(6) الكافي 3: 435 الصلاة ب 83 ح 6، التهذيب 3: 169، 372، 3: 225- 569، الاستبصار 1: 241- 860، الوسائل 8: 505 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 323

و يجاب عنه: بأنّها و إن كانت أعمّ من وجه من صحيحة زرارة و محمّد باعتبار اختصاص الاولى بالإعادة في الوقت و اختصاص الثانية بالجاهل، إلّا أنّها أعمّ مطلقا من الرضوي المنجبر الناصّ بعدم الإعادة في الوقت باعتبار التفصيل

القاطع للشركة فيجب تخصيصها به.

بل نقول: إنّه يجمع بين الصحيحتين أيضا بتخصيص الاولى بالناسي بشهادة الرضوي.

هذا إذا حملنا الإعادة على اللغوية، و لو حملناها على مصطلح الأصوليين لكانت أعم مطلقا من صحيحة زرارة و محمّد أيضا و يجب تخصيصها بها.

هذا مضافا إلى ندرة هذا القول و شذوذه الموجب لخروج ما يدلّ عليه من الحجيّة.

فرعان:
أ: هل الحكم يختص بالجاهل بوجوب التقصير عن أصله، أو يتعدّى إلى الجاهل ببعض أحكام السفر

ككثير السفر المنقطع كثرة سفره بالإقامة أو العاصي بسفره الراجع عن العصيان في الأثناء و نحوهما؟

الظاهر: الأوّل وفاقا لأكثر من صرّح بالمسألة، للأصل، و اختصاص الصحيحة به، بل دلالة عموم قوله: «إن كان قرئت عليه ..» على الإعادة في غير الجاهل بالأصل.

و بذلك يخصّ عموم الجهالة لو قلنا به في صحيحة ليث و الرضوي، مع أنّ الرضوي ضعيف غير مجبور في المورد.

فتوقّف الفاضل في النهاية لا وجه له «1»، و كذا ما نقله في الحدائق «2» عن بعض مشايخه المحقّقين في شرحه على المفاتيح من معذورية الجاهل في جميع ما يتعلّق بالقصر و الإتمام، لعدم الدليل.

______________________________

(1) نهاية الاحكام 2: 184.

(2) الحدائق 11: 436.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 324

و الاشتراك في العلّة و هو الجهل يضعّف بعدم معلومية كونه فقط علّة، و لذا لا يعذرونه في غير المورد.

ب: لو صلّى من فرضه التمام قصرا جهلا أعاد وجوبا وقتا و خارجا

، لعدم صدق الامتثال.

و نسب في الحدائق «1» إلى بعض مشايخه القول بالصحة و بالمعذورية هنا مطلقا أيضا، لصحيحة منصور: «إذا أتيت بلدة و أزمعت المقام عشرة فأتم الصلاة، فإن تركه [رجل] جاهلا فليس عليه الإعادة» «2».

و صحيحة محمّد بن إسحاق: عن امرأة كانت معنا في السفر و كانت تصلّي المغرب ركعتين ذاهبة و جائية، قال: «ليس عليها قضاء» أو: «إعادة» «3» على اختلاف الروايات.

و لا يخفى أنّ الثانية- مع اختصاصها بصلاة المغرب- شاذّة كما صرّح به الشيخ و لم ينقل القول بمدلولها عن متقدّم و لا متأخّر، و نسبة الذخيرة «4» القول بمعذورية المقصّر في موضع التمام إلى الجامع غير ثابت فطرحها أو تأويلها لازم.

و أمّا الأولى و إن عمل بمدلولها صاحب الجامع كما في الحدائق و استوجهه بعينه، و استحسن العمل بها في موردها

في الذخيرة «5»، إلّا أنّها مخصوصة بما لو قصّر جهلا بعد نيّة الإقامة الموجبة للتمام، فالتعدّي إلى غير هذه الصورة لا وجه له. نعم لا بأس في العمل بها في هذه الصورة المخصوصة، لعدم وجود معارض لها. و الأحوط القضاء حينئذ أيضا، لعدم نسبة القول بمضمونها إلى غير من ذكر.

______________________________

(1) الحدائق 11: 436.

(2) التهذيب 3: 221- 552، الوسائل 8: 506 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 3. و ما بين المعقوفين من المصدر.

(3) الفقه 1: 287- 1306، التهذيب 3: 226- 572، 3: 235- 618، الاستبصار 1:

220- 779، الوسائل 8: 507 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 7.

(4) الذخيرة: 414.

(5) الحدائق: 11: 436، الذخيرة: 414.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 325

المقام الثاني: أن يكون ناسيا للقصر فأتمّ نسيانا.

و هو يعيد في الوقت خاصة لا مع خروجه، على الأظهر الأشهر، بل عليه الإجماع في ظاهر التذكرة «1»، و عن صريح الانتصار و الخلاف و السرائر «2»، و في الأخير زاد دعوى تواتر الأخبار عليه، و نحن لم نقف منها إلّا على الرضوي الدالّ على المطلوب صريحا كما تقدّم، و صحيحة العيص السابقة المثبتة له إطلاقا أو عموما، و رواية أبي بصير: عن الرجل ينسى فصلّى في السفر أربع ركعات، قال:

«إن ذكر في ذلك اليوم فليعد، و إن لم يذكر حتّى يمضي اليوم فلا إعادة عليه» «3».

و هذه الأخبار كافية في المقام.

و لا يضرّ ضعف الأوّل و لا شمول الثاني للعامد و الجاهل أيضا، لانجبار الأوّل بما ذكر، و اختصاص عموم الثاني بغيرهما بما سبق فيهما.

كما لا يضرّ ما أورد على الثالث من أنّ المراد بذلك اليوم إن كان بياض النهار خاصة يكون حكم العشاء مهملا، و

إن كان النهار و الليل كان مخالفا للمشهور.

لأنّا نقول: إنّ مقتضى الحقيقة الأوّل و الإشارة ليوم الفعل أي في اليوم الّذي فعل كذا، و لا يجب بيان حكم جميع الصلوات في جميع الروايات غاية الأمر استفادة حكم صلاة العشاء من غير تلك الرواية من الأخبار أو الإجماع المركّب، مع أنّ كون التعبير ب: «ذلك اليوم» كناية عن الوقت ممكن كما قيل «4».

خلافا للمحكي عن والد الصدوق و المبسوط [1]، فقالا: يعيد مطلقا،

______________________________

[1] حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 164، و قال في المبسوط 1: 138: إذا صلّى المسافر فسها فصلّى أربعا بطلت صلاته، و لكن قال في ص 137: و من نسي في السفر فصلّى صلاة مقيم لم يلزمه

______________________________

(1) التذكرة 1: 193.

(2) الانتصار: 52، الخلاف 1: 586، السرائر 1: 328.

(3) الفقيه 1: 281- 1275، التهذيب 3: 169- 373، 3: 225- 570، الاستبصار 1:

241- 861، الوسائل 8: 506 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 2.

(4) الحدائق 11: 433.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 326

لإطلاق صحيحة الحلبي السابقة أو عمومه الحاصل من ترك الاستفصال.

و أجيب تارة بالحمل على العامد، و اخرى بالتقييد بالوقت.

و ردّ الأوّل باستبعاده عن مثل الحلبي، و الثاني بأنّ السؤال عن الترك في السفر و الجواب بعد السفر، فهو خارج الوقت قطعا.

و يمكن دفعه بأنّه إذا حملت على السؤال عن الواقعة الحادثة، و لو حملت على المفروضة- كما هو الشائع في الأخبار- فلا يرد شي ء منهما.

و الأولى أن يجاب أنّها معارضة في خارج الوقت مع ما مرّ، و هو راجح بالأشهرية رواية و فتوى و الأصرحية و الأحدثية، لأنّ الرضوي متأخّر.

و للمقنع، فيعيد إن ذكر في يومه، فإن مضى اليوم فلا إعادة «1»،

لرواية أبي بصير المتقدّمة.

فإن أراد باليوم الوقت- كما احتمله بعضهم «2»- فلا خلاف، و إن أراد الأعم فلا دلالة للرواية على مطلوبة لأنّها إمّا ظاهرة في المشهور أو مجملة، فلا تفيد.

و لا يلحق من نسي الإتمام الواجب عليه فقصّر بذلك، للأصل، و خصوص الرضوي: «و إن قصّرت في قريتك ناسيا ثمَّ ذكرت و أنت في وقتها أو غير وقتها فعليك قضاء ما فاتك منها» «3».

و الظاهر عموم حكم الناسي لجميع من فرضه القصر فأتمّ سواء كان ناسيا للحكم أو للسفر أو لبعض أحكام السفر كالمكاري المقيم عشرة، لإطلاق الروايات.

المسألة الثالثة: لو دخل الوقت في الحضر و كان المصلّي قادرا على الصلاة

______________________________

الإعادة إلّا إذا كان الوقت باقيا فإنه يعيد.

______________________________

(1) المقنع: 83.

(2) انظر الحدائق 11: 433.

(3) فقه الرضا عليه السلام: 163.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 327

تماما و لم يصلّ و سافر قبل خروج الوقت بحيث أدرك منه ركعة فصاعدا، قصّر اعتبارا لحال الأداء، على المنصور المشهور كما صرّح به جماعة «1»، و عن السرائر الإجماع عليه «2»، و هو مذهب السيّد في المصباح و عليّ بن بابويه و المفيد و الحلّي و المحقّق «3».

للعمومات الكثيرة الكتابية و الخبرية، و خصوص صحيحة إسماعيل بن جابر: يدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في السفر فلا أصلّي حتّى أدخل أهلي، فقال:

«صلّ و أتمّ الصلاة»، قلت: فدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في أهلي أريد السفر فلا أصلّي حتّى أخرج، فقال: «صلّ و قصّر و إن لم تفعل فقد خالفت- و اللّه- رسول اللّه» «4».

و صحيحة محمّد: الرجل يريد السفر فيخرج حين تزول الشمس، قال:

«إذا خرجت فصلّ ركعتين» «5».

و رواية الوشّاء: «إذا زالت الشمس و أنت في المصر و أنت تريد السفر فأتمّ، فإذا خرجت بعد الزوال فقصّر العصر» «6».

دلّت

على وجوب قصر العصر بالخروج بعد الزوال و إن دخل وقته.

و الاحتجاج بهذه الرواية للقول الثاني- كما فعله بعضهم «7»- غريب، إذ

______________________________

(1) لم نعثر عليه.

(2) السرائر 1: 333.

(3) كما نقله الحلي في السرائر 1: 334، و حكاه عن علي بن بابويه و المفيد في المختلف: 165، الحلي في السرائر 1: 334، المحقق في المعتبر 2: 480.

(4) الفقيه 1: 283- 1288، التهذيب 3: 163- 353، 3: 222- 558، 2: 13- 29، الاستبصار 1: 240- 856، الوسائل 8: 512 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 2.

(5) الكافي 3: 434 الصلاة ب 82 ح 1، الفقيه 1: 279- 1267، التهذيب 3: 224- 566، الوسائل 8: 512 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 1.

(6) الكافي 3: 434 الصلاة ب 83 ح 2، التهذيب 3: 161- 348، الاستبصار 1: 240- 854، الوسائل 8: 516 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 12.

(7) كالعلامة (ره) في المختلف: 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 328

ليس فيها إلّا الأمر بإتمام الظهر، و لكنّه إنّما هو حال كونه في المصر حين إرادة السفر في العصر.

و الرضوي: «و إن خرجت من منزلك و قد دخل عليك وقت الصلاة و لم تصلّ حتّى خرجت فعليك بالتقصير، و إن دخل عليك وقت الصلاة و أنت في السفر و لم تصلّ حتّى تدخل أهلك فعليك التمام» «1».

خلافا للمحكي عن العماني و المقنع و الفاضل في جملة من كتبه و فخر المحقّقين و المسالك و الروضة و نسبه في روض الجنان إلى المشهور بين المتأخّرين «2»، فيجب عليه الإتمام.

للاستصحاب، و تحصيل البراءة اليقينية، و صحيحة محمّد: عن رجل يدخل من سفره و قد دخل وقت الصلاة و هو في

الطريق قال: «يصلّي ركعتين، و إن خرج إلى سفره و قد دخل وقت الصلاة فليصلّ أربعا» «3».

و رواية النبّال: «لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلّي أربعا غيري و غيرك، و ذلك أنّه قد دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج» «4».

و موثقة الساباطي: إذا زالت الشمس و هو في منزله ثمَّ يخرج في سفر قال:

«يبدأ بالزوال فيصلّيها ثمَّ يصلّي الاولى بتقصير ركعتين، لأنّه خرج من منزله قبل أن تحضره الاولى» و سئل: فإن خرج بعد ما حضرت الاولى، قال: «يصلّي

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السلام: 162- 163، مستدرك الوسائل 6: 541 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 1.

(2) المختلف: 165 عن العماني، المقنع: 37، الفاضل في المختلف: 165 و نهاية الإحكام 2:

164، و التحرير 1: 57، فخر المحققين في الإيضاح 1: 158، المسالك 1: 50، الروضة 1:

376، روض الجنان: 389.

(3) الفقيه 1: 284- 1289، التهذيب 3: 222- 557، الاستبصار 1: 239- 853، الوسائل 8: 513 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 5.

(4) الكافي 3: 434 الصلاة ب 83 ح 3، التهذيب 3: 161- 349، الاستبصار 1: 240- 855، الوسائل 8: 515 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 329

[الأولى] أربع ركعات ثمَّ يصلّي بعد النوافل ثمان ركعات لأنّه خرج من منزله بعد ما حضرت الأولى، فإذا حضرت العصر صلّى العصر بتقصير و هي ركعتان لأنّه خرج في السفر قبل أن تحضر العصر» «1».

و المروي في مستطرفات السرائر عن كتاب جميل: في رجل نسي الظهر و العصر في السفر حتّى دخل أهله، قال: «يصلّي أربع ركعات» و قال لمن نسي الظهر و العصر و هو مقيم حتّى يخرج

قال: «يصلّي أربع ركعات في سفره» و قال: «إذا دخل على الرجل وقت صلاة و هو مقيم ثمَّ سافر صلّى تلك الصلاة الّتي دخل وقتها عليه و هو مقيم أربع ركعات في سفره» «2».

و المروي في البحار عن كتاب محمّد الحضرمي: إذا خرج الرجل مسافرا و قد دخل وقت الصلاة كم يصلّي؟ قال: «أربعا» قال، قلت: فإن دخل وقت الصلاة و هو في السفر؟ قال: «يصلّي ركعتين قبل أن يدخل أهله، و إن وصل المصر فليصلّ أربعا» «3».

و للمحكي عن الصدوق في الفقيه و نهاية الشيخ و موضع من المبسوط «4»، فقالا بالتفصيل بين ضيق الوقت عن التمام فالأوّل وسعته فالثاني.

للجمع بين الفريقين، و موثّقة إسحاق بن عمّار «5»، و مرسلة الحكم بن مسكين: في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة فقال: «إن كان لا يخاف فوت الوقت فليتمّ، و إن كان يخاف خروج الوقت فليقصر» «6».

______________________________

(1) التهذيب 2: 18- 49، الاستبصار 1: 222- 785، الوسائل 4: 85 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 23 ح 1. و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(2) مستطرفات السرائر: 46- 5، الوسائل 8: 516 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 13 و 14.

(3) البحار 86: 55- 18.

(4) الفقيه 1: 284 ذيل الحديث 1289، النهاية: 123، المبسوط 1: 141.

(5) التهذيب 3: 223- 559، الاستبصار 1: 240- 857، الوسائل 8: 514 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 6.

(6) الفقيه 1: 284- 1290، التهذيب 3: 223- 560، الاستبصار 1: 241- 858، الوسائل 8: 514 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 330

و كون موردهما صورة دخول الوقت في السفر و إيقاع الصلاة في الحضر

لا يضرّ، لاشتراك العلّة المستفادة من التفصيل بين عدم خوف الخروج و خوفه.

و للمحكي عن الخلاف، فخيّر مع استحباب التمام «1»، و نسبه بعضهم إلى الإسكافي أيضا و لكن من غير استحباب التمام، و احتمله في كتاب الحديث «2».

للجمع بين روايات المسألة، و لأنّه القاعدة بعد التعادل و عدم الترجيح، و لصحيحة منصور: «إذا كان في سفر فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله فسار حتّى يدخل أهله فإن شاء قصّر و إن شاء أتمّ، و الإتمام أحبّ إليّ» «3».

و ظاهر الذخيرة و بعض آخر التوقّف بين القولين الأوّلين «4»، لتعارض الصحيحين فيهما و احتمال حمل كلّ منهما على الآخر.

أقول: لا يخفى أنّه لو سلّم تعارضهما و تكافؤهما من جميع الوجوه يلزم المصير إلى التخيير، لأنّه القاعدة عند المجتهدين عند التعادل.

و منه يظهر سقوط الخلاف الأخير.

كما يسقط القول المتقدّم عليه بقصور أدلّته جدّا.

أمّا الأوّل فلعدم انحصار وجه الجمع بذلك كما يأتي، مع أنّه ينافي ذلك الجمع ما في صحيحة ابن جابر المتقدّمة من الحلف باللّه أنّه لو لم يقصّر فقد خالف رسول اللّه.

و أمّا الثاني فلأنّ الرجوع إلى التخيير إنّما هو بعد اليأس عن الترجيح، و لا يأس هنا كما يأتي، مع أنّه لا يقتضي استحباب التمام.

و أمّا الثالث فلأنّ مورده المسألة الآتية، أعني القدوم عن السفر، دون ما

______________________________

(1) الخلاف 1: 578.

(2) التهذيب 3: 223 ذيل الحديث 560.

(3) التهذيب 3: 223- 561، الاستبصار 1: 241- 859، الوسائل 8: 515 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 9.

(4) الذخيرة: 415، و انظر الحدائق 11: 480.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 331

نحن فيه، و تلازمهما حكما غير معلوم. مع أنّها في موردها أيضا غير تامّة كما

يأتي.

مع تجويز إرادة أنّه إن شاء صلّى في الطريق فقصّر و إن شاء صلّى في الأهل فأتمّ، كما حمله عليها الفاضل «1»، و يقربها صحيحة محمّد: في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة، فقال: «إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل فليتمّ، و إن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصلّ و ليقصّر» «2».

و احتماله التقية، لأنّه- كما نقله في الحدائق عن بعض مشايخه «3»- مذهب بعض العامة.

و يظهر من بعض ما ذكر قصور دليل القول المتقدم على ذلك القول أيضا، لعدم انحصار الجمع بما ذكراه، و ورود الموثّقة في عكس المسألة، و عدم دلالة الشرط على كونه فقط هو العلّة فلعلّه علّة في مورد الموثّقة فإنّ الشرط مغاير للسبب، هذا مع احتمالها ما دلّت عليه صحيحة محمّد السابقة من التفصيل بين الصلاة في الطريق و المنزل بل ذلك الاحتمال مساو مع الاحتمال الآخر، لعدم دلالتها على الأزيد من إرادة القدوم لا حصوله.

و منه يظهر سقوط ذلك القول أيضا فبقي القولان الأوّلان.

و قد يرجّح الثاني بكون أخباره أخص مطلقا من أخبار الأوّل، إذ أخبار الأوّل أعم من أن يدخل وقت الصلاة و يمضي كاملة الشرائط في الحضر ليحصل استقرارها في الذمة- كما هو محلّ البحث و محطّ أنظار أرباب القول الأوّل- أو يدخل الوقت من غير أن يمضي ذلك المقدار، و أخبار الثاني مخصوص بالأوّل ضرورة عدم وجوب التمام لو لم يمض هذا القدر فيجب تخصيص الأوّل بالثاني.

مع أنّ صحيحة محمّد مخصوصة بنفسها بذلك، لأنّه الظاهر من قوله: «حين تزول

______________________________

(1) المختلف: 165.

(2) التهذيب 3: 164- 354، الوسائل 8: 514 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 8.

(3) الحدائق 11: 480.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 332

الشمس».

و فيه- بعد منع خصوصيّة أخبار الثاني من هذه الجهة، لأنّها أيضا أعمّ من الخروج قبل مضي وقت الصلاة كاملة الشرائط، و الاختصاص بدليل من خارج لا يقتضي خصوصية الخبر-: أنه لو سلّم عموم الأوّل من هذه الجهة فلا شك أنّ الثاني أيضا عام من جهة الخروج عن محل الترخّص و عدمه، فيتعارضان بالعموم من وجه دون المطلق، بل يظهر من ذلك أنّ الأوّل أخص مطلقا لأنّ إخباره صريحة في دخول الوقت في المنزل، و لا شكّ أنّ الخروج إلى محل الترخّص بعد دخول الوقت في المنزل يستلزم مضيّ وقت الصلاتين غالبا بل و أكثر، و لا أقلّ من إحداهما قطعا، مع أنّ قوله في صحيحة ابن جابر: «فلا أصلّي حتّى أخرج» كالصريح في تمكّنه قبل الخروج من الصلاة.

مع أنّ التخصيص المذكور لا يلائم تأكيد الحكم بالقسم في الصحيحة، لأنّ الظاهر منه رفع ما يتوهّم من وجوب التمام أو جوازه، و ليس هو إلّا بعد مضي وقت الصلاة كاملة الشرائط.

و على هذا فيكون الأوّل أخصّ مطلقا من الثاني فيجب تخصيصه به، مضافا إلى ترجيح الأوّل بموافقة عموم قوله سبحانه وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ «1» و بالأحدثية، لاشتماله على الرضوي و رواية الوشّاء عن الرضا عليه السلام، و هما من المرجّحات المنصوصة، و بنقل الإجماع، و الأشهريّة فتوى كما صرّح به جماعة منهم المحقّق «2»، بل رواية لعدم تماميّة غير صحيحة محمّد حجّة للقول الثاني:

أمّا رواية النّبال فلعدم معلوميّة محل الخروج، فلعلّ موضع تكلّمه عليه السلام- أي الشجرة- كان ما دون حدّ الترخّص، و لعلّه كان هناك شجرة معهودة و أراد أنّا لم نخرج عن حدّ الترخص و نريد الصلاة

حينئذ فيجب علينا الأربع بخلاف الباقين فإنّهم قد تجاوزوا، و حمل الشجرة على مسجد الشجرة لا دليل

______________________________

(1) النساء: 101.

(2) النافع: 52، المعتبر 2: 480.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 333

عليه.

و أمّا الثلاثة المتعقّبة لها فلعدم دلالتها على الوجوب، مضافا إلى تفرقة الموثقة بين وقتي الفضيلة و الإجزاء أو الإجزاء و الاختيار، و هي في أحد حكميها موافقة للقول الأوّل و في الآخر للثاني فلا ترجيح لجعلها دليلا على الثاني.

و ضعف الأخيرتين سندا. فتبقى أدلّة القول الأوّل سليمة عن المعارض المقاوم. و بها يخرج عن الاستصحاب أيضا.

و قد يدفع أيضا بأنّه إن أريد استصحاب نفس الحضر فهو قد انقطع، و إن أريد استصحاب حكمه فتعلّق الإتمام به عينا ممنوع، و مخيّرا في إيقاعها في أجزاء الوقت يستلزم تخييره بين ما يستتبعه كلّ جزء، فقد يصير تكليفه الصلاة بالتيمم و غير ذلك «1».

و فيه: أنّ المستصحب هو وجوب التمام التخييري بين أجزاء الزمان، و هو و إن استلزم التخيير بين ما يستتبعه و لكن الشك فيما يستتبعه.

و أمّا الاستدلال بحصول اليقين بالتمام ففساده ظاهر، لأنّ القصر و الإتمام ماهيتان مختلفتان.

و من ذلك يظهر سقوط القول الثاني أيضا، مع أنّه يمكن أن يكون المراد من قوله في صحيحة محمّد: «يدخل من سفره» أي يشرف عليه و كأنّ في الإيراد بصيغة المضارع إعانة على ذلك، و كذلك المراد من: «خرج إلى سفره» أراد الخروج و أشرف عليه.

المسألة الرابعة: لو دخل عليه الوقت في السفر و لم يصلّ حتى دخل منزله فالمشهور بين المتأخّرين بل مطلقا- كما قيل- وجوب الإتمام

، و هو الأقوى، فيعتبر أيضا حال الأداء، و به قال جمع ممّن قال في المسألة السابقة باعتبار حال الوجوب، أو توقّف كالفاضل و الشهيدين و صاحب الذخيرة «2».

______________________________

(1) انظر: غنائم الأيام: 118.

(2) الفاضل في المختلف: 167، و الشهيدين في البيان:

264، و الروض: 398، الذخيرة: 415.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 334

لصحيحة إسماعيل و الرضوي و صحيحة محمّد الثالثة المتقدّمة جميعا «1»، و صحيحة العيص: عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ثمَّ يدخل بيته قبل أن يصلّيها، قال: «يصلّيها أربعا» و قال: «لا يزال يقصّر حتى يدخل بيته» «2».

و يدلّ عليه أيضا مفهوم الغاية في الأخبار المتكثرة من الصحاح و غيرها الناطقة بأنّ المسافر يقصّر حتى يدخل بيته أو أهله أو منزله «3».

و الأقوال المخالفة في هذه المسألة أيضا كسابقها.

فقيل: يقصّر، و لكنه مجهول القائل بل غير معلوم الوجود إذ نقله الشهيد في الذكرى، و في كلامه دلالة واضحة على أنّ فيه سهوا منه أو من النسّاخ «4».

و قيل بالتخيير «5».

و قيل باعتبار المواسعة و المضايقة «6».

دليل التقصير: صحيحة محمّد الثانية «7».

و لا دلالة لها، إذ المذكور فيها: «يدخل من سفره» بصيغة المضارع و لا دلالة لها على حكم بعد الدخول.

و رواية زرارة «8» في قضاء هذه الصلاة لو لم يفعلها في المنزل أيضا.

و هي خارجة عن المقصود، لمنع التلازم بين حكم الأداء و القضاء لو سلّم في القضاء.

______________________________

(1) في ص 327 و 328 و 331.

(2) التهذيب 3: 162- 352، الوسائل 8: 513 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 4.

(3) الوسائل 8: 474 أبواب صلاة المسافر ب 7.

(4) الذكرى: 256.

(5) حكاه عن ابن الجنيد في الذكرى: 256.

(6) كما في النهاية: 123.

(7) المتقدمة في ص 328.

(8) الآتية في ص 336.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 335

و حجّة التخيير: صحيحة منصور السالفة «1».

و هي كانت دالة لو قال: فسار حتّى دخل أهله، إلّا أنّ فيها: «حتى يدخل أهله» فلا دلالة لها على وصول

المنزل، و لا شك أنّه في الطريق مخيّر بين أن يقصّر بأن يصلّي في الطريق أو يتم بأن يدخل المنزل.

و مستند التفصيل: موثقة إسحاق بن عمّار و مرسلة الحكم المتقدّمتان «2».

و فيهما: أنّهما كانتا تدلّان لو كان: «قدم» بدل: «يقدم» و أمّا مع قوله:

«يقدم» فلا يدل، لأنّه بعد في الطريق و لا شك في أنّه مع خوف الفوات يجب عليه التقصير بالإتيان بالصلاة في السفر قطعا.

المسألة الخامسة: لا شكّ في أنّ المعتبر في القصر و الإتمام حال الفوات

دون الفعل، و في المدارك: أنّه مذهب العلماء كافّة إلّا من شذّ «3» أي من العامة.

و تدل عليه- مع الإجماع- صحيحة زرارة: رجل فاتته صلاة من صلاة السفر، فذكرها في الحضر، فقال: «يقضي ما فاته كما فاته، إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها، و إن كانت صلاة الحضر فيقضي في السفر صلاة الحضر كما فاتته» «4».

و روايته: «إذا نسي الرجل صلاته أو صلّاها بغير طهور و هو مقيم أو مسافر، فذكرها، فليقض الّذي وجب عليه لا يزيد على ذلك و لا ينقص، و من نسي أربعا فليقض أربعا حين يذكرها مسافرا كان أو مقيما، و إن نسي ركعتين صلّى ركعتين إذا ذكر مسافرا كان أو مقيما» «5».

______________________________

(1) في ص 330.

(2) في ص 329.

(3) المدارك 4: 304.

(4) الكافي 3: 435 الصلاة ب 83 ح 7، التهذيب 3: 162- 350، الوسائل 8: 268 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 1.

(5) الفقيه 1: 282- 1283، التهذيب 3: 225- 568، الوسائل 8: 269 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 336

و لو اختلف حال الوجوب و حال الفوات، كمن دخل عليه الوقت في الحضر فسافر قبل الصلاة و نسيها أو عكس ذلك، فالمشهور اعتبار حال

الفوات لا حال الوجوب، فيقضي- على المختار في المسألتين السابقتين- قصرا في الاولى و تماما في الثانية، للصحيحة المتقدّمة، و عموم قوله: «فليقض ما فاته كما فاته» و لبعض الوجوه الاعتبارية الضعيفة.

خلافا للمحكي عن والد الصدوق و السيّد «1»، و الشيخ و الإسكافي و الحلّي «2» مدّعيا عليه الإجماع.

و تدلّ عليه رواية زرارة: عن رجل دخل وقت الصلاة و هو في السفر، فأخّر الصلاة حتّى قدم، فهو يريد أن يصلّيها إذا قدم إلى أهله، فنسي حين قدم إلى أهله أن يصلّيها حتّى ذهب وقتها، قال: «يصلّيها ركعتين، لأنّ الوقت دخل و هو مسافر فكان ينبغي أن يصلّي عند ذلك» «3».

و هي صريحة في مطلوبهم و مع ذلك معتبرة، و بنقل الإجماع و فتوى الأعيان مجبورة، و أخص مطلقا ممّا مرّ، فرفع اليد عنها بالمرة لا وجه له.

و ردّها بأنّها مبنيّة على اعتبار حال الوجوب لا الأداء في حال الأداء و هو باطل «4»، كلام سخيف في غاية السخافة.

إلّا أنّها مخصوصة بأحد شقيّ المسألة، و مع ذلك دلالتها على الوجوب غير واضحة لمكان الجملة الخبرية، فغايتها إثبات الرجحان، إلّا أن يجبران بالإجماع المركب، مضافا في الأوّل إلى عموم العلّة ظاهرا، و لكن في ثبوت ذلك الإجماع تأمّلا، و الاحتياط لا ينبغي أن يترك، و هو بالقصر و الإتمام معا، أو اعتبار حال

______________________________

(1) حكاه عنهما في السرائر 1: 335.

(2) الشيخ في التهذيب 3: 163، و حكى المحقق في المعتبر 2: 480 عن الإسكافي، و الحلي في السرائر 1: 335.

(3) التهذيب 3: 225- 567، الوسائل 8: 268 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 3.

(4) انظر: غنائم الأيام: 276.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 8، ص: 337

الفوات كما هو المشهور،

حيث إنّ صراحة الرواية المخالفة في وجوب خلافه غير معلومة.

المسألة السادسة: يستحبّ جبر الصلوات المقصورات بذكر التسبيحات الأربع

المشهورة في عقيبها ثلاثين مرّة، لرواية المروزي: «يجب على المسافر أن يقول في دبر كلّ صلاة يقصّر فيها: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر، ثلاثين مرة» «1».

و ظاهر الرواية و إن كان الوجوب إلّا أنّه لا قائل به، فيحمل على مطلق الثبوت أو تأكّد الاستحباب.

اللّهم اجبر تقصيراتنا بعفوك يا جبّار، و اغفر خطيئاتنا برحمتك يا غفّار.

هذا آخر كتاب الصلاة من كتاب مستند الشيعة في أحكام الشريعة، و بتمامه تمَّ المجلّد الثاني، و الحمد للّه على توفيقه للإتمام، و الصلاة على سيّد الأنام و آله الغرّ الأماجد الكرام.

كتبه مؤلّفه الفقير المعترف بكثرة الخطايا و التقصير أحمد بن محمّد مهدي النراقي تجاوز اللّه عن سيّئاتهما. مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 9    7     كتاب الزكاة ..... ص : 7

كان الفراغ ببلدة كاشان في يوم الجمعة عاشر شهر شعبان المعظّم من السنة الرابعة و الثلاثين بعد المائتين و الألف من الهجرة النبوية على هاجرها ألف صلاة و تحيّة.

______________________________

(1) التهذيب 3: 230- 594، الوسائل 8: 523 أبواب صلاة المسافر ب 24 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، الجزء 09

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

و به ثقتي الحمد للَّه ربّ العالمين و الصلاة على سيّدنا محمّد و آله الطاهرين

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 7

كتاب الزكاة

اشاره

و هي في اللغة لمعان عديدة، و في عرف الشرع للمال المعهود المخرج، و قد يطلق على إخراجه أيضا، و عليه يحمل قوله سبحانه:

وَ الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ «1».

و هي في المعنى المذكور حقيقة شرعيّة، يدلّ على ثبوتها التبادر في زمان الشارع بحكم الحدس و الوجدان.

و قد عرّفها الفقهاء بتعريفات منتقضة طردا أو عكسا، و لكن الأمر فيها هيّن بعد وضوح المعرّف و ظهوره.

و الاشتغال بتزييفها و تصحيحها حينئذ قليل الفائدة، و صرف الوقت في غيره من الأمور المهمّة في الدين هو اللائق بشأن المتّقين.

ثمَّ إنّ وجوبها ثابت بالكتاب، و السنّة، و الإجماع، بل الضرورة. و هي أحد الأركان الخمسة، و النصوص في فضلها و عقاب تاركها متواترة، بل لا تكاد تحصى من الكثرة، و كتب الفقه و الحديث بها مشحونة.

و هي قسمان: زكاة المال، و زكاة الفطرة. فنبيّن أحكامها في مقصدين:

______________________________

(1) المؤمنون: 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 9

المقصد الأول في زكاة المال

اشاره

و الكلام فيها: إمّا في من تجب عليه .. أو في ما تجب فيه، و شرائطه، و القدر الواجب فيه إخراجه. أو في ما تستحبّ الزكاة فيه .. أو في مصرفها، و كيفيّة صرفها، و وقته.

فهاهنا أربعة أبواب:
اشاره

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 11

الباب الأول في من تجب عليه
اشاره

أي بيان شرائط وجوبها بحسب أحوال المكلّف، و هي أمور:

الشرط الأول و الثاني: البلوغ، و العقل.
اشاره

فلا تجب زكاة في مال الصبي، و لا المجنون مطلقا، نقدا كان المال أو غيره.

بلا خلاف في النقد، كما في الذخيرة و الحدائق «1»، بل بالإجماع، كما ذكره الفاضلان «2»، و الشهيدان «3»، و غيرهم [1].

و أمّا ما ذكره ابن حمزة- كما نقله في المختلف «4» من قوله: و تجب الزكاة في مال الطفل- فالظاهر- كما قيل- أنّ المراد به في الجملة.

كما أنّ ما حكي عن المقنعة- من وجوبها في مال التجارة للطفل «5»- محمول على إرادة الاستحباب، كما يأتي.

و على الأصحّ الأشهر بين المتأخّرين في غيره، و إليه ذهب السيّد في الجمل «6»، و الحلّي «7»، و الديلمي «8»، و الإسكافي «9»، و العماني «10»، و الفاضلان «11»،

______________________________

[1] كصاحب الرياض 1: 261.

______________________________

(1) الذخيرة: 420، و الحدائق 12: 17.

(2) المحقق في المعتبر 2: 486، و العلّامة في المنتهى 1: 471.

(3) الشهيد الأول في البيان: 276، و الشهيد الثاني في الروضة البهية 2: 12.

(4) المختلف: 172، و هو في الوسيلة: 121.

(5) المقنعة: 238.

(6) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 74.

(7) السرائر 1: 429.

(8) المراسم: 128.

(9) حكاه عنهما في المختلف: 172.

(10) حكاه عنهما في المختلف: 172.

(11) المحقق في المعتبر 2: 488، و الشرائع 1: 140، و العلامة في التذكرة 1: 199، و المنتهى 1: 472.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 12

بل نسبه في التحرير إلى أكثر علمائنا «1».

و يدلّ على الحكم مطلقا: الأصل، لاختصاص أدلّة وجوب الزكاة بالمكلّفين، و حديث رفع القلم «2» بضميمة أصالة عدم تعلّق التكليف بالولي.

و قد يستدلّ أيضا بقوله سبحانه خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها «3»، حيث

إنّه لا يتمشّى التطهير عن الآثام في غير أهل التكليف. و فيه نظر [1].

و يدلّ على انتفاء الزكاة في مال الصبيّ مطلقا أيضا حكمهم عليهم السّلام بانتفاء الزكاة في مال اليتيم بعبارات مختلفة، كما في الصحاح الأربع:

لزرارة «4»، و محمّد بن القاسم «5»، و الحلبي «6»، و محمّد «7»، و حسنة محمّد «8»، و الموثّقات الأربع: لعمر بن أبي شعبة «9»، و أبي بصير «10»،

______________________________

[1] وجه النظر: أنه لا عموم في ضمير أموالهم لمن تجب عليه الزكاة، بل لطائفة خاصة.

______________________________

(1) التحرير 1: 57.

(2) الخصال 1: 93- 40، الوسائل 1: 45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.

(3) التوبة: 103.

(4) التهذيب 4: 26- 62، الوسائل 9: 85 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 8.

(5) الكافي 3: 541- 8، الفقيه 2: 115- 495، التهذيب 4: 30- 74، الوسائل 9:

84 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 4.

(6) الكافي 3: 540- 1، التهذيب 4: 26- 60، الوسائل 9: 83 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 1.

(7) التهذيب 4: 26- 61، الوسائل 9: 85 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 7.

(8) الكافي 3: 541- 3، الوسائل 9: 87 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ح 1.

(9) التهذيب 4: 27- 64، الوسائل 9: 86 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 10.

(10) الكافي 3: 541- 4، الوسائل 9: 84 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 13

و يونس «1»، و سماعة «2»، و روايات السمّان «3»، و مروان «4»، و محمّد بن الفضيل «5».

و في صحيحة زرارة و بكير: «ليس في مال اليتيم

زكاة، إلّا أن يتّجر به، فإن اتّجر به ففيه الزكاة، و الربح لليتيم» «6»، و غير ذلك من الروايات.

و لا يضرّ التعبير فيها بلفظ اليتيم الذي هو من لا أب له، لعدم القول بالفصل بينه و بين سائر الأطفال.

و لا اشتمال بعضها على ثبوت الزكاة في ماله إذا اتّجر به، لعدم وجوبها في مال التجارة على البالغ كما يأتي، فهاهنا أولى.

و على انتفائها في مال المجنون كذلك: صحيحة البجلي «7»، و رواية موسى بن بكر «8».

و لا يظنّ اختصاصهما بالنقدين- من حيث تضمّنهما العمل و التجارة في المال- لتأتّيهما في غير النقدين أيضا.

______________________________

(1) الكافي 3: 541- 7، التهذيب 4: 27- 66، الاستبصار 2: 29- 84، الوسائل 9: 85 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 5.

(2) التهذيب 4: 28- 69، الاستبصار 2: 30- 87، الوسائل 9: 88 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ح 5.

(3) الكافي 3: 541- 6، التهذيب 4: 27- 65، الاستبصار 2: 29- 83، الوسائل 9: 87 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ح 2.

(4) التهذيب 4: 27- 63، الوسائل 9: 86 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 9.

(5) التهذيب 4: 27- 67، الاستبصار 2: 29- 85، الوسائل 9: 88 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ح 4.

(6) الفقيه 2: 9- 27، الوسائل 9: 89 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ح 8.

(7) الكافي 3: 542- 2، التهذيب 4: 30- 75، الوسائل 9: 90 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 3 ح 1.

(8) الكافي 3: 245- 3، التهذيب 4: 30- 76، الوسائل 9: 90 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 9، ص: 14

و على انتفائها في خصوص غلّات اليتيم: صحيحة أبي بصير: «و ليس على جميع غلّاته من نخل أو زرع أو غلّة زكاة، و إن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة، و لا عليه لما يستقبل حتى يدرك، فإذا أدرك فإنّما عليه زكاة واحدة» «1».

و حملها على نفي الاستغراق بعيد جدّا، سيّما بملاحظة صدر الرواية و ذيلها.

خلافا في غير النقدين- من الغلّات و المواشي- للمحكيّ عن الشيخين «2»، و القاضي «3»، و الحلبي «4»، بل نسبه في الناصريّات إلى أكثر أصحابنا «5»، و جعله في النافع الأحوط «6»، فأوجبوا الزكاة فيها.

أمّا في غلّات الأطفال، فلصحيحة محمّد و زرارة، عن الصادقين عليهما السّلام: «ليس على مال اليتيم في الدين و المال الصامت شي ء، و أمّا الغلّات فعليها الصدقة واجبة» «7».

و الجواب عنها: أنّها مرجوحة بالنسبة إلى الأولى بموافقة العامّة، كما ذكره في المنتهى «8».

بل تدلّ عليه رواية مروان: «كان أبي يخالف الناس في مال اليتيم،

______________________________

(1) التهذيب 4: 29- 73، الاستبصار 2: 31- 91، الوسائل 9: 86 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 11.

(2) المفيد في المقنعة: 238، و الشيخ في النهاية: 174، و المبسوط 1: 190.

(3) المهذب 1: 168.

(4) الكافي في الفقه: 165.

(5) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 205.

(6) المختصر النافع: 53.

(7) الكافي 3: 541- 5، التهذيب 4: 29- 72، الاستبصار 2: 31- 90، الوسائل 9: 83 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 2.

(8) المنتهى 1: 472.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 15

ليس عليه زكاة» «1».

مع أنّه مع التكافؤ يرجع إلى العمومات و الأصل، و هما مع النفي.

مع أنّ في دلالة الصحيحة على الوجوب بالمعنى المصطلح نظرا، لأنّ

الوجوب في اللغة: الثبوت، و المسلّم ثبوت الحقيقة الشرعيّة فيه- لو سلّم- هو الوجوب الواقع على المكلّفين، و هو هنا واقع على الصدقة.

و أمّا في مواشيهم و مواشي المجانين و غلّاتهم، فلعموم قوله سبحانه:

فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ «2».

و عموم الأخبار المثبتة للنصب و ما يخرج منها، كقوله: «في ما سقت السماء العشر» «3».

و الجواب، أمّا عن الآية: بأنّ الضمير فيها يعود إلى ما لا يشمل الأطفال و المجانين أولا.

و بعدم دلالتها على الوجوب ثانيا.

و بعدم ثبوت كون الحقّ المعلوم الزكاة ثالثا، بل في رواية سماعة:

«الحقّ المعلوم ليس من الزكاة، هو الشي ء تخرجه من مالك، إن شئت كلّ جمعة، و إن شئت كلّ شهر» «4».

و أمّا عن عموم الأخبار: فبأنّها مسوقة لبيان النصب و العدد المخرج في ما تجب فيه الزكاة، و هو هنا أول المسألة، مع أنّه لو سلّم العمومان يجب تخصيصهما بما مرّ من الأخبار النافية للزكاة في مال اليتيم و المجنون مطلقا.

______________________________

(1) التهذيب 4: 27- 63، الوسائل 9: 86 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 9.

(2) المعارج: 24.

(3) الوسائل 9: 182 أبواب زكاة الغلات ب 4.

(4) الفقيه 2: 25- 94، الوسائل 9: 51 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 7 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 16

فروع:

أ:

هل الحمل ملحق بالصبي في ما عزل له، أو لا؟

قطع في التذكرة بالأول «1»، و في الإيضاح: إنّ إجماع أصحابنا على أنّه قبل انفصال الحمل لا زكاة في ماله، لا وجوبا و لا غيره، و إنّما تثبت وجوبا على القول به، أو استحبابا على الحقّ، بعد الانفصال «2». انتهى.

و قيل: يبنى على دخوله في مفهوم اليتيم، فإن دخل لم تجب في نصيبه

زكاة، و إلّا وجبت، لعموم مثل قوله: «في ما سقت السماء العشر»، و:

«في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم» «3»، و نحوهما.

و استقرب في البيان أنّه يراعى بالانفصال «4»، (و هو الحقّ) [1].

فلو انفصل حيّا لم تجب فيه زكاة، لانكشاف كون المال للجنين، و لذا يكون نماؤه له، و لا زكاة في ماله، إمّا لصدق اليتيم، أو للأولويّة بالنسبة إلى المنفصل، أو للإجماع المركّب.

و يؤيّده ما يدلّ بظاهره على تلازم وجوب الزكاة لوجوب الصلاة.

و إن انفصل ميّتا يعلم أنّ المال كان لغيره، و لذا يكون نماؤه له، و ينتقل إلى وارثه لو مات ذلك الغير و لو قبل سقوط الحمل، فإن كان الغير جامعا لشرائط وجوب الزكاة- التي منها التمكّن من التصرّف- وجبت الزكاة فيه، لأدلّتها، و لعموم مثل: «في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم».

و لا ينافيه الإجماع المنقول في الإيضاح، لأنّا أيضا نقول بعدم وجوب

______________________________

[1] ليس في «ح».

______________________________

(1) التذكرة 1: 201.

(2) إيضاح الفوائد 1: 167.

(3) الوسائل 9: 142 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 2.

(4) البيان: 277.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 17

الزكاة قبل الانفصال.

ب:

يشترط الكمال بالبلوغ و العقل في تعلّق الزكاة بالنقدين و المواشي طول حول، فلا زكاة بعد (الكمال) [1] في ما حال حوله قبل الكمال، و لا بعد تمام الحول في ما حال بعض حوله قبله، بل يستأنف الحول من حين الكمال.

و تدلّ على الأول- بعد الإجماع- صحيحة أبي بصير السالفة «1»، فإنّ معنى «ما مضى»: ما سبق زمان تعلّق الزكاة به على زمان البلوغ، و يصدق على ما حال حوله قبل البلوغ أنّه مضى.

و كذا قوله: «فإذا أدرك فإنّما عليه زكاة واحدة» بأيّ معنى أخذ يدلّ على ذلك، إذ لولاه

لكان عليه زكوات عديدة للأحوال المتعدّدة.

و على الثاني: قوله في موثّقة إسحاق بن عمّار- بعد السؤال عن الدين المقبوض- أ يزكّيه؟ قال: «لا، حتى يحول عليه الحول في يده» «2».

و في الأخرى- بعد السؤال عن ميراث الغائب- أ يزكّيه حين يقدم؟

قال: «لا، حتى يحول عليه الحول و هو عنده» «3».

و في ثالثة- بعد السؤال عن ميراث الغائب أيضا- أنّه إذا جاء هو أ يزكّيه؟ قال: «لا، حتّى يحول عليه الحول و هو في يده» «4».

و في رابعة- بعد السؤال عن ثمن وصيفة إذا باعها- أ يزكّي ثمنها؟

______________________________

[1] بدل ما بين القوسين في «ق»: كمال زمان تعلق الزكاة.

______________________________

(1) راجع ص 14.

(2) التهذيب 4: 34- 87، الاستبصار 2: 28- 79، الوسائل 9: 96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 3.

(3) الكافي 3: 527- 5، التهذيب 4: 34- 89، الوسائل 9: 94 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 3.

(4) الكافي 3: 524- 1، الوسائل 9: 93 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 18

قال: «لا، حتى يحول عليه الحول و هو في يده» «1».

و في صحيحة الفضلاء الخمسة: «و كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه فيه» «2».

و في صحيحة عليّ بن يقطين: «كلّ ما لم يحل عليه عندك الحول فليس عليك فيه زكاة» «3».

و في حسنة زرارة و عبيد: «فلا شي ء عليه فيها حتى يحوّله مالا، و يحول عليه الحول و هو عنده» «4»، إلى غير ذلك.

و لا شكّ أنّه لا يكون المال في يد الصبيّ و المجنون و لا عنده.

و يدل عليه أيضا ما يأتي من اشتراط التمكّن من التصرّف

فيه طول الحول، و هما غير متمكّنين. و كون تصرّف الولي تصرّفه و يده يده ممنوع، كما يأتي في زكاة المال الغائب.

و قد يستدلّ لذلك أيضا بصحيحة أبي بصير السابقة «5».

و في دلالتها عليه نظر، إذ صدق ما مضى على ما بقي بعض حوله غير معلوم، و حمل قوله: «حتى يدرك» على «يحول عليه الحول عنده» غير متعيّن.

و لذا تأمّل صاحب الذخيرة في هذا الحكم «6». و لكنّه لا وجه له بعد

______________________________

(1) الكافي 3: 529- 6، الوسائل 9: 75 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 14 ح 4.

(2) الكافي 3: 534- 1، التهذيب 4: 41- 103، الاستبصار 2: 23- 65، الوسائل 9:

121 أبواب زكاة الأنعام ب 8 ح 1.

(3) الكافي 3: 518- 8، التهذيب 4: 8- 19، الاستبصار 2: 6- 13، الوسائل 9:

169 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 15 ح 3.

(4) الكافي 3: 515- 1، التهذيب 4: 40- 102، الوسائل 9: 194 أبواب زكاة الغلات ب 11 ح 1.

(5) في ص 14.

(6) الذخيرة: 421.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 19

دلالة غيرها عليه.

هذا حكم النقدين و المواشي.

و أمّا الغلّات، فيشترط الكمال قبل وقت تعلق الوجوب بها، من بدو الصلاح و انعقاد الحبّ أو صدق الاسم، فلو كمل بعده لم تجب عليه زكاة و إن كان قبل الحصاد، لقوله في صحيحة أبي بصير: «فليس عليه لما مضى زكاة»، لصدق المضيّ.

و للاستصحاب، حيث إنّه لم تجب في تلك الغلّة قبل كمال ربّها زكاة، فيستصحب. و لا يندفع بإطلاقات وجوب الزكاة، لأنّه خرجت منها هذه الغلّة قبل كمال الرب، فعودها يحتاج إلى دليل.

ج:

المجنون الدوري إن بلغ دور إفاقته حولا، تجب عليه زكاة ما حال عليه ذلك الحول

إجماعا، كما أنّه لا تجب عليه زكاة ما حال عليه حول جنونه.

و لو كان بعض الحول حين إفاقته و بعضه حين جنونه، أو لم يبلغ دوره الحول مطلقا، فصرّح في التذكرة و النهاية «1» و جمع آخر من متأخّري المتأخّرين [1] بعدم وجوب الزكاة فيه، و وجوب استئناف الحول من حين الإفاقة بشرط بقائها إلى تمامه.

و استقرب في المدارك تعلّق الوجوب حال الإفاقة «2»، و استحسنه في الذخيرة «3»، لعموم الأدلّة، و عدم مانع من توجّه الخطاب إليه حينئذ.

قال في الذخيرة: إلّا أن يصدق عليه المجنون عرفا حين الإفاقة، كما

______________________________

[1] كصاحب الحدائق 12: 28، و كاشف الغطاء: 345، و صاحب الرياض 1: 262.

______________________________

(1) التذكرة 1: 201، نهاية الإحكام 2: 300.

(2) المدارك 5: 16.

(3) الذخيرة: 421.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 20

إذا كان زمان الإفاقة قليلا نادرا بالنسبة إلى زمان الجنون.

و الحقّ هو الأول، لما مرّ من اشتراط حولان الحول عليه في يده و عنده، و ليس مال ذي الأدوار كذلك، لرفع يده عنه بالحجر حال الجنون، و عدم تمكّنه من التصرّف فيه.

و بذلك تخصّص العمومات، إلّا أن يكون زمان جنونه قليلا جدّا بحيث لا يحكم بخروج ماله عن يده، و عن كونه في ما عنده عرفا، فإنّ الظاهر عدم الالتفات إلى هذا الجنون، كمن جنّ طول الحول ساعة ثمَّ أفيق.

و منه يظهر ضعف القول الثاني، مع أنّه على فرضه لا وجه للاستثناء الذي ذكره في الذخيرة، لأنّ حال الإفاقة و إن كانت قليلة جدّا، فليس في تلك الحال مجنونا حقيقة و واقعا، و لذا تجب عليه الصلاة لو كانت بقدرها، فلا يكون مانع من تعلّق الخطاب إليه. و إطلاق المجنون عليه أعمّ من الحقيقة،

بل صحّة السلب أمارة المجاز.

هذا حكم غير الغلّات، و أمّا هي فالمعتبر فيها وقت تعلّق وجوب الزكاة، فإن كان فيه مجنونا لا تجب، و إن كان مفاقا تجب.

د:

قال في التذكرة: تجب الزكاة على الساهي و النائم و المغفّل، دون المغمى عليه، لأنّه تكليف و ليس من أهله «1».

و تنظّر فيه جمع ممّن تأخّر عنه [1]، و هو كذلك، لأنّه إن أراد المغمى عليه حال تمام الحول، ففيه:

أولا: إنّ النائم و الساهي أيضا ليسا من أهل التكليف، فالفرق غير واضح، و القياس على قضاء الصلاة- حيث لا يجب على المغمى عليه و يجب على أخويه- باطل، لأنّه من جهة النصوص، مع أنّ ذلك ليس قضاء.

______________________________

[1] كصاحبي المدارك 5: 16، و الذخيرة: 421.

______________________________

(1) التذكرة 1: 201.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 21

و ثانيا: إنّه و إن لم يكن حينئذ من أهله، و لكنّه مكلّف بعد رفع الإغماء. و لا يلزم من عدم تكليفه في أن تمام الحول عدمه مطلقا.

و إن أراد المغمى عليه في أثناء الحول حتى ينقطع بسببه الحول و لزم استئنافه، فإن كان له وجه- كما مرّ- و تمَّ الفرق من جهة استحالة خلوّ الآدمي عن النوم و السهو طول حول، فيكون استثناؤهما ضروريّا، بخلاف الإغماء.

إلّا أنّه يرد عليه: أنّ المناط في انقطاع الحول عدم صدق كون المال في يده أو عنده عرفا، و لا شكّ أنّه (لا ينتفي) [1] الصدق بمجرّد النوم أو السهو أو الإغماء، فتشملهم أدلّة عموم وجوب الزكاة.

نعم، لو فرض حصول الإغماء مدّة مديدة، كشهر أو شهرين، بحيث ينتفي الصدق المذكور عرفا، نسلّم انقطاع الحول، بل و كذا النوم و السهو لو لا الإجماع على خلافه فيهما.

و قد يجاب عن

الاستناد إلى انقطاع الحول بمنعه، لأنّ هذه الأمور من موانع التكليف، و الموجب لانقطاع الحول انتفاء شرط التكليف. و فيه نظر ظاهر.

ه:

المشهور عند النافين لوجوب الزكاة على الطفل و المجنون في الزرع و الضرع استحباب إخراجها لوليهما فيهما.

و منهم من خصّ الاستحباب بزرع الأطفال، و نفاه عن مواشيهم و مواشي المجانين و زرعهم «1».

و عن الحلّي: نفي الاستحباب مطلقا «2».

______________________________

[1] في «س»: ينبغي.

______________________________

(1) كما في المدارك 5: 22.

(2) السرائر 1: 441.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 22

دليل القائلين بالاستحباب مطلقا: التفصّي عن خلاف الموجبين، و صحيحة زرارة و محمّد المتقدّمة «1».

و يضعف الأول: بأنّ فيه دخولا في خلاف المحرّم، و التفصّي عنه أيضا احتياط.

و الثاني: بأنّه إنّما يتمّ لو ردّت دلالة الصحيحة بقصورها عن إفادة الوجوب، و أمّا بعد ردّها بالمرجوحيّة بموافقة العامّة فلا تبقى دلالة فيها على الاستحباب.

و دليل من خصّه بزرع الطفل: اختصاص الصحيحة به، و خلوّ غيره عن المستند.

و حجّة الحلّي: ضعف الاستناد إلى الصحيحة بما مرّ، أو عدم حجّية الآحاد، و عدم مستند آخر للزرع و لا لغيره.

أقول: لمّا ثبت التسامح في أدلّة السنن و لو بالتعويل على مجرّد فتوى الفقهاء، فيمكن الاستناد في الاستحباب في الجميع بفتاوى القائلين بالوجوب و الاستحباب، فالأقرب هو القول المشهور.

و:

تستحبّ الزكاة في مال الصبيّ و المجنون إذا اتّجر به لهما، وفاقا للأكثر، بل عن المعتبر و المنتهى و الغنية و نهاية الإحكام: إجماع علمائنا عليه «2».

و ظاهر المقنعة الوجوب «3»، إلّا أنّ في التهذيب حمل كلامه على الاستحباب، استنادا إلى انتفاء الوجوب عنده في مال التجارة للكامل، فغيره

______________________________

(1) في ص: 14.

(2) المعتبر 2: 487، و المنتهى 1: 472، و الغنية (الجوامع الفقهية): 569، و

نهاية الإحكام 2: 299.

(3) المقنعة: 238.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 23

أولى «1».

و عن الحلّي: نفي الوجوب و الاستحباب «2»، و مال إليه بعض المتأخّرين [1].

لنا على نفي الوجوب: الأخبار المتقدّمة النافية للزكاة عن مال اليتيم و المجنون «3»، و الآتية النافية لها عن مال [التجارة] [2] مطلقا «4».

و على الاستحباب: الإجماعات المحكيّة، و المعتبرة المستفيضة المتقدّمة إليها الإشارة، كصحيحتي الحلبي، و زرارة و بكير، و حسنة محمّد، و موثّقتي ابن أبي شعبة، و يونس، و رواية السمّان «5».

و رواية أبي العطارد: مال اليتيم يكون عندي فأتّجر به؟ قال: «إذا حرّكته فعليك زكاته» «6».

و قويّة محمّد بن الفضيل: عن صبية صغار لهم مال بيد أبيهم أو أخيهم، هل تجب على مالهم زكاة؟ فقال: «لا تجب في مالهم زكاة حتّى يعمل به، فإذا عمل به وجبت الزكاة، فأمّا إذا كان موقوفا فلا زكاة عليه» «7»، كلّ ذلك في الأطفال.

و تدلّ عليه في المجنون: صحيحة البجلي، و رواية موسى بن بكر

______________________________

[1] كصاحب المدارك 5: 18.

[2] أضفناها لاقتضاء السياق.

______________________________

(1) التهذيب 4: 27.

(2) السرائر 1: 441.

(3) راجع ص 12 و 13.

(4) في ص 241.

(5) في ص 12 و 13.

(6) الكافي 3: 540- 2، التهذيب 4: 28- 68، الاستبصار 2: 29- 86، الوسائل 9:

88 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ح 3.

(7) تقدمت مصادرها في ص 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 24

المتقدّمة إليها الإشارة «1».

و مقتضى بعض تلك الأخبار صريحا و بعضها ظاهرا و إن كان الوجوب، إلّا أنّ ما سيأتي من الأخبار النافية لوجوبها في مال التجارة مطلقا، أو للبالغ العاقل، أوجب حملها على الاستحباب.

دليل النافي للوجوب [و الاستحباب ] [1]: قصور الروايات دلالة، من جهة

ظهورها في الوجوب المنفيّ هنا، و من جهة دلالة بعض النصوص أنّ الحكم في هذه الروايات وارد مورد التقيّة، فلا يكون دليلا على الاستحباب.

و يردّ بعدم دلالة بعضها على الوجوب، و عدم ضير انتفاء الوجوب في ما دلّ عليه في ثبوت مطلق الرجحان، و عدم ثبوت الورود مورد التقيّة كما يأتي.

مع أنّه على فرض تسليم الجميع تكفي الشهرة العظيمة و الإجماعات المحكيّة في إثبات الاستحباب.

الشرط الثالث: الحرّية.

فلا تجب زكاة على المملوك.

أمّا على القول بعدم تملّكه شيئا فبلا خلاف، كما صرّح به جماعة [2].

و وجهه ظاهر.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة ابن سنان: مملوك في يده مال، أ عليه زكاة؟ قال: «لا»، قلت له: فعلى سيّده؟ قال: «لا، لأنّه لم يصل إلى سيّده، و ليس هو للمملوك» «2».

______________________________

[1] أضفناها لاقتضاء الكلام.

[2] كالعلّامة في التذكرة 1: 201، و صاحبي الحدائق 12: 28، و الرياض 1: 262.

______________________________

(1) في ص 13.

(2) الكافي 3: 542- 5، الفقيه 2: 19- 63، علل الشرائع: 372- 1، الوسائل 9: 92 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 25

و أمّا على القول بتملّكه شيئا، فعلى الأقوى الأشهر، بل عن الخلاف، و التذكرة الإجماع عليه «1»، لصحيحة أبي البختري: «ليس في مال المكاتب زكاة» «2»، و نفيها عن المكاتب يقتضي نفيها عن غيره بطريق أولى.

و صحيحة ابن سنان: «ليس في مال المملوك شي ء و لو كان ألف ألف، و لو أنّه احتاج لم يعط من الزكاة شي ء» «3».

و الأخرى: سأله رجل- و أنا حاضر- عن مال المملوك أ عليه زكاة؟

فقال: «لا، و لو كان له ألف ألف درهم» «4».

خلافا للمحكيّ عن المعتبر و المنتهى «5» فأوجباها حينئذ، لأنّه مالك،

و له التصرّف فيه كيف شاء.

و هو اجتهاد في مقابلة النصّ.

و مقتضى إطلاق هذه الأخبار و فتاوى الأخبار عدم الفرق في الحكم بين ما لو أذن السيّد له في التصرّف مطلقا أو في أداء الزكاة أم لا، وفاقا للشرائع و الدروس و البيان «6» و غيرها «7».

و يحكى قول بالتقييد بعدم الإذن «8»، لارتفاع الحجر بالإذن، و للمرويّ عن قرب الإسناد: «ليس على المملوك زكاة إلّا بإذن مواليه» «9».

______________________________

(1) انظر الخلاف 2: 41، و التذكرة 1: 201.

(2) الكافي 3: 542- 4، الوسائل 9: 92 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 5.

(3) الكافي 3: 542- 1، الوسائل 9: 91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 1.

(4) الفقيه 2: 19- 62، الوسائل 9: 91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 3.

(5) المعتبر 2: 489، و المنتهى 1: 472.

(6) الشرائع 1: 140، و الدروس 1: 230، و البيان: 277.

(7) كما في الرياض 1: 263.

(8) حكاه في الحدائق 12: 28.

(9) قرب الإسناد: 228- 893، الوسائل 9: 91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 26

و الجواب عن الأول: بأنّه يتمّ لو كان سبب انتفاء الوجوب عنه الحجر، و ليس كذلك.

و عن الثاني: بضعف السند الخالي عن الجابر أولا، و بضعف الدلالة ثانيا، لاحتمال كون متعلّق الإذن إخراج الزكاة عن السيّد.

و كما لا تجب الزكاة على المملوك على القول بتملّكه، كذلك لا تجب زكاة هذا المال على سيّده أيضا، كما نصّ به في المنتهى و البيان «1»، للأصل، و لأنّه غير مالك و لا تجب على أحد زكاة مال غيره.

و عن ظاهر التحرير و القواعد: وجوبها

على المولى «2»، لأنّه مال مملوك لأحدهما فلا تسقط الزكاة عنهما معا، و لأنّه مال مستجمع لشرائط وجوب الزكاة، فإذا لم تجب على العبد وجبت على المولى.

و فسادهما في غاية الظهور.

و على القول بعدم تملّك العبد، فهل تجب الزكاة على سيده في ما تركه السيّد في يد المملوك لانتفاعه، أم لا؟

قيل: نعم [1]، لأنّه مال مستجمع لجميع شرائط وجوب الزكاة.

و قيل: لا [2]، لأنّه غير متمكّن من التصرّف فيه.

و فيه: أنّه أخصّ من المدّعى، لإمكان تمكّنه من التصرّف.

و أمّا تنزيله على عدم التمكّن من جهة المروءة و الوفاء بالعهد فغير مفيد، لأنّهما لا ينفيان جواز التصرّف.

نعم، يمكن أن يستدلّ على نفي الزكاة عليه بصحيحة ابن سنان

______________________________

[1] قال به العلّامة في المنتهى 1: 473.

[2] قال به المحقق في المعتبر 2: 489.

______________________________

(1) المنتهى 1: 473، و البيان: 277.

(2) التحرير 1: 57، و القواعد 1: 51.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 27

الأولى «1»، حيث صرّحت بعدم وجوب الزكاة على السيّد.

و لا يوجب التعليل المذكور فيها تخصيص الانتفاء بصورة عدم تمكّن السيّد من التصرّف ببعده عن المملوك أو جهله، لجواز أن يكون المعنى:

لأنّه لم يفد وصوله لسيّده، و لا ينتفع هو به، حيث تركه للمملوك، فيجري التعليل في جميع الصور.

بل هذا المعنى هو الظاهر من هذه العبارة في هذا المقام.

فرع: لو قلنا بعدم ملكيّة المملوك شيئا فلا شكّ في اشتراط الحرّية في وجوب الزكاة على أنعامه و أثمانه على طول حوله.

و وجهه ظاهر ممّا يأتي من اشتراط الملكيّة في الحول.

و إن قلنا بملكيّته فكذلك لو لم يكن مأذونا في التصرّف، لما يأتي أيضا من اشتراط التمكّن من التصرّف طول الحول.

و إن كان مأذونا فيه متمكّنا فأعتق في أثناء

الحول ففيه إشكال.

و الظاهر البناء على الحول السابق إلّا أن يثبت الإجماع على خلافه.

الشرط الرابع: الملكيّة.

فلا زكاة على أحد في غير ما يملكه، بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في المعتبر و المنتهى و الذخيرة «2»، و غيرها.

و يدلّ عليه- مع الإجماع- الأصل، إذ لم يثبت من أدلّة وجوب الزكاة وجوبها في غير ما يملك، و لا عموم فيها من هذه الجهة حتى يحتاج إلى التخصيص بإجماع أو غيره.

و بعض الأخبار، كمكاتبة عليّ بن مهزيار، و فيها: فكتب: «لا تجب

______________________________

(1) المتقدمة في ص 25.

(2) المعتبر 2: 490، و المنتهى 1: 475، و الذخيرة: 423.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 28

عليه الزكاة إلّا في ماله» «1».

و في صحيحه الكناني: «إنّما الزكاة على صاحب المال» «2».

و لا إشكال في ذلك و لا كلام، و إنّما الكلام في ما اشترطه جماعة- منهم: المحقّق في الشرائع «3» و الفاضل في جملة من كتبه «4» و الشهيد في البيان «5» و غيرهم [1]- من تمام الملكيّة.

و الكلام تارة في المراد منه، و الأخرى في اشتراطه و عدمه ..

أمّا الأول: فالذي يومئ إليه كلام المعتبر «6»- على ما حكاه في المدارك «7» و غيره «8»- أنّ المراد منه الشرط الآتي، و هو التمكّن من التصرّف بالمعنى الآتي.

و به صرّح في البيان، قال في تعداد الشرائط: من كون الملك تاما، و نقصه بمنعه من التصرّف، و الموانع ثلاثة. فعدّ الوقف و الغصب و الغيبة «9».

و احتمل في المدارك و الذخيرة أن يكون المراد منه تماميّة السبب المقتضي للملك، و جوّزا أن يكون مرادهم عدم تزلزل الملك، و نقلاه عن بعضهم «10».

______________________________

[1] كالشهيد الثاني في المسالك 1: 51.

______________________________

(1) الكافي 3: 521- 11، الوسائل 9: 104

أبواب من تجب عليه الزكاة ب 9 ح 2.

(2) الكافي 3: 521- 12، الوسائل 9: 103 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 9 ح 2.

(3) الشرائع 1: 141.

(4) التذكرة 1: 201، و القواعد 1: 51.

(5) البيان: 278.

(6) المعتبر 2: 490.

(7) المدارك 5: 26.

(8) كما في الذخيرة: 423.

(9) البيان: 278.

(10) المدارك 5: 26، و الذخيرة: 423.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 29

و صرّح باشتراطه بهذا المعنى بعض مشايخنا المحقّقين [1]، و لكن خصّه بالتزلزل الموجب لنقص الملك لا مطلقا، و مثّل للأول بخيار البائع، و للذي لا يوجبه بخيار المشتري.

و جعله بعض مشايخنا الأعمّ من التزلزل و من غيره ممّا يوجب نقصا في الملكيّة، باعتبار عدم التمكّن من جميع التصرّفات فيه، من جهة ضعف الملكيّة و قصور فيها، لا من جهة العوارض الخارجيّة كالغصب و الغيبة، و مثّل له بالمنذور صدقة بعينه، و بالوقف على البطون، و بالغنيمة قبل القسمة و نحوها.

و اعترض على إرادة بعض هذه المعاني بمنافاته لبعض تعريفاتهم، و على إرادة بعض آخر بعدم خروجه عن بعض الشروط الأخر.

و لا اهتمام كثيرا بتعيين مرادهم منه، و إنّما المهمّ بيان اشتراطه و عدمه بأيّ معنى أخذ.

فنقول: لا شكّ في اشتراطه بالمعنى الأول، لما يأتي من اشتراط التمكّن من التصرّف.

و لا بالمعنى الثاني، لأنّ الملكيّة المعتبرة قطعا تتوقّف عليه.

و يتفرّع عليه أنّه لا يجري الموصى به في الحول إلّا بعد حصول القبول عن الموصى له و بعد وفاة الموصي.

و أمّا المعنى الثالث- و هو عدم كونه متزلزلا- فقد عرفت أنّ منهم من قال باشتراطه.

و يمكن أن يستدلّ له بوجوه:

منها: الإجماع المنقول في التذكرة «1».

______________________________

[1] المحقق البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

______________________________

(1) التذكرة 1: 201.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 30

و منها: ما قيل من أن التزلزل ينافي التمكّن من التصرّف [1]، فإنّ التمكّن من التصرّف ربّما ينتفي من جهة عدم تماميّة الملك، و ربّما ينتفي مع تماميّته.

فالأول مثل: المبيع في زمن الخيار للبائع، و الموهوب قبل القبض، و الغنيمة قبل القسمة، و المنذور بصدقة في أثناء الحول.

و الثاني مثل: المال المفقود و المغصوب و الغائب. و هذا القسم هو مرادهم في الشرط الآتي.

و الأول هو المراد عند اشتراط تماميّة الملك، حيث إنّ الملك ما دام ناقصا متزلزلا لا يجوز لمالكه التصرّف فيه، فلا يجوز له نقله إلى غيره ببيع أو غيره من النواقل، و لا إعطاؤه للغير بعنوان الزكاة.

و قد صرّح بعدم نقله جماعة، منهم: الفاضل الهندي، و صاحب الذخيرة «1»، و بعض مشايخنا المحقّقين [2]، بل هو ادّعى عليه البداهة، و نقل عن المدارك أيضا «2».

فلا يجب عليه إعطاء الزكاة من هذا المال، لأنّه تصرّف فيه، و لا من غيره، إذ لا معنى لوجوب زكاة مال على غير ذلك المال، مع أنّ الزكاة تتعلّق بالأعيان.

و منها: أنّه لا شكّ في اعتبار الملكيّة و الماليّة، كما ثبت بالإجماع، و دلّت عليه الأخبار، كالمكاتبة و الصحيحة المتقدّمتين «3»، و المتبادر من الملكيّة: التامّة.

______________________________

[1] قال به السبزواري في الذخيرة: 423.

[2] المحقق البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).

______________________________

(1) الذخيرة: 424.

(2) المدارك 5: 37.

(3) في ص 27، 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 31

أقول: يرد على الأول- مع عدم حجّية الإجماع المنقول- عدم تعيّن إرادته الإجماع على اشتراط هذا المعنى من تماميّة الملك، فلعلّه أراد أحد المعاني الأخر.

كما أنّ الشهيد أطلق في البيان اشتراط التمكّن من التصرّف، و حصر المانع منه في الثلاثة

المذكورة، و عدّ خيار البائع ممّا جعله بعضهم مانعا، و ليس بمانع «1».

و على الثاني: أنّه لو سلّم عدم تمكّن المالك من جميع التصرّفات أولا فإنّه مختلف فيه، و قد جوّز نقل المبيع في زمن الخيار بعض متأخّري المتأخّرين، فمن أين يشترط في وجوب الزكاة التمكّن من هذا النوع من التصرّفات؟ و ما الدليل عليه؟ و لا يثبت ممّا سيأتي اشتراط التمكّن من جميع أنحاء التصرّفات.

فإن قلت: إعطاء الزكاة نقل الملك إلى الفقير، فإذا لم يتمكّن المشتري- مثلا- من نقل الملك فكيف يجوز له إعطاء الزكاة؟! قلت: لا نسلّم أنّ إعطاء الزكاة نقل المالك الملك إلى الفقير، و إنّما هو تعيين لمال الفقير، و الناقل في الزكاة هو اللّه سبحانه، فهو بالإعطاء يعيّن ما نقله اللّه إلى الفقير.

و لذا قال في الذخيرة- مع منعه من تصرّف المتّهب في الموهوب قبل القبض ببيع و نحوه-: لو رجع الواهب بعد وجوب الزكاة و قبل أدائها، فالظاهر تقديم حقّ الفقراء، لتعلّقه بالعين و لا يضمنه المتّهب «2». انتهى.

فإنّ التعلّق بالعين لم يحصل من جهة المتّهب، بل من جهة اللّه سبحانه.

______________________________

(1) البيان: 278 و 279.

(2) الذخيرة: 423.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 32

و على الثالث: المنع من تبادر الملكيّة التامّة بهذا المعنى- أي عدم كونه متزلزلا- فإنّ من البديهيّات أنّه يقال في العرف: إنّ الحيوان قبل انقضاء الثلاثة مال المشتري و ملك له، و كذا ما للبائع خيار الغبن فيه أو خيار تأخير الثمن، و كذا الموهوب قبل القبض.

و من ذلك ظهر أنّ الحقّ عدم اشتراط تماميّة الملكيّة بذلك المعنى، أي عدم التزلزل.

و أمّا بالمعنى الرابع [1]، فقد عرفت الحال في أحد قسميه، و هو ما كان ضعف

الملكيّة و قصورها باعتبار التزلزل.

و أمّا القسم الآخر، فالظاهر أنّه لا يضبطه عنوان خاصّ، و لذا ترى بعضهم يدرج الوقف و المنذور و الغنيمة تحت ما لا يمكن التصرّف فيه [2]، و بعض آخر يعنون كلا منها على حدة.

و لك أن تضبطه ب: ما ثبت من الشرع وجوب صرف عينه في مصرف معيّن، أو ثبت منه بخصوصه عدم جواز نقل عينه، لا من المالك، و لا من غيره.

و بالجملة: فالظاهر عدم الخلاف في عدم وجوب الزكاة في ذلك القسم، لأنّه ليس ملكا له عرفا، بل يقال لمن نذر إعطاء شي ء معيّن للفقير:

أنّه أخرجه من ملكه، و كذا الوقف الخاص، و كذا الغنيمة قبل القسمة، و لا يتبادر من المال و الملك شي ء منها.

مع أنّه تتعارض عمومات وجوب الزكاة مع عمومات عدم جواز التصرّف فيها أو عدم جواز صرف عينها في غير مصرف معيّن، فيبقى أصل

______________________________

[1] و هو كون المراد بتمامية الملكية الأعم من التزلزل و غيره المتقدمة الإشارة إليه في ص 29.

[2] كالشهيد في الروضة 2: 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 33

عدم وجوب الزكاة بلا معارض.

و لعلّه يأتي الكلام في بعض أفراد ذلك القسم أيضا.

ثمَّ بعد ما ذكرنا من عدم اشتراط تماميّة الملك- بمعنى: عدم التزلزل في تعلّق وجوب الزكاة- لا يبقى مجال للكلام في أنّه هل يشترط حولان الحول من حين الملكيّة أو من حين انتفاء التزلزل.

نعم، لو قلنا باشتراطها لزم الكلام في ذلك أيضا.

و كذا لا يبقى مجال للكلام في ذلك في القسم الثاني من قسمي عدم تماميّة الملك، بعد ما عرفت من عدم تعلّق وجوب الزكاة به.

فرع: المشروط: الملكيّة طول الحول فيما يشترط فيه الحول، بالإجماع، و لأنّه المراد من

حولان الحول، لا حولانه على وجوده.

و تدلّ عليه جميع الأخبار المتقدّمة، المصرّحة باشتراط حولان الحول عليه عند ربّه و في يده «1».

الشرط الخامس: التمكّن من التصرّف.
اشاره

و اشتراطه مقطوع به في كلام كثير من الأصحاب. و في الحدائق:

و هو ممّا لا خلاف فيه فيما أعلم «2». و في المدارك و غيره: إنّه مقطوع به في كلام الأصحاب «3». بل عليه الإجماع عن السرائر و التذكرة و الغنية و في المنتهى «4».

و استدلّ له- بعد الإجماع المنقول- بأنّه لو وجبت الزكاة مع عدم التمكّن من التصرّف عقلا أو شرعا للزم وجوب الإخراج من غيره، و هو

______________________________

(1) راجع ص 17 و 18.

(2) الحدائق 12: 31.

(3) المدارك 5: 32، و الرياض 1: 263.

(4) السرائر 1: 432، و التذكرة 1: 201، و الغنية (الجوامع الفقهية): 567، و المنتهى 1: 475.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 34

معلوم البطلان، لأنّ الزكاة إنّما تجب في العين.

و بالمستفيضة من الأخبار، كالموثّقات الأربع، و صحيحتي الفضلاء و عليّ بن يقطين، المتقدّمة في الفرع الثاني من الشرط الأول «1».

و الواردة في سقوط الزكاة عن المال الغائب، كصحيحة ابن سنان: «لا صدقة على الدين و لا على المال الغائب عنك حتى يقع في يدك» «2».

و موثّقة إسحاق: رجل خلّف عند أهله نفقة، ألفين لسنتين، عليها زكاة؟ فقال: «إن كان شاهدا فعليه زكاة، و إن كان غائبا فليس عليه زكاة» «3»، و قريبة من مضمونها مرسلة ابن أبي عمير «4» و موثّقة أبي بصير «5».

و صحيحة رفاعة: عن الرجل يغيب عنه ماله خمس سنين ثمَّ يأتيه فلا يرد رأس المال، كم يزكّيه؟ قال: «سنة واحدة» «6».

و موثّقة زرارة: في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه، قال:

«فلا زكاة عليه

حتى يخرج، فإذا خرج زكّاه لعام واحد، و إن كان يدعه متعمّدا و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مرّ به من السنين» «7».

و حسنة سدير: في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في موضع، فلمّا

______________________________

(1) راجع ص 17 و 18.

(2) التهذيب 4: 31- 78، الوسائل 9: 95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 6.

(3) الكافي 3: 544- 1، التهذيب 4: 99- 279، الوسائل 9: 172 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 17 ح 1.

(4) الكافي 3: 544- 2، الوسائل 9: 173 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 17 ح 2.

(5) الكافي 3: 544- 3، الفقيه 2: 15- 43، التهذيب 4: 99- 280، الوسائل 9:

173 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 17 ح 3.

(6) الكافي 3: 519- 2، التهذيب 4: 31- 79، الاستبصار 2: 28- 82، الوسائل 9: 94 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 4.

(7) التهذيب 4: 31- 77، الاستبصار 2: 28- 81، الوسائل 9: 95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 35

حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه، فاحتفر الموضع الذي ظنّ أنّ المال فيه مدفون فلم يصبه، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين، ثمَّ إنّه احتفر الموضع من جوانبه كلّه فوقع على المال بعينه، كيف يزكيه؟ قال: «يزكّيه لسنة واحدة؛ لأنّه كان غائبا عنه، و إن كان احتبسه» «1».

و ما ورد في سقوط الزكاة عن الدين أو الوديعة الذي لا يقدر على أخذه أو لا يصل إليه، كرواية عمر بن يزيد: «ليس في الدين زكاة، إلّا أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخّره، فإذا كان لا يقدر

على أخذه فليس عليه زكاة حتى يقبضه» «2».

و رواية عبد العزيز: «كلّ دين يدعه هو، إذا أراد أخذه، فعليه زكاته، و ما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة» «3».

و صحيحة الخراساني: الرجل يكون له الوديعة و الدين فلا يصل إليهما، ثمَّ يأخذهما، متى تجب عليه الزكاة؟ قال: «إذا أخذهما ثمَّ يحول عليه الحول يزكّي» «4».

و منهم من لم يذكر هذا الشرط، بل ذكر سقوط الزكاة في جملة من الأفراد التي لا يتمكّن فيها من التصرّف خاصّة، و لم يذكر القاعدة الكلّية، كالشيخ في الخلاف و الفاضل في الإرشاد «5»، و غيرهما [1].

______________________________

[1] كصاحب الذخيرة: 42.

______________________________

(1) الكافي 3: 519- 1، الوسائل 9: 93 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 1.

(2) الكافي 3: 519- 3، التهذيب 4: 32- 81، الوسائل 9: 97 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 7.

(3) التهذيب 4: 32- 82، الوسائل 9: 96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 5.

(4) التهذيب 4: 34- 88، الاستبصار 2: 28- 80، الوسائل 9: 95 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 1.

(5) الخلاف 2: 31، و الإرشاد 1: 278.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 36

و اعترض على اشتراط القاعدة الكلّية بوجهين:

أحدهما: أنّ العمدة في اعتبارها الروايات، و هي إنّما تدلّ على سقوط الزكاة في المال الغائب- الذي لا يقدر مالكه على أخذه- لا على اعتبار التمكّن من التصرّف «1».

و ثانيهما: أنّه إن أريد به التمكّن من التصرّف من جميع الوجوه، يخرج المملوك في زمن خيار البائع، و مال المريض إذا حجرنا عليه في ما زاد من الثلث، و المحجور عليه لردّة أو سفه أو فلس.

و إن أريد

التمكّن في الجملة، ورد تحقّقه في الغائب و المغصوب و نحوهما، إذ يجوز بيعها ممّن يتمكّن من استخلاصها، و يجوز هبة المغصوب لغاصبه، و نحو ذلك «2».

و أجيب عن الأول: بأنّه مع أنّ الإجماع المنقول و الدليل المذكور بعده يثبت القاعدة، أنّ كلّ واحد من الأخبار و إن كان أخصّ من المدّعى إلّا أنّ ضمّ بعضها مع بعض يفيد القاعدة من باب الاستقراء.

مع أنّ الموثّقات الأربع و الصحيحة التي بعدها غير مختصّة بالمال الغائب، بل تدلّ على سقوط الزكاة عن كلّ ما ليس في يد المالك أو عنده.

و صحيحة ابن سنان متضمّنة لحكم الدين أيضا «3».

و حسنة سدير لحكم المال المفقود، بل المستفاد من الروايات الثلاثة الأخيرة اقتضاء عدم القدرة على الأخذ مطلقا لسقوط الزكاة.

أقول: أمّا الإجماع المنقول فقد عرفت عدم حجّيته مرارا، مع أنّ مراد

______________________________

(1) كما في المدارك 5: 33.

(2) كما في الذخيرة: 423.

(3) تقدّمت في ص 34.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 37

المدّعي له من التمكّن من التصرّف لا يخلو عن إجمال.

و أمّا الدليل الذي بعده ففيه: أنّ غاية ما يدلّ عليه- لو سلّم- عدم التكليف بالإخراج حال عدم التمكّن لا مطلقا.

و أمّا الأخبار و إن لم تكن مخصوصة بالمال الغائب، و لكن لا يستفاد منها أكثر من اشتراط القدرة على الأخذ كلّما شاء، و كون المال عنده و في يده عرفا.

أمّا التمكّن من مطلق التصرّف من نقل الملك و نحوه فلا، فلا يثبت الحكم في مثل الوقف و المنذور صدقة و نحوهما.

فإن أرادوا بالتمكّن من التصرّف هذا المعنى، فهو صحيح ثابت بالأخبار، و إن أرادوا الزائد عنه، فلا دليل عليه، بل لا يعلم إرادة المدّعي للإجماع معنى زائدا على الأول.

و من

ذلك يظهر الجواب عن الثاني أيضا، فيقال: إنّ المراد من التمكّن من التصرّف كونه في يده عرفا، أو قادرا على أخذه كلّما شاء، و وضعه أينما أراد، فلا يرد النقض بالمملوك في زمن الخيار و ما عطف عليه، و لا بالغائب و المغصوب و نحوهما.

و لا حاجة إلى ما أجاب به الفاضل الهندي، حيث قال: و لعلّه يندفع بأنّهم إنّما أرادوا به ما يرفعه الأسباب التي ذكروها خاصّة، لأنّ في ذلك ردّا للقاعدة و تخصيصا ببعض الأفراد. فتأمّل.

ثمَّ مقتضى الأخبار المذكورة- بل كثير من الإجماعات المنقولة و فتاوي الأصحاب- اشتراط جريان الحول- فيما يعتبر فيه الحول- على هذا الشرط، و لا يكفي مجرّد تحقّقه حال تعلّق الوجوب.

و هو كذلك، لما ذكر، و به يقيّد بعض الإطلاقات، كصحيحة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 38

ابن سنان المتقدّمة «1» المقتضية بإطلاق مفهوم الغاية لوجوب الزكاة حين الوقوع على اليد مطلقا.

فرعان:

أ:

قد عرفت اشتراط التمكّن من الأخذ، و سيجي ء في كلّ من الأجناس الزكويّة اشتراط ملكيّة النصاب أيضا، فهل يشترط التمكّن من التصرّف في النصاب، أو يشترط التمكّن من التصرّف و النصاب مطلقا سواء تمكّن من التصرّف في مجموعه أم لا؟

و تظهر الفائدة فيما لو ملك النصاب و خصّ التمكّن من التصرّف بما دونه، كأن يكون له عشرون دينارا، و كانت عشرة منها غائبة و عشرة بيده، أو أربعون شاة، و كانت عشرون منها غائبة أو مغصوبة و عشرون بيده، أو كان له ألف منّ زرعا و غصب غير مائة منّ منه، أو غصب المجموع و عادت مائة منّ، فإنّه لا شكّ في عدم وجوب قدر الحصّة من زكاة الغائب أو المغصوب، إذ لا زكاة فيه بالأخبار.

و هل

يجب قدر الحصّة من زكاة ما يتمكّن من أخذه، لاستجماعه الشرائط من القدرة على الأخذ و ملكيّة النصاب؟

أو لا يجب، لعدم استجماعه الشرائط، التي منها: القدرة على أخذ النصاب؟

الظاهر: الأول، إذ لم يثبت من أخبار اشتراط القدرة الزائد على عدم وجوب الزكاة فيما لا يقدر، و أمّا عدم وجوبه في غيره فلا، و لم يثبت من أدلّة النصاب سوى اشتراط تملّكه.

فإنّ مثل قوله: «في أربعين شاة شاة» أو: «ما بلغ خمسة أوسق ففيه

______________________________

(1) في ص 34.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 39

العشر» أو: «لا يجب في أقلّ من أربعين أو خمسة أوسق» و نحو ذلك، مطلق، فمقتضاه ثبوت الشاة و العشر في كلّ أربعين شاة و خمسة أوساق.

و لكن قيّد ذلك بالأربعين و الخمسة المملوكتين لشخص واحد مع الشرائط الثابتة كالسوم و الزرع، و أمّا تقييدهما بالتمكّن من التصرّف في جميعهما فلا دليل عليه.

ب:

اشتراط تعلّق الزكاة بالأجناس الزكويّة بالتمكّن من التصرّف، و سقوط الزكاة عنها- لما مضى- بدونه (مطلقا) [1]، إنّما هو فيما يعتبر فيه الحول.

و أمّا غيره من الغلّات فلا، لاختصاص جميع الأخبار الموجبة لاشتراط التمكّن من التصرّف بما يعتبر فيه الحول.

نعم، إذا كانت الغلّة ممنوعة من التصرّف فيها، أو غائبة، لا يجب على المالك الإخراج حين عدم التمكّن و الغيبة، لأنّه تكليف بما لا يطاق، و أمّا بعد وصولها إلى يده تجب زكاتها لما مضى، كما تدلّ عليه صحيحة ابن سنان المتقدّمة «1».

و سيجي ء بيان ذلك أيضا في بيان حكم المغصوب.

[عدم وجوب الزكاة على أموال ]
اشاره

و إذا عرفت اشتراط التمكّن من التصرّف- بالمعنى الذي ذكرناه- يتفرّع عليها عدم وجوب الزكاة على أموال:

منها: المال الغائب عن مالكه،
اشاره

و هو اتّفاقي، و نقل الإجماع عليه متكرّر «2»، و الأخبار به ناطقة كما مرّ.

و هل الموجب لسقوط الزكاة هو الغيبة مطلقا، كما نفى عنه البعد في

______________________________

[1] ليست في «س».

______________________________

(1) في ص 34.

(2) كما في المنتهى 1: 475، و الذخيرة. 424.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 40

الذخيرة «1»، و هو ظاهر إطلاق الإرشاد و الشرائع «2»، للأصل، و عموم كثير من الأخبار السالفة، كالموثّقات الأربع و صحيحتي الفضلاء و عليّ و غيرها «3»؟

أو الغيبة المقيّدة بعدم القدرة على التصرّف، حتى لو كان متمكّنا من إحضار المال أو إيصاله إلى وكيله متى شاء لم يسقط، كما في الخلاف و النهاية و النافع و التحرير و نهاية الإحكام «4»، بل عن الخلاف: عدم الخلاف فيه؟

الحقّ: هو الثاني، لأن أكثر الأخبار و إن كانت مطلقة، إلّا أنّ موثقّة زرارة «5»- المعتبرة بنفسها، المنجبرة بالشهرة- مقيّدة، فيها تقيّد المطلقات.

و القول- بأنّ قوله فيها: «فعليه الزكاة» ليس صريحا في الوجوب- ضعيف.

فروع:

أ:

المصرّح به في المعتبر و الشرائع و الإرشاد و البيان «6» و غيرها «7»:

أنّ يد الوكيل يد المالك، و تمكّنه تمكّنه، و كذا الولي. و لم يذكر بعضهم الوكيل و لا الولي، كما في النافع «8».

______________________________

(1) الذخيرة: 424.

(2) الإرشاد 1: 278، و الشرائع 1: 141.

(3) راجع ص 17، 18.

(4) الخلاف 2: 111، و النهاية: 175، و المختصر النافع: 53، و التحرير 1: 58، و نهاية الإحكام 2: 304.

(5) المتقدمة في ص 34.

(6) المعتبر 2: 490، و الشرائع 1: 142، و الإرشاد 1: 278، و البيان: 279.

(7) كالدروس 1: 230، و مجمع الفائدة و البرهان 4: 23.

(8) المختصر النافع: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 41

و مقتضى إطلاق

الأخبار السقوط إذا لم يتمكّن المالك من الأخذ و إن كان في يد وكيله أو وليّه، إذا لم يتمكّن من الأخذ من الوكيل لبعده و عدم وصول اليد إليه، أو انقطاع خبره، أو عدم علمه بوصول المال إلى الوكيل.

بل مقتضى عموم موثّقة إسحاق- الحاصل بترك الاستفصال- السقوط إن كان في يد الولي، حيث إنّه بعد السؤال عن رجل مات و بعض ولده غائب، و أنّه كيف يصنع بميراث الغائب عن أبيه، قال: «يعزل حتى يجي ء» قلت: فعلى ماله زكاة؟ فقال: «لا، حتى يجي ء»، قلت: فإذا جاء هو أ يزكّيه؟ قال: «لا، حتى يحول عليه الحول في يده» «1».

فإنّه أعمّ من أن يكون المعزول في يد وليّ الغائب، و من أن يكون الولد صغيرا و يعزل في يد وليّه.

بل في موثّقته الأخرى- المتقدّمة في صدر هذا الشرط «2»- تصريح به، حيث قال: رجل خلّف عند أهله نفقة سنتين، فإنّ الأهل يكون حينئذ وكيلا في ضبطه مع أنّه أسقط الزكاة عنه. و كذا مرسلة ابن أبي عمير، و موثّقة أبي بصير «3».

فالتحقيق: أنّ المناط تمكّن المالك بنفسه، إلّا أن يثبت الإجماع على قيام يد الوكيل مقام يده، و هو عندي غير ثابت.

ب:

المرجع في الغيبة، و عدم القدرة على الأخذ، و عدم الكون في اليد، هو العرف، مثلا: إذا كان له داران بينهما فرسخ أو فرسخان، و كان هو في دار و المال في أخرى، فلا شكّ أنّه غائب عنه حينئذ و لا يقدر على الأخذ في تلك الساعة، و لكن نحو ذلك لا يضرّ في الصدق العرفي، و لا يقال لمثل ذلك: إنّه غائب، و إنّه على الأخذ غير قادر، و إنّه ليس في يده.

______________________________

(1) الكافي 3:

524- 1، الوسائل 9: 93 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 2.

(2) راجع ص 34، 35.

(3) راجع ص 34، 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 42

فالمناط في الصدق هو العرف، و كذلك في الضالّ و المفقود.

و ربّما يتفاوت ذلك فيما قبل الحول و في أثنائه، فإنّه لو ورث مالا و كان غائبا و حضر بعد يوم، يبتدئ الحول من ذلك اليوم الذي قدم، بخلاف ما لو غاب عن ماله في أثناء الحول يوما، فإنّه لا ينقطع به الحول، و الفارق العرف.

ج:

قد صرّح جماعة- منهم: المحقّق في الشرائع و النافع «1» و الفاضل في المنتهى و الإرشاد «2» و غيرهما [1]-: أنّه لو مضت على الغائب و المفقود أعوام ثمَّ عاد استحبّت زكاة سنة واحدة، و عن المنتهى: الإجماع عليه، و في المدارك: إنّه مذهب الأصحاب لا أعرف فيه مخالفا «3»، لموثّقة زرارة، و صحيحة رفاعة، و حسنة سدير، المتقدّمة «4».

و في المنتهى أطلق استحباب زكاة سنة، و لم يقيّد بمضيّ السنين، و مال إليه في الذخيرة «5». و هو الأظهر، للإطلاق في الموثّقة.

و قيل: في إطلاقها نظر، لظهورها في مضيّ السنين، كما يظهر من آخرها. و فيه منع ظاهر.

و ألفاظ الأخبار جمل خبريّة، فلا تفيد أزيد من الرجحان، فالقول بإفادتها الوجوب غير سديد.

د:

منع الغيبة عن وجوب الزكاة إنّما هو فيما يعتبر فيه الحول دون الغلّات، كما يأتي وجهه في المال المغصوب.

______________________________

[1] كصاحب الرياض 1: 263.

______________________________

(1) الشرائع 1: 142، و المختصر النافع: 53.

(2) المنتهى 1: 475، و إرشاد الأذهان 1: 278.

(3) المدارك 5: 37.

(4) في ص 34.

(5) الذخيرة: 425.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 43

و منها: المال المغصوب و المجحود و المسروق الذي لا يقدر على تخليصه،
اشاره

و عدم وجوب الزكاة فيه، و اعتبار

مبدأ الحول من حين التخلّص، إجماعي، و عليه الإجماع عن الخلاف و التذكرة و المنتهى «1».

و تدلّ عليه الموثّقات و الصحيحة المتقدّمة «2»، بل أكثر الأخبار المذكورة، لاشتراط القدرة على الأخذ طول الحول.

هذا في الأموال التي يعتبر فيها الحول.

و أمّا الغلّات، فلا شكّ في عدم وجوب زكاتها إذا غصبت قبل بدو الصلاح أو بعده بدون تقصير المالك و لم تعد إليه أبدا، و لا في وجوبها إذا عادت إليه قبل حال تعلّق الوجوب- أي بدوّ الصلاح- (و لا فيما إذا غصبت بعد تعلّق الوجوب ثمَّ عادت) [1].

و إنّما الكلام فيما غصبت قبل تعلّق الوجوب و عادت بعد زمان تعلّق الوجوب، فظاهر إطلاق بعضهم عدم الوجوب أيضا [2]، و عن المسالك التصريح به «3».

و استشكل فيه في المدارك، و نفى البعد عن وجوب الزكاة فيها متى تمكن من الأخذ «4»، و استحسنه في الذخيرة «5»، و اختاره الفاضل الهنديّ في شرح الروضة.

و هو الأظهر، لصدق نموّها في ملكه، و عموم الأخبار الموجبة للزكاة

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ق»، «س».

[2] كالمحقق في الشرائع 1: 141.

______________________________

(1) الخلاف 2: 31، و التذكرة 1: 201، و المنتهى 1: 475.

(2) في ص 17، 18.

(3) المسالك 1: 51.

(4) المدارك 5: 34.

(5) الذخيرة: 424.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 44

فيها، نحو قوله: «فيما سقت السماء العشر» «1».

و في صحيحة محمّد و أبي بصير: «كلّ أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك في ما أخرج اللّه منها الذي قاطعك عليه، و ليس على جميع ما أخرج اللّه منها العشر، إنّما العشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك» «2».

و لا تنافيه أخبار سقوط الزكاة عمّا لا يقدر عليه، لاختصاصها بما

فيه الحول، مع أنّ في بعضها دلالة على وجوب زكاته بعد القدرة من غير اعتبار شرط.

كقوله في صحيحة ابن سنان: «و لا على المال الغائب عنك حتى يقع في يدك» «3».

و في رواية عمر بن يزيد: «فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتى يقبضه» «4».

دلّتا بمفهوم الغاية على وجوب الزكاة بعد الأخذ مطلقا، خرج ما يعتبر فيه الحول بالدليل، فيبقى الباقي.

فروع:

أ:

هل الممنوع من التصرّف في ماله من غير إثبات اليد عليه حكم المغصوب منه، أم لا؟

______________________________

(1) الوسائل 9: 182 أبواب زكاة الغلاة ب 4.

(2) الكافي 3: 513- 4، التهذيب 4: 36- 93، الاستبصار 2: 25- 70، الوسائل 9: 188 أبواب زكاة الغلات ب 7 ح 1.

(3) المتقدمة في ص 34.

(4) المتقدمة في ص 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 45

صرّح في البيان بالثاني و وجوب الزكاة فيه، لنفوذ تصرّفه «1».

و لا أفهم معنى نفوذ التصرّف، فإن أراد أنّه غير ممنوع منه شرعا فالمغصوب أيضا كذلك، و إن أراد وقوع تصرّفه فالمفروض عدمه.

و الأقرب أنّه إن بلغ المنع و الحبس حدّا يسلب معه كون المال عنده و في يده، منع عن وجوب الزكاة، و إلّا فلا.

هذا فيما يعتبر فيه الحول، و أمّا الغلّات فلا، كما مرّ.

ب:

لو أمكن تخليص أحد الثلاثة وجبت الزكاة، لموثّقة زرارة «2».

و اعتبر ابتداء الحول من حين تحقّق التخلّص إن شرع فيه أول الإمكان، و إلّا فبعد مضييّ زمان يمكن فيه التخلّص.

و منه يظهر أنّ المناط و الضابطة: القدرة على الأخذ كلّما شاء عرفا، للموثّقة المذكورة، بل رواية عبد العزيز «3»، و بهما تقيّد إطلاقات اشتراط اليد و الكون عند الربّ.

ج:

إذا أمكن التخليص ببعض المال أو بمال آخر،

فإن خلّصه به فلا شكّ في وجوب الزكاة في المستخلص.

و إنّما الكلام في أنّه هل يجري إمكان التخليص به مجرى التمكّن من التخليص، حتى تجب عليه زكاته لو لم يخلّصه، و ابتدأ الحول من بدو زمان الإمكان، أم لا؟

تردّد فيه في البيان «4». و الأظهر الأول، لصدق القدرة على الأخذ.

و وجه الثاني: أنّ القدرة إنّما تحصل بعد إفداء البعض أو مال آخر، فهو أولا قادر على تحصيل القدرة لا على التخليص، و تحصيل القدرة على

______________________________

(1) البيان: 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 9    46     فروع: ..... ص : 44

(2) المتقدمة في ص 34، 35.

(3) المتقدمة في ص 34، 35.

(4) البيان: 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 46

القدرة غير واجب، لعدم وجوب تحصيل شرائط الوجوب من غير فرق بين شرطه و شرط شرطه.

و فيه: أنّ المرجع في صدق القدرة العرف، و لا شكّ في أنّ مثل ذلك يعدّ قادرا عرفا، لا أنّه يصير قادرا بعد بذل البعض أو مال آخر.

و نحوه الكلام فيما إذا توقّف التخليص في المغصوب أو المسروق أو المجحود على إقامة البيّنة و تمكّن منها، فإنّه تجب عليه الزكاة فيما يمكن تخليصه بالبيّنة، كما حكي التصريح به عن التذكرة و نهاية الإحكام و القواعد «1».

نعم، لو احتاج التخليص إلى دعوى و شقّت عليه أمكن السقوط، لعدم صدق القدرة مع الدعوى الشاقّة، و أمكن عدمه، لصدق القدرة.

و الأولى ملاحظة حال المالك و الجاحد و قدر المال، فإنّه تختلف مراتب المشقّة باختلافها، فيحكم بالسقوط فيما كانت المشقّة فيه كثيرة بحيث لا يجوّز أهل العرف تحمّلها.

و منه يظهر الحال فيما إذا توقّف التخليص على اليمين، أو على الاستعانة بشخص يشقّ على المالك التوسّل

به، سيّما إذا توقّف على نوع تعظيم له شاقّ عليه.

و منها: المفقود و الضالّ،

و وجه سقوط الزكاة فيه يظهر ممّا مرّ.

و ضلال بعض النصاب حكم ضلال الكلّ، فلو ضلّت شاة من أربعين ثمَّ عادت بعد مضيّ زمان صدق الضلال عرفا استأنف الحول للكلّ.

و منها: الوقف،

و لا خلاف في سقوط الزكاة فيه عند الأصحاب، لعدم التمكّن من الأخذ.

و في دلالته نظر، لمنع عدم التمكّن، و إنّما هو لا يتمكّن من الإتلاف

______________________________

(1) التذكرة 1: 201، و نهاية الإحكام 2: 304، و القواعد 1: 51.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 47

و نقل الملك و نحوهما، و الثابت من الأخبار ليس اشتراط ذلك التمكّن.

فالأولى الاستدلال بعدم صدق الملكيّة عرفا، و بعدم دليل على وجوب الزكاة فيه؛ إذ ليس إلّا العمومات، و هي معارضة بعمومات منع التصرّف في الوقف و تغييره، فيرجع فيه إلى أصل عدم وجوب الزكاة.

و تجب الزكاة في نتاج الوقف بعد الحول، و في غلّته بعد بدوّ الصلاح إذا كان وقفا على شخص واحد.

و إن كان وقفا على أشخاص محصورين:

فلو كانت القسمة معيّنة شرعا اعتبرت الشرائط- من الحول فيما يعتبر فيه، و النصاب في الغلّات- في سهم كلّ واحد.

و إن كانت مفوّضة إلى رأي الناظر اعتبرت الشرائط في سهم كلّ بعد القسمة؛ إذ لا يملكه إلّا بعدها، ففي الغلّة لا زكاة لو كانت القسمة بعد بدوّ الصلاح؛ لعدم تعلّق الوجوب في ملكه.

نعم، لو قسّمه الناظر قبل زمان تعلّق الوجوب تجب الزكاة على كلّ من بلغ سهمه النصاب.

و منها: المرهون،

فقيل بعدم تعلق الزكاة به إلّا بعد جريان الحول عليه بعد الفكّ، و هو مختار موضع من المبسوط و الشرائع و القواعد و التذكرة و المنتهى و التحرير «1»؛ لعدم تمكّن الراهن منه، و عدم الاقتدار على التصرّف فيه شرعا.

و اختار في موضع آخر من المبسوط تعلّق الزكاة به «2»؛ لأنّه قادر على التصرّف فيه بأن يفكّ رهنه.

______________________________

(1) المبسوط 1: 225، و الشرائع 1: 142، و القواعد 1: 51، و التذكرة 1: 202،

و المنتهى 1: 478، و التحرير 1: 59.

(2) المبسوط 1: 208.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 48

و منهم من فصّل، فقال بالأول مع عدم قدرة الراهن على الفكّ، و بالثاني مع القدرة عليه [1].

و الحقّ: هو الثاني؛ لأنّه ماله و استجمع جميع الشرائط إلّا ما يتوهّم من عدم تمكّن التصرّف فيه، و هو ممنوع؛ لأنّ الشرط هو كونه في يده و قادرا على أخذه، و هو كذلك و إن لم يكن قادرا على إتلافه و نقل ملكه، و لكنه ليس بشرط.

و تدلّ على وجوب الزكاة فيه العلّة المذكورة في صحيحة يعقوب بن شعيب: عن الرجل يقرض المال للرجل السنة و السنتين و الثلاثة أو ما شاء اللّه، على من الزكاة، على المقرض أو على المقترض؟ فقال: «على المقترض؛ لأنّ له نفعه و عليه زكاته» «1».

و في صحيحة زرارة الواردة في زكاة المقرض، و فيها- بعد أن حكم بأنّ من كان المال في يده زكّاه- قال: «يا زرارة، أرأيت وضيعة [2] ذلك المال أو ربحه لمن هو و على من هو؟» قلت: للمقترض، قال: «فله الفضل و عليه النقصان، و له أن ينكح و يلبس منه و يأكل منه و لا ينبغي له أن يزكّيه؟! بل يزكّيه، فإنّه عليه جميعا» «2».

و لا شكّ أنّ وضيعة المرهون و ربحه للراهن، بل له أن ينكح من ربحه و يلبس منه و يأكل منه.

و منها: المنذور صدقة بعينه،

فقالوا بسقوط الزكاة عنه؛ لعدم جواز

______________________________

[1] كالشهيد الأول في الدروس 1: 230، و البيان: 278، و الشهيد الثاني في الروضة 2: 13.

[2] الوضيعة: الخسارة و النقصان- مجمع البحرين 4: 406.

______________________________

(1) التهذيب 4: 33- 84، الوسائل 9: 102 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7

ح 5.

(2) الكافي 3: 520- 6، التهذيب 4: 33- 85، الوسائل 9: 100 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 49

تصرّفه فيه.

و الأولى أن يستدلّ له بعدم صدق المملوكيّة كما مرّ، و بتعارض أدلّة وجوب الزكاة و وجوب الوفاء بالنذر.

هذا إذا كان النذر قبل تمام الحول أو تعلّق الوجوب، سواء كان النذر مطلقا من حيث وقت الأداء أو مؤقّتا، و سواء كان وقته بعد الحول أو تعلّق الوجوب أو قبله، و سواء وفى في المؤقّت بالنذر في وقته أو لم يف به.

و أمّا إذا كان بعده، فتجب الزكاة فيه فيزكّيه، و يتصدّق بالباقي إن كان متعلّق النذر الجميع، أو بقدر يستوعب ما سوى القدر الواجب في الزكاة، و إلّا فيزكّي و يتصدّق بالقدر المنذور.

هذا كلّه إذا كان النذر مطلقا أو مشروطا بشرط حاصل قبل الحول أو تعلّق الوجوب.

و أمّا إذا كان مشروطا بشرط غير متحقّق في الحول أو قبل تعلّق الوجوب، فإن كان شرط تحقّقه في أثناء ذلك الحول، أو في زمان هو قبل تعلّق الوجوب، فلا شكّ في وجوب الزكاة فيه؛ لعدم تعلّق النذر به من جهة عدم تحقّق الشرط.

و إن كان شرطه مطلقا و لم يحصل بعد، أو مؤقّتا بما بعد الحول أو وقت تعلّق الوجوب، احتمل وجوب الزكاة؛ لعدم تعلّق النذر به بعد، فلو حصل الشرط يتصدّق بما بقي، و يكون القدر المخرج كالتالف.

و يحتمل عدم الوجوب؛ لتعلّق النذر في الجملة، و الممنوعيّة من التصرّف.

و يحتمل البناء على حال الشرط، فإن كان تحقّقه مقتضى الأصل- كعدم حصول الأمر الفلاني- تسقط الزكاة، و إن كان عدمه مقتضى الأصل تجب الزكاة. و الأقرب الأول.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 9، ص: 50

و منها: الدين،
اشاره

أي ما لأحد في ذمّة الغير، فقالوا: ليس على المدين زكاة؛ لأنّه ليس في يده.

و تفصيل الكلام: إنّ ما في ذمّة الغير لأحد، فإمّا لا يقدر المدين على أخذه- لكونه على ذمّة جاحد أو مماطل أو معسر، أو لكونه مؤجّلا- أو يقدر.

فعلى الأول، فالحقّ المشهور عدم وجوب الزكاة على المدين، فإذا أخذه استأنف الحول. و في التذكرة إشعار بالاتّفاق عليه «1»، بل صرّح بعض مشايخنا بالاتّفاق [1].

و في المبسوط عن بعض أصحابنا: أنّه يخرج لسنة واحدة إذا لم يكن مؤجّلا «2»، و لعلّ غرضه الاستحباب كما قيل.

و يدلّ على المختار أكثر ما مرّ من الأخبار في الشرط الخامس «3»، و موثّقة سماعة: عن الرجل يكون له الدين على الناس، تجب فيه الزكاة؟

قال: «ليس عليه فيه زكاة حتى يقبضه، فإذا قبضه فعليه الزكاة، و إن هو طال حبسه على الناس حتى يمرّ لذلك سنون فليس عليه زكاة حتى يخرج، فإذا خرج زكّاه لعامه ذلك» «4» الحديث.

و أمّا رواية عبد الحميد: عن رجل باع بيعا إلى ثلاث سنين من رجل مليّ بحقّه و ماله في ثقة، يزكّي ذلك المال في كلّ سنة تمرّ به أو يزكّيه إذا أخذه؟ فقال: «لا، بل يزكّيه إذا أخذه»، قلت له: لكم يزكّيه؟ قال: قال:

______________________________

[1] كصاحب الرياض 1: 263.

______________________________

(1) التذكرة 1: 202.

(2) المبسوط 1: 211.

(3) المتقدمة في ص 34 و 35.

(4) الكافي 3: 519- 4، الوسائل 9: 97 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 51

«لثلاث سنين» «1».

و صحيحة الكناني: عن الرجل ينسئ أو يعير [1]، فلا يزال ماله دينا كيف يصنع في زكاته؟ قال: «يزكّيه و لا يزكّي

ما عليه من الدين، إنّما الزكاة على صاحب المال» «2».

فلا تفيدان أزيد من الرجحان، فعليه يحملان، أو على ما إذا كان التأخير من صاحب المال، أو على التقيّة، لمطابقته لمذهب جمع من العامّة [2].

و على الثاني، ففيه قولان:

الأول: عدم وجوب الزكاة على المالك، و هو المحكيّ عن القديمين «3» و الاستبصار «4» و الحلّي «5» و السيّد «6» و القاضي «7» و الفاضلين «8» و فخر المحقّقين «9»، و عامّة المتأخّرين. و نسبه بعض المتأخّرين إلى الأكثر.

______________________________

[1] كذا في النسختين، و في المصدر: يعيّن. قال في المصباح المنير: 441: عيّن التاجر تعيينا و الاسم: العينة بالكسر، و فسرها الفقهاء بأن يبيع الرجل متاعه إلى أجل، ثمَّ يشتريه في المجلس بثمن حالّ ليسلم به من الربا، و قيل لهذا البيع:

عينة، لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عينا أي نقدا حاضرا ..

[2] حكاه عنهما في المختلف: 74.

______________________________

(1) الكافي 3: 521- 8، الوسائل 9: 98 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 8.

(2) الكافي 3: 521- 12، الوسائل 9: 103 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 9 ح 1.

(3) منهم ابن رشد في بداية المجتهد 1: 272، و ابنا قدامة في المغني و الشرح الكبير 2: 638.

(4) الاستبصار 2: 28.

(5) السرائر 1: 444.

(6) نقله عنه في الإيضاح 1: 168.

(7) شرح الجمل: 242.

(8) المحقق في المختصر النافع: 53، و الشرائع 1: 142، و العلامة في المنتهى 1: 476.

(9) إيضاح الفوائد: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 52

و الثاني: للشيخين «1» و جمل السيّد «2». و استظهره بعض مشايخنا الأخباريّين [1].

حجّة الأول: الأصل، و الموثّقات الأربع، و صحيحة الفضلاء الخمسة المتضمّنة لاشتراط كونه عند المالك أو في

يده، و حسنة زرارة المتقدّمة المذكورة بعد هذه الموثّقات و الصحيحة «3»، و صحيحة ابن سنان المتقدّمة في صدر هذا الشرط «4»، و موثّقة سماعة المتقدّمة.

و موثّقة الحلبي: قلت له: ليس في الدين زكاة؟ قال: «لا» «5».

و موثّقة إسحاق بن عمّار: الدين عليه الزكاة؟ فقال: «لا، حتى يقبضه»، قلت: فإذا قبضه أ يزكّيه؟ قال: «لا، حتى يحول عليه الحول في يده» «6».

و صحيحة أبي بصير: عن رجل يكون نصف ماله عينا و نصفه دينا فتحلّ عليه الزكاة؟ قال: «يزكّي العين و يدع الدين» «7».

و صحيحة زرارة: رجل دفع إلى رجل مالا قرضا، على من زكاته على المقرض أم على المقترض؟ قال: «لا، بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولا على المقترض» قال: قلت: فليس على المقرض زكاتها؟ قال:

______________________________

[1] كصاحب الحدائق 12: 34.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 239، و الشيخ في المبسوط 1: 211، و الجمل و العقود (الرسائل العشر): 205.

(2) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 74.

(3) راجع ص 18.

(4) في ص 34.

(5) التهذيب 4: 32- 80، الوسائل 9: 96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 4.

(6) التهذيب 4: 34- 87، و الاستبصار 2: 28- 79، الوسائل 9: 96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 3.

(7) الكافي 3: 523- 6، الوسائل 9: 96 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 53

«لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد، و ليس على الدافع شي ء، لأنّه ليس في يده شي ء، إنّما المال في يد الآخذ، فمن كان المال في يده زكّاه» الحديث «1».

و يظهر من قوله: «لا يزكّى المال من وجهين ..» دلالة رواية

الحسن ابن عطيّة أيضا: إنّ لقوم عندي قروضا ليس يطلبونها منّي، أ فعليّ فيها زكاة؟ فقال: «لا تقضي و لا تزكّي؟! زكّ» «2».

و يدلّ عليه أيضا التعليل المذكور في صحيحة يعقوب بن شعيب السابقة «3»، و ما دلّ على اشتراط الملكيّة، فإنّ الدين غير مملوك للمدين فعلا إلّا بعد قبضه له.

و يصرّح به المرويّ في قرب الإسناد المنجبر ضعفه- لو كان- بدعوى الشهرة: عن الدين يكون على القوم المياسير إذا شاء قبضه، هل على صاحبه زكاة؟ قال: «لا، حتى يقبضه و بحول عليه الحول» «4».

و دليل القول الثاني: موثّقة زرارة، و روايتا عمر بن يزيد و عبد العزيز المتقدّمة جميعا «5».

و الرضويّ: «و إن غاب مالك عنك فليس عليك الزكاة إلّا أن يرجع إليك، و يحول عليه الحول و هو في يدك، إلّا أن يكون مالك على رجل متى ما أردت أخذت منه، فعليك زكاته» «6».

______________________________

(1) تقدمت في ص 48.

(2) التهذيب 4: 33- 86، الوسائل 9: 102 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 6.

(3) راجع ص 49.

(4) قرب الإسناد: 228- 895، الوسائل 9: 100 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 15.

(5) في ص 34، 35.

(6) فقه الرضا (ع): 198 بتفاوت يسير، مستدرك الوسائل 7: 52 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 54

و إطلاق صحيحة الكناني و رواية عبد الحميد المتقدّمتين «1».

و لا يخفى ضعف دلالة الموثّقة، لأنّ مرجع الضمير في قوله: «يدعه» هو المال الغائب، و الدين- لعدم تشخّصه، بل هو أمر كلّي في الذمّة- ليس مالا، و كذلك ليس غائبا، فموضوع الموثّقة غير موضوع المسألة.

و الرضويّ ضعيف قاصر عن الاستناد.

و الأخيرتان

غير ناهضتين لإثبات الوجوب، مع أنّ رواية عبد الحميد مختصّة بما لا يقدر على أخذه لبيعه إلى ثلاث سنين، فهي خارجة عن المورد.

فلم تبق إلّا الروايتان.

و أجيب عنهما أيضا بضعف السند «2». و هو عندي ليس بمعتمد.

و بمعارضتهما مع مثل موثّقتي سماعة و الحلبي «3»، و لا تفيد أخصّيتهما، إذ لو أفادت لوجب تخصيص المعارض، و هو فيما يتضمّن السؤال غير جائز، لإيجابه تأخير البيان عن وقت الحاجة.

و فيه: منع لزوم كون وقت السؤال وقت الحاجة.

نعم، إنّهما يعارضان المرويّ في قرب الإسناد بالتباين للزكاة «4»، فإمّا يجب حمل الروايتين على الاستحباب بقرينة هذه الرواية، أو يطرحان لموافقة العامّة في الجملة، أو يرجع إلى الأصل، و هو أيضا مع عدم الوجوب.

فرع:

لو استقرض شخص مالا عن آخر و قبضه، ثمَّ يدعه حولا إمّا

______________________________

(1) في ص 50، 51.

(2) كما في المدارك 5: 40.

(3) راجع ص 50، 52.

(4) كذا في جميع النسخ.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 55

عند نفسه أو عند المقرض مع تمكّنه من التصرّف فيه، فزكاته على المقترض بلا خلاف كما قيل [1]، لأنّه ماله، فزكاته عليه، لأنّها على صاحب المال كما مرّ، و لصحيحتي يعقوب بن شعيب و زرارة «1»، و رواية ابن عطيّة المتقدّمة «2»، و تدلّ عليه أيضا موثّقة البصري «3»، و مرسلة أبان «4».

و في صحيحة منصور: في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول و هو عنده، قال: «إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه، و إن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض» «5».

و إطلاق هذه الروايات كعبارات طائفة من الأصحاب [2] و تصريح بعض آخر [3] يقتضي عدم الفرق بين ما إذا شرط الزكاة على المقرض أم لا.

خلافا للشيخ

في باب القرض من النهاية «6»، فأوجبها بالشرط على المقرض، للصحيحة الأخيرة.

و ضعّف بأنّ مقتضاها جواز أداء المقرض، لا لزومها عليه.

و حملها على صورة الشرط ليس بأولى من حملها على التبرّع.

مع أنّ الزكاة تابعة للملك و هو للمقترض، فلا يجوز اشتراطها على الغير، لأنّه من قبيل اشتراط العبادة على غير من وجبت عليه.

______________________________

[1] قال به الشيخ في الخلاف 2: 111.

[2] منهم الصدوق في المقنع: 53، و المفيد في المقنعة: 239.

[3] منهم العلامة في المنتهى 1: 477، و فخر المحققين في الإيضاح 1: 171.

______________________________

(1) المتقدمتين في ص 48.

(2) في ص 53.

(3) الكافي 3: 521- 7، الوسائل 9: 101 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 3.

(4) الكافي 3: 521- 9، الوسائل 9: 101 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 4.

(5) الكافي 3: 520- 5، التهذيب 4: 32- 83، الوسائل 9: 101 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 7 ح 2.

(6) النهاية: 312.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 56

و يمكن أن يجاب عن الأول بأنّه لا شكّ في دلالة الصحيحة على جواز مباشرة الغير لإخراجها عمّن لزمته و لو تبرّعا، و حيث جاز صحّ اشتراطها و لزم، لعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالشروط الجائزة.

هذا، مع ما ورد في الأخبار من جواز شرط أداء الزكاة عن الغير و لزومه، كما في صحيحة ابن سنان: «باع أبي هشام بن عبد الملك أرضا بكذا و كذا ألف دينار، و اشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين» «1»، و قريبة منها صحيحة الحلبي «2».

و في الفقه الرضويّ: «فإن بعت شيئا و قبضت ثمنه و اشترطت على المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك فإنّه

يلزمه ذلك دونك» «3»، و حكي الفتوى به عن الصدوقين «4».

ثمَّ مع الشرط المذكور، هل يسقط عن المقترض بمجرّد الشرط فيه، أم لا؟

صرّح في الذخيرة بالثاني «5»، و هو كذلك، لعمومات وجوب الزكاة على المقترض.

و لا ينافيه الوجوب على المقرض أيضا، كما لو وجبت على شخص أداء دين آخر بنذر أو شرط، فإنّه لا يسقط الوجوب عن المديون، فإن وفى سقط عنه، و إلّا وجبت عليه.

______________________________

(1) الكافي 3: 524- 2، علل الشرائع: 375- 2، الوسائل 9: 173 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 18 ح 1.

(2) الكافي 3: 524- 1، الوسائل 9: 174 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 18 ح 2.

(3) فقه الرضا (ع): 198 مستدرك الوسائل 7: 84 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 12 ح 1.

(4) الصدوق في المقنع: 53، و حكي عن والده في المختلف: 174.

(5) الذخيرة: 426.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 57

و الحاصل: أنّه تجب حينئذ على كلّ منهما بدلا، فكلّ أدّاها يسقط عن الآخر.

أمّا عن المقترض، فلأنّ الوفاء بالشرط إنّما يجب مع إمكانه، و بعد أداء المقترض لا تكون زكاة حتى يمكن له أداؤها، إذ لا تجب زكاة في مال في عام مرّتين.

هذا، ثمَّ إنّ مقتضى الصحيحة [1] جواز تبرّع المقرض بأداء الزكاة، و أنّه لو أدّاها لسقط عن المستقرض، و هو كذلك.

و هل هو مطلق أو مقيّد بما إذا أذن المقترض؟

مقتضى الإطلاق: الأول، فهو الأقرب.

و منها: مال المحجور عليه للفلس.

صرّح بعدم الزكاة فيه: الشهيد في البيان «1» و صاحب الذخيرة «2».

و صريح الفاضل الهنديّ في شرح الروضة وجوب الزكاة فيه، بل كونه من المسلّمات، حيث اعترض على من اشترط تمكّن التصرّف بأنّه إن أراد من جميع الوجوه يرد عليه النقض

بالمبيع في زمن الخيار، و مال المحجور عليه لردّة أو سفه أو فلس.

و كذا هو الظاهر منهم في مسألة عدم منع الدين من الزكاة و لو استوعب الدين المال، من غير استثنائهم المحجور عليه.

و يدلّ عليه أيضا عموم الأخبار الآتية المصرّحة بعدم منع الدين للزكاة و لو كان الدين أكثر ما في يده «3»، الحاصل من ترك الاستفصال.

______________________________

[1] أي صحيحة منصور المتقدمة في ص 55.

______________________________

(1) البيان: 278.

(2) الذخيرة: 427.

(3) في ص 59، 60.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 58

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ أدلّة اشتراط الاقتدار من التمكّن في التصرّف في ما يعتبر فيه الحول توجب سقوطها عن المحجور عليه، لعدم صدق كون المال في يده و عنده، و عدم القدرة على أخذه.

و أمّا في الغلّات، فالأقرب وجوب الزكاة فيها، لعدم دليل على السقوط.

و منع المحجور عليه إنّما هو في التصرّف في ماله، و ليس ذلك ماله، بل مال الفقراء، مع أنّ دليل منعه و حجره الإجماع، و تحقّقه في المورد غير معلوم.

[مسائل ]
اشاره

و تلحق بهذا الباب مسائل أربع:

المسألة الاولى: لا يعتبر في وجوب الزكاة إمكان الأداء و الإيصال إلى المستحقّ

إجماعا، كما في المنتهى «1»، لإطلاق الأوامر السالمة عن المعارض و المقيّد.

و أمّا ما قيل من أنّ معنى وجوب الزكاة وجوب إيصالها إلى المستحقّ، و لا معنى لهذا عند عدم التمكّن [1].

ففيه: أنّ معناه ليس وجوب إيصالها بالفعل، بل معناه وجوب إيصالها عند التمكّن، كما أنّه تجب الصلاة بالزوال على فاقد الماء في أوّل الوقت المتوقّع له بعد ساعة، و هذا ليس وجوبا تعليقيّا، بل إيجاب تنجيزي، بمعنى: أنّه طلب منه حينئذ الصلاة بعد الوضوء و دخل تحت خطاب: «أقيموا الصلاة لدلوك الشمس»، ففي المورد أيضا يدخل تحت خطاب: «أيّما رجل كان له مال و حال عليه الحول يزكّيه» و إن لم يرد أنّه يزكّيه بالفعل مطلقا، بل مع اجتماع سائر الشرائط.

______________________________

[1] قال به صاحب الذخيرة: 426.

______________________________

(1) المنتهى 1: 490.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 59

و الحاصل: أنّ كلّ خطاب تكليفيّ مقيّد بحال القدرة، و لكن معناه:

أنّ أداء التكليف موقوف عليها، لا تعلّق الخطاب به. و تظهر الفائدة فيما بعد حصول القدرة.

نعم، يعتبر في الضمان التمكّن من الأداء، كما يأتي بعد ذلك.

المسألة الثانية: لا يشترط في وجوب الزكاة الإسلام،

بل تجب على الكافر كسائر الفروع، و لكن لا يصحّ أداؤها منه ما دام كافرا.

إلّا أنّهم قالوا: إنّه لا يضمن بعد إسلامه زكاة حال كفره، أدّاها أو لم يؤدّها، تلف النصاب أو كان موجودا. و على تقدير الوجود يستأنف الحول من حين الإسلام، و إن أسلم في أثناء الحول.

و لم أجد دليلا على شي ء من ذلك، و مقتضى استصحاب الوجوب عدم سقوط الزكاة عنه بالإسلام، أي زكاة ما استجمع الشرائط حال الكفر، و ضمانه التالف كضمان المسلم، و كذا مقتضى وجوبه حال الكفر وجوب أخذ الإمام أو نائبه زكاة الكافر حال كفره،

و لا دليل على نفي شي ء من ذلك.

المسألة الثالثة: الدين لا يمنع وجوب الزكاة،
اشاره

سواء استوعب الدين النصاب أم لا، و سواء كان للمديون مال سوى النصاب أم لا، إجماعا، كما في المنتهى و التذكرة و شرح المفاتيح «1». و في المفاتيح: بلا خلاف «2»، و في المدارك: إنّه مقطوع به في كلام الأصحاب «3».

و الظاهر تحقّق الإجماع فيه، فهو الدليل عليه، مضافا إلى عموم الأدلّة الدالّة على وجوب الزكاة الخالية عن المخصّص، و خصوص صحيحة زرارة

______________________________

(1) المنتهى 1: 506، و التذكرة 1: 202، و شرح المفاتيح (المخطوط).

(2) المفاتيح 1: 195.

(3) المدارك 5: 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 60

و ضريس: «أيّما رجل كان له [مال ] موضوع حتى يحول عليه الحول فإنّه يزكّيه، و إن كان عليه من الدين مثله و أكثر منه فليزكّ ما في يده» «1»، و رواية الحسن بن عطيّة «2» و موثّقة البصري و مرسلة أبان «3».

و قد ينسب إلى البيان التوقّف في ذلك «4»؛ لخبر رواه فيه عن الجعفريّات «5».

و الخبر ضعيف في نفسه، و لمخالفته عمل الطائفة و لمعارضته المعتبرة الكثيرة.

و مع ذلك هو قاصر الدلالة، بل قد يناقش في نسبة التوقّف إلى الشهيد أيضا؛ لتصريحه بعدم منع الدين عن الزكاة في ذلك البحث مكرّرا، و ليس كلامه هنا صريحا في التوقّف، و لو كان فالظاهر اختصاصه بمال التجارة. و اللّه يعلم.

فرع:

لو مات المديون بعد تعلّق الزكاة، فإن وفت التركة بالدين و الزكاة يجب أداؤهما، و إن ضاقت تقدّم الزكاة، لتعلّقها بالعين و خروجها عن التركة، إلّا إن تلفت أعيان متعلّق الزكاة قبل الوفاة فتوزّع التركة مع القصور، و إن تلفت بعد الوفاة بلا تفريط من أحد وزّع التالف على الزكاة و الدين.

المسألة الرابعة: الفقر لا يمنع من وجوب الزكاة،

بل تجب لو لم

______________________________

(1) الكافي 3: 522- 13، الوسائل 9: 104 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 10 ح 1.

و ما بين المعقوفين من المصدر.

(2) المتقدمة في ص 53.

(3) المتقدمتين في ص 55.

(4) البيان: 308 و 309، و نسبه إليه في المدارك 5: 184.

(5) الجعفريات (قرب الإسناد): 54، مستدرك الوسائل 7: 54 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 61

يملك سوى النصاب، للعمومات الخالية عن المخصّص.

و كذا السفه لا يمنع منه، كما صرّح به في البيان، للعمومات المذكورة.

قال في البيان: [يتولى ] «1» إخراجه الحاكم، و تجب على السفيه النيّة عند أخذ الحاكم «2».

و لا يمنعه المرض و إن قلنا بكون المريض محجورا عليه في الزائد عن الثلث، لما ذكر من العمومات.

______________________________

(1) أثبتناه من المصدر.

(2) البيان: 282.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 62

الباب الثاني في ما تجب فيه الزكاة
اشاره

و الشروط المتعلّقة بمحلّ الوجوب، و القدر الواجب إخراجه، و ما يتعلّق بذلك من الأحكام.

و اعلم أولا: أنّ ما تجب فيه الزكاة تسعة: النقدان، و الأنعام الثلاثة، و الغلّات الأربع.

أمّا وجوب الزكاة فيها فبإجماع المسلمين، بل الضرورة من الدين، و المتواترة من أخبار العترة الطاهرة، كما تأتي إلى بعضها الإشارة.

و أمّا عدم وجوبها في غيرها فهو المشهور بين الأصحاب، بل عن الناصريّات و الانتصار و الخلاف و الغنية و المنتهى «1» و غيرها «2»: الإجماع عليه، للأصل و الأخبار.

ففي صحيحة ابن سنان: «إن اللّه تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة، ففرض اللّه عليهم من الذهب و الفضّة، و فرض عليهم الصدقة من الإبل و البقر و الغنم، و من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و نادى فيهم بذلك في رمضان،

و عفا لهم عمّا سوى ذلك» «3».

و صحيحة الفضلاء الخمسة: «فرض اللّه الزكاة مع الصلاة في الأموال، و سنّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في تسعة أشياء و عفا عمّا سواهن: في الذهب و الفضّة و الإبل و البقر و الغنم و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و عفا

______________________________

(1) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 204، و الانتصار: 75، و الخلاف 2: 54 و 61، و الغنية (الجوامع الفقهية): 566، و المنتهى 1: 473.

(2) كالدروس 1: 228.

(3) الكافي 3: 497- 2، الفقيه 2: 8- 26، الوسائل 9: 53 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 63

رسول اللّه عمّا سوى ذلك» «1».

و قريبة منها رواية الحضرمي «2»، و رواية زرارة «3»، و رواية الطيّار «4»، و موثّقة الحسن بن شهاب «5».

و في موثّقة زرارة: عن صدقات الأموال، فقال: «في تسعة أشياء ليس في غيرها شي ء: في الذهب و الفضّة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم السائمة، و هي الراعية، و ليس في شي ء من الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شي ء، و كلّ شي ء كان من هذه الثلاثة الأصناف فليس فيه شي ء حتى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج» «6»، إلى غير ذلك من الأخبار التي يأتي ذكرها في مواضعها.

خلافا لشاذّ، فأوجبها في كلّ ما تنبته الأرض ممّا يكال أو يوزن «7»، و لآخر مثله، فأوجبها في مال التجارة [1]. و سيأتي الكلام مع الفريقين في

______________________________

[1] نسبه إلى ابني بابويه في المختلف: 179. و الموجود في المقنع: 52: إذا كان مالك في تجارة و طلب منك المتاع

برأس مالك و لم تبعه تبتغي بذلك الفضل فعليك زكاته إذا حال عليه الحول.

______________________________

(1) الكافي 3: 509- 1، التهذيب 4: 3- 5، الاستبصار 2: 3- 5، الوسائل 9: 55 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 8 ح 4.

(2) التهذيب 4: 3- 6، الاستبصار 2: 3- 6، الوسائل 9: 55 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 8 ح 5.

(3) التهذيب 4: 2- 1، الاستبصار 2: 2- 1، الوسائل 9: 57 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 8 ح 8.

(4) التهذيب 4: 4- 9، الاستبصار 2: 4- 9، الوسائل 9: 58 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 8 ح 12.

(5) التهذيب 4: 3- 3، الاستبصار 2: 2- 3، الوسائل 9: 57 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 8 ح 10.

(6) التهذيب 4: 2- 2، الاستبصار 2: 2- 2، الوسائل 9: 57 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 8 ح 9.

(7) نقله عن ابن الجنيد في المختلف: 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 64

بحث ما تستحبّ فيه الزكاة.

ثمَّ إنّ في هذا الباب فصولا:
اشاره

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 65

الفصل الأول في زكاة الأنعام الثلاثة
و فيه بحثان:
البحث الأول في شرائط وجوبها و قدرها
و الشرائط أمور:
الشرط الأول: أن يحول عليها الحول في ملكه،
اشاره

فما لم يحلّ عليه الحول و لو بنقص ساعة ليس فيه شي ء إجماعا محقّقا، و محكيّا مستفيضا «1»، له، و للمستفيضة من الأخبار:

منها: الموثّقات الأربع، و حسنة زرارة، المتقدّمة جميعا في الفرع الثاني من الشرط الأول من الباب الأول «2»، و موثّقة زرارة المتقدّمة في صدر الباب الثاني.

و في صحيحة ابن سنان المتقدّمة في صدر الباب الثاني بعد قوله:

«و عفا لهم عمّا سوى ذلك» قال: «ثمَّ لم يتعرّض [1] لشي ء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل، فصاموا و أفطروا، فأمر مناديه، فنادى في

______________________________

[1] في الكافي: لم يفرض.

______________________________

(1) كما في المعتبر 2: 507، و المنتهى 1: 486، و الإيضاح 1: 172.

(2) راجع ص 17، 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 66

المسلمين: أيّها المسلمون زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم» قال: «ثمَّ وجّه عمّال الصدقة و عمّال الطسوق» [1].

و في رواية زرارة: «و ليس في شي ء من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف الثلاثة التي سمّيناها، و كلّ شي ء كان من هذه الأصناف من الدواجن [2] و العوامل [3] فليس فيها شي ء، و ما كان من هذه الأصناف الثلاثة الإبل و البقر و الغنم فليس فيها شي ء حتى يحول عليها الحول من يوم ينتج» «1».

و في صحيحة الفضلاء الخمسة: «إنّما الصدقة على السائمة الراعية، و كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه حتى يحول عليه الحول، فإذا حال عليه الحول وجبت عليه» «2».

و في رواية زرارة: «ليس في صغار الإبل و البقر و الغنم شي ء إلّا ما حال عليه الحول عند الرجل، و ليس في أولادها شي ء حتى يحول عليها الحول» «3».

و في أخرى: «لا

يزكّى من الإبل و البقر و الغنم إلّا ما حال عليه

______________________________

[1] الطسوق: جمع الطسق، و هو الوظيفة من خراج الأرض- الصحاح 4: 1517.

[2] الدواجن: جمع الداجن. دجن بالمكان: أقام به، و شاة داجن: إذا ألفت البيوت و اسنأنست- الصحاح 5: 2111.

[3] العوامل: جمع عاملة، و هي التي يستقى عليها و تحرث و تستعمل في الاشتغال- مجمع البحرين 5: 430.

______________________________

(1) التهذيب 4: 21- 54، الاستبصار 2: 20- 58، الوسائل 9: 79 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 17 ح 3.

(2) الكافي 3: 534- 1، التهذيب 4: 24- 57، الوسائل 9: 119 أبواب زكاة الأنعام ب 7 ح 2 و ص 121 ب 8 ح 1.

(3) التهذيب 4: 42- 108، الاستبصار 2: 23- 63، الوسائل 9: 123 أبواب زكاة الأنعام ب 9 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 67

الحول، و ما لم يحل عليه الحول فكأنّه لم يكن» «1».

و في صحيحة زرارة في الزكاة: «و كذلك الرجل لا يؤدّي عن ماله إلّا ما حلّ عليه الحول» «2».

و في صحيحة محمّد الحلبي: عن الرجل يفيد المال، قال: «لا يزكّيه حتى يحول عليه الحول» «3».

و في صحيحة زرارة و محمّد: «أيّما رجل كان له مال و حال عليه الحول فإنّه يزكّيه»، قيل: فإن وهبه قبل حوله بشهر أو بيوم؟ قال: «ليس عليه شي ء إذن» «4».

و حسنة عمر بن يزيد: الرجل يكون عنده المال، أ يزكّيه إذا مضى نصف السنة؟ قال: «لا، و لكن حتى يحول عليه الحول و يحلّ عليه» «5».

و صحيحة زرارة: أ يزكّي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال: «لا، أ يصلّي أحدكم قبل الزوال؟!» «6».

و هاهنا مسائل:
المسألة الأولى: حدّ الأصحاب الحول المعتبر في الزكاة بتمام أحد عشر شهرا و دخول الثاني عشر،

______________________________

(1) التهذيب 4: 43- 109، الاستبصار 2: 23-

64، الوسائل 9: 121 أبواب زكاة الأنعام ب 8 ح 2.

(2) الكافي 3: 525- 4، التهذيب 4: 35- 92، الاستبصار 2: 8- 8، الوسائل 9:

161 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 11 ح 5، و فيها: حال عليه الحول.

(3) الكافي 3: 525- 2، التهذيب 4: 35- 91، الوسائل 9: 169 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 15 ح 1.

(4) الكافي 3: 525- 4، الفقيه 2: 17- 54، التهذيب 4: 35- 92، الوسائل 9:

163 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 12 ح 2.

(5) الكافي 3: 523- 8، التهذيب 4: 43- 110، الاستبصار 2: 31- 9، الوسائل 9:

305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51 ح 2.

(6) الكافي 3: 524- 9، التهذيب 4: 43- 111، الوسائل 4: 166 أبواب المواقيت ب 13 ح 2، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 68

بل عن المعتبر و المنتهى و التذكرة و الإيضاح الإجماع عليه «1»، و في الذخيرة: لا أعرف في ذلك خلافا بين الأصحاب «2»، و في الحدائق: و الظاهر أنّه لا خلاف فيه «3».

و استدلّ له- مع الإجماع المنقول- بقوله عليه السلام في صحيحة زرارة: «إنّه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة» إلى أن قال:

«إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول و وجبت عليه فيها الزكاة»، و اختصاصها بالنقد غير ضائر، لعدم الفاصل.

و المستفاد من تحديدهم و المتبادر من الصحيحة: أنّ الحول الذي اعتبره الشارع في وجوب الزكاة هو حولان اثني عشر هلالا، و بعبارة أخرى:

هو دخول الثاني عشر.

و مقتضى ذلك أنّه بدخول الثاني عشر مستجمعا للشرائط تجب الزكاة، و لا يضرّ اختلال بعض الشروط بعده، و لا يجوز التأخير على القول بالفوريّة، و

لو أخّر كان ضامنا، إلى غير ذلك من آثار الوجوب.

و هذا هو معنى الوجوب المستقرّ، الذي ذكروه.

و منهم من قال: إنّ الوجوب بذلك المعنى إنّما يتحقّق بتمام الثاني عشر، و المتحقّق بدخوله إنّما هو الوجوب المتزلزل- و هو الذي اختاره في المسالك «4»- لأنّ الثابت من الإجماع ليس إلّا تحقّق الوجوب بدخول الثاني عشر، و هو أعمّ من المستقرّ و إن كان ظاهرا فيه. و مقتضى المعنى الحقيقي للحول المصرّح به في الروايات عدم تحقّق الوجوب المستقرّ إلّا بتمام الثاني عشر.

______________________________

(1) المعتبر 2: 507، و المنتهى 1: 487، و التذكرة 1: 205، و الإيضاح 1: 172.

(2) الذخيرة: 428.

(3) الحدائق 12: 73.

(4) المسالك 1: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 69

و أمّا صحيحة زرارة، ففي سندها كلام يضعّف الاعتماد عليها [1]، بل قيل: في بعض مواضع متنها أيضا تشابه يوجب تضعيفها [2].

مع أنّا لو قلنا بصحّة الخبر- كما هو الأصحّ- و بعدم ضير تشابه بعض أجزائه في العمل بما لا تشابه فيه- كما هو الوجه- لم يستفد منه مع ملاحظة سائر الأخبار أيضا أعمّ من مطلق الوجوب المحتمل للمتزلزل.

و ذلك لأنّ الظاهر من الوجوب المذكور فيه و إن كان المستقرّ، إلّا أنّ ما دلّ على اشتراط سائر الشروط طول الحول أوجب صرفه عنه، لأنّه مقتضى العمل بهما. كما أنّه ورد وجوب الصلاة بدلوك الشمس، و لكنّه لا ينفي اشتراط سائر الشروط الواجبة بأدلّة أخرى، و كما أنّ ذات العادة تجب عليها العبادة بمجرّد انقطاع الدم على العادة، و لكنه لا ينافي اشتراط عدم رؤية الدم إلى العاشر.

فإن قيل: الخبر كما يدلّ على تحقّق الوجوب بدخول الثاني عشر، كذلك يدلّ على حولان الحول به أيضا، حيث

قال: «فقد حال الحول» و لازمه حمل الحول المعتبر لسائر الشروط على ذلك أيضا، فلا يبقى معارض لظهور الوجوب في المستقرّ أصلا.

قلنا: الحول حقيقة- لغة و شرعا كتابا و سنّة- في تمام الاثني عشر، و حمله على الأحد عشر مجاز لا يصار إليه إلّا بقرينة، و الخبر إنّما يصلح قرينة لو لا احتمال المجاز فيه بحمل قوله: «حال الحول» على المقرب [3] منه أو غيره، فإنّ باب المجاز واسع.

______________________________

[1] لعلّ منشأه: أنّ من جملة رجالها إبراهيم بن هاشم، قال العلّامة في الخلاصة ص 4: لم أقف لأحد من أصحابنا على قول في القدح فيه، و لا على تعديله بالتنصيص. و الروايات عنه كثيرة، و الأرجح قبول قوله.

[2] قد عبّر عنها الفيض الكاشاني بالحسن المتشابه. المفاتيح 1: 196.

[3] في «ق»، «س»: المقرر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 70

و هذا الاحتمال قائم، بل راجح، لأنّ ارتكاب التجوّز في خبر أولى من ارتكابه في السنّة المتواترة و الكتاب.

و لو سلّم التساوي فالأمر دائر بين مجازين متساويين، فيرجع إلى حكم الأصل، و هو عدم استقرار الوجوب.

قيل: يرد عليه أنّ مقتضى حقيقة أدلّة سائر الشروط عدم تحقّق وجوب أصلا قبل تمام الاثنى عشر و عدم وجوب شي ء قبله، فالقول بتحقّق وجوب قبله صرف لها عن حقائقها أيضا، فهذا القول يوجب ارتكاب التجوّز فيها و في الخبر، بخلاف حمل الخبر على المستقرّ.

مع أنّه لو سلّمنا تعارض المجازين، و فقدان المرجّح من البين، فالجمع- بحمل أحدهما على الوجوب المتزلزل، و الآخر على المستقرّ- جمع بلا دليل، إذ لا شاهد عليه و لا سبيل.

و القياس على دلوك الشمس و انقطاع دم ذات العادة باطل، لوجود الشواهد فيهما.

فيجب إمّا نفي مطلق الوجوب بدخول

الثاني عشر، أو القول بالوجوب المستقرّ به، و الأول باطل إجماعا، فبقي الثاني.

أقول: يمكن أن يقال: إنّ تحقّق مطلق الوجوب- الذي أقلّه المتزلزل بدخول الثاني عشر- إجماعي، فالتعارض إنّما هو في الوجوب المستقرّ، و إذ لا مرجّح لأحد المجازين يجب الرجوع إلى أصالة عدم الاستقرار.

و الترجيح الذي ذكر- من إيجاب القول بالمستقرّ ارتكاب التجوز في أحدهما، و بالمتزلزل أيضا- لا يصلح للترجيح، لأنّ المجاز خلاف الأصل، واحدا كان أو متعدّدا، فلا يصار إلى شي ء منهما ما لم يتضمّن الأكثر للأقلّ إلّا بدليل.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ الوجوب في كلّ من الخبر و أدلّة سائر

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 71

الشروط حقيقة في المستقرّ، و لكن الخبر أخصّ مطلقا من أدلّة سائر الشروط؛ لدلالتها على عدم تحقق الوجوب قبل حولان الحول مطلقا، سواء دخل الثاني عشر أو الحادي عشر أو العاشر إلى آخر الشهور، أم لا، و الخبر يدلّ على تحقّقه بدخول الثاني عشر خاصّة، حيث قال: «وجبت الزكاة»، و الخاصّ مقدّم على العامّ قطعا، و الخبر معتبر سندا لصحّته، و معتضد بعمل الطائفة.

و لا يضرّ قوله في الخبر: «فقد حال الحول» لو سلّم احتمال تجوّز فيه؛ لأنّ الاستناد على قوله: «فقد وجبت الزكاة»، مع أنّ المفهوم من هذا عرفا: التجوّز في حول سائر الأدلّة، فإنّ المتبادر منه أنّ الحول الذي اشترط هو أحد عشر شهرا، و لا يلتفت في العرف إلى احتمال التجوّز فيه.

هذا، مضافا إلى أنّه على فرض الاحتمال و تكافؤ المجازين ترتفع أخبار الحول من البين، و تبقى عمومات وجوب الزكاة مطلقا خالية من المقيّد، خرج ما دون أحد عشر شهرا بالإجماع، فيبقى الباقي.

و على هذا، فالحقّ ما هو المشهور من

استقرار وجوب الزكاة بدخول الثاني عشر.

و لا تنافيه صحيحة ابن سنان المتقدّمة في صدر المقام «1»؛ لاحتمال كون الوجوب المتحقّق بدخول الثاني عشر موسّعا إلى تمامه، فإنّ الوجوب حقيقة في المطلق.

المسألة الثانية: هل يحتسب الشهر الثاني عشر من الحول الأول أو الثاني.

ذهب العلّامة «2» و الشهيدان «3» إلى الأول. و اختاره المحقّق الأردبيلي

______________________________

(1) في ص 65.

(2) نهاية الإحكام 2: 312.

(3) الشهيد الأول في الدروس 1: 232، و البيان: 284، و الشهيد الثاني في الروضة 2: 23، و المسالك 1: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 72

مع حكمه بالاستقرار بدخول الثاني عشر «1».

و استدلّ بأنّ الحول حقيقة لغة و شرعا في تمام الاثني عشر، و غاية ما دلّت عليه الصحيحة هي أنّه يكفي في وجوب الزكاة و استقراره دخول الثاني عشر، و ذلك لا يدلّ على أنّ الحول الذي يجب جريانه على الأموال هو أحد عشر شهرا.

و اعترض عليه بأنّه ليس مقتضى أدلّة حولان الحول، إلّا أنّه لا تجب الزكاة قبله، و أنّ تمامه شرط في وجوبها، و لا معنى لها إلّا ذلك. فإذا قلنا بالوجوب قبله، و خصصنا أدلة حولان الحول بالصحيحة، لا يبقى دليل آخر على اشتراط الحول الحقيقي.

و الحاصل: أنّ مقتضى عمومات وجوب الزكاة وجوبها بمجرّد تملّك النصاب من غير اشتراط حول، و لكن ثبت اشتراط الحول في وجوبها بأدلّته. ثمَّ ثبت بالصحيحة عدم اشتراط تمام الحول، بل يشترط مضيّ أحد عشر شهرا، و بها تخصّص أدلّة اشتراط الحول.

فلا يبقى دليل على اشتراط مضيّ الثاني عشر، فلا يكون وجه لاحتسابه من الحول الأول، بل تجب زكاة كلّ حول بمضيّ أحد عشر شهرا.

أقول: القائل باحتسابه من الأول لعلّه لا ينكر كون كلّ حول للزكاة أحد عشر شهرا، و لا يقول باشتراط مضيّ الثاني

عشر في تعلّق الوجوب أو استقراره. بل مراده من احتسابه من الأول: أنّ مبدأ الحول الثاني تمام اثني عشر شهرا من الأول، و مبدأ الثالث تمام اثني عشر من الثاني و هكذا.

فمرجع النزاع حقيقة في مبدأ الأحوال اللاحقة، و لا دلالة لاستقرار الوجوب

______________________________

(1) مجمع الفائدة 4: 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 73

بدخول الثاني عشر على أن مبدأ الثاني دخول هذا الشهر، بل لا دليل أصلا يدلّ على ذلك.

و لو سلّمنا كون حول الزكاة مطلقا أحد عشر، و أنّ أخبار الحول تدلّ على وجوب حولان أحد عشر في كلّ عام، فلا يثبت أنّ مبدأ الاثني عشر في أيّ وقت، و ليس قوله في الخبر «إذا رأى الهلال الثاني عشر فقد حال الحول» أنّ الثاني عشر مبتدئ من أيّ وقت.

فعلى هذا يجب الرجوع إلى الأصل، و هو ابتداء الحول الثاني من تمام الثاني عشر من الأول؛ لأصالة عدم وجوب الزكاة إلّا بعد مضيّ أحد عشر من ذلك المبدأ.

بل لو لا الإجماع على اتّحاد جميع الأعوام لكان مقتضى الأصل عدم الوجوب إلّا بمضيّ اثني عشر شهرا من ذلك المبدأ؛ إذ الخبر لا يدلّ على أزيد من أنّ الحول الأول يحول بمضيّ أحد عشر. إذ [1] يمكن أن يكون المراد إذا رأى الهلال الثاني عشر من حين التملّك أو استجماع الشرائط فقد حال الحول، فلا يدلّ على ما بعده.

هذا، مضافا إلى رواية الكرخي: عن الزكاة «انظر شهرا من السنة فانو أن تؤدّي زكاتك فيه، فإذا دخل ذلك الشهر فانظر ما نض- يعني ما حصل في يدك من مالك- فزكّه، فإذا حال الحول و الشهر الذي زكّيت فيه فاستقبل مثل ما صنعت، ليس عليك أكثر منه» «1»، فإنّ

انتظار مثل الشهر يجتمع مع احتساب الثاني عشر مع الأول.

هذا غاية ما يمكن أن يستدلّ به لذلك القول.

و لكن يرد عليه: أنّ التمسّك بالأصل إنّما كان يتمّ لو كان دليل تكرار

______________________________

[1] في «س»: أو، و في «ح»: و.

______________________________

(1) الكافي 3: 522- 1، الوسائل 9: 166 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 13 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 74

الزكاة بتكرّر السنين مجرّد الإجماع، فيقال: لم يثبت أزيد من ذلك.

و لكن قد دلّت عليه الأخبار:

ففي موثّقة زرارة: «و إن كان يدعه متعمّدا و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به [من ] السنين» «1».

و في رواية عبد الحميد بن سعد [1]: قلت: لكم يزكّيه إذا أخذه؟ قال:

«لثلاث سنين» «2».

و في صحيحة ابن يقطين: «تلزمه الزكاة في كلّ سنة إلّا أن يسبك» «3».

و على هذا فنقول: إنّه و إن لم يتعيّن مبدأ الأحوال، و لكن ظاهر أنّ بعد اشتراط الحول و السنة في الزكاة بالأخبار و جعله أحد عشر شهرا بالخبر المتقدّم «4» يفهم أن كلّ حول في الزكاة هو ذلك.

ثمَّ إذا قال [2]: ما مرّ به أحوال أو سنون، فكذا يتفاهم منه عرفا: أنّ مبدأ كلّ حول لا حق تمام الحول السابق، فإنّه المتفاهم من مرور الأحوال المصطلحة على شي ء.

و لذا لو قيل: حول الآخرة خمسون عاما و يفرغ من الحساب بعد ثلاث أحوال، يفهم منه أنّ مبدأ كلّ حول لا حق بعد تمام الحول السابق، الذي هو خمسون عاما من أعوام الدنيا.

______________________________

[1] في «س»: عبد الحميد بن سعيد.

[2] في «ح»: حال.

______________________________

(1) تقدّمت في ص 34، و ما بين المعقوفين من المصدر.

(2) تقدّمت في ص 50.

(3) الكافي 3: 518- 5، التهذيب 4:

7- 17، الاستبصار 2: 7- 15، الوسائل 9:

166 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 13 ح 1.

(4) أي صحيحة زرارة المتقدمة في ص 68.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 75

و أمّا رواية الكرخي فهي متشابهة غير صالحة للاستدلال؛ لأنّ المراد بقوله: «فإذا حال الحول و الشهر الذي زكّيت فيه» إن كان تمام الحول و الشهر، يلزم لزوم مرور ثلاثة عشر شهرا، و هو خلاف الإجماع.

و إن كان المراد بقوله: «حال»: دخل، لم يكن معنى لدخول الحول و الشهر معا؛ لأنّ هذا الشهر آخر الحول.

و حمله على «تمَّ»- بالنسبة إلى الحول و دخل بالنسبة إلى الشهر- يوجب استعمال اللفظ في معنييه.

و الظاهر أنّه نوع إرشاد لم يلاحظ فيه التحقيق، بل اكتفي بالتقريب.

و من ذلك يظهر أنّ الحقّ: احتساب الثاني عشر من الثاني، كما هو مذهب القطب الراوندي «1»، و فخر المحقّقين في حواشي القواعد «2»، و الفاضل الهندي في شرح الروضة.

المسألة الثالثة [ما المراد من اشتراط حولان الحول ]

المراد من اشتراط حولان الحول على الجنس الزكوي: اشتراط حولانه عليه مستجمعا (طول الحول) [1] لجميع شرائط وجوب الزكاة المعتبرة في المالك، من البلوغ، و العقل، و الحرّية، و الملكيّة، و التمكّن من التصرّف. و في المال، من النصاب، و السوم، و عدم كونه عوامل في الأنعام .. و المسكوكيّة و نحوها في النقدين.

فلو اختلّ أحد هذه الشروط في أثناء الحول سقطت الزكاة.

أمّا اشتراط تحقّق شرائط المالك طول الحول فقد مرّ.

و أمّا اشتراط النصاب و سقوطها بنقصان النصاب بعض الحول فهو إجماعي، بل هو ممّا لا خفاء فيه؛ إذ لو كان نصابا أولا و نقص في أثناء

______________________________

[1] ليست في «س».

______________________________

(1) فقه القرآن 1: 237.

(2) الإيضاح 1: 172.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 76

الحول

فليس عليه الزكاة قبل تمام الحول؛ لما صرّح: بأنّ ما لم يحلّ عليه الحول فليس فيه شي ء. و لا بعد تمام الحول؛ لما صرّح: بأنّ ما نقص عن النصاب ليس فيه شي ء.

و لو كان ناقصا أولا و بلغ النصاب في أثناء الحول فلا تجب على المجموع بعد تمام الحول؛ إذ بعضه لم يحلّ عليه الحول، و ما لم يحلّ عليه الحول لا زكاة فيه، و لا على القدر الناقص الذي حال عليه الحول؛ لمثل قوله: «ليس في ما دون العشرين مثقالا من الذهب شي ء» «1» و قوله: «ليس في ما دون الأربعين شاة شي ء» «2»، إلى غير ذلك.

و تدلّ عليه أيضا حسنة رفاعة، و فيها: «إذا اجتمع مائتا درهم، فحال عليها الحول، فإنّ عليها الزكاة» «3».

و أمّا اشتراط سائر الشرائط من السوم و نحوه طول الحول فسيأتي في طيّ ذكر الشرائط إن شاء اللّه.

المسألة الرابعة: لو عاوض الجنس الزكوي في أثناء الحول بغيره سقطت الزكاة مطلقا،

سواء عاوضه بجنسه كالشاة بالشاة، أو بغير جنسه كالشاة بالبقر مطلقا.

بلا خلاف معتبر إذا لم تكن المعاوضة بقصد الفرار، سواء كان العوض مستجمعا لجميع الشرائط غير الحول- كمعاوضة السائمة بالسائمة- أو لا.

للأصل، و قوله عليه السلام في المستفيضة: كلّ ما لا يحول عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه» «4»، فإنّ العوض لم يحلّ عليه الحول عنده

______________________________

(1) الوسائل 9: 137 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 1.

(2) الوسائل 9: 116 أبواب زكاة الأنعام ب 6.

(3) الكافي 3: 515- 2، الوسائل 9: 143 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 2 ح 2.

(4) راجع ص 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 77

مطلقا، جنسا كان أو غيره، بقصد الفرار كان أو لا.

خلافا للمحكيّ عن المبسوط فيما إذا عاوضه بجنسه، فيبنى على حوله «1».

و

اختاره فخر المحقّقين في شرح الإرشاد، و قال: إذا عاوض أربعين سائمة في ستّة أشهر بأربعين أخرى كذلك يبنى على الحول الأول، لا إذا عاوضها بأربعين معلوفة، أو أربعين سائمة في أربعة أشهر.

و دليلهما صدق الاسم، فيصدق أنّ عنده أربعين شاة- مثلا- طول حول.

و هو ضعيف؛ لأنّ المراد بالموصول في مثل قوله: «ما لم يحل عليه الحول» الأعيان.

المسألة الخامسة: لو عاوض في أثناء الحول أو جعل النصاب ناقصا بقصد الفرار من الزكاة سقطت الزكاة أيضا على الأقوى،
اشاره

وفاقا للمحكيّ عن العماني «2» و الإسكافي «3» و المفيد «4» و النهاية و التهذيب و الاستبصار «5» و القاضي «6» و الحلّي «7» و احتمله في الناصريات «8».

و كلام أكثرهم و إن كان في سبك الذهب و الفضة بقصد الفرار، إلّا أنّ الظاهر عموم الحكم، و هو مختار الفاضلين «9»، بل هو المشهور مطلقا،

______________________________

(1) المبسوط 1: 206.

(2) حكاه عنه في الرياض 1: 271.

(3) حكاه عنه في المختلف: 173.

(4) المقنعة: 38.

(5) النهاية: 175، التهذيب 4: 9، الاستبصار 2: 8.

(6) حكاه عنه في الرياض 1: 271.

(7) السرائر 1: 442.

(8) الناصريات (الجوامع الفقهية): 218.

(9) المحقق في المعتبر 2: 511، و الشرائع 1: 145، و العلّامة في المختلف:

179، و المنتهى 1: 495، و القواعد 1: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 78

كما في المدارك و الذخيرة «1»، أو بين المتأخّرين خاصّة، كما في الحدائق «2».

للأصل، و عدم حولان الحول، و إطلاق صحيحة زرارة و محمّد: «أيّما رجل كان له مال و حال عليه الحول فإنّه يزكّيه»، قيل له: فإن وهبه قبل حوله بشهر أو بيوم؟ قال: «ليس عليه شي ء» «3».

و نحوه في حسنته، و فيها أيضا: رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا بها من الزكاة، فعل ذلك قبل حلّها بشهر، فقال: «إذا

حلّ الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول و وجبت عليه فيها الزكاة»، قلت: فإن أحدث فيها قبل الحول؟ قال: «جاز له ذلك»، قلت: إنّه فرّ بها من الزكاة، قال: «ما أدخل على نفسه أعظم ممّا منع من زكاتها» «4» الحديث.

و صحيحة عمر بن يزيد: رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى به أرضا أو دارا، أ عليه فيه شي ء؟ فقال: «لا، و لو جعله حليّا أو نقرا [1] فلا شي ء عليه، و ما يمنع نفسه من فضله أكثر ممّا منع من حقّ اللّه [الذي ] يكون فيه» «5».

و حسنة هارون: إنّ أخي يوسف ولي لهؤلاء القوم أعمالا أصاب فيها أموالا كثيرة، و إنّه جعل ذلك حليّا أراد به أن يفرّ من الزكاة، أ عليه الزكاة؟

______________________________

[1] النقرة، و الجمع: النقر و النقار: القطعة المذابة من الفضة- المصباح المنير:

621.

______________________________

(1) المدارك 5: 74، و الذخيرة: 431.

(2) الحدائق 12: 96.

(3) راجع ص 67.

(4) راجع ص 68.

(5) الكافي 3: 559- 1، الفقيه 2: 17- 51، الوسائل 9: 159 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 11 ح 1، و ما بين المعقوفين من الوسائل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 79

قال: «ليس على الحليّ زكاة» «1».

و حسنة ابن يقطين، و فيه: «إذا أردت ذلك فاسبكه، فإنّه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضّة شي ء من الزكاة» «2».

و المرويّ في العلل و المحاسن: «لا تجب الزكاة فيما سبك فرارا من الزكاة» «3».

و تدلّ عليه أيضا عمومات نفي الزكاة عن الحليّ و السبائك «4».

و صحيحة ابن يقطين: عن المال الذي لا يعمل به و لا يقلب، قال:

«تلزمه الزكاة في كلّ سنة إلّا أن يسبك» «5».

خلافا للمحكيّ عن المقنع و الفقيه و رسالة والده و

الانتصار و المسائل المصريّة الثالثة و الجمل و الاقتصاد و الخلاف و المبسوط و موضع من التهذيب و الوسيلة و الغنية و الإشارة «6»، فأوجبوا الزكاة في سبك الذهب و الفضّة بقصد الفرار، و زاد في الانتصار و الخلاف و المبسوط: إذا ناول

______________________________

(1) الكافي 3: 518- 7، التهذيب 4: 9- 26، الاستبصار 2: 8- 23، علل الشرائع: 370- 2، الوسائل 9: 160 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 11 ح 4.

(2) الكافي 3: 518- 8، التهذيب 4: 8- 19، الاستبصار 2: 6- 13، الوسائل 9:

154 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 8 ح 2.

(3) علل الشرائع: 370- 3، المحاسن: 319- 52 بتفاوت يسير، الوسائل 9: 160 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 11 ح 2، 3.

(4) الوسائل 9: 154 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 8 و ص 156 ب 9.

(5) الكافي 3: 518- 5، التهذيب 4: 7- 17، الاستبصار 2: 7- 15، الوسائل 9:

155 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 8 ح 4.

(6) المقنع: 51، و الفقيه 2: 9، و حكاه عن والده في المختلف: 173، الانتصار:

83، و حكاه عن المسائل المصرية في المختلف: 173، و جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 75، الاقتصاد: 278، و الخلاف 2: 77، و المبسوط 1: 210، و التهذيب 4: 9، الوسيلة: 122، الغنية (الجوامع الفقهية):

567، و الإشارة: 109.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 80

جنسا بغيره أيضا، و في الأولين الإجماع عليه كما في المسائل المصريّة، و نسبه بعضهم إلى أكثر المتقدّمين [1]، و قوّاه بعض مشايخنا الأخباريّين [2].

للإجماع المذكور، و الروايات:

كموثّقة محمّد: عن الحلّي فيه زكاة؟ قال: «لا، إلّا ما فرّ به من الزكاة»

«1».

و موثّقي معاوية و إسحاق، إحداهما: الرجل يجعل لأهله الحليّ من مائة دينار و المائتي دينار و أراني قد قلت ثلاثمائة، فعليه الزكاة؟ قال: «ليس عليه زكاة» قال: قلت: فإنّه فرّ به من الزكاة، فقال: «إن كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة» «2».

و رواه الحلّي في مستطرفات السرائر عن معاوية بن عمّار «3»، فتكون الرواية صحيحة.

و الأخرى: عن رجل له مائة درهم و عشرة دنانير أ عليه زكاة؟ قال:

«إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة، و إن كان إنّما فعله ليتجمّل به فليس عليه زكاة» «4».

و الرضويّ: «ليس في السبائك زكاة إلّا أن يكون فرّ به من الزكاة،

______________________________

[1] كصاحب الرياض 1: 271.

[2] كصاحب الحدائق 12: 105.

______________________________

(1) التهذيب 4: 19- 25، الاستبصار 2: 8- 21، الوسائل 9: 162 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 11 ح 7.

(2) التهذيب 4: 19- 25، الاستبصار 2: 8- 22، الوسائل 9: 157 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 9 ح 6.

(3) مستطرفات السرائر: 21- 2، الوسائل 9: 162 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 11 ذيل الحديث 6.

(4) التهذيب 4: 94- 270، الاستبصار 2: 40- 122، الوسائل 9: 151 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 81

فإن فررت به من الزكاة فعليك فيه زكاة» «1».

و الجواب عنها- مع ضعف الأخير، و أخصّية الأولين و الأخير عن مطلوب بعضهم؛ لاختصاصها بالسبائك و تحقّق القول بالفصل-: أنّ الأخبار المتقدّمة قرينة على عدم إرادة الوجوب من هذه، فهي محمولة على الاستحباب، كما قاله أكثر الأصحاب «2».

مع أنّ الاولى غير دالّة على الوجوب أصلا؛ إذ قوله: «فيه الزكاة» أعمّ من الوجوب و الاستحباب.

بل كذا

قيل في الموثّقتين الأخيرتين أيضا «3»؛ لاحتمال عود الضمير في «عليه» إلى المال، قال: و حينئذ لا فرق بين في و على. و هو كذلك.

مع أنّه على فرض التعارض فالترجيح للمتقدّمة؛ لأصحّية السند و أكثريّة العدد، مع أنّه لو لا الترجيح لكان المرجع إلى الأصل، و الاستصحاب مع القول الأول.

و قد يرجّح الثاني بمخالفة جميع العامّة، كما صرّح به في الانتصار «4».

و فيه: أنّه إنّما يحتاج إليه لو لا انفهام الاستحباب عرفا مع مقابلة الفريقين من الأخبار، مع أنّ الثانية أيضا موافقة لقول مالك «5» و أحمد «6»، و اشتهار مذهب الشافعي و أبي حنيفة «7» في تلك الأزمنة لا يفيد بعد موافقة

______________________________

(1) فقه الرضا (عليه السلام): 199، مستدرك الوسائل 7: 81 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 6 ح 1.

(2) كما في الذخيرة: 432، و الرياض 1: 271.

(3) كما في الاستبصار 2: 8، و المدارك 5: 76.

(4) الانتصار: 83.

(5) الموطأ 1: 250.

(6) المغني و الشرح الكبير 2: 465، 534.

(7) أنظر: الأم للشافعي 2: 24، و بدائع الصنائع 2: 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 82

كلّ منهما لطائفة من العامّة.

و قد تحمل الثانية على قصد الفرار بعد الحول، و يستشهد له بموثّقة زرارة: إنّ أباك قال: «من فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤدّيها»، قال: «صدق أبي، إنّ عليه أن يؤدّي ما وجب عليه، و ما لم يجب عليه فلا شي ء عليه منه» «1»، و نحوها حسنته «2».

و ردّه في الحدائق بأنّه لا يجري في الموثّقة الثانية؛ لأنّه متى خصّ بتمام الحول و جعل المقسم بعده اقتضى سقوط الزكاة عمّن فعله ليتجمّل به، و هو خلاف الإجماع، و حمل الفرار على ما بعد الحول

و قصد التجمّل عليها قبله يجعل الكلام متهافتا «3».

أقول: يمكن أن يقال: إنّ المراد حمل الفرار من الزكاة على ما إذا فعله بعد الحول، فيكون المقسم عامّا و يقسّمه الإمام على قسمين:

قسم يفعله بعد الحول، و هو الذي عبّر عنه بقوله: «فإن كان فرّ به من الزكاة».

و قسم يفعله قبله و هو المذكور بقوله: «ليتجمّل به».

و إنّما عبّر بما بعد الحول بالفرار لأنّ الفرار عن الشي ء [بعد] [1] وجوده، فالاستشهاد إنّما هو في التجوّز دون التخصيص المستلزم للتهافت.

و إلى هذا ينظر كلام الشيخ؛ حيث ذكر بعد ذلك الحمل: أنّ معه لا يستقيم الاستثناء في الموثّقة الاولى، و أجاب بأنّ «لا» في جواب السؤال عن وجوب الزكاة في الحلي اقتضى أنّ كلما يقع عليه اسم الحلي لا يجب

______________________________

[1] أضفناه لاستقامة المعنى.

______________________________

(1) الكافي 3: 525- 4، الاستبصار 2: 8- 24، التهذيب 4: 10- 27، الوسائل 9:

161 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 11 ح 5.

(2) المتقدّمة في ص 68.

(3) الحدائق 12: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 83

عليه الزكاة، سواء صنع قبل حلول الوقت أو بعد حلوله؛ لدخوله تحت العموم، فقصد عليه السلام بذلك تخصيص البعض من الكلّ، و هو ما صنع بعد حلول الوقت «1». انتهى.

يعني: أنّه أراد من قوله «إلّا ما فرّ» ما حال عليه الحول، فتجوّز عن حلول الحول بذلك، و به حصل التخصيص في المستثنى منه.

و على هذا يظهر جواب آخر عن الأخبار الثانية؛ إذ يكون الخبران المذكوران «2» قرينتين على التجوّز، فيجب ارتكابه.

فروع على القول بعدم السقوط:

أ:

هل الوجوب يختصّ بالفرار في أثناء الحول؟

أم يعمّ الفرار و لو قبل الشروع في الحول أيضا، كأن ورث مالا زكويّا فبدّل بعضه أولا فرارا؟

ظاهرهم: العموم.

ب:

لو تركّب القصد من

الفرار و غيره، فمع استقلال أحدهما فالحكم له، و مع تساويهما يشكل.

ج:

لو فرّ و بدّل فهل الزكاة متعلّقة بالمبدل، أو المبدل منه، أو ينتقل إلى الذمّة؟ فيه احتمالات.

المسألة السادسة: لا تعدّ أولاد الأنعام-
اشاره

الحاصلة في أثناء حول الأمّهات- مع أمّهاتها، بل لها حول بانفرادها.

و كذا غير الأولاد ممّا يملكه المالك- و يضمّه مع ما كان له- في أثناء الحول بإرث أو شراء أو نحو ذلك.

______________________________

(1) التهذيب 4: 10.

(2) في ص 68، 80.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 84

بلا خلاف فيه، كما في الذخيرة و الحدائق «1»، بل بالإجماع، كما في المدارك «2»، و حكاه بعضهم عن جملة من عبارات الأصحاب «3».

و يدلّ عليه عموم جميع ما دلّ على أنّ «كلّ ما لم يحلّ عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه فيه» «4».

و جميع [1] ما دلّ على أنّه «ليس في السخال شي ء حتى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج» [2].

و لا فصل بين الأولاد و غيرها من الضمائم بالإجماع، مع أنّه تدلّ عليه مطلقا صحيحة شعيب: «كلّ شي ء جرّ عليك المال فزكّه، و كلّ شي ء ورثته أو وهب لك فاستقبل به» «5»، أي استأنف الحول حينما ملكته.

و رواية الأصبهاني: يكون لي على الرجل مال فأقبضه، متى أزكّيه؟

قال: «إذا قبضته فزكّه»، قلت: فإنّي أقبض بعضه في صدر السنة، و بعضه بعد ذلك، قال: فتبسّم ثمَّ قال: «ما أحسن ما أدخلت فيها من السؤال»، ثمَّ قال: «ما قبضت منه في الستّة الأشهر الأولى فزكّه لسنته، و ما قبضت بعد في الستّة الأشهر الأخيرة فاستقبل به في السنة المستقبلة، و كذلك إذا استفدت مالا منقطعا في السنة كلّها، فما استفدت منه في أول السنة إلى ستّة أشهر فزكّه في عامك ذلك كلّه،

و ما استفدت بعد ذلك فاستقبل به السنة

______________________________

[1] أخبارها مذكورة في طي شرط السوم (منه رحمه اللّه).

[2] الوسائل 9: 122 أبواب زكاة الأنعام ب 9؛ و السخال: جمع سخل، ولد الشاة من المعز و الضأن ذكرا كان أو أنثى. لسان العرب: 332.

______________________________

(1) الذخيرة: 432، الحدائق 12: 77.

(2) المدارك 5: 76.

(3) انظر: مفتاح الكرامة 3: 37.

(4) انظر: الوسائل 9: 121 أبواب زكاة الأنعام 8.

(5) الكافي 3: 527- 1، الوسائل 9: 171 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 16 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 85

المستقبلة» «1».

و ما يتضمّنه ذيل الرواية من جعل ابتداء ما يستفاد في الستّة الأشهر الأولى عند الشروع في الاستفادة، و ما يستفاد في الستّة الأخرى عند الفراغ منها جميعا، فليس على وجه الوجوب إجماعا، و إنّما هو إرشاد لتسهيل الضبط.

و رواية أبي بصير: عن رجل كون نصف ماله عينا و نصفه دينا، أ تحلّ عليه الزكاة؟ قال: «يزكّي العين و يدع الدين»، قلت: فإن اقتضاه بعد ستّة أشهر، قال: «يزكّيه حين اقتضاه»، قلت: فإن هو حال عليه الحول و حلّ الشهر الذي كان يزكّي فيه و قد أتى لنصف ماله سنة و لنصفه الآخر ستّة أشهر؟ قال: «يزكّي الذي مرّت عليه سنة، و يدع الآخر حتى تمرّ عليه سنة»، قلت: فإن اشتهى أن يزكّي ذلك؟ قال: «ما أحسن ذلك» «2».

و رواية عبد الحميد: في الرجل يكون عنده المال، فيحول عليه الحول، ثمَّ يصيب مالا آخر قبل أن يحول على المال الحول، قال: «إذا حال على المال الحول زكّاهما جميعا» «3»، أي إذا حال على كلّ مال حوله زكّاه.

و يحتمل غير ذلك المعنى أيضا، بأن يراد بالمال الأخير المال الأول، فيقدّم

زكاة الثاني، أو الأخير فيؤخّر زكاة الأول، و على هذا فالخبر لا يخلو عن إجمال.

فرع:

إذ عرفت أنّه لا تعدّ الضميمة مع الأصل في الحول، فنقول لكيفيّة ضبط حولهما: إنّ بعد كون الأصل نصابا لا يخلو إمّا لا تكون

______________________________

(1) الكافي 3: 523- 5، الوسائل 9: 172 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 16 ح 4.

(2) الكافي 3: 523- 6، الوسائل 9: 98 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 6 ح 9.

(3) الكافي 7: 527- 2، الوسائل 9: 171 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 16 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 86

الضميمة الحاصلة في أثناء حول الأصل بنفسها نصابا مستقلا بعد نصاب الأصل، أو تكون.

فإن لم تكن كذلك، فإمّا لا تكون نصابا غير النصاب الذي بعد نصاب الأصل أيضا و لا مكمّلا لنصاب أيضا، أو تكون.

فالأول: كأن يضمّ مع خمس من الإبل أربع، أو مع ثلاثين من البقر خمس، أو مع أربعين من الغنم عشرون، و حكمه ظاهر؛ إذ لا أثر لوجوده، بل يجري على حول الأصل، كما لو لم يكن هناك ضميمة.

و الثاني: إمّا يكون مكمّلا للنصاب اللاحق خاصّة، أو نصابا غير النصاب الذي بعد نصاب الأصل خاصّة، أو يكون كليهما.

فالأول: كأن يضمّ مع خمس و عشرين من الإبل إبلان، أو مع ثلاثين من البقر أحد عشر، أو مع مائة من الغنم اثنان و عشرون، و حكمه أيضا ظاهر، فيزكّي الأصل بعد تمام حوله؛ للروايات الأربع المتقدّمة «1»، و عمومات وجوب الزكاة في النصاب بعد الحول «2».

و لا ينافيه ما يدلّ على أنّ فريضة النصاب الحاصل من الأصل و الضميمة غير ذلك؛ لأنّه بعد حولان الحول عليه، و لم يحل بعد.

و لا

دلالة فيها على أنّه ليس لما دونه شي ء حتى يعارض العمومات و الروايات المتقدّمة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 9    87     فرع: ..... ص : 85

لا زكاة حين تمام حول الضميمة للضميمة منفردة؛ لنقصانها عن النصاب، فإمّا يزكّي حينئذ لمجموعهما، أو يؤخّر إلى الحول الثاني لأصلها و يزكّي المجموع.

الأول باطل؛ لاستلزامه إخراج الزكاة عن الأصل مرّتين في عام واحد،

______________________________

(1) في ص 84، 85.

(2) الوسائل 9: 64 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 87

و هو بصريح الأخبار باطل، فتعيّن الثاني.

فإن قيل: يعارض ما دلّ على أنّه لا يزكّى مال في عام مرّتين مع ما دلّ على أنّ النصاب اللّاحق بعد حولان الحول عليه تجب فريضته.

قلنا: التعارض بالعموم من وجه، و المرجع معه أيضا أصالة عدم وجوب الزكاة.

و الثاني: كأن يضمّ مع ست و عشرين من الإبل خمس، أو مع أربعين من الغنم أو مائة و إحدى و عشرين أربعون، و يزكّي أصله بعد حولان حوله.

و في إخراج زكاة الضميمة بعد حولها، ثمَّ زكاة الأصل بعد حول الثاني أيضا، و هكذا؛ لعمومات زكاة النصاب، و ظاهر الروايات الأربع المتقدّمة «1».

أو إسقاط الضميمة من البين و البناء على حول الأصل؛ لأدلّة العفو، ثمَّ زكاة الضميمة بعد حوله الثاني.

احتمالان، أظهرهما: الثاني، وفاقا للأكثر [1]؛ لما ذكر.

مضافا إلى الأصل، و اختصاص الروايات الأربع بما استجمعت شرائط وجوب الزكاة إجماعا، و منها: عدم كونه عفوا، و به تخصّص عمومات وجوب الزكاة في النصاب، مع أنّه على التعارض يرجع إلى الأصل.

و الثالث: كأن يضمّ مع ثلاثين من الإبل سبع، أو مع خمس و عشرين منها إحدى عشرة، أو مع ثمانين من الغنم اثنان

و أربعون.

ففي بناء زكاتهما على الحول الأول للأصل، فيزكّيان جميعا عند تمام حوله، فتحصل الفائدة للفقير.

أو على الحول الأول للضميمة، فيزكّيان عنده و يسقط من حول

______________________________

[1] منهم صاحب المدارك 5: 77، و الذخيرة: 432، و الرياض 1: 267.

______________________________

(1) في ص 84 و 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 88

الأصل ما زاد للأصل ما تقدّم من حوله على حول الضميمة من البين، فتحصل الفائدة للمالك.

أو إخراج زكاة للأصل بعد تمام حوله الأول ثمَّ البناء في زكاتهما على الحول الثاني للأصل و يسقط للضميمة من حوله على [1] تمام الحول الأول للأصل.

أو بناء زكاة كلّ منهما على حوله دائما.

احتمالات أربعة.

يبطل: أولها: بأدلّة اشتراط الحول و لم يجر على الضميمة بعد، و بظاهر الروايات الثلاث الأول من الأربع.

و ثانيها: بعمومات وجوب الزكاة في النصاب المعيّن بعد حولان الحول عليه «1» الخالية عن معارضة أدلّة العفو، مضافة إلى ظاهر الروايات الثلاث «2» (الأول من الأربع) [2].

و ثالثها: بالعمومات المذكورة أيضا، و رواية أبي بصير «3».

فلم يبق إلّا الأخير، و لا أدري له مبطلا.

و ما ورد في حكم العدد المركّب من الأصل و الضميمة فالمتبادر [منه ] [2] ما اتّحد الجميع في سائر الشرائط.

و لا يضرّ عدم ظهور مصرّح بهذا الاحتمال؛ لعدم ثبوت إجماع في ذلك المورد.

و إن كانت الضميمة نصابا مستقلا بعد نصاب الأصل، فهو على قسمين:

______________________________

[1] كذا، و الأنسب: إلى.

[2] ما بين القوسين من «س».

[3] أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) راجع ص 86.

(2) المتقدمة في ص 84، 85.

(3) المتقدمة في ص 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 89

لأنّه إمّا لا تبلغ الضميمة مع الأصل النصاب- الذي بعد نصاب الضميمة كالنصاب الثالث مثلا- أو تبلغ.

فالأول: كأن يضمّ مع أربعين من

الغنم مائة و اثنان و عشرون، فإنّ الضميمة مستقلّة بلغت النصاب الذي بعد نصاب الأصل و لكن لا يصلان مع النصاب الثالث و هو إحدى و مائتان، و حكمه سقوط زكاة الأصل بأدلّة العفو، فإنّ ما زاد عن المائة و إحدى و عشرين و نقص عن الإحدى و المائتين، عفو، ثمَّ البناء على حول الضميمة.

و الثاني: كأن يضمّ مع مائة من الغنم مائة و اثنان و عشرون، و الظاهر فيه بناء كلّ على حوله كما مرّ، و اللّه يعلم.

الشرط الثاني: السوم،
اشاره

بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في المعتبر و التحرير و التذكرة و المدارك و الحدائق؛ له «1»، و لموثّقة زرارة المتقدّمة في صدر الباب «2»، و قوله في حسنة الفضلاء بعد نصاب الإبل: «إنّما ذلك على السائمة الراعية» «3» و بعد نصاب البقر: «إنّما الصدقة على السائمة الراعية» «4».

و صحيحة الفضلاء، و فيها: «انّما الصدقات على السائمة الراعية» «5».

و صحيحة زرارة، و فيها: هل على الفرس أو على البعير يكون للرجل يركبهما شي ء؟ قال: «لا، ليس على ما يعلف شي ء، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل، فأمّا ما سوى

______________________________

(1) المعتبر 2: 261، التحرير 1: 60، التذكرة 1: 205، المدارك 5: 67، الحدائق 12: 78.

(2) في ص 63.

(3) الكافي 3: 531- 1، الوسائل 9: 118 أبواب زكاة الأنعام ب 7 ح 1.

(4) الكافي 3: 534- 1، الوسائل 9: 119 أبواب زكاة الأنعام ب 7 ح 2.

(5) التهذيب 4: 41- 103، الاستبصار 2: 23- 65، الوسائل 9: 120 أبواب زكاة الأنعام ب 7 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 90

ذلك فليس فيه شي ء» «1».

أقول: المرج- بالجيم- مرعى: الدواب. ثمَّ المراد بالسوم

الرعي، كما هو معناه اللغوي، و المصرّح به في الأخبار.

و هاهنا مسائل:
المسألة الأولى: يشترط كونها سائمة طول الحول

بالإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضا «2»؛ له، و لقوله في صحيحة زرارة الأخيرة: «عامها الذي يقتنيها فيه الرجل».

فلو انقطع سومها في أثناء الحول لم تجب الزكاة؛ لعدم صدق كونها سائمة عام اقتنائها.

ثمَّ إنّه لا خلاف في انقطاع السوم بما إذا كان العلف غالبا على السوم، بل ادّعى بعضهم الإجماع في المساوي أيضا [1]. و الظّاهر أنّه كذلك.

إلّا أنّه حكي عن الخلاف اعتبار الأغلب «3»، و لم ينقل منه حكم المساوي.

و اختلفوا فيما إذا كان العلف أقلّ من السوم على أقوال:

أصحّها عند أكثر المتأخّرين اعتبار الصدق و الاسم عرفا [2]، فينقطع السوم إن علف بقدر لا يصدق معه السوم طول الحول في العرف، و لا ينقطع إن كان بقدر يصدق عليه ذلك.

و هو مذهب الفاضل في التحرير و التذكرة و المنتهى و المختلف «4»

______________________________

[1] كصاحب الرياض 1: 266.

[2] منهم صاحبي الذخيرة: 442، و الرياض 1: 266.

______________________________

(1) الكافي 3: 530- 2، الوسائل 9: 119 أبواب زكاة الأنعام ب 7 ح 3.

(2) حكاه في الرياض 1: 266.

(3) الخلاف 2: 53.

(4) التحرير 1: 60، التذكرة 1: 205، المنتهى 1: 486، المختلف 2: 175.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 91

و الشهيد الثاني في الروضة «1»، و إليه ذهب المحقّق الثاني «2»؛ لعدم النصّ و وجوب الرجوع إلى العرف المحكّم في مثله.

خلافا للشيخ في الخلاف، فجعل الحكم للأغلب «3»، و لازمه عدم الانقطاع بالعلف خمسة أشهر و نصف.

و للشرائع، فحكم بالانقطاع به و لو في يوم «4»، و هو مختار القواعد و الإرشاد «5» و بعض آخر «6».

و أكثر هؤلاء صرّحوا بعدم الانقطاع باللحظة، و قد يشمل إطلاق كلام البعض

اللحظة أيضا، و يأتي تحقيق المقام في ذكر العوامل.

المسألة الثانية: قالوا: يتحقّق العلف بإطعامها العلف المملوك مطلقا و لو بالرعي،

كما لو زرع لها قصيلا [1] و أرسلها إليه لترعاه، أو اشترى لها مرعى و أرسلها إليه.

و حاصل الضابط على هذا: اشتراط السوم بأن لا يكون العلف مملوكا، و انقطاعه بالعلف بالمملوك مطلقا.

أقول: نظرهم في التعميم إن كان إلى أنّ اعتبار السوم لجبر ضرر مئونة العلف في المعلوفة كما قيل «7»، ففيه: أنّه علّة مستنبطة مردودة؛ و إن كان إلى أنّه مقتضى معنى السوم ذلك، ففيه إشكال كما صرّح به بعض أفاضل

______________________________

[1] القصيل: الذي تعلف به الدواب. لسان العرب 11: 558.

______________________________

(1) الروضة 2: 22.

(2) جامع المقاصد 3: 11.

(3) الخلاف 2: 53.

(4) الشرائع 1: 144.

(5) القواعد 1: 52، الإرشاد 1: 280.

(6) كالتبصرة: 44.

(7) كما في التذكرة 1: 205، و المسالك 1: 52.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 92

المتأخّرين أيضا «1».

و التحقيق: أنّ العلف بالمملوك على قسمين، أحدهما: نقل العلف بعد حصاده، و ثانيهما: رعي الدابة من العلف الثابت في منبته.

ثمَّ إنّه لا شكّ في تحقّق العلف بنقل العلف إلى الدابّة، أو إلى محلّ آخر و إتيان الدابّة إليه، سواء كان العلف مملوكا أو مباحا في الأصل.

و أمّا فيما إذا كان العلف بالرعي ففيه إشكال جدّا، سيّما إذا كان العلف ممّا يبقى من الحصاد من أصول السنابل أو من علف الباغ [1] و أمثالها، فإنّ عدم صدق الرعي الذي هو معنى السوم عليها غير معلوم.

إلّا أن يقال: إنّ تصريح الأصحاب بمنافاة مثل ذلك للسوم يوجب الشكّ في الصدق، و لأجله يحصل الإجمال في معنى السائمة، و لعدم حجّية العامّ المخصّص بالمجمل في موضع الإجمال لا يحكم بوجوب الزكاة في أمثال ذلك، فتأمّل.

و لا فرق في العلف المملوك

بين ما إذا استأجر الأرض المنبتة للعلف أو اشتراها. و التفرقة بينهما كما في كلام جماعة غير جيّدة [2].

و لا فرق أيضا في العلف بين أن يكون لعذر كثلج أو لغير عذر؛ و لا بين أن تعتلف الدابّة بنفسها من العلف المنقول، أو أعلفها المالك، أو غيره، من دون إذن المالك أو بإذنه، من مال المالك أو غيره، وفاقا لجماعة «2».

و خلافا للمحكيّ عن التذكرة «3» و غيره، فاستقرب وجوب الزكاة

______________________________

[1] الباغ: كلمة فارسية، و تعني البستان.

[2] منهم الشهيد الأول في الدروس 1: 233، و الشهيد الثاني في الروضة 2: 22.

______________________________

(1) السبزواري في الذخيرة: 432.

(2) كما في الدروس: 1: 233، و المدارك 5: 70، و كشف الغطاء: 352، و الرياض 1: 266.

(3) التذكرة 1: 205.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 93

لو علفها من ماله؛ لعدم المؤنة.

و فيه: أنّ العلّة غير منصوصة بل مستنبطة، فلا تصلح مقيّدة لإطلاق ما دلّ على نفي الزكاة في المعلوفة.

المسألة الثالثة: ما ذكر من اشترط السوم طول الحول إنّما هو في غير السخال-

أي أولاد الأنعام الثلاثة في عامها الأول- و أمّا هي فلا يشترط فيها ذلك طول الحول على الأقوى، بل يستثنى منها زمن الرضاع، وفاقا للإسكافي و الشيخ و الروضة «1» و جماعة [1]، و مال إليه جدّي الفاضل- قدّس سرّه- بل أكثر المتأخّرين، بل هو المشهور مطلقا، كما في المختلف و المسالك «2».

لموثّقة زرارة المتقدّمة في صدر الباب «3»، و روايته المتقدّمة في صدر الشرط الأول «4»، و صحيحته: «ليس في صغار الإبل شي ء حتّى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج» «5».

دلّت هذه الأخبار بمفهوم الغاية على وجوب الزكاة في الأنعام بعد مضيّ الحول من يوم النتاج.

و هذه أخصّ مطلقا من صحيحة زرارة المتقدّمة المشترطة للسوم طول الحول «6»؛ إذ

ما مضى حول من يوم نتاجه لا تكون سائمة طول الحول

______________________________

[1] منهم السبزواري في الذخيرة: 432، و الكفاية: 36.

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 175، و قاله الشيخ في المبسوط 1: 198، و هو في الروضة 2: 26.

(2) المختلف: 175، المسالك 1: 52.

(3) في ص 63.

(4) في ص 66.

(5) الكافي 3: 533- 3، الوسائل 9: 122 أبواب زكاة الأنعام ب 9 ح 1.

(6) راجع ص 89.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 94

قطعا.

فيكون مقتضى مفهوم الغاية: وجوب الزكاة في الأولاد الحوليّة الغير السائمة تمام الحول البتّة.

و مقتضى مفهوم الحصر في الصحيحة: عدم وجوب الزكاة في غير السائمة عامها، سواء كانت من الأولاد الحوليّة أو غيرها، فيجب تخصيص المفهوم الأخير.

بل و كذلك الحكم لو قلنا بعموم المفهوم الأول أيضا، كما قد يتوهّم من جهة شمول: ما مضى حول من يوم نتاجه، لما مضى أكثر من حول أيضا؛ إذ التعارض حينئذ يكون بالعموم من وجه، فلو رجّحنا الأول بقوّة الدلالة و الأكثريّة، و إلّا فيرجع إلى عمومات وجوب الزكاة في الأنعام «1».

و تدلّ على المطلوب أيضا حسنة ابن أبي عمير: «كان عليّ عليه السّلام لا يأخذ من صغار الإبل شيئا حتى يحول عليه الحول، و لا يأخذ من جمال العمل صدقة» «2».

و رواية زرارة: «ليس في صغار الإبل و البقر و الغنم شي ء إلّا ما حال عليه الحول عند الرجل، و ليس في أولادها شي ء حتى يحول عليه الحول» «3».

و الأخرى: «لا يزكّي من الإبل و البقر و الغنم إلّا ما حال عليه الحول» «4» إلى غير ذلك.

و لا ينافي ما ذكرنا موثّقة إسحاق بن عمّار: السخل متى يجب فيه الصدقة؟ قال: «إذا أجذع» «5»؛ لأنّ معنى

أجذع- على ما في الوافي- تمّت

______________________________

(1) الوسائل 9: 121 أبواب زكاة الأنعام ب 8.

(2) الكافي 3: 531- 7، الوسائل 9: 123 أبواب زكاة الأنعام ب 9 ح 2.

(3) تقدمت في ص 66.

(4) تقدمت في ص 66.

(5) الكافي 3: 535- 4، الفقيه 2: 15- 39، الوسائل 9: 123 أبواب زكاة الأنعام ب 9 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 95

له سنة «1»، فيوافق ما ذكرنا.

نعم، يستشكل فيها على ما فسّر الجذع في الغنم بما كمل له سبعة أشهر، و استشكاله حينئذ من جهة المعارضة مع أخبار الحول، و لا شكّ في مرجوحيّته بالنسبة إليها.

خلافا للفاضلين، فشرطا فيها أيضا السوم طول الحول «2». و يلزمه أن يكون مبدأ حولها عند استغنائها بالرعي عن الارتضاع؛ لاشتراط السوم بالنصوص و الإجماع، و لا سوم حين الارتضاع.

و الإجماع ممنوع في موضع النزاع، و العامّ يخصّص مع وجود الأخصّ؛ مع أنّ العمومات معارضة بمثلها، كقوله في صحيحة الفضلاء:

«و إذا حال عليه الحول وجب عليه» «3».

و استقرب في البيان التفصيل بارتضاعها من لبن السائمة فالأول، أو المعلوفة فالثاني «4»، جمعا بين الدليلين.

و يندفع بأنّ الجمع بالتخصيص هو الموافق للأصول، دون مثل ذلك ممّا لا شاهد له.

ثمَّ إنّ استثناء السخال إنّما هو من اشتراط السوم طول العام لا من اشتراط السوم مطلقا، فيشترط سومها بعد الاستغناء من الارتضاع؛ لعمومات اشتراط السوم مطلقا من غير معارض و مخصّص.

و الظاهر كفاية صدق السائمة حال حولان الحول، و لا يشترط اتّصال السوم من مدّة الاستغناء عن الأمّهات إلى الحول؛ لعدم الدليل، و إنّما

______________________________

(1) الوافي 10: 99.

(2) المحقّق في المعتبر 2: 510، و الشرائع 1: 144، العلّامة في التذكرة 1: 205.

(3) راجع ص 66.

(4) البيان:

286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 96

يخصّص ما ذكر ما دلّ على اشتراطه طول الحول.

الشرط الثالث: أن لا تكون عوامل،
اشاره

بلا خلاف فيه بين الأصحاب كما في الذخيرة «1»، بل بالإجماع كما في المدارك و عن الخلاف و التذكرة و المنتهى «2».

لموثّقة زرارة، و فيها: «و كلّ شي ء من هذه الأصناف من الدواجن و العوامل فليس فيها شي ء» «3».

و في حسنة الفضلاء في الإبل: «و ليس في العوامل شي ء» «4».

و قال في البقر: «و لا على العوامل السائمة شي ء» «5».

و في صحيحة الفضلاء: «ليس على العوامل من الإبل و البقر شي ء، إنّما الصدقات على السائمة الراعية» «6».

و لا تنافيها الروايات الثلاث لإسحاق بن عمّار «7»؛ لعدم دلالة شي ء منها على الوجوب و إن تضمّنت لفظة: «على»؛ لأنّها داخلة على المال و لم تثبت إفادتها حينئذ للوجوب؛ مع أنّه لو دلّت عليه لوجب صرفها إلى الاستحباب بقرينة سائر الأخبار.

هذا، مضافا إلى عدم حجّيتها؛ لشذوذها، و مخالفتها الإجماع.

ثمَّ الظاهر اتّفاقهم على اعتبار هذا الشرط أيضا طول الحول، و هو

______________________________

(1) الذخيرة: 433.

(2) المدارك 5: 79، الخلاف 2: 51، التذكرة 1: 205، المنتهى 1: 486.

(3) المتقدمة في ص 66.

(4) الكافي 3: 531- 1، التهذيب 4: 22- 55، الاستبصار 2: 20- 59، الوسائل 9: 118 أبواب زكاة الأنعام ب 7 ح 1.

(5) تقدمت في ص 66، بتفاوت.

(6) التهذيب 4: 41- 103، الاستبصار 2: 23- 65، الوسائل 9: 120 أبواب زكاة الأنعام ب 7 ح 5.

(7) المتقدمة في ص 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 97

الدليل عليه، و لم أعثر على دليل آخر يدلّ على اشتراط استمراره.

مسألة:

لا شكّ أنّ المراد بالسائمة و المعلوفة و العوامل ليس المتلبّس بالمبدإ بالفعل، بل المراد من هذه الألفاظ ذوي الملكات، كالكاتب و الفصيح و الأكول.

و المرجع في معرفة هذه المعاني إلى العرف، لا

لأجل تقديم الحقيقة العرفيّة على اللغويّة؛ بل لأنّ الألفاظ موضوعة للمصاديق العرفيّة.

فالمراد بالسائمة: ما تسمّى في العرف سائمة و إن أعلفت في آن الإطلاق، فإنّ الراعية طول دهرها لو اعتلفت لحظة يقال: إنّها سائمة حينئذ أيضا، و العاملة طول حولها لو سكنت يوما يقال: إنّها عاملة حينئذ أيضا.

ثمَّ إنّك تراهم اختلفوا في ما يتحقّق به السوم و ينقطع، و كذلك العمل، و كلامهم إمّا في صدق كونها سائمة أو معلوفة أو عاملة أو عدم صدقها بالإطلاق، أو في صدقها و عدمه في الحول، و الظاهر من اعتبار بعضهم الأغلب: أنّ المراد صدق المعلوفة و العاملة و ضدّهما في الحول.

و كيف كان، فإن كان الكلام في الأول، فلا شكّ في وجوب الرجوع إلى المصداق العرفي، فالسائمة ما يصدق عليها السائمة عرفا، و كذا العاملة و ضدّهما.

و لا شكّ في اشتراط وجوب الزكاة بصدق كونها سائمة و غير عاملة حال تعلّق وجوب الزكاة، فلو لم يصدقان عليها حال التعلّق لا يتعلّق.

و إن كان الكلام في الثاني- أي ما تصدق معه السائمة أو غير العاملة في الحول- فمرادهم من اشتراط ذلك في الحول.

إمّا أنّه يجب أن تكون في تمام الحول سائمة و غير عاملة، بحيث لم يصدق في جزء منه أنّها غير سائمة أو عاملة.

أو مرادهم منه: أنّه يجب أن تكون بحيث يصدق عليها أنّها سائمة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 98

في الحول، أو غير عاملة فيه، و إن لم يصدق عليها ذلك في يوم أو يومين من الحول.

فإن كان المراد الأول، فاللازم تحقيق معنى السائمة و غير العاملة مطلقا كما مرّ، و لا يحتاج إلى تحقيق معنى سائمة الحول و غير العاملة في الحول، بل إذا

علم ما يتحقّق به السوم المطلق و ينقطع به- و كذا العاملة- يكفي لفهم ذلك أيضا .. و يقال: إنّه يجب أن تكون بحيث لا يصدق عليها في جزء من الحول و لو لحظة: غير السائمة و العاملة، كما كان كذلك في اشتراط الملكيّة و النصاب و البلوغ و العقل و التمكّن من التصرّف، فإنّه يشترط تحقّق هذه الأمور في جميع أجزاء الحول؛ لأنّه مدلول: «و ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه» .. لا أن لا تعمل لحظة و لا تعلف لحظة؛ لأنّهما لا يوجبان صدق العامليّة و العلف في هذه اللحظة، بل غير عاملة و سائمة في هذه اللحظة أيضا ما لم تعمل و لم تعلف مدّة تصدق معها العاملة و المعلوفة في تلك اللحظة.

و إن كان المراد الثاني، فاللازم تحقيق معنى السائمة و غير العاملة في الحول، فإنّه يمكن أن يصدق عليها سائمة الحول مع عدم كونها سائمة في بعض أيّام الحول.

و الظاهر [حينئذ] [1] عدم منافاة صدق المعلوفة أو [غير] [2] السائمة في يوم بل يومين في صدق سائمة الحول.

و ظاهر قولهم: إنّ بعضهم اعتبر الأغلب، إرادة الثاني؛ لأنّه الذي يمكن اعتبار الأغلب و غيره فيه دون المعنى الأول.

و لكن يخدشه: إنّه لو كان مرادهم ذلك يجب أن لا يضرّ عدم صدق

______________________________

[1] في النسخ: حين، و الصحيح ما أثبتناه.

[2] أضفناه لاستقامة المعنى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 99

السائمة و غير العاملة في يوم في تمام الحول عند من يعتبر الأغلب أو المعنى العرفي، من غير تفاوت بين طرفي الحول و أثنائه.

مع أنّ الظاهر أنّه لو ملك أحد النصاب معلوفة أو عاملة يبتدئ الحول من حيث السوم و

ترك العمل، و لا يحسب ما كان معلوفة أو عاملة في الابتداء من الحول و لو كان يوما أو يومين، و كذلك لو كان بحيث يصدق عليها المعلوفة و العاملة في يوم أو يومين في آخر الحول.

و كيف كان، فالمفيد لنا: تحقيق أنّ اشتراط استمرار السوم و عدم العمل في الحول هل هو بالمعنى الأول أو الثاني؟

الظاهر أنّه لا دليل على الأول، أمّا في اشتراط عدم العامليّة في الحول فلأنّ دليله الإجماع فقط، و لم يثبت الإجماع على ذلك.

و أمّا في اشتراط السوم فلأنّه و إن دلّ عليه قوله: «المرسلة في مرجها عامها» في صحيحة زرارة «1»، و لكن إرادة كونها كذلك في جميع أجزاء الحول غير معلوم، بل إرادة انتفاء ما ينتفي معه صدق السوم الحولي معلوم، و غيره منتف بالأصل.

فتعيّن المعنى الثّاني- أي يجب أن يصدق عليها السائمة حولا و غير العاملة حولا- و إن انتفى الصدق في نحو يوم من الحول.

و الظاهر انتفاء ذلك الصدق بانتفائها في شهر من الحول بل عشرين يوما، و أمّا في ما دون ذلك فمشكل، و الأصل يقتضي عدم كونه مسقطا للزكاة؛ لعمومات وجوب الزكاة، فيقتصر في التخصيص على ما علم خروجه.

لا يقال: إذا كان الدليل الإجماع و الاقتصار على المتيقّن، يجب اشتراط أغلبيّة السوم و عدم العامليّة أو مع التساوي، و ما سواهما ليس مورد

______________________________

(1) المتقدمة في ص 89.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 100

الإجماع و اليقين.

لأنّا نقول: إنّ المجمع عليه و المتيقّن اشتراط سوم الحول و عدم عامليّته، و من عيّن الأغلب فإنّما هو لتعيين معنى سوم الحول و عدم عامليّته؛ حيث إنّه زعم توقّف صدق سوم الحول عليه، لا أن يكون لنفس الغلبة

أو التساوي مدخليّة و يكون محطّا للخلاف، فتأمّل جدّا، و اللّه العالم.

الشرط الرابع: النصاب،
اشاره

و لكون نصب الأنعام الثلاثة مختلفة نذكر نصب كلّ واحد مع قدر الفريضة في مقام على حدة.

فهاهنا ثلاث مقامات:
المقام الأول: في نصب الإبل.
اشاره

و هي اثنا عشر نصابا:

الخمس، و لا يجب في ما دونه شي ء، فإذا بلغت خمسا حصل أول النصب، و فيها شاة.

و لا يجب للزائد عليها شي ء حتى إذا بلغت ثاني النصب، و هو العشرة و فيها شاتان.

و لا يزيد عليهما شي ء حتى إذا بلغت ثالثها، و هو خمسة عشر، و فيها ثلاث شياه.

إلى أن تبلغ الرابع، و هو عشرون، و فيها أربع.

إلى أن تبلغ الخامس، و هو خمس و عشرون، و فيها خمس.

إلى أن تبلغ السادس، و هو ست و عشرون، و فيها بنت مخاض- بفتح الميم- اسم جمع الماخض، بمعنى الحامل، أي بنت ما من شأنها أن تكون ماخضا- أي حاملا- فإنّ ولد الناقة إذا استكمل الحول فصل عن امّه و صار من شأن امّه أن تكون ماخضا، سواء كانت ماخضا أو لم تكن.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 101

و بنت المخاض ما استكملت الحول و دخلت في الثانية فهي زكاة النصاب السادس.

إلى أن تبلغ السابع، و هو ستّ و ثلاثون، و فيها بنت لبون- بفتح اللام- أي بنت ذات لبن و لو بالصلاحية، و هي ما استكملت السنتين و دخلت في الثالثة، فإنّ أمّها صالحة لوضع حمل غيرها فصار لها لبن، و هي نصاب السابع.

إلى أن تبلغ الثامن، و هو ستّ و أربعون، و فيها حقّة- بكسر الحاء- و هي ما استكملت الثلاث و دخلت في الرابعة، سمّيت بها لاستحقاقها الفحل و الحمل.

إلى أن تبلغ التاسع، و هو إحدى و ستون، و فيها جذعة- بفتح الجيم- و هي ما دخلت الخامسة، سمّيت بها لشبابها، و

حداثة سنّها. و قيل: لأنّ فيها يجذع مقدّم أسنانها «1»- أي يسقط- و ردّه بعضهم.

ثمَّ هي الزكاة إلى أن تبلغ العاشر، و هو ستّ و سبعون، و فيها بنتا لبون.

إلى أن تبلغ الحادي عشر، و هو إحدى و تسعون، و فيها حقّتان.

إلى أن تبلغ الثاني عشر، و هو مائة و إحدى و عشرون، و حينئذ ففي كلّ خمسين حقّة، و في كلّ أربعين بنت لبون.

و إنّما كلّ ذلك على المشهور المنصور، بل عليه الإجماع عن الخلاف و الانتصار و الغنية «2».

و أمّا ما في المبسوط و الجمل و الوسيلة و التذكرة- من أنّ النصب ثلاثة عشر و جعل الثالث عشر في كلّ خمسين حقّة، و في كلّ أربعين بنت لبون «3»-

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 265.

(2) الخلاف 2: 6 و 7، الانتصار: 80، الغنية (الجوامع الفقهية): 567.

(3) المبسوط 1: 191، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 199، الوسيلة: 124، التذكرة 1:

205.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 102

فالتعبير لفظي؛ لرجوعه إلى المشهور، بل الظاهر أنّ الإجماع محقّق، فهو الدليل عليه مع النصوص المستفيضة.

منها: صحيحة البجلي المتضمّنة لجميع هذه النصب، و قدر زكاتها كما ذكر، إلى أن بلغ عشرين و مائة قال: «فإذا كثرت الإبل ففي كلّ خمسين حقّه» «1».

و صحيحة أبي بصير، و هي قريبة من سابقتها «2».

و صحيحة زرارة: و هي نحو سابقتها إلى قوله عشرين و مائة، ثمَّ قال:

«فإن زادت على العشرين و مائة واحدة ففي كلّ خمسين حقّة و في كلّ أربعين ابنة لبون» «3».

و نحو الصحيحة الأخيرة موثّقة ابن بكير و زرارة «4».

خلافا للمحكيّ عن العماني، فجعل النصاب أحد عشر «5»، بإسقاط سادس المشهور، و هو ستّ و عشرون، و أوجب بنت

المخاض في خمس و عشرين، فخلافه معهم في عدد النصب و زكاة نصاب الخامس.

لصحيحة الفضلاء الخمسة، و هي مثل ما مرّ من الأخبار إلى قوله:

«إلى أن يبلغ خمسا و عشرين»، قال: «فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض، و ليس فيها شي ء حتى تبلغ خمسا و ثلاثين»، و أسقط فيها الواحدة من كلّ

______________________________

(1) الكافي 3: 532- 2، التهذيب 4: 21- 53، الاستبصار 2: 19- 57، الوسائل 9: 110 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 4.

(2) التهذيب 4: 20- 52، الاستبصار 2: 19- 56، الوسائل 9: 109 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 2.

(3) الفقيه 2: 12- 32، الوسائل 9: 108 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 1.

(4) التهذيب 4: 21- 54، الاستبصار 2: 20- 58، الوسائل 9: 109 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 3.

(5) حكاه عنه في المختلف: 175.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 103

نصاب إلى عشرين و مائة.

ثمَّ قال: «فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها حقّتان طروقتا الفحل، فإذا زادت واحدة على عشرين و مائة، ففي كلّ خمسين حقّة، و في كلّ أربعين بنت لبون» «1».

و الجواب عنها: بتضعيفها؛ لمخالفتها عمل الأصحاب كلّا، حتى العماني في النصب المتأخّرة عن الخامس، و موافقتها لمذهب العامّة في النصاب الخامس «2»؛ حيث إنّ ما تضمّنه موافق للعامّة، كما صرّح به الأصحاب «3».

و تدلّ عليه الصحيحة الأولى، فإنّ فيها- على ما في الكافي- بعد قوله: «و في ست و عشرين ابنة مخاض إلى خمس و ثلاثين» قال: و قال عبد الرحمن: هذا فرق بيننا و بين الناس «4».

مع أنّ صحيحة الفضلاء مرويّة في الوسائل «5» عن بعض نسخ معاني الأخبار الصحيحة بما يوافق سائر الأخبار.

و للمحكيّ عن

الإسكافي في قدر زكاة النصاب الخامس، فإنّه قال:

في خمسة و عشرين ابنة مخاض، فإن تعذّر فابن لبون، فإن لم يكن فخمس شياه، فإن زادت على خمس و عشرين ففيها ابنة مخاض «6».

______________________________

(1) الكافي 3: 531- 1، التهذيب 4: 22- 55، الاستبصار 2: 20- 59، معاني الأخبار: 327- 1، الوسائل 9: 111 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 6.

(2) انظر: المغني و الشرح الكبير 2: 441، و بداية المجتهد 1: 259، و كتاب الام 2: 5.

(3) انظر: التهذيب 4: 23.

(4) الكافي 3: 532- 2، الوسائل 9: 110 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 4.

(5) الوسائل 9: 112 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 7.

(6) حكاه عنه في المختلف: 175، و الانتصار: 80.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 104

و لم نعثر له على مستند تامّ له في الأخبار، نعم قال في الانتصار: إنّ ابن الجنيد عوّل في هذا المذهب على بعض الأخبار المرويّة عن أئمّتنا «1».

و لا يخفى أنّ مثل ذلك لا يصير حجّة لنا.

و للمحكيّ عن الصدوق في الهداية، و والده في الرسالة، في النصاب العاشر، فبدّلاه بالإحدى و الثمانين، و قالا: إنّ فيها شيئا «2»؛ و مستندهما عبارة الفقه الرضوي، فإنّها مصرّحة بذلك «3».

و الجواب عنها: بضعفها بنفسها، و بمعارضتها للأخبار الصحيحة، و مخالفتها لعمل معظم الطائفة.

و للانتصار في النصاب الأخير، فجعله مائة و ثلاثين، و قال: فيها حقّة و ابنتا لبون؛ مستدلا عليه بالإجماع «4».

و هو غير حجّة في مقام النزاع، سيّما مع دعواه الإجماع على خلافه في الناصريّات «5».

فروع:

أ:

هل التقدير بالأربعين و الخمسين في النصاب الأخير على التخيير مطلقا، كما اختاره جماعة من المتأخّرين [1]، و نسبه في فوائد القواعد إلى

ظاهر الأخبار و كلام الأصحاب؟

______________________________

[1] منهم المحقق في المختصر النافع: 54، و العلّامة في التبصرة: 44، و صاحب المدارك 5: 58.

______________________________

(1) الانتصار: 81.

(2) الهداية: 42، و نقله عن والده في المختلف: 176.

(3) فقه الرضا (ع): 196، مستدرك الوسائل 7: 59 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 3.

(4) الانتصار: 81.

(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 205.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 105

أم يجب التقدير بما يحصل به الاستيعاب، فإن أمكن بهما تخيّر، و إن لم يمكن بهما وجب اعتبار أكثرهما استيعابا حتى لو كان التقدير بهما وجب الجمع، فيجب تقدير أول هذا النصاب، و هو المائة و إحدى و عشرين بالأربعين، و المائة و الثلاثين و المائة و الأربعين بهما، و المائة و الخمسين بالخمسين، و يتخيّر في المائتين، و في الأربعمائة يتخيّر بين اعتباره بهما و بكلّ واحد منهما، كما هو صريح المبسوط و الخلاف و السرائر و الوسيلة و النهاية و التذكرة و المنتهى «1»، و ظاهر المحقّق «2»، بل في الخلاف: إنّه مقتضى المذهب، و في السرائر: إنّه المتّفق عليه، و في المنتهى نسبه إلى علمائنا، و كلام التذكرة يشعر بكونه اتّفاقيّا عندنا؟

دليل الأول: الأصل؛ لانحصار القول فيه و في الثاني و عدم الترجيح، فيجب الاكتفاء بمقتضى الأصل.

و إطلاق قوله: «ففي كلّ خمسين حقّة، و في كلّ أربعين ابنة لبون» في صحيحتي الفضلاء و زرارة و موثّقة زرارة و ابن بكير «3»، و باعتبار التقدير بالخمسين خاصّة في صحيحة البجلي «4»، و لو كان التقدير بالمستوعب تعيّن أربعين في المائة و إحدى و عشرين.

و فيهما نظر، أمّا في الأول: فلمنع كون التخيير مقتضى الأصل، بل الأصل عدم تعلّق الحكم بالفرد الآخر في موضع الانطباق

على أحد الفردين.

و أمّا الثاني: فلأنّ الاستدلال بما في الصحيحين إنّما يتمّ لو جعلت

______________________________

(1) المبسوط 1: 192، الخلاف 2: 7، السرائر 1: 449، الوسيلة: 125، نهاية الإحكام 2: 333 و 322، التذكرة 1: 207، المنتهى 1: 481.

(2) المعتبر 2: 501.

(3) المتقدّمة في ص 102.

(4) المتقدمة في ص 102.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 106

لفظة الواو في قوله: «و في كلّ أربعين» بمعنى أو، و كما أنّه محتمل يحتمل أن يخصّ قوله: «في كلّ خمسين حقّة» بما يعدّه الخمسون خاصّة، و قوله:

«و في كلّ أربعين» بما يعدّه الأربعون مع الأربعين الزائدة على الخمسين، و إذ لا ترجيح فلا دلالة للإطلاق.

و أمّا ما في صحيحة البجلي من قوله: «في كلّ خمسين حقّة» يحتمل معنيين، أحدهما: أنّه يكفي في كلّ خمسين حقّة، و ثانيهما: أنّه يجب في كلّ خمسين حقّة، و يختصّ حينئذ بكلّ ما يعدّه الخمسون، أو يكون الخمسون أقلّ عفوا؛ لعدم الوجوب العيني في غيره إجماعا.

و الاستدلال إنّما يتمّ على الأول، و لا دليل على تعيّنه سوى عدم الاستيعاب في بعض الصور، و يعالج ذلك بالتخصيص، و هو و إن كان خلاف الأصل إلّا أنّ الحمل على الكفاية أيضا كذلك.

حجّة القول الثاني: الاحتياط.

و مراعاة حقّ الفقراء.

و الإجماع المحكيّ.

و أنّ التخيير يقتضي جواز الاكتفاء بالحقّتين في النصاب الأخير مع أنّهما واجبتان في ما دونه، فلا فائدة في جعله نصابا آخر.

و استدلّ له أيضا في المبسوط بعموم الأخبار «1»، و وجّه بأنّها دلّت على أنّ في كلّ خمسين حقّة، و في كلّ أربعين بنت لبون، فيشمل العموم الأول كلّ ما يطابق الخمسين دون الأربعين فلا بدّ من عدّه بها، و العموم الثاني كلّ ما يطابق الأربعين دون

الخمسين فيجب عدّه بها.

و نجيب عن الأولين: بعدم وجوبهما.

و عن الثالث: بعدم حجّيته.

______________________________

(1) المبسوط 1: 192.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 107

و عن الرابع: بإمكان كون الفائدة جواز العدول عن الحقّتين إلى ثلاث بنات لبون على وجه الفريضة لا القيمة.

و عن الخامس: بما مرّ من أنّ ذلك تخصيص ليس بأولى من جعل لفظة الواو بمعنى أو.

و يمكن الاستدلال لهذا القول باستصحاب بقاء الاشتغال إلى أن يؤدّي فريضة العدد المطابق، و لا دافع له.

و لكن يعارضه استصحاب عدم شغل الذمّة بالزائد، و إذ لا دليل على شي ء منهما معيّنا فيحكم العقل في مثله بالتخيير؛ لعدم قول بتعيّن الأقلّ، الذي هو موافق الأصل، و لا مرجّح لشي ء منهما، فتعيّن التخيير.

ب:

لو كانت الزيادة بجزء من بعير لم يتغيّر به الفرض إجماعا؛ لأنّ الأحاديث تضمّنت اعتبار الواحدة.

ج:

هل الواحدة الزائدة على المائة و العشرين جزء من النصاب؟

أو شرط في الوجوب فلا يسقط بتلفها بعد الحول بغير تفريط شي ء، كما لا يسقط في الزائد عنها ممّا ليس بجزء؟

وجهان، بل قولان:

الأول: للنهاية «1»؛ لاعتبارها في النصّ، و هو موجب للجزئيّة.

و الثاني: لجملة من المتأخّرين [1]؛ لإيجاب الفريضة في كلّ من الخمسين و الأربعين الظاهر في خروجها.

و لتكافؤ الدليلين توقّف في البيان «2»، و هو في موقعه، و إن كان الأخير أظهر؛ لما مرّ، حيث إنّه أثبت الفريضة في الخمسين و الأربعين دون المجموع، و اللّه العالم.

______________________________

[1] منهم الشهيد الثاني في الروضة 2: 18، و صاحب الرياض 1: 265.

______________________________

(1) نهاية الإحكام 2: 333.

(2) البيان: 287.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 108

المقام الثاني: في نصاب البقر و قدر فريضته.

و نصابه أحد العددين من الثلاثين و الأربعين دائما، بمعنى: أنّه إذا بلغ أحدهما تتعلّق به فريضته.

و معنى الدوام: أنّ

الحكم كذلك في ما بعد أحدهما أيضا، أي يزيد بزيادة أحد النصابين على أحدهما فريضة النصاب الزائد و بزيادة أحدهما على الزائد فريضته، و هكذا.

فإذا بلغت ثلاثين تجب فريضتها، و لو بلغت أربعين تجب فريضتها، و لو بلغت ستّين تزيد على الثلاثين ثلاثون اخرى، فتجب اثنتان من فريضة الثلاثين، و لو بلغت سبعين تزيد عليها أربعون، فتجب فريضة الثلاثين و فريضة الأربعين، و لو بلغت ثمانين تزيد على الأربعين أربعون أخرى، فتجب اثنتان من فريضة الأربعين، و إذا بلغت تسعين تزيد على الستّين ثلاثون، فتجب ثلاث من فريضة الثلاثين، و إذا بلغت مائة تزيد على السبعين ثلاثون، فتزيد فريضة الثلاثين على فريضة السبعين، و هكذا.

و ما يعدّه العددان كالمائة و العشرين، يتخيّر في تكرير فريضة أيّ من العددين.

كلّ ذلك بالإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضا «1»، و النصّ، و هو صحيحة الفضلاء الخمسة المصرّحة بذلك «2»، إلّا أنّ المصرّح به فيها فيما يعدّه العددان كالمائة و العشرين تعيّن تكرير فريضة الأربعين، و لكن الإجماع أوجب حمله على أحد فردي المخيّر.

ثمَّ فريضة الأربعين: مسنّة- و هي بقرة أنثى سنّها ما بين سنتين إلى

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 265.

(2) الكافي 3: 534- 1، الوسائل 9: 114 أبواب زكاة الأنعام ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 109

ثلاث- إجماعا محقّقا، و محكيّا في المنتهى «1» و غيره «2»، و نفى عنه الخلاف جدّي الفاضل- قدّس سرّه- في رسالته الزكويّة؛ له، و للتصريح به في الصحيحة، و إن كان في دلالتها على الوجوب و التعيين نظر.

و فريضة الثلاثين: تبيع حوليّ- أي بقرة ذكر تتبع أمّها في المرعى و لها حول كامل- للصحيحة المذكورة.

و هل يتعيّن التبيع، كما

عن العماني «3» و ابني بابويه، حيث خصّوه بالذكر اتباعا للنصّ «4»؟

أو يتخيّر بينه و بين التبيعة، كما هو المشهور، بل يظهر من جماعة الإجماع عليه [1]؟

و في المنتهى: لا خلاف في إجزاء التبيعة عن الثلاثين «5»؛ لأولويّتها من التبيع، و لما رواه في المعتبر و النهاية من الرواية المصرّحة بالتخيير «6» المنجبرة بالشهرة العظيمة، بل لإشعار الصحيحة المذكورة بأنّ ذكر التبيع ليس على التعيين، حيث قال: «في التسعين ثلاث تبايع» [بتذكير] [2] الثلاث الظاهر في إرادة الأنثى.

بل الظاهر أنّ مراد المخالفين أيضا ليس التعيّن، انظر إلى كلام الصدوق في الهداية و المقنع حيث قال: إذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع حولي

______________________________

[1] منهم الشيخ في الخلاف 2: 18، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568.

[2] في النسخ: بتأنيث، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(1) المنتهى 1: 487.

(2) كما في التذكرة 1: 209.

(3) حكاه عنه في المختلف: 177.

(4) كما في المقنع: 50، و حكاه عن أبيه في المختلف 1: 177.

(5) المنتهى 1: 487.

(6) المعتبر 2: 502، النهاية: 181.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 110

- إلى أن قال:- فإذا بلغت ستّين ففيها تبيعتان بالتأنيث «1».

مع أنّ دلالة الصحيحة على تعيّن التبيع غير معلومة؛ لعدم صراحتها في كون ذلك على سبيل الوجوب، و اللّه العالم.

المقام الثالث: في نصاب الغنم و قدر فريضته.

و للغنم خمسة نصب: أربعون، و فيها شاة.

ثمَّ مائة و إحدى و عشرون، و فيها شاتان.

ثمَّ مائتان و واحدة، و فيها ثلاث شياه.

ثمَّ ثلاث مائة و واحدة، و فيها أربع شياه.

ثمَّ أربعمائة، ففي كلّ مائة شاة، و هكذا دائما.

على الحقّ الموافق للمحكيّ عن المقنعة و الشيخ و الإسكافي و الحلبي و القاضي و الصهرشتي و ابني زهرة و حمزة «2» و الفاضل في غير

المنتهى و التحرير «3» و الإيضاح لولده «4» و البيان و اللمعة و الذخيرة «5»، و اختاره جدّي الفاضل نصير الدين القمّي في رسالته الزكويّة.

بل هو الأشهر، كما في الشرائع و النافع و الروضة «6» و عن المعتبر «7»،

______________________________

(1) الهداية: 42، المقنع: 50، و فيهما: تبيعان، بالتذكير.

(2) المقنعة: 238، الشيخ في المبسوط 1: 198، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 177، الحلبي في الكافي في الفقه: 167، القاضي في شرح جمل العلم: 254، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568، ابن حمزة في الوسيلة: 126.

(3) كالتذكرة 1: 210، و القواعد 1: 53.

(4) الإيضاح 1: 177.

(5) البيان: 291، اللمعة (الروضة 2): 19، الأخيرة: 435.

(6) الشرائع 1: 143، النافع: 55، الروضة 2: 19.

(7) المعتبر 2: 503.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 111

بل في الخلاف: الإجماع عليه مطلقا «1»؛ كما عن جماعة الإجماع على النصب الثلاثة الأولى.

لصحيحة الفضلاء الخمسة: «في الشاة: في كلّ أربعين شاة شاة، و ليس في ما دون الأربعين شي ء، ثمَّ ليس فيها شي ء حتى تبلغ عشرين و مائة، فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة، فإذا زادت على مائة و عشرين ففيها شاتان، و ليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه، ثمَّ ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة كان على كلّ مائة شاة، و سقط الأمر الأول، و ليس على ما دون المائة بعد ذلك شي ء و ليس في النيف شي ء» «2».

خلافا للمحكيّ عن الصدوق في

الفقيه و المقنع، بل عن أبيه في النصاب الأول، حيث جعلاه واحدة و أربعين «3»؛ لما في الفقه الرضوي «4».

و هو- مع ضعفه بنفسه جدّا، بل ظنّي أنّه ليس إلّا رسالة والد الصدوق- شاذّ واجب الطرح؛ لمخالفته عمل الطائفة، سيّما مع معارضته مع الصحاح المعتضدة بالشهرة.

و أمّا ما في الفقيه من قوله: و روى حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام:

قال: قلت له: في الجواميس شي ء؟ قال: «مثل ما في البقر، و ليس على الغنم شي ء حتى تبلغ أربعين شاة، فإذا بلغت أربعين شاة و زادت واحدة

______________________________

(1) الخلاف 2: 21.

(2) الكافي 3: 534- 1، الوسائل 9: 116 أبواب زكاة الأنعام ب 6 ح 1، و رواها في التهذيب 4: 25- 58، و الاستبصار 2: 22- 61.

(3) الفقيه 2: 14، المقنع: 50، و حكاه عن أبيه في المختلف: 177.

(4) فقه الرضا عليه السّلام: 196، المستدرك 7: 63 أبواب زكاة الأنعام ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 112

ففيها شاة إلى عشرين و مائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا كثر الغنم أسقط هذا كلّه و اخرج من كلّ مائة شاة» «1».

فالظاهر أنّ الكلّ ليس من الخبر، بل من قوله: «و ليس في الغنم شي ء» من كلام الصدوق، و يؤيّده أنّ خبر زرارة مرويّ في الكافي و ليست فيه هذه الزيادة «2».

و للمحكيّ عن الصدوق و العماني و الجعفي و السيّد و الديلمي و الحلّي و المنتهى و التحرير «3»، و نسبه الحلّي إلى المفيد، و أنكره في المختلف و تعجّب منه و قال: إنّ المفيد قد صرّح في المقنعة بالأول «4».

أقول: قال

المفيد: و إذا كملت مائتين و زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا بلغت ذلك تركت هذه العدّة و اخرج من كلّ مائة شاة «5».

انتهى.

و لا يخفى أنّ ظاهر هذه العبارة: أنّه يجعل النصاب الأخير ثلاثمائة لا بزيادة واحدة، فيكون كلامه مخالفا للنسبتين و للقولين، بل يجعل النصاب أربعة و يجعل الرابع ثلاثمائة، فيكون ذلك قولا ثالثا، و نسب في المختلف و المهذّب القول الثاني إلى ابن حمزة أيضا «6».

______________________________

(1) الفقيه 2: 14- 36، الوسائل 9: 115 أبواب زكاة الأنعام ب 5 ح 1.

(2) الكافي 3: 534- 2، الوسائل 9: 115 أبواب زكاة الأنعام ب 5 ح 1.

(3) الصدوق في الفقيه 1: 14، حكاه عن العماني في المختلف: 177، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 77، الديلمي في المراسم:

131، الحلّي في السرائر 1: 436، المنتهى 1: 489، التحرير 1: 61.

(4) المختلف: 177.

(5) المقنعة: 238.

(6) المختلف: 177، المهذّب البارع 1: 511.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 113

أقول: قال ابن حمزة: النصاب فيها أربعة، و العفو كذلك، و الفريضة جنس واحد، و هو في كلّ نصاب واحد من جنسه، و باختلاف الغنم في البلد لا يتغيّر الحكم، و النصاب الأول أربعون، و الثاني مائة و إحدى و عشرون، و الثالث مائتان و واحدة، و الرابع ثلاثمائة و واحدة، فإذا زاد على ذلك تغيّر هذا الحكم و كان في كلّ مائة شاة «1». انتهى.

و حصره النصب في الأربعة و إن كان يوهم موافقته للقول الثاني، إلّا أنّ الظاهر منه وجوب أربع شياه في ثلاثمائة و واحدة، كما هو القول الأول، فيكون جعل النصب أربعة من باب المسامحة، إلّا أنّه أجمل الزائد على

الثلاثمائة و واحدة، فيشمل ما فوقها إلى الأربع مائة أيضا كما فعل ابن زهرة «2».

و لذا جعل في الذخيرة قوله قولا ثالثا، قال: و فيها قول ثالث، قاله ابن زهرة في الغنية، و هو أنّ في ثلاثمائة و واحدة أربع شياه، فإذا زادت على ذلك سقط هذا الاعتبار و اخرج من كلّ مائة شاة، و نقل عليه إجماع الفرقة «3».

و الظاهر أنّ مرادهما من الزائد زيادة مائة، و إلّا فيكون قولهما قولا ثالثا.

و نسب في الإيضاح هذا القول الثاني إلى نهاية والده «4»، و ما رأيناه من نسخه صريحة في الأول.

و كيف كان، فدليل هذا القول ما رواه الشيخ، عن محمّد بن قيس،

______________________________

(1) الوسيلة: 125.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 568.

(3) الذخيرة: 435.

(4) الإيضاح 1: 178.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 114

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ليس في ما دون الأربعين من الغنم شي ء، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين و مائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة» «1».

و أجيب عنها: بأنّها ضعيفة السند؛ لأنّ محمّد بن قيس مشترك بين أربعة، أحدهم ضعيف، فلعلّه إيّاه «2».

و ردّ: بأنّ المستفاد من كلام الشيخ و النجاشي أنّه البجلي، بقرينة رواية عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عنه، فيكون الخبر صحيحا معارضا للرواية الاولى «3».

فلا بدّ من الرجوع إلى الترجيح، فمنهم من رجّح الثاني بالسند و المتن و الخارج.

أمّا الأول: فلأنّه الصحيح و الأولى حسنة.

و أمّا الثاني، فلما في متن الاولى ممّا يخالف الأصحاب طرّأ في النصاب الثاني، و ذلك ممّا يضعّف الحديث.

و أمّا الثالث: فلموافقته

للأصل.

و يرد على الأول: أنّ حسن الأولى إنّما هو باعتبار إبراهيم بن هاشم، و الحقّ أنّه لا يقصر عن الصحّة، سيّما مع ما في صحّة الثانية من التأمّل من جهة تعيين محمّد بن قيس.

و على الثاني: أنّ مخالفة الرواية الأولى للمعمول بينهم في النصاب

______________________________

(1) التهذيب 4: 25- 59، الاستبصار 2: 23- 62، الوسائل 9: 116 أبواب زكاة الأنعام ب 6 ح 2.

(2) كما في المختلف: 177.

(3) انظر: المدارك 5: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 115

الثاني إنّما هي على ما نقله الفاضل في المنتهى وفاقا لبعض نسخ التهذيب، حيث قال: «فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها شاتان».

و أمّا على الوجه الذي أوردنا الخبر نقلا عن الكافي- و عليه أورده الشيخ في الاستبصار، و الفاضل في التذكرة، و صاحب المنتقى، و يوافقه بعض نسخ التهذيب- فلا يلزم محذور أصلا.

مضافا إلى أنّه يرد مثل ذلك على الرواية الثانية؛ لتصريح آخرها باختيار المصدّق في أخذ الهرمة و ذات العوار، فهو مخالف لما عليه الأصحاب، مع أنّ ردّ جزء من الخبر لا يؤثّر في الجزء الآخر.

مع أنّ مثل هذين الوجهين ليس من المرجّحات الشرعيّة عند أهل التحقيق من الفقهاء.

و أمّا الثالث: فلأنّ الأصل ليس مرجّحا حقيقة، بل هو المرجع لو لا الترجيح، فاللازم أولا ملاحظة وجوه التراجيح.

و منهم من رجّح الاولى بأكثريّة الرواة و فضلهم و لو في بعض المراتب، و روايتها عن إمامين، فإنّ احتمال السهو من الراوي حينئذ أبعد.

و التحقيق: أنّ مثل ذلك أيضا لا يصلح للترجيح، بل الصواب في الجواب أن يقال: إنّ بين الروايتين عموما و خصوصا مطلقا؛ لأنّ قوله في الثانية: «فإذا كثرت الغنم» و مفهوم الغاية- و هو ما تجاوز عن ثلاثمائة-

أعمّ من أن يبلغ الأربعمائة أو لا، و الأولى مخصوصة مفصّلة فيجب التخصيص بها، غاية الأمر أنّ حكم ما زاد على الثلاثمائة إلى الأربعمائة لا يكون مستفادا من الثانية، تركه لمصلحة، و مثله ليس في الأخبار بعزيز، سيّما مع ظهور المصلحة و هي التقيّة، فإنّ عمومها موافق للعامّة، كما صرّح به جماعة، منهم: المعتبر و المختلف و المنتهى و التذكرة و الذخيرة «1» و جدّي

______________________________

(1) المعتبر 2: 503، المختلف: 177، المنتهى 1: 489، التذكرة 1: 210، الذخيرة: 435.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 116

الفاضل طاب ثراه، و غيرهم [1].

و منه يظهر أنّه لو تحقّق التعارض بين الروايتين لكان الترجيح للأولى؛ لأنّ مخالفة العامّة من المرجّحات المنصوصة.

و أمّا ما قيل من أنّ صدر هذه الصحيحة كانت موافقة للعامّة «1» في النصاب الخامس للإبل فكيف يصرّح بخلافهم فيها؟! ففيه: أنّ أصحاب الكتب الأربعة أخذوا الروايات من كتب أصحاب الأصول، و ما في كتبهم لم يأخذوه عن المعصوم في وقت واحد، فلعلّهم أخذوا صدرها في زمان يقتضي التقيّة دون ما بعده.

ثمَّ إنّه قد ظهر بما ذكرنا أنّ في المسألة قولين آخرين أيضا:

أحدهما: ما تثبته عبارة المفيد، و هو كون نصاب الرابع ثلاثمائة، و أنّ فيها يرجع إلى المئات «2».

و يحتمله كلام الصدوق و السيّد أيضا، حيث إنّهما قالا: ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا كثر ففي كلّ مائة شاة «3».

و يمكن أن يكون المراد من الكثرة بلوغ الثلاثمائة، بل إرادة زيادة الواحدة من الكثرة بعيدة، فعباراتهم في مخالفة القولين ظاهرة، و توافق كلامهما الرواية الثانية، فتكون هي دليلا لهم.

و الجواب ما مرّ أيضا، مع ما يحصل لها حينئذ من الإجمال المانع عن الاستدلال؛ إذ يكون قوله فيها:

«فإذا كثرت الغنم» محتملا لوجهين:

______________________________

[1] كصاحب الرياض 1: 266.

______________________________

(1) كما في المدارك 5: 63، و الحدائق 12: 61.

(2) المقنعة: 238.

(3) الصدوق في المقنع: 50، و السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 77.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 117

إرادة بلوغ الثلاثمائة، أو التجاوز عنها.

و ثانيهما: ما نسبه في الذخيرة إلى ابن زهرة «1»، و مثله كلام ابن حمزة «2»، و هو جعل النصاب الزائد على ثلاثمائة و واحدة مطلقا، لا خصوص أربعمائة.

و هو لو كان قولا لهما لكان مردودا بالشذوذ و عدم الدليل، و اللّه الهادي إلى سواء السبيل.

ثمَّ إنّ ها هنا سؤالا، و هو: أنّه إذا كان يجب في أربعمائة ما يجب في ثلاثمائة و واحدة، فأيّ فائدة في جعلهما نصابين؟

و أجيب: بأنّها تظهر في محلّ الوجوب و الضمان مع التلف بعد الحول بدون تفريط، فإنّه لو تلفت واحدة من الأربعمائة سقط من الفريضة جزء من مائة جزء من شاة، و لو كانت ناقصة عنها لم يسقط ما دامت الثلاثمائة و واحدة باقية «3».

و أورد على ذلك: بأنّ الزكاة تتعلّق بالعين، فتكون الفريضة حقّا شائعا في المجموع، و مقتضاه توزيع التالف على المجموع و إن كان الزائد على النصاب عفوا «4».

و ردّه في الحدائق: بأنّه إن أريد بالمجموع مجموع النصاب و الزائد، فالتعلّق بعينه و الإشاعة فيه ممنوع، و إن أريد عين النصاب فمسلّم، و لكن لا يلزم منه سقوط شي ء، و اختلاط النصاب بالعفو و عدم تميّزه منه لا يستلزم تقسيط التالف في ما كان عفوا و إن كان النصاب شائعا فيه «5».

______________________________

(1) الذخيرة: 435.

(2) الوسيلة: 126.

(3) انظر: الشرائع 1: 143.

(4) كما في الذخيرة: 435.

(5) الحدائق 12: 64.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 118

و فيه ما لا يخفى؛ إذ شيوع الحقّ في النصاب و شيوع النصاب في المجموع يستلزم شيوع الحقّ في المجموع، و لازمه تقسيط التالف.

ألا ترى أنّه لو باع من له أربعمائة غنم ثلاثة أغنام شائعة من ثلاثمائة أغنام شائعة من أغنامه، و بعبارة أخرى: واحدة من مائة من ثلاثمائة من أغنامه و تلفت واحدة من أربعمائة، يقسّط التالف على المجموع قطعا.

نعم، لو منعت الإشاعة مطلقا و قيل: إنّ الواجب إخراج واحد غير معيّن من النصاب و العفو كما هو الظاهر، لم تظهر الفائدة كما يجي ء بيانه في مسألة تعلّق الزكاة بالعين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 119

البحث الثاني في ما يتعلّق بهذا الفصل من الأحكام
و فيه مسائل:
المسألة الاولى: من وجب عليه سنّ من الإبل و ليست عنده،
اشاره

و عنده أعلى منها بدرجة من الدرجات المعتبرة في الفريضة، دفعها و أخذ من الفقير أو المصدّق شاتين أو عشرين درهما .. و لو كان عنده الأدون منها بدرجة دفعها و دفع معها شاتين أو عشرين درهما .. بالإجماع، كما عن التذكرة و المنتهى «1» و غيرهما «2».

لصحيحة زرارة المرويّة في الفقيه: «كلّ من وجبت عليه جذعة و لم تكن عنده و كانت عنده حقّة دفعها و دفع معها شاتين أو عشرين درهما، و من وجبت عليه حقّة و لم تكن عنده و كانت عنده جذعة دفعها و أخذ من المصدّق شاتين أو عشرين درهما، و من وجبت عليه حقّة و لم تكن عنده و كانت عنده ابنة لبون دفعها و دفع معها شاتين أو عشرين درهما، و من وجبت عليه ابنة لبون و لم تكن عنده و كانت عنده حقّة دفعها و أعطاه المصدّق شاتين أو عشرين درهما، و من وجبت عليه ابنة لبون و لم تكن عنده و كانت عنده

ابنة مخاض دفعها و أعطى معها شاتين أو عشرين درهما، و من وجبت عليه ابنة مخاض و لم تكن عنده و كانت عنده ابنة لبون دفعها و أعطاه المصدّق شاتين أو عشرين درهما، و من وجبت عليه ابنة مخاض و لم تكن عنده و كان عنده ابن لبون ذكر فإنّه يقبل منه ابن لبون و ليس يدفع

______________________________

(1) التذكرة 1: 208، المنتهى 1: 483.

(2) كما في مجمع الفائدة 4: 82.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 120

معها شيئا» «1».

و نحوها رواية محمّد بن مقرن، عن جدّه، عن أمير المؤمنين عليه السّلام «2»، و ضعف سند الأخيرة مع صحّة الأولى غير ضائر، مع أنّه بالعمل أيضا منجبر.

و أمّا قول الصدوقين- بأنّ التفاوت بين بنت المخاض و بنت اللبون شاة «3»؛ استنادا إلى الرضوي «4»- شاذّ، و مستندهما ضعيف.

فروع:

أ:

يجزئ ابن اللبون الذكر عن بنت المخاض مع عدمها، و إن كان أدون قيمة من غير جبر مطلقا، بغير خلاف يعرف، كما في الذخيرة «5» و غيرها «6»، و عن التذكرة أنّه موضع وفاق «7».

لآخر صحيحة زرارة، و رواية محمّد بن مقرن، المتقدّمتين، و لقوله في صحيحة أبي بصير بعد النصاب الخامس: «فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس و ثلاثين، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر» «8»، و نحوها في روايته.

______________________________

(1) الفقيه 2: 12- 33، الوسائل 9: 127 أبواب زكاة الأنعام ب 13 ح 1.

(2) الكافي 3: 539- 7، التهذيب 4: 95- 273، الوسائل 9: 111 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 5.

(3) المقنع: 49، و حكاه عن والده في المختلف: 176.

(4) فقه الرضا (ع): 196 و 197، مستدرك الوسائل 7: 59 أبواب زكاة الأنعام

ب 2 ح 3.

(5) الذخيرة: 438.

(6) كالرياض 1: 268.

(7) التذكرة 1: 208.

(8) تقدمت مصادرها في ص 102.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 121

و هل يجزئ عنها مع وجودها؟

الأظهر: لا؛ اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع النصّ و الفتوى، و هو الإجزاء بشرط عدمها؛ مع أنّه مقتضى مفهوم الشرط في الأخبار المتقدّمة.

و ظاهر إطلاق الفاضل في الإرشاد و صريح المحكيّ عن التنقيح:

الإجزاء اختيارا و اضطرارا؛ لكونه أكبر منها سنّا «1».

و فيه: أنّه لا دليل على اعتبار الأكبريّة، و إنّما المعتبر الفريضة الشرعيّة، أو ما يقوم مقامها في الشريعة، و هو ابن اللبون مع فقدها.

نعم، لو ساوى قيمته قيمتها أو زادت عليها جاز إخراجه بدلا عنها بالقيمة مع وجودها، إن جوّزنا إخراج القيمة مطلقا، و هو أمر آخر غير مفروض المسألة.

و لو لم يوجدا معا تخيّر في ابتياع أيّهما شاء، كما عن الخلاف و الفاضلين، بل عنهما إنّه موضع وفاق بين علمائنا «2»؛ لجواز اشتراء كلّ منهما بالأصل، و بعد شراء ابن اللبون يكون واجدا له، و لأنّه مع فقد بنت المخاض لم يشترط جواز ابن اللبون بوجوده بل أطلق في النصّ.

و حكي عن مالك القول بتعيّن شراء بنت المخاض «3»، بل عن الشهيد الثاني تحقّق الخلاف فيه بين علمائنا أيضا «4»؛ استنادا إلى أنّ مع عدمهما لا يكون واجدا لابن اللبون فيتعيّن عليه ابتياع ما يلزم الذمّة، و لأنّهما استويا في العدم، فلا يجزئ ابن اللبون كما لو استويا في الوجود.

______________________________

(1) الإرشاد 1: 281، التنقيح 1: 306.

(2) الخلاف 2: 11، المحقق في المعتبر 2: 515، العلّامة في المنتهى 1:

484، و التذكرة 1: 208.

(3) انظر: الموطأ 1: 258، و بداية المجتهد 1: 261.

(4) المسالك 1: 53.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 122

و الثاني: قياس مردود، و الأول: مدفوع بعدم دليل على اشتراط وجدان ابن اللبون، و عدم تعلّق بنت المخاض بالذمّة بعد تجويز ابن اللبون مع عدمهما، بل يتعلّق أحدهما بها.

و يمكن أن يقال: إنّ مقتضى مفهوم صحيحة زرارة و رواية ابن مقرن المتقدّمتين «1» اشتراط قبول ابن اللبون بوجدانه، و هو و إن يعارض إطلاق منطوق صحيحة أبي بصير و رواية زرارة «2»، إلّا أنّ بعد الرجوع إلى الأصل يكون الحكم عدم كفاية ابن اللبون.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: بعد شراء ابن اللبون يكون واجدا له و يخرج عن تحت المفهوم.

و منه يظهر أنّه لو كان عنده بنت مخاض و ابن لبون بعد الحول و ماتت بنت المخاض يكفي ابن اللبون، بل لو لم يكن ابن اللبون جاز شراؤه حينئذ أيضا.

ب:

اكتفى العلّامة في التذكرة في الجبر بشاة و عشرة دراهم «3»، و به قطع الشهيد الثاني على ما حكي عنه «4»؛ لمساعدة الاعتبار له.

و هو ضعيف؛ لوجوب الاقتصار فيما يخالف الأصل على المنصوص.

و منه يظهر أيضا أنّ الجبر إنّما هو في صورة فقد السن المفروض؛ لأنّها المنصوص عليها.

ج:

لو فقد السنّ المفروض و وجد كلّ من الأدنى و الأعلى تخيّر

______________________________

(1) في ص 119 و 120.

(2) المتقدّمتين في ص 102.

(3) التذكرة 1: 208.

(4) انظر: المسالك 1: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 123

بينهما؛ لثبوت كلّ منهما في النصّ مطلقا بعد فقد الفرض.

د:

قالوا: الخيار في دفع الأعلى و الأدنى و في الجبر بالشاتين أو الدراهم إلى المالك لا إلى العامل و الفقير «1».

و هو كذلك في الأدنى و الأعلى فيما إذا كان المالك هو الدافع للضميمة؛ لظهور الخبرين المتقدّمين في ذلك.

و

أمّا لو كان العامل أو الفقير هو الدافع فيشكل ذلك؛ لأنّ ظاهر الخبرين إثبات التخيير فيه للمصدّق، فهو الأظهر.

ه:

مقتضى ظاهر إطلاق النصّ و الفتاوى عدم الفرق بين ما لو كانت قيمة الواجب السوقيّة مساوية لقيمة المدفوع على الوجه المذكور، أم زائدة عليها، أم ناقصة عنها.

و استشكل ذلك في صورة استيعاب قيمة المأخوذ من الفقير لقيمة المدفوع إليه، كما لو كانت قيمة بنت اللبون المدفوعة إلى الفقير عن بنت المخاض يساوي عشرين درهما التي أخذ منها، بل عن التذكرة عدم الإجزاء هنا «2».

و استوجهه في المدارك «3»، و نفى عنه البعد في الذخيرة «4».

و هو كذلك؛ لأنّ النصّ و إن كان مطلقا بظاهره، إلّا أنّه ينصرف إلى الشائع المتعارف في ذلك الزمان بل جميع الأزمان، فإنّ ندرة الفرض بل فقده قرينة حاليّة على إرادة غير هذه الصورة، فتبقى تلك باقية تحت الأصل.

______________________________

(1) كما في الذخيرة: 438، و الحدائق 12: 53.

(2) التذكرة 1: 208.

(3) المدارك 5: 84.

(4) الذخيرة: 438.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 124

و:

مورد النّص و الفتاوى ما إذا كان التفاوت في الأسنان بدرجة واحدة، فلو كان بأكثر من سنّ لم يؤخذ بدل الفريضة مع تضاعف التقدير الشرعيّ بقدر تفاوت الدرجات؛ اقتصارا فيما خالف الأصل- الدالّ على لزوم الفريضة بعينها مع الإمكان و بدلها مع العدم و هو القيمة السوقيّة كائنة ما كان- على مورد النصّ.

و للشيخ قول بالجواز مع تضاعف الجبران «1»، و هو المحكيّ عن الحلبي «2» و الفاضل في عدّة من كتبه «3»، فإنّ المساوي للمساوي مساو.

و فيه: منع التساوي من جميع الجهات، حتى في تعلّق الحكم الشرعيّ به.

و منه يظهر عدم إجزاء غير الأسنان الواردة في النصّ- أي ما فوق الجذع

مع الجبران- بل لا يجزئ من غير جبر أيضا، و لا بنت المخاض عن خمس شياه، بل و لا عن شاة إلّا بالقيمة.

ز:

و لو حال الحول على النصاب، و هو فوق الجذع، فالظاهر وجوب تحصيل الفريضة من غيره لتعلّق التكليف بها، فلا يجزئ غيرها إلّا بالقيمة.

و لو حال الحول على نصاب، و هي دون فريضة، يجب تحصيل الفريضة من غيرها؛ لما مرّ.

و لو كان تفاوته مع فريضة بدرجة، جاز الدفع منه مع الجبر.

ح:

الحكم مختصّ بالإبل؛ للأصل، فلا يثبت في غيرها الجبر، فمن عدم فريضة البقر أو الغنم و وجد الأدون أو الأعلى يخرج الفريضة بالقيمة، و اللّه العالم.

______________________________

(1) المبسوط 1: 195.

(2) الكافي في الفقه: 167.

(3) كالتذكرة 1: 208، و المختلف: 177.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 125

المسألة الثانية: لا يزيد من الفريضة شي ء لما بين النصابين في جميع الأنعام الثلاثة،

بلا خلاف فيه يعرف، بل بالإجماع.

و يصرّح به قوله عليه السّلام في صحيحة الفضلاء في زكاة الإبل: «و ليس على النيف شي ء، و لا على الكسور شي ء» «1»، و نحوه فيها في زكاة البقر «2».

و فيها أيضا في زكاة الغنم: «و ليس على ما دون المائة بعد ذلك شي ء، و ليس في النيف شي ء» «3».

المسألة الثالثة [الشاة التي تؤخذ في الزكاة يجب أن يكون أقلّه جذعا]
اشاره

المشهور بين الأصحاب- على ما صرّح به جماعة [1]-: أنّ الواجب في الشاة التي تؤخذ في الزكاة من الغنم و الإبل يجب أن يكون أقلّه جذعا- بالفتحتين- من الضأن وثنيا من المعز، بل قيل:

إنّه لا خلاف فيه يعرف «4»، بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه «5».

و نقل في الشرائع قولا بكفاية ما يسمّى شاة «6»، و اختاره في المدارك و الحدائق «7»، و نسبه في الأخير إلى جملة من أفاضل متأخّري المتأخّرين.

و هو الأصحّ؛ لإطلاق الأخبار المتقدّمة في نصب الغنم و الإبل الخالي عن المقيّد.

______________________________

[1] منهم المحقق في المعتبر 1: 482، و العلّامة في المنتهى 1: 482، و صاحب الذخيرة: 436.

______________________________

(1) الكافي 3: 531- 1، الوسائل 9: 111 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 6.

(2) كما في الكافي 3: 534- 1، التهذيب 4: 24- 57، الوسائل 9: 114 أبواب زكاة الأنعام ب 4 ح 1.

(3) الكافي 3: 534- 1، التهذيب 4: 25- 58، الوسائل 9: 116 أبواب زكاة الأنعام ب 6 ح 1.

(4) كما في الرياض 1: 267.

(5) الخلاف 2: 24، الغنية (الجوامع الفقهية): 568.

(6) الشرائع 1: 147.

(7) المدارك 5: 93، الحدائق 12: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 126

احتج الأولون بالإجماع المنقول.

و بما رواه سويد بن غفلة، قال: أتانا مصدّق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

و سلّم و قال:

نهينا أن نأخذ المراضع، و أمرنا أن نأخذ الجذعة و الثنية [1].

و برواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة: السخل متى يجب فيه الصدقة؟

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 9    126     المسألة الثالثة الشاة التي تؤخذ في الزكاة يجب أن يكون أقله جذعا ..... ص : 125

ل: «إذا أجذع» «1»؛ حيث إنّ الحمل على إرادة ابتداء الحول من حين الأجذاع أو انتهائه به خلاف ما ثبت من الأدلّة، فينبغي أن يراد منه بيان ما يصلح للإخراج.

و بتعلّق الفريضة بالعين مع وجوب حولان الحول على المال، فلا يكون مع الأمرين، إلّا وجوب شاة سنّها سنة لا أقلّ منها، و لكن لمّا لم تجب هذه بخصوصها في الجملة إجماعا تعيّن ما يقرب منها سنّا.

و بعدم انصراف الإطلاقات، بل عدم معلوميّة صدق الشاة على أدنى ممّا عليه المشهور.

و يردّ الأول: بعدم الحجّية.

و الثاني: به أولا أيضا؛ لعدم كونه من روايات أصحابنا. و لا يفيد الانجبار بالشهرة؛ لأنّه إنّما هو في الضعيف من روايات أصحابنا. إلّا أن يقال بكفاية روايته في الكتب الفقهيّة لأصحابنا من غير تصريح منه بكونه عامّيا.

و ثانيا: بأنّ الأمر فيها غير معلوم فلعلّه بعض أصحاب الرسول، و لا يجري فيه ما يجري في مضمرات رواياتنا، من أنّ المعلوم من حال الراوي

______________________________

[1] لم نجد الحديث باللفظ المذكور في ما بأيدينا من كتب العامة، نعم أورده الشيخ في الخلاف 2: 24، و هو مرويّ بالمضمون في سنن النسائي 5: 30، و سنن أبي داود 2: 102- 1579 و 1581.

______________________________

(1) الكافي 3: 535- 4، الفقيه 2: 15- 39، الوسائل 9: 123 أبواب زكاة الأنعام ب 9 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 127

أنّه

لا يروي إلّا عن المعصوم؛ لعدم معروفيّة حال المصدّق.

و ثالثا: بعدم الدلالة؛ لإجمال الرواية من وجهين:

أحدهما: عدم وجوب الجذع و الثنية إجماعا، بل هما أقلّ ما يجزئ عند المشهور، و الحمل على ذلك المعنى مجاز لا قرينة على تعيّنه، و إذا انفتح باب المجاز اتّسعت دائرته، فيصير مجملا.

و ثانيهما: أنّها لكونها حكاية عن واقعة لا عموم فيها و لا إطلاق، فلا يعلم أنّه كان مصدّق الإبل أو الغنم أو كليهما، فلا يعلم أنّه أقلّ الواجب من زكاة أيّهما.

و القول بعدم الفرق غير مقبول، بل الفرق موجود، كيف؟! و خصّ المحقّق الثاني في حواشي القواعد و الشرائع و الإرشاد- على ما حكي- التقدير المذكور بزكاة الإبل، و قال: أمّا الغنم فلا بدّ من مراعاة المماثلة فيها أو اعتبار القيمة.

هذا كلّه، مع أنّها على التفصيل المشهور- من كون الجذع للضأن و الثنية للمعز- غير دالّة.

و الثالث: بعدم دليل على الحمل المذكور، فالرواية مجملة؛ مع أنّها على فرض الدلالة لا تثبت حكم الثنية، بل تنفيه.

و الرابع: بأنّ بعد عدم وجوب ما حال عليه الحول بخصوصه- أي ما جرى عليه إحدى عشر شهرا- لا دليل على تعيين ما يقرب سنّها منه أصلا، لا في جهة الدنوّ، كما في الجذع، و لا في جهة العلوّ، كما في الثنية، بل يجب الرجوع إلى الإطلاق.

و الخامس: بأنّه على فرض تسليم عدم صدق الشاة و عدم انصراف الإطلاقات إلى أقلّ من الجذع و الثنية، فمقتضاه الرجوع إلى الصدق العرفي،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 128

و هو لا يختلف باختلاف يوم أو يومين، كما يختلف به صدق الجذع و الثنية، فيسقط اعتبارهما و يجب الرجوع إلى العرف .. و مقتضاه كفاية ما يسمّى

شاة سواء كان جذعا أو ثنية، أم لا.

نعم، لمّا كان صدقها على السخلة و ما يقرب منها سنّا غير معلوم، و يجب تحصيل البراءة اليقينيّة، فالاكتفاء بالأقلّ من الجذع غير محصّل للبراءة اليقينيّة، بل حصولها بالجذع أيضا مشكل، فاللازم اعتبار ما قطع بصدق الشاة عليه.

فرع:

على القول المشهور، اعلم أنّه قد اختلفت كلمات أهل اللغة في بيان سنّ الجذع من الضأن و الثنية من المعز على أقوال في الأول ..

منها: أنّه ما له سنة كاملة و دخل في الثانية مطلقا، ذكره في الصحاح و القاموس و المصباح المنير و النهاية الأثيريّة و المجمل «1».

و منها: أنّه ما له ثمانية أشهر، و أمّا السنة فإنّما هي في ولد المعز، ذكره الأزهري، و صاحب المغرب [1]، و نقل بعضهم عن الأخير القول الأول.

و منها: أنّه ما له ستّة أشهر.

و منها: سبعة.

و منها: تسعة.

و منها: عشرة.

و منها: الفرق بين المتولّد من الشابّين فستّة أشهر إلى سبعة، و بين الهرمين فثمانية إلى عشرة.

______________________________

[1] قال صاحب المغرب (1: 78): و عن الأزهري: الجذع من المعز لسنة، و من الضأن لثمانية أشهر.

______________________________

(1) الصحاح 3: 1194، القاموس 3: 12، المصباح المنير: 94، النهاية الأثيرية 1: 25، المجمل 1: 415.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 129

و على قولين في الثاني:

أحدهما: أنّها ما دخلت في السنة الثالثة، ذكره في الصحاح و القاموس و المغرب و النهاية «1».

و ثانيهما: أنّها ما دخلت في الثانية، ذكره في المجمل «2».

و منه ظهر أنّ المشهور في ما بين أهل اللغة القول الأول.

و أمّا الفقهاء فكلماتهم مختلفة، و لعلّ المشهور عندهم في الفريضة الثانية: القول الثاني، و في الأولى: الثالث، و مع هذا الاختلاف فالحكم بالتعيين مشكل، و

أصل البراءة مع الأقلّ [1]، و أصل الاشتغال و الاحتياط مع الأكثر، و اللّه الموفّق.

المسألة الرابعة [لا تكفي في الفريضة المريضة من الصحاح، و الهرمة من الفتيات ]

قد صرّح الأصحاب من غير ذكر خلاف أنّه لا تكفي في الفريضة المريضة من الصحاح، و الهرمة من الفتيات، و ذات العوار من السليمة.

بل عليه دعوى الإجماع مستفيضة «3»، بل هو إجماع حقيقة، فهو الدليل عليه، مضافا إلى قوله سبحانه وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ «4»، و صدق الخبيث على الأصناف الثلاثة و إن لم يكن معلوما لغة، إلّا أنّه يراد منه الردي ء من كلّ جنس بقرينة الأخبار الواردة في شأن نزول الآية ..

كموثّقة أبي بصير: في قول اللّه عزّ و جلّ:

______________________________

[1] في «س» و «ح»: الأوّل.

______________________________

(1) الصحاح 6: 2295، القاموس 4: 311، المغرب 1: 69، النهاية الأثيرية 1:

226.

(2) مجمل اللغة 1: 371.

(3) كما في الرياض 1: 269، مفتاح الكرامة: 3: 75.

(4) البقرة: 267.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 130

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ، قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا أمر بالنخيل أن يزكّى تهيّأ قوم بألوان من التمرة و هو من أردأ التمر، يؤدّونه عن زكاتهم تمرا» إلى أن قال: «و في ذلك نزل وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ » الحديث «1».

و لا تعارضها روايته: في قوله أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ .

فقال: «كان القوم قد كسبوا مكاسب سوء في الجاهليّة، فلمّا أسلموا أرادوا أن يخرجوها من أموالهم ليتصدّقوا بها، فأبى اللّه تعالى إلّا أن يخرجوا من أطيب ما كسبوا» «2»؛ لجواز أن يكون صدر الآية في ذلك و ذيلها في الأول.

و قد يستدلّ أيضا بقوله:

«و لا يؤخذ هرمة و لا ذات عوار إلّا أن يشاء المصدّق» في صحيحتي أبي بصير و محمّد بن قيس «3».

و فيه نظر؛ لعدم صراحته في الحرمة، مع ما فيه من الاستثناء المثبت لجواز الأخذ مع مشيّة المصدّق، بكسر الدال، كما هو المشهور، أو بفتحها، كما ذكره الخطابي، قال: و كان أبو عبيدة يرويه: إلّا أن يشاء المصدّق، بفتح الدال، يريد صاحب الماشية «4»، و احتمله في الذخيرة «5».

و المرجع في صدق الأصناف إلى العرف.

و يشترط في العور ما ثبت فيه الإجماع و جرت فيه الآية، فإنّ مثل العرج القليل أو مقطوع الاذن أو القرن و نحوهما لم يثبت فيه الإجماع و لم يعلم شمول الآية؛ لأنّ الثابت من الأخبار ليس أزيد من استعمال الخبيث في الأردأ، و أمّا كلّ ردي ء و لو قليلا فغير معلوم.

______________________________

(1) الكافي 4: 48- 9، الوسائل 9: 205 أبواب زكاة الغلّات ب 19 ح 1.

(2) الكافي 4: 48- 10، الوسائل 9: 465 أبواب الصدقة ب 46 ح 1.

(3) المتقدّمتين في ص 102 و 113.

(4) النهاية لابن الأثير 3: 18، لسان العرب 10: 197.

(5) الذخيرة: 437.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 131

و حيث كان المستند فيها منحصرا بالإجماع و الآية، فيجب الاقتصار في المنع على ما ثبت فيه الإجماع و دلّت الآية، و هو ما إذا وجد في النصاب صحيح فتي، فلو كان كلّه مريضا- مثلا- لم يكلّف شراء الصحيح، و لعلّه إجماعيّ أيضا، كما يظهر من المنتهى «1» و غيره «2»، فإنّه لا إجماع ها هنا و لا دلالة للآية؛ لأنّ قوله تعالى مِنْهُ يدلّ على أنّ الخبيث بعض المال، و كذا يظهر من قوله تعالى وَ لا تَيَمَّمُوا،

فإنّ القصد إلى الخبيث ظاهر في وجود غيره أيضا.

المسألة الخامسة: لو حال على نصاب أحوال و كان يخرج فريضته من غيره، تعدّدت الزكاة؛

لعموم أدلّة الوجوب السالم عن المعارض.

و لو لم يخرج من غيره أخرج عن سنة لا غير، سواء أخرجها من النصاب أو لم يخرج أصلا؛ لنقصان ملكيّة النصاب؛ لتعلّق الزكاة بالعين.

و الظاهر اختصاص ذلك بما إذا كانت الفريضة من جنس النصاب لا غيره، كما مرّ، و وجهه ظاهر.

و إن كان المال الذي حال عليه الحول أزيد من نصاب، تعدّدت الزكاة، و يجبر من الزائد حتى ينقص النصاب.

المسألة السادسة: الضأن و المعز جنس واحد،

و كذا البخاتي و العراب، و البقر و الجاموس، بلا خلاف يعرف، كما في التذكرة و المنتهى و الذخيرة «3»، و في المدارك: إنّ الحكم مقطوع به بين الأصحاب «4».

و يدلّ عليه دخول كلّ من صنفين تحت جنس واحد تعلّقت به

______________________________

(1) المنتهى 1: 485.

(2) كالرياض 1: 269.

(3) التذكرة 1: 210، المنتهى 1: 489، الذخيرة: 431.

(4) المدارك 5: 101.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 132

الزكاة، فالأول يجمعهما الغنم و الشاة، و الثاني الإبل، و الثالث البقر، فيصدق اسم الغنم و الإبل و البقر عرفا، فالنصاب المجتمع من كلّ من الصنفين يجب فيه الزكاة.

و هل يخرج المالك من أيّهما شاء و إن تفاوت الغنم؟

أو يجب التقسيط و الأخذ من كلّ بقسطه مطلقا؟

أو يناط بتفاوت الغنم؟

الأظهر: الأول؛ لصدق امتثال إخراج ما يصدق عليه اسم الفريضة، و عدم ما يدلّ على اعتبار القيمة.

و الأشهر- كما قيل-: الثاني «1»، و الأحوط: الثالث، و قيل: الثاني «2».

و كذا إذا كانت للمالك أموال متفرّقة كان له إخراج الزكاة من أيّها شاء، سواء تساوت القيمة أو اختلفت؛ لما مرّ.

المسألة السابعة: اختلف الأصحاب في عدّ الأكولة و فحل الضراب.

فذهب الفاضلان في النافع و الإرشاد و التبصرة و الشهيدان في اللمعة و الروضة إلى عدم عدّهما «3»، و نقل عن الحلبي في الأخير أيضا «4»؛ لصحيحة البجلي: «ليس في الأكيلة و لا في الربيّ- و الربيّ التي تربّي اثنين- و لا شاة لبن و لا فحل الغنم صدقة» «5».

و ظاهر الأكثر عدّهما؛ للإطلاقات.

و ضعف دلالة الصحيحة؛ لاحتمال أن يكون المراد عدم أخذهما

______________________________

(1) كما في الحدائق 12: 71.

(2) كما في المدارك 5: 102.

(3) النافع: 79، الإرشاد 1: 281، التبصرة: 45، اللمعة (الروضة البهية 2): 27.

(4) الكافي في الفقه: 167.

(5) الكافي 3: 535- 2،

الفقيه 2: 14- 37، الوسائل 9: 124 أبواب زكاة الأنعام ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 133

للصدقة، و لاشتمالها على الربيّ و شاة اللبن المعدّان اتّفاقا.

و لقرينة موثّقة سماعة: «لا تؤخذ الأكولة- و الأكولة الكبيرة من الشاة تكون في الغنم- و لا والدة، و لا كبش الفحل» «1».

مع أنّ الرواية مع صحّتها غير صالحة للحجّية؛ لمخالفة الشهرة.

و يردّ الأول: بكونه خلاف الظاهر جدّا.

و الثاني: بأنّ مخالفة جزء من الحديث لدليل لا يوجب ترك العمل بسائر أجزائه، مع أنّ الاتفاق المدّعى غير ثابت، بل نفى بعض متأخّري المتأخّرين البعد عن عدم عدّ سائر الأجزاء أيضا [1].

و الثالث: بعدم صلاحيّته للقرينة؛ لعدم التنافي بين عدم الأخذ و عدم العدّ.

و الرابع: بمنع الشهرة المخرجة للخبر عن الحجّية، كيف؟! و اقتصر بعضهم في نقل القول بعدّ الأكولة عن الشهيد الثاني في حواشي الإرشاد و ابن فهد في المحرّر و الموجز، و قال: و نقل في الدروس قولا بالعدّ أيضا «2»، و بعدّ الفحل عن الحلّي و المختلف «3».

و الأولى ردّ الصحيحة بالإجمال:

أمّا في الأكيلة؛ فلأنّها مفسّرة بالسمينة المعدّة للأكل في كلام بعض الفقهاء «4»، و فسّرها بها في النهاية الأثيريّة أيضا، و فيها: و قيل: هي الخصيّ

______________________________

[1] كصاحب الحدائق 12: 70.

______________________________

(1) الكافي 3: 535- 3، الفقيه 2: 14- 38، الوسائل 9: 125 أبواب زكاة الأنعام ب 10 ح 2.

(2) الدروس 1: 235.

(3) الحلّي في السرائر 1: 437، المختلف: 177.

(4) كما في الذخيرة: 437، و الرياض 1: 268.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 134

و الهرمة و العاقر من الغنم «1».

و في القاموس: الأكولة العاقر من الشياة تعزل للأكل كالأكيلة «2».

و فسّرها في الموثّقة بالكبيرة، و

هي أيضا مجملة؛ لإمكان إرادة الكبير في السنّ، فيوافق تفسيرها بالهرمة، و الكبير في الجسم فيوافق السمينة.

و على التقديرين، تعارضها صحيحة محمّد بن قيس، و فيها: «و يعدّ صغيرها و كبيرها» «3».

و أمّا في الفحل؛ فلأنّ إضافته إلى الغنم يمكن أن يكون بمعنى «اللام»، فيراد به فحل الضراب؛ لأنّه الفحل الذي يكون للغنم، و أن يكون بمعنى «من»، و حينئذ فإطلاقه يخالف الإجماع، و تقييده يوجب تخصيص الأكثر.

إلّا أنّه يحصل الإجمال حينئذ في المطلقات أيضا، و العامّ المخصّص بالمجمل ليس بحجّة في موضع الإجمال.

و على هذا، فيقوى القول الأول، و هو عدم عدّ الصنفين، بل لا يبعد عدم عدّ الربيّ بالمعنى المفسّر به في الصحيحة و شاة اللبن- أي المعدّة للبن- بل سائر محتملات معنى الأولين أيضا، لو لا الاتّفاق على عدّ ما عدا المعدّة للأكل و فحل الضراب.

إلّا أنّ الاتّفاق في غيرهما- و لا أقلّ من الشهرة العظيمة الموهنة لشمول الرواية له- يمنع من العمل بها في غيرهما، بل الأحوط ترك العمل بها فيهما أيضا و عدّ الجميع.

المسألة الثامنة: صرّح جماعة بأنّه لا يجوز أخذ الربيّ-
اشاره

بضم الراء

______________________________

(1) النهاية الأثيرية 1: 58.

(2) القاموس المحيط 3: 339.

(3) تقدمت في ص 113.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 135

و تشديد الباء، و الألف المقصورة- و لا الأكولة و لا فحل الضراب بدون إذن المالك [1]، على ما قطع به الأصحاب، بل يظهر من بعضهم الاتّفاق عليه [2].

و هو الموافق للأصل؛ حيث إنّه سيأتي- إن شاء اللّه سبحانه- أنّه لا تخيير لغير المالك في أخذ شي ء، و لا يجوز له مزاحمته.

و تؤيّده الموثّقة المتقدّمة «1»، و الشهرة العظيمة، بل الإجماع المنقول «2»، فلا محيص عنه.

و هل يجوز الأخذ مع رضاه، أو يجوز له نفسه دفعه

عن الفريضة لا بالقيمة، أم لا؟

صرّح بعضهم- و منهم: الفاضل في التذكرة- بالأول في الجميع «3»، بل نفى عنه الخلاف في المنتهى «4».

و قيل بالثاني في الربيّ و الفحل خاصّة «5».

و ذهب جدّي الفاضل- قدّس سرّه- إلى الثاني في الأول- أي الربيّ- و إلى الأول في الثاني و الثالث.

و لعلّ منشأ الخلاف: الخلاف في أنّ جهة المنع هل هي كونه من كرائم الأموال و نحوه ممّا يتضرّر به المالك، أو المرض و فساد اللحم؟

و الحقّ عدم صلاحيّة شي ء منهما للاستناد، بل المستند الموثّقة، و هي و إن كانت مطلقة شاملة لصورة إذن المالك و عدمه، إلّا أنّها لا تثبت أزيد من

______________________________

[1] كالعلامة في المنتهى 1: 485، و صاحب الحدائق 12: 70.

[2] كصاحب الرياض 1: 268.

______________________________

(1) في ص 133.

(2) كما في الرياض 1: 268، و الحدائق 12: 70.

(3) التذكرة 1: 215.

(4) المنتهى 1: 485.

(5) كما في المسالك 1: 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 136

المرجوحيّة، فعليها الفتوى، و لكن بتبديل الربيّ بالوالدة، كما هو مورد الرواية.

و الظاهر أنّ المراد من الوالدة ذات الولد المشتغلة بإرضاعه و تربيته، فإنّها التي تستعمل فيها الوالدة، و على هذا فتطابق الربيّ على بعض تفاسيرها، و أمّا الربيّ بالتّفسير المذكور في الصحيحة «1» فلا، إلّا من جهة صدق الوالدة عليها أيضا.

تنقيح:

اعلم أنّه قد مرّ تفسير الأكولة في اللغة بالمسمنة للأكل و المعدّة له- و هما التفسيران اللذان ذكرهما الفقهاء- و بالخصيّ و الهرمة و العاقر، و في الحديث بالكبيرة.

و أما الربيّ، ففسّرت في الحديث بالتي تربّي الاثنين، و فسّرها أكثر الفقهاء بالوالدة إلى خمسة عشر يوما [1]، و قيل إلى خمسين «2».

و قال الجوهري: إنّها الشاة التي وضعت حديثا،

و قال الأموي: هي ما بين الولادة إلى شهرين «3»، و قيل: عشرون يوما «4».

و في النهاية الأثيريّة: إنّها التي تربّى في البيت من الغنم لأجل اللبن «5».

ثمَّ إنّه تطلق الربيّ و الأكولة في كلام الفقهاء تارة فيما لا يؤخذ، و اخرى فيما لا يعدّ.

______________________________

[1] كالشيخ في المبسوط 1: 199، و المحقق في الشرائع 1: 149، و العلّامة في المنتهى 1: 485.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 132.

(2) حكاه في المبسوط 1: 199.

(3) الصحاح 1: 131؛ و حكاه عن الأموي أيضا.

(4) حكاه ابن الأثير في النهاية 2: 181.

(5) النهاية الأثيرية 2: 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 137

و أمّا الأخبار فلم تذكر فيها الاولى في الأول، بل ذكر مقامها الوالدة.

و التحقيق: أنّ المحكوم بعدم أخذه من الربيّ هو قريب العهد بالولادة إلى خمسة عشر يوما بل إلى الخمسين، سواء سمّيت ربّي أو الوالدة؛ للمسامحة في مقام الكراهة، فيكفي قول الفقيه فيه، مضافا إلى صدق الوالدة الواردة في الموثّقة.

و من الأكولة هي المعدّة للأكل؛ لفتوى الجماعة [1]، و إن كان المراد منها في الموثّقة غير ظاهر.

و المحكوم بعدم العدّ من الربيّ- لو قلنا به- هي ما تربّي الاثنين؛ لأنّه الوارد في الصحيحة «1».

و من الأكولة أيضا المعدّة للأكل؛ لظاهر الإجماع على عدّ غيرها ممّا قد يطلق عليه الأكولة.

المسألة التاسعة: قال جماعة: إنّه يجزئ الذكر و الأنثى من الشاة في الفريضة للأغنام و الإبل،

سواء كان النصاب كلّه ذكرا أو أنثى أو ملفّقا منهما، تساوت قيمتهما أم اختلفت؛ للإطلاقات [2].

و خالف فيه في الخلاف، فعيّن الإناث في الإناث من الغنم مطلقا «2».

و عن المختلف، فجوّز دفع الذكر إذا كان بقيمة واحدة من الإناث ..

و وجّه بتعلق الزكاة بالعين، فلا بدّ من دفعها منها أو من غيرها مع اعتبار القيمة «3».

______________________________

[1] منهم الشيخ في

المبسوط 1: 199، و المحقق في الشرائع 1: 149، و العلّامة في المنتهى 1: 485.

[2] منهم الشيخ في المبسوط 1: 199، و المحقق في الشرائع 1: 149، و العلّامة في التذكرة 1: 213.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 132.

(2) الخلاف 2: 25.

(3) المختلف: 192.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 138

و ردّ بأنّ الزكاة المتعلّقة بالعين ليس إلّا مقدار ما جعله الشارع فريضة لا بعض آحادها بخصوصها، و هي على ما وصلت إلينا من الشارع من جهة إطلاق الشاة بقول مطلق، و هو يصدق على الذكر و الأنثى لغة و عرفا.

و فيه: أنّه نفى تعلّق الزكاة بالعين بالمعنى الذي ذكروه، و يرجعه إلى إرادة تعلّق الزكاة بجنس المال، و هو غير مرادهم قطعا، بل خلاف مقتضى أدلّة تعلّق الزكاة بالعين كما يأتي.

و الحقّ- كما يأتي- تعلّقها ببعض آحادها بخصوصها.

و على هذا، فالحقّ إجزاء الذكر عن النصاب الذكر و الأنثى عن النصاب الأنثى، و كلّ منهما عن الملفّق منهما، و أمّا الذكر عن الأنثى و بالعكس فلا يجزئ إلّا بالقيمة؛ لما يأتي من تعلّق الزكاة أصالة بالعين.

و من هذا يظهر أنّه لا يجوز دفع غير بعض آحاد الفريضة فيما يتعلّق بالعين إلّا مع اعتبار القيمة، فلا يدفع غير غنم البلد بل و لا غير الغنم الذي تعلّقت به الزكاة لفريضة الأغنام إلّا بالقيمة.

المسألة العاشرة: لا يضمّ مال إنسان إلى مال غيره

و إن كانا في مكان واحد، بل يعتبر النصاب في مال كلّ واحد، بالإجماع كما في المدارك «1»، و عن الخلاف و السرائر و المنتهى «2» و غيرها «3».

للأصل، و انتفاء الدليل على الضمّ، و النبويّ: «إذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين فليس فيه صدقة».

و في آخر: «من لم يكن له إلّا أربعة من

الإبل فليس فيها صدقة» «4»،

______________________________

(1) المدارك 5: 66.

(2) الخلاف 2: 35، السرائر 1: 451، المنتهى 1: 504.

(3) كالرياض 1: 269.

(4) صحيح البخاري 3: 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 139

و نحوه المرتضويّ الخاصّي «1».

و المرويّ في العلل: قلت له: مائتا درهم بين خمسة إناث أو عشرة حال عليها الحول و هي عندهم، أ تجب عليهم زكاتها؟ قال: «لا، هي بمنزلة تلك- يعني جوابه في الحرث- ليس عليهم شي ء حتى يتمّ لكلّ إنسان منهم مائتا درهم»، قلت: و كذلك في الشاة و الإبل و البقر و الذهب و الفضة و جميع الأموال؟ قال: «نعم» «2». و ضعف السند- لو كان- ينجبر بالعمل.

و قد يستدلّ أيضا بما ورد في جملة من المعتبرة العامّية و الخاصّية، و فيها الصحيح: «لا يفرّق بين مجتمع و لا يجمع بين متفرّق» «3» بالحمل على المجتمع و المتفرّق في الملك، على ما فهمه أصحابنا.

و لكن للخصم أن يردّه بعدم تعيّن إرادة الملك.

و خالف في ذلك جمع من العامّة، و قالوا: إنّ الخلطة تجمع المالين مالا واحدا، سواء كان خلطة أعيان، كأربعين بين شريكين، أو خلطة أوصاف، كالاتّحاد في المرعى و المشرب و المراح مع تميّز المالين «4».

و هو باطل؛ لانتفاء الدليل عليه.

و الاستدلال بقوله: «لا يفرّق بين مجتمع» مردود بما مرّ.

المسألة الحادية عشرة: لا يفرّق بين مالي المالك الواحد

و لو تباعد مكاناهما؛ بالإجماع كما عن المنتهى و التذكرة «5»؛ للعمومات، نحو قوله:

______________________________

(1) الكافي 3: 539- 7، التهذيب 4: 95- 273، الوسائل 9: 111 أبواب زكاة الأنعام ب 2 ح 5؛ و في «ق»: الماضي، بدل: الخاصّي.

(2) العلل: 374- 1، الوسائل 9: 151 أبواب زكاة الأنعام ب 5 ح 2.

(3) سنن الدار قطني 2: 104- 1.

(4) حكاه في المغني

و الشرح الكبير 2: 476.

(5) المنتهى 1: 505، التذكرة 1: 212.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 140

«في أربعين شاة شاة» «1»، فتضمّ الثمار في البلاد المتباعدة و إن اختلفت في وقت الإدراك إذا كانا لعام واحد و إن اختلف وقتهما بشهر أو بشهرين أو أكثر، و في التذكرة: إجماع المسلمين على ذلك أيضا «2»، و في الذخيرة: إنّ الظاهر أنّه لا خلاف فيه «3».

و على هذا، فلو كان المدرك أولا نصابا أخذت منه الزكاة ثمَّ يؤخذ من الباقي عند تعلّق الوجوب به قلّ أو كثر. و إن كان دون النصاب يتربّص إلى أن يدرك محلّ الوجوب ما يكمّل به نصابا، فيؤخذ منه ثمَّ من الباقي.

______________________________

(1) الوسائل 9: 116 أبواب زكاة الأنعام ب 6.

(2) التذكرة 1: 212.

(3) الذخيرة: 444.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 141

الفصل الثاني في زكاة النقدين
و فيه بحثان:
البحث الأول في شرائطها و هي أمور:
الشرط الأول: النصاب،
اشاره

بلا خلاف بين علماء الإسلام، و لكلّ منهما نصابان:

أمّا الأول للذهب:

فعشرون دينارا، فليس في ما نقص عنها شي ء إجماعا فتوى و نصّا، و إذا بلغها يجب فيه الزكاة ربع العشر نصف دينار على المشهور بين الأصحاب، بل بالإجماع كما عن الغنية و الخلاف و التذكرة و السرائر «1»، بل في الأخير إجماع المسلمين.

للنصوص المستفيضة، بل المتواترة، كموثّقة عليّ بن عقبة و العدّة [1]:

«ليس في ما دون العشرين مثقالا من الذهب شي ء، فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلى أربعة و عشرين، فإذا كملت أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية و عشرين، فعلى هذا الحساب كلّما زاد أربعة

______________________________

[1] المراد من العدّة: عدة من أصحابنا.

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 567، الخلاف 2: 83، التذكرة 1: 216، السرائر 1: 447.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 142

دنانير» «1».

و موثّقة سماعة: «في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم من الفضّة، فإن نقص شي ء فليس عليك زكاة، و من الذهب من كلّ عشرين دينارا نصف دينار، فإن نقص فليس عليك شي ء» «2».

و صحيحة الحسين بن بشّار: في كم وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الزكاة؟

فقال: «في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم، فإن نقصت فلا زكاة فيها، و في الذهب في كلّ عشرين دينارا نصف دينار، فإن نقص فلا زكاة فيه» «3».

و موثّقة زرارة: «في الذهب إذا بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار، و ليس في ما دون العشرين شي ء، و في الفضّة إذا بلغت مائتي درهم خمسة دراهم، و ليس في ما دون المائتين شي ء، فإذا زادت تسعة و ثلاثون على المائتين فليس فيها شي ء حتى تبلغ الأربعين، و ليس في شي ء من الكسور شي ء

حتى تبلغ الأربعين، و كذلك الدنانير على هذا الحساب» «4».

و في صحيحة البزنطي: عمّا اخرج من المعدن من قليل أو كثير، هل فيه شي ء؟ قال: «ليس عليه شي ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا» «5».

______________________________

(1) الكافي 3: 515- 3، التهذيب 4: 6- 13، الاستبصار 2: 12- 35، الوسائل 9: 138 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 5.

(2) الكافي 3: 515- 1، التهذيب 4: 12- 31، الوسائل 9: 138 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 4 و ب 2 ح 4.

(3) الكافي 3: 516- 6، الوسائل 9: 138 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 3 و ب 2 ح 3.

(4) التهذيب 4: 7- 15، الاستبصار 2: 12- 37، الوسائل 9: 140 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 9 و ب 2 ح 6.

(5) التهذيب 4: 138- 391، الوسائل 9: 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 143

و موثّقة ابن أبي العلاء: «في عشرين دينارا نصف دينار» «1».

إلى غير ذلك من الروايات المتكثّرة، كموثّقتي زرارة و بكير «2» و رواية زرارة «3» و صحيحة الحلبي «4» و حسنة محمّد «5» و غيرها «6». و التعبير في البعض بالدينار و في البعض بالمثقال لاتّحادهما كما يأتي.

خلافا للمحكيّ عن الصدوقين «7»- بل جماعة من أصحاب الحديث كما في المعتبر «8»، أو قوم من أصحابنا كما في الخلاف «9»- أنّ النصاب الأول أربعون دينارا.

احتجاجا بموثّقة الفضلاء الأربعة: «في الذهب في كلّ أربعين مثقالا مثقال، و في الورق في كلّ مائتين خمسة دراهم، و ليس في أقلّ من أربعين مثقالا شي ء،

و ليس في أقلّ من مائتي درهم شي ء، و ليس في النيف شي ء حتى يتمّ أربعون فيكون فيه واحد» «10».

______________________________

(1) التهذيب 4: 6- 14، الاستبصار 2: 12- 36، الوسائل 9: 139 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 1 ح 8.

(2) الاولى في: التهذيب 4: 12- 33، الوسائل 9: 140 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 11.

الثانية في: التهذيب 4: 6- 12، الوسائل 9: 140 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 1 ح 12.

(3) التهذيب 4: 12- 30، الوسائل 9: 140 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 10.

(4) الكافي 3: 516- 7، الوسائل 9: 137، أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 1 و ب 2 ح 1.

(5) الكافي 3: 516- 5، التهذيب 4: 10- 28، الاستبصار 2: 13- 38، الوسائل 9: 137 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 2.

(6) الوسائل 9: 137 و 142 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 و ب 2.

(7) الصدوق في المقنع: 50، و حكاه عن والده في المختلف: 178.

(8) المعتبر 2: 523.

(9) الخلاف 2: 84.

(10) التهذيب 4: 11- 29، الاستبصار 2: 13- 39، الوسائل 9: 144 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 2 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 144

و صحيحة زرارة: رجل عنده مائة درهم و تسعة و تسعون درهما و تسعة و ثلاثون دينارا، أ يزكّيها؟ قال: «ليس عليه شي ء من الزكاة في الدراهم، و لا في الدنانير حتى يتمّ أربعين، و الدراهم مائتي درهم» «1».

و يردّان بعدم حجّيتهما؛ لشذوذهما.

مع أنّه على التعارض مع ما تقدّم، الترجيح لما تقدّم بالأشهريّة رواية و فتوى، و الموافقة للإطلاقات كتابا و

سنّة بوجوب الزكاة في الذهب بقول مطلق، خرج منه ما نقص عن العشرين دينارا بالإجماع و بقي الباقي.

مع أنّ الثانية مرويّة في الفقيه «2» بمتن يوافق المشهور، حيث بدّل فيه: تسعة و ثلاثون دينارا، في السؤال ب: تسعة عشر دينارا، مع الجواب بنفي الزكاة فيها حتى يتمّ.

و على هذا، فلا يبقى حجّية في الطريق الأول.

و أمّا النصاب الثاني للذهب:

فأربعة دنانير و يزيد لها عشر دينار، و لا يزيد لما بين العشرين و الأربعة الزائدة شي ء، بالإجماع.

و تدلّ عليه موثّقتا عليّ بن عقبة و زرارة المتقدّمتين، و رواية ابن عيينة: «إذا جاز الزكاة العشرين دينارا ففي كلّ أربعة دنانير عشر دينار» «3»، و غير ذلك.

و أمّا النصاب الأول للفضّة:

فمائتا درهم، فلا يجب شي ء في ما دونها، و إذا بلغ هذا المقدار وجب ربع العشر خمسة دراهم، بإجماع علماء الإسلام محقّقا و محكيّا «4».

______________________________

(1) التهذيب 4: 92- 267، الاستبصار 2: 38- 119، الوسائل 9: 141 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 14.

(2) الفقيه 2: 11- 32.

(3) الكافي 3: 516- 4، الوسائل 9: 139 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 6.

(4) انظر: الغنية (الجوامع الفقهية): 567، و المعتبر: 267، و التذكرة 1: 215.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 145

و تدلّ عليه النصوص المستفيضة من المتقدّمة، و غيرها «1».

و الثاني: أربعون درهما،

و فيه درهم، و لا يجب شي ء لما بينها و بين المائتين، بالإجماعين «2» أيضا.

و تدلّ عليه من الروايات موثّقة زرارة المتقدّمة، و موثّقة محمّد الحلبي: «إذا زاد على المائتي درهم أربعون درهما فعليها درهم، و ليس في ما دون الأربعين شي ء» فقلت: فما في تسعة و ثلاثين درهما؟ قال: «ليس على التسعة و ثلاثين درهما شي ء» «3».

فائدة:
اشاره

الدينار قد ينسب إلى المثقال الصيرفي فيعرف به، و قد ينسب إلى الدرهم.

أمّا على الأول، فهو ثلاثة أرباع مثقال الصيرفي، كما صرّح به جماعة، منهم: صاحب الوافي و المحدّث المجلسي في رسالته في الأوزان نافيا عنه الشك «4»، و والده في [روضة] المتّقين [1]، و ابن الأثير في نهايته «5»، و غيرهم.

و يثبته إطلاق الدينار عرفا على هذه الذهب المعمولة في بلاد الروم و الإفرنج المسمّاة ب «دوبتي و باج اغلو» و كلّ منهما ثلاثة أرباع الصيرفي.

بل يظهر من المجمع أنّ الدينار في الأزمنة الماضية أيضا كانت اسما لهذين الذهبين، قال في مادّة الدرهم: و أمّا الدنانير فكانت تحمل إلى العرب من الروم إلى أن ضرب عبد الملك بن مروان الدينار في أيّامه «6».

______________________________

[1] في النسخ: حلية المتقين، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(1) انظر الوسائل 9: 142 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 2.

(2) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 567.

(3) التهذيب 4: 12- 32، الوسائل 9: 145 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 2 ح 9.

(4) رسالة المقادير الشرعية (المخطوط).

(5) النهاية الأثيرية 1: 217.

(6) مجمع البحرين 6: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 146

انتهى.

و الظاهر عدم التغيّر في مسكوكات الروم، بل هي ما يحمل منها الآن أيضا، و هو الذهبان المذكوران، بل صرّح في النهاية الأثيريّة بأنّ

الدينار هو ذلك، حيث قال: المثقال يطلق في العرف على الدينار خاصّة، و هو الذهب الصنمي عن ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي «1». انتهى.

و به صرّح في المجمع في مادّة الثقل، حيث قال: فالمثقال الشرعيّ يكون على هذا الحساب عبارة عن الذهب الصنمي «2». انتهى.

و الذهب الصنمي هو الذهبان المذكوران؛ حيث إنّ فيهما شكل الصنم، فما يكون الصنم في أحد طرفيه يقال له: باج اغلو، و ما في طرفيه يسمّى ب: دوبتي، أي ذو الصنمين.

و بما ذكرنا يعلم أنّ الدينار هو الذهب، الذي هو ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي، أو هذان الذهبان، و كلّ منهما أيضا ثلاثة أرباعه، و لا أقلّ من استعماله في ذلك.

و الأصل في الاستعمال الحقيقة؛ إذ لم يعلم له في عرف العرب استعمال في غيره أصلا، و بضميمة أصالة عدم النقل يثبت ذلك في عرف الشرع أيضا.

مع أنّه صرّح جماعة- منهم: العلّامة في النهاية «3» و الرافعي في شرح الوجيز-: أنّ الدينار لم يختلف في جاهليّة و لا إسلام «4».

و قال في الحدائق: لا خلاف بين الأصحاب- بل و غيرهم أيضا- أنّ

______________________________

(1) النهاية الأثيرية 1: 217.

(2) مجمع البحرين 5: 331.

(3) نهاية الإحكام 2: 340.

(4) شرح الوجيز (المجموع للنووي 6): 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 147

الدنانير لم يتغيّر وزنها عمّا هي عليه الآن في جاهليّة و لا إسلام، صرّح بذلك جماعة من علماء الطرفين «1». انتهى.

و قال جدّي- قدّس سرّه- في بعض ما ذكر: إنّه لا اختلاف فيه بين العلماء.

ثمَّ إنّ المثقال الصيرفي- على ما اعتبرناه مرارا و وزنّاه و أمرنا جمعا من المدقّقين باعتباره- يساوي تقريبا ثلاث و تسعين حبّة من حبّات الشعير المتوسّطات، فيكون الدينار على ذلك سبعين حبّة تقريبا،

و هو يطابق حبّات الذهب الصنمي المذكور، فإنّا وزنّاه مرارا فكان سبعين حبّة.

و أمّا على الثاني، فصرّح الأصحاب- منهم: المحقّق في الشرائع و المعتبر «2» و الفاضل في المنتهى و التذكرة و التحرير «3» و الشهيدان في البيان و الروضة «4»، و غيرهم [1]-: بأنّ الدينار درهم و ثلاثة أسباع درهم، و الدرهم نصف دينار و خمسه.

بل هو متّفق عليه بين الأصحاب، مقطوع به في كلماتهم، بل كلمات اللّغويين أيضا، و قال المحدّث المجلسي: إنّه ممّا اتّفقت عليه العامّة و الخاصّة «5»، و نفى عنه الاختلاف جدّي الأمجد أيضا.

ثمَّ الدرهم- كما به صرّحوا جميعا أيضا- ستّة دوانيق، و الدانق:

ثمان حبّات من أوسط حبّ الشعير.

و تدلّ عليه- بعد الاتّفاق المحقّق، و المحكيّ مستفيضا «6»- أصالة

______________________________

[1] كصاحب المدارك 5: 114، و صاحب الرياض 1: 270.

______________________________

(1) الحدائق 12: 89.

(2) الشرائع 1: 150، المعتبر 2: 525.

(3) المنتهى 1: 493، التذكرة 1: 215، التحرير 1: 62.

(4) انظر: البيان: 302، الروضة البهية 2: 30.

(5) رسالة المقادير الشرعية (المخطوط).

(6) انظر: المفاتيح 1: 50.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 148

الاستعمال، بضميمة أصالة عدم النقل.

و يوافق أيضا ما اعتبرناه من تطابق الدينار بالحبّات، فإنّ مقتضاه كون الدرهم ثمان و أربعين حبّة تقريبا، كما صرّحوا به.

و من ذلك يعلم قدر الدرهم بالنسبة إلى الدينار أيضا، و كذلك بالنسبة إلى المثاقيل الصيرفيّة المتعارفة الآن في أكثر البلاد، التي كلّ واحد منهما ثلاث و تسعون حبّة تقريبا، و يعلم أنّ كل درهم نصف مثقال صيرفي و ربع عشره.

و أمّا ما في بعض الأخبار الضعيفة- ممّا يدلّ على أنّ الدرهم ستّة دوانيق، و الدانق: اثنا عشر حبّة- فهو مخالف لتصريح الجميع، بل للاعتبار الصحيح، فهو بالشذوذ مردود.

و

منه يعلم أيضا ما في مجمع البحرين من أنّ المثقال الشرعيّ ستّون حبّة من حبّات الشعير، فإنّه يلزمه أن يكون الدرهم اثنتين و أربعين حبّة، و هو مخالف لتصريح الأصحاب و الاعتبار.

ثمَّ بعد ما ذكرنا تعلم أنّ النصاب الأول للذهب خمسة عشر مثقالا بالمثقال الصيرفي، و الثاني ثلاثة مثاقيل. و النصاب الأول للفضّة مائة و خمسة مثاقيل، و الثاني واحد و عشرون، و اللّه أعلم.

فرعان:

أ:

المراد ببلوغ عشرين دينارا أو مائتي درهم بلوغ وزنهما، و لا يشترط أن يكون ما يسمّى دينارا أو درهما أو يكون بهذا العدد الخاصّ؛ بالإجماع، و صرّح به في موثّقة عليّ بن عقبة السابقة، حيث قال: «فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال» «1».

______________________________

(1) تقدّمت في ص 141.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 149

و في صحيحة ابن أبي عمير: ما أقلّ ما يكون فيه الزكاة؟ قال: «مائتا درهم، و عدلها من الذهب» «1»، فإنّ المراد بالعدل: العدل في القيمة، حيث إنّ قيمة مثقال من الذهب في هذه الأزمان عشرة دراهم، كما صرّحوا به؛ و يدلّ عليه الاستقراء في موارد الأحكام أيضا.

و في صحيحة محمّد: عن الذهب كم فيه من الزكاة؟ قال: «إذا بلغ قيمته مائتي درهم فعليه الزكاة» «2»، مع أنّ كون الدرهم اسما لنقد خاصّ غير معلوم.

و يشعر باعتبار الوزن أيضا التعبير بمثل قوله: «إذا بلغ، و إذا كان أقل، أو نقص» و نحو ذلك، فلا يشترط.

ب:

لو نقص عن النصاب و لو بقليل لا تجب الزكاة.

و لو اختلفت الموازين، فنقص في بعضها دون بعض، فعن الخلاف:

عدم وجوب الزكاة «3».

و عن المعتبر و المنتهى و التحرير و التذكرة و النهاية و المسالك:

الوجوب، إن كان الاختلاف بما جرت به العادة

و النقص ممّا يتسامح به في ذلك الوزن «4».

و هو قوي؛ لأنّه علّق وجوب الزكاة ببلوغ النصاب، فإذا بلغ بأحد الموازين صدق البلوغ فوجب.

و لا يضرّ الاختلاف اليسير في بعض آخر؛ لأنّه ممّا جرت به العادة، و مثل ذلك لا ينفي الصدق العرفيّ كما لا يخفى.

______________________________

(1) الكافي 3: 516- 7، الوسائل 9: 137 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 1.

(2) الكافي 3: 516- 5، الوسائل 9: 137 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 2.

(3) الخلاف 2: 75.

(4) المعتبر 2: 524، المنتهى 1: 493، التحرير 1: 62، التذكرة 1: 215، نهاية الإحكام 2: 340، المسالك 1: 55.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 150

و أيضا بناء كلام الشارع على طريقة المحاورات، فيبتني النصاب على الأوزان المعتبرة في المعاملات، و مثل ذلك ممّا يتسامح به فيها.

على أنّ غاية تحقيق الأوزان اعتبارها بأوساط الشعير، و لا شبهة في اختلافها.

الشرط الثاني: كونهما منقوشين بسكّة المعاملة الخاصّة،

سواء كان النقش بكتابة حروف و كلمات، أو بنقش صور و غيرها، بلا خلاف فيه بين علمائنا، بل في الانتصار و المدارك و الذخيرة «1» و غيرها «2» إجماعهم عليه.

و هو الدليل عليه، مضافا إلى أنّ عمومات وجوب الزكاة في الذهب و الفضّة و إن اقتضت وجوبها فيهما مطلقا، إلّا أنّ النصوص المستفيضة- بل المتواترة النافية للزكاة عن الحليّ و السبائك و النقار و التبر- أخرجت هذه الأمور، التي هي العمدة في غير المسكوكات.

و الباقي و إن كان أيضا أعمّ من المدّعى، إلّا أنّه خرج غير المنقوش بخبر عليّ بن يقطين المنجبر ضعفه- لو كان- بالعمل، و فيه: «و ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي ء»، قال: قلت: و ما الركاز؟ قال: «الصامت المنقوش»

«3».

و ذلك و إن كان أيضا أعمّ من المدّعى في الجملة- لعدم اختصاص النقش بسكّة المعاملة- إلّا أنّه خرج غير المسكوك بسكّة المعاملة بموثّقة جميل: «ليس في التبر زكاة، إنّما هي على الدنانير و الدراهم» «4».

______________________________

(1) الانتصار: 80، المدارك 5: 115، الذخيرة: 439.

(2) كالرياض 1: 269.

(3) الكافي 3: 518- 8، التهذيب 4: 8- 19، الاستبصار 2: 6- 13، الوسائل 9:

154 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 8 ح 2.

(4) التهذيب 4: 7- 18، الاستبصار 2: 7- 16، الوسائل 9: 156 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 151

و التبر: ما كان من الذهب غير مضروب، على ما ذكره الجوهري، و صاحب المغرب «1» .. فخرج جميع غير الدنانير و الدراهم، و بقيت الزكاة واجبة فيهما.

و هي و إن اقتضت اختصاص الزكاة بالدينار و الدرهم، اللذين هما اسمان لمسكوك بوزن خاصّ، إمّا مطلقا أو بسكّة خاصّة أيضا، كما مرّ في الدينار .. إلّا أنّ الإجماع اقتضى التعدّي إلى كلّ مسكوك بسكّة المعاملة، بأيّ سكّة و أيّ وزن كان.

و لمّا كان التعدّي بالإجماع يجب الاقتصار على ما ثبت فيه، فلا يجب في سكّة لم تقع المعاملة عليها بين الناس، كمن نقش ذهبا أو فضّة باسمه، و لم يكن من شأنه ذلك و لم تقبل سكّته.

و الحاصل: أنّه يشترط وقوع المعاملة بنحو هذه السكّة؛ لا صلاحيّتها لها بأن يصير الناقش ممّن تقبل سكّته، و لا فيما انمحت سكّته بكثرة الاستعمال، بحيث لم يبق فيه نقش أصلا.

و لا يفيد الاستصحاب؛ لعدم صدق الدينار و الدرهم و إن تعومل به، و لا بغير المنقوش من السبائك و إن جرت به المعاملة.

نعم، لا

يتعيّن التعامل بها في جميع البلدان إجماعا، بل يكفي جريانه في بعض الأصقاع.

و تدلّ عليه أيضا رواية زيد الصائغ: إنّي كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها: بخارى، فرأيت فيها درهما يعمل، ثلث فضّة و ثلث مسّ و ثلث رصاص، و كانت تجوز عندهم و كنت أعملها و أنفقها، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس بذلك إذا كانت تجوز عندهم»، فقلت: أرأيت إن حال عليها الحول و عندي منها ما يجب فيه الزكاة أزكّيها؟ قال: «نعم إنّما

______________________________

(1) الصحاح 2: 600، المغرب 1: 55.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 152

هو مالك»، قلت: فإن أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها [مثلها]، فبقيت عندي حتى يحول عليها الحول، أزكّيها؟ قال: «إن كنت تعرف أنّ فيها من الفضّة الخالصة ما يجب عليك فيه الزكاة فزكّ ما كان لك فيها من الفضّة و دع ما سوى ذلك من الخبث»، قلت: و إن كنت لا أعلم ما فيها من الفضّة الخالصة، إلّا أني أعلم أنّ فيها ما يجب فيه الزكاة، قال: «فاسبكها حتى تخلص الفضّة، و يحترق الخبث، ثمَّ تزكّي ما خلص من الفضّة لسنة واحدة» «1» [1].

و هل تشترط فعليّة المعاملة و لو في بعض البلدان، أو لا، بل تكفي السكّة و لو هجرت المعاملة بها في بعض الأزمان مطلقا؟

نصّ الفاضلان «2» و الشهيدان على الثاني «3»، بل قيل: لم أعثر فيه على خلاف «4».

و هو كذلك، لا لما قيل من دلالة رواية الصائغ المتقدّمة «5»؛ لعدم دلالة فيها أصلا.

بل لإطلاق الدنانير و الدراهم، الشامل لما هجرت المعاملة به أيضا، الموافق لإطلاق ما دلّ على ثبوت الزكاة في النقد المنقوش، و إطلاق ما دلّ على ثبوتها

في الذهب و الفضّة مطلقا، خرج ما علم خروجه و بقي غيره.

الشرط الثالث: حولان الحول عليه؛

بإجماع العلماء، و المستفيضة من النصوص. و المراد بالحول ما تقدّم، من دخول الثاني عشر، كما مرّ مفصلا.

______________________________

[1] و ما بين المعقوفين من المصدرين.

______________________________

(1) الكافي 3: 517- 9، الوسائل 9: 153 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 7 ح 1،

(2) المحقق في المعتبر 2: 522، العلّامة في التحرير 1: 62، و الإرشاد 1: 282.

(3) الشهيد الأوّل في الدروس 1: 236، و البيان: 300، و الشهيد الثاني في الروضة 2: 30.

(4) كما في مجمع الفائدة 4: 86، و الرياض 1: 269.

(5) كما في الرياض 1: 269.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 153

البحث الثاني في ما يتعلّق بذلك الباب من الأحكام
و فيه مسائل:
المسألة الاولى: لا تجب الزكاة في الحليّ محلّلا كان أو محرّما،

و لا في السبائك و النقار و التبر إذا لم يقصد بها الفرار من الزكاة؛ بإجماعنا المحقّق و المحكي «1»، و أخبارنا المستفيضة في جميع ما ذكر «2».

و على الحقّ إذا قصد الفرار أيضا.

و خالف الجمهور في الحليّ المحرّم، فأوجبوها فيه «3»، و جماعة فيما إذا قصد الفرار، و مرّ الكلام فيه.

و عن الشيخ استحباب الزكاة في المحرّم «4»، و لم نقف على مأخذه.

نعم، تستحبّ زكاة الحليّ بإعارته للمؤمن إذا استعاره؛ لرواية دلّت عليه «5».

المسألة الثانية: لا فرق بين ردي ء كلّ من النقدين و جيّده،

بمعنى: أنّه يعدّ الكلّ جنسا واحدا مع تساويهما في الجنسيّة، و إن اختلف في الرغبة و الجودة؛ لعموم ما دلّ على وجوب الزكاة في المقدار المعيّن من الذهب أو الفضّة، فإنّه يشمل الجيّد و الردي ء و المختلف القيمة و غيرها.

______________________________

(1) كما في المدارك 5: 118، الحدائق 12: 96، الرياض 1: 271.

(2) الوسائل 9: 156، 159 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 9، 11.

(3) كما في المغني و الشرح الكبير 2: 609، 614.

(4) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 205.

(5) الكافي 3: 518- 6، التهذيب 4: 8- 22، الاستبصار 2: 7- 19، الوسائل 9:

158 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 154

ثمَّ إن تطوّع المالك إخراج الجيّد للفريضة فلا كلام.

و إن ماكس، فهل يجب عليه التقسيط، كما في الشرائع و الإرشاد «1»؛ للتعلّق بالعين و قوله تعالى وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ «2»؟

أو يجوز له إخراج الأدون، كما عن الشيخ «3»، و اختاره جمع من المتأخّرين [1]؛ لحصول الامتثال بما يصدق عليه الاسم؟ و هو الأظهر؛ لما ذكر، و عدم منافاته للتعلّق بالعين، و عدم دلالة الآية؛ لأنّ إطلاق الخبيث على الردي ء مجاز،

و إرادة مطلق الردي ء منه- حتى يصدق على مثل ذلك- غير معلوم.

و أولى بالجواز إخراج الأدنى بالقيمة.

و لو أخرج من الأعلى بقدر قيمة الأدون- مثل: أن يخرج نصف دينار جيّد عن دينار أدون- فالمشهور كما قيل عدم الجواز «4»؛ لأنّ الواجب عليه دينار، فلا يجزئ الناقص عنه.

و احتمل في التذكرة الإجزاء «5»، و مال إليه في الحدائق «6»، بل نفى الإشكال عنه على القول بعدم وجوب التقسيط؛ إذ متى جاز أخذ دينار من النصاب لنفسه و جاز إخراج القيمة يلزمه جواز ذلك.

و هو حسن، إلّا أنّه يمكن أن يقال بعدم ثبوت جواز دفع القيمة من أدلّته حتى من نفس النصاب، بل يظهر منه الخدش في جواز دفعها من

______________________________

[1] كالعلّامة في التذكرة 1: 216.

______________________________

(1) الشرائع 1: 151، الإرشاد 1: 283.

(2) البقرة: 267.

(3) المبسوط 1: 209.

(4) انظر: الحدائق 12: 94.

(5) التذكرة 1: 216.

(6) الحدائق 12: 94.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 155

جنس النصاب أيضا من غير ما تعلّقت به الزكاة، فالأجود المشهور.

المسألة الثالثة: لا زكاة في المغشوش من الذهب و الفضّة مع غيرهما
اشاره

ما لم يبلغ الصافي نصابا، فإذا بلغ وجب فيما بلغ خاصّة، بلا خلاف فيهما بين أصحابنا كما قيل «1»، بل قيل: إنّه يفهم من الخلاف و المنتهى أيضا «2»، و في الحدائق اتّفاق الأصحاب عليه «3».

و يدلّ على الأول عموم الأدلّة الدالّة على نفيها عمّا لم يبلغ منهما نصابا، و على الثاني ثبوتها في ما بلغه منهما، مضافا في الحكمين إلى رواية الصائغ المتقدّمة «4».

و ممّا ذكرنا يظهر: أنّه لو كان معه دراهم مغشوشة بذهب، أو دنانير مغشوشة بفضّة، و بلغ كلّ منهما نصابا، وجبت عليه الزكاة في كلّ منهما.

فرعان:

أ:

لو شكّ في بلوغ الصافي من المغشوش من أحد النقدين و غيرهما نصابا، لا تجب عليه زكاة؛ للأصل.

و المناقشة فيه: بأنّ مقتضى الأدلّة وجوب الزكاة في النصاب، و هو اسم لما كان نصابا في نفس الأمر، من غير مدخليّة للعلم به في مفهومه، و حينئذ فيجب تحصيل العلم، و التفحّص عن ثبوته و عدمه و لو من باب المقدّمة.

مردودة بأنّ الألفاظ و إن كانت أسماء للمعاني النفس الأمريّة، إلّا أنّها

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 270.

(2) الخلاف 2: 76، المنتهى 1: 494.

(3) الحدائق 12: 92.

(4) في ص 151.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 156

تقيّد في مقام التكليف بالعلم، كما بيّنا في محلّه، و توقّف إجراء الأصل على الفحص إنّما هو في الأحكام دون الموضوعات، و وجوب المقدّمة بعد ثبوت وجوب ذي المقدّمة.

و إن تيقّن البلوغ و علم قدره، أخرج الزكاة منه بقدرة نقدا خالصا، أو أخرج ربع عشر المجموع؛ إذ به يتحقّق إخراج ربع عشر الصافي، إلّا إذا لم يعلم تساوي قدر الغشّ في كلّ دينار أو درهم، فيجب حينئذ إخراج الخالص أو قيمته؛ تحصيلا

للبراءة اليقينيّة.

و لو لم يعلم قدره مع علمه بالبلوغ، فإن أخرج المالك ربع عشر المجموع مع تساوي قدر الغشّ في الكلّ، أو أخرج من الخالصة أو المغشوشة ما يحصل معه اليقين بالبراءة، فهو، و إن ماكس وجب عليه تصفيتها و سبكها.

لا لما قيل من وجوب تحصيل البراءة اليقينيّة، و هو موقوف بالسبك «1»؛ لأنّ الواجب منه تحصيل البراءة اليقينيّة عمّا قد علم الشغل به يقينا، و لم يعلم الشغل بالأزيد من فريضة القدر المتيقّن وجوده من الخالص، فيعمل في الزائد بأصل البراءة.

و ما قيل من عدم جريانه إلّا فيما لم يثبت فيه تكليف أصلا، أمّا ما ثبت فيه مجملا فلا بدّ فيه من تحصيل البراءة اليقينيّة؛ عملا بالاستصحاب «2».

مردود بمنع عدم الجريان، كيف؟! مع أنّ الأزيد ممّا لم يثبت فيه تكليف أصلا، و المجمل الواجب فيه تحصيل البراءة اليقينيّة هو ما لم يكن فيه قدر مشترك.

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 270.

(2) كما في الرياض 1: 270.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 157

و الاستصحاب لا يفيد؛ لأنّ ما علم به الشغل أوتي به، و ما لم يعلم كيف يستصحب؟! و استصحاب أصل الشغل- مع العلم بمتعلّقه المعلوم و زواله- لا وجه له.

بل للأمر بالسبك في رواية الصائغ السابقة.

خلافا للمحكيّ عن الفاضلين «1» و جماعة [1]، فاستوجهوا الاكتفاء بما علم اشتغال الذمّة به و طرح المشكوك فيه؛ عملا بأصل البراءة.

و فيه: إنّه يتمّ لو لا الرواية.

ب:

لو كان المغشوش النقدين معا و شكّ في بلوغ كلّ منهما النصاب، يعمل فيهما بالأصل.

و لو تيقّن بلوغ أحدهما معيّنا و شكّ في الآخر، يعمل فيه خاصّة بالأصل.

و لو لم يعلم البالغ، وجب تحصيل البراءة اليقينيّة، بإخراج الأعلى قيمة، أو ربع

عشر المجموع، أو السبك؛ لاستصحاب الشغل، و فقد القدر المشترك.

و كذا لو علم بلوغ كلّ منهما و لم يعلم قدر كلّ واحد.

و لا يجوز له العمل بالأصل في واحد منهما؛ لاستلزامه مخالفة أصل في الآخر، و حصول التعارض.

المسألة الرابعة: من خلّف لعياله نفقة سنة أو سنتين أو أكثر و بلغت النصاب و حال عليها الحول،

فلو كان حاضرا وجبت عليه زكاتها، بلا خلاف فتوى و نصّا، كما لا خلاف في عدم الوجوب لو كان غائبا و لم

______________________________

[1] كصاحب المدارك 5: 124، و السبزواري في الذخيرة: 441.

______________________________

(1) المحقق في المعتبر 2: 525، و الشرائع 1: 151، و العلّامة في القواعد 1:

54، و المنتهى 1: 494.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 158

يتمكّن من التصرّف فيها و أخذها متى رامه.

و لو كان غائبا قادرا على أخذها متى شاء ففيه قولان.

سقوط الزكاة، و هو عن الشيخين «1» و الفاضلين «2» و غيرهما [1]، بل ادّعى عليه جماعة الشهرة [2]؛ لعمومات سقوط الزكاة عن المال الغائب «3»، أو ما ليس في يد المالك أو عنده، كالروايات العشر من الصحاح، و الموثّقات، و الحسان، و غيرها، المتقدّمة في مسألة اشتراط التمكّن من التصرّف و غيرها «4»، و خصوص موثّقتي أبي بصير و إسحاق، و مرسلة ابن أبي عمير الواردة في نفقة العيال، المتقدّمة فيها أيضا «5».

و وجوبها، و هو للسرائر «6»، و ربّما يحكى عن جماعة.

إمّا لقصور سند الروايات الثلاث الواردة في النفقة، فلا تصلح مخصّصة لعمومات وجوب الزكاة، كما في المدارك «7».

أو لأجل معارضة روايات السقوط بإطلاق ما دلّ على وجوب الزكاة مع التمكّن من التصرّف و عدمه مع عدمه بالعموم و الخصوص من وجه، و رجحان الأخير بالأكثريّة و الشهرة القطعيّة، كما قيل «8».

______________________________

[1] كالشهيد في الدروس 1: 230، و السبزواري في الذخيرة: 424، و

الكفاية: 35.

[2] نقله في مفتاح الكرامة 3: 25 عن تخليص التلخيص.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 239، و الطوسي في المبسوط 1: 213، و النهاية: 178.

(2) المحقق في الشرائع 1: 152، و المعتبر 2: 530، و العلّامة في المختلف:

178، و التحرير 1: 58.

(3) الوسائل 9: 93 أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 5 ح 1.

(4) راجع ص 34 و 35.

(5) في ص 34.

(6) السرائر 1: 443.

(7) المدارك 5: 127.

(8) كما في الرياض 1: 271.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 159

و لكن يرد على الأول: أنّ قصور السند- مع وجود الخبر في الأصول المعتبرة سيما الكتب الأربعة- غير ضائر، و لو سلّم فإنّما هو مع عدم الجابر، و ما مرّ من الشهرة المحكيّة كاف في الجبر.

مع أنّ القصور ممنوع؛ لكون اثنين منها من الموثّقات، و واحدة من مراسيل ابن ابي عمير المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه، و المحكوم بكون مراسيله في حكم المسانيد.

هذا، مع عدم انحصار الدالّ بهذه الثلاث، بل تدلّ عليه جميع الروايات العشر المذكورة أيضا.

و على الثاني: منع الرجحان بما ذكر؛ لأنّ ما يدلّ على وجوب الزكاة في المال الغائب- الذي يقدر على أخذه- منحصر بموثّقة زرارة، و روايتي عمر بن يزيد و عبد العزيز، المتقدّمة في المسألة المذكورة، بل في الأولى منها؛ لقصور شمول الأخيرتين لغير الدين.

و الشهرة المفيدة إنّما هي التي كانت في المورد، و هي مع الأول.

فالظاهر عدم الترجيح من هاتين الجهتين، و لا من جهة أخرى مقبولة، و لازمه تعارضهما و رفع اليد عنهما؛ لبطلان التخيير- الذي هو المرجع عند عدم الترجيح- بالإجماع، فتبقى عمومات سقوط الزكاة- عن مطلق المال الغائب، و ما ليس في

يده، و لا عنده- سالمة عن المعارض.

و منه يظهر أنّ الترجيح للأول، فهو الأقوى و المعوّل.

المسألة الخامسة: لا تجب الزكاة حتى يبلغ كل جنس نصابا،

و لو قصر جنس ممّا تجب فيه الزكاة لم يجبر بجنس آخر منه؛ بالإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضا «1».

و يدلّ عليه- مع الإجماع- الأصل، و كلّ ما دلّ على نفي الزكاة في كلّ

______________________________

(1) كما في المدارك 5: 127، و الرياض 1: 272.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 160

جنس إذا لم يبلغ نصابه، و خصوص صحيحة زرارة «1».

و أمّا رواية إسحاق بن عمّار- الظاهرة في جبر الذهب و الفضّة بالآخر «2»- فشاذّة مردودة، و مع ذلك على التقيّة محمولة؛ لموافقتها طائفة من العامّة «3».

و يحتمل حملها على من جعل ماله أجناسا مختلفة فرارا من الزكاة، فتستحبّ فيه الزكاة، بل تشهد له رواية أخرى لإسحاق بن عمّار أيضا «4»، و لا دلالة في الأولى على الأزيد من الاستحباب- الذي هو الحكم عند الفرار- مع احتمالها لمحامل أخرى أيضا، و اللّه يعلم.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 144.

(2) الكافي 3: 516- 8، الوسائل 9: 139 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 7.

(3) انظر: المغني و الشرح الكبير 2: 598.

(4) كما في الكافي 3: 516- 8، التهذيب 4: 93- 269، الاستبصار 2:

39- 121، الوسائل 9: 139 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 161

الفصل الثالث في زكاة الغلّات الأربع
و فيه بحثان:
البحث الأول في ما يشترط به وجوبها
اشاره

اعلم أنّه يشترط في وجوبها عليها شرطان:

الشرط الأول: النصاب،
اشاره

باتّفاق الأصحاب المصرّح به في كلماتهم، و في المنتهى: لا نعلم فيه خلافا- إلّا عن مجاهد و أبي حنيفة، فإنّهما أوجباها في قليلها و كثيرها «1»- فهو الدليل عليه، مضافا إلى النصوص:

ففي صحيحة سعد: عن أقلّ ما تجب فيه الزكاة من البرّ و الشعير و التمر و الزبيب؟ قال: «خمسة أوساق بوسق النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم»، فقلت: فكم الوسق؟ فقال: «ستون صاعا» «2».

و صحيحة محمّد: عن التمر و الزبيب، ما أقلّ ما تجب فيه الزكاة؟

قال: «خمسة أوساق» «3».

و صحيحة سليمان: «ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق، و العنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيبا» «4».

______________________________

(1) المنتهى 1: 496.

(2) الكافي 3: 514- 5، الوسائل 9: 137 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 1.

(3) الكافي 3: 514- 7، التهذيب 4: 18- 47، الاستبصار 2: 18- 53، الوسائل 9: 176، أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 3.

(4) التهذيب 4: 18- 46، الاستبصار 2: 18- 52، الوسائل 9: 177 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 162

و صحيحة الحلبي و فيها- بعد ذكر حديث-: و قال في حديث آخر، ثمَّ ذكر مثل صحيحة سليمان، و قال في آخره: «و الوسق ستون صاعا» «1».

و صحيحته الأخرى: «ليس في ما دون خمسة أوساق شي ء، و الوسق ستّون صاعا» «2»، و قريبة منها موثّقة أبي بصير و ابن شهاب «3».

و صحيحة زرارة و ابن بكير: «و أمّا ما أنبتت الأرض من شي ء من الأشياء فليس فيه زكاة إلّا في أربعة أشياء: البرّ و الشعير و التمر و الزبيب، و ليس

في شي ء من هذه الأربعة أشياء شي ء حتى يبلغ خمسة أوساق، و الوسق ستّون صاعا، و هو ثلاثمائة صاع بصاع النبيّ، فإن كان من كلّ صنف خمسة أوساق غير شي ء و إن قلّ فليس فيه شي ء، و إن نقص البر و الشعير و التمر و الزبيب، أو نقص من خمسة أوساق صاع أو بعض صاع، فليس فيه شي ء» «4» الحديث.

و مرسلة ابن بكير: «في زكاة الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ليس في ما دون الخمسة أوساق زكاة، فإذا بلغت خمسة أوساق وجبت فيها الزكاة، و الوسق ستّون صاعا، فذلك ثلاثمائة صاع بصاع النبيّ» «5»، إلى غير ذلك.

و أمّا رواية إسحاق بن عمّار: عن الحنطة و التمر عن زكاتهما، فقال:

«العشر و نصف العشر، العشر ممّا سقت السماء، و نصف العشر ممّا سقي

______________________________

(1) التهذيب 4: 14- 36، الاستبصار 2: 15- 42، الوسائل 9: 178 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 11.

(2) التهذيب 4: 18- 48، الاستبصار 2: 18- 54، الوسائل 9: 177 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 6.

(3) التهذيب 4: 19- 49، الاستبصار 2: 18- 55، الوسائل 9: 178 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 9.

(4) التهذيب 4: 19- 50، الوسائل 9: 177 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 8.

(5) التهذيب 4: 14- 35، الاستبصار 2: 14- 41، الوسائل 9: 179 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 163

بالسواقي»، فقلت: ليس عن هذا أسألك، إنّما أسألك عمّا خرج منه قليلا كان أو كثيرا، إله حدّ يزكّى ما خرج منه؟ فقال: «يزكّى ما خرج منه قليلا كان أو كثيرا من كلّ عشرة واحدا، و من كلّ عشرة نصف واحد»

«1» الحديث.

فحملها في التهذيبين على القليل، و الكثير على ما زاد على الخمسة أوساق، أو على الاستحباب «2».

و الأول مقتضى حمل العامّ على الخاصّ، و الثاني موافق للجملة الخبريّة.

و يمكن الحمل على التقيّة أيضا، و لو لا ما ذكر لوجب طرحها؛ لشذوذها من وجهين، و اللّه يعلم.

ثمَّ حدّ النصاب خمسة أوساق؛ بالإجماع المحقّق، و المحكي مستفيضا في الناصريّات و الخلاف و الغنية و المنتهى «3» و غيرها «4»، و يدلّ عليه- مع الإجماع- أكثر النصوص المتقدّمة.

و أمّا صحيحة الحلبي: في كم تجب الزكاة من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب؟ قال: «في ستّين صاعا» «5».

و رواية ابن سنان: عن الزكاة في كم تجب في الحنطة و الشعير؟

فقال: «في وسق» «6».

______________________________

(1) التهذيب 4: 17- 42، الاستبصار 2: 16- 45، الوسائل 9: 184 أبواب زكاة الغلّات ب 4 ح 6 و ب 3 ح 2.

(2) التهذيب 4: 17، الاستبصار 2: 16.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 205، الخلاف 2: 58، الغنية (الجوامع الفقهية): 567، المنتهى 1: 496.

(4) كما في الرياض 1: 272.

(5) تقدّمت في ص 162.

(6) التهذيب 4: 18- 45، الاستبصار 2: 18- 51، الوسائل 9: 181 أبواب زكاة الغلّات ب 3 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 164

و رواية أبي بصير: «لا تكون في الحبّ و لا في النخل و لا في العنب زكاة حتى تبلغ وسقين، و الوسق ستّون صاعا» «1».

فتحمل إمّا على شدّة الاستحباب بقرينة ما مرّ، أو تترك؛ لمخالفتها الإجماع و الصحاح المتكثّرة.

و الوسق ستّون صاعا، كما في المعتبر و التذكرة و المنتهى «2»، و كثير من النصوص المتقدّمة من غير معارض به ناطقة، فهذه ثلاثمائة صاع.

و الصاع قدّر في الأخبار و

كلام الأصحاب بالأمداد، و الأرطال، و الدراهم.

أمّا الأول: فهو أربعة أمداد باتّفاق علمائنا، كما عن الخلاف و الغنية و المعتبر و المنتهى و التذكرة؛ له «3»، و لصحيحة ابن سنان الواردة في قدر الفطرة، و فيها: «و الصاع أربعة أمداد» «4»، و نحوها في صحيحة الحلبي الواردة في الفطرة أيضا «5».

و صحيحة زرارة، و فيها: «و المدّ رطل و نصف، و الصاع ستّة أرطال» «6».

و الرضويّ: «و الوسق ستّون صاعا، و الصاع أربعة أمداد، و المدّ مائتان و اثنان و تسعون درهما و نصف» «7».

______________________________

(1) التهذيب 4: 17- 44، الاستبصار 2: 17- 50، الوسائل 9: 181 أبواب زكاة الغلّات ب 3 ح 3.

(2) المعتبر 2: 532، التذكرة 1: 218، المنتهى 1: 497.

(3) الخلاف 2: 59، الغنية (الجوامع الفقهية): 567، المعتبر 2: 532، المنتهى 1: 497، التذكرة 1: 218.

(4) التهذيب 4: 81- 234، الاستبصار 2: 47- 155، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ذيل الحديث 12.

(5) التهذيب 4: 81- 233، الاستبصار 2: 47- 154، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 12.

(6) التهذيب 1: 136- 379، الاستبصار 1: 121- 409، الوسائل 1: 481 أبواب الوضوء ب 50 ح 1.

(7) فقه الرضا «ع»: 197، مستدرك الوسائل 7: 87 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 165

و تدلّ عليه أيضا رواية الهمداني الآتية.

و أمّا رواية المروزي: «الغسل بصاع من ماء، و الوضوء بمدّ من ماء، و صاع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خمسة أمداد، و المدّ وزن مائتين و ثمانين درهما، و الدرهم وزن ستّة دوانيق، و الدانق وزن ستّ حبّات، و الحبّة وزن حبّتي

شعير من أوساط الحبّ، لا من صغاره و لا من كباره» «1».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 9    165     الشرط الأول: النصاب، ..... ص : 161

تصلح لمعارضة ما مرّ؛ لأكثريّته عددا، الموجبة لأشهريّته رواية، و هي من المرجّحات المنصوصة؛ و لأصحّيته سندا، و هي أيضا من المرجّحات؛ و لموافقته لعمل الأصحاب و مخالفتها، بل في الحدائق ظاهر الأصحاب الاتّفاق على طرح هذا الخبر «2».

و قد يوجّه بأنّ الصاع مكيال معيّن، و من البديهيّات أنّ الأجسام المختلفة يختلف قدرها بالنسبة إلى مكيال معيّن، و لا يمكن أن يكون الصاع من الماء موافقا للصاع من الحنطة و الشعير و شبههما، فيكون الصاع من الماء- كما هو مورد الرواية الأخيرة- أثقل من الصاع من الطعام، كما هو مورد الصحاح و الروايتين السابقة .. و لذا فرّق الصدوق في معاني الأخبار بين صاع الماء و صاع الطعام «3».

أقول: هذا التوجيه كان حسنا لو لا أنّ المدّ أيضا كالصاع مكيال معيّن، و لكنّ الظاهر- كما صرّح به في الحدائق، ناقلا عن بعض مشايخه- أنّ كلا من المدّ و الرطل و الصاع مكيال معيّن «4»، فلا يختلف.

______________________________

(1) التهذيب 1: 135- 374، الاستبصار 1: 121- 410، الوسائل 1: 481 أبواب الوضوء ب 50 ح 3.

(2) الحدائق 12: 114.

(3) معاني الأخبار: 249.

(4) الحدائق 12: 115.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 166

هذا، مع أنّ صحيحة زرارة المتقدّمة واردة في صاع الماء أيضا.

و منه يظهر ما في التوجيه بحمل الاختلاف على تعدّد الصاع للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فإنّ كلا من صحيحة زرارة و رواية المروزي واردة في صاع غسل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فتأمّل.

ثمَّ

إنّه قد ظهر ممّا ذكر أنّ النصاب ألف و مائتا مدّ.

و أمّا الثاني: فهو ستّة أرطال بالمدنيّ و تسعة بالبغدادي، بلا خلاف، بل بالإجماع، كما عن الانتصار و الناصريات و الخلاف و الغنية «1»؛ لرواية عليّ بن بلال: كم الفطرة و كم يدفع؟ قال: فكتب: «ستّة أرطال من تمر بالمدني، و ذلك تسعة أرطال بالعراقي، فإنّ قدر الفطرة صاع» «2».

و تدلّ عليه أيضا صحيحة أيّوب بن نوح، المتضمّنة لإرسال الراوي عن كلّ رأس من عياله درهما قيمة تسعة أرطال، و تقرير المعصوم إيّاه «3».

و رواية الهمداني، و فيها: «الصاع ستّة أرطال بالمدنيّ و تسعة بالعراقي» و أخبرني: «أنّه يكون بالوزن ألفا و مائة و سبعين وزنة» «4».

و أمّا ما فسّر الصاع بستّة أرطال «5»، فمحمول على المدني؛ لوجوب حمل المجمل على المبيّن؛ و تدلّ عليه رواية أخرى للهمداني تأتي.

و أمّا موثّقة سماعة: «و كان الصاع على عهده خمسة أرطال، و كان

______________________________

(1) الانتصار: 88، الناصريات (الجوامع الفقهية): 206، الخلاف 2: 156، الغنية (الجوامع الفقهية): 567.

(2) الكافي 4: 172- 8، التهذيب 4: 83- 242، الاستبصار 2: 49- 162، الوسائل 9: 341 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 2.

(3) كما في الكافي 4: 174- 24، الوسائل 9: 346 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 3.

(4) الكافي 4: 172- 9، الفقيه 2: 115- 493، التهذيب 4: 83- 243، الاستبصار 2: 49- 163، الوسائل 9: 340 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 1.

(5) الوسائل 9: 340 أبواب زكاة الفطرة ب 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 167

المدّ قدر رطل و ثلاث أواق» «1».

فمع شذوذها، غير منضبطة؛ لاختلاف النسخ فيها؛ لأنّ في الاستبصار: «خمسة أمداد» مكان: «خمسة أرطال»، و هو

المناسب لتقدير المدّ بعده.

و أمّا الثالث: فهو ما تضمّنته رواية الهمداني المتقدّمة، و فيها و إن عبّر عن الدرهم بالوزنة و لكنّه قد روى هذا الخبر في عيون الأخبار و ذكر الدرهم موضع الوزنة «2». و على هذا، فيكون النصاب ثلاثمائة آلاف و واحد و خمسون ألف درهم، و يكون على التقدير الأول ألفا و مائتا مدّ، و على الثاني ألفين و سبعمائة رطل بالعراقي.

و مرجع الثلاثة واحد؛ و ذلك لأنّ المدّ رطلان و ربع بالعراقي، و الرطل مائة و ثلاثون درهما.

أمّا الأول، فظهر وجهه ممّا مرّ من تقدير الصاع بأربعة أمداد و تسعة أرطال، و عليه الإجماع عن الخلاف و الغنية «3»، و عن البزنطي: أنّه رطل و ربع «4».

و استدلّ له بموثّقة سماعة المتقدّمة، و هي لا تلائمه إن فسّرت الأوقية بأربعين درهما، كما ذكره الجوهري «5»، أو بعشرة مثاقيل و خمسة أسباع درهم، كما عند الأطباء .. فتكون الرواية مردودة بمخالفة الإجماع، أو

______________________________

(1) التهذيب 1: 136- 376، الاستبصار 1: 121- 411، الوسائل 1: 482 أبواب الوضوء ب 50 ح 4.

(2) عيون أخبار الرضا «ع» 1: 241- 73، الوسائل 9: 340 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 1.

(3) الخلاف 2: 59، 156، الغنية (الجوامع الفقهية): 567.

(4) نقله عنه في البيان: 293.

(5) الصحاح 6: 2527.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 168

بحمل المدّ و الرطل فيها على مكيال بعض البلاد الغير الشائعة اليوم.

نعم، إن فسّرت الأوقية بسبعة مثاقيل- التي هي عشرة دراهم، كما في العين «1»- يقرب من ربع الرطل، و يطابق قول البزنطي تقريبا، و على هذا يمكن حمل الرطل في الموثّقة على المكّي- الذي هو ضعف العراقي- فيوافق المشهور تقريبا أيضا.

و منه

يظهر إمكان تطبيق قول البزنطي على المشهور، بحمله على المكّي.

و من ذلك يظهر أنّ ألفا و مائتي مد يكون ألفين و سبعمائة رطل بالعراقي.

و أمّا الثاني- و هو كون كلّ رطل عراقي مائة و ثلاثين درهما- فهو ممّا ذهب إليه الأكثر، و منهم: الصدوق «2» و الشيخان «3».

و تدلّ عليه رواية الهمداني المتقدّمة؛ لأنّ الحاصل من ضرب التسعة- التي هي عدد أرطال الصاع بالعراقي- في مائة و ثلاثين: ألف و مائة و سبعون.

و تدلّ عليه أيضا رواية أخرى للهمداني، و فيها بعد أن كتب: «إنّ الفطرة صاع» إلى أن قال: «يدفعه وزنا ستّة أرطال برطل المدينة، و الرطل مائة و خمسة و تسعون درهما، تكون الفطرة ألفا و مائة و سبعين درهما» «4».

خلافا للتحرير و موضع من المنتهى «5»، فوزنه مائة و ثمانية و عشرون درهما و أربعة أسباع درهم، و لم أعثر على مستنده.

______________________________

(1) العين 5: 240.

(2) من لا يحضره الفقيه 1: 115.

(3) المفيد في المقنعة: 251، الطوسي في المبسوط 1: 241.

(4) التهذيب 4: 79- 226، الاستبصار 2: 44- 140، الوسائل 9: 342 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 4.

(5) التحرير 1: 62، المنتهى 1: 497.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 169

و أمّا رواية المروزي- المقدّرة للمدّ بمائتين و ثمانين درهما- فهي لا توافق شيئا من القولين، فتكون مخالفة للإجماع، مردودة بالشذوذ.

ثمَّ حاصل ضرب الألفين و سبع مائة في مائة و ثلاثين هو: ثلاثمائة آلاف و واحد و خمسون ألفا، و هو بعينه عدد دراهم الصاع.

و ظهر به رجوع التقديرات الثلاثة إلى واحد، و أنّ دراهم النصاب ثلاثمائة الاف و واحد و خمسون ألف درهما.

و لمّا عرفت أنّ كلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل

شرعيّة، يكون النصاب مائتي ألف و خمسة و أربعون ألفا و سبع مائة مثقالا شرعيّا.

و لكون المثقال الشرعيّ ثلاثة أرباع الصيرفي، يكون النصاب مائة ألف و أربعة و ثمانين ألفا و مائتين و خمسة و سبعين مثقالا صيرفيا.

أو نقول: لكون كلّ درهم نصف مثقال صيرفي و ربع عشره، يكون ثلاثمائة آلاف و واحد و خمسين ألف درهما، العدد المذكور من المثاقيل الصيرفيّة.

و لكون كلّ منّ تبريزي- بالوزن المتعارف في بلادنا هذه و ما يقربها في هذه الأزمنة، و هي سنة ألف و مائتان و سبع و ثلاثون من الهجرة- ستّ مائة و أربعين مثقالا صيرفيّا، يكون النصاب بالمنّ التبريزي مائتين و سبع و ثمانين منّا و نصف منّ، و مائتين و خمسة و سبعين مثقالا صيرفيّا.

و بعبارة أخرى: مائتين و ثمانية و ثمانين منّا إلّا خمسة و أربعين مثقالا.

و لمّا كان المنّ الشاهي المتعارف في بلادنا في هذه الأزمان ضعف التبريزي، يكون النصاب مائة و أربعة و أربعين منّا شاهيّا إلّا خمسة و أربعين مثقالا.

و كان المنّ التبريزي في الأزمنة السابقة علينا ستمائة مثقال، و الشاهيّ- الذي ضعفه- ألف و مائتي مثقال، و هو المشهور بالمنّ الشاهي العبّاسي،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 170

سمّي باسم الشاه عبّاس الصفوي .. فيكون النصاب عليه بالمنّ الشاهيّ مائة و ثلاثة و خمسين منّ و نصف منّ و خمسة و سبعين مثقالا.

و إلى هذا ينظر كلام جدّي- قدّس سرّه- و من حذا حذوه، حيث قال: إنّ الاحتياط في نحو هذه الأعصار- و هي سنة ألف و مائة و اثنين من الهجرة- إن اعتبر النصاب بالمنّ المتعارف فيه أن يجعل ثلاثمائة منّ بالمنّ التبريزي.

فروع:

أ:

قال في المنتهى: لو بلغت

الغلّة النصاب بالكيل و الوزن معا وجبت الزكاة قطعا، و كذا لو بلغت بالوزن دون الكيل .. و لو بلغت بالكيل دون الوزن- كالشعير، فإنّه أخفّ من الحنطة مثلا- لم تجب الزكاة على الأقوى «1».

أقول: البلوغ بالوزن دون الكيل يتصوّر بأن يصنع وعاء يسع ألفا و مائة و سبعين درهما من الشعير، فهو صاع، و لكنّه يسع من الحنطة أكثر من ذلك قطعا، فيكون نصاب الحنطة بالوزن أقلّ من ثلاثمائة صاع من ذلك الصاع. أو يصنع ما يسع هذا الوزن من الحنطة و لكن لتقريبيّة مل ء الصاع كيل وزن النصاب بأقلّ من ثلاثمائة صاع و لو ببعض الصاع.

ثمَّ أقول: إنّ ما ذكره عندي محلّ نظر، و إن تبعه جمع ممّن عنه تأخّر «2».

بيان ذلك: إنّ المعلوم بنقل الأصحاب و تصريح أهل اللغة- بل بالأخبار- أنّ الصاع اسم لمكيال معيّن كانوا يكيلون به الغلّات و غيرها.

و من البديهيّات أنّ الوعاء و المكيال الذي يسع الألف و نحوه إذا قدّر

______________________________

(1) المنتهى 1: 497.

(2) انظر: البيان: 293، و المدارك 5: 136.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 171

بالدراهم و المثاقيل لا يمكن إرادة التحقيقيّة؛ لأنّ الاختلاف بنحو الدرهم و المثقال بديهيّ محسوس، فقد يزيد درهم و قد ينقص.

نعم، لو كان الصاع اسما لألف و مائة و سبعين درهما لا للمكيال لتمّ ما ذكره، و لكنه ليس كذلك، فالمراد أنّ الصاع بهذا الوزن تقريبا، كما يتعارف في هذه الأزمنة في مكيال يسمّى في بعض بلادنا بالكيلة .. و كلّ أحد يقول: إنّه منّ تبريزي، و المنّ ستمائة مثقال و أربعون؛ مع أنّهم يكيلون به و قد يزيد بمثاقيل و قد ينقص، و لو باع أحد مائة كيلة حنطة و

كالها للمشتري فوزنها و كان تسعة و تسعين منّا، لا يحكم بالتسلّط على مطالبته من آخر.

و على هذا، فنقول: لو صنع صاع يسع ألفا و مائة و سبعين درهما عرفا، وكيل و بلغ النصاب بهذا المقدار بالكيل، يصدق بلوغ ثلاثمائة صاع، فلم لا تجب فيه الزكاة؟! مع التصريح بالوجوب في النصوص، سواء بلغ بالوزن التحقيقيّ ذلك أو لم يبلغ، أو جهل الحال؛ إذ المراد بالوزن: التقريبي، و قد بلغ.

و لو بلغ الوزن بالوزن التحقيقي و لم يعلم بلوغ الكيل، أو كيل و علم عدم البلوغ، فمقتضى القاعدة عدم الوجوب، كما صرّح به في صحيحة زرارة و ابن بكير المتقدّمة «1». إلّا أنّ الظاهر الإجماع على اعتبار الوزن أيضا؛ و يدلّ عليه: أنّ الظاهر أنّ كلّ من [علّق ] [1] حكما على مكيال له وزن تقريبيّ يعتبر ذلك الوزن تحقيقا أيضا، فالحقّ اعتبار كلّ من الكيل و الوزن وحده أيضا.

و ممّا ذكرنا ظهر ما في كلام المدارك، حيث قال- بعد نقل ما سبق عن المنتهى-: و مرجعه إلى اعتبار الوزن خاصّة، و هو كذلك؛ إذ التقدير

______________________________

[1] في النسخ: تعلّق، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(1) في ص: 162.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 172

الشرعيّ إنّما وقع به لا بالكيل، و مع ذلك فهذا البحث لا جدوى له في هذا الزمان؛ إذ لا سبيل إلى معرفة قدر الصاع إلّا بالوزن «1». انتهى.

و فيه: منع وقوع تقدير النصاب شرعا بالوزن، بل قدّر بثلاثمائة صاع، و هي الكيل، غاية الأمر تقدير الكيل في مقام آخر بوزن معيّن، و المراد أنّه كذلك تقريبا.

و أمّا منع الجدوى لما ذكر، ففيه: أنّ بعد معرفة الصاع بالوزن تقريبا يحصل مكيال الصاع أيضا.

ثمَّ إنّه لمّا ورد

في سائر الأخبار أنّ الصاع يسع ألفا و مائة و سبعين درهما «2»، و لم يقيّده بالماء أو الحنطة، و من الظاهر اختلاف سعة هذه الأشياء، فنقول: المراد أنّ الصاع من كلّ شي ء ما يسع ذلك المقدار منه، فتختلف الصيعان ضيقا وسعة.

ب:

قال في المدارك: هذا التقدير تحقيق لا تقريب، فلو نقص عن المقدار المذكور و لو قليلا فلا زكاة «3».

و صرّحت به جماعة أخرى، منهم: الفاضل في التذكرة و المنتهى أيضا «4»، بل عنهما الإشعار بعدم الخلاف فيه؛ و استدلّ عليه بصحيحة زرارة و ابن بكير المتقدّمة.

و في التذكرة عن بعض العامّة قولا بأنّ هذا التقدير تقريب، فتجب الزكاة لو نقص قليلا؛ لأنّ الوسق في اللغة الحمل، و هو يزيد و ينقص، ثمَّ ردّه بأنّا اعتبرنا التقدير الشرعيّ دون اللّغوي «5».

______________________________

(1) المدارك 5: 136.

(2) الوسائل 9: 340 أبواب زكاة الفطرة ب 7.

(3) المدارك 5: 135.

(4) التذكرة 1: 218، المنتهى 1، 497.

(5) التذكرة 1: 218.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 173

أقول: إن أريد أنّ عدد الصاع تحقيقيّ و لا تكفي ثلاثمائة تقريبا، فهو كذلك إن اعتبر الكيل، و يصرّح به في الصحيحة .. و كذلك إن أريد تحقيقيّة الوزن إن اعتبر بالوزن؛ للأصل .. و أن أريد أنّ وزن النصاب غير مختلف أبدا، بل هو واحد حقيقة دائما، فهو ليس كذلك، و ظهر وجهه من الفرع السابق؛ إذ لو اعتبر بالكيل يتحقّق التقريب في الوزن.

ج:

عن التذكرة و المنتهى: الإجماع على أنّ النصاب المعتبر إنّما يعتبر وقت جفاف التمر و يبس العنب و الغلّة «1»، فلو كان الرطب أو العنب أو الغلّة نصابا و لو جفّ تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا نقص، فلا زكاة

و إن كان وقت تعلّق الوجوب نصابا.

و تدلّ عليه صحيحتا سليمان و الحلبي، المتقدّمتان في صدر الفصل «2».

و ما دلّ من المستفيضة- على نفي الزكاة عن الأقلّ من النصاب من التمر و الزبيب- فإنّه يشمل ما لو كان الأقلّ نصابا حال الرطوبة.

و يتعدّى الحكم إلى الحنطة و الشعير بعدم القول بالفصل، مع أنّ المفهوم المتبادر من تعليق حكم على وزن معيّن من الغلّة إنّما هو ذلك الوزن عند التصفية، التي هي بعد الجفاف لا غيره.

و ما يؤكل من الرطب و العنب رطبا و لا يجفّ مثله تجب فيه الزكاة إذا بلغ تمرة أو زبيبة النصاب و إن كان يقلّ كثيرا على القول بوجوب الزكاة في الرطب و العنب.

د:

لا تقدير فيما زاد على النصاب، بل تجب في الزائد الزكاة و إن

______________________________

(1) التذكرة 1: 219، المنتهى 1: 497.

(2) راجع ص: 161 و 162.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 174

قلّ، بلا خلاف نصا و فتوى، و في المنتهى: أنّه لا خلاف فيه بين العلماء «1».

و يدلّ عليه- مع الإجماع المحقّق- الأصل، و رواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة «2» و غيرها «3».

الشرط الثاني: أن يملكها قبل بلوغها حدّا تجب عليها الزكاة-

أي قبل صدق الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب- باقيا إلى وقت تعلّق الوجوب؛ بالإجماع المحقّق، و المحكي مستفيضا «4».

فلو ملكها قبله كذلك تجب عليه الزكاة، يعني: تخرج من ماله و إن نقلها بعده.

و لو ملكها بعده لا تجب عليه، أي لا تخرج من ماله.

أمّا الأول- و هو وجوب الزكاة لو ملكها قبل تعلّق الوجوب باقيا إلى وقته- فلجميع عمومات تعلّق الزكاة بالأجناس الأربعة «5» و إطلاقاتها، فأول وقت يصدق عليها الاسم- و هي في ملكه- تتعلّق بها الزكاة، و يشترك فيها الفقراء؛ للعمومات و

الإطلاقات.

و أمّا الثاني- و هو عدم الوجوب لو ملكها بعد زمان تعلّق الوجوب- فلعدم تعلّق زكاتين بمال واحد في عام واحد، و ذلك قد تعلّقت به الزكاة في بدو زمان تعلّق الوجوب قبل الانتقال إلى الثاني، فالمنتقل إليه لا تجب فيه زكاة.

نعم، لو انتقل جميع الزرع بعد زمان الوجوب إلى أحد و لم يعلم

______________________________

(1) المنتهى 1: 498.

(2) في ص: 162.

(3) الوسائل 9: 137 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 1.

(4) انظر: المعتبر 2: 538، و المنتهى 1: 497.

(5) الوسائل 9: 175 أبواب زكاة الغلّات ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 175

ضمان المالك الأول لزكاته يجب عليه إخراج الزكاة من جانب المالك الأول، كما إذا مات أحد عن زرع بعد زمان تعلّق الوجوب قبل التصفية و الإخراج، و اللّه يعلم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 176

البحث الثاني في ما يتعلّق به من الأحكام
و فيه مسائل:
المسألة الأولى: يزكّى حاصل الزرع مرّة واحدة،

ثمَّ لا تجب فيه زكاة؛ بالإجماع و النصوص «1»، و إن بقي ألف عام. إلّا أن ينضّ و جعل ثمنا أو حيوانا زكويّا فتجب بشروطها.

المسألة الثانية: قدر الفريضة الواجب إخراجها: العشر إن سقي سيحا،

أي بالماء الجاري على وجه الأرض.

سواء كان السقي قبل الزرع، كالنيل، فإنّ اللّه سبحانه يبعث عليه ريح الشمال، فينقلب عليه البحر المالح، فيزيد، فيملأ الخلجان، و تروى به الأرض، حتى إذا كان زمان الزراعة كان ذلك كافيا، و أغنى عن المطر و غيره.

أو بعده، كعامّة الأنهار و العيون.

أو بعلا، بأن يسقى بالعروق القريبة من الماء في الأراضي التي يقرب ماؤها.

أو عذبا، أي بماء المطر.

و نصف العشر إن سقي بالدلو و الناضح و الدولاب و الناعورة و نحوها من الآلات؛ بالإجماع في الحكمين محقّقا، و محكيّا في المعتبر و المنتهى و التذكرة «2» و غيرها «3».

و تدلّ عليهما الأخبار المستفيضة، كصحيحة زرارة و ابن بكير، و فيها:

______________________________

(1) الوسائل 9: 194 أبواب زكاة الغلّات ب 11.

(2) المعتبر 2: 539، المنتهى 1: 498، التذكرة 1: 219.

(3) كما في الذخيرة: 442.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 177

«فإذا كان يعالج بالرشاء و النضح و الدلاء ففيه نصف العشر، و إن كان يسقى بغير علاج بنهر أو غيره أو سماء ففيه العشر تامّا» «1»، و نحوها صحيحتهما الأخرى «2».

و صحيحة زرارة، و فيها: «و ما كان منه يسقى بالرشاء و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر، و ما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تامّا» «3».

و في صحيحة الحلبي: «في ما سقت السماء و الأنهار إذا كان سيحا أو كان بعلا العشر، و ما سقت السواني و الدوالي أو يسقى بالقرب فنصف العشر» «4».

و في حديث آخر: «و ما سقت السماء و

الأنهار أو كان بعلا فالصدقة، و هو العشر، و ما سقي بالدوالي أو بالقرب فنصف العشر» «5».

و مرسلة ابن بكير: «فإذا بلغت خمسة أوساق وجبت فيها الزكاة، و الوسق ستّون صاعا، و ذلك ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و الزكاة فيها العشر في ما سقت السماء أو كان سيحا، أو نصف العشر في ما سقي بالقرب و النواضح» «6».

______________________________

(1) التهذيب 4: 19- 50، الوسائل 9: 177 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 8.

(2) التهذيب 4: 16- 40، الاستبصار 2: 15- 43، الوسائل 9: 184 أبواب زكاة الغلّات ب 4 ح 5.

(3) التهذيب 4: 13- 34، الاستبصار 2: 14- 40، الوسائل 9: 176 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 5.

(4) الكافي 3: 513- 3، الوسائل 9: 183 أبواب زكاة الغلّات ب 4 ح 2.

(5) التهذيب 4: 14- 36، الاستبصار 2: 15- 42، الوسائل 9: 184 أبواب زكاة الغلّات ب 4 ح 7.

(6) التهذيب 4: 14- 35، الاستبصار 2: 14- 41، الوسائل 9: 179 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 178

و حسنة ابن شريح: «في ما سقت السماء و الأنهار أو كان بعلا فالعشر، و أمّا ما سقت السواني و الدوالي فنصف العشر»، فقلت له: فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي ثمَّ يزيد الماء و تسقى سيحا، فقال: «إنّ ذا ليكون عندكم كذلك؟!» قلت: نعم، قال: «النصف و النصف، نصف بنصف العشر و نصف بالعشر»، فقلت: الأرض تسقى بالدوالي ثمَّ يزيد الماء فتسقى السقية و السقيتين سيحا، قال: «و في كم تسقى السقية و السقيتين سيحا؟» قلت: في ثلاثين ليلة أربعين ليلة، و قد مكثت

قبل ذلك في الأرض ستّة أشهر سبعة أشهر، قال: «نصف العشر» «1»، إلى غير ذلك من الأخبار «2».

و المستفاد من هذه الروايات: أنّ مناط الفرق بين وجوب العشر و نصفه احتياج الماء في ترقّيه إلى الأرض إلى أنّه من دولاب أو حبل و دلو أو نحوها، و عدمه، و لا عبرة بغير ذلك من الأعمال، كحفر الأنهار و السواقي و إن كثرت مئونتها؛ لإطلاق النصوص.

و لو سقي الزرع بالأمرين فسقي بالسيح مثلا تارة، و بالدولاب اخرى، قالوا: فإن تساويا أخذ من نصفه العشر و من نصفه نصف العشر، و إلّا فالحكم للأغلب منهما.

و عن المعتبر و المنتهى و نهاية الإحكام: الإجماع على الأول «3»، و عن الأولين و التذكرة و الخلاف على الثاني «4»؛ و استند فيهما إلى الإجماع، و إطلاق الحسنة المتقدّمة المنجبرة.

______________________________

(1) الكافي 3: 514- 6، التهذيب 4: 16- 41، الاستبصار 2: 15- 44، الوسائل 9: 187 أبواب زكاة الغلّات ب 6 ح 1.

(2) الوسائل 9: 182 أبواب زكاة الغلّات ب 4.

(3) المعتبر 2: 539، المنتهى 1: 498، نهاية الإحكام 2: 348.

(4) التذكرة 1: 219، الخلاف 2: 67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 179

ثمَّ اختلفوا في ما يعتبر التساوي أو الغلبة بالنسبة إليه أنّه هل هو العدد أو الزمان أو النفع و النمو؟

فمنهم من اعتبر بالنسبة إلى العدد بشرط التساوي في النفع و إلّا فبالنفع.

و منهم من اعتبر بالنسبة إلى الزمان بشرط المذكور، و إلّا فبالنفع.

و منهم من اعتبر بالنسبة إلى العدد مطلقا.

و منهم من قال: إنّ العبرة بالزمان كذلك، و هو المحكيّ عن ابن زهرة «1»، و المنتهى و المسالك «2» و حواشي القواعد للشهيد الثاني.

و منهم من اعتبر النفع مطلقا،

قوّاه الشهيد الثاني في حواشي الإرشاد، و استقربه في القواعد و التذكرة و الإيضاح «3»، بل في حواشي القواعد: أنّه الأشهر.

دليل اعتبار العدد- على ما قيل- أنّ الكثرة حقيقة في الكمّ المنفصل، و اللفظ يحمل على حقيقته، و أنّ السبب في التفرقة هي المؤنة، و هي إنّما تكثر بكثرة العدد «4».

و يمكن إرجاع الحسنة إليه بتقييد إطلاقها بما هو الغالب في الزمان الأكثر من احتياجه إلى عدد أكثر.

و دليل اعتبار الزمان: ظاهر الحسنة، و أنّه ربّما لا يمكن اعتبار العدد، كما لو شرب بالعروق أو بمطر متّصل و نحوه.

و دليل اعتبار النفع: أنّ الزكاة تابعة للنموّ، و أنّ ظاهر الحسنة أنّ النظر

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 567.

(2) المنتهى 1: 498، المسالك 1: 57.

(3) القواعد 1: 55، التذكرة 1: 219، الإيضاح 1: 183.

(4) انظر: المسالك 1: 57، المدارك 5: 149.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 180

إلى نفع الزرع.

و ضعف غير دليل اعتبار الزمان ظاهر، و هو أيضا عن إثبات الإطلاق المطلوب قاصر.

و التحقيق أن يقال: إنّ المستفاد من المستفيضة المتقدّمة ليس إلّا حكم ما تفرّد بأحد الأمرين.

و أمّا ما اجتمع فيه الأمران فهو غير داخل فيها، فاللازم فيه إمّا الرجوع إلى أصل البراءة عن الزائد عن نصف العشر، أو الرجوع إلى مطلقات العشر، و هو الأظهر، فمقتضى إطلاقات العشر ثبوته فيه.

إلّا أنّ الحسنة المذكورة دلّت بجزئها الأول على ثبوت ثلاثة أرباع العشر فيما اجتمع فيه الأمران مطلقا، سواء كانا متساويين، أم مختلفين عددا، أو زمانا، أو نفعا .. فيجب أن يكون ذلك هو الأصل و يحكم به إلّا فيما أخرجه دليل آخر، و ليس إلّا جزؤها الأخير، و هو لا يخرج إلّا إذا كان زمان العلاج

بالآلة أكثر، أو مع أكثريّة العدد أيضا؛ بناء على ما مرّ من أنّ الغالب في الزمان الأكثر الاحتياج إلى العدد الأكثر، و يبقى الباقي بجميع أقسامه تحت الأصل المذكور، و هو ثبوت ثلاثة أرباع العشر مع اجتماع الأمرين.

إلّا أنّ الظاهر- كما ذكره بعض المتأخّرين [1]- أنّ اعتبار الكثرة الزمانيّة في العلاج بالآلة إنّما هو إذا كانت كثرة معتدّا بها، و أمّا إذا كان التفاوت قليلا جدّا فلا يدخل في الحسنة، و الإجماع أيضا لا يفيد أكثر ممّا ذكر.

ثمَّ إنّه لو اشتبه الحال و لم يعلم أغلب أحدهما على الآخر أم لا، ففي وجوب العشر؛ لعموماته الخالية عن المعارض.

أو نصفه؛ لأصالة البراءة.

______________________________

[1] كالمقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 118، و صاحب الحدائق 12: 123.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 181

أو الإلحاق بالتساوي؛ لصدر الحسنة، و لتحقّق تأثيرهما، و الأصل عدم التفاضل.

أوجه، أقواها: الأخير، لما ذكر.

و لو علمت الغلبة و اشتبه الأغلب، ففي أحد الاحتمالات الثلاثة أو القرعة احتمالات، أظهرها: الثالث أيضا؛ لما مرّ.

المسألة الثالثة: الحدّ الذي تتعلّق به الزكاة-

أي يشترك فيها الفقراء- من الأجناس ما يسمّى حنطة و شعيرا و تمرا و زبيبا، و لا يكون ذلك إلّا عند الجفاف، بمعنى أنّه لا تجب الزكاة على غير هذه المسمّيات و إن سمّي رطبا أو عنبا أو بسرا أو حصرما.

وفاقا للمحكيّ عن الشيخ في النهاية و الديلمي و الإسكافي «1» و المحقّق في كتبه «2» و الشيخ سديد الدين والد العلّامة، و إليه مال الشهيد الثاني في الروضة «3» و الفاضل الهندي في شرحه، و اختاره جدّي- رحمه اللّه- حيث جعل القول الآخر هو الأحوط.

لنا: الأصل، و تعليق الوجوب في الأخبار الغير العديدة على التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير،

و نفيه عمّا سوى ذلك «4»، و لا شكّ أنّ البسر و الرطب و الحصرم و العنب ما سوى الأجناس الأربعة.

و يؤيّده تعقيب الحنطة و الشعير في جميع تلك الروايات بالتمر و الزبيب، و لو تعلّقت بالرطب و العنب لما كان وجه لتركهما و عدم ذكرهما.

و ربّما تؤيّده- بل تدلّ عليه أيضا- صحيحة علي: عن البستان لا تباع

______________________________

(1) النهاية: 182، و الديلمي في المراسم: 127، و حكاه عن الإسكافي في المختلف: 178.

(2) المعتبر 2: 268، و الشرائع 1: 153.

(3) الروضة 2: 33.

(4) كما في الوسائل 9: 173 أبواب زكاة الغلّات ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 182

غلّته و لو بيعت بلغت غلّتها مالا فهل تجب فيه صدقة؟ فقال: «لا، إذا كانت تؤكل» «1».

خلافا للمحكيّ عن الشيخ في غير النهاية و الحلّي و الفاضل «2»، بل هو المشهور كما ذكره جماعة، فقالوا: الحدّ الذي يتعلّق به الوجوب هو بدوّ الصلاح [1]، و فسّروه: باشتداد الحبّ في الحنطة و الشعير، و انعقاد الحصرم في الكرم، و الاحمرار أو الاصفرار في ثمر النخل.

و استدلّ له: بأنّه إذا اشتدّ الحبّ يسمّى حنطة و شعيرا، و البسر و الرطب تمرا، فإنّ أهل اللّغة نصّوا على أنّ البسر نوع من التمر، و الرطب نوع من التمر «3».

و بالروايات الآتية، الدالّة على وجوب الزكاة في العنب.

و بصحيحة سعد بن سعد: عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال: «إذا صرم و إذا خرص» «4»، فإنّ الخرص إنّما يكون في حال كون التمر بسرا أو عنبا.

و بعموم قوله عليه السّلام: «في ما سقت السماء العشر».

و يردّ الأول: بأنّ ما ذكره و إن كان مسلّما

في الحنطة و الشعير، و لكنّه في البسر و الرطب و الحصرم ممنوع؛ أمّا الأخير فظاهر، و أمّا الأولان فلعدم معلوميّة التسمية حقيقة، و لو سمّي يكون مجازا باعتبار ما يؤول إليه؛ لصحّة السلب سيّما في البسر.

______________________________

[1] منهم العلّامة في المختلف: 178، و فخر المحققين في الإيضاح 1: 175.

______________________________

(1) التهذيب 4: 19- 51، الوسائل 9: 190 أبواب زكاة الغلّات ب 8 ح 1.

(2) الشيخ في المبسوط 1: 214، الحلّي في السرائر 1: 453، الفاضل في التحرير 1: 63، و المختلف: 178.

(3) كما في المختلف: 178.

(4) الكافي 3: 523 الزكاة- 4، الوسائل 9: 194 أبواب زكاة الغلّات ب 12 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 183

و تصريح أهل اللّغة بكونه تمرا غير معلوم، بل المعلوم من الصحاح و المصباح المنير و المغرب و المجمع خلافه «1»، و أنّ البسر لا يسمّى تمرا إلّا عند اليبس و الجفاف، بل في المصباح ادّعاء إجماع أهل اللّغات عليه.

و لم يوجد في كلام غيرهم إلّا ما يحكى عن العين و القاموس «2»، فإنّ فيهما ما ربّما يومئ إليه و يشعر به، لكن فيهما أيضا ما يخالفه.

قال في الأول: في الحديث: «لا تبسروا» أي لا تخلطوا التمر بالبسر للنبيذ.

و مع ذلك، فغاية ما يستفاد منهما الإطلاق، و هو أعمّ من الحقيقة.

ثمَّ لو سلّم ما ذكروه، فلا يفيد في الزبيب؛ لوضوح عدم إطلاقه على الحصرم بل العنب، فلا يتمّ المدّعى، و الإتمام بالإجماع المركّب فرع ثبوته، و هو ممنوع كما يأتي.

و ردّ في الذخيرة الإجماع المركّب بالمعارضة بالمثل «3».

و فيه نظر؛ إذ الحكم في الطرف الآخر يكون ثابتا بالأصل أو العموم، فلا يفيد ضمّ الإجماع المركّب معه، لمعارضة الطرف الذي

يثبت فيه الحكم بالدليل الخاصّ، و إلّا لم يتمّ إجماع مركّب أصلا.

و الثاني: بأنّ الروايات غير دالّة كما يأتي، و لو دلّت فإنّما يثبت الحكم في العنب دون الحصرم، كما هو المدّعى.

و بذلك يرد الثالث أيضا، مضافا إلى أنّ المستتر في صرم و خرص راجع إلى التمر و الزبيب، فلا يفيد في البسر و العنب.

______________________________

(1) الصحاح 2: 589، المصباح المنير 1: 76، المغرب 1: 38، مجمع البحرين 3: 221.

(2) العين 7: 250، القاموس 1: 386.

(3) الذخيرة: 427.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 184

و القول- بأنّ الخرص يكون في وقت البسريّة و العنبيّة- ممنوع، و لو سلّم فإنّما هو وقت خرص البسر و العنب دون خرص التمر و الزبيب، فيمكن أن يكون المراد خرصهما إذا تركا في النخل و الكرم حتى يصير تمرا أو زبيبا، كما يترك الأول غالبا و الثاني في بعض البلاد، فيتركون العنب حتى يصير زبيبا في الكرم.

و على هذا، فيكون المراد: أنّ وقت وجوب الإخراج وقتان: صرم التمر و الزبيب، و خرصهما، فالأول لمن لا يريد تصرّفا في بعضه قبل أوان الصرم، و الثاني لمن يريد.

مع ما في الرواية من الخلل؛ لأنّ المسئول عنه إن كان وقت وجوب الإخراج، فلا شك في عدم وجوبه عند الخرص على شي ء من القولين.

و إن كان وقت تعلّق الوجوب، فلا شكّ في مغايرته لوقت الصرم على القولين، و عدم انطباقه على شي ء منهما.

و أيضا لو كان وقت الخرص ما ذكروه لما كان معنى لقوله: «إذا صرم»؛ لما بين البسريّة و العنبيّة و بين الصرم من المدّة.

و من بعض ما ذكر يظهر ضعف ما يستأنس به للقول المشهور من بعث النبي صلّى اللّه عليه و آله

و سلّم الخارص على الناس؛ إذ على تقدير ثبوته لم يثبت في غير النخل، و لا فيه في حال البسريّة و الرطبيّة.

و قول بعض- بأنّه كان في حال البسريّة- لا يثبت منه شي ء، مع أنّه يمكن أن يكون الغرض منه أن يؤخذ منهم إذا صارت الثمرة تمرا أو زبيبا، فإذا لم يبلغ ذلك لم يؤخذ منهم.

و الرابع: بأنّه عامّ يجب تخصيصه بالأخبار النافية للوجوب عن غير الأجناس الأربعة.

و قد يظهر من بعضهم قول آخر، و هو القول بتوقّف تعلّق الوجوب

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 185

في التمر على اليبس، و أمّا في العنب فلا، بل يتوقّف على العنبيّة.

و فيه مخالفة للمشهور من وجهين، أحدهما: في البسر و الرطب، و الآخر: في الحصرم، و للمختار من وجه، و هو الوجوب في العنب.

و إليه مال صاحب المدارك و الذخيرة «1»، و نسبه في البيان إلى الإسكافي و المحقّق «2».

و هو غير جيّد، كما أشار إليه في الروضة «3»؛ فإنّ المحقّق يصرّ [1] في كتبه على التسمية بالزبيب «4»، و هو المحكيّ عن الإسكافي في غيره من الكتب «5».

و دليل هذا القول صحيحة سعد: و هل على العنب زكاة أو إنّما تجب عليه إذا صيّره زبيبا؟ قال: «نعم، إذا خرصه أخرج زكاته» «6».

و صحيحة سليمان: «ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق، و العنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أو ساق زبيبا» «7»، و نحوها صحيحة الحلبي «8».

و رواية أبي بصير: «لا تكون في الحبّ و لا في النخل و لا في العنب

______________________________

[1] في «ق» و «ح»: يظن ..

______________________________

(1) المدارك 5: 138، الذخيرة: 427.

(2) البيان: 297.

(3) الروضة 2: 38.

(4) كما في المعتبر 2: 535، و الشرائع

1: 153.

(5) حكاه عنه في المختلف: 178.

(6) الكافي 3: 514- 5، الوسائل 9: 195 أبواب زكاة الغلّات ب 12 ح 2.

(7) التهذيب 4: 18- 46، الاستبصار 2: 18- 52، الوسائل 9: 177 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 7.

(8) التهذيب 4: 14- 36، الاستبصار 2: 15- 42، الوسائل 9: 178 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 186

زكاة حتى يبلغ وسقين» «1».

و يرد على الجميع: أنّه ليس في شي ء منها دلالة على الوجوب أصلا، فيمكن إرادة الاستحباب، سيّما الاولى على ما في بعض نسخ الكافي من تبديل «أو» بالواو.

مضافا إلى ما في الاولى من دلالتها على عدم الوجوب عند عدم الخرص، و هو ينافي الوجوب المطلق.

و من عدم الوجوب بالخرص إجماعا.

و من احتمال أن يكون التصديق للجملة الأخيرة- أي يجب إذا صيّره زبيبا- و الضمير المنصوب راجع إلى الزبيب، و أن يكون حرصه- بالحاء المهملة- بمعنى: حرسه، كما ورد: أنّ للخارص العذقان «2»، أي الحارس، يعني: إذا حرسه حتى صار زبيبا أخرج زكاته.

و ما في الثانيتين من احتمالهما معنيين، أحدهما: إناطة الوجوب بحالة يثبت له البلوغ خمسة أوساق حال كونه زبيبا.

و ثانيهما: إناطته بحالة يقدّر له هذا الوصف.

و الاستدلال يتمّ على الثاني، مع أنّ الأظهر الأول؛ إذ اعتبار التقدير خلاف الظاهر.

و لا ينافي الأول [1] زوال العنبيّة حينئذ؛ لأنّ مثله شائع، مثل: لا تجب الصلاة على الصبيّ حتى يبلغ.

و ما في الرابعة من عدم الوجوب عند بلوغ الوسقين بالإجماع، فهي

______________________________

[1] في النسخ: الثاني، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(1) التهذيب 4: 17- 44، الاستبصار 2: 17- 50، الوسائل 9: 181 أبواب زكاة الغلّات ب 3 ح 3.

(2) الكافي 3: 514- 7،

التهذيب 4: 18- 47، الوسائل 9: 176 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 187

إمّا مطروحة، أو على الاستحباب محمولة.

المسألة الرابعة [وقت الإخراج إذا صفت الغلّة و يبست التمرة]

قالوا: وقت الإخراج إذا صفت الغلّة و يبست التمرة، و في التذكرة و المنتهى و المدارك و الحدائق «1» و غيرها «2»: نفي الخلاف فيه، و الإجماع عليه.

فإن كان مرادهم الوقت الذي يتعلّق وجوب الإخراج حينئذ، فيدلّ عليه- مضافا إلى الإجماع- أصالة عدم الوجوب قبله، و عدم دلالة شي ء من النصوص على وجوب الإخراج قبل ذلك.

و كذا إن أريد الوقت الذي يجوز للساعي مطالبة المالك.

و إن أريد الوقت الذي يصير ضامنا بالتأخير كما ذكروه أيضا، فالدليل عليه منحصر بالإجماع، و إلّا فإطلاق كثير من أخبار الضمان بالتلف مع وجود الأصل «3» يشمل ذلك أيضا.

المسألة الخامسة [استثناء حصّة السلطان و إخراج الزكاة من غيرها]

قيل: لا خلاف بين الأصحاب في استثناء حصّة السلطان و إخراج الزكاة من غيرها «4».

أقول: تفصيل المقام: إنّ ما يأخذه السلطان إمّا أن يكون من أراضيه المملوكة له، أو من غيرها.

و حكمه في الأول حكم سائر الناس في ما يأخذونه من أراضيهم.

و الثاني على قسمين؛ لأنّ الأراضي إمّا خراجيّة أو غير خراجيّة، و على التقديرين إمّا يكون ما يأخذه حصّة من حاصل الأرض و يسمّى بالمقاسمة، أو وجها آخر غيرها، و يسمّى بالخراج، و على التقادير إمّا يكون

______________________________

(1) التذكرة 1: 237، المنتهى 1: 510، المدارك 5: 139، الحدائق 12: 116.

(2) كالذخيرة: 443، و الرياض 1: 273.

(3) انظر: الوسائل 9: 285 أبواب المستحقين للزكاة ب 39.

(4) كما في الرياض 1: 274.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 188

السلطان من المخالفين أو منّا.

فإن كانت الأراضي خراجيّة، فالظاهر عدم الخلاف في استثناء ما يأخذه السلطان- سواء كان باسم المقاسمة أو الخراج- إن كان السلطان من أهل الخلاف.

و تدلّ عليه في المقاسمة: صحيحة محمّد: عن الرجل يتكارى الأرض من السلطان بالثلث أو النصف هل عليه

في حصّته زكاة؟ قال:

«لا» «1».

و حسنة محمّد و أبي بصير: «كلّ أرض دفعها إليك سلطان فما حرثته فيها فعليك في ما أخرج اللّه منها الذي قاطعك عليه، ليس على جميع ما أخرج اللّه منها العشر، إنّما العشر عليك فما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك» «2».

و في صحيحة صفوان و البزنطي: «و على المتقبّلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم» «3».

و في الأخرى: «و قد قبّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خيبر، و عليهم في حصصهم العشر و نصف العشر» «4».

و في الخراج: رواية رفاعة: عن الرجل يرث الأرض أو يشتريها فيؤدّي خراجها إلى السلطان، هل عليه عشر؟ قال: «لا» «5».

______________________________

(1) التهذيب 7: 202- 889، الوسائل 9: 190 أبواب زكاة الغلّات ب 7 ح 5.

(2) التهذيب 4: 36- 93، الاستبصار 2: 25- 70، الوسائل 9: 188 أبواب زكاة الغلّات ب 7 ح 1.

(3) الكافي 3: 512- 2، التهذيب 4: 38- 96، الاستبصار 2: 25- 73، الوسائل 9: 188 أبواب زكاة الغلّات ب 7 ح 2.

(4) التهذيب 4: 119- 342، الوسائل 9: 189 أبواب زكاة الغلّات ب 7 ح 3.

(5) الكافي 3: 543- 3، الوسائل 9: 193 أبواب زكاة الغلّات ب 10 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 189

و صحيحته: عن الرجل له الضيعة فيؤدّي خراجها، هل عليه فيها عشر؟ قال: «لا» «1».

و رواية سهل: حيث أنشأ سهل آباد سأل أبا الحسن موسى عليه السّلام عمّا يخرج منها ما عليه؟ فقال: «إن كان السلطان يأخذ خراجه فليس عليك شي ء، و إن لم يأخذ السلطان منها شيئا فعليك إخراج عشر ما يكون فيها» «2».

و رواية أبي كهمش: «من

أخذ منه السلطان الخراج فلا زكاة عليه» «3».

وجه الاستدلال: أنّها دلّت على انتفاء الزكاة عمّا يؤخذ منه الخراج مطلقا، خرجت زكاة غير الخراج إذا بلغ النصاب بالإجماع، فيبقى الباقي.

و السلطان في هذه الأخبار و إن كان أعمّ من المخالف و المؤالف، إلّا أنّ المعهود في أزمنة الأئمّة لما كان سلطان المخالفين، فتنصرف الروايات إليه.

أقول: لا يخفى أنّ انحصار السلطان في عهد في المخالف لا يقيّد إطلاقات الأخبار به، كما لا يقيّد إطلاق المسلم و المؤمن في الأخبار النبويّة بالعرب أو أهل الحجاز لانحصارهما فيهم، بل الظاهر إطلاق السلطان.

إلّا أنّ في دلالة أخبار الخراج على المطلوب نظر؛ إذ الظاهر من هذه الأخبار ورودها في الأراضي المملوكة، و المراد من الخراج فيها غير معلوم، و الحقيقة الشرعيّة فيه غير ثابتة، و إرادة ما يأخذونه من الزكاة ممكنة، بل هي الظاهرة من سائر الأخبار، فتكون غير دالّة على مورد الكلام.

______________________________

(1) التهذيب 4: 37- 94، الاستبصار 2: 25- 71، الوسائل 9: 193 أبواب زكاة الغلّات ب 10 ح 2.

(2) الكافي 3: 543- 5، الوسائل 9: 192 أبواب زكاة الغلّات ب 10 ح 1.

(3) التهذيب 4: 37- 95، الاستبصار 2: 25- 72، الوسائل 9: 193 أبواب زكاة الغلّات ب 10 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 190

و على هذا، فاللازم في الخراج الاكتفاء بالمجمع عليه، و هو خراج السلطان المخالف من الأراضي الخراجيّة.

و أمّا المقاسمة، فالظاهر استثناؤها مطلقا، سواء كان السلطان منّا أو من المخالفين و إن لم تكن الأراضي خراجيّة، كالأراضي التي غصبها السلطان من الموقوفات، أو المجهول مالكها، أو إذا ضرب شيئا على ملك شخص و أخذه منه، و نحو ذلك. فما يأخذ منه إمّا حصّة

من الحاصل، أو شي ء آخر.

فعلى الأول: فإن كانت حصّة الحاصل ملكا للسلطان، كأن يكون البذر منه و زرع المالك بقصد الاشتراك، أو اشترى البذر له و للسلطان، أو غير ذلك من الوجوه الموجبة لشركة السلطان شرعا، فلا شكّ في استثناء حصّته مطلقا، مخالفا كان أو مؤالفا.

و كذا إن لم تكن ملكا شرعيّا له، و لكن لم يتمكّن المالك من ممانعة السلطان أو إخفائه كلّا أو بعضا منه؛ لتعلّق الزكاة بالعين، و إن تمكّن و فرّط فلا يستثنى شي ء.

و إن كان ما يأخذه السلطان غير حصّة الحاصل فلا يستثنى مطلقا؛ لعدم دليل عليه أصلا و إن أخذه لأجل الزراعة؛ إذ لا دليل على وضع جميع المؤن، كما يأتي.

المسألة السادسة: اختلف الأصحاب في غير المقاسمة و الخراج من مؤن الزراعة و الضيعة،

هل هو على ربّ المال، فتجب الزكاة في جميع الحاصل؟

أو عليه و على الفقراء بالنسبة، فتستثنى المؤن و تخرج الزكاة من الباقي إن بلغ النصاب؟

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 191

الأول: مختار الشيخ في المبسوط و الخلاف «1»، و نسبه في الخلاف إلى جميع الفقهاء إلّا عطا، و لأجل هذه النسبة نقل جماعة عن الخلاف الإجماع [1]، و ليس بجيّد؛ لأنّ الشائع من الفقهاء عند القدماء: العامّة.

و إلى هذا القول ذهب الفاضل يحيى بن سعيد في الجامع و ادّعى فيه الإجماع «2»، و هو محتمل اللمعة و الروضة «3»، و اختاره الشهيد الثاني في فوائد القواعد، و جمع من المتأخّرين، كالمدارك و الذخيرة و المفاتيح و الحدائق «4».

و جدّي- قدّس سرّه- في الرسالة، قال: و لا دليل يعتمد عليه على وضع المؤن، بل في تفرقة الشارع بين ما يسقى من السماء و ما يسقى من الدلاء شهادة على عدم وضع المؤن. انتهى.

و الثاني: مذهب الصدوق و المفيد

و الشيخ في النهاية و الاستبصار و الاقتصاد و المصباح و السيّدين في الجمل و الغنية «5» و الفاضلين و الشهيد في أكثر كتبه و المحقّق الثاني و الأردبيلي «6»، بل هو المشهور، كما صرّح به جماعة [2].

______________________________

[1] كصاحب المدارك 5: 142، السبزواري في الذخيرة: 442، صاحب الرياض 1:

274.

[2] كالعلّامة في المختلف: 179، و الشهيد الثاني في الروضة 2: 35.

______________________________

(1) المبسوط 1: 217، الخلاف 2: 67.

(2) الجامع للشرائع: 134.

(3) اللمعة (الروضة) 2: 35، الروضة 2: 35.

(4) المدارك 5: 142، الذخيرة: 442، المفاتيح 1: 201، الحدائق 12: 125.

(5) الصدوق في الفقيه 2: 18، و المقنع: 48، المفيد في المقنعة: 239، النهاية:

178، الاستبصار 2: 26، الاقتصاد: 281، مصباح المتهجد: 787، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 78، الغنية (الجوامع الفقهية): 567.

(6) المحقق في المعتبر 2: 541، و الشرائع 1: 153؛ العلّامة في التحرير 1: 63، و التبصرة: 47؛ الشهيد في الدروس 1: 237، و البيان: 293؛ المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 21 و 22، الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 109.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 192

و الحقّ: هو الأوّل؛ لصريح رواية سهل المتقدّمة «1»، و لعموم الأخبار الدالّة على العشر و نصف العشر في الغلّات الأربع من غير استثناء للمؤن.

ففي الأخبار الغير العديدة- من الصحيحة و غيرها بعبارات متفاوتة- ورد أنّ في ما سقت السماء العشر، و في ما سقت الدوالي فنصف العشر «2».

و في مرسلة ابن بكير: «فإذا بلغت خمسة أوساق وجبت فيها الزكاة» إلى أن قال: «و الزكاة فيها العشر في ما سقت السماء أو كان سيحا، أو نصف العشر في ما سقي بالقرب و النواضح» «3».

و ما مرّ في حسنة

محمّد و أبي بصير من قوله: «إنّما العشر عليك في ما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك» «4».

و ما مرّ في صحيحة البزنطي من إثبات العشر و نصف العشر في حصصهم.

و في صدر هذه الصحيحة: «من أسلم طوعا تركت أرضه في يده، و أخذ منه العشر ممّا سقت السماء و الأنهار، و نصف العشر ممّا كان بالرشا في ما عمروه منها» «5».

و ما سبق في موثّقة إسحاق: عن الحنطة و التمر عن زكاتهما، فقال:

«العشر و نصف العشر، العشر في ما سقت السماء، و نصف العشر ممّا سقي بالسواني» إلى أن قال: «يزكّي ما خرج منه قليلا كان أو كثيرا من كلّ عشرة واحد، أو من كلّ عشرة نصف واحد» «6».

______________________________

(1) في ص: 189.

(2) الوسائل 9: 182 أبواب زكاة الغلّات ب 4.

(3) تقدمت في ص: 177.

(4) راجع ص: 188.

(5) راجع ص: 188.

(6) التهذيب 4: 17- 42، الاستبصار 2: 16- 45، الوسائل 9: 184 أبواب زكاة الغلّات ب 4 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 193

و الأخبار المتقدّمة في صدر البحث الدالّة على أنّ الغلّة إذا بلغت خمسة أوساق وجبت فيها الزكاة «1»، و هي بإطلاقها شاملة لما إذا بلغت قبل وضع المؤن أيضا.

و مرسلة حمّاد بن عيسى في الأرض المفتوحة عنوة، و الحديث طويل، و فيه: «فإذا خرج منه ما خرج بدأ فأخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء أو سقي سيحا، و نصف العشر ممّا سقي بالدوالي و النواضح» «2».

و يؤيّده الإجماع المنقول، و ما مرّ في كلام جدّي من تفرقة الشارع بين الأمرين.

و رواية النيسابوري: عن رجل أصاب من ضيعته مائة كرّ ممّا يزكّى فأخذ منه العشر عشرة أكراره، و ذهب

منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا و بقي في يده ستون كرّا، ما الذي يجب لك حينئذ من ذلك؟ فوقّع عليه السّلام:

«منه الخمس ممّا يفضل عن مئونته» «3».

و المناقشة في دلالة العمومات، بأنّها واردة لبيان حكم آخر، و هو التفصيل بين ما يجب فيه العشر و نصفه، و لذا لم يستثن في كثير منها ما وقع الاتّفاق على استثنائه، كحصّة السلطان.

مردودة، أولا: بمنع ورودها لذلك فقط، بل كثير منها يتضمّن هذا التفصيل و قدر النصاب و بيان ما فيه الزكاة من الأجناس و ما ليست فيها.

فيمكن أن تكون متضمّنة لذلك الحكم أيضا، أي وجوب العشر و نصف

______________________________

(1) الوسائل 9: 175 أبواب زكاة الغلّات ب 1.

(2) الكافي 1: 541- 4، التهذيب 4: 128- 366، الوسائل 9: 183 أبواب زكاة الغلّات ب 4 ح 3.

(3) التهذيب 4: 16- 39، الاستبصار 2: 17- 48، الوسائل 9: 186 أبواب زكاة الغلّات ب 5 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 194

العشر في جميع ما سقي من غير استثناء شي ء منه، فإنّه لو كان مراده عليه السّلام بيان ذلك الحكم في ضمن ما ذكر أيضا لم يزد شيئا على ذلك الكلام ..

فمن أين علم أنّها واردة لبيان حكم آخر؟! بل لعلّها واردة لبيان ذلك الحكم أو مع غيره أيضا.

نعم، قد يقال ذلك في موضع كان الإطلاق جوابا عن سؤال خاصّ، فيكون ذلك قرينة على إرادة بيان جواب ذلك السؤال، لا في مثل المقام الخالي عن هذا السؤال.

و ثانيا: إنّا سلّمنا ورودها لبيان ذلك، و لكنّه لا ينافي استفادة حكم آخر منه أيضا إذا كان اللفظ مقتضيا له، و مقتضى الإطلاق أو العموم ثبوت هذا التفصيل في مطلق ما سقي

من غير استثناء شي ء ..

ألا ترى أنّه لو قيل: ما في يد زيد نصفه مغصوب من عمرو و نصفه مغصوب من بكر، يصحّ أن يستدلّ به على عدم كون كلّ جزء جزء منه حلالا لزيد.

و لا يرد أنّه في مقام تفصيل قدر المغصوب من كلّ شخص لا بيان عموم ما في يد زيد.

و أمّا عدم استثناء بعض ما أجمعوا على استثنائه فلا يضرّ في العموم بالنسبة إلى غيره.

و أضعف منها المناقشة فيها بعدم صراحة العموم في وجوب عشر الجميع، فلعلّه عشر ما يبقى بعد المؤنة، فإنّ المعلوم أنّ العشر إذا نسب إلى شي ء فالمراد عشره، سواء كانت النسبة بالإضافة، أو بلفظة في أو من أو نحوها، فإذا قيل: يجب الخمس في مال زيد، يتبادر خمس ماله، مع أنّ في موثّقة إسحاق المتقدّمة «1» العشر ممّا سقت السماء، و في رواية سهل

______________________________

(1) في ص: 192.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 195

عشر ما يكون فيها «1».

و في دلالة الحسنة [1]، بأنّ دلالتها على الاستثناء أظهر؛ لأنّ مقاسمة السلطان لا تكون عادة إلّا بعد إخراج المؤن من نفس الزرع، و على هذا فالحاصل في يده حينئذ ليس إلّا ما بعد المؤن.

مردودة بأنّ المقاسمة و إن كانت بعد المؤن، و لكن لا بعد إخراج المؤن من الزرع، فإنّ (ما قبل انعقاد الحبّ- من) [2] من اجرة البقر و العملة و غيرها و كذا كثير ممّا بعده- لا يخرج من نفس الزرع، فيكون ما بإزائه داخلا في ما يحصل في يده بعد المقاسمة، و بضميمة الإجماع المركّب يتعدّى الحكم إلى الجميع.

و لا يمكن العكس، إذ لا يقطع بإخراج شي ء من نفس الزرع في زمان الصدور قبل المقاسمة.

على أنّ لنا

أن نقول: بأنّ معنى ما حصل في يده ما صار ماله و إن صرفه في دين و نحوه، و لا شكّ أنّ المؤن من قبيل الدين؛ إذ لا يتعلّق بعين الزرع، فكلّ ما عدا المقاسمة إنّما حصل في يده.

و ممّا ذكرنا يظهر ضعف ما قيل من أنّ الحاصل في يد المالك إنّما هو ما بعد المؤن لأنّ المؤن لا تحصل في يد المالك بل يخرج عنها «2»؛ فإنّ المؤن و إن خرجت عنها إلّا أنّ الحاصل حصل فيها و إن كان يحتاج حصوله إلى مؤن.

مع أنّه لا سبيل لهذه المناقشة في صحيحتي البزنطي المثبتة للعشر في

______________________________

[1] يعني: و المناقشة في دلالة الحسنة .. مردودة.

[2] ما بين القوسين ليس في «س»، «ح».

______________________________

(1) راجع ص: 189.

(2) كما في الرياض 1: 275.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 196

حصص الزارع؛ إذ لا شكّ أنّ المؤن أيضا من حصّته.

و في دلالة الموثّقة [1]، بأنّها نافية للنصاب فيجب حملها على التقيّة.

مردودة بأنّه إنّما هو مع إبقائها على إطلاقها، و أمّا لو خصّ بما بعد النصاب فلا، و التخصيص في الأخبار ليس بأمر جديد.

و في أكثر ما ذكر [2]، بعدم الدلالة على الوجوب؛ لاشتماله إمّا على مثل قوله: «فيه العشر»، و هو غير صريح في الوجوب، أو الإخبار في مقام الإنشاء.

مردودة بعدم قول باستحباب الزكاة قبل المؤن بنفسه، و إن أمكن من باب الاحتياط، و لكنّه غير مفيد لحمل الرواية عليه، كما أنّ من يصلّي الظهر بعد صلاة الجمعة احتياطا لا يجوز له حمل رواية أمره بالظهر على الاستحباب.

مع أنّ رواية سهل و حسنة محمّد و أبي بصير و صحيحة البزنطي «1» تتضمّن لفظة «على» الدالّة على الوجوب، و في مرسلة

ابن بكير: «وجبت فيه الزكاة» «2» و في صدر الصحيحة: «أخذ منه العشر»، و مقتضاه أنّه يؤخذ منه، سواء أعطى بالرضا أو لا، و ذلك ينافي الاستحباب.

نعم، قد يناقش في المؤيّدات المذكورة أخيرا بوجوه لا بأس بها، و لكنّها لا تخرجها عن التأييد و إن نفت دلالتها.

احتجّ الأكثر بوجوه، منها: الأصل.

و منها: الرضويّ- المنجبر ضعفه بالشهرتين-: «و ليس في الحنطة

______________________________

[1] يعني: و المناقشة في دلالة الموثقة .. مردودة.

[2] يعني: و المناقشة في أكثر ما ذكر .. مردودة.

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 188، 189.

(2) تقدمت في ص: 177.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 197

و الشعير شي ء إلى أن يبلغ خمسة أوساق» إلى أن قال: «فإذا بلغ ذلك و حصل بعد خراج السلطان و مئونة العمارة و القرية أخرج منه العشر إن كان سقي بماء المطر أو كان بعلا، و إن كان سقي بالدلاء ففيه نصف العشر، و في التمر و الزبيب مثل ما في الحنطة و الشعير» [1].

و منها: حسنة الفضلاء الثلاثة: في قول اللّه تعالى وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ «1»، «هذا من الصدقة يعطى المسكين القبضة بعد القبضة، و من الجداد [2] الحفنة بعد الحفنة حتى يفرغ، و يترك للخارص [3] قدرا معلوما، و يترك من النخل معافأرة و أمّ جعرور [4]، و يترك للحارس يكون في الحائط العذق و العذقان و الثلاثة لحفظه له» «2».

و حسنة محمّد: أقلّ ما تجب فيه الزكاة؟ قال: «خمسة أوساق، و يترك معافارة و أمّ جعرور لا يزكّيان و إن كثرا، و يترك للحارس العذق و العذقان، و الحارس يكون في النخل ينظره، فيترك ذلك لعياله» «3».

و أخصّيتهما من المدّعى مجبورة بعموم التعليل في الأولى بل الثانية أيضا، مع

عدم القائل بالفرق بين مئونة الحارس و غيرها، كما صرّح به في المنتهى «4».

______________________________

[1] فقه الرضا عليه السّلام: 197، إلّا أنّ فيه: و حصل بغير خراج السلطان و مئونة العمارة للقرية. و قد أشار إلى ذلك المصنّف في ص: 199، مستدرك الوسائل 7: 91 أبواب زكاة الغلّات ب 6 ح 1.

[2] الجداد: صرام النخل و هو قطع ثمرتها- النهاية الأثيرية 1: 244.

[3] في التهذيب و الوسائل: يترك للحارس أجرا معلوما، و في الكافي: يعطي الحارس أجرا معلوما.

[4] معافارة و أمّ جعرور: ضربان رديّان من التمر- مجمع البحرين 3: 409.

______________________________

(1) الأنعام: 141.

(2) الكافي 3: 565- 2، التهذيب 4: 106- 303، الوسائل 9: 195 أبواب زكاة الغلّات ب 13 ح 1 و ص: 191 ح 4.

(3) الكافي 3: 514- 7، الوسائل 9: 176 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 3.

(4) المنتهى 2: 500.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 198

و منها: أنّ النصاب مشترك بين المالك و الفقراء، فلا يختصّ أحدهم بالخسارة عليه، كغيره من الأموال المشتركة.

و منها: أنّ الزكاة في الغلّات إنّما تجب في النماء و الفائدة، و هو لا يتناول المؤنة.

أمّا أنّ الزكاة في النماء فتدلّ عليه حسنة محمّد و أبي بصير المتقدّمة، فإنّ قوله: «فتاجرته فيها» شاهد على إرادة المنافع لا رأس المال، و كذا قوله: «في ما أخرج اللّه» فإنّ ما يصرف في المتاجرة لا يقال إنّه أخرجه اللّه من هذه المعاملة، بل قوله: «في ما يحصل في يدك» «1» كما مرّ؛ و قوله في مرسلة حماد المتقدّمة: «فإذا خرج منها نماء» «2».

و منها: أنّ ذلك حيف و ضرر و عسر و حرج، و كلّ ذلك منفيّ بالكتاب و السنّة، سيّما إذا كانت

الضيعة مستأجرة بأجرة كثيرة، فربّما لا يحصل منها أزيد من الأجرة.

و منها: أنّه يستفاد من الأخبار أنّ العلّة في الزكاة هي المواساة، و عدم وضع المؤن ينافي ذلك غالبا.

و منها: أنّه لا بدّ من القول بعدم تعلّق الزكاة بما قابل البذر؛ ضرورة عدم تكرّر [1] الزكاة في الغلّات، و حيث ثبت استثناء البذر ثبت غيره؛ لعدم القائل بالفرق.

و في الكلّ نظر.

أمّا الأول، فلاندفاعه بما مرّ.

و أمّا الثاني، فلإجمال مئونة العمارة و القرية أولا، فإنّ إرادة مؤن

______________________________

[1] في «ح»: تكرار ..

______________________________

(1) راجع ص: 188.

(2) راجع ص 193.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 199

الزراعة منها غير معلومة، بل يصدق على ما لا يستثنى [1] إجماعا أيضا، و لا يعلم المراد.

و لا يتوهّم أنّه يلزم تخصيص العمومات بالمجمل، و هو مخرج لها عن الحجيّة؛ لأنّ الرواية بنفسها ضعيفة غايته، و حجيّتها إنّما هي إذا انجبرت بالشهرة، و هو إذا كان المراد منها معلوما.

سلّمنا صدق مئونة العمارة و القربة على بعض مؤن الزراعة، و لكن لا شكّ في عدم صدقها على الجميع، كأجرة الحصاد و الحمّال و نحوهما، فلا يفيد.

و ضمّ عدم القول بالفصل ينعكس؛ لأنّه يدلّ على ثبوت العشر في جميع ما عدا الخراج و مؤن العمارة و القرية، مع أنّ إثبات الإجماع على عدم الفصل في هذه المسائل شطط من الكلام.

و لعدم الدلالة على المطلوب ثانيا؛ لأنّ المطلوب إثبات أنّ المخرج عشر ما بقي بعد الخراج و المؤن، و مدلول الرواية أنّه إذا بلغ النصاب بعدهما يخرج منه العشر، و أمّا أنّه عشر ما عداهما أو عشر الجميع فلا.

نعم، يكون دالّا على أنّ اعتبار النصاب إنّما هو بعد المؤن، و هو بعض المطلوب، و الإجماع المركّب

في أمثال المقام غير ثابت.

هذا كلّه، مع أنّ نسخ الرواية مختلفة، و الموجود في نسختي- التي هي من النسخ المصحّحة غاية الصحّة-: «بغير خراج السلطان و مئونة العمارة» مكان: «بعد خراج السلطان»، و هكذا نقله بعض مشايخنا المحقّقين في شرحه على المفاتيح عن نسخته «1»، و كذا وجد منقولا في بعض نسخ رسالة كتبها بعض الفضلاء في المسألة.

______________________________

[1] في «ق» و «ح»: ما يستثنى ..

______________________________

(1) شرح المفاتيح (المخطوط).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 200

و على هذا، فيمكن أن يكون قوله: «بغير» إلى آخره، متعلّقا بقوله فيما بعد: «اخرج منه العشر»، يعني: إذا بلغ النصاب و حصل اخرج منه بغير الخراج و المؤنة العشر، فيكون تقييدهما دفعا لتوهّم أنّه إذا أخرج منه الخراج أو المؤنة لا يخرج منه العشر، كما ورد في بعض الروايات في خصوص الخراج «1».

و على هذا، فيكون المراد: أنّ الخراج أو المؤنة لا توجب إسقاط العشر، بل يجب هو معهما.

و أمّا الثّالث، فلاختصاصه بالحارس و بالعذق و العذقان له، فالتعدّي إلى غيره باطل، و عدم القول بالفصل غير ثابت، كيف؟! و صرّح في المدارك و الذخيرة بعدم ثبوته «2»، بل في الأخير: إنّ هذا الحكم منصوص فيه ثابت عند الجميع حتى من لا يعتبر المؤنة.

و أمّا التمسّك بعموم التعليل فعليل جدّا؛ لأنّ العلّة المذكورة هو الحفظ، و هو غير متحقّق في غير الحارس، فإنّه لا يجري في البذر و الحصادة و الحمالة و اجرة الأرض و غير ذلك.

نعم، لو كانت العلّة تضرّر المالك أو صرف المؤنة و نحوهما لكان له وجه. و لكنّه ليس كذلك.

مع أنّ هذا التعليل منحصر بالأولى، و أمّا الثانية فخالية عن التعليل.

و لو سلّم كون الجملة الأخيرة

تعليليّة فغاية ما تثبته أنّ نظر الحارس علّة للترك له، أي لمّا كان ينظره و يراه فكان طبعه يميل إليه و يتمنّاه لعياله فلذلك يترك له، و أين تلك العلّة ممّا هو بصدده؟! نعم، لو جعل النظر بمعنى الحفظ لكان مثل الرواية الاولى، و لكنّه

______________________________

(1) الوسائل 9: 192 أبواب زكاة الغلّات ب 10.

(2) المدارك 5: 144، الذخيرة: 443.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 201

غير معلوم.

هذا كلّه، مضافا إلى أنّه لم يعلم أنّ ترك العذق و العذقين إنّما هو من باب المؤنة و وجه الأجرة، بل الظاهر أنّه من باب حقّ الحصاد و الجداد، كما يستفاد من عدم تعيين المقدار، و لذلك رواه الكليني في باب حقّ الحصاد و الجداد «1».

و أيضا غاية ما يستفاد من الروايتين ترك هذا القدر للحارس، لا أنّه لا يزكّى ذلك، فيمكن أن يكون المراد أنّه كما يخرج حقّ الحصاد أو العشر يترك ذلك للحارس أيضا من غير تعرّض لإخراج العشر منه و عدمه.

بل لا دلالة و لا إشعار في الرواية الاولى إلى كون الترك لعدم إخراج العشر أصلا.

و أمّا الرابع، فلأنّ الزكاة و إن تعلّقت بالعين، و لكن تعلّقها ليس على وجه الإشاعة حتى يكون الفقير شريكا في كلّ جزء كما يأتي، بل القدر الثابت وجوب إخراج المالك عشرا واحدا من المال من أيّ جزء شاء.

و لا نسلّم أنّ مثل تلك الشركة تقتضي الشركة في النفع و الخسارة، كما يأتي، و لذا لو نذر أحد أن يعطي عشر هذا الزرع للفقراء لا نقول باستثناء البذر و سائر المؤن، بل نقول: يجب إعطاء عشر الجميع.

سلّمنا الاشتراك و كونه كسائر الأموال المشتركة، و لكن تشريك اللّه سبحانه للفقراء إنّما هو بعد

الزرع و صرف البذر و مؤن كثيرة، و هو حين صدق الاسم.

فإذا كان التشريك حينئذ فلم تستثن المؤن التي قبل ذلك، و هل هذا إلّا مثل أن يبيع أحد نصف زرعه حين صدق الاسم لغيره مطلقا، فهل يجوّز أحد استثناء شي ء منه ممّا صرفه قبل ذلك؟!

______________________________

(1) الكافي 3: 564 الزكاة ب 46.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 202

و أمّا ما بعده، فمقتضى الشركة و قياسه على سائر الأموال أن يكون الفقير شريكا في التلف و الخسارة المتلفة، دون مئونة الحصاد و الحمّال و نحوهما ممّا يكون الكلام فيه؛ إذ لم يقل أحد بأنّ لأحد الشريكين توزيع هذه الإخراجات على الشريك الآخر لو فعله بدون إذنه، و ليس مقتضى قاعدة الشركة الشركة في أمثال تلك المؤن و لو تحمّلها أحد الشريكين بدون إذن الآخر، و هذا فعله بدون إذن الفقير، فأيّ تسلّط له على حصّته؟! غاية الأمر أنّه لو أذن الفقير في التصرّف قبل ذلك كان ذلك له، مع أنّ فيه أيضا كلاما؛ لأنّا نقول: إنّ أوامر إخراج الزكاة إيجاب من الشارع للمالك إعطاء العشر للفقير، و لتوقّفه على الحصاد و نحوه يجب عليه من باب المقدّمة، إلّا أن يبذله للفقير قبل الحصاد، فإنّه لا كلام حينئذ، و لا تكون المئونة على ربّ المال إذا رضي الفقير، و أمّا لو لم يرض فليس للمالك إجباره؛ لأنّه ليس حقّا لفقير معيّن.

و أمّا الخامس، فظاهر؛ لأنّ تمام الزرع نماء ليس غيره، و صرف شي ء في تنميته و تصفيته و تحصيله لا يخرجه عن كونه نماء.

نعم، لو دلّ دليل على أنّ الزكاة إنّما هي في المنافع لكان لما ذكره وجه، و لكن لم نعثر على مثل ذلك.

و أمّا

ما ذكره من حسنة محمّد و أبي بصير «1»، فالموجود في أكثر النسخ المصحّحة: «فما حرثته فيها» و ليس: «فتاجرته فيها»، مع أنّه ليس في المتاجرة أيضا دلالة.

و أمّا قوله: «فما أخرج اللّه» فلا شكّ أنّ جميع محصول الزرع ممّا أخرجه اللّه، و أمّا حمله على ما جعله اللّه نفعا لك زائدا على رأس مالك فممّا لا يفهمه منه أحد.

______________________________

(1) راجع ص: 188.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 203

و أمّا السادس، فلمنع كون مثل ذلك ضررا و حيفا، فإنّ ما بإزائه ثواب موعود، سيّما ما يضاعف إلى سبعمائة ضعف لا يكون ضررا و حيفا.

سلّمنا، و لكن تخصّص عمومات نفي الضرر و الضرار «1» و العسر و الحرج بأدلّة العشر «2» كما بيّنا في موضعه، كيف؟! مع أنّه إذا خصّص بها ضرر عشر ما بعد المؤنة فلم لا يخصّص بها ضرر عشر الجميع؟! فإنّه لو فرض أنّ الحاصل مائة كرّ، فالمؤن التي تستثنى منها على القول به لا تزيد غالبا على ثلاثين كرّا، بل الأدلّة التي يذكرونها على فرض تماميّتها لا تثبت الأزيد؛ لعدم ثبوت الإجماع المركّب و لا الشهرة الجابرة في غيرها .. فعلى الاستثناء تجب سبعة كرور و على عدمه عشرة، فما يصلح لتخصيص السبعة يصلح لتخصيص العشرة أيضا.

و أمّا مثل أجرة الأرض و نحوها، فالظاهر أنّ القائل بالاستثناء لا يقول باستثنائها، و لذا ترى صاحب التنقيح يصرّح بعدم استثناء دين أجرة الأرض و دين البذر «3»، فمثل ذلك الضرر مشترك بين القولين؛ مع أنّ للمستأجر دفع هذا الضرر عن نفسه بجبر ذلك بنقص الأجرة حين الاستئجار.

و أمّا السابع، فلمنع منافاة إخراج العشر من الجميع للمواساة، بل هو أقرب إليها غالبا.

و أمّا الثامن،

فلعدم وجود عين البذر في الحاصل أصلا، بل الحاصل ليس إلّا نماؤه.

و لو منع من تحقق الزكاة على ما نمى و حصل من البذر لزمه عدم تعلّق الزكاة بشي ء من الحاصل؛ لأنّ كل حبّة فإنّما هي من نماء البذر.

______________________________

(1) الفقيه 3: 147- 648، الوسائل 25: 428 أبواب إحياء الموات ب 12 ح 3.

(2) الوسائل 9: 182 أبواب زكاة الغلّات ب 4.

(3) التنقيح 1: 313.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 204

سلّمنا وجود البذر، و لكن نمنع عدم تكرّر الزكاة في الغلّات مطلقا، و إنّما هو في غير البذر، و أمّا فيه فهو عين النزاع.

ثمَّ إذا عرفت أنّ الحقّ عدم وضع المؤن مطلقا، فلا فائدة في التعرّض لذكر بعض ما يتفرّع على وضعها، من بيان المؤن، و اعتبار النصاب قبله أو بعده، و نحو ذلك.

المسألة السابعة: حكم النخيل و الزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد،

فتضمّ الثمار المتباعدة في البلاد بعضها إلى بعض و إن تفاوتت في الإدراك، من غير خلاف يعرف، بل عن التذكرة إجماع المسلمين عليه «1»؛ و تدلّ عليه إطلاقات الأدلّة و عمومها.

و على هذا، فإذا بلغ بعضه الحدّ الذي يتعلّق به الوجوب، فإن كان نصابا أخذت منه الزكاة، ثمَّ تؤخذ من الباقي قلّ أو كثر بعد أن يتعلّق به الوجوب.

و إن كان الذي أدرك أولا أقلّ من النصاب يتربّص به حتى يدرك الآخر و يتعلّق به الوجوب، فيكمل منه النصاب الأول، ثمَّ يؤخذ من الباقي كائنا ما كان.

و كذا يضمّ الطلع الثاني إلى الأول في ما يطلع مرّتين في السنة، على الأظهر الأشهر بين الأصحاب «2»؛ لأنّهما ثمرة سنة واحدة فيتناوله عموم الأدلّة.

و عن المبسوط: عدم الضمّ؛ احتجاجا بأنّه في حكم ثمرة السنتين «3».

و هو ممنوع.

______________________________

(1) التذكرة 1: 221.

(2) كما في المدارك

5: 151، و الذخيرة: 444.

(3) المبسوط 1: 215.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 205

المسألة الثامنة: يجزي الرطب و العنب عن مثله في إخراج الفريضة

لو قلنا بوجوب الزكاة فيهما؛ لإطلاقات العشر و نصف العشر، فإنّ المراد منها عشر ما فيه الزكاة و نصف عشره، و لأنّه الثابت من أدلّة ثبوت الزكاة فيهما لو تمّت.

و لا يجزئ الرطب و العنب عن التمر و الزبيب لو قلنا باختصاص الزكاة بالأخيرين و لو كانا بقدر الفرض إذا جفّا؛ لعدم كونه عشر ما فيه الزكاة أو نصف عشره، و للتعلّق بالعين.

نعم، يجوز إخراجهما بالقيمة السوقيّة.

و أمّا لو قلنا بتعلّق الزكاة بالأولين أيضا فيجوز إخراجهما عن زكاة الآخرين إذا كانا بحيث لو جفّا لكانا بقدر الفريضة، و لكن بشرط أن يكون المخرج بعض ما تعلّق به الزكاة على هذا المزكّي أيضا.

و أمّا لو أخرج العنب أو الرطب الذي اشتراه عن التمر أو الزبيب الذي تجب زكاته فلا يجوز إلّا بالقيمة.

و كذا لا يجزئ غير الزكويّ من الأجناس الأربعة- كالحنطة التي اشتراها، أو حنطة السنة السابقة التي زكّاها- عمّا تعلّقت به الزكاة إلّا بالقيمة أو لأجل المثليّة بقصد التبادل.

و لا يجزئ المعيب عن الصحيح بلا خلاف ظاهر، و لا الردي ء عن الجيّد، لقوله سبحانه وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ «1».

بضميمة موثّقة أبي بصير: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا أمر بالنخل أن يزكّى يجي ء قوم بألوان من التمر و هو من أردأ التمر يؤدّونه من زكاتهم تمرة يقال لها: الجعرور و المعى فأرة، قليلة اللحاء عظيمة النواة، و كان بعضهم

______________________________

(1) البقرة: 267.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 206

يجي ء بها عن التمر الجيّد، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا

تخرصوا هاتين التمرتين، و لا تجيئوا منها بشي ء، و في ذلك نزل وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ » «1» الحديث.

و لكن في جريان ذلك في مطلق الردي ء و الجيّد إشكالا؛ فإنّ للجودة و الرداءة عرضا عريضا، و هما أمران نسبيّان. و الخبيث لا يصدق على الكلّ و لو بضميمة الموثّقة؛ إذ المذكور فيها: إنّهم كانوا يجيئون بأردأ التمر.

و على هذا، فاللازم قصر الحكم على ما علم عدم إجزائه، و هو المعيوب من الأجناس أو الردي ء جدّا بحيث يطلق عليه الردي ء مطلقا أو الأردإ، لا مجرّد الرداءة بالنسبة إلى بعض الأصناف الأخر.

المسألة التاسعة: لو مات الزارع بعد زمان تعلّق الوجوب وجبت الزكاة مطلقا.

و لو مات قبله و انتقل إلى الوارث، فإن لم تبلغ حصّة واحد منهم النصاب فلا زكاة، و إن بلغت حصّة بعضهم النصاب وجبت في حصّته خاصّة.

و لو لم تبلغ حصّة أحدهم النصاب قبل القسمة، و لكن اختصّ الزرع بواحد منهم و بلغ النصاب، فإن كانت القسمة قبل زمان تعلّق الوجوب وجبت الزكاة عليه، و إلّا فلا.

و الوجه في الجميع ظاهر.

المسألة العاشرة: لو مات الزارع المديون بعد زمان تعلّق الوجوب يجب إخراج الزكاة من أصل المال،

بلا خلاف ظاهر كما في الذخيرة «2»، بل إجماعا كما في المدارك «3»؛ لتعلّق الزكاة بالعين، و انتقالها إلى الفقير.

______________________________

(1) الكافي 4: 48- 9، الوسائل 9: 205 أبواب زكاة الغلّات ب 19 ح 1.

(2) الذخيرة: 444.

(3) المدارك 5: 153.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 207

و لا فرق في ذلك بين ما إذا ضاقت التركة عن الدين أو لا، إلّا إذا ضاقت و لم يكن متعلّق الزكاة موجودا في التركة، بل أتلفها الزارع في حياته و صارت في ذمّته، وجب التحاصّ بين أرباب الزكاة و الديّان؛ لصيرورتها في الذمّة، فتجري مجرى غيرها من الديون.

فعلى القول بالإشاعة في كلّ جزء يتعلّق عشر ما أتلفه بالذمّة.

و على القول بعشر جميع المال لا على التعيين كما اخترناه، لا يتعلّق بالذمة، إلّا إذا أتلف الجميع أو بقي أقل من العشر، و إلّا فيكون متعلّق الزكاة موجودا.

و لو مات الزارع المديون قبل زمان تعلّق الوجوب، فإمّا يكون الدين مستوعبا، أم لا.

فعلى الأول: فإن قلنا بعدم انتقال التركة إلى الوارث- كما هو الوجه في المسألة- قالوا: لا تجب فيه زكاة، لا على الميّت؛ لعدم وجوب عليه، بل و لا ملكيّة له، و لا على الوارث؛ لانتفاء الملكيّة، إلّا إذا أدّى الوارث الدين من غير التركة و انتقلت التركة إليه قبل

زمان تعلّق الوجوب، فتجب الزكاة عليه.

و للبحث في ما قالوه مجال واسع؛ إذ لا يلزم من عدم وجوب الزكاة على الميّت بخصوصه و لا على الوارث انتفاؤها، كما إذا كان لأحد زرع و كان الزارع غائبا لا يتمكّن من التصرّف فيه حين تعلّق الوجوب، فإنّه لا يجب عليه و لكن يتعلّق حقّ الفقراء بالمال.

و التحقيق: أنّ بعض الأخبار المثبتة للعشر و نصف العشر مطلق، مثبت للعشر للفقراء في المال، و مثبت لوجوب إخراج العشر، و لا يلزم من عدم وجوبه على شخص معيّن عدم وجوبه أصلا، بل يكون حين عدم

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 208

التعيين وجوبا كفائيّا.

و على هذا، فالظاهر تعلّق الزكاة و لو لم نقل بالانتقال إلى الوارث أيضا، فيخرجها من يتصرّف في المال، و لو لم يجب لزم عدم الوجوب لو مات بعد تعلّق الوجوب و قبل الحصاد؛ لعدم الأمر بالإخراج حينئذ للمالك، و موته حين إمكان الإخراج.

و إن قلنا بانتقالها إليه فتجب عليه الزكاة؛ للإطلاقات و العمومات و إن قلنا بأنّه ممنوع من التصرّف في التركة؛ لعدم مانعيّة مثل هذه الممنوعيّة من وجوب الزكاة كما عرفت.

و لا يتعلّق الدين بما يقابل الزكاة؛ لأنّه صار ملكا للفقراء بأدلّة وجوب الزكاة الخالية عمّا يصلح للمعارضة في المقام.

و لا غرامة على الوارث، إلّا إذا أمكن للوارث صرف الزرع إلى الديّان قبل زمان تعلّق الوجوب و فرّط فيه، فإنّه يمكن أن يقال بوجوب غرامة العشر للديّان على الوارث.

و على هذا، فلو بذل الوارث عين التركة للديّان لم يكن لهم مطالبة غرامة العشر منه بدون تفريطه، و لو بذل بدلها بالقيمة لم يكن لهم مطالبة غرامة بدل العشر، بل ليس لهم مطالبة بدل ما يقابل

النماء الحاصل بعد الموت، لأنّه للوارث على هذا القول.

و على التفريط، يطالب ما يقابل العشر حين الموت، لا حينما يقابل نماءه الحاصل في ملك الوارث.

و لا فرق في جميع ما ذكر بين ما إذا كان الموت قبل ظهور الثمرة أو بعده، كما صرّح به في البيان «1»، و في المدارك و كذا الذخيرة تبعا للمدارك

______________________________

(1) البيان: 295.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 209

التفصيل بين ظهورها و عدمها «1»، و لم أعرف وجهه.

و على الثاني [1]: فإن قلنا بعدم انتقال شي ء من التركة إلى الوارث كان كالأول على القول بعدم الانتقال.

و إن قلنا بانتقال الجميع إليه كان كالأول على القول بالانتقال.

و إن قلنا بانتقال الزائد عن الدين إليه خاصّة، فإن لم يبلغ الزائد حدّ النصاب فكالأول، و إن بلغ النصاب وجبت فيه الزكاة عليه.

المسألة الحادية عشرة [جواز الخرص في النخيل و الكروم و تضمين حصّة الفقراء]

المذكور في كلام الأصحاب- و منهم:

المحقّق في المعتبر «2» و الفاضل في المنتهى «3»، و غيرهما [2]- جواز الخرص في النخيل و الكروم و تضمينهم حصّة الفقراء، و نقل عليه في المعتبر الإجماع منّا.

و اختلفوا في جواز الخرص في الزروع، فأثبته الشيخ «4» و جماعة، و نفاه الإسكافي و المحقّق و الفاضل في المنتهى و التحرير «5».

و المراد من الخرص: تخمين المحصول و تقديره بالظنّ و التقريب، و المراد من جوازه: جواز الاكتفاء في إخراج الفريضة بعشر المقدّر أو نصف عشرة.

و استدلّوا له بوجوه ضعيفة جدّا، أقواها: أخبار بين عاميّة «6» مردودة،

______________________________

[1] معطوف على قوله: و لو مات الزارع المديون قبل ..، فعلى الأوّل ..

[2] كالشهيد في الدروس 1: 237.

______________________________

(1) المدارك 5: 154، الذخيرة: 444.

(2) المعتبر 2: 535.

(3) المنتهى 1: 500.

(4) الخلاف 2: 60.

(5) حكاه عن الإسكافي في المعتبر 2: 269،

المحقق في المعتبر 2: 537، المنتهى 1: 501، التحرير 1: 63.

(6) كما في صحيح البخاري 3: 268، و صحيح مسلم 4: 1785- 1392.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 210

و بين غير دالّة على الخرص في الزكاة، بل في الأراضي الخراجيّة في حصّة النبيّ و الإمام، و بين غير صريحة في جواز الاكتفاء في إخراج الفريضة بالقدر الذي وقع عليه الخرص.

و بالجملة: لا دليل على ذلك أصلا، و الإجماع غير ثابت؛ مع أنّ أكثر فروع الخرص إنّما تترتّب على المشهور من تعلّق الوجوب حين بدو الصلاح.

و أمّا على ما اخترناه- من تعلّقه حين صدق التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير- فلا تترتّب أكثر الفروع، و حيث إنّ جواز أصله غير ثابت- سيّما في الزروع- فلا فائدة في التعرّض لذكر فروعه.

المسألة الثانية عشرة: لا خفاء في وجوب الزكاة في حصّة المالك في المزارعة و المساقاة؛

للعمومات و الإطلاقات، و خصوص حسنة محمّد و أبي بصير و صحيحتي البزنطي، المتقدّمة في مسألة استثناء الخراج و المقاسمة «1».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 9    210     المسألة الثانية عشرة: لا خفاء في وجوب الزكاة في حصة المالك في المزارعة و المساقاة؛ ..... ص : 210

المشهور: وجوب الزكاة في حصّة العامل أيضا «2»؛ للعمومات المذكورة.

و نقل عن ابن زهرة: نفي الزكاة عن العامل في المزارعة و المساقاة «3»؛ لأنّ الحصّة التي أخذها كالأجرة من عمله.

و استدلّ له أيضا بمرسلة ابن بكير: في زكاة الأرض «إذا قبّلها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو الإمام بالنصف أو الثلث أو الربع، زكاتها عليه، و ليس على المتقبّل زكاة، إلّا أن يشترط صاحب الأرض أنّ الزكاة على المتقبّل» «4»

______________________________

(1) راجع ص: 188 و 198.

(2) كما في المختلف: 179، و البيان: 294، و

مجمع الفائدة 4: 121.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 602.

(4) التهذيب 4: 38- 97، الاستبصار 2: 26- 74، الوسائل 9: 189 أبواب زكاة الغلّات ب 7 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 211

الحديث.

و ضعف دليله الأول ظاهر، و كذا المرسلة؛ لشذوذها بمخالفتها عمل معظم الطائفة، مع أنّها واردة في ما قبّله النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الإمام، فالتعدّي إلى الغير يحتاج إلى الدليل، و الإجماع المركّب غير ثابت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 212

الفصل الرابع في ما يتعلّق بذلك المقام من الأحكام
و فيه مسائل:
المسألة الاولى: لا خلاف يعرف في الاجتزاء بالقيمة في الزكاة في النقدين أو الغلّات،
اشاره

بل عليه الإجماع في المعتبر و التذكرة «1»؛ للصحيحين:

أحدهما لعليّ: عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير و عن الدنانير دراهم، قال: «لا بأس» «2».

و الآخر للبرقيّ: يجوز- جعلت فداك- أن يخرج ما يجب في الحرث عن الحنطة و الشعير دراهم بقيمة ما يسوى، أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كلّ شي ء ما فيه؟ فأجابه عليه السّلام: «أيّما تيسّر يخرج» «3».

و لا يضرّ تعليق الحكم على ما تيسّر، إذ لو تيسّر كلّ منهما يصدق على كلّ منهما أنّه تيسّر، فيدخل في عموم الخبر.

و المرويّ في قرب الإسناد: عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة، و أشتري لهم منها ثيابا و طعاما، و أرى أنّ ذلك خير لهم، فقال: «لا بأس» «4».

و ليس المراد أنّ الزكاة تعطى أولا فتؤخذ منهم و يشترى منها الثياب

______________________________

(1) المعتبر 2: 516، التذكرة 1: 225.

(2) الكافي 3: 559- 2، الفقيه 2: 16- 51، التهذيب 4: 95- 272، الوسائل 9: 167 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 14 ح 2.

(3) الكافي 3: 559- 1، الفقيه 2: 16- 52، التهذيب 4: 95- 271، الوسائل 9:

167 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 14 ح 1.

(4)

قرب الإسناد: 49- 159، الوسائل 9: 168 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 213

و الطعام؛ إذ ذلك لا يحتاج إلى السؤال، بل يلغو قوله: و أرى أنّ ذلك خير لهم، و ضعفه منجبر بالعمل.

و تدلّ عليه أيضا روايات جواز احتساب الدين من الزكاة، كصحيحة البجلي: عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم و لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة، هل لي أن أدعه فأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال «نعم» «1».

و موثّقة سماعة: عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد أن يعطيه من الزكاة، إلى أن قال،: «فلا بأس أن يقاصّه بما أراد أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها» «2».

و لا تنافيها رواية سعيد: يشتري الرجل من الزكاة الثياب و السويق و الدقيق و البطّيخ فيقسّمه، قال: «لا يعطيهم إلّا الدراهم كما أمر اللّه تعالى» «3» ..

لعدم دلالتها على الوجوب، و التشبيه يمكن أن يكون لتعيين القدر، أي يستحبّ أن يعطى من الدراهم بقدر أمر اللّه؛ مع أنّ إعطاء الدراهم من مطلق الزكاة غير واجب ضرورة، بل و لا مستحبّ، بل لا يجب من زكاة الدراهم أيضا إجماعا.

و الحقّ: الاجتراء بها في الأنعام أيضا، وفاقا للشيخ و ابن زهرة و السيّد و الحلّي و الفاضلين و الشهيدين «4»، بل الأكثر كما صرّح به

______________________________

(1) الكافي 3: 558- 1، الوسائل 9: 295 أبواب المستحقين للزكاة ب 46 ح 2.

(2) الكافي 3: 558- 2، الوسائل 9: 296 أبواب المستحقين للزكاة ب 46 ح 3.

(3) الكافي 3: 559- 3، الوسائل 9: 168 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 14 ح 3.

(4) الشيخ في

الخلاف 2: 50، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568، السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 75، الحلّي في السرائر 1: 451؛ المحقق في الشرائع 1: 147، و المختصر النافع: 56، العلّامة في التذكرة 1: 225، و التحرير 1: 64، و المختلف: 186، الشهيد في اللمعة (الروضة 2): 28، الشهيد الثاني في الروضة 2: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 214

جماعة [1]، بل قيل: إنّ عليه الشهرة العظيمة القريبة من الإجماع «1»، بل عن صريح الأولين و ظاهر الثالث و الرابع الإجماع عليه.

لا لبعض الاعتبارات الضعيفة؛ بل لرواية قرب الإسناد المنجبرة، و الصحيحة و الموثّقة الواردتين في الدين، المتقدّمتين، الشاملتين لزكاة الأنعام؛ لترك الاستفصال.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي و المفيد، فأوجبا فيها العين «2»، و عن المعتبر: الميل إليه «3»، و قوّاه في المدارك و الحدائق «4»، و جعله في الذخيرة متّجها «5».

لتعلّق الوجوب بالفرائض، فلا يعدل إلّا بدليل، و لا دليل؛ و بعض الأخبار.

و يردّ الأول بما تقدّم من الدليل، و الثاني بعدم الدلالة.

فروع:

أ:

ظاهر الأصحاب جواز إعطاء كلّ جنس بقيمة الواجب.

و هو الأظهر؛ لقوله: «أيّما تيسّر» و لرواية قرب الإسناد، و إطلاق الصحيحة و الموثّقة الواردتين في الدين، المتقدّمة جميعا.

______________________________

[1] منهم العلّامة في التذكرة 1: 225.

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 269.

(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 186، المفيد في المقنعة: 253.

(3) المعتبر 2: 517.

(4) المدارك 5: 92، الحدائق 12: 137.

(5) الذخيرة: 447.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 215

و استوجه في الذخيرة الاقتصار على الدراهم و الدنانير «1»، و هو ظاهر صاحبي الوافي و الحدائق «2».

و استشكل في المدارك أيضا «3»؛ اقتصارا على مورد الصحيحين.

و دفعه يظهر ممّا مرّ.

ب:

هل

المعتبر من القيمة قيمة وقت الإخراج مطلقا، كما اختاره في المدارك و الذخيرة «4»؟

أو يقيّد ذلك بما إذا لم يقوّم الزكاة على نفسه و لو قوّمها على نفسه و ضمن القيمة فالواجب هو ما ضمنه، زاد السوق قبل الإخراج أو انخفض، كما ذهب إليه في التذكرة «5»؟

دليل الأول: أنّ وقت الإخراج هو وقت الانتقال إلى القيمة.

و دليل الثاني: أنّه متى كان التقويم جائزا و الضمان صحيحا فإنّ المستقرّ في ذمّته هو القيمة.

أقول: التحقيق: أنّ الانتقال إلى القيمة خلاف الأصل، فيجب الاقتصار فيه على القدر الثابت، و لم يثبت من النصوص المتقدّمة إلّا جوازه حين الإخراج، و أمّا جواز الانتقال و لو بالذمّة مطلقا فلم يثبت، فإذن الأظهر الأول.

و لكن الإخراج أعمّ من أن يسلّمه إلى الفقير أو يفرزه عن ماله حتى يعطيه بعد ذلك، فلا يضرّ تفاوت القيمة إن أخرجه و إن كان مودعا عنده.

______________________________

(1) الذخيرة: 447.

(2) الوافي 10: 152، الحدائق 12: 139.

(3) المدارك 5: 92.

(4) المدارك 5: 92، الذخيرة: 447.

(5) التذكرة 1: 225.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 216

ج:

قال في البيان: لو أخرج في الزكاة منفعة من العين- كسكنى الدار- فالأقرب الصحة، و تسليمها بتسليم العين .. و يحتمل المنع؛ لأنّها تحصل تدريجا «1».

قال في الذخيرة- بعد نقل ذلك-: و لا يبعد ترجيح هذا القول؛ لفقد الدليل الصالح للدلالة على الصحّة «2». انتهى.

و ما ذكره جيّد. و الأولى إذا أراد ذلك أن يوجر العين و يحتسب مال الإجارة من الزكاة، و اللّه العالم.

د:

لا ريب أنّ إخراج الجنس مطلقا أفضل، كما صرّح به الحلّي و المحقّق «3» و غيرهما [1]؛ لفتواهم.

و قد يستدلّ أيضا برواية سعيد المتقدّمة «4»، بحمل الزكاة المسؤول عنها على زكاة

الدراهم، و حمل الأمر على الاستحباب. و لا بأس به.

و يتأكّد الإخراج من الجنس في النعم خروجا عن شبهة الخلاف فيها، بل هو فيها الأحوط.

المسألة الثانية: المشهور تعلّق الزكاة بالعين مطلقا «5»،
اشاره

و صريح المنتهى و ظاهر التذكرة الإجماع عليه «6».

لا بمعنى تعلّقها بمثل جنس النصاب و لو من غير النصاب كما توهّم؛ لأنّه راجع إلى التعلّق بالذمّة.

______________________________

[1] كالعلّامة في القواعد 1: 54.

______________________________

(1) البيان: 303.

(2) الذخيرة: 447.

(3) الحلّي في السرائر 1: 451، المحقق في المختصر النافع: 56.

(4) في ص: 213.

(5) كما في الحدائق 12: 141.

(6) المنتهى 1: 505، التذكرة 1: 224.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 217

بل بمعنى التعلّق ببعض آحاد خصوص النصاب.

و حكي عن شاذّ من أصحابنا تعلّقها بالذمّة، و احتمل في البيان تعلّق ما في النصب الخمسة للإبل بالذمّة «1».

و الأظهر أنّها تتعلّق بالذمّة فيما ليست الفريضة جزء من النصاب، كالشاة من الإبل، و بنت المخاض من بنات اللبون، و التبيع من المسنّات، و نحو ذلك؛ و بالعين فيما كانت الفريضة جزء من النصاب.

أمّا الأول، فلوجوب أداء الفريضة على المالك، و ليست في النصاب حتى تتعلّق به، و لا يتعلّق بغيره من أمواله، كما إذا كانت لصاحب الإبل شاة أيضا أو لصاحب بنات اللبون بنت مخاض معلوفة، إجماعا، فبقي تعلّقها بالذمّة.

و أمّا الثاني، فلحسنة العجلي، و فيها فيما قال أمير المؤمنين عليه السّلام لمصدّقه: «فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلّا بإذنه، فإنّ أكثره له» إلى أن قال:

«فاصدع المال صدعين ثمَّ خيّره أيّ الصدعين شاء، فأيّهما أختار فلا تعرض له، ثمَّ اصدع الباقي صدعين» الى أن قال: «فلا تزال كذلك حتى ما يبقى ما فيه وفاء لحقّ اللّه في ماله، فإذا بقي ذلك فاقبض حقّ اللّه منه» الحديث «2».

و لو

لا تعلّقها بالعين و اشتراك الفقراء فيها لما ساغ ذلك، بل في قوله أوّلا: «فإنّ أكثره له» دلالة واضحة على أنّ تمامه ليس له بل له شريك آخر.

و صحيحة البصري: رجل لم يزكّ إبله أو شاته عامين فباعها، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال: «نعم، تؤخذ زكاتها و يتبع بها البائع، أو يؤدّي زكاتها البائع» «3».

______________________________

(1) البيان: 303.

(2) الكافي 3: 536- 1، التهذيب 4: 96- 274، الوسائل 9: 130 أبواب زكاة الأنعام ب 14 ح 1.

(3) الكافي 3: 531- 5، الوسائل 9: 127 أبواب زكاة الأنعام ب 12 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 218

و لو لا التعلّق بالعين لما ساغ الأخذ من المشتري أصلا.

و الإيراد- بأنّ التخيير المستفاد من قوله: «أو يؤدّي زكاتها البائع» ينافي التعلّق بالعين- مردود بعدم المنافاة بعد ثبوت جواز أدائه الفريضة من غير النصاب أو قيمتها، فإنّ جواز ذلك أوجب عدم تعيّن الأخذ من المشتري، و محلّ الاستدلال جواز الأخذ منه، و هو باق بحاله.

و رواية أبي المغراء: «إنّ اللّه تبارك و تعالى شرّك بين الفقراء و الأغنياء في الأموال، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم» «1».

و لو كانت متعلّقة بالذمّة لما تحقّقت الشركة؛ إذ لم تتعلّق بغير النصاب إجماعا.

قيل: يمكن أن يقال: إنّها و إن تعلّقت بالذمّة، لكن يجب إخراجها من الأموال التي تدخل تحت ملكه، فتحصل الشركة بهذا الاعتبار «2».

قلنا: إذا تعلّقت بالذمّة ففي كلّ آن يجوز له أن يخرجها عمّا ليس بعد تحت يده بتحصيله من اتّهاب أو نحوه، فأين الشركة؟! و منه يظهر جواز الاستدلال بقوله عليه السّلام: «إنّ اللّه فرض في أموال الأغنياء للفقراء» كصحيحة ابن سنان «3»، أو قوله:

«جعل للفقراء في أموال الأغنياء» كحسنة ابن مسكان «4».

و تؤيّده أيضا، بل تدلّ عليه الأخبار الغير المحصورة، المتضمّنة للفظ إخراج الزكاة من المال، فإنّ الإخراج من شي ء يكون مع دخوله فيه، كما

______________________________

(1) الكافي 3: 545- 3، الوسائل 9: 215 أبواب المستحقين للزكاة ب 2 ح 4.

(2) كما في الذخيرة: 446.

(3) الكافي 3: 498- 7، الفقيه 2: 2- 1، الوسائل 9: 10 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 1 ح 3.

(4) الكافي 3: 497- 4، الوسائل 9: 13 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 1 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 219

في صحيحة أبي بصير: «إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله» «1»، و غيرها «2».

و تدلّ عليه أيضا صحيحة ابن سنان: «باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضا له بكذا و كذا ألف دينار و اشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين؛ و إنّما فعل ذلك لأنّ هشاما كان هو الوالي» «3».

فإنّ شرطه عليه السّلام لأنّ الولاة يومئذ لا يزكّون أموالهم، فأراد عليه السّلام أن يحلّ له عن أرضه مجملا، فاشترط على هشام زكاته ليحلّ.

و قد يستدلّ أيضا بقوله: «في أربعين شاة شاة. و في ثلاثين من البقر تبيع».

و بأنّها مطهّرة للمال، فكانت في عينه.

و بأنّها لو وجبت في الذمّة لتكرّرت الفريضة في النصاب الواحد بتكرّر الحول، و لم تقدّم على الدين مع بقاء عين النصاب إذا قصرت التركة، و لم تسقط بتلف النصاب من غير تفريط، و لم يجز للساعي تتبّع العين لو باعها المالك، و التوالي باطلة بأسرها اتّفاقا.

و في الكلّ نظر:

أمّا في الأول، فلأنّ لفظة «في» هنا غير ظاهرة في الظرفيّة، بل

استعمالها في السببيّة شائع، كما في قوله عليه السّلام: «في قتل الخطأ مائة من الإبل»، «و في العينين الدية»، «و في الوطء في الحيض كفّارة»، بل في قوله «في خمس من الإبل شاة».

و يمكن أن يقال: إنّ حقيقتها الظرفيّة و استعمالها في بعض المواضع في معنى آخر لا يقتضي حملها عليه في سائر المواضع، و الاحتياج إلى

______________________________

(1) الكافي 3: 553- 2، الوسائل 9: 286 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 3.

(2) الوسائل 9: 285 أبواب المستحقين للزكاة ب 39.

(3) الكافي 3: 524- 2، الوسائل 9: 173 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 220

التقدير مشترك.

فإنّ المراد على الظرفيّة: أنّ في أربعين شاة شاة واجبة الإخراج، أو شاة من مال الفقراء.

و على السببيّة: أنّ بسببها شاة كذلك، فتبقى أصالة الحقيقة خالية عن المعارض.

مع أنّ في بعضها لا تحتاج الظرفيّة إلى تقدير، بخلاف السببيّة، مثل:

الأخبار المتضمّنة لمثل قوله: «الزكاة في تسعة أشياء» أو: «على تسعة أشياء» «و في المال الفلاني الزكاة»، بل هي في نفسها ظاهرة في كون الزكاة متعلّقة بالعين.

و أظهر منها مثل ما في صحيحة زرارة: «كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة» «1».

و أمّا في الثاني، فلجواز أن يكون الإخراج من غير المال أيضا مطهّرا للمال.

و أمّا في البواقي، فلمنع بطلان التوالي، و إنّما هي مبنيّة على القول بالتعلّق بالعين، و لولاه لم يسلّم البطلان.

و حكى في البيان عن ابن حمزة أنّه نقل عن بعض الأصحاب وجوبها في الذمّة؛ إذ لو وجبت في العين لجاز إلزام المالك بالأداء منها، و لمنع من التصرّف حتى يخرج الفرض «2».

و يضعّف بأنّه كان كذلك لو لا الدليل من

الخارج لجواز الإخراج من مال آخر، و جواز التصرّف في النصاب مع ضمان الزكاة.

______________________________

(1) الكافي 3: 510- 2، الوسائل 9: 63 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 9 ح 5.

(2) البيان: 303.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 221

فروع:

أ:

ظاهر هذه الأدلّة أنّ تعلّقها بالعين إنّما هو على سبيل الاستحقاق و ليس مجرّد الاستيثاق [1]، و هو ظاهر.

ب:

هل يكون استحقاق الفقير و شركته على سبيل الإشاعة حتى يشترك في كلّ شاة مثلا بقدر الحصّة؛ أو يملك الفقراء واحدا منها لا على التعيين؟

لا دليل على الأول، و ظاهر جميع الأخبار: الثاني، بمعنى: أنّ واحدا غير معيّن من الأربعين مثلا يصير ملكا للفقير، فتحصل البراءة بإعطاء أيّ واحد منها.

و توهّم أنّ الملك لا يخلو عن التعيين أو الإشاعة باطل؛ إذ لا أرى فسادا في أن يقول الشارع: واحد غير معيّن من هذه العشرة ملك لزيد، كما إذا قال: يجب عليك إعطاء شاة من هذه الأربعين أو نذر شاة من هذه الشياه المعيّنة، فكما يتعلّق الوجوب و النذر بواحد لا على التعيين فكذلك الملكيّة، بل مرجع الملكيّة هنا أيضا على وجوب الإخراج.

ج:

يجوز للمالك إخراج ما شاء من النصاب بعد ما كان جامعا لوصف الفريضة من غير حاجة إلى حضور المصدّق و لا الفقير، و من غير احتياج إلى قرعة، و ليس للمصدّق و لا الفقير مزاحمته و مشاحّته.

أمّا جواز إخراجه بنفسه مستقلّا، فبالأخبار الغير العديدة الواردة في جواز إعطاء الزكاة إلى الفقير من غير إظهار أنّه زكاته، و في إخراج الزكاة.

______________________________

[1] قال في البيان: 303: في كيفية تعلّقها بالعين وجهان، أحدهما: أنه على طريق الاستحقاق فالفقير شريك، و ثانيهما: أنه استيثاق، فيحتمل أنّه كالرهن،

و يحتمل أنه كتعلق أرش الجناية بالعبد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 222

منها صحيحة أبي بصير: «إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمَّ سمّاها لقوم فضاعت، أو أرسل بها إليهم فضاعت، فلا شي ء عليه» «1».

و صحيحة زرارة: «إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد فقد برئ منها» «2»، إلى غير ذلك «3».

و أمّا عدم الاحتياج إلى قرعة أو تسوية، فللأصل، و صدق إخراج الشاة مثلا.

و أمّا عدم جواز مزاحمة الفقير و المصدّق فلذلك أيضا.

و أمّا ما في حسنة العجلي- المتضمّنة لما علّمه أمير المؤمنين عليه السّلام لمصدّقه و أمره بصدع المال صدعين إلى أن ينتهي إلى قدر الفريضة «4»- فهو ليس بواجب إجماعا.

و ذهب جماعة- منهم الشيخ- إلى استعمال القرعة عند التشاحّ «5»، بل قد ينقل قول بها من غير تقييد بالتشاحّ أيضا «6». و لا دليل لهما.

د:

قالوا: الفريضة و إن تعلّقت بالعين، إلّا أنّه يجوز إخراجها من غير عين النصاب و إن اشتمل عليها «7»، بالإجماع على ما نقله جماعة [1]؛ و تدلّ عليه صحيحة البصري المتقدّمة «8».

______________________________

[1] كالمحقّق في المعتبر 2: 516، العلّامة في التذكرة 1: 224، الكاشاني في المفاتيح 1: 202.

______________________________

(1) تقدّمت في ص: 219.

(2) الكافي 3: 553- 3، الوسائل 9: 286 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 4.

(3) الوسائل 9: 285 أبواب المستحقين للزكاة ب 39.

(4) راجع ص: 217.

(5) المبسوط 1: 195.

(6) انظر: التذكرة 1: 215.

(7) انظر: المعتبر 2: 522، التذكرة 1: 224، المسالك 1: 54.

(8) في ص: 217.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 223

و قد تنسب المخالفة إلى شاذّ «1».

أقول: المخالفة إن كانت في الإخراج من غير النصاب مطلقا و لو بالقيمة فهي ضعيفة؛ للصحيحة «2»،

و سائر روايات القيمة الآتية.

و إن كانت في إخراج جنس النصاب عن غيره بدون اعتبار القيمة فهي قويّة؛ إذ لا دليل على كفاية مطلق الجنس و لو من غير النصاب، فإنّ الإطلاقات «3» كلّها ممّا يستدلّ بها على التعلّق بالعين، كقولهم: «في أربعين شاة شاة» و نحوه، و لا يثبت منه أزيد من كفاية المطلق ممّا في العين.

و أمّا المطلق من غيره فلا دليل عليه، و لو فرض وجود إطلاق فيجب حمله على المقيّد ممّا يدلّ على التعلّق بالعين.

فالحقّ: جواز الإخراج من غير النصاب، و لكن مع اعتبار القيمة.

ه:

يجوز إعطاء القيمة أيضا كما مرّ.

و:

لو باع المالك جميع المال الذي تعلّقت به الزكاة نفذ في الزائد عن الفريضة قولا واحدا، و كذا في قدر الفرض إن أخرجه من غيره أو بقيمته أو ضمن القيمة إن قلنا بجوازه.

و يبطل البيع في مساوي الفريضة إن لم يخرجه من غيره أو بقيمته؛ لما مرّ من شركة الفقراء. و يتخيّر المشتري من باب تبعّض الصفقة.

و لا يقع فضوليّا يصحّ بالإجازة و لو قلنا بصحّة البيع الفضولي؛ لعدم ثبوتها فيما لم يتعيّن المالك المخيّر أيضا.

و لو أخرج الزكاة بعد البيع لم يصحّ البيع في الجميع، كما ذكره

______________________________

(1) انظر: التذكرة 1: 224.

(2) المتقدّمة في ص: 218- 219.

(3) الوسائل 9: 116 أبواب زكاة الأنعام ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 224

المحقّق «1»؛ لأنّ الفريضة حينئذ ملك مستأنف.

و عن الشيخ قول بصحّة البيع في الجميع حينئذ «2»، و لا وجه له.

و للفاضل في التذكرة قول بصحّة البيع مطلقا و لو لم يخرج بعده أيضا «3»، و قول آخر في موضع آخر منه بالصحّة عند الضمان أو الشرط على المشتري، و احتمل الصحّة

و البطلان عند عدمهما. و الأصحّ ما ذكرناه.

ز: و إذ عرفت أنّ شركة الفقراء ليست على وجه الإشاعة حتى يشتركوا في كلّ جزء، و أنّ لهم قدر الفريضة من النصاب لا على التعيين، فيجوز للمالك التصرّف في القدر الزائد على الفريضة كيف شاء، و يجوز القبول منه و الأكل من ماله و إن علم أنّه لا يزكّي، ما لم يزد ذلك على جميع النصاب.

و كذا لا يسقط عن الفريضة شي ء بتلف بعض النصاب ما دام قدر الفريضة باقيا، كما يأتي بيانه في مسألة على حدة، و اللّه العالم.

المسألة الثالثة [إن لم يوجد المستحقّ يجوز للمالك عزلها و إفرازها من ماله ]
اشاره

إذا اجتمعت شرائط وجوب الزكاة، فإن لم يوجد المستحقّ يجوز للمالك عزلها و إفرازها من ماله و تعيينها في مال خاصّ و يصحّ عزله، بلا خلاف يعلم، كما في الذخيرة «4»، و نسبه في الحدائق إلى الأصحاب «5»، و نفى عنه الريب في المدارك «6»، بل فيه و في غيره من كتب الأصحاب: أفضليّته «7».

______________________________

(1) المعتبر 2: 563.

(2) المبسوط 1: 207.

(3) التذكرة 1: 226.

(4) الذخيرة: 467.

(5) الحدائق 12: 242.

(6) المدارك 5: 274.

(7) كما في المنتهى 1: 529.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 225

لا لوجوه اعتباريّة ذكروها؛ لإشكال الاستناد إليها في إثبات ما هو العمدة و المقصود من العزل، من صيرورة المعزول ملكا للمستحقّين قهرا حتّى لا يشاركهم المالك عند التلف أصلا.

بل للمستفيضة من الأخبار، كالصحاح الثلاث لمحمّد و زرارة و أبي بصير، و حسنتي عبيد و بكير، و موثّقة وهب، الآتية جميعا في المسألة الآتية.

و موثّقة يونس بن يعقوب: زكاة تحلّ عليّ شهرا فيصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدّة؟ قال: «إذا حال الحول فأخرجها من مالك، و لا

تخلطها بشي ء، و أعطها كيف شئت» قال: قلت: [فإن ] [1] أنا كتبتها و أثبتّها يستقيم لي؟ قال: «نعم، لا يضرّك» «1».

و صحيحة ابن سنان: في الرجل يخرج زكاته فيقسّم بعضها و يبقى بعض يلتمس لها المواضع، فيكون بين أوله و آخره ثلاثة أشهر، قال: «لا بأس» «2».

و رواية أبي حمزة: عن الزكاة تجب عليّ في موضع لا يمكنني أن أؤدّيها، قال: «اعزلها، فإن اتّجرت بها فأنت ضامن لها، و لها الربح، و إن نويت في حال عزلها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك، و إن لم تعزلها و اتّجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح، و لا وضيعة عليها» «3».

______________________________

[1] لا توجد في النسخ، أثبتناها من المصدر.

______________________________

(1) الكافي 3: 522- 3، التهذيب 4: 45- 119، الوسائل 9: 307 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 2.

(2) الكافي 3: 523 الزكاة- 7، التهذيب 4: 45- 118، الوسائل 9: 308 أبواب المستحقين للزكاة ب 53 ح 1.

(3) الكافي 4: 60- 2، الوسائل 9: 307 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 226

و يدلّ إطلاق غير الأخيرة- بل ظاهر صدر الموثّقة الثانية- على جواز العزل و صحّته مع وجود المستحقّ أيضا كما هو الأظهر، وفاقا للفاضلين و الدروس؛ لما ذكر «1».

و خلافا للمحكيّ عن الشهيد الثاني، فمنعه حينئذ «2»؛ لأنّ الزكاة كالدين، و هو لا يتعيّن بدون قبض مالكه أو من في حكمه.

و هو اجتهاد في مقابلة النصّ.

و دعوى تبادر صورة فقد المستحقّ من النصوص ممنوعة، بل خلافها من بعضها ظاهر، كما مرّ.

فروع:

أ:

إذا جاز العزل، فإذا عزل يكون المعزول أمانة في يده، و حكم ضمانه مع التلف بتفريط

أو بدونه يأتي في المسألة الآتية.

ب:

هل يجوز للمالك إبدالها بغيرها بعد العزل، أم لا؟

المحكيّ عن الشهيد: الثاني «3».

و ظاهر بعض المتأخّرين: الأول [1]. و هو الأظهر.

لا لقوله في حسنة بريد بن معاوية الواردة في آداب الساعي: «اصدع المال صدعين» إلى أن قال: «حتى يبقى وفاء لحقّ اللّه في ماله فاقبض حقّ اللّه منه و إن استقالك فأقله» «4» كما استدلّ به للتبديل.

______________________________

[1] كصاحب المدارك 5: 275.

______________________________

(1) المحقق في المعتبر 2: 588، العلّامة في التحرير 1: 66، الشهيد في الدروس 1: 247.

(2) المسالك 1: 62، الروضة 2: 40.

(3) حكاه عنه في المسالك 1: 62.

(4) راجع ص: 217.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 227

لمنع دلالته عليه بوجه؛ أمّا أولا: فلأنّ الاستقالة من الساعي غير التبديل بنفسه، فإنّ الساعي بمنزلة الفقير، و الاستقالة طلب منه.

و أمّا ثانيا: فلأنّه ليس صريحا في أنّ الاستقالة بعد القبض، بل هي بعد الصدع، فلعلّ المراد: استقالة كيفيّة التقسيم.

بل لإطلاق بعض أخبار جواز دفع القيمة المذكورة في مسألة جواز دفعها.

و لاستصحاب جواز دفع القيمة، و لا يتصوّر بغير الموضوع؛ حيث إنّه ابتداء كان دفع قيمة جزء مشاع، و حينئذ يكون دفع قيمة جزء معيّن، فإنّ المستصحب جواز دفع قيمة ما يجب إعطاؤه، و لا نسلّم تعيين وجوب دفع المعيّن و إن أخرجه، إلّا مع ثبوت عدم جواز دفع القيمة.

ج:

إذا تحقّق العزل يكون النماء المتّصل تابعا للمعزول، فيكون للفقراء؛ لتبعيّته للأصل، و كذا المنفصل على الأظهر، وفاقا لجماعة من متأخّري المتأخّرين [1]؛ للرواية الأخيرة.

و خلافا للمحكيّ عن الدروس، فجعله للمالك «1». و لم أعرف له مستندا.

المسألة الرابعة: لو تلف المال الذي فيه الزكاة،
اشاره

فلا يخلو إمّا يتلف جميع المال أو بعضه، فإن تلف الجميع فإمّا يكون مع عدم التمكّن من

أداء الزكاة و من غير تفريط، أو مع التمكّن و التفريط، أو مع التمكّن بدون التفريط، أو بالعكس.

فعلى الأول: لا ضمان عليه و لا زكاة بالإجماع؛ له، و للأصل، و لما عرفت من تعلّق الزكاة بالعين، فيكون المال في يده بمنزلة [الأمانة] [2]، فلا

______________________________

[1] كصاحب المدارك 5: 275، و صاحب الحدائق 12: 242.

[2] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) الدروس 1: 247.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 228

يضمن إلّا بتعدّ أو تفريط.

و على الثاني: يضمن بالإجماع؛ له، و لإطلاق مفهوم صحيحة أبي بصير و حسنة عبيد الآتيتين، بل فحوى ما يأتي ممّا يدلّ على الضمان مع التمكّن من الأداء بعد الإخراج.

و كذا على الثالث و الرابع؛ لإطلاق المفهومين، الشامل لصورة عدم التمكّن و التفريط أيضا، خرجت منه هذه بالإجماع، فيبقى الباقي.

و إن تلف بعض المال، فإمّا يكون بعد إفراز الزكاة و إخراجها منه قبل تسليمها إلى الفقير، أو قبله.

فعلى الأول: فإمّا يكون التالف هو البعض الذي أفرزه لنفسه، فلا ينقص من الزكاة شي ء؛ لأنّه كان مختارا في التقسيم و قسّم و تلفت قسمة نفسه.

أو يكون هو البعض الذي أفرزه للزكاة، و فيه الأقسام الأربعة المتقدّمة.

فعلى أولها: لا يضمن إجماعا و برئت ذمّته؛ له، و للأصل، و لصحيحة محمّد: رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسّم؟ قال: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان؛ لأنّها قد خرجت من يده» «1».

و صحيحة زرارة: عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت، فقال: «ليس على الرسول و لا على المؤدّي ضمان»، قلت: فإن

لم يجد أهلا ففسدت و تغيّرت، أ يضمنها؟ قال: «لا، و لكن إن عرف لها أهلا

______________________________

(1) الكافي 3: 553- 1، الفقيه 2: 15- 46، التهذيب 4: 47- 125، الوسائل 9:

285 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 229

فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها» «1».

و على الثاني و الثالث: يضمن، كما هو المعروف من مذهب الأصحاب، بل في التذكرة: أنّه قول علمائنا أجمع «2»؛ لصحيحتي محمّد و زرارة.

و لا يضرّ إطلاق بعض الأخبار بعدم الضمان، كصحيحة أبي بصير:

«إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمَّ سمّاها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي ء عليه» «3».

و حسنة عبيد: «إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد فقد برئ منها» «4».

و حسنة بكير: عن الرجل يبعث بزكاته فتسرق أو تضيع، قال: «ليس عليه شي ء» «5».

و موثّقة وهب و فيها: الرجل يبعث بزكاته من أرض إلى أرض فيقطع عليه الطريق، فقال: «قد أجزأت عنه» «6».

لأنّ هذه مطلقة و الصحيحتان مقيّدتان، و المطلق يحمل على المقيّد.

و لا فرق في الضمان مع إمكان الأداء بين أن يكون التأخير لأجل توقّع درك فضيلة أم لا.

______________________________

(1) الكافي 3: 553- 4، التهذيب 4: 48- 126، الوسائل 9: 286 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 2.

(2) التذكرة 1: 225.

(3) الكافي 3: 553- 2، التهذيب 4: 47- 123، الوسائل 9: 286 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 3.

(4) الكافي 3: 553- 3، الوسائل 9: 286 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 4.

(5) الكافي 3: 554- 5، التهذيب 4: 47- 124، الوسائل 9: 287 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 5.

(6) الكافي 3: 554- 9، الوسائل 9:

287 أبواب المستحقين للزكاة ب 36 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 230

و على الرابع: لا يضمن؛ لإطلاق جميع تلك الروايات.

و المراد بالتفريط- الذي لا يضمن معه إذا لم يتمكّن من الأداء-: أن يقصّر في حفظها من غير أن يكون سببا لتلفها، و أمّا لو أتلفها بنفسه بالمباشرة أو التسبيب فيضمنها إجماعا.

و إن كان تلف بعض المال قبل إفراز الزكاة، فالحقّ- وفاقا للمحكيّ عن الشهيد الثاني- الضمان مطلقا، بمعنى: وجوب إخراجه الزكاة عن الباقي؛ للاستصحاب، و لمفهوم الصحيحة و الحسنة [1].

و لا ينافيه تعلّق الزكاة بالعين؛ إذ قد عرفت أنّ تعلّقها بها ليس على سبيل الإشاعة، بل تعلّق بالواحد لا بعينه، فتجب الزكاة ما دام قدر الفريضة باقيا.

نعم، لو نقص عن قدر الفريضة أيضا فحكم ما نقص منها حكم ما تلف [2] في ضمن جميع المال كما سبق، و اللّه العالم.

فرع:

إنّما يتحقّق تلف الزكاة في صورة تلف البعض بإفراز الزكاة بالنيّة، و هو متفرّع على جواز ذلك الإفراز مطلقا أو في الجملة، و سيأتي بيانه في أواخر الكتاب.

المسألة الخامسة: لو قال ربّ المال: لا زكاة في مالي، يجب القبول،

و لا يجوز مزاحمته للحاكم و لا للمصدّق و لا للفقير، بلا خلاف أعرفه، كما صرّح به غير واحد أيضا «1».

لحسنة العجلي، المتضمّنة لما أمره أمير المؤمنين عليه السّلام لمصدّقه،

______________________________

[1] انظر: الروضة 2: 40، و المقصود بالصحيحة صحيحة أبي بصير، و الحسنة حسنة عبيد.

[2] في جميع النسخ: تلف ما.

______________________________

(1) انظر: الرياض 1: 286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 231

و فيها: «قل لهم: يا عباد اللّه أرسلني إليكم وليّ اللّه لآخذ منكم حقّ اللّه في أموالكم، فهل للّه في أموالكم من حقّ فتؤدّوه إلى وليّه، فإن قال لك قائل:

لا، فلا تراجعه» «1».

و رواية غياث بن إبراهيم: «كان عليّ عليه السّلام إذا بعث مصدّقه قال: إذا أتيت على ربّ المال فقل له: تصدّق- رحمك اللّه- ممّا أعطاك اللّه، فإن ولّى عنك فلا تراجعه» «2».

و إطلاق الروايتين- سيّما الأخيرة- يشمل ما إذا ادّعى ربّ المال عدم تحقّق الشرائط، من النصاب أو الحول أو السوم في صورة عدم العلم بتحقّقها؛ أو ادّعى الأداء و براءة الذمّة في صورة العلم به أو اعترافه به .. و لا يكلف حينئذ بيّنة و لا يمينا؛ أو ادّعى أنّه لا زكاة عندي، مع عدم العلم بوجوبها عليه أولا أو العلم.

مضافا- في صورة ادّعاء عدم تحقّق الشرائط، أو عدم العلم بالوجوب- إلى الأصل، و في الجميع إلى أنّ الزكاة ليست حقّا لشخص معيّن أو أشخاص معيّنين حتى يجوز له المزاحمة و الدعوى .. فالمزاحمة لو جازت لكانت من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،

و شرطهما:

العلم بكونه معروفا أو منكرا، و في صورة ادّعاء البراءة أنّها لا تعلم غالبا إلّا من قبله، و جاز احتسابه من دين و غيره ممّا يتعذّر الإشهاد عليه، بل لا يزاحم مع الظنّ بعدم الأداء.

نعم، لو علم تعلّق الزكاة على ماله و عدم إخراجه إيّاه، كان لمن من شأنه ذلك أن يكلّفه الأداء أو يأخذ منه.

و هل تقوم شهادة الشاهدين على تحقّق الشرائط أو عدم الأداء، على

______________________________

(1) تقدّمت في ص: 217.

(2) الكافي 3: 538- 4، الوسائل 9: 132 أبواب زكاة الأنعام ب 14 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 232

نحو يقبل بأن يرجع إلى الإثبات بحصر المالك الإخراج في صورة تمكّن الشهادة على نفيها مقام العلم، أم لا؟

صرّح في الشرائع بالأول «1»، و لا يحضرني دليله، و الأصل يثبت الثاني.

و لا تسمع الشهادة على عدم الأداء مطلقا قطعا؛ لكونها شهادة على النفي.

______________________________

(1) الشرائع 1: 164.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 233

الباب الثالث في ما تستحبّ فيه الزكاة
اشاره

و في أشياء:

منها: كلّ ما يكال أو يوزن ممّا أنبتته الأرض، عدا الغلّات الأربع
اشاره

الواجبة زكاتها، و عدا الخضر و الفواكه و الباذنجان و الخيار و نحوها، فإنّها لا تستحبّ فيها، فهذه أحكام أربعة:

أحدها:

الوجوب في الغلّات الأربع، و قد مرّ.

و ثانيها:

الرجحان في غيرها أيضا ممّا ذكر، و هو إجماعيّ كما صرّح به جماعة [1]؛ فهو الدليل عليه.

مضافا إلى المستفيضة، كصحيحة ابن مهزيار: قرأت في كتاب عبد اللّه ابن محمد إلى أبي الحسن عليه السّلام، إلى أن قال: فوقّع عليه السّلام: «كذلك هو، و الزكاة في كلّ ما كيل بالصاع» و فيها أيضا: «صدّقوا، الزكاة في كلّ شي ء كيل» «1».

و صحيحة محمّد بن إسماعيل، و فيها: «أمّا الرطبة فليس عليك فيها شي ء، و أمّا الأرز فما سقت السماء العشر و ما سقي بالدلو فنصف العشر في كلّ ما كلت بالصاع» «2».

و حسنة محمّد: «البرّ و الشعير و الذرة و الدخن و الأرز و السلت

______________________________

[1] كابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 569، و صاحب المدارك 5: 48، و صاحب الحدائق 12: 153، و صاحب الرياض 1: 264.

______________________________

(1) الكافي 3: 510- 3، التهذيب 4: 5- 11، الاستبصار 2: 5- 11، الوسائل 9: 55 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 8 ح 6 و ص 61 ب 9 ح 1.

(2) الكافي 3: 511- 5، الوسائل 9: 61 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 9 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 234

و العدس و السمسم، كلّ هذا ممّا يزكّى، و أشباهه» «1».

و نحوها رواية أبي مريم، إلّا أنّه نقص فيها الدخن و السمسم و أشباهه، و زاد فيها: و قال: «كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة» «2».

و صحيحة زرارة:

«كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة»، قال:

«و جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الصدقة في كلّ شي ء أنبتته الأرض إلّا الخضر و البقول و كلّ شي ء يفسد من يومه» «3».

و حسنة زرارة الموثّقة: «الذرة و العدس و السلت و الحبوب فيها مثل ما في الحنطة و الشعير، و كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي تجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة» «4».

و ثالثها:

انتفاء الوجوب في غير الأربع، و هو المشهور بين أصحابنا، بل عليه نقل الإجماع مستفيضا، كما مرّ في صدر الباب الثاني.

و تدلّ عليه جميع العمومات النافية للزكاة عمّا سوى التسعة المتقدّمة في الصدر المذكور.

و خصوص رواية الطيّار، و فيها- بعد قوله عليه السّلام: «عفا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عمّا سوى ذلك»-: فقلت: أصلحك اللّه، فإنّ عندنا حبّا كثيرا، قال: فقال:

______________________________

(1) الكافي 3: 510- 1، التهذيب 4: 65- 175، الاستبصار 2: 3- 7، الوسائل 9: 62 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 9 ح 4.

(2) الكافي 3: 511- 6، التهذيب 4: 4- 8، الاستبصار 2: 4- 8، الوسائل 9: 62 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما يستحب فيه ب 9 ح 3.

(3) الكافي 3: 510- 2، الوسائل 9: 63 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 9 ح 6.

(4) التهذيب 4: 65- 177، الوسائل 9: 64 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 9 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 235

«و ما هو؟» فقلت: الأرز، قال: «نعم، ما أكثره»، فقلت: أ فيه الزكاة؟ قال:

فزبرني، قال: ثمَّ قال: «أقول لك: إنّ

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عفا عمّا سوى ذلك و تقول لي: إنّ عندنا حبّا كثيرا، أ فيه الزكاة؟!» «1».

و صحيحة زرارة و بكير: «ليس في شي ء أنبتت الأرض من الأرز و الذرة و الحمص و العدس و سائر الحبوب و الفواكه غير هذه الأربعة الأصناف و إن كثر ثمنه» الحديث «2».

و صحيحتهما الأخرى المتقدّمة في زكاة الغلّات، و فيها: «و أمّا ما أنبتت الأرض من شي ء من الأشياء فليس فيه زكاة، إلّا في الأربعة أشياء: البرّ و الشعير و التمر و الزبيب» «3».

و صحيحة زرارة، و فيها- بعد ذكر الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب-:

«و ليس في ما أنبتت الأرض شي ء إلّا في هذه الأربعة أشياء» «4».

و مرسلة القمّاط المرويّة في معاني الأخبار: عن الزكاة، فقال: «وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الزكاة على تسعة و عفا عمّا سوى ذلك» إلى أن قال: فقال السائل: فالذرة؟ فغضب عليه السّلام، ثمَّ قال: «و اللّه كان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دائما السماسم و الذرة و الدخن و جميع ذلك»، فقال: إنّهم يقولون: إنّه لم يكن ذلك على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إنّما وضع على تسعة لمّا لم يكن بحضرته غير ذلك، فغضب و قال: «كذبوا، فهل يكون العفو إلّا عن شي ء

______________________________

(1) التهذيب 4: 4- 9، الاستبصار 2: 4- 9، الوسائل 9: 58 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 8 ح 12. و الزبر: الزجر و المنع- الصحاح 2: 667.

(2) التهذيب 4: 6- 12، الاستبصار 2: 6- 12، الوسائل 9:

63 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 9 ح 9.

(3) التهذيب 4: 19- 50، الوسائل 9: 177 أبواب زكاة الغلّات ب 1 ح 8.

(4) التهذيب 4: 13- 34، الاستبصار 2: 14- 40، الوسائل 9: 63 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 9 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 236

قد كان؟! و لا و اللّه ما أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا، فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر» «1».

و رابعها:

انتفاء الاستحباب في الخضر و الثمار و الفواكه و مثل الباذنجان، و عليه الإجماع عن المفيد و المنتهى «2».

و تدلّ عليه- بعد الأصل، و بعض ما مرّ من الأخبار- موثّقة سماعة:

«ليس على البقول و لا على البطّيخ و أشباهه زكاة» «3».

و حسنة الحلبي: ما في الخضر؟ قال: «و ما هي؟»، قال: القصب و البطّيخ و مثله من الخضر؟ قال: «ليس عليه شي ء» «4».

و حسنة محمّد: في البستان يكون فيه الثمار ما لو بيع كان بمال، هل فيه الصدقة؟ قال: «لا» «5».

و صحيحة زرارة: «عفا رسول اللّه عن الخضر»، قلت: و ما الخضر؟

قال: «كلّ شي ء لا يكون له بقاء: البقل و البطّيخ و الفواكه، و شبه ذلك ممّا يكون سريع الفساد» «6»، إلى غير ذلك.

خلافا في الثالث للمحكيّ عن يونس بن عبد الرحمن و الإسكافي «7»،

______________________________

(1) معاني الأخبار: 154- 1، الوسائل 9: 54 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 8 ح 3.

(2) المفيد في المقنعة: 245، المنتهى 1: 510.

(3) الكافي 3: 511- 1، الوسائل 9: 68 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 11 ح 7.

(4) الكافي 3: 512- 3،

التهذيب 4: 67- 182، الوسائل 9: 67 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 11 ح 2.

(5) الكافي 3: 512- 6، الوسائل 9: 67 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 11 ح 3.

(6) التهذيب 4: 66- 180، الوسائل 9: 68 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 11 ح 9.

(7) حكاه عن يونس بن عبد الرحمن في الكافي 3: 509، و عن الإسكافي في المختلف: 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 237

و نسبه في الوافي إلى الكافي «1». و فيه نظر.

للمستفيضة المتقدّمة في إثبات الرجحان، و قوله عليه السّلام في روايات كثيرة: «في ما سقت السماء العشر» «2».

و بعض الآيات، نحو قوله تعالى وَ النَّخْلَ وَ الزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ إلى قوله وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ «3».

و قوله سبحانه أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ «4»، فإنّ الأمر للوجوب و لا وجوب في غير الزكاة.

و قوله سبحانه خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً «5».

و قوله سبحانه فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ «6».

و الجواب عن الأخبار:

أولا: بعدم دلالة شي ء منها على الوجوب أصلا، أمّا ما لا يتضمّن لفظة «على» فظاهر، و أمّا ما تضمّنها فلأنّ المسلّم دلالة ما يتضمّنها على الوجوب إذا دخلت على الأشخاص المكلّفين نحو على فلان كذا، لا ما دخلت على الأعيان.

و لا يتوهّم تعيّن رجوع الضمير في الأخيرة إلى مكلّف؛ لاحتمال رجوعه إلى ما كيل، يعنى: على ما كيل في ما بلغ الأوساق الزكاة، و يؤكّده عدم ذكر شخص في الكلام.

و ثانيا: بأنّه لو كانت ظاهرة في الوجوب يتعيّن حملها على الاستحباب بقرينة الأخبار النافية.

______________________________

(1) الوافي 10: 59.

(2) الوسائل 9: 182 أبواب زكاة الغلّات ب 4 ح

1.

(3) الأنعام: 141.

(4) البقرة: 267.

(5) التوبة: 103.

(6) المعارج: 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 238

و ثالثا: بأنّها تعارض جميع الأخبار النافية، و الترجيح للأكثريّة و الأشهريّة و مخالفة العامّة، فإنّ الأخبار المثبتة موافقة لمذهب جمهور المخالفين، فإنّ أبا حنيفة و زفر أوجبا الزكاة في جميع ما يزرع سوى الحطب و الحشيش و القصب [1]، و الشافعي أوجبها في كلّ ما يصان و يدّخر «1»، و أحمد في جميع الثمار و الحبوب التي تكال و تدّخر إلّا الجوز «2»، و أبو يوسف في كلّ ما له ثمرة باقية «3»، و مالك في الحبوب كلها «4».

فهي خارجة مخرج التقيّة، و تشعر به رواية معاني الأخبار «5»، بل صحيحة ابن مهزيار «6».

و رابعا: بأنّه لو لا الترجيح لكان المرجع الأصل، و هو مع عدم الوجوب.

فرع:

حكم ما يخرج من الأرض ممّا تستحبّ فيه الزكاة حكم الأجناس الأربعة الزكويّة في قدر النصاب و قدر ما يخرج منها و اعتبار السقي و الزراعة، بالإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضا «7».

و تدلّ على الأول صحيحة زرارة و رواية أبي مريم، و على الأولين حسنة زرارة الموثّقة، و على الثانيين صحيحة محمّد بن إسماعيل «8».

______________________________

[1] حكاه عن أبي حنيفة و زفر في عمدة القارئ 9: 73.

______________________________

(1) الام 2: 23.

(2) حكاه عنه في الإنصاف 3: 86.

(3) حكاه عنه في عمدة القارئ 9: 74.

(4) الموطأ 1: 271.

(5) المتقدمة في ص: 235.

(6) المتقدمة في ص: 233.

(7) انظر: المدارك 5: 159، الذخيرة: 451، و الرياض 1: 275.

(8) راجع ص: 233 و 234.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 239

و في مرسلة الكافي: و روي أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «كلّ ما دخل

القفيز فهو يجري مجرى الحنطة و الشعير و الزبيب» «1».

و منها: الخيل بشرط الأنوثة و السوم و الحول،

فمع هذه الشرائط يستحبّ عن كلّ فرس عتيق- و هو الذي أبواه عربيّان كريمان- ديناران، و عن كلّ برذون- و هو خلاف العتيق- دينار، و عليه الإجماع عن التذكرة و المنتهى «2».

و في حسنة محمّد و زرارة: «وضع أمير المؤمنين عليه السّلام على الخيل العتاق الراعية في كلّ فرس في كلّ عام دينارين، و جعل على البراذين دينارا» «3».

و في حسنة زرارة: هل في البغال شي ء؟ فقال: «لا»، فقلت: فكيف صار على الخيل و لم يصر على البغال؟ قال: «لأنّ البغال لا تلقح، و الخيل الإناث ينتجن، و ليس على الخيل الذكور شي ء»، قال: فما في الحمير؟

فقال: «ليس فيها شي ء»، قال: قلت: هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبها شي ء؟ فقال: «لا، ليس على ما يعلف شي ء، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل» [1].

و تثبت من الروايتين جميع الأحكام المذكورة.

ثمَّ هاتان الروايتان و إن احتملتا الوجوب، إلّا أنّهما لمّا لم تكونا

______________________________

[1] الكافي 3: 511- 4، الوسائل 9: 61 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 9 ح 1. و القفيز: مكيال و هو ثمانية مكاكيك- الصحاح 3: 892.

______________________________

(1) التذكرة 1: 230، المنتهى 1: 510.

(2) الكافي 3: 530- 1، التهذيب 4: 67- 183، الاستبصار 2: 12- 34، الوسائل 9: 77 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 16 ح 1.

(3) الكافي 3: 530- 2، التهذيب 4: 67- 184، الوسائل 9: 78 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 16 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 240

صريحتين فيه لم

تثبتا أزيد من الاستحباب، بل لو كانتا صريحتين فيه لتعيّن حملهما عليه؛ للإجماع، بضميمة الأخبار المتواترة، النافية للوجوب عمّا سوى الأصناف التسعة.

و منها: حاصل العقار المتّخذ للنماء،

من البساتين و الدكاكين و الحمّامات و الخانات و نحوها؛ لفتوى الأصحاب، حيث إنّها كافية في مقام الاستحباب.

و هل يشترط فيه الحول و النصاب؟

قيل: لا «1»؛ للعموم، و كأنّ مراده عمومات ثبوت الزكاة و شركة الفقراء مع الأغنياء في الأموال.

و قيل: نعم «2»؛ اقتصارا في ما يخالف الأصل على القدر المعلوم. و هو حسن.

و لعلّ النصاب و قدر المخرج: نصاب النقدين و قدر المخرج منهما.

و منها: الحلي المحرّم،

ذكره الشيخ «3» و جماعة [1]، و لم نقف له على دليل، و لا بأس بإثباته بفتوى ذلك الجليل.

و منها: المال الغائب المدفون الذي لا يتمكّن صاحبه من التصرّف فيه إذا مضت عليه أحوال ثمَّ عاد، زكّاه لسنة استحبابا؛ لدلالة بعض الأخبار عليه «4».

و منها: ما إذا قصد الفرار من الزكاة قبل الحول؛

للأخبار الدالّة على

______________________________

[1] كالعلّامة في الإرشاد 1: 286، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 145.

______________________________

(1) كما في التذكرة 1: 230، و المسالك 1: 590.

(2) كما في البيان: 309.

(3) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 205.

(4) الوسائل 9: 93 أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 241

رجحانها «1»، و اللّه أعلم.

و منها: مال التجارة،
اشاره

و رجحان الزكاة فيه هو المعروف بين الأمّة، بل لا خلاف فيه عندنا، كما عن المنتهى «2»؛ فهو عليه الدليل لأجل التسامح، مضافا الى الأخبار الغير العديدة، الآتية إليها الإشارة.

و إنّما هو على الاستحباب، على المشهور بين الأصحاب، بل عن الناصريّات و الانتصار و الغنية الإجماع عليه «3»؛ للأصل، و المستفيضة الناصّة على حصر الوجوب في الأجناس التسعة، و خصوص صحيحة زرارة الواردة في مخاصمة أبي ذر و عثمان «4»، و موثّقة عبيد و ابن بكير و جماعة من أصحابنا «5»، و صحيحة سليمان بن خالد «6»، و صحيحة زرارة «7»، و موثّقة إسحاق بن عمّار «8»، بل في الأوليين إشعار بأنّ الحكم بعدم الوجوب حقّ مخفيّ، و أنّ عمل الناس على الوجوب.

خلافا للمحكيّ عن ظاهر الصدوقين، فأوجباها «9»، و عن العماني

______________________________

(1) الوسائل 9: 159 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 11.

(2) المنتهى 1: 507.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 204، الانتصار: 78، الغنية (الجوامع الفقهية): 569.

(4) التهذيب 4: 70- 192، الاستبصار 2: 9- 27، الوسائل 9: 74 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 14 ح 1.

(5) التهذيب 4: 70- 190، الاستبصار 2: 9- 25، الوسائل 9: 75 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 14 ح 5.

(6)

التهذيب 4: 70- 191، الاستبصار 2: 9- 26، الوسائل 9: 75 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 14 ح 2.

(7) التهذيب 4: 35- 90، الوسائل 9: 75 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 14 ح 3.

(8) التهذيب 4: 69- 188، الاستبصار 2: 11- 31، الوسائل 9: 75 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 14 ح 4.

(9) الصدوق في الفقيه 2: 11، و حكاه عن والده في المختلف: 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 242

نسبته إلى طائفة من الشيعة «1»، و عن الخلاف و المبسوط و النزهة «2» و السرائر حكايته عن جماعة من أصحابنا «3».

لروايات غير عديدة جدّا، منها: الواردة في مال اليتيم يتّجر له، و قد مرّت الإشارة إلى كثير منها في الباب الأول.

و منها: حسنة محمّد «4»، و موثّقة سماعة «5»، و الروايات الأربع: لأبي الربيع، و إسماعيل بن عبد الخالق، و خالد بن الحجّاج، و أبي بصير، الآتية أكثرها، و أكثرها صريحة أو ظاهرة في الإيجاب.

و الجواب عنها: بالمعارضة مع ما مرّ، فإمّا يجعل ما مرّ قرينة على الاستحباب، أو يبنى على التعارض، فيجب إمّا الترجيح، و هو للنافية؛ لأنّ الوجوب مذهب أبي حنيفة و الشافعي و أحمد «6»، فأخباره محمولة على التقيّة، كما يومئ إليه ما تقدّم من الصحيحة و الموثّقة أيضا .. أو الرجوع إلى الأصل، و هو أيضا مع النفي، فهو الحقّ.

مسائل:
المسألة الأولى [ما المراد بمال التجارة]

قالوا: المراد بمال التجارة- الذي تتعلّق به الزكاة- ما ملك بعقد معاوضة بقصد الاكتساب عند التملّك «7».

و المراد بعقد المعاوضة ها هنا: ما يقوم طرفاه بالمال، و يعبّر عنه

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 179.

(2)

الخلاف 2: 91، المبسوط 1: 220، نزهة الناظر: 50.

(3) السرائر 1: 445.

(4) الكافي 3: 541- 3، الوسائل 9: 87 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 2 ح 1.

(5) التهذيب 4: 28- 69، الاستبصار 2: 30- 87، الوسائل 9: 88 أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 2 ح 5.

(6) انظر: بدائع الصنائع 2: 20، الأم للشافعي 2: 46، المغني و الشرح الكبير 2:

623.

(7) انظر: الشرائع 1: 156، القواعد 1: 56، الدروس 1: 238.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 243

بالمعاوضة المحضة، فيخرج الصداق عوض الخلع، و الصلح عن عوض الجنايات.

فلا زكاة في ما يملك بغير عقد، كالإرث و الاحتطاب و غيره، و حيازة المباحات و إن قصد به الاكتساب.

أو بعقد غير معاوضة، كالهبة.

أو بعقد معاوضة لا بقصد الاكتساب بل مع الذهول.

أو بقصد القنية [1] أو الصدقة أو نحوها.

أو بقصد الاكتساب لا عند التملّك، بل طرأ ذلك القصد بعد التملّك.

و يدلّ على اشتراط جميع هذه الشروط- مضافا إلى الإجماع المحقّق في أكثرها، و قد حكي في المعتبر و المنتهى على اشتراط نيّة الاكتساب عند التملّك «1»، و في المدارك و الذخيرة: نفي الخلاف عن اشتراط نيّة- الاكتساب «2»- الأصل السالم عن المعارض؛ لاختصاص أدلّة ثبوت الزكاة هنا بما يتضمّن رأس المال أو ما يتّجر به أو ما عمل فيه، و لا يصدق شي ء من هذه الأمور بدون تحقّق التجارة في المال، و لا تتحقّق هي ما لم تتحقّق فيه معاوضة بقصد التجارة.

و إلى ذلك يشير قول صاحب الذخيرة، حيث استدلّ على اشتراط عقد المعاوضة باختصاص الأدلّة بذلك و عدم شمولها لغيره «3».

بل يدلّ على الجميع أيضا مفهوم قوله في رواية موسى بن

بكر: «إن كان أخوها يتّجر به فعليه الزكاة» «4»، فإنّ الاتّجار لا يتحقّق بدون جميع

______________________________

[1] إذا اقتنيتها لنفسك لا للتجارة- الصحاح 6: 2467.

______________________________

(1) المعتبر 2: 548، المنتهى 1: 508.

(2) المدارك 5: 165، الذخيرة: 449.

(3) الذخيرة: 449.

(4) الكافي 3: 542- 3، التهذيب 4: 30- 76، الوسائل 9: 90 أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 244

الشروط المذكورة، و لا يكفي فيه مجرّد النيّة قطعا.

و إلى هذا يشير من استدلّ على اشتراط نيّة الاكتساب عند التملّك، بأنّ التجارة عمل، فلا تكفي فيه النيّة.

و يدلّ عليه قوله في صحيحة البجلي: «إن كان عمل به فعليها الزكاة، و إن لم يعمل به فلا» «1»، فلا تثبت [1] الزكاة ما لم يتحقّق العمل، و لا يتحقّق هو بدون الشروط المذكورة.

و كذا قوله في صحيحة محمّد بن الفضيل: «لا تجب في مالهم زكاة حتى يعمل به، فإذا عمل وجبت الزكاة» «2».

و أمّا ما في المدارك «3»، من الاستدلال على اعتبار عقد المعاوضة برواية أبي الربيع: في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه و قد كان زكّى ماله قبل أن يشتري به، هل عليه زكاة أو حتى يبيعه؟ فقال: «إن كان أمسكه ليلتمس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة» «4».

و حسنة محمّد: عن رجل اشترى متاعا و كسد عليه و قد زكّى ماله قبل أن يشتري المتاع، متى يزكّيه؟ فقال: «إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة، و إن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة

______________________________

[1] في «ح»: يترتب.

______________________________

(1) الكافي 3: 542- 2، التهذيب 4: 30- 75، الوسائل 9: 90 أبواب من تجب

عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 3 ح 1.

(2) التهذيب 4: 27- 67، الاستبصار 2: 29- 85، الوسائل 9: 88 أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 2 ح 4.

(3) المدارك 5: 165.

(4) الكافي 3: 527- 1، التهذيب 4: 68- 185، الاستبصار 2: 10- 28، الوسائل 9: 71 أبواب من تجب فيه الزكاة ب 13 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 245

بعد ما أمسكه بعد رأس المال» «1».

فضعيف؛ لأنّ الجواب في الخبرين وقع على وفق السؤال، فلا يدلّ على اختصاص الحكم بالمسئول عنه و عدم شموله لغيره.

و قد خالف في اشتراط مقارنة نيّة الاكتساب للتملّك جماعة، كالمحقّق في المعتبر «2» و الشهيد في الدروس «3» و الشهيد الثاني في جملة من كتبه «4» و الفاضل الهندي في شرح الروضة و صاحب الحدائق «5»، و نفي عنه البأس في المدارك «6».

فلو تملّك أولا بقصد القنية ثمَّ قصد به التجارة تتعلّق به الزكاة؛ نظرا إلى أنّ المال بإعداده للربح يصدق عليه أنّه مال تجارة، فتتناوله الروايات، و بإطلاق الروايتين المذكورتين فإنّه لو اشترى أولا لا بنيّة التجارة ثمَّ قصدها و حبسه بعد ما يجد رأس ماله يكون مصداقا للروايتين.

قال في المعتبر: و قولهم: التجارة عمل. قلنا: لا نسلّم أنّ الزكاة تتعلّق بالفعل، الذي هو الابتياع، بل لم لا يكفي إعداد السلعة لطلب الربح؟! و ذلك يتحقّق بالنيّة «7».

و فيه: أنّه إن أريد بإعداد المال للربح تملّكه بنيّة الربح فهو لا يفيد له، و إن أريد قصد الاسترباح منه بعد تملّكه بقصد آخر فلا نسلّم كونه أعدادا

______________________________

(1) الكافي 3: 528- 2، التهذيب 4: 68- 186، الاستبصار 2: 10- 29، الوسائل

9: 71 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 13 ح 3.

(2) المعتبر 2: 549.

(3) انظر الدروس: 1: 240.

(4) كالروضة 2: 37، المسالك 1: 57.

(5) الحدائق 12: 146.

(6) المدارك 5: 166.

(7) المعتبر 2: 549.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 246

للربح، و لا يصدق عليه مال التجارة.

و أمّا الروايتان فظاهرهما الاشتراء بقصد الاسترباح، كما يشعر به قوله: «فكسد عليه».

و أمّا ما ذكره أخيرا من منع تعلّق الزكاة بسبب الفعل ففيه: أنّ تعلّقها خلاف الأصل، فعليه الإثبات، مع أنّ الأعداد للربح ليس إلّا تملّكه له دون قصد الاسترباح.

المسألة الثانية [ثلاثة شروط أخر]
اشاره

يشترط في تعلّق الزكاة بمال التجارة- سوى ما مرّ من كونه مال تجارة- ثلاثة شروط أخر:

الأول: الحول بالمعنى السابق،

بالإجماع المحقّق، و المحكيّ «1»، و حسنة محمّد و روايته ..

الاولى: عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها، قال: «إذا حال عليها الحول فليزكّها» «2».

و الثانية: «كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول» «3».

الثاني: النصاب،

و هو نصاب أحد النقدين بالإجماع المحقّق، و المحكيّ «4» فيهما.

مضافا في الأول إلى الأصل؛ لأنّ الثابت من الروايات ليس إلّا وجوب الزكاة في مال التجارة، و الزكاة لكونها اسما لمال معيّن شرعا فلا يعلم صدقها على المخرج من الأقلّ ممّا اجمع على ثبوت الزكاة فيه.

______________________________

(1) انظر: المنتهى 1: 507.

(2) راجع ص: 244.

(3) الكافي 3: 528- 5، الوسائل 9: 72 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 13 ح 8.

(4) كما في المعتبر 2: 546.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 247

و فيهما، إلى رواية إسحاق بن عمّار، و فيها: «و كلّ ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم في الزكاة و الديات» «1».

و هل يشترط في الزيادة على النصاب بلوغه النصاب الثاني؟

المشهور: نعم، و هو الحقّ؛ للأصل المذكور.

و عن ظاهر إطلاق التحرير: عدم الاشتراط «2».

و عن الشهيد الثاني في حواشي القواعد: عدم الوقوف على دليل يدلّ على اعتباره، و الأصل المذكور كاف في الدلالة.

و يشترط بقاء النصاب طول الحول بالإجماع المحقّق، و المحكيّ عن المعتبر و التذكرة «3»، و في المدارك «4»، و هو الدليل عليه دون غيره من روايات اشتراط الحول، لخلوّها عن اشتراط وجود النصاب تمام الحول.

الثالث: أن لا تنقص قيمة المتاع عن رأس المال،
اشاره

بأن يطلب منه برأس المال أو أزيد و هو لم يبعه التماس الفضل، فلو نقص متاعه عن رأس المال و لو قلّ فلا زكاة و إن كان ثمنه أضعاف النصاب؛ بالإجماعين، و المستفيضة:

منها: حسنة محمّد و رواية الشامي المتقدّمتين «5».

و صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق، و فيها: «إن كنت تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك فعليك فيه زكاة، و إن كنت إنّما تربّص به لأنّك

لا تجد

______________________________

(1) الكافي 3: 516- 8، التهذيب 4: 93- 269، الاستبصار 2: 39- 121، الوسائل 9: 139 أبواب زكاة الذهب و الفضّة ب 1 ح 7.

(2) التحرير 1: 65.

(3) المعتبر 2: 546، التذكرة 1: 227.

(4) المدارك 5: 170.

(5) في ص: 244.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 248

إلّا و ضيعته فليس عليك زكاة» «1» و موثّقة سماعة: يكون الرجل عنده المتاع موضوعا فيمكث عنده السنة و السنتين أو أكثر من ذلك، قال: «ليس عليه زكاة حتى يبيعه، إلّا أن يكون أعطي به رأس ماله فيمنعه من ذلك التماس الفضل، فإذا هو فعل ذلك وجبت فيه الزكاة، و إن لم يكن أعطي به رأس ماله فليس عليه زكاة حتى يبيعه و إن حبسه ما حبسه، فإذا هو باعه فإنّما عليه زكاة سنة واحدة» «2».

و موثّقة العلاء: المتاع لا أصيب به رأس المال، عليّ فيه زكاة؟ قال:

«لا»، قلت: أمسكه سنتين ثمَّ أبيعه، ما ذا عليّ؟ قال: «سنة واحدة» «3».

و أمّا ما في الروايتين الأخيرتين- من التزكية لسنة واحدة بعد البيع مع النقيصة- فالمراد منهما: زكاة النقدين، يعني: إذا باع و صار ثمنه ذهبا أو فضّة و حال عليه الحول يزكّيه لهذه السنة.

و قد يحمل على الاستحباب، كما صرّح به جمع من الأصحاب [1]؛ جمعا بين الأدلّة، و هو أيضا محتمل.

و قالوا: يشترط بقاء رأس المال طول الحول «4»، و الدليل عليه الإجماع، و أمّا الروايات فلا تدلّ على أزيد من اشتراط بقاء رأس المال،

______________________________

[1] كالشيخ في الاستبصار 2: 11، صاحب الرياض 1: 275.

______________________________

(1) الكافي 3: 529- 9، التهذيب 4: 69- 187 الاستبصار 2: 10- 30، الوسائل 9: 70 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه

ب 13 ح 1.

(2) الكافي 3: 528- 3، الوسائل 9: 72 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 13 ح 6.

(3) التهذيب 4: 69- 189، الاستبصار 2: 11- 32، الوسائل 9: 72 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 13 ح 9.

(4) كما في المعتبر 2: 550، و المنتهى 1: 508.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 9    249     فروع: ..... ص : 249

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 249

و أمّا اشتراط ذلك طول الحول فلا.

فروع:

أ:

هل يشترط في زكاة مال التجارة بقاء عين السلعة طول الحول، كما في الماليّة؟

أم لا يشترط ذلك، فتثبت الزكاة و إن تبدّلت الأعيان مع بلوغ القيمة النصاب؟

الأول: محكيّ عن الصدوق و المفيد و المحقّق «1»، و اختاره في المدارك و الذخيرة «2»، و بعض من تأخّر عنهما [1].

و هو الحقّ؛ لأنّ المستفاد من حسنة محمّد و روايته «3» المتضمّنتين لاشتراط الحول: اشتراط حولانه على شخص المال؛ لأنّه معنى حولان الحول على المال المذكور في الحديث، و يرجع إليه الضمير، و سقوط الزكاة بدون ذلك، و مع التبدّل تكون الثانية غير الأولى، فلا تكون فيه الزكاة إذا لم يحل عليه الحول.

و يدلّ عليه أيضا الأصل، و تؤكّده ظواهر النصوص، سيما مثل: حسنة محمّد و رواية أبي الربيع، المتضمّنتين للإمساك و الحبس «4»، و صحيحة ابن عبد الخالق و موثّقة سماعة، المشتملتين على التربّص و المكث «5»، و صحيحة

______________________________

[1] كصاحب الحدائق 12: 147، و صاحب الرياض 1: 275.

______________________________

(1) الصدوق في الفقيه 2: 11، المفيد في المقنعة: 247، المحقق في المعتبر 2:

547، و الشرائع 1: 158.

(2) المدارك 5: 171، الذخيرة: 449.

(3) المتقدّمتين في ص:

246.

(4) تقدمتا في ص: 244.

(5) تقدمتا في ص 248، 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 250

الكرخي، المشتملة على المنع من البيع «1»، و غيرها.

و الثاني: منقول عن الفاضل و ولده «2»، و جمع ممّن تأخّر عنهما [1]، و عن التذكرة و الإيضاح: الإجماع عليه «3»؛ له، و لإطلاق ثبوت الزكاة في مال التجارة و ما يعمل [به ] [2] في رواية موسى بن بكر، و صحيحتي البجلي و محمّد بن الفضيل، المتقدّمة «4».

و رواية عمر بن أبي شعبة: عن مال اليتيم، قال: «لا زكاة عليه، إلّا أن يعمل به» «5».

و الإجماع ممنوع، و الإطلاق بما مرّ مدفوع.

ب:

قد عرفت أنّ النصاب هنا نصاب النقدين، يعني: إذا بلغت قيمة المال هذا الحدّ وجبت الزكاة فيه.

فقيل: إنّه يكفي بلوغ أحدهما مطلقا و إن لم يبلغ الآخر، ذكره في الشرائع و الإرشاد «6»؛ لصدق بلوغ النصاب معه.

و قيل: هذا إذا كان رأس المال، أي الثمن الذي اشترى به المتاع عرضا، و إلّا فالمعتبر نصاب الثمن الذي اشتراه به، ذكره الشهيدان في الدروس و المسالك «7» و ابن فهد في موجزه و المحقّق الثاني «8» و جدّي

______________________________

[1] كالشهيد الأوّل في البيان: 307، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 58.

[2] أضفناه لاستقامة المعنى.

______________________________

(1) الكافي 3: 529- 7، الوسائل 9: 71 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 13 ح 5.

(2) الفاضل في المنتهى 1: 507، و التحرير 1: 65، و ولده في الإيضاح 1: 187.

(3) التذكرة 1: 229، الإيضاح 1: 187.

(4) في ص: 243، 244.

(5) التهذيب 4: 27- 64، الوسائل 9: 86 أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 1 ح 10.

(6) الشرائع 1: 159، الإرشاد 1: 285.

(7)

الدروس 1: 239، المسالك 1: 58.

(8) المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 251

الفاضل في رسالته.

و قيل: على كون الثمن عروضا يقوّم بالنقد الغالب- إن كان- و يعتبر البلوغ به، و إن تساويا فبأيّهما شاء أو بأقلّهما «1»؛ لصدق البلوغ.

و في كلام بعضهم هنا اضطراب، و لا دليل تامّا على شي ء منها.

و حيث كان الدليل على اعتبار النصاب: الإجماع و الأصل كما مرّ، فلازمه جعله أعلى الأمور؛ حيث إنّه لا دليل على وجوب الزكاة في الأقلّ.

و يستفاد من كلام بعضهم اعتبار الأقلّ «2».

و هو حسن إن ثبت المراد من الزكاة و أنّها إخراج جزء من المال مطلقا و فيه تأمّل؛ لاحتمال كونها إخراج جزء من المال البالغ حدّا معيّنا، فتأمّل.

ج:

كما أنّه يشترط بقاء النصاب و رأس المال طول الحول، كذلك يشترط بقاء سائر القيود المتقدّمة، الموجبة لصدق مال التجارة أيضا طول الحول؛ بالإجماع، فلو نوى القنية في أثناء الحول سقط الاستحباب.

د:

لو كان بيده نصاب و اشترى به في أثناء الحول متاعا للتجارة سقط حول الأول، و استأنف حول التجارة من حين الشراء، وفاقا للفاضلين «3»، و جمع آخر [1]؛ لانقطاع حول الأول بتبدّل المحلّ، و اشتراط حول التجارة بكونه بعد عقد المعاوضة.

و لا فرق في ذلك بين كون المال الأول النقدين أو مال التجارة؛ بناء على ما عرفت من اعتبار بقاء السلعة طول الحول في مال التجارة.

______________________________

[1] كالشهيد الثاني في المسالك 1: 58، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 137، و السبزواري في الذخيرة: 449.

______________________________

(1) انظر: البيان: 306.

(2) كما في مجمع الفائدة 4: 136.

(3) المحقق في الشرائع 1: 157، و المعتبر 2: 545، العلّامة في القواعد 1: 56.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 252

و عن الخلاف و المبسوط: بناء حول العرض على حول الأصل إن كان الأصل نقدا «1»؛ و حجّته ضعيفة.

و عن التذكرة: البناء إن كان الثمن مال تجارة، و إلّا استأنف «2»؛ و هو مبنيّ على ما اختاره من عدم سقوط الاستحباب بالتقليب و التبديل في الأثناء، و قد عرفت حاله.

ه:

لو كان رأس المال أقلّ من النصاب استأنف الحول عند بلوغه، بلا خلاف بين الأصحاب «3»، و وجهه ظاهر، و لبعض العامّة هنا خلاف «4».

المسألة الثالثة: زكاة مال التجارة تتعلّق بالقيمة لا بالعين

عند الشيخ و من تبعه «5»، و منهم: المحقّق في الشرائع و الفاضل في الإرشاد و المنتهى «6»، بل ظاهر المنتهى يشعر بعدم الخلاف فيه عندنا، و في الحدائق: الظاهر أنّه المشهور «7»؛ و استدلّ له بوجه اعتباريّ ضعيف غايته، و رواية قاصرة الدلالة جدّا.

و عن التذكرة: الميل إلى التعلّق بالعين «8»، و جعله في المعتبر أنسب بالمذهب «9»، و استحسنه في المدارك «10».

و هو الحقّ؛ لأصل الاشتغال، و لقوله في صحيحة ابن عبد الخالق:

______________________________

(1) الخلاف 2: 94، المبسوط 1: 221.

(2) التذكرة 1: 229.

(3) انظر: المدارك 5: 173.

(4) انظر: المغني و الشرح الكبير 2: 625.

(5) الشيخ في الخلاف 2: 95، و سلّار في المراسم: 136.

(6) الشرائع 1: 157، الإرشاد 1: 285، المنتهى 1: 508.

(7) الحدائق 12: 150.

(8) التذكرة 1: 228.

(9) المعتبر 2: 550.

(10) المدارك 5: 174.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 253

«فعليك فيه زكاة» «1».

و في رواية محمّد: «كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة» «2».

و في موثّقة سماعة: «فإذا فعل ذلك وجبت فيه الزكاة» «3».

دلّت على التعلّق بالعين لمكان لفظة «في» على ما مرّ في مسألة تعلّق الزكاة بالعين.

و تظهر الفائدة في جواز بيع

السلعة بعد الحول و قبل إخراج الزكاة أو ضمانها، على القول بوجوب هذه الزكاة فيما إذا زادت القيمة بعد الحول، و غير ذلك.

المسألة الرابعة: لو اتّجر بالمال الزكوي و ملك نصابا منه للتجارة

- كأربعين شاة- و حال عليه الحول مع قصد التجارة، فالمشهور- كما صرّح به جدّي الفاضل قدّس سرّه و صاحب الحدائق، بل المدّعى عليه الإجماع «4»- سقوط أحد الزكاتين، و هو زكاة التجارة، و وجوب الماليّة.

أمّا سقوط أحدهما فبالإجماع، ذكره في المعتبر و المنتهى و التذكرة «5»، و لقوله عليه السّلام في حسنة زرارة: «لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد» «6».

و أمّا أنّ الساقط زكاة التجارة، فلانتفاء الدليل على ثبوت زكاة التجارة عند تحقّق شرائط وجوب الماليّة، كما لا يخفى على الناظر في النصوص،

______________________________

(1) تقدّمت في ص: 247.

(2) تقدّمت في ص: 246.

(3) تقدّمت في ص: 248.

(4) الحدائق 12: 151.

(5) المعتبر 2: 549، المنتهى 1: 509، التذكرة 1: 229.

(6) الكافي 3: 520- 6، التهذيب 4: 33- 85، الوسائل 9: 100 أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 254

التي هي مستند زكاة التجارة.

مضافا على القول باستحبابها إلى وجوب تقديم الواجب على المستحبّ، و على القول باستحبابها إلى وجوه أخر ذكرها الشيخ «1»، و لكنها ضعيفة جدّا.

أقول: أمّا سقوط أحدهما فإن ثبت الإجماع فيه، و إلّا فلا دليل عليه؛ لأنّ قوله: «لا يزكّى» في الحسنة مجاز في الإنشاء، و مجازه يمكن أن يكون عدم الوجوب، أي لا تجب في عام واحد زكاة مال من وجهين، فلا ينافي استحبابها من وجه، و وجوبها من آخر، و لذا قيل بثبوت الزكاتين: هذه وجوبا، و هذه استحبابا، نقله في الشرائع «2»، و غيره

«3»، و هو متّجه جدّا.

ثمَّ على السقوط، فما ذكروه لإسقاط التجارة ضعيف، أمّا انتفاء الدليل على الثبوت فلكفاية عموم قوله في رواية محمّد: «كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول» «4».

و قوله في صحيحة الكرخي: «ما كان من تجارة في يدك فيها فضل ليس يمنعك من بيعها إلّا لتزداد فضلا على فضلك فزكّه» «5».

و أمّا تقديم الواجب على المستحبّ، فلأنّ ذلك إنّما هو على فرض ثبوت الواجب على وجوبه، و نحن إذا قلنا بعدم اجتماع الزكاتين و سقوط أحدهما فيحتمل سقوط الواجب، و لذا ذهب بعضهم إلى تخيير المالك في

______________________________

(1) المبسوط 1: 222.

(2) الشرائع 1: 157.

(3) انظر: المسالك 1: 59.

(4) تقدمت في ص: 246.

(5) الكافي 3: 529- 7، الوسائل 9: 71 أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه ب 13 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 255

إخراج أيّهما شاء [1]؛ و هو جيّد على القول بعدم اجتماعهما.

هذا، ثمَّ لا يخفى أنّ على المشهور- من بقاء زكاة الماليّة فقط- ينبغي التقييد بما إذا لم يزد على النصاب بقدر نصاب التجارة، فلو كانت عنده مائة شاة، و بلغت خمسون منها قيمة النصاب للتجارة اتّجه القول بالزكاتين، إحداهما لأربعين شاة، و الأخرى للزائد عليها؛ لأنّه لا تكون الزكاتان حينئذ لمال.

إلّا أن يقال: إنّ الماليّة لمجموع النصاب، و العفو دون النصاب خاصّة.

و اعلم أيضا أنّه لو كان المال بقدر كلّ من النصابين، فإن تقدّم حول الماليّة سقطت الزكاة للتجارة قطعا؛ لنقصان النصاب قبل الحول.

و إن تقدّم حول التجارة لم تسقط الماليّة؛ لأنّ زكاة التجارة و إن تعلّقت بالعين إلّا أنّه ليس تعلّق استحقاق و انتقال ملك، بل أولويّة إخراج، فإن أخرج

قبل حول الماليّة سقطت الماليّة، و إلّا كان كما إذا حال الحولان معا.

المسألة الخامسة: لو عاوض النصاب الزكوي في أثناء الحول

للتجارة بمثله لها- كأربعين سائمة بأربعين سائمة- سقط وجوب الماليّة و التجارة و استأنف الحول من حين المعاوضة.

أمّا سقوط الماليّة، فلانقطاع الحول بالنسبة إليها؛ و أمّا سقوط التجارة، فلتبدّل العين.

و خالف الشيخ في الأول «1»، و الفاضل في الثاني «2».

و خلاف الأول مبنيّ على ما ذهب إليه من عدم سقوط الزكاة بالتبديل بالجنس.

______________________________

[1] كالشهيد الثاني في المسالك 1: 58.

______________________________

(1) كما في المبسوط 1: 223، و الخلاف 2: 100.

(2) كما في التحرير 1: 65، و المنتهى 1: 507.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 256

و الثاني على ما ذهب إليه من عدم اشتراط بقاء السلعة طول الحول.

و تقدّم الكلام معهما فيهما.

المسألة السادسة:

إذا دفع إنسان مالا إلى غيره قراضا- على النصف مثلا- فظهر فيه ربح، كانت زكاة الأصل على المالك إذا بلغ النصاب و اجتمعت فيه الشرائط، و كذا حصّته من الربح بعد اعتبار ما يجب اعتباره من النصاب و الحول.

و أمّا حصّة العامل، فإن قلنا: إنّه يملكها بالظهور، وجبت زكاتها عليه إذا بلغت النصاب، و حال عليها الحول من حين الملك، و كان متمكّنا من التصرّف فيها، و لو بالتمكّن من القسمة.

و إن قلنا: إنّه لا يملكها إلّا بالقسمة، فلا زكاة عليه قبلها؛ لانتفاء الملك.

و الأظهر سقوط زكاة هذه الحصّة عن المالك أيضا على هذا التقدير؛ لأنّها متردّدة بين أن تسلم فتكون للعامل، أو تتلف فلا تكون له و لا للمالك.

و إن قلنا: إنّه لا يملك الحصّة و إنّما يستحقّ اجرة المثل، فالزكاة كلّها على المالك؛ لأنّ الأجرة دين، و الدين لا يمنع الزكاة.

و اللّه سبحانه هو الموفّق للسداد و الرشاد.

المسألة السابعة: الدين لا يمنع من تعلّق الزكاة بالنصاب المتجر به

إجماعا، كما صرح به غير واحد [1]، و إن لم يكن للمديون مال سواه؛ لأنّ متعلّق الدين: الذمّة، و متعلّق زكاة التجارة: العين؛ و للعمومات و الإطلاقات السالمة عن المخصّص و المقيّد.

تتميم:

لا تستحبّ الزكاة في المساكن، و لا في الثياب، و لا الآلات

______________________________

[1] كالعلّامة في المنتهى 1: 506، و التذكرة 1: 230، صاحب المدارك 5: 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 257

و أمتعة القنية؛ بالإجماع، و الأصل، و أخبار حصر الزكاة في الأصناف التسعة، و اللّه يعلم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 258

الباب الرابع في مصرف الزكاة و صرفها، و ما يتعلق بهما
[فصول ]
اشاره

و تفصيل الكلام في ذلك المقام يستدعي رسم فصول:

الفصل الأول في أصناف المستحقّين
اشاره

و هي ثمانية بنصّ القرآن، و إجماع المسلمين:

الصنف الأول و الثاني: الفقراء و المساكين.
اشاره

و هما و إن كانا متغايرين معنى على الأظهر الأشهر لغة و فتوى، المنصوص عليه في الصحيح «1» و الحسن «2»، و مقتضاهما كون المسكين أسوء حالا من الفقير، إلّا أنّه- لمّا انعقد الإجماع على عدم وجوب بسط الزكاة على الأصناف، و استحقاقهما الزكاة- لا ثمرة في تحقيق ذلك في هذا المقام، و إنّما المهمّ بيان الوصف الجامع بين الصنفين في استحقاقهما الزكاة و سائر شرائطها.

و نحن نذكرهما في مسائل:
المسألة الأولى:

قد وقع الخلاف في الوصف الجامع بين الصنفين في استحقاقهما الزكاة على ثلاثة أقوال:

الأول: أن لا يملك نصابا تجب فيه الزكاة أو قيمته، و هو منقول عن

______________________________

(1) الكافي 3: 502- 18، الوسائل 9: 210 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 2.

(2) الكافي 3: 501- 16، التهذيب 4: 104- 297، الوسائل 9: 210 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 259

الخلاف «1»، و لم أجده في باب الزكاة منه، و نقل عنه الحلّي غيره كما يأتي.

نعم، قال فيه: تجب زكاة الفطرة على من ملك نصاب الزكاة أو قيمته «2».

و لعلّه منشأ النقل؛ حيث إنّه لا تجب الفطرة على الفقير، و نقل في المبسوط هذا القول عن بعض أصحابنا، و كذا في السرائر «3».

الثاني: أن لا يملك ما يكون قدر كفايته لمؤنته طول سنته، ذهب إليه الأكثر، كما صرّح به في الروضة «4»، و غيرها [1].

الثالث: أن لا يكون قادرا على كفايته و كفاية من تلزمه كفايته على الدوام، اختاره في المبسوط «5».

فإن أريد بالدوام السنة- كما في المختلف «6»- يرجع إلى القول الثاني.

و إن أريد به ما تحصل به الكفاية عادة- من فائدة صنعة، أو غلّة ضيعة، أو ربح مال تجارة كما قيل- يرجع

أيضا إليه على بعض وجوهه الآتية؛ حيث إنّ من ملك ما تكفي غلّته و ربحه مئونة سنته يصدق عليه أنّه يملك ما يحصل به الكفاية عادة.

و إن جعل الدوام قيدا لقوله: تلزمه، كما احتمل، تكون مدّة الكفاية مجملة، و يكون موافقا لقول من اعتبر عدم الكفاية بالإطلاق، و الظاهر أنّه أيضا يرجع إلى الثاني بأحد وجوهه.

______________________________

[1] كمجمع الفائدة 4: 151، و الرياض 1: 278.

______________________________

(1) نقله عنه في المنتهى 1: 517، و المهذب البارع 1: 529.

(2) الخلاف 2: 146.

(3) المبسوط 1: 257، السرائر 1: 462.

(4) الروضة 2: 42.

(5) المبسوط 1: 256.

(6) المختلف: 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 260

و منه يظهر: أنّ في المسألة قولين، و الحقّ هو الثاني.

لا لما قيل من صدق الفقر و الاحتياج عرفا مع عدم تملّك ما يكفيه لسنته و عدم صدقه مع تملّكه «1»؛ لأنّي لا أفهم تفاوت الصدق عرفا بين مالك كفاية السنة و أحد عشر شهرا.

و لا للمرويّ في المقنعة: «تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة، و تجب الفطرة على من عنده قوت السنة» «2»؛ لعدم دلالته فيه إلّا بمفهوم وصف ضعيف.

بل للإجماع؛ حيث إنّ المخالف فيه شاذّ جدّا، غير قادح في حكم الحدس بالإجماع.

و حسنة أبي بصير: «يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره»، قلت: فإن صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة؟! فقال: «زكاته صدقة على عياله، فلا يأخذها إلّا أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة أنفذها في أقلّ من سنة فهذا يأخذها، و لا تحلّ الزكاة لمن كان محترفا و عنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة» «3».

و المرويّ في العلل عن المسائل: و عنده قوت يوم، أ يحلّ له أن يسأل؟ و إن

أعطي شيئا من قبل أن يسأل أ يحلّ له أن يقبله؟ قال: «يأخذ و عنده قوت شهر ما يكفيه لسنة من الزكاة؛ لأنّها إنّما هي من سنة إلى سنة» «4».

و تدلّ عليه أيضا النصوص الآتية، الدالّة على جواز أخذ الزكاة لمن له ثلاثمائة درهم، أو أربعمائة درهم، أو مائتا درهم، أو سبعمائة درهم، أو

______________________________

(1) كما في المدارك 5: 194، و الذخيرة: 453.

(2) المقنعة: 248.

(3) الكافي 3: 560- 1، الوسائل 9: 231 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 1.

(4) العلل: 371- 1، الوسائل 9: 233 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 261

دار غلّة إذا كانت قاصرة عن الاستنماء بقدر الكفاية، فإنّ الظاهر المتبادر من الكفاية فيها الكفاية طول السنة، بل الظاهر أنّ الكفاية المطلقة تستلزم كفاية السنة؛ إذ ما لا يكفيها ليس بقدر الكفاية، لاحتياجه في بعض السنة.

هذا، مع أنّها صريحة في جواز أخذ الزكاة لمن عنده نصاب، فيبطل بها القول الأول، فيتعيّن الثاني؛ لانتفاء الثالث، كما صرّح به جماعة من الأصحاب، منهم صاحب التنقيح «1».

و من ذلك يظهر وجه لصحّة الاستدلال برواية المقنعة المتقدّمة؛ حيث دلّت على حرمة الزكاة على من عنده قوت سنة و لو كان أقلّ من النصاب، فيبطل بها القول الأول، فيتعيّن الثاني.

دليل الأول: رواية عامّية قاصرة دلالة، و استبعاد ضعيف.

و أمّا ما ورد في موثّقة زرارة: «لا تحلّ لمن كانت عنده أربعون درهما يحول عليها الحول عنده أن يأخذها، و إن أخذها أخذها حراما» «2».

و في رواية العرزمي: «إنّ الصدقة لا تحلّ إلّا في دين موجع، أو غرم مفظع، أو فقر مدقع» «3».

فلا تنافيان ما ذكرناه؛ لعدم معلوميّة مرجع الضمير في «أن يأخذها» في

الاولى، و جواز كون الفقر المدقع في الثانية عدم كفاية السنة.

مع أنّ الاولى مخالفة للإجماع القطعي لو كانت في الزكاة، و موافقة لبعض العامّة، أو محمولة على عدم احتياجه، كما يفهم من حولان الحول على دراهمه.

المسألة الثانية [المعتبر في الفقر عدم تملّك قدر كفاية السنة]

قد عرفت أنّ المعتبر في الفقر هو عدم تملّك قدر

______________________________

(1) التنقيح 1: 318. اختاره في الرياض 1: 278.

(2) التهذيب 4: 51- 131، الوسائل 9: 240 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 5.

(3) الكافي 4: 47- 7، الوسائل 9: 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 262

كفاية السنة من الأموال، فهل المعتبر عدم تملّك قدر الكفاية من الربح و النماء و الفائدة فلا اعتبار بكفاية رأس المال أو الضيعة، أو عدم تملّكه من أصل الأموال؟

الحقّ: هو الأول، وفاقا للمشهور، كما صرّح به جماعة منهم الروضة «1»، بل قيل: بلا خلاف أجده «2»، و نسبه في الحدائق إلى الشيخ و الحلّي و الفاضلين و عامّة المتأخّرين «3».

و قيل بالثاني، نقله في الروضة «4»، و لكن قال الهندي في شرحه: و لم أظفر بقائله.

أقول: و يحتمله كلام جماعة، بل يفهم من الذخيرة أنّه مذهب الحلّي و الفاضلين و جمهور المتأخّرين «5»، و لكنّه خلاف الظاهر من أكثر كلماتهم؛ حيث إنّ الأول صرّح بجواز أخذ الزكاة لمن كان له دار لا تكفيه غلّته «6».

و صرّح أيضا في النافع و التذكرة و في الدروس و الروضة بجواز أخذها لمن كان له مال يتعيّش به، أو ضيعة يشتغلها، إذا كان بحيث يعجز عن استنماء الكفاية، و إن كان بحيث يكفي رأس المال أو ثمن الضيعة لكفاية السنة «7».

لنا: المستفيضة من الأخبار، كصحيحة معاوية بن وهب: عن الرجل يكون

له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم، و له عيال، و هو يحترف فلا

______________________________

(1) الروضة 2: 45.

(2) كما في الرياض 1: 279.

(3) الحدائق 12: 165.

(4) الروضة 2: 45.

(5) الذخيرة: 452.

(6) كما في السرائر 1: 462.

(7) النافع: 58، التذكرة 1: 231، الدروس 1: 240، الروضة 2: 45.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 263

يصيب نفقته فيها، أ يكبّ فيأكلها و لا يأخذ الزكاة، أو يأخذ الزكاة؟ قال:

«لا، بل ينظر إلى فضلها، فيقوت بها نفسه و من وسعه ذلك من عياله، و يأخذ البقيّة من الزكاة، و يتصرّف بهذه لا ينفقها» «1».

و موثّقة سماعة: عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟ فقال:

«نعم، إلّا أن تكون داره دار غلّة فيخرج له من غلّتها دراهم ما يكفيه لنفسه و عياله، فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير إسراف فقد حلّت له الزكاة، فإن كانت غلّتها تكفيهم فلا» «2».

و الأخرى، و في آخرها: «و أمّا صاحب الخمسين فإنّه يحرم عليه إذا كان وحده و هو محترف يعمل بها و هو يصيب منها ما يكفيه إن شاء اللّه» «3»، دلّت بمفهوم الشرط على عدم الحرمة إذا لم يصب منها ما يكفيه.

و رواية هارون بن حمزة: الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعة و له عيال، فإن أقبل عليها أكلها عياله و لم يكتفوا بربحها، قال: «فلينظر ما يستفضل منها، فيأكل هو و من يسعه ذلك، و ليأخذ لمن لم يسعه من عياله» «4».

و رواية أبي بصير: عن رجل من أصحابنا له ثمانمائة درهم، و هو رجل خفّاف و له عيال كثير، إله أن يأخذ من الزكاة؟ فقال: «يا أبا محمّد، أ يربح

في دراهمه ما يقوت به عياله و يفضل؟» قال: قلت: نعم، قال: «كم يفضل؟» قلت: لا أدري، قال: «إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف

______________________________

(1) الكافي 3: 561- 6، الوسائل 9: 238 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 1.

(2) الكافي 3: 560- 4، الفقيه 2: 17- 57، التهذيب 4: 48- 127، الوسائل 9:

235 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 1.

(3) الكافي 3: 561- 9، الوسائل 9: 239 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 2.

(4) التهذيب 4: 51- 130، الوسائل 9: 239 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 264

القوت فلا يأخذ الزكاة، و إن كان أقلّ من نصف القوت أخذ الزكاة» «1» الحديث.

و لعلّ تقدير الفاضل عن القوت بنصف القوت باعتبار أنّه متى فضل هذا المقدار فإنّه يكفي للقيام بكسوتهم و سائر ضروريّاتهم، فلا يجوز أخذ الزكاة، و إن كان أقلّ من ذلك فلا يقوم بمؤنة السنة.

و رواية عبد العزيز، و فيها: له دار تسوى أربعة آلاف درهم، و له جارية، و له غلام يستقي على الجمل كلّ يوم ما بين الدرهمين إلى الأربعة سوى علف الجمل، و له عيال، إله أن يأخذ من الزكاة؟ قال: «نعم»، قال:

و له هذه العروض؟ فقال: «يا أبا محمّد، فتأمرني أن آمره ببيع داره و هي عزّه و مسقط رأسه، أو ببيع جاريته التي تقيه الحرّ و البرد و تصون وجهه و وجه عياله، أو آمره أن يبيع غلامه أو جمله و هو معيشته و قوته؟! بل يأخذ الزكاة، فهي له حلال، و لا يبيع داره و لا غلامه و لا جمله» «2».

و لا يضرّ اختصاص بعض تلك الأخبار بثلاثمائة أو أربعمائة أو

ثمانمائة أو الدار؛ لعدم القول بالفصل قطعا.

حجّة القول الثاني: صدق تملّك ما يفي بمؤنة السنة مع وفاء الأصل.

و فيه: أنّ المصرّح به في الأخبار المذكورة- المنجبرة بالشهرة- لزوم تملّك ما يفي نماؤه لا أصله.

ثمَّ إن عرفت أنّ المعتبر في الفقر و الغناء عدم كفاية الربح و النماء، و لا اعتبار برأس المال و العقار، و لا يجب عليه الإنفاق من الأصل .. فهل هو إذا اتّخذ الأصل بضاعة يستربحه و مشتغلا يشغله- أي يتّجر به و يستربحه

______________________________

(1) الكافي 3: 560- 3، الفقيه 2: 18- 58، الوسائل 9: 232 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 4.

(2) الكافي 3: 562- 10، الوسائل 9: 236 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 265

و يشتغل به فعلا- فيكون الفقير من لا يملك من الأموال التي يستنميها- كالدراهم التي يتّجر بها لأجل معاشه أو العقار التي يشتغلها أو نحو ذلك- ما يكفي ربحها و نماؤها لمؤنة سنته، و أمّا ما لم يكن كذلك- أي لا يتّجر به و لا يستربحها- فالمعتبر قصور أصل الأموال منفردة أو منضمّة مع نماء ما يستنميها؟

أو يكفي في صدق الفقر و عدم وجوب إنفاق الأصل عدم كفاية النماء و الربح على فرض الاستنماء و الاسترباح، حتى أنّه لو كان له من الأموال ما يكفي لمؤنة سنته و لم يستربحها و لم يشتغلها جاز له أخذ الزكاة إذا كانت بقدر لو استنماها لم يكفه نماؤها؟

الأول: للذخيرة و الحدائق «1»، بل لجميع من يعتبر الربح و النماء؛ إذ الظاهر منهم إرادة الاستنماء الفعلي، كما يشعر به قولهم: يتعيّش به، أو يشتغلها، أو يتّجر به.

نعم، يظهر من الكتابين المذكورين أنّ مراد القائلين

باعتبار النماء اعتباره مطلقا؛ حيث إنّ بعد ذكرهما القول باعتبار النماء دون الأصل اختارا التفصيل باعتبار النماء في ما يستنميه، و الأصل في ما لا يستنميه.

و كيف كان، فالحقّ: هو الأول؛ أمّا جواز أخذ الزكاة مع استنماء ما يصلح له و عدم وفاء النماء بمؤنة السنة، فلجميع الأخبار المتقدّمة.

و أمّا عدم جواز الأخذ مع وفاء أصل ماله الذي لا يستنميه و لا يشتغله منفردا أو منضمّا مع نماء ما يستنميه، فلرواية المقنعة و حسنة أبي بصير المتقدّمتين «2»، و عدم صدق الفقير عرفا، و اختصاص أخبار النماء بما إذا كان يستنمي المال دون ما لا يستنميه.

______________________________

(1) الذخيرة 1: 453، الحدائق 12: 157.

(2) في ص: 260.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 266

المسألة الثالثة: و يشترط في صدق الفقير أيضا: عدم قدرته على تكسّب المؤنة بصنعة أو غيرها،
اشاره

فلو قدر عليه لم يجز له أخذ الزكاة على الأظهر الأشهر، بل عن الخلاف و الناصريّات: الإجماع عليه «1».

لحسنة زرارة: «إنّ الصدقة لا تحلّ لمحترف و لا لذي مرّة سويّ قوي، فتنزّهوا عنها» «2»، و موثّقة سماعة الثانية «3»، و لصدق الغنى و عدم صدق الفقير مع ذلك.

و لا ينافيه قوله في حسنة أبي بصير المتقدّمة: «و لا تحلّ الزكاة لمن كان محترفا و عنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة» «4» حيث ضمّ مع الاحتراف تملّك النصاب؛ لعدم دلالتها على الحليّة للمحترف الذي لا يملك النصاب إلّا بمفهوم الوصف، و هو ضعيف.

و حكى في الخلاف عن بعض أصحابنا جواز دفع الزكاة إلى المكتسب من غير اشتراط قصور كسبه «5»؛ و استدلّ له بصدق عدم تملّك الكفاية من الأموال.

و يجاب عنه: بعدم كفاية ذلك في جواز الأخذ، بل يشترط عدم الاحتراف أيضا؛ لما مرّ.

و لو قصرت الحرفة و التكسّب عن تمام مئونة

السنة جاز أخذ الزكاة له، بلا خلاف فيه يعلم، بل في التذكرة: إنّه موضع وفاق بين العلماء «6»؛

______________________________

(1) الخلاف 4: 230، الناصريات (الجوامع الفقهية): 206.

(2) الكافي 3: 560- 2، المقنعة: 241، الوسائل 9: 231 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 2.

(3) تقدّمت في ص: 263.

(4) تقدّمت في ص: 260.

(5) الخلاف 4: 230.

(6) التذكرة 1: 236.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 267

لصدق الفقير مع ذلك، و لمفهوم الشرط في موثّقة سماعة المذكورة، بل تدلّ عليه صحيحة معاوية بن وهب و رواية أبي بصير المتقدّمتين «1»، و به يقيّد إطلاق حسنة زرارة «2».

فروع:

أ:

المعتبر في الحرفة و الصنعة ما كان لائقا بحال الشخص عادة، فلو لم يكن كذلك لم يكلّف بالحرفة، و يجوز له أخذ الزكاة، فلا يكلّف الشريف بمثل الاحتطاب و الاحتشاش؛ لكونه عسرا و مشقّة.

فتعارض أدلّة نفيهما إطلاقات حرمة الصدقة على المحترف، و الترجيح مع الأول؛ لموافقة الكتاب و السنّة، مع أنّه لو لا الترجيح لكان المرجع إلى إطلاقات من لا يملك مئونة السنة.

و منه يعلم حكم المحترف اللائق به، إذا كان فيه مشقّة و عسر عليه، لمرض أو كبر أو ضعف أو نحوها.

ب:

يشترط في مزاحمة الحرفة لأخذ الزكاة إمكان احترافه، فلو علم الحرفة و لم يمكن له اشتغاله- لفقد آلة، أو عدم طالب لها، أو نحو ذلك- يأخذ الزكاة؛ لمفهوم الموثّقة، بل مدلول الصحيحة و الرواية «3».

ج:

من لم تكن له حرفة و لكن يقدر على تعلّمها من غير عسر، فلا شكّ في جواز أخذه الزكاة ما لم يتعلّمها؛ لعدم صدق المحترف.

فهل يجب عليه التعلّم و الامتناع من الزكاة بعده؟

الظاهر: لا، للأصل، و عدم الدليل على الوجوب.

______________________________

(1) في ص: 262 و 263.

(2) المتقدّمة في

ص: 266.

(3) راجع ص: 262، 263.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 268

د:

لو اشتغل عن التكسّب بطلب العلم المانع عن الكسب، فإن كان العلم ممّا يجب تعلّمه عينا أو كفاية بشرط عدم قيام الغير به، فلا شكّ في جواز أخذ الزكاة؛ لأنّه مانع عن التكسّب، و قد عرفت جواز الأخذ مع المانع.

و إن كان ممّا لا يجب تعلّمه و لا يستحبّ- كالرياضيات، و الفلسفة، و كثير من الكلاميّات، و السير، و العروض و الأدبيّة، لمن لا يريد التفقّه في الدين- فلا شكّ في عدم جواز أخذ الزكاة له؛ لصدق المحترف و عدم الدليل على التخصيص.

و إن كان يستحبّ- كالتفقّه في الدين تقليدا أو اجتهادا- فظاهر الذخيرة عدم جواز الأخذ «1»، و هو ظاهر حواشي القواعد للشهيد الثاني.

و عن التحرير و المنتهى و الدروس و البيان و الروضة و المسالك و حواشي النافع للشهيد الثاني و المهذّب: جوازه «2». و هو الأقرب؛ للأمر به «3» و لو استحبابا، المستلزم لطلب ترك الحرفة المستلزم لجواز أخذ الزكاة، و كذا مقدّمات علم التفقّه إذا تعلّمه من باب مقدّمته. و لو أمكنه الجمع بين التعلّم و الاحتراف لم يجز الأخذ.

ه:

لو ترك المحترف حرفته يوما عمدا، فهل يجوز له أخذ الزكاة لليلته إذا لم يمكن له الاحتراف فيها؟ و كذا لو كانت حرفته في وقت معيّن و يصيب فيه ما يكفي السنة فتركها في ذلك الوقت عمدا؟

فيه إشكال، و الذي يقوى في نفسي: عدم الجواز؛ لصدق المحترف،

______________________________

(1) الذخيرة: 461.

(2) التحرير 1: 68، المنتهى 1: 519، الدروس 1: 240، البيان: 311، الروضة 2: 45، المسالك 1: 59، المهذب البارع 1: 530.

(3) التوبة: 122.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 269

و عدم

معلومية صدق الفقير.

المسألة الرابعة [دار السكنى و الخادم و المركب و ثياب التجمّل لا تمنع من أخذ الزكاة]

الظاهر عدم الخلاف في أنّ دار السكنى و الخادم و المركب و ثياب التجمّل لا تمنع من أخذ الزكاة، و لا تعدّ من الأموال، و في التذكرة: لا نعلم فيه خلافا «1».

و تدلّ عليه في الأولين: رواية عبد العزيز المتقدّمة «2»، و ابن أذينة:

عن الرجل له دار أو خادم أو عبد، يقبل الزكاة؟ قال: «نعم، إنّ الدار و الخادم ليسا بمال» «3».

و ابن يسار: «تحلّ الزكاة لصاحب الدار و الخادم»؛ لأنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام لم يكن يرى الدار و الخادم شيئا «4».

و في الثلاثة الأولى: المرويّ صحيحا عن كتاب عليّ بن جعفر- المنجبر بالشهرة-: عن الزكاة أ يعطاها من له الدابّة؟ قال: «نعم، و من له الدار و العبد، فإنّ الدار ليس يعدّ بمال» «5».

و في الأربعة- إذا كان ممّن تجري العادة في مثله في الخادم و المركب و ثياب التجمّل-: التعليل المذكور في رواية عبد العزيز بقوله: «و هي عزّه» و بقوله: «و تصون وجهه».

و إذا كان ممّن يحتاج إلى الأربعة: قوله في موثّقة سماعة المتقدّمة:

«فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم» «6»

______________________________

(1) التذكرة 1: 236.

(2) في ص: 264.

(3) الكافي 3: 561- 7، الفقيه 2: 17- 56، التهذيب 4: 51- 133، الوسائل 9:

235 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 2.

(4) التهذيب 4: 52- 134، الوسائل 9: 236 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 4.

(5) مسائل علي بن جعفر: 142- 165، الوسائل 9: 237 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 5.

(6) راجع ص: 263.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 270

إلى آخره، و في الأخرى: «و هو يصيب منها ما يكفيه» «1».

و يظهر

ممّا ذكر استثناء كلّ ما يتوقّف بقاء عزّه و حفظ شرفه عليه، أو يحتاج إليه من الآلات و كتب العلم و أدوات الصناعة.

و يظهر منه أيضا استثناء أثمان هذه الأشياء لفاقد أعيانها، و استثناء المتعدّد منها مع اقتضاء العادة أو مسيس الحاجة.

و يجب مراعاة العادة في الكيفيّة، فيستثنى اللائق بحاله عادة.

و إطلاق النصّ في الثلاثة الاولى و إن اقتضى عموم الحكم فيها و شموله لما إذا زادت عن حاجته بحيث تكفيه قيمة الزيادة لمؤنة السنة و أمكنه بيعها منفردة، إلّا أنّ حملها على المتعارف يقتضي تقييدها بغير هذه الصورة، مع عدم صدق الفقر و صدق ملك مئونة السنة في مثلها بلا شبهة، فيجب بيع الزيادة.

نعم، لو كانت حاجته تندفع بأقلّ منها قيمة، و كانت الزيادة في مجرّد القيمة، فصرّح جماعة بعدم تكليفه ببيعها و شراء الأدون منها قيمة «2»؛ للإطلاق، مع ما في تكليفه بذلك من العسر و المشقّة.

و التحقيق: أنّه إن كانت الزيادة في القيمة بحيث تخرجه عن مصداق الفقير عرفا، أو تخرجها عن مناسبة حاله كثيرا، بحيث لا تنصرف إليه الإطلاقات عرفا، لا يجوز له أخذ الزكاة، و إلّا جاز.

الصنف الثالث: العاملون عليها.

و هم جباة الصدقة، و السعاة في أخذها و جمعها و حفظها و ضبطها حتى يؤدّوها إلى من يقسّمها، كما في المرويّ في تفسير عليّ «3»، المنجبر

______________________________

(1) تقدّمت في ص: 263.

(2) كما في الحدائق 12: 163.

(3) تفسير القمّي 1: 298، الوسائل 9: 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 271

بالفتاوي، و مقتضى المعنى اللغوي.

و لا خلاف بين العلماء في استحقاقهم الزكاة، كما عن المبسوط «1» و غيره «2»، بل عن المنتهى و في المدارك «3» و

غيرهما: الإجماع عليه «4»، بل لا شبهة في إجماعيّته.

فهي الحجّة عليه، مضافة إلى الآية الشريفة، و الأخبار، كصحيحة محمّد «5»، و موثّقة سماعة «6»، و المرويّ في تفسير عليّ.

و لا يجوز أن يكونوا هاشميّين- كما صرّح به في صحيحة العيص «7»- إلّا أن يكونوا عاملين على صدقات مثلهم.

و لا يعتبر فيهم الفقر، بلا خلاف، كما في الذخيرة «8»، بل الاتّفاق، كما عن الخلاف «9»؛ للتفصيل في الآية «10» و الأخبار، القاطع للشركة، و للإطلاق، و عدم انحصار جهة الاستحقاق للزكاة في الفقر.

و لا الحريّة على الأظهر، للأصل.

و يعتبر الإيمان و العدالة، كما يأتي.

______________________________

(1) المبسوط 1: 247.

(2) كالغنية (الجوامع الفقهية): 568.

(3) المنتهى 1: 517، المدارك 5: 208.

(4) كالحدائق 12: 173، و الرياض 1: 280.

(5) الكافي 3: 496- 1، الفقيه 2: 2- 4، التهذيب 4: 49- 128، الوسائل 9:

209 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 1.

(6) التهذيب 4: 48- 127، الوسائل 9: 239 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 3.

(7) الكافي 4: 58- 1، التهذيب 4: 58- 154، الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1.

(8) الذخيرة: 453.

(9) الخلاف 4: 237.

(10) التوبة: 60.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 272

ثمَّ إنّه لا ينبغي لنا التكلّم في حكم زمان الحضور في وجوب نصب العامل أو جوازه.

و أمّا زمان الغيبة، فعلى القول بوجوب دفع الزكاة إلى النائب العام، يجوز له نصب العامل و تشريكه للفقراء، بل قد يجب، و كذا على القول باستحبابه إذا دفعها ملّاكها إلى النائب و احتاج الحفظ و التقسيم إلى عامل.

و أمّا على غير ذلك، فإن علم النائب بتقصير في أداء الزكاة أو في التقسيم بين أهلها، جاز له نصب العامل من باب

الأمر بالمعروف و الإعانة على البرّ، بل قد يجب، و يجعل له نصيبا من الزكاة، بل يجوز ذلك أو يجب لآحاد المؤمنين أيضا، بل يجوز لشخص يعلم ذلك عمله بنفسه و أخذه أجرة عمله من الزكاة.

و أمّا بدون العلم بذلك، ففي جواز نصب العامل و تشريكه في الزكاة إشكال، و لا يبعد جوازه للنائب العام أو عدول المؤمنين، سيّما إذا كان فيه نوع مصلحة؛ للأصل، و تشريكه للإطلاق.

و لا تقدير لنصيب العاملين، بل إن كان منصوبا من الإمام فيقدّر لهم ما يراه، كما في حسنة الحلبي «1»، و إلّا فبقدر أجرة مثل عملهم، كما عن المبسوط «2»؛ لأنّه المتبادر من تعليق شي ء على العمل.

الصنف الرابع: المؤلّفة قلوبهم.

و لا خلاف بين العلماء في أنّ لهم سهما من الزكاة، و الإجماع عليه منقول مستفيضا «3»، بل محقّق قطعا؛ فهو الحجّة فيه، مضافا إلى الكتاب

______________________________

(1) الكافي 3: 563- 13، التهذيب 4: 108- 311، الوسائل 9: 257 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 3.

(2) المبسوط 1: 257.

(3) كما في المدارك 5: 214، و الذخيرة. 454، و الرياض 1: 280.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 273

العزيز و الأخبار المستفيضة.

و إنّما الخلاف في مقامين:

الأول:

في تعيين المؤلّفة قلوبهم، هل هم من الكفّار خاصّة، أو المسلمين كذلك، أو يشملهما جميعا؟ و على كلّ تقدير فما جهة تأليفهم الموجبة لتشريك الفقراء؟

و الثاني:

في أنّ التأليف هل يختصّ بزمان أو لا؟

أمّا الأول،

فعن المبسوط: اختصاصهم بالكفار، الذين يستمالون للجهاد بالصدقات «1»، و هو المحكيّ عن الخلاف و الاقتصاد و المصباح و ابني زهرة و حمزة «2»، و في الشرائع و الإرشاد و عن كتب الشهيد بل في الحدائق أنّه المشهور «3»، بل ظاهر الأول و صريح الثاني: الإجماع

عليه.

و عن المفيد- كما في السرائر و المعتبر و التذكرة و المنتهى «4»، و غيرها «5»- أنّهم مسلمون و مشركون، و هو المحكيّ عن الحلّي و المختلف و القواعد و التبصرة و في النافع «6»، و نقله في المبسوط عن الشافعي، و أنّه جعل المشركين منهم صنفين، و المسلمين أربعة أصناف «7».

و عن الإسكافي: اختصاصهم بالمنافقين، الذين يظهرون الدين

______________________________

(1) المبسوط 1: 249.

(2) الخلاف 4: 233، الاقتصاد: 282، مصباح المتهجد: 789، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568، ابن حمزة في الوسيلة: 128.

(3) الشرائع 1: 161، الإرشاد 1: 286، الشهيد في اللمعة (الروضة البهية 2):

45، و البيان: 312، و الدروس 1: 241، الحدائق 12: 175.

(4) السرائر 1: 456، المعتبر 2: 573، التذكرة 1: 232، المنتهى 1: 519.

(5) كما في المختلف: 181.

(6) الحلي في السرائر 1: 457، المختلف: 181، القواعد 1: 57، التبصرة: 48، النافع: 59.

(7) المبسوط 1: 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 274

بألسنتهم و يعينون المسلمين بأيديهم «1».

دليل الاختصاص بالكفّار: حسنة زرارة و محمّد، و فيها- بعد السؤال عن قوله سبحانه إِنَّمَا الصَّدَقاتُ إلى آخره-: «إنّ الإمام يعطي هؤلاء جميعا؛ لأنّهم يقرّون له بالطاعة» إلى أن قال: «و إنّما يعطي من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه» إلى أن قال: «سهم الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ و سهم الرِّقابِ عامّ و الباقي خاصّ» الحديث «2»، فإنّ في قوله: «ليرغب في الدين» دلالة على خروجه عن الدين، فيكون كافرا.

و المرويّ في تفسير عليّ: «وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ : قوم وحّدوا اللّه و خلعوا عبادة من يعبد دون اللّه، و لم تدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فكان رسول اللّه يتألّفهم و

يعلّمهم و يعرّفهم كيما يعرفوا، فجعل لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا و يرغبوا» «3».

و أنّ في المراد من المؤلّفة قلوبهم إجمالا، فيجب الاقتصار فيهم على موضع الإجماع، و هم الكفّار.

و يضعف الأول: بأنّ الرغبة لا تقتضي الخروج، مع أنّ في قوله:

«يثبت» دلالة على الدخول، و في قوله: «سهم المؤلّفة عامّ» تصريح بشمول المسلمين أيضا.

و الثاني: بعدم صراحته في الكفّار؛ لأنّ من المظهرين للإسلام أيضا من لم تدخل المعرفة قلوبهم، بل في التقييد بقوله: «قلوبهم» إشعار

______________________________

(1) نقله عنه في المختلف: 181.

(2) الكافي 3: 496- 1، التهذيب 4: 49- 128، الوسائل 9: 209 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 1.

(3) تفسير القمي 1: 299، الوسائل 9: 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 275

بإظهارهم الإسلام، بل في قوله: «و يعلّمهم».

و الثالث: بأنّه يتمّ لو لم يجعل المنافقين من المسلمين و ثبت الإجماع في الكفّار.

و دليل التعميم: عموم كونهم مؤلّفة.

و قوله: «و سهم المؤلّفة عامّ» في الحسنة المتقدّمة، و التعليل المذكور فيها بقوله: «ليرغب في الدين» «1». و في الرواية الآتية بقوله: «لكي يحسن إسلامهم».

و يضعف الأول: بتخصيص العموم بما يأتي.

و الثاني: بأن الظاهر أن المراد بقوله: «عامّ» بالنسبة إلى من يعرف الإمامة و من لا يعرفها كما يظهر من باقي الحديث، فلا دلالة فيه على شمول الكفّار، و أمّا عموم التعليل فلو سلّم يجب التخصيص بما يأتي.

و دليل الإسكافي: المرويّ في تفسير عليّ بالتقريب المتقدّم، و حسنة زرارة: عن قول اللّه تعالى وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ، قال: «هم قوم وحّدوا اللّه عزّ و جلّ، و خلعوا عبادة من يعبد من دون اللّه، و شهدوا أن لا إله إلّا اللّه و

[أنّ ] [1] محمّدا رسول اللّه، و هم في ذلك شكّاك في بعض ما جاء به محمّد رسول اللّه، فأمر اللّه نبيّه أن يتألّفهم بالمال و العطاء، لكي يحسن إسلامهم و يثبتوا على دينهم، و أقرّوا، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم حنين تألّف رؤساء العرب من قريش و رؤساء مضر، منهم: أبو سفيان بن حرب و عيينة بن حصين» «2» الحديث.

و روايته: «وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ : قوم وحّدوا اللّه، و خلعوا عبادة من دون

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

______________________________

(1) المتقدّم في ص: 274.

(2) الكافي 2: 411- 2؛ بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 276

اللّه، و لم تدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» «1» الحديث، و نحوها مرسلة موسى بن بكر «2».

و مقتضى هذه النصوص: أنّهم قوم مسلمون قد أقرّوا بالإسلام و دخلوا فيه، لكنّه لم يستقرّ في قلوبهم و لم يثبت ثبوتا راسخا، فأمر اللّه تعالى نبيّه بتألّفهم بالمال، لكي تقوى عزائمهم و تشتدّ قلوبهم على البناء على هذا الدين، و هؤلاء هم المنافقون، كما يدلّ عليه عدّه أبا سفيان و عيينة، المصرّح في الروايات بنفاقهم.

و لا معارض لهذه الأخبار، سوى بعض ما ظنّ من العمومات الواجب تخصيصها، و عدا ما توهّم من الإجماع على دخول الكفّار، و هو غير ثابت.

فهذا القول هو الأظهر، كما اختاره صاحب الحدائق أيضا «3».

ثمَّ مقتضى تلك الأخبار: أنّ التأليف إنّما هو لأجل البقاء على الدين و الثبات عليه، لا لما ذكروه من الجهاد.

و أمّا الثاني،

فعن الصدوق اختصاصه بزمان النبيّ «4»، و عن الشيخ بزمان حضور الإمام «5»، و ظاهر المعتبر و المنتهى بقاؤه في

جميع الأزمان «6»، و مقتضى الاستصحاب و عموم الآية «7» و ظاهر الأخبار المذكورة: الأخير.

و حيث لا يجب بسط الزكاة على الأصناف الثمانية، و يجوز إعطاء الزكاة لجميع الفرق المذكورة المختلف فيها في جميع الأزمان من سهم في

______________________________

(1) الكافي 2: 410- 1.

(2) الكافي 2: 412- 5.

(3) الحدائق 12: 177.

(4) الفقيه 2: 3.

(5) المبسوط 1: 249.

(6) المعتبر 2: 573، المنتهى 1: 520.

(7) التوبة: 60.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 277

سبيل اللّه، فلا ثمرة مهمّة في بسط الكلام في المقام.

الصنف الخامس: في الرقاب:
اشاره

بالإجماع، و الكتاب، و السنّة المستفيضة كما يأتي.

[في الرقاب ثلاث طوائف ]
اشاره

و المراد بهم ثلاث طوائف:

الاولى: المكاتبون،

بلا خلاف فيه بين العلماء، كما عن صريح المبسوط و السرائر و الغنية «1»، بل بالإجماع، كما عن ظاهر المنتهى و المدارك «2»، و مرسلة أبي إسحاق: عن مكاتب عجز عن مكاتبته و قد أدّى بعضها، قال: «يؤدّى عنها من مال الصدقة، إنّ اللّه تعالى يقول في كتابه:

وَ فِي الرِّقابِ » «3».

ثمَّ صريح الأكثر: أنّه يشترط في إعطاء المكاتب من هذا السهم أن لا يكون معه ما يصرفه في كتابته «4»، و ظاهر بعض إطلاقات هؤلاء جواز الإعطاء و إن قدر على تحصيل مال الكتابة بالتكسّب إذا لم يكن معه.

و اعتبر الشهيد قصور كسبه عن مال الكتابة «5».

و الحقّ: اشتراط العجز عن الأداء مطلقا و لو بالتكسّب، لا للمرسلة؛ لأنّ العجز فيها وارد في السؤال؛ بل للأصل، و عدم المجوّز.

و الاستدلال- على الجواز بعموم الآية المستدلّ به في ذيل المرسلة- يردّ بأن المراد بقوله: «فِي الرِّقابِ» غير معلوم؛ لإجماله جدّا، فيقتصر فيه على القدر المعلوم من الرواية، و ليس هو إلّا مورد السؤال.

______________________________

(1) المبسوط 1: 250، السرائر 1: 457، الغنية (الجوامع الفقهية): 568.

(2) المنتهى 1: 520، المدارك 5: 216.

(3) الفقيه 3: 74- 258، التهذيب 8: 275- 1002، الوسائل 9: 293 أبواب المستحقين للزكاة ب 44 ح 1.

(4) كما في المبسوط 1: 250، و المعتبر 2: 574، و المدارك 5: 219.

(5) البيان: 313.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 278

و يجوز الدفع إلى السيّد بإذن المكاتب و بدون إذنه، و إلى المكاتب بإذن السيّد؛ لإطلاق الرواية، و لا يتوقّف على حلول النجم على الأشهر الأظهر «1»؛ للأصل.

الثانية: المملوك يشترى و يعتق

بأحد الشرطين: إمّا كونه تحت شدّة و ضرّ، أو عدم وجدان المزكّي مستحقّا آخر للزكاة.

و على جواز الأول: الإجماع في

المبسوط و الخلاف و الاقتصاد و السرائر و الغنية و المنتهى و التذكرة «2».

و على الثاني في ظاهر المعتبر و المنتهى «3».

و تدلّ على الأول رواية أبي بصير المنجبرة بالعمل: عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة و الستمائة يشتري منها نسمة و يعتقها، قال: «إذن يظلم قوما آخرين حقوقهم!!» ثمَّ مكث مليّا، ثمَّ قال: «إلّا أن يكون عبدا مسلما في ضرورة، فليشتره و يعتقه» «4».

و على الثاني: موثّقة عبيد: عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم، فلم يجد موضعا يدفع ذلك إليه، فنظر إلى مملوك يباع في من يريد، فاشتراه بتلك الألف التي أخرجها من زكاته فأعتقه، هل يجوز له ذلك؟ قال:

«نعم، لا بأس بذلك»، قلت: فإنّه لمّا أن أعتق و صار حرّا اتّجر و احترف، فأصاب مالا، ثمَّ مات و ليس له وارث، فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟

قال: «يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقّون الزكاة؛ لأنّه إنّما اشتري

______________________________

(1) كما في المبسوط 1: 250، و المعتبر 2: 280، و المنتهى 1: 521.

(2) المبسوط 1: 250، الخلاف 4: 234، الاقتصاد: 282، و انظر: السرائر 1:

457، الغنية (الجوامع الفقهية): 568، المنتهى 1: 520، التذكرة 1: 133.

(3) المعتبر 2: 575، المنتهى 1: 520.

(4) الكافي 3: 557- 2، التهذيب 4: 100- 282، الوسائل 9: 292 أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 279

بمالهم» «1».

و هل يجوز الشراء و العتق بدون الشرطين من سهم الرقاب؟

المحكيّ عن ظاهر المفيد و الانتصار و المراسم و السرائر و القواعد و حواشي القواعد و الإرشاد و النافع للشهيد الثاني و صريح الإيضاح و الكنز و المسالك «2» و جمع من متأخّري المتأخّرين [1]: نعم؛ لعموم الآية

«3».

و للصحيح المرويّ في العلل: مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه، أشتريه من الزكاة و أعتقه؟ قال: فقال: «اشتره و أعتقه»، قلت: فإن هو مات و ترك مالا؟ قال: فقال: «ميراثه لأهل الزكاة؛ لأنّه اشتري بسهمهم» «4».

و صحيحة أبي محمّد الوابشي: عن رجل اشترى أباه من الزكاة- زكاة ماله- قال: «اشترى خير رقبة، لا بأس بذلك» «5».

و عن كثير من الأصحاب: لا «6»، و هو الأظهر؛ لرواية أبي بصير المتقدّمة المصرّحة بالاشتراط، و هي أخصّ من تلك الأخبار، فيجب تخصيصها بها، كما يخصّص عموم الآية أيضا لو سلّم.

______________________________

[1] كصاحب المدارك 5: 217، و الحدائق 12: 183، و الذخيرة: 455.

______________________________

(1) الكافي 3: 557- 3، التهذيب 4: 100- 281، الوسائل 9: 292 أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 2.

(2) المفيد في المقنعة: 241، الانتصار: 85، المراسم: 132، السرائر 1: 457، القواعد 1: 57، الإرشاد 1: 286، الإيضاح 1: 196، كنز العرفان: 237، المسالك 1: 60.

(3) التوبة: 60.

(4) العلل: 372- 1، الوسائل 9: 293 أبواب المستحقين للزكاة ب 43 ح 3.

(5) الكافي 3: 552- 1، الوسائل 9: 251 أبواب المستحقين للزكاة ب 19 ح 1.

(6) كما في النهاية: 184، و الشرائع 1: 161، و الرياض 1: 281.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 280

إلّا أنّه- كما ذكرنا في المؤلّفة قلوبهم- لا ثمرة في تحقيق ذلك أيضا، بعد عدم وجوب البسط و دخول جميع ذلك في سبيل اللّه، بل لو لا تصريح الأصحاب لم يكن دليل تامّ على دخول غير المكاتب فِي الرِّقابِ .

و جمع- ممّن لم يجوّز الشراء و العتق إلّا مع أحد الشرطين- جوّزوه بدونهما من سهم سبيل اللّه؛ استنادا إلى الروايتين، مع أنّ جميع الروايات المذكورة

لغير المكاتب مطلقة، فإمّا يحمل الجميع على سهم الرقاب، أو الجميع على سهم سبيل اللّه، و لعلّ الفارق تصريح العلماء.

الثالثة: من وجبت عليه كفّارة و لم يجد ما يعتق،
اشاره

فظاهر المبسوط و المختلف و التذكرة و صريح النافع و الحدائق: جواز العتق عنه من الزكاة «1».

لما رواه في المبسوط مرسلا: «إنّ من وجبت عليه عتق رقبة في كفّارة و لا يقدر على ذلك جاز أن يعتق عنه» «2».

و في التهذيب عن تفسير عليّ، عن العالم: «وَ فِي الرِّقابِ : قوم لزمتهم كفّارات في قتل الخطأ و في الظهار و في الأيمان و في قتل الصيد في الحرم، و ليس عندهم ما يكفّرون به و هم مؤمنون، فجعل اللّه لهم سهما في الصدقات ليكفّر عنهم» «3».

و ظاهره أعمّ من العتق و غيره، و إن قيل: تفسيره للرقاب يعطي تخصيصه بالعتق، لكن يخدشه أنّ فكّ رقبة المكفّر عن اشتغال الذمّة أيضا يناسب التفسير.

______________________________

(1) المبسوط 1: 250، المختلف 2: 181، التذكرة 1: 233، النافع 1: 59، الحدائق 12: 185.

(2) المبسوط 1: 250.

(3) التهذيب 4: 49- 129، تفسير القمي 1: 298، الوسائل 9: 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 281

و لا يوجب ذلك التعميم و هنا في الرواية و لا ضعف السند؛ لاعتبار الرواية، و لكن- لإمكان التكفير عن سهم الغارمين و سبيل اللّه، و عدم وجوب البسط- لا يهمّ الكلام أكثر من ذلك في المقام.

فرع:

مقتضى موثّقة عبيد و صحيحة العلل المتقدّمتين: أنّ ميراث العبد المبتاع من الزكاة لأرباب الزكاة، كما هو المشهور بين أصحابنا، كما صرّح به جماعة من المتأخّرين [1]، بل عزاه في الانتصار و المعتبر و المنتهى إلى علمائنا مؤذنين بدعوى الإجماع عليه «1»، بل ادّعى جدّي في الرسالة الإجماع عليه.

و هو الأقوى؛ للروايتين السالمتين عن المعارض.

خلافا لمن جعله للإمام، كالفاضل في القواعد «2» و ولده في

الشرح «3»، أو توقّف كما في المختلف و الإرشاد «4»؛ لأنّ الإمام وارث من لا وارث له.

و فيه: أنّ الوارث هنا موجود بالنصّ، و ضعفه ممنوع، و لو سلّم فبما مرّ مجبور.

و لمن فصّل بين ما لو اشتري لعدم المستحقّ، فالأول؛ لأنّه يكون مصروفا من حقّ الفقراء، و بين ما لو اشتري من سهم الرِّقابِ كالعبد تحت الشدّة، فللإمام؛ لأنّه لم يشتر بمالهم، كالشهيد و المقداد «5».

و هو اجتهاد في مقابلة النصّ.

______________________________

[1] كالمحقق في المعتبر 2: 589، الشهيد في البيان: 319، ابن فهد الحلّي في المهذّب البارع 1: 538.

______________________________

(1) الانتصار: 85، المعتبر 2: 589، المنتهى 1: 531.

(2) القواعد 1: 59.

(3) الإيضاح 1: 207.

(4) المختلف: 191، الإرشاد 1: 290.

(5) الشهيد في الدروس 1: 244، الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1: 327.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 282

و دعوى إشعار التعليل بالأول مردودة بأنّ الظاهر من الموثّقة وقوع الشراء بجميع الزكاة لا بسهم مخصوص منها، و المراد من التعليل: أنّه اشتري بمال يسوغ صرفه إليهم.

ثمَّ هل الميراث للفقراء، كما هو صريح الموثّقة، و به عبّر المفيد «1»؟

أو أرباب الزكاة، كما هو مقتضى الصحيحة، و به عبّر الأكثر، بل أرجع إليه قول المفيد في المختلف «2»؟

كلّ محتمل، و إن كان الثاني أظهر.

و الأحوط صرفه إلى الفقراء؛ للخروج به عن العهدة على جميع الأقوال في زمن الغيبة قطعا.

الصنف السادس: الغارمون.
اشاره

و هم: المدينون عرفا و لغة و شرعا، إجماعا و سنّة، و لا خلاف في إسهامهم في الزكاة، كما صرّح به جماعة، منهم: المبسوط و المعتبر و التذكرة «3»، بل هو إجماعيّ، كما في المنتهى و الغنية و التذكرة و المدارك و الذخيرة «4»، و غيرها «5».

و يدلّ عليه- مع

الإجماع- الكتاب، و السنّة، كموثّقة إسحاق: عن رجل على أبيه دين و لابنه مئونة أ يعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟ قال:

«نعم، و من أحقّ من أبيه؟!» «6».

______________________________

(1) المقنعة: 259.

(2) المختلف: 191.

(3) المبسوط 1: 251، المعتبر 2: 575، التذكرة 1: 233.

(4) المنتهى 1: 521، الغنية (الجوامع الفقهية): 568، التذكرة 1: 233، المدارك 5: 222، الذخيرة: 455.

(5) كالرياض 1: 281.

(6) الكافي 3: 553- 2، الوسائل 9: 250 أبواب المستحقين للزكاة ب 18 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 283

و رواية موسى بن بكر: «من طلب الرزق من حلّه ليعود به على نفسه و عياله كان كالمجاهد في سبيل اللّه، فإن غلب عليه فليستدن على اللّه تعالى و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فإن مات و لم يقضه كان على الإمام قضاؤه، فإن لم يقضه كان عليه وزره، إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ إلى قوله وَ الْغارِمِينَ ، و هو: فقير مسكين مغروم» «1».

و صحيحة البجلي: عن رجل عارف فاضل توفّي و ترك عليه دينا قد ابتلي به، لم يكن بمفسد و لا مسرف و لا معروف بالمسألة، فهل يقضى عنه من الزكاة الألف و الألفان؟ قال: «نعم» «2».

و رواية أبي نجاد، و فيها- بعد السؤال عن قوله سبحانه وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ «3»، و عن حدّ النظرة- قال: «يقضى ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّه عزّ و جلّ، فإن كان أنفقه في معصية اللّه فلا شي ء له على الإمام»، قلت: فما لهذا الرجل الذي ائتمنه و هو لا يعلم فيما أنفقه، في طاعة اللّه عزّ و جلّ، أم في

معصيته؟ قال: «يسعى له في ماله فيردّه عليه و هو صاغر» «4».

و رواية صبّاح بن سيابة: «أيّما مؤمن أو مسلم مات فترك دينا لم يكن في فساد و لا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه، فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك، إنّ اللّه تبارك و تعالى يقول إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ ، الآية،

______________________________

(1) الكافي 5: 93- 3، التهذيب 6: 184- 381، قرب الإسناد: 340- 1245، الوسائل 18: 335 أبواب الدين و القرض ب 9 ح 2.

(2) الكافي 3: 549- 2، التهذيب 4: 102- 288، الوسائل 9: 295 أبواب المستحقّين للزكاة ب 46 ح 1.

(3) البقرة: 280.

(4) الكافي 5: 93- 5، التهذيب 6: 185- 385، تفسير العياشي 1: 155، الوسائل 18: 336 أبواب الدين و القرض ب 9 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 284

فهو من الغارمين، و له سهم عند الإمام» «1».

و حسنة زرارة: رجل حلّت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين، أ يؤدّي زكاته في دين أبيه و للابن مال كثير؟ قال: «إن كان أبوه أورثه مالا ثمَّ ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث و لم يقضه من زكاته، و إن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دين أبيه، فإذا أدّاها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه» «2».

و المرويّ في تفسير عليّ: «و الغارمين: قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف، فيجب على الإمام أن يقضي عنهم، و يفكّهم من مال الصدقات» «3».

و في قرب الإسناد: «يعطى المستدينون من الصدقة و الزكاة دينهم كلّهم ما بلغ إذا استدانوا في غير إسراف» «4».

فروع:

أ:

الغارم

إمّا يتمكّن من قضاء دينه في الحال، أو لا.

و الأول على ثلاثة أقسام:

لأنّه إمّا ليس بفقير، و لا يصير مع الأداء فقيرا أيضا.

أو ليس بفقير، و يصير معه فقيرا، بأن يقضي من قوت سنته أو من رأس ماله الذي من نمائه قوت السنة.

______________________________

(1) تفسير العياشي 2: 94- 78، مستدرك الوسائل 7: 127 أبواب المستحقين للزكاة ب 27 ح 1.

(2) الكافي 3: 553- 3، الوسائل 9: 250 أبواب المستحقين للزكاة ب 18 ح 1.

(3) تفسير القمي 1: 299، الوسائل 9: 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.

(4) قرب الإسناد: 109- 374 و فيه: كلّه، بدل: كلّهم، الوسائل 9: 261 أبواب المستحقين للزكاة ب 24 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 285

أو فقير، كمن عنده قوت ستّة أشهر، و عليه الدين بقدر قوت ثلاثة أشهر.

و الثاني على قسمين: لأنّه إما ليس بفقير- كالمحترف الذي يحترف كلّ يوم بقدر قوته، أو مالك قوت سنته و زيادة الدين عليه كثيرا- أو فقير.

لا شكّ في عدم إسهام الأول في الزكاة؛ للإجماع القطعي عليه، و كذا لا شكّ في إسهام الخامس؛ للإجماع، و الآية، و الأخبار.

و إنّما الكلام في البواقي:

أمّا الثاني منها، فاستقرب الفاضل في النهاية جواز الدفع إليه «1».

و ظاهر من اشترط العجز عن الأداء- كالمبسوط و التذكرة «2»- أو الفقر- كالوسيلة و السرائر و الغنية و المعتبر و المنتهى «3»- عدم الجواز.

و أمّا الثالث، فظاهر كلّ من اكتفى باشتراط الفقر- كالمذكورين- جواز الدفع، و ظاهر كلّ من اشترط العجز عن الأداء و عدم التمكّن من القضاء عدمه.

و أمّا الرابع، فعكس الثالث.

و الحقّ في الكلّ: جواز الدفع؛ لإطلاق الآية «4»، و الموثّقة «5»، و المرويّين في تفسير

عليّ و قرب الإسناد من غير مقيّد، بل ظاهر الآية عدم اشتراط الفقر في جواز الدفع؛ لجعلها الغارمين قسيم الفقراء.

خلافا في كلّ منها لمن ذكر؛ و لا دليل لهم سوى ما قيل في اشتراط

______________________________

(1) نهاية الإحكام 2: 391.

(2) المبسوط 1: 251، التذكرة 1: 233.

(3) الوسيلة: 129، السرائر 1: 459، الغنية (الجوامع الفقهية): 568، المعتبر 2:

576، المنتهى 1: 521.

(4) التوبة: 60.

(5) المتقدّمة في ص: 282.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 286

العجز عن الأداء: من أنّ الزكاة إنّما شرّعت لسد الخلّة و رفع الحاجة، و لا حاجة مع التمكّن من الأداء «1». و ما في الحدائق: من أنّه مقتضى الأخبار الواردة في إسهام الغارمين من الزكاة «2».

و في اشتراط الفقر، من نفي الخلاف عنه في السرائر «3»، و دعوى الإجماع ظاهرا في التذكرة «4»، و التنصيص في المستفيضة، كصحيحتي ابن وهب «5» و زرارة «6»، و مرسلة الفقيه «7»، و رواية الغنوي: «أنّه لا تصلح الصدقة لغنيّ و محترف» «8».

و في الكلّ نظر:

أمّا الأول، فلأنّ المسلّم منه إنّما هو في سهم الفقراء و المساكين و أبناء السبيل، و أمّا البواقي فلا نسلّم أنّ التشريع لما ذكر.

و أمّا الثاني، فلأنّه إن أريد أنّ مقتضى الأخبار التقييد و الاشتراط فهو ممنوع جدّا، بل لا دلالة في رواية عليهما أصلا.

و إن أريد أنّ موردها المقيّد، فلو سلّم فيكفي عموم الآية؛ مع أنّ كثيرا من الأخبار أيضا مطلقة كما ذكرنا.

و أمّا الثالث، فلمنع الحجيّة.

و أمّا الرابع، فلتعارضه مع الموثّقة و المرويّين بالعموم من وجه؛

______________________________

(1) انظر: المدارك 5: 223.

(2) الحدائق 12: 190.

(3) السرائر 1: 459.

(4) التذكرة 1: 233.

(5) الكافي 3: 562- 12، الوسائل 9: 231 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح

3.

(6) الكافي 3: 560- 2، المقنعة: 241، الوسائل 9: 231 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 9    287     فروع: ..... ص : 284

(7) الفقيه 3: 109- 458، الوسائل 9: 232 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 5.

(8) التهذيب 4: 51- 130، الوسائل 9: 239 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 287

لأعميّة الغني عن المديون و غيره، و الصدقة عن سهم الفقراء و غيره، كأعميّة المديون عن الفقير و غيره، و الترجيح للموثّقة و ما يوافقها بموافقة ظاهر الكتاب، الذي هو من المرجحات المنصوصة؛ مع أنّ الغني لغة: من لا احتياج له، و لا نسلّم أنّ المديون بأقسامه الثلاثة لا احتياج له، سيّما القسمين الثالث و الرابع.

و ها هنا قسم سادس، و هو من لم يتمكّن من القضاء حالا و تمكّن بعد حين، كمن عليه دين معجّل و له دين مؤجّل لا يمكن له أخذه قبل أجله، أو له غلّة لم يبلغ أوانها، فهل يجوز دفع الزكاة إليه؟ نعم؛ للإطلاقات المتقدّمة، و إخراج المتمكّن إنّما هو بالإجماع الغير المعلوم هنا.

ثمَّ إنّ ما ذكر من اشتراطهم الفقر إنّما هو في من استدان لمصلحة نفسه.

و أمّا من استدان لمصلحة غيره- كإصلاح ذات البين، أو إطفاء الفتنة، كمن استدان في دم لم يوجد قاتله، أو تلف لا يعلم تالفه و كادت أن تقع بسببه فتنة، أو من ضمن معسرا، و نحو ذلك- فظاهر الأكثر: عدم اشتراط العجز و الفقر «1»، و هو كذلك؛ للعموم السالم عن المعارض.

ب:

الغارم إمّا تكون استدانته في غير معصية، أو تكون في معصية.

أو يجهل الحال.

فالأول: يقضى دينه من الزكاة إجماعا

محقّقا، و محكيّا «2».

و الثاني: لا يقضى على الأظهر الأشهر، بل ظاهر جماعة الإجماع عليه «3»؛ للروايات الأربع الأخيرة [1]، و بها يقيّد إطلاق الآية و بعض الأخبار.

______________________________

[1] الظاهر أنّها: صحيحة البجلي و رواية أبي نجاد المتقدّمتان في ص: 283

______________________________

(1) كما في المبسوط 1: 251، و التذكرة 1: 233، و الرياض 1: 281.

(2) كما في المنتهى 1: 521.

(3) كما في المنتهى 1: 521، و الرياض 1: 281.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 288

خلافا للمحكيّ عن المعتبر «1»، و بعض من عنه تأخّر [1]، فجوّز الدفع إليه بعد التوبة؛ للإطلاق المذكور، و ضعف المخصّص.

و الضعف ممنوع، و لو سلّم فبالشهرة و حكاية الإجماع مجبور.

ثمَّ ظاهر بعض تلك الأخبار و إن كان اشتراط الإنفاق في الطاعة، و لازمه عدم القضاء إذا أنفقه في المباحات، إلّا أنّ الظاهر الإجماع على القضاء معه أيضا، بل الظاهر أنّ المراد بالطاعة غير المعصية، كما يشعر به الحصر في القسمين في رواية أبي نجاد «2».

و الثالث: كالأول أيضا على الأظهر، وفاقا للمبسوط و السرائر و الفاضلين «3»، و غيرهما من المتأخّرين [2]، بل يظهر من بعضهم إجماعيّته أيضا «4»؛ للإطلاقات، خرج منها المصروف في المعصية بما مرّ، فبقي الباقي.

خلافا للمحكيّ عن الشيخ في النهاية «5»؛ لذيل رواية أبي نجاد، و لاشتراط القضاء بالإنفاق في الطاعة، و حيث جهل الشرط لم يثبت المشروط.

و يردّ الأول: بالضعف؛ لمخالفة الشهرتين، بل لا عامل بها سوى الشيخ في النهاية، و هو أيضا رجع عنه في المبسوط «6»، بل قيل بعدم دلالتها

______________________________

و الروايتان المذكورتان في تفسيري القمّي و العيّاشي، المتقدمتان في ص: 283 و 284.

[1] كصاحب المدارك 5: 224.

[2] كالشهيد الثاني في الروضة 2: 47.

______________________________

(1) المعتبر

2: 575.

(2) المتقدّمة في ص: 283.

(3) المبسوط 1: 251، السرائر 2: 34، المحقق في المعتبر 2: 576، و النافع 1:

59، و العلّامة في التذكرة 1: 233، و المنتهى 1: 521.

(4) كما في الرياض 1: 281.

(5) النهاية: 184.

(6) المبسوط 1: 251.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 289

أيضا «1».

و الثاني: بأنّ الشرط عدم العلم بالصرف في المعصية، و هو حاصل، و الألفاظ و إن كانت أسامي للمعاني النفس الأمريّة، إلّا أنّها تقيّد في مقام التكاليف بالعلم، فمعنى قوله: «و إذا كان أنفقه في معصية اللّه»: أنّه و إذا علم أنّه كان كذلك .. ثمَّ بمفهوم ذلك يعارض منطوق قوله: «إذا كان أنفقه في طاعة اللّه» و ما بمعناه، و تسلم الإطلاقات عن المقيّد المعلوم.

ج:

يجوز للمزكّي دفع زكاته إلى ربّ الدين من غير إقباض للمديون و لا إذن له في قبضها، كما نصّ عليه الفاضل و الشهيد «2»؛ للإطلاقات.

و كذا يجوز دفعها إلى المديون بدون إذن صاحب الدين؛ لصدق الغارم عليه.

الصنف السابع: في سبيل اللّه.
اشاره

بالإجماع، و الكتاب، و السنّة، و المراد به: ما يشمل جميع القرب و الخيرات و المصالح للمسلمين و إقامة نظام العلم و الدين، وفاقا للخلاف و المبسوط و ابن حمزة و الحلبي و الحلّي و ابن زهرة و الفاضلين و الشهيدين «3»، و سائر المتأخّرين [1]، بل للمشهور كما صرّح به جماعة [2]،

______________________________

[1] كما في المدارك 5: 231، و الذخيرة: 456، و الرياض 1: 282.

[2] كصاحب الحدائق 12: 199، و صاحب الرياض 1: 282.

______________________________

(1) الحدائق 12: 193.

(2) الفاضل في التذكرة 1: 233، الشهيد في الدروس 1: 241.

(3) الخلاف 4: 236، المبسوط 1: 252، ابن حمزة في الوسيلة: 128، الحلبي في الكافي في الفقه: 175، الحلّي في

السرائر 1: 457، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568، المحقق في المعتبر 2: 577، و الشرائع 1: 162، العلّامة في المنتهى 1: 522، و التحرير 1: 69، الشهيد الأوّل في البيان: 315، اللمعة (الروضة 2): 49، الشهيد الثاني في الروضة 2: 49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 290

بل عن الخلاف و الغنية و ظاهر المجمع: الإجماع عليه «1».

لظاهر عموم الآية- و إن لا يخلو عن المناقشة- و للمرويّ في تفسير عليّ، المذكور في التهذيب أيضا عنه، قال: «و في سبيل اللّه: قوم يخرجون إلى الجهاد و ليس عندهم ما يتقوون به، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجّون به، أو في جميع سبل الخير» «2»، و ضعفه- إن كان- منجبر بما مرّ.

و يدلّ عليه أيضا ما دلّ على جواز صرف الزكاة في الحجّ بضميمة عدم القول بالفصل، كصحيحة عليّ بن يقطين «3»، و المرويّ عن جميل في مستطرفات السرائر «4».

و عن المقنعة و النهاية و الفقيه و الإشارة و الديلمي: اختصاصه بالجهاد «5»؛ لأنّه المتيقّن، و أنّه المتبادر من سبيل اللّه.

و يردّ الأول: بثبوت غيره أيضا بما مرّ. و الثاني: بمنع التبادر.

و أمّا ما في رواية يونس بن يعقوب- بعد السؤال عن وصيّة رجل من همدان عامي بإعطاء شي ء في سبيل اللّه- من الأمر بصرفه إلى من يخرج إلى بعض الثغور «6»، فلا دلالة فيه على الانحصار مطلقا؛ مع أنّ الوصيّة إنّما تنصرف إلى قصد الموصي، و الظاهر أنّه أراد هذا المصرف؛ لأنّ أكثر العامّة

______________________________

(1) الخلاف 4: 236، الغنية (الجوامع الفقهية): 568، مجمع البيان 3: 42.

(2) تفسير القمي 1: 299، التهذيب 4: 49- 129، الوسائل 9: 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1

ح 7.

(3) الفقيه 2: 19- 61، الوسائل 6: 290 أبواب المستحقين للزكاة ب 42 ح 1.

(4) مستطرفات السرائر: 33- 35، الوسائل 9: 291 أبواب المستحقين للزكاة ب 42 ح 4.

(5) المقنعة: 241، النهاية: 184، الفقيه 2: 3، الإشارة: 112، الديلمي في المراسم: 133.

(6) الكافي 7: 14- 4، التهذيب 9: 202- 805، الوسائل 19: 341 أبواب أحكام الوصايا ب 33 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 291

يفسّرون سبيل اللّه به «1».

فروع:

أ:

إذا اعطي هذا السهم إلى شخص ليحجّ أو يزور أو يعلّم أو يتعلّم أو نحو ذلك، فهل يعتبر فيه الفقر، أو عدم التمكّن من العمل المقصود بدونه، أو لا يعتبر فيه شي ء منهما؟

الظاهر: الثاني، كما اختاره جدّي الأمجد- قدّس سرّه- في الرسالة.

أمّا عدم اشتراط الفقر، فلإطلاق الآية، و لو بضميمة تفسيرها في المرسلة، بل للتفصيل فيها القاطع للشركة، و لإطلاق الأخبار المجوّزة لصرف الزكاة في الحجّ «2»، و به يعارض ما دلّ على عدم حلّية الصدقة لغني «3»، و يرجّح الإطلاق؛ لموافقة الآية و لو بضميمة التفسير.

و أمّا اشتراط عدم التمكّن، فللتقييد به في المرسلة التي هي للآية مفسّرة، فتقيّد بها الآية، و لا يفيد الإطلاق المذكور هنا؛ لعدم المرجّح، و كون الأصل مع عدم مشروعيّة الإعطاء.

ب:

لو كتب من هذا السهم مصحفا أو كتابا أو بنى حمّاما أو رباطا أو نحو ذلك، يشترك فيه المؤمنون جميعا، و يجوز لهم الانتفاع به كسائر المصالح العامّة.

و لا يملكه المزكّي و لا يجوز له تملّكه، لعدم ملكيّة الزكاة له، بل لا يجوز له تمليكه للغير و لو لفقير إذا كتبه أو بناه بقصد الصرف في سبيل اللّه؛ لأنّ المكتوب و المبنيّ ليس ملكا له حتى يملّكه

غيره.

______________________________

(1) كما في بداية المجتهد 1: 277، الأم للشافعي 2: 72، بدائع الصنائع 2: 46.

(2) الوسائل 9: 290 أبواب المستحقين للزكاة ب 42.

(3) الوسائل 9: 231 أبواب المستحقين للزكاة ب 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 292

نعم، لو فعله أولا لنفسه جاز تمليكه فقيرا من الزكاة.

و منه يظهر عدم جواز وقفه لطائفة أو بشرائط بعد كون الفعل أولا بقصد صرف الزكاة في سبيل اللّه، و لو كتب لنفسه جاز الوقف بعده من الزكاة.

ج:

يجوز شراء الكتب و إجراء القنوات و نحوها، و وقفها من هذا السهم على المؤمنين، و على طائفة خاصّة منهم، كأهل بلد أو قرية أو محلّة، أو على قبيلة، أو على أقاربه، بل على أولاده مع قصد القربة؛ لصدق سبيل الخير.

د:

من سبيل الخير في زمن الغيبة: الغزاة مع أعداء الدين إذا دهموا المسلمين، و خيف منهم عليهم أو على بيضة الإسلام، فيعطون من هذا السهم.

و الظاهر اعتبار احتياج الغزاة إليه و لو في الغزو خاصّة دون مئونة السنة، أو توقّف إنهاضهم على الغزو عليه؛ مع احتمال عدم اعتبارهما أيضا، كما إذا تمكّن أحد من شراء السلاح من ماله، و أراد الشراء أيضا، فأعطاه أحد من زكاته؛ لصدق سبيل الخير.

و الأحوط الترك حينئذ.

الصنف الثامن: ابن السبيل.
اشاره

بالأدلّة الثلاثة، و هو المسافر الذي احتاج في السفر و لم يكن له ما يبلغه إلى وطنه و إن كان غنيا في بلده، إذا كان بحيث يعجز عن التصرّف في أموال في السفر ببيع و نحوه و عن الاستدانة، وفاقا للأكثر [1].

لأنّه القدر المقطوع به من ابن السبيل، فيبقى غيره تحت الأصل، و للمرويّ في تفسير عليّ- المنجبر بالعمل-: «و ابن السبيل: أبناء الطريق

______________________________

[1] كالشهيد الأوّل في اللمعة (الروضة 2):

49، و الشهيد الثاني في الروضة 2:

49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 293

الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه، فيقطع عليهم، و يذهب مالهم، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات» «1».

خلافا لمن لم يذكر الشرط، فلم يعتبر العجز عن التصرّف في أموال بلده مطلقا، كبعضهم «2»، أو لم يعتبر العجز عن الاستدانة خاصّة، كبعض آخر «3»؛ لعموم الآية و الخبر.

و يجاب: بمنع العموم؛ لأنّ ابن السبيل مجاز فيما يراد به في الآية، و مجازه غير متعيّن، فلعلّه الذي لم يتمكّن من كفايته في السفر مطلقا و لو ببيع أو استدانة.

و كذا قوله في الخبر: «فيقطع عليهم» فإنّ في معناه إجمالا، فلعلّه ما يتضمّن عدم التمكّن المذكور، مع أنّ الغنيّ المتمكّن من الاعتياض و الاستدانة في السفر غنيّ لغة و عرفا، فيدخل في الأخبار المصرّحة بعدم حلّية الصدقة لغني، و يعارض بها الخبر.

و لمن لم يعتبر الكون في السفر، بل جعله أعمّ منه و من المريد للسفر، كالإسكافي «4»؛ لحجّة ضعيفة مخالفة للخبر المذكور المنجبر.

ثمَّ إنّ منهم من ألحق الضيف بابن السبيل «5».

فإن أرادوا منه المسافر المحتاج النازل عليك، فهو داخل في ابن السبيل بالمعنى المذكور.

و إن أرادوا الأعمّ من المسافر أو المحتاج، فلا دليل عليه، سوى ما

______________________________

(1) تفسير القمي 1: 299، التهذيب 4: 49- 129، الوسائل 9: 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 7.

(2) انظر: الرياض 1: 283.

(3) كما في المعتبر 2: 578، و المدارك 5: 236، و الذخيرة: 457.

(4) حكاه عنه في المختلف: 182.

(5) كما في المعتبر 2: 578، و البيان: 315.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 294

قيل من وجود رواية دالّة عليه «1».

و ضعفها- الخالي عن الانجبار،

بل الوهن باعتبار عدم فتوى الناقل لها بظاهرها كما قيل «2»- يمنع من العمل بها؛ مع أنّ الظاهر من الرواية- على ما في الغنية- اعتبار السفر و الحاجة في الضيف «3»، فيكون من أفراد ما ذكر.

فروع:

أ:

يشترط في جواز إعطاء الزكاة ابن السبيل كون سفره غير معصية، بلا خلاف كما قيل «4»، بل بالإجماع ظاهرا؛ للخبر المذكور.

بل ظاهره اشتراط كون السفر طاعة، كما هو ظاهر الإسكافي «5».

و لو لا ظهور الإجماع على خلافه لاتّجه القول به، إلّا أنّ الظاهر أنّ خلافه إجماعي، و ادّعى عليه الإجماع جماعة، منهم جدّي- قدّس سرّه- في الرسالة؛ مع أنّ استعمال الطاعة في مقابل المعصية شائع.

و الشرط إباحة السفر حين الإعطاء، فلو أنشأ السفر عاصيا ثمَّ رجع عن المعصية لم يمنع.

ب:

لا يمنع الإعطاء نيّة إقامة العشرة؛ للاستصحاب، و عدم زوال صدق الاسم.

و عن الشيخ: المنع؛ للخروج عن اسم المسافر «6». و فيه منع ظاهر.

ج:

يعطى ابن السبيل ما يكفيه لذهابه و عوده إن قصد غير بلده، و ما

______________________________

(1) الرياض 1: 283.

(2) في المبسوط 1: 252.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 568.

(4) في المدارك 5: 236.

(5) حكاه عنه في المختلف: 182.

(6) المبسوط 1: 257.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 295

يكفيه لوصوله بلده إن قصده، أو إلى موضع يتمكّن فيه من البيع أو الاستدانة.

و لا يعطى الأزيد؛ لعدم دليل عليه، فإنّ قدر الوصول يقيني، و مدلول عليه بالخبر، و الزائد مشكوك فيه، فينفى بالأصل، فلو اعطي الزائد استعيد منه.

و لو استفضل من قدر الكفاية بالتقتير أو نحوه، قيل: يستعاد «1»، و قيل: لا «2»، و للنظر في كلّ منهما مجال، و إن كان الأحوط الأول.

و كذا إذا حصل التمكّن و الغناء في أثناء السفر.

______________________________

(1)

كما في المبسوط 1: 253، و المعتبر 2: 579، و المنتهى 1: 528، و الدروس 1: 242.

(2) الخلاف 4: 235.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 296

الفصل الثاني في أوصاف المستحقّين و هي أمور:
الأول: الإيمان.
اشاره

أي الإسلام مع معرفة الأئمّة الاثني عشر، فلا يجوز دفع الزكاة إلى غير المؤمن، بلا خلاف يعلم كما في الذخيرة «1»، بل بالإجماع المحقّق، و المحكيّ كما عن الانتصار و الغنية و المنتهى و في الحدائق «2»؛ له، و للمستفيضة من النصوص:

كموثّقة زرارة و محمّد: «الزكاة لأهل الولاية» «3».

و صحيحة عليّ بن بلال: هل يجوز أن أدفع زكاة المال و الصدقة إلى محتاج غير أصحابي؟ فكتب: «لا تعط الصدقة و الزكاة إلّا أصحابك» «4».

و صحيحة العجلي، و فيها: «كلّ عمل عمله و هو في حالة نصبه و ضلالته ثمَّ منّ اللّه عليه و عرّفه الولاية فإنّه يؤجر عليه إلّا الزكاة، فإنّه يعيدها؛ لأنّه وضعها في غير موضعها؛ لأنّها لأهل الولاية» «5»، و قريبة منها حسنة ابن أذينة «6».

______________________________

(1) الذخيرة: 457.

(2) الانتصار: 82، الغنية (الجوامع الفقهية): 568، المنتهى 1: 522، الحدائق 12: 203.

(3) التهذيب 4: 52- 135، الوسائل 9: 224 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 9.

(4) التهذيب 4: 53- 140، الوسائل 9: 222 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 4.

(5) التهذيب 5: 9- 23، الوسائل 9: 216 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 1.

(6) الكافي 3: 546- 5، الوسائل 9: 217 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 297

و حسنة الفضلاء الخمسة: في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء:

الحروريّة و المرجئة و العثمانيّة و القدريّة، ثمَّ يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه، أ يعيد كلّ صلاة صلّاها أو صوم أو

زكاة أو حجّ؟ أو ليس عليه إعادة شي ء من ذلك؟ قال: «ليس عليه إعادة شي ء من ذلك غير الزكاة، لا بدّ أن يؤدّيها؛ لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها، و إنّما موضعها أهل الولاية» «1».

و صحيحة عمر بن يزيد: عن الصدقة على النّصّاب و على الزيديّة؟

فقال: «لا تصدّق عليهم بشي ء، و لا تسقهم من الماء إن استطعت» «2».

و صحيحة ضريس: إنّ لنا زكاة نخرجها من أموالنا، ففي من نضعها؟

فقال: «في أهل ولايتك»، فقال: إنّي في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك، فقال: «ابعث بها إلى بلدهم» «3».

و صحيحة الأشعري: عن الزكاة، هل يوضع في من لا يعرف؟ قال:

«لا، و لا زكاة الفطرة» «4».

و رواية البزنطي: عن الرجل له قرابة و موالي و أتباع يحبّون أمير المؤمنين، و ليس يعرفون صاحب هذا الأمر، أ يعطون من الزكاة؟ قال:

«لا» «5»، و ظاهر أنّ السؤال إنّما هو عن الجواز، فالنفي له.

______________________________

(1) الكافي 3: 545- 1، التهذيب 4: 54- 143، العلل: 373- 1، الوسائل 9: 216 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 2.

(2) التهذيب 4: 53- 141، الوسائل 9: 222 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 5.

(3) الكافي 3: 555- 11، الوسائل 9: 222 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 3.

(4) الكافي 3: 547- 6، التهذيب 4: 52- 137، المقنعة: 242، الوسائل 9:

221 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 1.

(5) الكافي 3: 551- 3، التهذيب 4: 55- 147، الوسائل 9: 248 أبواب المستحقين للزكاة ب 16 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 298

و حسنة زرارة و محمّد: «فأمّا اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك إلّا من يعرف، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس» «1»،

و الناس في عرفهم هم العامّة، كما أنّ العارف الفرقة المحقّة.

و رواية عبد اللّه بن أبي يعفور: ما تقول في الزكاة لمن هي؟ قال:

فقال: «هي لأصحابك»، قال: قلت: فإن فضل عنهم؟ قال: «فأعد عليهم»، قال: قلت: فإن فضل عنهم؟ قال: «فأعد عليهم»، قال: قلت:

فإن فضل عنهم؟ قال: «فأعد عليهم» «2» الحديث.

و موثّقة أبي بصير: الرجل تكون عليه الزكاة و له قرابة محتاجون غير عارفين، أ يعطيهم من الزكاة؟ فقال: «لا، و لا كرامة» «3».

و رواية الأوسي: لي زكاة فإلى من أدفعها؟ قال: «إلينا»، فقال: أ ليس الصدقة محرّمة عليكم؟! فقال: «بلى إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا»، فقال: إنّي لا أعرف لها أحدا، قال: «فانتظر بها سنة»، قال: فإن لم أصب لها أحدا؟ قال: «انتظر بها سنتين حتى بلغ أربع سنين» ثمَّ قال له:

«إن لم تصب لها أحدا فصرّها صررا فاطرحها في البحر، فإنّ اللّه عزّ و جلّ حرّم أموالنا و أموال شيعتنا على عدوّنا» «4»، إلى غير ذلك.

فروع:

أ:

ما مرّ من عدم جواز إعطاء الزكاة إلى غير المؤمن عامّ لصورتي

______________________________

(1) الكافي 3: 496- 1، الفقيه 2: 2- 4، التهذيب 4: 49- 128، الوسائل 9:

209 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 1.

(2) التهذيب 4: 53- 142، الوسائل 9: 222 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 6.

(3) الكافي 3: 551- 4، التهذيب 4: 55- 148، الوسائل 9: 248 أبواب المستحقين للزكاة ب 16 ح 2.

(4) التهذيب 4: 52- 139، الوسائل 9: 223 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 299

وجود المؤمن و عدمه، كما صرّح به بعض الأخبار المتقدّمة.

و قد يحكى قول بجواز إعطاء المستضعفين من أهل الخلاف الذين

لا يعاندون الحقّ مع عدم وجود المؤمن «1»؛ لرواية يعقوب بن شعيب «2»، المخالفة لعمل الفرقة، المردودة بالندرة كما في المعتبر «3»، و الشذوذ كما في المنتهى «4» ب:

استشكل في الحدائق في عوامّ الشيعة الذين لا يعرفون اللّه سبحانه إلّا بهذا اللفظ، أو النبيّ أو الأئمّة كلّا أو بعضا أو شيئا من المعارف الخمس، ثمَّ قال: و الأقرب عندي عدم إجزاء إعطائهم «5».

أقول: و هو كذلك؛ إذ موضع الزكاة من يعرف صاحب هذا الأمر و من كان من أهل الولاية، و من لم يعرف الأئمّة أو واحدا منهم أو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يصدق عليه أنّه يعرف صاحب هذا الأمر، و لا يعلم أنّه من أهل الولاية و أنّه العارف.

بل و كذلك لو عرف الكلّ بأسمائهم فقط- يعني مجرّد اللفظ- و لم يعرف أنّه من هو و ابن من؛ إذ لا يصدق عليه أنّه يعرفه و لا يتميّز عن غيره.

و الحاصل: أنّه يشترط معرفته بحيث يعيّنه في شخصه و يميّزه عن غيره.

و كذا من لا يعرف الترتيب في خلافتهم.

و لو لم يعلم أنّه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا، فهل يشترط في الإعطاء الفحص عنه؟

______________________________

(1) الحدائق 12: 205.

(2) التهذيب 4: 46- 121، الوسائل 9: 223 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 7.

(3) المعتبر 2: 580.

(4) المنتهى 1: 523.

(5) الحدائق 12: 206.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 300

الظاهر: نعم، إذا احتمل في حقّه عدم المعرفة، و لا يكفي الإقرار الإجماليّ بأنّي مسلم مؤمن و إثنا عشري.

و لو علمنا أنّه يعرف النبيّ و الأئمّة بأسمائهم الشريفة و أنسابهم المنيفة و ترتيبهم و أقرّ بما يجب الإقرار به في حقّهم، فهل يجب الفحص

عن حاله أنّه هل هو مجرّد إقرار أو مذعن بما يعرف و معتقد له؟

لا يجب؛ لأنّه خلاف سيرة العلماء و طبقتهم، و لأنّ معرفة ذلك غير ممكن غالبا؛ إذ قد يحصل اليقين بما لا يمكنه بيانه، بل لا يمكن أبدا؛ إذ غاية ما يمكن الفحص عنه طلب الدليل عنه، فيمكن أن لا يكون مذعنا بمقتضى الدليل، و إن تمّت هيئة استدلاله.

ج:

يجوز أن يعطى الزكاة أطفال المؤمنين بغير خلاف يعلم، كما صرّح به جماعة [1]، بل بالإجماع كما في الروضة و المدارك «1»، بل المختلف «2»؛ لإطلاق الكتاب و السنّة.

و حسنة أبي بصير: الرجل يموت و يترك العيال، أ يعطون من الزكاة؟

قال: «نعم، حتى ينشئوا و يبلغوا و يسألوا من أين كان يعيشون إذا قطع ذلك عنهم»، فقلت: إنّهم لا يعرفون، قال: «يحفظ فيهم ميّتهم، و يحبّب إليهم دين أبيهم، فلا يلبثوا أن يهتمّوا بدين أبيهم، فإذا بلغوا و عدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم» «3».

و رواية أبي خديجة: «ذريّة الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة

______________________________

[1] كالسبزواري في الذخيرة: 458، صاحب الحدائق 12: 207، صاحب الرياض 2: 284.

______________________________

(1) الروضة 2: 50، المدارك 5: 240.

(2) المختلف 2: 183.

(3) الكافي 3: 548- 1، التهذيب 4: 102- 287، الوسائل 9: 226 أبواب المستحقين للزكاة ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 301

و الفطرة، كما كان يعطى أبوهم حتى يبلغوا» «1» الحديث.

و رواية عبد الرحمن: رجل مسلم مملوك، و مولاه رجل مسلم، و له مال يزكّيه، و للمملوك ولد حرّ صغير، أ يجزي مولاه أن يعطي ابن عبده من الزكاة؟ قال: «لا بأس به» «2».

و لا يجوز إعطاء أطفال غير المؤمنين بلا خلاف يوجد أيضا؛ لعدم تحقّق

الشرط- الذي هو الإيمان و الولاية- و اختصاص غير الأخيرة من روايات الجواز بأطفال المؤمنين، بل دلالة العلّة المذكورة في الرواية الأولى بقوله: «يحفظ فيهم ميّتهم» على الاختصاص، و به يخصّص عموم الأخيرة الحاصلة من ترك الاستفصال.

و من أطفال غير المؤمنين أطفال العوام الذين لا يعلم معرفة آبائهم النبيّ أو الأئمّة بأسمائهم و ترتيبهم.

و لا تشترط عدالة الآباء و لو قلنا باشتراطها في الآباء، كما صرّح به في المقنعة و المعتبر و السرائر و المنتهى «3»، حاكيين له عن السيّد في الطبريّات و الشيخ في التبيان «4»، و تبعهم المتأخّرون [1]، بل في الروضة: الاتّفاق عليه «5».

للأصل، و الإطلاقات «6»، بل عموم الأخبار الحاصل بترك الاستفصال، و اختصاص ما دلّ على اشتراطها بالآباء، و عدم دليل على تبعيّتهم لهم في

______________________________

[1] منهم الشهيد في البيان: 316، و صاحب المدارك 5: 241.

______________________________

(1) الكافي 3: 549- 3، الوسائل 9: 227 أبواب المستحقين للزكاة ب 6 ح 2.

(2) الكافي 3: 563- 14، الوسائل 9: 294 أبواب المستحقين للزكاة ب 45 ح 1.

(3) المقنعة: 259، المعتبر 2: 568، السرائر 1: 460، المنتهى 1: 523.

(4) السرائر 1: 460، و المنتهى 1: 523.

(5) الروضة 2: 50.

(6) الوسائل 9: 226 أبواب المستحقين للزكاة ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 302

الفسق و العدالة، و إنّما هو في تبعيّتهم لهم في الإيمان و الكفر لا غيرهما.

ثمَّ قيل: ظاهر النصوص جواز الدفع إلى الطفل من غير اشتراط وليّ إذا كان مميّزا بحيث يصرفها في وجه يسوغ للوليّ صرفها فيه، كما صرّح به جماعة من متأخّري المتأخّرين [1].

و فيه نظر؛ لأنّ الإعطاء و إن كان ظاهرا فيما ذكره، و لكنّه لا يراد في حقّ غير

المميّز قطعا، فلا بدّ إمّا من حمل الإعطاء على صرفها فيهم بطريق شرعي، أو تخصيص العيال و الذريّة و الابن في الأخبار المذكورة بالمميّز و لا ترجيح، فلا يكون الإعطاء ظاهرا فيما رامه.

و لذا منع في التذكرة من الدفع إليهم مطلقا؛ مستدلّا بأنّه ليس محلّا لاستيفاء ماله عن الغرماء فكذا هنا «1»، و استدلّ له أيضا بعموم أدلّة الحجر.

و لو خدش خادش في الأول: بأنّه نوع قياس، و في الثاني: بمنع العموم، لكفى استصحاب عدم جواز الدفع- حيث لا يجوز قبل التميّز- دليلا على عدم جواز الدفع، فهو الأقوى، مضافا إلى أنّ صرف الطفل عين الزكاة قد يحتاج إلى المبادلة ببيع أو شراء، و مثله غير جائز عن الطفل بصريح الأخبار، فلا تكون الزكاة مصروفة له.

نعم، هذا إذا لم تصرف عين الزكاة، و احتاج صرفها إلى مبادلة، أو لم يعلم المزكّي بصرفه عينه في مصارفها.

و أمّا إذا كانت الزكاة ممّا تصرف بنفسها و علم أنّ الطفل يصرفها- كطعام أعطاه و هو يأكله عنده، أو ثبات يلبسها- فلا إشكال في جوازه.

و تدلّ عليه النصوص «2»؛ لصدق الإعطاء حينئذ بأيّ معنى حمل، بل

______________________________

[1] منهم صاحب الحدائق 12: 208، و صاحب الرياض 1: 284.

______________________________

(1) التذكرة 1: 236.

(2) الوسائل 9: 226 أبواب المستحقين للزكاة ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 303

جواز ذلك في غير المميّز أيضا.

ثمَّ إذا لم يجز إعطاء الطفل، فإن كان له وليّ يدفع إليه و لو كان الحاكم الشرعيّ أو عدول المسلمين، و إلّا فإن كان من يقوم بأمره و يعتني بحاله- بحيث يعلم أنّه يصرفها مصارف الطفل- جاز الدفع إليه، بل يجوز ذلك مع وجود الوليّ أيضا.

و لا يكفي مجرّد الظنّ و العدالة

و الأمانة، و إلّا فيصرفها المزكّي بنفسها في حوائج الطفل.

د:

قيل: حكم المجنون حكم الطفل «1»، فإن ثبت الإجماع عليه، و إلّا فمحلّ نظر؛ لعدم كونه عارفا.

ه:

يشترط ذلك الشرط في العاملين أيضا بالاتّفاق، كما صرّح به بعضهم «2»؛ للعمومات المتقدّمة.

و:

صرّح جمع من الأصحاب باستثناء المؤلّفة من هذا الشرط «3»، و هو مبنيّ على أمرين: تفسير المؤلّفة بمن يتألّف للجهاد، و جواز الجهاد في زمن الغيبة.

ز:

لو أعطى المخالف زكاة ماله مثله ثمَّ استبصر المزكّي أعادها بلا خلاف يعرف، بل بالإجماع كما قيل «4»، و تصرّح به ثلاثة من الأخبار المتقدّمة «5».

الثاني: العدالة.

اعتبرها جماعة من الأصحاب، منهم: الشيخ في المبسوط و الخلاف

______________________________

(1) القواعد 1: 51.

(2) المنتهى 1: 522.

(3) كما في الاقتصاد: 282، المعتبر 2: 579، الدروس 1: 242.

(4) في المدارك 5: 242.

(5) في ص: 296 و 297.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 304

و الجمل و الاقتصاد و مختصر المصباح و الحلبي و القاضي و الحلّي و ابني حمزة و زهرة «1»، و هو ظاهر المفيد «2»، و نسبه في الخلاف إلى ظاهر مذهب أصحابنا، و عن الغنية: الإجماع عليه، و نسب إلى السيّد أيضا «3»، و ليس كذلك كما قيل، بل هو ادّعاه على مختاره الآتي.

و اعتبر السيّد في الانتصار و الجمل «4» و الشيخ في المصباح: عدم الفسق «5»، مدّعيا عليه الإجماع.

و الإسكافي: عدم كونه شارب الخمر، أو مقيما على كبيرة «6»، و اختاره جدّي قدّس سرّه.

و قال قوم من أصحابنا- كما في الخلاف- بعدم اعتبار شي ء منها «7»، و هو مذهب الصدوقين و الديلمي و الفاضلين «8»، و جمهور المتأخّرين [1].

و هو الأقوى؛ للأصل و إطلاقات الكتاب و السنّة الخالية عن الدافع و المقيّد.

______________________________

[1] كالشهيد

في الدروس 1: 242، و الشهيد الثاني في الروضة 2: 51.

______________________________

(1) المبسوط 1: 247، الخلاف 4: 224، الجمل و العقود (الرسائل العشر):

206، الاقتصاد: 282، الحلبي في الكافي في الفقه: 172، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 261، الحلّي في السرائر 1: 459، ابن حمزة في الوسيلة:

129، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568.

(2) في المقنعة: 252.

(3) نسبه إليه في المدارك 5: 243، و المفاتيح 1: 208.

(4) الانتصار: 82، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 79.

(5) مصباح المتهجد: 789.

(6) حكاه عنه في المختلف: 182.

(7) الخلاف 4: 224.

(8) الصدوق في المقنع: 52، و الهداية: 43، حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 182، الديلمي في المراسم: 133، المحقق في المعتبر 2: 580، العلامة في التحرير 1: 69، و المختلف: 182.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 305

و المرويّ في العلل: ما حدّ المؤمن الذي يعطى الزكاة؟ قال: «يعطى المؤمن ثلاثة آلاف»، ثمَّ قال: «أو عشرة آلاف، و يعطى الفاجر بقدر؛ لأنّ المؤمن ينفقها في طاعة اللّه، و الفاجر ينفقها في معصية اللّه» «1».

دليل الأول: الإجماع المنقول المؤيّد بالشّهرة القديمة.

و وجوب تحصيل البراءة اليقينيّة.

و الأخبار الناهية عن الركون إلى الظالمين و موادّتهم و معونتهم و تقويتهم «2».

و الروايات الدالّة على اختصاصها بأهل الولاية، بناء على خروج غير العدل منهم «3».

و مضمرة داود الصرمي: عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟

قال: «لا» «4».

و يردّ الأول: بعدم الحجيّة.

و توهّم تحقّق المحقّق منه؛ حيث إنّ المخالف من القدماء بين معتبر للإيمان، المحتمل لاعتبار العمل فيه، كما هو مذهب جمع من القدماء؛ و معتبر لاجتناب الكبائر، المحتمل لإرادة الاجتناب عن الإصرار على الصغائر أيضا؛ و معتبر لعدم الفسق، الذي هو

العدالة؛ لانتفاء الواسطة.

فاسد؛ لأنّ احتمال اعتبار العمل غير كاف في الحكم بالإجماع، بل يشترط عدم احتمال خلافه.

و المعتبر لاجتناب الكبائر: بين من اعتبر عدم كونه مقيما على كبيرة،

______________________________

(1) العلل: 372- 1، الوسائل 9: 249 أبواب المستحقين للزكاة ب 17 ح 2.

(2) الوسائل 17: أبواب ما يكتسب به ب 42 و 43 و 44.

(3) الوسائل 9: 221 أبواب المستحقين للزكاة ب 5.

(4) الكافي 3: 563- 9، التهذيب 4: 52- 138، المقنعة: 242، الوسائل 9:

249 أبواب المستحقين للزكاة ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 306

كالإسكافي، و ظاهر أنّ انتفاء ذلك غير كاف في إثبات العدالة.

و بين من اعتبر عدم كونه من أصحاب الكبائر «1»، و ظاهر أن لا تعلم منه كبيرة، و انتفاؤه أيضا لا يثبت العدالة، بل مجرّد اجتناب الكبائر- كما في بعض العبارات أيضا- غير مستلزم لها؛ إذ ليست العدالة مجرّد اجتناب الكبائر و عدم الإصرار على الصغائر، كما أن عدم الفسق أيضا لا يستلزمها؛ إذ الظاهر أنّ مرادهم عدم إعطائها من يعلم فسقه، كما لا يخفى على من نظر في كلماتهم، فمجهول الحال واسطة.

مع أنّه صرّح الشيخ في الخلاف بأنّ عدم اشتراط العدالة مذهب قوم من أصحابنا، و هم غير معروفين عينا و عددا، فكيف يمكن معه دعوى الإجماع؟! مع أنّ العدالة عند جمع من القدماء: مجرّد ظاهر الإسلام [1].

و منه يحصل الخدش في شهرة اشتراط العدالة المطلوبة بين القدماء أيضا.

بل نقول: إنّ الاختلاف في أمر العدالة واضح، و لا يتّفق كلام اثنين من القدماء على أمر واحد غالبا، فأيّ معنى من معانيه يمكن إثبات الشهرة أو دعوى الإجماع عليه، سوى القدر المشترك، الذي ليس هو أمرا زائدا على ظاهر

الإسلام؟! و الثاني: بحصول البراءة اليقينيّة بما تقتضيه الإطلاقات.

و الثالث: بمنع كون كلّ غير عادل ظالما، و منع كون إعطاء الزكاة ركونا بل معونة و تقوية أيضا، و إنّما هو أداء حقّ منهم، كردّ وديعته و قرضه. و منع النهي عن مطلق معونته و تقويته، و إنّما هو في ظلمة.

و الرابع: بمنع اختصاص أهل الولاية بالعدل، بل صرّح في

______________________________

[1] كالشيخ في النهاية: 510، و الراوندي في فقه القرآن 2: 165، و انظر: المقنعة: 725.

______________________________

(1) انظر: الشرائع 1: 163، و المفاتيح 1: 208.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 307

الأخبار بأنّ الشيعة يزني و يسرق «1»، و ما ظاهره خلافه على كمال التشيّع محمول.

و الخامس: بأخصّيته من المدّعى أولا، و عدم القول بالفرق بين شرب الخمر و سائر منافيات العدالة غير ثابت، بل القول بالفصل كما عرفت متحقّق.

و بعدم دلالته على الحرمة ثانيا؛ لجواز أن يكون السؤال عن إباحة الإعطاء المستلزمة لتساوي الطرفين، فيكون النفي للتساوي فيحتمل الكراهة.

و بالضعف ثالثا؛ لجهالة المسؤول عنه.

و استدلّ السيّد على قوله بالإجماع أيضا «2». و جوابه قد ظهر.

و احتج للإسكافي بالمضمرة مع ضميمة عدم الفصل «3». و جوابه ما مرّ.

و القول بالفصل هنا و إن كان أندر، و لكن ذهب إليه بعض من تأخّر [1].

هذا، ثمَّ إنّ موضع الخلاف: غير المؤلّفة و العاملين؛ لعدم اشتراطها في الأولى إجماعا- كما قيل «4»- للأصل، و منافاة مفهومها لها، و اشتراطها في الثاني بالإجماع أيضا، كما عن نهاية الإحكام و الدروس و في الروضة «5» و رسالة جدّي- قدّس سرّه- و هو ظاهر الذخيرة «6».

______________________________

[1] كصاحب الحدائق 12: 209، و السبزواري في الذخيرة: 458.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل 9: 86 أبواب أحكام العشرة ب 120

ح 13؛ و فيه: المؤمن، بدل:

الشيعة.

(2) الانتصار: 82.

(3) حكاه عنه في المعتبر 2: 580.

(4) في الرياض 1: 284.

(5) نهاية الإحكام 2: 396، الدروس 1: 242، و الروضة 2: 50.

(6) الذخيرة: 457.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 308

لرواية ابن يقطين: عمّن يلي الصدقة العشر على من لا بأس به؟

فقال: «إن كان ثقة فمره يضعها في مواضعها، و إن لم يكن ثقة فخذها منه وضعها في مواضعها» «1»، و لكنّها مختصّة بالقاسم، و لا يشمل الجابي.

و استدلّ له أيضا بما في حسنة العجلي من أمر أمير المؤمنين عليه السّلام مصدّقه بقوله: «فلا توكّل به إلّا ناصحا شفيقا أمينا حفيظا» «2».

فإنّ الوثوق- كما في الاولى- و الأمانة- كما في الثانية- لا يكون إلّا في العادل، و لكن في دلالتها على الاشتراط بالوجوب نظر؛ لاحتمال كون قوله:

«لا توكّل» نفيا؛ مع أنّه لم يعلم كون المورد عاملا، فلعلّه لحفظ المواشي.

و التحقيق: أنّ عمل العامل و ما عومل به إمّا يكون معيّنا مشخّصا يمكن الاطّلاع عليه من غير جهته بسهولة، فلا دليل على اشتراط العدالة فيه إلّا أن يثبت الإجماع .. و إن لم يكن كذلك، تشترط؛ لأصالة عدم العمل بغير العلم، خرج قول العدل فيما يخبر به من أمر الجباية، فيبقى الباقي.

الثالث: عدم وجوب نفقته على المالك.
اشاره

فلا يجوز له إعطاء زكاته لواجبي النفقة، و هم الأبوان و إن علوا، و الأولاد و إن نزلوا، و الزوجة الدائمة، و المملوك، بلا خلاف يعرف، بل بالإجماع المحقّق، و المحكي في التذكرة و المنتهى «3» و غيرهما «4»؛ له، و للمستفيضة:

كصحيحة البجلي: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب، و الام،

______________________________

(1) الكافي 3: 539- 6، الوسائل 9: 280 أبواب المستحقين للزكاة ب 35 ح 1.

(2) الكافي

3: 539- 1، التهذيب 4: 96- 274، الوسائل 9: 129 أبواب زكاة الأنعام ب 14 ح 1.

(3) التذكرة 1: 234، المنتهى 1: 523.

(4) كما في الرياض 1: 285.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 309

و الولد، و المملوك، و المرأة؛ و ذلك أنّهم عيال لازمون له» «1».

و من التعليل يثبت الحكم في الآباء العلوية و الأولاد السفلية، إن لم نقل بصدق الأب و الام و الولد عليهم.

و موثّقة إسحاق: فمن ذا الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتى لا احتسب الزكاة عليه؟ قال: «أبوك و أمّك»، قلت: أبي و أمي؟! قال:

«الوالدان و الولد» «2».

و في رواية الشحّام: في الزكاة: «يعطى منها الأخ و الأخت، و العمّ و العمّة، و الخال و الخالة، و لا يعطى الجدّ و لا الجدّة» «3».

و المرويّ في العلل و الخصال: «خمس لا يعطون الزكاة: الولد، و الوالدان، و المرأة، و المملوك؛ لأنّه يجبر على نفقتهم» «4».

و موثّقة أبي خديجة: «لا تعط من الزكاة أحدا ممّن تعول» «5»، خرج منه غير واجب النفقة بالإجماع، فيبقى الباقي.

و عدم صراحة بعضها في الحرمة- بعد الإجماع و دلالة الموثّقة الأخيرة- غير ضائر.

و أمّا روايتا عمران القمّي و محمّد بن جزك:

______________________________

(1) الكافي 3: 552- 5، التهذيب 4: 56- 150، الاستبصار 2: 33- 101، الوسائل 9: 240 أبواب المستحقين للزكاة ب 13 ح 1.

(2) الكافي 3: 551- 1، التهذيب 4: 56- 149، الاستبصار 2: 33- 100، الوسائل 9: 242 أبواب المستحقين للزكاة ب 13 ح 2.

(3) الكافي 3: 552- 6، التهذيب 4: 56- 151، الوسائل 9: 242 أبواب المستحقين للزكاة ب 13 ح 3.

(4) العلل 2: 371- 1، الخصال: 288- 45، الوسائل 9: 242 أبواب المستحقين للزكاة

ب 13 ح 4.

(5) التهذيب 4: 57- 153، الاستبصار 2: 34- 103، الوسائل 9: 244 أبواب المستحقين للزكاة ب 14 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 310

الأولى: إنّ لي ولدا رجلا و نساء، أ فيجوز أن أعطيهم من الزكاة شيئا؟

فكتب: «إنّ ذلك جائز لك» «1».

و الثانية: أدفع عشر مالي إلى ولد ابني؟ فقال: «نعم، لا بأس» «2».

فلا تنافيان ما مرّ؛ لاحتمال كلّ منهما محامل ..

كاحتمال الأولى لزكاة غير نفسه، كزكاة أعطيت ليؤدّيها أهله، أو كانت من غير سهم الفقراء، بل تكون من سهم العامل أو الغارم، أو يعطيهم لغير نفقة أنفسهم، بل لنفقة عيالهم، كالزوجة و المملوك و غير ذلك، أو لمصرف آخر يحتاجون إليه غير النفقة، ككتب العلم أو للتوسعة، أو يكون المزكّي عاجزا عن تمام الواجب من نفقتهم فسئل عن دفع التتمّة من الزكاة .. فإنّ كلّ ذلك جائز كما يأتي، و لا يثبت من قوله: شيئا، أزيد من بعض هذه.

و كاحتمال الثانية لبعض تلك الوجوه، و لغير الزكاة، بأنّ أراد أن يتشاور معه في هبة أو وصيّة و لم يكن سؤالا عن الزكاة أصلا، فإنّه لم تثبت حقيقة للعشر في الزكاة.

فروع:

أ:

لو عجز أحد عن إنفاق تمام ما يجب عليه من النفقة لمن تجب عليه نفقته- كما إذا عجز عن إدامه أو إكسائه- يجوز له إتمامه من زكاته، على ما صرّح به جماعة [1]، بل من غير خلاف يوجد كما قيل «3».

______________________________

[1] منهم الشيخ في التهذيب 4: 57، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 176، و صاحب الحدائق 12: 211.

______________________________

(1) الكافي 3: 552- 9، التهذيب 4: 56- 152، الاستبصار 2: 34- 102، الوسائل 9: 243 أبواب المستحقين للزكاة ب 14

ح 3.

(2) الكافي 3: 552- 10، الوسائل 9: 243 أبواب المستحقين للزكاة ب 14 ح 4، و فيهما: ابنتي، بدل: ابني.

(3) كما في الرياض 1: 285.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 311

لا للأصل و انتفاء المانع؛ لوجود المانع الدافع للأصل من بعض الروايات المتقدّمة.

بل لرواية أبي بصير: عن الرجل من أصحابنا له ثمانمائة درهم، و هو رجل خفّاف و له عيال كثير، إله أن يأخذ من الزكاة؟- إلى أن قال-: قلت:

فعليه في ماله زكاة تلزمه؟ قال: «بلى»، قلت: كيف يصنع؟ قال: «يتوسّع بها على عياله في طعامهم و كسوتهم» «1» الحديث.

و موثّقتي إسحاق و سماعة، الاولى: رجل له ثمانمائة درهم، و لابن له مائتا درهم، و له عشر من العيال، و هو يقوتهم منها قوتا شديدا، و ليس له حرفة بيده، إنّما يستبضعها، فتغيب عنه الأشهر، ثمَّ يأكل من فضلها، أ ترى له إذا حضرت الزكاة أن يخرجها من ماله فيعود بها على عياله يسبغ عليهم بها النفقة؟ قال: «نعم» «2» الحديث.

و الثانية: عن الرجل يكون له الدراهم يعمل بها و قد وجب عليه فيها الزكاة، و يكون فضله الذي يكتسب بماله كفاف عياله لطعامهم و كسوتهم، و لا يسعهم لأدمهم، و إنّما هو ما يقوتهم في الطعام و الكسوة، قال: «فلينظر إلى زكاة ماله ذلك فليخرج منها شيئا قلّ أو كثر، فليعطه بعض من تحلّ له الزكاة، و ليعد بما بقي من الزكاة على عياله، فليشتر بذلك آدامهم و ما يصلح لهم من طعامهم في غير إسراف» «3» الحديث.

و الإيراد- بأنّ الظاهر من هذه الأخبار أنّها وردت في زكاة مال التجارة المستحبّة دون الواجبة- مردود بأنّه لو كان فإنّما هو في الأخيرة.

______________________________

(1) الكافي

3: 560- 3، الفقيه 2: 18- 58، الوسائل 9: 232 أبواب المستحقين للزكاة ب 8 ح 4.

(2) الكافي 3: 561- 8، الوسائل 9: 232 أبواب المستحقين للزكاة ب 14 ح 1.

(3) الكافي 3: 562- 11، الوسائل 9: 242 أبواب المستحقين للزكاة ب 14 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 312

و أمّا قوله: في ماله، في الاولى، و: إذا حضرت الزكاة، في الثانية، مطلقان، غير مختصّين لا صريحا و لا ظاهرا في زكاة التجارة.

و بأنّ الأوليين واردتان في التوسعة دون تتمّة الواجب مردود بأنّ تتمّة الواجب أيضا من التوسعة.

ب:

يجوز للمالك التوسعة على عياله الواجبي النفقة من زكاته من غير إسراف؛ للروايات المذكورة «1».

و هل هو مخصوص بما إذا عجز المزكّي عن التوسعة، كما في الذخيرة «2»؟

أو يعمّ، كما هو ظاهر جماعة «3»؟

الظاهر هو الأول؛ لأنّه الظاهر من مورد الروايات، و شمولها لغيره غير معلوم.

ج:

الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة من الزكاة هو ما كان لأجل الفقر و من سهم الفقراء.

و أمّا من سهم العامل أو الغارم أو في سبيل اللّه أو المؤلّفة أو في الرقاب أو ابن السبيل، فيجوز له دفعها إليهم، على المقطوع به بين الأصحاب، كما في الذخيرة «4»، بل بلا خلاف كما في غيره «5»، و نفى عنه الإشكال في الحدائق «6»، و الريب في غيره «7».

______________________________

(1) في ص: 311.

(2) الذخيرة: 459.

(3) كما في الدروس 1: 244.

(4) الذخيرة: 459.

(5) كالمفاتيح 1: 209.

(6) الحدائق 12: 215.

(7) كما في الرياض 1: 285.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 313

و في المدارك في قضاء دين واجبي النفقة: أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب، بل قال: إنّ ظاهر المعتبر و التذكرة و المنتهى أنّه موضع وفاق بين

العلماء «1».

لعموم الآية «2»، و للأخبار الدالّة على جواز قضاء دين الأب من سهم الغارمين، و اشتراء الأب من سهم الرقاب، كما مرّ بعضها في بيان الصنفين «3».

و رواية عليّ بن يقطين: عندي المال من الزكاة أ فأحجّ به مواليّ و أقاربي؟ قال: «نعم، لا بأس» «4».

و الموالي و الأقارب و إن كانوا أعمّ من الواجبي النفقة، إلّا أنّ الزكاة الممنوع عنها لهم في رواياته أيضا أعمّ من سهم الفقراء أو في سبيل اللّه، فيتعارضان بالعموم من وجه، و يرجّح المجوّز؛ لموافقة إطلاق الآية و الأصل، و لو لم يثبت بعض الأصناف من الروايات يتمّ بالإجماع المركّب.

و على هذا، فيجوز لكلّ أحد و لو كان غنيّا، غايته صرف زكاته في دين واجبي النفقة له، و زيارتهم، و حجّهم، و تعلّمهم، و سفر تحصيل علمهم، و كتب علمهم، و تزويجهم إذا كان راجحا، و نحو ذلك.

و كذا يجوز صرف الزكاة في غير النفقة الواجبة لواجبي النفقة إذا احتاجوا إليه، كنفقة الزوجة و المملوك؛ لفحوى ما يدلّ على جواز التوسعة عليهم منها.

د:

يجوز لمن وجبت نفقته على غنيّ أخذ الزكاة من غير من تجب

______________________________

(1) المدارك 5: 228.

(2) التوبة: 60.

(3) الوسائل 9: 250 أبواب المستحقين للزكاة ب 18 و 19.

(4) الفقيه 2: 19- 36، الوسائل 9: 290 أبواب المستحقين للزكاة ب 42 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 314

نفقته عليه للتوسعة، إذا كان من يقوم بنفقته لا يوسّع عليه، إمّا لعدم سعته أو معها.

أمّا الجواز، فلصحيحة البجلي: عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفونه مئونته، أ يأخذ من الزكاة ليوسّع به إذا كانوا لا يوسّعون عليه من كلّ ما يحتاج إليه؟ قال: «لا بأس» «1»،

و لصدق الفقير عرفا عليه حينئذ.

و أمّا اشتراط عدم قيامه بتوسعته، فلعدم صدق الفقير عليه مع القيام، فإنّ وجوب نفقته على الغير و قيامه بها يخرجه عن صدق الفقير، فلا مقتضي لجواز أخذه.

خلافا لمن منع الجواز مطلقا، كالتذكرة «2»؛ لعموم «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا» «3» من غير مخصّص؛ لاحتمال كون المراد من الصحيحة عدم قيامه بتمام النفقة، و لصدق الغنيّ عليه؛ لوجوب نفقته على الغير.

و يضعّف الأول: بأنّ المراد أنّهم لا يعطون من زكاة من تجب عليه نفقتهم بقرينة قوله: «الأب و الولد و الوالد»، فإنّه لا يمكن أن يكون المراد أنّ مطلق الأب لا يعطى من الزكاة، و لو سلّم العموم فيجب التخصيص بالصحيحة، و حملها على تمام النفقة خلاف الظاهر جدّا، بل لا يوافق قوله: يكفونه مئونته.

و الثاني: بمنع صدق الغنيّ مع عدم قيامه بنفقته، سيّما بما لا يجب عليه من التوسعة، و لو سلّم فيخصّص بالصحيحة.

و لمن لم يقيّد الجواز بما ذكر، بل جوّزه مطلقا، كالمنتهى و الدروس

______________________________

(1) الكافي 3: 561- 5، التهذيب 4: 108- 310، المقنعة: 264، الوسائل 9:

238 أبواب المستحقين للزكاة ب 11 ح 1؛ في النسخ: أبوه و عمّه و أخوه.

(2) التذكرة 1: 234.

(3) الوسائل 9: 240 أبواب المستحقين للزكاة ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 315

و البيان «1»؛ لصدق الفقير. و هو ممنوع مع قيامه بالتوسعة.

و للصحيحة. و هي مقيّدة.

ثمَّ إنّ من جوّز الأخذ مطلقا أو مقيدا خصّ بغير الزوجة و المملوك.

و استدلّ للأولى: بأنّ نفقتها كالعوض من بعضها، فيكون كذي العقار الذي يستعين بالأجرة.

و للثاني: بأنّه لا يملك شيئا، بل ماله لمولاه، فلو اعطي زكاة فكأنّها أعطيت لمولاه الغني.

و يخدش الأول:

بعدم معلوميّة كون قدر التوسعة أيضا عوضا للبضع.

و الثاني: بأنّه إنّما يتمّ على القول بعدم تملّك العبد شيئا.

و لذا جعل بعضهم المنع في الزوجة الأحوط «2»، و تردّد في الذخيرة في المملوك «3».

إلّا أن يستدلّ للتخصيص بمنع صدق الفقير مع غناء من تجب عليه نفقتهما، و استثناء قدر التوسعة كان بالصحيحة، و هي مخصوصة بالأب، و التعدّي إلى الغير بالإجماع المركّب المفقود في الموردين، إلّا أنّ الشأن في عدم صدق الفقير، و أمر الاحتياط واضح.

ه:

لو امتنع المنفق من الإنفاق على الواجب نفقته، قال في الحدائق:

يجوز لهم الأخذ من الزكاة قولا واحدا «4»، بل قيل: صرّح بذلك جماعة «5».

و لعلّ الوجه: صدق الفقير عليه مع الامتناع، و اختصاص أدلّة المنع بمن تجب عليه النفقة دون الغير، و ذلك إذا لم يمكن إجبار المنفق على

______________________________

(1) المنتهى 1: 519، الدروس 1: 242، البيان: 311.

(2) الرياض 1: 285.

(3) الذخيرة: 459.

(4) الحدائق 12: 214.

(5) الرياض 1: 285.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 316

نفقته ظاهر، و أمّا مع إمكان إجباره مشكل.

إلّا أن يقال: إنّه يجوز أخذ التوسعة كما مرّ و لا يجبر على التوسعة.

أو يقال: إنّ قبل الإجبار يصدق عليه الفقير، فما لم يجبر يجوز إعطاؤه من الزكاة.

و الاحتياط أن لا يعطى مع إمكان الإجبار- أي من يمكنه الإجبار- و أمّا من لا يتمكّن منه فيجوز له الإعطاء و إن وجد من يجبر و لم يجبر.

و:

لا يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة الناشزة بالإجماع على ما عن المعتبر «1»؛ لتمكّنها من النفقة في كلّ وقت أرادت بالطاعة، فلا تدخل في الفقراء، و كذا المعقود عليها الغير المتمكّنة؛ لما ذكر.

و يجوز دفعها إلى المتمتع بها؛ للأصل و الإطلاقات.

و ربّما قيل: بالمنع؛ لإطلاق

النصّ.

و هو ضعيف غايته؛ لأنّ النصّ باعتبار ما اشتمل عليه من التعليل في معنى المقيّد بالدائمة؛ لأنّها العيال اللازم، و هي التي يجبر على نفقتها.

نعم، لو شرط أن تكون نفقتها على الزوج منعت؛ لخروجها به عن صدق الفقير.

و يجوز للزوجة أن تدفع زكاتها إلى الزوج مع استحقاقه و إن أنفق عليها منها؛ لإطلاق الأدلّة و انتفاء المعارض.

و عن الصدوق: المنع منه مطلقا «2»، و عن الإسكافي: الجواز، و لكن لا ينفق منها عليها و لا على ولدها «3»، و لم أقف لهما على دليل.

ز:

يجوز إعطاء الزكاة لغير واجبي النفقة ممّن يعول، قريبا كان أو

______________________________

(1) المعتبر 2: 582.

(2) المقنع: 52، الهداية: 43.

(3) حكاه عنه في المختلف: 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 317

بعيدا، بلا خلاف كما في الحدائق «1»، بل بالإجماع كما في التذكرة و المدارك «2»؛ للإطلاقات.

و صدر موثّقة إسحاق المتقدّمة: لي قرابة أنفق على بعضهم، و أفضّل بعضهم على بعض، فيأتيني إبّان الزكاة أ فأعطيهم منها؟ قال: «يستحقّون لها؟» قلت: نعم، قال: «هم أفضل من غيرهم، أعطهم» «3».

و به و بالإجماع يخصّص قوله: «من يعول»- في موثّقة أبي خديجة السابقة «4»- بواجبي النفقة.

ح:

يجوز إعطاؤها لغير واجبي النفقة من الأقارب بلا خلاف؛ للإطلاق «5»، و المستفيضة، كموثّقة إسحاق و رواية الشحّام المتقدّمتين «6»، و صحيحة أحمد بن حمزة «7»، و رواية عليّ بن مهزيار «8»، بل هم أفضل من غيرهم؛ للموثّقة المذكورة، و رواية الأربعة: أيّ الصدقة أفضل؟ قال: «على ذي الرحم الكاشح» «9» [1]، و في مرسلة الفقيه: «لا صدقة و ذو رحم محتاج» «10».

______________________________

[1] و الكاشح: الذي يضمر لك العداوة- الصحاح 1: 399.

______________________________

(1) الحدائق 12: 214.

(2) التذكرة 1: 235، المدارك 5: 248.

(3)

الكافي 3: 551- 1، التهذيب 4: 56- 149، الاستبصار 2: 33- 100، الوسائل 9: 245 أبواب المستحقين للزكاة ب 15 ح 2.

(4) في ص: 309.

(5) الوسائل 9: 245 أبواب المستحقين للزكاة ب 15.

(6) في ص: 309.

(7) الكافي 3: 552- 7، التهذيب 4: 54- 144، الاستبصار 2: 35- 104، الوسائل 9: 245 أبواب المستحقين للزكاة ب 15 ح 1.

(8) الكافي 3: 552- 8، التهذيب 4: 54- 145، الاستبصار 2: 35- 105، الوسائل 9: 246 أبواب المستحقين للزكاة ب 15 ح 3.

(9) الفقيه 2: 38- 165، الوسائل 9: 246 أبواب المستحقين للزكاة ب 15 ح 5.

(10) الفقيه 2: 38- 166، الوسائل 9: 252 أبواب الصدقة ب 20 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 318

الرابع: أن لا يكون هاشميّا إن كان المزكّي غير هاشمي.
اشاره

باتّفاق الفريقين «1»؛ له، و للمستفيضة من النصوص:

منها صحيحة العيص: «إنّ أناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فسألوه بأن يستعملهم على صدقات المواشي، و قالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعله اللّه تعالى للعاملين عليها، فنحن أولى به، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا بني عبد المطلب، إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم» «2» الحديث.

و في صحيحة محمّد و زرارة و أبي بصير: «إنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطلب» «3».

و صحيحة ابن سنان: «لا تحلّ الصدقة لولد العبّاس، و لا لنظرائهم من بني هاشم» «4».

و حسنة المعلّى: «لا تحلّ الصدقة لأحد من ولد العبّاس، و لا لأحد من ولد عليّ عليه السّلام، و لا لنظرائهم من ولد عبد المطّلب» «5»، إلى غير ذلك.

و أمّا موثّقة أبي خديجة: «أعطوا الزكاة من أرادها من بني هاشم، فإنّها

تحلّ لهم، و إنّما تحرم على النبيّ و على الإمام الذي بعده و على الأئمّة» «6».

______________________________

(1) المغني لابن قدامة 2: 517، نيل الأوطار 4: 240.

(2) التهذيب 4: 58- 154، الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1.

(3) التهذيب 4: 58- 155، الاستبصار 2: 35- 106، الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 2.

(4) التهذيب 4: 59- 158، الاستبصار 2: 35- 109، الوسائل 9: 269 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 3.

(5) التهذيب 9: 158- 651، الوسائل 19: 238 أبواب أحكام الهبات ب 6 ح 4، (و فيه صدر الحديث).

(6) الكافي 4: 59- 6، الفقيه 2: 19- 40، التهذيب 4: 60- 161، الاستبصار 2:

36- 110، الوسائل 9: 269 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 319

فشاذّة مطروحة، أو على حال الضرورة أو الصدقات المندوبة محمولة، و لا يضطرّ النبيّ و الإمام إليها؛ مع أنّ المخاطبين غير معلومين، فلعلّهم من بني هاشم .. و يمكن عدم حلّية صدقاتهم للنبيّ و الإمام أيضا.

و إن كان المزكّي هاشميّا، لا يشترط له دفع زكاته إلى غير الهاشمي، بل يجوز له دفعها إلى مثله؛ بالإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضا «1»، و النصوص المرويّة مستفيضة «2».

و كذا يجوز دفعها إليه عند اضطراره، لافتقاره و عدم كفاية الخمس له؛ للإجماع، و إباحة المحظورات عند الضرورات.

و موثّقة زرارة: «و الصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلّا أن لا يجد شيئا، و يكون ممّن تحلّ له الميتة» «3».

و هل يتقدّر القدر المدفوع إليه حينئذ بقدر الضرورة، أم لا؟

فعن الشيخ و المنتهى و التحرير و النهاية و البيان و الدروس «4» و جمع من المتأخّرين [1]: الأول؛

لأنّ الضرورة تقدّر بقدرها، و لأنّه المفهوم من الموثّقة.

و فيه نظر؛ لأنّها تدلّ على أنّه إذا كان ممّن تحلّ له الميتة تحلّ له

______________________________

[1] كالشهيد الثاني في الروضة 2: 52، و صاحب المدارك 5: 254، و السبزواري في الذخيرة: 461.

______________________________

(1) انظر الخلاف 4: 240، و المنتهى 1: 524، و الرياض 1: 285.

(2) الوسائل 9: 273 أبواب المستحقين للزكاة ب 32.

(3) التهذيب 4: 59- 159، الاستبصار 2: 36- 111، الوسائل 9: 276 أبواب المستحقين للزكاة ب 33: ح 1.

(4) الشيخ في التهذيب 4: 59، و الاستبصار 2: 36، و المبسوط 6: 285، المنتهى 1: 526، التحرير 1: 69، نهاية الإحكام 2: 399، البيان: 316، الدروس 1: 243.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 320

الصدقة، لا على أنّه تحلّ له من الصدقة ما تحلّ من الميتة.

و عن المختلف و السيّدين و الشرائع و النافع «1»- بل الأكثر كما في الأول-: الثاني؛ للأخبار الدالّة على جواز إعطائها إلى أن يحصل الغنى «2».

و فيها: أنّ المتبادر منها غير المسألة.

و الأولى أن يستدلّ له بالأصل؛ لأنّ الاستثناء في الموثّقة خصّص أخبار حرمة الصدقة على الهاشميّ فارتفع في حقّه المانع، و الأصل عدم التقدير، فهو الأظهر؛ لذلك.

ثمَّ اختلف المقدّرون في قدر الضرورة، فعن كشف الرموز: أنّه ما يسدّ الرمق «3».

و عن المهذّب و المسالك و حواشي النافع للشهيد الثاني: أنّه قوت يوم و ليلة «4».

و قيل: إنّه قوت السنة له و لعياله الواجبي النفقة.

و عن المحقّق الشيخ عليّ في حواشي الشرائع و الإرشاد: أنّه قوت اليوم و الليلة، إلّا مع توقّع ضرر الحاجة إن لم يدفع إليه قوت السنة، فيدفع إليه.

و عنه في حواشي القواعد عكس ذلك، فيدفع إليه قوت السنة، إلّا

أن يرجى حصول الخمس في أثناء السنة، فيعطى تدريجا «5».

و الاقتصار على القدر المجمع عليه إن قلنا بالتقدير يقتضي المصير

______________________________

(1) المختلف: 185، السيد في الانتصار: 85، و الجمل (رسائل المرتضى 3): 79، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568، الشرائع 1: 163، النافع: 60.

(2) انظر: الوسائل 9: 276 أبواب المستحقين للزكاة ب 33.

(3) كشف الرموز 1: 258.

(4) المهذب البارع 1: 536، المسالك 1: 61.

(5) جامع المقاصد 3: 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 321

إلى الأقلّ، و كذا الاستناد إلى الانفهام من الموثّقة.

فروع:

أ:

لا يختصّ تحريم الصدقة على بني هاشم بسهم الفقراء، بل يحرم عليهم مطلقا؛ للإطلاقات «1».

و نقل في المبسوط و السرائر عن قوم: جواز استعمالهم على الصدقات و إعطائهم من سهم العاملين «2».

و الظاهر- كما في المختلف- أنّهم من العامّة «3»، و يؤكّده ما في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف من دعوى إجماعنا على عدم الجواز، و نسبة الجواز إلى بعض من أصحاب الشافعي «4». و كيف كان فتردّه الإطلاقات، و خصوص صحيحة العيص المتقدّمة «5».

ب:

لا تحرم الصدقات غير الواجبة على الهاشمي و لو من غيره، و من الواجبة غير الزكاة.

أمّا الأول، فعلى الحقّ الأشهر كما في التذكرة «6»، بل بلا خلاف يعلم كما في الذخيرة «7»، بل مطلقا كما في المفاتيح «8»، بل عند علمائنا كما عن المبسوط و المنتهى «9»، بل بالإجماع كما عن الخلاف «10».

______________________________

(1) راجع ص 318.

(2) المبسوط 1: 248، السرائر 1: 457.

(3) المختلف: 184.

(4) الخلاف 4: 232.

(5) في ص: 318.

(6) التذكرة 1: 235.

(7) الذخيرة: 461.

(8) المفاتيح 1: 232.

(9) المبسوط 3: 302، المنتهى 1: 525.

(10) الخلاف 4: 240.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 322

و أمّا ما في

التذكرة من قوله: روى الجمهور، عن الصادق، عن أبيه الباقر عليه السّلام: «إنّه كان يشرب من سقايات بين مكّة و المدينة، فقيل له:

أ تشرب من الصدقة؟! فقال: إنّما حرّم علينا المفروضة» «1»، حيث إنّ ظاهره تفرّد العامّة بالرواية.

فإنّما هو في حقّ الإمام خاصّة، فإنّه صرّح: أنّ الصدقة المندوبة محرّمة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قال: إنّ حكم الأئمّة في ذلك أيضا حكمة، و وافقه في المسالك «2» و جمع آخر [1].

و بالجملة: فكلامه إنّما هو في خصوص الإمام، فلا ينافي ادّعاءه الشهرة على الجواز في المندوبة لبني هاشم.

و أمّا الثاني، فعلى الأظهر أيضا، كما هو ظاهر المدارك و الذخيرة «3»، بل لم أعثر فيه أيضا على مخالف سوى ما في التذكرة من احتمال المنع «4».

و يدلّ على الأول- مضافا إلى ظاهر الإجماع- قويّة [2] الهاشمي:

أ تحلّ الصدقة لبني هاشم؟ فقال: «إنّما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا، و أمّا غير ذلك فليس به بأس» «5».

و على الثاني روايته: عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم، ما

______________________________

[1] نقله عن كتاب الأربعين للشيخ البهائي في الحدائق 12: 218، و فصل في المفاتيح 1: 232 بين الصدقة العامة فجوّزها و بين الصدقة الخاصة فحرّمها.

[2] في «س» زيادة: كصحيحة.

______________________________

(1) التذكرة 1: 235.

(2) المسالك 1: 61.

(3) المدارك 5: 256، الذخيرة: 461.

(4) التذكرة 1: 235.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 9    323     فروع: ..... ص : 321

(5) الكافي 4: 59- 3، التهذيب 4: 62- 166، المقنعة: 243، الوسائل 9: 272 أبواب المستحقين للزكاة ب 31 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 323

هي؟ فقال: «هي الزكاة» «1».

و عليهما رواية الشحّام: عن

الصدقة التي حرّمت عليهم، قال: «هي الزكاة المفروضة» «2».

و بهذه الأخبار تخصّص مطلقات تحريم الصدقة على بني هاشم.

و صحيحة البجلي: «لو حرّمت علينا الصدقة لم يحلّ لنا أن نخرج إلى مكّة؛ لأنّ كلّ ما بين مكّة و المدينة فهو صدقة» «3»، دلّت على عدم حرمة مطلق الصدقة، فإمّا يفسّر بما ذكرنا بشهادة ما مرّ، أو يكون مجملا تخرج به المطلقات عن الحجّية في غير موضع الإجماع، و هو الزكاة المفروضة.

ج:

الهاشميّون هم بنو عبد المطلب، و الموجود منهم في هذه الأزمنة أولاد أمير المؤمنين عليه السّلام و العبّاس و أبي لهب، و قيل: الحارث أيضا «4».

و في الاختصاص بالمتقرّب بالأب أو الأعمّ منه و من المتقرّب بالأم أيضا، وجهان ..

(الحقّ: هو الأول، كما صرّح به في مرسلة حمّاد، و فيها: «و من كانت امّه من بني هاشم و أبوه من سائر قريش فإنّ الصدقات تحلّ له، و ليس له من الخمس شي ء» «5»، و يأتي تحقيقه في بحث الخمس أيضا) [1].

______________________________

[1] بدل ما بين القوسين في «ق»: و يأتي تحقيقه في موضعه.

______________________________

(1) التهذيب 4: 58- 156، الاستبصار 2: 35- 107، الوسائل 9: 274 أبواب المستحقين للزكاة ب 32 ح 5.

(2) التهذيب 4: 59- 157، الاستبصار 2: 35- 108، الوسائل 9: 274 أبواب المستحقين للزكاة ب 32 ح 4.

(3) التهذيب 4: 61- 165، الوسائل 9: 272 أبواب المستحقين للزكاة ب 31 ح 1.

(4) كما في المنتهى 1: 525.

(5) التهذيب 4: 128- 366، الاستبصار 2: 56- 186، الوسائل 9: 271 أبواب المستحقين للزكاة ب 30 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 324

الفصل الثالث في ما يتعلّق بهذا البحث من الأحكام
و فيه مسائل:
المسألة الأولى [مقدار أجرة العاملين ]
اشاره

قد مرّ أنّ العاملين يعطون من الزكاة في هذه الأزمنة بقدر اجرة العمل لا

أزيد و لا أنقص، و أنّ ابن السبيل يعطى ما يكفيه لذهابه و إيابه، و الغارمون و الرقاب ما يؤدّون به الدين و يفكّون الرقبة لا أزيد؛ و وجهه ظاهر.

و أمّا الفقراء، فقد وقع الخلاف في أقلّ ما يعطى واحد منهم من الزكاة، هل يقدّر بقدر، أم لا؟

فالأول: منقول عن المقنعة و الرسالة العزّية للمفيد و الانتصار و المسائل المصريّة للسيّد و النهاية و المبسوط و التهذيب «1» و الصدوقين و الإسكافي و الديلمي و الوسيلة و الغنية و الإرشارة و المعتبر و الشرائع و النافع «2» و صاحب الحدائق من متأخّري المتأخّرين «3»، و مال إليه بعض مشايخنا [1]،

______________________________

[1] و هو صاحب الرياض 1: 288.

______________________________

(1) المقنعة: 243، الانتصار: 82، النهاية: 189، المبسوط 1: 260، التهذيب 4: 62.

(2) الصدوق في المقنع: 50، حكاه عن والده في الفقيه 2: 10، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 186، الديلمي في المراسم: 133، الوسيلة: 130، الغنية (الجوامع الفقهية): 568، الإشارة: 113، المعتبر 2: 590، الشرائع 1:

166، النافع: 60.

(3) الحدائق 12: 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 325

و نسبه جماعة إلى المشهور بين القدماء «1»، و اخرى- و منهم جدّي رحمه اللّه- إلى الأكثر مطلقا، و في الانتصار و المصريّة و الغنية: الإجماع عليه.

و الثاني: محكيّ عن جمل السيّد و السرائر «2».

و ذهب القاضي و الفاضل و الشهيدان «3» و أكثر من تأخّر عنهم إلى التقدير على سبيل الاستحباب [1].

فإن قلنا: إنّ تقدير الأولين أيضا استحبابي- كما صرّح به في التذكرة، حيث قال: و لا حدّ للإعطاء إلّا أنّه يستحبّ أن لا يعطى الفقير أقلّ ما يجب في النصاب الأول، و هو خمسة دراهم أو عشرة قراريط، قاله الشيخان

و ابنا بابويه و أكثر علمائنا، إلى أن قال: و ما قلناه على الاستحباب لا الوجوب إجماعا «4»- يتّحد القول الأول و الثالث.

و إن قلنا: إنّه على سبيل الوجوب، كما يستفاد عن المدارك، حيث قال: الظاهر من كلام الأصحاب أنّ هذه التقريرات على سبيل الوجوب «5»، و كذا الفاضل الهندي في شرح الروضة ..

فإن قلنا: إنّ مراد النافين للتقدير: نفي الوجوب دون الاستحباب- كما تحتمله عبارة الذخيرة؛ حيث إنّه بعد نقل نفي التقدير عمّن ذكر قال:

______________________________

[1] كالأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 208، صاحب المدارك 5: 281، السبزواري في الذخيرة: 467.

______________________________

(1) كما في المعتبر 2: 590، و الرياض 1: 288.

(2) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 79، السرائر 1: 464.

(3) القاضي في المهذّب 1: 172، و شرح الجمل: 263، الفاضل في المختلف:

186، و التذكرة 1: 244، الشهيد في الدروس 1: 244، الشهيد الثاني في الروضة 2: 56، و المسالك 1: 62.

(4) التذكرة 1: 244.

(5) المدارك 5: 281.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 326

و إلى هذا القول ذهب جماعة من الأصحاب و منهم المصنّف «1»، مع أنّ المصنّف صرّح بالتقدير الاستحبابي- فيتّحد الثاني مع الثالث.

و إن قلنا: إنّ مرادهم نفي التقدير مطلقا تكون في المسألة أقوال ثلاثة.

و التحقيق: أنّ كلام أكثر الأولين صريح أو ظاهر في الوجوب، كما أنّ الصدوق عبّر بقوله: لا يجزئ، و والده بقوله: لا يجوز، و الديلمي قال:

و أقلّ ما يجزئ، و كذا في المصريّات، و الشيخ في التهذيب حمل تجويز إعطاء الدرهمين في بعض الروايات على النصاب الثاني «2»، و صرّح بعدم جواز ذلك في النصاب الأول.

و أمّا النافون، فظاهرهم نفي الوجوب فقط.

و كيف كان، فدليل الأولين- و هم

المقدّرون وجوبا- طريقة الاحتياط، و المحكيّة من الإجماعات، و فتوى أعيان الطائفة.

و صحيحة الحنّاط: «لا يعطى أحد من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم، و هو أقلّ ما فرض اللّه من الزكاة في أموال المسلمين، فلا تعطوا أحدا من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم فصاعدا» «3».

و رواية ابن عمّار و ابن بكير: «لا يجوز أن يدفع أقلّ من خمسة دراهم، فإنّها أقلّ الزكاة» «4».

و في الفقه الرضوي: «و لا يجوز أن يعطى من الزكاة أقلّ من نصف

______________________________

(1) الذخيرة: 467.

(2) التهذيب 4: 63.

(3) الكافي 3: 548- 1، التهذيب 4: 62- 167، الاستبصار 2: 38- 116، المحاسن: 62- 168، المقنعة: 244، الوسائل 9: 257 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 2.

(4) التهذيب 4: 62- 168، الاستبصار 2: 38- 117، الوسائل 9: 257 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 327

دينار» «1».

و حجّة الثاني- و هو النافي للتقدير- الأصل، و إطلاقات الكتاب «2» و السنّة «3»، و الأخبار المستفيضة، كحسنة عبد الكريم الهاشمي: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقسّم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر، و لا يقسّمها بينهم بالسويّة، إنّما يقسّمها على قدر من يحضرها منهم و ما يرى، و ليس في ذلك شي ء مؤقّت» «4».

و حسنة الحلبي: ما يعطى المصدّق؟ قال: «ما يرى الإمام، و لا يقدّر له شي ء» «5».

و مكاتبة الصهباني الصحيحة: هل يجوز لي يا سيّدي أن اعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين و الثلاثة دراهم، فقد اشتبه ذلك عليّ؟

فكتب: «ذلك جائز» «6»، و قريبة منها الأخرى «7»، و ضعف بعضها منجبر بما ذكر.

و جواب الأولين

عنها بدفع الأصل و تقييد الإطلاق بما مرّ، و بردّ الحسنة الأولى بعدم الدلالة أصلا؛ لاحتمال كون التقدير المنفي فيها التقدير البسطي، بل هو الظاهر من صدر الحديث، فإنّه وارد في احتجاجه عليه السّلام

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السّلام: 197، مستدرك الوسائل 7: 113 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 1.

(2) التوبة: 60.

(3) الوسائل 9: 256 أبواب المستحقين للزكاة ب 23.

(4) الكافي 3: 554- 8، الفقيه 2: 16- 48، التهذيب 4: 103- 292، الوسائل 9: 265 أبواب المستحقين للزكاة ب 28 ح 1.

(5) الكافي 3: 563- 13، التهذيب 4: 108- 311، الوسائل 9: 257 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 3.

(6) التهذيب 4: 63- 169، الاستبصار 2: 38- 118، الوسائل 9: 258 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 5؛ و فيها: محمّد ابن أبي الصهبان.

(7) الفقيه 2: 10- 28، الوسائل 9: 256 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 328

على عمرو بن عبيد: قال له: «ما تقول في الصدقة؟» فقرأ إِنَّمَا الصَّدَقاتُ الآية، فقال: «كيف تقسّمها؟» قال: أقسّمها على ثمانية أجزاء، فاعطي كلّ جزء واحدا، إلى أن قال عليه السّلام: «و تجمع صدقات أهل الحضر و أهل البوادي فتجعلهم فيها سواء؟» قال: نعم، قال: «فقد خالفت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في كلّ ما قلت في سيرته، كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقسّم» إلى آخر ما مرّ.

و كذلك الثانية؛ لجواز كون: يعطى، مبنيّا للمفعول، فيكون السؤال عن حصّة العامل.

مع أنّه على فرض دلالتهما يحتملان التقييد بما بعد النصاب الأول، كما صرّح به جمع «1»، يعني: أنّه لا يقدّر شي ء بعد ذلك

التقدير، فيكون أعمّ من الأخبار المقدّرة؛ لاختصاصها بما قبل النصاب الثاني للإجماع، فيجب التقييد.

و لهما جهة عموم أخرى أيضا، و هي ما إذا تمكّن من إعطاء الزائد أو لم يتمكّن، كما إذا كان ما يجب عليه هذا القدر خاصّة، كما إذا تلف بعض النصاب بعد الحول بلا تفريط، و ما مرّ خاصّ بصورة الإمكان إجماعا، فيحتمل التقييد من هذه الجهة أيضا.

و هذان الاحتمالان جاريان في المكاتبتين أيضا، مع أنّهما لم تدلّا على عدم التقدير، بل غايتهما الدلالة على جواز دفع الدرهمين و الثلاثة في الجملة، و ذلك لا ينافي التقدير بما دونها كالدرهم الواحد، كما هو مختار الإسكافي و المصريّات بل الديلمي «2»، أو الدرهمين في الفضّة و نصف دينار في الذهب، كالمقنع «3».

______________________________

(1) انظر: الرياض 1: 288.

(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 186، الديلمي في المراسم: 134.

(3) المقنع: 50.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 329

هذا كلّه، مع أنّه على فرض التعارض يجب تقديم ما مرّ؛ لرجحانه بمخالفة العامّة و موافقة المكاتبتين، فإنّ عدم التقدير مذهب الجمهور كافّة، كما صرّح به جماعة، منهم: السيّد في الانتصار و الفاضل في التذكرة «1».

دليل الثالث: الجمع بين الأخبار.

و ردّ: بأنّ هذا الجمع ممّا لا شاهد عليه.

فأجيب: بأنّ أخبار الجواز قرينة على التجوّز في أخبار نفي الجواز.

و فيه: أنّ هذا يتمّ لو كان أحدهما نهيا و الآخر رخصة، فإنّ العرف يجعل الآخر قرينة للتجوّز في الأول، بخلاف نحو: لا يجوز و جائز، فإنّهما متنافيان قطعا.

أقول: حقّ المحاكمة أنّ الحسنتين غير دالّتين على مطلوب النافين كما ذكر، فبقيت المكاتبتان معارضتين لروايات التقدير.

و الحكم بأعميّة المكاتبتين غير جيّد؛ لأنّ الملحوظ في التعارض هو نفس المتعارضين من غير تصرّف في أحدهما

بواسطة سائر المعارضات الخارجيّة و لو كان إجماعا.

فلا بدّ من الرجوع إلى حكم المتعارضين، و المكاتبتان و إن كانتا مرجوحتين بموافقة العامّة، و لكنّهما راجحتان بالأحدثيّة و موافقة إطلاق الكتاب، و هما أيضا من المرجّحات المنصوصة، فيتكافئان، فيجب الرجوع إلى الأصل و الإطلاقات في نفي التقدير، و لكن لمّا كانت أدلّة السنن تتحمّل من التسامح ما لا يتحمّله غيرها، و يدفع أصل عدم الاستحباب، و تقيّد إطلاقاته بالأدلّة الضعيفة، فيحكم باستحباب المقدّر؛ للاحتياط، و الإجماعات المنقولة «2»، و فتوى العلماء .. بل الرضويّ أيضا «3»؛ لخلّوه عن

______________________________

(1) الانتصار: 83، التذكرة 1: 244.

(2) كما في التذكرة 1: 244.

(3) المتقدم في ص: 326.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 330

المعارض في الذهب.

فالحقّ إذن مع القول الثالث، و هو الاستحباب.

فروع:

أ:

و إذ عرفت استحباب إعطاء المقدّر لا أقلّ فقد اختلفوا فيه، فالمصرّح به في كلام أكثر المقدّرين للأقلّ وجوبا أو استحبابا خمسة دراهم في زكاة الفضّة، و نصف دينار في زكاة الذهب «1»، و عليه دعوى الشهرة «2»، و على الخمسة دعوى الإجماع في الانتصار «3».

و قيل: أقلّ من ذلك «4».

و الظاهر استحباب المشهور؛ للشهرة، و الإجماع المنقول، و الرضوي، و موافقة الروايتين المقدّرتين.

ب:

هل التقدير منحصر بزكاة النقدين، أم يجري في غيرهما أيضا؟

المذكور في كلام جماعة: هما خاصّة «5»، و لكن صريح عبارة المراسم و الغنية «6» و ظاهر مهذّب القاضي و الإشارة «7»: التعميم، و صرّح في الوسيلة بالتعميم بالنسبة إلى المواشي أيضا «8»، و في الغنية: الإجماع عليه.

و على هذا، فلا بأس بالقول بعموم الاستحباب؛ لفتوى هؤلاء و الإجماع المنقول، فيكون المقدّر في المواشي فريضة النصاب الأول، و في

______________________________

(1) كما في الانتصار: 82، و المبسوط 1:

260، و المعتبر 2: 590.

(2) كما في المعتبر 2: 590.

(3) الانتصار: 83.

(4) كما في المراسم: 133، و المختلف: 186.

(5) كما في المقنع: 50.

(6) المراسم: 134، الغنية (الجوامع الفقهية): 568.

(7) المهذّب 1: 172، الإشارة: 113.

(8) الوسيلة: 130.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 331

الغلّات فريضة النصاب، كما هو المذكور في كلام هؤلاء الأصحاب.

ج:

المستحبّ إنّما هو عدم النقصان عن المقدّر مطلقا- أي أن لا يعطى فقير أقلّ من ذلك ما دام عليه ذلك المقدار فصاعدا- فلو كان عنده نصابان يدفع الفريضتين إلى فقير واحد؛ لئلّا ينقص واحد عن المقدّر.

و ما ذكره الشهيد الثاني- أنّه يعطي فريضة الأول لواحد، و الثاني لآخر من غير كراهة «1»- غير جيّد.

نعم، إذا لم يتمكّن من إعطاء المقدّر- كما إذا تلف بعض النصاب من غير تفريط- فلا يستحبّ الإتمام من غير الزكاة، و يعطي ما عليه من غير كراهة.

المسألة الثانية: ما ذكر إنّما كان في جانب القلّة،

و أمّا في جانب الكثرة: فإن لم يكن الفقير ذا كسب لا يفي بمؤنته فلا حدّ للأكثر، فيجوز أن يعطى الفقير الواحد ما يغنيه و ما يزيد على غناه إجماعا محقّقا، و محكيّا مستفيضا «2»؛ له، و للأصل، و الإطلاقات المستفيضة «3».

و يظهر من المنتهى وقوع الخلاف، حيث قال: لو كان معه ما يقصر عن مئونته و مئونة عياله حولا جاز له أخذ الزكاة؛ لأنّه محتاج، و قيل لا يأخذ زائدا عن تتمّة المؤنة حولا، و ليس بالوجه «4». انتهى.

و يحتمل أن يكون القائل من العامّة، حيث نسب نفسه الأول إلى علمائنا أجمع «5»، و يمكن أن يكون الخلاف مخصوصا بمن معه بعض

______________________________

(1) المسالك 1: 62.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 568، المدارك 5: 282، الرياض 1: 288.

(3) الوسائل 9: 258 أبواب المستحقين للزكاة ب

24.

(4) المنتهى 1: 518.

(5) المنتهى 1: 528.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 332

المؤنة. و كيف كان، فهو ضعيف؛ لما مرّ من غير معارض.

نعم، لو تعاقب عليه العطية، فبلغت مئونة السنة، حرم عليه الزائد؛ لتحقّق الغنى المانع من الاستحقاق.

و أمّا ما في المدارك ردّا على المحقّق- من أنّه لا وجه للفرق بين الدفعة و التعاقب؛ لأنّ الفقير متى ملك مئونة السنة صار غنيّا و حرم عليه تناول الزكاة «1»- فغير جيّد جدّا.

و كذا إن كان ذا كسب غير واف بتمام المؤنة، وفاقا للأكثر على ما صرّح به غير واحد «2»؛ لما مرّ من الأصل و الإطلاق و عموم المستفيضة «3».

و حكى جماعة قولا بأنّه لا يأخذ ما يزيد على كفايته، و استحسنه في البيان «4»، و هو ظاهر اللمعة «5»، و تردّد في الدروس «6»؛ لصحيحة ابن وهب الواردة في من له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم و هو يحترف و لا يصيب نفقته منها، و فيها: «و يأخذ البقيّة من الزكاة» «7»، و نحوها غيرها «8».

و يردّ: بأنّها ليست صريحة في المنع عن الزيادة، و مع ذلك موردها غير ذي الكسب، إلّا أن يعمّم الكسب للتجارة، أو الخلاف لغير ذي الكسب أيضا، و حينئذ فيكتفى في الجواب بقصور الدلالة، فلا يصلح لتقييد الأخبار المطلقة، أو تخصيص العامّة المعتضدة بالأصل و الشهرة، و لكنّ

______________________________

(1) المدارك 5: 282.

(2) كما في المنتهى 1: 518، و المدارك 5: 197، و الرياض 1: 279.

(3) الوسائل 9: 231 أبواب المستحقين للزكاة ب 8.

(4) البيان: 311.

(5) اللمعة (الروضة 2): 45.

(6) الدروس 1: 240.

(7) الكافي 3: 561- 6، الوسائل 9: 238 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 1.

(8) التهذيب 4: 50- 130،

الوسائل 9: 239 أبواب المستحقين للزكاة ب 12 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 333

الاحتياط في كلّ حال مطلوب.

المسألة الثالثة: من ادّعى الفقر، إن عرف صدقه أو كذبه عومل به بما يقتضيه.
اشاره

و إن جهل حاله:

فإن لم يعلم له مال أولا، فالمشهور أنّه يصدّق في دعواه «1»، و في المدارك: أنّه المعروف من مذهب الأصحاب، و فيه عن ظاهر الفاضلين: أنّه موضع وفاق «2»، و في الحدائق: أنّ ظاهرهم الاتّفاق عليه «3».

و استدلّ له باتّفاق الأصحاب ظاهرا.

و بأنّه ادّعى موافقا للأصل.

و باستلزام عدمه الحرج و العسر على الفقير في كثير من الموارد، سيّما إذا كان ممّن يستحيي من الإظهار.

و بأنّه مسلم ادّعى ممكنا و لم يظهر ما ينافيه فكان مقبولا.

و بأنّ الأصل عدالة المسلم، فكان قوله مقبولا.

و برواية العرزمي: «جاء رجل إلى الحسن و الحسين عليهما السّلام على الصفا فسألهما، فقالا: إنّ الصدقة لا تحلّ إلّا في دين موجع، أو غرم مقطع، أو فقر مدقع، ففيك شي ء من هذا؟ قال: نعم، فأعطياه» «4».

و بأنّه لا يخفى على متتبّع الأخبار الواردة في البيّنة و اليمين «5» أنّه لا عموم لها على وجه يشمل ما نحن فيه، فإنّ موردها ما إذا كانت الدعوى من اثنين مدّع و منكر، و لا دلالة فيها على أنّ من ادّعى شيئا و ليس في مقابله

______________________________

(1) انظر: المعتبر 2: 568، و المنتهى 1: 526، و الحدائق 12: 163.

(2) المدارك 5: 201.

(3) الحدائق 12: 163.

(4) الكافي 4: 47- 7، الوسائل 9: 211 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 6.

(5) الوسائل 27: 233 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 334

من ينكر دعواه بأنّه يكلّف البيّنة و اليمين.

و بأنّ الظاهر من الأخبار أنّ من ادّعى ما لا يدّعى

عليه قضي له به.

و غير الثلاثة الأول من هذه الوجوه منظور فيه.

أمّا الرابع، فلمنع كلّية كبراه.

و أمّا الخامس، فله، و لمنع صغراه.

و أمّا السادس، فلأنّه قضيّة في واقعة، فلعلّ ما أعطياه لم يكن من الصدقة الواجبة و الكلام فيها.

و أمّا السابع، فبأنّ عدم ثبوت طلب البيّنة أو اليمين عن مدّع لا منكر يقابله، و عدم شمول أخبارهما له لا يستلزم تصديق قوله و العمل بمقتضاه.

و أمّا الثامن، فلمنع ثبوت كلّيته، و إنّما هو في مال لا يد لأحد عليه، و لا منازع له، و لا يطلب منه امتثال واجب و لا إبراء ذمّة.

نعم، الظاهر تماميّة دلالة الثلاثة الأول ..

أمّا الأصل، فظاهر.

و أمّا الإجماع، فلأنّه طريقة السلف و الخلف من غير نكير و مصرّح به في كلام العلماء، و نراهم يعطون الغرباء الذين لا ترجى بيّنة لهم من غير حلف، و يقتحمون الفقراء إليهم من البلدان النائية.

و أمّا العسر و الحرج على الفقراء، فلدوران الأمر بين صبرهم على الافتقار و الجوع، أو إقامة البيّنة المتعذّرة في حقّ الأكثر، و كلّ منهما حرج عظيم.

و يدلّ عليه أيضا: أنّه لولاه للزم الحرج على أرباب الزكاة أيضا، سيّما على عدم سماع الشهادة العلميّة؛ لأنّ العمل بمقتضى الحلف لا دليل عليه في المقام، و إقامة البيّنة الحسّية على الفقراء متعذّرة؛ لأنّ جهات حصول المال غير محصورة، فلعلّه وجد كنزا، أو أعطي مالا بحيث لا نعلمه، أو له

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 335

مال مدفون أو مودع و لو بمواهبه .. بل و كذا البيّنة العلميّة؛ لما ذكرنا، فلو لم تسمع دعواه لسدّ باب إعطاء الزكاة غالبا.

و يمكن أن يستدلّ عليه أيضا بحسنة أبي بصير: الرجل يموت و يترك العيال،

أ يعطون من الزكاة؟ فقال: «نعم، حتى ينشئوا و يبلغوا و يسألوا من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم» «1» الحديث.

تدلّ على أنّهم إذا قالوا: لا معيشة لهم لو قطع ذلك، يجوز إعطاؤهم.

و تؤكّده ما دلّت على كراهيّة ردّ السائل مطلقا أيضا.

و إن علم له مال أولا، فالمشهور أيضا قبول دعواه «2»، و عن المبسوط: عدمه إلّا بالبيّنة أو إمارة مفيدة للعلم «3»، و قوّاه في المدارك «4»، و مال إليه في الذخيرة «5»، و هو ظاهر جدّي- رحمه اللّه- في الرسالة.

و هو الأقوى؛ لتوقّف حصول العلم بالمشروط، و هو البراءة من الزكاة على العلم بالشرط، و هو الفقر.

و لو علم له مال، و علم تلف مال منه أيضا، و لم يعلم أنّ التالف هو ما كان له أو مال آخر حصّله، بني على الأول؛ لأصالة عدم حصول مال آخر.

و لو كان له مال يكفي لمعيشته مدّة، و مضت المدّة، و لم يعلم أنّه هل صرفه في معيشته أو حصلت المعيشة من جهة أخرى، بني على الأول أيضا؛ لعين ما ذكر.

______________________________

(1) الكافي 3: 548- 1، التهذيب 4: 102- 287، الوسائل 9: 226 أبواب المستحقين للزكاة ب 6 ح 1.

(2) كما في المعتبر 2: 568، و المنتهى 1: 526.

(3) المبسوط 1: 247.

(4) المدارك 5: 202.

(5) الذخيرة: 462.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 336

فرعان:

أ:

حكم الغارم و العبد و ابن السبيل يعلم ممّا ذكر، فلا يقبل قول الأولين إلّا مع الثبوت أو العلم بالحال أولا، و يقبل قول الثالث مع عدم العلم باستصحابه ما يكفيه أولا، لا مع العلم به.

ب:

لو ادّعى عدم الهاشميّة يسمع منه؛ لكفاية عدم العلم بالهاشميّة في إعطاء زكاة غير الهاشمي؛ لأنّ

الثابت هو منع من علمت هاشميّته؛ لأنّ التكاليف مقيّدة بالعلم، فتبقى عمومات الفقراء خالية عن المقيّد.

المسألة الرابعة: لا يشترط إعلام الفقير أنّ المدفوع إليه زكاة،

فلو كان مستحقّا لها جاز صرفها إليه من غير تسمية، بل و لو بتسمية اخرى؛ للأصل، بل الإجماع و الإطلاقات ..

و لرواية أبي بصير: الرجل من أصحابنا يستحيي أن يأخذ الزكاة، فأعطيه من الزكاة و لا اسمّي له أنّها من الزكاة، فقال: «أعطه، و لا تسمّ له، و لا تذلّ المؤمن» «1».

و ضعف الرواية سندا غير واضح، و لو وضح فغير ضائر، سيّما مع انجبارها بالعمل و موافقتها للأصل.

و أمّا حسنة محمّد: الرجل يكون محتاجا، فيبعث إليه بالصدقة و لا يقبلها على وجه الصدقة، يأخذه من ذلك ذمام و استحياء و انقباض، أ فيعطيها إيّاه على غير ذلك الوجه و هي منّا صدقة؟ فقال: «لا، إذا كانت زكاة فله أن يقبلها، فإن لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها إيّاه» «2» [1].

______________________________

[1] و الذمام: حفظ الحرمة- لسان العرب 12: 221.

______________________________

(1) الكافي 3: 563- 3، الفقيه 2: 8- 25، المقنعة: 260، الوسائل 9: 314 أبواب المستحقين للزكاة ب 58 ح 1.

(2) الكافي 3: 564- 4، الوسائل 9: 315 أبواب المستحقين للزكاة ب 58 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 337

فهي مختصّة بصورة العلم بعدم قبوله على وجه الزكاة و الإعطاء على غير ذلك الوجه، و نحن نسلّم عدم جواز الإعطاء مع ذلك؛ لهذه الرواية، التي هي أخصّ من الاولى، و لم يعلم مخالفتها لعمل الأصحاب؛ إذ لا علم لنا و لا ظنّ بذهابهم إلى الجواز مع الأمرين أيضا، سيّما إذا أعطاها إيّاه و ردّه مرّة.

و حملها في الذخيرة على صورة التصريح بأنّه غير الزكاة، و الاولى على عدم

التسمية أصلا «1».

و الصحيح ما ذكرنا؛ لاشتمالها على عدم القبول، فلا بدّ من اعتباره في القول بما يخالف الأصل و الإجماع.

و أمّا الحمل على الكراهة كما في المدارك «2»، أو على صورة احتمال كون الامتناع لعدم الاستحقاق كما في الوسائل «3»، أو جعله لفظة «لا» في قوله: فقال: «لا» إضرابا عن الكلام السابق، و ارتكاب التأويل فيما بعده كما قيل «4» .. [فوجوه ] [1] بعيدة، لا وجه لارتكابها أصلا.

المسألة الخامسة: لو دفع الزكاة إلى الفقير ثمَّ ظهر عدم فقره،
اشاره

فإمّا تكون العين باقية أو لا، و على التقديرين إمّا يكون الآخذ عالما بأنّه زكاة أم لا، و على التقادير إمّا يمكن الارتجاع منه أم لا.

ثمَّ الكلام إمّا في الارتجاع أو الإجزاء عن الزكاة.

أما الأول: فمع إمكان الارتجاع يجب مع بقاء العين اتّفاقا محقّقا

______________________________

[1] في النسخ: بوجوه، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(1) الذخيرة: 463.

(2) المدارك 5: 240.

(3) الوسائل 9: 315 أبواب المستحقين للزكاة ب 58.

(4) في الحدائق 12: 172.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 338

و محكيّا «1»، في صورة علم الآخذ بالحال أولا؛ لأنّ الأصل عدم الانتقال إلى الآخذ، و المسلّم إنّما هو انتقالها مع استجماعه شرائط الأخذ.

و أمّا بدونه فلا، حتّى أنّه لو لم يعلم بالحال يبقى مراعى إلى أن يتلف حال عدم ظهور الحال.

و على هذا، فتكون العين إمّا مال المالك أو الفقراء، فلهم الارتجاع، بل يجب على المالك؛ لأنّه مال فقير موضوع عند غير أهله بعمله و هو يتمكّن من الانتزاع.

و بما ذكرنا يظهر دفع ما جوّزه بعضهم من امتناع الآخذ للردّ «2»؛ لثبوت الملك له بالدفع على الظاهر، فإنّ الثبوت مع العلم ممنوع، بل و كذا مع عدمه، بل يقع مراعى.

و كذا إن تلفت العين و كان الآخذ عالما بالحال؛ لأنّه عاد

في إتلافه؛ لعلمه بعدم رضى المالك بشهادة الحال، فهي معارضة للإذن الصريح مقدّمة عليه.

بل و كذا لو تلفت من جانب اللّه سبحانه؛ لوضع يده على ملك الغير بدون إذنه؛ لأنّ لسان شاهد الحال يصرّح بعدم الإذن و يرتفع به الإذن الصريح.

و إن لم يكن عالما بالحال، فلا يجوز الارتجاع عنه؛ لأصالة عدم التسلّط عليه و على ماله، و عدم شغل ذمّته، فإنّه تصرّف أو إتلاف بالإذن الصريح الخالي عن المعارض من المالك، فبأيّ دليل يجب عليه ردّ المثل أو القيمة من ماله؟! و سواء في ذلك أن يجوّز الآخذ كونه زكاة أم لا؛ لأنّ مجرّد التجويز لا يثبت شاهد حال يعارض به الإذن الصريح.

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 279.

(2) كما في الرياض 1: 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 339

و إن لم يمكن الارتجاع فلا شي ء على المالك.

نعم، على الآخذ ردّه إن تمكّن مع علمه بالحال قبل التلف.

و الحكم في بعض الصور التي ذكرناها وفاقيّ، و في بعضها خلاف يعلم ضعفه ممّا ذكرنا.

و أمّا الثاني: و هو الإجزاء عن الزكاة و براءة ذمّة المالك عنها و عدمهما، فقضيّة الأصل و إن كان الإجزاء مطلقا- سيّما إذا كان المدفوع عين الزكاة، حتى إذا تمكّن من الارتجاع، و إن وجب الارتجاع من باب تخليص حقّ الفقراء؛ لوقوع الدفع مشروعا، فلا يستعقب ضمانا؛ لأنّ امتثال الأمر يقتضي الإجزاء، و ما يجب دفعه شي ء واحد دفعه على وجه أمر به- إلّا أنّ المنصوص في مرسلة الحسين: في رجل يعطي زكاة ماله رجلا و هو يرى أنّه معسر فوجده موسرا، قال: «لا يجزئ عنه» «1» عدم الإجزاء، و هي مخصّصة للأصل المذكور.

فالحقّ: عدم الإجزاء و الضمان مطلقا، وفاقا للمحكيّ

عن المفيد و الحلبي «2»، و اختاره شيخنا صاحب الحدائق «3».

و إرسال الرواية عندنا غير ضائر مع كونها مرويّة في الكتب الثلاثة، سيّما مع صحّتها عن ابن أبي عمير، و هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه «4».

خلافا للمحكيّ عن المبسوط «5» و جماعة [1]، فيجزئ مطلقا؛ للأصل

______________________________

[1] منهم العلّامة في الإرشاد 1: 288.

______________________________

(1) الكافي 3: 545- 1، التهذيب 4: 51- 132، الفقيه 2: 15- 45، الوسائل 9:

215 أبواب المستحقين للزكاة ب 2 ح 5.

(2) المفيد في المقنعة: 259، الحلبي في الكافي في الفقه: 173.

(3) الحدائق 12: 170.

(4) رجال الكشّي 2: 830.

(5) المبسوط 1: 261.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 340

المذكور. و يندفع بما مرّ.

و للمعتبر و النافع و المنتهى و التذكرة و البيان و الأردبيلي و جدّي في الرسالة، فيجزئ مع الاجتهاد لا بدونه «1»؛ لأنّ المالك أمين فيجب عليه الاجتهاد، فبدونه تجب الإعادة.

و لحسنة عبيد: رجل عارف أدّى زكاته إلى غير أهلها زمانا، هل عليه أن يؤدّيها ثانية إلى أهلها إذا علمهم؟ قال: «نعم» إلى أن قال: قلت له: فإنّه لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها أهل، و قد كان طلب و اجتهد، ثمَّ علم بعد ذلك سوء ما صنع؟ قال: «ليس عليه أن يؤدّيها مرّة أخرى» «2».

و مرسلة الكافي، و هي مثل السابقة، إلّا أنّه قال: «فإن اجتهد برئ، و إن قصّر في الاجتهاد في الطلب فلا» «3».

و يردّ الأول: بأنّه إن أريد بالاجتهاد القدر المسوّغ لدفع الزكاة و لو بدعواه الفقر، فيرجع ذلك إلى القول بعدم الضمان.

و إن أريد به الزائد عليه- كما هو الظاهر من لفظ الاجتهاد- فهو غير واجب عندهم.

و الثاني: بأنّ الظاهر

منه أنّ المراد: أنّه لم يجد الأهل بعد الاجتهاد، فدفعها إلى غير الأهل عمدا، كما يشعر به قوله: سوء ما صنع، بل معنى قوله: لم يعلم الأهل و قد طلب و اجتهد: أنّه بعد الاجتهاد أيضا لم يعلمه، و المتنازع فيه أنّه علمه و لكنّه أخطأ في علمه، فيخرج عن المسألة.

و القول- بأنّ الإجزاء حينئذ يدلّ بالفحوى على الإجزاء لو كان الدفع

______________________________

(1) المعتبر 2: 526، النافع: 59، المنتهى 1: 527، التذكرة 1: 245، البيان:

317، مجمع الفائدة 4: 195.

(2) الكافي 3: 546- 2، التهذيب 4: 102- 290، الوسائل 9: 214 أبواب المستحقين للزكاة ب 2 ح 1.

(3) الكافي 3: 546- 2، الوسائل 9: 214 أبواب المستحقين للزكاة ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 341

عن غير عمد- مردود بأنّ الأصل باطل إجماعا، فلا تبقى معه فحوى؛ لبطلان التابع ببطلان المتبوع.

فروع:

أ:

مورد مرسلة الحسين المثبتة لعدم الإجزاء إنّما هو إذا كان الدافع هو المالك، أمّا لو دفعه المالك إلى وكيله أو إلى الفقيه، و دفعه هو إلى من بان غير مستحقّ، لم يضمن أحد؛ للأصل المذكور الخالي عن المعارض في المقام.

و قد نفى عنه الخلاف بين العلماء في المنتهى إذا كان المدفوع إليه الإمام أو نائبه الشامل للنائب العام أيضا «1» .. بل المصرّح في كلماتهم أنّ محلّ الخلاف إنّما هو إذا كان الدافع المالك.

نعم، حكم الفقيه و الوكيل في مواضع الارتجاع حكم المالك بعينه.

ب:

ما ذكر إنّما هو إذا بان عدم الاستحقاق بالغناء، و لو بان بالهاشميّة أو الكفر أو نحوهما، فالكلام في الارتجاع- كما ذكرنا- في الضمان و الإعادة، ففي الذخيرة: أنّ الذي قطع به الأصحاب عدم الإعادة «2».

مؤذنا بعدم خلاف فيه بينهم.

و هو كذلك؛ للأصل المذكور، و اختصاص المرسلة بظهور اليسار.

ج:

لو أدّى زكاته إلى غير المستحقّ باعتقاده عمدا، ثمَّ بان استحقاقه، لم يجز عنها، فإن كان من المواضع التي له الارتجاع يجوز له الاحتساب من الزكاة بعد ظهور الاستحقاق، و إلّا أعادها.

المسألة السادسة: يجوز للمزكّي مقاصّة المستحقّ للزكاة بدين له في ذمّته،
اشارة

______________________________

(1) المنتهى 1: 527.

(2) الذخيرة: 464.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 342

أي إسقاط ما في ذمّة المستحقّ للمزكّي من الدين على وجه الزكاة، حيّا كان المستحقّ أو ميّتا، بلا خلاف ظاهر في الموضعين.

و في المدارك و الذخيرة في الأول: أنّه مقطوع في كلام الأصحاب «1».

و في الأول في الثاني: أنّه المتّفق عليه بين علمائنا «2».

و في الحدائق فيهما: أنّه ممّا لا خلاف فيه بين العلماء «3»، و كذا عن المعتبر و المنتهى و التذكرة، و لكن في الأول خاصّة «4»، و عن كلام جماعة في الثاني أيضا.

و تدلّ على الأول صحيحة البجلي: عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه، و هم مستوجبون للزكاة، هل لي ان أدعه و أحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال: «نعم» «5».

و رواية عقبة بن خالد، و فيها: يجي ء الرجل و يسألني الشي ء و ليس هو إبّان زكاتي، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: «القرض عندنا بثمانية عشر و الصدقة بعشرة، و ما ذا عليك إذا كنت موسرا أعطيته، فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة» «6».

و موثقة سماعة: عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد أن يعطيه من الزكاة، فقال: «إذا كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه من الدين من عرض من دار، أو متاع من متاع البيت، أو يعالج عملا يتقلّب فيه بوجهه، فهو يرجو أن

يأخذ منه ماله عنده من دينه، فلا بأس أن يقاصّه بما

______________________________

(1) كما في المدارك 5: 226، و الذخيرة: 464.

(2) المدارك 5: 227.

(3) الحدائق 12: 195.

(4) المعتبر 2: 576، المنتهى 1: 521، التذكرة 1: 242.

(5) الكافي 3: 558- 1، الوسائل 9: 295 أبواب المستحقين للزكاة ب 46 ح 2.

(6) الكافي 4: 4- 34، الوسائل 9: 300 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 343

أراد أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها، و إن لم يكن عند الفقير وفاء و لا يرجو أن يأخذ منه شيئا، فليعطه من زكاته و لا يقاصّه بشي ء من الزكاة» «1».

و حمل في الذخيرة ما في ذيلها عن الاستحباب «2»، و هو حسن، بل لا دلالة فيها على الوجوب؛ لاحتمال قوله: «و لا يقاصّه» للنفي.

و قوله: «فليعط» و إن كان أمرا، إلّا أنّه ليس للوجوب قطعا؛ لعدم وجوب إعطاء شخص معيّن.

و أمّا مفهوم الشرط في صدرها فكان مقيّدا لو لم يصرّح بحكم المفهوم في الذيل.

و حمل في الحدائق الذيل على الوجوب، و فرّق بينه و بين الصدر، بحمل الصدر على من يملك شيئا يفي بدينه و إن لم يف بقوت السنة، و الذيل على من لا يملك بما يفي بالدين أصلا، فيكون معسرا يجب إنظاره و لا يجوز الاستيفاء عنه و لو بالاحتساب من الزكاة «3».

و هو كان حسنا لو كان الذيل دالّا على الوجوب؛ مع أنّ الظاهر من الإنظار الواجب هو عدم مطالبة المديون.

و أمّا الاحتساب من الزكاة فكونه منافيا له غير معلوم، بل يمكن جعله من أفراد التصدّق المأمور به في الآية بقوله وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ «4».

و يدلّ على الثاني إطلاق رواية

عقبة السابقة، و رواية يونس بن عمّار:

«قرض المؤمن غنيمة و تعجيل خير، إن أيسر أدّى و إن مات قبل ذلك

______________________________

(1) الكافي 3: 558- 2، الوسائل 9: 296 أبواب المستحقين للزكاة ب 46 ح 3.

(2) الذخيرة: 464.

(3) الحدائق 12: 197.

(4) البقرة: 280.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 344

احتسب به من الزكاة» «1»، و نحوها رواية إبراهيم السندي «2».

و كذا يجوز قضاء دين الميّت من الزكاة فيما إذا كان من له الدين غير المزكّي، فيؤدّي دينه من زكاته بلا خلاف ظاهر أيضا، و في الذخيرة: لا أعرف في ذلك خلافا بين الأصحاب «3»، و في المدارك: اتّفاق العلماء عليه «4».

و تدلّ عليه صحيحة البجلي، و حسنة زرارة، و روايتا موسى بن بكير و صبّاح بن سيابة، المتقدّمة جميعا في بيان الصنف السادس من أصناف المستحقّين «5».

فروع:

أ:

لا يشترط في الحيّ الذي تحتسب عليه الزكاة لدينه فقره، بل يشترط فيه ما يشرط في الغارم، كما مرّ مع دليله.

ب:

هل يشترط في الأداء عن الميّت قصور تركته عن الوفاء بالدين، كما عن الإسكافي و الشيخ في المبسوط و الوسيلة و التذكرة و التحرير و الدروس و البيان و الروضة «6»، و اختاره جمع من المتأخّرين «7»؟

أو لا يشترط، كما عن ظاهر نهاية الشيخ و الحلّي و المحقّق و المختلف

______________________________

(1) الكافي 3: 558- 1، الفقيه 2: 32- 127، الوسائل 9: 299 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 1.

(2) الكافي 4: 34- 5، الوسائل 9: 300 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 3.

(3) الذخيرة: 464.

(4) المدارك 5: 227.

(5) راجع ص 283- 284.

(6) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 183، المبسوط 1: 252، الوسيلة: 130، التذكرة 1: 237، التحرير 1: 69، الدروس 1:

241، البيان: 314، الروضة 2:

48.

(7) انظر: مجمع الفائدة 4: 164، المفاتيح 1: 207، الحدائق 12: 198.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 345

و المنتهى و اللمعة «1»؟

حجّة الأولين: حسنة زرارة المشار إليها.

و دليل الآخرين: إطلاق بعض روايات الأداء عنه.

و انتقال التركة بالموت إلى الوارث فصار عاجزا عن الأداء.

و يردّ الأول: بوجوب تقييد الإطلاق بالحسنة.

و الثاني: بأنّه لا انتقال إلّا بعد الدين؛ لقوله سبحانه مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ «2».

و منه يظهر وجه آخر للاشتراط؛ إذ مفاد الآية وجوب صرف التركة إلى الدين؛ و تدلّ عليه الأخبار أيضا «3»، فالاشتراط هو الأقوى.

و لو وقت التركة ببعض الدين اختصّ جواز الوفاء بالزكاة بالباقي.

ج:

لو وفت التركة بالدين و لكن تعذّر استيفاؤه منها لعدم إمكان إثباته أو غير ذلك، فجوّز الشهيد الثاني الاحتساب عليه «4»، و تنظّر فيه في المدارك «5»، و جعله في الذخيرة في موقعه «6»، و هو كذلك، بل عدم جواز الاحتساب أقوى.

د:

لو كان الدين على من يجب على المزكّي الإنفاق عليه جاز له القضاء عنه و المقاصّة حيّا كان أو ميّتا، بلا خلاف يوجد، كما مرّ في بيان اشتراط كون الفقير غير واجبي النفقة.

______________________________

(1) النهاية: 188، الحلي في السرائر 1: 462، المحقق في المعتبر 2: 576، المختلف: 183، المنتهى 1: 521، اللمعة (الروضة 2): 48.

(2) النساء: 11.

(3) الوسائل 19: 329 كتاب الوصايا ب 28.

(4) المسالك 1: 60.

(5) المدارك 5: 228.

(6) الذخيرة: 465.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 346

ه:

لو كان دين لغنيّ عليه زكاة على فقير علم باشتغاله بالزكاة، فإن احتمل الفقير أداء الغني زكاته فهو، و إن علم أنّه لم ينو الأداء جاز له أن يقاصّ دينه لزكاته، بل يجب إن لم

يتمكّن من إبراء ذمّته بنحو آخر، من باب استخلاص حقّ الفقراء و الأمر بالمعروف.

المسألة السابعة: يجوز تولّي المالك إيصال الزكاة إلى مستحقّها بنفسه،
اشارة

على الحقّ المشهور، كما صرّح به جماعة «1»، بل عن ظاهر التذكرة و المنتهى الإجماع عليه «2»، و كذا عن الغنية في زمن الغيبة «3»، و في المبسوط و الخلاف نفي الخلاف فيه في الأموال الباطنة، كزكاة النقدين و التجارات «4».

و في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف: الإجماع على جواز تولّيه مطلقا «5».

للأصل و العمومات «6»، و لقوله سبحانه إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ «7»، إلّا أنّه ورد في الأخبار الكثيرة تخصيص ما يخفى بغير الزكاة «8».

و ما مرّ من احتساب ربّ الزكاة دينه للزكاة، و من أداء دين الأب من الزكاة.

و ما دلّ على جواز اشتراء الرجل من زكاته مملوكا يباع و اشتراء الأب.

______________________________

(1) انظر: الحدائق 12: 221، و الذخيرة: 465.

(2) التذكرة 1: 241، المنتهى 1: 514.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 568.

(4) المبسوط 1: 233 و 244، الخلاف 4: 225.

(5) الخلاف 4: 225.

(6) انظر: الوسائل 9: 217 و 282 أبواب المستحقين للزكاة ب 4 و ب 36.

(7) البقرة: 271.

(8) الوسائل 9: 392 و 395 أبواب الصدقة ب 12 و ب 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 347

و الأخبار الدالّة على ذلك بخصوصه، كحسنة زرارة و محمّد، الواردة في بيان مصرف الزكاة، و فيها: «فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس» «1».

و رواية أبي بصير، و فيها: «فلو أنّ رجلا حمل زكاة ماله على عاتقه فقسّمها علانية كان ذلك حسنا جميلا» «2».

و رواية إسحاق بن عمّار: لي قرابة أنفق على بعضهم و أفضّل بعضهم على بعض، فيأتيني إبّان الزكاة أ

فأعطيهم منها؟ قال: «مستحقّون لها؟» قلت: نعم، قال: «هم أفضل من غيرهم، أعطهم» «3».

و رواية الصهباني: هل يجوز لي يا سيّدي أن اعطي الرجل من إخواني الزكاة الدرهمين و الثلاثة دراهم فقد اشتبه ذلك عليّ؟ فكتب: «ذلك جائز» «4».

و في الروايات الكثيرة: «أعطه من الزكاة حتى تغنيه» «5».

و ما ورد من الأخبار الدالّة على الأمر بإيصال الزكاة إلى المستحقّين «6»، و على نقل الزكاة من بلد إلى آخر مع عدم وجود المستحقّ «7»، و على التوكيل في تفريق الزكاة «8»، و غير ذلك من الأخبار المتكثّرة في الأبواب العديدة.

______________________________

(1) الكافي 3: 496- 1، التهذيب 4: 49- 128، الوسائل 9: 209 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 1.

(2) الكافي 3: 501- 16، التهذيب 4: 104- 297، الوسائل 9: 309 أبواب المستحقين للزكاة ب 1 ح 1.

(3) الكافي 3: 551- 1، التهذيب 4: 100- 283، الاستبصار 2: 33- 100، الوسائل 9: 245 أبواب المستحقين للزكاة ب 15 ح 2.

(4) التهذيب 4: 63- 169، الاستبصار 2: 38- 118، الوسائل 9: 258 أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 5.

(5) الوسائل 9: 258 أبواب المستحقين للزكاة ب 24.

(6) الوسائل 9: 217 أبواب المستحقين للزكاة ب 4.

(7) الوسائل 9: 282 أبواب المستحقين للزكاة ب 37.

(8) الوسائل 9: 284 أبواب المستحقين للزكاة ب 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 348

خلافا للمفيد و الحلبي، فأوجبا الدفع إلى الإمام أو عامله مع حضوره، و إلى الفقيه الجامع للشرائط مع الغيبة «1».

و للقاضي و ابن زهرة، فخصّا وجوب الدفع إلى الإمام في زمان الحضور، و جوّزا قسمة المالك في زمن الغيبة «2».

لقوله سبحانه خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً «3».

و لمطالبة أبي بكر الزكاة و قتاله

عليها مع عدم إنكار الصحابة «4».

و لأمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الولي عمّالهما بأخذ الصدقات و جبايتها، كما هو المعلوم من سيرتهما في حياتهما، و المنصوص عليه في الروايات الكثيرة «5».

و يردّ الأول: بأنّ غايته وجوب الدفع مع المطالبة، و هو لا يستلزم وجوبه قبلها؛ مع أنّ الضمير عائد إلى من تقدّم في قوله سبحانه:

وَ آخَرُونَ .. خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً «6»، و لا يلزم من وجوب الأخذ عنهم الأخذ من غيرهم.

و أيضا لا يتعيّن أن تكون الصدقة هي الزكاة، بل هي أموال يعطونها لتكون كفّارة لما أذنبوه من التخلّف، فإنّه روي: أنّهم قالوا: يا رسول اللّه، هذه أموالنا التي خلقتنا منك فتصدّق بها عنّا و طهّرنا و استغفر لنا، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا» فأنزل اللّه تعالى .. الآية «7».

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 252، الحلبي في الكافي في الفقه: 172.

(2) القاضي في المهذب 1: 171، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568.

(3) التوبة: 103.

(4) تأريخ الطبري 2: 476، 495، 502.

(5) انظر: الوسائل 9: 9 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 1 ح 1، و ص 129 أبواب زكاة الأنعام ب 14.

(6) التوبة: 102.

(7) مجمع البيان 3: 67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 349

و أيضا الخطاب إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لا يعلم مساواة الأئمّة له، و لو علم فلا يتعدّى إلى غيرهم- كما هو المفيد لنا- قطعا، فيمكن أن يكون ذلك مختصّا بهم، بل بحال ظهور سلطانهم ليكون عونا لهم على المصالح و العساكر، كما ذكره في الحدائق «1».

و يدلّ عليه المرويّ في العلل: أقبل رجل إلى

الباقر عليه السلام، فقال:

رحمك اللّه، اقبض منّي هذه الخمسمائة درهما فضعها في مواضعها، فإنّها زكاة مالي، فقال عليه السّلام: «بل خذها أنت وضعها في جيرانك و الأيتام و المساكين، و في إخوتك من المسلمين، إنّما يكون هذا إذا قام قائمنا فإنّه يقسّم بالسويّة» «2» الحديث.

و بهذا يظهر الجواب عن الأخيرين أيضا، مع أنّ عدم إنكار جميع الصحابة على أبي بكر غير مسلّم، مضافا إلى أنّ مقاتلته كانت لامتناعهم من أداء الزكاة مطلقا.

فروع:

أ:

كما يجوز للمالك التقسيم يجوز له التوكيل و الاستنابة فيه؛ للأخبار المستفيضة، كموثقة سعيد: الرجل يعطى الزكاة يقسمها في أصحابه، أ يأخذ منها شيئا؟ قال: «نعم» «3»، و بمضمونها حسنة الحسين «4»، و صحيحة البجلي «5».

______________________________

(1) الحدائق 12: 223.

(2) العلل: 161- 3، الوسائل 9: 282 أبواب المستحقين للزكاة ب 36 ح 1.

(3) الكافي 3: 555- 1، الوسائل 9: 287 أبواب المستحقين للزكاة ب 40 ح 1.

(4) الكافي 3: 555- 2، التهذيب 4: 104- 295، الوسائل 9: 288 أبواب المستحقين للزكاة ب 40 ح 2.

(5) الكافي 3: 555- 3، التهذيب 4: 104- 296، المقنعة: 261، الوسائل 9: 288 أبواب المستحقين للزكاة ب 40 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 350

و كصحيحة جميل: في الرجل يعطي غيره الدراهم ليقسمها، قال:

«يجري له مثل ما يجري للمعطي، و لا ينقص المعطي من أجره شي ء» «1».

و في رواية صالح بن رزين، عن شهاب: إنّي إذا وجبت زكاتي أخرجتها فأدفع منها إلى من أثق به يقسّمها، قال: «نعم، لا بأس بذلك» «2».

و الأخبار الكثيرة المتقدّمة في بحث تلف الزكاة التي بقيت عند غيره «3».

و في رواية ابن يقطين: عمّن يلي الصدقة العشر على من لا بأس به،

فقال: «إن كان ثقة فمره يضعها في مواضعها، و إن لم يكن ثقة فخذها منه وضعها في مواضعها» «4».

و المستفاد من الأخيرة وجوب كون الوكيل أو النائب ثقة و لا ريب فيه، بل يلزم عدالته؛ لعدم الوثوق بغير العادل.

ب:

صرّح جماعة- منهم: الفاضلان و الشهيدان- باستحباب الدفع في زمان الغيبة إلى الفقيه الجامع للشرائط «5»، و عن الخلاف: الإجماع عليه.

لفتوى الأعيان و نقل الإجماع و الخروج عن شبهة الخلاف، و لأنّه أبصر بمواقعها و أخبر بمواضعها.

ج:

لو طلبها الفقيه لا يجب الدفع إليه، إلّا إذا كان الراجح عنده

______________________________

(1) الكافي 4: 18- 3، الفقيه 2: 40- 176، الوسائل 9: 280 أبواب المستحقين للزكاة ب 35 ح 2 و 3.

(2) الكافي 4: 17- 1، الوسائل 9: 280 أبواب المستحقين للزكاة ب 35 ح 4.

(3) الوسائل 9: 280 أبواب المستحقين للزكاة ب 39.

(4) الكافي 3: 539- 6، الوسائل 9: 280 أبواب المستحقين للزكاة ب 35 ح 1.

(5) المحقق في الشرائع 1: 164، و المعتبر 2: 578، العلّامة في المنتهى 1:

514، و المختلف: 187، الشهيد الأول في الدروس 1: 246، و البيان: 323 و اللمعة (الروضة 2): 53، الشهيد الثاني في المسالك 1: 61.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 351

وجوب الدفع إليه، و كان ربّ الزكاة مقلّدا له، و لا يجوز له الطلب الحتميّ أيضا إلّا مع علمه بوجودها عنده و عدم إقدامه على دفعها بنفسه.

المسألة الثامنة [عدم وجوب البسط على الأصناف ]

لا خلاف بين الأصحاب- كما صرّح به جماعة «1»- في عدم وجوب البسط على الأصناف، و أنّه يجوز تخصيص جماعة من كلّ صنف أو صنف واحد، بل شخص واحد من بعض الأصناف، و عن الخلاف و التذكرة: الإجماع عليه «2».

و تدلّ عليه الأخبار العديدة

من الصحاح و غيرها «3»، و في تفسير العيّاشي: عن الصادق عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ إِنَّمَا الصَّدَقاتُ إلى آخر الآية، فقال: «إن جعلتها فيهم جميعا و إن جعلتها لواحد أجزأ عنك» «4».

و ليس في الآية حجّة علينا؛ لأنّها لبيان المصرف، و اللام فيها للاختصاص دون الملكيّة.

نعم، صرّحوا بأفضليّة البسط، و لا دليل عليه تامّا سوى فتاوى الأعيان.

المسألة التاسعة: يجوز تفضيل بعض الفقراء على بعض؛

للأصل، بل يستحبّ في بعض المواضع.

كما يستحبّ ترجيح الأقارب و تفضيلهم على غيرهم كما مرّ في الفرع الثامن من الوصف الثالث [1]، و أهل الفقه و العقل؛ لرواية عبد اللّه بن عجلان «5».

______________________________

[1] أي من أوصاف المستحقّين للزكاة.

______________________________

(1) انظر: الحدائق 12: 224، و الذخيرة: 465.

(2) الخلاف 4: 226، التذكرة 1: 244.

(3) كما في الوسائل 9: 265 أبواب المستحقين للزكاة ب 28.

(4) تفسير العياشي 2: 90، الوسائل 9: 267 أبواب المستحقين للزكاة ب 28 ح 5.

(5) الكافي 3: 549- 1، الفقيه 2: 18- 34، التهذيب 4: 101- 285، الوسائل: 288 9: 262 أبواب المستحقين للزكاة ب 25 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 352

و من لا يسأل على من يسأل؛ لصحيحة البجلي «1».

و يستحبّ إغناء الفقير بالزكاة؛ للمستفيضة.

و صرف صدقة المواشي إلى المتجمّلين و من لا عادة له بالسؤال، و صرف صدقة غيرها إلى الفقراء المدقعين؛ لرواية ابن سنان «2».

المسألة العاشرة: اختلفوا في جواز نقل الزكاة عن بلدها و عدمه.
اشارة

فذهب المفيد و الشيخ في المبسوط و الاقتصاد و الحلبي و ابن حمزة و الفاضل في التحرير و المنتهى و المختلف و الشهيد الأول في الدروس و الثاني في المسالك و الروضة و حواشي القواعد و حواشي الإرشاد على ما حكي عنهم «3» و أكثر متأخّري المتأخّرين [1] إلى الأول.

و اختار في الخلاف و الشرائع و الإرشاد و التذكرة و اللمعة و البيان:

الثاني «4»، و في الحدائق: أنّه المشهور «5»، و عن التذكرة: إجماع علمائنا عليه «6».

______________________________

[1] كصاحب المدارك 5: 271، و السبزواري في الذخيرة: 466، و صاحب الرياض 1: 277.

______________________________

(1) الكافي 3: 550- 2، التهذيب 4: 101- 284، الوسائل 9: 261 أبواب المستحقين للزكاة ب 25 ح 1.

(2) الكافي 3: 550- 3، التهذيب

4: 101- 286، المحاسن: 304- 13، العلل:

371- 1، الوسائل 9: 263 أبواب المستحقين للزكاة ب 26 ح 1.

(3) المفيد في المقنعة: 240، المبسوط 1: 245 و 263، الاقتصاد: 279، الحلبي في الكافي في الفقه: 173، ابن حمزة في الوسيلة: 130، التحرير 1: 70، المنتهى 1: 529، المختلف: 190، الدروس 1: 246، المسالك 1: 62، الروضة 2: 40.

(4) الخلاف 2: 28، الشرائع 1: 165، الإرشاد 1: 289، التذكرة 1: 244، اللمعة (الروضة 2): 39، البيان: 320.

(5) الحدائق 12: 239.

(6) التذكرة 1: 244.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 353

و الحقّ: هو الأول؛ للأصل، و الإطلاقات، و المستفيضة، كمرسلة و رواية درست: في الزكاة يبعث بها الرجل إلى بلد غير بلده، قال: «لا بأس أن يبعث بالثلث أو الربع، شكّ أبو أحمد» «1».

و صحيحة هشام: في الرجل يعطى الزكاة يقسّمها، إله أن يخرج الشي ء منها من البلد الذي هو به إلى غيره؟ قال: «لا بأس» «2».

و صحيحة أحمد بن حمزة: عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر و يصرفها إلى إخوانه، فهل يجوز ذلك؟ قال «نعم» «3».

و في موثقة وهب بن حفص: الرجل يبعث بزكاته من أرض إلى أرض، فيقطع عليه الطريق، فقال: «قد أجزأت عنه، و لو كنت أنا لأعدتها» «4».

حجّة المانعين: حكاية الإجماع.

و أنّ فيه نوع تغرير بالزكاة و تعريضا لإتلافها، فيكون حراما.

و أنّه مناف للفوريّة.

و صحيحة الحلبي: «لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب، و لا صدقة الأعراب للمهاجرين» «5».

و صحيحة الهاشمي: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقسّم صدقة أهل

______________________________

(1) الكافي 3: 554- 6، الفقيه 2: 16- 49، التهذيب 4: 46- 120، الوسائل 9:

283 أبواب المستحقين للزكاة ب 37

ح 2.

(2) الكافي 3: 554- 7، الفقيه 2: 16- 50، الوسائل 9: 282 أبواب المستحقين للزكاة ب 37 ح 1.

(3) التهذيب 4: 46- 122، الوسائل 9: 283 أبواب المستحقين للزكاة ب 37 ح 4.

(4) الكافي 3: 554- 9، الوسائل 9: 287 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 6.

(5) الكافي 3: 554- 10، التهذيب 4: 108- 309، المقنعة: 263، الوسائل 9:

284 أبواب المستحقين للزكاة ب 38 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 354

البوادي في أهل البوادي، و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر» «1».

و صحيحة ضريس: إنّ لنا زكاة نخرجها من أموالنا، ففي من نضعها؟

فقال: «في أهل ولايتك»، فقال: إنّي في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك، فقال: «ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم» «2».

و رواية يعقوب بن شعيب: الرجل منّا يكون في أرض منقطعة، كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال: «يضعها في إخوانه و أهل ولايته»، قلت: فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال: «يبعث بها إليهم» «3».

و يضعّف الأول: بعدم الحجّية.

و الثاني: باندفاعه بالضمان.

و الثالث: بمنع وجوب الفوريّة، سلّمنا لكن النقل شروع في الإخراج.

و الرابع: بعدم الدلالة؛ إذ قد تكون صدقة المهاجر في أرض الأعراب و بالعكس و قد يحضر الأعراب في بلد المهاجر، و المهاجر في أرض الأعراب.

و كذا الخامس؛ لأنّ أهل الحضر لا يتعيّن أن يكونوا من بلد واحد، فيقسّم صدقة أهل المدينة في أهل مكّة، مضافا إلى قصورها عن إفادة الوجوب.

و كذا السادس و السابع، بل لا وجه لتوهّم دلالتهما و إن احتجّ بهما للوجوب في الحدائق «4»، إلّا أن يحمل أهل الولاية على أهل البلد. و هو منه بعيد، فإنّ المراد به أهل الإيمان الخاصّ، كما صرّح به في

______________________________

(1)

الكافي 3: 554- 8، التهذيب 4: 103- 292، الوسائل 9: 284 أبواب المستحقين للزكاة ب 38 ح 2.

(2) الكافي 3: 555- 11، الوسائل 9: 284 أبواب المستحقين للزكاة ب 37 ح 5.

(3) التهذيب 4: 46- 121، الوسائل 9: 283 أبواب المستحقين للزكاة ب 37 ح 3.

(4) الحدائق 12: 239.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 355

الروايات «1». أو يستنبط من قول الراوي: إنّي في بلاد، إلى آخره، و قوله:

فإن لم يحضره، إلى آخره، حيث إنّه لو جاز النقل لما احتاج إلى السؤال.

و فيه: أنّه في كلام الراوي، و لم يدلّ على اعتقاده بحرمة النقل حتى يفيد التقرير.

فروع:

أ:

لو نقلها أجزأته إذا وصلت إلى الفقراء على القولين، بلا خلاف كما قيل «2»، بل بالإجماع كما في المنتهى و التذكرة و المختلف «3» و غيرها «4»؛ للأصل، و صدق الامتثال و إن أثم بالنقل على القول الثاني.

و احتمل في الروضة عدم الإجزاء؛ لتعلّق النهي «5».

و فيه: أنّه تعلّق بالإخراج دون الدفع بعده.

ب:

ما مرّ من الخلاف إنّما هو مع وجود المستحق في البلد، و أمّا مع إعوازه فيجوز إجماعا كما عن التذكرة و المنتهى «6»؛ للأصل، و توقف الدفع الواجب عليه، و صحيحة ضريس و رواية يعقوب المتقدمتين، و غيرهما «7».

و لو احتمل حضور مستحق في البلد، فهل يتعيّن عليه النقل، أو يتخير؟

______________________________

(1) الوسائل 9: 216 و 221 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 و 5.

(2) الحدائق 12: 241.

(3) المنتهى 1: 529، التذكرة 1: 244، المختلف 2: 190.

(4) المدارك 5: 269.

(5) الروضة 2: 40.

(6) التذكرة 1: 244، المنتهى 1: 529.

(7) الوسائل 9: 282 أبواب المستحقين للزكاة ب 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 356

اختار في الذخيرة: الأوّل «1»؛

لوجوب مقدّمة الواجب.

و فيه: منع التوقف لو احتمل الحضور.

و حكي عن الإرشاد: الثاني، و في النسبة نظر، و اختاره بعض آخر؛ للأصل.

و هو حسن، لو لا الأمر بالبعث في صحيحة ضريس، فتأمّل.

ج:

هل جواز النقل على المختار مخصوص بصورة عدم خوف التلف، أو مطلق؟

صرّح الحلبي و ابن زهرة- على ما حكي عنهما- بالأول، إلّا مع إذن الفقير «2». و ظاهر إطلاقات الفتاوي: الثاني «3».

د:

ظاهر القائلين بعدم جواز النقل وجوب التقسيم في البلد لا في أهل البلد، فيجوز الدفع في البلد إلى الغرباء و أبناء السبيل، و نفى عنه الشبهة بعض الأجلّة «4».

ه:

لو أخرج الزكاة عن البلد فتلفت يضمن مع وجود المستحقّ في البلد لا مع إعوازه، كما مرّ بيانه في مسألة تلف الزكاة.

و:

قال في المنتهى بكراهة النقل «5»، و حكي عن ابن حمزة أيضا «6»، دفعا لشبهة الخلاف، و لا بأس به؛ له، و لدعوى الإجماع على استحباب الصرف في بلد المال «7».

______________________________

(1) انظر: الذخيرة: 466.

(2) الحلبي في الكافي في الفقه: 173، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568.

(3) انظر: الشرائع 1: 165، و التذكرة 1: 244، و البيان: 320.

(4) غنائم الأيام: 342.

(5) المنتهى 1: 529.

(6) الوسيلة: 140.

(7) كما في المدارك 5: 271.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 357

ز:

قال في المنتهى باستحباب الدفع إلى أقرب الأماكن إذا نقلها «1»، و عن المعتبر و المسالك: تقديم الأقرب فالأقرب «2»؛ و لا يحضرني وجهه.

ح:

المراد بالبلد الذي اختلف فيه كما ذكرنا: بلد المال، أي البلد الذي فيه المال الزكويّ حال استجماع الشرائط من الحول و غيره، و إن كان قبله بلد آخر.

ط:

لو نقل لا يجوز احتساب الأجرة من الزكاة، إلّا إذا تعيّن النقل؛ لعدم وجود المستحقّ في البلد.

ى:

لو

كان المالك في غير بلد المال يجب صرفه في بلد المال، على القول بتحريم النقل، و يستحبّ على المختار. و يجوز نقله إلى بلده.

و لو دفع العوض في بلده جاز أيضا على المختار، بل صرّح به في الشرائع مع اختياره حرمة النقل «3»، بل في المدارك: أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب «4».

و لعلّ الوجه: أنّ سبب التحريم كان التغرير و التأخير، و هما منتفيان حينئذ.

نعم، لو كان الاستناد في المنع إلى الأخبار اتّجه عدم جواز دفع العوض أيضا.

يا:

نقل الزكاة إنّما يتحقّق بنقل جميع المال الزكوي قبل ضمان المثل أو القيمة أو التبديل، أو بنقل بعض المال بدون قصد كونه لنفسه فينقل حينئذ قدر الحصّة من الزكاة أيضا، أو بنقل قدر الفريضة بعد إفرازها عينا، أو بدلا لو قلنا بجوازه مطلقا، أو في الجملة كما يأتي.

______________________________

(1) المنتهى 1: 529.

(2) المعتبر 2: 589، المسالك 1: 62.

(3) الشرائع 1: 165.

(4) المدارك 5: 271.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 358

المسألة الحادية عشرة: أجرة الكيل و الوزن على المالك،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 9    358     المسألة الثانية عشرة كون المستحق فقيرا و عاملا و غارما ..... ص : 358

ى الأظهر الأشهر، كما صرّح به جمع ممّن تأخّر [1]؛ لتوقّف الدفع الواجب عليه عليها، فيكون عليه من باب المقدّمة.

خلافا للمحكيّ عن المبسوط «1»؛ لأنّه سبحانه أوجب على المالك قدرا معلوما من الزكاة، فلو وجبت الأجرة عليه لزم أن يزاد الواجب على القدر الذي وجب.

و فيه: أنّ تقدير الواجب بالأصالة بقدر لا يقتضي عدم وجوب شي ء آخر عليه من باب المقدّمة في بعض الأحيان.

المسألة الثانية عشرة [كون المستحقّ فقيرا و عاملا و غارما]

لو اجتمعت للمستحقّ أسباب- كأن يكون فقيرا و عاملا و غارما- يجوز أن يعطى بكلّ سبب نصيب؛ لصدق هذه العنوانات عليه، فيدخل تحت عموم الآية «2» و الأخبار «3».

و أمّا ما في الحدائق، من التوقّف في الحكم؛ لعدم دليل عليه، و لادّعاء تبادر تغاير هذه الأفراد من الآية و الروايات؛ لأنّه الشائع المتكثّر، و لأنّه متى أعطي من حيث الفقر ما يغنيه و يزيد على غناه فكيف يعطى من حيثيّة أخرى مع اشتراط الغرم مثلا بالعجز عن الأداء «4»؟!.

ففاسد جدّا؛ لوجود الدليل كما مرّ، و منع التبادر المذكور جدّا، و عدم استلزام الإعطاء من حيث الفقر القدرة على الأداء مثلا، و أيضا العمل لا يشترط بعجز أو فقر، و بالجملة ضعفه ظاهر.

المسألة الثالثة عشرة: يستحبّ للعامل و الفقيه و الفقير الدعاء للمالك بعد أخذ الزكاة؛

______________________________

[1] منهم السبزواري في و الذخيرة: 469.

______________________________

(1) المبسوط 1: 256.

(2) التوبة: 61.

(3) الوسائل 9: 209 أبواب المستحقين للزكاة ب 1.

(4) الحدائق 12: 251.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 359

أمّا من حيث استحباب الدعاء مطلقا فظاهر، و أمّا من جهة خصوص المورد فلفتوى جمع من الأصحاب [1].

و لا يجب قطعا؛ للأصل، و عدم الدليل سوى الآية المخصوصة بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله خطابا و تعليلا بقوله سبحانه إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ «1».

مضافا إلى عدم معلوميّة شمول مرجع الضمير لجميع المؤمنين، و عدم صراحة الآية في كون الصلاة المأمور بها لأجل أداء الزكاة و بعد قبضها، بل عدم ظهورها فيه أيضا.

المسألة الرابعة عشرة: يكره لربّ الزكاة تملّك ما أخرجه في الصدقة الواجبة أو المندوبة،

بلا خلاف يعرف كما في الذخيرة «2»، بل مطلقا كما في المنتهى «3»، بل بالإجماع كما في المدارك «4».

أمّا الجواز: فللأصل المؤيّد بنقل الإجماع من جماعة [2]، و إطلاق قوله سبحانه إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ «5».

و رواية محمّد بن خالد: «إذا أخرجها- يعني الشاة- فليقوّمها في من يريد، فإذا قامت على ثمن، فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها، و إن لم يردها فليبعها» «6».

______________________________

[1] كالشيخ في المبسوط 1: 244، المحقق في المختصر النافع: 60، العلّامة في المنتهى 1: 531.

[2] منهم العلّامة في المنتهى 1: 530، و التذكرة 1: 242، و صاحب الرياض 1:

288.

______________________________

(1) التوبة: 103.

(2) الذخيرة: 469.

(3) المنتهى 1: 531.

(4) المدارك 5: 284.

(5) النساء: 29.

(6) التهذيب 4: 98- 276، الوسائل 9: 131 أبواب زكاة الأنعام ب 14 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 360

و أمّا الكراهة: فلما مرّ من نفي الخلاف و الإجماع المنقول الكافيين في مقام المسامحة، المؤيّدين ببعض وجوه اعتباريّة صالحة لحكمة الحكم.

و الكراهة إنّما هي إذا تملّكها

اختيارا، و أمّا لو عاد إليه بميراث و شبهه فلا كراهة فيه على ما صرّحوا به «1». و نفى عنه الخلاف في المنتهى «2»؛ للأصل، و اختصاص دليل المنع بغير هذا الفرض.

و كذا لو احتاج إلى شرائها، بأن يكون الفرض جزء من حيوان لا يمكن للفقير الانتفاع به و لا يشتريه غير المالك، أو يحصل للمالك ضرر بشراء الغير، فإنّه تزول الكراهة حينئذ إجماعا، كما عن المنتهى و التذكرة «3».

______________________________

(1) كما في المعتبر 2: 591، و التذكرة 1: 242، و الذخيرة: 469.

(2) المنتهى 1: 531.

(3) المنتهى 1: 531، و التذكرة 1: 242.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 361

الفصل الرابع في وقت إخراجها، و تسليمها، و ما يعتبر فيهما
و فيه مسائل:
المسألة الأولى [وقت تعلّق وجوب الزكاة الاستقراري حولان الحول الشرعي ]
اشارة

قد عرفت أنّ وقت تعلّق وجوب الزكاة الاستقراري- في ما يعتبر فيه الحول-: حولان الحول الشرعي، و في الغلّات: التسمية.

و أمّا وقت وجوب الإخراج، ففي الأول: هو وقت الوجوب، و في الثاني: وقت التصفية و يبس الثمرة، بمعنى: أنّه يصحّ الإخراج حينئذ.

بالإجماع، و الأخبار، كموثقة يونس: زكاتي تحلّ عليّ في شهر، أ يصلح لي أن أحبس شيئا منها مخافة أن يجيئني من يسألني؟ فقال: «إذا حال الحول فأخرجها من مالك، و لا تخلطها بشي ء، ثمَّ أعطها كيف شئت» «1».

و صحيحة سعد بن سعد: عن الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة في ثلاث أوقات، أ يؤخّرها حتى يدفعها في وقت واحد؟ قال: «متى حلّت أخرجها»، و عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى يجب على صاحبها؟ قال: «إذا صرم و إذا خرص» «2».

و رواية أبي حمزة: عن الزكاة تجب عليّ في موضع لا يمكنني أداؤها، قال: «اعزلها» «3» إلى آخر الحديث.

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على عدم الوجوب قبل الحول، و أنّه

______________________________

(1)

الكافي 3: 522- 3، التهذيب 4: 45- 119، الوسائل 9: 307 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 2.

(2) الكافي 3: 523- 4، الوسائل 9: 306 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 1.

(3) الكافي 4: 60- 2، الوسائل 9: 307 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 362

يزكّي بعد حولان الحول «1»، و هي كثيرة.

و هل الوجوب فوري، أم لا؟ فيه أقوال ثلاثة:

وجوب الإخراج و الدفع فورا، و إليه ذهب الفاضلان «2»، و هو ظاهر المقنعة «3»، و في المنتهى الإجماع عليه «4».

و عدمهما كذلك، اختاره الحلّي و الشهيدان و المدارك و الذخيرة «5»، و في السرائر: الإجماع عليه و نفي الخلاف فيه.

و وجوب العزل و الإخراج فورا دون الدفع و التسليم، فيجوز فيه التأخير، و هو صريح الشيخ في المبسوط و النهاية «6»، و نسبه في التذكرة إلى المفيد أيضا «7»، و هو الأقوى.

أمّا وجوب العزل و الإخراج، فلموثّقة يونس المتقدّمة، و رواية أبي حمزة، فإنّه إذا وجب العزل مع عدم إمكان الأداء وجب بدونه بالطريق الأولى، و الإجماع المركّب .. و ليس استفادة فوريّة الإخراج منهما من مجرّد الأمر بالإخراج العزل؛ لأنّه لا يفيد الفور، بل بقرينة المقام و سياق الرواية.

و أمّا عدم وجوب الدفع فورا، فللأصل السالم عن المعارض جدّا، و لموثّقة يونس، و للمستفيضة الآتية المصرّحة بجواز تأخير الزكاة مطلقا أو مقيّدا بمدّة- إمّا بحملها على الدفع، جمعا بينها و بين ما ظاهره الفور، بحمله

______________________________

(1) الوسائل 9: 305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51.

(2) المحقق في المعتبر 2: 553، و الشرائع 1: 167، العلّامة في التحرير 1: 66، و التذكرة 1: 237.

(3) المقنعة: 240.

(4) المنتهى 1: 510.

(5)

الحلي في السرائر 1: 454، الشهيد في الدروس 1: 245، و البيان: 324، الشهيد الثاني في الروضة 2: 39، المدارك 5: 289، الذخيرة: 428.

(6) المبسوط 1: 234، النهاية: 183.

(7) التذكرة 1: 238.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 363

على الإخراج بشهادة الموثّقة؛ أو لعدم تعيّن المجوّز تأخيره فيها هل هو الإخراج أو الدفع، و لكنه يتضمّن الدفع قطعا، لأنّ جواز تأخير الإخراج يستلزم جواز تأخير الدفع و لا عكس- و للأخبار المتقدّمة الدالّة على جواز بعث الزكاة من بلد إلى آخر من غير استفصال لوجود المستحقّ و عدمه.

احتجّ الأولون: بالإجماع المنقول «1».

و الأمر بإيتاء الزكاة، و هو للفور.

و مطالبة المستحقّ بشاهد الحال، فيجب التعجيل كالدين.

و لقوله في حسنة محمّد: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو له ضامن حتى يدفعها» «2».

و صحيحة سعد المتقدّمة «3».

و مفهوم الغاية في الأخبار المتكثّرة الناطقة: بأنّه لا زكاة عليه، أو لا يزكّيه حتى يحول الحول «4».

و المشبّهة لها بالصلاة و الصوم في عدم جواز التأخير عن الوقت إلّا قضاء، كما في حسنة عمر بن يزيد: الرجل يكون عنده المال، أ يزكّيه إذا مضى نصف السنة؟ قال: «لا، و لكن حتى يحول عليه الحول و يحلّ عليه، إنّه ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلّا لوقتها و كذلك الزكاة، و لا يصوم أحد شهر رمضان إلّا في شهره إلّا قضاء» «5».

______________________________

(1) انظر: المنتهى 1: 510.

(2) الكافي 3: 553- 1، الفقيه 2: 15- 21، التهذيب 4: 47- 125، الوسائل 9:

285 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 1.

(3) في ص: 361.

(4) كما في الوسائل 9: 305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51.

(5) الكافي 3: 523- 8، التهذيب 4: 43- 110، الاستبصار 2: 31-

92، الوسائل 9: 305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 364

و المرويّ في مستطرفات السرائر عن نوادر ابن محبوب: «إن كنت تعطي زكاتك قبل حلّها بشهر أو شهرين فلا بأس، و ليس لك أن تؤخّرها بعد حلّها» «1».

و الرضوي: «إنّي أروي عن أبي في تقديم الزكاة و تأخيرها أربعة أشهر، إلّا أنّ المقصود منها أن تدفعها إذا وجبت عليك، و لا يجوز لك تقديمها و لا تأخيرها؛ لأنّها مقرونة بالصلاة، و لا يجوز لك تقديم الصلاة و لا تأخيرها إلّا أن تكون قضاء، و كذلك الزكاة» «2».

و الأوّل: مردود بمنع الحجّية، سيّما مع معارضته بمثله.

و الثاني: بمنع الفوريّة.

و الثالث: بمنع الملازمة، و القياس على الدين باطل؛ لوجود الفارق، و هو أنّه حقّ لمعيّن، بخلاف هذه.

و الرابع: بعدم استلزام الضمان للإثم.

و الخامس: بعدم الدلالة على الوجوب أولا، و على وجوب الأداء و الدفع ثانيا، و غايته وجوب الإخراج و هو مسلّم.

و السادس: بأنّ غاية ما يدلّ عليه وجوب الزكاة بعد الحول و لا كلام فيه، و إنّما الكلام في التضيّق، سلّمنا ذلك، و لكن وجوب الزكاة لا يستلزم وجوب الدفع، بل تتحقّق التزكية بالإخراج.

و منه يظهر ردّ الثلاثة الأخيرة.

مضافا إلى ما في الأول «3» من عدم الدلالة إلّا على عدم جواز التقديم

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 99- 25، الوسائل 9: 308 أبواب المستحقين للزكاة ب 52 ح 4.

(2) فقه الرضا (ع): 197، مستدرك الوسائل 7: 130 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1.

(3) أي الأول من الثلاثة الأخيرة، و هو السابع بالأحرى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 365

في قوله: «ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلّا لوقتها»، فيدلّ على أنّ الزكاة

أيضا لا تؤدّى إلّا لوقتها، و المعلوم من وقتها أنّه بعد الحول و ليس قبله وقت، و أمّا تحديده بحدّ بعده فعين المتنازع فيه. و أمّا قوله: «و لا يصوم» إلى آخره، فالمطلوب منه أيضا أنّه لا صوم إلّا في غير وقته إلّا بعنوان القضاء، فكذلك الزكاة، فلا زكاة في غير وقته، و لكن الكلام في تعيين الوقت.

و ما في الأخيرين من الضعف المانع عن الحجيّة.

و ما في الأخير من الإجمال الحاصل من مدافعة أوله مع ما بعده.

و الجمع بين الأول و ما بعده- بالتفرقة بين العذر و غيره- غير معلوم؛ لجواز الجمع بالتفرقة بين الأصل و الرخصة- كما ورد في عبارة المفيد «1»- أو بين الإعطاء و الإخراج، بحمل الأول على الأول و الثاني على الثاني، بأن يراد من الدفع: الدفع من المال.

و من جميع ما ذكرنا ظهر أنّه لا حاجة في الجواب عن هذه الأخبار بلزوم حملها على العزل للجمع بينها و بين ما مرّ حتى يقال: إنّ الجمع بذلك فرع التكافؤ و هو هنا مفقود؛ لاستفاضة هذه الأخبار و شهرتها، و حكاية الإجماع، و احتمال ورود ما مرّ للتقيّة، فإنّ جواز التأخير محكيّ عن أبي حنيفة «2».

مع ما في بعض ما مرّ من الوهن، فإنّ الموثّقة تتضمّن جواز الاكتفاء عن العزل بالكتابة و الإثبات، مع أنّ الظاهر أنّه ليس مراد القائلين به، و بعض أخبار جواز تأخير الزكاة تتضمّن جواز تقديمها أيضا «3». و هو غير جائز.

مع أنّه يمكن التفصّي عن هذه الأمور أيضا بمنع فقد التكافؤ،

______________________________

(1) في المقنعة: 240.

(2) كما في المغني لابن قدامة 2: 541.

(3) الوسائل 9: 308 أبواب المستحقين للزكاة ب 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 366

كيف؟!

مع أنّ أخبار جواز تأخير الدفع أكثر، و كثير منها صحاح، و الشهرة المتأخّرة «1» معها، و الإجماع المنقول في السرائر يعضدها «2»، و محض ترجيح الشهرة المتقدّمة- لو سلّمت- على المتأخّرة لا يوجب منع التكافؤ، سيّما مع ما عرفت في أخبار المنع من فقد الدلالة.

و الجواز و إن كان مذهب أبي حنيفة، و لكن عدمه أيضا مذهب الشافعي و أحمد كما في المنتهى و التذكرة «3»، و مجرّد أشهريّة مذهب أبي حنيفة في بعض الأعصار لا يصلح قرينة لحمل أخبار الجواز على التقيّة.

و أمّا تضمّن الموثّقة و بعض أخبار التأخير لما ذكر فلا يوجب و هنا في سائر أجزاء الخبر، كما هو القاعدة المسلّمة، مع أنّ الموثّقة ليست دالّة على جواز الاكتفاء عن العزل بالكتابة و الثبت؛ لاحتمال أن يكون المراد كتابة المعزول و تثبيته بعد عزله، و تقديم الزكاة في بعض الأخبار لو لم يجز محمول على سبيل القرض كما يأتي.

استدلّ الثاني: بالأصل.

و بموثّقة يونس المتقدمة «4»، و صحيحة ابن سنان: في الرجل يخرج زكاته فيقسّم بعضها و يبقي بعض يلتمس لها المواضع، فيكون بين أوّله و آخره ثلاثة أشهر، قال: «لا بأس» «5».

و صحيحة حمّاد: «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين و تأخيرها شهرين» «6».

______________________________

(1) انظر رقم 5 من ص: 362.

(2) السرائر 1: 454.

(3) المنتهى 1: 510، التذكرة 1: 237.

(4) في ص: 361.

(5) الكافي 3: 523- 7، التهذيب 4: 45- 118، الوسائل 9: 308 أبواب المستحقين للزكاة ب 53 ح 1.

(6) التهذيب 4: 44- 114، الاستبصار 2: 32- 96، الوسائل 9: 302 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 367

و صحيحة ابن عمّار: الرجل تحلّ عليه الزكاة

في شهر رمضان فيؤخّرها إلى المحرّم، قال: «لا بأس»، قال: قلت: فإنّها لا تحلّ عليه إلّا في المحرّم فيعجّلها في شهر رمضان، قال: «لا بأس» «1».

و مرسلة الفقيه: قد روي في تقديم الزكاة و تأخيرها أربعة أشهر و ستّة أشهر «2».

و عموم الأخبار المجوّزة لبعث الزكاة إلى بلد آخر «3».

و يجاب عن الأصل باندفاعه- بالنسبة إلى الإخراج- بما مرّ.

و عن الموثّقة بأنّها مخصوصة بالدفع، و كذا صحيحة ابن سنان و الأخبار المجوّزة للبعث.

و عن الصحيحة الأخرى و المرسلة بلزوم حملهما على الدفع؛ للجمع، أو الإجمال كما مرّ، مع أنّهما ظاهرتان في الدفع بقرينة التعجيل و التقديم، فإنّ الظاهر أنّهما تكونان في الدفع دون العزل.

فروع:

أ:

أجمع القائلون بفوريّة الدفع أنّها مع المكنة، و أمّا مع وجود العذر- كفقد المستحقّ، أو غيبة المال، أو الخوف- فيجوز التأخير، و هو ظاهر.

و كذا وجوب الإخراج على ما اخترناه، فإنّه أيضا مقيّد بإمكان الإخراج؛ و وجهه أيضا ظاهر.

و لا يقيّد بإمكان الدفع فيجب العزل مع فقد المستحقّ، كما صرّح به

______________________________

(1) التهذيب 4: 44- 112، الاستبصار 2: 32- 94، الوسائل 9: 301 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 9.

(2) الفقيه 2: 10- 29، الوسائل 9: 303 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 15.

(3) الوسائل 9: 282 أبواب المستحقين للزكاة ب 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 368

في رواية أبي حمزة «1».

ب:

جعل في المحرّر لابن فهد و التحرير و التذكرة و المنتهى و النهاية للفاضل عدم وجود جميع الأصناف و إرادة البسط عذرا «2»، فجوّزا معه تأخير الزكاة بعد دفع نصيب الموجودين.

و فيه نظر، و ليس في صحيحة ابن سنان دلالة على أنّ تأخير البعض للبسط على الأصناف، بل الظاهر أنّ

المراد منها بعض أفراد أخر، فإن كان المراد بالبسط: البسط على الأفراد- كما هو محتمل بعض كلمات هؤلاء- تصلح الصحيحة دليلا لتخصيص أخبار المنع إن تمّت دلالتها عليه.

ج:

و إذ عرفت جواز تأخير الدفع، فهل هو مطلق، كما هو ظاهر السرائر «3».

أو مقيّد بشهر أو شهرين، كما عن المبسوط و النهاية و الشهيد الثاني و المدارك و الذخيرة «4»، و صرّح به في صحيحة حمّاد؟

أو بثلاثة أشهر، كما يستفاد من صحيحتي ابن عمّار و سنان.

أو بأربعة و ستّة؟ كما في المرسلة؟

الحقّ هو الأول؛ لعدم دليل على التقييد، و التقييد في الأخبار المذكورة لا يدلّ على لزوم القيد أصلا، فإنّ نفي البأس عن تأخير مدّة لا يفيد ثبوته في غيره.

نعم، لو كانت أدلّة المنع تامّة و كنّا نخصّصها ببعض هذه الأخبار لأفاد التقييد، و لكن قد عرفت عدم تماميّتها.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 361.

(2) التحرير 1: 66، التذكرة 1: 238، المنتهى 1: 511، نهاية الإحكام 2: 404.

(3) السرائر 1: 454.

(4) المبسوط 1: 234، النهاية: 183، الشهيد الثاني في المسالك 1: 62، المدارك 5: 270، الذخيرة: 428.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 369

نعم، الظاهر التقييد بعدم الأداء إلى الإهمال و الدخول في عنوان المتهاون بالأمر الواجب، كما صرّح به بعضهم «1»، و لعلّه يحصل بالتأخير أزيد من ستّة أشهر، بل أربعة بل ثلاثة من غير عذر، و قد تختلف الحالات و الأوقات و الأشخاص، و ذلك هو وجه اختلاف الأخبار.

د:

هل جواز التأخير مطلق، أو مقيّد بانتظار راجح، كالتعميم، أو الأفضل، أو الأحوج، أو معتاد الطلب؟

الظاهر: الأول، و لكن لا يبعد دخوله بالتأخير مدّة مع عدم وجه رجحان أصلا في المتهاون.

ه:

ما مرّ إنّما كان الكلام في الإثم و عدمه،

و أمّا الضمان مع التلف و عدمه فقد مرّ بيانه، و حاصله الضمان بتأخير الدفع مع وجود المستحقّ و التمكّن من الأداء، و عدمه بدونه.

المسألة الثانية: لا يجوز تقديم الزكاة قبل الوجوب،
اشارة

و لا يجزئ عن الواجب، وفاقا للصدوقين و الشيخين و السيّد و الحلّي و الحلبي و الإسكافي و الفاضلين و الشهيدين «2»، و عامّة المتأخّرين [1]، بل القدماء عدا شاذّ يأتي، و في الخلاف الإجماع عليه «3».

لأنّ الصحّة موافقة الفعل لما تحقّق الأمر به، و لم يتحقّق أمر قبل

______________________________

[1] كفخر المحققين في الإيضاح 1: 200، و الفاضل المقداد في التنقيح 1: 316.

______________________________

(1) كما في البيان: 324.

(2) الصدوق في المقنع: 51، حكاه عن والده في المختلف: 188، المفيد في المقنعة: 240، الطوسي في النهاية: 183، و المبسوط 1: 227، السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 78، الحلي في السرائر 1: 453، الحلبي في الكافي في الفقه: 173، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 188، المحقق في المعتبر 2: 554، و الشرائع 1: 167، العلّامة في التذكرة 1: 238، و المختلف:

188.

(3) الخلاف 2: 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 370

وقت الوجوب، و تحقّقه بعده لا يفيد في حصول الصحّة.

و لأنّه لو صحّ لزم إمّا عدم وجوب الزكاة بعد حصول الشرائط، أو وجوبها ثانيا، و الكلّ باطل.

أمّا الملازمة، فلأنّ الإيجاب ليس إلّا طلب الفعل، و الطلب لا يكون إلّا مع عدم حصول المطلوب، فمع صحّة ما قدّمه إن لم يطلب الزكاة بعد حول الحول مثلا لزم الأول، و إن طلب يلزم الثاني.

و أمّا بطلان اللازمين، فلمنافاة أوله للأخبار المصرّحة بالوجوب بعد حولان الحول، و التقييد بصورة عدم التقديم تقييد بلا دليل، و منافاة ثانية للإجماع و إجزاء الأول.

و لأنّه لو

صحّ لزم عدم وجوب امتثال الأمر؛ لأنّ الامتثال لا يكون إلّا بالإتيان بالمأمور به بعد الأمر.

و لأنّ أداء الزكاة عبادة محتاجة إلى التوقيف، و لم يثبت في محلّ البحث؛ للرضويّ المتقدّم في المسألة السابقة «1»، المنجبر ضعفه بالعمل.

و لحسنة عمر بن يزيد: الرجل يكون عنده المال، أ يزكّيه إذا مضى نصف السنة؟ قال: «لا، و لكن حتى يحول الحول و يحلّ عليه، إنّه ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلّا لوقتها، و كذلك الزكاة» «2» الحديث.

و حسنة زرارة: أ يزكّي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال: «لا، أ يصلّي الاولى قبل الزوال؟!» «3».

و السؤال و الجواب فيهما و إن احتمل أن يكون عن الوجوب أو الرجحان و نفيهما، إلّا أنّه يتعيّن الجواز و نفيه بقرينة المقابلة للصلاة في الجواب.

______________________________

(1) في ص: 364.

(2) تقدّمت في ص: 363.

(3) الكافي 3: 524- 9، التهذيب 4: 43- 111، الاستبصار 2: 32- 93 الوسائل 9:

305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 371

و الروايات النافية للزكاة قبل حولان الحول، كصحيحة محمّد الحلبي «1»، و موثّقتي إسحاق بن عمّار «2»، و لكنّها محتملة لنفي الوجوب أو الرجحان.

خلافا للمحكيّ عن العماني «3» و الديلمي «4»، فجوّزا التقديم، و يظهر من المعتبر الميل إليه، و يظهر منه أيضا أنّه مذهب المفيد «5»، و عبارته صريحة في خلافه «6».

لروايات كثيرة، كمرسلتي الكافي و الفقيه «7»، و صحاح ابني عمّار «8» و عثمان «9»، و أبي بصير «10»، و مرسلة الحسين «11»، و رواية أبي بصير «12»،

______________________________

(1) الكافي 3: 525- 2، التهذيب 35: 91، الوسائل 9: 305 أبواب المستحقين للزكاة ب 51 ح 1.

(2) الاولى في: الكافي 3: 527-

5، التهذيب 4: 34- 89، الوسائل 9: 94 أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 5 ح 3.

الثانية في: الكافي 3: 524- 1، الوسائل 1: 93 أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 5 ح 2.

(3) حكاه عن العماني في المختلف: 188.

(4) المراسم: 128.

(5) المعتبر 2: 556.

(6) المقنعة: 239.

(7) الكافي 3: 524- 9، الفقيه 2: 17- 55.

(8) التهذيب 4: 44- 112، الاستبصار 2: 32- 94، الوسائل 9: 301 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 9.

(9) التهذيب 4: 44- 114، الاستبصار 2: 32- 96، الوسائل 9: 302 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 11.

(10) التهذيب 4: 44- 115، الاستبصار 2: 32- 97، الوسائل 9: 302 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 12.

(11) التهذيب 4: 44- 113، الاستبصار 2: 32- 95، الوسائل 9: 302 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 10.

(12) الكافي 3: 523- 6، الوسائل 9: 98 أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 6 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 372

و المرويّ في المستطرفات المتقدّم «1».

و الجواب- بعد تضعيفها بالشذوذ-: معارضتها مع ما مرّ، و ترجيحه بمخالفة أبي حنيفة و الشافعي و أحمد الذين هم رؤساء العامّة «2». و ترجيحها بالأشهريّة رواية يعارض بترجيحه بالأشهريّة فتوى؛ مع أنّ بعد احتمال إرادة نفي الجواز من روايات نفي الزكاة قبل الحول لا يعلم أشهريّتها رواية أيضا.

ثمَّ لو لا الترجيح لزم الرجوع إلى الأصول، و قد عرفت أنّها مع عدم الجواز.

و قد يجاب «3» أيضا بحملها على القرض؛ بشهادة المستفيضة، كصحيحة مؤمن الطاق: في رجل عجّل زكاة ماله ثمَّ أيسر المعطي قبل رأس السنة،

قال: «يعيد المعطى الزكاة» «4».

و مرسلة الكافي: «يجوز إذا أتاه من يصلح له الزكاة أن يعجّل له قبل وقت الزكاة إلّا أنّه يضمنها إذا جاء وقت الزكاة و قد أيسر المعطي أو ارتدّ أعاد الزكاة» «5».

و موثّقة عقبة: يجيئني الرجل فيسألني الشي ء و ليس هو إبّان زكاتي، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: «القرض عندنا بثمانية عشر و الصدقة بعشرة، و ما ذا عليك إذا كنت- كما تقول- موسرا أعطيته، فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت

______________________________

(1) في ص: 364.

(2) راجع المغني لابن قدامة 2: 495، و كتاب الأم 2: 20، و بداية المجتهد 1:

274، و الأشباه و النظائر: 419.

(3) كما في المختلف: 188.

(4) الفقيه 2: 15- 44، التهذيب 4: 45- 116، الاستبصار 2: 33- 98، الوسائل 9: 304 أبواب المستحقين للزكاة ب 50 ح 1.

(5) الكافي 3: 524- 9، الوسائل 9: 304 أبواب المستحقين للزكاة ب 50 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 373

بها من الزكاة» «1».

و مرسلة الفقيه: «قرض المؤمن غنيمة و تعجيل خير، إن أيسر قضاك، و إن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة» «2»، و بمضمونها روايتا يونس بن عمّار و إبراهيم السندي «3».

و الرضوي، و فيه- بعد التصريح بعدم جواز تقديم الزكاة-: «و إن أحببت أن تقدّم من مالك شيئا تفرّج به عن مؤمن فاجعلها دينا عليه، فإذا حلّت وقت الزكاة فاحسبها له زكاة، فإنّه يحسب لك من زكاة مالك، و يكتب لك أجر القرض و الزكاة» «4».

و هو و إن كان محتملا و في مقام الجمع حسنا، إلّا أن هذه الأخبار غير معيّنة لإرادة ذلك من الأخبار المجوّزة للتعجيل.

فروع:

أ:

قد ظهر- من الأخبار المذكورة، و ما تقدّم

في مسألة احتساب الدين الذي على الفقير زكاة:- جواز القرض تعجيلا، و احتسابه من الزكاة وقت الوجوب مع بقاء القابض على صفة الاستحقاق أو حصلت له .. و كذا تجوز مطالبته بعوضه و دفعه إلى غيره و دفع غيره إلى غيره؛ لأنّ حكمه حكم المديون. و لا يجب الاحتساب؛ لعدم دليل عليه، و التعبير بالأمر في الرضوي لا يثبت الوجوب؛ لضعفه الخالي عن الجابر في المسألة.

و لو تغيّرت حال القابض عند تحقّق الوجوب- بأن فقد فيه أحد شروط الاستحقاق- استأنف المالك الإخراج بلا خلاف، و له الاسترجاع من

______________________________

(1) الكافي 4: 34- 4، الوسائل 9: 304 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 2.

(2) الفقيه 2: 32- 127، الوسائل 9: 299 أبواب المستحقين للزكاة ب 49 ح 1.

(3) تقدّمتا في ص: 343 و 344.

(4) فقه الرضا (ع): 198، مستدرك الوسائل 7: 130 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 374

القابض، و إن لم يمكن غرم المالك الزكاة من ماله.

ب:

لو قدّم الزكاة جهلا بالمسألة، فإن كانت عينها باقية، له استرجاعها و احتسابها من الزكاة.

و كذا إن لم تكن باقية، و علم القابض بالحال، و كان هو عالما بالمسألة؛ لأنّ الحال يشهد بعدم كونه مأذونا في الإتلاف.

و إن لم يكن عالما بالحال و المسألة فليس للمعطي مطالبة العوض و لا الاحتساب؛ لعدم وجوب شي ء في ذمّة القابض.

ج:

إذا استغنى القابض بعين المال و بقي مستغنيا به إلى وقت الوجوب، لم يجز احتسابه عليه من جهة الفقر؛ لانتفائه، وفاقا للحلّي «1»، و خلافا للأكثر [1]؛ لوجوه ضعيفة.

نعم، يجوز الاحتساب من جهة الغرم، و يحتمل أن يكون ذلك أيضا مراد الأكثر.

المسألة الثالثة: النيّة معتبرة في عزل الزكاة و دفعها إلى المستحقّ أو الإمام أو الساعي أو وكيل نفسه؛
اشارة

بإجماع العلماء، و لما مرّ

في بحثي الطهارة و الصلاة.

و يجب اشتمالها على القربة، و تعيين كونه زكاة مندوبة أو واجبة ماليّة أو فطرة إن تعدّد ما في ذمّته و لم يتعيّن من الخارج.

و لا يجب قصد الوجه؛ للأصل، و لا تعيين ما يخرج زكاته إذا تعدّد شخصا و اتّحد نوعا، كحنطة ضيعتين، أو تعدّد نوعا و اتّحد جنس الفريضة، كالشاتين، إحداهما لأربعين شاة، و الأخرى لخمس من الإبل إذا دفع من

______________________________

[1] كالشيخ في المبسوط 1: 230، و المحقق في المعتبر 2: 557، و العلّامة في المنتهى 1: 513.

______________________________

(1) في السرائر 1: 455.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 375

الشياه التي تعلّقت بها الزكاة، و لو دفع من غيرها وجب تعيين المزكّى، على ما اخترنا من وجوب الدفع بالقيمة فيما يتعلّق بالعين إذا اخرج من غيرها، فيختلف حكم الفريضتين، فيجب التعيين.

و لو تعدّد نوع المزكّى و الفريضتين معا- كالحنطة و الشعير- يجب تعيين الجنس المزكّى، سواء أعطى من عين إحدى النوعين أو من غيرهما؛ لوجوب قصد التبديل و القيمة لأحد النوعين في الأول، و لهما في الثاني، فيختلف الحكم.

و أمّا ما ادّعوه «1» من الإجماع على عدم وجوب تعيين الجنس، فثبوته ممّا ذكرنا غير معلوم، بل مرادهم غيره قطعا.

فروع:

أ:

لو دفع المالك إلى الإمام أو الفقيه أو الساعي أو الوكيل و نوى، فهل تجب على الدافع إلى الفقير منهم أيضا النيّة؟

الظاهر: لا؛ للأصل، و لعدم كونه عبادة مخصوصة بالنسبة إليه، و لذا تبرأ ذمته لو دفع رياء أو لعدم تمكّنه من عدم الدفع، فلا يجب عليه قصد أنّه زكاة أو زكاة فلان أو القربة.

و هل تكفي نيّة أحد هؤلاء عن نيّة المالك؟

الظاهر: لا؛ لأنّ الزكاة عبادة للمالك، فلا بدّ من

نيّته، إلّا إذا و كلّه المالك في إخراج الزكاة من مال المالك.

ب:

تلزم مقارنة النيّة للدفع أو تقدّمها عليه مستدامة الحكم، و لو دفع بغير نيّة فتجزئ النيّة بعده إذا كان ممّا له استرجاعه عينا أو بدلا، و إلّا فلا؛ و الوجه واضح.

______________________________

(1) كما في المنتهى 1: 516، و المدارك 5: 302، و الرياض 1: 278.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 376

ج:

لو أخذت الزكاة من شخص كرها لا تعتبر نيّته، و المعتبر نيّة الآخذ عند الأخذ و الدفع.

و الوجه فيه: أنّ الأخذ منه من باب الأمر بالمعروف، فهو أمر واجب على الآخذ ينوي عند الفعل، و أمّا المالك فهو قد ترك ما يجب عليه، و تكون ذمّته مشغولة بحقّ الفقراء، و بعد الأخذ منه كرها تبرأ ذمّته، و لكنّه لم يمتثل ما كان يجب عليه، فهو كمديون اقتصّ منه فهو أثم و برئ.

و قد ذكروا فروعا أخر في النيّة، ليس مزيد فائدة في ذكرها، و اللّه العالم، و صلّى اللّه على رسوله و آله.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 377

المقصد الثاني في زكاة الفطرة

اشارة

أي زكاة البدن، أو الدين، أو يوم الفطر، أو الزكاة التي هي الفطرة على أن تكون الإضافة بيانيّة، و هذا بناء على ما ذكره البغدادي و صاحب المغرب من أنّ لفظ الفطرة اسم لهذا المخرج «1».

و هي واجبة بالإجماع، و الكتاب، و السنّة، قال اللّه سبحانه قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى «2»، قال في المنتهى: قال علماء أهل البيت عليهم السّلام: المراد زكاة الفطرة «3».

و قد نصّ الصادق عليه السّلام على أنّ المراد زكاة الفطرة «4».

ففي مرسلة الفقيه: عن قول اللّه عزّ و جلّ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ، قال: «من

أخرج الفطرة» «5».

______________________________

(1) المغرب 2: 99، و ج 1 ص 233.

(2) الأعلى: 14 و 15.

(3) المنتهى 1: 531.

(4) انظر: مجمع البيان 5: 476.

(5) الفقيه 1: 323- 1378، الوسائل 7: 450 أبواب صلاة العيد ب 17 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 378

و في تفسير القمّي قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى قال: «زكاة الفطرة» «1».

و في صحيحة زرارة و أبي بصير: «إنّ من تمام الصوم إعطاء الزكاة، كما أنّ الصلاة على النبيّ و آله من تمام الصلاة؛ لأنّه من صام و لم يؤدّ الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمّدا، و لا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبيّ و آله، إنّ اللّه عزّ و جلّ بدأ بها قبل الصلاة، فقال قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى «2».

و الزكاة فيها و إن كانت مطلقة، إلّا أنّ القرائن فيها قائمة على أنّ المراد زكاة الفطرة من وجوه.

و أمّا الأخبار فمتواترة معنى، كما ستقف عليه في تضاعيف هذا الباب.

ثمَّ الكلام فيه إمّا في من تجب عليه، أو من تجب عنه، أو في جنسها و قدرها، أو في وقتها، أو في مصرفها.

فهاهنا خمسة أبحاث:

______________________________

(1) تفسير القمي 2: 417.

(2) الفقيه 2: 119- 515، التهذيب 4: 108- 314، المقنعة: 264، الوسائل 9:

318 أبواب زكاة الفطرة ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 379

البحث الأوّل في من تجب عليه
اشارة

و هو المكلّف الحرّ الغنيّ عند غروب ليلة الفطر،

فشرائط وجوبها أربعة:
الشرط الأوّل: التكليف بالبلوغ و العقل

. فلا تجب على الصبي و المجنون إجماعا، كما عن المعتبر و المنتهى و التذكرة و التحرير؛ لحديث رفع القلم «1»، و أصالة عدم تكليف الولي.

مضافا في الأول إلى صحيحة محمّد بن القاسم: الوصي يزكّي زكاة الفطر عن اليتامى إذا كان لهم مال؟ فكتب: «لا زكاة على يتيم» «2».

و أمّا الأخبار «3» الدالّة على وجوب الفطرة على الصغير و الكبير فالمراد وجوبها على المنفق عليهم.

و لا تجب على المغمى عليه أيضا إذا استوعب الإغماء وقت الوجوب؛ لعدم توجّه الخطاب إليه.

الشرط الثاني: الحرّية

. فلا تجب على المملوك بالإجماع، حكاه جماعة «4»، و نسبه في المنتهى إلى أهل العلم كافّة إلّا داود «5». و هو على القول بعدم تملّك العبد

______________________________

(1) المعتبر 2: 593، المنتهى 1: 531، التذكرة 1: 247، التحرير 1: 70.

(2) الكافي 4: 172- 13، الفقيه 2: 115- 495، التهذيب 4: 30- 74، الوسائل 9: 326 أبواب زكاة الفطرة ب 4 ح 2.

(3) الوسائل 9: 327 أبواب زكاة الفطرة ب 5.

(4) انظر: الخلاف 2: 130، و الغنية (الجوامع الفقهية): 568.

(5) المنتهى 1: 532.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 380

ظاهر، و أمّا على القول بتملّكه فدليله الإجماع.

و قد يستدلّ أيضا بالأصل السالم عن المعارض.

و الأخبار الدالّة على وجوب فطرته على مولاه «1».

و بما دلّ على أنّه ليس في مال المملوك شي ء «2».

و بصحيحة ابن سنان: مملوك في يده مال، أ عليه زكاة؟ قال: «لا» قلت: و لا على سيّده؟ قال: «لا، إنّه لم يصل إلى سيّده، و ليس هو للمملوك» «3».

و ببعض الروايات المصرّحة: بأنّه «تجب الفطرة على كلّ من تجب عليه الزكاة» «4».

و في الكلّ نظر؛ لاندفاع الأول بالعمومات مثل قوله عليه السّلام: «الفطرة على كلّ

من اقتات قوتا» «5»، و قوله عليه السّلام: «و الفطرة عليك و على الناس كلّهم» «6».

و ظهور سياق الثاني- أي أخبار وجوب فطرته على مولاه- أنّه من جهة العيلولة.

و ظهور الثالث في الزكاة الماليّة؛ لأنّها التي تكون في المال، و الفطرة متعلّقة بالذمّة.

و كذا الرابع؛ لقوله: في يده مال و قوله: «لأنّه لم يصل إلى سيّده».

______________________________

(1) الوسائل 9: 327 أبواب زكاة الفطرة ب 5.

(2) الكافي 4: 542- 1، الوسائل 9: 91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 1.

(3) الكافي 3: 542- 5، الفقيه 2: 19- 63 بتفاوت يسير، الوسائل 9: 92 أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه ب 4 ح 4.

(4) المقنعة: 248، الوسائل 9: 325 أبواب زكاة الفطرة ب 4 ح 1.

(5) الكافي 4: 173- 14، التهذيب 4: 78- 220، الاستبصار 2: 42- 136، الوسائل 9: 344 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 4.

(6) التهذيب 4: 79- 226، الاستبصار 2: 44- 140، الوسائل 9: 342 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 381

و عدم دلالة الخامس على أنّ من لا تجب عليه الزكاة لا تجب عليه الفطرة إلّا بمفهوم ضعيف.

فالمستند في الحكم ليس إلّا الإجماع، و لازمه الاقتصار في موارد الخلاف على المجمع عليه.

و على هذا، فلا تجب على القنّ و المدبّر و أمّ الولد، و تجب على المكاتب الذي لم يتحرّر منه شي ء، وفاقا للصدوق و الذخيرة «1»؛ لما ذكر، و لصحيحة علي «2».

و لا تعارضها مرفوعة أحمد: «يؤدّي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه، و رقيق امرأته، و عبده النصراني و المجوسي، و من أغلق عليه بابه» «3»؛ لظهور سياقها في

العيلولة، مع عدم صراحتها في الوجوب، مع أنّه مع التعارض يرجع الى العمومات.

و كذا تجب عليه فطرة زوجته و عبده، على القول بملكيّته و عدم عيلولتهم للمولى؛ لما ذكر.

الشرط الثالث: الغنى

. و اشتراطه مذهب علمائنا أجمع، كما في المعتبر و المنتهى «4»، و إن اختلفوا في الغنى الموجب لأدائها، و الحقّ أنّه الغنى المانع عن جواز أخذ الزكاة الماليّة، وفاقا للمقنع و المقنعة و العماني و الفاضلين «5»، و كلّ من تأخّر

______________________________

(1) الصدوق في الفقيه 2: 117، الذخيرة: 473.

(2) الفقيه 2: 117- 502، الوسائل 9: 365 أبواب زكاة الفطرة ب 17 ح 3.

(3) الكافي 4: 174- 20، التهذيب 4: 72- 195، الوسائل 9: 330 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 9.

(4) المعتبر 2: 593، المنتهى 1: 532.

(5) المقنع: 67، المقنعة: 248، حكاه عن العماني في المختلف: 193، المحقق في المعتبر 2: 593، و الشرائع 1: 171، العلّامة في المنتهى 1: 532، و التذكرة 1: 248.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 382

عنهما [1]، بل الأشهر مطلقا كما قيل «1».

للمستفيضة من الروايات، كصحيحة الحلبي: عن رجل يأخذ من الزكاة، عليه صدقة الفطرة؟ قال: «لا» «2»، و قريبة منها رواية يزيد بن فرقد «3».

و رواية الفضيل: لمن تحلّ الفطرة؟ قال: «لمن لا يجد، و من حلّت له لم تحلّ عليه، و من حلّت عليه لم تحلّ له» «4».

و في أخرى: «من أخذ من الزكاة فليس عليه فطرة» «5».

و موثّقة إسحاق بن عمّار: على الرجل المحتاج زكاة الفطرة؟ قال:

«ليس عليه فطرة» «6»، و نحوها رواية إسحاق بن المبارك «7».

و رواية يزيد: على المحتاج صدقة الفطرة؟ قال: «لا» «8».

وجه الدلالة في غير الثلاثة الأخيرة ظاهر، و فيها: أنّ الظاهر من

______________________________

[1]

منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 64، صاحب المدارك 5: 313.

______________________________

(1) انظر: الرياض 1: 289.

(2) التهذيب 4: 73- 201، الاستبصار 2: 40- 125، الوسائل 9: 321 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 1.

(3) التهذيب 4: 74- 206، الاستبصار 2: 41- 130، الوسائل 9: 321 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 5.

(4) التهذيب 4: 73- 203، الاستبصار 2: 41- 127، الوسائل 9: 322 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 9.

(5) التهذيب 4: 73- 202، الاستبصار 2: 40- 126، الوسائل 9: 322 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 7.

(6) التهذيب 4: 73- 205، الاستبصار 2: 41- 129، الوسائل 9: 318 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 6.

(7) التهذيب 4: 72- 199، الاستبصار 2: 40- 123، الوسائل 9: 321 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 3.

(8) التهذيب 4: 73- 200، الاستبصار 2: 40- 124، الوسائل 9: 321 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 383

المحتاج: المحتاج إلى أخذ الزكاة، و لو منع ذلك لقلنا: إنّ لكلّ نفس حاجة، فيحصل الإجمال في معناه، و به تخرج عمومات وجوب زكاة الفطرة، و إطلاقاتها عن الحجّية في موضع الإجمال، فلا يبقى إلّا من تحرم عليه الزكاة؛ للوجوب عليه بالإجماع و الخلاف في من دونه مطلقا.

خلافا للإسكافي، فأوجبها على من فضل من مئونته و مئونة عياله ليوم و ليلة صاع «1»، و نقله الشيخ في الخلاف عن أكثر أصحابنا «2».

و للخلاف و الديلمي و ابني حمزة و زهرة و الحلي، فأوجبوها على من ملك نصابا تجب فيه الزكاة «3»، بل عن الأوّل و الأخيرين الإجماع عليه.

فنظر هؤلاء الفريقين إن كان إلى أنّ ذلك هو الغنى الموجب

لحرمة الزكاة و لذا تجب معه الفطرة، فلا بحث لنا معهم في الجزء الثاني ها هنا، و لكنّ الكلام معهم حينئذ في الجزء الأول، و هو أنّه الغنى المحرّم للزكاة.

و إن لم يكن نظرهم إلى ذلك، بل يقولون: بأنّ هذا هو الغنى الموجب للفطرة و إن لم يكن كذلك في حرمة الزكاة، فلا دليل لهما إلّا ما قد يستدلّ به للإسكافي من لزوم الاقتصار في تخصيص العمومات و تقييد الإطلاقات بالمتيقّن، و هو من لم يملك قوت يوم و ليلة مع قدر الفطرة، و للآخرين من الإجماعات المنقولة.

و يردّ الأول: بتيقّن خروج من لم يملك قوت السنة أيضا بما ذكر.

و الثاني: بعدم حجّية الإجماع المنقول، سيّما مع مخالفة الفحول، و معارضة الأخبار المتكثّرة.

نعم، ها هنا روايات غير مطابقة بظواهرها مع الأخبار المتقدّمة،

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 193.

(2) الخلاف 2: 146.

(3) الخلاف 2: 146، الديلمي في المراسم: 134، ابن حمزة في الوسيلة: 130، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568، الحلي في السرائر 1: 465.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 384

كصحيحة القدّاح في زكاة الفطرة، و فيها: «و ليس على من لا يجد ما يتصدّق به حرج» «1».

و موثّقة زرارة: هل على من قبل الزكاة زكاة؟ فقال: «أمّا من قبل زكاة المال فإنّ عليه زكاة الفطرة، و ليس على من يقبل الفطرة فطرة» «2»، و نحوها رواية الفضيل «3».

و صحيحة زرارة: الفقير الذي يتصدّق عليه، هل تجب عليه صدقة الفطرة؟ قال: «نعم، يعطي ما يتصدّق عليه» «4».

و لكنّها لا توافق شيئا من القولين أيضا، فظواهرها بإطلاقاتها متروكة إجماعا، و تقييدها بنوع يرجع إلى أحدهما ليس بأولى من تقييد يرجع إلى المختار.

مع أنّ أولاها لا تخالف

الأخبار المتقدّمة إلّا بمفهوم ضعيف غير معتبر جدّا.

و الثانيتان متضمّنتان لتفصيل لم يقل به أحد من الخاصّة و العامّة، إلّا بحمله على إمكان حصول قوت السنة بزكاة المال دون الفطرة.

مع أنّهما مع الرابعة أعمّ مطلقا من الأخبار المتقدّمة، فيجب تخصيصها بها.

______________________________

(1) التهذيب 4: 75- 211، الاستبصار 2: 47- 152، الوسائل 9: 321 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 2.

(2) التهذيب 4: 74- 207، الاستبصار 2: 41- 131، الوسائل 9: 322 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 10.

(3) التهذيب 4: 87- 254، الاستبصار 2: 41- 128، الوسائل 9: 322 أبواب زكاة الفطرة ب 2 ح 10.

(4) الكافي 4: 172- 11، التهذيب 4: 74- 208، الاستبصار 2: 41- 132، الوسائل 9: 324 أبواب زكاة الفطرة ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 385

و لا يشترط في وجوبها: كون المخرج و المخرج عنه صائما و لا حاضرا إجماعا؛ للإطلاقات.

و لا الإسلام؛ لمخاطبة الكفّار بالفروع عندنا.

نعم، لو أسلم بعد غروب ليلة الفطر سقط عنه بالإجماع؛ لصحيحة ابن عمّار: عن يهودي أسلم ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال: «لا» «1»، إلّا أنّه يستحبّ له؛ لمرسلة التهذيب «2».

الشرط الرابع: إدراك الغروب ليلة الفطر.
اشارة

مجتمعة الشرائط إجماعا.

فلو لم يدركه كذلك لم يجب؛ للإجماع، و صحيحة ابن عمّار المتقدّمة بضميمة الإجماع المركّب.

و في اشتراط إدراك طلوع الفجر يوم العيد قولان، يأتي في بيان الوقت.

فروع:

أ:

هل يعتبر أن يملك مقدار زكاة الفطرة زيادة على قوت السنة؟

فيه قولان، أقواهما: عدم الاعتبار؛ لإطلاق الأخبار.

ب:

يستحبّ للفقير إخراجها عن نفسه و عن عياله؛ للشهرة العظيمة، بل الإجماع المنقول في المنتهى «3»، الكافيين في مقام الاستحباب.

و استدلّ أيضا بالأخبار المذكورة المثبتة للفطرة على الفقير بحملها على الاستحباب.

______________________________

(1) الكافي 4: 172- 12، التهذيب 4: 72- 197، الوسائل 9: 352 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 2.

(2) التهذيب 4: 72- 198، الوسائل 9: 353 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 3.

(3) المنتهى 1: 536.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 386

و فيه نظر؛ لأنّه ليس بأولى من تخصيصها بالغني.

و الحاصل: أنّها بين غير دالّ أصلا، كالأولى، و مخالف للإجماع- لو لا ارتكاب تخصيص فيها و إن حمل على الاستحباب- كالثانيتين، و متضمّنة للفظ الوجوب مع عموم: «ما يتصدّق عليه» كالرابعة.

و عدم صحّة الاستدلال بالأوليين واضح، و بالثالثة و إن صحّ إلّا أنّه يعارضه احتمال التخصيص في ما يتصدّق عليه، بحيث يخرج عن الفقر.

ثمَّ إنّهم قالوا: إنّه يستحبّ للفقير إدارة فطرة رأس بين عياله، بإخراجها عن نفسه إلى واحد منهم، ثمَّ هو إلى آخر، و هكذا.

و المستند فيه موثّقة إسحاق: عن الرجل لا يكون عنده شي ء من الفطرة إلّا ما يؤدّي عن نفسه وحدها، أ يعطيه غريبا أو يأكل هو و عياله؟

قال: «يعطيه بعض عياله، ثمَّ يعطي الآخر عن نفسه، يردّدونها، فيكون عنهم جميعا فطرة واحدة» «1».

و هل هذه الإدارة هو إخراج الفطرة المستحبّ للفقير مطلقا، كما هو ظاهر

الإرشاد «2»؟

أو هو أقلّ ما يستحبّ، كصريح الشرائع «3»؟

أو هو المستحبّ عند الحاجة، كما في النافع «4»؟

الظاهر: هو الأخير، إن كان مراده من الحاجة: عدم تيسّر غير فطرة رأس له، كما هو المصرّح به في الموثّقة؛ و إن كان مراده غير ذلك، فهو أيضا كسابقيه لا وجه له، بل اللازم العمل بمقتضى الموثّقة، و تقييد

______________________________

(1) الكافي 4: 172- 10، التهذيب 4: 74- 209، الاستبصار 2: 42- 133، الوسائل 9: 325 أبواب زكاة الفطرة ب 3 ح 3.

(2) الإرشاد 1: 291.

(3) الشرائع 1: 171.

(4) النافع: 61.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 387

استحباب الإدارة بما لا يكون عنده غير فطرة رأس.

و هل يتصدّق الأخير إلى الأجنبي البتّة، كما هو صريح جماعة «1»؟

أو يجوز إعطاؤه لمن أعطى أولا أيضا؛ كما يميل إليه كلام بعض المتأخّرين «2»؟

ظاهر إطلاق النصّ: الثاني، فعليه الفتوى.

و ليس في قوله: «يكون عنهم جميعا فطرة واحدة» إشعار بالأول، و لو كان فليس بأظهر من إشعار قوله: «يتردّدونها» بالثاني.

و في اختصاص الحكم بكون الجميع مكلّفين- كصريح بعضهم «3»- أو تعميمه لغيرهم، فيتولى الولي لذلك من الصغير- كصريح الشهيد الثاني «4» و ظاهر بعض آخر [1]- قولان:

دليل الأول: أنّه مورد النصّ؛ لقوله: «يعطي الآخر عن نفسه».

و دليل الثاني: إطلاقه.

و كلاهما غير مطابقين للواقع، فإنّ غاية ما يثبت من قوله: «يعطي عن نفسه» كونه مميّزا، و أمّا التكليف فلا.

و ظاهر الإعطاء عن النفس أيضا ينافي عدم التمييز، إلّا أن يقال: بأنّ بعد عمومه للصبي المميّز يتعدّى إلى غيره بالإجماع المركّب، و حينئذ يتمّ الاستدلال، و منه تظهر قوّة التعميم.

ج:

لو بلغ الطفل قبل الغروب ليلة الفطر، أو زال الجنون، أو استغنى الفقير، وجبت عليه الفطرة إجماعا، و لو

حصل أحد هذه بعده لا تجب

______________________________

[1] كالأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 277.

______________________________

(1) انظر: المختصر النافع: 61، و المنتهى 1: 536، و البيان: 332.

(2) كما في المدارك 5: 315.

(3) المدارك 5: 315.

(4) في المسالك 1: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 388

كذلك؛ له، و للأصل.

نعم، يستحبّ له الإخراج، كما عليه فتوى الأصحاب.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 389

البحث الثاني في من تجب عنه
و فيه مسائل:
المسألة الأولى [يجب إخراج الفطرة عن نفسه و عن جميع من يعوله ]
اشارة

إذا تكاملت الشروط في شخص يجب عليه إخراج الفطرة عن نفسه و عن جميع من يعوله، أي ينفق عليه؛ بالإجماع المحقّق، و المحكيّ عن الخلاف و الغنية و المنتهى و التذكرة و المدارك «1» و غيرها «2»؛ له، و للمستفيضة بل المتواترة معنى.

كصحيحة عمر بن يزيد: عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر، يؤدّي عنه الفطرة؟ فقال: «نعم، الفطرة واجبة على كلّ من يعول من ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، حرّ أو مملوك» «3».

و صحيحة الفضلاء الخمسة: «على الرجل أن يعطي عن كلّ من يعول من حرّ و عبد، صغير و كبير، يعطي يوم الفطر فهو أفضل، و هو في سعة أن يعطيها في أوّل يوم من شهر رمضان إلى آخره» «4» الحديث.

و صحيحة الحلبي: عن صدقة الفطرة، فقال: «على كلّ من يعول الرجل، على الحرّ و العبد و الصغير و الكبير» «5».

______________________________

(1) الخلاف 2: 130، الغنية (الجوامع الفقهية): 568، المنتهى 1: 533، التذكرة 1: 248، المدارك 5: 315.

(2) كالشرائع 1: 171.

(3) الكافي 4: 173- 16، الفقيه 2: 116- 497، التهذيب 4: 332- 1041، الوسائل 9: 327 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 2.

(4) التهذيب 4: 76- 215، الاستبصار 2: 45- 147، الوسائل 9: 354 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 4.

(5)

التهذيب 4: 81- 233، الاستبصار 2: 47- 154، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 390

و صحيحة ابن سنان: في صدقة الفطرة، فقال: «تصدّق عن جميع من تعول من صغير أو كبير أو مملوك» «1».

و رواية الفضلاء الثلاثة: عن زكاة الفطرة، قالا: «صاع من تمر»، إلى أن قالا: «عن الصغير و الكبير و الذكر و الأنثى و البالغ و من تعول في ذلك سواء» «2».

و مرسلة محمّد: عمّا يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة، قال: «تصدّق عن جميع من تعول من حرّ أو عبد أو صغير أو كبير من أدرك منهم الصلاة» «3»، إلى غير ذلك من الأخبار المتكثّرة «4».

ثمَّ المراد بمن يعول الرجل المصرّح بوجوب فطرته في تلك الأخبار:

هو من ينفق عليه، كما صرّح به أهل اللغة، قال الجوهري: عال عياله عولا، أي قاتهم و أنفق عليهم «5». و في المجمع: عال يعول، أي ينفق عليهم «6».

و يكفي في ذلك تفسير الإمام عليه السّلام له في رواية أبي حفص: «صدقة الفطرة على كلّ صغير أو كبير، حرّ أو عبد، عن كلّ من يعول- يعني من ينفق عليه- صاع من تمر، أو صاع من شعير، أو صاع من زبيب» «7».

______________________________

(1) التهذيب 4: 81- 234، الاستبصار 2: 47- 155، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 12.

(2) التهذيب 4: 82- 236، الاستبصار 2: 43- 139، الوسائل 9: 338 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 17.

(3) الفقيه 2: 118- 511، الوسائل 9: 329 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 6.

(4) الوسائل 9: 327 أبواب زكاة الفطرة ب 5.

(5) الصحاح 5: 1777.

(6) مجمع البحرين 5:

432.

(7) التهذيب 4: 82- 237، الاستبصار 2: 48- 157، الوسائل 9: 335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 391

و هذا المعنى أعمّ من العيال العرفي؛ لأنّهم في العرف من يتكفّل مئونته و نفقته بدوام و استمرار بل مجّانا، فلا يعدّ من ينفق عليه أيّاما من العيال، و لا من ينفق عليه لجعالة عمل، و لا الضيف و لو كان عندك شهرا ..

و لذا يقال: علته أيّاما، قال في الصحاح: علته شهرا، أي كفيته معاشه «1».

و لذا عدّ الضيف في صحيحة عمر بن يزيد المتقدّمة ممّن يعول، مع أنّه ليس من العيال العرفي، بل العيال لغة غير من يعول و أخصّ منه أيضا؛ لأنّ العيال مشتقّ من العيلة، التي هي الحاجة و الفاقة، حيث إنّهم يوجبون احتياج الرجل و فاقته، لا من العول الذي هو الإنفاق .. و لذا ذكر اللغويون العيال في مادّة العيلة دون العول «2».

و لذا ترى أنّه- مع تفسيره عليه السلام في الرواية المتقدّمة من يعول بمن ينفق عليه- سئل في صحيحة البجلي: عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله «3»، حيث أثبت الإنفاق و نفى العيلولة، و صرّح في آخرها: بأنّ «العيال: الولد و المملوك و الزوجة و أمّ الولد».

و من هذا يظهر لك ما في كلام كثير من الفقهاء، حيث عبّروا في المقام بالعيال [1]، مع أنّه لو كان الواجب فطرته العيال يشكل عليهم الأمر في كثير من الفروع التي حكموا فيها بوجوب الفطرة، و التي حكموا فيها بعدم وجوبها، كزوجة رجل و مملوكه و نحوهما إذا أنفق عليه غيره، فإنّه لا يخرج بذلك عن عيال الرجل مع أنّه لا تجب فطرته.

و

بالجملة: الذي تجب فطرته على الرجل هو من ينفق عليه، سواء

______________________________

[1] كالمحقق في المختصر النافع: 60.

______________________________

(1) الصحاح 5: 1777.

(2) راجع الصحاح 5: 1780، و مجمع البحرين 5: 432.

(3) الفقيه 2: 118- 509، الوسائل 9: 328 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 392

كان من عياله أم لا.

و أمّا صحيحة البجلي: عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله إلّا أنّه يتكلّف له نفقته و كسوته، أ تكون عليه فطرته؟ قال: «لا، إنّما تكون فطرته على عياله صدقة دونه»، و قال: «العيال: الولد و المملوك و الزوجة و أمّ الولد» «1»، فحملت على تصدّق النفقة و الكسوة له.

و التحقيق: أنّ فيها إجمالا من جهة مرجع الضمائر؛ إذ يمكن أن يكون ضمير: عليه، راجعا إلى الرجل الأول، و في: فطرته، الاولى، إلى الثاني، و في الثانية أيضا إليه، و كذا في: «عياله» و في: «دونه» إلى الأول، و لا بدّ حينئذ من إرادة المعيل من: «العيال».

أو يكون بصيغة المبالغة، و أن يكون الأولان كما مرّ، و يكون مرجع الثالث و الرابع إلى الأول و الخامس إلى الثاني، و حينئذ لا بدّ من إرادة الفطرة الواجبة عليه من: «فطرته» الثانية، و يكون «على» بمعنى: عن.

و أن يكون مرجع الأول و الثاني إلى الثاني، و يكون السؤال عن وجوب فطرة المنفق عليه على نفسه، و كذا يكون مرجع الثلاثة الأخيرة إليه أيضا، و العيال يكون بأحد المعنيين المذكورين.

و المنافي للمطلوب هو أحد الأولين دون الثالث.

و للحديث احتمال ثالث، و هو أن يكون السؤال عن وجوب فطرة الثاني على الأول، فالمرجعان الأولان كما مرّ أولا، و تكون الضمائر الثلاثة الأخيرة راجعة إلى الثاني، و

يكون في الجواب عدولا عن مطابقة السؤال لمصلحة، و يكون المراد أنّه يجوز للأول إعطاء فطرة الثاني لعيال الثاني بعنوان الصدقة، و لا يجوز له إعطاء فطرة الثاني للثاني نفسه.

و على هذا، لا ينافي المطلوب، مع أنّه مع التنافي أيضا يجب

______________________________

(1) الفقيه 2: 118- 509، الوسائل 9: 328 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 393

طرحها؛ لشذوذها و مخالفتها لأخبار كثيرة.

ثمَّ المراد بمن ينفق عليه: ليس من ينفق عليه دائما؛ بالإجماع، و لأصالة عدم التقييد بالدوام .. بل من يصدق عليه هذا العنوان؛ لإطلاقه.

و ليس المراد: الإنفاق في الاستقبال؛ بالإجماع .. بل المراد الحال، كما صرّح به في المنتهى أيضا «1». و المراد حال وجوب الفطرة، فالذي تجب فطرته هو الذي يكون ممّن ينفق عليه في غروب الشمس من ليلة الفطر عرفا. و هذا العنوان يتحقّق بإنفاقه عليه في الليلة السابقة أو النهار إن لم يكن صائما مع قصد إنفاقه ليلة الفطر و تحقّقه أيضا قطعا .. بل و كذا لو لم يتحقّق الإنفاق السابق، و كان ممّن يقصد إنفاقه ليلة الفطر حال الغروب و دخول الوجوب و تحقّق الإنفاق أيضا.

نعم، يشكل الأمر فيما إذا لم يقصد الإنفاق أول الوقت و تحقّق بعده، من صدق الإنفاق، و من عدم تعلّق الوجوب به أولا، بل تعلّقه بنفس المنفق عليه، أو سقوطه رأسا إن لم يستجمع الشرائط.

و كذا فيما إذا قصد الإنفاق و لم يتحقّق، و عدم الوجوب حينئذ أظهر، و الاحتياط في الصورتين أحسن بإعطاء المستجمع للشرائط منهما إن استجمعها أحدهما فقط، و اعطاؤهما معا إن استجمعاها، أو توكيل أحدهما الآخر في الإعطاء و إعطاؤه بنيّة من يجب عنه.

فروع:

أ:

لا

فرق في من يعول بين من تجب نفقته و من يتبرّع إجماعا؛ له، و للإطلاقات.

و صحيحة ابن سنان: «كلّ من ضممت إلى عيالك من حرّ أو مملوك

______________________________

(1) المنتهى 1: 536.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 394

فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه» «1».

و روايته: عن صدقة الفطرة، قال: «من كلّ رأس من أهلك، الصغير منهم و الكبير، و الحرّ و المملوك، و الغنيّ و الفقير، كلّ من ضممت إليك، عن كلّ إنسان صاع من حنطة، أو صاع من شعير، أو تمر، أو زبيب»، و قال:

«التمر أحبّ إليّ؛ فإنّ لك بكلّ تمرة نخلة في الجنّة» «2».

ب:

لا فرق فيهم بين الصغير و الكبير، و الغني و الفقير، و الحرّ و المملوك، و الذكر و الأنثى، و الكافر و المسلم؛ كلّ ذلك بالإجماع، و الإطلاقات، و في غير الأخيرين بالتصريحات المتقدّمة، و فيهما بالتصريح في مرفوعة محمّد بن أحمد: «يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه، و رقيق امرأته، و عبده النصراني و المجوسي، و من أغلق عليه بابه» «3».

ج:

لا بدّ في وجوب فطرة المنفق عليه من كون النفقة من مال المنفق أو ما في يده و تحت اختياره عرفا حين صرف المنفق عليه له حتى يصدق إنفاقه، فلو باعها المنفق للمنفق عليه أو وهبها له أو تصدّقها عليه لم تجب به الفطرة.

د:

و لا بدّ أيضا فيه من قصد المنفق لإنفاقه، فلو أعطاه دراهم ليصرفها فيما يريد، و هو صرفها في نفقته، لا تجب الفطرة؛ لعدم صدق إنفاقه.

و كذا لو أعطاه خبزا ليصرفه فيما يريد فأكله، أو صرف أحد مال غيره في نفقته من غير قصد المنفق و لو بشاهد الحال.

______________________________

(1) الكافي 4: 170- 1، التهذيب 4: 71- 193، الوسائل

9: 329 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 8.

(2) التهذيب 4: 86- 250، الوسائل 9: 330 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 12.

(3) الكافي 4: 174- 20، التهذيب 4: 72- 195، الوسائل 9: 330 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 395

ه:

لا يشترط كون ما يعطيه المنفق هو الجنس الذي يأكله المنفق عليه، فلو أعطاه دراهم ليشتري بها النفقة، فاشتراها و أنفقها، تجب الفطرة عليه.

و:

لا يشترط في الإنفاق أن يكون مجّانا، فلو استأجره و شرط أن تكون النفقة على المستأجر تجب فطرته عليه؛ للإطلاق.

نعم، يجب أن يكون المشروط هو الإنفاق، فلو شرط أن يعطيه شيئا- و لو كان من الأجناس المنفقة- و الموجر بنفسه يصرفها في النفقة، لا تجب فطرته عليه.

و الحاصل: أنّه يجب أن يكون الإنفاق صادرا من المنفق، لا محض إعطاء شي ء، و إن صرفه المعطى له في النفقة.

و يظهر من بعضهم عدم وجوب فطرة الأخير إن شرط النفقة «1».

و الإطلاق يردّه.

ز:

لا يشترط في وجوب الفطرة على المنفق كون المنفق عليه في بيت المنفق أو أعطاه المنفق النفقة بنفسه، فلو كان مال أحد عند شخص في سفر و وكّله أو آذنه في صرف النفقة منه، تجب عليه فطرته .. و لكن يشترط في وجوبها عليه: علمه بصرفها منه، فلو جوّز صرف نفقة ليلة الفطر من مال آخر لا تجب نفقته؛ للأصل.

ح:

يشترط أن تكون النفقة ممّا تعدّ نفقة و إعطاؤه إنفاقا عرفا، فلو أفطره ليلة الفطر بشربة ماء أو تمرة أو لقمة لا تجب عليه فطرته؛ لعدم صدق عنوان من يعول و من ينفق عليه عرفا عليه.

و منه يظهر: أنّه لو أعطاه جماعة بقدر النفقة، و لم يبلغ

حصّة كلّ واحد ما يصدق عليه العنوان، تجب فطرته على نفسه دون المعطين.

______________________________

(1) انظر: المعتبر 2: 601.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 396

ط:

الظاهر اشتراط صرف المنفق عليه للنفقة في نفقته، فلو أعطاه المنفق نفقته بقصد الإنفاق، و هو لم يصرفها في النفقة، بل يبقيها حتى يخرج الوقت، لا تجب الفطرة؛ لعدم صدق النفقة بدون الصرف.

ي:

لو أنفق رجلان على رجل بقدر يبلغ ما أعطاه كلّ واحد قدرا تصدق معه النفقة، فأكلهما معا، تجب الفطرة على من صرف نفقته أولا؛ لتعلّق الوجوب عليه بصرفه، و لا تتعدّد الفطرة.

نعم، يستشكل الأمر لو صرفهما معا في آن واحد، كأن يعطيه هذا طحينا و ذاك طحينا، فمزجهما و خبزهما و أكل الخبز. و الأظهر: تخييرهما حينئذ، فيكون كالواجب الكفائي. و الأحوط: إخراجهما الفطرة معا، بل مع المنفق عليه أيضا، أو إعطاء واحد منهم مع توكيل الباقين.

يا:

هل يشترط في وجوب الفطرة على المنفق كون النفقة من ماله الحلال، فلا تجب الفطرة على سلطان ينفق على عياله من الأموال المغصوبة؛ أم لا يشترط، فتجب؟

الظاهر: الثاني، لإطلاق الإنفاق، و عدم التقييد بكونه من ماله.

المسألة الثانية: اتّفق الأصحاب على وجوب فطرة الضيف على المضيف في الجملة؛

استنادا فيه إلى صحيحة عمر بن يزيد المتقدّمة.

و لكن اختلفوا في قدر الضيافة الموجبة لوجوبها على أقوال متشتّتة:

فبين من اعتبرها طول الشهر، كما عن الشيخ و السيّدين «1».

و من اكتفى بالنصف الأخير، كالمفيد «2».

و بالعشر الأخير، كما عن جماعة من الأصحاب «3».

______________________________

(1) الشيخ في النهاية: 189، و المرتضى في الانتصار: 88، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 506.

(2) المقنعة: 265.

(3) حكاه في المعتبر 2: 603، و التذكرة 1: 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 397

و بالليلتين الأخيرتين، كالحلّي و المختلف «1».

و بالليلة الأخيرة، كالمنتهى و التذكرة

و التحرير «2».

و بآخر جزء من الشهر، بحيث يهلّ الهلال و هو في ضيافته، كما عن المعتبر و في الروضة «3».

و بمسمّى الإفطار عنده في الشهر، كالوسيلة «4».

و من اعتبر صدق العيلولة عرفا، كبعض المتأخرين [1].

و كذا اختلفوا في اشتراط إفطار الضيف عند المضيف و عدمه:

فعن الشيخ و الحلي و ابن حمزة و الدروس: الأول «5».

و عن شرح الإرشاد لفخر المحقّقين و المسالك: الثاني «6».

و لا يخفى أنّ منشأ أكثر هذه الاختلافات هو الاختلاف في مصداق الضيف، أو في صدق كونه عنده فيحضر يوم الفطر، كما هو مورد السؤال، أو ملاحظة العيلولة العرفية أيضا، كما ورد في الجواب.

و الحقّ: أنّ الكلّ بمعزل عن التحقيق؛ لأنّ لفظة الضيف و الكون عند المضيف وقع في كلام السائل، و الإمام لم يكتف في الجواب بصدق العنوانين، بل علّقه على كونه ممّن يعوله، الذي هو أيضا مناط مستقلّ في الوجوب، فهو المناط من غير اعتبار صدق أحد العنوانين و لا عنوان العيلولة العرفيّة، بل اللازم في الضيف أيضا كونه ممّن يعوله، و قد مرّ تفصيل ما

______________________________

[1] منهم السبزواري في الذخيرة: 472.

______________________________

(1) السرائر 1: 466، المختلف: 196.

(2) المنتهى 1: 536، التذكرة 1: 249، التحرير 1: 71.

(3) المعتبر 2: 287، الروضة 2: 58.

(4) الوسيلة: 131.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 9    398     المسألة الثالثة هل يجب الإنفاق من دون فعلية الإنفاق أم لا؟ ..... ص : 398

(5) النهاية: 189، السرائر 1: 466، الوسيلة: 131، الدروس 1: 250.

(6) المسالك 1: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 398

يعتبر فيه.

المسألة الثالثة [هل يجب الإنفاق من دون فعلية الإنفاق أم لا؟]

كما يتبع وجوب الفطرة للإنفاق الفعلي، فهل يتبع وجوب الإنفاق من دون فعلية، أم لا؟

فأوجبها جماعة عن الزوجة غير الناشزة و

المملوك؛ استنادا إلى وجوب النفقة، و مقتضاه عموم الحكم في كلّ واجب النفقة، كما صرّح به الشيخ في المبسوط في الأبوين و الأولاد المعسرين «1».

و منهم من صرّح باختصاص الحكم بالإنفاق الفعلي، بل هم الأكثرون. و هو الحقّ؛ للأصل، و عدم الدليل.

و ما يمكن أن يكون دليلا للأول: صحيحة البجلي المتقدّمة في المسألة الاولى، و رواية ابن سنان المتقدّمة في الفرع الأوّل منها، حيث اشتمل على الأهل.

و صحيحة الحلبي: «صدقة الفطرة على كلّ رأس من أهلك، الصغير و الكبير، و الحرّ و المملوك، و الغنيّ و الفقير، من كلّ إنسان صاع من حنطة أو شعير، أو صاع من تمر أو زبيب، لفقراء المسلمين»، و قال: «التمر أحبّ ذلك إليّ» [1].

و موثّقة إسحاق: «الواجب عليك أن تعطي عن نفسك و أبيك و أمّك و ولدك و امرأتك و خادمك» «2».

و يردّ الأول: بما مرّ من الإجمال المسقط للاستدلال.

و الثانيتان: بأعمّية الأهل من واجبي النفقة، سيّما مع اشتماله على الغني، المسقط لوجوب النفقة في الأكثر.

______________________________

[1] التهذيب 4: 75- 210، الاستبصار 2: 42- 134، الوسائل 9: 324 أبواب زكاة الفطرة ب 3 ح 1. و في الجميع: نصف صاع من حنطة أو شعير ..

______________________________

(1) المبسوط 1: 239.

(2) الفقيه 2: 118- 510، الوسائل 9: 328 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 399

و الرابعة: بأعمّيتها من واجبي النفقة أيضا، فيجب إمّا تخصيصها بالأب و الامّ و الولد الفقراء و الامرأة الدائميّة المطيعة و الخادم الرقيق، بشرط أن لا يعولهم غيره؛ أو بالمنفقين عليهم منهم و إن لم يكونوا واجبي النفقة.

و ليس الأول أرجح من الثاني، مع ما في هذه الأخبار ممّا يأتي ذكره.

و

قد يستدلّ أيضا بصدق العيلولة مع وجوب النفقة و عدم توقّفه على الإنفاق.

و فيه: أنّه لو سلّم فإنّما هو في صدق العيال، و قد عرفت أنّ المناط:

العول.

المسألة الرابعة: هل يشترط في وجوب فطرة الزوجة و المملوك عيلولتهما
اشارة

بالمعنى المتقدّم؟

أو يكفي صدق عنوانهما من حيث إنّهما هما إمّا مع وجوب نفقتهما أو مطلقا؟

الأكثر فيهما على الثاني، بل جعله في المعتبر في المملوك ممّا قطع به الأصحاب «1»، و نسبه في المنتهى إلى أهل العلم كافّة «2»، و في السرائر ادعاء الإجماع عليه في الزوجة و إن لم تجب نفقتها «3».

و نقل في الشرائع قولا بالأول، و اختاره في المدارك و الذخيرة و الحدائق «4».

و صريح الشرائع التردّد.

و الحقّ هو الأول؛ للأصل.

و دليل الثاني: الإجماع المنقول، و صدق العيلولة بالزوجيّة و الرقّية،

______________________________

(1) المعتبر 2: 597.

(2) المنتهى 1: 534.

(3) السرائر 1: 466.

(4) الشرائع 1: 172، المدارك 5: 322، الذخيرة: 473، الحدائق 12: 268.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 400

و بعض الإطلاقات.

و الأول مردود: بعدم الحجّية، مع أنّ الإجماع الذي ادّعاه الحلّي ردّه في المعتبر: بأنّا ما عرفنا أحدا من فقهاء الإسلام فضلا عن الإماميّة أوجب الفطرة عن الزوجة من حيث هي «1»، و قريب منه في المنتهى «2».

و الثاني: بمنع صدق العيلولة المعتبرة هنا- على ما مرّ- بدون الإنفاق الفعلي.

و الثالث: بأنّ الخطاب في ما يتضمّن هذه الإطلاقات إلى شخص خاصّ، فلعلّه كان يعول مملوكه و امرأته، كما هو الغالب الشائع، فلا يتعدّى إلى غيره، إلّا إذا علم الاتّحاد في جميع ماله مدخليّة في الحكم.

مضافا إلى أنّ الإطلاق ينصرف إلى الشائع، و إلى انضمامهما فيها مع من يلزم تقييده بالعيلولة بالمعنى المتقدم، فكذا هما.

ثمَّ بعد ما اخترناه من توقّف وجوب الفطرة على الإنفاق في المملوك و الزوجة،

لا حاجة إلى ذكر بعض الفروع المتفرّعة على ترتّب الوجوب على مجرّد الزوجيّة و المملوكيّة.

نعم، بقيت في المقام فروع أخر لا بدّ من ذكرها، فنقول:

فروع:

أ:

لا فرق في وجوب الفطرة عمّن يعوله بين غيبة المعال و حضوره، فلو كان له عبد غائب بيده مال من مولاه ينفق عنه، أو كان العائل في السفر و له أهل في الحضر ينفقون من ماله، تجب عليه فطرتهم، و إن لم يتيقّن بحياة بعضهم؛ لأصالة البقاء.

______________________________

(1) المعتبر 2: 601.

(2) المنتهى 1: 533.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 401

و لا تعارضها أصالة براءة الذمّة؛ لكون الأولى مزيلة للأصل الثاني، كما بيّن تحقيقه في موضعه.

و له أمرهم بإخراج الفطرة، كما صرّح به في رواية جميل «1».

نعم، لو كان الغائب غير منفق عليه منه- كالعبد الآبق- أو المغصوب- لم تجب فطرته على المختار. و على القول بوجوب فطرة المملوك مطلقا يتعيّن القول بالوجوب هنا أيضا؛ للأصل المذكور.

ب:

من تجب فطرته على عائلة تسقط عنه و لو كان غنيّا؛ بالإجماع كما صرّح به فخر المحقّقين في شرح الإرشاد و بعض مشايخنا المحقّقين، بل بالإجماع المحقّق حقيقة، لشذوذ المخالف؛ و هو الدليل عليه.

مضافا إلى النبويّ المنجبر: «لا يثنا في صدقة»، و في لفظ آخر:

«لا يثنى» «2»: ك: إلى.

و إلى الأخبار المصرّحة بأنّها عن كلّ إنسان صاع «3»، فلا يتعدّد الصاع.

و يشعر به أيضا ما في الأخبار من ذكر الأداء أو الوجوب عمّن يعول «4»، فإنّ لفظة: «عن» ظاهرة في أنّها نيابة عنه.

خلافا للمحكيّ عن الحلّي، فأوجبها على المضيف و الضيف الغني «5»؛ لإطلاق الوجوب على [كلّ ] [1] أحد. و جوابه ظاهر.

ج:

لو كان العائل فقيرا و المعال غنيّا تسقط عن الأول؛ لإعساره،

______________________________

[1] أضفناه لاستقامة المعنى.

______________________________

(1)

الكافي 4: 171- 7، التهذيب 4: 331- 1038، الوسائل 9: 366 أبواب زكاة الفطرة ب 19 ح 1.

(2) النهاية الأثيرية 1: 224.

(3) الوسائل 9: 332 أبواب زكاة الفطرة ب 6.

(4) الوسائل 9: 327 أبواب زكاة الفطرة ب 5.

(5) السرائر 1: 468.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 402

و تجب على الثاني على الحقّ، وفاقا للحلّي و المعتبر «1»؛ للعمومات السالمة عن المعارض.

و خلافا للمبسوط في الزوج و الزوجة، فأسقطها عنهما «2»؛ أمّا عن العائل فلإعساره، و أمّا عن المعال فلعيلولته للغير.

و يردّ: بأنّه لا دليل على الإسقاط بعيلولة الغير، إلّا مع وجوب أداء الغير، و هو هنا منفيّ، و ظاهره عدم الفرق بين إنفاق الزوج عليها و عدمه.

و فصل في المختلف بين إنفاقه عليها، فأسقطها عنهما؛ لما مرّ، و بين عدمه فأوجبها عليها؛ لانتفاء العيلولة الموجبة للسقوط عنها، فتبقى العمومات الدالّة على وجوبها على كلّ مكلّف سالمة عن المعارض «3».

و جوابه ظهر ممّا ذكر.

د:

لو لم يخرج العائل مع وجوبها عليه لم تجب على المعال و إن كان غنيّا؛ لتعلّق الخطاب بالعائل فلا يتعلّق بالمعال.

و كذا الحكم إذا كان العائل كافرا؛ لتوجّه الخطاب إليه.

ه:

لو أخرجها المعال عن نفسه تبرّعا بغير إذن العائل لم تبرأ ذمّة العائل، كما نصّ عليه في الخلاف و التحرير و الروضة «4»، و غيرها؛ لأصالة اشتغال ذمّته، و توجّه الخطاب إليه، و توقّف الإخراج على النيّة الغير المتصوّرة في حقّ المعال.

و استشكل في القواعد من الأصالة و التحمّل «5»، و لا محصّل له، كما

______________________________

(1) السرائر 1: 468، المعتبر 2: 287.

(2) المبسوط 1: 241.

(3) المختلف: 196.

(4) الخلاف 2: 138، التحرير 1: 71، الروضة 2: 58.

(5) القواعد 1: 60.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9،

ص: 403

ذكره المحقّق الشيخ عليّ «1».

و هل تسقط عن العائل لو أخرجها المعال بإذنه؟

صرّح جماعة بالسقوط [1]، و عن الخلاف: نفي الخلاف عنه «2»؛ و استدلّ له بأنّه مع الإذن يكون كالمخرج.

و استشكل بأنّه عبادة، فلا تصحّ عن غير من وجبت عليه، إلّا إذا كان بالوكالة في الأداء من مال الموكّل.

و هو في محلّه، بل الظاهر عدم السقوط إلّا أن يوكّله بقبول قدر الفطرة له ثمَّ إخراجه عنه.

و لا دلالة في رواية جميل بالسقوط؛ لأنّ الظاهر من أمر العيال بالإخراج: إخراجهم من مال المعيل.

و:

لو كان العبيد بين شركاء، فإن كان لكلّ منهم رأس وجبت على كلّ منهم فطرة، و كذا لو كان لواحد منهم رأس، و لو كانت حصّة كلّ أو بعضهم أقلّ من رأس فلا فطرة عليه، وفاقا للصدوق و المدارك و الذخيرة «3».

لرواية زرارة المصرّحة بذلك «4»، و للأصل أيضا، فإنّه لم يثبت من الأخبار وجوب فطرة أقلّ من رأس على شخص.

خلافا للأكثر، فأوجبوها مطلقا على كلّ بقدر حصّته؛ للعمومات.

و شمولها لذلك ممنوع.

هذا إذا عاله الجميع بقدر الحصّة، و إن عاله واحد فتجب فطرته عليه.

المسألة الخامسة: لا شكّ في وجوب فطرة الرضيع؛

للإجماع،

______________________________

[1] منهم العلّامة في المنتهى 1: 533، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 65.

______________________________

(1) جامع المقاصد 3: 45.

(2) الخلاف 2: 138.

(3) الفقيه 2: 119، المدارك 5: 329، الذخيرة: 474.

(4) الفقيه 2: 119- 512، الوسائل 9: 365 أبواب زكاة الفطرة ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 404

و إطلاقات الصغير المتقدّمة، و رواية إبراهيم بن محمّد الهمداني، و فيها:

«و الفطرة عليك و على الناس كلّهم، و من تعول من ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، حرّ أو عبد، فطيم أو رضيع» «1» الحديث.

و لا في عدم

وجوبها على أبيه أو جدّه لو تكفّل مئونة إرضاعه؛ لصدق العول، بل و كذا كلّ من يكفلها.

و لا في وجوبها إذا كانت مئونة إرضاعه من ماله.

و إنّما الإشكال فيما لو تبرّعت امّه بالإرضاع، كما هو الشائع في تلك الأزمان، فهل تجب فطرته على امّه، أو على أبيه المنفق على امّه؟

و أشكل منه لو لم ينفق أبوه على امّه أيضا.

و الأحوط: إخراجهما معا.

المسألة السادسة: لا تجب فطرة الجنين

إجماعا؛ له، و للأصل .. إلّا إذا تولّد قبل الغروب، فتجب حينئذ؛ لدخوله تحت الصغير و الرضيع.

و لو تولّد بعده و قبل الزوال لم تجب على الأظهر الأشهر؛ لصحيحة ابن عمّار: عن مولود ولد ليلة الفطر عليه الفطرة؟ قال: «لا، قد خرج الشهر» «2»، و نحوها روايته «3».

نعم، يستحبّ إخراج فطرته؛ للمرويّ في التهذيب مرسلا: «إن ولد قبل الزوال تخرج عنه الفطرة» «4».

______________________________

(1) التهذيب 4: 79- 226، الاستبصار 2: 44- 140، الوسائل 9: 342 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ح 4.

(2) الكافي 4: 172- 12، التهذيب 4: 72- 197، الوسائل 9: 352 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 2.

(3) الفقيه 2: 116- 500، الوسائل 9: 352 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 1.

(4) التهذيب 4: 72- 198، الوسائل 9: 353 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 405

البحث الثالث في جنسها و قدرها
و فيه مسألتان:
المسألة الأولى: اختلف الأصحاب في الجنس الواجب إخراجه عن الفطرة:
اشارة

فمنهم من اقتصر على الأربعة الزكويّة، كعليّ بن بابويه في رسالته، و ولده في مقنعة و هدايته «1»، و العماني في متمسّكه «2».

و منهم من خصّ بخمسة: الأربعة مع الذرة، كما عن الإسكافي و الحلبي و الحلّي «3» [1]، أو مع الأقط، كصاحب المدارك «4».

و منهم من جعله ستّة: الخمسة الاولى مع الأقط، كما مال إليه في الذخيرة «5»، أو الخمسة الثانية مع اللبن، كالسيّد «6».

و منهم من حصره في سبعة: الستّة الأخيرة مع الأرز، كما في الخلاف و المبسوط «7» و جماعة [2].

و منهم من جعله من القوت الغالب، إمّا من الأجناس السبعة،

______________________________

[1] في «ق» زيادة: و هؤلاء و إن ذكروا السلت أيضا، إلّا أنه شعير أيضا.

[2] كابن حمزة في الوسيلة: 131.

______________________________

(1) نقله عن علي بن بابويه في المختلف: 197،

المقنع: 66، الهداية: 51.

(2) نقله عنه في المختلف: 197.

(3) نقله عنهم في المدارك 5: 332.

(4) المدارك 5: 333.

(5) الذخيرة: 470.

(6) كما في الجمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 80.

(7) الخلاف 2: 150، المبسوط 1: 241.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 406

كطائفة [1]، أو مطلقا، كاخرى [2].

و منهم من اعتبر غلبة القوت في غير الأجناس المذكورة، و أمّا فيها فاكتفى بالإطلاق، و مرجعه التخيير بين الأمرين، و هو الأشهر، سيّما بين المتأخرين.

و بالجملة: فلهم اختلاف شديد في المقام، بل اختلفت كلمات الحاكين للأقوال أيضا.

و منشأ الاختلاف في المسألة: اختلاف أخبارها، فإنّها بين مكتف بذكر اثنين: الحنطة و التمر، كصحيحة الحلبي «1».

أو ثلاثة: الحنطة و التمر و الزبيب مطلقا، كصحيحة صفوان «2».

أو الأولين مع الشعير، كصحيحتي الفضلاء السبعة «3» و ابن سنان «4» و رواية منصور بن خارجة «5».

و الأول و الثالث مع الشعير، كصحيحة ابن وهب «6» و رواية سلمة «7».

______________________________

[1] منهم الشيخ في النهاية: 190، و القاضي في المهذب 1: 174، و الديلمي في المراسم: 135.

[2] منهم المحقق في المعتبر 2: 605، و العلّامة في المنتهى 1: 536.

______________________________

(1) التهذيب 4: 81- 233، الاستبصار 2: 47- 154، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 12.

(2) التهذيب 4: 71- 194، الاستبصار 2: 46- 149، الوسائل 9: 327 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 1.

(3) التهذيب 4: 76- 215، الاستبصار 2: 45- 147، الوسائل 9: 337 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 14.

(4) التهذيب 4: 81- 234، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 12.

(5) التهذيب 4: 85- 246، الوسائل 9: 350 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 3.

(6) التهذيب 4: 83- 239، الاستبصار

2: 48- 159، الوسائل 9: 335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 8.

(7) التهذيب 4: 82- 237، الاستبصار 2: 48- 157، الوسائل 9: 335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 407

أو الأول و الرابع مع الأقط، كرواية ابن المغيرة «1».

أو أربعة، هي الأربعة الأولى، كصحيحتي البجلي [1] و سعد بن سعد «2» و رواية ابن سنان «3».

أو الأخيرة، كصحيحة القدّاح «4».

أو غير الأول من الأربعة الاولى مع الذرة، كصحيحة الحذّاء «5».

أو خمسة: هي الأربعة الاولى مع الذرة، كرواية الفضلاء الثلاثة «6».

و متضمّن لإيجاب ما اقتاته المزكّي و تغذّى به عياله، أو ما اقتاته أهل بلده، كصحيحة ابن مسكان «7» و مرسلة يونس «8» و رواية الهمداني «9»،

______________________________

[1] الرواية بهذا النص عن الحلبي، و لم نعثر على هكذا رواية للبجلي، لا حظ التهذيب 4: 75- 210، الاستبصار 2: 42- 134، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 11.

______________________________

(1) التهذيب 4: 80- 229، الاستبصار 2: 46- 150، الوسائل 9: 333 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 3.

(2) الكافي 4: 171- 5، الفقيه 2: 115- 492، التهذيب 4: 80- 227، الاستبصار 2:

46- 148، الوسائل 9: 332 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 1.

(3) التهذيب 4: 86- 250، الوسائل 9: 330 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 12.

(4) التهذيب 4: 81- 231، الاستبصار 2: 42- 135، الوسائل 9: 330 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 11.

(5) التهذيب 4: 82- 238، الاستبصار 2: 48- 158، الوسائل 9: 335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 10.

(6) التهذيب 4: 82- 238، الاستبصار 2: 43- 139، الوسائل 9: 338 أبواب زكاة الفطرة ب 6

ح 17.

(7) التهذيب 4: 78- 221، الاستبصار 2: 43- 137، الوسائل 9: 343 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 1.

(8) التهذيب 4: 78- 220، الاستبصار 2: 42- 136، الوسائل 9: 344 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 4.

(9) التهذيب 4: 79- 226، الاستبصار 2: 44- 140، الوسائل 9: 343 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 408

و تعضدهما صحيحة ابن عمّار المثبتة للأقط لأصحاب الإبل و البقر و الغنم «1».

و جميع تلك الأقسام- غير الأخير؛ لعدم دلالتها على وجوب ما تضمّنته، بل على كفايته و إجزائه، كما لا يخفى على الفقيه الخبير- لا تعارض بعضها بعضا.

نعم، تتعارض هذه الأقسام مع القسم الأخير بالعموم من وجه؛ لدلالتها على إجزاء ما تضمّنته مطلقا، سواء كان قوتا غالبا أو لا، و دلالته على تعيّن القوت الغالب، سواء كان أحد الأجناس أو لا.

و توهّم عدم التعارض؛ لأنّ ورود خصوص الأجناس لأنّ الغالب عدم خروج القوت الغالب عنها.

فاسد؛ إذ القوت الغالب للغالب لا يخرج عن الجميع، و أمّا عن كلّ واحد فالعيان يشهد بخلافه، فإنّ أهل عراق العجم و الري ليس قوتهم تمرا، كما أنّ أهل النجد ليس زبيبا، مع أنّها تدلّ على إجزاء كلّ واحد مطلقا، فالتعارض متحقّق، فاللازم المحاكمة، و مقتضاها الحكم بالتخيير في موضع التعارض، فيه الحكم و عليه الفتوى، فيتخيّر المكلّف بين إخراج أحد الأجناس الخمسة، و بين إخراج قوته الغالب لو كان غيرها.

لا يقال: مقتضى مفهوم الشرط في صحيحة محمّد: «الصدقة لمن لا يجد الحنطة و الشعير يجزئ عنه القمح و العدس و الذرة نصف صاع من ذلك كلّه، أو صاع من تمر أو زبيب» «2»، و مرسلة الفقيه:

«من لم يجد الحنطة و الشعير أجزأ عنه القمح و السلت و العدس و الذرة» «3» عدم إجزاء

______________________________

(1) التهذيب 4: 80- 230، الاستبصار 2: 46- 151، الوسائل 9: 333 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 2.

(2) التهذيب 4: 81- 235، الاستبصار 2: 47- 156، الوسائل 9: 337 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 13.

(3) الفقيه 2: 115- 494، الوسائل 9: 344 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 409

الذرة إلّا مع عدم وجدان الحنطة و الشعير.

لأنّا نقول: مقتضاه عدم إجزاء كلّ واحد من المذكورات، و هو لا ينافي أجزاء واحد منها.

فروع:

أ:

هل المعتبر في القوت الغالب قوت المزكّي، أو بلده الذي فيه ليلة الفطر، أو وطنه؟

مقتضى الخبرين الأولين من القسم الأخير: الأول، و مقتضى الثالث:

أحد الأخيرين، بل الأخير.

و حمل الأولين على الغالب- لتلازم الغلبتين في الأغلب- ليس أولى من العكس لذلك، و إذ لا ترجيح فالوجه التخيير في ذلك أيضا.

ب:

لا يعتبر في القوت الغالب أن يكون من أحد الأجناس الخمسة، و لا فيها أن يكون من القوت الغالب؛ للإطلاق.

ج:

لا يجوز إخراج قدر الفطرة من الدقيق أو الخبز عوضا للجنس، و لكنّه يجوز من القوت الغالب.

و الحاصل: أنّه على الاقتصار على الأجناس لا يكفي الدقيق و الخبز؛ لعدم صدق الجنس.

و أمّا على ما اخترناه من كفاية القوت الغالب يكفيان من جهته؛ للصدق.

و لا يضرّ في الدقيق افتقاره إلى العجن و الطبخ؛ لأنّ الحاجة على هذا القدر من العمل لا تخرجه عن القوت الغالب عرفا.

د:

أفضل ما يخرج: التمر و الزبيب، وفاقا لكثير، منهم: الشيخان و القاضي في الكامل و الحلّي و ابن حمزة و الشرائع و النافع و التذكرة و الإرشاد

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 410

و القواعد و التبصرة و الدروس و البيان و اللمعة و الروضة «1».

للشهرة، و صحيحة هشام: «التمر في الفطرة أفضل؛ لأنّه أسرع منفعة، و ذلك أنّه إذا وقع في يد صاحبه أكل منه» «2»، و هي دالّة على الأول بالصراحة، و على الثاني بعموم العلّة.

مضافا في الأول إلى غيرها من المستفيضة، كصحيحة الحلبي المتقدّمة في المسألة الثالثة من البحث الثاني «3»، و رواية ابن سنان السالفة في الفرع الأول من المسألة الأولى منه «4»، و موثّقة إسحاق بن عمّار «5»، و روايتي منصور «6» و الشحّام «7»، و فيها: «لأن أعطي صاعا من تمر أحبّ إليّ من أن اعطي صاعا من ذهب في الفطرة»، و مرسلة الفقيه، و فيها قريب ممّا ذكر أيضا «8».

و الأول أفضل من الثاني، وفاقا لجميع من ذكر، و جمع آخر، منهم:

العماني و الصدوقان «9»؛ لأكثريّة رواياته و صراحتها، و لقوله في صحيحة

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 251، و الطوسي في النهاية: 190، و الحلي في السرائر 1:

468، و ابن حمزة في الوسيلة: 131، الشرائع 1: 174، النافع 1: 61، التذكرة 1: 249، الإرشاد 1: 291، القواعد 1: 61، التبصرة: 49، الدروس 1: 251، البيان: 335، اللمعة (الروضة البهية 2): 59.

(2) الكافي 4: 171- 3، الفقيه 2: 117- 505، التهذيب 4: 85- 248، الوسائل 9: 351 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 8.

(3) انظر ص: 398.

(4) انظر ص: 394.

(5) التهذيب 4: 85- 247، الوسائل 9: 350 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 4.

(6) التهذيب 4: 85- 246، الوسائل 9: 350 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 3.

(7) التهذيب 4: 85- 249، الوسائل 9: 350 أبواب زكاة

الفطرة ب 10 ح 6.

(8) الفقيه 2: 117- 504، الوسائل 9: 351 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 7.

(9) اختاره الصدوق في المقنع: 66، و نقله عن الصدوقين و العماني في المختلف:

197.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 411

الحلبي- بعد ذكر الأجناس الأربعة-: «التمر أحبّ ذلك إليّ»، و كذا في رواية ابن سنان بدون لفظة ذلك.

خلافا في الأول للمحكيّ عن الديلمي، فجعل الأفضل الأعلى قيمة؛ لكونه أنفع للفقير «1».

و يردّه: منع إيجابه للأفضليّة؛ لصريح ما جعل التمر أفضل من الذهب.

و عن الخلاف، فجعله القوت الغالب «2»؛ لرواية الهمداني المعيّنة لأهل كلّ قطر ما يقتاتونه «3»، و ما بمعناها من الروايات «4»، بحملها على الاستحباب؛ إمّا للإجماع على عدم الوجوب كما قيل «5»، أو للجمع بين الروايات.

و فيه- مع أنّ الوجهين لا يعيّنان الحمل المذكور لإمكان التخيير كما قلنا، و أنّه لا يكافئ ما صرّح بأفضليّة ما ذكر-: أنّه يحصل الجمع بالحمل على الفضيلة بالنسبة دون الأفضليّة من الجميع، بأن يكون أفضل من غيرهما كما فعله جماعة، فجعلوا القوت الغالب أفضل بعدهما [1]. و هو كان حسنا لو لا إمكان الجمع بالتخيير.

و في الثاني للمحكيّ عن القاضي في المهذّب، فجعل الزبيب مساويا

______________________________

[1] منهم المحقق في الشرائع 1: 174، و العلّامة في القواعد 1: 61، و الشهيد في اللمعة (الروضة 2): 59.

______________________________

(1) المراسم: 135.

(2) الخلاف 2: 150.

(3) التهذيب 4: 79- 226، الاستبصار 2: 44- 140، الوسائل 9: 343 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 2.

(4) الوسائل 9: 343 أبواب زكاة الفطرة ب 8.

(5) المدارك 5: 339.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 412

للتمر؛ لمساواته العلّة «1».

و يردّه التصريح في التمر بالأفضليّة، كما مرّ.

ه:

يجوز إخراج القيمة من أحد

هذه الأجناس، بلا خلاف يعرف كما في الذخيرة «2»، بل مطلقا كما في المنتهى «3»، بل بالإجماع كما في السرائر و المدارك و المفاتيح «4»، و عن الخلاف و الغنية و التذكرة و المختلف «5»، بل هو إجماع محقّقا؛ له، و للمستفيضة، كالموثّقات الأربعة لإسحاق بن عمّار و روايته.

و في إحداها: «لا بأس بالقيمة في الفطرة» «6».

و في الأخرى: «و لا بأس أن يعطى قيمة ذلك فضّة» «7».

و في الثالثة: ما تقول في الفطرة، يجوز أن أؤدّيها فضّة بقيمة هذه الأشياء التي سمّيتها؟ قال: «نعم، إنّ ذلك أنفع له، يشتري ما يريده» «8».

و في الرابعة: فما ترى أن نجمعها و نجعل قيمتها ورقا و نعطيها رجلا واحدا مسلما؟ قال: «لا بأس» «9».

______________________________

(1) المهذب 1: 175.

(2) الذخيرة: 475.

(3) المنتهى 1: 538.

(4) السرائر 1: 469، المدارك 5: 336، المفاتيح 1: 217.

(5) الخلاف 2: 150، الغنية (الجوامع الفقهية): 507، التذكرة 1: 249، المختلف: 198.

(6) التهذيب 4: 86- 252، الاستبصار 2: 50- 167، الوسائل 9: 348 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 9.

(7) الفقيه 2: 117- 506، التهذيب 4: 78- 224، الوسائل 9: 348 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 10.

(8) التهذيب 4: 86- 251، الاستبصار 2: 50- 166، الوسائل 9: 347 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 6.

(9) الكافي 4: 171- 6، الوسائل 9: 346 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 4 بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 413

و في الخامسة: «لا بأس أن تعطيه قيمتها درهما» «1».

و صحيحتي عمر بن يزيد، الأولى: يعطى الرجل الفطرة دراهم ثمن التمر و الحنطة يكون أنفع لأهل بيت المؤمن؟ قال: «لا بأس».

و الثانية: تعطى الفطرة دقيقا مكان الحنطة، قال: «لا

بأس، يكون أجر طحنه بقدر ما بين الحنطة و الدقيق» «2».

و ظاهر أنّ المراد الإعطاء بالقيمة لا أصالة، كما يدلّ عليه قوله:

«يكون أجر طحنه» إلى آخره، فإنّه لو كان أصالة للزم الإتمام صاعا، و زيادة ما نقص باعتبار الطحن.

و صحيحة ابن بزيع: بعثت إلى أبي الحسن الرضا عليه السّلام بدراهم لي و لغيري، و كتبت إليه أخبره أنّها من فطرة العيال، فكتب عليه السّلام بخطّه: «قبضت» «3».

و رواية المروزي: «إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة، و الصدقة بصاع من تمر أو قيمته في تلك البلاد دراهم» «4».

و رواية [أبي ] [1] عليّ بن راشد: عن الفطرة- إلى أن قال-: «لا بأس بأن يعطي و يحمل ثمن ذلك ورقا» «5».

______________________________

[1] أثبتناه من المصدر، لأن الرواية عن محمّد بن عيسى، و لم تثبت روايته عن علي ابن راشد.

______________________________

(1) التهذيب 4: 79- 225، الاستبصار 2: 50- 168، الوسائل 9: 348 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 4.

(2) التهذيب 4: 332- 1041، الوسائل 9: 347 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 5.

(3) الكافي 4: 174- 22، التهذيب 4: 91- 266، بزيادة: و قبلت، الفقيه 2:

119- 513، الوسائل 9: 345 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 1.

(4) التهذيب 4: 87- 256، الاستبصار 2: 50- 169، الوسائل 9: 347 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 7.

(5) الكافي 4: 174- 23، التهذيب 4: 91- 264، الوسائل 9: 346 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 414

و المرويّ في المقنعة مرسلا: عن القيمة مع وجود النوع، قال: «لا بأس» «1».

ثمَّ إنّه لا فرق في جواز إخراج القيمة بين إمكان إخراج عين الأجناس

و عدمه، على الأظهر الموافق لصريح جماعة [1]؛ للإطلاقات، و خصوص رواية المقنعة.

و ظاهر الشيخ في النهاية و الديلمي و ابن حمزة الاقتصار على عدم الإمكان «2». و هو محجوج بما مرّ.

و لا في القيمة بين النقدين و غيرهما من الأجناس، وفاقا لصريح المبسوط و المختلف «3»، بل الأكثر، كما تنادي به تصريحاتهم بجواز إخراج ما عدا الأجناس المخصوصة بالقيمة؛ لصحيحة عمر بن يزيد الثانية .. و نفي دلالتها- كما في الحدائق «4»- غير جيّد؛ إذ قيام الأجر مقام الكسر لا يكون إلّا بالقيمة.

خلافا للمحكيّ عن ظاهر الحلّي و الأردبيلي «5» و يميل إليه كلام بعض المتأخّرين، فخصّوا بالنقدين أو خصوص الفضّة [2]؛ لأنّ النقدين هو المتبادر من القيمة، و لا أقلّ من احتمال الخصوصيّة، فلا تحصل بغيره البراءة؛ و للتقييد في سائر الأخبار، الموجب لتقييد المطلق إن كان.

و يجاب: بعدم دلالة شي ء من الأخبار على لزوم الانحصار، غايتها

______________________________

[1] منهم الحلّي في السرائر 1: 468، و صاحبي الحدائق 12: 288، و الرياض 1: 291.

[2] كصاحب الرياض 1: 291.

______________________________

(1) المقنعة: 251.

(2) النهاية: 191، المراسم: 135، الوسيلة: 131.

(3) المبسوط 1: 241، المختلف: 198.

(4) الحدائق 12: 290.

(5) السرائر 1: 468، مجمع الفائدة و البرهان 4: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 415

ذكر المقيّد، و هو لا يدلّ على لزوم التقييد، فتبقى الصحيحة بلا معارض.

ثمَّ على ما اخترناه من عدم اختصاص القيمة بالنقد، هل يجوز إخراج أقلّ من صاع من أحد الأجناس المذكورة بعوض صاع من آخر أرخص منه، أم لا؟

المحكيّ عن المختلف: الأول «1».

و عن البيان: الثاني «2»، و اختاره في الذخيرة و المفاتيح «3». و هو لأقرب؛ لأنّ أخبار القيمة متضمّنة للنقد، سوى صحيحة عمر بن

يزيد، و هي أيضا مخصوصة بغير هذه الأجناس، و القول بالفصل متحقّق، فليس على إجزاء مثل تلك القيمة دليل؛ مع أنّه ورد في روايات كثيرة أنّ ذلك من عمل عثمان أو معاوية «4»، مؤذنا بكونه بدعة.

و لا تقدير في القيمة على الأصحّ، كما ذهب إليه الأكثر، بل المرجع القيمة السوقيّة؛ للأصل، و ظاهر الأخبار.

و أمّا رواية إسحاق «5»، فلا دلالة فيها على التقدير بالدرهم الواحد؛ إذ المراد بالدرهم جنسه، و لو سلّم فيمكن حملها على اختلاف الأسعار، فينزّل على أنّ قيمتها وقت السؤال ذلك.

و أمّا ما رواه في المقنعة: عن قدر القيمة، فقال: «درهم في الغلاء و الرخص» «6» فلضعفه لا يدفع ما مرّ. و لذا صرّح جماعة بأنّ القول

______________________________

(1) حكاه عنه في الدروس 1: 251، المدارك 5: 337، و هو في المختلف: 199.

(2) البيان: 337.

(3) الذخيرة: 475، المفاتيح 1: 218.

(4) الوسائل 9: 332 أبواب زكاة الفطرة ب 6.

(5) التهذيب 4: 79- 225، الاستبصار 1: 50- 168، الوسائل 9: 348 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 11.

(6) المقنعة: 251.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 416

بتقديرها درهما أو أربعة دوانيق مجهول القائل و المستند [1].

المسألة الثانية: القدر الواجب من الأجناس المذكورة في زكاة الفطرة: صاع،

بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في كلام جماعة [2]؛ له، و للروايات المستفيضة من الصحاح و غيرها، كالصحاح السبع: للجمّال «1»، و الحذّاء «2»، و القدّاح «3»، و الأشعري «4»، و الحلبي «5»، و ابن وهب «6»، و محمّد بن عيسى «7»، و الروايات العشر: للهمداني «8»، و المروزي «9»،

______________________________

[1] منهم العلّامة في المختلف: 198، و الشهيد في المسالك 1: 65، و صاحب الرياض 1: 291.

[2] منهم صاحب المدارك 5: 339، و الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 218، و صاحب الرياض

1: 291.

______________________________

(1) الكافي 4: 171- 2، الفقيه 2: 114- 491، التهذيب 4: 71- 194، الاستبصار 2: 46- 149، الوسائل 9: 327 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 1.

(2) التهذيب 4: 82- 238، الاستبصار 2: 48- 158، الوسائل 9: 335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 10.

(3) التهذيب 4: 81- 231، الاستبصار 2: 42- 135، الوسائل 9: 330 أبواب زكاة الفطرة ب 5 ح 11.

(4) الكافي 4: 171- 5، الفقيه 2: 115- 492، التهذيب 4: 80- 227، الاستبصار 2: 46- 148، الوسائل 9: 332 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 1.

(5) التهذيب 4: 81- 233، الاستبصار 2: 47- 154، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 12.

(6) التهذيب 4: 83- 239، الاستبصار 2: 48- 159، الوسائل 9: 335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 8.

(7) التهذيب 4: 87- 257، الاستبصار 2: 51- 170، الوسائل 9: 334 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 6.

(8) التهذيب 4: 79- 226، الاستبصار 2: 44- 140، الوسائل 9: 343 أبواب زكاة الفطرة ب 8 ح 2.

(9) التهذيب 4: 87- 256، الاستبصار 2: 50- 169، الوسائل 9: 347 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 417

و الشحّام «1»، و سلمة «2»، و ابن المغيرة «3»، و جعفر بن معروف «4»، و ياسر «5»، و إبراهيم بن أبي يحيى «6»، و ابن سنان «7»، و منصور «8».

و أمّا الأخبار «9» المتضمّنة لنصف الصاع من الحنطة أو غيرها فهي موافقة للعامّة، محمولة على التقيّة، كما صرّح به طائفة من الأجلّة [1]، و نطقت به المستفيضة، بأنّه من بدع عثمان أو معاوية «10»؛ و مع ذلك كلّه

مخالفة لأصالة بقاء شغل الذمّة.

و لا فرق في ذلك بين سائر الأجناس و اللبن على الأظهر، وفاقا لإطلاق أكثر القدماء، كالمفيد و السيّد و الخلاف و الإسكافي و القاضي و الحلبي و ابن زهرة «11»، و جمهور

______________________________

[1] منهم الشيخ الطوسي في التهذيب 4: 82- 236، و الفيض في المفاتيح 1:

218، و صاحب الوسائل 9: 336.

______________________________

(1) التهذيب 4: 85- 249، الوسائل 9: 350 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 6.

(2) التهذيب 4: 82- 237، الاستبصار 2: 48- 157، الوسائل 9: 335 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 9.

(3) التهذيب 4: 80- 229، الاستبصار 2: 46- 150، الوسائل 9: 333 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 3.

(4) التهذيب 4: 81- 232، الاستبصار 2: 47- 153، الوسائل 9: 333 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 4.

(5) التهذيب 4: 83- 241، الاستبصار 2: 49- 161، الوسائل 9: 334 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 5.

(6) التهذيب 4: 83- 240، الاستبصار 2: 48- 160، الوسائل 9: 334 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 7.

(7) التهذيب 4: 81- 234، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 12.

(8) التهذيب 4: 85- 246، الوسائل 9: 350 أبواب زكاة الفطرة ب 10 ح 3.

(9) الوسائل 9: 332 أبواب زكاة الفطرة ب 6.

(10) الوسائل 9: 332 أبواب زكاة الفطرة ب 6.

(11) المفيد في المقنعة: 250، السيد في الجمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 80، الخلاف 2: 148، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 198، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 267، الحلبي في الكافي في الفقه: 169، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 418

المتأخّرين [1]، بل قيل:

من غير خلاف يعرف بينهم عدا شاذّ «1»؛ لعموم بعض الأخبار المتقدّمة أو إطلاقه، و استصحاب شغل الذمّة.

و خلافا للمحكيّ عن المبسوط و المصباح و مختصره و الاقتصاد و الجمل و النهاية و التهذيب و الاستبصار ظاهرا و الحلّي و ابن حمزة و الشرائع و النافع و التذكرة و التبصرة و الهداية و الإرشاد و التلخيص و نسبه في الإيضاح إلى كثير من الأصحاب، فاكتفوا في اللبن بأربعة أرطال، أو ستّة «2»؛ لمرسلة القاسم بن الحسن: رجل بالبادية لا يمكنه الفطرة، فقال: «يتصدّق بأربعة أرطال من لبن» «3».

و فيه: أنّ مورد الخبر من لا يتمكّن من الفطرة، و هو ظاهر في الفقير أو محتمل له، فالتصدّق المذكور من باب الاستحباب.

و كون المورد من لا يتمكّن لأجل كونه في البادية غير معلوم، غايته الاحتمال، و هو غير مفيد، و لو سلّم فيمكن أن يكون هذا إخراجا بالقيمة دون الأصالة، و تكون قيمة أربعة أرطال من اللبن في ذلك الوقت مساوية لصاع من بعض الأجناس المذكورة.

______________________________

[1] كالمحقق في المعتبر 2: 608، و الشهيد في المسالك 1: 65.

______________________________

(1) الرياض 1: 291.

(2) المبسوط 1: 241، المصباح: 610، الاقتصاد: 284، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 208، النهاية: 191، التهذيب 4: 84، الاستبصار 2: 49، الحلي في السرائر 1: 469، ابن حمزة في الوسيلة: 131، الشرائع 1: 174، النافع: 61، التذكرة 1: 250، التبصرة: 49، الهداية: 52، الإرشاد 1: 291، الإيضاح 1:

214.

(3) التهذيب 4: 78- 222، الاستبصار 2: 43- 138، الوسائل 9: 341 أبواب زكاة الفطرة ب 7 ذيل ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 419

ثمَّ إنّ تحقيق الصاع قد مرّ في باب الزكاة.

فرع: لا يجوز إخراج صاع واحد

من جنسين، وفاقا للشيخ «1» و جماعة [1]، لا أصالة و لا قيمة.

أمّا الأول، فلعدم ثبوت ذلك شرعا، و إنّما الثابت أصالة صاع من جنس.

و أمّا الثاني، فلما مرّ من عدم ثبوت هذا النوع من القيمة، و وجود القول بالفصل.

خلافا في الأول للمختلف «2»، و في الثاني للكيدري و المحقّق على ما حكي عنهما «3»؛ لوجوه ضعيفة.

______________________________

[1] كالشهيد في الدروس 1: 251، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 256.

______________________________

(1) في المبسوط 1: 241.

(2) المختلف: 199.

(3) حكاه عن الكيدري في المختلف: 199، المحقق في المعتبر 2: 608.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 420

البحث الرابع في وقتها
و فيه مسائل:
المسألة الأولى: اختلفوا في مبدأ وجوبها،

فذهب الشيخان في المقنعة و العزّية و الخلاف و النهاية و المبسوط و السيّد في الجمل و الإسكافي و الديلمي و الحلبي و القاضي و ابن زهرة: أنّه طلوع فجر يوم العيد، و اختاره صاحب المدارك من المتأخّرين «1».

و اختار الشيخ في الجمل و الاقتصاد و المصباح و مختصره و الحلّي و ابن حمزة و الفاضلان و الشهيدان و معظم المتأخّرين: أنّه غروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان «2».

دليل الأولين: أصالة عدم الوجوب، و استصحابه إلى أن يحصل اليقين، و هو ما بعد الفجر.

و صحيحة العيص: عن الفطرة متى هي؟ فقال: «قبل الصلاة يوم

______________________________

(1) المقنعة: 249، حكاه عن العزّية في الحدائق 12: 297، الخلاف 2: 155، النهاية: 191، المبسوط 1: 242، الجمل: 126، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 199، الديلمي في المراسم: 134، الحلبي في الكافي في الفقه:

169، القاضي في شرح الجمل: 267، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):

569، المدارك 5: 344.

(2) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 209، الاقتصاد: 284، المصباح: 610، الحلي في السرائر 1: 469، ابن حمزة في

الوسيلة: 131، المحقق في المعتبر 2:

611، العلّامة في المنتهى 1: 539، الشهيد الأول في الدروس 1: 250، الشهيد الثاني في المسالك 1: 65.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 421

الفطر» «1».

و المتبادر من: «قبل الصلاة» و إن كان ما قرب منها لا ما يشمل جميع ما بعد طلوع الفجر، إلّا أنّ الإجماع أوجب صرفه عن المتبادر، فيحمل على أقرب ما يمكن من المجازات و أشيعها و أسبقها إلى الذهن بعد الصرف عن الحقيقة .. أو نقول: إلّا أنّه يجب الاقتصار في غير مدلول النصّ على المتيقّن. و السؤال فيها عن أصل الوقت، فالظاهر أنّ غيره ليس وقتا، فلا يرد أنّه أعمّ من وقت الوجوب و الاستحباب.

و حجّة الآخرين: صحيحة معاوية بن عمّار: عن مولود ولد ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال: «لا، قد خرج الشهر»، و سألته عن يهوديّ أسلم ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال: «لا» «2»، و نحوها روايته «3»؛ و بعض وجوه أخر بيّنة الوهن.

و ردّت الصحيحة و الرواية أيضا بأنّهما تدلّان على وجوب الإخراج عمّن أدرك الغروب، لا على أنّه أول وقت الوجوب.

و الاعتراض عليه- بأنّه يدلّ عليه بالعموم أو الإطلاق، كما في الذخيرة «4» و غيره- لا وجه له؛ إذ لا دلالة لهما على جواز الإخراج أو وجوبه حينئذ بوجه.

ثمَّ أقول: التحقيق أنّ مرادهم بمبدإ وقت وجوبها إن كان الوقت الذي من لم يدركه لم يجب عليه و إن أدرك طلوع الفجر، فالحقّ هو الثاني؛

______________________________

(1) التهذيب 4: 75- 212، الاستبصار 2: 44- 141، الوسائل 9: 354 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 5.

(2) الكافي 4: 172- 12، التهذيب 4: 72- 197، الوسائل 9: 352 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 2.

(3) الفقيه

2: 116- 500، الوسائل 9: 352 أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 1.

(4) الذخيرة: 476.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 422

لصحيحة معاوية بن عمّار و روايته، حيث دلّتا على عدم كفاية إدراك طلوع الفجر في الوجوب، فلم يبق إلّا الغروب؛ إذ لا قول بكون غيرهما أول الوقت بذلك المعنى، فلا يجب على من صار غنيّا بعد الغروب أو ولد.

و إن كان مرادهم الوقت الذي من أدركه مع الوقت الأول وجبت عليه الفطرة، فالحقّ مع الأول؛ لعدم دليل على الوجوب بإدراك الغروب، فيستصحب عدمه إلى الطلوع، فلو مات المكلّف قبله أو فقد بعض الشرائط لا تجب عليه.

و لا يتوهّم عدم القول بالفصل بين عدم الوجوب بعدم إدراك وقته و الوجوب بإدراكه، فإنّ الشيخ نصّ في كتبه الثلاثة- التي ذهب فيها إلى القول الأول- على أنّ من أسلم أو ولد له مولود ليلة الفطر لم يجب عليه إخراج الفطرة «1».

و يظهر منه أنّ مبدأ الوجوب الطلوع بشرط إدراك الغروب أيضا.

و إن كان مرادهم أول زمان يجوز فيه إخراجها بعنوان زكاة الفطرة و لا يجوز التقديم عليه، فليس الحقّ في شي ء منهما.

بل الحقّ قول آخر، و هو أنّه أول شهر رمضان، وفاقا للصدوقين و النهاية و المبسوط و الخلاف و المعتبر و النافع و التذكرة و المختلف و الذخيرة «2»، و عزاه في التنقيح إلى كثير «3»، و في المنتهى إلى الأكثر «4»، و في الدروس و المسالك إلى المشهور «5».

______________________________

(1) المبسوط 1: 241، النهاية: 189، الخلاف 2: 139.

(2) الصدوق في المقنع: 67، حكاه عن ابني بابويه في المختلف: 200، النهاية:

191، المبسوط 1: 242، الخلاف 2: 155، المعتبر 2: 613، النافع: 62، التذكرة 1: 250، المختلف: 200،

الذخيرة: 475.

(3) التنقيح 1: 333.

(4) المنتهى 1: 540.

(5) الدروس 1: 250، المسالك 1: 65.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 423

لصحيحة الفضلاء الخمسة، المتقدّمة في المسألة الاولى من البحث الثاني «1».

و الرضوي: «لا بأس بإخراج الفطرة في أول يوم من شهر رمضان إلى آخره و هي زكاة إلى أن يصلّي صلاة العيد، فإذا أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة، و أفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان» «2».

و الحمل على التقديم على سبيل القرض حمل بلا حامل و عدول عن الظاهر، مع أنّه لا اختصاص له بأول شهر رمضان.

و اشتمال آخر الاولى على ما يخالف الإجماع لا يوجب ترك العمل بجميع ما اشتملت عليه، فلعلّ بعض مدلولها جار على تأويل أو مصلحة.

و خلافا للمفيد و الاقتصاد و الحلبي و الحلّي و الشرائع و الإرشاد «3» و غيرها «4»، و في المدارك و الذخيرة: أنّه المشهور «5».

لأنّها عبادة مؤقّته، فلا يجوز فعلها قبل وقتها، كما صرّح به في الصحاح الواردة في الزكاة الماليّة «6».

و لصحيحة عيص المتقدّمة «7».

و الجواب عن الأول: أنّ رمضان من وقتها لما تقدّم، فلم يكن فعلها فيه قبل الوقت.

______________________________

(1) انظر: 389.

(2) فقه الرضا «ع»: 210، مستدرك الوسائل 7: 147 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ذيل الحديث 3.

(3) المفيد في المقنعة: 249، الاقتصاد: 284، الحلبي في الكافي في الفقه: 169، الحلي في السرائر 1: 469، الشرائع 1: 175، الإرشاد 1: 291.

(4) كالحدائق 12: 307.

(5) المدارك 5: 345، الذخيرة: 475.

(6) الوسائل 9: 359 أبواب زكاة الذهب و الفضة ب 15.

(7) في ص: 420.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 424

و عن الثاني: أنّه قد عرفت لزوم ارتكاب تجوّز فيه، فيحتمل أن يكون في غير ما

ذكر، بأن يكون السؤال عن آخر وقت الفطرة، أي إلى متى هي، أو عن الأفضل، و غير ذلك.

المسألة الثانية: اختلفوا في آخر وقتها،

فذهب السيّد و الشيخان و الصدوقان و الديلمي و الحلبي و الشرائع و النافع إلى أنّه صلاة العيد «1»، و نسبه جماعة إلى الأكثر [1]، و في التذكرة إلى علمائنا «2»، و في المنتهى إلى علمائنا أجمع «3»، و ادّعى عليه الإجماع في الغنية «4».

و عن الإسكافي: امتداده إلى الزوال «5»، و استقربه في المختلف «6».

و هو ظاهر الإرشاد حيث جعل وقتها وقت صلاة العيد «7»، و اختاره في البيان و الدروس «8».

و ظاهر المنتهى كون تمام يوم العيد وقتا لها «9»، و جواز التأخير عن الصلاة، و إن ادّعى أولا قول علمائنا أجمع بعدم جوازه.

______________________________

[1] منهم صاحب المدارك 5: 347، السبزواري في الذخيرة: 476، و صاحب الحدائق 12: 301.

______________________________

(1) السيد في جمل العلم (رسائل الشريف المرتضى 3): 80، الطوسي في النهاية:

191، المفيد في المقنعة: 249، الصدوق في المقنع: 67، و نقله عن الصدوقين في المختلف: 200، الديلمي في المراسم: 134، الحلبي في الكافي في الفقه:

169، الشرائع 1: 175، النافع: 62.

(2) التذكرة 1: 250.

(3) المنتهى 1: 541.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 569.

(5) حكاه عنه في المختلف: 200.

(6) المختلف: 200.

(7) الإرشاد 1: 291.

(8) البيان: 333، الدروس 1: 250.

(9) المنتهى 1: 541.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 425

حجّة الأولين: رواية إبراهيم بن ميمون: «الفطرة إن أعطيت قبل أن يخرج إلى العيد فهي فطرة، و إن كان بعد ما يخرج إلى العيد فهي صدقة» «1».

و رواية المروزي: «إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة» «2».

و موثّقة إسحاق بن عمّار: «إذا عزلتها فلا يضرّك متى أعطيتها،

قبل الصلاة أو بعد الصلاة» «3»، دلّت بالمفهوم على الضرر متى ما أعطيتها قبل الصلاة أو بعدها لو لم تعزل، و ليس قبلها إجماعا فيكون بعدها.

و الرضويّ المتقدّم في المسألة السابقة.

و المرويّ في الإقبال: «ينبغي أن تؤدّى الفطرة قبل أن يخرج الناس إلى الجبّانة، فإن أدّاها بعد ما يرجع فإنّما هو صدقة و ليس هو فطرة» «4» [1].

و في تفسير العيّاشي: «أعط الفطرة قبل الصلاة» إلى أن قال: «و إن لم يعطها حتى ينصرف من صلاته فلا يعدّ له فطرة» «5».

و تؤيّده الآية الشريفة، حيث قال فَصَلَّى «6»، فأتى بلفظة الفاء الدالّة على التعقيب.

دليل الثاني: صحيحة العيص المتقدّم بعضها، و فيها بعد ما مرّ: قلت:

______________________________

[1] و الجبّانة: الصحراء، و تسمّى بها المقابر- مجمع البحرين 6: 224.

______________________________

(1) التهذيب 4: 76- 214، الاستبصار 2: 44- 143، الوسائل 9: 353 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 2.

(2) التهذيب 4: 87- 256، الاستبصار 2: 50- 169، الوسائل 9: 347 أبواب زكاة الفطرة ب 9 ح 7.

(3) التهذيب 4: 77- 218، الاستبصار 2: 45- 146، الوسائل 9: 357 أبواب زكاة الفطرة ب 13 ح 4.

(4) الإقبال: 283، الوسائل 9: 355 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 7.

(5) تفسير العياشي 1: 43- 46، الوسائل 9: 355 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 8.

(6) الأعلى: 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 426

فإن بقي منه شي ء بعد الصلاة، قال: «لا بأس، نحن نعطي عيالنا منه ثمَّ يبقى فنقسّمه» «1»، و هي بإطلاقها شاملة لما قبل العزل أيضا.

و صحيحة ابن سنان: «و إعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل و بعد الصلاة صدقة» «2».

و قوله في صحيحة الفضلاء: «يعطي يوم الفطرة قبل الصلاة فهي أفضل،

و هو في سعة أو يعطيها من أول يوم يدخل في شهر رمضان إلى آخره» «3».

و المرويّ في الإقبال: قلت: أقبل الصلاة أو بعدها؟ قال: «إن أخرجتها قبل الظهر فهي فطرة، و إن أخرجتها بعد الظهر فهي صدقة لا تجزئك» قلت: فأصلّي الفجر و أعزلها و أمكث يوما أو بعض يوم ثمَّ أتصدّق بها، قال: «لا بأس، هي فطرة إذا أخرجتها قبل الصلاة» «4».

و أكثر هذه الأخبار و إن كان شاملا لما بعد الزوال أيضا، إلّا أنّه خرج بعد الزوال بالإجماع كما في المختلف «5».

و دليل الثالث: إطلاق الصحاح الثلاث المذكورة.

أقول: يمكن ردّ دلالة الصحاح:

أمّا أولاها، فبأنّ ظاهر صدرها انتهاء الوقت بالصلاة، و ظاهر ذيلها

______________________________

(1) التهذيب 4: 75- 212، الاستبصار 2: 44- 141، الوسائل 9: 354 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 5.

(2) الكافي 4: 170- 1، التهذيب 4: 71- 193، الوسائل 9: 353 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 1.

(3) التهذيب 4: 76- 215 باختلاف يسير، الاستبصار 2: 45- 147، الوسائل 9: 354 أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 4.

(4) الإقبال: 274.

(5) المختلف: 200.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 427

بقاؤه إلى بعدها، فلا بدّ لها من تجوّز في الأول أو تقييد بما بعد العزل في الثاني؛ و لا ترجيح، فلا دلالة لها.

و أمّا الثانية، فلأنّ ظاهر صدرها البقاء و ظاهر ذيلها الانتهاء، فلا بدّ من أحد التجويزين أيضا، مع أنّ المفضّل عليه في صدرها غير معلوم، فلعلّه التقديم كما هو ظاهر الثالثة.

و يرد على الرابعة أيضا مثل ما يرد على الثانية، مع ما فيها من الضعف و عدم الحجّية و منه يظهر خلوّ الأخيرين عن الدليل سوى استصحاب بقاء الوجوب المستلزم لبقاء الوقت،

و لكنّه أيضا لا يفيد مع أدلّة القول الأول، فهو المعوّل، إلّا أنّه قد لا يصلّي المكلّف و تقع هناك صلوات متعدّدة، بل قد لا تقع هناك صلاة أصلا، فلا يمكن توقيتها بالصلاة حينئذ قطعا، و سقوط الفطرة أيضا باطل إجماعا بل ضرورة، فالتحديد بالصلاة مطلقا ممّا لا يمكن تصحيحه أصلا.

بل الصواب أن يقال: إنّه إن صلّى المزكّي أو وقعت هناك صلاة جامعة تصلح لانصراف إطلاق الصلاة إليها و لم يرد المصلّي صلاة أخرى، فيجب الإخراج قبلها و ينتهي وقتها بها؛ لجميع ما مرّ دليلا للقول الأول و إن لم يكن كذلك، فيستصحب وقتها إلى الزوال، و أمّا بعده فلا؛ لظاهر الإجماع.

و لا يتوهّم أنّ فيه مخالفة للإطلاق- إذ الظاهر أنّ تعليق الإمام بالصلاة إنّما كان بناء على الشائع في زمانه من أمر صلاة العيد- أو خرقا للإجماع؛ فإنّه صرّح بعض شرّاح المفاتيح: بأنّ المستفاد من كلام الفاضل أنّ الإخراج للصلاة و مقدّم عليها، فحيث يجوز تأخيرها إلى الزوال يجوز تأخيره إليه إذا أخّرت الصلاة إلى الزوال لا مطلقا، فإنّ المراد بامتداد وقته إلى الزوال

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 428

امتداده بشرط تأخير الصلاة عنه. انتهى.

فإذن الأقوى: انتهاء وقته بالصلاة إن صلّى المزكّي قبل الزوال أو وقعت هناك صلاة جامعة يخرج الناس إليها، و بالزوال إن لم يكن كذلك.

المسألة الثالثة: الواجب في الوقت هو العزل-
اشارة

أي الإفراز من المال و تعيينه في مال مخصوص- و أمّا الإعطاء فلا. بل يجوز تأخيره مع العزل و إن خرج الوقت و مضى منه ما مضى، كما صرّح به غير واحد [1]، و في الحدائق: أنّ الظاهر أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب «1».

للمستفيضة من الأخبار، كرواية المروزي و موثّقة ابن عمّار المتقدّمتين «2»،

و قريبة منها روايته.

و مرسلة ابن أبي عمير: «في الفطرة إذا عزلتها و أنت تطلب بها الموضع أو تنتظر بها رجلا فلا بأس به» «3».

و بهذه الأخبار يقيّد إطلاق مثل قوله: «إن أعطيت» في رواية إبراهيم ابن ميمون «4».

فروع:

أ:

الظاهر من إطلاق الأصحاب: جواز العزل مع وجود المستحقّ و عدمه. و هو كذلك؛ لإطلاق الموثّقة و الرواية، الخالي عمّا يتوهّم مقيّدا له، سوى مفهوم الشرط في رواية المروزي «5»، و الوصف في

______________________________

[1] كصاحب المدارك 5: 349، و السبزواري في الذخيرة: 476.

______________________________

(1) الحدائق 12: 307.

(2) في ص: 425.

(3) الفقيه 2: 118- 510، الوسائل 9: 357 أبواب زكاة الفطرة ب 13 ذيل ح 4.

(4) التهذيب 4: 77- 217، الاستبصار 2: 45- 145، الوسائل 9: 357 أبواب زكاة الفطرة ب 13 ذيل ح 5.

(5) المتقدّمة في ص: 425.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 429

المرسلة .. و الأول لا يفيد المطلوب؛ لأنّ مقتضاه عدم وجوب العزل مع الوجدان، لا عدم جوازه، و هو كذلك؛ لإمكان الإعطاء .. و الثاني ليس بحجّة.

ب:

المراد بالعزل- كما ذكر- هو تعيينها و تمييزها في مال مخصوص بقدرها، بأن يميّزه عن غيره بقصد كونه فطرة، فلا عزل بدون الأمرين؛ لعدم الصدق عرفا، فلا يكفي الامتياز و التعيّن بدون قصد الفطرة، و لا قصدها بدون التمييز، فقصد صاع من هذه الصبرة، أو دراهم من هذه الصرّة، أو قدر معيّن من مالي على ذمّة فلان، أو سلعة من هذه الأمتعة، أو نصف من هذه السلعة، ليس بكاف في عزل الفطرة.

ج:

لو عزلها فتلفت، فإن كان بتفريط منه ضمنها مطلقا؛ للإجماع، و لأنّها صارت بالعزل ملكا للفقراء أمانة في يده، فيضمنها بالتفريط.

و إن كان بغير تفريط، فإن كان

لم يجد لها مستحقّا و لذا أخّرها فلا يضمن، و إن كان وجده ضمن، كما نصّ عليه جماعة، منهم: الصدوق في المقنع و الشيخ في النهاية و المبسوط و الحلي و ابن حمزة و الفاضلان و الشهيدان «1»، و غيرهم [1].

لا لصحيحة زرارة الواردة في الفطرة «2»؛ لعدم خلوّها عن الإجمال.

بل لصحيحة زرارة: عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت، فقال: «ليس على الرسول و لا على المؤدّي ضمان» قلت: فإن لم

______________________________

[1] كصاحب المدارك 5: 352.

______________________________

(1) المقنع: 67، النهاية: 191، المبسوط 1: 242، الحلي في السرائر 1: 470، ابن حمزة في الوسيلة: 131، المحقق في النافع: 62، العلّامة في المنتهى 1:

541، الشهيدان في اللمعة و الروضة 2: 60.

(2) التهذيب 4: 77- 219، الوسائل 9: 356 أبواب زكاة الفطرة ب 13 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 430

يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت، أ يضمنها؟ قال: «لا، و لكن إذا عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها» «1»، و غير ذلك.

د:

لو عيّن الفطرة بالعزل، فهل له إبدالها بغيرها، أم لا؟

صرّح في الدروس بالثاني «2». و استشكل فيه بعض الأجلّة؛ لأصالة عدم التعيين ما لم يقبضه المستحق.

و فيه: أنّ المتبادر من العزل صيرورة المعزول- ما عزل له- ملكا لمستحقّه، و لذا صرّح الأصحاب: بأنّه أمانة في يده «3»، فجواز التبديل يحتاج إلى الدليل و ليس.

المسألة الرابعة: لو لم يعزلها و خرج الوقت، [تسقط]

فقال جماعة- منهم:

الصدوق و المفيد و الحلبي و القاضي و ابن زهرة و المحقّق «4» و جمع من المتأخّرين-: إنّها تسقط «5»، و ادّعى في الغنية الإجماع عليه.

و ذهب جمع آخر- منهم: الشيخ و الديلمي و الفاضل و الحلي «6» و جماعة من المتأخّرين

[1]- على عدم سقوطها، بل يجب إمّا قضاء، كما

______________________________

[1] كفخر المحققين في الإيضاح 1: 213، و الشهيد في الدروس 1: 250، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 266.

______________________________

(1) الكافي 3: 553- 4، التهذيب 4: 48- 126، الوسائل 9: 286 أبواب المستحقين للزكاة ب 39 ح 2.

(2) الدروس 1: 247.

(3) كما في الذخيرة: 476، و الرياض 1: 292.

(4) الصدوق في المقنع: 67، المفيد في المقنعة: 249، الحلبي في الكافي في الفقه: 169، القاضي في المهذب 1: 176، و شرح الجمل: 267، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 569، المحقق في الشرائع 1: 175.

(5) كما في كشف الغطاء: 358، و الحدائق 12: 310.

(6) الشيخ في الاقتصاد: 284، الديلمي في المراسم: 134، الفاضل في المنتهى 1: 541، الحلي في السرائر 1: 470.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 431

يقوله غير الحلّي، أو أداء، كما يقوله الحلّي.

و استدلّ كلّ منهم بأدلّة مدخولة أو مصادرة، إلّا ما يستدلّ به للقول الأول من الأخبار المتقدّمة المنجبرة بالشهرة، النافية بعد الصلاة للفطرة؛ و أنّها ما يكون قبلها، فلا يجب بعدها شي ء؛ للإجماع على عدم وجوب غير الفطرة.

مضافا إلى أنّ القضاء لا يكون إلّا بأمر جديد، و هو في المقام فقيد، فالقول به البتّة غير سديد.

و القول بأدائيّته شاذّ نادر؛ إذ ليس للحلّي فيه موافق ظاهر، فبحكم الحدس بطلانه مجمع عليه، فلم يبق إلّا الأول، فعليه الفتوى، و لكن الاحتياط في المقام أولى ثمَّ أولى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 432

البحث الخامس في مصرفها و كيفيّة إعطائها

و فيه مسائل:

المسألة الأولى [مصرفها مصرف الزكاة الماليّة]

المشهور بين الأصحاب- كما في كلام طائفة منهم [1]، بل مقطوع به في كلامهم كما في المدارك «1»- أنّ مصرفها مصرف الزكاة الماليّة من الأصناف الثمانية الجامعة للشرائط المتقدّمة؛ لآية الصدقات «2»، و أخبار الزكاة «3»، و هذه منهما بالإجماع و صريح الأخبار.

و في المعتبر و المنتهى: أنّها لستّة أصناف بإسقاط المؤلّفة و العاملين «4»، و نسبه في الحدائق إلى ظاهر الأصحاب «5».

و عن ظاهر المفيد: اختصاصها بالفقراء و المساكين «6»، و مال إليه طائفة من متأخّري المتأخّرين بعض الميل «7».

و تدلّ عليه صحيحة الحلبي: «صدقة الفطرة على كلّ رأس من أهلك: الصغير و الكبير، و الحرّ و المملوك، و الغنيّ و الفقير، عن كلّ إنسان

______________________________

[1] كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 269، و السبزواري في الذخيرة: 470، و صاحب الحدائق 12: 310.

______________________________

(1) المدارك 5: 353.

(2) التوبة: 60.

(3) الوسائل 9: 209 أبواب المستحقين للزكاة ب 1.

(4) المعتبر 2: 614، المنتهى 1: 541.

(5) الحدائق 12: 311.

(6) حكاه عنه في المدارك 5: 353، و انظر المقنعة: 252.

(7) انظر: الرياض 1: 293.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 433

صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين» «1».

و رواية الجهني: عن زكاة الفطرة، فقال: «تعطيها المسلمين، فإن لم تجد مسلما فمستضعفا، و أعط ذا قرابتك منها إن شئت» «2».

و رواية يونس بن يعقوب: عن الفطرة، من أهلها الذين تجب لهم؟

قال: «من لا يجد شيئا» «3».

و رواية الفضيل: لمن تحلّ الفطرة؟ قال: «لمن لا يجد» «4».

و لا شكّ أنّ الأحوط الاقتصار عليهم لو لم يكن أقرب.

و يشترط في الفقير هنا ما يشترط في الماليّة من عدم كونه هاشميّا؛ لما مرّ في الماليّة

من قوله في صحيحة العيص: «يا بني عبد المطّلب، إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم» «5».

و في صحيحة الفضلاء الثلاثة: «و إنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطلب» «6».

و في صحيحة الهاشمي: أ تحلّ الصدقة لبني هاشم؟ فقال: «إنّما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا» «7».

______________________________

(1) التهذيب 4: 75- 210، الاستبصار 2: 42- 134، الوسائل 9: 336 أبواب زكاة الفطرة ب 6 ح 11؛ بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 173- 18، التهذيب 4: 87- 225، الوسائل 9: 359 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 1.

(3) التهذيب 4: 87- 253، الوسائل 9: 358 أبواب زكاة الفطرة ب 14 ح 3.

(4) التهذيب 4: 73- 203، الاستبصار 2: 41- 127، الوسائل 9: 358 أبواب زكاة الفطرة ب 14 ح 4.

(5) الكافي 4: 58- 1، التهذيب 4: 58- 154، الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1.

(6) الكافي 4: 58- 2، التهذيب 4: 58- 155، الاستبصار 2: 35- 106، الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 9    434     المسألة الأولى مصرفها مصرف الزكاة المالية ..... ص : 432

(7) الكافي 4: 59- 3، التهذيب 4: 62- 166، الوسائل 9: 272 أبواب المستحقين للزكاة ب 31 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 434

و في رواية الشحّام: عن الصدقة التي حرّمت عليهم، فقال: «هي الزكاة المفروضة، و لم تحرم علينا صدقة بعضنا على بعض» «1». إلى غير ذلك.

إلّا إذا كانت فطرة الهاشميّ فتحلّ له؛ للرواية الأخيرة، و غيرها ممّا مرّ في بحث الزكاة.

و العبرة هنا بمن يجب عليه الإخراج- أي المعيل- لا بمن يخرج عنه-

أي المعال- لوجوبه على الأول و هو المعطي و يخرج من ماله، و ليس الثاني إلّا سبب الوجوب عليه، فلا يجوز لغير السيّد إعطاء فطرة زوجته السيّدة للسيّد، و يجوز للسيّد إعطاء فطرة زوجته الغير السيّدة له.

و رجّح في الحدائق اعتبار المعال؛ لأنّه الذي تضاف إليه الزكاة، فيقال: فطرة فلان و إن وجب إخراجها عنه على غيره، و ذكر بعض الأخبار المتضمّنة لذكر فطرة العيال، و عن كلّ رأس، و نحوهما «2».

و فيه: أنّ هذه النسبة مجازيّة قطعا، بل الزكاة زكاة من أمر بها، و يؤاخذ على تركها، و يثاب بفعلها، و يخرجها من ماله، و له تعيين مستحقّها، و ليس إضافته إلى المعال إلّا كنسبة المنذور لشخص إليه، فإنّه إذا نذر أحد أن يتصدّق لكلّ واحد من عياله شيئا، و نذر أيضا أن لا يتصدّق من صدقاته إلى غير العالم، لا يجوز له صرف الصدقة المذكورة إلى غير العالم قطعا.

و لو روعي الاحتياط في الإخراج لكان أولى.

و كذا يشترط كونه مؤمنا، و ما يظهر منه خلافه محمول على التقيّة.

______________________________

(1) التهذيب 4: 59- 157، الاستبصار 2: 35- 108، الوسائل 9: 274 أبواب المستحقين للزكاة ب 32 ح 4.

(2) الحدائق 12: 317.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 435

المسألة الثانية: يجوز للمالك إخراجها و تفريقها بنفسه

إجماعا، و لا يجب الدفع إلى الإمام أو نائبه الخاص أو العام؛ للأصل، و الإجماع.

و إن كان الأفضل دفعه إليه، كما صرّح به الجماعة «1»، و اللّه العالم.

المسألة الثالثة [عدم جواز نقلها إلى غير بلد المخرج مع وجود المستحقّ فيه ]

صرّح المحقّق في الشرائع و النافع و الفاضل في الإرشاد «2» و بعض آخر [1]: بعدم جواز نقلها إلى غير بلد المخرج مع وجود المستحقّ فيه.

و صريح بعض آخر الجواز [2].

و الخلاف هنا يتفرّع على الخلاف في الماليّة، كما صرّح به جماعة [3].

فالحقّ هنا أيضا: الجواز؛ للعمومات المتقدّمة فيها، مضافة هنا إلى الصحاح المتضمّنة لبعث الفطرة إلى الإمام و قبضه و قبوله.

و أمّا مكاتبة عليّ بن بلال «3»، و رواية الفضيل بن يسار «4»، فغير صريحتين في عدم الجواز؛ لمكان الجملة الخبريّة، بل غايتهما استحباب الصرف في البلد.

نعم، ربّما يقال بآكديّته هنا؛ لهما، بل نسبها بعضهم إلى الأكثر أيضا، و لا بأس به.

______________________________

[1] كصاحب المدارك 5: 353.

[2] كالأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 284، و الفيض في المفاتيح 1: 212، 221.

[3] منهم صاحب الرياض 1: 292.

______________________________

(1) كما في الشرائع 1: 176، و البيان: 335، و الروضة 2: 53.

(2) الشرائع 1: 175، النافع: 62، الإرشاد 1: 291.

(3) التهذيب 4: 88- 258، الاستبصار 2: 51- 171، الوسائل 9: 360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 4.

(4) التهذيب 4: 88- 260، الاستبصار 2: 51- 173، الوسائل 9: 360 أبواب زكاة الفطرة ب 15 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 436

المسألة الرابعة: ألحقّ عدم جواز إعطاء فقير أقلّ من فطرة رأس،

وفاقا للصدوقين و الشيخين و السيّدين و الحلّي و ابن حمزة و الديلمي و الفاضلين في طائفة من كتبهما و الشهيدين كذلك «1»، بل للمشهور كما صرّح به جماعة «2»، و في المختلف: أنّه قول فقهائنا «3»، و عن الانتصار و الغنية: الإجماع عليه «4».

لمرسلة الحسين المنجبر ضعفها- لو كان- بما مرّ: «لا تعط أحدا أقلّ من رأس» «5».

و بها يقيّد إطلاق قوله: «يفرّقها أحبّ إليّ» في

رواية إسحاق بن المبارك «6» بصورة لا يوجب التفرّق إعطاء أقلّ من صاع لواحد.

خلافا للمحكيّ عن التهذيب و المعتبر و التحرير و المنتهى و المسالك و اللمعتين «7»، و هو مذهب الجمهور، كما صرّح به جماعة، منهم: السيّد

______________________________

(1) الصدوق في المقنع 66 و الهداية: 51، و حكاه عن والده في الدروس 1: 251، المفيد في المقنعة: 252، الطوسي في المبسوط 1: 242، السيد المرتضى في الانتصار: 88، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 569، الحلي في السرائر 1: 472، ابن حمزة في الوسيلة: 132، الديلمي في المراسم: 135، المحقق في النافع: 62، الفاضل في التذكرة 1: 251، الشهيد الأول في البيان: 334، و الدروس 1: 251.

(2) كما في المفاتيح 1: 221، و الحدائق 12: 314، و الرياض 1: 293.

(3) المختلف: 202.

(4) الانتصار: 88، الغنية (الجوامع الفقهية): 569.

(5) التهذيب 4: 75- 210، الاستبصار 2: 52- 174، الوسائل 9: 362 أبواب زكاة الفطرة ب 16 ح 2.

(6) التهذيب 4: 89- 262، الاستبصار 2: 52- 175، الوسائل 9: 362 أبواب زكاة الفطرة ب 16 ح 1.

(7) التهذيب 4: 89، المعتبر 2: 616، التحرير 1: 73، المنتهى 1: 542، المسالك 1: 65، اللمعة و الروضة 2: 61.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 9، ص: 437

و الشيخ، فقالوا: يستحبّ ذلك؛ لرواية إسحاق «1». و قد مرّ جوابها.

مع أنّه على فرض التعارض يجب تقديم المخالف للعامّة.

و هل يجوز إعطاء الأقلّ مع اجتماع من لا يسع لكل منهم فطرة واحدة؟

صرّح الشيخ «2» و جماعة بالجواز [1]؛ لوجه اجتهادي لا يصلح مخصّصا للنصّ.

فالوجه: المنع مطلقا.

المسألة الخامسة: يستحبّ أن يختصّ بها الأقارب ثمَّ الجيران،

و ترجيح أهل الفضل و المعرفة مع الاستحقاق، كما يستفاد من النصوص، و صرّح به جمع من علماء الطائفة

رضوان اللّه عليهم «3».

و الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على محمّد و آله أجمعين.

______________________________

[1] منهم العلّامة في التحرير 1: 73، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 65.

______________________________

(1) السيد في الانتصار: 88، الشيخ في الاستبصار 2: 52.

(2) في النهاية: 192.

(3) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 65.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، الجزء ١٠

كتاب الخمس

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

و هو في الاصطلاح: حقّ ماليّ ثبت لبني هاشم بالأصل.

و الأخير لإخراج المنذور لهم و الموقوف عليهم.

و زيادة قيد العوض عن الزكاة- كما في بعض العبارات- أو في مال مخصوص أو الغنائم- كما في آخرين- لبيان الواقع، و إلّا فهو غير محتاج إليه، بل قد يكون الأخير مخلّا.

و هو ثابت بالكتاب، و السنّة، و الإجماع.

و الكلام فيه يقع في مقاصد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 7

المقصد الأول فيما يجب فيه الخمس

اشارة

و فيه مسائل

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 9

المسألة الأولى:

اعلم أنّ الأصل وجوب الخمس في جميع ما يستفيده الإنسان و يكتسبه و يغنمه، للآية الشريفة، و الأخبار.

أمّا الآية فقوله سبحانه وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ الآية «1».

فإنّ الغنيمة في أصل اللغة: الفائدة المكتسبة، صرّح به في مجمع البحرين «2» و غيره «3» من أهل اللغة، و ليس هناك ما يخالفه و يوجب العدول عنه، بل المتحقّق ما يثبته و يوافقه من العرف و كلام الفقهاء و الأخبار.

فنصّ في البيان على شمول الغنيمة للأقسام السبعة المشهورة «4»، بل في الخلاف دعوى إجماعنا على أنّ ما يستفيده الإنسان من أرباح التجارات و المكاسب و الصنائع يدخل في الغنيمة «5».

و في رواية حكيم: عن قول اللّه تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ إلى أن قال: «هي و اللّه الإفادة يوما بيوم، إلّا أنّ أبي جعل شيعته في حلّ لتزكّيهم» [1].

______________________________

[1] الكافي 1: 544- 10، التهذيب 4: 121- 344، الاستبصار 2: 54- 179، الوسائل 9:

546 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 8، إلّا أنّ فيها: ليزكوا، بدل: لتزكّيهم.

______________________________

(1) الأنفال: 41.

(2) مجمع البحرين 6: 129.

(3) كما في معجم مقاييس اللغة 4: 397.

(4) البيان: 341.

(5) الخلاف 2: 118.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 10

و في صحيحة عليّ بن مهزيار الطويلة: «فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام، قال اللّه تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ الآية، فالغنائم و الفوائد- يرحمك اللّه- فهي الغنيمة يغنمها المرء، و الفائدة يفيدها» الحديث «1».

و في الرضويّ: «و قال جلّ و علا وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ الآية، فتطوّل بذلك علينا امتنانا منه و رحمة» إلى أن قال: «و كلّ

ما أفاده الناس فهو غنيمة، لا فرق بين الكنوز و المعادن و الغوص و مال الفي ء الذي لم يختلف فيه و ما ادّعي فيه الرخصة، و هو ربح التجارة و غلّة الضيعة و سائر الفوائد من المكاسب و الصناعات و المواريث و غيرها، لأنّ الجميع غنيمة و فائدة» «2».

و أمّا ما في بعض الأخبار- بعد بيان خمس الغنيمة- من أنّه يقسّم الأربعة أخماس الباقية بعد خمس الغنيمة بين من قاتل عليه «3»، حيث إنّ الظاهر منه تلازم الغنيمة و المقاتلة.

فلا ينافي ما ذكر، إذ لا دلالة فيها على أنّ المراد بالغنائم في الآية ذلك، غايته الاستعمال، و هو أعمّ من الحقيقة، مع أنّه لا يتعيّن التجوّز فيها أيضا، لاحتمال التخصيص، أي أربعة أخماس بعض الغنائم.

و ممّا ذكر يظهر لك ما في المدارك و الذخيرة من النظر في دلالة الآية، حيث إنّ المتبادر من الغنيمة: ما يؤخذ من دار الحرب، و يدلّ عليه سوق الآية «4»، فإنّ التبادر حال نزول الآية- بل في الآن أيضا- ممنوع.

______________________________

(1) التهذيب 4: 141- 398، الاستبصار 2: 60- 198، الوسائل 9: 501 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 5.

(2) فقه الرضا «ع»: 293.

(3) التهذيب 4: 128- 365، الاستبصار 2: 56- 186، الوسائل 9: 483 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 3.

(4) المدارك 5: 381، الذخيرة: 480.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 11

نعم، لاتّفاق أكثر العامّة على تخصيص الخمس بغنائم دار الحرب اشتهر ذلك بينهم، و بنى عليه مفسّروهم، فتوهّم التبادر.

و ورود الآية في الحرب لا يدلّ على التخصيص.

و أمّا الأخبار فكثيرة، منها: الأخبار الثلاثة المتقدّمة.

و موثّقة سماعة: عن الخمس فقال: «في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو

كثير» «1».

و رواية ابن سنان: «على كلّ امرئ غنم أو اكتسب الخمس ممّا أصاب لفاطمة و لمن يلي أمرها من بعدها من ذرّيتها الحجج على الناس، فذلك لهم خاصّة، يضعونه حيث شاءوا، و حرّم عليهم الصدقة، حتى الخيّاط يخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق، إلّا من أحللناه من شيعتنا، لتطيب لهم به الولادة» «2».

و مرسلة حمّاد الطويلة، و فيها: «الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم، و الغوص، و من الكنوز، و من المعادن، و الملاحة» الحديث «3»، إلى غير ذلك من المستفيضة «4».

و لا معارض لها يوجب الوهن فيها سوى بعض ما ظاهره حصر الخمس في أمور خاصّة، و لكن منها الغنائم الشاملة لجميع الفوائد.

و ضعف بعض سندا- لو كان مضرّا- يندفع بالانجبار بالشهرة و الإجماع المنقول، بل المحقّق.

______________________________

(1) الكافي 1: 545- 11، الوسائل 9: 503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 6.

(2) التهذيب 4: 122- 348، الاستبصار 2: 55- 180، الوسائل 9: 503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8.

(3) الكافي 1: 539- 4، الوسائل 9: 487 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 4.

(4) الوسائل 9: 499 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 12

و تدلّ على المطلوب أيضا الأدلّة [و] «1» الأخبار الواردة في كلّ قسم قسم من الفوائد أيضا، كما يأتي.

ثمَّ الثابت من الآية و الأخبار هو ثبوت الخمس في الفوائد المكتسبة، و هي ما حصلت بنوع سعي و اكتساب لا غير المكتسبة، لأنّ الوارد فيها:

الغنيمة، التي هي الفوائد المكتسبة- كما صرّح به بعض أهل اللغة «2»- أو الاكتساب- و ظاهر أنّه مختصّ بما ذكرنا- أو الاستفادة المختصّة بالمكتسبة،

أو الإفادة المفسّرة بالاستفادة أيضا.

مضافا إلى صحيحة ابن سنان: «ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة» «3».

نفي بمنطوقها الخمس عن كلّ شي ء، سوى الغنائم التي هي الفوائد المكتسبة، و لا أقلّ من احتمال الاختصاص بها من جهة تصريح بعض اللغويين و جمع من الفقهاء، فلا يعلم خروج غير المكتسبة من المستثنى منه، فتكون باقية فيه، لحجّية العام المخصّص بالمجمل إذا كان متّصلا في غير موضع الإجمال.

ثمَّ هذا المنطوق و إن تعارض مع ما دلّ على ثبوت الخمس في كلّ الفوائد، إلّا أنّه بالعموم من وجه، لشمول المنطوق لغير الفوائد و معارضته للفوائد المكتسبة، فيرجع في موضع التعارض إلى الأصل. فاللازم عليك أن يكون ذلك أصلا لك في المسألة، و تحكم بوجوب الخمس في جميع

______________________________

(1) أثبتناه لاستقامة العبارة.

(2) كما في مجمع البحرين 6: 129.

(3) الفقيه 2: 21- 74، التهذيب 4: 124- 359، الاستبصار 2: 56- 184، الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 13

الفوائد المكتسبة للإنسان، إلّا أن يخرج شي ء منها بدليل.

المسألة الثانية:
اشارة

اعلم أنّه و إن ثبت بما ذكرنا وجوب الخمس في كلّ ما يستفيده الإنسان و يحصل في يده بضرب من الاكتساب، إلّا أنّ الفقهاء قسّموها إلى خمسة أقسام، لذكر كلّ قسم في الأخبار على حدة، و لامتياز بعض تلك الأقسام عن بعض ببعض الشرائط، كما يأتي إن شاء اللّه سبحانه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 14

القسم الأول في غنائم دار الحرب
اشارة

أي ما يؤخذ غنيمة من أهل الحرب، سواء كان في دارهم أو غيرها، و وجوب الخمس فيها في الجملة إجماعيّ بين المسلمين، و نقل الإجماع عليه مستفيض.

و يدلّ عليه معه ما مرّ من الأصل المتقدّم، لكونها من الفوائد المكتسبة.

و الآية الشريفة، لكون غنائم دار الحرب ممّا غنم نصّا و إجماعا و إن اختلفوا في غيرها.

و خصوص السنّة المستفيضة، كمرسلة أحمد: «الخمس من خمسة أشياء: من الكنوز، و المعادن، و الغوص، و المغنم الذي يقاتل عليه» و لم يحفظ الخامس «1».

و صحيحة ربعي: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له، ثمَّ يقسّم ما بقي خمسة أقسام و يأخذ خمسه» الحديث «2».

و صحيحة الحلبي: في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة، فقال: «يؤدّي خمسا و يطيب له» «3».

______________________________

(1) التهذيب 4: 126- 364، الوسائل 9: 489 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 11.

(2) التهذيب 4: 128- 365، الاستبصار 2: 56- 186، الوسائل 9: 510 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 3، بتفاوت يسير.

(3) التهذيب 4: 124- 357، الوسائل 9: 488 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 15

و رواية أبي بصير: «كلّ شي ء قوتل عليه على شهادة

أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه فإنّ لنا خمسه» «1».

و هل يختصّ وجوب الخمس فيها فيما إذا أخذ مع الحرب، أو يعمّ ما أخذ بدون الحرب، كالسرقة و الاختلاس أيضا؟

فقيل بالأول، و حكم في الثاني بأنّه لآخذه بلا خمس، لأنّه لا يسمّى غنيمة «2».

و قيل بالثاني «3»، لفحوى صحيحة حفص «4» و رواية المعلّى «5» الواردتين في مال الناصب، أنّه خذه حيث وجدته و ابعث إلينا الخمس.

و يرد عليه منع الفحوى، لعدم قطعيّة العلّة.

و لكن يرد على الأول أيضا: منع عدم التسمية، فإنّ الغنيمة تصدق على كلّ ما أفاده الناس، كما يأتي، فثبت الخمس فيه بالأصل المتقدّم في المسألة الاولى.

ثمَّ ما أخذ بالحرب هل يختصّ وجوب الخمس فيه بما كان الحرب بإذن الإمام، الذي هو محلّ الوفاق، أو يعمّ الحرب بغير إذنه أيضا؟

فقيل بالأول، و حكم في الثاني بأنّ المأخوذ للإمام جميعا «6»، لمرسلة الورّاق: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام، و إذا

______________________________

(1) الكافي 1: 545- 14، الوسائل 9: 487 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 5.

(2) كما في الكافي في الفقه: 170.

(3) كما في المراسم: 139.

(4) التهذيب 4: 122- 350، مستطرفات السرائر: 100- 29، الوسائل 9: 487 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 6.

(5) التهذيب 6: 387- 1153، مستطرفات السرائر: 101- 30، الوسائل 9: 488 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 7.

(6) انظر الدروس 1: 259، و المسالك 1: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 16

غزا قوم بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» «1».

و قيل بالثاني، لصحيحة الحلبي السالفة.

و فصّل بعض المتأخّرين، فقال: إذا كان الحرب للدعاء إلى

الإسلام و التكليف بالشهادتين فالغنيمة للإمام و لا خمس، و إن كان بالقهر و الغلبة لا للجهاد فيجب فيه الخمس.

و القول الفصل و طريق الجمع أن يقال: إنّ الغنيمة للإمام، للمرسلة، و لكنه أحلّه للشيعة بعد الخمس، للصحيحة، إذ لا يثبت منها الأزيد من ذلك حتى تعارض به المرسلة.

و يأتي زيادة كلام في ذلك في ذكر الأنفال.

فرعان:

أ: صريح جماعة: عدم الفرق في غنائم دار الحرب بين المنقول و غيره «2»، و يظهر من بعض المتأخّرين التخصيص بالأول، لكون الأراضي مال الإمام.

أقول: إن كانت مال الإمام فهو أحلّها لشيعته أيضا كما يأتي، فيخمّسها لكونها من الفوائد، و يأتي تحقيقها في موضعه.

ب: مثل مال أهل الحرب: مال الناصب و الخارجي و سائر من يحلّ ماله ممّن انتحل الإسلام، فيجب إخراج خمسه، لصحيحة حفص و رواية المعلّى المتقدّمتين.

______________________________

(1) التهذيب 4: 135- 378، الوسائل 9: 529 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 16.

(2) منهم المحقق في الشرائع 1: 179، و الأردبيلي في زبدة البيان: 209.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 17

القسم الثاني في المعادن

و وجوب الخمس فيها إجماعي، و الأصل المتقدّم يثبته، و النصوص به مع ذلك مستفيضة:

فمنها: ما يوجبه في المعادن من غير تفصيل، كالمرسلتين المتقدّمتين «1»، و صحيحة زرارة «2».

و منها: ما يثبته فيها و في الرصاص و الصفر و الحديد و الذهب و الفضّة، كصحيحة الحلبي «3».

و منها: ما يثبته في الخمسة، كصحيحة محمّد «4».

و منها: ما يثبته في المعدن و الملاحة و الكبريت و النفط و أشباهه، كصحيحته الأخرى «5».

و منها: ما يثبته في الياقوت و الزبرجد و معادن الذهب و الفضّة، كرواية محمّد بن علي «6».

______________________________

(1) يعني مرسلتي حمّاد و أحمد المتقدمتين في ص 9 و 12.

(2) التهذيب 4: 122- 347، الوسائل 9: 492 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 3.

(3) الكافي 1: 546- 19، الفقيه 2: 21- 73، التهذيب 4: 121- 346، الوسائل 9: 492 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 2.

(4) الكافي 1: 544- 8، التهذيب 4: 121- 345، الوسائل 9: 491

أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 1.

(5) الفقيه 2: 21- 76، التهذيب 4: 122- 349، المقنع: 53، الوسائل 9: 492 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 4.

(6) الكافي 1: 547- 21، الفقيه 2: 21- 72، التهذيب 4: 124- 356، الوسائل 9:

493 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 18

و لا ينافي ما ذكر صحيحة ابن سنان: «ليس الخمس إلّا في الغنائم» «1»، لأنّ المعادن أيضا غنيمة.

مع أنّه لو سلّم الاختصاص يكون التعارض بالعموم و الخصوص المطلقين، فيجب تخصيص الصحيحة بما مرّ.

و لو سلّم التباين فالترجيح لما مرّ بوجوه كثيرة، منها: مخالفة العامّة، فلا إشكال في المسألة.

و إنّما الإشكال في تحقيق المعدن، فقد اختلفت فيه كلمات أهل اللغة و الفقهاء:

فمنهم من خصّصه بمنبت الجوهر من ذهب و نحوه، كالقاموس «2» و الأزهري.

و منهم من يظهر منه الاختصاص بموضع الذهب و الفضّة، كالمغرب «3».

و منهم من عمّمه لكلّ ما يخرج من الأرض و يخلق فيها من غيرها ممّا له قيمة، كالنهاية الأثيريّة و التذكرة و المنتهى، مدّعيا فيهما إجماع علمائنا عليه «4».

و منهم من جعله أعمّ من ذلك أيضا- فلم يذكر قيد: من غيرها، و قال: إنّه ما يستخرج من الأرض و كانت أصله، ثمَّ اشتمل على خصوصيّة يعظم الانتفاع بها، سواء خرج عن اسم الأرض أم لا- كالشهيد «5». و على ذلك، يدخل فيه الجصّ، و النورة، و المغرة- و هي الطين الأحمر «6»- و طين

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 12.

(2) القاموس 4: 248.

(3) المغرب 2: 32.

(4) النهاية الأثيرية 3: 192، التذكرة 1: 251، المنتهى 1: 544.

(5) الروضة 2: 66.

(6) الصحاح 2: 818، القاموس 2:

140.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 19

الغسل، و حجر الرحى، بل كلّ حجر.

و على هذا، فيحصل نوع من الإجمال في معناه.

و ترجيح الأولين- بجعل الملاحة في بعض الصحاح مثل المعدن- مردود بجعلها على نسختي الفقيه و التهذيب نفسه.

كما أنّ ترجيح الرابع بحكاية الإجماع مردود بعدم حجّيتها، فالحقّ إجماله، و لازمه الأخذ بالمقطوع به، و العمل فيها عداه بمقتضى الأصل، للشك في إطلاق الاسم.

و يمكن دفع الأصل في جميع ما يشكّ فيه بعمومات الغنيمة و الفائدة «1» كما مرّ، فيجب في الجميع الخمس، إلّا أنّه يكون وجوبه فيها من هذه الجهة غير وجوبه فيها من جهة المعدنيّة.

و تظهر الثمرة في اعتبار مئونة السنة إن قلنا باعتبارها في كلّ فائدة، و يأتي تحقيقه، و في اعتبار النصاب إن قلنا به في المعدن دون كلّ فائدة، و لكن كان ذلك لو لا إجمال لفظ المعادن، و أمّا معه فتكون العمومات مخصّصة بالمجمل، فلا يكون حجّة في موضع الإجمال، و يعمل فيه بالأصل.

و منه تظهر قوّة اعتبار النصاب في جميع مواضع الشكّ أيضا، لأصالة عدم وجوب الخمس فيما دونه.

______________________________

(1) الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 20

القسم الثالث في الكنوز
اشارة

و اللّازم أولا بيان ما يملكه الواجد منها و ما لا يملكه، ثمَّ بيان وجوب الخمس فيه، فهاهنا بحثان:

البحث الأول
اشارة

الكنز إمّا يوجد في دار الحرب أو دار الإسلام، و على التقديرين إمّا يكون عليه أثر الإسلام أو لا، و على التقادير إمّا يوجد في أرض مباحة أو مملوكة، و على الثاني إمّا تكون مملوكة للواجد أو لغيره، فهذه اثنى عشر.

فإن وجده في دار الحرب فهو لواجده في صورة الستّ بلا خلاف يعرف، بل هو مقطوع به في كلام الأصحاب كما صرّح به جماعة «1».

و تدلّ عليه أصالة الإباحة في الأشياء، إلّا ما علم سبق ملكيّة مسلم له، و هو هنا غير معلوم، و أثر الإسلام غير مفيد «2» له، لجواز صدوره من كافر، و تتمّ الأولويّة و الملكيّة بضميمة الإجماع المركّب هنا.

و صحيحتا محمّد، إحداهما: عن الورق يوجد في دار، فقال: «إن كانت الدار معمورة فيها أهلها فهي لأهلها، فإن كانت خربة فأنت أحقّ بما وجدت» «3»، و قريبة منها الأخرى «4».

______________________________

(1) منهم صاحب المدارك 5: 370، و السبزواري في الكفاية: 43.

(2) في «س»: مقيد ..

(3) التهذيب 6: 390- 1365، الوسائل 25: 447 كتاب اللقطة ب 5 ح 2.

(4) الكافي 5: 138- 5، التهذيب 6: 390- 1169، الوسائل 25: 447 كتاب اللقطة ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 21

و رواية أبي بصير: «من وجد شيئا فهو له، فليتمتّع به حتى يأتي طالبه، فإذا جاء طالبه ردّه إليه» «1».

و الفرق بين المعمورة و غيرها في الأوليين لا يفيد هنا، للإجماع على عدم تملّك الحربي.

نعم، لو كان في دار الحرب بيت مسلم و وجد فيه، يجب الحكم بكونه له بمقتضاهما، و هو كذلك،

و شمول الفتاوى لمثل ذلك غير معلوم.

و قد يستدلّ على ملكيّة الواجد بإطلاقات وجوب الخمس في الكنز، حيث إنّه لا معنى لإيجاب الخمس على أحد في غير ملكه.

و فيه: أنّه لم يصرّح فيهما بوجوب الخمس على الواجد، فإنّه يدلّ على ثبوت الخمس في الكنز، مع أنّه يمكن أن يجب عليه، لأنّه أول متصرّف.

و إن وجده في دار الإسلام، فإن كان في غير ملك له أهل معلوم، فهو أيضا- كسابقه- لواجده مطلقا على الأقوى، وفاقا للخلاف و السرائر و لقطة الشرائع و المدارك «2»، و نقله فيه عن جماعة، للأصل المذكور في غير ما علم بالقرائن سبق يد المسلم عليه، و الروايات المذكورة.

و خلافا للمبسوط «3»، و أكثر المتأخّرين «4»، فجعلوه لقطة، لأنّه مال ضائع عليه أثر ملك و وجد في دار الإسلام، فيصدق عليه حدّ اللقطة، و لأنّه مال مسلم، فلا يحلّ لغيره إلّا بإذن شرعيّ.

______________________________

(1) الكافي 5: 139- 10، التهذيب 6: 392- 1175، الوسائل 25: 447 كتاب اللقطة ب 4 ح 2.

(2) الخلاف 2: 122، السرائر 1: 487، الشرائع 3: 293، المدارك 5: 370.

(3) المبسوط 1: 236.

(4) كالمحقق في الشرائع 1: 180، و العلّامة في المختلف: 203، و الفاضل المقداد في التنقيح 1: 337.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 22

أمّا الثاني، فظاهر.

و أمّا الأول، فلأثر الإسلام، و لرواية محمّد بن قيس: «في رجل وجد ورقا في خربة: أن يعرّفها، فإن وجد من يعرفها و إلّا تمتّع بها» «1».

و يردّ الأول: بمنع كونه ضائعا، بل هو مذخور، و لو سلّم فيمنع كون مطلق الضائع لقطة، و إنّما هي ما وجد فوق الأرض.

و الثاني: بمنع كونه مال مسلم، و أثر الإسلام أعمّ منه، و ظهوره

فيه- لو سلّم- لا يدفع الأصل، و لو سلّم فالإطلاقات إذن شرعيّ.

و الثالث: بعدم الدلالة على الوجوب، بل غايته الرجحان، و هو مسلّم.

و إن وجده في أرض مملوكة لها أهل معروف، فإن كانت للواجد، فإن كانت مملوكة له بالإحياء أو التوارث مع الانحصار، فهو له، و الوجه معلوم.

و إن كانت منتقلة إليه من غيره، فالمصرّح به في كلماتهم: أنّه يجب تعريف الناقل، فإن عرفه دفع إليه، و إلّا فهو للواجد «2».

و لعلّه لصحيحة عبد اللّه بن جعفر: عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحي، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة، لمن يكون ذلك؟ فوقّع عليه السّلام: «عرّفها البائع، فإن لم يعرفها فالشي ء لك، رزقك اللّه إيّاه» «3».

بضميمة عدم القول بالفرق بين الأرض و الحيوان، فإن ثبت فهو، و إلّا

______________________________

(1) التهذيب 6: 398- 1199، الوسائل 25: 448 كتاب اللقطة ب 5 ح 5.

(2) انظر الشرائع 1: 179.

(3) الكافي 5: 139- 9، التهذيب 6: 392- 1174، الوسائل 25: 452 كتاب اللقطة ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 23

فمقتضى الإطلاقات كونه للواجد من غير تعريف، كما مال إليه في المدارك و الذخيرة «1»، و هو قوي.

و كيف كان، فلا يجب تعريف ما فوق الناقل لو لم يعرفه الناقل على الأظهر، وفاقا لصريح بعضهم «2»، و ظاهر الأكثر، كما صرّح به بعض من تأخّر، لعدم المقتضي و إن قلنا بكون البائع في الصحيحة جنسا، لعدم ثبوت الإجماع المركّب هنا قطعا.

و إن كانت لغيره، فالأكثر أنّه كالموجود في الأرض المبتاعة، فيعرّف صاحب الأرض، فإن لم يعرفها فهو للواجد، و هو كذلك، لفحوى ما دلّ على التعريف في المبتاعة.

و لموثّقة ابن

عمّار: رجل نزل في بعض بيوت مكّة، فوجد فيها نحوا من سبعين درهما مدفونة، فلم تزل معه و لم يذكرها حتى قدم الكوفة، كيف يصنع؟ قال: «فاسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها» قلت: فإن لم يعرفوها؟ قال: «يتصدّق بها» «3».

و بهذه يقيّد إطلاق الصحيحين المتقدّمين «4»، الدالّين على أنّه لأهل المنزل مطلقا.

و كما يقيّد بالمجموع إطلاق: «من وجد شيئا فهو له».

و لا ينافيه قوله في الموثّقة: «و إلّا فتصدّق بها» «5»، لعدم دلالته على

______________________________

(1) المدارك 5: 373، الذخيرة: 475.

(2) كيحيى بن سعيد الحلي في الجامع للشرائع: 149.

(3) التهذيب 6: 391- 1171، الوسائل 25: 448 كتاب اللقطة ب 5 ح 3.

(4) في ص: 20.

(5) الكافي 5: 308- 21، الفقيه 3: 190- 856، التهذيب 6: 396- 1191، الاستبصار 3: 124- 440، الوسائل 25: 463 كتاب اللقطة ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 24

الأزيد من الرجحان.

فروع:

أ: ما مرّ من حكم الموجود في الأراضي المملوكة هل يختصّ بالدار المعمورة لاختصاص أخباره بها، و يكون الموجود في غيرها من الضياع و أراضي الزرع و الدور الخربة و العقار و نحوها للواجد، لإطلاق: «من وجد شيئا فهو له»؟

أو يعمّ الجميع، كما هو ظاهر إطلاق الفتاوى؟

فيه إشكال، لما ذكر، و الأظهر: الأول، و الأحوط: الثاني.

ب: لا يختصّ الحكم المذكور بالذهب و الفضّة، بل يعمّ كلّ مال، للإطلاق المذكور.

ج: وجوب التعريف فيما يجب يختصّ بما إذا لم يعلم عدم معرفة المالك أو البائع و احتمل ملكيّته، و لو علم و لو بالقرائن سقط قولا واحدا، و لو ادّعى حينئذ لم يسمع، و الوجه واضح، و قوله: «فإن لم يعرفها» فيما مرّ يدلّ عليه.

د: قال جماعة: بأنّه لو اعترف

به و طلبه المالك فيما وجد في المملوك للغير أو البائع في المملوك للواجد، يسلّم إليه بلا بيّنة و لا يمين و لا وصف «1». و في الدروس: إنّ الظاهر أنّه كذلك «2».

و استدلّ له تارة: باعتبار اليد الحاليّة في الأول و السابقة في الثاني على

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في الروضة 2: 68، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 300، و السبزواري في الكفاية: 43.

(2) الدروس 1: 260.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 25

الأرض.

و اخرى: بأنّه مقتضى القاعدة الثابتة من أنّ من ادّعى شيئا و لا منازع له دفع إليه «1».

و في الأول: منع صدق اليد على المال في المفروض، و عدم دليل على كفاية اليد على الأرض.

و في الثاني: منع ثبوت القاعدة بإطلاقها، و لو سلّم فيعارض دليلها الإطلاقات المتقدّمة، مع أنّه لو تمَّ ذلك لزم دفع كلّ ما وجد في كلّ مكان إلى كلّ مدّع بلا بيّنة و لا وصف، بل لو لم يعلم الوصف، و لا أظنّ أن يقبلوه.

نعم، يمكن أن يستدلّ له بقوله في رواية أبي بصير المتقدّمة «2» و في بعض روايات أخر أيضا «3»: «فإذا جاء طالبه» فإنّه أعمّ من العارف بالوصف و غيره، إلّا أنّ قوله: «فإن لم يعرفها» و: «لم يعرفوها» و نحوهما في الروايات المتقدّمة يخصّص الطالب بمن لم يكن غير عارف.

و الظاهر أنّ المراد بالعارف ليس من يدّعيه فقط، بل المتبادر منه من يعرفه ببعض أوصافه، فيجب التخصيص بذلك.

و يدلّ عليه قوله في صحيحة البزنطي الواردة في الطير الذي يؤخذ:

«فإن جاءك طالب لا تتّهمه، ردّه إليه» «4» فإنّ من لا بيّنة له و لا يعرف الوصف يكون متّهما غالبا.

و تؤيده رواية الجعفي «5» الواردة

في الكيس الذي وجده، حيث سئل

______________________________

(1) كما في الحدائق 12: 338.

(2) في ص: 21.

(3) الوسائل 25: 441 كتاب اللقطة ب 2 ح 1 و 2 و 3 و 10 و 13 ..

(4) التهذيب 6: 394- 1186، الوسائل 25: 461 أبواب اللقطة ب 15 ح 1.

(5) الكافي 5: 138- 6، التهذيب 6: 390- 1170، الوسائل 25: 449 كتاب اللقطة ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 26

[الطالب عن العلامة] «1».

ثمَّ لو اطّلع الطالب على جميع الأوصاف من الخارج ثمَّ ادّعاه فيشكل الأمر، لعدم إمكان معرفة أنّه ممّن يعرف أو لا يعرف.

و الظاهر أنّه لا يدفع إليه إن لم يكن متّهما، يعني احتمل أن يكون كاذبا أو ظنّ ذلك، و يدفع إليه إن لم يكن متّهما و لو لأجل وثاقته.

ثمَّ الظاهر اختصاص هذا الحكم- أي وجوب الردّ بادّعاء غير المتّهم، أو العارف الذي لا تفيد معرفته أزيد من الظنّ- بالموجود في المملوك.

و أمّا الموجود في المباح، فلا يجب الدفع إلّا بعد العلم بالصدق، لأصالة الإباحة، الّتي هي المرجع بعد تعارض صحيحتي محمّد- المخصوصة بالموجود في الخربة- مع رواية أبي بصير المخصوصة بما إذا كان له طالب «2».

ه-: لو وجد في دار مستأجرة، فإن وجده المالك يستعرف المستأجر، لموثّقة ابن عمّار «3»، لأنّه أهل المنزل عرفا، فإن لم يعرفه فهو له.

و إن وجده المستأجر يعرّف المالك، لفحوى ما دلّ على التعريف في المبتاعة.

و لو وجده غيرهما يعرّف المستأجر، لما مرّ، بل المالك أيضا، لأنّه أيضا أهل للمنزل، فيردّه إلى من يعرف منهما، و لو لم يعرف أحدهما فيكون له.

هذا حكم المسألة من حيث إنّ المال كنز.

و أمّا لو ادّعى كلّ من المالك و المستأجر الملكيّة

السابقة، فهي دعوى

______________________________

(1) بدل ما بين المعقوفتين في «س»: عن الطالب للعلامة، في «ق» و «ج»: عن الطالب لعلامة، و الأنسب ما أثبتناه.

(2) راجع ص: 20.

(3) المتقدمة في ص: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 27

كسائر الدعاوي، و لا مدخليّة للوجدان حينئذ.

فقيل: يقدّم قول المالك «1»، ليده السابقة.

و قيل: قول المستأجر «2»، ليده الحالية، و موافقة الظاهر، لأنّ الظاهر عدم إجارة الملك مع الدفين، و لأصالة تأخّر الدفن.

و تضعّف اليد: بعدم معلوميّة ثبوت حكم اليد للمال المدفون تحت أرض شخص لذلك الشخص ما لم يثبت تصرّف آخر له فيه، و على الظاهر منعه كليّا، إذ قد يكون المال مدفونا في أعماق الأرض و مدّة الإجارة قليلة، سيّما إذا أجّره المالك لسفر.

و أصل التأخّر: بأنّه قد تكون الدعوى بعد زمان الإجارة و تصرّف المالك، أو يدّعى المالك الدفن في زمان الإجارة مع تردّده في الدار كثيرا.

و مقام تحقيق المسألة كتاب القضاء.

البحث الثاني

يجب في الكنز الخمس بلا خلاف يعرف، بل ادّعى عليه جماعة الإجماع «3».

و يدلّ عليه الأصل المتقدّم، و خصوص المستفيضة، كصحيحتي الحلبي: عن الكنز كم فيه؟ قال: «الخمس» «4».

و صحيحة البزنطي: عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فقال:

______________________________

(1) المبسوط 1: 237.

(2) الخلاف 2: 123.

(3) كالشيخ في الخلاف 2: 121، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 569، و العلّامة في التذكرة 1: 252.

(4) الكافي 1: 546- 19، الفقيه 2: 21- 73، التهذيب 4: 121- 346، الوسائل 9: 495 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 28

«ما يجب فيه الزكاة في مثله ففيه الخمس» «1».

و وصيّة النبيّ المرويّة في الفقيه و الخصال: «إنّ عبد المطّلب سنّ في

الجاهلية خمس سنن أجراها اللّه تعالى في الإسلام» إلى أن قال: «و وجد كنزا فأخرج منه الخمس و تصدّق به، فأنزل اللّه سبحانه (وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ) الاية» «2».

فرع: ظاهر إطلاق جماعة و صريح المحكيّ عن الاقتصاد و الوسيلة و التحرير و المنتهى و التذكرة و البيان و الدروس «3»: عدم الفرق في وجوب الخمس بين أنواع الكنز من ذهب و فضّة و جوهر و صفر و نحاس و غيرها، لعموم الأخبار «4».

و ظاهر الشيخ في النهاية و المبسوط و الجمل و الحلّي في السرائر و ابن سعيد في الجامع «5»: الاختصاص بكنوز الذهب و الفضّة، و نسبه بعض من تأخّر إلى ظاهر الأكثر.

و هو الأظهر، لمفهوم صحيحة البزنطي المتقدّمة.

و حمل: «مثله» فيها على الأعمّ من العين و القيمة تجوّز لا دليل عليه.

و به يخصّص عموم الأخبار، مع أنّه قد يتأمّل في إطلاق الكنز على غير الذهب و الفضّة أيضا.

______________________________

(1) الفقيه 2: 21- 75، الوسائل 9: 495 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5 ح 2.

(2) الفقيه 4: 264- 723، الخصال: 312- 90، الوسائل 9: 496 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5 ح 3.

(3) الاقتصاد: 283، الوسيلة: 136، التحرير 1: 73، المنتهى 1: 547، التذكرة 1: 252، البيان: 344، الدروس 1: 260.

(4) الوسائل 9: 495 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5.

(5) النهاية: 198، المبسوط 1: 236، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 207، السرائر 1: 486، الجامع: 148.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 29

القسم الرابع ما يخرج من البحر

و وجوب الخمس فيه إجماعيّ، و عليه دعواه في الانتصار و الغنية و المنتهى «1»، و غيرها «2».

و يدلّ عليه- مع الأصل المتقدّم- خصوص المستفيضة، ففي صحيحة

الحلبي: عن العنبر و غوص اللؤلؤ، فقال: «عليه الخمس» «3»، و مرسلتي حمّاد و أحمد المتقدّمتين في الغنائم «4»، و رواية محمّد بن عليّ الآتية «5» في نصاب المعادن «6».

و صحيحة ابن أبي عمير المروية في الخصال: «فيما يخرج من المعادن «7»، و البحر، و الغنيمة، و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه، و الكنوز: الخمس» «8».

و الظاهر جريان الحكم في كلّ ما يخرج من البحر بالغوص و لو كان حيوانا، كما حكاه في البيان عن بعض من عاصره «9»، لإطلاق المرسلتين

______________________________

(1) الانتصار: 86، الغنية (الجوامع الفقهية): 569، المنتهى 1: 547.

(2) كالمعتبر 1: 292.

(3) الكافي 1: 548- 28، التهذيب 4: 121- 346، الوسائل 9: 498 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 7 ح 1.

(4) راجع ص: 11 و 14.

(5) في ص: 58.

(6) في «ق» زيادة: في بعض الكتب.

(7) في «ح» زيادة: في بعض الكتب.

(8) الخصال: 290- 51، الوسائل 9: 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 6، و فيهما: عن عمّار بن مروان.

(9) البيان: 345 و 346.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 30

و رواية الخصال.

و في المدارك و عن المعتبر: عدم تعلّق الحكم بالحيوان إلّا من باب الأرباح و الفوائد، لاختصاص الرواية المعتبرة «1» بغوص اللؤلؤ «2». و هو ممنوع.

و تظهر الفائدة في اعتبار مئونة السنة، فلا يعتبر على ما ذكرناه.

نعم، الظاهر عدم اعتبار النصاب في مثل الحيوان، لاختصاص روايته بغوص اللؤلؤ.

و «3» لو أخذ منه شي ء من غير غوص فلا شكّ في وجوب الخمس فيه.

و هل هو من جهة الإخراج من البحر، كما استقر به الشهيدان «4»؟

لإطلاق روايتي محمّد بن عليّ و الخصال، و تضعيفهما ضعيف، مع أنّ الأولى صحّت

عمّن أجمعوا على صحّة ما صحّ عنه و عمّن لا يروي إلّا عن ثقة، و الثانية صحيحة.

أو من جهة الأرباح، كما في الشرائع «5»؟

الظاهر: الثاني، لمعارضة الإطلاق مع الحصر المستفاد من المرسلتين بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل.

كما لا يجب من هذه الجهة فيما يوجد مطروحا في الساحل، للأصل.

و توهّم دخوله فيما يخرج مدفوع باحتمال كونه بصفة المجهول، فتأمّل.

______________________________

(1) و هي صحيحة الحلبي المتقدمة في ص 27.

(2) المدارك 5: 376، المعتبر 2: 622.

(3) في النسخ: أو، و الأنسب ما أثبتناه.

(4) الشهيد الأول في البيان: 345، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 67، حيث ألحق ما يخرج من داخل الماء بآلة مع عدم دخول المخرج بالغوص.

(5) الشرائع 1: 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 31

القسم الخامس
اشارة

أرباح التجارات، و الزراعات، و الغرس، و الضرع، و الصناعات، و جميع أنواع الاكتسابات من الصيد، و الاحتطاب، و الاحتشاش، و الاستقاء، و غير ذلك.

و وجوب الخمس في هذا النوع هو المشهور بين الأصحاب، و عن الخلاف و الانتصار و التبيان و مجمع البيان و الغنية و المنتهى و التذكرة و الشهيد: الإجماع عليه «1». بل الظاهر إجماعيّته في الجملة، لعدم وجود مخالف صريح، إلّا ما حكي عن القديمين أنّهما قالا بالعفو عن هذا النوع «2»، و في استفادته من كلامهما خفاء، بل ظاهره التوقّف.

و كيف كان، فلا ينبغي الريب في وجوبه فيه، للأصل المتقدّم في المسألة الاولى، و خصوص الروايات الواردة في بعض أنواع هذا القسم:

كرواية ابن الصلت: ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلّة رحى في أرض قطيعة لي، و في ثمن سمك و بردي و قصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب: «يجب عليك فيه الخمس»

«3».

و رواية النيشابوري: عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كرّ

______________________________

(1) الخلاف 2: 116، الانتصار: 86، التبيان 5: 123، مجمع البيان 2: 544، الغنية (الجوامع الفقهية): 569، المنتهى 1: 548، التذكرة 1: 253، و الشهيد في البيان: 348.

(2) حكاه عنهما في البيان: 348، و هما العماني و الإسكافي.

(3) التهذيب 4: 139- 394، الوسائل 9: 504 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 9. و الأجمة: الشجر الملتفّ- مجمع البحرين 6: 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 32

ما يزكّى، و أخذ منه العشر عشرة أكرار، و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّا، و بقي في يده ستّون كرّا، ما الذي يجب لك من ذلك؟ و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي ء؟ فوقّع عليه السّلام: «لي منه الخمس ممّا يفضل عن مئونته» «1».

و رواية عليّ بن مهزيار: أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقّك فأعلمت مواليك ذلك، فقال بعضهم: أيّ شي ء حقّه؟ فلم أدر ما أجيبه، فقال:

«يجب عليهم الخمس»، فقلت: من أيّ شي ء؟ فقال: «في أمتعتهم و ضياعهم»، قلت: فالتاجر عليه و الصانع بيده؟ فقال: «ذلك إذا أمكنهم بعد مئونتهم» «2».

و في الرضوي: «إنّ الخمس على الخيّاط من إبرته، و الصانع من صناعته «3»، فعلى كلّ من غنم من هذه الوجوه مالا فعليه الخمس» «4».

إلى غير ذلك من المستفيضة «5»، بل المتواترة كما عن التذكرة «6».

و دلالة بعضها على اختصاص بعض أنواع الخمس بالإمام- و هو حكم غير معروف، فتوهن به الرواية- مدفوع بمنع الدلالة أولا، و منع مخالفة الإجماع ثانيا كما يأتي.

و لا يضرّ اقتصار بعض كلمات القوم في ذلك القسم ببعض أنواعه

______________________________

(1) التهذيب 4: 16- 39، الوسائل 9: 500 أبواب ما

يجب فيه الخمس ب 8 ح 2.

(2) التهذيب 4: 123- 353، الاستبصار 2: 55- 182، الوسائل 9: 500 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 3، بتفاوت يسير.

(3) في «ق»: و الصائغ من صياغته.

(4) فقه الرضا «ع»: 294، المستدرك 7: 284 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 6 ح 1.

(5) الوسائل 9: 499 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8.

(6) التذكرة: 253.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 33

- كمجرّد الأرباح أو مع الغلّات أو مع الصنائع- لأنّه إمّا من باب التمثيل، أو عدم الالتفات إلى التعميم.

تتميم: مورد الخمس في ذلك القسم: الأرباح و المنافع

، و بعبارة أخرى: الفوائد المكتسبة غير الأربعة المتقدّمة، و المراد بها جميع مداخل الشخص و منافعه الحاصلة من الأملاك و الأراضي و الأشجار و البساتين و المستقلّات، و من المواشي، و من الشغل و العمل، و من التجارة و الزراعة و الغرس و الصناعة و الاستئجار و الصيد.

و بالجملة: كلّ فائدة و منفعة حاصلة من الاكتساب عرفا، و منها: نماء الشجر المغروس للنماء، و نتاج الحيوان المستفاد بالقصد، و نمو الحيوانات و الأشجار كذلك، بخلاف ما لم يستفده المالك، كحيوان غائب حصل له ولد، أو أمة حصل لها حمل و لم يعلم به المولى.

و زيادة القيمة السوقيّة قبل البيع ليست فائدة مكتسبة، كما ذكره في المنتهى و التحرير «1»، لعدم حصول زيادة له بعد، و الزيادة إنّما هي فرضية، أي لو باع السلعة تحصل له الفائدة، و لاستصحاب عدم وجوب الخمس فيه.

نعم، لو باعه بنقد أو جنس وجب الخمس في القدر الزائد و لو كان الجنس المأخوذ بإزاء القيمة أيضا ممّا زادت قيمته، لصدق حصول الفائدة.

و منهم من أوجب في زيادة القيمة أيضا، كما حكي في

الذخيرة «2».

و ليس بشي ء.

و منه يعلم عدم كفاية ظهور الربح في أمتعة التجارة، بل يحتاج إلى

______________________________

(1) المنتهى 1: 548، التحرير 1: 74.

(2) الذخيرة: 484.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 34

الانقباض و البيع.

المسألة الثالثة:
اشارة

اعلم أنّه كما يجب الخمس في الفوائد المكتسبة بأقسامها الخمسة، قالوا: يجب في موضعين آخرين أيضا:

الأول: الأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم.

و وجوب الخمس فيها مذهب الشيخ «1» و أتباعه «2»، و هو المشهور بين المتأخّرين «3»، و عن الغنية و المنتهى: الإجماع عليه «4».

و هو كذلك، لصحيحة الحذّاء: «أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضا فعليه الخمس» «5».

خلافا لظاهر كثير من القدماء، حيث لم يذكروا هذا النوع، و مال إليه الشهيد الثاني في بعض فوائده.

لتضعيف الرواية. و هو ضعيف.

أو لمعارضتها مع ما مرّ من الأخبار الحاصرة للخمس في خمسة، أو في الغنائم خاصّة.

و يضعّف بأنّ التعارض بالعموم و الخصوص المطلق، فيقدّم الخاصّ، فلا إشكال في المسألة، و إن كان إشكال ففي مصرف هذا الخمس.

و الأظهر- موافقا لظاهر الأصحاب- أنّه كسائر الأخماس، لمرسلتي

______________________________

(1) المبسوط 1: 237.

(2) كابن البراج في المهذّب 1: 177، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):

569، و ابن حمزة في الوسيلة: 137.

(3) كالشهيد في الدروس 1: 259، و صاحب المدارك 5: 386، و صاحب الحدائق 12: 359.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 569، المنتهى 1: 549.

(5) الفقيه 2: 22- 81، التهذيب 4: 123- 355، الوسائل 9: 505 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 35

أحمد «1» و حمّاد «2» الآتيتين في بيان مصرف السائر، و للإجماع المركّب.

خلافا لجماعة من متأخّري المتأخّرين «3»، فجوّزوا أن يكون المراد تضعيف العشر على الذمّي إذا كانت الأراضي عشريّة كما هو مذهب مالك.

و هو بعيد، مع أنّه لم يقل به أحد من أصحابنا الإماميّة، و لا يوافقه عموم الأرض في الرواية «4»، و يأتي بيانه.

و لا فرق في الأرض بين أرض السكنى و الزراعة و البستان و

العقار، وفاقا لظاهر عبارات جماعة «5»، و تصريح بعضهم منه الروضة «6»، لإطلاق الرواية.

و عن المعتبر و المنتهى: التخصيص بأرض الزراعة «7»، و استجوده بعض المتأخّرين «8»، استنادا إلى أنّها المتبادر. و فيه منع ظاهر.

و مورد الخبر- كما عرفت- الشراء، كما وقع التعبير به في كثير من كلمات الأصحاب، و ظاهر جملة من عباراتهم ترتّب الحكم على مجرّد الانتقال كيف ما كان، صرّح به في البيان و الروضة «9»، و الوقوف على مورد

______________________________

(1) التهذيب 4: 139- 393، الوسائل 9: 505 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 9 ح 1.

(2) الكافي 1: 539- 4، الوسائل 9: 487 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 4.

(3) منهم صاحب المدارك 5: 386، و صاحب الذخيرة 1: 484، و الكاشاني في المفاتيح 1: 226.

(4) أي في صحيحة الحذّاء المتقدّمة في ص: 34.

(5) كما في البيان: 346، و المسالك 1: 67، و الرياض 1: 295، و غنائم الأيام:

371.

(6) الروضة 2: 72.

(7) المعتبر 2: 624، المنتهى 1: 549.

(8) كصاحب المدارك 5: 386.

(9) البيان: 346، الروضة 2: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 36

النصّ في الحكم المخالف للأصل يقوّي الأول، فلا خمس فيما انتقل بهبة أو صلح أو نحوهما.

و لو كانت الأرض مشغولة بشجر أو بناء فالخمس واجب في الأرض لا فيهما، للأصل.

ثمَّ المأخوذ هو خمس رقبة الأرض، لأنّه حقيقة خمس الشي ء.

و بعد أخذه يتخيّر الحاكم بين بيعه مع المصلحة و تقسيم ثمنه بين أرباب الخمس، و بين إعطاء الرقبة لأربابه، فإن باعه من المسلم فهو، و إن باعه من الذمّي يأخذ خمس المبيع، و إن باع هذا الخمس أيضا يأخذ خمسه و هكذا.

و إن أعطى الرقبة، فربّ الخمس يتخيّر

بين البيع- فإن باعه من الذمّي يؤخذ الخمس أيضا- و بين التصرّف فيه بالإجارة و نحوها، فإن أجّره و كانت الأرض مشغولة ببناء أو شجر يأخذ أجرة الأرض المشغولة أبدا بحيث لم يقدر ربّها على الإزالة، و يحتمل أخذ أجرة الأرض بياضا و إن كانت مشغولة.

و أمّا أخذ قيمة خمس الأرض من غير نفع «1» كما يتداول في هذه الأزمان فلم يذكره أحد من العلماء، و لا دليل عليه، كما لا دليل على ما ذكره جماعة من التخيير بين أخذ الأرض أو ارتفاعها و أجرتها في كلّ سنة.

و لو نقل الذمّي الأرض إلى غيره قبل أخذ الخمس لم يسقط الخمس، بل لا يصحّ النقل في قدره، و يكون للمشتري الخيار إن كان النقل بالبيع، و كذا لا يسقط لو فسخ الذمّي البيع، و لو كان ذلك بخيار لأحدهما يشكل الحكم. و يحتمل انتقال الخمس أيضا متزلزلا.

______________________________

(1) في «س»: بيع ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 37

و لو أخذ المبيع من الذمّي بشفعة فالظاهر تقسيط الثمن أخماسا.

الثاني: المال المختلط.
اشارة

و هو على أربعة أقسام، لأنّه إمّا لا يعرف قدر الحرام- بالنسبة إلى الجميع لا تفصيلا و لا إجمالا- و لا صاحبه، أو يعرفان معا، أو يعرف الأول خاصّة، أو الثاني كذلك.

فإن كان الأول فيجب إخراج خمسه و يطهر الباقي على الأشهر كما صرّح به جمع ممّن تأخّر «1»، بل عن الغنية الإجماع عليه «2»، للمستفيضة، منها: صحيحة ابن أبي عمير المرويّة في الخصال، المتقدّمة في الغوص «3».

و رواية الحسن بن زياد: إنّي أصبت مالا لا أعرف حلاله من حرامه، فقال له: «أخرج الخمس من ذلك المال، فإنّ اللّه عزّ و جلّ قد رضي من المال بالخمس، و

اجتنب ما كان صاحبه يعلم» «4».

و مرسلة الفقيه: أصبت مالا أغمضت فيه أ فلي توبة؟ قال: «ائتني بخمسه» فأتاه بخمسه، فقال: «هو لك، إنّ الرجل إذا تاب تاب ماله معه» «5».

و رواية السكوني: «إنّي اكتسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا و حراما، و قد أردت التوبة و لا أدري الحلال منه و الحرام و قد اختلط عليّ،

______________________________

(1) كالمحقق في المعتبر 2: 624، و العلّامة في المنتهى 1: 548، و الكاشاني في المفاتيح 1: 226.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 569.

(3) الخصال: 291- 53، الوسائل 9: 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 7.

(4) التهذيب 4: 124- 358، الوسائل 9: 505 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 1.

(5) الفقيه 2: 22- 83، الوسائل 9: 506 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 38

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: تصدّق بخمس مالك، فإنّ اللّه رضي من الأشياء بالخمس، و سائر المال لك» «1».

و موثّقة الساباطي: عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل، قال: «لا، إلّا أن لا يقدر على شي ء و لا يأكل و لا يشرب و لا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شي ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت» «2».

قيل: و قصور سند بعضها- إن كان- فبما مرّ منجبر «3».

و قال جمهور من أوجبه: إنّ مصرف هذا الخمس أيضا مصرف سائر الأخماس المتقدّمة، و نسبه في البيان إلى ظاهر الأصحاب «4»، لما مرّ من الإجماع المركّب، و للمرسلتين الآتيتين «5».

مضافا إلى انضمام الصحيحة المرويّة في الخصال «6»، حيث إنّ خمس سائر ما ذكر فيها يصرف إلى الذرّية الطيّبة قطعا.

و إلى التعليل بأنّ اللّه تعالى رضي من

الأموال، إلى آخره، إذ لا خمس رضي اللّه به إلّا ما يكون مصرفه الذرّية.

______________________________

(1) الكافي 5: 125- 5، التهذيب 6: 368- 1065، الوسائل 9: 506 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 4.

(2) التهذيب 6: 330- 915، الوسائل 9: 506 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 2، بتفاوت يسير.

(3) كما في الرياض 1: 295.

(4) البيان: 348.

(5) الاولى في: التهذيب 4: 128- 366، الوسائل 9: 513 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.

الثانية في: التهذيب 4: 126- 364، الوسائل 9: 514 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 9.

(6) الخصال: 290- 51، الوسائل 9: 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 39

و إلى الأمر بإتيان الخمس إليه عليه السّلام في المرسلة، و بالبعث إلى أهل البيت في الموثقة «1».

و لا ينافيه لفظ التصدّق في الرواية «2»، لجواز استعماله في إخراج الخمس أيضا، بل قيل بشيوعه «3»، مع أنّ منافاته إنّما هو لو قلنا بحرمة كلّ تصدّق واجب على الذرّية، و هي ليست كذلك، بل تختصّ بالزكاة.

خلافا في الأول للمحكيّ عن جماعة من القدماء- كالقديمين و المفيد و الديلمي- فلم يوجبوا ذلك الخمس «4»، و هو ظاهر المدارك و الذخيرة «5»، و بعض الأجلّة «6»، للأصل، و ضعف الروايات.

و في الثاني لجمع من متأخّري المتأخّرين، فقالوا: إنّ مصرف ذلك الخمس الفقراء «7».

أقول: أمّا الخمس بالمعنى المعهود فالظاهر عدم ثبوته، لأنّ الأصل ينفيه، و الروايات المذكورة غير ناهضة لإثباته.

أمّا رواية الخصال، فلأنّ الرواية على النحو المذكور إنّما هو ما نقله عنه بعض المتأخّرين «8».

و قال بعض مشايخنا المحقّقين: و ذكر الصدوق في الخصال- في باب ما يجب

فيه الخمس- رواية كالصحيحة إلى ابن أبي عمير، عن غير واحد،

______________________________

(1) و هما مرسلة الفقيه و موثقة الساباطي المتقدمتين في ص: 37 و 38.

(2) و هي رواية السكوني المتقدمة في ص: 37.

(3) كما في الرياض 1: 295.

(4) حكاه عنهم في المختلف: 203.

(5) المدارك 5: 388، و الذخيرة: 484.

(6) كالكاشاني في المفاتيح 1: 227.

(7) كصاحب المدارك 5: 388، و صاحب الذخيرة: 484.

(8) كما في الحدائق 12: 364.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 40

عن الصادق عليه السّلام، قال: «الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز، و المعادن، و الغوص، و الغنيمة» و نسي ابن أبي عمير الخامس «1».

و قال مصنّف هذا الكتاب: الخامس الذي نسيه: مال يرثه الرجل، و هو يعلم أنّ فيه من الحلال و الحرام، و لا يعرف أصحاب الحرام فيؤدّيه إليهم، و لا يعرف الحرام بجنسه، فيخرج منه الخمس «2». انتهى.

و أنا تفحّصت الخصال فوجدت الرواية فيه في باب ما فيه الخمس من بعض نسخه هكذا: «الخمس في المعادن و البحر و الكنوز»، و لم أجد الرواية بالطريقين المذكورين فيه مع التفحّص عن أكثر أبوابه، و في بعض آخر كما نقله بعض مشايخنا، و لعلّ نسخ الكتاب مختلفة، و مع ذلك لا تبقى فيه حجّة، مضافا إلى عدم صراحتها في الوجوب.

و أمّا الموثقة «3»، فلعدم دلالتها على أنّ الخمس للمال المختلط بالحرام، فإنّ الشي ء فيه مطلق شامل للحلال محضا و الحرام كذلك، و المشتبه، و الحرام و الحلال المختلطين، فالحمل على الأخير لا وجه له، بل الظاهر أنّه من باب خمس المكاسب.

و أمّا النهي عن عمل السلطان، فهو لأجل عمله لا لحرمة ما يأخذ، فمراده عليه السّلام: أنّه لا تدخل في عمل السلطان، و

إن اضطررت إليه و دخلت و اكتسبت مالا فأدّ خمسنا.

مع أنّ أكثر ما يستفاد من عملهم الغنائم التي يجب أداء خمسها إلى الإمام، أو من مكاسبهم التي لا يؤدّون خمسها، فيمكن أن يكون ذلك وجه

______________________________

(1) الخصال 1: 291- 53، الوسائل 9: 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 7.

(2) انظر غنائم الأيام: 373.

(3) المتقدمة في ص: 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 41

الأمر بأداء الخمس.

و نحوها المرسلة «1» أيضا، إذ ليس فيها ما يشعر بالاختلاط إلّا الإغماض.

و يحتمل أن يكون المراد بالإغماض: الإغماض عن أداء خمسة، أو الإغماض عن حلّيته و حرمته، فيكون مشتبها، و على التقديرين يكون خمسه من باب المكاسب، و لا أقلّ من الاحتمال المخلّ بالاستدلال.

بل و كذا رواية السكوني «2»، حيث إنّ الموجود في النسخ المصحّحة التي رأيت من بعض كتب الحديث: «في مطالبه حلال و حرام».

و على هذا، فيمكن أن يكون متعلّق الإغماض محذوفا، و يكون: «في مطالبه» متعلّقا بقوله: «حلال و حرام»، أي اكتسبت مالا و أغمضت، و في مظانّ طلبه حلال و حرام، و لم أدر الحلال من الحرام في المطالب، فاشتبه لأجله ما اكتسبته، فأمر عليه السّلام بأداء خمس المكتسب.

بل يجري هذا الاحتمال على ما في أكثر نسخ كتب الفقه و بعض نسخ الحديث المصحّحة أيضا من نصب الحلال و الحرام، فيمكن كونهما حالين من المطالب.

بل يمكن إرادة ذلك المعنى من رواية الحسن «3» أيضا، بأن يكون المراد من قوله: لا أعرف حلاله من حرامه، أي حلّيته من حرمته.

و لكن الحقّ أنّ ذلك الاحتمال فيهما خلاف الظاهر، إلّا أنّه يرد عليهما احتمال أن يكون المال الحرام المختلط بالحلال الغير المتميّز عينه

______________________________

(1) المتقدمة في ص:

37.

(2) المتقدمة في ص: 37.

(3) المتقدمة في ص: 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 42

و لا المعروف صاحبه حلالا، كما نقل المحقّق الأردبيلي في كتاب الصيد و الذباحة من شرحه قولا به.

و تدلّ عليه المستفيضة من الروايات، كموثّقة سماعة: «إن كان خلط الحلال بالحرام فاختلطا جميعا فلا يعرف الحلال من الحرام فلا بأس» «1».

و صحيحة ابن سنان: «كلّ شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه» «2».

و في صحيحة الحذّاء: «لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه» «3».

و صحيحة أبي بصير: عن شراء السرقة و الخيانة، فقال: «لا، إلّا أن يكون قد اختلط معه غيره، فأمّا السرقة بعينها فلا» «4».

و رواية جرّاح: «لا يصلح شراء السرقة و الخيانة إذا عرفت» «5».

و في صحيحة الحلبي: «لو أنّ رجلا ورث من أبيه مالا و قد عرف أنّ في ذلك المال ربا و لكن اختلط في التجارة بغيره حلالا كان حلالا طيّبا فليأكله، و إن عرف منه شيئا معزولا أنّه ربا فليأخذ رأس ماله و ليردّ الربا» «6».

و في صحيحة أخرى له: إنّي ورثت مالا، و قد علمت أنّ صاحبه الذي

______________________________

(1) الكافي 5: 126- 9، الوسائل 17: 88 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 2.

(2) الكافي 5: 313- 39، الفقيه 3: 216- 1002، التهذيب 9: 79- 337، مستطرفات السرائر: 84- 27، الوسائل 17: 87 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 1.

(3) الكافي 5: 228- 2، التهذيب 6: 375- 1094، الوسائل 17: 219 أبواب ما يكتسب به ب 52 ح 5.

(4) الكافي 5: 228- 1، التهذيب 6: 374- 1088، الوسائل 17: 335 أبواب ما يكتسب به ب 1 ح

4.

(5) الكافي 5: 228- 4، التهذيب 4: 374- 1089، الوسائل 17: 336 أبواب ما يكتسب به ب 1 ح 7.

(6) الكافي 5: 145- 4، الفقيه 3: 175- 787، التهذيب 7: 16- 69، الوسائل 18: 129 أبواب الربا ب 5 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 43

ورثت منه قد كان يربي، و قد أعرف أنّ فيه ربا و استيقن ذلك، و ليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه- إلى أن قال- فقال أبو جعفر عليه السّلام: «إن كنت تعلم بأنّ فيه مالا معروفا ربا و تعرف أهله فخذ رأس مالك و ردّ ما سوى ذلك، و إن كان مختلطا فكله هنيئا، فإنّ المال مالك» «1»، و نحوها في رواية أبي الربيع الشامي «2»، إلى غير ذلك.

و على هذا، فيمكن أن يكون الخمس المأمور به في الروايتين «3»:

خمس المكاسب، و يكون المال حلالا و إن كان قدره أيضا معلوما تفصيلا أو إجمالا ما لم تعرف عينه.

و لا استبعاد فيه، فإنّ من له تحليله للفقراء أو بعد التخميس، له تحليله لصاحب المال الحلال أيضا.

إلّا أنّ بإزاء تلك الروايات روايات أخر دالّة على الاجتناب عن الجميع، كصحيحة ضريس: «أمّا ما علمت أنّه قد خلطه الحرام فلا تأكل» «4»، و خصوصيّة المورد بالسمن و الجبن لا يخصّص عموم الجواب.

و رواية إسحاق بن عمّار: «يشتري منه ما لم يعلم أنّه ظلم فيه أحدا» «5».

و في رواية عبد اللّه بن سليمان: «كلّ شي ء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان عندك بأنّ فيه الميتة» «6».

______________________________

(1) الكافي 5: 145- 5، الفقيه 3: 175- 789، التهذيب 7: 16- 70، الوسائل 18: 129 أبواب الربا ب 5 ح 3.

(2) الكافي 5: 146- 9، الوسائل

18: 130 أبواب الربا ب 5 ح 4.

(3) و هما روايتا الحسن بن زياد و السكوني، المتقدمتان في ص: 37.

(4) التهذيب 9: 79- 336، الوسائل 24: 235 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 64 ح 1.

(5) الكافي 5: 228- 3، التهذيب 6: 375- 1093، الوسائل 17: 221 أبواب ما يكتسب به ب 53 ح 2.

(6) الكافي 6: 339- 2، الوسائل 25: 118 أبواب الأطعمة المباحة ب 61 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 44

وجه دلالة الجميع واضح، و مع التعارض يرجع إلى استصحاب حرمة مال الغير المعلوم وجوده في المختلط قطعا، و عمومات حرمة مال الغير.

نعم، يرد عليهما أنّ الروايتين «1» تعارضان مع ما مرّ من الأخبار الدالّة على أنّه لا خمس إلّا في خمسة «2»، و أنّه ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة، و لو لا ترجيح الأخيرة بالأكثريّة و الأصحّية ليتساويان، فيرجع إلى أصل البراءة.

و لكن هذا إذا كان الكلام في الخمس المعهود، و أمّا مطلق الخمس فلا تعارض بين ما ذكر و بين الروايتين، لأنّ الخمس المنفي في ما ذكر هو الخمس المعهود كما لا يخفى، إذ لا معنى لنفي مطلق الخمس، و مدلول الروايتين وجوب إخراج خمس المال المختلط، و لا ينافي ذلك عدم وجوب الخمس المعهود.

و لا يتوهّم أنّ الخمس في الجميع لا بدّ أن يكون بمعنى واحد، إذ الخمس الذي ينصرف إلى المعهود هو الخمس المطلق، كما في الروايات الحاصرة.

و أمّا المنسوب إلى المال- كالخمس من ذلك، أو خمس مالك، كما في الروايتين- فلا ينصرف إليه.

مضافا إلى أنّ الخمس في الروايات الحاصرة من كلام الصادق أو الكاظم عليهما السّلام، و حصول الحقيقة الشرعيّة للخمس في زمانهما هو الأظهر، و

في الروايتين من كلام الأمير عليه السّلام، و لم تعلم فيه الحقيقة الشرعيّة له، فيجب حمله على المعنى اللغوي.

______________________________

(1) و هما روايتا الحسن بن زياد و السكوني المتقدمتان في ص: 37.

(2) الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 45

فالحقّ: وجوب إخراج الخمس من ذلك المال، و لعدم تعيّن المخرج إليه يخرج إلى الفقراء من الشيعة، و الأحوط صرفه إلى الفقراء من السادة.

هذا، ثمَّ إنّ المثبتين للخمس في ذلك المال بأحد المعنيين قسّموا المال إلى أربعة أقسام: مجهول القدر و المالك، و معلومهما، و مجهول القدر معلوم المالك، و بالعكس. و قالوا باختصاص وجوب الخمس و كفايته بالقسم الأول.

أقول: و هو كذلك. و بيانه: أنّه لا شكّ أنّ مورد ذلك الخمس في المال المختلط يجب أن يكون مورد الروايتين، و هو ما لا يعرف الحلال منه و الحرام، و هو المراد بمجهول القدر.

و ذلك المعنى يتحقق عرفا في المثليّات بالجهل بالمقدار المعتبر فيه من الوزن أو الكيل أو العدّ.

و في القيميّات بالجهل بالنسبة إلى المجموع إن كان الاختلاط بالإشاعة- كالمال المشترك بين شخص و بين من غصب منه إذا لم يعلم قدر حصّة الشريك- و بالجهل بالعين إن لم يكن بالإشاعة، لصدق عدم معرفة الحلال من الحرام عرفا به.

و الظاهر أنّه لا تفيد «1» المعرفة الإجماليّة- كما لو علم أنّه لا يزيد عن المقدار الفلاني مع احتمال النقص، أو لا ينقص مع احتمال الزيادة، أو يزيد عنه أو ينقص مع عدم العلم بالقدر الزائد أو الناقص- إلّا إذا كان القدر المجهول زيادته أو نقصه قدرا لا يعبأ به بالنسبة إلى المال، لصدق عدم معرفة الحلال من الحرام

عرفا، و عدم كفاية المعرفة الإجماليّة في صدق المعرفة المطلقة.

______________________________

(1) في «س»: لا يقصد ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 46

مع أنّه لو اعتبر عدم المعرفة الإجماليّة أيضا لم يتحقّق مورد لذلك الخمس أصلا، إذ يعلم في كلّ مورد اجتمع فيه الحلال و الحرام القدر الذي لا أقلّ من كلّ منهما، و كذا القدر الذي لا يزيد عنه.

فإن قيل: فيلزم وجوب الخمس في صورة العلم بأنّه لا يزيد عن العشر مثلا و إن احتمل النقص، أو العلم بأنّه لا ينقص عن الربع مع احتمال الزيادة، فيلزم إيجاب الزائد عن الحرام في الأول، و إبقاء الحرام في الثاني.

قلنا: لا ضير في اللازم، لجواز أن يكون إيجاب الزائد في الأول لتحليل العين المخلوطة، فإنّ بإخراج العشر المعلوم لا يحصل العلم إلّا بإخراج قدر الحرام دون أعيانه الداخلة في المال، مع أنّه أيضا يعطي لغير مالكه، فيمكن أن يكون الزائد لجبر هذين الأمرين.

و كذا يمكن أن يكون إخراج الخمس موجبا لتطهير المال و حلّيته، و إن كان فيه شي ء حرام مجهول العين و المالك، فلا يضرّ بقاء الزائد.

فإن قيل: صرّحوا باشتراط عدم المعرفة الإجماليّة أيضا في وجوب الخمس.

قلنا: لم يصرّح به إلّا بعض نادر من المتأخّرين «1»، و لا حجّية في مثل ذلك التصريح.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    47     الثاني: المال المختلط. ..... ص : 37

من ذلك ثبتت صحّة تخصيصهم الخمس بالقسم الأول.

و أمّا غيره، فإن كان من القسم الثاني فحكمه واضح.

و إن كان من الثالث، يجب ردّ ما علمت منه الحرمة- أي القدر المتيقّن انتفاؤه عنه- إلى مالكه.

لرواية عليّ بن أبي حمزة، و فيها: إنّي كنت في ديوان هؤلاء القوم

______________________________

(1) كالشهيد في

المسالك 1: 67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 47

- يعني بني أميّة- فأصبت من دنياهم مالا كثيرا و أغمضت في مطالبه- إلى أن قال-: قال عليه السّلام له: «فأخرج من جميع ما اكتسبت من ديوانهم، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله، و من لم تعرف تصدّقت له» الحديث «1».

و لا يضرّ عدم صراحة قوله: «رددت» و: «تصدّقت» في الوجوب، بعد صريح الأمر بالخروج عمّا اكتسب من ديوانهم، فإنّ وجوبه يستلزم وجوب الردّ و التصدّق أيضا.

و لا وجه لحمل الخروج على الاستحباب، بعد جواز حرمة كلّ ما اكتسب من الديوان، فإنّ الظاهر أنّ المكتسب من الديوان أموال الناس.

و لإطلاق: «رددت عليه ماله» للمختلط بمال حلاله و للمجهول قدره يدلّ على حكم المطلوب.

و الأحوط: ردّ القدر الذي تحصل به البراءة.

و أمّا القول بوجوب الصلح هنا أو إعطاء الخمس للمالك لا دليل «2» عليه، إلّا استدعاء الشغل اليقيني للبراءة اليقينيّة في الأول، و أخبار «3» إخراج الخمس في الثاني.

و يضعّف الأول: بمنع تيقّن الشغل إلّا بالأقلّ.

و الثاني: بأنّ المأمور به هو التصدّق بالخمس، و مورد الأخبار: عدم ظهور المالك.

فإن قيل: بعد اختلاط القدر المتيقّن بغيره فلا يفيد إعطاء هذا القدر

______________________________

(1) الكافي 5: 106- 4، التهذيب 6: 331- 920، الوسائل 17: 199 أبواب ما يكتسب به ب 47 ح 1.

(2) في «ح» زيادة: تاما.

(3) الوسائل 9: 505 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 48

في رفع الاشتغال، إذ ليس له تقسيم المال المشترك، فلا مفرّ إلّا إرضاء المالك بالصلح.

قلنا. اللازم أن يقول له: هذا القدر مخلوط بمالي، فإن رضي بأخذ المثل و إلّا يرجع إلى الحاكم في التقسيم.

نعم، لا يتمّ هذا القول

في القيميّات الغير المشاعة، إذ لا قدر متيقّنا فيه. و الظاهر فيها الرجوع إلى القرعة، لأنّها لكلّ أمر مشتبه.

و لو علم الصاحب إجمالا- أي في جملة قوم- فإن [لم ] «1» يمكن الإحاطة بهم عادة فهو مجهول المالك. و إن كانوا محصورين، ففي وجوب تحصيل البراءة اليقينيّة بصلح أو غيره، و لو بدفع أمثال المال إلى الجميع، أو كونه مجهول المالك، أو الرجوع إلى القرعة، أقوال، أجودها: الأوسط، سيّما مع تكثّر الأشخاص، و الاحتياط لا ينبغي أن يترك.

و إن كان من الرابع تصدّق به.

لا لبعض الأخبار الدالّة على التصدّق بالمال المتميّز المجهول مالكه، كصحيحة يونس: كنّا مرافقين لقوم بمكّة و ارتحلنا عنهم و حملنا ببعض متاعهم بغير علم و قد ذهب القوم و لا نعرفهم و لا نعرف أوطانهم و قد بقي المتاع عندنا، فما نصنع به؟ قال: فقال: «تحملونه حتى تلحقوهم بالكوفة»، قال يونس: فقلت لست أعرفهم و لا ندري كيف نسأل عنهم؟ قال: فقال: «بعه و أعط ثمنه أصحابك»، قال: فقلت: جعلت فداك أهل الولاية؟ قال: «نعم» «2»، لاختصاصها بالمال المتميّز.

______________________________

(1) أثبتناها لاقتضاء الكلام.

(2) التهذيب 6: 395- 1189، الوسائل 25: 450 كتاب اللقطة ب 7 ح 2، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 49

و لا لرواية نصر بن حبيب: و قد وقعت عندي مائتا درهم و أربعة دراهم، و أنا صاحب فندق، و مات صاحبها و لم أعرف له ورثة، فرأيك في إعلامي حالها و ما أصنع بها فقد ضقت بها ذرعا؟ فكتب: «اعمل فيها و أخرجها صدقة قليلا قليلا حتى تخرج» «1»، لأنّها واردة في حكم من لا يعرف له ورثة، و ماله مال الإمام، لأنّه وارث من لا وارث له،

و من لا يعرف وارثه فالأصل عدم وارث له.

مع أنه مصرّح به في رواية محمّد بن القاسم: في رجل صار في يده مال لرجل ميّت لا يعرف له وارثا، كيف يصنع بالمال؟ قال: «ما أعرفك لمن هو؟!» يعني نفسه «2».

و لا تنافيه رواية النصر، لأنّ للإمام الأمر بتصدّق ماله، و لذا لا تنافيه الأخبار الواردة بأنّ من لم يكن له وارث يعطى ماله همشهريجه [1].

بل لرواية عليّ بن أبي حمزة المتقدّمة «3»، الشاملة بإطلاقها لما نحن فيه.

و منه يظهر ضعف ما في الحدائق- بعد نقل القول بتصدّق ذلك القسم-: أنّ الظاهر أنّ مستنده الأخبار «4» الدالّة على الأمر بالتصدّق بالمال

______________________________

[1] 26: 252 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 4. و همشهريجه كلمة فارسية معرّبة تعني: أهل بلده.

______________________________

(1) الكافي 7: 153- 3، و في التهذيب 9: 389- 1389، و الاستبصار 4:

197- 740 عن فيض بن حبيب، مع تفاوت يسير في المتن، الوسائل 26: 297 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 6 ح 13.

(2) التهذيب 9: 390- 1393، الاستبصار 4: 198- 741، الوسائل 26: 251 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 3 ح 13.

(3) الكافي 5: 106- 4، التهذيب 6: 331- 920، الوسائل 17: 199 أبواب ما يكتسب به ب 47 ح 1.

(4) الوسائل 26: 296 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 6، و ج 17: 199 أبواب ما يكتسب به ب 47.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 50

المجهول المالك.

و لقائل أن يقول: إنّ موردها إنّما هو المال المتميّز في حدّ ذاته للمالك المفقود الخبر، و إلحاق المال المشترك به- مع كونه ممّا لا دليل عليه- قياس مع الفارق، لأنّ الاشتراك في

هذا المال سار في كلّ درهم درهم و جزء جزء منه. فعزل هذا القدر المعلوم- مع كون الشركة شائعة- لا يوجب استحقاق المال المجهول له حتى يتصدّق به، فهذا العزل لا ثمرة له، بل الاشتراك باق.

إلى أن قال: و بما ذكرنا يظهر أنّ الأظهر: دخول هذه الصورة تحت الأخبار المتقدّمة، أي إخراج الخمس «1». انتهى.

فإنّ رواية ابن أبي حمزة شاملة بل ظاهرة في المال المختلط، مع أنّ بعد العلم بالقدر يخرج من تحت أخبار الخمس، فلا وجه لإدخاله فيها.

و هل التصدّق به و بالمال المتميّز المجهول مالكه- كما هو مورد صحيحة يونس و الداخل في عموم رواية ابن أبي حمزة- لأنّه مال الفقراء؟

أو لكونه مال الإمام، و هو أمر بالتصدّق؟

الظاهر: الثاني، لرواية داود بن أبي يزيد: إنّي قد أصبت مالا و إنّي قد خفت فيه على نفسي، و لو أصبت صاحبه دفعته إليه و تخلّصت منه، قال:

فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لو أصبته كنت تدفعه إليه؟» فقال: إي و اللّه، فقال عليه السّلام: «و اللّه ماله صاحب غيري» قال: فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره، قال: فحلف، قال: «فاذهب فاقسمه في إخوانك، و لك الأمن ممّا خفت فيه» قال: فقسّمه بين إخوانه «2».

______________________________

(1) الحدائق 12: 364- 365.

(2) الكافي 5: 138- 7، الفقيه 3: 189- 854، الوسائل 25: 450 كتاب اللقطة ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 51

و إطلاق المال و عدم الاستفصال ينافي اختصاصه بكونه من الأموال المختصّة للإمام المفقودة منه. و لا ينافي الأخبار المتضمّنة للتصدّق مطلقا لذلك أيضا، لأنّ له صرف ماله في أيّ مصرف أراد.

و تدلّ عليه أيضا الأخبار الآتية في بحث الأنفال من ذلك المبحث، المصرّحة:

بأنّ الأراضي التي جلي أهلها أو باد من الأنفال «1».

فإن قيل: فعلى هذا فلا يثبت من الأخبار المتقدّمة وجوب التصدّق به، لأنّ أمر الإمام أحدا بالتصدّق بما عنده من مال الإمام لا يدلّ على ثبوته في حقّ الغير أيضا،. بل و لو لا رواية داود أيضا لا يثبت، لأنّ الأمر بالتصدّق يحتمل أن يكون إذنا منه فلا يفيد جواز التصدّق لغير المأمور.

قلنا: نعم، و لكن أمره عليه السّلام بالتصدّق به حال ظهوره عليه السّلام و وجود مصارف كثيرة له للمال يثبته في حال الغيبة و عدم احتياجه و فاقة مواليه بالطريق الأولى .. بل لنا إثبات جواز التصدّق- بل وجوبه- بالإذن الحاصل من شاهد الحال أيضا، سيّما مع تأيده بتلك الأخبار، و كون حفظه و إبقائه للإمام- كما جعله أحد الوجهين في نهاية الإحكام [1]، و حكي عن الحلّي «2»- معرضا لفساد المال، و عدم وصوله إلى أهله.

و هل يتوقّف التصدّق على إذن النائب العام أو مباشرته في زمن الغيبة، أم لا؟

الظاهر: نعم، إذ الأصل عدم جواز تصرّف كلّ أحد، و لا يثبت من فحوى أخبار التصدّق و شاهد الحال أزيد من ذلك، و لا يحصل العلم

______________________________

[1] الموجود في نهاية الإحكام 2: 525: و لو عرف القدر دون المالك تصدق به أو احتفظه و دفعه إلى مالكه.

______________________________

(1) الوسائل 9: 523 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1.

(2) السرائر 1: 488.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 52

بالبراءة و جواز التصرّف بدونه.

و سيجي ء زيادة بيان لذلك في مسألة تقسيم حصّة الإمام من الخمس.

فرعان:

أ: حيثما خمّس أو تصدّق به ثمَّ ظهر المالك، فإن رضي بما فعل و إلّا ففي الضمان و عدمه وجهان، بل قولان،

أحوطهما: الأول، و أوفقهما بالأصل: الثاني، للإذن من الشارع، فلا يستعقب «1» الضمان.

ب: لو كان الحلال الخليط ممّا يجب فيه الخمس خمّسه بعد إخراج الخمس بحسبه.

المسألة الرابعة:

لا يجب الخمس في الميراث، و الصداق، و الصدقة، و الهبة، و نحوها، على الحقّ المشهور، بل في السرائر: أنّه شي ء لم يذكره أحد من أصحابنا غير أبي الصلاح «2»، لما عرفت من اختصاص ثبوت الخمس في الفوائد المكتسبة، و صدقها على هذه الأمور غير معلوم.

و تدلّ عليه أيضا في الجملة رواية ابن مهزيار: رجل دفع إليه مال يحجّ به، هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمس، أو على ما فضل في يده بعد الحجّ؟ فكتب عليه السّلام: «ليس عليه الخمس» «3».

و إثبات الخمس في بعض الروايات في الجائزة أو الميراث «4» غير مفيد، لضعف البعض سندا، و الكلّ بمخالفة الشهرة القديمة و الجديدة

______________________________

(1) في «س»: فلا يستصحب ..

(2) السرائر 1: 490.

(3) الكافي 1: 547- 22، الوسائل 9: 507 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 11 ح 1.

(4) الوسائل 9: 499 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 53

و الشذوذ.

خلافا للمحكيّ عن الحلبي «1»، و استحسنه في اللمعة «2»، و يميل إليه كلام بعض متأخّري المتأخّرين «3»، لعموم الفوائد. و جوابه قد ظهر.

و كذا لا يجب في الهبة الغير المعوّضة، أو المعوّضة بشي ء يسير بالنسبة إلى الموهوب، أو بالمصالحة كذلك، لعدم صدق الاكتساب عرفا و إن عدّه الفقهاء من المكاسب.

بخلاف ما لو طلب الهبة أو المصالحة، و كان العوض أو مال المصالحة ما يعتنى بشأنه.

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 170.

(2) اللمعة (الروضة 2): 74.

(3) كصاحب الحدائق 12: 352.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 10، ص: 55

المقصد الثاني في شرائط وجوب الخمس فيما يجب فيه

اشارة

و هي أمور تذكر في مسائل

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 57

المسألة الاولى:
اشاره

لا يشترط بلوغ النصاب في وجوبه في غير الغنائم و الكنز و الغوص و المعادن إجماعا، للأصل السالم عن المعارض بالمرّة، و العمومات «1»، و الإطلاقات.

و كذا في غنائم دار الحرب، فلا فرق في وجوب الخمس فيها بين قليلها و كثيرها على الحقّ المشهور، لما مرّ.

و عن المفيد: اعتبار بلوغ قيمتها عشرين دينارا «2». و العمومات تدفعه.

و يشترط في الكنز و الغوص بلا خلاف فيهما يعرف، بل في الأول عند علمائنا، كما عن التذكرة و المنتهى «3»، و بالإجماع، كما عن الخلاف و الغنية «4»، و في الثاني بالإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضا «5».

و في المعادن على الأقوى، وفاقا للمبسوط و النهاية و الوسيلة و المعتبر و المختلف و التحرير و القواعد و الإرشاد و التبصرة و البيان و الروضة «6»، و مال

______________________________

(1) الوسائل 9: 495 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5.

(2) نقله عنه في المختلف: 203.

(3) التذكرة 1: 253، المنتهى 1: 549.

(4) الخلاف 2: 121، الغنية (الجوامع الفقهية): 569.

(5) كما في المدارك 5: 375، و الذخيرة: 479، و غنائم الأيام: 366.

(6) المبسوط 1: 237، النهاية: 197، الوسيلة: 138، المعتبر 2: 293، المختلف: 203، التحرير 1: 73، القواعد 1: 62، الإرشاد 1: 292، التبصرة:

50، البيان: 342، الروضة 2: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 58

إليه في المنتهى و التلخيص و النافع و الدروس «1»، و هو مختار عامّة المتأخّرين «2»، لظاهر الإجماع في الأولين.

مضافا في الأول إلى صحيحة البزنطي: عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: «ما يجب فيه الزكاة في مثله ففيه الخمس» «3».

و في الثاني إلى رواية محمد

بن علي: عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد، و عن معادن الذهب و الفضة، ما فيه؟ قال: «إذا بلغ ثمنه دينارا ففيه الخمس» «4».

و لهذه الرواية في الثالث مضافا إلى صحيحة البزنطي: عمّا اخرج من المعدن من قليل أو كثير، هل فيه شي ء؟ قال: «ليس فيه شي ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا» «5».

خلافا في الثالث للخلاف و الاقتصاد و الجمل و السرائر «6» و ظاهر الإسكافي و العماني و المفيد و السيّدين و القاضي و الديلمي، فلم يعتبروا فيه نصابا «7»،

______________________________

(1) المنتهى 1: 549، النافع: 63، الدروس 1: 260.

(2) كفخر المحققين في الإيضاح 1: 217، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 295، و السبزواري في الذخيرة: 478.

(3) الفقيه 2: 21- 75، الوسائل 9: 495 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5 ح 2.

(4) الكافي 1: 547، الحجّة ب 20 ح 21، و في الفقيه 2: 21- 72، و التهذيب 4:

124- 356، و الوسائل 9: 493 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 5 بتفاوت يسير، المقنعة: 283.

(5) التهذيب 4: 138- 391، الوسائل 9: 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 4 ح 1.

(6) الخلاف 2: 119، الاقتصاد: 283، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 207، السرائر 1: 489.

(7) حكاه عن الإسكافي و العماني في المختلف: 203، المفيد في المقنعة: 276، حكاه عن السيد المرتضى في المختلف: 203، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 569، القاضي في المهذّب 1: 178- 179، الديلمي في المراسم: 139.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 59

و نسبه في الروضة إلى ظاهر الأكثر «1»، و في الخلاف و السرائر الإجماع عليه «2»،

استنادا إلى ذلك الإجماع، و العمومات «3».

و الأول ممنوع، و الثاني بوجود المخصّص مدفوع.

ثمَّ النصاب في الأول: عشرون دينارا عند علمائنا، كما عن التذكرة و المنتهى «4»، بل بالإجماع، كما عن الخلاف و الغنية «5»، لصحيحة البزنطي المذكورة أولا.

و تكفي مائتا درهم على الأصحّ، إذ فيها تجب الزكاة أيضا.

و كذا في الثالث، وفاقا لغير الحلبي من المعتبرين للنصاب «6»، لصحيحة البزنطي الثانية. و لا تنافيها رواية محمّد بن علي، لعدم صراحتها في الوجوب.

و الصحيحة و إن كانت كذلك أيضا إلّا أنّ نفيها للوجوب قطعي، مع أنّه على فرض التنافي يكون العمل على الصحيحة، لضعف الرواية بالشذوذ، و مخالفة الشهرتين العظيمتين.

خلافا للحلبي، فجعله دينارا، للرواية. و جوابها قد ظهر.

و في الثاني: دينار على الأشهر الأقوى، بل عليه الإجماع في السرائر

______________________________

(1) الروضة 2: 71.

(2) الخلاف 2: 119، السرائر 1: 489.

(3) الوسائل 9: 491 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3.

(4) التذكرة 1: 253، المنتهى 1: 549.

(5) الخلاف 2: 121، الغنية (الجوامع الفقهية): 569.

(6) كما في النافع: 63، و المفاتيح 1: 223.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 60

و التنقيح و المنتهى «1»، لرواية محمّد بن عليّ المنجبر هنا ضعفها، مضافة إلى نفي الأقلّ بالإجماع و الأكثر بالعمومات «2».

خلافا للرسالة العزّية، فجعله عشرين دينارا «3».

و هو- مع عدم وضوح مستنده- شاذّ مخالف لما دلّ على وجوب الخمس فيه مطلقا.

فرع: لا يعتبر في نصاب المعدن و الغوص الإخراج دفعة

، بل لو أخرج في دفعات متعدّدة ضمّ بعضه إلى بعض، و اعتبر النصاب من المجموع و إن تخلّل طول الزمان أو الأعراض، وفاقا لصريح جماعة، كالروضة و المدارك و الذخيرة «4»، و ظاهر الأكثر «5»، لإطلاق النصّ.

و خلافا للمنتهى و التحرير «6» في صورة الإعراض، و لعلّه لعدم

انفهام ما يتخلّل بين دفعاته الإعراض من النصّ، و تبادر ما يخرج دفعة واحدة عرفيّة، و هي ما لا يتخلّل بينها الإعراض. و فيه نظر.

و في اعتبار اتّحاد النوع وجهان احتملهما في البيان «7».

و استجود في الروضة الاعتبار «8»، و كأنّه للأصل و الشكّ في دخول الأنواع المختلفة في الأفراد المتبادرة من الإطلاق.

______________________________

(1) السرائر 1: 488، التنقيح 1: 338، المنتهى 1: 550.

(2) الوسائل 9: 498 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 7.

(3) نقله عنه في المختلف: 203.

(4) الروضة 2: 71، المدارك 5: 376، الذخيرة: 478.

(5) كما في البيان: 345، و مجمع الفائدة 4: 296.

(6) المنتهى 1: 549، التحرير 1: 74.

(7) البيان: 343.

(8) الروضة 2: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 61

و اختار في المنتهى و التذكرة و التحرير و المدارك: العدم «1»، لما مرّ من إطلاق النصّ. و هو الأظهر، لذلك، و عدم اعتبار الشكّ في التبادر، بل المعتبر العلم بعدم التبادر، و هو ممنوع.

و لو اشترك جماعة في الاستخراج، قالوا: يعتبر بلوغ نصيب كلّ واحد النصاب «2».

و يظهر من بعض الأجلّة و صاحب الحدائق «3» الميل إلى العدم، بل يكفي بلوغ نصيب المجموع. و هو قوي، للإطلاق، خرج منه غير صورة الاشتراك بالإجماع و الضرورة، فيبقى الباقي.

المسألة الثانية:

يشترط في وجوب الخمس في الفوائد المكتسبة بأقسامها الخمسة: وضع مئونة التحصيل التي يحتاج إليها في التوصّل إلى هذه الأمور، من حفظ الغنيمة و نقلها، و اجرة حفر المعدن و إخراجه و إصلاحه و آلاته، و آلات الغوص أو أرشها، و اجرة الغوص و غير ذلك، و مئونة التجارة من الكراية، و اجرة الدلّال و المنزل، و مئونة السفر و العشور و نحوها، و كذا مئونة

الزراعة و الصناعة «4» ممّا يحتاج إليها حتى آلات الصناعة «5»، لعدم صدق الفائدة على ما يقابلها، و للأخبار المستفيضة:

كصحيحة البزنطي: الخمس أخرجه قبل المؤنة أو بعد المؤنة؟

فكتب: «بعد المؤنة» «6».

______________________________

(1) المنتهى 1: 550، التذكرة 1: 253، التحرير 1: 73، المدارك 5: 367.

(2) كما في الكفاية: 42.

(3) الحدائق 12: 344.

(4) في «ق»: الصياغة.

(5) في «ق»: الصياغة.

(6) الكافي 1: 545- 13، الوسائل 9: 508 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 12 ح 1

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 62

و توقيع الهمداني: «الخمس بعد المؤنة» «1».

و رواية الأشعري: عن الخمس، أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل أو كثير من جميع الضروب و على الصنّاع؟ و كيف ذلك؟ فكتب بخطّه: «الخمس بعد المؤنة» «2»، إلى غير ذلك ممّا يأتي.

و المؤنة و إن كانت مجملة محتملة لمؤنة المعاش، إلّا أنّ عدم حجّية العامّ المخصّص بالمجمل المنفصل في موضع الإجمال يثبت وضع مئونة التحصيل و التوصّل.

و لا يوجب التصريح بمؤنة الرجل في بعض الأخبار «3» ابتداء أو بعد السؤال عمّا اختلف فيه- كما يأتي- تقييد تلك الأخبار أيضا، لأنّه لا يدلّ على أنّها المراد خاصّة بالمؤنة في مطلقاتها، و لا على أنّه ليس بعد مئونة العمل، بل يدلّ على كونه بعد هذه المؤنة.

و أمّا مئونة المعاش فهي غير موضوعة عن غير القسم الخامس إجماعا.

و لا يحتسب رأس مال التجارة و لا ثمن الضيعة من تلك المؤنة، لصدق الفائدة على النماء من دون وضعهما، و لعدم صدق المؤنة عليهما، بل الظاهر أنّ المؤنة في ذلك المقام ما يحتاج إليه العمل ممّا لا يبقى عينه أو عوضه، فالمؤنة في آلات الحفر و الغوص و الحرث و الثور و آلات الصناعة

«4» ممّا تبقى أعيانها ما طرأها لأجل العمل من نقص القيمة لا من الجميع، إلّا أن يكون شي ء منها داخلا في مئونة الرجل أيضا- كما هو المحتمل في

______________________________

(1) الفقيه 2: 22- 80، الوسائل 9: 508 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 12 ح 2.

(2) التهذيب 4: 123- 352، الاستبصار 2: 55- 181، الوسائل 9: 499 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 1.

(3) الوسائل 9: 499 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8.

(4) في «س» و «ق»: الصياغة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 63

آلات الصناعة «1»- فيوضع عن القسم الخامس.

ثمَّ الحقّ: أنّ اعتبار النصاب فيما يعتبر فيه قبل هذه المؤنة، وفاقا للمدارك «2»، فيجب فيه الخمس إذا بلغ النصاب، غايته وضع المؤنة، لإطلاق قوله: «ما يجب فيه الزكاة في مثله ففيه الخمس» و قوله: «حتى يبلغ عشرين دينارا» أو: «إذا بلغ ثمنه دينارا ففيه الخمس»، و تخصيص ما يقابل المؤنة بمخصّص لا ينافيه.

خلافا لصريح البيان و الدروس «3»، و المحكيّ عن ظاهر الأكثر «4»، فبعدها يعتبر. و ما ذكرناه يردّه.

المسألة الثالثة:
اشاره

يشترط في وجوب الخمس في القسم الخامس- و بعبارة أخرى: في غير الغنائم و المعادن و الكنز و الغوص من الفوائد المكتسبة من حيث هي- كونه فاضلا عن مئونة السنة، إجماعا محقّقا، و محكيّا عن صريح السرائر و المعتبر و ظاهر المنتهى و التذكرة و الذخيرة و المدارك «5»، و في الحدائق نفى الخلاف عنه ظاهرا «6».

لما ذكر، و للأصل، و المستفيضة، كصحيحة البزنطي و توقيع الهمداني المتقدّمين في الغنائم «7»، و روايات النيشابوري «8» و الأشعري «9» و ابن

______________________________

(1) في «ق»: الصياغة.

(2) المدارك 5: 392.

(3) البيان: 344، الدروس 1: 260.

(4) انظر الروضة

2: 71.

(5) السرائر 1: 489، المعتبر 2: 627، المنتهى 1: 550، التذكرة 1: 253، الذخيرة: 483، المدارك 5: 385.

(6) الحدائق 12: 347.

(7) راجع ص: 61 و 62.

(8) التهذيب 4: 16- 39، الاستبصار 2: 17- 48، الوسائل 9: 500 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 2.

(9) المتقدّمة في ص: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 64

مهزيار «1» السابقة.

و رواية الهمداني، و فيها: و اختلفوا من قبلنا في ذلك، فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المؤنة، مئونة الضيعة و خراجها، لا مئونة الرجل و عياله، فكتب عليه السّلام: «بعد مئونته و مئونة عياله و خراج السلطان» «2».

و المرويّ في تفسير العيّاشي: كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السّلام أسأله عمّا يجب في الضياع، فكتب: «الخمس بعد المؤنة» فقال: فناظرت أصحابنا، فقالوا: المؤنة بعد ما يأخذ السلطان و بعد مئونة الرجل، فكتبت إليه: إنّك كتبت «3» إليّ: أنّ الخمس بعد المؤنة، و إنّ أصحابنا اختلفوا في المؤنة، فكتب: «الخمس بعد ما يأخذ السلطان و بعد مئونة الرجل و عياله» «4».

و المؤنة في بعض تلك الأخبار و إن لم تكن معيّنة، إلّا أنّ في بعض آخر صرّح ب: «مئونة الرجل و عياله» أو: «مئونته» أو: «مئونتهم» و ضعفه- إن كان- بالعمل يجبر.

مضافا إلى ما مرّ من أنّ إجمال المؤنة كاف في إخراج جميع المؤن ممّا ليس على عدم إخراجه دليل، لعدم بقاء عمومات الخمس و إطلاقاتها على الحجّية حينئذ، لتخصيصها بالمجمل المنفصل.

لا يقال: التخصيص في رواية النيشابوري [بالمتّصل ] «5» حيث يدلّ

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 52.

(2) الكافي 1: 547- 24، التهذيب 4: 123- 354، الاستبصار 2: 55- 183، الوسائل 9: 500 أبواب ما يجب فيه الخمس ب

8 ح 4.

(3) في المصدر: قلت.

(4) تفسير العياشي 2: 63- 61، مستدرك الوسائل 7: 285 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 7 ح 1.

(5) في النسخ: بالمنفصل، و الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 65

مرجع الضمير المجرور في قوله: «منه» بما يفضل عن مئونته، و المخصّص بالمتّصل المجمل عندك حجّة في غير ما علم خروجه و إن خصّص بمثله من المنفصل.

لأنّا نقول: هذا إنّما يصحّ لو كان: «ممّا يفضل» بدلا عن الضمير، و لكنّه يمكن أن يكون متعلّقا بالخمس، أي لي خمس ما يفضل عن مئونته من ستّين كرّا، فلا تخصيص في المرجع أصلا.

و منه يظهر وجه تقييد المؤنة بمؤنة السنة، كما صرّح به كثير من الأصحاب، و عن السرائر و المنتهى و التذكرة: الإجماع عليه «1»، لعدم إخراج مئونة الزائد عن السنة إجماعا، فيبقى الباقي تحت الإجمال المذكور، مع أنّ المؤنة مطلقة مضافة، فتفيد العموم، خرج منها الزائد عن السنة فيبقى الباقي.

و أيضا المتبادر من المؤنة- كما صرّح به جماعة «2»- مئونة السنة، سيّما من مئونة أرباب الضياع «3» و التجار، لعدم انضباط نسبة أرباحهم إلى مئونة كلّ يوم.

فروع:
أ: المؤنة التي يشترط الفضل عنها هي مئونة الرجل نفسه

و عياله الواجبي النفقة إجماعا، و غيرهم ممّن أدخله في عياله عرفا على ما عمّمه جماعة «4»، لعموم العيال في الأخبار، و الإجمال المتقدّم ذكره. و الضيف

______________________________

(1) السرائر 1: 489، المنتهى 1: 548، التذكرة 1: 253.

(2) منهم صاحب الحدائق 12: 353، و صاحب الرياض 1: 296.

(3) في «س»: الصنائع.

(4) كصاحب الذخيرة: 483.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 66

أيضا مطلقا- كما عن الجامع و الدروس و في الروضة «1»- أو في الجملة، كما عن الشاميّات لابن فهد و المقداديّات للفاضل. و الأولى

درج مئونة الضيف في مئونة الرجل.

ب: المفهوم لغة و عرفا من مئونة الشخص:

ما دعته إليه من المخارج الماليّة ضرورة أو حاجة بحسب اللائق بحاله عادة.

و بعبارة أخرى: ما يلزمه صرفه لزوما عقليّا أو عاديّا أو شرعيّا من أنواع المصارف، و بحسب الاقتصاد اللائق بحاله من كيفيّاتها.

و بثالثة: ما يضطرّ إليه عقلا أو يلزمه شرعا أو لا يليق له تركه عادة و عرفا من الأنواع، و بحسب اللائق بحاله عادة في الكيفيّات.

و برابعة «2»: المال المحتاج إليه في رفع الحوائج و الضرورات.

هذا معناها الاسمي، و أمّا المصدري فهو: صرف المال المذكور.

و إنّما قلنا: إنّ المؤنة ذلك، للتبادر و عدم صحّة السلب فيما ذكر، و عدم التبادر و صحّة السلب في غيره، كما يظهر لك فيما نذكره.

و من هذا يظهر وجه ما صرّح جماعة «3»- بل الأكثر على ما صرّح به بعض الأجلّة- من تقييد المؤنة بكونها على وجه الاقتصاد بحسب اللائق بحاله عادة دون الإسراف، فإنّه ليس من المؤنة، لصحّة السلب.

و يؤيّده ما في موثّقة سماعة الواردة فيمن يحلّ له أخذ الزكاة: «فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه و لعياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم في غير

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 148، الدروس 1: 258، الروضة 2: 76.

(2) في «ق» و «ح»: يرادفه.

(3) منهم الشيخ في النهاية: 198، و الديلمي في المراسم: 139، و الحلي في السرائر 1: 489، و السبزواري في الكفاية: 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 67

إسراف فقد حلّت له الزكاة» «1».

(يمكن الاستدلال بها) «2» بضميمة ما صرّح به بعض الأصحاب «3»- بل انعقد عليه الإجماع- من أنّ المعتبر في حلّ الزكاة قصر المؤنة، بل يظهر منها أيضا صدق المؤنة على ما ذكرنا، لصدق الحاجة في كلّ ما ذكر.

و

يظهر منه أيضا أنّ ما كان لغوا- كسفر لا حاجة إليه، أو دار زائدة أو تزويج الزائدة على امرأة مع عدم الحاجة- و ما كان معصية- كمؤنة الملاهي، و تصوير البيت بذات روح، و سفر المعصية، و معونة الظالم، و نحوها- ليس من المؤنة، لما ذكر من صحّة السلب.

و كذا تظهر صحّة استشكال بعض الأجلّة في احتساب الصلة و الهديّة اللائقان بحاله، و قال: إنّه لا دليل على احتسابه.

و كذا ترديده في مئونة الحجّ المندوب و سائر سفر الطاعة المندوبة.

و هما في موقعهما، بل الظاهر عدم كونها من المؤنة، و هو كذلك، فلا يحتسب إلّا مع دعاء الضرورة العاديّة إليهما.

و صحّة تقييد ابن فهد في الشاميّات الضيافة بالاعتياد أو الضرورة، بل في كفاية الاعتياد أيضا نظر، إلّا أن يكون بحيث يذمّ بتركها عادة، فلا يحسب مطلق الضيافة و لا الصدقة و لا الصلة و لا الهديّة و لا الأسفار المندوبة، و لا سائر الأمور المندوبة من غير ضرورة أو حاجة و لو بقدر اقتصادها.

______________________________

(1) الكافي 3: 560- 4، الفقيه 2: 17- 57، التهذيب 4: 48- 127، الوسائل 9:

235 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 1.

(2) ما بين القوسين ليس في «س».

(3) كصاحب الذخيرة: 453.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 68

و طرف الإفراط في ذلك: ما ذكره المحقّق الخوانساري في رسالته من احتساب مئونة المستحبّات من غير اعتبار الاقتصاد فيها.

و يظهر أيضا احتساب مئونة الأمور الواجبة شرعا- كالحجّ الواجب و النذر و الكفّارة و ما يضطرّ إليه من مأخوذ الظالم قهرا أو مصانعة- لصدق المؤنة على الكلّ، و صرّح بالأخير في رواية العيّاشي المتقدّمة «1».

ثمَّ المراد باللائق بحاله عادة: أنّه لم يعدّ زائدا له عرفا

و لا يلام به، لا ما يعدّ خلافه ناقصا و يلام بتركه، لوضوح صدق المؤنة و عدم صحّة السلب مع عدم عدّه زائدا.

و هذا هو سرّ تقييدنا نوع المؤنة بالاضطرار أو اللزوم، و كيفيّتها باللياقة، فإنّ من أنواع المخارج ما لا يعدّ زائدا و لكن يصحّ سلب المؤنة عنها، كبناء المسجد و سفر الطاعة و ضيافة الإخوان و الهديّة و البذل.

و لكن ما يلزم نوعه لا يشترط في كيفيّته اللزوم أيضا، بل يكفي عدم عدّها زائدة، فإنّه لا يشترط في صدق المؤنة على الكسوة مثلا الاقتصار على كيفيّة يذمّ على ما دونها، بل يصدق مع كونها بحيث لا تعدّ زائدة عرفا.

و قد يختلف حال الكيفيّة في صورة الانضمام مع النوع و التجدّد بعده، كشراء الدار المجصّصة أولا و التجصيص بعد الشراء، و اللّازم متابعة العرف.

ج: و اعلم أنّه يشترط في الحاجة أو اللزوم لزومه في ذلك العام

، فلا يكفي تحقّق الحاجة أو اللزوم في عام آخر، فمن كانت له دار مستأجرة في

______________________________

(1) تفسير العياشي 2: 63- 61، مستدرك الوسائل 7: 258 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 69

عام ربح و اشترى دارا لأعوام أخر لا تحتسب له قيمة الدار من ربح ذلك العام كما لا يحتسب له ثمن طعام العام الآتي، لأنّ المعتبر مئونة هذه السنة، و لا يحتاج إلى دار فيها.

نعم، لو احتاج إلى شي ء مرة و كانت نسبته إلى جميع الأحوال متساوية يحسب له من كلّ عام صرفه، كمؤنة التزويج له و لولده.

د: من مئونة الرجل: ما يصرف في الأكل و الشرب و الكسوة

، و ما به تجمّله اللازم له عرفا، و ما يحتاج إليه من أثاث البيت و قيمة المسكن أو أجرته، و كذا الخادم و مئونة عمارة الدار و ثمن الدابّة أو أجرته، و الحقوق اللازمة عليه من النذر و الكفارات و الدين و الصداق و مئونة الحجّ الواجب و التزويج لنفسه أو ولده، و نحو ذلك.

و منهم من قيّد الدين بصورة الحاجة إليه.

و منهم من قيّد المتأخّر عن الاكتساب الواقع في عامه بالحاجة، دون المتقدّم، فأطلقه و لو كان لا لغرض صحيح.

و الكلّ لأجل اختلاف الفهم في الصدق في مصداق المؤنة، و العرف يعاضد الأخير جدّا، و مثله المنذور أيضا.

ه: هل يعتبر في صدق المؤنة على ما ذكرنا تحقّق الإنفاق و الصرف أيضا،

حتى أنّه لو قتّر على نفسه مع الحاجة لم يحسب له، أو لا يعتبر فيحسب؟

صرّح في الدروس و البيان و الروضة و المدارك بالثاني «1»، بل الظاهر أنّه مذهب الأكثر.

و هو الأظهر، إذ لو وضع القدر المتعارف أولا بقصد الإنفاق لم يكن

______________________________

(1) الدروس 1: 258، البيان: 348، الروضة 2: 76، المدارك 5: 385.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 70

فيه خمس، فتعلّقه به بعد ترك الإنفاق يحتاج إلى دليل.

و أيضا الظاهر صدق المؤنة على ما ذكرنا بدون قيد الإنفاق، و لا أقلّ من احتماله الموجب للإجمال، الموجب لعدم وجوب الخمس فيه كما مرّ.

و لذا يحلّ للفقير أخذ قدر الاقتصاد و لو كان من قصده التقتير، و يجوز إعطاؤه بهذا القدر و لو علم تقتيره.

و أمّا عدم جواز إعطاء ما قتّر بعد تقتيره فلأجل انتفاء حاجته حينئذ، و توقّف حلّية الزكاة على الحاجة في الحال أو المستقبل.

بخلاف الوضع للخمس، فإنّه لم يتوقّف إلّا على صدق المؤنة المتوقّف على الحاجة في الجملة.

و منه يظهر وجه ما ذكره

بعضهم- منهم المحقّق الخوانساري «1»- من وضع مئونة الحجّ إذا وجب في عام و قصر فيه، و كذا إن وجب قبله و قصر و تلف ماله السابق على ذلك العام و لم يكن ما يحجّ به غير ربح العام.

و لو كان له ربح سابق يحسب منه لا من ربح ذلك العام، و كذا الدين اللازم أداؤه، بل و كذا كلّ مئونة واجبة قصر فيها، كأداء المنذور و الكفّارات و نحوها.

و: لو قلّت المؤنة في أثناء حول لذهاب بعض عياله أو ضيافته في مدّة أو نحوها

، لم يحسب له، لظهور الكاشف في أنّ مئونة هذه السنة ما صرفه خاصّة.

ز: لو بقيت عين من أعيان مئونته حتى تمَّ الحول

- كأن يشتري دابّة أو عبدا أو دارا أو أثاث الدار أو لباسا أو نحوها- فهل يجب الخمس فيها بعد تمام الحول، أو لا؟

______________________________

(1) احتمله في الحواشي على شرح اللمعة الدمشقية: 314.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 71

الظاهر: لا، كما صرّح به بعض فضلاء معاصرينا أيضا، إذ لم يكن الخمس فيها واجبا، فيستصحب.

فإن قيل: صدق الفائدة المكتسبة عليها، و وجوب الخمس فيما زاد عن مئونة السنة منها، يزيل الاستصحاب.

قلنا أولا: إنّا لا نسلّم عدم كونها عن مئونة السنة، فإنّها مئونة السنة عرفا، و لا يشترط في صدق المؤنة تلف العين.

و ثانيا: إنّ المصرّح به في الأخبار «1» وضع المؤنة، و التقييد بالسنة الواحدة إنّما كانت للإجماع أو التبادر، و كلاهما في المقام غير معلوم.

نعم، لو زالت الحاجة عن هذه الأعيان في سنة يمكن القول بوجوب الخمس فيها، فتأمّل.

هذا فيما لا يكون التموّن به بتلف عينه بل بمنفعته.

و أمّا ما كانت عينه تالفة بالتموّن- كالحنطة و الشعير و الشحم و نحوها- فلو زاد عن السنة من غير تقتير يجب خمسه، لظهور أنّ المؤنة كانت أقلّ ممّا وضعه أولا.

ح: ليس من المؤنة ثمن الضياع و العقار و المواشي

، للانتفاع بمنافعها و لو لمؤنة السنة. و لا رأس مال تجارته، لعدم التبادر، و صحّة السلب، و لعدم الاضطرار و لا اللزوم. و الحاجة إلى رقباتها في ذلك العام للمؤنة فيه، إذ ظاهر أنّ ثمنها يكون فاضلا عن مئونة ذلك العام، فالاحتياج إليها لو كان لكان لأعوام أخر.

نعم، لو فرض شراؤها من مئونة ذلك العام- بأن يضيّق على نفسه فيه أو أنفق من مال لا خمس فيه- يحسب له على الأول، و يبنى على ما يأتي

______________________________

(1) الوسائل 9: 499 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 72

في مسألة اجتماع مالين له يجب في أحدهما الخمس دون الآخر [على الثاني ] «1».

ط: لو كان له مال آخر لا يجب فيه خمس

، فإن كان مما يتّجر به من الأموال، أو يشتغل منه من الصناع، أو نحو ذلك، ممّا يحتاج إليه في الاستفادة أو الصناعة، و بالجملة ما ليس من شأنه أن يصرف في المؤن عادة، فلا توضع منه المؤنة و توضع من الربح إجماعا، له، و لأنّه المتبادر الظاهر من الأخبار «2».

و إن كان من غير ذلك ممّا من شأنه المؤنة منه عادة، ففي أخذ المؤنة منه خاصّة، أو من الكسب كذلك، أو منهما بالنسبة، أوجه.

صرّح جماعة من المتأخّرين بأنّ الأحوط: الأول، و الأعدل: الثالث، و الأظهر: الثاني «3». بل في كلام المحقّق الشيخ عليّ و الشهيد الثاني في شرح الإرشاد: أنّه الظاهر من الأخبار.

و عن بعضهم: التفرقة بالقصد و اعتباره، فإن قصد إخراج المؤنة من الربح أخذت منه، و إن قصد من الآخر فكذلك، و إن لم يقصد أو قصد ثمَّ نسي فمنهما بالنسبة.

و ذكر بعضهم تفصيلا آخر «4».

و الظاهر- كما ذكروه- هو الثاني، إمّا لظهور ذلك من الأخبار، أو لإجمالها، حيث إنّ قولهم: بعد المؤنة أو ما يفضل عن المؤنة، يحتمل

______________________________

(1) أثبتناه لاقتضاء الكلام له.

(2) المتقدمة في ص 61- 64.

(3) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 67، و الروضة 2: 77، و السبزواري في الكفاية: 43.

(4) كما في غنائم الأيام: 370.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 73

معنيين، أحدهما: بعد قدر المؤنة من ذلك المال و الفاضل منها منه، أو مطلقا «1»، فيحصل الإجمال في عمومات الخمس، فلا خمس في قدر المؤنة من ذلك المال. و أمر الاحتياط كما ذكروه.

ي: لو حصل ربح و خسران معا و تلف بعض ماله أيضا

، فإن كانا في عامين لا يجبر الخسران أو التلف بالربح، لعدم دخوله في المؤنة و انتفاء دليل آخر عليه.

و إن كانا في عام،

فإمّا يكونان في تجارة واحدة، أو في تجارتين في مال واحد، أو في مالين.

فإن كان الأول- كأن يشتري أمتعة بمائة، ثمَّ باع نصفها بستّين و نصفها بأربعين- يجبر الخسران بالربح، سواء كان بيع الجميع دفعة واحدة- و هذا يكون إذا اختلف جنس الأمتعة- أو دفعات، لعدم صدق حصول الفائدة و الربح عرفا.

و إن كان الثاني- كأن يشتري أمتعة بمائة و باعها بمائة و خمسين، ثمَّ اشترى من هذه المائة و الخمسين متاعا ثمَّ باعه بمائة- فالظاهر توزيع الخسران على الربح و رأس المال إن تقدّم الربح على الخسران، إذ لم يكن دفع الخمس عليه واجبا، و كانت له أنحاء التصرّفات في الربح، فتلف بعضه، و لعدم تعيّن ما وقع عليه الخسران يوزّع على الجميع.

و لو اتّجر ثانيا ببعض ذلك المال دون جميعه- كأن يشتري من مائة منه متاعا و وقع الخسران- فإن عيّن الباقي بالقصد أنّه من الربح أو رأس المال فله حكمه، و إن لم يعيّنه أو قصد الإشاعة، فيوزّع الخسران أيضا بما

______________________________

(1) يعني: و ثانيهما بعد قدر المؤنة من المال مطلقا، سواء كان ذلك المال و غيره، و الفاضل من المؤنة منه كذلك.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 74

يقتضيه العمل.

و إن تقدّم الخسران لم يجبر بالربح المتأخّر.

و إن كان الثالث- كأن يشتري أمتعة بمائة و اخرى بمائة أيضا، و باع الأولى بمائة و خمسين و الثانية بخمسين- فلا يجبر الخسران أصلا.

و ليعلم أنّ وحدة التجارة إنّما تتحقّق باشتراء الجميع دفعة و لو تعدّد البيع، أو البيع دفعة و لو تعدّد الشراء.

المسألة الرابعة:

هل يشترط في وجوب الخمس في الأموال: البلوغ و العقل و الحريّة، أم لا؟

صرّح في الشرائع و الإرشاد و القواعد بعدم

اشتراطها في خمس المعادن و الكنز و الغوص «1».

و في التحرير بعدمه في الأول «2».

و في الدروس بعدمه في الأولين «3».

و في المنتهى و التذكرة بعدمه في الثاني، مدّعيا في المنتهى أنّه قول أهل العلم كافّة «4».

و في الأول بعدم اشتراط الحرّية على القول بملك العبد.

و في البيان و المسالك بعدمه في الثاني «5».

و قال بعض المعاصرين: و يظهر منهم أنّ تعلّق الخمس بما أخرجه الصبيّ إجماعي.

______________________________

(1) الشرائع 1: 181، الإرشاد 1: 293، القواعد 1: 61.

(2) التحرير 1: 73.

(3) الدروس 1: 260.

(4) المنتهى 1: 547، التذكرة 1: 252.

(5) البيان: 344، المسالك 1: 67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 75

قيل: يلوح من ذلك عدم اشتراطها في غير الثلاثة «1».

أقول: يمكن أن يكون التصريح في الثلاثة لأجل بيان عدم اشتراط تملّك المعدن و الخارج من الغوص و الكنز بالحريّة و البلوغ، حيث إنّه محل الخفاء، بل بعض هؤلاء عنون التملّك، و على هذا كاد أن يكون الأمر بالعكس، فلاح منه عدم الاشتراط في غير الثلاثة ممّا يملك قطعا. بل ظاهر تصريح الجميع- باشتراط الكمال بالحريّة و البلوغ و العقل في الزكاة، و إطلاقهم جميعا ثبوت الخمس من غير ذكر الشرط- عدم الاشتراط. و على هذا فربّما كان ذلك إجماعا.

و في المدارك: عدم اشتراط الحرّية في تعلّق الخمس بغير الثلاثة، و كون اشتراط التكليف متّجها.

و استدلّ في المدارك لعدم الاشتراط في الثلاثة بعموم الأخبار المتضمّنة لوجوب الخمس في هذه الأنواع، نحو صحيحة الحلبي: عن المعادن كم فيها؟ قال: «الخمس» «2» «3».

و لا يخفى أنّه لو تمَّ ذلك لجرى بعينه في المكاسب أيضا، لعموم موثّقة سماعة المتقدّمة: عن الخمس، فقال: «في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو

كثير» «4».

و الصحيح: «ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة» «5».

______________________________

(1) كما في مجمع الفائدة 4: 323.

(2) الكافي 1: 546- 19، الفقيه 2: 21- 73، التهذيب 4: 121- 346، الوسائل 9: 492 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 2.

(3) المدارك 5: 389.

(4) أصول الكافي 1: 545- 11، الوسائل 9: 503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 6.

(5) الفقيه 2: 21- 74، التهذيب 4: 124- 359، الاستبصار 2: 56- 184، الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 1.

الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 76

و قوله عليه السّلام: «الخمس من خمسة» «1».

و أمّا أحاديث رفع القلم عن الصبي، فإن أوجبت نفي الخمس لأوجبته في الجميع، و لكن لا تنافيه، إذ المأمور بالإخراج الولي.

نعم، في صحيحة زرارة و محمّد: «ليس على مال اليتيم في العين و المال الصامت شي ء، فأمّا الغلّات فعليها الصدقة واجبة» «2».

و في صحيحة ابن سنان: «ليس في مال المملوك شي ء و لو كان ألف ألف، و لو أنّه احتاج لم يعط من الزكاة شي ء» «3».

و ذكر الأصحاب الصحيحين في باب الزكاة لا يوجب تخصيص الشي ء بها، و لعلّه لجزأيهما الأخيرين.

و اختصاص الاولى ببعض الأول لا يضرّ، للإجماع المركّب، و تعارضهما مع العمومات المذكورة بالعموم من وجه، و إذ لا مرجّح فيرجع إلى الأصل، و لا يرجّح الكتاب الثبوت، لكونه خطاب المشافهة، فلعلّ المشافهين كانوا مكلّفين أحرارا، بل هو كذلك، لقوله عزّ شأنه وَ اعْلَمُوا «4».

فالظاهر عدم ثبوت الخمس في مال اليتيم و العبد مطلقا، إلّا أن يثبت الإجماع كلّيا أو في بعض الأنواع، كما هو

المظنون، سيّما في الثلاثة.

ثمَّ عدم الثبوت في المال المختلط أظهر، لثبوته بالخطاب التكليفي

______________________________

(1) راجع الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2.

(2) الكافي 3: 541- 5، التهذيب 4: 29- 72، الاستبصار 2: 31- 90، الوسائل 9: 83 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 2.

(3) الكافي 3: 542- 1، الوسائل 9: 91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 1.

(4) الأنفال: 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 77

المختص بالكمّل، و كذلك الأرض التي اشتراها الذمي.

ثمَّ على عدم الثبوت، فهل يثبت في أمواله الحاصلة حال الصغر الباقية إلى حال البلوغ؟

الظاهر: لا، للاستصحاب. و الأحوط له أنّه يخمّس أمواله الباقية.

المسألة الخامسة:
اشارة

لا يعتبر الحول في وجوب الخمس في غير الأرباح، إجماعا محقّقا، و محكيّا «1»، بل عن المنتهى: أنّه قول أهل العلم كافّة «2»، له، و للعمومات كتابا و سنّة، و أصالة عدم تقييدها بما بعد السنة.

و هل وجوبه فيه بعد حصوله فوريّ مضيّق أم لا؟

صريح السرائر و الروضة: الأول «3»، بل في الأول انعقاد الإجماع عليه.

و ظاهر بعض الأجلّة: العدم، للأصل، و عدم الدليل.

و يمكن الاستدلال للتضيّق بأنّ الخمس لتعلّقه بالعين يكون مال أربابه، و لا يجوز التصرّف في مال الغير و لا حبسه و لا تأخير إيصاله إليهم إلّا بعد العلم برضاهم، و لا سبيل إلى العلم بذلك أصلا، بل الغالب العلم بعدم الرضا.

و في اعتباره في الأرباح و عدمه قولان، فظاهر كلام الحلّي: الأوّل، بل ادّعى الإجماع عليه و أوّل ما ظاهره غيره من العبارات «4». و التأمّل في دلالة عبارته عليه ليس في موقعه، كما لا يخفى على الناظر فيه.

______________________________

(1) كما في المدارك 5: 390، و الرياض 1: 296.

(2)

المنتهى 1: 547.

(3) السرائر 1: 489، الروضة 2: 78.

(4) السرائر 1: 489.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 78

و المشهور بين الأصحاب: الثاني «1»، إلّا أنّ الوجوب موسّع عندهم إلى طول السنة.

دليل الأول: الإجماع، و أنّ وجوب الخمس بعد مئونة السنة، و هي غير معلومة بل و لا مظنونة، لأنّ حدوث الحوادث المحتاجة إلى المؤنة- كخراب عمارة و حصول أمراض أو غرامة أو ورود أضياف أو موت أو نحوها- ممكن، و الأصل براءة الذمّة و عدم الوجوب.

و دليل الثاني على الوجوب: العمومات «2» و الإطلاقات، و على التوسعة: الإجماع، و احتياط المؤنة.

أقول: التحقيق أنّ ثبوت حقّ أرباب الخمس في الفاضل عن مئونة السنة أمر واقعي غير محتاج إلى علم ربّ المال به حينئذ، و لا دليل على تقييد العمومات به، بل تكفي معلوميّته عند اللّه سبحانه، لأنّ تعلّق حقّهم به أمر وضعي غير محتاج إلى علم المكلّف.

نعم، وجوب إخراجه عليه يتوقّف على علمه بالقدر الفاضل، و هو أمر لا سبيل إليه إلّا بعد مضي السنة. و على هذا، فلو أخرجه قبل الحول، و ظهر بعده أنّه كان مطابقا للواقع، يكون مشروعا و مجزئا عنه، و لو أخّره إلى الحول كان جائزا له و لم يكن عاصيا.

فإن أراد الأول بعدم الوجوب قبل الحول: عدم مشروعيّته و إجزائه لو أخرجه قبله و ظهر كونه فاضلا- كما صرّح به بعضهم «3»- فهو غير صحيح، لحصول الكشف بتعلّق حقّ الغير به و وصوله إلى أهله، فلا وجه لعدم

______________________________

(1) منهم العلّامة في المنتهى 1: 550، و السبزواري في الكفاية: 44.

(2) المتقدمة في ص 75 و 76.

(3) انظر المدارك 5: 391.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 79

الإجزاء، و قصد القربة

اللازمة بعد تجويز تعلّق الحقّ ممكن، سيّما مع ظن الفضلة.

و إن أراد عدم تعلّق وجوب الإخراج على المكلّف، فهو كذلك.

و إن أراد الثاني بالوجوب الموسّع: أنّه تعلّق به التكليف و إن جاز له التأخير- كصلاة الظهر في أول الوقت- فهو باطل قطعا، لأنّ شرط وجوب الخمس (الزيادة) «1» عن المؤنة، و هي غير معلومة، و انتفاء العلم بالشرط يوجب انتفاء العلم بالمشروط، و المفروض أنّ الخمس في الفاضل عن مئونة السنة، و هو لا يعلمها، فكيف يحكم بوجوب إخراجه؟! و إن أرادوا: أنّه و إن لم يجب عليه الإخراج حينئذ و لكن لو أخرجه و انكشف بعده تعلق الخمس به كان مجزئا، فهو صحيح.

و ممّا ذكرنا يظهر أيضا ضعف ما استدلّ به في المختلف لتعلّق الوجوب أولا: من أنّه لولاه لجاز للمكتسب إتلافه قبل الحول و لا يجب عليه شي ء، و ليس كذلك قطعا «2».

و وجه الضعف: أنّ بعد تمام الحول و ظهور الحال يعلم أنّ ما أتلفه كان مال أرباب الخمس و إن لم يجب عليه إخراجه حينئذ، فتجب عليه الغرامة، كمن أتلف مال غيره باعتقاد أنّه ماله ثمَّ ظهر حاله.

فروع:
أ: في ابتداء الحول من الشروع في التكسّب

، أو ظهور الربح، أو حصوله، وجوه، بل أقوال.

______________________________

(1) في «ح» و «س»: العلم بالزيادة.

(2) المختلف: 204.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 80

أظهرها: الأخير، لإطلاقات وضع المؤنة، و لم يعلم خروج الأكثر من السنة التي مبدؤها حصول الربح منه.

و تظهر الفائدة في مئونة الزمان المتخلّل بين النهايات دون المبادئ، إذ مئونة ما تخلّل بين المبادئ إن كان من مال آخر فلا يوضع من الربح قطعا، و إن كان من الدين فيوضع كذلك.

ب: لو حصلت أرباح متعدّدة في أثناء الحول تدريجا

، فقيل: يعتبر لكلّ خارج حول بانفراده، و توضع المؤنة في المدّة المشتركة بين الربحين عليهما، و يختصّ الثاني بمؤنة بقيّة حوله و هكذا «1».

و قال بعض الأصحاب: إنّ الربح المتجدّد في أثناء الحول المبتدئ من الربح الأول يضمّ بعضه إلى بعض و تستثنى المؤنة من المجموع، و يخمّس الباقي بعد تمام الحول الأول، فيكون حول الجميع واحدا. و إليه ذهب في الدروس «2» و المحقّق الشيخ عليّ في حواشي الشرائع، و استحسنه في المدارك و الذخيرة «3»، و جعله بعض الأجلّة أولى.

و هو كذلك، بل هو الأقوى، لإيجاب الأول العسر و الحرج المنفيّين، بل هو خلاف سيرة الناس و إجماع العلماء طرّا، لإيجابه ضبط حول كلّ ربح و عدم خلطه مع غيره، و هو ممّا لم يفعله أحد، سيّما أرباب الصناعات و كثير من التجارات، مع أنّ المتبادر المتعارف الشائع من وضع المؤنة: هو المعنى الأول. هذا، مع أنّه الموافق للاحتياط أيضا.

ج: لو مات المكتسب في أثناء الحول بعد ظهور الربح و قبل التموّن به كلّا أو بعضا

، يخمّس ما بقي منه، لظهور أنّه لا مئونة له غير ما تموّن.

______________________________

(1) المسالك 1: 68، و الروضة 2: 78.

(2) الدروس 1: 259.

(3) المدارك 5: 391، الذخيرة: 484.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 81

المقصد الثالث في قسمة الخمس و مصرفها

اشاره

و فيه مسائل

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 83

المسألة الأولى: الخمس يقسّم أسداسا:

للّه، و لرسوله، و لذي القربى، و اليتامى، و المساكين، و أبناء السبيل، على الحقّ المعروف بين أصحابنا، بل عليه الإجماع عن صريح السيّدين و الخلاف «1»، و ظاهر التبيان و مجمع البيان و فقه القرآن للراوندي «2»، بل هو إجماع حقيقة، لعدم ظهور قائل منّا بخلافه، سوى شاذّ غير معروف لا تقدح مخالفته في الإجماع، فهو الدليل عليه، مضافا إلى ظاهر الآية الكريمة «3»، و صريح الأخبار المستفيضة:

كمرفوعة أحمد، و فيها: «فأما الخمس فيقسّم على ستّة أسهم: سهم للّه، و سهم للرسول، و سهم لذوي القربى، و سهم لليتامى، و سهم للمساكين، و سهم لأبناء السبيل، فالذي للّه فلرسوله، فرسول اللّه أحقّ به فهو له، و الذي للرسول هو لذوي القربى و الحجّة في زمانه، فالنصف له خاصّة، و النصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من آل محمّد الذين لا تحلّ لهم الصدقة و لا الزكاة، عوّضهم اللّه مكان ذلك الخمس» «4».

و مرسلة حمّاد: «و يقسّم بينهم الخمس على ستّة أسهم: سهم للّه، و سهم لرسول اللّه، و سهم لذوي القربى، و سهم لليتامى، و سهم للمساكين،

______________________________

(1) المرتضى في الانتصار: 82، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 569، الخلاف 4: 209.

(2) التبيان 5: 123، مجمع البيان 2: 543، فقه القرآن 1: 243.

(3) الأنفال: 41.

(4) التهذيب 4: 126- 364، الوسائل 9: 514 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 84

و سهم لأبناء السبيل، فسهم اللّه و سهم رسول اللّه لأولي الأمر من بعد رسول اللّه وراثه، فله ثلاثة أسهم: سهمان وراثة، و سهم مقسوم له من اللّه، فله

نصف الخمس كملا، و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم، و سهم لمساكينهم، و سهم لأبناء سبيلهم» إلى أن قال: «و إنّما جعل اللّه هذا الخمس خاصّة لهم دون مساكين الناس و أبناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات الناس، تنزيها من اللّه لهم لقرابتهم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» الحديث «1».

و مرسلة ابن بكير في قوله تعالى وَ اعْلَمُوا إلى آخره، قال:

«خمس اللّه للإمام، و خمس الرسول للإمام، و خمس ذوي القربى لقرابة الرسول الإمام، و اليتامى يتامى آل الرسول، و المساكين منهم، و أبناء السبيل منهم، فلا يخرج منهم إلى غيرهم» «2».

و المروي في رسالة المحكم و المتشابه للسيّد عن تفسير النعماني:

«و يجزّأ هذا الخمس على ستّة أجزاء، فيأخذ الإمام منها سهم اللّه و سهم الرسول و سهم ذوي القربى، ثمَّ يقسّم الثلاثة الباقية بين يتامى آل محمّد و مساكينهم و أبناء سبيلهم» «3»، و غير ذلك.

خلافا للمحكيّ في المعتبر و الشرائع و التذكرة و المنتهى و الجامع عن بعض أصحابنا «4»، فيقسّم خمسة أقسام بإسقاط سهم اللّه، فواحد للرسول

______________________________

(1) الكافي 1: 539- 4، التهذيب 4: 128- 366، الوسائل 9: 513 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.

(2) التهذيب 4: 125- 361، الوسائل 9: 510 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 2.

(3) رسالة المحكم و المتشابه: 46.

(4) المعتبر 2: 628، الشرائع 1: 184، التذكرة 1: 253، المنتهى 1: 550، الجامع للشرائع: 150.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 85

و الأربعة للأربعة.

و في شرحي الشرائع لابن فهد: أنّه لا يعرف به قائلا «1»، و هو مذهب الشافعي و أبي حنيفة، و استدلّ له بالآية بتأويلها بما يوافقه، و بصحيحة ربعي

«2».

و الأول: مدفوع بتقديم الظاهر على التأويل، سيّما مع تفسيرها بالظاهر في الأخبار «3».

و الثاني: بأنّه حكاية فعله صلّى اللّه عليه و آله، فلعلّه اقتصر من سهميه على سهم و جزء من سهم تفضّلا منه على أقربائه.

و لا ينافيه قوله فيها: «و كذلك الإمام يأخذ كما أخذ الرسول صلّى اللّه عليه و آله»، لجواز أن يكونوا يتأسون به، فإنّه أيضا خبر، و لا دليل على تأويله بالإنشاء، مع أنّه على التأويل أيضا لا يفيد التعيّن، فلعلّه لهم أرجح و لو للتأسّي، و مع المعارضة فالترجيح لما مرّ بالأكثريّة و الأشهريّة و موافقة الكتاب و مخالفة العامّة.

المسألة الثانية: سهم اللّه لرسوله

، و سهما الرسول للإمام من بعده إجماعا، و تدلّ عليه المراسيل الثلاث «4»، و رواية رسالة المحكم و المتشابه «5»، و صحيحة البزنطي، و فيها: فما كان للّه فلمن هو؟ فقال:

«لرسول اللّه، و ما كان لرسول اللّه فهو للإمام» «6».

______________________________

(1) المهذب البارع 1: 561، المقتصر: 107.

(2) التهذيب 4: 128- 365، الاستبصار 2: 56- 186، الوسائل 9: 510 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 3.

(3) راجع ص: 83.

(4) المتقدمة في ص 83 و 84.

(5) المتقدمة في ص 84.

(6) الكافي 1: 544- 7، التهذيب 4: 126- 363، الوسائل 9: 512 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 86

و لا يعارضه قوله في رواية الجعفي: «فأمّا خمس الرسول فلأقاربه» «1»، لأنّه يجب إرادة أشرف الأقارب تجوّزا بالقرينة المذكورة.

و سهم ذي القربى أيضا له على الحقّ المشهور، بل المجمع عليه، كما عن السرائر و ظاهر الخلاف «2»، و في الحدائق: أنّه اتّفقت عليه كلمة أصحابنا «3».

و يدلّ عليه- بعد الإجماع المحقّق- ظاهر الآية، حيث إنّ الظاهر

مغايرة المعطوف للمعطوف عليه، و لو كان المراد مطلق القرابة لا يبقى التغاير الكلّي، و لأنّه لو كان المراد المطلق لكان الظاهر: و لذوي القربى، مع أنّه لا دليل على أنّ المراد بالقربى: القرب في النسب خاصّة، فيمكن أن يكون القرب فيه و في الرتبة معا، فيجب الأخذ بالمتيقّن، و للأخبار المتقدّمة الأربعة، و ضعفها سندا لو قلنا به لانجبر بما ذكر.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي «4»، و يميل إليه كلام المدارك، فقال:

هو لجميع قرابة الرسول «5».

و استشكل في المسألة بعض الأجلّة، لظاهر الآية، و لقوله في صحيحة ربعي: «ثمَّ يقسّم الأربعة الأخماس بين ذوي القربى و اليتامى و المساكين و أبناء السبيل» «6».

______________________________

(1) الفقيه 2: 22- 79، التهذيب 4: 125- 360، الوسائل 9: 509 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 1.

(2) السرائر 1: 493، الخلاف 4: 209.

(3) الحدائق 12: 377.

(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 204.

(5) المدارك 5: 399.

(6) التهذيب 4: 128- 365، الاستبصار 2: 56- 186، الوسائل 9: 510 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 87

و في رواية الجعفي: «و أمّا خمس الرسول فلأقاربه، و خمس ذوي القربى فهم أقرباؤه».

و يضعّف الأول: بما مرّ من عدم الظهور لو لا ظهور خلافه، مع أنّه مع الظهور يجب الصرف عنه بالأخبار المتقدّمة المعتضدة بما ذكر، المخالفة «1» للعامّة.

و الثاني: بأنّ فعله عليه السّلام يمكن أن يكون برضا الإمام، أو يكون المراد بذوي القربى: الأمير و الحسنين.

و الثالث: بأنّه لا يخالف ما ذكرنا، لاحتمال أن يكون المراد بالأقرباء:

الأئمّة، و جمعه باعتبار التعدّد و لو في الأزمان و هو و إن كان مجازا إلّا أنّه على العموم لا بدّ من التخصيص

بما ذكرنا.

المسألة الثالثة:

لا فرق فيما ذكر من قسمة الخمس أسداسا بين الأقسام الخمسة، فيقسّم خمس الأرباح و المكاسب أيضا ستّة أقسام، فمصرفها مصرف سائر الأخماس، وفاقا لظاهر جمهور القدماء «2» و معظم المتأخّرين «3».

لظاهر الآية، و قوله في مرسلة حمّاد الطويلة: «و هؤلاء الذين جعل اللّه لهم الخمس هم قرابة النبيّ، الذين ذكرهم اللّه تعالى، فقال وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ، و هم بنو عبد المطّلب أنفسهم، الذكر منهم و الأنثى «4».

______________________________

(1) في «ح»: لمخالفته.

(2) كما في المقنعة: 277.

(3) كالمحقّق في الشرائع 1: 181، و العلّامة في المنتهى 1: 550، و القواعد 1: 62.

(4) الكافي 1: 539- 4، التهذيب 4: 128- 366، الوسائل 9: 513 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 88

و في مرسلة أحمد: «و أمّا الخمس فيقسّم على ستة أسهم» إلى أن قال: «فالنصف له خاصّة، و النصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من آل محمّد، الذين لا تحلّ لهم الصدقة و لا الزكاة، عوّضهم اللّه مكان ذلك الخمس» «1».

و احتمل جملة منهم اختصاصه بالإمام «2»، لدعوى دلالة جملة من الروايات عليه، لدلالة بعضها على تحليلهم هذا النوع للشيعة «3»، و لو لا اختصاصهم به لما ساغ لهم ذلك، لعدم جواز التصرف في مال الغير.

و لإضافته في بعض آخر إلى الإمام، بمثل قول الإمام: «لي الخمس» أو: «لنا خمسة» أو: «حقّنا»، و قول الراوي: حقّك، أو: لك، و أمثال ذلك.

و لتصريح جملة من الأخبار بأنّه لهم خاصّة، كرواية ابن سنان المتقدّمة «4».

و يرد على الأول- بعد المعارضة-: (النقض) «5» بجملة من الأخبار المحلّلة للخمس بقول مطلق، بحيث يشمل هذا النوع و غيره، بل غير الخمس من

أموال الفقراء، بل كثير منها صريح في غيره، كرواية عبد العزيز ابن نافع المصرّحة بتحليله ما سباه بنو أميّة لرجل استأذنه «6».

و رواية إبراهيم بن هاشم: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السّلام إذ دخل

______________________________

(1) التهذيب 4: 126- 364، الوسائل 9: 514 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 9.

(2) كما في الكفاية: 44.

(3) الوسائل 9: 537 أبواب الأنفال ب 3.

(4) التهذيب 4: 122- 348، الاستبصار 2: 55- 180، الوسائل 9: 503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8.

(5) في النسخ: و النقض، و الظاهر ما أثبتناه.

(6) الكافي 1: 545- 15، الوسائل 9: 551 أبواب الأنفال ب 4 ح 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 89

صالح بن محمّد بن سهل- و كان يتولى له الوقف بقم- فقال: يا سيّدي، اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ، فإنّي أنفقتها، فقال له: «أنت في حلّ» فلمّا خرج صالح فقال أبو جعفر عليه السّلام: «أحدهم يثبت على أموال آل محمّد و أيتامهم و مساكينهم و فقرائهم و أبناء سبيلهم فيأخذها، ثمَّ يجي ء فيقول: اجعلني في حلّ، أ تراه ظنّ أنّي أقول: لا أفعل؟! و اللّه ليسألنّهم يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا» «1».

و صحيحة عمر بن يزيد: رأيت مسمعا بالمدينة و قد كان حمل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام تلك السنة مالا فردّه أبو عبد اللّه عليه السّلام عليه، فقلت له: لم ردّ عليك أبو عبد اللّه المال الذي حملته إليه؟ قال: فقال: إنّي قلت له حين حملت إليه المال: إنّي كنت وليت البحر من الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم، و قد جئتك بخمسها ثمانين ألف درهم، و كرهت أن أحبسها عنك أو أعرض لها

و هي حقّك الذي جعل اللّه لك في أموالنا- إلى أن قال- فقال:

«يا أبا سيّار، قد طيّبناه لك و أحللناك منه» الحديث «2».

مع أنّهم لا يقولون بالاختصاص بالإمام في غير هذا النوع، فما هو جوابهم عن ذلك فهو جوابنا فيما نحن فيه، مع عدم جواز تصرّفهم في مال الغير مطلقا، كيف لا؟! و هم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فما ظنّك بأموالهم؟! و في رواية الكابلي: «إن رأيت صاحب هذا الأمر يعطي كلّ ما في

______________________________

(1) الكافي 1: 548- 27، التهذيب 4: 140- 19، الاستبصار 2: 60- 197، الوسائل 9: 537 أبواب الأنفال ب 3 ح 1.

(2) الكافي 1: 408- 3، التهذيب 4: 144- 403، الوسائل 9: 548 أبواب الأنفال ب 4 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 90

بيت المال رجلا واحدا فلا يدخلنّ في قلبك شي ء، و إنّما يعمل بأمر اللّه» «1».

و في صحيحة زرارة: «الإمام يجري و ينفّل و يعطي ما شاء قبل أن تقع السهام، و قد قاتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بقوم لم يجعل لهم في الفي ء نصيبا، و إن شاء قسّم ذلك بينهم» «2».

و في رواية أبي بصير: «أما علمت أنّ الدنيا و الآخرة للإمام يضعها حيث يشاء، و يدفعها إلى من يشاء، جائز له ذلك من اللّه» «3».

و على الثاني: عدم الدلالة، لأنّ ما كان منها بلفظ الجمع- كخمسنا، و حقّنا، و لنا، و أمثال ذلك- فلإجمال ما به الاجتماع «4» يحتمل إرادة ذرّية الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منه، ألا ترى إلى صحيحة محمّد في قول اللّه تعالى:

وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ الآية، قال: «هم قرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

و سلّم، فالخمس للّه و للرسول و لنا» «5».

و في رواية الحلبي: الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة، فقال: «يؤدّي خمسنا و يطيب له» «6».

و في رواية أبي بصير: «كلّ شي ء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه فإنّ لنا خمسه، و لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقّنا» «7».

______________________________

(1) التهذيب 4: 148- 412، الوسائل 9: 520 أبواب قسمة الخمس ب 2 ح 3.

(2) الكافي 1: 544- 9، الوسائل 9: 524 أبواب الأنفال ب 1 ح 2.

(3) الكافي 1: 408- 4.

(4) في «ح» و «س»: إجماع.

(5) الكافي 1: 539- 2، الوسائل 9: 511 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 5.

(6) التهذيب 4: 124- 357، الوسائل 9: 488 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 8.

(7) الكافي 1: 545- 14، المقنعة: 280، الوسائل 9: 542 أبواب الأنفال ب 3 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 91

و ما كان بالإضافة فلإجمال ما لأجله الإضافة- حيث إنّه يكفي فيها أدنى ملابسة- يحتمل إرادة ما يجب أن يصل إليهم، حيث إنّ لهم التصرّف فيه.

و لأنّه- كما مرّ في صحيحة عمر بن يزيد- إطلاق: حقّك، على خمس الغوص، و الحكم بالملكيّة في بعض الإضافات عرفا، إنّما هو بواسطة أصل عدم اختصاص لغيره، فلا يفيد في موضع كان دليل على شركة الغير، و لا تعارض.

و منه يظهر الإيراد على ما يتضمّن لفظة اللام مثل قوله: لي و للإمام، فإنّ ظهور مثل ذلك في التمليك دون نوع من الاختصاص، مع أنّه لا يثبت من اللام سوى الاختصاص باعتبار الأصل. و لذا لا يعارض

قول القائل:

أوصى بذلك لزيد، مع قوله: أوصى أن يعطي زيد ذلك عمرا، و نحو ذلك.

و لذا ورد في مرسلة الورّاق: «و إذا غزوا بإذن الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» «1».

هذا، مع أنّ لفظ: حقّك، في رواية عليّ بن مهزيار ورد في كلام السائل، و لا حجّية في التقرير على الاعتقاد، و لذا عدل الإمام إلى قوله:

«يجب عليهم الخمس» «2».

و أمّا في رواية النيشابوري «3» فيمكن كون اللام صلة لقوله: يجب

______________________________

(1) التهذيب 4: 135- 378، الوسائل 9: 529 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 16.

(2) التهذيب 4: 123- 353، الاستبصار 2: 55- 182، الوسائل 9: 500 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 3.

(3) التهذيب 4: 16- 39، الاستبصار 2: 17- 48، الوسائل 9: 500 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 92

لك، لا للاختصاص و التمليك.

و ممّا ذكر يظهر ما يرد على الثالث أيضا، مع أنّ رواية ابن سنان «1» لاشتمالها على قوله: «غنم» تخالف الآية الكريمة و سائر ما دلّ على التشريك في الغنيمة- سواء حملت الغنيمة على المعنى الخاصّ أو العامّ- فلا تكون حجّة، مع أنّه على الحمل على المعنى الخاصّ يكون مخالفا لمختارهم أيضا.

و أمّا حمل الغنيمة في الرواية على المعنى العامّ دون الآية فلا وجه له.

مضافا إلى عدم إمكان إبقائها على ظاهرها، لدلالتها على الاختصاص بسيّدة النساء و الحجّة من ذرّيتها، و هو ممّا لا يقول به أحد، لاشتراك الرسول و الأمير إجماعا، مع أنّ مفادها ليس الاختصاص بالحجّة، بل بفاطمة و من يلي أمرها من ذرّيتها، فلا يثبت منها حكم بعد وفاة فاطمة و من يلي أمرها، فتأمّل.

و أيضا لا بدّ إمّا من التخصيص، أو التجوّز في لفظة: «غنم»، أو التجوّز في لفظة اللام، أو تجوّز آخر، و لا ترجيح.

المسألة الرابعة:

يعتبر في الطوائف الثلاث الأخر أن يكونوا من السادات على الحقّ المشهور، بل عن الانتصار الإجماع عليه «2»، للروايات الأربع «3»، و رواية ابن سنان المتقدّمة في الأرباح «4»، و رايتي الجعفي «5»

______________________________

(1) التهذيب 4: 122- 348، الاستبصار 2: 55- 180، الوسائل 9: 501 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8.

(2) الانتصار: 87.

(3) المتقدّمة في ص: 83 و 84.

(4) التهذيب 4: 122- 348، الاستبصار 2: 55- 180، الوسائل 9: 503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8، و قد تقدمت في ص 11.

(5) المتقدّمة في ص: 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 93

و سليم بن قيس «1»، و حسنة إبراهيم بن هاشم المتضمّنة لقضيّة صالح بن محمّد بن سهل «2».

و تؤيّده الأخبار المتضمّنة لمثل قوله: خمسنا، و حقّك، و لي منه الخمس، و خمسنا أهل البيت، و لنا الخمس «3».

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي، فلم يعتبره، بل جوّز صرفه إلى غيرهم من المسلمين مع استغناء القرابة عنه «4».

و هو- مع شذوذه- غير واضح المستند، عدا إطلاق بعض الظواهر، اللازم تقييده بالنصوص المستفيضة المنجبرة بالشهرة العظيمة، بل الإجماع في الحقيقة.

و أمّا الاستدلال بإطلاق صحيحة ربعي «5» فغفلة واضحة، إذ الفعل لا عموم له.

المسألة الخامسة: السادة هم: الهاشميّون

المنتسبون إلى هاشم جدّ النبيّ، أي أولاد عبد المطّلب من بني عبد اللّه و أبي طالب و العبّاس و الحارث و أبي لهب، و استحقاقهم الخمس إجماعي.

و يدلّ عليه قوله في مرسلة حمّاد المتقدّمة بعضها: «و هؤلاء الذين جعل اللّه لهم الخمس هم قرابة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، الذين ذكرهم اللّه تعالى فقال:

وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ و هم بنو عبد المطّلب أنفسهم، الذكر منهم و

الأنثى، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش و لا من العرب أحد، و لا فيهم

______________________________

(1) التهذيب 4: 126- 362، الوسائل 9: 511 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 4.

(2) راجع ص: 88.

(3) انظر الوسائل 9: 535 أبواب الأنفال ب 2.

(4) حكاه عنه في المختلف: 205.

(5) المتقدّمة في ص: 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 94

و لا منهم في هذا الخمس من مواليهم، و قد تحلّ صدقات الناس لمواليهم، و هم و الناس سواء، و من كانت امّه من بني هاشم و أبوه من سائر قريش فإنّ الصدقات تحلّ له و ليس له من الخمس شي ء، لأنّ اللّه يقول ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ » الحديث «1».

و يؤيّده أيضا تصريح الأخبار بأنّ الخمس عوض الزكاة «2»، و استفاضتها في حرمتها على بني هاشم.

و هذه الأدلة قرائن على إرادة بني هاشم من آل محمّد و أهل بيته الذين وقع في بعض الأخبار التصريح بأنّ هذا الخمس لهم «3».

و لا يستحقّه غيرهم على الحقّ المشهور، لمرسلة حمّاد «4»، و عدم صدق آل محمّد و أهل بيته على غيرهم.

خلافا للمحكيّ عن المفيد و الإسكافي «5»، فجوّزاه للمطّلبي، أولاد المطّلب عمّ عبد المطّلب.

لموثّقة زرارة: «لو كان العدل لما احتاج هاشمي و لا مطلبيّ إلى صدقة، إنّ اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم» «6».

و هي بمخالفة الشهرة العظيمة الموجبة لشذوذها مردودة، مع أنّ بمعارضتها مع ما ذكر تخرج عن الحجّية، فيجب الاقتصار على ما ثبت

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    95     المسألة الخامسة: السادة هم: الهاشميون ..... ص : 93

____________________________________________________________

(1) تقدمت مصادرها في ص 84، 87.

(2) الوسائل 9: 509 أبواب قسمة الخمس ب 1.

(3) الوسائل 9: 509 أبواب

قسمة الخمس ب 1.

(4) المتقدمة مصادرها في ص: 84، 87.

(5) حكاه عنهما في المعتبر 2: 631، و المختلف 205.

(6) التهذيب 4: 59- 159، الاستبصار 2: 36- 111، الوسائل 9: 276 أبواب المستحقين للزكاة ب 33 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 95

الإجماع في التعدّي إليه من أهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، مع أنّ إرادة المنسوب إلى عبد المطّلب ممكن، فإنّ المركّب ينسب إلى جزئه الأخير.

المسألة السادسة:

المعتبر في الانتساب إلى هاشم أن يكون بالأب، فلا يعطى من انتسب إليه بالأمّ خاصّة، على الأظهر الأشهر، بل عليه عامّة أصحابنا سوى نادر يأتي ذكره، لمرسلة حمّاد المتقدّمة «1» المعمول عليها عند الأصحاب، المنجبر ضعفها- لو كان- به.

و خلافا للسيّد، فيكتفي بالانتساب بالأمّ أيضا «2»، و نسب إلى ابن حمزة «3»، و كلامه في الوسيلة- كما حكي- صريح في الأول «4»، و مال إليه بعض الأجلّة «5»، و اختاره صاحب الحدائق و بالغ فيه «6».

احتجّ السيّد بصدق الولد على المنتسب بالبنت و الأب على الجدّ منها حقيقة. و قد بالغ صاحب الحدائق في إثبات ذلك بالآيات و الأخبار و الاعتبارات.

و زيد في الدليل أيضا بأنّ جملة من الأخبار الواردة في الخمس إنّما تضمّنت التعبير بآل محمّد و أهل بيته أو آل الرسول أو ذرّيته أو عترته أو قرابته أو نحو ذلك من الألفاظ، و لا يمكن النزاع في شمولها لأولاد البنات «7».

______________________________

(1) في ص: 93.

(2) رسائل الشريف المرتضى 3: 257- 265.

(3) نسبه إليه في المدارك: 307، و المفاتيح 1: 228.

(4) الوسيلة: 137.

(5) الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 187.

(6) الحدائق 12: 396.

(7) الحدائق 12: 390.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 96

و ردّ

الأول: بعدم اقتضاء صدق الولد على ولد البنت لاستحقاق المنتسبين بالأمّ للخمس مطلقا، إذ ليس في باب المستحقين للخمس أنّهم أولاد هاشم أو أولاد رسول اللّه، سوى المرسلة «1» المتضمّنة للفظ: بنو عبد المطّلب، المصرّحة بإرادة المنتسبين بالأب خاصة.

قال بعض الأجلّة- بعد بيان النزاع في الإطلاق الحقيقي للفظ الولد و الابن و النسبة-: و الحقّ أنّه لا طائل تحت هذا النزاع هنا، فإنّا لم نظفر من أخبار الخمس بخبر فيه لفظ بني هاشم أو الهاشمي. انتهى.

أقول: استدلال السيّد و من يحذو حذوه ليس منحصرا بإطلاق لفظ الولد، بل محطّ استدلاله على لفظ الولد و الابن كما تنادي به استدلالاتهم للإطلاق الحقيقي بمثل قوله سبحانه وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ «2» و قوله أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَ «3» و بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ابناي هذان إمامان» «4»، و نحوها «5».

و لفظ الابن و إن قلّ وروده في باب المستحقّين للخمس، و لكنّه ورد- في باب من تحرم عليه الصدقة- في الأخبار المستفيضة «6» جدّا حرمتها على بني هاشم و بني عبد المطّلب، و استفاضت بذلك الروايات.

بل ورد في بعض الروايات الصحيحة تعليق الحرمة على الولد أيضا، كما في صحيحة ابن سنان: «لا تحلّ الصدقة لولد العبّاس و لا لنظرائهم من

______________________________

(1) أي مرسلة حماد المتقدّمة في ص: 84، 87.

(2) النساء: 23.

(3) النور: 31.

(4) كشف الغمّة 1: 533، البحار 43: 278.

(5) النساء: 28، النور: 32.

(6) الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 97

بني هاشم» «1».

و في رواية المعلّى: «لا تحلّ الصدقة لأحد من ولد العبّاس، و لا لأحد من ولد عليّ عليه السّلام، و لا لنظرائهم من ولد

عبد المطّلب» «2».

و لا شكّ أنّ حرمة الصدقة تستلزم حلّية الخمس استلزاما ثابتا بالإجماع المركّب و تتبّع الأخبار.

و قد يردّ ذلك الدليل أيضا بأنّ مع تسليم الصدق الحقيقي على ولد البنت يتعارض بمثله من الاندراج تحت إطلاق مثل: القريشي، الذي يحرم عليه الخمس إجماعا، و ترجيح الإطلاق الأول على هذا ليس بأولى من عكسه.

و فيه: أنّ هذا يصحّ إنّما لو كان هناك إطلاق لفظي في حرمة الخمس على ولد فلان، و لم يظفر بمثله إلى الآن. و أمّا الإجماع فلا يفيد، لوجوب الاقتصار فيه على المجمع عليه.

فالصواب أن يردّ الدليل الأول- بعد تسليم الصدق الحقيقي- بأنّ المطلق بالدليل يقيّد، و العامّ يخصّص، و المرسلة المذكورة «3» المعتضدة بالشهرة العظيمة المنجبرة بها مقيّد و مخصّص، فلا بدّ من التقييد و التخصيص.

و بذلك يجاب عن الثاني أيضا.

و القدح فيه- بأنّ المرسلة مخالفة للكتاب و موافقة للعامّة، من حيث إنّ الكتاب العزيز مصرّح بصدق الابن على أولاد البنت، و العامّة متّفقون

______________________________

(1) التهذيب 4: 59- 158، الاستبصار 2: 35- 109، الوسائل 9: 269 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 3.

(2) التهذيب 9: 158- 651.

(3) أي مرسلة حمّاد المتقدمة في ص 84، 87.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 98

على خلافه، فيجب طرحها- مردود بأنّ ذلك إنّما هو في صورة وجود المعارض المساوي، و هو هنا مفقود، بل المعارض هنا أعمّ مطلقا، فيجب تخصيصه.

و القول- بأنّ التخصيص بالأخصّ المطلق فرع التكافؤ، و هو هنا منتف، لتواتر الأخبار على صدق الولد و الابن على أولاد البنت، و دلالة الكتاب عليه- غفلة، إذ لا كلام لنا هنا في الصدق المذكور، و إنّما الكلام في استحقاق الخمس، و مطلقاته ليست بأقوى من هذه

المرسلة المعاضدة بالشهرتين بحيث لا تصلح لتخصيصها.

و من هذا يظهر عدم مخالفة المرسلة للكتاب و لا موافقتها للعامّة أيضا.

فإن قيل: التعليل بقوله: «لأنّ اللّه تعالى يقول ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ «1»» ينافي صدق الابن الحقيقي، و هو مخالف للكتاب و موافق للعامّة.

قلنا: إن أريد أنّ العلّة مخالفة و موافقة فهي كلام اللّه سبحانه.

و إن أريد التعليل بها كذلك، فهو إنّما يتمّ لو كان التعليل لعدم صدق الولد أو الابن، و لكنه لعدم استحقاق الخمس.

غاية الأمر أنّ جهة التعليل تكون لنا مخفيّة.

سلّمنا، و لكن طرح جزء من الخبر لا يوجب طرح باقيه، و لو كان الأول علّة للثاني لو لم يحتج في إثبات الأول إلى علّيّة، فإنّ اللازم حينئذ التقيّة في التعليل، و هي لا تثبت منها التقيّة في المعلول أيضا، فإنّه لو قال الشارع: الخمر نجس لأنّه كالبول في الميعان، و طرحنا العلّة- لكونها قياسا

______________________________

(1) الأحزاب: 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 99

باطلا- لا يطرح أصل الحكم، بل نقول: إنّ في التعليل تقيّة، أو تقريبا لأذهان العامّة، أو احتجاجا عليهم بطريقتهم.

نعم، لو ثبت الملازمة بين عدم استحقاق الخمس و عدم صدق الولد أو الابن لكان لبعض هذه الوجوه وجه، و لكنّها غير ثابتة، ألا ترى أنّ الشيخين العالمين- الشيخ سليمان بن عبد اللّه، و الشيخ عبد اللّه بن صالح البحرينيّين- رجّحا مذهب السيّد في مسألة صدق الولد و الابن، و منع الأول المنتسب بالأمّ من الخمس، و توقّف الثاني فيه «1»؟! و منه يظهر ما في كلام شيخنا صاحب الحدائق «2»، حيث نسب موافقة السيّد في مسألة الخمس إلى جماعة من المتأخّرين و القدماء بمحض موافقتهم له في مسألة صدق الولد و الابن.

المسألة السابعة:
اشاره

هل يجوز أن

يخصّ بنصف الخمس الذي للطوائف الثلاث طائفة أو طائفتان منها، أم يجب البسط على الأصناف؟

المحكيّ عن الفاضلين «3» و من تأخّر عنهما «4»: الأول، بل هو المشهور بين المتأخّرين، كما صرّح به جماعة «5».

لصحيحة البزنطي الواردة في الخمس: أ فرأيت إن كان صنف أكثر من صنف، و صنف أقلّ من صنف، كيف يصنع به؟ فقال: «ذلك إلى الإمام، أرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كيف صنع؟ إنّما كان يعطي على ما يرى هو، كذلك الإمام» «6».

______________________________

(1) نقله عنهما في الحدائق 12: 416.

(2) الحدائق 12: 390.

(3) المحقق في المعتبر 2: 631، العلّامة في التحرير 1: 74.

(4) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 68.

(5) كصاحب المدارك 5: 405، و السبزواري في الذخيرة: 488.

(6) التهذيب 4: 126- 363، الوسائل 9: 519 أبواب قسمة الخمس ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 100

و تضعف بعدم صراحتها في جواز التخصيص بطائفة، بل و لا ظهورها.

نعم، تدلّ على عدم وجوب استيعاب أشخاص كلّ صنف.

و عن المبسوط و الحلبي و التنقيح: الثاني «1»، و مال إليه جمع من متأخّري المتأخرين، منهم: الذخيرة و الحدائق «2» و بعض شرّاح المفاتيح.

و هو الأقوى، لظاهر الآية الشريفة «3»- فإنّ اللام للملك أو الاختصاص، و العطف يقتضي التشريك في الحكم، و حملها على بيان المصرف خلاف الظاهر، و ارتكابه في الزكاة لوجود الصارف، و هو هنا مفقود- و ظاهر المرسلتين المتقدّمتين «4»، و رواية رسالة المحكم و المتشابه «5»، و يدلّ عليه أيضا استصحاب شغل الذمّة.

و تردّد في النافع و الشرائع في المسألة «6»، و جعل الأحوط: الأول.

و لا يجب بسط حصّة كلّ صنف على جميع أفراده مطلقا بلا خلاف

فيه، و لا على الحاضر منهم على الأشهر الأظهر.

خلافا فيه للمحكيّ عن الحلّي و الدروس «7»، لاستلزام الأول العسر و الحرج المنفيّين، سيّما في هذه الأزمنة، مع كونه مخالفا لعمل الطائفة بل الإجماع بالضرورة، فتحمل لأجله اللام في الآية على الجنس، و مقتضاه

______________________________

(1) المبسوط 1: 262، الحلبي في الكافي في الفقه: 173، التنقيح 1: 341.

(2) الذخيرة: 488، الحدائق 12: 381.

(3) الأنفال: 41.

(4) في ص: 83 و 84.

(5) المتقدّمة في ص: 84.

(6) النافع: 63 الشرائع 1: 182.

(7) الحلي في السرائر 1: 497، الدروس 1: 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 101

كفاية واحد من كلّ طائفة، و عدم دليل على الثاني.

لا يقال: الآية عامّة، و التخصيص يرتكب بقدر المخصّص، علم خروج غير الحاضرين بما مرّ، فيبقى الباقي.

قلنا: جعله من باب التخصيص يوجب خروج الأكثر، إذ ليس في كلّ بلد من الهاشميّين إلّا أقلّ قليل، فلا بدّ من حمل اللام على الجنس. على أنّ حمل الآية على الاستغراق غير ممكن، لأنّ استغراق اليتامى مثلا يتامى آل محمّد إلى يوم القيامة و إرادتهم غير ممكنة، و إرادة يتامى كلّ عصر تجوّز، و يتامى عصر الخطاب غير مفيد، فتأمّل.

فرعان:
أ: هل تجب التسوية في قسمة الأصناف، فيعطى كلّ صنف قسما مساويا للآخر، أم لا؟

مقتضى استصحاب الشغل و جعل السهام الثلاثة الاولى في الآية نصفا: الأول.

و مقتضى أصل إطلاق الآية و ظاهر الصحيحة «1»: الثاني. و هو الأظهر، لذلك، كما صرّح به جماعة، منهم الشهيد في البيان «2»، و إن كان الأول أحوط.

ب: على ما اخترناه من وجوب التقسيط على الأصناف، فهل يجب التقسيط في كلّ فائدة

بخصوصها من معدن و غوص و ربح، و من الأرباح في كلّ ربح ربح من كلّ شخص؟

أو الواجب تقسيط خمس كلّ شخص مطلقا؟

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 99.

(2) البيان: 351.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 102

أو خمسه من كلّ سنة؟

احتمالات، الأوجه: وجوب التقسيط في خمس كلّ معدن و غوص و كنز و غنيمة بخصوصه، و في كلّ ربح إذا أعطى خمسه قبل الحول، و لو خمّسه بعد المؤنة، فيقسّط خمس أرباح جميع الحول بعد المؤنة.

المسألة الثامنة:

الحقّ اعتبار الفقر في مستحقّ الخمس من يتامى السادات، وفاقا لظاهر الانتصار و النافع و الإرشاد «1»، بل للمشهور على ما صرّح به جماعة «2».

لتصريح الأخبار «3» بأنّ اللّه سبحانه عوّضهم الخمس من الزكاة، و المفهوم من هذا الكلام: اتّحاد أهل الخمس و الزكاة في جميع الأوصاف سوى ما صار سببا للتعويض و هو السيادة، و يتبادر منه كون أهل الخمس بحيث لو لا المنع من الزكاة لأجل السيادة و التعويض لجاز لهم أخذ المعوّض.

و لقوله عليه السّلام في آخر مرسلة حمّاد: «و جعل للفقراء قرابة الرسول نصف الخمس، فأغناهم به عن صدقات الناس» الحديث «4»، و صرّحت بأنّ النصف مقرّر للفقراء فيعتبر الفقر فيه.

و قد يستدلّ بوجوه أخر لا اعتناء للفقيه بأمثالها.

خلافا للشيخ و الحلّي و الجامع «5»، فلم يعتبروا الفقر فيهم، لعموم الآية.

______________________________

(1) الانتصار: 87، النافع: 63، الإرشاد 1: 293.

(2) كما في الروضة 2: 82.

(3) الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29.

(4) الكافي 1: 539- 4، التهذيب 4: 128- 366، الوسائل 9: 513 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.

(5) الشيخ في المبسوط 1: 262، الحلي في السرائر 1: 496، الجامع للشرائع: 150.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 10، ص: 103

و يجاب بوجوب تخصيصه بما مرّ.

و لأنّه لو اعتبر الفقر فيهم لم يكن اليتامى قسما برأسه.

و يضعف باحتمال أن يكون ذلك لمزيد التأكيد كما في آية الزكاة «1».

و ظاهر المحكيّ عن المنتهى و التلخيص و التذكرة و التحرير و المختلف و المعتبر و الشرائع و الدروس «2»، التوقّف في المسألة.

و أمّا ابن السبيل فلا يعتبر فقره في بلده إجماعا. و الحقّ المشهور:

اعتباره في بلد التسليم، للمرسلة، و بها يقيّد إطلاق الآية.

و من جميع ذلك يظهر اختصاص ذلك النصف بالفقراء من السادات و عدم استحقاق غيرهم بالمرّة.

المسألة التاسعة:

الحقّ اشتراط الإيمان فيه، وفاقا للأكثر، كما صرّح به بعض من تأخّر «3»، و عن الغنية و المختلف: الإجماع عليه «4».

للتعويض المذكور، و لما في مرسلة حمّاد «5» و غيرها «6» من أنّ اختصاص الخمس بقرابة الرسول لكرامتهم و تنزيههم و رفعهم عن موضع الذلّ، و المخالف ليس أهلا لذلك. إلّا أن يقال بجواز اجتماع جهتي استحقاق الإذلال و الكرامة، كما روي من الترغيب إلى إكرام شريف كلّ قوم «7».

______________________________

(1) التوبة: 61.

(2) المنتهى 1: 552، التذكرة 1: 254، التحرير 1: 74، المختلف: 206، المعتبر 2: 295، الشرائع 1: 182، الدروس 1: 262.

(3) كما في الحدائق 12: 389، و الرياض 1: 297.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 568، المختلف: 205.

(5) المتقدّمة في ص: 83.

(6) الوسائل 9: 509 أبواب قسمة الخمس ب 1.

(7) الوسائل 12: 100 أبواب أحكام العشرة ب 68.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 104

و لقوله عليه السّلام في رواية يعقوب بن شعيب- بعد السؤال عمّن لم يتمكّن من دفع الزكاة إلى أهل الولاية-: «يدفعها إلى من لا ينصب»، قلت:

فغيرهم؟ قال: «ما لغيرهم إلّا الحجر» «1».

و في رواية

الأوسي- بعد الأمر بطرح الصدقة التي لا يجد لها محلّا من أهل الولاية في البحر-: «فإنّ اللّه عزّ و جلّ حرّم أموالنا و أموال شيعتنا على عدوّنا» «2».

و في رواية عمر بن يزيد: عن الصدقة على النّصاب و على الزيديّة، فقال: «لا تصدّق عليهم بشي ء، و لا تسقهم من الماء إن استطعت» «3».

و في رواية ابن أبي يعفور: ما تقول في الزكاة لمن هي؟ قال: فقال:

«هي لأصحابك»، قال: قلت: فإن فضل منهم؟ قال: «فأعد عليهم»، قال:

قلت: فإن فضل عنهم؟ قال «فأعد عليهم»، قال: قلت: فإن فضل عنهم؟

قال: «فأعد عليهم»، قلت: فيعطى السؤال منها شيئا؟ قال: فقال: «لا و اللّه إلّا التراب، إلّا أن ترحمه فإن رحمته فأعطه كسرة» ثمَّ أومأ بيده فوضع إبهامه على أصابعه «4».

و الظاهر أنّ المراد السؤال من المخالفين بقرينة المقام، و كراهة ردّ غيرهم من السؤال كما قال سبحانه وَ أَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ «5».

و أمّا قوله عليه السّلام في رواية أبي بصير- بعد سؤال رجل: أعطي قرابتي من زكاة مالي و هم لا يعرفون-: «لا تعط الزكاة إلّا مسلما، و أعطهم من غير

______________________________

(1) التهذيب 4: 46- 121، الوسائل 9: 223 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 7.

(2) التهذيب 4: 52- 139، الوسائل 9: 223 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 8.

(3) التهذيب 4: 53- 141، الوسائل 9: 222 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 5.

(4) التهذيب 4: 53- 142، الوسائل 9: 222 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 6.

(5) الضحى: 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 105

ذلك» «1».

و موثّقته: عن الرجل يكون له قرابة محتاجون غير عارفين، أ يعطيهم من الزكاة؟ قال: «لا، و لا كرامة، لا يجعل الزكاة

وقاية لماله، يعطيهم من غير الزكاة إن أراد» «2».

فلا ينافي ما ذكرنا، لأنّ المسئول عنه لم يكن من السادات، و إلّا لم يسألوا عن إعطاء الزكاة، فلا يشمل غير الزكاة- المجوّز إعطائه لهم- الخمس، مع أنّ الخمس في زمانه كان يحمل إلى الإمام عليه السّلام و لا يعطيه ربّ المال، و أنّ قرابة السائل في الأولى كانوا معيّنين، و لا يعلم أنّهم من السادة أو الرعيّة، فلا يعلم شمول الخمس.

المسألة العاشرة:

لا تعتبر العدالة فيه بلا خلاف يوجد كما قيل «3»، و قيل: و هو ممّا لا يعرف فيه مخالفا بعينه «4»، لإطلاق الأدلّة السليمة عمّا يصلح للمعارضة.

و ربّما يظهر من الشرائع «5» وجود مخالف، و في المدارك: أنّه مجهول «6».

و قيل: لعلّه السيّد، فإنّه و إن لم يصرّح باعتبارها ها هنا، و لكنّه استدلّ على اعتبارها في الزكاة بما يجري هنا، و هو الظواهر الناهية عن معونة الفسّاق و العصاة «7».

______________________________

(1) التهذيب 4: 55- 146، الوسائل 9: 247 أبواب المستحقين للزكاة ب 16 ح 1.

(2) التهذيب 4: 55- 148، الوسائل 9: 248 أبواب المستحقين للزكاة ب 6 ح 2.

(3) الرياض 1: 297.

(4) المدارك 5: 411.

(5) الشرائع 1: 183.

(6) المدارك 5: 411.

(7) انظر الرياض 1: 297.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 106

و قال بعض الأجلّة: بعض العبارات يشعر بالخلاف، و كلام ابن فهد في المهذب يصرّح به. انتهى.

المسألة الحادية عشرة:

يحلّ نقل الخمس من بلده مع عدم وجود المستحقّ فيه، بلا ريب فيه كما في المدارك «1»، و قولا واحدا كما في غيره «2»، للأصل، و لأنّه توصّل إلى إيصال الحقّ إلى مستحقّه فيكون جائزا، بل قد يكون واجبا.

و أمّا مع وجوده فيه، فذهب جماعة- منهم: النافع و الشرائع و الإرشاد و المنتهى و التحرير و الدروس- إلى عدم جواز النقل «3»، لأنّ المستحقّ مطالبه من حيث الحاجة، فنقله عن البلد تأخير لصاحب الحقّ عن حقّه مع المطالبة.

و فيه: منع كونه حقّا لهؤلاء المخصوصين.

نعم، لهم نوع استحقاق أدنى من الاستحقاق بخصوصه، و إيجاب مثله لحرمة النقل مع مطالبته ممنوع.

و لذا ذهب الحلّي و الشهيد الثاني إلى جواز النقل «4»، و اختاره في المدارك و الذخيرة «5»، و

هو الأقوى.

المسألة الثانية عشرة:

قد ذكر أكثر الأصحاب بأنّ مع وجود الإمام يحمل الخمس إليه جميعا، و هو يقسّم سهام الطوائف الثلاث بينهم،

______________________________

(1) المدارك 5: 410.

(2) الرياض 1: 297.

(3) النافع: 63، الشرائع 1: 183، الإرشاد 1: 293، المنتهى 1: 552، التحرير 1: 74، الدروس 1: 262.

(4) الحلي في السرائر 1: 496، الشهيد الثاني في المسالك 1: 68.

(5) المدارك 5: 410، الذخيرة: 489.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 107

فيعطيهم على قدر كفايتهم مقتصدا، فإن فضل عن كفايتهم شي ء عن نصيبهم كان له، و لو أعوز كان عليه الإتمام من نصيبه «1».

و خالف في ذلك الحلّي و منع الحكمين- أي كون الزائد له و الناقص عليه- أشدّ منع «2».

و أطال الفريقان في النقض و الإبرام و الجدال و البسط من الكلام و القيل و القال.

و أنا لا أرى في التعرّض للمسألة جدوى و فائدة، و ذلك لأنّ مقصودهم إن كان بيان حكم الإمام و ما له و عليه حال وجوده فهو تعرّض بارد و اتّجار كأسد، لأنّه المرجع في الأحكام و العارف بالحلال و الحرام.

و إن كان غرضهم معرفة ما كان عليه، حتى يبنى تقسيم الخمس في زمان الغيبة عليه، كما ذكره المحقّق الثاني في شرح القواعد، حيث قال بعد اختيار المشهور: و يتفرّع عليه جواز صرف حصّته في حال الغيبة إليهم و عدم جواز إعطاء الزائد على مئونة السنة «3». انتهى. فتستخرج منه أحكام ثلاثة: كون الفاضل مال الإمام الغائب، و إتمام الناقص من حصّته، و الاكتفاء في إعطاء الخمس بقدر مئونة السنة مقتصدة.

ففيه: أنّه لا يمكن وجود الفاضل و العلم به في هذه الأزمان، لعدم محصوريّة فقراء السادة، مع أنّهم لو عرفوا جميعا لما يفضل عنهم

شي ء.

فلا يتفرّع الحكم الأول تفريعا مفيدا لنا.

و أمّا الثاني، فإنّما كان يفيد لو علمنا أنّه عليه السّلام كان يتمّ الناقص من

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 299.

(2) السرائر 1: 492.

(3) جامع المقاصد 3: 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 108

نصيبه من الخمس، و ليس دليل على ذلك أصلا، إذ ليس في المرسلتين «1»- اللتين هما مستند الأكثر- إلّا أنّه كان على الوالي إتمامه من عنده، و لم يكن ما عنده منحصرا بالخمس و الزكاة، بل كانت له أموال أخر، و عنده ما يصرف في مصالح العباد، و محاويج الناس، و منافع موقوفات آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و النذور، و غير ذلك.

مع أنّه قد صرّح بمثل ذلك في مرسلة حمّاد في تقسيم الزكاة أيضا، قال: «بدأ فأخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء أو سقي سيحا، و نصف العشر ممّا سقي بالدوالي و النواضح، فأخذه الوالي» إلى أن قال:

«ثمانية أسهم تقسّم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق و لا تقتير، فإن فضل من ذلك شي ء ردّ إلى الوالي، و إن نقص من ذلك شي ء و لم يكتفوا به كان على الوالي أن يموّنهم من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا» «2».

هذا، مضافا إلى أنّ جمعا من الأصحاب أيضا لم يبنوا الحكم على ذلك، حيث توقّفوا في هذه المسألة، و مع ذلك ذهبوا إلى جواز صرف حصّته في زمان الغيبة إليهم على وجه الغنيمة.

و أمّا الثالث، فلأنّه لا تدلّ المرسلتان- اللتان هما الأصل في المسألة- على لزوم الاكتفاء بمؤنة السنة، بل تصرّحان بأنّه كان عليه السّلام يعطي هذا القدر، و لا دلالة في ذلك على التعيين أصلا، كما

إذا ورد أنّه أعطى فقيرا من الزكاة كذا و كذا، و قد نصّ في المرسلة أيضا على أنّه كان يفعل في الزكاة كذلك مع أنّه لا يتعيّن فيه ذلك.

______________________________

(1) المتقدّمتين في ص: 83 و 84.

(2) الكافي 1: 453- 4، الوسائل 9: 266 أبواب المستحقّين للزكاة ب 28 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 109

و بالجملة: لا فائدة لنا في التعرّض لهذه المسألة أصلا، فصرف الوقت فيما يهمّ لنا أولى و أحرى.

المسألة الثالثة عشرة:
اشارة

اختلفوا في حكم الخمس في زمن الغيبة، و الكلام فيه إمّا في نصف الأصناف الثلاثة، أو في نصف الإمام، فهاهنا مقامان:

المقام الأول: في نصف الأصناف. و فيه خمسة أقوال:
الأول: وجوب صرفه فيهم و قسمته عليهم

، و هو الحقّ المشهور بين المتقدّمين و المتأخّرين، و صرّح به السيّد في المسائل الحائريّة، و نسب إلى جمهور أصحابنا، بل قيل: لا خلاف فيه أجده إلّا من نادر من القدماء «1».

الثاني: سقوطه و كونه مباحا للشيعة

، حكي عن الديلمي و صاحب الذخيرة «2»، و نقله في الحدائق عن شيخه الشيخ عبد اللّه بن صالح البحريني و جملة من معاصريه «3»، و يظهر من الشيخ في النهاية تجويزه مع مرجوحيّته «4».

إلّا أنّ ظاهر بعضهم نفي القول بإباحة هذا النصف، و نسب ابن فهد في شرح النافع أنّ مذهب الديلمي إباحة نصف الإمام خاصّة «5».

و الذي نقل من كلامه إلينا غير صريح في ذلك أيضا، بل يحتمل إرادة

______________________________

(1) الرياض 1: 299.

(2) الديلمي في المراسم: 140 و استفاد العلّامة في المختلف: 207 تعميم الإسقاط من كلامه، الذخيرة: 492.

(3) الحدائق 12: 439.

(4) النهاية: 201.

(5) المهذّب البارع 1: 571.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 110

نصيبه من الأنفال، و لذا قال في كشف الرموز: إنّه لا يعرف القائل بهذا القول إلّا من حكاية المصنّفين «1».

و على هذا، فيكون عدم إباحته محل الوفاق.

الثالث: وجوب دفنه إلى وقت ظهور الإمام عليه السّلام

، نقله في النهاية و المقنعة عن بعضهم «2».

الرابع: وجوب حفظه و الوصيّة به

، و هو مختار الشيخ في التهذيب «3».

الخامس: التخيير [بين ] [1] قسمته بينهم و عزله و حفظه و الوصيّة به إلى ثقة إلى وقت ظهور الإمام عليه السّلام.

و هو مختار المفيد في المقنعة، حيث اختار أولا عزل جميع السهام و حفظه، ثمَّ قال: و لو قسّم شطر الأصناف بينهم كان صوابا «4». و كذا الشيخ في المبسوط، إلّا أنّه زاد الدفن أيضا «5».

لنا: إطلاق الآية الكريمة «6»، و الأخبار الكثيرة «7» المتقدّمة بعضها بل أكثرها، الموجبة للخمس بقول مطلق، أو المثبتة نصفه للأصناف من غير تقييد بوقت أو حال، أو الدالّة على وجوبه على كلّ أحد من غير تخصيص، و على وجوبه في كلّ عام و في كلّ ما أفاده الناس.

المعتضدة بالمستفيضة «8» المصرّحة بتعويض الذرّية الخمس عن

______________________________

[1] أثبتناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) كشف الرموز 1: 272.

(2) النهاية: 201، المقنعة: 286.

(3) التهذيب 4: 147.

(4) المقنعة: 286.

(5) المبسوط 1: 264.

(6) الأنفال: 41.

(7) الوسائل 9: 483 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 1.

(8) الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 111

الزكاة تنزيها و صيانة لهم عن أوساخ أيدي الناس.

المؤيّدة بالشهرة العظيمة، التي كادت أن تكون إجماعا، الخالية عن المعارض جدّا، إذ ليس إلّا بعض أدلّة المخالفين في المسألة، و هي للمعارضة غير صالحة.

دليل المسقطين له المبيحين إيّاه للشيعة أمور ثلاثة:

الأول: ما أشار إليه المفيد «1» من أنّ تقسيم الخمس بين أربابه منصب للإمام- و هو الذي كان يقسّمه- و هو غائب، و لا دليل على جواز نيابة المالك أو غيره عنه في ذلك.

و فيه: أنّ أدلّة استحقاق هؤلاء لنصف الخمس مطلقة من غير تعيين لمن يصرفه إليهم، و أمر الإمام أحدا بأخذه أو إتيانه إليه لا يدلّ على أنّه يجب إتيانه إليه.

سلّمنا وجوب دفعه إليه ليصرفه فيهم، و لكن لا يلزم

من سقوط ذلك- لتعذّر الوصول إلى من له حقّ الصرف- سقوط أصل الحقّ الثابت بالكتاب و السنّة، المقتضيين لاستمراره إلى الأبد، فإنّ مقتضى أدلّة وجوب الإيصال إلى الإمام- لو تمّت- وجوبه مع الإمكان، و يخرج عن أصل عدم وجوبه المقتضي لجواز صرف كلّ أحد في الأصناف في حال الإمكان، و أمّا مع عدمه فيبقى الأصل بلا معارض.

الثاني: الأخبار الكثيرة المتضمّنة لتحليل الخمس و إباحته مطلقا للشيعة، و هي كثيرة جدّا:

كصحيحة النصري: إنّ لنا أموالا من غلّات و تجارات و نحو ذلك، و قد علمنا أنّ لك فيها حقّا، قال: «فلم أحللنا إذن لشيعتنا إلّا لتطيب

______________________________

(1) المقنعة: 286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 112

ولادتهم، و كلّ من والى آبائي فهو في حلّ عمّا في أيديهم من حقّنا، فليبلغ الشاهد الغائب» «1».

و روايته، و فيها: «إنّ لنا الخمس في كتاب اللّه، و لنا الأنفال، و لنا صفو المال» إلى أن قال: «إنّ الناس ليتقلّبون في حرام إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت» إلى أن قال: «اللّهمّ إنّا أحللنا ذلك لشيعتنا» «2».

و رواية يونس بن يعقوب: تقع في أيدينا الأرباح و الأموال و التجارات، نعرف أنّ حقّك فيها ثابت، و إنّا عن ذلك مقصّرون، فقال: «ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم» «3».

و صحيحة الفضلاء: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: هلك الناس في بطونهم و فروجهم، لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا، ألا و إنّ شيعتنا من ذلك و آباءهم في حلّ» «4».

و صحيحه ابن مهزيار، و فيها: «من أعوزه شي ء من حقّي فهو في حلّ» «5».

و صحيحة الكناسي: «أ تدري من أين دخل على الناس الزنا؟»

______________________________

(1) التهذيب 4: 143- 399، الوسائل 9: 547 أبواب الأنفال و ما يختص

بالإمام ب 4 ح 9.

(2) التهذيب 4: 145- 405، الوسائل 9: 549 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 14.

(3) الفقيه 2: 23- 87، التهذيب 4: 138- 389، الاستبصار 2: 59- 194، الوسائل 9: 545 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 6.

(4) التهذيب 4: 137- 386، الاستبصار 2: 58- 191، المقنعة: 282، العلل:

377- 2، الوسائل 9: 543 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 1.

(5) الفقيه 2: 23- 88، التهذيب 4: 143- 400، الوسائل 9: 543 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 113

فقلت: لا أدري، فقال: «من قبل خمسنا أهل البيت، إلّا لشيعتنا الأطيبين، فإنّه محلّل لهم و لميلادهم» «1».

و حسنة الفضيل، و فيها: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام لفاطمة عليها السّلام: أحلّي نصيبك من الفي ء لآباء شيعتنا، ليطيبوا»، ثمَّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إنّا أحللنا أمّهات شيعتنا لآبائهم، ليطيبوا» «2».

و رواية الرقّي: «الناس كلّهم يعيشون في فضل مظلمتنا، إلّا أنّا أحللنا شيعتنا من ذلك» «3».

و المرويّ في تفسير الإمام: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قد علمت أنّه سيكون بعدك ملك عضوض و جبر، فيستولي على خمسي من السبي و الغنائم و يبيعونه، و لا يحلّ لمشتريه لأنّ نصيبي فيه، و قد وهبت نصيبي منه لكلّ من ملك شيئا من ذلك من شيعتي، لتحلّ لهم منافعهم من مأكل و مشرب، و لتطيب مواليدهم و لا يكون أولادهم أولاد حرام، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما تصدّق أحد أفضل من صدقتك، و

قد تبعك رسول اللّه في فعلك، أحلّ للشيعة كلّ ما كان فيه من غنيمة أو بيع من نصيبه على واحد من شيعتي، و لا أحلّها أنا و لا أنت لغيرهم» «4».

و رواية معاذ: «موسّع على شيعتنا أن ينفقوا ممّا في أيديهم

______________________________

(1) الكافي 1: 546- 16، التهذيب 4: 136- 383، الاستبصار 2: 57- 188، المقنعة: 280، الوسائل 9: 544 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 3.

(2) التهذيب 4: 143- 401، الوسائل 9: 547 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 10.

(3) الفقيه 2: 24- 90، التهذيب 4: 138- 388، الاستبصار 2: 59- 193، الوسائل 9: 546 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 7.

(4) الوسائل 9: 552 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 114

بالمعروف» «1».

و رواية أبي حمزة: «نحن أصحاب الخمس و الفي ء، و قد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا» «2».

و رواية ابن سنان، و فيها- بعد ذكر أنّ على من اكتسب الخمس لفاطمة و للحجج-: «إلّا من أحللناه من شيعتنا، لتطيب لهم به الولادة» «3».

و رواية سالم: قال رجل: حلّل لي الفروج، ففزع أبو عبد اللّه عليه السّلام، فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق، إنّما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوّجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه، فقال: «هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم و الغائب، و الميّت منهم و الحيّ، و ما يولد منهم إلى يوم القيامة، فهو لهم حلال» «4».

و صحيحة محمّد: «إنّ أشدّ ما فيه يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا ربّ خمسي، و قد طيّبنا ذلك لشيعتنا،

لتطيب ولادتهم، و لتزكو أولادهم» «5».

______________________________

(1) الكافي 4: 61- 4، التهذيب 4: 143- 402، الوسائل 9: 547 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 11.

(2) الكافي 8: 285- 431، الوسائل 9: 552 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 19.

(3) التهذيب 4: 122- 348، الاستبصار 2: 55- 180، الوسائل 9: 503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8.

(4) التهذيب 4: 137- 384، الاستبصار 2: 58- 189، المقنعة: 281، الوسائل 9: 544 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 4.

(5) التهذيب 4: 136- 382، الاستبصار 2: 57- 187، الوسائل 9: 545 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 5، و رواها في الكافي 1: 546- 20، المقنعة:

280.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 115

و صحيحة زرارة المرويّة في العلل: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام حلّلهم من الخمس- يعني الشيعة- ليطيب مولدهم» «1».

و رواية حكيم، و فيها بعد ذكر آية الخمس: «إلّا أنّ أبي جعل شيعتنا من حلّ في ذلك، ليزكوا» «2».

و التوقيع الرفيع المرويّ في إكمال الدين و الاحتجاج، و فيه: «و أمّا المتلبسون بأموالنا فمن استحلّ منها شيئا فأكله فإنّما يأكل النيران، و أمّا الخمس فقد أبيح لشيعتنا و جعلوا منه في حلّ إلى وقت ظهور أمرنا، لتطيب ولادتهم» «3».

إلى غير ذلك من الأخبار، التي بعضها مخصوص بحلّية الفي ء، و بعضها يدلّ على تحليل خمس بعض أشخاص معيّنين، و بعضها على تحليل شي ء معيّن.

و جوابه أولا: بالمعارضة بالأخبار المتكثّرة، كالروايات الثلاث- المتقدّمة في أوائل خمس الأرباح «4»- لابن مهزيار و ابن الصلت و النيشابوري عن أبي محمّد و أبي الحسن الثالث.

و كرواية محمّد بن يزيد

الطبري: قال: كتب رجل من تجّار فارس من بعض مواليّ أبي الحسن الرضا عليه السّلام يسأله الإذن في الخمس، فكتب إليه:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم» إلى أن قال: «لا يحلّ مال إلّا من وجه أحلّه اللّه،

______________________________

(1) العلل: 377- 1، الوسائل 9: 550 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 15.

(2) التهذيب 4: 121- 344، الاستبصار 2: 54- 179، الوسائل 9: 546 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 8، و رواها في الكافي 1: 544- 10.

(3) كمال الدين 2: 483- 4، الاحتجاج 2: 471، الوسائل 9: 550 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام 4 ح 16.

(4) في ص: 31- 32.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 116

إنّ الخمس عوننا على ديننا و على عيالاتنا و على موالينا و ما نبذل و نشتري من أعراضنا ممّن نخاف سطوته، فلا تزووه عنّا، و لا تحرموا أنفسكم دعاءنا» إلى أن قال: «و ليس المسلم من أجاب باللسان و خالف بالقلب» «1».

و الأخرى: قال: قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه السّلام، فسألوه أن يجعلهم في حلّ من الخمس، فقال: «ما أمحل هذا؟! تمحضونا بالمودّة بألسنتكم و تزوون عنّا حقّا جعله اللّه لنا و جعلنا له، و هو الخمس، لا نجعل أحدا منكم في حلّ» «2».

و رواية أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السّلام، و فيها: «و لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقّنا» «3».

و اخرى: «من اشترى شيئا من الخمس لم يعذره اللّه، اشترى ما لا يحلّ له» «4».

و صحيحة ابن مهزيار الطويلة، عن أبي جعفر الثاني عليه السّلام، و فيها:

«و أمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم

في كلّ عام، قال اللّه تعالى:

(وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) الآية «5»»، إلى أن قال: «فمن كان عنده شي ء من

______________________________

(1) الكافي 1: 547- 25، التهذيب 4: 139- 395، الاستبصار 2: 59- 195، المقنعة: 283، الوسائل 9: 538 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 2، و في الكافي و الوسائل: محمد بن زيد الطبري.

(2) الكافي 1: 548- 26، التهذيب 4: 140- 396، الاستبصار 2: 60- 196، الوسائل 9: 539 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 3، بتفاوت يسير.

(3) الكافي 1: 545- 14، المقنعة: 280، الوسائل: 9: 487 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 5.

(4) التهذيب 4: 136- 381، الوسائل 9: 540 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 6.

(5) الأنفال: 41.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 117

ذلك فليوصل إلى وكيلي، من كان نائيا بعيد الشقّة فليعمد لإيصاله و لو بعد حين» «1».

و الرضوي، و فيه: «فعلى كلّ من غنم من هذه الوجوه مالا فعليه الخمس، فإن أخرجه فقد أدّى حقّ اللّه عليه» إلى أن قال: «فاتّقوا اللّه و أخرجوا حقّ اللّه ممّا في أيديكم يبارك لكم في باقيه» «2».

و المرويّ في كتاب الخرائج و الجرائح: «يا حسين، لم ترزأ على الناحية؟ و لم تمنع أصحابي من خمس مالك؟» ثمَّ قال «إذا مضيت إلى الموضع الذي تريده تدخله عفوا و كسبت ما كسبت تحمل خمسه إلى مستحقّه» قال: فقلت: السمع و الطاعة، ثمَّ ذكر في آخره: أنّ العمري أتاه و أخذ خمس ماله بعد ما أخبره بما كان «3».

إلى غير ذلك من الأخبار المتضمّنة لما فيه الخمس «4»، و أنّه يجب بعد المؤنة، و كيفيّة تقسيم الإمام

له.

و قد يذكر في المعارضة توقيعان آخران [1] لا دلالة لهما على المطلوب أصلا، كما لا يخفى على المتأمّل، فإنّ مدلولهما قريب من صدر التوقيع المذكور.

______________________________

[1] الظاهر أنّه ناظر إلى كلام الرياض 1: 301، و التوقيعان المذكوران مرويان في الوسائل 9: 504 أبواب الأنفال ب 3 ح 6 و 7.

______________________________

(1) التهذيب 4: 141- 398، الاستبصار 2: 60- 198، الوسائل 9: 501 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 5.

(2) فقه الرضا عليه السّلام: 294، المستدرك 7: 284 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 6 ح 1.

(3) الخرائج و الجرائح 3: 1118- 33، الوسائل 9: 541 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3 ح 9.

(4) الوسائل 9: 537 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 118

وجه التعارض: أنّ من المعلوم أنّ استدلالهم بروايات التحليل «1» باعتبار حملهم إيّاها على التحليل الاستمراري، و إلّا فتحليل أيّام حقّه في زمان لا يفيد لزمان الغيبة، و لا شكّ أنّ الاستمراري ينافي الأمر بالأخذ، و المطالبة، و المنع من ترك دفعه، و التصريح بعدم جعله حلالا على أحد، و النهي عن اشترائه، و التصريح بالوجوب في كلّ عام، و الأمر بالإيصال إلى الوكيل، و بالإخراج.

و غير نادر من أخبار التحليل مرويّ عن الأمير و الصادقين عليهم السّلام «2»، و غير نادر من أخبار الوجوب مرويّ عن مولانا الرضا و أبي جعفر الثاني و أبي الحسن الثالث و أبي محمّد العسكري عليهم السّلام «3».

و التوقيع المحلّل يعارض رواية الجرائح.

و حمل التوقيع المحلّل على زمان الغيبة الكبرى تأويل بلا شاهد، و حمل بلا حامل.

و ليست المطالبة في التوقيع الآخر «4» من باب التخصيص

اللفظي حتى يقال: خرج ما خرج فيبقى الباقي، و إنّما هو فعل ذو وجوه.

و لا شكّ أنّ الإيجاب المتأخّر مناف للتحليل المتقدّم، فيحصل التعارض، و تترجّح أخبار الوجوب بمعاضدة الشهرة القديمة و الجديدة، و موافقة الآية الكريمة «5»، و مخالفة الطائفة العامّة، و بالأحدثيّة، التي هي أيضا من المرجّحات المنصوصة، مع أنّ مع التكافؤ أيضا يجب الرجوع إلى

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 111- 115.

(2) راجع ص: 111- 151.

(3) راجع ص: 31 و 32.

(4) انظر الوسائل 9: 537 أبواب الأنفال ب 3.

(5) الأنفال: 41.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 119

الكتاب و مطلقات الخمس و استصحاب وجوبه و أصالة عدم التحليل.

و هذا مع مطابقة أخبار الوجوب للاعتبار، فإنّ المصرّح به في الأخبار «1»: أنّ اللّه سبحانه حرّم الزكاة على فقراء الذرّية الطاهرة، تعظيما و إكراما لهم، و عوّضهم عن ذلك بالخمس، و لو أبيح مطلق الخمس و سقط عن مطلق الشيعة- و المخالف لا يقول بخمس الأرباح الذي هو معظمه، و لا يخمّس المال المختلط، بل الغوص عند أكثرهم، و مع ذلك لا يعطونه سادات الشيعة، و لو أعطوا لا يعطونه الشيعة الساكنين بلاد التشيّع- فأيّ عوض حصل للذرّية مع كثرتهم؟! و بما ذا وقع التلافي لهم؟! و بأيّ شي ء يدفع احتياج فقرائهم و مساكينهم؟! و ثانيا: بأنّ أكثر أخبار التحليل غير شامل لحقّ الأصناف، بل صريح أو ظاهر في حقّهم خاصّة، لتضمّنها لفظ: «حقّنا» أو: «مظلمتنا» أو:

«خمسنا أهل البيت» و نحو ذلك، كالروايات التسع الاولى، بل بعضها يختصّ بحقّ بعض الأئمّة، و هو ما تضمّن لفظ «حقّي» و «حقك» و «نصيبي» و «نصيبك» كالروايات الأربع: الثالثة و الخامسة و السابعة و الثامنة، فلا يدلّ على سقوط

حقّ جميع الأئمّة.

و أمّا الثمان البواقي، فالأربعة الأولى منها لا دلالة لها على مطلوبهم.

أمّا أولاها- و هي رواية معاذ- فلعدم دلالتها على أمر الخمس، و لو سلّم فإنّما يكون بالعموم المطلق بالنسبة إلى أخبار وجوب الخمس، فيجب التخصيص.

مضافا إلى احتمال شمول الإنفاق لإخراج الخمس أيضا، مع أنّها مقيّدة بالمعروف، فلعلّه بعد إخراج الخمس، بل هو كذلك عند من يوجب

______________________________

(1) الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 120

إخراجه.

و أمّا ما بعدها، فلاحتمال إرجاع الضمير إلى الفي ء، بل هو الراجح، لأقربيّته و إفراد الضمير.

مضافا إلى أنّ مفهوم الاستثناء فيه عدم تحريم الخمس و الفي ء للشيعة، و هو يصدق بحلّيّة بعض ذلك و لو لبعض الشيعة، فتأمّل.

و أمّا ما بعدها، فلجواز كون لفظة «من» في قوله: «من شيعتنا» تبعيضيّة، بل هو الأظهر، فلا يعلم أنّه من هو، فيمكن أن يكون بعض أصحاب بعض الأئمّة.

و أمّا ما بعدها، فلعدم دلالتها على تحليل الخمس أصلا، إذ يمكن أن يكون المسئول عن إباحتها ما يحتمل أن يكون فيه خمسهم أو أن يكون فيه الفي ء و غنائم دار الحرب.

فلم تبق إلّا الأربعة الأخيرة، و الثلاثة الأولى منها أيضا لا تدلّ على أزيد من تحليل الخمس كلّا أو بعضا للشيعة الموجودين في زمان التحليل أو مع ما سبقه، لأنّ «أحللنا» و «طيّبنا» و «حلّلهم» و «جعلهم في حلّ»- بالإضافة إلى من يأتي- مجاز قطعا، فلا يرتكب إلّا بدليل.

و منه يظهر جواب آخر لأكثر ما يسبق الأربعة من أخبار التحليل، بل لجميعها.

فلم يبق إلّا التوقيع، و ظاهر أنّه بانفراده- سيّما مع ما مرّ من وجوه المرجوحيّة- لا يقاوم أخبار الوجوب البتّة.

مضافا إلى أنّه لو أريد منه العموم

بالنسبة إلى جميع سهام الخمس يخرج جدّا عن الحجّية بالمخالفة للشهرتين و الدخول في حيّز الشذوذ.

و منه يظهر جواب آخر لجميع أخبار الإباحة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 121

هذا كلّه، مع أنّه علّل فيه التحليل بطيب الولادة، و هو في غير المناكح- التي جمهور الأصحاب فيها على الحلّية- لا يصلح للعلّية، فتصلح العلّة قرينة لإرادة هذا النوع خاصّة.

و منه يظهر جواب آخر لجميع ما يتضمّن تلك العلّية، و هو أكثر أخبار الحلّية.

هذا كلّه، مضافا إلى قصور دلالة كلّ واحد واحد من الروايات التسع الاولى بخصوصها على إباحة مطلق الخمس أو نصف الإمام في هذه الأزمان من وجوه أخر أيضا.

أمّا الأول- و هو صحيحة النصري «1»- فلظهور قوله: «ممّا في أيديهم» في الفعلية، بل حقيقة منحصرة فيها، و كذا جملة: «فهو في حلّ ممّا في أيديهم» و كذا: «كلّ من والى آبائي»، فلا يشمل من سيأتي، بل «الشاهد و الغائب» حقيقتان في الموجود، و لا يطلق الغائب على المعدوم.

و أمّا الثاني، فلأنّ المشار إليه في قوله: «ذلك» هو الحرام الذي ظلم فيه أهل البيت، و مدلوله أنّ ما ظلموا فيه من الخمس و صفو المال و الأنفال التي بيد المخالفين إذا أخذه الشيعة بشراء أو عطيّة فهو لهم حلال، لا أنّ الخمس الذي بيد الشيعة و لم يظلموا فيه بعد فهو أيضا لهم حلال، و جعل الإشارة للخمس مطلقا لا دليل عليه، بل لا وجه.

و أمّا الثالث، فلأنّ السؤال وقع فيه عمّا في أيدي السائل، و الجواب مقصور في عدم التكليف في ذلك اليوم بخصوصه، فلا دلالة له لغيره أصلا، و لا عموم فيه و لا إطلاق أبدا.

و أمّا الرابع، ففيه أوّلا: أنّه لا يشمل

الحقّ للخمس إلّا بالعموم،

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 111.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 122

و أخبار وجوب الخمس خاصّ مطلق بالنسبة إليه، فيجب التخصيص، و ذلك يجري في الثلاثة الأولى أيضا.

و ثانيا: أنّ عدم أداء الحقّ يتحقّق مع حبس بعض منه أيضا، و إذا لم تؤدّ جميع الحقوق يصدق عدم أداء الحقّ، و لا يعلم الحقّ المحبوس المحلّل المشار إليه بقوله: «من ذلك»، فلا يفيد.

و ثالثا: أنّ «آباءهم» مطلق شامل للمخالف و غيره، و ظاهر أنّ المحلّل لآبائهم المخالفين ليس إلّا المناكح حتى تطيب ولادة الشيعة لا مطلقا، و ليس تخصيص الآباء بالشيعة منهم أولى من تخصيص الحقّ- لو كان عامّا- بالمناكح.

و أمّا الخامس، فلما ذكر أولا في الرابع، مضافا إلى اختصاصه بالإعواز- و هو غير محلّ النزاع- و بحقّ الصادق عليه السّلام خاصّة.

و أمّا السادس، فلأنّ مرجع الضمير في قوله: «فإنّه محلّل» كما يمكن أن يكون خمسا يمكن أن يكون الموضع الذي دخل منه الزنا- أي المناكح- كما يعاضده قوله: «لميلادهم». مع أنّ فيمن جعل في حلّ إجمالا، لتقييد الشيعة بالأطيبين، فلا تعلم الحلّية لغيرهم، و جعل الوصف توضيحيّا مساويا خلاف الظاهر.

و أمّا السابع، فلاختصاصه بالفي ء- و هو غير الخمس- و أمّهات الشيعة، و هنّ من المناكح.

و أمّا الثامن، فلعموم فضل المظلمة بالنسبة إلى الخمس أولا.

و اختصاص قوله: «يعيشون» بالفعليّة، و عدم صدقه على من يأتي، فتختصّ الإشارة بما تحقّق، ثانيا.

و كون الإشارة لفضل المظلمة، فتختصّ بالمأخوذ عن المخالف كما

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 123

مرّ في الثاني، ثالثا.

و أمّا التاسع، فلصراحته في أنّ المحلّل هو ما يشتري من المخالف الجابر، و هو غير محلّ النزاع.

و من جميع ذلك يظهر عدم انتهاض تلك

الأخبار لإثبات حلّية نصف الإمام في زمان الغيبة أيضا، بل و لا دلالة بالنسبة إلى جميع النصف و من جميع الأئمّة في زمن الحضور أيضا.

الثالث من أدلّة القول بالسقوط في زمن الغيبة: ما يستفاد من الذخيرة «1»، و هو الأصل، فإنّ الأصل عدم وجوب شي ء على أحد حتى يدلّ عليه دليل، و لا دليل على ثبوت الخمس في زمن الغيبة، فإنّه منحصر بالآية و الأخبار، و لا دلالة لشي ء منها.

أمّا الآية، فلاختصاصها بغنائم دار الحرب المختصّة بحال الحضور دون الغيبة، مع أنّها خطاب شفاهيّ متوجّه إلى الحاضرين خاصّة، و التعدية إلى غيرهم بالإجماع إنّما يتمّ مع التوافق في الشرائط جميعا، و هو ممنوع في محلّ البحث، فلا ينهض حجّة في زمان الغيبة.

و لو سلّم فلا بدّ من صرفها إلى خلاف ظاهرها، إمّا بالحمل على بيان المصرف، أو بالتخصيص، جمعا بينها و بين الأخبار الدالّة على الإباحة.

و أمّا الأخبار، فلأنّها- مع ضعف أسانيدها- غير دالّة على تعلّق النصف بالأصناف على وجه الملكيّة أو الاختصاص مطلقا، بل دلّت على أنّ الإمام يقسّمه كذلك، فيجوز أن يكون هذا واجبا عليه من غير أن يكون شي ء من الخمس ملكا لهم أو مختصّا بهم.

______________________________

(1) الذخيرة: 491 و 492.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 124

سلّمنا، لكنّها تدلّ على ثبوت الحكم في زمان الحضور لا مطلقا، فيجوز اختلاف الحكم باختلاف الأزمنة.

سلّمنا، لكن لا بدّ من التخصيص فيها و صرفها عن ظاهرها، جمعا بين الأدلّة.

و الجواب: أنّ تخصيص الآية بغنائم دار الحرب مخالف للعرف و اللغة و الأخبار المستفيضة، بل- كما قيل «1»- لإجماع الإماميّة، و بالمشافهين حقيقة غير ضائر، لما أثبتنا في الأصول من شمول الخطابات للمعدومين أيضا- و لو مجازا-

بالأخبار، من غير افتقار إلى الإجماع حتى يناقش فيه بانتفائه في محلّ النزاع مع أنّ الإجماع ثابت على الشركة في جميع الأحكام، إلّا ما ثبت اشتراطه بشرط أو تقييده بقيد غير متحقّق للغائب.

و ما نحن فيه كذلك، لعدم دليل على اشتراط الحضور، و لا حاجة لنا إلى تحقّق الإجماع في كلّ مسألة.

مضافا إلى أنّ دعوى اشتراط الحضور فاسدة، و للإجماع- بل الضرورة- مخالفة، لأنّ المبيح في زمن الغيبة- مع ندرته- يقول به من جهة التحليل لا من عدم عموم الدليل.

و أيضا استشهاد الأئمّة و استدلالهم بالآية في كثير من الأخبار كاشف عن شمولها لزمانهم المتأخّر عن زمان نزولها أيضا، بل أخبار التحليل و الإباحة كاشفة عن الشمول، و إلّا فلا معنى للتحليل.

و أمّا صرف الآية عن ظاهرها جمعا، فهو موقوف على وجود المعارض الأقوى، و هو منتف، لما عرفت من عدم وضوح دلالة أخبار

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 300.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 125

التحليل على ما يوجب صرفها عن ظاهرها.

مع أنّ القاعدة الشرعيّة الثابتة بالأحاديث الكثيرة: عرض الأخبار على القرآن و ردّ ما يخالفه، لا صرف الآية عن ظاهرها مع اختلاف روايات الواقعة، سيّما مع أنّ الآية أرجح بوجوه عديدة مرّ ذكرها.

هذا كلّه، مع أنّ الجمع غير منحصر في ذلك، لإمكانه بوجوه:

منها: ما عليه جمهور أصحابنا «1» من تخصيص التحليل بالمناكح و المساكن، كما يأتي ذكره.

و منها: تخصيص التحليل بحقوقهم لبعض شيعتهم أو جميعهم في زمانهم، أي في زمان المحلّل خاصّة.

و منها: تخصيصه بما يصل إليهم من ظالمي حقوق أهل البيت من الغنائم و الأخماس.

و منها: تخصيصه بما يختلط مع الأخماس أو يشتبه وجودها فيه. إلى غير ذلك.

و لا وجه لترجيح الأول لو لم

نقل بكون هذه الوجوه كلّا أو بعضا أرجح.

مضافا إلى أنّ حمل الآية على بيان المصرف خلاف الظاهر جدّا، كما صرّح هو به حيث قال- بعد نقل حملها عليه من المحقّق-: و فيه نظر، لأنّ حمل الآية على أنّ المراد بيان مصارف الاستحقاق عدول عن الظاهر، بل الظاهر من الآية الملك أو الاختصاص، و العدول عنه محتاج إلى دليل، و لو كان كذلك لاقتضى جواز صرف الخمس كلّه في أحد الأصناف الستّة.

انتهى.

______________________________

(1) انظر ص: 121.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 126

و أمّا ما ذكره في الأخبار- من ضعف الإسناد- فهو غير صالح للاستناد، لوجودها في كتب عليها المدار و الاعتماد، و مع ذلك ففيها الصحيح و الموثّق و موافق للشهرة العظيمة، و هي لضعف الأخبار عند الأصحاب جابرة.

مضافا إلى استناده إلى تلك الأخبار في كثير من أحكام الخمس.

و أمّا إنكار دلالتها على تعلق النصف بالأصناف على وجه الملكية و الاختصاص فهو مكابرة محضة، كيف؟! و في بعضها: «و النصف له، و النصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الذين لا يحلّ لهم الصدقة و لا الزكاة، عوّضهم اللّه تعالى مكان ذلك الخمس» «1».

و لا ريب أنّ اللامين هنا بمعنى واحد، فكما أنّها في نصف الإمام للتملّك أو الاختصاص «2» فكذا في نصف الأصناف، سيّما مع ذكر التعويض لهم عن الصدقة.

و في آخر: «يثب أحدهم على أموال آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يتاماهم و مساكينهم و أبناء سبيلهم فيأخذها» الحديث «3».

و في ثالث: «و إنّما جعل اللّه هذا الخمس لهم خاصّة دون مساكين الناس و أبناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات

الناس» إلى أن قال: «و جعل لفقراء قرابة الرسول نصف الخمس فأغناهم به عن صدقات الناس» «4».

و أمّا احتمال اختصاص الحكم بزمان الحضور ففساده أوضح من أن يذكر، فإنّه لا جهة لهذا التوهّم و لا منشأ لذلك الاحتمال في الأخبار.

و أمّا تخصيصها و صرفها عن ظاهرها جمعا، ففيه ما مرّ في تخصيص

______________________________

(1) التهذيب 4: 126- 364، الوسائل 9: 521 أبواب قسمة الخمس ب 3 ح 2.

(2) في «ح»: للتمليك و الاختصاص، و الأولى: الملكية أو الاختصاص.

(3) التهذيب 4: 127- 364، الوسائل 9: 538 أبواب قسمة الخمس ب 3 ح 1.

(4) التهذيب 4: 128- 366، الوسائل 9: 513 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 127

الآية.

و دليل الموجبين للدفن: دليل وجوب دفن حصّة الإمام- كما يأتي «1» مع ردّه- بضميمة ما مرّ «2» من أنّ صرف هذا النصف منصب الإمام و موكول إليه، و قد عرفت ضعفه.

و كذا حجّة الموجبين للوصيّة.

و حجّة القول الآخر: الجمع بين أدلّة ملكيّة النصف للأصناف و دليل وجوب الدفع إلى الإمام ليصرفه فيهم.

و يردّ باختصاص وجوب الدفع- لو سلّم- بحال الحضور.

و ممّا ذكر ظهر أنّ وجوب قسمة نصف الأصناف بينهم- كما اختاره من أصحابنا الجمهور «3»- في غاية الظهور.

المقام الثاني: في نصف الإمام عليه السّلام. و فيه تسعة أقوال:
الأول: سقوطه و تحليله

، ذهب إليه من ذهب إليه في نصف الأصناف «4»، و اختاره أيضا صاحب المدارك و المحدّث الكاشاني في المفاتيح و الوافي و صاحب الحدائق «5»، و نسبه في كشف الرموز إلى قوم من المتقدّمين و قال: إنّه متروك و لا فتوى عليه «6».

______________________________

(1) في ص: 129.

(2) في ص: 111.

(3) راجع ص: 110.

(4) كما في المراسم: 140، و الذخيرة: 492.

(5) المدارك 5: 424، المفاتيح 1: 229،

الوافي 10: 344، الحدائق 12: 443.

(6) كشف الرموز 1: 272.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 128

الثاني: عزله و إيداعه و الوصيّة به من ثقة إلى وقت ظهوره،

اختاره المفيد في المقنعة و القاضي و الحلبي و الحلّي «1»، و استحسنه في المنتهى «2»، و هو مذهب السيّد في المسائل الحائريّة.

الثالث: دفنه

، نقل عمّن نقل عنه الدفن في النصف الأول.

الرابع: قسمته بين المحاويج من الذريّة

، حكاه في المختلف عن جماعة من علمائنا «3»، و هو اختيار المفيد في الرسالة العزّية و المحقّق في الشرائع و الشيخ عليّ في حاشيته و ابن فهد في المهذّب «4»، و نسبه في الروضة إلى المشهور بين المتأخّرين «5»، و ذهب إليه الشيخ سليمان بن عبد اللّه البحراني، و الشيخ الحرّ في الوسائل إلّا أنّه قال: مع عدم حاجة الأصناف تباح للشيعة «6».

الخامس: التخيير بين التحليل و الدفن و الإيداع

، يظهر من الشيخ في النهاية «7».

السادس: التخيير بين الأخيرين

، اختاره في المبسوط «8».

السابع: التخيير بين الأخيرين و القسمة بين الأصناف

، حكي عن الدروس «9».

______________________________

(1) المقنعة: 286، القاضي في المهذب 1: 181، الحلبي في الكافي في الفقه:

173، الحلي في السرائر 1: 499.

(2) المنتهى 1: 555.

(3) المختلف: 210.

(4) الشرائع 1: 184، المهذب البارع 1: 571.

(5) الروضة 2: 80.

(6) الوسائل 9: 543.

(7) النهاية: 201.

(8) المبسوط 1: 264.

(9) الدروس 1: 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 129

الثامن: التخيير بين الأخير و القسمة

، اختاره في المختلف «1»، و هو الظاهر من النافع «2»، و نسب إلى البيان «3»، و إليه ذهب المحقّق الخوانساري في رسالته بزيادة رجحان القسمة.

التاسع: قسمته بين موالي الإمام و شيعته من أهل الفقر و الصلاح من غير تخصيص بالذرّية

، نقله في المقنعة عن بعضهم، و جعله قريبا من الصواب «4»، و إليه ذهب ابن حمزة في الوسيلة «5».

دليل الأول: ما مرّ «6» من أخبار التحليل بحملها على حقّه عليه السّلام.

و جوابه قد ظهر.

و دليل الثاني: أنّه مال الإمام- لأخبار وجوبه مطلقا أو مستمرّا، و استصحاب بقائه- فلا يجوز التصرّف فيه، و لا يمكن إيصاله إلى ذي الحقّ، فيجب حفظه إلى زمان إمكان الإيصال.

و فيه: أنّه إنّما يتمّ لو لم يعلم عدم رضاه بذلك و رضاه بغيره، و قد يدّعى العلم بذلك كما يأتي «7».

و دليل الثالث: دليل الثاني، بضميمة أنّ الدفن أحفظ الوجوه، مع ما روي من أنّ الأرض تخرج كنوزها للقائم «8».

______________________________

(1) المختلف: 210.

(2) النافع: 64.

(3) البيان: 351.

(4) المقنعة: 286.

(5) الوسيلة: 137.

(6) راجع ص: 111 و ما بعدها.

(7) في ص: 131.

(8) انظر البحار 52: 280- 6 نقلا عن الاحتجاج، و ص: 322- 31 نقلا عن كمال الدين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 130

و فيه- مع ما مرّ-: منع كون الدفن أحفظ، بل هو أيضا في معرض الظهور و التلف، و الرواية لا دلالة لها على المورد أصلا.

و حجّة الرابع: أنّ الإمام كان يفعل ذلك، أي يتمّ للسادات ما يحتاجون إليه من نصيبه وجوبا لا تفضّلا، فهو حقّ لهم إذا لم تف أنصبائهم.

بمؤنهم، فثبت ذلك لهم في الغيبة، لأنّ الحقّ الواجب لا يسقط بغيبة من ثبت في حقّه.

و زاد في المهذّب: كونه أحوط، لاشتماله على إخراج الواجب و تفريغ الذمّة، و اشتماله على نفع المحاويج من

الذرّية، و كونه صلة لهم، و كونه أسلم عاقبة من الوصيّة و الدفن «1».

و ضعف الجميع ظاهر:

أمّا الأول، فلمنع وجوب الإتمام عليه من حصّته كما مرّ، و غاية ما ثبت أنّه كان يتمّ من عنده- كما في تقسيم الزكاة أيضا- فيمكن أن يكون من الأوقاف و النذور أو غيرها.

سلّمنا أنّه كان عليه الإتمام من حصّته، و لكن لم يعلم أنّ هذا الوجوب من باب حقّ الذرّية، فلعلّه كان أمرا واجبا عليه نفسه، و مثل هذا ليس ممّا يجب الإتيان به من غيره أيضا.

و أمّا البواقي، فظاهر، لعدم وجوب الاحتياط، مع أنّ الاحتياط إخراج الواجب من الحقّ إلى ذي الحقّ، و أمّا إلى غيره فلا احتياط فيه أصلا، بل خلاف الاحتياط.

و لعدم استلزام رجحان نفع المحاويج و صلة الذرّية رجحانه بالتصرّف في مال الغير.

______________________________

(1) المهذب البارع 1: 572.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 131

و أسلميّة عاقبته من الدفن و الوصيّة يفيد لو ثبت الإذن فيه، و إلّا فذلك إتلاف معلوم معجّل.

نعم، يمكن أن يستدلّ لذلك بأنّ الإذن في ذلك التصرّف معلوم بشاهد الحال، فإنّه لا حاجة للمالك إليه و لا ضرر فيه بوجه، و أهل الاضطرار من أهل التقوى من الذرّية في غاية الكثرة، و الدفن و الوصيّة حبس بلا منفعة و معرض للتلف و الهلكة، بل يعلم التلف بالوصيّة غالبا في مثل ذلك الزمان، فيعلم رضا المالك بصلة الذرّية و رفع حاجتهم و مسكنتهم بذلك قطعا، و ليس القطع به بأدون من الظنّ الحاصل من الألفاظ الدالّة على الإذن الواجب اتّباعه البتّة.

و هذا دليل تامّ حسن، إلّا أنّه لكونه تابعا للعلم الحاصل بشهادة الحال لا يكون مخصوصا بصلة الذرّية، فإنّه قد يكون هنا محتاج

معيل من خيار الشيعة من غير السادة، سيّما إذا كان ممّن كان لوجوده مصلحة عامّة، و كان عياله في غاية الضيق و الشدّة، و لم يكن فقير الذرّية بهذه المثابة، بل كان من رعاع الناس، و له قوت نصف السنة مثلا، فالحكم بالقطع برضا الإمام دفع حصّته إلى الثاني دون الأول مكابرة صرفة.

و كذا إذا كان في إعطاء صاحب المال الخمس عليه حيف و شدّة.

فهذا الدليل يصلح للمطلوب في الجملة، بل التحقيق: أنّه لا مدخليّة فيه للسيادة من حيث هي.

حجّة الخامس: الجمع بين أدلّة التحليل و الحفظ، و تحقّق الحفظ بكلّ من الدفن و الوصيّة.

و بعد ضعف الدليلين يظهر ضعف الجمع أيضا.

و دليل السادس: وجوب الحفظ و تحقّقه بكلّ منهما.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 132

و هو حسن لو قلنا بوجوبه.

و حجّة السابع و الثامن: وجوب حفظ مال الغير، و دلالة شاهد الحال على جواز التقسيم أيضا.

و هو كان حسنا لو لم يعلم بشاهد الحال عدم رضاه بالحفظ، حيث إنّه في معرض التلف، و أقرباؤه و مواليه محتاجون.

و دليل التاسع: أخبار التحليل للشيعة مطلقا، و الأخبار الواردة في حصول تركهم حقّهم من الخمس لبعض مواليهم.

و مرسلة حمّاد الناطقة بأنّه: «إذا قسّم الزكاة فيهم كان على الإمام الإتمام لهم إذا أعوزت» «1».

و رواية محمّد بن يزيد: «من لم يستطع أن يصلنا فليصل فقراء شيعتنا» «2».

و مرسلة الفقيه: «من لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي شيعتنا» «3».

و مرسلة يوسف، و فيها: «أنا أحبّ أن أتصدّق بأحبّ الأشياء إليّ» [1]، و إذا كان كذلك فيجب البتّة بتصدّق حقّه.

أقول: أكثر هذه الوجوه و إن كانت مدخولة، إلّا أنّه يدلّ على الحكم

______________________________

[1] الكافي 4: 61- 3، التهذيب 4: 331-

1036، الوسائل 9: 471 أبواب الصدقة ب 48 ح 2، إلّا أنه في الكافي عن يونس، و في التهذيب عن الحسين بن عاصم بن يونس، و ما في المستند هو الموافق للوافي و بعض نسخ الكافي على ما جاء في هامشه.

______________________________

(1) الكافي 1: 539- 4، التهذيب 4: 128- 366، الوسائل 9: 266 أبواب المستحقين للزكاة ب 28 ح 3.

(2) الكافي 4: 59- 7، التهذيب 4: 111- 324، الوسائل 9: 475 أبواب الصدقة ب 50 ح 1.

(3) الفقيه 2: 43- 3، الوسائل 9: 476 أبواب الصدقة ب 50 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 133

ما مرّ من الإذن المعلوم بشاهد الحال، فإنّا نعلم قطعا- بحيث لا يداخله شوب شكّ- أنّ الإمام الغائب- الذي هو صاحب الحقّ في حال غيبته، و عدم احتياجه، و عدم تمكّن ذي الخمس من إيصاله حقّه إليه، و كونه في معرض الضياع و التلف، بل كان هو المظنون، و كان مواليه و أولياؤه المتّقون في غاية المسكنة و الشدّة و الاحتياج و الفاقة- راض بسدّ خلّتهم و رفع حاجتهم من ماله و حقّه.

كيف؟! و هم الذين يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة، فما الحال إذا لم تكن لهم حاجة و خصاصة؟! و كيف لا يرضى؟! و هو خليفة اللّه في أرضه و المؤمنون عياله، كما صرّح به في مرسلة حمّاد، و فيها: «و هو وارث من لا وارث له يعول من لا حيلة له».

و هو منبع الجود و الكرد، سيّما مع ما ورد منهم و تواتر من الترغيب إلى التصدّق و إطعام المؤمن و كسوته و السعي في حاجته و تفريج كربته «1»، و الأمر بالاهتمام بأمور المسلمين،

حتى قالوا: «من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم» «2».

و قالوا في حقّ المسلم على المسلم: «إنّ له سبع حقوق واجبات، إن ضيّع منها شيئا خرج من ولاية اللّه و طاعته، و لم يكن للّه فيه من نصيب» إلى أن قال: «أيسر حقّ منها أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك» إلى أن قال: «و الحقّ الثالث: أن تغنيه بنفسك و مالك» إلى أن قال: «و الحقّ الخامس: أن لا تشبع و يجوع» الحديث «3».

______________________________

(1) الوسائل 9: 475 أبواب الصدقة ب 50.

(2) الكافي 2: 164- 4، الوسائل 16: 336 أبواب فعل المعروف ب 18 ح 1.

(3) الكافي 2: 169- 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 134

و جعلوا من حقوق المسلم: مواساته بالمال.

و مع ذلك يدلّ عليه إطلاق رواية محمّد بن يزيد و مرسلة الفقيه المتقدّمتين «1»، فإنّ إعطاء الخمس صلة.

و لا يتوهّم أنّ بمثل ذلك يمكن إثبات التحليل لذي الخمس أيضا و إن لم يكن فقيرا، لأنّ أداء الخمس فريضة من فرائض اللّه، واجب من جانب اللّه، و إعطاؤه امتثال لأمر اللّه، و فيه إظهار لولايتهم و تعظيم لشأنهم و سدّ لحاجة مواليهم، و منه تطهيرهم و تمحيص ذنوبهم.

و مع ذلك، ترى ما وصل إلينا من الأخبار المؤكّدة في أدائه و التشدّد عليه، و أنّ اللّه يسأل عنه يوم القيامة سؤالا حثيثا، و تراهم قد يقولون في الخمس: «لا نجعل لأحد منكم في حلّ»، و أمثال ذلك «2».

و مع هذا، لا يشهد الحال برضاه عليه السّلام لصاحب المال أن لا يؤدّي خمسة، فيجب عليه أداؤه، لأوامر الخمس و إطلاقاته و استصحاب وجوبه، و معه لم يبق إلّا الحفظ بالدفن أو الوصيّة أو التقسيم بين الفقراء.

و

الأولان ممّا لا دليل عليهما، فإنّ الدفن و الإيداع نوعا تصرّف في مال الغير لا يجوز إلّا مع إذنه، و لا إذن هناك، بل يمكن استنباط عدم رضائه بهما من كونهما معرّضين للتلف، و من حاجة مواليه و رعيّته.

فلم يبق إلّا الثالث الذي علمنا رضاه به، فيتعيّن و يكون هو الواجب في نصفه.

و لمّا كان المناط الإذن المعلوم بشاهد الحال و الروايتين «3» و نسبتهما

______________________________

(1) في ص: 132.

(2) الوسائل 9: 537 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3.

(3) المتقدّمتين في ص: 132.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 135

إلى السادات و غيرهم من فقراء الشيعة على السواء، فيكون الحقّ هو المذهب الأخير، و الأحوط اختيار السادة من بين الفقراء.

و لكن قد يعكس الاحتياط، كما إذا كان هناك شيعة وليّ ورع معيل في ضيق و شدّة و لم يكن السادة بهذا المثابة.

و على المعطي ملاحظة الأحوال.

فرع: لا تشترط مباشرة النائب العام- و هو الفقيه العدل- و لا إذنه في تقسيم نصف الأصناف على الحقّ، للأصل.

خلافا لبعضهم «1»، فاشتراطه، و نسبه بعض الأجلّة إلى المشهور.

و لعلّ وجهه: أنّ مع حضور الإمام يجب دفع تمام الخمس إليه، و كان التقسيم منصبه، فيجب الدفع إلى نائبه في زمن الغيبة بحكم النيابة.

و فيه: منع ثبوت وجوب الدفع إليه مع الحضور، و لو سلّم فلا نسلّم ثبوته بالنسبة إلى النائب.

و هل تشترط مباشرته في تقسيم نصف الإمام، كما هو صريح جماعة، منهم: الفاضلان و الشهيدان، بل أكثر المتأخّرين «2»، و صرّح جماعة بضمان غيره من المباشرين «3»، و عن الشهيد الثاني: اتّفاق القائلين بوجوب التقسيم على ذلك «4»، و الظاهر أنّه كذلك؟

أم لا، فيجوز تولّي غيره، كما عن ظاهر إطلاق

العزّية؟

و الحقّ: هو الأول، إذ قد عرفت أنّ المناط في الحكم بالتقسيم هو

______________________________

(1) انظر زاد المعاد: 586.

(2) المحقق في المعتبر 2: 641، العلامة في التحرير 1: 75، و القواعد 1: 63، الشهيد الأول في الدروس 1: 262، الشهيد الثاني في الروضة 2: 79.

(3) كما في الروضة 2: 79، و الذخيرة: 492.

(4) كما في المسالك 1: 69.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 136

الإذن المعلوم بشاهد الحال، و ثبوته عند من يجوّز التقسيم إجماعيّ و لغيره غير معلوم، سيّما مع اشتهار عدم جواز تولّي الغير، بل الإجماع على عدم جواز تولية التصرّف في المال الغائب، الذي هذا أيضا منه، خصوصا مع وجود النائب العام، الذي هو أعرف بأحكام التقسيم و أبصر بمواقعة.

و وقع التصريح في رواية إسماعيل بن جابر: «إنّ العلماء أمناء» «1».

و في مرسلة الفقيه: «أنّه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: اللهم ارحم خلفائي، قيل: يا رسول اللّه، و من خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون بعدي و يروون حديثي و سنّتي» «2».

و في روايات كثيرة: «إنّ العلماء ورثة الأنبياء» «3».

و في مقبولة ابن حنظلة: «إنّه الحاكم من جانبهم» «4».

و في التوقيع الرفيع: «إنّه حجّة من جانبهم» «5».

و لا شكّ أنّ مع وجود أمين الشخص و خليفته و حجّته و الحاكم من جانبه و وارثه الأعلم بمصالح أمواله و الأبصر بمواقع صرفه الأبعد عن الأغراض الأعدل في التقسيم و لو ظنّا، لا يعلم الإذن في تصرّف الغير و مباشرته، فلا يكون جائزا.

نعم، لو تعذّر الوصول إليه جاز تولّي المالك، كما استظهره بعض المتأخّرين و زاد: أو تعسّر «6».

______________________________

(1) الكافي 1: 33- 5.

(2) الفقيه 4: 302- 915، الوسائل 27: 91 أبواب صفات القاضي

ب 8 ح 50.

(3) كما في الكافي 1: 32- 2.

(4) الكافي 1: 67- 10، الوسائل 27: 106 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    137     التاسع: قسمته بين موالي الإمام و شيعته من أهل الفقر و الصلاح من غير تخصيص بالذرية ..... ص : 129

(5) كمال الدين: 484- 4، الوسائل 27: 140 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 9.

(6) كما في مجمع الفائدة 4: 359.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 137

و لا بأس به إذا تعسّر الاستئذان منه أيضا و لو بالكتابة و الرسالة و كان هناك أرباب فقر و حاجة، و الأحوط حينئذ مباشرة المالك باطلاع عدول المؤمنين.

و هل تجب مباشرة الفقيه بنفسه للتقسيم، كما هو ظاهر الأكثر «1»؟

أم يجوز له الإذن لغيره و تولّي الغير بإذنه، كما عن الدروس «2» و بعض مشايخ والدي قدّس سرّه؟

و الأول أحوط، و الثاني أظهر إذا كان الغير أمينا عدلا عارفا بمواقع التقسيم و أحكامه، سيّما إذا كان مجبورا بنظر النائب نفسه و اطلاعه.

المسألة الرابعة عشرة:

ظاهر الأكثر أنّه لا يعطى فقير من الخمس أزيد من كفاية مئونة السنة على وجه الاقتصاد و لو دفعة واحدة، و نظرهم إلى ما روي في المرسلة: أنّ الإمام كان يفعل كذلك وجوبا «3»، فكذا غيره، سيّما في نصف الإمام إذا صرف على وجه التتمّة، إذ لم يثبت فيه إلّا جواز إتمام المؤنة.

و الحقّ: أنّ حكم نصف الأصناف حكم الزكاة، و يجوز إعطاء الزائد عن المؤنة دفعة واحدة- أي قبل خروجه عن الفقر- لإطلاق الأدلّة.

و أمّا نصف الإمام، فلا يجوز إعطاء الزائد من مئونة السنة على وجه الاقتصاد قطعا، لأنّه القدر المعلوم إذنه فيه،

بل يعلم عدم رضاه بغير ذلك مع وجود المحتاج غيره، بل يشكل إعطاء قدر مئونة السنة كاملة لواحد مع وجود محتاج بالفعل. و اللازم فيه مراعاة المواساة في الجملة و ملاحظة الحاجة.

______________________________

(1) انظر الشرائع 1: 184، و المنتهى 1: 555، و الروضة 2: 79.

(2) الدروس 1: 262.

(3) تقدّمت مصادرها في ص: 132.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 138

المسألة الخامسة عشرة:

مقتضى الآية و الأخبار تعلّق الخمس بالعين، فيجب أداؤه منها، و لا يجوز العدول إلى القيمة، إلّا إذا أعطى العين إلى أهلها ثمَّ اشتراها منه.

نعم، الظاهر جواز تولّي النائب العام للمبادلة، سيّما في نصف الإمام، فإنّه يجوز له قطعا.

و لربّ المال القسمة، بالإجماع، و ظواهر الأخبار «1» المتضمّنة لإفراز ربّ المال خمسه و عرضه على الإمام و تقريره عليه.

______________________________

(1) الوسائل 9: 537 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 139

تتميم في الأنفال
اشاره

جمع نفل- بسكون الفاء و فتحها- و هو: الغنيمة أو العطيّة و الزيادة، و منه سمّيت النافلة، لزيادتها على الفريضة.

و المراد هنا: المال الزائد للنّبيّ و الإمام بعده على قبيلتهما من بني هاشم، فالمطلوب ما يختصّ بالنبيّ عليه السّلام ثمَّ الإمام.

و ها هنا مسألتان:

المسألة الأولى: الأنفال- أي الأموال المختصّة بالنبيّ ثمَّ بعده بالإمام- أشياء:
الأول: كلّ أرض أخذت من الكفّار من غير قتال-

سواء جلا أهلها و تركوها للمسلمين، أو سلّموها طوعا و بقوا فيها و مكّنوا المسلمين منها- بلا خلاف فيها يوجد، للإجماع، و المستفيضة من الأخبار:

كحسنة البختري: «الأنفال: ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، أو قوم صولحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، و كلّ أرض خربة و بطون الأودية، فهو لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و للإمام من بعده» «1» و قريبة منها حسنة محمّد «2» و موثّقته «3».

______________________________

(1) الكافي 1: 539- 3، الوسائل 9: 523 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 1.

(2) التهذيب 4: 133- 370، الوسائل 9: 526 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 10.

(3) التهذيب 4: 133- 372، الوسائل 9: 526 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 140

و مرسلة حمّاد، و فيها: «و له بعد الخمس الأنفال، و الأنفال: كلّ أرض خربة قد باد أهلها، و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و لكن صالحوا صلحا و أعطوا بأيديهم على غير قتال، و له رؤوس الجبال و بطون الأودية و الآجام و كلّ أرض ميتة لا ربّ لها، و له صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب، لأنّ الغصب كلّه مردود، و هو وارث من لا وارث له يعول من لا حيلة

له» الحديث «1».

و موثّقة زرارة، و فيها- بعد السؤال عن الأنفال-: «و هي كلّ أرض جلا أهلها من غير أن يحمل عليها بخيل و لا رجل و لا ركاب، فهي نفل للّه و للرسول» «2».

و رواية الحلبي: عن الأنفال؟ فقال: «ما كان من الأرضين باد أهلها» «3».

و موثّقة سماعة: عن الأنفال؟ فقال: «كلّ أرض خربة أو شي ء كان يكون للملوك فهو خالص للإمام ليس للناس فيها سهم» قال: «و منها البحرين لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب» «4».

و موثّقة إسحاق بن عمّار المرويّة في تفسير القمّي: عن الأنفال؟

فقال: «هي القرى التي قد خربت و انجلى أهلها، فهي للّه و للرسول، و ما كان

______________________________

(1) الكافي 1: 539- 4، التهذيب 4: 128- 366، الوسائل 9: 524 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 4.

(2) التهذيب 4: 132- 368، الوسائل 9: 526 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 9، و في المصدر: .. و لا رجال.

(3) التهذيب 4: 133- 371، الوسائل 9: 527 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 11.

(4) التهذيب 4: 133- 373، الوسائل 9: 526 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 141

للملوك فهو للإمام، و ما كان من الأرض الخربة لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و كلّ أرض لا ربّ لها، و المعادن منها، و من مات و ليس له مولى فماله من الأنفال» «1».

و المرويّ في تفسير العيّاشي عن داود بن فرقد: و ما الأنفال؟ قال:

«بطون الأودية و رؤوس الجبال و الآجام و المعادن، و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب،

و كلّ أرض ميتة قد جلا أهلها و قطائع الملوك» «2».

و فيه أيضا عن أبي بصير: و ما الأنفال؟ قال: «منها المعادن و الآجام، و كلّ أرض ميتة لا ربّ لها، و كلّ أرض باد أهلها فهو لنا» «3»، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

الثاني: ما يختصّ به ملوك أهل الحرب من القطائع و الصوافي

الغير المعلوم كونها مغصوبة من مسلم أو مسالم غير منقرض.

و ضابطه: كلّ ما اصطفاه ملك الكفّار لنفسه و اختصّ به من الأراضي المعبّر عنها بالقطائع، أو من الأموال المنقولة المعبّر عنها بالصوافي، للأخبار المستفيضة «4»، المتقدّمة كثير منها.

و المذكور في الأخبار: الملوك، فلا يشمل الحكّام و الولاة و الأمراء.

الثالث: رؤوس الجبال و أذيالها و بطون الأودية السائلة و الآجام،

و هي الأراضي المملوءة من القصب و سائر الأشجار الملتفّة المجتمعة، و المراد

______________________________

(1) تفسير القمي 1: 254، الوسائل 9: 531 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 20.

(2) تفسير العياشي 2: 49- 21، الوسائل 9: 534 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 32.

(3) تفسير العياشي 2: 48- 11، الوسائل 9: 533 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 28.

(4) الوسائل 9: 523 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 142

منها: ما يقال بالفارسيّة: بيشه.

فإنّ كل ذلك من الأنفال مع ما فيها من الأشجار و الأحجار و النبات و السمك و الكنز و الماء و نحوها.

و المرجع في معرفة هذه الأمور: العرف، أي ما يقال في العرف:

جبلا و واديا و أجمة.

و تدلّ على الثلاثة مرسلة حمّاد، و رواية داود المتقدّمتين، و على الثاني خاصّة الحسنان و الموثّقة الاولى، و على الثالث رواية أبي بصير السابقة «1»، و على الأولين مرفوعة أحمد: «و بطون الأودية و رؤوس الجبال و الموات كلّها هي له» إلى أن قال: «و ما كان في القرى من ميراث من لا وارث له فهو له خاصّة» «2». و ضعف بعض تلك الأخبار مرتفع للشهرة بالانجبار.

و مقتضى إطلاقاتها اختصاص كلّ هذه الأمور بالإمام مطلقا، كما صرّح به الشيخان «3»، و هو

ظاهر الأكثر «4»، لما ذكر من الإطلاقات.

و قيّدها الحلّي بما لم يكن في أرض مسلم «5»، أي كان في الأراضي المختصّة بالإمام من الموات و المحياة المملوكة، و مال إلى ذلك بعض من تأخّر عنه «6»، لضعف تلك المطلقات.

و ردّ بما مرّ من الانجبار، مع ما يستلزم التقييد من التداخل.

______________________________

(1) تقدمت جميعا في ص: 139- 141.

(2) التهذيب 4: 126- 364، الوسائل 9: 529 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 17.

(3) المفيد في المقنعة: 278، الطوسي في المبسوط 1: 263.

(4) كما في القواعد 1: 62، و البيان: 352.

(5) السرائر 1: 497.

(6) كما في الروضة 2: 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 143

أقول: ظنّي أنّ المنازعين في المقام غفلوا عن حقيقة الحال، و تحقيق المقال: أنّه لم يثبت في الشريعة أنّ كلّ ما يتصرّف فيه مسلم و يدّعي ملكيّته فيحكم له به، بل لا بدّ فيه من احتمال كون يده عليه بأحد الوجوه الموجبة للملكيّة شرعا، فلو لم يحتمله عقلا أو شرعا أو عادة لا يحكم له بذلك أصلا.

ألا ترى أنّه لو كانت هناك جبال فيها وحوش و كان يتصيّد فيها أحد من مدّة طويلة، لا تسمع دعواه- لو منع غيره من الاصطياد- مدّعيا أنّ هذه الجبال مع ما فيها من الوحوش ملكي أتصيّد فيها من القديم.

و لو كان بحر لأشخاص فيه سفن يتردّدون فيه و يغوصون، لا يسمع ادّعاؤهم الملكيّة.

لعدم ثبوت اعتبار مثل ذلك اليد، و عدم احتمال تحقّق التصرّف المملّك- أي الموجب للملكيّة شرعا- فيهما.

و على هذا، فنقول: إنّه ما ثبت إيجابه للتملّك في الأرضين و نحوها هو إحياء ببناء أو غرس أو زرع أو حفر أو نحو ذلك، و لا

تحتمل هذه الوجوه في رؤوس الجبال من حيث هي.

نعم، يمكن تصرّف مسلّم في موضع منها ببناء أو غرس شجر أو حفر، و هو غير ما نحن فيه.

فالوجوه الثابت إيجابها للتملّك شرعا ممّا لا يمكن تحقّقها في الجبال و رؤوسها من حيث هي، فدعوى أحد: أنّ هذه الجبال برؤوسها ملك لي و يدي عليها لأنّي أنقل حجارها و أحصد نباتها و نحو ذلك، ممّا لا يسمع، إذ لا يمكن تحقّق الأسباب الموجبة للتملّك فيها.

نعم، يمكن ذلك في بعض أجزائها، و هو غير تملّك رؤوس الجبال

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 144

من حيث هي هي.

و لذا لو ادّعى أحد ملكيّة أرض ميتة لم يكن فيها بناء و لا قناة و لا زرع أبدا، و يقرّ المدّعي بذلك، و لكن يقول: إنّها في يدي، لأنّي أحتطب فيها و أحتشش و أرعى فيها دوابي .. لا يسمع منه، إذ محض هذه التصرّفات لا يوجب التملّك، و لذا جعل من مطاعن الثاني ما فعل من حماية الحمى.

و كذا الوادي، فإنّ أسباب تملّك المياه السائلة إنّما تتحقّق بحفر قنوات أو حيازة عين أو عيون و نحوها، و ما كان منتهيا إلى مثل ذلك لا يطلق عليه الوادي عرفا، بل حقيقة المياه العظيمة التي لا تنتهي إلى عين أو عيون أو قناة أو نهر يحتمل أن يكون مستحدثا من شخص أو أشخاص بقصد التملّك، و ما يحتمل فيه ذلك لا يسمّى واديا إلّا مجازا.

و كذا الآجام، و المراد بها- كما مر- ما يقال بالفارسيّة: بيشه. و الوجوه المملّكة للأشجار من الغرس أو الابتياع أو النمو في الملك إنّما هو أمر لا يتحقّق عرفا في الآجام.

فالوجوه الموجبة للملكيّة غير محتملة في هذه

الثلاثة.

و لو فرض وجود نادر- كواد صغير منته إلى عيون محصورة في موضع معين، أو أجمة صغيرة محتملة لأن تكون مغروسة، أو ملكها في الأصل لواحد معيّن- فهو إمّا لا يطلق عليه الوادي و الأجمة إلّا مجازا، أو فرد نادر جدّا لا تنصرف إليه الإطلاقات.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ الكلام ليس في جزء من الجبال يتصرّف فيه أحد بقصد التملّك ببناء أو حفر أو غرس أو غيرها من الوجوه الثابتة مملّكيتها شرعا، بل في الجبال من حيث هي هي.

و لا في نهر شقّ من واد أو نهر عظيم متصرّف فيه لأحد ينتهي إلى

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 145

مبادئ كونها مستحدثة من شخص أو أشخاص بقصد التملّك، فإنّه ليس واديا عرفا، و إن أطلق عليه الوادي مجازا.

و لا في محلّ محصور فيه أشجار و قصبات ملتفّة محتملة لكونها مغروسة أو أصل ملكها مملوكة لأشخاص، فإنّه ليس أجمة عرفا و إن أطلقت عليه مجازا، لما عرفت من عدم كونهما واديا أو أجمة حقيقة.

و لو سلّمناه فمثلهما من الأفراد الغير المتبادرة من الوادي و الأجمة.

و أمّا ما عدا ذلك فلا يملكه أحد، إذ لم يثبت من الشريعة وجه مملّك لجميعه، فيكون ملكا للإمام بمقتضى الإطلاقات، و لا تعارضها يد المسلم و لا دعواه، لعدم احتمال تحقّق وجه مملّك فيه عرفا، فافهم.

الرابع: المال المجهول مالكه

، كما مرّ في مسألة الحلال المختلط بالحرام.

الخامس: الأراضي الميتة
اشارة

، سواء لم يعلم سبق إحياء و ملك عليها- ككثير من المفاوز و البوادي- أو علم إحياؤها في زمان و طريان الموتان عليها. و كونها من الأنفال ممّا لا خلاف فيه في القسم الأول، و الثاني إذا لم يكن له مالك معروف، بل في التنقيح و المسالك و المفاتيح و شرحه و غيرها الإجماع عليه «1».

و تدلّ عليه مرسلتا حمّاد و أحمد، و روايتا داود و أبي بصير المتقدّمة المتضمّنة للفظ الميتة و الموات «2»، و استدلّوا له أيضا بحسنتي البختري و محمّد و موثّقات محمّد و سماعة و إسحاق المتضمّنة للفظ الخربة «3».

و لا يخفى أنّ المتبادر منها هو القسم الأخير من الميتة- و هو

______________________________

(1) التنقيح 4: 98، المسالك 2: 287، المفاتيح 3: 20.

(2) المتقدّمة جميعا في ص 140- 142.

(3) المتقدّمة في ص: 139، 140.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 146

المسبوق بالإحياء و العمارة- فهي تصلح أدلّة لبعض أفراد المطلوب، بل يحتمل شمولها ما لم يبلغ حدّ الموات من هذا القسم أيضا، كما هو الظاهر من جمعها مع الميتة في المرسلة.

ثمَّ مقتضى إطلاق أكثر تلك الأخبار و إن كان كون القسم الثاني من الأراضي الميتة و الخربة من الأنفال مطلقا- سواء لم يكن لها مالك معروف أو كان، و سواء ملكها المالك المعروف بالإحياء أو بغيره من وجوه الانتقالات، كما نقله في الذخيرة عن بعض الأصحاب و نسبه إلى ظاهر الإرشاد أيضا «1»- إلّا أنّ أكثر الأصحاب خصّوه بالأولين، و جعلوا الثالث ملكا لمالكه المعروف «2»، و منهم من خصّه بالأول خاصّة، و جعل الأخيرين لمالكه.

و منه يعلم أنّ كون ما لا مالك له معروفا

من الأراضي الميتة و الخربة من الأنفال ممّا لا خلاف فيه، و استفاضت عليه الروايات أيضا.

و أمّا ما له مالك معروف منها ففيه أقوال ثلاثة:

الأول: أنّها من الأنفال مطلقا كما مرّ.

الثاني: أنّها ليست منها كذلك، اختاره الشيخ و المحقّق «3».

الثالث: التفصيل بين ما ملكه مالكه بالإحياء فمن الأنفال، و بغيره كالشراء و الإرث و نحوهما فمالكه، نقل عن الفاضل في بعض فتاويه، و عن التذكرة «4»، و قوّاه في المسالك «5»، و استقربه في الكفاية «6»، و إن

______________________________

(1) الذخيرة: 489.

(2) منهم العلّامة في المنتهى 1: 553، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 68.

(3) المبسوط 1: 235، الشرائع 1: 323.

(4) التذكرة 1: 428.

(5) المسالك 1: 156.

(6) الكفاية: 239.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 147

استشكل أخيرا فيما ملكه المالك بالبيع و الشراء أيضا.

دليل الأول وجوه:

الأول: المطلقات المذكورة المصرّحة بأنّ كلّ أرض ميّتة أو خربة بإطلاقها للإمام.

و لا يعارضها تقييد الميّتة في بعضها بقوله: «لا ربّ لها»، أو الخربة بقوله: «باد أهلها» أو «جلا»، إذ لا منافاة بين منطوقه و بين الإطلاق، و أمّا مفهومه فمفهوم وصف لا حجّية له، على أنّ القائلين بذلك القول يقولون:

إذا ماتت الأرض لا يكون لها ربّ البتّة. فالوصف به توضيحي. و التوصيف بالجلاء أعمّ من المعروفيّة بعده أيضا. و يمكن إرادة المربّي و العامر من الربّ، بل هو مقتضى المعنى اللغوي، و على هذا فيرجع إلى ما يأتي من كونها غير متروكة.

الثاني: الأخبار المصرّحة بأنّ الأرض كلّها للإمام.

كصحيحة الكابلي، و فيها: «و الأرض كلّها لنا» «1».

و صحيحة عمر بن يزيد، و فيها: «يا أبا سيّار، إنّ الأرض كلّها لنا» «2»، خرج منها ما ثبت خروجه، فيبقى الباقي.

الثالث: المستفيضة المصرّحة بأنّ من

أحيا أرضا ميّتة فهي له، ففي صحيحة محمّد: «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض و عمروها فهم أحقّ بها و هي لهم» «3».

______________________________

(1) الكافي 1: 407- 1، و ج 5: 279- 5، التهذيب 7: 152- 674، الاستبصار 3:

108- 383، الوسائل 25: 414 أبواب إحياء الموات ب 3 ح 2.

(2) الكافي 1: 408- 3، التهذيب 4: 144- 403، الوسائل 9: 548 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 12.

(3) الكافي 5: 279- 1، التهذيب 7: 152- 671، الاستبصار 3: 107- 380، الوسائل 25: 412 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 148

و في صحيحة زرارة أو حسنته: «من أحيا مواتا فهي له» «1».

و في صحيحة الفضلاء السبعة أو حسنتهم: «من أحيا أرضا مواتا فهي له» «2»، إلى غير ذلك، كصحيحة السرّاد «3»، و رواية السكوني «4»، و صحيحة عمر بن يزيد «5».

وجه الاستدلال: أنّها تدلّ على أنّ بالإحياء تملك الموات و إن كان لها مالك معروف، و لا يكون ذلك إلّا بكونها من الأنفال، للإجماع المركّب.

و المعارضة بكون الأول أيضا مصداقا لذلك يأتي جوابه.

الرابع: خصوص صحيحة ابن وهب: «أيّما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها و كرى أنهارها و عمرها فإنّ عليه فيها الصدقة، فإن كانت أرضا لرجل قبله فغاب عنها و تركها و أخربها ثمَّ جاء بعد يطلبها فإنّ الأرض للّه عزّ و جلّ و لمن عمرها» «6»، و دلالتها- بضميمة الإجماع المركّب المشار إليه- واضحة جدّا. و جعل اللام للاختصاص دون الملكيّة خلاف الظاهر.

و أورد عليها: بأنّ دلالتها متشابهة، إذ لو جعلنا أول الرواية مبنيّا على أنّ تلك الأرض كانت معمورة قبل الإحياء- كما هو ظاهر لفظ

الخربة

______________________________

(1) الكافي 5: 279- 3، الوسائل 25: 412 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 6.

(2) التهذيب 7: 152- 673، الاستبصار 3: 108- 382، الوسائل 25: 412 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 5.

(3) الفقيه 3: 152- 668، الوسائل 25: 412 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 8.

(4) الكافي 5: 280- 6، الفقيه 3: 151- 665، التهذيب 7: 151- 670، الوسائل 25: 413 أبواب إحياء الموات ب 2 ح 1.

(5) التهذيب 4: 145- 404، الوسائل 9: 549 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 13.

(6) الكافي 5: 279- 2، التهذيب 7: 152- 672، الوسائل 25: 414 أبواب إحياء الموات ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 149

و البائرة، و إضافة الأنهار إلى الأرض- فلا بدّ من حمل بقيّة الحديث على أنّ الأرض كانت غير معروفة المالك وقت الإحياء الثاني، ثمَّ ظهر مالكها بعد الإحياء، فالرواية خارجة عن محلّ النزاع.

و إن جعلنا أولها مبنيّا على كونها مواتا غير مسبوقة بإحياء، فلا بدّ أن يحمل آخرها على بيان حكم ما سبق إليها إحياء قبل ذلك، فلا بدّ أن يكون المراد منها أنّ الأرض للّه عزّ و جلّ و لمن عمرها أولا.

و إن جعل الأول و الآخر مبنيّا على مسبوقيّة الإحياء الثاني بإحياء آخر، فيبقى العطف و التعقيب بلا فائدة، و يصير الكلام في غاية الحزازة، بل المناسب حينئذ أن يقال: و إن كان له صاحب قبله و جاء يطلبها، بكلمة إن الوصليّة. انتهى.

و لا يخفى ما فيه من الركاكة و السخافة، أمّا أولا: فلأنّ أولها مبنيّ على الإحياء المسبوق. قوله: فلا بدّ من حمل بقيّة الحديث، إلى آخره. قلنا:

و لم ذلك و أيّ

لا بدّية فيه؟! بل يبقى على ظاهره.

و توهّم كونه خلاف الإجماع ممنوع، إذ بمجرّد نقل الإجماع في التذكرة «1» لا يثبت الإجماع الموجب لتأويل الرواية، و لذا قال صاحب الكفاية بعدم ثبوت الإجماع المذكور «2»، مع أنّ الإجماع المنقول أيضا مخصوص بصورة التملّك بغير الإحياء، فحمل آخر الرواية عليه ممكن.

و ثانيا: أنّ ما ذكره- بقوله: فيبقى العطف و التعقيب، إلى آخره- فاسد جدّا، لأنّ بالجزء الأول يثبت أنّ على المحيي الثاني الصدقة، و لازمة أحقّيّته، و لم يثبت حكم ما إذا جاء طالب و يدّعيه و أنّ أحقّيّته هل هي

______________________________

(1) التذكرة 1: 427.

(2) الكفاية: 239.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 150

بالملكيّة، فعطف عليه قوله: «فإن جاء» لبيان هذه الغاية.

و بالجملة: دلالة الصحيحة على المطلوب في غاية الوضوح. و استدلّ أيضا بوجوه خطابيّة لا حجيّة فيها.

حجّة الثاني أيضا وجوه:

الأول: استصحاب الملك الأول و لا مزيل له.

و فيه: أنّ جميع ما مرّ له مزيل.

الثاني: عمومات: من أحيا أرضا ميّتة فهي له.

و ردّ بأنّ الإحياء الثاني أيضا إحياء، بل هي أدلّ عليه، لكونه عارضا و طارئا على الإحياء الأول، و السبب المملّك الطارئ أقوى.

و اعترض عليه بأنّ المتبادر من الروايات هو الإحياء الأول، و بيّن ذلك بما لا يرجع إلى محصّل عند المحقّق.

و يردّه منع التبادر جدّا، بل المتبادر أنّها له ما دامت محياة. و لو قطع النظر عنه فتكون نسبته إلى الإحياءين على السواء، ألا ترى أنّه إذا ورد:

«من اشترى شيئا فهو له» لا يتبادر منه الشراء الأول الغير المسبوق بشراء آخر من البائع.

و لا يتوهّم أنّه يحصل التعارض حينئذ بين الإحياءين لأجل تلك العمومات، لأنّ ذلك توهّم فاسد جدّا، لأنّ الثابت من قوله: «من أحيا

مواتا فهي له» ليس إلّا سببيّة الإحياء للتملّك و حصول التملّك بعده، و أمّا استمراره و بقاؤه حتى بعد الموتان أيضا فلا يثبت من الخبر أصلا، بل هو أمر ثابت بالاستصحاب فقط، و قد مرّ جوابه.

و لذا يحكم بكون ما اشتراه ملكا للمشتري الثاني و لو كان بائعه ملكه بالاشتراء أيضا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 151

و لذا لا يحكم بكون الموضع الملاقي للنجاسة- مثلا- نجسا بعد غسله مرّة بما دلّ على تنجّسه، بل بالاستصحاب، و هذا ظاهر جدّا.

الثالث: قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من أحيا أرضا ميّتة فهي له، و ليس لعرق ظالم حقّ» «1».

و فسّر: بأنّ المراد: أن يأتي الرجل الأرض الميّتة لغيره فيغرس فيها.

و فيه: أنّ التفسير محكيّ عن هشام بن عروة و السيّد في المجازات النبويّة «2»، و مجرّد قولهما ليس بحجّة في التفاسير، مع أنّ أصل الرواية غير ثابت، و الجابر لها- في صورة تملّك الأول بالإحياء- مفقود.

الرابع: صحيحة سليمان بن خالد: عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها و يجري أنهارها و يعمرها و يزرعها، ما ذا عليه؟ قال: «عليه الصدقة» قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟ قال: «فليردّ عليه حقّه» «3»، و قريبة منها مرويّة عن الحلبي عنه عليه السّلام في البحار «4».

و فيه أولا: أنّ المأمور به ردّ الحقّ، و فيه إجمال، لاحتمال كونه الأرض و الطسق «5» و الأعيان التي منه فيها، و غير ذلك ممّا لم يعلمه، كقيمة التفاوت بينها و بين الموات المطلق، كما إذا كان بعض أنهارها أو آبارها باقيا- و لا يبعد أن يكون هذا هو الأظهر- و غير ذلك. و لا يلزم تخصيص بمجمل، إذ لا تخصّص تلك العمومات

إلّا بعد تيقّن أنّ المراد منه نفس الرقبة.

______________________________

(1) غوالي اللئالي 3: 480- 2، سنن البيهقي 6: 142.

(2) المجازات النبوية: 255.

(3) التهذيب 7: 148- 658، الوسائل 25: 411 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 2.

(4) بحار الأنوار 101: 255- 11.

(5) الطسق: الوظيفة من خراج الأرض، فارسي معرّب- الصحاح 4: 1517.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 152

و القول بأنّ إطلاق الأعمّ يقتضي إرادة جميع الأفراد.

سخيف جدّا، لأنّه فرع ثبوت كون الأرض حينئذ أيضا حقّا للأول، مع أنّ أصل الاقتضاء ممنوع.

و بأنّ مقتضى لفظ الصاحب أنّه مالك بالفعل، لأنّ المشتقّ حقيقة في المتلبّس بالمبدإ.

أسخف، لأنّه وقع في كلام الراوي، و لا حجّية فيه، و ليس فيه تقرير حجّة، إذ غايته تجوّز من الراوي.

و بأنّ ذلك يستلزم حمل الرواية على غير صورة انتقال الملك إلى المالك الأول بالبيع و نحوه، مع أنّه غالب أفراد المحياة، و حملها على المعنيين يوجب استعمال اللفظ في المعنيين المتباينين في إطلاق واحد.

أسخف بكثير، لمنع الاستلزام أولا، بل يبقى على ظاهره من الإطلاق، و منع لزوم استعمال اللفظ في المعنيين ثانيا، و إنّما هو استعمال للمشترك المعنوي في القدر المشترك.

و فيه ثانيا: أنّه لو سلّم عدم الإجمال، فهي أعمّ مطلقا من صحيحة ابن وهب «1»، لاختصاصها بما تركها مالكها الأول و أخربها، و هذه أعمّ منه و ممّا إذا لم يتركها و كان في صدد إحيائها، بل مشتغلا بتهيئة أسبابه.

سلّمنا، فتكون معارضة لهذه الصحيحة، فتتساقطان، و يرجع إلى المطلقات و العمومات المتقدّمة.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ هذه الصحيحة ظاهرة في أنّ المحيي الثاني كان يعرف صاحبها حال الإحياء، و الصحيحة الاولى و غيرها أعمّ من ذلك، فلتخصّ بها. و هو كان حسنا

لو لا الإجمال المذكور.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 148.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 153

و دليل الثالث: الإجماع المنقول في التذكرة على عدم تملّك الثاني إذا ملك الأول بغير الإحياء «1»، و صرّح بعدم الخلاف فيه بعض آخر أيضا «2».

و الجمع بين الأخبار المتقدّمة بحمل صحيحة سليمان على ما إذا ملكها الأول بغير الإحياء، و ما تقدّم عليها على ما إذا ملكها بالإحياء بشهادة صحيحة الكابلي، و فيها: «و من أحيا من المسلمين أرضا فليعمرها، و ليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، و له ما أكل منها، فإن تركها أو أخربها، فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و أحياها، فهو أحقّ بها من الذي تركها، فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي و له ما أكل، حتى يظهر القائم من أهل بيتي عليهم السّلام بالسيف» الحديث.

و ردّها بأنّ الظاهر منها حكم زمان الحضور- كما يدلّ عليه إعطاء الخراج- و بأنّها لا تدلّ إلّا على الأحقيّة و الأولويّة، و هي أعمّ من الملكيّة.

مردود بأنّ قوله: «حتى يظهر القائم» صريح في إرادة العموم لزمان الغيبة أيضا، و تخصيص أداء الخراج بزمان الحضور بالدليل لا يستلزم تخصيص الباقي أيضا، و الأحقيّة و إن كانت أعمّ من الملك لكن المطلوب ثبت منه كما لا يخفى.

و لا يخفى أنّ تلك الصحيحة و إن اختصّت بما إذا كان المالك الأول ملكها بالإحياء، إلّا أنّها لا تدلّ على نفي الحكم الثابت بأدلّة القول الأول في غير موردها.

نعم، لو كان دليل الثاني دالّا على مطلوبه لصلحت هذه الصحيحة للجمع، لكونها أخصّ منها، و لكن قد عرفت عدم تماميّتها.

______________________________

(1) التذكرة 1: 427.

(2) كالسرائر 1: 481.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 154

و

الإجماع المنقول ليس بحجّة، و قد صرّح في الكفاية بعدم ثبوته أيضا «1». إلّا أنّ معه- مضافا إلى عدم العثور على مصرّح بخصوصه بالملكيّة مع تملّك المالك الأول بغير الإحياء- الفتوى بها خلاف الاحتياط.

و منه يظهر أنّ أقوى الأقوال- بحسب الدليل- هو الأول، و الاحتياط في متابعة الثالث فيما لم يعارضه احتياط آخر.

و كيف كان، يجب تقييدهما بقيد آخر أيضا، و هو كون الملك ممّا تركها المالك الأول المعروف، لمفهومي الشرط في صحيحتي ابن وهب و الكابلي المؤيّدتين برواية يونس: «فمن عطّل أرضا ثلاث سنين متوالية لغير سبب أو علّة أخرجت من يده» «2».

و لتقييد الميّتة و الأرض في بعض ما تقدّم من الأخبار بكونها لا ربّ لها، أي كانت متروكة لا مربّي لها و لا عامر، بل يدلّ على الترك و التعطيل الإجماع، فإنّ الظاهر أنّ عدم جواز التصرّف في أرض لها مالك معروف لم يتركها و يريد إحياءها و عمارتها محلّ إجماع العلماء، بل الضرورة، بل و كذلك لو لم يعلم أنّها تركها أم هو بصدد إحيائها.

و على هذا، فكلّ أرض ميّتة لم يعلم سبق إحياء عليها فهي ملك لمحييها مطلقا، و كذا ما علم و لم يعرف مالكها الأول، أو عرف و ملكها بالإحياء خاصّة على الأحوط، و مطلقا على الأظهر بشرط أن ترك إحياء الأرض و عطّلها.

فروع:
أ: قالوا: المرجع في معرفة الموات إلى العرف

«3»، و عرّفوها فيه: بأنّه

______________________________

(1) الكفاية: 239.

(2) الكافي 5: 297- 1، الوسائل 25: 433 أبواب إحياء الموات ب 17 ح 1.

(3) المسالك 2: 287، و المدارك 5: 414، و الكفاية: 44 و 238.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 155

ما لا ينتفع منه لعطلته، و حصول موانع الانتفاع منه بحيث يتعذّر الانتفاع منه بدون

عمل فيه.

و قد يشكل في بعض الأراضي في صدق الموات عليه عرفا و عدمه، إلّا أنّه لعدم انحصار العنوان في الموات- بل علّق الحكم بعينه للأرض الخربة- يسهل الأمر، لأنّ معنى الخربة عرفا أظهر و أجلى، و هي: كلّ أرض معطّلة غير ممكن الانتفاع منها بالفعل لخرابها و بوارها، و توقّفه على عمارتها و إصلاحها.

ب: ليس المراد بترك المالك للأرض إعراضه عنها

و إخراجها عن ملكه، لأنّه ليس معنى عرفيّا للترك و لا لغويّا، بل المراد منه تعطيل إصلاحها و ترك عمارتها و إبقاؤها على خرابها و عدم الاهتمام و الالتفات إلى مرمّتها و عدم عزمه على إحيائها، سواء كان لعدم حاجته إليها أو عدم تمكّنه من إحيائها.

و أمّا لو كان مهتمّا بإحيائها عازما عليه مريدا له، فلا تكون متروكة و إن توقّف الاشتغال به على جمع آلات متوقّعة الحصول، أو انتظار وقت صالح له، أو حصول مال متوقّع له.

و لو كانت لأحد أرض خربة و لم يعلمها- كأن تكون موروثة و هو غير عالم بها- فلا يصدق الترك، بل اللازم إعلامه ثمَّ اعتبار الترك و عدمه.

و الظاهر أنّه يشترط في صدق الترك عرفا أمران آخران:

أحدهما: أن لا يعزم على بيعها أو صلحها و لو ببعض رقبتها لإحياء الجميع، إمّا لعدم قصده بذلك، أو عدم توقّع من يشتريها أو يقبلها توقّعا مظنون الحصول.

و ثانيهما: أن يمضي على ذلك زمان يعتدّ به، بحيث يصدق معه

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 156

الترك عرفا من سنين متعدّدة و لا أقلّ من ثلاث سنين، و لا يبعد أن يكون نظره عليه السّلام إلى ذلك في رواية يونس المتقدّمة.

ج: القائلون- ببقاء الملك على ملكيّة المالك الأول في الأخيرين أو أحدهما

- بين قائل بجواز الإحياء و أحقّية المحيي الثاني في التصرّف، و عليه طسقها للأول، و قائل بعدم الأحقّية أيضا فلا يجوز له الإحياء.

و الظاهر عدم دليل يعتدّ به على الأول، فإن جاز للثاني الإحياء و ثبتت أحقّيته فلا طسق عليه، و إلّا فلا يجوز أصل التصرّف.

د: المناط في التملّك بالإحياء و غيره-

على الفرق بينهما- تملّك من وقع الموتان في حال تملّكه، فلو تملّك أحد أرضا بالإحياء و ماتت حال تملّكه لا تنتقل إلى ورثته، إذ بالموتان خرجت من ملكه و صارت من الأنفال، فليس للورثة دعوى أنّها منتقلة إليهم بالإرث.

ه: لو لم يعلم أنّ تملّكه هل بالإحياء أو بغيره

، و لم يمكن تحقيق الحال، فحكمه حكم المتملّك بالإحياء، للعمومات و الإطلاقات المتقدّمة، خرج منها ما تحقّق فيه الإجماع لو ثبت- و هو ما علم تملّكه بغير الإحياء- فيبقى الباقي، مضافا إلى أصالة تأخّر الحادث في كثير من الصور.

و: لو كانت الأرض موقوفة و طرأها الموتان

أو الخراب تصير به من الأنفال مطلقا، أي من غير تفرقة بين الوقف العامّ أو الخاصّ، و لا بين معلوم الجهة و مجهولها، و لا بين ما تملّكه الواقف بالإحياء أو بغيره، للعمومات و الإطلاقات الخالية عن المعارض، إذ ليس إلّا صحيحة سليمان المتضمّنة للفظ صاحبها، و المتبادر منها الشخص المعيّن و جهة الملكيّة لا غير ذلك.

أو الإجماع، و تحقّقه في المقام غير معلوم، بل مفقود.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 157

أو استصحاب الوقفيّة، و هو بما مرّ مزال.

أو عمومات الوقف، و شمولها فرع تسليم الوقفيّة، و هي عين النزاع.

نعم، يشترط في دخولها في الأنفال و عدمه اعتبار الترك و عدمه، للإجماع، فإنّ الظاهر أنّه ما لم يتركها الموقوفة عليه أو المتولّي و لم يعطّلها و كان بصدد إحيائها كان عدم جواز تصرّف الغير إجماعيّا، بل هي إجماعيّة مقطوع بها.

و يدلّ عليه أيضا الإجماع المركّب، فإنّ الظاهر عدم تفرقة أحد بين الموقوف و المملوك فيما يدخل به في الأنفال.

بل يمكن الاستدلال عليه بمفهوم صحيحة ابن وهب «1» أيضا، فإنّ اللام في قوله: «لرجل» يمكن أنّ يكون للاختصاص الثابت للموقوف عليه الخاصّ أو المتولّي العامّ، إلّا أنّ مجرّد احتمال ذلك مع احتمال الملكيّة غير كاف في الاستدلال.

نعم، يمكن الاستدلال بإطلاق قوله: «فمن أحيا» في صحيحة الكابلي «2»، فإنّه شامل لمن أحياها و وقفها أيضا، فهو دليل على اعتبار الترك و عدمه هنا مع الإجماعين القطعيّين.

و

المناط في التارك في الوقف الخاص: متولّيه الخاصّ إن كان، أو الموقوف عليه، و في العامّ المتولّي الخاصّ إن كان، و إلّا فالحاكم مع وجوده في تلك النواحي، أو عدول المسلمين مع عدمه.

و لا تكفي مشاهدة كون الأرض بائرة لا عامل لها و عدم اهتمام

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 148.

(2) الكافي 1: 407- 1 و ج 5: 279- 5، التهذيب 7: 152- 674، الاستبصار 3:

108، الوسائل 25: 414 أبواب إحياء الموات ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 158

المتولّي الخاصّ أو العامّ في إحيائها، لجواز عدم علم المتولّي بالكيفيّة، و كذا الموقوف عليه، بل اللازم الفحص و إعلام المتولّي العامّ أو الخاصّ أو الموقوف عليه، فإن قصدوا الإحياء و نهضوا له و لو بعد حين يتوقّع فيه تهيّؤه عرفا فهو، و إلّا فيحييها من أراد و يصير هو أحقّ بها و ملكا له.

ز: لو ترك المالك بالإحياء أو بغيره أيضا على الأظهر أرضا مدّة و عطّلها

، و لم يهتمّ بإحيائها أو لم يكن في نظره، ثمَّ أراد الإحياء، فهل يجوز لغيره السبق عليه قبل شروعه في العمل؟ و لو سبق عليه فهل له ردعه و منعه؟ و كذا لو عطّلها و تركها مالكها و مات المالك، و أراد الوارث إحياءها و سبق عليهم محيي آخر، فهل لهم منعه و أخذهم الأرض منه، أم لا؟

الظاهر: الثاني، لدخولها بالترك في الأنفال، فلا تعود إلى الملكيّة بلا موجب، و لاستصحاب جواز إحياء كلّ أحد لها قبل إرادة الإحياء.

ح: لو ماتت أرض الصغير

، أو انتقل إليه ملك خراب يريد مالكه عمارته فمات و انتقل إلى صغيره، فهل يعتبر الترك و التعطيل و عدمهما من وليّه المعيّن أو الحسبي، أو لا، بل ينتظر إلى كبر الصغير و اعتبارهما بالنسبة إليه؟

الأحوط: الثاني، و اللّه العالم.

ط: قد عرفت إناطة الحكم في بعض الأقسام على الاحتياط أو الفتوى على عدم معروفيّة المالك.

و ظاهر أنّ المراد منه ليس عدم معروفيّته عند أحد من الناس، إذ حصول العلم بمثل ذلك غير ممكن. و لا عدم معروفيّته عند المحيي أو شخص معيّن مطلقا، إذ ليست أرض إلّا و مالكها غير معروف عند بعض الناس.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 159

بل المراد: كون مالكها غير معروف عند المحيي، و يكون بحيث لا تحصل معرفته بعد التفحّص عنه في مظانّه، و هي بلد الأرض و حواليه، فلا تدخل في الأنفال بدون ذلك التفحّص، و معه تكون من الأنفال، إذ لا يثبت من الإجماع و لا صحيحة سليمان- اللذين هما الباعث لاعتبار معروفيّة المالك- أزيد من ذلك.

ي: لو فحص و أحيا ثمَّ بان له مالك آخر

، لم يكن له حقّ، إذ لم يثبت من أدلّة اعتبار عدم معروفيّة المالك و خروج معروف المالك عن العمومات ما يشمل ذلك أيضا.

يا: قد تلخّص ممّا ذكرنا: أنّ الأراضي الخربة تملك بالإحياء

إن لم يكن لها مالك معروف بعد الفحص المذكور مطلقا، و إن كان لها مالك معروف يملك أيضا به بعد تعطيل المالك إيّاها و تركها خربة كذلك، و إن كان الأحوط في صورة العلم بتملّكه بغير الإحياء تحصيل الإذن منه.

يب: لو كانت هناك أرض خربة لها مالك معروف

و لم يعلم أنّه عطّلها أو لا، و أراد أحد إحياءها، يستأذن المالك، فإن أذن فهو، و إلّا فيأمره بإحيائها، فإن أحياها أو نهض بصدده فلا يجوز لغيره إحياؤها و إن علّقه على أمر متوقّع له منتظر، و لم يعلم من الخارج أنّ غرضه التعطيل.

و إن لم ينهض أو علّقه على أمر غير متوقّع في حقّه، أو علم أنّه ليس بصدده و غرضه التعطيل، يحييها من يريد.

و الأولى- كما قيل «1»- الاستئذان من الحاكم.

السادس من الأنفال: كلّ أرض باد أهلها أو لا ربّ لها

- من غير تقييد بالخربة أو الميتة- كما ورد في بعض الروايات المتقدّمة، و إنّما لم يذكروها

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 497.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 160

على حدة لأنّ معمورها داخل في مجهول المالك، و خرابها في الخربة.

السابع: ما يصطفيه الإمام من غنيمة أهل الحرب

، بمعنى: أنّ له أن يصطفي منها قبل القسمة ما يريد من فرس أو ثوب أو جارية أو نحو ذلك، بالإجماع، كما في المنتهى و غيره «1»، و عليه استفاضت الروايات «2».

الثامن: الغنيمة المحوزة في قتال بغير إذن الإمام

، و كونها من الأنفال على الحقّ الموافق للشيخين و السيّد و الحلّي و المحقّق في الشرائع و الفاضل في جملة من كتبه و الشهيدين «3»، بل للشهرة العظيمة المحقّقة، و المحكيّة في كتب الجماعة «4»، و في الروضة: أنّه لا قائل بخلافها، و عن الخلاف و السرائر: دعوى الإجماع عليه صريحا، و في التنقيح ظاهرا «5».

لمرسلة الورّاق: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام، و إذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» «6» و ضعفها- لو كان- منجبر بما ذكر.

و استدلّ له في الحدائق «7» بحسنة ابن وهب: السريّة يبعثها الإمام

______________________________

(1) المنتهى 1: 553، و كالرياض 1: 297.

(2) الوسائل 9: 523 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1.

(3) المفيد في المقنعة: 275، و الشيخ في المبسوط 1: 263، و الخلاف 4: 190، و نسبه إلى الثلاثة- و منهم السيّد- في المعتبر 2: 635، و الحلي في السرائر 1:

497، و المحقق في الشرائع 1: 183، و العلّامة في التحرير 1: 75، و الشهيد الأول في اللمعة، و الثاني في الروضة 2: 85.

(4) كالرياض 1: 298.

(5) الخلاف 4: 190، نقله عنه في المعتبر 2: 635، و عبّر عنه ببعض المتأخّرين كعادته، و لم نجده في السرائر، التنقيح 1: 343.

(6) التهذيب 4: 135- 378، الوسائل 9: 529 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 16.

(7) الحدائق 12: 478.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 161

فيصيبون غنائم كيف

تقسّم؟ قال: «إن قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام عليهم، اخرج منها الخمس للّه تعالى و للرسول، و قسّم بينهم ثلاثة أخماس، و إن لم يكن قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعل حيث أحبّ» «1».

و لا يخفى أنّها تدلّ فيما إذا كانت الغنيمة بغير قتال، و هي غير محلّ الكلام، و يأتي حكمه في كتاب الجهاد إن شاء اللّه، مع ما في الرواية من الوهن من جهة قوله: «ثلاثة أخماس».

و استجود في المدارك كونها كالغنيمة المأخوذة بإذن الإمام «2»، و قوّاه في المنتهى «3»، و تردّد في النافع «4».

لإطلاق الآية الكريمة «5».

و صحيحة الحلبي: في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم، فيكون معهم، فيصيب غنيمة، قال: «يؤدّي خمسها و يطيب له» «6».

و قوله في صحيحة عليّ بن مهزيار الطويلة في تعداد ما يجب فيه الخمس: «و مثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله» «7».

و الآية لإطلاقها تقيّد- للمرسلة- بما إذا كان الغزو بإذن الإمام، كما هو

______________________________

(1) الكافي 5: 43- 1، الوسائل 9: 524 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 3.

(2) المدارك 5: 418.

(3) المنتهى 1: 554.

(4) المختصر النافع: 64.

(5) الأنفال: 41.

(6) التهذيب 4: 134- 357، الوسائل 9: 488 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 8.

(7) التهذيب 4: 141- 398، الاستبصار 2: 60- 198، الوسائل 9: 501 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 162

المتبادر من حال المخاطبين المشافهين بها، و لأجل ذلك يحصل الضعف في إطلاقها أيضا.

و كذلك الصحيحان، لإطلاقهما بالنسبة إلى حصول الغنيمة بالغزو و غيره، مع أنّ الأولى محتملة لكونها من باب التحليل، حيث إنّ الرجل من الشيعة.

ثمَّ إنّه

لا فرق في ذلك بين ما إذا كان الإمام حاضرا أو غائبا، كما صرّح به في الروضة «1»، لإطلاق المرسلة. و لا فيما إذا كان الغزو للدعاء إلى الإسلام أو الملك و السلطنة في دار الحرب أو دار الإسلام، لما ذكر.

نعم، لو كان فيما إذا كان يخاف من الكفّار على بيضة الإسلام تكون الغنيمة كما إذا كان الغزو بإذنه، للإذن العام حينئذ.

و تمام الكلام فيه يأتي في كتاب الجهاد.

التاسع: ميراث من لا وارث له،

و يأتي تحقيقه في بحث الميراث.

العاشر: المعادن

، و هي من الأنفال على الأظهر، وفاقا لجماعة من أعيان القدماء، كالكليني و القمّي و الشيخين و القاضي و الديلمي و الفاضل في خمس التحرير، و اختاره صاحب الحدائق «2»، و هو مذهب ابن أبي عمير «3».

للمرويّين في تفسيري القمّي و العيّاشي المتقدّمين «4».

و رواية جابر المرويّة في الكافي: «خلق اللّه تعالى آدم، و أقطعه الدنيا

______________________________

(1) الروضة 2: 85.

(2) الكافي 1: 538، تفسير القمي 1: 254، المقنعة: 278، التهذيب 4: 132، و القاضي في المهذب 1: 186، و الديلمي في المراسم: 140، التحرير 1: 74، الحدائق 12: 479.

(3) الكافي 1: 409- 8، مستدرك الوسائل 7: 304 أبواب الأنفال ب 5 ح 2.

(4) في ص 140، 141.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 163

قطيعة، فما كان لآدم فلرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ما كان لرسول اللّه فهو للأئمّة عليهم السّلام من آل محمّد» «1».

و رواية محمّد بن ريّان: «إنّ الدنيا و ما عليها لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» «2».

و مرسلة أحمد بن محمّد بن عبد اللّه: «الدنيا و ما فيها للّه و لرسوله و لنا» الحديث «3»، دلّت على أنّ الدنيا و ما فيها- و منه المعادن- للإمام، خرج منها ما خرج فيبقى الباقي.

و بعد دلالة تلك الأخبار الكثيرة- التي أكثرها مذكورة في الكافي و عمل قدماء الطائفة عليها- لا يضرّ ضعف سندها، و لا ضعف دلالة الاولى من جهة اختلاف النسخ بتبديل لفظة: «منها» في بعضها «فيها» فلا تدلّ إلّا على المعادن التي في أرضه- كما هو مذهب جمهور المتأخّرين «4»- بل و كذلك على نسخة: «منها»، لاحتمال رجوع

الضمير إلى الأرض لا الأنفال، سيّما مع قرب المرجع، و إيجاب الرجوع إلى الأنفال استئناف الواو مع أنّ الأصل فيها العطف، سيّما مع كونه مغنيا عن قوله: «منها».

و لا ينافي كون المعادن من الأنفال ما دلّ على وجوب الخمس فيها- حيث إنّه لا معنى لوجوبه في ماله على الغير- لجواز أن يكون الحكم في المعادن: أنّ من أخرجه بإذنه يكون خمسه له و الباقي له، كما صرّح به الكليني و الديلمي «5».

______________________________

(1) الكافي 1: 409- 7.

(2) الكافي 1: 409- 6.

(3) الكافي 1: 408- 2.

(4) منهم الشهيد الثاني في الروضة 2: 85، و السبزواري في الكفاية: 44، و صاحب الرياض 1: 298.

(5) الكافي 1: 538، المراسم: 140.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 164

و معنى كونه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مالكا للمجموع: أنّ له التصرّف في المجموع بالإذن و المنع، فمعنى أخبار وجوب الخمس: أنّ من أخرجها على الوجه الشرعي كان عليه الخمس، و هو إنّما يكون مع إذنه عليه السّلام.

الحادي عشر: البحار

، و هي على الأظهر من الأنفال، وفاقا لصريح الكليني «1»، و ظاهر ابن أبي عمير، و المحكي عن المفيد بل الديلمي «2»، للعمومات المتقدّمة «3».

و حسنة البختري: «إنّ جبرئيل كرى برجله خمسة أنهار و لسان الماء يتبعه: الفرات، و دجلة، و نيل مصر، و مهران، و نهر بلخ، فما سقت أو سقي منها فللإمام، و البحر المطيف بالدنيا» «4».

و تؤيده- بل تدلّ عليه أيضا- صحيحة عمر بن يزيد، و فيها: إنّي كنت وليت البحرين الغوص، فأصبت أربعمائة ألف درهم، و قد جئتك بخمسها ثمانين ألف درهم- إلى أن قال:- فقال عليه السّلام: «أو ما لنا من الأرض و ما أخرج اللّه

منها إلّا الخمس يا أبا سيّار؟! إنّ الأرض كلّها لنا، فما أخرج اللّه منها من شي ء فهو لنا» فقلت له: و أنا أحمل إليك المال كلّه؟ فقال: «يا أبا سيّار، قد طيّبناه لك، و أحللناك منه، فضمّ إليك مالك، و كلّ ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون، يحلّ ذلك لهم حتى يقوم قائمنا» الحديث «5».

______________________________

(1) الكافي 1: 538.

(2) المقنعة: 278، المراسم: 140.

(3) راجع ص: 139- 141.

(4) الكافي 1: 409- 8، الفقيه 2: 24- 91، الوسائل 9: 530 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 18.

(5) الكافي 1: 408- 3، التهذيب 4: 144- 403، الوسائل 9: 548 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 165

وجه الدلالة: أنّ المال الحاصل للسائل، و سؤاله كان عن الغوص، و منه يفهم أن مراده عليه السّلام من الأرض و ما أخرج منها ما يشمل أرض البحار أيضا.

المسألة الثانية: ليس علينا بيان حكم الأنفال في حال حضور الإمام

، فإنّه المرجع في جميع الأحكام، و أمّا في زمان الغيبة فالمشهور بين أصحابنا- كما في الروضة «1»- إباحتها للشيعة، و منهم من ذكر إباحة بعضها كالمناكح و المساكن و المتاجر «2»، و عن الحلبي و الإسكافي: عدم إباحة شي ء منها «3».

أقول: قد مرّ حكم الرابع منها، و هو المال المجهول مالكه.

و أمّا الثالث و الخامس، فيأتي حكمهما مشروحا في بحث إحياء الموات، و قد ذكرنا ها هنا بعض ما يتعلّق بهما أيضا.

و أمّا السادس، فهو- كما عرفت- غير خارج من الثلاثة المذكورة.

و يأتي حكم التاسع أيضا في كتاب المواريث.

بقيت ستّة أخرى، و الأصل فيها: إباحتها للشيعة و تحليلها بعد أداء ما فيه الخمس.

لقوله عليه السّلام في رواية يونس

بن ظبيان أو المعلّى: «و ما كان لنا فهو لشيعتنا» «4».

و في رواية النصري المتقدّمة: «اللهمّ إنّا أحللنا ذلك لشيعتنا» «5».

______________________________

(1) الروضة 2: 85.

(2) كالشيخ في المبسوط 1: 263.

(3) الحلبي في الكافي في الفقه: 174، و نقله عن الإسكافي في المختلف: 207.

(4) الكافي 1: 409- 5، الوسائل 9: 550 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 17.

(5) التهذيب 4: 145- 405، الوسائل 9: 549 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 166

و في صحيحة الفضلاء: «ألا و إنّ من شيعتنا و آبائهم في ذلك من حلّ» «1».

و في رواية ابن حمزة: «ما خلا شيعتنا» «2»، و رواية سالم «3».

الخالية جميعا عن معارضة ما يعارض هذه الأخبار في أمر الخمس، و اللّه العالم بحقائق أحكامه.

قد تمَّ كتاب الخمس من مستند الشيعة في أحكام الشريعة في محق يوم السبت، الثامن و العشرين من جمادى الثاني سنة 1237.

______________________________

(1) التهذيب 4: 137- 386، الاستبصار 2: 58- 191، الوسائل 9: 543 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 1.

(2) الكافي 8: 285- 431، الوسائل 9: 552 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 19.

(3) التهذيب 4: 137- 384، الاستبصار 2: 58- 189، الوسائل 9: 544 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 167

كتاب الصوم و يلحقه الاعتكاف، و فيه أربعة مقاصد:

اشارة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 169

المقصد الأول في بيان ماهيّته و ما يتحقّق به

اشاره

و هو في اللغة: الإمساك بقول مطلق، كما صرّح به جماعة «1»، أو إمساك الإنسان «2»، أو كلّ حيوان عن الطعام كما قيل «3».

و شرعا: الإمساك بالنّية و القصد عن تناول أشياء مخصوصة، عمدا، في وقت مخصوص، من شخص خاصّ، أي من يصحّ الصوم عنه.

فلا بدّ لنا في كشف ماهيّته الشرعيّة من شرح أمور خمسة في فصول خمسة:

______________________________

(1) حكاه في المصباح المنير: 352، لسان العرب 12: 351.

(2) المغرب في ترتيب المعرب 1: 311.

(3) كما في الصحاح 5: 1970 و مجمل اللغة 3: 250.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 171

الفصل الأول في النيّة
اشاره

و لا خلاف في اعتبارها، و لا ريب في وجوبها و بطلان الصوم بتركها عمدا أو سهوا، إذ لا عمل إلّا بنيّة، و لا فائدة بعد ذلك في الكلام في كونها شرطا أو شطرا ركنا.

و هنا هنا مسائل:

المسألة الأولى:
اشاره

يعتبر في النيّة القصد إلى الفعل مع القربة، و اعتبارهما فيها قطعي إجماعي، كما مرّ في بحث الوضوء، و لا يعتبر غيرهما ممّا اعتبره بعضهم، كنيّة الوجه و الأداء و القضاء و غير ذلك.

نعم، يعتبر قصد المعيّن و المميّز، حيث يمكن إيقاع الفعل على وجوه متعدّدة شرعا و لم تتداخل الوجوه، كالنذر المطلق، و النافلة و الإجارة، و القضاء، إذا اجتمعت كلّا أو بعضا، إجماعا محقّقا، و محكيّا عن ظاهر المعتبر و المنتهى و التنقيح و صريح التحرير «1»، و قد مرّ وجهه مستوفى.

و أمّا لو لم يمكن الإيقاع كذلك شرعا، أو كان و لكن أمكن تداخل الوجوه، لم يعتبر ذلك أيضا.

و تفصيل الكلام في ذلك المقام: أنّ المكلّف إمّا يكون بحيث يمكن له إيقاع الصوم على وجوه عديدة شرعا- بأن تكون عليه صيام متعدّدة، وجوبا أو ندبا، أو وجوبا و ندبا، و يكون الوقت صالحا لجمعيها، و لا تتداخل تلك الوجوه، أي لا يكفي الواحد للجميع- أو ليس كذلك.

و الأول: ما ذكرنا من اعتبار قصد المعيّن و المميّز فيه- أي في نوعه

______________________________

(1) المعتبر 2: 643، المنتهى 2: 557، التنقيح 1: 349، التحرير 1: 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 172

لا في أصنافه أو أفراده، إذا لم تختلف آثارها- فلو نذر صوم يوم ثمَّ نذر صوم يوم آخر لا يلزم تعيين النذر الأول أو الثاني إذا لم يختلف النذران من حيث الأثر، و كذا قضاء اليوم

الأول أو الثاني، أو نحو ذلك.

و الثاني: على قسمين، لأنّه إمّا لا يمكن له إيقاع الصوم على وجوه متعدّدة، أو يمكن و لكن يمكن تداخل تلك الوجوه.

و القسم الأول على نوعين، لأنّ عدم الإمكان إمّا لأجل عدم صلاحيّة الوقت لغير صوم واحد، أو لأجل عدم اشتغال الذمّة وجوبا أو ندبا بغير واحد.

و النوع الأول على ثلاثة أصناف: صوم شهر رمضان، و النذر المعيّن، و غيرهما كالإجارة المعيّنة أو القضاء المضيّق.

و الجميع خمسة مواضع، لا بدّ من البحث عن كلّ منها على حدة:
الموضع الأول: صوم شهر رمضان.

المشهور عدم اشتراط تعيين السبب- و هو كونه صوم رمضان- و كفاية قصد الصوم مع القربة، بل عن الغنية و التنقيح و ظاهر المختلف و التذكرة و المنتهى: الإجماع عليه «1»، للأصل، و عدم دليل على اشتراط التعيين في مثل المقام، فإنّه لم يثبت إلّا وجوب صوم هذا الشهر و قد تحقّق.

و يلوح إلى ذلك قوله عليه السّلام في رواية الزهري: «لأنّ الفرض إنّما وقع على اليوم بعينه» «2».

و إن زدنا عليه نقول: بشرط أن لا يكون الصوم صوما آخر، و هو

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 571، التنقيح 1: 348، المختلف: 211، التذكرة 1: 255، المنتهى 2: 557.

(2) الكافي 4: 83- 1، الفقيه 2: 46- 208، التهذيب 4: 294- 895، الوسائل 10: 22 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 173

أيضا متحقّق، لاستحالة وقوع صوم آخر فيه، و لأنّ اعتباره إنّما كان لدفع اشتراك الفعل حتى يطابق أحد الأمرين معيّنا و تتحقّق الصحّة، و لا اشتراك هنا، فيكون الوقت كالمميّز الخارجي الموجب لانطباق الفعل على واحد معيّن.

و في الذخيرة حكاية الخلاف عن نادر، فاعتبر تعيين السبب، لتوقّف الامتثال على الإتيان بالفعل المأمور به من جهة أنّه مأمور به

للسبب الذي أمر به «1».

و فيه: منع التوقّف على الجزء الأخير.

هذا، و التحقيق أن يقال: إنّ على ما هو التحقيق في أمر النيّة من أنّها هي مجرّد الداعي المخطور بالبال، و كون شهر رمضان معروفا، و وجوب صومه ضروريّا، لا يمكن فرض المسألة إلّا بتعمّد الخلاف على اللّه تعالى، و عدم قصد صوم رمضان، أو بالذهول و الغفلة عن الشهر، أو عن وجوب صومه.

و الأول لا يمكن القول بصحّته، لانتفاء قصد التقرّب معه قطعا.

و الثاني على قسمين، لأنّه إمّا يكون مع الالتفات و الشعور إلى صوم غير رمضان و ينوي ذلك الغير، أو يكون مع الذهول عنه أيضا.

و الأول غير مفروض المسألة، بل هو المسألة الآتية المتضمّنة لحكم من نوى صوم غير رمضان فيه.

فبقي الثاني، و لا شكّ أنّه فرض غير متحقّق الوقوع أو نادر جدّا، و مع ذلك فهو على قسمين، لأنّ الغفلة و الذهول إمّا يكون عن وجوب مطلق الصوم أيضا، أو يكون عن مجرّد الشهر أو وجوب صومه بخصوصه.

______________________________

(1) الذخيرة: 495.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 174

فعلى الأول أيضا لا معنى لصحة الصوم، لأنّ الصحة موافقة المأمور به، و لا أمر حينئذ بصوم رمضان، لامتناع تكليف الغافل، و لا بصوم، لذهوله عنه، بل قصد التقرّب حينئذ أيضا غير متصوّر غالبا، و لكن لا تترتّب عليه فائدة بعد انتفاء التكليف.

نعم، تظهر الفائدة حينئذ في القضاء، و تحقيقه أيضا مشكل، من حيث إنّ القضاء بأمر جديد، و شمول أوامر القضاء لمثل ذلك الشخص الآتي بالصوم غير معلوم، و من حيث إنّ صومه لعدم موافقته لأمر لا يتّصف بالصحّة فيكون كغير الصائم، فتشمله أدلّة القضاء.

و على الثاني يكون صومه صحيحا، و لا يضرّ عدم

قصد التعيين، لما ذكر أولا، و شعوره لأصل وجوب الصوم يكفي للتكليف و الصحّة و لو كان ذاهلا عن خصوصيّة الشهر.

هذا كلّه إذا لم يكن عدم تعيين السبب للجهل برؤية الهلال، و أمّا معه فهو مسألة أخرى يأتي بيانها.

و الموضع الثاني: النذر المعيّن.

و الأقوى فيه أيضا عدم اشتراط قصد السبب، وفاقا لجمل السيّد و الحلّي و المنتهى و القواعد و التذكرة و الإرشاد و التبصرة و الروضة و المدارك «1»، لما مرّ بعينه من عدم الاشتراك، و الأصل، فإنّ بالنذر في يوم لم يثبت إلّا وجوب صوم هذا اليوم، و أمّا وجوب صومه بقصد أنّه منذور فلا.

______________________________

(1) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 53، الحلي في السرائر 1:

370، المنتهى 2: 557، القواعد 1: 63، التذكرة 1: 255، الإرشاد 1: 299، التبصرة: 52، الروضة 2: 108، المدارك 6: 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 175

و خلافا لجمل الشيخ و خلافه و مبسوطه و الشرائع و النافع و المختلف و الدروس و اللمعة و البيان «1»، لأنّ الأصل وجوب تعيين المنويّ و إن لم يكن على المكلّف غيره إذا احتمل الزمان لغيره و لو بالنسبة إلى غيره من المكلّفين، إذ الأفعال إنّما تقع على الوجوه المقصودة، خولف في شهر رمضان بالإجماع، فيبقى الباقي، و لصلاحيّة الزمان بحسب الأصل له و لغيره فلا يجدي التعيّن بالعرض [1].

و ردّ الأول: بمنع الأصل، مع أنّ الوجه في ترك العمل به في شهر رمضان ليس الإجماع فقط، بل عدم إمكان وقوع غيره فيه شرعا، حيث إنّه موجب لانطباق الفعل على الأمر به، و هو ثابت فيما نحن فيه أيضا.

فإن قيل: على التحقيق في أمر النيّة لا ينفكّ قصد السبب إلّا مع

السهو أو الذهول عن النذر أو اليوم، و مع أحدهما لا بدّ من قصد سبب آخر ليتحقّق قصد القربة، و حينئذ فيبطل الصوم، لأنّه لا يمكن انطباقه على المنذور، لقصد غيره، و لا على الغير، لعدم صلاحيّة الزمان.

قلنا:- مضافا إلى أنّ عدم صلاحيّة الزمان لغيره مختصّ بما لا يتداخل معه- إنّ الانطباق بالقصد إنّما هو إذا لم يكن مرجّح آخر للانطباق بغير المقصود و إلّا فينطبق عليه.

بيان ذلك: أنّه إذا تعلّق أمران بصومين غير متداخلين- مثلا- و أتى المكلّف بصوم من غير تعيين بالقصد و لا: بمميّز خارجي، نقول: إنّه

______________________________

[1] قال في المسالك 1: 69: إنّ الزمان بأصل الشرع غير معيّن بالنذر و إنّما يتعيّن بالعارض، و ما بالأصل لا يزيله ما بالعارض، فلا بدّ من نيّة التعيين.

______________________________

(1) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 211، الخلاف 2: 164، المبسوط 1:

277، الشرائع 1: 187، المختصر النافع 1: 65، المختلف: 211، الدروس 1:

267، اللمعة (الروضة 2): 108، البيان: 357.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 176

لا يوافق الأمرين، لعدم التداخل، و لا واحدا غير معيّن، لعدم معقوليّة البراءة عن واحد غير معيّن من الأمرين المختلفين آثارا و توابع، و لا واحدا معيّنا، لبطلان الترجيح بلا مرجّح فيبطل العمل.

و أمّا مع وجود مرجّح كعدم صلاحيّة الوقت إلّا لواحد فينطبق عليه قطعا فيكون صحيحا، على أنّ المأمور به ليس إلّا الصوم الواقع في يوم النذر، و قد تحقّق، فيحصل الانطباق قطعا، و قصد الزائد الغير الممكن التحقّق غير مؤثّر.

نعم، لو كان المأمور به الصوم المنذور- بحيث يكون القيد جزءا له أو قيدا- لجاء الإشكال، و هو ممنوع.

فإن قيل: الانطباق عليه إنّما يكون لو لم يعارضه قصد الآخر.

قلنا: القصد إنّما يفيد

في الانطباق مع الإمكان، و أمّا بدونه فلا يفيد، بل يتحقّق قصد الزائد لغوا، غير مؤثّر في صحّة و لا بطلان.

فإنّ قيل: لا شكّ أنّ الامتثال موقوف على القصد، فإذا لم يقصد المكلّف إطاعة ذلك الأمر- بل قصد إطاعة أمر آخر غير ممكن التحقّق في ذلك اليوم- لم يتحقّق امتثال، أمّا الأمر الأول فلعدم قصد امتثاله، و أمّا الثاني فلاستحالة وقوعه إذا لم يتداخل مع الصوم المنذور.

قلنا: الامتثال يتوقّف على قصد امتثال مطلق الأمر الحاصل بقصد القربة، و لا يتوقّف على قصد امتثال كلّ أمر بخصوصه، فإنّه إذا أمر المولى عبده بإعطاء درهم لزيد و درهم لعمرو، و هو أعطى زيدا درهما بقصد إطاعة المولى و لكن يظنّ أنّه عمرو، يمتثل أمر الإعطاء لزيد قطعا، و لا يكلّف إعطاء الدرهم لزيد ثانيا قطعا.

ثمَّ التفصيل و التحقيق في هذا الموضع أيضا يعلم ممّا سبق في

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 177

الموضع الأول.

الموضع الثالث: غير المذكورين، ممّا يتعيّن وقته و لا يصلح الزمان لغيره

، كالإجارة المعيّنة، و القضاء المضيّق.

و الحقّ فيه: اشتراط تعيين السبب، كما عن الشيخ و ابن حمزة و الفاضلين و فخر المحقّقين «1»، بل لم أجد فيه خلافا، فيبطل الصوم لو لم يعيّن السبب و قصد الصوم ذاهلا عن كونه بالنيابة أو للقضاء- مثلا- و عن نيّة غير هذا الصوم أيضا، و أمّا معها فهي مسألة أخرى تأتي.

و إنّما قلنا: إنّه يبطل الصوم، لعدم كون هذا الصوم المعيّن مشروعا و مقصودا، فلا وجه لانطباق الفعل بالأمر بالغير، و لأصالة عدم تحقّق هذا المعيّن و استصحاب الاشتغال به.

و الفرق بين ذلك و بين المذكورين: أنّ الثابت شرعا فيهما ليس إلّا وجوب الإتيان بالصوم و كونه في اليوم المعيّن- أي ظرفيّته له- و قد تحقّق

الأمران، و الأصل عدم الاشتغال بغيره.

بخلاف ذلك، فإنّ المستأجر لم يرد من الأجير صوم الأيام المعيّنة مطلقا، و لم يستأجره للصوم مطلقا- و لو كان كذلك لقلنا بعدم اشتراط تعيين السبب- بل استأجره للصوم عن شخص معيّن، فالثابت شرعا أمور ثلاثة:

الصوم، و النيابة عن الغير، و كونه في أيّام معيّنة، و لا يحصل الثاني إلّا بالقصد، فيكون شرطا.

و كذا القضاء المضيّق، فإنّه لا دليل شرعا على وجوب الصوم

______________________________

(1) الشيخ في المبسوط 1: 278، و الخلاف 2: 164، ابن حمزة في الوسيلة:

139، المحقّق في الشرائع 1: 187، العلّامة في التحرير 1: 76، فخر المحققين في الإيضاح 1: 220.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 178

بالإطلاق في أيّام تضيّق القضاء حتى تبرأ الذمّة بالإتيان به و يجري الأصل في الزائد، بل الثابت شرعا هو وجوب الصوم قضاء فيها، و وقع أمر الشارع بالقضاء بمثل قوله: «اقض» أو: «تقضي» أو: «صم قضاء» و لا تعلم صيرورته قضاء إلّا بقصده.

فإن قيل: كما أنّ اليوم المعيّن في شهر رمضان و النذر المعيّن ظرف للصوم، كذلك القضاء و النيابة وصف له، فما الفرق في لزوم تعيين ذلك في النيّة دونه؟

قلنا: الفرق أنّ المطلوب حصول ذلك الظرف و الوصف، و الأول حاصل في الخارج من غير احتياج إلى النيّة، بخلاف الثاني، فإنّه لا تحقّق له إلّا بالقصد، و على هذا فلك أن تجعل مناط ما يجب تعيينه بالقصد و ما لا يجب: قيد المأمور به، الذي لا وجود له إلّا بالقصد، و ماله وجود بنفسه، فما كان من الأول يجب قصده، و ما كان من الثاني لا يجب.

و ممّا ذكرنا علم المناط و الضابط فيما يعتبر فيه قصد التعيين و ما لا

يعتبر فيه.

الموضع الرابع: ما لم يتعلّق بذمّة المكلّف غير صوم واحد واجب أو ندب.

و لا تعتبر فيه أيضا نية التعيين و قصد السبب، إلّا إذا كان السبب قيدا للمأمور به أو جزءا له و لم يتعيّن إلّا بالقصد، كما مرّ في الموضع السابق.

الموضع الخامس: ما تعدّدت وجوه الصوم و لكن أمكن تداخلها.

و لا يعتبر فيه التعيين، بل يكفي قصد الصوم مطلقا عن الجميع، لما أثبتناه من أصالة تداخل الأسباب، بل يكفي قصد واحد معيّن عن الجميع أيضا، لما أثبتناه في موضعه من التداخل القهري فيما يمكن فيه التداخل،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 179

و أصالة عدم اشتراط التعيين، إلّا فيما كان أحد المتداخلين أو كلاهما ممّا كان قصد السبب جزءا للمأمور به فيه، فيجب قصده.

و على هذا، فلو نذر صوم أيّام البيض من كلّ شهر، و صوم يوم قدوم مسافرة، و اتّفق قدومه في أحد أيّام البيض، يكفي صوم واحد للأمرين، لأصالة التداخل.

و لا يشترط قصد التعيين، للأصل، فإنّ الثابت ليس إلّا وجوب الصوم في هذا اليوم و قد تحقّق، غاية الأمر أنّه يكون لوجوبه سببان، و ذلك لا يقتضي التعدّد و لا قصد السبب.

و كذا لو نذر صوم يوم قدوم مسافرة، و قدم أحد أيّام البيض، فيكفي صوم لواجبه و مستحبّه، و هكذا في اجتماع المندوبين.

فرعان:
أ: عن الشهيد في البيان: إلحاق الندب المعيّن- كأيام البيض- بشهر رمضان

في عدم افتقاره إلى التعيين «1»، للتعيين هناك بأصل الشرع.

بل عنه في بعض تحقيقاته: إلحاق مطلق المندوب به، لتعيينه شرعا في جميع الأيام إلّا ما استثني «2»، و استحسنه جماعة كما قيل «3»، و تنظّر فيه أخرى.

أقول: التعيين بأصل الشرع إنّما يفيد في التعيين لو امتنع وقوع غيره فيه، و ذلك مختصّ بالواجب، و أمّا المندوب فليس كذلك، فإنّ أيّام البيض

______________________________

(1) البيان: 357.

(2) حكاه عنه في المدارك 5: 20.

(3) انظر الرياض 1: 301.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 180

لم تتعيّن للصوم المندوب فيها. و كذلك مطلق الأيّام لمطلق المندوب، لجواز وقوع غيرهما فيهما، بل وقوعه كثيرا، فالانصراف إليهما موقوف على صارف.

و التحقيق: أنّ التعيّن الندبي غير مفيد

في ذلك، بل ليس تعيّنا ندبيّا أيضا، لأنّ التعيّن الندبي أن يكون غيره فيه مرجوحا، و ليس كذلك، بل اللازم فيه أيضا الإناطة بما مرّ، من عدم الاشتراك و التداخل و جزئيّة السبب، فإن لم يكن على المكلّف غير الصوم المندوب في كلّ يوم إلّا ما استثني تكفي فيه نيّة مطلق الصوم.

و كذا إذا اجتمعت أصوام متداخلة مندوبة أو مندوبة و واجبة، تكفي نيّة المطلق إذا لم يكن تعيين السبب جزء المأمور به، و يجب التعيين في غير ذلك، فلو كان عليه قضاء و كفّارة و نيابة و مستحبّ، و نوى مطلق الصوم متردّدا بين هذه الأمور، بطل.

نعم، لو كان ذاهلا عن الأمور المذكورة و نوى الصوم، فالظاهر صحّته للمستحبّ، لأنّ قصده القربة لا يكون إلّا مع الالتفات إليه، و لو فرض إمكان تحقّق الذهول عن الجميع و قصد القربة فيبطل، و لكنه فرض غير متحقّق.

و كذا لو كان على أحد صوم عن غيره مندوبا- كأن يطلب منه أحد ليصوم عن والده مثلا و قبل ذلك رجحانا لقضاء مطلوب أخيه المؤمن، أو أراد قضاء صيام محتمل الفوات أو مظنونه و قلنا باستحبابه- لا ينصرف إلى أحدهما إلّا بقصد السبب. و تكفي نيّة مطلق الصوم في أيّام البيض عن صومها و لو كان عليه الصوم المستحبّ في كلّ يوم، للتداخل، و هكذا.

ثمَّ إنّه قد تحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّه إذا كان المأمور به متعدّدا غير متداخلة و لا متميّزة بمميّز خارجي، و كانت مختلفة الآثار، أو كان له قيد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 181

مطلوب لا يحصل إلّا بالقصد، يعتبر التعيين بالقصد.

و ما كان غير ذلك لا يعتبر فيه ذلك، سواء في ذلك الصوم

و غيره من العبادات، من الطهارات و الصلوات و غيرهما.

ب: لمّا كان الأصل- على الأقوى- تداخل الأسباب

، فالأصل في أنواع الصيام التداخل إلّا ما ثبت فيه العدم، و ممّا ثبت فيه عدم التداخل:

صوم شهر رمضان، و النيابة عن الغير، و القضاء، و النذر معيّنا، و مطلقا، و الكفّارة، فإنّها لا يتداخل بعضها مع البعض إجماعا.

و يتداخل النذر المطلق و المعيّن «1» مع صوم أيّام البيض، و هو مع صوم دعاء الاستفتاح «2»، و هو مع القضاء «3»، و نحو ذلك.

المسألة الثانية: لو نوى في شهر رمضان صوما غيره
اشاره

مع وجوب الصوم عليه، فإن كان مع الجهل بالشهر فالظاهر عدم الخلاف في الصحّة و الإجزاء عن رمضان، كما يأتي في صوم يوم الشكّ.

و إن كان مع العلم بالشهر فلا يقع الصوم عن المنويّ إجماعا، لعدم وقوع صوم غيره فيه كما يأتي.

و هل يقع عن رمضان أو يبطل؟ فيه قولان:

الأول: للخلاف و المبسوط و جمل السيّد و الغنية و الوسيلة و المعتبر و الشرائع «4».

______________________________

(1) في «ق» زيادة: إذا لم يقصد في النذر التغاير أو لم تدل عليه قرينة، و كذا يتداخلان مع كل صوم آخر كذلك.

(2) كذا، و لعله تصحيف عن: الاستسقاء.

(3) في «ق» زيادة: إذا قصد القضاء و لا عكس.

(4) الخلاف 2: 164، المبسوط 1: 276، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 53، الغنية (الجوامع الفقهيّة): 571، الوسيلة: 140، المعتبر 2: 645، الشرائع 1: 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 182

و الثاني: للحلّي و الشهيد و المفاتيح «1»، و استجوده في المختلف أولا «2» و في المدارك مطلقا «3»، و نسب إلى ظاهر عليّ بن بابويه «4».

و ظاهر الفاضل في جملة من كتبه و صاحب الكفاية التردّد «5».

حجّة الأول: أنّ النيّة المشروط حاصلة، و هي نيّة القربة، إذ التعيين غير لازم، و ما زاد لغو لا

عبرة به، فكان الصوم حاصلا بشرطه، و يجزئ عنه.

و ردّ: بأنّ نيّة القربة بلا تعيين إنّما تكفي لو لم ينو ما ينافي هذا الصوم «6».

و فيه: منع تأثير نيّة المنافي، مع عدم إمكان وقوعه.

نعم، يرد عليه: أنّ حصول القربة مطلقا ممنوع، لأنّ نيّة الغير مع العلم بالشهر إمّا تكون مع السهو عن وجوب صوم الشهر أو الجهل به، كأن يريد السفر بعد الزوال، أو دخل الوطن قبله و ظنّ عدم صحّة صومه للشهر، أو مع العلم به و تعمّد الخلاف مع اللّه سبحانه. و ظاهر أنّ قصد القربة غير متصوّر في الأخير.

و حجّة الثاني: التنافي بين نيّة صوم رمضان و نيّة غيره.

و بأنّه منهي عن نيّة غيره، و النهي مفسد.

______________________________

(1) الحلي في السرائر 1: 371، الشهيد في البيان: 358، المفاتيح 1: 246.

(2) المختلف: 214.

(3) المدارك 5: 32.

(4) حكاه عنه في المختلف: 214.

(5) الفاضل في التحرير 1: 76، و المنتهى 2: 558، الكفاية: 49.

(6) كما في المختلف: 214، المسالك 1: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 183

و بوجوب مطابقة النيّة للمنوي.

و بأنّ لكلّ امرئ ما نوى، و الأعمال بالنيّات، و لم ينو رمضان، فليس له.

و يرد على الأول: أنّ التنافي مسلّم، و لكن لم لا يجوز أن تكفي في صحّة صيام رمضان نيّة الإمساك مع التقرّب، و لا تعتبر فيها نيّة خصوصيّة كونه صوم رمضان؟! بل الأمر كذلك كما مرّ.

و على الثاني: أوّلا: بأن النهي مخصوص بصورة تعمّد الخلاف لا غيره.

و ثانيا: بأنّ النهي متعلّق ببعض أجزاء النيّة الخارجة عن حقيقة العبادة و نيّة القربة معا، فلا يفسد شي ء منهما.

و على الثالث: بمنع وجوب المطابقة الكليّة، و الجزئيّة حاصلة.

و على الرابع: بأنّ لازمه كون الصوم

المتقرّب به له، و لوقوعه في شهر رمضان يكفي عنه، و أمّا الزائد فلعدم إمكانه لا يكون له.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّ الحقّ في المسألة: التفصيل بالبطلان مع تعمّد الخلاف، و الصحّة في غيره.

أمّا الأول، فلانتفاء القربة المعتبرة قطعا.

و أمّا الثاني، فلوقوع الصوم في شهر رمضان.

أمّا وقوع الصوم، فلأنّه إمساك مخصوص بنيّة التقرّب، و قد حصل.

و أمّا كونه في شهر رمضان، فظاهر، و الأصل عدم اشتراط غيره حتى انتفاء نيّة الغير أيضا، و أيضا الزائد المنوي لا يتحقّق، لعدم صلاحيّة الوقت.

و أمّا عدم وقوع الصوم المتقرّب به، فلا وجه له، و بعد وقوعه و كونه في شهر رمضان يكون كافيا عنه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 184

و إلى هذا التفصيل يلوح كلام ابن شهرآشوب في متشابه القرآن «1».

فإن قيل:- على ما هو التحقيق في باب النيّة- لا يتحقّق فرض المسألة إلّا مع الخلاف مع اللّه سبحانه، أو الغفلة عن الشهر أو وجوب صومه بالمرّة، و على التقديرين لا تتصوّر الصحّة.

أمّا على الأول، فظاهر.

و أمّا على الثاني، فلأنّ الصحّة ليست إلّا موافقة المأمور به، و هي هنا غير ممكنة، لأنّ صوم غير رمضان غير ممكن الوقوع حتى يوافقه الفعل، و أمّا رمضان فغير مأمور به، لامتناع تكليف الغافل.

قلنا: يمكن أن يدفع الإشكال بوجوه:

أحدها: أنّ ما لا يمكن وقوعه في شهر رمضان: الصوم المقيّد بكونه غير صوم رمضان لا الصوم المطلق، و الذي أوجب الذهول رفع التكليف عنه أيضا: هو الصوم المقيّد بكونه صوم رمضان لا المطلق، فيقع مطلقة الحاصل في ضمن نيّة الغير بعد عدم تحقّق الغير صحيحا، و لوقوعه في شهر رمضان يكون كافيا عنه.

فإن قيل: المطلق لا يتحقّق إلّا في ضمن أحد المقيّدين.

قلنا:

ليس كذلك، لأنّ للصوم أفراد: المقيّد بهذا القيد و بذاك و الصوم المطلق، ألا ترى أنّه يمكن قصد الصوم قربة إلى اللّه، من غير التفات إلى أنّه من رمضان أو من غيره، و يكون صحيحا، لموافقته لمطلقات الأمر بالصوم.

نعم، مطلق الصوم- الذي هو الجنس- لا يكون إلّا مع أحد الثلاثة.

فإن قيل: تحقّق الصوم المطلق بحسب الوعاء الخارجي غير ممكن،

______________________________

(1) متشابه القرآن 2: 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 185

لأنّه إمّا في رمضان أو في غيره، و بحسب القصد موقوف على قصد الإطلاق، أو عدم قصد الغير، و هما منتفيان هنا.

قلنا: نمنع التوقّف، بل يتحقّق بإلغاء قصد الغير و عدم إمكان تحقّقه أيضا، فيقع الصوم صحيحا و قيده ملغيّا.

و ثانيها: أن يقال: إنّ المراد براءة ذمّة المكلّف، و هي حاصلة، أمّا عن صوم رمضان فللغفلة الموجبة لانتفاء التكليف، و أمّا عن قضائه فلأنّه بأمر جديد، و شمول أوامره لمثل ذلك الشخص غير معلوم.

و ثالثها: أنّا لا نسلّم عدم وقوع صوم غير رمضان فيه مطلقا، و إنّما هو مع العلم بالشهر و بوجوب صومه، أمّا مع الغفلة عنهما فلا، كما يأتي، فيكون المنوي صحيحا و كان مجزئا عن صوم رمضان، للعلّة المذكورة في رواية الزهري «1»، و لأنّ المطلوب من الإجزاء عدم العصيان و سقوط القضاء، و هما متحقّقان، إذ لا إثم مع الغفلة، و القضاء بأمر جديد.

فرع: لو نوى غير المنذور في النذر المعيّن

، فإن كان مع الشعور باليوم و النذر فيه، و كان قصد الغير مخالفة للّه أو لجهل بالمسألة غير موجب للعذر، فيبطل صومه، لانتفاء القربة.

و إن كان مع الذهول أو الجهل المعذّر، فالحقّ: صحّة الصوم الذي قصده، لعدم المانع، إذ ليس إلّا النذر، و هو- مع الغفلة المذكورة

المانعة عن التكليف به- لا يصلح للمانعيّة، إذ يكون كيوم لا نذر فيه.

و دعوى الإجماع في الدروس- على عدم تأدّي المنوي «2»- غير

______________________________

(1) التهذيب 4: 164- 463، الاستبصار 2: 80- 243، الوسائل 10: 22 أبواب وجوب الصوم ب 5 ح 8.

(2) الدروس 1: 268.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 186

مسموعة، و لذا احتمل في المدارك التأدّي، بل احتمله في رمضان أيضا «1».

و هل يجب قضاء المنذور؟

الحقّ: لا، أمّا إن كان المنوي ما يتداخل مع المنذور- كالصوم المطلق أو الشكر أو أيّام البيض- فظاهر، و أمّا إن كان غيره- كالقضاء و النيابة- فلأنّ القضاء فرع أمر جديد، و ثبوت أمر بالقضاء- مع تحقّق الصوم الصحيح في هذا اليوم- غير معلوم، و يومئ اليه خبر الزهري المتقدّم.

و لو نوى غير الواجب في الواجب المعيّن غير النذر- كالإجارة المعيّنة و القضاء المضيّق- فيبطل مع الالتفات و العصيان، و يصحّ المنوي مع الغفلة عن الواجب، لما مرّ، و لا يصحّ عن الواجب، لاشتراط قصده المنفي هنا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    186     المسألة الثالثة: لو صام يوم الشك بنية آخر شعبان ..... ص : 186

المسألة الثالثة: لو صام يوم الشكّ بنيّة آخر شعبان
اشاره

أجزأ عن رمضان إذا انكشف أنّه منه، بلا خلاف مطلقا في الرسّيّات «2»، و يقال: بل بين المسلمين، كما عن ظاهر المعتبر و المختلف «3»، و بالإجماع كما في المسالك و المدارك «4» و غيرهما «5»، بل هو إجماع محقّق، و هو الدليل عليه.

مضافا- مع ما مرّ- إلى النصوص المستفيضة الدائرة بين ما يصرّح بالإجزاء مع الصوم من شعبان، كموثّقة سماعة و فيها: «إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان و لا يصومه من شهر رمضان، لأنّه قد نهي أن ينفرد

الإنسان بالصيام في يوم الشكّ، و إنّما ينوي من الليلة أنّه يصوم من شعبان، فإن كان

______________________________

(1) المدارك 6: 36.

(2) الرسّيات (رسائل السيد المرتضى 2): 352.

(3) المعتبر 2: 649، المختلف: 215.

(4) المسالك 1: 70، المدارك 6: 35.

(5) كالتنقيح الرائع 1: 354، المفاتيح 1: 354.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 187

من شهر رمضان أجزأ عنه، بتفضّل اللّه تعالى، و بما قد وسّع على عباده» «1».

و رواية الزهري الطويلة الواردة في وجوه الصيام، و فيها: «و صوم يوم الشكّ أمرنا به و نهينا عنه، أمرنا به أن نصومه مع صيام شعبان، و نهينا عنه أن ينفرد [1] الرجل بصيامه في اليوم الذي يشكّ فيه الناس» فقلت له: جعلت فداك، فإن لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟ قال: «ينوي ليلة الشكّ أنّه صائم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأه عنه، و إن كان من شعبان لم يضرّه» فقلت: و كيف يجزئ صوم تطوّع عن فريضة؟ فقال:

«لو أنّ رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوّعا و هو لا يعلم أنّه من شهر رمضان ثمَّ علم بعد ذلك لأجزأ عنه، لأنّ الغرض إنّما وقع على اليوم بعينه».

و بين ما هو مطلق يدلّ على المطلوب بالإطلاق، كصحيحة الأعرج، «2» و روايتي النبّال «3»، و محمّد بن حكيم «4»، و حسنة ابن وهب:

______________________________

[1] معنى الانفراد بصيامه: إمّا أن يصوم يوم الشكّ خاصة دون ما قبله من أيام شعبان، و السر في النهي حينئذ أنّه إن انفرد بصيامه على أنّه من رمضان خالف الشرع، و إن صامه بنية شعبان أو الترديد و ميزه من بين أيام شعبان بصيامه يظهر منه أنّه إنّما فعل ذلك لزعمه أن صيامه لا بدّ

منه، فكأنّه صامه من رمضان و إن أخطر بباله أنه من شعبان، و ذلك يشبه إدخال يوم من رمضان، و هكذا ذكره في الوافي (ج 11: 107)، أو المعنى: انفرد بصيامه بنية رمضان من بين الناس و كون الناس يعدونه من شعبان، هكذا ذكره في الحدائق (ج 13: 36) حاشية منه رحمه اللّه من «ق».

______________________________

(1) الكافي 4: 82- 6، التهذيب 4: 182- 508، الاستبصار 2: 79- 240، الوسائل 10: 21 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 4.

(2) الكافي 4: 82- 4، التهذيب 4: 182- 506، الاستبصار 2: 78- 238، الوسائل 10: 20 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 2.

(3) الكافي 4: 82- 5، الفقيه 2: 79- 350، التهذيب 4: 181- 504، الاستبصار 2: 78- 236، الوسائل 10: 21 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 5 ح 3.

(4) الكافي 4: 83- 8، التهذيب 4: 181- 502، الاستبصار 2: 77- 234، الوسائل 10: 22 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 188

الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان فيكون كذلك، فقال:

«هو شي ء وفّق له» «1»، و قريبة منها موثّقة أخرى لسماعة على نسخة الكافي «2».

و الاستدلال بالأخيرتين إنّما هو مبنيّ على جعل قوله: من شهر رمضان، متعلّقا بقوله: يشكّ، للأخبار الدالّة على عدم جواز صومه من شهر رمضان.

و أمّا صحيحة محمّد: في الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان، فقال عليه السّلام: «عليه قضاؤه و إن كان كذلك» «3».

و صحيحة هشام بن سالم: في يوم الشك: «من صامه قضاه و ان كان كذلك» «4».

فلا تنافيان ما مرّ، لأنّ الأولى مخصوصة بالصوم بنيّة

رمضان، و الثانية و إن كانت مطلقة إلّا أنّه يجب تخصيصها بذلك، لخصوصات الإجزاء مع قصد أنّه من شعبان.

فإن قيل: اختصاص الأولى إنّما هو إذا كان قوله: من رمضان، متعلقا ب: يصوم، و هو غير معلوم، لاحتمال التعلّق بقوله: يشكّ، بل هو أولى، لقربه.

قلنا:- مع أنّه مع الإجمال و الاحتمال المذكور لا تعلم المنافاة- أنّه

______________________________

(1) الكافي 4: 82- 3، الوسائل 10: 22 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 5.

(2) الكافي 4: 81- 2، الوسائل 10: 22 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 6.

(3) التهذيب 4: 182- 507، الاستبصار 2: 78- 239، الوسائل 10: 25 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 6 ح 1.

(4) التهذيب 4: 162- 457، الوسائل 10: 27 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 6 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 189

على الثاني تصير كالرواية الثانية مطلقة لازمة التخصيص، كما خصّصها بعض الرواة، حيث إنّه ذكر بعد الرواية المذكورة: يعني من صامه على أنّه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه و إن كان يوما من شهر رمضان، لأنّ السنّة جاءت في صيامه على أنّه من شعبان، و من خالفها فإنّ عليه القضاء «1».

فإن قيل: ما معنى الفرد الخفي هنا، مع أنّه لو لم يكن من رمضان لا قضاء أبدا؟! قلنا: لا يلزم أن يكون الفرد الآخر القضاء لو لم يكن من رمضان، بل المراد: خفاء هذا الحكم لو كان من رمضان بالنسبة إلى الحكم بعدم القضاء، حيث إنّه يوم صوم وقع فيه الصوم بنيّته، فكان الأظهر عدم القضاء، فقال عليه السّلام: «عليه قضاؤه و إن كان يوم رمضان»، و كان الأظهر مع وقوع الصوم فيه للّه بنيّته

عدم القضاء.

و من هذا يظهر وجه الشرطيّة لو كان التشبيه للنيّة و كان معنى قوله:

«و إن كان كذلك»: و إن كانت النيّة أنّه من رمضان.

و على الصوم بنيّة رمضان تحمل الأخبار الناهية عن صوم يوم الشكّ بقول مطلق، لما ذكر، أو على التقيّة، حيث إنّ تحريمه مذهب العامّة كما يأتي.

فروع:
أ: ألحق الشهيدان بشهر رمضان كلّ واجب معيّن فعل بنيّة الندب

مع عدم العلم «2»، و نفى عنه البأس جملة ممّن تأخّر عنهما، كالمدارك

______________________________

(1) التهذيب 4: 162 بعد حديث 547.

(2) الشهيد في الدروس 1: 268، الشهيد الثاني في الروضة 2: 139.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 190

و المفاتيح و الذخيرة «1».

و توقف فيه صاحب الحدائق، استنادا إلى أنّ إلحاقه بالمذكور نوع قياس «2».

و هو غير جيّد، إذ الإلحاق ليس للقياس، بل للعلّة المنصوصة في رواية الزهري، و لأنّ مع الجهل لا تكليف بالمعيّن، و القضاء بأمر جديد غير معلوم في مثل المورد الذي وقع فيه الصوم الصحيح.

و لكن هذا الكلام إنّما يتمّ في النذر المعيّن، أمّا مثل الإجارة المعيّنة و القضاء المضيّق فلا، إذ لا حاجة فيهما إلى أمر جديد، بل الأصل بقاء المؤجر له و القضاء في الذمّة.

نعم، مقتضى التعليل المنصوص الكفاية فيهما أيضا، و لكن مع ذلك الأحوط عدم الاكتفاء في المؤجر له و القضاء بذلك، بل هو الأظهر أيضا، لإمكان الخدش في دلالة الرواية، لأنّ المراد منها أن الفرض- الذي هو الصوم- قد وقع على اليوم و لا واجب غيره، و الفرض فيهما ليس هو الصوم بغير قيد، بل الصوم عن المندوب عنه و للقضاء، و لم يقع ذلك في اليوم بعينه.

و مثل الصوم بنيّة شعبان: الصوم بنيّة ندب آخر أو الندب مطلقا، كما صرّح به في الدروس و الروضة «3» و

غيرهما «4»، لعدم القول بالفصل، و لصحّة صومه، و عدم تكليفه بصوم رمضان، و عدم وجوب القضاء لما ذكرنا مرارا.

ب: لو صام يوم الشكّ بنيّة رمضان لم يجزئ عنه و لا عن شعبان

______________________________

(1) المدارك 6: 36، المفاتيح 1: 246، الذخيرة: 516.

(2) الحدائق 13: 44.

(3) الدروس 1: 268، الروضة 2: 139.

(4) كمجمع الفائدة 5: 165.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 191

على الأقوى، وفاقا للصدوقين و السيّد «1» و الشيخ في غير الخلاف «2» و الحلبي و الديلمي و القاضي و الحلّي و ابن حمزة «3»، بل للأشهر كما صرّح به جماعة «4»، و عزاه في المبسوط إلى الأصحاب «5»، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.

للنهي المفسد للعبادة و لو من جهة شرطها، كما في المستفيضة المتقدّمة بعضها، و منها رواية أخرى للزهري: «يوم الشكّ أمرنا بصيامه و نهينا عنه، أمرنا أن يصومه الإنسان على أنّه من شعبان، و نهينا أن يصومه على أنّه من شهر رمضان و هو لم ير الهلال» «6».

و رواية سهل بن سعد، و فيها: «و ليس منّا من صام قبل الرؤية للرؤية» «7».

و رواية الأعشى: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن صوم ستّة أيّام:

العيدين، و أيّام التشريق، و اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان» «8».

و رواية عبد الكريم: «لا تصم في السفر و لا العيدين و لا أيّام التشريق

______________________________

(1) الصدوق في الفقيه 2: 79، حكاه عن والده في المختلف: 214، السيّد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 206، و الانتصار: 62.

(2) كالنهاية: 151.

(3) الحلبي في الكافي: 181، الديلمي في المراسم: 96، القاضي في جواهر الفقه: 33، الحلي في السرائر 1: 384، ابن حمزة في الوسيلة: 140.

(4) كما في كفاية الأحكام: 49، و الحدائق 13: 34، و الرياض 1: 303.

(5) المبسوط 1:

277.

(6) التهذيب 4: 164- 463، الاستبصار 2: 80- 243، الوسائل 10: 26 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 6 ح 4، بلفظ آخر.

(7) الفقيه 2: 80- 355، الوسائل 10: 28 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 6 ح 9.

(8) التهذيب 4: 183- 509، الاستبصار 2: 79- 241، الوسائل 10: 25 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 192

و لا اليوم الذي يشكّ فيه» «1».

و هو و إن كان في أكثرها مطلقا إلّا أنّه يجب تقييده بما إذا كان بنيّة رمضان، أو لم يكن بنيّة شعبان، بشهادة موثّقة سماعة «2»، و رواية الزهري المتقدّمة، المعتضدة بالشهرة العظيمة، بل الإجماع على جواز ما لم يكن بنيّة رمضان، و التعبير في الموثّقة و إن كان بالجملة الخبريّة إلّا أنّ ما بعد الجملة صريح في أنّها للنهي.

و بما ذكر يجمع بين مطلقات النهي و مطلقات الجواز، بحمل الاولى على ما كان بنيّة رمضان، و الثانية على غيره.

و لا يرد: أنّ النّهي المطلق مذهب العامّة، فمع التعارض مع أخبار الجواز المطلق يجب حمل أخباره على التقيّة.

لأنّه إنّما هو إذا لم يكن شاهد من كلام أهل العصمة و فتاوى عظماء الفرقة على جمع آخر، مع أنّ الموثّقة و رواية الزهري أخصّان مطلقا من كلّ من المطلقين، فيجب تقييدهما بهما، كما هي القاعدة المجمع عليها، و هي على الحمل على التقيّة مقدّمة.

و لا أنّ الروايتين ضعيفتان.

لأنّ ضعف السند- بعد اعتبار أصل الرواية- غير مضرّ، مع أنّ إحداهما موثّقة، و هي في نفسها كالصحيح حجّة، و كليهما معتضدتان مجبورتان بالشهرة العظيمة المحقّقة و المحكيّة.

______________________________

(1) الكافي 4: 141- 1 باختلاف في السند، الفقيه 2: 79- 351،

التهذيب 4:

183- 510، الاستبصار 2: 79- 242، الوسائل 10: 26 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 6 ح 3.

(2) الكافي 4: 82- 6، التهذيب 4: 182- 508، الاستبصار 2: 79- 240، الوسائل 10: 21 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 193

و تدلّ على المطلوب أيضا صحيحتا محمّد و هشام المتقدّمتان «1»، الدالّتان على وجوب القضاء مطلقا، الواجب تخصيصهما بما إذا كان بنيّة رمضان أو لم يكن بنيّة شعبان.

لا لأجل رجوع الجار في أولاهما إلى قوله: يصوم.

و لا لتصريح ذيل الثانية بذلك.

و لا لأنّهما إن ابقيتا على إطلاقهما حتى يشمل ما وقع بنيّة شعبان أيضا لكانتا متروك العمل بهما إجماعا، و حمل الحديث على ما يصحّ الاعتماد عليه أولى من إبطاله بالكليّة.

حتى يردّ الأول: باحتمال رجوعه إلى قوله: يشكّ.

و الثاني: باحتمال كون تفسير الذيل لبعض الرواة دون الإمام عليه السّلام، و لا حجّيّة فيه.

و الثالث: بعدم دليل على أنّ أولويّة حمل الحديث على معنى يصحّ الاعتماد عليه من إبطاله تصلح لجعل ذلك المعنى حجّة في المسألة، مع أنّ الحمل على التقيّة أيضا معنى يصلح للاعتماد.

بل لما ذكرناه غير مرّة، من تعارضهما مع الموثّقة و الروايتين، و كون الثانية أخصّ مطلقا منهما فيجب تخصيصهما بها، كما أنّه بها يجمع أيضا بين الصحيحتين و بين ما ظاهره نفي القضاء بقول مطلق، كصحيحة الأعرج و ما تعقبها من الأخبار المتقدّمة الإشارة إليها.

و قد حكي الخلاف في المسألة عن القديمين، فحكما بالإجزاء هنا أيضا «2»، و هو ظاهر الشيخ في الخلاف «3»، للمطلقات المذكورة.

______________________________

(1) في ص: 188.

(2) حكاه عنهما في المختلف: 214.

(3) الخلاف 2: 185.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص:

194

بل خصوص حسنة ابن وهب، حيث إنّ فيها: الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان فيكون كذلك، فقال: «هو شي ء وفّق له» «1».

و موثّقة سماعة الأخيرة، حيث إنّ فيها: فصامه من شهر رمضان، قال: «هو يوم وفّق له و لا قضاء عليه» «2».

و للإجماع المحكيّ في الخلاف.

و لأنّه في نفس الأمر من رمضان، و عدم معرفته لا يخرجه عن حقيقته، فيكون قد نوى الواقع، فوجب أن يجزئه.

و تردّ المطلقات: بوجوب التخصيص بما ذكر.

و الحسنة: باحتمال تعلّق قوله: من رمضان، بالفعل الثاني، بل في النسخ الصحيحة هكذا: يشكّ فيه أنّه من شهر رمضان، فيكون صريحا في ذلك، فيكون كالمطلقات.

و الموثّقة- مع معارضتها بمثلها المتقدّم و غيره، و مرجوحيّتها بالإضمار-:

باختلاف نسخ التهذيب و الكافي، فإنّها في الثاني هكذا: فصامه فكان من شهر رمضان، فتكون أيضا كالمطلقات، و أمّا نسخ التهذيب و إن كانت كما ذكر، و لكن الشيخ رواها عن الكليني. و على هذا، فلا يبقى اعتماد عليها، مع أنّها على نسخ التهذيب أيضا ليست نصّا على أنّه صامه بنيّة رمضان، لاحتمال كون الظرف حالا من المفعول، أي صامه حال كونه من رمضان.

و دعوى الإجماع: بعدم حجّيتها، سيما مع ظهور مخالفة الأكثر «3»، و اختلاف نسخ الخلاف، حيث إنّ بعضها- على ما حكي- غير مشتمل

______________________________

(1) تقدّمت في ص: 188.

(2) تقدم مصدرها في ص: 188.

(3) راجع أرقام 1 و 2 و 3 من الصفحة: 191، و المختلف: 214.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 195

لتلك الدعوى و إن كان ما عندنا مشتملا عليها، إلّا أنّ الظاهر منه اختصاص دعواه بصورة حصول الظنّ بأنّه من رمضان، من قول عدل و نحوه لا مطلقا، بل يلوح من كلامه التوقّف

في صورة عدم الظنّ كما نسبه إليه في التحرير صريحا «1»، و في المختلف احتمالا «2».

و الأخير: بإناطة التكاليف بالعلم دون نفس الأمر، مع أنّه اجتهاد في مقابلة النص.

ثمَّ إنّه لا فرق في عدم الإجزاء بين ما إذا لم تكن هناك أمارة موجبة للظنّ بالهلال، أو كانت أمارة غير ثابتة الحجّيّة، كعدل واحد أو حساب النجوم و نحوهما، للإطلاقات، و عدم حجّيّة هذا الظنّ.

ج: لو نوى يوم الشكّ واجبا آخر غير رمضان

- كالقضاء أو النذر أو الكفّارة أو الإجارة- فهو جائز كما صرّح به جماعة، منهم: الفاضل «3» و الشهيدان في الدروس و الروضة «4»، للأصل، و كونه زمانا ليس من رمضان شرعا، فيصلح لإيقاع صيام غيره فيه، و الأخبار الناهية عن صوم يوم الشكّ غير باقية على ظاهرها كما مرّ.

نعم، في رواية عبد الكريم: إنّي جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم، فقال: «لا تصم في السفر، و لا العيدين، و لا أيام التشريق، و لا اليوم الذي يشكّ فيه» «5»، و مقتضاها حرمة صوم النذر، و لا وجه لردّها،

______________________________

(1) التحرير 1: 76.

(2) المختلف: 214.

(3) في التحرير 1: 76.

(4) الدروس 1: 268، الروضة 2: 139.

(5) الكافي 4: 141- 4 باختلاف يسير، الفقيه 2: 79- 351، التهذيب 4: 183- 510، الاستبصار 2: 79- 242، الوسائل 10: 26 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 6 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 196

فعليه الفتوى، و التعدّي إلى غيره من الواجبات يحتاج إلى ثبوت الإجماع المركّب، و هو غير معلوم.

ثمَّ لو ظهر أنّه من رمضان أجزأ عنه، لا لما ذكره في الدروس من كونه أولى بالإجزاء من نيّة الندب «1»، لمنع الأولويّة.

بل للعلّة المذكورة في رواية الزهري «2»، و لما مرّ من

عدم التكليف بصوم رمضان شرعا، و عدم ثبوت القضاء في مثل المورد.

و هل يجزئ عمّا نواه؟

مقتضى القاعدة: نعم. و قيل: لا، لأنّ في شهر رمضان لا يقع غير صومه «3». و هو حسن إن ثبتت الكلّيّة حتى في مقام لم يثبت الشهر حين الصوم، و الاحتياط في الإتيان بالمنوي ثانيا.

د: لو تردّد في نيّة يوم الشكّ

- بأن نوى أنّه إن كان من شهر رمضان كان صائما منه واجبا، و إن كان من شعبان كان صائما منه ندبا، و هو إنّما يتصوّر من الجاهل بالحكم أو الذاهل عنه، و أمّا العالم الشاعر فلا محالة ينوي كونه من شعبان و إن علم أنّه إن كان من رمضان يجزئه عنه- فالحقّ: صحّته و إجزاؤه عن رمضان، وفاقا للخلاف و المبسوط و ابن حمزة و العماني و المختلف و الروضة «4»، و حكي عن ظاهر الدروس و البيان «5»، و إليه ذهب المحقّق الأردبيلي «6»،

______________________________

(1) الدروس 1: 268.

(2) المتقدّمة ص: 187.

(3) الروضة 2: 109.

(4) الخلاف 2: 179، المبسوط 1: 277، ابن حمزة في الوسيلة: 140، حكاه عن العماني و اختاره في المختلف: 215، الروضة 2: 140.

(5) الدروس 1: 268، البيان: 359.

(6) مجمع الفائدة 5: 164.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 197

و المحدّث الكاشاني في الوافي «1»، و إن كان تردّد في المفاتيح «2».

أمّا الصحّة، فلوقوع الإمساك المخصوص مع نيّة القربة، لعدم منافاة الترديد لها، و عدم اشتراط نيّة الوجه، و أصالة عدم تأثير الترديد الزائد في البطلان، كما لا تؤثّر نيّة الوجه المخالف على الأقوى.

و القول: بأنّه لا يلزم من الاكتفاء في صوم رمضان بنيّة القربة الصحّة مع إيقاعه على خلاف الوجه المأمور به، بل على الوجه المنهي عنه.

مردود بأنّ البطلان- مع الإيقاع

على خلاف الوجه- يحتاج إلى دليل، فإنّ نيّة خلاف الوجه كيف تؤثّر في البطلان على ما هو الحقّ من عدم كون قصد الوجه مأمورا به؟! و أمّا كونه منهيّا عنه، فممنوع جدّا، إذ المسلّم من المنهيّ عنه و الثابت من الأخبار هو كونه من رمضان على طريق الجزم، و أمّا على الترديد فلا دليل على المنع منه أصلا.

و القول: بأنّ نيّة التعيين تسقط فيما علم أنّه من رمضان لا فيما لم يعلم.

مردود بأنّ لزوم نيّة التعيين فيما لم يعلم موقوف على الدليل عليه، و ليس.

و تدلّ على المطلوب أيضا رواية النبّال: عن يوم الشكّ، فقال:

«صمه، فإن يك من شعبان كان تطوّعا، و إن يك من شهر رمضان فيوم وفّقت له» «3».

______________________________

(1) الوافي 11: 107.

(2) المفاتيح 1: 246.

(3) الكافي 4: 82- 5، الفقيه 2: 79- 350، التهذيب 4: 181- 504، الاستبصار 2: 78- 236، الوسائل 10: 21 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 198

وجه الدلالة: أنّ مع ذلك القول من الإمام لا يمكن الصوم إلّا بنيّة أنّه إن كان من شعبان كان تطوّعا، و إن كان من رمضان وفّق للواجب، فإنّ القصد غير اختياري.

و ما رواه المفيد في المقنعة، عن أبي الصلت، عن الرضا عليه السّلام، عن آبائه عليهم السّلام، قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من صام يوم الشكّ فرارا بدينه فكأنما صام ألف يوم من أيّام الآخرة» «1»، فإنّ صومه فرارا بدينه مشعر بترديده و تجويزه الوجوب.

و يدلّ عليه أيضا ما ورد من إطلاق الرخصة في مطلق الصيام و في صيام يوم الشكّ، خرج منه صيامه بنيّة رمضان بأخبار و

بقي الباقي، و منه ما كان بنيّة الترديد.

و القول- بأنّه لم يرد إذن صريحا في نيّة الترديد أيضا- مردود بكفاية الإطلاق فيه.

و أمّا الإجزاء عن رمضان، فلما مرّ من العلّة المنصوصة، و عدم التكليف بصوم رمضان، و عدم دليل على القضاء. و قد يستدلّ بوجوه أخر غير تامّة لا فائدة في ذكرها.

خلافا لنهاية الشيخ «2»- بل باقي كتبه كما قيل «3»- و السرائر و المعتبر و الشرائع و النافع و القواعد و التذكرة و الإرشاد و التلخيص و المدارك «4»، بل

______________________________

(1) المقنعة: 298، الوسائل 10: 300 أبواب أحكام شهر رمضان ب 16 ح 6.

(2) النهاية: 151.

(3) في الذخيرة: 516.

(4) السرائر 1: 384، المعتبر 2: 652، الشرائع 1: 187، النافع: 65، القواعد 1: 63، التذكرة 1: 257، الإرشاد 1: 300، المدارك 6: 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 199

نسب إلى أكثر المتأخّرين «1».

لأنّ صوم هذا اليوم إنّما يقع على وجه الندب على ما يقتضيه الحصر الوارد في النصّ، فبفعله على خلاف ذلك لا يتحقّق الامتثال.

و لأنّ صومه على غير الندب تشريع محرّم، فيكون باطلا.

و لاشتراط الجزم في النيّة حيث يمكن، و هو هنا كذلك. و لعلّ إلى هذا الدليل أشار الصدوق في الفقيه بقوله: لأنّه لا يقبل شي ء من الفرائض إلّا باليقين «2».

و يرد على الأول: منع شرعيّة وقوعه على وجه الندب خاصّة، بل يقع على الترديد أيضا، و الحصر الذي ادّعاه كأنّه إشارة الى ما في موثّقة سماعة من قوله: «إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان، و لا يصومه من رمضان» و قوله فيها: «و إنّما ينوي من الليلة أنّه يصوم من شعبان» «3».

و إلى ما في رواية الزهري من قوله: «أمرنا أن يصومه

الإنسان أنّه من شعبان».

و لا يخفى أنّ الأولين لا يدلّان إلّا على رجحان الصوم من شعبان دون الحصر، و إفادة «إنّما» للحصر في مثل المورد ممنوعة، كما بيّنا في الأصول، مع أنّه على فرض الإفادة لا يفيد إلّا حصر الأفضل في ذلك، لأنّ من الجملة الخبريّة لا يمكن إثبات الأزيد، يعني: إنّما ينحصر الراجح من الأفراد في صوم يوم الشكّ في ذلك.

______________________________

(1) كما في المدارك 6: 37، و الرياض 1: 304.

(2) الفقيه 2: 79.

(3) الكافي 4: 82- 6، التهذيب 4: 182- 508، الاستبصار 2: 79- 240، الوسائل 10: 21 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 200

و الثالث لا وجه للحصر فيه أصلا، و أمّا لفظ الأمر فيه فهو بمعنى المندوب إليه قطعا، ضرورة عدم وجوب الصوم من شعبان.

هذا إذا أريد من وقوعه على وجه الندب أنّه ينوي فيه الندب و ينحصر الصحيح منه فيه، و إن أريد أنّه ليس إلّا مندوبا فهو مسلّم، و لكن وجوب تعيين ذلك في القصد و تأثير الزائد في البطلان ممنوع.

و على الثاني: أنّ التشريع لو كان فإنّما هو في أمر خارج ليس شرط الفعل و لا شطره، و هو الزائد على قصد القربة، و أمّا نفس الفعل فليس تشريعا، مع أنّ في كون الزائد بعد استفادته من الروايتين المذكورتين «1» تشريعا أيضا نظر.

و على الثالث: أنّ التردّد ليس في النيّة المطلوبة، لأنّها هي القصد إلى الفعل مع القربة، و التردّد فيه إنّما يكون بالتردّد في الفعل و الترك و التقرّب و عدمه، و ظاهر أنّه ليس كذلك، و إنّما هو في الوجه، و هو ممّا لا دليل على اعتباره هنا،

و على تقدير اعتباره غاية أو صفة أمر آخر خارج عن النيّة و المنوي، فلا يقدح التردّد فيه.

و الحاصل: أنّ اشتراط الجزم في مثل ذلك لا دليل عليه.

و أمّا قول الصدوق و كونه إشارة إلى ذلك ممنوع، و لذا لم يسند إليه هذا القول، و إن كان ظاهر كلامه مفهما له، فإنّه قال- بعد حكمه بإجزاء صوم يوم الشكّ إن صامه من شعبان-: و من صامه و هو شاكّ فيه فعليه قضاؤه و إن كان من شهر رمضان، لأنّه لا يقبل شي ء من الفرائض إلّا باليقين.

______________________________

(1) في ص: 197، 198.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 201

قيل: المراد أنّه من صامه بنيّة رمضان- مع أنّه يشكّ فيه- فعليه القضاء، لأنّه فعل أمرا لا يقين له فيه، بخلاف من صامه بنيّة التردّد، لأنّه فيه على يقين من أمره، لعلمه بكونه كذلك واقعا، و إنّما هو شاكّ في اليوم «1».

فتأمّل.

ه: لو صامه بنيّة الندب أو واجب آخر غير رمضان

، ثمَّ ظهر قبل الغروب أنّه من رمضان، يعدل إلى أنّه من رمضان، بمعنى: أنّه يجب عليه إتمام الصيام و يعتقد أنّه من رمضان، و لم يتصوّر فساد الصوم أو كونه من شعبان بعد عدم ثبوت الهلال قبل النهار.

فما قيل- من أنّ هذه المسألة ممّا لا وجه لذكرها، إذ بعد العلم بالشهر في أثناء النهار للمكلّف تحصل هذه النيّة «2»- ليس بجيّد.

نعم، يحصل ذلك بعد العلم المذكور و العلم بهذه المسألة.

ثمَّ لو لم يعلم المسألة، فهل يكون آثما مع تقصيره في الأخذ، بمعنى: أنّ قصد هذا الوجه واجب أم لا؟

الظاهر: لا، لعدم دليل على وجوب تعيين الوجه، و لذا قلنا بحصّة الصوم من رمضان لو نوى الغير فيه أيضا مع العلم بالشهر كما مرّ.

و لو صامه بنيّة

رمضان ثمَّ ظهر كونه منه في أثناء النهار يكون صومه فاسدا، لأنّ ما بعضه فاسد يفسد كلّه.

و: لو أصبح في يوم الشكّ بنيّة الإفطار ثمَّ ظهر كونه من رمضان

جدّد نيّة الوجوب ما لم تزل الشمس، و أجزأ إذا لم يكن أفسد صومه، لما يأتي في مسألة تجديد النيّة إلى الزوال و بقاء وقتها إليه.

______________________________

(1) الوافي 11: 108.

(2) الحدائق 13: 46.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 202

و لو كان بعد الزوال لم يكن له صوم، و قضاه، و أمسك بقيّة اليوم من المفطرات وجوبا، أمّا عدم كون الصوم له، فلفوات وقت نيّته كما يأتي.

و أمّا القضاء، فلفوات الصوم. و أمّا وجوب الإمساك، فلما يأتي أيضا من تحريم تناول المفطرات في الشهر بغير شي ء من الأعذار المنصوصة. و كذا وجوب الإمساك عليه لو ظهر كونه من الشهر بعد أنّ تناول المفطر.

ز: قال في الحدائق ما خلاصته:

المراد بيوم الشكّ في هذه الأخبار ليس هو مطلق الثلاثين من شعبان، بل إنّما هو إذا حصل الشكّ في كونه من شعبان أو رمضان من جهة اختلاف في هلال شعبان أو رمضان أو مانع من الرؤية، و بالجملة ما أوجب الشكّ، و هذا هو الذي ورد أنّه إن ظهر من رمضان فيوم وفّق له.

و أمّا لو كان هلال شعبان معلوما يقينا و لم يدّع أحد الرؤية ليلة الثلاثين منه و لم يكن مانع من الرؤية، فاليوم من شعبان قطعا و ليس بيوم شكّ «1». انتهى.

أقول: الأمر و إن كان كذلك، لتعليق الحكم في الأخبار طرّا على يوم الشكّ، و هو لا يكون إلّا مع شبهة، و ورد في روايتي هارون بن خارجة «2» و الربيع بن ولّاد «3» الأمر بالصوم في يوم الثلاثين مع الغيم و النهي عنه مع الصحو، و مع ذلك صرّح به في رواية معمّر، و فيها: قلت: جاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الذي يشكّ فيه أنّه

قال: «يوم وفّق له» قال عليه السّلام: «أ ليس

______________________________

(1) الحدائق 13: 41.

(2) الكافي 4: 77- 9، التهذيب 4: 159- 447، الاستبصار 2: 77- 233، الوسائل 10: 299 أبواب أحكام شهر رمضان ب 16 ح 4.

(3) التهذيب 4: 165- 469، الوسائل 10: 298 أبواب أحكام شهر رمضان ب 16 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 203

تدرون إنّما ذلك إذا كان لا يعلم أ هو من شعبان أم من شهر رمضان فصامه الرجل فكان من شهر رمضان كان يوما وفّق له؟ فأمّا و ليس علّة و لا شبهة فلا» «1».

و لكن لا تترتّب على ذلك التحقيق فائدة، لأنّها إمّا في مرجوحيّة الصوم مع عدم المانع و عدمها معه، أو في الإجزاء عن رمضان لو صامه و بان أنّه من رمضان و عدمه، و لا يقول هو و لا أحد من الأصحاب فيما أعرف- إلّا ما حكي عن المفيد- بمرجوحيّة صومه «2»، و لا بعدم الإجزاء إن أمكن مع الصحو اتّفاق ثبوت الهلال في بلد آخر، و مع ذلك تدلّ على الإجزاء العلّة المنصوصة و الدليل العقلي المتقدّمان. و إن لم يمكن ذلك فعدم الفائدة أظهر.

المسألة الرابعة: الأصل في النيّة أن تكون مقارنة لأول جزء من العمل
اشاره

بحيث لا تتأخّر عنه و لا تتقدّم، إذ لو تأخّرت عنه لكان يقع جزء منه بلا نيّة و لا قصد قربة، فلا يكون عبادة، و ما لا يكون جزؤه عبادة لا يكون كلّه كذلك.

و لا تقاس النيّة بالمميّزات الخارجيّة المعيّنة للفعل المشترك، التي اكتفينا بحصولها في أثناء الفعل، كما ذكرنا في بحث الوضوء و الصلاة، لأنّ المطلوب منها مجرّد رفع الاشتراك الحاصل بذلك عرفا، فإنّ عروض مميّزات صلاة الآيات بعد قراءة الحمد يرفع اشتراك العمل. بخلاف النيّة، فإنّ المقصود الأعظم

منها- الذي هو التقرّب- لا يفيد لما تقدّم عليها،

______________________________

(1) التهذيب 4: 166- 473، الوسائل 10: 24 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 12.

(2) حكاه عنه في البيان: 362.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 204

و لا يجعله متقرّبا به إلى اللّه، فلا يجوز تأخيرها عنه.

و كذا التقديم الغير المستمرّ إلى الجزء الأول فعلا أو حكما، و أمّا المستمرّة حكما فهي كالمقارنة، كما بيّناها في بحث الوضوء.

فالحاصل: أنّه تجب مقارنة النيّة الفعليّة أو الحكميّة لأول جزء من العمل، و لا يجوز التأخير مطلقا، و لا التقديم بدون الاستمرار الحكمي، و لا يجب التقديم مطلقا، للأصل، فهذا هو الأصل في النيّة.

و قد تخلّف الأصل في الصيام في مواضع يأتي ذكرها في المسائل الآتية بالدليل، فقد يوجب التقديم و قد يجوّز التأخير، و ليس المعنى في صورة التأخير أنّ معه يكون مجموع اليوم متقرّبا فيه إلى اللّه، بل المعنى: أنّ مجموع اليوم- الذي بعضه يشتمل على نيّة القربة- قائم مقام الذي يشتمل جميعه عليها بالدليل الشرعي.

ثمَّ إنّ مقتضى الأصل المذكور- مضافا إلى النبويّين المشهورين، أحدهما: «لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل» «1» و الآخر: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له» «2»- أن يكون وقت نيّة الصيام الليل حتما، حيث إنّ مقتضاه وجوب العلم بمقارنتها لطلوع الفجر الذي هو أول اليوم، و هو لمّا لا يحصل عادة إلّا بإيقاعها قبل الطلوع، لأنّ الطلوع لا يعلم إلّا بعد وقوعه، فلا يحصل العلم بمقارنة النيّة له إلّا بتقديمها عليه، فيكون التقديم واجبا.

قيل: الأمر و إن كان كذلك لكن نفرض المسألة على تقدير وقوع

______________________________

(1) سنن الدار قطني 2: 171- 1.

(2) سنن أبي داود 2: 329-

2454، و سنن النسائي 4: 196، و مسند أحمد 6:

287 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 205

المقارنة الحقيقيّة بدون التقديم، فإنّ غاية ما لزم عدم تمكّن المكلّف من إيقاع المقارنة بالاختيار، و هو لا ينفي الاتّفاق، فنفرض المسألة على تقديره، فلا يكون التقديم واجبا.

و أيضا نمنع اشتراط المقارنة المذكورة في النيّة مطلقا، بل النيّة للفعل المستغرق للزمان تكون بعد تحقّقه لا قبله، كما صرّح به بعضهم في نيّة الوقوف بعرفة و جعلها مقارنة لما بعد الزوال.

و أيضا تشترط المقارنة لو لم تؤثّر النيّة المتأخّرة في الجزء المتقدّم، و هي مؤثّرة في الصوم، فإنّ من نسي النيّة فجدّدها في النهار صحّ صومه «1».

و نجيب عن الأول: بأنّ إمكان الوقوع و الاتّفاق غير مفيد، لوجوب أداء التكليف، مع أنّ المكلّف به هو تحصيل العلم، و هو غير ممكن عادة، و بناء التكاليف على الأحوال العاديّة المتعارفة، و لذا يحكمون بوجوب غسل جزء من الرأس في غسل الوجه للوضوء من باب المقدّمة مع إمكان اتّفاق البدأة بأعلى الوجه الحقيقي.

و عن الثاني: بأنّ انتفاء المقارنة المذكورة موجب لخلوّ أول الجزء من النيّة، فلا يكون من العبادة المطلوبة.

و أمّا ما كان كذلك فابتداء وقته حقيقة ما بعد الآن المشتمل على النيّة، و الزمان فيه هو الزمان العرفي لا الحقيقي، فوقت الوقوف من أول الزوال عرفا لا حقيقة، و ذلك لا يمكن في الصوم، للإجماع على أنّ وقته تمام اليوم حقيقة.

و عن الثالث: بأنّ تأثير النيّة في الجزء المتقدّم على خلاف الأصل كما عرفت، فلا بدّ من الاقتصار فيه على ما ثبت فيه من الناسي و ذوي الأعذار

______________________________

(1) انظر الروضة 2: 106.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 206

كما

يأتي، و مرادنا هنا بيان الأصل في وقت النيّة.

و قد ظهر بذلك الجمع بين قول من ظاهره أو صريحه تحتّم إيقاعها ليلا- كالعماني و المفيد و النافع و المفاتيح «1»- و قول من قال بجواز التأخير إلى طلوع الفجر بحيث يتقارنان- كآخرين «2»- بحمل قول الأولين على الوجوب التبعي، و قول الآخرين على الأصلي.

و صرّح بذلك في المنتهى، قال- بعد تجويز المقارنة للطلوع، و الاستدلال للمخالف بالنبويّين-: و الجواب: أنّه لمّا تعذّر إيقاع العزم مع الطلوع- لعدم ضبطه- لم يكلّف الرسول به، و بعده لا يجوز، فوجبت القبليّة، لذلك، لا أنّها في الأصل واجبة قبل الفجر «3». و نحوه في التذكرة «4».

فائدة:

قد بيّنا أنّ النيّة المشروطة مقارنتها للعمل أعمّ من الفعليّة، التي هي عبارة عن حضور العزم على الفعل متقرّبا في البال ملتفتا إليه.

و من الحكميّة، التي هي عبارة عن حضور العزم المذكور في وقت و عدم قصد الترك و لا التردّد و لا نسيان العزم بعده، إلى أن يشتغل بالعمل، بحيث يكون العزم مودعا في خزينة الخيال و إن لم يكن ملتفتا إليه أصلا، و ذلك غير النسيان. ألا ترى أنّه لا يقال لكلّ أحد: أنّه نسي اسمه و اسم أبيه و ولده، مع أنّه غير ملتفت إليها في أكثر الأحوال.

نعم، يكون بحيث لو التفت إلى العمل لوجد العزم عليه باقيا في

______________________________

(1) حكاه عن العماني في المختلف: 211، المفيد في المقنعة: 302، النافع: 65، المفاتيح 1: 243.

(2) منهم الشهيد الثاني في الروضة 2: 106، السبزواري في الذخيرة: 513، صاحب الرياض 1: 301.

(3) المنتهى 2: 558.

(4) التذكرة 1: 256.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 207

نفسه.

و قد ذكرنا فيما سبق: أنّه لا دليل على

اشتراط مقارنة الأزيد من ذلك أصلا، و أنّ اعتبار الفعليّة في وقت من الأوقات لتوقّف حصول الحكميّة عليها، و أنّه لا يشترط في الحكميّة- التي هي الفعليّة المستمرة- عدم الإتيان بما ينافي العمل حين فعله و يبطله، فإنّ قاصد الصلاة عند الأذان و الإقامة يكتفي بالنيّة الحكميّة و لو تكلّم في أثناء الأذان و الإقامة أو انحرف عن القبلة.

نعم، يشترط فيها عدم العزم على الترك، و لا التردّد بعد العزم الفعلي الأولي.

و إذا عرفت ذلك تعلم أنّ المراد بتحتّم إيقاعها ليلا: أنّه يجب تحقّق إحدى النيّتين من الفعليّة و الحكميّة في الجزء الأخير من الليل، و لو لم تتحقّق إحداهما فيه يبطل الصوم، و أمّا الفعليّة بخصوصها فلا يشترط تحقّقها حينئذ.

نعم، لتوقّف حصول الحكميّة عليها يشترط تقدّمها على الطلوع، سواء كان في الجزء الأخير من الليل، أو الجزء الأول، أو النهار السابق، أو الأيّام السابقة، أو قبل رؤية الهلال، فإنّ بعد تحقّقها في وقت من الأوقات و البقاء على حكمها إلى وقت العمل تتحقّق النيّة المعتبرة.

و البقاء على حكمها [1] يتحقّق بعدم العزم على الترك و لا التردّد، و بقاء العزم في الخزينة الخياليّة بحيث لو التفت إليها لوجد العزم و إن لم يكن بالفعل ملتفتا.

و تعلم أيضا سقوط كثير من الفروع التي ذكرها جمع من الأصحاب،

______________________________

[1] في «ح» زيادة: إلى وقت العمل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 208

و أنّها مبنيّة على اشتراط مقارنة الفعليّة أو عدم تحقيق الحكميّة:

منها: ما تردّد فيه بعضهم من أنّه هل يشترط بعد النيّة الفعليّة الاستمرار على حكم الصوم بعدم الإتيان بمفطراته إلى الطلوع، أم لا «1»؟

فإنّه لا وجه لهذا الاشتراط أصلا، و لا تؤثّر هذه الأفعال في غير

زمان الصوم في إبطال النيّة الحكميّة، بل و لا الفعليّة لو اعتبرناها، فإنّ حقيقتها حضور العزم على الإمساك غدا لا على الإمساك الآن.

و منها: أنّه هل تجب في كلّ ليلة من شهر رمضان نيّة يومها، أو تكفي فيه نيّة واحدة من أول الشهر؟

فإنّ المراد إن كان الفعليّة، فلا دليل على اشتراطها في كلّ ليلة أصلا، فإنّ النيّة الحكميّة لكلّ يوم تتحقّق بحصول الفعليّة للجميع في وقت واحد من غير طروّ المزيل لها، و كون كلّ يوم عبادة مستقلّة لا يقتضي تعدّد الفعليّة في ليلته، و لذا تكفي الفعليّة الواحدة لصلاة الظهر و العصر في الابتداء، مع أنّ قصد كلّ يوم في أول الأمر في حكم الفعليّة المتعدّدة.

و إن كان المراد: الحكميّة، فلا ريب في اشتراط تحقّقها لكلّ يوم في ليلته، و لا يقبل الخلاف فيه.

و منها: أنّه هل يجوز تقديم نيّة شهر رمضان على الهلال، أم لا؟ فإنّ تقديم الفعليّة جائز مع بقاء الحكميّة، و تقديم الحكميّة بحيث تنتفي بعد الهلال غير جائز قطعا.

إلى غير ذلك من الفروع، و كثير منها مبتن على إرادة الفعليّة من النيّة المعتبرة في كلّ عبادة قطعا و الغفلة عن الحكميّة، فرأوا اعتبار الاولى قطعا، و رأوا اعتبار المقارنة أيضا، فتوهّموا أنّها هي التي تعتبر مقارنتها.

______________________________

(1) انظر الحدائق 13: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 209

ثمَّ لمّا استشعر بعضهم بأنّ كثيرا من أصحاب الأئمّة و علماء الأمّة في بعض الموارد الشرعيّة- كصوم الشهر- لا يلتفت إلى فعليّة النيّة، مضافا إلى عدم الالتفات إليها في أفعالنا الحاصلة بالقصد و الاختيار، فرأى ذلك ثابتا بل مجمعا عليه، فشرع في إبداء الوجوه الضعيفة و التعليلات العليلة للكفاية، و من لم يستشعر بذلك

ردّ تلك الوجوه، و من تحقّق ما ذكرناه في أمر النيّة يسهل عليه الخروج من هذه الخلافات.

المسألة الخامسة: لا يجوز تأخير النيّة عن الطلوع المستلزم تبعا

وجوب تقديمها عليه في صوم شهر رمضان و نحوه من الواجبات المعيّنة، عمدا مع العلم بالشهر أو المعيّن، و لو أخّر عمدا يفوت عنه الصوم، و نسبه في المدارك- في مسألة من نوى الإفطار ثمَّ جدّد في يوم من شهر رمضان- إلى المعروف من مذهب الأصحاب «1»، و في الحدائق: أنّ ظاهر كلام جملة منهم الاتّفاق عليه «2».

للأصل المذكور، و النبويّين المتقدّمين «3».

خلافا لظاهر الإسكافي على ما قيل «4»، و السيّد «5» و النافع «6»، فيجوز التأخير عنه إلى الزوال، و صرّح في الشرائع بانعقاد الصوم لو دخل النهار بنيّة الإفطار ثمَّ جدّد النيّة قبل الزوال «7».

و يمكن أن يستدلّ لهم بإطلاق صحيحة الحلبي أو عمومها الحاصل من ترك الاستفصال: قلت: فإنّ رجلا أراد أن يصوم ارتفاع النهار أ يصوم؟

______________________________

(1) المدارك 6: 39.

(2) الحدائق 13: 47.

(3) في ص: 204.

(4) في المختلف: 211.

(5) السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 53.

(6) النافع: 65.

(7) الشرائع 1: 188.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 210

قال: «نعم» «1»، و كون السؤال في صدرها عن غير الواجب المعيّن لا يوجب تخصيص الذيل العام به أيضا.

و ابن سنان: «من أصبح و هو يريد الصيام ثمَّ بدا له أن يفطر فله أن يفطر ما بينه و بين نصف النهار ثمَّ يقضي ذلك اليوم، فإن بدا له أن يصوم بعد ما ارتفع النهار فليصم، فإنّه يحسب له من الساعة التي نوى فيها» «2».

و ابن سالم: الرجل يصبح و لا ينوي الصوم فإذا تعالى النهار حدث له رأي في الصوم، فقال: «إن هو نوى

الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه، و إن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى» «3».

إلّا أنّ الثانية مخصوصة بغير الواجب المعيّن، لأنّ قوله: «من أصبح و هو يريد الصيام» مخصوص به بقرينة تجويز الإفطار، و الضمير المجرور في قوله: «ثمَّ بدا له أن يصوم» راجع إلى ذلك الشخص أيضا.

بل هنا وجهان آخران موجبان لظهور الأخيرتين معا في غير الواجب المعيّن، لأنّه المتبادر من قوله: «فإن بدا له» و قوله: حدث له رأي، و لقوله:

«يحسب له» فإنّ الحساب من وقت النيّة يفيد أنّه ليس ما قبله صوما، و إنّما هو بعض صوم، أي له ثواب ذلك و إن لم يكن صوما شرعيّا.

و الحمل- على مجرّد نفي الثواب فيما تقدّمه و إن كان صوما صحيحا- باطل، إذ لا يخلو الصوم الصحيح من الثواب.

إلّا أن يقال: إنّ المعنى: أنّ ثواب مجموع صوم اليوم كثواب بعض

______________________________

(1) الكافي 4: 121- 1، الوسائل 10: 10 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 1.

(2) التهذيب 4: 187- 524، الوسائل 10: 17 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 7.

(3) التهذيب 4: 188- 528، الوسائل 10: 12 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 211

اليوم من الذي نوى المجموع.

فلم تبق إلّا الاولى، و هي و إن كانت عامّة ظاهرا إلّا أنّ عمومها موهون جدّا باختصاص صدرها، و ظهور: أراد أن يصوم، فيمن تجوز له إرادة عدم الصوم، و مع ذلك معارض بعموم النبويّين المنجبرين ضعفهما في المقام بالشهرة العظيمة، بل قيل بالإجماع، بحمل كلام من ذكر على غير العامد بالتباين، فيرجع إلى الأصل المذكور.

المسألة السادسة: يمتدّ وقتها في صوم شهر رمضان و النذر المعيّن للناسي و الجاهل بالشهر و التعيين

بل مطلق المعذور إلى

الزوال، فله النيّة ما لم يدخل الزوال، و إذا دخل فات الصوم، وفاقا للأكثر، بل عليه الإجماع عن صريح الغنية «1»، و ظاهر المعتبر و المنتهى و التذكرة «2».

بل هو إجماعي، لعدم ظهور مخالف، إلّا ما حكي عن العماني في البقاء إلى الزوال، و الإسكافي في الفوات بعده «3».

و مخالفتهما في الإجماع غير قادحة، مع أنّها- كما قيل أيضا- غير معلومة «4»، بل عدمها في الثاني من كلامه معلوم.

فهو الحجّة المخرجة عن الأصل المتقدّم في الأول «5»، المحتاج إلى المخرج.

مضافا إلى إطلاق صحيحة الحلبي المتقدّمة «6»، الخالي عن معارضة

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 570.

(2) المعتبر 2: 646، المنتهى 2: 558، التذكرة 1: 256.

(3) حكاه عنهما في المختلف: 212.

(4) الرياض 1: 302.

(5) أي امتداد الوقت إلى الزوال.

(6) في ص: 209.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 212

النبويّين في المورد، لضعفهما الخالي عن الجابر فيه.

و إلى الاعتضاد بمؤيّدات عديدة، من فحوى ما سيأتي من أدلّة ثبوت الحكم في الصوم الغير المعيّن، ففيه أولى، و حديث: «رفع عن أمّتي» «1»، و ما روي عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنّ ليلة الشك أصبح الناس، فجاء أعرابي إليه فشهد برؤية الهلال فأمر مناديا ينادي: من لم يأكل فليصم، و من أكل فليمسك «2»، و فحوى ما دلّ على انعقاد الصوم من المسافر إذا زال عذره قبل الزوال «3».

بل يمكن جعل الأخير دليلا بضمّ عدم القول بالفصل، بل سابقة أيضا، لذلك، مع جبر ضعفه بالعمل.

و أمّا الأوليان فجعلهما دليلين- كما وقع لبعضهم «4»- غير سديد.

و أمّا الثاني [1]، فلا حاجة فيه إلى المخرج، لموافقته الأصل، و عدم شي ء يصلح للمعارضة، مع أنّه أيضا- كما مرّ- إجماعي.

المسألة السابعة: يمتدّ وقتها في قضاء رمضان و النذر المطلق أيضا إلى الزوال،

من غير فرق

في ذلك بين حالتي الاختيار و الاضطرار، فيجوز تجديدها إليه و إن تعمّد الإخلال بالنيّة ليلا فبدا له في الصوم قبل الزوال، و لا يجوز بعده.

أمّا الأول، فهو ممّا قطع به الأصحاب، بل من عباراتهم ما هي مشعرة بدعوى الإجماع عليه، و تدلّ [عليه ] [2] الصحاح الثلاث المتقدّمة، و صحيحة

______________________________

[1] أي: إذا دخل الزوال فات الصوم.

[2] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) الوسائل 8: 249 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 2.

(2) سنن أبي داود 2: 302، سنن النسائي 4: 131.

(3) الوسائل 10: 189 أبواب من يصح منه الصوم ب 6.

(4) انظر الرياض 1: 302.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 213

البجلي: في الرجل يبدو له بعد ما يصبح و يرتفع النهار في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان، و لم يكن نوى ذلك من الليل، قال: «نعم، ليصمه، و يعتدّ به إذا لم يكن أحدث شيئا» «1».

و الأخرى: عن الرجل يصبح و لم يطعم و لم يشرب و لم ينو صوما، و كان عليه يوم من شهر رمضان، إله أن يصوم ذلك اليوم و قد ذهب عامّة النهار؟ فقال: «نعم، له أن يصوم، و يعتدّ به من شهر رمضان» «2».

و موثّقة الساباطي: عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان و يريد أن يقضيها، متى يريد أن ينوي الصيام؟ قال: «هو بالخيار إلى أن تزول الشمس، فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصوم فليصم، و إن كان نوى الإفطار فليفطر»، سئل: و إن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال: «لا» «3».

و رواية صالح: رجل جعل اللّه عليه صيام شهر، فيصبح و هو ينوي الصوم ثمَّ

يبدو له فيفطر، و يصبح و هو لا ينوي الصوم فيبدو له فيصوم، فقال: «هذا كلّه جائز» «4».

و رواية عيسى: «و من أصبح و لم ينو الصوم من الليل فهو بالخيار إلى أن تزول الشمس، إن شاء صام، و إن شاء أفطر» «5».

______________________________

(1) الكافي 4: 122- 4، التهذيب 4: 186- 522، الوسائل 10: 10 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 2.

(2) التهذيب 4: 187- 526، الوسائل 10: 11 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 6.

(3) التهذيب 4: 280- 847، الاستبصار 2: 121- 394، الوسائل 10: 13 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 10.

(4) التهذيب 4: 187- 523، الوسائل 10: 11 أبواب وجوب الصوم و نيّته ب 2 ح 4.

(5) التهذيب 4: 189- 533، الوسائل 10: 19 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 214

و إطلاقها يدلّ على ما أشرنا إليه من استواء حالتي الاختيار و الاضطرار في ذلك الحكم، كما هو ظاهر عبارات الأصحاب، و صرّح به في السرائر و الروضة «1» و غيرهما «2».

و كثير منها و إن اختصّ بالقضاء و بعضها بالنذر المطلق، و لكن جملة منها يعمّهما و غيرهما من الواجبات، كالإجارة و الكفّارة و غيرهما.

و كذلك بعضها و إن لم يشتمل على الامتداد إلى الزوال و لكن تصريح جملة منها به كاف في إثباته، مضافا إلى الإجماع المركّب.

لا يقال: قوله في صحيحة ابن سنان: «فإنّه يحسب له من الساعة التي نوى فيها» «3» يدلّ على فساد الصوم، إذ الصوم لا يتبعّض في اليوم، فيكون الحساب من بعض اليوم كناية عن الفساد.

قلنا:- مع أنّ أصل الدلالة ممنوع- إنّه

لو سلّم فهي أعمّ ممّا كان قبل الزوال أو بعده، فيجب تخصيصه بالأخير، لصحيحة ابن سالم، التي هي أخصّ مطلقا منها «4».

و أمّا الثاني، فهو الأظهر الأشهر، بل ظاهر الانتصار إجماعنا عليه «5»، لصحيحة ابن سالم، و موثّقة الساباطي، و رواية عيسى.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي «6» و الذخيرة «7»، و قوّاه بعض مشايخنا

______________________________

(1) السرائر 1: 373، الروضة 2: 107.

(2) انظر الرياض 1: 302.

(3) تقدّمت في ص: 210.

(4) راجع ص: 210.

(5) الانتصار: 60.

(6) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 212.

(7) الذخيرة: 514.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 215

المعاصرين «1»، لإطلاق بعض الأخبار المذكورة، و ظاهر صحيحة البجلي الثانية.

و صريح مرسلة البزنطي: الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان، و يصبح فلا يأكل إلى العصر، أ يجوز له أن يجعله قضاء من شهر رمضان؟

قال: «نعم» «2».

و يجاب عنها: بالضعف، لمخالفتها الشهرة القديمة و الجديدة، و لذا حكم في المنتهى للمرسلة بالشذوذ [1].

مضافا إلى وجوب تقييد المطلقات، و حمل لفظ: العامّة، في الصحيحة، على البعض- و لو مجازا- لذلك أيضا، بل يحتمل كونها مطلقة أيضا، حيث من الفجر إلى الزوال أكثر من الزوال إلى الغروب، و معارضة المرسلة بما ذكر، و وجوب الرجوع إلى الأصل المتقدّم.

المسألة الثامنة: يمتدّ وقت النافلة إلى أن يبقى من النهار جزء يمكن الإمساك فيه بعد النيّة

، فيجوز تجديدها ما بقي من النهار شي ء بعد أن ينوي، وفاقا للصدوق في الفقيه و المقنع و السيّد و الشيخ و الإسكافي و الحلّي و ابني زهرة و حمزة «3» و المنتهى و الدروس «4»، و استحسنه في التحرير و الروضة «5»،

______________________________

[1] المنتهى 2: 559. قال: فإنّه مع إرساله لا تعرض فيه بالنيّة.

______________________________

(1) الرياض 1: 302.

(2) التهذيب 4: 188- 529، الاستبصار 2: 118- 385، الوسائل 10: 12 أبواب وجوب الصوم و

نيته ب 2 ح 9.

(3) الفقيه 2: 97، المقنع: 63، السيّد في الانتصار: 60، الشيخ في المبسوط 1:

278، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 213، الحلي في السرائر 1: 373، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 570، ابن حمزة في الوسيلة: 140.

(4) المنتهى 2: 559: الدروس 1: 266.

(5) التحرير 1: 76، الروضة 2: 107.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 216

و مال إليه في المعتبر و المختلف و البيان «1»، و قوّاه غير واحد من مشايخنا «2»، و نسب إلى أكثر القدماء «3»، بل مطلقا كما عن المنتهى «4».

بل عن الانتصار و الغنية و السرائر الإجماع عليه «5»، و هو الحجّة فيه، لقاعدة التسامح في أدلّة السنن.

مع موثّقة أبي بصير: عن الصائم المتطوّع تعرض له الحاجة، قال:

«هو بالخيار ما بينه و بين العصر، و إن مكث حتى العصر ثمَّ بدا له أن يصوم و إن لم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء» «6».

و صحيحة محمّد بن قيس: «إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياما، ثمَّ ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاما أو يشرب شرابا و لم يفطر فهو بالخيار، إن شاء صامه و إن شاء أفطر» «7».

خلافا للمحكيّ عن العماني و ظاهر الخلاف «8» و لصريح النافع «9»، فجعلوه مثل الواجب الغير المعيّن، و نسبه جماعة إلى المشهور «10»، لإطلاق صحيحة هشام و رواية عيسى المتقدّمتين «11».

______________________________

(1) المعتبر 2: 647، المختلف: 212، البيان: 361.

(2) منهم صاحبي الحدائق 13: 26، و الرياض 1: 303.

(3) كما في الرياض 1: 302.

(4) المنتهى 2: 559.

(5) الانتصار: 60، الغنية (الجوامع الفقهية): 570، السرائر: 373.

(6) الكافي 4: 122- 2، التهذيب 4: 186- 521، الوسائل 10: 14 أبواب وجوب

الصوم و نيته ب 3 ح 1.

(7) التهذيب 4: 187- 525، الوسائل 10: 11 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 5.

(8) حكاه عنهما في المختلف: 212، و هو في الخلاف 2: 167.

(9) النافع: 60.

(10) كما في المسالك 1: 69، و الحدائق 13: 24.

(11) في ص: 210، 213.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 217

بل قيل: و موثّقة الساباطي «1». و هو غير صحيح، لأنّ السؤال فيها عن مريد القضاء، و ترجع الضمائر كلّها إليه.

و الجواب- بعد تضعيف الأولى-: بأنّها لا تدلّ إلّا على الحساب من وقت النيّة، و هو غير صريح في فساد الصوم.

و الثانية: بأنّها غير مرويّة عن إمام، فلعلّ الحكم عن عيسى نفسه.

على أنّ على فرض الدلالة تكونان مطلقتين بالنسبة إلى الفرض و التطوع، و موثّقة أبي بصير خاصّة يجب حمل العامّ عليها.

المسألة التاسعة: لا شكّ أنّ جواز تجديد النيّة في النهار- بعد تأخيرها عن الليل نسيانا أو عمدا

في جميع ما ذكر- إنّما هو إذا لم يتناول من المفطرات الآتية شيئا، و أمّا معه فلا يجوز إجماعا.

و تدلّ عليه صحيحتا البجلي و محمّد بن قيس، و النبويّ المذكور في المسألة السادسة «2»، و ذيل رواية عيسى: «فإن زالت الشمس و لم يأكل فليتمّ الصوم إلى الليل» «3».

و هل تعتبر المبادرة إلى نيّة الصوم- بعد التذكّر أو إرادته- فورا، أو لا تشترط، بل تجوز النيّة و لو تردّد بعد التذكّر أو الإرادة أو نوى عدم الصوم؟

ظاهر الأصحاب- بل صريح الروضة «4» و غيره- عدم الاعتبار في غير الواجب.

و تدلّ عليه الإطلاقات المتقدمة مطلقا، و صحيحة هشام في الجملة، و هي: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يدخل إلى أهله فيقول: عندكم شي ء، و إلّا

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 302.

(2) راجع ص: 213، 216، 212.

(3) التهذيب 4: 189- 533،

الوسائل 10: 19 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 12.

(4) الروضة 2: 107.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 218

صمت، فإن كان عندهم شي ء أتوه به و إلّا صام» «1».

بل صريح الروضة كونه كذلك في الواجب الغير المعيّن أيضا.

و فيه نظر، لاختصاص الصحيحة بالمستحبّ، و عدم حجّية المطلقات في غير الصوم النافلة كما يأتي وجهه.

و أمّا الواجب المعيّن، فصرّح بعضهم بفوريّة المبادرة و فوات الصوم بتأخير النيّة عن وقت التذكّر «2»، بل لا يبعد كونه وفاقيّا، و هو الموافق للأصل المذكور، و يدلّ عليه ما يأتي في المسألة الآتية من بطلان الصوم و فواته بنيّة الإفطار أو التردّد في جزء من اليوم، خرجت النوافل بالإطلاقات المذكورة و صحيحة هشام فيبقى الباقي.

فإن قيل: المطلقات تشمل الواجب الغير المعيّن أيضا، بل صحيحة الحلبي «3» تشمل المعيّن أيضا.

قلنا: نعم، و لكن قوله في صحيحة البجلي: «إذا لم يكن أحدث شيئا» «4» يوجب تقييدها في الواجب الغير المعيّن صريحا و في المعيّن فحوى و إجماعا مركّبا، فإنّ نيّة الإفطار أو التردّد أيضا إحداث شي ء.

فإن قيل: ليس المراد بالشي ء الإطلاق حتى يقتصر في تقييده على القدر الثابت، لإيجابه خروج الأكثر، بل المراد شي ء خاصّ.

قلنا: فيكون مجملا، و العامّ المخصّص بالمجمل ليس بحجّة في موضع الإجمال.

______________________________

(1) التهذيب 4: 188- 531، الوسائل 10: 12 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 7.

(2) انظر الروضة 2: 107، و المدارك 6: 21.

(3) الكافي 4: 121- 1، الوسائل 10: 10 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 1.

(4) الكافي 4: 122- 4، التهذيب 4: 186- 522، الوسائل 10: 10 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 10، ص: 219

فإن قيل: المراد الشي ء المفسد للصوم.

قلنا: سيأتي أنّ ذلك أيضا مفسد له في موضع لا دليل على صحّته معه.

المسألة العاشرة: لو نوى الإفطار في النهار، فإمّا يكون قبل عقد نيّة الصوم، أو بعده.

و الأول مضى حكمه بأقسامه [1].

و الثاني ممّا لا شكّ في كونه حراما، لكونه عزما على الحرام، و اتّباعا للهوى.

و إنّما وقع الخلاف في إفساده للصوم و عدمه، فعن الحلبي و المختلف و الإرشاد و شرحه لفخر المحقّقين و الإيضاح و المسالك و حاشية القواعد للشهيد الثاني «1» و في الدروس و البيان و الحدائق: فساده به «2»، و هو مختار السيّد في مسائله القديمة، كما صرّح به في بعض رسائله «3».

و عن المبسوط و الخلاف و السيّد «4» و في الشرائع و جملة من كتب الفاضل: عدمه «5»، و نسب إلى المشهور بين الأصحاب «6».

و الحقّ: هو الأول، لأنّ كلّ ما دلّ على اشتراط قصد القربة في الصوم و بطلانه بدونه يدلّ عليه في كلّ جزء جزء منه أيضا، و لا شكّ أنّ آن نيّة القطع

______________________________

(1) و أقسامه: أنّه إمّا يكون سهوا أو عمدا و الثاني إمّا يكون في الواجب العيني أو غيره، و أيضا إمّا يكون قبل التذكر في المعين أو بعده. منه رحمه اللّه.

______________________________

(1) الحلبي في الكافي: 182، المختلف: 215، الإرشاد 1: 300، الإيضاح 1:

223، المسالك 1: 70.

(2) الدروس 1: 267، البيان: 362، الحدائق 13: 51.

(3) جوابات المسائل الرسية الاولى (رسائل الشريف المرتضى 2): 356.

(4) المبسوط 1: 278، الخلاف 2: 222، حكاه عن السيد في الحدائق 13: 49.

(5) الشرائع 1: 188، و من كتب العلّامة: المنتهى 2: 561، و القواعد 1: 63، إلّا أنّ فيه: صحّ صومه على إشكال.

(6) كما في المدارك: 316 و الحدائق 13: 49.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 10، ص: 220

يكون خاليا عن قصد القربة في الإمساك، فيكون باطلا، و ببطلانه يبطل الصوم، إذ اليوم لا يتبعّض في الصوم.

و بعبارة أخرى: لا شكّ أنّ الصوم: الإمساك في تمام اليوم بقصد القربة، و ما لا قربة في بعضه لا قربة في تمامه، و لا معنى لتحقّق القربة مع قصد القطع.

احتجّ الآخرون بالاستصحاب.

و بأنّ النواقض محصورة، و ليست هذه النيّة منها «1».

و بأنّ الصوم إنّما يفسد بما ينافي الصوم، و لا منافاة بينه و بين عزيمة الأكل مثلا، غايته منافاته لنيّة الصوم، و هي غير مضرّة بعد عدم منافاتها لحكم النيّة، و نيّة الإفطار إنّما تنافي نيّة الصوم لا حكمها الثابت بالانعقاد، لأنّها لا تضادّ بينها و بين استمرار حكم النيّة، كيف؟! و لا ينافيه النوم و الغروب إجماعا.

و بأنّ النيّة لا يجب تجديدها في كلّ أزمنة الصوم إجماعا فلا تتحقّق المنافاة.

و بأنّ مرجع الخلاف في المسألة إلى أنّ استمرار النيّة في زمان الصوم هل هو شرط أم لا؟ و الحقّ: عدم اشتراطه، للأصل الخالي عن المعارض، و كون دليل الاستمرار مثل: «إنّما الأعمال بالنيّات» «2» و العمل هنا لم يقع إلّا بنيّة، و ليس في الخبر أزيد من أنّه يجب وقوعه عن قصد و نيّة، و هو كذلك، و أمّا أنّه يجب استمرار ذلك القصد فلا دلالة فيه عليه.

و بصحيحة محمّد: «ما يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال:

الطعام، و الشراب، و النساء، و الارتماس» «3».

______________________________

(1) انظر الخلاف 2: 223 و المدارك 6: 40.

(2) التهذيب 4: 186- 519، الوسائل 10: 13 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 2 ح 12.

(3) الفقيه 2: 67- 276، التهذيب 4: 318- 971، الاستبصار 2: 80- 276،

الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 221

و الجواب عن الأول: أنّ الاستصحاب مدفوع بما مرّ، مع أنّ جريانه هنا محلّ نظر.

و عن الثاني: بمنع الحصر في ما لا يدخل فيه ذلك.

و عن الثالث: بمنع عدم منافاة نيّة الإفطار لحكم النيّة، فإنّ حكمها هو كون المنويّ مخزونا في خزينة الخيال بحيث لو التفت و تذكّر كان باقيا على قصده و اعتبار ذلك كان لصدق الامتثال معه عرفا، و لا شكّ في منافاة نيّة الإفطار لذلك، و عدم كونه ممتثلا في ذلك الآن.

و منه يظهر فساد القياس على النوم و الغروب، لأنّهما لا ينافيان بقاء المنويّ في خزينة الخيال، كما مرّ مفصّلا فيما سبق.

و عن الرابع: بأنّ عدم وجوب تجديد النيّة إنّما هو لاستمرار حكمها، و ذلك لا يوجب عدم منافاة نية الإفطار للنيّة أو حكمها.

و عن الخامس: بأنّ المراد باستمرار النيّة إن كان استمرار النيّة الفعليّة، فعدم اشتراطه مسلّم، و لكن رجوع الخلاف إليه ممنوع.

و إن كان استمرار الحكميّة، فرجوع الخلاف إليه مسلّم، و لكن عدم اشتراطه ممنوع.

و الأصل- بما ذكرناه دليلا على اشتراط الحكميّة في موضعه- مدفوع.

و المراد من الفعل الواقع مع النيّة إن كان الإمساك في البعض السابق، فهو مسلّم، و لكن لا يفيد.

و أمّا إن كان في البعض اللاحق أو تمام اليوم، فوقوعه بغير نيّة بديهي.

و عن السادس: بأنّه عامّ يجب تخصيصه بما مرّ، كما يخصّص بغيره أيضا.

المسألة الحادية عشرة:

قال بعض المتأخّرين في شرحه على الدروس: هل يجب على المكلّف أن يعرف جميع مفطرات الصوم و يقصد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 222

تركها إجمالا أو تفصيلا حتى يصحّ منه الصوم، أو

تكفيه معرفة البعض و اتّفاق عدم الإتيان بالثاني؟

إلى أن قال: و الظاهر أنّ المعتبر هو قصد العبادة المخصوصة المتلقّاة من الشارع بجملة شرائطها الشرعيّة، بعد معرفة معظم التروك المعتبرة فيها، مع عدم الإتيان بباقي المفسدات و لو على سبيل الاتّفاق «1». انتهى.

أقول: ظاهره- كما هو الظاهر أيضا- أنّه لا خلاف في عدم انعقاد صوم من لم يعرف شيئا من المفطرات، و ما يجب الإمساك عنه أصلا، و لم يقصد تركها و تركها اتّفاقا، لعدم ورود نيّة القربة على شي ء منها، و ورودها على معنى لفظ الصوم- الذي لا يعرفه- غير مفيد.

و إنّما الخلاف في أنّه هل تجب معرفة الجميع و قصد تركه تفصيلا أو إجماعا، أو تكفي معرفة البعض؟ و استظهر هو كفاية معرفة المعظم.

و التحقيق: أنّ ما يجب الإمساك عنه في الصوم إن كان ممّا لا يبطل بالإتيان به الصوم- كالارتماس- فلا تجب معرفته و لا قصده عند النيّة بل يكفي اتّفاق تركه، لعدم معلوميّة كونه جزء حقيقة الصوم.

و أمّا غيره- ممّا يبطل الصوم بالإتيان به- فلا فرق فيه بين المعظم و غيره، بل تجب معرفة الجميع و قصد تركه عند النيّة إجمالا أو تفصيلا، لأنّ الصوم الذي يجب قصده و التقرّب به عبارة عن هذه التروك، فلو لم ينو بواحد منها القربة لم يتحقّق قصد القربة في الصوم.

و لا يفيد كون الألفاظ أسامي للأعمّ، لأنّ ذلك لا يخرج باقي الأجزاء عن كونها مأمورا بها.

______________________________

(1) مشارق الشموس: 340.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 223

الفصل الثاني في بيان الأشياء المخصوصة التي بانتفائها يتحقّق الصوم أو لا يجوز ارتكابها
اشاره

و هي على أقسام خمسة:

القسم الأول ما يحرم ارتكابه، و يوجب القضاء و الكفّارة معا
اشاره

، إذا وقع في صوم شهر رمضان و غيره ممّا في إفطاره قضاء و كفّارة،

و هي أمور سبعة:

الأمر الأول و الثاني: الأكل و الشرب للمعتاد و غيره.
اشاره

أمّا حرمتهما فبالكتاب «1»، و السنّة المتواترة «2»، و الإجماع فيهما «3».

أمّا في الأول فظاهرة، و أمّا في الثاني فلعمومات الكتاب و السنّة في النهي عن الأكل و الشرب.

و الانصراف إلى المعتاد- لو سلّم- فإنّما هو في المطلق دون العامّ، مع أنّ انصراف المطلق إليه أيضا إنّما هو إذا كان الاعتياد و عدمه بحيث يكونان قرينتين على إرادة المعتاد، و هو في المورد غير معلوم.

بل هنا كلام آخر، و هو أنّه على فرض الانصراف فإنّما هو يفيد لو كان متعلّق الحكم المأكول و المشروب.

______________________________

(1) البقرة: 187.

(2) كما في الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1.

(3) كما في الشرائع 1: 189، المدارك 6: 43، الذخيرة: 496.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 224

أمّا الأكل و الشرب، فمقتضى الانصراف إلى المعتاد خروج غير المعتاد من الأكل مثلا، و هو ما كان من غير الفم، بل من نحو الأنف أو العين أو ثقبة في الصدر، لا من المأكول، فتأمّل.

فيكون الكتاب و السنّة شاملا لغير المعتاد أيضا.

و أمّا الإجماع، فلعدم قدح مخالفة الإسكافي و السيّد في شاذّ من كتبه «1» في الإجماع، و لذا صرّح بالإجماع في غير المعتاد أيضا جماعة، منهم:

الناصريات و الخلاف و الغنية و السرائر و المنتهى «2» و غيرها «3»، مع أنّ مخالفة السيّد أيضا غير معلومة، لأنّه إنّما حكم في بعض كتبه بعدم البطلان بابتلاع الحصاة و نحوها، فيمكن أن تكون مخالفته في الازدراد دون غير المعتاد، و لذا ترى الفاضل في المنتهى جعل البطلان بغير المعتاد مذهب جميع علمائنا، و لم ينسب

الخلاف فيه إلّا إلى بعض العامّة، و نسب الخلاف في الازدراد إلى السيّد.

و ممّا يؤيّد البطلان بتناول غير المعتاد- المستلزم هنا للحرمة، لحرمة إبطال الصوم الموجب لحرمة سببه- بل يدلّ عليه: أنّ المراد بالمعتاد إن كان معتاد غالب الناس لزم عدم فساد صوم طائفة اعتادوا أكل بعض الأشياء الغير المعتادة للأكثر، كالحيّة، و الفأرة، و بعض النباتات، بل لحم البغل و الحمار، و فساد ذلك ظاهر، بل لا أظنّ أن يقول به المخالف.

و إن كان معتاد كلّ مكلّف بنفسه فيصير الفساد أظهر، فلا يبطل الصوم بأكل الخبز لقوم، بل يلزم اختلاف المبطل باختلاف العادات و البلاد، بل

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 216، السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 54.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 206، الخلاف 2: 212، الغنية (الجوامع الفقهية): 571، السرائر 1: 377، المنتهى 2: 563.

(3) كما في مشارق الشموس: 340.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 225

مقتضى قاعدة الانصراف إلى المعتاد اعتبار معتاد زمان الشارع و بلده، و حينئذ تتّسع دائرة الأكل و الشرب في الصوم.

بل إخراج المني أيضا لو أجريت القاعدة فيه أيضا.

استدلّ للمخالف «1» بما مرّ، من انصراف المطلق إلى المعتاد.

و بنحو صحيحة محمّد: «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال: الطعام، و الشراب، و النساء، و الارتماس» «2».

و الأخرى: في الصائم يكتحل، فقال: «لا بأس به، إنّه ليس بطعام و لا شراب» «3».

و بعموم العلّة على عدم ضرر غير الطعام و الشراب، و غير المعتاد ليس منهما.

و رواية ابن أبي يعفور: عن الكحل للصائم؟ فقال: «لا بأس به، إنّه ليس بطعام يؤكل» «4».

و رواية مسعدة: عن الذباب يدخل في حلق الصائم؟ قال: «ليس عليه

قضاء، إنّه ليس بطعام» «5».

و الجواب عن الأول: ما سبق.

______________________________

(1) انظر الحدائق 13: 57.

(2) الفقيه 2: 67- 276، التهذيب 4: 318- 971، الاستبصار 2: 80- 244 بتفاوت يسير، الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 1.

(3) الكافي 4: 111- 1، التهذيب 4: 258- 765، الاستبصار 2: 89- 278، الوسائل 10: 74 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 1.

(4) التهذيب 4: 258- 766، الاستبصار 2: 89- 279، الوسائل 10: 75 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 6.

(5) الكافي 4: 115- 2، التهذيب 4: 323- 994، الوسائل 10: 109 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 39 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 226

و عن البواقي: بعدم الحجية بعمومها، لمخالفتها الشهرة العظيمة، بل الإجماع كما مرّ.

و عن الثاني: بأنّ غير المعتاد من المطعوم و المشروب أيضا طعام و شراب.

و هو الجواب عن الثالث و الرابع.

و عن الخامس: بأنّ الضمير المنصوب يمكن أن يكون راجعا إلى الدخول في الحلق، و الطعام مصدرا، كما ذكره في القاموس «1»، و غيره «2»، فيكون المعنى: أنّ دخول الذباب بغير الاختيار ليس أكلا، لأنّه ما كان بالقصد و الاختيار.

و أمّا وجوب القضاء و الكفّارة بهما، ففي المعتاد لإجماع العلماء محكيّا مستفيضا «3» و محقّقا.

و فيه و في غيره لحصول الفطر به عرفا، فيدخل في عموم ما دلّ على إيجابه لهما، كمرسلة الفقيه: «و من أفطر في شهر رمضان متعمّدا فعليه كفّارة واحدة، و قضاء يوم مكانه، و أنّى له مثله» «4».

و رواية الهروي، و فيها: «و إن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفّارة واحدة و قضاء ذلك اليوم، و إن

كان ناسيا فلا شي ء عليه» «5».

و رواية المشرقي: عن الرجل أفطر من شهر رمضان أيّاما متعمّدا ما عليه من الكفّارة؟ فكتب عليه السلام: «من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا

______________________________

(1) القاموس المحيط 4: 145.

(2) كمجمع البحرين 6: 106.

(3) كما في المدارك 6: 75، الحدائق 13: 56، الرياض 1: 308.

(4) الفقيه 2: 73- 316، الوسائل 10: 251 أبواب أحكام شهر رمضان ب 2 ح 4، و فيه صدر الحديث.

(5) الفقيه 3: 238- 1128، العيون 1: 244- 88، الوسائل 10: 53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 227

فعليه عتق رقبة مؤمنة و يصوم يوما بدل يوم» «1»، إلى غير ذلك من الأخبار الآتية، المتضمّنة لتفاصيل الكفارات «2».

فروع:
أ: اختلفوا في حرمة إيصال الغبار إلى الحلق

و بطلان الصوم به- مطلقا، كما في كلام جماعة، منهم: الشرائع و النافع و التلخيص و التبصرة «3»، أو الغليظ منه، كما في كلام جمع آخر «4»، بل الأكثر كما قيل «5»- و جوازه.

فعن الشيخين و الحلّي و الحلبي و في الشرائع و النافع «6» و طائفة من أفاضل المتأخّرين «7»: الأول، و نسب إلى المشهور «8»، بل عن الانتصار و السرائر و الغنية و التذكرة و التنقيح و نهج الحقّ: الإجماع عليه «9».

و عن ظاهر الصدوق و السيّد و الديلمي و الشيخ في المصباح:

الثاني «10»، حيث لم يذكروا البطلان به، و إليه ذهب جمع من متأخّري

______________________________

(1) التهذيب 4: 207- 600، الاستبصار 2: 96- 311، الوسائل 10: 49 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 11.

(2) الوسائل 10: 44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 و 10.

(3) الشرائع 1: 189، النافع 1: 65، التبصرة: 53.

(4) منهم الشيخ في المبسوط

1: 271، و العلّامة في التذكرة 1: 257.

(5) انظر المدارك 6: 52، كفاية الأحكام: 46.

(6) المفيد في المقنعة: 356، الطوسي في المبسوط 1: 271، الحلي في السرائر 1: 377، الحلبي في الكافي: 179، الشرائع 1: 189، النافع: 65.

(7) كالشهيد في اللمعة (الروضة 2): 89، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 71.

(8) كما في المفاتيح 1: 248، الحدائق 13: 72.

(9) السرائر 1: 377، الغنية (الجوامع الفقهية): 571، التذكرة 1: 257، التنقيح 1: 357، نهج الحقّ: 461.

(10) الصدوق في المقنع: 60، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 54، و الديلمي في المراسم: 98، الشيخ في المصباح: 484.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 228

المتأخّرين، منهم: المفاتيح و الحدائق «1».

و ظاهر المعتبر و المدارك: التردّد «2».

حجّة الأولين: رواية المروزي: «إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان، أو استنشق متعمّدا، أو شمّ رائحة غليظة، أو كنس بيتا فدخل في أنفه و حلقه غبار، فعليه صوم شهرين متتابعين، فإنّ ذلك مفطر مثل الأكل و الشرب و النكاح» «3».

و الأخبار الناهية عن الاحتقان، و جلوس المرأة في الماء، و الاكتحال، و السعوط، و الاستياك بالرطب، و نظائرها «4».

حجّة الآخرين: الأصل، و موثّقة عمر بن سعيد: عن الصائم يدخل الغبار في حلقه؟ قال: «لا بأس» «5».

و ما دلّ على حصر المبطل في أمور ليس ذلك منها.

و يجيبون عن دليل الأولين:

أمّا عن الرواية: فبالقطع الخالي عن الجابر- و هو كون السائل موثوقا به- أولا.

و بضعف السند ثانيا، و لا يفيد الانجبار بالشهرة و نحوها، لأنّها إنّما تجبر الرواية المسندة لا المقطوعة.

______________________________

(1) المفاتيح 1: 248، الحدائق 13: 72.

(2) المعتبر 2: 670، المدارك 6: 52.

(3) التهذيب 4: 214- 621، الاستبصار 2: 94-

305، الوسائل 10: 69 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22 ح 1.

(4) انظر الوسائل 10: أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 و 7 و 25 و 28.

(5) التهذيب 4: 324- 1003، الوسائل 10: 70 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 229

و بالمعارضة مع الموثّقة- الموجبة للرجوع إلى الأصل- ثالثا.

و بالاشتمال على ما لا قائل به رابعا.

و أمّا عن الاخبار الأخيرة: فبعدم ثبوت مدلولاتها بأنفسها، لمعارضتها مع أقوى منها- كما يأتي- فكيف يقاس عليها غيرها؟! أقول: أمّا جوابهم عن الأخبار الأخيرة فتامّ.

و أمّا عن الرواية، فيمكن ردّ الأول بعدم انحصار الجابر للقطع في موثوقيّة السائل، بل ذكر صاحب الأصل لها في طي الروايات قرينة على أنّ المسئول عنه هو الإمام، و إنّما حصل القطع لتقطيع الروايات من أصل السائل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    229     أ: اختلفوا في حرمة إيصال الغبار إلى الحلق ..... ص : 227

منه يظهر حصول الجبر- لضعف السند لو كان ضائرا- بالشهرة و الإجماعات المنقولة، فردّ به الثاني أيضا.

و الثالث: بأنّ التعارض بالعموم المطلق، لاختصاص الرواية بالمتعمد و أعمّية الموثّقة.

و الرابع: بأنّ خروج بعض الرواية عن الحجّية لا يوجب خروج الباقي، أو بأن ما لا قائل به هو إطلاق بعض الرواية، فيجب تقييده، و يصير كالعامّ المخصّص حجّة في الباقي، كذا قيل «1».

و فيه: أنّ المراد بالمطلق إن كان جميع أجزاء الرواية، و بالتقييد إخراج بعضه، فهذا ليس من باب الإطلاق و التقييد، بل طرح بعض الرواية.

و إن كان إطلاق بعض الأجزاء، فمنها ما لا قائل بمقيّدة أيضا، كشمّ الرائحة الغليظة، بل الاستنشاق و المضمضة، لأنّه لا قائل

بإفطار فرد منهما.

و أمّا دخول الماء في الحلق فهو ليس من أفرادهما، بل هو أمر خارجي.

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 305.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 230

فلا يتمّ هذا الردّ، بل و كذا سابقة، لأنّ خروج جزء من الخبر عن الحجّية لا يضرّ الباقي إذا تعيّن خروجه و علم المراد من الباقي، و هنا ليس كذلك، إذ كما يجوز طرح الجزء أو تصرّف فيه بتجوّز أو تقييد يجوز أن يتصرّف في الحكم بقوله: فعليه صوم، و قوله: فإنّ ذلك مفطر، بالصرف عن الظاهر، فلا يتعيّن المراد من الرواية، فتخرج عن الحجّية بالمرّة.

و منه تظهر تماميّة الجواب الأخير، بل و كذا سابقة، لأنّ التعارض بالعموم المطلق إنّما كان لو كان قوله في الرواية: «متعمّدا» بعد قوله:

«غبار» و ليس كذلك، فالتعارض بالمساواة و الرجوع إلى الأصل.

فالحقّ: هو القول الأخير.

نعم، لو كان الغبار بحيث تحسّ منه أجزاء ترابيّة- مشاهدة حسّا، معلومة عيانا، موسومة بالتراب عرفا، ابتداء أو بعد الاجتماع في أصول الأسنان، و ابتلعها- يحكم بفساد الصوم و وجوب القضاء و الكفّارة، لصدق أكل التراب، لا لدخول الغبار.

ب: لا يفسد الصوم بدخول الدخان في الحلق

، للأصل، و صدر الموثّقة المتقدّمة «1»: عن الصائم يدخّن بعود أو بغير ذلك فيدخل الدخنة في حلقه؟ قال: «جائز لا بأس به».

و الأحوط: الاجتناب عن شرب التتن، لاستمرار طريقة الناس عليه، و إطلاق الشرب عند العرب عليه.

ج: لا يفسد الصوم بمصّ الخاتم

، و مضغ الطعام للصبي، و زقّ الطائر، و ذوق المرق، و نحو ذلك ممّا لا يتعدّى إلى الحلق، للأصل،

______________________________

(1) في ص: 228.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 231

و الإجماع، و المعتبرة المستفيضة- التي منها الصحاح «1»- و الحصر المصرّح به في الصحيح المتقدّم «2».

و لا تنافيه صحيحة الأعرج: عن الصائم يذوق الشي ء و لا يبلعه، فقال: «لا» «3»، فلا تفيد أزيد من الكراهة، مع أنّه يحتمل أن يكون معنى قوله: «لا» أي لا يبلعه كما قيل «4».

و عن الشيخ حملها على من لا تكون له ضرورة إلى ذلك، و حمل أخبار الرخصة على حال الضرورة «5». و لا شاهد له. مع أنّه على فرض المعارضة يكون الترجيح للأخبار المرخّصة، لوجوه عديدة.

و لو سبق في هذه الحالة شي ء إلى حلقه بلا اختيار، لم يفسد به صومه، كما صرّح به جمع من الأصحاب «6»، للأصل، و عدم التعمّد.

و تومئ إليه صحيحة الحنّاط: إنّي اقبّل بنتا لي صغيرة و أنا صائم، فيدخل في جوفي من ريقها، فقال: «لا بأس، ليس عليك شي ء» «7».

و فرّق في المنتهى بين ما كان المضغ و نحوه لغرض صحيح و ما لم يكن كذلك، فأوجب القضاء في الثاني «8». و لا دليل عليه.

______________________________

(1) كما في الوسائل 10: 105 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 37 و 38.

(2) في ص: 225.

(3) الكافي 4: 115- 4، التهذيب 4: 312- 943، الاستبصار 2: 95- 309، الوسائل

10: 106 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 37 ح 2.

(4) انظر الرياض 1: 307.

(5) كما في المبسوط 1: 272.

(6) انظر النافع: 66، و المختلف: 219، و الرياض 1: 307.

(7) التهذيب 4: 319- 976، الوسائل 10: 102 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 34 ح 1.

(8) المنتهى 2: 568.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 232

د: الحقّ جواز مضغ العلك مع الكراهة

، و إن تغيّر الريق بطعمه، ما لم تنفصل منه أجزاء محسوسة، وفاقا للأكثر كما عن المنتهى «1»، للأصل، و الحصر، و رواية أبي بصير: عن الصائم يمضغ العلك، قال: «نعم، إن شاء» «2».

و رواية محمّد: «إيّاك أن تمضغ علكا، فإنّي مضغت العلك يوما و أنّا صائم فوجدت في نفسي منه شيئا» «3»، فإنّ في مضغ الإمام تصريحا بالجواز، و في صدره دليل على الكراهة، إمّا مطلقا أو في الصوم خاصّة.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة الحلبي: الصائم يمضغ العلك؟ قال: «لا» «4».

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي و النهاية «5»، لصحيحة الحلبي.

و فيه: منع الدلالة على الحرمة، مع أنّه على فرضها يتعيّن الحمل على الكراهة، لما مرّ.

و لأنّ وجود الطعم في الريق دليل على تخلّل شي ء من أجزاء ذي الطعم فيه، لامتناع انتقال العرض.

و فيه: أنّ سبب وجود الطعم لا ينحصر بتخلّل الأجزاء أو انتقال العرض، لجواز حصول التكيّف بسبب المجاورة، مع أنّه لو سلّم التخلّل فالمبطل إنّما هو الأجزاء المحسوسة لا أمثال ذلك.

______________________________

(1) المنتهى 2: 568.

(2) التهذيب 4: 324- 1002، الوسائل 10: 105 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 36 ح 3.

(3) الكافي 4: 114- 2، الوسائل 10: 104 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 36 ح 1.

(4) الكافي 4: 114- 1، الوسائل 10: 105 أبواب ما يمسك عنه الصائم

ب 36 ح 2.

(5) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 222، النهاية: 157.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 233

هذا، مع أنّه ليس إلّا اجتهادا في مقابلة النصّ.

ه-: يفسد الصوم بابتلاع بقايا الغذاء المتخلّلة بين أسنانه في النهار عمدا

، سواء أخرجها من فمه أو لا، كما صرّح به في الخلاف و المبسوط و الشرائع «1» و غيرها «2»، و يوجب القضاء و الكفّارة، لصدق الأكل و تناول المفطر عمدا.

و مناقشة صاحب الحدائق فيه لعدم صدق الأكل «3»، و صحيحة ابن سنان: عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشي ء أ يفطر ذلك؟ قال: «لا»، قلت: فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه؟ قال: «لا يفطره ذلك» [1].

و الأول مدفوع بمنع عدم الصدق.

و الثاني بالفرق بين الخارج بالقلس و الداخل من الخارج في صدق الأكل و عدمه، سيّما مع أنّ الصيرورة على اللسان لا تستلزم الدخول في فضاء الفم، إذ لعلّ المراد طرف اللسان المجاور للحلق، مع أنّه لو صدق الأكل لو سلم الحكم في القلس فلا يجوز قياس غيره عليه.

هذا كلّه، مع أنّ الصحيحة ليست صريحة في عدم الإفطار، إذ يحتمل المعنى: لا يزدرده حينئذ فإنّه يفطره ذلك، فيكون قوله: «لا» جوابا للسؤال، و: «يفطره» حكما على حدة.

و لو دخل شي ء منها في الحلق سهوا لم يفسد قطعا، سواء ترك

______________________________

[1] التهذيب 4: 265- 796، الوسائل 10: 88 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 9. و القلس: ما خرج من الحلق مل ء الفم أو دونه و ليس بقي ء، فإن عاد فهو القي ء- الصحاح 3: 965.

______________________________

(1) الخلاف 2: 176، المبسوط 1: 272، الشرائع 1: 193.

(2) كالقواعد 1: 64.

(3) الحدائق 13: 79.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 234

الخلال عمدا أو سهوا أو لم يتركه. و التفرقة بين

تركه و عدمه ضعيفة.

و لو وجد طعم الغذاء الباقي في الأسنان في الريق و ابتلعه لا يفسد صومه، كما يظهر وجهه ممّا ذكرناه في مضغ العلك.

و: لا يفسد الصوم بابتلاع الريق الذي في الفم

، بلا إشكال و لا خلاف فيه كما قيل «1»، للأصل، و عدم صدق الأكل و الشرب عرفا، و استمرار عمل الناس طرّا عليه.

و لو أخرجه من فمه ثمَّ أرجعه و ابتلعه فيفسد الصوم، بل ظاهر بعضهم أنّه إجماعي «2».

لا لأجل حرمة ابتلاعه بعد خروجه عن الفم، لمنعه.

بل لصدق الأكل حينئذ عرفا، فيقال: أكل الريق، فإنّ الظاهر صدق الأكل بابتلاع كلّ ما يدخل الفم من الخارج و لو خرج من الداخل، دون ما لم يدخل من الخارج أصلا.

و ظاهر صاحب الحدائق عدم البطلان به، و عدم التفرقة بين ما كان في الفم و ما خرج منه، حاكيا عن المحقق الأردبيلي الميل إليه أيضا «3». و هو غير جيّد، لما ذكرنا.

ز: في جواز ابتلاع النخامة-

و هي ما يخرج من الصدر أو يسترسل من الدماغ، كما يدلّ عليه بعض كلمات أهل اللغة «4»، دون الأول فقط، كما يعطيه كلام بعض الفقهاء «5»- و بطلان الصوم به، و عدمه قبل الانفصال من

______________________________

(1) الحدائق 13: 79.

(2) النظر غنائم الأيام: 396.

(3) الحدائق 13: 80.

(4) انظر القاموس المحيط 4: 181.

(5) انظر الشرائع 1: 193.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 235

الفم، أقوال ثلاثة:

الأول: عدم البطلان مطلقا، ذهب إليه في المعتبر و المنتهى و التذكرة و المدارك «1» و بعض آخر «2»، للأصل، و رواية غياث: «لا بأس بأن يزدرد الصائم نخامته» «3»، و عدم تسميته أكلا و لا شربا، و مساواته للريق في عدم وصوله من الخارج، و عدم انفكاك الصائم عنه إلّا نادرا، و صحيحة ابن سنان المتقدّمة المتضمّنة لحكم القلس.

و الثاني: عدمه في الصدريّة و البطلان في الدماغيّة، إلّا أن يتعدّى إلى الحلق بعد الاسترسال و قبل الوصول إلى الفم، و هو

ظاهر الشرائع و الإرشاد «4»، و لعلّه لصدق الأكل عليه، و عدم صدق النخامة المجوّز ابتلاعها في الرواية، لزعم اختصاصها بما يخرج من الصدر.

و الثالث: البطلان بابتلاعها بعد وصولها إلى الفم، حكى عن الشهيدين «5». و هو الأحوط، و إن كان الأول أظهر، لما مرّ من الأصل، و إطلاق الخبر، و عدم معلوميّة صدق الأكل ما لم ينفصل عن الفم.

ح: الحقّ جواز المضمضة للصائم مع كراهة

، وفاقا للأكثر «6»، أمّا الجواز فللأصل، و لرواية حمّاد: الصائم يتمضمض و يستنشق؟ قال: «نعم، لكن لا يبالغ» «7».

______________________________

(1) المعتبر 2: 653، المنتهى 2: 563، التذكرة 1: 256، المدارك 6: 105.

(2) كالحدائق 13: 86.

(3) الكافي 4: 115- 1، التهذيب 4: 323- 995، الوسائل 10: 108 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 39 ح 1.

(4) الشرائع 1: 193، الإرشاد 1: 298.

(5) الشهيد في الدروس 1: 278، الشهيد الثاني في المسالك 1: 73.

(6) منهم المحقق في الشرائع 1: 193، و صاحب الحدائق 13: 91.

(7) الكافي 4: 107- 3، الوسائل 10: 71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 236

و رواية يونس: «و الأفضل للصائم أن لا يتمضمض» «1»، و هي دليل الكراهة أيضا.

خلافا للمحكي عن الاستبصار و المنتهى، فقالا بالتحريم في غير الوضوء «2»، و لعلّه لرواية المروزي المتقدّمة، المتضمّنة لوجوب الكفّارة بأمور منها: المضمضة «3».

و هي مردودة بما مرّ من عدم وجوبها ببعض ما فيها إجماعا، فلا بدّ من ارتكاب تجوّز، و بعد فتح بابه تتّسع دائرته فلا تفيد.

ثمَّ لو تمضمض و دخل الماء في حلقه فيأتي حكمه «4».

الثالث: الجماع

في قبل المرأة، أنزل أم لم ينزل.

و هو حرام علي الصائم إجماعا، كتابا و نصّا و فتوى، و موجب للقضاء و الكفّارة، بالإجماع، و السنّة المتواترة:

كصحيحة البجلي: عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمنى، قال: «عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع» «5».

و رواية المفضّل: في رجل أتى امرأته و هو صائم و هي صائمة، فقال: «إن كان استكرهها فعليه كفّارتان، و إن كانت طاوعته فعليه كفّارة و عليها كفّارة» «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 107- 4،

التهذيب 4: 205- 593، الاستبصار، 2: 94- 304، الوسائل 10: 71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 3.

(2) الاستبصار 2: 94، المنتهى 2: 579.

(3) راجع ص: 228.

(4) في ص: 272.

(5) الكافي 4: 102- 4، التهذيب 4: 206- 597، الاستبصار 2: 81- 247، الوسائل 10: 29 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 1.

(6) الكافي 4: 103- 9، الفقيه 2: 73- 313، التهذيب 4: 215- 625، الوسائل 10: 56 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 12 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 237

و موثّقة سماعة: عن رجل أتى أهله في رمضان متعمّدا، فقال: «عليه عتق رقبة، و إطعام ستّين مسكينا، و صيام شهرين متتابعين، و قضاء ذلك اليوم» «1»، و رواية الهروي المتقدّمة «2»، إلى غير ذلك.

و تدل عليه عمومات القضاء و الكفّارة بالإفطار، فإنّ ذلك أيضا، إفطار كما صرّح به في الأخبار، كالخصالي: «خمسة أشياء تفطر الصائم: الأكل، و الشرب، و الجماع، و الارتماس في الماء، و الكذب على اللّه و رسوله و الأئمّة عليهم السلام» «3»، و قريب منه في الرضوي «4».

و كذا في دبرها على المشهور، بل على المعروف من مذهب الأصحاب كما في المدارك «5»، و على الظاهر من المذهب كما في المبسوط «6»، و على مقتضى المذهب كما في الخلاف «7»، و بلا خلاف فيه كما فيه أيضا، و بالإجماع كما عنه أيضا و عن الوسيلة «8».

للشهرة، و الإجماع المحكى.

و إطلاق النهي عن المباشرة في الآية الكريمة «9»، خرج منه ما عدا الوطء في القبل و الدبر فيبقى الباقي، و متى ثبت التحريم كان مفسدا

______________________________

(1) التهذيب 4: 208- 604، الاستبصار 2 97- 315، الوسائل 10: 49

أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 13.

(2) في ص: 226.

(3) الخصال: 286- 39، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 6.

(4) فقه الرضا «ع»: 207، مستدرك الوسائل 7: 321 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1.

(5) المدارك 6: 45.

(6) المبسوط 1: 270.

(7) الخلاف 2: 191.

(8) الوسيلة: 142.

(9) البقرة: 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 238

بالإجماع المركّب.

و لإطلاق البطلان بالجماع في طائفة من الأخبار.

و لإيجابه الجنابة المفسدة للصوم.

و يرد على الأولين: عدم الحجّية.

و على الثالث: بأنّ جعل الآية من باب التخصيص يوجب خروج الأكثر، و هو غير جائز، فيجب حملها على المجاز، و هو إمّا الوطء في القبل، أو مطلق الجماع، الغير المعلوم صدقه على وطء الدبر، أو غير المنصرف إليه، لعدم كونه من الأفراد الشائعة.

و منه يظهر ردّ الرابع أيضا.

و على الخامس: بمنع الملزوم أولا، و الملازمة ثانيا.

خلافا للمحكي عن المبسوط، حيث جعل البطلان أحوط «1»، و إن كان في كونه صريحا في الخلاف نظر، لاحتمال إرادة الوجوب من الاحتياط في كلمات القدماء.

نعم، هو الظاهر من المختلف «2»، لأن الاحتياط في كلامه ليس محمولا على الوجوب.

نعم، يحتمل إرادة المبسوط الاستحباب أيضا، فكلامه محتمل للخلاف و ليس صريحا في وفاق المشهور، ككلام من أطلق الجماع بل الوطء أيضا- كالمقنعة و النهاية و الناصريات و الديلمي «3»- أو مقيّدا بالفرج، كالجملين «4»

______________________________

(1) المبسوط 1: 270.

(2) المختلف: 216.

(3) المقنعة: 344، النهاية: 153، الناصريات (الجوامع الفقهية): 206، الديلمي في المراسم: 98.

(4) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 54، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 212.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 239

و الاقتصاد و المصباح و مختصره «1».

و من

ذلك يظهر تطرّق القدح في الإجماع المحقّق في المسألة، و معه فيجب الرجوع إلى سائر الأدلّة، و الأصل مع عدم البطلان، و تدلّ عليه مرسلة علىّ بن الحكم: «إذا أتي الرجل المرأة في الدبر و هي صائمة لم ينقض صومها، و ليس عليها غسل» «2».

و مرفوعة أحمد بن محمّد: في رجل أتى المرأة في دبرها و هي صائمة، قال: «لا ينقض صومها، و ليس عليها غسل» «3».

و لا فرق بين المفعول بها و الفاعل بالإجماع المركّب.

و أمّا دبر الغلام بدون الإنزال، فالمشهور فيه أيضا- كما قيل- الإفساد «4»، بل عن الخلاف: الإجماع عليه «5»، لذلك الإجماع المنقول، و إيجابه الجنابة، و فحوى ما دلّ على الفساد بوطء المرأة المحلّلة، و إطلاق الأخبار بوجوب القضاء أو الكفّارة على المجامع. و في الكلّ نظر ظاهر.

خلافا لمحتمل كلّ من ذكره.

و تردّد فيه في المعتبر و الشرائع و النافع «6»، و هو في موقعه، بل الظاهر عدم الفساد، للأصل، و لصحيحة محمّد الحاصرة للمفطرات فيما ليس ذلك منها «7».

______________________________

(1) الاقتصاد: 287، مصباح المتهجد: 484.

(2) التهذيب 7: 460- 1843، الوسائل 2: 200 أبواب الجنابة ب 12 ح 3.

(3) التهذيب 4: 319- 975، الوسائل 2: 200 أبواب الجنابة ب 12 ح 3.

(4) انظر الذخيرة: 496، و الرياض 1: 304.

(5) الخلاف 2: 190.

(6) المعتبر 2: 669، الشرائع 1: 189، النافع: 66.

(7) الفقيه 2: 67- 276، التهذيب 4: 318- 971، الاستبصار 2: 80- 244، الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 240

و منه يظهر قوّة عدم الفساد بوطء البهيمة مطلقا من دون إنزال، وفاقا لمحتمل بعض من ذكر، و صريح الحلّي و

الشرائع و التذكرة و المنتهى و التحرير و التلخيص «1».

و أمر الاحتياط واضح، و هو مطلوب جدّا خصوصا في المقام.

الرابع: الاستمناء.

و هو طلب خروج المنى مع خروجه بغير الجماع، فلا يضرّ الطلب بدون الخروج، و لا الخروج بدون الطلب أو التسبّب إجماعا، كما أنّه يبطل الصوم بخروجه مع الطلب كذلك.

و على حرمته و فساد الصوم به الإجماع عن الانتصار و الغنية و المعتبر و المنتهى «2» و غيرها «3».

و كذا ادّعى جماعة الإجماع على إيجابه القضاء و الكفّارة «4»، و هو أيضا- كسابقه- إجماع قطعا، فهو الدليل على الأحكام الثلاثة، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة، كصحيحة البجلي المتقدّمة «5».

و مرسلة حفص بن سوقة: في الرجل يلاعب أهله أو جاريته في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل، قال: «عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع في شهر رمضان» «6».

______________________________

(1) الحلي في السرائر 1: 380، الشرائع 1: 189، التذكرة 1: 259، المنتهى 2:

564، التحرير 1: 77.

(2) الانتصار: 64، الغنية (الجوامع الفقهية): 571، المعتبر 2: 654، المنتهى 2: 564.

(3) كالتذكرة 1: 572.

(4) كما في الخلاف 2: 190، و انظر المدارك 6: 77.

(5) في ص: 236.

(6) الكافي 4: 103- 7، التهذيب 4: 321- 983، الوسائل 10: 39 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 241

و موثّقة سماعة: عن رجل لزق بأهله فأنزل، قال: «عليه إطعام ستّين مسكينا» «1».

و رواية أبي بصير: عن رجل وضع يده على شي ء من جسد امرأته فأدفق، فقال: «كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكينا أو يعتق رقبة» «2».

و الرضوي: «و لو أنّ رجلا لصق بأهله في شهر رمضان فأدفق كان عليه عتق رقبة» «3».

و

تؤيده- بل تدلّ [عليه ] [1]- صحيحة محمّد و زرارة: هل يباشر الصائم أو يقبّل في شهر رمضان؟ فقال: «إنّي أخاف عليه فليتنزّه عن ذلك، إلّا أن يثق أن لا يسبقه مني» «4».

و صحيحة الحلبي: عن رجل يمسّ من المرأة شيئا أ يفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال: «إنّ ذلك يكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني» «5».

و موثّقة سماعة: عن الرجل يلصق بأهله في شهر رمضان، قال: «ما لم يخف على نفسه فلا بأس» «6»، إلى غير ذلك.

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) التهذيب 4: 320- 980، الوسائل 10: 40 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 4.

(2) التهذيب 4: 320- 981، الوسائل 10: 40 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 5.

(3) فقه الرضا «ع»: 212، مستدرك الوسائل 7: 324 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 3.

(4) التهذيب 4: 271- 821، الاستبصار 2: 82- 251، الوسائل 10: 100 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 13.

(5) الكافي 4: 104- 1، الوسائل 10: 100 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 1.

(6) الفقيه 2: 71- 300، الوسائل 10: 98 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 242

و بوجوب الكفّارة في تلك الأخبار ثبت الفساد و القضاء بالإجماع المركّب.

و اختصاص الأكثر باستمناء خاصّ غير ضائر، لعدم القول بالفصل. و في حكم الطلب عمدا التسبّب بمسّ المرأة بالملاعبة أو الملامسة أو التقبيل لمن يعتاد الإنزال مع أحدها، أو يكرّر ذلك حتى ينزل مع اعتياده بالتكرّر، لصدق الإنزال عمدا، فيكون بطلان صومه و وجوب القضاء و الكفّارة مجمعا عليه «1».

و يدلّ على الحكم

إطلاق طائفة من الأخبار المتقدّمة.

و كذا إن لم يكن معتادا به، و لكن كرّره قاصدا للإنزال حتى يتّفق، لما ذكر، و كذا في القضاء و الكفّارة، بل لو لم يكن معتادا و لم يقصده أيضا و اتّفق معه الإنزال، وفاقا للمشهور كما عن المختلف و المهذّب «2»، بل المجمع عليه كما عن المعتبر بل الخلاف «3»، للإطلاقات المذكورة.

خلافا لبعض المتأخّرين، فلم يوجب مع عدم التعمّد شيئا، لضعف غير الصحيحة الأولى سندا، و ضعفها دلالة، لاحتمال كون لفظة «حتى» تعليليّة «4».

و للمرسل المروي في المقنع: «لو أنّ رجلا لصق بأهله في شهر رمضان فأمنى لم يكن عليه شي ء» «5».

و يجاب بانجبار الضعف- لو كان- بما مرّ من الشهرة المحكيّة

______________________________

(1) في «ح» زيادة: كما عن الكتب الثلاثة و غيرها.

(2) المختلف: 224، المهذب البارع 2: 43.

(3) المعتبر 2: 654، الخلاف 2: 190.

(4) انظر المدارك 6: 62.

(5) المقنع: 60، الوسائل 10: 98 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 243

و الإجماع المنقول، مع أنّ منها الموثّق الذي هو في نفسه حجّة.

و بضعف المرسل أولا، و مرجوحيّته بالنسبة إلى معارضاته ثانيا، لأنّ القول بمضمونه مذهب فقهاء العامة، كما عن الانتصار «1».

نعم، الثابت حينئذ هو القضاء و الكفّارة، و أمّا حرمة العمل فلا، إذ لا وجه له مع عدم الاعتياد و لا القصد.

و في حصول الإمناء بالنظر أقوال:

عدم الإفساد مطلقا، حكي عن الشيخ في الخلاف و الحلّي «2».

و الإفساد إن كان إلى من لا يحلّ بشهوة، و عدمه إن كان إلى من يحلّ، نسب إلى المفيد و المبسوط و الديلمي و ابن حمزة و التحرير «3».

و الإفساد إن قصد به الإنزال، أو كرّر

النظر حتى ينزل من غير قصده، و عدمه بدونهما، استقربه في المختلف «4».

و الإفساد إن اعتاد الإنزال عقيب النظر، و عدمه بدونه، اختاره بعضهم «5».

و الإفساد إن كان من عادته ذلك و قصده، و عدمه بدونه، اختاره في المدارك «6».

و الظاهر اتّحاد القولين الأخيرين.

______________________________

(1) الانتصار: 64.

(2) الخلاف 2: 198، الحلي في السرائر 1: 389.

(3) المفيد في المقنعة: 359، المبسوط 1: 272، الديلمي في المراسم: 98، ابن حمزة في الوسيلة: 143، و فيه من غير تفصيل، التحرير 1: 77.

(4) المختلف: 220.

(5) كصاحب الحدائق 13: 133.

(6) المدارك 6: 63.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 244

و كيف كان، فالحق: أنّه يفسد بتعمّد النظر مع الاعتياد الإنزال معه، أو مع قصده، لصدق تعمّد الإنزال معه، و هو موجب للفساد، لظاهر الإجماع، و إشعار بعض الأخبار المذكورة «1» به. و لا يفسد بدونه، للأصل.

احتجّ لسائر الأقوال بأدلّة بيّنة الوهن.

و مثل النظر: التخيّل و استماع الصوت في الحرمة و القضاء و الكفّارة.

الخامس: البقاء على الجنابة عمدا حتى يطلع الفجر الثاني.
اشاره

على الأظهر الأشهر في الحرمة و القضاء و الكفّارة، بل بالإجماع كما عن الانتصار و الخلاف و السرائر و الغنية و الوسيلة و التذكرة و المنتهى «2»، بل بالإجماع المحقّق، لعدم قدح مخالفة الشاذّ الآتي ذكره فيه، و هو الدليل عليه.

مضافا إلى صحيحة البزنطي: عن الرجل أصاب من أهله في شهر رمضان، أو أصابته جنابة، ثمَّ ينام حتى يصبح متعمّدا، قال: «يتمّ ذلك اليوم و عليه قضاؤه» «3».

و رواية المروزي: «إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل، و لم يغتسل حتى يصبح، فعليه صوم شهرين متتابعين، مع صوم ذلك اليوم، و لا يدرك فضل يومه» «4».

______________________________

(1) راجع ص: 240، 241.

(2) الانتصار: 63، الخلاف 2: 174، السرائر 1: 377،

الغنية (الجوامع الفقهية):

571، الوسيلة: 142، التذكرة 1: 260، المنتهى 2: 573.

(3) التهذيب 4: 211- 614، الاستبصار 2: 86- 268، الوسائل 10: 62 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 4.

(4) التهذيب 4: 212- 617، الاستبصار 2: 87- 273، الوسائل 10: 63 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 245

و رواية إبراهيم بن عبد الحميد، و فيها: «فمن أجنب في شهر رمضان، فنام حتى يصبح، فعليه عتق رقبة، أو إطعام ستّين مسكينا، و قضاء ذلك اليوم، و يتمّ صيامه، و لن يدركه أبدا» «1».

و فحوى الصحاح الموجبة للقضاء في النومة الثانية أو الثالثة «2»، أو الموجبة له مع نسيان الغسل «3».

و تؤيّده المستفيضة المثبتة للقضاء أو الكفّارة بالجملة الخبريّة.

خلافا في الثلاثة للمحكيّ عن المقنع للصدوق «4» و المحقّق الأردبيلي «5» و السيّد الداماد في رسالته الرضاعيّة.

إلّا أنّ كلام الأول غير صريح في المخالفة، لنقله فيه رواية بذلك، و هو ليس صريحا في الإفتاء بمضمونها، و إن كان الغالب فيه- على ما قيل- فقواه بمتون الأخبار «6».

و كذا الثاني، فإنّ ظاهره في شرح الإرشاد الاستشكال في المسألة، و إن كان [في ] [1] ظاهر كلامه نوع ميل إليه.

للأصل، و الآيتين، و المستفيضة من الأخبار «7».

و الأول: مدفوع بما مرّ.

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) التهذيب 4: 212- 618، الاستبصار 2: 87- 274، الوسائل 10: 64 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 4.

(2) انظر الوسائل 10: 61 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15.

(3) الوسائل 10: 65 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 17.

(4) المقنع: 60.

(5) في زبدة البيان: 174.

(6) انظر الحدائق 13: 113، و الذخيرة: 497.

(7)

مجمع الفائدة و البرهان 5: 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 246

و الثاني: بأنّ غاية الآيتين العموم المطلق بالنسبة إلى ما مرّ، فيجب تخصيصهما، مضافا إلى ضعف دلالتهما، إذ لا كلام في جوار المجامعة ما لم يحصل العلم بعدم وسعة الزمان للاغتسال قبل الفجر، و حصول مثل ذلك العلم في غاية الندرة، فانصراف المطلق إلى مثله مشكل جدّا، مع أنّ رجوع قيد حَتَّى يَتَبَيَّنَ في إحدى الآيتين إلى غير الجملة الأخيرة غير معلوم، بل مقتضي الأصل العدم.

و الثالث: بعدم حجّية الأخبار المذكورة، لمخالفتها الإجماع، و لا أقلّ من الشهرة العظيمة القديمة و الجديدة المخرجة للرواية عن الحجّية، سيّما مع موافقتها للعامّة في مقام المعارضة لروايات أخر لها مخالفة.

مضافا إلى كون كثير من هذه الأخبار أعمّ مطلقا من الأخبار المتقدّمة، إمّا من جهة شمولها للعمد و النسيان، أو النومة الأولى الشاملة للنوم بقصد الاستيقاظ و الاغتسال، كصحيحتي العيص، و صحيحة القمّاط، و رواية سليمان بن أبي زينبة، و رواية إسماعيل بن عيسى:

الاولى: عن رجل أجنب في شهر رمضان في أول الليل و أخّر الغسل حتى يطلع الفجر، قال: «يتمّ صومه لا قضاء عليه» «1».

و الثانية: عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمَّ يستيقظ ثمَّ ينام قبل أن يغتسل، قال: «لا بأس» «2».

و الثالثة: عمّن أجنب في أول الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح،

______________________________

(1) التهذيب 4: 210- 608، الاستبصار 2: 85- 264، الوسائل 10: 58 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 4.

(2) الفقيه 2: 75- 325، الوسائل 10: 57 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 247

قال: «لا شي ء عليه» «1».

و الرابعة: عن رجل

أجنب في شهر رمضان من أول الليل فأخّر الغسل حتى طلع الفجر، فكتب بخطّه- إلى أن قال-: «و لا شي ء عليه» «2».

و الخامسة: سألت الرضا عليه السلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام حتى يصبح، أي شي ء عليه؟ قال: «لا يضرّه و لا يفطر و لا يبالي» الحديث «3».

و إن أمكن أن تعارض الموافقة للعامّة بالموافقة لإطلاق الكتاب، التي هي أيضا من المرجّحات المنصوصة.

و بمنع الأعمّية المطلقة للأخبار الأخيرة، لأنّ الأخبار الأولة أيضا ليست في العمد صريحة و لا ظاهرة حتى تكون أخصّ مطلقا، بل الظاهر في الأكثر التعارض بالتساوي، فالمناط في الردّ هو الشذوذ المخرج عن الحجّية، مع أنّ إحدى صحيحتي العيص لا تدلّ إلّا على جواز النوم، و بعضها ممّا يلوح منه آثار التقيّة من جهة نسبة الحكاية إلى عائشة.

و في الثالث خاصّة للمحكيّ عن المعاني و السيّد في أحد قوليه «4»، و بعض متأخّري المتأخّرين «5»، و مال إليه في التحرير «6»، للأصل، و صحيحة

______________________________

(1) الفقيه 2: 74- 322، الوسائل 10: 57 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 1.

(2) التهذيب 4: 210- 609، الاستبصار 2: 85- 265، قرب الإسناد: 340، الوسائل 10: 58 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 5.

(3) التهذيب 4: 210- 610، الاستبصار 2: 85- 266، الوسائل 10: 59 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 6.

(4) حكاه عن العماني في المختلف: 220، السيد في الانتصار: 63.

(5) كالكاشاني في المفاتيح 1: 247.

(6) التحرير 1: 79.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 248

الحلبي: في رجل احتلم في أول الليل أو أصاب من أهله ثمَّ نام متعمّدا في شهر رمضان حتى يصبح، قال: «يتمّ صومه

ذلك، ثمَّ يقضيه إذا أفطر شهر رمضان و يستغفر ربّه» «1»، حيث إنّ إتباع القضاء بالاستغفار ظاهر في عدم لزوم كفّارة غيره.

و الأصل مدفوع بما مرّ، و ضعفه غير ضائر، لأنّ ما مرّ له جابر بما مرّ.

و الصحيحة غير دالّة على انتفاء الكفّارة، لأنّ الاستغفار ثابت معها أيضا.

و قد يستدلّ أيضا بالأخبار المجوّزة له، و فساده ظاهر، لاستلزامها نفي القضاء أيضا.

فروع:
أ: ما مرّ إنّما هو حكم صيام شهر رمضان

، حيث إنّه مورد الأخبار و محلّ الإجماع، و مثله في الفساد: قضاؤه على الحقّ المشهور، لصحيحة ابن سنان: كتب أبي إلى أبي عبد اللّه عليه السلام- و هو يقضي شهر رمضان-: إنّي أصبحت بالغسل و أصابتني جنابة فلم أغتسل حتى طلع الفجر، فأجابه:

«لا تصم اليوم و صم غدا» «2»، و النهي يدلّ على الفساد، و قرينة منها صحيحته الأخرى «3».

و موثقة سماعة الواردة في النومة الاولى، و فيها: إذا كان ذلك من الرجل و هو يقضي رمضان؟ قال: «فليأكل يومه ذلك و ليقض، فإنّه لا يشبه

______________________________

(1) الكافي 4: 105- 1، الوسائل 10: 63 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 1.

(2) الكافي 4: 105- 4، الوسائل 10: 67 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 19 ح 2.

(3) الفقيه 2: 75- 324، التهذيب 4: 277- 837، الوسائل 10: 67 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 19 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 249

رمضان شي ء من الشهور» «1»، و المراد من آخر الحديث: أنّ حرمة رمضان أوجبت ذلك الحكم في قضائه أيضا. أو المراد: أنّ القضاء ليس كصوم رمضان في وجوب الصوم و القضاء معا.

و بخصوص هذه الأخبار يقيّد إطلاق رواية ابن بكير: عن رجل طلعت عليه الشمس و هو جنب، ثمَّ

أراد الصيام بعد ما اغتسل و مضى من النهار ما مضى، قال: «يصوم إن شاء، و هو بالخيار إلى نصف النهار» «2».

و لا ينافي الحكم قوله: «إذا أفطر شهر رمضان» في صحيحة الحلبي المتقدّمة، لأنّ المنافاة إنّما هي إذا كان المعنى: أنّ هذا الحكم إنّما هو إذا أفطر شهر رمضان فينتفي عن غيره بمفهوم الشرط، و لكن المعنى: أنّه يقضي إذا فرغ من صيام الشهر.

بل لا منافاة على الأول أيضا، لأنّ الحكم هو مجموع تمام الصوم و القضاء، و لا شكّ أنّه مخصوص بصيام شهر رمضان.

و كذا لا ينافيه اختصاص سائر النصوص مع كثرتها بصيام شهر رمضان، لأنّ الاختصاص فيها إنّما هو من جهة السؤال عنه.

و أمّا غير الصومين من الواجبات المعيّنة و غير المعيّنة و الندب فليس كذلك، فلا يفسد بالبقاء على الجنابة و لو عمدا على الأقوى، وفاقا للدروس «3»، و جملة من المتأخّرين «4»، و عن المعتبر: الميل إليه أيضا «5»،

______________________________

(1) التهذيب 4: 211- 611، الاستبصار 2: 86- 267، الوسائل 10: 67 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 19 ح 3.

(2) التهذيب 4: 322- 989، الوسائل 10: 68 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20 ح 3.

(3) الدروس 1: 271.

(4) كما في التذكرة 1: 260: و الحدائق 13: 122، و الرياض 1: 305.

(5) المعتبر 2: 657.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 250

بل هو ظاهر من قيّد الحكم برمضان، كالشيخ في الخلاف و ابن زهرة «1»، و تردّد في المنتهى «2».

لنا: الأصل الخالي عن المعارض مطلقا، لاختصاص أخبار الفساد بالصومين.

مضافا في التطوّع إلى رواية ابن بكير المتقدّمة، و إلى رواية الخثعمي:

عن التطوّع، و عن صوم هذه الثلاثة الأيام إذا أجنبت من أول

الليل، فأعلم أنّي قد أجنبت، فأنام متعمّدا حتى ينفجر الفجر، أصوم أو لا أصوم؟: قال:

«صم» «3».

و موثّقة ابن بكير: عن الرجل يجنب ثمَّ ينام حتى يصبح، أ يصوم ذلك اليوم تطوّعا؟ قال: «أ ليس هو بالخيار ما بينه و بين نصف النهار؟!» «4».

ب: لا يبطل الصيام بالاحتلام نهارا في شهر رمضان و لا في غيره بلا خلاف

، للأصل، و المستفيضة من الأخبار «5».

و يجوز له النوم بعده، للأصل، و صحيحة العيص.

و أمّا ما في بعض الروايات: عن احتلام الصائم، قال: «إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فلا ينام حتى يغتسل» «6»، فمحمول على الكراهة بقرينة الصحيحة، مع أنّه لا يفيد أزيد منها.

______________________________

(1) الخلاف 2: 174، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 571.

(2) المنتهى 2: 566.

(3) الفقيه 2: 49- 212، الوسائل 10: 68 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20 ح 1.

(4) الكافي 4: 105- 3، الوسائل 10: 68 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20 ح 2.

(5) الوسائل 10: 103 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 35.

(6) التهذيب 4: 212- 618، الاستبصار 2: 87- 274، الوسائل 10: 64 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 4، و فيه و في التهذيب: فلا ينم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 251

ج: يجوز الجماع في ليلة الصيام حتى يبقى لطلوع الفجر مقداره و الغسل

، و مع تبيّن ضيق الوقت لا يجوز، و لو فعل فسد صومه، و لو فعل ذلك ظانّا سعة الوقت قالوا: فإن كان مع المراعاة لم يكن عليه شي ء و إن كان لا معها فعليه القضاء، و يأتي تحقيقه.

السادس: الكذب على اللّه سبحانه، أو على رسوله، أو على أحد من الأئمّة عليهم السلام.
اشاره

و هو محرّم مفسد للصوم، و موجب للقضاء على الحقّ الموافق للشيخين «1» و القاضي و الحلبي و والد الصدوق و الانتصار و الغنية و المنتهى «2»، و جملة من مشايخنا «3»، بل للمشهور كما صرّح به في الخلاف و الدروس «4» و يظهر من المبسوط «5»، بل للإجماع كما عن الانتصار و الغنية «6».

للمستفيضة، كرواية أبي بصير: «الكذبة تنقض الوضوء و تفطر الصائم» قال: قلت له: هلكنا، قال: «ليس حيث تذهب، إنّما ذلك الكذب على اللّه و على رسوله و على الأئمّة» «7».

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 344، الطوسي في النهاية: 153.

(2) القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 185، الحلبي في الكافي: 179، حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 218، الانتصار: 62، الغنية (الجوامع الفقهية):

571، المنتهى 2: 573.

(3) منهم صاحب الرياض 1: 309.

(4) الخلاف 2: 221 و نسبه فيه إلى الأكثر، الدروس 1: 274.

(5) المبسوط 1: 270.

(6) الانتصار: 62، الغنية (الجوامع الفقهية): 571.

(7) الكافي 4: 89- 10، التهذيب 4: 203- 585، الوسائل 10: 33 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 252

و الأخرى: «إنّ الكذب على اللّه و على رسوله و على الأئمّة يفطر الصائم» «1».

و الثالثة: «من كذب على اللّه و على رسوله و هو صائم نقض صومه و وضوءه إذا تعمّد» «2» و موثّقة سماعة: عن رجل كذب في رمضان، قال: «قد أفطر و عليه

قضاؤه»، فقلت: و ما كذبته؟ قال: «يكذب على اللّه و على رسوله» «3».

و الأخرى: عن رجل كذب في شهر رمضان، قال: «قد أفطر و عليه قضاؤه و هو صائم يقضي صومه و وضوءه إذا تعمّد» «4».

و المروي في الخصال: «خمسة أشياء تفطر الصائم: الأكل، و الشرب، و الجماع، و الارتماس في الماء، و الكذب على اللّه و رسوله و الأئمة» «5».

و الرضوي: «و اتّق في صومك خمسة أشياء تفطرك: الأكل، و الشرب و الجماع، و الارتماس في الماء، و الكذب على اللّه و رسوله و الأئمّة» «6»، و بمفاده آخر أيضا «7».

______________________________

(1) الفقيه 2: 67- 277، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 4.

(2) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 24- 14، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 7.

(3) التهذيب 4: 189- 536، الوسائل 10: 33 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 1.

(4) التهذيب 4: 203- 586، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ح 2 ح 3.

(5) الخصال 1: 286- 39، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 6.

(6) فقه الرضا «ع»: 207، مستدرك الوسائل 7: 321، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1.

(7) فقه الرضا «ع»: 203، المستدرك 7: 322 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 253

و ضعف سند بعضها عندنا غير ضائر، و لو سلّم فما مرّ من دعوى الإجماع و الشهرة له جابر.

و للكفّارة، وفاقا لأكثر من ذكر أيضا، للأخبار المذكورة المثبتة للإفطار به، الموجب للكفّارة بما مرّ من العمومات المتقدّمة في الأمر

الأول.

و دعوى تبادر الأكل و الشرب من الإفطار ممنوعة، و المعنى اللغوي له صادق على كلّ ما يفسد الصوم.

خلافا في الجميع للمحكي عن جمل السيّد و الحلّي و العماني و المحقّق «1» و الفاضل في أكثر كتبه «2»، و أكثر المتأخّرين «3»، للأصل، و الصحيحة الحاصرة للمفطرات في أشياء ليس ذلك منها «4»، و ضعف تلك الأخبار سندا، و تضمّن جملة منها على ما لا يقول به أحد من نقض الوضوء به أيضا، و بعض منها على ما هو خلاف المشهور من الإفطار بالارتماس أيضا.

و الأصل مندفع بما مرّ، و الصحيحة مخصّصة به، و الضعف في الجميع ممنوع، و لو كان فمجبور، و التضمّن لما لا يقول به أحد- أو لا يفتي به جماعة- غير مخرج لتتمّة الخبر عن الحجّية، مع أنّ الحجّة غير منحصرة فيما يتضمّن ذلك، بل فيما لا يتضمّنه غناء عنه.

______________________________

(1) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 54، الحلّي في السرائر 1:

376، حكاه عن العماني في المختلف: 218، المحقق في المعتبر 2: 671.

(2) كما في التذكرة 1: 258، القواعد 1: 64، المختلف: 218.

(3) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 70، و السيوري في التنقيح 1: 363، و صاحب المدارك 6: 46.

(4) الفقيه 2: 67- 276، التهذيب 4: 202- 584، الاستبصار 2: 80- 244، الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 254

و تجويز حمل قوله: «و هو صائم» في الموثقة الثانية على صحّة صومه- فالمراد من الإفطار فيها نقص كمال الصوم- حمل بعيد، بل المعنى: يتمّ صومه.

نعم، لو كان الاحتجاج بقوله: «يقضي صومه و وضوءه» فقط لما تمَّ الدلالة، لأنّ حمل:

«يقضي» على مجاز متعيّن، لمكان قوله: «و وضوءه»، و حذف فعل آخر للوضوء ليس بأولى ممّا ذكر.

و منه يظهر عدم تماميّة الاستدلال بالرواية الثالثة أيضا، بل يظهر تطرّق الخدش في الخصالي و الرضوي أيضا على القول بعدم كون الارتماس مبطلا، و لكن مع ذلك كلّه لا يضرّ في المطلوب، لكفاية البواقي فيه.

و في الثالث خاصّة للنافع و محتمل القواعد «1»، و لعله للأصل، و خلو النصوص منها، سيّما ما يتضمّن منها لإيجابه القضاء، لورودها في مقام الحاجة.

و الأصل يدفعه ما ذكر، و خلوّ النصوص عن ذكرها بالخصوص- مع تضمّنها لما يستلزمها- غير ضائر، و كون ما يتضمّن القضاء في مقام الحاجة ممنوع.

فروع:
أ: لا يختصّ الفساد بذلك بصيام شهر رمضان

، لإطلاق أكثر الروايات.

ب: لا اختصاص للكذب عليهم بحكاية قول عنهم عليهم السلام

كما قد يتوهّم، بل يشملها و حكاية الفعل و التقرير أيضا، لصدق الكذب عليهم.

______________________________

(1) النافع 1: 66، القواعد 1: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 255

ج: لا خفاء في أنّ حكاية فعل أو قول يعلم عدم مطابقته للواقع كذب على اللّه و إن كان مطابقا في الواقع

، لأنّ المناط في موارد التكاليف علم المكلّف.

و كذا ما لا يظنّ مطابقته و لا عليه أمارة، إمّا لقيام عدم الصدور بالأصل و الاستصحاب مقام عدم الصدور الواقعي، أو لثبوت إرادة مثل ذلك أيضا من الكذب على اللّه و لو تجوّزا بالإجماع.

د: لو ورّى في النسبة- كأن يقول: قال عليّ كذا

، و أراد شخصا مسمّى بعليّ، أو كتب نفسه حديثا مجعولا في صحيفة و قال: رأيت منسوبا إلى الإمام كذا- فالظاهر كونه كذبا على الإمام، لأنّ المقصود إفهام الإمام و كتاب الغير، و كذا يفهمه السامع، و القرينة قائمة، فهو المستعمل فيه حقيقة، فيكون كذبا.

ه: لو ذكر حديثا كذبا ثمَّ ظهر صدقه قبل القضاء،

فهل يسقط، أم لا؟

الظاهر: لا، لبطلان صومه أولا، و استقرار القضاء في ذمّته.

و: إن ظنّ قوله به بأمارة يعتبر مثلها في العرف أو مطلقا

، فالظاهر عدم كونه كذبا عليه، سيّما إذا كان الظنّ ممّا ثبتت حجّيته في مثل ذلك القول.

و الأحوط: عدم النسبة مطلقة، بل نسبته إلى تلك الأمارة أو الظنّ أو نحوهما ممّا لا يستفاد منه القطع بالصدور.

ز: الكذب عليهم أعمّ من أن يكون في أمر الدين أو الدنيا،

كما عن المنتهى التصريح به «1»، لإطلاق الأخبار.

ح: قيل: الظاهر دخول الحكم و الفتوى من غير من بلغ درجة

______________________________

(1) المنتهى 2: 565.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 256

الاجتهاد في هذا الكذب، إن لم يكن ذلك عنه بطريق النقل من مجتهد، أو إسناده إلى الوقوع في خبر «1».

و هو كذلك، لأنّه إمّا يكون كذبا صريحا، أو التزاما، لدلالته على أنّه حكم اللّه سبحانه، و ليس كذلك.

و قيل: تفسير القرآن و الحديث بما ليس ظاهرا و لا مدلولا عليه بقرينة أو رواية من الكذب على اللّه.

و فيه تأمّل، إلّا أن ينسبه إلى اللّه بقوله: قال اللّه سبحانه: كذا و كذا.

ط: ما ينسب إليهم من الأقوال في أشعار المراثي و نحوها

ممّا نقطع بعدم صدوره عنهم، فإن كان ممّا يعلم أنّه من مبالغات الشعر و إغراقاته المتعارفة فيها المستحسنة فيها فالظاهر أنّه لا بأس به، و إن لم يكن كذلك فيبطل به الصوم، و الأحوط الاجتناب عن الجميع.

السابع: القي ء اختيارا.

فإنّه حرام و مفسد على الحقّ المشهور كما صرّح به جماعة «2»، بل بالإجماع كما عن الخلاف و الغنية و المنتهى «3»، للمستفيضة:

كصحيحة الحلبي: «إذا تقيّأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم، فإن ذرعه القي ء من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه» «4»، و قريبة منها الأخرى «5».

______________________________

(1) مشارق الشموس: 413.

(2) انظر مشارق الشموس: 410، و الحدائق 13: 147.

(3) الخلاف 2: 178، الغنية (الجوامع الفقهية): 571، المنتهى 2: 567.

(4) الكافي 4: 108- 1، التهذيب 4: 264- 790، الوسائل 10: 87 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 3. و ذرعه القي ء، أي سبقه و غلبه- الصحاح 3:

1210.

(5) الكافي 4: 108- 2، التهذيب 4: 264- 791، الوسائل 10: 86 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 257

و موثّقة مسعدة: «من تقيّأ متعمّدا و هو صائم فقد أفطر و عليه الإعادة، فإن شاء اللّه عذّبه، و إن شاء غفر له، و من تقيّأ و هو صائم فعليه القضاء» «1».

و بمعناها موثّقة سماعة «2»، و مرسلة ابن بكير «3»، و المرويّ في كتاب عليّ بن جعفر «4».

و موجب للكفّارة على الأظهر، لكونه مفطرا كما في الأخبار «5»، و الإفطار يوجب الكفّارة كما مرّ.

خلافا في الأولين للسيّد و الحلّي «6»، للأصل، و الصحيح الحاصر.

و صحيحة ابن ميمون: «ثلاثة لا يفطرن الصائم: القي ء، و الاحتلام، و الحجامة» «7».

و رواية ابن سنان: عن الرجل الصائم يقلس فيخرج

منه الشي ء من الطعام، أ يفطره ذلك؟ قال: «لا»، قلت: فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه قال: «لا يفطره ذلك» «8».

______________________________

(1) التهذيب 4: 264- 792، الوسائل 10: 88 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 6.

(2) الفقيه 2: 69- 291، التهذيب 4: 322- 991، الوسائل 10: 87 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 5.

(3) التهذيب 4: 264- 793، الوسائل 10: 88 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 7.

(4) مسائل علي بن جعفر: 117- 55، الوسائل 10: 89 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 10.

(5) الوسائل 10: 86 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29.

(6) السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 54، و الحلّي في السرائر 1: 387.

(7) التهذيب 4: 260- 775، الاستبصار 2: 90- 288، الوسائل 10: 80 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 26 ح 11.

(8) التهذيب 4: 265- 796، الوسائل 10: 88 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 258

و الأول: مندفع بما مرّ.

و الثاني: مخصّص به.

و الثالث: مقيّد به، لإطلاقه بالنسبة إلى العمد و غيره، و هو أولى من حمل أخبارنا على الاستحباب، لتقدّم التخصيص على التجوّز، مضافا إلى منافاة قوله: «فإن شاء عذّبه اللّه».

و كذا الرابع، على أنّ القلس لا يتعيّن أن يكون بمعنى القي ء، لاحتمال الجشأ، كما نصّ عليه في رواية سماعة: عن القلس- و هي الجشأة- يرتفع الطعام من جوف الرجل من غير أن يتقيّأ- إلى قال-: «و لا يفطر صيامه» «1»، بل في الخلاص و المهذّب تفسيره بها خاصّة.

و لو تقيّأ لا عن اختيار لم يبطل إجماعا، كما

صرّح به غير واحد «2»، للأصل، و النصوص المتقدّمة، و غيرها، كصحيحة معاوية: في الذي يذرعه القي ء و هو صائم، قال: «يتمّ صومه و لا يقضي» «3».

خلافا للإسكافي، إذا كان القي ء عن محرّم، فيكفّر أيضا «4».

و هو- مع ندرته و مخالفته للإطلاقات- غير معلوم المستند.

و في الثالث للأكثر «5»، للأصل، و تبادر الأكل و الشرب من الإفطار، و جوابه قد مرّ.

______________________________

(1) الكافي 4: 108- 6، التهذيب 4: 264- 794، الوسائل 10: 90 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 30 ح 3.

(2) كما في الحدائق 13: 149، و الرياض 1: 314.

(3) الكافي 4: 108- 3، الوسائل 10: 87 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 4.

(4) حكاه عنه في المختلف: 222.

(5) كما في الخلاف 1: 382، المهذّب 1: 192، الحدائق 13: 147.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 259

القسم الثاني ما يجب اجتنابه و يوجب القضاء خاصّة و هو أمور ثلاثة:
الأول: نيّة الإفطار

، فإنّها حرام في الواجب من الصوم، و مفسدة له كما مرّ، و موجبة للقضاء، لوجوبه على كلّ من فسد صومه- غير ما استثنى كالمغمى عليه- إجماعا.

و لا تجب عليه كفّارة، للأصل، و عدم صدق الإفطار.

الثاني: ترك غسل الحيض أو النفاس و البقاء على تلك الحالة

إذا انقطع دمها قبل الفجر إلى الفجر، وفاقا للمشهور، لموثّقة أبي بصير: «إن طهرت بليل من حيضتها و توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت، عليها قضاء ذلك اليوم» «1»، و الرواية مختصّة بصوم رمضان فلا يبعد التخصيص به.

الثالث: ترك المستحاضة ما يجب عليها من الأغسال على الحقّ المشهور

، بل قيل: الظاهر أنّه لا خلاف فيه «2».

لصحيحة ابن مهزيار: امرأة طهرت من حيضها أو من نفاسها في أول يوم من شهر رمضان، ثمَّ استحاضت فصلّت و صامت من غير أن تعمل

______________________________

(1) التهذيب 1: 393- 1213، الوسائل 10: 69 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 21 ح 1.

(2) كما في الحدائق 13: 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 260

تعمله المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين، هل يصحّ صومها و صلاتها، أم لا؟ فكتب عليه السّلام: «تقضي صومها و لا تقضي صلاتها، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يأمر فاطمة و المؤمنات من نسائه بذلك» «1».

و لا ضرّ تضمّنها لما لا يقول به الأصحاب، و لا كونها مكاتبة، و لا عدم صحّة الرواية، و لا الحكم بالقضاء بالجملة الخبريّة، التي هي في [الوجوب ] «2» غير صريحة، لعدم خروج الرواية- باشتمالها على ما لا يقول به أحد- عن الحجّيّة، و حجيّة المكاتبة و الموثّقة، سيّما مع كونها بالشهرة مجبورة، و إرادة [الوجوب ] «3» من الجملة بقرينة قوله في الذيل: «يأمر فاطمة» إلى آخره، مع أنّ لفظة «يأمر» كافية في ذلك.

و المحرّم للصائم المبطل للصوم: هو ترك واحد من الأغسال التي عليها في يوم الصوم أو قبله ليلا أو نهارا، و لا يبطل صوم يوم بترك غسل المغرب الذي يتأخّر عن ذلك اليوم.

و الحكم مختصّ بالاستحاضة الكثيرة- لأنّها المرادة من الموثّقة، فيبقى الباقي تحت الأصل-

و بصوم رمضان، للأصل.

______________________________

(1) الكافي 4: 36- 6، الفقيه 2: 94- 419، التهذيب 4: 310- 937، الوسائل 10: 66 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 18 ح 1.

(2) في النسخ: الحرمة، و الصحيح ما أثبتناه.

(3) في النسخ: الحرمة، و الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 261

القسم الثالث ما يحرم، و يجب اجتنابه، و لا يوجب قضاء و لا كفّارة
اشاره

و هي أمور ثلاثة:

الأول: الارتماس في الماء.
اشاره

فإنّه غير جائز في الصوم على الحقّ الموافق للأكثر «1»، بل لغير شاذّ، و عن الانتصار و الغنية و ظاهر الخلاف: الإجماع عليه «2».

لا للصحاح الأربع للحلبي «3» و حريز «4» و محمّد «5»، و الروايات الثلاثة لابني عمّار «6» و سدير «7» و الحنّاط و الصيقل «8»، لقصور الكلّ عن إفادة

______________________________

(1) كما في الحدائق 13: 133، و الرياض 1: 306.

(2) الانتصار: 62، الغنية (الجوامع الفقهية): 571، الخلاف 2: 221.

(3) الكافي 4: 106- 1، التهذيب 4: 203- 587، الاستبصار 2: 84- 258، الوسائل 10: 37 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 7.

(4) الكافي 4: 106- 2، التهذيب 4: 203- 588، الاستبصار 2: 84- 259، الوسائل 10: 38 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 8.

(5) الكافي 4: 106- 3، التهذيب 4: 204- 591، الاستبصار 2: 84- 260، الوسائل 10: 36 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 2، و لم نعثر على الصحيحة الرابعة.

(6) التهذيب 4: 324- 1000، الاستبصار 2: 84- 263، الوسائل 10: 43 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 6 ح 1.

(7) الكافي 4: 106- 5، الفقيه 2: 71- 307، الوسائل 10: 37 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 6.

(8) الكافي 4: 106- 6، الوسائل 10: 36 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 262

الحرمة، لمكان الجملة الخبريّة.

و لا للخصاليّ المتقدّم في الكذب «1»، لتضمّنه الإفطار به، فيعارض قوله في رواية ابن عمّار «ليس عليه قضاء».

و لا للصحيح الحاصر «2»، حيث إنّ نقص الثواب و الكمال ليس ضررا عرفا، لمنع عدم كونه ضررا إذا كان

النقص عمّا تقتضيه طبيعة العمل الذي يأتي به.

بل للرضويّ المتقدّم «3» من جهة الأمر بالاتّقاء و إن تضمّن الإفطار أيضا، و لكنّه غير ضائر.

و الآخر: «أدنى ما يتمّ به فرض الصوم العزيمة، و ترك الكذب على اللّه و على رسوله، ثمَّ ترك الأكل، و الشرب، و النكاح، و الارتماس في الماء، فإذا تمّت هذه الشروط على ما وصفناه كان مؤدّيا لفرض الصوم، مقبولا منه» «4»، و ضعفهما- بعد الانجبار- غير ضائر.

خلافا للمحكيّ عن التهذيب و العماني و الحلّي و أحد قولي السيّد، فقالوا بكراهته «5».

للأصل، لعدم إفادة الأخبار المعتبرة زائدا عنها، و ضعف ما يفيد الزائد للسند أو المعارض.

______________________________

(1) راجع ص: 252.

(2) الفقيه 2: 67- 276، التهذيب 4: 202- 584، الاستبصار 2: 84- 261، الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1.

(3) في ص: 252.

(4) فقه الرضا «ع»: 203، مستدرك الوسائل 7: 322 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 1.

(5) التهذيب 4: 209- ذيل حديث 605، حكاه عن العماني في المختلف: 218، الحلي في السرائر 1: 377، السيّد في الانتصار: 63.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 263

و رواية ابن سنان: «يكره للصائم أن يرتمس في الماء» «1».

و جواب الأول ظاهر ممّا مرّ.

و يردّ الثاني بأعمّية الكراهية من الحرمة لغة، و في عرف الشارع.

و ليس مبطلا و لا يجب به قضاء و لا كفّارة، وفاقا للاستبصار و المعتبر و المنتهى و المختلف و التحرير و التذكرة و الإرشاد «2»، للأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة.

و خلافا لجماعة «3»، بل نسب إلى المشهور «4»، بل عن الانتصار و الغنية الإجماع عليه «5»، فأوجبوا عليه القضاء و الكفّارة، له، و لعدّه في

الخصال و الرضويّ من المفطرات الموجبة لهما بالعمومات.

و يدفع الأول بعدم الحجّية.

و الثاني بلزوم الحمل على نوع من التجوّز، بقرينة نفي القضاء عنه في رواية ابن عمّار.

و لصريح الحلبي، و احتمال القواعد و ظاهر النافع، فأوجبوا القضاء خاصّة «6»، و لعلّه لعدم ثبوت الزائد على القضاء من المفطريّة. و جوابه ظاهر.

______________________________

(1) التهذيب 4: 209- 606، الاستبصار 2: 84- 262، الوسائل 10: 38 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 9.

(2) الاستبصار 2: 85، المعتبر 2: 657، المنتهى 2: 565، المختلف: 218، التحرير 1: 78، التذكرة 1: 258، الإرشاد 1: 297.

(3) انظر النهاية: 154: الحدائق 13: 136.

(4) كما في الدروس 1: 274.

(5) الانتصار: 62، الغنية (الجوامع الفقهية): 571.

(6) الحلبي في الكافي في الفقه: 183، القواعد 1: 64، النافع: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 264

فروع:
أ: المحرّم هو غمس الرأس في الماء و إن خرج البدن

، لأنّه معنى الارتماس، و الرقبة خارجة عنه و إن أدخلوها فيه في باب الغسل، لعلّة غير جارية هنا، فلا يشترط حصول المحرّم بإدخال الرقبة أيضا.

نعم، يشترط غمس جميع الرأس، لعدم صدق الارتماس برمس البعض، فلا حرمة في رمس النصف الأعلى أو الأسفل أو أكثر منه، و لو اشتمل على جميع المنافذ، و خرجت منابت الشعر، هكذا قيل «1».

و فيه: أنّ الرمس هو الغمس لا غمس الرأس، فالارتماس الوارد في الأخبار هو غمس الشخص في الماء.

نعم، لا يتحقّق هو عرفا إلّا بغمس الرأس، لا أنّه يتحقّق بغمس الرأس خاصّة.

نعم، ورد- في بعض الأخبار الغير الناهضة للحرمة- النهي عن رمس الرأس.

ب: يشترط في الحرمة رمس الجميع دفعة

- أي مجتمعا في وقت- فلو رمس بعضه في زمان و بعضه في زمان آخر بعد إخراج الأول لم يكن محرّما، لعدم كونه ارتماسا، و هذا مراد من قال: تشترط الدفعة الواحدة «2»، دون أن يكون ما يقابل التدريج، و لو أراد ذلك لم يكن دليل على اعتباره أصلا.

ج: مقتضى الأصل اختصاص الحكم بالرمس في الماء

، لاختصاص النصّ به، فلا حرمة في الرمس في غيره من المائعات و لو كان من قبيل ماء الورد.

______________________________

(1) انظر المدارك 6: 50.

(2) انظر الحدائق 13: 138.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 265

د: هل الحكم مختصّ بما إذا أدخل رأسه في الماء،

أو يشمل ما إذا صبّ الماء على رأسه بحيث يستر جميعه في زمان؟

الظاهر: الأول، لعدم معلوميّة صدق الارتماس على الثاني.

و ظاهر بعض الأجلّة: الشمول، بل هو صريحه، حيث قال: و في حكمه صبّ ما يغمر الرأس عليه دفعة.

ه: أكثر الأخبار الواردة في المقام- بل جميعها- و إن كانت مطلقة شاملة للصوم الفرض و الندب

، إلّا أنّها لعدم نهوضها لإثبات الحرمة- سوى الرضويّ المتوقّفة حجّيته على الانجبار الغير المعلوم في النافلة- يكون الحكم مقصورا على الفريضة، كما في الكفاية «1».

مضافا إلى قوله: «أدنى ما يتمّ به فرض الصوم» و قوله: «و اتّق» «2» الدالّ على الوجوب الواقعي المنتفي في النافلة، إلّا أن يمنع عدم إمكان الوجوب الواقعي في النافلة، لم لا يجوز أن يحرم شي ء في صيام النافلة مع كونه صائما- كقول: «آمين» في الصلاة النافلة- و لا يلزم من جواز قطع النافلة جواز كلّ أمر فيه أيضا.

و منه يظهر إمكان تماميّة دلالة قوله في الصحيح الحاصر: «لا يضرّ» «3» أيضا.

إلّا أنّ الأول ضعيف غير مجبور.

و الثاني مجرّد إمكان غير مفيد، لجواز كون الضرر نقصان الثواب عمّا تقتضيه طبيعة كلفة الصائم، فإنّه ضرر عرفا، و أيّ ضرر بعد تحمّل مشقّة

______________________________

(1) كفاية الأحكام: 47.

(2) المتقدم في ص: 252.

(3) المتقدم في ص: 225.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 266

الصوم؟!

و: لو ارتمس في غسل مشروع واجب أو مندوب مع الصوم الواجب، عمدا

، يكون غسله فاسدا، للنهي عن جزئه و لو لأجل أمر آخر وراء الغسل، كما بيّنا في محلّه.

و منع كونه جزءا له- و إنما جزؤه إيصال الماء إلى الرأس، و لا شكّ أنّ كلّ جزء فرض فرمسه في الماء مباح، و إنّما الحرام جمع الكلّ فيه، و هو ليس جزء الغسل في شي ء، كما قاله بعض الأجلّة «1»- فغير جيّد، لأنّه إنّما يتمّ في الغسل الترتيبي دون الارتماسي.

و لو نسي الصوم أو حرمة الرمس له صحّ الغسل، لعدم تعلّق النهي بالناسي، و كذا الجاهل الساذج دون المقصّر.

الثاني: الاحتقان بالمائع.

فإنّه محرّم، وفاقا للسيّد- حتى في الجمل- و الشيخين و والد الصدوق و الحلّي و القاضي و الحلبي و الفاضلين و الشهيدين «2»، بل الأكثر كما صرّح به جماعة «3»، بل بالإجماع كما عن الناصريّات و الخلاف و الغنية «4».

لصحيحة البزنطي: عن الرجل يحتقن تكون به العلّة في شهر

______________________________

(1) نقله عن بعض الأفاضل في غنائم الأيام: 401.

(2) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 54، المفيد في المقنعة:

344، الطوسي في المبسوط 1: 272، حكاه عن والد الصدوق في المختلف:

221، الحلي في السرائر 1: 378، القاضي في شرح الجمل: 185، الحلبي في الكافي: 183، المحقق في الشرائع 1: 192، العلّامة في المنتهى 2: 567، الشهيد في الدروس 1: 275، الشهيد الثاني في المسالك 1: 71.

(3) كما في الحدائق 13: 145، و الرياض 1: 306.

(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 206، الخلاف 2: 213، الغنية (الجوامع الفقهية): 571.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 267

رمضان، فقال: «الصائم لا يجوز له أن يحتقن» «1».

و الرضوي: «لا يجوز للصائم أن يقطر في أذنه شيئا و لا أن يسعط و لا أن يحتقن» «2».

و

في دلالة الأخير نظر، لجمعه بين ما لا يحرم و الاحتقان بلفظ واحد، و لكن الأول كاف في المطلوب.

و لا بأس بالجامد، وفاقا للأكثر «3»، بل ظاهر الغنية الإجماع عليه «4»، و في الكشف نفي الخلاف عنه «5».

لموثّقة ابن فضّال: ما تقول في اللطف يستدخله الإنسان و هو صائم؟

فكتب: «لا بأس بالجامد» «6»، و بها تخصّص الصحيحة، مع أنّ المتبادر منها- أو القدر المتيقّن- هو المائع.

و لا يوجب شي ء منهما قضاء و لا كفّارة، وفاقا لجمل السيّد- حاكيا عن قوم- و المعتبر و النهاية و الاستبصار و السرائر و المنتهى و النافع و المسالك و المدارك و الروضة «7»، و جمع ممّن تأخّر «8»، للأصل.

______________________________

(1) الكافي 4: 110- 3، التهذيب 4: 204- 589، الاستبصار 2: 83- 256، الوسائل 10: 42 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 4.

(2) فقه الرضا «ع»: 212، مستدرك الوسائل 7: 320 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 6 ح 1.

(3) كما في الشرائع 1: 192، و الحدائق 13: 145.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 571.

(5) كشف الرموز 1: 281.

(6) التهذيب 4: 204- 590، الاستبصار 2: 83- 257، الوسائل 10: 41 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 2. و التلطّف: هو إدخال الشي ء في الفرج مطلقا- مجمع البحرين 5: 121.

(7) المعتبر 2: 679، النهاية: 156، الاستبصار 2: 84، السرائر 1: 378، المنتهى 2: 567، النافع: 67، المسالك 1: 71، المدارك 6: 64، الروضة 2: 92.

(8) كما في الذخيرة: 500، و الرياض 1: 307.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 268

خلافا في الأول للمحكيّ عن الإسكافي، فقال باستحباب الامتناع عن الحقنة «1»، و نسب إلى جمل السيّد أيضا «2»، و لكن

نسب بعض آخر إليه الحرمة «3»، و كلامه فيه يحتمل الأمرين، للأصل، و صحيحة عليّ: عن الرجل و المرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء و هما صائمان؟ قال: «لا بأس» «4».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    268     الثاني: الاحتقان بالمائع. ..... ص : 266

الأصل مزال بما مرّ. و الصحيح ليس بحجّة، لمخالفته لعمل القدماء، بل الإجماع، مع أنّ المتبادر من استدخال الدواء- كما قيل- الجامد «5».

و في الثاني للمحكي عن الصدوقين في الرسالة و المقنع «6» و المفيد و النّاصريّات «7»- نافيا عنه الخلاف- و الحلبي و المعتبر، حيث أطلقوا عدم جواز الحقنة و لم يفصّلوا «8» مع احتمال تخصيصهم الحقنة بما يكون بالمائع- كما هو المتبادر- فينتفي الخلاف.

و كيف كان، فلا دليل لهم سوى إطلاق الاحتقان، اللازم تقييده بالموثّقة المتقدّمة.

و في الثالث للناصريّات، نافيا فيه الخلاف عنه «9»، و جمل الشيخ و الاقتصاد و المبسوط «10» و الخلاف مدّعيا فيه الإجماع عليه

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 221.

(2) كما في الحدائق 13: 144.

(3) كما في المختلف: 221.

(4) الكافي 4: 110- 5، التهذيب 4: 325- 1005، قرب الإسناد: 230- 898، الوسائل 10: 41 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 1.

(5) الرياض 1: 306.

(6) حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 221، المقنع: 60.

(7) المفيد في المقنعة: 344، الناصريات (الجوامع الفقهية): 206.

(8) الحلبي في الكافي: 183، المعتبر 2: 659.

(9) النّاصريات (الجوامع الفقهية): 206.

(10) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 213، الاقتصاد: 288، المبسوط 1: 272.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 269

كالغنية «1»، و القاضي و الحلبي «2»، و موضع من القواعد و الشرائع و التحرير و الإرشاد و المختلف و الدروس، فأوجبوا

فيه القضاء خاصّة «3»، بل في النّاصريّات عن قوم إيجاب القضاء و الكفّارة أيضا.

للإجماع المنقول.

و شباهته الاغتذاء.

و نفي جوازه للصائم في الصحيح، فيكون لأجل الصوم، لأنّ تعليق الشي ء بالوصف يشعر بالعلّية، فتكون بين الصوم و الاحتقان- الذي هو نقيض المعلول- منافاة، و ثبوت أحد المتنافيين يستلزم نفي الآخر، و ذلك يوجب عدم الصوم عند ثبوت الاحتقان، فيوجب القضاء.

و يضعف الأول: بعدم الحجّية.

و الثاني: بأنّه قياس مع الفارق.

و الثالث: بأنّ نقيض المعلول إنّما هو جواز الاحتقان لا نفسه، و اللازم منه انتفاء الصوم عند جوازه، و هو ممنوع.

الثالث: مسّ النساء و قبلتهنّ و ملاعبتهنّ مع خوف سبق المني و عدم الوثوق بعدمه
اشاره

، كما يأتي بيانه في بحث المكروهات.

فروع:
أ: الحرمة إنّما هي إذا لم يكن الاحتقان ضروريا و إلّا فيباح

، لأنّ

______________________________

(1) الخلاف 2: 213، الغنية (الجوامع الفقهية): 571.

(2) القاضي في شرح الجمل: 185، الحلبي في الكافي: 183.

(3) القواعد 1: 64، الشرائع 1: 192، التحرير 1: 80، الإرشاد 1: 296، المختلف: 221، الدروس 1: 272.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 270

الضرورات تبيح المحظورات، و العلّة المذكورة في الصحيحة الأولى محمولة على ما لا يبلغ حدّ الضرورة.

ب: يجوز تقطير الدواء في الاذن على الحقّ المشهور

، للأصل، و المستفيضة من الأخبار بلا معارض. نعم، يكره، للرضوي.

ج: يجوز صبّه في الإحليل

، و كذا السعوط به، للأصل.

و يكره السعوط، للرضويّ المتقدّم، و يأتي تفصيله.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 271

القسم الرابع ما لا يحرم و يوجب القضاء و الكفّارة معا

و هو أمر واحد، و هو:

تسبيب الإنزال بلمس المرأة أو تقبيلها بدون قصد الإنزال معه و لا اعتياده.

أمّا الجواز حينئذ فبالإجماع، و لأنّه لو لم يقصد الإنزال و لم يعتده لا وجه للحرمة أصلا، و مجرّد احتمال الإنزال غير كاف، بل قد ينزل مع عدم احتماله أيضا، و لو حرم ذلك حرم لمس المرأة للصائم مطلقا، و هو خلاف الضرورة.

و أمّا إيجابه القضاء و الكفّارة فقد مرّ بيانه في الأمر الرابع من القسم الأول مفصّلا «1».

______________________________

(1) راجع ص: 240.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 272

القسم الخامس ما لا يحرم و يوجب القضاء خاصّة
اشاره

و هي أمور:

الأول: دخول الماء في الحلق لا عن عمد

في غير مضمضة وضوء الفريضة.

و بيان المقام: أنّه لو أدخل الماء في فمه فدخل حلقه، فإن أدخل الحلق عمدا فلا خلاف و لا إشكال في حرمته و إفساده.

و إن سبقه لا عن تعمّد، فإن كان الإدخال في الفم للمضمضة لصلاة الفريضة لم يبطل به الصوم إجماعا محقّقا و محكيّا في كثير من العبارات بخصوصه، أو في ضمن مطلق الصلاة، أو الطهارة، كما تأتي إليه الإشارة، و نفى عنه الخلاف و الإشكال في الحدائق «1».

له، و للأصل السالم عن المعارض، و المعتبرة من الأخبار، المصرّحة بعدم القضاء في سبق الماء إلى الحلق في المضمضة مطلقا، كموثّقة الساباطي: عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء و هو صائم، قال:

«ليس عليه شي ء إذا لم يتعمّد ذلك» «2».

أو في مضمضة الوضوء، كموثّقة سماعة: عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش فدخل حلقه، قال: «عليه القضاء، و إن كان في

______________________________

(1) الحدائق 13: 87.

(2) التهذيب 4: 323- 996، الوسائل 10: 72 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 273

وضوء فلا بأس» «1».

أو في المضمضة في وقت الفريضة، كرواية يونس: في الصائم:

«و إن تمضمض في وقت فريضة فدخل الماء حلقه فلا شي ء عليه، و إن تمضمض في غير وقت فريضة فدخل الماء حلقه فعليه الإعادة» «2».

أو في المضمضة لوضوء الفريضة خاصّة، كصحيحة الحلبي: في الصائم يتوضّأ للصلاة فيدخل الماء حلقه، قال: «إن كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه قضاء، و إن كان وضوؤه لصلاة النافلة فعليه القضاء» «3».

و لا تعارضها رواية المروزي المتقدّمة، المتضمّنة للإفطار بمطلق المضمضة «4»، لأنّ إطلاقها خلاف الإجماع، فيجب الرجوع إلى تخصيص أو تجوّز، و بابهما

واسع لا ينحصر فيما ينافي المسألة.

و إن كان في غير مضمضة وضوء الفريضة، فالحقّ: بطلان الصوم به مطلقا و إن كان لوضوء نافلة أو تداو أو تطهير الفم أو غسله من الطعام، وفاقا للحدائق «5»، و ظاهر الدروس «6»، بل طائفة من الأصحاب كما حكاه في التهذيب «7»، لإطلاق رواية يونس بالقضاء في غير وقت الفريضة، و لا ينافيه

______________________________

(1) الفقيه 2: 69- 290، التهذيب 4: 322- 991، الوسائل 10: 71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 4.

(2) الكافي 4: 107- 4، التهذيب 4: 205- 593، الاستبصار 2: 94- 304، الوسائل 10: 71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 3.

(3) الكافي 4: 107- 1 مع اختلاف في السند، التهذيب 4: 324- 999، الوسائل 10: 70 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 1.

(4) راجع ص: 228.

(5) الحدائق 13: 90.

(6) الدروس 1: 274.

(7) التهذيب 4: 205 بعد حديث 593.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 274

إطلاقها في نفيه في وقت الفريضة، لأنّ التعليق على الوصف دالّ على علّيته.

و يؤيّد الإطلاق فحوى إثبات القضاء لوضوء النافلة في صحيحة الحلبي، و تدلّ عليه- في بعض أفراد المطلوب- موثّقة سماعة و صحيحة الحلبي. و بما ذكر يقيد إطلاق موثّقة الساباطي، لكونه أعمّ مطلقا ممّا ذكر.

و لا يوجب كفّارة أصلا، للأصل السالم عن المعارض، سوى رواية المروزي المثبتة لها في التمضمض مطلقا، و لا قائل به، سيّما مع معارضتها لما هو أكثر منها و أقوى و أخصّ، فيجب تقييدها بما إذا بلع الماء عمدا.

خلافا لمن نفى القضاء في تمضمض الوضوء للصلاة مطلقا، كالتهذيب و الخلاف و المنتهى «1»، بل في الأخيرين الإجماع عليه.

أو في التوضّؤ كذلك،

كصريح جمع «2».

أو في الطهارة كذلك، كما عن الانتصار و السرائر و الغنية «3»، بل عن الثلاثة الإجماع عليه.

للأصل، و المنقول من الإجماع، و موثّقة سماعة منطوقا في مطلق الوضوء، و فحوى في الطهارة.

و يردّ أولها بما مرّ من الدافع. و ثانيها: بعدم الحجّية. و ثالثها: بكونه أعمّ مطلقا من صحيحة الحلبي، بل رواية يونس، فيجب تخصيصها بهما.

و لمن نفاه فيما إذا كانت المضمضة للتداوي أو إزالة النجاسة أو غسل الفم من الطعام، كبعضهم.

______________________________

(1) التهذيب 4: 214- ذ. ح 620، الخلاف 2: 215، المنتهى 2: 579.

(2) انظر الرياض 1: 314.

(3) الانتصار: 64، السرائر 1: 375، الغنية (الجوامع الفقهية): 571.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 275

لكونه مأذونا في الفعل من اللّه عزّ و جلّ، غير متعمّد بالابتلاع.

و ضعفه ظاهر، لأنّ الجواز لا يستلزم عدم كونه مفطرا بعد دلالة النصوص عليه.

و لعدم انصراف الإطلاقات إليه.

و فيه منع واضح، بل في انصرافها إلى العبث و نحوه خفاء ظاهر.

و لمن أثبت الكفّارة فيما إذا كانت المضمضة لغير الصلاة، كما في التهذيب «1»، و لا دليل تامّا له.

و لا يلحق الاستنشاق بالمضمضة على الأقوى، فلو سبق فيه الماء إلى الحلق لم يفطر أصلا، للأصل، و اختصاص الموجب بالمضمضة.

خلافا لطائفة «2»، لاتّحادهما في المعنى.

و فيه: أنّه راجع جدّا إلى القياس الفاسد عندنا، لعدم معلوميّة المعنى الموجب قطعا، و إن كان الأحوط الإعادة معه في غير استنشاق وضوء الفريضة.

الثاني: معاودة النوم جنبا ليلا مستمرّا نومه إلى الفجر
اشاره

، فإنّها موجبة للقضاء و إن لم تكن محرّمة، و لا كفّارة فيها و إن تصاعدت أيضا، و هي المراد من النومة الثانية فصاعدا، و أمّا الاولى فلا بأس بها، و لا إبطال للصوم فيها.

كلّ ذلك مع احتمال الانتباه قبله و عدم

العزم على ترك الاغتسال، و أمّا مع عدم الاحتمال أو العزم على تركه فهو بقاء على الجنابة عمدا، فهو حرام يجب به القضاء و الكفّارة سواء فيه الأولى أو غيرها، فهذه أحكام خمسة:

______________________________

(1) التهذيب 4: 214.

(2) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 571، مجمع الفائدة و البرهان 5: 119، الرياض 1: 315.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 276

الأول: عدم حرمة النومة الثانية، للأصل، و عدم دليل على حرمتها، و عدم العلم بكونها سببا لبطلان الصوم، إذ لعلّه ينتبه و يغتسل.

و مال بعضهم إلى الحرمة «1»، للفظ العقوبة في الصحيحة «2».

و فيه نظر، لأنّ بمثل تلك العقوبة لا تثبت الحرمة.

الثاني: إيجابها للقضاء، و هو المشهور بين الأصحاب، و استفاض عليه نقل الإجماع «3»، و تدلّ عليه صحيحتا معاوية بن عمّار، و ابن أبي يعفور، و الرضوي، المؤيّدة بفتوى الأصحاب و حكايات الإجماع.

الاولى: الرجل يجنب أول الليل ثمَّ ينام حتى يصبح في شهر رمضان، قال: «ليس عليه شي ء»، قلت: فإنّه استيقظ ثمَّ نام حتى أصبح، قال: «فليقض ذلك اليوم عقوبة» «4».

و الثانية: الرجل يجنب في شهر رمضان ثمَّ يستيقظ ثمَّ ينام حتى يصبح، قال: «يتمّ صومه و يقضي يوما، و إن لم يستيقظ حتى يصبح أتمّ يومه و جاز له» «5».

و الثالثة: «إذا أصابتك جنابة في أول الليل فلا بأس بأن تنام متعمّدا و في نيّتك أن تقوم و تغتسل قبل الفجر، فإن غلبك النوم حتى تصبح فليس عليك شي ء، إلّا أن تكون انتبهت في بعض الليل ثمَّ نمت و توانيت و كسلت

______________________________

(1) كما في المسالك 1: 71.

(2) كما في التهذيب 4: 212- 615، الاستبصار 2: 87- 271، الوسائل 10: 61 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15

ح 1.

(3) كما في المنتهى 2: 566.

(4) التهذيب 4: 212- 615، الاستبصار 2: 87- 271، الوسائل 10: 61 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 1.

(5) التهذيب 4: 211- 612، الاستبصار 2: 86- 269، الوسائل 10: 61 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 277

فعليك صوم ذلك اليوم و إعادة يوم آخر مكانه، و إن تعمّدت النوم إلى أن تصبح فعليك قضاء ذلك اليوم و الكفّارة» «1».

و بتقييد تلك الأخبار تقيّد إطلاقات القضاء بالنوم مطلقا، كصحيحة البزنطي و روايتي المروزي و ابن عبد الحميد المتقدّمة «2»، و صحيحة محمّد:

عن الرجل تصيبه الجنابة في شهر رمضان ثمَّ ينام قبل أن يغتسل، قال:

«يتمّ صومه و يقضي ذلك اليوم» «3»، مع أنّ الأخيرة غير دالّة على الوجوب.

و الثالث: عدم إيجابها الكفّارة، و هو في النومة الثانية مذهب الأصحاب كما قيل «4»، و فيما فوقها محكيّ عن المعتبر و المنتهى «5»، و جمع من متأخّري المتأخّرين «6».

و دليله: الأصل الخالي عمّا يصلح للمعارضة، إذ ليس إلّا روايتي المروزي و ابن عبد الحميد المتقدّمتين، و هما و إن كانتا شاملتين للمورد أيضا- و لم يضرّ خروج النومة الأولى عنهما لدليل، و لم يوجب ذلك تخصيصهما بالمتعمّد خاصّة، بل مقتضى القاعدة إبقاؤهما فيما عدا الاولى على حالهما- إلّا أنهما معارضتان مع الأخبار النافية للشي ء، و المصرّحة بعدم الإفطار بذلك بقول مطلق، كالروايات المذكورة في حكم البقاء على الجنابة «7»،

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 207، مستدرك الوسائل 7: 330 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 و 10 ح 1 و 1.

(2) جميعا في ص: 244، 245.

(3) الكافي 4: 105- 2، التهذيب 4: 211-

613، الاستبصار 2: 86- 270، الوسائل 10: 62 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 3.

(4) انظر المدارك 6: 60.

(5) المعتبر 2: 675، المنتهى 2: 577.

(6) منهم صاحب الذخيرة: 499، و صاحب الحدائق 13: 127.

(7) راجع ص: 276.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 278

خرجت عنها صورة التعمّد كما مرّ هناك، فتبقى حجّة في الباقي و تعارض الروايتين، و هما و إن ترجّحتا بالمخالفة للعامّة، إلّا أنّها مترجّحة بالأكثريّة، و الأصحيّة، و الموافقة للأصل، و بعضها بالأحدثية التي هي من المرجّحات المنصوصة.

و الرابع: عدم إيجاب النومة الأولى لقضاء و لا كفّارة، و هو موافق فتوى الأصحاب «1»، و تدلّ عليه الصحيحتان، و الرضوي، و بها تتقيّد الإطلاقات.

و الخامس: اختصاص ما ذكر باحتمال الانتباه و العزم على الاغتسال، و إن عزم على الترك فيجب القضاء و الكفّارة معا، و كان كتعمّد البقاء على الجنابة اتّفاقا كما قيل «2»، لإطلاق ما دلّ على بطلان الصوم بالنوم إلى الفجر مطلقا، أو متعمّدا كصحيحة البزنطي، و ذيل الرضوي.

و لا تضرّ المعارضة مع إطلاق ما دلّ على صحّته في النومة الأولى أو مطلق النوم، لترجيح الأول بمخالفة العامّة، مع التأيّد بمفهوم الحال في صدر الرضوي المنجبر، الذي هو أخصّ مطلقا منهما.

و إن لم يعزم على شي ء من الطرفين فهو كالعزم على الترك عند المحكيّ عن جماعة «3»، للإطلاقات المذكورة.

و ذهب بعض مشايخنا إلى أنّه كالعزم على الاغتسال، لمعارضتها مع ما نفى القضاء في النومة الأولى بقول مطلق، و رجحانه بالأكثريّة، و الرجوع إلى الأصول مع التكافؤ «4»، و هو كذلك.

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 306.

(2) انظر الرياض 1: 306.

(3) انظر المعتبر 2: 672.

(4) الرياض 1: 306.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 10، ص: 279

و لا يضرّ مفهوم صدر الرضوي، إذ لعلّ المراد من المفهوم تعمّد الترك، كما ربّما يفصح عنه قوله في الذيل: «و إن تعمّدت النوم»، و المتبادر منه العزم على البقاء على الجنابة، مع أنّ ضعفه يمنع من العمل به في غير ما انجبر منه، و المقام منه.

و أمّا ما في المنتهى- من أنّ من نام غير ناو للغسل فسد صومه، و عليه قضاؤه، ذهب إليه علماؤنا أجمع [1]- فظاهر استدلاله إرادة العزم على الترك، حيث استدلّ بأنّ مع العزم على ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم، و عدم إمكان الانتباه أو عدم اعتباره في حكم العزم على الترك، و الوجه ظاهر.

ثمَّ إنّه نسب الخلاف في الحكم الثاني إلى موضع من المعتبر «1»، و لكنّه قال في موضع آخر منه بمقالة الأصحاب «2»، كما في الشرائع و النافع «3»، و هو صريح في رجوعه عنه، و لعلّه لذلك لم ينقل الأكثر منه الخلاف، و لعلّ دليله مطلقات الفساد بالنوم، و جوابه ظاهر ممّا مرّ.

فرعان:
أ: لا خفاء في انسحاب الحكم الأخير في صوم غير رمضان مطلقا

______________________________

[1] قال في موضع من المنتهى (2: 566): إذا أجنب ليلا ثمَّ نام ناويا للغسل فسد صومه و عليه قضاؤه. و قال في موضع آخر منه (ص 573): و لو أجنب ثمَّ نام غير ناو للغسل حتى طلع الفجر وجب عليه القضاء و الكفارة، لأنّ مع النوم على ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم و يصير كالمتعمد للبقاء على الجنابة.

______________________________

(1) المعتبر 2: 655.

(2) المعتبر 2: 674.

(3) الشرائع 1: 190، النافع: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 280

حتى في قضائه، و إن كان مقتضى إطلاق صحيحتي ابن سنان المتقدّمتين في الفرع الأول من الأمر الخامس «1» بطلان القضاء، إلّا أنّ الظاهر من

صحّته في الأصل صحته في القضاء بالإجماع المركّب، و أمر الاحتياط واضح.

و أمّا الحكم الأول فهو مخصوص بشهر رمضان- لاختصاص الأخبار به- و قضائه، لإطلاق الصحيحتين.

و أمّا غيرهما- من الصيام الواجبة و المستحبّة- فليس كذلك، بل يصحّ الصوم مع النومة الثانية جنبا إلى الصبح، للأصل.

ب: ظاهر الروايات المتقدّمة احتساب نومة الاحتلام من النومتين

، لأنّها نوم، فيصدق على ما بعدها ما في الأخبار «2» من قوله: ثمَّ نام، أو: ينام حتى أصبح، أو: يصبح. و أمّا قوله في الصحيحة الأولى: يجنب أول الليل ثمَّ ينام «3»، فلا يفيد أنّ ذلك النوم بعد التيقّظ من نومة الاحتلام، بل يدلّ على أنّه بعد الجنابة، و لا شكّ أنّه يصدق على تتمّة النومة الأولى الواقعة بعد الاحتلام.

نعم، لو صادف الاحتلام التيقّظ- حتى لم يتأخّر شي ء من هذه النومة عن الجنابة- لم يحسب ذلك من النومة الاولى، و لا تدلّ صحيحة العيص الثانية المتقدّمة في الأمر الخامس من القسم الأول «4» إلّا على نفي البأس عن النومة المتعقّبة لنوم الاحتلام، لا على نفي القضاء.

الثالث: فعل المفطر و الفجر طالع باستصحاب بقاء الليل
اشاره

، فإنّ من

______________________________

(1) راجع ص: 248.

(2) راجع ص: 276.

(3) راجع ص: 276.

(4) راجع ص: 245.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 281

فعل ذلك لم يرتكب محرّما، و لا كفّارة عليه، و يجب عليه القضاء و إتمام اليوم إذا كان فعله من غير مراعاة الفجر، و إن كان معها فلا قضاء عليه، بلا خلاف في أكثر تلك الأحكام، بل على بعضها الإجماع في طائفة من عبارات الأصحاب «1».

و يدلّ على الأول: قوله سبحانه (حَتَّى يَتَبَيَّنَ) «2».

و رواية إسحاق: آكل في شهر رمضان بالليل حتى أشكّ، قال: «كل حتى لا تشكّ» الحديث «3».

و موثّقة سماعة: عن رجلين قاما فنظرا الى الفجر، فقال أحدهما: هو ذا، و قال الآخر: ما أرى شيئا، قال: «فليأكل الذي لم يستبن له الفجر» الحديث «4». مضافا إلى الأصل.

خلافا فيه للخلاف، فلم يجوّز فعل المفطر مع الشكّ في دخول الفجر «5»، قيل: لأدلّة وجوب القضاء، و الأمر بالإمساك في النهار، الذي هو اسم للنهار الواقعي، فيجب

و لو من باب المقدّمة «6».

و يردّ بمنع دلالة لزوم القضاء على منع الفعل، لعدم التلازم بينهما، و منع الأمر بالإمساك في النهار الواقعي، بل فيما تبيّن عند المكلّف أنّه النهار كما مرّ.

______________________________

(1) كما في الانتصار: 65، الخلاف 2: 175.

(2) البقرة: 187.

(3) التهذيب 4: 318- 969، الوسائل 10: 120 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 49 ح 1.

(4) الكافي 4: 97- 7، الفقيه 2: 82- 365، الوسائل 10: 119 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 48 ح 1.

(5) الخلاف 2: 175.

(6) انظر الرياض 1: 312.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 282

و منه يظهر الجواز مع ظنّ دخول الفجر أيضا ما لم يكن ظنّا معتبرا شرعا، كأذان الثقة.

نعم، يجب القضاء في جميع الصور ما لم يراع، كما يأتي.

و يدلّ على الثاني: الأصل السالم عن المعارض.

و على الثالث: المستفيضة، كحسنة معاوية، بل صحيحته: آمر الجارية أن تنظر طلع الفجر أم لا، فتقول: لم يطلع، فآكل، ثمَّ أنظره فأجده قد طلع حين نظرت، قال: «تتمّ يومك ثمَّ تقضيه، أما إنّك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك قضاؤه» «1». و لا يضرّ عدم دلالة قوله «يقضيه» على الوجوب مع دلالة مفهوم آخر الحديث عليه.

و صحيحة الحلبي: عن رجل تسحّر ثمَّ خرج من بيته و قد طلع الفجر و تبيّن، قال: «يتمّ صومه ذلك ثمَّ ليقضه، فإن تسحّر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر» الحديث «2».

و موثقة سماعة: عن رجل أكل و شرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان، فقال: «إن كان قام فنظر و لم ير الفجر فأكل ثمَّ عاد فنظر فرأى الفجر فليتمّ صومه و لا إعادة عليه، و إن كان قد قام

فأكل و شرب ثمَّ نظر إلى الفجر فليتمّ صومه و لا إعادة عليه، و إن كان قد قام فأكل و شرب ثمَّ نظر إلى الفجر فرأى أنّه قد طلع فليتمّ صومه و ليقض يوما آخر» «3».

______________________________

(1) الكافي 4: 97- 3، الفقيه 2: 83- 368 بتفاوت، التهذيب 4: 269- 813، الوسائل 10: 118 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 46 ح 1.

(2) الكافي 4: 96- 1، التهذيب 4: 269- 812، الاستبصار 2: 116- 379، الوسائل 10: 115 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44 ح 1.

(3) الكافي 4: 96- 2، الفقيه 2: 82- 366، التهذيب 4: 269- 811، الاستبصار 2: 116- 378، الوسائل 10: 115 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 283

و رواية عليّ بن أبي حمزة: عن رجل شرب بعد ما طلع الفجر و هو لا يعلم- في شهر رمضان- قال: «يصوم يومه ذلك و يقضي يوما آخر، و إن كان قضاء لرمضان في شوّال أو غيره فشرب بعد الفجر فليفطر يومه ذلك و يقضي» «1».

إلى غير ذلك، كصحيحة إبراهيم بن مهزيار «2»، و رواية العيص و الرضوي الآتيين «3».

و المذكور في تلك الروايات و إن كان الأكل و الشرب و الجماع، إلّا أنّه يتعدّى إلى غيرها من المفطرات بالإجماع المركّب، و إطلاقها يشمل ما لو كان الاستصحاب مع ظنّ بقاء الليل أو الشكّ.

و على الرابع- أي عدم وجوب القضاء مع مراعاة الفجر-: صريح الحسنة و الموثّقة المتقدّمتين، و بهما يقيّد إطلاق بعض آخر، مع أنّ الظاهر منه أيضا عدم المراعاة.

فروع:
أ: المراد بالمراعاة المسقطة للقضاء:

هو تفحّصه و نظره بنفسه، فلو أخلد إلى إخبار الغير أو القرائن- كآلات الساعة و

نحوها- لم يسقط القضاء، سواء كان المخبر واحدا أو كثيرا، لإطلاق النصوص.

و استوجه الثانيان و صاحبا المدارك و الذخيرة سقوط القضاء إن كان

______________________________

(1) الكافي 4: 97- 6، الوسائل 10: 115 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 45 ح 3.

(2) التهذيب 4: 318- 970، الوسائل 10: 115 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44 ح 2.

(3) في ص: 285، 286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 284

المخبر عدلين، لكونهما حجّة شرعيّة «1».

و زاد بعض متأخّري المتأخّرين فقال بالاكتفاء بالعدل الواحد «2»، للأصل، لاختصاص بعض الأخبار بإخبار الجارية، و بعض آخر بصورة عدم إخبار الغير، و دلالة الاستقراء على الاعتماد على القول الواحد.

و يردّ بمنع كون العدلين حجّة شرعيّة بالإطلاق، لعدم ما دلّ عليها كذلك، بل عدم فائدته لو كان أيضا، لأنّ كونهما حجّة شرعيّة لا ينافي وجوب القضاء معهما.

و أما القول بأنّه يخصّص بإخبار القضاء لو كان، فغير جيّد، لأنّ التعارض يكون حينئذ بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل.

و ممّا ذكر يظهر فساد إطلاق الاعتماد على العدل أيضا، و الاعتماد عليه أو عليهما في بعض الموارد لا يوجب التعدّي و لا يثبت استقراء.

و أمّا دعوى اختصاص الأخبار بصورة عدم إخبار الغير فممنوعة جدّا، بل يشمله و غيره مفهوما و منطوقا.

ب: المشهور في كلام الأصحاب

«3»- بل قيل: بلا خلاف أجده «4»- تقييد وجوب القضاء مع عدم المراعاة بصورة إمكانها، فلو لم يتمكّن منها- لحبس أو عمى- لم يجب عليه القضاء مع تركها و مصادفة المفطر للفجر.

و قيل: إنّ الأحوط القضاء حينئذ «5».

______________________________

(1) الشهيد الثاني في المسالك 1: 72، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 65، المدارك 6: 93، الذخيرة: 501.

(2) انظر الحدائق 13: 96.

(3) كما في الحدائق 13: 92.

(4)

كما في الرياض 1: 311.

(5) كما في الحدائق 13: 94.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 285

و هو كذلك، بل هو الأقوى، إلّا أن يكون إجماع على خلافه، لإطلاق الأخبار الدافع للأصل.

و دعوى اختصاص النصوص بصورة القدرة عليها- كما قيل «1»- ممنوعة، و استنادها إلى التبادر و غيره لا وجه له، إذ التبادر غير مفهوم، و المراد من غيره غير معلوم.

ج: لو علم عدم ترتّب أثر على المراعاة

- لغيم و نحوه- و مع ذلك قام و نظر و أفطر، يسقط القضاء قطعا، للإطلاقات.

و هل يسقط حينئذ مع ترك النظر أيضا، أم لا؟

نعم، لأنّ من المعلوم أنّ المقصود من النظر ظهور عدم تبيّن الفجر، و المفروض أنّه حاصل، و أيضا علّق عدم الإعادة في الموثّقة على عدم رؤية الفجر بعد النظر «2»، و هو يعلم أنّه كذلك، فلا أثر للنظر.

و الفرق بين تلك الصورة و صورة عدم القدرة على النظر: أنّ ثمرة النظر حاصلة هنا، و هي عدم ظهور الفجر، دون صورة عدم القدرة، إذ لو كان أمكن له النظر فلعلّ الفجر قد تبيّن.

د: لو أخبر بالطلوع، فظنّ كذبه و أكل من غير مراعاة

، ثمَّ ظهر صدقه، فالحكم كما ذكر بعينه، لما مرّ كذلك.

و تدلّ على خصوص المسألة صحيحة العيص: عن رجل خرج في رمضان و أصحابه يتسحّرون في بيت، فنظر إلى الفجر فناداهم، فكفّ بعضهم، و ظنّ بعضهم أنّه يسخر فأكل، قال: «يتمّ صومه و يقضي» «3».

______________________________

(1) في الرياض 1: 311.

(2) راجع ص: 282.

(3) الكافي 4: 97- 4، الفقيه 2: 83- 367 بتفاوت يسير، التهذيب 4:

270- 814، الوسائل 10: 118 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 47 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 286

و الرضوي: «و لو أنّ قوما مجتمعين سألوا أحدهم أن يخرج، ثمَّ قال:

قد طلع الفجر، و ظنّ أحدهم أنّه يمزح، فأكل و شرب، كان عليه قضاء ذلك اليوم» «1».

و استقرب الفاضل في المنتهى و التحرير و الشهيدان «2» و غيرهم «3» وجوب الكفّارة بإخبار العدلين، و نفى بعض مشايخنا البعد عنه بإخبار العدل أيضا «4».

و هو كذلك، بناء على ما ذكرنا في كتاب الصلاة من جواز التعويل- بل وجوبه- على إخبار العدل في دخول الوقت.

و لا

تنافيه الروايتان، لأنّ عدم ذكر الكفّارة فيهما لا يدلّ على العدم، مع أنّ المذكور فيهما ظنّ السخر و المزاح دون الخبر الواقعي، و إثبات الكفّارة في مثله مشكل، لأنّه ليس خبرا بدخول الوقت عنده، بل يزعم عدم إرادة المعنى الحقيقي من اللفظ.

ه: صرّح جماعة- منهم الفاضل «5» و غيره «6»- باختصاص الحكم المذكور بصوم شهر رمضان

، فلو تناول المفطر في غيره فسد صومه و أفطر يومه، واجبا كان معيّنا أو غير معيّن أو غير واجب، كان التناول قبل المراعاة أم بعده.

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 208، مستدرك الوسائل 7: 347 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 1.

(2) المنتهى 2: 578، التحرير 1: 80، الشهيد في الدروس 1: 273، الشهيد الثاني في المسالك 1: 72.

(3) الرياض 1: 311.

(4) انظر الحدائق 13: 97.

(5) في المنتهى 2: 577.

(6) كما في الرياض 1: 311.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 287

و هذا الحكم في غير الواجب المعيّن واضح، و الظاهر عدم خلاف فيه أيضا، لاختصاص جميع روايات الحكم المذكور بصوم شهر رمضان، أو ما يجب قضاؤه، و ليس شي ء من الواجب المطلق و المندوب كذلك، و عدم معلوميّة صدق الصوم عليه، بل هو ليس بصوم لغوي و لا عرفي البتّة. و أمّا الشرعي فصدقه غير معلوم، و صحّة الصوم شرعا في بعض ما ليس بالصومين- كالناسي و نحوه- لا توجب الاطّراد.

هذا، مضافا إلى التصريح به في صحيحة الحلبي «1»، و رواية ابن أبي حمزة «2»، و موثّقة إسحاق: يكون عليّ اليوم و اليومان من شهر رمضان فأتسحّر مصبحا، أفطر ذلك اليوم و أقضي مكان ذلك اليوم يوما آخر أو أتمّ على صوم ذلك اليوم و أقضي يوما آخر؟ فقال: «لا، بل تفطر ذلك اليوم، لأنّك أكلت مصبحا، و تقضي يوما آخر»

«3».

و جميع ذلك يشمل المراعي و غيره و لا مقيّد له، و ما يفرق بين المراعي و غيره مخصوص بغير ما ذكر.

و أمّا الواجب المعيّن- غير شهر رمضان- ففيه وجهان:

أحدهما: أنّه كالواجب المطلق، لاختصاص أكثر روايات المسألة- كموثّقة سماعة، و صحيحة ابن مهزيار، و صحيحة الحلبي، و رواية ابن أبي حمزة «4»، و صحيحة العيص «5»- بشهر رمضان، و إطلاق الصحيحة بلزوم الإفطار في التناول عند الفجر في غير رمضان.

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 282.

(2) المتقدمة في ص: 283.

(3) الكافي 4: 97- 5، الوسائل 10: 117 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 45 ح 2.

(4) المتقدّمة جميعا في ص: 282، 283.

(5) المتقدمة في ص: 285.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 288

و الثاني: أنّه كرمضان، لإطلاق الحسنة «1»، بل عمومها الناشئ من ترك الاستفصال، و رواية ابن أبي حمزة، على عطف قوله: «أو غيره» على قضاء رمضان، و لعدم معلوميّة الفساد شرعا و إن فسد عرفا و لغة، فيجب عليه الإمساك مع المراعاة، تحصيلا لامتثال الأمر القطعي الغير المعلوم فساده.

و لا يجب القضاء، لكونه بفرض جديد، و هو في المقام مفقود.

و لا يرد مثله في الواجب المطلق، بل الأمر فيه بالعكس، لأنّ أمره لعدم توقيته بوقت باق، فلا بدّ من الخروج عن العهدة، و لا يحصل بمثل هذا الصوم المشكوك في صحّته و فساده.

و الحقّ: هو الثاني.

لا لما مرّ من الإطلاق، لتعارض إطلاق الصحيحة مع إطلاق الحسنة بالعموم من وجه.

و القول بظهور صدر الصحيحة في عدم المراعاة، لأنّ وجوب القضاء في رمضان إنّما يترتّب على عدم المراعاة، فالكلام في عجزها جار على هذا الوجه أيضا، و مثله الكلام في رواية ابن أبي حمزة و ظهور الموثّقة

أيضا في عدم المراعاة كما قاله في الحدائق «2».

فاسد جدّا، لأنّ تخصيص جزء من الحديث بمخصّص خارجي لا يوجب تخصيص حكمه الآخر أصلا، و ظهور الموثّقة لا وجه له، فيحصل التعارض و يتحقّق التساقط.

بل لما أشير إليه أخيرا من عدم معلوميّة فساد صوم اليوم،

______________________________

(1) و هي حسنة معاوية المتقدمة في ص: 282.

(2) الحدائق 13: 94.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 289

و استصحاب وجوب امتثال الأمر، الدالّ على وجوب هذا اليوم المعيّن، و عدم دليل على القضاء مع عدم معلوميّة الفساد.

و لا يتوهّم دلالة إطلاقات فساد الصوم بتناول المفطرات بعد الفجر لمثل ذلك أيضا، فيفسد و يجب معه القضاء بأدلّته، إذ لم نعثر على مثل ذلك الإطلاق. نعم، ورد ذلك في صيام شهر رمضان.

و أمّا أمثال قوله: «لا يضرّ الصائم إذا اجتنب أربع خصال» «1» و قوله:

«الكذبة تفطر الصائم» «2» فلا دلالة لها، لإجمال وقت عدم الاجتناب و النقض، فلعلّه بعد تبيّن الفجر على الصائم، أو وقت كونه صائما، أو وجوب الصوم عليه فيه، و كلّ ذلك قبل ظهور الفجر عليه ممنوع.

نعم، لو قال: الكذبة بعد الفجر تنقض، أو: إذا لم يجتنب بعد الفجر أربع خصال يضرّ، لكان مفيدا، و أين مثل ذلك؟!

الرابع: الإفطار بظنّ دخول الليل عند جماعة «3»

، و لكنّ الأقوى عدم وجوب القضاء فيه.

و تفصيل الكلام: أنّ الصائم المفطر من جهة دخول الليل إمّا يكون عالما بدخول الليل، أو شاكّا فيه، أو ظانّا إيّاه.

فعلى الأول: لا إثم عليه، لتعبّده بعلمه. و لا قضاء و لا كفّارة و إن تبيّن خطأه، للأصل الخالي عن المعارض، حتى إطلاقات فساد الصوم بتناول المفطرات، لعدم ظهورها في مثل ذلك الشخص.

مضافا إلى فحوى ما يأتي من أدلّة انتفاء القضاء بالإفطار مع ظنّ

______________________________

(1) راجع

ص: 225.

(2) راجع ص: 251.

(3) انظر المنتهى 2: 578، و الرياض 1: 313.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 290

الليل، بل ظاهر صحيحة زرارة: «وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيته بعد ذلك و قد صلّيت أعدت الصلاة، و مضى صومك و تكفّ عن الطعام إن كنت قد أصبت منه شيئا» «1»، فإنّ المراد [إذا] «2» غاب بحسب علمك، و إلّا لم يكن معنى للرؤية بعده.

و على الثاني: يكون آثما، لعدم جواز نقض اليقين بالشكّ، و عليه القضاء مع ظهور الخطأ، أو استمرار الشكّ، كما عن الخلاف و الغنية و النهاية و الوسيلة و المنتهى و التذكرة «3»، بل عن الأولين الإجماع عليه، لإطلاقات وجوب القضاء بتناول المفطرات في نهار رمضان متعمّدا، و المفروض منه، لأنّه نهار شرعا.

بل الظاهر وجوب الكفّارة أيضا، لما ذكر بعينه.

خلافا للمنتهى، حيث قوّى انتفاءها بعد ما تردّد أولا «4»، للأصل، و لعدم الهتك و الإثم.

و الأول مدفوع بما مرّ. و الثاني بمنع عدمهما أولا، و منع الملازمة ثانيا.

و أمّا ما في كلام كثير من الأصحاب- من نفي القضاء و الكفّارة بإفطار للظلمة الموهمة- فالمراد منها: الموجبة للظنّ، كما فسّره في الروضة «5» و غيره «6». و السرّ في تخصيصها بالذكر- مع ذكر الإفطار بظنّ الغروب

______________________________

(1) الفقيه 2: 75- 327، التهذيب 4: 271- 818، الاستبصار 2: 115- 376، الوسائل 10: 122 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 1.

(2) في النسخ: و قد، و الصحيح ما أثبتناه.

(3) الخلاف 2: 175، الغنية (الجوامع الفقهية): 571، النهاية: 155، الوسيلة:

143، المنتهى 2: 579، التذكرة 1: 263.

(4) المنتهى 2: 579.

(5) الروضة 2: 93.

(6) كالحدائق 13: 104.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 291

مطلقا- ورودها

في الأخبار، حيث ورد فيها: «الإفطار لغيم و نحوه» «1».

و لو ظهر الصواب مع الإفطار في الشكّ يصحّ صومه و لا شي ء عليه، كما نصّ عليه في التذكرة «2»، للأصل، و ظهور عدم صدق الإفطار في النهار الواقعي، فيكون نقضا لليقين باليقين الطارئ، و عدم ظهور إطلاقات القضاء و الكفّارة في مثل ذلك.

و الفرق- بين ذلك و بين ما لو صلّى في الوقت مع الشكّ في دخوله، و إلى القبلة من غير اجتهاد ممكن مع الشكّ فيها- ظاهر، لأنّ ابتداء العبادة فيهما وقع في حال الشكّ فمنع الانعقاد، و انعقدت هنا على الصحّة، و الشكّ في أنّه هل طرأ المفسد ثمَّ تبيّن عدمه.

و على الثالث: فمع تبيّن الصواب لا شي ء عليه، لما مرّ، و لفحوى ما يأتي من أدلّة نفي القضاء مع تبيّن الخطأ.

و مع تبيّن الخطأ ففيه وجوه، بل أقوال:

وجوب القضاء مطلقا، نسبه في الدروس إلى الأشهر «3»، و كذا عن التذكرة «4»، و يظهر من الحدائق أنّه مختار السيّد و المفيد و الحلبي و المنتهى و المعتبر، حيث نسب إليهم القول بالوجوب مع خطأ الظنّ إذا لم يكن طريق له إلى العلم «5».

لأصالة بقاء النهار مع مطلقات وجوب القضاء، و موثّقة سماعة: في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس فرأوا

______________________________

(1) انظر الوسائل 10: 122 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51.

(2) التذكرة 1: 263.

(3) الدروس 1: 273.

(4) التذكرة 1: 263.

(5) الحدائق 13: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 292

أنّه الليل فأفطر بعضهم، ثمَّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس طلعت، فقال:

«على الذي أفطر صيام ذلك اليوم، إنّ اللّه عزّ و جل يقول (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ)، فمن أكل

قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه، لأنّه أكل متعمدا» «1».

و عدمه كذلك، و هو في المحكيّ عن الدروس و التذكرة القول الآخر «2»، للأصل، و المستفيضة، كصحيحتي زرارة، إحداهما مرّت «3»، و الأخرى: رجل ظنّ أنّ الشمس قد غابت فأفطر ثمَّ أبصر الشمس بعد ذلك، قال: «ليس عليه قضاء» «4».

و روايتي الكناني و الشحّام، الاولى: عن رجل صام ثمَّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت و في السماء غيم، فأفطر، ثمَّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب، فقال: «قد تمَّ صومه و لا يقضيه» «5»، و الثانية قريبة منها أيضا «6».

و التفصيل بالقضاء مع عدم المراعاة الممكنة، و عدمه مع المراعاة أو عدم الإمكان، اختاره في اللمعة «7»، و حكي عن المبسوط و الاقتصاد و الجمل و الفقيه و السرائر و الوسيلة و المعتبر و المنتهى و التحرير و القواعد

______________________________

(1) الكافي 4: 100- 1، التهذيب 4: 270- 815، الاستبصار 2: 115- 377، الوسائل 10: 121 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 50 ح 1، و الآية: البقرة: 187.

(2) الدروس 1: 273، التذكرة 263.

(3) في ص: 290.

(4) التهذيب 4: 318- 968، الوسائل 10: 123 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 2.

(5) الفقيه 2: 75- 326، التهذيب 4: 270- 816، الاستبصار 2: 115- 374، الوسائل 10: 123 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 3.

(6) الفقيه 2: 75- 328، التهذيب 4: 271- 817، الاستبصار 2: 115- 375، الوسائل 10: 123 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 4.

(7) اللمعة (الروضة 2): 92.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 293

و التبصرة و الإرشاد و الجامع «1».

أمّا وجوب القضاء مع عدم المراعاة الممكنة، فللتفريط في

ترك الاستصحاب، و فحوى ما دلّ على وجوبه حينئذ، و إطلاق الموثّقة، و عموم ما دلّ في طرف الفجر على وجوبه بفعل أحد أسبابه في النهار و لو شرعا.

و أمّا الثاني، فلأنّ المرء متعبّد بظنّه حيث لا سبيل له إلى العلم، و الأصل، لعدم دليل على وجوب القضاء حينئذ، لاختصاص كثير ممّا دلّ عليه من التفريط و الفحوى و نحوهما بصورة القدرة على المراعاة، و لإطلاق الصحيحين و الخبرين، بل خصوص الأخيرين، لعدم إمكان المراعاة مع تراكم السحاب، و عدم ترتّب أثر عليها.

و بالقضاء مع الظنّ الحاصل من غير جهة الظلمة الموجبة لظنّ الليل- مطلقا، كجماعة. أو مع عدم المراعاة، كآخرين «2». أو إلّا إذا كان حاصلا من إخبار العدلين، كالمحقّق الثاني «3»- و عدمه مع الظنّ الحاصل من جهتها.

و لا يبعد اتّحاد ذلك مع التفصيل، حيث إنّ مع الظلمة الكذائيّة لا سبيل إلى المراعاة و تحصيل العلم غالبا، و سبب تخصيصها بالذكر عليه وقوعها و ورودها في بعض الأخبار و إن لم يكن كذلك، فيكون التفصيل بذلك لما ذكر من تعرّض الأخبار له، فذكروا الظلمة و جعلوها قسمين:

______________________________

(1) المبسوط 1: 271، الاقتصاد: 288، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 213، الفقيه 2: 75- 327، السرائر 1: 374، الوسيلة: 143، المعتبر 2: 677، المنتهى 2: 578، التحرير 1: 80، القواعد 1: 64، التبصرة: 53، الإرشاد 1:

296، الجامع للشرائع: 157.

(2) كما في الروضة 2: 93.

(3) في جامع المقاصد 3: 65.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 294

الموهمة لليل- أي الموجبة للوهم بمعنى الشكّ- و الموجبة للظنّ، و جعلوا القضاء في الأول واجبا دون الثاني، و من نفى القضاء في الموهمة مطلقا فمراده الموجبة للظنّ، فإنّ مثل الاستعمالين

شائع في التراكيب جدّا.

و بالجملة: دليل القضاء في الأول ما مرّ دليلا للقول الأول، مع ادّعاء نفي الخلاف فيه مع عدم المراعاة الممكنة.

و دليل عدمه في الثاني: بعض الأخبار المتقدّمة «1».

أقول: أمّا القول الأول، فيرد على دليله الأول: أنّه إنّما يتمّ لو لا النصوص المذكورة المقيّدة للمطلقات.

و على الثاني: عدم وضوح دلالته، إذ ليس فيه إلّا الأمر بصيام ذلك اليوم، و يمكن المراد إتمامه دفعا لتوهّم أنّ ذلك الإفطار مبيح له بعد ظهور الخطأ أيضا.

و لا ينافيه الاستدلال بالآية الكريمة، بل يؤكّده، لدلالتها على وجوب الإمساك إلى الليل مطلقا، أكل في الأثناء أم لا.

و كذا قوله عليه السّلام: «فمن أكل» إلى آخره، فإنّه يمكن أن يكون ابتداء لحكم آخر، بل قوله في تعليله: «لأنّه أكل متعمّدا» يؤكّد إرادة ما ذكرناه، و إلّا فالأكل بظنّ الغروب ليس أكلا متعمّدا كما لا يخفى.

و لو سلّمنا الدلالة فيعارض النصوص المتعقّبة لها، فمع أنّها أخصّ من الموثق «2»- لاختصاصها بالظنّ و شمول قوله: رأوا، في الموثق كما قيل «3» للشكّ أيضا- مرجوح بالنسبة إليها، باعتبار الموافقة للعامّة كما في المنتهى «4».

______________________________

(1) في ص: 290.

(2) و هو موثقة سماعة، المتقدّمة في ص: 291.

(3) انظر المختلف: 224.

(4) المنتهى 2: 578.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 295

و أمّا القول الثاني، فمع عدم صراحة صحيحته الاولى- لاحتمال إرادة بطلان الصوم من مضيّه، و كونها بعمومها الشامل لصور الوهم و الشكّ و الظنّ شاذّة، لعدم قائل بسقوط القضاء في الأوليين، و اختصاص الروايتين بصورة وجود الغيم، فلم تبق إلّا الصحيحة الثانية، المعارضة للموثّق المتقدّم، المرجوحة عنه بأحدثيّة الموثّق و إن رجّحت بالمخالفة المحكيّة للعامّة- يرد عليها: أنّها بإطلاقها- الشامل لجميع أسباب الظنّ مع

إمكان تحصيل العلم أو المراعاة و عدمها- مخالفة للشهرة العظيمة، بل للإجماع، فلا تكون حجّة.

و أمّا القول الثالث، فيرد على دليله الأول على جزئه الأول: أنّ مقتضى التفريط الإثم دون القضاء.

و على دليله الثاني عليه: منع الأولويّة، لوجود الفارق، حيث إنّ ترك الاستصحاب و العمل بظنّ الفجر في الأصل بدون المراعاة كان يوجب طروّ المفسد في كثير من الصيام، بخلافه في طرف الغروب، لانّه أندر وقوعا بالنسبة إلى الأول كثيرا، و المنع عن حصول اليقين في الأول مطلوب، و طرفه عديدة، فيسهل تناول المفطرات في مبادئ الفجر لأكثر الناس، بخلاف الثاني.

و على دليله الثالث عليه: ما مرّ من قصور دلالة الموثّقة.

و على دليله الرابع عليه: أنّ العموم لا يفيد مع وجود المخصّص كالصحيحين و الخبرين، حيث إنّ مقتضاها انتفاء القضاء مع الظنّ الحاصل بسبب الغيم و لو فرض إمكان المراعاة معه.

نعم- بناء على ما قلنا من اتّحاد القولين و عدم إمكان المراعاة مع الغيم أيضا- تتمّ دلالة العمومات على ذلك الجزء، لعدم مخصّص له مع إمكان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 296

المراعاة، سوى إحدى الصحيحتين المردود إطلاقها بالشذوذ و مخالفة الشهرة.

و على دليله الأول على جزئه الثاني: منع تعبّد المرء بظنّه مع سدّ باب العلم أولا، و منع سدّه ثانيا، لحصوله بالصبر، و عدم دليل على وجوب الصبر كما قيل، و استلزامه الحرج مردود بأنّ وجوب تحصيل العلم هو الدليل.

و على دليله الثاني: أنّ بعض أدلّة وجوب القضاء و إن لم يجر في المورد إلّا أن دليله التامّ- و هو العمومات- جارية فيه.

و على دليله الثالث: أنّ غير إحدى الصحيحتين أخصّ من المطلوب. نعم، تتمّ دلالة الصحيحة و لا شذوذ فيها مع هذا القيد.

و

أمّا القول الرابع، فيظهر ما في دليله على الجزء الأول ممّا مرّ.

نعم، لا اعتراض على جزئه الأخير.

ثمَّ ظهر من جميع ما ذكر حقّ المحاكمة بين هذه الأقوال، و أنّ القول الفصل هو وجوب القضاء مع ترك المراعاة الممكنة و عدم السحاب الموجب لظنّ الليل، و عدمه مع المراعاة أو عدم إمكانها أو وجود السحاب المذكور.

أمّا الأول، فللعمومات الخالية عن المعارض، سوى الصحيحة المردودة في المورد بالشذوذ، و مخالفة الشهرة، و المعارضة للموثّقة- بل الصحيحة- بسند آخر «1» في خصوص الظنّ الحاصل بالسحاب، المتعدّي إلى غيره بالإجماع المركّب، المساوية لها في وجوه المرجّحات، الموجب للرجوع إلى العمومات، و إن أمكن ردّ ذلك بأنّ معارضة الموثقة مع

______________________________

(1) المتقدمين في ص 290، 291.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 297

الخبرين المساويين لها في الأحدثيّة الراجحين عليها بمخالفة العامّة أوجبت طرحها، و معه لا يفيد الإجماع المركّب.

و أمّا الثاني، فللصحيحة المذكورة «1»، الخالية عن الشذوذ في المورد، الموجبة لتخصيص العمومات، و للصحيحة الأخرى «2»، مع الخبرين «3» في الظنّ الحاصل بالسحاب. هذا كلّه، مع الموافقة للأصل، و الاعتضاد بالشهرة العظيمة.

و منها تفصيل آخر لا دليل عليه أصلا، و هو إيجاب القضاء مع الظنّ الضعيف و نفيه مع القوي، حكي عن الشيخ الحرّ في وسائله «4».

و هو أحد احتمالات كلام الحلّي، حيث قال ما ملخّصه: و من ظنّ أنّ الشمس قد غابت و لم يغلب على ظنّه ذلك، ثمَّ تبيّن الشمس، فالواجب عليه القضاء، و ان كان مع ظنّه غلبة قويّة فلا شي ء عليه، فإن أفطر لا عن أمارة و لا ظنّ فيجب عليه القضاء و الكفّارة «5». انتهى.

و على هذا الاحتمال حمل كلامه في المسالك.

و الاحتمال الآخر: أن يكون

مراده من الظنّ: الشكّ، و استعماله بمعناه في اللغة و العرف معروف، و يكون مراده بغلبة ظنّه: الرجحان، الذي هو الظنّ بالمعنى المعروف.

و الاحتمال الثالث: أن يكون الظنّ بمعنى: الخاطر، و هو أيضا معروف لغة، و هو المراد حين يقال: غلب على ظنّه.

______________________________

(1) و هي صحيحة زرارة، المتقدمة في ص: 290.

(2) و هي صحيحة زرارة الأخرى، المتقدمة في ص: 292.

(3) و هما روايتا الكناني و الشحام، المتقدمتان في ص: 292.

(4) حكاه عنه في الحدائق 13: 104، و هو في الوسائل 10: 122.

(5) السرائر 1: 377.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 298

و من ذلك يظهر ضعف ما في المختلف من تشنيعه على الحلّي في كلامه ذلك، و جعله مضطربا غايته «1».

تتميم: يستحبّ للصائم الإمساك عن أمور:
منها: مضغ العلك

كما مرّ.

و منها: إيصال الغبار إلى الحلق

، للخروج عن شبهة الخلاف، و لما مرّ من بعض ما استدلّوا به على تحريمه المحمول على الكراهة.

و منها: السعوط مطلقا

، تعدّى إلى الحلق أم لا، وفاقا للجمل و الخلاف و النهاية و السيّد و النافع و ظاهر المدارك «2» و غيرها «3»، بل محتمل المقنع و الإسكافي- لنفيهما البأس عنه، الذي هو العذاب «4»- بل للمشهور كما في المدارك و الذخيرة «5»، لروايتي ليث و غياث:

الاولى: عن الصائم يحتجم و يصبّ في اذنه الدهن؟ قال: «لا بأس، إلّا السعوط، فإنّه يكره» «6».

و الثانية: «أنّه كره السعوط للصائم» «7».

و الرضوي: «لا يجوز للصائم أن يقطر في اذنه شيئا و لا يسعط» «8».

______________________________

(1) المختلف: 224.

(2) المدارك 6: 128.

(3) كالشرائع 1: 195.

(4) المقنع: 60، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 221.

(5) المدارك 6: 128، الذخيرة: 505.

(6) الكافي 4: 110- 4، التهذيب 4: 204- 592، الوسائل 10: 43 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 7 ح 1.

(7) التهذيب 4: 214- 623، الوسائل 10: 44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 7 ح 2.

(8) فقه الرضا «ع»: 212، مستدرك الوسائل 10: 333 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 299

خلافا لمحتمل المقنع و الإسكافي، فجوّزاه بلا كراهة «1»، للأصل المندفع بما مرّ.

و للفقيه و الحلّي و المفيد و الديلمي و القاضي و ابن زهرة و الحلبي، فحرّموه بلا قضاء و كفّارة كالأولين «2»، أو معهما كالثالث و الرابع «3»، بل قوم من أصحابنا كما حكاه السيّد «4»، أو مع الأول خاصّة كالباقين «5».

لأنّه إيصال شي ء مفطر إلى الدماغ، الذي هو من الجوف.

و لاستثناء السعوط في رواية ليث عن عدم البأس، الذي هو العذاب.

و إثبات

الكراهة في الروايتين، و هي في عرف القدماء تصدق على الحرمة.

و نفي الجواز في الرضوي.

و الأول مردود: بمنع كون مطلق إيصال الشي ء إلى مطلق الجوف مفطرا، و إنّما الإيصال بالأكل و الشرب إلى الحلق أو المعدة.

و الثاني: بأنّ الكراهة و إن كانت صادقة على الحرمة لغة و عرفا قديما، إلّا أنّ استعمالها في خصوصها مجاز، و هو ليس بأولى من إرادة المجاز من البأس.

و منه يظهر ردّ الثالث أيضا.

و الرابع: بالضعف الخالي عن الجابر، مضافا إلى احتمال عطف قوله:

______________________________

(1) المقنع: 60، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 221.

(2) الفقيه 2: 69، و انظر السرائر 1: 378.

(3) المفيد في المقنعة: 344، و الديلمي في المراسم: 98.

(4) جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى 3): 54.

(5) القاضي في المهذب 1: 192، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 571، و الحلبي في الكافي في الفقه: 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 300

«و لا يسعط» على قوله: «لا يجوز».

و للمبسوط و الشرائع «1»، بل جملة من الأصحاب كما قيل، ففرّقوا بين غير المتعدّي إلى الحلق فالأول، للأصل، و التعدّي فالثاني، للإيصال إلى الحلق.

و جوابه ظاهر، إذ لا دليل على البطلان بمطلق الإيصال إلى الحلق، بل ينفي الحرمة مطلقا حصر: «ما يضرّ الصائم» «2» في خصال ليس منه، و فحوى ما دلّ على كراهة الاكتحال بما له طعم يصل إلى الحلق، و عموم التعليل في جملة من النصوص على جواز الاكتحال بأنّه ليس بطعام و لا شراب.

و منها: النساء تقبيلا و لمسا و ملاعبة

، إجماعا في الجملة.

و هل هي مكروهة مطلقا، أو للشابّ دون الشيخ، أو لذوي الشهوة و من يحرّك ذلك شهوته دون غيره؟

فيه أقوال، أشهرها: الأخير، بل عليه الإجماع في المنتهى و التذكرة «3».

دليل

الأول: رواية الأصبغ: اقبّل و أنا صائم، فقال له: «عف صومك، فإنّ بدو القتال اللطام» «4».

و أبي بصير: «و المباشرة ليس بها بأس و لا قضاء يومه، و لا ينبغي له أن يتعرّض لرمضان» «5» أي لا تحرم المباشرة و لكنّها مكروهة، لحرمة رمضان.

______________________________

(1) المبسوط 1: 272، الشرائع 1: 195.

(2) الفقيه 2: 67- 276، الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1.

(3) المنتهى 2: 581، التذكرة 1: 265.

(4) التهذيب 4: 272- 822، الاستبصار 2: 82- 252، الوسائل 10: 100 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 15.

(5) التهذيب 4: 272- 824، الاستبصار 2: 83- 254، الوسائل 10: 128 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 55 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 301

و المرويّ في قرب الإسناد: عن الرجل هل يصلح له أن يقبّل أو يلمس و هو يقضي شهر رمضان؟ قال: «لا» «1»، و مثله المرويّ في كتاب عليّ بن جعفر «2».

و دليل الثاني: صحيحة الحلبي: عن الرجل يمسّ من المرأة شيئا أ يفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال: «إنّ ذلك ليكره للرجل الشابّ مخافة أن يسبقه المني» «3».

و مرسلة الفقيه: روى عبد اللّه بن سنان عنه رخصة للشيخ في المباشرة «4».

و صحيحة منصور: ما تقول في الصائم يقبّل الجارية و المرأة؟ فقال:

«أمّا الشيخ الكبير مثلي و مثلك فلا بأس، و أمّا الشاب الشبق فلا، فإنّه لا يؤمن» الحديث «5».

حجّة الثالث: قوله: «و أمّا الشاب الشبق» في الأخيرة، و العلّتان المنصوصتان في الصحيحين من جهة تحقّق المخافة و عدم الأمن في ذي الشهوة.

و صحيحة زرارة و محمّد: هل يباشر الصائم أو يقبّل في شهر رمضان؟ فقال: «إنّي أخاف

عليه، فليتنزّه عن ذلك، إلّا أن يثق أن لا يسبقه منيّه» «6»، حيث إنّ ذي الشهوة لا يكون واثقا، و غيره واثق البتّة.

و المرويّ في كتاب عليّ: عن المرأة هل يحلّ لها أن تعتنق الرجل في

______________________________

(1) قرب الإسناد: 232- 909، الوسائل 10: 99 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 11.

(2) مسائل علي بن جعفر: 150- 195، الوسائل 10: 101 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 20.

(3) الكافي 4: 104- 1، الوسائل 10: 97 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 1.

(4) الفقيه 2: 71- 306، الوسائل 10: 99 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 8.

(5) الكافي 4: 104- 3، الوسائل 10: 97 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 3.

(6) التهذيب 4: 271- 821، الاستبصار 2: 82- 251، الوسائل 10: 100 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 302

شهر رمضان و هي صائمة، فتقبّل بعض جسده من غير شهوة؟ قال: «لا بأس» «1».

و عن الرجل هل يصلح له و هو صائم في رمضان أن يقلب الجارية فيضرب على بطنها و فخذها و عجزها؟ قال: «إن لم يفعله ذلك بشهوة فلا بأس، و أمّا الشهوة فلا يصلح» «2».

و رواية رفاعة: عن رجل لامس جاريته في شهر رمضان فأمذى؟

قال: «إن كان حراما فليستغفر اللّه استغفار من لا يعود أبدا و يصوم يوما مكان يوم، و إن كان من حلال فليستغفر اللّه، و لا يعود، و يصوم يوما مكان يوم» «3»، فإنّ ترتّب الإمذاء عليه ليس إلّا لحركة الشهوة.

أقول: لا يخفى أنّ شيئا من روايات القولين الأخيرين لا يصلح لإثبات الكراهة في

فرد، و لا لنفيها عنه.

أمّا الأولى، فلأعمّية لفظ الكراهة عن الحرمة، و إنّما ثبتت الكراهة المصطلحة بها فيما ثبتت بضميمة الأصل، و هو هنا غير جار، لما يأتي من حرمة المباشرة لمن يخاف على نفسه.

و أمّا الثانية، فظاهرة، لأعميّة الرخصة من الكراهة و الإباحة.

و أمّا الثالثة، فلمثل ما مرّ في الأولى، فإنّ قوله: «فلا» يحتمل الحرمة أيضا، و نفي البأس عن مثلهما يستلزم نفي الحرمة، لأنّ البأس هو العذاب و الشدّة.

و أمّا الرابعة، فلأنّ مقتضى الأمر فيها إثبات الحرمة في غير الواثق،

______________________________

(1) مسائل علي بن جعفر: 110- 21، الوسائل 10: 101 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 18.

(2) مسائل علي بن جعفر: 116- 48، الوسائل 10: 102 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 19.

(3) الفقيه 2: 71- 299، التهذيب 4: 272- 825، الاستبصار 2: 83- 255، الوسائل 10: 129 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 55 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 303

و مقتضى الاستثناء انتفاؤها في الواثق.

و أمّا الخامسة، فلأنّ نفي البأس عمّن لم يفعل بشهوة ينفي الحرمة، و إثبات عدم الصلاح لمن فعل بشهوة يثبتها، لأنّ ضدّ الصلاح الفساد.

و أمّا السادسة، فظاهرة.

و على هذا، فيظهر عدم دليل للقولين الأخيرين، و وجوب رفع اليد عنهما، فيبقى الأول، و لكن يجب تقييده بما لم تثبت فيه الحرمة، و لكنّها ثابتة فيما خاف من الإنزال و لم يكن واثقا بنفسه، فإنّه يحرم حينئذ على الأظهر، كما هو أحد القولين على ما ذكره في المنتهى «1»، للأمر بالتنزّه في صحيحة محمّد و زرارة، و مرسلة الفقيه: عن الرجل يلصق بأهله في شهر رمضان؟

قال: «ما لم يخف على نفسه فلا بأس» «2»،

دلّت بالمفهوم على البأس- الذي هو العذاب- مع الخوف و لا ينافيه قوله: «يكره» في صحيحة الحلبي، لأنّه أعمّ من الحرمة، و على ذلك يحمل الأمر بالاستغفار في رواية رفاعة، حيث إنّ الإمذاء لا ينفكّ عن عدم الوثوق.

و منها: جلوس المرأة في الماء

على الأظهر الأشهر، للشهرة، و موثّقة حنّان: عن الصائم يستنقع في الماء؟ قال: «لا بأس، و لكن لا يغمس فيه، و المرأة لا تستنقع في الماء، لأنّها تحمل الماء بفرجها» «3».

خلافا للمحكيّ عن الديلمي و الحلّي و ابن زهرة و القاضي «4»، و ظاهر

______________________________

(1) المنتهى 2: 581.

(2) الفقيه 2: 71- 300، الوسائل 10: 98 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 6.

(3) الكافي 4: 106- 5، الفقيه 2: 71- 307 بتفاوت يسير، التهذيب 4:

263- 789، الوسائل 10: 37 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 6.

(4) الديلمي في المراسم: 98، لم نعثر عليه في السرائر و هو موجود في الكافي للحلبي:

183، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 571، القاضي في المهذب 1: 192.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 304

الفقيه «1»، و محتمل المقنعة «2»، فحرّموه، إمّا مع القضاء كالأولين، أو مع الكفّارة كالمتعقّبين لهما، أو بدونهما كالباقين، للموثّقة في الحرمة، و لعدم اتّجاه التعليل المذكور فيها لو لا الإفساد الموجب للقضاء أوله و للكفّارة فيهما، بل تصريحه بأنّه يوصل الجوف و هو مفسد، مضافا في الثلاثة إلى الإجماع المدّعى في الغنية.

و يضعّف الكلّ بضعف دلالة الموثّقة- لمكان الجملة الخبريّة- على الحرمة، و كفاية الكراهة في توجيه التعليل، حيث إنّه موجب لرفع العطش المطلوب في الصوم، و منع كلّ إيصال إلى الجوف و لو مع عدم صدق الأكل و الشرب مفسدا، و عدم حجّيّة الإجماع

المنقول.

و لا يكره ذلك من الرجل و لا من الخنثى و المجبوب، للأصل الخالي عن المعارض، بل المقارن للمؤيّد كما مرّ.

و منها: السواك بالرطب

، وفاقا للمحكيّ عن الشيخ و العماني و ابن زهرة و المدارك «3»، بل جماعة من متأخّري المتأخّرين كما قيل «4»، للمعتبرة:

كصحيحة الحلبي: عن الصائم يستاك بالماء؟ قال: «لا بأس به»، و قال: «لا يستاك بسواك رطب» «5».

و ابن سنان: «كره للصائم أن يستاك بسواك رطب» «6».

______________________________

(1) الفقيه 2: 71- 307.

(2) المقنعة: 356.

(3) الشيخ في النهاية: 156، حكاه عن العماني في المختلف: 223، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 571، المدارك 6: 74.

(4) الرياض 1: 308.

(5) الكافي 4: 112- 2، التهذيب 4: 323- 992، الوسائل 10: 84 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 10.

(6) الكافي 4: 112- 3، التهذيب 4: 263- 787، الاستبصار 2: 92- 294، الوسائل 10: 85 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 305

و موثّقة الساباطي: في الصائم ينزع ضرسه؟ قال: «لا، و لا يدمي فاه، و لا يستاك بعود رطب» «1».

و محمّد: «يستاك الصائم أيّ النهار شاء، و لا يستاك بعود رطب» «2».

و رواية أبي بصير: «لا يستاك الصائم بعود رطب» «3».

خلافا للمشهور، فلا يكره، بل يستحبّ، و عن المنتهى: أنّه مذهب علمائنا أجمع إلّا العماني «4»، للأصل، و الحصر، و عمومات السواك «5»، و خصوص المستفيضة المجوّزة للسواك بقول مطلق للصائم بقوله: «يستاك»، كصحيحة ابن سنان «6»، و موثّقة محمّد «7»، و روايتي أبي بصير «8» و أبي الجارود «9». أو النافية للبأس عن السواك بالعود الرطب، كصحيحة الحلبي «10»،

______________________________

(1) الكافي 4: 112- 4، الفقيه 2: 70- 294 و

فيه بنقص، الوسائل 10: 85 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 12.

(2) التهذيب 4: 262- 785، الاستبصار 2: 91- 292، الوسائل 10: 84 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 8.

(3) التهذيب 4: 262- 786، الاستبصار 2: 92- 293، الوسائل 10: 84 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 7.

(4) المنتهى 2: 568.

(5) الوسائل 2: أبواب السواك ب 1 و 2 و 3.

(6) التهذيب 4: 261- 780، الوسائل 10: 82 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 1.

(7) التهذيب 4: 262- 784، الوسائل 10: 83 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 6.

(8) التهذيب 4: 262- 781، الوسائل 10: 82 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 2.

(9) التهذيب 4: 262- 783، الوسائل 10: 83 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 5.

(10) التهذيب 4: 262- 782، الاستبصار 2: 91- 291، الوسائل 10: 83 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 306

و خصوص رواية الرازي: عن السواك في شهر رمضان؟ قال: «جائز»- إلى أن قال-: فقال: ما تقول في السواك الرطب يدخل رطوبته في الحلق؟

فقال: «الماء للمضمضة أرطب من السواك الرطب» «1».

و نحوها المرويّ في قرب الإسناد عن عليّ عليه السّلام، و في آخره: «فقال علي عليه السّلام: فإن قال قائل: لا بدّ من المضمضة لسنّة الوضوء، قيل له: فإنّه لا بدّ من السواك للسنّة التي جاء بها جبرئيل» «2».

و بما مرّ يدفع الأصل، و يقيّد الحصر، و يخصّص العموم، كما أنّ به تخصّص أيضا بغير الرطب مطلقات مجوّزات السواك للصائم، مع أنّها غير دالّة إلّا على الجواز الغير

المنافي للكراهة، كما أنّ نفي البأس- الذي هو العذاب- في صحيحة الحلبي الأخيرة لا ينافيها أيضا.

و ممّا ذكر يعلم عدم منافاة إثبات الجواز في الروايتين الأخيرتين لها أيضا، بل و كذا قوله فيهما: «الماء للمضمضة أرطب»، لأنّ القائل استدرك دخول الرطوبة في الحلق، فتوهّم منه نفي الجواز الثابت أولا، فردّ عليه السّلام عليه بما ردّ، و قال: إنّ دخول الرطوبة لا ينفي الجواز، لوجوده في المضمضة.

نعم، في قوله في الذيل: «فإن قال قائل» إلى آخره، دلالة على انتفاء الكراهة، بل ثبوت الاستحباب، إلّا أنّه لا يثبته إلّا في مطلق السواك، فإنّه الذي سنّه جبرئيل، و لذا أطلق الإمام عليه السّلام أيضا، فيجب التخصيص،

______________________________

(1) التهذيب 4: 263- 788 بتفاوت يسير، الاستبصار 2: 92- 295، الوسائل 10: 83 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 4.

(2) قرب الإسناد: 89- 297، الوسائل 10: 86 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 307

فتأمّل، مع أنّه على الدلالة أيضا لا يقاوم ما مرّ، لأكثريّته و أصحيته و أصرحيّته. و نقل الكراهة عن أحمد «1» لا يجعله موافقا للعامّة فتدبّر.

و منها: الاكتحال

، فيكره مطلقا و إن اشتدّت فيما فيه مسك أو طعم يجده في الحلق، و لا يحرم.

أمّا عدم الحرمة، فبالإجماع، و الأصل، و الحصر، و الأخبار النافية للبأس عن مطلق الاكتحال، كصحيحتي محمّد «2» و عبد الحميد «3»، و مرسلة سليم «4»، و روايات عبد اللّه بن ميمون «5» و ابن أبي يعفور «6» و غياث بن إبراهيم «7».

و أمّا الكراهة مطلقا، فللأخبار الناهية عن مطلقه، كصحيحتي الأشعري «8» و الحلبي «9»، و رواية الحسن بن عليّ «10»، و هي واردة بالجملة

______________________________

(1)

انظر المغني لابن قدامة 3: 45.

(2) الكافي 4: 111- 1، التهذيب 4: 258- 765، الاستبصار 2: 89- 278، الوسائل 10: 74 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 1.

(3) التهذيب 4: 259- 767، الاستبصار 2: 89- 280، الوسائل 10: 76 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 7.

(4) الكافي 4: 111- ذ. ح 1، الوسائل 10: 74 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 1.

(5) التهذيب 4: 260- 775، الاستبصار 2: 90- 288، الوسائل 10: 75 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 4.

(6) التهذيب 4: 258- 766، الاستبصار 2: 89- 279، الوسائل 10: 75 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 6.

(7) التهذيب 4: 214- 622، الوسائل 10: 76 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 10.

(8) الكافي 4: 111- 2، الوسائل 10: 75 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 3.

(9) التهذيب 4: 259- 769، الاستبصار 2: 89- 282، الوسائل 10: 76 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 9.

(10) التهذيب 4: 259- 768، الاستبصار 2: 89- 281، الوسائل 10: 76 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 308

الخبريّة فلا تفيد أزيد من الكراهة.

و أمّا شدّتها مع أحد الوصفين، فلصحيحة محمّد: عن المرأة تكتحل و هي صائمة؟ فقال: «إذا لم يكن كحلا تجد له طعما في حلقها فلا بأس» «1».

و موثّقته: عن الكحل للصائم؟ فقال: «إذا كان كحلا ليس فيه مسك و ليس له طعم في الحلق فلا بأس» «2».

و المرويّ في قرب الإسناد «إنّ عليّا عليه السّلام كان لا يرى بأسا بالكحل للصائم إذا لم يجد

طعمه» «3».

و الرضويّ: «لا بأس بالكحل إذا لم يكن [ممسّكا]» «4».

و مفهوم تلك الأخبار و إن اقتضى الحرمة مع أحد الوصفين، إلّا أنّ الإجماع على عدم الحرمة أوجب الحمل على نوع من الكراهة، و لثبوت أصلها لمطلقه يفهم العرف من التخصيص بالذكر شدّة فيه.

مضافا إلى رواية ابن أبي غندر: أكتحل بكحل فيه مسك و أنا صائم؟

فقال: «لا بأس به» «5».

و المشهور اختصاص الكراهة بما فيه أحد الوصفين، كجماعة «6»، أو

______________________________

(1) التهذيب 4: 259- 771، الاستبصار 2: 90- 284، الوسائل 10: 75 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 5.

(2) الكافي 4: 111- 3، التهذيب 4: 259- 770، الوسائل 10: 74 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 2.

(3) قرب الإسناد: 89- 295، الوسائل 10: 77 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 12.

(4) فقه الرضا «ع»: 212، مستدرك الوسائل 7: 334 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 2. بدل ما بين المعقوفتين في النسخ: مسكا، و ما أثبتناه من المصدر.

(5) التهذيب 4: 260- 772، الاستبصار 2: 90- 285، الوسائل 10: 77 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 11.

(6) انظر الكفاية: 47، و الرياض 1: 308.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 309

الأول خاصّة، كالمحقّق و الشهيد «1»، أو مع ما فيه صبر، كما في الروضة «2»، أو مع ما فيه رائحة حادّة، كبعضهم «3»، للجمع بين الصنفين المطلقين من الأخبار بالصنف المفصّل، و هو كان حسنا لو تنافيا الصنفان، و كان نفي البأس نفيا للكراهة أيضا، و ليس كذلك.

و منها: إخراج الدم مع خوف الضعف

، للصحاح المستفيضة، كصحاح الأعرج «4»، و الحلبي «5»، و ابن سنان «6»، و الحسين بن أبي العلاء «7»،

و غيرها «8»، و هي و ان كانت مختصّة بالاحتجام ظاهرة في الحرمة مع خوف الضعف، إلّا أنّه يستفاد العموم من السياق- و قيل: من تنقيح المناط «9»، و فيه تأمّل- و يصرف عن الظاهر، للإجماع على عدم الحرمة، و رواية عبد اللّه بن ميمون: «ثلاثة لا يفطرن الصائم: القي ء و الاحتلام و الحجامة، و قد احتجم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو صائم» «10».

______________________________

(1) المحقق في المعتبر 2: 664، الشهيد في الدروس 1: 279.

(2) الروضة 2: 132.

(3) كما في التهذيب 4: 259.

(4) التهذيب 4: 260- 774، الاستبصار 2: 90- 287، الوسائل 10: 80 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 26 ح 10.

(5) الكافي 4: 109- 1، الفقيه 2: 68- 287، التهذيب 4: 261- 777، الاستبصار 2: 91- 290، الوسائل 10: 77 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 26 ح 1.

(6) التهذيب 4: 260- 776، الاستبصار 2: 91- 289، الوسائل 10: 80 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 26 ح 12.

(7) الكافي 4: 109- 3، التهذيب 4: 260- 773، الاستبصار 2: 90- 286، الوسائل 10: 78 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 26 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    310     و منها: إخراج الدم مع خوف الضعف ..... ص : 309

(8) كما في الوسائل 10: 77 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 26.

(9) انظر الحدائق 13: 158.

(10) التهذيب 4: 260- 775، الاستبصار 2: 90- 288، الوسائل 10: 80 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 26 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 310

و أمّا النبويّ: «أفطر الحاجم و المحجوم» «1» فمع أنّه عامّي، روي أنّه كان لمكان اغتيابهما

مسلما و تسابّا و كذبا في سبّهما على نبي اللّه «2».

و احتمل الصدوق في معاني الأخبار أن يكون المعنى: المحتجم عرّض نفسه للاحتياج إلى الإفطار، و الحاجم عرّض المحتجم إليه، و قال أيضا: سمعت بعض المشايخ بنيشابور يذكر في معناه: أنّهما دخلا بذلك في فطرتي و سنّتي «3».

و منها: دخول الحمّام إذا خيف منه الضعف

، لصحيحة محمّد «4».

و منها: شمّ الريحان عموما

- و هو كلّ نبت طيّب الريح، كما ذكره أهل اللغة «5»- للإجماع المنقول في المنتهى و التذكرة «6»، و الأخبار المستفيضة، كروايتي الحسن بن راشد «7»، و رواية الصيقل «8»، و مراسيل الكافي «9» و الفقيه «10»، معلّلا في بعضها: بأنّه لذّة و يكره للصائم أن يتلذّذ،

______________________________

(1) كما في سنن أبي داود 2: 14، و مسند أحمد: 364.

(2) انظر معاني الأخبار: 319- 1، الوسائل 10: 79 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 26 ح 9.

(3) معاني الأخبار: 319.

(4) الكافي 4: 109- 3، الفقيه 2: 70- 296، التهذيب 4: 261- 779، الوسائل 10: 81 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 27 ح 1.

(5) كما في القاموس 1: 232، و المصباح المنير: 243، و لسان العرب 2: 458.

(6) المنتهى 2: 583، التذكرة 1: 266.

(7) التهذيب 4: 267- 805 و 807، الاستبصار 2: 93- 299 و 301، الوسائل 10: 93 و 94 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 7 و 12.

(8) التهذيب 4: 267- 806، الاستبصار 2: 93- 300، الوسائل 10: 94 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 13.

(9) الكافي 4: 113- ذ. ح 4، الوسائل 10: 92 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 2.

(10) الفقيه 2: 71- 302، الوسائل 10: 95 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 311

و في بعضها: أنّ الريحان بدعة للصائم، و هو و إن كان مشعرا بالحرمة، إلّا أنّ الإجماع و الأخبار النافية للبأس عنه- كصحيحتي محمد «1»، و البجلي «2»، و روايتي سعد «3»، و أبي بصير «4»- أوجبت الحمل على الكراهة.

و

قيل: تتأكّد الكراهة في النرجس «5»، لرواية ابن رئاب: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام ينهى عن النرجس، فقلت: جعلت فداك لم ذلك؟ قال: «لأنّه ريحان الأعاجم» «6».

و لا يخفى أنّها لا تدلّ على الأشدّية، بل و لا على الاختصاص بالصائم، بل غايتها كراهة شمّ النرجس مطلقا، فهي الأظهر.

و التعليل- للشدّة بفتوى الأكثر مع التسامح في أدلّة الكراهة- غير جيّد، لأنّ الشدّة غير نفس الكراهة، و لم تثبت فيها المسامحة، إلّا أن تثبت الشدّة بثبوت الكراهة من جهتين: إحداهما: من جهة كراهة شمّ مطلق الريحان للصائم. و ثانيتهما: من جهة كراهة شمّ النرجس مطلقا، فتجتمع الجهتان في شمّ الصائم للنرجس، فتشتدّ الكراهة.

______________________________

(1) الكافي 4: 113- 4، التهذيب 4: 266- 800، الاستبصار 2: 92- 296، الوسائل 10: 91 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 1.

(2) التهذيب 4: 266- 802، الاستبصار 2: 93- 297، الوسائل 10: 93 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 8.

(3) التهذيب 4: 266- 803، الاستبصار 2: 93- 298، الوسائل 10: 94 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 10.

(4) التهذيب 4: 265- 798، الوسائل 10: 94 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 9.

(5) كما في الشرائع 1: 195، و المختصر النافع: 66، و الذخيرة: 505، و الحدائق 13: 159، و الرياض 1: 308 و غنائم الأيام: 427.

(6) الفقيه 2: 71- 301 و فيه: النرجس للصائم ..، العلل: 383- 1، الوسائل 10: 92 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 312

و هل يشمل الريحان مثل: التفّاح و السفرجل و الأترج، لصدق النبت؟

فيه نظر، بل الظاهر العدم، لأن المتبادر من

النبت مثل الحشائش و الأوراق، فلا يشمل الفواكه و أصول النباتات و أغصانها الطيّبة.

و كذا يكره التطيّب بالمسك، لرواية غياث «1». و لا يكره غيره من أصناف الطيب و الغالية، للأصل، و المستفيضة، كمرسلة الفقيه «2»، و رواية الحسن بن راشد «3»، و غيرها «4»، و في بعضها: «إنّ الطيب تحفة الصائم».

و منهم من ألحق بالمسك ما يجري مجراه ممّا يوجد طعمه في الحلق «5»، و منهم من ألحق به الزعفران «6»، و لا وجه له إلّا فتوى الفقيه، و تعارضها عمومات الطيب، فعدم الكراهة فيهما أشبه.

و منها: الاحتقان بالجامد،

لنقل الإجماع عن الغنية و الكشف «7»، و قد مرّ.

و منها: لبس الثوب المبلول

، لروايات الصيقل «8»، و ابن سنان «9»،

______________________________

(1) الكافي 4: 112- 1، التهذيب 4: 266- 801، الوسائل 10: 93 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 6.

(2) الفقيه 2: 71- 302، الوسائل 10: 95 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 14.

(3) الكافي 4: 113- 3، الفقيه 2: 70- 295، التهذيب 4: 265- 799، الوسائل 10: 92 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 3.

(4) كما في الوسائل 10: 91 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32.

(5) كالشيخ في النهاية: 156، و ابن حمزة في الوسيلة: 144، 683، و ابن إدريس في السرائر 1: 388.

(6) كالمفيد في المقنعة: 356، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 571.

(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 571، كشف الرموز 1: 281.

(8) المتقدم ذكر مصادرها في ص: 310.

(9) الكافي 4: 106- 4، الوسائل 10: 36 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 313

و ابن راشد «1»، و لخلّوها عن الدالّ على الحرمة استدلّ بها للكراهة.

لا لصحيحة محمّد: «الصائم يستنقع في الماء، و يصبّ على رأسه، و يتبرّد بالثوب، و ينضح بالمروحة و ينضح البوريا تحته» «2»، لجواز أن يراد بالتبرّد بالثوب: جعله مروحة لا بلّه على الجسد، أو يراد به: التبرّد به بعد عصره، كما صرّح به في رواية ابن سنان المشار إليها، حيث قال: «لا تلزق ثوبك إلى جسدك و هو رطب و أنت صائم حتى تعصره».

و منها: إنشاد الشعر

على ما ذكره بعض الأصحاب «3»، و لكن لم يذكره الأكثر كما صرّح به في الحدائق «4».

و وجه الكراهة: صحيحة حمّاد: «تكره رواية الشعر للصائم و المحرم و في الحرم و في يوم

الجمعة و أن يروى بالليل، و لا ينشد في شهر رمضان بليل و نهار» فقال له إسماعيل: يا أبتاه، و إن كان فينا؟ قال: «و إن كان فينا» «5».

و الأخرى: «تكره رواية الشعر للصائم و المحرم و في الحرم و في يوم الجمعة و أن يروى بالليل» قال: قلت: و إن كان شعر حقّ؟ قال: «و إن كان شعر حقّ» «6».

______________________________

(1) المتقدم ذكر مصادرها في ص: 310.

(2) الكافي 4: 106- 3، التهذيب 4: 204- 591، الاستبصار 2: 84- 260، الوسائل 10: 36 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 2.

(3) كما في المفاتيح 1: 250.

(4) الحدائق 13: 162.

(5) الكافي 4: 88- 6، الفقيه 2: 68- 282، التهذيب 4: 195- 556، الوسائل 10: 169 أبواب آداب الصائم ب 13 ح 2.

(6) التهذيب 4: 195- 558، الوسائل 10: 169 أبواب آداب الصائم ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 314

و خصّ في الحدائق كلّ ما ورد من كراهة إنشاد الشعر في مكان أو زمان شريف بالأشعار الدنيويّة و غير الحقّة ممّا كان متضمّنا لحكمة أو موعظة أو مدح أهل البيت أو رثائهم، بل نسبه إلى أصحابنا و قال:

إنّ أصحابنا قد خصّوا الكراهة بالنسبة إلى إنشاد الشعر في المسجد أو يوم الجمعة أو نحو ذلك من الأزمنة الشريفة و البقاع المنيفة بما كان من الإشعار الدنيويّة الخارجة عمّا ذكرناه.

قال: و ممّن صرّح بذلك الشهيد في الذكرى و الشهيد الثاني في جملة من شروحه و المحقّق الشيخ عليّ و السيّد السند في المدارك «1». انتهى.

و استدلّ لذلك بصحيحه عليّ بن يقطين النافية للبأس عن الشعر الذي لا بأس به في الطواف، المستلزم لكونه في الحرم

«2».

و بالأخبار الغير العديدة، الواردة في مدح الشعر في أهل البيت و في مراثيهم «3».

و بالمرويّ في إكمال الدين: عن أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يوم فتح مكّة وفد بكر بن وائل حين أقبلوا إليه و هو بفناء الكعبة بإنشاد شعر قيس بن ساعدة و ترحّمه عليه [1].

و بالمرويّ في كتاب الآداب الدينيّة لأمين الإسلام الشيخ أبي عليّ الطبرسي بإسناده عن خلف بن حمّاد: قال: قلت للرضا عليه السّلام: إنّ أصحابنا يروون عن آبائك أنّ الشعر ليلة الجمعة و يوم الجمعة و في شهر رمضان و في

______________________________

[1] إكمال الدين: 166- 22، و فيه: قسّ بن ساعدة، بدل: قيس بن ساعدة.

______________________________

(1) الحدائق 13: 162.

(2) التهذيب 5: 127- 418، الاستبصار 2: 227- 784، الوسائل 13: 402 أبواب الطواف ب 54 ح 1.

(3) كما في الوسائل 14: 597 أبواب المزار و ما يناسبه ب 105.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 315

الليل مكروه، و قد هممت أن أرثي أبا الحسن عليه السّلام و هذا شهر رمضان، فقال: «ارث أبا الحسن عليه السّلام في ليالي الجمع و في شهر رمضان و في الليل و في سائر الأيّام، فإنّ اللّه عزّ و جلّ يكافئك على ذلك» «1».

و في دلالة غير الأخيرة على مطلوبه نظر، إذ نفي البأس أعمّ من نفي الكراهة، و العمومات لا تجدي في مقابل الأخبار الخاصّة، و أمر النبيّ لعلّه كان قبل ورود الحكم بالكراهة.

نعم، تتمّ دلالة الأخيرة، و لا يضرّ اختصاصها بالرثى، لعدم القول بالتفرقة.

ثمَّ يعارض بذلك ما مرّ، فإمّا يرجّح ذلك، لاحتمال حمل ما مرّ على التقيّة كما في الحدائق «2»، أو يرجع إلى العمومات المذكورة «3»، و لا يضرّ ضعف الأخيرة، لأنّ

المقام مقام المسامحة.

فالحقّ: عدم الكراهة في الأشعار الحقّة- و المتضمّنة للحكمة و الموعظة، و نحوها- في الأوقات المذكورة.

بل ها هنا كلام آخر متقن ذكره في الوافي، قال: و الشعر غلب على المنظوم من القول، و أصله: الكلام التخييلي، الذي هو أحد الصناعات الخمس نظما كان أو نثرا، و لعلّ المنظوم المشتمل على الحكمة و الموعظة، أو المناجاة مع اللّه سبحانه، ممّا لم يكن فيه تخييل شعري، مستثنى من هذا الحكم، أو غير داخل فيه.

و قال في بيان قوله: «و إن كان شعر حقّ»: و ذلك لأنّ كون موضوعه

______________________________

(1) الوسائل 14: 499 أبواب المزار و ما يناسبه ب 105 ح 8.

(2) الحدائق 13: 164.

(3) في ص: 313- 314.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 316

حقّا- كحكمة أو موعظة- لا يخرجه عن التخييل الشعري، فأمّا إذا لم يكن كلاما شعريّا بل كان موزونا فقط فلا بأس «1». انتهى.

و ما ذكره جيد، فإنّ الحقيقة الشرعيّة للشعر في المنظوم من الكلام غير ثابت، بل لم يكن كذلك أولا البتّة، و لذا سمّوا الكفّار القرآن شعرا و رسول اللّه شاعرا، فالمنظوم الخالي عن الخيالات الشعريّة ليس شعرا مكروها، و الشعر منها أيضا إذا كان حقّا يكون بما مرّ مستثنى أيضا.

و منها: التنازع و التحاسد

، و السبّ و المراء، و أذى الخادم، و الجدال، و المسارعة إلى الحلف و الأيمان، و القول الفاحش، كلّ ذلك للأخبار «2».

و المقصود كراهيّة هذه الأمور من حيث الصيام، و إلّا فأكثرها حرام في نفسه.

______________________________

(1) الوافي 11: 220.

(2) الوسائل 10: 161، 167 أبواب آداب الصائم ب 11 و 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 317

الفصل الثالث
اشاره

في بيان أنّ وجوب الإمساك عمّا ذكر من الأمور- و إيجابها لارتكاب المحرّم أو الفساد أو مع القضاء أو مع الكفّارة أيضا- إنّما هو إذا كان عمدا.

فنقول: إنّ كلّما ذكرنا أنّه محرّم في الصوم و مبطل له و موجب للقضاء و الكفّارة، فهو كذلك إذا كان ذاكرا للصوم، عامدا في الإفطار، مختارا فيه، عالما بالحكم، و أمّا إذا لم يكن كذلك فليس كذلك إجماعا في بعض الصور، و مع الخلاف في بعض آخر.

و تفصيل المقال: أنّ من لم يكن كذلك فإمّا ناس للصوم، أو غير عامد في فعل المفطر، أو مكره، أو جاهل، فهذه أربع أصناف يذكر حكمها في أربع مقامات.

المقام الأول: في الناسي للصوم

، و لا يفسد صومه بفعل شي ء من المفطرات، بلا خلاف بين علمائنا كما في المنتهى «1» و غيره «2»، بل بالإجماع كما صرّح به بعضهم «3»، بل بالإجماع المحقّق، فهو الحجّة، مضافا إلى الأخبار المستفيضة، كصحيحتي الحلبي «4» و محمّد بن قيس «5»، و موثّقتي سماعة «6»

______________________________

(1) المنتهى 2: 577.

(2) كالذخيرة: 507، و الحدائق 13: 66، و الرياض 1: 307.

(3) كما في المفاتيح 1: 252، و مشارق الشموس: 396، و غنائم الأيام: 410.

(4) الكافي 4: 101- 1، الفقيه 2: 74- 318، التهذيب 4: 277- 838، الوسائل 10: 50 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 1.

(5) التهذيب 4: 268- 809، الوسائل 10: 52 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 9.

(6) الكافي 4: 101- 2، الوسائل 10: 51 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 318

و عمّار «1»، و روايتي الزهري «2» و داود بن سرحان «3».

و أخصّيتها من المدّعى- باختصاصها بالأكل و

الشرب و الجماع- غير قادح، لعدم قائل بالفرق بينها و بين سائر المفطرات، مع ظهور التعميم من رواية الهروي: «متى جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفّارات» إلى أن قال: «و إن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفّارة واحدة و قضاء ذلك اليوم، و إن كان ناسيا فلا شي ء عليه» «4».

و إطلاق بعض تلك الروايات يثبت الحكم في جميع أنواع الصيام الواجب المعيّن، و غير المعيّن، و المندوب، و تزيد في المندوب رواية أبي بصير: عن رجل صام يوما نافلة فأكل و شرب ناسيا؟ قال: «يتمّ صومه ذلك و ليس عليه شي ء» «5».

و عن التذكرة: تقييد عدم البطلان بتعيّن الزمان «6»، و عن المدنيّات الاولى: عدم صحّة الصيام إذا كان ندبا أو واجبا غير معيّن، استنادا إلى الرواية عن الصادق عليه السّلام. و كذا في قضاء رمضان بعد الزوال، لأنّ الصوم

______________________________

(1) الفقيه 2: 74- 319، التهذيب 4: 208- 602، الاستبصار 2: 81- 248، الوسائل 10: 53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 11.

(2) الكافي 4: 83- 1، الفقيه 2: 46- 208، التهذيب 4: 294- 895، الوسائل 10: 52 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 7.

(3) الكافي 4: 101- 3، التهذيب 4: 268- 810، الوسائل 10: 51 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 6.

(4) الفقيه 3: 238- 1128، التهذيب 4: 209- 605، الاستبصار 2: 97- 316، الوسائل 10: 53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 1.

(5) التهذيب 4: 277- 840، الوسائل 10: 52 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 10.

(6) التذكرة 1: 261.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 10، ص: 319

عبارة عن الإمساك، و لم يتحقّق.

قال الشهيد في حواشي القواعد في بيان الرواية: و لعلّها ما رواه العلاء في كتابه عن محمّد: قال سألته فيمن شرب بعد طلوع الفجر و هو لا يعلم، قال: «يتمّ صومه في شهر رمضان و قضائه، و إن كان متطوّعا فليفطر» انتهى.

و الرواية غير ثابتة، و مع ذلك عمّا ادّعاه أخصّ، و مع ذلك غير دالّة على الناسي، و التعليل المذكور اجتهاد في مقابلة النصّ، مع [عدم ] «1» كون الصوم الشرعي إمساكا مطلقا، و إنّما هو الإمساك مع العمد.

المقام الثاني: في غير القاصد للفعل

، كالذباب يطير إلى الحلق، و الغبار يدخل فيه بلا قصد و اختيار، و لا ريب في عدم إفساده للصوم و لا خلاف، و الأصل يدلّ عليه، لأنّه ليس أكلا و لا شربا و لا إفطارا، لأنّ كلّ ذلك لا بدّ أن يكون من فعل المكلّف، و في بعض الأخبار تصريح به «2».

المقام الثالث: في المكره
اشاره

، و الإكراه إمّا بنحو الإيجار «3» في الحلق و الوضع فيه بغير مباشرة بنفسه، فلا إشكال و لا خلاف- كما قيل «4»- في عدم حصول الإفطار به، و ما مرّ سابقا يدلّ عليه أيضا.

أو يكون بالتوعّد بما يوجب الضرر من القادر المظنون فعله مع ترك الإفطار، فباشر بنفسه مع القصد، فلا خلاف أيضا في جواز الإفطار حينئذ و عدم ترتّب إثم عليه، بل بطلانه لو صام، للنهي عن التهلكة «5»، و نفي الضرر، و رفع ما استكرهوا عليه، و الأمر بالتقيّة، و إفطار الإمام تقيّة عن

______________________________

(1) ما بين المعقوفتين أضفناه لاستقامة المعنى.

(2) كما في الوسائل 10: 108 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 39.

(3) الرجل إذا شرب الماء كارها فهو التوجّر و التكاره- لسان العرب 5: 279.

(4) انظر الحدائق 13: 68.

(5) البقرة: 195.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 320

السفّاح كما في مرسلتي رفاعة «1» و داود بن الحصين «2» و روايتي خلّاد «3» و عيسى «4»، و في الاولى: «إنّ إفطاري يوما و قضاءه أيسر عليّ من أن يضرب عنقي و لا يعبد اللّه».

و هل يكون معه الصوم صحيحا أيضا، أم يبطل و يوجب القضاء أو مع الكفّارة أيضا؟

فاختار الشيخ في الخلاف و الشرائع و المعتبر و النافع و المنتهى و التحرير و المختلف و الإرشاد و الدروس و الروضة

«5» بل الأكثر- كما قيل «6»-:

الأول، لجميع ما ذكر، مضافا إلى الأصل و الاستصحاب- الخاليين عن معارضة عموم ما دلّ على وجوب القضاء، لاختصاصه بحكم التبادر بغير المكره- و ما دلّ من الأخبار على وجوب الكفّارة على المكره زوجته دونها «7».

و ذهب في المبسوط و التذكرة و المسالك و الحدائق إلى الثاني «8»، لأنّه فعل المفطر اختيارا فيدخل تحت إطلاقات فساد الصوم به، و وجوب

______________________________

(1) الكافي 4: 82- 7، الوسائل 10: 132 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 57 ح 5.

(2) الكافي 4: 83- 9، الوسائل 10: 131 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 57 ح 4.

(3) التهذيب 4: 317- 965، الوسائل 10: 132 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 57 ح 6.

(4) الفقيه 9: 79- 352، الوسائل 10: 131 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 57 ح 1.

(5) الخلاف 2: 195، الشرائع 1: 190، المعتبر 2: 662، النافع: 66، المنتهى 2: 577، التحرير 1: 80، المختلف: 223، الإرشاد 1: 298، الدروس 1:

273، الروضة 2: 90.

(6) انظر المدارك 6: 69، و الذخيرة 508.

(7) انظر الوسائل 10: 56 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 12.

(8) المبسوط 1: 273، التذكرة 1: 212، المسالك 1: 71، الحدائق 13: 69.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 321

القضاء، و عموماته، بتصريح الإمام عليه السّلام بأنّه أفطر في المرسلتين، و قوله في أولا هما: «و قضاءه أيسر عليّ»، و لأنّ الصوم ليس إلّا عبارة عن الإمساك عن المفطرات، و هو هنا غير متحقّق لا لغة و لا عرفا و لا شرعا.

أمّا الأولان، فظاهران. و أمّا الثالث، فلأنّ الحقيقة الشرعيّة ليست إلّا المعنى المتبادر عند المتشرعة، و ليس هو إلّا الإمساك و

عدم إيقاع المفطر باختيار المكلّف، و هو هنا منتف، و لذا يصحّ سلب اسم الصوم و الإمساك عنه، فيقال: ما صام، و ما أمسك و لو اضطرارا.

أقول: و يرد على أول أدلّة القول الأول: بأنّ غاية ما يدلّ عليه نفي الإثم، و هو لا يلازم انتفاء الإفطار و وجوب القضاء، كما في المريض و الحائض و المسافر.

و على الثاني: منع خلوّ الأصل و الاستصحاب عن المعارض، لإطلاق كثير من أخبار الإفطار و القضاء، كقوله: «الكذب على اللّه و على رسوله و الأئمّة يفطر الصائم» «1».

و في موثّقة سماعة: عن رجل كذب في شهر رمضان، فقال: «قد أفطر و عليه قضاؤه» «2».

و قوله: «من تقيّأ و هو صائم فعليه القضاء» «3».

و قوله: «من أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه، لأنّه أكل متعمّدا» «4»، إلى غير ذلك.

______________________________

(1) الفقيه 2: 67- 277، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 4.

(2) التهذيب 4: 203- 586، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 3.

(3) التهذيب 4: 264- 792، الوسائل 10: 88 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 6.

(4) الكافي 4: 100- 2، التهذيب 4: 270- 815، الاستبصار 2: 115- 377، الوسائل 10: 121 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 50 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 322

و تبادر غير المكره منها ممنوع، كيف؟! و لو كان لكان لأجل عدم عصيانه، و بعد ملاحظة حال المريض و المسافر و الحائض و تناول المفطر مع عدم مراعاة الفجر كيف يتبادر ذلك؟! و على الثالث: أنّ عدم لزوم الكفّارة على الزوجة المكرهة لا يدلّ على عدم إفطارها و عدم وجوب

القضاء عليها، بل لا يبعد دلالة ما في بعض الأخبار من أنّ على الزوج كفّارتين على بطلان صوم الزوجة «1»، إلّا إذا كانت مكرهة بالمعنى الأول لا بالتوعّد و التخويف مجرّدا.

و من ذلك يظهر ضعف القول الأول.

و أمّا الثاني و إن أمكن الخدش في بعض أدلّته- كقضاء الإمام، لجواز أفضليّته- و لكن البواقي لا خدشة فيها، سيّما بضميمة ما قيل من عدم الفصل بين الإفطار و وجوب القضاء «2»، فإذن هو الأقوى، بل لم يبعد القول بثبوت الكفّارة لو لا الإجماع المؤيّد بعدم ذكر الإمام الكفّارة مع ذكر القضاء، و عدم تبادر المكره من أخبار الكفّارة جدّا.

فرعان:
أ: الإكراه المسوّغ للإفطار النافي للكفّارة:

ما ظنّ معه الضرر الغير المتحمّل عرفا بنفسه أو ما يجري مجراه، لنفي العسر و الحرج و الضرر، و حسنة زرارة: «التقيّة في كلّ ضرورة» «3»، و حسنة الفضلاء: «التقيّة في كلّ

______________________________

(1) الكافي 4: 103- 9، الفقيه 2: 73- 313، التهذيب 4: 215- 625، الوسائل 10: 56 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 12 ح 1.

(2) انظر الرياض 1: 307.

(3) الكافي 2: 219- 13، الوسائل 16: 214 أبواب الأمر و النهي ب 25 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 323

شي ء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه» «1».

و ربّما يظهر من الدروس اعتبار خوف التلف على النفس «2»، و لعلّه لاعتماده على أخبار إفطار الإمام عليه السّلام، و تصريحه في بعضها بأنّ في تركه ضرب عنقي. و لا يخفى أنّه لا دلالة فيها على التخصيص.

ب: قال في المسالك:

و حيث ساغ الإفطار للإكراه يجب الاقتصار على ما تندفع به الحاجة، فلو زاد عليه كفّر «3».

و اعترضه في المدارك بأنّه لا يتمّ على ما اختاره من كون التناول مكرها مفسدا للصوم، لاختصاص الكفّارة بما يحصل به الفطر، و ما زاد عليه لم يستند إليه فطر و إن كان محرّما «4».

و ردّه في الحدائق بأنّ إيجاب الكفّارة لتكفير الذنب، فهي تتحقّق في موضع الإثم، و هو هنا متحقّق. و قوله: إنّ الكفّارة تختصّ بما يحصل به الفطر، ليس في محلّه، لفساد الصوم و وجوب القضاء بكثير ممّا لا كفّارة معه «5».

أقول: تحقّق الكفّارة في كلّ ما فيه الإثم- مطلقا، أو مع وقوعه في الصوم و إيجابه لإفطاره- ممنوع، و لا يقول هو به أيضا، بل إنّما هي في مواضع خاصّة موجبة للإفطار، و لم يعلم أنّ المورد منها،

و الأصل ينفيها، و غرض المدارك ليس أنّ كلّ ما يحصل به الفطر فيه الكفّارة، بل أنّ الكفّارة المعهودة ليست إلّا في موضع الفطر.

______________________________

(1) الكافي 2: 220- 18، الوسائل 16: 214 أبواب الأمر و النهي ب 25 ح 2.

(2) انظر الدروس 1: 273.

(3) المسالك 1: 71.

(4) المدارك 6: 71.

(5) الحدائق 13: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 324

المقام الرابع: في الجاهل بالحكم
اشاره

، و ذهب الحلّي إلى أنّه لا شي ء عليه من القضاء و الكفّارة «1»، و اختاره في الحدائق «2»، و هو ظاهر الجامع «3»، و محتمل موضع من المنتهى و الاستبصار و التهذيب «4»، بل حكي جزما عن موضع من الأخير.

و المشهور- كما قاله جماعة-: فساد صومه و وجوب القضاء عليه، إمّا مع الكفّارة- كما جزم به في موضع من المنتهى و التذكرة «5»، و يحتمله كلام المختلف «6»، و نسبه في الكفاية إلى الأكثر «7»- أو بدونها، كالمعتبر و الدروس و حواشي القواعد للشهيد و الروضة و المدارك و محتمل المختلف «8»، و احتمله في موضع من المنتهى و التذكرة «9»، و نسبه في المدارك إلى أكثر المتأخّرين «10».

حجّة الأولين: الأصل الخالي عن المعارض، لانحصاره بعمومات القضاء و الكفّارة المخصوصين بغير الجاهل، إمّا بحكم التبادر، أو لأجل تقييد الأكثر بمتعمّد الإفطار الغير الصادق هنا و إن كان متعمدا للفعل، لأنّ تعمّد الإفطار لا يكون إلّا مع العلم بكونه مفطرا، و به تقيّد المطلقات أيضا،

______________________________

(1) السرائر 1: 386.

(2) الحدائق 13: 66.

(3) الجامع للشرائع: 157.

(4) المنتهى 2: 569، الاستبصار 2: 81، التهذيب 4: 208- ذ. ح 602.

(5) المنتهى 2: 577، التذكرة 1: 259.

(6) المختلف: 223.

(7) كفاية الأحكام: 48.

(8) المعتبر 2: 662، الدروس 1: 272، الروضة 2: 90،

المدارك 6: 66، المختلف: 223.

(9) المنتهى 2: 569، التذكرة 1: 262.

(10) المدارك 6: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 325

و لوجوب حملها على المقيّد.

مع أنّه على فرض التعارض يجب التخصيص بغير الجاهل، لموثّقة زرارة و أبي بصير: عن رجل أتى أهله في شهر رمضان، أو أتى أهله و هو محرم، و هو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال له، قال: «ليس عليه شي ء» «1» المعتضدة بروايات معذوريّة الجاهل، كصحيحة عبد الصمد الواردة فيمن لبس قميصا حال الإحرام، و فيها: «و أيّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه» «2».

و في صحيحة ابن الحجّاج المتضمّنة لحكم تزويج المرأة في عدّتها، و فيها: قلت: فبأيّ الجهالتين أعذر، بجهالته أنّ ذلك محرّم عليه، أم جهالته أنّها في العدّة؟ فقال: «إحدى الجهالتين أهون من الأخرى، الجهالة بأنّ اللّه حرّم عليه، و ذلك أنّه لا يقدر على الاحتياط معها»، فقلت: فهو في الأخرى معذور؟ فقال: «نعم» «3».

احتجّ الثاني: أمّا على الفساد فبإطلاق المفسدات، و أمّا على القضاء و الكفّارة فبعموماتهما «4» و إطلاقاتهما.

و أجابوا عن أدلّة الأولين باندفاع الأصل بما ذكر، مع منع التبادر المذكور، لعدم تصوّر ما يوجبه سوى شيوع غير الجاهل، و هو بالنسبة

______________________________

(1) التهذيب 4: 208- 603، الاستبصار 2: 82- 249، الوسائل 13: 109 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 2 ح 4.

(2) التهذيب 5: 72- 239، الوسائل 12: 488 أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 3.

(3) الكافي 5: 427- 3، التهذيب 7: 306- 1274 بتفاوت يسير، الاستبصار 3:

186- 676، الوسائل 20: 450 أبواب ما يحرم بالمصاهرة و نحوها ب 17 ح 4.

(4) الوسائل 10: 53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10،

ص: 326

إلى جميع المفطرات ممنوع، و لو سلّم فلم يبلغ حدّا يوجب الانصراف إليه.

و منع التقييد بمتعمّد الإفطار في القضاء، بل صرّح بمتعمّد الفعل أيضا، كما مرّ بعضه في المقام السابق «1». و أمّا في الكفّارة فإن تقيّد به في كثير من الأخبار «2»، إلّا أن التقييد فيها مخصوص أمّا بالسؤال- كالأكثر- أو بالجواب أيضا، مع تقييد السؤال- الذي هو سبب تقييد الجواب، الموجب لعدم حجّية مفهوم الشرط أو الوصف- بنفسه، و مثل ذلك لا يوجب تقييد المطلقات، كرواية محمّد بن نعمان: عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان، فقال: «كفّارته جريبان» [1].

و موثّقة سماعة: عن رجل لزق بأهله فأنزل، قال: «عليه إطعام ستّين مسكينا» الحديث «3».

و رواية الهروي: «و إن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفّارة واحدة، و قضاء ذلك اليوم» «4».

و أمّا معارضة الموثّقة معها فهي و إن كانت أخصّ- من حيث اختصاصها بالجاهل- إلّا أنّها لا تصلح للتخصيص، لأنّه فرع التكافؤ

______________________________

[1] الفقيه 2: 73- 312، التهذيب 4: 322- 987، الوسائل 10: 47 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 6.

و الجريب: مكيال قدر أربعة أقفزة- القاموس المحيط 1: 47.

______________________________

(1) راجع ص: 321.

(2) انظر الوسائل 10: 44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8.

(3) التهذيب 4: 320- 980، الوسائل 10: 49 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 12.

(4) الفقيه 3: 238- 1128، التهذيب 4: 209- 605، الاستبصار 2: 97- 316، الوسائل 10: 53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 327

المفقود في المقام، لأكثريّة العمومات عددا، و أصحّيّتها سندا، و أشهريّتها عملا.

و دليل الثالث: أمّا على إثبات الفساد و

القضاء فما مرّ، و أمّا على نفي الكفّارة فبما ذكر من تقييد أخبارها بتعمّد الإفطار المنتفي في المقام، حيث إنّ قصد الإفطار لا يكون إلّا مع اعتقاد الإفساد.

و حمل الإفطار على تناول المفطر خلاف الأصل. سلّمنا، و لكنّه غير متعيّن، و احتمال إرادة الإفساد كاف.

أقول: حقّ المحاكمة بين هذه الفرق الثلاث أنّه لا يصحّ الاستناد إلى قيد تعمّد الإفطار، لوجود المطلقات بالنسبة إليه في كلّ من القضاء الكفّارة، و عدم صلاحيّة المقيّدات لتقييدها، لورود القيد كما في السؤال أو في الجواب أيضا، لذكره في السؤال الموجب لعدم اعتبار مفهوم له، سيّما في أخبار القضاء، و بعد رفع اليد عن ذلك يحصل التعارض بين تلك المطلقات و الموثّقة.

و ما سبق- من أنّ التعارض فرع التكافؤ، و هو هنا غير حاصل- غير مسموع، لأنّ كثرة العدد و صحّة السند و الشهرة العمليّة- ما لم تخرج بتعارضها عن الحجّيّة بالشذوذ- و إن كانت مقوّية، إلّا أنّها لا تصلح على التحقيق للترجيح، بعد كون أصل الخبر الآخر حجّة، بل معاضدة بعمومات أخر و بالأصل [1]، فضلا عن أن يكون المعارض خاصّا مطلقا، فإنّه حينئذ يكون قرينة للتخصيص و يكفي فيها مجرّد الحجّية، و لا اعتناء في القرائن إلى وجوه التراجيح.

______________________________

[1] في «س» زيادة: و ان لم نعتبرها فيه أيضا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 328

و على هذا، فنقول: إنّ تعارض الموثّقة مع مطلقات الكفّارة بالعموم المطلق، لأنّ أخبار الكفّارة و إن كانت مخصوصة على الظاهر بالكفّارة- فيتوهّم وجه خصوصيّة لها، حيث إنّ الموثّقة تنفي الشي ء مطلقا- إلّا أنّ ثبوت الكفّارة يستلزم ثبوت القضاء أيضا بالإجماع المركّب، بل الإثم للتقصير، فتساوي الموثّقة من تلك الجهة، حيث إنّ الشي ء المنفيّ

لا يخرج عن هذه الثلاثة بالإجماع و شاهد الحال، و تبقى الموثّقة أخصّ من جهة الجاهل، فيلزم تقديم الموثّقة و نفي الكفّارة، و به يطرح القول الثاني.

و أمّا مع مطلقات القضاء و إن كان تعارضها بالعموم من وجه- لأنّ المطلقات تثبت القضاء و الموثّقة تنفي الشي ء مطلقا- إلّا أنّ الأصل مع الموثّقة، و هو المرجّح عند فقد الترجيح و التخيير كما في المقام، و هو مع عدم القضاء أيضا، و به يبطل القول الثالث أيضا، فيبقى الأول، و عليه الفتوى، و هو المعوّل.

و لكن الظاهر اختصاص ذلك بالجاهل الساذج، و المراد منه: من لا يشكّ في عدم الإفساد به، و لا يخطر بباله احتمال الضرر، لأنّه الظاهر من قوله: و هو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال له «1». و لا أقلّ من احتمال ذلك المعنى، و هذا المعنى هو الذي لا يقدر معه على الاحتياط كما في صحيحة ابن الحجّاج «2»، فتبقى المطلقات في غيره خالية عن المعارض.

فالحقّ في المسألة: انتفاء الإثم و القضاء و الكفّارة مع الجهل الساذج،

______________________________

(1) تقدّم في ص: 325.

(2) المتقدّمة في ص: 325.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 329

و وجود الثلاثة مع غيره من أنواع الجهل.

فروع:
أ: من أفراد المفطر جهلا: من تناول شيئا من المفطرات نسيانا

، ثمَّ ظنّ فساد الصوم به، فتعمّد فعل المفطر، و حكمه ما مرّ بعينه.

و عن الخلاف و المبسوط و المعتبر و التذكرة: أنّ حكمه حكم العمد «1».

و عن بعض القدماء «2» و الدروس و حاشية القواعد للشهيد: أنّ عليه القضاء خاصّة «3».

ب: من تناول شيئا منها سهوا مع تذكّر الصوم

- أي من غير إرادة التناول و الالتفات، كأن يشتغل بأمر و صدر منه لمس امرأته من غير إرادة و لا التفات إليه فأمنى- فالظاهر أنّ حكمه حكم النسيان.

ج: الجاهل بحرمة الارتماس لا يبطل غسله

إن كان من أول قسمي الجاهل، لعدم النهي. و يبطل إن كان من ثانيهما، لوجوده.

د: لو كان جاهلا بإفساد شي ء للصوم عالما بتحريمه فيه يبطل معه الصوم

، و عليه القضاء و الكفّارة، لعموماتهما الفارغة عن مكافئة الموثّقة، إذ فيها: أنّه لا يرى إلّا أنّه حلال «4».

و منه تظهر قوّة الفساد و القضاء و الكفّارة مع العلم بالتحريم مطلقا

______________________________

(1) الخلاف 2: 190، المبسوط 1: 273، المعتبر 2: 663، التذكرة 1: 259.

(2) نقله في المبسوط 1: 273 عن بعض أصحابنا.

(3) الدروس 1: 272.

(4) تقدمت في ص: 325.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 330

و إن لم يعلم تحريمه من حيث الصيام، كما في الكذب على اللّه سبحانه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 331

الفصل الرابع في وقت الإمساك عن الأمور المذكورة
اشاره

و مبدؤه: طلوع الفجر الثاني، بالكتاب و السنّة و الإجماع، بل الضرورة .. إلّا في الجماع، فمن زمان يبقى إلى طلوع الفجر زمان لم يعلم عدم اتّساعه للوقاع و الاغتسال، بل و لم يظنّ أيضا، على القول الأصحّ من بطلان الصوم بتعمّد البقاء على الجنابة، و يأتي على القول الآخر جوازه إلى الفجر.

و منتهاه: دخول الليل، بالثلاثة أيضا، و إن اختلفوا فيما به يتحقّق دخوله من استتار القرص أو ذهاب الحمرة المشرقيّة، و قد تقدّم تحقيقه في بحث مواقيت الصلاة مفصّلا، و أنّه الاستتار على الحقّ المختار «1».

و قد مرّ الكلام في الإفطار بظنّ الليل و الأكل باستصحابه في الفصل الثاني «2».

مسألة: يستحبّ تقديم الصلاة على الإفطار

، إلّا أن يكون هناك من ينتظر إفطاره أو لا يقوى على الصلاة قبله، للمعتبرة:

كصحيحة الحلبي: عن الإفطار قبل الصلاة أو بعدها؟ قال: «إن كان معه قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم، و إن كان غير ذلك فليصلّ و ليفطر» «3».

و موثّقة زرارة و الفضيل: «في رمضان تصلي ثمَّ تفطر إلّا أن تكون مع

______________________________

(1) راجع ج 4 ص: 25.

(2) راجع ص: 268- 289.

(3) الكافي 4: 101- 3، الفقيه 2: 81- 360، التهذيب 4: 185- 517، الوسائل 10: 149 أبواب آداب الصائم ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 332

قوم ينتظرون الإفطار، فإن كنت معهم فلا تخالف عليهم و أفطر ثمَّ صلّ، و إلّا فابدأ بالصلاة» «1».

و مرسلة ابن بكير: «يستحبّ للصائم- إن قوي على ذلك- أن يصلّي قبل أن يفطر» «2».

و قد يشترط في استحباب تقديم الصلاة عدم منازعة نفسه، لأنّ معها ينتفي الحضور المطلوب في الصلاة، و تدلّ عليه مرسلة المقنعة أيضا «3».

و المراد بالصلاة المأمور بتقديمها:

صلاة المغرب وحدها لا مع العشاء أيضا، لأنّ وقتها هو الذي يصادم وقت الإفطار دون العشاء، سيّما مع ما كانوا عليه من التفريق بين الصلاتين.

______________________________

(1) التهذيب 4: 198- 570، الوسائل 10: 150 أبواب آداب الصائم ب 7 ح 2.

(2) التهذيب 4: 199- 575، الوسائل 10: 150 أبواب آداب الصائم ب 7 ح 3.

(3) المقنعة: 318، الوسائل 8: 151 أبواب آداب الصائم ب 7 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 333

الفصل الخامس فيمن يصحّ منه الصوم
اشاره

أي بيان شرائط التكليف به وجوبا أو ندبا، فإنّه مع انتفاء التكليف لا أمر فلا صحّة، لأنّها موافقة المأمور به، و هي أمور:

الأول: البلوغ.
اشاره

فلا يصحّ الصوم شرعا من الصبي الغير المميّز، و لا يقع منه إجماعا، و كذا من المميّز عند جماعة، كالمختلف و الإيضاح و البيان و الروضة «1»، و هو ظاهر الفقيه و المحقّق الثاني «2»، و قوّاه في المنتهى «3».

للأصل، فإنّ الصحّة الشرعيّة هي موافقة أمر الشارع، و الأصل عدم تعلّق أمر بالصبي.

و عموم رفع القلم الشامل للندب أيضا «4»، و تخصيصه بالوجوب و المحرّم- كما قيل «5»- غير واضح الوجه.

و لأنّ الأمر تكليف، و هو بالبلوغ مشروط.

و لظاهر الأخبار، كرواية الزهري الطويلة، و فيها: «الصوم على أربعين وجها، فعشرة أوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان، و عشرة أوجه منها

______________________________

(1) المختلف: 216، الإيضاح 1: 243، و في البيان: 362 ما هو موافق لما عليه في الدروس و اللمعة من المخالفة، الروضة 2: 102.

(2) الفقيه 2: 48- 208، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 82.

(3) المنتهى 2: 562.

(4) الوسائل 1: 42 أبواب مقدمة العبادات ب 4.

(5) انظر المدارك 6: 42.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 334

صيامهنّ حرام، و أربعة عشر وجها منها صاحبها فيها بالخيار إن شاء صام و إن شاء أفطر، و صوم الإذن، و صوم التأديب» ثمَّ ذكر عليه السّلام الأقسام و عدّ من أقسام ما فيها بالخيار كثيرا من أقسام المندوب، إلى أن قال: «و أمّا صوم التأديب فأن يؤخذ الصبي إذا راهق بالصوم تأديبا، و ليس ذلك بفرض، و كذلك من أفطر لعلّة من أول النهار ثمَّ قوي بقيّة يومه أمر بالإمساك عن الطعام يومه تأديبا، و ليس

بفرض، و كذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثمَّ قدم أهله، و كذلك الحائض إذا طهرت» «1»، و قريب منها الخصالي «2» و الرضوي «3»، فإنّ الظاهر من جعل صومه قسيم المندوب و مثل صوم الحائض و المسافر عدم كونه شرعيّا، و يؤكّده ما في المستفيضة من أخذه بالصوم بعض اليوم «4».

خلافا للشيخ و المحقّق «5» و الفاضل في جملة من كتبه «6» و اللمعة و الدروس «7».

لأنّ الولي مأمور شرعا بأمره، و الأمر بالأمر أمر، و إذا تحقّق الأمر تحقّقت الصحّة.

و لإطلاق الأوامر و شمولها له.

______________________________

(1) الكافي 4: 83- 1، الفقيه 2: 46- 208، التهذيب 4: 294- 895، الوسائل 10: 367 أبواب بقية الصوم الواجب ب 1 ح 1.

(2) الخصال 2: 534- 2، الوسائل 10: 367 أبواب بقية الصوم الواجب ب 1 ح 1.

(3) فقه الرضا «ع»: 200، مستدرك الوسائل 7: 487 أبواب بقية الصوم الواجب ب 1 ح 1.

(4) الوسائل 10: 233 أبواب من يصح منه الصوم ب 29.

(5) الشيخ في المبسوط 1: 266، المحقق في الشرائع 1: 197.

(6) كالتذكرة 1: 266، و التحرير: 81.

(7) اللمعة (الروضة 2): 102، الدروس 1: 268.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 335

و تدلّ عليه أيضا الأخبار المجوّزة لعتقه و وصيّته و إمامته «1».

و لأنّ شرعيّة صومه ممّا لا شكّ فيها، فإنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر وليّ الصبي به، و عن أئمّتنا: «إنّا نأمر صبياننا بالصيام ما أطاقوا» «2»، و مع ذلك فيه تمرين على الطاعة، فشرعيّته ثابتة من الشارع، فيكون صحيحا، و إذ لا وجوب عليه فينوي الندب.

أقول: أمّا الأولون، فإن كان مرادهم عدم صحّة الصوم منه مطلقا- سواء كان من شهر

رمضان أو غيره من الواجبة و المستحبّة و كون كلّ صوم منه محض التمرين و التأديب- فكلامهم غير صحيح، إذ المقتضي لصحّة صومه في الجملة و شرعيّته موجود، و المانع مفقود.

أمّا الأول، فلعموم بعض الأخبار في الصوم المستحبّ، كما في مرسلة سهل في سبعة و عشرين من رجب: «فمن صام ذلك اليوم كتب اللّه له صيام ستّين شهرا» «3»، و مثلها من الأخبار كثيرة جدّا «4».

و القول: بأنّ الأوامر الاستحبابيّة منساقة لبيان أصل الاستحباب، فأمّا من يستحبّ له فالمتضمّن للمستحبّات بالنسبة إليه مجمل، و بأنّ المتبادر منها من عدا الصبيان.

ففاسد جدّا، لأنّ شيئا منهما لا يجري في مثل ما ذكرنا، و إن أمكن

______________________________

(1) انظر الوسائل 8: 321 أبواب صلاة الجماعة ب 14، و الوسائل 19: 360 كتاب الوصايا ب 44.

(2) الكافي 4: 124- 1، التهذيب 4: 282- 853، الاستبصار 2: 123- 400، الوسائل 10: 234 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 3.

(3) الكافي 4: 149- 2، التهذيب 4: 304- 919، الوسائل 10: 448 أبواب الصوم المندوب ب 15 ح 5.

(4) الوسائل 10: 447 أبواب الصوم المندوب ب 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 336

في بعض آخر.

و أمّا الثاني، فللأصل، و عدم تصوّر مانع غير الأدلّة التي ذكروها.

و الكلّ مردود:

أمّا الأصل، فبالعموم المذكور.

و أمّا حديث رفع القلم، فبمنع العموم فيه، إذ ليس المراد بالقلم و لا برفعه حقيقته، و مجازه متعدّد، فلعلّه قلم التكليف، أو قلم المؤاخذة، أو قلم كتابة السيّئات، كما ورد في حديث يوم الغدير: «إنّه يوم يأمر اللّه سبحانه الكتبة أن يرفعوا القلم عن محبّي أهل البيت إلى ثلاثة أيّام، و لا يكتبوا خطأ و لا معصية» «1».

و أمّا كون

الأمر تكليفا، فهو ممنوع بإطلاقه، و إنّما هو في الإيجابي، و لو سلّم فاشتراط مطلق التكليف بالبلوغ ممنوع.

و أمّا الأخبار، فلأنّ الظاهر منها هو صيام شهر رمضان، و هو الذي يحتاج إلى التأديب.

و أمّا الآخرون، فإن كان مرادهم: أنّ كلّ صوم منه شرعيّ مندوب في حقّه، فهو ممّا لا دليل عليه.

و كون الأمر بالأمر أمرا ممنوع.

و إطلاق الأوامر مخصوص ببعض المستحبّات و إن تعدّى إلى الباقي بالإجماع المركّب، و أمّا الإيجابيّات فمخصوصة بالمكلّفين، إذ لا وجوب على الصبي.

و تعميم الأوامر الوجوبية، و رفع المنع في الصبي فيبقى الندب، استعمال اللفظ في الحقيقة و المجاز، و هو غير جائز.

______________________________

(1) إقبال الأعمال: 464.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 337

و المراد بشرعيّة صومه إن كان: رضاء الشارع به، فهو غير الأمر، بل هو كرضائه بذهاب الحمار من الطريق الفلاني إذا قال لصاحبه: اذهب به من هذا الطريق. و إن كان: أمره به، فهو غير متحقّق في جميع أفراد الصيام.

و بما ذكر ظهر أنّ الحقّ: شرعيّة صومه المستحبّ مطلقا، و تمرينيّة الواجب- لا شرعيّته- و صحّته.

و إن أريد بالشرعيّة: مطلق رضاء الشارع أو أنّه أمر الولي بتمرينه عليه، فلا مشاحّة، كما أنّه لا مضايقة في أن يوصف بالصحّة بمعنى الموافقة للأمر الصادر عن أمر الشارع، أو لأمر من له الإلزام.

فرعان:
أ: قالوا: يتفرّع على الخلاف ما لو بلغ في أثناء النهار

قبل الزوال بغير المبطل، فعلى الصحّة يجب الإتمام، و على عدمها فلا.

أقول: فيه نظر، إذ على فرض الندبيّة و الصحّة فما الدليل على الوجوب في البالغ في الأثناء؟! و لم يثبت علينا الوجوب إلّا في المستجمع للشرائط في تمام النهار.

و الحمل- على من قدم أهله قبل الزوال، و نحوه- قياس باطل، و الأصل يقتضي عدم وجوب الإتمام و

لا القضاء على القولين، مع أنّ من القائلين بالصحّة أيضا من يقول بوجوب الإتمام تأديبا لا صوما.

ثمَّ إنّ للشيخ في كتاب الصوم من الخلاف و المحقّق في المعتبر قولا بوجوب الصوم على الصبي إذا بيّت النيّة و بلغ قبل الزوال «1»، لإمكان الصوم في حقّه. و هو ممنوع.

______________________________

(1) الخلاف 2: 203، و المعتبر 2: 711.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 338

ب: المصرّح به في كلام كثير من الأصحاب

«1» و المنصوص عليه في صحيحة الحلبي «2» و مرسلة الفقيه «3» و الرضوي: أنّ مبدأ تمرين الصبي إذا بلغ تسع سنين «4»، فيؤمر بما يطيقه من اليوم أو بعض اليوم، فلا استحباب للوليّ قبله و لا بعده بما يعسر عليه و يغلب معه الجوع أو العطش.

و أمّا موثّقة سماعة «5» و صحيحة محمّد «6»-: عن الصبي متى يصوم؟

قال: «إذا قوي على الصيام» كما في الأولى، أو: «إذا أطاقه» كما في الثانية- فمحمولتان على ما ذكر، حملا للمطلق على المقيّد، أو على جواز صومه بإرادته، بمعنى: عدم منع الوليّ له، لا على أمر الولي- كما ورد في بعض الأخبار فيما قبل أربع عشرة سنة: «فإن هو صام قبل ذلك فدعه» «7»- أو على الصوم المستحبّ، أو على صيام تمام اليوم.

و عن المبسوط و الشرائع و النافع و القواعد و المختلف و الدروس و اللمعة و الروضة [1] و غيرها «8»: أنّ المبدأ سبع سنين، لصدر صحيحة

______________________________

[1] قال في المبسوط 1: 266 .. و حدّ ذلك بتسع سنين فصاعدا، و قال في المختلف:

233 نقلا عن المبسوط القول بسبع سنين، الشرائع 1: 198، النافع: 68، القواعد 1: 68، المختلف: 234، الدروس 1: 268، اللمعة و الروضة 2: 105.

______________________________

(1) منهم الصدوق في الفقيه 2: 76، و

المقنع: 61، و حكاه عن والده في المختلف: 234، و الشيخ في النهاية: 149، و صاحب المدارك 6: 160.

(2) الكافي 4: 124- 1، التهذيب 4: 282- 853، الاستبصار 2: 123- 400، الوسائل 10: 234 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 3.

(3) الفقيه 2: 76- 329، الوسائل 10: 236 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 11.

(4) فقه الرضا «ع»: 211، مستدرك الوسائل 7: 393 أبواب من يصح منه الصوم ب 19 ح 1.

(5) الكافي 4: 125- 3، الوسائل 10: 234 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 2.

(6) التهذيب 4: 326- 1014، الوسائل 10: 236 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 9.

(7) الوسائل 10: 233 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29.

(8) كالرياض 1: 318.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 339

الحلبي: «إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا»، و ظاهره اختصاص ذلك بأولادهم، كما يستفاد من قوله في ذيلها: «فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين».

بل أطلق جماعة تمرينه قبل السبع «1»، و جعلوه بعده مشدّدا، جمعا بين صدر الصحيحة و بين ما تحدّده بالطاقة. و يظهر ما فيه ممّا ذكرنا.

ثمَّ إنّ الأخبار مخصوصة بالصبي، و لا تعرّض فيها للصبيّة، بل في الرضوي صرّح بالغلام، و لذا توقّف فيها بعض مشايخنا الأخباريّين، بل قال: و من الجائز اختصاص هذا الحكم بالصبي خاصّة «2». انتهى.

إلّا أنّ كثيرا من الأصحاب قد عمّموا الحكم فيهما «3»، و حيث إنّ المقام مقام الاستحباب على الولي فلا بأس بإثباته، للتسامح، إلّا أنّه لا مبدأ معيّنا فيها، بل يقال: يستحبّ تمرينها، فتأمّل.

ثمَّ الممرّن للصيام ينوي القربة أيضا تمرينا لا شرعا، و لو نوى الوجوب أيضا

لذلك جاز.

الثاني: العقل.
اشارة

فلا يصحّ الصوم من المجنون بلا خلاف ظاهر، قالوا: لقبح تكليف غير العاقل «4».

قالوا: و لا يمرّن المجنون و لا يؤمر بالصوم كما يؤمر الصبي، بلا خلاف، لأنّه غير مميّز، بخلاف الصبي، فإنّه مميّز، فكانت للتكليف في

______________________________

(1) كما في المسالك 1: 76، و الرياض 1: 318.

(2) الحدائق 13: 180.

(3) كما في المسالك 1: 76، و المدارك 6: 162، و الرياض 1: 318.

(4) كما في المنتهى 2: 585.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 340

حقّه فائدة، بخلاف المجنون «1».

قيل: و يشكل ذلك في بعض المجانين، لوجود التمييز فيهم «2»، بل ربّما كان أكثر من تمييز الصبي المميّز، فإن كان جنونهم دوريّا أو كانت الإفاقة منهم مرجوحة كان ينبغي تمرينهم على ما تمرّن عليه الصبيان.

إلّا أن يقال: إن وجوب التمرين أو استحبابه حكم شرعيّ لا يثبت إلّا بدليل، و لا دليل هنا كما يوجد في الصبي، فالمناط عدم الدليل لا عدم التمييز.

و يظهر منه القدح في الاستناد في نفي تكليف المجنون بقبح تكليف غير العاقل، فإنّ من المجانين من يعقل تكليفه، فإنّا رأينا منهم من يضرب الناس و يشتمهم و يضحك و يبكي بلا سبب و يتلف ماله، و كانت له دقّة في صلاته و صيامه، و كان يتعقّل التكليف و الثواب و العقاب، و يحفظ آداب عبادته و أحكامها و مسائلها.

بل في دلالة حديث: «و عن المجنون حتى يفيق» «3» على رفع تكليف مثل ذلك أيضا تأمّل، إذ ظاهره رفع القلم فيما جنّ فيه، كما في المكره و الناسي لا مطلقا، فلو ثبت فيه الإجماع و إلّا فنفي التكليف عن مثله مشكل، فإنّ الجنون فنون، و من فنونه ما لا يعقل بعض الأمور و

يعقل بعضها.

فروع:
أ: حكي عن الفاضل «4» و غيره «5»:

أنّ الجنون إذا عرض في أثناء

______________________________

(1) انظر المنتهى 2: 585.

(2) انظر الروضة 2: 102.

(3) الخصال: 93- 40، الوسائل 10: 45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.

(4) في المختلف: 228، و المنتهى 2: 585.

(5) كصاحب الحدائق 13: 165.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 341

النهار لحظة أبطل صومه. و عن الشيخ: أنّه حكم بالصحّة مع سبق النيّة «1».

قال في المدارك: و لا يخلو من قرب «2». و يأتي تحقيقه في المغمى عليه.

ب: لا يصحّ صوم المغمى عليه على الحقّ المشهور

، كما صرّح به جماعة «3»، لرواية ابن سنان: «كلّما غلب اللّه عليه فليس على صاحبه شي ء» «4»، فلا صوم عليه، و لأنّ الصحّة فرع الأمر، الذي هو فرع العقل ضرورة و إجماعا و نصّا.

و النقض بالنائم مردود بالفرق، فإنّ له العقل دون المغمى عليه، و لو سلّم فكون حكم شي ء خلاف الأصل بالدليل لا يوجب التعدّي إلى غيره، لا بمعنى أنّ النائم مكلّف حال النوم على خلاف الأصل، بل بمعنى صحّة صوم من بعض يومه في النوم و كفاية سائر الأجزاء مع سبق النيّة، بل كفاية مطلق سبق النيّة و لو نام في تمام الأجزاء.

ثمَّ إنّه لا فرق فيما ذكرنا بين ما إذا سبقت منه النيّة أو لا، طرأه الإغماء في جميع النهار أو بعضه، في أوله أو أثنائه أو آخره، لما ذكر بعينه.

خلافا للمحكيّ عن المقنعة و المبسوط و الخلاف و السيّد و الديلمي و القاضي، فحكموا بصحّة صومه مع سبق النيّة «5»، و لا دليل يعتدّ به لهم سوى القياس على النائم، و فساده ظاهر، أو جعل سبق النيّة موجبا لبقاء

______________________________

(1) المبسوط 1: 285.

(2) المدارك 6: 138.

(3) انظر الذخيرة: 525، و الحدائق 13: 167.

(4) التهذيب 4: 245- 726، الوسائل 10:

226 أبواب أحكام شهر رمضان ب 24 ح 3.

(5) المقنعة: 352، المبسوط 1: 285، الخلاف 2: 198، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 57، و الديلمي في المراسم: 98، القاضي في المهذب 1: 196.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 342

النيّة الحكميّة مع الإغماء، و يضعف بأنّ النيّة الحكميّة إنّما تفيد مع وجود التكليف.

و قيل: الحقّ أنّ الصوم إن كان عبارة عن مجرّد الإمساك عن الأمور المخصوصة مع النيّة وجب حكمنا بصحّة صوم المغمى عليه إذا سبقت منه النيّة.

و إن اعتبر مع ذلك وقوع جميع أجزائه على وجه الوجوب أو الندب- بحيث يكون كل جزء من أجزائه موصوفا بذلك- تعيّن القول بفساد ذلك الجزء الواقع في حال الإغماء، و يلزم منه فساد الكلّ، إذ الصوم لا يتبعّض، إلّا أنّ ذلك منفي بالأصل، و منقوض بالنائم «1».

و فيه: إنّا نختار الأول، و لا تلزم منه صحّة صوم المغمى عليه.

أمّا أولا: فلعدم تحقّق الإمساك منه حال الإغماء، لأنّه فرع الشعور، و مطلق عدم تحقّق الأمور المخصوصة ليس إمساكا و لا صوما.

و أمّا ثانيا: فلعدم تحقّق النيّة حال الإمساك، لا الفعليّة منها و لا الحكميّة.

و أمّا ثالثا: فلأنّ الصوم هو إمساك المكلّف عمّا ذكر، و المغمى عليه ليس مكلّفا.

ج: السكران كالمغمى عليه حتى في عدم الوجوب

و إن كان السكر بفعله، لما مرّ من قبح تكليف غير العاقل.

د: لا خلاف في صحّة صوم النائم إذا سبقت منه النيّة

و إن استمرّ نومه جميع النهار، و عليه الإجماع مستفيضا، و تدلّ عليه- بعد الإجماع، و تحقّق الإمساك مع النيّة- المتواترة من الأخبار، المتضمّنة لنحو: «إنّ اللّه يطعم

______________________________

(1) المدارك 6: 140.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 343

الصائم و يسقيه في منامه» «1» و: «إنّ نوم الصائم عبادة» «2»: و: «إنّ الصائم في عبادة و إن كان نائما في فراشه» «3».

و المراد بصومه: كونه بحيث ينعقد قلبه و جوارحه عليه قبل النوم و بعده، بحيث لو سئل عنه في الحالين يجيب بأنّي صائم، و هذه نيّته الحكميّة كالساهي.

و المراد بصحّته: كونه مأمورا بذلك العقد المتقدّم و المتأخّر، لا أنّه مكلّف به حال النوم، و لم يثبت اشتراط النيّة أزيد من ذلك، فإنّ هذه نيّته الحكميّة.

و لا ينتقض بالمغمى عليه، لا لأنّه لا عقل له حال الإغماء، فلا تكليف حينئذ، فلا أمر فلا صوم، لعدم تبعّضه، بخلاف النوم، فإنّ عقله باق و إن كانت حواسّه الظاهريّة مغطّاة، إذ لم يثبت لنا فرق بين عقل النائم و المغمى عليه، بحيث يصلح أحدهما للتكليف معه دون الآخر.

بل للنصوص و الإجماع، فإنّ مقتضى الأصل و قاعدة عدم تكليف غير الشاعر حين عدم الشعور و عدم تبعّض الصوم: بطلان صومهما معا.

إلّا أنّ الدليل أخرج النائم، بمعنى: أنّ الدليل جعل صومه عقد القلب و الجوارح في طرفي النوم من النهار، فهو صوم النائم، و جعل صوما من جانب الشارع، فمن كان كذلك فهو صائم و لا قضاء عليه إجماعا.

______________________________

(1) الكافي 4: 65- 14، ثواب الأعمال: 51، الوسائل 10: 136 أبواب آداب الصائم ب 2 ح 1.

(2) الكافي 4: 64-

12، ثواب الأعمال: 51، المقنعة: 304، الوسائل 10: 136 أبواب آداب الصائم ب 2 ح 2.

(3) الكافي 4: 64- 9، التهذيب 4: 190- 538، المقنعة: 304، ثواب الأعمال:

51، الوسائل 10: 127 أبواب آداب الصائم ب 2 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 344

بخلاف المغمى عليه و نحوه، لفقد الدليل المخرج عن الأصل.

الثالث: الإسلام.

بالإجماع، فلا يصحّ من الكافر بأنواعه، لعدم تأتّي قصد القربة و امتثال الأمر به منه، لإنكاره له، مع أنّه شرط في الصحّة إجماعا.

نعم، يجب عليه عندنا، بناء على أنّه مكلّف بالفروع، كما حقّقناه في محلّه.

و ممّا يدلّ على عدم الصحّة منه المروي في العلل: «إنّما يتقبّل اللّه من العبادات العمل بالفرائض التي افترضها اللّه على حدودها مع معرفة من دعا إليه» قال: «و إن صلّى و زكّى و حجّ و اعتمر و فعل ذلك كلّه بغير معرفة من افترض اللّه عليه طاعته، فلم يفعل شيئا من ذلك، لم يصلّ و لم يصم و لم يزكّ و لم يحجّ و لم يعتمر و لم يغتسل من الجنابة و لم يتطهّر و لم يحرّم للّه حراما و لم يحلّ له حلالا، و ليس له صلاة و إن ركع و إن سجد، و لا له زكاة و لا حجّ، و إنّما ذلك كلّه بمعرفة رجل أمر اللّه تعالى على خلقه بطاعته و أمر بالأخذ عنه، فمن عرفه و أخذ عنه أطاع اللّه» «1».

و لا فرق في ذلك بين الكفر في تمام اليوم أو بعضه، فلا يصحّ ممّن أسلم في أثناء النهار في ذلك النهار، كما صرّح به في صحيحة العيص: عن قوم أسلموا في شهر رمضان و قد مضى منه أيّام، هل عليهم أن

يقضوا ما مضى منه أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ فقال: «ليس عليهم قضاء و لا يومهم الذي أسلموا فيه، إلّا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر» «2».

______________________________

(1) العلل: 250- 7 بتفاوت يسير، الوسائل 1: 124 أبواب مقدمة العبادات ب 29 ح 18.

(2) الكافي 4: 125- 3، الفقيه 2: 80- 357، التهذيب 4: 245- 728، الاستبصار 2: 107- 349، الوسائل 10: 327 أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 345

خلافا للمحكيّ عن المبسوط و المعتبر، فأوجبا صوم يوم أسلم قبل زواله «1»، لإطلاق الأمر بالصوم و بقاء وقت النيّة. و الصحيحة المذكورة تردّه.

و لا يجب على الكافر قضاء ما فاته حال الكفر أيضا، للمعتبرة من الأخبار، كالصحيحة المتقدّمة، و صحيحة الحلبي «2»، و رواية مسعدة «3»، و مرسلة الفقيه «4». و أمّا موثّقة الحلبي الآمرة بالقضاء «5» فمحمولة على الاستحباب.

الرابع: الخلوّ عن الحيض و النفاس.

بالإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضا «6»، و استفاضت عليه الروايات، بل تواترت أيضا «7»، فلا يصحّ الصوم منهما و لو رأت الدم في أول جزء من النهار أو آخره، كما نطقت به الأخبار و اتّفقت عليه كلمات الأصحاب. و رواية أبي بصير «8»- الظاهرة في الاعتداد بالصوم لو رأت الدم بعد الزوال- متروكة، و إلى الوهم منسوبة.

______________________________

(1) المبسوط 1: 286، المعتبر 2: 711.

(2) الكافي 4: 125- 1، التهذيب 4: 245- 727، الاستبصار 2: 107- 348، الوسائل 10: 328 أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 2.

(3) الكافي 4: 125- 2، التهذيب 4: 246- 729، الاستبصار 2: 107- 350، الوسائل 10: 328 أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 4.

(4) الفقيه 2: 80- 356، الوسائل 10: 328 أبواب أحكام شهر

رمضان ب 22 ح 3.

(5) التهذيب 4: 246- 730، الاستبصار 2: 107- 351، الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 5.

(6) انظر المعتبر 2: 683، و المنتهى 2: 585، و الرياض 1: 321.

(7) الوسائل 2: 346 أبواب الحيض ب 41 و 394 أبواب النفاس ب 6.

(8) التهذيب 1: 393- 1216، الاستبصار 1: 146- 500، الوسائل 10: 232 أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 346

الخامس: الخلوّ عن السفر.
اشاره

فلا يصحّ صوم واجب مطلقا- منذورا كان أو غيره- و لا مندوب في السفر، إلّا ما استثني منهما، فهاهنا ثلاثة مقامات:

المقام الأول: عدم صحّة صوم واجب غير ما استثني.

و لا ريب فيه، بل هو إجماعيّ مدلول عليه بالأخبار المتواترة.

و هي بين ما يدلّ على الحكم في مطلق الصوم، كصحيحتي صفوان و الحلبي:

الأولى: عن الرجل يسافر في شهر رمضان فيصوم، فقال: «ليس من البرّ الصيام في السفر» «1»، فإنّ الجواب عامّ و إن كان المورد خاصّا.

و الثانية: رجل صام في السفر، فقال: «إن كان بلغه أنّ رسول صلّى اللّه عليه و آله نهى عن ذلك فعليه القضاء، و إن لم يكن بلغه فلا شي ء عليه» «2».

و موثّقة زرارة: «لم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصوم في السفر في شهر رمضان و لا غيره» «3».

و رواية محمّد بن حكيم: «لو أنّ رجلا مات صائما في السفر ما صلّيت عليه» «4».

______________________________

(1) التهذيب 4: 217- 632، الوسائل 10: 177 أبواب من يصحّ منه الصوم ب 1 ح 10.

(2) الكافي 4: 128- 1، الفقيه 2: 93- 417، التهذيب 4: 220- 643، الوسائل 10: 179 أبواب من يصح منه الصوم ب 2 ح 3.

(3) التهذيب 4: 235- 691، الاستبصار 2: 102- 333، الوسائل 10: 201 أبواب من يصح منه الصوم ب 11 ح 4.

(4) الكافي 4: 128- 7، الفقيه 2: 91- 405، التهذيب 4: 217- 629، الوسائل 10: 177 أبواب من يصح منه الصوم ب 1 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 347

و مرسلة الفقيه: «ليس من البرّ الصيام في السفر» «1».

و موثّقة سماعة: عن الصيام في السفر، فقال: «لا صيام في السفر، قد صام أناس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه

و آله فسمّاهم العصاة، فلا صيام في السفر إلّا الثلاثة الأيّام التي قال اللّه تعالى في الحجّ» «2».

و موثّقة عمّار: عن الرجل يقول: للّه عليّ أن أصوم شهرا أو أكثر من ذلك أو أقل، فعرض له أمر لا بدّ له من أن يسافر، أ يصوم و هو مسافر؟

قال: «إذا سافر فليفطر، فإنّه لا يحلّ له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره، و الصوم في السفر معصية» «3» إلى غير ذلك.

و بين ما يدلّ عليه في صيام شهر رمضان، و هي كثيرة جدّا.

و ما يدلّ عليه في قضائه، كصحيحة عليّ: عن رجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان و هو مسافر يقضي إذا أقام في المكان؟ قال: «لا، حتى يجمع على مقام عشرة أيّام» «4».

و ما يدلّ عليه في النذر، كخبر كرّام: إنّي جعلت على نفسي [أن أصوم ] حتى يقوم القائم، فقال: «صم، و لا تصم في السفر» الحديث «5».

______________________________

(1) الفقيه 2: 92- 411 بتفاوت يسير، الوسائل 10: 177 أبواب من يصح منه الصوم ب 1 ح 11.

(2) التهذيب 4: 230- 677، الوسائل 10: 200 أبواب من يصح منه الصوم ب 11 ح 1.

(3) التهذيب 4: 328- 1022، الوسائل 10: 199 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 8.

(4) الكافي 4: 133- 2، مسائل علي بن جعفر: 262- 633، قرب الإسناد:

231- 903، الوسائل 10: 193 أبواب من يصح منه الصوم ب 8 ح 1.

(5) الكافي 4: 141- 1، التهذيب 4: 233- 683، الاستبصار 2: 100- 325، الوسائل 10: 199 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 9، و ما بين المعقوفتين أضفناه من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 348

و رواية مسعدة:

في الرجل يجعل على نفسه أيّاما معدودة مسمّاة في كلّ شهر، ثمَّ يسافر فتمرّ به الشهور، أنّه «لا يصوم في السفر و لا يقضيها إذا شهد» «1».

و موثّقة زرارة: إنّ أمّي جعلت على نفسها للّه عليها نذرا- إلى أن قال-: «لا تصوم في السفر، و قد وضع اللّه عنها حقّه في السفر» «2».

و رواية ابن جندب: عن رجل جعل على نفسه صوم يوم يصومه فحضرته نيّة في زيارة أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «يخرج و لا يصوم في الطريق، فإذا رجع قضى ذلك» «3».

و رواية الصيقل: رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي، فوافق ذلك اليوم عيد فطر أو أضحى أو أيّام التشريق أو سفر أو مرض، هل عليه صوم ذلك اليوم، أو قضاؤه، أو كيف يصنع؟ فكتب عليه السّلام: «قد وضع اللّه الصيام في هذه الأيام كلّها» «4».

و ما يدلّ عليه في صوم الظهار، كموثّقتي محمّد «5» و زرارة «6»، إلى غير ذلك من الأخبار.

______________________________

(1) الكافي 4: 142- 7، التهذيب 4: 329- 1028، الوسائل 10: 199 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 10.

(2) الكافي 4: 143- 10، و في التهذيب 4: 234- 687، و الاستبصار 2: 101- 329، بتفاوت يسير، الوسائل 10: 196 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 3.

(3) الكافي 7: 457- 16، التهذيب 4: 333- 1048، الوسائل 10: 197 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 5.

(4) التهذيب 4: 234- 686، الاستبصار 2: 101- 328، الوسائل 10: 196 أبواب من يصحّ منه الصوم ب 10 ح 2.

(5) التهذيب 4: 232- 681، الوسائل 10: 195 أبواب من يصح منه الصوم ب 9 ح 1.

(6)

راجع الحدائق 13: 186، الهامش: 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 349

خلافا للمحكيّ عن المفيد فيما عدا صوم شهر رمضان «1»، لوجه ضعيف غايته. و قيل: لم يجوّز غير الثلاثة الأيّام لدم المتعة، فمذهبه مطابق للمشهور.

المقام الثاني: في عدم صحّة الصوم المندوب.

و هو مذهب الصدوقين «2» و الحلي و القاضي «3»، و جماعة من المتأخّرين «4»، بل هو المشهور عند القدماء كما صرّح به المفيد، بل يظهر منه أنّ عليه عمل فقهاء العصابة «5»، و قال الحلّي: إنّه مذهب جملة المشيخة الفقهاء من أصحابنا المحصّلين «6».

و نسبه في المدارك إلى المفيد «7»، و هو الذي صرّح به في أول كلامه، حيث قال: لا يجوز ذلك إلّا ثلاثة أيّام للحاجة عند قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو مشهد من مشاهد الأئمّة «8». و لكن المستفاد من آخره الجواز، كما أنّ كلام الديلمي بالعكس «9».

للإطلاقات المتقدّمة، و صريح موثّقة عمّار السابقة «10»، و صحيحة البزنطي: عن الصيام بمكّة و المدينة و نحن بسفر، قال: «فريضة؟» فقلت:

لا، و لكنّه تطوّع كما يتطوّع بالصلاة، فقال: «تقول اليوم و غدا؟» قلت:

______________________________

(1) حكاه عنه في المعتبر 2: 685، و المختلف: 229.

(2) الصدوق في المقنع: 63، حكاه عن والده في المختلف: 230.

(3) الحلي في السرائر 1: 393، القاضي في المهذب 1: 194.

(4) كصاحبي الذخيرة: 524، و الحدائق 13: 200.

(5) انظر المقنعة: 350.

(6) السرائر 1: 393.

(7) المدارك 6: 150.

(8) المقنعة: 350.

(9) المراسم: 98.

(10) في ص: 347.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 350

نعم، فقال «لا تصم» «1».

و المرويّ في تفسير العيّاشي: «لم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصوم في السفر تطوّعا و لا فريضة» «2».

خلافا لجماعة- كالتهذيبين «3» و النهاية و الوسيلة

و الشرائع و الشهيد «4»، و جمع آخر «5»، بل نسب إلى الأكثر «6»- فجوّزوه مع الكراهة كبعضهم «7»، أو بدونها كآخر «8»، لمرسلتي إسماعيل بن سهل و الحسن بن بسّام:

الاولى: خرج أبو عبد اللّه عليه السّلام من المدينة في أيّام بقين من شعبان و كان يصوم، ثمَّ دخل شهر رمضان و هو في السفر فأفطر، فقيل له: تصوم شعبان و تفطر شهر رمضان؟! فقال: «نعم، شعبان إليّ إن شئت صمت و إن شئت لا، و شهر رمضان عزم من اللّه على الإفطار» «9».

و قريبة منها الثانية، و فيها: فقال: «إنّ ذلك تطوّع و لنا أن نفعل ما شئنا، و هذا فرض فليس لنا أن نفعل إلّا ما أمرنا» «10».

______________________________

(1) التهذيب 4: 235- 690، الاستبصار 2: 102- 332، الوسائل 10: 202 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 2.

(2) تفسير العياشي 1: 81- 190.

(3) التهذيب 4: 235، الاستبصار 2: 103.

(4) النهاية: 162، الوسيلة: 149، الشرائع 1: 197، الشهيد في الدروس 1: 270.

(5) كما في جامع المقاصد 3: 83، و الرياض 1: 317.

(6) انظر الرياض 1: 317.

(7) منهم العلّامة في المختلف: 230.

(8) كما في الوسيلة: 149.

(9) الكافي 4: 130- 1، التهذيب 4: 236- 692، الاستبصار 2: 102- 334، الوسائل 10: 203 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 4.

(10) الكافي 4: 131- 5، التهذيب 4: 236- 693، الاستبصار 2: 103- 335، الوسائل 10: 203 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 351

و صحيحة الجعفري: «كان أبي عليه السّلام يصوم عرفة في اليوم الحارّ في الموقف» الحديث «1».

و لصحيحة البزنطي المتقدّمة، من جهة سؤاله في مقام الجواب

عن كون صومه أيّهما، و لو لا الفرق لاتّجه الجواب ب «لا تصم» «2» مطلقا من غير استفسار مفهم منه الفرق بين الفريضة و التطوّع، و ليس إلّا كون النهي في التطوّع للكراهة، إذ لا فارق بينهما غيره إجماعا.

و الجواب، أمّا عن المرسلتين: فبأنّهما معارضتان مع خصوص صحيحة البزنطي و موثّقة الساباطي «3»، و الأخيرتان راجحتان بوجوه عديدة من المرجّحات المنصوصة و غيرها.

من المخالفة لمذهب العامّة، فإنّ ترك الصوم في السفر و المنع منه من شعار الخاصّة.

و الموافقة لسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، كما عرفت في الروايات المتقدّمة «4»، حتى ورد في رواية أبان أنّه «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: خيار أمّتي الذين إذا سافروا أفطروا» «5».

و الأحدثيّة، حيث إنّ الصحيحة مرويّة عن أبي الحسن عليه السّلام.

و الأصحّيّة سندا.

______________________________

(1) التهذيب 4: 298- 901، الاستبصار 2: 133- 433، الوسائل 10: 203 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 3.

(2) راجع ص: 350.

(3) المتقدمة في ص: 347.

(4) في ص: 350.

(5) الكافي 4: 127- 4، الفقيه 2: 91- 408، الوسائل 10: 175 أبواب من يصح منه الصوم ب 1 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 352

و الاعتضاد بشهرة القدماء المحكيّة، بل المحقّقة.

و الموافقة للأصل.

و لو قطع النظر عن الترجيح يجب الرجوع إلى عمومات المنع و إطلاقاته، مع أنّه لو لا ما ذكرنا لزم طرح الصحيحة و الموثّقة، و هو ممّا لا وجه له.

و أمّا حملهما على الكراهة فبعيد غايته، إذ المراد منها إن كان أقلّيّة الثواب و المرجوحيّة الإضافيّة فهي ممّا لا تصلح تجوّزا لقوله: «لا يحلّ» و: «معصية» كما في الموثّقة، بل لا وجه للأمر بالإفطار كما فيها،

و النهي عن الصوم كما في الصحيحة.

و إن كان الكراهة المصطلحة المطلوب تركه فلا يلائم إطلاق التطوع عليه، كما في إحدى المرسلتين، و يبعد ارتكاب الإمام له سيّما مع ترك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله له.

و أمّا عن صحيحة الجعفري: فباحتمال كون الصيام لأجل عدم بلوغ المسافة المعتبرة في تحتّم الإفطار كما هو كذلك، أو استثناء صوم يوم عرفة.

و أمّا عن الأخير: فبأنّه يمكن أن يكون الاستفسار لأمر آخر غير ما ذكر، مثل أن يكون غرضه أنّه لو كان فريضة يأمره بالمقام و الصيام إن أمكن، سيّما إن كانت الفريضة ممّا يتضيّق وقتها كواجب معيّن، أو كان غرضه أنّه إن أجاب بالفرض يستفسر عن أنّه هل هو النذر المقيّد أم غيره.

المقام الثالث: فيما استثني من الصيام الواجب و المندوب في السفر.
اشاره

أمّا المستثنى من الواجب: فبعض الصيام المتعلّقة بمناسك الحجّ، و يأتي في كتابه.

و صوم النذر مع التقييد بالسفر إمّا فقط أو مع الحضر، و استثناؤه

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 353

و صحّة صومه هو الحقّ المشهور بين الأصحاب، بل في المنتهى نفى الخلاف عنه «1»، و في الحدائق: أنّ الحكم اتّفاقي عندهم «2».

لصحيحة ابن مهزيار: نذرت أن أصوم كلّ يوم سبت، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة؟ فكتب عليه السّلام و قرأته: «لا تتركه إلّا من علّة، و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض إلّا أن تكون نويت ذلك» «3».

و ردّها في المعتبر بالضعف، و لذلك لم يفت بمضمونها، و اكتفى بجعله قولا مشهورا «4».

و كأنّه أراد الإضمار.

أو اشتمالها على ما لم يقل به أحد من وجوب الصوم في المرض إذا نوى ذلك، و إلّا فهي صحيحة السند، غاية الأمر جهالة الكاتب، و هي غير مضرّة بعد

إخبار الثقة بقراءة المكتوب.

و الأول: مردود بعدم ضرر الإضمار بعد ظهور أنّه من الإمام، سيّما في هذه الرواية المشتملة على قوله: يا سيّدي.

و الثاني: بمنع الاشتمال عليه، إذ ليس معناه إلّا أنّ مع النيّة ينتفي الحكم المذكور بقوله: «و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض» و يكفي في صدق ذلك انتفاؤه في السفر خاصّة.

و أمّا احتمال أن يكون المراد بقوله: «إلّا أن تكون نويت ذلك»: أن يكون نوى الصوم ثمَّ سافر، ففي غاية البعد، مع أنّه على فرض الاحتمال

______________________________

(1) المنتهى 2: 586.

(2) الحدائق 13: 191.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    354     المقام الثالث: فيما استثني من الصيام الواجب و المندوب في السفر. ..... ص : 352

(3) الكافي 7: 456- 10، التهذيب 4: 235- 689، الاستبصار 2: 102- 331، الوسائل 10: 195 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 1.

(4) المعتبر 2: 684.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 354

يحصل في المخصّص الإجمال، و العامّ المخصّص بالمجمل ليس حجّة في موضعه، فعمومات المنع من الصوم أو المنذور منه في السفر لا تكون حجّة في المورد، و تبقى عمومات الوفاء بالنذر فارغة عن المعارض فيه.

و اختصاص عدم حجّيّة المخصّص بالمجمل- عند التحقيق بما إذا كان مخصّصا بالمنفصل- غير ضائر، إذ ليس متّصل سوى هذه المكاتبة المعارضة- بعد طرح جزئها المجمل- مع رواية إبراهيم بن عبد الحميد:

عن الرجل يجعل للّه عليه صوم يوم مسمّى، قال: «يصومه أبدا في السفر و الحضر» «1» بالتساوي، فلا تبقى إلّا العمومات المخصّصة بالمجمل.

و عن السيّد: استثناء النذر المعيّن مطلقا و إن لم يقيّده بالسفر «2»، و حكي عن المفيد و الديلمي أيضا «3»، لرواية إبراهيم المتقدّمة.

و

يردّ بالمعارضة مع أخبار أخر أكثر و أصحّ، و منها الأخصّ مطلقا، و هي صحيحة ابن مهزيار، فيجب تخصيصها، و لولاه أيضا لسقطت بالمعارضة، فيرجع إلى عمومات المنع عن الصوم في السفر مطلقا.

و أمّا المستثنى من الصيام المندوب: فصوم ثلاثة أيّام للحاجة بالمدينة المشرّفة، على التفصيل الذي تتضمّنه صحيحة معاوية بن عمّار، و لعلّها تأتي في كتاب الحجّ إن شاء اللّه.

______________________________

(1) الكافي 4: 143- 9، التهذيب 4: 235- 688، الاستبصار 2: 101- 330، الوسائل 10: 198 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 7.

(2) حكاه عنه في المختلف: 229.

(3) حكاه عن المفيد في المختلف: 229، الديلمي في المراسم: 97، قال:

و لا يصوم المسافر تطوّعا و لا فرضا، إلّا صيام ثلاثة أيام لدم المتعة، و صوم النذر إذا علقه بوقت حضر في السفر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 355

و ها هنا مسائل:

المسألة الأولى: السفر الذي يجب فيه الإفطار هو الذي يجب فيه التقصير

، كما مرّ مفصّلا في بحث الصلاة، فمن ليس كذلك فحكمه حكم الحاضر، مثل: كثير السفر، و العاصي به، و ناوي العشرة، و غير ذلك، فيجب عليه الصيام إجماعا فتوى و نصّا.

ففي صحيحة ابن وهب: «هما- يعني التقصير و الإفطار- واحد، إذا قصّرت أفطرت، و إذا أفطرت قصرت» «1».

و رواية سماعة: «من سافر و قصّر الصلاة أفطر» «2».

و الأخرى: «ليس يفترق التقصير و الإفطار، فمن قصّر فليفطر» «3».

و تدلّ عليه أيضا رواية أبان: «خيار أمّتي الذين إذا سافروا قصّروا و أفطروا» «4».

و رواية عمّار بن مروان: «من سافر قصّر و أفطر» الحديث «5».

بل تدلّ عليه جميع مطلقات إفطار المسافر «6».

______________________________

(1) الفقيه 1: 280- 1270، التهذيب 3: 220- 551، الوسائل 8: 503 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 17.

(2) التهذيب 3: 207- 492،

الاستبصار 1: 222- 786، الوسائل 8: 477 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 4.

(3) التهذيب 4: 328- 1021، الوسائل 10: 184، 187 أبواب من يصح منه الصوم ب 4 و 5 ح 2 و 9.

(4) الكافي 4: 127- 4، الفقيه 2: 91- 408، الوسائل 10: 175 أبواب من يصح منه الصوم ب 1 ح 6.

(5) الكافي 4: 129- 3، الفقيه 2: 92- 409، التهذيب 4: 219- 640، الوسائل 8: 476 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 3.

(6) الوسائل 10: 173 أبواب من يصح منه الصوم ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 356

و يستثنى منه: سفر الصيد للتجارة على الأظهر، فيتمّ الصلاة و يفطر الصوم، كما مرّ بيانه في كتاب الصلاة، و اللّه العالم.

المسألة الثانية: من صام مع فرض الإفطار في السفر عالما عامدا بطل صومه

و وجب عليه قضاؤه، إجماعا محقّقا، و محكيّا مستفيضا «1»، له، و للنهي المفسد للعبادة، و الأخبار:

كصحيحة ابن عمّار: «إذا صام الرجل رمضان في السفر لم يجزه، و عليه الإعادة» «2».

و الحلبي: رجل صام في السفر، فقال: «إن كان بلغه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن ذلك فعليه القضاء، و إن لم يكن بلغه فلا شي ء عليه» «3».

و مرسلتي أبي بصير و المقنع الآتيتين، و مفاهيم الشرط في صحاح العيص و المرادي و البصري الآتية جميعا، و غير ذلك من الأخبار الواردة في موارد الحرمة «4».

و لو كان جاهلا بالحكم أجزأه و لا قضاء عليه، بالإجماعين أيضا «5»، و الأخبار:

منها: صحيحة الحلبي السابقة، و صحيحة العيص: «من صام في

______________________________

(1) كما في الخلاف 2: 201، و التذكرة 1: 273، و المنتهى 2: 597، و الرياض 1: 329.

(2) التهذيب 4: 221- 645، الوسائل 10: 179 أبواب من يصح

منه الصوم ب 2 ح 1.

(3) الكافي 4: 128- 1، الفقيه 2: 93- 417، التهذيب 4: 220- 643، الوسائل 10: 179 أبواب من يصح منه الصوم ب 2 و 3.

(4) الوسائل 10: 173 و 179 أبواب من يصح منه الصوم ب 1 و 2.

(5) كما في المدارك 6: 285، و الحدائق 13: 397 و قال فيه: اتفاقا، و الرياض 1:

329.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 357

السفر بجهالة لم يقضه» «1».

و المرادي، و فيها: «و إن صامه بجهالة لم يقضه» «2».

و البصري: عن رجل صام شهر رمضان في السفر، فقال: «إن كان لم يبلغه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن ذلك فليس عليه القضاء، و قد أجزأ عنه الصوم» «3».

و هل الحكم مختصّ بما إذا جهل أصل الحكم، كما اخترناه في الصلاة؟

أو يشمل الجهل ببعض خصوصيّاته أيضا، كما إذا ظنّ أنّ سفرا يعصى فيه يوجب الإتمام و لو لم يكن أصل السفر معصية؟

اختار بعض الأجلّة: الثاني، و نسبه إلى إطلاق الأصحاب. و هو الأظهر، لإطلاق الجهالة في صحيحتي العيص و المرادي.

لا يقال: مقتضى صحيحتي الحلبي و البصري: القضاء و عدم الإجزاء، إذ العالم بأصل الحكم يصدق عليه أنّه بلغه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن ذلك، أي الصوم في السفر.

لأنّا نقول: هذا يتمّ إذا جعل المشار إليه الصوم في السفر، و يحتمل أن يكون فعله، أي نهى عن صومه الذي صامه.

و هل يلحق الناسي بالجاهل؟ فيه قولان:

أحدهما: نعم، لاشتراكهما في العذر، و فوات الوقت، و عدم التقصير، و رفع الحكم عنه.

______________________________

(1) الكافي 4: 128- 2، الوسائل 10: 180 أبواب من يصح منه الصوم ب 2 ح 5.

(2)

الكافي 4: 128- 3، الوسائل 10: 180 أبواب من يصح منه الصوم ب 2 ح 6.

(3) التهذيب 4: 221- 646، الوسائل 10: 179 أبواب من يصح منه الصوم ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 358

و ثانيهما: لا، و هو الأصحّ، لإطلاق النصوص، سيّما صحيحة ابن عمّار المتقدّمة «1». و دعوى تبادر العامد ممنوعة.

و لو علم الجاهل و الناسي في أثناء النهار أفطرا و قضيا، لزوال العذر الموجب- لكون الجزء المتأخّر إن فعله معصية، و المعصية لا تجزئ عن الصوم الواجب- و لخروجه عن النصوص المثبتة، لأنّها فيمن صام، و الصوم هو الإمساك تمام اليوم.

المسألة الثالثة: اختلف الأصحاب في الوقت الذي إذا خرج فيه المسافر يجب عليه الإفطار على أقوال:
الأول: اعتبار الزوال

، فإن خرج قبله أفطر و أن خرج بعده صام، اختاره الإسكافي و المفيد و الكليني و الفقيه و المقنع و المختلف و المنتهى «2»، بل أكثر كتب الفاضل «3»، و فخر المحقّقين و اللمعة و الروضة «4»، و غيرهم من المتأخّرين «5»، و هو المحكيّ عن الحلبي، إلّا أنّه أوجب القضاء مطلقا «6».

و استدلّوا لذلك بالأخبار المستفيضة، كصحيحة الحلبي: عن الرجل يخرج من بيته يريد السفر و هو صائم، فقال: «إن خرج قبل الزوال فليفطر و ليقض ذلك اليوم، و إن خرج بعد الزوال فليتمّ يومه» «7».

______________________________

(1) في ص: 356.

(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 230، المفيد في المقنعة: 354، الكليني في الكافي 4: 131، الفقيه 2: 90، المقنع: 62، المختلف: 231، المنتهى 2: 599.

(3) كما في التحرير 1: 83، و التذكرة 1: 273، و القواعد: 68.

(4) فخر المحققين في الإيضاح 1: 244، اللمعة و الروضة 2: 127.

(5) كصاحبي المدارك 6: 287، و الذخيرة: 537.

(6) الكافي في الفقه: 182.

(7) الكافي 4: 131- 1، الفقيه 2: 92-

412، التهذيب 4: 228- 671، الاستبصار 2: 99- 321، الوسائل 10: 185 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 359

و محمّد: «إذا سافر الرجل في شهر رمضان، فخرج بعد نصف النهار، فعليه صيام ذلك اليوم و يعتدّ به من شهر رمضان» «1».

و عبيد: في الرجل يسافر من شهر رمضان يصوم أو يفطر؟ قال: «إن خرج قبل الزوال فليفطر، و إن خرج بعد الزوال فليصم» الحديث «2».

و موثّقته: «إذا خرج الرجل في شهر رمضان بعد الزوال أتمّ الصيام، و إذا خرج قبل الزوال أفطر» «3».

و هذه الأخبار- مع ما هي عليه من الاستفاضة و اعتبار أسانيدها- مؤيّدة في الحكم الأول بعموم الكتاب «4» و السنّة بوجوب الفطر على كلّ مسافر، و خصوص المعتبرة و الإجماعات المحكيّة القائلة «5» على الكلّية: بأنّه إذا قصّرت أفطرت، و في الثاني بالإجماع المحكيّ عليه في الخلاف مطلقا «6».

و الثاني: اعتبار تبييت النيّة و قصد السفر في الليل

، فإن بيّتها يجب الإفطار متى ما خرج، و إلّا فالصوم كذلك، ذهب إليه الشيخ في النهاية و المبسوط و الاقتصاد و الجمل و القاضي و ابن حمزة و المعتبر و الشرائع و النافع و التلخيص «7».

______________________________

(1) الكافي 4: 131- 4، الفقيه 2: 92- 413، التهذيب 4: 229- 672، الاستبصار 2: 99- 322، الوسائل 10: 185 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 1.

(2) الكافي 4: 131- 3، الوسائل 10: 186 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 3.

(3) الكافي 4: 131- 2، الوسائل 10: 186 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 4.

(4) البقرة: 183.

(5) في النسخ: القابلة.

(6) الخلاف 2: 204.

(7) النهاية: 161، المبسوط 1: 284، الاقتصاد: 295، الجمل و

العقود (الرسائل العشر): 221، القاضي في المهذّب 1: 194، ابن حمزة في الوسيلة: 149، المعتبر 2: 715، الشرائع 1: 210، النافع: 71.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 360

و احتجّوا له بموثّقة ابن يقطين: في الرجل يسافر في شهر رمضان أ يفطر في منزله؟ قال: «إذا حدّث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله، و إن لم يحدّث نفسه من الليل ثمَّ بدا له السفر من يومه أتمّ صومه» «1».

و مرسلة صفوان- المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه- عن أبي بصير:

«إذا خرجت بعد طلوع الفجر و لم تنو السفر من الليل، فأتمّ الصوم و اعتد به من شهر رمضان» «2».

و الأخرى: «إذا أردت السفر في شهر رمضان فنويت الخروج من الليل، فإن خرجت قبل الفجر أو بعده فأنت مفطر و عليك قضاء ذلك اليوم» «3».

و صحيحه صفوان عن الرضا عليه السّلام: «و لو أنّه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا أو جائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا و الإفطار، فإن هو أصبح و لم ينو السفر قصّر و لم يفطر يومه ذلك» «4».

و موثّقة رفاعة: عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح، قال: «يتمّ صومه يومه ذلك» الحديث «5».

و الثالث: عدم اعتبار شي ء منهما

، بل وجوب الإفطار في أيّ جزء

______________________________

(1) التهذيب 4: 228- 669، الاستبصار 2: 98- 319، الوسائل 10: 187 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 10.

(2) التهذيب 4: 228- 670، الاستبصار 2: 98- 320، الوسائل 10: 188 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 12.

(3) التهذيب 4: 229- 673، الاستبصار 2: 99- 323، الوسائل 10: 188 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 13.

(4) التهذيب 4:

225- 662، الاستبصار 1: 227- 806، الوسائل 10: 187 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 11.

(5) التهذيب 4: 228- 668، الاستبصار 2: 98- 317، الوسائل 10: 186 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 361

خرج من النهار، اختاره والد الصدوق في الرسالة و العماني و السيّد و الحلّي و ابن زهرة و ظاهر الإرشاد «1».

للعمومات، و خصوص رواية عبد الأعلى: في الرجل يريد السفر في شهر رمضان، قال: «يفطر و إن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل» «2».

و مرسلة المقنع: «من خرج بعد الزوال فليفطر و ليقض ذلك اليوم» «3».

و الرضويّ: «فإن خرجت في سفر و عليك بقيّة يوم فأفطر» «4».

و الرابع: اعتبار التبييت و الخروج قبل الزوال معا،

و هو محتمل المبسوط بل ظاهره، فإنّه قال فيه: و من سافر عن بلده في شهر رمضان و كان خروجه قبل الزوال، فإن كان بيّت نيّة السفر أفطر، و عليه القضاء، و إن كان بعد الزوال لم يفطر، و متى لم يبيّت النيّة للسفر و إنّما تجدّدت أتمّ ذلك اليوم و لا قضاء عليه «5».

فإنّ قوله: لم يفطر، ظاهر في صحّة الصوم، و لكنّه يحتمل إرادة وجوب الإمساك و إن كان عليه القضاء، كما صرّح به في النهاية، و قال فيه:

و متى بيّت نيّة السفر من الليل و لم يتّفق له الخروج إلّا بعد الزوال كان عليه أن يمسك بقيّة النهار، و عليه القضاء «6».

______________________________

(1) حكاه عن والد الصدوق و العماني في المختلف: 230، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 55، الحلّي في السرائر 1: 392، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 557، الإرشاد 1: 304.

(2) التهذيب 4: 229- 674،

الاستبصار 2: 99- 324، الوسائل 10: 188 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 14.

(3) المقنع: 62، الوسائل 10: 189 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 15.

(4) فقه الرضا «ع»: 208.

(5) المبسوط 1: 284.

(6) النهاية: 162.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 362

و حجّته- بعد رفع اليد عن أخبار القول الثالث، للقطع و الضعف، أو تخصيصها بالأخبار المقيّدة بما قبل الزوال أو التبييت، للأخصّية المطلقة-:

الجمع بين أخبار القولين الأولين، حيث إنّ التعارض بينهما بالعموم و الخصوص من وجه، فيقيّد عموم كلّ منهما بخصوص الآخر، فإنّ الظاهر يحمل على النصّ.

و مثل هذا الجمع لا يحتاج إلى شاهد، بخلاف الجمع بينهما بالاكتفاء بأحد الأمرين- كما اتّفق لبعض المتأخّرين «1»- فإنّه يحتاج إلى الشاهد.

و الخامس: التخيير بين الصوم و الإفطار

إن خرج بعد الزوال، و تحتّم الإفطار إن خرج قبله، و هو المحكيّ عن التهذيبين «2» و المختلف «3».

لصحيحة رفاعة: عن الرجل يريد السفر في رمضان، قال: «إذا أصبح في بلده ثمَّ خرج فإن شاء صام و إن شاء أفطر» «4»، بتقييدها بما بعد الزوال للمقيّدات.

و السادس: التخيير في تمام اليوم

، نفى عنه البعد في المدارك «5»، لإطلاق هذه الصحيحة.

أقول- و باللّه التوفيق-: إنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ الصحيحة الأخيرة تخالف الشهرة العظيمة القديمة و الجديدة، بل لم يعمل بإطلاقها أحد من القدماء و المتأخّرين، و ليس إلّا نفي بعد من شاذّ عن العمل به، و مثل ذلك

______________________________

(1) الوسائل 10: 185.

(2) التهذيب 4: 229، الاستبصار 2: 99.

(3) المختلف: 232.

(4) التهذيب 4: 327- 1019، الوسائل 10: 187 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 7.

(5) المدارك 6: 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 363

لا يصلح للحجّية، فكيف إذا عارضة الروايات الكثيرة؟! و مع ذلك هو موافق لمذهب العامّة «1»، فرفع اليد عن إطلاقه لازم.

و كذلك الأخبار الآمرة بالصوم مطلقا ما لم يسافر قبل الفجر، كرواية الجعفري، و فيها: «إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم إلّا أن يدلج دلجة» «2».

و سماعة: «إذا طلع الفجر و لم يشخص فعليه صيام ذلك اليوم، و إن خرج من أهله قبل طلوع الفجر فليفطر و لا صيام عليه» «3».

و موثّقته: «من أراد السفر في رمضان فطلع الفجر و هو في أهله فعليه صيام ذلك اليوم» «4» فإنّ إطلاق هذه الأخبار خلاف الإجماع، معارض مع الأخبار الخاصّة.

فإذن القول الأخير ساقط عن الاعتبار، و كذلك ما قبله، لعدم دليل عليه، و الصحيحة لا تختصّ بما بعد الزوال، و الحكم بخروج

ما قبله بالدليل، فيبقى الباقي ليس بأولى من العكس، لأنّ أدلّة وجوب الإفطار لو خرج قبل الزوال مطلقا ليس بأقوى من دليل وجوب الصوم لو خرج بعده كذلك، فلا يظهر وجه لهذا الجمع.

بل و كذلك ما قبلهما أيضا، لأنّه- بعد رفع اليد عن أخبار القول

______________________________

(1) انظر المغني 3: 90، و بداية المجتهد 1: 296.

(2) التهذيب 4: 227- 667، الاستبصار 2: 98- 317، الوسائل 10: 186 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 6. و أدلج القوم: إذا ساروا من أول الليل. فإن ساروا من آخر الليل فقد ادّلجوا، بتشديد الدال- الصحاح 1: 315.

(3) التهذيب 4: 327- 1020، الوسائل 10: 187 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 8.

(4) التهذيب 4: 328- 1021، الوسائل 10: 187 أبواب من يصحّ منه الصوم ب 5 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 364

الثالث- مبنيّ على تقييد كلّ من أخبار الأول و الثاني بالآخر، فيقال: إنّ المراد بأخبار الإفطار قبل الزوال: أنّه مع التبييت، و بأخبار الإفطار مع التبييت: أنّه إن كان قبل الزوال، و يبقى الجزء الآخر من الأخبار الاولى- و هي الصوم بعد الزوال مطلقا- بلا معارض، فيعمل به.

و على هذا، فيبقى حكم السفر قبل الزوال بدون التبييت خارجا عن الفريقين، مسكوتا عنه فيهما، و حينئذ فالحكم بوجوب الصوم فيه- لعمومات الصوم، دون الإفطار، لعمومات وجوب الإفطار في السفر- لا وجه له.

و الحاصل: أنّ إيجاب الصوم على غير المبيّت إذا خرج قبل الزوال إن كان من جهة خروجه عنهما فيطالب بدليله على هذا الحكم فيه، و إن كان من جهة ترجيح أخبار التبييت بالنسبة إليه فيطالب بوجه الترجيح، و كلاهما مفقودان.

بل و كذلك ما

قبل الثلاثة أيضا، لضعف أدلّته جدّا.

أمّا الرضوي «1»، فلضعفه بنفسه، و خلوّه عن الجابر، و معارضته بمثله المذكور في كتاب الصلاة منه، و هو قوله: «و إن خرجت بعد طلوع الفجر أتممت صوم ذلك اليوم و ليس عليك القضاء، لأنّه دخل عليك وقت الفرض على غير مسافر» «2».

و أمّا مرسلة المقنع «3»، فللضعف الخالي عن الجابر أيضا، سيّما مع عدم عمل صاحب المقنع بها أيضا، و هو من مخرجات الخبر عن الحجّيّة.

______________________________

(1) المتقدم في ص: 361.

(2) فقه الرضا «ع»: 208.

(3) المتقدمة في ص: 361.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 365

و أمّا رواية عبد الأعلى «1»، فلعدم استنادها إلى إمام، و عدم دلالتها على الوجوب- الذي هو المطلوب- و معارضة إطلاقها مع ما هو أكثر منها عددا و أصحّ سندا و أوضح دلالة و أشهر عملا و أخصّ مدلولا.

فبقي الكلام في ترجيح أحد القولين الأولين، و لا خفاء في حكم محلّ اجتماعهما، و هو الخروج قبل الزوال مع التبييت، أو بعده مع عدمه، فيفطر في الأول، و يصوم في الثاني قطعا، و يبقى حكم القبل مع عدم التبييت و البعد مع التبييت محلا للتعارض.

و هو في الأول مع أخبار القول الأول، لمخالفته لمعظم العامّة، فإنّه نقل في المنتهى: إنّ الشافعي و أبا حنيفة و الأوزاعي و أبا ثور و الزهري و النخعي و مكحول- و نسب إلى مالك أيضا- قالوا: بأنّه إذا نوى المقيم الصوم قبل الفجر ثمَّ خرج بعده مسافرا لم يفطر يومه «2». و مع ذلك هو موافق لعمومات وجوب الإفطار في السفر كتابا و سنّة، فلا مناص على القول به في الأول، و الحكم بوجوب الإفطار مع الخروج قبل الزوال مطلقا.

و أمّا

في الثاني، فيشكل الحكم جدّا، إذ لا يعلم مذهب العامّة هنا مع التبييت حتى يرجّح مخالفه، و عمومات السفر و إن كانت مع الإفطار، إلّا أنّه ممّا لم يعلم قول أحد به مع القول بالصوم مع عدم التبييت و الإفطار ما قبل الزوال مطلقا، فالظاهر أنّ القول به خلاف الإجماع المركّب، و بذلك الإجماع يمكن ترجيح إتمام الصوم مع الخروج ما بعد الزوال مطلقا بعد ترجيح أخبار ما قبل الزوال بمخالفة العامّة.

إلّا أنّ الاحتياط هنا ممّا لا ينبغي أن يترك البتّة، بأن مع التبييت يخرج

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 361.

(2) المنتهى 2: 599.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 366

قبل الزوال و لو إلى حدّ الترخّص خاصّة، أو أخّر الخروج إلى الغروب، و لو اضطرّ إلى الخروج بعد الزوال أتمّ الصوم و قضاه.

المسألة الرابعة: إذا جاء المسافر إلى بلده أو بلد الإقامة

، فما لم يدخل فيه فله الإفطار ما دام خارجا و إن علم الدخول قبل الزوال، و إن لم يفطر في الخارج: فإن دخل قبل الزوال يجب عليه الصوم و يجزئه، و إن دخل بعده يجب عليه القضاء و لا صوم له و إن استحبّ الإمساك له، كما إذا أفطر قبل الدخول أيضا.

فهذه أحكام أربعة، لا خلاف على الظاهر في شي ء منها بين الأصحاب.

و تدلّ على الأول: صحيحة محمّد: عن الرجل يقدم من سفره في شهر رمضان، فيدخل أهله حين يصبح أو ارتفاع النهار، قال: «إذا طلع الفجر و هو خارج و لم يدخل أهله فهو بالخيار، إن شاء صام، و إن شاء أفطر» «1».

و الأخرى: «إذا وصل أرضا قبل طلوع الفجر و هو يريد الإقامة بها فعليه صوم ذلك اليوم، و إن دخل بعد الفجر فلا صيام عليه و إن شاء صام»

«2».

و صحيحة رفاعة: عن الرجل يقدم في شهر رمضان من سفر فيرى أنّه سيدخل أهله ضحوة أو ارتفاع النهار، فقال: «إذا طلع الفجر و هو خارج و لم يدخل أهله فهو بالخيار، إن شاء صام، و إن شاء أفطر» «3».

______________________________

(1) الكافي 4: 132- 6، التهذيب 4: 256- 757، الوسائل 10: 190 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 3.

(2) الكافي 4: 131- 4، الفقيه 2: 92- 413، التهذيب 4: 229- 672، الاستبصار 2: 99- 322، الوسائل 10: 189 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 1.

(3) الكافي 4: 132- 5، الفقيه 2: 93- 414، التهذيب 4: 255- 756، الاستبصار 2: 98- 318، الوسائل 10: 189 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 367

و معنى تلك الأخبار: أنّ الذي يدخل بعد الفجر لا صيام عليه واجبا و له الخيار، و هو كذلك، فإنّ له الإفطار بأن يفطر قبل الدخول، و له الصيام بأن يدخل بدون الإفطار.

و لا ينافي ذلك سقوط خياره بعد الدخول، كما يقال: إنّه لا يجب عليك القضاء في هذا اليوم المعيّن و أنت فيه بالخيار.

و لا ينافيه الوجوب إذا نوى القضاء و لم يفطر إلى ما بعد الزوال.

و لو قلنا بدلالتها على العموم أيضا يجب تخصيص الخيار بما قبل الدخول قبل الزوال- بأن يفطر و يدخل، أو يؤخّر التأخير إلى ما بعد زوال الشمس- بالأخبار الآتية.

و على الثاني: موثّقة أبي بصير: عن الرجل يقدم من سفره في شهر رمضان، فقال: «إن قدم قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم، و يعتدّ به» «1».

و خبر أحمد بن محمّد: عن رجل قدم من سفره في

شهر رمضان، و لم يطعم شيئا قبل الزوال، قال: «يصومه» «2».

و رواية يونس: في المسافر يدخل أهله و هو جنب قبل الزوال و لم يكن أكل «فعليه أن يتمّ صومه و لا قضاء عليه»، يعني: إذا كانت جنابته عن احتلام «3».

______________________________

(1) التهذيب 4: 255- 754، الوسائل 10: 191 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 6.

(2) الكافي 4: 132- 7، التهذيب 4: 255- 755، الوسائل 10: 190 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 4.

(3) الكافي 4: 132- 9، الفقيه 2: 93- 415، التهذيب 4: 254- 752، الاستبصار 2: 113- 369، الوسائل 10: 190 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 368

و تدلّ عليه و على الثالث و بعض أفراد الرابع: موثّقة سماعة: «إن قدم بعد زوال الشمس أفطر و لا يأكل ظاهرا، و إن قدم من سفره قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم إن شاء» «1».

و تدل على الثالث أيضا موثّقة محمّد: عن الرجل يقدم من سفره بعد العصر في شهر رمضان، فيصيب امرأته [حين ] طهرت من الحيض، أ يواقعها؟ قال: «لا بأس به» «2».

و على البعض الآخر من الرابع: موثّقة سماعة: عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس و قد أكل، قال: «لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئا» «3».

و رواية يونس: المسافر يدخل أهله في شهر رمضان و قد أكل قبل دخوله، قال: «يكفّ عن الأكل بقيّة يومه، و عليه القضاء» «4».

و روايتا الزهري و الرضوي: «و أمّا صوم التأديب» إلى أن قالا:

«و كذلك المسافر إن أكل أول النهار ثمَّ قدم أهله أمر بالإمساك بقيّة يومه تأديبا، و ليس بفرض»

«5».

المسألة الخامسة: المراد بقدوم المسافر و خروجه

المبنيّ عليهما

______________________________

(1) التهذيب 4: 327- 1020، الوسائل 10: 191 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 7.

(2) التهذيب 4: 242- 710، الاستبصار 2: 106- 347، الوسائل 10: 193 أبواب من يصح منه الصوم ب 7 ح 4. و ما بين المعقوفتين من المصادر.

(3) الكافي 4: 132- 8، التهذيب 4: 253- 751، الاستبصار 2: 113- 368، الوسائل 10: 191 أبواب من يصح منه الصوم ب 7 ح 1.

(4) الكافي 4: 132- 9، التهذيب 4: 254- 752، الاستبصار 2: 113- 369، الوسائل 10: 192 أبواب من يصح منه الصوم ب 7 ح 2.

(5) الكافي 4: 83- 1، الفقيه 2: 46- 208، التهذيب 4: 294- 895، فقه الرضا «ع»: 202، الوسائل 10: 192 أبواب من يصح منه الصوم ب 7 ح 3، مستدرك الوسائل 7: 487 أبواب بقية الصوم الواجب ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 369

الحكمان المذكوران: ما مرّ في بحث الصلاة، من التجاوز عن حدّ الترخّص خارجا و داخلا، لما مرّ من التلازم بين القصر و الإفطار «1».

المسألة السادسة: الحقّ المشهور: جواز المسافرة في شهر رمضان

و الإفطار مطلقا، ما لم يكن عاصيا بسفره، ففي صحيحة محمّد: عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان و هو مقيم، و قد مضى منه أيّام، قال:

«لا بأس بأن يسافر و يفطر و لا يصوم» «2»، و تدلّ عليه الأخبار الآتية أيضا.

خلافا للمحكيّ عن الحلبي، فقال: إذا دخل الشهر على حاضر لم يحلّ له السفر مختارا «3»، لبعض الأخبار الآتية القاصر عن إفادة الحرمة، سيّما مع معارضته مع النافي لها.

و المحكيّ عن الإسكافي و العماني، حيث قالا بعدم جواز الإفطار في سفره للتلذّذ و التنزّه و إن أوجبا القضاء أيضا «4»، و

لعلّه لبعض الأخبار الآتية النافية للسفر في شهر رمضان. و هو- مع عدم دلالته على الحرمة- غير ناهض لتمام مطلوبهما.

ثمَّ إنّه بعد جواز السفر و الإفطار قد اختلفت الأخبار في أنّ الأفضل هل هو الإقامة و ترك السفر، أم لا؟

فإنّ منها ما يدل على أفضليّة بعض الإسفار، كصحيحة محمّد: في الرجل يشيّع أخاه مسيرة يوم أو يومين أو ثلاثة، قال: «إذا كان في شهر رمضان فليفطر»، قلت: أيّهما أفضل أن يصوم أو يشيّعه؟ قال: «يشيّعه» «5»،

______________________________

(1) راجع ص: 358.

(2) الفقيه 2: 90- 400، الوسائل 10: 181 أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 2.

(3) الكافي في الفقه: 182.

(4) حكاه عنهما في المختلف: 232.

(5) الكافي 4: 129- 5، الوسائل 8: 482 أبواب صلاة المسافر ب 10 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 370

و بمضمونها موثّقة زرارة «1»، و مرسلة المقنع «2».

و حسنة حمّاد: رجل من أصحابي جاء خبره من [الأعوص ] و ذلك في شهر رمضان أتلقّاه و أفطر؟ قال: «نعم» قلت: أتلقّاه و أفطر أو أقيم و أصوم؟ قال: «تلقّاه و أفطر» [1].

و منها ما يدلّ على أفضليّة الإقامة- إلّا في بعض الإسفار- كصحيحة الحلبي: عن رجل يدخل في شهر رمضان و هو مقيم لا يريد براحا، ثمَّ يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر، فسكت، فسألته غير مرّة، فقال: «يقيم أفضل، إلّا أن تكون له حاجة لا بدّ له من الخروج فيها أو يتخوّف على ماله» «3».

و رواية أبي بصير: يدخل عليّ شهر رمضان فأصوم بعضه، فتحضرني نيّة في زيارة قبر أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام، فأزوره و أفطر ذاهبا و جائيا، أو أقيم حتى أفطر فأزوره بعد ما

أفطر بيوم أو يومين؟ فقال: «أقم حتى تفطر»، قلت: جعلت فداك، هو أفضل؟ قال: «نعم» «4»، و قريبة منها مكاتبة محمّد بن الفضل البغدادي «5».

______________________________

[1] الكافي 4: 129- 6، الفقيه 2: 90- 402، الوسائل 8: 482 أبواب من يصحّ منه الصوم ب 10 ح 2، بدل ما بين المعقوفتين في النسخ: الأعوض، و ما أثبتناه من المصادر. و هو واد في ديار بأهله لبني حصن منهم. و الأعوض: شعب لهذيل بتهامة- معجم البلدان 1: 223.

______________________________

(1) الكافي 4: 129- 7، التهذيب 3: 218- 540، الوسائل 8: 483 أبواب صلاة المسافر ب 10 ح 4.

(2) المقنع: 62، الوسائل 8: 182 أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 5.

(3) الكافي 4: 126- 2، الفقيه 2: 89- 399، الوسائل 10: 181 أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 1.

(4) التهذيب 4: 316- 961، الوسائل 10: 183 أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 7.

(5) التهذيب 6: 110- 198، الوسائل 14: 573 أبواب المزار و ما يناسبه ب 91 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 371

و رواية الحسين بن المختار: «لا تخرج في رمضان إلّا للحجّ، أو للعمرة، أو مال تخاف عليه الفوت، أو لزرع يحين حصاده» «1».

و رواية أبي بصير: عن الخروج في شهر رمضان، قال: «لا، إلّا فيما أخبرك به: خروج إلى مكّة، أو غزوة في سبيل اللّه، أو مال تخاف هلاكه، أو أخ تريد وداعه» «2».

و قريبة منهما مرسلة ابن أسباط، و زاد في آخرها: «فإذا مضت ليلة ثلاثة و عشرين فليخرج حيث شاء» «3».

و الذي يظهر لي من ضمّ بعض هذه الأخبار مع بعض- بعد انتفاء الحرمة في سفر غير العاصي

بسفره مطلقا-: أنّ السفر في شهر رمضان إمّا يكون لحاجة تفوت بتأخيرها إلى خروج الشهر، أو لا يكون كذلك.

و الأول: إمّا تكون الحاجة من الأمور الراجحة شرعا- كحجّ، أو عمرة، أو غزوة، حيث إنّ الغالب فوات هذه الأمور بالتخلّف عن الرفقة، أو مشايعة أخ، أو وداعه، أو ملاقاته لوروده من سفر، أو نحو ذلك- أو تكون من الأمور المباحة.

فإن كان من الأول، فالأفضل السفر، لأخبار المشايعة و التلقّي المتقدّمة، بضميمة عدم الفصل.

______________________________

(1) التهذيب 4: 327- 1017، الوسائل 10: 183 أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 8.

(2) الكافي 4: 126- 1، و في الفقيه 2: 89- 398، التهذيب 4: 327- 1018 بتفاوت، الوسائل 10: 181 أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 3.

(3) التهذيب 4: 216- 626، الوسائل 10: 182 أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 372

و إن كان من الثالث، فالأفضل الإقامة و إن كان السفر للأمور الراجحة شرعا- كزيارة الحسين عليه السّلام و نحوها- للمستثنى منه في الأخبار السابقة، و ترجيح الإقامة على الزيارة.

و إن كان من الثاني، فيتساوى الطرفان، للتصريح في الأخبار السالفة بأفضلية الإقامة إلّا للحاجة أو حصاد الزرع، فليست الإقامة حينئذ أفضل، و لا دليل على أفضليّة السفر حينئذ، فيتساوى الأمران.

و أفضليّة الإقامة في مواردها إنّما هي قبل يوم الثلاثة و العشرين خاصّة، لمرسلة ابن أسباط.

المسألة السابعة: يجوز الجماع في نهار شهر رمضان للمسافر الذي يفطر

، بل لكلّ من يسوغ له الإفطار على الأظهر الأشهر، للمستفيضة من الأخبار، كصحيحتي عمر بن يزيد «1» و عليّ بن الحكم «2»، و موثّقة داود بن الحصين «3»، و روايات الهاشمي «4»، و سهل «5»، و محمّد «6»، و أبي العبّاس «7».

______________________________

(1)

الكافي 4: 133- 1، التهذيب 4: 241- 708، الاستبصار 2: 106- 345، الوسائل 10: 205 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 1.

(2) الاستبصار 2: 106- 346، الوسائل 10: 207 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 9.

(3) التهذيب 4: 328- 1024، الوسائل 10: 207 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 7.

(4) الكافي 4: 134- 3، التهذيب 4: 242- 709، الوسائل 10: 205 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 3.

(5) الكافي 4: 133- 2، التهذيب 4: 241- 707، الاستبصار 2: 105- 344، الوسائل 10: 205 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 2.

(6) التهذيب 4: 242- 710، الاستبصار 2: 106- 347، الوسائل 10: 208 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 10.

(7) الكافي 4: 134- 4، الوسائل 10: 206 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 373

خلافا للشيخ، فذهب إلى التحريم «1»، لصحيحة ابن سنان «2»، و روايته «3»، و رواية محمّد «4»، المصرّحة بالتحريم، الواجب حملها على الكراهة بقرينة ما مرّ، على أنّه لو قطع النظر عن ذلك لوجب طرحها، للشذوذ المخرج لها عن الحجّيّة، و على فرض التعارض يجب الرجوع إلى أصالة عدم التحريم.

السادس: الخلوّ من المرض.
اشاره

بالكتاب «5»، و الإجماع، و النصوص المتواترة «6».

و ليس الشرط الخلوّ عن المرض مطلقا، بل مرض يضرّ معه الصوم، بالإجماع، و مفهوم صحيحة حريز: «كلّما أضرّ به الصوم فالإفطار له واجب» «7».

و ربما يستدلّ له أيضا بصحيحة محمّد: ما حدّ المريض إذا نقه في الصيام؟ قال: «ذاك إليه، هو أعلم بنفسه، إذا قوي فليصم» «8».

و قريبة منها موثّقة سماعة، و زاد فيها: «فهو

مؤتمن عليه، مفوّض

______________________________

(1) النهاية: 162.

(2) الكافي 4: 134- 5، الفقيه 2: 93- 416، التهذيب 4: 240- 705، الاستبصار 2: 105- 342، الوسائل 10: 206 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 5.

(3) الكافي 4: 134- 6، التهذيب 4: 241- 706، الاستبصار 2: 105- 343، الوسائل 10: 206 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 6.

(4) التهذيب 4: 240- 704، الاستبصار 2: 105- 341، العلل: 386- 1، الوسائل 10: 207 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 8.

(5) البقرة: 184.

(6) الوسائل 10: 217 أبواب من يصح منه الصوم ب 18.

(7) الفقيه 2: 84- 374، الوسائل 10: 219 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 2.

(8) الكافي 4: 119- 8، الوسائل 10: 219 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 374

إليه، فإن وجد ضعفا فليفطر، و إن وجد قوّة فليصمه كان المرض ما كان» «1».

و صحيحة ابن أذينة: ما حدّ المرض الذي يفطر صاحبه- إلى أن قال-:

« (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)» و قال: «ذاك إليه، هو أعلم بنفسه» «2»، و مثلها موثّقة زرارة، بتبديل: «بنفسه» بقوله: «بما يطيقه» «3».

و فيه نظر، لأنّ المستفاد من الأولين الإناطة بالقوّة و الضعف دون الضرر، و هو محتمل الآخرين.

و حكي عن قوم لا اعتداد بهم: إباحة الفطر بكلّ مرض، لإطلاق الآية «4». و ما ذكرنا يقيّده.

ثمَّ الضرر المبيح لإفطار المريض يشمل زيادة المرض بسبب الصوم، أو بطء برئه، أو حدوث مرض آخر، أو حصول مشقّة لا يتحمّل عادة مثلها، بل يشقّ تحمّلها، كلّ ذلك لصدق الضرر، و إيجابه العسر و الحرج المنفيّين.

فروع:
أ: مقتضى صحيحة حريز المتقدّمة وجوب الإفطار بإيجاب الصوم

______________________________

(1) الكافي 4: 118- 3، التهذيب

4: 256- 759، الاستبصار 2: 114- 372، الوسائل 10: 220 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 4.

(2) الكافي 4: 118- 2، التهذيب 4: 256- 758، الاستبصار 2: 114- 371، الوسائل 10: 220 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 5.

(3) الفقيه 2: 83- 369، الوسائل 10: 220 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 5.

(4) نقله القرطبي عن ابن سيرين في أحكام القرآن 2: 276، و حكاه عن بعض السلف في المغني 3: 88، و الشرح الكبير 3: 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 375

لخوف حدوث مرض أيضا و إن لم يكن مريضا، و تدلّ عليه أيضا أدلّة نفي الضرر و الضرار «1»، و العسر و الحرج «2»، و صحيحة حريز: «الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر» «3»، فإنّها تشمل خوف حدوث الرمد أيضا، و لا قول بالفرق.

و ظاهر المنتهى التردّد، لعدم دخوله تحت الآية «4». و جوابه ظاهر.

و يظهر ممّا ذكر أيضا وجوب الإفطار إذا خاف مطلق الضرر و إن لم يسمّى مرضا عرفا، كالرمد و نحوه.

ب: لا شكّ في وجوب الإفطار مع العلم بالضرر بأحد الوجوه

، بل و كذا مع الظنّ، بالإجماع، سواء استند إلى أمارة أو تجربة أو قول عارف و لو غير عدل و لا مسلم، لصدق الخوف معه، بل يصدق مع احتماله أيضا لغة و عرفا، فتتّجه كفايته أيضا، كما رجّحه بعض المتأخّرين «5»، بل يحتمله إطلاق كلام الأكثر بذكر الخوف.

و اقتصر في القواعد و اللمعة و الدروس على ذكر الظنّ «6». و نصّ في الروضة على عدم كفاية الاحتمال «7». و لو أخّر الإفطار حتى قوي الاحتمال كان أحوط.

ج: لا فرق بين أن يكون المؤدّي إلى الضرر هو الإمساك

أو تأخير

______________________________

(1) الوسائل 25: 428 و 429 كتاب إحياء الموات ب 12 ح 3 و 4 و 5.

(2) الوسائل 10: 209 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 1.

(3) الكافي 4: 118- 4، الفقيه 2: 84- 373، الوسائل 10: 218 أبواب من يصح منه الصوم ب 19 ح 1.

(4) المنتهى 2: 596.

(5) انظر المدارك 6: 158، و الحدائق 13: 171، و الرياض 1: 329.

(6) القواعد 1: 68، و اللمعة (الروضة 2): 105، الدروس 1: 271.

(7) الروضة 2: 105.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 376

العشاء أو التسحّر، عملا بالعموم، و لرواية الحضرمي: ما حدّ المرض الذي يترك منه الصوم؟ قال: «إذا لم يستطع أن يتسحّر» «1».

و رواية سليمان بن عمر: «و اشتكت أمّ سلمة عينها في شهر رمضان، فأمرها رسول اللّه أن تفطر، و قال: عشاء الليل لعينك رديّ» «2».

د: و حيث يخاف الضرر لا يصحّ الصوم

، فلو تكلّفه قضى وجوبا إجماعا محقّقا و محكيّا «3»، لوجوب الإفطار، كما صرّح به في صحيحة حريز، الموجب للنهي عن ضدّه المفسد للعبادة، و لانتفاء شرعيّة ما معه الضرر و العسر، فلا يكون مأمورا به، فلا يكون صحيحا.

و أمّا رواية عقبة: عن رجل صام رمضان و هو مريض، قال: «يتمّ صومه و لا يعيد» «4»، فمحمولة على غير المتضرّر، لوجوب التقييد. أو مطروحة، لمخالفة الكتاب و السنّة.

ه: لو صحّ من مرضه قبل الزوال و لم يتناول شيئا
اشاره

، قالوا: يجب عليه الصوم، بلا خلاف ظاهر فيه كما في المفاتيح «5»، و بالإجماع كما في المدارك «6»، و حكاه في الذخيرة عن بعض الأصحاب «7».

لتمكّنه من أداء الواجب على وجه تؤثّر النيّة في ابتدائه فوجب.

______________________________

(1) الكافي 4: 118- 6، 10: 221 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 8.

(2) الكافي 4: 119- 7، الفقيه 2: 84- 372، الوسائل 10: 218 أبواب من يصح منه الصوم ب 19 ح 2.

(3) الرياض 1: 329.

(4) التهذيب 4: 257- 762، الوسائل 10: 224 أبواب من يصح منه الصوم ب 22 ح 2.

(5) المفاتيح 1: 240.

(6) المدارك 6: 195.

(7) الذخيرة: 526.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 377

و لفحوى ما دلّ على ثبوت ذلك في المسافر، فإنّ المريض أعذر منه.

و للإجماع المنقول.

و يضعف الأول: بمنع كونه واجبا أولا، و منع تأثير النيّة في الابتداء ثانيا، فإنّه أمر مخالف للأصل، لا يتعدّى منه إلى غير موضع الثبوت.

و الثاني: بمنع الأولويّة بل المساواة، لعدم معلوميّة العلّة، و عدم تأثير أعذريّة المريض في هذه الجهة، مع أنّه يمكن للمسافر العلم في بدو اليوم بالدخول في البلد قبل الزوال و عدمه، فتتأتّى منه النيّة ابتداء الصوم، بخلاف المريض، فإنّه لا يعلم غالبا.

و الثالث:

بعدم الحجّيّة، فلو ثبت الإجماع في المسألة، و إلّا كما هو الظاهر- حيث إنّ ابني زهرة و حمزة أطلقا القول باستحباب إمساك المريض بقيّة اليوم إذا برئ، من غير تفصيل بين قبل الزوال و بعده «1»- فالحكم بالوجوب مشكل، و أمر الاحتياط واضح.

و إن صحّ بعد الزوال فالمشهور استحباب الإمساك لو لم يتناول شيئا «2».

و عن المفيد: الوجوب و إن وجب القضاء أيضا «3»، لأنّه وقت يجب فيه الإمساك.

و فيه: منع وجوبه على المريض إلى هذا الزمان، و إنّما هو مع وجوب الصوم.

______________________________

(1) ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 573، ابن حمزة في الوسيلة: 147.

(2) انظر الحدائق 13: 172.

(3) المقنعة: 354.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 378

نعم، لا بأس بالقول باستحبابه، للشهرة، بل ظاهر الإجماع، و رواية الزهري: «و كذلك من أفطر لعلّة من أول النهار ثمَّ قوي [بعد ذلك ] أمر بالإمساك عن الطعام بقيّة يومه تأديبا، و ليس بفرض» «1».

و: لو صام المريض- الذي لا يشرع له الصيام- جاهلا، قالوا بوجوب القضاء عليه، لأنّه آت بخلاف ما هو فرضه.

و قال في الحدائق: إنّ الأظهر صحّة صومه «2»، لأخبار معذوريّة الجاهل مطلقا «3».

و الحقّ: التفصيل بين الجاهل الساذج الغير المقصّر و غيره، و الصحّة في الأول، و الفساد و القضاء في الثاني.

و يلحق بهذا المقام مسائل ثلاث

المسألة الأولى: الشيخ و الشيخة إذا عجزا عن الصيام
اشاره

أصلا، أو إلّا مع مشقّة شديدة، جاز لهما الإفطار، إجماعا محقّقا، و محكيّا «4»، له، و للكتاب، و السنّة المستفيضة.

فمن الأول: آيات نفي العسر «5»، و الحرج «6»، و نفي التكليف فوق الوسع «7»،

______________________________

(1) الكافي 4: 83- 1، الفقيه 2: 46- 208، التهذيب 4: 294- 895، الوسائل 10: 367 أبواب بقية الصوم الواجب ب 1 ح 1،

و ما بين المعقوفتين أضفناه من المصادر.

(2) الحدائق 13: 398.

(3) انظر الوسائل 10: 179 أبواب من يصح منه الصوم ب 2.

(4) كما في المنتهى 2: 618، التذكرة 1: 280، الرياض 1: 330، غنائم الأيام:

510.

(5) البقرة: 184.

(6) الحج: 78.

(7) البقرة: 286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 379

و قوله سبحانه (وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) «1».

ففي صحيحة محمّد: في قول اللّه تعالى (وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ)، قال: «الشيخ الكبير، و الذي يأخذه العطاش» «2».

و في موثّقة ابن بكير: في قول اللّه تعالى (وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ)، قال: «الذين كانوا يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك، فعليهم لكلّ يوم مدّ» «3».

و في المرويّ في تفسير العيّاشي: عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ، قال: «هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع، و المريض» «4».

و فيه أيضا في قوله سبحانه (وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ)، قال: «المرأة تخاف على ولدها، و الشيخ الكبير» «5».

و من الثاني: روايات نفي الضرر و العسر فوق الوسع، و صحيحة محمّد: «و الشيخ الكبير و الذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان، و يتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام، و لا قضاء عليهما، فإن لم يقدرا فلا شي ء عليهما» «6».

______________________________

(1) البقرة: 184.

(2) الكافي 4: 116- 1، التهذيب 4: 237- 695، المقنع: 61، الوسائل 10:

210 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 3.

(3) الكافي 4: 116- 5، الفقيه 2: 84- 377، الوسائل 10: 211 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 6.

(4) تفسير العياشي 1: 78- 177، الوسائل 10: 212 أبواب من يصح منه الصوم

ب 15 ح 7.

(5) تفسير العياشي 1: 79- 180، الوسائل 10: 212 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 8.

(6) الكافي 4: 116- 4، الفقيه 2: 84- 375، التهذيب 4: 238- 697، الاستبصار 2: 104- 338، الوسائل 10: 209 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 380

و مثلها الأخرى، إلّا أنّه قال: «بمدّين من طعام» «1».

و صحيحة ابن سنان: عن رجل كبير ضعف عن صوم شهر رمضان، قال: «يتصدّق عن كلّ يوم بما يجزئ من طعام مسكين» «2».

و رواية الهاشمي: عن الشيخ الكبير و العجوزة الكبيرة التي تضعف عن الصوم في شهر رمضان، قال: «تصدّق كلّ يوم بمدّ من حنطة» «3».

و الرضوي: «فإذا لم يتهيّأ للشيخ أو الشابّ المعلول أو المرأة الحامل أن تصوم من العطش أو الجوع، أو تخاف المرأة أن تضرّ بولدها، فعليهم جميعا الإفطار، و تصدّق كلّ واحد من كلّ يوم بمدّ من طعام، و ليس عليه القضاء» «4».

و رواية الكرخي: رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء- إلى أن قال-: قلت: فالصيام؟ قال: «إذا كان في ذلك الحدّ فقد وضع اللّه عنه، فإن كانت له مقدرة فصدقة مدّ من طعام بدل كلّ يوم أحبّ إليّ، و إن لم يكن له يسار ذلك فلا شي ء عليه» «5».

و رواية مفضّل: إنّ لنا فتيات و شبّانا لا يقدرون على صيام من شدّة ما يصيبهم من العطش، قال: «فليشربوا بقدر ما تروى به نفوسهم و ما

______________________________

(1) التهذيب 4: 238- 698، الاستبصار 2: 104- 339، الوسائل 10: 210 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 2.

(2) الكافي 4: 116- 3، الوسائل 10: 211 أبواب من يصح

منه الصوم ب 15 ح 5.

(3) الكافي 4: 116- 2، الفقيه 2: 85- 379، التهذيب 4: 238- 696، الاستبصار 2: 103- 337، الوسائل 10: 211 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 4.

(4) فقه الرضا «ع»: 211، مستدرك الوسائل 7: 387 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 3.

(5) الفقيه 1: 238- 1052، التهذيب 3: 307- 951، الوسائل 10: 212 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 381

يحذرون» «1».

هذا، ثمَّ إنّه لا خلاف في تعلّق الفدية وجوبا على الثاني- أي من يقدر على الصيام مع المشقّة- بل عليه الإجماع في كلمات جماعة «2»، للآية، بضميمة الأخبار المفسّرة لها.

و لا يعارضها ما في تفسير عليّ- من الرواية المفسّرة للآية بالمريض الذي أخّر القضاء إلى مضيّ رمضان آخر «3»- لضعفه الخالي عن الجابر. و أمّا سائر الأخبار المتضمّنة للفدية «4» فهي على الوجوب غير دالّة.

و أمّا غير القادر، ففي وجوب الفدية عليه و عدمه خلاف، فعن الصدوقين و القديمين «5» و الشيخ في النهاية و المبسوط و الاقتصاد و القاضي «6» و الجامع و الشرائع و النافع و الإرشاد و القواعد و المنتهى و التلخيص و التبصرة و الدروس و اللمعة و المهذّب لابن فهد «7» و غيرها «8»: الأول، لإطلاق أكثر الأخبار المتقدّمة.

و عن المفيد و السيّد و الديلمي و الحلّي و الحلبي و ابن زهرة و المختلف

______________________________

(1) الكافي 4: 117- 7، التهذيب 4: 240- 703، الوسائل 10: 214 أبواب من يصح منه الصوم ب 16 ح 2.

(2) كما في المختلف: 245، و الذخيرة: 535، و الرياض 1: 330.

(3) تفسير القمي 1: 66.

(4) الوسائل 10: 209

أبواب من يصح منه الصوم ب 15.

(5) حكاه عن العماني و الإسكافي و والد الصدوق في المختلف: 244، الصدوق في المقنع: 61.

(6) النهاية: 159، المبسوط 1: 285، الاقتصاد: 294، القاضي في المهذب 1: 196.

(7) الجامع: 164، الشرائع 1: 211، النافع: 72، الإرشاد 1: 304، القواعد 1:

67، المنتهى 2: 618، التبصرة: 57، الدروس 1: 291، اللمعة (الروضة 2):

127، المهذب البارع 2: 86.

(8) كالمدارك 6: 293.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 382

و الروضة و المسالك و المحقّق الثاني: الثاني «1»، و عن المنتهى و التذكرة: أنّه مذهب الأكثر «2»، و عن الانتصار: الإجماع عليه، و عن الغنية: نفي الخلاف فيه.

للأصل.

و تبادر صورة المشقّة خاصّة من الروايات المتقدّمة، سيّما من رواية الهاشمي و المتقدّمتين عليها، لأنّه الظاهر من الضعف و نفي الحرج.

و لرواية الكرخي السابقة، المنجبر ضعفها- لو كان- بما مرّ.

مع أنّ الآية أيضا مخصوصة- بضميمة [المفسّرات ] «3»- بذي المشقّة، لإيجابها الفدية على الذين يطيقونه، و فسّرتهم الأخبار بالشيخ الكبير و ذي العطاش، فيصير المعنى: و على الشيخ الكبير الذي يطيقه.

و قوله في صحيحة محمّد: «فإن لم يقدرا فلا شي ء عليهما» «4».

و يمكن دفع الأصل بالإطلاقات.

و التبادر: بالمنع، فإنّ الضعف و الحرج يشملان عدم القدرة أيضا، مع أنّ إحدى روايتي العيّاشي مخصوصة بغير المستطيع.

و الرواية: بعدم اختصاصها بغير القادر، بل نسبتها إليه و إلى القادر على السواء.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 351، السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 56، الديلمي في المراسم: 97، الحلي في السرائر 1: 400، الحلبي في الكافي: 182، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 571، المختلف: 244، الروضة 2: 128، المسالك 1: 81، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 80.

(2)

المنتهى 2: 618، التذكرة 1: 218.

(3) في النسخ: المعتبرات، و الظاهر ما أثبتناه.

(4) المتقدمة في ص: 379.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 383

و اختصاص الآية بأنّ معناها: الشيخ الكبير الذي كان يطيقه أولا لا حال الكبر، كما صرّح به في الموثّقة، بل يظهر منها أنّ المراد: الذي أصابه الكبر أو العطاش و لا يطيقه.

و صحيحة محمّد: بأنّ دلالتها إنّما تتمّ إذا كان المعنى: فإن لم يقدرا على الصوم، و الظاهر أنّ المراد: فإن لم يقدرا على الفدية.

ثمَّ أقول: إنّ التحقيق: أنّه لا دلالة لغير الأخبار المفسّرة للآية على وجوب الفدية، لورودها بالجمل الخبريّة. و ضعف روايتي العيّاشي من المفسّرات أيضا مانع عن إثبات الوجوب بهما. و صحيحة محمّد أيضا منها مجملة، لاحتمال أن يكون المراد: الشيخ الذي يطيقه و الذي كان يطيقه.

فلم تبق إلّا الموثّقة، و هي إن لم تكن ظاهرة في غير القادر فتعمّه و القادر- و تعارضها رواية الكرخي الظاهرة في عدم الوجوب، الشاملة لهما أيضا، فلا يكون دليل تامّ على الوجوب من الأخبار، بل من الآية أيضا، لعروض الإجمال لها من جهة الأخبار المفسّرة- إلّا أنّها تشمل القادر، و [تدل ] «1» على وجوب الفدية عليه على التقديرين، و بها ثبت الوجوب عليه قطعا، مضافة إلى الإجماع، و يبقى غير القادر تحت الأصل الخالي عن المعارض.

فالحقّ: هو القول الثاني.

فروع:
أ: تستحبّ الفدية لغير القادر أيضا

، حذرا عن شبهة الخلاف، و اتّباعا لبعض الإطلاقات المتقدّمة.

بل يستحبّ أن يصوم عنه بعض ذوي قرابته بالتفصيل المأثور، فإن

______________________________

(1) ما بين المعقوفتين أضفناه لاستقامة المعنى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 384

لم تكن له قرابة يتصدّق، كما في رواية أبي بصير: الشيخ الكبير لا يقدر أن يصوم، فقال: «يصوم عنه بعض ولده»،

قلت: فإن لم يكن له ولد؟ قال:

«فأدنى قرابته»، قلت: فإن لم تكن له قرابة؟ قال: «يتصدّق بمدّ في كلّ يوم، فإن لم يكن عنده شي ء فليس عليه» «1».

ب: الفدية الواجبة و المستحبّة: مدّ

، بلا خلاف يعرف، لأكثر الأخبار المتقدّمة.

و ما ورد في بعضها من المدّين فحملوه على الاستحباب «2»، و هو كذلك، بل لا يثبت ممّا تضمّنه أكثر من الاستحباب.

و حمل في التهذيب ما تضمن المدّين على تفاوت مراتب القدرة «3».

و لا شاهد له.

ج: هل يجب عليهما القضاء بعد الاقتدار لو حصل؟

المشهور: نعم «4»، للإطلاقات.

و عن والد الصدوق: لا «5»، و يظهر من بعض آخر القول به من غيره أيضا، حيث قال: و قيل: لا، و حكي عن والد الصدوق أيضا «6». انتهى.

و اختاره غير واحد من مشايخنا «7»، و هو ظاهر النافع و المدارك «8».

______________________________

(1) التهذيب 4: 239- 699، الاستبصار 2: 104- 340، الوسائل 10: 213 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 11.

(2) كما في الاستبصار 2: 104، و المعتبر 2: 717، و المنتهى 2: 618.

(3) التهذيب 4: 239.

(4) كما في الرياض 1: 330.

(5) نقله عنه في المختلف: 245.

(6) الرياض 1: 330.

(7) كصاحب الحدائق 13: 424، و الرياض 1: 330.

(8) النافع: 72، المدارك 6: 296.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 385

و هو الأقوى، لصحيحة محمّد و الرضوي المتقدّمين «1»، و رواية داود بن فرقد: فيمن ترك الصيام، فقال: «إن كان من مرض فإذا برئ فليقضه، و إن كان من كبر أو عطش فبدل كلّ يوم مدّ» «2».

و لو قيل: بأنّها مبنيّة على الغالب من عدم الاقتدار، لأنهما لا يزالان في نقصان.

قلنا: فكذلك إطلاقات القضاء بالنسبة إلى المورد.

المسألة الثانية: ذو العطاش
اشاره

- و هو من به داء لا يروى و لا يتمكّن به من ترك شرب الماء طول النهار أصلا، أو إلّا مع مشقّة شديدة- يفطر إجماعا محققا، و محكيّا في المنتهى و التذكرة و التحرير «3»، و غيرها «4»، و للكتاب «5»، و السنّة المستفيضة عموما «6»- لكونه مرضا- و خصوصا، ككثير من الأخبار المتقدّمة.

و يجب عليه القضاء إن برئ من مرضه قبل رمضان الآتي، بلا خلاف كما عن ظاهر المختلف «7»، و صريح الحلّي «8»، لأنّه مريض يشمله عموم ما دلّ على وجوبه عليه.

و

مال بعض متأخّري المتأخّرين إلى السقوط «9»، لإطلاق بعض الأخبار المتقدّمة النافية للقضاء، الذي هو أخصّ مطلقا من العمومات.

______________________________

(1) في ص: 364.

(2) التهذيب 4: 239- 700، الوسائل 10: 432 أبواب الصوم المندوب ب 10 ح 1.

(3) المنتهى 2: 618، التذكرة 1: 281، التحرير 1: 85.

(4) كالمعتبر 2: 718.

(5) البقرة: 183.

(6) كما في الوسائل 10: 209 أبواب من يصح منه الصوم ب 15.

(7) المختلف: 245.

(8) السرائر 1: 400.

(9) كصاحب الحدائق 13: 425.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 386

و يجاب عنه: بمنع كون التعارض بالعموم و الخصوص مطلقا، لأنّ خصوصيّته إنّما هي بالنسبة إلى حصول المرض، و أمّا بالنسبة إلى الانقطاع و الاستمرار عامّ، كما أنّ العمومات بالنسبة إلى الانقطاع خاصّ، و بالإضافة إلى المرض عامّ، فيمكن تخصيص كلّ منهما بالآخر، و لكن ترجّح العمومات بموافقة الكتاب، و القطعيّة، و الاشتهار، بل عدم ظهور الخلاف.

و هل يجب عليه تصدّق المدّ، أم لا؟

الظاهر: الوجوب مطلقا، وفاقا للشيخ «1»، و جماعة «2»، لموثّقة ابن بكير «3»، و رواية داود بن فرقد، مضافا في صورة الاستمرار إلى ما دلّ على وجوبه على كلّ مريض استمرّ به المرض من رمضان إلى رمضان آخر.

و منهم من فصّل بين الاستمرار فأوجبه، و عدمه فنفاه، للأصل، و تنزيل بعض أخباره على صورة الاستمرار بالنسبة إلى القضاء.

و ضعفه ظاهر جدّا، لأنّ تنزيل البعض لا يوجب تنزيل غيره أيضا.

و هنا تفصيل آخر لا فائدة مهمّة في ذكره.

فرع: لو غلبه العطش لا لمرض

، فإن كان بحيث ينفي القدرة على الصيام- أو يوجب خوف الهلاك- يفطر و يقضي، لرواية يونس المتقدّمة «4»، و موثّقة الساباطي: في الرجل يصيبه العطش حتى يخاف على نفسه، قال: «يشرب بقدر ما يمسك رمقه، و لا

يشرب حتى

______________________________

(1) في المبسوط 1: 285، و النهاية: 159.

(2) كما في المعتبر 2: 718.

(3) المتقدمة في ص: 379.

(4) في ص: 380، إلّا أنّها عن يونس عن المفضل بن عمر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 387

يروى» «1».

و لو انتفى الوصفان لا يجوز الإفطار و لو تضمّن المشقّة الشديدة، لأنّ بناء الصوم على تحمّل الجوع و العطش، و صرّحت بفضلهما الأخبار «2»، فهي خاصّة بالنسبة إلى عمومات العسر و الحرج.

المسألة الثالثة: الحامل المقرّب
اشاره

- و هي التي قرب زمان وضعها- و المرضعة القليلة اللبن، يجوز لهما الإفطار إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما بالإجماع، للضرورة المبيحة لكلّ محظور إجماعا بل ضرورة، و لخصوص الرضوي المتقدّم.

و صحيحة محمّد: «الحامل المقرب و المرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان، لأنّهما لا تطيقان الصوم، و عليهما أنّ تتصدق كلّ واحدة منهما في كلّ يوم تفطر فيه بمدّ من طعام، و عليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه، تقضيانه بعد» «3».

و المرويّ في مستطرفات السرائر: امرأة ترضع ولدها و غير ولدها في شهر رمضان، فيشتدّ عليها الصوم و هي ترضع حتى غشي عليها، و لا تقدر على الصيام، أ ترضع و تفطر و تقضي صيامها إذا أمكنها، أو تدع الرضاع و تصوم، فإن كانت ممّن لا يمكنها اتّخاذ من ترضع ولدها فكيف تصنع؟

فكتب: «إن كانت ممّن يمكنها اتخاذ ظئر استرضعت لولدها و أتمّت

______________________________

(1) الكافي 4: 117- 6، الفقيه 2: 84- 376، التهذيب 4: 240- 702، الوسائل 10: 214 أبواب من يصح منه الصوم ب 16 ح 1.

(2) انظر البحار 93: 246.

(3) الكافي 4: 117- 1، الفقيه 2: 84- 378، التهذيب 4: 239- 701، الوسائل 10: 215 أبواب من يصح منه

الصوم ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 388

صيامها، و إن كان ذلك لا يمكنها أفطرت و أرضعت ولدها و قضت صيامها متى ما أمكنها» «1».

و يجب عليهما التصدق لكلّ يوم بمدّ، وفاقا لجماعة «2»، بل الأكثر، للرضوي، و الصحيحة.

خلافا لجمع، ففصلوا بين الخوف على الولد و النفس، فأوجبوه على الأول دون الثاني «3». و لا وجه له، و عدم ذكره في رواية السرائر لا يدلّ على العدم.

و يجب عليهما القضاء أيضا على الأقوى الأشهر، بل عليه الإجماع عن الخلاف «4»، و نفى جماعة الخلاف عمّن عدا الديلمي أو والد الصدوق «5»، للصحيح، و المرويّ في السرائر.

و دليل المخالف: الرضوي، و عدم ذكره في الصحيح: إنّ امرأتي جعلت على نفسها صوم شهرين فوضعت ولدها و أدركها الحبل و لم تقو على الصوم، قال: «فلتتصدّق مكان كلّ يوم بمدّ على مسكين» «6».

و الأول: ضعيف غير منجبر. و الثاني: غير دالّ.

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 67- 11، الوسائل 10: 216 أبواب من يصح منه الصوم ب 17 ح 3. و الظئر: قيل للمرأة الأجنبية تحضن ولد غيرها- المصباح المنير:

388.

(2) كما في الخلاف 2: 196، و المعتبر 2: 719، و تبصرة المتعلمين: 57.

(3) انظر المنتهى 2: 619، و إيضاح الفوائد 1: 535، و المسالك 1: 82.

(4) الخلاف: 2: 196.

(5) انظر المنتهى 2: 619، و التنقيح الرائع 1: 396.

(6) الكافي 4: 137- 11، الفقيه 2: 95- 424، الوسائل 10: 216 أبواب من يصح منه الصوم ب 17 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 389

فرع: مقتضى إطلاق الأخبار و فتوى الأكثر بل صريح جماعة «1»:

عدم الفرق في المرضع بين الامّ و غيرها، و لا بين المتبرّعة و المستأجرة إذا لم يقم غيرها مقامها، أمّا لو قام-

بحيث لا يتضمّن الضرر على الظئر- فالأظهر عدم جواز الإفطار، لانتفاء الضرورة، و لرواية السرائر المتقدّمة، فإنّ فيها: «إن كانت ممّن يمكنها اتّخاذ ظئر استرضعت لولدها و أتمّت صيامها، و إن كان ذلك لا يمكنها أفطرت و أرضعت ولدها و أتمّت صيامها متى ما أمكنها».

المسألة الرابعة: من يسوغ له الإفطار يكره له التملّي من الطعام و الشراب

، سواء كان مريضا أو مسافرا أو حائضا أو شيخا، لفتوى الأكثر بذلك «2»، و هي كافية في مقام التسامح.

و تدلّ عليه في المسافر صحيحة ابن سنان: «إنّي إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل إلّا القوت، و ما أشرب كلّ الريّ» «3».

و كذا يكره الجماع أيضا كما مر في طيّ أحكام المسافر «4».

______________________________

(1) كما في المسالك 1: 82، و المدارك 6: 300، و الحدائق 13: 431، و الكفاية: 54.

(2) الإرشاد 1: 304، و المفاتيح 1: 259، و الذخيرة: 536، و الكفاية: 54.

(3) الفقيه 2: 93- 416، التهذيب 4: 240- 705، الاستبصار 2: 105- 342، الوسائل 10: 206 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 5، و هي في الكافي 4:

134- 5.

(4) راجع ص: 372.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 391

المقصد الثاني في أقسام الصوم

اشاره

و هو واجب، و مندوب، و مكروه، و حرام.

فهاهنا مطالب

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 393

المطلب الأوّل في الواجب
اشاره

و هو بحكم الاستقراء سبعة: صوم شهر رمضان، و قضاء الصوم الواجب المعيّن، و صوم الإجارة، و صوم النذر و ما في معناه، و صوم دم المتعة، و صوم الكفّارة، و صوم الاعتكاف.

و تظهر أحكام صوم الإجارة ممّا ذكر من أحكام استئجار الصلاة، فلا حكم له هنا مخصوص يذكر، و تأتي الأربعة الباقية في كتب النذر و الحجّ و الكفّارات و الاعتكاف، فيبقى ها هنا فصلان:

الفصل الأوّل في صوم شهر رمضان
اشاره

و هو واجب، بالكتاب «1»، و السنّة «2»، و إجماع المسلمين، بل الضرورة من الدين على جامع الشرائط المتقدّمة إذا دخل شهر رمضان.

و يعلم بأمور أربعة:
الأول: رؤية الهلال

، فمن رآه وجب عليه صومه ما لم يشكّ، سواء انفرد برؤيته أو شاركه غيره، عدلا كان أو غير عدل، شهد عند الحاكم أو لم يشهد، قبلت شهادته أو ردّت، بإجماعنا المحقّق، و المصرّح به في كلام

______________________________

(1) البقرة: 183 و 184.

(2) الوسائل 10: 239 أبواب أحكام شهر رمضان ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 394

جماعة «1»، و بالكتاب «2»، و أخبارنا المستفيضة «3».

الثاني: مضيّ ثلاثين يوما من شعبان

، بإجماع المسلمين، بل قيل:

إنّه من ضروريات الدين «4»، و في بعض الأخبار تصريح به «5».

الثالث: الشياع المفيد للعلم

، و لا خلاف في اعتباره في رؤية الهلال، كما عن المعتبر و التذكرة و المنتهى «6» و غيرها «7»، بل هو إجماع محقّق، فهو الدليل عليه.

بل ربّما يظهر الحكم فيه من جملة من الأخبار، كرواية سماعة: «إذا اجتمع أهل المصر على صيامه فاقضه إذا كان أهل المصر خمسمائة إنسان» «8».

و رواية الأزدي: أكون في الجبل في القرية فيها خمسمائة من الناس، فقال: «إذا كان كذلك فصم بصيامهم و أفطر بفطرهم» «9».

و رواية أبي الجارود: «صم حين يصوم الناس، و أفطر حين يفطر الناس» «10».

و الأخرى: «الفطر يوم فطر الناس، و الأضحى يوم أضحى الناس» «11».

______________________________

(1) كما في التذكرة 1: 268، و الذخيرة: 530.

(2) البقرة: 185.

(3) الوسائل 10: 253 و 260 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 و 4.

(4) قال به صاحب المدارك 6: 165.

(5) الوسائل 10: 252 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3.

(6) المعتبر 2: 686، التذكرة 1: 271، المنتهى 2: 590.

(7) كالذخيرة: 530.

(8) الفقيه 2: 77- 339، الوسائل 10: 294 أبواب أحكام شهر رمضان ب 12 ح 6.

(9) التهذيب 4: 163- 461، الوسائل 10: 293 أبواب أحكام شهر رمضان ب 12 ح 3.

(10) التهذيب 4: 164- 462، الوسائل 10: 293 أبواب أحكام شهر رمضان ب 12 ح 4.

(11) التهذيب 4: 317- 966، الوسائل 10: 133 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 57 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 395

و ظاهرهما: أنّه يصام متى شاعت الرؤية بين الناس و اشتهرت بحيث صاموا و أفطروا، من غير نظر إلى أن يكون فيهم عدل أم لا، و إن

احتمل أن يكون المراد: الأمر بمراعاة التقيّة في الصوم و الإفطار.

و هل يثبت الهلال بالشياع المفيد للظنّ أيضا، أم لا؟

حكي عن الفاضل: الأول، معلّلا بأنّ الظنّ الحاصل بشهادة الشاهدين حاصل مع الشياع «1»، و حكي عن الشهيد الثاني أيضا «2».

و حكي عنه أيضا في موضع من المسالك: اعتبار زيادة الظنّ الحاصل منه على ما يحصل منه بقول العدلين، لتحقّق الأولويّة المعتبرة في مفهوم الموافقة «3».

و ردّ: بأنّ ذلك يتوقّف على كون الحكم بقبول شهادة العدلين معلّلا بإفادتهما الظنّ ليتعدّى إلى ما يحصل به ذلك و تتحقّق به الأولويّة المذكورة، و ليس في النصّ ما يدلّ على هذا التعليل، و إنّما هو مستنبط فلا عبرة به، مع أنّ اللازم من اعتباره الاكتفاء بالظنّ الحاصل بالقرائن إذا ساوى الظنّ الحاصل بشهادة العدلين أو كان أقوى، و هو باطل إجماعا.

و الحقّ: الثاني، و عدم كفاية الظنّ، كما عن المحقّق في كتاب شهادات الشرائع و الفاضل في المنتهى و صاحب المدارك «4»، و جماعة من متأخّري المتأخّرين «5»، للأصل، و عدم دليل على حجّية هذا الظنّ، و استفاضة الأخبار بأنّه ليس الهلال بالرأي و لا الظنّ، و إنّ اليقين لا يدخل

______________________________

(1) التذكرة 1: 271.

(2) حكاه عنه في المدارك: 335 و هو في المسالك 1: 76.

(3) المسالك 2: 410.

(4) الشرائع 4: 133، المنتهى 2: 590، المدارك 6: 166.

(5) كصاحبي الحدائق 13: 245، و الرياض 1: 318.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 396

فيه الشكّ، صم للرؤية و أفطر للرؤية «1».

و حيث كان المعتبر ما أفاد العلم فلا ينحصر المخبرون في عدد.

و لا فرق بين خبر المسلم و الكافر و الصغير و الكبير و الأنثى و الذكر، كما هو الحكم في

الخبر المتواتر.

الرابع: شهادة العدلين،
اشاره

يثبت بها الهلال مطلقا، صحوا كان أو غيما، كانا من خارج البلد أو داخله، عند المفيد و الإسكافي و السيّد و الحلّي و الفاضلين و الشهيدين «2»، و غيرهما من المتأخّرين «3»، بل عليه الأكثر كما صرّح به جماعة «4».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    396     الرابع: شهادة العدلين، ..... ص : 396

خبار المستفيضة، كصحيحة الحلبي: «لا أجيز في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين» «5».

و مرسلة الفقيه: «لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال، و لا تجوز إلّا شهادة رجلين عدلين» «6»، و نحوها صحيحة حمّاد «7».

______________________________

(1) الوسائل 10: 252 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3.

(2) المفيد في المقنعة: 297، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 234، السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 54، الحلي في السرائر 1:

380، المحقق في المعتبر 2: 686، العلّامة في التذكرة 1: 270، الشهيد في اللمعة و الشهيد الثاني في الروضة 2: 109.

(3) كفخر المحققين في الإيضاح 1: 249، و صاحب المدارك 6: 167.

(4) انظر المعتبر 2: 686، و المدارك 6: 167، و الذخيرة: 531، و مشارق الشموس: 464، و غنائم الأيام: 447.

(5) الفقيه 2: 77- 338، التهذيب 4: 180- 499، الوسائل 10: 288 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 8.

(6) الفقيه 2: 77- 340 الوسائل 10: 288 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 7.

(7) الكافي 4: 77- 4، الوسائل 10: 287 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 397

و صحيحة شعيب: «لا أجيز في الطلاق و لا في الهلال إلّا رجلين» «1».

و صحيحة منصور: «صم لرؤية الهلال و أفطر لرؤيته، فإن

شهد عندك شاهدان مرضيّان بأنّهما رأياه فاقضه» «2».

و صحيحة الشحّام، و فيها: «إلّا أن تشهد لك بيّنة عدول، فإن شهدوا أنّهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم» «3».

و رواية صبّار [1]: عن الرجل يصوم تسعة و عشرين يوما يفطر للرؤية و يصوم للرؤية أ يقضي يوما؟ فقال: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: لا، إلّا أن يجي ء شاهدان عدلان فيشهدان أنّهما رأياه قبل ذلك بليلة فيقضي يوما» «4»، إلى غير ذلك.

و عن الصدوق و الشيخ و الحلبي و القاضي و ابن حمزة و ابن زهرة:

الاقتصار في الثبوت بالعدلين إذا كانت في السماء علّة «5» كبعض ما ذكر، و كانا من خارج البلد كبعض آخر، إذا كانا منه كبعضهم أيضا.

و قيل بالثبوت بهما مع سدّ باب إمكان العلم «6». و قيل: مع انتفاء

______________________________

[1] في النسخ: صياد، و هو تصحيف.

______________________________

(1) التهذيب 4: 316- 962، الوسائل 10: 289 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 9.

(2) التهذيب 4: 157- 436، الاستبصار 2: 63- 205، الوسائل 10: 287 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 4، و هو في المقنعة: 297.

(3) التهذيب 4: 155- 430، الاستبصار 2: 62- 200، الوسائل 10: 262 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 4.

(4) التهذيب 4: 165- 468، الوسائل 10: 267 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 21. و فيه عن صابر، بدل صبّار، و في هامش المخطوط منه: في نسخة: صبّار.

(5) الصدوق في المقنع: 58، الشيخ في المبسوط 1: 267، الحلبي في الكافي:

181، القاضي في المهذّب 1: 189، ابن حمزة في الوسيلة: 141، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 570.

(6) كما في الحدائق 13: 255.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10،

ص: 398

ما يوجب التهمة «1». و يمكن إرجاعهما إلى القول السابق عليهما.

و دليل هذه الأقوال: صحيحة الخزّاز، و فيها: «لا يجزئ في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين، و إذا كانت في السماء علّة قبلت شهادة رجلين يدخلان و يخرجان من مصر» «2».

و رواية حبيب الخزاعي: «لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا عدد القسامة، و إنّما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر و كان بالمصر علّة، فأخبرا أنّهما رأياه، و أخبرا عن قوم صاموا للرؤية» «3».

أقول: لا يخفى أنّه لا منافاة بين غير الأخيرتين من روايات القول الأول و بين روايتي القول الثاني، إذ غاية ما تفيده الأخبار المذكورة: قبول العدلين في الجملة، و لا تصريح فيها بالقبول في حال الصحو.

بخلاف الروايتين، فإنّ فيهما تصريحا بالعدم فيه، و مقتضى قاعدة الجمع المتّفق عليها تقييدها بهما، بل هو القاعدة لو كانت الروايات دالّة على القبول مطلقا أيضا، حملا للمطلق على المقيّد و العامّ على الخاصّ.

و منه يظهر لزوم تقييد الأخيرتين من روايات القول الأول أيضا.

و القول: بأنّه لا تصريح في الروايتين بعدم القبول مع الصحو مطلقا، بل مع تعارض الشهادات و إنكار من عدا العدلين لما شهدا به، و هو عين التهمة، و عدم القبول حينئذ مجمع عليه بالضرورة، إذ من شرائط العمل

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 319.

(2) التهذيب 4: 160- 451، الوسائل 10: 289 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 10، و بدل: لا يجزئ، في النسخ: لا يجوز، و ما أثبتناه من المصدر.

(3) التهذيب 4: 159- 448، الاستبصار 2: 74- 227، الوسائل 10: 290 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 13.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 399

بالبيّنة ارتفاع التهمة «1».

مردود بأنّه لا تعرّض في رواية الحبيب لاستهلال الغير و تعارض الشهادات أصلا، و كذا في مورد الاستدلال من صحيحة الخزّاز.

نعم، يتضمّن صدرها: أنّه ليس رؤية الهلال أن يقوم عدّة فيقول واحد: رأيته، و يقول الآخرون: لم نره، و ذلك ليس من باب تعارض الشهادات و إنكار ما شهد به العدلان أصلا.

نعم، مجرّد اختصاص الرؤية بالعدلين من بين أهل مصر و عدم وجود مانع موجب للتهمة أبدا.

و على هذا، فمقتضى ما ذكره من الإجماع على عدم قبول العدلين مع التهمة: عدم قبولهما في موضع النزاع- الذي هو الصحو مطلقا- و هو عين القول الثاني.

و لا يظهر محلّ اختلاف بينهما، إلّا إذا كان ثلاثة أو أربعة في برّ و شهد عدلان منهم بالرؤية، أو لم يتفحّص في المصر أحد، كما إذا كانت ليلة الثلاثين و لم يجوّز أهل المصر رؤية الهلال، فلم يستهلّوا، و رآه اثنان، أو لم يعلم حال غير العدلين أنّه هل يشهد أم لا، كما إذا شهد العدلان عند من في بيته و لم يخرج منه بعد، فإنّه ليس العدلان حينئذ محلّ التهمة، و مقتضى القول الأول و دليله: قبولها، دون الثاني.

إلّا أن يقال: إنّ ظاهر الروايتين أنّ موردهما المصر، و فيما إذا علم أنّه استهلّ أهل المصر و لم يشهد غير العدلين، كما يستفاد من صدر الصحيحة، بل من اشتراط وجود العلّة في السماء.

و ظهر من ذلك أنّ القول الفصل أن يقال: إنّ مقتضى العمومات قبول

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 319.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 400

العدلين مطلقا، خرج منه ما إذا كان صحوا و تفحّص أهل مصر- أي مجتمع الناس الكثيرين- و

لم يره غير العدلين منهم، إمّا لأجل التهمة، أو لإمكان تحصيل العلم، أو لعلّة أخرى، أو كان في السماء علّة عامّة و شهد شاهدان من البلد مع تفحّص الباقين، بالروايتين، و بقي الباقي.

و ترشد إلى عدم القبول في محلّ النزاع- و هو الصحو أو العلّة و كون الشاهدين من البلد و كونهما محلّ التهمة- المستفيضة من الروايات، المصرّحة بأنّ الرؤية الموجبة للصوم و الفطر ليست أن تقوم جماعة فتنظر و يراه واحد و لم يره الباقي، كصحيحة محمّد «1»، و روايتي حمّاد «2» و أبي العبّاس «3»، و غيرها «4».

و أمّا ما أجيب به عن الروايتين من أنّ اشتراط الخمسين لم يوجد في حكم سوى قسامة الدم، فهو مخالف لما عليه عمل المسلمين كافّة، فيكون ساقطا، مع أنّه لا يفيد اليقين، بل قوّة الظنّ، و هي تحصل بشهادة العدلين «5».

فمردود بأنّ من المحتمل أن يكون وروده فيهما مورد التمثيل لما يحصل به اليقين، و أنّ اعتباره من جهته لا لخصوصيّة فيه، و كذا في كلام من ذكره، فلا مخالفة، و لو لم يقبل ذلك فيكون في كلام من ذكر محمولا

______________________________

(1) الكافي 4: 77- 6، الفقيه 2: 76- 334، التهذيب 4: 156- 433، الاستبصار 2: 63- 203، الوسائل 10: 289 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 11.

(2) التهذيب 4: 156- 433، الوسائل 10: 289 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 11.

(3) الفقيه 2: 77- 336، التهذيب 4: 156- 431، الاستبصار 2: 63- 201، الوسائل 10: 290 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 12.

(4) انظر الوسائل 10: 286 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11.

(5) انظر المعتبر 2: 688.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص:

401

على الحقيقة، و هم أساطين أهل الإسلام، فكيف يقال: إنّه مخالف لعمل المسلمين؟! و أمّا تسويته في الظنّ مع العدلين و إيجابها تسويتهما في القبول فهو من باب القياس المردود عندنا. فتأمّل.

و نقل في الشرائع قولا بعدم قبول العدلين في الهلال مطلقا «1».

و هو ضعيف مردود بجميع الروايات المتقدّمة.

فروع:
أ: قد صرّح جملة من الأصحاب- منهم:

الفاضل «2» و غيره «3»- بأنّه لا يعتبر في ثبوت الهلال بالشاهدين حكم الحاكم، بل لو رآه عدلان و لم يشهدا عند الحاكم وجب على من سمع شهادتهما و عرف عدالتهما الصوم أو الفطر.

و هو كذلك، لقوله في صحيحة منصور المتقدّمة: «فإن شهد عندك شاهدان» «4»، و في صحيحة الحلبي السالفة: «إلّا أن يشهد لك بيّنة عدول» [1].

ب: يثبت الهلال بالشهادة على الشهادة

، وفاقا لشيخنا الشهيد الثاني و المدارك و الحدائق «5»، لعمومات قبول الشهادة على الشهادة، كمرسلة

______________________________

[1] لم تتقدم كذا صحيحة للحلبي، نعم هذا النصّ موجود في صحيحة الشحام المتقدمة في ص 397.

______________________________

(1) الشرائع 1: 199.

(2) في التذكرة 1: 271.

(3) كصاحب الحدائق 13: 258.

(4) راجع ص: 397.

(5) الشهيد الثاني في المسالك 1: 76، المدارك 6: 170 الحدائق 3: 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 402

الفقيه: «إذا شهد رجل على شهادة رجل فإنّ شهادته تقبل، و هي نصف شهادة، و إن شهد رجلان عدلان على شهادة رجل فقد ثبتت شهادة رجل واحد» «1»، و غيرها «2».

و هذه العمومات هي مراد الشهيد الثاني، دون عمومات قبول شهادة العدلين، كما توهّمه في الذخيرة و ردّه: بأنّ المتبادر من النصوص شهادة الأصل «3».

خلافا للتذكرة، مسندا إيّاه إلى علمائنا «4»، للأصل، و اختصاص ورود القبول بالأموال.

و الأول مدفوع بما مرّ. و الثاني ممنوع.

ج: تقبل شهادة العدلين على الاستفاضة المفيدة للعلم

، كما صرّح به جملة من الأصحاب «5»، لصحيحة هشام فيمن صام تسعة و عشرين: «إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا للثلاثين على رؤية قضى يوما» «6».

د: لو اختلف الشاهدان فيما تسمع شهادتهما في صفة الهلال بالاستقامة و الانحراف

، ففي المدارك: أنّه تبطل شهادتهما «7»، و لا بأس به.

و كذلك لو اختلفا في جهة الحدبة أو موضع الهلال، لاختلاف المشهود به.

و قال: و لا كذلك لو اختلفا في زمان الرؤية مع اتّحاد الليلة. و هو كذلك.

______________________________

(1) الفقيه 3: 41- 135، الوسائل 27: 404 أبواب الشهادات ب 44 ح 5.

(2) الوسائل 27: 402 أبواب الشهادات ب 44.

(3) الذخيرة: 531.

(4) التذكرة 1: 270.

(5) كما في المدارك 6: 170، و الحدائق 13: 262.

(6) التهذيب 4: 158- 443، الوسائل 10: 265 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 13.

(7) المدارك 6: 170.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 403

ه: لو شهد أحدهما برؤية شعبان الاثنين مثلا و الآخر برؤية رمضان الأربعاء

، لم يقبل على الأظهر، لتغاير ما شهد به كلّ واحد مع الآخر، فلا يثبت شي ء منهما، و لوجوب الاقتصار في إثبات أمر مخالف للأصل على موضع اليقين، و لا يعلم من الأخبار قبول مثل ذلك.

و في المدارك احتمل القبول، لاتّفاقهما في المعنى «1». و هو غير مفيد.

و: لا يكفي قول الشاهد: اليوم الصوم أو الفطر

، بل يجب على السامع الاستفصال، لاختلاف الأقوال، و إمكان الاستناد إلى أمر غير مقبول، و للأصل المذكور.

و في المدارك: نعم، لو علمت الموافقة أجزأ الإطلاق «2».

و فيه: أنّ الموافقة في القول لا تنفي الاشتباه في المستند. و بالجملة مقتضى الأصل: عدم القبول.

و لا يثبت الهلال بغير ما ذكر.

و ها هنا أمور أخر اعتمد إلى كلّ منها بعضهم:
منها: العدل الواحد

، فإنّه لا يقبل في ثبوت الهلال مطلقا على الحقّ المشهور، بل عن الخلاف و الغنية: الإجماع عليه «3»، للأصل، و الاستصحاب، و المستفيضة المصرّحة بأنّه لا يقبل في الهلال غير العدلين «4».

خلافا للديلمي، فقبله في هلال شهر رمضان بالنسبة إلى الصوم خاصّة دون غيره من أجل و مدّة «5»، للاحتياط.

______________________________

(1) المدارك 6: 170.

(2) المدارك 6: 170.

(3) الخلاف 2: 172، الغنية (الجوامع الفقهية): 570.

(4) انظر الوسائل 10: 286 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11.

(5) المراسم: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 404

و صحيحة محمّد بن قيس: «إذا رأيتم الهلال فأفطروا، أو شهد عليه عدل من المسلمين» الحديث «1».

و فحوى رواية داود بن الحصين: «و لا بأس بالصوم بشهادة النساء و لو امرأة واحدة» «2».

و رواية يونس بن يعقوب: قال له غلام: إنّي رأيت الهلال، قال:

«اذهب فأعلمهم» «3»، و بعض الروايات العامّية «4»، و الوجوه الاستحسانيّة.

و يردّ الأول: بأنّه على تقدير تسليمه ليس دليلا شرعيّا، مع أنّه إنّما يتمّ على القول بجواز صوم يوم الشكّ بنيّة رمضان، و أمّا على القول الأقرب فلا يمكن الاحتياط بصومه بنيّته، و نيّة شعبان ليس فيها عمل بشهادة الواحد، بل عدول عنها.

و الثاني أولا: بأنّه مخالف للمطلوب، لوروده بالقبول في أول شوّال.

و ثانيا: بأنّ لفظ العدل كما يطلق على الواحد يطلق على الزائد، لأنّه مصدر يصدق على القليل و الكثير،

تقول: رجل عدل، و رجلان عدل، و رجال عدل.

و ثالثا: باختلاف النسخ، فبعضها كما ذكر، و آخر مكان «أو شهد عدل»: «و اشهدوا عليه عدولا»، و في ثالث مكانه: «أو يشهد عليه بيّنة عدل من المسلمين»، و على هذا فلا تكون حجّة.

______________________________

(1) الفقيه 2: 77- 337، التهذيب 4: 158- 440، الاستبصار 2: 64- 207، الوسائل 10: 264 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 11.

(2) التهذيب 4: 269- 726، الاستبصار 3: 30- 98، الوسائل 10: 291 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 15.

(3) التهذيب 4: 161- 453، الوسائل 10: 266 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 15.

(4) انظر سنن النسائي 4: 131، و سنن أبي داود 2: 302، و سنن الترمذي 2: 99.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 405

و رابعا: بعدم الحجّية، لمخالفة الشهرة العظيمة، الموجبة لدخوله في حيّز الشذوذ.

و خامسا: بعدم معارضته للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة.

و الثالث: بالأخيرين، مضافا إلى معارضته مع ما نصّ على عدم قبول شهادة النساء، و هو كثير، و عليه الإجماع عن الانتصار و الغنية «1». و إلى أنّ الديلمي لا يقبل الامرأة الواحدة، فالأصل عنده مردود، فكيف يبقى الفرع؟! و الرابع: بأنّه لا دلالة فيه على الإجزاء بشهادته، بل أمره بالشهادة، لجواز أن يكون رآه غيره أيضا.

و منها: الجدول

، و المراد منه: التقويم المتعارف، الموضوع لضبط بعض الأحوال المتعلّقة ببعض الكواكب في السنة، كما هو الظاهر.

أو جدول أهل الحساب المتضمّن لثبت شهر تامّا و شهر ناقصا سوى الكبيسة، كما صرّح به في الروضة «2».

أو جدول كان وضعه عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر، و نسبه إلى الصادق عليه السّلام، كما صرّح به

في الغنية «3»:.

و العدد، سواء كان بمعنى عدّ شعبان ناقصا و رمضان تامّا أبدا، أو عدّ شهر تامّا و آخر ناقصا مطلقا في جميع السنة مبتدأ من المحرّم، أو عدّ خمسة أيّام من هلال رمضان الماضي و جعل الخامس أول الحاضر، أو عدّ تسعة و خمسين من هلال رجب، أو عدّ كلّ شهر ثلاثين.

و التطوّق بظهور النور في جرمه مستديرا.

______________________________

(1) الانتصار: 62، الغنية (الجوامع الفقهية): 570.

(2) الروضة 2: 110.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 569.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 406

و غيبوبة الهلال بعد الشفق.

و رؤية ظلّ الرأس في ظلّ القمر.

فإنّه لا عبرة بشي ء منها في ثبوت أول الشهر على الحقّ المشهور بين قدماء أصحابنا «1»، و متأخريهم «2»، بل على نفي بعضها الإجماع، أو عدم الخلاف في بعض عبارات الأصحاب «3»، بل على عدم اعتبار كثير منها الإجماع المعلوم، فهو فيه الحجّة.

مضافا في الجميع إلى الأصل، و الاستصحاب، و مفهوم الشرط في المستفيضة، المصرّحة باشتراط الصوم و الفطر بالرؤية، كما في صحيحتي الحلبي «4» و محمّد «5»، و رواية عبد السلام «6»، و قوله في صحيحة البصري:

«لا تصم إلّا أن تراه» «7»، و التحذير في المستفيضة عن متابعة الشكّ و الظنّ في أمر الهلال، و شي ء من المذكورات لا يتجاوز عن الظنّ.

و في خصوص الأول إلى صحيحة محمّد بن عيسى: ربّما أشكل علينا هلال شهر رمضان، فلا نراه و نرى السماء ليست فيها علّة، فيفطر الناس و نفطر معهم، و يقول قوم من الحسّاب قبلنا: إنّه يرى في تلك الليلة بعينها بمصر و إفريقية و الأندلس، فهل يجوز- يا مولاي- ما قال الحسّاب في هذا

______________________________

(1) انظر المبسوط 1: 267.

(2) انظر القواعد 1: 69، و اللمعة

(الروضة 2): 110، و المدارك 6: 175.

(3) كما في التنقيح الرائع 1: 376، و الذخيرة: 534، و الحدائق 13: 291.

(4) الكافي 4: 76- 1، الوسائل 10: 252 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 ح 1.

(5) الفقيه 6: 76- 334، التهذيب 4: 156- 433، الاستبصار 2: 63- 203، الوسائل 10: 289 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 11.

(6) التهذيب 4: 164- 465، الوسائل 10: 257 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 ح 20.

(7) التهذيب 4: 157- 439، الاستبصار 2: 64- 206، الوسائل 10: 254 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 407

الباب، حتى يختلف الفرض على أهل الأمصار، فيكون صومهم خلاف صومنا و فطرهم خلاف فطرنا؟ فوقّع عليه السّلام: «لا تصومنّ بالشكّ، أفطر لرؤيته و صم لرؤيته» «1»، بناء على أن يكون المراد: لا يحصل من قول الحسّاب سوى الشكّ، فلا تصومنّ به.

و يمكن أن يكون المعنى: أنّه لا يحصل من الرؤية في مصر و أخويه سوى الشكّ بالنسبة إلى بلدكم، فلا تصومنّ لأجله، و لا يدلّ على المطلوب حينئذ.

و قد يردّ ذلك أيضا بقوله صلّى اللّه عليه و آله: «من صدّق كاهنا أو منجّما فهو كافر بما انزل على محمّد صلّى اللّه عليه و آله» «2».

و فيه: أنّ علم النجوم هو العلم بآثار حلول الكواكب في البروج و الدرجات و آثار مقارناتها و سائر أنظارها و نحوه. و التنجيم هو الحكم بمقتضى تلك الآثار. و بناء الجدول على حساب سير القمر و الشمس، و هو غير التنجيم، و يقال لأهله: الحسّاب، كما مرّ في الصحيحة المتقدّمة، و ليس هو إلّا مثل حساب حركة الشمس و الإخبار عن

أوائل الشهور الروميّة و الفرسيّة، و ذلك ليس من التنجيم أصلا.

و في الثاني- بمعانيه الثلاثة الاولى- إلى المستفيضة من الصحاح و غيرها- بل المتواترة معنى- الدالّة على أنّ شهر رمضان كسائر الشهور يزيد و ينقص، و قد يكون تسعة و عشرين يوما، كأخبار الحلبي «3»، و الشحّام «4»،

______________________________

(1) التهذيب 4: 159- 446، الوسائل 10: 297 أبواب أحكام شهر رمضان ب 15 ح 1.

(2) المعتبر 2: 688، الوسائل 10: 297 أبواب أحكام شهر رمضان ب 15 ح 2.

(3) التهذيب 4: 161- 455، الوسائل 10: 266 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 17.

(4) التهذيب 4: 155- 430، الاستبصار 2: 62- 200، الوسائل 10: 262 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 408

و ابن سنان «1»، و أبي أحمد «2»، و الغنوي «3»، و عبد الأعلى «4»، و صبّار «5»، و هشام بن الحكم «6»، و الواسطي «7»، و جابر «8»، و إسحاق بن حريز «9»، و محمّد «10»، و قطر بن عبد الملك «11»، و الرضوي «12»، و الأحمر «13»،

______________________________

(1) التهذيب 4: 163- 459، الوسائل 10: 267 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 19.

(2) التهذيب 4: 163- 460، الوسائل 10: 267 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 20.

(3) التهذيب 4: 160- 449، الوسائل 10: 256 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 ح 15.

(4) التهذيب 4: 164- 466، الوسائل 10: 258 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 ح 24.

(5) التهذيب 4: 165- 468، الوسائل 10: 267 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 21.

(6) التهذيب 4: 158- 443، الوسائل 10: 265 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح

13.

(7) التهذيب 4: 161- 454، الوسائل 10: 266 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 16.

(8) التهذيب 4: 162- 456، الوسائل 10: 267 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 18.

(9) التهذيب 4: 162- 458، الوسائل 10: 262 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 2، و فيه: عن إسحاق بن جرير.

(10) التهذيب 4: 155- 429، الاستبصار 2: 62- 199، الوسائل 10: 261 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 1.

(11) التهذيب 4: 166- 471، الوسائل 10: 268 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 23.

(12) فقه الرضا «ع»: 203، مستدرك الوسائل 7: 406 أبواب أحكام شهر رمضان ب 4 ح 2.

(13) التهذيب 4: 165- 470، الوسائل 10: 268 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 409

و رفاعة «1»، و عبيد بن زرارة «2»، و حمّاد «3»، و يونس بن يعقوب «4»، و أبي بصير «5»، و محمّد بن الفضيل «6».

و بجميع معانيه إلى المخالفة للرؤية كثيرا، فإنّه قد تحقّقت الرؤية منافية لجميعها في كثير من الأوقات، إلّا أن يكون بناء المخالف على عدم الاعتبار بالرؤية أصلا، كما هو المصرّح به في عبارات بعض القدماء، الرادّ له، كالناصرية و الخلاف و التهذيب و الغنية «7».

و لكن صرّح في الحدائق: بأنّ الصدوق- مع تصلّبه و مبالغته في العدد- صرّح بوجوب الصيام للرؤية، و الإفطار للرؤية و عقد لذلك بابا «8».

و هو كذلك.

و في الثالث: إلى رواية أبي عليّ بن راشد: كتب إليّ أبو الحسن العسكري عليه السّلام كتابا، و أرخه يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان، و ذلك في

______________________________

(1) الاستبصار 2: 63- 202، الوسائل 10: 263 أبواب أحكام شهر

رمضان ب 5 ح 6.

(2) التهذيب 4: 157- 435، الوسائل 10: 264 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 10.

(3) التهذيب 4: 160- 452، الوسائل 10: 262 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 3.

(4) التهذيب 4: 160- 450، الوسائل 10: 265 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 14.

(5) المقنعة: 269، الوسائل 10: 259 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 ح 27.

(6) التهذيب 4: 166- 474، الوسائل 10: 263 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 7.

(7) الناصريات (الجوامع الفقهية): 206، الخلاف 2: 169، التهذيب 4: 154، الغنية (الجوامع الفقهية): 569.

(8) الحدائق 13: 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 410

سنة اثنين و ثلاثين و مائتين، و كان يوم الأربعاء يوم شكّ و صام أهل بغداد يوم الخميس، و أخبروني أنّهم رأوا الهلال ليلة الخميس و لم يغب إلّا بعد الشفق بزمان طويل، قال: فاعتقدت أنّ الصوم يوم الخميس و أنّ الشهر كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء، قال: فكتب إليّ: «زادك اللّه توفيقا فقد صمت بصيامنا»، قال: ثمَّ لقيته بعد ذلك فسألته عمّا كتبته به إليه، فقال لي: «أ و لم أكتب إليك إنّما صمت الخميس، و لا تصم إلّا للرؤية؟!» «1».

و التقريب: أنّه و إن كان ما كتبه إلى الإمام عليه السّلام غير مصرّح به، إلّا أنّ ظاهر السياق يدلّ على أنّه كتب إليه بما ذكره من وقوع الشك في بغداد يوم الأربعاء، إلى آخر ما في الخبر.

ثمَّ مع قطع النظر عن معلوميّة ما كتب إليه و أنّ المنقول عنه ما هو، فإنّ أخباره في صدر الخبر بكونه عليه السّلام كتب إليه كتابا أرّخه بالتاريخ المشعر بكون أربعاء من شهر شعبان- و كذا

جوابه بقوله «صمت بصيامنا» و كان صيامه يوم الخميس، كما يدلّ عليه قوله: «أ و لم أكتب إليك إنّما صمت الخميس» مع إخبار الراوي بأنّ الهلال ليلة الخميس لم يغب إلّا بعد الشفق بزمان طويل- ظاهر الدلالة على أنّ مغيب الهلال بعد الشفق لا يستلزم أن يكون لليلتين.

خلافا في الأول للمحكيّ في الخلاف عن شاذّ منّا «2»، و في المنتهى عن بعض الجمهور، لإيجابه الظن «3»، و قوله عزّ شأنه (وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) «4»، و الرجوع إلى النجوم في القبلة.

______________________________

(1) التهذيب 4: 167- 475، الوسائل 10: 281 أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ح 1.

(2) الخلاف 2: 169.

(3) المنتهى 2: 588.

(4) النحل: 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 411

و ضعف الكلّ ظاهر.

و قيل: مع أنّ أهل الجدول لا يثبتون فيه أول الشهر بمعنى جواز الرؤية، بل بمعنى تأخّر القمر عن محاذاة الشمس، مع اعترافهم بأنّه قد لا يمكن الرؤية «1».

و هو خطأ ناشئ عن عدم الاطّلاع عن طريقة الجداول، فإنّ فيها لا يثبت تأخّر القمر عن المحاذاة المذكورة، بل خروجه عن تحت الشعاع و كيفيّة بعده عنها و عرضه، ثمَّ بواسطتها يثبتون إمكان الرؤية، بل وقوعها.

و في الثاني للمحكيّ عن المفيد في بعض كتبه «2» و الصدوق في الفقيه «3»، و حكاه في المعتبر عن قوم من الحشويّة «4».

لقوله سبحانه (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) «5»، و قوله (وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) «6».

و الروايات الكثيرة الدالّة على تماميّة شهر رمضان أبدا خاصّة، أو عليها و على تماميّة شهر و نقصان شهر، كروايتي حذيفة بن منصور «7»، و الروايات الثلاث لمعاذ بن كثير «8»، و روايتي شعيب «9»، و رواية ابن

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 319.

(2) حكاه عن لمح

البرهان للمفيد في إقبال الأعمال: 5.

(3) الفقيه 2: 111.

(4) المعتبر 2: 688.

(5) البقرة: 184.

(6) البقرة: 185.

(7) التهذيب 4: 168- 479 و 481، الاستبصار 2: 65- 213 و 215، الوسائل 10: 269 و 270 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 26 و 29.

(8) التهذيب 4: 167- 477 و 478 و 480، الاستبصار 2: 65- 211 و 212، 214، الوسائل 10: 268 و 269 و 270 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 24 و 25 و 28.

(9) التهذيب 4: 171- 483 و 484، الاستبصار 2: 67- 216، 217، الوسائل 10: 271 و 272 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 32 و 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 412

عمّار «1»، و مراسيل محمّد بن إسماعيل «2» و أبي بصير «3» و ياسر الخادم «4».

و ضعف دلالة الأولين ظاهر.

و أمّا الروايات، و هي و إن كانت مخالفة للعامّة- كما صرّح به في الفقيه «5»، و هي من المرجّحات- إلّا أنّها مخالفة للظواهر و العمومات القرآنية- كما في الوافي «6»- و هي من الموهنات، و مع ذلك فهي شاذّة- كما صرّح به في الخلاف و الغنية «7»، و يستفاد من الناصريّات و المعتبر «8»- و مخالفة للشهرة القديمة و الجديدة، بل الإجماع المحقّق، فهي خارجة عن حيّز الحجية مطروحة بالكلية.

هذا، مع أنّه على ما صرّح به في الحدائق لا يظهر لهذا الخلاف كثير ثمرة، لأنّه نقل عن الصدوق- الذي هو أهل ذلك القول، إذ لم يثبت من غيره- أنّه أوجب الصوم للرؤية و الفطر لها، و مع تغيّم ليلة الثلاثين من شعبان قال باستحباب صومه من شعبان و إجزائه عن رمضان لو ظهر أنّه منه «9».

______________________________

(1)

التهذيب 4: 176- 487، الاستبصار 2: 72- 220، الوسائل 10: 271 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 31.

(2) الكافي 4: 78- 2، التهذيب 4: 172- 485، الاستبصار 2: 62- 218، الوسائل 10: 272 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 34.

(3) الفقيه 2: 111- 473، الخصال: 531- 7، الوسائل 5: 273 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 35.

(4) الفقيه 2: 111- 474، الخصال: 530- 5، الوسائل 10: 273 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 36.

(5) الفقيه 2: 111.

(6) الوافي 11: 146.

(7) الخلاف 2: 169، الغنية (الجوامع الفقهية): 569.

(8) الناصريات (الجوامع الفقهية): 206، المعتبر 2: 688.

(9) الحدائق 13: 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 413

ثمَّ إن كان خلافهما مختصّا بشهري شعبان و رمضان- أي يقولان بالنقصان و التمام الأبديّين فيهما خاصّتين- يكونان مخالفين في العدد بالمعنى الأول خاصّة، و إن كانا يقولان بالعدد بالمعنى الثاني- كما هو الظاهر، و يدلّ عليه كثير من أخبارهما المتقدّمة- فيكونان مخالفين في العدد بجميع معانيه، إذ المعنى الثاني منه يستلزم جميع معانيه و إن لم يكن بالعكس كما لا يخفى، و يكون لهما موافق من الأصحاب في الجملة أيضا.

فإنّه ذهب في المراسم و الإرشاد و القواعد بالبناء على العدد إذا غمّت الشهور أجمع من غير تفسير «1». و لكن الظاهر أنّ مرادهما عدّ الخمسة الآتية.

و في تمهيد القواعد بالبناء على عدّ شهر تامّا و شهر ناقصا، أو عدّ خمسة من هلال رمضان السنة الماضية حينئذ «2».

و في المبسوط و المختلف و التحرير و المنتهى و التذكرة بالبناء على عدّ الخمسة حينئذ «3».

و الإسكافي بنى على عدّ الخمسة في غير السنة الكبيسة و الستّة فيها حينئذ كما

قيل «4». أو مطلقا، كما عن التنقيح «5» و غيره «6».

و العماني بنى على عدّ تسعة و خمسين من رجب «7».

______________________________

(1) المراسم: 96، الإرشاد 1: 303، القواعد 1: 69.

(2) تمهيد القواعد (الذكرى): 44.

(3) المبسوط 1: 268، المختلف: 236، التحرير 1: 82، المنتهى 2: 592، التذكرة 1: 271.

(4) في المختلف: 236.

(5) التنقيح 1: 377.

(6) كالمعتبر 2: 688، و الجامع للشرائع: 154.

(7) حكاه عنه في المختلف: 236.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 414

و يستدل لعدّ الخمسة مطلقا بالمستفيضة، كرواية الزعفراني: إنّ السماء تطبق علينا بالعراق اليومين و الثلاثة فأيّ يوم نصوم؟ قال: «أفطر اليوم الذي صمت من السنة الماضية و صم يوم الخامس» «1»، و قريبة منها روايته الأخرى «2».

و رواية الخدري: «صم في العام المستقبل يوم الخامس من يوم صمت فيه عام أول» «3»، و قريبة منها مرسلة الفقيه «4»، و المرويّ في الإقبال عن عاصم بن حميد «5»، و كذا الرضوي «6».

و لعدّها في غير السنة الكبيسة برواية السيّاري: عمّا روي من الحساب في الصوم عن آبائك في عدّ خمسة أيّام بين أول السنة الماضية و السنة الثانية التي تأتي؟ فكتب: «صحيح، و لكن عدّ في كلّ أربع سنين خمسا، و في السنة الخامسة ستّا فيما بين الاولى و الحادث، و فيما سوى ذلك فإنّما هو خمسة خمسة»، قال السيّاري: و هذه من جهة الكبيسة، الحديث «7».

مضافا إلى موافقته للعادة، كما صرّح به جماعة «8»، قال القزويني في

______________________________

(1) الكافي 4: 80- 1، التهذيب 4: 179- 496، الاستبصار 2: 76- 230، المقنع: 59، الوسائل 10: 283 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10 ح 3، بتفاوت.

(2) الكافي 4: 81- 4، التهذيب 4: 179- 497، الاستبصار 2:

76- 231، الوسائل 10: 283 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10 ح 3.

(3) الكافي 4: 81- 2، الوسائل 10: 283 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10 ح 1.

(4) الفقيه 2: 78- 345، الوسائل 10: 284 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10 ح 4.

(5) الإقبال: 15، الوسائل 10: 285 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10 ح 8.

(6) فقه الرضا «ع»: 209، مستدرك الوسائل 7: 416 أبواب أحكام شهر رمضان ب 7 ح 2.

(7) الكافي 4: 81- 3، الوسائل 10: 283 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10 ح 2.

(8) انظر التذكرة 1: 271، و الإيضاح 1: 250.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 415

عجائب المخلوقات: و قد امتحنوا ذلك خمسين سنة فكان صحيحا.

و لعدّ تسعة و خمسين بمرفوعة إلى أبي خالد: «إذا صحّ هلال رجب فعدّ تسعة و خمسين يوما و صم يوم الستّين» «1».

و تضعّف الروايات بأجمعها بمعارضتها مع ما مرّ من الأخبار المشترطة للصوم و الفطر بالرؤية «2»، و الدالّة على أنّه مع الغيم يعدّ الشهر السابق ثلاثين، كموثقتي البصري «3» و ابن عمّار: سألته عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من شعبان فقال: «لا تصم إلّا أن تراه» الحديث «4».

و رواية محمّد بن قيس، و فيها: «و إن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين ليلة ثمَّ أفطروا» «5».

و موثّقة إسحاق، و فيها: «فإن خفي عليكم فأتموا الشهر الأول ثلاثين» «6».

مضافا إلى أنّ في شي ء منها ليس التقييد بتغيّم الشهور كلّه، و التقييد للجمع فرع الشاهد.

و أمّا موافقة العادة، ففيها: أنّها إن كانت مفيدة للمظنّة فما وجه حجّيتها؟! و إن كانت مفيدة للقطع فما وجه التخصيص بصورة التغيّم؟! بل يجب العمل بها مع الصحو

أيضا و هم لا يقولون به.

______________________________

(1) انظر الوسائل 10: 285 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10 ح 7.

(2) الوسائل 10: 252 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3.

(3) المتقدمة في ص: 406.

(4) التهذيب 4: 178- 493، الاستبصار 2: 73- 224، الوسائل 10: 278 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 3.

(5) الفقيه 2: 77- 337، التهذيب 4: 158- 440، الاستبصار 2: 64- 207، الوسائل 10: 264 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 11.

(6) التهذيب 4: 158- 441، الاستبصار 2: 64- 208، الوسائل 10: 255 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 416

مضافا إلى أنّ المسلّم من العادة لو كانت إنّما هي عدم تماميّة جميع شهور السنة، و أمّا كون شهر تامّا و شهر ناقصا- حتى يقع أول المستقبل مضيّ الخمس من الماضي- فلم تثبت فيه عادة أصلا، بل يمكن أن يكون الرابع أو الثالث.

فإن قيل: العادة المقطوعة بها و إن لم تكن حاصلة بالنسبة إلى عدد الخمسة، إلّا أنّا نعلم قطعا عاديّا أنّ جميع شهور السنة لا تكون تامّة، فمع تغيّم الشهور كلّها يعلم قطعا أنّ عدّ الكل ثلاثين مخالف للواقع، فكيف يعدّ كذلك؟! قلنا: هذا إنّما يرد لو كان العمل بالثلاثين للأصل و الاستصحاب، فإنّهما لا يجريان مع القطع المذكور، و أمّا لو كان لأجل الروايات فلا يرد ذلك، لأنّ مدلولها أنّ الشهر حينئذ ثلاثين، سواء كان الهلال قبله في الواقع أو لا، فيكون اعتبار الهلال مع إمكان رؤيته، و بدونه يكون الاعتبار بالثلاثين، و إن أمر بالقضاء لو ظهر الخطأ قبله فإنّه إنّما هو للأمر الجديد.

و خلافا في الثالث للمحكيّ عن ظاهر الفقيه «1».

و في الرابع

له «2» و للمحكيّ عن المقنع «3»، و مال إليه في الذخيرة و نسبه إلى ظاهر بعض المتأخّرين، فجعلوه فيهما لليلتين «4».

و في الخامس للمقنع و رسالة والد الصدوق، فجعلاه لثلاث ليال «5».

كلّ ذلك لدليل الاعتبار و الأخبار، كصحيحة مرازم: «إذا تطوّق الهلال

______________________________

(1) الفقيه 2: 80.

(2) الفقيه 2: 78.

(3) المقنع: 58.

(4) الذخيرة: 533.

(5) المقنع: 58، نقله عن والد الصدوق في المختلف: 235.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 417

فهو الليلتين، و إذا رأيت ظلّ نفسك فيه فهو لثلاث ليال» «1».

و رواية الصلت: «إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة، و إذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين» «2»، و نحوها رواية إسماعيل بن الحرّ «3».

و الرضوي: «و قد روي: إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة، و إذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين، و إذا رأيت ظلّ رأسك فهو لثلاث ليال» «4».

و أجيب عنها- مضافا إلى مخالفتها للشهرة العظيمة الموجبة للشذوذ المخرج عن الحجّيّة-: بأنّها لا تعارض ما مرّ من تعلّق الفطر و الصوم على الرؤية و بدونها على عدّ الثلاثين فيهما، إذ لا [منافاة] «5» بين كون الهلال في الواقع و ترتّب الصوم و الفطر على غيره.

و غاية ما يدلّ عليه الاعتبار و هذه الأخبار: أنّ هذه الأحوال تدلّ على أنّ الليلة السابقة كانت ذات هلال و أول الشهر، و ذلك لا ينافي ما دلّ على عدم وجوب الصوم أو الفطر، إذ يمكن أن يكونان مترتّبين على رؤية الهلال الصائم و المفطر بنفسه أو شهوده، لا تحقّق الهلال.

مع أنّه على فرض المعارضة لا يقاوم ما مرّ، فيرجع إلى الأصل.

و يضعف الأول: بأنّ الأخبار و إن كانت كذلك، و لكن الاعتبار ممّا

______________________________

(1) الكافي 4: 78- 11،

الفقيه 2: 78- 342، التهذيب 4: 178- 495، الاستبصار 2: 75- 229، الوسائل 10: 281 أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ح 2، و في الجميع: ظل رأسك.

(2) الكافي 4: 77- 7، الوسائل 10: 282 أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ح 3.

(3) الفقيه 2: 78- 343، التهذيب 4: 178- 494، الاستبصار 2: 75- 228، الوسائل 10: 282 أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ح 3.

(4) فقه الرضا «ع»: 209، مستدرك الوسائل 7: 415 أبواب أحكام شهر رمضان ب 6 ح 1.

(5) في النسخ: لا ملازمة، و لعل الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 418

لا يقبل الإنكار، و ترانا و يحصل لنا القطع بتقدّم أول الشهر مع واحد من تلك الحالات، سيّما التطوّق و رؤية الظلّ.

و الثاني: بأنّه لو سلّم ما ذكر لم يفد في عدّ الثلاثين، لأنّه إذا كان حينئذ الليلة الثانية أو الثالثة يجب البناء عليه في عدّ الثلاثين من أول الشهر، و يتمّ الكلام بعدم القول بالفصل.

و الثالث: بمنع عدم التقاوم، سيّما مع التعارض بالعموم المطلق، الموجب لتقديم الخاصّ.

و الإنصاف: أنّا لو رفعنا اليد عن الأخبار- للشذوذ- فلا يمكن ترك المعلوم بالاعتبار، سيّما بالنسبة إلى الأمرين.

إلّا أن يقال: إنّه إذا قطع النظر عن الأخبار لا يحصل من الاعتبار إلّا وجود الهلال في الليلة السابقة، أمّا كونها أول الشهر شرعا و كون تلك الليلة ثانيتها أو ثالثتها فلا دليل عليه، بل تردّه الأخبار المعارضة لتلك الأخبار، و لا يشهد الاعتبار بالأمور الشرعيّة.

فإذن الأظهر عدم اعتبار تلك الأمور في تعيين مبدأ الشهر الشرعي.

و ها هنا مسائل:
المسألة الأولى:

هل يجب قبول حكم الحاكم في ثبوت الهلال، أم لا؟

و هو إمّا يكون بحكمه بعد ثبوته عنده بشاهدين

أو الشياع، أو بعد رؤيته بنفسه.

فعلى الأول، ففي الحدائق: أنّ ظاهر الأصحاب وجوب القبول، و نقل عن بعض أفاضل متأخّري المتأخّرين: العدم، و مال هو إليه أيضا «1».

دليل الأول: الأخبار الدالّة بعمومها أو إطلاقها على وجوب الرجوع

______________________________

(1) الحدائق 13: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 419

إلى حكم الفقيه «1».

و قوله عليه السلام في مقبولة ابن حنظلة: «فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخف بحكم اللّه و علينا ردّه» «2».

و التوقيع الرفيع: «و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواه أحاديثنا» «3».

و خصوص صحيحة محمّد بن قيس: «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بالإفطار» «4».

و يرد على الأول: أنّ كلّها واردة فيما يتعلّق بالدعاوي و القضاء بين الخصوم و الفتوى في الأحكام الشرعيّة، و وجوب القبول فيها ممّا لا نزاع فيه.

و كذا المقبولة، مع أنّ صدق قوله: «حكمنا» على مثل ثبوت الهلال و رؤيته محل الكلام.

و أمّا التوقيع، فالمتبادر منه الرجوع إلى رواه الأحاديث لأجل رواية الحديث، مع أنّ الثابت منه وجوب الرجوع إليهم و هو مسلّم، و الكلام فيما يحكم به الفقيه حينئذ، فإنّه لا شكّ في أنّه إذا ثبت عند الفقيه الهلال و أفتى بوجوب قبول قوله فيه أيضا- لكون فتواه كذلك- يجب القبول، و إنّما الكلام في ما يفتي به. و لا يدلّ الرجوع إليهم أنّهم إذا قالوا: ثبت عندنا الهلال، يجب الصوم أو الفطر، بل هذا أيضا واقعة حادثة، فيجب الرجوع

______________________________

(1) الوسائل 27: 136 أبواب صفات القاضي ب 11.

(2) الكافي 7: 412- 5، التهذيب 6: 218- 514، الوسائل 27: 136 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 1.

(3) الاحتجاج 2: 470، كمال الدين: 484-

4، الوسائل 27: 140 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 9.

(4) الكافي 4: 169- 1، الفقيه 2: 109- 267، الوسائل 10: 275 أبواب أحكام شهر رمضان ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 420

فيها بأن يسأل عنه: إذا ثبت عندك فما حكمنا؟

و أمّا الصحيحة، فهي واردة في حقّ الإمام، و هو الظاهر في إمام الأصل، و أصالة ثبوت كلّ حكم ثبت له لنائبه العامّ أيضا غير معلومة بدليل «1».

و دليل الثاني- و هو الأقوى-: الأصل، و الأخبار المعلّقة للصوم و الفطر على الرؤية أو مضي الثلاثين، و الناهية عن اتّباع الشكّ و الظنّ في أمر الهلال، و قول الحاكم لا يفيد أزيد من الظنّ.

و على الثاني، فعن الدروس و الذخيرة «2» و غيرهما «3» أيضا الأول، لبعض ما مرّ. و الأقوى فيه أيضا الثاني، لما ذكر.

المسألة الثانية:

إذا رؤي الهلال في أحد البلدين المتقاربين ثبت حكمه لأهل البلد الآخر أيضا إجماعا، و لقوله عليه السلام في موثّقة البصري: «فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه» «4».

و في صحيحة هشام: «إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤية قضي يوما» «5».

و إن كان البلدان متباعدين، فقال جماعة: لم يثبت حكم بلد الآخر «6».

______________________________

(1) ليست في «س».

(2) الدروس 1: 286، الذخيرة: 531.

(3) كما في الكفاية: 52.

(4) التهذيب 4: 157- 439، الاستبصار 2: 64- 206، الوسائل 10: 254 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 ح 9، و قد عبّر الماتن عن هذه الموثقة بالصحيحة في ص 479 فلاحظ.

(5) التهذيب 4: 158- 443، الوسائل 10: 265 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 13.

(6) كما في المعتبر 2: 689، و الإرشاد 1: 303،

و المسالك 1: 76، و المفاتيح 1: 257.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 421

و حكى في التذكرة عن بعض علمائنا قولا بأنّ حكم البلاد كلّها واحد «1»، و إلى هذا القول ذهب في المنتهى في أول كلامه «2».

أقول: تحقيق المقام في ذلك المرام: أنّه ممّا لا ريب فيه أنّه يمكن أن يرى الهلال في بعض البلاد و لا يرى في بعض آخر مع الفحص، و اختلاف البلدين في الرؤية إمّا يكون للاختلاف في الأوضاع الهوائيّة أو الأرضيّة- كالغيم و الصحو و صفاء الهواء و كدرته و غلظة الأبخرة و رقّتها و تسطيح الأرض و تضريسها و نحو ذلك- أو للاختلاف في الأوضاع السماويّة، و ذلك إمّا يكون لأجل الاختلاف في عرض البلد أو طوله.

أمّا اختلاف الرؤية لأجل الاختلاف في العرض فيمكن من وجهين: أحدهما: أنّ كلّ بلد يكون عرضه أكثر فتكون دائرة مدار حركة النيّرين فيه في الأغلب أبعد من الاستواء، و يكون اضطجاعها إلى الأفق أكثر، و لأجله يكون الهلال عند الغروب إلى الأفق أقرب، و لذلك يكون قربه إلى الأغبرة المجتمعة في حوال الأفق أكثر، فتكون رؤيته أصعب، و لكن ذلك لا يختلف إلّا باختلاف كثير في العرض.

و ثانيهما: من الوجه الذي سيظهر ممّا يذكر.

و أمّا الاختلاف لأجل الاختلاف في الطول فهو لأجل أنّ كلّ بلد طوله أكثر و عن جزائر الخالدات- التي هي مبدأ الطول على الأشهر- أبعد يغرب النيّران فيه قبل غروبهما في البلد الذي طوله أقلّ.

و على هذا، فلو كان زمان التفاوت بين المغربين معتدّا به يتحرّك فيه القمر بحركته الخاصّة قدرا معتدا به و يبعد عن الشمس، فيمكن أن يكون

______________________________

(1) التذكرة 1: 269.

(2) المنتهى 2: 592.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 10، ص: 422

القمر وقت غروب الشمس في البلد الأكثر طولا بحيث لا يمكن رؤيته، لعدم خروجه عن الشعاع، و يبعد عن الشمس فيما بين المغربين بحيث يمكن رؤيته في البلد الأقل طولا.

مثلا: إذا كان طول البلد مائة و عشرين درجة و طول بلد آخر خمس و أربعين درجة، فيكون التفاوت بين الطولين خمس و سبعين درجة، و إذا غربت الشمس في الأول لا بدّ أن يسير الخمس و السبعين درجة بالحركة المعدليّة حتى تغرب في البلد الثاني، و يقطع الخمس و السبعين درجة في خمس ساعات، و في هذه الخمس يقطع القمر بحركته درجتين، و قد يقطع درجتين و نصف، بل قد يقطع ثلاث درجات تقريبا.

و على هذا، فربّما يكون القمر وقت المغرب في البلد الأول تحت الشعاع، و يخرج عنه في البلد الثاني، أو يكون في الأول قريبا من الشمس فلا يرى لأجله، و في الثاني يرى لبعده عنها، و لمثل ذلك يمكن أن يصير الاختلاف في العرض أيضا سببا لاختلاف الرؤية في البلدين، لأنّه أيضا قد يوجب الاختلاف في وقت الغروب و إن لم يختلفا في الطول، فإنّه لو كان العرض الشمالي لبلد أربعين درجة يكون نهاره الأطول خمس عشرة ساعة تقريبا، و يكون في ذلك اليوم- الذي يكون الشمس في أول السرطان- النهار الأقصر للبلد الذي عرضه الجنوبي كذلك، و يكون يومه تسع ساعات تقريبا، و يكون التفاوت بين اليومين ستّ ساعات، ثلاث منها لتفاوت المغرب، و يقطع القمر في هذه الثلاث درجة و نصفا تقريبا، و قد يقطع درجتين، و تختلف رؤيته بهذا القدر من البعد عن الشمس.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه قد دلّت الأخبار على أنّه إذا ثبتت

الرؤية في

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 423

بلد يثبت حكمها للبلد الآخر أيضا بقول مطلق «1»، و مقتضاها اتّحاد حكم البلدين في الرؤية، و ذلك- فيما إذا كان السبب في عدم الرؤية في البلد الآخر الموانع الخارجيّة الهوائيّة أو الأرضيّة بحيث علم أنّه لو لا المانع لرؤي في ذلك البلد أيضا- إجماعي، و ذلك يكون في البلدين المتقاربين، إذ نقطع بعدم حصول الاختلاف الموجب لاختلاف الرؤية بسبب الأوضاع السماويّة في البلاد المتقاربة. و كذا إذا كان الاختلاف في الرؤية لأجل الاختلاف في العرض بالوجه الأول، لأنّه أيضا راجع إلى وجود المانع الخارجي.

و إن كان السبب في عدم الرؤية الاختلاف في الطول أو العرض بالوجه الثاني ففيه الخلاف، إذ لا يعلم من الرؤية في أحد البلدين وجود الهلال في الآخر أيضا- أي خروجه عن الشعاع وقت المغرب- فلا تكفي الرؤية في أحدهما عن الرؤية في الآخر.

و قد يتعارض الاختلاف العرضي مع الطولي، كما إذا كان نهار بلد أقصر من الآخر، و لكن كان طول الأول أقلّ بحيث يتّحد وقتا مغربهما أو يتقاربان [1]، و يكون ظهور تفاوت النهارين في الشرق، بل قد يتأخّر المغرب في الأقصر نهارا.

و ممّا ذكر يعلم أنّ محلّ الخلاف إنّما هو في البلدين اللذين يختلفان في الطول تفاوتا فاحشا، أي بقدر يسير القمر في زمن التفاوت بحركته الخاصّة درجة أو نصف درجة، و نصف الدرجة يحصل في خمس عشرة درجة تقريبا من الاختلاف الطولي.

______________________________

[1] في «س»: يتقارنان، و في «ح»: يتفاوتان.

______________________________

(1) الوسائل 10: 292 أبواب أحكام شهر رمضان ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 424

أو يختلفان في العرض تفاوتا فاحشا، بحيث يكون تفاوت مغربيهما بقدر يسير القمر فيه بحركته

الخاصّة الدرجة أو نصفها، و هو أيضا يكون إذا اختلف نهار البلدين بقدر ثلاث ساعات أو ساعتين لا أقلّ، ليكون تفاوتهما المغربي نصف ذلك، حتى يسير القمر سيرا معتدّا به فيه.

و قد يتعارض الاختلافان الطولي و العرضي، و الخبير بعلم هيئة الأفلاك يقدر على استنباط جميع الشقوق، و استنباط أنّ الرؤية في أي من البلدين- المختلفين طولا أو عرضا بالقدر المذكور- توجب ثبوتها في الآخر، و لا عكس.

فالخلاف يكون في الرؤية في بغداد لبلدة قشمير، لتقارب عرضهما، و أقلّيّة طول بغداد بخمس و عشرين درجة تقريبا.

و في الرؤية بمصر لبغداد، إذ مع التفاوت العرضي قليلا يكون طول مصر أقلّ بسبع عشرة درجة. و كذا الطوس، لزيادة طوله بثلاثين درجة تقريبا.

و في الرؤية في صنعاء يمن لبغداد و مدائن، إذ مع تقارب الطول يختلفان عرضا بتسع عشرة درجة تقريبا.

و في أصفهان لبلدة لهاور، لاختلافهما في الطول باثنين و ثلاثين درجة تقريبا. بل في بغداد لطوس، لتفاوت طوليهما اثنتي عشرة درجة تقريبا.

ثمَّ الحقّ- الذي لا محيص عنه عند الخبير-: كفاية الرؤية في أحد البلدين للبلد الآخر مطلقا، سواء كان البلدان متقاربين أو متباعدين كثيرا، لأنّ اختلاف حكمهما موقوف على العلم بأمرين لا يحصل العلم بهما البتّة:

أحدهما: أن يعلم أنّ مبنى الصوم و الفطر على وجود الهلال في البلد بخصوصه، و لا يكفي وجوده في بلد آخر و إن حكم الشارع بالقضاء بعد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 425

ثبوت الرؤية في بلد آخر لدلالته على وجوده في هذا البلد أيضا، و هذا ممّا لا سبيل إليه، لم لا يجوز أن يكفي وجوده في بلد لسائر البلدان أيضا مطلقا؟! و ثانيهما: أن يعلم أنّ البلدين مختلفان في الرؤية

البتّة، أي يكون الهلال في أحدهما دون الآخر، و ذلك أيضا غير معلوم، إذ لا يحصل من الاختلاف الطولي أو العرضي إلّا جواز الرؤية و وجود الهلال في أحدهما دون الآخر، و أمّا كونه كذلك البتّة فلا، إذ لعلّه خرج القمر عن تحت الشعاع قبل مغربيهما و إن كان في أحدهما أبعد من الشعاع من الآخر.

و العلم بحال القمر- و أنّه في ذلك الشهر بحيث لا يخرج عن تحت الشعاع في هذا البلد عند مغربه و يخرج في البلد الآخر- غير ممكن الحصول و إن أمكن الظنّ به، لابتنائه على العلم بقدر طول البلدين و عرضهما، و قدر بعد القمر عن الشمس في كلّ من المغربين، و وقت خروجه عن تحت الشعاع فيهما، و القدر الموجب «1» من البعد عن الشعاع.

و لا سبيل إلى معرفة شي ء من ذلك إلّا بقول هيوي واحد أو متعدّد راجع إلى قول راصد أو راصدين يمكن خطأ الجميع غالبا.

و بدون حصول العلم بهذين الأمرين لا وجه لرفع اليد عن إطلاق الأخبار أو عمومها.

فإن قيل: المطلقات إنّما تنصرف إلى الأفراد الشائعة، و ثبوت هلال أحد البلدين المتباعدين كثيرا في الآخر نادر جدّا.

قلنا: لا أعرف وجها لندرته، و إنّما هي تكون لو انحصر الأمر في الثبوت في الشهر الواحد، و لكنّه يفيد بعد الشهرين و أكثر أيضا. و ثبوت

______________________________

(1) في «ح» زيادة: للرؤية ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 426

الرؤية بمصر في ببغداد أو بغداد لطوس أو للشام في أصفهان و نحو ذلك بعد شهرين أو أكثر ليس بنادر، لتردّد القوافل العظيمة فيها كثيرا.

المسألة الثالثة:

إذا رؤي الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية على الأقرب، وفاقا للناصريّات، مدّعيا عليه إجماع الفرقة المحقّة

و نفي الخلاف فيه بين الصحابة، بل ظاهره إجماعهم عليه «1»، و هو المحكيّ عن المقنع و الفقيه «2»، و إليه ذهب جملة من متأخّري المتأخّرين، كصاحب الذخيرة و المحدّث الكاشاني «3»، و غيرهما «4»، و هو مختار المختلف «5»، و لكن في الصوم خاصّة.

للنصوص المستفيضة، كحسنة حمّاد بإبراهيم: «إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية، و إذا رأوه بعد الزوال فهو للّيلة المستقبلة» «6».

و موثّقة عبيد و ابن بكير: «إذا رؤي الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوّال، و إذا رؤي بعد الزوال فهو من شهر رمضان» «7».

و رواية العبيدي- على نسخ التهذيب-: ربّما غمّ علينا هلال شهر رمضان فنرى من الغد الهلال قبل الزوال و ربّما رأيناه بعد الزوال، فترى أن

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 206

(2) المقنع: 59، الفقيه 2: 79.

(3) الذخيرة: 533، الكاشاني في المفاتيح 1: 257، و انظر الوافي 11: 148.

(4) نسبه في الحدائق 13: 284 إلى ظاهر الشيخ حسن في المنتقى 2: 482، و نقله عن خاله في مشارق الشموس: 466.

(5) المختلف: 235.

(6) الكافي 4: 78- 10، التهذيب 4: 176- 488، الاستبصار 2: 73- 225، الوسائل 10: 280 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 6.

(7) التهذيب 4: 176- 489، الاستبصار 2: 74- 226، الوسائل 10: 279 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 427

نفطر قبل الزوال إذا رأيناه، و كيف تأمرني في ذلك؟ فكتب عليه السلام: «تتمّ إلى الليل، فإنّه إن كان تامّا رؤي قبل الزوال» «1».

و المرويّ في الناصريات عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه قال: «إذا رؤي الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية» «2».

و موثّقة إسحاق في هلال رمضان: «و

إذا رأيته وسط النهار فأتمّ صومه إلى الليل» «3».

و مفهوم الشرط في صحيحة محمّد بن قيس في هلال شوّال: «و إن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره فأتمّوا الصيام إلى الليل» «4».

خلافا للمحكيّ مستفيضا عن الأكثر، بل عن الغنية: الإجماع عليه «5»، و عن الخلاف: إجماع الصحابة عليه «6»، للأصل، و الاستصحاب.

و لإطلاق ما دلّ على أنّ الصوم للرؤية و الفطر للرؤية، حيث إنّ المتبادر من الرؤية: الرؤية الليلة دون النهارية، مع أنّه على فرض الإطلاق و تسليمه لا يصدق ذلك أول النهار قبل الرؤية، فالصوم فيه أو الإفطار يكون لا للرؤية.

و رواية المدائني: «من رأى هلال شوّال بنهار في رمضان فليتمّ صومه» «7».

______________________________

(1) التهذيب 4: 177- 490، الاستبصار 2: 73- 221، الوسائل 10: 279 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 4.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 206.

(3) التهذيب 4: 178- 493، الاستبصار 2: 73- 224، الوسائل 10: 278 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 3.

(4) الفقيه 2: 77- 337، التهذيب 4: 158- 440، الاستبصار 2: 64- 207، الوسائل 10: 278 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 1.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 570.

(6) الخلاف 2: 172.

(7) التهذيب 4: 178- 492، الاستبصار 2: 73- 223، الوسائل 10: 278 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 428

و منطوق صحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة.

و رواية العبيدي- على نسخة الاستبصار- فإنّها فيها كذلك: و ربّما غمّ علينا الهلال في شهر رمضان «1».

و أجابوا «2» عن الأخبار المتقدّمة تارة بالشذوذ.

و اخرى بالمخالفة لظواهر القرآن و الأخبار المتواترة، و معارضة المرويّ في الناصريّات للمرويّ في الخلاف «3»، فإنّ فيه روى خلافه

بعينه عن أمير المؤمنين عليه السلام، و معارضة الإجماع المنقول للأول لمثله للثاني، مع مرجوحيّة الأول بظهور المخالف جدّا.

أقول: أمّا الشذوذ فغير مسلّم بعد ذهاب مثل الصدوق و السيّد و دعواه الإجماع الكاشف عن فتوى جماعة- لا أقلّ- به، و تفصيل المختلف، و تردّد جماعة كثيرة، كالمحقّق في المعتبر و النافع و الأردبيلي و المدارك «4»، و ذهاب جمع من المتأخّرين إلى خلافه «5»، غاية الأمر مخالفة الشهرة في الجملة، و هي غير الشذوذ المخرج عن الحجّية.

و بالجملة: دعوى الشذوذ- مع ادّعاء الإجماع من مثل السيّد، و لو كان له معارض- من الغرائب.

و أمّا المخالفة لظواهر القرآن- إلى آخره- فلا وجه لها، قال في الوافي: و ليت شعري ما موضع دلالة خلاف مقتضي الخبرين في القرآن

______________________________

(1) الاستبصار 2: 73- 221، الوسائل 10: 279 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 4.

(2) كالشيخ في التهذيب 4: 177، و الاستبصار 2: 74، و القمّي في غنائم الأيام:

451، و الخوانساري في مشارق الشموس: 468.

(3) الخلاف 2: 172.

(4) المعتبر 2: 689، النافع: 69، الأردبيلي في مجمع الفائدة 5: 302، المدارك 6: 181.

(5) راجع ص: 426 رقم: 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 429

و الأخبار المتواترة؟! و ليس في القرآن و الأخبار إلّا أنّ الاعتبار في تحقّق دخول الشهر إنّما هو بالرؤية أو مضيّ ثلاثين، و أمّا أنّ الرؤية المعتبرة فيه متى تتحقّق و كيف تتحقّق فإنما يتبيّن بمثل هذه الأخبار ليس إلّا «1». انتهى هذا، مع ما في أدلّة ذلك القول من الوهن.

أمّا الأصل و الاستصحاب، فلاندفاعهما بما مرّ.

و أمّا الإطلاقات، فلمنع تبادر الرؤية الليليّة بحيث يوجب الحمل عليها، بل يعمّ الرؤيتين، و لذلك استدلّ به جماعة للقول

الأول، و القائلون به لا يقولون أنّ أول النهار ينوي الصوم أو الفطر.

و أمّا رواية المدائني، فلكونها أعمّ مطلقا ممّا مرّ، فيجب التخصيص بما بعد الزوال.

و هو الجواب عن المنطوق، مع أنّه صرّح بعضهم: بأنّ إيراد لفظة «من» في قوله: «من وسط النهار» و ذكر الآخر قرينتان على ذلك الاختصاص «2».

و أمّا رواية العبيدي، فلا حجّية فيها بعد اختلاف النسخ و لو سلّم رجحان ما لهذه النسخة، لأنّه ليس بحيث يعيّنها البتة.

هذا كلّه، مع أنّه على فرض تساوي أدلّة الطرفين يجب ترجيح الأول، لمخالفته العامّة، كما صرّح به جماعة «3»، و هي من المرجّحات المنصوصة.

و دعوى مخالفة الثاني أيضا لنادر منهم- حيث إنّ في الناصريّات حكى الأول عن عمر و ابن عمر و أنس- مردودة بأن في الخلاف حكى الثاني عنهما بعينه، فلا تعلم مخالفة و لا موافقة، و يبقى الأول مخالفا لما

______________________________

(1) الوافي 11: 150.

(2) انظر الوافي 11: 122.

(3) منهم العلّامة في المنتهى 2: 592، و صاحب الحدائق 13: 290، و الخوانساري في مشارق الشموس: 468.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 430

عليه جمهور العامّة، فيجب الأخذ به كما ورد عن الأئمّة «1».

و أمّا التفصيل المختار في المختلف فلم أعثر على دليل له، سوى الاحتياط في الصوم، الذي هو ليس بحجّة.

المسألة الرابعة:

من كان بحيث لا يعلم الأهلّة، تحرّى لصيام شهر يغلب على ظنّه أنّه هو شهر رمضان، فيجب عليه صومه، فإن استمر الاشتباه و لم تظهر له الشهور قط أجزأه، و كذا إن صادفه أو كان بعده، و لو كان قبله استأنف الصوم من رمضان أداء و قضاء، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل عليه الإجماع عن المنتهى و التذكرة «2».

و تدلّ

على تلك الأحكام صحيحة عبد الرحمن و رواية المقنعة، الأولى: رجل أسرته الروم، و لم يصم شهر رمضان، و لم يدر أيّ شهر هو، قال: «يصوم شهرا يتوخّاه و يحسب، فإن كان الشهر الذي صام قبل شهر رمضان لم يجزه، و إن كان بعد رمضان أجزأه» «3»، و قريبة منها الثانية «4».

و لو لم يظنّ شهرا، قيل: يتخيّر في كلّ سنة شهرا مراعيا للمطابقة بين الشهرين «5». و لا دليل عليه، و يحتمل السقوط أيضا و إن كان الأول أحوط.

و قيل: يلحق بما ظنّه أو اختاره حكم الشهر في وجوب الكفّارة بإفساد يوم منه، و وجوب إكمال ثلاثين لو لم ير الهلال، و العيد بعده «6».

و في بعضها نظر، و الأصل ينفيه.

______________________________

(1) الوسائل 27: 106 أبواب صفات القاضي ب 9.

(2) المنتهى 2: 593، التذكرة 1: 272.

(3) الكافي 4: 180- 1، الفقيه 2: 78- 346، التهذيب 4: 310- 935، الوسائل 10: 276 أبواب أحكام شهر رمضان ب 7 ح 1.

(4) المقنعة: 379، الوسائل 10: 277 أبواب أحكام شهر رمضان ب 7 ح 2.

(5) كما في المسالك 1: 77، و الروضة البهية 2: 114، و الرياض 1: 321.

(6) كما في الروضة البهية 2: 114.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 431

الفصل الثاني في صوم القضاء و فيه مقدمة و مسائل:
المقدّمة: لا قضاء إلّا في الصوم المؤقّت

، و هو صوم شهر رمضان و النذر المعيّن.

أمّا عدم القضاء في غير المؤقّت فظاهر، إذ لا قضاء إلّا فيما فات وقته.

و أمّا وجوبه في النذر فسيأتي في كتاب النذر، و تجي ء الإشارة إليه في آخر الفصل أيضا.

و أمّا في شهر رمضان فتفصيله: من ترك صوم شهر رمضان فإمّا يتركه مع عدم قابليّته للأمر و النهي، أو مع القابليّة، و الثاني إمّا يتركه مع وجوبه عليه-

أي بلا عذر- أو مع العذر الموجب للإفطار.

أمّا الأول: فهو الصغير، و المجنون، و الغافل عن الوقت لنسيان أو اشتباه في الهلال، و المغمى عليه.

و لا قضاء على الأولين إجماعا، بل ضرورة، و هو الدليل عليه.

دون نحو حديث رفع القلم، لأنّه يفيد لحال الصغارة و الجنون، فلا ينافي ثبوت القضاء بعد ارتفاعهما.

و لا ما قيل من تبعيّة القضاء للأداء في جانب النفي و إن لم يتبعه في جانب الإثبات، فلا يشمله عموم ما دلّ على وجوب القضاء أو إطلاقه، فإنّه

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 432

لا قضاء حيث لا أداء «1».

لمنع التبعيّة، لوجوب قضاء الصلاة و الصوم على النائم، و فاقد الطهور على قول، و قضاء الصوم على الناسي [للصوم ] [1]، أو الغافل، أو من لم يثبت عليه الهلال ثمَّ ثبت، و نحو ذلك. و الاستدراك الذي يفهم من القضاء عرفا لا ينحصر في الوجوب، لإمكان استدراك الثواب أيضا.

و يجب القضاء في الثالث إجماعا أيضا، له، و للإطلاقات، و لخصوص مثل رواية صبّار، و فيها- بعد السؤال عمّن يصوم تسعة و عشرين يوما هل يقضي يوما؟ فقال:- «لا، إلّا أن يجي ء شاهدان عدلان فيشهدا أنّهما رأياه قبل ذلك بليلة فيقضي يوما» «2»، و الأحاديث بما يفيد ذلك متعدّدة جدّا «3».

و أمّا الرابع، فقد وقع فيه الخلاف، و الحقّ المشهور: عدم وجوب القضاء عليه، للأصل، و صحيحة ابن مهزيار «4»، و مكاتبة أيّوب الصحيحة:

عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته أم لا؟ فكتب: «لا يقضي الصلاة و لا يقضي الصوم» «5»، و غير ذلك من الأخبار المتقدّمة بعضها في بحث الصلاة «6».

______________________________

[1] في النسخ: للنوم، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(1) انظر الرياض 1:

321.

(2) التهذيب 4: 165- 468، و في الوسائل 10: 267 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 21: عن صابر، بدل: صبّار.

(3) انظر الوسائل 10: 261 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5.

(4) التهذيب 4: 243- 714، الوسائل 10: 226 أبواب من يصح منه الصوم ب 24 ح 2.

(5) الفقيه 1: 237- 1041، التهذيب 4: 243- 711، الاستبصار 1: 458- 1775، الوسائل 10: 226 أبواب من يصح منه الصوم ب 24 ح 1.

(6) انظر الوسائل 8: 258 و 264 أبواب قضاء الصلوات ب 3 و 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 433

خلافا للمحكيّ عن الشيخين و السيّد و القاضي، فقالوا بالقضاء مع عدم تبييت النيّة «1».

لأخبار قضاء الصلاة مع عدم القول بالفرق.

و لكونه مريضا، و القضاء واجب عليه كتابا و سنّة.

و ما دلّ بعمومه على أنّ المغمي عليه يقضي ما فاته، كصحاح محمّد و حفص و منصور، المتقدّمة في البحث المذكور.

و يردّ الأول: بالمعارضة بالمثل، بل الراجح بوجوه شتّى كما مرّت.

و الثاني: بمنع الصغرى أولا، و كلّية الكبرى على فرض التسليم.

و الثالث: بعدم الدلالة على الوجوب أولا، و لزوم التخصيص بصلاة أدرك وقتها أو صوم لم ينوه في النهار أيضا بأن يغمى في جزء من يوم لم يقصد صومه على فرض الدلالة، لأخصية ما قدّمناه.

و أمّا الثاني: فالأصل فيه وجوب القضاء، للإطلاقات الغير العديدة، نحو قوله: عن رجل كذب في شهر رمضان، فقال: «قد أفطر و عليه قضاؤه» «2».

و قوله: عن رجل عبث بالماء يتمضمض من عطش فدخل حلقه، قال: «عليه قضاؤه» «3».

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 352، و الطوسي في المبسوط 1: 285، و النهاية: 165، و السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف

المرتضى 3): 57، و القاضي في المهذّب 1: 196.

(2) التهذيب 4: 203- 586، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 3.

(3) الفقيه 2: 69- 290، التهذيب 4: 322- 991، الوسائل 10: 71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 434

و قوله: «من أتى أهله في رمضان متعمّدا فعليه عتق رقبة» إلى أن قال: «و قضاء ذلك اليوم» «1»، إلى غير ذلك ممّا لا يحصى كثرة من الموارد الجزئيّة.

و يستثنى من الأصل: الكافر الأصلي، بالإجماع القطعي، و المستفيضة من الأخبار، المتقدّم بعضها في بحث من يصحّ منه الصوم.

و المرتدّ مطلقا- ملّيّا كان أو فطريّا- يقضى ما فاته، بلا خلاف فيه كما في الذخيرة «2» و غيره «3»، للعمومات، و الإطلاقات السليمة عمّا يصلح للمعارضة، سوى إطلاق ما يظنّ بأنّ الكافر لا يقضي ما فاته، و هو ظاهر في الأصلي، بل هو المتبادر منه، بل في شمول الكافر لغة- أو في العرف المتقدّم- له نظر.

و أمّا المخالفون من المسلمين هم لا يستثنون، بل يجب عليهم قضاء ما تركوه من الصيام، أو أخلّوا بشرائطه على مذهبهم، و في الحدائق: الظاهر أنّه لا خلاف فيه بين أصحابنا «4»، للإطلاقات المشار إليها، و اختصاص ما دلّ على سقوط القضاء عنهم بما أتوا به.

و أمّا ما أتوا به فلا يجب عليهم قضاؤه بلا خلاف أيضا، و تدلّ عليه الأخبار المتقدّمة إليها الإشارة في كتاب الصلاة، منها: صحيحة الفضلاء: في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحروريّة و العثمانية و القدريّة، ثمَّ يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه، أ يعيد كلّ صلاة صلّاها أو صوم أو زكاة أو

______________________________

(1)

التهذيب 4: 208- 604، الاستبصار 2: 97- 315، الوسائل 10: 54 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 2.

(2) الذخيرة: 526.

(3) كالرياض 1: 322.

(4) الحدائق 13: 295.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 435

حجّ؟ أو ليس عليه إعادة شي ء من ذلك؟ قال: «ليس عليه إعادة شي ء من ذلك غير الزكاة» الحديث «1».

و أمّا الثالث- و أفراده: الحائض، و النفساء، و المريض، و المسافر- فوجوب القضاء على الجميع إجماعي، بل ضروري، مدلول عليه- بل منصوص به- في الأخبار الغير العديدة الواردة في جزئيّات موارد أحكام كلّ منها بحيث لا يحتاج إلى الذكر، و سيأتي بعضها إن شاء اللّه سبحانه.

المسألة الاولى:

من نسي غسل الجنابة في شهر رمضان حتى مرّ عليه الشهر كلّه أو أيّام منه، ففي قضاء صوم أيام أصبح فيها جنبا أقوال:

الأول: وجوبه مطلقا، إليه ذهب الإسكافي و الشيخ في النهاية و المبسوط و الصدوق على الظاهر و الجامع و المعتبر «2»، و أكثر المتأخّرين «3»، بل- كما قيل- عامّتهم «4»، و نسبه الشهيد و غيره إلى الأكثر «5».

للمعتبرة من النصوص، كصحيحة الحلبي: عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج رمضان، قال: «عليه أن يقضي الصلاة و الصيام» «6».

______________________________

(1) الكافي 3: 545- 1، التهذيب 4: 54- 143، العلل: 373- 1، الوسائل 9:

216 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 2.

(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 233، النهاية: 165، المبسوط 1: 288، الصدوق في الفقيه 2: 75، الجامع للشرائع: 156، المعتبر 2: 705.

(3) كما في المنتهى 2: 606، و المختلف: 233، و اللمعة (الروضة 2): 116، و مجمع الفائدة 5: 127.

(4) كما في الرياض 1: 325.

(5) الشهيد في غاية المراد 1: 312- 313،

و صاحب المدارك 6: 235، و الخوانساري في مشارق الشموس: 388.

(6) التهذيب 4: 311- 938، الوسائل 2: 257 أبواب الجنابة ب 39 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 436

و رواية إبراهيم بن ميمون القريبة منها «1»، و رواية أخرى له: عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان ثمَّ ينسى أن يغتسل حتى يمضي بذلك جمعة أو يخرج شهر رمضان، قال: «عليه قضاء الصلاة و الصوم» «2».

و قد يستدلّ بوجوه أخر ضعيفة أيضا، لابتنائها على اشتراط الطهارة في الصوم مطلقا «3»، و الخصم لا يسلّمه.

و الثاني- و هو الأصحّ-: وجوبه إن لم يغتسل أصلا فيقضي جميع أيّام الجنابة، و عدم وجوبه بعد غسل و لو كان غسل الجمعة.

للخبر المروي في الفقيه: «من أجنب في أول رمضان ثمَّ نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان إنّ عليه أن يغتسل و يقضي صلاته و صومه، إلّا أن يكون قد اغتسل للجمعة، فإنّه يقضي صلاته و صومه إلى ذلك اليوم و لا يقضي ما بعد ذلك» «4».

و عدم معلوميّة مستنده عندنا غير ضائر، و به يقيّد إطلاق الأخبار المتقدّمة إن حمل الغسل فيها على غسل الجنابة، و إلّا- كما هو الأولى- فلا تعارض له أصلا، بل على المختار- من التداخل القهري في الأغسال مطلقا- لا حاجة إلى هذا الخبر أيضا، لتحقّق غسل الجنابة، بل لا يكون هذا قولا مغايرا للأول.

و الثالث: عدم وجوبه، اختاره الحلّي- قائلا بأنّه لم يقل أحد من محقّقي أصحابنا بوجوب القضاء «5»- و المحقّق في الشرائع و النافع «6».

______________________________

(1) التهذيب 4: 332- 1043، الوسائل 10: 65 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 17 ح 1.

(2) الكافي 4: 106- 5، الفقيه 2: 74- 320، الوسائل

10: 65 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 17 ح 1.

(3) انظر المختلف: 233.

(4) الفقيه 2: 74- 321، الوسائل 10: 238 أبواب أحكام شهر رمضان ب 30 ح 2.

(5) السرائر 1: 407.

(6) الشرائع 1: 204، النافع: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 437

للأصل. و عموم: «رفع عن أمّتي» «1»، حيث إنّ القضاء أيضا مؤاخذة.

و الأخبار المتقدّمة من الصحاح و غيرها المتضمّنة ل: أنّ الجنب إذا أصبح في النومة الاولى فلا قضاء عليه، فإنّها أعمّ من أن يكون ناسيا قبل النوم أو عامدا، مع أنّ نفي القضاء مع العمد يوجب نفيه مع النسيان بالطريق الأولى، و ظاهر أنّ النوم لا يوجب انتفاء القضاء، بل بانتفائه عن الناسي النائم ينتفي عن سائر أفراد المطلوب بالإجماع المركّب.

و الجواب عن الأوّل: باندفاعه بما مرّ.

و عن الثاني: بتخصيصه به، مع منع كون القضاء مؤاخذة.

و عن الثالث: باختصاص الأخبار المتقدّمة بغير الناسي، و إجراء حكمه في الناسي قياس باطل مع الفارق، لوجود العزم على الغسل في غير الناسي دونه، بل صرّح به في بعض الأخبار المتقدّمة، فنقول بوجوب القضاء على الناسي و إن نام بالنومة الاولى إلى الفجر.

و تقييد أخبار القضاء- بما إذا عرض النسيان في الليلة الاولى و انتبه قبل طلوع الفجر على وجه يمكنه الاغتسال لو كان ذاكرا، أو بما إذا أصبح في النومة الثانية- لا شاهد عليه.

و يمكن الجمع أيضا بحمل أخبار القضاء على مضيّ أيّام و أخبار النفي عن النائم في اليوم الواحد و التفرقة بين اليوم الواحد و الأيّام، بل هذا ليس جمعا حقيقة، بل منطوق الروايات ذلك، إلّا أنّ الظاهر عدم قائل بذلك التفصيل.

______________________________

(1) كما في الوسائل 8: 249 أبواب الخلل الواقع في الصلاة

ب 30 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 438

فرع: في تعدّي الحكم إلى غسل الحيض و النفاس بعد انقطاع الدم، و إلى سائر أفراد الصيام الواجبة التي لها قضاء- كالنذر المعيّن- أو بدل، كمطلق القضاء و الكفّارة، وجهان.

و الأصل يقتضي العدم في الموضعين، لأصالة عدم اشتراط صحّة مطلق الصوم بهذه الأغسال مطلقا و إن سلّمنا الاشتراط مع التعمّد، و أمر الاحتياط واضح.

المسألة الثانية:
اشاره

من فاته شهر رمضان أو بعضه بمرض أو حيض أو نفاس و مات قبل البرء أو الطهر، لم يجب القضاء عنه إجماعا نصّا و فتوى. و في المنتهى: إنّه قول العلماء كافّة «1»، للأصل، و المستفيضة من الصحاح و غيرها.

كصحيحة محمّد: عن رجل أدركه شهر رمضان و هو مريض فتوفّي قبل أن يبرأ، قال: «ليس عليه شي ء، و لكن يقضى عن الذي يبرأ ثمَّ يموت قبل أن يقضي» «2».

و الأخرى: عن الحائض تفطر في شهر رمضان أيّام حيضها فإذا أفطرت ماتت، قال: «ليس عليها شي ء» «3».

و منصور: عن المريض في شهر رمضان فلا يصحّ حتى يموت، قال:

«لا يقضى عنه»، و الحائض تموت في شهر رمضان، قال: «لا يقضى عنها» «4».

و أبي مريم: «إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان ثمَّ لم يزل مريضا حتى مات فليس عليه قضاء، و إن صحّ ثمَّ مات و كان له مال تصدّق عنه

______________________________

(1) المنتهى 2: 603.

(2) الكافي 4: 123- 2، التهذيب 4: 248- 738، الاستبصار 2: 110- 359، الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 2.

(3) التهذيب 4: 393- 1214، الوسائل 10: 333 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 14.

(4) التهذيب 4: 247- 734، الاستبصار 2: 108- 353، الوسائل 10: 332

أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 439

مكان كلّ يوم بمدّ، فإن لم يكن له مال صام عنه وليه» «1».

و أبي حمزة: عن امرأة مرضت أو طمثت أو سافرت، فماتت قبل خروج شهر رمضان، هل يقضى عنها؟ قال: «أمّا الطمث و المرض فلا، و أمّا السفر فنعم» «2».

و موثّقة سماعة: عن رجل دخل عليه شهر رمضان و هو مريض لا يقدر على الصيام، فمات في شهر رمضان أو في شوّال، قال: «لا صيام عليه و لا قضاء عنه»، قلت: فامرأة نفساء دخل عليها شهر رمضان و لم تقدر على الصوم، فماتت في شهر رمضان أو في شوّال؟ فقال: «لا يقضى عنها» «3»، إلى غير ذلك.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    439     أ: هل يستحب القضاء عنهما؟ ..... ص : 439

فروع:
أ: هل يستحبّ القضاء عنهما؟

نصّ الشيخ و الحلّي و ابن حمزة و الفاضلان على استحبابه «4»، و أسنده في المنتهى إلى أصحابنا «5».

و ظاهر جماعة من متأخّري المتأخّرين العدم «6»، استنادا إلى نفي

______________________________

(1) الكافي 4: 123- 3، الفقيه 2: 98- 439، التهذيب 4: 248- 735، الاستبصار 2: 109- 356، الوسائل 10: 331 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 7، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 137- 9، الفقيه 2: 94- 423، الوسائل 10: 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 4.

(3) التهذيب 4: 247- 733، الاستبصار 2: 108- 352، الوسائل 10: 332 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 10.

(4) الشيخ في المبسوط 1: 286، الحلي في السرائر 1: 395، ابن حمزة في الوسيلة: 150 المحقق في المعتبر 2: 700، العلّامة في التذكرة 1: 276.

(5) المنتهى 2: 603.

(6) كما

في الذخيرة: 526، و الحدائق 13: 301، و الرياض 1: 323.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 440

القضاء عنه في الأخبار المتقدّمة.

و فيه: أنّ المنفيّ يمكن أن يكون وجوب القضاء لا مشروعيّته.

نعم، ظاهر قوله في الموثقة: «و لا قضاء عنه» نفي حقيقته الموجب في الأكثر لنفي المشروعية. و حمله على نفي الواجب تجوّز لا دليل عليه.

و أظهر منها دلالة صحيحة أبي بصير: عن امرأة مرضت في شهر رمضان و ماتت في شهر شوّال، و أوصتني أن أقضي عنها، قال: «هل برئت من مرضها؟» قلت: لا، ماتت فيه، قال: «لا تقض عنها، فإنّ اللّه لم يجعله عليها»، قلت: فإنا أشتهي أن أقضي عنها و قد أوصتني بذلك، قال: «كيف تقضي عنها شيئا لم يجعله اللّه عليها؟! فإن شئت تصوم لنفسك فصم» «1».

فإذن الأظهر: عدم استحبابه أيضا، و المسامحة في أدلّة السنن إنّما تكون إذا لم يكن دليل على النفي.

ب: انتفاء القضاء هل يختصّ بالمريض و ذات الدم

و أمّا المسافر فيجب القضاء عنه و لو مات في هذا السفر؟ كما صرّح به في صحيحة أبي حمزة، و رواية منصور: في الرجل يسافر برمضان فيموت، قال: «يقضى عنه» «2»، و قريبة منها رواية أخرى «3»، و حكي عن التهذيب و الفقيه و المقنع و الجامع «4»، و اختاره في المدارك «5».

أو يعمّ؟ كما هو مقتضى عموم التعليل المذكور في صحيحة أبي بصير،

______________________________

(1) الكافي 4: 137- 8، التهذيب 4: 248- 737، الاستبصار 2: 109- 358، العلل: 382- 4، الوسائل 10: 333 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 12.

(2) التهذيب 4: 249- 740، الوسائل 10: 334 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 15.

(3) التهذيب 4: 249- 741، الوسائل 10: 334 أبواب أحكام شهر رمضان ب

23 ح 16.

(4) التهذيب 4: 249، الفقيه 2: 98، المقنع: 63، الجامع للشرائع: 163.

(5) المدارك 6: 223.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 441

و مرسلة ابن بكير، و فيها: «فإن مرض فلم يصم شهر رمضان، ثمَّ صحّ بعد ذلك فلم يقضه، ثمَّ مرض فمات، فعلى وليّه أن يقضي عنه، لأنّه قد صحّ فلم يقض و وجب عليه» «1»، و حكي عن الخلاف و النهاية و النافع و التحرير و المنتهى و المختلف و ظاهر السرائر و التبصرة «2»، و ادّعيت عليه الشهرة بل الإجماع «3»، و نسب ما يدلّ على خلافه من الروايات إلى الشذوذ «4».

و يدلّ عليه أيضا الأصل السالم عن المعارض بالمرّة، لاختصاص عمومات «5» القضاء عن الميّت بما إذا وجب عليه، و قصور ما استدلّ به للقول الأول عن إفادة الوجوب رأسا، و عموم غير صحيحة أبي حمزة بالنسبة إلى المتمكّن من القضاء و غيره، فيخصّ بالأول للخبر المعلّل، غاية الأمر تعارضهما و الرجوع إلى الأصل.

أقول: هذا كان حسنا لو قلنا باستحباب القضاء، و بعد نفيه فلا يفيد الجواب بنفي الدلالة على الوجوب، و تبقى الصحيحة دالّة عليه، و هي أخصّ مطلقا من عموم العلّة، فيجب التخصيص بها لو لا شذوذها المدّعى، و لكنّه غير ثابت عندي، فالأظهر هو القول الأول.

ج: هل انتفاء القضاء مخصوص بما إذا مات في المرض الذي أفطر فيه و الدم كذلك؟

______________________________

(1) التهذيب 4: 249- 739، الاستبصار 2: 110- 360، الوسائل 10: 333 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 13.

(2) الخلاف 2: 207، النهاية: 157، النافع: 70، التحرير 1: 84، المنتهى 2:

605، المختلف: 243، السرائر 1: 395، التبصرة: 57.

(3) كما في الخلاف 2: 208، و الحدائق 13: 331.

(4) انظر الرياض 1: 323.

(5) الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 442

أو يعمّ كلّ صورة لم يتمكّن من القضاء؟ كما صرّح به في الروضة «1»، فلو طمثت أول رمضان و طهرت، ثمَّ طمثت أول شوّال و ماتت في هذا الطمث، لم يقض عنها أيضا، و كذا لو مرض أول رمضان و برئ ثمَّ مات في أول شوّال.

مقتضى العموم الحاصل من ترك الاستفصال في صحيحة محمّد الثانية و صحيحة أبي حمزة و العلّة المنصوصة في صحيحة أبي بصير:

الثاني.

و مقتضى عموم قوله: «و لكن يقضى عن الذي يبرأ ثمَّ يموت» في الصحيحة الاولى و قوله: «و إن صحّ ثمَّ مات» في صحيحة أبي مريم: الأول.

و الظاهر ترجيح التعميم، لأخصية العلّة المنصوصة عن العموم المذكور في الصحيحين الثانيين، فيخصّصان بها، مضافا إلى أنّه على فرض التساوي أيضا يرجع إلى الأصل، و هو مع التعميم.

المسألة الثالثة:
اشاره

لو استمرّ المرض الذي أفطر معه في رمضان إلى رمضان آخر، سقط قضاء ما في الأول، و تجب الصدقة لكلّ يوم على الأظهر الأشهر، كما صرّح به جمع ممّن تأخّر «2»، للمستفيضة من الصحاح و غيرها، كصحاح زرارة و محمّد و ابن سنان:

الاولى: في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان، يخرج عنه و هو مريض، و لا يصحّ حتى يدركه شهر رمضان آخر، قال: «يتصدّق عن الأول و يصوم الثاني، فإن كان صحّ فيما بينهما و لم يصم حتى أدركه شهر رمضان

______________________________

(1) الروضة 2: 123.

(2) انظر الشرائع 1: 203 و الكفاية: 51، و الرياض 1: 322.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 443

آخر صامها جميعا و تصدّق عن الأول» «1»، دلّت بالتفصيلين النافيين للاشتراك على نفي الصوم للأول.

و الثانية: عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه رمضان آخر، فقال:

«إن كان

قد برئ ثمَّ توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه، و تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على مسكين، و عليه قضاؤه، و إن كان لم يزل مريضا حتى أدركه رمضان آخر صام الذي أدركه، و تصدّق عن الأول عن كلّ يوم مدّا على مسكين، و ليس عليه قضاء» «2».

و الثالثة: «من أفطر شيئا من شهر رمضان في عذر ثمَّ أدرك رمضان آخر و هو مريض فليتصدّق بمدّ لكلّ يوم، فأمّا أنا فإنّي صمت و تصدّقت» «3».

و رواية أبي بصير: «إذا مرض الرجل في رمضان إلى رمضان، ثمَّ صحّ، فإنّما عليه لكلّ يوم أفطر فيه طعام، و هو مدّ لكلّ مسكين» إلى أن قال: «و إن صحّ فيما بين الرمضانين فإنّما عليه أن يقضي الصيام، فإن تهاون به و قد صحّ فعليه الصدقة و الصيام جميعا، لكلّ يوم مدّ إذا فرغ من ذلك الرمضان» «4».

و المرويّين في قرب الإسناد، أحدهما: عن رجل مرض في شهر

______________________________

(1) الكافي 4: 119- 2، الفقيه 2: 95- 429، التهذيب 4: 250- 744، الاستبصار 2: 111- 362، الوسائل 10: 335 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 2.

(2) الكافي 4: 119- 1، التهذيب 4: 250- 743، الاستبصار 2: 110- 361، الوسائل 10: 335 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 1.

(3) التهذيب 4: 252- 848، الاستبصار 2: 112- 367، الوسائل 10: 336 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 4.

(4) التهذيب 4: 251- 746، الاستبصار 2: 111- 364، الوسائل 10: 337 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 444

رمضان فلم يزل مريضا حتى أدركه شهر رمضان آخر فبرئ فيه، كيف يصنع؟

قال: «يصوم الذي يبرأ فيه، و يتصدق عن الأول كلّ يوم بمدّ من طعام»، و بمضمونه الآخر أيضا «1».

و في تفسير العيّاشي: عن رجل مرض من رمضان إلى رمضان و لم يصح بينهما و لم يطلق الصوم، قال: «تصدّق مكان كلّ يوم أفطر على مسكين بمدّ من طعام» إلى أن قال: «فإن استطاع أن يصوم الرمضان الذي استقبل، و إلّا فليتربّص، إلى رمضان قابل فليقضه، فإن لم يصح حتى رمضان من قابل فليتصدّق كما تصدّق مكان كلّ يوم أفطر مدّا، فإن صحّ فيما بين الرمضانين فتوانى أن يقضيه حتى جاء رمضان الآخر فإن عليه الصوم و الصدقة جميعا» «2».

و الرضوي: «و إذا مرض الرجل و فات صوم شهر رمضان كلّه، و لم يصمه إلى أنّ يدخل عليه شهر رمضان من قابل، فعليه أن يصوم هذا الذي قد دخل عليه، و يتصدّق عن الأول عن كلّ يوم بمدّ من طعام، إلّا أن يكون قد صحّ فيما بين الرمضانين، فإذا كان كذلك و لم يصم فعليه أن يتصدّق عن الأول لكلّ يوم بمدّ من طعام، و يصوم الثاني، فإذا صام الثاني قضى الأول بعده، فإن فاته شهران رمضانان حتى دخل عليه الشهر الثالث و هو مريض فعليه أن يصوم الذي دخله، و يتصدّق عن الأول لكلّ يوم بمدّ من طعام، و يقضى الثاني» «3».

______________________________

(1) قرب الإسناد: 232- 910 و 911، الوسائل 10: 338 و 339 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 9 و 10.

(2) تفسير العياشي 1: 79- 178، الوسائل 10: 339 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 11.

(3) فقه الرضا عليه السلام: 211، مستدرك الوسائل 7: 450 أبواب أحكام شهر رمضان ب 17 ح

1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 445

و المروي في العلل «1» و العيون «2»: «إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره أو لم يفق عن مرضه حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر، وجب عليه الفداء للأول و سقط القضاء، فإذا أفاق بينهما أو أقام و لم يقضه وجب عليه القضاء و الفداء» الحديث.

و بالتصريح بوجوب الصدقة في الأخيرة يجبر ضعف دلالة بعض الأخبار المتقدّمة على الوجوب لمكان الجملة الخبريّة، مضافا إلى ورود الأمر في الصحيحة الثالثة، و قوله: «عليه» في رواية أبي بصير.

خلافا للمحكي عن العماني و الصدوق و الخلاف و الحلّي و ابن زهرة و الحلبي و المنتهى و التحرير «3»، فأوجبوا القضاء دون الكفّارة.

أمّا الثاني فللأصل.

و أمّا الأول فلإطلاق قوله فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ 2: 184 «4».

و الأخبار الموجبة للقضاء على المريض بقول مطلق «5».

و رواية الكناني: عن رجل كان عليه من شهر رمضان طائفة، ثمَّ أدركه شهر رمضان قابل، فقال: «إن كان صحّ فيما بين ذلك، ثمَّ لم يقضه حتى أدركه شهر رمضان قابل، فإنّ عليه أن يصوم و أن يطعم لكلّ يوم مسكينا، فإن كان مريضا فيما بين ذلك حتى أدركه شهر رمضان قابل فليس عليه إلّا الصيام إن صحّ، فإن تتابع المرض عليه فلم يصح فعليه أن يطعم لكلّ يوم

______________________________

(1) العلل: 271، الوسائل 10: 337 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 8.

(2) العيون 2: 116، الوسائل 10: 337 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 8.

(3) حكاه عن العماني في المختلف: 239، الصدوق في المقنع: 64، الخلاف 1:

395، الحلي في السرائر 1: 395 و 396، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 571،

الحلبي في الكافي: 184، المنتهى 2: 603، التحرير 1: 83.

(4) البقرة: 184.

(5) الوسائل 10: 335 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 446

مدّا» «1».

و موثّقة سماعة: عن رجل أدركه رمضان و عليه رمضان قبل ذلك و لم يصمه، فقال: «يتصدّق بدل كلّ يوم من الرمضان الذي كان عليه بمدّ من طعام، و ليصم هذا الذي أدرك، فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه، فإنّي كنت مريضا فمرّ علي ثلاث رمضانات لم أصح فيهن، ثمَّ أدركت رمضانا فتصدّقت بدل كلّ يوم ممّا مضى بمدّ من طعام، ثمَّ عافاني اللّه و صمتهن» «2».

و يجاب عن الأصل: باندفاعه بما مرّ، كتقييد المطلقات و تخصيص العمومات «3» به.

و عن الرواية: بعدم الدلالة، لأنّ ظاهر قوله: «فإن كان مريضا» إلى آخره، و إن كان ذلك، إلّا أنّ ظاهر قوله «فإن تتابع المرض عليه» إلى آخره، خلافه، و لذا حمل الأول على ما إذا صحّ فيما بين ذلك و أراد القضاء ثمَّ مرض، و الثاني على استمرار المرض، و على هذا يكون مثبتا لخلاف مطلوبهم. و لو لم يقبل ذلك فلا أقلّ من الإجمال المسقط للاستدلال.

و عن الموثّقة: بعدم الدلالة أيضا، لأنّ صدرها لا يفيد استمرار المرض، و ذيلها و إن أفاده و لكنّه لا يدلّ على وجوب القضاء، بل على أنّ الإمام فعل كذا، فلعلّه لاستحبابه كما يأتي.

و أمّا الجواب عنهما بعد تسليم الدلالة: برجحان معارضهما بالأكثريّة،

______________________________

(1) الكافي 4: 120- 3، التهذيب 4: 251- 745، الاستبصار 2: 111- 363، الوسائل 10: 336 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 3، بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 4: 252- 847، الاستبصار 2: 112- 366، الوسائل 10: 336 أبواب أحكام

شهر رمضان ب 25 ح 5.

(3) الوسائل 10: 335 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 447

و الاشتمال على العلّة، و مخالفة العامّة، أو بشذوذهما المخرج لهما عن الحجّية، أو بضعف سنديهما مع إضمار الموثّقة، كالجواب عن الإطلاقين بمنع شمولهما لزمان مؤخّر عن السنة، لكونها المتبادر منه، مع أنّ الإطلاق الثاني وارد لبيان حكم آخر غير الوقت، فيمكن المناقشة في شموله من هذه الوجوه أيضا.

فغير سديد، لأنّ المرجّحين الأولين للترجيح غير صالحين عند أهل التحقيق. و الثالث معارض بموافقة المخالف لإطلاق الكتاب، الذي هو كالمخالفة للعامّة في المنصوصيّة. و الشذوذ ممنوع جدّا، و كيف يتحقّق الشذوذ مع الموافقة لمن ذكر من القدماء الفحول؟! و ضعف السند و الإضمار غير ضائر عندنا كما ذكرنا مرارا. و منع التبادر الذي ذكر. و عدم ورود الإطلاق الثاني إلّا لبيان وجوب القضاء على من أفطر، و لا شكّ أنّه مطلق بالنسبة إلى من صحّ أو مرضه استمرّ.

ثمَّ بما ذكرنا- من عدم ثبوت الوجوب من فعل الإمام- يظهر ضعف التمسّك بالموثّقة و نحوها للقول بالاحتياط- بالجمع بين القضاء و الكفّارة- كما عن الإسكافي «1».

و منه يظهر ضعف أصل القول أيضا إن كان مراد القائل وجوب الاحتياط، و إن كان استحبابه فهو صحيح، للخروج عن شبهة الخلاف، و متابعة للإمام، كما هو مدلول الموثّقة، و صحيحة ابن سنان: «من أفطر شيئا من شهر رمضان في عذر، ثمَّ أدركه رمضان آخر و هو مريض فليتصدّق بمدّ لكلّ يوم، فأما أنا فإنّي صمت و تصدّقت» «2».

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 240.

(2) راجع ص: 443.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 448

فروع:
أ: ما مرّ إنّما هو إذا فات الصوم بالمرض،

و كان المانع بين الرمضانين أيضا المرض

بأن استمرّ المرض.

و هل الحكم كذلك لو فات بالمرض و لم يتمكّن من القضاء لعذر آخر- أي أستمرّ العذر الآخر- أو عكس، أو فات بعذر آخر و استمرّ هذا العذر، أم لا؟

حكى في الدروس عن العماني و الخلاف: الأول «1»، و اختاره صاحب الحدائق من مشايخنا «2».

و عن المعتبر و المنتهى التوقّف «3».

و من المتأخّرين من حكم بالأول في الصورة الثانية خاصّة، و لم يتعرّض للباقيتين «4».

و منهم من استشكل فيها، أو تردّد، مع عدم التعرّض للأخيرتين أو الأخيرة «5».

و الأظهر هو الأول في جميع الصور، لرواية العيون و العلل و صحيحة ابن سنان، و هما و إن لم يشملا الصورة الاولى و لكن الظاهر لحوقها بالإجماع المركّب.

و هل السفر المسقط استمراره للقضاء ما كان واجبا أو ضروريّا، أو

______________________________

(1) الدروس 1: 288.

(2) الحدائق 13: 308.

(3) المعتبر 2: 700، المنتهى 2: 603.

(4) انظر المسالك 1: 78.

(5) انظر الذخيرة: 527، و المفاتيح 1: 189.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 449

أعمّ منهما و من غيرهما؟

ظاهر الروايتين: الثاني، و هو الأظهر.

و صرّح بعض متأخّري المتأخّرين في شرحه على الدروس بالأول «1»، و هو الأحوط.

ب: لو ارتفع العذر بين الرمضانين بقدر يتمكّن من قضاء بعض ما فاته دون البعض،

و قضى ما يمكن منه أو لم يقض، فهل يسقط قضاء ما لم يتمكّن من قضائه أم لا؟

مقتضى الأصل: لا، لاختصاص الأخبار بالاستمرار. و يحتمل السقوط، لكونه مسبّبا عن عدم التمكّن و هو هنا حاصل.

و الأول أوجه.

ج: الأظهر الأشهر أنّ الصدقة الواجبة لكلّ يوم مدّ من طعام،

للأخبار المتقدّمة.

و عن نهاية الشيخ و اقتصاده و القاضي و ابن حمزة: أنّها مدّان «2».

و في الجمل و المبسوط: أنّها مدّان و أقلّه مدّ «3»، و هو محتمل لقول النهاية، و للترتيب في الفضل. و كيف كان ليس له مستند واضح.

و قال في الحدائق «4»: و لعلّ مستنده قوله عليه السلام في موثقة سماعة:

«فتصدّقت بدل كلّ يوم ممّا مضى بمدّين من طعام» الحديث. انتهى.

و لا يخفى ما فيه، أمّا أولا: فلأنّ فعله عليه السلام لا يدلّ على الوجوب

______________________________

(1) مشارق الشموس: 476.

(2) النهاية: 158، الاقتصاد: 294، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 191، ابن حمزة في الوسيلة 1: 150.

(3) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 220، المبسوط 1: 286.

(4) الحدائق 13: 307، و الموثقة قد تقدمت في ص: 446.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 450

كقضائه.

و أمّا ثانيا: فإنّه يمكن أن يكون المدّان للتأخير في رمضانين، حيث إنّه تتابع المرض ثلاث رمضانات، واحد منها شهر الإفطار و الباقيان أيّام التأخير، فلا يجب المدّان لمضيّ رمضان واحد.

و أمّا ثالثا: فلأنّ الموجود في النسخ الصحيحة من الموثّقة إنّما هو «بمدّ».

و قيل: لعلّ دليله صحيحة محمّد: «الشيخ الكبير و الذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان، و يتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّين من طعام» «1»، حيث إنّه لا فرق بين العطاش و غيره من الأمراض «2».

و فيه: منع عدم التفرقة أولا. و منع حكم الأصل

ثانيا، لتعارض الأخبار فيه كما يأتي.

د: صرّح في الدروس و الروضة بأنّ محلّ هذه الفدية مستحقّ الزكاة «3».

أقول: إن أريد بذلك عدم الصرف في غير المستحقّ من مصارف الزكاة- كالرباط و القنطرة و نحوها- فهو كذلك، للتصريح في الأخبار المتقدّمة بأنّها للمسكين.

و إن أريد صرفها إلى مستحقّها مطلقا- حتى يشمل العاملين و المؤلّفة وَ فِي الرِّقابِ - فهو غير سديد، لما عرفت من تخصيص الأخبار بالمسكين.

مضافا إلى أنّه إن أراد من مستحقّ الزكاة غير الهاشميّين- إذا كانت الصدقة من غيرهم- فلا دليل عليه أيضا، إلا على القول بحرمة مطلق

______________________________

(1) الكافي 4: 116- 4، الوسائل 10: 209 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 1.

(2) قاله في المختلف: 246.

(3) الدروس 1: 287، الروضة 2: 121.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 451

الصدقة الواجبة على بني هاشم، و قد ذكرنا اختصاص الحرمة بالزكاة الواجبة.

ه-: لو استمرّ المرض إلى الرمضان الثالث فلا خلاف في عدم قضاء الأول، لما مرّ.

و لا إشكال في عدم تعدّد الصدقة كلّ يوم منه، للأصل، و عن الخلاف: الإجماع عليه «1».

و هل يقضي الثاني، أو يتصدّق عنه؟

المحكي عن الإسكافي و الشيخ و غيرهما: الثاني «2»، لعموم ما مرّ من الأخبار، و خصوص المروي في تفسير العيّاشي المتقدّم «3».

و عن ظاهر الصدوق في المقنع و الفقيه و والده في الرسالة: إنّ الثاني يقضى بعد الثالث و إن استمرّ المرض «4».

و لا يخفى أنّ عبارة الكتب الثلاثة غير صريحة في ذلك، فإنّ فيها:

فإن فاته شهر رمضان حتى يدخل الثالث من مرضه فعليه أن يصوم الذي دخل، و يتصدّق عن الأول لكلّ يوم بمدّ من طعام و يقضي الثاني. و هذا الكلام كما يحتمل استمرار المرض فيه من الأول إلى الثالث يحتمل برؤه بين الثاني و الثالث.

المسألة الرابعة:
اشاره

لو ارتفع العذر بين الرمضانين، و تمكّن من القضاء و لم يقض حتى دخل الثاني، وجب قضاء الأول، إجماعا مطلقا، فتوى و نصّا، كما مرّ كثير من نصوصه.

______________________________

(1) الخلاف 2: 209.

(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 240، الشيخ في المبسوط 1: 286، و الشهيد في الدروس 1: 288.

(3) في ص: 444.

(4) المقنع: 64، الفقيه 2: 96، حكاه عن والده في المختلف: 240.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 452

و وجوب الكفّارة و عدمه مبنيّ على التهاون في القضاء و عدمه، فإن كان في عزمه القضاء قبل الثاني و أخّره اعتمادا على سعة الوقت، فلمّا ضاق عرض له مانع منه، فلا كفّارة عليه، و لو ترك القضاء تهاونا مطلقا أو عند ضيق الوقت وجبت الكفّارة على الحقّ المشهور فيهما كما قيل «1»، لرواية أبي بصير المتقدّمة «2»، بل صحيحة محمّد «3» و رواية العيّاشي، حيث إنّ

التواني بمعنى التكاسل المستلزم للتهاون، و رواية الكناني السالفة على الحمل الذي مرّ «4».

و المرويّ في العلل و العيون، و فيه: «فإذا أفاق فيما بينهما و لم يصمه وجب عليه الفداء للتضييع، و الصوم لاستطاعته» «5».

و رواية الوشّاء، و فيها: «و إن كان قد برئ فيما بينهما و لم يقض ما فاته و في نيّته القضاء يصوم الحاضر و يقضي الأول، و إن تركه متهاونا به لزمه القضاء و الكفّارة عن الأول» [1].

خلافا للمحكيّ عن الحلّي، فلم يوجب الكفّارة مطلقا، بل قال: لم يذكرها سوى الشيخين و من قلّد كتبهما، أو تعلّق بأخبار الآحاد «6».

______________________________

[1] الظاهر أنّها ليست من رواية الوشّاء، و إنّما هي من كلام شيخ الطائفة، فراجع التهذيب 4: 249- 742، و لذا لم يروها في الكافي 4: 124- 6، و هو مصدر رواية التهذيب، و كذا في الوسائل 10: 334 أبواب أحكام شهر رمضان ب 24 ح 1.

______________________________

(1) في الحدائق 13: 310.

(2) في ص: 443.

(3) المتقدّمة في ص: 443.

(4) راجع ص: 445.

(5) علل الشرائع: 272- 9، العيون 2: 116- 2، الوسائل 10: 337 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 8.

(6) السرائر 1: 397.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 453

للأصل، و مرسلة سعد: عن رجل يكون مريضا في شهر رمضان ثمَّ يصحّ بعد ذلك، فيؤخّر القضاء سنة أو أقلّ من ذلك أو أكثر، ما عليه في ذلك؟ قال: «أحبّ له تعجيل الصيام، فإن كان أخّره فليس عليه شي ء» «1».

و الأصل مدفوع، و المرسلة مخصوصة بما ذكر، مضافا إلى صحيحة زرارة و الرضوي المتقدّمتين و غيرهما «2».

و للمحكيّ عن الصدوقين و العماني و المعتبر و الشهيدين و المدارك و الذخيرة و الحدائق

«3»، و قيل: هو محتمل كلام المفيد و ابن زهرة و الجامع، فأوجبوا الكفّارة مطلقا.

لإطلاق صحيحة زرارة المتقدّمة و محمّد، بحمل التواني على الترك، سيّما مع مقابلته مع استمرار المرض، و ظهورها في الحصر بين القسمين، و لا يكون ذلك إلا مع تعميم التواني مطلقا.

و رواية أبي بصير «4» بحمل قوله: «عليه أن يقضي الصيام» أي ما بين الرمضانين، و حمل التهاون على ترك ذلك و تأخيره.

و رواية العيّاشي «5» بالتقريب المذكور، و الرضوي «6»، و إطلاق صدر

______________________________

(1) التهذيب 4: 252- 749، الاستبصار 2: 111- 365، الوسائل 10: 337 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 7.

(2) انظر ص: 442 و 444.

(3) حكاه عن والد الصدوق في الدروس 1: 287، الصدوق في الفقيه 2: 96، حكاه عن العماني في المختلف: 239، المعتبر 2: 698، الشهيد الأول في اللمعة (الروضة 2): 121، الشهيد الثاني في المسالك 1: 78، المدارك 6: 218، الذخيرة: 527، الحدائق 13: 310.

(4) المتقدّمة في ص: 443.

(5) المتقدمة في ص: 444.

(6) المتقدّمة في ص: 444.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 454

رواية الكناني «1».

و الجواب عن الصحيحة الأولى بوجوب حمل المطلق على المقيّد، مضافا إلى قصور دلالتها على الوجوب.

و هو الجواب عن الثانية، مضافا إلى أن معنى التواني: التكاسل، الغير الحاصل عرفا مع العزم على القضاء في السعة و طرو المانع، و منع دلالتها على الحصر، و لعلّ ترك القسم الآخر لندرته، و لو سلّم عدم دلالة التواني على التكاسل فلا أقلّ من احتماله المسقط للاستدلال لهذا القول.

و هو الجواب عن الثالثة، مضافا إلى ضعف الرواية الخالي عن الجابر في المقام.

و هو الجواب عن الرابعة، مضافا إلى ما مرّ من وجوب حمل المطلق

على المقيّد.

الذي هو الجواب عن الخامسة، مضافا إلى عدم الريب في كونه مجملا، و للمعنى الذي ذكرنا محتملا.

و بالجملة: لا شكّ في فهم العرف من التهاون و التواني- بل اللغة- معنى زائدا على مطلق الترك، فلا وجه للإطلاق، سيّما مع البيان في رواية الوشّاء، و ضعفها بسهل- مع وجودها في الكتاب المعتبر، و انجباره لو كان بدعوى الشهرة المستفيضة- سهل، مع أنّ سهلا كثير الرواية عنهم، و قالوا: اعرفوا منازل الرجال على قدر روايتهم عنّا «2». فالمسألة واضحة بحمد اللّه.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 445.

(2) الكافي 1: 50- 13، الوسائل 27: 137 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 3، و في المصادر: الناس، بدل: الرجال.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 455

فروع:
أ: الكفّارة هنا كما مرّ

في المستمرّ قدرا و محلّا و حكما.

ب: المراد بالتهاون: عدم العزم على الفعل

، سواء عزم على العدم أم لا، كما هو المفهوم عرفا، و المدلول عليه في رواية الوشّاء، و مقتضى الأصل: الاقتصار في تخصيص مطلقات الكفّارة بالمتيقّن، الذي هو العزم على الفعل.

ج: قال في الحدائق- بعد بيان أنّ المستفاد من الأخبار أنّ وقت القضاء ما بين الرمضانين-:

و على هذا فلو تمكّن من القضاء و أخلّ به، ثمَّ عرض له سفر لا يتمكن معه من القضاء في ذلك الوقت المعيّن، فإن كان سفرا مباحا أو مستحبّا، فلا إشكال في وجوب تقديم القضاء عليه و عدم مشروعيّة السفر، و إن كان واجبا- كالحج الواجب و نحوه- فإشكال ينشأ من تعارض الواجبين و لا سيّما حجّة الإسلام، و ترجيح أحدهما على الآخر يحتاج إلى دليل، و إن كان مقتضى قواعد الأصحاب تقديم ما سبق سبب وجوبه، كما صرّحوا به في جملة من المواضع «1». انتهى.

أقول: ما ذكره من التوقيت يظهر من المعتبر أيضا، حيث استدلّ على نفي القضاء مع استمرار العذر باستيعابه وقتي الأداء و القضاء «2».

و منعه بعض الأجلّة، قال- بعد ذكره-: و فيه منع كون ما بين الرمضانين وقتا و إن وجبت المبادرة. انتهى.

أقول: ما ذكره من منع التوقيت في محلّه، إذ لا دليل عليه أصلا،

______________________________

(1) الحدائق 13: 306

(2) المعتبر 2: 699.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 456

و وجوب الكفّارة بترك القضاء في هذا الوقت لا يدلّ على أنّه وقته كما يأتي.

و أمّا ما ذكره من وجوب المبادرة فظاهره- في موضع آخر- شهرته أيضا، بل إجماعيّته، حيث صرّح بكون عدم وجوب تعجيل القضاء في البين متروكا، و لكن إثباته في غاية الإشكال، إذ لا موجب له سوى الكفّارة، و إيجابها له ممنوع، لم لا يجوز أن يكون جبرا لما فاته من الصوم في أيّام رمضان، التي هي من الشرف بمكان،

و عدم جبره بالتعجيل؟! و أمّا قوله في رواية أبي بصير السابقة: «فإنّما عليه أن يقضي الصيام» «1» إنّما كان يفيد لو قلنا أنّ المعنى: عليه أن يقضيه بين الرمضانين كما قيل «2»، و هو غير معلوم، فتبقى أصالة عدم الوجوب فارغة من الدافع، بل مرسلة سعد المتقدّمة «3» ظاهرة في نفيه، فهو الأظهر إلّا أن يثبت الإجماع عليه.

المسألة الخامسة: لو مات شخص و عليه قضاء صيام يجب على وليّه قضاؤه على الأصحّ
اشاره

، وفاقا للصدوقين و الشيخين و السيّد و الإسكافي و القاضي و الحلّي و ابن حمزة «4»، بل هو المشهور كما صرّح به جماعة «5»، بل على المعروف في مذهب الأصحاب كما في الكفاية «6»، بل بلا خلاف

______________________________

(1) راجع ص: 443.

(2) في الحدائق 13: 314.

(3) في ص: 453.

(4) حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 241، الصدوق في المقنع: 63، المفيد في المقنعة: 353، الطوسي في المبسوط 1: 286، و حكاه عن السيّد و الإسكافي في المختلف: 241، القاضي في المهذب 1: 196، الحلي في السرائر 1: 409، ابن حمزة في الوسيلة: 150.

(5) انظر الحدائق 13: 319.

(6) الكفاية: 51.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 457

ظاهرا إلّا من العماني كما قيل «1»، بل بالإجماع كما عن الخلاف و السرائر و المنتهى و التذكرة «2».

لمرسلة ابن بكير، و فيها: «فإن مرض فلم يصم شهر رمضان، ثمَّ صحّ بعد ذلك فلم يقضه، ثمَّ مرض فمات فعلى وليّه أن يقضي عنه، لأنّه قد صحّ فلم يقض و وجب عليه» «3».

و الرضوي: «و إذا مات الرجل و عليه من صوم شهر رمضان فعلى وليّه أن يقضي عنه، و كذا إذا فاته في السفر» «4»، و ضعفهما- لو كان- بما ذكر ينجبر.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة البختري و مرسلة حمّاد:

الاولى: في الرجل

يموت و عليه صلاة أو صيام، قال: «يقضي عنه أولى الناس بميراثه»، قلت: إن كان أولى الناس به امرأة؟ قال: «لا، إلّا الرجال» «5».

و الثانية: عن الرجل يموت و عليه دين من شهر رمضان، من يقضي عنه؟ قال: «أولى الناس به» قلت: فإن كان أولى الناس به امرأة؟ قال:

«لا، الّا الرجال» «6».

و هما و غيرهما من بعض الأخبار «7»- التي وردت في المقام- و إن كانت غير صريحة في الوجوب، إلّا أنّها تصير صريحة بقرينة الخبرين

______________________________

(1) في الرياض 1: 322.

(2) الخلاف 2: 209، السرائر 1: 409، المنتهى 2: 604، التذكرة 1: 276.

(3) التهذيب 4: 249- 739، الاستبصار 2: 110- 360، الوسائل 10: 333 أبواب أحكام شهر رمضان ب 21 ح 13.

(4) فقه الرضا عليه السلام: 211، المستدرك 7: 449 أبواب أحكام شهر رمضان ب 16 ح 1.

(5) الكافي 4: 123- 1، الوسائل 10: 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 5.

(6) الكافي 4: 124- 4، التهذيب 4: 246- 731، الاستبصار 2: 108- 353، الوسائل 10: 331 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 6.

(7) انظر الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 458

المتقدّمين، حيث صرّحا بما يفيد الوجوب.

و تدل عليه أخبار أخر مطلقة بالنسبة إلى الولي «1»، و لكن يجب حملها عليه حملا للمطلق على المقيّد.

خلافا للمحكيّ عن العماني، فأوجب عليه الصدقة عنه «2»، مدّعيا تواتر الأخبار و شذوذ القول بالقضاء، لرواية أبي مريم المرويّة في التهذيبين: «و إن صحّ ثمَّ مرض ثمَّ مات، و كان له مال تصدّق عنه مكان كلّ يوم بمدّ، و إن لم يكن له مال تصدّق عنه وليّه» «3».

و تضعف باختلاف

النسخ، فإنّها مرويّة في الفقيه و الكافي- اللذين هما أتقن من الأولين- بطريق موثّق هكذا: «و إن لم يكن له مال صام عنه وليّه» «4»، و مثل ذلك [لا تعارض ] [1] به الأخبار المتكثّرة المشتهرة.

سلّمنا، و لكن إثبات رجحان الصدقة لا ينافي وجوب غيرها أيضا.

سلّمنا التعارض، و الترجيح للأول بمخالفته لما عليه جمهور العامّة كما صرّح به جماعة «5»، و معاضدته بالشهرة القويّة و الإجماعات المحكيّة. «6»

و للمحكيّ عن الانتصار، فأوجب الصدقة إن خلّف مالا و إلّا فعلى

______________________________

[1] في النسخ: لا يعرض، و الظاهر ما أثبتناه.

______________________________

(1) انظر الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 3 و 7 و 8 و 13.

(2) حكاه عنه في المختلف: 241.

(3) التهذيب 4: 248- 735، الاستبصار 1: 109- 356، الوسائل 10: 331 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 7.

(4) الفقيه 2: 98- 439، الكافي 4: 123- 3، الوسائل 10: 331 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 7.

(5) منهم السبزواري في الذخيرة: 528، و صاحبي الحدائق 13: 321، و الرياض 1: 323.

(6) راجع رقم 5 من ص 457.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 459

وليّه القضاء «1»، للموثقة المذكورة على النسختين الأخيرتين.

و هو كان حسنا من جهة أخصّية الموثّقة عمّا مرّ لو لا اختلاف النسخ، مع أنّها لا تنافي ما مرّ إلّا مع الدلالة على نفي الصوم مع وجود المال، و لا دلالة لها على ذلك إلّا أن يكون التفصيل قاطعا للشركة، و هو يتحقّق بانتفاء الصدقة في صورة فقدان المال و إن وجب الصوم في الصورتين.

و قد يردّ أيضا بعدم حجّية الرواية، لشذوذ هذا القول، كما صرّح به الحلّي، قال: و لم يذهب إلى ما

قاله السيّد غيره «2».

و فيه: أنّه معارض بما قاله في المعتبر ردّا عليه، قال: و ليس ما قاله صوابا مع وجود الرواية الصريحة و فتوى الفضلاء من الأصحاب، و دعوى علم الهدى إجماع الإماميّة على ما ذكره، فلا أقلّ من أن يكون قولا ظاهرا بينهم «3».

و للمحكيّ عن المبسوط و الاقتصاد و الجمل، فخيّر بين الصدقة و القضاء «4».

للجمع بين رواية أبي مريم و ما مرّ.

و لصحيحة ابن بزيع: رجل مات و عليه صوم، يصام عنه أو يتصدّق؟

قال: «يتصدّق عنه فإنّه أفضل» «5».

و يضعف الأول: بأنّ الجمع فرع التعارض ثمَّ التكافؤ، و قد عرفت انتفاءهما.

______________________________

(1) الانتصار: 71.

(2) السرائر 1: 409.

(3) المعتبر 2: 702، الانتصار: 71.

(4) المبسوط 1: 286، الاقتصاد: 294، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 220.

(5) الفقيه 3: 236- 1119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 460

و الثاني- بعد الإغماض عن شذوذه، بل مخالفته الإجماع، لعدم القول بأفضليّة التصدّق-: أنّه أعمّ مطلقا ممّا مرّ من جهة الصوم، فيخصّص بغير صوم شهر رمضان أو الواجب، فيحمل على صيام السنة، كما ورد في صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر.

فروع:
أ: هل الصوم الواجب على ولي الميّت هو صوم شهر رمضان، أم يعمّ كلّ واجب؟

صرّح المفيد و الشيخ في المبسوط بالثاني «1»، و نقله في المنتهى عن الشيخ، و نسبه إلى ظاهر النصوص مشعرا بالميل إليه «2»، و في التذكرة اقتصر على النسبة مؤذنا بالتوقّف «3».

و ظاهر العماني و ابني بابويه: الأول «4»، حيث خصّوه بالذكر.

و الأجود التخصيص، للأصل، و اختصاص جميع أخبار المسألة- سوى صحيحة البختري المتقدّمة و رواية الوشّاء الآتية- بصوم رمضان.

و القول- بأنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما في الحدائق «5»- من غرائب الأقوال، إذ لا عموم في لفظ الجواب في شي ء منها.

و أمّا الصحيحة و إن

كانت مطلقة، إلّا أنّه لا دلالة فيها على الوجوب، و إرادة مطلق الرجحان عنها ممكنة، و لا قرينة موجبة لحملها على الوجوب.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 353، المبسوط 1: 286.

(2) المنتهى 2: 604.

(3) التذكرة 1: 276.

(4) حكاه عن العماني و ابن بابويه في المختلف: 241 و 242، الصدوق في المقنع: 63.

(5) الحدائق 13: 333.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 461

و أمّا الرواية، فمع إجمالها- لعدم تعيين من يجب عليه، فلعلّه الميت، يعني: تعلّق بذمّته الأمران- تنفي وجوب القضاء كلّية، و الإيجاب الجزئي غير المقصود.

و حجّة التعميم: الصحيحة.

و العلّة المنصوصة في رواية أبي بصير المتقدّمة بقوله عليه السلام: «لا يقضى عنها، فإنّ اللّه لم يجعله عليها» «1».

و في مرسلة ابن بكير السابقة في صدر المسألة.

و جواب الأول قد ظهر.

و يردّ الثاني: بأنّ مقتضى التعليل أنّ عدم الجعل علّة عدم القضاء، لا أنّ مطلق الجعل علّة القضاء.

و الثالث: بأنّ العلّة هي عدم القضاء و وجوبه عليه، دون الوجوب خاصّة، و تحقّق تمام العلّة في جميع الموارد غير معلوم، لأنّ في العلّة تركين- الأداء و القضاء- فيمكن أن يكون ذلك دخيلا في الوجوب.

ب: هل الواجب عليه الصوم المتروك لعذر، أو يعمّه و المتروك عمدا عصيانا أيضا؟

حكي عن المحقّق في مسائله البغداديّة و عن السيّد عميد الدين:

الأول «2»، و نفى عنه البأس في الذكرى «3»، و مال إليه في المدارك و الذخيرة «4».

______________________________

(1) الكافي 4: 137- 8، التهذيب 4: 248- 737، الاستبصار 2: 109- 358، العلل: 382- 4، الوسائل 10: 332 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 12.

(2) حكاه عنهما في الذكرى: 138.

(3) الذكرى: 138.

(4) المدارك 6: 222، الذخيرة: 528.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 462

و ظاهر فتوى الأكثر: الثاني «1»، و هو الأقوى، لإطلاق جملة من الأخبار، و

منها: الرضويّ المتقدّم، و مرسلة الفقيه: «إذا مات الرجل و عليه صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله» «2»، و هو مقتضى عموم العلّة الثانية المتقدّمة.

دليل الأول: حمل الروايات على الغالب من الترك.

و فيه: منع الغلبة بحيث يوجب الانصراف.

و أيّده في الحدائق باختصاص بعض الأخبار ببعض الأسباب، فيجب حمل المطلق عليه، لأنّ مقتضى القاعدة حمل المطلق على المقيّد «3».

و فساده ظاهر، لأنّ مثل المورد ليس محلّ جريان القاعدة.

ج: الولي هنا هو أولى الناس بالميراث من الذكور،

وفاقا للمدارك حاكيا له عن الإسكافي و الصدوقين و جماعة «4»، لصحيحة البختري و مرسلة حمّاد المتقدّمتين.

و لازمه كون الولاية على ترتيب الطبقات في الإرث، فمع الأب و الابن لا ولي غيرهما، و مع فقدهما تنتقل الولاية إلى الطبقة الثانية و هكذا، إلّا النساء، فلا تنتقل إليهن أبدا.

و في المسألة أقوال آخر، ذهب إلى كلّ جماعة:

فمنهم من أدخل النساء أيضا «5»، و لا وجه له- بعد ما عرفت- سوى

______________________________

(1) كما في الشرائع 1: 203، و المنتهى 2: 604.

(2) الفقيه 2: 98- 440، الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 1.

(3) الحدائق 13: 328.

(4) المدارك 6: 225.

(5) كما في المقنعة: 353، و الفقيه 2: 98، و حكاه عن القاضي في الحدائق 13:

323.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 463

الرضوي: «و إذا كان للميّت وليّان فعلى أكبرهما من الرجال أن يقضي عنه، و إن لم يكن له ولي من الرجال قضى عنه وليّه من النساء» «1».

و هو- لضعفه و عدم الجابر له- لا يصلح لإثبات حكم، سيّما مع المعارضة مع ما مرّ و عدا إطلاقات إثبات القضاء على الولي، اللازم تقييدها بما مرّ.

مضافا إلى عدم معلوميّة حجّية مثله، بعد احتمال وروده لإثبات القضاء في

الجملة على الولي من غير نظر إلى الشخصيّة.

و ربّما يستأنس له ملاحظة سياق بعض الأخبار من حيث إطلاق الحكم في صدره بالقضاء، ثمَّ التفصيل في الذيل بعد السؤال بمن عدا النساء.

و منهم من خصّ بأولاده «2».

لكونهم أولى الناس بالأب و بميراثه، و لذا يحجبون من عداهم، فهم المراد من أولى الناس بالميراث، حتى من الأب أيضا.

و لكونه أوفر حظّا و أكثر نصيبا فيكون أولى.

و للأصل.

و عدم قائل به بعد نفي الوجوب عن النساء كما يظهر من تتبّع الفتاوى، و تشير إليه بعض العبارات.

و إجمال إطلاقات الولي، فينبغي الاقتصار على المجمع عليه.

و يرد على الأول: أنّ الأولاد أولى حين الاجتماع، فيكون هو الولي

______________________________

(1) فقه الرضا «ع» 211، المستدرك 7: 449 أبواب أحكام شهر رمضان ب 16 ح 1.

(2) كما في المبسوط 1: 286، و الشرائع 1: 203، و المختلف: 242، و حكاه عن القاضي في الحدائق 13: 323.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 464

حينئذ، أمّا مع عدمه فأولى الناس غيره. و الحاصل: أنّه إنّما يفيد لو كان الأولاد أولى الناس بالميراث مطلقا، و لكنّه ليس كذلك، بل هو أولى مع وجوده، و أمّا مع فقده فالأولى غيره.

و على الثاني: أنّ المراد بالأولى بالميراث المقدّم في الإرث، لا الأكثر فيه، فإنّه ليس أولى بالإرث.

و على الثالث: أنّ الأصل مندفع بما مرّ.

و على الرابع: أنّ دعوى الإجماع المركّب في مثل تلك المسألة من المجازفات جدّا، كيف؟! و الأقوال مشتّتة، و العبارات مختلفة، و الحكايات متفاوتة.

و على الخامس: أنّ إطلاق الولي و إن كان مجملا، إلّا أنّ تفسيره بأولى الناس بالميراث ينفي الإجمال، و اللّه أعلم بحقيقة الحال.

د: لو كان الوارث من الذكور متعدّدا يجب على أكبرهم سنا.

للرضويّ المتقدّم، المنجبر بالشهرة المحكيّة و المحقّقة المؤيّدة.

و مكاتبة الصفار:

رجل مات و عليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيّام و له وليّان، هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعا خمسة أيّام أحد الوليّين و خمسة أيّام الآخر؟ فوقّع عليه السلام: «يقضي عنه أكبر وليّيه عشرة أيام ولاء إن شاء اللّه» «1».

مضافا إلى ما قيل في أكبر الأبناء من أولويّته بالإرث، لاختصاصه بالحبوة «2».

______________________________

(1) الكافي 4: 124- 5، الفقيه 2: 98- 441، التهذيب 4: 247- 732، الاستبصار 2: 108- 355، الوسائل 10: 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 3.

(2) كما في المختلف: 242.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 465

و فيه نظر من وجهين.

و المعارضة بمرسلة الفقيه- الآمرة بقضاء من شاء من أهله «1»، و موثّقة أبي بصير القائلة بأنّه يقضيه أفضل أهل بيته «2»- مردودة بأنّها بالعموم و الخصوص المطلقين، فيقدّم الرضويّ الأخصّ.

ه: تعلّق الوجوب بالأكبر مع وحدته

، و أمّا مع اجتماع المتساويين في السنّ فلا، لتبادر المتّحد من الرضوي، مع صراحة المكاتبة، سيّما مع ندرة المتعدّد جدّا.

و لو حمل على التساوي العرفي في السن، فحينئذ يرجع إلى الوجوب الكفائي، فيجب الكلّ، أو كلّ بعض على المتعدّد كفاية، كما هو مقتضى العمل بقوله: «يقضي عنه أولى الناس بميراثه» «3».

و: يجوز لغير الولي قضاء الصوم عن الميّت تبرّعا

، و قد مرّ ما يدلّ عليه في بحث الصلاة. و لا ينافيه وجوبه على الولي، كما لا ينافي جواز التبرّع بأداء دين زيد عن وجوب أدائه عليه.

ز: الحقّ عدم السقوط عن الولي بتبرّع الغير و لا باستئجاره

أو وصيّة الميّت بالاستئجار، للأصل.

فإن قيل: بفعل الغير تبرأ ذمّة الميّت و لا صوم عليه، فلا معنى لقضاء الولي عنه.

قلت: ما أرى مانعا من قضاء متعدّد عن واحد، و لا ضير في أن يشتغل ذمّة

______________________________

(1) الفقيه 2: 98- 440، الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 1.

(2) التهذيب 4: 325- 1007، الوسائل 10: 332 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 11.

(3) تقدم في ص: 457.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 466

أحد بشي ء و يجوز لمائة أداؤه عنه و لو بالتعاقب، فإنّ أمثال هذه الأمور ليست ممّا يقاس على المحسوسات، و قد مرّ بيان ذلك مستوفى في كتاب الصلاة.

ح: الواجب قضاؤه على الولي ما تمكّن الميّت في حياته عن القضاء،

و إلّا فلا قضاء على الولي و بيان ذلك قد مرّ «1».

ط: لا خلاف- على ما قيل «2»- في جواز القضاء عن المرأة و مشروعيّته،

و إطلاق كثير من الأخبار و خصوص بعضه يدلّ عليه.

و هل هو واجب على وليّها كالرجل أيضا، أم لا؟

فيه قولان، ذهب إلى كلّ جماعة «3»، و الحقّ هو: الثاني، لأنّ ما يشمل المرأة من أخبار القضاء «4» خصوصا أو عموما لا ذكر فيه للولي، و لا دلالة فيه على الوجوب، و ما يشمل عليهما مخصوص بالرجل، فيبقى الأصل- الذي هو المعوّل- بلا معارض.

استدلّ الأولون باشتراكها مع الرجل في الأحكام غالبا، و دلالة الأخبار على القضاء عنها.

و ضعف الأول ظاهر، و الثاني ممنوع إن أريد الوجوب، و غير مفيد إن أريد غيره.

ي: يقضي عن العبد أولى الناس به وجوبا

، و هو مولاه، لصدق الولي، و أولى الناس به بل بميراثه لو كان له ميراث.

يا: حكم جماعة بأنّه مع فقدان الولي أو وجوده و عدم وجوب القضاء عليه كالإناث يجب التصدّق عن كلّ يوم بمدّ

______________________________

(1) راجع ص: 441.

(2) في الرياض 1: 324.

(3) فإلى الأوّل: الشيخ في النهاية: 158، و الشهيد في الدروس 1: 289، و إلى الثاني: الحلي في السرائر 1: 399، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 78.

(4) الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 467

كجماعة «1»، أو مدّين كبعضهم «2»، من أصل التركة.

و أنكره بعضهم «3»، و هو الأقوى، للأصل و فقد المستند للقول الأول، سوى ما قيل من رواية أبي مريم «4»، و هي غير دالّة، مع أنّ مدلولها وجود الولي، فهي غير مورد المسألة.

يب: لو كان الولي حين الموت صغيرا يجب عليه القضاء بعد البلوغ،

لصدق الولي و اجتماع الشرائط. و لا يضرّ عدم الاجتماع حين الموت، لأنّا لا نقول إنّه زمان تكليف الولي، بل هو زمان بلوغه.

فإن قيل: ما يوجب تكليفه حينئذ مع عدم كونه مكلّفا سابقا؟

قلنا: ما أوجب تكليف سائر الأولياء المكلّفين حين الموت، فإنّ غاية ما يرتكب في الأخبار أن يقيّد الولي فيها بالبالغ، و يكون المعنى: فعلى وليّه البالغ القضاء، و هذا أيضا ولي بالغ.

نعم، لو كان المعنى: فعلى وليّه البالغ حين الموت، لما تمَّ الاستدلال، و لكنّه ليس كذلك.

المسألة السادسة:
اشاره

قاضي شهر رمضان مخيّر في الإفطار إلى الزوال، و لا يجوز له الإفطار بعده، و عليه الكفّارة لو أفطر.

و أمّا الأول: فهو الأظهر الأشهر- كما صرّح به جماعة ممّن تأخّر «5»-

______________________________

(1) منهم المحقق في المعتبر 2: 702، و الشهيد في الدروس 1: 289، و الشهيد الثاني في الروضة 2: 125.

(2) انظر المبسوط 1: 286.

(3) كما في السرائر 1: 408، و الإيضاح 1: 238، و الحدائق 13: 328.

(4) المتقدّمة في ص: 458.

(5) كصاحب الرياض 1: 324.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 468

بل عن الفاضل في المدنيّات الاولى: الإجماع عليه.

و تدلّ عليه- بعد الأصل- المستفيضة من الأخبار، كرواية العجلي:

في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان، قال: «إن كان أتى أهله قبل الزوال فلا شي ء عليه إلّا يوما مكان يوم، و إن كان أتى أهله بعد زوال الشمس فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين، لكلّ مسكين مدّ، فإن لم يقدر صام يوما مكان يوم، و صام ثلاثة أيام كفّارة لما صنع» «1».

و مرسلة الفقيه: «إن أفطر قبل الزوال فلا شي ء عليه، و إن أفطر بعد الزوال فعليه الكفّارة مثل ما على من أفطر يوما

من شهر رمضان» «2».

و صحيحة جميل: في الذي يقضي في شهر رمضان: «أنّه بالخيار إلى زوال الشمس، و إن كان تطوّعا فإنّه إلى الليل بالخيار» «3».

و موثّقة أبي بصير: المرأة تقضي شهر رمضان فيكرهها زوجها على الإفطار، فقال: «لا ينبغي أن يكرهها بعد الزوال» «4».

و رواية سماعة: في قوله عليه السلام: «الصائم بالخيار إلى زوال الشمس»، قال: «إنّ ذلك الفريضة، و أمّا النافلة فله أن يفطر أي ساعة شاء إلى غروب الشمس» «5».

______________________________

(1) الكافي 4: 122- 5، الفقيه 2: 96- 430، المقنع: 63، الوسائل 10: 15 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 1.

(2) الفقيه 2: 96- 431، الوسائل 10: 349 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 5.

(3) التهذيب 4: 280- 849، الاستبصار 2: 122- 396، الوسائل 10: 16 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 4.

(4) الكافي 4: 122- 6، الفقيه 2: 96- 432، التهذيب 4: 278- 842، الاستبصار 2: 120- 390، الوسائل 10: 16 أبواب وجوب الصوم ب 4 ح 2.

(5) الكافي 4: 122- 3، الفقيه 2: 96- 433، التهذيب 4: 187- 527، الوسائل 10: 17 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 469

و صحيحة ابن سنان: «صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك و بين الليل متى ما شئت، و صوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس، فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر» «1».

و رواية إسحاق: «الذي يقضي شهر رمضان بالخيار في الإفطار ما بينه و بين ما تزول الشمس، و في التطوّع ما بينه و بين أن تغيب الشمس» «2».

خلافا للمحكيّ عن ظاهر العماني و الحلبي و

ابن زهرة، فحرّموه «3»، و عن الأخير: الإجماع عليه.

للنهي عن إبطال العمل.

و إطلاق موثّقة زرارة- بل عمومها-: عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتى النساء، قال: «عليه من الكفّارة ما على الذي أصاب في رمضان، لأنّ ذلك اليوم عند اللّه من أيّام رمضان» «4»، و قريبة منها مرسلة حفص «5».

و خصوص صحيحة البجلي: عن رجل يقضي رمضان، إله أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال إذا بدا له؟ فقال: «إذا كان نوى ذلك من الليل و كان ذلك من قضاء شهر رمضان فلا يفطر و يتمّ صومه» «6».

______________________________

(1) التهذيب 4: 278- 841، الاستبصار 2: 120- 389، الوسائل 10: 18 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 9.

(2) التهذيب 4: 280- 848، الاستبصار 2: 122- 395، الوسائل 10: 18 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 10.

(3) حكاه عن العماني في المختلف: 247، الحلبي في الكافي في الفقه: 184، ابن زهرة في الغيبة (الجوامع الفقهية): 572.

(4) التهذيب 4: 279- 846، الاستبصار 2: 121- 393، الوسائل 10: 348 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 3.

(5) التهذيب 4: 321- 983 الوسائل 10: 130 أبواب أحكام شهر رمضان ب 56 ح 1.

(6) التهذيب 4: 186- 522، الوسائل 10: 17 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 470

و يضعّف الأول بمنع النهي، كما بيّنا في عوائد الأيام «1». سلّمنا، و لكنّه عامّ يلزم تخصيصه بما مرّ.

و هو الجواب عن الثاني و الثالث.

و عن الرابع: بقصور دلالته على الحرمة.

و أمّا الثاني: فعلى الأصحّ الأشهر أيضا، بل عن الانتصار و الخلاف و الغنية: الإجماع عليه «2»، لصريح صحيحة ابن سنان

المتقدّمة، و مفهوم الغاية في أكثر الأخبار السابقة.

خلافا للمحكيّ عن ظاهر التهذيبين، فلم يحرّماه و إن أوجبا الكفّارة «3»، لعدم ثبوت الحرمة من الأخبار، و ضعفه ظاهر ممّا مرّ.

و أمّا الثالث: فعلى الأقوى أيضا، و عليه دعوى الإجماع في الكتب الثلاثة المتقدّمة، و يدلّ عليه عموم مرسلة حفص و موثّقة زرارة، و خصوص رواية العجلي و مرسلة الفقيه، المتقدّمة جميعا.

خلافا فيه للمحكيّ عن العماني، فلا كفّارة «4»، و إليه يميل شيخنا الشهيد الثاني في المسالك، حيث استجود حمل أخبار الكفارات على الاستحباب «5».

لموثّقة عمّار: عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان- إلى أن قال:- فإن نوى الصوم ثمَّ أفطر بعد ما زالت الشمس؟ قال: «قد أساء، و ليس عليه شي ء إلّا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه» «6».

______________________________

(1) عوائد الأيام: 151.

(2) الانتصار: 69، الخلاف 2: 221، الغنية (الجوامع الفقهية): 572.

(3) التهذيب 4: 278، الاستبصار 2: 122.

(4) حكاه عن العماني في المختلف: 247.

(5) المسالك 2: 86.

(6) التهذيب 4: 280- 847، الاستبصار 2: 121- 394، الوسائل 10: 348 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 471

و يجاب عنها بالمعارضة مع ما سبق، و مرجوحيّتها، لموافقة غير قتادة من العامّة، كما في المنتهى و غيره «1».

فروع:
أ: الكفّارة هنا إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ،

و لو عجز صام ثلاثة أيّام على الأظهر الأشهر كما صرّح به جماعة «2»، و إليه ذهب الشيخان و السيّد و الإسكافي و الفاضلان «3».

لرواية العجلي المتقدّمة، و صحيحة هشام، و فيها: «و إن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم و أطعم عشرة مساكين، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيّام كفّارة لذلك» «4».

و الرضوي: «و قد روي: أنّ على من أفطر بعد الزوال

إطعام عشرة مساكين، لكلّ مسكين مدّ من طعام، فإن لم يقدر عليه صام يوما، و صام ثلاثة أيّام كفّارة» «5».

و لا يضرّ اختصاصها بما بعد صلاة العصر، لأنّ المراد منه: بعد الزوال، أو لاتحاد حكم ما بينه و بين الزوال بالإجماع. كما لا يضرّ تجويز

______________________________

(1) المنتهى 2: 605، و انظر التذكرة 1: 261، و الرياض 1: 325.

(2) انظر المفاتيح 1: 263، و الرياض 1: 325.

(3) المفيد في المقنعة: 360، الطوسي في المبسوط 1: 287، السيّد في الانتصار:

69، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 247، المحقق في المعتبر 2: 704، العلّامة في المنتهى 2: 605.

(4) التهذيب 4: 279- 845، الاستبصار 2: 120- 392، الوسائل 10: 347 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 2.

(5) فقه الرضا عليه السلام: 213، مستدرك الوسائل 7: 454 أبواب أحكام شهر رمضان ب 21 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 472

الإفطار فيها بما قبل صلاة العصر، لأنّ المراد منه: قبل الزوال، أو لكونه أعمّ منه، فيخصّص به، لما مرّ.

و عن الصدوق في الرسالة و المقنع: أنّ عليه كفّارة الإفطار في رمضان «1»، و حكاه في موضع من المختلف عن القاضي «2»، و هو مختار ابن حمزة مع الاستخفاف «3»، و احتمله في التهذيبين أيضا مع ذلك «4»، للمرسلتين، و الموثّقة السابقة «5»، و الرضوي: «فإن أفطرت بعد الزوال فعليك كفّارة مثل من أفطر يوما من شهر رمضان».

و عن الحلبيّين: التخيير بين الخصالين، مدّعيا أحدهما الإجماع عليه «6»، و هو مذهب ابن حمزة في صورة عدم الاستخفاف.

و عن الديلمي و الكراجكي: أنّها كفّارة يمين «7»، و نقله في موضع آخر من المختلف عن القاضي «8»، و هو أحد قولي الحلّي «9».

و

يمكن إرادتهم المشهور، كما أنّ المفيد قال في باب الكفّارات:

كان عليه كفّارة يمين إطعام عشرة مساكين، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام متتابعات «10».

______________________________

(1) حكاه عن الرسالة في المختلف: 246، المقنع: 63.

(2) المختلف: 247.

(3) الوسيلة: 147.

(4) التهذيب 4: 279، الاستبصار 2: 121.

(5) راجع ص: 468، 469.

(6) الحلبي في الكافي: 184، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 572.

(7) الديلمي في المراسم: 187.

(8) المختلف: 247.

(9) السرائر 3: 76.

(10): المقنعة: 570.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 473

و في الكفّارات المختلف: المشهور عند علمائنا أنّ كفّارة من أفطر يوما ليقضيه من شهر رمضان بعد الزوال مختارا: كفّارة يمين، ذهب إليه الشيخان و سلّار و أبو الصلاح و ابن إدريس، و استدلّ له بأدلّة المشهور «1».

و عن كفّارات النهاية: كان عليه كفّارة يمين، فإن لم يجد صام ثلاثة أيّام «2».

أقول: و لم أعثر على غير الأولين على دليل، و أمّا الأولان فيدلّ على كلّ منهما ما ذكر له، و لم أر ترجيحا لأحدهما. و الشذوذ- الذي ادّعاه الشيخ للثاني «3»- عندي غير معلوم. و حمله على الاستحباب «4» حمل بلا دليل، و على التشبيه في وجوب الكفّارة دون قدرها في الرضوي قريب، و في الوجوب في المرسلة الاولى ممكن، و لكن شي ء منهما لا يجري في الباقيين. و نسبة الأصل إلى القولين على السواء و إن تمسّك به في المختلف للمشهور «5». و لذا تصير المسألة محلّ إشكال، و لأجله توقّف فيها في الحدائق «6»، و هو في موقعه جدّا.

ب: الأيّام الثلاثة- على القول بها- متتابعات عند الشيخين و الفاضلين و ابني حمزة و إدريس و غيرهم،

قاطعين به «7»، فإن ثبت عليه إجماع، و إلّا

______________________________

(1) المختلف: 664.

(2) النهاية: 572.

(3) التهذيب 4: 279.

(4) كما في المعتبر 2: 705.

(5) المختلف: 247.

(6) الحدائق 13: 216.

(7) المفيد في المقنعة:

570، الطوسي في الاقتصاد: 291، ابن حمزة في الوسيلة:

145، ابن إدريس في السرائر 1: 406 و 3: 76، و انظر الدروس 1: 296.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 474

فالأصل ينفيه، و حسنة ابن سنان «1» و رواية الجعفري «2» تشعران بعدمه، بل تدلّان، حيث حصر التتابع في صيام ليس ذلك منها.

ج: صرّح في الدروس و الروضة بوجوب الإمساك بقيّة اليوم لو أفطر بعد الزوال «3».

لقوله في صحيحة هشام المتقدّمة: «صام ذلك اليوم».

و في خبر زرارة: «لأنّ ذلك اليوم عند اللّه من أيّام رمضان» «4».

و لاستصحاب وجوب الإمساك.

و يردّ الأول- بعد الإغماض عن عدم دلالته على الوجوب-: بأنّ الظاهر صوم بدل ذلك اليوم، كما يومئ إليه صدر الخبر. و لأنّ هذا الإمساك ليس صوما حقيقة.

و الثاني: بعدم دلالته على المساواة في جميع الأحكام.

و الثالث: بتعارضه مع استصحاب عدم الوجوب الأولي كما بيّناه في موضعه، مضافا إلى أنّ الواجب أولا هو الصوم، و حقيقة هذا الإمساك مباينة لحقيقة الصوم شرعا، فلا يتحقّق للاستصحاب معنى، و لذا ذهب ابن فهد إلى عدم الوجوب «5»، و تبعه بعض أجلّة المتأخّرين «6»، و هو الأظهر.

______________________________

(1) الكافي 4: 120- 3، التهذيب 4: 274- 829، الاستبصار 2: 117- 381، الوسائل 10: 340 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 4.

(2) الكافي 4: 120- 1، الفقيه 2: 95- 428، التهذيب 4: 274- 830، الاستبصار 2: 117- 382، الوسائل 10: 342 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 8.

(3) الدروس 1: 290، الروضة 2: 119.

(4) التهذيب 4: 279- 846، الاستبصار 2: 121- 393، الوسائل 10: 348 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 3.

(5) نقله عنه في غنائم الأيام: 480.

(6) كما في غنائم الأيام: 480.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 475

د: قالوا: اختيار الإفطار قبل الزوال إنّما هو مع سعة وقت القضاء،

و أمّا لو تضيّق بدخول شهر رمضان المقبل أو علم الوفاة أو ظنّه فلا اختيار «1».

و هو حسن مع القول بحرمة التأخير إلى المقبل.

ه: الظاهر اختصاص الحكم بالقضاء الواجب،

فلو قضى أحد احتياطا ندبا لم يحرم عليه الإفطار بعد الزوال، لعدم كونه قضاء حقيقة- و إنّما هو صوم مندوب- و لعدم انصراف إطلاق القضاء إليه.

و: هل يختصّ الحكم بالقاضي لنفسه، أو يعمّ القاضي لغيره

ولاية أو تبرّعا أو إجارة أيضا؟

مقتضى إطلاق كثير من الأخبار: الثاني، و تبادر الأول عنها ممنوع، و لو سلّم ففي الجميع ليس كذلك، و شيوعه المقتضي للانصراف إليه غير متحقّق.

المسألة السابعة:

لا تجب الموالاة في القضاء من حيث هي، بالإجماع كما في الناصريّات و الخلاف و المختلف «2»، و يدلّ عليه الأصل، و كثير من الأخبار.

كرواية الجعفري: عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان، أ يقضيها متفرّقة؟ قال: «لا بأس بتفريق قضاء شهر رمضان» الحديث «3».

و موثّقة سماعة: عمّن يقضي شهر رمضان منقطعا؟ قال: «إذا حفظ أيّامه فلا بأس» «4».

______________________________

(1) انظر الروضة 2: 118، و الرياض 1: 324.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 207، الخلاف 2: 210، المختلف: 246.

(3) الكافي 4: 120- 1، الفقيه 2: 95- 428، التهذيب 4: 274- 830، الاستبصار 2: 117- 382، الوسائل 10: 342 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 8.

(4) الكافي 4: 120- 2، الوسائل 10: 340 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 476

و رواية البصري: عن قضاء شهر رمضان في ذي الحجّة و قطعه، قال:

«اقضه في ذي الحجّة و اقطعه إن شئت» «1»، و غير ذلك من الأخبار الآتية.

و قيد الحيثيّة لوجود القول بوجوبها من حيث كونها ملزومة للفوريّة.

و الأظهر الأشهر: استحبابها، للشهرة، و كونها مسارعة إلى الخير، و الأخبار المعتبرة:

كصحيحة الحلبي: «إذا كان على الرجل شي ء من صوم شهر رمضان فليقضه في أي شهر شاء أيّاما متتابعة، فإن لم يستطع فليقضه كيف شاء، و ليحص الأيّام، فإن فرّق فحسن، و إن تابع فحسن» «2».

و صحيحة ابن سنان: «من أفطر شيئا من شهر رمضان في عذر فإن قضاه متتابعا فهو أفضل، و

إن قضاه متفرّقا فحسن» «3».

و رواية غياث: «في قضاء شهر رمضان إن كان لا يقدر على سرده فرّقه» «4».

و المرويّ في الخصال: «و الفائت من شهر رمضان إن قضاه متفرقا جاز، و إن قضاه متتابعا كان أفضل» «5».

______________________________

(1) الكافي 4: 121- 5، الفقيه 2: 95- 426، التهذيب 4: 275- 832، الاستبصار 2: 119- 836، الوسائل 10: 344 أبواب أحكام شهر رمضان ب 27 ح 2.

(2) الكافي 4: 120- 4، الفقيه 2: 95- 427، التهذيب 4: 274- 828، الاستبصار 2: 117- 380، الوسائل 10: 341 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 5، بتفاوت يسير.

(3) الكافي 4: 120- 3، التهذيب 4: 274- 829، الاستبصار 2: 117- 381، الوسائل 10: 340 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 4.

(4) التهذيب 4: 275- 833، الاستبصار 2: 119- 387، الوسائل 10: 344 أبواب أحكام شهر رمضان ب 27 ح 3.

(5) الخصال: 606- 9، الوسائل 10: 343 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 477

و حكى في السرائر عن بعض الأصحاب استحباب التفريق «1»، و إليه يميل كلام المفيد، و لكن بهذا الوجه: إذا كان عليه يومان فصل بينهما بيوم، و كذلك إذا كان عليه خمسة أيّام و ما زاد، فإن كان عليه عشرة أيّام أو أكثر من ذلك تابع بين ثمانية الأيّام إن شاء ثمَّ فرّق الباقي «2».

و في الوسيلة: فإن صام ثمانية أيّام أو ستّة متواليات و فرّق الآخر كان أفضل «3».

و تدلّ على التفريق في الجملة موثّقة عمّار: عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان، كيف يقضيها؟ فقال: «إن كان عليه يومان فليفطر بينهما يوما، و إن كان عليه

خمسة فليفطر بينها يومين، و إن كان عليه شهر فليفطر بينها أيّاما، و ليس له أن يصوم أكثر من ثمانية أيّام، يعني متوالية، و إن كان عليه ثمانية أيّام أو عشرة أفطر بينها يوما» «4».

و المرويّ في قرب الإسناد: عمّن كان عليه يومان من شهر رمضان، كيف يقضيهما؟ قال: «يفصل بينهما بيوم، فإن كان أكثر من ذلك فليقضها متوالية» «5».

و لا يخفى أنّ هاتين الروايتين لا تصلحان لمعارضة ما مرّ، لأكثريّته و أصحّيته، و موافقته للشهرتين، و لظاهر الكتاب، و اضطراب الأول منهما،

______________________________

(1) السرائر 1: 405.

(2) انظر المقنعة: 359.

(3) الوسيلة: 146.

(4) التهذيب 4: 275- 831، الاستبصار 2: 118- 383، الوسائل 10: 341 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 6.

(5) قرب الاسناد: 231- 906، الوسائل 10: 343 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 478

و اختلاف النسخ فيها، فإنّ في بعضها: «ستّة أيّام» بدل: «ثمانية».

المسألة الثامنة:

المعروف من مذهب الأصحاب: عدم فوريّة قضاء رمضان، و تدلّ عليه جميع الأخبار المتقدّمة، و صحيحة البختري: «كنّ نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا كان عليهنّ صيام أخّرن ذلك إلى شعبان، كراهة أن يمنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فإذا كان شعبان صمن و صام» «1» إلى غير ذلك.

المسألة التاسعة:

صرّح جملة من الأصحاب: بأنّه لا يجب الترتيب في قضاء الصوم، بأن ينوي الأول فالأول «2»، و هو كذلك، للأصل.

قيل: نعم، يستحبّ ذلك «3».

و لا أرى له وجها، إلّا أن يثبت بفتوى الفقيه.

المسألة العاشرة:

لو نذر صوما يوما معيّنا، فاتّفق ذلك اليوم في رمضان، صام عن رمضان، و لم يجب عليه قضاء إجماعا.

و لو اتّفق أحد العيدين أو أيّام التشريق بمنى لم يصحّ صومه إجماعا نصّا و فتوى.

و هل يجب عليه القضاء، أم لا؟

الحقّ: الثاني مع استحبابه، وفاقا لموضع من المبسوط و القاضي و الحلبي و الشرائع و المختلف و فخر المحقّقين و الكفاية «4»، بل هو المشهور كما في الكفاية.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    479     المسألة العاشرة: ..... ص : 478

ّا عدم الوجوب: فللأصل السالم عن المعارض، المؤيّد بعدم انعقاد

______________________________

(1) الكافي 4: 90- 4، الوسائل 10: 345 أبواب أحكام شهر رمضان ب 27 ح 4.

(2) كما في الذخيرة: 530، و مشارق الشموس: 428.

(3) كما في المسالك 1: 77، و الحدائق 13: 318.

(4) المبسوط 1: 282، القاضي في جواهر الفقه: 35، الحلبي في الكافي: 185، الشرائع 1: 196، المختلف: 658، فخر المحققين في الإيضاح 1: 242، كفاية الأحكام: 229.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 479

النذر لو نوى شمول هذه الأيّام أيضا، و عدم وجوب الأداء لو نوى خروجها، فكيف بالقضاء؟! و أمّا الاستحباب: فلقوله عليه السلام في رواية الصيقل «1» و صحيحة ابن مهزيار بعد السؤال عن ذلك: «و يصوم يوما بدل يوم» «2».

خلافا للنهاية و موضع من المبسوط و ابن حمزة، فأوجبوه «3»، و لظاهر الدروس و المدارك، فتردّدا فيه «4»، للرواية و الصحيحة، و هما بمعزل عن إفادة الوجوب،

لمكان الجملة الخبريّة.

و كذا الحكم في عدم صحّة الصوم و وجوب الإفطار لو اتّفق في ذلك اليوم سفر أو مرض أو حيض.

و أمّا القضاء، فصرّح في المسالك بوجوبه قطعا «5»، و ظاهر المختلف أيضا أنّه لا نزاع في وجوب القضاء حينئذ «6»، و في شرح النافع لصاحب المدارك: أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب «7»، و في الكفاية: و قد قطع الأصحاب بأنّه يجب القضاء «8».

و احتجّوا لذلك بصحيحة ابن مهزيار المتقدّمة، و رواية ابن جندب، و فيها- بعد السؤال عن رجل جعل على نفسه صوم يوم فحضرته نيّة

______________________________

(1) التهذيب 4: 234- 686، الاستبصار 2: 101- 328، الوسائل 10: 378 أبواب بقية الصوم الواجب ب 7 ح 3.

(2) الكافي 7: 456- 12، الوسائل 10: 378 أبواب بقية الصوم الواجب ب 7 ح 1.

(3) النهاية: 163، المبسوط 1: 281، ابن حمزة في الوسيلة: 144.

(4) الدروس 1: 272، المدارك 6: 137.

(5) المسالك 2: 209.

(6) المختلف: 249.

(7) نهاية المرام 2: 358.

(8) الكفاية: 229.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 480

الزيارة إلى أن أجاب-: «فإذا رجع قضى ذلك» «1».

و الروايتان قاصرتان عن إفادة الوجوب، مع أنّ الثانية ليست صريحة في اليوم المعيّن، فلعلّه كان غير معيّن، و المراد بالقضاء: الفعل، كما هو مقتضى الحقيقة اللغويّة، و معارضة مع رواية مسعدة: في رجل يجعل على نفسه أيّاما معدودة مسمّاة في كلّ شهر، ثمَّ يسافر فتمرّ به الشهور: «أنّه لا يصوم في السفر و لا يقضيها إذا شهد» «2».

و لأجل ذلك يظهر من الكفاية التردّد، بل هو الظاهر من شرح النافع لصاحب المدارك أيضا، و هو في محلّه جدّا، بل الأظهر عدم الوجوب إلّا أن يثبت الإجماع عليه، و الاحتياط عدم

ترك القضاء هنا.

______________________________

(1) الكافي 7: 457- 16، التهذيب 4: 333- 1048، الوسائل 10: 197 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 5.

(2) الكافي 4: 142- 7، التهذيب 4: 329- 1028، الوسائل 10: 199 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 481

المطلب الثاني في الصوم المندوب و هو أيضا أقسام كثيرة:
منها: ما لا يختصّ بسبب مخصوص و لا بوقت معيّن

كصيام أيّام السنة عدا ما استثني، فإنّ استحبابه ممّا لا خلاف فيه، كما صرّح به غير واحد «1»، و صوم كلّ يوم شاء عدا المستثنيات.

ففي مرسلة الفقيه: «من صام للّه يوما في شدّة الحرّ، فأصابه ظمأ و كل اللّه به ألف ملك يمسحون وجهه و يبشّرونه، حتى إذا أفطر قال اللّه تعالى:

ما أطيب ريحك و روحك، ملائكتي اشهدوا أنّي قد غفرت له» «2».

و في رواية الكناني: «نوم الصائم عبادة، و صمته تسبيح، و عمله متقبّل، و دعاؤه مستجاب» «3».

و في الحديث القدسي: «الصوم لي، و أنا اجازي به» «4».

و في رواية عمرو بن جميع: «الصوم جنّة من النار» «5»، إلى غير ذلك.

______________________________

(1) كما في الحدائق 13: 347.

(2) الفقيه 2: 45- 205، الوسائل 10: 409 أبواب الصوم المندوب ب 3 ح 1.

(3) ثواب الأعمال: 51- 3، الوسائل 10: 403 أبواب الصوم المندوب ب 1 ح 24، بإسناده عن الحسين بن أحمد عن أبيه.

(4) الفقيه 2: 44- 198، التهذيب 4: 152- 420، الوسائل 10: 400 أبواب الصوم المندوب ب 7 ح 15 و 16.

(5) التهذيب 4: 191- 544، الوسائل 10: 400 أبواب الصوم المندوب ب 7 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 482

و لو لم يكن في الصوم إلّا الارتقاء عن حضيض حظوظ النفس البهيميّة إلى ذروة التشبّه بالملائكة الروحانيّة لكفي به فضلا و منقبة

و شرفا.

و منها: ما يختصّ بسبب مخصوص

، و أفراده غير محصورة، مذكورة في كتب الأدعية و الآداب.

و منها: ما يختص بوقت معيّن، و ذلك في مواضع:
منها- و هو أوكدها-: صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر:
اشاره

أول خميس منه، و أول أربعاء من العشر الثاني، و آخر خميس من العشر الأخير، فإنّه قد كثر الحثّ عليه في السنّة المقدّسة، و ورد أنّه يعادل صوم الدهر.

ففي صحيحة حمّاد: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبض على صوم ثلاثة أيّام في الشهر، و قال: يعدلنّ صوم الدهر، و يذهبن بوحر الصدر»، قال حمّاد: فقلت: أي الأيّام هي؟ قال: «أول خميس في الشهر، و أول أربعاء بعد العشر منه، و آخر خميس فيه» الحديث «1».

و في صحيحة معاوية بن عمّار: «كان في وصيّة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعلي عليه السلام: يا علي أوصيك في نفسك بخصال احفظها عنّي، ثمَّ قال: اللهم أعنه»- إلى أنّ قال: «و السادسة: الأخذ بسنّتي في صلاتي و صومي» إلى أن قال: «و أمّا الصيام فثلاثة أيّام في الشهر: الخميس في أوله، و الأربعاء في وسطه، و الخميس في آخره» «2».

______________________________

(1) الكافي 4: 89- 1، الفقيه 2: 49- 210، التهذيب 4: 302- 913، الاستبصار 2: 136- 444، المقنعة: 369، المحاسن: 301- 8، الوسائل 10: 415 أبواب الصوم المندوب ب 7 ح 1، و الوحر: الوسوسة، و قيل: وحر الصدر- بالتحريك-:

غشه، و قيل: الحقد و الغيظ، و قيل: العداوة، و قيل: أشدّ الغضب- مجمع البحرين 3: 510.

(2) الكافي 8: 79- 33، الوسائل 15: 181 أبواب جهاد النفس ب 4 ح 2، و رواها في الفقيه 4: 139- 483.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 483

و في موثّقة زرارة: أنّه جميع ما جرت به السنّة «1»، إلى غير ذلك من الأخبار المتكثّرة «2».

و

ما ذكر في تعيين الأيّام الثلاثة هو المشهور رواية و فتوى.

و عن الشيخ: التخيير بين أربعاء بين خميسين، و خميس بين أربعاءين «3».

و عن الإسكافي: شهر بالأول و شهر بالثاني «4».

و عن العماني: تخصيص الأربعاء بالأخير من العشر الأوسط «5».

و عن الحلبي: فأطلق في خميس العشر الأول، و أربعاء الثاني و خميس الثالث «6».

و العمل على المشهور، لموافقته لسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمّة من بعده، كما نطقت به الروايات.

فروع
أ: من ترك هذا الصوم يستحبّ له قضاؤه.

كما صرّح به غير واحد «7»، و دلّت عليه الأخبار، ففي رواية عبد اللّه بن سنان: «لا يقضي شي ء

______________________________

(1) الكافي 4: 93- 9، الفقيه 2: 51- 220، ثواب الأعمال: 81- 8، الوسائل 10: 18 أبواب الصوم المندوب ب 7 ح 6.

(2) انظر الوسائل 10: 415 أبواب الصوم المندوب ب 7.

(3) التهذيب 4: 303.

(4) حكاه عنه في المختلف: 238.

(5) حكاه عنه في المختلف: 238.

(6) الكافي في الفقه: 189.

(7) انظر الشرائع 1: 207، و المسالك 1: 80، و الكفاية: 49، و الحدائق 13:

351.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 484

من صوم التطوّع إلّا الثلاثة الأيّام التي كان يصومها من كل شهر» «1»، و غير ذلك.

و في ثبوت القضاء فيما ترك للسفر أو المرض و سقوطه روايتان «2»، مقتضى تعارضهما الرجوع إلى عمومات قضائه «3»، فيستحبّ القضاء و عليه الفتوى.

ب: صرّح جملة من الأصحاب بجواز تأخير هذا الصوم من الصيف إلى الشتاء،

إمّا مطلقا أو مع المشقّة «4»، و دلت عليه النصوص المستفيضة المقيّدة بالمشقّة و المطلقة «5»، و الظاهر أنّ المراد تأخيره بقضاء ما فات من الصيف في الشتاء، فإنّه الظاهر من التأخير، لا ترك الصيف و الاقتصار على الشتاء.

ج: إن عجز عن هذا الصوم أو اشتدّ عليه تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام أو بدرهم

، للنصوص المستفيضة «6».

و منها: صوم أيّام البيض من كلّ شهر بالإجماع

، كما عن الغنية و المختلف و المنتهى و التذكرة «7»، له، و للأخبار العديدة «8».

______________________________

(1) الكافي: 4: 142- 8، التهذيب 4: 233- 685، الاستبصار 2: 100- 327، الوسائل 10: 222 أبواب من يصح منه الصوم ب 21 ح 2.

(2) الكافي 4: 130- 3 و 4، الوسائل 10: 223 أبواب من يصح منه الصوم ب 21 ح 3 و 4.

(3) كما في الوسائل 10: 222 أبواب من يصح منه الصوم ب 21.

(4) كما في الشرائع 1: 207، و المنتهى 2: 609، و المدارك 6: 261 و الكفاية: 49، و الذخيرة: 518، و الحدائق 13: 353، و الرياض 1: 325، و غنائم الأيام: 492.

(5) انظر الوسائل 10: 430 أبواب الصوم المندوب ب 9.

(6) الوسائل 10: 433 أبواب الصوم المندوب ب 11.

(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 573، المختلف: 238، المنتهى 2: 609، التذكرة 1: 278.

(8) الوسائل 10: 436 أبواب الصوم المندوب ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 485

و تلك الأيّام: الثالث عشر و الرابع عشر و الخامس عشر، كما في رواية الصدوق «1»، و هو المشهور.

و عن العماني: أنّها الثلاثة المتقدّمة «2». و لا وجه له.

و منها: صوم يوم الغدير،

و هو عيد اللّه الأكبر، و هو الثامن عشر من ذي الحجّة.

و منها: صوم يوم مولد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،

و هو السابع عشر من ربيع الأول، على الأشهر رواية و فتوى.

خلافا للكليني، فجعله الثاني عشر «3»، و حكي الميل إليه عن الشهيد الثاني في فوائد القواعد «4».

و منها: صوم يوم مبعثه

، و هو اليوم السابع و العشرون من شهر رجب.

و منها: صوم يوم دحو الأرض،

و هو اليوم الخامس و العشرون من ذي القعدة، و هو يوم دحيت الأرض، أي بسطت من تحت الكعبة.

و منها: صوم يوم الخامس عشر من رجب.
و منها: صوم أول ذي الحجّة.
و منها: صوم يوم التروية.
و منها: صوم يوم المباهلة،

و هو الرابع و العشرون من ذي الحجّة.

و في المسالك: قيل: إنّه الخامس و العشرون «5». و قائله غير معروف.

______________________________

(1) علل في الشرائع: 379- 1، الوسائل 10: 436 أبواب الصوم المندوب ب 12 ح 1.

(2) حكاه عن العماني في المختلف: 238.

(3) الكافي 1: 439.

(4) نسبه إليه سبطه صاحب المدارك 6: 264.

(5) المسالك 1: 80.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 486

كلّ ذلك لفتوى الأصحاب و روايات الأطياب.

و منها: صوم يوم عرفة،

فقال جماعة باستحبابه بخصوصه «1»، للمستفيضة، كموثّقة محمّد: عن صوم يوم عرفة، قال: «من قوي عليه فحسن إن لم يمنعك من الدعاء، فإنّه يوم دعاء و مسألة فصمه، و إن خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصمه» «2».

و رواية الجعفري: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: «كان أبي يصوم يوم عرفة في اليوم الحارّ في الموقف» «3».

و رواية البصري: «صوم يوم عرفة يعدل السنة» و قال: «لم يصمه الحسن و صامه الحسين عليهما السلام» «4».

و مرسلة الفقيه: «صوم يوم التروية كفّارة سنة، و يوم عرفة كفّارة سنتين» «5».

و رواية يعقوب بن شعيب: عن صوم يوم عرفة، قال: «إن شئت صمت و إن شئت لم تصم، و ذكر أنّ رجلا أتى الحسن و الحسين عليهما السلام، فوجد أحدهما صائما و الآخر مفطرا، فسألهما فقالا: إن صمت فحسن، و إن لم تصم فجائز» «6».

______________________________

(1) انظر المبسوط 1: 238، و النافع: 71، و التذكرة 1: 278، و المسالك 1: 80، و الرياض 1: 326.

(2) التهذيب 4: 299- 904، الاستبصار 2: 134- 436، الوسائل 10: 465 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 4.

(3) التهذيب 4: 298- 901، الاستبصار 2: 133- 433، الوسائل 10: 465 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 3.

(4) التهذيب

4: 298- 900، الاستبصار 2: 133- 432، الوسائل 10: 465 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 5.

(5) الفقيه 2: 52- 231، الوسائل 10: 467 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 11.

(6) الفقيه 2: 52- 233، الوسائل 10: 466 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 487

و المروي في ثواب الأعمال: «إنّ صوم تاسع ذي الحجّة كفّارة تسعين سنة» «1».

و بإزاء تلك الأخبار أخبار أخر مانعة أو دالّة على عدم الرجحان، كصحيحة محمّد: عن صوم يوم عرفة، فقال: «ما أصومه اليوم، و هو يوم دعاء و مسألة» «2».

و موثّقة محمّد بن قيس: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يصم يوم عرفة منذ نزل صيام شهر رمضان» «3».

و رواية سدير: عن صوم يوم عرفة، فقلت: جعلت فداك، إنّهم يزعمون أنّه يعدل صوم سنة، قال: «كان أبي عليه السلام لا يصومه»، قلت: و لم ذلك؟ قال: «إنّ يوم عرفة يوم دعاء و مسألة، و أتخوف أن يضعفني من الدعاء، و أكره أن أصومه، و أتخوّف أن يكون يوم عرفة يوم أضحى، فليس بيوم صوم» «4».

و رواية زرارة: «لا تصم يوم عاشوراء، و لا يوم عرفة بمكّة و لا في المدينة و لا في وطنك و لا في بعض الأمصار» «5».

______________________________

(1) الفقيه 2: 52- 232، الوسائل 10: 466 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 10، و لم نجده في ثواب الأعمال.

(2) الكافي 4: 145- 1، الوسائل 10: 464 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 1.

(3) التهذيب 4: 298- 902، الاستبصار 2: 133- 434، الوسائل 10: 466 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 7.

(4) الفقيه 2: 53- 235، التهذيب

4: 299- 903، الاستبصار 2: 133- 435، علل الشرائع: 385- 1، الوسائل 10: 465 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 6، بتفاوت يسير.

(5) الكافي 4: 146- 3، التهذيب 4: 300- 909، الاستبصار 2: 134- 440، الوسائل 10: 462 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 488

و لأجل تلك الأخبار ذهب غير واحد من متأخّري المتأخّرين إلى عدم استحبابه بخصوصه و مساواته لسائر الأيّام «1». و هو كذلك، إذ ليس في الأخبار المرغّبة ما يدلّ على خصوصيّة له أصلا زائدة عن استحباب أصل الصوم، سوى ما دلّ على أنّه يعدل صوم سنة، و أنّه كفّارة سنتين أو تسعين.

و هو معارض بالنهي في رواية زرارة، و ترك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له و كذا الإمام، كما في صحيحة محمّد و رواية سدير، و قوله: «ليس بيوم صوم» و التخيير في رواية يعقوب بن شعيب، و ظهور رواية سدير في أنّه ليس يعدل سنة، و أنّ ذلك قول العامّة.

و بذلك تترجّح الروايات الدالّة على عدم الاستحباب، فيرجع إلى ما كان من الاستحباب الأصلي الثابت في سائر الأيّام، و به يجمع بين الطائفتين من الأخبار، فالمرغبة تحمل على الاستحباب الأصلي لأصل الصوم، و مقابلتها على نفي الخصوصيّة و رجحان الترك لو أوجب توهّمها، كما صرّح، به في رواية سالم: «دخل رجل يوم عرفة إلى الحسن عليه السلام و هو يتغدّى، و الحسين عليه السلام صائم، ثمَّ جاء بعد ما قبض الحسن عليه السلام، فدخل على الحسين عليه السلام يوم عرفة و هو يتغدّى، و علي بن الحسين عليه السلام صائم، فقال له الرجل: إنّي دخلت على الحسن عليه

السلام و هو يتغدّى و أنت صائم، ثمَّ دخلت عليك و أنت مفطر و علي بن الحسين عليه السلام صائم؟! فقال: إنّ الحسن عليه السلام كان إماما فأفطر لئلّا يتّخذ صومه سنّة و يتأسى به الناس، فلمّا أن قبض كنت أنا الإمام، فأردت أن لا يتخذ صومي سنّة فيتأسى الناس به» «2».

______________________________

(1) كما في مشارق الشموس: 452، و الحدائق 13: 366.

(2) الفقيه 2: 53- 234، علل الشرائع: 386- 1، الوسائل 10: 467 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 489

فإنّ هذه الرواية صريحة في نفي الخصوصيّة، و أصدق شاهد على الجمع المذكور.

و منه يظهر أنّ الحق: عدم ثبوت خصوصيّة لصوم يوم عرفة، بل هو كسائر الأيّام، و يستحبّ صومه نحو استحبابها، إلّا مع خوف الضعف عن الدعاء أو التباس أول الشهر فينزل عن سائر الأيّام أيضا و يكره صومه، للتصريح بذلك في بعض الروايات المتقدّمة.

و منها: صوم يوم عاشوراء،

فإنّه قال باستحبابه جمع من الأصحاب على وجه الحزن و المصيبة «1»، بل قيل: لا خلاف فيه أجده «2». و عن ظاهر الغنية: الإجماع عليه «3».

أمّا أصل الاستحباب فللمستفيضة من الأخبار، كرواية أبي همام:

«صام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم عاشوراء» «4».

و رواية مسعدة: «صوموا العاشوراء التاسع و العاشر فإنّه يكفّر ذنوب سنة» «5».

و رواية القدّاح: «صيام يوم عاشوراء كفّارة سنة» «6».

و رواية النواء: «لزقت السفينة يوم عاشوراء على الجودي، فأمر نوح من

______________________________

(1) كما في المبسوط 1: 282، و النافع: 71، و القواعد 1: 68.

(2) كما في الرياض 1: 326.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 573.

(4) التهذيب 4: 299- 906، الاستبصار 2: 134- 438، الوسائل 10: 457 أبواب الصوم المندوب ب 20

ح 1.

(5) التهذيب 4: 299- 905، الاستبصار 2: 134- 437، الوسائل 10: 457 أبواب الصوم المندوب ب 20 ح 2.

(6) التهذيب 4: 300- 907، الاستبصار 2: 134- 439، الوسائل 10: 457 أبواب الصوم المندوب ب 20 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 490

معه من الجنّ و الإنس أن يصوموا ذلك اليوم» و قال أبو جعفر عليه السلام:

«أ تدرون ما هذا اليوم؟ هذا اليوم الذي تاب اللّه فيه على آدم و حواء عليهما السلام» الحديث «1».

و أمّا التقييد بكونه حزنا فللجمع بين ما مرّ و بين الأخبار النافية له جدّا، كرواية زرارة السابقة «2»، و رواية نجيّة: عن صوم يوم عاشوراء؟

فقال: «صوم متروك بنزول شهر رمضان، و المتروك بدعة» قال: فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام من بعد أبيه عن ذلك، فأجابني بمثل جواب أبيه، ثمَّ قال: «أما أنّه صوم ما نزل به كتاب و لا جرت به سنّة، إلّا سنّة آل زياد لعنهم اللّه بقتل الحسين بن علي عليهما السلام» «3».

و رواية جعفر بن عيسى: عن صوم يوم عاشوراء و ما يقول الناس فيه؟ فقال: «عن صوم ابن مرجانة لعنه اللّه تسألني؟! ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين عليه السلام، هو يوم يتشاءم به آل محمّد صلوات اللّه عليهم و يتشاءم به أهل الإسلام، و اليوم الذي يتشاءم به أهل الإسلام لا يصام، و لا يتبرّك به، و يوم الاثنين يوم نحس» إلى أن قال: «فمن صامهما أو تبرّك بهما لقي اللّه تعالى ممسوخ القلب، و كان يحشره مع الذين سنّوا صومهما و تبرّكوا بهما» «4».

و رواية النرسي: عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: «من صامه كان حظّه

______________________________

(1) التهذيب 4: 300-

908، الوسائل 10: 458 أبواب الصوم المندوب ب 20 ح 5.

(2) في ص: 487.

(3) الكافي 4: 146- 4، التهذيب 4: 301- 910، الاستبصار 2: 134- 441، الوسائل 10: 461 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 5.

(4) الكافي 4: 146- 5، التهذيب 4: 301- 911، الاستبصار 2: 135- 442، الوسائل 10: 460 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 491

من صيام ذلك اليوم حظّ ابن مرجانة و آل زياد» قلت: و ما كان حظّهم من ذلك اليوم؟ فقال: «النار، أعاذنا اللّه من النار، و من عمل يقرّب من النار» «1».

و رواية عبد الملك: عن صوم تاسوعاء و عاشوراء من شهر المحرم؟

فقال: «تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين عليه السلام» إلى أن قال: «و أمّا يوم عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين عليه السلام» إلى أن قال: «فصوم يكون في ذلك اليوم؟! كلّا و ربّ البيت الحرام، ما هو يوم صوم، و ما هو إلّا يوم حزن و مصيبة» إلى أن قال: «فمن صامه، أو تبرّك به حشره اللّه تعالى مع آل زياد ممسوخ القلب مسخوطا عليه» الحديث «2».

و صحيحة زرارة و محمّد: عن صوم يوم عاشوراء، فقال: «كان صومه قبل شهر رمضان، فلما أنزل اللّه شهر رمضان ترك» «3».

و المروي في المصباح: سألته عنه، فقال: «صمه من غير تبييت و أفطره من غير تسميت، و لا تجعله يوم صوم كملا، و ليكن إفطارك بعد العصر بساعة على شربة من ماء» الحديث «4».

و في مجالس الصدوق: قلت: فصوم عاشوراء، قال: «ذلك يوم قتل فيه الحسين عليه السلام، فإن كنت شامتا فصم» ثمَّ قال: آل أبي زياد نذروا نذرا

______________________________

(1) الكافي 4: 147- 6، التهذيب

4: 301- 912، الاستبصار 2: 135- 443، الوسائل 10: 461 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 4.

(2) الكافي 4: 147- 7، الوسائل 10: 459 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 2.

(3) الفقيه 2: 51- 224، الوسائل 10: 459 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 1.

(4) مصباح المتجهد: 724، الوسائل 10: 458 أبواب الصوم المندوب ب 20 ح 7.

و فيهما: بعد صلاة العصر.

و تسميت العاطس: أن تقول له: يرحمك اللّه- الصحاح 1: 254.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 492

إن قتل الحسين عليه السلام أن يتّخذوا ذلك اليوم عيدا لهم، فيصومون شكرا و يفرحون، فصارت في آل أبي سفيان سنّة إلى اليوم، فلذلك يصومونه» إلى أن قال: «إن الصوم لا يكون للمصيبة، و لا يكون إلّا شكرا للسلامة. و إنّ الحسين عليه السلام أصيب يوم عاشوراء، فإن كنت فيمن أصيب به فلا تصم، و إن كنت ممّن سرّه سلامة بني أميّة فصم شكرا للّه» «1».

و لا يخفي أنّه لا دلالة في شي ء من أخبار الطرفين على التقييد المذكور، و لا شاهد على ذلك الجمع من وجه، بل في الرواية الأخيرة: إنّ الصوم لا يكون للحزن و المصيبة. فجعله وجها للجمع خروج عن الطريقة، بل لا وجه له، بل مقتضي الطريقة طرح الأخبار الأولى بالكلية، لمرجوحيّتها بموافقة أخبث طوائف العامّة موافقة قطعيّة، و الأخبار بها مصرّحة «2» و لذلك جعل في الوافي الأولى تركه «3».

و قال بعض مشايخنا فيه بالحرمة «4»، و هو في غاية الجودة، بمعنى حرمته لأجل الخصوصيّة و إن لم يحرم من جهة مطلق الصوم.

و لا يضرّ ضعف إسناد بعض تلك الأخبار بعد وجودها في الكتب المعتبرة، مع أنّ فيها الصحيحة.

و لا يرد ما

قيل من أنّها مخالفة للشهرة، بل لم يقل به أحد من الطائفة، و مع ذلك مع أخبار استحباب مطلق الصوم معارضة «5» لأنّ جميع

______________________________

(1) لم نجدها في أمالي الصدوق، و هي موجودة في أمالي الشيخ: 677، الوسائل 10: 462 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 7.

(2) كما في الوسائل 10: 459 أبواب الصوم المندوب ب 21.

(3) الوافي 11: 76.

(4) كما في الحدائق 13: 375 و 376.

(5) انظر الرياض 1: 326.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 493

ذلك إنّما يرد لو قلنا بالتحريم بالمرّة لا بقصد الخصوصية و لأجل أنّه السنّة، و أمّا معه فلا نسلّم المخالفة للشهرة، و لا تعارضها أخبار مطلق الصوم.

فالحقّ: حرمة صومه من هذه الجهة، فإنّه بدعة عند آل محمّد متروكة، و لو صامه من حيث رجحان مطلق الصوم لم يكن بدعة و إن ثبتت له المرجوحيّة الإضافيّة.

و الأولى العمل برواية المصباح المتقدّمة.

و أمّا ما في رواية النواء- من ذكر بعض فضائل يوم عاشوراء- فيعارضه ما في رواية أخرى في مجالس الصدوق في تكذيب تلك الرواية «1».

و منها: صوم يوم الجمعة من كلّ شهر،

للمروي في العيون، قال:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من صام يوم الجمعة صبرا و احتسابا اعطى ثواب صيام عشرة أيّام غيرها لا تشاكل أيّام الدنيا» «2».

و قد يستدلّ ببعض أخبار أخر، كما دلّ على رؤيته عليه السلام صائما قائلا:

«إنّه يوم خفض و دعة» «3» أو على الترغيب على عمل الخير فيه، معلّلا بتضاعف الحسنات فيه «4»، و غير ذلك «5».

و شي ء منها لا يدلّ على المطلوب- الذي هو صوم يوم الجمعة- من حيث إنّه صومه و إن دلّ على حسنه من حيث العبادة أو تضاعف الخيرات،

______________________________

(1) راجع ص: 491 و

493.

(2) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 35- 92، الوسائل 10: 412 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 2.

(3) التهذيب 4: 316- 959، الوسائل 10: 412 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 5.

(4) انظر الخصال 2: 392- 93، الوسائل 10: 412 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 4.

(5) كما في الوسائل 10: 411 أبواب الصوم المندوب ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 494

فالمستند ما ذكرناه مضافا إلى فتوى الأصحاب.

و أمّا مكاتبة الصيقل: رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي، فوافق ذلك اليوم عيد فطر أو أضحى أو يوم جمعة أو أيّام التشريق أو سفر أو مرض، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه؟ أو كيف يصنع يا سيّدي؟ فكتب عليه السلام: «قد وضع اللّه الصيام في هذه الأيّام كلّها، و يصوم يوما بدل يوم إن شاء اللّه تعالى» «1».

فلا تعارض ما مرّ، لاختلاف النسخ، و عدم ذكر يوم الجمعة في البعض، مع أنّه على فرض ذكره أيضا متروك غير معمول به، إذ يجب الوفاء بنذره يوم الجمعة أو يشار إلى غير الجمعة من تلك الأيّام.

و يظهر من بعض الروايات كراهة إفراده بالصوم، كالمروي في صحيفة الرضا عليه السلام: «لا تفردوا الجمعة بصوم» «2»، و رواية أخرى في التهذيب «3».

و لا يضرّ كون الرواية ضعيفة، للتسامح في أدلة الكراهة.

أقول: الكراهة هنا بمعنى: أقلّية الثواب، و لم يثبت التسامح في ذلك المعنى، فإنّ الروايتين تتعارضان مع الإطلاق المتقدّم- المثبت للثواب و لو مع الإفراد- و هما تنفيانه، و لا دليل على قبول الروايات الضعيفة في ذلك التقييد.

و منها: صوم شهر رجب و شهر شعبان بعضا أو كلّا،

و هو ممّا

______________________________

(1) التهذيب 4: 234- 686، الاستبصار 2: 101- 328، الوسائل 10: 196 أبواب

من يصح منه الصوم ب 10 ح 2.

(2) لم نجده في صحيفة الرضا عليه السلام و وجدناه في عيون الأخبار 2: 73- 346، الوسائل 10: 412 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 3.

(3) التهذيب 4: 315- 958، الوسائل 10: 413 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 495

لا خلاف فيه بين الأصحاب كما صرّح به غير واحد أيضا «1»، و استفاضت به الروايات بل تواترت «2». و ما ورد في شعبان على خلافه «3» مطروح أو مؤوّل.

و منها: صيام ستّة أيّام متوالية بعد عيد الفطر بغير فصل،

ذكره جمع من الأصحاب «4»، لرواية عامية فيها: «إنّ صومها يعدل صوم الدهر» «5».

و لم يستحبّها الشيخ في المصباح، و نقل عن بعض الأصحاب كراهتها «6»، و هو الظاهر من بعض آخر «7»، و هو الأظهر.

لصحيحة البجلي: عن اليومين اللذين بعد الفطر، أ يصامان أم لا؟

فقال: «أكره لك أن تصومهما» «8».

و رواية زياد: «لا صيام بعد الأضحى ثلاثة أيّام، و لا بعد الفطر ثلاثة أيّام» «9».

و موثقة حريز: «إذا أفطرت رمضان فلا تصومنّ بعد الفطر تطوّعا إلّا بعد ثلاثة يمضين» «10».

______________________________

(1) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 573، و المنتهى 2: 612، و الرياض 1: 327.

(2) الوسائل 10: 471 و 485 أبواب الصوم المندوب ب 26 و 28.

(3) الوسائل 10: 487 و 491 أبواب الصوم المندوب ب 28 ح 6 و 17.

(4) كما في المنتهى 2: 614، و التذكرة 1: 279، و الروضة 2: 135.

(5) صحيح مسلم 2: 822، و سنن الترمذي 2: 129- 756، بتفاوت يسير.

(6) انظر النهاية: 169، و مصباح المتهجد: 610.

(7) انظر الحدائق 13: 387.

(8) الكافي 4: 148- 3، الوسائل 10: 519 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 3 ح

2.

(9) الكافي 4: 148- 2، التهذيب 4: 330- 1031، الوسائل 10: 519 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 3 ح 1.

(10) التهذيب 4: 298- 899، الاستبصار 2: 132- 431، الوسائل 10: 519 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 496

و لا شكّ أنّ هذه الروايات تترجّح على الرواية العامية، و المسامحة في أدلّة السنن إنّما تكون إذا لم يعارضها ما هو راجح عليها.

و منها: صوم يوم النيروز،

للمروي في مصباح المتهجّد «1».

و منها: صوم يوم الخميس،

للشهرة بين الأصحاب «2».

و منها: صوم أول يوم من المحرم،

للمستفيضة من الروايات «3».

و منها: صوم تسعة أيّام من أول ذي الحجّة.

للمروي مرسلا في المصباح «4»، و أنّه يكتب له صوم الدهر «5» و يعارضه ما مرّ في صوم يوم عرفة «6»، فلا بدّ إمّا من حمل ما دلّ على عدم استحباب صوم عرفة على ما إذا لم يكن من تتمّة التسع، أو يخصّص يوم عرفة من بين التسع، و هذا هو الأظهر.

و كذلك الكلام فيما ورد في استحباب صوم شهر المحرّم كله بالنسبة إلى صوم يوم عاشوراء.

و قد ذكر بعض الأصحاب جملة أخرى من الأيّام أيضا ممّا يستحبّ صومها «7»، و لم نتعرّض لها، لعدم وجود نصّ بخصوصه فيها.

و تلحق بهذا المقام مسائل:
المسألة الاولى: لا يجب الصوم النافلة بالشروع

، بل يجوز الإفطار

______________________________

(1) مصباح المتهجّد: 790، الوسائل 10: 468 أبواب الصوم المندوب ب 24 ح 1.

(2) كما في المنتهى 2: 614، و التذكرة 1: 279، و الذخيرة: 520.

(3) الوسائل 10: 468 أبواب الصوم المندوب ب 25.

(4) مصباح المتهجّد: 613، الوسائل 10: 453 أبواب الصوم المندوب ب 18 ح 2.

(5) الفقيه 2: 52- 230، الوسائل 10: 453 أبواب الصوم المندوب ب 18 ح 3.

(6) راجع ص: 487.

(7) انظر المقنعة: 368، و المنتهى 2: 614.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 497

فيه إلى الغروب، بلا خلاف يوجد- إلّا في صوم الاعتكاف على قول كما سيأتي- بل بالإجماع كما في كلام جماعة، منهم المدارك «1»، للأصل، و الأخبار:

كصحيحة جميل، و فيها: «و إن كان تطوّعا فإنّه إلى الليل بالخيار» «2».

و رواية إسحاق بن عمّار: «الذي يقضي شهر رمضان هو بالخيار في الإفطار ما بينه و بين أن تزول الشمس، و في التطوّع ما بينه و بين أن تغيب الشمس» «3».

و رواية سماعة: «فأمّا النافلة، فله أن يفطر أيّ ساعة شاء إلى غروب الشمس» «4».

و رواية ابن سنان: «صوم

النافلة لك أن تفطر ما بينك و بين الليل متى شئت» «5».

نعم، يكره نقضه بعد الزوال عندنا، كما عن الخلاف «6»، لرواية مسعدة: «الصائم تطوّعا بالخيار ما بينه و بين نصف النهار، فإذا انتصف النهار فقد وجب الصوم» «7».

______________________________

(1) المدارك 6: 274.

(2) التهذيب 4: 280- 849، الاستبصار 2: 122- 396، الوسائل 10: 16 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 4.

(3) التهذيب 4: 280- 848، الاستبصار 2: 122- 395، الوسائل 10: 18 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 10.

(4) الكافي 4: 122- 3، الفقيه 2: 96- 433، التهذيب 4: 187- 527، الوسائل 10: 17 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 8.

(5) التهذيب 4: 278- 841، الاستبصار 2: 120- 389، الوسائل 10: 18 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 9.

(6) الخلاف 2: 220.

(7) التهذيب 4: 281- 850، الاستبصار 2: 122- 397، الوسائل 10: 19 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 498

و رواية معمّر: النوافل ليس لي أن أفطر فيها بعد الظهر؟ قال: «نعم» «1».

و إنّما حملنا على الكراهة مع ظهورها في الوجوب بقرينة ما سبق، مع أنّ بقاءهما على ظاهريهما يوجب طرحهما بالشذوذ، مضافا إلى أنّه مع التعارض- و قطع النظر عن ترجيح أحاديث الجواز بالأصحّيّة و الأشهريّة و الأصرحيّة- يرجع إلى الأصل.

هذا مع ما في الأخيرة من خفاء الدلالة، لجواز أن يكون «نعم» بمعنى: لك أن تفطر، و أيضا: ليس لك أن تفطر، ليس صريحا في الحرمة، لاحتمال نفي الإباحة بالمعنى الخاصّ.

و يستثنى من الكراهة من يدعى الى طعام، فلا يكره له قطعه مطلقا، بل يكره المضيّ عليه، كما

سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

المسألة الثانية: لا يجوز لمن عليه قضاء رمضان أن يتطوّع بشي ء من الصيام،

بلا خلاف- إلّا من السيّد في المسائل الرسّية «2»- لصحيحة الحلبي:

عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة، أ يتطوّع؟ قال: «لا، حتى يقضي ما عليه من شهر رمضان» «3»، و قريبة منها رواية الكناني «4».

و صحيحة زرارة، و فيها: «أ تريد أن تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان أ كنت تتطوع؟! إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة» «5».

______________________________

(1) التهذيب 4: 166- 473، الوسائل 10: 17 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 4 ح 5.

(2) المسائل الرسيّة (رسائل السيّد المرتضى 2): 366.

(3) الكافي 4: 123- 2، التهذيب 4: 276- 836، الوسائل 10: 346 أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 5.

(4) الكافي 4: 123- 1، التهذيب 4: 276- 836، الوسائل 10: 346 أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 6.

(5) التهذيب 2: 133- 513، الاستبصار 1: 283- 1031، الوسائل 10: 345 أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 499

و قال في المقنع: و أعلم أنّه لا يجوز أن يتطوّع الرجل و عليه شي ء من الفرض، كذا وجدته في الأحاديث «1».

و في الفقيه: وردت الأخبار و الآثار عن الأئمّة: أنّه لا يجوز أن يتطوّع الرجل بالصيام و عليه شي ء من الفرض «2».

و قصور دلالة بعض ما ذكر على الوجوب ينجبر بصراحة البعض الآخر، كما أنّ ضعف البعض الآخر بالشهرة ينجبر.

و هل يجوز لمن في ذمّته واجب آخر غير القضاء التطوّع، أم لا؟

الأول للسيّد «3» و ظاهر الكليني و الصدوق و المدارك «4»، و اختاره بعض مشايخنا «5»، للأصل الخالي عن المعارض.

و حكي عن ظاهر الأكثر: الثاني «6»، و يدلّ عليه ما في المقنع

و الفقيه «7»، و هما بمنزلة خبران مرسلان مجبوران بحكاية الشهرة، بل بالشهرة المعلومة، فهو الأظهر.

و نسبة الأول الى الصدوق غير معلومة، بل ظاهره: الثاني.

المسألة الثالثة: إذا دعي الصائم تطوّعا إلى الإفطار يستحبّ له الإفطار،

بلا خلاف كما قيل «8»، بل بالاتّفاق كما في المعتبر «9»، للمستفيضة:

______________________________

(1) المقنع: 64.

(2) الفقيه 2: 87- 392 و 393، الوسائل 10: 346 أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 3.

(3) حكاه عن السيّد في المختلف: 238.

(4) الكليني في الكافي 4: 123، الصدوق في المقنع: 64، المدارك 6: 210.

(5) انظر كشف الغطاء: 324.

(6) كما في الذخيرة: 530، و الحدائق 13: 319.

(7) المقنع: 64، الفقيه 2: 87.

(8) في الحدائق 13: 206.

(9) المعتبر 2: 712.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 500

كرواية إسحاق: «إفطارك لأخيك المؤمن أفضل من صيامك تطوّعا» «1»، و الدلالة إنّما هي إذا فسّر قوله: «لأخيك» أي لأجل أخيك.

و الرقّي: «لإفطارك في منزل أخيك المسلم أفضل من صيامك سبعين ضعفا، أو تسعين ضعفا» «2».

و نجم بن حطيم: «من نوى الصوم ثمَّ دخل على أخيه، فسأله أن يفطر، عنده فليفطر، و ليدخل عليه السرور، فإنّه يحسب له بذلك اليوم عشرة أيّام» «3».

و الخثعمي: عن الرجل ينوي الصوم، فيلقاه أخوه الذي هو على أمره فيسأله أن يفطر، أ يفطر؟ قال: «إن كان الصوم تطوّعا أجزأه و حسب له» «4».

و الأفضل له عدم الإعلام بالصوم بلا خلاف، لصحيحة جميل: «من دخل على أخيه و هو صائم فأفطر عنده، فلم يعلمه بصومه فيمنّ عليه، كتب اللّه له صوم سنة» «5».

و روايته: «أيّما رجل مؤمن دخل على أخيه و هو صائم، فسأله الأكل فلم يخبره بصيامه فيمنّ عليه بإفطاره، كتب اللّه تعالى له بذلك اليوم صيام

______________________________

(1) الكافي 4: 150- 1، الوسائل 10: 152 أبواب

آداب الصائم ب 8 ح 3.

(2) الكافي 4: 151- 6، الفقيه 2: 51- 221، العلل 2: 387- 2، المحاسن:

411- 145، ثواب الأعمال: 82- 1، الوسائل 10: 153 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 6.

(3) الكافي 4: 150- 2، الوسائل 10: 151 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 1.

(4) الكافي 4: 122- 7، الفقيه 2: 96- 434، الوسائل 10: 152 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 2.

(5) الكافي 4: 150- 3، الفقيه 2: 51- 222، العلل: 387- 3، المحاسن:

412- 153، ثواب الأعمال: 82- 2، الوسائل 10: 152 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 501

سنة» «1».

و لا فرق في ذلك بين قبل الزوال و بعده، للإطلاقات، و خصوص رواية ابن جندب: أدخل على القوم و هم يأكلون، و قد صلّيت العصر و أنا صائم، فيقولون: أفطر، فقال: «أفطر، فإنّه أفضل» «2».

و لا بين من هيّأ له طعاما و غيره، للإطلاق.

نعم، قال في الحدائق: المستفاد من هذه الأخبار تعليق الاستحباب على الدعوة إلى طعام. و ما اشتهر في هذه الأوقات سيّما في بلاد العجم- من تعمّد تفطّر الصائم بشي ء يدفع إليه، من تمرة أو يسير من الحلو أو نحو ذلك لأجل تحصيل الثواب بذلك- فليس بداخل تحت الأخبار، و لا هو ممّا يترتّب عليه الثواب المذكور «3». انتهى.

أقول: المستفاد من الأكثر و إن كان ذلك، إلّا أنّ إطلاق رواية الخثعمي يكفي في إثبات التعميم، و كفاية ما اشتهر في هذه الأوقات في درك الفضيلة و الثواب.

المسألة الرابعة: يكره الصوم المندوب للضيف بدون إذن مضيفه مطلقا،

وفاقا للديلمي و ابني زهرة و حمزة و المنتهى و التذكرة و القواعد «4»، و نسب إلى المشهور «5».

أمّا عدم التحريم فللأصل.

______________________________

(1) الكافي 4: 150-

4، الوسائل 10: 153 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 5.

(2) الكافي 4: 151- 5، الوسائل 10: 154 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 7.

(3) الحدائق 13: 207.

(4) الديلمي في المراسم: 96، لم نعثر عليه في الغنية و حكاه عنه في الرياض 1: 327، ابن حمزة في الوسيلة: 147، المنتهى 2: 615، التذكرة 1: 279، القواعد 1: 68.

(5) كما في الحدائق 13: 201.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 502

و أمّا الكراهة فلرواية الزهري، و فيها: «و الضيف لا يصوم تطوّعا إلّا بإذن صاحب البيت» «1»، و نحوها الرضوي «2»، و المرويّ في الفقيه في وصيّة النبيّ للوليّ عليهما السّلام «3».

و رواية هشام: «من فقه الضيف أن لا يصوم تطوّعا إلّا بإذن صاحبه» «4».

و رواية الفضيل: «لا ينبغي للضيف أن يصوم إلا بإذنهم، لئلا يعملوا له الشي ء فيفسد عليهم، و لا ينبغي لهم أن يصوموا إلّا بإذن الضيف، لئلّا يحتشمهم» «5».

خلافا للمحكيّ عن الشيخين و الحلّي و المعتبر و النافع و الإرشاد و التلخيص و التبصرة «6»، بل في المعتبر الإجماع عليه «7»، فحرّموه، للروايات المذكورة.

و تضعف بعدم دلالة شي ء منها على الحرمة، بل ظهور بعضها في الكراهة، حتى رواية الزهري و الرضوي، لجعل صوم الضيف فيهما في أقسام صوم الإذن في مقابل الصيام المحرّم.

______________________________

(1) الكافي 4: 83- 1، الفقيه 2: 46- 208، التهذيب 4: 294- 895، الخصال:

534- 2، الوسائل 10: 529 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 10 ح 1.

(2) فقه الرضا عليه السّلام: 202، مستدرك الوسائل 7: 555 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 8 ح 1.

(3) الفقيه 4: 258- 824، الوسائل 10: 530 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 10 ح 4.

(4)

الكافي 4: 151- 2، الفقيه 2: 99- 445، علل الشرائع: 385- 4، الوسائل 10: 530 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 10 ح 2.

(5) الفقيه 2: 99- 444، العلل: 384- 2، الوسائل 10: 528 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 9 ح 1.

(6) المفيد في المقنعة: 367، الطوسي في المبسوط 1: 283، الحلّي في السرائر 1: 420، المعتبر 2: 712، النافع: 71، الإرشاد 1: 301، التبصرة: 56.

(7) المعتبر 2: 712.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 503

و فيه: أنّ المراد بصوم الإذن يمكن أن يكون الصوم المتوقّف على الإذن، و يكفي ذلك في صحّة المقابلة، مع أنّه جعله متقابلا للصوم الذي صاحبه بالخيار أيضا، فيعلم أنّه لا خيار هنا.

و للشرائع و فخر المحقّقين في شرح الإرشاد و ظاهر الدروس «1»، فالأول مع السكوت، و الثاني مع النهي، و لا دليل عليه تامّا.

و يكره أيضا صوم المضيّف بدون إذن الضيف، للرواية الأخيرة.

المسألة الخامسة: الحقّ حرمة صوم الولد ندبا بدون إذن أبويه و عدم انعقاده،

وفاقا للمحكيّ عن النافع و الإرشاد و التخليص و التبصرة و فخر المحقّقين في شرح الإرشاد و الدروس و الحدائق «2».

لرواية هشام بن الحكم، و فيها: «و من برّ الولد بأبويه أن لا يصوم تطوّعا إلّا بإذن أبويه و أمرهما» إلى أن قال: «و إلّا كان الولد عاقّا».

و مثلها المرويّ في العلل، إلّا أنّ فيها: «عاقّا قاطعا للرحم» «3».

و التقريب: أنّ برّ الوالدين واجب، و عقوقهما و قطع الرحم حرام، و سبب الحرام حرام.

خلافا للمحكيّ عن الشرائع و القواعد و المنتهى و التذكرة، فكرهوه «4»، للأصل، و ضعف الرواية سندا و دلالة، لأنّ العقوق لا يتحقّق إلّا مع النهي، و لا شكّ في الحرمة حينئذ- كما قيل «5»- و حكي عن الأكثر «6».

______________________________

(1) الشرائع

1: 209، الدروس 1: 283.

(2) النافع: 71، الإرشاد 1: 301، التبصرة: 56، الدروس 1: 283، الحدائق 13: 203.

(3) العلل: 385- 4، الوسائل 10: 530 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 10 ح 3.

(4) الشرائع 1: 209، القواعد 1: 68، المنتهى 2: 615، التذكرة 1: 279.

(5) انظر الرياض 1: 327.

(6) كما في الرياض 1: 327.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 504

و الأصل بما مرّ مدفوع. و الضعف- بعد وجود الخبر في الكتاب المعتبر- ممنوع. و ترتّب العقوق على أصل الصوم- بعد قول الإمام- لا مانع منه.

المسألة السادسة: الحقّ عدم انعقاد صوم المرأة ندبا بدون إذن زوجها و حرمته

، و عن المعتبر: الاتّفاق عليه «1».

لمرسلة القاسم بن عروة: «لا يصلح للمرأة أن تصوم تطوّعا إلّا بإذن زوجها» «2».

و صحيحة محمّد: «ليس للمرأة أن تصوم تطوّعا إلّا بإذن زوجها» «3»، و قريبة منها رواية العرزمي «4».

و رواية هشام، و فيها: «و من طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوّعا إلّا بإذن زوجها» إلى أن قال: «و إلّا كانت المرأة عاصية» «5»، و غير ذلك.

و الثانية و الثالثة من الروايات و إن لم تكن صريحة في الحرمة و عدم الانعقاد، إلّا أنّ الاولى و الرابعة تثبتانهما، لأنّ نفي الصلاح إثبات الفساد و دالّ على التحريم، كما ذكرنا في موضعه، و إطاعة الزوجة لزوجها واجبة، فتأمّل.

و لا يعارضها المرويّ في كتاب عليّ: عن المرأة، إلها أن تصوم بغير إذن زوجها؟ قال: «لا بأس» «6»، لعدم ثبوت الرواية أولا، و عمومها المطلق

______________________________

(1) المعتبر 2: 712.

(2) الكافي 4: 151- 1، الوسائل 10: 527 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 8 ح 2.

(3) الكافي 4: 152- 4، الوسائل 10: 527 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 8 ح 1.

(4) الكافي 4: 152- 5،

الوسائل 10: 527 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 8 ح 4.

(5) تقدّمت مصادرها في ص 502.

(6) مسائل علي بن جعفر: 179- 334، الوسائل 10: 528 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 505

لشمولها الواجب و المندوب ثانيا، فيجب التخصيص.

و ذهب بعضهم- منهم: السيّد في الجمل «1» و ابن زهرة- إلى الكراهة، لتلك الرواية. و جوابها قد ظهر.

و إطلاق الروايات و الفتاوى يقتضي عدم الفرق في الزوجة بين الدائمة و المتمتّع بها، و لا في الزوج بين الحاضر و الغائب.

المسألة السابعة: لا يصحّ صوم المملوك تطوّعا بدون إذن المالك على الأشهر،

و عن المنتهى: عدم الخلاف فيه «2».

لقوله سبحانه (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ) «3».

و لرواية هشام، و فيها: «و من صلاح العبد و طاعته و نصحه لمولاه أن لا يصوم تطوّعا إلّا بإذن مولاه و أمره» إلى أن قال: «و إلّا كان العبد فاسقا عاصيا» «4»، و غير ذلك.

و لا يعارضه جعله في رواية الزهري من صوم الإذن «5» كما مرّ وجهه.

و لا شكّ أنّ الفسق حرام، و سبب الحرام حرام.

و ذهب بعضهم هنا أيضا الى الكراهة «6».

المسألة الثامنة: قد صرّح الأصحاب: بأنّه يستحبّ الإمساك تأديبا

- و إن لم يكن ذلك صياما- في مواضع:

______________________________

(1) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 59.

(2) المنتهى 2: 614.

(3) النحل: 75.

(4) الفقيه 2: 99- 445 و فيه: فاسدا عاصيا، الوسائل 10: 530 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 10 ح 2.

(5) راجع ص: 502.

(6) كالسيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 59، و الحر العاملي في الوسائل 10: 529.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 506

المسافر إذا قدم أهله أو بلد الإقامة بعد الزوال، أو قبله و قد أفطر.

و المريض إذا برئ بعد الزوال.

و الحائض و النفساء إذا طهرتا في أثناء النهار.

و الكافر إذا أسلم.

و الصبي إذا بلغ.

و المجنون إذا أفاق.

و تدلّ على أكثرها روايات الزهري و الرضوي «1» و يونس «2» و موثّقة سماعة «3»، و لو لم تكن إلّا فتوى الأصحاب لكفت.

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السّلام: 202، مستدرك الوسائل 7: 391 أبواب من يصح منه الصوم ب 16 ح 1.

(2) الكافي 4: 132- 9، التهذيب 4: 254- 752، الاستبصار 2: 113- 369، الوسائل 10: 192 أبواب من يصح منه الصوم ب 7 ح 2.

(3) الكافي 4: 132- 8، التهذيب

4: 253- 751، الاستبصار 2: 113- 368، الوسائل 10: 191 أبواب من يصح منه الصوم ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 507

المطلب الثالث في الصوم المحظور و له أقسام:
الأول: صوم العيدين

بإجماع علماء الإسلام كافّة، بل الضرورة الدينيّة كما قيل «1»، و هو الدليل مع النصوص المستفيضة «2».

الثاني: صوم أيّام التشريق،

و هي الثلاثة بعد العيد، بالإجماع في الجملة، و الأخبار الغير العديدة:

كرواية الزهري: «و أمّا الصوم المحرّم: فصوم يوم الفطر، و يوم الأضحى، و ثلاثة أيّام من التشريق، و صوم يوم الشكّ» الحديث «3».

و رواية الأعشى: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن صوم ستّة أيّام:

العيدين، و أيّام التشريق، و اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان» «4».

و رواية عبد الكريم بن عمرو، و فيها: «لا تصم في السفر و لا العيدين و لا أيّام التشريق و لا اليوم الذي يشكّ فيه» «5»، إلى غير ذلك.

و لكنّه مخصوص بمن كان بمنى، فلا يحرم في سائر الأمصار إجماعا

______________________________

(1) في الرياض 1: 328.

(2) الوسائل 10: 513 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 1.

(3) الكافي 4: 83- 1، الفقيه 2: 46- 208، الوسائل 10: 513 أبواب الصوم المحرّم و المكروه ب 1 ح 1.

(4) التهذيب 4: 183- 509، الاستبصار 2: 79- 241، الوسائل 10: 515 أبواب الصوم المحرّم و المكروه ب 1 ح 7.

(5) المقنع: 59، الوسائل 10: 515 أبواب الصوم المحرّم و المكروه ب 1 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 508

كما في الروضة «1»، مرجّعا إطلاق من أطلق إلى المقيّد أيضا تبعا للمختلف «2»، بل قال: إنّه المستفاد من جمعهم: أيّام، فإنّ أقلّها ثلاثة، و ليس أيّام التشريق ثلاثة إلّا لمن كان بمنى.

و بالجملة. تدلّ على الاختصاص صحيحة معاوية بن عمّار: عن صيام أيّام التشريق، قال: «إنّما نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن صيامها بمنى، و أمّا بغيرها

فلا بأس» «3»، و قريبة منها صحيحته الأخرى «4»، و بهما تقيّد الأخبار المطلقة، حملا للمطلق على المقيّد.

و لا فرق في ذلك بين الناسك و غيره على الأقوى، للإطلاق.

و ربّما خصّ بالأول للغلبة «5»، و إيجابها- لانصراف المطلق إليه في المقام- ممنوع.

و قد يستثنى من ذلك و من الأضحى أيضا: القاتل في أشهر الحرم، فإنّه يجب عليه صيام شهرين متتابعين منها و إن دخل فيهما العيد و أيّام التشريق، حكي استثناؤه عن المقنع و المبسوط و النهاية و التهذيب و الاستبصار و ابن حمزة «6»، و يميل إليه صاحب المنتقى «7»، و اختاره في

______________________________

(1) الروضة 2: 138.

(2) المختلف: 238.

(3) الفقيه 2: 111- 475، الوسائل 10: 517 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 2 ح 2.

(4) التهذيب 4: 297- 897، الاستبصار 2: 132- 429، الوسائل 10: 316 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 2 ح 1.

(5) كما في القواعد 1: 68، و الإرشاد 1: 301.

(6) المقنع: 183، المبسوط 1: 281، النهاية: 166، التهذيب 4: 297، الاستبصار 2: 131، ابن حمزة في الوسيلة: 149.

(7) منتقى الجمان 2: 567.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 509

الحدائق «1».

لرواية زرارة: رجل قتل رجلا خطأ في أشهر الحرم، قال: «تغلّظ عليه الدية، و عليه عتق رقبة و صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم»، فقلت: فإنّه يدخل في هذا شي ء، فقال: «و ما هو؟» قلت: يوم العيد و أيّام التشريق، قال: «يصومه، فإنّه حقّ لزمه» «2».

و ردّ ذلك تارة بضعف الرواية.

و اخرى بالشذوذ و الندرة، صرّح به في المعتبر و المختلف و التذكرة و المنتهى «3»، بل فيها: أنّها خلاف الإجماع.

و ثالثة بقصور الدلالة، إذ ليس فيه: أن يصوم العيد، و إنّما

أمر بصوم أشهر الحرم، و ليس في ذلك دلالة على صوم العيد و أيّام التشريق، و يجوز صومها في غير منى.

و في الكلّ نظر:

أمّا الأول، فلأنّها ضعيفة ببعض طرقها، و لها طريق آخر صحيح ذكره الشيخ في كتاب الديات «4»، مع أنّ ضعف السند عندنا «5» غير ضائر.

و أمّا الثاني، فلمنع الشذوذ بعد فتوى الصدوق و الشيخ و ابن حمزة.

و أمّا الثالث، فلبعده بالغاية، بل خلاف ظاهر الرواية.

نعم، يمكن ردّها بمخالفة الشهرتين القديمة و الجديدة، و مثلها ليس

______________________________

(1) الحدائق 13: 390.

(2) الكافي 4: 139- 8، التهذيب 4: 297- 896، الوسائل 10: 380 أبواب بقية الصوم الواجب ب 8 ح 1.

(3) المعتبر 2: 714، المختلف: 239، التذكرة 1: 280، المنتهى 2: 616.

(4) التهذيب 10: 215- 850 و 851.

(5) في «س»: عموما.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 510

بحجّة، فالفتوى على ما عليه جلّ الطائفة.

الثالث: صوم يوم الشكّ بنيّة أنّه من رمضان أو النذر كما مرّ،

و أمّا بنيّة آخر شعبان فهو مستحبّ بلا خلاف يوجد، بل عليه الإجماع في كلام جماعة «1»، و تدلّ عليه النصوص الواردة فيمن صامه ثمَّ ظهر كونه من رمضان أنّه وفّق له «2»، و المتضمّنة لقوله عليه السّلام: «لأن أصوم يوما من شعبان أحبّ إليّ من أن أفطر يوما من شهر رمضان» «3».

الرابع: صوم الصمت،

و لا خلاف في حرمته، بل عليها الإجماع في المنتهى و التذكرة و الحدائق «4»، و غيرها «5».

لقوله عليه السّلام في رواية الزهري: «و صوم الصمت حرام» «6».

و في صحيحة زرارة: «و لا صمت يوما إلى الليل» «7». و في وصيّة النبيّ المرويّة في الفقيه: «لا صمت يوما إلى الليل» إلى أن قال: «و صوم الصمت حرام» «8».

______________________________

(1) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 570، و الرياض 1: 328.

(2) انظر الوسائل 10: 20 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5.

(3) الكافي 4: 81- 1، التهذيب 4: 181- 505، الاستبصار 2: 78- 237، الوسائل 10: 20 أبواب وجوب الصوم و نيته ب 5 ح 1.

(4) المنتهى 2: 617، التذكرة 1: 280، الحدائق 13: 390.

(5) كالغنية (الجوامع الفقهية): 573، و المفاتيح 1: 287 و الذخيرة: 522.

(6) الكافي 4: 83- 1، الفقيه 2: 46- 208، التهذيب 4: 294- 895، الوسائل 10: 523 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 5 ح 2.

(7) الفقيه 4: 112- 478، الوسائل 10: 523 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 5 ح 1.

(8) الفقيه 4: 265- 724، الوسائل 10: 523 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 511

و المراد بصوم الصمت- كما صرحوا به «1»-: أن ينوي الصوم ساكتا، بأن يجمع في النيّة بين قصد

الصوم عن المفطرات و بين قصد الصمت، فإنّه كان في بني إسرائيل، فإذا أراد أحد أن يجتهد صام عن الكلام أيضا كما يصوم عن الطعام، و فسّر به قوله تعالى (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) «2».

و يمكن أن يراد بصوم الصمت: هو الإمساك عن الكلام خاصّة.

و لكن فهم الأصحاب و الأصل يعيّن الأول، فلا حرمة في الثاني إلّا مع التشريع به.

الخامس: صوم نذر المعصية،

و هو أن ينذر الصوم إن تمكّن من المعصية، و يقصد بذلك الشكر على تيسّرها لا الزجر عنها، و لا خلاف في حرمته.

و يدل [عليها] «3» قوله عليه السّلام في روايتي الزهري و الرضوي: «و صوم نذر المعصية حرام» «4».

و في حديث وصيّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السّلام المرويّ في آخر الفقيه:

«و صوم نذر المعصية حرام».

السادس: صوم الوصال،

و هو حرام بلا خلاف، للمستفيضة من الأخبار، كروايتي الزهري و الرضوي، و وصيّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و صحيحة

______________________________

(1) في المسالك 1: 81، و الحدائق 13: 390، و الرياض 1: 328.

(2) مريم: 26.

(3) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(4) فقه الرضا عليه السّلام: 201، مستدرك الوسائل 7: 553 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 512

منصور «1».

و إنّما الخلاف في تفسيره، فعن الشيخين و الصدوق و الشرائع و النافع و الإرشاد و المختلف «2»، بل الأكثر- كما صرّح به جماعة «3»-: أن يؤخّر عشاءه إلى سحوره.

و تدلّ على ذلك المعنى صحيحتا الحلبي و البختري:

الاولى: «الوصال في الصيام أن يجعل عشاءه سحوره» «4».

و الثانية: «المواصل يصوم يوما و ليلة، و يفطر السحر» «5».

و عن الاقتصاد و السرائر و المعتبر و ظاهر نكاح المبسوط: أنّه صوم يومين بليلة «6».

و تدلّ عليه رواية محمّد بن سليمان: «و إنّما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

لا وصال في صيام، يعني: لا يصوم الرجل يومين متواليين من غير إفطار» «7».

______________________________

(1) الكافي 5: 443- 5، الفقيه 3: 227- 1070، الأمالي: 309- 4، الوسائل 10: 520 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 4 ح

2.

(2) المفيد في المقنعة: 366، الطوسي في المبسوط 1: 283، الصدوق في الفقيه 2: 112، الشرائع 1: 209، النافع: 71، الإرشاد 1: 301، المختلف: 237.

(3) انظر المسالك 1: 81، و المدارك 6: 283، و الحدائق 13: 392، و الرياض 1:

328.

(4) الكافي 4: 95- 2، التهذيب 4: 298- 898، الوسائل 10: 521 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 4 ح 7.

(5) الكافي 4: 96- 3، الوسائل 10: 521 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 4 ح 9.

(6) الاقتصاد: 293، السرائر 1: 420، المعتبر 2: 714، المبسوط 4: 153.

(7) الكافي 4: 92- 5، التهذيب 4: 307- 927، الاستبصار 2: 138- 452، الوسائل 10: 522 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 4 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 513

و في المسالك و الروضة و الحدائق: حصوله بكلّ منهما «1»، للجمع بين الروايات، و هو حسن.

السابع: صوم السفر

، إلّا ما استثني.

الثامن: صوم المريض،

كما تقدّما.

التاسع: صوم الزوجة و الولد و العبد تطوّعا

بدون إذن الزوج و الأبوين و المولى، كما مرّ.

العاشر: صوم الدهر،

كما صرّح به في رواية الزهري و الرضوي و وصيّة النبيّ، و ظاهر الأكثر أنّ حرمته لاشتماله على العيدين، فلا يحرم بدون صومهما «2».

و قيل: إنّ الظاهر أنّ التحريم إنّما نشأ من حيث كونه صوم الدهر «3»، و أيّده بموثّقة سماعة «4». و هو قريب جدّا.

______________________________

(1) المسالك 1: 81، الروضة 2: 141، الحدائق 13: 393.

(2) كما في المبسوط 1: 283، و الوسيلة: 148، و التذكرة 1: 208، و التحرير 1: 84.

(3) الحدائق 13: 395.

(4) الكافي 4: 96- 5، الوسائل 10: 526 أبواب الصوم المحرم و المكروه ب 7 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 514

المطلب الرابع في الصوم المكروه

و له أقسام قد مرّ ذكرها في مواضعها، كصيام الضيف و المضيّف، و المدعو إلى الطعام، و يوم عرفة عند خوف الضعف عن الدعاء أو الشكّ في الهلال، و صوم يوم عاشوراء، و ثلاثة أيّام بعد الفطر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 515

المقصد الثالث فيما يتعلّق بكفّارة الصوم

اشاره

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 517

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: تجب الكفّارة بالإفطار في صوم رمضان، و قضائه

بعد الزوال، و النذر المعيّن، و صوم الاعتكاف إذا وجب، و لا تجب فيما عدا ذلك.

أمّا الثاني، فالظاهر أنّه اتّفاقيّ كما حكي عن المنتهى «1»، و به صرّح في المدارك و الذخيرة «2». و يجوز الإفطار في هذا النوع قبل الزوال و بعده على ما نصّ عليه الفاضل و غيره «3»، للأصل.

و أمّا الأول، فهو كذلك في صوم رمضان، و نقل الإجماع عليه مستفيض «4»، و الأخبار فيه متواترة كما يأتي. و هو الأظهر الأشهر في الثلاثة.

خلافا فيها للمحكيّ عن العماني «5»، فألحقها في انتفاء الكفّارة في إفطارها بسائر أفراد الصيام الواجبة.

و قد مرّ تحقيق الكلام في الثاني في بحث القضاء، و سيأتي الكلام في الثالث و الرابع في كتابي النذر و الاعتكاف.

المسألة الثانية: كفّارة الإفطار في شهر رمضان إحدى الخصال

______________________________

(1) المنتهى 2: 576.

(2) المدارك 6: 80، الذخيرة: 510.

(3) المنتهى 2: 620 و التذكرة 1: 280 و التحرير: 85، و انظر المدارك 6: 80.

(4) كما في الحدائق 13: 210.

(5) حكاه عنه في المختلف: 228.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    518     المسألة الثانية: كفارة الإفطار في شهر رمضان إحدى الخصال ..... ص : 517

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 518

الثلاثة: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكينا، مخيّرا بينها، وفاقا للشيخين و السيّد و الإسكافي و القاضي و الحلّي، و غيرهم «1»، بل الأكثر، بل إلّا من شذّ و ندر «2»، و عليه الإجماع عن الانتصار و الغنية «3»، للأخبار المستفيضة:

كصحيحة ابن سنان: في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّدا يوما واحدا من غير عذر، قال: «يعتق نسمة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستّين مسكينا، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق» «4».

و صحيحة جميل، و

فيها: «أعتق، أو صم، أو تصدّق» «5».

و رواية أبي بصير: في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل، ثمَّ ترك الغسل متعمّدا حتى أصبح، قال: «يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكينا» «6».

و الأخرى: عن رجل وضع يده على شي ء من جسد امرأته فأدفق، فقال: «كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستّين مسكينا، أو يعتق

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 345، الطوسي في النهاية: 154، السيّد في الانتصار: 69، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 187، الحلّي في السرائر 1: 376، و انظر الشرائع 1: 191.

(2) سيأتي بيانه في ص 520.

(3) الانتصار: 70، الغنية (الجوامع الفقهية): 571.

(4) الكافي 4: 101- 1، الفقيه 2: 72- 308، التهذيب 4: 321- 984، الاستبصار 2: 95- 310، الوسائل 10: 44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 1.

(5) الكافي 4: 102- 2، التهذيب 4: 206- 595، الاستبصار 2: 80- 245، الوسائل 10: 45 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 2.

(6) التهذيب 4: 212- 616، الاستبصار 2: 87- 272، الوسائل 10: 63 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 519

رقبة» «1».

و المرويّ في نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى، عن سماعة في الموثّق: عن رجل أتى أهله شهر رمضان متعمّدا، قال: «عليه عتق رقبة، أو إطعام ستّين مسكينا، أو صوم شهرين متتابعين، و عليه قضاء ذلك اليوم» «2».

و الرضويّ: «من جامع في شهر رمضان أو أفطر فعليه عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكينا، لكلّ مسكين مدّ من الطعام» «3».

و تدلّ عليه أيضا الأخبار المتضمّنة كلّ منها لواحدة منها أو اثنتين مخيّرا بينهما، كمرسلة

إبراهيم بن عبد الحميد المتضمّنة للعتق و الإطعام مخيّرا «4»، و روايتي المروزي المتضمّنتين للصوم «5»، و رواية المشرقي المتضمّنة للعتق «6»، و موثّقتي سماعة «7» و البصري «8»، و روايات محمّد بن

______________________________

(1) التهذيب 4: 320- 981، الوسائل 10: 40 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 5.

(2) نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى: 68- 140، الوسائل 10: 49 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 13.

(3) فقه الرضا عليه السّلام: 212، مستدرك الوسائل 7: 326 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 7 ح 3.

(4) التهذيب 4: 212- 618، الوسائل 10: 64 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 4.

(5) التهذيب 4: 212- 617 و 214- 621، الاستبصار 2: 87- 273 و 94- 305، الوسائل 10: 63 و 69 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 و 22 ح 3 و 1.

(6) التهذيب 4: 207- 600، الاستبصار 2: 96- 311، الوسائل 10: 49 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 11.

(7) التهذيب 4: 320- 980، الوسائل 10: 49 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 12.

(8) التهذيب 4: 207- 599، الاستبصار 2: 96- 312، الوسائل 10: 48 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 520

النعمان «1» و إدريس بن هلال «2» و جميل المتضمّنة للإطعام «3». فإنّ مقتضى الجمع بينها التخيير بين الخصال الثلاث.

خلافا للمحكيّ عن العماني و أحد قولي السيّد و محتمل الخلاف «4»، فقالوا بالترتيب المذكور فيجب الأول، و مع العجز الثاني، و مع العجز عنه الثالث.

لرواية الأنصاري، و فيها بعد قول الرجل: «أتيت امرأتي في شهر رمضان و أنا

صائم، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أعتق رقبة، قال: لا أجد، قال:

فصم شهرين متتابعين، فقال: لا أطيق، فقال: تصدّق على ستّين مسكينا» الحديث «5».

و المرويّ في كتاب عليّ بسند صحيح: عن رجل نكح امرأته و هو صائم في رمضان، ما عليه؟ قال: «عليه القضاء و عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستّين مسكينا، فإن لم يجد فليستغفر اللّه» «6».

و يردّ الأول: بعدم الدلالة، إذ أمر النبيّ بالشي ء بعد الشي ء لا يدلّ على الترتيب صريحا، إذ كما يمكن أن يكون الأول واجبا معيّنا يمكن أن

______________________________

(1) الفقيه 2: 73- 312، التهذيب 4: 322- 987، الوسائل 10: 47 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 6.

(2) الفقيه 2: 72- 311، الوسائل 10: 48 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 8.

(3) الفقيه 2: 72- 310، الوسائل 10: 47 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 7.

(4) حكاه عن العماني في المختلف: 225، و عن السيّد في المعتبر 2: 671، الخلاف 2: 186.

(5) الفقيه 3: 72- 309، الوسائل 10: 46 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 5.

(6) مسائل علي بن جعفر: 116- 47، الوسائل 10: 48 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 521

يكون أحد أفراد المخيّر، و تقدّم المعيّن إنّما هو من باب الأصل الذي يجب تركه مع الدليل، فلا يعارض دليلا أصلا.

و الثاني: بعدم ثبوت كون الرواية من كتاب عليّ، و إنّما نقلها صاحب الوسائل «1»، و تواتر الكتاب عنده أو ثبوته بالقطع غير معلوم، بل غايته الظنّ.

مضافا إلى أنّه لو سلّمت الرواية تكون

شاذّة أو مخالفة للشهرة القديمة، المخرجة لها عن الحجّية.

و لو سلّم، فغايتها التعارض مع ما مرّ، و لا شكّ أنّ أدلّة التخيير أرجح بالأكثريّة و الأشهريّة و الأصحيّة و مخالفة العامّة، فإنّ الترتيب مذهب الثوري و الأوزاعي و الشافعي و أبي حنيفة «2»، و رواه عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أبو هريرة «3»، فالعمل بالتخيير متعيّن.

و قيل: لو قطع النظر عن الترجيح، فالعمل على التخيير، لأصالة عدم التعيين.

و فيه نظر، لأنّ الأصل و إن كان عدم التعيين، إلّا أنّ التخيير أيضا خلاف الأصل، بمعنى: أنّ الأصل حال القدرة على السابق عدم ثبوت وجوب لغيره لا تعيينا و لا تخييرا. و استصحاب الاشتغال مع الترتيب، فالوجه ما قدّمناه.

هذا، ثمَّ إنّ موثّقة سماعة: عن رجل أتى أهله في رمضان متعمّدا، فقال: «عليه عتق رقبة، و إطعام ستّين مسكينا، و صيام شهرين متتابعين» «4»،

______________________________

(1) تقدّمت في ص: 520.

(2) انظر المغني 3: 66، و بداية المجتهد 1: 305.

(3) كما في صحيح مسلم 2: 781- 1111، و سنن الترمذي 2: 113- 720.

(4) الاستبصار 2: 97- 315.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 522

فمع شذوذها- لعدم قائل بها أصلا- و قصورها عن مقاومة ما مرّ بوجوه شتّى، يجب حمل الوجوب المستفاد منها على التخييري، أو جعل لفظة الواو بمعنى: أو، كما في قوله سبحانه (مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ) 4: 3 «1»، أو على ما إذا أفطر على محرّم، كما يأتي.

المسألة الثالثة: لو أفطر في شهر رمضان على محرّم
اشاره

تجب عليه كفّارة الجمع، أي الخصال الثلاث، وفاقا للصدوق في الفقيه و الشيخ في كتابي الأخبار و الوسيلة و الجامع و القواعد و الإرشاد و ظاهر التحرير و الإيضاح و الدروس و المسالك و اللمعة و

الروضة و الحدائق «2»، و جمع آخر من متأخّري المتأخّرين «3».

لمعتبرة الهروي: قد روي عن آبائك فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه: ثلاث كفّارات، و روي عنهم أيضا: كفّارة واحدة، فبأيّ الحديثين نأخذ؟ قال: «بهما جميعا، متى جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفّارات: عتق رقبة، و صيام شهرين متتابعين، و إطعام ستّين مسكينا، و قضاء ذلك اليوم، و إن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفّارة واحدة و قضاء ذلك اليوم، و إن كان ناسيا فلا شي ء عليه» «4».

______________________________

(1) النساء: 3.

(2) الفقيه 2: 74، التهذيب 4: 209، الاستبصار 2: 97، الوسيلة: 156، الجامع: 156، القواعد 1: 66، الإرشاد 1: 298، التحرير 2: 110، الإيضاح 1: 233، الدروس 1: 273، المسالك 1: 71، اللمعة و الروضة 2: 120، الحدائق 13: 222.

(3) كما في التنقيح الرائع 1: 365، و الرياض 1: 310.

(4) التهذيب 4: 209- 605، الاستبصار 2: 97- 316، عيون الأخبار 1:

244- 88، الوسائل 10: 53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 523

و يدلّ عليه أيضا قول الصدوق في الفقيه، حيث قال: و أمّا الخبر الذي ورد فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا: «أنّ عليه ثلاث كفّارات» فأنا افتي به فيمن أفطر بجماع محرّم عليه أو بطعام محرّم عليه، لوجود ذلك في روايات أبي الحسين الأسدي فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري «1». انتهى.

و الظاهر اتّصاله بصاحب الزمان، فإنّ الأسدي كان من الوكلاء الذين ترد عليهم التوقيعات.

و يدلّ عليه إطلاق موثّقة سماعة المتقدّمة، و بهذه الأخبار يخصّص إطلاق أخبار التخيير.

و

القول: بأنّ ما يصحّ الاستناد [إليه ] «2» هو الرواية الاولى، و هي ضعيفة لتخصيص ما مرّ غير لائقة.

عندنا ضعيف، إذ لا ضعف في الخبر بعد وجوده في الأصل المعتبر، مع أنّ الرواية قد حكم بصحّتها جماعة، كالفاضل في بحث كفّارات التحرير و الشهيد الثاني في الروضة «3».

و جهالة بعض رواتها لا تنافيها، إذ يمكن أن يكون مرادهما بالصحّة:

الصحة عند القدماء، فتكون هذه الشهادة منهما جابرة لضعف السند أيضا.

مع أنّه لا ضعف في السند أيضا، لأنّ راويها عبد الواحد و عليّ بن محمّد بن قتيبة من مشايخ الإجازة، الذين صرّحوا في حقّهم بعدم الاحتياج إلى التوثيق.

______________________________

(1) الفقيه 2: 74.

(2) ما بين المعقوفتين أضفناه لاستقامة العبارة.

(3) التحرير 2: 110، الروضة 2: 120.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 524

و حمدان بن سليمان موثّق في كتب الرجال بلا خلاف فيه، كما قيل «1».

و عبد السلام الهروي وثّقه النجاشي- و قال: إنّه صحيح المذهب «2»- و كذلك جمع آخر «3»، و هو راجح على قول الشيخ: إنّه عامّي «4».

مع أنّ غايته كون الرواية موثّقة، و هي كالصحيح حجّة، بل و كذلك لو كانت حسنة كما قيل «5».

هذا كلّه، مع أنّ أكثر أخبار التخيير صريحة في الإفطار بالحلال، و بعضها و إن كانت مطلقة، إلّا أنّ انصراف إطلاقها إلى مفروض المسألة غير معلوم، لقوّة احتمال وروده على ما يقتضيه الأصل في أفعال المسلمين.

و لا ينافيه المرويّ في العيون و الخصال بإسناده عن مولانا الرضا عليه السّلام:

عن رجل واقع امرأة في رمضان من حلال أو حرام في يوم عشر مرّات، قال: «عليه عشر كفّارات لكلّ مرّة كفّارة، فإن أكل أو شرب فكفّارة يوم واحد» «6»، حيث إنّه في عشر مرّات الحرام

حكم لكلّ مرّة بكفّارة واحدة.

و وجه عدم التنافي: أنّ الكفّارة عبارة عمّا يجب بإزاء الفعل، سواء كان أمرا واحدا أو متعدّدا، فالخصال الثلاث للفعل المحرّم كفّارة واحدة.

و بالجملة: فالمسألة بحمد اللّه واضحة.

______________________________

(1) انظر الحدائق 13: 221.

(2) قال النجاشي في رجاله: 245: ثقة، صحيح الحديث.

(3) منهم العلّامة في الخلاصة: 117 و فيه أيضا: ثقة صحيح الحديث، و نقل في تنقيح المقال 2: 151 عن عدّة من العامّة: انه شيعيّ.

(4) رجال الطوسي: 380.

(5) انظر الرياض 1: 310.

(6) العيون 1: 198- 3، الخصال: 450- 54، الوسائل 10: 55 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 525

فرع: لا فرق في المحرّم الموجب لكفّارة الجمع

بين ما كان تحريمه أصليّا- كالزنا و الاستمناء و تناول مال الغير- أو عارضيّا، كوطء الزوجة في الحيض أو تناول ما يضرّ به.

و من الإفطار بالمحرّم: الكذب على اللّه و على رسوله و الأئمّة، و منه:

ابتلاع النخامة على القول بحرمته، و لكن الأصل ينفيها، كلّ ذلك للإطلاق.

المسألة الرابعة: لو عجز عن بعض الخصال تعيّن عليه الباقي،

و يمكن أن يحتجّ له بالروايات المتضمّنة لواحد واحد منها، كلّ في من يعجز عن غيره، و عدم معارضته مع ما يتضمّن غيره، لعدم شموله له لمكان العجز عنه.

و لو عجز عن الجميع، ففي وجوب صوم ثمانية عشر يوما- كالمفيد و السيّد و الحلّي «1»- لرواية أبي بصير و سماعة: عن الرجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين، فلم يقدر على الصيام و لم يقدر على العتق و لم يقدر على الصدقة: «فليصم ثمانية عشر يوما، من كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام» «2».

أو وجوب التصدّق بما يطيق- كالإسكافي و المقنع و المدارك و الذخيرة «3»- لصحيحة ابن سنان المتقدّمة «4»، و بمضمونها صحيحته الأخرى «5».

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 345، السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 55، الحلّي في السرائر 1: 376.

(2) الاستبصار 2: 97- 314، و في التهذيب 4: 312- 944، و المقنعة: 380، و الوسائل 10: 381 أبواب بقية الصوم الواجب ب 9 ح 1: عن أبي بصير فقط.

(3) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 226، المقنع: 61، المدارك 6: 120، الذخيرة: 535.

(4) في ص: 518.

(5) الكافي 4: 102- 3، التهذيب 4: 206- 596، الاستبصار 2: 81- 246، الوسائل 10: 46 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 526

أو الأول، و مع العجز عنه الثاني- كما عن

المنتهى «1»- جمعا بين الأخبار.

أو التخيير بينهما- كما عن المختلف و الدروس و الشهيد الثاني «2»- للجمع أيضا.

أقوال، أظهرها: الأخير، لتعارض الأخبار، فيرجع إلى التخيير.

و لو قلنا بثبوت الأمرين لم يكن بعيدا أيضا، و لكن الأول وجوبا و الثاني استحبابا، لعدم ثبوت الزائد منه عن الصحيحين.

و لو عجز عن الأمرين أيضا تجزئه التوبة و الاستغفار، بلا خلاف على الظاهر فيه، كما في الحدائق، و فيه: أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب «3».

و تدلّ عليه رواية أبي بصير: «كلّ من عجز عن الكفّارة التي تجب عليه- من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك ممّا تجب على صاحبه فيه الكفّارة- فالاستغفار كفّارة ما خلا يمين الظهار» «4».

و في صحيحة جميل- الواردة في المجامع الذي أتى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أظهر عدم القدرة على قليل و لا كثير-: «فخذه و أطعمه على عيالك، و استغفر اللّه» «5»، و المرويّ عن كتاب عليّ المتقدّم ذكره «6».

و لو قدر بعد الاستغفار على الكفّارة، فصرّح بعضهم بعدم الوجوب «7»،

______________________________

(1) المنتهى 2: 575.

(2) المختلف: 226، الدروس 1: 277، الشهيد الثاني في المسالك 1: 74.

(3) الحدائق 13: 226.

(4) الكافي 7: 461- 5، التهذيب 8: 16- 50، الاستبصار 4: 56- 195، الوسائل 22: 367 أبواب الكفارات ب 6 ح 1.

(5) تقدمت مصادرها في ص: 518.

(6) كما في ص: 518.

(7) كما في الحدائق 13: 227.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 527

لقوله: «إنّ الاستغفار كفّارة».

و عن الدروس: الاستشكال فيه «1»، حيث إنّ الكفّارة لا تجب على الفور.

و التحقيق: أنّه إن كان العجز حاصلا حال تعلّق الوجوب- و هو الإفطار- فلا يجب إلّا

الاستغفار، و لا يتجدّد وجوب بعد الاقتدار، للأصل.

و إن كان حال الوجوب مقتدرا، فأخّر التكفير حتى انتفى الاقتدار، فيبقى في ذمّته باقيا إلى زمان الاقتدار، للاستصحاب، و إن لم يجب عليه حال العجز سوى الاستغفار.

المسألة الخامسة: تتكرّر الكفّارة بفعل موجبها مع تغاير الأيّام

و لو من رمضان واحد مطلقا، بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في المبسوط و المنتهى و التذكرة و نهج الحقّ و التنقيح و المدارك و الحدائق و غيرها «2»، و هو الدليل المخرج عن أصالة تداخل الأسباب على القول بها.

و إنّما اختلفوا في تكرّرها بتكرّر الموجب في اليوم الواحد على أقوال:

عدمه مطلقا، و هو مختار المبسوط و الخلاف و الوسيلة و المعتبر و الشرائع و النافع و المنتهى «3»، للأصل، و اختصاص أكثر ما دلّ على وجوبها من النصوص بتعمّد الإفطار، و هو إنّما يتحقّق بفعل ما يحصل به الإفطار

______________________________

(1) الدروس 1: 277.

(2) المبسوط 1: 274، المنتهى 2: 580، التذكرة 1: 265، نهج الحقّ: 462، التنقيح 1: 369، المدارك 6: 110، الحدائق 13: 229، و انظر الرياض 1:

315.

(3) المبسوط 1: 274، الخلاف 2: 189، الوسيلة: 146، المعتبر 2: 680، الشرائع 1: 194، النافع: 67، المنتهى 2: 580.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 528

و يفسد به الصوم، و تحقّقه موقوف على عدم سبق فساد الصوم، و هو الظاهر المتبادر من إطلاق البواقي أيضا، فيرجع فيما عداه إلى مقتضى الأصل.

و التكرّر كذلك، حكي عن السيّد و [ثاني ] «1» المحقّقين و ثاني الشهيدين «2»، للإطلاق المذكور، و أصالة عدم التداخل.

و التفصيل بالأول في غير الوطء من المفطرات، و الثاني فيه. و بالأول مع تخلّل التكفير، و الثاني مع عدمه. و بالأول مع اتّحاد جنس المفطر، و الثاني مع تغايره. و بالأول مع الاتّحاد

و التخلّل في غير الوطء، و الثاني في غيره. بل ربّما وجد بعض التفاصيل الأخر أيضا.

و الأقوى عندي هو القول الثالث، لرواية العيون و الخصال المتقدّمة، الدالّة على طرفي التفصيل.

و ردّها بالشذوذ و الندرة ضعيف، إذ لم يعلم في المسألة قول أكثر القدماء حتى يحكم بالشذوذ، مضافا إلى أصالة التداخل عند التحقيق في بعض صور المسألة.

و يؤيّد أحد طرفيه أيضا ما نقله في المختلف عن العماني، قال: ذكر أبو الحسن زكريا بن يحيى- صاحب كتاب شمس الذهب- عنهم عليهم السّلام:

«أنّ الرجل إذا جامع في شهر رمضان عامدا فعليه القضاء و الكفّارة، فإن عاود إلى المجامعة في يومه ذلك مرّة أخرى فعليه في كلّ مرّة كفّارة» «3».

______________________________

(1) ما بين المعقوفتين أضفناه لاستقامة المعنى.

(2) حكاه عن السيّد في الخلاف 2: 189، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:

70، الشهيد الثاني في المسالك 1: 73، و الروضة 2: 99، و عنهم جميعا في الرياض 1: 315.

(3) المختلف: 227، الوسائل 10: 55 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 529

المسألة السادسة: من أفطر عامدا في شهر رمضان،

فإن كان مستحلّا فهو مرتدّ إن كان ممّن عرف قواعد الإسلام و كان إفطاره بما علم تحريمه من الدين ضرورة، و لا يكفّر المستحلّ بغيره إلّا مع اعتقاده كونه مفطرا في الشريعة.

خلافا للحلّي فيكفّر «1»، و لا دليل له.

هذا إذا لم تدّع الشبهة المحتملة في حقّه، و إلّا درئ عنه الحدّ، و عليه تحمل رواية زرارة و أبي بصير: عن رجل أتى أهله في شهر رمضان، أو أتى أهله و هو محرم، و هو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال، قال: «ليس عليه شي ء» «2».

ثمَّ يأتي حكم المرتدّ في كتاب الديات إن

شاء اللّه.

و إن لم يكن مستحلّا يعزّر بما يراه الحاكم، فإن عاد ثانيا عزّر أيضا، فإن عاد إليه ثالثا قتل فيها على المشهور بين الأصحاب، كما صرّح به جماعة «3».

لموثّقة سماعة: عن رجل أخذ في شهر رمضان و قد أفطر ثلاث مرّات، و قد رفع إلى الإمام ثلاث مرّات، قال: «فليقتل في الثالثة» «4».

و رواية أبي بصير: «من أخذ في شهر رمضان و قد أفطر، فرفع إلى

______________________________

(1) لم نعثر عليه في السرائر و لا على محكيّه، نعم نقله عن الحلبي في المدارك 6:

117 و الرياض 1: 315 و هو في الكافي: 183.

(2) التهذيب 4: 208- 603، الوسائل 10: 53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 12.

(3) منهم صاحبا الحدائق 13: 239، و الرياض 1: 316.

(4) الكافي 4: 103- 6، الفقيه 2: 73- 315، التهذيب 4: 207- 598، الوسائل 10: 249 أبواب أحكام شهر رمضان ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 530

الإمام، يقتل في الثالثة» «1».

و مرسلة المقنعة: عن رجل أخذ زانيا في شهر رمضان، فقال: «قد أفطر»، فقيل له: فإن دفع إلى الوالي ثلاث مرّات، قال: «يقتل في الثالثة» «2».

و صحيحة يونس: «أصحاب الكبائر إذا أقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة» «3».

و قيل: يقتل في الرابعة «4»، للمرسلة: «إنّ أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة» «5».

و هي لا تقاوم ما مرّ، لأخصّيته و أكثريّته و أصحّيته و أشهريّته.

و لا يخفى أنّ القتل في الثالثة أو الرابعة إنّما هو لو رفع إلى الحاكم و عزّر في كلّ مرّة، و إلّا فإنّه يجب عليه التعزير خاصّة، اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع اليقين.

المسألة السابعة: من وطئ زوجته مكرها لها لزمته كفّارتان،

و يعزّر هو بخمسين سوطا، و لا كفّارة

عليها بلا خلاف يعرف- كما قيل «6»- بل بالإجماع- كما عن الخلاف و المنتهى و التنقيح و المعتبر «7»- بل فيه حكاية الإجماع عن جمع من علمائنا.

______________________________

(1) التهذيب 10: 141- 557، الوسائل 10: 249 أبواب أحكام شهر رمضان ب 2 ح 2.

(2) المقنعة: 348، الوسائل 10: 249 أبواب أحكام شهر رمضان ب 2 ح 2.

(3) الكافي 7: 191- 2، الفقيه 4: 51- 182، التهذيب 10: 95- 369، الاستبصار 4: 212- 791، الوسائل 28: 19 أبواب مقدمات الحدود ب 5 ح 1.

(4) كما في الحدائق 13: 239.

(5) لم نعثر عليها في الكتب الأربعة، و قد نقلها صاحب الحدائق في ج 13: 240، مع ملاحظة الهامش رقم 1 منه، فإنّها لا تخلو من فائدة.

(6) في الرياض 1: 316.

(7) الخلاف 2: 182، المنتهى 2: 581، المعتبر 2: 681.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 531

لرواية المفضّل: في رجل أتى امرأته و هو صائم و هي صائمة، فقال:

«إن استكرهها فعليه كفّارتان، و إن كانت طاوعته فعليه كفّارة و عليها كفّارة، و إن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحدّ، و إن كانت طاوعته ضربت خمسة و عشرين سوطا و ضرب خمسة و عشرين سوطا» «1».

و ضعف السند غير ضائر، و لو كان فما مرّ من الإجماعات المحكيّة و الشهرة القويّة له جابر.

خلافا للمحكيّ عن العماني، فأوجب على الزوج كفّارة واحدة، للأصل، و ضعف الرواية، و صحّة صوم المرأة، فلا وجه لثبوت كفّارة لها أيضا.

و يردّ الأولان بما مرّ، و الثالث بأنّه لا منافاة بين تعدّد الكفّارة عليه و بين صحّة صومها، لجواز ترتّبها على إكراه الصائمة، كما قالوا بنظيره في إكراه المحرم للمحرمة على الجماع، مع أنّ صحّة

صومها إذا كان الإكراه بمجرد التوعّد و التخويف ممّا لا دليل عليه، بل لنا أن نقول بفساده و وجوب القضاء عليها إن لم يكن إجماع في خصوص المورد.

ثمَّ مقتضى إطلاق الرواية- بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال- عدم الفرق في المرأة بين الدائمة و المنقطعة، و حكي ذلك عن تصريح الأصحاب أيضا «2».

و في تعدّي الحكم إلى الأمة و الأجنبيّة و النائمة و الغلام، و إلى المرأة لو أكرهت زوجها أو الأجنبي، و إلى الإكراه بغير الجماع من المفطرات، و عدمه، احتمالان.

______________________________

(1) الكافي 4: 103- 9، الفقيه 2: 73- 313، التهذيب 4: 215- 625، الوسائل 10: 56 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 12 ح 1.

(2) كما في الحدائق 13: 237.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 532

الأظهر: الثاني في الجميع، اقتصارا فيما يخالف الأصل على موضع النصّ.

و دعوى عموم الامرأة للأوليين إنّما تفيد لو كانت خالية عن الضمير، كما نقله فخر المحقّقين «1» و عميد الدين، و أمّا مع الضمير- كما في الكتب الحديث- فلا.

و صدق امرأته على الاولى ممنوع، حتى في اللغة، و إن صدق عليها الامرأة، فإنّ صدق معنى التركيب لغة عليها غير ثابت.

و أولويّة ثبوت الكفّارة في الثانية- لعظم الذنب- ممنوعة، لعدم ثبوت العلّة في ثبوتها، بل قد يناسب شدة الذنب عدم التكفير الموجب للتخفيف، كما في قتل الخطأ و العمد.

المسألة الثامنة: يشترط كون الرقبة المعتقة في كفّارة الصوم مؤمنة،

على الحقّ المشهور بين الأصحاب.

لعموم رواية سيف بن عميرة: أ يجوز للمسلم أن يعتق مملوكا مشركا؟ قال: «لا» «2».

و خصوص رواية المشرقي الصحيح عن البزنطي- الذي هو ممّن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه-: «من أفطر يوما من شهر رمضان فعليه عتق رقبة مؤمنة» «3».

المسألة التاسعة: يجب إكمال العدد في الإطعام،

ليتحقّق ما نصّ عليه الإمام من عدد الستّين، فلا يكفي إطعام ما يكفي الستّين لأقلّ منهم.

______________________________

(1) الإيضاح 1: 229.

(2) الفقيه 3: 85- 310، التهذيب 8: 218- 872، الاستبصار 4: 2- 1، الوسائل 23: 35 أبواب العتق ب 17 ح 5.

(3) تقدمت مصادرها في ص: 519.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 533

و لا تجزئ القيمة في شي ء من خصال الكفّارة، على الظاهر (من) «1» المتّفق عليه بين الأصحاب، لثبوت اشتغال الذمّة بها، فالانتقال إلى القيمة يحتاج إلى دليل، و لا دليل.

و الحقّ المشهور: أنّ الذي يعطى لكلّ فقير مدّ، للرضويّ المتقدّم «2»، و صحيحة عبد الرحمن «3»، و موثّقة سماعة «4».

و عن الخلاف و المبسوط: أنّه يعطى مدّان «5»، و لا دليل له تامّا.

و تأتي بقيّة أحكام الكفّارة في كتاب الكفّارات إن شاء اللّه تعالى.

المسألة العاشرة: كلّما يشترط فيه التتابع من صيام الشهرين إذا أفطر في الأثناء

لحيض أو مرض بنى عليه بعد زواله مطلقا- كان العذر قبل تجاوز النصف أو بعده- بلا خلاف يعرف، بل هو ممّا ادّعي عليه الإجماع و اتّفاق كلمة الأصحاب مستفيضا «6»، و عن الغنية: الإجماع فيهما «7»، و عن الخلاف و الانتصار في المرض «8».

لصحيحة رفاعة: عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين، فصام شهرا و مرض، قال: «يبني عليه، اللّه حبسه»، قلت: امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين، فصامت و أفطرت أيّام حيضها، قال: «تقضيها»، قلت: فإنّها قضتها ثمَّ يئست من المحيض، قال: «لا تعيدها، أجزأها

______________________________

(1) ما بين القوسين ليس في «س».

(2) في ص: 519.

(3) تقدمت مصادرها في ص: 519.

(4) تقدمت مصادرها في ص: 519.

(5) الخلاف 2: 188، المبسوط 1: 271.

(6) كما في المنتهى 2: 620.

(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 572.

(8) الخلاف 4: 554، الانتصار: 167.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص:

534

ذلك» «1»، و مثلها صحيحة محمّد «2».

و رواية سليمان: عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين، فصام خمسة و عشرين يوما ثمَّ مرض، فإذا برئ أ يبني على صومه أم يعيد صومه كلّه؟ فقال: «بل يبني على ما كان صام» ثمَّ قال: «هذا ممّا غلب اللّه عزّ و جلّ عليه، و ليس على ما غلب اللّه عزّ و جلّ شي ء» «3».

و لا تضرّ معارضتها مع الأخبار الفارقة بين صيام شهر و شي ء من الثاني و صيام الأقلّ- فيبنى على الأول دون الثاني- كصحيحة جميل و ابن حمران في المرض «4»، و رواية أبي بصير فيه و في مطلق الإفطار «5»، و صحيحة الحلبي في من عرض له شي ء و أفطر «6»، و الأخبار الفارقة بين صيام خمسة عشر يوما و الأقلّ مع نذر صوم شهر و عروض أمر- فيبنى على الأول دون الثاني- كرواية موسى بن بكر «7».

______________________________

(1) التهذيب 4: 284- 859، الاستبصار 2: 124- 402، الوسائل 10: 374 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 10.

(2) التهذيب 4: 284- 860، الاستبصار 2: 124- 403، الوسائل 10: 374 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 11.

(3) التهذيب 4: 284- 858، الاستبصار 2: 124- 401، الوسائل 10: 374 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 12.

(4) الكافي 4: 138- 1، التهذيب 4: 284- 861، الاستبصار 2: 124- 404، الوسائل 10: 371 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 3.

(5) الكافي 4: 139- 7، التهذيب 4: 285- 862، الاستبصار 2: 125- 405، الوسائل 10: 372 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 6.

(6) الكافي 4: 138- 2، التهذيب 4: 283- 856، الوسائل 10: 373 أبواب بقية الصوم

الواجب ب 3 ح 9.

(7) التهذيب 4: 285- 863، الوسائل 10: 376 أبواب بقية الصوم الواجب ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 535

لضعفها عن مقاومة ما مرّ بالشذوذ، مضافا إلى عدم دلالة الأولى على الوجوب، لورودها بالجملة الخبريّة، و كون صحيحة الحلبي و ما بعدها أعمّ مطلقا ممّا مرّ من جهة العذر، فيجب التخصيص، و كون الأخيرتين في غير الشهرين.

فلم تبق إلّا رواية أبي بصير، و لا شكّ أنّها لا تقاوم ما مرّ من وجوه شتّى، مع أنّ حملها على مطلق الرجحان متعيّن، لكون ما مرّ قرينة عليه.

و ضمّ بعضهم مع الحيض و المرض: السفر الضروريّ أيضا، كما في نهاية الشيخ و اقتصاده و المعتبر «1»، و ظاهر النافع و أكثر كتب الفاضل و الدروس و الروضة «2»، للعلّة المتقدّمة في الأخبار المذكورة بقوله عليه السّلام: «اللّه حبسه»، و نحوه.

و صرّح الحلّي بعدم البناء فيه «3»، بل لزوم الاستئناف و إن كان ضروريّا، و هو صريح الخلاف و الوسيلة «4»، و ظاهر المبسوط و الجمل و الاقتصاد «5»، و ظاهر الأول الإجماع عليه.

و هو الأقوى، لأنّ الظاهر ممّا حبسه و غلب اللّه عليه ما لم يكن بفعل العبد، و السفر و إن كان ضروريّا فهو بفعله.

سلّمنا، فغايته تعارض عموم التعليل مع عموم صحيحة الحلبي و نحوها، فيرجع إلى الأصل، و هو هنا مع عدم سقوط التتابع، لأنّه مأمور به، فلا يسقط إلّا مع الإتيان به.

______________________________

(1) النهاية: 166، الاقتصاد: 291، المعتبر 2: 723.

(2) النافع: 72، الدروس 1: 296، الروضة 2: 131، و انظر المنتهى 2: 621.

(3) السرائر 1: 411.

(4) الخلاف 4: 554، الوسيلة: 184.

(5) المبسوط 1: 280، الجمل و العقود (الرسائل العشر):

217، الاقتصاد: 291.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 536

و القول بأنّ الصوم واجب و التتابع واجب آخر، فما لم يدلّ دليل على الاستئناف عند الإخلال لم يجب.

ففيه أولا: منع كونه واجبا آخر، بل المأمور به الصوم المتتابع.

و ثانيا: أنّه إذا كان واجبا آخر فلا بدّ من الإتيان به و امتثاله، و هو يتوقّف على الاستئناف، فيكون واجبا.

و هل الحكم مخصوص بالشهرين، أو يعمّ الأقلّ أيضا، كصيام ثمانية عشر يوما أو ثلاثة أيّام؟

عن الانتصار و الغنية و الاقتصاد و صريح السرائر و ظاهر النافع و الإرشاد و اللمعة «1»- و هو صريح التحرير «2»-: الثاني، بل عن الأولين: الإجماع عليه.

و ظاهر المبسوط و الجمل و عن الجامع و القواعد و الدروس و المسالك و الروضة و المدارك: وجوب الاستئناف في الثلاثة مطلقا «3»، بل زاد الأخير فخصّ البناء بالشهرين، للأصل المذكور، أي وجوب التتابع. و أمّا عموم التعليل فيعارض ما دلّ على وجوب التتابع في هذه الصيام بالعموم من وجه، و إذ لا ترجيح فيرجع إلى القاعدة.

هذا كلّه إنّما كان مع العذر.

و أمّا لو أفطر في الأثناء لا لعذر فيجب عليه الاستئناف- في غير ما يأتي استثناؤه- إجماعا في الشهرين، كما في السرائر و المعتبر و المنتهى

______________________________

(1) الانتصار: 167، الغنية (الجوامع الفقهية): 572، الاقتصاد: 291، السرائر 1:

411، النافع: 72، الإرشاد 1: 304 اللمعة (الروضة 2): 132.

(2) التحرير: 85.

(3) المبسوط 1: 280، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 217، الجامع: 159، القواعد 1: 69، الدروس 1: 296، المسالك 1: 79، الروضة 2: 132، المدارك 6: 247.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 537

و التذكرة و التحرير «1»، بل في غير الشهرين أيضا كما قيل «2»، للقاعدة المذكورة،

و صحيحتي جميل و ابن حمران و الحلبي، و رواية أبي بصير- المشار إليها- في الشهرين «3»، و روايتي موسى بن بكر في الشهر «4»، و القاعدة المذكورة في الجميع.

و أمّا المستثنى فثلاثة مواضع:

الأول: الشهران المتتابعان، إذا صام الشهر الأول و يوما من الثاني، بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في الخلاف و الانتصار و السرائر و الغنية و التذكرة و المنتهى و المختلف و شرح فخر المحقّقين «5»، للنصوص المستفيضة، كصحيحتي جميل و ابن حمران و الحلبي و رواية أبي بصير المتقدّمة و موثّقة سماعة «6» و صحيحتي منصور «7» و أبي أيّوب «8» و غيرها «9».

______________________________

(1) السرائر 1: 411، المعتبر 2: 721، المنتهى 2: 621، التذكرة 1: 282، التحرير 1: 85.

(2) انظر الحدائق 13: 346.

(3) المتقدّمة مصادرها في ص 534.

(4) الاولى: تقدّمت في ص 534.

الثانية: في الكافي 4: 139- 6، الفقيه 2: 97- 436، الوسائل 10: 376 أبواب بقية الصوم الواجب ب 5 ح 1.

(5) الخلاف 1: 402، الانتصار: 167، السرائر 1: 411، الغنية (الجوامع الفقهية):

572، التذكرة 1: 282، المنتهى 2: 621، المختلف: 248، الإيضاح 4: 100.

(6) الكافي 4: 138- 3، التهذيب 4: 282- 855، الوسائل 10: 372 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 5.

(7) الكافي 4: 139- 5، الفقيه 2: 97- 437، التهذيب 4: 283- 857، الوسائل 10: 375 أبواب بقية الصوم الواجب ب 4 ح 1.

(8) الكافي 4: 138- 4، الفقيه 2: 97- 438، التهذيب 4: 329- 1027، الوسائل 10: 373 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 8.

(9) انظر الوسائل 10: 371 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 538

و المشهور: أنّ بعد حصول التتابع بين

الشهرين- بضمّ شي ء من الشهر الثاني- يجوز التفريق في البقيّة، و هو المستفاد من قوله في صحيحة الحلبي.

و التتابع: أن يصوم شهرا و من الآخر أيّاما أو شيئا منه.

الثاني: من وجب عليه صوم شهر بالنذر و شبهه، فصام خمسة عشر يوما ثمَّ أفطر، فإنّه يبني على ما تقدّم على المشهور، بل عن الحلّي:

الإجماع عليه «1»، لروايتي موسى بن بكر المشار إليهما، المنجبر ضعفهما- لو كان- بالعمل.

إحداهما: في رجل جعل عليه صوم شهر، فصام منه خمسة عشر يوما ثمَّ عرض له أمر، قال: «إن كان صام خمسة عشر يوما فله أن يقضي ما بقي عليه، و إن كان أقلّ من خمسة عشر يوما لم يجزه حتى يصوم شهرا تامّا»، و نحوها الأخرى أيضا «2».

و قد يستشكل في الاستناد إليهما في كلّية الحكم باعتبار تضمّنهما الإفطار لعروض أمر لا مطلقا، و لا يمكن الاستناد إلى ثبوت الكلّية في الشهرين، لظهور الفرق بينهما، بأنّ تتابع الشهر لا يحتمل إلّا تتابع أيّامه، فالفرق بين النصفين لا بدّ له من دليل، بخلاف الشهرين، لكونه أعمّ من تتابع الأيّام و الشهرين الحاصل بضمّ جزء من الثاني، مع أنّ ثبوت الحكم في الشهرين إنّما هو بعد التجاوز عن النصف، و ليس هنا كذلك.

و يمكن الدفع: بأنّ الظاهر من عروض الأمر مطلق حصول الإفطار، كما يظهر من سياق السؤال و الجواب، و مع إرادة عروض السبب فهو أيضا مطلق بالنسبة إلى ما يضطرّ لأجله إلى الإفطار و ما دونه، مضافا إلى أنّ

______________________________

(1) السرائر 1: 412 و 413.

(2) المتقدّمة مصادرهما في ص 537.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 539

المتبادر من تتابع الشهرين أيضا: تتابع جميع أيّامهما.

نعم، يرد الإشكال من جهة أنّ الشهر في

الروايتين غير مقيّد بالتتابع، فلعلّ الحكم مقصور بالمطلق، و أمّا المقيّد بالتتابع فلا بدّ فيه من الاستئناف مطلقا، كما هو مختار الغنية و الإشارة «1»، و هو قريب جدّا، بل هو الأظهر.

و هل الحكم على المشهور مقصور بالنذر، أو يتعدّى إلى غيره أيضا؟

و الأكثر لم يتعرّضوا للتعدّي و قصّروا بذكر النذر خاصّة، لاختصاص الرواية.

و ألحق في المبسوط و الجمل بشهر النذر شهر كفّارة قتل الخطأ و الظهار للعبد «2»، استنادا إلى أنّه مندرج تحت الجعل أيضا. و هو خلاف الظاهر.

نعم، يتعدّى إلى العهد و اليمين، لصدق الجعل قطعا.

الثالث: من صام ثلاثة أيّام بدل الهدي يوم التروية و عرفة، ثمَّ أفطر يوم النحر، فيجوز له البناء بعد أيّام التشريق، و سيجي ء تحقيق القول فيه في كتاب الحجّ إن شاء اللّه تعالى.

المسألة الحادية عشرة: لو تبرّع أحد بالكفّارة من الغير،

فإن كان ميّتا فالحقّ المشهور: جوازه و وصوله إلى الميّت، بل براءته منه، للأخبار المتكثّرة، المتقدّمة في بحث قضاء الصلاة عنه، فلا يجب أخذ الماليّة من ماله، لحصول البراءة له.

و إن كان حيّا، فذهب جماعة من الأصحاب- كما في الحدائق «3»- إلى

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 572، الإشارة: 118.

(2) المبسوط 1: 280، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 217.

(3) الحدائق 13: 228.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 540

عدم الإجزاء مطلقا، لأنّ الظاهر أنّ التكفير من العبادات التي أمر بها المأمور، و الاجتزاء بعمل الغير موقوف على الدليل، و لا دليل في الحي.

و الحاصل: أنّ مقتضى الأصل عدم البراءة إلّا بصدور الصوم أو العتق أو الإطعام من نفسه، لأنّ مقتضى توجّه الخطاب إليه مطلوبيّة هذا العمل منه، لا مجرّد حصول الفعل في الخارج.

و عن المبسوط و المختلف: الإجزاء كذلك «1».

و عن الشرائع: الإجزاء فيما عدا الصوم «2».

استنادا

إلى أنّه دين يقضى عن المديون، فوجب أن تبرأ ذمّته، كما لو كان لأجنبي.

و إلى خبر المجامع الذي أتى النبيّ، فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بمكتل فيه خمسة عشر صاعا أو عشرين، فأعطاه الرجل و قال: «تصدّق به» «3».

و الأول: مردود بأنّه قياس.

و الثاني: بأنّه غير المفروض، لأنّ النبي ملّكه إيّاه و هو تصدّق به، و لا كلام في ذلك.

نعم، يمكن أن يستدلّ للإجزاء مطلقا بقضيّة الخثعميّة المشهورة، المتقدّمة في بحث الصلاة «4»، و كان عليها مبنى الدليل الأول أيضا.

فإذن الأظهر هو الإجزاء المطلق.

______________________________

(1) المبسوط 1: 281، المختلف: 250.

(2) الشرائع 1: 195.

(3) الكافي 4: 102- 2، التهذيب 4: 206- 595، الاستبصار 2: 80- 245، الوسائل 10: 45 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 2 و 5.

(4) الوسائل 12: 64 أبواب وجوب الحجّ ب 24 ح 4، و رواها في سنن البيهقي 4:

328.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 541

و لا يضرّ ضعف طريق القضيّة، فإنّها مشهورة، و بالشهرة المتنيّة مجبورة. و لا يضرّ كون المورد الحجّ و زمانه المسئول عنه، لأنّ العبرة بعموم العلّة.

المسألة الثانية عشرة: من فعل ما تجب به الكفّارة،

ثمَّ سقط فرض الصوم عنه- بسفر أو حيض أو شبهه- لا تسقط الكفّارة عنه على الأظهر الموافق للأكثر، كما في المدارك و الحدائق «1»، و ادّعى في الخلاف عليه إجماع الفرقة «2»، لأنّه أفسد صوما واجبا عليه ظاهرا من رمضان، فاستقرّت عليه الكفّارة، و لدخوله تحت إطلاق أخبار وجوب الكفّارة.

و تقييده- بغير من يسقط عنه الفرض- غير معلوم.

و توهم عدم صدق الإفطار عليه، لأنّه موقوف على الصوم، الموقوف على الأمر المنتفي هنا واقعا، لأنّ التكليف موقوف بعدم علم الآمر بانتفاء الشرط.

مدفوع بأنّ الإفطار يتحقّق-

حال فعله- بوجوب الصوم ظاهرا، مع أنّ من الأخبار ما لا يتضمّن لفظ الإفطار، بل مثل قوله: نكح، أو مسّ امرأته، أو بقي جنبا، أو كذب على اللّه، أو نحوها، خرج من لا يجب عليه ظاهرا حال الفعل بالدليل، فيبقى الباقي.

خلافا لبعضهم، فقال بالسقوط «3»، و حكي عن الفاضل في جملة من كتبه «4»، لأنّ هذا اليوم غير واجب صومه عليه عند اللّه، لأنّ المكلّف

______________________________

(1) المدارك 6: 114، الحدائق 13: 231.

(2) الخلاف 2: 219.

(3) حكاه المحقق في الشرائع: 1: 194.

(4) المنتهى 2: 584.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 542

- بالكسر- إذا علم فوات شرط الفعل يمتنع التكليف عليه و انكشف لنا أيضا، فلا تجب به الكفّارة، كما لو انكشف أنّه من شوّال بالبيّنة.

و يضعف بأنّ عدم وجوب الصوم في الواقع- لانتفاء الشرط- لا ينافي وجوب الكفّارة مع الوجوب ظاهرا- بل مع عدم الوجوب أيضا- حتى يوجب تقييد الإطلاقات به.

و القياس على ظهور أنّه من شوّال باطل، إذ لا يصدق عليه أنّه أفطر نهارا في شهر رمضان.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 543

المقصد الرابع في الاعتكاف

اشاره

و هو في الأصل: الإقامة، أو الاحتباس، أو اللبث الطويل.

و في الشرع أو عرفه: الإقامة في مسجد مخصوص مدّة مخصوصة بشرائط مخصوصة.

و شرعيّته ثابتة بالكتاب و السنّة و الإجماع، بل بإجماع فقهاء الإسلام، كما في المنتهى «1».

قال اللّه سبحانه (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ) «2».

و قال عزّ شأنه (وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) «3».

______________________________

(1) المنتهى 2: 628.

(2) البقرة: 125.

(3) البقرة: 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 544

و في صحيحة الحلبي: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا كان العشر

الأواخر اعتكف في المسجد، و ضربت له قبّة من شعر، و شمّر المئزر و طوى فراشه»، فقال بعضهم: و اعتزل النساء، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «أمّا اعتزال النساء فلا» «1».

و أراد عليه السّلام بنفي الاعتزال إثبات مخالطتهنّ و مجاذبتهنّ دون الجماع، لتحريمه على المعتكف، و في طيّ الفراش إشارة إلى ذلك.

و يتأكّد استحبابه في شهر رمضان، ففي رواية السكوني: «اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجّتين و عمرتين» «2».

خصوصا في العشر الأواخر منه، تأسّيا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

ففي رواية أبي العبّاس: «اعتكف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في شهر رمضان في العشر الاولى، ثمَّ اعتكف في الثانية في العشر الوسطى، ثمَّ اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر، ثمَّ لم يزل يعتكف في العشر الأواخر» «3».

و في صحيحة الحلبي: «كانت بدر في شهر رمضان فلم يعتكف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلمّا أن كان من قابل اعتكف عشرين، عشرا لعامه، و عشرا قضاء لما فاته» «4».

ثمَّ الكلام إمّا في شروطه أو أحكامه، فهاهنا فصلان:

______________________________

(1) الكافي 4: 175- 1، التهذيب 4: 287- 869، الاستبصار 2: 130- 426، الفقيه 2: 120- 517، الوسائل 10: 533 كتاب الاعتكاف ب 1 ح 1.

(2) الفقيه 2: 122- 531، المقنع: 66، الوسائل 10: 534 كتاب الاعتكاف ب 1 ح 3.

(3) الكافي 4: 175- 3، الفقيه 2: 123- 535، الوسائل 10: 534 كتاب الاعتكاف ب 1 ح 4.

(4) الكافي 4: 175- 2، الفقيه 2: 120- 518، الوسائل 10: 533 كتاب الاعتكاف ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 545

الفصل الأول في شروطه
اشاره

و هي خمسة:

الأول: النيّة،

بالإجماع كما في سائر العبادات، و قد مرّ بسط الكلام فيها سابقا.

الثاني: الصوم،

بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في الناصريات و الخلاف و المعتبر و المنتهى و التذكرة و غيرها «1».

و في صحيحة محمّد «2» و موثّقته «3» و موثّقة عبيد «4» و رواية أبي العبّاس:

«لا اعتكاف إلّا بصوم» «5».

و في صحيحة الحلبي: «لا اعتكاف إلّا بصوم في المسجد الجامع» «6».

و إطلاق هذه الأخبار و غيرها يقتضي الاكتفاء بالصيام كيف اتّفق- بمعنى: أنّه لا يشترط في صومه أن يكون لأجل الاعتكاف- و هو إجماعيّ أيضا، و في المعتبر: أنّ عليه فتوى الأصحاب «7».

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 207، الخلاف 2: 228، المعتبر 2: 726، المنتهى 2: 629، التذكرة 1: 285، و انظر رياض المسائل 1: 332.

(2) الكافي 4: 176- 2، الوسائل 10: 536 كتاب الاعتكاف ب 2 ح 6.

(3) التهذيب 4: 288- 874، الوسائل 10: 537 كتاب الاعتكاف ب 2 ح 8.

(4) التهذيب 4: 288- 875، الوسائل 10: 537 كتاب الاعتكاف ب 2 ح 10.

(5) الكافي 4: 176- 1، التهذيب 4: 288- 873، الوسائل 10: 536 كتاب الاعتكاف ب 2 ح 5.

(6) الفقيه 2: 119- 516، الوسائل 10: 538 كتاب الاعتكاف ب 3 ح 1.

(7) المعتبر 2: 726.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 546

و تدلّ عليه أيضا النصوص المرغّبة لإيقاعه في شهر رمضان، على ما مرّ في الصوم من أنّه لا يقع في شهر رمضان صوم غيره.

ثمَّ لازم ذلك الشرط عدم صحّة الاعتكاف في زمان لا يصحّ الصوم فيه، كالعيدين، و لا ممّن لا يصحّ صومه، كالحائض و النفساء و المريض المتضرّر به و المسافر.

و في صحّته من الصبيّ المميّز وجهان، الظاهر: الصحّة، و كيف كان لا

ينبغي الريب في صحّته منه تمرينا، أي صحّته من حيث التمرين.

الثالث: الزمان،

و هو ثلاثة أيّام فصاعدا، لا أقلّ منها، بالإجماع المحقّق، و المصرّح به في المعتبر و التذكرة و غيرهما «1»؛ و هو الدليل عليه مع الأخبار.

ففي صحيحة أبي بصير: «لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام» «2»، و مثله في رواية عمر بن يزيد «3».

و في رواية داود بن سرحان: «الاعتكاف ثلاثة أيّام- يعني: السنّة- إن شاء اللّه تعالى» «4»، إلى غير ذلك.

و لا خلاف في دخول ليلتي اليوم الثاني و الثالث في الاعتكاف؛ للإجماع المحقّق، و حكاه في المعتبر و المنتهى أيضا «5»، و نفى عنه الخلاف

______________________________

(1) المعتبر 2: 728، التذكرة 1: 284، و انظر رياض المسائل 1: 332.

(2) الكافي 4: 177- 2، الفقيه 2: 121- 525، التهذيب 4: 289- 876، الاستبصار 2: 128- 418، الوسائل 10: 544 كتاب الاعتكاف ب 4 ح 2.

(3) التهذيب 4: 289- 878، الاستبصار 2: 129- 419، الوسائل 10: 544 كتاب الاعتكاف ب 4 ح 5.

(4) الكافي 4: 178- 5، الوسائل 10: 544 كتاب الاعتكاف ب 4 ح 4.

(5) المعتبر 2: 728، المنتهى 2: 630.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 547

في المسالك «1».

و تدلّ عليه الأخبار المتضمّنة لوجوب الكفّارة لو جامع في الليل، و لو خرجت المرأة قبل مضيّ ثلاثة أيّام أو تمامها «2»، كما يأتي. و لا شكّ أنّ عدم الخروج قبل إتمام الثلاثة أيّام لا يكون إلّا مع إدخال الليل أيضا، بل نقول: إنّ المتبادر من قوله: «لا يكون الاعتكاف إلّا ثلاثة أيّام» الثلاثة المتتابعة، و لا يحصل التتابع إلّا بإدخال الليل أيضا.

و ظاهر الخلاف و المبسوط عدم دخول الليلتين «3»، و إن أمكن إرجاعهما

إلى ما عليه الأصحاب بتكلّف- كما فعله بعضهم [1]- فإن تمَّ، و إلّا فهو بالشذوذ و مخالفة ما ذكرنا من الأدلّة متروك.

و في دخول ليلتي اليوم الأول و الرابع خلاف، و الحقّ: العدم، وفاقا للمشهور، للأصل الخالي عن المعارض بالمرّة.

خلافا في الليلة الأولى للمحكيّ في المسالك عن الفاضل و جماعة «4»، و أنكره بعض الأجلّة «5»، و قال: و لم أر في كلام الفاضل صريحا في ذلك، بل قال: و لم أر- من غير صاحب المسالك- إشارة إلى هذا الخلاف، إلّا من المحقّق الثاني في حاشية الشرائع، حيث جعل القول

______________________________

[1] كالمحقق القمي في غنائم الأيام: 520 حيث قال بعد نقل كلام الشيخ: و ربما يوجه بأن مراده أن الليالي لا تدخل في الاعتكاف بسبب النذر إلّا مع شرط التتابع و إن وجب إدخالهما فيه من حيث إن الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة أيّام بينهما ليلتان، و هو توجيه حسن.

______________________________

(1) المسالك 1: 82.

(2) الوسائل 10: 546 كتاب الاعتكاف ب 6.

(3) الخلاف 2: 239، المبسوط 1: 289.

(4) المسالك 1: 82.

(5) كالمحقق القمي في غنائم الأيّام: 521.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 548

المشهور الأصحّ.

و للمنقول قولا في الليلة الرابعة «1».

و لا دليل على شي ء من القولين.

و على ما ذكرنا ابتداء القدر الأقلّ من الاعتكاف: طلوع الفجر من اليوم الأول، و انتهاؤه: غرب الشمس من اليوم الثالث. و لو أدخل شيئا من الطرفين كان أولى، بل قد يجب من باب المقدّمة فينوي الاعتكاف قبل الفجر و يقطعه بعد الغروب.

و يجب كون الأيّام الثلاثة تامّة، فلا يجزئ يومان و نصف من سابقتهما و نصف من الرابع- أي الملفّق- لعدم صدق اليوم على الملفّق.

ثمَّ إنّه يتفرّع عليه: أنّه لو

شرع في الاعتكاف ما لا يمكنه إتمام الثلاثة- كيومين قبل العيد- بطل الاعتكاف.

الرابع: المكان،

و لا بدّ أن يكون في المسجد إجماعا قطعيّا فتوى و نصّا، و تدلّ عليه الأخبار المتواترة:

كالمرويّ في المعتبر عن جامع البزنطي بإسناده إلى الصادق عليه السّلام:

«لا اعتكاف إلّا بصوم، و في مسجد المصر الذي أنت فيه» «2».

و صحيحة أبي ولّاد الواردة في المرأة المعتكفة بإذن زوجها التي ذهبت إلى زوجها فواقعها، قال: «إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تمضي ثلاثة أيّام و لم تكن اشترطت في اعتكافها فإنّ عليها ما على المظاهر» «3».

______________________________

(1) نقله في المدارك 6: 317.

(2) المعتبر 2: 733، المنتهى 2: 633، الوسائل 10: 541 كتاب الاعتكاف ب 3 ح 11.

(3) الكافي 4: 177- 1، الفقيه 2: 121- 524، التهذيب 4: 289- 877، الاستبصار 2: 130- 422، الوسائل 10: 548 كتاب الاعتكاف ب 6 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 549

و الحذّاء: «المعتكف لا يشمّ الطيب، و لا يتلذّذ بالريحان، و لا يماري، و لا يشتري، و لا يبيع» قال: «و من اعتكف ثلاثة أيّام فهو في اليوم الرابع بالخيار، إن شاء زاد ثلاثة أيّام أخر، و إن شاء خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد الثلاث فلا يخرج من المسجد حتى يتمّ ثلاثة أيّام أخر» «1».

و ابن سنان: «ليس على المعتكف أن يخرج من المسجد إلّا إلى الجمعة أو جنازة أو غائط» «2».

و موثّقته، و فيها: «و لا يخرج المعتكف من المسجد إلّا في حاجة» «3».

و صحيحة داود: إنّي أريد أن أعتكف فما ذا أقول؟ و ما ذا أفرض على نفسي؟ فقال: «لا تخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها، و لا تقعد تحت

ظلال حتى تعود إلى مجلسك» «4»، إلى غير ذلك.

مقتضى الأصل و إطلاق هذه الأخبار و إن كان جوازه في مطلق المسجد- كما هو محتمل كلام العماني «5»- و لكن انعقد الإجماع و صرّحت الأخبار بالتقييد و التعيين.

نعم، وقع الخلاف في المعيّن:

فعن المقنع و الفقيه و الشيخ و السيّدين و الديلمي و القاضي و الحلّي

______________________________

(1) الكافي 4: 177- 4، الفقيه 2: 121- 527، التهذيب 4: 288- 872، الاستبصار 2: 129- 420، الوسائل 10: 544 كتاب الاعتكاف ب 4 ح 3.

(2) الكافي 4: 178- 1، الوسائل 10: 550 كتاب الاعتكاف ب 7 ح 6 و فيه: ليس للمعتكف ..

(3) التهذيب 4: 293- 891، الاستبصار 2: 128- 416، الوسائل 10: 550 كتاب الاعتكاف ب 7 ح 5.

(4) الكافي 4: 178- 2، الفقيه 2: 122- 528، التهذيب 4: 287- 870، الوسائل 10: 550 كتاب الاعتكاف ب 7 ح 3.

(5) حكاه عنه في المختلف: 251.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 550

و الحلبي و ابن حمزة و القواعد و الإرشاد و التحرير و المنتهى و التنقيح و غيرهم «1» بل الأكثر- كما صرح به جماعة «2»- بل بالإجماع- كما عن الانتصار و الخلاف و الغنية و السرائر و التبيان و مجمع البيان «3»-: أنّه أحد المساجد الخمسة: مسجد الحرام، و مسجد الرسول، و مسجد الكوفة، و البصرة، و المدائن- كالأول- أو أحد الأربعة التي هي غير الرابع- كالثاني «4»- أو غير الخامس، كالبواقي.

و ضابطهم: الاختصاص بما صلّى فيه النبيّ أو أحد الأئمّة عليهم السّلام الجمعة.

و عن المفيد و المعتبر و الشرائع و النافع و الشهيدين «5» و جماعة من محقّقي متأخّري المتأخّرين «6» و محتمل العماني «7» و ظاهر الكافي

«8»: أنّه المسجد الأعظم، أو المسجد الجامع، أو مسجد الجماعة، باختلافهم في

______________________________

(1) المقنع: 66، الفقيه 2: 120- 519، الشيخ في المبسوط 1: 289، السيد المرتضى في الانتصار: 72، و السيد ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 572، الديلمي في المراسم: 99، القاضي في المهذب 1: 204، الحلي في السرائر 1:

421، الحلبي في الكافي في الفقه: 186، ابن حمزة في الوسيلة: 153، القواعد 1: 70، الإرشاد 1: 305، التحرير 1: 87، المنتهى 2: 632، التنقيح 1:

402، و انظر الحدائق 13: 463.

(2) كما في المنتهى 2: 632، و التنقيح 1: 401، و الدروس 1: 298.

(3) الانتصار: 72، الخلاف 2: 227، الغنية (الجوامع الفقهية): 573، السرائر 1:

421، التبيان 2: 135، مجمع البيان 1: 281.

(4) الموجود في الفقيه 2: 120- 4 و 5: الاعتكاف في المساجد الخمسة المذكورة، إلّا أنّه حكى في المختلف: 251 عن علي بن بابويه أنّه قال: لا يجوز الاعتكاف إلّا في مسجد الحرام و مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مسجد الكوفة و مسجد المدائن.

(5) المفيد في المقنعة: 363، المعتبر 2: 732، الشرائع 1: 216، النافع: 73، الشهيد الأول في اللمعة، و الشهيد الثاني في الروضة 2: 150.

(6) كالسبزواري في الذخيرة: 539، و صاحب كشف الغطاء: 335.

(7) حكاه عنه في المختلف: 251.

(8) الكافي 4: 176.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 551

التعبير، و نسبه في المعتبر إلى أعيان فضلاء الأصحاب «1».

حجّة الأولين: الإجماعات المنقولة.

و قاعدة توقيفيّة العبادة، فيقتصر فيها على القدر المتيقّن.

و صحيحة عمر بن يزيد: «لا اعتكاف إلّا في مسجد جماعة صلّى فيه إمام عدل صلاة جماعة، و لا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة و البصرة و مسجد المدينة

و مسجد مكّة» «2».

و في الفقيه بعدها: و قد روي في مسجد المدائن «3»، بحمل إمام العدل على إمام الأصل.

و الرضوي: «و صوم الاعتكاف في المسجد الحرام و مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مسجد الكوفة و مسجد المدائن، و لا يجوز الاعتكاف في غير هذه المساجد الأربعة، و العلّة في ذلك أنّه لا يعتكف إلّا بمسجد جمع فيه إمام» الخبر «4».

و دليل النافين: الروايات المستفيضة، كالصحيحة المتقدّمة بتعميم الإمام.

و صحيحة داود: «لا أرى الاعتكاف إلّا في مسجد الحرام أو مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو مسجد جامع» الحديث «5»، و نحوها موثّقة الكناني «6».

______________________________

(1) المعتبر 2: 732.

(2) الكافي 4: 176- 1، الفقيه 2: 120- 519، التهذيب 4: 290- 882، الاستبصار 2: 126- 409، الوسائل 10: 540 كتاب الاعتكاف ب 3 ح 8.

(3) الفقيه 2: 120- 520، الوسائل 10: 540 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 9.

(4) فقه الرضا عليه السّلام: 213، مستدرك الوسائل 7: 562 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 1.

(5) الكافي 4: 176- 2، التهذيب 4: 290- 884، الاستبصار 2: 126- 411، الفقيه 2: 120- 521، الوسائل 10: 541 كتاب الاعتكاف ب 3 ح 10.

(6) التهذيب 4: 291- 885، الوسائل 10: 539 كتاب الاعتكاف ب 3 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 552

و رواية عليّ بن عمران الرازي: «المعتكف يعتكف في المسجد الجامع» «1».

و صحيحة الحلبي: «لا يصلح الاعتكاف إلّا في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو مسجد الكوفة أو مسجد الجماعة» «2».

و رواية يحيى بن العلاء الرازي: «لا يكون الاعتكاف إلّا في مسجد جماعة»

«3».

و موثّقة ابن سنان: «لا يصلح العكوف في غيرها» أي غير مكّة «إلّا أن يكون مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أو في مسجد من مساجد الجماعة» «4».

و لا يخفى أنّه يرد على دليل الأولين:

منع حجّيّة الإجماع المنقول.

و عدم اقتضاء توقيفيّة العبادة للاقتصار على المتيقّن، بل يعمل فيها بالأصل، مع حصول المتيقّن هنا بالأخبار المذكورة.

و عدم دلالة الصحيحة، لأنّها في أكثر النسخ: «لا يعتكف» موضع:

«لا اعتكاف» و لا يكون صريحا في نفي الجواز، لإرادة نفي الاستحباب.

مضافا إلى أنّ الإمام مع ذكر الصلاة جماعة إمّا ظاهرة في مطلق إمام الجماعة أو مجملة.

و لا يتوهّم أنّ مع الإجمال تخرج المطلقات عن الحجيّة في موضع

______________________________

(1) التهذيب 4: 290- 880، الوسائل 10: 539 كتاب الاعتكاف ب 3 ح 4.

(2) الكافي 4: 176- 3، الوسائل 10: 540 كتاب الاعتكاف ب 3 ح 7.

(3) التهذيب 4: 290- 881، الاستبصار 2: 127- 414، الوسائل 10: 539 كتاب الاعتكاف ب 3 ح 6.

(4) التهذيب 4: 293- 891، الاستبصار 2: 128- 416، الوسائل 10: 539 كتاب الاعتكاف ب 3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 553

الإجمال، إذ هو إنّما هو في التخصيص بالمنفصل، و أمّا بالمتّصل- كما في هذه الصحيحة- فلا، فيبقى قوله: «مسجد جماعة» حجّة فيما لم يعلم خروجه عنه.

و ضعف الرضوي.

سلّمنا الدلالة و الحجّيّة، و لكنهما معارضتان مع الروايات الكثيرة «1»، و هي أرجح من جهة الموافقة لإطلاق الكتاب العزيز «2»، و هي من المرجّحات المنصوصة.

لا يقال: هما أخصّان مطلقا، فيجب التخصيص بهما.

لأنّه يوجب خروج الأكثر، و هو غير جائز، مع أنّ في بعض الأخبار ذكر مسجد الجماعة بعد ذكر مسجد الرسول و الكوفة و المسجد

الحرام «3»، فيكون المراد من مسجد الجماعة غيرها البتّة.

و أمّا ترجيحهما بمخالفة العامّة فإنّما يفيد لو كانتا مخالفتين لقول جميعهم أو أكثرهم، و هو غير ثابت.

و أمّا تضعيف الروايات بالشذوذ فمع فتوى مثل: المفيد و المحقّق و احتمال فتوى الكليني و العماني و شهادة مثل المحقّق: بأنّه مذهب أعيان فضلاء الأصحاب، الكاشف عن ذهاب جمع من الأعاظم إليه، فدعوى الشذوذ فاسدة.

ثمَّ لو قطع النظر عن الترجيح فالمرجع أيضا إلى أصالة عدم اشتراط الزائد عمّا ثبت اشتراطه، فإذن الترجيح للقول الثاني و عليه الفتوى.

______________________________

(1) الوسائل 10: 538 كتاب الاعتكاف ب 3.

(2) البقرة: 187.

(3) الوسائل 10: 538 كتاب الاعتكاف ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 554

بقي الكلام في بيان المسجد الذي يعتكف فيه على هذا القول، فهل هو المسجد الجامع، كما في ثلاثة أخبار من الأخبار المتقدّمة، و عبارة جمع من الأصحاب «1»؟

أو الجماعة، كما في أربعة من الأخبار، و كلام جمع آخر «2»؟

أو المسجد الأعظم، كما في كلام المفيد؟

لا وجه للأخير، لعدم وروده في رواية، إلّا أن يفسّر به المسجد الجامع- كما فسّره الشهيد الثاني به في حاشية النافع، و صاحب ديوان الأدب- و هو الغالب في الأمصار أيضا، أي يتّحد الجامع و الأعظم، و حينئذ فيرجع إلى الأول.

فبقي الكلام في تعيين أحد الأولين و بيان المراد منهما، فنقول: يمكن أن يكون المراد بهما واحدا، و هو إمّا ما تصلّى فيه الجماعة مطلقا، سواء كانت جمعة أو جماعة عامّة البلد- من غير تخصيص بقبيلة أو محلّة- أو جماعة مطلقا. و احتمال إرادته من مسجد جماعة بل ظهوره منه ظاهر و فسّر المسجد الجامع به أيضا الشهيد الثاني في المسالك «3».

أو ما تصلّى فيه صلاة

الجمعة. و احتمال إرادته من مسجد الجامع ظاهر، بل فسّره به السنجري في المهذّب و الفيّومي في المصباح المنير و النووي في التحرير و الشهيد الثاني في الروضة «4»، و فسّر مسجد الجماعة به نادر أيضا.

______________________________

(1) كالمحقق في الشرائع 1: 216، و الشهيد الأوّل في اللمعة (الروضة 2): 150، و السبزواري في الذخيرة: 539.

(2) نقله عن العماني في المختلف: 251.

(3) المسالك 1: 83.

(4) المصباح المنير 1: 110، الروضة 2: 150.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 555

أو ما يجمع أهل البلد، و لا يختصّ بمحلّة أو قبيله، بل صلّى فيه عامّة أهل البلد الجماعة فيه بمقتضى البناء لا بمحض اتّفاق مرّة أو أكثر.

أو يكون المراد بالجامع أحد الأخيرين، و بالجماعة الأول.

و لا يخفى أنّ إرادة ما تصلّى فيه صلاة الجمعة منهما أو أحدهما ليست مستندة إلى قاعدة لفظيّة، فالمتعيّن إمّا الأول أو الأخير، و مقتضى قواعدنا الأصوليّة: الأول، و طريق الاحتياط و الأخذ بالمتيقّن: الثاني.

الخامس: استدامة اللبث في المسجد ما دام معتكفا،
اشاره

فلو خرج منه و لو قليلا بغير الأسباب المبيحة له بطل اعتكافه بالإجماع كما في المعتبر و التذكرة و المنتهى «1».

للأخبار المستفيضة، كصحيحة أبي ولّاد المتقدّمة، و الأربعة المتعقّبة لها.

و في صحيحة داود: «و لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها، ثمَّ لا يجلس حتى يرجع، و المرأة مثل ذلك» «2».

و مثلها صحيحة الحلبي إلى قوله: «حتى يرجع» ثمَّ قال: «و لا يخرج في شي ء إلّا لجنازة أو يعود مريضا، و لا يجلس حتى يرجع، و اعتكاف المرأة مثل ذلك» «3» إلى غير ذلك.

و أكثر تلك الأخبار و إن كانت قاصرة عن إفادة الحرمة، إلّا أنّ الإجماع على الحرمة- أي الشرطيّة- مضافا إلى ظهور بعضها

فيها- كما في قوله:

فما ذا أفرض على نفسي «4»- يعيّن إرادتها من الجميع.

______________________________

(1) المعتبر 2: 733، التذكرة 1: 284، المنتهى 2: 633.

(2) المتقدّمة في ص: 549.

(3) الكافي 4: 178- 3، الفقيه 3: 122- 529، التهذيب 4: 288- 871، الوسائل 10: 549 كتاب الاعتكاف ب 7 ح 2.

(4) المتقدّم في ص 549.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 556

و قد يستند إليها في الإبطال أيضا، إذ الحرمة الشرعيّة منتفية، فلا بدّ من الشرطيّة الراجعة إلى الإبطال بالارتكاب.

و فيه نظر، لمنع انتفاء الشرعيّة، و لا بعد في حرمة شي ء في فعل مستحبّ ما دام فيه.

و الأولى في الإبطال أيضا الاستناد إلى الإجماع، و إلى المعنى الحقيقي للاعتكاف، فإنّه الحبس و اللبث المضادّان للخروج.

فروع:
أ: ممّا ذكر- من منافاة الخروج لمعنى الاعتكاف- تظهر قوّة القول بعدم جواز إخراج البعض أيضا

إذا كان منافيا للبث الشخص، كأن يخرج و مدّ رجليه إلى المسجد أو أدخل يديه فيه. و أمّا لو أخرج رأسه فقط أو رجليه كذلك فالظاهر عدم صدق الخروج.

و لو أنيط إلى الإجماع أو الأخبار اتّجه القول بجواز إخراج البعض مطلقا، بل لا يبعد جواز إخراج البعض مع الإناطة إلى معنى العكوف أيضا، إذ هذا القدر من الإخراج لا ينافي العكوف العرفي، بل اللغوي أيضا، حيث إنّ العكوف في موضع في ثلاثة أيّام مثلا يصدق لغة بخروج هذا القدر من البدن قطعا.

ب: هل يتحقّق الخروج بالصعود إلى سطح المسجد من داخله، أم لا؟

فيه وجهان، الأول للدروس «1»، و الثاني للمنتهى «2». و الأحوط:

______________________________

(1) الدروس 1: 299.

(2) المنتهى 2: 635.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 557

الأول، لعدم معلوميّة صدق المسجد عليه. و يمكن القول بالجواز، لعدم صدق الخروج عن المسجد.

ج: هل يبطل بالخروج مكرها، أم لا؟

ظاهر الشرائع و القواعد و الإرشاد: نعم مطلقا «1».

و ظاهر المبسوط و المعتبر: لا، كذلك «2».

و عن المختلف و التحرير و التذكرة و الشهيد الثاني: التفصيل بطول الزمان و عدمه «3»، لعدم صدق الخروج المنهيّ عنه، و عدم الإجماع، و عدم منافاة الكون في الخارج يسيرا لماهيّة الاعتكاف.

و الأخير محلّ نظر، لجواز صحّة السلب مع مطلق الكون في الخارج.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ ذلك و إن كان منافيا لغة، إلّا أنّه لا ينافيها شرعا، لتصريح الأخبار بعدم المنافاة لحاجة لا بدّ منها «4»، و أيّ حاجة أشدّ من دفع ضرر المكره؟! و هو و إن اختصّ بما إذا كان الإكراه بالتخويف و نحوه، إلّا أنّه يتعدّى إلى المكره بالاضطرار و رفع الاختيار بالأولويّة أو الإجماع المركّب.

د: هل الخروج سهوا و نسيانا مبطل، أم لا؟

أطلق «5» الشيخ و الفاضلان و الشهيد الأول «6».

______________________________

(1) الشرائع 1: 217، القواعد 1: 70، الإرشاد 1: 306.

(2) المبسوط 1: 294، المعتبر 2: 736.

(3) المختلف: 254، التحرير 1: 87، التذكرة 1: 290، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 84.

(4) الوسائل 10: 549 كتاب الاعتكاف ب 7.

(5) يعني: جوزوا.

(6) الشيخ في المبسوط 1: 294، و المحقق في المعتبر 2: 736، و العلّامة في التذكرة 1: 292، و الشهيد في اللمعة (الروضة 2): 151.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 558

و قيل بالفرق بين طول الزمان و عدمه «1».

دليل الأول: نفي الإثم، و لزوم العسر لولاه.

و دليل الثاني: الخروج عن المسمّى مع الطول لا بدونه.

و الكلّ منظور فيه، لعدم الملازمة بين انتفاء الإثم و الصحّة. و عدم لزوم العسر، إذ لا وجوب في الاعتكاف، غايته البطلان، و لو صحّ للزم مثله في بطلان الصلاة بالسهو في الأركان.

و منع بقاء المسمّى

بدون طول الزمان، فالبطلان مطلقا أقوى.

ه: يجوز الخروج لضرورة و حاجة من نفسه لا بدّ منها

و لا يمكن فعلها في المسجد، إجماعا فتوى و نصّا كما مرّ، و لطاعة من اللّه و لو كان قضاء حاجة الأخ المؤمن، للتصريح ببعض الطاعات في الأخبار المتقدّمة «2»، و دلالته على البواقي بالفحوى أو الإجماع المركّب.

و التعليل المذكور في رواية ميمون بن مهران: كنت جالسا عند الحسن بن عليّ عليهما السّلام فأتاه رجل فقال له: يا بن رسول اللّه، إنّ فلانا له عليّ مال و يريد أن يحبسني، فقال: «و اللّه ما عندي مال فأقضي عنك»، قال:

فكلّمه، قال: فلبس عليه السّلام نعله، فقلت له: يا بن رسول اللّه، أنسيت اعتكافك؟ فقال: «لم أنس، و لكن سمعت أبي عليه السّلام يحدّث عن جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنّما عبد اللّه تسعة آلاف سنة صائما نهاره قائما ليله» «3».

و منها يظهر الدليل على استثناء حاجة الغير أيضا. و منها أو من

______________________________

(1) انظر المسالك 1: 84.

(2) المتقدّمة في ص 548، 549.

(3) الفقيه 2: 123- 528، الوسائل 10: 550 كتاب الاعتكاف ب 7 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 559

الطاعة: تشييع الأخ و نحوه.

و: لو كان لمكان الحاجة طريق أقرب من الآخر،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 10    559     ز: الخارج - حيث يجوز - لا يجوز له الجلوس تحت الظل بلا ضرورة فيه إجماعا، له، ..... ص : 559

لوا: يجب سلوك الأقرب، و كذا يسلك مسلك الاقتصار على قدر الضرورة، لأنّ الضرورة تقدّر بقدرها، و لعدم كون الزائد حاجة و ضرورة «1».

و هو حسن، إلّا أنّه لا يلزم ذلك إلّا مع إيجابه الخروج عن الاشتغال بالحاجة عرفا، فلا يجب سلوك الطريق الذي أقرب بذراع و ذراعين

و نحوهما ممّا لا يخرج به عمّا ذكر عرفا.

ز: الخارج- حيث يجوز- لا يجوز له الجلوس تحت الظلّ بلا ضرورة فيه إجماعا، له،

و لصحيحة داود المستفسر فيها عمّا أفرض على نفسي «2».

و أمّا الجلوس المطلق فلا دليل على حرمته، و الروايتان «3» المتضمّنتان له قاصرتان عن إفادة الحرمة، و لذا خصّ جماعة المحرّم بالمقيّد، منهم:

الشيخ في المبسوط و المفيد و الديلمي و المعتبر «4»، و نقل عن أكثر المتأخّرين «5».

و تختصّ الحرمة بالجلوس، فلا يحرم المشي تحت الظلال، وفاقا

______________________________

(1) المنتهى 2: 634، المسالك 1: 84.

(2) تقدّمت في ص 549.

(3) الكافي 4: 176- 2 و 178- 3، الفقيه 2: 120- 521 و 122- 529، التهذيب 4: 288- 871 و 290- 884، الوسائل 10: 549 كتاب الاعتكاف ب 7 ح 1، 2.

(4) المبسوط 1: 293، و المفيد في المقنعة: 363، و الديلمي في المراسم: 99، المعتبر 2: 735.

(5) منهم الشهيد الثاني في الروضة 2: 152، و السبزواري في الذخيرة: 541، و صاحب الحدائق 13: 472.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 560

للشيخين في المقنعة و المبسوط و الديلمي و ابن زهرة و المختلف و الروضة و الحدائق و غيرها «1»، للأصل.

خلافا لجماعة، منهم: الشيخ في أكثر كتبه و السيّد و الحلبي و الحلّي و الشرائع و النافع و الفاضل في بعض كتبه «2»، و لا مستند لهم إلّا حكاية الإجماع عن الانتصار، و هي غير صالحة للاستناد.

ح: لا يجوز للخارج- حيث يجوز- في غير مكّة الصلاة في غير مسجد اعتكافه،

بلا خلاف فيه كما قيل «3»، لصحيحتي منصور «4» و ابن سنان «5»، إلّا مع الضرورة، كضيق الوقت، فمعه يصلّيها حيث أمكن، و إلّا صلاة الجمعة مع وجوبها إذا صلّيت في غير مسجده، كما صرّح به في بعض الأخبار المتقدّمة «6».

و أمّا في مكّة فيصلّي إذا خرج لضرورة حيث شاء بلا خلاف، كما نصّ به في الصحيحين.

______________________________

(1) المقنعة: 363، المبسوط 1: 293،

الديلمي في المراسم: 99، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية) 573، المختلف: 255، الروضة 2: 152، الحدائق 13: 472، و انظر الذخيرة: 541 و الرياض 1: 334.

(2) الشيخ في النهاية: 172 و الجمل و العقود (الرسائل العشر): 222 و الاقتصاد:

296، و السيّد في الانتصار: 74، و الحلبي في الكافي في الفقه: 187 قال: و لا يجلس تحت السقف مختارا، و الحلي في السرائر 1: 425، الشرائع 1: 217، المختصر النافع: 73، و الفاضل في القواعد 1: 71 و الإرشاد 1: 306.

(3) كما في الرياض 1: 334.

(4) الكافي 4: 177- 5، الفقيه 2: 121- 523، التهذيب 4: 293- 892، الاستبصار 2: 128- 417، الوسائل 10: 551 كتاب الاعتكاف ب 8 ح 3.

(5) الكافي 4: 177- 4، الفقيه 2: 121- 522، التهذيب 4: 292- 890، الاستبصار 2: 127- 415، الوسائل 10: 551 كتاب الاعتكاف ب 8 ح 1.

(6) في ص 548، 549.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 561

الفصل الثاني في جملة من أحكامه
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لا يجب الاعتكاف بالأصل إجماعا و أصلا،

و هو قد يجب بالنذر و شبهه و بالنيابة حيث تجب.

و يشترط في النذر و أخويه إمّا كونه مطلقا فيحمل على الثلاثة لكونها أقلّ المسمّى، أو تقييده بثلاثة فصاعدا، أو بما لا ينافي الثلاثة، كنذر يوم أو يومين من غير تعرّض للزيادة، و لو قيّد الأقلّ من الثلاثة بلا أزيد بطل الاعتكاف من حيث هو اعتكاف.

و الواجب منه إن كان وقته معيّنا فيجب الإتيان به فيه، و يجب بالشروع، بل يجب الشروع فيه في الوقت، و إلّا فكان كالمندوب على الأقوى، للأصل.

و قد اختلفوا في المندوب على أقوال:

أحدها: عدم وجوبه أصلا، بل يجوز له الإبطال متى شاء، نقل عن السيّد و الحلّي و المعتبر و المختلف و المنتهى و التذكرة و التحرير «1».

و ثانيها: الوجوب بالشروع، نقل عن المبسوط و الكافي للحلبي و الإشارة و الغنية «2»، إلّا أنّ الأول صرّح بأنّ له الرجوع متى شاء قبل اليومين

______________________________

(1) السيّد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 207، و الحلي في السرائر 1: 422، المعتبر 2: 737، المختلف: 252، المنتهى 2: 637، التذكرة 1: 290، التحرير 1: 86.

(2) المبسوط 1: 289، الكافي في الفقه: 186، الإشارة: 119، الغنية (الجوامع الفقهية): 573.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 562

إذا شرط، و عن الأخير: الإجماع عليه.

و ثالثها: الوجوب بمضيّ يومين، فلا يجب قبله، و يجب الثالث بعد اليومين، حكي عن الإسكافي و نهاية الشيخ و القاضي و الشرائع «1»، و نسب إلى أكثر القدماء و المتأخّرين «2»، و استفاضت حكاية الشهرة عليه «3».

دليل الأول: الأصل، و بعض الأمور الاعتباريّة.

و حجّة الثاني: النهي عن إبطال العمل، و إطلاق صحيحة أبي ولّاد المتقدّمة «4»، و سائر ما أوجب الكفّارة على

المجامع في الاعتكاف بإطلاقه «5»، و إطلاق روايات البجلي و أبي بصير «6» الموجبة لقضاء ما بقي على الحائض و المريض.

و دليل الثالث: صحيحة الحذّاء المتقدّمة «7»، و صحيحة محمّد: «إذا اعتكف يوما و لم يكن اشترط فله أن يخرج و يفسخ الاعتكاف، و إن أقام يومين و لم يكن اشترط فليس له أن يخرج و يفسخ الاعتكاف، و إن أقام يومين و لم يكن اشترط فليس له أن يخرج و يفسخ الاعتكاف حتى تمضي

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 251، النهاية: 171، القاضي في شرح جمل العلم: 202، الشرائع 1: 218.

(2) كما في الرياض 1: 334.

(3) كما في التنقيح 1: 404، الروضة 2: 154.

(4) في ص: 548.

(5) الوسائل 10: 546 كتاب الاعتكاف ب 6.

(6) يعني روايتي البجلي و رواية أبي بصير، و الأوليان في الكافي 4: 179- 1، و الفقيه 2: 122- 530، و التهذيب 4: 294- 893، 894، و الثالثة في الكافي 4: 179- 2، الفقيه 2: 123- 536، و الجميع في الوسائل 10: 554 كتاب الاعتكاف ب 11 ح 1- 3.

(7) في ص: 549.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 563

ثلاثة أيّام» «1».

أقول: دليل الأول مردود بوجوب الخروج عن الأصل مع المخرج، كما في المقام، فإنّ الصحيحة مخرجة عنه، و ضعف سندها على بعض الطرق لا يضرّ مع الصحّة على بعض آخر، مع أنّه على الآخر أيضا موثّقة، و مع قطع النظر عنه أيضا بالشهرة المحكيّة منجبرة. و تضعيف دلالتها- لعدم ظهور: «ليس له» في الحرمة، كما في الذخيرة «2»- مردود بظهورها في نفي الحلّية، سيّما في مقابلة قوله: «فله أن يخرج» المثبت لمجرّد الحلّية بملاحظة التفصيل القاطع للشركة.

و دليل الثاني مدفوع

بمنع حرمة إبطال العمل، كما بيّنا في موضعه.

و منع دلالة لزوم الكفّارة بالجماع في الاعتكاف على وجوب الإتمام، إذ لا امتناع في وجوب الكفّارة بذلك في الاعتكاف المستحبّ.

و استبعاد ذلك و تخصيصه بترك الواجب- كما في الحدائق- لا وجه له.

و منع دلالة أخبار القضاء على الوجوب، و إنّما ورد فيها بالجملة الخبريّة، مع أنّه على فرض تسليم دلالة الجميع تكون غايته الإطلاق اللازم تقييده بالصحيحة المقيّدة.

و منه تظهر قوّة القول الثالث، فهو الأقرب.

ثمَّ إنّ هذا الحكم هل يتعدّى إلى كلّ ثالث- فله الفسخ في اليوم الرابع دون ما إذا تمَّ الخامس- أو يختصّ بالثلاثة الاولى؟

______________________________

(1) الكافي 4: 177- 3، الفقيه 2: 121- 526، التهذيب 4: 289- 879، الاستبصار 2: 129- 421، الوسائل 10: 543 كتاب الاعتكاف ب 4 ح 1.

(2) الذخيرة: 539.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 564

حكي عن الشيخ و الإسكافي و الحلبي «1»: الأول، لصحيحة أبي ولّاد المتقدّمة «2».

و عن السيّد عميد الدين: الثاني «3»، و هو الأظهر، للأصل، و عدم صراحة الصحيحة في الوجوب.

و دعوى عدم القول بالفرق- كما يشعر به كلام صاحب التنقيح «4»- ممنوعة، بل الفرق موجود من الطرفين، لوجود القول بالوجوب في الأولى دون غيرها- كما مرّ- و وجود القول باختصاص الوجوب باليومين في غير الاولى، و فيها يجب الشروع، كما حكي عن الشيخ و الحلبي و الغنية «5».

ثمَّ على القول بالتعدّي، فهل يتعدّى إلى كلّ ثلاثة، أو يختصّ بالثانية؟

صرح الشهيد بالأول «6»، و احتجّ له في المسالك بعدم القول بالفرق «7».

و ردّ بالمنع، و قال بعض شرّاح الروضة: و لم أر ممّن قبل المصنّف تعميم الوجوب لكلّ ثالث، بل إنّما تعرّضوا له في السادس.

و ظاهر هذا القائل:

الثاني، و هو الأظهر، لاختصاص الرواية. بل قيل

______________________________

(1) الشيخ في المبسوط 1: 290، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 251، الحلبي في الكافي: 186.

(2) في ص: 524.

(3) نقله عنه الشهيد الثاني في المسالك 1: 83.

(4) التنقيح 1: 404.

(5) الشيخ في المبسوط 1: 289، الحلبي في الكافي: 186، الغنية (الجوامع الفقهية): 573.

(6) الشهيد في الدروس 1: 301.

(7) المسالك 1: 83.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 565

بالاختصاص بالمندوب، و أمّا المنذور فليس كذلك، فلو نذر خمسة لا يجب السادس، لأنّ ظاهر الصحيحة المندوب. و فيه نظر.

المسألة الثانية: يستحبّ للمعتكف أن يشترط في ابتدائه الرجوع فيه،

بالإجماع و المستفيضة، كصحيحتي أبي ولّاد و محمّد المتقدّمتين «1»، و صحيحة أبي بصير، و فيها: «و ينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم» «2».

و رواية عمر بن يزيد: «و اشترط على ربّك في اعتكافك كما تشترط عند إحرامك، انّ ذلك في اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علّة تنزل بك من أمر اللّه» «3».

و في اختصاص الشرط بعارض يعدّ عذرا مسوّغا للخروج، أو بعارض مطلقا، أو الخروج متى شاء، أقوال.

دليل الأول: التشبيه باشتراط المحرم في الصحيحة و الرواية، و آخر رواية عمر بن يزيد [1].

و حجّة الثاني: صحيحة أبي ولّاد «4»، لظهور أنّ حضور الزوج ليس من الأعذار المسوّغة للخروج، نعم هو من جملة العوارض.

و حجّة الثالث: هذه الصحيحة، لعدم ظهور كون مثل ذلك عارضا،

______________________________

[1] كذا، لكن المتضمنة لتشبيه المعتكف بالمحرم هي صحيحة أبي بصير و رواية عمر ابن يزيد لا غير، راجع الوسائل 10: 552 كتاب الاعتكاف ب 9.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 548، 562.

(2) الكافي 4: 177- 2، الفقيه 2: 121- 525، التهذيب 4: 289- 876، الاستبصار 2: 128- 418، الوسائل 10: 552 كتاب الاعتكاف

ب 9 ح 1.

(3) التهذيب 4: 289- 878، و في الاستبصار 2: 129- 419، الوسائل 10: 553 كتاب الاعتكاف ب 9 ح 2: أن يحلك من اعتكافك، بدل: إن ذلك في اعتكافك.

(4) المتقدّمة في ص: 548.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 566

و إطلاق صحيحة محمّد «1» بل ظهورها في عدم العارض، لأنّ [الثمرة] [1]- في جواز الرجوع بعد اليومين و عدمه بالاشتراط و عدمه- إنّما تظهر مع عدم الضرورة. و لا ينافيهما التشبيه بالمحرم، لجواز كون التشبيه في أصل الاشتراط لا كيفيّته، بل يثبت ذلك تجويز الخروج مع الشرط بحضور الزوج.

أقول: أمّا التفرقة فيظهر وجهها مع تعميم العارض أيضا، فلا يظهر من الصحيحة الثانية الإطلاق، بل و كذا الأولى، لأنّ الحكم فيها في واقعة خاصّة متضمّنة لنوع عارض، غاية الأمر إجمال الثانية بحسب مطلق العارض و الاقتراح، و لازمه الاقتصار على موضع اليقين- و هو الشرط العارض- لأنّ تقييد اليومين فيها يكون بالمجمل المتّصل، و حكمه ذلك.

و من ذلك يظهر ضعف التمسّك بالأصل في التعميم بالنسبة إلى مطلق العارض و الاقتراح، فإذن الأقوى هو الثاني.

و لا يرد التشبيه بشرط المحرم، لما مرّ. و لا ذيل رواية عمر بن يزيد، لعدم دلالته على الحصر، بل غايته جواز اشتراط ذلك.

ثمَّ الظاهر عدم الفرق في جواز الاشتراط بين الواجب و غيره، للإطلاق و الأصل، لكن محلّه في الأول: وقت النذر و أخويه لا وقت الشروع، بخلاف المندوب، فإنّه عنده كما هو ظاهر الأخبار، و إنّما خصّ المنذور بوقت النذر لأنّ خلوّ النذر عن هذا الشرط يقتضي لزومه و عدم سقوطه، فلا يؤثّر الشرط الطارئ، سيّما مع تعيّن زمانه.

و أمّا جواز هذا الشرط عند النذر- مع كونه إجماعيّا

على الظاهر كما

______________________________

[1] أضفناه لاستقامة المعنى.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 562.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 567

يفهم من التنقيح «1» أيضا- فللأصل، مع ثبوت مشروعيّته في الاعتكاف قبل النذر.

هذا، و فائدة هذا الشرط جواز الرجوع عند العارض و إن مضى اليومان بل دخل الثالث.

و لا يجب القضاء في المندوب و لا في الواجب المعيّن، للأصل. و أمّا الواجب المطلق فمختار المعتبر و الدروس و المسالك و المدارك «2»: وجوب فعله ثانيا، و له وجه.

المسألة الثالثة: يحرم على المعتكف أمور:
منها: الجماع إجماعا

، له، و للآية «3»، و الأخبار «4».

و الظاهر الإجماع على فساد الاعتكاف به أيضا، و في الغنية و المنتهى و عن التنقيح و المفاتيح الإجماع عليه «5»، و يدلّ عليه أيضا- لو كان في النهار- أنّه يفسد الصوم المشروط في الاعتكاف.

و تؤيّده أيضا الأخبار الموجبة للكفّارة به، و أنّ المجامع فيه بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان «6». و أمّا الاستدلال بذلك على الفساد فمحلّ تأمّل، لجواز ترتّب الكفّارة على مجرّد الحرمة، و كونه بمنزلة المفطر في وجوب الكفّارة.

______________________________

(1) التنقيح 1: 406.

(2) المعتبر 2: 740، الدروس 1: 301، المسالك 1: 85، المدارك 6: 343.

(3) البقرة: 187.

(4) الوسائل 10: 545 كتاب الاعتكاف ب 5.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 573، المنتهى 2: 638، التنقيح 1: 406، المفاتيح 1: 279.

(6) الوسائل 10: 546 كتاب الاعتكاف ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 568

و ألحق بالجماع: الاستمناء بأيّ نحو كان، و في الخلاف الإجماع عليه «1». و لا بأس به إن أريد من حيث التحريم، سيّما مع تحريمه بنفسه إن لم يكن مع حلاله. و إن أريد من حيث الإفساد و الكفّارة فمشكل، بل الأجود العدم.

و منها: الاستمتاع بالنساء

لمسا و تقبيلا و غيرهما، بلا خلاف يعرف، بل عن ظاهر التبيان و مجمع البيان و فقه القرآن و المدارك الاتّفاق عليه «2»، و تدلّ عليه الآية، للنهي فيها عن المباشرة الشاملة لجميع ذلك.

و ظاهر الأصحاب اتّفاقهم على اختصاص حرمة الأمرين بما إذا كانا بشهوة و لا حرمة في الخاليين عنها «3».

و ألحق بعضهم بهما النظر بالشهوة «4». و لا وجه له.

و في فساد الاعتكاف بهما و عدمه قولان:

الأول: عن الخلاف و المعتبر و المنتهى و التذكرة و التحرير و الدروس

«5» و ابن شهرآشوب في متشابه القرآن، للنهي الموجب للفساد، و أنت خبير بما فيه.

و الثاني: للوسيلة و المختلف و ظاهر الشرائع و النافع و القواعد و الإرشاد و التلخيص و التبصرة «6»، للأصل السالم عن المعارض، و هو الأقوى.

______________________________

(1) الخلاف 2: 238.

(2) التبيان 2: 135، مجمع البيان 1: 281، فقه القرآن: 196، المدارك 6: 343.

(3) كالعلّامة في التحرير 1: 88، و صاحب المدارك 6: 343، و صاحب الحدائق 13: 491.

(4) نقله العلّامة عن ابن الجنيد في المختلف: 253.

(5) الخلاف 2: 229، المعتبر 2: 740، المنتهى 2: 639، التذكرة 1: 294، التحرير 1:

88، الدروس 1: 300.

(6) الوسيلة: 154، المختلف: 253، الشرائع 1: 219، المختصر: 74، القواعد 1: 71، الإرشاد 1: 306، تبصرة المتعلمين: 58.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 569

و منها: البيع و الشراء،

فالمشهور تحريمه، بل في الحدائق: أنّه لا خلاف فيه «1»، و في المدارك و عن الانتصار و الخلاف و الذخيرة الإجماع عليه «2»، لصحيحة الحذّاء المتقدّمة «3»، و في دلالتها على الحرمة نظر.

و حكي عن المبسوط و السرائر و اللمعة و الروضة: العدم «4»، و في النسبة نظر، بل صريح الأول عدم الجواز.

نعم، عبّر الثاني بالأولى، و لكن ظاهره الفساد به، و هو ينبئ عن التحريم أيضا، و الأخيران لم يذكراه. فإن ثبت الإجماع فهو و إلّا فالكراهة أظهر، و أظهر منها عدم الفساد به و لا الكفّارة.

و منها: الطيب و شمّ الرياحين،

و الكلام فيه كما في سابقة، إلّا أنّ عدم ثبوت الإجماع فيه أظهر، لعدم نقل إجماع عليه- إلّا عن الخلاف «5»- و مخالفة المبسوط «6».

و منها: المماراة-

و هي المجادلة على أمر دنيوي أو ديني لإظهار الغلبة- و هي في نفسها محرّمة، و أمّا من حيث الاعتكاف فالكلام فيها كسابقها.

و منها: الاشتغال بالأمور الدنيويّة الغير الضروريّة و الصنائع.

ظاهر المنتهى المنع منها «7»، لفحوى ما يمنع عن البيع و الشراء،

______________________________

(1) الحدائق: 13: 493.

(2) المدارك 6: 344، الانتصار: 74، الذخيرة: 542.

(3) في ص: 549.

(4) المبسوط 1: 293، السرائر: 98، اللمعة و الروضة 2: 157.

(5) الخلاف 2: 240.

(6) المبسوط 1: 293.

(7) المنتهى 2: 639.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 570

و لمنافاتها لماهيّة الاعتكاف، لأنّه اللبث للعبادة.

و يضعف الأول: بعدم معلوميّة العلّة. و الثاني: بمنع جزئيّة العبادة، و لو سلّمت لم يسلم الزائد عن الأغلبية اقتضاء، و لذا يجوز له الأكل و النوم و السكوت إجماعا.

ثمَّ الأولى تركها و ترك النظر في معايشه و الخوض في المباح زيادة على قدر الضرورة، و يجوز مع الضرورة البيع و الشراء الممنوع عنهما، و لكن يجب الاقتصار فيهما على ما تندفع به، حتى لو تمكّن من التوكيل فعل، لاندفاع الحاجة معه.

و منها: فعل القبائح و الاشتغال بالمعاصي و السيّئات،

و لا شكّ في حرمته بنفسه، و أمّا من جهة الاعتكاف فلا دليل عليه.

و أفسد الحلّي به الاعتكاف «1»، لما ذكر بجوابه.

و منها: كلّ ما يحرم على المحرم،

حرّمه الشيخ في الجمل «2»، و ربّما يحكى عن القاضي و ابن حمزة «3»، و لا دليل عليه أصلا، و الأصل ينفيه.

و ما في التنقيح- من جعله في المبسوط رواية «4»- لا يفيد، لعدم عمله بها، فلا يكون حجّة، و عدم معلوميّة متنها حتى ينظر في دلالتها.

المسألة الرابعة:

يفسده كلّ ما يفسد الصوم إذا وقع على وجه يفسد الصوم، من حيث فوات الصوم، الذي هو شرط فيه إجماعا.

المسألة الخامسة: كلّما يحرم على المعتكف من حيث إنّه معتكف

______________________________

(1) الحلي في السرائر 1: 426.

(2) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 222.

(3) ابن حمزة في الوسيلة: 154، القاضي في المهذّب 1: 204 و حكاه عنهما في المختلف: 253.

(4) التنقيح 1: 406.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 571

فإنّه يحرم ليلا و نهارا، لدخول الليالي في الاعتكاف. و أمّا ما وجب الإمساك عنه باعتبار الصوم فإنّما يمسك عنه في النهار، لأنّه زمان الصوم.

المسألة السادسة: هل يختصّ ما يحرم بالاعتكاف الواجب، أم يتناول المندوب أيضا؟

قيل: إطلاق النصّ و كلام الأصحاب يقتضي الثاني «1».

أقول: إن كان المحرّم مفسدا للاعتكاف فيتعيّن الحكم بعدم حرمته في المندوب، لعدم حرمة إفساده.

و ما كان غير مفسد، فما كان فيه إطلاق على التحريم- كالنساء و البيع و الشراء و الطيب بناء على دلالة الصحيحة «2»- فيحرم مع قصد بقاء الاعتكاف، للإطلاق.

و ما لم يكن فيه إطلاق بل كان للإجماع- كالبيع و الشراء على عدم تماميّة دلالة الصحيحة- فيختصّ بالواجب، لعدم ثبوت الإجماع في غيره.

المسألة السابعة: لا يصحّ اعتكاف العبد بدون إذن مولاه

، و لا الزوجة بدون إذن زوجها، لمنافاته للحقّ الواجب عليهما. و أمّا الولد بدون إذن و الدية فإنّما يصحّ حيث يكون مع الصوم الواجب، أمّا مع المندوب فلا يصحّ من حيث اشتراط الصوم بالإذن كما مرّ «3».

المسألة الثامنة: تجب الكفّارة بالجماع

للاعتكاف من حيث هو- ليلا كان أو نهارا- بلا خلاف كما صرّح به جماعة «4»، بل بالإجماع كما عن

______________________________

(1) كما في الحدائق 13: 495.

(2) المتقدمة في ص: 549.

(3) راجع ص 548.

(4) منهم السيوري في التنقيح 1: 407، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 85، و السبزواري في الذخيرة: 542.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 572

الانتصار و الغنية و في التذكرة و المنتهى و غيرها «1»، للإجماع، و المستفيضة، كصحيحتي أبي ولّاد السابقة «2».

و زرارة: عن المعتكف يجامع أهله؟ قال: «إذا فعل فعليه ما على المظاهر» «3».

و موثّقة سماعة: عن معتكف واقع أهله، قال: «هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان» «4».

و الأخرى مثل الأولى، إلّا أنّه زاد فيها: «متعمّدا، عتق رقبة أو صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكينا» «5».

و هل الواجب عليه كفّارة الظهار، كما في الصحيحين؟ أو الإفطار، كما في الموثّقين؟

الأول: محكيّ عن المقنع «6» و اختاره جماعة من المتأخّرين «7».

و الثاني: هو المشهور كما صرّح به جماعة «8»، و عن الغنية و المنتهى

______________________________

(1) الانتصار: 73، الغنية (الجوامع الفقهية): 573، التذكرة 1: 294، المنتهى 2:

640، و انظر شرح الجمل: 202.

(2) راجع ص 548.

(3) الكافي 4: 179- 1، الفقيه 2: 122- 532، التهذيب 4: 291- 887، الاستبصار 2: 130- 424، الوسائل 10: 546 كتاب الاعتكاف ب 6 ح 1.

(4) الكافي 4: 179- 2، الفقيه 2: 123- 534، التهذيب 4: 291- 886، الاستبصار 2: 130-

423، الوسائل 10: 547 كتاب الاعتكاف ب 6 ح 2.

(5) التهذيب 4: 292- 888، الاستبصار 2: 130- 425، الوسائل 10: 547 كتاب الاعتكاف ب 6 ح 5.

(6) حكاه عنه العلّامة في المختلف: 254.

(7) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 86، و صاحب المدارك 6: 350، و الكاشاني في المفاتيح 1: 279.

(8) منهم صاحب الحدائق 13: 496، و صاحب الرياض 1: 336.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 573

و التذكرة: الإجماع عليه «1».

و الحقّ هو: الأول، للصحيحين الصريحين. و احتمال إرادة التشريك مع المظاهر في أصل الكفّارة أو المقدار بعيد غايته.

و يجاب عن الموثّقتين بعدم الدلالة:

أمّا الأولى، فواضح، لاحتمال كونه بمنزلته في التأثيم أو مطلق التكفير أو القدر، و عموم المنزلة لم يثبت عندي، و لو ثبت فالتخصيص لازم بالصحيحين.

و أمّا الثانية، فلعدم صراحة دلالتها على الوجوب أولا. و احتمال إرادة بيان أقسام الأشخاص من لفظة «أو» ثانيا، فيكون للتقسيم دون التخيير.

و أمّا التمسّك بأصالة عدم الترتيب فمردود بأصالة عدم التخيير أيضا، لأنّه أيضا أمر حادث، فنسبة الأصل إليهما على السواء.

و لو كان الجماع في نهار رمضان لزمته كفّارتان- إحداهما للصوم و الأخرى للاعتكاف- بالإجماع كما عن الانتصار و الخلاف و الغنية و المنتهى «2».

لرواية عبد الأعلى: عن رجل وطئ امرأته و هو معتكف ليلا في شهر رمضان، قال: «عليه الكفّارة»، قلت: فإن وطئها نهارا؟ قال: «عليه كفّارتان» «3».

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 573، المنتهى 2: 640، التذكرة 1: 294.

(2) الانتصار: 73، الخلاف 2: 238، الغنية (الجوامع الفقهية): 573، المنتهى 2: 640.

(3) الفقيه 2: 122- 533، التهذيب 4: 292- 889، الوسائل 10: 547 كتاب الاعتكاف ب 6 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 574

و لعمومات

وجوبها بالجماع في كلّ من نهار رمضان و الاعتكاف «1»، و عدم فائدة أصالة التداخل لاختلاف الكفّارتين، مع أنّ الأصل بالرواية المذكورة زائل.

و كذا تجب كفّارتان لو وقع في أيّام صوم النذر المعيّن، أو قضاء رمضان بعد الزوال، أو كان الاعتكاف واجبا بمثل النذر، إحداهما:

للاعتكاف، و الأخرى: للسبب الآخر.

و الدليل: عمومات كفّارة كلّ من الأمرين، لا الرواية، لظهورها في نهار رمضان. و على هذا فيمكن التداخل فيما أمكن، على القول بأصالته، كما هو المختار.

و الظاهر اختصاص التعدّد بما ذكر.

و عن الحلّي و السيّد و الشيخ في غير النهاية و الصدوق و الإسكافي و القاضي و ابني زهرة و حمزة: إطلاق التعدّد في النهار «2»، بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه، لإطلاق الرواية.

و ضعفه ظاهر، لظهورها في نهار رمضان.

و قيل: لأنّ في النهار صوما و اعتكافا «3».

و فيه: أنّ مطلق الصوم لا تترتّب على إفساده كفّارة.

______________________________

(1) الوسائل 10: 546 كتاب الاعتكاف ب 6.

(2) الحلي في السرائر 1: 425، و السيّد في الانتصار: 73، و الشيخ في المبسوط 1: 294، و الخلاف 2: 238، و الاقتصاد: 296، و الجمل و العقود (الرسائل العشرة): 222، و الصدوق في الفقيه 1: 122، و نقله عن الإسكافي في المختلف: 254، و القاضي في المهذب 1: 204، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 573، و ابن حمزة في الوسيلة: 153.

(3) كما في الدروس 1: 303.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 575

و يظهر من المقنع و الإسكافي أنّ بذلك رواية «1».

و هي أيضا غير مفيدة بعد عدم معلوميّة متن الرواية، و احتمال إرادتهما الرواية السابقة.

و هل يختصّ وجوب كفّارة الاعتكاف مع الجماع بما إذا وجب معيّنا بنذر أو مضيّ

اليومين أو مطلق؟

ظاهر الروايات إطلاقا بل عموما: الثاني، و لا استبعاد فيه.

و تختصّ كفّارة الاعتكاف بالجماع، فلا كفّارة واجبة في ارتكاب غيره من مفطرات الصوم أو مفسدات الاعتكاف أو محرّماته، للأصل السالم عن المعارض جدّا.

المسألة التاسعة: إذا حاضت المرأة في أثناء الاعتكاف خرجت من المسجد إلى بيتها،

و هكذا المريض، حتى إذا طهرت و برئ، قالوا: وجب الرجوع لقضائه، إمّا مطلقا، كجماعة «2»، أو مع وجوب الاعتكاف، كآخرين «3».

و الأحوط: الأول، و إن كان أصل القضاء احتياطا أيضا، لقصور الأخبار «4» المتضمّنة له لإفادة الوجوب، و لكنّه ممّا ذكره الأصحاب.

و المقضي جميع زمان الاعتكاف إن لم تمض ثلاثة أيّام، و إلّا

______________________________

(1) نقله عنهما في المختلف: 254، و لم نجده في المقنع، و لكن وجدناه في الفقيه 2: 254.

(2) منهم الشيخ في النهاية: 172، و المحقق في النافع: 74، و صاحب الرياض 1:

335.

(3) منهم العلّامة في المنتهى 2: 636، و السبزواري في الذخيرة: 542، و صاحب الحدائق 13: 477.

(4) الوسائل 10: 554 كتاب الاعتكاف ب 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 10، ص: 576

فالمتروك خاصّة.

خصّنا اللّه سبحانه بأنظار رحمته، و تجاوز عن سيّئاتنا بعميم مغفرته.

تمَّ كتاب الصوم و الاعتكاف من مستند الشيعة في أحكام الشريعة في ضحوة يوم الثلاثاء رابع عشر شهر رجب المرجب سنة 1239 على هاجرها ألف سلام و تحيّة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، الجزء ١١

كتاب الحجّ

اشاره

و تتبعه العمرة أو تدخل فيه، و فيه مقاصد:

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 9

المقصد الأول في أنواعه

اشاره

(و أقسامه بحسب الحكم و شرائط كلّ منها، و ما يتعلّق به من هذه الجهة، و ينقسم كلّ من الحجّ و العمرة من هذه الجهة إلى قسمين:

واجب و ندب) [1]، فهاهنا أبواب ثلاثة:

______________________________

[1] بدل ما بين القوسين في «س»: و شرائطها، و هو واجب و ندب، و كلّ منهما إمّا تمتع أو قران أو إفراد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 11

الباب الأول في الواجب من الحجّ
اشاره

و هو على قسمين: الواجب بأصل الشرع، و الواجب بالعارض، فهاهنا مطلبان:

المطلب الأول في الواجب بأصل الشرع
اشاره

و هو الذي يسمّى بحجّة الإسلام، و هو واجب على كلّ من اجتمعت فيه الشرائط الآتية من الرجال و النساء و الخناثى، بالكتاب «1» و السنّة «2» و إجماع المسلمين، بل الضرورة من الدين. و الكلام إمّا في أحكامه من جهة الوجوب، أو شرائطه من هذه الجهة، ففيه فصلان:

الفصل الأول في أحكامه
اشاره

و فيه مسألتان:

المسألة الأولى: الواجب على كل مستجمع للشرائط في تمام العمر مرّة واحدة،

بلا خلاف فيه بين المسلمين كما في التهذيبين «3»، بل

______________________________

(1) آل عمران: 96- 97.

(2) الوسائل 11: 7 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 1.

(3) التهذيب 5: 16، الإستبصار 2: 148.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 12

بإجماعهم كما في المعتبر و المنتهى و شرح المفاتيح «1» و غيرها «2»، و نسبه في التذكرة إلى عامّة أهل العلم «3»، للأصل، و الإجماع المحقّق، و قيل «4»:

بالنصوص المستفيضة من طرق الخاصّة و العامّة «5».

خلافا للمحكيّ عن الصدوق في العلل، فأوجبه في المستجمع للشرائط في كلّ عام «6»، للمستفيضة المتضمّنة للصحيح و غيره «7»، لكنّها غير ناهضة لإثبات الحكم، لمخالفتها الإجماع، فهي إمّا مطروحة، أو على الاستحباب محمولة، أو على إرادة كلّ عام على البدليّة، أو على الوجوب كفاية، بمعنى: أنّه يجب أن لا يخلو بيت اللَّه من طائف أبدا، كما يستفاد من الأخبار المستفيضة أيضا «8».

المسألة الثانية: وجوبه فوري،

بمعنى: أنّه تجب المبادرة إليه في أول عام الاستطاعة و التمكّن، بلا خلاف فيه يعرف كما في الذخيرة «9»، بل بلا خلاف فيه بيننا كما عن السرائر «10»، بل بالإجماع كما في المنتهى و التذكرة و المدارك و المفاتيح و عن الناصريات و الخلاف و الروضة و شرح الجمل

______________________________

(1) المعتبر 2: 747، المنتهى 2: 642.

(2) كالرياض 1: 337.

(3) التذكرة 1: 296.

(4) كما في الرياض 1: 337.

(5) من طرق الخاصّة: كما في الوسائل 11: 19 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 3، و من طرق العامّة: كما في سنن ابن ماجة 2: 963- 2886، سنن أبي داود 2:

139- 1720.

(6) العلل: 405.

(7) كما في الوسائل 11: 16 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 2.

(8) انظر الوسائل 11: 20 أبواب وجوب الحج و شرائطه

ب 4.

(9) الذخيرة: 549.

(10) السرائر 1: 515.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 13

للقاضي و شرح القواعد للمحقّق الثاني «1» و غيرها «2»، بل بالإجماع المحقّق، له، و للأخبار المستفيضة، كصحيحتي الحلبي «3» و المحاربي «4»، و غيرهما «5» من الروايات الكثيرة.

ثم لو عصى و أخّر عن أول العام يجب عليه فيما يليه كذلك و هكذا، بالإجماع.

و لو توقّف إدراك الحجّ على مقدّمات- من سفر و غيره- وجب الفور بها على وجه يدرك الحجّ كذلك، لوجوب مقدّمة الواجب.

و لو تعدّدت الرفقة في العام الواحد، فإن لم يتمكّن من المسير مع بعضها تعيّن الباقي قطعا، و إن احتمل المسير مع كل واحد منها يجوز التأخير إلى الأخير، وفاقا للمدارك «6»، لانتفاء الدليل على فوريّة المسير بهذا المعنى.

و قيل: يجب السير مع أولاها، فإن أخّر عنها و أدركه مع الثانية و إلّا كان كمؤخّره عمدا، اختاره في الروضة «7». و قال في الدروس بجواز التأخير مع الوثوق بالسفر مع غيرها «8». و لا دليل لهما.

______________________________

(1) المنتهى 2: 642، التذكرة 1: 296، المدارك 7: 15، المفاتيح 1: 294، الناصريات (الجوامع الفقهية): 208، الخلاف 2: 257، الروضة 2: 161، شرح جمل العلم العمل: 207، لم نعثر عليه في جامع المقاصد.

(2) كما في كشف اللثام 1: 275.

(3) التهذيب 5: 18- 54، 403- 1405، الوسائل 11: 26 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 6 ح 3.

(4) الكافي 4: 268- 1، الفقيه 2: 273- 1333، التهذيب 5: 17- 49، الوسائل 11: 29 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 7 ح 1.

(5) كما في الوسائل 11: 25 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 6.

(6) المدارك 7: 18.

(7) الروضة 2: 161.

(8) الدروس 1: 314.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 14

نعم، يتمّ الأول بالنسبة إلى ثبوت الاستقرار الموجب للقضاء، لعموم ما دلّ على وجوبه «1» السليم عن المعارض، و أمّا بالنسبة إلى الإثم و العصيان فلا.

______________________________

(1) كما في الوسائل 11: 29 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 15

الفصل الثاني في شرائط حجة الإسلام
اشاره

و هي أمور:

الشرط الأول و الثاني: البلوغ و العقل
اشاره

فلا يجب على الصبيّ و المجنون، إجماعا محققا و محكيّا «1» مستفيضا، للأصل، و حديث رفع القلم «2»، مضافا في الصبيّ إلى مفهوم رواية شهاب «3»، و موثّقة إسحاق: عن ابن عشر سنين يحجّ؟ قال: «عليه حجّة الإسلام إذا احتلم، و كذلك الجارية عليها الحجّ إذا طمثت» «4».

و يصحّ من الصبيّ المميّز و غير المميّز، بلا خلاف في الأول كما عن التذكرة و المنتهى «5»، بل بالإجماع كما صرّح به بعضهم «6» و حكي عن الخلاف «7»، بل قيل: بلا خلاف في الثاني أيضا «8».

و تدل عليه في الأول عمومات مرغّبات الحجّ و أفعاله، فإنّها شاملة

______________________________

(1) كما في المعتبر 1: 327، و كشف اللثام 1: 285، و الرياض 1: 337.

(2) الفقيه 1: 36- 132، الخصال: 417- 9، الوسائل 8: 249 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 2.

(3) التهذيب 5: 6- 14، الإستبصار 2: 146- 476، الوسائل 11: 45 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 12 ح 2.

(4) الفقيه 2: 266- 1296، الوسائل 11: 44 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 12 ح 1.

(5) التذكرة 1: 297، المنتهى 2: 859.

(6) كصاحب الرياض 1: 337.

(7) الخلاف 2: 378.

(8) كما في كشف اللثام 1: 285.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 16

للصبيّ أيضا على ما مرّ في الصوم.

و فيهما الأخبار العديدة، كرواية محمد بن الفضيل: عن الصبي متى يحرم به؟ قال: «إذا أثغر» «1»، أقول: يعني إذا سقط سنّه.

و رواية الحكم: «الصبيّ إذا حجّ به فقد قضى حجّة الإسلام حتى يكبر، و العبد إذا حجّ به فقد قضى حجّة الإسلام حتى يعتق» «2».

و صحيحة ابن سنان: «فقامت إليه امرأة و معها صبيّ لها،

فقالت:

يا رسول اللَّه، أ يحجّ عن مثل هذا؟ قال: نعم، و لك أجره» «3».

و صحيحة زرارة: «إذا حجّ الرجل بابنه و هو صغير فإنّه يأمره أن يلبّي و يفرض الحجّ، فإن لم يحسن أن يلبّي لبّوا عنه و يطاف به و يصلّى عنه»، قلت: ليس لهم ما يذبحون، قال: «يذبح [عن ] الصغار و يصوم الكبار، و يتّقى عليهم ما يتّقى على المحرم من الثياب و الطيب، و إن قتل صيدا فعلى أبيه» «4».

أقول: يفرض الحجّ- أي يوجبه على نفسه- بعقد الإحرام و التلبية، أو الإشعار، أو التقليد، فإنّ الصبيّ في تلك الأخبار أعمّ من المميّز و غيره، بل في الأخيرة تصريح بكلّ منهما.

______________________________

(1) الكافي 4: 276- 9، الفقيه 2: 266- 1297، الوسائل 11: 55 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 20 ح 2.

(2) الفقيه 2: 267- 1298، الوسائل 11: 49 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 16 ح 2.

(3) التهذيب 5: 6- 16، الإستبصار 2: 146- 478، الوسائل 11: 54 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 20 ح 1.

(4) الكافي 4: 303- 1، الفقيه 2: 265- 1291، التهذيب 5: 409- 1424، الوسائل 11: 288 أبواب أقسام الحجّ ب 17 ح 5، و بدل ما بين المعقوفين في النسخ: من، و ما أثبتناه من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 17

و لا ينافيه قوله: «يحرم به» و: «حجّ به»، لأنّه أعمّ من الأمر بمباشرته أو جعله مباشرا، بقرينة قوله في الثانية: «و العبد إذا حجّ به» و كذا قوله في الأخيرة: «حجّ بابنه» ثم قوله: «يأمره» إلى آخره.

ثم كيفية حجّ الأول: أن يباشر بنفسه ما يباشره الحاجّ من المناسك.

و حجّ الثاني: أن يباشر به، أي

يجعل مباشرا لما يمكن جعله كذلك من الأفعال، و تولّى «1» عنه ما لم يمكن من النيّات و الأقوال.

و تدلّ على الأول: العمومات المشار إليها، و قوله في صحيحة زرارة:

«يأمره أن يلبّي و يفرض الحجّ»، بضميمة الإجماع المركّب في تتمة المناسك.

و على الثاني: قوله في الصحيحة: «فإن لم يحسن» إلى آخره.

و صحيحة معاوية بن عمّار: «قدّموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة [1] أو إلى بطن [مرّ] ثم يصنع بهم ما يصنع بالمحرم، يطاف بهم و يسعى بهم و يرمى عنهم، و من لم يجد منهم هديا فليصم عنه وليّه» [2].

و البجلي، و فيها- بعد السؤال عن مولود صبي-: «إذا كان يوم التروية فجرّدوه و غسلوه كما يجرّد المحرم، ثم أحرموا عنه، ثم قفوا به في الموقف، فإذا كان يوم النحر فارموا عنه و احلقوا رأسه، ثم زوّروه بالبيت،

______________________________

[1] كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق المدينة من مكّة على أربع مراحل، و هي ميقات أهل مصر و الشام إن لم يمرّوا على المدينة- معجم البلدان 2: 111.

[1] الفقيه 2: 266- 1294 بتفاوت يسير، التهذيب 5: 409- 1423، الوسائل 11: 287 أبواب أقسام الحجّ ب 17 ح 3 بتفاوت يسير، و بدل ما بين المعقوفين في النسخ: مرو، و ما أثبتناه موافق للمصادر، و هو من نواحي مكّة، عنده يجتمع وادي النخلتين فيصيران واديا واحدا- معجم البلدان 1: 449.

______________________________

(1) في «ح» و «س»: و يؤتى ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 18

ثم مروا الخادم أن يطوف به بالبيت و بين الصفا و المروة» «1».

و لا يتوهّم شمول هذه الكيفيّة للمميّزين أيضا، لظهورها في غيرهم، مع أنّه على فرض الشمول يجب التقييد بما في

صحيحة زرارة المتقدّمة.

فروع:
أ: هل يشترط في صحّة حجّ المميّز إذن الولي؟

فيه وجهان، أوجههما: لا، للأصل، و العمومات.

و قيل: نعم «2»، بل نسب إلى الأكثر «3».

لأنّ الحجّ عبادة متلقّاة من الشرع مخالف للأصل، فيجب الاقتصار فيها على المتيقّن، و هو الصبيّ المأذون.

و لأنّ الصحّة هنا بمعنى ترتّب الكفّارات عليه أو على الولي و الهدي أو بدله، و لم يجز له التصرّف في شي ء من ذلك في المال إلّا بإذن الولي.

و لقوله في الصحيحة: «يأمره» إلى آخره.

و يضعف الأول: بحصول التوقيف و التعيين من العمومات.

و الثاني: بمنع كون الصحّة هنا بالمعنى المذكور، بل هي بمعنى موافقة الأفعال لأمر الشارع، و لزوم الكفّارات أثر ارتكاب أمر آخر و ليس أثرا للإحرام أصلا.

سلّمنا أنّه أثره و لا يجوز له التصرّف في المال، فغايته أنّه يبقى في

______________________________

(1) الكافي 4: 300- 5 بتفاوت يسير، التهذيب 5: 410- 1425، الوسائل 11:

286 أبواب أقسام الحجّ ب 17 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) انظر الرياض 1: 338.

(3) كما في الرياض 1: 338.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 19

ذمّته، أو يكون بالنسبة إلى الكفّارات و الهدي بمنزلة الفاقد لها فيصنع ما يصنعه.

و الثالث: بعدم الدلالة، لتقييده بقوله: «إذا أراد الرجل» [1].

ب: ظاهرهم أنّ المباشر للحجّ بغير المميّز: الوليّ أو من يأمره

و يستنيبه.

ثم اختلفوا في تعيّنه، و الأخبار غير دالّة على التخصيص، لأنّ قوله:

«من كان معكم من الصبيان» أعمّ ممّن كان مع وليّه أو غيره، و كذا لا اختصاص في الأمر بقوله: «قدّموا» و: «فجرّدوه» و: «لبّوا عنه» و غير ذلك، فإن ثبت الإجماع فيه فهو، و إلّا فالظاهر جوازه لكلّ من يتكفّل طفلا، غاية الأمر أنّه لا يتعلّق أمر ماليّ بالطفل، بل يكون على المباشر، فتأمّل.

ج: قيل: ما وقفت عليها في المسألة من الروايات مختصّ بالصبي،

و لا ريب أنّ الصبيّة في معناه «1».

أقول: لأحد مطالبته بدليل كونها في معناه، و ربّما يستدلّ للصبيّة برواية شهاب و موثّقة إسحاق المتقدّمتين «2»، و في دلالتهما نظر، لأنّها إنّما هي إذا تضمّنت حجّ الصبيّة، و ليس فيها ذلك، بل ليس فيها حجّ الصبيّ أيضا، لجواز أن يكون السؤال عن وجوب الحجّ، فأجاب بأنّه بعد الاحتلام و الطمث، لا أن يكون السؤال عن الحجّ الواقع حتى يمكن التمسّك فيه بالتقرير.

و قد يستدلّ أيضا بموثّقة يعقوب: إنّ معي صبية صغارا و أنا أخاف

______________________________

[1] كذا في النسخ، و في الصحيحة: إذا حج الرجل.

______________________________

(1) كما في المدارك 7: 26.

(2) في ص: 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 20

عليهم البرد، فمن أين يحرمون؟ قال: «ائت بهم العرج [1] فليحرموا منها» الحديث «1».

و لا يخفى أنّ الثابت من هذه الرواية- بل الأوليين- هو حجّ الصبية، و هو يثبت من العمومات أيضا، لا الحجّ به.

د: ألحق الأصحاب بالصبي: المجنون،

و استدل له بأنّه ليس أخفض حالا من الصبي «2».

و ردّ بأنّه قياس «3»، و هو كذلك، إلّا أنّه لمّا كان المقام مقام المسامحة تكفي في حكمه فتوى كثير من الأصحاب به.

ه: لا يجزئ هذا الحجّ بقسميه عن حجّة الإسلام لو استجمع الصغير و المجنون الشرائط بعد الكمال،

بلا خلاف يعرف كما عن المنتهى «4»، بل بالإجماع كما في شرح القواعد لبعض الأجلّة و المفاتيح و شرحه «5»، بل بالإجماع المحقّق، له، و للمستفيضة، كروايتي شهاب و الحكم، و موثّقة إسحاق المتقدّمة «6»، و رواية مسمع «7».

______________________________

[1] و هي قرية جامعة في واد من نواحي الطائف، في أول تهامة، و تقع في بلاد هذيل- معجم البلدان 4: 98.

______________________________

(1) الكافي 4: 303- 3، الفقيه 2: 266- 1293، الوسائل 11: 289 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 7.

(2) منهم المحقق في المعتبر 2: 748، و العلّامة في المنتهى 2: 649.

(3) المدارك 7: 26.

(4) المنتهى 2: 649.

(5) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 285، المفاتيح 1: 296.

(6) في ص: 15 و 16.

(7) الكافي 4: 278- 18، التهذيب 5: 6- 15، الإستبصار 2: 146- 477، الوسائل 11: 46 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 13 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 21

و هل يجزئ لو أدرك أحد الموقفين كاملا، أم لا؟

الأول: للشيخ في المبسوط و الخلاف «1» و الوسيلة و الإرشاد «2»، بل أكثر الأصحاب كما صرّح به جماعة «3»، بل إجماعيّ كما عن الخلاف و التذكرة «4» و ظاهر المسالك «5».

و تردّد فيه في الشرائع و المنتهى و التحرير «6»، بل نفاه جمع من متأخّري المتأخّرين «7».

دليل الأولين: الروايات المثبتة لهذا الحكم في العبد «8».

و كونه زمانا يصحّ فيه إنشاء الحجّ، فكان مجزئا بأن يجدّد نيّة الوجوب.

و يردّ الأول: بأنّه قياس.

و الثاني:

بأنّه إن أريد أنّه زمان يصحّ فيه الإنشاء في بعض الصور المنصوصة فلا يفيد، و إن أريد مطلقا فلا نسلّم.

و لو استدلّ له بقوله عليه السلام في غير واحد من الأخبار: «من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ» «9» لكان أقرب، و إن كان في شموله للمورد نظر،

______________________________

(1) المبسوط 1: 297، الخلاف 2: 378.

(2) الوسيلة: 195، الإرشاد 1: 310.

(3) منهم صاحب المدارك 7: 22، و السبزواري في الكفاية: 56، و صاحب الحدائق 14: 60.

(4) الخلاف 2: 379، التذكرة 1: 299.

(5) المسالك 1: 87.

(6) الشرائع 1: 225، المنتهى 2: 649، التحرير 1: 90.

(7) كصاحب الحدائق 14: 61، و المفاتيح 1: 296.

(8) كما في الوسائل 11: 52 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 17.

(9) رجال الكشي 2: 680- 716، الوسائل 14: 41 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 13، و انظر ص 57 ب 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 22

سيّما في حجّ التمتع، حيث إنّ العمرة الواجبة وقعت في زمان عدم التكليف و لم يثبت إدراك العمرة بذلك.

و لا شك أنّ الأحوط بل الأظهر: الإعادة بعد الاستطاعة.

ثم على القول بالإجزاء، ففي اشتراط استطاعته من البلد، أو الميقات، أو حين التكليف، أقوال، أظهرها: الأخير، كما يظهر مما سنذكره في المملوك و نفقته الزائدة على ما يلزمه في الحضر على من يسافر به، لعدم ثبوت جواز التصرّف في القدر الزائد في مال الطفل.

الشرط الثالث: الحرّية.
اشاره

فلا يجب على المملوك، إجماعا محقّقا، و محكيّا «1» مستفيضا، له، و للنصوص المستفيضة «2»، و إطلاقها- كإطلاق الفتاوى «3»، بل صريح بعضها «4»- يشمل ما لو أذن له المولى أيضا.

نعم، يصحّ منه الحجّ إذا أذن له المولى، بالإجماع و النصوص، و لا يجزئه عن

حجّة الإسلام كذلك لو استجمع الشرائط بعد العتق.

و أمّا بعض الروايات الظاهرة في الإجزاء فمؤوّلة، أو مخصّصة بما هو أخصّ منها، أو مطروحة، للمعارضة مع الأكثر و المخالفة للإجماع، إلّا أن يدرك أحد الموقفين معتقا، فيجزئه عنها إجماعا و نصّا.

ففي صحيحة ابن عمّار: مملوك أعتق يوم عرفة، قال: «إذا أدرك أحد

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 337.

(2) الوسائل 11: 47 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 15.

(3) كما في المبسوط 1: 297، و الغنية (الجوامع الفقهية): 573، المعتبر 2: 749.

(4) كما في الحدائق 14: 71.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 23

الموقفين فقد أدرك الحجّ» «1».

و شهاب: في رجل أعتق عشيّة عرفة عبدا، أ يجزئ عن حجّة الإسلام؟ قال: «نعم» «2».

و هل تشترط في إجزائه عنها استطاعته حين العتق أم لا؟

الظاهر: نعم، إن أريد الاستطاعة البدنيّة، بل الماليّة بقدر ما يحتاج إليه من الزاد و الراحلة من الموقف إلى إتمام الحجّ، لإطلاق الآية «3» و النصوص «4»، فلو لم يكن كذلك و أتمّ الحجّ بجهد و مشقّة لم يجز عن حجّة الإسلام.

و لا، إن أريد الأزيد من ذلك، للأصل السالم عن المعارض.

و قيل: لا يشترط أصلا، لإطلاق النص «5».

و فيه نظر، لأنّ الإطلاق لا عموم فيه، فينصرف إلى الغالب من حصول الاستطاعة البدنيّة المعتبرة في المورد، فلا يشمل ما لو لم تكن هناك استطاعة.

و لو سلّم الإطلاق فيعارض ما دلّ على اشتراط الاستطاعة من الكتاب و السنّة بالعموم من وجه، و الأخير أرجح، لموافقة الكتاب، مضافا إلى الأكثريّة و الأصرحيّة و الأشهريّة، بل يظهر من بعض الأجلّة الإجماع على اشتراط الاستطاعة «6».

فرع:

لو جنى العبد المأذون في إحرامه حال رقّيته بما يلزمه به الدم،

______________________________

(1) الفقيه 2:

265- 1290، التهذيب 5: 5- 13، الإستبصار 2: 148- 485، الوسائل 11: 52 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 17 ح 2.

(2) الكافي 4: 276- 8، التهذيب 5: 5- 12، الإستبصار 2: 148- 484، الوسائل 11: 53 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 17 ح 4.

(3) آل عمران: 97.

(4) الوسائل 11: 33 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 8.

(5) قاله صاحب المدارك 7: 31.

(6) انظر كشف اللثام 1: 288.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 24

كان على سيّده، وفاقا لصريح المعتبر «1»، و ظاهر التهذيب «2»، و قوّاه في المدارك «3»، لصحيحة حريز: «كلّما أصاب العبد و هو محرم في إحرامه فهو على السيّد إذا أذن له في الإحرام» «4».

و لا تعارضه صحيحة ابن أبي نجران: عن عبد أصاب صيدا و هو محرم، هل على مولاه شي ء من الفداء؟ فقال: «لا شي ء على مولاه» «5»، لأنّ الأولى أخصّ مطلقا من الثانية بتقييدها بالإذن في الإحرام.

و القول بأنّ الثانية أيضا متضمّنة له، لأنّ قول السائل: «و هو محرم» بقرينة تقريره عليه في الجواب يدلّ على تحقّق الصحّة المشروطة بالإذن.

مردود بمنع حجّية مثل ذلك التقرير أولا، و تحقّق الصحّة بالإذن بالعموم، بأن يقول له: افعل ما تشاء، الذي هو أيضا أعمّ مطلقا من الإذن في الإحرام، ثانيا.

الشرط الرابع: الاستطاعة.
اشاره

بالإجماع، و الكتاب «6»، و السنّة المتواترة «7»، و هي تكون بالاستطاعة

______________________________

(1) المعتبر 2: 751.

(2) التهذيب 5: 382.

(3) المدارك 7: 33.

(4) الكافي 4: 304- 7، الفقيه 2: 264- 1284، التهذيب 5: 382- 1334، الإستبصار 2: 216- 741، الوسائل 13: 104 أبواب كفّارات الصيد و توابعها ب 56 ح 1.

(5) التهذيب 5: 383- 1335، الإستبصار 2: 216- 742، الوسائل 13: 105

أبواب كفّارات الصيد و توابعها ب 56 ح 3.

(6) آل عمران: 97.

(7) الوسائل 11: 33 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 25

في أربعة أمور: الاستطاعة الماليّة، و السربيّة، و البدنيّة، و الزمانيّة، و تفصيلها يقع في أربعة مقامات:

المقام الأول: في الاستطاعة الماليّة.
اشاره

و هي تحصل بالتمكّن من الزاد و الراحلة.

أمّا الزاد فالمراد منه: ضروريّ الأكل و الشرب مدّة ذهابه إلى المقصد و عوده إلى بلده، و دخوله في مفهوم الاستطاعة لغة و عرفا واضح، و الأخبار به ناصّة «1» كما يأتي.

و أدخل بعضهم في الزاد: الملبس و ما يكنّ به «2»، أي يستر و يقي نفسه من الحرّ و البرد من خباء و نحوه.

أقول: أمّا الملبس، فإن أراد به ما يحتاج إليه في السفر زائدا عمّا يحتاج إليه في وطنه ممّا يقيه من برد و نحوه، فلا شكّ في دخوله في الاستطاعة مع الحاجة، سواء سلّمنا شمول الزاد له أم لا، و يدل على اشتراطه نفي العسر و الحرج أيضا.

و إن أراد مطلق الملبس الضروريّ و لو في الحضر، فإن أراد أنّه يشترط أن يكون له بعد استثناء الملبس ما يكفي لزاده، فهو صحيح كما يأتي، و لكن لا يحسن إدخاله في الزاد.

و إن أراد مطلق الملبس الضروري، فتوجيهه كتوجيه المأكل الضروري، فإنّه قد يتمكّن في الحضر من ملبس باكتساب و نحوه و يمنعه السفر إلى الحجّ عن تحصيله فيبقى في أثناء الطريق عريانا، أو يكتفي في الحضر بالاستعراء و التكفّف من الناس و نحوهما، فيشترط وجوب الحجّ

______________________________

(1) الوسائل 11: 37 و 39 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 9 و 10.

(2) انظر المفاتيح 1: 297.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص:

26

بعدم احتياجه في ضروريّ ملبسه إلى مثل ذلك.

و أمّا ما يكنّ به، فاشتراط التمكّن منه إنّما يتمّ مع الحاجة إليه لا مطلقا، كما إذا كانت من وطنه إلى مكّة خمسة منازل- مثلا- و كان الهواء بحيث لا يحتاج إلى كنّ، أو كان الشخص ممّن لا تضرّه الشمس و لا يشقّ عليه أيضا انتفاء الكنّ.

نعم، يشترط وجوده مع الحاجة للضرورة أو المشقّة بدونه، و لكن مع ذلك في إدخاله في الزاد تأمّل، و إن دخل فيما يستطاع به.

ثم ظاهر الكتاب و السنّة و إن لم يقتض اعتبار الزاد في العود أيضا، إلّا أنّ أكثر الأصحاب اعتبروه «1»، بل عن الشهيد الثاني: الإجماع عليه «2».

و التحقيق أن يقال: إنّه لا شكّ في عدم دخول زاد العود في استطاعة سبيل الحجّ، و لكن إن كان الشخص ممّن له أهل أو ملك في الوطن، أو يشقّ عليه مفارقته، فلا محيص من اعتباره، دفعا للضرر و الحرج المنفيّين.

و إلّا فلا- كما قيل- لعدم الدليل، و إن استضعفه في التذكرة «3»، لأنّ النفوس تطلب الأوطان.

و فيه: أنّ الطلب إن كان بحدّ يشقّ معه الترك فكذلك، و إلّا فلا يوجب الاشتراط، مع أنّ من الأشخاص من تساوى عنده البلاد.

ثم المعتبر في وجدان الزاد: أن يكون مقتدرا على تحصيل المأكول و المشروب بقدر الحاجة، إمّا بالقدرة على حملهما، أو تحصيلهما في المنازل، من غير فرق في ذلك بين المأكول و المشروب و علف الدابّة.

______________________________

(1) كالعلّامة في التذكرة 1: 301، و الكاشاني في المفاتيح 1: 297.

(2) المسالك 1: 92.

(3) التذكرة 1: 301.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 27

و عن المنتهى و التذكرة: التفرقة، فأوجب حمل المأكول دون الماء و العلف، فإذا فقدا في

المواضع المعتادة يسقط الحجّ و لو أمكن الحمل «1».

و كأنّه لعدم صدق الاستطاعة مع الفقد، بناء على الغالب. و هو ليس بجيّد.

و لو لم يجد الزاد، و لكن كان كسوبا يتمكّن من الاكتساب في الطريق لكلّ يوم بقدر ما يكفيه، و ظنّ إمكانه بجريان العادة عليه من غير مشقّة، وجب الحجّ، لصدق الاستطاعة.

و عن التذكرة: سقوطه إن كان السفر طويلا، لما في الجمع بين الكسب و السفر من المشقّة، و لإمكان انقطاعه من الكسب «2».

و هو منازعة لفظيّة، لأنّ المفروض إمكان الجمع و جريان العادة بعدم الانقطاع، و إلّا فالزاد أيضا قد يسرق.

و أمّا الراحلة، فعلى اشتراطها و توقّف الاستطاعة عليها الإجماع، كما عن الناصريات و الخلاف و الغنية و المنتهى و التذكرة و السرائر «3».

و يدلّ عليه- مضافا إلى الإجماع- ظاهر الكتاب- حيث إنّه لا استطاعة بدون الراحلة- و الأخبار المتكثّرة:

كصحيحة الخثعمي: عن قول اللَّه عزّ و جلّ وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ إلى آخره، ما يعني بذلك؟ قال: «من كان صحيحا في بدنه مخلّى سربه له زاد و راحلة فهو ممّن يستطيع الحجّ» الحديث «4».

______________________________

(1) المنتهى 2: 653، التذكرة 1: 301.

(2) التذكرة 1: 302.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 208، الخلاف 2: 246، الغنية (الجوامع الفقهية): 573، المنتهى 2: 652، التذكرة 1: 301، السرائر 1: 508.

(4) التهذيب 5: 3- 2، الإستبصار 2: 139- 454، الوسائل 11: 34 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 8 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 28

و المرويين في توحيد الصدوق «1» و تفسير العيّاشي «2»: في تفسير الآية مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، ما يعني بذلك؟ قال: «من كان صحيحا في بدنه مخلّى في سربه له زاد و

راحلة فهو ممّن يستطيع الحجّ».

و في خبر السكوني: «إنّما يعني بالاستطاعة: الزاد و الراحلة، ليس استطاعة البدن» «3».

و المرويّ عن العلل: «إنّ السبيل: الزاد و الراحلة مع الصحّة» «4».

و هل اشتراط الراحلة مختصّ بصورة الاحتياج إليها- لعدم القدرة على المشي- أو للمشقّة مطلقا، أو الشديدة منها و إن كان قادرا على المشي، أو لمنافاة المشي لشأنه و شرفه و نحو ذلك، أو يعمّ جميع الصور و إن ساوى عنده المشي و الركوب سهولة و صعوبة و شرفا و ضعة؟

ظاهر المنتهى: الأول، حيث اشترط الراحلة للمحتاج إليها «5»، و هو ظاهر الذخيرة و المدارك «6»، و صريح المفاتيح و شرحه «7»، و نسبه في الأخير إلى الشهيدين «8»، بل التذكرة «9»، بل يمكن استفادته من كلام جماعة قيّدوها

______________________________

(1) التوحيد: 350- 14، الوسائل 11: 35 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 8 ح 7، بتفاوت يسير.

(2) تفسير العياشي 1: 192- 111، الوسائل 11: 36 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 8 ح 10، بتفاوت يسير.

(3) الكافي 4: 268- 5، الوسائل 11: 34 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 8 ح 5.

(4) نسبه إليه في الرياض 1: 337، و لكنّا لم نجده في العلل، و هو موجود في عيون أخبار الرضا 2: 120- 1، الوسائل 11: 35 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 8 ح 6.

(5) المنتهى 2: 652.

(6) الذخيرة: 559، المدارك 7: 36.

(7) المفاتيح 1: 297.

(8) الشهيد الأول في الدروس 1: 310، الشهيد الثاني في المسالك 1: 88.

(9) التذكرة 1: 301.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 29

بالاحتياج أو الافتقار «1»، و استشكل في الكفاية «2».

و يدلّ عليه صدق الاستطاعة بدون الحاجة إليها بأحد الوجوه المتقدّمة، و

لذا صرّح جماعة بعدم اعتباره للمكّي و القريب إلى مكّة و المسافر من البحر «3»، و الأخبار العديدة عموما أو خصوصا.

فمن الأول: صحيحة الحلبي: «إذا قدر الرجل على ما يحجّ به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره اللَّه فيه فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام» الحديث «4».

و المحاربي: «من مات و لم يحجّ حجّة الإسلام ما يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق معه الحجّ أو سلطان يمنعه، فليمت يهوديّا أو نصرانيّا» «5».

و من الثاني: صحيحة ابن عمّار: عن رجل عليه دين، أ عليه أن يحجّ؟ قال: «نعم، إن حجّة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين، و لقد كان أكثر من حجّ مع النبيّ مشاة» الحديث «6».

و الحلبي: في قوله تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ الآية، ما السبيل؟

______________________________

(1) كالمحقق في المعتبر 2: 752.

(2) الكفاية: 56.

(3) كالعلّامة في التذكرة 1: 301، و صاحب المدارك 7: 37، و السبزواري في الذخيرة: 557.

(4) التهذيب 5: 18- 54، 403- 1405، الوسائل 11: 26 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 6 ح 3.

(5) الكافي 4: 268- 1، الفقيه 2: 273- 1333، التهذيب 5: 17- 49، الوسائل 11: 29 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 7 ح 1، بتفاوت يسير.

(6) التهذيب 5: 11- 27، الإستبصار 2: 140- 458، الوسائل 11: 43 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 30

قال: «أن يكون له ما يحجّ به» إلى أن قال: «فإن كان يطيق أن يمشي [بعضا] و يركب بعضا فليحجّ» «1».

و رواية أبي بصير: قول اللَّه عزّ و جلّ وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ الآية، قال: «يخرج و يمشي

إن لم يكن عنده»، قلت: لا يقدر على المشي، قال:

«يمشي و يركب»، قلت: لا يقدر على ذلك، قال: «يخدم القوم و يخرج معهم» [1]، و صحيحة محمّد الآتية «2».

و صرّح بعض المتأخّرين بالثاني «3»، بل نسب إلى الأكثر، بل نسب غيره إلى الشذوذ، و استشهد بالإجماعات المتقدّمة المحكيّة.

و بقول صاحب المدارك- بعد ذكر أنّ اللازم منه، أي ممّا سبق ذكره، عدم اعتبار الراحلة في حقّ البعيد مطلقا إذا تمكّن من المشي من غير مشقّة شديدة-: و لا نعلم به قائلا «4».

و قول صاحب الذخيرة، بعد نقل الأخبار المتقدّمة، حيث قال:

و المسألة لا تخلو من إشكال، لعدم تصريح بالخلاف بين الأصحاب في اعتبار الزاد و الراحلة في الاستطاعة «5». انتهى.

و استدلّ على التعميم بالأخبار المذكورة أولا، المتضمّنة لذكر الزاد

______________________________

[1] التهذيب 5: 10- 26، الإستبصار 2: 140- 457 و فيه: إن لم يكن عنده ما يركب ..، الوسائل 11: 43 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 11 ح 2.

______________________________

(1) الكافي 4: 266- 1، التهذيب 5: 3- 3، الإستبصار 2: 140- 455، الوسائل 11: 40 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 10 ح 5، ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(2) في ص: 33.

(3) انظر الرياض 1: 337.

(4) المدارك 7: 36.

(5) الذخيرة: 557

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 31

و الراحلة على الإطلاق، و رجّحها على تلك الأخبار بموافقة عمل الأصحاب، و الإجماعات المحكية، و الأصل، و الشهرة العظيمة، و ظاهر الآية من جهة عدم انصراف إطلاق الأمر فيها إلّا إلى المستطيع ببدنه، فاعتبار الاستطاعة بعده ليس إلّا لأمر آخر و ليس إلّا الزاد و الراحلة بإجماع الأمّة.

و بمخالفة قول مالك من العامّة، حيث نقل في المنتهى عنه عدم

اعتباره الزاد و الراحلة «1».

و بشذوذ تلك الأخبار الأخيرة.

أقول: أمّا الأخبار المذكورة فلا شكّ أنّ دلالتها بالإطلاق المنصرف إلى الغالب، و هو احتياج البعيد إلى الراحلة و لو لدفع مطلق المشقّة أو حفظ شرف النفس و نحوهما، و لو سلّم عدم الانصراف و البقاء على الإطلاق يعارض الأخبار الأخيرة، إمّا بالعموم و الخصوص من وجه، أو مطلقا.

و لا نسلّم رجحان الأولى بما ذكر، أمّا عمل الأصحاب فلانصراف إطلاق كلماتهم أيضا إلى الغالب، مع تصريح جمع كثير منهم بالحاجة «2»، و لذا لم يشترطوها للقريب و راكب السفينة.

و منه يظهر حال الإجماعات المحكيّة، مع أنّ كثيرا منها وارد في شأن غير المحتاج، و كذا حال الشهرة، مع أنّ الترجيح بهذه الأمور ممّا لم يثبت اعتباره.

و أمّا شذوذ الأخيرة، فإن أريد بالنسبة إلى الإطلاق و الوجوب على الماشي- و لو بالمشقّة- فلا ننكره و لا نقول به، بل يخالف ذلك ظاهر آيات الاستطاعة و نفي العسر.

______________________________

(1) الرياض 1: 337، و في المنتهى 2: 652.

(2) كالمحقق في المعتبر 2: 752، و العلّامة في المنتهى 2: 652، و السبزواري في الكفاية: 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 32

و إن أريد بالنسبة إلى غير المحتاج بوجه فلا نسلّم الشذوذ أصلا.

و أمّا ظاهر الآية، فلا يوافق إطلاقها أصلا، لصدق الاستطاعة بدون الراحلة في غير المحتاج، و لا يلزم من اعتبار أمر آخر وراء صحّة البدن في الاستطاعة اعتبار الزاد و الراحلة معا مطلقا، بل يكفي اعتبارهما في حقّ المحتاج و اعتبار تخلية السرب.

و أمّا قول مالك فهو أنّه لا يعتبر الراحلة مطلقا و لو مع المشقّة.

و ممّا ذكر ظهر أنّ الحقّ هو: الأول، و عليه الفتوى و العمل.

و الكلام في

العود و إمكان التحصيل بالكسب في السفر هنا كما مرّ في الزاد.

و هل يعتبر في الراحلة أن تكون مناسبة لحاله بحسب العزّة و الشرف، فيعتبر المحمل أو نحوه عند علوّ منصبه؟

ظاهر التذكرة: اعتباره «1».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 11    32     المقام الأول: في الاستطاعة المالية. ..... ص : 25

عن الدروس: العدم «2».

و اختاره في الذخيرة إلّا مع العجز عن الركوب بدون المحمل أو التضرّر «3»، و هو كذلك.

لقوله عليه السّلام في صحيحة ابن عمّار: «فإن كان دعاه قوم أن يحجّوه فاستحيا فلم يفعل فإنّه لا يسعه إلّا أن يخرج و لو على حمار أجدع أبتر» «4».

و الحلبي: من عرض عليه ما يحجّ به فاستحيا من ذلك أ هو ممّن

______________________________

(1) التذكرة 1: 301.

(2) الدروس 1: 312.

(3) الذخيرة: 559.

(4) التهذيب 5: 18- 52، الوسائل 11: 40 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 10 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 33

يستطيع إليه سبيلا؟ قال: «نعم، ما شأنه يستحيي؟! يحجّ و لو على حمار أبتر، فإن كان يستطيع أن يمشي بعضا و يركب بعضا فليحجّ» «1».

و أبي بصير: «من عرض عليه الحجّ و لو على حمار أجدع مقطوع الذنب [فأبى ] فهو مستطيع» «2».

و محمد: فإن عرض عليه الحجّ فاستحيا؟ قال: «هو ممّن يستطيع و لم يستحي و لو على حمار أجدع أبتر» قال: «فإن كان يستطيع أن يمشي بعضا و يركب بعضا فليفعل» «3».

و بها يخصّص عموم انتفاء العسر لو سلّمناه هنا و لم نقل أنّه من الخيلاء و خداع النفس الخبيثة.

و يدخل في الاستطاعة المالية: ما يضطرّ إليه من الآلات و الأوعية التي يحتاج إليها المسافر، من القرب و الجواليق [1] و ثياب

المركوب و ما شابهها بالإجماع، لعدم صدق الاستطاعة بدونها مع الضرورة.

و يلحق بهذا المقام مسائل:
المسألة الأولى: لا بدّ في وجوب الحجّ من فاضل من الزاد و الراحلة

______________________________

[1] الجواليق بكسر الجيم و اللّام و بضم الجيم و فتح اللّام و كسرها، و جمعه جوالق:

وعاء- الصحاح 14: 1454، القاموس المحيط 3: 225.

______________________________

(1) الكافي 4: 266- 1، التهذيب 5: 3- 3، الإستبصار 2: 140- 456، الوسائل 11: 40 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 10 ح 5، بتفاوت يسير.

(2) الفقيه 2: 259- 1256، الوسائل 11: 42 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 10 ح 7، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(3) التهذيب 5: 3- 4، الإستبصار 2: 140- 456، الوسائل 11: 39 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 34

بقدر ما يمون به عياله الواجبي النفقة حتى يرجع، بالإجماع المحقّق و المحكي «1»، و النّص، و هو: رواية أبي الربيع: عن قول اللَّه عزّ و جلّ:

وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ فقال: «ما يقول الناس؟» قال: فقيل: الزاد و الراحلة، قال: فقال أبو عبد اللَّه عليه السّلام: «قد سئل أبو جعفر عليه السّلام عن هذا، فقال: هلك الناس إذن، لئن كان من كان له زاد و راحلة قدر ما يقوت به عياله و يستغني به عن الناس ينطلق إليهم فيسلبهم إيّاه لقد هلكوا، فقيل له فما السبيل؟ قال:

فقال: السعة في المال إذا كان يحجّ ببعض و يبقي بعضا يقوت به عياله» «2».

و المرسلة المرويّة في المجمع عن أئمّتنا عليهم السّلام في تفسير الاستطاعة:

«إنّها وجود الزاد و الراحلة و نفقة من يلزم نفقته و الرجوع إلى كفاية، إمّا من مال أو ضياع أو حرفة مع الصحّة في النفس و تخلية السرب من الموانع و إمكان السير» «3».

و

نحوه المرويّ عن الخصال، و فيها: «إنّها الزاد و الراحلة مع صحّة البدن، و أن يكون للإنسان ما يخلفه على عياله و ما يرجع إليه من حجّه» «4».

و المرويّ في المقنعة: «هلك الناس إذا كان من له زاد و راحلة لا يملك غيرهما أو مقدار ذلك ممّا يقوت به عياله و يستغني به عن الناس، فقد وجب عليه أن يحجّ بذلك، ثم يرجع فيسأل الناس بكفّه، لقد هلك إذن»

______________________________

(1) حكاه في الرياض 1: 339.

(2) الكافي 4: 267- 3، التهذيب 5: 2- 1، الإستبصار 2: 139- 453، الوسائل 11: 37 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 9 ح 1، بتفاوت يسير.

(3) مجمع البيان 1: 478، الوسائل 11: 39 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 9 ح 5.

(4) الخصال: 606، الوسائل 11: 38 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 9 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 35

فقيل له عليه السّلام: فما السبيل عندك؟ فقال: «السعة في المال، و هو أن يكون معه ما يحجّ ببعضه و يبقى بعض يقوت به نفسه و عياله» «1».

و ضعف بعض هذه الأخبار لو كان لكان منجبرا بعمل الطائفة طرّا و الإجماعات المحكيّة مستفيضة.

و يدلّ عليه أيضا بعض الأخبار المذكورة في المسألة الثالثة الآتية، و بعض هذه النصوص و إن لم يقيّد العيال بواجبي النفقة و لا ما يمون به إلى وقت الرجوع، إلّا أنّ الأول مصرّح به في رواية المجمع، و مع ذلك هو مقتضى الاقتصار على القدر المتيقّن، و الثاني مفهوم من السياق، بل هو أيضا اقتصار على المتيقّن، لأنّ الظاهر منه اعتبار ما يستغنى به عن الناس مطلقا، و هو يشمل ما بعد الرجوع أيضا.

المسألة الثانية: الحقّ اشتراط الرجوع إلى صنعة أو بضاعة أو عقار أو نحوها
اشاره

ممّا تكون

فيه الكفاية عادة بحيث لا يحوجه صرف المال في الحجّ إلى السؤال بعد العود، وفاقا للشيخين و الحلبي و القاضي و بني زهرة و حمزة و سعيد «2»، و هو ظاهر الصدوق أيضا «3»، و في المسالك: أنّه مذهب أكثر المتقدّمين «4»، و في الروضة: أنّه المشهور بينهم «5»، و في المختلف و المسالك:

______________________________

(1) المقنعة: 384، الوسائل 11: 37 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 9 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) المفيد في المقنعة: 385، الطوسي في الخلاف 2: 245، الحلبي في الكافي في الفقه:

192، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 205، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 573، ابن حمزة في الوسيلة: 155، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 173.

(3) الفقيه 2: 259.

(4) المسالك 1: 92.

(5) الروضة 2: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 36

نقله السيّد عن الأكثر «1»، و عن الخلاف و الغنية إجماع الإماميّة عليه «2».

لما مرّ من روايات المجمع و الخصال و المقنعة، فإنّ قوله في الأخيرة: «ثم يرجع فيسأل الناس بكفّه» يدلّ على اشتراط الكفاية، و كذا قوله: «و يبقى البعض يقوت به نفسه و عياله» يعني: وقت رجوعه، و إلّا فكيف يقوت نفسه بذلك البعض الباقي مع أنّه خرج إلى الحجّ؟! و الإيراد: بأنّ أقصى ما يستفاد منه اعتبار بقاء شي ء بعد الحجّ و الرجوع، و هو غير دالّ على كونه بقدر الكفاية على الوجه المتنازع فيه، فيحتمل أن يكون المراد به قوت السنة له و لعياله، إذ ذلك كاف في عدم السؤال، إذ به يحصل الغناء الشرعي، كما في المدارك و الذخيرة «3».

مردود بأنّ بعد اعتبار ذلك يثبت المطلوب بالإجماع المركّب.

و يدلّ على المطلوب أيضا ما مرّ من

الإجمال في العمومات و المطلقات، الموجب للرجوع إلى الأصل في غير ما ثبت معه الوجوب، و ضعف سند ما ذكر مجبور بما مرّ من حكايات الشهرة و الإجماع.

و قد يستدلّ أيضا للمطلوب بظاهر الآية، حيث إنّ الاستطاعة لغة و عرفا ليست هي مجرّد القدرة و الطاقة، بل ما تكون فيه السهولة و ارتفاع المشقّة، كما ذكره السيّد في المسائل الناصريّة مستدلّا بالاستعمال في مواضع كثيرة «4».

و هو غير جيّد، لأنّه إنّما يتمّ على أصله من كون الأصل في الاستعمال الحقيقة، مضافا إلى أنّه يفيد لو كانت الاستطاعة في الآية مطلقة، و لكنّها

______________________________

(1) المختلف 2: 256، المسالك 1: 92.

(2) الخلاف 2: 246، الغنية (الجوامع الفقهية): 573.

(3) المدارك 7: 79، الذخيرة: 559.

(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 208.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 37

باستطاعة السبيل مقيّدة، فغايته سهولة قطع الطريق لا مطلقا، فتأمّل.

خلافا للمحكي عن القديمين و جمل السيّد و الحلّي و في النافع و الشرائع «1» و أكثر المتأخّرين «2»، بل مطلقا كما عن المعتبر و التذكرة «3»، لظاهر الآية، و للأخبار المتقدّمة المصرّحة بحصول الاستطاعة بوجود ما يحجّ به، أو الزاد و الراحلة.

و يجاب عن الكلّ: بوجوب تخصيصه بما ذكرنا، لأخصيّة المطلقة الموافقة للشهرة القديمة و الملّة السهلة الحنيفة، و مخالفة عمل العامّة.

فرع: لا يخفى أنّ الرجوع إلى كفاية إنّما يشترط فيمن كانت استطاعته بماله

و كانت له كفاية، بحيث لو قلنا بعدم الاشتراط صرف الكفاية في الحجّ.

أمّا من ليس كذلك و لا يتفاوت حجّه في وجود الكفاية و عدمها- كمن أدرك أحد الموقفين كاملا أو حرّا أو من ذهب متسكّعا أو تأجّر إلى قريب مكّة و تحصل له الاستطاعة من غير احتياج إلى صرف مال، أو بذل له أحد نفقة الحجّ- فلا يعتبر فيه الرجوع إلى الكفاية

إجماعا، لأنّ من ذكرنا هو المراد من روايات اعتبار الكفاية- كما هو ظاهر من سياقها «4»- لا من يتكفّف، سواء حجّ أو لم يحجّ، مع أنّ انجبارها الموجب لحجّيتها

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي و العماني في المختلف: 256، السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 62، الحلي في السرائر 1: 508، النافع: 76، الشرائع 1: 225.

(2) كالشهيد الثاني في الروضة 2: 168، و صاحب الرياض 1: 340.

(3) المعتبر 2: 756، التذكرة 1: 302.

(4) الوسائل 11: 37 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 38

مخصوص بما ذكر أيضا.

و كذا صحيحة ابن عمّار «1» و الغنوي «2»- الموجبتان للإجمال- واردتان فيمن يحجّ من مال نفسه.

و مع ذلك كلّه فروايات وجوب الحجّ على مدرك الموقفين و المبذول له نفقة الحجّ و نحوهما «3» تعارض الروايات المذكورة، و لا تخصّص أيضا بهاتين الروايتين حتى يحصل فيها الإجمال، فتأمّل.

المسألة الثالثة: لا يباع لنفقة الحجّ:

الخادم، و لا دار السكنى، و لا الثياب المحتاج إليها، و لا فرس الركوب، و لا كتب العلم، و لا أثاث البيت، و لا آلات الصنائع، كلّ ذلك مع الضرورة و الحاجة بقدرهما، و على أكثرها حكاية الإجماع مستفيضة «4».

و يدلّ عليه انتفاء الضيق و العسر و الحرج الحاصلة بالتكليف ببيع هذه الأمور، و يمكن أن يستدلّ له بصحيحة المحاربي المتقدّمة «5»، حيث إنّ مع الحاجة إليها يصدق حاجة تجحف به.

و يمكن الاستدلال أيضا بصحيحة ابن عمّار: «من مات و لم يحجّ حجّة الإسلام و لم يترك إلّا بقدر نفقة الحجّ فورثته أحقّ بما ترك، إن شاءوا حجّوا عنه و إن شاءوا أكلوا»، و نحوها الغنوي «6».

______________________________

(1) التهذيب 5: 405- 1412، الإستبصار 2:

318- 1127، و في الوسائل 11:

46 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 14 ح 1 بتفاوت يسير.

(2) الفقيه 2: 270- 1315، الوسائل 11: 46 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 14 ح 1.

(3) الوسائل 11: 39 و 52 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 10 و 17.

(4) كما في المعتبر 2: 753، و التذكرة 1: 302.

(5) في ص: 29.

(6) مرّت الإشارة إليهما أعلاه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 39

وجه التقريب: أنّهما دلّتا على عدم كفاية نفقة الحجّ في الاستطاعة و استقرار الحجّ في الذمّة، بل لا بد من الزائد عليها، و لعدم تعيّن الزائد يدخل الإجمال في العمومات و الإطلاقات، فلا يحكم بالوجوب إلّا في موضع اليقين، و هو بعد استثناء نفقة العيال و الأمور المذكورة طرّا.

و منه يظهر جواز مراعاة المناسبة لحاله بحسب عادة زمانه و مكانه في العزّ و الشرف، و يجب الاقتصار في هذه الأشياء على قدر الضرورة مع المناسبة.

و لو زادت أعيانها على قدر الحاجة وجب صرف الزائد في الحجّ.

و لو أمكن بيعها و شراء ما يليق بحاله بأقلّ من ثمنها، فقيل: الأقرب وجوب البيع و شراء الأدون «1»، و كذا لو أمكن تحصيل ما تحصل به الكفاية من هذه الأشياء بالإجارة و نحوها من غير مشقّة عاديّة، فالظاهر الاكتفاء به، و ما ذكره أحوط.

و من لم تكن له المستثنيات تستثنى له أثمانها إذا دعت الضرورة العاديّة إليها.

المسألة الرابعة: لو لم يكن له عين الزاد و الراحلة و أمكن شراؤهما

أو استئجار ما يصحّ استئجاره منهما، وجب إجماعا، لتوقّف الواجب عليه.

و لو لم يوجد إلّا بالزائد عن الثمن و الأجرة، فصرّح في الشرائع و المنتهى «2» و غيرهما «3» بوجوب الشراء و الإجارة، و نسبه في المدارك و الذخيرة إلى الأكثر «4».

______________________________

(1)

كما في الذخيرة: 560.

(2) الشرائع 1: 226، المنتهى 2: 654.

(3) كالحدائق 14: 87، و الكفاية: 56.

(4) المدارك 7: 42، الذخيرة: 560.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 40

و قال في التذكرة: و عن المبسوط عدم الوجوب «1»، و قال في التذكرة:

فإن كانت تجحف بماله لم يلزمه شراؤه و إن تمكّن على إشكال «2».

و في التحرير: و لو وجده بأكثر من ثمن المثل أو بأكثر من أجرة المثل، فإن تضرّر به لم يجب الشراء إجماعا، و إن لم يتضرّر فالأقرب وجوب الشراء «3». انتهى.

و مراده من التضرّر إمّا إهلاك النفس و العيال، أو الوقوع في ذلّ المسكنة و السؤال، فلا يجب مع مثل ذلك و يجب بدونه، أو المراد ما يعدّ ضررا عرفا و لو كان ماليّا- أي لم تكن الزيادة شيئا لا يعدّ بالنسبة إليه ضررا- و هذا هو مراده من قوله في التذكرة: تجحف بماله.

أقول: دليل الأكثر: عمومات «4» وجوب الحجّ بالاستطاعة، أو بوجدان الزاد و الراحلة، و لا شكّ أنّ مثل ذلك الشخص واجد لهما عرفا.

و يدلّ عليه أيضا المرويّ في الدعائم المتقدّم في بحث التيمّم: فيمن يجد الماء بثمن غال، قال: «إذا كان واجدا لثمنه فقد وجده» «5».

و دليل النافين للوجوب- الذي يمكن التعويل عليه-: أدلّة نفي الضرر و الضرار و العسر و الحرج، بجعلها معارضا للأولى و تقديم الثانية، أو الرجوع إلى الأصل.

و منه يظهر دليل المفصّل بين الإجحاف و التضرّر و عدمه.

و الحقّ على الظاهر مع المفصّل، لما ذكر، بل النافي للوجوب مطلقا،

______________________________

(1) التذكرة 1: 301، و هو في المبسوط 1: 300.

(2) التذكرة 1: 301.

(3) التحرير 1: 92.

(4) الوسائل 11: 33 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 8.

(5) دعائم الإسلام

1: 121، مستدرك الوسائل 2: 549 أبواب التيمم ب 20 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 41

لصدق الضرر على بذل الزائد على الثمن مطلقا، كما يظهر من استدلال بعضهم لخيار الغبن مطلقا بنفي الضرر. «1» إلّا أنّ في صدق الضرر على مثل ذلك نظرا، لما يقع بإزائه من تحصيل مقدّمات الحجّ بملاحظة العلّة المنصوصة في صحيحة صفوان الواردة في شراء ماء الوضوء بمائة درهم أو ألف درهم من قوله: «و ما يشتري بذلك مال كثير» «2»، فإنّه علّل وجوب الشراء بأنّه يشتري بإزائه مالا كثيرا، و هو هنا أيضا متحقّق.

و تؤيّده الأخبار الأخر المتضمّنة لشراء ماء الوضوء بمائة ألف أو ألف أو مائة دينار «3»، فالأقرب هو مذهب الأكثر.

و منه يظهر وجوب بيع المتاع أو الضياع بأقلّ من ثمن المثل و لو كثيرا إذا لم يمكن البيع بالثمن، للعلّة المنصوصة، و لأنّه يجب البيع لو كان ثمنه الزاد أو الراحلة و يتعدّى إلى ثمنهما بالإجماع المركّب، مع أنّ العلّة المنصوصة جارية هنا أيضا.

المسألة الخامسة: لو كان له دين و هو قادر على اقتضائه

وجب عليه إجماعا، لصدق الاستطاعة، و لو لم يقدر لم يجب.

و لو كان مؤجّلا هل تجب عليه الاستدانة للحجّ و أداؤه من ماله بعد الأجل، و كذا لو كان له مال لا يمكنه الحجّ و لم يمكن بيعه في الحال، فهل تجب الاستدانة؟

______________________________

(1) كما في التذكرة 1: 522.

(2) الكافي 3: 74- 17، الفقيه 1: 23- 71، التهذيب 1: 406- 1276، الوسائل 3: 389 أبواب التيمم ب 26 ح 1، و في الفقيه: و ما يسوؤني، و في الوسائل:

و ما يسرّني، بدل: و ما يشتري.

(3) انظر الوسائل 3: 389 أبواب التيمم ب 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 42

صرّح في

المنتهى بالعدم «1»، و في الدروس و المدارك بالوجوب «2».

دليل الأول: الأصل، و عدم الاستطاعة من ماله.

و دليل الثاني: صدق التمكّن من الحجّ، فيكون مستطيعا.

و ردّ: بأنّ المراد الاستطاعة من ماله، و قبل الاقتراض ليس كذلك، فلا يجب عليه، و لو كان مطلق التمكّن استطاعة لوجبت الاستدانة لو لم يكن له مال أيضا، بل طلب البذل إذا علم أنّه يبذل له لو طلب، و هو خلاف الإجماع، و منّة القبول و ذلّ الطلب حاصلان في الاستدانة أيضا.

و فيه: منع التقييد بالاستطاعة من ماله أولا، و حصولها بالتمكّن من تحصيل المال ثانيا.

و منه يعلم ردّ دليل الأول و تماميّة دليل القول الثاني، فهو الأقرب، و خرجت الاستدانة من غير مال و السؤال بالأخبار و الإجماع، مع أنّه لو صحّ الأول لزم عدم إجزاء حجّ من فقد ماله في أثناء الطريق أو سرق أو نهب أو صرفه في مصرف «3» و احتاج إلى الاقتراض، و الظاهر أنّهم لا يقولون به.

المسألة السادسة: هل يجب الحجّ على المديون أم لا؟

تفصيل الكلام فيه: أنّ الدين إمّا معجّل أو مؤجّل، و الأول إمّا أن يكون مطالبا به أم لا، و الثاني إمّا لا يسع الأجل إتمام المناسك و العود أو يسعه، و على التقادير إمّا يكون له ما يقضي دينه زائدا على نفقة الحجّ أم لا، و على الثاني إمّا يظنّ له طريق للوفاء به بعد الرجوع أو لا.

قيل: لا إشكال في عدم الوجوب مع التعجيل و عدم وفاء المال بالحجّ

______________________________

(1) المنتهى 2: 653.

(2) الدروس 1: 311، المدارك 7: 44.

(3) في «ق» و «ح» زيادة: و لم يمكن.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 43

و الدين معا، سواء كان مطالبا به أم لا، و سواء ظنّ له طريق

للوفاء بعد الرجوع أم لا، و إن تردّد بعضهم في بعض صوره «1».

بل قيل: إنّ الظاهر عدم الجواز مع المطالبة «2».

و كذا لا إشكال في الوجوب مع كون ماله بقدر ما يقضي به دينه زائدا على نفقة الحجّ مطلقا، و كذا قيل: الظاهر عدم الوجوب مع التأجيل و عدم سعة الأجل للحجّ و العود.

أقول: الظاهر دخول الإشكال و الخدش في أكثر الصور المذكورة، لأنّ المديون- الذي له مال يسع أحد الأمرين من الحجّ و الدين- داخل في الخطابين: خطاب الحجّ و خطاب أداء الدين، و إذ لا مرجّح في البين فيكون مخيّرا بين الأمرين.

فالوجه أن يقال: إنّ مع التعجيل أو عدم سعة الأجل هو مخيّر بين الحجّ و وفاء الدين، سواء علمت المطالبة أم لا.

نعم، لو علم رضى الدائن بالتأخير فلا يكون مأمورا بالوفاء، فيبقى خطاب الحجّ خاليا عن المعارض، فيكون واجبا.

و أمّا إذا كان مؤجّلا بأجل يسع الحجّ و العود- سواء ظنّ له طريق للوفاء بعد العود أم لا- فلم أعثر للقدماء على قول في المسألة، و كذا كثير من المتأخّرين.

نعم، تعرّض لها جماعة منهم، و هم بين مصرّح بعدم الوجوب إذا لم تفضل عن دينه نفقة الحجّ، من غير تعرّض للمعجّل أو المؤجّل، كما في

______________________________

(1) انظر المدارك 7: 42، الذخيرة: 560، و الكفاية: 56.

(2) قاله في مجمع الفائدة 6: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 44

الشرائع «1» و بعض كتب الفاضل «2».

و مصرّح بعدمه مع التعجيل و التأجيل، كالمنتهى و التحرير و الدروس «3».

و ظاهر المدارك و الكفاية و الذخيرة التردّد في بعض الصور «4».

و عن المحقّق الأردبيلي: الوجوب «5»، و الظاهر أنّه مذهب القدماء، حيث لم يتعرّضوا لاشتراط الخلوّ عن الدين.

و

هو الحقّ، لصدق الاستطاعة عرفا، و المستفيضة المصرّحة: بأنّ الاستطاعة هي أن يكون له مال يحجّ به، كصحاح ابن عمّار «6» و محمد «7» و الحلبي «8» و الخثعمي «9»، و الدالّة على وجوب الحجّ على من له ما يحجّ به من المال، كمرسلة الصدوق «10» و صحيحة ابن عمّار «11» و غيرهما «12».

______________________________

(1) في «ق»: اللوامع.

(2) الشرائع 1: 226، إرشاد الأذهان 1: 310.

(3) المنتهى 2: 653، التحرير 1: 91، الدروس 1: 311.

(4) المدارك 7: 42، الكفاية: 56، الذخيرة: 560.

(5) كما في مجمع الفائدة 6: 73.

(6) التهذيب 5: 18- 52، الوسائل 11: 25 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 6 ح 1.

(7) التهذيب 5: 3- 4، الإستبصار 2: 140- 456، الوسائل 11: 33 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 8 ح 1.

(8) الكافي 4: 266- 1، التهذيب 5: 3- 3، الإستبصار 2: 140- 455، الوسائل 11: 34 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 8 ح 3.

(9) الكافي 4: 267- 2، التهذيب 5: 3- 2، الإستبصار 2: 139- 454، الوسائل 11: 34 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 8 ح 4.

(10) الفقيه 2: 273- 1331، الوسائل 11: 27 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 6 ح 8

(11) التهذيب 5: 18- 52، الوسائل 11: 25 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 6 ح 1

(12) الوسائل 11: 25 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 45

و لا شكّ أنّ من استدان مالا على قدر الاستطاعة يكون ذلك ملكا له، فيصدق عليه أنّ عنده مال و له ما يحجّ به، للاتّفاق على أنّ ما يقرض ملك للمديون، و لذا جعلوا من إيجاب صيغة

القرض: ملّكتك، و صرّحوا بجواز بيعه و هبته و غير ذلك من أنحاء التصرّفات.

و الأخبار المتضمّنة لوجوب الحجّ على من عليه دين بقول مطلق:

كصحيحة الكناني: أ رأيت الرجل التاجر ذا المال حين يسوّف الحجّ كلّ عام، و ليس يشغله عنه إلّا التجارة أو الدين؟ فقال: «لا عذر له متى يسوّف الحجّ إن مات و قد ترك الحجّ فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام» «1».

و ابن عمّار: عن رجل عليه دين، أ عليه أن يحجّ؟ قال: «نعم، إنّ حجّة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين» «2».

و موثّقة البصري: «الحجّ واجب على الرجل و إن كان عليه دين» «3».

و المصرّحة بوجوبه على من عليه دين و ليس له ما يقضيه به لو حجّ ممّا في يده، كصحيحة العطّار: يكون عليّ الدين فتقع في يدي الدراهم، فإن وزّعتها بينهم لم يقع شيئا، أ فأحجّ بها أو أوزّعها بين الغرماء؟ فقال:

«حجّ بها و ادع اللَّه أن يقضي عنك دينك» «4»، و رواها الكليني، و فيها: لم

______________________________

(1) الكافي 4: 269- 4، الوسائل 11: 26 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 6 ح 4، بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 5: 11- 27، الإستبصار 2: 140- 458، الوسائل 11: 43 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 11 ح 1.

(3) التهذيب 5: 462- 1611، الوسائل 11: 140 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 50 ح 4.

(4) الفقيه 2: 268- 1304، الوسائل 11: 142 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 50 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 46

يبق شي ء «1»، بدل: لم يقع شيئا.

دليل القائل بعدم الوجوب: عدم صدق الاستطاعة.

و توجّه الضرر المنفي.

و الأخبار الدالّة على عدم الاستقراض للحجّ مع عدم مال

يفي بالقرض، كرواية الواسطي «2»، و موثّقة عبد الملك «3».

و لرواية أبي همام: الرجل يكون عليه الدين و يحضره الشي ء، أ يقضي دينه أو يحجّ؟ قال: «يقضي ببعض و يحجّ ببعض»، قلت: لا يكون إلّا بقدر نفقة الحجّ، قال: «يقضي سنة و يحجّ سنة» «4».

و الجواب عن الأول: بالمنع، لأنّه ماله يجوز له إتلافه، فكيف لا يستطيع به؟! و عن الثاني أولا: بمنع توجّه الضرر مع ظن طريق للوفاء.

و ثانيا: بمنع كون ما بإزائه الثواب و الدرجات الرفيعة ضررا، سيّما مع ما ورد في الأخبار المتكثّرة من أنّ الحجّ أقضى للدين، و أنّ من حجّ سيقضي اللَّه دينه «5».

و ثالثا: بأنّ هذا لو كان ضررا لكان ممّا أقدم عليه المتداينان، و الضرر

______________________________

(1) الكافي 4: 279- 5.

(2) الكافي 4: 279- 6، التهذيب 5: 442- 1536، الوسائل 11: 141 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 50 ح 7.

(3) الكافي 4: 279- 3، الفقيه 2: 267- 1300، التهذيب 5: 442- 1535، الوسائل 11: 141 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 50 ح 5.

(4) الكافي 4: 279- 4، الفقيه 2: 267- 1302، الوسائل 11: 141 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 50 ح 6.

(5) الوسائل 11: 140 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 50.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 47

الناشئ من عمل المكلّف لا يمنع الأحكام التكليفيّة.

و رابعا: إنّ الضرر ممّا يجب الحكم به مع وجود الدليل الشرعي، كما في المقام.

و خامسا: أنّه إن أريد توجّه الضرر على المديون، ففيه: أنّه ليس أكثر ضررا ممّا لو لم يكن عليه دين و كان له ذلك المال، فإنّه إذا حجّ به يعدّ ماله و لا تسلّط لأحد عليه، و هذا

أيضا كذلك، إذ لو حصل له بعد العود ما يفي به دينه فيوفّيه و قد حجّ من ماله، و إلّا فلا تسلّط عليه، لوجوب النظرة.

و إن أريد توجّهه على من له الدين، ففيه: أنّه لو كان كذلك لزم منع المديون عن صرفه في حوائجه و بيعه و هبته و عتقه، مع أنّه لا خلاف في جواز ذلك، بل في جواز الحجّ أيضا، و إنّما النزاع في الوجوب.

و عن الثالث: أنّه غير المتنازع فيه، لأنّ السؤال فيها وقع عن أن يستقرض و يحجّ، و كلامنا فيما إذا استقرض، فإنّ الفرق بين قولك:

استقرضت فهل يجب عليّ الحجّ؟ و قولك: هل يجب عليّ الاستقراض للحجّ؟ كما بين قولك: استطعت فهل يجب عليّ الحجّ؟ و قولك: هل يجب علي أن أستطيع و أحجّ؟

مع أنّ هذه الأخبار معارضة بأخبار أخر أكثر و أوضح و أصرح، كصحيحتي ابن أبي عمير «1»، و يعقوب «2»، و مرسلة الفقيه «3»، و رواية

______________________________

(1) التهذيب 5: 441- 1533، الإستبصار 2: 329- 1168، الوسائل 11: 140 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 50 ح 1.

(2) الكافي 4: 279- 1، الفقيه 2: 267- 1299، الوسائل 11: 142 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 50 ح 8.

(3) الفقيه 2: 267- 1303، الوسائل 11: 140 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 50 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 48

عقبة «1».

و عن الرابع أولا: أنّ الظاهر منه أنّ الدين معجّل.

و ثانيا: أنّه لا دلالة فيه على تأخير الحجّ من قضاء الدين.

و ثالثا: أنّه غير المتنازع فيه، لأنّ المستفاد من قوله: «يقضي سنة و يحجّ سنة» أنّ هذا الشي ء الحاضر ممّا يعتاد أن يحضر كلّ سنة، كغلّة ضياع، أو

ربح تجارة، و أمثالهما.

و على هذا، فإن كان الدين معجّلا يجب قضاؤه و لا يجب الحجّ و ليس من المتنازع فيه، و إن كان مؤجّلا- فلوجود ما يقضي به الدين عادة بعد حلول الأجل- يجب عليه الحجّ إجماعا، و لا نزاع فيه أيضا.

المسألة السابعة: لو بذل له الزاد و الراحلة،
اشاره

و مئونة عياله ذاهبا و عائدا صار مستطيعا مع استكمال باقي الشرائط، إجماعا محقّقا، و محكيّا عن صريح الخلاف و الغنية «2» و ظاهر المنتهى و التذكرة «3»، لصدق الاستطاعة الموجبة للحجّ كتابا و سنّة، و القدرة و الإطاقة الموجبتين له في بعض ما تقدّم من الأخبار، و خصوص المستفيضة، كصحاح محمد «4» و ابن عمّار «5» و هشام «6»،

______________________________

(1) التهذيب 5: 441- 1534، الإستبصار 2: 329- 1169، الوسائل 11: 140 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 50 ح 3.

(2) الخلاف 2: 251، الغنية (الجوامع الفقهية): 583.

(3) المنتهى 2: 652، التذكرة 1: 302.

(4) التهذيب 5: 3- 4، الإستبصار 2: 140- 456، الوسائل 11: 39 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 10 ح 1.

(5) التهذيب 5: 18- 52، الإستبصار 2: 143- 468، الوسائل 11: 40 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 10 ح 3.

(6) الفقيه 2: 259- 1256، التوحيد: 350- 11، الوسائل 11: 42 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 10 ح 7

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 49

و الحلبي «1»، المتقدمة جميعا.

و إطلاقها- كما ترى- يقتضي عدم الفرق بين تمليك المبذول و عدمه، و لا بين وجوب البذل بنذر و شبهه و عدمه، و لا بين وثوق الباذل و عدمه.

إلّا أنّ المحكي عن الحلّي: اشتراط الأول «2»، و عن التذكرة: الثاني «3»، و عن الدروس: أحدهما «4»، و في المدارك و

الذخيرة و المفاتيح «5» و غيرها «6»:

الثالث، و هو الأصحّ، لعدم صدق الاستطاعة بدونه عرفا و لا لغة، فيعارض ما ينفي الوجوب بدونها- كمفهوم «7» الآية و غيره- مع الإطلاق بالعموم من وجه، و يرجع إلى الأصل، و لاستلزام الوجوب بدونه العسر و الحرج المنفيّين، مضافا إلى عدم معلوميّة انصراف الإطلاق إلى ما يشمل صورة عدم الوثوق أيضا، لأنّ المتبادر منه ما يكون معه الوثوق.

و لا يشترط في الوثوق العلم، بل تكفي مظنّة الوفاء، لانتفاء المقيّدات المذكورة معها، و لأنّه لا يزيد على ملكيّة مال الاستطاعة، و بقاؤه ليس بعلميّ، فقد يفقد و يسرق و ينهب.

فروع:
أ: المراد ببذل الزاد و الراحلة و المئونة:

عرضها عليه، بأن يقول: عليّ

______________________________

(1) الكافي 4: 266- 1، التهذيب 5: 3- 3، الإستبصار 2: 140- 455، الوسائل 11: 40 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 10 ح 5.

(2) السرائر 1: 517.

(3) التذكرة 1: 303.

(4) الدروس 1: 310.

(5) المدارك 7: 47، الذخيرة: 560، المفاتيح 1: 298.

(6) كما في الحدائق 14: 101.

(7) في «ق»: لمفهوم ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 50

زادك و راحلتك و نفقة عيالك، أو أحضرها و قال: حجّ بذلك، أو: أبحتها لك لتحجّ بها، لصدق العرض و الاستطاعة و القدرة.

و لا و فرق في الوجوب بين عرض عين الزاد و الراحلة أو أثمانهما، وفاقا للأكثر، كما في المدارك و الذخيرة «1»، لصدق الموجبات المذكورة.

و عن الشهيد الثاني: عدم الوجوب بالثاني، معلّلا بأنّ ذلك موقوف على القبول، و هو شرط للواجب المشروط فلا يجب تحصيله «2».

و فيه:- مضافا إلى جريانه في بذل العين أيضا- أنّ المشار إليه بقوله:

ذلك، إن كان وجوب الحجّ أو إباحة التصرّف أو حصول الاستطاعة العرفيّة، فلا نسلّم التوقّف، فإنّه يجوز له التصرّف

و لو سكت قولا و فعلا.

و إن كان تحقّق الملكية و اللزوم، فلا نسلّم كونهما شرطين للواجب.

و أيضا قوله: فلا يجب تحصيله، إن أريد أنّه إجماعي، فهو في موضع النزاع ممنوع، و إن أريد أنّه مقتضى القاعدة، فهو يكون من باب الأصل اللّازم طرحه بعد إطلاق النصوص.

و منه يظهر وجوب الحجّ على من بذل له مال نذره مالكه لمن يحجّ، أو أوصى له على سبيل الإطلاق.

ب: لو وهب له مالا ليحجّ به،

يجب الحجّ على الأظهر، لما ذكر، وفاقا للشهيد الثاني «3»، و ظاهر المدارك و الذخيرة «4».

و عن الدروس: عدم وجوب القبول و لا الحجّ «5»، لما مرّ بجوابه، فإنّ

______________________________

(1) المدارك 7: 46، الذخيرة: 560.

(2) الروضة 2: 166.

(3) الروضة 2: 166.

(4) المدارك 7: 47، الذخيرة: 560.

(5) الدروس 1: 310

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 51

القبول شرط اللزوم و الملكيّة و تحقّق الهبة الشرعيّة، دون إباحة التصرّف و الاستطاعة العرفيّة.

و منه يظهر ردّ ما قيل من أنّ الهبة موقوفة على القبول، فهي اكتساب غير واجب، بخلاف البذل، فإنّه إباحة يكفي فيها الإيقاع «1»، فإنّ الهبة متضمّنة للإباحة المتحقّقة بدون القبول أيضا قطعا و إن كان تحقق جزئها الآخر- و هو التملّك- موقوفا على الاكتساب، مع أنّ عدم وجوب الاكتساب- الذي تحقّق قبله الاستطاعة العرفيّة- ممنوع، و أيّ دليل عليه؟! فإنّ المسلّم عدم وجوب تحصيل الاستطاعة. و أمّا مع تحقّقها عرفا فيجب الاكتساب المتوقّف عليه الحجّ، و لولاه لم يجب بيع المال لنفقة الحجّ، و لا شراء عين الزاد و الراحلة لمن يملك ثمنها، فإنّ بعد تحقّق الاستطاعة يصير الواجب مطلقا، و ما يتوقف عليه مقدمة للواجب المطلق، فيجب تحصيله.

ج: لو بذل له مالا، أو وهبه له و أطلق-

أي لم يقيّده بكونه للحجّ- فقيل: المشهور عدم وجوب القبول، لكونه اكتسابا «2». و جوابه قد مرّ، مع أنّه لا فرق في ذلك بين الإطلاق و التقييد.

فالحقّ: وجوب الحجّ معه، إلّا أن لم يكن مستجمعا لسائر الشرائط حين البذل و لم يبذل حال الاستجماع، كأن بذله قبل إمكان المسافرة.

د: لا يمنع الدين- و لو كان معجّلا- من وجوب الحجّ على تقدير البذل أو الهبة للحجّ،

و أمّا مع الإطلاق فيشترط في وجوب الحجّ عليه معيّنا توفية الدين أو رضى الدائن أو تأجيله، و الوجه ظاهر، و كذا سائر ما يستثنى من الاستطاعة.

______________________________

(1) قاله صاحب الرياض 1: 339.

(2) قاله صاحب الرياض 1: 339.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 52

ه: لو بذل له تمام ما تتمّ به الاستطاعة

مع وجود القدرة على باقيه، يجب الحجّ.

و: لا يجب على المبذول له إعادة الحجّ بعد اليسار،

وفاقا للمشهور على ما في المدارك و الذخيرة و المفاتيح و شرحه «1»، بل في الأخيرين: أنّ القول الآخر شاذ، و عن بعض آخر: أنّ عليه فتوى علمائنا، الظاهر في دعوى الإجماع «2».

لنا: الأصل، و صدق الامتثال، و دلالة الأمر على الإجزاء.

و استدلّوا أيضا بصحيحة ابن عمّار: رجل لم يكن له مال فحجّ به رجل من إخوانه، هل يجزئ ذلك عنه عن حجّة الإسلام، أو هي ناقصة؟

قال: «بل هي حجّة تامّة» «3».

و فيه: أنّ الإجزاء عن حجة الإسلام لا يدلّ على عدم وجوب الإعادة إلّا بضميمة عدم وجوبها إلّا مرّة واحدة، و هو إمّا بالإجماع القابل للمنع في محلّ النزاع، أو العمومات اللّازم تخصيصها بما يأتي من المخصّصات، و لذا أمر بالإعادة في الروايات الآتية مع التصريح بقضاء حجّة الإسلام، مع أنّ حجّة الإسلام قد يعبّر بها عن أول حجّة.

و أمّا تماميّة الحجّ فهي تجري في المندوب و الحجّ عن الغير أيضا، لأنّ معناها كماله.

خلافا للإستبصار، فيعيد مع اليسار «4»، لموثّقة البقباق: عن رجل

______________________________

(1) المدارك 7: 47 و فيه: و هو قول الأكثر، الذخيرة: 561، المفاتيح 1: 300.

(2) كما في الرياض 1: 339

(3) التهذيب 5: 7- 17، الإستبصار 2: 143- 468، الوسائل 11: 40 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 10 ح 2.

(4) الإستبصار 2: 143.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 53

لم يكن له مال فحجّ به أناس من أصحابه، أ قضى حجّة الإسلام؟

قال: «نعم، و إن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحجّ»، قلت: فهل تكون حجّته تلك تامّة أو ناقصة إذا لم يكن حجّ من ماله؟ قال: «نعم، يقضي عنه حجّة الإسلام و تكون تامّة ليست

بناقصة، و إن أيسر فليحجّ» «1».

و رواية أبي بصير: «لو أنّ رجلا معسرا أحجّه رجل كانت له حجّة، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحجّ، و كذلك الناصب إذا عرف فعليه الحجّ و إن كان قد حجّ» «2».

و الجواب عنهما: بعدم صلاحيّتهما لإثبات حكم مخالف للأصل، لشذوذهما، و مخالفتهما للشهرتين العظيمتين، بل للإجماع المحقّق، فإنّ مخالفة الإستبصار لا تضرّ في تحقّقه، سيّما مع رجوع الشيخ عنه في سائر كتبه «3».

مضافا إلى أنّ تشبيه الناصب- المجمع على عدم الوجوب عليه- أقوى قرينة على إرادة الاستحباب، فيجب الحمل عليه، و أمّا الحمل على من حجّ عن غيره فبعيد غايته.

ز: لا يشترط في المبذول له الرجوع إلى كفاية،

لأنّ الظاهر المتبادر من أخبار اشتراطه إنّما هو فيما إذا أنفق في الحجّ من كفايته، لا مثل ذلك، مع أنّ الشهرة الجابرة غير متحقّقة في المورد، و مع ذلك تعارضها إطلاقات

______________________________

(1) الكافي 4: 274- 2، التهذيب 5: 7- 18، الإستبصار 2: 143- 467، الوسائل 11: 41 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 10 ح 6.

(2) الفقيه 2: 260- 1265، التهذيب 5: 9- 22، و أورد صدر الحديث في الإستبصار 2: 144- 470، و الوسائل 11: 57 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 21 ح 5.

(3) كما في التهذيب 5: 7، و النهاية: 204.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 54

وجوب الحجّ بالبذل، و هي أقوى و أكثر، فيرجع إلى عمومات وجوب الحجّ و الاستطاعة العرفيّة «1».

و أمّا نفقة العيال، فصريح الأصحاب اشتراط وجودها له، و لا يخفى أنّ إثباته من أدلّة استثنائها مشكل، لأنّ سبيلها سبيل أدلة استثناء الكفاية.

نعم، يمكن إثبات اشتراطها بإيجاب نفيه لتضيّع العيال الموجب للعسر و الحرج المنفيين، و على هذا فلو كان المبذول له

من لا يقدر على نفقة العيال و لا يتكفّلهم يتّجه القول بعدم اشتراط وجودها.

المسألة الثامنة: لو استأجره أحد للمعونة على السفر

أو لتعليم فيه أو نحوهما بما يكفي لنفقة الحجّ و العيال أو شرطهما له، فلا شكّ في الوجوب بعد القبول و تحقّق الإجارة، و يجزئ عن حجّة الإسلام.

و لا يرد: أنّ الوصول إلى تلك الأماكن قد وجب بالإجارة دون أفعال الحجّ، فلا يتداخل الواجبان.

لأنّ الوصول إليها مقدّمة الحجّ لا نفسه، و لا تجب عليه بالإجارة أفعاله، و مقدّمة الشي ء لا يجب إيقاعها على وجه كونه لذلك الشي ء، مع أنّ عدم التداخل ممنوع كما يأتي.

و هل تجب إجابة المستأجر و قبول الإجارة قبل القبول، أم لا؟

المصرّح به في كلام الأكثر: الثاني «2»، لأنّه مقدّمة الواجب المشروط، و تحصيلها غير واجب.

و الحقّ: الأول، إذا كان ما استؤجر له ممّا لا يشقّ عليه و يتمشّى منه، لصدق الاستطاعة، و لأنّه نوع كسب في الطريق، و قد مرّ وجوبه على مثله،

______________________________

(1) الوسائل 11: 7 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 1.

(2) كما في الحدائق 14: 108.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 55

و ليس القبول مقدّمة للواجب المشروط، بل للمطلق، لأنّ مع الفرض تحصل الاستطاعة العرفيّة، فيصير الحجّ واجبا عليه و إن توقّف إيقاعه على القبول، كاشتراء عين الزاد و الراحلة.

و التحقيق: أنّ هذه ليست تحصيل الاستطاعة، لأنّ بعد تمكّنه ممّا استؤجر له يكون ذلك منفعة بدنيّة مملوكة له، حاصلة له، قابلا لإيقاع الحجّ به، فيكون مستطيعا، كمالك منفعة ضيعة تفي بمئونة الحجّ عليه، غايته أنّه يبادلها بالزاد و الراحلة.

لا يقال: فعلى هذا يجب تحصيل مئونة الحجّ على كلّ من قدر على الاكتساب و تحصيل الاستطاعة، فيكون الحجّ واجبا مطلقا.

لأنّا نقول: إن كان اقتداره بحيث

تصدق معه الاستطاعة العرفيّة فنسلّم الوجوب و لا يصدق وجوب تحصيل الاستطاعة، و لا ضير فيه، و إلّا فلا دليل على وجوب الاكتساب، لأنّ ما نقول بوجوبه هو ما اجتمع مع صدق الاستطاعة العرفيّة.

فإن قيل: الاستطاعة على ما فسّرت في الأخبار المستفيضة: أن يكون له زاد و راحلة، فلا تحصل إلّا بوجودهما، و لا يوجدان لمثل ذلك الشخص إلّا بعد الكسب.

قلنا: المراد بوجودهما ليس وجود عينهما، بل أعمّ منها و ممّا بإزائها، و المنفعة البدنيّة إنّما هي موجودة له، و هي بإزاء العين، فمن يصدق عليه أنّه واجد لما بإزاء الزاد و الراحلة- إمّا بالبذل أو الإباحة الصريحين، أو الضمنيّين كما في الهبة، أو بعوض يملكه كمنفعة بدنيّة أو ملكيّة- يجب عليه الحجّ.

و أمّا من لم يصدق عليه ذلك و سهل عليه التحصيل- كمن يتمكّن من

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 56

أن يشتري متاعا بألف نسية إلى خمسة أيّام و يبيعه في بلد آخر قريب قبل الخمسة بألفين نقدا- ففيه إشكال، لأنّه لا يملك قبل الشراء ما بإزاء الزاد و الراحلة.

و التحقيق: أنّه يجب هنا أولا بيان مسألة أخرى و تفريع أمثال تلك المسائل عليها، و هي بيان معنى الاستطاعة الماليّة.

و تحقيقه: أنّه قد مرّ في المسألة الثانية: أنّه لا يشترط في صدق الاستطاعة وجود عين الزاد و الراحلة، بل يكفي وجود ثمنهما أو ما يصلح أن يكون إزاء لهما أو لثمنهما، و هو إجماعي، بل ضروري من الدين.

و لا فرق في ذلك بين أن يكون ما يصلح الإزاء عينا موجودة أو منفعة مملوكة، فلو كانت له ضيعة لم يتمكّن من بيعها و يمكن إجارتها في مدّة بما يكفي لمئونة الحجّ و ما يتبعه،

يجب الحجّ، لصدق الاستطاعة.

و هل يشترط وجود ما يصلح أن يكون إزاء للمئونة عينا أو منفعة، أو يكفي الاقتدار و التمكّن على تحصيله من غير مشقّة، بل بسهولة حال اجتماع سائر الشرائط؟

ظاهر كثير من كلماتهم: الأول، حيث نفوا الوجوب إذا توقّف على الاكتساب مطلقا «1»، حتى بمثل قبول الهبة و قبول إجارة النفس.

و لعلّه للأخبار- المتقدمة كثير منها- المفسّرة للاستطاعة: بأن يكون له أو عنده زاد و راحلة «2»، أو أنّها وجود الزاد و الراحلة، كما في المرسلة المتقدّمة «3».

______________________________

(1) انظر الشرائع 1: 226، التذكرة 1: 302، الروضة 2: 166.

(2) الوسائل 11: 33 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 8.

(3) مجمع البيان 1: 478.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 57

و ظاهر بعض كلماتهم: الثاني، ككلام من أوجب الحجّ للمتمكّن من الزاد الراحلة بالكسب في الطريق، و من أوجب الاستدانة لمن له دين مؤجّل أو متاع لا يتمكّن الحال من بيعه، و من أوجب قبول الهبة، و من استدلّ لهذه الأمور بالاقتدار و التمكّن و الاستطاعة، و من قيّد الاستطاعة بالعرفيّة.

و لعلّه لوجوب حمل الاستطاعة على العرفيّة و تحقّقها مع التمكّن بالسهولة، و للأخبار الموجبة للحجّ بمجرّد القدرة على ما يحجّ به، أو بمجرّد عدم الحاجة المجحفة، أو مانع آخر، كصحيحتي الحلبي «1» و المحاربي «2» المتقدّمتين. و هو الأظهر، لما ذكر.

و لا تضرّ الأخبار المفسّرة للاستطاعة، إذ ليس المراد بوجود الزاد و الراحلة فيها معناه الحقيقي، و هو وجوب عينهما إجماعا، و مجازه كما يمكن أن يكون الأعمّ من وجود العين و الثمن يمكن أن يكون القدرة على تحصيلهما، التي هي حقيقة الاستطاعة، فلا نعلم إرادة معنى آخر غير الحقيقي للفظ الاستطاعة، فيجب الرجوع

إليه، مع أنّ صحيحتي الحلبي و المحاربي تعيّنان «3» هذا المعنى، فيجب الأخذ به.

ثم إنّه يتفرّع عليه كثير من مسائل المقام:

منها: ما مرّ من وجوب الحجّ على الكسوب إذا تمكّن من كسبه في الطريق.

و منها: وجوب الاستدانة لمن له دين مؤجّل أو متاع لا يتمكّن من

______________________________

(1) الكافي 4: 266- 1، التهذيب 5: 3- 3، الإستبصار 2: 140- 455، الوسائل 11: 40 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 10 ح 5.

(2) الكافي 4: 268- 1، الفقيه 2: 273- 1333، التهذيب 5: 17- 49، الوسائل 11: 29 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 7 ح 1.

(3) في «ق»: يعنيان ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 58

بيعه في الحال.

و منها: وجوب قبول الهبة و إجارة النفس لمعونة السفر و نحوها.

و منها: من تقدّم ممّن يتمكّن من شراء المتاع بألف و بيعه بألفين إذا كان ذلك مع استجماع سائر الشرائط، كأن يكون وقت المسافرة و حضور الرفقة و نحوهما.

و منه يرتفع إشكال وجوب التكسّب للحجّ مطلقا، إذ قبل الأوان لا يجب، و معه لا تحصل المئونة من الكسب غالبا.

نعم، يجب تقييد التحصيل بما لا يخرجه الدليل، فلا تجب الاستدانة لمن ليس له مال و لا السؤال و لا الاستيهاب، للإجماع، و الأخبار، و العسر و الحرج.

المسألة التاسعة: لا يجب للولد بذل ماله لوالده للحجّ،

و لا يجوز للوالد صرف مال ولده فيه بدون مصلحته أو إذنه، وفاقا للأكثر «1»، للأصل.

و عن النهاية و المبسوط و الخلاف و القاضي «2»: الوجوب، و استشكل فيه في الذخيرة «3»، و ظاهر الخلاف إجماع الأصحاب «4»، لصحيحة سعيد بن يسار: الرجل يحجّ من مال ابنه و هو صغير؟ قال: «نعم، يحجّ منه حجّة الإسلام»، قلت: و ينفق منه؟ قال: «نعم»،

ثم قال: «إنّ مال الولد لوالده» الحديث «5».

______________________________

(1) كما في الشرائع 1: 226، التذكرة 1: 302، مجمع الفائدة 6: 76، المدارك 7: 53.

(2) النهاية: 204، المبسوط 1: 299، الخلاف 2: 250، القاضي في المهذّب 1: 267.

(3) الذخيرة: 561.

(4) الخلاف 2: 250.

(5) التهذيب 5: 15- 44، الوسائل 11: 91 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 36 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 59

و فيه: أنّه لا تدلّ الصحيحة على أزيد من جواز الحجّ من مال الابن الصغير الذي ولايته بيد الأب، و هو غير دالّ على عدم إعطاء العوض، فلعلّه معه حتى يكون قرضا.

و الحاصل: أنّ المستفاد منها جواز هذا النوع من التصرّف أيضا، و هو أعمّ من القرض و نحوه، فلا يعارض ما دلّ على عدم جواز صرفه في غير مصلحة الصغير، و أمّا جزؤه الأخير فمخالف للإجماع و الأخبار.

المسألة العاشرة: قال بعضهم: لا يجوز صرف المال في النكاح بعد تعلّق الخطاب بالحجّ

و توقّف الحجّ على المال و إن شقّ ترك النكاح، لأنّ الحجّ مع الاستطاعة واجب فلا يعارضه النكاح المندوب، و لو حصل له من ترك النكاح ضرر شديد لا يتحمّل عادة أو خشي حدوث مرض بتركه قدّم النكاح «1».

بل قيل بتقديم النكاح لو خشي وقوع الزنا بتركه «2».

أقول: ما يدلّ على تقديم النكاح في صورة التضرّر بتركه يدلّ عليه في صورة المشقّة أيضا، إذ تحمّل المشقّة عسر، و هو منفيّ في الشريعة، إلّا أن يراد مشقّة جزئيّة لا عسر في تحمّلها، و في صدق المشقّة نظر.

ثم القول بتقديمه في صورة خشية الوقوع في الزنا ممّا لا دليل عليه، سيما إذا كانت الخشية باحتمال الوقوع أو الظنّ بتركه، بل و كذلك مع العلم، فإنّ هذه الخشية لو أوجبت تخصيص عمومات وجوب الحجّ «3» للاستطاعة

لجاز تخصيص عموم كلّ ما يدفع به ذلك من ترك الواجبات

______________________________

(1) الحدائق 14: 107.

(2) الذخيرة: 560، المنتهى 2: 653.

(3) الوسائل 11: 7 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 60

و فعل المحرّمات، و لا يقولون به، بل يمكن على ذلك أن يقال بتعارض عمومات حرمة الزنا «1» بهذه العمومات.

و فساد ذلك ظاهر جدّا، بل نقول: إنّه يجب عليه الأمران: الحجّ و ترك الزنا، و الخشية إنّما هي لأجل غلبة نفسه، التي هو مأمور بدفعها.

ثم إنّ ما ذكروه من عدم جواز صرف المال في النكاح مبنيّ على ما نقول به من وجوب إبقاء مقدّمة الواجب كما يجب تحصيلها، و لذا نقول بعدم جواز إهراق الماء المحتاج إليه للطهارة، و الأكثر لم يذكروه و إن قالوا به هنا. و يلزمه عدم جواز وقفه و هبته و بيعه بثمن قليل تنتفي معه الاستطاعة، و أنّه لو فعله لبطل الوقف، بل الهبة و البيع أيضا على القول باستلزام النهي في المعاملات للفساد، كما هو التحقيق. و كذا تلزمه هذه الأمور في صورة اشتغال الذمّة بالدين المعجّل المتوقّف أداؤه على ذلك المال كما نقول به.

المقام الثاني: في الاستطاعة السربيّة.
اشاره

و هي تحصل بتخلية السرب- بفتح المهملة و إسكان الراء: الطريق- و اشتراطها مجمع عليه محقّقا و محكيّا «2»، و الآية تدلّ عليه، و كثير من الأخبار المتقدّمة ترشد إليه، و نفي العسر و الحرج يؤكّده، و انتفاء الضرر و الضرار يبيّنه.

و المراد منها: عدم الخوف على النفس أو البدن أو البضع أو المال، و عدم خوف المنع في الطريق، فمع خوف أحد هذه الأمور لا تحصل الاستطاعة و لا يتحقق فرض الحجّ.

______________________________

(1) الوسائل 20: 307 أبواب النكاح المحرّم

ب 1.

(2) كما في المعتبر 2: 754.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 61

و ها هنا مسائل:

المسألة الأولى: تكفي في الوجوب سلامة بعض الطرق،

فلو كان له طريقان مخلّى أحدهما دون الآخر وجب سلوك الأول و إن كان أبعد إذا لم تقصر نفقته عنه و اتّسع الزمان له.

و الظاهر اشتراط كون الأبعد طريقا من بلده إلى مكّة عرفا، أي لم يبلغ من الانحراف و البعد حدّا يخرج عن كونه سبيلا إليه، و يصحّ أن يقال: إنّ بعض طرق البلد إليه مخلّى، فإن بعد بحيث لا ينصرف الطريق إليه ففي وجوب سلوكه إشكال، بل عدمه أظهر، لعدم صدق تخلية السرب عرفا، و عدم انصراف استطاعة السبيل إليه، فالمدني لو منع من المسير من طرق المدينة إلى مكّة و أمكنه المسير إلى الشام و منه إلى العراق و منه إلى خراسان و منه إلى الهند و منه إلى البحر و منه إلى مكّة لم يجب عليه الحجّ.

المسألة الثانية: لو كان في الطريق عدو لا يندفع إلّا بمال،

ففي سقوط الحجّ- كما عن الشيخ «1» و جماعة «2»- أو وجوبه- كالمحقّق و الفاضل في بعض كتبه و المدارك و الذخيرة «3»، و جمع آخر «4»- أو الأول مع الإجحاف و الثاني مع عدمه- كما عن التذكرة و الدروس «5»- أقوال، و ظاهر

______________________________

(1) المبسوط 1: 301.

(2) كما في الإيضاح 1: 271.

(3) المحقق في الشرائع 1: 228، الفاضل في المنتهى 2: 656، المدارك 7: 63، الذخيرة: 561.

(4) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 90، الأردبيلي في مجمع الفائدة 6: 78، صاحب الحدائق 14: 142.

(5) التذكرة 1: 306، الدروس 1: 313.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 62

الإرشاد التردّد «1».

حجّة الأول: انتفاء تخلية السرب.

و حصول الإعانة على الظلم.

و القياس على من أخذ المال منه قهرا.

و ردّ الأول: بمنع اشتراط التخلية مطلقا، بل المشترط تخليته بحيث يتمكّن من المسير بدون مشقّة و شدّة.

و الثاني: بمنع كونه إعانة.

و

الثالث: بالفرق و منع الأصل.

و دليل الثاني: حصول الاستطاعة و القدرة، فتتناوله الآية و الأخبار.

و حجّة الثالث: حصول الضرر المنفيّ مع الإجحاف.

أقول: حمل الأولون تخلية السرب المأخوذة في الاستطاعة على كونه خاليا عمّا يخاف معه الضرر على النفس أو البدن أو البضع أو المال.

و حملها الرادّون على كونه بحيث يتمكّن من المسير منه بلا مشقّة شديدة، و إن كان التمكّن لتحمّل ضرر مالي.

و لا شكّ أنّه يرد على الطائفة الأخيرة: أنّ تقييد التمكّن بعد المشقّة إن كان لآيات نفي العسر و الحرج فيجب تقييده بعدم الضرر أيضا، لأخبار نفي الضرر و الضرار، بل لأدلّة نفي العسر أيضا، فإنّ تحمّل الضرر عسر غالبا.

و إن كان لفهم العرف و اللغة فلا شكّ أنّهم يفهمون منها التمكّن من المسير بلا ضرر يعتدّ به، و أمّا معه فلا.

فالصواب: تفسير تخلية السرب بكونه بحيث يتمكّن من المسير منه

______________________________

(1) الإرشاد 1: 311.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 63

بلا مشقّة شديدة، و لا ضرر يعتدّ به زائدا عمّا هو لازم قطع المسافة من المشقّة و الضرر.

هذا، مع أنّ أدلّة نفي الضرر بنفسها أدلّة مستقلّة معارضة مع عمومات الاستطاعة و القدرة- لو لم يؤخذ في معناهما تخلية السرب- بالعموم من وجه، موجبة للرجوع إلى الأصل.

فإذن الأظهر هو القول الأول إن كان مرادهم من المال المعتدّ به الموجب لصدق الضرر عرفا، و القول الثالث إن كان مطلقا.

ثم إنّه لا فرق في الضرر الموجب لعدم تخلية السرب بين أن يؤخذ المال المتضرّر به قهرا و نهبا، أو صلحا و هدية- بأن يتصالح العدو و يرتفع عن الطريق بسبب أخذ المال- أو سلطانا و رئاسة، بأن يقرّر أخذ مال لمن يحجّ، أو يعبر عن تحت

ولايته أو بمصاحبته.

و سواء كان الأخذ لأجل العبور للحجّ، أو العبور مطلقا.

و سواء كان بلا مستند أو كان لأجل دفعه عدوّا آخر و محافظة الطرق عمّا فيها من الأعداء، متعدّيا عن قدر ما يلزم في الدفع، أو لا، إذا كان المأخوذ ضررا و إجحافا على المأخوذ منه.

و منه يظهر أنّه لو اندفع خوف العدو بصرف مال موجب للضرر في استصحاب عسكر لم يجب.

المسألة الثالثة: ليس المراد بتخلية السرب تخليته لكلّ أحد في كلّ حال،

بل المراد تخليته بالنسبة إلى الشخص بحسب أحواله، فلو كان في الطريق خوف عدو لشخص دون آخر يجب الحجّ على الآخر.

و لو لم يأمن الطريق للقافلة القليلة و أمن مع الكثرة و تحقّقت، يجب.

و لو ارتفع العدو بتحمّل شخص الضرر على نفسه، يجب على

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 64

الباقين، إلى غير ذلك من الموانع.

المسألة الرابعة: لو حجّ من هذا شأنه و رضي بالضرر لم يكف عن حجّة الإسلام،

و يجب عليه الحجّ ثانيا إذا ارتفع المانع بلا تضرّر، إلّا إذا كان تحمّل الضرر قبل أحد المواقيت و لم يكن بعده عدوّ، لحصول الاستطاعة بعده، أو إذا كان هناك طريقان أحدهما مخلّى و سلك هو من غير المخلّى، لتحقّق الاستطاعة أيضا.

و يمكن الحيلة في الإجزاء أيضا، بإيجاب ما يأخذه العدو له على نفسه أولا بنذر أو يمين أو عهد، أو ببذله لغيره و شرطه إعطائه العدو و نحو ذلك، و كذا يجزئ لو بذله باذل.

المسألة الخامسة: كما يشترط خلوّ السرب عن العدو يشترط خلوّه عن سائر الموانع أيضا،

فلو كان في بعض منازل الطريق طاعون أو وباء و خاف على نفسه من العبور فيه لا يجب.

و كذا لو انحصر الطريق في البحر و خاف المرض من سلوكه، بل لو كان المانع مجرّد الخوف من الطاعون أو البحر بحدّ يعسر تحمّله، و كانت فيه مشقّة شديدة، أو احتمال حدوث مرض من الخوف، لم يجب أيضا.

المقام الثالث: في الاستطاعة البدنيّة.

و هي الصحّة من المرض العائق عن الحركة أو الركوب أو الإتيان بالأفعال، و من العضب المانع كذلك، و هو- بالمهملة ثم المعجمة-: الزمانة و الضعف، فغير الصحيح لا يجب عليه الحجّ، بالإجماع، و عدم صدق الاستطاعة، و انتفاء الحرج، و كثير من الأخبار المتقدّمة.

المقام الرابع: في الاستطاعة الزمانيّة.
اشاره

و هي التمكّن من المسير بسعة الوقت، فلو ضاق أو احتاج إلى سير

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 65

عنيف لقطع المسافة و عجز عنه سقط عنه فرضه في عامه، و كذا لو قدر و لكن بمشقّة شديدة لا يتحمّل مثلها عادة، للإجماع، و فقد الاستطاعة، و لزوم الحرج و العسر، و كونه أمرا يعذره اللَّه فيه، كما صرّح به في بعض الأخبار «1».

و لنختم ذلك الفصل بمسائل:

المسألة الأولى: يشترط في وجوب الحجّ- بعد حصول الاستطاعات الأربع- أمر آخر أيضا،

و هو عدم ترتّب ضرر عليه أو على غيره بالخروج إلى الحجّ، فلو كان أحد بحيث لو خرج كان خروجه إلى الحجّ موجبا لتلف ماله المعتدّ به غير ما يصرف في الحجّ، أو كانت المرأة بحيث تخاف على رضيعها، و غير ذلك، لم يجب الحجّ.

و الفرق بين ذلك و بين الشراء بأزيد من ثمن المثل أو البيع بالأقلّ أنّ العلّة المنصوصة فيهما غير جارية هنا.

و كذا يسقط الوجوب لو منعه قاهر من المسافرة، أو خاف فيه على نفسه أو بضعه أو ماله أو ما يتعلّق به.

المسألة الثانية: لا يعتبر في الاستطاعات المذكورة حصولها من بلد المكلّف،

فلو حصلت له في موضع آخر مطلقا- حتى الميقات- و استطاع للحجّ و العود إلى بلده وجب عليه الحجّ و إن لم تكن له الاستطاعة من بلده، وفاقا للذخيرة و المدارك «2»، و بعض آخر من المتأخّرين «3»، بل الأكثر، كما يظهر من قولهم في الصبي و المجنون المدركين في الميقات.

______________________________

(1) الوسائل 11: 86 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 34.

(2) الذخيرة: 559، المدارك 7: 41.

(3) كما في الحدائق 14: 87.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 66

لعموم النصوص السالم عن المعارض، و صحيحة ابن عمّار: الرجل يمرّ مجتازا يريد اليمن أو غيرها من البلدان و طريقه بمكّة، فيدرك الناس و هم يخرجون إلى الحجّ، فيحرم معهم إلى المشاهد، يجزيه ذلك من حجّة الإسلام؟ قال: «نعم» «1».

و عن الشهيد الثاني: أنّ من أقام في غير بلده إنّما يجب عليه الحجّ إذا كان مستطيعا من بلده، إلّا أن تكون إقامته في الثانية على وجه الدوام أو مع انتقال الفرض، كالمجاور بمكّة بعد السنتين «2».

و لعلّه لانفهام ذلك من العمومات و الإطلاقات، و هو ممنوع جدّا.

و على هذا، فلو حجّ الفقير

متسكّعا إلى الميقات و لكن لم يحتج إلى التسكّع منه إلى الفراغ من المناسك يجب عليه و يجزئه عن حجّة الإسلام، و كذا الحال في سائر الاستطاعات، و كذا لو سافر للتجارة إلى الشام مثلا و حصل له فيه من الربح ما يكفيه للحجّ و العود.

المسألة الثالثة: لو حجّ غير المستطيع تسكّعا أو بمشقّة شديدة كان حجّه ندبا

و لم يجز عن حجّة الإسلام، و تجب عليه الإعادة لو استطاع، بلا خلاف كما قيل «3»، بل بظاهر الإجماع كما عن الخلاف و المنتهى «4» و غيرهما «5»، لتوقّف الإجزاء على الأمر و الخطاب المنفيّين في المقام، لفقد الشرط.

______________________________

(1) الكافي 4: 275- 6، الفقيه 2: 264- 1283، الوسائل 11: 58 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 22 ح 2.

(2) المسالك 1: 102.

(3) في الرياض 1: 338.

(4) الخلاف 2: 246، المنتهى 2: 652.

(5) كما في الدروس 1: 310، و كشف اللثام 1: 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 67

و لا فرق في ذلك بين انتفاء الاستطاعة الماليّة و غيرها، كما صرّح به جماعة «1»، و حكي عن المشهور «2».

و عن الدروس: الفرق «3»، فلا يجزئ في الأول و يجزئ في غيره، كالمريض و الممنوع بالعدو و ضيق الوقت و المعضوب، لأنّ ذلك من باب تحصيل الشرط، فإنّه لا يجب، و لو حصّله أجزأ.

و فيه: أنّ الحاصل بالتكلّف: الحجّ أو السير إليه، لا الصحّة و أمن الطريق مثلا، اللذان هما الشرط.

نعم، لو حصلت لغير المستطيع الاستطاعة قبل الميقات- كأن يحصل له من السؤال ما يكفي له منه إلى تمام المناسك، أو كان له من ماله هذا المقدار، أو سهل له المشي منه إلى مكّة من غير راحلة، أو تحمّل الحركة العنيفة في ضيق الوقت حتى أدرك الميقات في الوقت،

أو بلغ إلى موضع الأمن قبل الميقات، و غير ذلك- يجزئ عن حجّة الإسلام، و لأجل ذلك يشبه أن يكون خلاف الدروس مع المشهور لفظيا.

و منه يظهر أنّه لو اقترض ما يكفيه لنفقة الحجّ و العيال و حجّ يكون مجزئا عنه، إذ بعد الاقتراض يصير مستطيعا.

و هل يشترط في الوجوب و الإجزاء لمن حصلت له الاستطاعة قبل الميقات- بالسؤال أو وجود قليل من المال أو الاقتراض- نفقة العيال، أو الكفاية، أو نفقة العود، أم لا؟

الظاهر أنّه لو لم يتفاوت الحال للعيال و الكفاية و العود بصرف ما في

______________________________

(1) منهم صاحب الرياض 1: 338.

(2) انظر المفاتيح 1: 299.

(3) حكاه في المفاتيح 1: 299، و هو في الدروس 1: 314.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 68

يده إلى الحجّ يجب الحجّ و يجزئ، و إن توقّف أحد الثلاثة عليه لا يجب.

المسألة الرابعة: لو حجّ المستطيع تسكّعا أو في نفقة غيره أجزأه عن الفرض،

بلا خلاف فيه بين العلماء، لأنّ الحجّ واجب عليه و قد امتثل بفعل المناسك المخصوصة، فيحصل الإجزاء، و صرف المال غير واجب لذاته و إنّما يجب إذا توقّف عليه الواجب.

المسألة الخامسة: لو حجّ عن المستطيع الحيّ غيره لم يجزه إجماعا،

لأنّ الواجب عليه إيقاعه مباشرة فلا تجزئ الاستنابة فيه، و كذا لو حجّ غير المستطيع عن غيره لم يجزه، بلا خلاف يعرف كما في المدارك و الذخيرة «1»، بل هو مذهب الأصحاب كما في الأول، و مقطوع به في كلامهم كما في الثاني، بل هو إجماعي، فلو استطاع بعده يجب عليه الحجّ.

للأصل، و لرواية آدم: «من يحجّ عن إنسان و لم يكن له مال يحجّ به أجزأت عنه حتى يرزقه اللَّه ما يحجّ» «2».

و رواية إبراهيم بن عقبة: عن رجل صرورة لم يحجّ قط، حجّ عن صرورة لم يحجّ قطّ، أ يجزئ كلّ واحد منهما تلك الحجّة عن حجّة الإسلام، أم لا؟ بيّن ذلك يا سيّدي إن شاء اللَّه، فكتب عليه السّلام: «لا يجزئ ذلك» «3».

و بإزائها أخبار أخر دالّة على الاجتزاء:

كصحيحة ابن عمّار: عن رجل حجّ عن غيره، يجزئه ذلك عن حجّة

______________________________

(1) المدارك 7: 49، الذخيرة: 561.

(2) التهذيب 5: 8- 20، الإستبصار 2: 144- 469، الوسائل 11: 55 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 21 ح 1.

(3) التهذيب 5: 411- 1430، الإستبصار 2: 320- 1134، الوسائل 11: 173 أبواب النيابة في الحجّ ب 6 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 69

الإسلام؟ قال: «نعم» «1».

و أخرى: «حجّ الصرورة يجزئ عنه و عمّن حجّ عنه» «2».

و جميل: رجل ليس له مال حجّ عن رجل أو أحجّه رجل، ثم أصاب مالا، هل عليه الحجّ؟ فقال: «يجزئ عنهما» «3».

و الجواب أولا: بعدم الحجّية، للشذوذ.

و ثانيا: بالمعارضة

مع ما مرّ، و الرجوع إلى الأصل.

و ثالثا: بعدم الصراحة و لا الظهور في خلاف ما مرّ، لاحتمال رجوع الضمير في: يجزئه، في الأولى، إلى الغير و كان ممّن تتعيّن الاستنابة عنه، و في: «عنهما» في الثالثة إلى المنوب عنه و المحجوج به.

مع أنّ الإجزاء في الجميع يمكن أن يكون عن الأمر الندبي أو الإيجابي الثابت بالاستئجار، و لم تثبت الحقيقة الشرعيّة في لفظ حجّة الإسلام. فما في الذخيرة- من أنّ المسألة محلّ إشكال «4»، و ما في بعض شروح المفاتيح أنّها من المتشابهات- غير جيّد.

المسألة السادسة: إذا استطاع أحد مالا و منعه كبر أو مرض أو عدوّ أو سلطان أو نحو ذلك،
اشاره

فإمّا يكون مأيوسا من الخلاص أو لا، و على التقديرين إمّا يكون الحجّ مستقرّا في ذمّته قبل العذر أو لا.

______________________________

(1) الكافي 4: 274- 3، التهذيب 5: 8- 19، الإستبصار 2: 144- 471، الوسائل 11: 56 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 21 ح 4.

(2) التهذيب 5: 411- 1432، الإستبصار 2: 320- 1136، الوسائل 11: 55 أبواب النيابة في الحجّ ب 21 ح 2.

(3) الفقيه 2: 261- 1268، الوسائل 11: 57 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 21 ح 6، بتفاوت يسير.

(4) الذخيرة: 561.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 70

فمع اليأس و الاستقرار قالوا: تجب عليه الاستنابة في الحياة، بل في المسالك و الروضة و المفاتيح «1» و شرح الشرائع للشيخ علي و غيرها «2»:

الإجماع عليه.

و استدلّوا له- بعد الإجماعات المحكيّة- بصحيحة محمّد: «لو أنّ رجلا أراد الحجّ فعرض له مرض أو خالطه سقم، فلم يستطع الخروج، فليجهّز رجلا من ماله فليبعثه مكانه» «3».

و ابن سنان: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام، أمر شيخا كبيرا لم يحجّ قطّ و لم يطق الحجّ لكبره أن يجهّز رجلا يحجّ عنه» «4»، و

مثلها صحيحة ابن عمّار «5».

و لا ينافيهما التعليق على المشيّة في روايتي القدّاح و أبي حفص:

الأولى: «إنّ عليّا عليه السّلام قال لشيخ كبير لم يحجّ قطّ: إن شئت فجهّز رجلا ثم ابعثه أن يحجّ عنك» «6».

و الثانية: «إنّ رجلا أتى عليّا عليه السّلام و لم يحجّ قطّ، فقال: إنّي كنت كثير المال و فرّطت في الحجّ حتى كبر سنّي، قال: فتستطيع الحجّ؟ قال: لا، فقال له عليّ عليه السّلام: إن شئت فجهّز رجلا ثم ابعثه حتى يحجّ عنك» «7».

______________________________

(1) المسالك 1: 90، الروضة 2: 167، المفاتيح 1: 298.

(2) كالذخيرة: 562.

(3) الكافي 4: 273- 4، التهذيب 5: 14- 40، الوسائل 11: 64 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 24 ح 5.

(4) الكافي 4: 273- 2، الفقيه 2: 260- 1263، التهذيب 5: 460- 1601، الوسائل 11: 65 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 24 ح 6.

(5) التهذيب 5: 14- 38، الوسائل 11: 63 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 24 ح 1.

(6) الكافي 4: 272- 1، الوسائل 11: 65 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 24 ح 8.

(7) التهذيب 5: 460- 1599، الوسائل 11: 64 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 24 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 71

لإجمال متعلّق المشيّة، فلعلّه براءة الذمّة أو الخلاص من العذاب، و أيضا هذه قضايا في وقائع و لم يعلم اتّحادها، فلعلّ الرجل في الأخيرتين لم يكن مستطيعا قبل الكبر، إمّا من جهة المال، أو من جهة مانع آخر من عدوّ أو غيره.

و صحيحة الحلبي: إن كان رجل موسر حال بينه و بين الحجّ مرض يعذره اللَّه فيه، قال: «عليه أن يحجّ عنه من ماله صرورة لا مال

له» «1»، و قريبة منها رواية عليّ بن أبي حمزة «2».

و بالنصوص المفيدة لوجوب الاستنابة مع الاستقرار بعد الموت «3»، فحين الحياة مع اليأس أولى، لجواز الاستنابة حيّا، اتّفاقا فتوى و نصّا.

و يمكن الخدش في جميع تلك الأدلّة:

أمّا الإجماعات المحكيّة، فبعدم الحجّية.

و أمّا الصحيحة الأولى، فبضعف الدلالة على الوجوب من جهات عديدة:

من تعلّق التجهيز على إرادة الحجّ، الدالّة بالمفهوم على عدم وجوبه مع عدمها، و الإجماع المركّب يجري من الطرفين.

نعم، لو حمل على الاستحباب أمكن الفرق بين الإرادة و عدمها، فيستحبّ- و لو مع عدم وجوب الحجّ- مع الإرادة و عروض المانع دون

______________________________

(1) الكافي 4: 273- 5، التهذيب 5: 403- 1405، الوسائل 11: 63 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 24 ح 2، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 273- 3، التهذيب 5: 14- 39، الوسائل 11: 65 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 24 ح 7.

(3) كما في الوسائل 11: 71 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 72

حال عدم الإرادة، من جهة أنّ من أراد خيرا ينبغي إتمامه كيف أمكن.

و من الأمر بالتجهيز من ماله الغير الواجب قطعا، لكفاية بعثه و لو تبرّعا.

و من شمول إطلاقه لمن يجب عليه الحجّ أولا، كمن حجّ قبل ذلك، أو استقرّ الوجوب في ذمّته قبل ذلك أم لا، و حصل له اليأس أم لا، بل ظهور عدم اليأس منهما، حيث إنّ كون المرض العارض أو السقم المخالط ممّا لا يرجى زوالها من الأفراد النادرة جدّا. و بعض هذه الأفراد ممّا لا تجب الاستنابة فيه إجماعا، و بعضها ممّا ادّعي فيه الإجماع على عدم الوجوب، و بعضها ممّا وقع الخلاف فيه، و الحكم بأولويّة

التخصيص عن التجوّز في الأمر مشكل.

و من كون الأمر- كما قيل- واردا مورد توهّم الحظر، إمّا من جهة عدم ثبوت الاستنابة للحيّ، أو من جهة قول بعض العامّة به، كما في الخلاف و المنتهى «1».

و أمّا الثانيتان، فبكثير ممّا ذكر أيضا، مضافا إلى معارضتهما بالتعليق على المشيّة في الروايتين الأخيرتين.

و جعل متعلّق المشيّة غير المأمور به خلاف المتبادر الظاهر.

و احتمال تعدّد الوقائع و عدم استطاعة مورد الأخيرتين بعيد جدّا، بل الظاهر- كما قيل «2»- الاتحاد.

مع أنّ ظاهر قوله في الأخير: «فرّطت» حصول الاستطاعة، و إلّا لم يكن تفريطا [1]، فترك الاستفصال فيه يفيد العموم الشامل لما نحن فيه قطعا

______________________________

[1] في «س» زيادة: هذا مع أنّ الأخيرة ليست في قضية واقعة بل متضمّنة للسؤال ب التي ترك ..

______________________________

(1) الخلاف 2: 249، المنتهى 2: 655.

(2) قاله في الرياض 1: 339.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 73

لو لم نقل بالاختصاص، بل نقول به من جهة دلالتها على سبق الاستطاعة من جهة كثرة المال و التقصير، و على اليأس من جهة الكبر.

و منه تظهر معارضتهما مع الصحيحة الأولى أيضا.

و أمّا الرابعتان، فلبعض ما مرّ، مضافا إلى تعلّق الأمر فيهما بالصرورة، و لم يقل أحد بوجوب استنابته، و حمله- بالإضافة إليه على الاستحباب أو الإباحة أو الأعم منهما و من الوجوب- ينافي حمله بالإضافة إلى الاستنابة على الوجوب، إلّا على القول بجواز استعمال اللّفظ الواحد في حقيقته و مجازه في استعمال واحد، و هو خلاف التحقيق.

و أمّا السادسة، فبمنع الأولويّة، لعدم معلوميّة العلّة، سيّما مع القول بوجوب الإعادة لو اتّفق زوال العذر، لقيام الفارق حينئذ، و هو القطع بعدم وجوب الإعادة في الأصل و عدمه في الفرع، لاحتمال زوال

العذر.

و من جميع ذلك ظهر عدم وجود مخرج تامّ لنا عن أصل عدم وجوب الاستنابة.

و لذا حكي التردّد عن بعضهم في الوجوب في هذه الصورة، و هو الظاهر من الذخيرة، بل من الشرائع و النافع و الإرشاد «1»، لتردّدهم في مسألة استنابة المعذور، من غير تفصيل بين الاستقرار و عدمه، بل قيل بخلوّ كثير من كلمات الموجبين للاستنابة و النافين لها عن هذا التفصيل «2».

و لم يتعرّض جماعة للحكم بالوجوب في هذه الصورة، و منهم الحلّي، حيث اقتصر على ردّ وجوب الاستنابة بدون استقرار الاستطاعة،

______________________________

(1) الذخيرة: 562، الشرائع 1: 227، النافع: 76، الإرشاد 1: 311.

(2) انظر الرياض 1: 340.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 74

و حكم بوجوبها إذا استقرّت و مات المستطيع «1».

و على هذا، فليس في المسألة مظنّة إجماع، بل و لا علم بشهرة، و حيث كانت كذلك و لم يكن دليل تامّ على الوجوب فالأقرب إذن ما يقتضيه الأصل، و هو عدم الوجوب و إن استحبّ.

و من ذلك تظهر أقربيّة عدم الوجوب في صورة عدم الاستقرار بطريق أولى، لوجود التصريح بالعدم فيها من الفحول، كما عن المفيد و الحلّي و الجامع و القواعد و المختلف و الإيضاح «2»، و اختاره بعض مشايخنا «3».

خلافا لآخرين، كالشيخ في النهاية و التهذيب و المبسوط و الخلاف- مدّعيا فيه الإجماع «4»- و القديمين و الحلبي و القاضي و التحرير «5»، و كثير من المتأخّرين «6»، بل الأكثر مطلقا كما قيل «7»، لجميع ما مرّ مع ردّه.

و الأولى من الأولى: عدم الوجوب في صورة عدم اليأس، لعدم مصرّح فيها بالوجوب سوى شاذّ يأتي، بل عن المنتهى: الإجماع على العدم «8»، و لعدم جريان جميع الأدلّة المذكورة فيها.

______________________________

(1)

السرائر 1: 641.

(2) المفيد في المقنعة: 442، الحلّي في السرائر 1: 641، الجامع للشرائع: 173، القواعد: 75، المختلف: 257، الإيضاح 1: 270.

(3) كما في الرياض 1: 340.

(4) النهاية: 203، التهذيب 5: 14، المبسوط 1: 299، الخلاف 2: 248.

(5) حكاه عن الإسكافي و العماني في المختلف: 257، الحلبي في الكافي في الفقه:

218، القاضي في المهذّب 1: 267، التحرير 1: 92.

(6) كصاحبي المدارك 7: 55، و الحدائق 14: 129.

(7) انظر الرياض 1: 339.

(8) المنتهى 2: 655.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 75

خلافا للمحكيّ عن الدروس «1»، لإطلاق بعض ما مرّ بردّه.

و الأولى من الأولى: عدم الوجوب في صورة عدم الاستقرار و عدم اليأس، و الوجه ظاهر.

نعم، تستحبّ الاستنابة في جميع تلك الصور، لما مرّ.

فرعان:
أ: لو قلنا بوجوب الاستنابة في بعض الصور و استناب

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 11    75     أ: لو قلنا بوجوب الاستنابة في بعض الصور و استناب ..... ص : 75

زال العذر يجب عليه الحجّ ثانيا، من غير خلاف صريح بينهم أجده، بل قيل: كاد أن يكون إجماعا «2»، و عن ظاهر التذكرة. أنّه لا خلاف فيه بين علمائنا، لإطلاق الأمر بالحجّ للمستطيع، و ما فعله كان واجبا في ماله، و هذا يلزمه في نفسه «3».

و عن بعضهم: احتمال العدم، لأنّه أدّى حجّة الإسلام بأمر الشارع، و لا يجب الحجّ بأصل الشرع إلّا مرّة «4».

و فيه: أنّه لم يعلم أنّ ما فعله حجّة الإسلام، و نحن أيضا لا نوجبها إلّا مرّة، و لم يحجّ هو بعد، و إنّما حجّ غيره نيابة.

ب: إطلاق بعض ما تقدّم من الأخبار-

كصحيحتي محمّد و الحلبي «5»- عدم اختصاص ذلك بحجّة الإسلام، و جريانه في غيره من الواجبات أيضا، كالمنذور، و الظاهر عدم الخلاف فيه أيضا، كما يظهر منهم

______________________________

(1) الدروس 1: 312.

(2) المفاتيح 1: 299.

(3) التذكرة 1: 304.

(4) انظر المدارك 7: 58.

(5) المتقدمتين في ص: 70 و 71.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 76

في مسألة الاستنابة عن الحجّتين في عام واحد.

المسألة السابعة: من استقرّ الحجّ في ذمّته-
اشاره

بأن اجتمعت له شرائط الوجوب و مضت مدّة يمكنه فيها استيفاء جميع أفعال الحجّ كما عن الأكثر «1»، أو الأركان منها خاصّة كما احتمله جماعة «2»- فأهمل حتى مات، يجب قضاؤه عنه، بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في الخلاف و المنتهى و التذكرة «3» و غيرها «4».

لصحيحة ضريس: في رجل خرج حاجّا حجّة الإسلام فمات في الطريق، قال: «إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجّة الإسلام، و إن مات دون الحرم فليقض عنه وليّه حجّة الإسلام» «5».

و موثّقة سماعة: عن الرجل يموت و لم يحجّ حجّة الإسلام و لم يوص بها و هو موسر، فقال: «يحجّ عنه من صلب ماله، لا يجوز غير ذلك» «6».

و صحيحة العجلي: عن رجل استودعني مالا فهلك و ليس لولده شي ء و لم يحجّ حجّة الإسلام، قال: «حجّ عنه و ما فضل فأعطهم» «7».

و صحيحة ابن عمّار: في رجل توفّي فأوصى أن يحجّ عنه، قال: «إن

______________________________

(1) انظر الذخيرة: 563، و الحدائق 14: 152.

(2) انظر المسالك 1: 91، و الذخيرة: 563، و كشف اللثام 1: 293.

(3) الخلاف 2: 253، المنتهى 2: 871، التذكرة 1: 307.

(4) كالرياض 1: 341.

(5) الكافي 4: 276- 10، الفقيه 2: 269- 1313، الوسائل 11: 68 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 26 ح 1.

(6) التهذيب 5: 15-

41، الوسائل 11: 72 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 28 ح 4.

(7) الكافي 4: 306- 6، الفقيه 2: 272- 1328، التهذيب 5: 416- 1448، الوسائل 11: 183 أبواب النيابة في الحجّ ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 77

كان صرورة فمن جميع المال، إنّه بمنزلة الدين الواجب، و إن كان قد حجّ فمن ثلثه، و من مات و لم يحجّ حجّة الإسلام و لم يترك إلّا قدر نفقة الحمولة و له ورثة فهم أحقّ بما ترك، فإن شاءوا أكلوا، و إن شاءوا حجّوا عنه» «1»، جعل الحجّة من جميع المال معلّلا بأنّه بمنزلة الدين الواجب، و ليس ذلك لأجل الوصيّة، لأنّها لا تكون إلّا من الثلث.

و هنا أخبار كثيرة أخر أيضا متواترة معنى، كالصحاح الثمان لابن عمّار «2»، و محمّد «3»، و رفاعة «4»، و العجلي «5»، و الحلبي «6»، و ضريس «7»، و موثّقة رفاعة «8»، إلّا أنّ الأكثر- لتضمّنها الجملة الخبريّة، أو ما يحتملها، أو ما لا يجب قطعا كاستنابة الصرورة- عن إفادة الوجوب قاصرة، إلّا أنّ يجعل

______________________________

(1) الكافي 4: 305- 1، الوسائل 11: 67 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 25 ح 4.

(2) الأولى: التهذيب 5: 404- 1409، الوسائل 11: 66 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 25 ح 1.

الثانية: الكافي 7: 18 الوصايا 13 ح 7، الفقيه 4: 158- 551، الوسائل 11: 67 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 25 ح 6.

(3) الفقيه 2: 270- 1320، التهذيب 5: 492- 1769، الوسائل 11: 72 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 28 ح 5.

(4) الكافي 4: 277- 15، الوسائل 11: 73 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 28 ح

6.

(5) الكافي 4: 276- 11، الفقيه 2: 269- 1314، التهذيب 5: 407- 1416، الوسائل 11: 68 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 26 ح 2.

(6) التهذيب 5: 403- 1405، الوسائل 11: 67 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 25 ح 3.

(7) الكافي 4: 276- 10، الفقيه 2: 269- 1313، الوسائل 11: 68 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 26 ح 1.

(8) الكافي 4: 277- 16، الوسائل 11: 73 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 28 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 78

الإجماع و الأخبار الأولى على إرادته قرينة.

فروع:
أ:

المصرّح به في موثّقة سماعة و العجلي و صحيحة ابن عمّار المذكورة: أنّه يجب القضاء من أصل مال الميّت، و يدلّ عليه أيضا قوله في آخر صحيحة الحلبي المشار إليها: «يقضى عن الرجل حجّة الإسلام من جميع ماله»، و كذا يستفاد ذلك من صحيحة ابن عمّار و العجلي و ضريس.

و الظاهر أنّه إجماعي أيضا، و لا ينافيه آخر صحيحة ابن عمّار المذكورة فيمن لم يترك إلّا قدر نفقة الحمولة، و بمضمونها رواية الغنوي «1»- إلّا أنّ فيها نفقة الحجّ مكان الحمولة- لأنّ مجرد نفقة الحمولة أو الحجّ لا يوجب الاستطاعة، للتوقّف على نفقة العيال، بل الرجوع إلى الكفاية.

ب: مقتضى إخراج مئونة الحجّ عن جميع المال تقدّمها على الميراث

و الوصايا كسائر الديون، و أنّه لو لم يترك مالا غيرها يصرف فيها، كما صرّح به في بعض الأخبار السابقة أيضا «2». و لو كان له دين معها يقسّم التركة على الدين و مئونة الحجّ بقدر الحصص، لأنّه مقتضى كونها بمنزلة الدين المصرّح به في الأخبار.

ج: هل يقضي الحجّ من أقرب المواقيت إلى مكّة إن أمكن

و إلّا فمن غيره من المواقيت مراعيا للأقرب فالأقرب، فإن تعذّر من أحد المواقيت فمن أقرب ما يمكن الحجّ منه إلى الميقات، كما هو مختار المبسوط و الخلاف و الوسيلة و الغنية و الفاضلين في كتبهما و المسالك و الروضة و المدارك

______________________________

(1) الفقيه 2: 270- 1315، الوسائل 11: 46 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 14 ح 1.

(2) راجع ص: 76- 77.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 79

و الذخيرة «1»، و أكثر المتأخّرين «2»، بل مطلقا، و في الغنية الإجماع عليه «3»؟

أو من البلد مطلقا، كما حكاه في الشرائع «4» قولا واحدا لا يعرف قائله، كما صرّح به جمع «5»، بل نفاه بعضهم «6»؟

أو الثاني مع السعة في التركة و الأول مع عدمها، كما حكي عن الشيخ في النهاية و الصدوق في المقنع و الحلّي و القاضي و الجامع و المحقّق الثاني و الدروس «7» و ظاهر اللمعة «8»؟

الحقّ هو: الأول، للأصل السالم عن المعارض، و كون «9» المأمور به قضاء الحجّ، الذي هو المناسك المخصوصة، و قطع المسافة ليس جزءا منه، بل و لا واجبا لذاته، و إنّما وجب لتوقّف الواجب عليه، فإذا انتفى التوقّف انتفى الوجوب.

على أنّه لو سلّمنا وجوبه لم يلزم من ذلك وجوب قضائه، لأنّ

______________________________

(1) المبسوط 1: 301، الخلاف 2: 255، الوسيلة: 157، الغنية (الجوامع الفقهية): 604، المحقق في المعتبر 2: 760، و العلّامة

في المنتهى 2: 871، المسالك 1: 92، الروضة 2: 173، المدارك 7: 84، الذخيرة: 563.

(2) انظر الإيضاح 1: 273، كشف اللثام 1: 293، كفاية الأحكام: 57.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 604، و الموجود فيه: و يستأجر للنيابة عنه من ميقات الإحرام بدليل إجماع الطائفة.

(4) الشرائع 1: 229.

(5) كما في المدارك 7: 87، و الذخيرة: 563، و الرياض 1: 342.

(6) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 92.

(7) النهاية: 203، المقنع: 164، الحلّي في السراء 1: 516، القاضي في المهذّب 1: 267، الجامع للشرائع: 174، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:

136، الدروس 1: 316.

(8) اللمعة (الروضة 2): 172.

(9) في «س» و «ق»: فيكون ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 80

القضاء إنّما هو بأمر جديد، و هو إنّما قام على وجوب قضاء الحجّ خاصّة.

و لم أعثر للقول الثاني على دليل.

و دليل الثالث: ما احتجّ به في السرائر من أنّه كانت تجب عليه نفقة الطريق من بلده، فلمّا مات سقط الحجّ من بدنه و بقي في ماله بقدر ما كان يجب عليه لو كان حيا من مئونة الطريق من بلده «1». و الظاهر أنّ مرجعه إلى استصحاب وجوب صرف هذا القدر من ماله أيّام حياته بعد ثبوته، فإنّه كان يجب عليه ذلك مع فعله ببدنه، سقط الأخير فيستصحب الأول.

و من تواتر أخبارنا بذلك «2».

و ما ذكره في الروضة «3» و غيره «4» من الروايات الدالّة على ذلك التفصيل في صورة الوصيّة بمال معيّن أو مطلقا بالحجّ «5».

و الجواب عن الأول: أنّ الحكم الأول وجوب صرف هذا القدر من المال على هذا الشخص المستطيع في مئونة بدنه، و بعد موته تغيّر الموضوع من وجهين، فلا يجب على الغير صرفه في مئونة

بدن الغير.

مع أنّا نمنع وجوب صرف هذا القدر من المال في أيّام حياته مطلقا، بل كان الواجب عليه الحجّ، و يتبعه وجوب صرف هذا القدر مشروطا بالحاجة إليه في الحجّ، و الواجب المشروط لا يمكن استصحابه بعد انتفاء الشرط.

و عن الثاني: بما في المعتبر و المختلف «6» من أنّا لم نقف على خبر

______________________________

(1) السرائر 1: 516.

(2) السرائر 1: 516.

(3) الروضة 2: 172.

(4) كالحدائق 14: 181.

(5) كما في الوسائل 11: 66 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 25.

(6) المعتبر 2: 760، المختلف: 257.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 81

شاذّ فكيف بدعوى التواتر؟! و يمكن أن يكون نظره إلى روايات الوصيّة.

و عن الثالث: بأنّ إجراء حكم الوصيّة- لو سلّم- في غيرها قياس باطل، فلعلّ للوصيّة مدخليّة في ذلك، سيّما مع قرب احتمال قيام القرائن الحاليّة يومئذ على إرادة الحجّ من البلد، كما هو الظاهر من إطلاق الوصيّة في زماننا هذا.

مضافا إلى خلوّ روايات الوصيّة عن الدالّ على الوجوب أيضا، بل في بعضها: أنّه أوصى ببقيّة المال للإمام، فحكمه عليه السّلام بصرف ماله لا يستلزم جريانه في مال الوارث.

د: لو لم يخلّف من استقرّ الحجّ في ذمّته شيئا لم يجب الحجّ على مال الغير.

و إن خلّف ما لا يفي بقضاء مجموع أفعال الحجّ و العمرة، فإن قصر عن أجرة أحدهما تامّا أيضا كان المال للوارث أو الدين، إذ لا يجب قضاء الحجّ و العمرة منه حينئذ، لعدم الإمكان، و الأمر به إنّما هو مع إمكانه، و لو أمكن قضاء بعض أفعال الحجّ أو العمرة لم يجب أيضا، لعدم ثبوت التعبّد بذلك على الخصوص، و وجوبه التبعيّ عند وجوب الكلّ لا يقتضي وجوبه عند عدمه، و من يقول: ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه، يلزمه الإتيان بما أمكن و لو مجرّد

الطواف.

و إن قصر عن أجرة الأمرين من الحجّ و العمرة و وفى بأحدهما، فعن جمع من الأصحاب وجوبه، و تقديم العمرة، لتقدّمها، أو الحجّ، لأهمّيته في نظر الشرع، أو التخيير، لعدم الأولويّة «1».

______________________________

(1) انظر الشرائع 1: 229، المسالك 1: 92، كشف اللثام 1: 293.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 82

و في المدارك: أنّه يحتمل قويّا سقوط الفرض مع القصور عنهما إن كان الفرض التمتّع، لدخول العمرة في الحجّ «1».

أقول: إن كان الحجّ اسما لهما معا تعيّن ما احتمله في المدارك، إذ بعد سقوط الكلّ ليس دليل على وجوب الجزء، و إلّا- كما هو مقتضى الأصل، حيث إنّه لم تعلم الحقيقة الشرعيّة فيهما و لم يرد مجرّد اللغويّة- فيقتصر على المتيقّن، فيتعيّن تقديم الحجّ، لأنّه المأمور بقضائه في الروايات، بل يستشكل حينئذ في وجوب قضاء العمرة مع الوفاء بهما أيضا.

إلّا أن يقال: بأنّ وجوبه حينئذ إجماعيّ كما هو كذلك، فالأقوى وجوب قضائهما مع الوفاء بهما، و الحجّ مع اختصاص الوفاء به، إلّا أن يعلم من القرائن إرادتهما معا من لفظ الحجّ، فيسقط مع عدم الوفاء بهما.

ه: لو كان له دين و كان المال بقدر لا يفي إلّا بأحد الأمرين من الحجّ و الدين،

فالظاهر التخيير، لأنّهما واجبان تعارضا و لا مرجّح لأحدهما، و احتمال التوزيع إنّما يكون إذا وفت حصّة الحجّ به، و أمّا مع عدمه فلا فائدة في التوزيع.

و جعله بمنزلة الدين الواجب في صحيحة ابن عمّار «2» إنّما هو في الوجوب.

و لو وفى بالحجّ و شي ء من الدين أيضا يكون التخيير في القدر المساوي لأجرة الحجّ، و يصرف الباقي في الدين.

و: قيّد الأكثر وجوب قضاء الحجّ عن الميّت باستقراره في ذمّته،

و اختلفوا فيما يتحقّق به الاستقرار:

______________________________

(1) المدارك 7: 84.

(2) المتقدمة في ص: 76- 77.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 83

فذهب الأكثر إلى أنّه مضيّ زمان يتمكّن فيه الإتيان بجميع أفعال الحجّ مستجمعا للشرائط «1».

و قيل: إنه مضيّ زمان يمكن فيه تأدّي الأركان خاصّة، و نسب إلى التذكرة «2».

و احتمل بعضهم الاكتفاء بمضيّ زمان يمكنه فيه الإحرام و دخول الحرم، و نسبه بعضهم إلى التذكرة «3».

و استحسن بعض المتأخّرين الأخير إن كان زوال الاستطاعة بالموت.

و التحقيق: أنّه إن اشترط وجوب القضاء بالاستقرار واقعا، فالحقّ هو:

الأول، إذ لم تثبت استطاعة من تمكّن من إتيان الأركان خاصة أو دخول الحرم دون سائر الأفعال، و الإجزاء لو مات بعد دخول الحرم بدليل لا يدلّ على وجوبه في غير ذلك المورد.

و لكن الشأن في اشتراط ذلك، و لذا تأمّل فيه في الذخيرة «4»، و هو في موضعه.

بل الأقرب: عدم الاشتراط، و كفاية توجّه الخطاب ظاهرا أولا، كما هو ظاهر المدارك «5»، و صريح المفاتيح و شرحه «6»، و جعل الأخير القول بالاشتراط اجتهادا في مقابلة النصّ، و نسب فيه و في سابقه القول بعدم الاشتراط إلى الشيخين، و ينسب إلى المحقّق أيضا، حيث حكم بوجوب

______________________________

(1) انظر التذكرة 1: 308، و الروضة 2: 173، و الحدائق 14: 154.

(2) كما في

المسالك 1: 91، و المدارك 7: 68.

(3) نسبه إليه في الذخيرة: 563.

(4) الذخيرة: 563.

(5) المدارك 7: 68.

(6) المفاتيح 1: 300.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 84

القضاء بالإهمال مع استكمال الشرائط «1».

لإطلاقات وجوب القضاء، بل عموم صحيحة ضريس المتقدّمة «2»، الحاصل بترك الاستفصال فيمن مات قبل دخول الحرم.

و كذا صحيحة العجلي: عن رجل خرج حاجّا و معه جمل له و نفقة و زاد فمات في الطريق، فقال: «إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ [عنه ] حجّة الإسلام، و إن كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجّة الإسلام» الحديث «3».

و كون القضاء تابعا للأداء ممنوع.

لا يقال: لو بني الأمر على الإطلاق لزم وجوب القضاء و لو لم يكن ماله بقدر يستطيع بنفسه أو لم يتمكّن من المسافرة، أي لم يتوجّه إليه الخطاب الظاهري.

لأنّا نجيب عنه: بخروج ذلك بالإجماع، و بمفهوم مثل صحيحة الحلبي: «فإن كان موسرا و حال بينه و بين الحجّ مرض أو حصر أو أمر يعذره اللَّه فيه، فإنّ عليه أن يحجّ عنه من ماله صرورة لا مال له» «4».

المسألة الثامنة: لو مات المستطيع في طريق الحجّ،

فإن كان قبل الإحرام و دخول الحرم وجب القضاء عنه بشرط استقرار الحجّ في ذمّته

______________________________

(1) انظر الشرائع 1: 229.

(2) في ص: 76.

(3) الكافي 4: 276- 11، التهذيب 5: 407- 1416، الوسائل 11: 68 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 26 ح 2، بدل ما بين المعقوفين في النسخ: منه، و ما أثبتناه موافق للمصادر.

(4) الكافي 4: 273- 5، التهذيب 5: 403- 1405، الوسائل 11: 63 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 24 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص:

85

سابقا على المشهور، و مطلقا على الأقرب المنصور كما مرّ.

و إن كان بعدهما برئت ذمّته و لم يجب القضاء عنه مطلقا بلا خلاف يعرف، و في المدارك: أنّه مذهب الأصحاب «1»، و في المفاتيح و شرحه و عن المسالك، و المنتهى و التنقيح «2» و غيرها «3»: الإجماع عليه.

لصحيحتي ضريس و العجلي المتقدّمتين في المسألة السابقة، و إطلاقهما- كإطلاق كلام الأصحاب- يقتضي عدم الفرق في ذلك بين أن يقع التلبّس بإحرام الحجّ أو العمرة، و لا بين أن يموت في الحلّ أو الحرم محرما أو محلّا كما لو مات بين الإحرامين، و بهذا التعميم قطع المتأخّرون «4»، و هو كذلك.

و إن كان بعد الإحرام و قبل دخول الحرم لم تبرأ ذمته، و كان كما قبل الإحرام على الأظهر الأشهر، للأصل، و منطوق الصحيح الأول، و مفهوم صدر الثاني.

خلافا للمحكيّ عن الخلاف و السرائر، فاكتفيا بالموت بعد الإحرام «5»، لمنطوق ذيل الصحيح الثاني.

و فيه: أنّه معارض بمفهوم الصدر مع منطوق الأول، و لو لا ترجيح الأخيرين لوجب التمسّك بالأصل الموافق للقول الأول أيضا، مع احتمال أن يكون معنى قوله: «قبل أن يحرم» قبل أن يدخل الحرم، فقد جاء بمعناه.

______________________________

(1) المدارك 7: 64.

(2) المفاتيح 1: 300، المسالك 1: 95، المنتهى 1: 863، التنقيح 1: 426.

(3) كالرياض 1: 346.

(4) كالشهيد في الدروس: 86، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 91، و صاحب المدارك 7: 65.

(5) الخلاف 2: 390، السرائر 1: 628.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 86

و ربّما يعضده السياق أيضا، بل قيل يعضده ما في الخلاف من أنّ الحكم منصوص للأصحاب لا يختلفون فيه «1»، فلو لا أنّ المراد من الإحرام في كلامه ما ذكرنا لكان

بعيدا، فإنّ الخلاف مشهور لو أريد منه غيره.

و لا يخفى أنّ كلام الخلاف و السرائر وارد في النائب دون الحاجّ لنفسه، و نقل في السرائر من هذا القول في النائب عن المبسوط أيضا «2»، و استدلّ له بعموم الأخبار. و النائب هو الذي يستفاد منه هذا الحكم من بعض الأخبار كما يأتي، فلا يبعد أن يكون كلامهما في خصوص النائب دون الحاجّ لنفسه، و الإجماع المركّب بعد غير معلوم لي. و حينئذ فلا معاضدة في كلام الخلاف لما ذكر، إذ لا تعلم شهرة الخلاف في النائب قبل الشيخ.

المسألة التاسعة: الكافر يجب عليه الحجّ عندنا و لا يصحّ منه

إجماعا، و لو مات كذلك أثم بالإخلال و لا يجب قضاؤه عنه، و لو أسلم وجب عليه الإتيان بالحجّ إن بقيت الاستطاعة إجماعا، و إلّا فعلى الأظهر- للاستصحاب، وفاقا للذخيرة و المدارك «3» و عن التذكرة «4»- عدم الوجوب.

و لو حجّ المسلم ثم ارتدّ ثم عاد لم تجب عليه إعادة الحجّ، للإتيان بالمأمور به المقتضي للإجزاء، و لرواية زرارة «5».

خلافا للمبسوط «6»، لقاعدة موهونة، مع عدم استلزام القاعدة لها على

______________________________

(1) انظر الخلاف 2: 390، الرياض 1: 346.

(2) السرائر 1: 628، و هو في المبسوط 1: 323.

(3) الذخيرة: 563، المدارك 7: 69.

(4) التذكرة 1: 308.

(5) التهذيب 5: 459- 1597، الوسائل 1: 125 أبواب مقدّمة العبادات ب 30 ح 1.

(6) المبسوط 1: 305.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 87

فرض الصحّة.

المسألة العاشرة: المخالف لنا إذا حجّ و لم يخلّ بركن من أركانه

لم يجب عليه الإعادة لو استبصر على الأظهر الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر، للصحاح المستفيضة «1».

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي و القاضي «2»، فتجب الإعادة، لروايتين محمولتين على الاستحباب جمعا «3»، و يشهد له ما في بعض تلك الصحاح من قوله: «و لو حجّ أحبّ إليّ».

و إن أخلّ بالركن تجب الإعادة بلا خلاف، لعدم إتيانه بالحجّ المسقط للإعادة في الأخبار.

و هل الركن الموجب إخلاله للإعادة هو الركن عندنا، كما عن المعتبر و المنتهى و التحرير و الدروس «4»؟ أو عنده، كما هو ظاهر المسالك و الروضة و المدارك «5» و جماعة ممّن تأخر عنهما «6»؟

النصوص مطلقة بالنسبة إلى الإخلال، إلّا أنّ ظواهرها:

الحجّ الصحيح عنده لا عندنا، فإذا حجّ فاسدا عنده لم يدخل في موردها، و إذا كان صحيحا عنده كان داخلا في مورد النصوص النافية

______________________________

(1) الوسائل 11: 61 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 23.

(2) حكاه

عن الإسكافي في المختلف: 258، القاضي في المهذّب 1: 268.

(3) الأولى في: التهذيب 5: 9- 23، الإستبصار 2: 145- 472، الوسائل 11: 61 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 23 ح 1.

الثانية في: الكافي 4: 275- 4، التهذيب 5: 10- 25، الإستبصار 2:

146- 475، الوسائل 11: 61 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 23 ح 2.

(4) المعتبر 2: 765، المنتهى 2: 860، التحرير 1: 125، الدروس 1: 315.

(5) المسالك 1: 91، الروضة 2: 177، المدارك 7: 74.

(6) كالحدائق 14: 162، و الذخيرة: 564، و الرياض 1: 244.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 88

للإعادة قطعا.

فالقول الثاني أقوى، كما أنّ عليه مدار هؤلاء الفضلاء في الصلاة و نحوها، و الفرق غير واضح.

و ما ذكره بعض الأجلّة من أنّه إذا أخلّ بركن عندنا لم يأت حينئذ بالحجّ مع بقاء وقته، بخلاف الصلاة فإنّه خرج وقتها و القضاء بأمر جديد «1».

غير جيّد، لأنّ الصلاة الفاسدة يجب قضاؤها خارج الوقت، بالعمومات، مع أنّهم لا يقولون به إذا كانت صحيحة عنده، فالسقوط فيها ليس إلّا لنحو الصحاح المتقدّمة الجارية هنا بعينها.

ثم إنّه لا فرق بين من حكم بكفره من المخالفين- كالناصبي و غيره- لإطلاق الصحاح «2»، بل صريح بعضه، لتضمّنه له.

المسألة الحادية عشرة: لا تتوقّف استطاعة المرأة على المحرم،

بلا خلاف يعرف كما في الذخيرة «3»، بل بالإجماع كما عن المنتهى «4» و غيره «5»، للأصل، و العمومات، و خصوص المستفيضة:

كصحيحة ابن عمّار: عن المرأة تخرج بغير وليّ، قال: «لا بأس» «6».

و الأخرى نحوها، و فيها: «تحجّ» بدل: «تخرج» «7».

______________________________

(1) كما في كشف اللثام 1: 295.

(2) الوسائل 11: 61 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 23.

(3) الذخيرة: 564.

(4) المنتهى 2: 658.

(5) كالغنية (الجوامع الفقهية): 582.

(6) الكافي 4: 282-

2 و فيه: تخرج مع غير ولي، الوسائل 11: 154 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 58 ح 4.

(7) التهذيب 5: 401- 1396، الوسائل 11: 154 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 58 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 89

و كذا الثالثة، و فيها: تخرج إلى مكّة بغير وليّ، قال: «لا بأس تخرج مع قوم ثقات» «1».

و صحيحة سليمان: في المرأة تريد الحجّ ليس لها محرم، هل يصلح لها الحجّ؟ قال: «نعم إذا كانت مأمونة» «2».

و موثّقة البجلي: عن المرأة تحجّ بغير محرم، فقال «إذا كانت مأمونة و لم تقدر على محرم فلا بأس بذلك» «3».

و صحيحة صفوان: تأتيني المرأة المسلمة قد عرفتني بعمل، أعرفها بإسلامها ليس لها محرم، قال: «فاحملها، فإنّ المؤمن محرم للمؤمن» [1].

و قويّة أبي بصير: عن المرأة تحجّ بغير وليّها؟ قال: «نعم، إن كانت امرأة مأمونة تحجّ مع أخيها المسلم» «4».

و الظاهر أنّ المراد بقوله في بعض تلك الأخبار: «إذا كانت مأمونة» أي كانت غير خائفة على عرضها و آمنة عليه، لا أن تكون هي بنفسها، محلّ الاطمئنان غير متّهمة، لأنّ التكليف تكليفها فعليها حفظ نفسها، و لا يعلّق

______________________________

[1] التهذيب 5: 401- 1395، و في الفقيه 2: 268- 1310، و الوسائل 11: 153 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 58 ح 1: قد عرفتني بعملي و تأتيني أعرفها بإسلامها و حبها إيّاكم، و ولايتها لكم، ليس لها محرم، قال: «إذا جاءت المرأة المسلمة فاحملها، فإنّ المؤمن محرم المؤمنة».

______________________________

(1) الكافي 4: 282- 5 و فيه: عن المرأة الحرّة تحجّ ..، الفقيه 2: 268- 1308، الوسائل 11: 153 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 58 ح 3.

(2) الكافي 4: 282- 4

و فيه: ليس معها ..، الفقيه 2: 268- 1309، الوسائل 11: 153 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 58 ح 2.

(3) التهذيب 5: 401- 1394، الوسائل 11: 154 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 58 ح 6.

(4) التهذيب 5: 400- 1393، الوسائل 11: 154 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 58 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 90

تكليف مطلق بتكليف مطلق آخر.

و يحتمل أن يكون الحكم لأوليائها، أي إذا كانت مأمونة يجوز لهم تركها بغير محرم.

ثم بعض هذه الأخبار و إن كانت مطلقة إلّا أنّ مقتضى بعض آخر أنّه مقيّد بصورة الأمن على العرض و ظنّ سلامته، كما قيّده جماعة من الأصحاب «1»، و يدلّ عليه أيضا استلزام التكليف بالحجّ مع عدمهما العسر و الحرج المنفيّين عليها أو على أوليائها.

و أمّا ما يدلّ عليه مفهوم الموثّقة- بأنّ عدم اشتراط المحرم إنّما هو مع عدم القدرة و إلّا فيشترط- فمحمول على الاستحباب و الأولويّة، لعدم توقّفه على عدم القدرة إجماعا.

ثم لو لم يحصل ظنّ السلامة إلّا بالمحرم اعتبر وجوده، و يتوقّف وجوب الحجّ عليها على سفره معها.

و كذا لو كانت ممّن يشقّ عليها مخاطبة الأجانب و إركابهم إيّاها، مع عدم اقتدارها على الركوب بنفسها، على احتمال قويّ ذكره بعض الأصحاب «2».

و من ذلك يعلم عدم استطاعة أكثر النسوان الشابّة، سيّما من الأشراف و المخدّرات من البلاد البعيدة مع تلك القوافل، التي فيها أصناف الناس بدون محرم، أو قريب ثقة، أو مؤمن متديّن ثقة، يتحمّل مالها و عليها.

ثم في صورة التوقف على المحرم لا تجب عليه إجابته لها تبرعا و لا

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في الروضة 2: 169، صاحب المدارك 7: 90، صاحب الحدائق 14:

143.

(2) المدارك 7: 90.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 91

بأجرة، و لو احتاج إلى الأجرة وجبت، لتوقّف الواجب عليها، و يكون حينئذ جزءا من استطاعتها.

المسألة الثانية عشرة: لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحجّ الواجب

، بلا خلاف يوجد، للأصل، و العمومات، و المستفيضة:

كصحيحة زرارة و موثقته: عن امرأة لها زوج و هي صرورة و لا يأذن لها في الحجّ، قال: «تحجّ و إن لم يأذن لها» «1».

و في رواية البجلي: «تحجّ و إن رغم أنفه» «2».

و صحيحة محمّد: عن امرأة لم تحجّ و لها زوج و أبى أن يأذن لها في الحجّ فغاب زوجها، فهل لها أن تحجّ؟ قال: «لا طاعة له عليها في حجة الإسلام» «3».

و قريبة منها صحيحة ابن وهب «4» و رواية ابن أبي حمزة «5»، و زاد فيهما: و قد نهاها أن تحجّ.

هذا في الحجّ الواجب.

و أمّا المندوب، فلا يجوز لها إلّا بإذن زوجها، بلا خلاف يعرف كما

______________________________

(1) الكافي 4: 282- 3، الفقيه 2: 268- 1305، الوسائل 11: 156 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 59 ح 4.

(2) الفقيه 2: 268- 1306، الوسائل 11: 157 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 59 ح 5.

(3) التهذيب 5: 400- 1391، الإستبصار 2: 318- 1126، الوسائل 11: 155 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 59 ح 1.

(4) التهذيب 5: 474- 1671، الوسائل 11: 156 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 59 ح 3.

(5) الكافي 4: 282- 1، الوسائل 11: 156 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 59 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 92

في الذخيرة «1»، و لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم كما عن المنتهى «2»، بل الإجماع كما في المدارك «3»، بل لعلّه إجماع محقّق، فهو الدليل

عليه.

المؤيّد بموثّقة إسحاق: عن المرأة الموسرة قد حجّت حجّة الإسلام فتقول لزوجها: أحجّني مرّة أخرى، أ له أن يمنعها؟ قال: «نعم» «4»، و جعلها مؤيّدة لعدم دلالتها إلّا على جواز منعه لا على التوقف على الإذن.

و كذا يؤيّده فحوى ما دلّ على عدم حجّ المعتدّة حجّ التطوّع أو الحجّ مطلقا «5»، المخرج عنه حجّة الإسلام و المأذون فيه إجماعا و نصّا، فيبقى الباقي.

المسألة الثالثة عشرة: حكم المعتدّة الرجعيّة حكم ذات البعل،

لما ذكر، و يجوز للبائنة و المتوفّى عنها زوجها، فيحجّان المندوبة مطلقا، و تدلّ عليه النصوص المستفيضة «6».

المسألة الرابعة عشرة: اختلفت الأخبار في أفضليّة الحجّ مطلقا،

راكبا أو ماشيا «7»، و الذي يستفاد من المجموع و يجمع به بينها بشهادة بعضها لبعض: أفضليّة المشي إذا لم يضعفه من العبادة و عن التقدّم إلى مكّة للعبادة، أو كان قد ساق معه ما إذا أعياه ركبه، أو كان لمشقّة العبادة دون توفير المال .. و أفضليّة الركوب فيما عداها.

______________________________

(1) الذخيرة: 564.

(2) المنتهى 2: 659.

(3) المدارك 7: 91.

(4) الفقيه 2: 268- 1307، التهذيب 5: 400- 1392، الوسائل 11: 156 أبواب وجوب الحجّ ب 59 ح 2.

(5) الوسائل 11: 158 أبواب وجوب الحج ب 61.

(6) الوسائل 11: 159 أبواب وجوب الحج ب 61.

(7) الوسائل 11: 81 أبواب وجوب الحج ب 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 93

المطلب الثاني في الحجّ الواجب بالعارض
اشاره

و له أنواع (ثلاثة: الواجب بالنذر و أخويه، و الواجب بالنيابة، و الواجب بالفساد، و لمّا كان الأخير يذكر في طيّ مسائل الحجّ و موارد فساده يكتفى هنا بذكر الأولين، فهاهنا فصلان:) «1».

الفصل الأول في الواجب بالنذر و أخويه
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: لا شكّ في انعقاد نذر الحجّ و عهده و يمينه

، و انعقد عليه الإجماع، و دلّت عليه النصوص «2» بالعموم و الخصوص بشرائطها المذكورة في كتاب النذر، و منها: البلوغ، و العقل، و الحرّية، و إذن الزوج، و الوالدين على قول، كما يأتي.

المسألة الثانية: لو نذر الحجّ و لم يتمكّن من أدائه و مات،

فلا قضاء عنه، للأصل السالم عن المعارض.

و لو تمكّن منه و مات قبل أدائه، فذهب أكثر الأصحاب- كما في

______________________________

(1) بدل ما بين القوسين في «س»: تذكر في فصول.

(2) الوسائل 23: 307 أبواب النذر و العهد ب 8، و ص: 315 ب 15، و ص: 316 ب 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 94

المدارك «1»، و أكثر المتأخّرين كما في غيره «2»، و منهم: الحلّي و الشرائع و الإرشاد «3»- إلى وجوب قضائه عنه من أصل التركة، لأنّه دين كحجّة الإسلام.

و فيه منع ظاهر، فإنّ الحجّ ليس واجبا ماليّا، بل هو بدنيّ و إن توقّف على المال مع الحاجة إليه كما تتوقّف الصلاة عليه كذلك، و إنّما وجب قضاء حجّة الإسلام بالإجماع و النصوص، و إلحاق النذر به قياس باطل، و وجوب الأداء لا يستلزم وجوب القضاء، لأنّه بأمر جديد كما في حجّ الإسلام، و بدونه يكون منفيّا بالأصل.

و عن الإسكافي و الصدوق و النهاية و التهذيب و المبسوط و المعتبر و النافع و الجامع: وجوب قضائه من الثلث «4»، لصحيحتي ضريس «5» و ابن أبي يعفور «6» الواردتين فيمن نذر أن يحجّ رجلا كما في الأولى، أو ابنه كما في الثانية، و مات قبل الوفاء، المصرّحتين بالإخراج من الثلث.

و فيه: أنّ موردهما غير محلّ النزاع، بل ظاهر إحجاج الغير صرف المال فيه، فهو نذر ماليّ و دين محض، و هو غير الحجّ الذي كلامنا فيه.

و القول: بأنّ الاستدلال إنّما هو

بفحواهما، حيث إنّ الإحجاج الذي

______________________________

(1) المدارك 7: 96.

(2) انظر الحدائق 14: 236.

(3) الحلّي في السرائر 1: 120، الشرائع 1: 230، الإرشاد 1: 312.

(4) نقله عن الإسكافي في المختلف: 321، الصدوق في الفقيه 2: 263، النهاية:

284، التهذيب 5: 406، المبسوط 1: 306، المعتبر 2: 774، النافع 1: 78، الجامع: 176.

(5) الفقيه 2: 263- 1280، التهذيب 5: 406- 1413، الوسائل 11: 74 أبواب وجوب الحج ب 29 ح 1.

(6) التهذيب 5: 406- 1414، الوسائل 11: 75 أبواب وجوب الحجّ ب 29 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 95

ليس إلّا بذل المال قطعا إذا لم يجب إلّا من الثلث فحجّ نفسه أولى.

مردود بمنع الحكم في الأصل أولا، إذ- كما قيل «1»- لم يفت به فيه أحد، بل أخرجوه من الأصل، لما دلّ على وجوب الحقّ الماليّ من الأصل، و نزّلوا الصحيحتين تارة على وقوع النذر في مرض الموت، و أخرى على وقوعه التزاما بغير صيغة، و ثالثة على ما إذا قصد الناذر تنفيذ الحجّ المنذور بنفسه فلم يتّفق بالموت. فلا يتعلّق بماله حجّ واجب بالنذر، و يكون الأمر بإخراج الحجّ المنذور واردا على الاستحباب للوارث و كونه من الثلث رعاية لجانبه.

و ثانيا: بمنع الأولويّة، لعدم معلوميّة العلّة.

و ممّا ذكر ظهر ضعف دليل القولين و عدم وجود على أصل القضاء، فكيف بالقضاء من الأصل؟! و لذا استشكل في أصله في المدارك و الذخيرة «2»، و بعض آخر «3»، و هو في موقعه جدّا، إلّا أنّ لمظنّة الإجماع يكون الأحوط القضاء، و لأصالة الاقتصار فيما خالف الأصل على موضع اليقين يحتاط به بإخراجه من الثلث.

المسألة الثالثة: لو نذر الحجّ و هو معضوب [1]

، فإن كان مقيّدا بوقت معيّن و استمرّ المانع إلى ذلك الوقت بطل

النذر. و إن كان مطلقا توقّع المكنة، و مع اليأس يبطل.

و لا تجب الاستنابة في الصورتين إلّا أن لاحظ في نذره الاستنابة،

______________________________

[1] المعضوب: الزمن الذي لا حراك به- القاموس المحيط 1: 109.

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 349.

(2) المدارك 7: 154، الذخيرة: 565.

(3) كصاحب الرياض 1: 350.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 96

فتجب قطعا.

و لو حصل العضب بعد النذر و التمكّن من الفعل، فقد قطع جمع بوجوب الاستنابة «1»، و طالبهم في المدارك بالدليل «2»، و هي مطالبة حقّة، و إذ ليس فينفى بالأصل.

المسألة الرابعة: إذا نذر الحجّ

فإمّا أن ينوي حجّة الإسلام، أو غيرها، أو يطلق فلا ينوي شيئا منهما.

فعلى الأول: ينعقد نذره على الأصحّ، فتجب الكفّارة بالترك أو تأخيره عن الوقت المعيّن مع الاستطاعة فيه، و لا يجب عليه غيرها حينئذ اتّفاقا و لا تحصيل الاستطاعة، لأنّ المنذور ليس أمرا زائدا عن حجّ الإسلام، إلّا أن ينذر تحصيلها فيجب، و لو قيّد النذر بوقت معيّن و لم تحصل له الاستطاعة إلى انقضائه بطل النذر.

و على الثاني: لم يتداخلا قطعا و يجبان معا، اتّفاقا كما عن التحرير و المختلف و المسالك «3» و غيرها «4»، إن كان حال النذر مستطيعا و كانت حجّة النذر مطلقة أو مقيّدة بزمان متأخّر عن سنة الاستطاعة، و يجب عليه حينئذ تقديم حجّة الإسلام، لفوريّتها و سعة مقابلها.

و إن كانت مقيّدة بسنة الاستطاعة بطل النذر إن قصدها مع بقاء الاستطاعة، و إن قصدها مع زوالها صحّ و وجب الوفاء عند زوالها.

و إن خلا عن القصدين فوجهان.

______________________________

(1) منهم العلّامة في التذكرة 1: 309، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 93.

(2) المدارك 7: 98.

(3) التحرير 1: 128، المختلف: 322، المسالك 1: 93.

(4) كالرياض 1: 343.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 97

و إن لم يكن حال النذر مستطيعا وجبت المنذورة خاصّة بشرط القدرة دون الاستطاعة الشرعيّة، فإنّها شرط في حجّة الإسلام خاصّة.

خلافا للمحكيّ عن الدروس فيشترط أيضا «1». و لا وجه له.

و إن حصلت الاستطاعة الشرعيّة قبل الإتيان بالمنذورة، فإن كانت مطلقة أو مقيّدة بزمان متأخّر عن سنة الاستطاعة خصوصا أو عموما وجب تقديم حجّة الإسلام، لما مرّ، وفاقا لجماعة «2».

و خلافا للمحكيّ عن الدروس، فقدّم المنذورة «3»، و لا أعرف وجهه.

و إن كانت مقيّدة بسنة الاستطاعة، ففي تقديم المنذورة أو الفريضة وجهان، أجودهما: الأول، وفاقا للمختلف و المسالك و المدارك «4» و غيرها «5»، لعدم تحقّق الاستطاعة، لأنّ المانع الشرعيّ كالمانع العقليّ، و على هذا فيعتبر في وجوب حجّ الإسلام بقاء الاستطاعة إلى السنة الثانية.

و على الثالث: ففي التداخل مطلقا، فتجزئ نيّة كلّ منهما عن الآخر، كما في الذخيرة «6»، و مال إليه في المدارك «7»، و عن الشيخ «8».

أو عدمه كذلك، كما عن الخلاف و السرائر و الناصريّات و الغنية

______________________________

(1) الدروس 1: 318.

(2) كصاحب المسالك 1: 93، و الحدائق 14: 222، و الرياض 1: 343.

(3) الدروس 1: 318.

(4) المختلف: 322، المسالك 1: 93، المدارك 7: 100.

(5) كالحدائق 14: 222، و الرياض 1: 343.

(6) الذخيرة: 566.

(7) المدارك 7: 101.

(8) التهذيب 5: 406.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 98

و الفاضلين و الشهيدين «1»، و غيرهم «2»، بل الأكثر كما قيل «3»، بل الإجماع كما في الناصريّات.

أو تداخل حجّة الإسلام في قصد النذر دون العكس، كما عن النهاية و التهذيب و الإقتصاد «4»، و جمع آخر «5».

أقوال، الحقّ هو: الأول، لأصالة التداخل- كما بيّنا في موضعه- و صدق الامتثال، مضافا في

صورة قصد المنذور إلى صحيحتي محمّد «6» و رفاعة «7».

احتجّ الثاني بحكاية الإجماع.

و بأصالة عدم التداخل.

و بما في الخلاف من قوله- بعد نسبته ما ذكره في النهاية إلى بعض الروايات «8»-: و في بعض الأخبار أنّه لا يجزئ عنه «9». و هو و إن كان ضعيفا إلّا أنّه منجبر بما ذكر.

______________________________

(1) الخلاف 2: 256، السرائر 1: 518، المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية):

209، الغنية (الجوامع الفقهية): 583، و المحقق في الشرائع 1: 231، و العلّامة في المنتهى 2: 875، و الشهيد الأول في اللمعة الدمشقية (الروضة البهية 2):

178، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 93.

(2) كالعلّامة في القواعد 1: 77، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 296، و صاحب الرياض 1: 343.

(3) كما في المدارك 7: 100، و الذخيرة: 566، و الرياض 1: 343.

(4) النهاية: 205، التهذيب 5: 406، الإقتصاد: 298.

(5) حكاه عن جماعة في المسالك 1: 93، الرياض 1: 343.

(6) التهذيب 5: 459- 1595، الوسائل 11: 70 أبواب وجوب الحج ب 27 ح 1.

(7) التهذيب 5: 406- 1415، الوسائل 11: 70 أبواب وجوب الحج ب 27 ح 3.

(8) النهاية: 205.

(9) الخلاف 2: 256.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 99

و الأول: ليس بحجّة.

و الثاني: ممنوع، مع أنّ الأصل في أحد شقّي المسألة مدفوع بالصحيحين.

و الثالث: بعدم معلوميّة مرجع الضمير المجرور عندنا.

دليل الثالث في الجزء الأول: الصحيحان، و في الثاني: أصالة عدم التداخل.

و الأول مقبول، و الثاني- كما مرّ- ممنوع.

المسألة الخامسة: لو نذر الحجّ ماشيا،
اشاره

فإن كان عاجزا عنه حين النذر و مأيوسا عن حصول القوّة أو قيّده بوقت معيّن علم العجز «1» فيه، بطل النذر «2»، لانتفاء التكليف بما يعجز عنه، سواء في ذلك العجز مطلقا أو العجز في جميع

الحالات و إن تمكّن في بعضها.

و ما ورد في بعض النصوص من أنّه إذا عجز يركب فإنّما هو في العجز المتجدّد، و لا تلزم من صحّة النذر مع القوّة و تجدّد العجز صحّته مع العلم بالعجز أيضا، و لا يجب الحجّ مطلقا حينئذ، و إن اقتضاه ما ذكره بعضهم «3» من أنّ العجز إنّما حصل عن الصفة لا عن أصل الحجّ، و النذر إنّما يتعلّق بأمرين، و لا يلزم من سقوط أحدهما للعجز سقوط الآخر، لمنع كون النذر متعلّقا بأمرين، بل المنذور أمر واحد، و هو الحجّ على الصفة المخصوصة لا الحجّ مع الصفة، فلا يمكن الإتيان بالمنذور عند العجز.

و إن كان متمكّنا عنه انعقد و وجب على المعروف من مذهب

______________________________

(1) في «س» زيادة: عنه.

(2) في «س» زيادة: فيه.

(3) كالعلّامة في المختلف: 323، و الفاضل المقداد في التنقيح 1: 422.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 100

الأصحاب، و عن المعتبر: اتّفاق العلماء عليه «1»، و عمومات النذر و خصوص نصوص نذر الحجّ من الصحاح و غيرها «2» عليه دالّة.

و أمّا صحيحة الحذّاء «3»- الواردة في حكاية أخت عقبة بن عامر- فلا تنافي ذلك، لأنّ مقتضاها عدم انعقاد نذر الحجّ ماشيا مع الحفاء، و هو لا يخالف المدّعى، و جعله بعيدا عن السياق لا وجه له، إذ ليس فيها ما يوجب بعده سوى الأمر بالإركاب دون لبس النعل، و لعلّه لبطلان أصل النذر لأجل الحفاء، فلا يبقى المشي واجبا.

و كونه مخالفا لأدلّة انعقاد نذره حافيا عموما و خصوصا لا يوجب صرفها إلى إبطال نذره ماشيا، لأنّه أيضا مخالف لأدلّة انعقاد النذر ماشيا، مع أنّ وجود خصوص في ذلك ممنوع.

و ما ذكر من المرويّ عن نوادر ابن

عيسى: عن رجل نذر أن يمشي «4» حافيا إلى بيت اللَّه تعالى، قال: «فليمش» «5» لا يثبته، لأنّه أوجب المشي دون الحفاء. هذا، مع أنّه حكاية حال، فلعلّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله علم منها العجز، أو كشف ما يجب ستره من المرأة.

و القول: بأنّ إيراد ذلك في الرواية على سبيل الجواب يقتضي عدم اختصاص الحكم بتلك المرأة.

______________________________

(1) المعتبر 2: 763.

(2) الوسائل 11: 86 أبواب وجوب الحج ب 34.

(3) التهذيب 5: 13- 37، الإستبصار 2: 150- 491، الوسائل 11: 86 أبواب وجوب الحج ب 34 ح 4.

(4) في «س»، «ق»: يجي ء.

(5) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 47- 81، الوسائل 11: 88 أبواب وجوب الحج ب 34 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 101

مردود بأنّه لعلّ كان مقتضى المقام الإجمال في الجواب، و مع احتمال ذلك لا يثبت التعميم في حكاية الحال الخالية عن الإطلاق و العموم.

و عن الفاضل في بعض كتبه «1» و ولده في الإيضاح «2»: توقّف انعقاد النذر على القول بكون المشي أفضل من الركوب، و إلّا فلا ينعقد، لاشتراط رجحان المنذور.

و فيه:- مع مخالفته للإطلاقات- أنّه لا يعتبر في المنذور كونه أرجح من جميع ما عداه، بل المعتبر رجحانه في نفسه، و لا ريب في ثبوته و إن كان مرجوحا بالإضافة إلى غيره.

فروع:
أ: اختلف الأصحاب في مبدأ المشي و منتهاه:

أمّا الأول، فقيل: إنّه بلد الناذر «3».

و قيل: وقت الشروع في أفعال الحج «4».

و الأصحّ فيه: الرجوع إلى قصد الناذر إن تعيّن، و إلّا فإلى عرفه حين النذر إن كان معلوما مضبوطا، و هو في أمثال بلادنا بلد الناذر أو النذر.

و مع اضطراب عرفه بالنسبة إليهما يكتفي بالأقرب منهما إلى الميقات، للأصل، و إلّا فإلى

مقتضى اللفظ لغة، و هو في لفظة أحجّ ماشيا [أول الأفعال ] «5» الذي هو الإحرام.

______________________________

(1) كالقواعد 2: 142.

(2) الإيضاح 4: 66.

(3) كما في القواعد 2: 142، الدروس 1: 319، الحدائق 14: 225.

(4) كما في المدارك 7: 103.

(5) في «س»، «ق»: أوان الأفعال، و في «ح»: أول أفعال، و الأولى ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 102

و أمّا الثاني، فقيل: رمي الجمار «1».

و قيل: طواف النساء «2».

و روي في قرب الإسناد للحميري: أنّه إذا أفاض من عرفات «3».

و المعوّل فيه أيضا: قصد الناذر مع اليقين، و إلّا فعرفه مع معلوميّته، و إلّا فمقتضى اللغة، و هو فيما ذكر آخر أفعال الحجّ الواجبة، و هو رمي الجمار، كما استفاضت به الروايات أيضا، كصحيحتي جميل «4» و ابن همام «5»، و رواية ابن أبي حمزة «6». و الأولى القطع بطواف النساء، و أمّا رواية الحميري فشاذّة، أو على بعض المحامل محمولة.

ب: من نذر الحجّ ماشيا- بحيث يجب عليه المشي في الطريق أيضا

- لا تجوز له المسافرة من طريق البحر، لعدم صدق المشي على العابر بالسفن، و لو لم يكن طريق غيره يحتمل سقوط النذر.

و أمّا ما في رواية السكوني: «فليقم في المعبر قائما حتى يجوز» «7» فهي واردة في مثل: الفرات و الدجلة من الشطوط، و الأنهار العظيمة التي تحتاج إلى المعبر، دون البحر و السفينة، لأنّ المتبادر من المعبر: الأول.

و أمّا في أمثال تلك المعابر، فلو قطع النظر عن الرواية يجوز بالمعبر

______________________________

(1) كما في المدارك 7: 103.

(2) كما في التحرير 2: 107، و الدروس 1: 319.

(3) قرب الإسناد: 161- 588، الوسائل 11: 90 أبواب وجوب الحجّ ب 35 ح 6.

(4) التهذيب 5: 478- 1692، الوسائل 11: 90 أبواب وجوب الحج ب 35 ح 2.

(5) الكافي

4: 457- 7، الوسائل 11: 90 أبواب وجوب الحج ب 35 ح 3.

(6) الكافي 4: 456- 6، الوسائل 11: 90 أبواب وجوب الحج ب 35 ح 4.

(7) الكافي 7: 455- 6، الفقيه 3: 235- 1113، التهذيب 5: 478- 1693، الإستبصار 4: 50- 171، الوسائل 11: 92 أبواب وجوب الحج ب 37 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 103

مطلقا قائما أو جالسا، لأنّ هذا القدر لا يضرّ عرفا في صدق المشي إلى مكّة، و لكن لدلالة الرواية على وجوب القيام فيه يحكم به، و لا يضرّ ضعفها.

ج: لو ركب ناذر المشي بعض الطريق و حجّ لم يكن آتيا بالمنذور،

فيعيده ماشيا إن كان النذر مطلقا.

و القول- بأنّه يعيده ماشيا في موضع الركوب خاصّة- ضعيف جدّا.

و كذا القول بالأول إن كان الركوب بعد التلبّس بالحجّ، و الثاني إن كان قبله كما في المدارك «1».

و إن كان مقيّدا بسنة معيّنة فيكفّر لخلف النذر، و يقضي الحجّ إن قلنا بوجوب قضاء المنذور من العبادات إذا ترك، و يأتي بيانه في بابه.

و أمّا قضاء الحجّ لفساده الموجب للقضاء فإنّما يصحّ إذا ركب في أفعال الحجّ، لكون الأمر بالحجّ ماشيا نهيا عن ضدّه الموجب لفساده، و أمّا إذا ركب قبلها فلا وجه لفساد نفس الحجّ، إلّا إذا قصد به المنذور، فتأمّل.

د: لو عجز الناذر للحجّ ماشيا عن المشي كلّا أو بعضا مع المكنة أولا أو توقّعها، ففيه أقوال:
الأول: توقّع المكنة مع الإطلاق و عدم اليأس منها،

و السقوط مع التقييد بزمان معيّن و حصول العجز فيه أو اليأس مع الإطلاق، اختاره الحلّي و الفاضل في الإرشاد «2» و المحقّق الثاني في حاشية الشرائع، لوجوب تحصيل الواجب بقدر الإمكان في الأول، و العجز المستتبع للسقوط في الثاني.

______________________________

(1) المدارك 7: 105.

(2) الحلّي في السرائر: 357، الإرشاد 1: 312.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 104

و الثاني: الركوب و سياق البدنة مطلقا،

ذهب إليه الشيخ «1» و جماعة من الأصحاب «2»، لصحيحتي الحلبي «3» و المحاربي «4».

و الثالث: الركوب بلا وجوب السياق،

و هو المحكيّ عن المفيد و الإسكافي و المحقّق «5»، لصحيحة رفاعة: رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللَّه، قال: «فليمش»، قلت: فإنّه تعب، قال: «إذا تعب ركب» «6»، فإنّ السكوت عن سياق الهدي في مقام البيان يقتضي عدم وجوبه.

و رواية عنبسة: نذرت في ابن لي إن عافاه اللَّه أن أحجّ ماشيا، فمشيت حتى بلغت العقبة، فاشتكيت فركبت، ثم وجدت راحة فمشيت، فسألت أبا عبد اللَّه عليه السلام، فقال: «إنّي أحبّ إن كنت موسرا أن تذبح بقرة»، فقلت: معي نفقة و لو شئت أن أذبح لفعلت و عليّ دين، فقال: «إنّي أحبّ إن كنت موسرا أن تذبح بقرة»، فقلت: شي ء واجب أفعله؟ فقال: «لا، من جعل اللَّه شيئا واجبا فبلغ جهده فليس عليه شي ء» «7».

______________________________

(1) النهاية: 205.

(2) منهم ابن حمزة في الوسيلة: 156، و الشهيد في اللمعة (الروضة 2): 183.

(3) التهذيب 5: 13- 36، الإستبصار 2: 149- 489، الوسائل 11: 86 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 34 ح 3.

(4) التهذيب 5: 403- 1403، الإستبصار 2: 149- 490، الوسائل 11: 86 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 34 ح 2.

(5) المفيد في المقنعة: 441، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 659، المحقق في المعتبر 2: 331، و الشرائع 1: 231.

(6) التهذيب 5: 403- 1402، الإستبصار 2: 150- 492، الوسائل 11: 86 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه 34 ح 1.

(7) التهذيب 8: 313- 1163، الإستبصار 4: 49- 170، الوسائل 23: 308 أبواب النذر و العهد ب 8 ح 5، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 105

و الرابع: توقّع المكنة مع الإطلاق و الركوب مع التعيين أو اليأس،

حكي عن المختلف «1»، و اختاره في التنقيح و الروضة و المسالك «2».

و قد يجعل قول الأخيرين غير الأولين،

باعتبار عدم تعرّض الأولين لليأس و تعرّض الأخيرين. و الظاهر: الاتّحاد، إذ لا يكون اليأس داخلا في توقّع المكنة قطعا، أمّا الأول فظاهر، و أمّا الثاني فلأنّ العجز عن الصفة لا يوجب سقوط الموصوف.

و الخامس: توقّع المكنة مع الإطلاق،

و الركوب و الإتمام إن حصل العجز بعد التلبّس بالإحرام مطلقا، و السقوط إن حصل قبله، حكي عن بعض المتأخّرين «3».

أقول: لو لا النصوص المذكورة لكان المصير إلى القول الأول متعيّنا، بضميمة ما مرّ سابقا من إبطال الاستدلال بعدم إيجاب العجز عن الصفة سقوط الموصوف، و لكن مع تلك النصوص «4»- الآمرة بالركوب عند العجز على الإطلاق سواء كان نذرا مطلقا أو معينا إمّا مع سياق الهدي أو بدونه الموافقة لعمل جمع من الأعيان- فلا محيص عن القول بمقتضاها.

مضافا بالنسبة إلى النذر المطلق [إلى ] «5» أنّ الأمر بتوقّع المكنة بعد طريان العجز ربّما يؤدّي إلى العسر و الحرج المنفيّين، سيّما و أن يكون بعد التلبّس بالإحرام، سيّما مع الأمر بإكمال الحجّ و العمرة حينئذ.

و مخافة الخروج عن المجمع عليه في صورة الإطلاق، حيث إنّ

______________________________

(1) المختلف: 323 و 659.

(2) التنقيح 1: 424، الروضة 2: 182، المسالك 2: 207.

(3) كصاحب المدارك 7: 108، و فيه: مع وجوب الإكمال سياق البدنة.

(4) الوسائل 11: 86 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 34.

(5) أضفناها لاقتضاء السياق.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 106

المستفاد من كلام فخر المحققين «1» و غيره «2»: أنّ الخلاف إنّما هو في المعيّن، و أمّا المطلق فلا خلاف فيه في وجوب توقّع المكنة.

فليس في موقعها، إذ ظاهر جمع من الأصحاب- منهم: المحقّق في الشرائع و النافع «3»- تحقّق الخلاف في الصورتين، فالأخذ بمقتضى النصوص- و هو الركوب عند العجز مع أحد الأمرين

من السياق و عدمه- هو الأقوى، و الأصول المقتضية للقول الأول بها تندفع.

و قد يورد على النصوص بعدم صراحتها في مفروض المسألة- و هو نذر الحجّ ماشيا- بأن يكون أحدهما مشروطا بالآخر، لأنّ مورد صحيحتي الحلبي و رفاعة نذر المشي إلى بيت اللَّه، و هو لا يستلزم نذر الحجّ، فلعلّ إيجابه إنّما هو لإيجابه عليه مضيّقا سابقا بالاستطاعة و نحوها. و مورد الآخرين و إن كان المفروض، إلّا أنّه يحتمل أن يكون المراد نذر المشي خاصّة منضمّا إلى الحجّ الواجب مضيّقا سابقا، و حينئذ فيخرجان عن المورد أيضا إلّا من جهة الإطلاق أو العموم. و في رفع اليد عن الأصول و تخصيصها بمجرّدهما إشكال، بل يمكن العكس، بصرفهما إلى نذر المشي خاصّة في سنة الوجوب مضيّقا.

و فيه:- مضافا إلى ظهور إرادة نذر الحجّ ماشيا من نذر المشي إلى بيت اللَّه- أنّ إطلاق الخبرين الآخرين- اللذين أحدهما الصحيح «4»، و الآخر أيضا حجة على الصحيح «5»- أو عمومهما كاف في دفع الأصل.

______________________________

(1) إيضاح الفوائد 1: 276.

(2) كصاحب الحدائق 14: 235.

(3) الشرائع 1: 231، النافع: 76.

(4) و هو صحيح الحذاء، المتقدم في ص: 100.

(5) المروي عن نوادر ابن عيسى، المتقدم في ص: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 107

سلّمنا أنّ الأصل- لكونه مؤسّسا أيضا من العموم أو الإطلاق- يعارض ذلك، و مقتضاه الرجوع إلى أصالة عدم وجوب توقّع المكنة أيضا، و هو المطلوب.

و القول: بأنّ صرف النصوص إلى الأصول أولى، لكونها مقطوعا بها، بخلاف النصوص، فإنّها آحاد.

باطل، لأنّ الآحاد بعد حجّيتها تكون قطعيّة، مع أنّ مأخذ تلك الأصول أيضا لا يخرج عن الآحاد.

بقي الكلام في أنّه هل يجب سياق الهدي، كما هو القول الثاني و مقتضى

الصحيحين الأولين «1»؟

أو يستحبّ، كما هو القول الثالث و مقتضى الرواية «2» المعتضدة بظاهر الصحيحة «3»؟

و لو لا الرواية لكان المصير إلى الوجوب معيّنا، و لكن معها لا يبقى ظهور للصحيحين في الوجوب، لتصريحها بعدمه و الاستحباب، فتكون قرينة على إرادته منهما أيضا.

و القول بضعف الرواية مع وجودها في الأصول المعتبرة عندي ضعيف.

فإذن الأصحّ هو: القول الثالث، و عليه الفتوى.

______________________________

(1) المتقدمين في ص: 101- 104.

(2) المتقدمة في ص: 104.

(3) المتقدمة في ص: 104.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 108

الفصل الثاني في الواجب بالنيابة و الإجارة
اشاره

و هي ثابتة في الحجّ في الجملة، بالإجماع، بل الضرورة، و الأخبار المتواترة «1» الواردة في أحكام النيابة و الإجارة.

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: يشترط في النائب أمور:
منها: العقل،

فلا تصحّ نيابة المجنون و الطفل الغير المميّز بالإجماع المحقّق و المحكي «2»، له، و لارتفاع تحقّق القصد منهما.

و منها: البلوغ،

فلا تصحّ نيابة غير البالغ و لو كان مميّزا على المشهور، كما صرّح به جماعة «3»، و جعله في المدارك المعروف من مذهب الأصحاب «4».

و استدلّ له بالأصل، لكون كفاية حجّ الغير عن آخر مخالفة له قطعا، فيقتصر فيها على موضع اليقين.

و بخروج عباداته عن الشرعيّة الموجبة للثواب و إنّما هي تمرينيّة، فلا تجزئ عمّن تجب عليه أو تندب، لأنّ التمرينيّة ليست بواجبة و لا مندوبة.

و بأنّه ليس بمكلّف فلا تصحّ عبادته، لأنّها موافقة المكلّف به، و الحجّ

______________________________

(1) الوسائل 11: 7 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 1.

(2) حكاه في كشف اللثام 1: 296.

(3) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 296، و صاحب الذخيرة: 568.

(4) المدارك 7: 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 109

بالنيابة أيضا عبادة.

و بأنّ علمه بعدم المؤاخذة بأفعاله موجب لعدم الركون إلى إخباره، و احتمال أن يفعل بعض المناسك لا على الوجه المأمور به.

و في الكلّ نظر:

أمّا الأول، فللزوم الخروج عن الأصل بالدليل و لو كان إطلاقا أو عموما. و أكثر أخبار المقام و إن تضمّن لفظ: «الرجل» أو: «الصرورة الذي لا مال له» «1» المراد منه البالغ، إذ غيره لا يحتاج إلى القيد، أو الأمر بمثل:

«فليقض عنه وليّه» «2» المخصوص بالمكلّفين، أو مثل: «و يقضي عنه» «3» الغير المتعرّض «4» للقاضي و لو من جهة الإطلاق. و لكن من الأخبار ما يشمل غير المميّز بالإطلاق، كرواية عامر بن عمير الصحيح عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه: بلغني أنّك قلت: «لو أنّ رجلا مات و لم يحجّ حجّة الإسلام فحجّ

عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه» قال: «نعم» «5».

و صحيحة ابن عمّار: «حجّ الصرورة يجزئ عنه و عمّن حجّ عنه» «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 306- 3، التهذيب 5: 15- 42، الوسائل 11: 71 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 28 ح 1.

(2) الكافي 4: 276- 10، الفقيه 2: 269- 1313، الوسائل 11: 68 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 26 ح 1.

(3) الكافي 4: 276- 11، الفقيه 2: 269- 1314، الوسائل 11: 68 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 26 ح 2.

(4) في «ق» و «ج»: المنصوص ..

(5) الكافي 4: 277- 13، التهذيب 5: 404- 1407، الوسائل 11: 77 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 31 ح 2.

(6) التهذيب 5: 411- 1432، الإستبصار 2: 320- 1136، الوسائل 11: 55 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 21 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 110

و رواية محمّد: «لا بأس أن يحجّ الصرورة عن الصرورة» «1».

و أمّا الثّاني، فلمنع خروج عبادات الصبيّ عن الشرعيّة بإطلاقها، و إنّما هي خارجة عن الواجبة على نفسها.

سلّمنا التمرينيّة، لكنّه مخصوصة بأوامر اللَّه سبحانه لا ما يستأجر للغير، و لا نسلّم ما رتّبه على تمرينيّة عباداته من عدم إجزائه عمّن تجب عليه أو تندب، و لا يلزم من عدم وجوبها أو ندبها على نفسه عدم إجزائها عمّن تجب عليه أو تندب.

فإن قيل: إذا لم تكن واجبة و لا مندوبة فلا تكون مأمورا بها، فلا تكون صحيحة، لأنّ الصحّة موافقة الأمر.

قلنا: لا نسلّم أنّ الصحّة فيما يستأجر للغير موافقته للمأمور به للأجير، بل هي الموافقة للمأمور به لمن استؤجر له.

و من ذلك يعلم ما في الثالث أيضا.

و أمّا الرابع، فلعدم إيجاب العلم بعدم

المؤاخذة لعدم الركون بأفعاله، إذ قد يكون الشخص في نفسه ثقة لا يرضى بالخيانة.

سلّمنا، و لكن عدم المؤاخذة عنه إنّما هو في حال الصغر، و لكنّه يعلم بكونه مؤاخذا بعد البلوغ بغرامة ما يتلفه في حال الصغر عن حقّ الغير، و ذلك منه.

و من ذلك يعلم ضعف جميع تلك الأدلّة.

و لذا ذهب جمع من المتأخّرين إلى جواز نيابة المميّز، كالمحقّق

______________________________

(1) التهذيب 5: 411- 1429، الإستبصار 2: 320- 1133، الوسائل 11: 173 أبواب النيابة في الحجّ ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 111

الأردبيلي و المدارك و المفاتيح و شرحه «1»، و مال إليه في الذخيرة «2».

إلّا أنّ في الفقيه عن بشير النبّال: قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام: إنّ والدتي توفّيت و لم تحجّ، قال: «يحجّ عنها رجل أو امرأة»، قلت: أيّهم أحبّ إليك؟ قال: «رجل أحبّ إليّ» «3».

و في المستفيضة المتقدّمة- الواردة فيما لم يطق الحجّ ببدنه-:

«فليجهّز رجلا» «4»، و لا شكّ أنّ الرجل لا يصدق على غير البالغ.

و لكنّ الاستدلال بالأول يتمّ عند من يقول بإفادة الجملة الخبريّة للوجوب، و بالثاني عند من يوجب على من لم يطق تجهيز الغير، و قد عرفت أنّ الأظهر عدمه، فلا يتمّان عندنا.

نعم، يمكن الاستدلال على عدم الجواز برواية عمّار الواردة في استئجار الصلاة و الصوم المتقدّمة في كتاب الصلاة «5»، إمّا من جهة الإجماع المركّب و عدم الفصل بينهما و بين الحجّ، أو من جهة اشتمال أفعال الحجّ على الصلاة أيضا، المؤيّدين بقوله عليه السّلام: «الطواف بالبيت صلاة» «6».

و من ذلك يظهر أنّ الأظهر: عدم صحّة إجارة غير المكلّف.

و منها: الإسلام،

فلا تصحّ نيابة الكافر.

لا لما استدلّوا به من عدم تأتّي نيّة القربة منه،

لمنعه أولا، فإنّه يمكن تأتّيها من جهة زعمه اشتغال ذمّته بفعل الغير، و عدم اشتراط القربة في

______________________________

(1) الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 6: 128، المدارك 7: 112، المفاتيح 1: 302.

(2) الذخيرة: 568.

(3) الفقيه 2: 270- 1319، الوسائل 11: 178 أبواب النيابة في الحج ب 8 ح 8.

(4) الوسائل 11: 63 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 24.

(5) راجع ج 7 ص 328.

(6) سنن الدارمي 2: 44.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 112

عمل الأجير ثانيا.

بل للإجماع، و لكون الكافر نجسا لا يجوز له دخول مسجد الحرام المتوقّف بعض أعمال الحجّ عليه، و لروايتي مصادف:

إحداهما: أ تحجّ المرأة عن الرجل؟ قال: «نعم، إذا كانت فقيهة مسلمة و كانت قد حجّت» «1»، و قريبة منها الأخرى «2».

و لا يضرّ في الاشتراط شرط كونها قد حجّت مع أنّه غير شرط، لأنّه قرينة على أنّ المراد المرأة المستطيعة.

و منها: الإيمان،

اشترطه بعضهم «3»، لعدم صحّة عبادة المخالف.

و فيه: أنّه لو سلّم فإنّما هو في عبادات نفسه، و أمّا ما ينوب فيه لغيره فلا دليل على عدم صحّته، التي هي الموافقة لتكليف المنوب عنه، و الأخبار الواردة في عدم صحّة عباداته ظاهرة في عبادات نفسه، و لذا ذهب جمع إلى الصحة «4»، بل هو ظاهر الأكثر.

و يمكن الاستدلال على عدم الصحّة برواية عمّار المشار إليها في نيابة المميّز، المتقدّمة في بحث الصلاة بالتقريب المتقدّم في المميز «5».

و على هذا، فالأظهر: عدم الصحّة.

______________________________

(1) التهذيب 5: 413- 1436، الإستبصار 2: 322- 1142، الوسائل 11: 177 أبواب النيابة في الحجّ ب 8 ح 7.

(2) الكافي 4: 306- 1، الوسائل 11: 177 أبواب النيابة في الحجّ ب 8 ح 4.

(3) كصاحب المدارك 7: 108، و

الكاشاني في المفاتيح 1: 302، و صاحب الحدائق 14: 240.

(4) كالمحقق في المعتبر 2: 766، و العلّامة في المنتهى 2: 863، و التذكرة 1:

309، و الشهيد في الدروس 1: 319.

(5) في ص: راجع ج 7: 344.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 113

و منها: العدالة،

و قد اعتبرها المتأخّرون في الحجّ الواجب، كما في المدارك و الذخيرة و المفاتيح «1»، أو في الحجّ مطلقا، كما في بعض شروح المفاتيح، و هو ظاهر المفيد في باب مختصر المسائل و الجوابات من كتاب الأركان، حيث قال: إذا لم يكن للإنسان مانع عن الحجّ و كان ظاهر العدالة فله أن يحجّ عن غيره.

و استند المتأخّرون إلى أنّ الإتيان بالحجّ الصحيح إنّما يعلم بإخباره «2»، و الفاسق لا تعويل على إخباره، لآية التثبّت «3». و اكتفى بعضهم بكونه ممّن يظنّ صدقه و يحصل الوثوق بإخباره، و استحسنه جماعة «4».

و لا يخفى أنّه يرد على مستندهم: أنّ المطلوب إن كان هو العلم فلا يحصل من خبر العادل أيضا، و إن كان الظنّ فهو قد يحصل بخبر الفاسق.

إلّا أن يقال: إنّ المطلوب كونه مقبول الخبر، و الفاسق ليس كذلك، للآية.

و يرد عليه حينئذ أولا: أنّ مقتضى الآية قبول خبر الفاسق مع التثبّت، فقد يعلم من حاله أنّه لا يكذب، أو أنّه يأتي بما استؤجر له، أو تدلّ قرائن على أحدهما، فلا تكون العدالة شرطا.

و ثانيا: أنّا نمنع أصل المطلوب- و هو كونه مقبول القول- فإنّ المأمور به هو الاستنابة مطلقا، كما في الأخبار، و أمّا أنّه يجب أن يستفسر عنه أنّه هل أتى بما استنيب له أم لا، و أنّه يجب أن يكون مقبول القول في ذلك،

______________________________

(1) المدارك 7: 109، الذخيرة: 867، المفاتيح

1: 302.

(2) منهم صاحب المدارك 7: 109، و الفيض في المفاتيح 1: 302.

(3) الحجرات: 6.

(4) كما في المدارك 7: 109، و الذخيرة: 567، و المفاتيح 1: 302.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 114

فلا دليل عليه، و الأصل ينفيه، بل المصرّح به في المستفيضة: أنّ بالاستنابة تبرأ ذمّة المنوب عنه، أتى النائب بالأفعال أم لا، كان في حجّه نقص أم لا «1».

ففي مرسلة ابن أبي عمير- التي هي في حكم الصحاح-: في رجل أخذ من رجل مالا و لم يحجّ عنه و مات و لم يخلّف شيئا، قال: «إن كان حجّ الأجير أخذت حجّته و دفعت إلى صاحب المال، و إن لم يكن حجّ كتب لصاحب المال ثواب الحجّ» «2».

و في مرسلة الفقيه: الرجل يأخذ الحجّة من الرجل فيموت فلا يترك شيئا، فقال: «أجزأت عن الميّت، و إن كانت له عند اللَّه حجّة أثبتت لصاحبه» «3».

و في موثّقة إسحاق الصحيحة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه: في الرجل يحجّ عن آخر فاجترح في حجّه شيئا يلزمه فيه الحجّ من قابل أو كفّارة؟ قال: «هي للأول تامّة، و على هذا ما اجترح» «4».

و في أخرى كذلك أيضا: فإن ابتلي بشي ء يفسد عليه حجّه حتى يصير عليه الحجّ من قابل، أ يجزئ عن الأول؟ قال: «نعم»، قلت: لأنّ الأجير ضامن للحجّ؟ قال: «نعم» «5».

______________________________

(1) كما في الوسائل 11: 185 و 194 أبواب النيابة في الحجّ ب 15 و 23.

(2) الكافي 4: 311- 3، الوسائل 11: 194 أبواب النيابة في الحج ب 23 ح 1.

(3) الفقيه 2: 261- 1269، الوسائل 11: 194 أبواب النيابة في الحج ب 23 ح 2.

(4) الكافي 4: 544- 23، التهذيب 5:

461- 1606، الوسائل 11: 185 أبواب النيابة في الحجّ ب 15 ح 2.

(5) الكافي 4: 306- 4، التهذيب 5: 417- 1450، الوسائل 11: 185 أبواب النيابة في الحجّ ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 115

و صحيحة الحسين: في رجل أعطاه رجل مالا يحجّ عنه فحجّ عن نفسه، فقال: «هي عن صاحب المال» «1».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 11    115     و منها: العدالة، ..... ص : 113

مكاتبة أبي علي بن مطهّر: إنّي دفعت إلى ستّة أنفس مائة دينار و خمسين دينارا ليحجّوا بها، فرجعوا و لم يشخص بعضهم، و أتاني بعض و ذكر أنّه قد أنفق بعض الدنانير و بقيت بقيّة و أنّه يردّ عليّ ما بقي، و إنّي قد رمت مطالبة من لم يأتني بما دفعت إليه، فكتب عليه السّلام: «لا تعرض لمن لم يأتك و لا تأخذ ممّن أتاك شيئا ممّا يأتيك به، و الأجر قد وقع على اللَّه» «2».

و هذه الأخبار ناطقة بأنّه يثبت الحجّ للمنوب عنه بعد الاستنابة مطلقا، فأيّ حاجة إلى كون الأجير مقبول القول أو لا حتى تشترط عدالته؟! و الأصل عدم اشتراطها، و لا كونه مظنون الصدق، و هو الأظهر.

نعم، لو كان المستنيب وصيّا أو وكيلا و دلّت القرائن على إرادة الموصي أو الموكّل لاستنابة العدل أو الثقة- كما هو الظاهر في الأكثر- تجب استنابته، كما مرّ في كتاب الصلاة.

و منها: أن يكون فقيها حال الحجّ-

أي عارفا بما يلزم عليه من أفعال الحجّ- اجتهادا أو تقليدا، لروايتي مصادف [المتقدّمتين ] «3»، و لتوقّف الإتيان بها عليه.

و هل يشترط علم المستنيب بفقاهته، أو عدم علمه بعدمها، أو لا يشترط شي ء منهما؟

______________________________

(1) التهذيب 5: 461- 1605، الوسائل 11: 193 أبواب

النيابة في الحجّ ب 22 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) الفقيه 2: 260- 1266، الوسائل 11: 180 أبواب النيابة في الحج ب 10 ح 4.

(3) في النسخ: المتقدّمة، و الأنسب ما أثبتناه. و قد تقدمتا في ص 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 116

مقتضى الروايتين: الأول، فهو المعمول و إن لم نقل به في استئجار الصلاة، لأنّ الصلاة واجبة على كلّ أحد، و مقتضى معاملة العلماء- بل الحجج عليهم السّلام- مع الناس اكتفاؤهم في حقّهم في تكاليفهم بعدم العلم بالعدم، و بناؤهم معهم على كونهم عالمين بأحكامهم، و إن أمكن الخدش في الصلاة أيضا، فتأمّل.

و اللازم معرفته هو العلم بما يجب عليه الإتيان به من أعمال الحجّ، دون ما يمكن أن يحتاج إليه من مسائل الشكّ، و السهو، و قدر الكفّارات، و الأحكام المفروضة احتياجه إليها.

و كذا اللازم هو المعرفة حال كلّ فعل، فلو لم يعلم الجميع مفصّلا أولا و لكن كان معه أصل يرجع إليه عند كلّ عمل كان كافيا، و لو كان بتعليم مرشد عادل يحجّ معه.

و أمّا ما احتمله الشهيد في الدروس «1»- من كفاية العلم الإجمالي بذلك- فلا أفهم حقيقته، فإنّه إن أراد حال الإجازة أو قبل الأعمال فلا يشترط العلم مطلقا، لا التفصيلي و لا الإجمالي، و إن كان حال الفعل فلا معنى لكفاية الإجمالي.

و منها: كونه قادرا على السير و الإتيان بمناسك الحجّ

، و الوجه ظاهر.

و منها: موت المنوب عنه أو عجزه،

كما مرّ. نعم، يجوز التبرّع بحجّ التطوّع لغيرهما كما يأتي.

و منها: خلوّ ذمّته من حجّ واجب عليه في عام النيابة

بالأصالة أو بالاستئجار أو بالإفساد أو بغير ذلك، فلو وجب عليه حجّ في ذلك العام لم يجز

______________________________

(1) الدروس 1: 320.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 117

له أن ينوب عن غيره بالإجماع، للنهي عن الضدّ الموجب للفساد، و للأخبار المستفيضة من الصحاح و غيرها:

كصحيحة سعد: عن الرجل الصرورة يحجّ عن الميّت؟ قال: «نعم، إذا لم يجد الصرورة ما يحجّ به عن نفسه، فإنّ كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحجّ من ماله» الحديث «1»، و غيرها من الأخبار «2».

و من شغلت ذمّته بواجب موسّع أو مقيّد بالعام القابل- كما لو نذر أو استؤجر لأن يحجّ في القابل- جازت له النيابة قبل عام الوجوب، من غير خلاف يعرف.

و كذا من استقرّ في ذمّته الحجّ في عام و عجز عن أدائه فيه و لو مشيا- كالمستقرّ من حجّ الإسلام- تجوز له الاستنابة إذا تمكّن من الركوب حينئذ بمال الإجارة، بشرط ضيق الوقت بحيث لا يحتمل تجدّد الاستطاعة، لأنّ العجز يمنع عن الوجوب.

و خالف فيه بعضهم «3»، و لا وجه له.

و لو صار نائبا في عام و تجدّدت بعد النيابة له الاستطاعة في ذلك العام تصحّ النيابة و يحجّ للنيابة، لأنّ المانع الشرعي كالعقلي، و يحجّ لنفسه في العام القابل بشرط بقاء الاستطاعة.

و كذا تجوز النيابة لو لم يكن مستطيعا و علم حصول الاستطاعة قبل المسافرة، لعدم الوجوب قبل الحصول، فتجوز له النيابة، و بعدها لا يحصل

______________________________

(1) الكافي 4: 305- 2، التهذيب 5: 410- 1427، الإستبصار 2: 319- 1131، الوسائل 11: 172 أبواب النيابة في الحجّ ب 5 ح 1.

(2) الوسائل 11: 172

أبواب النيابة في الحجّ ب 5.

(3) و هو الحلّي في السرائر 1: 626.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 118

تمام الاستطاعة للمانع الشرعي.

و يتفرّع عليه: أنّه لو أوصى أحد بولده نيابة الحجّ بنفسه لوالده أول عام وفاته، و لم يكن للولد مال بنفسه، و لكن يستطيع بالميراث بعد فوت أبيه، يجوز له قبول الوصيّة، و بعده لا يكون مستطيعا في العام الأول.

و لو كان له مال قبل فوت أبيه يجوز له قبول الوصيّة مقيّدا بحجّة لنفسه قبل فوت أبيه، فلو لم يحجّ قبله لا يجوز له الحجّ نيابة.

و لو ظنّ تمكّنه من الحجّ لنفسه قبل وفاة أبيه، فقبل الوصيّة، فلم يتمكّن أو مات أبوه في ذلك العام، بطلت الوصيّة و عاد المال إلى الورثة.

و منها: إذن المولى إن كان النائب عبدا،

فلا يصحّ بدون إذنه، و وجهه واضح، و معه يصحّ بإجماعنا، للإطلاقات.

المسألة الثانية: لا تصحّ النيابة عن الكافر،

للإجماع، و هو الحجّة فيه.

دون ما قيل من أنّه يستحقّ في الآخرة العقاب دون الثواب، و هو من لوازم صحّة الفعل «1».

و لا قوله سبحانه ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ «2».

و لا قوله وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى «3».

لمنع كون ثواب الآخرة من لوازم صحّة الفعل، لجواز ترتّب الأجر الدنيوي كما ورد في كثير من الأفعال، أو تخفيف عقاب الآخرة.

______________________________

(1) الحدائق 14: 239.

(2) التوبة: 113.

(3) النجم: 39.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 119

و عدم استحقاق الكافر لهما ممنوع، كما ورد في بعض الموثقات:

عن الرجل يحجّ فيجعل حجّته أو عمرته أو بعض أفعاله لبعض أهله- إلى أن قال- قال: و إن كان ناصبا ينفعه ذلك؟ قال: «نعم، يخفّف عنه» «1».

و لمنع كون نيابة الحجّ استغفارا.

و لكون الاستنابة أيضا سعيا من المنوب عنه.

و لا تصحّ أيضا عن المسلم الناصب إلّا أن يكون أبا للنائب، لمكاتبة ابن مهزيار «2» و صحيحة ابن عبد ربّه «3».

و أمّا غير الناصب من المخالفين فتصحّ عنه على الأظهر، وفاقا لجماعة «4»، للأصل و الإطلاقات، إلّا إذا استناب لفعل لا يجوز عندنا.

و منعه جماعة «5» مطلقا، لعدم انتفاعه بشي ء من الأعمال، و استحقاقه العقاب الدائم، و كونه كافرا.

و يرد على الأول: أن المسلّم عدم انتفاعه الأخروي، فلعلّه يؤجر به في الدنيا.

و منه يظهر ما يرد على الثاني أيضا.

و على الثالث: بمنع كونه كافرا. سلّمنا، و لكنّ المستند في عدم

______________________________

(1) الكافي 4: 315- 4 و فيه: بعض طوافه، بدل: بعض أفعاله، الوسائل 11: 197 أبواب النيابة في الحج ب 25 ح 5.

(2) الكافي 4: 309-

2، الوسائل 11: 192 أبواب النيابة في الحجّ ب 20 ح 2.

(3) الكافي 4: 309- 1، الفقيه 2: 262- 1273، التهذيب 5: 414- 1441، الوسائل 11: 192 أبواب النيابة في الحجّ ب 20 ح 1.

(4) منهم القاضي في المهذب 1: 269، و الحلّي في السرائر 1: 632.

(5) كالشيخ في النهاية: 280، و العلّامة في القواعد 1: 77، و الكاشاني في المفاتيح 1: 303.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 120

الصحّة عنه الإجماع المنتفي في ذلك الصنف.

المسألة الثالثة: قالوا: لا بدّ من نيّة النيابة و تعيين المنوب عنه،

و في الذخيرة: أنّ هذا الحكم مقطوع به في كلامهم «1»، و نسبه بعض شرّاح المفاتيح إلى المشهور المنبئ عن الخلاف، و استدلّ له بقوله عليه السّلام: «إنّما الأعمال بالنيّات، و أنّ لكلّ امرئ ما نوى» «2».

و فيه: إنّما هو في الأعمال التي تتحمّل الاشتراك و يمكن وقوعه على وجوه عديدة، فلا بدّ فيه من قصد المميّز، و أمّا ما لا يمكن وقوعه إلّا على وجه واحد فلا يحتاج إلى مميّز، كما مرّ مستوفى في بحيث النيّة من الوضوء و الصلاة.

فعلى هذا يتّجه القول بعدم لزوم قصد النيابة، لوقوع الفعل للمنوب عنه قهرا و لو قصد غيره.

و تدلّ عليه صحيحة أبي حمزة و الحسين: في رجل أعطى رجلا مالا يحجّ عنه فحجّ عن نفسه، فقال: «هي عن صاحب المال» «3»، و نحوها مرفوعة محمّد «4».

نعم، إذا كان وقت النيابة موسّعا أو كان الحجّ للغير تبرّعا يجوز التخلّف، فوقوعه عن النيابة يتوقّف على قصدها، و على هذا وردت

______________________________

(1) الذخيرة: 567.

(2) التهذيب 4: 186- 519، الوسائل 1: 48 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 7، بتفاوت يسير.

(3) التهذيب 5: 461- 1605، الوسائل 11: 193 أبواب النيابة في الحجّ ب 22 ح

1.

(4) الكافي 4: 311- 2، الفقيه 2: 262- 1376، الوسائل 11: 194 أبواب النيابة في الحجّ ب 22 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 121

الروايات المفيدة لقصد الحجّ عن شخص «1».

و لو كان المنوب عنه متعدّدا- بأن ينوب عن اثنين في عامين بدون التعيين- يجب تعيين المنوب عنه أيضا، و لا يجب تسمية المنوب عنه باللفظ قولا واحدا. نعم، يستحبّ، كما يأتي.

المسألة الرابعة: تجوز نيابة كلّ من الرجل و المرأة عن الآخر،

بالإجماع مطلقا في الأول، و في غير الصرورة من الثاني، للمستفيضة من الأخبار الصحيحة و غيرها «2».

و الروايتان المنافيتان «3» بظاهرهما لذلك الحكم شاذّتان مطروحتان، مع أنّهما في الحقيقة غير منافيتين، لعمومهما بالنسبة إلى الصرورة الذي له مال و الذي لا مال له، و اختصاص المجوّزات بمن لا مال له، فيجب التخصيص، مع أنّ مدلول إحداهما: عدم إجزاء حجّة عن حجّتين، لا عدم إجزاء حجّ الصرورة.

و على الحقّ المشهور في الصرورة منه أيضا، للمستفيضة، بل- كما قيل- المتواترة. و بعض الأخبار «4»- المتضمّنة لعدم حجّ المرأة الصرورة عن الرجل- غير ناهض لإثبات الزائد عن الكراهة، بل في بعضها دلالة عليها دلالة واضحة.

المسألة الخامسة: لو مات النائب قبل إتمام المناسك،

فإن كان قبل الإحرام لم يجزئ عنه إجماعا، للأصل، و الإجماع، و به تخصّص الأخبار

______________________________

(1) الوسائل 11: 193 أبواب النيابة في الحج ب 22.

(2) كما في الوسائل 11: 176 أبواب النيابة في الحجّ ب 8.

(3) انظر الوسائل 11: 178 أبواب النيابة في الحجّ ب 9 ح 1 و 2.

(4) الوسائل 11: 178 أبواب النيابة في الحج ب 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 122

الآتية المصرّحة بالإجزاء مع الموت في الطريق مطلقا.

و إن كان بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأ حجّة عمّن حجّ عنه و برئت ذمّته عن فرضه، و لا حاجة إلى الاستنابة له ثانيا، بلا خلاف يوجد، بل بلا خلاف على الظاهر المصرّح به في التنقيح و المفاتيح و شرحه و الحدائق «1»، بل الوفاق كما في الذخيرة «2»، بل بالإجماع كما في المسالك و المنتهى «3» و جماعة «4»، بل بالإجماع المحقّق.

لا للإجماع المنقول، أو ثبوته في المنوب عنه بالإجماع، أو صحيحتي ضريس «5» و العجلي «6» المتقدّمتين في مسألة

موت الحاجّ لنفسه، لعدم حجّية الأول، و كون الثانيين قياسا، و عدم ثبوت الإجماع المركّب.

بل للإجماع المحقّق، و موثّقة إسحاق الصحيحة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه: عن الرجل يموت فيوصي بحجّة، فيعطي رجل دراهم يحجّ بها عنه، فيموت قبل أن يحجّ، ثم أعطى الدراهم غيره، قال: «إن مات في الطريق أو بمكّة قبل أن يقضي مناسكه فإنّه يجزئ عن الأول» «7».

______________________________

(1) التنقيح 1: 426، المفاتيح 1: 300، الحدائق 14: 254.

(2) الذخيرة: 568.

(3) المسالك 1: 95، المنتهى 2: 863.

(4) انظر المدارك 7: 118.

(5) الكافي 4: 276- 10، الفقيه 2: 269- 1313، الوسائل 11: 68 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 26 ح 1.

(6) الكافي 4: 276- 11، الفقيه 2: 269- 1314، التهذيب 5: 407- 1416، الوسائل 11: 68 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 26 ح 2.

(7) الكافي 4: 306- 4، التهذيب 5: 417- 1450، الوسائل 11: 185 أبواب النيابة في الحجّ ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 123

و مرسلة الحسين بن عثمان الصحيحة أيضا: في رجل أعطى رجلا ما يحجّه، فحدث بالرجل حدث، فقال: «إن كان خرج فأصابه في بعض الطريق فقد أجزأت عن الأول و إلّا فلا» «1».

وجه الاستدلال: أنّها دلّت على الإجزاء في الطريق مطلقا، خرج عنها قبل الإحرام بالإجماع، و بقي الباقي.

و القول بأنّه تخصيص بعيد- كما في الذخيرة «2»- غفلة عن حال بلد السؤال الذي هو المدينة، فإنّ محلّ الإحرام فيها قريبة منها معدودة من حدودها.

بل يمكن أن يقال: إنّه ما لم يصل إلى مسجد الشجرة- الذي هو الميقات- لم يخرج من المنزل عرفا، فتأمّل.

و تضعيف تلك الروايات- بعد وجودها في الأصول المعتبرة و

صحّتها عمّن ذكر- لا وجه له.

و لا تعارضها موثّقة الساباطي: في رجل حجّ عن آخر و مات في الطريق، قال: «قد وقع أجره على اللَّه و لكن يوصي، فإن قدر على رجل يركب في رحله و يأكل زاده فعل» «3».

لعدم صراحتها في الوصيّة بالحجّ للمنوب عنه أولا، بل يحتمل أن يراد الوصيّة بما بقي من الأجرة ليستعاد، كما هو أحد القولين كما يأتي، و يكون قوله: «فإن قدر» إلى آخره، على الاستحباب، و لعدم صراحتها في

______________________________

(1) الكافي 4: 306- 5، التهذيب 5: 418- 1451، الوسائل 11: 186 أبواب النيابة في الحجّ ب 15 ح 3.

(2) الذخيرة: 568.

(3) التهذيب 5: 461- 1607، الوسائل 11: 186 أبواب النيابة في الحجّ ب 15 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 124

الوجوب ثانيا، فلعلّه مستحبّ.

و إن مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم أجزأ أيضا على الأظهر، وفاقا للشيخ في المبسوط و الخلاف «1» و الحلّي في السرائر «2»، بل في الخلاف: إنّ أصحابنا لا يختلفون في ذلك، للأخبار المذكورة «3» بالتقريب المذكور بعينه.

المسألة السادسة: لو مات النائب،
اشاره

فإمّا يكون قبل العمل المبرئ للذمّة- و هو الإحرام أو مع دخول الحرم على اختلاف القولين- أو بعده، و على الثاني: إمّا يكون قبل الإتيان بجميع المناسك أو بعده، و على الثاني:

إمّا يكون قبل الشروع في العود أو بعده.

فعلى الأول:

فإن كان الاستئجار لأفعال الحجّ أو الحجّ «4» خاصّة- أي نصّ على الخصوصيّة- لا يستحقّ من الأجرة شيئا و استعيد الجميع لو أخذها قولا واحدا، و الوجه واضح.

و إن كان للحجّ مطلقا من غير تنصيص بالخصوصيّة فكذلك على الأظهر الأشهر، وفاقا للإصباح و المبسوط و السرائر- جاعلا إيّاه مقتضى أصول المذهب- و المختلف و التذكرة

و المسالك و الروضة و المدارك و الذخيرة «5»، و غيرهم من المتأخّرين «6»، لأنّ الحجّ اسم للأفعال

______________________________

(1) المبسوط 1: 323، الخلاف 2: 390.

(2) السرائر 1: 628.

(3) الوسائل 11: 185 أبواب النيابة في الحجّ ب 15.

(4) في س: و الحج.

(5) المبسوط 1: 323، السرائر 1: 629، المختلف: 313، التذكرة 1: 315، المسالك 1: 95، الروضة 2: 188، المدارك 7: 119، الذخيرة: 569.

(6) كصاحب الرياض 1: 346.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 125

المخصوصة، و مفهومه لا يتناول غيره أصلا، و لم يأت الأجير بشي ء ممّا تعلّقت الإجارة به و إن أتى بمقدّماته، و وجه الأجرة إنّما يوزّع على أجزاء الفعل المستأجر عليه، و المقدّمات خارجة عن ذلك.

خلافا للمحكيّ عن النهاية و الكافي و المقنعة و المهذّب و الغنية «1»، فقالوا: بأنّه يستحقّ مع الإطلاق بنسبة ما فعل من الذهاب إلى المجموع منه و من أفعال الحجّ. و في الشرائع و القواعد و الإرشاد «2» و غيرها: فبنسبته إلى ما ذكر مع العود أيضا.

و ضعفه ظاهر ممّا ذكر، سيّما بالنسبة إلى العود الذي لا مدخل له في الحقيقة و لا في المقدّمات.

قيل: و يمكن تنزيل إطلاقهم على ما إذا شهدت قرائن العرف و العادة بدخول قطع المسافة في الإجارة و إن لم يذكر في صيغتها، فيكون اللفظ متناولا لها بالالتزام، و لهذا يعطى الأجير من الأجرة الكثيرة ما لا يعطى من يحجّ من الميقات «3».

و فيه: أنّه إن أريد بدخول قطع المسافة في الإجارة كونه مرادا من لفظ الحجّ مجازا حتى يكون اللفظ مستعملا فيه و في الأفعال، فتصحّ النسبة حينئذ، و لكن يكون مذكورا في الصيغة، لأنّ المجاز مع القرينة كالحقيقة في كونه مذكورا، و

لا معنى لتناول اللفظ حينئذ بالالتزام أيضا، بل يكون مستعملا فيه، و مع ذلك تنزيل الإطلاق عليه بعيد جدّا. و جعل إعطاء

______________________________

(1) النهاية: 278، الكافي في الفقه: 220، المقنعة: 443، المهذّب 1: 268، الغنية (الجوامع الفقهية): 583.

(2) الشرائع 1: 232، القواعد 1: 77، الإرشاد 1: 313.

(3) قاله في الرياض 1: 346.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 126

الأجرة الكثيرة قرينة عليه فاسد، لعدم دلالته على التجوّز في لفظ الحجّ أصلا.

نعم، لكون الحجّ المحتاج إلى المقدمات الصعبة و المئونة الكثيرة أشقّ يعطى الأجرة عليه أكثر.

و إن أريد به إرادة الإتيان به للتوصّل إلى المعنى الحقيقي للحجّ فهو كذلك، و لكن كلّما كان بين الأجير و الميقات مسافة يراد قطعها، و لا معنى للتخصيص بقوله: إذا شهدت، و لا تنزيل الإطلاق، و مع ذلك لا يكون داخلا فيما استؤجر له لا صريحا و لا التزاما، فإنّ كلّ من يستأجر بنّاء لبناء داره يريد خروجه من بيته و مجيئه إلى موضع العمل، و ليس ذلك ممّا استؤجر له قطعا لا عرفا و لا عادة. و على هذا، فإن كان مراده من تناول اللفظ لها بالالتزام استلزامه لإرادة المستأجر الإتيان به فمسلّم، و لكن لا يدخل بذلك فيما استؤجر له.

و إن أريد استلزام الإجارة للحجّ للإجارة لقطع المسافة فممنوع، و لذا لو آجر نفسه لأحد لأن يحجّ عنه في العام القابل بالإطلاق، ثم آجر نفسه لآخر لأن يقطع المسافة و يحجّ عنه في العام الحاضر، فقطعها له و مكث في مكّة إلى القابل و حجّ عن الأول، أجزأ عنه.

و بالجملة: إطلاق الإجارة للحجّ ينصرف إلى مجرّد الأفعال، إلّا أن تكون قرينة على وقوع الإجارة على قطع المسافة أيضا، فيكون

من القسم الآتي.

و إن كان الاستئجار على الحجّ و على الذهاب أو عليهما و على العود أيضا استحقّ منها بنسبة ما قطع من المسافة إلى ما بقي من المستأجر عليه.

و على الثاني:

فالمشهور أنّه يستحقّ الجميع و لا يستعاد منه شي ء،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 127

و عن الغنية: أنّه لا خلاف فيه عندنا «1»، و عن الخلاف: إجماع أصحابنا عليه، لأنّه قد فعل ما أبرأ ذمّة المنوب عنه، فكان كما لو أكمل الحجّ «2».

و ردّه في المدارك: بأنّه إنّما يتمّ إذا تعلّق الاستئجار بالحجّ المبرئ للذمّة، أمّا لو تعلّق بالمعهود أو الأفعال المخصوصة لا وجه لاستحقاقه لجميع الأجرة و إن كان ما أتى به مبرئا للذمّة، لعدم الإتيان بالفعل المستأجر عليه «3».

و استحسنه في الذخيرة «4»، و كذا بعض آخر إن لم يثبت نصّ أو إجماع على استحقاق الجميع، و إذ لم يثبت عندنا و المنقول منه ليس بحجّة فالأظهر أنّه كالأول أيضا. (إلّا أنّه مع الاستئجار للحجّ مخصوصا أو مطلقا يستحقّ من الأجرة بنسبة ما أتى به من أفعاله إلى جميعها) «5».

و على الثالث:

فمع إطلاق الحجّ أو التخصيص به أو ضمّ الذهاب أيضا يستحقّ الجميع و لا يستعاد منه شي ء، و لو ضمّ العود أيضا فبنسبة الذهاب و الأفعال إلى العود.

و على الرابع:

فكالثالث، إلّا أنّه يدخل في ما فعل ما أتى به من العود أيضا، و الدليل على كلّ ما ذكر- من النسبة و الاستعادة بحسبها فيما لم يفعل- الإجماع على ذلك، و أنّ الأجير إنّما يستحقّ بقدر ما فعل من الفعل المستأجر له.

فإن قيل: مقتضى عقد الإجارة تملّك الأجير لمال الإجارة بمجرّد

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 583.

(2) انظر الخلاف 2: 390.

(3) المدارك 7:

119.

(4) الذخيرة: 569.

(5) ما بين القوسين ليس في «ق» و «س».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 128

العقد، و صرّح به في موثّقة الساباطي، و فيها: «إذا ضمن الحجّة فالدراهم له يصنع بها ما أحبّ و عليه حجّة» «1»، فالاستعادة مخالفة للأصل، يجب الاقتصار فيها على موضع الإجماع في جميع ما ذكر، و منه ما إذا أحرم أو دخل الحرم، فيجب عدم استرداد شي ء، لأنّه موضع للإجماع.

قلنا: المستند هنا الإجماع الواقع على أنّ الأجير لا يستحقّ ما لم يفعله من المستأجر له، و هذا الإجماع مسلّم، و عليه بناء الاستدلال، و لا حاجة إليه في كلّ جزئيّ جزئي، و لذا لا يحسبون الذهاب في صورة الإطلاق.

فرعان:
أ: لو نسي كيفية الاستئجار من الإطلاق و التقييد،

فالظاهر العمل بأصالة عدم التقييد و جعل المستأجر له الحجّ مطلقا، و به يخرج عن أصل عدم التسلّط على استعادة الزائد عن القدر المتيقّن، لكون الأول مزيلا للثاني.

و على هذا، فلو ادّعى ورثة الأجير دخول الذهاب أيضا و أنكره المستأجر يكون عليهم الإثبات.

ب: كيفيّة الاستعادة بالنسبة:

أنّه يستعلم إجارة كلّ فعل فعل بخصوصه عن أهل العرف و ينسب إلى مجموع مال الإجارة، فيستعلم أجرة من ذهب إلى الشام- مثلا- أو إلى مدينة أو الميقات و أجرة من حجّ من الميقات و أجرة من عاد من مكّة إلى الوطن- مثلا- و ينسب كلّ إلى مجموع

______________________________

(1) الكافي 4: 313- 2، التهذيب 5: 415- 1444، الوسائل 11: 180 أبواب النيابة في الحج ب 10 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 129

مال الإجارة و يعمل فيه بحسابه.

و لا يلاحظ في أجرة الذهاب و العود أنّ المقصود و الأهمّ هو الحجّ حتى لا يقابلهما إلّا أقلّ قليل، بل الملحوظ نفس قطع المسافة، فيقال: من كان له شغل من العراق إلى المدينة أو من المدينة إلى العراق فبكم يستأجر؟ و هكذا.

المسألة السابعة: قال في المدارك: مقتضى القواعد أنّه يعتبر في صحّة الإجارة تعيين النوع

الذي يريده المستأجر و لو بالقرائن الحاليّة، لاختلافها في الكيفيّة و الأحكام «1».

و لا يخفى أنّه بظاهره ينافي ما ذكروه في مسألة جواز العدول إلى التمتّع من أنّه إذا علم أنّ قصد المستأجر التخيير، و قد ذكره هو أيضا بعد ذلك بقليل من تخصيص الحكم بجواز العدول من الإفراد إلى التمتّع بما إذا كان المستأجر مخيّرا بين الأنواع، فإنّ مقتضى ذلك جواز التخيير و صحّة الإجارة التخييريّة.

و التحقيق: أنّ الإجارة تقع تارة على منافع الشخص في الزمان المعيّن و إن كان مراد المستأجر استيفاء نفع خاصّ منه، و أخرى على العمل إمّا في زمان معيّن أو مطلقا.

فإن وقعت على الطريق الأول يتحمّل التخيير، فيستأجر الشخص في سنة معيّنة مطلقا لأن يحجّ بما يأمره أو بما يشاء الأجير، فالمنتقل إلى المستأجر منفعة الشخص، و له أن يخيّره في كيفيّة إيجاد المنفعة، و من هذا القبيل

إجارة الشخص لمعونة السفر أو الخدمة، مع أنّ أنواعهما غير محصورة.

______________________________

(1) المدارك 7: 120.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 130

و إن وقعت على الطريق الثاني- بأن يستأجره للحجّ خاصّة، أي تنتقل إليه هذه المنفعة منه خاصّة- فلا شكّ في اشتراط التعيين، لاختلاف العمل و الكيفيّة و زمان كلّ منهما، فلا يتحمّل التخيير، للزوم تعيين المنتقل إليه من المنافع.

و تحصّل ممّا ذكر- أنّه إن وقعت الإجارة على الشخص- أي جميع منافعه و إن كان ذلك لأجل العمل الخاصّ- لا يجب تعيين النوع، و إن وقعت على العمل- أي على الشخص لأجل العمل، أي على منفعة مخصوصة منه- يجب التعيين، لعدم جواز نقل منفعة غير معيّنة.

و الأول: من قبيل إجارة الشخص لمعونة السفر أو للتجارة أو للمسافرة بأمره أو للخدمة، فإنّها تصحّ مع عدم تعيين نوع العمل.

و الثاني: من قبيل إجارته لسفر غير معيّن أو خدمة غير معيّنة، فإنّها لا تصحّ.

المسألة الثامنة: إذا وقعت الإجارة على العمل المعيّن لا يجوز العدول عنه إلى غيره،

بلا خلاف إذا كان الغير مرجوحا، لقاعدة الإجارة السالمة عن المعارض بالمرّة، و لو كان راجحا ففيه خلاف.

و الأقوى: عدم جواز العدول مع تعيين المرجوح على المستأجر و الاستئجار له أو احتمال تعلّق غرض له بفعل المرجوح، للقاعدة، و لرواية عليّ المتضمّنة للسرّاد المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه: عن رجل أعطى رجلا دراهم يحجّ بها حجّة مفردة، قال: «ليس له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، لا يخالف صاحب الدراهم» «1».

______________________________

(1) التهذيب 5: 416- 1447، الإستبصار 2: 323- 1146، الوسائل 11: 182 أبواب النيابة في الحجّ ب 12 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 131

و لا تنافيهما صحيحة أبي بصير: في رجل أعطى رجلا حجّة مفردة، فيجوز له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ؟

قال: «نعم، إنّما خالف إلى الفضل و الخيرة» «1».

لأنّ المراد منها: الفضل للمنوب عنه لا مطلقا، و لا شكّ أنّه مخصوص بما إذا لم يستأجر لما تعيّن عليه من المرجوح، و إلّا لم يكن فضلا له، بل يكون حراما عليه.

و لأنّ سياق التعليل مفهم لكون الفضيلة موجبة لرضا المستأجر و لو احتمل تعلّق غرض له بفعل المرجوح لا يعلم رضاه.

و جوازه في غير الصورتين، للصحيحة المذكورة، التي هي- بمقتضى التعليل بالتقريب المذكور- أخصّ مطلقا من الرواية المتقدّمة، فتخصّص بها و بشهادة الحال برضا المستأجر و إذنه في العدول، و أنّ ما ذكر في العقد للرخصة إلى الأدنى، و لا شكّ أنّ مع علمه بالإذن في العدول يجوز له ذلك، لأنّه أمر منوط برضاه.

ثم إنّه إذا عدل إلى غيره، ففي صورة عدم الجواز يقع العمل للمنوب عنه لقصد النيابة، و لا يستحقّ الأجير شيئا من الأجرة، و الوجه واضح.

و في صورة الجواز، قالوا: يستحقّ تمام الأجرة، إذ يكون العدول حينئذ معلوما من قصده، فكان كالمنطوق به.

و عندي فيه نظر، إذ جواز العدول لا يستلزم استحقاق الأجرة، و ذلك لأنّ من الأمور ما يكفي فيه العلم برضا المالك و لو بشاهد الحال، كالتصرّف في ملكه.

و منها ما لا يكفي فيه ذلك، بل يتوقّف على ثبوت التوقيف من

______________________________

(1) الكافي 4: 307- 1، الفقيه 2: 261- 1272، التهذيب 5: 415- 1446، الوسائل 11: 182 أبواب النيابة في الحجّ ب 12، ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 132

الشرع، كبيع ماله بعنوان اللزوم، فإنّ من اشترى متاعا بعشرة للتجارة و علم غاية رضاه ببيعه بخمسة عشر فباعه أحد بعشرين لم يرتكب محرّما، إلّا أنّه لا يلزم البيع،

لتوقّفه على بيع المالك أو وليّه أو وكيله المصرّح بتوكيله أو إجازته بعد الفضولي على قول.

و جواز العدول من الأول، و استحقاق الأجرة من الثاني، إذ لم يثبت من جواز الإتيان بعمل لشخص استحقاق الأجرة عليه، بل هو يتوقّف على ذكر العمل في متن العقد، و لا يكفي مجرّد الرضا.

نعم، لو دلّت قرينة على أنّ المراد من المرجوح الأعمّ منه و من الراجح مجازا يكون في حكم المذكور.

المسألة التاسعة: لو استأجره للحجّ من طريق معيّن،

ففي جواز العدول عنه مطلقا- كالشيخين و القاضي و الحلّي و الجامع و الإرشاد «1» و غيرهم- أو إلّا مع العلم بتعلّق غرض بذلك المعيّن- كما في الشرائع «2»، بل أكثر المتأخرين كما قيل، بل قيل: هو المشهور «3»- أو عدم جوازه إلّا مع العلم بانتفاء الغرض في ذلك الطريق، كبعضهم «4». أقوال، أقواها: الأخير، للقاعدة المتقدّمة.

دليل الأول: صحيحة حريز: عن رجل أعطى رجلا حجّة يحجّ عنه من الكوفة فحجّ عنه من البصرة؟ قال: «لا بأس إذا قضى جميع مناسكه فقد تمّ حجّه» «5».

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 443، الطوسي في النهاية: 278، و التهذيب 5: 415، القاضي في المهذّب 1: 268، الحلّي في السرائر 1: 627، الجامع للشرائع: 226، الإرشاد 1: 313.

(2) الشرائع 1: 233.

(3) الحدائق 14: 270.

(4) كصاحب المدارك 7: 123.

(5) الكافي 4: 307- 2، الفقيه 2: 261- 1271، التهذيب 5: 415- 1445، الوسائل 11: 181 أبواب النيابة في الحجّ ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 133

و هو دليل الثاني أيضا بتقيد الصحيحة بالقيد المذكور، لظهورها في انتفائه.

و ردّ بإجمال دلالتها و قصورها عن إفادة الجواز مطلقا، إمّا لاحتمال تعلّق قوله: «من الكوفة» بقوله: «أعطى»، و كون السؤال لتجويز الإعطاء من الكوفة

موجبا لتوهّم وجوب الحجّ منه، كما في الذخيرة «1».

أو كونه صفة لقوله: «رجلا»، كما في المدارك «2».

أو وقوع الشرط خارج العقد و عدم الاعتبار بمثله عند الفقهاء، كما ذكره السيّد نعمة اللَّه الجزائري.

أو كون الدفع على وجه الرزق لا الإجارة، كما في المنتقى «3»، و هو ظاهر الرواية.

أو كون المراد حصول الإجزاء بذلك، و نفي البأس عنه للمستأجر بعد وقوع الفعل، لا جواز ذلك للأجير، كما في الذخيرة «4» أيضا.

و إن كان غير الأول و الأخيرين بعيدا.

ثم لو خالف الشرط و حجّ من الغير يصحّ حجّه و إن تعلّق الغرض بالطريق المعيّن، لأنّه بعض العمل المستأجر عليه و قد امتثل بفعله، و الأصل عدم ارتباطه بالطريق، إلّا أن يصرّح بالارتباط و الاشتراط فلم تبرأ ذمّة النائب عن الحجّ أيضا، و أمّا الأجرة فالظاهر توزيعها على الحجّ و الطريق المشترك مع الطريق المخالف فيه بالنسبة. و مع الارتباط لا يستحقّ شيئا منها.

______________________________

(1) الذخيرة: 569.

(2) المدارك 7: 123.

(3) منتقى الجمان 3: 84.

(4) الذخيرة: 569.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 134

المسألة العاشرة: لو استأجره لحجّ التمتّع و سافر الأجير

و ضاق وقته عن التمتّع، فهل يجوز له العدول إلى الإفراد للمنوب عنه و يجزئ عنه كما يجوز و يجزئ للحاجّ لنفسه، أم لا؟

لم أعثر على مصرّح من الفقهاء بحكمه.

و الذي يقوى عندي الثاني، للأصل و القاعدة المتقدّمة كما بيّنتهما، و ذكرت الجواب عن عمومات عدول المعذور إلى ما تيسّر له في باب إجارة الصلاة من كتاب الصلاة.

مع أنّ عمومات عدول المتمتّع إلى الإفراد مع العذر لا تفيد أزيد من جوازه أو لزومه عليه و عدم ترتّب إثم أو شي ء آخر عليه من هذه الحيثيّة، و هو مسلّم، و لا يدلّ ذلك على براءته عمّا لزم

عليه من جهة الإجارة و استحقاقه لمال الإجارة.

و منه يعلم أنّه لو أوصى أحد باستئجار واحد للتمتّع لا يجوز للوصيّ شرط العدول مع العذر، لعدم استفادة الإذن فيه من الوصيّة.

نعم، لو أذن له الموصي جاز و يجزئ أيضا عمّا يجب عليه من الحجّ.

ثم لو حصل للأجير العذر و عدل مع عدم الشرط المجوّز للعدول، فإن وسع عام إجارته يؤخّر الحجّ الاستئجاري إلى العام القابل، و إلّا فيكون كمن لم يتمكّن من الحجّ أصلا، فيعمل في الأجرة بالتوزيع على الطريق و الحجّ إن كانت بإزائهما، و لا يستحقّ منها شيئا إن كانت بإزاء الحجّ فقط.

المسألة الحادية عشرة: لا يجوز للأجير أن يؤجّر نفسه ثانيا

في السنة التي استؤجر لها قطعا، و وجهه واضح.

و يجوز في غيرها مطلقا و إن كانت الإجارة الثانية في العام المتأخّر، لعدم دليل على وجوب اتّصال مدّة الاستئجار بزمان العقد، و لا على فوريّة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 135

الحجّ الاستئجاري و لو كان فوريّا على المستأجر «1».

و إن كانت الإجارة الأولى مطلقة و لم تكن قرينة على إرادة التعجيل تصحّ الثانية مطلقة و معيّنة في العام الأول و في غيره، للأصل، و عدم دليل على بطلان نوع منها، و عدم اقتضاء الإطلاق الخالي عن القرينة للتعجيل.

المسألة الثانية عشرة: لا تجوز استنابة غيره إلّا مع الإذن له صريحا

فيها ممّن يجوز له الإذن فيها، أو إيقاع العقد مقيّدا بالإطلاق، لا إيقاعه مطلقا، فإنّه يقتضي المباشرة بنفسه.

و المراد بتقييده بالإطلاق: أن يستأجره ليحجّ عنه مطلقا بنفسه أو بغيره، أو بما يدلّ عليه، كأن يستأجره لتحصيل الحجّ عن المنوب عنه.

و بإيقاعه مطلقا: أن يستأجره ليحجّ عنه، فإنّ هذا الإطلاق يقتضي مباشرته.

كلّ ذلك للأصول المقرّرة، و بها أفتى جماعة «2»، بل قيل: لا خلاف فيه.

و أما رواية عيثم: ما تقول في الرجل يعطى الحجّة فيدفعها إلى غيره؟

قال: «لا بأس» «3»، فلا دلالة فيها على الاستئجار بوجه، بل مدلولها: إعطاء ما يحجّ به لأجل الحجّ، فيحتمل التوكيل أيضا، بل هو الظاهر، فسئل: إنّه إذا أعطى رجل وجه حجّة لغيره هل يجب على الغير مباشرته بنفسه، أو يجوز له الدفع إلى الغير؟

المسألة الثالثة عشرة: لو صدّ الأجير قبل إكمال العمل المستأجر

______________________________

(1) في «ق»: المتأخر.

(2) كما في المبسوط 1: 326، و السرائر 1: 627، و الدروس 1: 325، و اللمعة (الروضة) 2: 191.

(3) الكافي 4: 309- 2، التهذيب 5: 417- 1449، الوسائل 11: 184 أبواب النيابة في الحجّ ب 14 ح 1، و فيها: عثمان بن عيسى، بدل: عيثم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 136

عليه حجّا كان أو مع الذهاب أو الإياب أيضا، استعيد منه بنسبة المتخلّف منه من العمل إن كانت الإجارة مقيّدة بسنة الصدّ، لانفساخها بفوات الزمان الذي تعلّقت به.

و لا يلزم المستأجر إجابته لو التمس عدم الاستعادة و ضمن الحجّ من قابل، للأصل، و عدم تناول العقد لغير تلك السنة.

خلافا للمحكيّ عن ظاهر السرائر و النهاية و المبسوط و القواعد و الحلبي «1»، فيلزم، و مستنده غير واضح، مع احتمال أن يكون مرادهم الجواز برضا المستأجر كما قيل «2»، و لا كلام فيه

حينئذ.

و لا فرق بين أن يقع الصدّ قبل الإحرام و دخول الحرم، أو بعدهما، أو بينهما، لعموم ما دلّ على استعادة ما بإزاء المتخلّف من العمل، و إلحاقه بالموت قياس مع الفارق، لعدم الإجزاء مع الصدّ بعد الإحرام و دخول الحرم عن نفسه، فكيف عن غيره؟! خلافا لبعضهم، فألحقه بالموت «3»، و لا وجه له.

و إن كانت الإجارة مطلقة وجب على الأجير الإتيان بالحجّ بعد الصدّ، لعدم انفساخها به.

و هل للمستأجر أو الأجير الفسخ؟

الظاهر: لا، للأصل. و قيل: نعم «4».

و على تقدير الفسخ، له أجرة ما فعل و استعيد بنسبة ما تخلّف.

______________________________

(1) السرائر 1: 629، النهاية: 278، المبسوط 1: 323، القواعد 1: 77، الحلبي في الكافي في الفقه: 220.

(2) قال به في الرياض 1: 348.

(3) كما في الخلاف 2: 390، و الشرائع 1: 233.

(4) انظر الدروس 1: 323 و 325.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 137

و متى انفسخت الإجارة استؤجر من موضع الصدّ مع الإمكان، إلّا أن يكون عن مكّة فمن الميقات، لوجوب إنشاء الحجّ منه.

المسألة الرابعة عشرة: لا يجوز أن ينوب عن اثنين في عام

، لأنّ الحجّة الواحدة لا تقع عن اثنين إجماعا، هذا في الواجب.

و أمّا المندوب، فقد دلّت الأخبار الكثيرة «1» على جواز الاشتراك فيه، فتجوز الاستنابة فيه على هذا الوجه، بأن يستأجره اثنان أو أكثر بعقد واحد لأن يحجّ تطوّعا لهم، لا بأن يؤجّر نفسه لاثنين أو أكثر بعقود متعدّدة، فإنّ كلّ عقد يقتضي الاستقلال، فلا يجوز بعده.

المسألة الخامسة عشرة: لا تجوز النيابة في الطواف الواجب عن المتمكّن الحاضر،

و تجوز مع العذر، و سيجي ء تحقيقه في بحث الأفعال و الأعذار.

المسألة السادسة عشرة: لو حجّ أحد- عن ميّت وجب عليه الحجّ-

تبرّعا، برئت ذمّته و صحّ، سواء ترك الميّت مالا أو لا، و سواء كان المتبرّع وليّا أم لا، بالإجماع المحقّق، و المحكي مستفيضا «2»، و المستفيضة من الصحاح و غيرها الخالية عن المعارض بالمرّة «3».

و كذا يجوز التبرّع عن الميّت و الحيّ بالتطوّع، بالإجماعين «4» و الأخبار المستفيضة القريبة من التواتر «5»، بل قيل: لعلّها متواترة «6».

______________________________

(1) الوسائل 11: 202 أبواب النيابة في الحجّ ب 28.

(2) كما في الحدائق 14: 287، و المفاتيح 1: 301، و الرياض 1: 348.

(3) الوسائل 11: 206 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 31.

(4) كما في المدارك 7: 132، و الحدائق 14: 289، و المفاتيح 1: 301.

(5) الوسائل 11: 196 أبواب النيابة في الحج ب 25.

(6) انظر الرياض 1: 348.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 138

و في التبرّع عن الحيّ بالواجب فيما إذا كان له العذر المسوّغ للاستنابة و كفايته عنه، وجهان، أجودهما: العدم، إذ الأخبار المتضمّنة لاستنابته صريحة في أمره بالتجهيز من ماله، فلعلّ هذا العمل واجب عليه مقام الحجّ بنفسه، و كفاية فعل الغير موقوفة على الدليل، و هو في المقام مفقود.

و أمّا مع عدم العذر المسوّغ فلا يجوز التبرّع عنه قطعا.

المسألة السابعة عشرة: ما يلزم الأجير من كفارات الجنايات في إحرامه فهو من ماله،

بلا خلاف يعرف كما قيل «1»، بل بالإجماع كما عن الغنية «2»، لأنّها عقوبة جناية صدرت عنه أو ضمان في مقابلة إتلاف وقع منه، لتوجّه الخطابات بها إلى الجاني، فيكون عليه.

المسألة الثامنة عشرة: لو أفسد الأجير حجّة يجب عليه إتمامه

و قضاؤه من قابل، و يجزئ عن المستأجر مطلقا، معيّنة كانت الإجارة أو مطلقة، وفاقا للدروس «3»، و لا يستعاد الأجرة منه شيئا، لموثّقتي ابن عمّار:

إحداهما: في الرجل يحجّ عن آخر فاجترح في حجّه شيئا، يلزمه فيه الحجّ من قابل أو كفّارة؟ قال: «هي للأول تامّة، و على هذا ما اجترح» «4».

و الأخرى: فإن ابتلي بشي ء يفسد عليه حجّه من قابل أ يجزئ عن الأول؟ قال: «نعم»، قلت: لأنّ الأجير ضامن للحجّ؟ قال: «نعم» «5».

______________________________

(1) كشف اللثام 1: 300.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 583.

(3) الدروس 1: 323.

(4) الكافي 4: 544- 23، التهذيب 5: 461- 1606، الوسائل 11: 185 أبواب النيابة في الحجّ ب 15 ح 2.

(5) الكافي 4: 306- 4، التهذيب 5: 417- 1450، الوسائل 11: 185 أبواب النيابة في الحجّ ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 139

و منهم من قال بانفساخ الإجارة بالإفساد في المعيّنة و استعادة الأجرة «1»، و منهم من أوجب عليه في المطلقة حجّة ثالثة غير الفاسدة و قضاءها «2»، لوجوه كلّها اجتهادات في مقابل النصّ.

المسألة التاسعة عشرة: من وجب عليه حجّان مختلفان-

كحجّة الإسلام و النذر- و منعه مانع، جاز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد، على المعروف من مذهب الأصحاب كما في المدارك «3»، و باتّفاق علمائنا كما عن التذكرة «4»، لثبوت جواز الاستنابة فيهما، و عدم دليل على لزوم اختلاف العام، و أصالة عدم وجوب الترتيب، و تحقّقه في المنوب عنه لم يكن لوجوب الترتيب، بل لعدم إمكان صدور الحجّتين منه في عام واحد.

المسألة العشرون: يستحبّ للنائب أن يذكر المنوب عنه باسمه

في المواطن و عند كلّ فعل من أفعال الحجّ، بلا خلاف كما في المفاتيح و عن المنتهى «5»، و على مذهب الأصحاب كما في المدارك «6»، و اتّفاقا كما في شرح المفاتيح، و هو الحجّة فيه، لأنّه مقام التسامح.

مضافا إلى صحيحة محمّد في المواطن و المواقف «7»، و رواية الحلبي

______________________________

(1) انظر المبسوط 1: 322، التذكرة 1: 315.

(2) انظر المبسوط 1: 322، التذكرة 1: 315.

(3) المدارك 7: 137.

(4) التذكرة 1: 311.

(5) المفاتيح 1: 303، المنتهى 2: 871.

(6) المدارك 7: 138.

(7) الكافي 4: 310- 2، التهذيب 5: 418- 1453، الإستبصار 2: 324- 1148، الوسائل 11: 187 أبواب النيابة في الحجّ ب 16 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 140

فيما بعد ما يحرم «1»، و صحيحة ابن عمّار عند الإحرام «2».

و توهّم دلالة بعضها على الوجوب ضعيف، لخلوّها عن الدالّ عليه رأسا، مع أنّه لو كان لوجب الحمل على الاستحباب، للاتّفاق على عدم الوجوب، و دلالة الأخبار عليه، كمرسلة الفقيه «3»، و روايتي البزنطي «4» و مثنّى «5».

و أن يعيد فاضل الأجرة بعد الحجّ إن لم يقتر على نفسه، للشهرة الكافية في المقام، و لرواية مسمع: أعطيت رجلا دراهم يحجّ بها عنّي ففضل منها شي ء فلم يردّه عليّ، فقال: «هو له،

لعلّه ضيّق على نفسه في النفقة لحاجته إلى النفقة» «6»، دلّ التعليل أنّه لو لا الضيق على النفس لكان الردّ أولى، إذ لولاه لم يحسن التعليل.

و مرسلة المقنعة: قال: و قد جاءت رواية: «أنّه إن فضل ممّا أخذه فإنّه يردّه إن كانت نفقته واسعة، و إن كان قتّر على نفسه لم يردّه» «7».

و يستفاد وجه القيد من الروايتين، مضافا إلى رواية محمّد بن عبد اللَّه القمّي: عن الرجل يعطى الحجّة يحجّ بها و يوسّع على نفسه ففضل منها،

______________________________

(1) الكافي 4: 310- 1، الفقيه 2: 278- 1365، التهذيب 5: 418- 1452، الإستبصار 2: 324- 1147، الوسائل 11: 187 أبواب النيابة في الحجّ ب 16 ح 2.

(2) الكافي 4: 311- 3، الوسائل 11: 188 أبواب النيابة في الحجّ ب 16 ح 3.

(3) الفقيه 2: 145- 634، الوسائل 11: 189 أبواب النيابة في الحجّ ب 16 ح 6.

(4) الفقيه 2: 279- 1367، الوسائل 11: 188 أبواب النيابة في الحجّ ب 16 ح 5.

(5) الفقيه 2: 279- 1368، التهذيب 5: 419- 1454، الإستبصار 2: 324- 1149، الوسائل 11: 188 أبواب النيابة في الحجّ ب 16 ح 4.

(6) التهذيب 5: 414- 1442، الوسائل 11: 179 أبواب النيابة في الحجّ ب 10 ح 1.

(7) المقنعة: 442.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 141

أ يردّها عليه؟ قال: «لا، هو له» «1».

و لا ينافي استحباب الردّ موثّقة الساباطي: عن الرجل يأخذ الدراهم يحجّ بها، هل يجوز له أن ينفق منها في غير الحجّ؟ قال: «إذا ضمن الحجّ فالدراهم له فصنع بها ما أحبّ و عليه حجّة» «2»، إذ غايتها جواز عدم الردّ، و هو غير مناف للاستحباب.

و يستحبّ للمستأجر أن يتمّم للأجير لو

أعوز به الأجرة، لفتوى الأصحاب «3»، و لما فيه من المساعدة للمؤمن و الرفق به.

و يكره أن تنوب المرأة إذا كانت صرورة، لرواية صالح «4» و الشحّام «5»، القاصرتين عن إفادة الحرمة، لاحتمال الجملة الخبريّة، فالقول بالحرمة- كما قيل «6»- ضعيف، بل تكره نيابة المرأة مطلقا، لروايتي عبيد بن زرارة «7» و النبّال «8».

المسألة الإحدى و العشرون: من أوصى بحجّة تنصرف إلى الميقاتي،

للأصل، إلّا مع التصريح أو شهادة القرائن.

______________________________

(1) الكافي 4: 313- 1، التهذيب 5: 415- 1443، الوسائل 11: 180 أبواب النيابة في الحجّ ب 10 ح 2.

(2) الكافي 4: 313- 3، التهذيب 5: 415- 1444، الوسائل 11: 180 أبواب النيابة في الحجّ ب 10 ح 3.

(3) انظر المبسوط 1: 322، و المنتهى 2: 869، و الرياض 1: 349.

(4) التهذيب 5: 412- 1433، الإستبصار 2: 321- 1137، الوسائل 11: 174 أبواب النيابة في الحجّ ب 6 ح 4.

(5) التهذيب 5: 414- 1439، الإستبصار 2: 323- 1143، الوسائل 11: 178 أبواب النيابة في الحجّ ب 9 ح 1.

(6) الرياض 1: 349.

(7) التهذيب 9: 229- 899، الوسائل 11: 179 أبواب النيابة في الحجّ ب 9 ح 2.

(8) الفقيه 2: 270- 1319، الوسائل 11: 178 أبواب النيابة في الحجّ ب 8 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 142

ثم لو لم يعيّن القدر يؤخذ أجرة المثل، لتوقّف الحجّ عليه و وجوب ما يتوقّف عليه الواجب.

و على هذا، فلو وجد من يأخذ بأقلّ من أجرة المثل وجب الاقتصار عليه إذا لم يرض الوارث بالزائد، لعدم التوقّف حينئذ.

و ما في كلام بعضهم- من الاستدلال للأول بأنّ أجرة المثل كالمنطوق به، و الحكم بوجوب الاقتصار على الأقلّ لو وجد من يأخذه «1»- لا يخلو عن تدافع.

و يلزم الفحص

عنه لو احتمل وجدانه، لما ذكر.

و كذا لو لم يوص من يجب الحجّ عنه، و أخذ الأجرة من صلب ماله.

ثم المأخوذ يكون من أصل المال إن كان حجّة الإسلام، و من الثلث إن كان غيرها، بلا خلاف يعرف، لصحيحتي معاوية بن عمّار «2» و غيرهما «3».

و لو عيّن القدر، فإن لم يكن زائدا عن أجرة المثل كان كما سبق، إلّا في الاقتصار على الأقلّ مع وجدان من يأخذه، فإنّه لا يجب حينئذ، بل يؤخذ الأقلّ من الأصل حينئذ و الزائد من الثلث.

و إن كان زائدا على أجرة المثل فتؤخذ الأجرة من الأصل و الزائد من الثلث مع كون الحجّ حجّة الإسلام، و الكلّ من الثلث إن كان غيرها،

______________________________

(1) الرياض 1: 349.

(2) الأولى في: التهذيب 5: 404- 1409، الوسائل 11: 66 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 25 ح 1.

الثانية في: الكافي 4: 305- 1، الوسائل 11: 67 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 25 ح 4.

(3) الفقيه 2: 270- 1316، الوسائل 11: 67 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 25 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 143

و الأجرة المأخوذة من الأصل هي الأجرة الميقاتيّة، كما يأتي بيانه في كتاب الوصيّة.

المسألة الثانية و العشرون: إذا أوصى أحد أن يحجّ عنه ندبا،

فإن علم مراده من المرّة أو التكرار على وجه خاص يعمل به، و إن لم يعلم شي ء منهما أو علم التكرار و لم يعلم وجهه فمقتضى روايتي محمد بن الحسين التكرار إلى أن يستوفى الثلث:

أولاهما: عن رجل أوصى أن يحجّ عنه مبهما، فقال: «يحجّ عنه ما بقي من ثلثه شي ء» «1».

و الأخرى: قد أوصى: [حجّوا] عني، مبهما، و لم يسمّ شيئا، كيف ذلك؟ فقال: «يحجّ عنه ما دام له مال» «2».

و لكن متأخري

الأصحاب حملوهما على فهم قصد التكرار و قالوا: لو لم يفهم منه ذلك اكتفى بالمرّة، و إن فهم التكرار على وجه خاص اقتصر عليه، و إلّا فبالمرّتين، و إن فهم التكرار بقدر الثلث أو أزيد عمل بمضمون الخبرين «3».

و لا يخفى أنّ ذلك طرح لهما رأسا و عمل بمقتضى القواعد، و لا وجه له مع عدم ظهور رادّ لهما من المتقدّمين سوى شاذّ، و قد أفتى بمضمونهما في التهذيب «4»، إلّا عند من لا يعمل بغير الصحاح و نحوها، و أمّا نحن ففي

______________________________

(1) التهذيب 5: 408- 1420، الإستبصار 2: 319- 1129، الوسائل 11: 171 أبواب النيابة في الحجّ ب 4 ح 2.

(2) التهذيب 5: 408- 1419، الإستبصار 2: 319- 1130، الوسائل 11: 171 أبواب النيابة في الحجّ ب 4 ح 1، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.

(3) انظر التحرير: 128، الدروس 1: 326، و الرياض 1: 349.

(4) التهذيب 5: 408.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 144

توسعة من ذلك، فالوجه العمل بمضمونهما و متابعة قصده إن كان مفهوما، و التكرار إلى تمام الثلث إن كان مبهما.

المسألة الثالثة و العشرون: إذا أوصى أن يحجّ عنه سنين متعددة،

و عيّن لكلّ سنة قدرا معيّنا تفصيلا أو إجمالا، فقصر ما لكلّ سنة عن حجّتها، جمع من نصيب سائر السنين ما يمكن به الاستئجار لحجّة فصاعدا و يستأجر به الحجّة، لمكاتبتي إبراهيم بن مهزيار و عليّ بن محمّد الحضيني، المنجبر ضعفهما- لو كان- بدعوى كون الحكم مقطوعا به في كلام الأصحاب كما في المدارك و شرح التهذيب للجزائري و شرح الروضة للهندي و الحدائق «1»، بل بدعوى عمل الأصحاب كافّة كما قيل «2»، و بالشهرة المحققة.

إحداهما: إنّ مولاك عليّ بن مهزيار أوصى أن يحجّ عنه من ضيعة صير

ربعها لك في كلّ سنة حجّة بعشرين دينارا، و أنّه منذ انقطع طريق البصرة تضاعف المؤن على الناس، فليس يكتفون بعشرين دينارا، و كذلك أوصى عدّة من مواليك حجّتهم، فكتب عليه السّلام: «يجعل ثلاث حجج حجّتين إن شاء اللَّه» «3».

و الثانية: إنّ ابن عمّي أوصى أن يحجّ عنه بخمسة عشر دينارا في كلّ سنة، فليس يكفي، فما تأمر في ذلك؟ فكتب عليه السّلام: «يجعل حجّتين حجّة، إنّ اللَّه عالم بذلك» «4».

______________________________

(1) المدارك 7: 144، الحدائق 14: 297.

(2) الرياض 1: 349.

(3) الكافي 4: 310- 1، الفقيه 2: 272- 1326، التهذيب 9: 226- 890، الوسائل 11: 170 أبواب النيابة في الحجّ ب 3 ح 2.

(4) الكافي 4: 310- 2، الفقيه 2: 272- 1327، التهذيب 5: 408- 1418، الوسائل 11: 169 أبواب النيابة في الحجّ ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 145

و قد يستدلّ له أيضا بخروج المال عن الإرث، و وجوب أمرين:

الحجّ، و كونه بقدر مخصوص، فإذا تعذّر الثاني لم يسقط الأول، و مرجعه إلى قاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور، و هي عندي ضعيفة جدّا.

المسألة الرابعة و العشرون: يستحقّ الأجير مال الإجارة بالعقد،

لأنّه مقتضى صحّة المعاوضة، و لروايات مسمع و محمّد بن عبد اللَّه القمّي و موثّقة الساباطي، المتقدّمة جميعا في المسألة العشرين «1»، و على هذا فلو كانت عينا فزادت أو نمت بعد العقد فهما للأجير.

قال في المدارك: لكن لا يجب تسليمها إلّا بعد العمل كما في مطلق الإجارة، و على هذا فليس للوصيّ التسليم قبله، و لو سلّم كان ضامنا، إلّا مع الإذن من الموصي المستفاد من اللفظ أو اطّراد العادة «2».

أقول: عدم وجوب التسليم- بعد كونه ماله- يحتاج إلى الدليل، و لا يسلّم ذلك في مطلق الإجارة،

حتى في الحجّ الذي دلّت المستفيضة المتقدّمة عند ذكر اشتراط العدالة على براءة ذمّة المنوب عنه بعد الإجارة، و وردت أخبار أخر «3» فيمن أنفق مال إجارة الحجّ [أو مات ] «4» و لم يترك شيئا، و لم يحكم في شي ء منهما بالضمان.

و المسألة محلّ إشكال، و الاحتياط للوصيّ و نحوه أن يشترط عدم التسليم أو إلّا بوثيقة في ضمن العقد.

المسألة الخامسة و العشرون: لو كانت عند شخص وديعة و مات
اشاره

______________________________

(1) راجع ص: 140- 141.

(2) المدارك 7: 141

(3) كما في الوسائل 11: 194 أبواب النيابة في الحجّ ب 23.

(4) في النسخ: و أنفقه، و الصواب ما أثبتناه بالاستفادة من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 146

صاحبها و عليه حجّة الإسلام، كان له أن يقتطع قدر أجرة الحجّ منها فيستأجره به، و يردّ الفاضل- إن كان- للورثة، بلا خلاف فيه في الجملة.

لصحيحتي العجلي: عن رجل استودعني مالا فهلك و ليس لوارثه شي ء و لم يحجّ حجّة الإسلام، قال: «حجّ [عنه ]، و ما فضل فأعطهم» «1».

و مقتضى إطلاقها- بل عمومها الحاصل بترك الاستفصال- وجوب ذلك، سواء أذن الورثة فيه أو لا، و سواء علم أنّ الورثة لا يؤدّون الحجّ عنه أو ظنّ ذلك، أو لم يعلم ذلك و لم يظنّ، بل علم الأداء أو ظنّ.

و لكنّ الأكثر قيّدوه بما إذا علم أنّهم لا يؤدّونه- كما في النافع و الشرائع و الإرشاد «2» و غيرها «3»- أو بما إذا ظنّ ذلك- كالسرائر «4» و بعض آخر- فبدونها يجب استئذانهم، لأنّ مقدار أجرة الحجّ و إن كان خارجا عن الميراث إلّا أنّ الوارث مخيّر في جهات القضاء، و له الحجّ بنفسه و الاستقلال بالتركة و الاستئجار بدون أجرة المثل، فيقتصر في منعه من التركة على موضع الوفاق «5»،

و ربّما يستأنس له بقوله: و ليس للورثة شي ء.

أقول: لا شكّ أنّه إذا علم المستودع- أو ظنّ ظنّا مقبولا شرعا- أنّ الورثة قد أدّوه، ليس له ذلك، لبراءة ذمّة الميّت و عدم وجوب حجّ عنه،

______________________________

(1) الأولى في: الكافي 4: 306- 6، الفقيه 2: 272- 1328، التهذيب 5:

416- 1448، الوسائل 11: 183 أبواب النيابة في الحجّ ب 13 ح 1، بدل ما بين المعقوفين في النسخ: عنهم، و ما أثبتناه من المصادر.

الثانية في: التهذيب 5: 460- 1598.

(2) النافع: 78، الشرائع: 235.

(3) كما في الحدائق 14: 278.

(4) السرائر 1: 630.

(5) الوسائل 11: 66 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 147

و أمّا قبل أدائهم فلا شكّ أنّ مقدار الأجرة لم ينتقل إليهم، لأنّ الإرث بعد الدين الذي منه الحجّ، كما صرّح به في النصوص «1»، و نسبة الوارث و غيره في وجوب صرف ذلك في الحجّ وجوبا كفائيّا مشروطا بعدم العلم ببراءة ذمّة الميّت من طريق آخر بتبرّع أو مال غيره أو أقلّ من أجرة على السواء، فما دام عدم العلم بالبراءة و تحقّق الشرط يكون الاقتطاع واجبا كفائيا على المستودع، و ما لم يعلم أداءهم لا يجوز له تركه، بل يجب عليه عينا، كما هو شأن الواجبات الكفائيّة، و وجوب استئذان الوارث فيه يحتاج إلى دليل، و كونه مخيّرا في جهات القضاء لا يدلّ عليه، لأنّ المسلّم منه أنّ ما دام بقاء المال و عدم صرفه في الاستئجار يتخيّر هو في الجهات، و هو مسلّم، لكون وجوب الصرف- كما مرّ- مشروطا بعدم الأداء من جهة أخرى، فتخييره أيضا مشروط بالبقاء، و أمّا التخيير على الإطلاق فلا نسلّمه حتى في المقام

المتضمّن للنصّ المنافي بعمومه له.

و الحاصل: أنّ المسلّم أنّ الوارث مخيّر بشرط بقاء المال و عدم صرفه في الحجّ، و للمستودع الاستئجار بشرط عدم أداء الوارث أو غيره من هذه الجهة أو جهة أخرى، فيعمل بعموم الصحيح، و يحكم بوجوب استئجار المستودع مطلقا، إلّا ما خرج عنه بالإجماع، و هو ما إذا علم أداء الحجّ، و عليه الفتوى.

فروع:
أ: الاستئجار واجب على المستودع،

لظاهر الأمر المفيد له، و تعبير

______________________________

(1) الفقيه 2: 270- 1316، الوسائل 11: 67 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 25 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 148

بعض الأصحاب بالجواز «1» إمّا بإرادة معناه الأعمّ المجامع للوجوب كما قيل «2»، أو باعتبار ما ذكرنا من كونه مشروطا بعدم العلم بأداء الوارث من جهة أخرى، فللمستودع إعلام الوارث و أدائهم من جهة أخرى، و له الأخذ من الوديعة، فيكون الأخذ جائزا و إن كان أحد فردي المخيّر.

ب: الوارث إمّا يعلم بالوديعة، أم لا.

فإن لم يعلم بها فللمستودع الاستئجار بدون إعلام الوارث، و له إعلامهم إن علم عدم امتناعهم عن الاستئجار أو الأداء من جهة أخرى، أو عدم تمكّنهم من الامتناع، و إلّا فلا يجوز الإعلام، لكونه سببا لتفويت الواجب، و سبب الحرام حرام.

و إن علم بها، فإن أمكن للمستودع إثبات وجوب الحجّ على الميّت- و لو باعتراف الوارث- و إثبات الاستئجار لو استأجر، وجب عليه الاستئجار أيضا.

و كذا إن لم يمكن له ذلك و لكن لم يكن للوارث تسلّط عليه، و إلّا فلا يجب عليه، لاستلزامه الضرر المنفيّ شرعا، فتعارض أدلّة انتفائه الصحيحة «3».

و كذا إن أمكن له ذلك و لكن علم عدم وقوف الوارث على حكم الشرع و تضرّره بذلك، و لذا اعتبر في التذكرة «4» و غيره «5» أمن المستودع من الضرر، و هو في موقعه.

______________________________

(1) كالطوسي في النهاية: 279، المحقّق في الشرائع 1: 235، المعتبر 2: 774.

(2) انظر المسالك 1: 99.

(3) المتقدمة في ص 146.

(4) التذكرة 1: 401.

(5) كالرياض 1: 349.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 149

ج: اعتبر بعضهم في ذلك استئذان الحاكم،

إمّا مع إمكانه- كبعضهم «1»- أو مطلقا- كآخر «2»- اقتصارا في ما خالف الأصل على المتّفق عليه.

و استبعده بعضهم «3»، لإطلاق النصّ «4». و ردّه آخر بتضمّنه لأمر الإمام، و هو منه إذن له.

أقول: يمكن أن يقال: إنّه لا شكّ في أنّ كونه إذنا منه موقوف على أمر زائد على صدور الأمر الشرعيّ المساوي فيه كلّ مكلّف، و هو ملاحظة جهة الإذنية له، و الأصل عدمه.

سلّمنا، و لكن كلّ من الأمرين محتمل، أي كونه من جهة حكم الشرع أو من جهة الإذنيّة، فاللازم حينئذ ملاحظة أنّ استئجار المستودع خلاف الأصل حتى يقتصر فيه على موضع اليقين،

أو هو الأصل حتى يتوقّف الخروج عنه على اليقين، مقتضى الأخبار «5»- المتواترة معنى، المصرّحة بوجوب قضاء الحجّ عن الميّت عن أصل ماله من غير خطاب إلى شخص معيّن- وجوبه على كلّ مكلّف كفاية، و هو يجعل وجوب الكفائي للمستودع أصلا ثابتا، فالتوقّف على الإذن يحتاج إلى دليل.

و على هذا، لو كان هذا الأمر من الإمام عليه السّلام إذنا أيضا لا بدّ في التوقّف عليه من ثبوت أنّ أمره لجهة حصول الإذن، و هو غير معلوم.

د: هل الحكم مختصّ بالوديعة

- كما حمل عليه جماعة «6»-

______________________________

(1) انظر التذكرة 1: 308.

(2) انظر المسالك 1: 99، و مجمع الفائدة 6: 152.

(3) كالشهيد في اللمعة (الروضة 2): 203.

(4) أي نصّ صحيحة العجلي المتقدّمة في ص: 146.

(5) الوسائل 11: 66 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 25.

(6) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 6: 152.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 150

لاختصاص النصّ، أو يتعدّى إلى سائر الحقوق الماليّة من الغصب و الدين و غيرهما، كما اختاره آخرون «1»؟

التحقيق فيه: البناء على ما ذكرنا من كون استئجار المستودع مخالفا للأصل، و موافقا له، فعلى الأول يحكم بالاقتصار، و على الثاني بالتعدّي، و على ما ذكرنا فالحقّ هو: الثاني.

ه: قالوا: مقتضى النص حجّ الودعيّ بنفسه «2»،

و لكن الأصحاب جوّزوا له الاستئجار «3»، بل ربّما جعلوه أولى، خصوصا إذا كان ذلك أنسب.

و أسند بعضهم في ذلك إلى تنقيح المناط القطعي «4».

و هو جيّد، مع أنّ إرادة الحجّ بنفسه من اللفظ في هذا المقام محلّ تأمّل، و على ما ذكرنا من الأصل يصير جواز الاستئجار أظهر.

و: لو استأجر المستودع، ثم علم الوارث و أنكر أحد الأمرين

من وجوب الحجّ أو الاستئجار، كان على المستودع الإثبات، للأصل. و لا يدلّ النصّ على قبول قوله، لأنّ حكمه إنّما هو في حقّ شخص خاصّ، و لأنّه إنّما هو بعد فرض أنّ عليه الحجّ، و حكمه عليه السّلام أنّه إن كان كما قلت:

فحجّ عنه، كما هو المراد في جميع السؤالات و الجوابات الواردة في

______________________________

(1) منهم الفاضل المقداد في التنقيح 1: 433، الشهيد الثاني في الروضة 2: 200، صاحب المدارك: 388.

(2) انظر جامع المقاصد: 161، و المدارك 7: 146، و الذخيرة: 571، و الرياض 1: 349.

(3) كالشهيد في الدروس 1: 327، الفاضل المقداد في التنقيح 1: 433، الفيض في المفاتيح 1: 302.

(4) انظر الرياض 1: 349.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 151

الأحاديث.

فلا يرد ما نقله في المنتقى «1» عن بعض المتأخّرين من كون مقتضى الحديث نفوذ إقرار المستودع في حقّ الوراث، و لا حاجة إلى ما أجاب به صاحب المنتقى في المقام.

ز: لو تعدّد من عنده الوديعة و علموا بالحقّ،

جاز لكلّ منهم الإخراج و الاستئجار، بل وجب كفاية، و يجوز لهم توازع الأجرة أيضا.

و لو لم يعلم بعضهم بالحقّ تعيّن على العالم.

و لو حجّوا جميعا مع علم بعضهم ببعض صحّ السابق خاصّة و ضمن اللاحق.

و لو انتفى العلم فلا ضمان مع الاجتهاد اللازم.

و الوجه في الكلّ واضح.

المسألة السادسة و العشرون: من أوصى أن يحجّ عنه شخص معيّن

فإمّا يعيّن الأجرة أو لا، و على التقديرين: إمّا يكون الحجّ واجبا، أو ندبا، فهذه أربع صور.

فإنّ عيّن الأجرة و كان واجبا تخرج الأجرة المعيّنة من الأصل إن كانت مقدار أجرة المثل من الميقات أو أقلّ، و إن زادت عنها أخرج الزائد من الثلث إن لم يجز الورثة.

ثم لو امتنع الموصى له من الحجّ بطلت الوصيّة، لتعلّقها بشخص معيّن، و يجب استئجار غيره بأقلّ ما يوجد من يحجّ عنه، لا للوصيّة، بل لوجوب قضاء الحجّ الواجب.

______________________________

(1) منتقى الجمان 3: 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 152

و إن امتنع من أخذ المعيّن و طلب الأزيد لم تجب إجابته و إن لم يزد عن أجرة المثل، لأنّه يخرج حينئذ عن الوصيّة و يساوي الأجنبي، فيجوز استئجاره بالأزيد لو لم يوجد من يأخذ الأقلّ.

و إن كان ندبا تخرج الأجرة المعيّنة من الثلث، إلّا مع إجازة الورثة، فتنفذ من الأصل.

و لو امتنع الموصى له من الحجّ فالظاهر بطلان الوصيّة و سقوط الحجّ، لما مرّ من تعلّق الوصيّة بشخص معيّن. و عدم ترك الميسور بالمعسور مع احتمال ارتباط أحدهما بالآخر ممنوع، كما بيّنا في موضعه.

قيل: لو علم تعلّق غرض الموصي بالحجّ مطلقا وجب إخراجه، لأنّ الوصيّة على هذا التقدير تكون في قوّة شيئين، فلا يبطل أحدهما بفوات الآخر «1».

ولي فيه نظر، لأنّ الوصيّة أيضا- كالتوكيل و نحوه- من الأمور التي يتوقّف

ثبوتها على الإنشاء اللفظي، و لا يتحقّق بشاهد الحال بل و لا الفحوى، لأنّها أمور توقيفيّة لم يثبت التوقيف في غير المذكور، فلا يفيد في وجوب العمل بالوصيّة العلم بتعلّق غرض الموصي بشي ء، إلّا أن يعلم إرادة هذا الغرض من اللفظ مجازا بالقرينة دون معناه الحقيقي، و ما نحن فيه ليس كذلك.

و إن لم يعيّن الأجرة و كان واجبا فتجب إجابة الموصى له فيما يرضى بأن يحجّ به و إن كان زائدا عن الأجرة، إلّا أنّ الزائد يخرج من الثلث، و لو زاد عن الثلث أيضا و لم يرض بما يفي به و لم يجز الورثة بطلت الوصيّة،

______________________________

(1) المدارك 7: 149.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 153

و يستأجر غيره بأقلّ ما يوجد.

و قيل: يجب استئجاره بأقلّ ما يوجد من يحجّ عنه «1».

و عن الدروس: احتمال وجوب إعطاء أجرة مثله إن اتّسع الثلث «2».

و على هذين القولين تبطل الوصيّة لو لم يرض الموصى له بالأقلّ أو الأجرة، و لا وجه له.

و لو امتنع الموصى له من الحجّ مطلقا تبطل الوصيّة، و يستأجر من يحجّ بالأقلّ، لأجل وجوب القضاء من الأصل.

و إن كان ندبا تجب إجابة الموصى له بما يرضى من الثلث مطلقا، و إن زاد عن الثلث و لم يجز الورثة أو امتنع الموصى له من الحجّ بطلت الوصيّة رأسا، و لا يجب استئجاره.

و الحجّ في جميع هذه الصور من الميقات، إلّا أن تدلّ قرينة على إرادة الموصي من البلد، فيستأجر منه، و يخرج غير أجرة المثل للميقاتي في الواجب منه من الثلث.

و لو قصر الثلث عن الاستئجار عن البلد و لم يجز الورثة فالحق بطلان الوصيّة و عدم وجوب الاستئجار بحسب الإمكان، لأنّ الموصى

به هو الحجّ البلدي، و هو غير ممكن.

نعم، يستأجر للميقاتي من الأصل مع وجوب الموصى به.

ثم المراد بالواجب المحكوم باستئجاره من الأصل- أو مع بطلان الوصيّة- هو حجّة الإسلام دون غيره، بل هو في حكم المندوب كما مرّ سابقا.

______________________________

(1) المدارك 7: 149.

(2) الدروس 1: 325.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 154

المسألة السابعة و العشرون: لو عيّن الموصي الأجرة،
اشاره

و كانت بقدر لا يرغب فيها أجير أصلا، بطلت الوصيّة بالحجّ قطعا، لبطلان التكليف بغير الممكن.

و هل تبقى الوصيّة بالقدر المعيّن من المال بحالها مطلقا، فيكون كمجهول المالك، فيصرف في وجوه البرّ، كما اختاره في الشرائع و المنتهى «1»، بل جعله في المدارك المشهور بين الأصحاب «2»؟

أو يعود ميراثا مطلقا، كما اختاره في المدارك «3»؟

أو الأول إن طرأ القصور لعارض، و الثاني إن قصرت الأجرة ابتداء، كما حكي عن المحقّق الثاني «4»، و استوجهه ثاني الشهيدين أيضا «5»؟

أحسنها: أوسطها، لأنّ الأصل في مال الميّت الثابت بالعمومات و الإطلاقات «6»: الانتقال إلى الوارث، إلّا ما تعلّق به دين أو وصيّة، و الوصيّة قد بطلت هناك بعدم إمكان الإتيان بها، فلا وجه لعدم الانتقال.

احتج الأول: بأنّ هذا القدر من المال قد خرج عن ملك الورثة بالوصيّة النافذة، و لا يمكن صرفها في الطاعة التي عيّنها الموصي، فيصرف إلى غيرها من الطاعات، لدخوله في الوصيّة ضمنا.

و يرد عليه: منع تحقق الوصيّة النافذة، لأنّ النفوذ فرع الإمكان، و إذ ليس فليس، و إمكان الطاعة الأخرى لا يفيد، لعدم كونها موصى بها،

______________________________

(1) الشرائع 1: 235، المنتهى 2: 874.

(2) المدارك 7: 150.

(3) المدارك 7: 151.

(4) حكاه عنه في المدارك 7: 151 و انظر جامع المقاصد 3: 148.

(5) المسالك 1: 99.

(6) الوسائل 26: 63 أبواب موجبات الإرث ب 1.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 155

و دخولها ضمنا إنّما يتمّ على قاعدة من لا يترك الميسور بالمعسور، و قد بيّنا بطلانها في موضعه.

و دليل الثالث: صحّة الوصيّة ابتداء، فخرج عن الوارث لنفوذ الوصيّة المعيّنة، فلا يعود إليه إلّا بدليل، و لم يثبت، غاية الأمر أنّه قد تعذّر صرفه في الوجه المعيّن، فيكون كمجهول المالك، فيصرف في وجوه البرّ.

و يرد عليه أولا: أنّ عدم دليل على عوده إلى الوارث لا يوجب صرفه في وجوه البرّ أيضا، لعدم الدليل عليه أيضا، و مجهول المالك الذي يصرف فيها إنّما هو غير ذلك، بل هو على النحو المعهود، و قياس ذلك عليه باطل.

و ثانيا: أنّ لنا أن نقول: إنّ الموصى به على هذا الوجه إنّما هو مثل المبيع بشرط الخيار، أو المبيع الذي يثبت فيه خيار الغبن للمشتري، أو المؤجر به الذي ثبت للمستأجر خيار الفسخ بعد فوت المؤجر، لحصول نقصان في منفعته أو عينه، فإنّ العين في الأولين و المنفعة في الأخير لم تنتقل بالموت إلى الوارث، و لكن كان للميّت في العين و المنفعة المذكورتين حقّ، هو كونه بحيث لو فسخ العقد ينتقل إليه، و هذا الحقّ قد انتقل إلى الوارث، لانتقال جميع حقوق مورّثه إليه و لازم ذلك انتقال العين أو المنفعة إليه بعد الفسخ، فكذا فيما نحن فيه، فنقول: إن الموصى به إنّما هو بحيث لو بطلت الوصيّة فيه ابتداء أو لعارض لصار كما كان ملكا للموصي، و هذا حقّ له ينتقل إلى الوارث، و يلزمه انتقال الموصى به إليه.

فإن قيل: من أين علم ثبوت هذا الحقّ للموصي حتى ينتقل إلى الوارث؟

قلنا: لأنّ الموصى به كان ملكا له فالأصل بقاؤه عليه، إلّا بقدر علم

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 156

خروجه منه، و لم يعلم إلّا هذا القدر، يعني: علم أنّه خرج عن ملكه ما دامت الوصيّة واجب العمل بها، و أمّا الزائد عنه فلا.

فإن قيل: بالوصيّة خرج عن ملكه، فيستصحب ذلك.

قلنا: بالوصيّة صار واجب الصرف في الوصيّة و لزمه الخروج عن ملكه، فإذا انتفى الملزوم لا يمكن استصحاب اللازم.

فروع:
أ: لو احتمل رغبة الأجير في بعض الأعوام الآتية،

فإن كان عام الوصيّة معيّنا و لم يرغب فيه أجير لم يلزم الانتظار و بطلت الوصيّة، و لو كان مطلقا وجب انتظاره ما لم يحصل اليأس، لاستصحاب وجوب العمل بالوصيّة.

ب: ما ذكرنا من العود إلى الوارث إنّما هو في الحجّ المندوب

و الزائد من الحجّة الميقاتيّة في الواجب، و أمّا أجرة الميقاتيّة فيه فلا تعود إليه إلّا إذا كان المال بقدر لا يفي بها أيضا، كما مرّ.

ج: لو كان القدر المعيّن بقدر لا يرغب فيه أجير أصلا،

و لكن كان له نماء بعد حصوله يمكن وفاؤهما بالحجّ- كدكّان له منفعة وافية مع الأصل بالحجّ بعد مدّة، أو أمكن استنماء المال بالتجارة و صرفه في الحجّ بعد مدّة- فهل يجب العمل بالوصيّة، أم لا؟

الظاهر: الثاني، لأنّ الوصيّة إنّما تعلّقت بالأصل دون النماء، و لعدم وفائه بالوصيّة تبطل الوصيّة و يعود ميراثا، فلا يكون عليه نماؤه إلّا للوارث.

نعم، لو أوصى بالأصل و النماء يجب العمل بها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 157

الباب الثاني في الحج المندوب

اعلم أنّه يستحبّ الحجّ لفاقد الشرائط الخالي عن الموانع، و منه العبد المأذون و الفقير و الصبيّ المميّز، للإجماع، و عمومات الترغيب فيه، و كذا يستحبّ لمن حجّ تكراره استحبابا مؤكّدا كما نطقت به الأخبار «1»، و صرّح به العلماء الأخيار «2»، و في بعض الأخبار: «أنّ من حجّ ثلاث حجّات لم يصبه فقر أبدا» «3».

و يكره للموسر ترك الحجّ خمس سنين متوالية، كما صرّح به في روايتي ذريح «4» و حمران «5».

قالوا: و يشترط في حجّ التطوّع: الإسلام «6»، و في الذخيرة: لا أعلم خلافا في ذلك «7»، و الظاهر أنّ المراد اشتراطه في الصحّة دون الاستحباب.

و يشترط فيه أيضا: أن لا يكون عليه حجّ واجب فورا، لمنافاته

______________________________

(1) الوسائل 11: 123 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 45.

(2) منهم العلّامة في التحرير 1: 89، الشهيد الأول في اللمعة و الشهيد الثاني في الروضة 2: 162، صاحب المدارك 7: 19.

(3) الفقيه 2: 139- 604، الوسائل 11: 127 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 45 ح 14.

(4) الكافي 4: 278- 1، التهذيب 5: 450- 1570، الوسائل 11: 138 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 49 ح 1.

(5) الكافي 4: 278- 2، الوسائل

11: 139 أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ب 49 ح 2.

(6) كما في الإرشاد 1: 313، و كفاية الأحكام: 57.

(7) الذخيرة: 571.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 158

للواجب المضيّق، فيكون منهيّا عنه.

و قال في الذخيرة: إنّه لا يبعد أن يقال: النهي متعلّق بأمر خارج، فلا يلزمه فساد الحجّ «1».

و عن المبسوط: صحّته و وقوعه عن حجّة الإسلام «2».

و عن الخلاف: صحّته تطوّعا و بقاء حجّة الإسلام في ذمّته «3».

و يشترط فيه أيضا: إذن الزوج و المولى، كما مرّ.

و لا يشترط البلوغ، و قد مرّ أيضا.

______________________________

(1) الذخيرة: 571.

(2) المبسوط 1: 302.

(3) الخلاف 2: 256.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 159

الباب الثالث في أقسام العمرة بحسب الحكم
اشاره

و هي أيضا كالحجّ تنقسم إلى واجب أصليّ، أو عارضيّ و مندوب، نذكر بعض أحكامها بحسب هذه القسمة في مسائل:

المسألة الأولى: تجب العمرة على الفور في العمر مرّة

بأصل الشرع على كلّ مكلّف، بالشرائط المعتبرة في الحجّ، بالكتاب «1»، و السنّة، و الإجماع المحقّق و المنقول مستفيضا «2».

ففي صحيحة زرارة: «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ، فإنّ اللَّه تعالى يقول وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ » «3».

و في صحيحة الفضل: في قول اللَّه تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ قال: «هما مفروضان» «4»، إلى غير ذلك من الأخبار الغير العديدة «5».

المسألة الثانية: الحقّ المشهور: وجوب العمرة عند تحقّق استطاعتها

و عدم توقّفه على تحقّق الاستطاعة للحجّ، بل لو استطاع لها خاصّة وجبت، كما أنّه لو استطاع للحجّ خاصّة وجب دون العمرة، لإطلاق الأوامر، و عدم وجدان دليل يدلّ على ارتباط أحدهما بالآخر في الوجوب، كما صرّح به

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 11    159     المسألة الثانية: الحق المشهور: وجوب العمرة عند تحقق استطاعتها ..... ص : 159

____________________________________________________________

(1) البقرة: 196.

(2) كما في المنتهى 2: 876، و التذكرة 1: 296.

(3) التهذيب 5: 433- 1502، الوسائل 14: 295 أبواب العمرة ب 1 ح 2.

(4) الكافي 4: 265- 2، التهذيب 5: 459- 1593، الوسائل 14: 295 أبواب العمرة ب 1 ح 1.

(5) الوسائل 14: 295 أبواب العمرة ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 160

غير واحد أيضا «1».

و في المسألة قولان آخران:

أحدهما: أنّ كلّا منهما لا يجب إلّا عند الاستطاعة للآخر.

و ثانيهما: أنّ الحجّ يجب عند استطاعته دون العمرة، فإنّه لا يجب إلّا عند الاستطاعة للحجّ، و نقل ذلك عن الدروس «2».

هذا في العمرة المفردة.

و أمّا عمرة التمتّع، فلا ريب في توقّف وجوبها على الاستطاعة للحجّ، لدخولها فيه و ارتباطها به و كونها بمنزلة الجزء منه، و هو موضع وفاق و مدلول عليه بالأخبار «3».

المسألة الثالثة: العمرة المتمتّع بها تجزئ عن العمرة المفردة المفروضة،

إجماعا فتوى محقّقا و منقولا «4» و نصّا.

ففي حسنة الحلبي: «إذا تمتّع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة» «5».

و في صحيحة يعقوب بن شعيب: يكفي الرجل إذا تمتّع بالعمرة إلى الحجّ مكان تلك العمرة المفردة؟ قال: «كذلك أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أصحابه» «6».

______________________________

(1) كالعلّامة في المنتهى 2: 876، و صاحبي المدارك 8: 459، و الرياض 1:

434.

(2) الدروس 1: 338.

(3) الوسائل 11: 212 أبواب

أقسام الحج ب 2.

(4) كما في المنتهى 2: 876.

(5) الكافي 4: 533- 1، التهذيب 5: 433- 1503، الإستبصار 2: 325- 1150، الوسائل 14: 305 أبواب العمرة ب 5 ح 1.

(6) التهذيب 5: 433- 1504، الإستبصار 2: 325- 1151، الوسائل 14: 306 أبواب العمرة ب 5 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 161

و في رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر: عن العمرة واجبة هي؟

قال: «نعم»، قلت: فمن تمتّع يجزئ عنه؟ قال: «نعم» «1».

و في رواية أبي بصير: «فإذا أدّى المتعة فقد أدّى العمرة المفروضة» «2».

المسألة الرابعة: قد تجب العمرة بنذر أو عهد أو يمين،

و بالاستئجار، و بالإفساد- أي إذا أفسد عمرة يجب عليه فعلها ثانيا و إن كانت مندوبة، كالحجّ على ما قطع به الأصحاب- و بفوات الحجّ، فإنّه يجب التحلّل منه بعمرة مفردة، كما يأتي في مسائل فوات الحجّ.

و قالوا: تجب أيضا لمن دخل مكّة- بل الحرم- عدا من يستثنى، كما يأتي في آخر كتاب الحجّ في بحث خصائص الحرم.

و المراد بالوجوب في ذلك القسم: الوجوب الشرطي دون الشرعي، فإنّ الإثم و المؤاخذة مترتّب على الدخول بغير إحرام، و المطلوب هو عدم الدخول بدون الإحرام، دون الإحرام و الدخول، و لا إثم على تركها لو دخل بدونه، و هو له كالطهارة لصلاة النافلة، إلّا إذا وجب الدخول، فإنّه يجب الإحرام حينئذ أيضا، لوجوب مقدّمة الواجب شرعا.

و أيضا المراد بالوجوب: الوجوب التخييري دون المعيّن، لتخيّر الداخل بين إحرامه بالحجّ و بالعمرة.

المسألة الخامسة: ما عدا ما ذكر مندوب،

و لا خلاف في استحبابها تمتّعا كلّما يستحبّ حجّ التمتّع، و إفرادا لغير المتمتّع.

و وقع الخلاف في المدّة التي تستحبّ فيها العمرة المفردة بعد عمرة

______________________________

(1) الكافي 4: 533- 2، التهذيب 5: 434- 1506، الإستبصار 2: 325- 1153، الوسائل 14: 305 أبواب العمرة ب 5 ح 3.

(2) الفقيه 2: 274- 1339، الوسائل 14: 306 أبواب العمرة ب 5 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 162

أخرى، أي في الزمان الذي يصحّ فيه تتابع العمرتين المفردتين.

فمنهم من لم يقدّر بينهما حدّا، بل جوّز الاعتمار في كلّ يوم مرّة فصاعدا، حكي ذلك عن السيّد و الحلّي و الديلمي «1» و كثير من المتأخّرين «2»، و عن الناصريات: نسبته إلى أصحابنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه «3»، لإطلاقات الأمر بالاعتمار «4»، فلا يتقيّد بوقت دون وقت.

و منهم من قال: إنّ أقلّ

ما يكون بينهما عشرة أيّام، و هو منقول عن الإسكافي و الشيخ في أحد قوليه و المهذّب و الجامع و الإصباح و التحرير و التذكرة و المنتهى و الإرشاد «5».

لرواية عليّ بن أبي حمزة، و فيها: قال: «و لكلّ شهر عمرة»، فقلت:

يكون أقلّ؟ فقال: «يكون لكلّ عشرة أيّام عمرة» «6».

و منهم من قال: إنّ أقلّه شهر، و هو القول الآخر للشيخ و ابن حمزة و الحلبي و ابن زهرة و النافع و المختلف «7»، و إن احتمل كلام الأخيرين

______________________________

(1) السيّد في الناصريات: 208، الحلي في السرائر 1: 541، الديلمي في المراسم: 104.

(2) منهم الفاضل المقداد في التنقيح 1: 526، و الشهيد في اللمعة (الروضة 2): 375.

(3) الناصريات: 208.

(4) الوسائل 14: 295 أبواب العمرة ب 1.

(5) نقله عن الإسكافي في المختلف: 319، الشيخ في المبسوط 1: 309. المهذّب 1: 211، الجامع للشرائع: 179، التحرير 1: 129، التذكرة 1: 401، المنتهى 2: 877، الإرشاد 1: 338.

(6) الكافي 4: 534- 3، الفقيه 2: 278- 1363، التهذيب 5: 434- 1508، الإستبصار 2: 326- 1158، الوسائل 14: 308 أبواب العمرة ب 6 ح 3.

(7) الشيخ في المبسوط 1: 304، ابن حمزة في الوسيلة: 157، الحلبي في الكافي في الفقه 1: 221، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 583، النافع: 99، المختلف: 320.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 163

للتوقّف و للتردّد بين الشهر و السنة.

لصحيحتي الحلبي «1» و ابن عمّار «2»، و موثّقتي يونس «3» و إسحاق «4»، و رواية عليّ بن أبي حمزة، المتضمّنة لقوله عليه السّلام: «لكلّ شهر عمرة» كما في بعضها، أو: «في كلّ شهر عمرة» كما في بعض آخر.

و عن العماني: أنّه لا يكون في السنة

إلّا عمرة واحدة، فأقلّ ما يكون بينهما السنة «5».

لصحيحتي الحلبي و زرارة: «لا يكون عمرتان في سنة» «6» كما في إحداهما، «و العمرة في كلّ سنة» «7» كما في الأخرى.

أقول: لا ينبغي الريب في ضعف القول الأخير و إن صحّت روايتاه، لشذوذهما، كما صرّح به غير واحد «8»، مضافا إلى ضعف دلالة الأخيرة على المنع عن الزائد، و احتمالهما التقيّة، لموافقتهما لبعض العامّة كما قيل «9»،

______________________________

(1) التهذيب 5: 435- 1511، الإستبصار 2: 326- 1156، الوسائل 14: 309 أبواب العمرة ب 6 ح 6.

(2) التهذيب 5: 435- 1509، الإستبصار 2: 326- 1154، الوسائل 14: 308 أبواب العمرة ب 6 ح 4.

(3) الكافي 4: 534- 1، التهذيب 5: 434- 1507 الوسائل 14: 307 أبواب العمرة ب 6 ح 2.

(4) الفقيه 2: 278- 1362، الوسائل 14: 309 أبواب العمرة ب 6 ح 8.

(5) نقله عن العماني في المختلف: 319، التنقيح 1: 526، الحدائق 16: 319.

(6) التهذيب 5: 435- 1512، الإستبصار 2: 326- 1157، الوسائل 14: 309 أبواب العمرة ب 6 ح 6.

(7) التهذيب 5: 435- 1511، الإستبصار 2: 326- 1156، الوسائل 14: 309 أبواب العمرة ب 6 ح 7.

(8) انظر: الرياض 1: 435.

(9) انظر: الوافي 12: 477.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 164

و عمومهما بالنسبة إلى المتمتّع بها و المفرد، و اختصاص معارضتهما بالأخيرة قطعا.

و من بعض ما ذكر يظهر جواب أدلّة القول الثالث أيضا، فإنّها غير دالّة على المنع عن الزائد، بل غايتها الدلالة على جواز الاعتمار في كلّ شهر و أنّ لكلّ شهر عمرة، و هو لا يدلّ على النهي عن الزيادة- كما اعترف به من المتأخّرين جماعة «1»- بل يؤكّد عدم الدلالة رواية عليّ

بن أبي حمزة المتقدّمة، فلا معارض لذيل هذه الرواية المجوّزة لها في كلّ عشرة، و ضعف سندها غير ضائر بعد وجودها في الكتب المعتبرة، فلا وجه لردّها بالمرّة، و هو دليل القول الثاني، و لكن في دلالتها على ما هو مرادهم- من المنع من الزائد أيضا- ما مرّ من المنع، و سبيلها سبيل الأخبار السابقة، و اقتضاء سوق السؤال له ممنوع غايته.

فلم يبق إلّا دليل القول الأول، و هو في غاية الجودة و المتانة.

و الإيراد عليه: بأنّ الإطلاقات بالنسبة إلى تحديد المدّة بينهما مجملة غير واضحة الدلالة، و إنّما هي مسوقة لبيان الفضيلة.

مردود بكفاية الفضيلة، لحسنها في كلّ مرّة، و لا يحتاج إلى تحديد المدّة، مع أنّ المقام مقام الاستحباب المتحمّل للمسامحة، فتكفي فيه فتوى الأجلّة و ظاهر الإجماع المحكيّ «2»، و اللَّه العالم.

______________________________

(1) كصاحبي المدارك 8: 466، و الرياض 1: 435.

(2) حكاه في الرياض 1: 436.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 165

المقصد الثاني في بيان المواقيت و أحكامها

اشاره

و هي جمع الميقات، و المراد منها: الأمكنة المعيّنة شرعا للإحرام.

بيانه: إنّ الإحرام- الذي هو أول أفعال الحجّ و العمرة- يجب إيقاعه في موضع معيّن، و قد قرّر الشارع لكلّ طائفة موضعا خاصّا يجب عليه إحرامه منه، و باعتبار تعدّد تلك الطوائف تكثّرت المواقيت، فمنهم من جعلها خمسة، و منهم من قال: إنّها ستّة، و منهم من حصرها في سبعة، و منهم في عشرة.

و ليست تلك الاختلافات باعتبار الاختلاف في جواز الإحرام من الجميع و عدمه، لأنّ الجميع ممّا جوّزوا بل أوجبوا إحرام أهله منه، بل لكلّ نكتة في تعيين العدد بحسب نظره، كما أنّ من ذكر الخمسة نظر إلى ذكرها بخصوصها في بعض الأحاديث «1»، أو إلى أنّها ممّا خصّها

رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله

______________________________

(1) الكافي 4: 319- 2، الفقيه 2: 198- 903، التهذيب 5: 55- 167، الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 166

بذلك الحكم «1»، و بذلك عرف، و لا حكم له غير ذلك، و كما أنّ من لم يذكر الفخّ لأنّه ليس ميقاتا لحجّ واجب أو عمرة واجبة، و هكذا.

و بالجملة

مجموع المواقيت التي يتحقّق فيها الإحرام عشرة:
الأول: العقيق.

و هو ميقات العراقيين و النجديين و من والاهم، و هو في اللغة: كلّ واد عقّه السيل، أي شقّه فأنهره و وسّعه «2»، و سمّيت به أربعة أودية في بلاد العرب، أحدها الميقات، و هو: واد يندفق سيله في غوري تهامة، كما حكي عن تهذيب اللغة «3»، و له طرفان و وسط.

فأوّله: المسلح، بفتح الميم و كسرها، كما في السرائر «4»، ثم بالمهملتين، كما عن فخر المحقّقين و التنقيح «5»، أي الموضع العالي، أو مكان أخذ السلاح و لبس لامة الحرب، و يناسبه تسميته ببريد البعث أيضا كما يأتي.

أو بالخاء المعجمة، كما حكاه الشهيد الثاني عن بعض الفقهاء «6»، أي موضع النزع، سمّي به لأنّه تنزع فيه الثياب للإحرام، و مقتضى ذلك تأخير التسمية عن وضعه ميقاتا.

و أوسطه: غمرة- بالمعجمة، ثم الميم الساكنة، و قيل: المكسورة، ثم

______________________________

(1) انظر الوسائل 11: 307 أبواب المواقيت ب 1.

(2) الصحاح 4: 1527.

(3) حكاه عنه في لسان العرب 10: 255، و هو في تهذيب اللغة 1: 59.

(4) السرائر 1: 528.

(5) حكاه عن فخر المحققين في كشف اللثام 1: 304، التنقيح 1: 446.

(6) المسالك 1: 103.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 167

المهملة-: منهلة من مناهل طريق مكّة، و هي: فصل ما بين نجد و تهامة، كما

عن الأزهري «1» و القاموس «2»، سمّيت بها لزحمة الناس فيها.

و آخره: ذات عرق، بالمهملة المكسورة، ثم المهملة الساكنة، و هو:

الجبل الصغير، سمّيت بها لأنّه كان بها عرق من الماء، أي قليل، و قيل: إنّها كانت قرية فخربت «3».

ثم كون العقيق ميقاتا لمن ذكر ممّا لا خلاف فيه، بل نقل عليه الإجماع مستفيضا «4»، و تدلّ عليه الأخبار المستفيضة:

كصحيحة ابن عمّار: «من تمام الحجّ و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، لا تجاوزها إلّا و أنت محرم، فإنّه وقّت لأهل العراق- و لم يكن يومئذ عراق- بطن العقيق من قبل أهل العراق، و وقّت لأهل اليمن يلملم، و وقّت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقت لأهل المغرب الجحفة، و هي مهيعة، و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و من كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكّة فوقته منزله» «5».

و صحيحة الحلبي: «الإحرام من مواقيت خمسة، وقّتها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، لا ينبغي لحاج و لا لمعتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها، وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و هو مسجد الشجرة يصلّى فيه و يفرض الحجّ، و وقّت لأهل الشام الجحفة، و وقّت لأهل نجد العقيق، و وقّت لأهل الطائف

______________________________

(1) نقله عنه في لسان العرب 5: 33، و هو في تهذيب اللغة 8: 129.

(2) القاموس 2: 108.

(3) المنتهى 2: 671.

(4) كما في التذكرة 1: 320، و كشف اللثام 1: 304، و الرياض 1: 358.

(5) الكافي 4: 318- 1، التهذيب 5: 54- 166 و 283- 964، العلل: 434- 2، الوسائل 11: 307 أبواب المواقيت ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص:

168

قرن المنازل، و وقّت لأهل اليمن يلملم، و لا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله» «1».

و قريبة منها الأخرى لعبيد اللَّه بن عليّ الحلبي، و فيها- بعد قوله:

و يفرض الحجّ-: «فإذا خرج من المسجد و سار و استوت به البيداء حين يحاذي الميل الأول أحرم» «2».

و الخزّاز: حدّثني عن العقيق أ وقت وقّته رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أو شي ء صنعه الناس؟ فقال: «إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و وقّت لأهل المغرب الجحفة، و هي عندنا مكتوبة مهيعة، و وقّت لأهل اليمن يلملم، و وقّت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقّت لأهل نجد العقيق و ما أنجدت» «3».

أقول: الإنجاد: الدخول في أرض نجد، أي وقّته لمن دخل أرض نجد.

و رفاعة: «وقّت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله العقيق لأهل نجد، و قال: هو وقت لما أنجدت الأرض و أنتم منهم، و وقّت لأهل الشام الجحفة، و يقال لها:

المهيعة» «4».

أقول: «و أنتم منهم»، أي ممّن دخل أرض نجد.

______________________________

(1) الكافي 4: 319- 2، التهذيب 5: 55- 167، الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 3.

(2) الفقيه 2: 198- 903، الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 4 و فيه:

يجازي، بدل: يحاذي.

(3) الكافي 4: 319- 3، التهذيب 5: 55- 168، الوسائل 11: 307 أبواب المواقيت ب 1 ح 1.

(4) الفقيه 2: 198- 904، الوسائل 11: 310 أبواب المواقيت ب 1 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 169

و عليّ: عن إحرام أهل الكوفة و خراسان و ما يليهم و أهل الشام و مصر، من أين هو؟ قال:

«أمّا أهل الكوفة و خراسان و ما يليهم فمن العقيق، و أهل المدينة من ذي الحليفة و الجحفة، و أهل الشام و مصر من الجحفة، و أهل اليمن من يلملم، و أهل السند من البصرة» [يعني ]: ميقات أهل البصرة «1».

و عمر بن يزيد: «وقّت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله لأهل المشرق العقيق نحوا من بريدين ما بين بريد البعث إلى غمرة، و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و لأهل نجد قرن المنازل، و لأهل الشام الجحفة، و لأهل اليمن يلملم» «2».

قال في الوافي: البعث- بالموحّدة ثم المهملة ثم المثلّثة-: أول العقيق، و هو بمعنى الجيش، كأنّه بعث الجيش من هناك، و لم نجده في اللغة اسما لموضع، كذلك ضبطه من يعتمد عليه من أصحابنا، فما يوجد في بعض النسخ على غير ذلك لعلّه مصحّف «3».

و مرسلة الفقيه: «وقّت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله لأهل العراق العقيق، و أوله المسلخ، و وسطه غمرة، و آخره ذات عرق، و أوله أفضل» «4»، و نحوها الرضوي «5».

و أمّا ما في صحيحة عمر بن يزيد المذكورة- من أنّ الميقات لأهل

______________________________

(1) التهذيب 5: 55- 169، الوسائل 11: 309 أبواب المواقيت ب 1 ح 5، بدل ما بين المعقوفين في النسخ: أي، و ما أثبتناه من المصدر.

(2) التهذيب 5: 56- 170، الوسائل 11: 309 أبواب المواقيت ب 1 ح 6 و فيه:

نحوا من بريد.

(3) الوافي 12: 483.

(4) الفقيه 2: 199- 907، الوسائل 11: 313 أبواب المواقيت ب 2 ح 9.

(5) فقه الرضا «ع»: 216، مستدرك الوسائل 8: 104 أبواب المواقيت ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 170

نجد قرن المنازل- فقد فسّره بعضهم بأهل

الموضع المرتفع، و أريد الطائف «1»، و قيل: لعلّ لنجد طريقين، لكلّ طريق ميقات «2».

و أمّا أنّ حدّ العقيق من المسلخ إلى ذات عرق فتدلّ عليه المرسلة و الرضويّ المتقدّمين.

و رواية أبي بصير: «حدّ العقيق أوله المسلخ و آخره ذات عرق» «3».

و تدلّ على مبدئه أيضا رواية أخرى عن أبي بصير: «حدّ العقيق ما بين المسلخ إلى عقبة غمرة» «4».

و الظاهر عدم خلاف في ذلك التحديد و كون ما ذكره عقيقا و أنّه ليس غيره بعقيق يحرم منه.

نعم، في صحيحة ابن عمّار: «أول العقيق بريد البعث، و هو دون المسلخ بستّة أميال ممّا يلي العراق، و بينه و بين غمرة أربعة و عشرون ميلا، بريدان» «5».

و مقتضاها تقديم مبدأ العقيق على المسلخ بستّة أميال، و لكنّها شاذّة، بل فيها: أنّها خلاف ما اتّفقت عليه كلمة الأصحاب و الأخبار.

و يمكن الجمع بأنّ المراد في الصحيحة مطلق العقيق، و في باقي الأخبار الميقات من العقيق.

و قيل: إنّ هذه الستّة أميال و إن كانت من العقيق و لكنّها خارجة عن

______________________________

(1) انظر مجمع الفائدة 6: 181.

(2) انظر الحدائق 14: 439.

(3) التهذيب 5: 56- 171، الوسائل 11: 313 أبواب المواقيت ب 2 ح 7.

(4) الكافي 4: 320- 5، الوسائل 11: 312 أبواب المواقيت ب 2 ح 5.

(5) الكافي 4: 321- 10، التهذيب 5: 57- 175، الوسائل 11: 312 أبواب المواقيت ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 171

بطنه الذي هو الميقات، كما نصّ عليه في صحيحة ابن عمّار الأولى «1».

و كيف كان، فلا يجوز تقديم الإحرام على المسلخ، و كأنّه لا خلاف فيه، بل الظاهر أنّه إجماعي، و ادّعى بعضهم الاتّفاق عليه أيضا «2»، و تدلّ عليه

الأخبار الثلاثة المذكورة، و لا تضرّ معارضة الصحيحة، إذ غايتها حصول الإجمال المقتضي لاستصحاب الاشتغال إلى أن تعلم البراءة الغير المعلوم إلّا بالتأخير إلى المسلخ.

و لا تأخيره عن ذات عرق، و هو أيضا إجماعيّ نصّا و فتوى.

و هل يجوز التأخير إلى ذات عرق، كما هو المشهور، بل قيل: كاد أن يكون إجماعا «3»، بل نسبه جماعة إلى الأصحاب و إلى المعروف بينهم مشعرين بدعوى الإجماع عليه، بل عن الخلاف و الناصريّات و الغنية الإجماع عليه «4»؟

أو لا يجوز التأخير عن الغمرة إلّا لمرض أو تقيّة، كما عن الشيخ في النهاية و والد الصدوق، بل عن الصدوق في المقنع و الهداية، و تبعهما الشهيد في الدروس «5»، و مال إليه بعض متأخري المتأخّرين «6»؟

دليل المشهور: المرسلة، و الرضوي، و إحدى روايتي أبي بصير

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 167.

(2) كصاحب الرياض 1: 358.

(3) الرياض 1: 358.

(4) الخلاف 2: 283، الناصريات (الجوامع الفقهية): 208، الغنية (الجوامع الفقهية): 574.

(5) النهاية: 210، حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 262، المقنع: 69، الهداية: 55، الدروس 1: 340.

(6) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 305.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 172

المتقدّمة، المؤيّدة برواية مسمع: «إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق من مكّة فليحرم من منزله» «1»، المنجبرة بما مرّ ذكره.

و حجّة النافين: صحيحة عمر بن يزيد، و الرواية الأخرى لأبي بصير، و صحيحة ابن عمّار الأخيرة الراجحة على ما تقدّم بصحّة السند و موافقة أصل الاشتغال و مخالفة العامّة.

كما تدلّ عليه الصحيحة المرويّة في الإحتجاج عن صاحب الأمر عليه السّلام:

عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء و يكون متّصلا بهم، يحجّ و يأخذ عن الجادّة و لا يحرم هؤلاء من المسلخ؟ فكتب

إليه في الجواب: «يحرم من ميقاته، ثم يلبس الثياب و يلبّي في نفسه، فإذا بلغ إلى ميقاتهم أظهره» «2».

و أجيب عنها «3»: بعدم تكافئها- و لو كانت صحيحة- للمرسلة و أخويها، لشهرة المرسلة و شذوذ الصحيحة.

مضافا إلى عدم دلالة الصحيحة الثانية على خروج ذات العرق بل شي ء بالكلّية، و تضمّنها ما لم يقل به أحد من أنّ أول العقيق ما دون المسلخ. و دلالة الأخريين على خروج الغمرة أيضا، لخروج الغاية عن المغيّا، بل دلالة الرواية على خروج المسلخ أيضا لمثل ذلك، و هما باطلان اتّفاقا.

و منه يظهر وجه مرجوحيّة لرواية أبي بصير الثانية، لموافقتها من هذه الجهة للعامّة، و وجه راجحيّة للمرسلة و أخويها، لمخالفتها العامّة من تلك الجهة، و من جهة التصريح: بأنّ العقيق من المواقيت المنصوصة عن

______________________________

(1) التهذيب 5: 59- 185، الوسائل 11: 334 أبواب المواقيت ب 17 ح 3.

(2) الإحتجاج: 484، الوسائل 11: 313 أبواب المواقيت ب 2 ح 10.

(3) كما في الرياض 1: 358.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 173

رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله)، و هو أيضا ممّا لا يقول به العامّة.

و على هذا، فتعيّن الجمع بحمل الصحيحتين و الرواية على أنّ المراد:

أنّ ذات عرق و إن كانت من العقيق، إلّا أنّها لمّا كانت ميقات العامّة و كان الفضل فيما تقدّم عليها فالتأخير إليها و ترك الفضل إنّما يكون لعلّة و عذر أو تقيّة، كما يشير إليه كلام الحلّي في السرائر «1»، بل يحتمله كلام المخالفين في المسألة أيضا، و لعلّه لذلك لم يجعلهم الفاضل و الشهيد مخالفين صريحا، بل نسباهما بالإشعار و الظهور «2».

أقول: كلّما ذكر و إن كان كذلك، إلّا أنّ الشذوذ المخرج عن الحجّية

غير ثابت بعد فتوى مثل الصدوقين و الشيخ و الشهيد، بل الكليني أيضا «3»، حيث اقتصر في التحديد على رواية أبي بصير الثانية و صحيحة ابن عمّار، فيبقى دليلا الطرفين متكافئين، فيجب الرجوع إلى أصل الاشتغال، و لذا لم يجترئ أكثر المتأخّرين المرجّحين لأدلّة المشهور على الفتوى به، و جعلوا الأخير أحوط، و هو كذلك لو لم يكن أظهر، مع أنّه الأظهر أيضا، لما مرّ، فتدبّر.

ثم إنّهم ذكروا أنّ المسلخ أفضل من الغمرة، و هي من ذات عرق على دخولها في العقيق، و هو كذلك، لفتوى الأصحاب الكافية في مقام التسامح.

مضافا في الأول إلى المرسلة، و الرضوي، و موثّقة يونس: الإحرام من أيّ العقيق أفضل أن أحرم؟ فقال: «من أوله فهو أفضل» «4».

______________________________

(1) السرائر 1: 528.

(2) الفاضل في المنتهى 2: 666، الشهيد في الدروس 1: 340.

(3) الصدوق في المقنع: 69، نقله عن والد الصدوق في المختلف: 262، الشيخ في المبسوط 1: 312، الشهيد في الدروس 1: 340، الكليني في الكافي 4: 321.

(4) الكافي 4: 320- 7، الوسائل 11: 314 أبواب المواقيت ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 174

و موثّقة إسحاق: عن الإحرام من غمرة، قال: «ليس به بأس أن يحرم منها، و كان بريد العقيق أحبّ إليّ» «1».

أقول: أي البريد الذي في أوله.

و في الثاني إلى مرسلة الكافي: «إذا خرجت من المسلخ فأحرم عند أول بريد يستقبلك» «2».

و أول بريد بعد المسلخ هو بريد غمرة، كما يستفاد من الأخبار.

و قد يقال: إنّ أفضل مواضع العقيق: بركة الشريف، و هي: بركة مربّعة في يمين من يذهب من العراق إلى مكّة، في حواليها أشجار الشوك الكثيرة.

و لا دليل على تلك الأفضليّة، و احتمل

بعضهم أن يكون ذلك مبنيّا على أفضليّة أول كلّ من المسلخ و الغمرة و ذات العرق و كونها في أول المسلخ، و لكن لم يظهر لي ذلك بعد الفحص.

و الثاني: مسجد الشجرة.
اشاره

و هو ميقات أهل المدينة، كما صرّح به في المقنعة و الناصريّات و جمل العلم و العمل و النافع و الشرائع و الإرشاد و القواعد و الكافي و الإشارة و الغنية و السرائر و المعتبر و المنتهى و التحرير و المهذّب و المبسوط و الخلاف و النهاية، بل جميع كتب الشيخ، و الصدوق و القاضي و الديلمي و التذكرة «3»،

______________________________

(1) الكافي 4: 325- 9، التهذيب 5: 56- 172، الوسائل 11: 314 أبواب المواقيت ب 3 ح 3 بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 321- 10، الوسائل 11: 312 أبواب المواقيت ب 2 ح 3.

(3) المقنعة: 394، الناصريات (الجوامع الفقهية): 208، جمل العلم و العمل رسائل الشريف المرتضى 3): 64، النافع: 80، الشرائع 1: 241، الإرشاد 1:

315، القواعد 1: 79، الكافي في الفقه: 202، إشارة السبق: 125، الغنية (الجوامع الفقهية): 574، السرائر 1: 528، المعتبر 2: 802، المنتهى 2:

666، التحرير 1: 94، المهذّب 1: 213، المبسوط 1: 312، لم نعثر عليه في الخلاف، النهاية: 210، الإقتصاد: 300، الصدوق في المقنع: 68، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 213، الديلمي في المراسم: 107، التذكرة 1: 320.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 175

بالنصوص المعتبرة المتواترة:

كصحيحة ابن عمّار، و فيها: «فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في أربع بقين من ذي القعدة، فلمّا انتهى إلى ذي الحليفة فزالت الشمس اغتسل، ثم خرج حتى أتى المسجد الذي هو عند الشجرة فصلّى فيه الظهر، ثم عزم على الحجّ مفردا، و

خرج حتى انتهى إلى البيداء عند الميل الأول، فصفّ الناس له سماطين، فلبّى بالحجّ مفردا» الحديث «1».

و ابن سنان الواردة في حجّ رسول صلّى اللَّه عليه و آله أيضا، و فيها: «فلمّا نزل الشجرة أمر الناس بنتف الإبط و حلق العانة و الغسل و التجرّد في إزار و رداء» الحديث «2».

و ابن وهب: سألت أبا عبد اللَّه عليه السّلام- و نحن بالمدينة- عن التهيّؤ للإحرام، فقال: «أطل بالمدينة و تجهّز بكلّ ما تريد و اغتسل، و إن شئت استمتعت بقميصك حتى تأتي مسجد الشجرة» «3».

و مرسلة الكافي: «يحرم من الشجرة ثم يأخذ من أيّ طريق شاء» «4».

و رواية رباح، و فيها: «فلو كان كما يقولون لم يتمتّع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله

______________________________

(1) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 249- 7، الوسائل 11: 223 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 15.

(3) التهذيب 5: 62- 196، الوسائل 12: 324 أبواب الإحرام ب 7 ح 1، و رواها في الفقيه 2: 200- 915.

(4) الكافي 4: 321- 9، الوسائل 11: 318 أبواب المواقيت ب 7 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 176

بثيابه إلى الشجرة» «1»، و نحوها رواية أبي بصير «2».

و مرسلة النضر: رجل دخل مسجد الشجرة فصلّى و أحرم، ثم خرج من المسجد فبدا له قبل أن يلبّي أن ينقض ذلك بمواقعة النساء، أ له ذلك؟

فكتب: «نعم» [أو]: «لا بأس به» «3»، و قريبة منها مرسلة جميل «4»، و رواية عليّ بن عبد العزيز «5»، و صحيحتا ابن عمّار «6» و البجلي «7».

و صحيحة الحلبي: «إذا صلّيت في

مسجد الشجرة فقل و أنت قاعد في دبر الصلاة قبل أن تقوم ما يقول المحرم، ثم قم فامش حتى تبلغ الميل و تستوي بك البيداء، فإذا استوت بك فلبّه» «8».

و صحيحة عمر بن يزيد: «إذا أحرمت من مسجد الشجرة فإن كنت ماشيا لبّيت من مكانك إلى المسجد» الحديث «9».

و المرويّ في قرب الإسناد: «و لأهل المدينة و من يليها الشجرة» «10».

______________________________

(1) التهذيب 5: 59- 187، الوسائل 11: 334 أبواب المواقيت ب 17 ح 5.

(2) الفقيه 2: 199- 909، الوسائل 11: 232 أبواب المواقيت ب 11 ح 2.

(3) الكافي 4: 331- 9، الفقيه 2: 208- 950، الوسائل 12: 337 أبواب الإحرام ب 14 ح 12، بدل ما بين المعقوفين في النسخ: و، و ما أثبتناه من المصادر.

(4) التهذيب 5: 82- 273، الوسائل 12: 335 أبواب الإحرام ب 14 ح 5.

(5) الكافي 4: 330- 6، الفقيه 2: 208- 947، التهذيب 5: 83- 276، الوسائل 12: 335 أبواب الإحرام ب 14 ح 6.

(6) التهذيب 5: 82- 272، الإستبصار 2: 188- 631، الوسائل 12: 333 أبواب الإحرام ب 14 ح 1.

(7) الفقيه 2: 208- 948، التهذيب 5: 82- 275، الإستبصار 2: 188- 633، الوسائل 12: 333 أبواب الإحرام ب 14 ح 3.

(8) الكافي 4: 333- 11، الفقيه 2: 207- 943، الوسائل 12: 373 أبواب الإحرام ب 35 ح 3.

(9) التهذيب 5: 92- 301، الوسائل 12: 383 أبواب الإحرام ب 40 ح 3.

(10) قرب الإسناد: 244- 970، الوسائل 11: 310 أبواب المواقيت ب 1 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 177

و في العلل: لأيّ علّة أحرم رسول اللَّه من مسجد الشجرة و لم يحرم من موضع دونه؟ فقال:

«لأنّه لما أسري به إلى السماء» الحديث «1».

و لا تنافي تلك الأخبار المستفيضة من الصحاح و غيرها المتقدّمة أكثرها الجاعلة لميقات أهل المدينة ذا الحليفة «2»، لأنّه مسجد الشجرة كما صرّح به في الإشارة «3»، و من تأخّر ذكره عنه من الكتب المتقدّمة «4».

و تدلّ عليه صحيحتا الحلبيّين السابقتين «5»، و المرويّ في قرب الإسناد: «و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و هي الشجرة» «6».

و صحيحة ابن عمّار، و فيها: «و مسجد ذي الحليفة الذي كان خارجا من السقائف عن صحن المسجد، ثم اليوم ليس شي ء من السقائف منه» «7».

و بذلك يجمع بين الأخبار، و كذلك بين فتاوى من أطلق المسجد- كالكتب المتقدّمة على الإشارة «8»- أو ذا الحليفة، كما عن الدروس و اللمعة و الوسيلة و المحقّق الثاني «9».

______________________________

(1) العلل: 433- 1، الوسائل 11: 311 أبواب المواقيت ب 1 ح 13.

(2) كما في الوسائل 11: 307 أبواب المواقيت ب 1.

(3) الإشارة: 125.

(4) في ص: 174.

(5) الأولى في: الكافي 4: 319- 2، التهذيب 5: 55- 167، الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 3.

الثانية في: الفقيه 2: 198- 903، الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 4.

(6) قرب الإسناد 164- 599، الوسائل 11: 309 أبواب المواقيت ب 1 ح 7.

(7) الكافي 4: 334- 14، الوسائل 11: 315 أبواب المواقيت ب 4 ح 1.

(8) انظر ص: 174.

(9) الدروس 1: 340، اللمعة (الروضة 2): 224، الوسيلة: 160، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 158.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 178

إلّا أنّ بعض هؤلاء صرّح بأفضليّة المسجد و أحوطيّته «1»، و ظاهرها عدم تعيّن المسجد، و صرّح الأخير بأنّ جواز الإحرام من الموضع كلّه ممّا

لا يكاد يدفع «2».

و يدفعه ما سبق ذكره من تصريح الصحيحين و غيرهما: بأنّ ذا الحليفة هو مسجد الشجرة، و الأمر في طائفة من الأخبار المتقدّمة بالإحرام منها، و أنّها التي وقّتها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، المؤيّدة بعمل الأكثر، بل الإجماع المحكيّ عن الناصريّات و الغنية «3»، و بروايات غير ما ذكر أيضا، كصحيحة ابن سنان: «من أقام بالمدينة- و هو يريد الحجّ- شهرا أو نحوه، ثم بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة، فإذا كان حذاء الشجرة و البيداء مسيرة ستّة أميال فليحرم منها» «4»، و قريبة منها صحيحته الأخرى «5».

و كذا لا تنافي ما ذكرناه صحيحة عبيد اللَّه الحلبي المتقدّمة، حيث قال: «فإذا خرج من المسجد و سار و استوت به البيداء حين يحاذي الميل الأول أحرم» «6».

حيث إنّ ظاهرها جواز الإحرام من خارج المسجد، كما فهمه صاحب الذخيرة «7»، لأنّ هذا إنّما هو إذا أريد من الإحرام معناه الحقيقي،

______________________________

(1) كما في الدروس 1: 340.

(2) جامع المقاصد 3: 158.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 208، الغنية (الجوامع الفقهية): 574.

(4) الفقيه 2: 200- 913، الوسائل 11: 318 أبواب المواقيت ب 7 ح 3.

(5) الكافي 4: 321- 9، التهذيب 5: 57- 178، الوسائل 11: 317 أبواب المواقيت ب 7 ح 1.

(6) الفقيه 2: 198- 903، الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 4.

(7) الذخيرة: 576.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 179

و ليس كذلك قطعا، لمنافاته لصدرها.

بل المراد: التلبية، كما تدلّ عليه صحيحة ابن وهب: عن التهيّؤ للإحرام، فقال: «في مسجد الشجرة، فقد صلّى فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، و قد ترى ناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى

البيداء جنب الميل، فتحرمون كما أنتم في محاملكم، تقول: لبّيك اللَّهمّ لبّيك» «1» إلى آخره، حيث جعل الإحرام هو التلبية.

و صحيحة ابن سنان: هل يجوز للمتمتّع بالعمرة إلى الحجّ أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟ فقال: «نعم، إنّما لبّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله على البيداء، لأنّ الناس لم يكونوا يعرفون التلبية فأحبّ أن يعلّمهم كيفيّة التلبية» «2».

و في صحيحته الأخرى: «إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله لم يكن يلبّي حتى يأتي البيداء» «3».

و في صحيحة ابن حازم: «إذا صلّيت عند الشجرة فلا تلبّي حتى تأتي البيداء» «4».

و دلّت عليه صحيحة ابن عمّار و مرسلة النضر و صحيحة [الحلبي ] «5»

______________________________

(1) التهذيب 5: 84- 277، الإستبصار 2: 169- 599، الوسائل 12: 370 أبواب الإحرام ب 34 ح 3.

(2) الكافي 4: 334- 12، التهذيب 5: 84- 280، الإستبصار 2: 170- 562، الوسائل 12: 372 أبواب الإحرام ب 35 ح 2، بتفاوت يسير.

(3) التهذيب 5: 84- 279، الإستبصار 2: 170- 561، الوسائل 12: 370 أبواب الإحرام ب 34 ح 5.

(4) التهذيب 5: 84- 278، الإستبصار 2: 170- 560، الوسائل 12: 370 أبواب الإحرام ب 34 ح 4.

(5) في النسخ: البجلي، و الظاهر ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 180

المتقدّمة «1» أيضا.

هذا، ثم إنّه يجوز إحرام أهل المدينة أيضا من الجحفة- بالجيم المضمومة ثم المهملة الساكنة ثم الفاء المفتوحة فتاء- على سبع مراحل من المدينة و ثلاث من مكّة، كما عن بعض أهل اللغة، و عنه: أنّ بينها و بين البحر نحو ستّة أميال، و عن غيره: ميلان، قيل: و لا تناقض، لاختلاف البحر باختلاف الأزمنة «2».

و قيل: كانت مدينة فخربت، سمّيت بها

لإجحاف السيل بها، أي ذهابه بها «3».

و سمّيت مهيعة، بفتح الميم و سكون الهاء و فتح الياء المثنّاة التحتانيّة، و معناها: المكان الواسع.

و في القاموس: كانت قرية جامعة على اثنين و ثمانين ميلا من مكّة تسمّى مهيعة، فنزل بها بنو عبيد و هم إخوة عاد، و كان أخرجهم العماليق من يثرب، فجاءهم سيل فاجتحفهم فسمّيت جحفة «4».

و عن المصباح المنير: منزل بين مكّة و المدينة قريب من رابغ بين بدر و خليص «5».

و جواز إحرامهم منها ممّا لا خلاف فيه، كما صرّح به جماعة «6»، بل

______________________________

(1) جميعا في ص: 176.

(2) انظر كشف اللثام 1: 305.

(3) انظر الذخيرة: 576، الحدائق 14: 435.

(4) القاموس المحيط 3: 125.

(5) المصباح المنير: 91.

(6) منهم السبزواري في الذخيرة: 576، و صاحبي الحدائق 14: 444، و الرياض 1: 359.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 181

نقل بعضهم عليه الإجماع «1»، و تدلّ عليه المستفيضة من الأخبار.

كصحيحة عليّ المتقدّمة، و فيها: «و أهل المدينة من ذي الحليفة و الجحفة» «2».

و ابن عمّار: عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة، قال: «لا بأس» «3».

و الحلبي: من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال: «من الجحفة، و لا يجاوز الجحفة إلّا محرما» «4».

و أبي بصير: خصال عابها عليك أهل مكّة، قال: «و ما هي؟» قلت:

قالوا: أحرم من الجحفة و رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أحرم من الشجرة، فقال:

«الجحفة أحد الوقتين فأخذت بأدناهما و كنت عليلا» «5».

و رواية الحضرمي، و فيها: «و قد رخّص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله لمن كان منكم مريضا أو ضعيفا أن يحرم من الجحفة» «6».

و هل جواز الإحرام منها مقيّد بحال الضرورة، أي المشقّة التي يعسر

تحمّلها، كما فعله الأصحاب من غير خلاف ظاهر إلّا من نادر، عملا بالأدلّة الدالة على توقيت الشجرة الظاهرة في عدم جواز العدول عنها بالمرّة، خرجت عنها حال الضرورة بالإجماع و المعتبرة، فبقي الباقي تحتها مندرجة؟

______________________________

(1) كما في المدارك 7: 219.

(2) التهذيب 5: 55- 169، الوسائل 11: 309 أبواب المواقيت ب 1 ح 5.

(3) الفقيه 2: 199- 908، الوسائل 11: 316 أبواب المواقيت ب 6 ح 1.

(4) التهذيب 5: 57- 177، الوسائل 11: 316 أبواب المواقيت ب 6 ح 3.

(5) التهذيب 5: 57- 176، الوسائل 11: 317 أبواب المواقيت ب 6 ح 4.

(6) الكافي 4: 324- 3، الوسائل 11: 317 أبواب المواقيت ب 6 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 182

أو مطلق، كما عن الجعفي و الوسيلة «1»، لإطلاق الصحاح الثلاثة؟

الظاهر هو: الأول، لأنّ الصحاح و إن كانت مطلقة، إلّا أنّها من هذه الحيثيّة شاذّة، للحجّية غير صالحة، و مع ذلك يجب تقييدها بالرواية الأخيرة، لأنّها لمعنى الشرط متضمّنة، فتدلّ بالمفهوم على اختصاص الرخصة بالمريض و الضعيف، و مثلهما في المشقّة.

هذا، مع ما في الصحاح من قصور الدلالة على العموم، سيّما الأولى، إذ ليس المراد: أنّ أهل المدينة يحرمون من الموضعين، كما هو مقتضى حقيقة اللفظ، فمجازه يمكن أن يكون التوقيت في الجملة و لو في حال الضرورة.

بل و كذا الثانية، لجواز أن يكون السؤال عن رجل من أهل المدينة- أي ساكنيها- مرّ على طريق الشام، و كأنّ السائل توهّم أنّ الشجرة ميقات أهل المدينة مطلقا و إن مرّ على طريق آخر.

بل و كذا الثالثة، إذ لا شك أنّ بعد التجاوز عن الشجرة يكون العود إليها و الإحرام منها مشقّة و ضرورة، سيّما مع

إيجابه التخلّف عن الرفقة.

ثم على ما ذكرنا من تقييد جواز التأخير بحال الضرورة، فهل يجوز سلوك طريق لا يؤدّيه إلى الشجرة اختيارا فيحرم من الجحفة، كما اختاره في الدروس و المدارك «2» و غيرهما «3»، للأصل و عموم جواز الإحرام من أيّ ميقات اتّفق المرور عليه و لو لغير أهله، و كون المراد بأهل كلّ ميقات من يمرّ عليه؟

______________________________

(1) حكاه عن الجعفي في الدروس 1: 493، الوسيلة: 160.

(2) الدروس 1: 341، المدارك 7: 220.

(3) كالرياض: 359.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 183

و أيضا على ما ذكرنا، لو عصى من لا ضرورة له و ترك الإحرام من الشجرة، هل يصحّ له الإحرام حينئذ من الجحفة، كما عن الدروس و المدارك؟ أو لا، كما يظهر من بعض «1»؟

الوجه: التفصيل بالإمكان و عدم المشقّة فلا يصحّ، و إلّا فيصح.

فرع:

و إذا عرفت تعيّن الإحرام من مسجد الشجرة، فلو كان المحرم جنبا أو حائضا أحرما فيه مجتازين، لحرمة اللبث.

و إن تعذّر بدونه، فهل يحرمان من خارجه، كما صرّح به الشهيد الثاني و المدارك و الذخيرة «2»، لوجوب قطع المسافة من المسجد إلى مكّة محرما؟

أم يؤخّرانه إلى الجحفة، لكون العذر ضرورة مبيحة للتأخير؟

الأحوط: الإحرام منهما و إن كان الأظهر الثاني، لما ذكر، و لعدم دليل على توقيت الخارج لمثلهما، و منع وجوب قطع المسافة محرما عليه.

و تمثيل الضرورة في الأخبار بالعلّة و المرض و الضعف لا يوجب التخصيص بعد اتّحاد العلّة قطعا و عدم القول بالفصل ظاهرا، فتدبّر.

الثالث: الجحفة.

و هو ميقات أهل الشام بلا خلاف يوجد، لصحاح الحلبيّين «3» و رفاعة «4»

______________________________

(1) انظر الحدائق 14: 446.

(2) الشهيد الثاني في المسالك 1: 104، المدارك 7: 219، الذخيرة: 576.

(3) الأولى في: الكافي 4: 319- 2، التهذيب 5: 55- 167، الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 3.

الثانية في: الفقيه 2: 198- 903، الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 4.

(4) الفقيه 2: 198- 904، الوسائل 11: 310 أبواب المواقيت ب 1 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 184

و عليّ «1» و عمر بن يزيد «2» المتقدّمة، و هي أيضا ميقات أهل مصر و المغرب، كما صرّح به في صحاح ابن عمّار «3» و الخزّاز «4» و عليّ السابقة.

الرابع:- و هو ميقات أهل اليمن- يلملم.

و يقال: ألملم و يرمرم، جبل على مرحلتين من مكّة، و كونه ميقاتا ممّا لا خلاف فيه أيضا، و وقع التصريح به في الصحاح المستفيضة المتقدّمة.

الخامس: قرن المنازل.
اشاره

بفتح القاف و سكون الراء، و هو ميقات أهل الطائف، و هو قرية عند الطائف، أو اسم الوادي كلّه، قاله في القاموس، قال: و غلط الجوهري في تحريكه و في نسبة أويس القرني إليه، لأنّه منسوب إلى قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد «5». بل قيل: اتّفق العلماء في تغليطه فيهما، و إنّما أويس من بني قرن بطن من مراد «6».

و لا يخفى أنّه لم يصرّح بالتحريك و لا بنسبة أويس إليه، و إنّما قال:

و القرن حيّ من اليمن و منه أويس القرني [1].

______________________________

[1] الصحاح 6: 2181، و فيه: و القرن: موضع، و هو ميقات أهل نجد، و منه أويس القرنيّ.

______________________________

(1) التهذيب 5: 55- 169، الوسائل 11: 309 أبواب المواقيت ب 1 ح 5.

(2) التهذيب 5: 56- 170، الوسائل 11: 309 أبواب المواقيت ب 1 ح 6.

(3) الكافي 4: 318- 1، التهذيب 5: 54- 166، الوسائل 11: 307 أبواب المواقيت ب 1 ح 2.

(4) الكافي 4: 319- 3، التهذيب 5: 55- 168، الوسائل 11: 307 أبواب المواقيت ب 1 ح 1.

(5) القاموس المحيط 4: 260.

(6) الرياض 1: 359.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 185

و بالجملة: لا كلام في كونه ميقاتا، و به صرّح كثير من الصحاح المتقدّمة.

فائدة:

قال في المنتهى: أبعد تلك المواقيت ذو الحليفة، و هو على عشر مراحل من مكّة على ميل من المدينة، و يليه في البعد الجحفة، و المواقيت الثلاثة الباقية على مسافة واحدة، بينها و بين مكّة ليلتان قاصدتان «1».

السادس: مكّة.

و هو ميقات حجّ المتمتّعين في حجّهم خاصّة، كما يأتي بيانه.

السابع: ميقات من كان منزله أقرب من المواقيت الخمسة إلى مكّة.

فإنّ ميقاته دويرة أهله- أي منزله- بلا خلاف يعرف كما في الذخيرة «2»، و في المدارك: أنّه مجمع عليه بين الأصحاب «3»، و عن المنتهى:

أنّه قول أهل العلم كافّة إلّا مجاهد «4».

و تدلّ عليه المستفيضة من الصحاح و غيرها، كصحيحة ابن عمّار المتقدّمة في الميقات الأول «5».

و الأخرى: «من كان منزله دون الوقت إلى مكّة [فليحرم ] من منزله» «6».

و في حديث آخر- كما نقله الشيخ-: «إذا كان منزله دون الميقات إلى

______________________________

(1) المنتهى 2: 667.

(2) الذخيرة: 576.

(3) المدارك 7: 222.

(4) المنتهى 2: 667.

(5) راجع ص: 167.

(6) التهذيب 5: 59- 183، الوسائل 11: 333 أبواب المواقيت ب 17 ح 1، بدل ما بين المعقوفين في النسخ: فليخرج، و ما أثبتناه من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 186

مكّة فليحرم من دويرة أهله» «1».

و حسنة مسمع: «إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكّة فليحرم من منزله» «2».

و في صحيحة ابن مسكان: عمّن كان منزله دون الجحفة إلى مكّة، قال: «يحرم منه» «3».

و في رواية رباح- بعد السؤال عمّا روي عن علي عليه السّلام-: «أنّ من تمام حجّك إحرامك من دويرة أهلك، و إنّما معنى دويرة أهله: من كان أهله وراء الميقات إلى مكّة» «4».

و مرسلة الصدوق: عن رجل منزله خلف الجحفة من أين يحرم؟

قال: «من منزله» «5».

و الأخرى: «من كان منزله دون المواقيت ما بينها و بين مكّة فعليه أن يحرم من منزله» «6»، إلى غير ذلك.

و أمّا اعتبار القرب إلى عرفات- كما ذكره جماعة «7»- فلا دليل عليه.

ثم الحكم يعمّ أهل مكّة أيضا على المشهور بين الأصحاب، بل نفى بعضهم الخلاف فيه «8»،

و تدلّ عليه مرسلة الصدوق المتقدّمة، و ما روي عن

______________________________

(1) التهذيب 5: 59- 184، الوسائل 11: 334 أبواب المواقيت ب 17 ح 2.

(2) التهذيب 5: 59- 185، الوسائل 11: 334 أبواب المواقيت ب 17 ح 3.

(3) التهذيب 5: 59- 186، الوسائل 11: 334 أبواب المواقيت ب 17 ح 4.

(4) التهذيب 5: 59- 187، الوسائل 11: 334 أبواب المواقيت ب 17 ح 5.

(5) الفقيه 2: 199- 911، الوسائل 11: 335 أبواب المواقيت ب 17 ح 6.

(6) الفقيه 2: 200- 912، الوسائل 11: 335 أبواب المواقيت ب 17 ح 7.

(7) منهم المحقّق في المعتبر 2: 786، الشهيد الثاني في المسالك 1: 104، الروضة 2: 225.

(8) كما في الرياض 1: 360.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 187

النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أنّه قال: «فمن كان دونهنّ فمهلّه من أهله» «1».

بل يمكن الاستدلال عليه بصحيحة ابن عمّار المشار إليها أيضا، إذ معناها: أنّ من كان منزله خلف هذه المواقيت من طرف مكّة، و لا شكّ أنّ أهل مكّة أيضا كذلك.

بل يمكن الاستدلال بجميع الأخبار المتقدّمة سوى المرسلة الأخيرة، بأن يفسّر نحو قوله: «من كان منزله دون الميقات إلى مكّة» بأنّ المراد: من كان منزله في جميع ذلك الموضع المبتدأ بدون الميقات المنتهي بمكّة.

و استشكل بعضهم فيهم من جهة أنّ الأقربيّة إلى مكّة تقتضي المغايرة، و من جهة الصحيحين الواردين في المجاور أنّه يحرم من الجعرانة «2»، سواء انتقل فرضه إلى أهله أم لا «3».

و لا يخفى أنّ الأقرب إنّما ورد في كلام الأصحاب دون أخبار الأطياب، و الصحيحان واردان في حكم المجاور، فلعلّ هذا مختص به، مع أنّه يأتي شذوذ تلك الأخبار أيضا.

الثامن: محاذاة الميقات.

و هو ميقات من

حجّ على طريق لا يفضي إلى أحد المواقيت، و منه طريق البحر. و كونها ميقاتا لمن ذكر مشهور بين الأصحاب، بل نسبه

______________________________

(1) صحيح مسلم 2: 838- 1181، سنن البيهقي 5: 29.

(2) الأول: صحيح البجلي، رواه في: الكافي 4: 300- 5، الوسائل 11: 267 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 5.

الثاني: صحيح سماعة بن مهران، رواه في: الفقيه 2: 274- 1335، الوسائل 11: 270 أبواب أقسام الحج ب 10 ح 2.

(3) انظر الرياض 1: 360.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 188

بعضهم إلى الشهرة العظيمة «1».

لصحيحة ابن سنان: «من أقام بالمدينة- و هو يريد الحجّ- شهرا أو نحوه ثم بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة، فإذا كان حذاء الشجرة و البيداء مسيرة ستّة أميال فليحرم منها» «2».

و صحيحته الأخرى، و فيها: «فليكن إحرامه من مسيرة ستّة أميال، فيكون حذاء الشجرة من البيداء» «3».

و يتعدّى إلى سائر المواقيت بالإجماع المركّب.

و لا تعارضها مرسلة الكافي: «يحرم من الشجرة ثم يأخذ من أيّ طريق شاء» «4»، لعدم دلالتها على الوجوب أولا، و شذوذها ثانيا، و إيجابه الحرج في بعض الأحيان ثالثا.

و هل الميقات- الذي يحرم ذلك من محاذاته- هو الميقات الأقرب إلى الطريق، كما هو مذهب الأكثر، و إليه ذهب الفاضل في المنتهى و التذكرة «5»؟

أو إلى مكّة، كما عن القواعد «6» و غيره «7»؟

أو أيّ ميقات كان، كما عن الإسكافي و الحلّي «8»، و اختاره في

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 360.

(2) الفقيه 2: 200- 913، الوسائل 11: 318 أبواب المواقيت ب 7 ح 3.

(3) الكافي 4: 321- 9، التهذيب 5: 57- 178، الوسائل 11: 317 أبواب المواقيت ب 7 ح 1.

(4) الكافي 4: 321- ذ ح

9، الوسائل 11: 318 أبواب المواقيت ب 7 ح 2.

(5) المنتهى 2: 671، التذكرة 1: 322.

(6) القواعد 1: 79.

(7) كالروضة 2: 227، المسالك 1: 104.

(8) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 263، الحلي في السرائر 1: 529.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 189

الإرشاد «1»؟

و مقتضى الصحيحين: الأول، فهو المختار في العمل، و تكفي المحاذاة التقريبيّة، لعدم إمكان التحقيق غالبا، و لأنّها المتحقّقة في ستّة أميال.

قالوا: و يكفي الظنّ بالمحاذاة، لعدم حصول غير الظنّ إمّا مطلقا أو غالبا، فلا يكون متعلّق التكليف إلّا الظنّ.

و من لم يكن له سبيل إلى الظنّ أيضا يحرم من أول موضع يحتمل المحاذاة، و يجدّد النيّة إلى آخر موضع كذلك، و لا حرج فيه.

و منع تقديم الإحرام على الميقات إنّما هو لا فيما كان بنيّة الاحتياط.

و اختلفوا في حكم من سلك طريقا لا يحاذي شيئا منها، و هو خلاف لا فائدة فيه، إذ المواقيت محيطة بالحرم من الجوانب، و لو فرض إمكان فالمختار الإحرام من أدنى الحلّ، لأصالة البراءة عن الزائد.

و يمكن أن يقال بذلك فيمن لا سبيل له إلى الظنّ أيضا، لما ذكر، بضميمة أنّ المتبادر من الصحيحة غير ذلك الشخص.

التاسع: أدنى الحلّ.

و هو ميقات العمرة المفردة الواقعة بعد حجّ الإفراد و القران، فإنّ المفرد و القارن إذا أرادا الاعتمار بعد الحجّ لزمهما الخروج إلى أدنى الحلّ، فيحرمان منه ثم يعودان إلى مكّة للطواف و السعي، بلا خلاف فيه كما صرّح به في المنتهى «2».

______________________________

(1) الإرشاد 1: 315.

(2) المنتهى 2: 667.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 190

و تدلّ عليه صحيحة عمر بن يزيد: «من أراد أن يخرج من مكّة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبيّة أو ما أشبههما» «1»، و

غير ذلك من الأخبار «2».

و إطلاقها يشمل كلّ من أراد العمرة المفردة من مكّة أيضا و إن لم يكن مفردا أو قارنا، بل أراد التقرّب بالعمرة و التحلّل من الحجّ الفاسد، و هو كذلك.

العاشر:

فخّ، و هو ميقات الصبيان في غير حجّ التمتّع عند جماعة «3»، و جعله آخرون موضع التجريد و إن كان موضع إحرامهم كغيرهم «4»، و يأتي تحقيقه في المسألة الثانية من بحث أحكام الإحرام.

و ها هنا مسائل:
المسألة الأولى: الحجّ و العمرة متساويان في المواقيت المذكورة،

فمن قدم إلى مكّة حاجّا أو معتمرا و مرّ بها يجب عليه الإحرام منها، سواء كانت العمرة عمرة تمتّع أو إفراد، و سواء كان الحجّ قرانا أو إفرادا، إلّا حجّ التمتّع فميقاته مكّة، و العمرة المفردة لمن أرادها من مكّة فميقاتها أدنى الحلّ كما مرّ.

المسألة الثانية: كلّ من حجّ أو اعتمر على طريق- كالعراقي يمرّ بمسجد الشجرة- فميقاته ميقات أهل ذلك الطريق،

بغير خلاف فيه يوجد

______________________________

(1) الفقيه 2: 276- 1350، التهذيب 5: 95- 315، الإستبصار 2: 177- 588، الوسائل 11: 341 أبواب المواقيت ب 22 ح 1.

(2) انظر: الوسائل 11: 341 أبواب المواقيت ب 22.

(3) كما في المعتبر 2: 804، الدروس 1: 342، الرياض 1: 360.

(4) حكاه في المعتبر 2: 804.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 191

كما صرّح به جماعة «1»، بل عن جماعة دعوى الإجماع عليه «2»، بل هو إجماع محقّق أيضا، فهو الحجّة فيه.

مضافا إلى انتفاء العسر و الحرج في الشريعة، و النبويّ: «هنّ لهنّ و لمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ» «3».

و صحيحة صفوان، و فيها: «أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله وقّت المواقيت لأهلها و من أتى عليها من غير أهلها، و فيها رخصة لمن كانت به علّة، فلا يجاوز الميقات إلّا من علّة» «4»، و غير ذلك.

المسألة الثالثة: من أحرم قبل الميقات لم ينعقد إحرامه بالإجماع،

كما حكي عن جماعة منهم المنتهى «5»، و تدلّ عليه الأخبار المستفيضة جدّا من الصحاح و غيرها.

منها: صحيحة الحلبي المتقدّمة «6» في الميقات الأول، و صحيحة ابن أذينة: «من أحرم دون الميقات فلا إحرام له» «7».

و في رواية زرارة: «و ليس لأحد أن يحرم قبل الوقت الذي وقّت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، و إنّما مثل ذلك مثل من صلّى في السفر أربعا» «8».

______________________________

(1) منهم العلّامة في المنتهى 2: 667، السبزواري في الذخيرة 577، صاحب الرياض 1: 360.

(2) المدارك 7: 226، كشف اللثام 1: 307، الحدائق 14: 455.

(3) صحيح مسلم 2: 838- 1181.

(4) الكافي 4: 323- 2، الوسائل 11: 331 أبواب المواقيت ب 15 ح 1.

(5) المنتهى 2: 668.

(6) الكافي 4: 319- 2، التهذيب 5:- الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت

ب 1 ح 3.

(7) الكافي 4: 322- 4، التهذيب 5: 52- 157، الإستبصار 2: 162- 529، الوسائل 11: 320 أبواب المواقيت ب 9 ح 3.

(8) الكافي 4: 321- 2، التهذيب 5: 51- 155، الإستبصار 2: 161- 527، الوسائل 11: 323 أبواب المواقيت ب 11 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 192

و في رواية إبراهيم الكرخي: عن رجل أحرم بحجّة في غير أشهر الحجّ دون الميقات الذي وقّته رسول صلّى اللَّه عليه و آله، قال: «ليس إحرامه بشي ء، فإن أحبّ أن يرجع إلى أهله فليرجع، فإنّي لا أرى عليه شيئا» «1».

و المرويّ في العلل: «لا يجوز الإحرام دون الميقات» «2»، إلى غير ذلك.

و استثنيت من ذلك صورتان:

إحداهما: من نذر الإحرام من موضع معيّن قبل أحد هذه المواقيت فيصحّ، بشرط أن يقع في أشهر الحجّ لو كان للحجّ أو عمرة يتمتّع بها، و مطلقا للعمرة المفردة على الأقوى، وفاقا للشيخ في النهاية و المبسوط و الخلاف و التهذيبين و المفيد و الديلمي و القاضي و ابن حمزة «3»، و أكثر المتأخّرين «4»، بل الأكثر مطلقا كما قيل «5».

لصحيحة الحلبي «6»، و موثّقة أبي بصير «7»، و رواية عليّ بن أبي

______________________________

(1) الكافي 4: 321- 1، التهذيب 5: 52- 159، الإستبصار 2: 162- 530، العلل: 455- 12 بتفاوت يسير، الوسائل 11: 319 أبواب المواقيت ب 9 ح 2.

(2) لم نعثر عليه في العلل، لكنّه موجود في عيون أخبار الرضا «ع» 2: 122، الوسائل 11: 320 أبواب المواقيت ب 9 ح 4.

(3) النهاية: 209، المبسوط 1: 311، الخلاف 2: 286، التهذيب 5: 53، الإستبصار 2: 164، نقله عن المفيد في المدارك 7: 229، الديلمي في المراسم:

108، القاضي في

المهذّب 2: 412، ابن حمزة في الوسيلة: 159.

(4) كما في الرياض 1: 360.

(5) انظر الرياض 1: 360.

(6) التهذيب 5: 53- 162، الإستبصار 2: 163- 534، الوسائل 11: 326 أبواب المواقيت ب 13 ح 1.

(7) التهذيب 5: 54- 164، الإستبصار 2: 163- 536، الوسائل 11: 327 أبواب المواقيت ب 13 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 193

حمزة «1»، المنجبرة ضعف بعضها أو الجميع على ما قيل «2» بما مرّ.

و خلافا للحلّي و المختلف، فمنعا عن الاستثناء، لأنّه نذر غير مشروع «3».

و فيه: أنّه شرّع بالنصوص المذكورة، و إبداء بعض الاحتمالات البعيدة فيها غير ضائر.

و لو احتاط بالجمع بين الإحرام عن الموضع المنذور و الميقات المقرّر كان أولى و أفضل، و حكم باستحباب الجمع بعضهم «4»، و منهم من أوجبه إذا كان النذر في الإحرام الواجب «5».

و ثانيتهما: أن يعتمر في شهر رجب إذا خاف خروجه قبل الوصول إلى أحد المواقيت، فإنّه يجوز له الإحرام قبل الميقات ليدرك فضل الشهر، بلا خلاف فيه يعرف، و اتّفاقهم عليه منقول في كلامهم، و تدلّ عليه صحيحة ابن عمّار «6»، و موثّقة إسحاق «7»، و الاحتياط فيه أيضا تجديد الإحرام من الميقات.

المسألة الرابعة: لا يجوز لمريد النسك تأخير الإحرام عن الميقات،

إجماعا فتوى و نصّا، لأنّ ذلك مقتضى التوقيت، مضافا إلى التصريح به في جملة من النصوص المعتبرة، كصحيحة صفوان المتقدّمة في المسألة

______________________________

(1) التهذيب 5: 53- 163، الإستبصار 2: 163- 535، الوسائل 11: 327 أبواب المواقيت ب 13 ح 2.

(2) انظر الرياض 1: 360.

(3) الحلي في السرائر 1: 526 و 527، المختلف: 263.

(4) كصاحب الرياض 1: 361.

(5) كما في المراسم: 108.

(6) الكافي 4: 323- 8، التهذيب 5: 53- 161، الإستبصار 2: 163- 533، الوسائل 11: 325 أبواب

المواقيت ب 12 ح 1.

(7) الكافي 4: 323- 9، التهذيب 5: 53- 160، الإستبصار 2: 162- 532، الوسائل 11: 326 أبواب المواقيت ب 12 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 194

الثانية «1»، و صحيحة ابن أذينة «2»، و المرويّ في العلل «3».

[و في رواية الفضيل ] [1]: «و لكن إذا انتهى إلى الوقت فليحرم» «4».

و رواية إبراهيم بن عبد الحميد: عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد و كثرة الأيّام- يعني الإحرام من الشجرة- فأرادوا أن يأخذوا منها إلى ذات عرق فيحرموا منها، فقال: «لا» و هو مغضب «من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلّا من المدينة» «5».

أقول: أراد من المدينة: ميقات أهلها.

و في بعض الصحاح: «من تمام الحجّ و العمرة أن تحرم من الميقات الذي وقّته رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، لا تجاوزها إلّا و أنت محرم» «6»، و في آخر: «لا يجاوز الجحفة إلّا محرما» «7».

المسألة الخامسة: لو كان له عذر يمنع من الإحرام في الميقات،

فعن الشيخ «8» و جماعة «9» تجويز التأخير، و تدلّ عليه صحيحة صفوان المتقدّمة، و مرسلة المحاملي: «إذا خاف الرجل على نفسه أخّر إحرامه إلى

______________________________

[1] بدل ما بين القوسين في «ح»: و هي فيه جميل بن صالح الفضيل، و في «س»:

و في الفضيل، و في «ق»: و هي الفضيل، و الأنسب ما أثبتناه.

______________________________

(1) في ص: 191.

(2) المتقدّمة في ص: 191.

(3) المتقدّم في ص: 192.

(4) الكافي 4: 322- 3، الوسائل 11: 319 أبواب المواقيت ب 9 ح 1.

(5) التهذيب 5: 57- 179، الوسائل 11: 318 أبواب المواقيت ب 8 ح 1.

(6) الكافي 4: 318- ح 1، التهذيب 5: 54- 166، الوسائل 11: 307 أبواب المواقيت ب 1 ح 2، بتفاوت يسير.

(7) التهذيب 5: 57-

177، الوسائل 11: 316 أبواب المواقيت ب 6 ح 3.

(8) في النهاية: 209.

(9) منهم ابن حمزة في الوسيلة: 160.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 195

الحرم» «1».

و منعه الحلّي و الفاضل في جملة من كتبه «2»، و حملوا قول الشيخ [على ] «3» تجويز تأخير صورة الإحرام و إظهاره، من التعرّي و لبس الثوبين، و قالوا: إنّ المرض و التقيّة لا يمنعان النيّة و التلبية.

و أيّد ذلك بحديث: «الميسور لا يسقط بالمعسور» «4»، و ببعض الحديث المتضمّن لحكم من مرّ على المسلخ مع العامّة بأنّه يحرم من الميقات من غير تلبّس الثياب و إظهار له، ثم يظهره من ميقاتهم «5».

أقول: أمّا حديث المسلخ فغير ما نحن فيه، لتصريح بالإحرام خفيّا، و لكنّه يلبس الثياب بعده، و هذا لا كلام فيه.

و لا يتمّ الاستدلال بحديث: «الميسور لا يسقط بالمعسور» كما بيّناه في موضعه، فلا معارض للصحيح و المرسل.

نعم، يمكن أن يقال بلفظيّة النزاع، لأنّ مرادنا: ما إذا لم يتمكّن من الإحرام أصلا، و مرادهما: ما إذا تمكّن منه باطنا و إن لم يتمكّن من استدامته أو إظهاره.

و بالجملة: لو لم يتمكّن أصلا- و إن كان فرضا نادرا- أخّر، و لو تمكّن باطنا يجب الإتيان به و يؤخّر الإظهار، و إن تمكّن من بعض واجباته دون بعض فالأولى الإتيان بما أمكن، بل الظاهر الوجوب، لعدم ثبوت الارتباط.

______________________________

(1) التهذيب 5: 58- 182، الوسائل 11: 333 أبواب المواقيت ب 16 ح 3.

(2) الحلي في السرائر 1: 527، الفاضل في المختلف 263، و المنتهى 2: 671.

(3) أضفناها لاستقامة العبارة.

(4) غوالي اللئالي 4: 58- 205.

(5) انظر الإحتجاج: 484- 485، الوسائل 11: 313 أبواب المواقيت ب 2 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 11، ص: 196

المسألة السادسة: لو لم يحرم من الميقات

- لمانع أو سهو أو جهل بالحكم أو الوقت- يجب الرجوع إليه و الإحرام منه مع الإمكان، بلا خلاف فيه بين العلماء كما عن المنتهى «1»، لتوقّف الواجب عليه، و المستفيضة من الأخبار:

كصحيحة الحلبي: عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم، فقال:

«يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم، و إن خشي أن يفوته الحجّ فليحرم من مكانه، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج» «2».

و الأخرى: في رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم، قال: «قال أبي: عليه أن يخرج إلى ميقات أهل أرضه، فإن خشي أن يفوته الحجّ أحرم من مكانه، و إن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم» «3».

و صحيحة ابن عمّار: عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم، فقالوا: ما ندري أ عليك إحرام أم لا و أنت حائض؟ فتركوها حتى دخلت الحرم، قال: «إن كان عليها مهلة فلترجع إلى الوقت فلتحرم منه، و إن لم يكن عليها وقت فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها الحجّ فتحرم» «4».

و أمّا ما في طائفة من الأخبار في الجاهل و الناسي، من الأمر بالخروج

______________________________

(1) المنتهى 2: 670.

(2) التهذيب 5: 58- 180، الوسائل 11: 330 أبواب المواقيت ب 14 ح 7.

(3) الكافي 4: 323- 1، التهذيب 5: 283- 965، الوسائل 11: 328 أبواب المواقيت ب 14 ح 1، بتفاوت يسير.

(4) الكافي 4: 325- 10، التهذيب 5: 389- 1362، الوسائل 11: 329 أبواب المواقيت ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 197

إلى خارج الحرم بقول مطلق، كصحيحة ابن سنان «1»، و رواية الكناني «2»، أو بالإحرام من

مكانه أو مكّة أو المسجد كذلك، كموثّقة زرارة «3»، و موثّقة سورة بن كليب «4».

فيجب حملها على صورة عدم التمكّن من الخروج إلى الميقات كما هو الغالب، فيحمل الإطلاق عليه حملا للمطلق على المقيّد، و اقتصارا في الإطلاق على المتيقّن.

نعم، في المرويّ عن قرب الإسناد «5» ما لا يمكن الحمل عليه، إلّا أنّه- لشذوذه مع عدم وضوح سنده- لا يكافئ ما مرّ.

المسألة السابعة: لو تعذّر رجوع الناسي أو الجاهل إلى الميقات

فليرجع إلى قرب الميقات بقدر الإمكان، وفاقا للشهيد «6» و بعض آخر «7»، لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة «8»، و اختصاصها بالجاهل غير ضائر، لعدم القول بالفصل.

و ذكر في المدارك- بعد نقل الصحيحة-: أنّه يمكن حملها على الاستحباب، لعدم وجوب ذلك على الناسي و الجاهل مع الاشتراك في

______________________________

(1) الكافي 4: 324- 6، التهذيب 5: 58- 181، الوسائل 11: 328 أبواب المواقيت ب 14 ح 2.

(2) الكافي 4: 325- 7، التهذيب 5: 284- 966، الوسائل 11: 329 أبواب المواقيت ب 14 ح 3.

(3) الكافي 4: 324- 5، الوسائل 11: 330 أبواب المواقيت ب 14 ح 6.

(4) الكافي 4: 326- 12، الوسائل 11: 329 أبواب المواقيت ب 14 ح 5.

(5) قرب الإسناد: 242- 956، الوسائل 11: 331 أبواب المواقيت ب 14 ح 9.

(6) في الدروس: 95.

(7) كالرياض 1: 361.

(8) في ص: 196.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 198

العذر، و لموثّقة زرارة المشار إليها، الواردة في حكم مثل المرأة المذكورة، الحاكمة بأنّها تحرم من مكانها «1».

و فيه أولا: أنّ كلامه يدلّ على إجماعيّة عدم وجوب الرجوع على الجاهل و الناسي، و هي ممنوعة.

و ثانيا: أنّه قياس مستنبط.

و ثالثا: أنّ الموثقة أعمّ مطلقا من الصحيحة، فيجب التخصيص بها.

و إن لم يمكن القرب، فإن كان خارج الحرم فليحرم

من موضعه، بلا خلاف فيه يوجد كما قيل «2»، لصحيحتي الحلبي المتقدّمتين، اللّازم تقييد إطلاقهما- بالنسبة إلى داخل الحرم و غيره- بما يأتي.

و إن كان داخل الحرم، فإن أمكن الخروج إلى أدنى الحلّ خرج وجوبا و أحرم منه، لذيل صحيحتي الحلبي، و صحيحة ابن سنان: عن رجل مرّ على الوقت الذي أحرم منه الناس، فنسي أو جهل فلم يحرم حتى أتى مكّة، فخاف إن يرجع إلى الوقت أن يفوته الحجّ، فقال: «يخرج من الحرم و يحرم و يجزئه ذلك» «3»، و قريبة منها رواية الكناني في الجاهل.

و بتلك الأخبار تقيّد مطلقات الإحرام من مكانه أو من مكّة أو المسجد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 11    199     المسألة الثامنة: ذو المانع من الإحرام في الميقات في الحرم ..... ص : 199

لو تعذّر الخروج من الحرم أحرم في موضعه، لما مرّ من الأخبار، مضافا إلى رواية سورة بن كليب.

______________________________

(1) المدارك 7: 487.

(2) انظر الرياض 1: 361.

(3) الكافي 4: 324- 6، التهذيب 5: 58- 181، الوسائل 11: 328 أبواب المواقيت ب 14 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 199

المسألة الثامنة: ذو المانع من الإحرام في الميقات في الحرم

كالناسي و الجاهل في الأحكام المذكورة، لإطلاق صحيحة الحلبي الأولى «1».

و كذا من لا يريد النسك أولا ممّن لا يريد دخول مكّة، أو جاز له دخول مكّة بغير إحرام، كالمتكرّر مثلا إذا قصد النسك بعد مروره على الميقات، أو تجدّد له قصد دخول مكّة بعد المرور عليه.

بل و كذا تارك الإحرام عمدا عصيانا، فإنّه كمن ذكر في جميع الأحكام، أمّا في الرجوع إلى الميقات و الإحرام منه فبالإجماع، و وجهه ظاهر، و أمّا في باقي الأحكام فوفاقا للمحكيّ عن المبسوط و المصباح و مختصره «2»،

و جماعة من متأخّري المتأخّرين «3»، لإطلاق صحيحة الحلبي الأولى. و دعوى عدم انصرافه إلى العامد ممنوعة.

و خلافا للأكثر، فحكموا بفوات الحجّ عنه، لعدم ثبوت الإذن له من الشارع، و للإطلاقات المتقدّمة النافية للإحرام عمّن أحرم دون الميقات.

و يردّ بثبوت الإذن بما مرّ، و شمول الإطلاقات لما قبل الميقات أيضا، فتكون أعمّ مطلقا، فيجب تخصيصها بما مرّ قطعا.

المسألة التاسعة: حكم من كان منزله دون الميقات

في مجاوزة منزله إلى ما يلي الحرم حكم المجاوز للميقات في الأحوال السابقة، لأنّ منزله ميقاته، فهو في حقّه كأحد المواقيت الخمسة في حق الآفاقي، كذا ذكره في المدارك «4»، و لا بأس به.

______________________________

(1) التهذيب 5: 58- 180، الوسائل 11: 330 أبواب المواقيت ب 14 ح 7.

(2) المبسوط 1: 312، مصباح المتهجد: 8.

(3) كصاحب المدارك 7: 235، و السبزواري في الذخيرة: 575، صاحب الحدائق 14: 471.

(4) المدارك 7: 236.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 200

المسألة العاشرة: لو نسي الإحرام أو جهله حتى قضى المناسك كلّها،

يجزئه و لا قضاء عليه، وفاقا للتهذيبين و النهاية و المبسوط و الجمل و العقود و الإقتصاد و الوسيلة و المهذّب و الجامع و المعتبر و القواعد و التحرير و المنتهى و التنقيح و النكت و المسالك «1» و غيرها «2»، بل الأكثر كما قيل «3»، و عن المسالك: أنّه فتوى المعظم، و عن الدروس: أنّه فتوى الأصحاب عدا الحلّي «4».

لصحيحة علي: عن رجل كان متمتّعا خرج إلى عرفات و جهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتى يرجع إلى بلده، ما حاله؟ قال: «إذا قضى المناسك كلّها فقد تمّ حجّه» «5».

و الأخرى: عن رجل نسي الإحرام بالحجّ فذكره و هو بعرفات، ما حاله؟

قال: «يقول: اللَّهمّ على كتابك و سنّة نبيّك، فقد تمّ إحرامه، فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتى يرجع إلى بلده إن كان قضى مناسكه كلّها فقد تمّ حجّه» «6».

و مرسلة جميل: في رجل نسي أن يحرم أو جهل و قد شهد المناسك كلّها [و طاف و سعى، قال: «تجزئه نيّته ] إذا كان قد نوى ذلك فقد تمّ حجه

______________________________

(1) التهذيب 5: 60، نقله عن الإستبصار في الرياض 1: 362، النهاية: 211، المبسوط 1: 314، الرسائل العشر

(الجمل و العقود): 233، الإقتصاد: 305، الوسيلة: 159، المهذّب 1: 143، الجامع: 180، المعتبر 2: 810، القواعد 1: 79، التحرير 1: 97، المنتهى 2: 715، التنقيح 1: 451.

(2) كالرياض 1: 362.

(3) الرياض 1: 362.

(4) الدروس 1: 350.

(5) التهذيب 5: 476- 1678، الوسائل 11: 338 أبواب المواقيت ب 20 ح 2.

(6) التهذيب 5: 175- 586، الوسائل 11: 330 أبواب المواقيت ب 14 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 201

و إن لم يهلّ» [1].

و المشار إليه في قوله: «ذلك» كلّ المناسك على الظاهر، أو الحجّ بجميع أجزائه جملة كما ذكره في المدارك «1».

أو المراد من النيّة: العزم المتقدّم على الإحرام كما ذكره الشيخ «2»، و ليس المراد منه نيّة الإحرام، لأنّ نيّته من الجاهل به و الناسي له غير متعقّل.

و اختصاص الصحيحين بإحرام الحجّ غير ضائر، لأنّ الظاهر عدم الفاصل، و كذا اختصاصها بالجاهل، لأنّ الظاهر شمول معناه الحقيقي اللغوي للناسي أيضا كما صرّح به بعضهم «3»، و للتصريح بالناسي أيضا في المرسلة، و ضعفها- لو كان- بما ذكر و بصحّتها عن جميل منجبر.

خلافا للمحكيّ عن الحلّي، فأوجب القضاء «4»، لوجوه ضعيفة، أقواها: عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، و هو حسن لو لا الروايتان، و أمّا معهما فلا.

و دعوى الإجمال في قوله: «إذا كان قد نوى ذلك» و به تخرج الروايتان عن الحجّية، لتخصيصها بالمجمل.

ففيها:- مع أنّ الصحيحة تكون مخصّصة بالمنفصل، و هو لا يخرج عن الحجّيّة على التحقيق- أنّه لا إجمال كما عرفت.

______________________________

[1] الكافي 4: 325- 8، التهذيب 5: 61- 192، الوسائل 11: 338 أبواب المواقيت ب 20 ح 1، بدل ما بين المعقوفين في «ح» و «ق»: أو طاف و سعى، قال:

يجزئه عنه، و ما أثبتناه من المصادر.

______________________________

(1) المدارك 7: 237.

(2) في المبسوط 1: 314.

(3) في كشف اللثام 1: 310.

(4) السرائر 1: 529 و 530.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 202

المسألة الحادية عشرة: المكّي إذا بعد عن مكّة

ثم حجّ على ميقات من المواقيت الخمسة الآفاقيّة أحرم منها وجوبا، بغير خلاف يعرف كما صرّح به غير واحد «1»، إذ لا يجوز لقاصد مكّة مجاوزة الميقات بغير إحرام، و قد صار هذا ميقاتا له باعتبار وروده عليه و إن كان ميقاته في الأصل غير ذلك، و تدلّ عليه النصوص الكثيرة «2» أيضا.

______________________________

(1) كصاحب المدارك 7: 205 السبزواري في الذخيرة: 555، صاحب الحدائق 14:

406.

(2) الوسائل 11: 262 أبواب أقسام الحجّ ب 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 203

المقصد الثالث في بيان أقسام الحجّ و العمرة

بحسب الكيفيّة، و كيفيّة كلّ منهما إجمالا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 205

فنقول: أمّا كيفيّة الحجّ فهي:

أن يحرم في موضعه و يتلبّس بما يلزم الإحرام و يتعلّق به، من لبس ثوبيه و التلبية أو ما يقوم مقامها، و الاجتناب عن محرّماته.

ثم يخرج بعده إلى عرفات و يقف بها في وقته.

ثم يفيض منها إلى المشعر و يمكث عنده إلى الوقت المقرّر.

ثم يأتي منى يوم العيد و يرمي الجمرة العقبة بسبع حصيات.

ثم يذبح هديه فيها إن كان معه بالسياق أو كان متمتّعا.

ثم يحلق رأسه أو يقصّر فيها.

ثم يمضي إلى مكّة فيطوف للحجّ، ثم يصلّي ركعتيه في محلّهما.

ثم يسعى بين الصفا و المروة.

ثم يعود إلى البيت فيطوف للنساء و يصلّي ركعتيه.

ثم يرجع إلى منى للمبيت بها ليالي التشريق و رمي الجمرات الثلاث في كلّ يوم منها، و بها تمّ الحجّ.

و أمّا العمرة فهي:

أن يحرم و يتلبّس بما يلزمه و يتعلّق به.

ثم يأتي البيت و يطوف به، ثمّ يصلّي ركعتيه في محلّهما.

ثم يسعى بين الصفا و المروة.

ثم يقصّر أو يحلق في بعض أفراد العمرة.

و كذا يطوف طواف النساء و يصلّي ركعتيه في بعضها كما يأتي،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 11، ص: 206

و بذلك تتمّ العمرة.

كلّ ذلك فيهما بالإجماع، بل الضرورة في أكثرها.

و تدلّ عليه متفرّقات الأخبار الواردة في أبواب الحجّ، و أخبار حجّ الأنبياء و حجّ نبيّنا صلّى اللَّه عليه و آله، كروايتي أبي إبراهيم «1» و عبد الرحمن بن كثير الهاشمي «2» الواردتين في حجّ أبينا آدم عليه السّلام، و صحيحتي ابني عمّار «3» و سنان «4» الواردتين في حجّ نبيّنا صلّى اللَّه عليه و آله و عمرته.

ثم الحجّ على ثلاثة أقسام: تمتّع، و قران، و إفراد، بالإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضا في كلام جماعة «5»، و المستفيضة من النصوص.

منها: صحيحة ابن عمّار على الأصحّ: «الحجّ ثلاثة أصناف: حجّ مفرد، و قران، و تمتع بالعمرة إلى الحجّ، و بها أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، و الفضل فيها، و لا نأمر الناس إلّا بها» «6».

و رواية الصيقل: «الحجّ عندنا على ثلاثة أوجه: حاجّ متمتّع، و حاجّ مقرن سائق الهدي، و حاجّ مفرد للحجّ» «7».

______________________________

(1) الكافي 4: 190- 1، الوسائل 11: 226 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 20.

(2) الكافي 4: 191- 2، الوسائل 11: 227 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 21.

(3) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، مستطرفات السرائر: 23- 4، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 4.

(4) الكافي 4: 249- 7، الوسائل 11: 223 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 15.

(5) منهم العلّامة في التذكرة 1: 317، صاحب المدارك 7: 155، الفيض في المفاتيح 1: 304، صاحب الحدائق 14: 311.

(6) الكافي 4: 291- 1، التهذيب 5: 24- 72، الإستبصار 2: 153- 504، الوسائل 11: 211 أبواب أقسام الحجّ ب 1 ح 1.

(7) الكافي 4:

291- 2، الفقيه 2: 203- 926، التهذيب 5: 24- 73، الإستبصار 2: 153- 505، الوسائل 11: 211 أبواب أقسام الحجّ ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 207

أمّا حجّ التمتّع: فهو ما تقدّمت العمرة عليه و ارتبطت به، فيعتمر أولا ثم يحلّ منها، ثم يحجّ.

فصورته: أن يحرم من الميقات بالعمرة المتمتّع بها.

ثم يمضي إلى مكّة و يطوف سبعا بالبيت، ثم يصلّي ركعتيه.

ثم يسعى بين الصفا و المروة.

ثم يقصّر. و حينئذ قد أحلّ من كلّ شي ء أحرم منه.

ثم ينشئ إحراما آخر للحجّ من مكّة.

ثم يأتي عرفات فيقف بها.

ثم يفيض إلى المشعر و يقف به إلى وقته.

ثم إلى منى فيحلق و يهدي و يرمي العقبة.

ثم يأتي بمكّة فيطوف و يصلّي ركعتيه.

ثم يسعى.

ثم يطوف طواف النساء و يصلّي ركعتيه.

ثم يعود إلى منى فيبيت بها ليالي التشريق و يرمي في أيّامها الجمار الثلاث.

و تسمّى هذه العمرة بالعمرة المتمتّع بها إلى الحجّ، و هذا الحجّ حجّ التمتّع، لأنّ معنى التمتّع: الانتفاع و التلذّذ، و هذا الحاجّ يتحلّل بين عمرته و حجّه، فيجوز له الانتفاع و التلذّذ بما كان قد حرّمه الإحرام مع ارتباط عمرته بحجّه، حتى إنّهما كالشي ء الواحد شرعا، فإذا حصل بينهما ذلك فكأنّه حصل في الحجّ.

و صورة حجّ الإفراد:

أن يحرم بالحجّ من حيث يصحّ له.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 208

ثم يمضي إلى عرفات فيقف بها.

ثم يأتي بمناسك حجّه كما مرّ في التمتّع.

و عليه في بعض أفراده أن يأتي بعمرة مفردة عن الحجّ بعده، و بعد الإحلال منه في أيّ وقت شاء يأتي بها من أدنى الحلّ.

و سمّي إفرادا لانفصاله عن العمرة و عدم ارتباطه بها.

و صورة القران كالإفراد، إلّا أنّه يضيف إلى إحرامه

سياق الهدي، و لذلك سمّي بالقران.

و العمرة على قسمين: المتمتّع بها كما مرّ، و المفردة، و صورتها: أن يحرم من ميقاتها، ثم يطوف، ثم يصلّي، ثم يسعى، ثم يحلق أو يقصّر، ثم يطوف طواف النساء، ثم يصلّي ركعتيه.

و يدلّ على ذلك كلّه الإجماع القطعي، بل الضرورة، و الأخبار الواردة في الموارد المتكثّرة.

فمن الأخبار المبيّنة للتمتّع: صحيحة زرارة، و فيها: قلت: و كيف يتمتّع؟ قال: «يأتي الوقت فيلبّي بالحجّ، و إذا أتى مكّة طاف و سعى و أحلّ من كلّ شي ء و هو محتبس، و ليس له أن يخرج من مكّة حتى يحجّ» «1».

و منها: الأخبار «2» الواردة في إحرام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم مع الناس بالحجّ، ثم أمرهم بعد الفراغ عن السعي بجعله عمرة و الإحلال، ثم الإحرام بالحجّ و الإتيان بمناسكه، و قوله لهم: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت ما فعل الناس».

______________________________

(1) التهذيب 5: 31- 93، الوسائل 11: 254 أبواب أقسام الحجّ ب 5 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحجّ ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 209

و التصريح بأنّ ذلك حجّ التمتّع، كما في صحيحة الخزّاز: أيّ أنواع الحجّ أفضل؟ فقال: «التمتّع، و كيف يكون شي ء أفضل منه و رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت ما فعل الناس؟!» «1».

و منها صحيحة ابن عمّار: «على المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ثلاثة أطواف بالبيت و سعيان بين الصفا و المروة، فعليه إذا قدم مكّة طواف بالبيت و ركعتان عند مقام إبراهيم و سعي بين الصفا و المروة، ثم يقصّر و قد أحلّ، هذا

للعمرة، و عليه للحجّ طوافان و سعي بين الصفا و المروة، و يصلّي عند كلّ طواف بالبيت ركعتين عند مقام إبراهيم» «2».

و رواية أبي بصير: «المتمتّع عليه ثلاثة أطواف بالبيت، و طوافان بين الصفا و المروة، و قطع التلبية من متعته إذا نظر إلى بيوت مكّة، و يحرم بالحجّ يوم التروية، و يقطع التلبية يوم عرفة حين تزول الشمس» «3».

و صحيحة ابن حازم: «على المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ثلاثة أطواف بالبيت، و يصلّي لكلّ طواف ركعتين، و سعيان بين الصفا و المروة» «4».

و صحيحة زرارة: قلت: و ما المتعة؟ فقال: «يهلّ بالحجّ في أشهر

______________________________

(1) الكافي 4: 291- 3، الفقيه 2: 204- 935، التهذيب 5: 29- 89، الإستبصار 2: 154- 507، الوسائل 11: 250 أبواب أقسام الحجّ ب 4 ح 16، بتفاوت.

(2) الكافي 4: 295- 1، التهذيب 5: 35- 104، الوسائل 11: 220 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 8.

(3) الكافي 4: 295- 2، التهذيب 5: 35- 105، الوسائل 11: 221 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 11.

(4) الكافي 4: 295- 3، التهذيب 5: 36- 106، الوسائل 11: 220 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 210

الحجّ، فإذا طاف بالبيت و صلّى الركعتين و سعى بين الصفا و المروة قصّر و أحلّ، فإذا كان يوم التروية أهلّ بالحجّ و نسك المناسك و عليه الهدي» الحديث «1».

و صحيحة أخرى لابن عمّار في القارن: «لا يكون قران إلّا بسياق الهدي، و عليه طواف بالبيت، و ركعتان عند مقام إبراهيم، و سعي بين الصفا و المروة، و طواف بعد الحجّ، و هو طواف النساء، و أمّا المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ فعليه ثلاثة أطواف

بالبيت، و سعيان بين الصفا و المروة» إلى أن قال:

«فعلى المتمتّع إذا قدم مكّة طواف بالبيت، و ركعتان عند مقام إبراهيم، و سعي بين الصفا و المروة، ثم يقصّر و قد أحلّ، هذا للعمرة، و عليه للحج طوافان، و سعي بين الصفا و المروة، و يصلّي عند كلّ طواف بالبيت ركعتين عند مقام إبراهيم، و أمّا المفرد للحجّ فعليه طواف بالبيت و ركعتان عند مقام إبراهيم، و سعي بين الصفا و المروة، و طواف الزيارة، و هو طواف النساء» «2».

و صحيحة الحلبي: «إنّما نسك الذي يقرن بين الصفا و المروة مثل نسك المفرد ليس بأفضل منه إلّا بسياق الهدي، و عليه طواف بالبيت، و صلاة ركعتين خلف المقام، و سعي واحد بين الصفا و المروة، و طواف بالبيت بعد الحجّ» الحديث «3».

و أخرى لابن حازم: «لا يكون القارن قارنا إلّا بسياق الهدي، و عليه طوافان بالبيت، و سعي بين الصفا و المروة» «4».

______________________________

(1) التهذيب 5: 36- 107، الوسائل 11: 255 أبواب أقسام الحجّ ب 5 ح 3.

(2) التهذيب 5: 41- 122، الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 1 و 2.

(3) التهذيب 5: 42- 124، الوسائل 11: 218 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 6.

(4) الكافي 4: 295- 1، التهذيب 5: 42- 123، الوسائل 11: 220 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 10، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 211

و صحيحة الفضيل: «القارن الذي يسوق الهدي عليه طوافان بالبيت، و سعي واحد بين الصفا و المروة» «1».

و أخرى لابن عمّار: «المفرد للحجّ عليه طواف بالبيت و ركعتان عند مقام إبراهيم، و سعي بين الصفا و المروة، و طواف الزيارة و هو

طواف النساء، و ليس عليه هدي و لا أضحية» «2».

و رواية أبي بصير: «العمرة المبتولة: يطوف بالبيت و بالصفا و المروة ثم يحلّ، فإن شاء أن يرتحل من ساعته ارتحل» «3». و المراد بالعمرة المبتولة: المفردة.

إلى غير ذلك من الأخبار المتكثّرة الواردة في الموارد المختلفة.

و قد اختلف بعض روايات الباب في بعض أحكام القارن و المفرد، و كذا وقع الخلاف في بعض مواردهما كما يأتي بيانه، و تحقيق الحال فيه في بيان أحكام هذه الأقسام و عند ذكر الأفعال، و اللَّه هو الموفّق للصواب في جميع الأحوال.

______________________________

(1) التهذيب 5: 43- 125، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 3.

(2) الكافي 4: 298- 1، التهذيب 5: 44- 131، الوسائل 11: 221 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 13.

(3) الكافي 4: 537- 5، الوسائل 13: 443 أبواب الطواف ب 82 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 213

المقصد الرابع

اشاره

في تفصيل أحكام كلّ من هذه الأقسام و شرائطه و أفعاله و فيه بابان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 215

الباب الأول في شرائط حجّ التمتّع و أحكامه و تفصيل أفعاله
اشاره

و فيه مبحثان:

المبحث الأول في شرائط حجّ التمتّع- من حيث هو تمتّع- و أحكامه
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: يشترط في وجوب حجّ التمتّع البعد عن مكّة،
اشاره

فإنّ حجّ التمتّع فرض من لم يكن من حاضري مكّة و كان نائيا عنها، بإجماعنا المحقّق، و المحكيّ في الإنتصار و الخلاف و الغنية و المنتهى و التذكرة و المعتبر «1»، و غيرها «2»، و هو الحجّة فيه.

مضافا إلى قوله سبحانه فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ إلى قوله ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ «3».

و الظاهر عود الإشارة إلى جميع ما تقدّم، و عن بعض فضلاء العربية أنّ معناه: ذلك التمتّع «4»، و استجوده، بعضهم لما نصّ عليه أهل العربية من

______________________________

(1) الإنتصار: 93، الخلاف 2: 272، الغنية (الجوامع الفقهية): 573، المنتهى 2:

659، التذكرة 1: 314، المعتبر 2: 783.

(2) كالمدارك 7: 158، و مفاتيح الشرائع 1: 305.

(3) البقرة: 196.

(4) حكاه في المعتبر 2: 785.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 216

أنّ «ذلك» للبعيد «1»، مع أنّه قد صرّح بذلك المعنى في المستفيضة من الأخبار:

كرواية الأعرج: «ليس لأهل سرف و لا لأهل مرّ و لا لأهل مكّة متعة، يقول اللَّه عزّ و جلّ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ » [1].

و صحيحة عليّ: لأهل مكّة أن يتمتّعوا بالعمرة إلى الحجّ؟ فقال: «لا يصلح أن يتمتّعوا، لقول اللَّه عزّ و جل ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ » «2».

و صحيحة زرارة: قول اللَّه عزّ و جلّ في كتابه ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ قال: «يعني أهل مكّة ليس لهم متعة، كلّ من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلا ذات عرق و عسفان كما يدور حول مكّة فهو ممّن يدخل في هذه الآية، و كلّ من كان وراء ذلك فعليه المتعة» «3».

و إلى الأخبار

المستفيضة الآمرة بالتمتّع مطلقا:

فمنها: صحيحة صفوان الواردة في حجّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، و فيها: «إنّ هذا جبرئيل يأمرني أن آمر من لم يسق منكم هديا أن يحلّ، و لو استقبلت

______________________________

[1] الكافي 4: 299- 1، التهذيب 5: 492- 1765، الوسائل 11: 260 أبواب أقسام الحجّ ب 6 ح 6. و سرف: و هو موضع على ستّة أميال من مكة، و قيل: سبعة و تسعة و اثني عشر- معجم البلدان 3: 212. و مرّ:- و يقال مرّ ظهران- موضع على مرحلة من مكة- معجم البلدان 5: 104.

______________________________

(1) المدارك 7: 159.

(2) التهذيب 5: 32- 97، الإستبصار 2: 157- 515، قرب الإسناد: 244- 967، الوسائل 11: 259 أبواب أقسام الحجّ ب 6 ح 2.

(3) التهذيب 5: 33- 98، الإستبصار 2: 157- 516، الوسائل 11: 259 أبواب أقسام الحجّ ب 6 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 217

من أمري ما استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم، و لكنّي سقت الهدي و لا ينبغي لسائق الهدي أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه» إلى أن قيل له: «فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أو لما يستقبل؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: بل هو للأبد إلى يوم القيامة، ثم شبك أصابعه و قال: دخلت العمرة في الحجّ هكذا إلى يوم القيامة» الحديث «1».

و بمضمونها صحيحة الحلبي، و فيها: «و أحرم الناس كلّهم بالحجّ لا ينوون عمرة و لا يدرون ما المتعة حتى إذا قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله مكّة طاف بالبيت و طاف الناس» إلى أن قال: «فلمّا قضى طوافه عند المروة قام خطيبا فأمرهم أن يحلّوا و يجعلوها عمرة، و هو

شي ء أمر اللَّه عزّ و جلّ به، فأحلّ الناس» إلى أن قيل له: «أ رأيت هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم لكلّ عام؟

فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: لا، بل للأبد» «2».

و منها: صحيحة الحلبي: «دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة، لأنّ اللَّه تعالى يقول فَمَنْ تَمَتَّعَ » الآية «فليس لأحد إلّا أن يتمتّع، لأنّ اللَّه أنزل ذلك في كتابه و جرت به السنّة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله» «3».

و أخرى: عن الحجّ، فقال: «تمتّع» الحديث «4».

______________________________

(1) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 4، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 248- 6، العلل: 412- 1، الوسائل 11: 222 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 14.

(3) التهذيب 5: 25- 75، الإستبصار 2: 150- 493، الوسائل 11: 240 أبواب أقسام الحجّ ب 3 ح 2.

(4) التهذيب 5: 26- 76، الإستبصار 2: 150- 494، الوسائل 11: 240 أبواب أقسام الحجّ ب 3 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 218

و منها: صحيحة ابن عمّار: «من حجّ فليتمتّع، إنّا لا نعدل بكتاب اللَّه و سنّة نبيّه صلّى اللَّه عليه و آله» «1».

و أخرى: «لا نعلم للّه حجّا غير المتعة، إنّا إذا لقينا ربّنا قلنا: ربّنا عملنا بكتابك و سنّة نبيّك» «2».

و منها: رواية محمّد بن الفضل الهاشمي: إنّا نريد الحجّ و بعضنا صرورة، فقال: «عليكم بالتمتّع، فإنّا لا نتّقي في التمتّع بالعمرة إلى الحجّ سلطانا، و اجتناب المسكر، و المسح على الخفّين» «3»، إلى غير ذلك من الأخبار المتجاوزة حدّ الإحصاء.

وجه الدلالة: أنّها دلّت على وجوب التمتّع مطلقا، خرج منه غير النائي بالإجماع

و ما مرّ من الأخبار و ما يأتي، فبقي النائي، مع أنّ مورد أكثر تلك الأخبار و المخاطب بها الناءون عن مكّة.

فرع:

حدّ البعد الموجب للتمتّع ثمانية و أربعون ميلا من كلّ جانب، وفاقا للمحكيّ عن عليّ بن إبراهيم في تفسيره و الصدوقين و الشيخ في التهذيب و النهاية و النافع و المعتبر و المختلف و التذكرة و المنتهى و التحرير و المسالك و الدروس و اللمعة و الروضة و المدارك و الذخيرة «4»، و غيرهم من

______________________________

(1) الكافي 4: 291- 6، التهذيب 5: 27- 82، الإستبصار 2: 152- 500، الوسائل 11: 243 أبواب أقسام الحجّ ب 3 ح 14.

(2) الكافي 4: 291- 4، التهذيب 5: 27- 81، الإستبصار 2: 152- 499، الوسائل 11: 243 أبواب أقسام الحجّ ب 3 ح 13.

(3) الكافي 4: 293- 14، الفقيه 2: 205- 936، التهذيب 5: 26- 77، الإستبصار 2: 151- 495، الوسائل 11: 241 أبواب أقسام الحجّ ب 3 ح 5، بتفاوت.

(4) تفسير القمي 1: 69، الصدوق في الفقيه 2: 203، و حكاه عن والده في المختلف: 260، التهذيب 5: 32، النهاية: 206، النافع: 78، المعتبر 2:

784، المختلف: 260، التذكرة 1: 318، المنتهى 2: 661، التحرير 1: 93، المسالك 1: 101، الدروس 1: 330، اللمعة و الروضة 2: 204، المدارك 7:

160، الذخيرة: 550.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 219

المتأخّرين «1»، بل عند أكثر الأصحاب كما في الأخيرين، و في شرح المفاتيح: أنّه المشهور، و في المعتبر: أنّ القول الآخر شاذّ نادر «2».

للمعتبرة من الأخبار، كصحيحة زرارة المتقدّمة «3»، و روايته، و فيها:

«ذلك أهل مكّة ليس لهم متعة و لا عمرة» قال: قلت: فما حدّ ذلك؟ قال:

«ثمانية و أربعون

ميلا من جميع نواحي مكّة دون عسفان و ذات عرق» «4».

و تدلّ عليه أيضا رواية الأعرج السابقة «5»، و مثلها صحيحة الحلبي و سليمان بن خالد و أبي بصير «6»، و رواية أبي بصير: قلت: لأهل مكّة متعة؟ قال: «لا، و لا لأهل البستان، و لا لأهل ذات عرق، و لا لأهل عسفان» «7».

وجه الدلالة: أنّها تدلّ على انتفاء المتعة عن أهالي تلك المنازل التي بينها و بين مكّة أزيد من اثني عشر ميلا، فيبطل بها ذلك القول، فيتعيّن به

______________________________

(1) كابن فهد في المهذب 2: 145.

(2) المعتبر 2: 785.

(3) التهذيب 5: 33- 98، الإستبصار 2: 157- 516، الوسائل 11: 259 أبواب أقسام الحجّ ب 6 ح 3.

(4) التهذيب 5: 492- 1766، الوسائل 11: 260 أبواب أقسام الحجّ ب 6 ح 7.

(5) الكافي 4: 299- 1، التهذيب 5: 492- 1765، الوسائل 11: 260 أبواب أقسام الحجّ ب 6 ح 6.

(6) التهذيب 5: 32- 96، الإستبصار 2: 157- 514، الوسائل 11: 258 أبواب أقسام الحجّ ب 6 ح 1.

(7) الكافي 4: 299- 2، الوسائل 11: 262 أبواب أقسام الحجّ ب 6 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 220

القول المختار، للإجماع المركّب.

بل تدلّ عليه أيضا صحيحة الحلبي: في حاضري المسجد الحرام، قال: «ما دون المواقيت إلى مكّة فهو حاضري المسجد الحرام، و ليس لهم متعة» «1».

و كذا صحيحة حمّاد بن عثمان: في حاضري المسجد الحرام، قال:

«ما دون الأوقات إلى مكّة» «2» بالتقريب المذكور.

و لا يضرّ كون بعض المواقيت على مسافة أكثر من ثمانية و أربعين، لأنّ التعارض يكون حينئذ مع أخبار ثمانية و أربعين بالعموم و الخصوص المطلقين، اللّازم تقديم الدالّ على الخاص، كما هو القاعدة

المجمع عليها.

خلافا للسرائر و الشرائع و الإرشاد و المحكيّ عن الإقتصاد و المبسوط و التبيان و مجمع البيان و فقه القرآن و روض الجنان و الجمل و العقود و الغنية و الكافي و الوسيلة و الجامع و الإصباح و الإشارة و القواعد «3»، فاثني عشر ميلا.

و لعلّه لظهور الآية في أنّ غير حاضري المسجد فرضه التمتّع، بل قد أشرنا إلى تواتر الأخبار بفرضيّة التمتّع مطلقا، خرج ما دون اثني عشر ميلا

______________________________

(1) التهذيب 5: 33- 99، الإستبصار 2: 158- 517، الوسائل 11: 260 أبواب أقسام الحجّ ب 6 ح 4.

(2) التهذيب 5: 476- 1683، الوسائل 11: 260 أبواب أقسام الحجّ ب 6 ح 5.

(3) السرائر 1: 519، الشرائع 1: 237، الإرشاد 1: 309، الإقتصاد: 298، المبسوط 1: 306، التبيان 2: 161، مجمع البيان 1: 291. فقه القرآن 1:

266، و نسبه إلى روض الجنان في كشف اللثام 1: 277، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 224، الغنية (الجوامع الفقهية): 573، الكافي في الفقه:

191، الوسيلة: 157، الجامع: 177، إصباح الشيعة للكيدري البيهقي: 149، الإشارة: 124، القواعد 1: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 221

بالإجماع، فيبقى الباقي، و هذا حسن على طريقة الحلّي و من يحذو حذوه في عدم العمل بأخبار الآحاد، حيث إنّ الدالّ على الزائد على اثني عشر ليس غير الآحاد، سيّما مع زعم احتمال إرادة توزيع الثمانية و الأربعين ميلا الواردة في رواياتها على أربع جوانب.

و أمّا من يقول بحجّية تلك الأخبار- كما هو الثابت من الأئمّة الأطهار- فلا وجه لذلك أصلا، و احتمال إرادة التوزيع فاسد جدّا، سيّما مع التنصيص بما دون عسفان و ذات عرق.

و قد يستدلّ لهم أيضا بنصّ الآية على أنّ التمتّع

فرض من لم يكن حاضري المسجد الحرام، و مقابل الحاضر المسافر، و حدّه أربعة فراسخ.

و ضعفه ظاهر، لمنع كون ذلك حدّ المسافر، و منع كون المسافر مقابل الحاضر، و إنّما هو اصطلاح طارئ بعد نزول الآية، هذا، مع وجود النصوص الكثيرة الصريحة في خلاف ذلك.

و أمّا صحيحة حريز «1»- المصرّحة بأنّ من كان منزله من كلّ من الأربع جوانب ثمانية عشر ميلا فلا متعة له- فلا تنافي ما ذكرنا بمنطوقها أصلا، إذ منطوقها عدم المتعة على من كان منزله ثمانية عشر.

نعم، ينافيه عموم مفهومها اللّازم تخصيصه بما مرّ، لكونه أخصّ مطلقا من المفهوم.

المسألة الثانية:
اشاره

و إذا عرفت أنّ فرض من كان على الحدّ المذكور حجّ التمتّع تعلم أنّه ليس له العدول إلى غيره اختيارا، بلا خلاف فيه بين الأصحاب كما في الذخيرة «2»، و عن المعتبر و جملة من كتب الفاضل

______________________________

(1) الكافي 4: 300- 3، الوسائل 11: 261 أبواب أقسام الحجّ ب 6 ح 10.

(2) الذخيرة: 550

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 222

إجماعنا «1».

و يدلّ عليه أنّ فرضه التمتّع- فلو عدل إلى غيره لم يكن آتيا بالمأمور به، فلا يجزئه- و تصريح بعض الأخبار المتقدّمة بأنّه ليس لأحد إلّا أن يتمتّع.

و أمّا في حال الضرورة، فيجوز له العدول بلا خلاف، و من الضرورة:

ضيق الوقت عن إدراك أفعال الحجّ لو أتمّ العمرة، فمن أحرم للعمرة المتمتّعة و ضاق وقته عن الإتيان بمناسكها و الإحرام بالحجّ و الإتيان بمناسكه عدل عن نيّة التمتّع إلى الإفراد و إن كان ممّن وجب عليه التمتّع، ثم مضى كما هو إلى الموقف و أتمّ الحجّ بأفعاله، و عليه عمرة مفردة بعد الحجّ، بلا خلاف يعرف فيه كما صرّح به جماعة «2»،

بل صرّح بالاتّفاق عليه أيضا «3».

و يدلّ عليه القدر المشترك من الأخبار الآتية، إلّا أنّه قد اختلفوا في حدّ ذلك الضيق إلى أقوال:

الأول:

أنّه إذا زالت الشمس من يوم التروية و لم يكن أحلّ من عمرته فقد فاتته المتعة و تكون حجّته مفردة، حكي عن والد الصدوق و نقله في السرائر عن المفيد أيضا «4».

و تدلّ عليه صحيحة ابن بزيع: عن المرأة تدخل مكّة متمتّعة فتحيض قبل أن تحلّ، متى تذهب متعتها؟ قال: «كان جعفر عليه السّلام يقول: زوال الشمس من يوم التروية، و كان موسى عليه السّلام يقول: صلاة الصبح من يوم

______________________________

(1) المعتبر 2: 783، الفاضل في القواعد 1: 73، المنتهى 2: 659.

(2) السبزواري في الذخيرة: 551، الفيض في المفاتيح 1: 308، صاحب الحدائق 14: 327.

(3) كما في المعتبر 2: 789.

(4) حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 294، السرائر 1: 582.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 223

التروية» فقلت: جعلت فداك، عامّة مواليك يدخلون يوم التروية و يطوفون و يسعون ثم يحرمون بالحجّ، فقال: «زوال الشمس» فذكرت له رواية عجلان أبي صالح، فقال: «لا، إذا زالت الشمس ذهبت المتعة»، فقلت:

فهي على إحرامها أو تجدّد إحرامها للحجّ؟ فقال: «لا، هي على إحرامها»، فقلت: فعليها هدي؟ فقال: «لا، إلّا أن تحبّ أن تتطوّع»، ثم قال: «أمّا نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجّة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة» «1».

أقول: رواية عجلان هذه: متمتّعة قدمت مكّة فرأت الدم كيف تصنع؟ قال: «تسعى بين الصفا و المروة و تجلس في بيتها، فإن طهرت طافت بالبيت، و إن لم تطهر فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء و أهلّت بالحجّ و خرجت إلى منى فقضت المناسك كلّها، فإذا فعلت ذلك

فقد حلّ لها كلّ شي ء ما عدا فراش زوجها» الحديث «2».

و المراد من قوله في الصحيحة: فقال: «لا»- بعد ذكر الراوي رواية عجلان- يعني: ليس مطلق يوم التروية و إنّما هو زوال شمسه.

و رواية عجلان المذكورة، و صحيحة البجلي و العلاء و ابن رئاب و ابن صالح: «المرأة المتمتّعة إذا قدمت مكّة ثم حاضت تقيم ما بينها و بين التروية، فإن طهرت طافت بالبيت و سعت بين الصفا و المروة، و إن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت و احتشت و سعت بين الصفا و المروة ثم خرجت إلى منى، فإذا قضت المناسك و زارت البيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها، ثم طافت طوافا

______________________________

(1) التهذيب 5: 391- 1366، الإستبصار 2: 311- 1107، الوسائل 11: 299 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 14.

(2) الكافي 4: 445- 3، التهذيب 5: 392- 1369، الإستبصار 2: 312- 1110، الوسائل 13: 450 أبواب الطواف ب 84 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 224

للحجّ، ثم خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلّت من كلّ شي ء يحلّ منه المحرم إلّا فراش زوجها، فإذا طافت أسبوعا آخر حلّ لها فراش زوجها» «1».

و لا يضرّ عدم توثيق العلاء و ابن صالح مع وثاقة البجلي و ابن رئاب، فعدّ الخبر غير صحيح- كما في الذخيرة «2»- غير صحيح.

و صحيحة جميل: عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية، قال: تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجّة، ثم تقيم حتى تطهر و تخرج إلى التنعيم، فتحرم فتجعلها عمرة» «3».

الثاني:

أنّه إذا غابت الشمس من يوم التروية و لم يحلّ من عمرته فاتته المتعة، نقل عن الصدوق في المقنع و المفيد في المقنعة «4».

و تشهد له

صحيحة العيص: عن المتمتّع يقدم مكّة يوم التروية صلاة العصر، تفوته المتعة؟ قال: «لا، له ما بينه و بين غروب الشمس» قال:

«و قد صنع ذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله» «5».

و صحيحة عليّ بن يقطين: عن الرجل و المرأة يتمتّعان بالعمرة إلى الحجّ ثم يدخلان مكّة يوم عرفة كيف يصنعان؟ قال: «يجعلانها حجّة مفردة، و حدّ المتعة إلى يوم التروية» «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 445- 1، الوسائل 13: 448 أبواب الطواف ب 84 ح 1 و فيه:

طوافا، بدل: أسبوعا.

(2) الذخيرة: 553.

(3) الفقيه 2: 240- 1146، التهذيب 5: 390- 1363، الوسائل 11: 296 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 2.

(4) المقنع: 85، المقنعة: 431.

(5) التهذيب 5: 172- 574، الإستبصار 2: 248- 869، الوسائل 11: 294 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 10.

(6) التهذيب 5: 173- 582، الإستبصار 2: 249- 877، الوسائل 11: 299 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 225

و رواية إسحاق بن عبد اللَّه: عن المتمتّع يدخل مكّة يوم التروية، فقال: «للمتمتّع ما بينه و بين الليل» «1».

و قريبة منها رواية عمر بن يزيد «2»، و رواية أخرى منه: «إذا قدمت مكّة يوم التروية و قد غربت الشمس فليس لك متعة، امض كما أنت بحجّك» «3».

و أخرى من إسحاق: «المتمتّع إذا قدم ليلة عرفة فليست له متعة، يجعلها حجّة مفردة، إنّما المتعة إلى يوم التروية» «4»، و قريبة منها رواية موسى بن عبد اللَّه «5».

و تدلّ عليه أيضا رواية زكريّا بن عمران: عن المتمتّع إذا دخل يوم عرفة، قال: «لا متعة له، يجعلها حجّة مفردة» «6»، حيث إنّه لا قائل بما بين غروب التروية و زوال عرفة.

______________________________

(1)

التهذيب 5: 172- 575، الإستبصار 2: 248- 870، الوسائل 11: 294 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 11.

(2) التهذيب 5: 172- 576، الإستبصار 2: 248- 871، الوسائل 11: 294 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 12.

(3) التهذيب 5: 173- 583، الإستبصار 2: 249- 878، الوسائل 11: 299 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 12.

(4) التهذيب 5: 173- 580، الإستبصار 2: 249- 875، الوسائل 11: 298 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 9.

(5) التهذيب 5: 173- 581، الإستبصار 2: 249- 876، الوسائل 11: 298 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 10.

(6) التهذيب 5: 173- 579، الإستبصار 2: 249- 874، الوسائل 11: 298 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 8، و فيها: عمرة مفردة، بدل: حجّة مفردة، و في التهذيب و الوسائل: عن زكريا بن آدم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 226

الثالث:

أنّه إذا زالت الشمس من يوم عرفة و لم يتحلّل من المتعة فقد فاتت العمرة، اختاره الشيخ في المبسوط و النهاية و حكي عن الإسكافي و القاضي في المهذّب و ابن حمزة في الوسيلة و اختاره في المدارك و الذخيرة و الكفاية «1».

و تدلّ عليه صحيحة جميل: «المتمتّع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة، و له الحجّ إلى زوال الشمس من يوم النحر» «2».

و مرفوعة سهل: في متمتّع دخل يوم عرفة، قال: «متعته تامّة إلى أن تقطع التلبية» «3» يعني: يقطع الناس تلبيتهم، و هو زوال الشمس من يوم عرفة.

الرابع:

أنّه إذا خاف فوت اختياريّ عرفة من غير تحديد له بزمان حتى لو لم يخف منه لم يجز العدول و لو كان بعد زوال الشمس من يوم عرفة، حكي عن الغنية و المختلف و الدروس «4»، و اختاره أيضا بعض شيوخنا المعاصرين «5».

بل هو ظاهر التهذيب و الإستبصار «6»، حيث علّل التحديد بزوال

______________________________

(1) المبسوط 1: 364، النهاية: 247، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 294، المهذّب 1: 243، الوسيلة: 176، المدارك 7: 176، الذخيرة: 553، الكفاية:

55.

(2) التهذيب 5: 171- 569، الإستبصار 2: 247- 864، الوسائل 11: 295 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 15.

(3) الكافي 4: 444- 5، الوسائل 11: 293 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 7.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 577، المختلف: 394، انظر الدروس 1: 335 و 336.

(5) كما في الرياض 1: 351.

(6) التهذيب 5: 170، الإستبصار 2: 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 227

شمس يوم عرفة بأنّه لو لم يتحلّل قبله لم يغلب على ظنّه أنّه يدرك الناس في عرفات، حيث ظهر منه أنّ الأصل فيه إدراك الناس بعرفات، و

أنّ التحديد بالزوال أيضا لأجله.

و احتجّ «1» له بالأصل، و صدق الامتثال، لرواية الميثمي: «لا بأس للمتمتّع إن لم يحرم من ليلة التروية [1] ما لم يخف فوات الموقفين» «2».

و صحيحة الحلبي: عن رجل أهلّ بالحجّ و العمرة جميعا ثم قدم مكّة و الناس بعرفات فخشي هو إن طاف و سعى بين الصفا و المروة أن يفوته الموقف، فقال: «يدع العمرة، فإذا تمّ حجّه صنع كما صنعت عائشة و لا هدي عليه» «3».

و صحيحة زرارة: عن الرجل يكون في يوم عرفة بينه و بين مكّة ثلاثة أميال و هو متمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فقال: «يقطع التلبية تلبية المتعة، و يهلّ بالحجّ بالتلبية إذا صلّى الفجر، و يمضي إلى عرفات فيقف مع الناس و يقضي جميع المناسك، و يقيم بمكّة حتى يعتمر عمرة الحجّ و لا شي ء عليه» «4».

و رواية محمد بن سرو [2]، و فيها- بعد السؤال عمّن لم يواف ليلة

______________________________

[1] في المصادر زيادة: متى ما تيسّر له.

[1] قال في المنتقى 3: 340: الذي تحققته من عدّة قرائن أنّ راوي هذا الحديث محمّد بن جزك.

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 351.

(2) الكافي 4: 444- 4، التهذيب- 5: 171- 568، الإستبصار 2: 247- 863، الوسائل 11: 293 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 5.

(3) التهذيب 5: 174- 584، الإستبصار 2: 250- 879، الوسائل 11: 297 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 6.

(4) التهذيب 5: 174- 585، الإستبصار 2: 250- 880، الوسائل 11: 298 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 7، و فيها: عمرة المحرم، بدل: عمرة الحجّ.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 228

التروية-: «ساعة يدخل مكّة إن شاء اللَّه، يطوف و يصلّي ركعتين، و يسعى و

يقصّر، و يخرج بحجّته و يمضي إلى الموقف، و يفيض مع الإمام» «1».

و الأخبار المعتبرة المتضمّنة لإدراك المتعة ما أدرك الناس بمنى، كمرسلة ابن بكير «2»، و صحيحتي الحلبي «3» و مرازم «4»، و غيرها «5»، بناء على أنّ ظاهرها إدراكهم بمنى قبل مضي عرفات.

و ما دل على إدراكها بإدراك الناس مطلقا، كرواية أبي بصير: المرأة تجي ء متمتّعة فطمثت قبل أن تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة، فقال: «إن كانت تعلم أنّها تطهر و تطوف بالبيت و تحلّ من إحرامها و تلحق بالناس فلتفعل» «6».

و الخامس:

أنّه إذا خاف فوت اضطراري عرفة، و هو مذهب الحلّي في السرائر «7»، و حكي عن محتمل الحلبي «8».

و لعلّه لصدق إدراك الموقفين معه، و للأخبار المستفيضة من الصحاح

______________________________

(1) التهذيب 5: 171- 570، و في الإستبصار 2: 247- 865، و الوسائل 11: 295 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 16: و يحرم بحجّته .. و في الوسائل: محمد بن مسرور، بدل: محمد بن سرو.

(2) الكافي 4: 443- 3، التهذيب 5: 170- 566، الإستبصار 2: 246- 861، الوسائل 11: 293 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 6.

(3) التهذيب 5: 170- 565، الإستبصار 2: 246- 860، الوسائل 11: 293 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 8.

(4) التهذيب 5: 171- 567، الإستبصار 2: 246- 862، الوسائل 11: 294 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 14.

(5) الوسائل 11: 291 أبواب أقسام الحج ب 20.

(6) الكافي 4: 447- 8، الفقيه 2: 242- 1158، التهذيب 5: 475- 1675، الإستبصار 2: 311- 1108، الوسائل 11: 292 أبواب أقسام الحج ب 20 ح 3.

(7) السرائر 1: 582.

(8) الكافي في الفقه: 194.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 229

و

غيرها المتضمّنة ل: أنّ من يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات و يدركها ليلة النحر فقد تمّ حجّه.

كصحيحة ابن عمّار: رجل أدرك الإمام و هو بجمع، فقال: «إن ظنّ أنّه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و إن ظنّ أنّه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها، و ليقم بجمع فقد تمّ حجّه» «1»، و غيرها من الصحاح المتكثّرة «2».

أقول: لا شكّ في أنّ الأصل بقاء الاشتغال بالتمتّع إلى أن يعلم عدمه المتحقّق هنا بعدم إمكان دركه الحاصل بالإتيان بجميع واجبات عمرته و حجّه، و لازمه أصالة وجوبه ما لم يعلم عدم إمكان درك الوقوف الواجب بعرفات، إذ مع دركه يدرك جميع أفعال العمرة و الحجّ الواجبة.

و لا شكّ أيضا أنّ- بعد درك جميع أفعالهما الواجبة- الأصل: براءة الذمّة، لصدق الامتثال، و للإتيان بالمأمور به المستلزم للإجزاء.

و لا شكّ أيضا أنّ الأصل: بقاء الاشتغال و عدم البراءة لو لم يؤت بجميع أفعالهما الواجبة، ركنا كان ما لم يؤت به أو غير ركن، لأنّ عدم الركنية لا يخرجه عن الوجوب و إن لم يكن تركه مبطلا في بعض الصور أو مطلقا بعوض أو بدونه بدليل.

ثم لازم ذلك وجوب الإتيان بالتمتّع بعد ذلك في عام آخر، إلّا أن يدلّ دليل على قيام غيره من إفراد أو غيره مقامه.

و المتحصّل من جميع ذلك أصلان:

______________________________

(1) الكافي 4: 476- 2، و في الفقيه 2: 284- 1394، و الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 1 بتفاوت يسير.

(2) كما في الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 230

أحدهما: براءة الذمّة مع الإتيان بجميع أفعالهما الواجبة، إلّا

بدليل يعارضه في مورد «1».

و ثانيهما: عدم البراءة مع عدم درك بعض واجباته، إلّا بالإتيان بفعل آخر يقوم مقامه بدليل شرعي.

و لازم الأول: صحّة التمتّع ما دام يدرك الوقوف الواجب بعرفات، كما هو القول الرابع.

و لازم الثاني: عدم إدراك التمتّع بعدم إدراكه كذلك، إلّا أن يخرج عن أحد الأصلين بدليل.

و القولان الأولان مخالفان للأصل الأول، و الخامس للثاني، و الثالث كالأولين إن لم نقل بوجوب الوقوف من أول الزوال، و كالرابع إن قلنا به، فاللازم حينئذ هو ملاحظة تمامية أدلّة تلك الأقوال و عدمها، فنقول:

أمّا دليل القول الأول فكان حسنا لو لا معارضته مع الأكثر منه عددا، و أوضح دلالة، و الأشهر فتوى، و لكنّه معارض مع جميع أدلّة الأقوال المتأخّرة عنه المتقدّمة ذكرها، مضافا إلى غيرها من المستفيضة:

كرواية محمّد بن ميمون: قدم أبو الحسن عليه السّلام متمتّعا ليلة عرفة، فطاف، و أحلّ، و أتى بعض جواريه، ثم أهلّ بالحجّ و خرج «2».

و صحيحة محمّد: إلى متى يكون للحاجّ عمرة؟ قال: «إلى السحر من ليلة عرفة» «3».

______________________________

(1) في «ح»: مورده.

(2) الكافي 4: 443- 2، الفقيه 2: 242- 1157، التهذيب 5: 172- 572، الإستبصار 2: 247- 867، الوسائل 11: 291 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 2.

(3) التهذيب 5: 172- 573، الإستبصار 2: 248- 868، الوسائل 11: 293 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 231

و مرسلة التهذيب: «أهلّ بالمتعة بالحجّ- يريد يوم التروية- إلى زوال الشمس و بعد العصر و بعد المغرب و بعد العشاء ما بين ذلك كلّه واسع» «1»، فلو لا ترجيح الأخيرة بما ذكر يجب الرجوع إلى الأصل المتقدّم.

هذا، مع ما في ذلك القول من الشذوذ

المسقط لأدلّته عن الحجّية، و مع ذلك أخباره مختصّة بالحائض، و التعدّي إلى غيرها كما- هو المطلوب- يحتاج إلى الدليل، و الإجماع المركّب غير ثابت، كيف؟! و صرّح صاحب الذخيرة بالفصل «2».

و محتملة لإرادة حجّ التطوع و إرادة الأفضل فيه، كما يشعر به قوله عليه السّلام في صحيحة ابن بزيع: «أمّا نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجّة» إلى آخره «3».

و إذن فسقوط ذلك القول جدّا واضح.

و كذا القول الثاني، لنحو ما مرّ من الشذوذ و المعارضات الموجبة للرجوع إلى الأصل.

و كذا القول الخامس، لمخالفته للأصل الثاني، مع قصور أدلّته عن النهوض لإثبات المطلوب.

أمّا الأول: فلظهور إدراك الموقف في الاختياري منه جدّا و تبادره منه، سيّما مع تصريح طائفة من أخبار درك الموقف بدرك الناس فيه «4»، و هو إنّما يكون في الاختياري، و مع ذلك تعارضه أخبار إدراك الناس بمنى «5»،

______________________________

(1) التهذيب 5: 172- 578، الوسائل 11: 294 أبواب أقسام الحج ب 20 ح 13.

(2) الذخيرة: 552.

(3) التهذيب 5: 391- 1366، الإستبصار 2: 311- 1107، الوسائل 11: 299 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 14.

(4) انظر الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22.

(5) كما في الوسائل 11: 291 أبواب أقسام الحجّ ب 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 232

اللّازم حمله على إدراكهم قبل عرفات بالإجماع.

و أمّا الثاني: فلأنّ غاية ما تدلّ عليه تلك الأخبار: أنّ من أدرك الاضطراري فقد تمّ حجّه، و لا كلام فيه، بل هو كذلك، و إنّما الكلام في تمامية التمتّع المركّب من العمرة المتقدّمة و الحجّ، و أين هو من ذلك؟! فلم يبق إلّا القول الثالث و الرابع.

فإن قلنا: إنّ الموقف هو جميع ما بين الزوال إلى الغروب، فيتّحد

القولان و لا يكون اختلاف بينهما، و يتميّز القول الحقّ.

و إن قلنا: بأنّه المسمّى، فيتعارض أدلّة القولين، و ظاهر أنّ ما يعارض دليل القول الثالث من أدلّة الرابع منحصر برواية الميثمي «1»، و أمّا البواقي فبين غير مناف له و بين معاضد له، كأخبار إدراك الناس بمنى.

و لا شك أنّ رواية الميثمي- مع مرجوحية سندها بالنسبة إلى دليل الثالث، و عدم ظهور عامل بها أو غير نادر من القدماء- أعمّ مطلقا من أخبار القول الثالث، فتعيّن تخصيصها بها، مع أنّ المصرّح به في رواية الميثمي أنّه ما لم يخف فوات الموقفين.

و لا شك إن لم يتحلّل من العمرة قبل الزوال يخاف الفوت البتّة، كما صرّح به الشيخ في التهذيبين «2».

فإذن القول الحقّ هو: القول الثالث و عليه الفتوى.

المسألة الثالثة: إذا حاضت المرأة المتمتّعة أو نفست قبل الطواف،
اشاره

و منعها العذر من الطواف و بقية أفعال عمرتها لضيق الوقت عن التربّص إلى الطهر، ففيه أقوال:

______________________________

(1) المتقدّمة في ص. 227.

(2) التهذيب 5: 170، الإستبصار 2: 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 233

الأول: أنّها تعدل إلى الإفراد،

و هو الأشهر كما في المدارك و الذخيرة و الكفاية و المفاتيح «1» و شرحه، بل في الأخيرين كاد أن يكون إجماعا، و هو ظاهر المدارك أيضا، بل عن الخلاف و المعتبر و المنتهى و التذكرة الإجماع عليه «2».

لصحيحتي ابن بزيع «3» و جميل «4» المتقدّمتين، و موثقة إسحاق بن عمّار: عن المرأة تجي ء متمتّعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتى تخرج إلى عرفات، قال: «تصير حجّة مفردة»، قلت: عليها شي ء؟ قال: «دم تهريقه، و هي أضحيتها» «5».

و مرسلة إسحاق بيّاع اللؤلؤ الصحيحة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ منه: «المرأة المتمتّعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثم رأت الدم فمتعتها تامّة» «6»، دلّت بالمفهوم على أنّه قبل أربعة أشواط لا تكون متعتها تامّة.

و مرسلة إبراهيم بن إسحاق، و هي كمرسلة إسحاق، و زاد: «و إن هي

______________________________

(1) المدارك 7: 178، الذخيرة: 553، الكفاية: 55، المفاتيح 1: 308.

(2) الخلاف 2: 261، 262، المعتبر 2: 789، المنتهى 2: 663، التذكرة 1:

320.

(3) التهذيب 5: 391- 1366، الإستبصار 2: 311- 1107، الوسائل 11: 299 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 14.

(4) الفقيه 2: 240- 1146، التهذيب 5: 390- 1363، الوسائل 11: 296 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 2.

(5) الفقيه 2: 240- 1147، التهذيب 5: 390- 1365، الإستبصار 2:

310- 1106، الوسائل 11: 299 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 13.

(6) الكافي 4: 449- 4، و في التهذيب 5: 393- 1370، و الإستبصار 2:

313- 1111،

و الوسائل 13: 456 أبواب الطواف ب 86 ح 2: ثم حاضت، بدل: ثم رأت الدم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 234

لم تطف إلّا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحجّ، فإن أقام بها جمّالها بعد الحجّ فلتخرج إلى الجعرانة أو إلى التنعيم فلتعتمر» «1».

و الثاني: ما حكي عن عليّ بن بابويه و الحلبي و ابن زهرة و الإسكافي «2»، و هو أنّها لا تعدل،

بل مع الضيق تؤخّر طواف العمرة فتسعى، ثم تحرم بالحجّ، ثم تقضي مناسكها للحجّ و تقضي طواف العمرة مع طواف الحجّ، و عن الغنية الإجماع عليه «3».

للمستفيضة من الأخبار، كصحيحة البجلي و العلاء و ابن رئاب «4» و رواية عجلان «5» المتقدّمتين.

و رواية أخرى لعجلان: «إذا اعتمرت المرأة ثم اعتلّت قبل أن تطوف قدّمت السعي و شهدت المناسك، فإذا طهرت و انصرفت من الحجّ قضت طواف العمرة و طواف الحجّ و طواف النساء، ثم أحلّت من كلّ شي ء» «6».

و ثالثة: متمتّعة دخلت مكّة فحاضت، فقال: «تسعى بين الصفا و المروة، ثم تخرج مع الناس حتى تقضي طوافها بعد» «7».

و مرسلة يونس: عن امرأة متمتّعة طمثت قبل أن تطوف فخرجت مع

______________________________

(1) الفقيه 2: 241- 1155، الوسائل 13: 455 أبواب الطواف ب 85 ح 4.

(2) حكاه عن علي بن بابويه في الدروس 1: 406، الحلبي في الكافي في الفقه: 218، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 578، حكاه عن الإسكافي في الدروس 1: 406.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 578.

(4) الكافي 4: 445- 1، الوسائل 13: 448 أبواب الطواف ب 84 ح 1.

(5) الكافي 4: 446- 2، التهذيب 5: 391- 1368، الإستبصار 2: 312- 1109، الوسائل 13: 449 أبواب الطواف ب 84 ح 2.

(6) الكافي 4: 447- 6، التهذيب 5: 394- 1374، الإستبصار 2: 314- 1115، الوسائل 13: 449 أبواب الطواف ب 84 ح 3.

(7) الفقيه

2: 239- 1143، الوسائل 13: 452 أبواب الطواف ب 84 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 235

الناس إلى منى، فقال: «أ و ليس هي على عمرتها و حجّتها؟! فلتطف طوافا للعمرة و طوافا للحجّ» «1».

و صحيحة الحلبي: «ليس على النساء حلق و عليهنّ التقصير، ثم يهللن بالحجّ يوم التروية، و كانت عمرة و حجّة، فإن اعتللن كنّ على حجّتهنّ و لم يضررن بحجّتهن» «2».

و صحيحة الكاهلي: عن النساء على إحرامهن؟ فقال: «يصلحن ما أردن أن يصلحن» إلى أن قال: «فإذا قضين طوافهنّ و سعيهنّ قصّرن و جازت متعة، ثم أهللن يوم التروية بالحجّ، فكانت عمرة و حجّة، و إن اعتللن كنّ على حجّهنّ و لم يفردن حجّهن» «3».

و الثالث: التخيير بين الأمرين،

حكي عن الإسكافي «4»، و احتمله بعض متأخّري المتأخّرين «5»، للجمع بين الأخبار.

و الرابع: ما استحسنه في الوافي و المفاتيح

«6»، و هو: أنّها إن أحرمت بالمتعة قبل الحيض تمتّعت، كما في القول الثاني، و إن حاضت قبل الإحرام أفردت، كما في القول الأول، و به جمع بين أخبار الطرفين.

و استدلّ له برواية أبي بصير في المرأة المتمتّعة «إذا أحرمت و هي طاهر ثم حاضت قبل أن تقضي متعتها سعت و لم تطف حتى تطهر، ثم تقضي طوافها و قد قضت عمرتها، و إن هي أحرمت و هي حائض لم تسع

______________________________

(1) الكافي 4: 447- 7، الوسائل 13: 451 أبواب الطواف ب 84 ح 8.

(2) التهذيب 5: 390- 1364، الوسائل 11: 297 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 3.

(3) الفقيه 2: 241- 1152، الوسائل 13: 452 أبواب الطواف ب 84 ح 12.

(4) حكاه عنه في المختلف: 316.

(5) كصاحب المدارك 7: 180، السبزواري في الذخيرة: 553.

(6) الوافي 13: 986، المفاتيح 1: 341.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 236

و لم تطف حتى تطهر» [1].

أقول: لا يخفى أنّ أدلّة القول الثاني برمّتها خالية عن التصريح في الوجوب، لأنّها بين جملة خبرية أو محتملة لها، و أمّا قوله في مرسلة يونس: «فلتطف» فإنّما هو بعد كونها على عمرتها، و لكن لا دلالة فيها على وجوب الكون على العمرة.

فإذن فالقول الثاني- المتضمّن لتعيّن الكون على العمرة- خال عن الدليل بالمرّة، ساقط عن درجة العبرة، مع أنّه على فرض الدلالة كلّها أعمّ مطلقا من مرسلة إسحاق و إبراهيم «1»، إمّا لعمومها بالنسبة إلى ما قبل الطواف و ما بعده أو بالنسبة إلى ما قبل أربعة أشواط الطواف و ما قبلها، فيجب تخصيصها بهما و القول بأنّه إن كان

ما قبل أربعة أشواط يجعلها حجّة، و إن كان ما بعدها يتمّها عمرة، كما هو الأصحّ الأشهر، كما يأتي.

و منه يظهر سقوط الثالث أيضا.

و أمّا الرابع: فمع عدم قائل به من المتقدّمين و المتأخّرين الموجب لشذوذه الباعث على طرح ما يدلّ عليه، لا تصلح روايته للجمع الذي ذكره، لصريح المرسلتين المتضمّنتين للعدول إلى الإفراد في كون الحيض بعد الإحرام. بل و كذا صحيحة ابن بزيع، لعطف الحيض بالفاء الدالّة على الترتيب و كون الحيض بعد دخول مكّة، و هو لا يكون إلّا بعد الإحرام. بل و كذا صحيحة البجلي و ابن رئاب المتقدّمة.

هذا، مع عموم تلك الرواية في حكمها بعدم العدول بالنسبة إلى ما

______________________________

[1] الكافي 4: 447- 5، و في التهذيب 5: 394- 1375، و الإستبصار 2: 315- 1116، و الوسائل 13: 450 أبواب الطواف ب 84 ح 5: و قد تمّت متعتها، بدل: و قد قضت متعتها.

______________________________

(1) المتقدمتين في ص 233.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 237

قبل أربعة أشواط و ما بعدها، و لذا حملها الشيخ على ما بعدها، بل استشهد بها عليه فقال- بعد حمل الأخبار السابقة على ذلك-: و يدلّ عليه ما رواه- ثم ساق الرواية- و قال بعدها: فبيّن عليه السّلام في هذا الخبر صحّة ما ذكرنا، لأنّه قال: «إن هي أحرمت و هي طاهر» جاز أن يكون حيضها بعد الفراغ من الطواف أو بعد مضيّها في النصف منه، فحينئذ جاز لها تقديم السعي و قضاء ما بقي عليها من الطواف، فإذا أحرمت و هي حائض لم يكن لها سبيل إلى شي ء من الطواف، فامتنع لأجل ذلك السعي «1». انتهى.

و منه يظهر أنّ الحقّ هو القول الأول.

و حكي في المسألة

قول خامس، و هو: أنّها تستنيب من يطوف عنها، و لا نعرف قائله و لا مستنده، فهو ضعيف غايته.

المسألة الرابعة: المناط للحائض و النفساء

أيضا ما مرّ في حقّ من ضاق وقته من عدم إدراكه زوال الشمس من يوم عرفة، كما سبق دليله.

و قد اختار صاحب الذخيرة فيهما زوال الشمس من يوم التروية «2»، بعد اختياره في من ضاق وقته ما اخترناه.

و الظاهر أنّه خرق الإجماع المركّب، و نسبة هذا القول فيهما إلى عليّ بن بابويه و المفيد لا تفيد، لأنّهما قالا بذلك فيه أيضا.

هذا، مع أنّ ما استدلّ به لذلك التفصيل- من أنّه مقتضى صحيحتي ابن بزيع «3» و جميل «4»- عليل، لأنّهما لا تدلّان على أزيد من كونهما

______________________________

(1) التهذيب 5: 394- 395.

(2) الذخيرة: 551.

(3) التهذيب 5: 391- 1366، الإستبصار 2: 311- 1107، الوسائل 11: 299 أقسام الحجّ ب 21 ح 14.

(4) الفقيه 2: 240- 1146، التهذيب 5: 390- 1363، الوسائل 11: 296 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 238

حائضين يوم التروية، و أنّهما إذا كانتا كذلك تعدلان، و الحيض يوم التروية لا يستلزم دركهما الطواف طاهرتين قبل زوال يوم عرفة.

بل صحيحة جميل صريحة في بقاء حيضها إلى ما بعد عرفات أيضا، حيث قال: «ثم تقيم حتى تطهر».

بل ظاهر صحيحة ابن بزيع أيضا ذلك، حيث إنّها صرّحت بأنّ تحيّضها بعد دخول مكّة، و بأنّ عامّة الموالي يدخلون يوم التروية، فالظاهر أنّ تحيّضها لم يتقدّم على التروية، فلا تتطهّر لزوال الشمس من يوم عرفة.

هذا، مع أنّ تعارضها مع بعض ما مرّ و كون الأصل مع زوال يوم عرفة أيضا يكفي في الحكم به.

المسألة الخامسة: لو حصل عذرهما في أثناء الطواف،

ففي صحّة متعتهما مطلقا، أو العدم كذلك، أو الأول إذا كان بعد أربعة أشواط، و الثاني إذا لم يكن، أقوال.

أصحّها: ثالثها، وفاقا للصدوقين و الشيخين و القاضي و ابن

حمزة و الفاضلين «1»، و غيرهم «2»، بل هو الأشهر كما صرّح به في المدارك و الذخيرة «3» و غيرهما «4»، لمرسلتي إسحاق و إبراهيم المتقدمتين «5»، و قريبة

______________________________

(1) الصدوق في المقنع 1: 84، حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 316، المفيد في المقنعة: 440، الطوسي في النهاية: 275، القاضي في المهذب 1:

231، ابن حمزة في الوسيلة: 173، المحقق في الشرائع 1: 268، العلّامة في التحرير 1: 99.

(2) كالشهيد في الدروس 1: 405.

(3) المدارك 7: 181، الذخيرة: 643.

(4) كالحدائق 14: 347، رياض المسائل 1: 411.

(5) في ص 233.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 239

منهما رواية الأعرج «1».

خلافا للمحكيّ عن الصدوق، فالأول «2»، لصحيحة محمّد: عنه امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقلّ من ذلك ثم رأت دما، قال: «تحفظ مكانها، فإذا طهرت طافت بقيّته و اعتدّت بما مضى» «3».

و تضعّف بأنّها أعمّ مطلقا من الأخبار المتقدّمة، باعتبار شمولها لطواف النافلة و الفريضة المتمتّعة و غيرها، و اختصاص الأخبار بالمتمتّعة، فيجب تخصيصها بها.

و تضعيف الأخبار- بعد الانجبار و صحّتها ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه- ضعيف.

بل لنا أن نقول أيضا: إنّ إتمام بقيّة هذا الطواف بعد الطهر أعمّ من جعله من التمتّع أو الحجّ أو كونه أمرا تعبديّا، فلا يعارض ما مرّ أصلا.

و للحلّي، فالثاني «4»، و تبعه بعض المتأخّرين «5» على ما قيل، للأصل و صحيحة ابن بزيع المتقدّمة، و تضعيفه كسابقه، فإنّ ما مرّ يدفع الأصل و يخصّص الصحيحة، لأخصّيته منها.

المسألة السادسة: لو حصل الحيض بعد الطواف و صلاة الركعتين صحّت المتعة قطعا،

و وجب عليها السعي و التقصير، لعدم توقّفهما على

______________________________

(1) التهذيب 5: 393- 1371، الإستبصار 2: 213- 1112، الوسائل 13: 456 أبواب الطواف ب 86 ح 1.

(2) حكاه عنه في المختلف: 316،

و هو في الفقيه 2: 241- 1153.

(3) الفقيه 2: 241- 1153، التهذيب 5: 397- 1380، الإستبصار 2:

317- 1121، الوسائل 13: 454 أبواب الطواف ب 85 ح 3، بتفاوت يسير.

(4) السرائر 1: 623.

(5) انظر المدارك 7: 182.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 240

الطهارة، و للأخبار المستفيضة «1» من الصحاح و غيرها، و إطلاقها بل عمومها يشمل ما إذا كان قبل الركعتين أيضا كما هو الأصحّ الأشهر، و دلّت عليه خصوصا رواية الكناني «2» المنجبرة، المؤيدة بصحيحة محمد العامّة للمتمتّعة و غيرها أيضا، فالاستشكال فيه- كما في المدارك «3»- غير جيّد.

و أمّا بعض الأخبار الناهية عن سعي الحائض «4» فشاذّة، و مع الأكثر منها الأوضح دلالة معارضة، و مع ذلك عن الدالّ على الحرمة خالية، و اللَّه العالم.

المسألة السابعة: اعلم أنّ ما ذكر من تعيّن التمتّع للنائي إنّما هو في حجّة الإسلام دون التطوّع و المنذور،

و صرّح الشيخ في التهذيبين و المحقق في المعتبر و الفاضل في جملة من كتبه و الشهيد في الدروس «5» و غيرهم «6»:

بأنّ من أراد التطوّع بالحجّ كان مخيّرا بين الأفراد الثلاثة.

بل ظاهر الذخيرة عدم الخلاف فيه، حيث قال: إنّ موضع الخلاف حجّة الإسلام دون التطوّع و المنذور «7». انتهى.

نعم، التمتّع أفضل.

و تدلّ على الحكمين مكاتبة علي بن ميسر: عن رجل اعتمر في شهر

______________________________

(1) كما في الوسائل 13: 458 أبواب الطواف ب 88.

(2) الكافي 4: 448- 1، التهذيب 5: 397- 1381، الوسائل 13: 458 أبواب الطواف ب 88 ح 2.

(3) المدارك 7: 184.

(4) انظر الوسائل 13: 457 أبواب الطواف ب 87.

(5) التهذيب 5: 31، الإستبصار 2: 155، المعتبر 2: 338، الفاضل في التحرير 1: 93، الدروس 1: 330.

(6) المسالك 1: 101.

(7) الذخيرة: 553.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 241

رمضان ثم حضر له الموسم، أ يحجّ مفردا للحجّ

أو يتمتّع، أيهما أفضل؟

فكتب إليه: «التمتّع أفضل» «1».

و رواية عبد الملك: عن التمتّع، فقال: «تمتّع»، قال: فقضى أنّه أفرد الحجّ ذلك العام أو بعده، فقلت: أصلحك اللَّه، سألتك فأمرتني بالتمتّع و أراك قد أفردت الحجّ العام، فقال: «أما و اللَّه الفضل لفي الذي أمرتك به، و لكنّي ضعيف فشقّ عليّ طوافان بين الصفا و المروة، فلذلك أفردت الحجّ العام» «2».

و صحيحة ابن سنان: إنّي قرنت العام و سقت الهدي، قال: «و لم فعلت ذلك؟ التمتّع و اللَّه أفضل، لا تعودن» «3».

و صحيحة ابن عمّار: إنّي اعتمرت في رجب و أنا أريد الحجّ، أسوق الهدي أو أفرد الحجّ أو أتمتّع؟ فقال: «في كلّ فضل و كلّ حسن»، فقلت:

أيّ ذلك أفضل؟ فقال: «تمتّع، هو و اللَّه أفضل» «4»، إلى غير ذلك من الأخبار التي لا تحصى كثرة.

المسألة الثامنة: يجب في التمتّع- من حيث هو تمتّع زائدا على ما يشترط في غيره- أمور:
اشاره

______________________________

(1) الكافي 4: 292- 8، الفقيه 2: 204- 932، الوسائل 11: 247 أبواب أقسام الحجّ ب 4 ح 4، و فيه: علي بن جعفر.

(2) الكافي 4: 292- 12، التهذيب 5: 28- 84، الإستبصار 2: 153- 502، الوسائل 11: 249 أبواب أقسام الحجّ ب 4 ح 10.

(3) التهذيب 5: 29- 90، الإستبصار 2: 154- 508، الوسائل 11: 251 أبواب أقسام الحجّ ب 4 ح 17.

(4) الكافي 4: 293- 15، التهذيب 5: 31- 94، الإستبصار 2: 156- 512، الوسائل 11: 251 أبواب أقسام الحجّ ب 4 ح 18، في التهذيب و الوسائل بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 242

الأول: النيّة،

و الظاهر أنّه ليس مرادهم منها هنا الخلوص و القربة، أو نيّة كلّ من الحجّ و العمرة أو كلّ من أفعالهما المتفرّقة، أو نيّة الإحرام خاصّة، أو نيّة المجموع جملة، كما فسّره بكلّ طائفة، لعدم ظهور خصوصية ذكر شي ء منها في هذا المقام، مع أنّ بعضها ممّا يذكر مفصّلا في مواضعها، و بعضها ممّا لا دليل له على الوجوب و الشرطية.

بل المراد: نيّة خصوص التمتّع، لتتميّز عن القسمين الآخرين، أو عن العمرة المفردة، كما أوجبها في المختلف «1» و غيره «2».

و تدلّ عليها الأخبار المستفيضة:

كصحيحة أحمد: كيف أصنع إذا أردت أن أتمتّع؟ فقال: «لبّ بالحجّ و انو المتعة، فإذا دخلت مكّة طفت بالبيت» الحديث «3».

و صحيحة أبان: بأيّ شي ء أهلّ؟ فقال: «لا تسمّ حجّا و لا عمرة، و أضمر في نفسك المتعة، فإن أدركت متمتّعا و إلّا كنت حاجّا» «4».

و صحيحة البزنطي: عن رجل متمتّع كيف يصنع؟ قال: «ينوي المتعة و يحرم بالحجّ» «5».

و موثقة إسحاق بن عمّار: إنّ أصحابنا يختلفون في وجهين من

______________________________

(1) المختلف: 264.

(2)

كما في كشف اللثام 1: 313.

(3) التهذيب 5: 86- 285، الإستبصار 2: 172- 567، الوسائل 12: 352 أبواب الإحرام ب 22 ح 4.

(4) التهذيب 5: 86- 286، الإستبصار 2: 172- 568، الوسائل 12: 349 أبواب الإحرام ب 21 ح 4.

(5) التهذيب 5: 80- 264، و في الإستبصار 2: 168- 544، و الوسائل 12: 351 أبواب الإحرام ب 22 ح 1: ينوي العمرة ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 243

الحجّ، يقول بعضهم: أحرم بالحجّ مفردا، و بعضهم يقول: أحرم و انو المتعة بالعمرة إلى الحجّ، أيّ هذين أحبّ إليك؟ قال: «انو المتعة» «1».

و تدلّ عليه أيضا الأخبار «2» المتضمّنة لمثل قولك: اللَّهمّ إنّي أريد أن أتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، أو الاكتفاء بإضمار ذلك.

و لا ينافي ذلك جواز تجديد النيّة إلى وقت التحلّل إن فات أولا، كما لا يضرّ في اشتراط الصوم بالنيّة جواز تجديدها إلى الزوال إن فات أول الوقت.

و كذا لا تنافيه قضية إهلال عليّ عليه السّلام بما أهلّ به النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله، لأنّها قضية في واقعة لا عموم لها، فيمكن أن يكون عالما بكيفية إهلاله أو لم يكن عالما بحكم الواقعة، حيث إنّه كان نزل في غيبته.

الثاني: أن يكون مجموع عمرته و حجّه في أشهر الحجّ،

بخلاف القسمين الآخرين، فإنّ عمرتهما لا يشترط أن تكون فيها و إن اشترط كون أصل الحجّ فيهما فيها أيضا.

ثم ما ذكرنا من اشتراط كون المجموع في أشهر الحجّ ممّا وقع عليه الإجماع، و نقله عليه في كلماتهم متكرّر، قال في السرائر: الإجماع حاصل منعقد على أنّه لا ينعقد إحرام حجّ و لا عمرة متمتع بها إلى الحجّ إلّا في أشهر الحجّ «3»، و هو الدليل عليه.

مضافا إلى صحيحة زرارة الثانية «4» المتقدّمة في

بيان كيفية أقسام

______________________________

(1) الكافي 4: 333- 5، التهذيب 5: 80- 265، الإستبصار 2: 168- 555، الوسائل 12: 348 أبواب الإحرام ب 21 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) قرب الإسناد: 123- 433، الوسائل 12: 355 أبواب الإحرام ب 23 ح 3.

(3) السرائر 1: 526.

(4) الكافي 4: 289- 1، التهذيب 5: 51- 155، الإستبصار 2: 161- 527، الوسائل 11: 272 أبواب أقسام الحجّ ب 11 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 244

الحجّ، و لا يضرّ وقوعه بالجملة الخبرية، لأنّها جواب عن سؤال الماهية.

و موثّقة سماعة: «من حجّ معتمرا في شوّال و من نيّته أن يعتمر و يرجع إلى بلاده فلا بأس بذلك، و إن أقام هو إلى الحجّ فهو متمتّع، لأنّ أشهر الحجّ: شوّال و ذو القعدة و ذو الحجّة، من اعتمر فيهنّ و أقام إلى الحجّ فهي متعة، و من رجع إلى بلاده و لم يقم إلى الحجّ فهي عمرة، و إن اعتمر في شهر رمضان أو قبله فأقام إلى الحجّ فليس بمتمتّع، و إنّما هو مجاور أفرد العمرة، فإن هو أحبّ أن يتمتّع في أشهر الحجّ بالعمرة إلى الحجّ فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتّعا بعمرة إلى الحج» الحديث «1».

و صحيحة عمر بن يزيد: «لا تكون متعة إلّا في أشهر الحجّ» «2».

و على هذا، فلو أحرم بالعمرة المتمتّع بها في غير أشهر الحجّ لم يجز له التمتّع بها.

ثم أشهر الحجّ هي: شوّال و ذو القعدة و ذو الحجّة، كما عليه الإسكافي و الصدوق و الشيخ في النهاية «3»، بل الأكثر كما قيل، و عليه كافة المتأخرين «4»، و به استفاضت الروايات «5».

و قال السيّد و العماني و الديلمي: هي

الأولان مع عشرة من ذي الحجّة «6».

______________________________

(1) الفقيه 2: 274- 1335، الوسائل 11: 270 أبواب أقسام الحجّ ب 10 ح 2.

(2) التهذيب 5: 435- 1513، الوسائل 14: 312 أبواب العمرة ب 7 ح 5، بتفاوت يسير.

(3) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 260، الصدوق في الفقيه 2: 278، النهاية: 207.

(4) انظر الرياض 1: 350.

(5) الوسائل 11: 271 أبواب أقسام الحجّ ب 11.

(6) السيّد في الإنتصار: 91، حكاه عن العماني في المختلف: 260، الديلمي في المراسم: 104.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 245

و قال الشيخ في الجمل و الإقتصاد و القاضي في المهذّب: مع تسعة منه «1».

و عن الحلبي: مع ثمان منه «2».

و عن الخلاف و المبسوط: مع تسعة منه و ليلة يوم النحر إلى طلوع فجره «3».

و عن الحلّي: إلى طلوع شمسه «4».

و لا فائدة في هذا النزاع، بل في الحقيقة هو لفظي، للاتّفاق على خروج وقت بعض الأفعال بمضي العشرة، و بقاء وقت البعض إلى ما بعدها أيضا.

و كذا لا تنافي بين الأخبار المستفيضة المصرّحة بأنّها الثلاثة كملا «5» و النادر المتضمّن للأولين و العشر «6»، إذ ليس المراد في الأولى أنّه يصحّ وقوع جميع الأفعال في كلّ وقت من الثلاثة، و لا أنّه يجب إيقاعها في المجموع من حيث المجموع. و لا المراد في الثاني: أنّ الأولين مع العشر هي الأشهر.

بل معنى الأولى: أنّ أفعالها يجب أن تكون في تلك الثلاثة، و يصحّ إطلاق شهر عمل على ما يكون العمل في جزء منه، كما يقال يوم صلاة الجمعة: يوم الجمعة. و معنى الثاني: أنّه بانقضاء العشر و عدم التلبّس

______________________________

(1) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 226، الإقتصاد: 300، المهذّب 1: 213.

(2) الحلبي في الكافي

في الفقه: 201.

(3) الخلاف 2: 258، المبسوط 1: 308.

(4) السرائر 1: 524.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 11    246     الثالث: أن يأتي بالحج و عمرته في سنة واحدة، ..... ص : 246

(5) الوسائل 11: 271 أبواب أقسام الحجّ ب 11.

(6) الكافي 4: 290- 3، الوسائل 11: 273 أبواب أقسام الحجّ ب 11 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 246

ينقضي الوقت.

الثالث: أن يأتي بالحجّ و عمرته في سنة واحدة،

بلا خلاف يعلم كما في الذخيرة «1»، و مطلقا كما في المدارك و المفاتيح «2» و شرحه، بل بالاتفاق كما عن التذكرة «3».

و احتجّوا له بالأخبار الدالّة على دخول العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة، و الناصّة على ارتباط عمرة التمتّع بحجّه، و المصرّحة بأنّه لا يجوز للمتمتّع الخروج من مكّة حتى يقضي تمتّعه «4».

و بأنّ المتبادر من أخبار التمتّع إيقاع نسكيه في عام واحد، سيّما أخبار عدم جواز خروجه من مكّة حتى يقضي حجّه، سيّما مع ملاحظة ندرة بقاء إحرام العمرة إلى السنة المستقبلة.

و بأنّ العبادات توقيفيّة تتوقّف صحّتها على دلالة، و هي في المقام مفقودة.

و لا يخفى ما في جميع تلك الأدلّة من قصور الدلالة و عدم التمامية، لعدم دلالة غير الأخيرين منها على اعتبار كونهما في سنة أصلا، و لذا جعلها بعض مشايخنا معاضدة لا حجّة مستقلّة «5».

و عدم نهوض الأخيرين، أمّا التبادر فلمنعه، و أمّا التوقيفيّة فلحصول التوقيف بإطلاق الأدلّة.

و لذا احتمل الشهيد الإجزاء لو بقي على إحرامه بالعمرة من غير إتمام

______________________________

(1) الذخيرة: 572.

(2) المدارك 7: 168، المفاتيح 1: 339.

(3) التذكرة 1: 379.

(4) انظر الوسائل 11: 246 أبواب أقسام الحجّ ب 4.

(5) كما في الرياض 1: 351.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 247

الأفعال إلى القابل «1»،

و تبعه بعض مشايخنا المعاصرين، فقال بعد ما قال:

فما ذكره الشهيد من الإجزاء محتمل- إلى أن قال-: و كيف كان فلا ريب في أنّ الإتيان بهما في سنة واحدة أحوط «2».

أقول: الأدلّة المذكورة و إن كانت قاصرة عن إثبات المطلوب إلّا أنّه تدلّ عليه الأخبار المتكثّرة المصرّحة بانتفاء المتعة أو ذهابها بزوال شمس يوم التروية أو عرفة أو غروبها أو ليلة عرفة، و الآمرة بجعلها حينئذ حجّة مفردة، المتقدّمة أكثرها في المسألة الثانية.

و لو لم يعتبر في المتعة اتّحاد سنة النسكين لم يصحّ ذلك النفي و الحكم بالذهاب و الأمر بالعدول على الإطلاق، بل مطلقا.

و التقييد بمن أراد الحجّ في سنة العمرة أو من لم يتمكّن من البقاء إلى عام آخر تقييد بلا دليل، مع أنّ في جواز التقييد بالإرادة من أصله نظر.

و يظهر من ذلك صحّة القول المشهور و تماميته، و عدم تأتّي الاحتمال المذكور، و وجوب كون الحجّ مع عمرته في عام واحد.

الرابع: أن يحرم بحجّه من بطن مكّة، فهو الميقات له،
اشاره

بلا خلاف كما قيل «3»، بل بإجماع العلماء، كما في المدارك و المفاتيح «4» و شرحه و غيرها «5»، للأخبار المستفيضة، منها: رواية إبراهيم بن ميمون، و فيها:

«فإنّك متمتّع في أشهر الحجّ، و أحرم يوم التروية من المسجد الحرام» «6».

______________________________

(1) الدروس 1: 339.

(2) انظر رياض المسائل 1: 351.

(3) انظر الذخيرة: 572.

(4) المدارك 7: 169، المفاتيح 1: 339.

(5) كالرياض 1: 351.

(6) التهذيب 5: 446- 1554، الوسائل 11: 266 أبواب أقسام الحجّ ب 9 ح 4، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 248

و صحيحة ابن عمّار: «إذا كان يوم التروية فاغتسل و البس ثوبك و ادخل المسجد حافيا و عليك السكينة و الوقار، ثم صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم أو

في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصلّ المكتوبة، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة، و أحرم بالحجّ ثم امض و عليك السكينة و الوقار، فإذا انتهيت إلى الروحاء [1] دون الردم [2] فلبّ، فإذا انتهيت إلى الردم و أشرفت على الأبطح [3] فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى» «1».

و موثقة أبي بصير: «إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين تحرم، خذ من شاربك و من أظفارك و أطل عانتك إن كان لك شعر و انتف إبطيك و اغتسل و البس ثوبيك، ثم ائت المسجد الحرام فصلّ فيه ستّ ركعات قبل أن تحرم» إلى أن قال: «ثمّ تلبّي من المسجد الحرام كما لبّيت حين أحرمت، تقول: لبّيك بحجّة تمامها و بلاغها عليك، فإن قدرت أن يكون رواحك إلى منى زوال الشمس و إلّا فمتى تيسّر لك من يوم التروية» «2».

______________________________

[1] في الكافي و الوسائل: الرفضاء، و في التهذيب: الرقطاء، و لم نعثر عليهما في معجم البلدان و غيره. قال في المعجم 3: 76: لمّا رجع تبّع من قتال أهل المدينة يريد مكّة نزل بالروحاء فأقام بها و أراح فسمّاها الروحاء.

[2] الردم: و هي ردم بني جمح بمكّة، و سمّي كذلك بما ردم منهم يوم التقوا بني محارب و اقتتلوا قتالا شديدا- معجم البلدان 3: 40.

[3] الأبطح: يضاف إلى مكّة و إلى منى، لأنّ المسافة بينه و بينهما واحدة، و ربّما كان إلى منى أقرب، و نقل بعضهم أنّه إنّما سمّي أبطح لأنّ آدم عليه السّلام بطّح فيه- معجم البلدان 1: 74.

______________________________

(1) الكافي 4: 454- 1، التهذيب 5: 167- 557، الوسائل 12: 408 أبواب الإحرام ب 52 ح

1، بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 5: 168- 559، الإستبصار 2: 251- 881، الوسائل 12: 409 أبواب الإحرام ب 52 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 249

و رواية عمر بن يزيد: «إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة، ثم صلّ ركعتين خلف المقام، ثم أهلّ بالحجّ، فإن كنت ماشيا فلبّ عند المقام، و إن كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك، و صلّ الظهر إن قدرت بمنى، و اعلم أنّه واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو دبر نافلة أو ليل أو نهار» «1».

و صحيحة الحلبي: عن الرجل يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ يريد الخروج إلى الطائف، قال: «يهلّ بالحجّ من مكّة، و ما أحبّ له أن يخرج منها إلّا محرما، و لا يجاوز الطائف إنّها قريبة من مكّة» «2».

و الأخرى، و فيها: «فإذا أقاموا [شهرا] فإنّ لهم أن يتمتّعوا»، قلت:

من أين؟ قال: «يخرجون من الحرم»، قلت: من أين يهلّون بالحجّ؟

فقال: «من مكّة نحوا ممّا يقول الناس» [1].

و صحيحة حمّاد، و فيها: فإن مكث [الشهر]؟ قال: «يتمتّع»، قلت:

من أين؟ قال: «يخرج من الحرم»، قلت: من أين يهلّ بالحجّ؟ قال: «من مكّة نحوا ممّا يقول الناس» [2].

و هذه الأخبار و إن كانت قاصرة عن إفادة الوجوب و التعيين الذي هو المطلوب، إمّا لكونها متضمّنة للجملة الخبرية، أو لما لا يجب قطعا من

______________________________

[1] التهذيب 5: 35- 103، الوسائل 11: 266 أبواب أقسام الحجّ ب 9 ح 3، بدل ما بين المعقوفين في النسخ: أشهرا، و ما أثبتناه من المصدر.

[2] الكافي 4: 300- 4، الوسائل 11: 268 أبواب أقسام الحجّ ب 9 ح 7، بتفاوت يسير، و بدل ما بين المعقوفين في النسخ: أشهرا، و ما أثبتناه من

المصدر.

______________________________

(1) التهذيب 5: 169- 561، الإستبصار 2: 252- 886، الوسائل 12: 397 أبواب الإحرام ب 46 ح 2، و أورد ذيله في ص 338 أبواب الإحرام ب 15 ح 2.

(2) الكافي 4: 443- 3، التهذيب 5: 164- 547، الوسائل 11: 303 أبواب أقسام الحجّ ب 22 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 250

الإحرام من المسجد، أو في يوم التروية، و أيضا كانت غير الأخيرة منها مخصوصة بالمسجد الحرام أو موضع خاصّ منه و المطلوب أعمّ منه.

إلّا أنّ الأوّل يتمّ بضميمة أصل الاشتغال، حيث إنّه لا إطلاق يدلّ على جواز الإحرام من أيّ موضع كان، فيجب الاقتصار فيه على المتيقّن، مع أنّ الإجماع قرينة على إرادة الوجوب من الجملة الخبرية أيضا.

و الثاني بإطلاق الأخيرة الخالي عن المعارض، لأنّ المقيّد غير دالّ على الوجوب، لما عرفت.

و بصحيحة عمرو بن حريث الصيرفي: من أين أهلّ بالحجّ؟ فقال:

«إن شئت من رحلك، و إن شئت من الكعبة، و إن شئت من الطريق» «1»، و في بعض الطرق: «من المسجد» بدل قوله: «من الكعبة».

و موثّقة يونس: من أيّ المسجد أحرم يوم التروية؟ فقال: «من أيّ المسجد شئت» «2»، أي: أيّ موضع من المسجد.

ثم المراد ببطن مكّة: ما دخل على شي ء من بنائها، لصدق الاسم الذي أطلقته صحيحة الحلبي، فيجوز الإحرام من كلّ ما كان داخلا عليه.

و لكنّ الأفضل أن يحرم من المسجد اتّفاقا، كما في المدارك و الحدائق «3» و غيرهما «4»، و هو الحجّة فيه، لكونه مقام التسامح، مضافا إلى كونه أشرف الأماكن.

______________________________

(1) الكافي 4: 455- 4، التهذيب 5: 166- 555، الوسائل 11: 339 أبواب المواقيت ب 21 ح 2.

(2) الكافي 4: 455- 5، التهذيب 5: 166- 556،

الوسائل 11: 340 أبواب المواقيت ب 21 ح 3.

(3) المدارك 7: 169، الحدائق 14: 359.

(4) كرياض المسائل 1: 351.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 251

و استحباب الإحرام عقيب الصلاة و هي في المسجد أفضل، و الأمر به في الأخبار المتقدّمة الذي ليس بأقلّ من الاستحباب، و أفضله مقام إبراهيم أو الحجر مخيّرا بينهما، وفاقا للهداية و المقنع و الفقيه و المدارك «1»، لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة «2».

و لا ينافيها الأمر بالمقام في رواية عمر بن يزيد، لأنّه لا يفيد هنا أزيد من الرجحان الإضافي أو أحد فردي المستحب، لأنّهما أيضا من المجازات المحتملة بعد عدم إرادة الحقيقة بالإجماع.

و في النافع و عن الكافي و الغنية و الجامع و التحرير و المنتهى و التذكرة و الدروس و موضع من القواعد: التخيير بين المقام و تحت الميزاب «3».

و في الشرائع و عن النهاية و المبسوط و المصباح و مختصره و المهذّب و السرائر و المختلف: الاقتصار على المقام «4».

و في الإرشاد: على تحت الميزاب «5».

فرع: لو أحرم بحجّ التمتّع من غير مكّة عمدا اختيارا لم يجزه

و يستأنفه منها، لتوقّف الواجب عليه، و لا يكفي دخولها محرما، و لا بدّ من الاستئناف منها على المعروف من مذهب الأصحاب، لما مرّ. و لو نسي الإحرام منها يعيد إليها وجوبا، للإحرام مع المكنة.

______________________________

(1) الهداية: 60، المقنع: 85، الفقيه 2: 207، المدارك 7: 169.

(2) في ص: 248.

(3) النافع: 79، الكافي في الفقه: 212، الغنية (الجوامع الفقهية): 579، الجامع:

179، التحرير 1: 94، المنتهى 2: 714، التذكرة 1: 320، الدروس 1: 341، القواعد 1: 85.

(4) الشرائع 1: 237، النهاية: 248، المبسوط 1: 364، المصباح: 627، المهذّب 1: 244، السرائر 1: 583، المختلف: 297.

(5) الإرشاد 1: 328.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص:

252

و لو تعذّر العود إليها- لخوف أو ضيق وقت أو غيرهما- أحرم من موضعه و لو كان بعرفات، لصحيحة عليّ: عن رجل نسي الإحرام بالحجّ فذكره و هو بعرفات ما حاله؟ قال: «يقول اللَّهمّ على كتابك و سنّة نبيّك، فقد تمّ إحرامه، فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتى رجع إلى بلده إن كان قضى مناسكه كلّها فقد تمّ حجّه» «1».

و كذا لو تركه جهلا، لكونه عذرا، و لفحوى ما دلّ على الإحرام من موضعه لو جهل الإحرام من المواقيت الأخر، كما في موثّقة زرارة، و فيها- بعد السؤال عن امرأة تركت الإحرام جهلا حتى قدمت مكّة- «إنّها تحرم من مكانها، قد علم اللَّه بنيّتها» «2».

بل يثبت المطلوب بالعلّة المذكورة في هذه الموثّقة أيضا.

و يستفاد من صحيحة عليّ: أنّه لو نسي الإحرام بالحجّ حتى يرجع إلى بلده صحّ حجّه، و هو المحكي عن الشيخ في طائفة من كتبه و عن ابن حمزة «3»، و هو الأقوى، لما ذكر.

خلافا للحلّي «4»، لأنّه ترك نيّة الإحرام، و ردّ الصحيحة بأنّه أخبار آحاد، و هو يتمّ على أصله من عدم حجّية الآحاد، مع أنّ ترك الإحرام لا يستلزم ترك النيّة، مع أنّه يمكن أن تكون نيّة العمرة المتمتّع بها إلى الحجّ في قوّة نيّة إحرام الحجّ.

و لو أحرم من غير مكّة جهلا أو نسيانا ثم علم أو تذكّر و لم يمكن

______________________________

(1) التهذيب 5: 175- 586، الوسائل 11: 330 أبواب المواقيت ب 14 ح 8.

(2) الكافي 4: 324- 5، الوسائل 11: 330 أبواب المواقيت ب 14 ح 6.

(3) الشيخ في النهاية: 211، ابن حمزة في الوسيلة: 177.

(4) السرائر 1: 529، 530.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 253

العود،

فهل يجتزئ بما فعل، أو يستأنف متى ما علم أو تذكّر؟

فيها قولان، الاستئناف الأحوط، بل لعلّه الأظهر، تحصيلا للبراءة اليقينية، فإنّه مبرئ قطعا، إمّا للإجماع عليه- كما قيل «1»- أو لجمعه بين الاحتمالين، بخلاف الإحرام السابق، فإنّه لا دليل على حصول البراءة به.

المسألة التاسعة: مرجوحية خروج المتمتّع بعد قضاء مناسك العمرة

و قبل الحجّ عن مكّة في الجملة إجماعي فتوى و نصّا، و في المستفيضة تصريح بها «2».

و إنّما الخلاف في أنّها هل هي على التحريم، كما عن المشهور؟ أو الكراهة، كما عن الحلّي، و الفاضلين في بعض كتبهما «3»؟

و على التقديرين: فمنتهى المرجوحيّة هل هو إتمام الحجّ أو الإحرام به مطلقا، أو الأول بدون الحاجة و الضرورة و الثاني معها؟

و الظاهر من الجمع بين أخبار المسألة هو التحريم و انتفاؤه بالإحرام بالحجّ مطلقا، و إن كان الأحوط عدم الخروج بالإحرام إلّا مع الحاجة و الضرورة.

ثم لو خرج بدون الإحرام، فإن رجع في الشهر الذي خرج لم يحتج إلى إحرام آخر و رجع بغير إحرام، و إن رجع بعده أحرم بالعمرة ثانيا و دخل مكّة محرما و أتى بمناسك العمرة، ثم يحرم بالحجّ و تكون عمرته المتمتّع بها الأخيرة، و تقع الأولى مبتولة.

و هل يحتاج إلى طواف النساء حينئذ للأولى أم لا؟ الأرجح هو:

______________________________

(1) انظر المدارك 7: 171، الذخيرة: 572.

(2) الوسائل 11: 301 أبواب أقسام الحج ب 22.

(3) الحلي في السرائر 1: 581، المحقق في النافع: 99، العلّامة في التحرير 1: 101.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 254

الثاني.

المسألة العاشرة: لا تجزئ العمرة المتمتّع بها عن العمرة المفردة،

بمعنى: أنّه لا يجب على المكلّف الجمع بينهما بإجماع العلماء كافّة، كما في المنتهى «1»، للإجماع، و المتكثّرة من الروايات، كصحيحة يعقوب «2» و حسنة الحلبي «3» و غيرهما «4».

المسألة الحادية عشرة: يختصّ حجّ التمتّع بوجوب تقديم طوافه و سعيه على الوقوفين،

كما يأتي بيانه في بحث أفعال الحجّ و بيان مناسك مكّة بعد الرجوع من منى.

______________________________

(1) المنتهى 2: 674.

(2) التهذيب 5: 433- 1504، الإستبصار 2: 325- 1151، الوسائل 14: 306 أبواب العمرة ب 5 ح 4.

(3) علل الشرائع: 412- 1، الوسائل 14: 306 أبواب العمرة ب 5 ح 7.

(4) الوسائل 14: 305 أبواب العمرة ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 255

المبحث الثاني في تفصيل أفعال حجّ التمتّع
اشاره

و قد عرفت أنّه الذي تقدّمت العمرة عليه، و يقال لعمرتها: العمرة المتمتّع بها، فأفعاله متضمّنة لجميع أفعال عمرته و حجّه، و مجموع أفعاله الواجبة ثمانية عشر فعلا:

خمسة للعمرة: الإحرام، و الطواف، و ركعتاه، و السعي، و التقصير.

و ثلاثة عشر للحجّ: الإحرام، و الوقوف بعرفات، و الوقوف بالمشعر، و ثلاثة أفعال بمنى: رمي جمرة العقبة، و الهدي، و الحلق أو التقصير، و خمسة أفعال بمكّة بعدها: طواف الزيارة، و ركعتاه، و السعي، و طواف النساء، و ركعتاه، و فعلان بعد العود إلى منى: البيتوتة، و رمي الجمار الثلاث.

و أمّا المستحبّات، فتذكر في مطاوي ذكر الأفعال الواجبة.

ففي هذا المقصد مطلبان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 256

المطلب الأول في بيان الأفعال الخمسة لعمرة حجّ التمتّع
اشاره

و فيه خمسة فصول:

الفصل الأول في الفعل الأول، و هو الإحرام
اشاره

و الكلام فيه إمّا في مقدماته أو أفعاله، أو أحكامه، أو تروكه.

فهاهنا أربعة أبحاث تذكر بعد مقدمة لا بدّ من تقديمها، نبيّن فيها معنى الإحرام و حقيقته و ما به يتحقّق، فإنّ كلام القوم في هذا المراد غير منقّح جدّا.

و لنذكر أولا معنى الإحرام في الصلاة و ما يتحقّق به، لتسهيل المقصود بالقياس عليه، و لذا قيل: الإحرام في هذا المقام كالإحرام في الصلاة.

فنقول: معنى الإحرام في الصلاة: الدخول في حالة يحرم معها ما يحرم على المصلّي من التكلّم و الانحراف عن القبلة و غير ذلك، أو هو الدخول في الصلاة و صيرورته مصلّيا، و يلزمه الأول أيضا، كما أنّ الأول أيضا يستلزم الثاني.

و لتحقّق هذا الدخول بالتكبيرة نسب الإحرام إليها، و سمّيت تكبيرة الإحرام، و لكن ليست هي فقط سببا للإحرام، بل التكبيرة المقارنة لنيّة الصلاة و لو حكميّة، فالتكبيرة جزء أخير العلّة، و لذا نسبت إليها السببيّة.

إذا عرفت ذلك فنقول: معنى الإحرام بالعمرة أو الحجّ- على قياس ما ذكر- هو: الدخول في العمرة أو الحجّ و صيرورة الشخص معتمرا أو حاجّا،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 257

أو دخوله في حالة يحرم عليه معها ما يحرم على أحدهما ما لم يتحلّل.

و ذلك إمّا هو: إيقاع التلبية المقارنة لنيّة العمرة أو الحجّ و لو حكمية، أو: غيره من النيّة الفعلية لأحدهما الواقعة في الموضع المعيّن، أو هي: مع لبس الثوبين، أي: اللبس المقارن لهما، و أمّا مجموع التلبية و النيّة و اللبس فهو راجع إلى الأول، لأنّ المعلول ينسب إلى جزء أخير العلّة.

و الأول: هو الذي صرّح به الشيخ في التهذيب و الإستبصار، حيث قال: إنّ من اغتسل للإحرام و

صلّى و قال ما أراد من القول بعد الصلاة لم يكن في الحقيقة محرما، و إنّما يكون عاقدا للحجّ و العمرة، فإنّما يدخل في أن يكون محرما إذا لبّى «1».

و استدلّ له بالأخبار المستفيضة المجوّزة لكلّ فعل يشاء قبل التلبّي «2»، و هو الذي يطابق كلام الأكثر المصرّحين بعدم انعقاد الإحرام إلّا بالتلبية، بل عليه الإجماع عن الإنتصار و الخلاف و الجواهر و الغنية و التذكرة و المنتهى «3» و غيرها «4»، و هو الذي تستأنسه الصحاح المستفيضة الآتية، المجوّزة لكلّ فعل يحرم على المحرم قبل التلبّي، الموافقة لعمل الأصحاب، و هو الذي يستفاد من أخبار مستفيضة.

كصحيحة ابن وهب: عن التهيّؤ للإحرام، فقال: «في مسجد الشجرة، فقد صلّى فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، و قد ترى ناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم، تقول:

______________________________

(1) التهذيب 5: 83، و ورد مؤدّاه في الإستبصار 2: 189.

(2) الوسائل 12: 333 أبواب الإحرام ب 14.

(3) الإنتصار: 102، الخلاف 2: 289، 290، جواهر الفقه: 41، الغنية (الجوامع الفقهية): 574، التذكرة 1: 327، المنتهى 2: 679.

(4) كالمفاتيح 1: 313، الرياض 1: 366.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 258

لبّيك اللَّهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك، لبّيك بمتعة بعمرة إلى الحجّ» «1».

و عبيد اللَّه بن عليّ الحلبي، و فيها: «وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و هو مسجد الشجرة يصلّي فيه و يفرض الحجّ، فإذا خرج من المسجد و سار و استوت به البيداء حين يحاذي الميل الأول أحرم» «2»، حيث صرّحت بأنّ ما يعمل في المسجد هو عزم الحجّ، و

أنّ الإحرام هو ما يعمل في البيداء، و هو التلبية.

و البزنطي: عن رجل متمتّع كيف يصنع؟ قال: «ينوي المتعة و يحرم بالحجّ» «3».

فإنّ المراد بالإحرام هنا: التلبية، كما تصرّح به صحيحة أحمد: كيف أصنع إذا أردت أن أتمتّع؟ فقال: «لبّ بالحجّ و انو المتعة» «4».

و لكن لا يلائم ذلك أخبارا مستفيضة أخرى مصرّحة بمغايرة الإحرام و التلبّي و أنّه قبله، كصحيحة ابن عمّار: «صلّ المكتوبة ثم أحرم بالحجّ أو بالمتعة و اخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء إلى أول ميل عن يسارك، فإذا استوت بك الأرض راكبا كنت أو ماشيا فلبّ» «5».

______________________________

(1) التهذيب 5: 84- 277، الإستبصار 2: 169- 559، الوسائل 12: 370 أبواب الإحرام ب 34 ح 3، و أورد ذيله في ص 382 أبواب الإحرام ب 40 ح 1.

(2) الفقيه 2: 198- 903، الوسائل 11: 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 4.

(3) التهذيب 5: 80- 264، الإستبصار 2: 168- 554، الوسائل 12: 351 أبواب الإحرام ب 22 ح 1.

(4) التهذيب 5: 86- 285، الإستبصار 2: 172- 567، الوسائل 12: 352 أبواب الإحرام ب 22 ح 4.

(5) الكافي 4: 334- 14، الوسائل 12: 370 أبواب الإحرام ب 34 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 259

و أخرى، و فيها: «صلّيت ركعتين و أحرمت في دبرهما، فإذا انفتلت من صلاتك فاحمد اللَّه» إلى أن قال: «و يجزئك أن تقول هذا مرّة واحدة حين تحرم، ثم قم فامش هنيئة، فإذا استوت بك الأرض ماشيا أو راكبا فلبّ» «1».

و في ثالثة: «إذا كان يوم التروية فاغتسل و البس ثوبيك و ادخل المسجد حافيا و عليك السكينة و الوقار، ثم صلّ ركعتين» إلى أن قال:

«ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة، و أحرم بالحجّ، ثم امض و عليك السكينة و الوقار، فإذا انتهيت إلى الروحاء دون الردم فلبّ، فإذا انتهيت إلى الردم و أشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية» الحديث «2».

و في صحيحة هشام: «إن أحرمت من غمرة أو بريد البعث صلّيت و قلت ما يقول المحرم في دبر صلاتك، و إن شئت لبّ من موضعك، و الفضل أن تمشي قليلا ثم تلبّي» «3»، إلى غير ذلك من الأخبار «4».

و كذا لا يلائمه ما صرّحوا به جميعا- طباقا للأخبار «5»- من وجوب الإحرام من الميقات و عدم جواز تأخير الإحرام عنه، مع تصريح الأخبار المستفيضة بجواز تأخير التلبية عنه «6» و اختلاف الأصحاب فيه كما يأتي.

______________________________

(1) الكافي 4: 331- 2، الوسائل 12: 340 أبواب الإحرام ب 16 ح 1.

(2) الكافي 4: 454- 1، التهذيب 5: 167- 557، الوسائل 12: 408 أبواب الإحرام ب 52 ح 1.

(3) الفقيه 2: 208- 944، الوسائل 12: 372 أبواب الإحرام ب 35 ح 1.

(4) انظر الوسائل 12: 372 أبواب الإحرام ب 35.

(5) الوسائل 11: 319 أبواب المواقيت ب 9.

(6) كما في الوسائل 12: 369، 372 أبواب الإحرام ب 34، 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 260

و كذا لا يناسبه قول كثير منهم: لو عقد الإحرام و لم يلبّ لم تلزمه كفّارة بما فعله «1».

و كذا عدّهم التلبية أحد واجبات الإحرام «2»، و قولهم: إنّها تجب فيه «3».

و كذا حكمهم بوجوب النيّة للإحرام «4»، إذ لا نيّة على حدة للتلبية، و لذا لا يذكرون لتكبيرة الإحرام نيّة سوى نيّة الصلاة.

و كذا جعلهم الإحرام- وفاقا للأخبار- فعلا على حدة من أفعال

الحجّ، و التلبية فعلا آخر على حدة أو من أجزاء الإحرام، كما لا يجعلون إحرام الصلاة فعلا و التكبيرة فعلا آخر.

و الثاني هو ظاهر الأكثر المستفاد من جميع ما مرّ من منافيات كون التلبية وحدها هو الإحرام، و لكن لا يلائمه شي ء ممّا ذكرنا من ملائمات كونه هو التلبية.

و قد يرجّح الأول و يجمع بينه و بين منافياته بأنّ ما يجوز تأخيره من التلبية هو الإجهار بها و رفع الصوت بها.

و قد يرجّح الثاني و يجمع بينه و بين منافياته بحمل عدم انعقاد الإحرام إلّا بالتلبية- في الفتاوى و إطلاق الإحرام عليها في الأخبار- على أنّه ما لم يلبّ له ارتكاب المحرّمات على المحرم، و لا كفارة عليه و إن لم يجز له فسخ النيّة.

أقول: أمّا الجمع الأول: فهو ممّا لا تقبله أكثر أخبار جواز تأخير

______________________________

(1) كما في الشرائع 1: 246، و الذخيرة: 578، و الرياض 1: 367.

(2) كما في الشرائع 1: 245، المدارك 7: 263، كشف اللثام 1: 312.

(3) كما في القواعد 1: 80، و الذخيرة: 577.

(4) كما في الذخيرة: 577، المفاتيح 1: 313، الرياض 1: 366.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 261

التلبية إلّا بتكلّف بعيد كما يأتي.

و أمّا الثاني: فلا مانع عنه، بل هو الصحيح، و لكن بأن يقال: إنّه قد عرفت أنّ الإحرام بالصلاة هو الدخول في أول جزء منه، أو الدخول في حالة يحرم معها ما يحرم على المصلّي، و إنّ المعنيين فيها يتحقّقان بالتكبيرة، و ليس لها جزء مقدّم على التكبيرة لا يجوز معه ارتكاب المحرّمات.

و لكن العمرة و الحجّ يفترقان عن الصلاة في ذلك و في أمر آخر، هو:

أنّ الواجب في نيّة الصلاة على التحقيق نيّة فعلية واحدة

متحققة لمن يريد الصلاة قطعا، و وقتها موسّع من بدو الشروع في مقدّماتها إلى الشروع في التكبيرة، و ليس لها وقت معيّن آخر في ذلك الأثناء يجب الإتيان بها على التحقيق، و بعد تحقّقها الابتدائي تكفي الحكمية إلى آخر الصلاة.

بخلاف العمرة و الحجّ، فإنّهما و إن يستلزمان عقلا نيّة فعلية في بدو الشروع إلى مقدماتهما- من غسل الإحرام و صلاته، بل من الخروج من البيت و المسافرة- و لكن تجب نيّة فعلية أخرى عند الميقات، و هي المأمور بها بقوله في الأخبار: «و انو المتعة» و: «يفرض الحجّ» و نحو ذلك «1».

فيمتازان عن الصلاة و نحوها بلزوم هذه النيّة الفعليّة في ذلك الموضع، كما يمتازان عنها و عن سائر الواجبات باستحباب التلفّظ بالمنويّ فيهما، كما يأتي.

و هذه النيّة أول الأفعال الواجبة للحجّ و العمرة، و ثانيها: لبس الثوبين، و ثالثها: التلبية، و لكن الفعلين الأولين لا يحرّمان شيئا من المحظورات على المحرم، و إنّما هي تحرم بالثالث، فيتحقّق الإحرام بأحد المعنيين: بالنيّة و لبس الثوبين- و هذا الذي يجب الإتيان به في الميقات و لا يجوز التجاوز

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 258.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 262

عنه بدونه- و بالآخر: بالتلبية، و قبلها لا تحرم المحرّمات.

فهذا هو التحقيق التامّ في المقام، و لكن لا يترتّب عليه كثير فائدة في العمل، إذ الكلّ قائلون بوجوب النيّة و اللبس في الميقات و عدم جواز التجاوز عنه بدونهما، و أنّه لا تحرم المحرّمات إلّا بالتلبية، و أنّه لا يضرّ جواز تأخيرها عن الميقات على القول به في ذلك، لأنّه يكون المراد بالإحرام- الذي لا يجوز تأخيره على ذلك القول- هو الأولان، و إنّما فائدته تشريح المقام و

فهم الأخبار و الجمع بين كلمات العلماء الأخيار.

إذا عرفت تلك المقدمة فاعلم: أنّهم ذكروا أنّ للإحرام أفعالا واجبة و مستحبّة و تروكا، و ظهر لك من التحقيق الذي ذكرناه أنّه ليس المراد أنّ الإحرام بنفسه من حيث هو هو فعل آخر من أفعال الحجّ و العمرة و هذه الأفعال أجزاؤه، بل المراد: أنّ هذه الأفعال من أفعالهما ممّا تحقّق به الإحرام و سبب لتحقّق الإحرام بالمعنيين، كالتكبيرة التي هي فعل من الصلاة يتحقق بها الإحرام.

و معنى مستحبّات الإحرام: أنّها أفعال مستحبّة للدخول في الحجّ أو العمرة و الشروع في أحدهما، أو مستحبّ لكلّ فعل من أفعاله بخصوصه، و الأوّل: هو مقدمات الإحرام التي تذكر قبل ذكر أفعاله. و الثاني: يذكر في ذيل كلّ فعل.

و معنى واجباته: أنّها ممّا لا بدّ منها في الدخول فيهما.

و معنى تعدّد الأفعال: أنّ بالمجموع يتحقّق الإحرام بالمعنيين، فبالأول يتحقّق الإحرام بالمعنى الأول ثم يجب الثاني، و بالثالث المسبوق بالأولين- بل المقارن لهما، و لو كانت النيّة حكمية- يتحقّق المعنى الثاني، فبالثلاثة يتحقّق معنيا الإحرام.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 263

البحث الأول في مقدّماته و التهيّؤ له
اشاره

و هي كلّها مستحبّة، و هي المراد بمستحبّات الإحرام في الأكثر، و هي أمور:

منها: توفير شعر الرأس للحجّ مطلقا

في أول ذي القعدة و للعمرة في شهر.

لصحيحة ابن عمّار: «فمن أراد الحجّ وفّر شعره إذا نظر إلى هلال ذي القعدة، و من أراد العمرة وفّر شعره شهرا» «1».

و ابن سنان: «لا تأخذ من شعرك و أنت تريد الحجّ في ذي القعدة، و لا في الشهر الذي تريد الخروج إلى العمرة» «2»، و نحوها رواية أبي حمزة «3».

و رواية الأعرج: «لا يأخذ الرجل إذا رأى هلال ذي القعدة و أراد الخروج من رأسه و لا لحيته» «4».

و صحيحة ابن أبي العلاء: عن الرجل يريد الحجّ، أ يأخذ من رأسه في

______________________________

(1) الكافي 4: 317- 1، الفقيه 2: 197- 899، التهذيب 5: 46- 139، الإستبصار 2: 160- 520، الوسائل 12: 316 أبواب الإحرام ب 2 ح 4.

(2) التهذيب 5: 46- 138، الوسائل 12: 315 أبواب الإحرام ب 2 ح 1.

(3) الكافي 4: 318- 3، الوسائل 12: 317 أبواب الإحرام ب 2 ح 7.

(4) الكافي 4: 318- 4، التهذيب 5: 47- 144، الإستبصار 2: 160- 521، الوسائل 12: 317 أبواب الإحرام ب 2 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 264

شوّال كلّه ما لم ير الهلال؟ قال: «لا بأس به ما لم ير الهلال» «1».

و ابن سنان: «اعف شعرك للحجّ إذا رأيت هلال ذي القعدة و للعمرة شهرا» «2».

و موثّقة محمّد: «خذ من شعرك إذا أزمعت على الحجّ شوّال كلّه إلى غرّة ذي القعدة» «3»، حيث دلّت بالمفهوم على عدم جواز الأخذ- الذي هو المراد من الأمر قطعا- بعد غرّة ذي القعدة.

و هذه الروايات- كما ترى- شاملة لمطلق الحجّ، كما صرّح به جماعة

من محقّقي المتأخّرين «4»، فالتخصيص بالمتمتّع- كما في عبارات جماعة «5»- لا وجه له، و الإسناد في التخصيص إلى بعض الروايات الآتية- المثبتة للدم على المتمتّع الحالق لرأسه- ضعيف جدّا، لظهوره في حال الإحرام [أولا، و لوقوع ] «6» التمتّع- الذي هو أحد أفراد المسألة- في السؤال ثانيا.

و كذا أكثرها عامّة لشعر الرأس و اللحية، بل بعضها مصرّح بالأمرين، فالتخصيص بالرأس- كما في كلام جمع منهم «7»- لا وجه له، و كأنّه

______________________________

(1) الكافي 4: 317- 2، التهذيب 5: 47- 140، الإستبصار 2: 160- 523، الوسائل 12: 319 أبواب الإحرام ب 4 ح 1.

(2) الكافي 4: 318- 5، الوسائل 12: 316 أبواب الإحرام ب 2 ح 5.

(3) التهذيب 5: 47- 141، الإستبصار 2: 160- 524، الوسائل 12: 316 أبواب الإحرام ب 2 ح 2.

(4) منهم الشهيد في الدروس 1: 343، و اللمعة (الروضة 2): 228، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 6: 246.

(5) منهم الطوسي في النهاية: 206، المبسوط 1: 309، المحقّق في الشرائع 1: 244.

(6) في النسخ: و لا لوقوع، و الظاهر ما أثبتناه.

(7) كالمحقق في المختصر النافع: 81، و العلّامة في الإرشاد 1: 316، و السبزواري في الكفاية: 59، و صاحب الحدائق 15: 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 265

للروايات المشار إليها المثبتة للدم على الحالق، المذكور ضعف دلالتها.

أو لصحيحة الكناني: عن الرجل يريد الحجّ، أ يأخذ من شعره في أشهر الحج؟ فقال: «لا، و لا من لحيته، و لكن يأخذ من شاربه و من أظفاره، و ليطل إن شاء» «1».

و فيها:- مع أخصّيتها عن المدّعى، و عدم صراحتها في ما بعد دخول ذي القعدة- عدم منافاتها للكراهة و استحباب الترك.

ثم مقتضى الثلاثة الأخيرة من

الروايات المتقدّمة «2» وجوب التوفير، كما حكي عن المقنعة و الإستبصار و الفقيه «3»، استنادا إليها و إلى صحيحة جميل: عن متمتّع حلق رأسه بمكّة- إلى أن قال-: «و إن تعمّد بعد الثلاثين التي توفّر فيها الشعر للحجّ فإنّ عليه دما يهريقه» «4».

و يجاب عن الأول:- مضافا إلى المخالفة لشهرة القدماء- بالمعارضة لما يدلّ على خلافه، كصحيحة الكناني المتقدّمة، و موثّقة سماعة: عن الحجامة و حلق القفا في أشهر الحجّ، فقال: «لا بأس به و السواك و النورة» «5».

و رواية محمد بن خالد الخزّاز: «أمّا أنا فآخذ من شعري حين أريد الخروج إلى مكّة للإحرام» «6».

______________________________

(1) التهذيب 5: 48- 148، الإستبصار 2: 161- 526، الوسائل 12: 320 أبواب الإحرام ب 4 ح 4.

(2) في النسخ زيادة: و إن كان.

(3) المقنعة: 391، الإستبصار 2: 161، الفقيه 2: 197.

(4) الكافي 4: 441- 7، الفقيه 2: 238- 1137، التهذيب 5: 158- 526، الإستبصار 2: 242- 843، الوسائل 12: 321 أبواب الإحرام ب 5 ح 1.

(5) الفقيه 2: 198- 902، التهذيب 5: 47- 145، الإستبصار 2: 160- 522، الوسائل 12: 319 أبواب الإحرام ب 4 ح 3.

(6) التهذيب 5: 48- 147، الإستبصار 2: 161- 525، الوسائل 12: 320 أبواب الإحرام ب 4 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 266

و رواية إسماعيل بن جابر: أوفّر شعري إذا أردت هذا السفر؟ قال:

«أعفه شهرا» «1».

و المروي صحيحا عن كتاب عليّ: الرجل إذا همّ بالحجّ يأخذ من شعر رأسه و لحيته و شاربه ما لم يحرم؟ قال: «لا بأس» «2»، و ضعفه- إن كان- بالعمل منجبر.

و إمكان الجمع بين هذه و بين الأولى- بتخصيص هذه بغير ذي القعدة- معارض بإمكان تخصيص

الأولى بالمحرم، فيرجع إلى الأصل.

و قيل: يتأكّد الاستحباب إذا أهلّ ذو الحجّة «3»، و لا بأس به، لفتوى الفقيه، و قيل: لصحيحة جميل السابقة «4»، و لا دلالة لها.

و منها: قصّ الأظفار، و أخذ الشارب، و إزالة شعر الإبط و العانة

خصوصا بالاطلاء بالنورة، لفتوى الطائفة، و النصوص المستفيضة، كالصحاح الأربع لابن عمّار و حريز «5».

و استحباب الاطلاء لا يختصّ بما إذا مضى خمسة عشر يوما من

______________________________

(1) التهذيب 5: 47- 142، الوسائل 12: 318 أبواب الإحرام ب 3 ح 2.

(2) مسائل علي بن جعفر: 176- 319، الوسائل 12: 320 أبواب الإحرام ب 4 ح 6.

(3) كما في الرياض 1: 364.

(4) كما في كشف اللثام 1: 310.

(5) الأولى في: الكافي 4: 326- 1، الفقيه 2: 200- 914، الوسائل 12: 323 أبواب الإحرام ب 6 ح 4.

الثانية في: التهذيب 5: 61- 193، الوسائل 12: 322 أبواب الإحرام ب 6 ح 3.

الثالثة في: الكافي 4: 326- 2، الوسائل 12: 323 أبواب الإحرام ب 6 ح 5.

الرابعة في: التهذيب 5: 61- 194، الوسائل 12: 322 أبواب الإحرام ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 267

الطلية الأولى، بل يستحبّ مطلقا عند جماعة من المتأخّرين «1»، تبعا للمحكيّ عن النهاية و المبسوط و المنتهى «2»، لخبر ابن أبي يعفور: «أطليا»، فقلنا: [فعلنا] منذ ثلاثة أيام، فقال: «أعيدا، فإنّ الاطلاء طهور» «3».

و ظاهر بعضهم اختصاص الاستحباب للإحرام بما إذا لم تمض المدّة المذكورة «4»، لرواية أبي بصير: إذا أطليت للإحرام الأول كيف أصنع في الطلية للأخيرة، و كم بينهما؟ قال: «إذا كان بينهما جمعتان خمسة عشر يوما فأطل» «5».

و لا يخفى أنّ الخبر الأول لا يختصّ بكون الثاني و لا الأول الطلي للإحرام، و الثاني مخصوص بكون الأول للإحرام، و مقتضى

العمل بالأخبار «6» أن يقال باستحباب الطلي للإحرام مطلقا، سواء مضى خمسة عشر يوما أو لم يمض، لعموماته. إلّا أن يطلي للإحرام قبله و لم تمض المدة المذكورة، للخبر الأخير. أو لم يثبت له بعد شعر، لموثّقة أبي بصير في إحرام الحجّ، و فيها: «و أطل عانتك إن كان لك شعر» «7»، فعليه الفتوى.

و منهم من زاد في المستحبّات تنظيف الجسد من الأوساخ و إزالة

______________________________

(1) كما في القواعد 1: 79، المنتهى 2: 672، اللمعة (الروضة 2): 228، المسالك 1: 106.

(2) النهاية: 211، المبسوط 1: 314، المنتهى 2: 672.

(3) الكافي 4: 327- 6، التهذيب 5: 62- 199، الوسائل 2: 69 أبواب آداب الحمام ب 32 ح 5، و ما بين المعقوفين من المصدر.

(4) كما في الشرائع 1: 244، قواعد الأحكام 1: 79.

(5) الكافي 4: 326- 3، الفقيه 2: 201- 917، التهذيب 5: 62- 198، الوسائل 12: 325 أبواب الإحرام ب 7 ح 4.

(6) الوسائل 12: 324 أبواب الإحرام ب 7.

(7) الكافي 4: 454- 2، التهذيب 5: 168- 559، الإستبصار 2: 251- 881، الوسائل 12: 409 أبواب الإحرام ب 52 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 268

الشعر منه مطلقا «1»، و لا بأس به بعد فتوى الفقيه و إشعار تعليل الإطلاق في بعض الأخبار بأنّه طهور.

و منها: الغسل للإحرام إجماعا،
اشاره

له، و للمتواترة من النصوص، كالصحاح الثلاث لابن عمّار «2»، و صحيحتي ابن وهب «3» و هشام «4»، المتضمّنة جميعا للفظ: «اغتسل»، و: «اغتسلوا»، و موثّقة سماعة: «غسل المحرم واجب» «5»، و مرسلة يونس: «الغسل في سبعة عشر موطنا، منها:

الفرض ثلاثة»، و عدّ من الثلاثة غسل الإحرام «6».

و صحيحتي ابن عمّار «7» و النضر «8»، و روايتي محمّد «9»

و عليّ بن أبي

______________________________

(1) كما في الشرائع 1: 244، و المختصر النافع: 82، و الرياض 1: 364.

(2) الأولى في: الكافي 4: 326- 1، الفقيه 2: 200- 914، الوسائل 12: 323 أبواب الإحرام ب 6 ح 4.

الثانية في: الكافي 3: 40- 1، الوسائل 3: 303 أبواب الأغسال المسنونة ب ح 1.

الثالثة في: الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، الوسائل 11:

213 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 4.

(3) الفقيه 2: 200- 915، التهذيب 5: 62- 196، الوسائل 12: 324 أبواب الإحرام ب 7 ح 1.

(4) الكافي 4: 328- 7، الفقيه 2: 201- 918، الوسائل 12: 326 أبواب الإحرام ب 8 ح 1.

(5) الكافي 3: 40- 2، الفقيه 1: 45- 176، التهذيب 1: 104- 270، الوسائل 3: 303 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.

(6) التهذيب 1: 105- 271، الإستبصار 1: 98- 316، الوسائل 2: 174 أبواب الجنابة ب 1 ح 4.

(7) التهذيب 5: 71- 232، الوسائل 12: 332 أبواب الإحرام ب 13 ح 1.

(8) الكافي 4: 328- 3، التهذيب 5: 65- 206، الإستبصار 2: 164- 537، الوسائل 12: 329 أبواب الإحرام ب 10 ح 1.

(9) الكافي 4: 329- 8، التهذيب 5: 65- 210، الوسائل 12: 331 أبواب الإحرام ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 269

حمزة «1» الآمرة بإعادة الغسل لمن لبس قميصا بعده، و غير ذلك من الأخبار «2».

و مقتضى تلك الأخبار جميعا وجوبه، كما عن العماني «3» و ظاهر الإسكافي «4»، إلّا أنّ شذوذ قولهما- بل مخالفته لظاهر الإجماع المحكوم به بالحدس، مضافا إلى عدّه في بعض الأخبار «5» في طي الأغسال المسنونة و إلى جواز الإحرام للحائض و النفساء

مع عدم كون غسلهما غسلا حقيقيّا- أوجب صرف تلك الأخبار عن ظواهرها و حملها على الاستحباب.

فروع:
أ: لو أكل أو لبس بعد الغسل ما لا يجوز للمحرم أكله أو لبسه

أعاد الغسل، لصحيحتي عمر بن يزيد «6» و ابن عمّار «7»، و روايات عليّ بن أبي حمزة و محمّد، بل مقتضى الأولى الإعادة مع التطيّب أيضا، كما عن التهذيب و الدروس «8» و غيرهما «9»، و هو كذلك، لذلك.

و في صحيحة النضر: عن الرجل يغتسل للإحرام ثم ينام قبل أن

______________________________

(1) الكافي 4: 328- 4، التهذيب 5: 65- 209، الوسائل 12: 330 أبواب الإحرام ب 11 ح 1.

(2) الوسائل 12: 330 أبواب الإحرام ب 11.

(3) حكاه عنه في المختلف: 264.

(4) حكاه عنه في المختلف: 264.

(5) الوسائل 12: 399 أبواب الإحرام ب 48.

(6) التهذيب 5: 71- 231، الوسائل 12: 332 أبواب الإحرام ب 13 ح 2.

(7) الكافي 4: 348- 3، الوسائل 12: 332 أبواب الإحرام ب 13 ح 3.

(8) التهذيب 5: 70، الدروس 1: 343.

(9) كما في كشف اللثام: 311، و الحدائق 15: 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 270

يحرم، قال: «عليه إعادة الغسل» «1»، و نحوها رواية عليّ بن أبي حمزة «2».

ب: مقتضى الأخيرتين استحباب الإعادة مع النوم أيضا،

كما هو المحكيّ عن الأكثر «3»، و المؤيّد بما دلّ عليه لمن اغتسل لدخول مكّة أو الطواف «4»، و لا ينافيه نفي لزوم الغسل عنه في صحيحة العيص «5»، لأنّه لا ينافي الاستحباب، فيحمل على نفي الوجوب- كما فعله الشيخ «6»- أو على نفي تأكّد الاستحباب، كما ذكره جماعة «7».

و هل يشارك النوم باقي الأحداث أيضا، كما اختاره في الدروس و المسالك «8»، لفحوى ما مرّ؟

أولا، كما عليه بعض من عنهما تأخّر، كما في المدارك و الذخيرة «9»؟

الأقرب هو: الثاني، للأصل، و منع الفحوى. بل لو قلنا بكون الأحداث نواقض لهذا الغسل أيضا لم تفد الإعادة، لأنّ الثابت من النصوص هو الغسل للإحرام،

لا الإحرام مع الغسل.

ج: مقتضى صحيحة ابن عمّار-

المتضمّنة لقوله: «إذا انتهيت إلى

______________________________

(1) تقدمت في ص 268.

(2) الكافي 4: 328- 5، التهذيب 5: 65- 207، الإستبصار 2: 164- 538، الوسائل 12: 330 أبواب الإحرام ب 10 ح 2.

(3) حكاه في الرياض 1: 364.

(4) الوسائل 12: 328 أبواب الإحرام ب 10.

(5) الفقيه 2: 202- 925، التهذيب 5: 65- 208، الإستبصار 2: 164- 539، الوسائل 12: 330 أبواب الإحرام ب 10 ح 3.

(6) في الإستبصار 2: 164.

(7) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 6: 254، صاحب المدارك 7: 252، صاحب رياض المسائل 1: 365.

(8) الدروس 1: 343، المسالك: 106.

(9) المدارك 7: 253، الذخيرة: 556.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 271

العقيق من قبل العراق أو إلى الوقت من هذه المواقيت و أنت تريد الإحرام» الحديث «1»- أنّ مكان الغسل هو الميقات، كما صرّح به جمع من الأصحاب «2» أيضا، بل قد يقال: إنّه المتبادر من النصّ و الفتوى مطلقا.

و لكن يجوز تقديمه عليه مع خوف عوز الماء في الميقات، وفاقا للشيخ و أتباعه، كما عن التنقيح «3»، بل لعامّة المتأخّرين أيضا كما قيل «4»، بل بلا خلاف يعلم كما في الذخيرة «5»، بل بالإجماع كما في المدارك «6».

لصحيحة ابن وهب: «أطل بالمدينة و تجهّز بكلّ ما تريد و اغتسل، و إن شئت استمتعت بقميصك حتى تأتي مسجد الشجرة» «7».

و الحلبي: عن الرجل يغتسل بالمدينة لإحرامه، أ يجزئه ذلك من غسل ذي الحليفة؟ قال: «نعم» «8».

و هشام: «اغتسلوا بالمدينة، فإنّي أخاف أن يعزّ عليكم الماء بذي الحليفة، فاغتسلوا بالمدينة و البسوا ثيابكم التي تحرمون فيها» الحديث «9».

______________________________

(1) الكافي 4: 326- 1، الفقيه 2: 200- 914، الوسائل 12: 323 أبواب الإحرام ب 6 ح

4.

(2) منهم الحلّي في السرائر 1: 530، الشهيد الثاني في الروضة 2: 229، السبزواري في الذخيرة: 573.

(3) التنقيح 1: 454.

(4) انظر رياض المسائل 1: 364.

(5) الذخيرة: 586.

(6) المدارك 7: 251.

(7) الفقيه 2: 200- 915، التهذيب 5: 62- 196، الوسائل 12: 324 أبواب الإحرام ب 7 ح 1.

(8) التهذيب 5: 63- 201، الوسائل 12: 327 أبواب الإحرام ب 8 ح 5.

(9) الكافي 4: 328- 7، الفقيه 2: 201- 918، التهذيب 5: 63- 202، الوسائل 12: 326 أبواب الإحرام ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 272

و مقتضى الأولين جواز التقديم مطلقا و إن لم يخف عوز الماء- كما قوّاه جماعة من متأخّري أصحابنا «1»- و هو الأقرب، و ظهور عدم قائل به من التنقيح «2» لا يضرّ، لعدم ثبوت الإجماع بمجرّده.

و هل تستحبّ الإعادة لو وجد الماء في الميقات أم لا؟

فيه قولان، الأقرب هو: الثاني، للأصل و استدل للأول بذيل صحيحة هشام: «لا عليكم أن تغتسلوا إن وجدتم ماء إذا بلغتم ذا الحليفة» «3».

و ردّ بأنّ نفي البأس غير الاستحباب، إلّا أن يتمّم بأنّه إذا لم يكن به بأس كان راجحا لكونه عبادة.

أقول: لا يتعيّن تقدير البأس، بل الظاهر منه نفي أصل الغسل، أي ليس عليكم الغسل، فهو لدليل الثاني أقرب و أشبه.

د: يجزئ غسل النهار ليومه و الليل لليلته

ما لم ينم بلا خلاف، للمستفيضة من النصوص «4»، بل المستفاد من بعضها كفاية غسل الليل لليوم و اليوم لليل، و أفتى به جماعة أيضا «5»، و لا بأس به، و إن كان الأفضل في الأخير الإعادة، لبعض الأخبار «6».

ه: لو أحرم بغير غسل أو صلاة، أعاد الإحرام بعد تداركهما

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 364.

(2) التنقيح 1: 454.

(3) الكافي 4: 328- 7، الفقيه 2: 201- 918، التهذيب 5: 63- 202، الوسائل 12: 326 أبواب الإحرام ب 8 ح 1.

(4) الوسائل 12: 328 أبواب الإحرام ب 9.

(5) كما في المقنع: 70، و الحدائق 15: 15، و الرياض 1: 364.

(6) الكافي 4: 328- 2، الوسائل 12: 328 أبواب الإحرام ب 9 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 273

استحبابا على الأظهر الأشهر، لصحيحة الحسن بن سعيد: رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عامدا، ما عليه في ذلك؟ و كيف ينبغي أن يصنع؟ فكتب: «يعيده» «1».

خلافا لمن حكي عنه الوجوب «2»، لما مرّ.

و فيه: أنّه غير ناهض «3» لإثباته، للجملة الخبريّة، و يؤيّده ظهور السؤال في الاستحباب، فكذا الجواب ليتمّ المطابقة.

و للحلّي، فأنكر الاستحباب أيضا «4»، و لعلّه للأصل، بناء على أصله في الآحاد.

و هل يبطل الإحرام الأول فيكون المعتبر منه هو الثاني؟ أم لا، فيكون المعتبر هو الأول؟

الظاهر هو: الثاني، لعدم دليل على بطلان الأول أو إبطاله، و لاستصحابه، و لمطلقات وجوب الكفّارة لمن ارتكب ما فيه الكفّارة بعد الإحرام.

و قيل بالأول «5»، لتبادره من الإعادة عرفا، و تصريح الأصوليين بأنّها عبارة عن الإتيان بالشي ء ثانيا بعد الإتيان به أولا لوقوعه على نوع خلل.

و فيه: منع انفهام ذلك عرفا، و الخلل الواقع في تصريح الأصوليين أعمّ من المبطل، و لو سلّم فلا

نسلّم كونه كذلك في عرف الشارع و اللغة،

______________________________

(1) الكافي 4: 327- 5، التهذيب 5: 78- 260، الوسائل 12: 347 أبواب الإحرام ب 20 ح 1.

(2) حكاه العلّامة عن ابن الجنيد في المختلف: 264.

(3) في نسخة في «ح»: ناصّ.

(4) السرائر 1: 532.

(5) كما في الرياض 1: 365.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 274

بل وردت الإعادة في كثير من المواقع التي لم يبطل فيها الأصل.

ثمّ إنّه تظهر ثمرة الخلاف في وجوب الكفارة للمتخلّل بين الإحرامين، و احتساب الشهر بين العمرتين، و العدول إلى عمرة التمتّع لو وقع الثاني في أشهر الحجّ.

و منها: أن يكون إحرامه عقيب الصلاة،

و لا خلاف في رجحانه، بل هو إجماع مقطوع به، و تدلّ عليه معه المستفيضة من الصحاح و غيرها «1».

و المشهور أنّه على الاستحباب، و الأصل معهم.

و عن الإسكافي «2»: الوجوب، و ظاهر أكثر الأخبار معه، إلّا أنّ شذوذه- بل مخالفته للإجماع المحقّق بالحدس، لعدم قدح مخالفة النادر فيه- أوجب صرفه عن ظاهره.

بل هنا أمر آخر، و هو: أنّ جميع الأخبار المتضمّنة لما ظاهره الوجوب واردة على أمر لا يقول أحد بوجوبه بخصوصه من فريضة مخصوصة أو نافلة كذلك، بل لا يخلو شي ء من الخصوصيات من معارض من النصوص، فبعضها أمر بما بعد المكتوبة، و آخر بما بعد ستّ ركعات، و ثالث بالأربع، و رابع باثنتين، مع أنّه صرّح في آخر رواية عمر بن يزيد بأنّه: «واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو دبر نافلة أو ليل أو نهار» «3».

فلا يمكن إثبات وجوب شي ء، بل يرجع فيه إلى الأصل.

قالوا: و الأفضل أن يكون بعد الصلاة المكتوبة، أي الخمس

______________________________

(1) الوسائل 12: 344 أبواب الإحرام ب 18.

(2) حكاه عنه في المختلف: 264.

(3) التهذيب 5: 169- 561،

الإستبصار 2: 252- 886، الوسائل 12: 345 أبواب الإحرام ب 18 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 275

اليوميّة «1»، و منها صلاة الظهر.

و احتجّ للأول بصحيحة ابن عمّار: «لا يكون إحرام إلّا في دبر صلاة مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم، و إن كانت نافلة صلّيت ركعتين و أحرمت في دبرهما» الحديث «2».

و الأخرى: «صلّ المكتوبة، ثم أحرم بالحجّ أو المتعة، و اخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء» «3».

و ثالثة: «إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة الفريضة فصلّ ركعتين ثم أحرم في دبرها» «4».

و رواية الكناني: لو أنّ رجلا أحرم في دبر صلاة غير مكتوبة أ كان يجزئه ذلك؟ قال: «نعم» «5».

و موثّقة ابن فضّال: في الرجل يأتي ذا الحليفة أو بعض الأوقات بعد صلاة العصر أو في غير وقت صلاة، قال: «لا، ينتظر حتى تكون الساعة التي يصلّي فيها» «6».

و رواية إدريس: عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر، كيف يصنع؟ قال: «يقيم إلى المغرب»، قلت: فإن أبى جمّاله أن يقيم عليه؟

______________________________

(1) انظر المقنعة: 396، و النهاية: 212، و الرياض 1: 365.

(2) الكافي 4: 331- 2، الفقيه 2: 206- 939، التهذيب 5: 77- 253، الإستبصار 2: 166- 548، الوسائل 12: 340 أبواب الإحرام ب 16 ح 1.

(3) الكافي 4: 334- 14، الوسائل 12: 344 أبواب الإحرام ب 18 ح 1.

(4) التهذيب 5: 78- 258، الإستبصار 2: 166- 546، الوسائل 12: 345 أبواب الإحرام ب 18 ح 5.

(5) الكافي 4: 333- 10، التهذيب 5: 77- 254، الإستبصار 2: 166- 547، الوسائل 12: 345 أبواب الإحرام ب 18 ح 2.

(6) الفقيه 2: 208- 945، الوسائل 12: 347 أبواب الإحرام ب 19

ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 276

قال: «ليس له أن يخالف السنّة»، قلت: له أن يتطوّع بعد العصر؟ قال: «لا بأس به، و لكن أكرهه للشهرة، و تأخير ذلك أحبّ إليّ»، قلت: كم أصلّي إذا تطوّعت؟ قال: «أربع ركعات» «1».

و للثاني: بالتأسّي بالنبيّ صلّى اللَّه عليه و آله، حيث إنّه أحرم بعد صلاة الظهر، كما في صحيحة الحلبي «2» و غيرها «3».

و بصحيحة أخرى للحلبي: «لا يضرّك بليل أحرمت أو نهار، إلّا أنّ أفضل ذلك عند زوال الشمس» «4».

و صحيحة ابن عمّار: «إذا كان يوم التروية إن شاء اللَّه فاغتسل» إلى أن قال: «ثم صلّ ركعتين في مقام إبراهيم أو في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصلّ المكتوبة، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة، و أحرم بالحجّ» الحديث «5».

أقول: يرد على أدلّة الأول بعدم دلالة الأخيرة، لجواز أن تكون أولوية التأخير إلى وقت الفريضة، لما ذكره فيها من كون التطوّع حينئذ موجبا للشهرة و محلّا للتقيّة.

و منه يظهر عدم دلالة ما قبلها أيضا، مضافا إلى احتمال أن يكون

______________________________

(1) التهذيب 5: 78- 259، الوسائل 12: 346 أبواب الإحرام ب 19 ح 3.

(2) التهذيب 5: 78- 255، الإستبصار 2: 167- 549، الوسائل 12: 338 أبواب الإحرام ب 15 ح 3.

(3) الكافي 4: 332- 4، الفقيه 2: 207- 940، الوسائل 12: 339 أبواب الإحرام ب 15 ح 5.

(4) الكافي 4: 331- 1، التهذيب 5: 78- 256، الوسائل 12: 338 أبواب الإحرام ب 15 ح 1.

(5) الكافي 4: 454- 1، التهذيب 5: 167- 557، الوسائل 12: 408 أبواب الإحرام ب 52 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 277

المراد بوقت

الصلاة فيها أعمّ من وقت الفريضة و التطوّع، أي الوقت الذي لا يكره فيه التطوّع عند الناس.

و كذا اللتين ما قبلهما، فإنّه لا دلالة لهما على أفضليّة وقت الفريضة و ما بعدها، و إن كان سؤال السائل في أوليهما يشعر بذلك، و لكنّه ليس بحجّة.

فلم تبق إلّا الأوليين، و ثانيهما لا تفيد العموم، لأنّها مخصوصة بغير إحرام المتمتّع للحجّ في مكّة، لقوله: «حتى تصعد البيداء»، بل و كذا أوليهما كما يظهر من ذيلها.

مع أنّهما معارضتان بما يأتي من الأخبار الدالّة على أفضليّة إحرام المتمتّع للحجّ يوم التروية، و على أفضليّة إيقاع صلاة الظهر مطلقا أو للإمام في منى، فالتعميم ليس بجيّد.

و منه يظهر ما في أدلّة الثاني من التعميم، مع كون إحرام الرسول بعد صلاة الظهر في غير مكّة، كما يظهر من الصحيحة «1».

مضافا إلى ما في التمسّك بالتأسّي من المعارضة بصحيحة الحلبي المتضمّنة لإحرام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، و فيها: فسألته متى ترى أن نحرم؟

فقال: «سواء عليكم، إنّما أحرم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله صلاة الظهر، لأنّ الماء كان قليلا، كأن يكون في رءوس الجبال فيهجر الرجل إلى مثل ذلك في الغد و لا يكاد يقدرون على الماء، و إنّما أحدثت هذه المياه حديثا» «2».

فإنّها تدلّ على التسوية بالنسبة إلينا، و الحمل على التسوية في

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 276.

(2) الكافي 4: 332- 4، الفقيه 2: 207- 940، الوسائل 12: 339 أبواب الإحرام ب 15 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 278

الإجزاء دون الفضيلة خلاف الظاهر، مع أنّه كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أيضا مساويا في الإجزاء.

و إلى ما في التمسّك بالصحيحة الأخرى «1» من

أنّها إنّما تدلّ على الأفضليّة عند الزوال لا بعد صلاة الظهر، إلّا أن ينضمّ معه ما مرّ من الأفضليّة بعد الفريضة أيضا.

و حينئذ و إن ثبتت الأفضليّة بعد صلاة الظهر منها- و أوجب ذلك حمل التسوية في الأولى على ما قيل من الإجزاء، أو على محمل آخر- و لكن يعارض عمومها ما أشير إليه من أخبار أفضليّة صلاة الظهر للمتمتّع بمنى «2».

و على هذا، فالظاهر ما ذكروه، و لكن في غير إحرام الحجّ للمتمتّع.

ثم لو لم يكن وقت فريضة و أراد الإحرام، يستحبّ أن يصلّي صلاة الإحرام، و هي ستّ ركعات.

لرواية أبي بصير: «تصلّي للإحرام ستّ ركعات تحرم في دبرها» «3».

و موثّقته، و فيها: «ثم ائت المسجد الحرام فصلّ فيه ستّ ركعات قبل أن تحرم» الحديث «4».

و الأقلّ منها أربع، لرواية إدريس المتقدّمة «5». و الأقلّ منها ركعتان،

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 276.

(2) كما في الوسائل 11: 291 أبواب أقسام الحج ب 20.

(3) التهذيب 5: 78- 257، الإستبصار 2: 166- 545، الوسائل 12: 345 أبواب الإحرام ب 18 ح 4.

(4) التهذيب 5: 168- 559، الإستبصار 2: 251- 881، الوسائل 11: 340 أبواب المواقيت ب 21 ح 4.

(5) في ص: 275.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 279

للصحاح الثلاث المتقدّمة لابن عمّار «1».

بل و ظاهر الأخبار «2» استحباب صلاة الإحرام مطلقا، سواء كانت الستّ أو الأقلّ و لو أحرم بعد الفريضة أيضا، كما نسب إلى ظاهر أكثر الأصحاب «3».

و هل يقدّم صلاة الإحرام مع عدم ضيق وقت الفريضة، أو يعكس؟

المشهور:- كما قيل «4»- الأول، و هو الأظهر، لصحيحة ابن عمّار الأخيرة «5»، المصرّحة بتقديم الركعتين في المقام أو الحجر، و الرضوي- المنجبر بالشهرة المحكية، بل المحقّقة-: «فإن

كان وقت فريضة فصلّ هذه الركعات قبل الفريضة ثم صلّ الفريضة» «6».

و عن الجمل و العقود و المهذّب و الإشارة و الوسيلة و الغنية:

العكس «7».

لعموم: «لا نافلة في وقت فريضة» «8».

و لأن يقع الإحرام دبر صلاته، فإنّ المتبادر منه التعقيب بلا فاصلة.

و يضعّف الأول: بما مرّ في موضعه من جواز النافلة في وقت

______________________________

(1) انظر ص: 275.

(2) الوسائل 12: 344، 346 أبواب الإحرام ب 18 و 19.

(3) انظر الرياض 1: 365.

(4) انظر كشف اللثام 1: 311.

(5) الكافي 4: 454- 1، التهذيب 5: 167- 557، الوسائل 12: 408 أبواب الإحرام ب 52 ح 1.

(6) فقه الرضا «عليه السّلام»: 216، مستدرك الوسائل 9: 170 أبواب الإحرام ب 13 ح 2.

(7) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 227، المهذّب 1: 215، الإشارة: 107، الوسيلة: 161، الغنية (الجوامع الفقهية): 565.

(8) الوسائل 4: 226 أبواب المواقيت ب 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 280

الفريضة، خصوصا مع خصوصيّة دليل تقديم صلاة الإحرام، و تصريح بعض الأخبار من أنّها من الصلوات التي تصلّى في كلّ وقت «1».

و الثاني: بالمعارضة بما دلّ على أفضليّة إيقاعه دبر الفريضة مع أصحيّته و أكثريته، فيحمل الدبر في القسمين على المعنى الأعم.

و يستحبّ أن يقرأ في أولى ركعات الإحرام بالحمد و التوحيد، و في الثانية بالحمد و الجحد، للتصريح به في بعض الصحاح «2»، و هو و إن لم يفد ذلك الترتيب إلّا بحسب الترتيب الذكري الذي هو في الإفادة قاصر، إلّا أنّه يستفاد الترتيب من المرسلة المرويّة في الكافي و التهذيب، المذكورة بعد الصحيح المذكور بقوله: و في رواية أخرى أنّه «يبدأ في هذا كلّه ب: قل هو اللَّه أحد، و في الركعة الثانية ب: قل يا

أيّها الكافرون، إلّا في الركعتين قبل الفجر» الحديث «3».

______________________________

(1) انظر الوسائل 12: 346 أبواب الإحرام ب 19.

(2) كما في الوسائل 12: 346 أبواب الإحرام ب 19.

(3) الكافي 3: 316- 22، التهذيب 2: 74- 273، 284، الوسائل 6: 65 أبواب القراءة في الصلاة ب 15 ح 1، 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 281

البحث الثاني في واجباته
اشاره

و هي أيضا أمور:

الأول: النيّة.
اشاره

قالوا: و يجب فيها قصد الفعل و القربة، بلا خلاف و لا إشكال، و ظهر وجهه في كتاب الطهارة و الصلاة، و كذا قصد المميّز إن أمكن وقوع الفعل على وجوه، كالأصالة، و النيابة، و الندب، و الوجوب، إذا لم يكن مميّز خارجي، كما إذا كانت عليه نيابة موسّعة أو واجب موسّع، إذ مع الضيق لا يمكن وقوع الفعل إلّا على تلك الجهة، فيكون هو المميّز.

و منه يظهر عدم لزوم قصد حجّة الإسلام، إذ مع وجوبها لا يمكن وقوع غيرها.

و كذا يجب قصد الجنس من الحجّ و العمرة، و النوع من التمتّع أو القران أو الإفراد.

لا لتوقّف التميّز عليه، لحصوله بما ينضمّ إليه من باقي النسك، و عدم وجوب التميّز الابتدائي، كما مرّ في موضعه.

بل قد يقال: بعدم اعتبار التميّز هنا أيضا، لأنّ النسكين في الحقيقة غايتان للإحرام غير داخلين في حقيقته، و لا يشترط تعيين الغاية، لعدم اختلاف حقيقة الفعل و لا آثاره و لا لوازمه باختلاف الغايات.

و لكنّه غير جيّد، لمنع كون الإحرام خارجا عن النسكين مأمورا به

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 282

بأمر أصلي على حدة، فيكونا غايتين له، بل هو جزء من كلّ منهما مأمورا به بتبعية الأمر بهما، مضافا إلى منع عدم اختلاف الآثار و اللوازم باختلاف الغايات، فيمكن أن يكون لإحرام الحجّ أجر و لإحرام العمرة أجر آخر.

بل للصحاح و غيرها من المستفيضة المتقدّمة «1» في بيان خصائص التمتّع، المصرّحة بوجوب قصد المتعة المسرية إلى سائر الأنواع بعدم القول بالفصل، المعتضدة بأخبار دعاء حال الإحرام «2»، المتضمّنة لتعيينه.

و لو نوى نوعا و نطق بغيره عمدا أو سهوا فالمعتبر المنوي، لأنّ النيّة أمر قلبي و

لا اعتبار بالنطق، و صرّح به في بعض الصحاح «3» أيضا.

و لو أخلّ بالنيّة عمدا أو سهوا لم يصحّ إحرامه، بلا خلاف فيه بين علمائنا كما في المدارك «4»، لفوات الكلّ أو المشروط بفوات الجزء أو الشرط.

هذا بيان المقام على ما هو الموافق لكلام القوم.

و أقول: إنّ مرادهم بالنيّة المذكورة في هذا المقام إن كان نيّة نفس الإحرام، فإنّا نراهم يقولون: إنّ الإحرام هنا بمنزلة الإحرام في الصلاة، و إنّ التلبية هنا قائمة مقام التكبيرة، و نراهم لا يوجبون نيّة إحرام للصلاة زائدة على نيّة الصلاة، مع أنّه ورد في الأخبار «5» الإحرام بالصلاة متكرّرا كوروده في العمرة و الحجّ، فما وجه الفرق بينهما؟!

______________________________

(1) انظر الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحجّ ب 2.

(2) كما في الوسائل 12: 340 أبواب الإحرام ب 16.

(3) التهذيب 5: 76- 261، الإستبصار 2: 167- 551، الوسائل 12: 342 أبواب الإحرام ب 17 ح 1.

(4) المدارك 7: 259.

(5) الوسائل 12: 340 أبواب الإحرام ب 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 283

و إن كان نيّة أحد النسكين فهو لا يلائم ما ذكروه من نيّة الإحرام زائدة على نيّة التمتّع، و لا قولهم: إنّ النسكين غايتان للإحرام و لا يشترط تعيين الغاية في نيّة الفعل.

ثم أقول: إن كان مرادهم هو الأول، فلا دليل على وجوبه و اشتراطه أصلا، و الأخبار كلّها واردة في نيّة العمرة أو الحجّ أو المتعة، و الأصل ينفيه.

فإن قيل: الإحرام فعل من أفعال أحد النسكين مأمور به، فيكون عبادة محتاجة إلى النيّة.

قلنا: لا نسلّم أنّ الإحرام فعل غير التلبّس بأحد النسكين و الشروع فيه مطلقا، أو بما تحرم معه محظورات الحجّ و العمرة من أجزائهما، فهو لفظ معناه

أحد الأمرين، لا أنّه أمر آخر و جزء مأمور به بنفسه من حيث هو، و لذا تكفي نيّة الصلاة عن نية إحرامها و تكبيرتها، مع أنّه أيضا ممّا ورد به الأمر في الأخبار.

فمعنى الإحرام: الشروع أو الدخول في أحد النسكين إمّا مطلقا أو مقيّدا بما ذكر، فنيّته تكفي عن نيّته.

و معنى غسل الإحرام و ثوب الإحرام و نحو ذلك: غسل الدخول في الحجّ، و مثلا: الثوب الذي يجب لبسه في التلبّس بالحجّ.

و معنى عدم جواز تجاوز الميقات إلّا محرما: أي إلّا متلبّسا بالحجّ مثلا.

و إن كان مرادهم هو الثاني، فهو كذلك، و هو الذي تدلّ عليه الأخبار «1»، كقوله: «يهلّ بالحجّ»، أو: «يفرض الحجّ»، أو: «ينوي المتعة» و غير ذلك.

______________________________

(1) الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحجّ ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 284

و أصرح من الجميع صحيحة ابن عمّار الواردة في حجّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله، و فيها:

«فلمّا انتهى إلى ذي الحليفة فزالت الشمس اغتسل، ثم خرج حتى أتى المسجد الذي هو عند الشجرة فصلّى فيه الظهر، ثم عزم على الحجّ مفردا، و خرج حتى انتهى إلى البيداء عند الميل الأول، فصفّ له سماطان، فلبّى بالحجّ» الحديث «1».

و في صحيحة الحلبي الواردة فيه: «و أحرم الناس كلّهم بالحجّ لا ينوون عمرة» الحديث «2».

و لكن لا يحسن حينئذ جعل أحد النسكين غاية الإحرام، إلّا أنّ ذلك شي ء قاله بعض متأخّري المتأخّرين «3».

و يمكن أن يكون مراد الباقين أيضا من نيّة الإحرام هو: النيّة الحاصل بها الإحرام و الدخول في النسك.

ثم إنّه على أن لا يكون المراد منه غير نيّة الحجّ أو العمرة لا يشترط في تلك النيّة غير تصوّر أفعال أحدهما مجملا

أو مفصّلا، و لو اعتبر نيّة الإحرام يعتبر تصوّر معناه و أفعاله، بل تصوّر محظوراته و لو بالإجمال، على أن يكون المراد بالإحرام: تحريم هذه الأشياء، أو فعل يحرم معه هذه الأشياء.

و أمّا لو كان المراد نيّة الحجّ أو العمرة فلا يشترط ذلك و إن لزم تحريم هذه الأمور بالدخول في أحدهما، كما لا يشترط تصوير منافيات الصلاة حال نيّتها، و إن حرمت بالدخول في الصلاة.

و قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ جعلنا الإحرام فعلا ثم النيّة و اللبس و التلبية من

______________________________

(1) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، مستطرفات السرائر: 22- 3، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 4: بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 248- 6، الفقيه 2: 153- 665، العلل: 412- 1، الوسائل 11:

222 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 14.

(3) قاله في الرياض 1: 366.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 285

أفعاله و المحظورات من تروكه إنّما هو جري على الطريقة المجرية عليها، و إلّا كان المناسب أن تجعل النيّة من أحد أفعال العمرة- مثلا- و اللبس واحدا و التلبية واحدا و الطواف واحدا، إلى آخر الأفعال، و تجعل المحظورات محظورات المعتمر، و هكذا في الحجّ.

و يستحبّ في النيّة أمران:
الأول: أن يتلفّظ بما يعزم عليه و ينويه

، للأخبار المستفيضة:

كصحيحة ابن عمّار، و فيها: «و إذا انفتلت من صلاتك فاحمد اللَّه و أثن عليه و صلّ على النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله، و قل: اللَّهمّ إنّي أسألك» إلى أن قال:

«اللَّهمّ إنّي أريد التمتّع بالعمرة إلى الحجّ على كتابك و سنّة نبيّك، فإن عرض لي شي ء يحبسني فحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ، اللَّهمّ إن لم يكن حجّة فعمرة، أحرم لك شعري و بشري و لحمي و دمي و عظامي

و مخّي و عصبي من النساء و الثياب و الطيب، أبتغي بذلك وجهك و الدار الآخرة»، قال: «و يجزئك أن تقول هذا مرّة واحدة حتى تحرم، ثم قم فامش هنيهة، فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلبّ» «1».

و صحيحة حمّاد: قلت له: إنّي أريد أن أتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، كيف أقول؟ قال: «تقول: اللَّهمّ إنّي أريد أن أتمتّع بالعمرة إلى الحجّ على كتابك و سنّة نبيّك صلّى اللَّه عليه و آله، و إن شئت أضمرت التي تريد» «2»، و نحوها رواية أبي الصباح «3».

______________________________

(1) الكافي 4: 331- 2، الفقيه 2: 206- 939، التهذيب 5: 77- 253، الإستبصار 2: 166- 548، الوسائل 12: 340 أبواب الإحرام ب 16 ح 1.

(2) الكافي 4: 332- 3، الفقيه 2: 207- 941، التهذيب 5: 79- 261، الإستبصار 2: 167- 551، الوسائل 12: 342 أبواب الإحرام ب 17 ح 1.

(3) التهذيب 5: 79- 262، الإستبصار 2: 167- 552، الوسائل 12: 343 أبواب الإحرام ب 17 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 286

و صحيحة ابن سنان: «إذا أردت الإحرام و التمتّع فقل: اللَّهمّ إنّي أريد ما أمرت به من التمتّع بالعمرة إلى الحجّ فيسّر ذلك لي و تقبّله منّي و حلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ، أحرم لك شعري و بشري من النساء و الطيب و الثياب، فإن شئت فلبّ حين تنهض، و إن شئت فأخّره حتى تركب» الحديث «1».

و لا يخفى أنّ استحباب ذلك مخصوص بالحجّ و العمرة، فإنّ غيرهما من العبادات لا يستحبّ التلفّظ بالمنويّ فيه، قال بعض شرّاح المفاتيح:

يمتاز الحجّ من بين سائر العبادات باستحباب التلفّظ بما ينوي و يعزم عليه.

ثم إنّ ذلك غير

ما يستحبّ زيادته في التلبية من قولك: لبّيك بحجّة و عمرة، و نحوه، و ليس هو التلفّظ بما يحرم، بل هو دعاء مستحبّ.

و قد فسّر بعض شرّاح النافع «2» قول المصنّف- و التلفّظ بما يعزم عليه- بما يذكر في التلبية، و استدلّ برواياته، و ليس بجيّد، و لذا عدّهما في المدارك و المفاتيح «3» أمرين، و ذكر الأول في الأخبار المذكورة قبل التلبّي.

الثاني: أن يشترط عند إحرامه أن يحلّه من إحرامه حيث منعه مانع

من الإتمام و أن يتمّه عمرة إن لم يتيسّر له حجّة، و لا خلاف في استحبابه كما صرّح به غير واحد «4»، بل صرّح جماعة بالإجماع أيضا «5».

______________________________

(1) التهذيب 5: 79- 263، الإستبصار 2: 167- 553، الوسائل 12: 341 أبواب الإحرام ب 16 ح 2.

(2) انظر الرياض 1: 371.

(3) المدارك 7: 298، 299، المفاتيح 1: 314.

(4) كما في الذخيرة: 584، و الرياض 1: 371.

(5) منهم السيّد المرتضى في الإنتصار: 105، الفاضل المقداد في التنقيح 1: 465، الفيض في المفاتيح 1: 312، صاحب الحدائق 15: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 287

و تدلّ عليه الصحاح المستفيضة كما مرّت طائفة منها، و يتأدّى بكلّ لفظ أفاد المراد عملا بالإطلاق، كما صرّح به في المنتهى «1» و غيره «2»، و إن كان باللفظ المنقول في إحدى الصحاح المتقدّمة أولى، و لا يتأدّى المستحبّ بنيّة الاشتراط من دون التلفّظ به، بل لا اعتداد بها، للأصل.

و قد وقع الخلاف في فائدة هذا الاشتراط بعد الاتّفاق على أنّه حلّ إذا حبس، اشترط أو لم يشترط، كما نطقت به بعض النصوص، (فبعض قال بأنّها) «3»: التحلّل عند الحبس من دون هدي، و تعجيل التحليل قبل بلوغ الهدي محلّه، و بأنّها: سقوط الحجّ من قابل، و بأنّها: استحقاق الثواب

و التعبّد، و اللَّه سبحانه أعلم.

الثاني: لبس الثوبين.
اشاره

و هما واجبان بلا خلاف يعلم، كما في المنتهى و الذخيرة و الكفاية «4»، بل هو مقطوع به في كلام الأصحاب، كما في المدارك «5»، بل إجماعي، كما عن التحرير «6» و في المفاتيح «7» و شرحه، بل إجماع محقّق، و تدلّ عليه معه الأخبار المستفيضة:

كصحيحة [ابن ] عمّار: «إذا انتهيت إلى العقيق من قبل العراق أو إلى

______________________________

(1) المنتهى 2: 680.

(2) كالحدائق 15: 101، الرياض 1: 371.

(3) بدل ما بين القوسين في «ح»: فتبين فائدة ..

(4) المنتهى 2: 681، الذخيرة: 580، الكفاية: 58.

(5) المدارك 7: 274.

(6) التحرير 1: 96.

(7) المفاتيح 1: 313.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 288

الوقت من هذه المواقيت و أنت تريد الإحرام إن شاء اللَّه فانتف إبطيك، و قلّم أظفارك، و أطل عانتك، و خذ من شاربك، و لا يضرّك بأيّ ذلك بدأت، ثم استك، و اغتسل، و البس ثوبيك، و ليكن فراغك من ذلك إن شاء اللَّه عند زوال الشمس، و إن لم يكن عند زوال الشمس فلا يضرّك، غير أنّي أحبّ أن يكون عند زوال الشمس» «1».

و الأخرى الواردة في إحرام الحجّ: «إذا كان يوم التروية فاغتسل، و البس ثوبيك» «2»، و قد مرّت بتمامها في مقدّمة الإحرام.

و الثالثة الواردة فيه أيضا، و فيها: «إذا أردت أن تحرم يوم التروية» إلى أن قال: «و اغتسل، و البس ثوبيك، ثم ائت المسجد الحرام، فصلّ فيه ستّ ركعات قبل أن تحرم» الحديث «3».

و صحيحة هشام، و فيها: «فاغسلوا بالمدينة، و البسوا ثيابكم التي تحرمون فيها» الخبر «4».

و في صحيحة ابن وهب: «إن شئت استمتعت بقميصك حتى تأتي الشجرة، فتفيض عليك من الماء، و تلبس ثوبيك إن

شاء اللَّه» «5»، إلى غير ذلك.

و لا يضرّ ورود بعض الأوامر في تلو الأوامر المستحبّة، و لا وقوع

______________________________

(1) الكافي 4: 326- 1، الفقيه 2: 200- 914، الوسائل 12: 339 أبواب الإحرام ب 15 ح 6.

(2) الكافي 4: 454- 1، التهذيب 5: 167- 557، الوسائل 12: 408 أبواب الإحرام ب 52 ح 1.

(3) الكافي 4: 454- 2، التهذيب 5: 168- 559، الوسائل 12: 409 أبواب الإحرام ب 52 ح 2.

(4) الكافي 4: 328- 7، الفقيه 2: 201- 918، التهذيب 5: 63- 202، الوسائل 12: 326 أبواب الإحرام ب 8 ح 1.

(5) التهذيب 5: 64- 203، الوسائل 12: 325 أبواب الإحرام ب 7 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 289

بعض آخر بالجملة الخبرية، لأنّ خروج جزء من الخبر عن حقيقته بدلالة خارجية لا يوجب خروج الآخر، و لأنّ الإجماع و سائر الأوامر قرائن على إرادة الوجوب من الخبرية.

و الظاهر- كما ذكره في الذخيرة «1»- أنّ محلّ لبسهما قبل عقد الإحرام، أي نيّة الحجّ أو العمرة، لا لئلّا يكون بعده لابسا للمخيط، لعدم التلازم بينهما، بل لصحيحتي ابن عمّار الأخيرتين، المؤيّدتين بالأولى منها أيضا و بغيرها من الأخبار «2» أيضا.

و هل لبسهما من شرائط صحّة الإحرام، بمعنى: أنّه ما لم يلبسهما لم يكن داخلا في الحجّ أو العمرة و إن نوى أحدهما، كما أنّ من ينوي الصلاة ليس داخلا فيها ما لم يشرع في فعل آخر، أو لم تكن التلبية الغير المسبوقة به محرّمة لما يحرم بالإحرام؟

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 11    289     الثاني: لبس الثوبين. ..... ص : 287

لا، بل يدخل في النسك بمجرد النيّة، و يحرم عليه بالتلبية ما يحرم و

إن لم يسبق به إلّا أن يكون واجبا مأثوما تاركه؟

حكي الأول عن ظاهر الإسكافي «3»، و ليس كذلك، فإنّ كلامه لا يفيد سوى اشتراط التجرّد، و هو أعمّ من اشتراط اللبس.

و الثاني مصرّح به في كلام جماعة، كالمقداد و الشهيد الثاني و سبطه و الذخيرة «4»، و جماعة ممّن تأخّر عنهم «5»، بل نسب إلى ظاهر الأصحاب «6»،

______________________________

(1) الذخيرة: 580.

(2) الوسائل 12: 408 أبواب الإحرام ب 52.

(3) حكاه عنه في المختلف: 264، و الرياض 1: 368.

(4) المقداد في التنقيح 1: 460، الشهيد الثاني في المسالك 1: 105، و سبطه في المدارك 7: 274، الذخيرة: 580.

(5) كصاحبي الحدائق 15: 78، و الرياض 1: 368.

(6) كما في الدروس 1: 345.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 290

و هو الأقوى، لأنّ المراد بالإحرام إمّا هو الشروع في الحجّ أو العمرة و الدخول فيه، فقد تحقّق بعزمه و نيّته، أو صيرورته بحيث تحرم عليه المحظورات المعهودة، فلا يتحقّق إلّا بالتلبية.

و الأصل- الموافق لإطلاقات التحريم بالتلبية- عدم اشتراطها بمسبوقية اللبس، و إن كان الإحرام بنفسه أيضا فعلا مأمورا به من حيث هو هو، كما هو ظاهر كلماتهم، فالأصل عدم كون اللبس جزءا منه حتى تنتفي صحّته بانتفائه.

و قد يستدلّ أيضا بمثل صحيحة ابن عمّار: في رجل أحرم و عليه قميصه، فقال: «ينزعه و لا يشقّه، و إن كان لبسه بعد ما أحرم شقّه [و أخرجه ] ممّا يلي رجليه» «1».

حيث إنّ الإخراج من قبل الرجل للتحرّز عن ستر الرأس، فإذا لم يجب لو أحرم مع القميص يعلم أنّه لم ينعقد إحرامه المحرّم لستر الرأس.

و فيه نظر، لجواز أن لا يكون الحكم لما ذكر، بل كان تعبّدا.

فروع:
أ: المراد بالثوبين: الرداء و الإزار،

بلا إشكال فيه كما قيل

«2».

و تدلّ عليه صحيحة ابن سنان، و هي طويلة، و فيها: «فلمّا نزل الشجرة أمر الناس بنتف الإبط و حلق العانة و الغسل و التجرّد في إزار و رداء،

______________________________

(1) الكافي 4: 348- 1، التهذيب 5: 72- 238، الوسائل 12: 488 أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 2، و بدل ما بين المعقوفين في النسخ: أخرج، و ما أثبتناه من المصادر.

(2) انظر الرياض 1: 368.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 291

أو إزار و عمامة يضعها على عاتقه إن لم يكن له رداء» «1».

و في صحيحة محمّد و غيرها: «يلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء» «2».

و في صحيحة ابن عمّار: «و لا سراويل إلّا أن لا يكون إزار» «3».

و في بعض الروايات العامّية عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله: «و لبس إزار و رداء و نعلين» «4».

ب: قالوا: المعتبر من الرداء ما يوضع على المنكبين،

و من الإزار ما يستر العورة و ما بين السرّة إلى الركبتين، و لعلّ الوجه اعتبار صدق الاسم عرفا المتوقّف على ذلك، بل الظاهر في الأول ستر شي ء ممّا بين الكتفين أيضا.

و في التوقيع الرفيع المرويّ في الإحتجاج عن مولانا صاحب الزمان:

«جائز أن يتّزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثا بمقراض و لا إبرة تخرجه عن حدّ المئزر، و غرزه غرزا و لم يعقد و لم يشدّ بعضه ببعض، و إذا غطّى السرّة و الركبتين كليهما فإنّ السنّة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرّة و الركبتين، و الأحبّ إلينا و الأكمل لكلّ أحد شدّه على سبيل المألوفة المعروفة جميعا إن شاء اللَّه» «5».

______________________________

(1) الكافي 4: 249- 7، الوسائل 11: 223 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 15.

(2) الفقيه 2: 218- 997، الوسائل 12:

487 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 7.

(3) الكافي 4: 340- 9، الفقيه 2: 218- 998، الوسائل 12: 473 أبواب تروك الإحرام ب 35 ح 1.

(4) كما في مسند أحمد 2: 34.

(5) الإحتجاج 2: 485، الوسائل 12: 502 أبواب تروك الإحرام ب 53 ح 3، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 292

ج: كيفيّة لبسهما هي الكيفيّة المعروفة

، فيغطّي بالرداء المنكبين و ما يحويه ممّا بينهما، و هو المراد بالارتداء الوارد في كلام جماعة، و بالإزار ما بين السرّة و الركبتين.

و عن الشيخ و الحلّي و القواعد و المسالك «1» و بعض آخر «2»: التخيير في الرداء بين الارتداء و التوشّح، و هو تغطية أحد المنكبين.

و عن بعض أهل اللغة: التوشّح بالثوب: هو إدخاله تحت اليد اليمنى و إلقاؤه على المنكب الأيسر كما يفعل المحرم «3»، و نحوه في المغرب «4».

و عن الوسيلة «5»: التوشّح من غير ذكر للارتداء. و لا شكّ في ضعف ذلك، لعدم دليل على تعيينه.

و أمّا الجواز، فاستدلّ له بالإطلاق. و في دلالته عليه نظر، لأنّه ليس هناك إطلاق يشمله، و المتبادر من لبس الرداء الارتداء به، كما أنّ المتبادر من لبس العمامة و المنطقة التعمّم و التمنطق.

و هل يجوز عقد الرداء، أم لا؟

فعن الفاضل و الدروس «6» و غيرهما «7»: عدم الجواز، و استدلّ له بموثّقة الأعرج: عن المحرم يعقد إزاره في عنقه؟ قال: «لا» «8».

______________________________

(1) الشيخ في المبسوط 1: 314، الحلي في السرائر 1: 530، القواعد 1: 80، المسالك 1: 107.

(2) كالرياض 1: 368.

(3) المصباح المنير: 661.

(4) المغرب 2: 250.

(5) الوسيلة: 160.

(6) الفاضل في التذكرة 1: 332، الدروس 1: 344.

(7) انظر الرياض 1: 375.

(8) الفقيه 2: 221- 1023، الوسائل 12: 502 أبواب تروك

الإحرام ب 53 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 293

و في دلالتها على التحريم ثم في الرداء نظر، لجواز أن يكون السؤال عن الإباحة دون الجواز بالمعنى الأعم.

و يمكن الاستدلال له بأنّ الظاهر من الأمر بالارتداء المستفاد من لبس الرداء هو: الإلقاء، دون العقد و الشدّ، فإنّه غير الارتداء، فتأمّل.

و أمّا الإزار، فصرّح جماعة بجواز عقده «1»، قال في المنتهى: يجوز للمحرم أن يعقد إزاره عليه، لأنّه يحتاج إليه لستر العورة «2».

أقول: و يدلّ عليه أيضا الأصل، و كونه طريق لبس الإزار، و رواية القدّاح:

«إنّ عليّا عليه السّلام كان لا يرى بأسا بعقد الثوب إذا قصر ثم يصلّي و إن كان محرما» «3».

إلّا أنّ في موثّقة الأعرج المتقدّمة النهي عن عقده في عنقه، و كذا في المرويّ في قرب الإسناد: «المحرم لا يصلح له أن يعقد إزاره على رقبته، و لكن يثنيه على عنقه و لا يعقده» «4».

و لكن المنهيّ فيهما العقد على العنق، و لا بأس به، لكونه غير الطريق المألوف في الاتّزار.

نعم، في التوقيع المتقدّم النهي عن عقده مطلقا، فإذن الأحوط- بل الأظهر- تركه.

د: الظاهر- كما صرّح به جماعة،

منهم: المدارك و الذخيرة «5»

______________________________

(1) منهم الشهيد في الدروس 1: 344، صاحب المدارك 7: 330، السبزواري في الذخيرة: 580.

(2) المنتهى 2: 783.

(3) الكافي 4: 347- 3، الوسائل 12: 502 أبواب تروك الحج ب 53 ح 2.

(4) قرب الإسناد: 241- 953، الوسائل 12: 503 أبواب تروك الإحرام ب 53 ح 5، البحار 10: 254.

(5) المدارك 7: 274، الذخيرة: 580.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 294

و غيرهما «1»- عدم وجوب استدامة اللبس، لصدق الامتثال، و عدم دليل على وجوب الاستمرار.

و تدلّ عليه أيضا مثل رواية الشحّام: عن امرأة

حاضت و هي تريد الإحرام فطمثت، فقال: «تغتسل و تحتشي بكرسف و تلبس ثياب الإحرام و تحرم، فإذا كان الليل خلعتها و لبست ثيابها الآخر حتى تطهر» «2».

ه: صرّح جماعة- منهم:

المبسوط و النهاية و المصباح و مختصره و الإقتصاد و الكافي و الغنية و المراسم و النافع و القواعد و المنتهى و الإرشاد و التحرير و اللمعة و الروضة و المسالك «3» و غيرها «4»- بأنّه يشترط في ثوبي الإحرام كونهما ممّا يصحّ الصلاة فيه، و في الكفاية: أنّه المعروف من مذهب الأصحاب «5»، و في المفاتيح: أنّه لا خلاف فيه «6»، و في شرحه: أنّه اتّفقت عليه كلمات الأصحاب.

و استدلّ له بمفهوم صحيحة حريز: «كلّ ثوب يصلّى فيه فلا بأس بأن يحرم فيه» «7».

______________________________

(1) كالرياض 1: 368.

(2) الكافي 4: 445- 4، التهذيب 5: 388- 1357، الوسائل 12: 400 أبواب الإحرام ب 48 ح 3. و الكرسف: القطن.

(3) المبسوط 1: 319، النهاية: 217، مصباح المتهجّد: 618، الإقتصاد: 301، الكافي في الفقه: 207، الغنية (الجوامع الفقهية): 574، المراسم: 108، النافع:

83، القواعد 1: 80، المنتهى 2: 681، الإرشاد 1: 315، التحرير 1: 96، اللمعة (الروضة 2): 231، المسالك 1: 107.

(4) كالرياض 1: 368.

(5) كفاية الأحكام: 58.

(6) المفاتيح 1: 317.

(7) الكافي 4: 339- 3، الفقيه 2: 215- 976، التهذيب 5: 66- 212، الوسائل 12: 359 أبواب الإحرام ب 27 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 295

و اعترض عليها في جانب الإثبات بالجلود التي تصحّ الصلاة فيها، إذ لا يصدق عليها الثوب.

و في جانب النفي بعدم صراحتها في الحرمة، لأعمّية البأس منها و من الكراهة.

و يرد على الأول: منع عدم صدق الثوب على مطلق الجلود حتى مثل الفرو.

و على

الثاني: منع أعمّية البأس، كما حقّقناه في موضعه.

نعم، يرد عليها: أنّ دلالتها إنّما هي بمفهوم الوصف، و هو غير حجّة على التحقيق، فلا دليل يوجب الخروج عن الأصل، إلّا أن يثبت الإجماع، و هو أيضا مشكل، إذ المحكيّ عن كثير من الأصحاب عدم التعرّض لذلك، إمّا بالكلّية- كالشيخ في الجمل و الحلّي و يحيى بن سعيد- أو لجميع الأفراد، كالسيّد في الجمل و ابن حمزة و المفيد.

نعم، لا شكّ في حرمة لبس المغصوب و الميّتة مطلقا و الحرير للرجل لو قلنا بحرمة لبسه ذلك أيضا.

و يمكن القول بحرمة النجس أيضا، لمفهوم الشرط في صحيحة ابن عمّار: عن المحرم يقارن بين ثيابه و غيرها التي أحرم فيها، قال: «لا بأس بذلك إذا كانت طاهرة» «1».

و لرواية الحلبي الواردة في ثوبي الإحرام: و سألته يغسلها إن أصابها شي ء؟ قال: «نعم، فإذا احتلم فيها فليغسلها» «2».

المؤيدة بصحيحة أخرى لابن عمّار: عن المحرم يصيب ثوبه جنابة،

______________________________

(1) الكافي 4: 340- 9، الوسائل 12: 363 أبواب الإحرام ب 30 ح 2.

(2) التهذيب 5: 70- 230، الوسائل 12: 477 أبواب تروك الإحرام ب 38 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 296

قال: «لا يلبسه حتى يغسله و إحرامه تام» «1».

و أمّا سائر ما يشترط في ثوب الصلاة- من عدم كونه ممّا لا يؤكل لحمه و لا حاكيا- فلا يعرف له مستند ظاهرا، و الأصل يجوّزه، و الأحوط تركه.

و منهم من منع عن كلّ جلد حتى المأكول، لقوله في صحيحة حريز:

«كلّ ثوب»، و الثوب لا يصدق على الجلد.

و فساده ظاهر، إذ دلالتها ليست إلّا بمفهوم اللقب الذي هو من أضعف المفاهيم و لو سلّم عدم صدق الثوب على الجلد، فالأولى الاستناد فيه

إلى قوله في الأخبار المتقدّمة: «و البس ثوبيك» «2».

و: في جواز لبس الحرير المحض للمرأة قولان:
الأول: المنع،

و هو للصدوق و الشيخ في المقنعة و جمل السيّد و الدروس «3»، و نسبه في النافع إلى أشهر الروايتين «4»، للمستفيضة:

كصحيحة عيص: «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين» «5».

و رواية ابن عيينة: ما يحلّ للمرأة أن تلبس و هي محرمة؟ قال:

«الثياب كلّها ما خلا القفازين و البرقع و الحرير»، قلت: تلبس الخز؟ قال:

«نعم»، قلت: فإنّ سداه إبريسم و هو الحرير، قال: «ما لم يكن حريرا

______________________________

(1) الفقيه 2: 219- 1006، الوسائل 12: 476 أبواب تروك الإحرام ب 37 ح 1.

(2) الوسائل 12: 408 أبواب الإحرام ب 52.

(3) المقنع: 72، المقنعة: 396، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3):

66، الدروس 1: 344.

(4) النافع: 83.

(5) الكافي 4: 344- 1، التهذيب 5: 73- 243، الإستبصار 2: 308- 1099، الوسائل 12: 368 أبواب الإحرام ب 33 ح 9، القفّاز- بالضم و التشديد- شي ء يعمل لليدين و يحشى بقطن و يكون له إزار تزرّ على الساعد- مجمع البحرين 4: 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 297

خالصا فلا بأس» «1».

و ما رواه الكليني عن إسماعيل بن الفضل بسند معتبر: عن المرأة هل يصلح لها أن تلبس ثوبا حريرا و هي محرمة؟ قال: «لا، و لها أن تلبسها في غير إحرامها» «2».

و القول- بعدم ظهور: «لا يصلح» في الحرمة- ضعيف، كما بيّناه في العوائد.

و مرسلة ابن بكير: «النساء تلبس الحرير و الديباج إلّا في الإحرام» «3»، و معنى تلبس: أنّه يجوز لها لبسه، فالمنفيّ في المستثنى هو الجواز.

و موثّقة سماعة: عن المحرمة تلبس الحرير، قال: «لا يصلح لها أن تلبس حريرا محضا لا خيط فيه» «4».

و

الصحيح المرويّ عن جامع البزنطي: عن المتمتّع كم يجزئه؟ قال:

«شاة»، و عن المرأة تلبس الحرير؟ قال: «لا» «5».

و الثاني: الجواز،

و هو للمفيد في كتاب أحكام النساء و الحلّي «6»، و أكثر المتأخّرين «7»، للأصل، و الأخبار، كصحيحة حريز المتقدّمة «8».

______________________________

(1) الكافي 4: 345- 6، التهذيب 5: 75- 247، الإستبصار 2: 309- 1101، الوسائل 12: 367 أبواب الإحرام ب 33 ح 3.

(2) الكافي 4: 346- 8، الوسائل 12: 368 أبواب الإحرام ب 33 ح 10.

(3) الكافي 6: 454- 8، الوسائل 4: 379 أبواب لباس المصلّي ب 16 ح 3.

(4) الفقيه 2: 220- 1017، الوسائل 12: 368 أبواب الإحرام ب 33 ح 7.

(5) مستطرفات السرائر: 36، 37، الوسائل 12: 368 أبواب الإحرام ب 33 ح 8.

(6) أحكام النساء (مصنفات الشيخ المفيد 9): 35، السرائر 1: 531.

(7) منهم الشهيد الثاني في الروضة 2: 232، و المسالك 1: 107، السبزواري في الذخيرة: 581، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 315.

(8) في ص: 294.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 298

و صحيحة يعقوب: المرأة تلبس القميص تزرّه عليها و تلبس الحرير و الخزّ و الديباج؟ قال: «نعم، لا بأس به» «1».

و رواية النضر: عن المرأة المحرمة أيّ شي ء تلبس من الثياب؟ قال:

«تلبس الثياب كلّها إلّا المصبوغة بالزعفران و الورس» الحديث [1].

و يجيبون هؤلاء عن الأخبار الأولى بالحمل على الكراهة جمعا، بشهادة صحيحة عبيد اللَّه الحلبي: «لا بأس أن تحرم المرأة في الذهب و الحرير، و ليس يكره إلّا الحرير المحض» «2».

و في آخر موثّقة سماعة المتقدّمة: «إنّما يكره الحرير البهم» [2].

و رواية الأحمسي: عن العمامة السابري فيها علم حرير، تحرم فيها المرأة؟ قال: «نعم، إنّما كره ذلك إذا كان سداه و

لحمته جميعا حريرا» [3].

و في موثّقة أخرى لسماعة، قال: «لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض و هي محرمة» «3».

أقول: و يردّ على الاستشهاد بأعمّية الكراهة في العرف القديم من

______________________________

[1] الكافي 4: 344- 2، التهذيب 5: 74- 244، الوسائل 12: 366 أبواب الإحرام ب 33 ح 2، الورس: نبات أصفر يزرع باليمن، و يصبغ به- المصباح المنير 2:

655.

[2] تقدّمت مصادرها في ص 294. و البهم- بالضم و بضمتين-: الخالص الذي لم يشبه غيره- القاموس المحيط 4: 83.

[3] الكافي 4: 345- 5، الوسائل 12: 369 أبواب الإحرام ب 33 ح 11.

و السابري: ضرب من الثياب الرقاق تعمل بسابور، موضع بفارس- مجمع البحرين 3: 322.

______________________________

(1) التهذيب 5: 74- 246، الإستبصار 2: 309- 1100، الوسائل 12: 366 أبواب الإحرام ب 33 ح 1.

(2) الفقيه 2: 220- 1020، الوسائل 12: 367 أبواب الإحرام ب 33 ح 4.

(3) الكافي 6: 455- 12، الوسائل 4: 380 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 299

الحرمة أيضا، بل أكثر استعمالاتها فيه فيها، و كذا لفظ «لا ينبغي».

و أمّا الحمل لأجل الجمع فيتوقّف على تماميّة دلالة أدلّة الجواز، و هي ممنوعة، لأنّ الأصل لا أثر له في مقابل ما مرّ، و الخطاب في الصحيحة الأولى «1» إلى الرجل حتما أو احتمالا متساويا، و هو غير ما نحن فيه، مع أنّه على فرض الإطلاق تكون عامّة بالنسبة إلى ما تقدّم مطلقة، فيجب تخصيصها به.

و هو الجواب عن الثانية أيضا، فإنّها مطلقة بالنسبة إلى حال الإحرام و غيره، و جعلها ظاهرة الورود في حال الإحرام لا وجه له، إذ لا سبيل إلى ذلك الظهور أصلا.

و كذا الجواب عن الثالثة، لعمومها

بالنسبة إلى الثياب.

فظهر أنّ الأقوى هو القول الأول، و به المعوّل.

ز: يجوز للمحرم أن يلبس أكثر من ثوبين

، بلا خلاف فيه كما في المفاتيح «2» و شرحه، للأصل الخالي عن المعارض، و لصحيحة ابن عمّار الأولى المتقدّمة في الفرع الخامس.

و صحيحة الحلبي: عن المحرم يتردّى بالثوبين؟ قال: «نعم، و الثلاثة إن شاء يتّقي بهما الحرّ و البرد» «3»، و قريبة منها روايته «4».

ح: يجوز له إبدال الثوبين،

للأصل، و صحيحة ابن عمّار: «لا بأس بأن يغيّر المحرم ثيابه، و لكن إذا دخل مكّة لبس ثوبي إحرامه اللذين أحرم

______________________________

(1) الكافي 4: 340- 9، الوسائل 12: 363 أبواب الإحرام ب 30 ح 2.

(2) المفاتيح 1: 317.

(3) الكافي 4: 341- 10، الوسائل 12: 362 أبواب الإحرام ب 30 ح 1.

(4) التهذيب 5: 70- 230، الوسائل 12: 362 أبواب الإحرام ب 30 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 300

فيهما، و كره أن يبيعهما» «1».

و صحيحة الحلبي: «و لا بأس بأن يحوّل المحرم ثيابه» «2».

و في روايته: عن المحرم يحوّل ثيابه؟ قال: «نعم» «3».

و مقتضى الصحيحة الأولى: استحباب الطواف فيهما، كما هو ظاهر الأصحاب أيضا.

ط: إذا لم يكن معه ثوبا الإحرام و كان معه قباء

، جاز له لبسه، بلا خلاف فيه كما كلام جماعة «4»، و في المدارك: أنّ هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب «5»، و عن المنتهى و التذكرة: أنّه موضع وفاق «6»، و في المفاتيح و شرحه: أنّه إجماعي «7».

و تدلّ عليه المعتبرة المستفيضة:

كصحيحة الحلبي: «إذا اضطرّ المحرم إلى القباء و لم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا، و لا يدخل يديه في يدي القباء» «8».

و عمر بن يزيد: «يلبس المحرم الخفّين إذا لم يجد نعلين، و إن لم يكن له رداء أطرح قميصه على عنقه أو قباه بعد أن ينكسه» «9».

______________________________

(1) الكافي 4: 341- 11، الفقيه 2: 218- 1000، التهذيب 5: 71- 233، الوسائل 12: 363 أبواب الإحرام ب 31 ح 1.

(2) الكافي 4: 343- 20، الوسائل 12: 364 أبواب الإحرام ب 31 ح 3.

(3) التهذيب 5: 70- 230، الوسائل 12: 364 أبواب الإحرام ب 31 ح 4.

(4) كما في الرياض 1: 369.

(5) المدارك 7: 277.

(6) المنتهى 2: 683، التذكرة

1: 326.

(7) المفاتيح 1: 318.

(8) التهذيب 5: 70- 228، الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 1.

(9) التهذيب 5: 70- 229، الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 301

و ابن عمّار: «لا تلبس ثوبا له أزرار و أنت محرم إلّا أن تنكسه» «1».

و محمّد: في المحرم يلبس الخفّ إذا لم يكن له نعل؟ قال: «نعم، و لكن يشقّ ظهر القدم، و يلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء، و يقلب ظهره لبطنه» «2».

و رواية الحنّاط: «من اضطرّ إلى ثوب و هو محرم و ليس معه إلّا قباء فلينكسه فليجعل أعلاه أسفله و ليلبسه» «3»، و نحوها صحيحة البزنطي المرويّة في مستطرفات السرائر «4».

و عليّ بن أبي حمزة: «إذا اضطرّ المحرم إلى أن يلبس قباء من برد و لا يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا، و لا يدخل يديه في يد القباء» «5»، و قريبة منها رواية أبي بصير «6».

و المستفاد من هذه الروايات: أنّ الواجب في لبس القباء أن يكون مقلوبا كما في الأولى و الأخيرتين، و منكوسا كما في البواقي غير صحيحة محمّد.

و ظاهر الأول: جعل ظاهره باطنه، كما صرّح به في صحيحة محمّد، و يستأنس له النهي عن إدخال اليد في القباء، إذ لو كان المراد به النكس لم

______________________________

(1) الكافي 4: 340- 9، الفقيه 2: 218- 998، الوسائل 12: 474 أبواب تروك الإحرام ب 36 ح 1.

(2) الفقيه 2: 218- 997، الوسائل 12: 487، 501 أبواب تروك الإحرام ب 44 و 51 ح 7 و 5.

(3) الكافي 4: 347- 5، الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 3.

(4) مستطرفات السرائر:

33- 34، الوسائل 12: 487 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 8.

(5) الفقيه 2: 216- 989، الوسائل 12: 487 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 6.

(6) الكافي 4: 346- 1، الوسائل 12: 487 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 302

يحتج إلى ذلك، لعدم إمكانه حينئذ، و إن جوّز المحقّق الثاني في شرح الشرائع إرادة جعل الأعلى منه أسفل، بل فسّره به في السرائر «1» مبالغا فيه، و تبعه جمع آخر «2».

و ظاهر الثاني: جعل الأعلى أسفل، و إن جوّز في الوافي «3» إرادة جعل الظاهر منه الباطن.

و موافق قاعدة الاستدلال الجمع بين الأمرين، كما صرّح به جماعة «4» و إن جعلوه أحوط أو أكمل، و يحتمل كلام الشرائع «5» إرادة وجوبهما، لإطلاق أخبار كلّ منهما بالآخر، فيجب التقييد به، فالاكتفاء بالأوّل- كبعضهم «6»- أو الثاني- كالآخر «7»- أو التخيير بينهما- كثالث «8»- ليس بجيّد.

ثم إنّه لا شكّ في جواز لبسه إذا فقد ثوبي الإحرام و اضطرّ إلى اللبس أيضا لبرد و نحوه.

و هل يجوز اللبس مع تحقّق أحد الشرطين دون الآخر، أم لا؟

الظاهر: نعم، لتجويز اللبس مع واحد من الشرطين في بعض الروايات «9» الموجب لتخصيص ما يمنعه به.

______________________________

(1) السرائر 1: 543.

(2) انظر القواعد 1: 80، و الدروس 1: 344، و كشف اللثام 1: 315.

(3) الوافي 12: 568.

(4) كما في المسالك 1: 107، و المدارك 7: 279، و الذخيرة: 582، و الرياض 1: 369.

(5) الشرائع 1: 246.

(6) المبسوط 1: 320، النهاية: 218.

(7) السرائر 1: 543، الشرائع 1: 246.

(8) كما في المنتهى 2: 683، المسالك 1: 107، الحدائق 15: 94.

(9) انظر الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 303

و هل الشرط الأول فقد الثوبين معا، كما هو ظاهر كثير «1»، بل نسب إلى مشهور القدماء؟

أو أحدهما، كما عن الشهيد الثاني «2»؟

أو الرداء خاصة، كما عن الشهيدين «3»؟

و في المدارك: الظاهر الأخير «4»، لصحيحتي عمر بن يزيد و محمّد «5»، و بهما يخصّص ما ظاهر إطلاقه أو عمومه غير ذلك.

و هل لبس القباء حينئذ على الرخصة، أو الوجوب؟

ظاهر الأمر في بعض الأخبار المتقدّمة: الثاني.

و ليعلم أنّه ليس للبسه حينئذ فداء- كما صرّح به جماعة «6»- للأصل، إلّا إذا أدخل اليدين في الكمّين، فهو كما إذا لبس مخيطا.

و يستفاد من صحيحة عمر بن يزيد جواز طرح القميص أيضا، و لا بأس به، بل كلّ ثوب آخر إذا كان إليه مضطرّا- و لو للإحرام- إذا كان ما يجوز لبسه له.

فائدة: يكره الإحرام في الثوب الوسخ

، لصحيحة محمّد: الرجل يحرم في الثوب الوسخ؟ فقال: «لا، و لا أقول إنّه حرام و لكن أحبّ أن يطهّره، و طهوره غسله، و لا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحلّ

______________________________

(1) كما في الشرائع 1: 246، و القواعد 1: 80، و المختلف 1: 268، و الرياض 1: 269.

(2) المسالك 1: 107.

(3) اللمعة (الروضة 2): 233.

(4) المدارك 7: 279.

(5) المتقدّمتين في ص: 300 و 301.

(6) التحرير 1: 96، الروضة 2: 233.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 304

و إن توسّخ، إلّا أن يصيبه جنابة أو شي ء فيغسله» «1».

و تثبت منها كراهة غسله قبل الإحلال أيضا و إن توسّخ في أثناء الإحرام، إلّا أن يكون ذلك بشي ء نجس فيطهّره.

و في الثياب السود، لرواية الحسين بن المختار «2»، القاصرة عن إفادة الحرمة، للجملة الخبريّة، فالقول بها- كما عن النهاية و الخلاف

و المبسوط و الغنية و الوسيلة [1]- ضعيف.

و لا يكره المصبوغ، للأصل، و لرواية أبي بصير «3».

و يستحبّ أن يكون قطنا بلا خلاف ظاهر، له، و للتأسّي بالنبيّ صلّى اللَّه عليه و آله، فإنّه أحرم به.

و أن يكون أبيض، لفتوى الأصحاب «4»، و بظاهر الأخبار: يلبس الأبيض.

و كونه خير الثياب و أحسنها و أطهرها و أطيبها.

الثالث: التلبيات الأربع.
اشاره

و وجوبها- بعد نيّة الإحرام للمعتمر و الحاجّ- إجماعي، محقّقا

______________________________

[1] النهاية: 217، الخلاف 2: 298، المبسوط 1: 319، قال في الغنية (الجوامع الفقهية) ص 555: و تكره الصلاة في الثوب المصبوغ و أشدّ كراهة الأسود. و في ص 574: و لا يجوز أن يكونا ممّا لا يجوز الصلاة فيه و يكره أن يكونا ممّا تكره الصلاة فيه. الوسيلة: 163.

______________________________

(1) الكافي 4: 341- 14، الفقيه 2: 215- 980، التهذيب 5: 71- 234، الوسائل 12: 476 أبواب تروك الإحرام ب 38 ح 1.

(2) الكافي 4: 341- 13، الفقيه 2: 215- 983، التهذيب 5: 66- 214، الوسائل 12: 358 أبواب الإحرام ب 26 ح 1.

(3) الفقيه 2: 215- 982، التهذيب 5: 67- 219، الوسائل 12: 482 أبواب تروك الإحرام ب 42 ح 2.

(4) كما في المنتهى 2: 682.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 305

و محكيّا مستفيضا «1»، مدلول عليه بالمستفيضة، بل المتواترة من الأخبار «2»، المتقدّمة كثير منها في المقدّمة التي ذكرناها في أول البحث، و الآتية طائفة أخرى منها فيما يأتي.

و كذا عدم انعقاد الإحرام إلّا بها بالمعنى الثاني، بمعنى: عدم حرمة المحظورات قبلها، فلو نوى و لبس الثوبين و لم يلبّ و فعل شيئا منها لم يرتكب محرّما و لم يلزمه كفّارة بما فعله إجماعا، و نقل الإجماع عليه

أيضا مستفيض «3»، و الأخبار المستفيضة به ناصّة:

كصحيحة حريز: في الرجل إذا تهيّأ للإحرام «فله أن يأتي النساء ما لم يعقد التلبية أو يلبّ» «4».

و البجلي: في الرجل يقع على أهله بعد ما يعقد الإحرام و لم يلبّ، قال: «ليس عليه شي ء» «5».

و الأخرى عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام: أنّه صلّى ركعتين في مسجد الشجرة و عقد الإحرام، ثم خرج فأتي بخبيص فيه زعفران فأكل منه قبل أن يلبّي «6».

و ابن عمّار: «لا بأس أن يصلّي الرجل في مسجد الشجرة و يقول الذي يريد أن يقوله و لا يلبّي، ثم يخرج و يصيب من الصيد و غيره فليس

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 366.

(2) الوسائل 12: 374 أبواب الإحرام ب 36.

(3) كما في الرياض 1: 367.

(4) الكافي 4: 330- 7، التهذيب 5: 316- 1090، الإستبصار 2: 190- 637، الوسائل 12: 336 أبواب الإحرام ب 14 ح 8.

(5) التهذيب 5: 82- 274، الإستبصار 2: 188- 632، الوسائل 12: 333 أبواب الإحرام ب 14 ح 2.

(6) الفقيه 2: 208- 948، التهذيب 5: 82- 275، الإستبصار 2: 188- 633، الوسائل 12: 333 أبواب الإحرام ب 14 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 306

عليه شي ء» «1».

و البختري: في من عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله قبل أن يلبّي، قال: «ليس عليه شي ء» «2».

و مرسلة جميل: في رجل صلّى الظهر في مسجد الشجرة، و عقد الإحرام و أهلّ بالحجّ، ثم مسّ طيبا أو صاد صيدا أو واقع أهله، قال: «ليس عليه شي ء ما لم يلبّ» «3».

و النضر: رجل دخل مسجد الشجرة فصلّى و أحرم، ثم خرج من المسجد فبدا له قبل أن يلبّي أن ينقض ذلك

بمواقعة النساء، أ له ذلك؟

فكتب: «نعم، و لا بأس به» «4».

إلى غير ذلك، كروايات زياد بن مروان «5» و عليّ بن عبد العزيز «6».

و أمّا صحيحة أحمد بن محمّد: في رجل يلبس ثيابه و يتهيّأ للإحرام ثم يواقع أهله قبل أن يهلّ بالإحرام، قال: «عليه دم» «7».

______________________________

(1) التهذيب 5: 82- 272، الإستبصار 2: 188- 631، الوسائل 12: 333 أبواب الإحرام ب 14 ح 1.

(2) الفقيه 2: 208- 946، الوسائل 12: 337 أبواب الإحرام ب 14 ح 13.

(3) الكافي 4: 330- 8، التهذيب 5: 316- 1088، الإستبصار 2: 189- 635، الوسائل 12: 336 أبواب الحجّ ب 14 ح 9.

(4) الكافي 4: 331- 9، الفقيه 2: 208- 950، الوسائل 12: 337 أبواب الإحرام ب 14 ح 12.

(5) الكافي 4: 331- 10، التهذيب 5: 316- 1089، الإستبصار 2: 189- 636، الوسائل 12: 336 أبواب الإحرام ب 14 ح 10.

(6) الكافي 4: 330- 6، الفقيه 2: 208- 947، التهذيب 5: 83- 276، الوسائل 12: 335 أبواب الإحرام ب 14 ح 6، 7.

(7) التهذيب 5: 317- 1091، الإستبصار 2: 190- 638، الوسائل 12: 337 أبواب الإحرام ب 14 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 307

فمع كونها مقطوعة، بالشذوذ مطروحة، أو على الاستحباب أو إرادة الجهر بالتلبية من الإهلال محمولة.

و هل يلزمه تجديد النيّة بعد ذلك؟

مقتضى الأصل و ظاهر أكثر الروايات المتقدّمة: العدم، كما هو ظاهر الأكثر أيضا.

و صرّح في الإنتصار باستئنافها «1»، و استدلّ له بمرسلة النضر و رواية زياد المتقدّمتين، المشتملتين على لفظ النقض.

و فيه: أنّه في كلام الراوي، و مثل ذلك التقرير من الإمام لم يثبت حجّيته، مع أنّ النقض ليس صريحا في وجوب استئناف النيّة

و بطلانها.

و هاهنا مسائل:

المسألة الأولى:

ما ذكرنا- من وجوب التلبيات معيّنة و عدم حصول الإحرام بالمعنى الثاني إلّا بها- إنّما هو لمن لم يسق الهدي- أي المفرد و المتمتّع- و أمّا القارن فهو مخيّر بينها و بين الإشعار أو التقليد، فإن شاء لبّى و عقد إحرامه بها، و إن شاء أشعر أو قلّد و عقد به، على الأقوى الأشهر، بل عن ظاهر الخلاف و الغنية و المنتهى و المختلف «2»: الإجماع عليه، للمستفيضة من الروايات «3».

منها: صحيحة ابن عمّار: «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية،

______________________________

(1) الإنتصار: 96.

(2) الخلاف 2: 290، الغنية (الجوامع الفقهية): 574، المنتهى 2: 676، المختلف: 265.

(3) الوسائل 11: 275 أبواب أقسام الحجّ ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 308

و الإشعار، و التقليد، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم» «1».

و الأخرى: «يقلّدها نعلا خلقا قد صلّيت فيها، و الإشعار و التقليد بمنزلة التلبية» «2».

و ثالثة: في قول اللَّه سبحانه فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَ «و الفرض:

التلبية و الإشعار و التقليد، فأيّ ذلك فعل فقد فرض الحجّ» «3».

و عمر بن يزيد: «من أشعر بدنته فقد أحرم و إن لم يتكلّم بقليل و لا كثير» «4».

و حريز، و فيها: «و لا يشعرها أبدا حتى يتهيّأ للإحرام، فإنّه إذا أشعرها و قلّدها وجب عليه الإحرام، و هو بمنزلة التلبية» «5»، و نحوها رواية جميل «6»، إلى غير ذلك.

خلافا للمحكيّ عن السيّد و الحلّي «7»، فاقتصرا على التلبية، للاقتصار في ما يخالف الأصل على المتيقّن المجمع عليه.

و هو صحيح على القول بعدم حجّية الآحاد كما هو أصلهما، مع أنّها في المقام محفوفة بعمل الأصحاب، بل قيل: مخالفة السيّد أيضا غير معلومة، كما أشار إليه في المختلف

«8».

______________________________

(1) التهذيب 5: 43- 129، الوسائل 11: 279 أبواب أقسام الحجّ ب 12 ح 20.

(2) الفقيه 2: 209- 956، الوسائل 11: 277 أبواب أقسام الحجّ ب 12 ح 11.

(3) الكافي 4: 289- 2، الوسائل 11: 271 أبواب أقسام الحجّ ب 11 ح 2.

(4) التهذيب 5: 44- 130، الوسائل 11: 279 أبواب أقسام الحجّ ب 12 ح 21.

(5) التهذيب 5: 43- 128، الوسائل 11: 279 أبواب أقسام الحجّ ب 12 ح 19.

(6) الكافي 4: 297- 5، الوسائل 11: 276 أبواب أقسام الحجّ ب 12 ح 7.

(7) السيّد في الإنتصار: 102، الحلّي في السرائر 1: 532.

(8) قال به في الرياض 1: 367، و هو في المختلف: 265.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 309

و عن الشيخ في الجمل و المبسوط و القاضي و ابن حمزة: اشتراط الانعقاد بهما بالعجز عن التلبية «1»، و كأنّهم جمعوا بين هذه الأخبار و عمومات التلبية.

و فيه: أنّه ليس بأولى من تخصيص الأخيرة بمن عدا القارن، بل هو أولى، سيّما مع ندرة العاجز عنها، سيّما في الأعراب جدّا، و مع عدم شاهد لذلك الجمع أصلا و وجوده للأول، و هو: اختصاص السوق بالقارن.

ثم المشهور: أنّ القارن لو عقد إحرامه بإحدى هذه الثلاثة كان الإتيان بالآخر مستحبّا له، و فسّره الشهيد الثاني «2»: بأنّه إن بدأ بالتلبية كان الإشعار أو التقليد مستحبّا، و إن بدأ بأحدهما كانت التلبية مستحبّة.

و قال في الدروس: إنّه لو جمع بين التلبية و أحدهما كان الثاني مستحبّا «3»، قيل- بعد نقله عنه-: و يستفاد منه أنّه فسّر ما هو المشهور باستحباب الجمع بين الثلاثة لا بين التلبية و أحدهما كما فهمه الثاني طاب ثراه.

و فيه نظر ظاهر، إذ

الظاهر أنّ مراد الشهيد الثاني: ثاني التلبية و أحدهما، لا ثاني الإشعار و التقليد.

و كيف كان، فيمكن أن يستدلّ لاستحباب الجمع في الجملة برواية يونس، قال: «ثم افرض بعد صلاتك ثم اخرج إليها فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها، ثم انطلق حتى تأتي البيداء فلبّه» «4».

______________________________

(1) الجمل و العقود (الوسائل العشر): 226، المبسوط 1: 307، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 208، ابن حمزة في الوسيلة: 158.

(2) المسالك 1: 106.

(3) الدروس 1: 349.

(4) الكافي 4: 296- 1، الفقيه 2: 210- 958، الوسائل 11: 275 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 2، 3، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 310

و رواية الفضيل بن يسار، و فيها: «و لكن إذا انتهى إلى الوقت فليحرم ثم يشعرها و يقلّدها» «1».

المسألة الثانية:

لا تشترط مقارنة نيّة الإحرام- أي نيّة دخول الحجّ أو العمرة- للتلبية، على الأظهر الأشهر، للأصل، و للمستفيضة المتقدّمة في مقدمة الإحرام «2» و في بيان عدم حرمة المحظورات إلّا بالتلبية.

و تزيد عليها صحيحة ابن سنان: و فيها- بعد ذكر الإحرام و دعائه-:

«و إن شئت فلبّ حين تنهض، و إن شئت فأخّره حتى تركب بعيرك و استقبل القبلة فافعل» «3».

و الأخرى: «إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله لم يكن يلبّي حتى يأتي البيداء» «4».

و ابن عمّار و الحلبي و البجلي و البختري جميعا: «إذا صلّيت في مسجد الشجرة فقل [و] أنت قاعد في دبر الصلاة قبل أن تقوم ما يقول المحرم، ثم قم فامش حتى تبلغ الميل و تستوي بك البيداء، فإذا استوت بك فلبّ، و إن أهللت من المسجد الحرام للحجّ فإن شئت لبّيت خلف المقام، و أفضل ذلك أن تمضي حتى

تأتي الرقطاء و تلبّي قبل أن تصير إلى الأبطح» [1].

______________________________

[1] الكافي 4: 333- 11، الفقيه 2: 207- 943، الوسائل 12: 373، 396 أبواب الإحرام ب 35 و 46 ح 3 و 1. الرّقطاء: موضع دون الرّدم، و يسمّى مدعا،

______________________________

(1) الفقيه 2: 209- 954، الوسائل 11: 277 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 13.

(2) الوسائل 12: 340 أبواب الإحرام ب 16.

(3) التهذيب 5: 79- 263، الإستبصار 2: 167- 553، الوسائل 12: 341 أبواب الإحرام ب 16 ح 2.

(4) التهذيب 5: 84- 279، الإستبصار 2: 170- 561، الوسائل 12: 370 أبواب الإحرام ب 34 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 311

و ابن حازم: «إذا صلّيت عند الشجرة فلا تلبّ حتّى تأتي البيداء» «1».

و ابن عمّار: «إذا فرغت من صلاتك و عقدت ما تريد فقم و امش هنيهة، فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلبّ» الحديث «2».

و موثّقة إسحاق: إذا أحرم الرجل في دبر المكتوبة أ يلبّي حين ينهض به بعيره أو جالسا في دبر الصلاة؟ قال: «أيّ ذلك شاء صنع» «3».

و قويّة زرارة: متى ألبّي بالحجّ؟ قال: «إذا خرجت إلى منى» «4».

إلى غير ذلك من الأخبار المتكثّرة جدّا «5»، بل المستفاد من كثير منها أفضليّة التأخير إلى المواضع المخصوصة.

و حمل تلك الأخبار على رفع الصوت بالتلبية دون مطلقها- بل يقارن بالمطلقة- ممّا لا يقبله كثير منها، مع أنّه لا شاهد لذلك الجمع، بل لا داعي إليه سوى ما قيل من عدم انعقاد الإحرام إلّا بالتلبية، و عدم جواز المرور عن الميقات إلّا محرما «6».

و جوابه: ما عرفت من أنّ المراد بالإحرام- الذي لا يجوز المرور عن

______________________________

و مدعى الأقوام: مجتمع قبائلهم- مجمع البحرين 4:

249. و الأبطح: مسيل وادي مكة، و هو مسيل واسع فيه الحصى، أوله عند منقطع الشعب بين وادي منى، و آخره متصل بالمقبرة التي تسمى بالمعلّى عند أهل مكّة- مجمع البحرين 2:

343.

______________________________

(1) التهذيب 5: 84- 278، الإستبصار 2: 170- 560، الوسائل 12: 370 أبواب الإحرام ب 34 ح 4.

(2) التهذيب 5: 91- 300، الوسائل 12: 369 أبواب الإحرام ب 34 ح 2.

(3) الكافي 4: 334- 13، الوسائل 12: 373 أبواب الإحرام ب 35 ح 4.

(4) الكافي 4: 455- 6، التهذيب 5: 167- 558، الإستبصار 2: 252- 884، الوسائل 12: 398 أبواب الإحرام ب 46 ح 5.

(5) كما في الوسائل 12: 396 أبواب الإحرام ب 46.

(6) الرياض 1: 366.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 312

الميقات إلّا معه- هو: فرض الحجّ أو العمرة و نيّته و الصيرورة حاجّا أو معتمرا بها، كما مرّ ذلك مفصّلا.

المسألة الثالثة:

لا خلاف بين العلماء- كما صرّح به جماعة- أنّ التلبيات الواجبة أربع «1»، و اختلفوا في كيفيتها:

فبين مقتصر بقول: لبّيك اللَّهمّ لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك، و هو المحكيّ عن المقنعة- على ما نقله بعض الأجلّة «2»- و في الشرائع و النافع و المختلف و المسالك و المدارك و الذخيرة و الكفاية «3»، و غير واحد من المتأخّرين «4»، و يميل إليه في المنتهى بل في التحرير على نقله «5»، و هو ظاهر ثقة الإسلام «6».

و بين مضيف إلى ذلك: إنّ الحمد و النعمة لك و الملك، و هو المحكيّ عن المقنعة على نقل «7»، و الصدوقين في الرسالة و المقنع و الهداية «8»، و القديمين «9»، و السيّد في الجمل و الشيخ في النهاية و المبسوط و الإقتصاد و

الديلمي و الحلبي و الحلّي و القاضي و ابني زهرة و حمزة و الإرشاد و القواعد «10»،

______________________________

(1) انظر المختلف: 266، الذخيرة: 578، كشف اللثام 1: 312.

(2) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 313.

(3) الشرائع 1: 246، النافع: 82، المختلف: 265، المسالك 1: 107، المدارك 7: 268، الذخيرة: 578، كفاية الأحكام: 58.

(4) كما في الدروس 1: 347، مجمع الفائدة 6: 195.

(5) أي على نقل بعض الأجلّة، و قد نقله في كشف اللثام 1: 314.

(6) الكافي 4: 336.

(7) انظر المقنعة: 397.

(8) المقنع: 69، الهداية: 55.

(9) حكاه عنهما في المختلف: 265، و المدارك 7: 268.

(10) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 67، النهاية: 215، المبسوط 1: 316، الإقتصاد: 301، الديلمي في المراسم: 108، الحلبي في الكافي في الفقه: 193، الحلي في السرائر 1: 536، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 224، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 574، ابن حمزة في الوسيلة: 161، الإرشاد 1: 315، القواعد 1: 80.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 313

بل أكثر المتأخّرين كما قيل «1».

و إن اختلفت كلمات هؤلاء في محلّ هذه الإضافة، فبين من جعلها بعد ما مرّ، و بين من جعلها بعد لبّيك الثالثة، و منهم من أضاف مع الإضافة:

لا شريك لك، أيضا، و قد يضاف معها أيضا: لبّيك بحجّة و عمرة، أو:

بحجّة مفردة تمامها عليك لبّيك، أيضا.

و الحقّ هو: الأول، لصحيحة ابن عمّار: «التلبية: لبّيك اللَّهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك، ذا المعارج لبيك» إلى أن قال: «و اعلم أنّه لا بدّ من التلبيات الأربع التي كنّ أول الكلام، و هي الفريضة و هي

التوحيد» الحديث «2».

و ذيلها- بضميمة قطع التفصيل للشركة- يدلّ على عدم وجوب ما بعد التلبية الرابعة. و تجويز رجوع الإشارة إلى ما قبل الخامسة بعيد غايته، مع أنّه على فرض الاحتمال ينفى الزائد بالأصل.

و دليل النافين: ورود الإضافة في المعتبرة من المستفيضة من الصحاح و غيرها «3».

و يجاب عنه بعدم كفاية الورود بعد عدم صراحة شي ء منها في الوجوب، لمكان الجملة الخبريّة، أو الأمر بما ليس بواجب قطعا، أو

______________________________

(1) المدارك 7: 268.

(2) الكافي 4: 335- 3، التهذيب 5: 91- 300 و 284- 967، الوسائل 12: 382 أبواب الإحرام ب 40 ح 2.

(3) الوسائل 12: 382 أبواب الإحرام ب 40.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 314

حكاية تلبية الرسول صلّى اللَّه عليه و آله.

و أمّا الرضوي و الخصالي: «تقول: لبّيك لبّيك، لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد و النعمة لك لا شريك لك، هذه الأربعة مفروضات» «1».

فمع ضعفهما الغير الثابت انجبارهما، و معارضتهما مع صحيحة عمر بن يزيد «2» الخالية عن الإضافة و إن اشتملت على إضافة أخرى غير واجبة قطعا، غير صريحين في وجوب الزائد، لاحتمال رجوع الإشارة إلى التلبيات الأربع خاصّة، كما هو الظاهر.

و أمّا تضعيف القول الأول- بندوره بين القدماء- فضعيف، لعدم ثبوت الندرة المضعفة.

نعم، لو ضمّ الإضافة- سيّما على جميع الأقوال و لو بالتكرير- كان أحوط.

ثم ما زاد على ما وجب من الفقرات الواردة في صحيحة ابن عمّار و غيرها مستحبّ ليس بواجب إجماعا، بل هو مستحبّ كذلك، و قد مرّ ما يمكن أن يكون مستندا لكلّ من الحكمين.

المسألة الرابعة:

الأخرس يحرّك لسانه و يشير بإصبعه إلى التلبية، لرواية السكوني- المنجبر ضعفها لو كان بعمل الأصحاب-: «تلبية الأخرس و تشهّده و قراءته القرآن

في الصلاة: تحريك لسانه و إشارته بإصبعه، و ليكن مع عقد قلبه بها» «3»، أي بصورتها القولية، لأنّها بدونه لا تكون إشارة إليها.

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السّلام: 216، الخصال 2: 606 بتفاوت فيها، المستدرك 9: 176، 180 أبواب الإحرام ب 23 و 27 ح 2، 5.

(2) التهذيب 5: 92- 301، الوسائل 12: 383 أبواب الإحرام ب 40 ح 3.

(3) الكافي 3: 315- 17، الكافي 4: 335- 2، التهذيب 5: 93- 305، الوسائل 12: 381 أبواب الإحرام ب 39 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 315

و قيل: يستناب له مع ما ذكر فلبّي عنه «1».

و استند له بخبر زرارة: إنّ رجلا قدم حاجّا لا يحسن أن يلبّي، فاستفتي له أبو عبد اللَّه عليه السّلام، فأمر أن يلبّي عنه «2».

و لأنّ أفعال الحجّ تقبل النيابة، فلا تحصل البراءة إلّا بإتيانه بنفسه ما يمكنه، و نيابته ما لا يمكنه.

و ردّ الأول: بأنّها قضية في واقعة، فيحتمل الورود في غير المسألة، بل هو الظاهر ممّا لا يحسن، فإنّه الظاهر في الأعجمي و نحوه ممّن يمكن له التكلّم و لكن لا يحسن العربية، و الأخرس غير قادر لا غير محسن، و لو منع الظهور فلا أقل من الاحتمال.

و الثاني: بأنّه اجتهاد في مقابلة النصّ.

و أمّا الأعجميّ الذي لا يحسن التلبية و لا يمكنه التعلّم، فقيل: يكتفي بترجمتها «3»، و قيل: يلبّى عنه «4»، و الأحوط الجمع بين الأمرين، و اللَّه العالم.

المسألة الخامسة:

قد مرّ سابقا عدم وجوب مقارنة التلبية لنيّة الإحرام.

ثم إنّه قد اختلفت كلمات المجوّزين للتأخير مطلقا في الأفضل:

ففي المبسوط جعل الأفضل للمحرم عن طريق المدينة التأخير إلى البيداء إن كان راكبا «5»، و هو المحكيّ عن ابن

حمزة «6».

______________________________

(1) انظر المختلف: 266.

(2) الكافي 4: 504- 13، التهذيب 5: 244- 828، الوسائل 12: 381 أبواب الإحرام ب 39 ح 2.

(3) المدارك 7: 266.

(4) الجامع للشرائع: 180.

(5) المبسوط 1: 316.

(6) الوسيلة: 161.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 316

و عن القاضي: أفضليّته له مطلقا، راكبا كان أو ماشيا «1».

و جعل في المبسوط و التحرير و المنتهى و المسالك الأفضل للمحرم عن غيره إلى أن يمشي خطوات «2».

و في التهذيب جعل الأفضل للمحرم عن مكّة التلبية عن موضعه إن كان ماشيا، و عن الرقطاء أو شعب الدبّ إن كان راكبا [1].

و عن هداية الصدوق: أفضليّة التأخير إلى الرقطاء له مطلقا «3».

و عن جماعة- منهم: السرائر و النهاية و الجامع و الوسيلة و المنتهى و التذكرة- أفضليّة تلبية المحرم عن مكّة من موضعه إن كان ماشيا، و إذا نهض به بعيره إن كان راكبا «4».

و سبب الاختلاف اختلاف الأخبار، و هي بين مرجّح في المحرم عن طريق المدينة للتأخير إلى البيداء بقول مطلق، كصحيحة ابن وهب «5» و عبيد اللَّه الحلبي «6» المتقدّمتين في المقدّمة، و صحاح ابن عمّار و الحلبي و البجلي و البختري «7»،

______________________________

[1] التهذيب 5: 168. و في معجم البلدان 3: 347 شعب أبي دبّ: بمكة، يقال فيه مدفن آمنة بنت وهب أمّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله.

______________________________

(1) شرح جمل العلم و العمل: 225.

(2) المبسوط 1: 316، التحرير 1: 96، المنتهى 2: 679، المسالك 1: 108.

(3) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 353، و انظر المقنع: 86، و الهداية: 60، و الفقيه 2: 207.

(4) السرائر 1: 584، النهاية: 214، الجامع للشرائع: 183، الوسيلة: 161، المنتهى 2: 679، التذكرة 1: 327.

(5) التهذيب

5: 64- 203، الوسائل 12: 325 أبواب الإحرام ب 7 ح 3.

(6) الفقيه 2: 220- 1020، الوسائل 12: 367 أبواب الإحرام ب 33 ح 4.

(7) الكافي 4: 333- 11، الفقيه 2: 207- 943، الوسائل 12: 373، 396 أبواب الإحرام ب 35 و 46 ح 3 و 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 317

و ابن حازم «1»، و ابن سنان «2»، المتقدّمة في المسألة الثانية.

و مرجّح له للماشي و الراكب بخصوصهما، كصحيحتي عمر بن يزيد:

«إذا أحرمت من مسجد الشجرة، فإن كنت ماشيا لبّيت من مكانك من المسجد» الحديث «3».

و الأخرى: «إن كنت ماشيا فاجهر بإهلالك و تلبيتك من المسجد، و إن كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء» «4».

و مرجّح في مطلق المحرم للتأخير إلى المشي هنيهة حتى تستوي به الأرض، كصحيحة ابن عمّار الثانية «5» المتقدّمة في المقدّمة، و الأخرى السابقة في المسألة الثانية «6».

و مرجّح في المحرم عن طريق العراق التأخير إلى أن يمشي قليلا، كصحيحة هشام المتقدّمة في المقدّمة «7».

و مرجّح في المحرم عن مكّة للتأخير إلى الروحاء، أو الفضاء كما في صحيحة ابن عمّار المتقدّمة في المقدّمة «8»- على نسخ الكافي- أو الرقطاء

______________________________

(1) التهذيب 5: 84- 278، الإستبصار 2: 170- 560، الوسائل 12: 370 أبواب الإحرام ب 34 ح 4.

(2) التهذيب 5: 79- 263، الإستبصار 2: 167- 553، الوسائل 12: 341 أبواب الإحرام ب 16 ح 2.

(3) التهذيب 5: 92- 301، الوسائل 12: 383 أبواب الإحرام ب 40 ح 3.

(4) التهذيب 5: 85- 281، الإستبصار 2: 170- 563، الوسائل 12: 369 أبواب الإحرام ب 34 ح 1.

(5) التهذيب 5: 91- 300، الوسائل 12: 369 أبواب الإحرام ب 34 ح 2.

(6) المتقدّمة

في ص: 311.

(7) راجع ص 259.

(8) راجع ص: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 318

كما فيها- على نسخ الفقيه و التهذيب- و كما في صحيحة البختري و الحلبي و البجلي و ابن عمّار المتقدّمة في المسألة الثانية «1».

و مرجّح فيه له للتلبية عند المقام للماشي و إذا نهض به بعيره للراكب، كصحيحة عمر بن يزيد: «ثم صلّ ركعتين عند المقام ثم أهلّ بالحجّ، فإن كنت ماشيا فلبّ عند المقام، و إن كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك» الحديث «2».

و مرجّح له للتلبية في المسجد الحرام، كما في موثّقة أبي بصير، و فيها:

«ثم تلبّي من المسجد الحرام كما لبّيت حين أحرمت» «3».

و الأمر بالتأخير في بعض تلك الأخبار محمول على الاستحباب أو الجواز بلا خلاف يوجد، لتصريح جملة من الأخبار بجواز التلبية عن موضعه، كما في صحيحة هشام المتقدّمة، و صحيحة ابن سنان «4»، و موثّقة إسحاق بن عمّار «5»، و غيرها «6».

ثم المستفاد من جميع تلك الأخبار و مقتضى الجمع بينها: جواز التلبّي عن موضع الإحرام مطلقا، و أفضليّة التأخير للمحرم عن مسجد الشجرة إلى البيداء راكبا كان أو ماشيا، لإطلاقات رجحان التأخير إليها،

______________________________

(1) راجع ص 310.

(2) التهذيب 5: 169- 561، الإستبصار 2: 252- 886، الوسائل 12: 397 أبواب الإحرام ب 46 ح 2.

(3) الكافي 4: 454- 2، التهذيب 5: 168- 559، الإستبصار 2: 251- 881، الوسائل 12: 409 أبواب الإحرام ب 52 ح 3.

(4) التهذيب 5: 79- 263، الإستبصار 2: 167- 553، الوسائل 12: 341 أبواب الإحرام ب 16 ح 2.

(5) الكافي 4: 334- 13، الوسائل 12: 373 أبواب الإحرام ب 35 ح 4.

(6) الوسائل 12: 372 أبواب الإحرام ب 35.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 11، ص: 319

الفارغة عن مكادحة «1» ما يدلّ على أفضليّة التعجيل للماشي، لاشتغالها بمعارضة ما يدلّ على أفضليّة التأخير له أيضا.

و للمحرم عن غيره إلى أن يمشي خطوات.

و للمحرم عن مكة إلى الرقطاء، أو إلى أن ينهض البعير إن كان راكبا، و في المسجد إن كان ماشيا. و اللَّه هو العالم.

المسألة السادسة:

يستحبّ الجهر بالتلبية على المشهور بين الأصحاب، للمستفيضة من الأخبار:

كمرسلة الفقيه: «إنّ التلبية شعار المحرم، فارفع صوتك بالتلبية» «2».

و مرفوعة حريز: «لمّا أحرم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أتاه جبرئيل، فقال له: مر أصحابك بالعجّ و الثجّ» «3».

فالعجّ: رفع الصوت بالتلبية، و الثجّ: نحر البدن.

و صحيحة ابن عمّار: «التلبية لبيك اللَّهمّ» إلى أن قال: «تقول ذلك في دبر كلّ صلاة مكتوبة أو نافلة، و حين ينهض بك بعيرك، و إذا علوت شرفا، أو هبطت واديا، أو لقيت راكبا، أو استيقظت من منامك، و بالأسحار، و أكثر ما استطعت منها و اجهر بها» الحديث «4»، و قريبة منها الأخرى «5».

و يتأكّد الاستحباب في مواضع مخصوصة ذكرها في صحيحة عمر بن يزيد: «و اجهر بها كلّما ركبت، و كلّما نزلت، و كلّما هبطت واديا، أو علوت

______________________________

(1) في «ق»: مكاوحة ..

(2) الفقيه 2: 211- 966، الوسائل 12: 379 أبواب الإحرام ب 37 ح 3.

(3) الكافي 4: 336- 5، الفقيه 2: 210- 960، التهذيب 5: 92- 302، معاني الأخبار: 223- 1، الوسائل 9: 378 أبواب الإحرام ب 37 ح 1.

(4) التهذيب 5: 91- 300، الوسائل 12: 382 أبواب الإحرام ب 40 ح 2.

(5) الكافي 4: 335- 3، الوسائل 12: 383 أبواب الإحرام ب 40 ذيل الحديث 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 320

أكمة،

أو لقيت راكبا، و بالأسحار» «1».

و خلاف المشهور قول الشيخ في التهذيب «2»، فقال: يجب بقدر الإمكان، و هو ظاهر ثقة الإسلام، حيث قال: و لا يجوز لأحد أن يجوز ميل البيداء إلّا و قد أظهر التلبية «3».

و الظاهر أنّه لظاهر الأوامر في النصوص المتقدّمة، و هي عن إفادة الوجوب- لندرته و شذوذه، حتى أنّ الشيخ أيضا رجع عنه في خلافه قائلا:

لم أجد من ذكر كونه فرضا «4»، بل كما قيل: ثبوته مطلقا بالوجوب بالمعنى المصطلح غير معلوم «5»- قاصرة.

مع أنّ في أصل دلالتها عليه أيضا نظرا، لورود الأوامر الواردة فيها كلّا على ما لا يجب قطعا من الزيادات المستحبّة في التلبية أو التكرار المستحبّ أو نحر البدن.

ثم مقتضى الإطلاقات استحباب الإجهار بها مطلقا، إلّا أنّ المستفاد من الأخبار الأخر اختصاصه لمن حجّ على طريق المدينة إن كان راكبا بما إذا علت البيداء، لصحيحة عمر بن يزيد الأولى «6»، المتقدّمة في المسألة السابقة، المحمولة على الاستحباب، لتصريح غيرها بجواز الإجهار في المسجد مطلقا، كصحيحة ابن سنان: هل يجوز للمتمتّع بالعمرة إلى الحجّ

______________________________

(1) التهذيب 5: 92- 301، الوسائل 12: 383 أبواب الإحرام ب 40 ح 3.

(2) التهذيب 5: 92.

(3) الكافي 4: 334.

(4) الخلاف 2: 291.

(5) انظر الذخيرة: 578.

(6) انظر ص: 317.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 321

أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟ قال: «نعم» الحديث «1».

و لمن أحرم عن مكّة بما إذا أشرف على الأبطح، لصحيحة ابن عمّار الثالثة المتقدّمة «2» في المقدّمة، من غير فرق في ذلك بين الراكب و الماشي، لعدم فارق إلّا في نفس التلبية، كما مرّ.

و ليعلم أنّ استحباب الجهر بها مخصوص بالرجال بلا خلاف، للمستفيضة:

منها: مرسلة فضالة: «إنّ اللَّه تعالى

وضع عن النساء أربعا: الجهر بالتلبية» الحديث «3».

و منها: رواية أبي بصير «4»، و هي أيضا كسابقتها.

المسألة السابعة:

قدر الواجب هو التلبّي بما مرّ مرّة واحدة، كما صرّح به في السرائر «5»، و يستحبّ تكرارها و إكثار القول بها إجماعا، له، و لقوله: «و أكثر ما استطعت منها» في صحيحة ابن عمّار المتقدّمة في المسألة السابقة «6»، سيّما في المواضع العشرة المنصوصة في صحيحتي ابن عمّار و عمر المتقدّمتين في المسألة المذكورة «7» و في رواية ابن فضّال: «من لبّى في إحرامه سبعين مرّة إيمانا

______________________________

(1) الكافي 4: 334- 12، التهذيب 5: 84- 280، الإستبصار 2: 170- 562، الوسائل 12: 372 أبواب الإحرام ب 35 ح 2.

(2) الكافي 4: 454- 1، التهذيب 5: 167- 557، الوسائل 12: 408 أبواب الإحرام ب 52 ح 1، و قد تقدمت في ص 259.

(3) التهذيب 5: 93- 303، الوسائل 12: 379 أبواب الإحرام ب 38 ح 1.

(4) الكافي 4: 405- 8، الوسائل 12: 380 أبواب الإحرام ب 38 ح 4.

(5) السرائر 1: 536.

(6) في ص: 319.

(7) في ص: 319.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 322

و احتسابا أشهد اللَّه له ألف ألف ملك ببراءة من النار و براءة من النفاق» «1».

المسألة الثامنة:

استحباب التكرار للمعتمر إلى أن يشاهد بيوت مكّة إجماعا محقّقا و محكيّا «2»، للمستفيضة من الأخبار:

كموثّقة ابن عمّار: «إذا دخلت مكّة و أنت متمتّع فنظرت إلى بيوت مكّة فاقطع التلبية، و حدّ بيوت مكّة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيّين، فاقطع التلبية و عليك بالتكبير و التهليل و التمجيد و الثناء على اللَّه عزّ و جلّ ما استطعت، و إن كنت قارنا بالحجّ فلا تقطع التلبية حتى يوم عرفة عند زوال الشمس، و إن كنت معتمرا فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم» «3».

و سدير: «و إذا رأيت أبيات

مكّة فاقطع التلبية» «4».

و صحيحة الحلبي: «المتمتّع إذا نظر إلى بيوت مكّة قطع التلبية» «5».

و البزنطي: عن المتمتّع متى يقطع التلبية؟ قال: «إذا نظرت إلى أعراش مكّة، عقبة ذي طوى»، قلت: بيوت مكة؟ قال: «نعم» «6».

أقول: أعراش مكّة: بيوتها، جمع عرش بالضمّ، و قد يفتح أيضا، و ربّما

______________________________

(1) الكافي 4: 337- 8، المحاسن: 64- 116، الوسائل 12: 386 أبواب الإحرام ب 41 ح 1.

(2) كما في المختلف 1: 266، و المنتهى 2: 678، و الكفاية: 59، و الذخيرة:

583، و الرياض 1: 370.

(3) الكافي 4: 399- 1، التهذيب 5: 94- 309، الإستبصار 2: 176- 583، الوسائل 12: 388 أبواب الإحرام ب 43 ح 1، بتفاوت يسير.

(4) الكافي 4: 399- 2، التهذيب 5: 94- 308، الإستبصار 2: 176- 582، الوسائل 12: 390 أبواب الإحرام ب 43 ح 5.

(5) الكافي 4: 399- 2، التهذيب 5: 94- 307، الإستبصار 2: 176- 581، الوسائل 12: 389 أبواب الإحرام ب 43 ح 2.

(6) الكافي 4: 399- 4، التهذيب 5: 94- 310، الإستبصار 2: 176- 584، الوسائل 12: 389 أبواب الإحرام ب 43 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 323

يخصّ بيوتها القديمة.

و ابن مسكان: عن تلبية المتعة متى يقطعها؟ قال: «إذا رأيت بيوت مكّة، و يقطع التلبية للحجّ عند زوال الشمس يوم عرفة» «1».

و روايته: «المتمتّع عليه ثلاثة أطواف بالبيت، و طوافان بين الصفا و المروة، و قطع التلبية من متعته إذا نظر إلى بيوت مكّة، و يحرم بالحجّ يوم التروية، و يقطع التلبية يوم عرفة حين تزول الشمس» «2».

و أمّا موثّقة زرارة: أين يمسك المتمتّع عن التلبية؟ قال: «إذا دخل البيوت، بيوت مكّة لا بيوت الأبطح» «3».

و رواية الشحّام:

عن تلبية المتعة متى يقطع؟ قال: «حين يدخل الحرم» «4».

مطروحتان بالشذوذ، أو الأولى محمولة على الإشراف و الثانية على الجواز.

و الظاهر من الأخبار المذكورة أنّ حدّ القطع: النظر إلى ما كان من بيوت مكّة عرفا، و لو اختلفت زيادة و نقصانا باختلاف الدهور و الأعصار، و تحديد بيوتها السابقة في الموثّقة بعقبة المدنيّين لا يدلّ على تحديد القطع أيضا بالبيوت السابقة، إذ غايتها بيان البيوت القديمة. و كذا قوله

______________________________

(1) التهذيب 5: 182- 609، الوسائل 12: 390 أبواب الإحرام ب 43 ح 6 و فيه صدر الحديث.

(2) الكافي 4: 295- 2، التهذيب 5: 35- 105، الوسائل 11: 221 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 11.

(3) التهذيب 5: 468- 1638، الوسائل 12: 390 أبواب الإحرام ب 43 ح 7.

(4) التهذيب 5: 95- 312، الإستبصار 2: 177- 585، الوسائل 12: 391 أبواب الإحرام ب 43 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 324

في الصحيحة: «عقبة ذي طوى»، لجواز أن يكون ذكرها بعد الأعراش لانتهاء البيوت في ذلك الزمان في تلك العقبة.

و على هذا، فلا حاجة إلى بيان حدود بيوت مكّة كما ارتكبه جمع من الفقهاء، إلّا أن يثبت الإجماع على وجوب التحديد بالقديم، و حينئذ فيشكل الأمر و يحتاط بالقطع فيما يقطع أنّه لم يكن من مكّة سابقا، و لكنّه غير ثابت.

و للحاجّ مطلقا متمتّعا كان أو قارنا أو مفردا إلى زوال الشمس من يوم عرفة، بلا خلاف يوجد، للمستفيضة من النصوص:

منها: موثّقة ابن عمّار «1»، و صحيحة ابن مسكان، و روايته، المتقدّمة «2»، و موثّقة أخرى لابن عمّار: «إذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية عند زوال الشمس» «3».

و صحيحة ابن يزيد: «إذا زاغت الشمس يوم

عرفة فاقطع التلبية» «4»، إلى غير ذلك.

و للمعتمر مفردا إلى أن يدخل الحرم مطلقا عند الشيخ في الجمل و الإقتصاد «5»، بل المصباح، و مختصره على ما قيل «6».

لموثّقة ابن عمّار المتقدّمة «7».

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 322.

(2) في ص: 323.

(3) التهذيب 5: 181- 608، الوسائل 12: 392 أبواب الإحرام ب 44 ح 5.

(4) التهذيب 5: 182- 610، الوسائل 13: 530 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 9 ح 4.

(5) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 227، الإقتصاد: 301.

(6) مصباح المتهجد: 620، حكاه عن مختصر المصباح في كشف اللثام 1: 317.

(7) الكافي 4: 399- 1، التهذيب 5: 94- 309، الإستبصار 2: 176- 583، الوسائل 12: 388 أبواب الإحرام ب 43 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 325

و صحيحة عمر بن يزيد: «من دخل مكّة معتمرا فليقطع التلبية حين تضع الإبل أخفافها في الحرم» «1».

و بمضمونهما رواية مرازم «2» و زرارة «3»، و مرسلة الفقيه «4».

و إلى أن يشاهد الكعبة كذلك عند الحلبي على ما حكي عنه «5»، لصحيحة أخرى لعمر بن يزيد: «و من خرج من مكّة يريد العمرة ثم دخل معتمرا لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة» «6».

و إلى الأول لمن أحرم من أحد المواقيت أو دويرة أهله، أي كان خارجا من الحرم.

و إلى الثاني لمن خرج من مكّة للعمرة فاعتمر و رجع على المشهور عند الطائفة، كما صرّح به بعض الأجلّة «7»، للجمع بين الصنفين المتقدّمين.

و إلى أيّهما شاء مخيّرا مطلقا عند الصدوق و الشرائع و النافع و التنقيح «8»، للجمع أيضا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 11    326     المسألة الثامنة: ..... ص : 322

الأول أحسن، بل أقرب، لأنّه

مقتضى القاعدة المطردة من تخصيص

______________________________

(1) التهذيب 5: 95- 313، الإستبصار 2: 177- 586، الوسائل 12: 394 أبواب الإحرام ب 45 ح 2، و فيها: مفردا للعمرة، بدل: معتمرا.

(2) الكافي 4: 537- 1، الفقيه 2: 277- 1355، الوسائل 12: 394 أبواب الإحرام ب 45 ح 6.

(3) الكافي 4: 537- 2، الوسائل 12: 394 أبواب الإحرام ب 45 ح 5.

(4) الفقيه 2: 277- 1352، الوسائل 12: 395 أبواب الإحرام ب 45 ح 10.

(5) الكافي في الفقه: 193.

(6) الفقيه 2: 276- 1350، التهذيب 5: 95- 315، الإستبصار 2: 177- 588، الوسائل 12: 395 أبواب الإحرام ب 45 ح 8.

(7) انظر كشف اللثام 1: 317.

(8) حكاه عن الصدوق في المختلف: 266، الشرائع 1: 248، النافع: 83، التنقيح 1: 463.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 326

العامّ المطلق بالخاصّ.

و هاهنا أخبار أخر أيضا دالّة على القطع بالنظر إلى المسجد الحرام، كصحيحة ابن عمّار «1» و مرسلة الفقيه «2»، أو عند بيوت ذي طوى، كرواية أبي خالد «3»، أو إذا رأى بيوت ذي طوى، كموثّقة يونس بن يعقوب «4»، أو حيال عقبة المدنيّين، كرواية الفضيل «5»، و لكن لم يظهر بها عامل، فرفع اليد عنها للشذوذ لازم.

ثم القطع في الموارد المذكورة على الوجوب، وفاقا في الأول لظاهر الأكثر، بل عن الخلاف الإجماع عليه «6»، و في الثاني لوالد الصدوق و الشيخ و الوسيلة و المفاتيح «7» و شرحه، و استحسنه في المدارك «8»، بل محتمل الأكثر كما قيل «9»، و في الثالث لظاهر الأكثر و صريح بعضهم «10»، كلّ ذلك لظاهر الأوامر الخالية عن المعارض.

______________________________

(1) الكافي 4: 537- 3، الوسائل 12: 394 أبواب الإحرام ب 45 ح 4.

(2) الفقيه 2: 277-

1351، الوسائل 12: 395 أبواب الإحرام ب 45 ح 9.

(3) التهذيب 5: 94- 311، الوسائل 12: 391 أبواب الإحرام ب 43 ح 8.

(4) الفقيه 2: 277- 1354، التهذيب 5: 95- 314، الإستبصار 2: 177- 587، الوسائل 12: 394 أبواب الإحرام ب 45 ح 3.

(5) الفقيه 2: 277- 1353، التهذيب 5: 96- 316، الإستبصار 2: 177- 589، الوسائل 12: 395 أبواب الإحرام ب 45 ح 11.

(6) الخلاف 2: 293.

(7) حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 266، الشيخ في المبسوط 1: 317، الوسيلة: 161، المفاتيح 1: 316.

(8) المدارك 7: 295.

(9) في كشف اللثام 1: 316.

(10) كالمفيد في المقنعة: 63.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 327

البحث الثالث في بعض الأحكام المتعلّقة بالإحرام
اشاره

و فيه ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: لا إحرام مع إحرام عمدا،

أي لا ينعقد إحرام عمدا ما لم يتحلّل عن الإحرام الأول، لأصالة عدم المشروعيّة، و اختصاص إطلاقات كلّ إحرام بغير المحرم، فإنّها كلّها واردة في إحرام المحلّ، و لم يشرّع إحرام مع آخر، فهو كالإحرام لصلاة قبل الخروج عن الأخرى، و مع ذلك هو موضع وفاق كما حكي عن ظاهر المنتهى «1»، و في الذخيرة: أنّه لا أعرف فيه خلافا بين الأصحاب «2».

و مقتضى ذلك: أنّه لو أحرم أحد قبل التحلّل عن الآخر بطل الثاني و يمضي على الأول مطلقا عمدا كان ذلك أو نسيانا، فهو الأصل في المسألة.

و على هذا، فلو أحرم المتمتّع بالحجّ قبل تمام العمرة يلزمه أن يكون إحرامه بالحجّ باطلا و يمضي على عمرته، فإذا تمّت يحرم للحجّ ثانيا إن كان وقته باقيا، و تصير عمرته حجّة مفردة إن لم يكن باقيا و كان إحرامه للحجّ عمدا، إذ مع النسيان له إنشاء إحرامه متى يذكر، كما مرّ في آخر بحث المواقيت، فإنّ ذلك بعينه هو من ترك الإحرام نسيانا.

و لكنهم قالوا في متمتّع أحرم بالحجّ قبل التقصير للعمرة بصحّة عمرته

______________________________

(1) المنتهى 2: 685.

(2) الذخيرة: 582.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 328

و صحّة إحرامه للحجّ إن كان ذلك نسيانا منه «1»، و ادّعي عدم الخلاف فيه في التنقيح و الذخيرة و الكفاية «2»، بل عن المختلف دعوى الإجماع عليه «3»، و هو كذلك أيضا، لصحاح ابن سنان و ابن عمّار و البجلي:

الأولى: في رجل متمتّع نسي أن يقصّر حتى أحرم بالحجّ، قال:

«يستغفر اللَّه و لا شي ء عليه» «4».

و الثانية: عن رجل أهلّ بالعمرة و نسي أن يقصّر حتى دخل في الحجّ، قال: «يستغفر اللَّه و لا شي ء

عليه و تمت عمرته» «5».

و الثالثة: عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فدخل مكّة فطاف و سعى و لبس ثيابه و أحلّ و نسي أن يقصّر حتى خرج إلى عرفات، قال: «لا بأس به، يبني على العمرة و طوافها، و طواف الحجّ على أثره» «6».

و لكن مخالفة هذا الحكم للأصل السابق إنّما هو إذا قلنا بكون التقصير أيضا جزءا من أفعال العمرة و منسكا من نسكه، كما هو الظاهر من جماعة «7»، بل في المنتهى الإجماع عليه «8».

______________________________

(1) انظر الشرائع 1: 246، و الحدائق 15: 117، و الرياض 1: 371.

(2) التنقيح 1: 463، الذخيرة: 582، الكفاية: 59.

(3) المختلف: 267.

(4) الكافي 4: 440- 1، الفقيه 2: 237- 1129، التهذيب 5: 90- 297، الإستبصار 2: 175- 577، الوسائل 12: 410 أبواب الإحرام ب 54 ح 1، بتفاوت يسير.

(5) الكافي 4: 440- 2، التهذيب 5: 159- 528، الإستبصار 2: 175- 579، الوسائل 12: 411 أبواب الإحرام ب 54 ح 3.

(6) الكافي 4: 440- 3، التهذيب 5: 90- 298، الإستبصار 2: 175- 578، الوسائل 12: 411 أبواب الإحرام ب 54 ح 2.

(7) كصاحب المدارك 7: 283 و 8: 88، السبزواري في الذخيرة: 648، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 350.

(8) المنتهى 2: 709.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 329

و أمّا لو لم نقل بكونه جزءا منها، بل نجعله محلّلا- كما نقله في المدارك و الذخيرة عن بعضهم «1»، و تشعر به صحيحة الحلبي: لمّا قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي و لم أقصّر، قال: «عليك بدنة» الحديث «2»، بل تشعر به المستفيضة الواردة في بيان أصناف الحجّ، المتضمّنة لمثل قوله:

«على المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ثلاثة أطواف و سعيان» إلى

أن قال: «ثم يقصّر» «3»- فلا يكون مخالفا للأصل أصلا.

بل يمكن القول بعدم المخالفة مع الجزئيّة أيضا، إذ لم يصرّح في الأخبار و لم ينصّ أحد من الأصحاب بصحّة هذا الإحرام للحجّ، غاية الأمر عدم التعرّض للإحرام له ثانيا، و يمكن أن يكون ذلك لكفاية نيّته المستدامة حكما، كما تستأنس له مرسلة جميل: رجل نسي أن يحرم أو جهل و قد شهد المناسك كلّها و طاف و سعى، قال: «تجزئه نيّته إذا كان قد نوى ذلك، فقد تمّ حجّه و إن لم يهلّ» «4».

نعم، يجب على ذلك الشخص- لأجل تقديم الإحرام على التقصير- دم يهريقه، وفاقا للشيخ في كتبه «5» «6»، و القاضي و ابني زهرة و حمزة «7»،

______________________________

(1) المدارك 7: 282، الذخيرة: 582.

(2) الكافي 4: 441- 6، الفقيه 2: 238- 1138 و فيه: عن حمّاد بن عثمان، التهذيب 5: 162- 543، الإستبصار 2: 244- 852، المقنع: 83، الوسائل 13:

117 أبواب كفارات الاستمتاع ب 5 ح 2 بتفاوت يسير.

(3) كما في الوسائل 11: 212، 220 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 1 و 2 و 8.

(4) الكافي 4: 325- 8، التهذيب 5: 61- 192، الوسائل 11: 338 أبواب المواقيت ب 20 ح 1.

(5) الإستبصار 2: 242، النهاية: 263، التهذيب 5: 158.

(6) في «ح» زيادة: و علي بن بابويه. نقله عنه في المختلف: 467.

(7) القاضي في المهذّب 1: 225، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 579، ابن حمزة في الوسيلة: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 330

و بعض آخر «1»، لموثّقة إسحاق الصحيحة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه: الرجل يتمتّع فنسي أن يقصّر حتى يهلّ بالحجّ، قال:

«عليه دم يهريقه» «2».

و لا ينافيها

ما تقدّم، لكونه عامّا مطلقا فيجب تخصيصه، و هو أولى من الجمع بينهما بحمل الموثّقة على الاستحباب [1]، لتقدّم هذا التخصيص على التجوّز.

و لو كان تقديم الإحرام منه على التقصير عمدا فحكم الحلّي صريحا «3» و جماعة «4» بعده ميلا ببطلان الإحرام الثاني و بقائه على عمرته كما هو مقتضى الأصل، للأصل و ضعف سند المعارض إن قلنا بكون التقصير جزءا، و إلّا فيكون البقاء على العمرة موافقا للأصل، و بطلان الإحرام مخالفا له خاليا عن الدليل.

و لكن خالف جماعة فيه الأصل، و قالوا ببطلان عمرته و صيرورة حجّه بذلك مفردا، فيكمله ثم يعتمر بعد عمرة مفردة، و لعلّه الأشهر كما عن الدروس و المسالك «5».

و استدلّوا له بموثّقة أبي بصير الصحيحة عمّن أجمعت العصابة عليه:

«المتمتّع إذا طاف و سعى ثم لبّى قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر و ليس

______________________________

[1] في «ح» زيادة: كما عن الفقيه و الديلمي و الحلّي و القواعد.

______________________________

(1) كالعلّامة في الإرشاد 1: 328، و صاحب الرياض 1: 371.

(2) الفقيه 2: 237- 1128، التهذيب 5: 158- 527، الإستبصار 2: 242- 844، الوسائل 13: 513 أبواب التقصير ب 6 ح 2.

(3) السرائر 1: 581.

(4) كالمحقّق في المختصر النافع: 83، و الشهيد في الدروس 1: 333.

(5) الدروس 1: 333، المسالك 1: 107.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 331

له متعة» «1».

و رواية العلاء: عن رجل متمتّع طاف ثم أهلّ بالحجّ قبل أن يقصّر، قال: «بطلت متعته، و هي حجّة مبتولة» «2».

و حملهما على متمتّع عدل إليه عن الإفراد ثم لبّى بعد السعي قبل التقصير- كما عن الشهيد «3»، و وردت به رواية «4»- خلاف الظاهر جدّا، مخالف للإطلاق الخالي عن المقيّد، و ورود

رواية بذلك في العادل لا توجب تقييد ذلك الإطلاق، لعدم التلازم و الداعي، بل قد يقال بكون صدق المتمتّع على ذلك العادل مجازا.

و فيه نظر ظاهر، لحصول مبدأ الاشتقاق فيه حالا و ماضيا بعد العدول.

و لا يضرّ إطلاق الموثّقة و الرواية بالنسبة إلى العمد و النسيان، لخروج الثاني عنهما بالصحاح المتقدّمة «5»، التي هي أخصّ مطلقا.

و لا ضعف سند الأخيرة- إن كان- لاعتبار الأولى سندا، و مع ذلك انجبرتا بالشهرة المحكيّة، فالحكم بمضمونهما متعيّن و إن كان للأصل المتقدّم مخالف، و لكنّ الخروج عنه مع الدليل لازم.

و الجاهل كالعامد، للإطلاق الخالي عن المقيّد في غير الناسي.

و هل يجزئ ذلك عن فرضه لو كان الحجّ عليه واجبا، أم لا؟

______________________________

(1) التهذيب 5: 159- 529، الإستبصار 2: 243- 846، الوسائل 12: 412 أبواب الإحرام ب 54 ح 5 بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 5: 90- 296، الإستبصار 2: 175- 580، الوسائل 12: 412 أبواب الإحرام ب 54 ح 4.

(3) الدروس 1: 333.

(4) الفقيه 2: 204- 931، التهذيب 5: 90- 295، الوسائل 11: 290 أبواب أقسام الحج ب 19 ح 1.

(5) في ص: 328.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 332

فيه وجهان، أقربهما: الثاني، وفاقا للروضة و المسالك «1»، و احتمله في المدارك «2»، لعدم إتيانه بالمأمور به على وجهه عمدا.

و قيل بالأول «3»، لخلوّ النصوص عن الأمر بالإعادة مع ورودها في محلّ الحاجة.

و فيه: منع كونها في محلّ الحاجة، مع أنّ الأمر بفرضه كاف عن الأمر الآخر.

المسألة الثانية: إحرام الصبيّ و حجّه كغيره،

إلّا في أمور ثلاثة:

أحدها: في ميقاته في غير حجّ التمتّع، و أمّا فيه فكغيره من مكّة.

و ثانيها: في المباشرة.

و ثالثها: في الكفّارة و الهدي.

أمّا الأول: فقيل: هو فخّ، و هو بئر معروف على

نحو فرسخ من مكّة، كما ذكره جماعة «4»، و عن القاموس: أنّه موضع بمكّة «5»، و عن النهاية الأثيرية: أنّه موضع عندها «6»، و يمكن إرجاع الجميع إلى واحد.

و بكونه ميقاتا له أفتى في المعتبر و المنتهى و التحرير و الدروس و المسالك «7»، و جعل الأخير الإحرام عن الميقات أولى، و تبعه في الجواز

______________________________

(1) الروضة 2: 221، المسالك 1: 107.

(2) المدارك 7: 283.

(3) الرياض 1: 372.

(4) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 104، صاحب المدارك 7: 227، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 306.

(5) القاموس 1: 275.

(6) النهاية الأثيرية 3: 418.

(7) المعتبر 2: 804، المنتهى 2: 667، التحرير 1: 94، الدروس 1: 342، المسالك 1: 104.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 333

جماعة من المتأخّرين «1»، و نسبه بعضهم إلى الأكثر «2»، بل يشير كلام المفاتيح بعدم الخلاف فيه «3».

و استدلّ له على جواز التأخير إليه بصحيحة عليّ: من أين يجرّد الصبيان؟ فقال: «كان أبي يجرّدهم من فخّ» «4»، و نحوها صحيحة أيّوب بن الحرّ «5».

و على جوازه من الميقات بصحيحة ابن عمّار «6» المتقدّمة في أول الكتاب عند بيان اشتراط البلوغ.

و يرد عليه قصور الدلالة على الإحرام، فإنّه غير التجريد.

و قيل: هو الميقات و إن جاز تأخير نزع المخيط و الثياب عنه إلى فخّ، و هو المنقول عن الحلّي و المحقّق الثاني «7»، و جعله في التنقيح مراد المصنّف «8».

و تردّد بينهما بعض الأجلّة «9»، لعموم نصوص المواقيت، و عدم جواز التجاوز عن الميقات إلّا محرما، و عدم دلالة الصحيحتين المذكورتين

______________________________

(1) كصاحب المدارك 7: 227.

(2) كما في الحدائق 14: 457.

(3) المفاتيح 1: 310.

(4) الكافي 4: 303- 2، الفقيه 2: 265- 1292، التهذيب 5:

409- 1422، الوسائل 11: 288 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 6.

(5) التهذيب 5: 409- 1421، الوسائل 11: 288 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 6.

(6) الكافي 4: 304- 4، الفقيه 2: 266- 1294، التهذيب 5: 409- 1423، الوسائل 11- 287 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 3.

(7) الحلي في السرائر 1: 537، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 160.

(8) التنقيح 1: 448.

(9) انظر كشف اللثام 1: 306.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 334

على جواز تأخير الإحرام.

و ردّ بمنع العموم بحيث يتناول غير المكلّف أيضا، و ظهور التجريد في الإحرام.

و فيه: أنّه إن أريد بالعموم الممنوع عموم عدم جواز التجاوز عن الميقات فلا بأس بمنعه، و لكن لا حاجة إليه، بل عدم توقيف غير الميقات كاف في عدم صحّة إحرام الصبي عن غيره، لكونه حكما وضعيّا.

و إن أريد عموم توقيت المواقيت فهو فاسد قطعا، لاشتمال نصوصها على أهل فلان و فلان، الصادق على البالغ و غيره، و عدم كونه تكليفا مخصوصا بالبالغين.

و منه تظهر قوّة القول الثاني و أنّ الفخّ محلّ التجريد، مع أنّه أحوط أيضا، بناء على ما عرفت من عدم ظهور خلاف في جواز إحرامه عن الميقات، بل أولويّته.

و أمّا الثاني: فإنّه إن كان غير مميّز يفعل به الولي ما يلزم المحرم من حضور المواقف و المطاف و المسعى و يلبّي عنه و يجتنبه ما يجتنبه المحرم، و إن كان مميّزا يأمره الولي بالإتيان بهذه الأمور، فإن عجز عن شي ء منه يتولّاه الولي عنه، بلا خلاف يوجد في شي ء من ذلك، لصحاح ابن عمّار و زرارة «1» و البجلي «2»، المتقدّمة كلّا في أول الكتاب.

و أمّا الثالث: فإنّه على الولي في ماله

إن فعل ما يوجب الكفّارة عمدا

______________________________

(1) الكافي 4: 303- 1، الفقيه 2: 265- 1291، التهذيب 5: 409- 1424، الوسائل 11: 288 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 5.

(2) الكافي 4: 300- 5، التهذيب 5: 410- 1425، الوسائل 11: 286 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 335

و سهوا كالصيد، لصحيحة زرارة المتقدّمة بضميمة الإجماع المركّب، لا ما يوجبها عمدا خاصّة، فإنّه لا كفّارة فيه، للأصل، و الاقتصار فيما يخالفه على موضع الوفاق و النصّ.

و كذا يلزم الولي أمره بالصيام بدلا عن الهدي، أو هدي الولي في ماله في حجّ التمتّع و الصيام عنه مع عجزه عن الهدي و عجز الصبي عن الصوم.

و تدلّ على الأول و الثاني صحيحة زرارة المتقدّمة، و موثّقة إسحاق، و فيها: «و اذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم» «1».

و رواية سماعة: عن رجل أمر غلمانه أن يتمتّعوا، قال: «عليه أن يضحّي عنهم» إلى أن قال: «و لو أنّه أمرهم فصاموا كان قد أجزأ عنهم» «2».

و على الثالث صحيحة ابن عمّار المتقدّمة، و صحيحة البصري: «يصوم عن الصبي وليّه إذا لم يجد هديا و كان متمتّعا» «3».

و رواية عبد الرحمن بن أعين: تمتّعا فأحرمنا و معنا صبيان فأحرموا و لبّوا كما لبّينا، و لم نقدر على الغنم، قال: «فليصم عن كلّ صبيّ وليّه» «4».

المسألة الثالثة: إحرام المرأة و الرجل على السواء إجماعا،

و لقوله في صحيحة ابن عمّار الواردة في إحرام الحائض: «و تصنع كما يصنع المحرم» «5».

و يستثنى من المساواة أمور ذكرت في مواضعها: من تغطية الرأس،

______________________________

(1) الكافي 4: 304- 6، الوسائل 11: 287 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 2.

(2) الكافي 4: 305- 9، الفقيه 2: 266- 1295، الوسائل 14: 86 أبواب

الذبح ب 2 ح 8.

(3) التهذيب 5: 410- 1426، الوسائل 14: 87 أبواب الذبح ب 3 ح 2.

(4) التهذيب 5: 237- 801، الوسائل 14: 87 أبواب الذبح ب 3 ح 4.

(5) التهذيب 5: 388- 1358، الوسائل 12: 400 أبواب الإحرام ب 48 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 336

و لبس المخيط، و التظليل، و غيرها، و لبس الحرير كما مرّ، و في استحباب رفع الصوت بالتلبية.

و الحيض لا يمنعها من الإحرام بلا خلاف، للإجماع، و الأصل، و عدم دليل يدلّ على اشتراط الطهارة في الإحرام، و الصحاح و غيرها المستفيضة المصرّحة بذلك، كصحيحتي ابن عمّار «1»، و صحيحتي عيص بن القاسم «2»، و الصحاح الثلاث: للبجلي «3» و الحلبي «4» و منصور بن حازم «5»، و موثّقة يونس بن يعقوب «6»، و رواية زيد الشحّام «7»، و غير ذلك «8».

و المصرّح به في أكثر تلك الأخبار أنّها تغتسل غسل الإحرام، و معه

______________________________

(1) الأولى في: الكافي 4: 304- 4، الفقيه 2: 266- 1294، التهذيب 5:

409- 1423، الوسائل 11: 287 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 3.

الثانية في: الفقيه 2: 239- 1142، الوسائل 12: 401 أبواب الإحرام ب 49 ح 1.

(2) الأولى في: التهذيب 5: 389- 1360، الوسائل 12: 401 أبواب الإحرام ب 48 ح 5.

الثانية في: الكافي 4: 444- 2، التهذيب 5: 389- 1361، الوسائل 12:

402 أبواب الإحرام ب 49 ح 2.

(3) الكافي 4: 300- 5، الوسائل 11: 300 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 15.

(4) التهذيب 5: 390- 1364، الوسائل 11: 297 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 3.

(5) الكافي 4: 445- 3، التهذيب 5: 388- 1356، الوسائل 12: 399 أبواب الإحرام ب

48 ح 1.

(6) الكافي 4: 444- 1، التهذيب 5: 388- 1355، الوسائل 12: 399 أبواب الإحرام ب 48 ح 2.

(7) الكافي 4: 445- 4، التهذيب 5: 388- 1357، الوسائل 12: 400 أبواب الإحرام ب 48 ح 3.

(8) انظر الوسائل 12: 399، 401 أبواب الإحرام ب 48 و 49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 337

لا وجه لما حكي عن الشهيد الثاني في مناسك الحجّ أنّها تترك الغسل «1»، و لكنّها تترك الصلاة، لحرمتها عليها، و تصريح كثير من تلك الأخبار.

و وردت فيها أيضا: أنّها تستقر «2» و تحتشي بالكرسف و تتمنطق بمنطقة، و في بعضها: أنّها تلبس ثوبا دون ثيابها لإحرامها، و في بعضها: أنّها إذا كانت في الليل تخلع ثياب إحرامها و لبست ثيابها الأخرى حتى تطهر، و لو جهلت بجواز الإحرام لها فتركته فحكمها حكم الجاهل بالإحرام، و قد مرّ.

______________________________

(1) حكاه عنه في المدارك 7: 386.

(2) تستثفر: تأخذ خرقة طويلة عريضة تشدّ أحد طرفيها من قدّام و تخرجها من بين فخذيها و تشدّ طرفها الآخر من وراء بعد أن تحتشي بشي ء من القطن ليمتنع به من سيلان الدم- مجمع البحرين 3: 237.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 338

البحث الرابع في تروك الإحرام
اشاره

أي ما يحرم على المحرم ارتكابه أو يكره، فهاهنا مقامان:

المقام الأول في المحرّمات
اشاره

و هي على ثلاثة أقسام، لأنّه إمّا يشترك فيه الرجل و المرأة، أو يختصّ بالرجل، أو المرأة.

القسم الأول: ما يشترك فيه الرجل و المرأة، و هي أحد عشر أمرا:
الأول: صيد البرّ،
اشارة

بالإجماعين «1» و الكتاب و السنّة.

أمّا الكتاب، فقد قال اللَّه تعالى وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً «2».

و قال عزّ و جلّ لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ «3».

و أمّا السنّة، فمتكثّرة متواترة:

كصحيحة الحلبي: «لا تستحلّنّ شيئا من الصيد و أنت حرام، و لا و أنت حلال في الحرم، و لا تدلّنّ عليه محلّا و لا محرما فيصطاده، و لا تشر إليه فيستحلّ من أجلك، فإنّ فيه فداء لمن تعمّده» «4».

______________________________

(1) انظر الحدائق 15: 135.

(2) المائدة: 96.

(3) المائدة: 95.

(4) الكافي 4: 381- 1، الوسائل 12: 415 أبواب تروك الإحرام ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 339

و عمر بن يزيد: «و اجتنب في إحرامك صيد البرّ كلّه، و لا تأكل ممّا صاده غيرك، و لا تشر إليه فيصيده» «1».

و ابن عمّار: «إذا أحرمت فاتّق قتل الدواب كلّها إلّا الأفعى و العقرب و الفأرة» إلى أن قال: «و الحيّة إذا أرادتك فاقتلها، فإن لم تردك فلا تردها، و الكلب العقور و السبع إذا أراداك فاقتلهما، فإن لم ير يداك فلا تردهما، و الأسود «2» الغدر فاقتله على كلّ حال، و ارم الغراب رميا و الحدأة [1] على ظهر بعيرك» «3»، إلى غير ذلك ممّا يأتي في أثناء المسائل.

و المحرّم اصطياده قتلا و حيازة و ذبحا- و لو صاده غيره و لو كان محلّا و أكل كذلك- و دلالة بلفظ أو كتابة أو إشارة، و تسبيبا و لو بإعارة سلاح أو نصب شرك أو إغلاق باب حتى يموت أو يصاد، و نحوها، بإجماع المسلمين في

الأولين، و إجماعنا المحقّق و المحكيّ «4» في البواقي، و هو الحجّة في الجميع، مضافا إلى دلالة الأخبار في أكثرها، كالصحيحتين الأوليين.

و صحيحة ابن حازم: «المحرم لا يدلّ على الصيد، فإن دلّ عليه فقتل فعليه الفداء» «5».

______________________________

[1] الحدأة: طائر يصيد الجرذان، و يقال إنّها كانت تصيد لسليمان بن داود و كانت أصيد الطير، فانقطع عنه الصيد لدعوة سليمان- العين 3: 278.

______________________________

(1) التهذيب 5: 300- 1021، الوسائل 12: 416 أبواب تروك الإحرام ب 1 ح 5.

(2) الأسود: العظيم من الحيّات و فيه سواد- الصحاح 2: 491.

(3) الكافي 4: 363- 2، التهذيب 5: 365- 1273، العلل: 458- 2، الوسائل 12: 545 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 2 و 3 و 4، بتفاوت يسير.

(4) الرياض 1: 373.

(5) الكافي 4: 381- 2، التهذيب 5: 315- 1086، الإستبصار 2: 187- 629، الوسائل 12: 416 أبواب تروك الإحرام ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 340

و ابن عمّار: «لا تأكل من الصيد و أنت حرام، و إن كان أصابه محلّ، و ليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلّا الصيد، فإنّ عليك فيه الفداء بجهل كان أو بعمد» «1».

و موثّقة ابن عمّار: «لا تأكل شيئا من الصيد و إن صاده حلال» «2».

و صحيحته: «اعلم أنّ ما وطأت من الدباء أو وطأته بعيرك فعليك فداؤه» «3».

أقول: الدباء: أصغر الجراد و النمل «4».

و الأخرى: «ما وطأته أو وطأه بعيرك و أنت محرم فعليك فداؤه» «5».

و رواية أبي ولّاد: خرجنا ستّة نفر من أصحابنا إلى مكّة، فأوقدنا نارا في بعض المنازل عظيما، أردنا أن نطرح عليه لحما نكبّبه، و قد كنّا محرمين، فمرّ بها طائر صاف، قال: حمامة أو شبهها، فاحترقت

جناحاه، فسقط في النار فمات، فاغتممنا لذلك، فدخلت على أبي عبد اللَّه عليه السّلام بمكّة، فأخبرته و سألته، قال: «عليكم فداء واحد، دم شاة تشتركون فيه جميعا، لأنّ ذلك كان منكم على غير تعمّد، فلو كان ذلك منكم تعمّدا ليقع فيها الصيد فوقع ألزمت كلّ رجل منكم دم شاة» قال أبو ولّاد: و كان ذلك منّا قبل أن ندخل الحرم «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 381- 3، التهذيب 5: 315- 1085، الوسائل 13: 68 أبواب كفارات الصيد ب 31 ح 1.

(2) التهذيب 5: 370- 1288، الوسائل 13: 70 أبواب كفارات الصيد ب 31 ح 5.

(3) الكافي 4: 393- 5، الوسائل 13: 100 أبواب كفارات الصيد ب 53 ح 2.

(4) في «ق»: .. و القمل.

(5) الكافي 4: 382- 10، الوسائل 13: 100 أبواب كفارات الصيد ب 53 ح 1.

(6) الكافي 4: 392- 5، التهذيب 5: 352- 1226، الوسائل 13: 48 أبواب كفارات الصيد ب 19 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 341

و لا يخفى أنّ تحريم الإشارة و الدلالة إنّما هو لمن لم ير الصيد، و أمّا لمن يراه و لا يفيده ذلك شيئا، و كذا لمن لا يتمكّن من صيده، فالوجه العدم، وفاقا لجمع كما قيل «1»، للأصل، و اختصاص النصوص بما تسبّب للصيد، مع أنّ الدلالة عرفا تختصّ بما لا يعلمه المدلول بنفسه.

و هاهنا مسائل:

المسألة الأولى: كما يحرم الصيد يحرم فرخه، و بيضه،

بلا خلاف يعلم كما في الذخيرة «2»، بل عن التذكرة «3» و في شرح المفاتيح الإجماع عليه، و تدلّ عليه الروايات المتكثّرة المتضمّنة لثبوت الكفّارة فيه، كما سيأتي ذكرها.

المسألة الثانية: إذا صاد المحرم صيدا و قتله كان حراما عليه

و على من مثله في كونه محرما، إجماعا، و للروايات الآتية الخالية عن المعارض في حقّه.

و كذا يحرم على كلّ أحد و إن كان محلّا عند جماعة، منهم: الشيخ في أكثر كتبه و السرائر و المهذّب و الجامع و الوسيلة و الجواهر و الشرائع و النافع و القواعد و الإرشاد «4» و غيرها «5»، و ادّعى جماعة الشهرة عليه «6»،

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 373.

(2) الذخيرة: 588.

(3) التذكرة 1: 328

(4) الشيخ في النهاية: 220، السرائر 1: 546، المهذب 1: 230، الجامع: 183، الوسيلة: 165، جواهر الفقه: 46، الشرائع 1: 249، النافع: 84، القواعد 1:

81، الإرشاد 1: 317.

(5) كالتذكرة 1: 329.

(6) منهم السبزواري في الذخيرة: 600 و صاحب الحدائق 15: 143 و صاحب الرياض 1: 373.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 342

و عن الجواهر و التذكرة و المنتهى: الإجماع عليه «1».

و لرواية وهب: «إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال و المحرم، و هو كالميتة، و إذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة حلال ذبحه أم حرام» «2»، و إسحاق «3»، و هي بمضمون الأولى.

و ابن أبي عمير: المحرم يصيب الصيد فيفديه يطعمه أو يطرحه؟

قال: «إذن كان عليه فداء آخر»، قلت: فما يصنع به؟ قال: «يدفنه» «4».

المعتضدة جميعا بالشهرة المحقّقة، و الإجماعات المحكيّة، و أخبار تعارض الصيد و الميّتة للمحرم المضطرّ «5»، سيّما ما رجّح منها الميّتة على الصيد.

خلافا للمحكيّ عن المقنع و الفقيه و الإسكافي و المفيد و السيّد و الكليني «6»، فقالوا بحلّية مذبوح المحرم

في غير الحرم للمحلّ، للأصل، و الصحاح المستفيضة:

كصحيحة الحلبي: «المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه و يتصدّق بالصيد على مسكين» «7».

و الأخرى: عن محرم أصاب صيدا و أهدى إليّ منه، قال: «لا، لأنّه

______________________________

(1) جواهر الفقه: 46، التذكرة 1: 329، المنتهى 2: 800.

(2) التهذيب 5: 377- 1315، الإستبصار 2: 214- 733، الوسائل 12: 432 أبواب تروك الإحرام ب 10 ح 4.

(3) التهذيب 5: 377- 1316، الإستبصار 2: 214- 734، الوسائل 12: 432 أبواب تروك الإحرام ب 10 ح 5.

(4) الفقيه 2: 235- 1120، التهذيب 5: 378- 1320، الإستبصار 2: 215- 740، المقنع: 79، الوسائل 12: 432 أبواب تروك الإحرام ب 10 ح 3.

(5) الوسائل 13: 84 أبواب كفارات الصيد ب 43.

(6) المقنع: 79، الفقيه 2: 235، المفيد في المقنعة: 438، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 72، الكليني في الكافي 4: 382.

(7) التهذيب 5: 372- 1297، الوسائل 13: 93 أبواب كفّارات الصيد و توابعها ب 48 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 343

صيد في الحرم» «1»، فإنّ مقتضى مفهوم التعليل: جواز أكل المحلّ لو صاده المحرم في غير الحرم.

و ابن عمّار: و إذا أصاب الرجل الصيد في الحرم و هو محرم فإنّه ينبغي له أن يدفنه و لا يأكله أحد، و إذا أصابه في الحلّ فإنّ الحلال يأكله و عليه هو الفداء «2».

و الأخرى: عن رجل أصاب صيدا و هو محرم أ يأكل منه الحلال؟

فقال: «لا بأس، إنّما الفداء على المحرم» «3».

و ابن حازم: رجل أصاب من صيد أصابه محرم و هو حلال، قال:

«فليأكل منه الحلال، فليس عليه شي ء، إنّما الفداء على المحرم» «4».

و الأخرى: رجل أصاب صيدا و هو

محرم، آكل منه و أنا حلال؟ قال:

«أنا كنت فاعلا»، قلت له: فرجل أصاب مالا حراما، فقال: «ليس هذا مثل هذا يرحمك اللَّه، إنّ ذلك عليه» «5».

و حريز: عن رجل أصاب صيدا و هو محرم، أ يأكل منه الحلال؟ فقال:

«لا بأس، إنّما الفداء على المحرم» «6».

المؤيّدة بالأصل، و الأكثرية، و الأشهرية رواية، و الأصحّية سندا،

______________________________

(1) التهذيب 5: 375- 1308، الوسائل 12: 422 أبواب تروك الإحرام ب 4 ح 1.

(2) الكافي 4: 382- 6، التهذيب 5: 378- 1318، الوسائل 12: 420 أبواب تروك الإحرام ب 3 ح 2، بتفاوت يسير.

(3) التهذيب 5: 375- 1307، الإستبصار 2: 215- 738، الوسائل 12: 421 أبواب تروك الإحرام ب 3 ح 5.

(4) الكافي 4: 382- 7، الوسائل 12: 420 أبواب تروك الإحرام ب 3 ح 1.

(5) التهذيب 5: 375- 1305، الوسائل 12: 421 أبواب تروك الإحرام ب 3 ح 3.

(6) التهذيب 5: 375- 1306، الإستبصار 2: 215- 737، الوسائل 12: 421 أبواب تروك الإحرام ب 3 ح 4، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 344

و أخبار ترجيح الصيد على الميّتة للمضطرّ عند التعارض «1»، و لو لا حلّيته في الجملة لم يكن كذلك.

و حمل تلك الأخبار على ما إذا كان به رمق خلاف الظاهر جدّا، بل لا يحتمله بعضها البتّة كالأولى و الثالثة، و كذلك جعل الباء في الأولى سببية و الصيد مصدرا.

و للمحكيّ عن الشيخين أيضا مفصّلا بين مقتول المحرم و مذبوحه، فحكما بالحلّية للمحلّ في الأول و الحرمة له في الثاني «2»، و إليه مال في المدارك «3» و بعض من تأخّر عنه «4»، استنادا في الأول إلى الأخبار الأخيرة، و في الثاني إلى الأولى.

و هو الأقرب،

لأعمّية الأخبار الأخيرة عن الأولى مطلقا بالنسبة إلى الذبح و غيره، فيجب تخصيصها بها، عملا بقاعدة تخصيص العامّ المطلق بالخاصّ المطلق.

المسألة الثالثة: الصيد المحرّم يشمل كلّ حيوان ممتنع بالأصالة،

سواء كان ممّا يؤكل أو لا، وفاقا للشرائع و التذكرة «5»، بل جملة من كتب الفاضل «6» و جمع من المتأخّرين «7»، و عن الراوندي: أنّه مذهبنا «8»، معربا

______________________________

(1) الوسائل 13: 84 أبواب كفارات الصيد ب 43.

(2) حكاه عنهما في المدارك 7: 308، و انظر المقنعة: 438، و التهذيب 5: 375- 378، و الإستبصار 2: 215.

(3) المدارك 7: 308.

(4) كصاحب الحدائق 15: 145.

(5) الشرائع 1: 283، التذكرة 1: 328.

(6) كالمنتهى 2: 800.

(7) كما في المسالك 1: 132.

(8) فقه القرآن 1: 306.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 345

عن دعوى الإجماع.

لشمول الصيد المنهيّ عنه كتابا و سنّة له لغة و عرفا، فيشمله إطلاقهما.

مضافا إلى عموم صحيحة ابن عمّار المتقدّمة «1» المتضمّنة للفظ:

«الدواب كلّها»، و النهي فيها و في الآتية عن قتل ما لم يرده من الحيوانات المحرّمة المذكورة فيها، و ما دلّ على حرمة قتل الوحش و الطير مطلقا في الحرم، و النهي عن قتل غير الإبل و البقر و الغنم و الدجاج في الحرم، و حرمة ذبح كلّ ما أدخل الحرم حيّا، و وجوب تخلية سبيل الصقر في الحرم كما يأتي في باب مسائل الحرم.

بضميمة الإجماع على اتّحاد حكم الحرم و الإحرام في تحريم الصيد، بل دلالة صحيحة [1] حريز «2» عليه كما يأتي في الباب المذكور.

و التقييد بالأصالة لإخراج ما توحّش من الإنسي و إدخال ما استأنس من الوحشي، إذ بذلك لا يخرج الحيوان عن مسمّاه الأصلي، و لا يختلف بذلك إطلاق الصيد و عدمه، بل لا خلاف في جواز قتل الإنسي المتوحّش

و عدم جواز قتل الوحشيّ المستأنس.

مضافا إلى إطلاق صحيحة حريز: «المحرم يذبح البقر و الغنم و الإبل، و كلّ ما لم يصفّ من الطير، و ما أحلّ للحلال أن يذبحه في الحرم، و هو محرم في الحلّ و الحرم» «3».

______________________________

[1] في «س» و «ق»: صحيحتي.

______________________________

(1) الكافي 4: 363- 2، التهذيب 5: 365- 1273، العلل: 458- 2، الوسائل 12: 545 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 2، 3، 4.

(2) الكافي 4: 363- 1، التهذيب 5: 365- 1272، الإستبصار 2: 208- 711، الوسائل 12: 544 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 1.

(3) الكافي 4: 365- 1، الوسائل 12: 549 أبواب تروك الإحرام ب 82 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 346

و رواية ابن سنان: المحرم ينحر بعيره و يذبح شاته؟ قال: «نعم» «1».

و ما يأتي من جواز ذبح الإبل و البقر و الغنم و الدجاجة في الحرم كما يأتي.

نعم، تستثنى منه الأفعى و العقرب و الفأرة، وفاقا للمحقّق «2» و جماعة «3»، لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة، و صحيحة الحسين بن أبي العلاء: «يقتل المحرم الأسود الغدر و الأفعى و العقرب و الفأرة» إلى أن قال: «اقتل كلّ شي ء منهنّ يريدك» «4».

و رواية محمّد بن الفضيل: عن المحرم و ما يقتل من الدواب؟ فقال:

«يقتل الأسود و الأفعى و الفأرة و العقرب و كلّ حيّة، و إن أرادك السبع فاقتله، و إن لم يردك فلا تقتله، و الكلب العقور إن أرادك فاقتله، و لا بأس للمحرم أن يرمي الحدأة» «5».

و صحيحة الحلبي: «يقتل في الحرم و الإحرام الأفعى و الأسود الغدر، و كلّ حيّة سوء، و العقرب و الفأرة و هي الفويسقة، و يرجم الغراب و الحدأة

رجما» «6».

بل كلّما خيف منه فيجوز قتله إذا أراده إجماعا كما قيل «7»، لذيل صحيحة ابن عمّار، و ابن أبي العلاء، و رواية الفضيل المتقدّمة.

______________________________

(1) الكافي 4: 365- 2، الوسائل 12: 549 أبواب تروك الإحرام ب 82 ح 4.

(2) الشرائع 1: 284.

(3) منهم الصدوق في المقنع: 77، و صاحبي المدارك 8: 316، و الحدائق 15:

158.

(4) التهذيب 5: 366- 1274، الوسائل 12: 546 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 5.

(5) الفقيه 2: 232- 1109، الوسائل 12: 547 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 10.

(6) الكافي 4: 363- 3، الوسائل 12: 546 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 6.

(7) الحدائق 15: 138.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 347

و لصحيحة حريز: «كلّما خاف المحرم على نفسه من السباع و الحيّات و غيرها فليقتله، و إن لم يردك فلا ترده» «1».

و في رواية العرزمي: «يقتل المحرم كلّما خشيه على نفسه» «2».

و في صحيحة أخرى لابن عمّار: «كلّ شي ء أرادك فاقتله» «3».

و هل يجوز قتل الحيّة مطلقا، لبعض ما مرّ من الروايات المطلقة، كما هو الأشهر، بل عن الغنية و المبسوط: الإجماع عليه «4»؟

أو يختصّ بصورة الخوف، كما عن السرائر «5»؟

الظاهر: الثاني، لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة، التي هي أخصّ مطلقا ممّا مرّ.

و في رواية غياث بن إبراهيم: «يقتل المحرم الزنبور و النسر و الأسود و الذئب، و ما خاف أن يعدو عليه»، و قال: «الكلب العقور هو الذئب» «6».

و الظاهر أنّ تجويز قتل الزنبور و ما بعده أيضا لأجل الخوف لا مطلقا، و إن احتمل الإطلاق في الزنبور لهذه الرواية التي هي أخصّ ممّا دلّ على المنع، و لذا تردّد في الشرائع «7»، بل و جوّز قتله في المبسوط

«8».

______________________________

(1) الكافي 4: 363- 1، الوسائل 12: 544 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 1.

(2) الكافي 4: 364- 10، الوسائل 12: 546 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 7.

(3) الكافي 4: 364- 5، الوسائل 12: 547 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 9.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 575، المبسوط 1: 338.

(5) السرائر 1: 567.

(6) الكافي 4: 363- 4، الوسائل 12: 546 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 8.

(7) الشرائع 1: 284.

(8) المبسوط 1: 339.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 348

و تدلّ عليه أيضا صحيحة ابن عمّار: «لا بأس بقتل النحل و البقّ في الحرم» «1»، بضميمة الصحيحتين الآتيتين في بحث أحكام الحرم، المصرّحتين: بأنّه يجوز للمحرم ذبح كلّ ما يجوز ذبحه للمحلّ في الحرم.

و منه يثبت استثناء النملة أيضا، للتصريح به في صحيحة أخرى له «2»، حيث فيها موضع النحل: و النمل.

و أمّا غيره فلا، أمّا النسر فلظاهر الإجماع المركّب.

و أمّا الأسود فلما مرّ و إن احتمل الإطلاق فيه أيضا، لأنّ الأسود نوع خاصّ من الحيّات، و الدليل الخاصّ بالإرادة في الحيّة إنّما هو في مطلق الحيّة.

و أمّا الذئب- المفسّر بالكلب العقور- فلمفهوم رواية ابن الفضيل المتقدّمة «3».

ثم إنّه قد خالف هنا جماعة في الصيد المحرّم أكله، بل في المفاتيح حكي عن الأكثر «4»، فقيّدوا الصيد المحرّم بالمحلّل من الممتنع، فجوّزوا صيد كلّ ما لا يؤكل، إمّا مطلقا، كطائفة «5»، أو باستثناء الأسد و الثعلب و الأرنب و الضب و اليربوع و القنفذ و الزنبور و العظاية، فحرّموا صيدها أيضا، كجماعة «6»،

______________________________

(1) الفقيه 2: 172- 761، التهذيب 5: 366- 1276، الوسائل 12: 550 أبواب تروك الإحرام ب 84 ح 1، و في الجميع: النمل، بدل:

النحل.

(2) الفقيه 2: 172- 761، التهذيب 5: 366- 1277، الوسائل 12: 551 أبواب تروك الإحرام ب 84 ح 2.

(3) الفقيه 2: 232- 1109، الوسائل 12: 547 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 10.

(4) المفاتيح 1: 319.

(5) منهم الطوسي في المبسوط 1: 338، المحقّق في النافع: 101.

(6) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 133.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 349

استنادا إلى عدم وجوب كفّارة في غير المأكول سوى الثمانية.

و ردّ «1»: بمنع التلازم بين عدم لزوم الكفّارة و عدم التحريم، لأنّها ليست من لوازم الحرمة، كما يشهد عليه سقوط الكفّارة عمّن عاد في الصيد متعمّدا.

و أجيب «2»: بأنّه يمكن استنباط التلازم بين الحرمة و لزوم الكفّارة من سياق قوله سبحانه وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ «3»، و من صحيحتي الحلبي «4» و ابن حازم «5» المتقدّمتين، فإنّ مفادهما ثبوت الفداء في كلّ ما تعلّق به النهي، فلا بدّ من أحد التخصيصين: إمّا تخصيص الصيد بالمحلّل، أو الفداء ببعض ما يحرم صيده، فلا يعلم عموم حرمة الصيد.

أقول: يمكن أن يقال: إنّ غاية ذلك اختصاص حرمة الصيد بما فيه الفداء، و لكن لا يفيد ذلك فيما نهي فيه عن قتل الدواب و السباع و نحوها.

و الحاصل: أنّ هاهنا أمرين، أحدهما: النهي عن الصيد، و الآخر:

عن قتل الدواب، و ما ثبت فيه التلازم هو الأول دون الثاني، و المثبت للتعميم حقيقة هو الثاني.

و قد تلخّص ممّا ذكر أنّ الأصل: حرمة قتل الدواب كلّها حال الإحرام، و خرج منها الإبل و البقر و الغنم و الدجاج، و كل ما خيف منه مع

______________________________

(1) كما في المدارك 8: 313.

(2) كما في الرياض 1: 445.

(3) المائدة:

95.

(4) الكافي 4: 381- 1، الوسائل 12: 415 أبواب تروك الإحرام ب 1 ح 1.

(5) الكافي 4: 381- 2، التهذيب 5: 315- 1086، الإستبصار 2: 187- 629، الوسائل 12: 416 أبواب تروك الإحرام ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 350

الإرادة، و الزنبور و النمل و الأفعى و العقرب و الفأرة و هوام الجسد و الغراب يرمى، و السائر باق تحت الأصل من الوحوش و الطيور و الحشرات.

المسألة الرابعة: ما مرّ من تحريم الصيد إنّما هو في الصيد البرّي،

و أمّا البحري فلا يحرم، بالإجماعين «1»، و الكتاب «2»، و السنّة المستفيضة «3».

و المراد بالبحر يعمّ النهر أيضا كما قيل «4»، بل لا خلاف كما عن التبيان، قال: لأنّ العرب تسمّي النهر بحرا «5»، و منه قوله تعالى ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ «6».

و الأغلب في البحر هو الذي يكون ماؤه مالحا، لكن إذا أطلق دخل فيه الأنهار بلا خلاف.

المسألة الخامسة: التفرقة بين صيد البرّ و البحر إنّما هي بالتعيّش،

فما يعيش في البرّ فمن البرّي و إن كان أصله من البحر، و ما يعيش في البحر فمن البحر، لصدق الاسم، و صحيحة محمد: مرّ أبو جعفر عليه السّلام على ناس و هم يأكلون جرادا، فقال: «سبحان اللَّه و أنتم محرمون»، فقالوا: و إنّما هو من البحر، فقال: «فارمسوه في الماء إذن» «7».

و صحيحة ابن عمّار: «كلّ شي ء يكون أصله في البحر و يكون في البرّ

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 446.

(2) المائدة: 96.

(3) الوسائل 12: 425 أبواب تروك الإحرام ب 6.

(4) انظر الرياض 1: 446.

(5) التبيان 4: 28.

(6) الروم: 41.

(7) الكافي 4: 393- 6، الفقيه 2: 235- 1119، التهذيب 5: 363- 1263، الوسائل 12: 428 أبواب تروك الإحرام ب 7 ح 1، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 351

[و البحر] فلا ينبغي للمحرم أن يقتله، فإن قتله فعليه الجزاء» «1».

و أمّا ما يعيش في البرّ و البحر معا فالفصل المميّز فيه إنّما هو اعتبار البيض و الفرخ، فما يبيض و يفرخ في الماء فهو بحريّ و إن كان يعيش في البرّ، و ما يبيض و يفرخ في البر فهو برّي و إن كان يعيش في الماء، باتّفاق الأصحاب.

و قد صرّح بذلك في صحيحة حريز، و فيها: «و فصل ما بينهما كلّ طير يكون

في الآجام و يبيض في البرّ و يفرخ في البرّ فهو من صيد البرّ، و ما كان من صيد البرّ يكون في البرّ و يبيض في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر» «2».

و في حكم البيض و الإفراخ التوالد.

المسألة السادسة: الجراد في معنى الصيد البرّي،

اتّفاقا محقّقا و محكيّا «3»، له، و للمستفيضة، كصحيحة محمّد المتقدّمة، و ابن عمّار:

«ليس للمحرم أن يأكل جرادا و لا يقتله» «4»، و غير ذلك «5».

المسألة السابعة: يجوز رمي الغراب بأقسامه و الحدأة

في الحرم و غيره، مع الإحرام أو لا معه، و عن ظهر البعير و غيره، للروايات السابقة «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 393- 2، التهذيب 5: 468- 1636، الوسائل 12: 426 أبواب تروك الإحرام ب 6 ح 2، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(2) الكافي 4: 392- 1، الفقيه 2: 236- 1126، التهذيب 5: 365- 1270، الوسائل 12: 426 أبواب تروك الإحرام ب 6 ح 3، بتفاوت.

(3) كما في التذكرة 1: 330، الذخيرة: 589.

(4) التهذيب 5: 363- 1264، الوسائل 12: 429 أبواب تروك الإحرام ب 7 ح 4.

(5) الوسائل 12: 428 أبواب تروك الإحرام ب 7.

(6) في ص: 346، و انظر الوسائل 12: 544 أبواب تروك الإحرام ب 81.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 352

و تخصيص الحكم في صحيحة ابن عمّار «1» بالرمي عن ظهر البعير لا يفيد الاختصاص بعد إطلاق سائر الروايات، إذ لا منافاة بينهما، فوجب الجمع.

و لا يجوز قتلهما، لما مرّ، إلّا أن يفضي الرمي إليه.

المسألة الثامنة: قيل بجواز قتل البرغوث و البقّة

«2»، للأصل، و رواية زرارة: عن المحرم يقتل البقّة و البرغوث إذا أراداه؟ قال: «نعم» «3».

و عن جماعة- منهم: الشيخ في التهذيب و الفاضل في جملة من كتبه- تحريم قتلهما «4»، لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة، و قوّاه في المدارك «5».

و لو قلنا بالجواز إذا أراداه- كما هو مورد الرواية- و المنع بدونه كان حسنا، إلّا أنّ هاهنا أخبارا أخر تدلّ على الجواز، و يأتي تحقيقه في بحث هوام الجسد إن شاء اللَّه.

المسألة التاسعة: يجوز للمحرم أكل الصيد مع اضطراره إليه،

حيث يحلّ أكل الميّتة بقدر ما يمسك الرمق إذا لم يوجد غيره إجماعا، فيأكل و يفدي بما يأتي، أمّا جواز الأكل فللاضطرار المجوّز له كتابا و سنّة و إجماعا، و أمّا الفداء فلإطلاقاته.

و تدلّ عليهما أيضا صحيحة زرارة و بكير: في رجل اضطرّ إلى صيد و ميتة و هو محرم، قال: «يأكل الصيد و يفدي» «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 363- 2، التهذيب 5: 365- 1273، العلل: 458- 2، الوسائل 12: 545 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 2، 3، 4.

(2) الحدائق 15: 195.

(3) الكافي 4: 364- 6، الوسائل 12: 542 أبواب تروك الإحرام ب 79 ح 3.

(4) التهذيب 5: 366، الفاضل في المنتهى 2: 800، التذكرة 1: 340.

(5) المدارك 8: 318.

(6) الكافي 4: 383- 3، الوسائل 13: 85 أبواب كفارات الصيد ب 43 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 353

و الحلبي: عن المحرم يضطرّ فيجد الميّتة و الصيد أيّهما يأكل؟ قال:

«يأكل من الصيد، ليس هو بالخيار، أ ما يحبّ أن يأكل من ماله؟!» قلت:

بلى، قال: «إنّما عليه الفداء، فليأكل و ليفده» «1».

و يستفاد منهما و ممّا في معناهما من المعتبرة- كموثّقة يونس «2» و رواية منصور «3» و مرسلة الفقيه «4»- وجوب

تقديم أكل الصيد على الميّتة إذا وجدت معه، كما قاله المفيد و السيّد و الديلمي «5»، و جماعة «6»، و نسبه في النافع و التنقيح إلى أشهر الروايتين «7»، و عن الإنتصار: الإجماع عليه «8».

و قال الحلّي: بل يأكل الميّتة «9»، لصحيحة عبد الغفّار الجازي: عن المحرم إذا اضطرّ إلى ميتة فوجدها و وجد صيدا، فقال: «يأكل الميّتة و يترك الصيد» «10».

و بمعناها رواية إسحاق، و فيها: «فليأكل الميّتة التي أحلّ اللَّه له» «11».

______________________________

(1) الكافي 4: 383- 1، التهذيب 5: 368- 1283، الإستبصار 2: 209- 714، الوسائل 13: 84 أبواب كفارات الصيد ب 43 ح 1، بتفاوت.

(2) الكافي 4: 383- 2، التهذيب 5: 368- 1285، الإستبصار 2: 210- 716، الوسائل 13: 85 أبواب كفارات الصيد ب 43 ح 2.

(3) علل الشرائع: 445- 3، الوسائل 13: 86 أبواب كفارات الصيد ب 43 ح 7.

(4) الفقيه 2: 235- 1121، الوسائل 13: 85 أبواب كفارات الصيد و توابعها ب 43 ح 4.

(5) المفيد في المقنعة: 438، السيد في الإنتصار: 100، الديلمي في المراسم: 121.

(6) كصاحب المدارك 8: 400، السبزواري في الذخيرة: 615.

(7) النافع: 105، التنقيح 1: 552.

(8) الإنتصار: 100.

(9) السرائر 1: 568.

(10) التهذيب 5: 369- 1286، الإستبصار 2: 210- 717، الوسائل 13: 87 أبواب كفارات الصيد ب 43 ح 12.

(11) التهذيب 5: 368- 1284، الإستبصار 2: 209- 715، الوسائل 13: 87 أبواب كفارات الصيد ب 43 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 354

و جمع الصدوق بينهما بالتخيير مع رجحان الصيد «1»، استنادا إلى ما صرّح بكون الصيد أحبّ «2».

و تردّه صحيحة الحلبي المتقدّمة، فيتعيّن العمل بإحدى الروايتين، و الأولى أرجح، لموافقتها لاستصحاب حلّية الصيد و حرمة

الميّتة، و مخالفتها لما عليه أكثر العامّة، سيّما رؤساؤهم و أصحاب أبي حنيفة «3».

و جمع آخر بوجوه أخر خالية عن الشاهد.

و لو لم يتمكّن من الفداء حينئذ، يقضيه إذا رجع من ماله، كما صرّح به في موثّقة يونس.

و لو لم يتمكّن منه حين الرجوع أيضا يرجع إلى بدله من الصوم و نحوه إن كان له بدل، لصدق الفداء عليه، كما يأتي في بحث الكفّارات.

و لو لم يكن له بدل أو كان و عجز عنه أيضا يأكل الميّتة، وفاقا للمبسوط و التهذيب و المهذّب و الشرائع و القواعد «4» و غيرها «5»، لاختصاص أخبار تقديم الصيد بما إذا تمكّن من الفداء، للأمر به، فتبقى أخبار تقديم الميّتة في هذا المورد خالية عن المعارض، فيجب العمل بها البتّة.

و في المسألة أقوال أخر و فروع أخر لا ينبغي لمن له أمر آخر أهمّ الاشتغال بذكرها، فإنّ المسألة مجرّد فرض يندر الاحتياج إليها جدّا، و نحوها أكثر مسائل الصيد، و لذا ارتكبنا فيه نحوا من الاقتصار.

______________________________

(1) الفقيه 2: 235.

(2) الفقيه 2: 235- 1121، الوسائل 13: 85 أبواب كفارات الصيد ب 43 ح 4.

(3) المغني و الشرح الكبير 3: 296، انظر الأم للشافعي 2: 253.

(4) المبسوط 1: 349، التهذيب 5: 368، المهذّب 1: 230، الشرائع 1: 293، القواعد 1: 96.

(5) كالرياض 1: 462.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 355

الثاني من المحرّمات على الرجال و النساء: النساء و الرجال جماعا،
اشاره

و لمسا بشهوة، و تقبيلا كذلك لا بدونها، و عقدا لنفسه و لغيره، بلا خلاف في شي ء منها كما قيل «1»، بل بالإجماع المحكيّ في التحرير في الأول «2»، و في ظاهر المدارك و شرح الهندي للقواعد فيه و في الأخير «3»، و في الخلاف و الغنية و المنتهى و

التذكرة- كما حكي- في الأخير «4»، [و في ] «5» المفاتيح و شرحه في الجميع «6».

و يدلّ على الأول: نفي الرفث في الكتاب الكريم في الحجّ- و فسّره في صحيحتي ابن عمّار «7» و عليّ بن جعفر «8» بالجماع- و النصوص المستفيضة «9» القريبة من المتواترة من الصحاح و غيرها الآتية جملة منها في بحث الكفّارات.

و على الثاني: صحيحة محمّد: عن رجل محرم حمل امرأته و هو محرم فأمنى أو أمذى، قال: «إن كان حملها أو مسّها بشي ء من الشهوة فأمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذ فعليه دم شاة يهريقه، فإن حملها أو مسّها

______________________________

(1) الحدائق 15: 339.

(2) التحرير 1: 112.

(3) المدارك 7: 310، كشف اللثام 1: 322.

(4) الخلاف 2: 317، الغنية (الجوامع الفقهية): 577، المنتهى 2: 808، التذكرة 1: 342.

(5) ليست في النسخ، أضفناها لاستقامة العبارة.

(6) المفاتيح 1: 327.

(7) الكافي 4: 337- 3، التهذيب 5: 296- 1003، الوسائل 12: 463 أبواب تروك الإحرام ب 32 ح 1.

(8) قرب الإسناد: 234- 915، الوسائل 13: 115 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 3 ح 16.

(9) الوسائل 12: 463 أبواب تروك الإحرام ب 32.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 356

بغير شهوة أمنى أو أمذى فليس عليه شي ء» «1».

و رواية الأعرج: عن رجل ينزل المرأة من المحمل فيضمّها إليه و هو محرم، قال: «لا بأس إلّا أن يتعمّد» «2».

و الحلبي: المحرم يضع يده على امرأته، قال: «لا بأس» قلت: فإنّه أراد أن ينزلها من المحمل فلمّا ضمّها إليه أدركته الشهوة، قال: «ليس عليه شي ء، إلّا أن يكون طلب ذلك» «3».

و على الثالث: رواية عليّ بن أبي حمزة: عن رجل قبّل امرأته و هو محرم، قال: «عليه بدنة و إن

لم ينزل» «4».

و رواية الحسين بن حمّاد: عن المحرم يقبّل أمّه؟ قال: «لا بأس، هذا قبلة رحمة، إنّما تكره قبلة الشهوة» «5»، و المراد بالكراهة هنا: الحرمة، لأنّ التفصيل قاطع للشركة.

و رواية العلاء: عن رجل و امرأة تمتّعا جميعا فقصّرت امرأته و لم يقصّر فقبّلها، قال: «يهريق دما، و إن كانا لم يقصّرا جميعا فعلى كلّ واحد منهما أن يهريق دما» «6».

______________________________

(1) الفقيه 2: 214- 972، التهذيب 5: 326- 1119، المقنع: 76، الوسائل 13:

137 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 17 ح 6.

(2) الفقيه 2: 231- 1101، الوسائل 12: 436 أبواب تروك الإحرام ب 13 ح 2.

(3) التهذيب 5: 326- 1118، الوسائل 13: 137 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 5.

(4) الكافي 4: 376- 3، التهذيب 5: 327- 1123، الوسائل 13: 139 أبواب كفارات الاستمتاع ب 18 ح 4.

(5) الكافي 4: 377- 9، التهذيب 5: 328- 1127، الوسائل 13: 139 أبواب كفارات الاستمتاع ب 18 ح 5.

(6) التهذيب 5: 473- 1666، الوسائل 13: 140 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 18 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 357

و على الثاني و الثالث: صحيحة الحلبي: عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته، قال: «نعم، يصلح عليها خمارها، و يصلح عليها ثوبها و محملها»، قلت: أ فيمسّها و هي محرمة؟ قال: «نعم»، قلت: المحرم يضع يده بشهوة، قال: «يهريق دم شاة»، قلت: فإن قبّل؟ قال: «هذا أشدّ، ينحر بدنة» «1».

و رواية مسمع: «إنّ حال المحرم ضيّقة، فمن قبّل امرأته على غير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة، و من قبّل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور و يستغفر ربّه، و من مسّ امرأته بيده و هو

محرم على شهوة فعليه دم شاة، و من نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور، و من مسّ امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي ء عليه» «2».

و دلالة تلك الروايات على الحرمة لأجل إيجاب الكفّارة، للإجماع ظاهرا على استلزام وجوب الكفّارة لعدم الجواز في هذا المقام، مضافا إلى إثبات البأس- الذي هو العذاب- في الضمّ مع العمد في رواية الأعرج المتقدّمة.

و حمل البأس على الكراهة- لإطلاق الضمّ الشامل لما كان بشهوة و لغيره- مردود بأولويّة التخصيص عن المجاز، مع أنّ الظاهر عدم الكراهة في الضمّ بدون الشهوة أيضا.

و أكثر هذه الروايات و إن كانت مختصّة بالرجل إلّا أنّه يتعدّى الحكم إلى

______________________________

(1) الكافي 4: 375- 2، الوسائل 13: 136، 138 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 17 و 18 ح 2 و 1.

(2) الكافي 4: 376- 4، التهذيب 5: 326- 1121 بتفاوت يسير، الإستبصار 2:

191- 641، الوسائل 12: 434 أبواب تروك الإحرام ب 12 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 358

المرأة بالإجماع المركّب، مضافا إلى التصريح بحكم المرأة في رواية العلاء أيضا في التقبيل الموجب للتعدّي إلى غيره بالإجماع المركّب أيضا.

و إطلاق نادر من تلك الروايات في المسّ الشامل لما كان بشهوة و لغيره مقيّد بتقييد البواقي و التصريح بجواز الثاني، و كذا إطلاق طائفة منها في التقبيل، بل تصريح صحيحة الحلبي بتقييد رواية الحسين بن حمّاد.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ الثابت في الصحيحة الكفّارة، و المنفيّ في الرواية الحرمة.

إلّا أن يقال بشمول المسّ- المجوّز منه ما كان بغير شهوة- للتقبيل أيضا، و لكنّه خلاف الظاهر.

إلّا أنّ الظاهر عدم الفصل بين الكفّارة، و عدم الجواز هنا، فتتعارض الرواية مع الصحيحة، فتحمل الأخيرة على

الاستحباب، كما في الذخيرة «1».

و أمّا الإطلاق في المسّ و التقبيل- كما حكي عن جمل العلم و العمل و السرائر و الكافي «2» و يحتمله كلام جماعة «3» أيضا- فغير موجّه.

و تدلّ على الأخير مرسلة الحسن بن عليّ: «المحرم لا ينكح و لا ينكح و لا يخطب و لا يشهد النكاح، فإن نكح فنكاحه باطل» «4»، و قريبة منها مرسلة ابن فضّال.

و صحيحة ابن عمّار: «المحرم لا يتزوّج و لا يزوّج، فإن فعل فنكاحه

______________________________

(1) الذخيرة: 590.

(2) جمل العلم و العمل: 212، السرائر 1: 542، الكافي في الفقه: 202.

(3) منهم المفيد في المقنعة: 434، الصدوق في المقنع: 76، الفيض في المفاتيح 1: 327.

(4) الكافي 4: 372- 1 و في التهذيب 5: 330- 1136 بتفاوت يسير، الوسائل 12: 438 أبواب تروك الإحرام ب 14 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 359

باطل» «1».

و صحيحة ابن سنان: «ليس للمحرم أن يتزوّج و لا يزوّج، فإن تزوّج أو زوّج محلّا فتزويجه باطل» «2». إلى غير ذلك «3».

و ظاهر الأخير نفي الجواز، كما يشهد به إبطال النكاح أيضا، و لأجله يحمل الأولان على الحرمة أيضا.

مسائل:

المسألة الأولى: صرّح جماعة- بل الأكثر- بتحريم النظر بشهوة أيضا

«4»، بل قيل: إنّه لعلّه لا خلاف فيه «5»، و في المفاتيح و شرحه: الإجماع عليه «6».

و قد يستدلّ عليه برواية مسمع المتقدّمة، و صحيحة ابن عمّار: عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى و هو محرم، قال: «لا شي ء عليه، و لكن ليغتسل و يستغفر ربّه، و إن حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى فلا شي ء عليه، و إن حملها أو مسّها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم»، و قال:

في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزّلها بشهوة حتى ينزل، قال: «عليه

بدنة» «7».

______________________________

(1) الكافي 4: 372- 4، التهذيب 5: 330- 1135، الوسائل 12: 438 أبواب تروك الإحرام ب 14 ح 9.

(2) الفقيه 2: 230- 1096، التهذيب 5: 328- 1128، الإستبصار 2:

193- 647، الوسائل 12: 436 أبواب تروك الإحرام ب 14 ح 1، 2.

(3) الوسائل 12: 436 أبواب تروك الإحرام ب 14.

(4) كما في الحدائق 15: 344، و الرياض 1: 470.

(5) انظر الحدائق 15: 344.

(6) المفاتيح 1: 327.

(7) الكافي 4: 375- 1 و في التهذيب 5: 325- 1117 و الإستبصار 2: 191- 642:

صدر الحديث فقط، الوسائل 13: 135 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 360

و الأخرى: في محرم نظر إلى غير أهله فأمنى، قال: «عليه دم»، قال:

«لأنّه نظر إلى غير ما يحلّ له، و إن لم يكن أنزل فليتق اللَّه و لا يعد و ليس عليه شي ء» «1».

و صحيحة زرارة: عن رجل محرم نظر إلى غير أهله فأنزل، قال:

عليه جزور أو بقرة، فإن لم يجد فشاة» «2».

و موثّقة أبي بصير: عن رجل نظر إلى ساق امرأة فأمنى، فقال: «إن كان موسرا فعليه بدنة، و إن كان بين ذلك فبقرة، و إن كان فقيرا فشاة، أما إنّي لم أجعل ذلك عليه من أجل الماء و لكن من أجل أنّه نظر إلى ما لا يحلّ له» «3».

و قريبة منها روايته «4»، و فيها: «أو إلى فرجها» بعد قوله: «ساق امرأة».

و لا يخفى أنّ الأوليين مخصوصتان بصورة النظر مع الإمناء، فلعلّ الكفّارة لأجله، أو لأجله مع النظر لا للنظر خاصّة، بل هو الظاهر من الأولى.

و الثالثة مخصوصة بالنظر إلى غير المحرم، فلعلّها لأجله، بل تعليلها

______________________________

(1) الكافي 4: 377- 8، الوسائل 13: 135 أبواب

كفّارات الاستمتاع ب 16 ح 5، بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 5: 325- 1116، الوسائل 13: 133 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 16 ح 1.

(3) الكافي 4: 377- 7، و في الفقيه 2: 213- 971 بتفاوت يسير، التهذيب 5:

325- 1115، المقنع: 76، العلل: 458- 1، المحاسن: 319- 15، الوسائل 13: 133 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 16 ب 2.

(4) كما في الوسائل 13: 134 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 16 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 361

صريح في ذلك، أو لأجله و للإنزال كما يصرّح به ذيلها.

و منه يعلم عدم دلالة الرابعة أيضا.

و أمّا الأخيرة و إن كانت مطلقة من جهة المرأة الشاملة لامرأته أيضا، و لا يقيّدها قوله: «ما لا يحلّ له» بالأجنبيّة، لجواز عدم الحليّة لأجل الإحرام، و كانت صريحة في أنّ الكفّارة ليست لأجل الإنزال بل لأجل النظر فتتمّ دلالتها.

إلّا أنّها تعارض ذيل صحيحة ابن عمّار الأخيرة، المصرّحة بعدم شي ء مع عدم الإنزال لو حملت على أنّها للإنزال فقط، فيجب حمل الأخيرة على أنّ الكفّارة للأمرين معا، فلا تبقى لها دلالة على المطلوب.

و مع ذلك تعارضها موثّقة إسحاق: في محرم نظر إلى امرأته بشهوة فأمنى، قال: «ليس عليه شي ء» «1».

و إطلاق رواية محمّد الحلبي: المحرم ينظر إلى امرأته و هي محرمة، قال: «لا بأس» «2».

فيبقى ما عليه الأكثر خاليا عن الدليل، مع مخالفته للأصل، و لذا صرّح الصدوق في الفقيه بأنّه لا شي ء عليه «3»، و قوّاه بعض مشايخنا «4» إن لم يكن خلافه إجماعا، و لعلّه نظر إلى الإجماع المنقول، و حيث لا حجّية فيه و لم يتحقّق الإجماع فعدم الحرمة أقوى، و أمر الاحتياط واضح.

المسألة الثانية: قالوا: تحرم الشهادة على العقد

سواء كان لمحرم أو

______________________________

(1) التهذيب 5: 327- 1122،

الإستبصار 2: 192- 643، الوسائل 13: 138 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 17 ح 7.

(2) الفقيه 2: 231- 1102، الوسائل 12: 435 أبواب تروك الإحرام ب 13 ح 1.

(3) الفقيه 2: 213.

(4) كما في رياض المسائل 1: 470.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 362

محلّ، بلا خلاف فيه يظهر كما قيل «1»، بل هو مقطوع به في كلام الأصحاب كما في المدارك «2»، بل بالإجماع كما عن الخلاف «3»، فإن ثبت الإجماع فهو، و إلّا فلا دليل عليه تامّا، إذ غاية ما يستدلّ به له مرسلتا الحسن بن عليّ و ابن فضّال المتقدّمتين.

و مرسلة أخرى لابن أبي شجرة: في المحرم يشهد نكاح محلّين، قال: «لا يشهد»، ثم قال: «يجوز للمحرم أن يشير بصيد على محلّ» «4» إلّا أنّها قاصرة عن إثبات الحرمة، لمكان الجملة الخبريّة.

و تتميم الدلالة في الأخيرة- بكون السؤال فيها عن الجواز، المستلزم نفيه في الجواب للحرمة، إذ لا شك أنّه لا يسأل عن وجوبها أو رجحانها- مردود بجواز كون السؤال عن الإباحة، بمعنى تساوي الطرفين.

نعم، يمكن تتميم دلالتها لو جعل قوله: «يجوز» إلى آخره، استفهاما إنكاريا، و كان ذكر هذه الجملة تمثيلا تأكيدا للسابق- كما قيل «5»- و لكنّه غير متعيّن الحمل عليه.

و على هذا فالمناط هو الإجماع، و على هذا فيقتصر فيه على المتّفق عليه، و هو حضور العقد لأجل الشهادة، فلو اتّفق حضوره لا لأجلها لم يكن محرّما.

______________________________

(1) انظر الحدائق 15: 347.

(2) المدارك 7: 311.

(3) الخلاف 2: 317.

(4) الفقيه 2: 230- 1095 و ليس فيه: عن ابن أبي شجرة، التهذيب 5:

315- 1087، الإستبصار 2: 188- 630، الوسائل 12: 417 أبواب تروك الإحرام ب 1 ح 8.

(5) انظر التهذيب 5: 315.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 363

نعم، لو تمّت دلالة الروايات لشملت الأخيرة أيضا، لأنّ الشهادة هي الحضور مطلقا.

و الحقّ: عدم تحريم إقامة الشهادة على العقد للمحرم مطلقا، كما هو ظاهر النافع «1»، و استشكل فيه في القواعد «2»، للأصل، و عدم الدليل، و عموم أدلّة النهي عن الكتمان.

و عن المبسوط و السرائر و في الشرائع «3» و غيره «4»- بل في المشهور كما قيل «5»-: الحرمة، لعموم الشهادة المنهيّة في المراسيل المتقدّمة.

و فيه- مضافا إلى ما مرّ-: أنّ تعدّيها بالنكاح مطلقا ظاهر في إرادة معنى الحضور عنها.

المسألة الثالثة: يحرم الاستمناء باليد أو التخيّل أو الملاعبة،

بلا ريب كما في المدارك «6»، بل بلا خلاف كما في المفاتيح و شرحه «7»، و غيرهما «8».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 11    364     المسألة الثالثة: يحرم الاستمناء باليد أو التخيل أو الملاعبة، ..... ص : 363

حيحة البجلي: عن الرجل يمني و هو محرم من غير جماع، أو يفعل ذلك في شهر رمضان، ما ذا عليهما؟ قال: «عليهما جميعا الكفّارة مثل ما على الذي يجامع» «9».

______________________________

(1) النافع: 84.

(2) القواعد 1: 81.

(3) المبسوط 1: 317، السرائر 1: 553، الشرائع 1: 249.

(4) كالحدائق 15: 347.

(5) انظر الذخيرة: 590.

(6) المدارك 7: 314.

(7) المفاتيح 1: 327.

(8) كالرياض 1: 374.

(9) التهذيب 5: 327- 1124، الوسائل 13: 131 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 14 ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 364

و نحوها الأخرى، إلّا أنّ فيها: عن المحرم يعبث بأهله حتى يمني من غير جماع .. «1».

و موثقة إسحاق بن عمّار: ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى؟ قال:

«أرى عليه مثل ما على من أتى أهله و هو محرم، بدنة و الحجّ من قابل» «2».

و أمّا رواية أبي

بصير: عن رجل سمع كلام امرأة من خلف حائط و هو محرم فتشاهى حتى أنزل، قال: «ليس عليه شي ء» «3».

و مرسلة البزنطي: في محرم استمع على رجل يجامع أهله فأمنى، قال: «ليس عليه شي ء» «4».

و موثّقة سماعة: في المحرم تنعت له المرأة الجميلة الخليقة فيمني، قال: «ليس عليه شي ء» «5».

فمحمولة على عدم قصد الإمناء، لكونها أعمّ منه و من قصده، و ظهور الروايات الأولى في الثاني، فتكون أخصّ مطلقا يحمل عليها الأعمّ.

و كذا تحمل على عدم القصد موثّقة أبي بصير المتقدّمة في المسألة الأولى «6»، المتضمّنة لقوله عليه السّلام: «أما إنّي لم أجعل عليه ذلك من أجل

______________________________

(1) الكافي 4: 376- 5، التهذيب 5: 324- 1114، الوسائل 13: 131 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 14 ح 1.

(2) الكافي 376- 6، التهذيب 5: 324- 1113، الإستبصار 2: 192- 646، الوسائل 13: 132 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 15 ح 1.

(3) الكافي 4: 377- 10، التهذيب 5: 327- 1125 و فيه: حتى أمنى، الوسائل 13: 142 أبواب كفارات الاستمتاع ب 20 ح 3.

(4) الكافي 4: 377- 11، الوسائل 13: 141 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 20 ح 2.

(5) الكافي 4: 377- 12، الوسائل 13: 141 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 20 ح 1، بتفاوت يسير.

(6) في ص: 360.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 365

الماء».

المسألة الرابعة: يجوز للمحرم أن يطلّق زوجته،

للأصل و رواية حمّاد بن عثمان: عن المحرم يطلّق؟ قال: «نعم» «1».

و أبي بصير: «المحرم يطلّق و لا يتزوّج» «2».

و يجوز له مراجعة المطلّقة الرجعية بلا خلاف، لأنّها ليست بالتزويج المنهيّ عنه.

و كذا شراء الإماء بلا خلاف أيضا، للأصل و صحيحة سعد بن سعد:

عن المحرم يشتري الجواري و يبيع؟ قال: «نعم» «3».

و إطلاق النصّ و كلام الأصحاب

يقتضي عدم الفرق في شراء الإماء بين أن يقصد به الخدمة أو التسرّي، و هو كذلك و إن حرمت المباشرة، للأصل و الإطلاق، و قيل: لو قصد المباشرة حرم «4»، و هو ضعيف.

المسألة الخامسة: لو عقد المحرم لنفسه أو لغيره يكون نكاحه باطلا،

و يجب التفريق، بالإجماع بين الأصحاب كما عن المنتهى «5»، و قد مرّ ما يدلّ عليه من الأخبار «6».

و صحيح محمّد بن قيس: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل ملك

______________________________

(1) الكافي 4: 373- 7، الوسائل 12: 442 أبواب تروك الإحرام ب 17 ح 2.

(2) الكافي 4: 372- 6، الفقيه 2: 231- 1100، التهذيب 5: 383- 1336، الوسائل 12: 441 أبواب تروك الإحرام ب 17 ح 1.

(3) الكافي 4: 373- 8، الفقيه 2: 308- 1529، التهذيب 5: 331- 1139، الوسائل 12: 441 أبواب تروك الإحرام ب 16 ح 1.

(4) انظر المسالك 1: 109.

(5) المنتهى 2: 809.

(6) الوسائل 12: 439 أبواب تروك الإحرام ب 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 366

بضع امرأة و هو محرم قبل أن يحلّ، فقضى أن يخلّي سبيلها، و لم يجعل نكاحه شيئا حتى يحلّ، فإذا حلّ خطبها إن شاء، فإن شاء أهلها زوّجوه، و إن شاءوا لم يزوّجوه» «1».

و صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه: «إنّ رجلا من الأنصار تزوّج و هو محرم فأبطل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله نكاحه» «2».

و رواية الكناني: عن محرم تزوّج، قال: «نكاحه باطل» «3».

و هل يجوز له تزويج هذه المعقودة بعد حصول الحلّ، أم لا؟

مقتضى صحيحة ابن قيس: الأول، و لكن مدلول روايتي أديم بن الحرّ و إبراهيم: الثاني، و الحرمة المؤبّدة.

الأولى: «المحرم إذا تزوّج و هو محرم فرّق بينهما و لا يتعاودان أبدا، و الذي يتزوّج و

لها زوج يفرّق بينهما و لا يتعاودان أبدا» «4»، و بمضمونها الثانية «5».

و صريح المنتهى و التذكرة كون الحرمة المؤبّدة إجماعيّة في غير الجاهل «6»، و هو ظاهر المدارك أيضا في مسألة اختلاف الزوجين في وقوع

______________________________

(1) التهذيب 5: 330- 1134، الوسائل 12: 440 أبواب تروك الإحرام ب 15 ح 3.

(2) الكافي 4: 372- 2، التهذيب 5: 328- 1130، الإستبصار 2: 193- 649، الوسائل 12: 437، أبواب تروك الإحرام ب 14 ح 4.

(3) التهذيب 5: 328- 1129، الإستبصار 2: 193- 648، الوسائل 12: 437 أبواب تروك الإحرام ب 14 ح 3.

(4) التهذيب 5: 329- 1132، الوسائل 12: 440 أبواب تروك الإحرام ب 15 ح 2، بتفاوت.

(5) الكافي 4: 372- 3، التهذيب 5: 329- 1133، الوسائل 12: 439 أبواب تروك الإحرام ب 15 ح 1.

(6) المنتهى 2: 809، التذكرة 1: 343.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 367

العقد محلا أو محرما «1»، و لذا حمل الشيخ الصحيحة على الجاهل «2»، و لكنّه حمل بلا شاهد.

و لكن يمكن أن يقال باحتمال رجوع الضمير في قوله: «و لم يجعل نكاحه شيئا» إلى المحرم المطلق، و قوله: «إذا حلّ» من كلام الإمام عليه السّلام، و المقصود: أنّ المحرم إذا حلّ جاز له خطبة النساء، أي من عدا من عقد عليها حال الإحرام.

و على هذا، لا يكون دليل على استثناء الجاهل أيضا، إلّا أن يقال: إنّ دلالة الروايتين إنّما هي بالجملة بالخبريّة المحتملة للكراهة، فيقتصر في الحرمة على موضع الإجماع، و هو العالم، و لأجل ذلك لما قلنا فيه أيضا بالتأبيد لو لا مخالفة الإجماع.

الثالث: الطيب.
اشاره

فإنّه يحرم على المحرم و المحرمة في الجملة، إجماعا محقّقا و محكيّا «3»، إلّا أنّهم اختلفوا

في الطيب المحرّم عليهما:

فذهب الأكثر كما قيل «4»- و منهم: المفيد و الصدوق في المقنع و السيّد و الحلبي و الحلي «5»، و ظاهر الإسكافي و العماني و الشيخ في المبسوط

______________________________

(1) المدارك 7: 315.

(2) التهذيب 5: 329.

(3) كما في الرياض 1: 374.

(4) انظر الرياض 1: 374.

(5) المفيد في المقنعة: 432، الصدوق في المقنع: 72، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 66، الحلبي في الكافي: 202، الحلي في السرائر 1: 542.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 368

و المحقّق و الفاضل في أكثر كتبه «1»، و جملة من المتأخّرين «2»، بل أكثرهم- إلى التعميم بالنسبة إلى كلّ طيب، عدا ما يأتي استثناؤه.

و عن الصدوق في المقنع أيضا و التهذيب و الخلاف و النهاية و الجمل و العقود و القاضي و الوسيلة و الغنية و المهذّب و الإصباح و الإشارة و الجامع و الذخيرة و الكفاية و عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه: التخصيص بما أقلّه أربعة «3»، و هي: المسك و العنبر و الزعفران و الورس [1]، كما عن التهذيب و المقنع و الجامع و في الذخيرة و الكفاية.

و أكثره ستّة- بزيادة الكافور و العود- كما عن الخلاف و النهاية و الوسيلة «4».

و وسطه خمسة بإسقاط الورس عن الستّة، كما في البواقي «5».

و ظاهر الفاضل في الإرشاد «6» و طائفة من متأخّري المتأخّرين «7» التردّد

______________________________

[1] الورس: نبت أصفر يزرع باليمن و يصبغ به، و قيل صنف من الكركم، و قيل:

يشبهه- المصباح المنير: 655.

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي و المعاني في المختلف: 268، المبسوط 1: 319، المحقق في الشرائع 1: 249، الفاضل في المنتهى 2: 790، التذكرة 1: 333، المختلف: 268.

(2) كالشهيد الثاني في

المسالك 1: 109، و صاحب الحدائق 15: 409.

(3) المقنع: 72، التهذيب 5: 299، الخلاف 2: 302، النهاية: 219، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 228، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 215، الوسيلة: 162، الغنية (الجوامع الفقهية): 575، المهذب 1: 220، إصباح الشيعة: 153، الإشارة: 127، الجامع للشرائع: 183، الذخيرة: 590، الكفاية:

59.

(4) الخلاف 2: 302، النهاية: 219، الوسيلة: 162.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 575، الذخيرة: 591.

(6) الإرشاد 1: 317.

(7) منهم صاحب المدارك 7: 322، صاحب الحدائق 15: 420، صاحب الرياض 1: 375.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 369

في التعميم أو التخصيص.

حجّة الأكثر: صحيحة ابن عمّار المرويّة في الكافي: «لا تمسّ شيئا من الطيب و لا من الدهن في إحرامك، و اتّق الطيب في طعامك، و أمسك على أنفك من الريح الطيّبة، و لا تمسك عليه من الريح المنتنة، فإنّه لا ينبغي للمحرم أن يتلذّذ بريح طيّبة» «1».

و مرسلة الفقيه: «كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام إذا تجهّز إلى مكّة قال لأهله: إيّاكم أن تجعلوا في زادنا شيئا من الطيب و لا الزعفران نأكله أو نطعمه» «2».

و مرسلة حريز: «لا يمسّ المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان، و لا يتلذّذ به و لا بريح طيّبة، فمن ابتلي بشي ء من ذلك فليتصدّق بقدر ما صنع قدر سعته» «3».

و مثلها صحيحته «4»، إلّا أنّه ليس فيها: «و لا بريح طيّبة» و بدّل: «قدر سعته» بقوله: «بقدر شبعه»، يعني: من الطعام.

و صحيحة زرارة: «من أكل زعفرانا متعمّدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم، و إن كان ناسيا فلا شي ء عليه و يستغفر اللَّه عزّ و جلّ و يتوب إليه» «5».

______________________________

(1) الكافي 4: 353- 1، الوسائل 12: 443 أبواب

تروك الإحرام ب 18 ح 5.

(2) الفقيه 2: 223- 1043، الوسائل 12: 446 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 18.

(3) الكافي 4: 353- 2، الوسائل 12: 443 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 6 بتفاوت يسير.

(4) التهذيب 5: 297- 1007، الإستبصار 2: 178- 591، الوسائل 12: 445 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 11.

(5) الكافي 4: 354- 3، الفقيه 2: 223- 1046، الوسائل 13: 150 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 4 ح 1، و ليس في الكافي: و يتوب إليه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 370

و صحيحة الحلبي: «المحرم يمسك على أنفه من الريح الطيّبة، و لا يمسك على أنفه من الريح الكريهة» «1».

و نحوها صحيحة هشام، و زاد فيها: «لا بأس بالريح الطيّبة فيما بين الصفا و المروة من ريح العطّارين، و لا يمسك على أنفه» «2».

و رواية الحسن بن زياد: الأشنان فيه الطيب أغسل به يدي و أنا محرم- إلى أن قال-: «تصدّق بشي ء كفّارة للأشنان الذي غسلت به يدك» «3».

و الأخرى: وضّأني الغلام و لم أعلم بدستشان «4» فيه طيب، فغلست يدي و أنا محرم، فقال: «يتصدّق بشي ء لذلك» «5».

و رواية سدير: «لا ينبغي للمحرم أن يأكل شيئا فيه زعفران، و لا يطعم شيئا من الطيب» «6».

و رواية إسحاق بن عمّار: عن المحرم يمسّ الطيب و هو نائم لا يعلم، قال: «يغسله و ليس عليه شي ء»، و عن المحرم يدهنه الحلال بالدهن الطيّب و المحرم لا يعلم، ما عليه؟ قال: «يغسله أيضا و ليحذر» «7».

______________________________

(1) الكافي 4: 354- 4، و في الفقيه 2: 224- 1055 و الوسائل 12: 452 أبواب تروك الإحرام ب 24 ح 1: عن الحلبي و محمّد بن

مسلم، و في الجميع بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 354- 5، الفقيه 2: 225- 1056، التهذيب 5: 300- 1018، الإستبصار 2: 180- 599، الوسائل 12: 448 أبواب تروك الإحرام ب 20 ح 1.

(3) الكافي 4: 354- 7، الوسائل 12: 456 أبواب تروك الإحرام ب 27 ح 2.

و الأشنان: معرّب، و يقال له بالعربية: الحرض- المصباح المنير: 16.

(4) يريد به غسول اليد، و ليست الكلمة عربيّة- مجمع البحرين 2: 200 (دست).

(5) الفقيه 2: 223- 1047، الوسائل 13: 151 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 4 ح 4.

(6) الكافي 4: 355- 10، الوسائل 12: 442 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 2.

(7) الكافي 4: 355- 15، الوسائل 13: 152 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 4 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 371

و موثّقة الساباطي: عن المحرم يأكل الأترج [1]؟ قال: «نعم»، قلت:

له رائحة طيّبة، قال: «الأترج طعام ليس هو من الطيب» «1»، فإنّها تدلّ بالتعليل على أنّه لو كان طيبا لحكم بالاجتناب عنه.

و مثلها في وجه الدلالة صحيحة ابن سنان: عن الحناء، فقال: «إنّ المحرم ليمسّه و يداوي به بعيره، و ما هو بطيب و ما به بأس» «2».

و صحيحة حمّاد بن عثمان: إنّي جعلت ثوبي الإحرام مع أثواب قد جمرت فأخذ من ريحها، قال: «فانشرها في الريح حتى يذهب ريحها» «3».

و دليل القول الآخر: صحيحة ابن عمّار المرويّة في التهذيب، و هي كما مرّ عن الكافي، إلّا أنّ في آخرها: «فمن ابتلي بشي ء من ذلك فليعد غسله، و ليتصدّق بقدر ما صنع، و إنّما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء:

المسك، و العنبر، و الورس، و الزعفران، غير أنّه كره للمحرم الأدهان الطيّبة الريح» «4».

و نحوها صحيحته

الأخرى المرويّة فيه أيضا بزيادة في آخرها «5».

و مرسلة الفقيه: «يكره من الطيب أربعة أشياء للمحرم: المسك،

______________________________

[1] الأترجّة: و هي فاكهة معروفة، طعمها طيب و رائحتها طيبة- مجمع البحرين 2: 280.

______________________________

(1) الكافي 4: 356- 17، التهذيب 5: 306- 1043، الإستبصار 2: 183- 607، الوسائل 12: 455 أبواب تروك الإحرام ب 26 ح 2.

(2) الكافي 4: 356- 18، الفقيه 2: 224- 1052، التهذيب 5: 300- 1019، الإستبصار 2: 181- 600، الوسائل 12: 451 أبواب تروك الإحرام ب 23 ح 1.

(3) الكافي 4: 356- 19، الوسائل 12: 443 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 4.

(4) التهذيب 5: 297 و 299- 1006 و 1013، الوسائل 12: 444، 445 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 9، 14.

(5) التهذيب 5: 304- 1039، الوسائل 12: 444 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 372

و العنبر، و الزعفران، و الورس، و كان يكره من الأدهان الطيّبة: الريح» «1».

و رواية عبد الغفّار: «الطيب: المسك، و العنبر، و الزعفران، و الورس، و خلوق الكعبة لا بأس به» «2».

و نحوها صحيحة ابن أبي يعفور «3»، إلّا أنّه بدّل الورس بالعود، و ليس فيها: «خلوق الكعبة» إلى آخره.

أقول: أمّا أدلّة القول الأول و إن كان أكثرها قاصرة الدلالة، إمّا باعتبار التضمّن للجملة الخبريّة، أو لما يحتملها، أو للفظ: «لا ينبغي» كصدر صحيحة ابن عمّار و ذيلها و مرسلة حريز و صحيحتي الحلبي و هشام و رواية سدير، أو لغير ذلك كمرسلة الفقيه، فإنّ نهيه عليه السّلام عن جعل الطيب في زاده لا يدلّ على حرمته شرعا، لجواز أن يكون ذلك لأجل أنّه أراد الاجتناب عن المكروه، فله أن يأمر في

ماله و ينهى كيف يشاء، و الرواية الأخيرة لحسن بن زياد، فإنّ عدم علمه بالطيب يمنع عن احتمال الحرمة و وجوب التصدّق، و موثقة الساباطي و صحيحة ابن سنان، فإنّ التعليل يمكن أن يكون لنفي الكراهة.

و لكن تبقى طائفة قليلة منها دالّة على المطلوب.

و أمّا أدلّة القول الثاني فهي أيضا كذلك، لعدم دلالة مرسلة الفقيه على عدم كراهة غير الأربعة إلّا بمفهوم العدد الذي ليس بحجّة، و عدم دلالة الأخيرتين على حصر الطيب المحرّم على المحرم في ما ذكر، و ذكر بعض

______________________________

(1) الفقيه 2: 223- 1044، الوسائل 12: 446 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 19.

(2) التهذيب 5: 299- 1015، و في الإستبصار 2: 180- 598، و الوسائل 12:

446 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 16 لا توجد: و خلوق الكعبة لا بأس به.

(3) التهذيب 5: 299- 1014، الإستبصار 2: 179- 597، الوسائل 12: 446 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 373

الأصحاب «1» الخبرين في ذلك الباب لا حجّية فيه، و تأييد ذلك بما في آخر الأولى من قوله: «و خلوق الكعبة لا بأس به» باطل، إذ- كما قيل «2»- ليس هو من تتمّة الحديث، بل هو من كلام الشيخ.

و القول بأنّ حصر الطيب في الأشياء المذكورة يكفي في المطلوب، إذ يستلزم ذلك أنّ الطيب المحرّم بعمومه يكون هذه الأشياء، إذ غيرها لا يكون طيبا.

غير جيّد، لأنّ الحصر حينئذ يكون مجازيّا، ضرورة عدم الانحصار، فيمكن أن يكون المجاز هو أحسن أنواع الطيب أو الطيب الكامل و نحوهما، فتبقى الصحيحتان الأوليان.

و لكن الإنصاف أنّهما لكونهما أخصّين مطلقا ممّا بقي من أدلّة القول الأول- بل من جميعها لو دلّ- يكفيان

لتخصيصها، و لا يضرّ اشتمالهما في الكفّارة على ما هو خلاف المجمع عليه بقوله: «و ليتصدّق بقدر ما صنع»، لأنّ خروج جزء من الحديث عن الحجّية لا يوجب خروج الباقي عنها، و لا يلزم ارتكاب مجاز فيها بجعل الحصر إضافيّا، لحرمة العود و الكافور أيضا.

أمّا الأول فلصحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة.

و أمّا الثاني فلفحوى ما دلّ على منع الميّت المحرم عنه «3»، فالحيّ أولى، لمنع لزوم جعل الحصر إضافيّا، لما عرفت من عدم دلالة صحيحة ابن أبي يعفور على حرمة العود للمحرم إلّا بالعموم اللازم تخصيصه بما ذكر، و منع الأولويّة المذكورة في الحيّ، بل منع العلم بالمساواة أيضا.

______________________________

(1) انظر الحدائق 15: 418.

(2) انظر الحدائق 15: 419.

(3) الوسائل 2: 503 أبواب غسل الميّت ب 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 374

فإذن الترجيح لقول الشيخ في التهذيب و من تبعه «1»، و القول- بأنّه شاذّ- فاسد.

ثم إنّه لا فرق في حرمة الطيب للمحرم بين ابتدائه بعد الإحرام و استدامته، بأن يتطيّب قبله بما يبقى إلى ما بعده، بلا خلاف يعرف، و دلّت عليه رواية حمّاد بن عثمان: إنّي جعلت ثوبي الإحرام مع أثواب قد جمرت فأخذ من ريحها، قال: «فانشرها في الريح حتى يذهب ريحها» «2».

فروع:
أ: الطيب المحرّم على المحرم

- على القول بالتعميم- أو المكروه- على القول الآخر- هو: ما يسمّى طيبا عرفا، و الظاهر- كما قيل- إنّه الجسم ذو الريح الطيّبة يؤخذ للشمّ غالبا غير الرياحين «3».

و الحاصل: أن يكون معظم الغرض منه التطيّب أو يظهر منه هذا الغرض، لا مطلق ما له رائحة طيّبة، كما تنطق به موثّقة الساباطي «4» و صحيحة ابن سنان «5» المتقدّمتين.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة ابن عمّار: «لا بأس أن تشمّ

الإذخر «6»

______________________________

(1) راجع ص: 368.

(2) الكافي 4: 356- 19، الوسائل 12: 443 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 4.

(3) انظر المسالك 1: 109.

(4) الكافي 4: 356- 17، التهذيب 5: 306- 1043، الإستبصار 2: 183- 607، الوسائل 12: 455 أبواب تروك الإحرام ب 26 ح 2.

(5) الكافي 4: 356- 18، الفقيه 2: 224- 1052، التهذيب 5: 300- 1019، الإستبصار 2: 181- 600، الوسائل 12: 451 أبواب تروك الإحرام ب 23 ح 1.

(6) الإذخر: بكسر الهمزة و الخاء، نبات معروف ذكيّ الريح- المصباح المنير: 207.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 375

و القيصوم [1] و الخزامى [2] و الشيخ [3] و أشباهه و أنت محرم» «1».

و القيصوم ما يقال له بالفارسية: بومادران، و الخزامى بالمعجمتين- كحبارى- خيريّ البرّ، و الشيح- بكسر المعجمة و سكون المثنّاة التحتانيّة ثم المهملة- ما يقال له بالفارسية: درمنه تركي.

ب: يستثنى من الطيب المحرّم:

خلوق الكعبة، بلا خلاف يعرف، بل عن بعضهم الإجماع عليه «2»، لرواية عبد الغفّار المتقدّمة «3»، و صحيحة يعقوب بن شعيب «4»، و صحيحتي ابن سنان «5» و حمّاد «6»، و مرسلة ابن أبي عمير «7»، و موثّقة سماعة «8».

و اشتمال الأربعة الأخيرة على قوله: «هو طهور» و إن دلّ على أنّ نفي البأس إنّما هو من جهة دفع توهّم النجاسة، إلّا أنّه يدلّ أيضا على أنّه

______________________________

[1] القيصوم: نبات السهل، طيب الرائحة من رياحين البرّ، و ورقه هدب، و له نورة صفراء- لسان العرب 12: 486.

[2] الخزامى: من نبات البادية .. و قال الأزهري: بقلة طيبة الرائحة، لها نور كنور البنفسج- المصباح المنير: 168.

[3] الشّيح: نبات سهليّ .. له رائحة طيبة و طعم مرّ- لسان العرب 2: 502.

______________________________

(1) الكافي 4: 355- 14، الفقيه

2: 225- 1057، التهذيب 5: 305- 1041، الوسائل 12: 453 أبواب تروك الإحرام ب 25 ح 1.

(2) كما في الحدائق 15: 420.

(3) في ص: 372.

(4) التهذيب 5: 69- 226، الوسائل 12: 449 أبواب تروك الإحرام ب 21 ح 2.

(5) التهذيب 5: 69- 225، الوسائل 12: 449 أبواب تروك الإحرام ب 21 ح 1.

(6) الفقيه 2: 217- 993، التهذيب 5: 299- 1016، الوسائل 12: 449 أبواب تروك الإحرام ب 21 ح 3.

(7) الكافي 4: 342- 15، الوسائل 12: 450 أبواب تروك الإحرام ب 21 ح 5.

(8) الفقيه 2: 217- 994، الوسائل 12: 449 أبواب تروك الإحرام ب 21 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 376

لا مانع غيره فيه أيضا.

و الخلوق- كما قيل «1»-: طيب خاصّ، فيكون المجوّز هو فقط، فلو طيّب ثوب الكعبة بغيره ممّا يحرم على المحرم حرم، كذا قيل «2»، و لا بأس به إن ثبت أنّ الخلوق هو أخلاط خاصّة، و إلّا فيكون مجملا، و لا حجّية في العام المخصّص بالمجمل في موضع الإجمال.

ج: و يستثنى أيضا ما يستشمّ من العطر في سوق العطّارين

بين الصفا و المروة، و تدلّ عليه صحيحة هشام المتقدّمة «3».

د: المحرّم من الطيب المحرّم: شمّه و أكله و اطلاؤه في البدن و الثوب،

و تدلّ على الأول صحاح ابن عمّار «4»، و على الثاني هي أيضا و صحيحة زرارة «5»، و على الثالثة روايتا الحسن بن زياد «6»، و على الرابعة- مضافا إلى ما يأتي في الفرع الثامن- صحيحة حمّاد «7»، المتقدّمة جميعا.

و الظاهر عدم الخلاف في شي ء منها أيضا، بل عن التذكرة: إجماع العلماء عليه «8»، و قيل «9»: تحرم جميع أنحاء الاستعمالات الأخر أيضا، فإن ثبت فيه إجماع أو حرم لأجل استلزامه الاستشمام، و إلّا فلا دليل عليه.

ه: قالوا: إذا اضطرّ المحرم إلى مسّ الطيب- لدواء و نحوه

- أو إلى

______________________________

(1) انظر المسالك 1: 109.

(2) انظر الذخيرة: 592.

(3) في ص: 370.

(4) في ص: 371.

(5) المتقدمة في ص: 369.

(6) المتقدمتان في ص: 370.

(7) المتقدمة في ص: 371.

(8) التذكرة 1: 333.

(9) انظر مجمع الفائدة 6: 285، و كشف اللثام 1: 327.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 377

أكله، قبض على أنفه وجوبا، و نسب إلى الأصحاب مؤذنا بدعوى الإجماع «1»، و يدلّ عليه قوله في صحاح ابن عمّار: «فأمسك على أنفك»، المعتضد بأخبار كثيرة أخرى، كصحيحة الحلبي و هشام «2» و مرسلة حريز المتقدّمة «3».

و صحيحة محمّد بن إسماعيل: رأيت أبا الحسن عليه السّلام كشف بين يديه طيب لينظر إليه و هو محرم، فأمسك على أنفه بثوبه من ريحه «4».

و: قال في التذكرة:

لو استهلك الطيب في غيره فلم تبق له ريح و لا طعم و لا لون، فالأقرب أنّه لا فدية فيه «5». انتهى.

و في الذخيرة: أنّ الاعتبار يقتضي إناطة حكم الجواز باستهلاك الرائحة لا مطلق الوصف، و النهي عن التلذّذ بالرائحة الطيبة مشعر به، و الأحوط: الاجتناب عن الجميع مطلقا «6». انتهى.

أقول: في صحيحة عمران الحلبي: عن المحرم يكون به الجرح فتداوى بدواء فيه زعفران، قال: «إن كان الزعفران الغالب على الدواء فلا، و إن كانت الأدوية الغالب عليه فلا بأس» «7».

و لا يخفى أنّ الغلبة و إن كانت أعمّ من الغلبة في كلّ وصف إلّا أنّ

______________________________

(1) التذكرة 1: 334.

(2) المتقدمتين في ص: 370.

(3) في ص: 369.

(4) الكافي 4: 354- 6، الوسائل 12: 442 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 1، بتفاوت يسير.

(5) التذكرة 1: 334.

(6) الذخيرة: 592.

(7) الكافي 4: 359- 8، الفقيه 2: 222- 1037، الوسائل 12: 527 أبواب تروك الإحرام ب 69 ح 3.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 378

الظاهر أنّ بعد المغلوبيّة في الريح يصير مغلوبا في سائر الأوصاف أيضا، فلو أنيط بالغلبة و الاستهلاك في الرائحة- كما في الذخيرة- كان حسنا، مع أنّ بعد المغلوبيّة في الريح لا يصدق الريح الطيب، مضافا إلى لزوم التخصيص- لو كان مطلقا- بصحيحة عمران المذكورة.

ز: قال في الذخيرة:

لا أعرف خلافا بين الأصحاب في تحريم مسّ الطيب، و لعلّ المستند قول أبي عبد اللَّه عليه السّلام «1»، و نقل صحيحة ابن عمّار «2» المتقدّمة.

أقول: إن ثبت الإجماع، و إلّا في دلالة الصحيحة على الحرمة نظر.

ح: قال في المدارك:

يحرم على المحرم لبس الثوب المطيّب، سواء صبغ بالطيب أو غمس فيه «3»، و زاد في الذخيرة و قال: ثوب مسّه طيب «4».

و الظاهر أنّ مراده ما يطيّب به. و عن التذكرة: إجماع علماء الأمصار على تحريم ثوب مسّه طيب «5». و لا ريب في تحريمه.

و تدلّ عليه صحيحة حمّاد السالفة «6»، و مفهوم رواية الحسين بن أبي العلاء: عن ثوب المحرم يصيبه الزعفران ثم يغسل، فقال: «لا بأس به إذا ذهب ريحه» «7».

______________________________

(1) الذخيرة: 592.

(2) راجع ص: 369.

(3) المدارك 7: 325.

(4) الذخيرة: 592.

(5) التذكرة 1: 334.

(6) الكافي 4: 356- 19، الوسائل 12: 443 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 4.

(7) الكافي 4: 342- 18، الفقيه 2: 216- 988، التهذيب 5: 68- 220، الوسائل 12: 484 أبواب تروك الإحرام ب 43 ح 1، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 379

و إسماعيل بن الفضل: عن المحرم يلبس الثوب قد أصابه الطيب، فقال: «إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه» «1».

ط: إذا أصاب ثوب المحرم طيب،

قيل: يأمر الحلال بغسله أو يغسله بآلة «2»، و عن الشيخ: جواز إزالته بنفسه باليد «3»، و هو كذلك، لمرسلة ابن أبي عمير: في محرم أصابه طيب، فقال: «لا بأس بأن يمسحه بيده و يغسله» «4».

و الأخرى: في المحرم يصيب ثوبه الطيب، فقال: «لا بأس بأن يغسله بيد نفسه» «5».

ي: قال ابن بابويه:

إذا اضطرّ المحرم إلى سعوط فيه مسك لا بأس بأن يتسعّط «6»، و هو كذلك، لصحيحتي إسماعيل «7».

يا: يجوز للمحرم شراء الطيب و النظر إليه بلا خلاف يعرف،

و عن بعضهم: الإجماع عليه «8»، و يدلّ عليه الأصل، و صحيحة محمّد بن

______________________________

(1) الكافي 4: 343- 19، الفقيه 2: 317- 991، التهذيب 5: 68- 223، الوسائل 12: 485 أبواب تروك الإحرام ب 43 ح 5.

(2) انظر الدروس: 1: 374.

(3) المبسوط 1: 319.

(4) التهذيب 5: 299- 1017، الوسائل 12: 450 أبواب تروك الإحرام ب 22 ح 2، بتفاوت يسير.

(5) الكافي 4: 354- 8، الوسائل 12: 450 أبواب تروك الإحرام ب 22 ح 3.

(6) المقنع: 73.

(7) الأولى في: التهذيب 5: 298- 1012، الإستبصار 2: 179- 595، الوسائل 12: 447 أبواب تروك الإحرام ب 19 ح 1.

الثانية في: الفقيه 2: 224- 1054، التهذيب 5: 298- 1011، الإستبصار 2:

179- 594، وسائل 12: 447 أبواب تروك الإحرام ب 19 ح 2.

(8) التذكرة 1: 334.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 380

إسماعيل «1» المتقدّمة.

يب: قالوا: لا يجوز للمحرم افتراش المطيّب

و لا الجلوس و لا النوم عليه.

فإن أريد لأجل استلزامه الاستشمام المحرّم أو المسّ المحرّم على القول به- كما يدلّ عليه قولهم: و لو فرش فوقه ثوب كثيف يمنع الرائحة و الملامسة جاز الجلوس عليه و النوم- فهو حسن.

و إن أريد حرمته بنفسه ففيه نظر، للأصل و عدم الدليل.

نعم، ورد في روايتي معلّى «2» و أبي بصير «3»: أنّه يكره أن ينام المحرم على فراش أصفر و مرفقة صفراء.

و في صحيحة منصور: «إذا كنت متمتّعا فلا تقربنّ شيئا فيه صفرة حتى تطوف بالبيت» «4».

و فسّر بعض المتأخّرين الأصفر بما صبغ بالزعفران أو الورس أو شبههما ممّا له رائحة طيّبة «5»، و التفسير غير ثابت، و الروايات «6» على الحرمة غير دالّة.

الرابع: الفسوق.

و هو محرّم على المحرم و المحرمة من حيث هو- و إن كان حراما

______________________________

(1) الكافي 4: 354- 6، الوسائل 12: 442 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 1.

(2) الكافي 4: 355- 11، الوسائل 12: 457 أبواب تروك الإحرام ب 28 ح 1.

(3) الفقيه 2: 218- 1002، التهذيب 5: 68- 221، الوسائل 12: 457 أبواب تروك الإحرام ب 28 ح 2.

(4) التهذيب 5: 298- 1009، الوسائل 12: 445 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 12.

(5) انظر الحدائق 15: 430.

(6) الوسائل 12: 442 أبواب تروك الإحرام ب 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 381

بنفسه مطلقا أيضا- بالكتاب، و السنّة، و الإجماع المحكيّ «1» و المحقّق.

قال اللَّه سبحانه فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِ «2».

و الحجّ يتحقّق بالتلبّس بإحرامه، بل بإحرام عمرة التمتّع، لدخولها في الحجّ.

و في صحيحة ابن عمّار: «فإنّ من تمام الحجّ و العمرة أن يحفظ

المرء لسانه إلّا من خير كما قال اللَّه عزّ و جلّ، فإنّ اللَّه تعالى يقول فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَ الآية، و الرفث: الجماع، و الفسوق: الكذب و السباب، و الجدال:

قول الرجل: لا و اللَّه، و: بلى و اللَّه، و اعلم أنّ الرجل إذا حلف بثلاثة أيمان ولاء في مقام واحد و هو محرم فقد جادل، فعليه دم يهريقه و يتصدّق به»، و إذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل، و عليه دم يهريقه و يتصدّق به، و قال «اتّق المفاخرة»، إلى أن قال: و سألته عن الرجل يقول: لا لعمري، و: بلى لعمري، قال: «ليس هذا من الجدال، إنّما الجدال: لا و اللَّه، و: بلى و اللَّه» «3».

و في صحيحة سليمان بن خالد: «في الجدال شاة، و في السباب و الفسوق بقرة، و الرفث فساد الحجّ» «4».

و في صحيحة عليّ: عن الرفث و الفسوق و الجدال ما هو و ما على من فعله؟ فقال: «الرفث: جماع النساء، و الفسوق: الكذب و المفاخرة،

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 376.

(2) البقرة: 197.

(3) الكافي 4: 337- 3، و في التهذيب 5: 296- 1003 أورد صدر الحديث فقط، الوسائل 12: 463 أبواب تروك الإحرام ب 32 ح 1.

(4) الكافي 4: 339- 6، التهذيب 5: 297- 1004، الوسائل 12: 145 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 382

و الجدال: قول الرجل: لا و اللَّه، و: بلى و اللَّه» «1»، إلى غير ذلك «2».

و المراد بالفسوق هو: الكذب مطلقا خاصّة عند الأكثر، بل عن التبيان و مجمع البيان و روض الجنان: أنّه رواية الأصحاب مشعرين بدعوى الإجماع «3».

و مقيّدا بالكذب على اللَّه تعالى و رسوله أو

أحد الأئمّة عليه و عليهم السّلام، في المحكيّ عن الغنية و المهذّب و المصباح «4» و الإشارة «5».

و بالكذب على اللَّه خاصّة، في المنقول عن الجمل و العقود «6».

و الكذب المطلق مع السباب، عند السيّد و الإسكافي و الشهيدين «7»، و جمع آخر من المتأخّرين «8».

و مع المفاخرة عند بعض آخر، كما يظهر من الذخيرة «9».

و مع البذاء، على قول محكيّ «10».

و قيل: هو المفاخرة «11»، و قيل: هو كلّ لفظ قبيح «12».

______________________________

(1) التهذيب 5: 297- 1005، الوسائل 12: 465 أبواب تروك الإحرام ب 32 ح 4.

(2) الوسائل 12: 463 أبواب تروك الإحرام ب 32.

(3) التبيان 2: 164، مجمع البيان 1: 294، حكاه عن روض الجنان لأبي الفتوح الرازي في كشف اللثام 1: 327.

(4) لم نعثر عليه في المصباح و نسبه في كشف اللثام 1: 327 إلى الإصباح، و لعله وقع هنا تصحيف من كتّاب النسخ. و هو في إصباح الشيعة: 153.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 575، المهذب 1: 221، الإشارة: 128.

(6) الجمل و العقود (الرسائل العشر): 228.

(7) السيّد في جمل العلم و العمل: 106، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 270، الشهيد في الدروس 1: 387، الشهيد الثاني في الروضة 2: 241.

(8) كصاحب المدارك 7: 341، و صاحب الحدائق 15: 460.

(9) الذخيرة: 593.

(10) حكاه في كشف اللثام 1: 327.

(11) كما في المختلف: 270، البحار 96، 169.

(12) حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف: 270.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 383

و عن التبيان و الراوندي: حمله على جميع المعاصي التي نهي المحرم عنها «1».

حجّة الأول: تفسيره بالكذب في الصحيحين المتقدّمين بلا معارض له، فيجب الأخذ به، و زيادة السباب في إحداهما يعارضها زيادة المفاخرة في الأخرى،

حيث إنّ الظاهر من التفسير هو تمام المعنى و الحصر، مع أنّ عطف الفسوق على السباب في صحيحة سليمان يفيد التغاير بينهما.

كما أنّ ذكر المفاخرة في صحيحة ابن عمّار يفيده بينهما أيضا، مضافا إلى الاقتصار بالتفسير بالكذب خاصّة في المرويّ في معاني الأخبار «2» و تفسير العيّاشي «3».

أقول: يمكن ردّ المعارضة بأنّ غايتها بالعموم و الخصوص المطلقين، الواجب فيها حمل العام على الخاصّ، إذ غاية ما يستفاد من التفسير بتمام المعنى و الحصر هو نفي الغير مطلقا، و المعارض أثبت فردا من الغير، فيكون أخصّ مطلقا، و يكفي في التغاير المفهوم من العطف الخصوصيّة و العموميّة، فيكون من باب عطف العامّ على الخاصّ.

نعم، الظاهر المتبادر من الأمر بالاتّقاء عن المفاخرة في الصحيحة الأولى- بعد تفسير الفسوق بالكذب و السباب- المغايرة، و مع ذلك فالصحيحة المفسّرة له بها للشهرة العظيمة مخالفة، بل لم يظهر به قائل بخصوصه، فلأجل ذلك يتّجه رفع اليد عن المفاخرة، ثم بذلك تظهر حجّة من ضمّ السباب أو المفاخرة أيضا.

______________________________

(1) التبيان 2: 164، الراوندي في فقه القرآن 1: 283.

(2) معاني الأخبار: 294- 1، الوسائل 12: 467 أبواب ترك الإحرام ب 32 ح 8.

(3) تفسير العياشي 1: 95- 256، الوسائل 12: 467 أبواب تروك الإحرام ب 32 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 384

و أمّا باقي الأقوال فبين تخصيص بلا مخصّص، أو تعميم بلا معمّم، سوى ما قيل للثاني من دعوى الإجماع في الغنية «1»، و هي أيضا ليس بحجّة.

و من جميع ما ذكر تظهر قوّة قول السيّد، فهو الجيّد، و اللَّه المؤيّد.

هذا، مع أنّه لا ثمرة معتدّ بها بعد ظهور حرمة الجميع بنفسها، و عدم وجوب كفّارة فيها سوى الاستغفار،

و عدم إفساده الإحرام كما يأتي.

الخامس: الجدال.

و حرمته من حيث الإحرام ثابتة، و إنّما الخلاف في المراد منه، و لا بدّ أولا من ذكر الأخبار المفسّرة له حتى تظهر جليّة الحال.

فمنها: الصحيحتان المتقدّمتان «2».

و منها: صحيحة أبي بصير «إذا حلف ثلاث أيمان متتابعات جادل صادقا فقد جادل و عليه دم، و إذا حلف بيمين واحدة كاذبا فقد جادل و عليه دم» «3»، و قريبة منها صحيحته الأخرى «4».

و الثالثة: عن المحرم يريد أن يعمل العمل فيقول له صاحبه: و اللَّه لا تعمله، فيقول: و اللَّه لأعملنّه، فيحالفه مرارا، يلزمه ما يلزم صاحب الجدال؟ قال: «لا، إنّما أراد بهذا إكرام أخيه، إنّما ذلك ما كان للّه فيه

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 575.

(2) و هما صحيحة ابن عمار و صحيحة علي المتقدمتان في ص: 381.

(3) الكافي 4: 338- 4، الوسائل 13: 146 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 1 ح 4 بتفاوت يسير.

(4) التهذيب 5: 335- 1154، الإستبصار 2: 197- 665، الوسائل 13: 147 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 1 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 385

معصية» «1».

و الظاهر من الحديث أنّ المراد بالعمل: ما كان فيه إكرام صاحبه، و بما كانت فيه معصية: ما لم يكن فيه غرض ديني، فإنّ ذلك دخول في نهيه سبحانه بقوله وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ «2»، و ورد في الأخبار: «أنّ من حلف باللَّه كاذبا كفر و من حلف باللَّه صادقا أثم» «3».

و صحيحة ابن عمّار: «إنّ الرجل إذا حلف ثلاثة أيمان في مقام ولاء و هو محرم فقد جادل، و عليه حدّ الجدال دم يهريقه و يتصدّق به» «4».

و الأخرى: عن الرجل يقول: لا لعمري، و هو محرم،

قال: «ليس بالجدال، إنّما الجدال قول الرجل: لا و اللَّه، و: بلى و اللَّه» الحديث «5».

و محمّد: عن الجدال في الحجّ، فقال: «من زاد على مرّتين فقد وقع عليه الدم»، فقيل له: الذي يجادل و هو صادق؟ قال: «عليه شاة، و الكاذب عليه بقرة» «6».

و موثّقة يونس: عن المحرم يقول: لا و اللَّه، و: بلى و اللَّه، و هو صادق، عليه شي ء؟ قال: «لا» «7».

______________________________

(1) الكافي 4: 338- 5، الفقيه 2: 214- 973، العلل: 457- 1، مستطرفات السرائر: 32- 30، الوسائل 12: 466 أبواب تروك الإحرام ب 32 ح 7.

(2) البقرة: 224.

(3) انظر الوسائل 23: 197 أبواب الأيمان ب 1.

(4) التهذيب 5: 335- 1152، الوسائل 13: 146 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 1 ح 5.

(5) الكافي 4: 337- 3، الوسائل 13: 146 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 1 ح 3.

(6) التهذيب 5: 335- 1153، الوسائل 13: 147 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 1 ح 6.

(7) التهذيب 5: 335- 1156، الإستبصار 2: 197- 666، الوسائل 13: 147 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 1 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 386

أقول: لا يخفى أن المستفاد من تلك الأخبار بكلّيتها: أنّ الجدال هنا هو اليمين، فلا محيص عن القول به و رفض قول من جعل الجدال مطلق الخصومة على ما هو مقتضى اللغة و إن لم ينقل به قائل.

و لا يشترط مسبوقيّتها بالخصومة، كما حكي عن السيّد الإجماع عليه «1»، لإطلاق الأخبار. و استفادة ذلك من الصحيحة الثالثة لأبي بصير- كما قيل «2»- ضعيفة، إذ مدلولها اشتراط عدم كون اليمين في الإكرام، لا اشتراط كونها في الخصومة.

نعم، يشترط عدم كونها في الإكرام و طاعة اللَّه، كما

هو المحكيّ عن الإسكافي و الفاضل و الجعفي «3»، لتلك الصحيحة، و بها تقيّد الأخبار المطلقة. و لا فرق بين كونها في المعصية أو غيرها، للإطلاق.

و لا يضرّ آخر تلك الصحيحة، إذ لم يقيّد فيه بما كان في المعصية، بل بما كانت فيه المعصية، و كلّ ما لم يكن في الطاعة كانت فيه المعصية بالتقريب المتقدّم.

و منه يظهر خروج ما توقّف عليه استنقاذ الحقّ أو دفع الدعوى الباطلة عن الجدال، كما حكي عن الشهيدين «4» و غيرهما من المتأخّرين «5»، لخروجه عن المعصية بأدلّة نفي الضرر.

و كذا يشترط كونها حلفا باللَّه، للأخبار المتقدّمة الحاصرة لها بقول: لا و اللَّه، و: بلى و اللَّه، المؤيّدة بالمصرّحة بعدم كون «لعمري» جدالا.

______________________________

(1) الإنتصار: 95.

(2) انظر الرياض 1: 376.

(3) حكاه عنهم في الدروس: 1- 387، و هو في المختلف: 271.

(4) الشهيد في الدروس 1: 387، الشهيد الثاني في الروضة 2: 362.

(5) كصاحبي المدارك 7: 342، الحدائق 15: 469.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 387

و الظاهر عدم الاختصاص بلفظ «اللَّه»، بل التعدّي إلى كلّ ما يؤدّي هذا المعنى، كالرحمن و الخالق و نحوهما، و بالفارسية و غيرها من اللغات، إذ الأصل في الألفاظ إرادة معانيها دون خصوص اللفظ، فالمراد باللَّه معناه، و هو: الذات المخصوصة.

و كذا يشترط التكرار ثلاثا في الصادقة، و أمّا الكاذبة فتكفي الواحدة، للأخبار المتقدّمة الدالّة بالمفهوم أو التفصيل القاطع للشركة على انتفاء الجدال بالأقلّ من الثلاث في الصادقة، و بها تقيّد المطلقة، و عليها تحمل الموثّقة الأخيرة بحملها على المرّة.

و حمل الأخبار المتضمّنة للثلاث على بيان ما يوجب الكفّارة خاصّة خلاف الظاهر من الأكثر، سيّما الصحيحة الأولى لابن عمّار، حيث رتّبت تحقّق الجدال على الثلاثة،

و فرّعت وجوب الدم على الجدال بلفظة «الفاء». و جعل المتضمّنة للثلاثة مطلقة لا وجه له.

و هل يشترط قول: لا و اللَّه و بلى و اللَّه معا، أو يكفي أحدهما مكرّرا في الصادقة و غير مكرّر في الكاذبة؟

الظاهر: الثاني، وفاقا للأكثر، لأنّ النفي و الإثبات لا يجتمعان غالبا، فالمراد بيان الموارد.

السادس: قتل هوام الجسد و الثوب من القملة و البرغوث و نحوهما،
اشاره

و إلقاؤها عنهما.

أمّا الأول فحرمته على المحرم و المحرمة هي المشهورة بين

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 388

الأصحاب، كما صرّح به جماعة «1»، لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة، المتضمّنة لقوله: «اتّق قتل الدواب كلّها» «2»، الشاملة للمسألة.

و رواية أبي الجارود: عن رجل قتل قملة و هو محرم، قال: «بئس ما صنع»، قال: فما فداؤها؟ قال: «لا فداء لها» «3».

المعتضدتين بصحيحة زرارة: عن المحرم هل يحكّ رأسه و يغتسل بالماء؟ قال: «يحكّ رأسه ما لم يتعمّد قتل دابّة» «4».

و بحسنة الحسين بن أبي العلاء: «المحرم لا ينزع القملة من جسده و لا من ثوبه متعمّدا، و إن قتل شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما قبضة بيده» «5».

و بسائر ما دلّ على المنع من نزع القملة و إبانتها و إلقائها «6»، فإنّ القتل متضمّن لبعض ذلك، بل يمكن التعدّي منها إلى القتل بالأولويّة.

و لكن بإزاء الروايتين روايات أخرى مخالفة لهما ظاهرا:

كصحيحة ابن عمّار: ما تقول في محرم قتل قملة؟ قال: «لا شي ء

______________________________

(1) منهم صاحب المدارك 7: 343، صاحب الحدائق 15: 505، صاحب الرياض 1: 377.

(2) التهذيب 5: 297- 1006، الإستبصار 2: 178- 590، الوسائل 12: 444 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 9.

(3) الكافي 4: 362- 1، الفقيه 2: 230- 1090، الوسائل 12: 539 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 1.

(4) الكافي 4: 366- 7،

الفقيه 2: 230- 1092، المقنع: 75، الوسائل 12:

534 أبواب تروك الإحرام ب 73 ح 4، بتفاوت يسير.

(5) التهذيب 5: 336- 1160، الإستبصار 2: 196- 661، الوسائل 13: 168 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 15 ح 3.

(6) الوسائل 12: 539 أبواب تروك الإحرام ب 78.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 389

في القملة، و لا ينبغي أن يتعمّد قتلها» «1»، حيث إنّ لفظة: «ينبغي»، و عموم الشي ء المنفيّ و شموله للعقاب، ظاهران في عدم التحريم.

و الأخرى، و فيها: «و لا بأس بقتل القملة في الحرم و غيره» «2».

و رواية زرارة: «لا بأس بقتل البرغوث و القملة و البقّة في الحرم» «3».

و الأخرى: عن المحرم يقتل البقّة و البرغوث إذا أراده؟ قال:

«نعم» «4»، و في بعض النسخ: إذا رآه، و نحوها المرويّ في مستطرفات السرائر صحيحا «5»، إلّا أنّ فيه: إذا آذاه، مكان: إذا أراده.

و لا يخفى أن الأخيرة لا تعارض رواية أبي الجارود، لاختلاف الموضوع، و أخصّ مطلقا من الصحيحة الأولى، لاختصاصها بالبقّة و البرغوث، و منهما بصورة إرادة الأذى للمحرم، و مقتضى الجمع: إخراج هذه الصورة من الحرمة، فهي خارجة قطعا.

ثم الروايات الثلاث الأخرى أعمّ من وجه من الصحيحة، لعموميّة الأولى من الثلاثة من جهة الشي ء، و الباقيتين من حيث إنّهما يشملان المحرم و غيره، و عموميّة الصحيحة بالنسبة إلى الدواب، و مقتضى القاعدة:

الرجوع في مورد التعارض- و هو مثل هوام الجسد للمحرم- إلى الأصل، و هو جواز القتل، سيّما مع كونه- كما قيل «6»- مخالفا للعامّة.

فلو لا رواية أبي الجارود المنجبر ضعفها- لو كان- بالعمل لقلنا بذلك

______________________________

(1) الكافي 4: 362- 2، الوسائل 12: 539 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 2.

(2) الفقيه 2: 172-

761، الوسائل 12: 551 أبواب تروك الإحرام ب 84 ح 3.

(3) الكافي 4: 364- 11، الوسائل 12: 551 أبواب تروك الإحرام ب 84 ح 4.

(4) الكافي 4: 364- 6، الوسائل 12: 542 أبواب تروك الإحرام ب 79 ح 3.

(5) مستطرفات السرائر: 32- 33، الوسائل 12: 540 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 7.

(6) الحدائق 15: 508.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 390

في جميع الهوام، كما هو ظاهر جماعة من القدماء «1»، حيث لم يذكروا إلّا الإزالة عن نفسه و الإلقاء دون قتله، إلّا أنّ هذه الرواية أخصّ مطلقا من الثلاثة.

و لا تعارضها الأخيرة، لعدم تعرّضها للقملة، فإذن الحقّ حرمة قتل القملة للمحرم مطلقا دون غيرها من هوام الجسد، وفاقا لكلّ من خصّ الذكر بالقمل، و نسب ذلك إلى الأكثر «2»، و قوّاه بعض مشايخنا «3».

خلافا للمحكيّ عن ابن حمزة، فجوّز قتل قمل البدن خاصّة دون الثوب «4»، و عن بعض المحدّثين، فجوّز قتل القمّل مطلقا على كراهة «5»، و هما- كما قيل «6»- شاذّان و عن الدليل التامّ خاليان، و إن كان في الشذوذ نظر، لما مرّ من عدم تعرّض جماعة من القدماء للقتل.

و أمّا الثاني- أي الإلقاء- فذكر حرمته جماعة «7»، و قيل باتّفاق الأصحاب ظاهرا على حرمته في القملة «8»، و عن الغنية: نفي الخلاف عنه «9».

______________________________

(1) منهم الطوسي في مصباح المتهجد: 620، الإقتصاد: 302، الجمل و العقود:

228، المبسوط 1: 339، القاضي في المهذب 1: 221.

(2) كما في كشف اللثام 1: 329، و الرياض 1: 377.

(3) و هو صاحب الرياض 1: 377.

(4) الوسيلة: 163.

(5) حكاه في الرياض 1: 377.

(6) انظر المفاتيح 1: 340، الرياض 1: 377.

(7) منهم الشيخ في النهاية: 319، و

المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 184، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 328.

(8) انظر الرياض 1: 377.

(9) الغنية (الجوامع الفقهية): 575.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 391

و استدلّ له بحسنة ابن أبي العلاء المتقدّمة، و قريبة منها الأخرى «1»، إلّا أنّ فيها: «فإن فعل» مكان قوله: «و إن قتل»، و: «كفّا واحدا» مكان قوله: «قبضة بيده».

و صحيحة حمّاد بن عيسى: عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها، قال: «يطعم مكانها طعاما» «2»، و نحوها صحيحة محمّد «3».

و صحيحة ابن عمّار: المحرم يحكّ رأسه فتسقط القملة و الثنتان، فقال: «لا شي ء عليه، و لا يعيدها» «4».

و الأخرى: «المحرم يلقي عنه الدواب كلّها إلّا القملة فإنّها من جسده، فإذا أراد أن يحوّل قملة من مكان إلى مكان فلا يضرّه» «5».

و رواية أبي بصير: عن المحرم ينزع الحملة من البعير؟ قال: «لا، هي بمنزلة القملة من جسدك» «6».

و صحيحة حريز: «إنّ القراد ليس من البعير، و الحلمة من البعير بمنزلة القملة من جسدك، فلا تلقها و ألق القراد» «7».

______________________________

(1) الكافي 4: 362- 3، الوسائل 12: 539 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 3.

(2) التهذيب 5: 336- 1158، الإستبصار 2: 196- 659، الوسائل 13: 168 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 15 ح 1.

(3) التهذيب 5: 336- 1159، الإستبصار 2: 196- 660، الوسائل 13: 168 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 15 ح 2.

(4) الفقيه 2: 229- 1086، التهذيب 5: 337- 1165، الإستبصار 2:

197- 663، الوسائل 13: 169 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 15 ح 5، بتفاوت.

(5) الفقيه 2: 230- 1091، التهذيب 5: 336- 1161، الوسائل 12: 540 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 5.

(6) الفقيه 2: 232- 1108،

الوسائل 12: 543 أبواب تروك الإحرام ب 80 ح 3.

(7) الكافي 4: 364- 8، الفقيه 2: 232- 1107، الوسائل 12: 543 أبواب تروك الإحرام ب 80 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 392

و لا يخفى أنّ تلك الروايات بأسرها خالية عن ذكر غير القملة خصوصا أو عموما، و صحيحة ابن عمّار الثانية ناصّة على جواز إلقاء غير القملة من الدواب، و لم يذكره أيضا كثير من قدماء الأصحاب، فالقول بالجواز فيه خال عن الارتياب، كما اختاره صريحا بعض المتأخّرين «1».

و أمّا الاستدلال لمنع إلقاء مثل البرغوث و البقّة بصحيحة ابن سنان:

أ رأيت إن وجدت عليّ قرادا أو حلمة أطرحهما؟ قال: «نعم، و صغارا لهما، إنّهما رقيا في غير مرقاهما» «2»، كما صدر عن بعضهم «3».

غير جيد جدّا، لأنّ غايتها أنّ الارتقاء في غير المرقى يرجّح الاطراح، و لا دلالة على أنّ الارتقاء في المرقى يمنع عنه.

و أمّا القملة و إن وردت في الأخبار المذكورة إلّا أنّ صحيحتي حمّاد و محمّد لا تشتملان على منع إنشائي أو إخباري، و إنّما تتضمّنان الكفّارة، و هي غير حرمة الفعل، مع أنّ وجوبها أيضا محلّ كلام.

و كذلك صحيحة ابن عمّار الأولى، لرجوع ضمير: «لا يعيدها» إلى القملة، أي: لا يعيدها إلى موضعها، فهي بنفي الشي ء الشامل للعقاب أيضا على خلاف المطلوب- أي الجواز- دالّة.

و البواقي- غير الأخيرة- عن إثبات التحريم قاصرة، لمكان الجملة الخبريّة.

و الأخيرة و إن كانت ظاهرة في التحريم إلّا أنّها لرواية مرّة معارضة:

______________________________

(1) انظر المسالك 1: 110.

(2) الكافي 4: 362- 4، الفقيه 2: 229- 1085، التهذيب 5: 337- 1162، المقنع: 75، الوسائل 12: 541 أبواب تروك الإحرام ب 79 ح 1.

(3) انظر الرياض 1:

377.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 393

عن المحرم يلقي القملة؟ فقال: «ألقوها، أبعدها اللَّه غير محمودة و لا مفقودة» «1».

و كذلك لعموم صحيحة ابن عمّار الأولى المتقدّمة، و بهما أيضا يعارض سائر الأخبار المذكورة لو جعلناها على الحرمة دالّة.

فإذن الجواز في الجميع أقوى مع الكراهة في القملة، بل في البواقي أيضا، لفتوى جماعة، كما اختاره بعض مشايخنا و نقله عن بعض المحدّثين أيضا «2».

فرعان:
أ: يجوز نقل القملة و غيرها من مكان من الجسد إلى آخر

و لو قلنا في الإلقاء بالحرمة، بلا خلاف فيه بين الطائفة كما ذكره بعض الأجلّة «3»، لصحيحة ابن عمّار الثانية، و مقتضى إطلاقها عدم اشتراط كون المنقول إليه مساويا أو أحرز، فالقول به- كما اختاره المحقّق الشيخ عليّ «4»- تقييد بلا مقيّد، إلّا أن يكون مراده عدم كونه معرضا للسقوط قطعا أو غالبا، و حينئذ فلا بأس به، لأنّه في معنى الإلقاء.

ب: يجوز إلقاء القراد و الحلم-

و هو صغير القراد أو عظيمه- عن نفسه بلا خلاف، للأصل، و صحيحة ابن سنان المتقدّمة.

و كذا يجوز إلقاء الأول من البعير بلا خلاف، لصحيحة حريز المتقدّمة

______________________________

(1) التهذيب 5: 337- 1164، الإستبصار 2: 197- 662، الوسائل 12: 540 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 6.

(2) انظر الرياض 1: 377.

(3) انظر الرياض 1: 377.

(4) انظر جامع المقاصد 3: 184 و 302.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 394

و غيرها «1».

و لا يجوز إلقاء الحلمة عنها، وفاقا لجماعة «2»، للصحيحة المذكورة و غيرها من الروايات «3».

السابع: التدهين بعد الإحرام مطلقا،

و بالدهن المطيّب بعده و قبله إذا كان ريحه يبقى إلى الإحرام، و يجوز بغير المطيّب قبل الإحرام و لو بقي أثره إلى ما بعده، و كذا بعده مع الضرورة.

أمّا الأول: فحرمته هي الأقوى الأشهر، لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة في صدر مسألة حرمة الطيب «4».

و صحيحة الحلبي: «لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك أو عنبر، من أجل أنّ رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم، و أدهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحلّ» «5»، و قريبة منها مضمرة عليّ بن أبي حمزة «6».

خلافا للمفيد و العماني و الديلمي و الحلبي «7»، فجوّزوه على كراهة،

______________________________

(1) في ص: 391.

(2) منهم الطوسي في التهذيب 5: 338، صاحب الرياض 1: 377.

(3) الوسائل 12: 542 أبواب تروك الإحرام ب 80.

(4) في ص: 369 و هي في الكافي 4: 353- 1، الوسائل 12: 443 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 5.

(5) الكافي 4: 329- 2، الفقيه 2: 202- 921 و فيه: عن علي بن أبي حمزة، التهذيب 5: 303- 1032، الإستبصار 2: 181- 603،

الوسائل 12: 458 أبواب تروك الإحرام ب 29 ح 1.

(6) الكافي 4: 329- 1، الفقيه 2: 202- 921، التهذيب 5: 302- 1031، الإستبصار 2: 181- 602، الوسائل 12: 458 أبواب تروك الإحرام ب 29 ح 1.

(7) المفيد في المقنعة: 432، حكاه عن العماني في المختلف: 269، الديلمي في المراسم: 106، الحلبي في الكافي في الفقه: 203.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 395

جمعا بين الأخبار المانعة و الناصّة على الجواز بعد الغسل قبل الإحرام، كصحاح محمّد «1» و ابن أبي العلاء «2» و هشام بن سالم «3» و غيرها «4»، حيث إنّ الظاهر بقاؤه عليه إلى ما بعد الإحرام، و تساوي الابتداء و الاستدامة، و الأمران ممنوعان.

و قد يستدلّ أيضا بالأخبار المرخّصة له حال الضرورة «5»، و هو غير جيّد، لخروجه عن المسألة، لأنّ المفروض غير حال الضرورة.

و أمّا الثاني: فحرّمه الأكثر أيضا، لما دلّ على المنع عن الطيب و لو استدامة، كما مرّ في مسألة الطيب، لصحيحة الحلبي و رواية علي بن أبي حمزة و غيرهما من الصحاح و غيرها الواردة في ذلك المضمار «6».

خلافا للمحكيّ عن ابن حمزة «7» و جماعة «8»، فكرّهوه، للأصل، و إطلاق جملة من الصحاح بجواز الادهان قبل الإحرام، و صحيحة محمّد:

«لا بأس بأن يدهن الرجل قبل أن يغتسل للإحرام أو بعده» و كان يكره الدهن الخاثر الذي يبقى.

و أجيب: بأنّ الأصل يدفع بما مرّ، و المطلق يقيّد به، و الكراهة تستعمل بمعنى الحرمة أيضا أو أعمّ منها «9».

______________________________

(1) الكافي 4: 329- 4، الوسائل 12: 460 أبواب تروك الإحرام ب 30 ح 3.

(2) الكافي 4: 330- 5، الوسائل 12: 460 أبواب تروك الإحرام ب 30 ح 4.

(3) الفقيه 2:

201- 918، التهذيب 5: 303- 1034، الإستبصار 2: 182- 605، الوسائل 12: 461 أبواب تروك الإحرام ب 30 ح 6.

(4) الوسائل 12: 460 أبواب تروك الإحرام ب 30 و ص 458 ب 29.

(5) الوسائل 12: 462 أبواب تروك الإحرام ب 31.

(6) انظر الذخيرة: 594، الحدائق 15: 503.

(7) الوسيلة: 164.

(8) كالطوسي في الجمل و العقود (الرسائل العشر): 229.

(9) انظر المختلف: 269، الرياض 1: 378.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 396

أقول: أمّا الأخبار المذكورة فكلّها واردة بالجملة الخبريّة أو ما يحتملها، و دلالة مثلها على الحرمة ممنوعة.

و أمّا ما دلّ على حرمة استدامة الطيب فهو يعارض أخبار جواز الادهان قبل الإحرام بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل.

و أمّا الصحيحة فلا تتضمّن إلّا الكراهة التي هي أعمّ من الحرمة، فقول ابن حمزة لا يخلو من قوّة، و الاجتناب أحوط.

و أمّا الثالث: فجوازه ممّا لا خلاف فيه كما قيل «1»، و عن التذكرة و المنتهى: الإجماع عليه «2»، و الصحاح به مع ذلك مستفيضة «3»، و ليس في شي ء منها اشتراط عدم بقاء عينه بعد الإحرام مع مخالفته الأصل.

و قيل باشتراطه «4»، و لا وجه له، و صحيحة محمّد المتقدّمة لا تفيد أزيد من المرجوحيّة.

و أمّا الرابع: فهو أيضا موضع وفاق، و في المدارك «5» و غيره «6»:

الإجماع عليه، و الأخبار به مستفيضة من الصحاح و غيرها «7».

الثامن: إزالة الشعر.

قليله و كثيره عن الرأس و اللحية و سائر البدن، بحلق أو نتف أو

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 377.

(2) التذكرة 1: 335، المنتهى 2: 787.

(3) الوسائل 12: 460 أبواب تروك الإحرام ب 30.

(4) انظر القواعد 1: 82.

(5) المدارك 7: 350.

(6) كالرياض 1: 378.

(7) الوسائل 12: 462 أبواب تروك الإحرام ب 31.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 397

غيرهما بالاختيار، إجماعا محقّقا و محكيّا «1» مستفيضا، له، و لقوله سبحانه:

وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ «2».

و صحيحة حريز: «لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر» «3».

و رواية عمر بن يزيد: «لا بأس بحكّ الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر، و يحكّ الجسد ما لم يدمه» «4».

دلّتا بمفهوم الغاية- الذي هو أقوى المفاهيم- بثبوت البأس- الذي هو الحرمة- إذا أوجب الحلق أو قطع الشعر، المؤيّد جميعا بالأخبار المستفيضة بل المتواترة معنى، الآمرة بالفداء أو المانعة بالجملة الخبريّة «5».

و تجوز الإزالة للضرورة، للإجماع، و الأصل، و قوله سبحانه فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً الآية «6»، و صحيحة حريز «7» الواردة في سبب نزول الآية.

و لا يجوز للمحرم حلق رأس المحرم إجماعا، و في حلق رأس المحلّ قولان، الأصل يجوّزه، و صحيحة معاوية بن وهب [1] تمنعه «8» و لكن

______________________________

[1] ليست في «س»، و في المصادر: معاوية بن عمّار أو معاوية.

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 378.

(2) البقرة: 196.

(3) الفقيه 2: 222- 1033 بتفاوت يسير، التهذيب 5: 306- 1046، الإستبصار 2: 183- 610، الوسائل 12: 513 أبواب تروك الإحرام ب 62 ح 5.

(4) التهذيب 5: 313- 1077، الوسائل 12: 534 أبواب تروك الإحرام ب 73 ح 2.

(5) الوسائل 12: 531 أبواب تروك الإحرام ب 71.

(6) البقرة: 196.

(7) الكافي 4: 358- 2، التهذيب 5: 333- 1147، الإستبصار 2: 195- 656، المقنع: 75، الوسائل 13: 165 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 14 ح 1.

(8) الكافي 4: 361- 7، التهذيب 5: 340- 1179، الوسائل 12: 515 أبواب تروك الإحرام ب 63 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 398

بالجملة الخبريّة، فالأجود الكراهة.

التاسع: قصّ الأظفار كلا أو بعضا.

أي قطعها بأيّ نحو كان، للإجماع المؤيّد بالأخبار المستفيضة «1» المانعة عنه بالجمل الخبريّة أو المثبتة للفداء.

و تجوز إزالتها مع الاضطرار، بأن ينكسر و يتضرّر ببقائه، بلا خلاف فيه، كما عن المنتهى و التذكرة «2»، لصريح صحيحة ابن عمّار، و فيها: «فإن كانت تؤذيه فليقصها» «3».

العاشر: قطع الشجر و الحشيش النابتين في الحرم.
اشاره

فإنّه يحرم على المحرم و المحرمة، إجماعا محقّقا و محكيّا «4» مستفيضا، له، و للنصوص المتكثّرة المحرّمة للقطع، أو المانعة عنه بالجمل الخبريّة أو مفهوم الوصف أو إثبات الفداء.

فمن الأولى صحيحة حريز: «كلّ شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلّا ما أنبتّه أنت أو غرسته» «5».

و صحيحة ابن عمّار: عن شجرة أصلها في الحرم و فرعه في الحلّ،

______________________________

(1) الوسائل 12: 538 أبواب تروك الإحرام ب 77.

(2) المنتهى 2: 795، التذكرة 1: 339.

(3) التهذيب 5: 314- 1083، المقنع: 75، الوسائل 12: 538 أبواب تروك الإحرام ب 77 ح 1.

(4) انظر الرياض 1: 379.

(5) الكافي 4: 230- 2، الفقيه 2: 166- 718، التهذيب 5: 380- 1325، الوسائل 12: 553 أبواب تروك الإحرام ب 86 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 399

فقال: «حرّم فرعها لمكان أصلها»، قال: قلت: فإن أصلها في الحلّ و فرعها في الحرم؟ قال: «حرّم أصلها لمكان فرعها» «1».

و موثّقة زرارة: «حرّم اللَّه حرمه بريدا في بريد أن يختلى خلاه أو يعضد شجره إلّا الإذخر» «2».

و الاختلاء و العضد: القطع، و الخلا: النبات اليابس، كما قاله الجوهري «3»، أو الرطب كما ذكره في القاموس و ابن الأثير «4».

و حمّاد بن عثمان: في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم، قال: «إن بنى المنزل و الشجرة فيه فليس له أن يقلعها، و إن كانت نبتت

في منزله [و هو له فليقلعها]» [1].

و الأخرى: عن الرجل يقطع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم، قال: «إن كانت الشجرة لم تزل قبل أن يبني الدار أو يتّخذ المضرب فليس له أن يقلعها، و إن كانت طريّة عليها فله أن يقلعها» «5».

و من الثانية مرسلة عبد الكريم: «لا ينزع من شجر مكّة إلّا النخيل و شجر الفواكه» «6»، و بمضمونها مع زيادة موثّقة سليمان بن خالد «7».

______________________________

[1] الكافي 4: 231- 6، التهذيب 5: 380- 1327، الوسائل 12: 554 أبواب تروك الإحرام ب 87 ح 3، بدل ما بين المعقوفين في «ح» و «ق»: و هي له فله أن يقلعها، و في «س»: فهي له أن يقلعها، و ما أثبتناه من المصادر.

______________________________

(1) الكافي 4: 231- 4، الفقيه 2: 165- 717، التهذيب 5: 379- 1321، الوسائل 12: 459 أبواب تروك الإحرام ب 90 ح 1.

(2) التهذيب 5: 381- 1332، الوسائل 12: 555 أبواب تروك الإحرام ب 87 ح 4.

(3) الصحاح 2: 509، و ج 6: 2331 و فيه: الخلا: الرطب من الحشيش.

(4) القاموس المحيط 4: 327، النهاية الأثيرية 2: 75.

(5) التهذيب 5: 380- 1326، الوسائل 12: 554 أبواب تروك الإحرام ب 87 ح 2، بتفاوت.

(6) الكافي 4: 230- 1، الوسائل 12: 556 أبواب تروك الإحرام ب 87 ح 9.

(7) الفقيه 2: 166- 720، التهذيب 5: 379- 1324، الوسائل 12: 554 أبواب تروك الإحرام ب 87 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 11    400     العاشر: قطع الشجر و الحشيش النابتين في الحرم. ..... ص : 398

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 400

و صحيحة محمّد: المحرم ينزع الحشيش من غير الحرم، فقال:

«نعم»، قلت:

فمن الحرم؟ قال: «لا» «1».

و رواية جميل بن درّاج: «رآني علي بن الحسين عليه السّلام و أنا أقلع الحشيش من حول الفساطيط بمنى، فقال: يا بني، هذا لا يقلع» «2».

و رواية إسحاق بن يزيد: الرجل يدخل مكّة فيقطع من شجرها، قال:

«اقطع ما كان داخلا عليك و لا تقطع ما لم يدخل منزلك عليك» «3».

و صحيحة محمّد بن حمران: عن النبت الذي في أرض الحرم أ ينزع؟ قال: «أمّا شي ء يأكله الإبل فليس به بأس أن تنزعه» «4».

و صحيحة حريز: « [يخلّى ] عن البعير يأكل في الحرم ما شاء» «5».

و رواية زرارة: «رخّص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في قطع عودي المحالة- و هي: البكرة التي يستقى بها- من شجر الحرم و الإذخر» «6».

و مرسلة موسى: «إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم تنزع فإن أراد نزعها كفّر بذبح بقرة يتصدّق بلحمها على المساكين» «7».

______________________________

(1) الفقيه 2: 166- 721، الوسائل 12: 552 أبواب تروك الإحرام ب 85 ح 2.

(2) التهذيب 5: 379- 1322، الوسائل 12: 553 أبواب تروك الإحرام ب 86 ح 2.

(3) الكافي 4: 231- 3، الفقيه 2: 166- 722، الوسائل 12: 555 أبواب تروك الإحرام ب 87 ح 6.

(4) الفقيه 2: 166- 719، التهذيب 5: 380- 1328، الوسائل 12: 559 أبواب تروك الإحرام ب 89 ح 2.

(5) الكافي 4: 231- 5، الفقيه 2: 166- 719، التهذيب 5: 381- 1329، الوسائل 12: 558 أبواب تروك الإحرام ب 89 ح 1، و ما بين المعقوفين ليست في النسخ، أضفناها من المصادر.

(6) التهذيب 5: 381- 1330، الوسائل 12: 555 أبواب تروك الإحرام ب 87 ح 5.

(7) التهذيب 5: 381- 1331، الوسائل 13:

174 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 18 ح 3

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 401

و صحيحة حريز، و فيها: «إنّ اللَّه حرّم مكّة يوم خلق السماوات و الأرض، فهي حرام بحرام اللَّه إلى يوم القيامة، لا ينفّر صيدها و لا يقطع شجرها و لا يختلى خلاها» إلى أن قال: «إلّا الإذخر» «1»، و بمضمونها مرسلة الفقيه «2»، إلى غير ذلك.

و لا يخفى أنّ حرمة هذا القطع لا تخصّ بالمحرم، بل هي من خصائص الحرم، فعدّه من تروك الإحرام غير جيّد، و لذا جعله في الدروس مسألة برأسها «3»، و اقتفينا نحن أثر الأكثر.

ثم إنّهم استثنوا من ذلك أمورا:
الأول: ما نبت في ملك الإنسان

، لموثّقتي حمّاد و رواية إسحاق، و هي أخصّ من المدّعى، لاختصاصها بالدار و المنزل و المضرب و بالشجر، و دعوى الإجماع ممنوعة، و لذا استشكل فيها في الذخيرة «4»، و منعها بعض مشايخنا السادة «5»، فالأحوط الاقتصار على موردها.

بل استشكل بعضهم في أصل الاستثناء «6»، لضعف الروايات، و هو عندي غير جيّد.

الثاني: ما غرسه الإنسان و أنبته بنفسه،

سواء كان في ملكه أو غيره، و هو كذلك، وفاقا للمحكيّ عن المبسوط و النهاية و السرائر و النزهة

______________________________

(1) الكافي 4: 225- 3، الوسائل 12: 557 أبواب تروك الإحرام ب 88 ح 1.

(2) الفقيه 2: 159- 689، الوسائل 12: 558 أبواب تروك الإحرام ب 88 ح 4.

(3) الدروس 1: 388.

(4) الذخيرة: 596.

(5) كما في الرياض 1: 380.

(6) انظر الرياض 1: 380.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 402

و المنتهى و التذكرة «1»، و نفى عنه الريب في المدارك «2»، لصحيحة حريز الأولى «3».

خلافا للمنقول عن القاضي و ابن زهرة و الكيدري «4»، فقيّدوه بملكه، و لا وجه له، و يشعر بعض كلمات صاحب المدارك بجواز قطع ما أنبته الآدمي مطلقا «5»، سواء كان نفس القالع أو غيره، و لا دليل عليه.

الثالث: شجر الفواكه و النخيل،

سواء أنبته اللَّه تعالى أو الآدمي، و على استثنائه دعوى الإجماع عن الخلاف «6» و الاتّفاق عن المنتهى «7»، و نسبه في المدارك و الذخيرة إلى قطع الأصحاب به «8»، و تدلّ على استثنائها المرسلة و الموثّقة المتقدّمتين «9»، فلا محيص عنه.

الرابع: الإذخر،

و صرّح جماعة بعدم معرفة الخلاف في استثنائه «10»، و عن المنتهى و التذكرة: الإجماع عليه «11»، و تدلّ عليه طائفة من الأخبار «12»

______________________________

(1) المبسوط 1: 354، النهاية: 234، السرائر 1: 554، نزهة الناظر: 61، المنتهى 2: 797، التذكرة 1: 340.

(2) المدارك 7: 370.

(3) تقدمت في ص: 398.

(4) القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 215، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 575، الكيدري في إصباح الشيعة: 153.

(5) المدارك 7: 371.

(6) الخلاف 2: 407.

(7) المنتهى 2: 797.

(8) المدارك 7: 370، الذخيرة: 596.

(9) و هي مرسلة عبد الكريم، و موثقة سليمان بن خالد، المتقدمتين في ص: 399.

(10) كما في الذخيرة: 596، المفاتيح 1: 392، الرياض 1: 380.

(11) المنتهى 2: 798، التذكرة 1: 341.

(12) الوسائل 12: 554 أبواب تروك الإحرام ب 87.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 403

المتقدّمة.

الخامس: عود المحالة

بفتح الميم، و المحالة: البكرة العظيمة يستقى بها، و تدلّ على استثنائها رواية زرارة.

السادس: اليابس من الشجر و الحشيش،

استثناه في المنتهى و التذكرة و التحرير و اللمعتين و الدروس «1»، للأصل، و لأنّ الخلا الممنوع من قطعه هو الرطب من النبات، و لأنّ اليابس لا حرمة له.

و الكلّ ضعيف، لأنّ الأصل مدفوع بالإطلاقات و العمومات «2»، و الخلا وارد في بعض الروايات «3»، و تخصيصه بالذكر فيه لا ينفي الحكم عن غيره، مع أنّ الخلا مفسّر عند بعض اللغويين- كما مرّ- باليابس، و عليه فيفيد ضدّ المطلوب، و ضعف التعليل ظاهر، فعدم الاستثناء أقوى.

فروع:
أ: قيل: التحريم يتناول القطع و الانتفاع مطلقا،

فلو انكسر غصن أو سقط ورق لم يجز الانتفاع به، سواء كان ذلك بفعل الآدمي أو غيره «4»، و في المنتهى و التذكرة: الإجماع على جواز الانتفاع في الساقط بفعل غير الآدمي، و استقرب الجواز في الساقط بفعل الآدمي «5».

و الحقّ: الاختصاص بالقطع، لأنّه المتبادر من التحريم المطلق في

______________________________

(1) المنتهى 2: 798، التذكرة 1: 340، التحرير 1: 115، الروضة 2: 245، الدروس 1: 389.

(2) الوسائل 12: 552 أبواب تروك الإحرام ب 86.

(3) كموثقة زرارة المتقدمة في ص: 399.

(4) انظر الرياض 1: 379.

(5) المنتهى 2: 798، التذكرة 1: 341.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 404

هذا المقام، و لو منع لكان مجملا، فيجب الاقتصار فيه على المقطوع به، و هو القطع المصرّح به في سائر الأخبار «1».

ب: يجوز للمحرم أن يترك إبله و دابّته في الحرم ليرعى

في الحشيش و إن حرم قطعه، للأصل، و صحيحة حريز السالفة «2»، بل جوّز في المدارك نزعه للإبل «3»، لصحيحة جميل و محمّد بن حمران «4»، و هو كذلك.

ج: قال في المدارك: يجوز للمحرم أن يأخذ الكمأة «5» من الحرم،

لأنّه ليس بحشيش «6».

و فيه: منع عدم صدق الحشيش، سلّمنا و لكن يصدق عليه النبات و الشي ء النابت المعنون في بعض الأخبار «7».

نعم، لو أخذها بعد انكسارها أو قلعها للدابّة لم يكن به بأس.

د: الحشيش و النبت و الشجر الممنوع عن قطعها يعمّ الشوك و شبهه من الأشجار المؤذية،

فيحرم قطعها كما هو ظاهر الخلاف «8» و صريح التذكرة «9»، و عن الشافعي «10» و طائفة «11» من العامّة عدم التحريم. و من اللَّه التأييد.

______________________________

(1) كما في الوسائل 12: 552 أبواب تروك الإحرام ب 86.

(2) في ص 400.

(3) المدارك 7: 372.

(4) المتقدمة في ص: 400.

(5) الكمأة: شي ء أبيض مثل الشحم، ينبت من الأرض، يقال له شحم الأرض، واحدها كم و الجمع أكمؤ- مجمع البحرين 1: 363.

(6) المدارك 7: 371.

(7) الوسائل 12: 552 أبواب تروك الإحرام ب 86.

(8) الخلاف 2: 407.

(9) التذكرة 1: 340.

(10) حكاه عنه في الخلاف 2: 407، 408.

(11) حكاه عنهم في الخلاف 2: 408.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 11، ص: 405

الحادي عشر: لبس السلاح.

و تحريمه هو المشهور بين الأصحاب، و هو الأقوى، لمفهوم رواية زرارة: «لا بأس أن يحرم الرجل و عليه سلاحه إذا خاف العدو» «1»، أثبت البأس مع عدم الخوف، و البأس: العذاب.

و تؤيّده المستفيضة من الصحاح و غيرها الواردة بالجملة الخبريّة و المثبتة للكفّارة «2».

خلافا للشرائع و النافع و الإرشاد «3»، فكرّهوه، و يظهر من الأولين وجود قائل غيرهما به أيضا، للأصل، و تضعيف المفهوم، و جوابهما ظاهر.

______________________________

(1) الكافي 4: 347- 4، الوسائل 12: 504 أبواب تروك الإحرام ب 54 ح 4.

(2) الوسائل 12: 504 أبواب تروك الإحرام ب 54.

(3) الشرائع 1: 251، النافع: 85، الإرشاد 1: 318.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة الجزء 12

[تتمة كتاب الحج ]

[تتمة المقصد الرابع ]

[تتمة الباب الأول ]
[تتمة المبحث الثاني ]
[تتمة المطلب الأول ]
[تتمة الفصل الأول ]
[تتمة البحث الرابع ]
[تتمة المقام الأول ]
القسم الثاني ما يختصّ بالرجل
اشاره

و هو أمور خمسة:

الأول: لبس القميص و السراويل و القباء و الثوب المزرّر
اشاره

الذي تزرّره- أي تعقد أزراره- و الثوب المدرّع الذي تدرّعه، أي تدخل يديك في يديه، و كلّما أدخلت شيئا في جوف شي ء فقد ادّرعته و درّعته تدريعا، بل مطلق المخيط.

بلا خلاف يعلم كما في موضع من المنتهى «1»، بل مطلقا، كما في المفاتيح و شرحه و عن الغنية و التحرير و التنقيح «2»، بل بإجماع العلماء كافّة، كما في موضع آخر من المنتهى و عن التذكرة و ظاهر الدروس «3»، بل بالإجماع المحقّق عند التحقيق، و هو الحجّة في الجميع.

______________________________

(1) المنتهى 2: 781.

(2) المفاتيح 1: 331، الغنية (الجوامع الفقهية): 577، التحرير 1: 114، التنقيح 1: 469.

(3) المنتهى 2: 783، التذكرة 1: 332، الدروس 1: 376.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 6

مضافا في الأول إلى صحيحتي ابن عمّار: «إذا لبست قميصا و أنت محرم فشقّه و أخرجه من تحت قدميك» «1».

و صحيحتي خالد بن محمّد الأصمّ و عبد الصمد بن بشير الواردتين في الرجل الذي لبس قميصه محرما، ففي الأولى: «انزعه من رأسك» «2»، و في الثانية: «فأخرجه من رأسك» «3».

و تؤيّده صحيحة أخرى لابن عمّار و غير واحد: في رجل أحرم و عليه قميص، قال: «ينزعه و لا يشقّه، و إن كان لبسه بعد ما أحرم شقّه و أخرجه ممّا يلي رجليه» «4».

و ما ورد في وجوب الكفّارة على من لبس القميص متعمّدا، كما يأتي.

و في البواقي- غير الأخير- إلى صحيحتي ابن عمّار، و صحاح الحلبي «5» و محمّد «6» و زرارة «7»، و روايات أبي بصير «8» و الحنّاط «9» و حمران «10».

______________________________

(1) الاولى في: التهذيب 5: 72- 237، الوسائل 12: 488 أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 1.

الثانية

في: الكافي 4: 348- 3، الوسائل 12: 489 أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 5.

(2) الكافي 4: 348- 2، الوسائل 12- 489 أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 4.

(3) التهذيب 5: 72- 239، الوسائل 12: 488 أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 3.

(4) الكافي 4: 348- 1، التهذيب 5: 72- 238، الوسائل 12: 488 أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 2.

(5) التهذيب 5: 70- 228، الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 1.

(6) الفقيه 2: 218- 997، الوسائل 12: 487 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 7.

(7) الكافي 4: 348- 1، الوسائل 13: 158 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 8 ح 4.

(8) الكافي 4: 346- 1، الوسائل 12: 487 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 5.

(9) الكافي 4: 347- 5، الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 3.

(10) الكافي 4: 347- 6، الوسائل 12: 499 أبواب تروك الإحرام ب 50 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 7

و لكن الكلّ قاصرة عن إفادة الحرمة، لمكان الجملة الخبريّة أو المحتملة لها، أو ما يحتمل أن يكون المفهوم فيه انتفاء الإباحة بالمعنى الأخصّ، فالمناط فيها الإجماع، إلّا أن يجعل الإجماع قرينة على إرادة الحرمة، و هو كذلك، فتكون تلك الأخبار أيضا مثبتة للحرمة.

نعم، ينحصر دليل الأخير في الإجماع.

و لا دلالة في شي ء من الأخبار على تحريم المخيط مطلقا، كما اعترف به جماعة- منهم الشهيد في الدروس «1»- و على هذا، فاللازم فيه الاقتصار على موضع علم فيه الإجماع.

فالمنع عن مسمّى الخياطة و إن قلّت- كما اشتهر بين المتأخّرين- غير جيّد و إن كان أحوط.

و استفادة ذلك عن المنع عن لبس المزرّر بإطلاقه

في بعض تلك الأخبار، حيث إنّ خياطة الأزرار قليلة البتّة.

مردودة باحتمال أن يكون المنع لنفس الأزرار لا لخياطتها، مع أنّ المنع عن المزرّر أيضا و إن كان مطلقا في بعض الأخبار، إلّا أنّه صرّح في صحيحتي الحلبي «2» و يعقوب بن شعيب «3» بأنّ المنع إنّما هو في عقد الأزرار دون وجودها.

و منه يستفاد عدم المنع في مطلق الخياطة، لأنّه مقتضى الأصل، و عموم صحيحة زرارة: عمّا يكره للمحرم أن يلبسه، فقال: «يلبس كلّ

______________________________

(1) الدروس 1: 485.

(2) الكافي 4: 340- 8، الفقيه 2: 217- 995، و في العلل 2: 408- 1 عن عبيد اللّه بن علي الجعفي، الوسائل 12: 475 أبواب تروك الإحرام ب 36 ح 3.

(3) الكافي 4: 340- 7، الوسائل 12: 475 أبواب تروك الإحرام ب 36 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 8

ثوب إلّا ثوبا يتدرّعه» «1».

و أمّا إطلاقات كلمات الأصحاب بالمنع عن لبس المخيط، فلا شك في انصرافها إلى المعتاد و المتبادر.

فروع:
أ: لا فرق في المنع من السراويل و القباء

و المزرّر و المدرّع بين المخيط منها و غيره، كالمصنوع من اللبد و المنسوج و الملصق بعضه على بعض، لإطلاق الأخبار «2» و كلمات الأخيار.

و أمّا الاستدلال على المنع فيه بمشابهته للمخيط في المعنى من الترفّه و التنعّم- كما عن التذكرة «3»- فضعيف غايته.

ب: ذكر الفاضل «4» و غيره «5»: أنّه يحرم عقد الرداء و زرّه،

لموثّقة الأعرج: عن المحرم يعقد (أزراره) على عنقه؟ قال: «لا» «6».

و ردّه في المدارك بقصور الرواية سندا عن إثبات الحرمة «7».

و فيه: أنّه لا ينحصر تحريم الزرّ بهذه الرواية، بل يدلّ عليه كثير من

______________________________

(1) الفقيه 2: 218- 999 و فيه: إلّا ثوبا واحدا يتدرّعه، الوسائل 12: 475 أبواب تروك الإحرام ب 36 ح 5.

(2) الوسائل 12: 473 أبواب تروك الإحرام ب 35.

(3) التذكرة 1: 332.

(4) التذكرة 1: 333.

(5) كالسبزواري في الذخيرة: 580.

(6) الفقيه 2: 221- 1023، الوسائل 12: 502 أبواب تروك الإحرام ب 53 ح 1، و بدل ما بين القوسين فيها: إزاره.

(7) المدارك 7: 330.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 9

الروايات المتقدّمة، المثبتة للحرمة عنده «1».

نعم، لو أراد العقد بدون الزرّ فهو كذلك، لا لضعف سند الرواية، بل لضعف دلالتها.

ج: يجوز له لبس السراويل إذا لم يجد إزارا،

بغير خلاف يعلم كما صرّح به جماعة «2»، بل بالإجماع كما عن التذكرة «3»، لصحيحة ابن عمّار «4».

و لا يحتاج إلى الفتق، للأصل و خلوّ النصّ. و حكي عن قوم من أصحابنا أنّه يفتق «5». و لا وجه له.

و ليس فيه حينئذ فدية على ما صرّح به في الخلاف و السرائر و التحرير و المنتهى و التذكرة «6»، مدّعيا في الأخيرين عليه الإجماع، و قيل «7»: إن ثبت الإجماع، و إلّا فتعمّه أدلّة وجوب الكفّارة الآتية.

و كذا يجوز لبس القباء إذا لم يجد ما يتردّى به، بالإجماع كما عن المنتهى و التذكرة «8»، و تدلّ عليه المستفيضة «9»، و لكن لا يدخل يديه في يدي القباء، و يجعله منكوسا و مقلوبا، كما صرّح بالحكمين في الروايات،

______________________________

(1) الوسائل 12: 502 أبواب تروك الإحرام ب 53.

(2) انظر المدارك 7: 333، الرياض 1: 375.

(3) التذكرة 1:

332.

(4) الكافي 4: 340- 9، التهذيب 5: 69- 227، الوسائل 12: 499 أبواب تروك الإحرام ب 50 ح 1.

(5) انظر الرياض 1: 376.

(6) الخلاف 2: 297، السرائر 1: 543، التحرير 1: 114، المنتهى 2: 782، التذكرة 1: 332.

(7) انظر المنتهى 2: 782.

(8) المنتهى 2: 782، التذكرة 1: 326.

(9) الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 10

و المراد بالنكس و القلب: جعل أسفله أعلاه.

و لا ينافيه تعقيبه بالمنع إدخال اليد، حيث إنّه لازم النكس بذلك المعنى، لجواز عطف اللوازم، بل صرّح في رواية المثنى بذلك المعنى، حيث قال: «و ليجعل أعلاه أسفل» «1».

نعم، في صحيحة محمّد «2» و مرسلة الكافي «3»: «و يقلّب ظهره لباطنه»، و مقتضى القاعدة: الجمع بين الأمرين، إلّا أنّ إثبات وجوب الثاني من الأخبار مشكل، و الجمع أحوط «4»، و لعلّ الأول هو المراد بالنكس الوارد في بعض الأخبار «5»، و الثاني هو المراد بالقلب الوارد في بعض آخر «6».

و هل يختصّ جواز لبس القباء بحال الاضطرار، أو يجوز مع عدم وجود الرداء مطلقا؟

ظاهر الأصحاب- كما في الذخيرة-: الثاني «7»، و هو كذلك، لصحيحة محمّد و رواية عمر بن يزيد «8»، و لا ينافيه التقييد بالاضطرار في سائر الأخبار «9»، لأنّ غايته التجويز في حال الاضطرار دون المنع في غيره.

د: يختصّ المنع عمّا ذكر بالرجال،

و أمّا النساء فيجوز لهنّ لبس

______________________________

(1) الكافي 4: 347- 5، الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 3، بتفاوت يسير.

(2) الفقيه 2: 128- 997، الوسائل 12: 487 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 7.

(3) الكافي 4: 347- 5، الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 4.

(4) في «ح» زيادة: بل لعلّه

الأظهر.

(5) انظر الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44.

(6) كما في الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44.

(7) الذخيرة: 580.

(8) التهذيب 5: 70- 229، الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 2.

(9) الوسائل 12: 486 أبواب تروك الإحرام ب 44.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 11

جميع ما ذكر وفاقا للأكثر، بل غير الشاذّ النادر، بل للمجمع عليه كما عن السرائر و المنتهى و التذكرة و المختلف و التنقيح «1»، للأصل، و اختصاص الأدلّة المانعة فتوى و رواية بالرجل، و مع ذلك، الأخبار للجواز لهنّ مستفيضة:

كصحيحة العيص: «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفّازين» الحديث «2».

و رواية النضر: عن المرأة المحرمة أيّ شي ء تلبس من الثياب؟ قال:

«تلبس الثياب كلّها إلّا المصبوغة بالزعفران و الورس، و لا تلبس القفّازين» الحديث «3».

و رواية أبي عيينة: ما يحلّ للمرأة أن تلبس من الثياب و هي محرمة؟

قال: «الثياب كلّها ما خلا القفّازين و البرقع و الحرير» الحديث «4».

و القفّاز: كرمّان، شي ء يعمل لليدين يحشّى بالقطن تلبسه المرأة للبرد، أو ضرب من الحليّ لليدين و الرجلين.

و الروايات المجوّزة للبس السراويل و القميص بخصوصهما لهنّ «5».

خلافا للمحكيّ عن النهاية، فمنع عمّا عدا السراويل و الغلالة «6»،

______________________________

(1) السرائر 1: 544، المنتهى 2: 783، التذكرة 1: 783، المختلف: 267، التنقيح 1: 469.

(2) الكافي 4: 344- 1، التهذيب 5: 73- 243، الاستبصار 2: 308- 1099، الوسائل 12: 368 أبواب الإحرام ب 33 ح 9.

(3) الكافي 4: 344- 2، التهذيب 5: 74- 244، الوسائل 12: 366 أبواب الإحرام ب 33 ح 2.

(4) الكافي 4: 345- 6، التهذيب 5: 75- 247، الاستبصار 2: 309- 1101، الوسائل 12: 367

أبواب الإحرام ب 33 ح 3.

(5) انظر الوسائل 12: 402 أبواب تروك الإحرام ب 50

(6) النهاية: 218.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 12

و هي- بالكسر-: شعار يلبس تحت الثياب.

و هو- مع شذوذه و رجوعه عنه في المبسوط «1»، بل عدم ظهور عبارة النهاية على بعض النسخ كما قيل «2» في المنع و تصريحه فيه: بأنّ الترك أفضل- غير ظاهر الحجّة، عدا ما قيل من عموم الأخبار المحرّمة لهن «3»، و هو ممنوع، لاختصاص الخطاب فيها بالذكر، و التغليب مجاز، و القرينة مفقودة، بل هي كما عرفت على الجواز موجودة.

نعم، يحرم عليهنّ القفّازان كما هو المشهور، بل عليه الإجماع عن الخلاف و الغنية و المنتهى و التذكرة «4»، لرواية أبي عيينة المتقدّمة، المعتضدة بالروايتين السابقتين عليها.

و تجويز بعض المتأخّرين «5» إباحتهما- للعمومات- ضعيف، لوجوب تقديم الخاص.

إلّا أنّ إجمالها- للاختلاف في تفسير هما كما مرّ، ففسّره في لسرائر و مجمع البحرين و الصحاح و المنتهى و التذكرة بالأوّل «6»، و في القاموس «7» و جماعة من أهل اللغة بالثاني «8»- ينفي الفائدة في المنع، لإباحة كلّ من

______________________________

(1) المبسوط 1: 320.

(2) انظر الرياض: 1- 375.

(3) انظر الرياض 1: 375.

(4) الخلاف 2: 294، الغنية (الجوامع الفقهية): 575، المنتهى 2: 783، التذكرة 1: 333.

(5) انظر الرياض 1: 375.

(6) السرائر 1: 544، مجمع البحرين 4: 31، الصحاح 3: 892، المنتهى 2:

783، التذكرة 1: 333.

(7) القاموس 2: 194.

(8) كما في النهاية لابن الأثير 4: 90، لسان العرب 5: 395، أقرب الموارد 2: 1024.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 13

المعنيين بالأصل، إلّا أن يثمر في حرمة الجمع بينهما.

ه: لا تحريم في عقد شي ء كالمنطقة «1»،

و العمامة على البطن و الهميان و غيرهما، للأصل، و عدم المانع، و

خصوص صحيحة يعقوب في المنطقة و الهميان «2»، و صحيحة أبي بصير في الأول «3»، و موثّقة يونس في.

الأخير «4»، و صحيحة عمران الحلبي في العمامة «5»، و رواية يعقوب في الخرقة المربوطة أو المعصوبة على القرحة «6».

(نعم، يحرم عقد الإزار، لما مرّ في لبس ثوبي الإحرام) [1].

و أمّا منع عقد الرداء على العنق في موثّقة الأعرج المتقدّمة «7»، و منع رفع العمامة المشدودة إلى الصدر في صحيحة عمران المذكورة، و منع شدّها على البطن أيضا في صحيحة أبي بصير، فلا يفيد الحرمة، لورود الكلّ بالجملة الخبريّة، (و إن لم يجز عقد الرداء من جهة عدم صدق التردّي، و هو أمر آخر) [2].

الثاني: لبس ما يستر ظهر القدم بالخفّ خاصّة،

كما هو ظاهر النهاية و السرائر «8»، حيث اقتصر على ذكره.

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «س» و «ق».

[2] ما بين القوسين ليس في «س» و «ق».

______________________________

(1) في «ق» و «س»: لا تحريم في عقد شي ء لعقد الإزار و المنطقة ..

(2) الكافي 4: 344- 3، الوسائل 12: 491 أبواب تروك الإحرام ب 47 ح 1.

(3) الكافي 4: 343- 2، الوسائل 12: 491 أبواب تروك الإحرام ب 47 ح 2.

(4) الفقيه 2: 221- 1027، الوسائل 12: 492 أبواب تروك الإحرام ب 47 ح 4.

(5) الفقيه 2: 221- 1026، الوسائل 12: 533 أبواب تروك الإحرام ب 72 ح 1.

(6) الفقيه 2: 221- 1025، الوسائل 12: 529 أبواب تروك الإحرام ب 70 ح 2.

(7) الفقيه 2: 221- 1023، الوسائل 12: 502 أبواب تروك الإحرام ب 53 ح 1.

(8) النهاية: 218، السرائر 1: 543.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 14

أو هو مع الجورب، كما هو ظاهر المقنع و التهذيب «1»، حيث ضمّه معه، و كذا

المفاتيح «2»، و صرّح في شرحه بالاختصاص بهما، و هو ظاهر الذخيرة «3»، بل المدارك أيضا «4».

أو هو مع الشمشك «5»، كما هو ظاهر المبسوط و الخلاف و الجامع «6».

أو بكلّ ما يستره باللبس، كالفاضلين «7»، و عامّة المتأخّرين، كما صرّح به جماعة «8»، بل في المدارك: أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب «9»، بل عن الغنية نفي الخلاف عنه «10».

و الأخبار الواردة في المسألة: صحيحتا ابن عمّار، و فيهما: «و لا تلبس سراويل إلّا أن لا يكون لك إزار، و لا الخفّين إلّا أن لا يكون لك نعلان» «11».

و رواية أبي بصير، و فيها: «له أن يلبس الخفّين إذا اضطرّ إلى ذلك،

______________________________

(1) المقنع: 72، التهذيب 5: 384.

(2) المفاتيح 1: 331.

(3) الذخيرة: 594.

(4) المدارك 7: 337.

(5) الشمشك: قيل: إنّه المشاية البغدادية- مجمع البحرين 5: 277.

(6) المبسوط 1: 320، الخلاف 2: 296، الجامع 1: 184.

(7) المحقق في الشرائع 1: 250، العلّامة في التذكرة 1: 332.

(8) انظر الحدائق 15: 443.

(9) المدارك 7: 337.

(10) الغنية (الجوامع الفقهية): 575.

(11) الاولى في: التهذيب 5: 69- 227، الوسائل 12: 500 أبواب تروك الإحرام ب 51 ح 1.

الثانية في: الكافي 4: 340- 9، الفقيه 2: 218- 998، الوسائل 12: 473 أبواب تروك الإحرام ب 35 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 15

و ليشقّه عن ظهر القدم» «1».

و حمران في المحرم: «و يلبس الخفّين إذا لم يكن له نعل» «2».

و صحيحة محمّد في المحرم: «يلبس الخفّ إذا لم يكن له نعل و لكن يشقّ ظهر القدم» «3».

و صحيحة الحلبي: «و أيّ محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخفّين إذا اضطرّ إلى ذلك، و الجوربين يلبسهما إذا اضطرّ

إلى لبسهما» «4».

و صحيحة رفاعة: عن المحرم يلبس الخفّين و الجوربين، قال: «إذا اضطرّ إليهما» «5».

و لا يخفى أنّ تلك الأخبار مخصوصة بالخفّ و الجورب، و عن ذكر غيرهما أو ما يعمّ الغير خالية، فالتعدّي إليه ممّا لا وجه له أصلا.

و التمسّك بالشهرة المتأخّرة و نفي الخلاف في الغنية «6» ضعيف غايته، لعدم الحجّية.

و بجواز خروج الخفّ و الجورب مجرى الغالب أضعف، لعدم جواز التمسّك بالاحتمال و الجواز.

فإباحة ستره بلبس غيرهما هو الأقوى، بل بلبس الجورب أيضا،

______________________________

(1) الكافي 4: 346- 1، الوسائل 12: 501 أبواب تروك الإحرام ب 51 ح 3.

(2) الكافي 4: 347- 6، الوسائل 12: 499 أبواب تروك الإحرام ب 50 ح 3.

(3) الفقيه 2: 218- 997، الوسائل 12: 501 أبواب تروك الإحرام ب 51 ح 5، و فيهما: قال: نعم، و لكن يشقّ.

(4) التهذيب 5: 384- 1341، الوسائل 12: 500 أبواب تروك الإحرام ب 51 ح 2.

(5) الكافي 4: 347- 2، الفقيه 2: 217- 996، الوسائل 12: 501 أبواب تروك الإحرام ب 51 ح 4.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 575.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 16

لقصور الخبرين المتضمّنين له عن إفادة الحرمة، لكون المفهوم فيهما بطريق الأخبار، الذي هو أعمّ من إفادة التحريم.

و أمّا الخفّ و إن كان كذلك أيضا إلّا أنّه يمكن استفادة تحريم لبسه من عطفه في الصحيحتين الأوليين على السراويل، الذي النهي فيه للحرمة.

و عن الأمر في رواية أبي بصير بالشقّ الذي هو للوجوب البتّة، و لو لا حرمة التستّر به لم يكن له وجه.

و عن مفهوم قوله في رواية أبي بصير و صحيحة الحلبي: «له أن يلبس الخفّين إذا اضطرّ»، حيث إنّ المتبادر من هذا التركيب الحلّية و

نفيها منطوقا و مفهوما.

مضافا إلى مظنّة الإجماع فيه. فالتحريم فيه خاصّة أقوى، و إن كان الاجتناب عن الجورب- بل عن مطلق لبس ما يستر الظهر- أحوط و أولى.

و كيف كان، فالمحرّم ستر تمام الظهر، فلا يحرم ستر البعض، للأصل، و عدم استفادته من النصّ، لأنّ الخفّ و الجورب الممنوعين منهما ساتران للكلّ عادة، و الشهرة و نفي الخلاف مخصوصان به، بل صرّح جمع بعدم المنع في البعض «1»، بل يشعر بعض كلماتهم بالإجماع عليه «2».

و كذا يختصّ التحريم باللبس، فلا منع في الستر بغيره، كالجلوس عليه، و إلقاء طرف الإزار، و الجعل تحت الثوب عند النوم، و الغمس في الماء، و التستّر باليد، و غير ذلك، لعين ما ذكر، بل جوّز في الذخيرة التخصيص بما له ساق «3»، لما ذكر، و لا بأس به.

______________________________

(1) كما في المدارك 7: 338، الحدائق 15: 443، الرياض 1: 376.

(2) كما في الرياض 1: 376.

(3) الذخيرة: 594.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 17

و منه و ممّا ذكرنا في لبس المخيط يظهر وجه تخصيص تحريم ذلك أيضا بالرجل، كما هو مختار جماعة- منهم: العماني و الشهيد الثاني «1»- مؤيّدا بالعمومات «2» المتقدّمة في لبس المخيط، و الأخبار المصرّحة: بأنّ إحرامها في وجهها «3».

و كذا يختصّ بحال الاختيار، فلو اضطرّ إلى اللبس جاز، بلا خلاف فيه يعلم، كما عن المنتهى «4»، بل بالإجماع، كما عن السرائر و المختلف «5»، لتصريح الأخبار «6» المتقدّمة به.

و هل يجب حينئذ شقّ ظهر القدم، كما عن الشيخ «7» و أتباعه «8»، و اختاره المحقّق الشيخ عليّ «9»، لرواية أبي بصير و صحيحة محمّد المتقدّمتين؟

أو لا يجب، كما عن الحلّي و المحقّق و الشهيد [1]، لضعف

الروايتين، و قوّة احتمال ورودهما مورد التقيّة، لموافقتهما لمذهب أكثر العامّة و منهم أبو حنيفة كما قيل «10»، و لخلوّ بعض المطلقات عنه مع وروده

______________________________

[1] الحلي في السرائر 1: 543، المحقق في الشرائع 1: 250، و قال الشهيد في الدروس (1: 376): و يجب شقّه عن ظهر القدم على الأصح.

______________________________

(1) حكاه عن العماني في المختلف: 267، الشهيد الثاني في المسالك 1: 109.

(2) الوسائل 12: 473 أبواب تروك الإحرام ب 35.

(3) انظر الوسائل 12: 505 أبواب تروك الإحرام ب 55.

(4) المنتهى 2: 782.

(5) السرائر 1: 543، المختلف: 270.

(6) الوسائل 12: 500 أبواب تروك الإحرام ب 51.

(7) في المبسوط 1: 320.

(8) كابن حمزة في الوسيلة: 163.

(9) جامع المقاصد 3: 185.

(10) انظر الرياض 1: 376.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 18

في مقام البيان؟

أو يستحبّ، كما في الذخيرة «1»، جمعا بين الأخبار؟

أو يحرم كما قيل «2»، لأنّ فيه إتلافا للمال المحترم؟

الحق هو: الأول، لما مرّ، و ضعف الرواية عندنا غير ضائر.

و الحمل على التقيّة إنّما هو مع اختلاف الأخبار و لا اختلاف هنا، مع أنّه يمكن القلب في ذلك، لموافقة عدم الشقّ لبعض الروايات العامّية الدالّة على المنع «3».

و إطلاق بعض الأخبار غير مضرّ، لوجوب حمل المطلق على المقيّد.

و وروده في مقام البيان ممنوع إن أريد بيان جميع أحكامه- أي مقام الحاجة- و إن أريد في الجملة فغير ناهض.

و الجمع- بحمل المطلق على المقيّد- مقدّم على الحمل على الاستحباب.

و كون ذلك إتلافا ممنوع، و لو سلّم فبعد أمر الشارع به واجب كشقّ القميص.

الثالث: تغطية الرأس،
اشاره

فإنّها محرّمة على الرجل المحرم، إجماعا محقّقا و محكيّا في المنتهى و التذكرة و المدارك و المفاتيح و شرحه «4»، و هو الحجّة فيه.

مضافا إلى

صحيحة ابن سنان: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول لأبي

______________________________

(1) الذخيرة: 594.

(2) انظر الرياض 1: 376.

(3) انظر سنن الدار قطني 2: 272- 170.

(4) المنتهى 2: 789، التذكرة 1: 336، المدارك 7: 353، المفاتيح 1: 332.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 19

و شكى إليه حرّ الشمس و هو محرم و هو يتأذّى به و قال: ترى أن أستتر بطرف ثوبي؟ قال: «لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك» «1»، دلّت بمفهوم الغاية على ثبوت البأس- الذي هو العذاب- مع إصابة الرأس.

و صحيحة عبد اللّه بن ميمون: «المحرمة لا تتنقّب، لأنّ إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه» «2».

المعتضدتين بمستفيضة اخرى، المانعة للرجل عن تغطية الرأس، و الآمرة بعدها بتجديد التلبية بالجملة الخبريّة.

كصحيحة زرارة، و فيها: «و لا يخمّر رأسه، و المرأة المحرمة عند النوم لا بأس أن تغطّي وجهها كلّه عند النوم» «3»، و قريبة منها صحيحة السرّاد «4»، و صحيحة حريز «5»، و صحيحة الحلبي «6».

و أمّا رواية زرارة في المحرم: «له أن يغطّي رأسه و وجهه إذا أراد أن ينام» «7».

فشاذّة مطروحة، و بمخالفتها للعمل عن حيّز الحجيّة خارجة، أو على

______________________________

(1) الفقيه 2: 227- 1068، الوسائل 12: 525 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 4.

(2) الكافي 4: 345- 7، الفقيه 2: 219- 1009، المقنعة: 445، الوسائل 12:

505 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 2.

(3) الكافي 4: 349- 1، الوسائل 12: 510 أبواب تروك الإحرام ب 59 ح 1.

(4) التهذيب 5: 307- 1051، الاستبصار 2: 184- 614، الوسائل 12: 506 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 5.

(5) الفقيه 2: 227- 1071، التهذيب 5: 307- 1050، الاستبصار 2: 184- 613، الوسائل 12:

505 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 3.

(6) الفقيه 2: 227- 1070، الوسائل 12: 506 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 6.

(7) التهذيب 5: 308- 1052، الاستبصار 2: 184- 615، الوسائل 12: 507 أبواب تروك الإحرام ب 56 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 20

حال الضرورة محمولة، و لا ينافيها قوله: «إذا أراد أن ينام» كما توهّم «1».

فروع:
أ: ذكر جمع من الأصحاب- كما في المدارك «2»-: أنّ المراد بالرأس هنا منابت الشعر خاصّة

حقيقة أو حكما، و ظاهرهم خروج الأذنين منه، و به صرّح الشهيد الثاني «3». و استوجه الفاضل في التحرير الدخول «4».

و تردّد في التذكرة و المنتهى «5».

دليل الأول: الأصل.

و دليل الثاني: صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج: عن المحرم يجد البرد في أذنيه، يغطّيهما؟ قال: «لا» «6»، و هي عن إفادة التحريم قاصرة.

و الأولى الاستدلال برواية سماعة: عن المحرم يصيب اذنه الريح فيخاف أن يمرض، هل يصلح أن يسدّ أذنيه بالقطن؟ قال: «نعم، لا بأس بذلك إذا خاف ذلك و إلّا فلا» «7».

دلّت بالمفهوم و المنطوق على ثبوت البأس و عدم الصلاحيّة- الذي هو أيضا مثبت للحرمة كما بيّنا وجهه في موضعه- مع عدم الخوف، و بها يدفع الأصل، فالحقّ هو: الثاني.

______________________________

(1) انظر الوافي 12: 598.

(2) المدارك 7: 355.

(3) المسالك 1: 11.

(4) التحرير 1: 114.

(5) التذكرة 1: 337، المنتهى 2: 789.

(6) الكافي 4: 349- 4، الوسائل 12: 505 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 1.

(7) الكافي 4: 359- 9، الوسائل 12: 531 أبواب تروك الإحرام ب 70 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 21

ب: يجوز للرجل تغطية الوجه وفاقا للأكثر،

بل غير من شذّ و ندر، بل في التذكرة: أنّه قول علمائنا أجمع «1»، و عن الخلاف و المنتهى: الإجماع عليه أيضا «2»، للأصل، و المستفيضة من الصحاح و غيرها «3»، الخالية عمّا يصلح للمعارضة.

خلافا للمحكيّ عن العماني، فحرّمه «4»، لصحيحة الحلبي: «المحرم إذا غطّى وجهه فليطعم مسكينا» «5».

و هي عن إفادة الحرمة قاصرة، لمنع الملازمة بينها و بين الكفّارة، و لذا جوّزه الشيخ في التهذيب و أوجب الكفّارة «6».

ج: صرّح في المنتهى بتحريم تغطية بعض الرأس كما يحرم تغطية جميعه «7»،

و هو كذلك، لصحيحة ابن سنان المتقدّمة، فإنّ إطلاق إثبات البأس في إصابة الثوب الرأس يقتضي ذلك.

نعم، يستثنى من ذلك وضع عصابة القربة على الرأس لحملها و إن تحقّق به ستر البعض، لصحيحة محمّد «8»، و لا يتقيّد ذلك بالضرورة، لإطلاق النصّ .. و العصابة للصداع، لصحيحة معاوية بن وهب «9»، و قد

______________________________

(1) التذكرة 1: 337.

(2) الخلاف 2: 298، المنتهى 2: 790.

(3) الوسائل 12: 510 أبواب تروك الإحرام ب 59.

(4) حكاه عنه في المختلف: 286.

(5) التهذيب 5: 308- 1054، الوسائل 12: 505 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 4.

(6) التهذيب 5: 308.

(7) المنتهى 2: 789.

(8) الفقيه 2: 221- 1024، الوسائل 12: 508 أبواب تروك الإحرام ب 57 ح 1.

(9) الكافي 4: 359- 10، التهذيب 5: 308- 1056، الوسائل 12: 507 أبواب تروك الإحرام ب 56 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 22

عمل بهما الأصحاب.

د: يجوز ستر الرأس ببعض جسده كاليد و الذراع،

كما صرّح به في المنتهى «1» و غيره «2»، للأصل الخالي عن المعارض، لانتفاء الإجماع، و الأخبار المستفيضة المجوّزة لحكّ الرأس باليد «3»، و عدم صدق إصابة الثوب و التخمير و التقنّع الواردة في الأخبار، و عدم معلوميّة إرادة نحو ذلك من كون إحرام الرجل في رأسه، و لوجوب مسح الرأس في الوضوء، و لصحيحة معاوية بن وهب، و ابن عمّار، و رواية المعلّى بن خنيس، و جعفر بن المثنّى الآتية في مسألة التظليل.

و أمّا موثّقة الأعرج: عن المحرم يستتر من الشمس بعود أو بيده؟

فقال: «لا، إلّا من علّة» «4».

فهي واردة في التظليل دون التغطية، و مع ذلك عن إفادة الحرمة قاصرة.

و هل يجوز التستّر بغير المعتاد للستر، كالطين و الحنّاء و الإناء و الزنبيل و القرطاس و الطبق

و المتاع؟

أو يعمّ المنع التغطية بأيّ شي ء كان؟

ظاهر المدارك: الأوّل «5»، و إن جعل الأحوط تركه. و استشكل فيه بعضهم «6».

______________________________

(1) المنتهى 2: 790.

(2) كالتذكرة 1: 336.

(3) الوسائل 12: 533 أبواب تروك الإحرام ب 73.

(4) الفقيه 2: 227- 1069، الوسائل 12: 525 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 5.

(5) المدارك 7: 354.

(6) كالسبزواري في الذخيرة: 599، صاحب الرياض 1: 378.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 23

و صرّح في المبسوط: بأنّ من خضّب رأسه أو طيّنه لزمه الفداء «1»، فهو رجّح الثاني، و عن بعضهم: نفي الخلاف فيه إلّا من العامّة «2».

وجه الأوّل: بعض ما ذكر للستر ببعض الجسد، مضافا إلى انصراف الأوامر و النواهي إلى الأمور المعتادة.

و دليل الثاني: صدق الستر و التغطية، و بعض الأخبار المانعة عن ستر المحرمة وجهها بالمروحة «3»، مع ما ورد أنّ إحرامها في وجهها و إحرامه في رأسه، و يؤيّده المنع عن الارتماس.

و الكلّ يقبل الخدش، لعدم دليل تامّ على حرمة مطلق الستر و التغطية، و بطلان القياس على المحرمة و الارتماس، إلّا أنّ الأحوط الترك البتّة.

ه: صرّح جماعة بعدم البأس في التوسّد بنحو وسادة و بعمامة مكوّرة «4»،

و هو كذلك، إذ يصدق على المتوسّد أنّه مكشوف الرأس، و لبعض ما ذكر.

و: لو غطّى رأسه ناسيا ألقى الغطاء وجوبا عند الذكر،

لأنّ استدامة التغطية محرّمة كابتدائها.

و يستحبّ له التلبية بعده، لصحيحتي حريز «5»، و الحلبي «6» الآمرتين بالتلبية بالجملة الخبريّة القاصرة عن إثبات الوجوب، مضافا إلى ما قيل من عدم القول بالوجوب «7» .. إلّا أنّه حكي عن ظاهر الشيخ و ابني حمزة

______________________________

(1) المبسوط 1: 351.

(2) كما في التذكرة 1: 336، كشف اللثام 1: 330.

(3) الوسائل 12: 493 أبواب تروك الإحرام ب 48.

(4) انظر الرياض 1: 378.

(5) الفقيه 2: 227- 1071، التهذيب 5: 307- 1050، الاستبصار 2: 184- 613، الوسائل 12: 505 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 3.

(6) الفقيه 2: 227- 1070، الوسائل 12: 506 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 6.

(7) كما في المدارك 7: 359.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 24

و سعيد «1»، و اختاره بعض مشايخنا «2»، و هو ضعيف.

ز: حرمة التغطية مخصوصة بالرجل،

و أمّا المرأة فلا يحرم عليها، بالإجماع و الأصل، و الأخبار «3».

الرابع: الارتماس بإدخال الرأس في الماء، فإنّه محرّم على الرجل المحرم بلا خلاف، بل بالإجماعين «4»، و هو العمدة لنا في الاستدلال.

و أمّا الأخبار المانعة عنه- كصحاح ابن سنان «5» و حريز «6» و يعقوب ابن شعيب «7» و مرسلة حريز «8»- فكلّها قاصرة عن إفادة الحرمة، لمكان الجملة الخبرية، إلّا أن يجعل الإجماع على الحمل عليها قرينة.

و على هذا، فلا منع في إفاضة الماء و صبّه على الرأس، لانتفاء الإجماع فيه، بل على جوازه الإجماع في التذكرة و المنتهى «9» و غيرهما «10»، و مع ذلك فالأخبار بجوازه مستفيضة جدّا «11».

و ممّا ذكر ظهر أيضا وجه الاختصاص بالرجل، مضافا إلى اختصاص

______________________________

(1) الشيخ في المبسوط 1: 321، ابن حمزة في الوسيلة: 163، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 187.

(2) كصاحب الرياض 1: 378.

(3) الوسائل 12: 493 أبواب تروك الإحرام ب 48.

(4) كما في التذكرة 1: 336، الرياض 1: 378.

(5) التهذيب 5: 307- 1048، الوسائل 12: 508 أبواب تروك الإحرام ب 58 ح 1.

(6) الفقيه 2: 226- 1064، التهذيب 5: 312- 1071، الاستبصار 2: 84- 259، الوسائل 12: 509 أبواب تروك الإحرام ب 58 ح 3.

(7) الكافي 4: 353- 2، الوسائل 12: 509 أبواب تروك الإحرام ب 58 ح 4.

(8) الكافي 4: 353- 1، الوسائل 12: 509 أبواب تروك الإحرام ب 58 ح 5.

(9) التذكرة 1: 336، المنتهى 2: 790.

(10) كالحدائق 15: 499، و الرياض 1: 378.

(11) انظر الوسائل 12: 535 أبواب تروك الإحرام ب 75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 25

الأخبار أيضا.

الخامس: التظليل للرجل راكبا،
اشاره

بالإجماع المحقّق و المحكيّ عن الانتصار و الخلاف و المنتهى و التذكرة «1»، و بالمستفيضة من الأخبار الصحيحة و غيرها، و هي كثيرة جدّا تقرب من ثلاثين.

و لكن منها ما يتضمّن الأمر بالإضحاء و نحوه ممّا يدلّ على التحريم.

و منها: ما يطلب فيه التظليل

بالجمل الخبريّة مع الأمر بالفداء لو ظلّل أو بدونه.

و منها: ما يدلّ على ثبوت الفداء فيه.

و القسمان الأخيران و إن لم يكونا بنفسهما ناصّين في التحريم، إلّا أنّه تتمّ دلالتهما عليه بضميمة الإجماع و القسم الأول.

فمن الأول: موثقة عثمان بن عيسى: إنّ علي بن شهاب يشكو رأسه و البرد شديد و هو يريد أن يحرم، فقال: «إن كان كما زعم فليظلّل، و أمّا أنت فأضح لمن أحرمت له» «2».

و صحيحة ابن المغيرة: عن الظلال للمحرم، فقال: «أضح لمن أحرمت له». الحديث «3».

و صحيحة حفص و هشام بن الحكم، و فيها: «أضح لمن أحرمت له» «4».

و صحيحة هشام بن سالم: عن المحرم يركب في الكنيسة [1]، فقال:

______________________________

[1] الكنيسة: شبه هودج، يغرز في المحمل أو في الرحل قضبان و يلقى عليه ثوب يستظلّ به الراكب و يستتر به- المصباح المنير: 542.

______________________________

(1) الانتصار: 97، الخلاف 2: 318، المنتهى 2: 791، التذكرة 1: 337.

(2) الكافي 4: 351- 7، الوسائل 12: 519 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 13.

(3) الكافي 4: 350- 2، الوسائل 12: 518 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 11.

(4) الفقيه 2: 226- 1067، الوسائل 12: 512 أبواب تروك الإحرام ب 61 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 26

«لا، و هو للنساء جائز» «1»، فإنّ التفصيل بين النساء و الرجال في الجواز قاطع للشركة فيه.

و الخبر: أ يجوز للمحرم أن يظلّل عليه محمله؟ فقال: «لا يجوز ذلك مع الاختيار» «2».

و من الثاني: صحيحة ابن المغيرة: أظلّل و أنا محرم؟ قال: «لا»، قلت: فأظلّل و أكفّر؟ قال: «لا»، قلت: فإن مرضت؟ قال: «ظلّل و كفّر» «3».

و صحيحة محمّد: عن المحرم يركب القبّة، فقال: «لا»، قلت:

فالمرأة المحرمة؟

قال: «نعم» «4».

و صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق: هل يستتر المحرم عن الشمس؟

قال: «لا، إلّا أن يكون شيخا كبيرا أو ذا علّة» «5».

و رواية محمّد بن منصور: عن الضلال للمحرم، قال: «لا يظلّل إلّا من علّة مرض» «6».

و صحيحة الأشعري: عن المحرم أ يظلّل على نفسه؟ فقال: «أمن

______________________________

(1) التهذيب 5: 312- 1072، الوسائل 12: 516 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 4.

(2) الاحتجاج 2: 394، إرشاد المفيد 2: 235، الوسائل 12: 523، أبواب تروك الإحرام ب 66 ح 6.

(3) الفقيه 2: 225- 1059، التهذيب 5: 313- 1075، الاستبصار 2: 187- 627، العلل: 452- 1، الوسائل 12: 516 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 3.

(4) التهذيب 5: 312- 1070، الوسائل 12: 515 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 1.

(5) الكافي 4: 351- 8، التهذيب 5: 310- 1062، الاستبصار 2: 186- 622، الوسائل 12: 517 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 9، بتفاوت يسير.

(6) الكافي 4: 351- 6، و في التهذيب 5: 309- 1060، و الاستبصار 2: 186- 621، و الوسائل 12: 517 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 8: من علّة أو مرض.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 27

علّة؟» فقلت: تؤذيه الشمس و هو محرم، فقال: «هي علّة يظلّل و يفدي» «1».

و موثقة ابن عمّار: عن المحرم يظلّل عليه و هو محرم، فقال: «إلّا مريض، أو من به علّة و الذي لا يطيق الشمس» «2».

و رواية المعلّى: «لا يستتر المحرم من الشمس بثوب، و لا بأس أن يستر بعضه ببعض» «3».

و رواية البجلي في المحرم، و فيها: «هو أعلم بنفسه، إذا علم أنّه لا يستطيع أن تصيبه الشمس فليستظلّ منها» «4».

و رواية جعفر بن المثنّى،

و فيها: ما تقول في المحرم يستظلّ على المحمل؟ فقال: «لا»، فقال: يستظلّ في الخباء؟ فقال له: «نعم» إلى أن قال:- «كان رسول صلّى اللّه عليه و آله يركب راحلته فلا يستظلّ عليها، و تؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض، و ربّما يستر وجهه بيده، و إذا نزل استظلّ بالخباء و في البيت و بالجدار» «5».

و بمضمونها رواية أخرى لمحمّد بن الفضيل «6».

______________________________

(1) التهذيب 5: 310- 1064، الاستبصار 2: 186- 624، الوسائل 13: 154 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6 ح 4، بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 5: 309- 1057، الاستبصار 2: 185- 618، الوسائل 12: 517 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 7، بتفاوت.

(3) الكافي 4: 352- 11، الوسائل 12: 524 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 2.

(4) التهذيب 5: 309- 1059، الاستبصار 2: 186- 620، الوسائل 12: 517 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 6.

(5) الكافي 4: 350- 1، التهذيب 5: 309- 1061، الوسائل 12: 520 أبواب تروك الإحرام ب 66 ح 1، بتفاوت.

(6) الكافي 4: 352- 15، الوسائل 12: 521 أبواب تروك الإحرام ب 66 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 28

و رواية أبي بصير: عن المرأة يضرب عليها الظلال و هي محرمة؟

قال: «نعم»، قلت: فالرجل يضرب عليه الظلال و هو محرم؟ قال: «نعم إذا كانت به شقيقة [1]، و يتصدّق لكلّ يوم بمدّ» «1».

و من الثالث صحيحة ابن بزيع: هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظلّ المحمل؟ فكتب: «نعم»، قال: و سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس و أنا أسمع، فأمره أن يفدي شاة يذبحها بمنى «2»، و قريبة من ذيلها الأخرى «3» و الثالثة «4».

و صحيحة

إبراهيم بن أبي محمود: المحرم يظلّل على محمله و يفتدي إذا كانت الشمس و المطر يضرّان به؟ قال: «نعم»، قلت: كم الفداء؟ قال:

«شاة» «5» [2].

______________________________

[1] الشقيقة: نوع من صداع يعرض في مقدّم الرأس و إلى أحد جانبيه- نهاية ابن الأثير 2: 492.

[2] في «ح» و «ق» زيادة: و صحيحة ابن بزيع: عن الظلّ للمحرم في أذى من مطر أو شمس، أو قال: من علّة فأمر بفداء شاة يذبحها بمنى، و قال: «نحن إذا أردنا ذلك ظلّلنا و فدينا».

______________________________

(1) الكافي 4: 351- 4، الفقيه 2: 226- 1062، الوسائل 13: 155 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6 ح 8.

(2) الكافي 4: 351- 5، الوسائل 12: 524 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 1، و أورد ذيل الحديث في ج 13: 155 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6 ح 6.

(3) التهذيب 5: 334- 1151، الوسائل 13: 154 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6 ح 3.

(4) الفقيه 2: 226- 1063، التهذيب 5: 311- 1065، الاستبصار 2: 186- 625، الوسائل 13: 155 أبواب كفارات الإحرام ب 6 ح 7.

(5) الكافي 4: 351- 9، التهذيب 5: 311- 1066، الاستبصار 2: 187- 626، الوسائل 13: 155 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 6 ح 5، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 29

و رواية علي بن محمّد: المحرم هل يظلّل على نفسه إذا آذته الشمس أو مطر أو كان مريضا أم لا، فإن ظلّل هل عليه الفداء أم لا؟ فكتب: «يظلّل على نفسه و يهريق دما» «1» إلى غير ذلك من الأخبار «2».

و لا تعارض تلك الأخبار صحيحة الحلبي: عن المحرم يركب في القبّة؟ قال: «ما يعجبني ذلك إلّا أن يكون مريضا» «3».

و

صحيحة علي: سألت أخي أظلّل و أنا محرم؟ فقال: «نعم، و عليك الكفّارة»، فقال: رأيت عليّا إذا قدم مكّة ينحر بدنة لكفّارة الظلّ «4».

و صحيحة جميل «لا بأس بالظلال للنساء و قد رخص فيه للرجال» «5».

لأنّ عدم الإعجاب في الأولى يشمل التحريم أيضا، و الثانيتان أعمّان مطلقا من كثير ممّا مرّ، لشمولهما لحال الضرورة، مع أنّ الثانية قضية في واقعة، و الرخصة في الثالثة تستعمل فيما كان محظورا و اذن فيه للضرورة.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي، فاستحبّ الإضحاء «6»، و للذخيرة فاستشكل في المسألة «7»، للروايات الثلاث الأخيرة، و قد مرّ جوابها، مع

______________________________

(1) التهذيب 5: 310- 1063، الاستبصار 2: 186- 623، الوسائل 13: 154 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6 ح 1.

(2) الوسائل 13: 154 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 6.

(3) التهذيب 5: 309- 1058، الاستبصار 2: 185- 619، الوسائل 12: 517 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 5.

(4) التهذيب 5: 334- 1150، الوسائل 13: 154 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6 ح 2.

(5) التهذيب 5: 312- 1074، الاستبصار 2: 187- 628، الوسائل 12: 518 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 10.

(6) حكاه عنه في المختلف: 285.

(7) الذخيرة: 598.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 30

أنّه على فرض الدلالة لا حجّية فيها، لشذوذها و خروجها عن الحجّية، و مخالفتها الشهرة العظيمة، بل الإجماع، لعدم تحقّق قدح مثل تلك المخالفة فيه.

فروع:
أ: اعلم أنّ حرمة التظليل مخصوصة بحالة السير،

فلا يحرم حين النزول الاستظلال بالسقف و الخيمة و الشجرة و نحوها و الجلوس تحتها لضرورة أو غير ضرورة، بالإجماعين «1»، و الأصل، و النصوص، كروايتي جعفر و محمّد بن الفضيل المتقدّمتين.

و رواية الحسين بن مسلم: ما فرق بين الفسطاط و ظلّ المحمل؟

فقال: «لا ينبغي أن

يستظلّ في المحمل، و الفرق أن المرأة تطمث في شهر رمضان فتقضي الصيام و لا تقضي الصلاة»، قال: صدقت جعلت فداك «2».

و بهذه الأخبار المنجبرة تقيّد المطلقات المقيّدة.

و كذا مخصوصة بحال الركوب، فيجوز له المشي في الظلال و تحتها كظلّ المحمل و الحمل و الدابّة و الثوب و نحوه ينصبه فوق رأسه، وفاقا لجماعة، منهم: الشيخ و الشهيدان «3»، و غيرهم «4»، لصحيحة ابن بزيع المتقدّمة «5».

______________________________

(1) كما حكاه في المنتهى 2: 792.

(2) الفقيه 2: 225- 1060، المقنع: 74، الوسائل 12: 522 أبواب تروك الإحرام ب 66 ح 3، بتفاوت يسير.

(3) الشيخ في المبسوط 1: 321، الشهيد الأوّل في الدروس 1: 377، الشهيد الثاني في الروضة 2: 244.

(4) كصاحب الحدائق 15: 484، و صاحب الرياض 1: 379.

(5) الكافي 4: 351- 5، الوسائل 12: 524 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 31

و في خبر آخر: يجوز للمحرم أن يظلّل عليه محمله؟ فقال:

«لا يجوز ذلك مع الاختيار»، فقيل: أ فيجوز أن يمشي تحت الظلال مختارا؟

فقال عليه السلام: «نعم» «1».

و يؤكّده تضمّن كثير من الأخبار المانعة «2» لقوله: «لا يستظلّ في المحمل» أو: «على المحمل» أو: «في الكنيسة» أو: «القبّة».

و نسب إلى المنتهى «3»، اختصاص جواز الاستظلال حال المشي بما إذا لم يكن من فوق رأسه، و استدلّ له ببعض المطلقات، و أيّد أيضا بأنّ المتعارف من المشي في ظلّ المحمل أن يكون الحمل على أحد جانبيه، و العموم بالنسبة إلى غير الأفراد المتعارفة غير واضح.

و فيه: أنّ هذا إنّما يتمّ إذا كان اللفظ عاما أو مطلقا، و أمّا صحيحة ابن بزيع فمتضمّنة لقوله: «تحت المحمل»، فليس المشي في أحد الجانبين

من أفراده، فتقيّد المطلقات بها.

مع أنّ لي في هذه النسبة إلى المنتهى نظرا، لأنّه قال: يجوز للمحرم أن يمشي تحت الظلال و أن يستظلّ بثوب ينصبه إذا كان سائرا و نازلا، لكن لا يجعله فوق رأسه سائرا خاصّة لضرورة و غير ضرورة عند جميع أهل العلم. انتهى.

فإنّ تصريحه بجواز المشي تحت الظلال أولا و جعله السائر قسيم النازل ينبئ عن أنّ مراده بالسائر الراكب، و غرضه أنّ تحريم التظليل للراكب

______________________________

(1) الاحتجاج: 394، الإرشاد 2: 235، الوسائل 12: 523 أبواب تروك الإحرام ب 66 ح 6.

(2) الوسائل 12: 515 أبواب تروك الإحرام ب 64.

(3) المنتهى 2: 792.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 32

إذا كان فوق رأسه لا في أحد جانبيه، و تؤكّده نسبة ذلك إلى جميع أهل العلم.

و هل يختصّ تحريم التظليل راكبا بما إذا كان من فوق رأسه، أو يحرم التظليل عليه مطلقا؟

فعن المنتهى و الخلاف: الأول «1»، نافيا في الأخير الخلاف فيه، و عن الدروس: التردّد فيه «2».

و استدلّ للأول بالأصل.

و اختصاص أكثر الأخبار بالجلوس في القبّة و الكنيسة «3».

و بصحيحة ابن سنان «4» المتقدّمة في صدر مسألة التغطية.

و الأوّل: يدفع بالمطلقات.

و الثاني: لا يعارضها.

و الثالث: مخصوص بحالة الأذيّة، و هي من الضرورة، و لا نزاع في الجواز معها.

فالحقّ: حرمة التظليل حال الركوب مطلقا و لو لم يكن راكب المحمل و نحوه، بل الظاهر أنّه يجب حينئذ البروز للشمس، إذا تحولت إلى جهة أخرى، ليتحقّق الإضحاء المأمور به، و ينتفي التستّر عن الشمس المنهي عنه.

و كما يجب ترك التستّر عن الشمس، كذلك يجب ترك التظليل عن السماء أيضا، فلا يجوز الجلوس في نحو المحمل المسقّف في الليل و لا

______________________________

(1) المنتهى 2: 792، الخلاف

2: 318.

(2) الدروس 1: 379.

(3) الوسائل 12: 515 أبواب تروك الإحرام ب 64.

(4) الفقيه 2: 227- 1068، الوسائل 12: 525 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 33

في يوم الغيم، و كذا في يوم الصحو في أول النهار و آخره إذا جلس مواجها للشمس.

لأنّ المراد من التظليل أعمّ منهما- كما تفصح عنه طائفة من الأخبار «1» المتقدّمة، المتضمّنة للاستظلال من المطر- و لأنّ الإضحاء المأمور به بل التظليل أيضا محتمل لإرادة الإبراز للسماء و للإبراز للشمس، و قاعدة استصحاب الشغل اليقيني تقتضي وجوب الاجتناب عن الأمرين.

ب: يجوز التستّر ببعض جسده،

لروايتي المعلّى «2»، و جعفر «3» المتقدّمتين، و صحيحتي ابن عمّار و الحلبي:

الاولى: «لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حرّ الشمس، و لا بأس أن يستر بعض جسده ببعض» «4»، و نحوها الثانية «5».

و أمّا موثّقة سعيد الأعرج «6» فقد مرّ جوابها في مسألة التغطية.

ج: الحكم المذكور مخصوص بالرجل،

فيجوز الاستظلال بمعنييه للمرأة و الصبيان بلا خلاف، و عليه الإجماع في كلام جماعة «7»، و يدلّ عليه الأصل، و اختصاص النصوص المانعة بالرجال، و صحاح هشام «8» و محمّد «9»

______________________________

(1) الوسائل 12: 524 أبواب تروك الإحرام ب 67.

(2) الكافي 4: 352- 11، الوسائل 12: 524 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 2.

(3) الكافي 4: 350- 1، التهذيب 5: 309- 1061، الوسائل 12: 520 أبواب تروك الإحرام ب 66 ح 1.

(4) التهذيب 5: 308- 1055، الوسائل 12: 524 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 3.

(5) الكافي 4: 352- 11، الوسائل 12: 524 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 2.

(6) الفقيه 2: 227- 1069، الوسائل 12: 525 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 5.

(7) كصاحب الرياض 1: 379.

(8) التهذيب 5: 312- 1072، الوسائل 12: 516 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 4.

(9) التهذيب 5: 312- 1070، الوسائل 12: 515 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 34

و جميل «1» و رواية أبي بصير «2» المتقدّمة جميعا، و صحيحة حريز: «لا بأس بالقبّة على النساء و الصبيان و هم محرمون» «3».

د: لا شكّ في اختصاص الحكم المذكور بحال الاختيار،

فيجوز له التظليل راكبا مع العذر و الضرورة إجماعا، على ما صرّح به جماعة، منهم:

المحقّق الثاني و الفاضل الهندي و المفاتيح و شرحه «4»، و إن اختلفوا في قدر العذر.

فمنهم من اكتفى فيه بمطلق المشقّة و لو بالمشقّة الحاصلة من حرّ الشمس و نزول المطر، و اختاره في الذخيرة «5»، لنفي مطلق العسر، و للصحاح الخمس المتقدّمة للأشعري «6» و ابن بزيع «7» و إبراهيم بن أبي محمود «8».

______________________________

(1) التهذيب 5: 312- 1074، الاستبصار 2: 187- 628، الوسائل 12: 518

أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 10.

(2) الكافي 4: 351- 4، الفقيه 2: 226- 1062، الوسائل 13: 155 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6 ح 8.

(3) الكافي 4: 351- 10، الفقيه 2: 226- 1064، التهذيب 5: 312- 1071، الوسائل 12: 519 أبواب تروك الإحرام ب 65 ح 1.

(4) المحقّق الثاني في جامع المقاصد 3: 187، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:

332، المفاتيح 1: 334.

(5) الذخيرة: 598.

(6) التهذيب 5: 310- 1064، الاستبصار 2: 186- 624، الوسائل 13: 154 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6 ح 4.

(7) الاولى في: الفقيه 2: 226- 1063، التهذيب 5: 311- 1065، الاستبصار 2:

186- 625، الوسائل 13: 155 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6 ح 7.

الثانية في: الكافي 4: 351- 5، الوسائل 13: 155 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6 ح 6.

(8) الكافي 4: 351- 9، التهذيب 5: 311- 1066، الاستبصار 2: 187- 626، الوسائل 13: 155 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 35

و رواية عليّ بن محمّد «1».

و منهم من اشترط التضرّر به لعلّة أو كبر أو ضعف أو شدّة حرّ أو برد، و هو المحكيّ عن الشيخين و الحلّي «2»، و به أفتى طائفة من المتأخّرين، منهم: الروضة «3» و بعض مشايخنا «4».

لرواية البجلي «5» و موثقة [ابن عمّار «6»] «7» السابقتين المقيّدتين للتجويز بعدم الإطلاقة و الاستطاعة، و الخبر «8» المتقدّم النافي للجواز مع الاختيار، و موثّقة عثمان بن عيسى «9» السالفة المقيّدة بقوله: «إن كان كما زعم»، و هذه مقيّدة بالنسبة إلى مطلق الأذيّة، فيجب التقييد بها.

أقول: هذا كان بالنسبة إلى مطلق الأذيّة، فيجب التقييد بها.

أقول: هذا كان حسنا لو

أفادت الجمل الخبريّة في الرواية و الموثقة للتحريم بدون الإطاقة و الاستطاعة، أو منع صدق الأذيّة الواردة في الصحاح بدون حصول التضرّر، و كلاهما ممنوعان، و لذا أطلق الأذيّة في رواية جعفر «10» على ما يندفع بالستر باليد.

______________________________

(1) التهذيب 5: 310- 1063، الاستبصار 2: 186- 623، الوسائل 13: 154 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 6 ح 1.

(2) المفيد في المقنعة: 432، الطوسي في المبسوط 1: 321، الحلي في السرائر 1: 547.

(3) الروضة 2: 245.

(4) الحدائق 15: 479.

(5) التهذيب 5: 309- 1059، الاستبصار 2: 186- 620، الوسائل 12: 517 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 6.

(6) التهذيب 5: 309- 1057، الاستبصار 2: 185- 618، الوسائل 12: 517 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 7.

(7) ما بين المعقوفين ساقط عن النسخ.

(8) الاحتجاج: 394، الإرشاد 2: 235، الوسائل 12: 523 أبواب تروك الإحرام ب 66 ح 6.

(9) الكافي 4: 351- 7، الوسائل 12: 519 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 13.

(10) الكافي 4: 350- 1، التهذيب 5: 309- 1061، الوسائل 12: 520 أبواب تروك الإحرام ب 66 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 36

و لو سلّم جميع ذلك فيعارض ما ذكروه مع أدلّة نفي العسر بالعموم من وجه، فيجب تقديمه، لاستفادتها من الكتاب العزيز.

فالأقوى هو الأول، و لكن يجب تقييده بما إذا كانت مشقّة شديدة زائدة عمّا يقتضيه مطلق مقابلة الشمس أو البرد أو المطر، لتصدق الأذيّة و العسر، و يحصل العموم من وجه.

ه: هل يجوز التظليل اختيارا مع الفداء، أم لا؟

الأقوى: الثاني، وفاقا للتهذيبين و التذكرة و المنتهى «1»، للإطلاقات «2» المؤيّدة بصحيحة ابن المغيرة «3» السابقة.

خلافا للمحكيّ عن المقنع «4»، لصحيحة عليّ «5» المتقدّمة، و قد عرفت أنّها قضية في واقعة.

و: لو زامل الصحيح عليلا أو امرأة اختصّا بالظلال دونه،

من غير خلاف يعرف، كما صرّح جماعة «6»، للعمومات «7»، و خصوص رواية بكر «8»، و لا تعارضها مرسلة العبّاس بن معروف «9»، لضعف دلالتها.

______________________________

(1) التهذيب 5: 312، الاستبصار 2: 187، التذكرة 1: 337، المنتهى 2: 792.

(2) الوسائل 12: 515 أبواب تروك الإحرام ب 64.

(3) الفقيه 2: 225- 1059، التهذيب 5: 313- 1075، الاستبصار 2: 187- 627، العلل: 452- 1، الوسائل 12: 516 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 3.

(4) المقنع: 74.

(5) التهذيب 5: 334- 1150، الوسائل 13: 154 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6 ح 2.

(6) كصاحب الحدائق 15: 483، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 332، صاحب الرياض 1: 379.

(7) الوسائل 12: 526 أبواب تروك الإحرام ب 68.

(8) الكافي 4: 352- 12، الفقيه 2: 226- 1061، التهذيب 5: 311- 1068، الاستبصار 2: 185- 616، الوسائل 12: 526 أبواب تروك الإحرام ب 68 ح 1.

(9) التهذيب 5: 311- 1069، الاستبصار 2: 185- 617، الوسائل 12: 526 أبواب تروك الإحرام ب 68 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 37

القسم الثالث ما يختصّ بالمرأة

و هو أمر واحد:

و هو: تغطية الوجه، فإنّها محرّمة عليها، بلا خلاف يعرف كما في الذخيرة «1»، بل بالإجماع كما في المنتهى و المدارك «2»، و في التذكرة و المفاتيح: الإجماع على حرمة النقاب عليها «3».

و تدلّ عليها من الأخبار صحيحة الحلبي: «مرّ أبو جعفر عليه السلام بامرأة متنقّبة و هي محرمة، فقال: أحرمي و أسفري و أرخي ثوبك من فوق رأسك، فإنّك إن تنقّبت لم يتغيّر لونك، فقال رجل: إلى أين ترخيه؟

فقال: تغطّي عينها، قال: قلت: تبلغ فمها؟ قال: نعم» «4».

و صحيحة عبد اللّه بن ميمون «5» المتقدّمة في مسألة تغطية الرأس.

و رواية

أحمد بن محمّد: «مرّ أبو جعفر عليه السلام بامرأة محرمة قد استترت بمروحة فأماط المروحة بنفسه عن وجهها» «6».

______________________________

(1) الذخيرة: 599.

(2) المنتهى 2: 790، المدارك 7: 359.

(3) التذكرة 1: 337، المفاتيح 1: 333.

(4) الكافي 4: 344- 3، التهذيب 5: 74- 245، الوسائل 12: 494 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 3.

(5) الكافي 4: 345- 7، الفقيه 2: 219- 1009، المقنعة: 445، الوسائل 12:

505 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 2.

(6) الكافي 4: 346- 9، الفقيه 2: 219- 1010 بتفاوت يسير، قرب الإسناد:

363- 1300، الوسائل 12: 494 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 38

و رواية ابن عيينة: ما يحلّ للمرأة أن تلبس من الثياب و هي محرمة؟

قال: «الثياب كلّها ما خلا القفّازين و البرقع و الحرير» «1».

و صحيحة عيص: «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفّازين، و كره النقاب»، و قال: «تسدل الثوب على وجهها»، قلت: حدّ ذلك إلى أين؟ قال: «إلى طرف الأنف قدر ما تبصر» «2».

و رواية يحيى بن أبي العلاء: «كره للمحرمة البرقع و القفّازين» «3».

و أمّا صحيحتا زرارة و السرّاد المتقدّمتين «4» في مسألة تغطية الرأس، فظاهر بعض المتأخّرين «5» حملهما على الإسدال المجوّز لها كما يأتي، و يمكن التخصيص بحالة النوم إن كان به قول.

و أكثر هذه الروايات و إن كانت متضمّنة للنقاب و البرقع إلّا أنّ العلّتين المصرّحتين بهما في الصحيحتين الأوليين تقتضيان التعميم.

و كذا الأمر بالأسفار في الاولى، و إماطة المروحة في الثالثة، و قوله في رواية سماعة الواردة في المحرمة: «و لا تستتر بيدها من الشمس» «6».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 12    39     القسم

الثالث ما يختص بالمرأة ..... ص : 37

لذا ذكر جماعة من الأصحاب أنّه لا فرق في التحريم بين التغطية بثوب و غيره «7».

______________________________

(1) الكافي 4: 345- 6، التهذيب 5: 75- 247، الاستبصار 2: 309- 1101، الوسائل 12: 367 أبواب الإحرام ب 33 ح 3.

(2) الكافي 4: 344- 1، التهذيب 5: 73- 243، الاستبصار 2: 308- 1099، الوسائل 12: 368 أبواب الإحرام ب 33 ح 9.

(3) الفقيه 2: 219- 1012، الوسائل 12: 495 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 9.

(4) في ص: 19.

(5) انظر مجمع الفائدة 6: 350.

(6) الفقيه 2: 220- 1017، الوسائل 12: 495 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 10.

(7) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 331، و صاحب الرياض 1: 378.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 39

و احتمل بعضهم التخصيص بالنقاب «1»، و استشكل آخر في التغطية بغير الثوب «2»، و هما و إن لم يناسبا مع العلّتين، [و لكن يناسب الأول ] «3»، لما يأتي من تجويز إسدال الثوب.

نعم، يستثنى منها إسدال الثوب و إرساله من رأسها إلى وجهها، بلا خلاف فيه يعلم، كما في المنتهى «4»، و بالإجماع كما في التذكرة «5».

و تدلّ عليه من الأخبار صحيحتا الحلبي «6» و العيص «7» المتقدّمتين، و صحيحة ابن عمّار: «تسدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها إلى النحر إذا كانت راكبة» «8».

و صحيحة حريز: «المحرمة تسدل الثوب على وجهها إلى الذقن» «9» «10».

و روي عن عائشة: كان الركبان يمرّون بنا و نحن محرمات مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإذا جاءونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها،

______________________________

(1) كصاحب المدارك 7: 361، و صاحب الرياض 1: 379.

(2) كصاحب المدارك 7:

360.

(3) بدل ما بين المعقوفين في «س» و «ق»: لا يناسب الأول، و في «ح»: لا يناسب العلّة الاولى، و الصحيح ما أثبتناه.

(4) المنتهى 2: 791.

(5) التذكرة 1: 337.

(6) الكافي 4: 344- 3، التهذيب 5: 74- 245، الوسائل 12: 494 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 3.

(7) الكافي 4: 344- 1، التهذيب 5: 73- 243، الاستبصار 2: 308- 1099، الوسائل 12: 368 أبواب الإحرام ب 33 ح 9.

(8) الفقيه 2: 219- 1008، الوسائل 12: 495 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 8.

(9) الفقيه 2: 219- 1007، الوسائل 12: 495 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 6.

(10) في «س»: زيادة: و زرارة المتقدمة: «تسدل ثوبها إلى نحرها» و لم تتقدم، و هي في الفقيه 2: 227- 1074، الوسائل 12: 495 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 40

فإذا جاوزونا كشفنا «1».

و هذه الروايات و إن كانت مختلفة في التحديد، إلّا أنّ مقتضى الجمع جواز السدل إلى النحر، لعدم معارضة [بعض ] «2» هذه الأخبار مع بعض.

و كذا لا يختصّ بحال الركوب كما اشترط في صحيحة ابن عمّار، إذ لا يثبت من مفهومها الحرمة في غير تلك الحالة.

و ظاهر تلك الأخبار عدم اعتبار مجافاة الثوب عن الوجه، كما قطع به في المنتهى «3» و صرّح به جمع من المتأخّرين «4»، للإطلاقات «5»، و عدم انفكاك السدل من إصابة البشرة.

و اشترط في القواعد عدم الإصابة «6»، و أوجب في المبسوط و الجامع المجافاة بخشبة و نحوها لئلّا يصيب البشرة «7»، و عن الشيخ: إيجاب الدم لو أصاب البشرة و لم تزل بسرعة «8»، و لا أرى مستندا لشي ء من ذلك.

إلّا أنّ المسألة بعد

عندي من المشكلات، لأنّ مقتضى العلّتين المذكورتين حرمة التغطية مطلقا، و مقتضى تجويز السدل مطلقا رفع اليد عن العلّتين و جواز التغطية بالسدل، فتبقى حرمة النقاب و البرقع خاصّة أو بغير السدل.

و الأولى هو الأخير، و حمل العلّة الأولى على الأولوية و الثانية على الإحرام بترك غير السدل ممّا يغطّي، و الأحوط مراعاة المجافاة أيضا، و اللّه العالم.

______________________________

(1) سنن البيهقي 5: 48 بتفاوت يسير.

(2) ليست في النسخ، أضفناها لاستقامة العبارة.

(3) المنتهى 2: 791.

(4) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 111، و صاحب الرياض 1: 379.

(5) الوسائل 12: 493 أبواب تروك الإحرام ب 48.

(6) القواعد 1: 80.

(7) المبسوط 1: 320، الجامع للشرائع: 187.

(8) المبسوط 1: 320.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 41

المقام الثاني في مكروهات الإحرام
اشاره

و هي أمور:

منها: الاكتحال

و تفصيل الكلام فيه: أنّ الاكتحال إمّا يكون للضرورة، أو لغيرها، و الثاني إمّا يكون بغير السواد، أو ما فيه طيب، أو للزينة، أو يكون بما فيه أحد هذه الأمور.

فالأوّل مباح مطلقا بلا كلام فيه، كما في الذخيرة «1»، للأصل، و الأخبار:

كحسنة الكاهلي: أكتحل إذا أحرمت؟ قال: «لا، و لم تكتحل؟» قال:

إنّي ضرير البصر، فأنا إذا اكتحلت نفعني و إذا لم أكتحل أضرّني، قال:

«فاكتحل» «2».

و صحيحة ابن عمّار: «لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الأسود إلّا من علّة» «3».

و صحيحة ابن عمّار: «المحرم لا يكتحل إلّا من وجع» «4».

و ما صرّح بأنّ من اشتكى عينيه يكتحل بما ليس فيه مسك أو طيب،

______________________________

(1) الذخيرة: 592.

(2) الكافي 4: 358- 3، الوسائل 12: 470 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 10.

(3) التهذيب 5: 301- 1023، الوسائل 12: 468 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 2.

(4) الكافي 4: 357- 5، الوسائل 12: 470 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 42

كمرسلة أبان «1»، أو بما ليس فيه مسك و لا كافور، كمرسلة الفقيه «2»، أو بما ليس فيه زعفران، كصحيحة ابن سنان «3».

و كذا الثاني بلا خلاف فيه أيضا، للأصل الخالي عن المعارض، مضافا إلى الأخبار:

كصحيحة الحلبي: عن الكحل للمحرم، قال: «أمّا بالسواد فلا، و لكن بالصبر و الحضض» [1] «4».

و ابن عمّار: «لا بأس بأن تكتحل و أنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه، فأمّا الزينة فلا» «5».

و مرسلة الفقيه، و في آخرها: «و تكتحل المرأة المحرمة بالكحل كلّه إلّا كحلا أسود لزينة» «6».

و صحيحة زرارة: «تكتحل المرأة بالكحل كلّه إلّا الكحل الأسود للزينة» «7».

و صحيحة

محمّد: «يكتحل المحرم عينه إن شاء بصبر ليس فيه زعفران، و لا ورس» «8».

______________________________

[1] الحضض: بضم الضاد الاولى و فتحها، دواء معروف، و هو صمغ مرّ كالصبر- الصحاح 3: 1071.

______________________________

(1) الكافي 4: 357- 4، الوسائل 12: 470 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 9.

(2) الفقيه 2: 221- 1029، الوسائل 12: 471 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 12.

(3) التهذيب 5: 301- 1026، الوسائل 12: 469 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 5.

(4) الكافي 4: 357- 3، الوسائل 12: 469 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 7.

(5) التهذيب 5: 302- 1028، الوسائل 12: 468 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 1، بتفاوت يسير.

(6) الفقيه 2: 221- 1029، الوسائل 12: 471 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 13.

(7) التهذيب 5: 301- 1024 بتفاوت يسير، الوسائل 12: 468 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 3.

(8) الفقيه 2: 221- 1030، الوسائل 12: 471 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 43

و رواية الغنوي: «لا يكحل المحرم عينيه بكحل فيه زعفران، و ليكحل بكحل فارسي» «1».

و الثلاثة الباقية مكروهة على الأقوى من حيث الاكتحال و إن حرم ثانيها من جهة الطيب، وفاقا في الأول للصدوق في المقنع و الشيخ في الخلاف و ابن زهرة في الغنية و المحقق في النافع بل الشرائع- حيث نسب الحرمة إلى قول- و الذخيرة «2»، و في الخلاف: الإجماع عليه.

أمّا الجواز: فللأصل الخالي عن المعارض.

و أمّا الكراهة: فلما مرّ من المطلقات و المقيّدات بالأسود القاصرة عن إفادة الحرمة، لمكان الجملة الخبرية، كسائر ما لم يذكر أيضا كصحيحتي حريز:

إحداهما: «لا تنظر في المرأة و أنت محرم، لأنّه من الزينة، و

لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد، إنّ السواد زينة» «3»، و ثانيتهما «4» كذيل الاولى.

و في الثانيين لجمع من الأصحاب، حيث لم يذكروهما في هذا المقام، و صريح القاضي في الأول منهما «5».

و خلافا للمشهور فيهما، و في التذكرة: الإجماع على تحريم الثاني «6»، لما مرّ من الأخبار بجوابه.

______________________________

(1) التهذيب 5: 301- 1027، الوسائل 12: 469 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 6.

(2) المقنع 1: 73، الخلاف 2: 313، الغنية (الجوامع الفقهية): 577، النافع: 85، الشرائع 1: 250، الذخيرة: 592.

(3) الكافي 4: 356- 1، الوسائل 12: 472 أبواب تروك الإحرام ب 34 ح 3.

(4) التهذيب 5: 301- 1025، العلل: 456- 2، الوسائل 12: 469 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 4.

(5) المهذّب 1: 221.

(6) التذكرة 1: 333 و 335.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 44

نعم، يحرم الثاني لأجل الطيب إن كان فيه طيب محرّم، لأدلّته.

و منها: النظر في المرآة.

فإنّه يكره على الأقوى، وفاقا للخلاف و الغنية و المهذّب و الوسيلة و النافع «1»، للأصل، و الصحاح الأربع لحريز «2» و ابن عمّار «3» و حمّاد «4»، المتضمّنة للجملة المحتملة للخبريّة.

خلافا للمشهور، فحرّموه، للأخبار المذكورة بجوابها.

و منها: لبس الخاتم للزينة.

وفاقا للنافع حاكيا له عن غيره أيضا، حيث قال: فيه قولان «5».

و دليل الجواز: الأصل، و صحيحة محمّد بن إسماعيل: رأيت العبد الصالح و هو محرم و عليه خاتم و هو يطوف طواف الفريضة «6».

و رواية نجيح: «لا بأس بلبس الخاتم للمحرم» «7».

و دليل المرجوحيّة: رواية مسمع «8» الواردة بالجملة الخبريّة،

______________________________

(1) الخلاف 2: 319، الغنية (الجوامع الفقهية): 577، المهذّب 1: 221، الوسيلة: 164، النافع: 85.

(2) الاولى في: الكافي 4: 356- 1، الوسائل 12: 472 أبواب تروك الإحرام ب 34 ح 3.

الثانية في: الفقيه 2: 221- 1301، العلل: 458- 1، الوسائل 12: 472 أبواب تروك الإحرام ب 34 ح 3.

(3) الكافي 4: 357- 2، الوسائل 12: 473 أبواب تروك الإحرام ب 34 ح 4.

(4) التهذيب 5: 302- 1029، الوسائل 12: 472 أبواب تروك الإحرام ب 34 ح 1.

(5) النافع: 85.

(6) التهذيب 5: 73- 241، الاستبصار 2: 165- 543، الوسائل 12: 490 أبواب تروك الإحرام ب 46 ح 3.

(7) الكافي 4: 343- 22، التهذيب 5: 73- 240، الاستبصار 2: 165- 542، الوسائل 12: 490 أبواب تروك الإحرام ب 46 ح 1.

(8) التهذيب 5: 73- 242، الاستبصار 2: 165- 544، الوسائل 12: 490 أبواب تروك الإحرام ب 46 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 45

و التعليلات المتقدّمة في مسألة الاكتحال، و كلّها عن إفادة الوجوب- الذي هو المشهور- قاصرة، إلّا أنّ في الذخيرة: أنّه لا أعرف فيه خلافا بين

الأصحاب «1»، فإن ثبت الإجماع و إلّا فلا دليل تامّا على الحرمة، و أمر الاحتياط واضح.

و منها: لبس المرأة الحليّ الغير المعتادة لها لبسها.

فإنّه مكروه، وفاقا للمحكيّ عن الاقتصاد و التهذيب و الاستبصار و الجمل و العقود و الجامع و النافع و الشرائع «2»، للأصل، و الأخبار القاصرة عن إفادة الحرمة «3»، لما مرّ، بل في بعضها «4» دلالة على الجواز.

خلافا للمحكيّ عن المشهور «5»، فحرّموه، للأخبار المذكورة.

و لا حرمة و لا كراهة في لبس المعتادة التي كانت تلبسها كثيرا في بيتها، و لكن يكره لها إظهارها للرجال حتى زوجها، كما دلّت عليها صحيحة البجلي «6».

و منها: إخراج الدم بفصد «7» أو حجامة أو سواك و حكّ و غيرها.

فإنّه مكروه وفاقا للخلاف و المبسوط و ابن حمزة و الشرائع «8»، و نسبه

______________________________

(1) الذخيرة: 594.

(2) الاقتصاد: 302، التهذيب 2: 73، الاستبصار 2: 310، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 228، الجامع: 185، النافع: 85، الشرائع 1: 250.

(3) الوسائل 12: 496 أبواب تروك الإحرام ب 49.

(4) كما في الوسائل 12: 496 أبواب تروك الإحرام ب 49.

(5) انظر مفاتيح الشرائع 1: 331.

(6) الكافي 345- 4، التهذيب 5: 75- 248، الاستبصار 2: 310- 1104، الوسائل 12: 496 أبواب تروك الإحرام ب 49 ح 1.

(7) الفصد: قطع العرق- الصحاح 2: 519.

(8) الخلاف 2: 315، المبسوط: 321، ابن حمزة في الوسيلة: 164، الشرائع 1: 251.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 46

في الدروس إلى الصدوق «1»، و في المدارك إلى جمع من الأصحاب «2»، و هو مختار المدارك و الذخيرة و المفاتيح «3» و شرحه.

أمّا الجواز: فللأصل، و صحيحة حريز «4» المتقدّمة في إزالة الشعر، و صحيحة ابن عمّار: المحرم يستاك؟ قال: «نعم»، قال: قلت: فإن أدمى يستاك؟ قال: «نعم هو من السنّة» «5».

و الأخرى: عن المحرم يعصر الدمل و يربط عليه الخرقة، قال:

«لا بأس به» [1].

و موثّقة الساباطي: عن المحرم يكون به الجرب فيؤذيه، قال:

«يحكّه، فإن

سال منه الدم فلا بأس» «6».

و أمّا المرجوحيّة فلموثّقة يونس: عن المحرم يحتجم؟ قال: «لا أحبّه» «7».

و للأخبار المستفيضة «8» المانعة عن الاحتجام مطلقا أو بدون الضرورة أو الحكّ المدمي أو السواك كذلك، بالجمل الخبريّة الغير الناهضة لإثبات

______________________________

[1] الكافي 4: 359- 5، الوسائل 12: 530 أبواب تروك الإحرام ب 71 ح 5، و فيهما: و يربط على القرحة، قال: «لا بأس».

______________________________

(1) انظر الدروس 1: 386، 387.

(2) المدارك 7: 367.

(3) المدارك 7: 367، الذخيرة: 595، المفاتيح 1: 383.

(4) الفقيه 2: 222- 1033، التهذيب 5: 306- 1046، الاستبصار 2: 183- 610، الوسائل 12: 513 أبواب تروك الإحرام ب 62 ح 5.

(5) الكافي 4: 366- 6، الفقيه 2: 222- 1032، العلل: 408- 1، الوسائل 12:

532 و 561 أبواب تروك الإحرام ب 71 و 92 ح 4 و 1.

(6) الكافي 4: 367- 12، الوسائل 12: 532 أبواب تروك الإحرام ب 71 ح 3.

(7) التهذيب 5: 306- 1045، الاستبصار 2: 183- 609، الوسائل 12: 513 أبواب تروك الإحرام ب 62 ح 4.

(8) كما في الوسائل 12: 512، 533 أبواب تروك الإحرام ب 62 و 73.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 47

الزائد عن المرجوحيّة.

خلافا للمفيد و السيّد و النهاية و الديلمي و القاضي و الحلبي و الحلّي «1»، و نسب إلى ظاهر الإسكافي و إلى ظاهر الصدوق أيضا «2»، فحرّموه، للأخبار المانعة المذكورة بجوابها.

و رواية الصيقل: في المحرم يحتجم- إلى أن قال:- «و إذا آذاه الدم فلا بأس به» «3»، دلّت بالمفهوم على ثبوت البأس بدون الأذيّة.

و تردّ بالمعارضة مع صحيحة حريز «4» المتقدّمة، التي هي أيضا واردة في صورة انتفاء الأذيّة، بقرينة قوله فيها: «ما لم يحلق أو يقطع

الشعر»، فإنّه لو وجدت الأذيّة للغى التقييد، لأنّ مع الأذيّة يجوز مع القيد أيضا.

و منها: الإحرام في الثوب الأسود و الوسخ.

كما مرّ في مسألة لبس ثوبي الإحرام و في الثوب المعلّم، و هو المشتمل على لون يخالف لونه، لصحيحة ابن عمّار «5». و لا تنافيها الأخبار النافية للبأس عن لبسها أو المجوّزة له «6».

و منها: استعمال الحنّاء للزينة.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 397، السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 66، النهاية: 221، الديلمي في المراسم: 106، القاضي في شرح الجمل: 215، الحلبي في الكافي في الفقه 202، الحلي في السرائر 1: 546، 547.

(2) نسبه إليهما في المختلف: 269.

(3) التهذيب 5: 306- 1044، الاستبصار 2: 183- 608، الوسائل 12: 513 أبواب تروك الإحرام ب 62 ح 3.

(4) التهذيب 5: 306- 1046، الوسائل 12: 513 أبواب تروك الإحرام ب 62 ح 5.

(5) الفقيه 2: 216- 986، التهذيب 5: 71- 235، الوسائل 12: 479 أبواب تروك الإحرام ب 39 ح 3.

(6) كما في الوسائل 12: 476، 478 أبواب تروك الإحرام ب 38 و 39.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 48

فإنّه مكروه على الأظهر الأشهر، كما صرّح به جماعة «1».

أمّا الجواز: فللأصل، و صحيحة ابن سنان: عن الحنّاء، فقال: «إنّ المحرم ليمسّه و يداوي به بعيره، و ما هو بطيب، و ما به بأس» «2».

و جعلها مخصوصة بالتداوي- فلا يعمّ ما كان للزينة- غير جيّد، لأنّ قوله: «يداوي» عطف على قوله «ليمسّه» من باب عطف الخاصّ على العام، و المسّ أعمّ، فيشمل مورد النزاع.

و أمّا المرجوحيّة: فللتعليلات المتقدّمة التي ذكرنا عدم صلاحها لإثبات الحرمة.

و رواية الكناني: امرأة خافت الشقاق و أرادت أن تحرم، هل تخضّب يدها بالحناء قبل ذلك؟ قال: «ما يعجبني أن تفعل ذلك» «3».

[فإنّ «ما يعجبني»] [1] تدلّ على الكراهة قبل الإحرام، فيلحق به بعده بالطريق

الأولى.

خلافا للمحكيّ عن المختلف و الشهيد الثاني، فحرّماه «4»، و تبعهما بعض مشايخنا «5»، للتعليلات، و هي- كما ذكرنا- عن إفادة التحريم قاصرة.

______________________________

[1] بدل ما بين المعقوفين في «ق» و «س»: فإنّها بنفي، و في «ح»: فإنها تبقى، و الأولى ما أثبتناه.

______________________________

(1) منهم الطوسي في التهذيب 5: 300، العلّامة في الإرشاد 1: 318، السبزواري في الذخيرة: 603.

(2) الكافي 4: 356- 18، الفقيه 2: 224- 1052، التهذيب 5: 300- 1019، الاستبصار 2: 181- 600، الوسائل 12: 451 أبواب تروك الإحرام ب 23 ح 1.

(3) الفقيه 2: 223- 1042، التهذيب 5: 300- 1020، الاستبصار 2: 181- 601، الوسائل 12: 451 أبواب تروك الإحرام ب 23 ح 2.

(4) المختلف: 269، المسالك 1: 111.

(5) انظر الرياض 1: 381.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 49

و كما يكره بعد الإحرام كذا يكره قبله حين إرادة الإحرام، لرواية الكناني المتقدّمة، و قيل: إذا بقي أثره «1»، و الرواية عن إفادة ذلك قاصرة.

و منها: دخول الحمّام.

لرواية عقبة «2» الواردة بالجملة الخبريّة القاصرة- لأجله- عن إفادة الحرمة، مضافا إلى صحيحة ابن عمّار النافية للبأس عنه، قال: «و لكن لا يتدلّك» «3»، و إلى انتفاء القول بالتحريم، كما صرّح به في التذكرة و قال:

إجماع علمائنا على عدم التحريم «4».

و منها: دلك الجسد في الحمّام.

للصحيحة المذكورة، بل مطلقا، لصحيحة يعقوب بن شعيب «5».

و منها: تلبية المنادي.

بأن يقول في جواب من ناداه: لبّيك، لصحيحة حمّاد «6»، و مرسلة الصدوق «7»، و في الأولى: «يقول: يا سعد».

و ظاهرها و إن كان التحريم- كما هو ظاهر الشيخ في بعض كتبه «8»-

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 381.

(2) التهذيب 5: 386- 1349، الاستبصار 2: 184- 612، الوسائل 12: 537 أبواب تروك الإحرام ب 76 ح 2.

(3) التهذيب 5: 314- 1081 و 386- 1350، الاستبصار 2: 184- 611، الوسائل 12: 537 أبواب تروك الإحرام ب 76 ح 1.

(4) التذكرة 1: 344.

(5) الفقيه 2: 230- 1093، التهذيب 5: 313- 1079، الوسائل 12: 535 أبواب تروك الإحرام ب 75 ح 1.

(6) الكافي 4: 366- 4، التهذيب 5: 386- 1348، الوسائل 12: 561 أبواب تروك الإحرام ب 91 ح 1.

(7) الفقيه 2: 211- 964، الوسائل 12: 561 أبواب تروك الإحرام ب 91 ح 2.

(8) التهذيب 5: 386.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 50

إلّا أنّ شذوذ القول به و معارضتها لما رواه الصدوق: «و لا بأس أن يلبّي المجيب» «1» أوجب الحمل على الكراهة.

و منها: استعمال الرياحين.

فإنّه مكروه على الأظهر، وفاقا للإسكافي، و الشيخ و الحلّي و المحقّق و الفاضل في أكثر كتبه «2»، و جمع من المتأخّرين «3».

أمّا الجواز: فللأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة كما يأتي.

و أمّا المرجوحيّة: فلصحيحة حريز «4» و مرسلته «5» السابقتين في مسألة الطيب، و صحيحة ابن سنان: «لا تمسّ ريحانا و أنت محرم» «6».

خلافا للمحكيّ عن المفيد و المختلف، فحرّماه «7»، و اختاره في المدارك «8» و بعض مشايخنا «9»، للصحيحين و المرسلة.

و يجاب بقصورها عن إفادة الحرمة، لاحتمال إرادة مطلق المرجوحيّة.

و لا ينافي اشتمال بعضها على الطيب أيضا و هو محرّم، فيجب الحمل

______________________________

(1) الفقيه 2:

211- 963، الوسائل 12: 388 أبواب الإحرام ب 42 ح 2، و فيهما:

«الجنب» بدل: «المجيب».

(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 268 لكنه صريح في الحرمة، و اختارها العلّامة أيضا، الشيخ في النهاية: 219، الحلي في السرائر 1: 545، المحقّق في الشرائع: 252، الفاضل في الإرشاد 1: 318، التبصرة: 63، التذكرة 1: 344.

(3) كالشهيد في الدروس 1: 388، السبزواري في الذخيرة: 603، كاشف الغطاء: 452.

(4) التهذيب 5: 297- 1007، الاستبصار 2: 178- 591، الوسائل 12: 445 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 11.

(5) الكافي 4: 353- 2، الوسائل 12: 443 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 6.

(6) الكافي 4: 355- 12، التهذيب 5: 307- 1048، الوسائل 12: 443 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 3.

(7) المفيد في المقنعة: 432، المختلف: 268.

(8) المدارك 7: 380.

(9) انظر الرياض 1: 381.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 51

فيهما على معنى واحد، لئلّا يلزم استعمال اللفظ في المعنيين.

لجواز كون ذلك الواحد هو مطلق المرجوحيّة، و لا بعد فيه، مع أنّ في تحريم مطلق الطيب أيضا نظرا كما مرّ.

مع أنّه على فرض الدلالة يعارض بصحيحة ابن عمّار: «لا بأس أن تشمّ الإذخر و القيصوم و الخزامى و الشيخ و أشباهه و أنت محرم» «1».

إلّا أنّ التعارض ليس كلّيا، بل إنّما هو في أمور معدودة لا بعد في استثنائها.

و أمّا لفظ «أشباهه» فليس صريحا في المشابهة في صدق اسم الريحان، فلعلّه في عسر التحرّز عنه ممّا يثبت في براري الحرم، و لكنّ الأمر بعد قصور دلالة المحرّم في ذلك سهل.

و منها: الاحتباء.

و هو: أن يضمّ الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره و يشدّه عليهما و قد يكون باليدين، صرّح بكراهته

في الدروس «2»، لرواية حمّاد بن عثمان: «يكره الاحتباء للمحرم في مسجد الحرام» «3».

و منها: المصارعة.

حكم بكراهتها للمحرم في الدروس «4»، و هو كذلك، لصحيحة علي «5»، و اللّه العالم.

______________________________

(1) الكافي 4: 355- 14، الفقيه 2: 225- 1057، التهذيب 5: 305- 1041، الوسائل 12: 453 أبواب تروك الإحرام ب 25 ح 1.

(2) الدروس 1: 388.

(3) الكافي 4: 366- 8، الوسائل 12: 562 أبواب تروك الإحرام ب 93 ح 1، بتفاوت يسير.

(4) الدروس 1: 388.

(5) الكافي 4: 367- 10، الوسائل 12: 563 أبواب تروك الإحرام ب 94 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 52

الفصل الثاني في الفعل الثاني من أفعال العمرة، و هو الطواف
اشاره

و هو واجب في كلّ من العمرة و الحجّ بأقسامهما إجماعا، بل ضرورة، بل هو جزء حقيقتهما، كما تنصّ عليه المستفيضة المتقدّمة في بيان كيفية الحجّ و العمرة و أقسامهما.

و الكلام: إمّا في مقدماته، أو كيفيّته، أو أحكامه، فهاهنا أبحاث:

البحث الأول في مقدّماته
اشاره

فهي إمّا واجبة أو مستحبّة، فهاهنا مقامان:

المقام الأول: في واجباته، و هي أمور:
منها: الطهارة من الحدث في الطواف الواجب.

و وجوبها و اشتراطها فيه ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب، كما صرّح به جماعة «1»، بل عليه الإجماع محقّقا و محكيّا «2»، و هو الحجّة فيه و إن كان إثباته من الأخبار مشكلا، لأنّها بين الدالّة على اعتبارها في مطلق الطواف بالجملة الخبريّة القاصرة عن إفادة الوجوب، كصحاح رفاعة «3»

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 120، السبزواري في الذخيرة: 626.

(2) كما في المنتهى 2: 690، و الحدائق 16: 83، و الرياض 1: 404.

(3) التهذيب 5: 154- 510، الاستبصار 2: 241- 838، الوسائل 13: 493 أبواب السعي ب 15 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 53

و محمّد «1» و جميل «2» و روايتي زرارة «3» و أبي حمزة «4» و مرسلة ابن أبي عمير «5»، الواردة فيمن أحدث في أثناء الطواف.

و بين دالّة على اعتبارها في الفريضة بمفهوم الوصف- الذي ليس بحجّة- كإحدى روايات عبيد «6».

و بين النافية للاعتداد بالطواف مطلقا على غير طهارة، كصحيحة علي «7» و رواية زرارة، و المثبتة للبأس بالمفهوم في الطواف كذلك على غير وضوء، كصحيحة ابن عمّار «8»، و الفارقة بمفهوم الشرط بين الفريضة و النافلة في انتفاء الإعادة، كالرواية الأخرى من روايات عبيد «9».

المعارضة جميعا مع رواية الشحّام: في رجل طاف بالبيت على غير وضوء، قال: «لا بأس» «10».

______________________________

(1) الكافي 4: 420- 3، الفقيه 2: 250- 1202، التهذيب 5: 116- 380، الاستبصار 2: 222- 764، الوسائل 13: 374 أبواب الطواف ب 38 ح 3.

(2) الكافي 4: 420- 2، الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 6.

(3) الكافي 4: 420- 1، التهذيب 5: 116- 378، الاستبصار 2: 221-

762، الوسائل 13: 375 أبواب الطواف ب 38 ح 5.

(4) الكافي 4: 420- 2، التهذيب 5: 116- 379، الاستبصار 2: 222- 763، الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 6.

(5) الكافي 4: 414- 2، التهذيب 5: 118- 384، الوسائل 13: 378 أبواب الطواف ب 40 ح 1.

(6) الفقيه 2: 250- 1203، الوسائل 13: 374 أبواب الطواف ب 38 ح 2.

(7) الكافي 4: 420- 4، التهذيب 5: 117- 381، الاستبصار 2: 222- 765، قرب الإسناد: 234- 917، الوسائل 13: 375 أبواب الطواف ب 38 ح 4.

(8) الفقيه 2: 250- 1201، الوسائل 13: 374 أبواب الطواف ب 38 ح 1.

(9) التهذيب 5: 117- 383، الاستبصار 2: 222- 767، الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 9.

(10) التهذيب 5: 470- 1649، الوسائل 13: 377 أبواب الطواف ب 38 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 54

و حمل الأخيرة على السهو أو الفريضة ليس بأولى من حمل الأولى على الكراهة لو لا الإجماع، مضافا إلى عدم دلالة الأوليين إلّا على رجحان عدم الاعتداد، و الأخيرة إلّا على تحقّق نوع فرق، و لعلّه استحباب الإعادة في الفريضة.

و أمّا المندوب، فلا ينبغي الريب في عدم اشتراطها فيه، كما هو المشهور، لخصوص الأخبار، كصحيحتي محمّد و حريز «1»، و قويّة عبيد «2»، و موثّقتي عبيد «3»، الخالية عن المعارض المخصوص، اللازم تخصيص العمومات بها.

خلافا للمحكيّ عن الحلبي «4»، و لعلّه للإطلاقات. و جوابه ظاهر.

و يستباح بالترابيّة مع تعذّر المائيّة، لعموم البدليّة كما مرّ.

و منها: إزالة النجاسة عن الثوب و البدن:

فأوجبها الأكثر، بل عن الغنية الإجماع عليه «5»، له ..

و للنبويّ: «الطواف بالبيت صلاة» «6».

و لموثّقة يونس بن يعقوب: عن رجل يرى في ثوبه الدم و

هو في الطواف، قال: «ينظر الموضع الذي رأى فيه الدم [فيعرفه ]، ثمَّ يخرج فيغسله، ثمَّ يعود فيتمّ طوافه» «7»، و قريبة منها الأخرى «8».

______________________________

(1) التهذيب 5: 118- 385، الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 7.

(2) الفقيه 2: 250- 1203، الوسائل 13: 374 أبواب الطواف ب 38 ح 2.

(3) التهذيب 5: 117- 382 و 383، الاستبصار 2: 222- 766 و 767، الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 8 و 9.

(4) الكافي في الفقه: 195.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 578.

(6) سنن الدارمي 2: 44.

(7) التهذيب 5: 126- 415، الوسائل 13: 399 أبواب الطواف ب 52 ح 2، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(8) الفقيه 2: 246- 1183، الوسائل 13: 399 أبواب الطواف ب 52 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 55

و الأول: غير حجّة.

و الثاني: غير دال، لمنع اقتضاء التشبيه المساواة من جميع الجهات.

و الثالث: و إن كان- على ما في النهاية «1»- واردا بطريق الأمر الدالّ على الوجوب، دون ما في التهذيب «2»، إلّا أنّه- مع ذلك الاختلاف الموهن للدلالة على الوجوب- معارض بمرسلة البزنطي التي هي في حكم الصحيح: رجل في ثوبه دم ممّا لا يجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه، فقال: «أجزأه الطواف فيه، ثمَّ ينزعه و يصلّي في ثوب طاهر» «3».

و حمل الثانية على الجهل ليس بأولى من حمل الأولى على الاستحباب، و لذا قال الإسكافي و ابن حمزة و المدارك و الذخيرة و الكفاية بعدم الوجوب و الاشتراط «4»، و حكاه بعضهم عن جماعة من المتأخّرين «5»، و هو الأقرب، لما مرّ بضميمة الأصل.

و لو قلنا بالوجوب لاتّجه عدم التفرقة بين المعفوّ في الصلاة و

غيره، لإطلاق الدليل.

و منها: الختان للرجل.

عند الأكثر كما صرّح به جمع ممّن تأخّر «6»، و ظاهر المنتهى الاتّفاق

______________________________

(1) النهاية: 240.

(2) التهذيب 5: 126.

(3) الفقيه 2: 308- 1532، التهذيب 5: 126- 416، الوسائل 13: 399 أبواب الطواف ب 52 ح 3.

(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 291، ابن حمزة في الوسيلة: 173، المدارك 8- 117، الذخيرة: 626، الكفاية: 66.

(5) انظر الرياض 1: 404.

(6) المدارك 8: 117، الذخيرة: 627، الرياض 1: 405.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 56

عليه «1»، فإن ثبت ذلك فهو، و إلّا ففي إثبات وجوبه و اشتراطه من الأخبار «2».

إشكال، حيث إنّها بين أخبار كلّها واردة بالجملة الخبريّة، و لذا تأمّل فيه في الذخيرة و الكفاية «3» وفاقا للمحكيّ عن الحلّي «4»، و هو في موقعه جدّا.

و الأصل مع العدم، و الاحتياط مع الثبوت للرجل خاصّة، لاختصاص الفتاوى و الأخبار به، بل تصريحهما بنفيه في المرأة.

و على ما ذكرنا لا إشكال في انتفاء الاشتراط في الصبيّ و الخنثى و غير المتمكّن و الناسي أيضا، لعدم ثبوت الإجماع في شي ء منهم قطعا، مضافا في الجميع إلى الندرة الموجبة لخروجهم عن الإطلاقات، و في الأول إلى خروجه من الأخبار أيضا، لأنّها بين خاصّ بالرجل و مثبت للتكليف الغير المتوجّه إلى الصبي.

و منها: ستر العورة.

و حكي اعتباره عن الشيخ و ابن زهرة «5»، و عدّة من كتب العلّامة «6»، لعموم التشبيه، و المرويّ في تفسير القمّي عن مولانا الرضا، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمرني عن اللّه أن لا يطوف بالبيت عريان» «7».

و في تفسير العيّاشي، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام،

______________________________

(1) المنتهى 2: 690.

(2) الوسائل 13: 359 أبواب الطواف

ب 33.

(3) الذخيرة: 627، الكفاية: 66.

(4) حكاه عنه الشهيد في الدروس 1: 393، و انظر السرائر 1: 574.

(5) الشيخ في الخلاف 2: 322، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 578.

(6) كالمنتهى 2: 690، و التذكرة 1: 361.

(7) تفسير القمي 1: 282، الوسائل 3: 400 أبواب الطواف ب 53 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 57

قال: «لا يطوفنّ بالبيت مشرك و لا عريان» [1]، و مثله العامّي المروي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله «1».

خلافا لظاهر الأكثر- حيث لم يذكروه- و صريح جمع من المتأخّرين، و هو الأظهر، لمنع عموم التشبيه، و ضعف الروايات سندا و دلالة، لخلوّها عن الأمر.

و أمر النبيّ الوليّ صلوات اللّه عليهما عن اللّه أن لا يطوف إلى آخره، يحتمل أن يكون المراد الأمر بذلك القول، فلا يفيد الوجوب إلّا إذا كان أصل القول مفيدا له، و ليس هنا كذلك.

المقام الثاني: في مقدّماته المستحبّة. و هي أيضا أمور،
اشاره

إلّا أنّ أكثرها ليست مستحبّة للطواف من حيث هو، بل لمقدّماته، التي هي: دخول الحرم و مكّة و المسجد و تقبيل الحجر، و لمّا كانت هذه الأفعال إمّا لأجل الطواف خاصّة أو ابتداء عدّت هذه الأمور من مقدّماته المستحبّة.

فمنها: الغسل،

و المستفاد من الأخبار استحباب ثلاثة أغسال: واحد لدخول الحرم، و آخر لدخول مكّة، و ثالث للطواف.

فممّا يدلّ على الأول: رواية أبان بن تغلب: فلمّا انتهى إلى الحرم نزل و اغتسل و أخذ نعليه بيديه، ثمَّ دخل الحرم حافيا، فصنعت مثل ما صنع، فقال: «يا أبان، من صنع مثل ما رأيتني صنعت تواضعا اللّه محي اللّه عنه مائة ألف سيئة، و كتب له مائة ألف حسنة، و بنى اللّه عزّ و جلّ له مائة

______________________________

[1] تفسير العياشي 2: 74- 5، الوسائل 13: 400 أبواب الطواف ب 53 ح 3، و فيهما: لا يطوفنّ بالبيت عريان.

______________________________

(1) صحيح مسلم 2: 982، صحيح البخاري 2: 188.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 58

ألف درجة، و قضى له مائة ألف حاجة» «1».

و الحذّاء: فلمّا انتهى إلى الحرم اغتسل و أخذ نعليه بيديه، ثمَّ مشى في الحرم ساعة «2».

و صحيحة ابن عمّار: «إذا انتهيت إلى الحرم إن شاء اللّه فاغتسل حين تدخله، و إن تقدّمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخّ أو من منزلك بمكّة» «3».

و ممّا يدلّ على الثاني موثّقة محمّد الحلبي: «فينبغي للعبد ان لا يدخل مكّة إلّا و هو طاهر و قد غسل عرقه و الأذى و تطهّر» «4».

و صحيحة الحلبي: أمرنا أبو عبد اللّه عليه السلام أن نغتسل من فخّ قبل أن ندخل مكّة «5».

و البجلي: عن الرجل يغتسل لدخول مكّة ثمَّ ينام فيتوضّأ قبل أن يدخل،

أ يجزئه ذلك أو يعيد؟ قال: «لا يجزئه، لأنّه إنّما دخل بوضوء» «6».

و لا فرق في الدلالة بين أن تجعل لفظة: «لا» نفيا للإعادة أو للإجزاء، مع

______________________________

(1) الكافي 4: 398- 1، التهذيب 5: 97- 317، المحاسن: 67- 129، الوسائل 13: 195 أبواب مقدّمات الطواف ب 1 ح 1.

(2) الكافي 4: 398- 2، الوسائل 13: 196 أبواب الطواف ب 1 ح 2.

(3) الكافي 4: 400- 4، التهذيب 5: 97- 319، الوسائل 13: 197 أبواب مقدّمات الطواف ب 2 ح 2.

(4) الكافي 4: 400- 3، التهذيب 5: 98- 322، الوسائل 13: 200 أبواب مقدّمات الطواف ب 5 ح 3.

(5) الكافي 4: 400- 5، التهذيب 5: 99- 323، الوسائل 13: 200 أبواب مقدّمات الطواف ب 5 ح 1.

(6) الكافي 4: 400- 8، التهذيب 5: 99- 325، الوسائل 13: 201 أبواب مقدّمات الطواف ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 59

أنّ الظاهر من صحيحة أخرى له- تأتي في غسل طواف الحجّ- أنّه نفي للإجزاء.

و رواية عجلان: «إذا انتهيت إلى بئر ميمون أو بئر عبد الصمد فاغتسل و اخلع نعليك و امش حافيا و عليك السكينة و الوقار» «1».

و ممّا يدلّ عليه الثالث: صحيحة عليّ بن أبي حمزة: «إن اغتسلت بمكّة ثمَّ نمت قبل أن تطوف فأعد غسلك» «2».

و قد زاد الفاضل «3» و جمع آخر «4» رابعا، هو: الغسل لدخول المسجد، و لا شاهد له من الاخبار، إلّا أنّ فتواهم تكفي لإثباته، لأنّه مقام التسامح، و يحتمل أن يكون الغسل المأمور به من منزله بمكّة في صحيحة ابن عمّار لأجله.

و من جميع ما ذكر ظهر فساد ما في المدارك من أنّ مقتضى هذه الأخبار: استحباب غسل

واحد إمّا قبل دخول الحرم أو بعده «5»، و كأنّ نظره إلى قوله في صحيحة ابن عمّار: «و إن تقدّمت» إلى آخره.

و لا يخفى أنّه لا منافاة فيها لما ذكرنا، لجواز أن يكون المراد: إن تقدّمت و لم تغتسل لدخول الحرم فاغتسل لدخول مكّة أو للطواف، لا أنّه يتخيّر أولا في ذلك.

و كذا لا تنافيه صحيحة ذريح: عن الغسل في الحرم قبل دخوله أو

______________________________

(1) الكافي 4: 400- 6، التهذيب 5: 99- 324، الوسائل 13: 200 أبواب مقدّمات الطواف ب 5 ح 2.

(2) الكافي 4: 400- 7، التهذيب 5: 99- 326، الوسائل 13: 202 أبواب مقدّمات الطواف ب 6 ح 2.

(3) المنتهى 2: 689.

(4) كالمحقّق في الشرائع 1: 266، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 339، و صاحب الحدائق 16: 80.

(5) المدارك 8: 121.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 60

بعد دخوله، قال: «لا يضرّك أيّ ذلك فعلت، و إن اغتسلت بمكّة فلا بأس، و إن اغتسلت في بيتك حين تنزل بمكّة فلا بأس» «1»، لعدم ضرر و لا بأس في ترك المندوب.

ثمَّ لا يخفى أنّ المستفاد من تلك الأخبار استحباب الإتيان بهذه الأفعال مغتسلا، فلا يلزم قصد الغاية في كلّ غسل، كما مرّ في بحث النيّة من الوضوء و الغسل، و لا يخفى أيضا أنّ تعدد الغسل إنّما هو إذا لم يكن على غسله السابق، و إلّا فيكفي، للتداخل.

و منها: مضغ شي ء من الإذخر-

ليطيّب به رائحة الفم- حين إرادة دخول الحرم أو بعده، لصحيحة ابن عمّار «2»، و رواية أبي بصير «3».

و منها: أن يدخل مكّة من أعلاها،

لموثّقة يونس «4»، و التأسّي بالنبي صلّى اللّه عليه و آله «5».

و الأقرب اختصاص ذلك بمن أتاها من طريق المدينة، كما عن المقنعة و التهذيب و المراسم و الوسيلة و السرائر و المنتهى و التحرير و التذكرة «6»،

______________________________

(1) الكافي 4: 398- 5، التهذيب 5: 97- 318، الوسائل 13: 197 أبواب مقدّمات الطواف ب 2 ح 1.

(2) الكافي 4: 398- 4، الوسائل 13: 198 أبواب مقدمات الطواف ب 3 ح 1.

(3) الكافي 4: 398- 3، التهذيب 5: 98- 320، الوسائل 13: 198 أبواب مقدمات الطواف ب 3 ح 2.

(4) الكافي 4: 399- 1، التهذيب 5: 98- 321، الوسائل 13: 199 أبواب مقدّمات الطواف ب 4 ح 2.

(5) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، الوسائل 13: 198 أبواب مقدّمات الطواف ب 4 ح 1.

(6) المقنعة: 399، التهذيب 5: 98، المراسم: 109، الوسيلة: 174، السرائر 1:

570، المنتهى 2: 688، التحرير 1: 97، التذكرة 1: 360.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 61

و جمع من المتأخّرين «1»، للأصل، و اختصاص الموثّقة بالمدني، و عدم عموم في فعله صلّى اللّه عليه و آله.

و أطلق جمع آخر «2»، و لا وجه له.

و منها: دخول كلّ من الحرم و مكّة و المسجد حافيا،

و تدلّ على الأول روايتا أبان و الحذّاء، و على الثاني رواية عجلان المتقدّمة جميعا «3»، و على الثالث صحيحة ابن عمّار: «إذا دخلت المسجد الحرام فادخله حافيا على السكينة و الوقار و الخشوع» الحديث «4».

و منها: دخول كلّ من الثلاثة بالسكينة و الوقار و الخضوع،

للتصريح به في الروايات المتقدّمة.

و منها: أن يدخل المسجد من باب بني شيبة،

للتأسّي بالنبي صلّى اللّه عليه و آله.

و لرواية سليمان بن مهران عن الصادق عليه السلام، و فيها- بعد ذكر دفن هبل عند باب بني شيبة-: «فصار الدخول إلى المسجد من باب بني شيبة سنّة لأجل ذلك» «5».

و في المدارك «6»، و غيره «7»: إنّ هذا الباب غير معروف الآن، لتوسّع المسجد، و لكنّه قيل: إنّه بإزاء باب السلام، فينبغي الدخول منه على

______________________________

(1) المدارك: 456، الذخيرة: 631، الحدائق 16: 77.

(2) كما في المختصر النافع: 93، و التنقيح الرائع 1: 499، و المسالك 1: 120.

(3) راجع ص: 57 و 58 و 59.

(4) الكافي 4: 401- 1، التهذيب 5: 99- 327، الوسائل 13: 204 أبواب مقدّمات الطواف ب 8 ح 1.

(5) الفقيه 2: 154- 668، العلل: 449- 1، الوسائل 13: 206 أبواب مقدمات الطواف ب 9 ح 1.

(6) المدارك 8: 124.

(7) حكاه في الذخيرة: 632.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 62

الاستقامة إلى أن يتجاوز الأساطين «1»، لتحقّق المرور به.

و منها: الوقوف على باب المسجد، و التسليم و الدعاء بالمأثور

في صحيحة ابن عمّار بقوله فيها: «فإذا انتهيت إلى باب المسجد فقم و قل:

السلام عليك» إلى آخره «2».

و موثّقة أبي بصيرة بقوله فيها: «تقول و أنت على باب المسجد: بسم اللّه و باللّه و من اللّه» إلى آخره «3».

و منها: استقبال البيت،

و رفع اليدين بعد دخول المسجد، و الدعاء بما في صحيحة ابن عمّار المذكورة، قال فيها: «فإذا دخلت المسجد فارفع يديك و استقبل البيت و قل: اللّهم إنّي أسألك في مقامي هذا» الحديث.

و منها: المشي حتى يدنو من الحجر الأسود،

فيستقبله و يقف عنده، و يدعو بما في رواية أبي بصير: «إذا دخلت المسجد الحرام فامش حتى تدنو من الحجر الأسود فتستقبله و تقول: الحمد للّه الذي هدانا لهذا» الحديث «4».

و يدعو أيضا عند محاذاة الحجر الأسود بما في مرسلة حريز: «إذا دخلت المسجد الحرام و حاذيت الحجر الأسود فقل: أشهد أن لا إله إلّا اللّه» إلى آخر الدعاء «5».

و يستحبّ له التكبير و الصلاة و السلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أيضا عند

______________________________

(1) انظر المسالك 1: 120.

(2) الكافي 4: 401- 1، التهذيب 5: 99- 327، الوسائل 13: 204 أبواب مقدّمات الطواف ب 8 ح 2.

(3) الكافي 4: 402- 2، التهذيب 5: 100- 328، الوسائل 13: 205 أبواب مقدّمات الطواف ب 8 ح 2.

(4) الكافي 4: 403- 2، التهذيب 5: 102- 330، الوسائل 13: 314 أبواب الطواف ب 12 ح 3 و فيه: فتستلمها و تقول ..

(5) الكافي 4: 403- 3، الوسائل 13: 315 أبواب الطواف ب 12 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 63

استقباله، كما في صحيحة يعقوب بن شعيب «1».

و منها: رفع اليدين عند الدنو من الحجر الأسود،

و حمد اللّه، و الثناء عليه، و الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله، و السؤال أن يتقبّل اللّه منه، ثمَّ استلام الحجر- أي مسّه- بالتقبيل، فإنّ لم يستطع أن يقبّله فاستلمه بيده، و إن لم يستطعه أيضا أشار إليه، و يدعو بالمأثور في صحيحة أخرى لابن عمّار المتضمنة لجميع ذلك.

قال: «إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك و احمد اللّه و أثن عليه و صلّ على النبي صلّى اللّه عليه و آله و اسأل اللّه أن يتقبّل منك، ثمَّ استلم الحجر و قبّله، فإن لم تستطع

أن تقبّله فاستلمه بيدك، و إن لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر إليه و قل: اللّهم أمانتي أدّيتها» إلى آخر الدعاء، إلى أن قال:

«فإن لم تستطع أن تقول هذا كلّه فبعضه، و قل: اللّهم إليك» إلى آخره «2».

و ما ذكرنا من استحباب الاستلام و التقبيل هو الحقّ المشهور بين الأصحاب، و عن الديلمي أنّه أوجبهما «3»، و تدفعه الأخبار المستفيضة، كصحيحة ابن عمّار «4»، و صحيحة ابن شعيب «5»، و غير ذلك «6».

و ما ذكرنا من أنّ استلام الحجر مسّه بالتقبيل أو اليد تدلّ عليه صحيحة ابن عمّار المتقدّمة، و يحتمل أن لا يكون التقبيل فيها تفسيرا للاستلام، بل يكون هو مستحبّا برأسه و يكون الاستلام هو المسّ باليد،

______________________________

(1) الكافي 4: 407- 4، الوسائل 13: 336 أبواب الطواف ب 21 ح 2.

(2) الكافي 4: 402- 1، التهذيب 5: 101- 329، الوسائل 13: 313 أبواب الطواف ب 12 ح 1.

(3) حكاه عنه في المختلف: 290، و هو في المراسم: 110.

(4) الكافي 4: 404- 1، الوسائل 13: 324 أبواب الطواف ب 16 ح 1.

(5) الكافي 4: 404- 1، الوسائل 13: 324 أبواب الطواف ب 15 ح 2.

(6) انظر الوسائل 13: 326، 323 أبواب الطواف ب 13 و ب 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 64

و يكون المعنى: استلم و قبّل، فإن لم تستطع التقبيل فاكتف بالاستلام خاصّة الذي هو باليد، و هو أوفق بسائر الأخبار الآمرة بالاستلام باليد «1».

و يستأنس له أيضا بموثّقة معاوية بن عمّار، و فيها- بعد ذكر تمام الطواف-: «ثمَّ يأتي الحجر الأسود فيقبّله و يستلمه أو يشير إليه، فإنّه لا بدّ من ذلك» «2».

و رواية الشحّام: كنت أطوف مع أبي عبد اللّه

عليه السلام و كان إذا انتهى إلى الحجر مسحه بيده و قبّله، الحديث «3».

و كذا تدلّ على حصول استلام الحجر بالمسّ باليد مرسلة حريز المذكورة بعضها: «ثمَّ ادن من الحجر و استلمه بيمينك، ثمَّ تقول: بسم اللّه و باللّه و اللّه أكبر» إلى آخر الدعاء «4».

و في رواية محمّد الحلبي: عن الحجر إذا لم أستطع مسّه و كثر الزحام، قال: «أمّا الشيخ الكبير [و الضعيف ] و المريض فمرخّص، و ما أحبّ أن تدع مسّه إلّا أن لا تجد بدّا» «5».

و في رواية عبد الأعلى: رأيت أمّ فروة تطوف بالكعبة عليها كساء متنكّرة، فاستلمت الحجر بيدها اليسرى، الحديث «6».

______________________________

(1) الوسائل 13: 316 أبواب الطواف ب 13.

(2) الكافي 4: 430- 1، التهذيب 5: 144- 476، الوسائل 13: 472 أبواب السعي ب 2 ح 1، بتفاوت يسير.

(3) الكافي 4: 408- 10، الوسائل 13: 338 أبواب الطواف ب 22 ح 3 و فيه: كنت أطوف مع أبي، و كان إذا ..

(4) الكافي 4: 403- 3، الوسائل 13: 315 أبواب الطواف ب 12 ح 4.

(5) الكافي 4: 405- 6، الوسائل 13: 326 أبواب الطواف ب 16 ح 7، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.

(6) الكافي 4: 428- 6، الوسائل 13: 323 أبواب الطواف ب 14 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 65

و رواية السكوني: كيف يستلم الأقطع؟ قال: «يستلم الحجر من حيث القطع، فإن كانت مقطوعة من المرفق استلم الحجر بشماله» «1».

و أمّا في صحيحة يعقوب بن شعيب: عن استلام الركن، قال:

«استلامه أن تلصق بطنك به، و المسح أن تمسحه بيمينك» «2»، فهي إنّما تفسّر استلام الركن دون الحجر.

فما عن الشهيد «3» و بعض من تأخّر عنه

«4»، بل جمع آخر ممّن تقدّم عليه «5»- أنّه يستحبّ استلام الحجر بالبطن و بجميع البدن و إن تعذّر فباليد- لم يظهر لي وجهه، إلّا ما حكي عن الخلاف «6» من حكاية الإجماع عليه.

و بعد ما ظهر من الأخبار المراد من استلام الحجر لا حاجة إلى الرجوع إلى قول العامّة من اللغويين، و قد ظهر من الأخبار المذكورة أنّ الاستلام هو: المسّ باليمين، و أنّه يستحبّ التقبيل من حيث هو أيضا، بل و كذلك لو قلنا بدخوله في الاستلام أيضا، للإتيان بهما في روايتي الشّحام و ابن عمّار.

و عن الديلمي: إيجابه «7»، للأمر به في صحيحة ابن عمّار «8»، و يدفعه

______________________________

(1) الكافي 4: 410- 18، التهذيب 5: 106- 345، الوسائل 13: 343 أبواب الطواف ب 24 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 404- 1، الوسائل 13: 324 أبواب الطواف ب 15 ح 2 و فيهما:

بيدك، بدل: بيمينك.

(3) الدروس 1: 398.

(4) كما في المسالك 1: 122.

(5) انظر الاقتصاد: 303، و المنتهى 2: 693.

(6) الخلاف 2: 320.

(7) المراسم: 110.

(8) الكافي 4: 402- 1، التهذيب 5: 101- 329، الوسائل 13: 313 أبواب الطواف ب 12 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 66

ظاهر الإجماع، و صحيحة أخرى لابن عمّار «1»، المتضمّنة لترك أبي عبد اللّه عليه السلام له.

و يستحبّ أيضا تقبيل اليد بعد مسّ الحجر بها، كما حكي عن الفقيه و المقنع و المقنعة و الاقتصاد و الكافي و الجامع و التحرير و التذكرة و المنتهى و الدروس «2»، و تثبته فتاواهم مع مناسبة للتبرّك و التعظيم و التحبّب.

و ما في صحيحة ابن عمّار الواردة في زيارة البيت يوم النحر: «ثمَّ تأتي الحجر الأسود فتستلمه و تقبّله،

فإن لم تستطع فاستلمه بيدك و قبّل يدك» الحديث «3».

و ما في مرسلة الفقيه: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله استلم الحجر بمحجنه «4» و قبّل المحجن» «5».

و أمّا ما ذكرناه من الإشارة باليد إذا لم يستطع الاستلام بها فمنصوص عليه من الأصحاب، و تدلّ عليه صحيحة ابن عمّار المتقدّمة «6»، و رواية محمّد بن عبيد اللّه: عن الحجر الأسود هل يقاتل عليه الناس إذا كثروا؟

______________________________

(1) الكافي 4: 404- 1، الوسائل 13: 324 أبواب الطواف ب 16 ح 1.

(2) الفقيه 2: 316، المقنع: 92، المقنعة: 401، الاقتصاد: 303، الكافي في الفقه: 209- 210، الجامع: 197، التحرير 1: 98، التذكرة 1: 363، المنتهى 2: 694، الدروس 1: 398.

(3) الكافي 4: 511- 4، التهذيب 5: 251- 853، الوسائل 14: 249 أبواب زيارة البيت ب 4 ح 1.

(4) المحجن: عصا في رأسها اعوجاج، كالصولجان، أخذا من الحجن بالتحريك، و هو الاعوجاج- مجمع البحرين 6: 231.

(5) الفقيه 2: 251- 1209، الوسائل 13: 442 أبواب الطواف ب 81 ح 2، بتفاوت يسير.

(6) في ص 63.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 67

قال: «إذا كان كذلك فأوم إليه إيماء بيدك» «1».

و يستحبّ تقبيل اليد حينئذ أيضا، كما عن الفقيه و المقنع و الجامع «2»، لبعض ما مرّ.

و كما يستحبّ استلام الحجر قبل الطواف يستحبّ في آخره أيضا، كما صرّح به في موثّقة ابن عمّار المذكورة «3» و صحيحته: «كنّا نقول: لا بدّ أن نستفتح بالحجر و نختم به، فأمّا اليوم فقد كثر الناس» «4»، فإنّ المراد:

استلامه لا الابتداء و الختم، لأنّه واجب مع الكثرة أيضا.

و يدلّ عليه أيضا المرويّ في قرب الإسناد للحميري «5».

بل عن الاقتصاد و الجمل و

العقود و الوسيلة و المهذّب و الغنية و الجامع و المنتهى و التذكرة بل الفقيه و الهداية: استحبابه في كلّ شوط «6».

و تدلّ عليه رواية الشّحام المتقدّمة «7»، بل هو الظاهر من صحيحة البجلي «8»، المتضمّنة لطواف أبي عبيد اللّه مع سفيان الثوري.

و مرسلة حمّاد بن عيسى، و فيها: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ما من طائف

______________________________

(1) الكافي 4: 405- 7، التهذيب 5: 103- 336، الوسائل 13: 326 أبواب الطواف ب 16 ح 5.

(2) الفقيه 2: 316، المقنع: 92، الجامع: 197.

(3) في ص: 64.

(4) الكافي 4: 404- 1، الوسائل 13: 324 أبواب الطواف ب 16 ح 1.

(5) قرب الإسناد: 316- 1226، الوسائل 13: 348 أبواب الطواف ب 26 ح 10.

(6) الاقتصاد: 303، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 231، الوسيلة: 172، المهذّب 1: 233، الغنية (الجوامع الفقهية): 578، الجامع: 197، المنتهى 2:

695، التذكرة 1: 363، الفقيه 2: 316، الهداية: 57.

(7) في ص: 64.

(8) الكافي 4: 404- 2، الوسائل 13: 325 أبواب الطواف ب 16 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 68

يطوف بهذا البيت حين تزول الشمس حاسرا عن رأسه حافيا يقارب بين خطاه و يغضّ بصره و يستلم الحجر في كلّ طواف [من غير أن يؤذي أحدا] و لا يقطع ذكر اللّه عن لسانه إلّا كتب اللّه له بكلّ خطوة» الحديث «1».

______________________________

(1) الكافي 4: 412- 3، الوسائل 13: 306 أبواب الطواف ب 5 ح 1، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 69

البحث الثاني في كيفيّة الطواف
اشاره

أي أفعاله، و هي على قسمين: واجبة و مستحبّة، فهاهنا مقامان:

المقام الأول: في واجبات الطواف، و هي أمور:
منها: النيّة و استدامة حكمها إلى الفراغ كغيره من العبادات،

و قد مرّ تحقيق الكلام فيها.

و منها: البدأة بالحجر الأسود و الختم به،

بالإجماع المحقّق و المحكيّ عن جماعة «1».

و تدلّ عليهما من الأخبار صحيحة ابن عمّار: «من اختصر في الحجر في الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود» «2»، و الحجر بالتسكين، و معنى الاختصار فيه: عدم إدخاله في الطواف.

و على الثاني صحيحة ابن سنان: «إذا كنت في الطواف السابع فائت المتعوّذ» إلى أن قال «ثمَّ ائت الحجر فاختم به» «3».

و أمّا صحيحة ابن عمّار: «كنّا نقول: لا بدّ أن نستفتح بالحجر و نختم به، فأمّا اليوم فقد كثر الناس»، فالمراد بها: الاستلام في المبدأ و المنتهى.

و على هذا، فلو ابتدأ بغيره لم يعتدّ بما فعله حتى ينتهي إلى الحجر

______________________________

(1) كما في الذخيرة: 627، الحدائق 16: 100، الرياض 1: 405.

(2) الكافي 4: 419- 2، الفقيه 2: 249- 1198، الوسائل 13: 357 أبواب الطواف ب 31 ح 3، بتفاوت يسير.

(3) الكافي 4: 410- 3، التهذيب 5: 107- 347، الوسائل 13: 344 أبواب الطواف ب 26 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 70

الأسود، فيكون منه ابتداء طوافه.

و يتحقّق الابتداء به إمّا بالشروع منه فعلا بقصد الطواف بحيث لا يتقدّمه غيره، أو بالتعيين بالنيّة، بأن يقصد عند الانتهاء إلى الحجر أنّه بدو الطواف، و معنى الختم به: إكمال الشوط السابع إليه فعلا أو قصدا.

ثمَّ الثابت من الإجماع و مقتضى الأخبار هو الابتداء و الختم العرفيّين، بحيث يتحقّق الصدق عرفا.

و اعتبر الفاضل «1» و بعض من تأخّر عنه «2» جعل أول جزء من الحجر محاذيا لأول جزء من مقاديم بدنه بحيث يمرّ عليه بعد النيّة بجميع بدنه علما أو ظنّا، و كذا في الاختتام، حيث يذهبون إلى بطلان الطواف بتعمّد الزيادة

فيه و لو خطوة.

و اختلفوا- لذلك- في تعيين أول جزء البدن، هل هو الأنف، أو البطن، أو إبهام الرجلين، و اضطرّوا لأجل ذلك إلى تدقيقات مستهجنة، بل قد يحتاج بعض الأشخاص إلى ملاحظة أنفه مع بطنه أو إبهامه.

و لا دليل لهم على شي ء من ذلك سوى الاحتياط، و توقّف صدق الابتداء و الاختتام عليه، و لا يخفى أنّه إلى الوسواس أقرب منه إلى الاحتياط.

و من الأخبار ما لا يجامع ذلك أصلا، كما في رواية محمّد: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله طاف على راحلته و استلم الحجر بمحجنه» «3»، و الألفاظ تحمل على المصداقات العرفيّة.

و ما أدري من أيّ دليل استنبطوا اعتبار أول جزء الحجر و أول جزء

______________________________

(1) التذكرة: 361.

(2) كالشهيد في الدروس 1: 394، الشهيد الثاني في المسالك 1: 120.

(3) الفقيه 2: 251- 1209، الوسائل 13: 442 أبواب الطواف ب 81 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 71

البدن، و لو أمر المولى عبده بأنّه: امش مبتدئا من هذه الأسطوانة و مختتما بتلك، فهل يتصوّر أحد أن يريد ملاحظة الأنف أو البطن أو الإبهام أو أول نقطة من الأسطوانة؟! و من فعل ذلك يستهزأ به و يستهجن فعله.

و بالجملة: هذا أمر لا دليل عليه و لا شاهد، و لا يناسب تسميته احتياطا، بل اعتقاد وجوبه خلاف الاحتياط.

مع أنّه لو فرض لزوم تحقّق البدأة الحقيقي فيتحقّق بالتأخّر عن الحجر قليلا بحيث يعلم تأخّر جميع أجزاء البدن عن جميع أجزائه قليلا و قصد جعل الزائد من باب المقدّمة.

و كذا في الاختتام كما قالوا في نظائرها، و لا حاجة إلى تلك التدقيقات المرغوبة عنها، سيّما في مقام التقيّة و ازدحام الناس.

و منها: جعل البيت على يساره حال الطواف،

و هو ممّا

نفي عنه الخلاف «1»، بل ادّعي عليه الإجماع في كلام جماعة «2»، بل هو إجماعي، و هو الدليل عليه، و ربّما تؤيّده صحيحة ابن يقطين: عمّن نسي أن يلتزم في آخر طوافه حتى جاز الركن اليماني، أ يصلح أن يلتزم بين الركن اليماني و الحجر، أو يدع ذلك؟ قال: «يترك اللزوم و يمضي» «3».

و يؤيّده أيضا فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله بضميمة قوله: «خذوا عني مناسككم» «4»، و جعله دليلا عليل، لعدم ثبوت كون ذلك منسكا منه، فيحتمل أن يكون أحد وجوه الفعل.

______________________________

(1) كما في المفاتيح 1: 369.

(2) انظر الخلاف 2: 325، و المدارك 8: 128، و الرياض 1: 406.

(3) التهذيب 5: 108- 350 بتفاوت يسير، الوسائل 13: 349 أبواب الطواف ب 27 ح 1.

(4) كما في مسند أحمد 3: 318 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 72

ثمَّ على ما ذكر، لو جعله على يمينه لم يصحّ و وجبت عليه الإعادة، سواء كان عمدا أو جهلا أو نسيانا و لو بخطوة على ما صرّح به بعضهم «1»، و لا يقدح في جعله على اليسار الانحراف اليسير إلى اليمين بحيث لا ينافي صدق الطواف على اليسار عرفا.

و منها: إدخال حجر إسماعيل في الطواف،

بلا خلاف يعلم كما في الذخيرة «2»، بل بالإجماع كما عن الغنية و الخلاف و في المدارك و المفاتيح «3» و شرحه، بل بالإجماع المحقّق، له، و للتأسّي، و للمستفيضة، كصحيحة ابن عمّار «4» المتقدّمة في البدأة بالحجر الأسود.

و البختري: في الرجل يطوف بالبيت [فيختصر في الحجر]، قال:

«يقضي ما اختصر من طوافه» [1].

و الحلبي: رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر كيف يصنع؟ قال: «يعيد الطواف الواحد» «5».

و الأخرى، و هي كالأولى، إلّا أنّ

فيها: «يعيد ذلك الشوط» «6».

______________________________

[1] الكافي 4: 419- 1، الوسائل 13: 356 أبواب الطواف ب 31 ح 2، ما بين المعقوفين، أثبتناه من الوسائل، و بدله في نسخة من الكافي: فاختصر.

______________________________

(1) كالشهيد الثاني في الروضة 2: 248، و صاحب الحدائق 16: 102.

(2) الذخيرة: 628.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 578، الخلاف 2: 324، المدارك 8: 128 المفاتيح 1: 410.

(4) الكافي 4: 419- 2، الفقيه 2: 249- 1198، الوسائل 13: 357 أبواب الطواف ب 31 ح 3.

(5) الفقيه 2: 249- 1197، مستطرفات السرائر: 34- 41، الوسائل 13: 356 أبواب الطواف ب 31 ح 1.

(6) التهذيب 5: 109- 353، الوسائل 13: 356 أبواب الطواف ب 31 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 73

و رواية إبراهيم بن سفيان: امرأة طافت طواف الحجّ فلمّا كانت في الشوط السابع اختصرت فطافت في الحجر و صلّت ركعتي الفريضة وسعت و طافت طواف النساء ثمَّ أتت منى، فكتب عليه السلام «تعيد» «1».

و ليس ذلك لكون الحجر من البيت- كما قيل «2»، بل نسبه في الدروس إلى المشهور «3»، و عليه في الجملة رواية عامّية «4»- لأنّه خلاف الأصحّ، كما دلّ عليه الصحيح «5» و غيره «6».

و هل يجب على من اختصر شوطا إعادة ذلك الشوط خاصّة، أو الطواف رأسا؟

الأصحّ: الأول، وفاقا لجماعة «7»، للأصل، و صحيحة البختري، و صحيحتي الحلبي.

و لا تنافيه صحيحة ابن عمّار، لأنّ الظاهر منها الاختصار في جميع الأشواط، و لا أقلّ من احتماله الكافي في مقام الرد، مع احتمال إرادة خصوص الشوط من الطواف، كما في صحيحة الحلبي الأولى، حيث قال:

«الطواف الواحد».

و لا رواية إبراهيم، لجواز إرادة إعادة الشوط.

______________________________

(1) الفقيه 2: 249- 1199، الوسائل 13: 357 أبواب الطواف

ب 31 ح 4.

(2) في التذكرة 1: 361.

(3) الدروس 1: 394.

(4) انظر سنن الترمذي 2: 181- 877.

(5) الكافي 4: 419- 2، الفقيه 2: 249- 1198، الوسائل 13: 357 أبواب الطواف ب 31 ح 3.

(6) كما في الوسائل 13: 356 أبواب الطواف ب 31.

(7) انظر المدارك 8: 129، و الحدائق 16: 108، و الرياض 1: 406.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 74

و لا يكفي إتمام الشوط من موضع سلوك الحجر، بل تجب البدأة من الحجر الأسود، لصحيحة ابن عمّار، و لأنّه المتبادر من إعادة الشوط.

و منها: أن يطوف سبعة أشواط،

بالإجماع و النصوص المستفيضة «1»، بل المتواترة الآتي طرف منها في طي المسائل الآتية.

و منها: الموالاة بين الأشواط،

ذكرها بعضهم «2»، بل نسبه بعض من تأخّر إلى ظاهر الأصحاب «3».

و استدلّ له بالتأسّي.

و بالأخبار الواردة في إعادة الطواف بدخول البيت أو حدوث الحدث في الأثناء، الآتية في مسألة قطع الطواف «4».

أقول: أما التأسّي: فإثبات الوجوب منه مشكل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 12    74     و منها: الموالاة بين الأشواط، ..... ص : 74

أمّا الأخبار: فهي معارضة مع ما دلّ على عدم اشتراطها في الطواف النفل و في الفرض بعد تجاوز النصف كما يأتي، و بما دلّ على جواز القطع و البناء لغسل الثوب، و لصلاة الفريضة في سعة الوقت، و للوتر، و لقضاء حاجة الأخ و النفس، و عيادة المريض و الاستراحة، و غيرها «5»، ثمَّ البناء على ما فعل.

و مع ذلك، فهي غير دالّة على الموالاة بالمعنى الذي راموه الشامل لعدم الفصل الطويل، و إنّما تدلّ على الإعادة في بعض الصور بالخروج عن المطاف و الاشتغال بأمر آخر.

______________________________

(1) الوسائل 13: 331 أبواب الطواف ب 19.

(2) كما في الدروس 1: 395.

(3) كما في التنقيح الرائع 1: 504، و الرياض 1: 411.

(4) انظر الوسائل 13: 378 أبواب الطواف ب 40 و 41.

(5) انظر الوسائل 13: 378، 388 أبواب الطواف ب 40 و 46.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 75

و منها: إخراج المقام عن الطواف

بأن يكون الطواف بين البيت و المقام، مراعيا قدر ما بينهما من جميع الجهات، على المشهور بين الأصحاب، بل قيل: كاد أن يكون إجماعا «1»، و عن الغنية: الإجماع عليه «2».

لرواية محمّد: عن حدّ الطواف بالبيت الذي من خرج عنه لم يكن طائفا بالبيت، قال: «كان الناس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يطوفون بالبيت و المقام، و أنتم

اليوم تطوفون ما بين المقام و البيت، فكان الحدّ موضع المقام اليوم، فمن جازه ليس بطائف، و الحدّ قبل اليوم و اليوم واحد قدر ما بين المقام و بين [البيت من ] نواحي البيت [كلها]، فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفا بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد، لأنّه طاف في غير حدّ، و لا طواف له» «3».

و إضمارها غير ضائر، و ضعف سندها- لو كان- فالعمل له جابر.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي، فجوّزه خارج المقام مع الضرورة «4»، و عن المختلف و المنتهى و التذكرة الميل إليه «5».

و استدلّ له بموثّقة محمّد الحلبي: عن الطواف خلف المقام، قال:

«ما أحبّ ذلك و ما أرى به بأسا، فلا تفعله إلّا أن لا تجد منه بدّا» «6».

______________________________

(1) الرياض: 406.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 578.

(3) الكافي 4: 413- 1، التهذيب 5: 108- 351، الوسائل 13: 350 أبواب الطواف ب 28 ح 1، ما بين المعقوفين ليس في النسخ، أضفناه من المصادر.

(4) حكاه عنه في المختلف: 288.

(5) المختلف: 288، المنتهى 2: 691، التذكرة 1: 362.

(6) الفقيه 2: 249- 1200، الوسائل 13: 351 أبواب الطواف ب 28 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 76

و لا يخفى أنّ مقتضى الرواية: الجواز مطلقا و لو اختيارا، و لكن مع الكراهة و أنّها ترتفع بالضرورة.

و ظاهر الصدوق الإفتاء به حيث روى الموثّقة «1»، و مال إليه المدارك و الذخيرة و شرح المفاتيح «2».

و لو لا شذوذ القول به- و مخالفته للشهرة القديمة، بل إجماع القدماء، بل مطلقا، لعدم قائل صريح به أصلا و لا ظاهر سوى الصدوق الغير القادح مخالفته في الإجماع- لكان حسنا، إلّا أنّ ما ذكرناه يمنع المصير

إليه، و يخرج الموثّقة عن حيّز الحجيّة.

فالقول الأول هو المفتي به و المعوّل.

ثمَّ- كما أشير إليه- تجب مراعاة المسافة ما بين المقام و البيت من جميع نواحي البيت، كما صرّح به في الرواية المذكورة، و مقتضاها احتساب حجر إسماعيل من المسافة على ما ذكرنا من كونه خارجا عن البيت.

و ذكر جماعة من المتأخّرين: أنّ المسافة تحسب من جهته من خارجه و إن كان خارجا عن البيت «3»، و علّلوه بوجوه عليلة، فالواجب متابعة مقتضى الرواية.

و كذا مقتضاها عدم جواز المشي على أساس البيت المسمّى ب: شاذروان، لكونه من لكونه من البيت على ما ذكره الأصحاب، فيكون الماشي عليه طائفا في البيت، و لأنّه لا يكون ما بين البيت و المقام.

و هل يجوز للطائف مسّ جدار البيت بيده؟

______________________________

(1) الفقيه 2: 132.

(2) المدارك 8: 131، الذخيرة: 628.

(3) انظر التذكرة 1: 362، و المسالك 1: 121، و الروضة 2: 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 77

قيل: لا «1»، لأنّه لا يكون حينئذ بجميع أجزاء بدنه خارجا عن البيت.

و قيل نعم «2»، لأنّ من هذا شأنه يصدق عليه عرفا أنّه طائف بالبيت.

و هو أقرب، لذلك، و للأصل، و أمر الاحتياط واضح.

و ليعلم أنّ المقام حقيقة هو: العمود من الصخر الذي كان إبراهيم عليه السلام يصعد عليه عند بنائه البيت، و عليه اليوم بناء، و المتعارف الآن إطلاق المقام على جميعه.

و هل المعتبر وقوع الطواف بين البيت و بين البناء الذي على المقام الأصلي، أم بينه و بين العمود؟

فيه وجهان، و الأقرب: الثاني، للأصل، و الرواية المذكورة.

و المستفاد منها أيضا أنّ المقام- أعني العمود- تغيّر عما كان في زمن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و أنّ الحكم في

الطواف منوط بمحلّه الآن، و كذا في الصلاة خلفه.

و تدلّ عليه أيضا رواية إبراهيم بن أبي محمود: أصلّي ركعتي الطواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة، أو حيث كان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟ قال: «حيث هو الساعة» «3».

المقام الثاني: في مستحبّاته.
اشاره

الزائدة على ما يستحبّ مقدّما عليه المتقدّم ذكره، و هي أيضا أمور:

منها: استلام الحجر و تقبيله

كلّما ينتهي إليه، و قد مرّ مستنده.

و منها: أن يقصد في مشيه،

بأن لا يسرع و لا يبطئ مطلقا، وفاقا

______________________________

(1) التذكرة 1: 362.

(2) كما في القواعد 1: 83، و كشف اللثام 1: 334.

(3) الكافي 4: 423- 4، التهذيب 5: 137- 453، الوسائل 13: 422 أبواب الطواف ب 71 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 78

للقديمين، و النهاية و الحلبي و الحلّي و الشرائع و النافع «1»، و غيرهم «2»، بل الأكثر كما حكي عن جماعة «3».

لرواية عبد الرحمن بن سيابة: عن الطواف، فقلت: أسرع و أكثر أو أمشي و أبطئ؟ قال: «مشي بين المشيين» «4»، و مرسلة حمّاد بن عيسى «5» المتقدّمة في مسألة استلام الحجر.

و لعدم دلالتهما على الوجوب لم يقل أحد به.

مضافا إلى رواية الأعرج: عن المسرع و المبطئ في الطواف، فقال «كلّ واسع ما لم يؤذ أحد» «6».

و عن المبسوط و القواعد و في الإرشاد: استحباب الرمل «7»- و هو:

الهرولة، كما في الصحاح و القاموس «8»، أو المشي مع تقارب الخطى دون الوثوب و العدو، كما عن الدروس «9»، أو الإسراع، كما عن الأزهري «10»، و لعلّ الكلّ متقارب، كما في الذخيرة «11»- في الأشواط الثلاثة الأولى خاصّة،

______________________________

(1) حكاه عن القديمين في المختلف: 288، النهاية: 237، الحلبي في الكافي في الفقه: 194، الحلي في السرائر 1: 572، الشرائع 1: 269، النافع: 94.

(2) كما في المنتهى 2: 696، و المسالك 1: 122.

(3) المدارك 8: 161، و الرياض 1: 413.

(4) الكافي 4: 413- 1، التهذيب 5: 109- 352، الوسائل 13: 352 أبواب الطواف ب 29 ح 4، بتفاوت يسير في الكافي.

(5) الكافي 4: 412- 3، الوسائل 13: 306 أبواب الطواف ب 5 ح 1.

(6) الفقيه 2: 255-

1238، الوسائل 13: 351 أبواب الطواف ب 29 ح 1.

(7) المبسوط 1: 356، القواعد 1: 83، الإرشاد 1: 325.

(8) الصحاح 4: 1713، القاموس 3: 398.

(9) الدروس 1: 399.

(10) حكاه عنه في الذخيرة: 633، و هو في التهذيب 15: 207.

(11) الذخيرة: 633.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 79

و المشي في الأربعة الباقية في طواف القدوم خاصّة، و هو أول طواف يأتي به القادم إلى مكّة مطلقا.

و قيل: هو الطواف المستحبّ للحاجّ مفردا أو قارنا إذا دخل مكّة قبل الوقوف، كما هو مصطلح العامّة «1».

و عن ابن حمزة: استحباب الرمل في الثلاثة الأشواط الاولى و المشي في الباقي و خاصّة في طواف الزيارة «2».

و مستنده- على ما ذكر في المنتهى «3»- ما روي عن جابر: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله رمل ثلاثا و مشى أربعا «4»، و كذا عن ابن عبّاس عنه «5».

و فيه: أنّ استحباب التأسّي إنّما هو إذا لم يعارض فعله القول و لم تكن لفعله مصلحة و سبب منتف في حقّنا، و الذي يظهر من جملة من الروايات المرويّة في علل الصدوق «6»، و نوادر ابن عيسى «7» أنّ فعله صلّى اللّه عليه و آله ذلك و كذلك أصحابه كان لمصلحة مخصوصة بهم يومئذ، و لذا أنّهم عليهم السلام- بعد نقلهم ذلك عنه- أظهروا له المخالفة.

و منها: أن يذكر اللّه سبحانه في طوافه،

و يدعوه بالمأثور و غيره، و يقرأ القرآن، للعمومات و الخصوصات، منها: مرسلة حمّاد المتقدمة «8».

______________________________

(1) انظر الدروس 1: 400.

(2) الوسيلة: 172.

(3) المنتهى 2: 696.

(4) انظر سنن الترمذي 2: 174- 859 بتفاوت يسير، و المنتهى 2: 696.

(5) سنن أبي داود 2: 179- 1890، المنتهى 2: 696.

(6) علل الشرائع: 412- 1، الوسائل 3: 351 أبواب الطواف

ب 29 ح 2.

(7) فقه الرضا (الحجري): 73، الوسائل 13: 352 أبواب الطواف ب 29 ح 5.

(8) في ص: 67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 80

و صحيحة ابن عمّار: «طف بالبيت سبعة أشواط، تقول في الطواف:

اللّهم إنّي أسألك باسمك الذي يمشي به على طلل الماء» إلى آخر الدعاء، فقال: «و كلّما انتهيت إلى باب الكعبة فصلّ على محمّد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و تقول فيما بين الركن اليماني و الحجر الأسود: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ، و قل في الطواف: اللّهمّ إنّي إليك فقير و إنّي خائف مستجير فلا تغيّر جسمي و لا تبدّل اسمي» [1].

و رواية محمّد بن فضيل: «و طواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلّم فيه إلّا بالدعاء و ذكر اللّه و قراءة القرآن» «1».

و أيّوب: القراءة و أنا أطوف أفضل، أو ذكر اللّه؟ قال: «القراءة» «2».

و عبد السلام: دخلت طواف الفريضة و لم يفتح لي شي ء من الدعاء إلّا الصلاة على محمّد و آل محمّد، و سعيت فكان كذلك، فقال: «ما اعطي أحد ممّن سأل أفضل ممّا أعطيت» «3».

و منها: أن يلتزم المستجار-

و يسمّى بالملتزم و المتعوّذ أيضا، و هو بحذاء الباب من وراء الكعبة دون الركن اليماني بقليل- في الشوط السابع، فيبسط يديه و خدّه على حائطه و يلصق بطنه به، لصحيحة ابن عمّار «4» و موثّقته «5»،

______________________________

[1] الكافي 4: 406- 1، الوسائل 13: 333 أبواب الطواف ب 20 ح 1. و طلل الماء: ظهره- مجمع البحرين 5: 412.

______________________________

(1) التهذيب 5: 127- 417، الاستبصار 2: 227- 785، الوسائل 13: 403 أبواب الطواف ب 54 ح 2 بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 427- 3، الوسائل

13: 403 أبواب الطواف ب 55 ح 1.

(3) الكافي 4: 407- 3، الوسائل 13: 336 أبواب الطواف ب 21 ح 1.

(4) الكافي 4: 411- 5، التهذيب 5: 107- 349، الوسائل 13: 345 أبواب الطواف ب 26 ح 4.

(5) التهذيب 5: 104- 339، الوسائل 13: 347 أبواب الطواف ب 26 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 81

و يدعو بالمأثور فيهما و في صحيحة ابن سنان «1»، و يقرّ للّه عنده بذنوبه و يعدّدها مفصّلة و يستغفر اللّه لها، للصحيحة و الموثّقة المذكورتين، و صحيحة أخرى لابن عمّار، المتضمّنة لفعل أبي عبد اللّه عليه السلام «2».

و لو نسي الالتزام و تجاوز عن الملتزم، قيل: رجع و التزم «3»، لعموم جملة من النصوص «4»، و عدم لزوم زيادة في الطواف، لأنّه لا ينوي بالزائد الطواف.

و قيل: لا يرجع «5»، لمنع العموم المذكور، و لزوم الزيادة المنهيّ عنها، لعدم تقييد النهي عنها بالنيّة.

أقول: صحيحة ابن عمّار و موثّقته و إن لم تكونا عامّتين و لا مطلقتين- لتعليق الحكم فيهما بما إذا انتهى إلى الملتزم فلا يشمل ما إذا تجاوز عنه، و الرجوع عودا و قضاء محتاج إلى دليل- و لكن صحيحة ابن سنان مطلقة تصلح لإثبات الحكم، و لا يعارضها لزوم الزيادة، إذ يأتي في بحث الأحكام أنّ المنهيّ عنها ما كان بقصد الطواف.

إلّا أنّه تعارضها صحيحة ابن يقطين: عمّن نسي أن يلتزم في آخر طوافه حتى جاز الركن اليماني، أ يصلح أن يلتزم بين الركن اليماني و بين الحجر، أو يدع ذلك؟ قال: «يترك اللزوم» «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 410- 3، التهذيب 107- 347، الوسائل 13: 344 أبواب الطواف ب 26 ح 1.

(2) الكافي 4: 410- 4،

الوسائل 13: 346 أبواب الطواف ب 26 ح 5.

(3) المختصر النافع: 94.

(4) الوسائل 13: 344 أبواب الطواف ب 26.

(5) كما في التهذيب 5: 108.

(6) التهذيب 5: 108- 350 و فيه: «يترك الملتزم»، الوسائل 13: 349 أبواب الطواف ب 27 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 82

دلّت على رجحان ترك اللزوم المنافي لاستحبابه المستفاد من إطلاق صحيحة ابن سنان، فيقيّد الإطلاق بما إذا لم يتجاوز.

نعم، هي مقيّدة بصورة التجاوز عن الركن، فترجيح ترك اللزوم المستفاد منها إنّما هو في هذه الصورة، فلا معارض للإطلاق فيما دونه، و لذا استحسن في الدروس و المدارك الرجوع إذا لم يبلغ الركن «1»، و هو جيّد.

و منها: أن يستلم الركنين الأعظمين:

العراقي و اليماني، بالإجماع و المستفيضة، كرواية الشّحام: كنت أطوف مع أبي عبد اللّه عليه السلام، و كان إذا انتهى إلى الحجر مسحه بيده و قبّله، و إذا انتهى إلى الركن اليماني التزمه «2».

و أبي مريم: كنت مع أبي جعفر عليه السلام أطوف فكان لا يمرّ في طواف من طوافه بالركن اليماني إلّا استلمه، ثمَّ يقول: «اللّهم تب عليّ حتى أتوب و اعصمني حتى لا أعود» «3».

و صحيحة ابن سنان، و فيها: «إذا كنت في الطواف السابع» إلى أن قال: «ثمَّ استلم الركن اليماني، ثمَّ ائت الحجر فاختم به» «4».

و الأخبار الآتية بعضها، المتضمّنة لاستلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لهذين الركنين.

بل يستحبّ استلام الأركان الأربعة، لصحيحة الخراساني: أستلم

______________________________

(1) الدروس 1: 402، المدارك 8: 165.

(2) الكافي 4: 408- 10، الوسائل 13: 338 أبواب الطواف ب 22 ح 3 و فيه: كنت أطوف مع أبي، و كان إذا ..

(3) الكافي 4: 409- 14، الوسائل 13: 334 أبواب الطواف ب 20 ح

4.

(4) الكافي 4: 410- 3، التهذيب 5: 107- 347، الوسائل 13: 344 أبواب الطواف ب 26 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 83

اليماني و الشامي [و العراقي ] و الغربي؟ قال: «نعم» «1».

و جميل بن صالح، و فيها: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يستلم الأركان كلّها «2».

و حسنة الكاهلي: «طاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على ناقته العضباء [1]، و جعل يستلم الأركان بمحجنه و يقبّل المحجن» «3».

و الخلاف هنا في موضعين:

أحدهما: في استلام الركنين الآخرين، فلم يستحبّهما الإسكافي «4» [1]، لرواية غياث بن إبراهيم المصرّحة بأنّه: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يستلم إلّا الركن الأسود و اليماني» «5».

و صحيحة جميل بن صالح، و فيها- بعد ذكر عدم استلام رسول اللّه لهما-: «إنّ رسول اللّه استلم هذين و لم يعرض لهذين، فلا تعرض لهما، إذ لم يعرض لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» «6».

______________________________

[1] الناقة العضباء: مشقوقة الاذن، أو هو علم لها- مجمع البحرين 2: 123، النهاية الأثيرية 3: 251.

[2] في «ق» و «س» زيادة: بل منعه، و عليه الفقهاء الأربعة.

______________________________

(1) التهذيب 5: 106- 343، الاستبصار 2: 216- 743، الوسائل 13: 344 أبواب الطواف ب 25 ح 2، و ما بين المعقوفين أثبتناه من الوسائل.

(2) الكافي 4: 408- 9، التهذيب 5: 106- 342، الوسائل 13: 337 أبواب الطواف ب 22 ح 1.

(3) الكافي 4: 429- 16، الوسائل 13: 441 أبواب الطواف ب 81 ح 1.

(4) حكاه عنه في المختلف: 290.

(5) الكافي 4: 408- 8، التهذيب 5: 105- 341، الاستبصار 2: 216- 744، الوسائل 13: 337 أبواب الطواف ب 22 ح 2.

(6) الكافي 4: 408- 9،

التهذيب 5: 106- 342، الوسائل 13: 337 أبواب الطواف ب 22 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 84

و أجيب عنهما: بأنّهما حكاية فعل الرسول صلّى اللّه عليه و آله فلعلّه لأقلّية الفضل بالنسبة إلى الركنين الأعظمين، و لم يقل إنّ استلامهما محظور أو مكروه «1».

و فيه: أنّ الأخيرة تتضمّن قوله للسائل: «فلا تعرض لهما»، و هو إمّا يفيد الحظر أو الكراهة، فالأولى الجواب بالمعارضة مع ما سبق، و ترجيح ما سبق بمخالفة العامّة.

و الثاني: في استحباب استلام الركن اليماني، فأوجبه الديلمي «2»، للأمر به من غير معارض.

و أجيب بعدم الأمر به، بل غايته بيان فعلهم عليه السلام، و هو أعمّ من الوجوب «3».

و فيه: أنّ صحيحة ابن سنان متضمّنة للأمر المفيد للوجوب، فالأولى أن يجاب عنه بشذوذ الدالّ على الوجوب، فلا ينهض حجّة إلّا لإثبات الرجحان.

و المراد باستلام الأركان: التزامها و إلصاق البطن عليها، كما صرّح به في صحيحة يعقوب بن شعيب «4» المتقدّمة في استلام الحجر، فإنّ المستفاد منها أنّ المراد من الاستلام للركن- حيث يطلق في الأخبار «5»- الالتزام، و تؤكّده رواية الشحّام «6» المتقدّمة.

و يستحبّ الدعاء عند الركن اليماني و طلب الحاجات.

______________________________

(1) الرياض 1: 414.

(2) المراسم: 110.

(3) كما في الرياض 1: 414- 415.

(4) الكافي 4: 404- 1، الوسائل 13: 324 أبواب الطواف ب 15 ح 2.

(5) الوسائل 13: 337 أبواب الطواف ب 22.

(6) الكافي 4: 408- 10، الوسائل 13: 338 أبواب الطواف ب 22 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 85

ففي رواية السندي: «إنّه ما من مؤمن يدعو عنده إلّا صعد دعاؤه حتى يلصق بالعرش ما بينه و بين اللّه حجاب» «1».

و في روايتي العلاء بن المقعد: «إنّ

اللّه عزّ و جلّ وكّل بالركن اليماني ملكا هجيرا يؤمّن على دعائكم» «2».

و يستحبّ أن يدعو عنده بعد استلامه بما في رواية أبي مريم المتقدّمة، و أن يصلّي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كلما بلغه، لحسنة البختري «3».

و منها: أن يصلّي على النبي و آله كلّما انتهى إلى باب الكعبة،

لموثّقة ابن عمّار «4».

و أن يرفع رأسه إذا بلغ حجر إسماعيل قبل أن يبلغ الميزاب، و ينظر إلى الميزاب، و يقول: اللّهم أدخلني الجنّة برحمتك، و أجرني من النار برحمتك، و عافني من السقم، و أوسع عليّ من الرزق الحلال، و ادرأ عنّي شرّ فسقة الجنّ و الإنس و شرّ فسقة العرب و العجم، لرواية عمرو بن عاصم «5»، و صحيحة عاصم بن حميد «6».

و أن يدعو إذا انتهى إلى ظهر الكعبة حين يجوز حجر إسماعيل بما في صحيحة ابن أذينة، و هو «يا ذا المنّ و الطول و الجود و الكرم إنّ عملي

______________________________

(1) الكافي 4: 409- 15، التهذيب 5: 106- 344، الوسائل 13: 342 أبواب الطواف ب 23 ح 6.

(2) الكافي 4: 408- 11 و 12، الوسائل 13: 341 أبواب الطواف ب 23 ح 1 و 2، بتفاوت يسير في الثانية.

(3) الكافي 4: 409- 16، الوسائل 13: 337 أبواب الطواف ب 21 ح 3.

(4) الكافي 4: 406- 1، التهذيب 5: 104- 339، الوسائل 13: 333 أبواب الطواف ب 20 ح 1.

(5) الكافي 4: 407- 5، الوسائل 13: 334 أبواب الطواف ب 20 ح 5.

(6) التهذيب 5: 105- 340، الوسائل 13: 334 أبواب الطواف ب 20 ذيل الحديث 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 86

ضعيف فضاعفه لي و تقبّله مني إنّك أنت السميع العليم» «1».

و أن يقول بين الركن اليماني و الحجر: رَبَّنا

آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ، لصحيحتي ابن سنان «2» و ابن عمّار «3».

فائدتان:
الأولى: يستحبّ التطوّع بثلاثمائة و ستين طوافا،

كلّ طواف سبعة أشواط بلا خلاف.

لصحيحة ابن عمّار: «يستحبّ أن تطوف ثلاثمائة و ستين أسبوعا عدد أيّام السنة، فإن لم تستطع فثلاثمائة و ستين شوطا، فإن لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف» «4».

و نحوها الرضوي، إلّا أنّ أوله: «يستحبّ أن يطوف الرجل بمقامه بمكّة» «5».

و الظاهر أنّ استحباب ذلك في مدّة الإقامة بمكّة لمن دخله حاجّا و يسافر عنه، كما هو الظاهر من الخطاب في الصحيحة إلى ابن عمّار و المصرّح به في الرضوي، و لو لم يخرج فالظاهر من قوله: «عدد أيام السنة» استحباب ذلك في عامه أو في كلّ عام، كذا قيل «6»، و لا بأس به.

______________________________

(1) الكافي 4: 407- 6، الوسائل 13: 335 أبواب الطواف ب 20 ح 6.

(2) الكافي 4: 408- 7، الوسائل 13: 334 أبواب الطواف ب 20 ح 2.

(3) الكافي 4: 406- 1، الوسائل 13: 333 أبواب الطواف ب 20 ح 1.

(4) الكافي 4: 429- 14، الفقيه 2: 255- 1236، التهذيب 5: 135- 445، الوسائل 13: 308 أبواب الطواف ب 7 ح 1.

(5) فقه الرضا (عليه السلام): 220، مستدرك الوسائل 9: 377 أبواب الطواف ب 6 ح 1.

(6) الرياض 1: 415.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 87

و لو لم يستطع- لضيق الوقت أو مانع آخر- فيطوف بهذا العدد أشواطا، فتكون جميع الأشواط واحدا و خمسين طوافا و ثلاثة أشواط، و ينوي بكلّ سبعة أشواط طوافا، و تبقى في الآخر عشرة يجعلها أيضا طوافا واحدا على المشهور.

و لا بأس بالزيادة، لأنّها ليست من القرآن المكروه في النافلة، لأنّه

لا يكون إلّا بين أسبوعين، و لو كان فيكون هذا مستثنى بالنصّ، و أمّا مطلق الزيادة فكراهته في النقل «1» غير ثابتة، فمتى ثبت من الشرع تكون مستحبّة.

و قال ابن زهرة «2»: يضمّ أربعة أشواط أخر، لتكمل الثلاثة الأخيرة أيضا أسبوعا و لم تحصل الزيادة و لا القران.

و استدلّ برواية أبي بصير الصحيحة عمّن أجمعت العصابة على صحّة ما يصحّ عنه: «يستحبّ أن يطاف بالبيت عدد أيّام السنة كلّ أسبوع لسبعة أيّام، فذلك اثنان و خمسون أسبوعا» «3»، بحمل الروايتين الأوليين على هذه من جهة عدم نفيهما للزيادة.

و فيه: أنّ هذه الرواية لا تخلو عن إجمال، حيث دلّ صدرها على عدد أيّام السنة، و حملها على السنة الشمسيّة بعيد، مع أنّها أيضا لا تطابق الثلاثمائة و الأربعة و الستّين في الأكثر، فيحتمل نوع تجوّز في ذيلها، فتأمّل.

الثانية: لا خلاف في جواز الكلام في أثناء الطواف

بما يريد من أمور الدنيا و الآخرة، و في المنتهى: ادّعاء الإجماع عليه «4»، و يدلّ عليه الأصل

______________________________

(1) في «س»: النفل.

(2) حكاه عنه في المختلف: 292، و الرياض 1: 415.

(3) التهذيب 5: 471- 1655، الوسائل 13: 308 أبواب الطواف ب 7 ذيل الحديث 2.

(4) المنتهى 2: 701.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 88

السالم عن المعارض، و صحيحة ابن يقطين: عن الكلام في الطواف و إنشاد الشعر و الضحك في الفريضة أو غير الفريضة، أ يستقيم ذلك؟ قال:

«لا بأس به، و الشعر ما كان لا بأس به منه» «1».

نعم، يكره الكلام فيه، لفتوى الأصحاب، و النبوي العامّي: «الطواف بالبيت صلاة، فمن تكلّم فلا يتكلّم إلّا بخير» «2».

و رواية محمّد بن فضيل: «طواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلّم فيه إلّا بالدعاء و ذكر اللّه و قراءة القرآن»، قال: «و

النافلة يلقى الرجل أخاه فيسلّم عليه و يحدّثه بالشي ء من أمر الدنيا و الآخرة لا بأس به» «3».

لكن مقتضى الأخيرة اختصاص الكراهة بالفريضة، و قد يعمّم، لحكم العقل بمساواة النافلة للفريضة في الكراهة، و لكراهة مطلق التكلّم في المسجد.

و فيهما نظر، و يمكن الحمل بتفاوت مراتب الكراهة، و اللّه يعلم.

______________________________

(1) التهذيب 5: 127- 418، الاستبصار 2: 227- 784، الوسائل 13: 402 أبواب الطواف ب 54 ح 1.

(2) سنن الدارمي 2: 44 بتفاوت يسير.

(3) التهذيب 5: 127- 417، الاستبصار 2: 227- 785، الوسائل 13: 403 أبواب الطواف ب 54 ح 2 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 89

البحث الثالث في أحكامه
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: قال جماعة: تحرم الزيادة على سبعة أشواط
اشاره

في الطواف الواجب، بمعنى: أن يطوف ثمانية أشواط مثلا قاصدا كونه طوافا واحدا، أو أربعة عشر شوطا كذلك بأن يجعل المجموع طوافا واحدا، و هذا غير القرآن الآتي حكمه، فإنّه وصل طوافين من غير فصل ركعتي الطواف بينهما و اعتقاد كونهما طوافين.

بل هو المشهور بين الأصحاب، كما في المنتهى و الذخيرة «1»، و في المدارك: أنّه المعروف من مذهب الأصحاب «2»، بل قيل: إنّ ظاهرهم الاتّفاق على الحكم المذكور إلّا نادرا «3».

و استدلّ له بصحيحة ابن سنان «4» و رواية ابن عمّار «5»، المتقدّمتين في ختم الطواف بالحجر الأسود.

و برواية عبد اللّه بن محمّد: «الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل

______________________________

(1) المنتهى 2: 699، الذخيرة: 636.

(2) المدارك 8: 138.

(3) الرياض 1: 408.

(4) الكافي 4: 410- 3، التهذيب 5: 107- 347، الوسائل 13: 344 أبواب الطواف ب 26 ح 1.

(5) الكافي 4: 419- 2، الفقيه 2: 249- 1198، الوسائل 13: 357 أبواب الطواف ب 31 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 90

الصلاة، فإذا زدت عليها فعليك الإعادة، و كذا السعي» «1».

و رواية أبي كهمش: عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط، قال: «إن ذكر قبل أن يبلغ الركن فليقطعه و قد أجزأ عنه، و إن لم يذكر حتى يبلغه فليتمّ أربعة عشر شوطا، و ليصلّ أربع ركعات» «2».

فإنّ وجوب القطع لا يكون إلّا مع تحريم الزيادة، و ورودها في الناسي غير ضائر، للأولويّة و الإجماع المركّب. و لا الأمر بالإتمام لو تجاوز عن الركن، لأنّه حكم ثبت في الناسي بالدليل و لا يثبت منه في العامد.

و موثّقة أبي بصير، و فيها: أنّه قد طاف و هو متطوّع ثمان مرّات و هو ناس، قال:

«فليتمّه طوافين ثمَّ يصلّي أربع ركعات، أمّا الفريضة فليعد حتى يتمّ سبعة أشواط» «3».

و أمّا الاستدلال بصحيحة أبي بصير: عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض، قال: «يعيد حتى يثبته» «4».

بالثاء المثلّثة و الباء المفردة و التاء المثنّاة الفوقانيّة- من الإثبات- كما في بعض النسخ.

و بالتاء المثنّاة الفوقانيّة و الباء المفردة و الياء المثنّاة التحتانيّة و النون أخيرا- على صيغة التفعّل- كما في بعض آخر.

______________________________

(1) التهذيب 5: 151- 498، الاستبصار 2: 239- 831، الوسائل 13: 366 أبواب الطواف ب 34 ح 11 بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 418- 10 و فيه صدر الحديث، التهذيب 5: 113- 367، الاستبصار 2: 219- 753، الوسائل 13: 364 أبواب الطواف ب 34 ح 3، 4.

(3) الكافي 4: 417- 6، التهذيب 5: 114- 371، الوسائل 13: 364 أبواب الطواف ب 34 ح 2.

(4) الكافي 4: 417- 5، الوسائل 13: 363 أبواب الطواف ب 34 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 91

و: «حتى يستتمّه»- كما في التهذيب بإسناده المختصّ به من الاستتمام- فغير جيّد، لجواز أن يكون المراد منه إتمام طواف آخر، بل هو الظاهر من قوله «حتى يستتمّه»، مضافا إلى عدم دلالة «يعيد» على الوجوب.

و الإيراد على الأوليين بأنّ مقتضاهما كون منتهى الطواف الوصول إلى الحجر، و ذلك لا ينافي الزيادة الخارجة من الطواف، و على الثانيتين بقصور السند.

مردود بأنّ المراد من الزيادة الخارجة إن كان من غير الطواف فلا كلام فيه، و إن كان من الطواف فمنافاتها للختم بالحجر ظاهرة، فإنّه لا يصدق الختم بالحجر، سيّما مع قصد كون الزيادة جزءا من الأول، كما هو المفروض.

و بأنّ ضعف السند غير ضائر، مع أنّ ما ذكر له جابر.

و ظاهر

المدارك و الذخيرة الميل إلى عدم التحريم «1»، للأصل.

مضافا إلى الأخبار المصرّحة بأنّ من زاد شوطا يضيف إليه ستّة و يجعلهما طوافين، من غير تفصيل بين السهو و العمد، إمّا مطلقا، كصحيحة محمّد «2» و رفاعة «3»، أو في خصوص الفريضة، كصحيحتي محمّد «4» و الخزّاز «5»، و لو كانت الزيادة محرّمة لما جاز ذلك، لاقتضاء النهي

______________________________

(1) المدارك 8: 138، 139، الذخيرة: 636.

(2) التهذيب 5: 472- 1661، الوسائل 13: 366 أبواب الطواف ب 34 ح 12.

(3) التهذيب 5: 112- 363، الاستبصار 2: 218- 749، الوسائل 13: 365 أبواب الطواف ب 34 ح 9.

(4) التهذيب 5: 152- 502، الاستبصار 2: 240- 835، الوسائل 13: 366 أبواب الطواف ب 34 ح 10.

(5) الفقيه 2: 248- 1191، الوسائل 13: 367 أبواب الطواف ب 34 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 92

فساد الزائد لا أقلّ منه، و حملها على الساهي حمل بلا دليل.

و الاستشهاد برواية أبي كهمش المتقدّمة، و صحيحة ابن سنان: «من طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن فليتمّ أربعة عشر شوطا، ثمَّ يصلّي ركعتين» «1».

غير سديد، لأنّهما تدلّان على أنّ الناسي يفعل كذلك لا على التخصيص به.

و إلى ما دلّ على زيادة علي عليه السلام- مع كونه معصوما عن السهو و النسيان- كصحيحتي ابن وهب و زرارة:

الاولى: «إنّ عليّا عليه السلام طاف ثمانية فزاد ستّة، ثمَّ ركع أربع ركعات» «2».

و الثانية: «إنّ عليّا عليه السلام طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة و بنى على واحد و أضاف إليها ستّة، ثمَّ صلّى ركعتين خلف المقام، ثمَّ خرج إلى الصفا و المروة، فلما فرغ من السعي بينهما رجع فصلّى الركعتين اللتين ترك في المقام الأول» «3».

و

حمل فعله عليه السلام على التعليم بارد، و على التقيّة فاسد، لعدم داع عليها.

أقول: يمكن الجواب عن الأخيرتين بأنّ فعل علي عليه السلام لعلّه من باب القران، إمّا بين النافلتين- كما تحتمله أولاهما- أو الفريضة و النافلة- كما

______________________________

(1) التهذيب 5: 112- 364، الاستبصار 2: 218- 750، الوسائل 13: 364 أبواب الطواف ب 34 ح 5، بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 5: 112- 365، الاستبصار 2: 218- 751، الوسائل 13: 365 أبواب الطواف ب 34 ح 6.

(3) التهذيب 5: 112- 366، الاستبصار 2: 218- 752، الوسائل 13: 365 أبواب الطواف ب 34 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 93

تحتمله ثانيتهما- و هما جائزان كما يأتي، و من أين علم أن قصده الزيادة في الطواف الواحد حتى يكون من مفروض المسألة؟! و أمّا البواقي فلو قطع النظر عن ظهورها في الساهي- كما لا يخفى على من تأمّلها، سيّما مع ملاحظة صحيحة ابن سنان و رواية أبي كهمش المتقدمتين- فغايتها التعارض مع ما مرّ.

فإن رجّحنا ما مرّ بالأشهرية فتوى و الأتميّة دلالة و الأحدثية في بعضه رواية، و إلّا- فلعدم قول بالتخيير- يرجع إلى الأصل، و هو مع القول الأول، لأنّ الطواف عبادة محتاجة إلى التوقيف، و لم يثبت الطواف الزائد عن السبعة أو الناقص عنها.

فإذن الحقّ هو القول الأول، سواء نوى الزيادة في بدو الطواف أو في أثنائه قبل إكمال السبعة أو بعده، لإطلاق الأدلّة، و سواء كانت الزيادة كثيرة أو قليلة حتى خطوة، لما ذكر.

نعم، يشترط أن ينوي بالزيادة كونها من الطواف، و إلّا فلا يضرّ، لعدم صدق الزيادة في الطواف معه.

هذا كلّه إذا كانت الزيادة عمدا، سواء كان مع العلم بالحكم أو الجهل.

و لو كانت

سهوا، فإن لم يبلغ الركن الأول فليقطع الشوط وفاقا للأكثر، كما نصّ عليه بعض من تأخّر «1»، لرواية أبي كهمش المتقدّمة.

و إطلاق بعض العبارات «2»، يقتضي عدم الفرق بين بلوغه و عدم بلوغه في وجوب الإتمام أربعة عشر، لقوله في صحيحة ابن سنان السابقة: «حتى

______________________________

(1) كصاحب الرياض 1: 410.

(2) انظر النهاية: 237، و النافع: 93.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 94

يدخل في الثامن»، و لا يخفى أنّه أعمّ مطلقا من الأولى، فيجب التخصيص بها.

و إن بلغه أتمّها أربعة عشر شوطا و يجعلهما طوافين، للأخبار المتقدّمة المشار إليها.

خلافا للمحكيّ عن الصدوق «1»، و بعض مشايخ والدي «2»- رحمه اللّه- فحكما هنا أيضا بالبطلان، لبعض ما مرّ دليلا للقول الأول، سيّما رواية أبي بصير المقيّدة بالناسي، و لصحيحة ابن سنان المتقدّمة المكتفية بذكر ركعتين الدالّة على بطلان أحد الطوافين، و إلّا كان يأمر بأربع ركعات.

و أظهر منها صحيحة رفاعة المتقدّمة الإشارة إليها: «إذا طاف ثمانية فليتمّ أربعة عشر»، قلت: يصلّي أربع ركعات؟ قال: «يصلي ركعتين» «3».

و يحملان جميع أخبار الإتمام أربعة عشر شوطا إمّا على النافلة أو على البطلان.

و يجاب: أمّا عمّا مرّ فبالإطلاق الشامل للعمد و السهو الواجب تخصيصه بغير الأخير، لخصوص رواية أبي كهمش المنجبر ضعفها- لو كان- بالعمل، التي لا يمكن حملها على البطلان، للأمر فيها بأربع ركعات.

و أمّا عن صحيحة ابن سنان فبأنّ عدم ذكر الركعتين لأخيرتين لا يدلّ على انتفائهما، فلعلّه لم يذكرهما لعدم وجوبهما، حيث إنّ أحد الطوافين يكون نفلا قطعا، أو المراد الركعتين قبل السعي أو عند المقام- كما صرّح به في بعض تلك الروايات- أو لكلّ طواف.

و منه يظهر الجواب عن صحيحة رفاعة، مع أنّهما معارضتان بأصرح

______________________________

(1) المقنع:

85.

(2) كصاحب الحدائق 16: 186.

(3) التهذيب 5: 112- 363، الاستبصار 2: 218- 749، الوسائل 13: 365 أبواب الطواف ب 34 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 95

منهما دلالة على الأمر بأربع ركعات، كرواية أبي كهمش، و رواية عليّ بن أبي حمزة «1»، و صحيحتي الخزّاز و ابن وهب، و بعضها صريحة في الفريضة «2».

و منه يظهر بطلان الحمل الذي ذكراه أيضا، سيّما مع التصريح في رواية عليّ بن أبي حمزة و مرسلة الفقيه «3»، بأنّ أحد الطوافين فريضة و الآخر تطوّع.

و أمّا إبطال ذلك الحمل- بأنّه يقتضي الأمر بخمسة عشر شوطا دون الأربعة عشر، كما في أكثر هذه الأخبار، لبطلان الثامن على ذلك أيضا- فضعيف، لجواز عدم قولهم ببطلان الزيادة في صورة السهو و إن قالوا ببطلان ما زيد عليه.

ثمَّ إنّه هل يكون الفريضة هو الطواف الأول، كما حكي عن الفاضل و الشهيدين «4»، لأصالة بقاء الأول على كونه فريضة بحسب ما اقتضته النيّة، و لظهور بعض الأخبار في ذلك «5»؟

أو الثاني، كما حكي عن الصدوق و الإسكافي «6»، و هو ظاهر النافع «7»، لمرسلة الفقيه و الرضوي «8» الناصّين على ذلك؟

الأظهر: الثاني، لما ذكر، و به يخرج عن الأصل. و تظهر الفائدة في

______________________________

(1) الفقيه 2: 248- 1193، التهذيب 5: 469- 1644، الوسائل 13: 367 أبواب الطواف ب 34 ح 15.

(2) المتقدمة في ص: 91 و 92.

(3) الفقيه 2: 248- 1192، الوسائل 13: 367 أبواب الطواف ب 34 ح 14.

(4) الفاضل في المختلف: 289، الشهيد الأول في الدروس 1: 407، الشهيد الثاني في الروضة 2: 250.

(5) انظر الهامش رقم 1 أعلاه.

(6) الصدوق في الفقيه 2: 248، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 289.

(7) النافع:

93.

(8) فقه الرضا (عليه السلام): 220، المستدرك 9: 399 أبواب الطواف ب 24 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 96

جواز قطع الثاني و عدمه، و في أحكام الشك.

و يصلّى للطوافين أربع ركعات: اثنتان قبل السعي و اثنتان بعده ندبا على الأظهر، وفاقا لبعض من تأخر «1».

و قيل: وجوبا «2»، لفعل علي عليه السلام لذلك «3»، و رواية عليّ بن أبي حمزة، و المروي في السرائر «4»، و الرضوي.

و غير الأخير لا يدلّ على الوجوب أصلا، و الأخير و إن دلّ عليه إلّا أنّه ضعيف لم يعلم انجباره.

فرعان:
أ: اعلم أنّ مقتضى تقييد الأكثر بالطواف الواجب: عدم حرمة الزيادة في الندب

عمدا، و هو ينافي توقيفيّة العبادة.

إلّا أن يقال: إنّ غايتها الإبطال الغير المحرّم في المندوب، و أمّا التشريع فقد بيّنا في عوائد الأيّام أنّ مثل ذلك ليس تشريعا محرّما «5».

ب- إنّما تحصل الزيادة المنهيّ عنها إذا قصد بها الطواف

دون ما إذا قصد غيره «6»، لعدم ثبوت الأزيد منه من روايات حرمة الزيادة «7»، و لأنّه لو لا ذلك للزم عدم جواز التجاوز عن الحجر الأسود بعد تمام الطواف.

______________________________

(1) المدارك 8: 171.

(2) كما في الحدائق 16: 212، الرياض 1: 410.

(3) راجع ص: 92.

(4) مستطرفات السرائر: 33- 38، الوسائل 13: 367 أبواب الطواف ب 34 ح 16.

(5) عوائد الأيام: 112 و 113.

(6) في «س» زيادة: للأصل و قوله: «إنّما الأعمال» و.

(7) الوسائل 13: 363 أبواب الطواف ب 34.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 97

و يظهر من بعض مشايخنا «1» حصول الزيادة مطلقا، لإطلاق النص.

و هو ضعيف جدّا، لمنع الإطلاق بالمرّة.

المسألة الثانية: لو طاف و في ثوبه أو بدنه نجاسة،

فالحكم- على القول بعدم اشتراط الطهارة- واضح، و على القول الآخر يعيد الطواف مع التعمّد في ذلك، و الوجه فيه واضح.

و كذا مع الجهل بالحكم إذا كان مقصّرا دون ما إذا لم يكن كذلك، لارتفاع النهي المقتضي للفساد.

و لا يعيد مع عدم العلم بالنجاسة أو نسيانها حتى فرغ على الأقوى الأشهر، للامتثال المقتضي للإجزاء، و عدم دليل على الاشتراط حتى في تلك الصورة، و إطلاق مرسلة البزنطي «2» المتقدّمة في مسألة اشتراط إزالة النجاسة.

و استشكل بعضهم في صورة النسيان، لخبر التسوية بين الصلاة و الطواف، و قصور المرسلة سندا.

و يردّ الأول: بمنع عموم التسوية.

و الثاني: بعدم ضيره، سيّما مع صحّتها عمّن أجمعوا على تصحيح ما يصح عنه، و انجبارها بالشهرة.

و لو علم بها في الأثناء أزال النجاسة استحبابا أو وجوبا- على اختلاف القولين- و أتمّ الباقي، لموثّقة «3» يونس «4» المتقدّمة في المسألة المذكورة.

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 408.

(2) الفقيه 2: 308- 1532، التهذيب 5: 126- 416، الوسائل 13: 399 أبواب الطواف ب 52 ح

3.

(3) في «س»: لمرسلة يونس، و قد تقدّمت أيضا، و هي في الفقيه 2:

246- 1183، الوسائل 13: 399 أبواب الطواف ب 52 ح 1.

(4) التهذيب 5: 126- 415، الوسائل 13: 399 أبواب الطواف ب 52 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 98

و رواية حبيب بن مظاهر: ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه، فخرجت فغسلته، ثمَّ جئت فابتدأت الطواف، فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السلام، فقال: «بئس ما صنعت، كان ينبغي لك أن تبني على ما طفت، أما إنّه ليس عليك شي ء» [1].

و إطلاق الأول- كنصّ الثاني- يقتضي عدم الفرق بين ما لو توقّفت الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف و عدمه، و لا بين أن يقع العلم بعد تجاوز النصف أو قبله.

خلافا للمحكيّ عن الشهيدين «1»، فجزما بوجوب الاستئناف مع التوقّف المذكور و عدم إكمال أربعة أشواط.

لثبوت ذلك مع الحدث في أثناء الطواف.

و لعموم ما دلّ على أنّ قطع الطواف قبل التجاوز يوجب الاستئناف «2».

و الأول: قياس مردود.

و الثاني: بما مرّ مخصوص، مع أنّ في العموم المذكور- بحيث يشمل محل النزاع- نظرا، بل و كذلك في وجوده، إذ لم نعثر على عامّ يشمل ذلك المورد أيضا دالّ على الإعادة قبل النصف.

و مفهوم التعليل- الآتي في مسألة قطع الطواف- غير مثبت إلّا بإعانة الأصل الغير الصالح لمقاومة شي ء، و لو سلّم فغايته التعارض الموجب للرجوع إلى أصالة بقاء صحّة ما فعل و عدم وجوب الاستئناف.

______________________________

[1] الفقيه 2: 247- 1188، الوسائل 13: 379 أبواب الطواف ب 41 ح 2 و فيه:

لأبي عبد اللّه الحسين عليه السلام، و فيهما بتفاوت يسير.

______________________________

(1) الشهيد الأول في الدروس 1: 405، الشهيد الثاني

في المسالك 1: 122.

(2) الوسائل 13: 378 أبواب الطواف ب 41.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 99

المسألة الثالثة: لو شكّ في أثناء الطواف في الطهارة عن الحدث،

فعن التذكرة: وجوب التطهّر و الاستئناف مطلقا «1»، و لو شكّ فيها بعد الفراغ يمضي و لا يستأنف.

و في المدارك: أنّ الحقّ أنّ الشكّ إن كان بعد يقين الحدث وجبت عليه الإعادة مطلقا، و إن كان بعد يقين الطهارة لم تجب الإعادة كذلك «2».

و هو الصحيح الموافق للأصول، إلّا أنّ في الإعادة بعد الفراغ في الصورة الأولى أيضا نظرا، لما عرفت من أنّ الأصل في اشتراط الطهارة الإجماع المنتفي في هذه الصورة، مضافا إلى ما دلّ على عدم الالتفات إلى الشكّ بعد الفراغ.

المسألة الرابعة: هل يجوز قطع الطواف قبل إتمامه، أم لا؟

الظاهر: نعم، للأصل و الأخبار الآتية المجوّزة للقطع لمطلق الحاجة، و عيادة المريض، و دخول وقت الفريضة و لو مع السعة، و نحو ذلك.

و مع القطع يعمل بما عليه من الإعادة و البناء.

و هل يجوز مع القطع تركه و عدم البناء عليه مطلقا لو كان الطواف نفلا؟

الظاهر: نعم، للأصل، و أمّا الفرض فسيأتي حكمه.

المسألة الخامسة: لا شك في أنّه لا يكون الطواف أقلّ من سبعة أشواط،
اشاره

و لم يوظّف من الشرع أنقص منها.

فلو نقص أحد في طوافه- بأن يطوف أشواطا أقلّ من سبعة، و ترك الطواف بأن يشتغل بأمر آخر أو يجلس أو يخرج عن المطاف، و بالجملة

______________________________

(1) التذكرة 1: 364.

(2) المدارك 8: 141.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 100

بحيث لا يعدّ طائفا حينئذ- فإمّا يكون عن عمد، أو سهو و نسيان، أو علّة و عذر، كحيض أو مرض أو حدث، أو لدخول وقت فريضة، أو لحدوث خبث في الثوب أو البدن.

و على التقادير: إمّا يكون في طواف فرض أو نفل، و على التقادير:

إمّا يكون القطع و النقص قبل مجاوزة النصف أو بعدها، فهذه عشرون قسما.

ففي الأول:- أي ما كان عن عمد في طواف فرض قبل مجاوزة النصف- يجب عليه استئناف الطواف و عدم الاعتداد بما أتى به، بلا خلاف يعلم فيه.

و يدلّ عليه ما دلّ على الاستئناف بالقطع مطلقا، فريضة كانت أو نافلة، قبل الأربعة أو بعدها، كصحيحة البختري: فيمن كان يطوف بالبيت فيعرض له دخول الكعبة، قال: «يستقبل طوافه» «1».

و ما دلّ عليه في خصوص الفريضة قبل التجاوز عن الأربعة، كصحيحة أبان بن تغلب: في رجل طاف شوطا أو شوطين ثمَّ خرج مع رجل في حاجة، فقال: «إن كان طواف نافلة بنى عليه، و إن كان طواف فريضة لم يبن عليه» «2».

و صحيحة عمران

الحلبي: عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أطواف من الفريضة ثمَّ وجد خلوة من البيت فدخله كيف يصنع؟ قال: «نقص طوافه

______________________________

(1) الفقيه 2: 247- 1187، الوسائل 13: 378 أبواب الطواف ب 4 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 413- 1، التهذيب 5، 119- 3، الاستبصار 2: 223- 770، الوسائل 13: 380 أبواب الطواف ب 41 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 101

و خالف السنّة فليعد طوافه» «1».

و نحوها مرسلة ابن مسكان «2»، و قريبة منها صحيحة الحلبي «3»، إلّا أنّها غير مقيّدة بالفريضة، بل مطلقة.

و يتعدّى إلى ما زاد عن ثلاثة أشواط و لم يتجاوز النصف بعدم القول بالفصل.

و بهذه الأخبار يخصّص ما دلّ على جواز القطع و البناء في الفريضة مطلقا بما إذا كان بعد النصف:

كقويّة أبان: كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام في الطواف، فجاءني رجل من إخواني فسألني أن أمشي معه في حاجته، ففطن بي أبو عبد اللّه عليه السلام، فقال:

«يا أبان، من هذا الرجل؟» قلت: رجل من مواليك سألني أن أذهب معه في حاجته، فقال: «يا أبان، اقطع طوافك و انطلق معه في حاجته»، فقلت:

إنّي لم أتمّ طوافي، قال: «أحص ما طفت و انطلق معه في حاجته»، فقلت:

و إن كان في فريضة؟ قال: «نعم، و إن كان في فريضة» «4».

و قريبة منها رواية أبي أحمد «5»، إلّا أنّه ليس فيها: «أحص ما طفت».

لأعمّيتهما مطلقا بالنسبة إلى ما مرّ، مضافا إلى أنّهما قضيّتان في

______________________________

(1) الكافي 4: 414- 3، الوسائل 13: 381 أبواب الطواف ب 41 ح 9، بتفاوت.

(2) التهذيب 5: 118- 387، الاستبصار 2: 223- 769، الوسائل 13: 379 أبواب الطواف ب 41 ح 4.

(3) التهذيب 5: 118- 386، الاستبصار

2: 223- 768، الوسائل 13: 379 أبواب الطواف ب 41 ح 3.

(4) التهذيب 5: 120- 392، الوسائل 13: 380 أبواب الطواف ب 41 ح 7، بتفاوت يسير.

(5) الكافي 4: 414- 7، التهذيب 5: 119- 391، الاستبصار 2: 224- 773، الوسائل 13: 383 أبواب الطواف ب 42 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 102

واقعة، فلعلّ موردهما كان بعد الأربعة، مع أنّ الثانية لا تدلّ إلّا على جواز قطع الطواف للحاجة، و هو أعمّ من الإعادة و البناء.

و كذا يخصّص بها ما دلّ على جواز القطع و البناء مطلقا بغير الفريضة.

كمرسلة ابن أبي عمير المرويّة في الفقيه: في الرجل يطوف ثمَّ تعرض له الحاجة، فقال: «لا بأس أن يذهب في حاجته و حاجة غيره و يقطع الطواف، و إن أراد أن يستريح و يقعد فلا بأس بذلك، فإذا رجع بنى على طوافه و إن كان أقلّ من النصف» «1».

و نحوها مرسلة جميل و النخعي، إلّا أنّه قال- بعد قوله: «بنى على طوافه»-: «و إن كان نافلة بنى على الشوط و الشوطين، و إن كان طواف فريضة ثمَّ خرج في حاجة مع رجل لم يبن و لا في حاجة نفسه» «2».

و صحيحة الجمّال: الرجل يأتي أخاه و هو في الطواف، فقال:

«يخرج معه في حاجته ثمَّ يرجع و يبني على طوافه» «3».

و ابن رئاب: الرجل يعيي في الطواف، إله أن يستريح؟ قال: «نعم، يستريح، ثمَّ يقوم فيبني على طوافه في فريضة أو غيرها، و يفعل ذلك في سعيه و جميع مناسكه» «4»، و قريبة منها صحيحة ابن أبي يعفور «5».

و يمكن تخصيص غير الأولى بما بعد النصف أيضا، مع أنّ

______________________________

(1) الفقيه 2: 247- 1185، الوسائل 13: 381

أبواب الطواف ب 41 ح 8.

(2) التهذيب 5: 120- 394، الاستبصار 2: 224- 774، الوسائل 13: 381 أبواب الطواف ب 41 ح 8.

(3) الفقيه 2: 248- 1189، الوسائل 13: 382 أبواب الطواف ب 42 ح 1.

(4) الكافي 4: 416- 4، الوسائل 13: 388 أبواب الطواف ب 46 ح 1.

(5) الكافي 4: 416- 5، الوسائل 13: 388 أبواب الطواف ب 46 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 103

الأخيرتين غير متضمنّتين لقطع الطواف، بل للاستراحة، و هي غير مورد المسألة.

و في الثاني:- و هو السابق إلّا أنّه بعد النصف- يجب عليه البناء على ما سبق و الإتمام على الأظهر، وفاقا للمحكي عن المفيد و الديلمي «1»، و بعض مشايخنا المتأخرين «2».

و تدلّ عليه قويّة أبان، و رواية أبي أحمد، و إطلاق صحيحة الجمّال، و مرسلة النخعي و جميل، المتقدّمة جميعا، و كذا إطلاق صحيحة البختري «3» المتقدّمة في مسألة إدخال الحجر في الطواف، و روايتا أبي غرّة و أبي الفرج بضميمة عدم الاستفصال عن الفرض و النفل:

الاولى: مرّ بي أبو عبد اللّه عليه السلام و أنا في الشوط الخامس من الطواف، فقال لي: «انطلق حتى نعود هاهنا رجلا»، فقلت له: إنّما أنا في خمسة أشواط فأتمّ أسبوعي، فقال: «اقطعه و احفظه من حيث تقطع حتى تعود إلى الموضع الذي قطعت منه فتبني عليه» «4»، و قريبة منها الثانية «5».

و يدلّ عليه أيضا مفهوم العلّة المصرحة بها في رواية الأعرج: عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط و هي معتمرة ثمَّ طمثت، قال: «تتمّ طوافها و ليس عليها غيره و متعتها تامّة، فلها أن تطوف بين الصفا و المروة، و ذلك

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 440، الديلمي في

المراسم: 123.

(2) انظر الشرائع 1: 268، و المسالك 1: 122، و الرياض 1: 411.

(3) الكافي 4: 419- 1، الوسائل 13: 356 أبواب الطواف ب 31 ح 2.

(4) الكافي 4: 414- 6، التهذيب 5: 119- 389، الاستبصار 2: 223- 771، و فيها: أبي عزّة، الوسائل 13: 382 أبواب الطواف ب 41 ح 10.

(5) التهذيب 5: 119- 390 الاستبصار 2: 223- 772، الوسائل 13: 38 أبواب الطواف ب 41 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 104

لأنّها زادت على النصف» الحديث «1».

و في رواية إسحاق: في رجل طاف طواف الفريضة ثمَّ اعتلّ علّة لا يقدر معها على إتمام الطواف، قال: «إن كان طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط فقد تمَّ طوافه، و إن كان طاف ثلاثة أشواط لا يقدر على الطواف فهذا ممّا غلب اللّه عليه، فلا بأس بأن يؤخّر الطواف يوما أو يومين، فإن خلّته العلّة عاد فطاف أسبوعا، فإذا طالت عليه أمر من يطوف عنه أسبوعا، و يصلّي هو الركعتين و يسعى عنه و قد خرج من إحرامه، و كذلك يفعل في السعي و في رمي الجمار» «2».

فإنّ قوله: «فقد تمَّ طوافه» في قوّة التعليل للحكم بالإتمام، كذا قيل «3».

و فيه نظر، لجواز أن يكون قوله: «فقد تمَّ» تفريعا على الأمر بالطواف عنه، و حينئذ لا يكون تعليلا.

و تدلّ عليه أيضا- فيما إذا بقي الشوط الواحد- صحيحتا الحلبي «4» المتقدّمتين في مسألة إدخال الحجر.

و صحيحة الحسين بن عطيّة: عن رجل طاف بالبيت ستّة أشواط، قال أبو عبد اللّه عليه السلام «و كيف طاف ستّة أشواط؟» قال: استقبل الحجر

______________________________

(1) التهذيب 5: 393- 1371، الاستبصار 2: 313- 112، الوسائل 13: 456 أبواب الطواف

ب 86 ح 1.

(2) الكافي 4: 414- 5، التهذيب 5: 124- 407، الاستبصار 2: 226- 783، الوسائل 13: 386 أبواب الطواف ب 45 ح 2.

(3) انظر الرياض 1: 411.

(4) الاولى في: الفقيه 2: 249- 1197، مستطرفات السرائر: 34- 41، الوسائل 13: 356 أبواب الطواف ب 31 ح 1. الثانية في: التهذيب 5: 109- 353، الوسائل 13: 356 أبواب الطواف ب 31 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 105

و قال: اللّه أكبر و عقد واحدا، فقال: «أبو عبد اللّه عليه السلام: «يطوف شوطا»، قال سليمان: فإنّه فاته ذلك حتى أتى أهله، قال: «يأمر من يطوف عنه» «1».

و تؤيّدها الأخبار الواردة في الحائض، الفارقة فيها بين مجاوزة النصف و عدمها «2».

و لا معارض لشي ء مما ذكر، سوى إطلاق صحيحة البختري الاولى «3»، و صحيحة الحلبي: «إذا طاف الرجل بالبيت أشواطا ثمَّ اشتكى أعاد الطواف، يعني الفريضة» «4».

و هي و إن وردت في الاشتكاء لكنّها تجري في العمد بالأولويّة، اللازم تقييده بالنصف و ما دونه، لما مرّ.

و لا ينافي ما مرّ أيضا قوله في مرسلة النخعي و جميل: «و إن كان طواف فريضة» إلى آخره «5»، لأنّ المراد أنّه لم يبن في الشوط و الشوطين، و لا أقلّ من احتماله.

خلافا للآخرين، فأوجبوا الاستئناف مع العمد حينئذ أيضا، لأصالة وجوب الموالاة، و استصحاب الاشتغال، و إطلاق الصحيحتين الأخيرتين.

و يضعّف الأولان: بعدم ثبوت الموالاة مطلقا، و لا الاشتغال بغير مطلق الطواف، و مع التسليم يندفع الأصل و الاستصحاب بما مرّ.

______________________________

(1) الكافي 4: 418- 9، الفقيه 2: 248- 1194، التهذيب 5: 109- 354، الوسائل 13: 357 أبواب الطواف ب 32 ح 1، و في الجميع: عن الحسن بن عطية.

(2)

كما في الوسائل 13: 453 أبواب الطواف ب 85.

(3) المتقدمة في ص: 100.

(4) الكافي 4: 414- 4، الوسائل 13: 386 أبواب الطواف ب 45 ح 1.

(5) راجع ص: 102.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 106

و الثالث: بعدم الدلالة على الوجوب أو لا.

و الرابع: بعدم ثبوت الحكم في الأصل للمعارض كما يأتي، مع أنّ الإطلاقين معارضان بإطلاق البناء في غيرهما كما مرّ، فلو لا الترجيح يلزم الرجوع إلى أصالة بقاء صحّة ما مرّ و عدم وجوب الاستئناف، مع أنّ الترجيح للبناء، لخصوصيّة كثير منها مطلقا، و أكثريّة أخباره «1».

و الثالث و الرابع، السابقان. إلّا أنّهما يكونان عن سهو أو نسيان، و الحكم فيهما كالعمد بعينه بلا خلاف في أولهما، و على الأظهر الأشهر، كما صرّح به بعض من تأخّر في ثانيهما «2».

إلّا إذا كان التذكّر بعد الدخول في السعي، فيبني مطلقا، سواء كان قبل النصف أو بعده.

أمّا الأول: فلظاهر الإجماع، و ظاهر إطلاق صحيحة البختري الاولى، و صحيحة أبان بن تغلب «3»، الخالي عن المعارض، بضميمة الإجماع المركّب في الزائد عن الشوطين إلى الثانية.

و أمّا الثاني: فلثبوته في العمد بما مرّ بضميمة الأولويّة، و الإجماع المركّب، و إطلاق صحيحة البختري السابقة في إدخال الحجر «4»، و العلّة المنصوصة في رواية الأعرج، الخالية جميعا عن المعارض، المؤيّدة بثبوتها في الحائض و المحدث و المريض كما يأتي.

و تدلّ عليه أيضا صحيحتا الحلبي المشار إليهما «5»، و صحيحة

______________________________

(1) كما في الوسائل 13: 378 أبواب الطواف ب 41.

(2) انظر الرياض 1: 411.

(3) المتقدمتان في ص: 100.

(4) راجع ص: 72.

(5) في ص: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 107

الحسين بن عطيّة، فيما إذا كان الباقي شوطا واحدا.

خلافا للتهذيب و

النهاية و التحرير و التذكرة و المدارك و الذخيرة، فاقتصروا هنا في البناء على ما إذا بقي الشوط الواحد خاصّة «1»، لصحاح الحلبي و ابن عطيّة، و حكموا بالاستئناف في غيره، لأصالة وجوب الموالاة، و استصحاب الاشتغال، و الأخبار المتقدّمة الواردة فيمن وجد خلوة في البيت «2».

و جواب الأولين قد مرّ. و الثالث وارد في العمد و جوابه قدر مرّ. مع أنّ أكثرها وارد في الأقلّ من النصف.

و أمّا الثالث: فوفاقا للمحكيّ عن التهذيب و النهاية و السرائر و التحرير و النافع و المنتهى و التذكرة «3»، و بعض المتأخّرين ناسبا له إلى المشهور «4»، لموثّقة إسحاق: رجل طاف بالكعبة ثمَّ خرج فطاف بين الصفا و المروة، فبينا هو يطوف إذ ذكر أنّه قد ترك من طوافه بالبيت، قال: «يرجع إلى البيت فيتمّ طوافه، ثمَّ يرجع الى الصفا و المروة فيتمّ ما بقي» «5»، و مثلها الأخرى «6».

خلافا للمحكيّ عن المبسوط و القواعد و اللمعتين و في الشرائع

______________________________

(1) التهذيب 5: 109، النهاية: 237، التحرير 1: 99، التذكرة 1: 364، المدارك 8: 149، الذخيرة: 637.

(2) كما في الوسائل 13: 378 أبواب الطواف ب 41.

(3) التهذيب 5: 109، النهاية: 237، السرائر 1: 575، التحرير 1: 99، النافع:

94، المنتهى 2: 697، التذكرة 1: 364.

(4) المفاتيح 1: 376.

(5) الكافي 4: 421- 1، الفقيه 2: 252- 1217، و في التهذيب 5: 130- 328 بتفاوت يسير، الوسائل 13: 413 أبواب الطواف ب 63 ح 3.

(6) الكافي 4: 418- 8، الفقيه 2: 248- 1190، التهذيب 5: 109- 355، الوسائل 13: 358 أبواب الطواف ب 32 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 108

و الإرشاد، فقيّدوا البناء بصورة التجاوز عن النصف، و

أوجبوا مع عدمه الاستئناف «1»، لبعض ما مرّ.

و فيه نظر، لكون الموثّقة أخصّ مطلقا.

و الخامس و السادس، السابقان. إلّا أنّه يكون عن عذر، كحدث أو مرض، و الحكم فيهما كالأولين بعينه، فيعيد قبل مجاوزة النصف و يبني بعدها، و لا أعلم فيه خلافا، بل عن المنتهى: الإجماع في الحدث «2»، و قيل في المرض: إنّه ممّا قطع به الأصحاب «3».

و تدلّ عليه من الأخبار روايتا الأعرج و إسحاق المتقدّمتين «4»، و مرسلة ابن أبي عمير في المحدث في أثناء الطواف «5»، و روايات أبي بصير «6» و أحمد بن عمر «7» و إسحاق بيّاع اللؤلؤ «8» و إبراهيم بن إسحاق في الحائض فيه «9»، و الرضوي في الحائض و المعتلّ «10».

______________________________

(1) المبسوط 1: 357، القواعد 1: 83، الروضة 2: 251، الشرائع 1: 268، الإرشاد 1: 326.

(2) المنتهى 2: 697.

(3) كما في الذخيرة: 637.

(4) في ص: 103 و 104.

(5) الكافي 4: 414- 2، التهذيب 5: 118- 384، الوسائل 13: 378 أبواب الطواف ب 40 ح 1.

(6) الكافي 4: 448- 2، التهذيب 5: 395- 1377، الاستبصار 2: 315- 1118، الوسائل 13: 453 أبواب الطواف ب 85 ح 1.

(7) الكافي 4: 449- 3، الوسائل 13: 454 أبواب الطواف ب 85 ح 2.

(8) الكافي 4: 449- 4، التهذيب 5: 393- 1370، الاستبصار 2: 313- 1111، الوسائل 13: 456 أبواب الطواف ب 86 ح 2.

(9) الفقيه 2: 241- 1155، الوسائل 13: 455 أبواب الطواف ب 85 ح 4.

(10) فقه الرضا (عليه السلام): 231، مستدرك الوسائل 9: 405 أبواب الطواف ب 31 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 109

خلافا للفقيه، فيجوّز للحائض البناء في القسمين و إن جوّز الإعادة

في الأول «1»، لصحيحة محمّد: عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقلّ من ذلك ثمَّ رأت دما، قال: «تحفظ مكانها، فإذا طهرت طافت منه و اعتدّت بما مضى» «2».

و يجاب عنه: بالشذوذ أولا، و بأخصّية الروايات السابقة في الحائض عنها ثانيا، لاختصاصها بالفريضة بقرينة إيجاب الاستئناف المختصّ بالفرض، فتبقى الصحيحة في النفل خاصّة.

و للمدارك، فجعل الاستئناف مطلقا أولى «3»، لإطلاق صحيحة الحلبي المتقدّمة «4» الواردة في الاشتكاء.

و يجاب عنها: بالأعميّة المطلقة الموجبة للتخصيص قطعا، و ضعف الروايات الفارقة- سيّما بعد الانجبار بما ذكر- غير مضرّ.

و السابع و الثامن، السابقان. إلّا أنّه يكون لدخول وقت الفريضة و إن لم يتضيّق، و الحكم فيهما البناء مطلقا، تجاوز النصف أم لا، وفاقا للمحكيّ عن الإصباح و النهاية و الجامع و السرائر و المهذّب و الغنية و النافع و الحلبي و التحرير و المنتهى و التذكرة «5»، و عنهما دعوى الإجماع.

______________________________

(1) الفقيه 2: 241.

(2) الفقيه 2: 241- 1153، التهذيب 5: 397- 1380، الاستبصار 2: 317- 1121، الوسائل 13: 454 أبواب الطواف ب 85 ح 3.

(3) المدارك 8: 155.

(4) في ص: 105.

(5) النهاية: 239، الجامع للشرائع: 198، السرائر 1: 573، المهذّب 1: 232، الغنية (الجوامع الفقهية): 579، النافع: 93، الحلبي في الكافي في الفقه: 195، التحرير 1: 99، المنتهى 2: 698، التذكرة 1: 364.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 110

و تدلّ عليه صحيحة ابن سنان في مطلق الطواف «1»، و حسنة هشام في الفريضة منه «2».

بل و كذلك صلاة الوتر إذا خيف طلوع الفجر، لصحيحة البجلي «3»، و لا يعارضها فيما قبل النصف مفهوم التعليل المتقدّم، إذ لا يعتبر مفهوم العلّة إلّا بواسطة الأصل اللّازم دفعه بما ذكر.

خلافا للّمعتين

و الدروس، ففرّقا بين المجاوز عن النصف و عدمه «4»، و لعلّه لتعارض المفهوم المذكور ردّه.

و التاسع و العاشر، السابقان .. إلّا أنّه يكون لمشاهدة خبث في الثوب أو البدن، و الظاهر أنّهما كالثامن، كما صرّح به بعضهم «5»، لموثّقتي يونس ابن يعقوب «6»، المتقدّمتين في مسألة اشتراط إزالة الخبث، و رواية حبيب «7» المتقدّمة في مسألة من طاف ثمَّ علم في ثوبه أو بدنه نجاسة.

الأقسام العشرة الباقية، الأقسام المتقدّمة، إلّا أنّها تكون في الطواف النافلة.

______________________________

(1) الكافي 4: 415- 3، الفقيه 2: 247- 1184، التهذيب 5: 121- 396، الوسائل 13: 384 أبواب الطواف ب 43 ح 2.

(2) الكافي 4: 415- 1، التهذيب 5: 121- 395، الوسائل 13: 384 أبواب الطواف ب 43 ح 1.

(3) الكافي 4: 415- 2، الفقيه 2: 247- 1186، التهذيب 5: 122- 397، الوسائل 13: 385 أبواب الطواف ب 44 ح 1.

(4) الروضة 2: 251، الدروس 1: 395.

(5) انظر الحدائق 16: 198.

(6) الاولى في: التهذيب 5: 126- 415. الوسائل 13: 399 أبواب الطواف ب 52 ح 2.

الثانية في: الفقيه 2: 246- 1183، الوسائل 13: 399 أبواب الطواف ب 52 ح 1.

(7) الفقيه 2: 247- 1188، الوسائل 13: 379 أبواب الطواف ب 41 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 111

قال بعضهم: لا خلاف في البناء فيه مطلقا من غير فرق بين تجاوز النصف و عدمه «1».

و منهم من أطلق في التفصيل المذكور «2» و لم يقيّد بالواجب إلّا في بعض الأقسام المذكورة.

و صريح صحيحة أبان «3» و مرسلة النخعي و جميل «4»، البناء في الأقلّ من النصف في النافلة في الخروج للحاجة، و الظاهر كون السهو أيضا كذلك، للأولويّة، و الإجماع

المركب، بل و كذلك الحدث و العلّة، لاختصاص الأمر بالإعادة في الأقلّ من النصف في أخبارهما بالفريضة، بل و كذلك الحائض كما أشرنا إليه، فتبقى النافلة تحت أصالة بقاء صحّة ما فعل و عدم الأمر بالاستيناف.

فروع:
أ: المصرّح به في كلام الأكثر في الفارق بين الإعادة و البناء

في صور الفرق: مجاوزة النصف و عدمها «5»، و في كلام بعضهم: البلوغ أربعة أشواط و عدمه «6»، و فسّر بعضهم الأول بالثاني «7»، و أكثر الأخبار الفارقة تتضمن الأول، و بعضها الوارد في بعض الأقسام يتضمّن الثاني، لكنّه لا يدلّ على

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 417.

(2) كما في التحرير 1: 99، و الرياض 1: 411.

(3) المتقدّمة في ص: 100.

(4) المتقدّمتين في ص: 102.

(5) انظر النهاية: 239، و الجامع للشرائع: 198.

(6) كما في المنتهى 2: 698.

(7) كما في المدارك 8: 154.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 112

أنّه الفارق، بل يحتمل أن يكون ذكره لكونه من أفراد الأول.

فالظاهر أنّ المناط هو الأول مطلقا و لو لم يبلغ الأربعة، إلّا أنّ يثبت إجماعهم على إرادة الثاني من الأول، و لم يثبت لي.

ب: هل يجزئ الاستئناف حيث يحكم بالبناء؟

لا ينبغي الريب فيه، لصدق الامتثال.

نعم، قد يستشكل في أنّه هل يترتّب عليه إثم، أم لا؟

ظاهر أخبار البناء: الثاني، لعدم دلالة شي ء منها على وجوبه، غايتها الرجحان.

نعم، في قوله: «بئس ما صنعت» في رواية حبيب المتقدّمة «1» دلالة عليه، و لكن لا تكون ذمّته مشغولة بشي ء بعده. و الأحوط ترك الاستئناف.

ج: حيث ما يبني، هل يبني من موضع القطع، أو من الركن؟

الأظهر: الأول، كما صرّح به في روايتي أبي غرّة و أبي الفرج «2»، و روايتي أبي بصير و أحمد بن عمر «3»، الواردتين في الحائض في الأثناء.

و أمّا ما في صحيحة ابن عمّار «4»، المتقدّمة- الواردة في اختصار الحجر الآمرة بالإعادة من الحجر الأسود- فلعلّه لبطلان ما جاء به من الطواف رأسا للاختصار، مع أنّ ثبوت الحكم فيه بالنصّ لا يوجب قياس غيره به.

و منهم من قال بالتخيير «5»، جمعا بين الروايات و الصحيحة، و هو كان

______________________________

(1) في ص: 98.

(2) المتقدمتين في ص: 103.

(3) المتقدمتين في ص: 108.

(4) الكافي 4: 410- 3، التهذيب 5: 107- 347، الوسائل 13: 344 أبواب الطواف ب 26 ح 1.

(5) كما في الرياض 1: 412.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 113

حسنا لو ثبت اتّحاد جميع الموارد.

و احتاط في التحرير و المنتهى بالثاني «1». و فيه: أنّه يوجب الزيادة المنافية للاحتياط.

د: لو كان نقص الطواف سهوا و تذكّر بعد ركعتي الطواف،

فهل يعيدهما بعد إعادة الطواف أو البناء، أم لا؟

صرّح في المدارك بالثاني في صورة التذكّر في أثناء السعي «2»، استنادا إلى عدم الأمر بإعادتهما مع الأمر بالبناء، و لكون البناء بعد بعض أشواط السعي، و الصلاة متقدّمة على السعي.

و الأحوط إعادة الركعتين في غير هذه الصورة.

ه: جميع ما ذكر من أقسام الإعادة في غير المحدث إنّما هو فيما إذا خرج عن المطاف،

و أمّا إذا لم يخرج فالظاهر عدم الإعادة، بل البناء مطلقا، بناء على ما ذكرنا من عدم ثبوت وجوب الموالاة، و اختصاص أخبار الإعادة بالخروج عنه.

المسألة السادسة: من شكّ في عدد أشواط الطواف،

فإن كان بعد الفراغ الحاصل باعتقاد التمام و الدخول في غيره فلا شي ء عليه و لا إعادة- كسائر العبادات- بالإجماع، له و لانتفاء العسر و الحرج، و لما مرّ في كتاب الطهارة و الصلاة.

و قد يستدلّ أيضا بصحاح ابن حازم و محمّد و ابن عمّار و رفاعة:

الأولى: عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر ستّة طاف أم سبعة؟

قال: «فليعد طوافه»، قلت: فاته، قال: «ما أرى عليه شيئا، و الإعادة أحبّ

______________________________

(1) التحرير 1: 99، المنتهى 2: 690.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 12    114     المسألة السادسة: من شك في عدد أشواط الطواف، ..... ص : 113

(2) انظر المدارك 8: 157.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 114

إليّ و أفضل» «1».

و نحوها الثانية، إلّا أنّ فيها- بعد قوله: «فليعد طوافه»-: قيل: إنّه قد خرج وفاته ذلك، قال: «ليس عليه شي ء» «2».

و نحوها الثالثة، إلّا أنّ فيها- بعد قوله: سبعة-: قال: «يستقبل»، قلت: ففاته ذلك، قال: «لا شي ء عليه» «3».

و الرابعة: «فإن طفت بالبيت طواف الفريضة و لم تدر ستّة طفت أو سبعة فأعد طوافك، فإن خرجت و فاتك ذلك فليس عليك شي ء» «4».

و التقريب: عدم إمكان حملها على الأثناء، إذ لو كان فيه لوجب إمّا الإتيان بشوط آخر أو الاستئناف، للانحصار في القولين كما يأتي.

و لا قائل بعدم وجوب شي ء أصلا، إذ هو إمّا عن عمد أو جهل أو نسيان، و لكل حكم مضى تفصيله، إذ هو كترك الطواف بعضا أو كلا، فالحكم بعدم شي ء صريحا أوضح دليل على

إرادة الشكّ بعد الانصراف، و يكون الحكم بالإعادة للاستحباب و إن لم يظهر قائل به، لعدم اشتراط ظهور القائل فيه.

أقول: لا يخفى أنّ في هذا الحمل تخصيصا بما بعد الانصراف في قوله: «فلم يدر»، و تجوّزا في قوله: «فليعد».

و يمكن الحمل على الأثناء و ارتكاب التخصيص في عموم حال السائل الحاصل من ترك الاستفصال عمّا فعل من الاكتفاء بما فعل أو الإتيان بشوط آخر.

______________________________

(1) الكافي 4: 416- 1، الوسائل 13: 361 أبواب الطواف ب 33 ح 8.

(2) التهذيب 5: 110- 356، الوسائل 13: 359 أبواب الطواف ب 33 ح 1.

(3) الكافي 4: 417- 3، الوسائل 13: 361 أبواب الطواف ب 33 ح 10، بتفاوت يسير.

(4) الفقيه 2: 249- 1196، الوسائل 13: 360 أبواب الطواف ب 33 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 115

و لا شكّ أنّ التخصيص فقط أولى منه و من التجوّز، سيّما مع ظهور أنّه لم يكتف بما فعل، بل يبني على الأقلّ، كما هو الأصل في أمثال ذلك المحل، و المركوز في الأذهان عند العمل.

بل بيّنته صحيحة أخرى لابن حازم: إنّي طفت فلم أدر ستّة طفت أو سبعة، فطفت طوافا آخر، فقال: «هلّا استأنفت؟» قلت: قد طفت و ذهبت، قال: «ليس عليك شي ء» «1».

و لو سلّم فلا شكّ في أنّه من المحتمل لا أقلّ، فيدخل الأخبار في باب المجمل.

و إن كان في الأثناء، فإن تيقّن السبعة و شكّ في الزيادة فقط قطع طوافه و صحّ بلا خلاف، لأصالة عدم الزيادة، و لصحيحة الحلبي، عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر أ سبعة طاف أو ثمانية؟ فقال: «أمّا السبعة فقد استيقن، و إنّما وقع و همه على الثامن، فليصلّ ركعتين» «2».

و

موثّقته: رجل طاف فلم يدر أ سبعة طاف أم ثمانية، فقال: «يصلّي ركعتين» «3».

قيل: هذا إذا كان على منتهى الشوط، و أمّا لو كان في أثنائه بطل طوافه، لتردّده بين محذورين: الإكمال المحتمل للزيادة عمدا، و القطع المحتمل للنقيصة «4».

______________________________

(1) التهذيب 5: 110- 358، الوسائل 13: 359 أبواب الطواف ب 33 ح 3.

(2) التهذيب 5: 114- 370، الاستبصار 2: 220- 756، الوسائل 13: 368 أبواب الطواف ب 35 ح 1.

(3) التهذيب 5: 113- 368، الاستبصار 2: 219- 754، الوسائل 13: 368 أبواب الطواف ب 35 ح 2.

(4) كما في المسالك 1: 123، الرياض 1: 417.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 116

و فيه أولا: منع كون الزيادة المحتملة محذورا، و إلّا للزم في منتهى الشوط أيضا، مع أنّها لا تكون عمدا.

و ثانيا: منع التردّد بين الاثنين، لجواز إتمام الشوط، بل يقول به من يقول بالبناء على السبعة حينئذ أيضا لا محالة، فلا يحتمل النقص.

و لذا ذهب في المدارك و الذخيرة إلى أنّه كمنتهى الشوط «1»، و معهما الأصل قطعا و الروايتان احتمالا، حيث إنّه يصحّ إطلاق قوله: طاف سبعة، إذا كان في أثناء السابع، كما وقع في أخبار الشكّ بين ركعات الصلاة، و إن كان الظاهر منه إتمامه.

فإن قيل: الأصل يفيد لو لم يكن له معارض، و هو هنا موجود، و هو رواية أبي بصير: عن رجل شكّ في طواف الفريضة، قال: «يعيد كلّما شكّ»، قلت: جعلت فداك، شكّ في طواف نافلة، قال: «يبني على الأقلّ» «2».

و المرهبي: رجل شكّ في طوافه ستّة طاف أم سبعة، قال: «إن كان في فريضة أعاد كلّما شكّ فيه، و إن كان في نافلة بنى على ما هو أقلّ»

«3».

قلنا: هما غير ناهضين لإثبات وجوب الإعادة.

و أمّا الجواب باحتمال جعل «ما» موصولة و كونها في الكتابة عن لفظ «كلّ» مفصولة ليصير المعنى إعادة الشوط المشكوك فيه.

فغير صحيح، لإيجابه عدم تحقّق فرق بين شقّي الترديد.

______________________________

(1) المدارك 8: 178، الذخيرة: 639.

(2) الكافي 4: 417- 4، التهذيب 5: 113- 369، الاستبصار 2: 219- 755، الوسائل 13: 417- 362، أبواب الطواف ب 33 ح 12.

(3) التهذيب 5: 110- 359، الوسائل 13: 360 أبواب الطواف ب 33 ح 4، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 117

و إن كان الشكّ في الأثناء في النقيصة- كأنّ شكّ بين ستّة و سبعة- وجبت إعادة الطواف في الفريضة، وفاقا للصدوق و الشيخ و القاضي و الحلّي و الفاضلين «1»، بل هو المشهور، كما في المدارك و الذخيرة و المفاتيح و شرحه «2»، بل عن الغنية الإجماع عليه «3».

لا للصحاح الأربع الأولى المتقدّمة، لما عرفت من إجمالها، بل استدلّ [بها] «4» بعضهم على عدم وجوب الإعادة «5»، كما يأتي.

و لا لروايتي أبي بصير و المرهبي السابقتين.

و صحيحتي الحلبي «6»، و ابن عمّار «7»: في رجل لم يدر ستّة طاف أو سبعة، قال: «يستقبل».

و موثقة أبي بصير: رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستّة طاف أم سبعة أم ثمانية، قال: «يعيد طوافه حتى يحفظ» «8».

لقصور الكلّ عن إفادة الوجوب.

بل لصحيحة رفاعة: في رجل لا يدري ستّة طاف أو سبعة، قال:

______________________________

(1) الصدوق في المقنع: 85، الشيخ في التهذيب 5: 110، القاضي في المهذب 1: 238، الحلي في السرائر 1: 572، المحقق في الشرائع 1: 270 و المختصر النافع: 94، العلّامة في المختلف: 289 و القواعد 1: 83.

(2) المدارك 8: 179، الذخيرة: 639، المفاتيح

1: 371.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 579.

(4) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(5) انظر الرياض 1: 416.

(6) الكافي 4: 416- 2، الوسائل 13: 361 أبواب الطواف ب 33 ح 9.

(7) الكافي 4: 417- 3، الوسائل 13: 361 أبواب الطواف ب 33 ح 10.

(8) الكافي 4: 417- 6، التهذيب 5: 114- 371، الوسائل 13: 362 أبواب الطواف ب 33 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 118

«يبني على يقينه»، و سأله رجل لا يدري ثلاثة طاف أو أربعة، قال:

«طواف نافلة أو فريضة؟» قال: أجبني فيهما جميعا، قال: «إن كان طواف نافلة فابن على ما شئت، و إن كان طواف فريضة فأعد الطواف» «1».

و لا يضرّ صدرها، لوجوب تخصيصها بالنافلة، أو إرادة الإعادة من البناء على اليقين لخصوص ما بعده.

و صفوان: عن ثلاثة دخلوا في الطواف، فقال واحد منهم لصاحبه:

تحفظوا الطواف، فلمّا ظنّوا أنّهم قد فرغوا قال واحد: معي سبعة أشواط، و قال الآخر: معي ستّة أشواط، و قال الثالث: معي خمسة أشواط، قال: «إن شكّوا كلّهم فليستأنفوا، و إن لم يشكّوا و علم كلّ واحد ما في يده فليبنوا» «2».

و موثقة حنّان: ما تقول في رجل طاف فأوهم فقال: طفت أربعة، و قال: طفت ثلاثة؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «أيّ الطوافين كان طواف نافلة أو طواف فريضة؟» ثمَّ قال: «إن كان طواف فريضة فليلق ما في يده و ليستأنف، و إن كان طواف نافلة فاستيقن الثلاث و هو في شكّ من الرابع أنّه طاف فليبن على الثالث، فإنّه يجوز له» «3».

خلافا للمحكيّ عن المفيد و والد الصدوق و الإسكافي و الحلبي «4»

______________________________

(1) الفقيه 2: 249- 1195 و 1196، الوسائل 13: 360 أبواب الطواف ب

33 ح 5 و 6.

(2) الكافي 4: 429- 12، التهذيب 5: 134- 441، الوسائل 13: 419 أبواب الطواف ب 66 ح 2، بتفاوت يسير.

(3) الكافي 4: 417- 7، التهذيب 5: 111- 360، الوسائل 13: 360 أبواب الطواف ب 33 ح 7.

(4) المفيد في المقنعة: 440، و حكاه عن والد الصدوق و الإسكافي في المختلف:

289، الحلبي في الكافي: 195.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 119

و جماعة من المتأخّرين- منهم: المدارك و المفاتيح «1»- فقالوا بالبناء على الأقلّ و إن استحبّ الإعادة.

و احتجّوا له بالصحاح الأربع الأولى- حيث إنّ نفي الشي ء عليه بعد الفوات يدلّ على استحباب الأمر بالإعادة- و بصدر صحيحة رفاعة المذكورة، و بصحيحة ابن حازم الثانية.

أقول: أمّا الصحاح الأربع فتضعّف بما مرّ من الإجمال، فإنّ لكلّ منها أربعة احتمالات: الحمل على ما بعد الفراغ مع حمل الأمر على الاستحباب، و على الأثناء مع الحمل على الاستحباب أيضا، و مع حمله على الوجوب و تخصيص نفي الشي ء بما بعد فوات الوقت، كما جوّزه بعض شرّاح المفاتيح.

و عليه يكون في المسألة قول ثالث، إلّا أنّ الظاهر أنّه خرق للإجماع، و إبقاء نفي الشي ء على ظاهره و القول بأنّ عدم العلم بتأويل جزء من الحديث لا يضرّ في الاستدلال بالآخر.

و على هذا، فلا يمكن الاستدلال بها لشي ء من القولين أو الأقوال.

هذا، مع أنّ الأخيرة من الأربع محتملة كونها من كلام الصدوق دون جزء الحديث، كما قيل «2».

و أمّا الأخيرتان فلا شكّ في عمومهما مطلقا بالنسبة إلى ما ذكرنا، لشمولهما للنافلة و اختصاص أكثره بالفريضة، فيجب التخصيص. و حمل الخاص على التجوّز و إن كان ممكنا إلّا أنّ التخصيص مقدّم في نحو هذه الصورة من التعارض.

______________________________

(1) المدارك

8: 179- 181، المفاتيح: 1: 372.

(2) انظر الرياض 1: 417.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 120

ثمَّ لا يخفى أنّ الدالّ من هذه الأخبار على وجوب الإعادة مخصوص بما إذا كان الشكّ في النقص خاصّة.

و هنا صورة أخرى: هي الشكّ في النقص و الزيادة معا، كأنّ يشكّ بين الستّة و السبعة و الثمانية، أو الستة و الثمانية، بأن يعلم زوجية الشوط و لكن لا يعلم أنّه السادس أو الثامن، و لا يظهر حكمها من غير روايتي أبي بصير و المرهبي و موثّقة أبي بصير، و هي- كما مرّ- غير صريحة في الوجوب.

و كلام القوم أيضا مخصوص بالشكّ في النقص خاصّة على الظاهر و إن كان المحتمل إرادتهم ما اشتمل على احتمال النقص، و لكنّه ليس مقطوعا به بحيث يثبت به الإجماع المركب.

و على هذا، فيكون مقتضى الأصل- و هو البناء على الأقلّ الثابت بقاعدة عدم نقض اليقين بالشكّ- باقيا فيها على حاله، فيلزم الحكم به، إلّا أنّ احتمال الإجماع المركّب و دلالة الأخبار الثلاثة المذكورة على جواز الاستئناف و كونه موافقا للاحتياط يرجّح الأخذ به.

هذا كلّه في طواف الفريضة.

و أمّا النافلة، فيجوز فيها البناء على الأقلّ مطلقا بلا خلاف، و تدلّ عليه صحيحة رفاعة، و موثّقة حنّان، و روايتا أبي بصير و المرهبي، جميعا.

و يجوز البناء على الأكثر إذا لم يستلزم الزيادة على السبعة، وفاقا للمنتهى و التذكرة و التحرير و الشهيد الثاني «1» و بعض آخر «2»، لصحيحة

______________________________

(1) المنتهى 2: 699، التذكرة 1: 365، التحرير 1: 99، الشهيد الثاني في الروضة 2: 252، المسالك 1: 123.

(2) انظر الحدائق 16: 239.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 121

رفاعة الخالية عن المعارض رأسا.

لأنّ الموثّقة و إن

أمر بالبناء على الأقلّ، إلّا أنّ قوله بعده: «فإنّه يجوز له» قرينة على ارادة الجواز منه. و الروايتان خاليتان عن الدالّ على الوجوب.

و التشكيك- في كون قوله: «فابن على ما شئت» من صحيحة رفاعة و جعله خبرا مرسلا آخر، كما احتمله جمع «1»- خلاف الظاهر، و لو سلّم فلا يضرّ، لحجّيته عندنا أيضا.

المسألة السابعة: يجب أن يكون الطواف للعمرة أو الحجّ قبل السعي

إجماعا بل ضرورة، كما تدلّ عليه المستفيضة من الأخبار «2»، بل المتواترة الواردة في الموارد المتكثّرة، كالأخبار الفعليّة، و الواردة في وجوب إعادة الطواف على من قدّم السعي و لو نسيانا، و المتضمّنة للفظة «ثمَّ» الدالّة على الترتيب.

و قوله في دعاء الطواف الوارد في صحيحة ابن عمّار: «اللّهم إنّي أسألك في مقامي هذا في أول مناسكي» «3»، إلى غير ذلك.

و يجي ء للمسألة بيان أيضا في آخر مسائل السعي.

المسألة الثامنة: من ترك طواف العمرة أو الحجّ
اشاره

فإمّا يكون عمدا أو جهلا أو نسيانا، فإن كان عمدا بطلت عمرته أو حجه، و وجبت عليه إعادة العمرة أو الحجّ، بلا ريب كما في المدارك «4»، بل بلا خلاف كما صرّح به

______________________________

(1) انظر الذخيرة: 640، و الحدائق 16: 235، 239، و الوسائل 13: 360.

(2) الوسائل 13: 413 أبواب الطواف ب 63.

(3) الكافي 4: 401- 1، التهذيب 5: 99- 327، الوسائل 13: 204 أبواب مقدمات الطواف ب 8 ح 1.

(4) المدارك 8: 172.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 122

جماعة «1»، بل بالإجماع المحقّق، له، و لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، فيبقى تحت عهدة التكليف، و لفحوى ما دلّ على الإعادة بتركه جهلا، كما يأتي.

و كذا إن كان جهلا، وفاقا للأكثر «2»، للأصل المتقدّم الخالي عن المعارض، المعتضد بصحيحة ابن يقطين: عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة، قال: «إن كان على وجه جهالة في الحجّ أعاد و عليه بدنة» «3».

و رواية علي بن أبي حمزة: عن رجل جهل أن يطوف بالبيت حتى رجع إلى أهله، قال: «إذا كان على جهة الجهالة أعاد الحجّ و عليه بدنة» «4»، و في بعض النسخ: «سهى» مقام: «جهل» في السؤال «5».

و مقتضى الروايتين: وجوب بدنة عليه أيضا، كما

حكي عن الشيخ و الأكثر «6»، و أفتى به جمع ممّن تأخر «7»، و هو الأظهر، لما مرّ.

و بعض الأخبار النافية لها على المواقع جهلا، و هو صحيحة ابن عمّار: عن متمتّع وقع على أهله و لم يزر، قال: «ينحر جزورا، و قد

______________________________

(1) منهم العلّامة في المنتهى 2: 703، السبزواري في الذخيرة: 625، الفيض في المفاتيح 1: 365.

(2) كما في النافع: 94، و الجامع للشرائع: 199، و كفاية الأحكام: 66.

(3) التهذيب 5: 127- 420، الاستبصار 2: 228- 787، الوسائل 13: 404 أبواب الطواف ب 56 ح 1.

(4) التهذيب 5: 127- 419، الاستبصار 2: 228- 786، الوسائل 13: 404 أبواب الطواف ب 56 ح 2 بتفاوت يسير.

(5) الفقيه 2: 256- 1240، الوسائل 13: 404 أبواب الطواف ب 56 ح 2.

(6) التهذيب 5: 127، و الاستبصار 2: 228، و حكاه عن الأكثر في المدارك 8:

174، و المفاتيح 1: 366.

(7) منهم الكركي في جامع المقاصد 3: 201، السبزواري في الذخيرة: 625، صاحب الرياض 1: 416.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 123

خشيت أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالما، و إن كان جاهلا فليس عليه شي ء» «1».

فالمراد به: العالم و الجاهل بحرمة المواقعة من غير إرادة ترك الطواف، أو تركه سهوا بقرينة عدم الحكم صريحا بفساد الحجّ، و لا أقلّ من احتمالها لذلك.

خلافا للمحكيّ عن التنقيح، فظاهره عدم الوجوب «2»، للأصل، و شذوذ الروايتين، لعدم قائل بمضمونهما و ضعف سندهما.

و الكلّ فاسد، و الوجه واضح، و تعلّق البدنة لا يتوقف على المواقعة، و كذا لا يختصّ بطواف الحجّ، للإطلاق، و إن قيّدوه بهما في الناسي كما يأتي.

و إن كان نسيانا قضاه متى ذكره، و لا يبطل النسك

الذي أتى به إلّا السعي، فإنّه تجب إعادته لو تذكّر بعده قبل سائر النسك كما يأتي، بلا خلاف في الصحّة و القضاء، إلّا عن نادر يأتي، بل بالإجماع كما عن صريح الخلاف و الغنية «3» و ظاهر غيرهما «4».

أمّا الأول- أي الصحّة- فلصحيحة هشام: عمّن نسي زيارة البيت حتى رجع إلى أهله، فقال: «لا يضرّه إذا كان قد قضى مناسكه» «5».

و علي: عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده و واقع النساء،

______________________________

(1) الكافي 4: 378- 3، التهذيب 5: 321- 1104، الوسائل 13: 121 أبواب كفارات الاستمتاع ب 9 ح 1.

(2) التنقيح 1: 506.

(3) حكاه عن الخلاف في الرياض 1: 416، الغنية (الجوامع الفقهية): 578.

(4) كما في المدارك 8: 177.

(5) الفقيه 2: 245- 1173، التهذيب 5: 282- 961، الوسائل 14: 291 أبواب العود إلى منى ب 19 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 124

كيف يصنع؟ قال: «يبعث بهدي، إن كان تركه في حجّ بعث به في حجّ، و إن كان تركه في عمرة بعث به في عمرة، و وكّل عنه من يطوف عنه ما تركه من طوافه» «1».

و حمل الأولى على طواف الوداع و الثانية على طواف النساء ارتكاب للتخصيص بلا مخصّص.

خلافا فيه للمحكيّ عن التهذيب و الاستبصار و الحلبي، فأبطلا الحجّ به «2»، للأصل، و الخبرين المتقدّمين في الجاهل.

و الأصل مدفوع بما مرّ، و الجاهل غير موضوع المسألة، و القياس باطل، مع أنّه قول شاذّ يمكن دعوى مخالفته للإجماع، لرجوع الشيخ عنه في كتبه المتأخرة، كالخلاف و المبسوط و النهاية «3».

و أمّا الثاني- أي القضاء- فللصحيحة الثانية، و لكن في دلالتها على الوجوب نظرا، إلّا أنّ الظاهر أنّ وجوب القضاء إجماعي، فهو

يكفي في إثباته.

و يمكن الاستدلال له بالعلّة المنصوصة في صحيحة ابن عمّار: عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله، قال: «لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت و يطوف، فإن مات فليقض عنه وليّه، فأمّا ما دام حيّا فلا يصلح أن يقضى عنه، و إن نسي رمي الجمار فليسا بسواء، الرمي سنّة و الطواف فريضة» «4».

______________________________

(1) التهذيب 5: 128- 421، الاستبصار 2: 228- 788، قرب الإسناد: 244- 969، مسائل علي بن جعفر: 106- 9، الوسائل 13: 405 أبواب الطواف ب 58 ح 1.

(2) التهذيب 5: 127، الاستبصار 2: 228، الحلبي في الكافي في الفقه: 195.

(3) حكاه عن الخلاف في الرياض 1: 416، المبسوط 1: 359، النهاية: 240.

(4) التهذيب 5: 253- 857، الاستبصار 2: 233- 807، الوسائل 13: 406 أبواب الطواف ب 58 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 125

يعني: إن نسي رمي الجمار جاز قضاؤه عنه و إن كان حيّا، لأنّه سنّة لم يجر له ذكر في القرآن، و ذلك بخلاف طواف البيت، فإنّه فريضة مذكورة في القرآن، فهما ليسا بسواء في الحكم، بل يجب عليه القضاء بنفسه.

و تجوز له مباشرة القضاء بنفسه إجماعا، بل يجب ذلك عليه على الأظهر الأشهر، إلّا إذا تعذّر الرجوع أو تعسّر فيستنيب من يقضي عنه، فإن مات و لم يقض يقضي عنه وليّه إمّا بنفسه أو بالاستنابة.

أمّا الأول- أي جواز مباشرته- فبالإجماع و الصحيحين الأخيرين، أمّا أولهما فمن جهة أنّ التوكيل لا يكون إلّا فيما يجوز للموكّل مباشرته، و أمّا ثانيهما فظاهر.

و أمّا الثّاني- أي وجوب مباشرته- فللصحيحة الأخيرة، فإنّ عدم الصلاحية يقتضي الفساد، كما بيّناه في موضعه.

و قد يستدلّ عليه أيضا بفحوى ما دلّ

على وجوب المباشرة في نسيان طواف النساء كما يأتي، و فحوى ما مرّ على وجوب قضاء ركعتي الطواف، اللتين هما من فروع الطواف و توابعه بنفسه.

و فيهما نظر، لمنع ثبوت الأولوية مع منع أصل الحكم في الأول.

خلافا فيه لبعض المتأخّرين، فجوّز الاستنابة مطلقا و لو مع القدرة على المباشرة «1»، لإطلاق صحيحة عليّ المتقدّمة.

و فيه: أنّه معارض بعموم العلّة المنصوصة في الصحيحة الأخيرة، فإنّها تدلّ على عدم جواز الاستنابة ما دام حيّا مطلقا، خرجت عنه صورة التعذّر بالصحيحة الأولى فيبقى الباقي.

______________________________

(1) كما في المدارك: 464.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 126

نعم، مقتضاها كفاية التعذّر الحاصل بسبب العود من البلد، و لا بأس به، كما اختاره بعض المتأخّرين «1»، بمعنى: كفاية هذا القدر من العذر.

و الأكثر اعتبروا فيه الامتناع أو المشقّة التي لا تتحمّل عادة، لأنّه المتيقّن من إطلاق الصحيحة، حيث إنّه الفرد الغالب.

و فيه: منع الغلبة، فإنّ البلاد القريبة إلى مكّة كثيرة و من لا تشقّ عليه المعاودة فيها كثير.

و منهم من اعتبر في العود استطاعة الحجّ المعهودة «2». و هو ضعيف في الغاية.

و أمّا الثالث- أي جواز الاستنابة مع التعذّر أو التعسّر- فلا خلاف فيه من القائل بصحّة الحجّ، و عن الغنية: الإجماع عليه «3»، و تدلّ عليه صريحا صحيحة علي، و صريحها تساوي طوافي الحجّ و العمرة في ذلك، كما هو مقتضى إطلاق كلام جماعة، و لكن عن الأكثر الاقتصار على طواف الحجّ، و لا وجه له بعد عموم الحجّ.

و أمّا الرابع «4»، فللصحيحة الأخيرة.

فروع:
أ: يتحقّق ترك الطواف الموجب لبطلان الحجّ في صورة العمد بانقضاء وقته.

______________________________

(1) منهم العلّامة في التحرير 1: 99، الفاضل المقداد في التنقيح 1: 507، صاحب الرياض 1: 417.

(2) كالشهيد في الدروس 1: 404.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 578.

(4) أي

قضاء الولي عنه بنفسه أو بالاستنابة إن مات و لم يقض.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 127

و هو يكون في طواف الحجّ بخروج ذي الحجّة قبل فعله.

و في طواف عمرة التمتّع بضيق الوقت عنها و عن الإحرام، بالحجّ و الوقوف.

و في طواف العمرة المجامعة لحجّ القران و الإفراد بخروج السنة، بناء على وجوب إيقاعها فيها.

و لكن في المدارك: أنّه غير واضح «1»، و في العمرة المجرّدة إشكال، إذ يحتمل وجوب الإتيان بالطواف لها مطلقا حيث لم يوقّت، و البطلان بالخروج عن مكّة بنيّة الإعراض عن فعله.

و عن الشهيد الثاني تحقّق ترك الطواف في الجميع بنيّة الإعراض عنه «2».

و لا يخفى أنّ مع بقاء الوقت يمكن الإتيان بالمأمور به على وجهه، فينتفي مقتضى البطلان.

ب: هل يحصل التحلّل عمّا يتوقف على الطواف لمن نسي الطواف بالإتيان به

و لا يحصل بدون فعله، أو يتحلّل؟

مقتضى الاستصحاب- بل إطلاق الأخبار-: الأول.

و لو كان ترك الطواف بالعمد و بطلت مناسكه، ففي حصول التحلّل بمجرّد ذلك، أو البقاء على إحرامه إلى أن يأتي الفعل الفائت في محلّه لحصول التحلّل، أو حصول التحلّل بأفعال العمرة، أوجه، كما قال في الذخيرة «3»، و بالأخير قطع المحقّق الثاني «4».

______________________________

(1) المدارك 8: 173.

(2) الروضة 2: 257.

(3) الذخيرة: 626.

(4) في جامع المقاصد 3: 201.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 128

ج: لو عاد لاستدراك الطواف بعد الخروج على وجه يستدعي وجوب الإحرام لدخول مكّة،

فهل يكتفي بذلك، أو يتعيّن عليه الإحرام ثمَّ يقضي الفائت قبل الإتيان بأفعال العمرة أو بعده؟

وجهان، و لعلّ الأول أظهر، تمسّكا بمقتضى الأصل، و التفاتا إلى أنّ من نسي الطواف يصدق عليه أنّه في الجملة محرم.

د: لا كفّارة على تارك الطواف المواقع أهله قبل قضائه عمدا مطلقا،

على الأظهر الأشهر، للأصل الخالي عن الدافع بالمرّة.

و احتمل الشهيد ثبوتها «1»، لورودها في حديث الجاهل «2»، و أولويّتها في العامد.

و فيه: منع الأولويّة، لعدم معلوميّة العلّة.

و الاستدلال عليه بصحيحة ابن عمّار «3»- المتقدّمة في صدر المسألة- ضعيف، لما عرفت من عدم تضمّنها لترك الطواف، و من الإجمال في المراد من العالم، فيخرج عن محلّ النزاع.

و إن كان جهلا فعليه بدنة، كما مرّ وجهه.

و إن كان نسيانا، ففي وجوب الكفّارة عليه مطلقا، كما عن الشيخ في النهاية و المبسوط و المهذّب و الجامع «4»، لصحيحة ابن عمّار و عليّ المتقدّمتين «5»، و صحيحة عيص: عن رجل واقع أهله حين ضحّى قبل أن

______________________________

(1) انظر الدروس 1: 403.

(2) المتقدّم في ص: 122.

(3) الكافي 4: 378- 3، التهذيب 5: 321- 1104، الوسائل 13: 121 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 9 ح 1.

(4) النهاية: 240، المبسوط 1: 359، المهذب 1: 223، الجامع للشرائع: 199.

(5) في ص: 123، 124.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 129

يزور البيت، قال: «يهريق دما» «1».

أو عدمها إلّا مع المواقعة بعد الذكر، كما عن السرائر و الشرائع و النافع و عن التذكرة و المختلف و المنتهى و الشهيدين «2»، و غيرهم «3»، بل الأكثر كما قيل «4»، للجمع بين ما مرّ و بين مرسلة الفقيه: «إن جامعت و أنت محرم» إلى أن قال: «و إن كنت ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليك» «5».

و الصحيح المرويّ في العلل: في

المحرم يأتي أهله ناسيا، قال:

«لا شي ء عليه، إنّما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان و هو ناس» «6».

بحمل الاولى على المواقعة بعد الذكر، أو بحملها على الاستحباب.

قولان، أجودهما: الأخير.

لا لما ذكر، لعدم ظهور شمول الروايتين لموضوع المسألة، فإنّه من ترك الطواف نسيانا، و ظاهرهما من نسي كونه محرما.

بل للأصل الخالي عن المعارض الصريح، لكون الأخبار المتقدّمة قاصرة عن إفادة الوجوب.

ثمَّ إيجاب الكفّارة على الناسي- على القول به- إنّما هو مع المواقعة دون ترك الطواف، كما كان في الجاهل، لاختصاص أدلّته على فرض

______________________________

(1) الكافي 4: 379- 4، التهذيب 5: 321- 1105 الوسائل 13: 122 أبواب كفارات الاستمتاع ب 9 ح 2.

(2) السرائر 1- 574، الشرائع 1: 270، النافع: 94، التذكرة 1: 364، المختلف:

292، المنتهى 2: 703، الشهيد في الدروس 1: 405، الشهيد الثاني في المسالك 1: 123.

(3) كالرياض 1: 417.

(4) انظر كفاية الأحكام: 67، و الرياض 1: 417.

(5) الفقيه 2: 213- 969، الوسائل 13: 109 أبواب كفارات الاستمتاع ب 2 ح 5.

(6) علل الشرائع: 455- 14، الوسائل 13: 109 أبواب كفارات الاستمتاع ب 2 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 130

التماميّة، و كذا قيّده الأكثر بطواف الحجّ، و لا وجه له بعد إطلاق الصحيحة الاولى و تصريح الثانية لو تمّت دلالتهما، و لذا حكي عن الجامع التعميم «1».

المسألة التاسعة: من طاف طواف فريضة ثمَّ ذكر أنّه لم يتطهّر

يجب عليه إعادة الطواف و صلاته، لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه، و الظاهر أنّه إجماعيّ أيضا.

و أمّا طواف النافلة فلا يعيده، و لكن يتظهّر و يعيد الصلاة، لاشتراطها بالطهارة مطلقا.

المسألة العاشرة: من كان مريضا لا يمكنه الطواف بنفسه
اشاره

في وقته طيف به محمولا، فإن لم يتمكّن من أن يحمله أحد- لعدم استمساك طهارته المانع من دخول المسجد أو نحو ذلك من أنحاء العذر- طاف آخر نيابة عنه، فإنّ ذلك مجزي عن طوافه بنفسه، بلا خلاف في شي ء من الحكمين بين الأصحاب، كما في المدارك و المفاتيح و شرحه «2».

و الأخبار في هذا المورد كثيرة:

منها: صحيحة صفوان: عن الرجل المريض يقدم مكّة فلا يستطيع أن يطوف بالبيت و لا يأتي بين الصفا و المروة، قال: «يطاف به محمولا يخطّ الأرض برجليه حتى تمسّ الأرض قدماه في الطواف، ثمَّ يوقف به في أصل الصفا و المروة إذا كان معتلّا» «3».

و موثّقة إسحاق: عن المريض المغلوب يطاف عنه بالكعبة؟ قال:

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 199.

(2) المدارك 8: 155، المفاتيح 1: 364.

(3) التهذيب 5: 123- 401، الاستبصار 2: 225- 777، الوسائل 13: 389 أبواب الطواف ب 47 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 131

«لا، و لكن يطاف به» «1».

و رواية الربيع: قال: شهدت أبا عبد اللّه عليه السلام و هو يطاف به حول الكعبة في محمل و هو شديد المرض، الحديث «2».

و مرسلة الفقيه: إنّ أبا عبد اللّه عليه السلام مرض فأمر غلمانه أن يحملوه و يطوفوا به، فأمرهم أن يخطّوا برجله الأرض حتى تمسّ الأرض قدماه في الطواف «3».

و صحيحة حريز: عن رجل يطاف به و يرمى عنه، قال: فقال: «نعم، إذا كان لا يستطيع» «4».

و منها: الأخبار المستفيضة الواردة في السؤال عن إجزاء طواف الحامل للمريض

الطائف به عن نفسه المثبتة للمطلوب بالتقرير «5».

و منها: صحيحة أخرى لحريز: «المريض المغلوب و المغمى عليه يرمى عنه و يطاف عنه» «6».

و صحيحة ابن عمّار: «المبطون و الكسير يطاف عنهما و يرمى عنهما الجمار» «7».

______________________________

(1) التهذيب 5: 268- 919، الوسائل 13: 390 أبواب الطواف ب 47 ح 5، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 422- 1، التهذيب 5: 122- 398، الوسائل 13: 391 أبواب الطواف ب 47 ح 8 و فيه: شهدت أبا عبد اللّه الحسين عليه السلام.

(3) الفقيه 2: 251- 1211، الوسائل 13: 392 أبواب الطواف ب 47 ح 10.

(4) التهذيب 5: 123- 402، الاستبصار 2: 225- 778، الوسائل 13: 389، أبواب الطواف ب 47 ح 3.

(5) انظر الوسائل 13: 395 أبواب الطواف ب 50.

(6) التهذيب 5: 123- 403، الاستبصار 2: 225- 779، الوسائل 13: 393 أبواب الطواف 49 ح 1.

(7) الكافي 4: 422- 2، التهذيب 5: 124- 404، الاستبصار 2: 226- 780، الوسائل 13: 393 أبواب الطواف ب 49 ح 3، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 132

و الأخرى: «الكسير يحمل فيرمي الجمار، و المبطون يرمى عنه و يصلّى عنه» «1».

و الثالثة ما روي أيضا: «رخصة في الطواف و الرمي عنهما» «2».

و الرابعة: «إذا كانت المرأة مريضة لا تعقل يطاف بها أو يطاف عنها».

و الخامسة: «إذا كانت المرأة مريضة لا تعقل فليحرم عنها، و عليها ما يتّقى على المحرم، و يطاف بها أو يطاف عنها و يرمى عنها» «3».

و السادسة: «الكسير يحمل فيطاف به، و المبطون يرمي و يطاف عنه و يصلّى عنه» «4».

و صحيحة حبيب الخثعمي: «أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يطاف عن المبطون و الكسير» «5».

و

مرسلة الفقيه: و قد روى حريز رخصة في أن يطاف عنه- أي عن المريض و المغلوب- و عن المغمى عليه و يرمى عنه «6».

و صحيحة يونس: سقط من جمله فلا يستمسك بطنه، أطوف عنه و أسعى؟ قال: «لا، و لكن دعه، فإن برئ قضى هو، و إلّا فاقض أنت عنه» «7».

______________________________

(1) الفقيه 2: 252- 1215، الوسائل 13: 394 أبواب الطواف ب 49 ح 7.

(2) الفقيه 2: 252- 1216، الوسائل 13: 394 أبواب الطواف ب 49 ح 8.

(3) الرابعة و الخامسة نصّان لرواية واحدة كما في: التهذيب 5: 398- 1386، الوسائل 13: 390 أبواب الطواف ب 47 ح 4 بتفاوت يسير.

(4) التهذيب 5: 125- 409، الوسائل 13: 394 أبواب الطواف ب 49 ح 6.

(5) التهذيب 5: 124- 405، الاستبصار 2: 226- 781، الوسائل 13: 394 أبواب الطواف ب 49 ح 5.

(6) الفقيه 2: 252- 1214، الوسائل 13: 393 أبواب الطواف ب 49 ح 2، بتفاوت.

(7) التهذيب 5: 124- 406، الاستبصار 2: 226- 782، الوسائل 13: 387 أبواب الطواف ب 45 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 133

و لا يخفى أنّ الأخبار الخمسة الأولى مع الأخبار التقريريّة ناصّة على جواز الطواف بالمريض بقول مطلق و لو كان مغلوبا.

(و كذا تدلّ صحيحة ابن عمّار السادسة على جواز الطواف بالكسير كذلك، و صحيحة حريز الثانية تدلّ على جواز الطواف عن المريض المغلوب و المغمى عليه) [1].

و كذا تدلّ صحيحة ابن عمّار الاولى و صحيحة الحبيب عن الكسير كذلك، و تدلّ صحيحتا ابن عمّار الاولى و الثانية و رواية الحبيب على الطواف عن المبطون.

و مقتضى الاستدلال: أن يخصّ المبطون بالطواف عنه، لخصوصيّة أخباره و عدم جواز إدخاله المسجد،

و أمّا غيره فإن أمكن الطواف به تعيّن، لدلالة الأخبار الأولى على جوازه مطلقا.

و أمّا الأخبار الأخر الدالّة على الطواف عنه فأمّا محمولة على غير المتمكّن، كما تشعر به صحيحتا ابن عمّار الثانية و السادسة، و تحتمله صحيحتاه الرابعة و الخامسة، بحمل لفظة «أو» على التقسيم.

أو محمولة على التخيير، كما هو الظاهر من الخبرين المتضمّنين للرخصة، و تحتمله الصحيحتان أيضا، بحمل لفظة «أو» على التخيير، و لكن على التقديرين تبرأ الذمّة بالطواف به.

و لا كذلك الطواف عنه حتى لا يثبت ذلك من خبري الرخصة أيضا، لأنّ تنكير الرخصة لا يفيد أزيد من نوع رخصة، فلعلّها في غير المتمكّن، فمقتضى أصل الاشتغال الطواف به، و تصرّح به موثّقة إسحاق، و فيها:

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ح» و «ق».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 134

قلت: المريض المغلوب يطاف عنه؟ قال: «لا، و لكن يطاف به» «1»، و إن لم يتمكّن تعيّن الطواف عنه، لدلالة الأخبار الأخر على إجزائه مطلقا، سواء حملت على التخيير أو التقسيم و عدم إمكان الطواف به.

و اللّازم التربّص فيمن يطاف عنه، فإن حصل اليأس عن برئه في الوقت طيف عنه، كما صرّح به في صحيحة يونس، بل و كذلك من يطاف به.

فرع: و يصلّى عنه صلاة الطواف أيضا

إن لم يتمكّن بنفسه من الصلاة، كما صرّح به في بعض الأخبار المتقدّمة.

المسألة الحادية عشرة: قد مرّ حكم الحائض قبل الطواف
اشاره

في بحث كيفيّة العمرة و الحجّ، و في أثناء الطواف في المسألة الخامسة.

و أمّا المستحاضة

فهي كالطاهرة إذا فعلت ما عليها.

تدلّ عليه صحيحة زرارة: «إنّ أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر فأمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين أرادت الإحرام من ذي الحليفة أن تحتشي بالكرسف و الخرق و تهلّ بالحجّ، فلمّا قدموا مكّة و نسكوا المناسك و قد أتى لها ثمانية عشر يوما فأمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن تطوف بالبيت و تصلّي و لم ينقطع منها الدم ففعلت ذلك» «2».

و مرسلة يونس: «المستحاضة تطوف بالبيت و تصلّي و لا تدخل الكعبة» «3».

______________________________

(1) التهذيب 5: 268- 919، الوسائل 13: 390 أبواب الطواف ب 47 ح 5.

(2) الكافي 4: 449- 1، التهذيب 5: 399- 1388، الوسائل 13: 462 أبواب الطواف ب 91 ح 1.

(3) الكافي 4: 449- 2، التهذيب 5: 399- 1389، الوسائل 13: 462 أبواب الطواف ب 91 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 135

و موثّقة البصري: عن المستحاضة أ يطأها زوجها، و هل تطوف بالبيت؟ قال: «تقعد قرأها الذي كانت تحيض فيه، فإن كان قرؤها مستقيما فلتأخذ به، و إن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين، و لتغتسل فلتدخل كرسفا، فإذا ظهر عن الكرسف فلتغتسل، ثمَّ تضع كرسفا آخر، ثمَّ تصلّي، فإذا كان دما سائلا فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة، ثمَّ تصلّي صلاتين بغسل واحد، و كلّ شي ء استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها، و لتطف بالبيت» «1».

______________________________

(1) التهذيب 5: 400- 1390، الوسائل 2: 375 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 8، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 136

الفصل الثالث في الثالث من أفعال العمرة، و هو ركعتا الطواف
اشاره

و هما من لوازم الطواف، يعني: أنّه يصلّي ركعتين بعد الطواف وجوبا في الطواف الواجب و استحبابا في المستحبّ، على

المعروف من مذهب الأصحاب، كما صرّح به جماعة «1»، بل قيل: كاد أن يكون إجماعا «2»، و عن الخلاف: الإجماع على وجوبه «3».

و تدلّ عليه- بعد الآية المباركة «4»- الأخبار المتواترة:

منها: صحيحة ابن عمّار: «إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم عليه السلام فصل ركعتين و اجعله امامك، و اقرأ في الأولى منهما سورة التوحيد- قل هو اللّه أحد- و في الثانية قل يا أيّها الكافرون، ثمَّ تشهّد و احمد اللّه و أثن عليه و صلّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و سله أن يتقبّل منك، و هاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره لك أن تصلّيهما في أيّ ساعة من الساعات شئت عند طلوع الشمس و عند غروبها، و لا تؤخّرها ساعة تطوف و تفرغ فصلّهما» «5»، قوله: «ساعة تطوف» متعلّق بقوله: «فصلّهما».

______________________________

(1) كصاحب المدارك 8: 133، و الحدائق 16: 134 و الرياض 1: 406.

(2) المفاتيح 1: 372 و فيه ركعتا الطواف واجبتان عند أكثر أصحابنا.

(3) الخلاف 2: 327.

(4) و هي قوله تعالى وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى البقرة: 125.

(5) الكافي 4: 423- 1، التهذيب 5: 286- 973، الوسائل 13: 300 أبواب الطواف ب 3 ح 1، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 137

و قريبة منها موثّقته إلى قوله: «و أثن عليه» «1».

و صحيحة محمّد: عن رجل طاف طواف الفريضة ففرغ من طوافه حين غربت الشمس، قال: «وجبت عليه تلك الساعة الركعتان فليصلّهما قبل المغرب» «2».

و منصور بن حازم: عن ركعتي طواف الفريضة، قال: «لا تؤخّرها ساعة، إذا طفت فصلّ» «3».

و رواية ميسر: «صلّ ركعتي طواف الفريضة بعد الفجر كان أو بعد العصر» «4»، إلى غير ذلك من الأخبار الآتية في

طي المسائل.

و في الخلاف و السرائر نقل قول بالاستحباب عن بعض الأصحاب «5»، و هو- مع شذوذه- مردود بالآية و الأخبار.

و ها هنا مسائل:

المسألة الأولى: يجب إيقاعهما خلف مقام إبراهيم عليه السلام
اشاره

قريبا منه عرفا، وفاقا للصدوقين و الإسكافي و المصباح و مختصره و المهذّب للقاضي «6»،

______________________________

(1) التهذيب 5: 136- 450، الوسائل 13: 423 أبواب الطواف ب 71 ح 3 و فيه إلى قوله: و اسأله ان يتقبّل منك.

(2) الكافي 4: 423- 3، الوسائل 13: 434 أبواب الطواف ب 76 ح 1.

(3) التهذيب 5: 141- 466، الاستبصار 2: 236- 820، الوسائل 13: 435 أبواب الطواف ب 76 ح 5.

(4) التهذيب 5: 141- 465، الاستبصار 2: 236- 819، الوسائل 13: 435 أبواب الطواف ب 76 ح 6.

(5) الخلاف 2: 327، السرائر 1: 576.

(6) الصدوق في الفقيه 2: 318، و الهداية: 58، و حكاه عن والد الصدوق و الإسكافي في المختلف: 291، المصباح: 624، المهذّب 1: 231.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 138

و جماعة من المتأخّرين «1».

لصحيحة ابن عمّار و موثّقته المتقدّمتين، و صحيحة الحلبي: «إنّما نسك الذي يقرن بين الصفا و المروة مثل نسك المفرد ليس بأفضل منه إلّا بسياق الهدي، و عليه طواف بالبيت و صلاة ركعتين خلف المقام» «2».

و مرسلة صفوان: «ليس لأحد أن يصلّي ركعتي الطواف الفريضة إلّا خلف المقام، لقول اللّه عزّ و جلّ وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ، فإن صلّيتهما في غيره فعليك إعادة الصلاة» «3».

و الأخبار الآتية في نسيان الركعتين الآمرة بإعادتهما خلف المقام «4».

خلافا لظاهر من قال بوجوبه عنده الشامل للخلف و أحد الجانبين أيضا، كما عن الاقتصاد و الجمل و العقود و جمل العلم و العمل و شرحه و الجامع «5»، لأخبار مستفيضة جدّا

مشتملة على هذا اللفظ.

و يردّ بأنّه أعمّ من الخلف، فيجب تخصيصه به.

و أمّا من قال بوجوبه في مقام إبراهيم- كما في الشرائع و النافع و الإرشاد و عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و المراسم و التذكرة و التبصرة و التحرير و المنتهى «6».

______________________________

(1) كالشهيد في اللمعة (الروضة 2): 250، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 7: 87، و صاحب الحدائق 16: 135.

(2) التهذيب 5: 42- 124، الوسائل 11: 218 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 6.

(3) التهذيب 5: 137- 451، الوسائل 13: 425 أبواب الطواف ب 72 ح 1، الآية:

البقرة: 125.

(4) الوسائل 13: 427 أبواب الطواف ب 74.

(5) الاقتصاد: 303، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 230، جمل العلم و العمل:

109، شرح الجمل: 227، الجامع: 199.

(6) الشرائع 1: 236، النافع: 93، الإرشاد 1: 324، النهاية: 242، المبسوط 1:

360، الوسيلة: 172، المراسم: 110، التذكرة 1: 362، التبصرة: 68، التحرير 1: 98، المنتهى 2: 703.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 139

و غيرها «1»- فهو لا يخرج عن القولين، للقطع بأنّ أصل الصخرة- الذي هو المقام- لا يصلح للصلاة فيه، فالمراد: إمّا كونه عنده فيرجع إلى القول الثاني، أو في البناء المعدّ للصلاة، الذي هو وراء الموضع الذي فيه الصخرة بلا فصل- كما قيل «2»- فيرجع إلى الأول. و لو أريد غير ذلك فلا دليل عليه أصلا.

نعم، في روايتين أنّه قال: «يرجع إلى مقام إبراهيم فيصلّي» «3»، و هو غير مفيد، لأنّ بعد العلم بأنّه ليس المراد نفس المقام يراد التجوّز، و لتعدّده يدخله الإجمال، فلا يعلم تنافيهما لما ذكر.

و كذا لا تنافيه صحيحة حسين: رأيت أبا الحسن موسى عليه السلام يصلّي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريبا

من ظلال المسجد لكثرة الناس «4».

لجواز أن تكون الكثرة مانعة عن الخلف المتّصل، فيجوز التباعد حينئذ مع ضيق الوقت، مع أنّ الحيال يمكن أن يكون خلف المقام.

و لمن قال باستحبابه خلف المقام، فإن لم يفعل و فعل في غيره أجزأ، كما عن الخلاف مدّعيا عليه الإجماع «5».

______________________________

(1) كالدروس 1: 396، و الرياض 1: 406.

(2) انظر جامع المقاصد 3: 196.

(3) الاولى في: الكافي 4: 426- 6، التهذيب 5: 138- 455، الاستبصار 2:

234- 810، الوسائل 13: 428 أبواب الطواف ب 74 ح 5.

الثانية في: الفقيه 2: 254- 1228، التهذيب 5: 140- 462، الاستبصار 2:

234- 812، الوسائل 13: 430 أبواب الطواف ب 74 ح 12.

(4) الكافي 4: 423- 2، الوسائل 13: 433 أبواب الطواف ب 75 ح 2، بتفاوت يسير.

(5) الخلاف 2: 327.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 140

و لمن جعل محلّهما المسجد مطلقا، كما عن الحلبي «1». أو في خصوص طواف النساء، كما عن الصدوقين «2».

و لا دليل لهما سوى الأصل.

و عدم تماميّة دلالة الآية على تعيين عند المقام.

و إطلاق بعض الأخبار لمن نسيهما في فعله في مكانه «3».

و الرضوي المطابق لقول الصدوقين «4».

و الأول: مدفوع بما مرّ.

و الثاني: بأنّها مجملة يحكم عليها المفصّل.

و الثالث: بمعارضته مع أقوى منه كما يأتي.

و الرابع: بالضعف الخالي عن الجابر.

فروع:
أ: المقام الذي تجب الصلاة فيه أو خلفه أو عنده

هو حيث هو الآن لا حيث كان على عهد النبيّ و إبراهيم عليهما السلام، بلا خلاف يعلم، و تدلّ عليه صحيحة ابن أبي محمود «5»، المتقدّمة في بيان وجوب إخراج المقام عن الطواف.

ب: قالوا: إنّ هذا الحكم مخصوص بحال الاختيار،

و أمّا مع الاضطرار

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 158.

(2) الصدوق في الفقيه 2: 330، حكاه عن والده في المختلف: 291.

(3) انظر الوسائل 13: 427 أبواب الطواف ب 74.

(4) فقه الرضا (عليه السلام): 222 و 223، مستدرك الوسائل 9: 414 أبواب الطواف ب 48 ح 1.

(5) الكافي 4: 423- 4، التهذيب 5: 137- 453، الوسائل 13: 422 أبواب الطواف ب 71 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 141

فيجوز التباعد عنه، بلا خلاف يعلم، بل في المفاتيح و شرحه: الإجماع عليه «1».

مع مراعاة الوراء أو أحد الجانبين مخيّرا، كبعضهم «2».

أو مرتّبا بتقديم الخلف- كآخر «3»- مع الإمكان.

و إن لم يمكن و خاف ضيق الوقت جاز فعلهما في أيّ موضع شاء من المسجد.

و زاد بعضهم في الصورتين مراعاة الأقرب فالأقرب «4».

و احتجّ لأصل جواز التباعد بصحيحة حسين المتقدّمة. و في دلالتها نظر كما مرّ.

و لمراعاة الأقرب بالأخبار الآمرة بفعلهما عنده «5». و لا دلالة لها، إذ لو كان التباعد بقدر لا يخرج عن العنديّة فيجوز مطلقا، و إن خرج فيخرج عن مدلول تلك الأخبار.

و لذا اقتصر بعض متأخّري المتأخّرين على المتيقّن «6»، و هو تجويز تخصيص التباعد بصورة عدم الإمكان و ضيق الوقت، و هو الأصحّ.

و يدلّ على سقوط اعتبار الخلف حينئذ اختصاص الأمر به بصورة الإمكان و لو بالتأخير قطعا، فلا أمر به عند عدم الإمكان، و تبقى إطلاقات إيقاع الصلاة خالية عن المقيّد.

و منه يظهر وجوب اعتبار العنديّة مع إمكانها و عدم

إمكان الخلف،

______________________________

(1) المفاتيح 1: 373.

(2) كما في الشرائع 1: 268.

(3) كما في الرياض 1: 406.

(4) انظر كشف اللثام 1: 339، و الدرّة النجفية: 183، و الرياض 1: 407.

(5) كما في الوسائل 13: 426 أبواب الطواف ب 73.

(6) كما في الرياض 1: 407.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 142

و أمّا بعد سقوطهما فلا دليل على اعتبار الأقرب و لا المسجد.

ج: كلّ ما ذكر إنّما هو في صلاة طواف الفريضة،

و أمّا النافلة فلا يتعيّن لها قرب المقام بلا خلاف، و في المفاتيح و شرحه: الإجماع عليه «1»، بل هو إجماع محقّق.

و يدلّ عليه الأصل، و اختصاص الروايات المعيّنة لمحلّها خلف المقام أو عنده بالفريضة «2».

و خصوص رواية زرارة: «لا ينبغي أن تصلّي ركعتي طواف الفريضة إلّا عند مقام إبراهيم عليه السلام، و أمّا التطوّع فحيث شئت من المسجد» «3».

و ظاهرهم الاتّفاق على تعيّن المسجد لمحلّها، لهذه الرواية، و في دلالتها على الشرطية و التعيّن تأمّل.

بل قيل: إنّ ظاهر المرويّ في قرب الإسناد-: عن الرجل يطوف بعد الفجر فيصلّي الركعتين خارج المسجد، قال: «يصلّي بمكّة لا يخرج منها إلّا أن ينسى، فيصلّي إذا رجع في المسجد أيّ ساعة أحبّ ركعتي ذلك الطواف» «4»- جواز صلاة ركعتي الطواف النافلة- بل مطلقا- خارج المسجد بمكّة «5».

و هو أيضا لا يخلو عن تشويش في الدلالة من جهة تعيين المسجد في صورة النسيان.

______________________________

(1) المفاتيح 1: 373.

(2) انظر الوسائل 13: 422 أبواب الطواف ب 71.

(3) الكافي 4: 424- 8، التهذيب 5: 137- 452، الوسائل 13: 426 أبواب الطواف ب 73 ح 1.

(4) قرب الإسناد: 212- 832، الوسائل 13: 427 أبواب الطواف ب 73 ح 4.

(5) انظر الرياض 1: 407.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 143

و بالجملة: تعيين محلّ النافلة

وجوبا من الأخبار مشكل، إلّا أنّه لم نعثر على مجوّز لإيقاعها خارج المسجد، فالأحوط عدم التعدّي عن المسجد.

المسألة الثانية: من نسي ركعتي الطواف،
اشاره

قال: جماعة- بل هو الأشهر-: إنّه يجب عليه الرجوع إلى المقام مع الإمكان و عدم المشقّة و إتيانهما فيه «1»، لوجوب امتثال الأوامر الموجبة لهما فيه مطلقا.

و موثّقة عبيد: في رجل طاف طواف الفريضة و لم يصلّ الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة، ثمَّ طاف طواف النساء و لم يصلّ الركعتين حتى ذكر بالأبطح، فيصلي أربعا، قال: «يرجع فليصلّ عند المقام أربعا» «2».

و نحوها صحيحة محمّد، إلّا أنّ فيها: «يرجع إلى مقام إبراهيم فيصلّي» «3».

و رواية ابن مسكان: «إن كان جاوز ميقات أهل أرضه فليرجع و ليصلّهما، فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى » «4».

و صحيحة الحلّال: عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي الطواف الفريضة

______________________________

(1) منهم الشهيد في الدروس 1: 396، و الكركي في جامع المقاصد 3: 197، و صاحب المدارك 8: 134، و السبزواري في الذخيرة: 630، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 340.

(2) الكافي 4: 425- 3، التهذيب 5: 138- 456، الاستبصار 2: 234- 811، الوسائل 13: 429 أبواب الطواف ب 74 ح 7.

(3) الكافي 4: 426- 6، التهذيب 5: 138- 455، الاستبصار 2: 234- 810، الوسائل 13: 428 أبواب الطواف ب 74 ح 5، بتفاوت يسير.

(4) التهذيب 5: 140- 463، الاستبصار 2: 234- 813، الوسائل 13: 431 أبواب الطواف ب 74 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 144

فلم يذكر حتى أتى منى، قال: «يرجع إلى مقام إبراهيم فيصلّيهما» «1»، و غير ذلك «2».

و لو تعذّر الرجوع أو شقّ عليه، صلّاهما حيث تذكّر، لوجوب الصلاة، و

عدم التكليف بما لا يطاق و يشقّ.

[و] [1] لرواية الكناني: عن رجل نسي أن يصلّي الركعتين عند مقام إبراهيم في طواف الحجّ و العمرة، فقال: «إن كان بالبلد صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم، فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ، و إن كان قد ارتحل فلا آمره أن يرجع» «3».

و صحيحة ابن عمّار: رجل نسي الركعتين خلف مقام إبراهيم فلم يذكر حتى ارتحل من مكّة، قال: «فليصلّهما حيث ذكر، فإن ذكرهما و هو بالبلد فلا يبرح حتى يقضيهما» «4».

و الروايات الآمرة بإيقاعهما في منى لمن نسيهما حتى أتى منى، كرواية ابن المثنّى و حنّان «5»، و رواية عمر بن البرّاء «6»، و موثّقة عمر بن

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء السياق.

______________________________

(1) الفقيه 2: 254- 1228، التهذيب 5: 140- 462، الاستبصار 2: 234- 812، الوسائل 13: 430 أبواب الطواف ب 74 ح 12.

(2) انظر الوسائل 13: 427 أبواب الطواف ب 74.

(3) الكافي 4: 425- 1، التهذيب 5: 139- 458، الاستبصار 2: 235- 815، الوسائل 13: 431 أبواب الطواف ب 74 ح 16.

(4) الكافي 4: 425- 2، الفقيه 2: 253- 1226، التهذيب 5: 471- 1653، الوسائل 13: 432 أبواب الطواف ب 74 ح 18.

(5) الكافي 4: 426- 8، الوسائل 13: 432 أبواب الطواف ب 74 ح 17.

(6) الفقيه 2: 254- 1229، التهذيب 5: 471- 1654، الوسائل 13: 427 أبواب الطواف ب 74 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 145

يزيد «1».

و الآمرة بإيقاعهما في مكانه بقرن المنازل لمن نسيهما حتى أتاه، كموثّقة حنّان «2»، و في صحيحة ابن المثنّى: نسيت ركعتي الطواف خلف مقام إبراهيم حتى انتهيت إلى منى فرجعت إلى

مكّة فصلّيتهما، فذكرنا ذلك لأبي عبد اللّه عليه السلام، فقال: «ألّا صلّاهما حيث ذكر» «3».

بحمل تلك الروايات على صورة التعذّر أو المشقّة بشهادة صحيحة أبي بصير: عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام، و قد قال اللّه تعالى وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ، حتى ارتحل، فقال: «إن كان ارتحل فإنّي لا أشقّ عليه و لا آمره أن يرجع و لكن يصلّي حيث يذكر» «4».

أقول:

لا يخفى أنّ أخبار إيقاعهما حيث يذكر أخصّ مطلقا من جميع الروايات المتقدّمة الآمرة بإيقاعهما في المقام، من جهة اختصاص الاولى بالناسي ثمَّ بالمرتحل، فتخصيص الثانية بها لازم.

و أمّا الأخبار الآمرة للناسي بالرجوع فقاصرة من حيث الدلالة جدّا، لكون غير اثنتين منها خالية عن الدالّ على الوجوب، بل غايتها الرجحان.

و أمّا الاثنتان الباقيتان، فإحداهما: رواية ابن مسكان، و هي- من

______________________________

(1) التهذيب 5: 139- 459، الاستبصار 2: 235- 816، الوسائل 13: 429 أبواب الطواف ب 74 ح 8.

(2) التهذيب 5: 138- 457، الاستبصار 2: 234- 814، الوسائل 13: 430 أبواب الطواف ب 74 ح 11.

(3) الكافي 4: 426- 4، التهذيب 5: 139- 460، و في الاستبصار 2: 235- 817، و الوسائل 13: 429 أبواب الطواف ب 74 ح 9 بتفاوت يسير.

(4) التهذيب 5: 140- 461، الاستبصار 2: 235- 818، الوسائل 13: 430 أبواب الطواف ب 74 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 146

حيث تضمّنها لاشتراط التجاوز عن الميقات في الرجوع، الذي هو غير شرط إجماعا- يدخلها الإجمال و احتمال السقوط كما قيل «1»، مع أنّ محلّ الرجوع فيها غير معلوم، فلعلّه الحرم، كما عن الدروس «2».

و أمّا الأخرى- و هي موثّقة عبيد- فغايتها وجوب الصلاة في المقام

عند الرجوع، و أمّا وجوب الرجوع فلا، لمكان الخبريّة، مع أنّه لو قطع النظر عن جميع ذلك فغايتها التعارض.

و ليس حمل أخبار الإيقاع حيث تذكّر على صورة التعذّر أو المشقّة أولى من حمل أخبار الرجوع على الأفضليّة، بل الأخير أولى، لفهم العرف و صلاحيّة التجويز حيث أمكن، للقرينة لحمل الأمر بالرجوع على الاستحباب، بخلاف العكس، فإنّه جمع بلا شاهد.

و أمّا صحيحة أبي بصير فلا تدلّ إلّا على أنّ مطلق مشقّة الرجوع- التي لا ينفكّ عنها مرتحل- تمنع عن الأمر بالرجوع، و حينئذ يصير النزاع لفظيّا، إذ هذا القدر من المشقّة يتحقّق مع الارتحال قطعا، و لا دليل على اعتبار الزيادة، سيّما مع ملاحظة عدم الاستفصال في صحيحة ابن المثنّى المتقدّمة.

و تظهر من ذلك قوّة القول بعدم وجوب الرجوع مطلقا و جواز الإيقاع حيث تذكّر، مع أفضليّة الرجوع مع الإمكان، كما احتملهما الشيخان في الفقيه و الاستبصار «3»، و مال إليه في الذخيرة «4»، و بعض مشايخنا الأخباريين «5».

______________________________

(1) انظر الوافي 13: 916.

(2) الدروس 1: 396.

(3) الفقيه 2: 254، الاستبصار 2: 236.

(4) الذخيرة: 630.

(5) و هو صاحب الحدائق 16: 145.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 147

و قد رجّح بعض مشايخنا الجمع المشهور بأولويّة التخصيص من المجاز، و أكثريّة أخبار الرجوع و أصحّيتها و أصرحيّتها، و أشهريّة هذا الجمع «1».

و يضعّف بمنع أولويّة هذا النوع كما حقّقناه في الأصول، و كذا منع الأكثريّة و الأصحّية و الأصرحيّة، بل الأمر بالعكس في الجميع كما لا يخفى عن الناظر في أخبار الطرفين، و عدم صلاحية مطلق الأشهريّة للترجيح، مع أنّ مذهب أكثر القدماء في هذه المسألة غير معلوم.

نعم، لا شكّ في اختصاص ذلك بالمرتحل عن مكّة، و أمّا

قبله فيجب العود إلى المقام قطعا، لعدم معارض لمطلقات الأمر بالإيقاع في المقام، إلّا مع التعذر أو المشقّة، فيوقعهما في مكانه، لأدلّة نفي العسر و الحرج النافية لإيجاب الرجوع.

و في المسألة قول آخر اختاره في الدروس، و هو: إيجاب الرجوع إلى المقام إلّا مع التعذّر خاصّة، ثمَّ يجب معه الإيقاع في الحرم إلّا مع التعذّر، فحينئذ يوقعهما حيث أمكن من البقاع «2».

و لا أرى له مستندا، بل الظاهر من الأدلّة خلافه، فيعمل بمطلقات الأمر بالصلاة، فيوقعهما حيث كان و لو خارج الحرم و عدم تعذّر العود إليه، بل و لو مع إمكان العود إلى المسجد بدون المشقّة و تعسّر العود إلى المقام، لإطلاق الأخبار بالصلاة موضع الذكر، بحيث يشمل خارج الحرم و المسجد، و لو مع التمكن منهما و صورة المشقّة من غير تعذّر في العود إلى المقام، بل صراحة صحيحة ابن المثنى و غيرها.

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 407.

(2) الدروس 1: 396.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 148

نعم، لا شكّ أنّ هذا القول أحوط، و الأحوط منه الرجوع إلى المسجد إن أمكن و لم يمكن إلى المقام، و الأحوط من الجميع العود إلى المقام مع الإمكان و إن تضمّن المشقّة.

ثمَّ إنّه كما تجوز للخارج المرتحل الصلاة حيث تذكّر، تجوز له الاستنابة في الإيقاع في المقام أيضا، للمستفيضة المصرّحة به:

كصحيحة عمر بن يزيد: «إن كان قد مضى قليلا فليرجع فليصلّهما، أو يأمر بعض الناس فليصلّهما عنه» «1».

و الأخرى: «من نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكّة فعليه أن يقضي، أو يقضي عنه وليّه، أو رجل من المسلمين» «2».

و محمّد: عن رجل نسي أن يصلّي الركعتين، قال: «يصلّى عنه» «3».

و مرسلة ابن مسكان:

عن رجل نسي ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج، قال: «يوكّل» «4».

و لا يضرّ عدم التعرّض في الأخيرتين للصلاة بنفسه، لعدم دلالتهما على وجوب الاستنابة، بل على الجواز الغير المنافي لجواز غيره أيضا، كما أنّ كثيرا من أخبار الإيقاع بنفسه لا تنافي جواز الاستنابة لذلك.

مع أنّه- على فرض الدلالة على الوجوب ظاهرا في الطرفين أو في أحدهما كما في بعض أخبار الإيقاع بنفسه- يجب الحمل على التخيير بشهادة صحيحتي عمر بن يزيد.

______________________________

(1) الفقيه 2: 254- 1227، الوسائل 13: 427 أبواب الطواف ب 74 ح 1.

(2) التهذيب 5: 143- 473، الوسائل 13: 431 أبواب الطواف ب 74 ح 13.

(3) التهذيب 5: 471- 1652، الوسائل 13: 428 أبواب الطواف ب 74 ح 4.

(4) التهذيب 5: 140- 463، و في الاستبصار 2: 234- 813، و الوسائل 13: 431 أبواب الطواف ب 74 ح 14 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 149

و جوّز في التحرير و التذكرة الاستنابة مع المشقّة في الرجوع أو التعذّر «1»، و هو مبنيّ على تخصيصهم عدم وجوب الرجوع بصورة المشقّة أو التعذّر.

و أوجب في المبسوط الاستنابة حينئذ «2»، للأخبار المذكورة. و هو ضعيف.

فروع:
أ: الجاهل كالناسي،

وفاقا لصريح جماعة «3»، لصحيحة جميل:

«الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم بمنزلة الناسي» «4».

ب: مقتضى الأصل- في ترك الركعتين عمدا إمّا مطلقا أو في مقام إبراهيم- عليه السلام- وجوب العود عليه مع الإمكان،

و إلّا فالبقاء في الذمّة إلى أن يحصل التمكّن، للاستصحاب و عدم الامتثال.

و عن الشهيد الثاني: جعل العامد كالناسي «5». و لا وجه له.

بل استشكل بعضهم- كصاحبي المدارك و الذخيرة- في صحّة الأفعال المتأخّرة عنهما «6»، و نفي في الأخير البعد عن بطلانها، و كذا في الكفاية «7».

______________________________

(1) التحرير 1: 98، التذكرة 1: 362.

(2) المبسوط 1: 383.

(3) منهم الشهيد في الدروس 1: 397، السبزواري في الذخيرة: 630، الفيض في المفاتيح 1: 373.

(4) الفقيه 2: 254- 1230، الوسائل 13: 428 أبواب الطواف ب 74 ح 3.

(5) كما في المسالك 1: 121.

(6) المدارك 8: 136، الذخيرة: 630.

(7) كفاية الأحكام: 67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 150

إمّا لعدم وقوعها على الوجه المأمور به، و هو كونها بعد الركعتين، كما ذكره الأول.

أو لأنّ الأمر بالشي ء يستلزم النهي عن ضدّه الخاصّ، المستلزم للفساد في العبادة.

و لا يخفى أنّ الأول إنّما يتمّ لو ثبت وجوب الترتيب بين الركعتين و الأفعال المتأخّرة من حيث هو، و إلّا فليس ما أتى به غير الوجه المأمور به، لصدق الإتيان بها.

و أمّا كون الأمر بالشي ء نهيا عن ضدّه و إن اقتضى فساد الأعمال المتأخّرة مطلقا عند المشهور، إلّا أني بيّنت في الأصول أنّ فيه تفصيلا جريانه في جميع الأفعال المتأخّرة عن الركعتين و في كلّ وقت غير معلوم.

و في حكم العامد الجاهل المقصّر في أفعال الصلاة أو في مقدّماته بحيث أوجب بطلان الصلاة، كمن لا يصحّ غسله أو وضوؤه أو قراءته و نحو ذلك.

و الجاهل الذي جعله بمنزلة الناسي إنّما هو الجاهل بأصل وجوب الصلاة للطواف أو في المقام.

و

العجب كلّ العجب من بعض مشايخي بالإجازة «1»، أنّه استجود ما ذكره صاحبا المدارك و الذخيرة من قرب بطلان الأفعال المتأخّرة عن الركعتين جميعا- التي منها: السعي و الوقوفان- في طواف العمرة.

و مع ذلك، لمّا شاهد ما ذكره والدي العلّامة المحقّق في التحفة الرضويّة: أنّ من قصّر في تصحيح وضوئه و قراءته و ركوعه و سجوده

______________________________

(1) و هو صاحب الرياض 1: 408.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 151

- و لأجله بطلت صلاته- يحصل الإشكال في صحّة حجّة من جهة بطلان ركعتي طوافه.

اعترض عليه: بأنّه لا وجه لبطلان العمرة و الحجّ ببطلان الركعتين، مع أنّهما ليستا من أركان الحجّ.

و لمّا وصلت إلى خدمته في الحائر الحسيني عليه السلام عند مسافرتي إلى بيت اللّه- بعد انتقال والدي إلى جوار اللّه- قال لي: إنّه قد ذكر الوالد المعظّم كذا في التحفة، و يلزم عليك إخراج ذلك منه، لئلّا يتوهّم بعد ذلك وقوع الخلاف في بطلان الحجّ ببطلان الركعتين، مع أنّه ممّا لم يقل به أحد.

و لم يتيسّر لي- بعد ملاحظة المسألة- بيان الحال له و العرض عليه.

ج: لو مات الناسي لهما و لم يصلّهما قضاهما عنه الولي،

من غير خلاف بينهم يعرف، لصحيحتي عمر بن يزيد «1» و محمّد «2» المتقدّمتين، و لا يضرّ شمولهما لصورة الحياة أيضا.

إلّا أنّ في دلالتهما على الوجوب نظرا، و كذا في دلالة عمومات وجوب قضاء الفوائت من الصلاة عن الميّت «3»، كما مرّ في بحث الصلاة.

و الأحوط للوالي القضاء عنه، و للميّت الوصيّة به له أو لغيره.

و لا يبعد استفادة الوجوب على الوليّ بوجوب قضائه الطواف عنه أو استنابته له كما هو الأقوى، لصحيحة ابن عمّار: رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله، قال: «لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت»،

و قال: «يأمر

______________________________

(1) التهذيب 5: 143- 473، الوسائل 13: 431 أبواب الطواف ب 74 ح 13.

(2) التهذيب 5: 471- 1652، الوسائل 13: 428 أبواب الطواف ب 74 ح 4.

(3) كما في الوسائل 8: 276 أبواب قضاء الصلوات ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 152

من يقضي عنه إن لم يحجّ، فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليّه أو غيره» «1».

و هو و إن كان مخصوصا بطواف النساء، لكن يتعدّى إلى طواف العمرة و الزيارة بالطريق الأولى، أو الإجماع المركّب.

د: قال في المدارك: إطلاق النصّ و الفتوى يقتضي أنّه لا يعتبر في صلاة الركعتين وقوعهما في أشهر الحجّ

«2»، و نقل عن المسالك اعتباره و جعله أحوط «3»، و هو جيّد.

ه: لا فرق في الأحكام المذكورة بين طواف الحجّ و النساء و العمرة،

للإطلاقات.

المسألة الثالثة: اختلفوا في القران بين الطوافين المفروضين

- بأن لا يصلّي ركعتي كلّ طواف بعده، بل يأتي بهنّ أجمع ثمَّ بصلاتهن، بعد وفاقهم ظاهرا على مرجوحيّته- أنّه هل هو حرام، أم مكروه؟ و على الأول:

هل هو مبطل، أم لا؟

فالمشهور- كما في النافع و التنقيح-: الحرمة «4»، و هو الأقرب، للمستفيضة من الأخبار، كروايات زرارة «5» و عمر بن يزيد «6» و عليّ بن أبي

______________________________

(1) الكافي 4: 513- 5، التهذيب 5: 128- 422، الاستبصار 2: 228- 789، الوسائل 13: 407 أبواب الطواف ب 58 ح 6.

(2) المدارك 8: 136.

(3) المسالك 1: 121.

(4) النافع: 93، التنقيح 1: 502.

(5) الفقيه 2: 251- 1208، الوسائل 13: 370 أبواب الطواف ب 36 ح 2.

(6) الكافي 4: 419- 3، التهذيب 5: 115- 373، الاستبصار 2: 220- 758، الوسائل 13: 370 أبواب الطواف ب 36 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 153

حمزة «1» و مضمرة صفوان و البزنطي «2»، و صحيحة البزنطي «3».

و المرويّ في السرائر عن كتاب حريز: «لا قران بين أسبوعين في فريضة و نافلة» «4».

و غير الثلاث الاولى و إن لم يكن صريحا في إفادة الحرمة و لكنّها تستفاد من الثلاث الاولى، أمّا الأوليان منهما فباعتبار التفصيل القاطع للشركة بين الفريضة و النافلة بنفي البأس- الذي هو الحرمة- عن النافلة، و أمّا الثالثة فللأمر المفيد للوجوب فيها بصلاة ركعتين بين كلّ أسبوعين.

و لا تنافي ذلك المستفيضة «5» المتقدّمة في مسألة زيادة الطواف عن سبعة أشواط، الآمرة بإضافة الباقي إلى الزائد حتى يتمّ أربعة عشر شوطا، لعدم كونه في المفروضين، بل صرّح في كثير منها بكون الأول تطوّعا.

خلافا للحلّي و المدارك و الذخيرة، فيكره مطلقا «6».

للأصل.

و ضعف الأخبار.

و التعبير بالكراهة في الروايتين الأوليين.

و كثرة

الأخبار الدالّة على أنّهم قرنوا.

______________________________

(1) الكافي 4: 418- 2، التهذيب 5: 115- 374، الاستبصار 2: 220- 759، الوسائل 13: 370 أبواب الطواف ب 36 ح 3.

(2) التهذيب 5: 115- 375، الاستبصار 2: 221- 760، الوسائل 13: 371 أبواب الطواف ب 36 ح 6.

(3) التهذيب 5: 116- 376، الاستبصار 2: 221- 761، الوسائل 13: 371 أبواب الطواف ب 36 ح 7.

(4) مستطرفات السرائر: 73- 12، الوسائل 13: 373 أبواب الطواف ب 36 ح 14.

(5) الوسائل 13: 363 أبواب الطواف ب 34.

(6) الحلي في السرائر 1: 572، المدارك 8: 140، الذخيرة: 635 و 636.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 154

و الأول: بما مرّ مدفوع.

و الثاني:- لو كان- بما سبق مجبور.

و الثالث: بأعميّة الكراهة عن الحرمة في اللغة و الشرع مردود.

و الرابع: لما مرّ غير معارض، لكونه إخبارا عن الفعل، فلعلّه كان في النافلة، أو الفريضة لحال التقيّة، كما صرّح به في بعض الأخبار المتقدّمة «1».

و هل هو مبطل، أم لا؟

لا ينبغي الريب في عدم بطلان الطواف الأول، لانتفاء المقتضي له رأسا، لعدم تعلّق نهي به أصلا، و إنّما تعلّق بالقران الذي لا يصدق إلّا بالإتيان بالطواف الثاني، فهو المنهيّ عنه لا الأول، و لا هما معا.

نعم، الظاهر بطلان الثاني، لتعلّق النهي بنفس العبادة حينئذ، مضافا إلى الأمر بالصلاة بين كلّ أسبوعين في الرواية الثالثة، المستلزم للنهي عن ضدّه، و إلى الأخبار الدالّة على فوريّة صلاة الطواف و أنّها تجب ساعة الفراغ منه و لا تؤخّر «2»، حيث يستحيل الأمر بشيئين متضادّين في وقت مضيّق و لو لأحدهما.

و أمّا القران بين النافلتين فالظاهر كراهته، لفتوى جمع من الأصحاب «3»، و إطلاق طائفة من الأخبار المذكورة «4»، و

خصوص ظاهر المرويّ في السرائر المتقدّم.

و لا تنافيها صحيحة زرارة: «إنّما يكره أن يجمع الرجل بين السبوعين.

______________________________

(1) في ص: 152.

(2) الوسائل 13: 434 أبواب الطواف ب 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 12    155     المسألة الثالثة: اختلفوا في القران بين الطوافين المفروضين ..... ص : 152

(3) منهم المحقّق في المختصر النافع: 93، صاحب المدارك 8: 140، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 335.

(4) في ص: 152.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 155

و الطوافين في الفريضة، و أمّا النافلة فلا بأس به» «1».

لأنّ غايتها نفي الحرمة، لأعميّة الكراهة.

و هل القران بين الفريضة و النافلة كالفريضتين، أو النافلتين؟

الظاهر: الثاني، للشكّ في دخوله تحت قوله في الأخبار: «في الفريضة»، فيبقى تحت الأصل.

فإن قيل: يشكّ في دخوله تحت قوله: «في النافلة» أيضا، فيبقى تحت العمومات الناهية.

قلنا: كان ذلك حسنا لو كانت العمومات على التحريم دالّة، و ليست كذلك.

و للأخبار المتقدّمة في مسألة الزيادة في الطواف المفروض، الآمرة بإتمام الزائد الموجب لحصول القران بين المفروض و المندوب «2».

و صحيحة زرارة الناصّة على أنّ أمير المؤمنين عليه السلام زاد في الفريضة حتّى تمّت أربعة عشر شوطا «3».

المسألة الرابعة: تصلّى ركعتا الطواف الفريضة في كلّ وقت،

حتى الأوقات الخمسة التي قالوا بكراهة النوافل فيها، للصحاح المستفيضة و غيرها من المعتبرة «4».

______________________________

(1) الكافي 4: 418- 1، الفقيه 2: 251- 1207، التهذيب 5: 115- 372، الاستبصار 2: 220- 757، الوسائل 13: 369 أبواب الطواف ب 36 ح 1.

(2) الوسائل 13: 363 أبواب الطواف ب 34.

(3) التهذيب 5: 112- 366، الاستبصار 2: 218- 752، الوسائل 13: 365 أبواب الطواف ب 34 ح 7.

(4) الوسائل 13: 434 أبواب الطواف ب 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 156

و الصحاح المعارضة لها

بالمنع «1» محمولة إمّا على التقيّة- كما صرّح به شيخ الطائفة «2»- أو على النافلة، لكراهة ركعتيها على الأشهر، و إن كانت هي أيضا محلّ نظر، فتدبّر.

المسألة الخامسة: يستحبّ أن يقرأ في أولاهما: الحمد و التوحيد، و في الثانية: الحمد و الجحد،

للشهرة، و خصوص الصحيحة «3» و الموثقة «4» المتقدّمتين في أول الباب.

و عن موضع من نهاية الشيخ العكس «5»، و جعله الشهيد «6» و جماعة «7» رواية، و لم أقف عليها.

______________________________

(1) كصحيحة ابن بزيع الواردة في: التهذيب 5: 142- 470، الاستبصار 2:

237- 825، الوسائل 13: 436 أبواب الطواف ب 76 ح 10.

و صحيحة محمّد بن مسلم الواردة في: التهذيب 5: 141- 468، الاستبصار 2:

236- 823، الوسائل 13: 436 أبواب الطواف ب 76 ح 8.

(2) في الاستبصار 2: 237.

(3) الكافي 4: 423- 1، التهذيب 5: 286- 973، الوسائل 13: 423 أبواب الطواف ب 71 ح 3.

(4) التهذيب 5: 136- 448، الوسائل 13: 423 أبواب الطواف ب 71 ح 3.

(5) النهاية: 79، و فيه: استحباب قراءة الجحد في ركعتي الطواف.

(6) الدروس 1: 402.

(7) كالعلّامة في التذكرة 1: 363، و حكاه في الرياض 1: 415 عن جماعة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 157

الفصل الرابع في رابع أفعال العمرة، و هو السعي
اشاره

و فيه أبحاث:

البحث الأول: في مقدّماته، و هي أمور كلّها مستحبّة:
منها: الطهارة من الحدث،

و هي راجحة بلا خلاف، له، و للمستفيضة، كصحيحة الأزرق المصرّحة بكونه مع الوضوء أحبّ «1».

و كموثّقة ابن فضّال: «و لا تطوف و لا تسعى إلّا على وضوء» «2».

و صحيحتي الحلبي «3» و ابن عمّار «4»، و روايتي عمر بن يزيد «5» و أبي بصير «6»، الواردة جميعا في ترك الحائض السعي، القاصرة- كالموثّقة- عن إفادة الوجوب، للجملة الخبريّة، و المعارضة مع ما تأتي إليه الإشارة.

و ليست بواجبة على الحقّ المشهور، بل المجمع عليه، حيث لا تقدح

______________________________

(1) الكافي 4: 438- 2، الفقيه 2: 250- 1204، التهذيب 5: 154- 506، الاستبصار 2: 241- 840، الوسائل 13: 494 أبواب السعي ب 15 ح 6.

(2) الكافي 4: 438- 3، التهذيب 5: 154- 508، و في الاستبصار 2: 241- 839 بتفاوت يسير، الوسائل 13: 495 أبواب السعي ب 15 ح 7.

(3) التهذيب 5: 394- 1373، الاستبصار 2: 314- 1114، الوسائل 13: 494 أبواب السعي ب 15 ح 3.

(4) التهذيب 5: 396- 1379، الاستبصار 2: 316- 1120، الوسائل 13: 460 أبواب الطواف ب 89 ح 4.

(5) التهذيب 5: 393- 1372، الاستبصار 2: 313- 1113، الوسائل 13: 457 أبواب الطواف ب 87 ح 1.

(6) الكافي 4: 447- 5، التهذيب 5: 394- 1375، الاستبصار 2: 315- 1116، الوسائل 13: 450 أبواب الطواف ب 84 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 158

فيه مخالفة الشاذّ، للأصل السالم عن المزيل، و للمستفيضة بل المتواترة معنى:

كالأخبار الواردة في حدوث الحيض بعد الطواف قبل السعي و أنّها تسعى «1»، و هي كثيرة جدّا.

و المصرّحة بجواز إتيان جميع المناسك غير الطواف بلا وضوء، كالصحاح الثلاث لابن عمّار و رفاعة و جميل، و رواية

أبي حمزة:

الاولى: «لا بأس أن تقضي المناسك كلّها على غير وضوء إلّا الطواف، فإنّ فيه صلاة، و الوضوء أفضل» «2».

و الثانية: أشهد شيئا من المناسك و أنا على غير وضوء؟ قال: «نعم، إلّا الطواف بالبيت، فإنّ فيه صلاة» «3».

و الثالث: أ ينسك المناسك و هو على غير وضوء؟ قال: «نعم، إلّا الطواف بالبيت، فإنّ فيه صلاة» «4»، و مثلها الرابعة «5».

و بجواز خصوص السعي كذلك، كصحيحة الأزرق، و رواية الشحّام «6».

خلافا للمحكيّ عن العماني، فأوجبها «7»، لما مرّ بجوابه.

______________________________

(1) انظر الوسائل 13: 459 أبواب الطواف ب 89.

(2) الفقيه 2: 250- 1201 بتفاوت يسير، التهذيب 5: 154- 509، الاستبصار 2:

241- 841، الوسائل 13: 493 أبواب السعي ب 15 ح 1.

(3) التهذيب 5: 154- 510، الاستبصار 2: 241- 838، الوسائل 13: 493 أبواب السعي ب 15 ح 2.

(4) الكافي 4: 420- ذ ح 2، الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 6.

(5) الكافي 4: 420- 2، التهذيب 5: 116- 379، الاستبصار 2: 222- 763، الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 6.

(6) التهذيب 5: 154- 507، الاستبصار 2: 241- 837، الوسائل 13: 494 أبواب السعي ب 15 ح 4.

(7) حكاه عنه في المختلف: 293.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 159

و منها: الطهارة عن الخبث

في الثوب و البدن، لفتوى الجماعة.

و منها: استلام الحجر و تقبيله مع الإمكان،

و الإشارة إليه مع العدم.

و الشرب من زمزم بعد إتيانه.

و الصبّ على الرأس و الجسد من مائه.

بعد السقي منه بنفسه من الدلو المقابل للحجر الأسود إن كان و أمكن، و إلّا فمن غيره.

و تدلّ على الأول: صحيحة ابن عمّار الطويلة، الواردة في حجّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و فيها: «ثمَّ صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم، ثمَّ عاد إلى الحجر فاستلمه، و قد كان استلمه في أول طوافه، ثمَّ قال: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ » الحديث «1».

و الأخرى الواردة في طواف الحجّ، و فيها: «ثمَّ صلّ عند مقام إبراهيم» إلى أن قال: «ثمَّ ارجع إلى الحجر الأسود فقبّله إن استطعت، و استقبله و كبّر، ثمَّ اخرج إلى الصفا» الحديث «2».

و الحلبي الواردة في حجّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و فيها: «ثمَّ صلّى ركعتين عند المقام و استلم الحجر، ثمَّ قال: ابدأ بما بدأ اللّه عزّ و جلّ» «3».

و عليه و على الثاني: صحيحة ابن سنان الواردة فيه أيضا: «فلمّا طاف بالبيت صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم، و دخل زمزم فشرب منها، ثمَ

______________________________

(1) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، مستطرفات السرائر: 23- 4، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.

(2) الكافي 4: 423- 1، التهذيب 5: 144- 476، الوسائل 13: 300 أبواب الطواف ب 3 ح 1 و 2، بتفاوت.

(3) الكافي 4: 248- 6، العلل: 412- 1، الوسائل 11: 222 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 160

قال: اللّهم إنّي أسألك علما نافعا و رزقا واسعا و شفاء من كلّ داء و سقم، فجعل

يقول ذلك و هو مستقبل الكعبة، ثمَّ قال لأصحابه: ليكن آخر عهدكم بالكعبة استلام الحجر، فاستلمه ثمَّ خرج إلى الصفا، ثمَّ قال: ابدأ بما بدأ اللّه به، ثمَّ صعد إلى الصفا فقام عليها مقدار ما يقرأ الإنسان سورة البقرة» «1».

و ابن عمّار: «إذا فرغت من الركعتين فائت الحجر الأسود فقبّله و استلمه أو أشر إليه، فإنّه لا بدّ من ذلك»، و قال: «إن قدرت أن تشرب من ماء زمزم قبل أن تخرج إلى الصفا فافعل و تقول حين تشرب: اللّهم اجعله علما نافعا» إلى آخر ما مرّ «2».

و عليهما و على الثالث: صحيحة الحلبي: «إذا فرغ الرجل من طوافه و صلّى ركعتين فليأت زمزم و يستق منه ذنوبا [1] أو ذنوبين فليشرب منه و ليصبّ على رأسه [و ظهره ] و بطنه و يقول: اللّهم اجعله علما نافعا» إلى آخر ما مرّ، ثمَّ قال-: «ثمَّ يعود إلى الحجر الأسود» «3».

و منه يظهر دليل الرابع أيضا.

و تدلّ عليه و على غير الأول ممّا مرّ صحيحة أخرى للحلبي:

«يستحبّ أن تستقي من ماء زمزم دلوا أو دلوين فتشرب منه و تصبّ على رأسك و جسدك، و ليكن ذلك من الدلو الذي بحذاء الحجر» «4».

______________________________

[1] الذنوب: الدلو الملأى ماء و قيل: فيها ماء قريب من المل ء- الصحاح 1: 129.

______________________________

(1) الكافي 4: 249- 7، الوسائل 11: 223 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 15.

(2) الكافي 4: 430- 1، التهذيب 5: 144- 476، الوسائل 13: 472 أبواب السعي ب 2 ح 1.

(3) الكافي 4: 430- 2، التهذيب 5: 144- 477، الوسائل 13: 473 أبواب السعي ب 2 ح 2، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(4) التهذيب 5: 145- 478، الوسائل 13:

474 أبواب السعي ب 2 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 161

و لا يخفى أنّه لا تدلّ تلك الأخبار على أنّ هذه الأمور مستحبّة للسعي و من مقدّماته- كما ذكره الأكثر «1»- بل يمكن أن تكون من مستحبّات الطواف أو الركعتين و من خواتيمه، كما استظهره في الدروس، قال:

و الظاهر استحباب الاستلام و الإتيان عقيب الركعتين و لو لم يرد السعي «2».

و تدلّ عليه صحيحة ابن مهزيار: رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام ليلة الزيارة طاف طواف النساء و صلّى خلف المقام، ثمَّ دخل زمزم، فاستقى منها بيده بالدلو الذي يلي الحجر الأسود، فشرب منها و صبّ على بعض جسده، ثمَّ اطلع في زمزم مرتين، و أخبرني بعض أصحابنا أنّه رآه بعد ذلك بسنة فعل مثل ذلك «3».

و يمكن أن يكون هو مستحبّا بنفسه، كما يستفاد من صحيحة الحلبي الأخيرة، و صحيحة ابن سنان المتقدّمة.

و لا يخفى أيضا أنّ ظاهر أكثر الأصحاب تقديم الاستلام على إتيان زمزم «4»، و المدلول عليه في صحيحتي ابن سنان و الحلبي الأولى عكس ذلك، فهو الأولى، و لا يظهر من صحيحة ابن عمّار الأخيرة الأول- كما ذكره في الذخيرة «5»- كما لا يخفى على المتأمّل فيها.

و منها: الدعاء

بالمأثور في الأخبار المتقدّمة عند الشرب و الصبّ.

و منها: الخروج للسعي من باب الصفا

المقابل للحجر، بلا خلاف،

______________________________

(1) انظر الحدائق 16: 256، و الرياض 1: 421.

(2) الدروس 1: 409.

(3) الكافي 4: 430- 3، الوسائل 13: 474 أبواب السعي ب 2 ح 3، بتفاوت يسير.

(4) كما في الذخيرة: 645، كشف اللثام 1: 346، الرياض 1: 421.

(5) الذخيرة: 645.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 162

كما عن التذكرة و المنتهى «1»، له، و لصحيحة ابن عمّار، و فيها:

قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «ثمَّ اخرج إلى الصفا من الباب الذي خرج منه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله- و هو الباب الذي يقابل الحجر الأسود- حتى تقطع الوادي و عليك السكينة و الوقار، و اصعد على الصفا حتى تنظر إلى البيت و تستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود، فاحمد اللّه و اثن عليه، و اذكر من آلائه و حسن ما صنع إليك ما قدرت على ذكره، ثمَّ كبّر اللّه عزّ و جلّ سبعا، و احمده سبعا، و هلّله سبعا، و قل: لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له» و ذكر الدعاء، إلى أن قال: و قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قام على الصفا بقدر ما يقرأ سورة البقرة مترسّلا» «2».

و صحيحة عبد الحميد: عن الباب الذي يخرج منه إلى الصفا- إلى أن قال-: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «هو الباب الذي يستقبل الحجر الأسود» الحديث «3».

قال والدي- قدّس سرّه-: إنّ هذا الباب هو الباب الذي يشتهر اليوم بباب الصفا، قيل: هذا الباب داخل الآن في المسجد، إلّا أنّه معلّم بأسطوانتين، فليخرج من بينهما «4». و في الدروس: الظاهر استحباب الخروج من

الباب الموازي لهما «5».

______________________________

(1) التذكرة 1: 366، المنتهى 2: 704.

(2) الكافي 4: 431- 1، التهذيب 5: 145- 481، الوسائل 13: 475 أبواب السعي ب 3 ح 2.

(3) التهذيب 5: 145- 480، و في الكافي 4: 432- 4، و الفقيه 2: 256- 1243، و الوسائل 13: 475 أبواب السعي ب 3 ح 1 بتفاوت.

(4) كما في المدارك 8: 205.

(5) الدروس 1: 409.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 163

و منها: أن يأتي بالسكينة و الوقار إلى أن يصعد الصفا،

فيصعده و يستقبل الركن العراقي و ينظر إلى البيت و يحمد اللّه و يذكر آلاءه، ثمَّ يكبّر اللّه و يحمده و يهلّله سبعا، ثمَّ يدعو بالمأثور، و يقف على الصفا بقدر ما يقرأ سورة البقرة بالتأنّي.

تدلّ على كلّ ذلك صحيحة ابن عمّار المتقدّمة، و على بعضه صحيحته الأخرى الواردة في حجّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، و فيها: «فابدأ بما بدأ اللّه عزّ و جلّ به» إلى أن قال: «ثمَّ أتى الصفا فصعد عليه و استقبل الركن اليماني، فحمد اللّه و أثنى عليه و دعا مقدار ما يقرأ سورة البقرة مترسّلا، ثمَّ انحدر إلى المروة فوقف عليها كما وقف على الصفا، ثمَّ انحدر و عاد إلى الصفا فوقف عليها، ثمَّ انحدر إلى المروة حتى فرغ من سعيه، فلمّا فرغ من سعيه و هو على المروة أقبل على الناس» الحديث «1».

و تدلّ على استحباب الطول على الصفا بالقدر المذكور صحيحة ابن سنان المتقدّمة أيضا.

و ورد في مرفوعة ابن الوليد «2» و مرسلة الفقيه «3» و رواية المنقري «4»:

أنّ طول الوقوف على الصفا و المروة يوجب كثرة المال.

و لا ينافيه ما في مرسلة محمّد بن عمر بن يزيد: كنت وراء أبي الحسن موسى عليه السلام على الصفا أو

على المروة و هو لا يزيد على حرفين:

______________________________

(1) الكافي 4: 245- 4، و في التهذيب 5: 454- 1588 و الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 4 بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 433- 6، الوسائل 13: 479 أبواب السعي ب 5 ح 2.

(3) الفقيه 2: 135- 578، الوسائل 13: 479 أبواب السعي ب 5 ح 2.

(4) التهذيب 5: 147- 483، الاستبصار 2: 238- 827، الوسائل 13: 479 أبواب السعي ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 164

«اللّهمّ إنّي أسألك حسن الظنّ بك على كلّ حال، و صدق النيّة في التوكّل عليك» «1».

إذ لعلّه عليه السلام كان يكرّر هذين الحرفين بقدر يطول الوقوف.

و له أن يقتصر على بعض ما مرّ من الأذكار المأثورة، كما صرّح به في آخر صحيحة ابن عمّار المتقدّمة، قال: «فإن لم تستطع هذا فبعضه» «2».

و له أن يدعو بغيرها ممّا جرى على لسانه، كما صرّح به في رواية أبي الجارود: «ليس على الصفا شي ء موقّت» «3».

______________________________

(1) الكافي 4: 433- 9، التهذيب 5: 148- 486، الاستبصار 2: 238- 828، الوسائل 13: 481 أبواب السعي ب 5 ح 6.

(2) الكافي 4: 431- 1، التهذيب 5: 145- 481، الوسائل 13: 476 أبواب السعي ب 4 ح 1.

(3) الكافي 4: 433- 7، التهذيب 5: 147- 485، الوسائل 13: 480 أبواب السعي ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 165

البحث الثاني في كيفيّة السعي و أفعاله
و هي واجبة و مندوبة، أمّا الواجبات فستّة:
الأول: النيّة،

أي القصد إلى الفعل المخصوص، متقرّبا إلى اللّه سبحانه، مميّزا لنوعه عن غيره، فلا بدّ من تصوّر معناه المتضمّن للذهاب من الصفا إلى المروة و العود سبعا، و كونه سعي حجّ الإسلام مثلا أو غيره مع الاحتياج إلى المميّز.

و تجب

مقارنتها و لو بالنيّة الحكميّة لأوله و استدامة حكمها إلى الفراغ إن أتى به متّصلا إلى الآخر، فإن فصل جدّدها ثانيا فيما بعده.

و الوجه في الكلّ ظاهر ممّا حقّقناه في أمر النيّة.

الثاني و الثالث: البدأة بالصفا في أول السعي و الختم بالمروة في آخره،
اشاره

بالإجماع المحقّق و المحكيّ «1» مستفيضا، و النصوص المستفيضة.

فممّا يدلّ على الأول خاصّة صحيحة ابن سنان المتقدّمة «2»، و ابن عمّار: «من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى» «3».

و اخرى، و فيها: «فإن بدأ بالمروة فليطرح و ليبدأ بالصفا و يبدأ بالصفا قبل المروة» «4».

______________________________

(1) كما في الخلاف 2: 329، و المنتهى 2: 704، و التذكرة 1: 366، و الحدائق 16: 266.

(2) في ص: 195.

(3) التهذيب 5: 151- 495، الوسائل 13: 487 أبواب السعي ب 10 ح 1.

(4) الكافي 4: 437- 5، الوسائل 13: 488 أبواب السعي ب 10 ح 3، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 166

و رواية عليّ بن أبي حمزة: عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا، قال:

«يعيد» الحديث «1»، و نحوها رواية عليّ الصائغ «2».

و ممّا يدلّ عليهما صحيحة ابن عمّار «3» المتقدّمة الواردة في حجّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، أمّا دلالتها على البدأة بالصفا فظاهرة، و أمّا على الختم بالمروة فلقوله: «فلمّا فرغ من سعيه و هو على المروة».

و صحيحة الحلبي الواردة فيه أيضا، و فيها: «ثمَّ قال: ابدأ بما بدأ اللّه عزّ و جلّ به، فأتى الصفا فبدأ بها، ثمَّ طاف بين الصفا و المروة سبعا، فلمّا قضى طوافه عند المروة قام خطيبا» «4».

و صحيحة أخرى لابن عمّار: «انحدر من الصفا ماشيا إلى المروة و عليك السكينة و الوقار حتى تأتي المنارة- و هي طرف المسعى- فاسع مل ء فروجك «5»، و قل: بسم

اللّه و اللّه أكبر، و صلّى اللّه على محمّد و أهل بيته، اللّهم اغفر و ارحم و تجاوز عمّا تعلم إنّك أنت الأعزّ الأكرم، حتى تبلغ المنارة الأخرى، فإذا جاوزتها فقل: يا ذا المنّ و الكرم و النعماء و الجود اغفر لي ذنوبي إنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت، ثمَّ امش و عليك السكينة و الوقار حتى تأتي المروة، فاصعد عليها حتى يبدو لك البيت، فاصنع عليها كما

______________________________

(1) الكافي 4: 436- 1، التهذيب 5: 151- 496، العلل: 581- 18، الوسائل 13: 488 أبواب السعي ب 10 ح 4.

(2) الكافي 4: 436- 4، التهذيب 5: 151- 497، الوسائل 13: 488 أبواب السعي ب 10 ح 5.

(3) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، مستطرفات السرائر: 23- 4، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.

(4) الكافي 4: 248- 6، العلل: 412- 1، الوسائل 11: 222 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 14.

(5) يقال للفرس: ملأ فرجه و فروجه إذا عدا و أسرع- النهاية لابن الأثير 3: 423.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 167

صنعت على الصفا و طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا و تختم بالمروة» «1»، و قريبة منها موثّقته «2».

و يمكن إتمام دلالة القسم الأول من الأخبار على الحكمين أيضا بتقريب استلزام البدأة بالصفا و السعي على الطريق المذكور فيه للختم بالمروة.

و إنّما قيّدنا البدأة بأول السعي و الختم بآخره لئلّا يتوهّم أنّه كذلك في كلّ شوط، فإنّه غير جائز، بل اللازم البدأة بالصفا و الختم بالمروة في كلّ شوط فرد، و العكس في كلّ زوج.

فلو بدأ بالصفا إلى المروة، ثمَّ عاد إلى الصفا من غير أن يحسب عوده سعيا، ثمَّ

يبدأ من الصفا أيضا إلى المروة و يعدّه ثاني الأشواط، و هكذا إلى أن يتمّ، بطل السعي، لأنّ غير الطريق المعهود من الحجّ المأمور بأخذ المناسك عنهم، بل يخالف المدلول عليه ظاهرا من كثير من الأخبار المذكورة.

فروع:
أ: ظاهر الأمر في بعض الأخبار المتقدّمة «3» و إن كان وجوب الصعود على الصفا،

إلّا أنّ ظاهر القوم الاتّفاق على انتفاء الوجوب، بل عن الخلاف و المنتهى و التذكرة و القاضي «4» و بعض آخر «5»: الإجماع عليه.

______________________________

(1) الكافي 4: 434- 6، الوسائل 13: 482 أبواب السعي ب 6 ح 2، بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 5: 148- 487، الوسائل 13: 481 أبواب السعي ب 6 ح 1.

(3) في ص: 165.

(4) الخلاف 2: 329، المنتهى 2: 705، التذكرة 1: 366، القاضي في جواهر الفقه: 42.

(5) كما في الحدائق 16: 265، و الرياض 1: 422.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 168

و تدلّ عليه صحيحة البجلي: عن النساء يطفن على الإبل و الدوابّ أ يجزيهنّ أن يقفن تحت الصفا و المروة حيث يرين البيت؟ قال: «نعم» «1»، بضميمة عدم الفصل بين النساء و الرجال و الراكب و الراجل، و الصحاح المستفيضة الآتية «2» المجوّزة للسعي راكبا و على الإبل و في المحمل.

و بما ذكر تضعف دلالة الأمر على الوجوب، بل يحمل على الاستحباب بقرينة ما ذكر.

و يظهر عن المنتهى و التذكرة وجود قول بوجوب الصعود، و لكن من باب المقدّمة.

و ردّه: بأنّه إنّما يتمّ لو توقّف حصول العلم بتحقّق الواجب عليه، و ليس كذلك، إذ يمكن أن يجعل عقبه ملاصقا للصفا «3»، و هو كذلك.

ب: قالوا في كيفية البدأة و الختم بإلصاق العقب بالصفا و الأصابع بالمروة،

إذ لا يتحقّق استيفاء ما بينهما و البدأة و الختم إلّا بذلك، و لا ريب أنّه أحوط، بل و كذلك في كلّ شوط، سيّما مع أنّ الظاهر- كما قيل «4»- اتّفاق الأصحاب عليه.

و لولاه لقلنا بعدم لزوم هذه الدقّة و الاكتفاء بالسعي بين الصفا و المروة، و الابتداء بالأول و الختم بالثاني عرفا، كما اختاره بعض مشايخنا «5»، لأنّ العرف هو المرجع في أمثال ذلك، سيّما مع

تصريح

______________________________

(1) الفقيه 2: 257- 1249، و في الكافي 4: 437- 5، و التهذيب 5: 156- 517، و الوسائل 13: 498 أبواب السعي ب 17 ح 1 بتفاوت يسير.

(2) في ص: 171.

(3) المنتهى 2: 704، التذكرة 1: 366.

(4) انظر الذخيرة: 644.

(5) انظر الحدائق 16: 266.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 169

الصحاح بجواز السعي على الإبل و وقوعه من الحجّ، و لا شكّ أنّه لا تقع معه هذه الدقّة، إلّا أنّ ظاهر الاتّفاق يمنع من الجرأة على الفتوى به.

و لا يخفى أنّ ذلك مع عدم الصعود إلى الصفا و المروة، و أمّا معه فلا يحتاج إلى الإلصاق في شي ء من الموضعين، لتحقّق الواجب و الزائد بدونه.

نعم، يجب استحضار النيّة عند الصعود من الدرج و النزول.

و لا يخفى أيضا أنّ الظاهر في صورة الإلصاق كفاية إلصاق عقب احدى الرجلين و أصابعها، لصدق البدأة و الختم و الاستيفاء بذلك، و عدم مظنّة الإجماع في الرجلين.

ج: لو بدأ بالمروة قبل الصفا

فظاهر المدارك «1»، و غيره «2»: وجوب إعادة السعي مبتدئا من الصفا و طرح ما سعى بالمرّة، و هو كذلك، فلا يكفي طرح الشوط الأول خاصّة و جعل ما بعده المبدأ فيه من الصفا أول السعي، لعدم صدق الإتيان بالمأمور به على وجهه، إذ لا يصدق مع ذلك البدأة بالصفا عرفا، و لصحيحتي ابن عمّار و روايتي علي بن أبي حمزة و علي الصائغ، المتقدّمة جميعا «3».

الرابع: السعي بينهما سبعا بعد ذهابه إلى المروة شوطا

و عوده منها إلى الصفا آخر، و هكذا إلى أن يكملهما سبعا، بالإجماع المحقّق و المحكيّ في كلام جماعة «4»، و لأنّه الموافق لما صرّح به في الأخبار من البدأة بالصفا

______________________________

(1) المدارك 8: 206.

(2) كالخلاف 2: 330، و التذكرة 1: 367.

(3) في ص: 166.

(4) منهم الطوسي في الخلاف 2: 328، السبزواري في الذخيرة: 645، صاحب الحدائق 16: 267.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 170

و الختم بالمروة، إذ لا يتصوّر الإتيان بالسبع إلّا بما ذكر، أو بجعل كلّ ذهاب و عود شوطا واحدا، و الثاني مستلزم للختم بالصفا أيضا، فتعيّن الأول.

و منه تظهر دلالة صحيحة هشام- قال: سعيت بين الصفا و المروة أنا و عبيد اللّه بن راشد، فقلت له: تحفظ عليّ، فجعل يعدّ ذاهبا و جائيا شوطا واحدا فبلغ مثل ذلك، فقلت له: كيف تعدّ؟ قال: ذاهبا و جائيا شوطا واحدا، فأتممنا أربعة عشر شوطا، فذكرنا ذلك لأبي عبد اللّه عليه السلام، فقال:

«قد زادوا على ما عليهم، ليس عليهم شي ء» «1»- على المطلوب أيضا.

الخامس: الذهاب من كلّ من الصفا و المروة إلى الآخر بالطريق المعهود،

بغير خلاف، كما صرّح في شرح المفاتيح، فلو اقتحم المسجد ثمَّ خرج من باب آخر أو سلك سوق الليل لم يصحّ سعيه، لأنّه المعهود من الشارع، و لوجوب حمل الألفاظ على المعاني المتعارفة، و هذا المعنى هو المفهوم عرفا من السعي بين الصفا و المروة.

السادس: استقبال المطلوب بوجهه،

بغير خلاف أيضا، كما في الكتاب المذكور، فيستقبل المروة عند الذهاب إليه من الصفا، و الصفا عند الذهاب إليه من المروة، فلو مشى عرضا أو قهقرى لم يصحّ، لما ذكر في سابقة بعينه.

بل يظهر منه وجوب المشي بالطريق المتعارف راجلا أو راكبا، فلو تدحرج إلى المطلوب لم يصحّ، بل الظاهر الإشكال فيما لو سعى بينهما بالمشي بالصدر أو الركبتين و اليدين، فتأمّل.

و أمّا المستحبّات فأربعة:
اشاره

______________________________

(1) التهذيب 5: 152- 501، الاستبصار 2: 239- 834، الوسائل 13: 488 أبواب السعي ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 171

الأول: أن يسعى راجلا و إن جاز راكبا،

كما يأتي، لأنّ أفضل الأعمال أحمزها، و لأنّه أدخل في الخضوع و أقرب إلى المذلّة، و قد ورد في الأخبار العديدة: أنّ المسعى أحبّ الأراضي إلى اللّه تعالى «1»، لأنّه يذلّ فيه الجبابرة.

و لصحيحة ابن عمّار: عن الرجل يسعى بين الصفا و المروة راكبا، قال: «لا بأس، و المشي أفضل» «2».

و الأخرى: عن المرأة تسعى بين الصفا و المروة على دابّة أو على بعير، فقال: «لا بأس بذلك»، و سألته عن الرجل يفعل ذلك، فقال: «لا بأس به، و المشي أفضل» «3».

و لكن ذلك إذا لم يخف الضعف، و إلّا فالظاهر أفضليّة الركوب، كما صرّح به في صحيحة الخشّاب: «أسعيت بين الصفا و المروة؟» فقال: نعم، قال: «و ضعفت؟»، قال: لا و اللّه لقد قويت، قال: «فإن خشيت الضعف فاركب، فإنّه أقوى لك في الدعاء» «4».

الثاني و الثالث: أن يهرول ما بين المنارة الاولى و الأخرى الموضوعة عند زقاق العطّارين،

و يقتصد في مشيه في طرفيهما.

أمّا رجحانه فبالإجماع المحقّق و المحكيّ مستفيضا «5»، و النصوص المستفيضة المرجّحة قولا و فعلا، منها: صحيحة ابن عمّار و موثّقته

______________________________

(1) الوسائل 13: 467 أبواب السعي ب 1.

(2) الكافي 4: 437- 2، التهذيب 5: 155- 512، الوسائل 13: 496 أبواب السعي ب 16 ح 2.

(3) الفقيه 2: 257- 1248، التهذيب 5: 155- 513، المقنعة: 451، الوسائل 13: 496، 497 أبواب السعي ب 16 ح 3 و 4.

(4) التهذيب 5: 155- 514، الوسائل 13: 497 أبواب السعي ب 16 ح 5، و فيهما على الدعاء.

(5) كما في التذكرة 1: 366، و الرياض 1: 422.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 172

المتقدّمتان «1».

و موثّقة سماعة: عن السعي بين الصفا و المروة، قال: «إذا انتهيت إلى الدار التي عن يمينك عند أول الوادي فاسع حتى تنتهي إلى

أول زقاق عن يمينك بعد ما تجاوز الوادي إلى المروة، فإذا انتهيت إليه فكفّ عن السعي و امش مشيا، فإذا جئت من عند المروة فابدأ من عند الزقاق الذي وصفت لك، فإذا انتهيت إلى الباب الذي من قبل الصفا بعد ما تجاوز الوادي فاكفف عن السعي و امش مشيا، و إنّما السعي على الرجال و ليس على النساء سعي» «2»، إلى غير ذلك «3».

و أمّا عدم وجوبه فعلى الأظهر الأشهر، بل وفاقا لغير من شذّ و ندر، بل عليه الإجماع في كلام جماعة «4».

لصحيحة الأعرج: عن رجل ترك شيئا من الرمل في سعيه بين الصفا و المروة، قال: «لا شي ء عليه» «5»، و الرمل- محرّكة-: بين العدو و المشي، و هو بمعنى الهرولة.

و هي بإطلاقها تشمل الترك عمدا و سهوا مع التذكّر بعد السعي و في أثنائه، فلا يكون واجبا.

______________________________

(1) في ص: 166، 167.

(2) الكافي 4: 434- 1، و في التهذيب 5: 148- 488، و الوسائل 13: 482 أبواب السعي ب 6 ح 4 بتفاوت يسير.

(3) الوسائل 13: 481 أبواب السعي ب 6.

(4) منهم ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 579، العلّامة في المنتهى 2:

705، صاحب المدارك 8: 208، 209، الفيض في المفاتيح 1: 375.

(5) الكافي 4: 436- 9، التهذيب 5: 150- 494، الوسائل 13: 486 أبواب السعي ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 173

و لا يتوهّم أنّ المسؤول عنه فيها ترك بعض الرمل و هو لا ينافي وجوب مطلقة، لأنّا نجيب عنه: أنّ ظاهر الأوامر في الأخبار المتقدّمة متعلّقة بالرمل بين المنارتين- أي تمام موضعه- فإذا ثبت عدم وجوب الكلّ تصرف تلك الأوامر عن حقيقته، فلا يبقى دليل على وجوب

البعض أيضا، فيعمل فيه بالأصل.

خلافا للمحكيّ عن الحلبي، فأوجبه، لظاهر الأوامر «1». و جوابه- بعد ما ذكر- ظاهر، مع أنّ كلامه- كما قيل «2»- عن إفادة الوجوب قاصر.

ثمَّ استحباب الهرولة مخصوص بالرجال، فلا يستحبّ للنساء بلا خلاف ظاهر، للموثّقة المتقدّمة، و صحيحة أبي بصير: «ليس على النساء جهر بالتلبية، و لا استلام الحجر، و لا دخول البيت، و لا سعي بين الصفا و المروة»، يعني: الهرولة «3».

و بالماشي، و أمّا الراكب فيسرع دابّته بين حدّي الهرولة، إجماعا، كما عن التذكرة «4» و غيره «5»، و صرّحت به صحيحة ابن عمّار «6».

الرابع: الدعاء في موضع الهرولة

بالمأثور في صحيحة ابن عمّار «7» المتقدّمة و غيرها «8».

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 211.

(2) انظر الرياض 1: 422.

(3) الكافي 4: 405- 8، الوسائل 13: 329 أبواب الطواف ب 18 ح 1.

(4) التذكرة 1: 366.

(5) كالحدائق 16: 275، و الرياض 1: 422.

(6) الكافي 4: 437- 6، الفقيه 2: 257- 1250، التهذيب 5: 155- 515، الوسائل 13: 498 أبواب السعي ب 17 ح 2.

(7) الكافي 4: 431- 1، التهذيب 5: 145- 481، الوسائل 13: 475 أبواب السعي ب 3 ح 2.

(8) الوسائل 13: 476 أبواب السعي ب 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 174

البحث الثالث في أحكامه
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: من ترك السعي حتى انقضى وقته

على ما مرّ في الطواف، فإن كان متعمّدا بطل حجّه أو عمرته إجماعا محقّقا و محكيّا في كلام جماعة «1»، له، و لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه.

و لصحيحة ابن عمّار: في رجل ترك السعي متعمّدا، قال: «عليه الحجّ من قابل» «2».

و اخرى، و في آخرها: في رجل ترك السعي متعمّدا، قال: «لا حجّ له» «3»، و غير ذلك «4».

و أمّا قوله سبحانه فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما «5»- حيث يستفاد من نفي الجناح عدم الوجوب- فإنّما هو في مورد خاصّ لوجه مخصوص نصّ عليه في مرسلة الوشّاء «6».

______________________________

(1) منهم العلّامة في التذكرة 1: 366، صاحب الحدائق 16: 275، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 347.

(2) الكافي 4: 436- 10، التهذيب 5: 150- 491، الوسائل 13: 484 أبواب السعي ب 7 ح 1.

(3) التهذيب 5: 150- 492، الاستبصار 2: 238- 829، الوسائل 13: 484 أبواب السعي ب 7 ح 3.

(4) الوسائل 13: 484 أبواب السعي ب 7.

(5) البقرة: 158.

(6) الكافي 4: 435- 8، التهذيب 5: 149- 490، الوسائل 13: 468 أبواب السعي ب 1 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 175

و إن كان سهوا فقالوا: إن أمكن عوده بنفسه و الإتيان به من غير عسر و مشقّة عاد و أتى، و إن شقّ و تعسّر استناب فيه، بلا خلاف فيهما، كما صرّح به جماعة «1»، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه «2».

و استدلّ على الأول بالأصل.

و فيه نظر، لأنّ الأصل عدم وجوب الإتيان به خاصّة بعد مضيّ وقته، سيّما في الأوقات التي لا تصلح للنسك .. و ثبوت وجوب أصل الإتيان به غير مفيد، لاستواء نسبته إلى إتيانه بنفسه أو

السعي عنه.

و بصحيحة ابن عمّار: رجل نسي السعي بين الصفا و المروة، قال:

«يعيد السعي»، قلت: فاته ذلك حتى خرج، قال: «يرجع فيعيد السعي، إنّ هذا ليس كرمي الجمار، إنّ الرمي سنّة و السعي بين الصفا و المروة فريضة» «3»، و نحوها الأخرى «4».

و فيها قصور من حيث الدلالة، لمكان الجملة الخبريّة.

و على الثاني بصحيحة محمّد: عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا و المروة، فقال: «يطاف عنه» «5».

و رواية الشّحام: عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا و المروة حتى

______________________________

(1) منهم الفيض في المفاتيح 1: 374، صاحب الرياض 1: 423.

(2) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 579.

(3) الكافي 4: 484- 1، الوسائل 13: 485 أبواب السعي ب 8 ح 1.

(4) التهذيب 5: 15- 492، الاستبصار 2: 238- 829، الوسائل 13: 485 أبواب السعي ب 8 ح 1.

(5) الفقيه 2: 256- 1244، التهذيب 5: 472- 1658، الوسائل 13: 486 أبواب السعي ب 8 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 176

يرجع إلى أهله، فقال: «يطاف عنه» «1».

بحملهما على صورة المشقّة و التعسّر، جمعا بينهما و بين ما مرّ، و لإشعار قوله في الثاني: حتى يرجع إلى أهله، بذلك، و لأنّ أدلّة نفي العسر و الحرج تعارض ما مرّ، فيبقى خبر الاستنابة حينئذ بلا معارض.

أقول: الجمع كما يمكن بما ذكر يمكن بالقول بجواز كلّ من الأمرين، بل هو ليس جمعا حقيقة، بل مقتضى الروايات، لورود الكلّ بالجمل الخبريّة، و بعد الحمل على الجواز لا تكون أدلّة نفي العسر و الحرج معارضة لما مرّ أيضا.

و بالجملة: فإثبات وجوب المباشرة في الصورة الاولى من الخبرين المتقدّمين مشكل، إلّا أنّه يمكن أن يستدلّ عليه بالعلّة المنصوصة في صحيحة ابن عمّار

«2» المتقدّمة في نسيان الطواف، بضميمة التصريح بكون السعي أيضا فريضة في صحيحتيه المتقدّمتين آنفا، و هي كافية في إثباته، و مقتضاها و إن كان عدم جواز الاستنابة ما دام حيّا، إلّا أنّه خرجت صورة التعذّر برواية الشّحام المعتضدة بعمل الأعلام، و مقتضاها كفاية العسر الحاصل من العود بعد الرجوع إلى الأهل، كما مرّ في الطواف.

ثمَّ الجهل هل هو مثل العمد أو السهو؟

الظاهر: الأول، للأصل، حيث لم يأت بالمأمور به على وجهه.

المسألة الثانية: يبطل السعي بالزيادة فيه
اشاره

إن كانت عمدا، على المشهور، كما في المفاتيح و شرحه «3»، بل بلا خلاف ظاهر فيه، كما صرّح

______________________________

(1) التهذيب 5: 150- 493، الاستبصار 2: 239- 830، الوسائل 13: 486 أبواب السعي ب 8 ح 2.

(2) في ص: 124.

(3) المفاتيح 1: 375.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 177

به بغضهم «1»، بل هو مقطوع به في كلام الأصحاب كما في المدارك و الذخيرة «2»، لرواية عبد اللّه بن محمّد «3» المتقدّمة في مسألة زيادة الطواف المنجبرة ضعفها- لو كان- بالشهرة.

و صحيحة ابن عمّار: «إن طاف الرجل بين الصفا و المروة تسعة أشواط فليسع على واحد و ليطرح ثمانية، و إن طاف بين الصفا و المروة ثمانية أشواط فليطرحها و يستأنف السعي» «4».

و إطلاقهما و إن كان شاملا لغير العمد أيضا، إلّا أنّه يقيّد بالعمد، جمعا بينه و بين الأخبار الآتية الدالّة بإطلاقها على طرح الزائد و الاعتداد بالسبعة، بشهادة صحيحة البجلي: في رجل سعى بين الصفا و المروة ثمانية أشواط، ما عليه؟ فقال: «إن كان خطأ طرح واحدا و اعتدّ بسبعة» «5».

فإنّها أخصّ مطلقا من الإطلاقين، فيقيّد الأول بمنطوقها، و الثاني بمفهومها، حيث إنّه يقتضي أنّ مع عدم الخطأ ليس الحكم طرح الواحد و

الاعتداد بالسبعة، و ليس إلّا البطلان إجماعا.

و تخصيص الصحيحة بصورة النسيان و حملها على من استيقن الزيادة و هو على المروة لا الصفا- فيبطل سعيه على زيادة شوط، لظهور ابتدائه من

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 423.

(2) المدارك 8: 213، الذخيرة: 646.

(3) التهذيب 5: 151- 498، الاستبصار 2: 239- 831، الوسائل 13: 490 أبواب السعي ب 12 ح 2.

(4) التهذيب 5: 153- 503، الاستبصار 2: 240- 836، الوسائل 13: 489 أبواب السعي ب 12 ح 1.

(5) الكافي 4: 436- 2، و في الفقيه 2: 257- 1246 بتفاوت يسير، التهذيب 5:

152- 4990، الاستبصار 2: 239- 832، الوسائل 13: 491 أبواب السعي ب 13 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 178

المروة، و لا يبطل على زيادة الشوطين، لأنّه يظهر كونه بادئا من الصفا، و يكون ابتداء التاسع أيضا منه، فيبطل الأول للزيادة، و يصحّ الثاني- فتخصيص و حمل لا موجب لهما أصلا، بل بعيد غايته.

فالأولى تخصيص إطلاقها بصورة العمد، لما ذكرنا، و يكون في صورة زيادة الشوط باطلا، أمّا السبعة الأولى فللزيادة عليها، و أمّا الثامن فلابتدائه من المروة.

و أمّا في صورة زيادة الشوطين يكون ما تقدّم على التاسع باطلا، لما مرّ، و يصحّ التاسع فيضاف إليه و يستتمّ. و لا يلزم أن ينوي به أولا أنّه ابتداء عبادة مستقلّة، إذ لم يثبت في اشتراط النيّة الزائد على اشتراط قصد الفعل و القربة، و هما متحقّقان، و لزوم قصد الفعل الكامل المستقلّ أولا لا دليل عليه، بل يكفي قصده في الأثناء، فتأمّل.

و إن كانت الزيادة سهوا فلا خلاف في عدم البطلان نصّا و فتوى، و عليه الإجماع في كلام بعضهم «1»، و تدلّ عليه الصحاح المستفيضة، كصحيحة

هشام المتقدّمة «2» في مسألة وجوب السعي سبعا، و البجلي المتقدّمة آنفا.

و ابن عمّار: «من طاف بين الصفا و المروة خمسة عشر شوطا طرح ثمانية و اعتدّ بسبعة» «3».

و جميل: حججنا و نحن صرورة، فسعينا بين الصفا و المروة أربعة عشر شوطا، فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك، فقال: «لا بأس، سبعة لك

______________________________

(1) كما في الذخيرة: 646، و الرياض 1: 423.

(2) في ص: 170.

(3) الكافي 4: 437- 5، الوسائل 13: 491 أبواب السعي ب 13 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 179

و سبعة تطرح» «1».

و محمّد: «إنّ في كتاب عليّ عليه السلام: إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة و استيقن ثمانية أضاف إليها ستّا، و كذا إذا استيقن أنّه سعى ثمانية أضاف إليها ستّا» «2».

ثمَّ إنّه هل يطرح الزائد و يعتدّ بالسبعة، كما هو مقتضى غير الأخيرة من الصحاح المذكورة، و مال إليه بعض المتأخّرين «3»؟

أو يكمل الزائد أسبوعين، كما هو صريح الأخيرة، و محكيّ عن ابن زهرة «4»؟

أو مخيّر بين الأمرين، كما هو مقتضى الجمع بين القسمين، و منقول عن أكثر الأصحاب «5»؟ و هو الأقوى، لما ذكر، بل عدم دلالة شي ء من القسمين على التعيّن، و الوجوب يعيّن المصير إلى ذلك، و أكثريّة أخبار القسم الأول لا توجب رفع اليد عن الثاني بالمرّة بعد حجّيته بل صحّته.

و الاستشكال فيه- بأنّ السعي ليس مثل الطواف عبادة برأسها ليكون الثاني مستحبّا- مردود بأنّ هذه الصحيحة تكفي في إثبات مشروعيتها في هذا المقام.

و بأنّ اشتراط البدأة بالصفا في السعي يستلزم بطلان الشوط الثامن،

______________________________

(1) الكافي 4: 436- 3، التهذيب 5: 152- 500، الاستبصار 2: 239- 833، الوسائل 13: 492 أبواب السعي ب

13 ح 5.

(2) التهذيب 5: 152- 502، الاستبصار 2: 240- 835، الوسائل 13: 366 أبواب الطواف ب 34 ح 10.

(3) كصاحب الرياض 1: 423.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 579.

(5) كما في الرياض 1: 423.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 180

فلا يصحّ السعي الثاني مطلقا.

مردود بأنّه يمكن أن يكون اشتراط البدأة مخصوصا بالسعي المبتدأ دون المنضم، فإنّ الثابت لزوم كون مبدإ أصل السعي الصفا بحيث لا تتقدّمه البدأة بالمروة، لا كلّ سعي.

و حمل الأخيرة على كون مبدإ الأشواط فيها المروة دون الصفا، و كون الأمر بإضافة الست إنّما هو لبطلان السبعة الأولى، لوقوع البدأة فيها بالصفا، بخلاف الشوط الثامن.

فهو بعيد غايته، بل خلاف مقتضى حقيقة الكلام.

و لا يخفى أنّه ينبغي الاقتصار حينئذ في الإضافة بمورد النصّ، و هو إكمال الشوط الثامن، لمخالفته للأصول، فلو نقص عنه يطرح الزائد و يعتدّ بالسبعة، بل لو لا الإجماع المركّب كان ينبغي الاقتصار بخصوص الثامن و إضافة الستّ، دون ما إذا تجاوز عنه.

فرع: حكم الجاهل هنا كالناسي،

لشمول الخطأ للجهل أيضا، بل ظهوره فيه، بل ظهور صحيحتي هشام و جميل في الجاهل أيضا.

المسألة الثالثة: يحرم النقص عن السبعة أشواط، فإن نقص عنها عمدا حتى فات وقته بطلت نسكه، لعدم إتيانه بالمأمور به على وجهه.

و إن نقص سهوا أتى بالنقيصة متى تذكّر، سواء فات وقت الموالاة أم لا، لعدم وجوب الموالاة فيه كما يأتي، و سواء كانت النقيصة أقلّ من النصف أو أكثر، فإن كان رجع إلى أهله عاد و أتى بها مع المكنة، و إلّا استناب فيه وجوبا.

أمّا صحّة النسك حينئذ فبالإجماع، و المستفيضة من الأخبار

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 181

كصحيحة ابن عمّار: «فإن سعى الرجل أقلّ من سبعة أشواط ثمَّ رجع

إلى أهله فعليه أن يرجع ليسعى تمامه، و ليس عليه شي ء، و إن كان لم يعلم ما نقص فعليه أن يسعى سبعا» «1».

و سعيد بن يسار: رجل متمتّع سعى بين الصفا و المروة ستّة أشواط، ثمَّ رجع إلى منزله و هو يرى أنّه قد فرغ منه، و قلّم أظافيره و أحلّ، ثمَّ ذكر أنّه سعى ستّة أشواط، فقال لي: «يحفظ أنّه قد سعى ستة أشواط، فإن كان يحفظ أنّه قد سعى ستّة أشواط فليعد و ليتمّ شوطا و ليرق دما»، فقلت: دم ما ذا؟ قال: «دم بقرة، و إن لم يكن حفظ أنّه سعى ستّة فليعد فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة أشواط ثمَّ ليرق دم بقرة» «2».

و رواية ابن مسكان: عن رجل طاف بين الصفا و المروة ستّة أشواط و هو يظنّ أنّها سبعة، فذكر بعد ما أحلّ و واقع النساء أنّه إنّما طاف ستّة أشواط، فقال: «عليه بقرة يذبحها و يطوف شوطا آخر» «3».

أمّا الإتيان بالنقيصة مع المكنة لو كانت أقلّ من النصف فبالإجماع أيضا، و تدلّ عليه الأخبار المتقدّمة عموما و خصوصا.

و أمّا الإتيان بها لو كانت النصف أو أكثر فعلى الأظهر الأشهر، كما صرّح به الشهيد الثاني «4»، لإطلاق الصحيحة الأولى الخالية عمّا يصلح للمعارضة، المعتضدة بما يأتي من جواز القطع و البناء بعد شوط أو ثلاثة

______________________________

(1) التهذيب 5: 153- 503، الوافي 2: 142 أبواب أفعال العمرة و الحج و مقدماتها و لواحقها ب 117.

(2) التهذيب 5: 153- 504، الوسائل 13: 492 أبواب السعي ب 14 ح 1.

(3) الفقيه 2: 256- 1245، التهذيب 5: 153- 505، الوسائل 13: 493 أبواب السعي ب 14 ح 2.

(4) المسالك 1: 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 12، ص: 182

لصلاة أو حاجة.

خلافا للمحكيّ عن المفيد و الديلمي و الحلبيين «1»، و عن الغنية الإجماع عليه، فاعتبروا في البناء مجاوزة النصف.

و احتج لهم برواية أبي بصير: «إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت أو بين الصفا و المروة فجازت النصف فعلّمت ذلك الموضع، فإذا طهرت رجعت فأتمّت بقية طوافها من الموضع الذي علّمته، و إن هي قطعت طوافها في أقلّ من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله» «2»، و قريبة منها رواية الحلّال «3».

و الجواب عنهما- مع عدم كونهما من مفروض المسألة- أنّهما معارضتان مع صحيحة ابن عمّار «4»، و غيرها «5»، المصرّحة بإتمام السعي لو حاضت في أثنائه، و مع ذلك فهما غير دالّتين على الوجوب، فتحتملان الأفضليّة لو طهرت قبل فوات الوقت، كما حملهما عليه في التهذيبين «6».

و أمّا الإتيان بنفسه مع المكنة فوجهه واضح، و الأخبار به مصرّحة «7».

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 441، الديلمي في المراسم: 123، الحلبي في الكافي في الفقه: 196، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 579.

(2) الكافي 4: 448- 2، التهذيب 5: 395- 1377، الاستبصار 2: 315- 1118، الوسائل 13: 453 أبواب الطواف ب 85 ح 1.

(3) الكافي 4: 449- 3، الوسائل 13: 454 أبواب الطواف ب 85 ح 2.

(4) الكافي 4: 448- 9، الفقيه 2: 240- 1144، التهذيب 5: 395- 1376، الوسائل 13: 459 أبواب الطواف ب 89 ح 1.

(5) الوسائل 13: 459 أبواب الطواف ب 89.

(6) التهذيب 5: 396، الاستبصار 2: 316.

(7) انظر الوسائل 13: 453 أبواب الطواف ب 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 183

و أمّا الاستنابة مع عدم المكنة فاستدلّ له بأنّ الحكم كذلك لو ترك الكلّ كما مرّ،

فترك بعضه أولى بذلك.

و فيه تأمّل، لعدم وضوح دليل الأولويّة، فإنّه ثبت جواز الاستنابة في الصلاة و لم يثبت في بعض أجزائها المنسيّة، إلّا أن تعارض أدلّة وجوب المباشرة بعمومات نفي العسر و الحرج، فيتردّد الأمر بين الاستنابة و عدم الإتيان، و الثاني باطل بالإجماع، فيبقى الأول.

المسألة الرابعة: لو سعى المتمتّع ستّة أشواط

و علم أو ظنّ إتمامه، فأحلّ و واقع أهله أو قلّم أظفاره، فعليه إتمام السعي و دم بقرة، وفاقا لجماعة من الأصحاب، منهم: المفيد و الشيخ في التهذيب و الفاضل في التذكرة و الإرشاد «1» و غيرهما «2»، و غيرهم «3».

لصحيحة ابن يسار و رواية ابن مسكان المتقدّمتين.

و الإيراد- بضعف سند الثانية، أو عدم صراحة الروايتين في الوجوب- ضعيف غايته.

و الاستبعاد- بمخالفتهما لبعض العمومات- أضعف، إذ العامّ يخصّص بالخاصّ المطلق، و ليست تلك العمومات ممّا يأبى العقل عن خلافها، فلا حاجة إلى بعض التوجيهات البعيدة التي ذكرها بعضهم «4».

و لا يجب الاقتصار على المتمتّع، لإطلاق الرواية بالنسبة إلى غيره أيضا، و ظهورها فيه أيضا- كما ادّعي «5»- لا أفهم وجهه.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 434، التهذيب 5: 153، التذكرة 1: 367، الإرشاد 1: 327.

(2) كالقواعد 1: 84.

(3) كصاحب الحدائق 16: 284.

(4) كما في المسالك 1: 125، الرياض 1: 425.

(5) انظر الرياض 1: 425.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 184

و لا على الظانّ، لشمول الصحيحة للقاطع أيضا، بل الظاهر أنّ المراد بالظانّ في الثانية أيضا هو القاطع، لاستعماله فيه كثيرا في أمثال المقام، لاشتراط حفظ الستّة في الأولى.

نعم، لا يبعد لزوم الاقتصار على ستّة أشواط، كما هي مورد الخبرين، و المخصوص بها في كلام جماعة من الأصحاب «1».

المسألة الخامسة: لو شكّ في عدد الأشواط،

فإن علم السبعة و شكّ في الزائد على وجه لا ينافي البدأة بالصفا- كالشكّ بين السبعة و التسعة و هو على المروة- صحّ سعيه و لا شي ء عليه، لتحقّق الواجب، و عدم منافاة الزيادة سهوا كما مرّ.

و إن كان في الأثناء استأنف السعي وجوبا، على ما قطع به الأصحاب كما في المدارك «2»، بل بالإجماع كما في المفاتيح

«3»، أو الاتّفاق كما في شرحه.

لا لما قيل من وقوع التردّد بين محذوري الزيادة و النقصان و كلّ منهما مبطل «4»، لمنع كون الزيادة أو النقيصة المحتملة محذورا، مع أنّ الأصل عدم الزيادة.

بل لصحيحتي ابن عمّار و ابن يسار المتقدّمتين في المسألة الثالثة «5»، و مقتضاهما عدم الفرق في وجوب الإعادة بين ما إذا كان الشكّ حال الاشتغال بالسعي أو الفراغ منه، كما هو مقتضى كلام الأصحاب أيضا، و به

______________________________

(1) كالسبزواري في الذخيرة: 648.

(2) المدارك 8: 215.

(3) المفاتيح 1: 376.

(4) انظر الرياض 1: 424.

(5) في ص: 181.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 185

تخصّص عمومات «1» عدم الالتفات إلى الشكّ بعد الفراغ عن العمل.

المسألة السادسة: لا تجب الموالاة في السعي،

بالإجماع كما عن التذكرة «2»، للأصل و الإطلاقات «3».

المؤيّدين بصحيحة الحلبي «4»، المصرّحة بالجلوس في أثناء السعي للاستراحة.

و ابن عمّار «5» المصرّحة بقطع السعي و الصلاة ثمَّ العود إذا دخل وقت الفريضة و هو في السعي.

و موثّقة ابن فضّال «6»، المتضمّنة للقطع و الصلاة ثمَّ العود و الإتمام لو طلع الفجر و هو سعى شوطا واحدا.

و صحيحة الأزرق «7»، النافية للبأس لقطع السعي لمن سعى ثلاثة أشواط أو أربعة، فيدعوه صديقه لحاجة أو إلى الطعام.

و إنّما جعلناها مؤيّدة لجواز تخصيص القطع بهذه الأمور خاصّة، مع عدم معلوميّة منافاة الجلوس بقدر الاستراحة للموالاة، و عدم صراحة

______________________________

(1) الوسائل 8: 237 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23.

(2) التذكرة 1: 367.

(3) الوسائل 13: 501 أبواب السعي ب 20.

(4) الكافي 4: 437- 3، التهذيب 5: 156- 516، الوسائل 13: 501 أبواب السعي ب 20 ح 1.

(5) الكافي 4: 438- 1، الفقيه 2: 258- 1252، التهذيب 5: 156- 519، الوسائل 13: 499 أبواب السعي ب 18

ح 1.

(6) الفقيه 2: 258- 1254، التهذيب 5: 156- 518، الوسائل 13: 499 أبواب السعي ب 18 ح 2.

(7) الفقيه 2: 258- 1253، التهذيب 5: 157- 520، الوسائل 13: 500 أبواب السعي ب 19 ح 1، 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 186

الصحيحين في البناء على ما سعى، فتأمّل.

و يظهر من بعض المتأخّرين نوع ميل إلى وجوب الموالاة، للتأسّي، و الأخذ بالمتيقن «1».

و يردّ الأول: بعدم وجوبه، إذ لم يعلم كونه على طريق الوجوب، بل يمكن منع ثبوت مواظبتهم على الموالاة.

و الثاني: بأنّه إنّما يتمّ لو لم تكن الإطلاقات.

المسألة السابعة: يجوز السعي راكبا و على المحمل،

إجماعا محقّقا و محكيّا مستفيضا «2»، و للنصوص المستفيضة، كالصحاح الثلاث «3» المتقدّمة في الأمر الأول من المستحبّات، و صحيحة الحلبي: في الرجل يسعى بين الصفا و المروة على الدابّة؟ قال: «نعم، و على المحمل و غيرها» «4».

المسألة الثامنة: يجوز الجلوس في خلاله للراحة

على الأظهر الأشهر، للأصل، و صحيحة ابن رئاب: الرجل يعيا في الطواف إله أن يستريح؟ قال: «نعم، يستريح، ثمَّ يقوم فيبني على طوافه في فريضة أو غيرها، و يفعل ذلك في سعيه و جميع مناسكه» «5».

بل كذلك أيضا، للأصل، و لصحيحة الحلبي: عن الرجل يطوف بين الصفا و المروة أ يستريح؟ قال: «نعم، إن شاء جلس على الصفا و المروة

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 424.

(2) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 579، المفاتيح 1: 375، الرياض 1: 422.

(3) و هي: صحيحتا ابن عمار و صحيحة الخشّاب، المتقدمة جميعا في ص: 171.

(4) الكافي 4: 437- 1، التهذيب 5: 155- 511، الوسائل 13: 496 أبواب السعي ب 16 ح 1.

(5) الكافي 4: 416- 4، و في قرب الإسناد: 165- 604 بتفاوت يسير، الوسائل 13: أبواب الطواف ب 46 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 187

و بينهما فيجلس» «1».

و عن الحلبيّين: المنع من الجلوس حتى مع الإعياء، و يجوّزان الوقوف مع الإعياء «2». و لا دليل لهما.

و أمّا صحيحة البصري: «لا يجلس على الصفا و المروة إلّا من جهد» «3» فمع دلالتها على الجواز مع الإعياء، لا يثبت أزيد من الكراهة، و لا بأس بها.

المسألة التاسعة: لو نسي الهرولة في موضعها

يستحبّ الرجوع القهقرى إلى مبدئها و تداركها.

لمرسلة الصدوق و الشيخ: «من سهى عن السعي حتى يصير من المسعى على بعضه أو كلّه ثمَّ ذكر فلا يصرف وجهه منصرفا، لكن يرجع القهقرى إلى المكان الذي يجب فيه السعي» «4».

و مقتضى الأصل: الاقتصار في الرجوع على ما ورد فيه النصّ من القهقرى، و ما إذا ذكر في شوط أنّه ترك السعي فيه، فلا يرجع بعد الانتقال إلى شوط آخر، و ما إذا تركه سهوا،

فلا يرجع لو ترك عمدا.

المسألة العاشرة: قد مضى في بحث الطواف وجوب تقديم طواف الحجّ و العمرة على السعي،

فيحرم تقدم السعي عليه عمدا، و هو كما مرّ إجماعي، مدلول عليه بالأخبار المتواترة الفعليّة و القولية «5» المتقدّمة إليها

______________________________

(1) الكافي 4: 437- 3، التهذيب 5: 156- 516، الوسائل 13: 501 أبواب السعي ب 20 ح 1.

(2) أبو الصلاح الحلبي في الكافي: 196، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 579.

(3) الكافي 4: 437- 4، الفقيه 2: 258- 1251، الوسائل 13: 502 أبواب السعي ب 20 ح 4، و في الجميع: لا يجلس بين الصفا و ..

(4) الفقيه 2: 308- 1528، التهذيب 5: 453- 1581، و فيهما: حتى يصير من السعي ..، الوسائل 13: 487 أبواب السعي ب 9 ح 2.

(5) انظر الوسائل 13: 413 أبواب الطواف ب 63.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 188

الإشارة في ما مرّ.

و لو قدّم السعي يجب عليه الطواف ثمَّ إعادة السعي، كما صرّح به في المستفيضة:

كصحيحة منصور: عن رجل طاف بين الصفا و المروة قبل أن يطوف بالبيت، فقال: «يطوف بالبيت، ثمَّ يعود إلى الصفا و المروة فيطوف بينهما» «1».

و روايته: عن رجل بدأ بالسعي بين الصفا و المروة، قال: «يرجع فيطوف بالبيت ثمَّ يستأنف السعي» قلت: إنّ ذلك قد فاته، قال: «عليه دم، ألا ترى أنّك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك» «2».

و موثّقتي إسحاق «3» المتقدّمتين في المسألة [الخامسة] «4» من أحكام الطواف.

و لا يضرّ عدم صراحة بعضها في الوجوب بعد الإجماع عليه و دلالة رواية منصور بوجهين.

و لا فرق في ذلك بين العمد و السهو، كما هو المستفاد من إطلاق الفتاوى، و صرّح به في الدروس «5»، لإطلاق الأخبار، و يظهر منه وجوب إعادة السعي في

كلّ موضع تجب فيه إعادة الطواف لو أعاده بعد السعي.

______________________________

(1) الكافي 4: 421- 2، التهذيب 5: 129- 426، الوسائل 13: 413 أبواب الطواف ب 63 ح 2.

(2) التهذيب 5: 129- 427، الوسائل 13: 413 أبواب الطواف ب 63 ح 1.

(3) الاولى في: الكافي 4: 421- 1، الفقيه 2: 252- 1217، التهذيب 5: 130- 328، الوسائل 13: 413 أبواب الطواف ب 63 ح 3.

الثانية في: الكافي 4: 418- 8، الفقيه 2: 248- 1190، التهذيب 5:

109- 355، الوسائل 13: 358 أبواب الطواف ب 32 ح 2.

(4) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: الرابعة، و الصحيح ما أثبتناه.

(5) الدروس 1: 408.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 189

نعم، لو قدّمه على بعض الطواف سهوا لم يستأنف، بل يتمّ السعي بعد إتمام الطواف، كما مرّ في المسألة المشار إليها.

المسألة الحادية عشرة: قالوا: لا يجوز تأخير السعي عن يوم الطواف إلى الغد،

بلا خلاف فيه- كما قيل «1»- إلّا عن الشرائع، فجوّزه «2»، و إن احتمل كلامه الإرجاع إلى المشهور، بإخراج الغاية عن المغيّى.

و استدلّ للمشهور بصحيحة محمّد: عن رجل طاف بالبيت فأعيا، أ يؤخّر الطواف بين الصفا و المروة إلى غد؟ قال: «لا» «3».

و في دلالتها على الوجوب نظر، لجواز كون السؤال عن الجواز بالمعنى الأخصّ، و الأصل يقتضي العدم، بل يدلّ عليه إطلاق صحيحة أخرى لمحمّد «4»، و هي كالأولى، إلّا أنّه ليس فيها قوله: إلى غد، و قال: «نعم»، مكان: «لا».

و الاحتياط في عدم التأخير.

و يجوز التأخير في يوم الطواف إلى آخره و إلى الليل قولا واحدا، للأصل، و إطلاق الصحيحة الأخيرة، و صحيحة ابن سنان «5»، و مرسلة الفقيه «6».

المسألة الثانية عشرة: المريض الذي لا يتمكّن بنفسه من السعي يسعى به أو عنه،

بالتفصيل المتقدّم في الطواف بدليله.

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 418.

(2) الشرائع 1: 270.

(3) الكافي 4: 422- 5، الفقيه 2: 253- 1220، التهذيب 5: 129- 425، الاستبصار 2: 229- 792، الوسائل 13: 411 أبواب الطواف ب 60 ح 3.

(4) التهذيب 5: 129- 424، الاستبصار 2: 229- 791، الوسائل 13: 411 أبواب الطواف ب 60 ح 2.

(5) الكافي 4: 421- 3، الفقيه 2: 252- 1218، التهذيب 5: 128- 423، الاستبصار 2: 229- 790، الوسائل 13: 410 أبواب الطواف ب 60 ح 1.

(6) الفقيه 2: 253- 1219، الوسائل 13: 410 أبواب الطواف ب 60 ذ ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 190

الفصل الخامس في خامس أفعال العمرة، و هو التقصير
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: إذا فرغ المعتمر بعمرة التمتّع عن السعي

يقصّر راجحا، بلا خلاف يعرف، بل بالإجماعين «1»، و تدلّ عليه المستفيضة من الأخبار:

كصحيحة ابن عمّار: «إذا فرغت من سعيك و أنت متمتّع فقصّر من شعر رأسك من جوانبه و لحيتك، و خذ من شاربك، و الق أظفارك، و أبق منها لحجّك، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شي ء يحلّ منه المحرم و أحرمت منه، فطف بالبيت تطوّعا ما شئت» «2».

و صحيحته الأخرى، و فيها: «ثمَّ قصّ [من ] رأسك من جوانبه و لحيتك و خذ من شاربك، و قلّم أظفارك و أبق منها لحجّك» الحديث «3».

و ابن سنان: «طواف المتمتّع أن يطوف بالكعبة، و يسعى بين الصفا و المروة، و يقصّر من شعره، فإذا فعل ذلك فقد أحلّ» «4».

______________________________

(1) كما في الخلاف 2: 330، و الغنية (الجوامع الفقهية): 579، و كشف اللثام 1:

349، و الحدائق 16: 297.

(2) الكافي 4: 438- 1، الفقيه 2: 236- 1127، التهذيب 5: 157- 521، الوسائل 13: 506 أبواب التقصير ب 1 ح 4، بتفاوت يسير.

(3) التهذيب 5: 148- 487، الوسائل 13: 505 أبواب التقصير ب 1 ح 1، و ما بين المعقوفين، أثبتناه من المصادر.

(4) التهذيب 5: 157- 522، الوسائل 13: 505، أبواب التقصير ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 191

و رواية عمر بن يزيد: «ثمَّ ائت منزلك فقصّر من شعرك، و حلّ لك كلّ شي ء» «1»، و غير ذلك ممّا يأتي.

و هل هو واجب عليه، كما هو المشهور، بل لا يعرف فيه خلاف إلّا من الخلاف؟

أو هو الأفضل و إن جاز الحلق أيضا؟ كما عن الخلاف «2»، و حكي عن والد الفاضل أيضا «3»؟

الحقّ هو: الأول.

لا لصحيحتي ابن عمّار الأوليين، لعدم

وجوب المأمور به فيهما بخصوصه قطعا من الأخذ من شعر الرأس من جوانبه و اللحية.

و لا لصحيحة ابن سنان، لقصورها عن إفادة الوجوب.

بل لرواية عمر بن يزيد و صحيحة ابن عمّار «إذا أحرمت فعقصت [1] رأسك أو لبّدته [2] فقد وجب عليك الحلق و ليس لك التقصير، و إن أنت لم تفعل فمخيّر لك التقصير و الحلق في الحجّ، و ليس في المتعة إلّا التقصير» «4».

و تدلّ عليه أيضا الأخبار الواردة في صفة أصناف الحجّ و الاقتصار فيها

______________________________

[1] عقص الشعر: جمعه و جعله في وسط الرأس و شدّه- مجمع البحرين 4: 175.

[2] تلبيد الشعر: أن يجعل فيه شي ء من صمغ أو خطمي و غيره عند الإحرام لئلا يشعث و يقمل اتّقاء على الشعر- مجمع البحرين 3: 140.

______________________________

(1) التهذيب 5: 157- 523، الوسائل 13: 506 أبواب التقصير ب 1 ح 3.

(2) الخلاف 2: 330.

(3) حكاه عنه في المختلف: 294.

(4) التهذيب 5: 160- 533، الوسائل 14: 224 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 8، و فيهما: فعقصت شعر رأسك.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 192

في عمرة التمتّع على التقصير «1»، و الأخبار المتضمّنة لوجوب الدم على من أتى النساء قبل التقصير «2»، و لبطلان العمرة إذا أهلّ بالحجّ قبل التقصير، و الأخبار المثبتة للدم على ناسي التقصير و على الحالق.

هذا في صورة عدم عقص شعر الرأس أو تلبيده. و أمّا معه، فحكي في المنتقى عن المفيد: وجوب الحلق خاصّة كما في إحرام الحجّ، و نسب إلى ظاهر التهذيب موافقته في ذلك، و مال هو نفسه إليه أيضا «3».

و استحسنه في الذخيرة «4»، و استدلّ له بصحيحة ابن عمّار الأخيرة، بجعل قوله: «في الحجّ» قيدا للحكم

الأخير، و بصحيحة أخرى له، و صحيحة للعيص و رواية أبي سعد الآتيتين في بحث تحليل الحجّ، الدالّتين على تعيّن الحلق على المعقّص و الملبّد مطلقا، و بصحيحة هشام الآتية فيه أيضا، الدالّة عليه في الحجّ أو العمرة.

قال في المنتقى: إنّ هذه أخصّ ممّا مرّ، لاختصاصها بالمعقّص و الملبّد، فيجب حمل العامّ على الخاصّ «5».

أقول:

إنّ ما ذكره في الأولى محض احتمال، و بمجرّده لا يمكن تخصيص عموم قوله أخيرا: «و ليس في المتعة إلّا التقصير».

و الأربعة الباقية و إن اختصّت بالمعقّص و الملبّد إلّا أنّ الأوليين أعمّان من الحجّ و العمرة، و الأخيرة من العمرة المتمتّع بها و المبتولة، فالنسبة بين الفريقين بالعموم من وجه دون المطلق، و لكن لا مرجّح لأحدهما على الظاهر،

______________________________

(1) الوسائل 14: 221 أبواب الحلق و التقصير ب 7.

(2) انظر الوسائل 13: 117 أبواب كفارات الاستمتاع ب 5.

(3) المنتقى 3: 332.

(4) الذخيرة: 649.

(5) المنتقى 3: 333.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 193

و الترجيح بالشهرة فتوى عندي غير ثابت، و الأصل بالنسبة إليهما على السواء.

و المسألة قويّة الإشكال، و إن كان مقتضى الاستدلال التخيير حينئذ إلّا أنّه لا أعلم به قائلا، بل يتأتّى هذا الإشكال في حقّ الصرورة أيضا، لتعارض أخبارها الآتية في تحليل الحجّ مع أخبار التقصير بالعموم من وجه، إلّا أنّه لم ينقل عن أحد القول بتعيّن الحلق في حقّه.

و يمكن رفع الإشكال فيه بذلك، حيث إنّ مخالفة الشهرة القويّة لا أقلّ موهنة للخبر مخرجة له و لو لعمومه عن الحجيّة.

بل بذلك يمكن دفع الإشكال في المعقّص و الملبّد أيضا، سيّما و أنّ كلام الشيخ «1» ليس صريحا و لا ظاهرا في ذلك.

نعم، سكت هو عن ردّ قول المفيد،

و ذلك ليس بظاهر في المخالفة، بل في ظهور قول المفيد في ذلك أيضا كلام، فتأمّل.

المسألة الثانية: و حيث عرفت وجوب التقصير عليه، فهل يجوز له معه الحلق مطلقا، أو بعد التقصير، أم لا؟

حكي عن القاضي و ابن حمزة و الشهيد: الحرمة في الحالين «2»، و أطلق في الشرائع عدم جوازه «3»، و ظاهر النافع التحريم قبله خاصّة.

و تردّد في المدارك في أصل التحريم «4». و هو في محلّه، لأنّ الأصل ينفيه، و لا دليل يثبته أصلا سوى ما في بعض الأخبار من إيجاب الدم له،

______________________________

(1) التهذيب 5: 160.

(2) حكاه عنهم في الحدائق 16: 299، و كشف اللثام 1: 350.

(3) الشرائع 1: 302.

(4) المدارك 8: 461.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 194

و هو محلّ مناقشة كما يأتي.

و على فرض الثبوت لا يثبت التحريم، لجواز ترتّبه على فعل مباح أو ترك مستحبّ أيضا، و لذا أثبته بعضهم «1» في الحلق المستحبّ تركه قبل الإحرام أيضا.

نعم، يمكن القول بتحريمه قبله بالاستصحاب.

و القول- بأنّه لو لم يحرم بعده لم يحرم أصلا، لأنّ أوله تقصير- مردود بالمنع، لأنّ التقصير: جعل الشعر أو غيره قصيرا، و الحلق هو أمر آخر، و بينهما فرق ظاهر عرفا و لغة، و لا يمكن استصحاب التحريم فيما بعد، لقوله في الأخبار المتقدّمة: «فقد أحللت من كلّ شي ء».

و قد يستدلّ على التحريم- و لو بعد التقصير- بقوله في صحيحتي ابن عمّار المتقدّمتين: «و أبق منها لحجّك» «2»، حيث إنّ الأمر بالشي ء نهي عن ضدّه العامّ.

و فيه: أنّه لا يتعيّن في الحجّ حلق الرأس على الإطلاق، بل يتخيّر غير الصرورة و المعقّص و الملبّد بينه و بين التقصير، فلا يجب إبقاء شي ء من الرأس مطلقا قطعا، فيمكن إرجاع الضمير المجرور إلى المذكورات من اللحية و الشارب و الأظفار و الرأس، فلا دلالة

فيها أصلا.

ثمَّ على القول بالتحريم، فهل المحرّم حلق جميع الرأس، أو يحرم بعضه أيضا؟

______________________________

(1) كالصدوق في الفقيه 2: 238، و حكاه في الرياض 1: 436.

(2) الكافي 4: 438- 1، الفقيه 2: 236- 1127، التهذيب 5: 157- 521، الوسائل 13: 506 أبواب التقصير ب 1 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 195

استوجه في المنتهى «1»، و حكي عن جمع أيضا «2»: عدم تحريم البعض، و لا أرى وجها للتفرقة بين الكلّ و البعض.

و عليه أيضا هل يكون مجزئا عن التقصير، أم لا؟

قيل: نعم مطلقا «3». و قيل: بإجزاء حلق البعض «4». و الحقّ: عدم الإجزاء، لما أشرنا إليه من مباينة الحلق و التقصير.

ثمَّ لو حلق فهل عليه دم، أم لا؟

المشهور- كما قيل «5»-: الأول، بل ربّما يلوح من كلام بعضهم مظنّة كونه إجماعا «6»، و في النافع اختصاصه بما قبل التقصير «7». و ظاهر طائفة من المتأخّرين التأمّل فيه «8».

و ما يدلّ عليه رواية إسحاق: عن المتمتّع أراد أن يقصّر فحلق رأسه، قال: «عليه دم يهريقه» «9».

و صحيحة جميل: عن متمتّع حلق رأسه بمكّة، قال: «إن كان جاهلا فليس عليه شي ء، و إن تعمّد ذلك في أول أشهر الحجّ بثلاثين يوما فليس

______________________________

(1) المنتهى 2: 711.

(2) حكاه في الرياض 1: 436.

(3) كما في المنتهى 2: 711.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 12    196     المسألة الثانية: و حيث عرفت وجوب التقصير عليه، فهل يجوز له معه الحلق مطلقا، أو بعد التقصير، أم لا؟ ..... ص : 193

(4) كما في الدروس 1: 415.

(5) انظر المدارك 8: 461.

(6) انظر الرياض 1: 436.

(7) النافع: 108.

(8) كما في المدارك 8: 461، الذخيرة: 649، الرياض 1: 436.

(9) الفقيه 2:

238- 1133 و فيه: عن أبي بصير، و في التهذيب 5: 158- 525 و الاستبصار 2: 242- 842 و الوسائل 13: 510 أبواب التقصير ب 4 ح 3: عن إسحاق بن عمّار، عن أبي بصير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 196

عليه شي ء، و إن تعمّد بعد الثلاثين التي يوفّر فيها الشعر للحجّ فإنّ عليه دما يهريقه» «1».

و يرد على الاولى: أنّها ظاهرة في الناسي، و ظاهرهم الإجماع- كما قيل «2»- أيضا على عدم الوجوب عليه، و لكن كلام المحقّق مطلق «3»، و لكنّه لا يخرجها عن الشذوذ المخرج عن الحجّية، و مع ذلك مخصوص بما قبل التقصير، فلا يصلح حجّة للتعميم.

و على الثانية: أنّه لا ظهور فيها على كون الحلق بعد الإحرام، كذا قيل «4».

و فيه نظر، بل ظاهر التعليق على المتمتّع و على كونه بمكّة كونه بعده و إن احتمل بعيدا كونه قبله.

نعم، يرد عليها: أنّه لا دلالة فيها على كون الدم لأجل الحلق بعد الإحرام، و إلّا لم يكن للتخصيص بما بعد الثلاثين المذكورة وجه، فلعلّه للإخلال بتوفير الشعر المستحبّ عند الأكثر و الواجب عند بعضهم «5»، بل عن المفيد: إيجاب الإخلال به للدم «6».

و ظهر من ذلك أنّه لا دليل على وجوب الدم به في صورة التأخير عن التقصير.

______________________________

(1) الكافي 4: 441- 7، الفقيه 2: 238- 1137، التهذيب 5: 158- 526، الاستبصار 2: 242- 843، الوسائل 13: 510 أبواب التقصير ب 4 ح 5.

(2) انظر الرياض 1: 436.

(3) الشرائع 1: 302.

(4) انظر الرياض 1: 436.

(5) كالشيخ في النهاية 1: 206.

(6) المقنعة: 391.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 197

و أمّا مع التقديم، فظاهر الرواية الأولى الوجوب على الناسي، و هو خلاف

المعروف بين الأصحاب، و به تخرج الرواية عن الحجّية، فلا تكون دليلا في صورة التقديم أيضا.

و لو احتيط حينئذ- مع العمد، لمظنّة الإجماع، و مع النسيان، للرواية، بل في صورة التأخير، للشهرة حتى في حلق البعض، لصدق حلق الرأس الوارد في الرواية- كان أولى.

المسألة الثالثة: يكفي المسمّى في التقصير،

لإطلاق، الأخبار، و المشهور كفايته من الشعر أو الظفر، و عن بعضهم: لزوم كونه في الشعر «1»، و هو المستفاد من الأخبار.

و لا يلزم كون التقصير بالمقراض، كما صرّح به في صحيحة ابن عمّار «2» و رواية محمّد الحلبي «3»، و لا بالحديد، بل يكفي القطع و لو بالسنّ أو الظفر، كما صرّح به في رواية محمّد المشار إليها، و صحيحتي حمّاد بن عثمان «4» و الحلبي «5».

المسألة الرابعة: لو ترك التقصير حتى أحرم بالحجّ،

فإن كان عمدا فعن الشيخ بطلان متعته و صيرورة حجّه مفردة «6». و عن الحلّي: بطلان

______________________________

(1) انظر التحرير 1: 100.

(2) الكافي 4: 439- 6، التهذيب 5: 158- 524، الوسائل 13: 507 أبواب التقصير ب 2 ح 1.

(3) التهذيب 5: 162- 542، الاستبصار 2: 244- 851، الوسائل 13: 509 أبواب التقصير ب 3 ح 4.

(4) الفقيه 2: 238- 1138، الوسائل 13: 508 أبواب التقصير ب 3 ح 2.

(5) الكافي 4: 441- 6، التهذيب 5: 162- 543، الاستبصار 2: 244- 852، الوسائل 13: 508 أبواب التقصير ب 3 ح 2.

(6) الخلاف 2: 332.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 198

إحرامه الثاني «1».

و تدلّ على الأول رواية أبي بصير: «المتمتّع إذا طاف و سعى ثمَّ لبّى قبل أن يقصّر، فليس له أن يقصّر، و ليس له متعة» «2».

و رواية العلاء: عن رجل متمتّع طاف ثمَّ أهلّ بالحجّ قبل أن يقصّر، قال: «بطلت متعته، هي حجّة مبتولة» «3».

و لم أعثر لدليل على الثاني.

و إن كان نسيانا فيصحّ تمتّعه، بلا خلاف يعرف كما في الذخيرة «4»، للأخبار الآتية، و عليه دم شاة على الأظهر، (وفاقا لعليّ بن بابويه و الشيخ و القاضي و الإرشاد «5».

لموثّقة إسحاق: الرجل يتمتّع فينسى أن يقصّر حتى

يهلّ بالحجّ، قال: «عليه دم يهريقه» «6».

و خلافا للفقيه و الديلمي و الحلّي و القواعد، فلا دم عليه وجوبا «7».

لصحيحة ابن سنان: في رجل متمتّع نسي أن يقصّر حتى أحرم

______________________________

(1) السرائر 1: 581.

(2) التهذيب 5: 159- 529، الاستبصار 2: 243- 846، الوسائل 12: 412 أبواب الإحرام ب 54 ح 5.

(3) التهذيب 5: 90- 296، الاستبصار 2: 175- 580، الوسائل 12: 412 أبواب الإحرام ب 54 ح 4.

(4) الذخيرة: 649.

(5) حكاه عن علي بن بابويه في الذخيرة: 649، الشيخ في النهاية: 246، القاضي في المهذب 1: 225، الإرشاد 1: 328.

(6) التهذيب 5: 158- 527، الاستبصار 2: 242- 844، الوسائل 12: 412 أبواب الإحرام ب 54 ح 6.

(7) الفقيه 2: 237، الديلمي في المراسم: 124، الحلّي في السرائر: 136، القواعد 1: 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 199

بالحجّ، قال: «يستغفر اللّه و لا شي ء عليه» «1».

و ابن عمّار: عن رجل أهلّ بالعمرة و نسي أن يقصّر حتى دخل الحجّ، قال: «يستغفر اللّه و لا شي ء عليه و تمّت عمرته» «2».

و البجلي: عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فدخل مكّة، فطاف و سعى و لبس ثيابه و أحلّ و نسي أن يقصّر حتى خرج إلى عرفات، قال:

«لا بأس به، يبني على العمرة و طوافها، و طواف الحجّ على أثره» «3».

فيحملون الموثّقة على الاستحباب، لهذه الأخبار.

و فيه: أنّ هذه الأخبار عامّة، لأنّ نفي الشي ء أعمّ من الذمّ و العقاب و غيرهما، و الموثقة خاصّة، و التخصيص مقدّم على التجوّز) [1].

______________________________

[1] بدل ما بين القوسين في «ح»: و قد مرّت المسألة مفصّلة في بحث أحكام الإحرام.

______________________________

(1) الكافي 4: 440- 1، الفقيه 2: 237- 1129، التهذيب 5: 90- 297، الاستبصار

2: 175- 577، الوسائل 12: 410 أبواب الإحرام ب 54 ح 1.

(2) الكافي 4: 440- 2، التهذيب 5: 91- 299، الاستبصار 2: 175- 579، الوسائل 13: 411 أبواب الإحرام ب 54 ح 3.

(3) الكافي 4: 440- 3، التهذيب 5: 90- 298، الاستبصار 2: 175- 578، الوسائل 13: 411 أبواب الإحرام ب 54 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 200

المطلب الثاني في أفعال حجّ التمتّع
اشاره

و قد عرفت أنّها ثلاثة عشر فعلا: الإحرام، و الوقوف بعرفات، و الوقوف بمشعر، و ثلاثة أفعال منى قبل النفر إلى مكّة، و خمسة أفعال مكّة بعده، و فعلان بعد العود إلى منى.

ففي هذا المطلب سبعة فصول [1]:

الفصل الأول في إحرام حجّ التمتّع

اعلم أنّه إذا فرغ المتمتّع من العمرة و أحلّ منها وجب عليه الإحرام بالحجّ إجماعا قطعيّا، منصوصا عليه في الأخبار «1» الغير العديدة، المذكور أكثرها في المسألة الثامنة من الباب [الأول من المقصد الرابع ] [2].

و يجب كون ذلك الإحرام من بطن مكّة، كما مرّ مفصّلا في المسألة المذكورة، و كذا مرّ أفضل مواضعها هنا، و مرّ موضع التلبية لذلك الإحرام و موضع قطعها في بحث تلبية إحرام عمرة التمتّع، و كذا مرّ كيفية الإحرام

______________________________

[1] في «ح» زيادة: و يلحقها ما بعد الفراغ و العود إلى مكة.

[2] بدل ما بين المعقوفين في النسخ: الثاني من المقصد الثالث، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(1) الوسائل 11: 301 أبواب أقسام الحجّ ب 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 201

و مقدّماته و واجباته و مستحبّاته.

و يترجّح أن يكون ذلك الإحرام يوم التروية، بلا خلاف، كما في الذخيرة و عن المنتهى «1»، بل بالإجماع كما عن التذكرة «2»، له، و للمستفيضة من الأخبار «3» المتقدّمة أكثرها في المسألة المذكورة.

و عن ابن حمزة أنّه قال: إذا أمكنه الإحلال و الإحرام بالحجّ و لم يضيّق الوقت لزمه الإحرام يوم التروية «4»، و لعلّه للأمر في الأخبار المذكورة.

و يردّ: بوجوب حمله على الاستحباب، لعمل الطائفة، و لأخبار أخر دالّة على التوسعة.

كصحيحة عليّ بن يقطين: عن الذي يريد أن يتقدم فيه الذي ليس له وقت أول منه، قال: «إذا زالت الشمس»، و عن الذي يريد أن يتخلّف

بمكّة عشيّة التروية إلى أيّ ساعة يسعه أن يتخلّف؟ قال: «ذلك موسّع له حتى يصبح بمنى» «5».

و قويّة يعقوب بن شعيب: «لا بأس للمتمتّع أن يحرم من ليلة التروية متى ما تيسّر له ما لم يحسّ فوات الموقفين» «6».

______________________________

(1) الذخيرة: 650، المنتهى 2: 714.

(2) التذكرة 1: 370.

(3) الوسائل 11: 291 أبواب أقسام الحجّ ب 20.

(4) الوسيلة: 176، و قد حكاه عنه في المختلف: 296.

(5) التهذيب 5: 175- 587، الاستبصار 2: 252- 887، الوسائل 13: 520 أبواب إحرام الحجّ و الوقوف بعرفة ب 2 ح 1.

(6) الكافي 4: 444- 4، التهذيب 5: 171- 568، الاستبصار 2: 247- 863، الوسائل 11: 292 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 5، و في الجميع: إن لم يحرم ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 202

و رواية محمّد بن ميمون: قد قدم أبو الحسن عليه السلام متمتّعا ليلة عرفة، فطاف و أحلّ و أتى بعض جواريه، ثمَّ أهلّ بالحجّ و خرج «1».

و رواية عمر بن يزيد المتقدّمة في المسألة المذكورة، و فيها: «و اعلم أنّه واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو دبر نافلة أو ليل أو نهار» «2».

مضافا إلى ما في الأوامر المذكورة من ضعف الدلالة على الوجوب، كما مرّ وجهه في المسألة المتقدّمة.

و أفضل أوقات يوم التروية له: عند الزوال، كما نطقت به الأخبار «3».

و أمّا أنّ الأفضل كونه بعد الصلاتين، أو بعد صلاة الظهر خاصّة، أو قبلهما، فقد مرّ في بحث إحرام العمرة.

و يظهر ممّا يأتي في أفضل حالات الخروج إلى منى، و أنّ الأفضل للإمام التقديم على الصلاتين و الباقون بالخيار.

______________________________

(1) الكافي 4: 443- 2، الفقيه 2: 242- 1157، التهذيب 5: 172- 572، الاستبصار 2:

247- 867، الوسائل 11: 291 أبواب أقسام الحجّ ب 20 ح 2 و فيه: ثمَّ أحرم بالحجّ و خرج.

(2) التهذيب 5: 169- 561، الاستبصار 2: 252- 886، الوسائل 12: 345 أبواب الإحرام ب 18 ح 3.

(3) الوسائل 13: 520 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 203

الفصل الثاني في ثاني أفعال الحجّ، و هو الوقوف بعرفات
اشاره

و الكلام إمّا في مقدّماته، أو كيفيّته، أو أحكامه، فهاهنا ثلاثة أبحاث:

البحث الأول في مقدماته
اشارة

و هي أمور:

منها: الخروج من مكّة إلى جهة عرفات،

و لا شكّ في وجوبه، لأنّه مقدّمة الواجب، و لا خلاف في رجحان كونه يوم التروية، كما في الذخيرة «1».

و تدلّ عليه من الأخبار صحيحة الحلبي «2»، و ابن عمّار «3»، و موثّقة أبي بصير «4»، و رواية عمر بن يزيد «5»، المتقدّمة في بيان موضع إحرام حجّ

______________________________

(1) الذخيرة: 650.

(2) الكافي 4: 443- 3، التهذيب 5: 164- 547، الوسائل 11: 303 أبواب أقسام الحج ب 22 ح 7.

(3) الكافي 4: 454- 1، التهذيب 5: 167- 557، الوسائل 13: 519 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 1 ح 1.

(4) الكافي 4: 454- 2، التهذيب 5: 168- 559، الاستبصار 2: 252- 885، الوسائل 13: 521 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 2 ح 2.

(5) التهذيب 5: 169- 561، الاستبصار 2: 252- 886، الوسائل 13: 521 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 2 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 204

التمتّع من الباب [الأول من المقصد الرابع ] [1]، و الأخبار الآتية الآمرة بالخروج بعد زوال الشمس من هذا اليوم «1».

و موثّقة إسحاق: عن الرجل يكون شيخا كبيرا أو مريضا يخاف ضغاط الناس و زحامهم يحرم بالحجّ و يخرج إلى منى قبل يوم التروية؟

قال: «نعم»، قلت: فيخرج الرجل الصحيح يلتمس مكانا و يتروّح بذلك؟

قال: «لا»، قلت: يتعجل بيوم؟ قال: «نعم»، قلت: بيومين؟ قال: «نعم»، قلت: ثلاثة؟ قال: «نعم»، قلت: أكثر من ذلك؟ قال: «لا» «2».

و هل تأخيره إلى التروية على سبيل الوجوب، كما يحكى عن الإسكافي و الشيخ «3»؟

أو الاستحباب، كما هو المشهور، و عن المنتهى: لا نعلم فيه خلافا «4»، و عن التذكرة: الإجماع عليه «5»؟

الظاهر: الثاني، للأصل السالم عمّا يصلح

لإثبات الوجوب، فإنّ الأخبار الثلاثة الاولى و إن تضمّنت الأمر إلّا أنّها في الخروج بعد الزوال، الذي هو ليس بواجب قطعا كما يأتي، و كذا سائر الأخبار الآتية، و موثّقة إسحاق و إن لم تتقيّد بالزوال إلّا أنّها لكونها جملة خبريّة لا تفيد التحريم، فيمكن أن يكون السؤال عن الإباحة.

______________________________

(1) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: الثاني من المقصد الثالث، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(1) كما في الوسائل 13: 520 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 2.

(2) الكافي 4: 460- 1، التهذيب 5: 176- 589، الاستبصار 7: 253- 889، الوسائل 13: 522 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 3 ح 1.

(3) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 296، الشيخ في التهذيب 5: 175.

(4) المنتهى 2: 714.

(5) التذكرة 1: 370.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 205

ثمَّ إنّ ما ذكر من رجحان الخروج يوم التروية لغير ذوي الأعذار، و أمّا هم فلهم التقدّم بيوم أو يومين أو ثلاثة، بلا خلاف يعرف، للموثقة المذكورة، و مرسلة البزنطي الآتية و غيرهما.

و الأحوط عدم تقدّم ذوي الأعذار على الثلاثة، كما تنطق به الأخبار المتقدّمة، كما أنّ الأحوط لغيرهم عدم التقدّم على التروية.

ثمَّ الراجح أن يكون الخروج يوم التروية بعد الزوال، و الظاهر عدم الخلاف فيه أيضا، و يدلّ عليه غير موثّقة إسحاق من الأخبار المذكورة طرّا.

و هل هو على سبيل الوجوب لغير ذوي الأعذار؟ كما يحكى عن الشيخ «1»، للأخبار المذكورة المتضمّنة أكثرها للأمر، و لصحيحة عليّ بن يقطين: عن الذي يريد أن يتقدّم فيه الذي ليس له وقت أول منه، قال: «إذا زالت الشمس»، و عن الذي يريد أن يتخلّف بمكّة عشيّة التروية إلى أيّ ساعة يسعه أن

يتخلّف؟ قال: «ذلك موسّع له حتى يصبح بمنى» «2».

أو الاستحباب؟ كما هو المشهور، بل ظاهر الفاضل كونه إجماعيّا «3»، حيث حمل قول الشيخ على شدّة الاستحباب، لرواية رفاعة: هل يخرج الناس إلى منى غدوة؟ قال: «نعم، إلى غروب الشمس» «4»، و ضعفها- لو كان- منجبر بالاشتهار، و هي قرينة صارفة لسائر الأخبار عن ظاهرها، مضافة إلى أنّ الدالّ على الوجوب لو ابقي و ظاهره لخرج عن الحجيّة

______________________________

(1) حكاه عنه في الحدائق 16: 350.

(2) التهذيب 5: 175- 587، الاستبصار 2: 252- 887، الوسائل 13: 520 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 2 ح 1.

(3) المنتهى 2: 715.

(4) الكافي 4: 460- 3، التهذيب 5: 176- 588، الاستبصار 2: 253- 888، الوسائل 13: 522 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 206

بالشذوذ، و لم يفد سوى الاستحباب المحتمل للتسامح.

ثمَّ في الوقت الراجح فيه الخروج بعد الزوال من جهة التقديم على الصلاة و التأخير عنها اختلفوا على أقوال:

ففي الشرائع و النافع و عن المبسوط و النهاية: أنّه بعد صلاة الظهرين بمكّة «1».

و استدلّ له بصحيحة الحلبي و ابن عمّار المذكورة «2».

و هي عن الدلالة على ذلك قاصرة، إذ ليس فيها الظهرين و غايته المكتوبة، فيحتمل الظهر خاصّة، كما عليه جماعة «3».

و بأنّ المسجد الحرام أفضل من غيره، فيستحبّ إيقاع الفرضين فيه.

و فيه ما فيه، لأنّه أمر آخر غير جهة الخروج إلى عرفات.

و عن المفيد و السيّد: أنّه قبل الظهرين، و الراجح إيقاعهما بمنى.

و يدلّ عليه ظاهر موثّقة أبي بصير و رواية عمر المتقدّمتين «4»، و صحيحة ابن عمّار الطويلة المتضمّنة لبيان حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،

و فيها:

«فلمّا كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس أن يغتسلوا و يهلّوا بالحجّ، فخرج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه مهلّين بالحجّ حتى أتوا منى، فصلّى الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و الفجر، ثمَّ غدا و الناس معه» الحديث «5».

______________________________

(1) الشرائع 1: 252، النافع: 86، المبسوط 1: 364، النهاية: 247.

(2) في ص: 203.

(3) منهم الطوسي في المبسوط 1: 365، العلّامة في المنتهى 2: 715، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 204.

(4) في ص: 203.

(5) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، مستطرفات السرائر: 23- 4، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 207

و صحيحة جميل: «على الإمام أن يصلّي الظهر بمنى، ثمَّ يبيت بها و يصبح حتى تطلع الشمس، ثمَّ يخرج إلى عرفات» «1»، و قريبة منها الأخرى «2».

و صحيحة محمّد: «لا ينبغي للإمام أن يصلّي الظهر [يوم التروية] إلّا بمنى و يبيت بها إلى طلوع الشمس» «3».

و صحيحة ابن عمّار: «على الإمام أن يصلّي الظهر يوم التروية بمسجد الخيف، و يصلّي الظهر يوم النفر بمسجد الحرام» «4».

و الأخرى: «و إذا انتهيت إلى منى فقل: اللّهم هذه منى و هذه ممّا مننت به علينا من المناسك فأسألك أن تمنّ عليّ بما مننت به على أنبيائك، فإنّما أنا عبدك و في قبضتك، ثمَّ تصلّي بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و الفجر، و الإمام يصلّي بها الظهر لا يسعه إلّا ذلك، و موسّع لك أن تصلّي بغيرها إن لم تقدر، ثمَّ تدركهم بعرفات»، ثمَّ قال: «و حدّ منى من العقبة إلى وادي محسّر [1]» «5».

______________________________

[1] محسّر: بكسر

السين و تشديدها، و هو واد معترض الطريق بين جمع و منى، و هو إلى منى أقرب، و هو حد من حدودها- مجمع البحرين 3: 268.

______________________________

(1) الكافي 4: 460- 2، الفقيه 2: 280- 1373، الوسائل 13: 525 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 4 ح 6.

(2) التهذيب 5: 177- 592، الاستبصار 2: 254- 892، الوسائل 13: 523 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 4 ح 2.

(3) التهذيب 5: 176- 591، الاستبصار 2: 253- 891، الوسائل 13: 523 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 4 ح 1، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(4) التهذيب 5: 177- 593، الاستبصار 2: 254- 893، الوسائل 13: 524 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 4 ح 3.

(5) الكافي 4: 461- 1، التهذيب 5: 177- 596، الوسائل 13: 525 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 4 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 208

و عن الشيخ في التهذيب: الفرق بين الإمام- أي أمير الحاجّ- و غيره، فالأول للثاني و الثاني للأول «1»، و هو مذهب المحقّق في النافع «2»، بل ظاهر كلام الشيخ عدم جواز الصلاتين للإمام إلّا بمنى، أمّا الأول فلصحيحة الحلبي و ابن عمّار و موثّقة أبي بصير و رواية عمر، و أمّا الثاني فلصحيحة جميل و ما بعدها من الأخبار.

و ذهب الحلّي إلى الفرق أيضا، إلّا أنّه رجّح لغير الإمام الخروج بعد صلاة الظهر خاصّة «3»، و لعلّه لظاهر صحيحة الحلبي و ابن عمّار.

و ذهب جماعة من المتأخّرين- منهم: المدارك و المفاتيح و شرحه- إلى التفصيل أيضا، و لكن قالوا في غير الإمام بالتخيير بين الخروج قبل الصلاة و بعدها «4»،

للجمع بين الأخبار، و لإطلاق موثّقة أبي بصير المذكورة، و تصريح صحيحة ابن عمّار الأخيرة.

و مرسلة البزنطي: يتعجّل الرجل قبل التروية بيوم أو يومين لأجل الزحام و ضغاط الناس؟ فقال: «لا بأس، و موسّع للرجل أن يخرج إلى منى من وقت الزوال من يوم التروية إلى أن يصبح حيث يعلم أنّه لا يفوته الوقت» [1].

______________________________

[1] التهذيب 5: 176- 590، و في الاستبصار 2: 253- 890 و الوسائل 13: 523 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 3 ح 3 الى قوله: «لا بأس»، و الظاهر أن ما بعده من كلام الشيخ. و الرواية في الفقيه 2: 280- 1371 إلى قوله: «لا بأس»، عن إسحاق بن عمّار.

______________________________

(1) التهذيب 5: 175.

(2) النافع: 86.

(3) السرائر 1: 585.

(4) المدارك 7: 388، المفاتيح 1: 343.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 209

أقول: لا ينبغي الريب في استحباب خروج الإمام قبل صلاة الظهر، للأخبار المذكورة التي هي أخصّ مطلقا من غيرها، بل ظاهر غيرها الاختصاص بغير الإمام، فلا يكون لأخبار الإمام معارض و لو على سبيل العموم.

و ظاهر أكثر تلك الأخبار و إن كان الوجوب على الامام- كما هو ظاهر الشيخ «1» و محتمل الحلّي «2»- إلّا أنّ الأكثر حملوها على الاستحباب، بل عن الفاضل: حمل كلام الشيخ أيضا على شدّة الاستحباب «3»، فلا ينبغي الريب في سقوط القول الأول.

و أمّا غير الإمام، فظاهر الموثّقة و صريح، رواية عمر أنّه أيضا كالإمام، كما هو القول الثاني.

و لكن مقتضى صحيحة الحلبي و ابن عمّار غير ذلك، بل رجحان تأخيره إمّا عن الصلاتين، كما هو القول الثالث، أو عن الظهر خاصّة، كما هو القول الرابع.

فإن قدّمنا الموثّقة و الرواية بالأكثريّة و الأصرحيّة فالترجيح

للثاني.

و إن رجّحنا الصحيحة بالصحّة و بمخالفة العامّة- حيث نقل عنهم القول باستحباب الخروج إلى منى قبل الظهرين- فالترجيح للقول الثالث إن حملنا المكتوبة في الصحيحة على مطلق الوجوب الشامل للظهرين.

و للرابع إن اكتفينا بالقدر المتيقّن رجحانه منها، و هو صلاة الظهر خاصّة.

و إن لم يلتفت إلى تلك المرجّحات، فالترجيح للقول الخامس، و هو الأقوى، لما ذكر من عدم الالتفات إلى المرجّحات.

______________________________

(1) التهذيب 5: 175.

(2) السرائر 1: 585.

(3) المنتهى 2: 175.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 210

أمّا الأكثرية و الأصحيّة فلمنع كونهما مرجّحتين، و أمّا الأصرحية فلمنعها رأسا، و أمّا مخالفة العامّة فلعدم ثبوتها.

فعلى ذلك القول الفتوى، فيتساوى لغير الإمام الخروج قبل الصلاتين و بعده، و يجوز له التأخير إلى الغروب، لرواية رفاعة «1» المتقدّمة، بل إلى طلوع الفجر من يوم عرفة، لصحيحة ابن يقطين «2» السابقة، بل إلى ما يتضيّق وقت الوقوف بعرفات، لمرسلة البزنطي السالفة، المعتضدة كلّها بالأصل و بظاهر الإجماع، و كذلك الإمام، لما ذكر.

و يستثنى من ذلك المضطرّ الذي له الإحرام قبل يوم التروية، فإنّ له الخروج أيضا قبله بلا مرجوحية، كما مرّ في بحث الإحرام.

و منها: أن يبيت الإمام و غيره بمنى ليلة عرفة حتى يطلع الفجر،

و هو راجح بلا خلاف يعلم.

و يدلّ على رجحانه تصريح الأصحاب، و قوله في صحيحة ابن عمّار المتقدمة: «ثمَّ يصلّي بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و الفجر» «3»، و صحيحته الأخرى الطويلة «4».

و تدلّ عليه في حقّ الإمام صحاح جميل و محمد المتقدّمة «5».

______________________________

(1) الكافي 4: 460- 3، التهذيب 5: 176- 588، الوسائل 13: 522 أبواب إحرام الحجّ و الوقوف بعرفة ب 3 ح 2.

(2) التهذيب 5: 175- 587، الاستبصار 2: 252- 887، الوسائل 13: 520 أبواب إحرام الحج و

الوقوف بعرفة ب 2 ح 1.

(3) الكافي 4: 461- 1، التهذيب 5: 177- 596، الوسائل 13: 524 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 4 ح 5.

(4) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، مستطرفات السرائر: 23- 4، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.

(5) في ص: 207.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 211

و ليس بواجب، للأصل و قصور تلك الأخبار عن إثباته.

خلافا للمحكيّ عن القاضي و الحلبي، فأوجباه «1». و هو ضعيف.

و منها: أن لا يجوز وادي محسّر

- بكسر السين المشدّدة، حدّ منى إلى جهة عرفة- حتى تطلع الشمس، لصحيحة هشام بن الحكم: «لا يجوز وادي محسّر حتى تطلع الشمس» «2».

و لقصورها عن إفادة التحريم حكم الأكثر بكراهته.

خلافا للشيخ و القاضي، فحرّماه «3». و هو أيضا ضعيف.

و منها: الدعاء عند الخروج إلى منى بما في صحيحة ابن عمّار:

«إذا توجّهت إلى منى فقل: اللّهمّ إيّاك أرجو و إيّاك أدعو فبلّغني أملي و أصلح لي عملي» «4».

و عند الانتهاء إليها بما في صحيحته الأخرى المتقدّمة.

و عند الخروج منها و التوجّه إلى عرفات بما في صحيحته الثالثة: «إذا غدوت إلى عرفة فقل و أنت متوجّه إليها: اللّهمّ إليك صمدت، و إيّاك اعتمدت، و وجهك أردت، أسألك أن تبارك لي في رحلتي، و أن تقضي لي حاجتي، و أن تجعلني ممّن تباهي به اليوم من هو أفضل منّي» «5».

______________________________

(1) القاضي في المهذّب 1: 245، الحلبي في الكافي في الفقه: 198.

(2) التهذيب 5: 178- 597، الوسائل 13: 528 أبواب إحرام الحج ب 7 ح 4.

(3) الشيخ في التهذيب 5: 178، القاضي في المهذّب 1: 251.

(4) الكافي 4: 460- 4، التهذيب 5: 177- 595، الوسائل 13: 526 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 6 ح 1.

(5) الكافي 4: 461- 3، التهذيب 5: 179- 600، الوسائل 13: 528 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 212

البحث الثاني في كيفيّته
اشارة

و هي إمّا واجبة أو مندوبة، فهاهنا مقامان:

المقام الأول: في واجباته، و هي أمور:
الأول: النيّة على ما مرّ بيانها غير مرّة،

و وقتها أول وقت الكون، كما يأتي.

الثاني: الوقوف بعرفات،

و هو واجب إجماعا، بل ضرورة دينيّة، و تصرّح به الأخبار.

روي في المجمع عن الباقر عليه السلام، قال: «كانت قريش و حلفاؤهم من الخمس «1» لا يقفون مع الناس بعرفة، و لا يفيضون منها، و يقولون نحن أهل حرم اللّه فلا نخرج من الحرم، فيقفون بالمشعر و يفيضون منه، فأمرهم اللّه أن يقفوا بعرفات و يفيضوا منه» «2».

فائدتان:
الأولى: المراد بالوقوف بها: الكون فيها،

سواء كان نائما أو مستيقظا، قاعدا أو قائما أو راكبا، ساكنا أو ماشيا، للأصل، و صدق الوقوف بعرفات على جميع الحالات، و إن كان بعض الحالات أفضل بالنسبة إلى

______________________________

(1) الخمس: الإحلاف في قريش خمس قبائل: عبد الدّار و جمح و سهم و مخزوم و عديّ بن كعب- لسان العرب 9: 54.

(2) مجمع البيان 1: 296 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 213

البعض، كما يأتي.

الثانية: المرجع في معرفة عرفات إلى أهل الخبرة

القاطنين في تلك الحدود، و كذا المشعر و سائر المواضع، و وجهه ظاهر، مضافا إلى صحيحة ابن البختري «1» الآتية في مقدّمات نزول منى، و كلّها موقف، للصدوق، و لصحيحة مسمع: «عرفات كلّها موقف، و أفضل الموقف سفح الجبل» «2».

و هي بمحلّها معروفة، فيجب الفحص عنها، و مع التشكيك في بعض الحدود يجب القصر على المتيقّن، لاشتغال الذمّة اليقيني.

و لا يكفي الوقوف بحدودها الخارجة عنها، فلا يجزئ الوقوف بنمرة- بفتح النون و كسر الميم و فتح الراء، و قيل: يجوز إسكان الميم «3»- و هي:

الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك إذا خرجت من المأزمين تريد الموقف، و المأزمان- بكسر الزاء- مضيق بين مكّة و منى بين جبلين، كذا في تحرير النووي و القاموس «4».

و في صحيحة ابن عمّار: أنّها بطن عرنة، ففيها: «فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباك بنمرة- و هي: بطن عرنة دون الموقف و دون عرفة- فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل و صلّ الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، و إنّما تعجّل العصر و تجمع بينهما لتفرّغ نفسك للدعاء، فإنّه يوم دعاء و مسألة، و حدّ عرفة من بطن عرنة و ثويّة و نمرة إلى ذي المجاز،

______________________________

(1) الكافي 4: 470- 1، الوسائل 14: 24

أبواب الوقوف بالمشعر ب 14 ح 1.

(2) الكافي 4: 463- 1، الوسائل 13: 534 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 11 ح 2.

(3) كما في الصحاح 2: 837، كشف اللثام 1: 353.

(4) القاموس المحيط 2: 154، و: ج 4: 75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 214

و خلف الجبل موقف» «1».

و فيها تصريح بخروج نمرة عن الموقف و عرفة، و لكن فيها إشكالا من حيث تفسيرها النمرة ببطن عرنة أولا، ثمَّ عطف الأول على الثاني في آخر الحديث ثانيا الدالّ على التعدّد، و الطاهر أنّ النمرة التي يضرب فيها الخباء هي أسفل الجبل، و هو بطن عرنة، و التي جعلت قسيما له هي أصل الجبل.

و كذا لا يجوز الوقوف بعرنة- بضمّ العين المهملة و فتح الراء و النون كهمزة-: واد بعرفات، قاله المطرّزي «2». و قال السمعاني: واد بين عرفات و منى «3». و قيل: عرينة بالتصغير «4».

و لا بثويّة، بفتح الثاء المثلّثة و كسر الواو و تشديد الياء المثنّاة تحتها.

و لا بذي المجاز، قيل: هو سوق كانت على فرسخ من عرفة بناحية كبكب «5».

و لا بالأراك- كسحاب-: موضع قريب بنمرة.

فإنّ كلّ هذه المواضع الخمسة من حدود عرفات، أي تنتهي العرفات إليها، فلا يجزئ الوقوف بها، بالإجماعين «6»، و الأخبار، منها: الصحيحة

______________________________

(1) الكافي 4: 461- 3، التهذيب 5: 179- 600، الوسائل 13: 529 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 9 ح 1.

(2) المغرب 2: 40.

(3) الأنساب 4: 182.

(4) كما في مجمع البحرين 6: 282، لسان العرب 13: 283، المغرب 2: 40.

(5) انظر كشف اللثام 1: 353.

(6) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 518، و المنتهى 2: 722، و المدارك 7: 395، و الرياض 1: 386.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 215

المتقدّمة.

و في موثّقة سماعة: «و اتّق الأراك و نمرة- و هي بطن عرنة- و ثويّة و ذي المجاز، فإنّه ليس من عرفة فلا تقف فيه» «1».

و في صحيحة الحلبي «2» و غيرها «3»: «إنّ أصحاب الأراك لا حجّ لهم».

الثالث: أن يكون الوقوف بعد زوال الشمس من يوم عرفة،

فلو وقف قبله لم يجز إجماعا، و هو- مع أصل الاشتغال، و فعل النبيّ و الآل، و النصوص المستفيضة «4» المتضمّنة للأمر بدخول الموقف ما بعد الزوال، و المتضمّنة لقطع التلبية بالزوال و توقيفيّة العبادة، بضميمة انتفاء ما يدلّ على كفاية مطلق الوقوف- يدلّ عليه.

الرابع: أن يكون قبل الغروب،

فلو وقف بعده اختيارا لم يجز إجماعا أيضا، له، و لجميع ما مرّ من الأدلّة، فإنّ ما بعد الزوال لا يصدق على ما بعد الغروب عرفا، مضافا إلى الأخبار الآمرة بالإفاضة من عرفات بعد الغروب «5».

و أمّا الأخبار المصرّحة بكفاية إدراكها في الليل «6» فكلّها واردة في المضطرّ و من لم يدرك يوم عرفة بعرفات، كما يأتي.

الخامس: أن يكون وقوفه فيها منتهيا إلى الغروب،

فلا يجوز الإفاضة

______________________________

(1) الفقيه 2: 281- 1377، التهذيب 5: 180- 604، الوسائل 13: 533 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 10 ح 6، بتفاوت.

(2) العلل: 455- 1، الوسائل 13: 533 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 10 ح 11.

(3) الوسائل 13: 531 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 10.

(4) الوسائل 13: 529 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 9.

(5) الوسائل 13: 556 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 22.

(6) كما في الوسائل 13: 556 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 216

عنها قبل الغروب، و هو أيضا إجماعيّ كما في المنتهى و المختلف «1»، و يدلّ عليه فعل الحجج عليهم السلام، و النصوص المثبتة للكفّارة على من أفاض قبله «2».

و موثّقة يونس: متى الإفاضة من عرفات؟ قال: «إذا ذهبت الحمرة» يعني: من الجانب الشرقي «3».

و صحيحة ابن عمّار: «إنّ المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس فخالفهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأفاض بعد غروب الشمس» «4»، و غير ذلك «5»، مع قوله عليه السلام: «خذوا عنّي مناسككم» «6».

و أمّا قول الشيخ- و الأولى أن يقف إلى غروب الشمس و يدفع عن الموقف بعد غروبها «7»- فمراده كما في المختلف أنّ الأولى انتهاء الوقوف

بالغروب و عدم الوقوف بعده، أو أنّ الأولى استمرار الوقوف متّصلا إلى الغروب و إن أجزأ لو خرج في الأثناء ثمَّ عاد قبل الغروب «8».

السادس: أن يكون ابتداء وقوفه أول الزوال

حتى يكون وقوفه من أول الزوال إلى الغروب إذا كان مختارا.

لا بمعنى: أنّه يجب استيعاب جميع هذا الوقت في الموقف حقيقة

______________________________

(1) المنتهى 2: 720، المختلف: 300.

(2) الوسائل 13: 558 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 23.

(3) الكافي 4: 446- 1، الوسائل 13: 557 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 22 ح 3.

(4) الكافي 4: 467- 2، التهذيب 5: 186- 619، الوسائل 13: 556 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 22 ح 1.

(5) الوسائل 13: 556 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 22.

(6) سنن النسائي 5: 270، مسند أحمد 3: 318، كنز العرفان 1: 271.

(7) انظر الخلاف 2: 338.

(8) المختلف: 300.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 217

حتى لا يجوز الإخلال بجزء، كما عن الدروس و اللمعة و الروضة «1»، و نقله في الذخيرة من غير واحد من عبارات المتأخّرين «2»، و يشعر كلام المدارك بنسبته إلى الأصحاب «3».

لعدم دليل على ذلك أصلا، كما اعترف به في المدارك و الذخيرة «4» و غيرهما «5»، بل في الأخبار ما يعطي خلافه، كما يأتي.

بل بمعنى أنّه يجب استيعاب ذلك الوقت عرفا، الحاصل بالاشتغال بمقدّمات الوقوف المستحبّة في حدود عرفة، ثمَّ الوقوف حتى يكون الوقت مستوعبا بهذه الأمور و إن كان قليل من أول الوقت مصروفا في الحدود بالمقدّمات و الصلاة.

و هذا المعنى هو الذي استقربه في الذخيرة «6»، بل هو الذي يعطيه كلام الصدوق في الفقيه و الشيخ في النهاية و المبسوط و الديلمي في رسالته و الحلّي في

سرائره و الفاضل في المنتهى «7».

و هذا المعنى هو الذي يستفاد من الأخبار، و عليه عمل الحجج الأطهار:

ففي صحيحة ابن عمّار المتضمّنة لصفة حجّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «ثمَّ غدا

______________________________

(1) الدروس 1: 419، الروضة 2: 269.

(2) الذخيرة: 651.

(3) المدارك 7: 393.

(4) المدارك 7: 393، الذخيرة: 651.

(5) كالحدائق 16: 377.

(6) الذخيرة: 652.

(7) الفقيه 2: 322، النهاية: 250، المبسوط 1: 366، المراسم: 112، السرائر 1: 587، المنتهى 1: 718.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 218

و الناس معه» إلى أن قال: «حتى انتهى إلى نمرة- و هو: بطن عرنة بحيال الأراك- فضرب قبّته و ضرب الناس أخبيتهم عندها، فلمّا زالت الشمس خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و معه قريش و قد اغتسل و قطع التلبية حتى وقف بالمسجد، فوعظ الناس و أمرهم و نهاهم، ثمَّ صلّى الظهر و العصر بأذان و إقامتين، ثمَّ مضى إلى الموقف فوقف به» الحديث «1».

و صحيحة أبي بصير: «لمّا كان يوم التروية قال جبرئيل عليه السلام لإبراهيم عليه السلام: تروّ من الماء، فسمّيت التروية، ثمَّ أتى منى فأباته بها، ثمَّ غدا به إلى عرفات فضرب خباه بنمرة دون عرنة، فبنى مسجدا بأحجار بيض، و كان يعرف أثر مسجد إبراهيم حتى أدخل في هذا المسجد الذي بنمرة حيث يصلّي الإمام يوم عرفة، فصلّى بها الظهر و العصر، ثمَّ عمد به إلى عرفات، فقال: هذه عرفات فاعرف بها مناسكك و اعترف بذنبك، فسمّي عرفات» الحديث «2».

و موثقة ابن عمّار: «و إنما تعجّل الصلاة و تجمع بينهما لتفرّغ نفسك للدعاء، فإنّه يوم دعاء و مسألة، ثمَّ تأتي الموقف» «3»، و صحيحة ابن عمّار المتقدّمة في الفائدة الثانية «4»، إلى غير

ذلك.

و هذه الأخبار و إن كانت قاصرة عن إفادة وجوب الوقوف تمام ذلك

______________________________

(1) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1558، مستطرفات السرائر: 23- 4، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.

(2) في الكافي 4: 207- 9: «دون عرفة» بدل: «دون عرنة»، الوسائل 11: 230 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 24.

(3) التهذيب 5: 182- 611، الوسائل 13: 538 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 14 ح 1.

(4) في ص: 213.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 219

الوقت، إلّا أنّه يمكن إتمامها بضميمة قوله صلّى اللّه عليه و آله: «خذوا عنّي مناسككم».

و يستفاد من التذكرة الاكتفاء بمسمّى الوقوف، قال: إنّما الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة و لو مجتازا مع النيّة «1».

و نسبه بعضهم إلى السرائر «2». و هو ليس منه بظاهر، لأنّه قال أولا:

فإذا زالت اغتسل و صلّى الظهر و العصر جميعا يجمع بينهما بأذان واحد و إقامتين لأجل البقعة، ثمَّ يقف بالموقف- إلى أن قال:- و الوقوف بميسرة الجبل أفضل من غيره، و ليس ذلك بواجب، بل الواجب الوقوف بسفح الجبل و لو قليلا بعد الزوال، و أمّا الدعاء و الصلاة في ذلك الموضع فمندوب غير واجب، و إنّما الواجب الوقوف و لو قليلا «3». انتهى.

و كأنّه أخذ هذه النسبة من قوله: و لو قليلا، و هو ليس قيدا لمطلق الوقوف بل للوقوف في سفح الجبل، و لذا نسب في الذخيرة إليه وجوب الوقوف بسفح الجبل «4»، خلافا للمشهور.

و قرّب الاكتفاء بمسمّى الوقوف بعض مشايخنا أيضا «5»، للأصل النافي للزائد، بعد الاتّفاق على كفاية المسمّى في حصول الركن منه، و عدم اشتراط شي ء زائد فيه مع سلامته

عن المعارض.

و هو حسن لو لا ما مرّ من الأمر بأخذ المناسك عنه و عدم اكتفائه بالمسمّى أبدا، سيّما في الجزء الأخير من اليوم، اللّازم كونه هو الواجب، لما مرّ من وجوب الانتهاء إلى الغروب، و لكن مع ذلك فلا وجه للاكتفاء

______________________________

(1) التذكرة 1: 372.

(2) انظر الرياض 1: 383.

(3) السرائر 1: 587.

(4) الذخيرة: 652.

(5) انظر الحدائق 16: 377.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 220

بالمسمّى، سيّما مع ندرة القول به، بل لا بعد في جعل خلافه إجماعيّا.

المقام الثاني: في مستحبّاته.

و هي: أن يغتسل للوقوف، و يضرب خباه بنمرة، و يقف في ميسرة الجبل بالنسبة إلى المقادم إليه من مكّة على ما ذكره جماعة «1».

و حكى بعضهم قولا بميسرة المستقبل للقبلة «2». و لا دليل عليه.

قيل: و يكفي في القيام بوظيفة الميسرة لحظة و لو في مروره «3».

و هو خلاف المتبادر من الأخبار، بل الظاهر منها كون الوقوف كذلك ما دام واقفا.

و أن يقف في سفح الجبل- أي أسفله- و أوجبه الحلّي و لو قليلا «4»، و الأخبار قاصرة عن إفادته، بل فيها تصريح بأنّه أحبّ و أفضل، و في السهل دون الحزن «5».

و أن يجمع رحله، و يضمّ أمتعته بعضها ببعض.

و أن يسدّ الخلل، أي الفرجة الواقعة بينه و بين رحله أو أصحابه في الموقف بنفسه أو رحله.

و أن يصرف زمان وقوفه كلّه في الذكر و الدعاء، و قيل بوجوبه «6».

و أن يكون حال الدعاء قائما، إلّا إذا كان منافيا للخشوع لشدّة التعب

______________________________

(1) منهم السبزواري في الذخيرة: 653، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 353، صاحب الرياض 1: 384.

(2) انظر كشف اللثام 1: 353.

(3) الدروس 1: 418.

(4) السرائر 1: 587.

(5) الوسائل 13: 534 أبواب إحرام الحج و

الوقوف بعرفة ب 11.

(6) كما في الكافي في الفقه: 197.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 221

و نحوه، فيستحبّ الجلوس.

و أن يدعو له و لوالديه و للمؤمنين بالمأثور، و هو كثير جدّا، منقول في الأخبار و كتب الأدعية «1».

و يكره الوقوف في أعلى الجبل، و قيل بتحريمه «2». و ترتفع الكراهة مع الضرورة. و أن يقف راكبا و قاعدا على ما قيل «3».

كلّ ذلك للأخبار، كما في أكثرها، و للاعتبار كما في كثير منها، و للاشتهار بين العلماء الأبرار كما في جميعها.

و من المستحبّات: أن يكون متطهّرا حالة الوقوف، لرواية عليّ: عن الرجل هل يصلح أن يقف بعرفات على غير وضوء؟ قال: «لا يصلح له إلّا و هو على وضوء» «4».

و ظاهرها و إن كان الوجوب، إلّا أنّه يلزم حمله على الاستحباب، كما هو المشهور على ما في شرح المفاتيح، لصحيحة ابن عمّار: «لا بأس أن يقضي المناسك كلّها على غير وضوء، إلّا الطواف، فإنّ فيه صلاة، و الوضوء أفضل» «5».

و أن يجمع بين صلاتي الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، للأخبار «6».

______________________________

(1) انظر الوسائل 13: 538، 544 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 14 و 17.

(2) انظر المهذب 1: 251، و السرائر 1: 578.

(3) كما في الإرشاد 1: 329.

(4) التهذيب 5: 479- 1700، الوسائل 13: 555 أبواب إحرام الحج ب 20 ح 1.

(5) الفقيه 2: 250- 1201، التهذيب 5: 154- 509، و في الاستبصار 2:

241- 841: و الوضوء أفضل على كل حال، الوسائل 13: 493 أبواب السعي ب 15 ح 1.

(6) الوسائل 13: 529 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 222

البحث الثالث في أحكام الوقوف
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لو ترك بعض الوقوف الاختياريّ عمدا

- و هذا إنّما يمكن على غير القول بكفاية المسمّى و إلّا فلا يكون له جزء- فإن كان من أوله بأن يأتي بعد الزوال كثيرا، أو في وسطه بأن يفيض ثمَّ يعود قبل الغروب، أو من آخره بأن يفيض قبل الغروب و لم يعد فيكون آثما في الصور الثلاث، و لكن يصحّ حجّه في جميع الصور بالإجماع، و لا كفّارة عليه أيضا في الصورة الأولى إجماعا، له، و للأصل.

و تجب عليه الكفّارة إجماعا، في الصورة الأخيرة، و هي بدنة على المشهور المنصور، و مع العجز عنها صوم ثمانية عشر يوما، لصحيحتي مسمع و ضريس، و مرسلة السرّاد:

الاولى: في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس، قال: «إن كان جاهلا فلا شي ء عليه، و إن كان متعمّدا فعليه بدنة» «1».

و الثانية: عن رجل أفاض من عرفات من قبل أن تغيب الشمس، قال: «عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكّة أو في الطريق أو في أهله» «2».

______________________________

(1) التهذيب 5: 187- 621، الوسائل 13: 558 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 23 ح 1.

(2) الكافي 4: 467- 4، التهذيب 5: 186- 620، الوسائل 13: 558 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 23 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 223

و الثالثة: في رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس، قال:

«عليه بدنة، فإن لم يقدر على بدنة صام ثمانية عشر يوما» «1».

خلافا للمحكيّ عن الصدوقين، فالكفّارة شاة «2»، و لا يعرف مستندهما إلّا ما عن الجامع من قوله: و روي شاة «3». و هو ضعيف لا يقاوم ما مرّ، كإطلاق النبويّ: «من ترك نسكا فعليه دم»

«4».

و أمّا في الصورة الثانية فالمشهور- كما في شرح المفاتيح- سقوط الكفّارة، و قوّاه بعض مشايخنا «5»، للأصل، و اختصاص النصوص المتقدّمة المثبتة لها- بحكم التبادر و غيره- بصورة عدم الرجوع قبل الغروب.

و نفى في المدارك البعد عن وجوب الكفّارة حينئذ أيضا «6». و ظاهر الذخيرة التردّد «7».

و الأقوى وجوبها، لإطلاق النصوص المتقدّمة المندفع به الأصل، و تخصيصها بصورة الرجوع لا وجه له، و التبادر المتقدّم ذكره لا أفهم وجهه.

قيل: و يستفاد من الصحيحة الثانية جواز صوم هذه الأيّام في السفر و عدم وجوب المتابعة فيها، تصريحا في الأول و إطلاقا في الثاني كما فيما عداها «8».

أقول: جعل الأول تصريحا غير جيّد، لأنّ الطريق أعمّ ممّا نوى فيه

______________________________

(1) التهذيب 5: 480- 1702، الوسائل 13: 558 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 23 ح 2.

(2) حكاه عنهما في المختلف: 299.

(3) الجامع للشرائع: 207.

(4) سنن الدار قطني 2: 244- 39، بتفاوت يسير.

(5) انظر الرياض 1: 384.

(6) المدارك 7: 399.

(7) الذخيرة: 653.

(8) انظر الرياض 1: 384.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 224

العشرة المخرجة له عن السفر، فالاستفادة في الأمرين بالإطلاق، و هو كاف في إثباتهما مع أصالة عدم حرمة الصوم في السفر و عدم وجوب المتابعة.

المسألة الثانية: لو ترك بعض الوقوف الاختياريّ من الأول أو الوسط أو الآخر جهلا،

صحّ حجّه إجماعا و لا شي ء عليه من الكفّارات كذلك، له، و للأصل، و صحيحة مسمع المتقدّمة، و يمكن الاستدلال بها على صحّة الحجّ أيضا كما لا يخفى.

و الناسي كالجاهل، بالإجماع، بل يمكن إدخاله في الجاهل المنصوص عليه أيضا، و لو علم أو ذكر قبل الغروب وجب عليه العود مع الإمكان، امتثالا للأمر الواجب عليه.

المسألة الثالثة: لو ترك الوقوف الاختياريّ بعرفات

- أي في يوم عرفة رأسا، أي بجميع أجزائه- عمدا، بطل حجّه إجماعا محقّقا و محكيّا «1»، و في التذكرة و المنتهى و المدارك: أنّه قول علماء الإسلام «2».

و تدلّ عليه مع الإجماع القاعدة الثابتة، و هي: عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، لأنّ المختار مأمور بالوقوف فيها يوم عرفة. و أمّا الوقوف الاضطراري فهو مخصوص بمن لم يتمكّن من الاختياريّ، كما يأتي.

و الدخل فيها- بأنّ الأمر به لا يقتضي دخوله في ماهيّة الحجّ- فإنّما يصحّ لو علمنا ماهيّة الحجّ أو قدرا مشتركا، و لكنّها غير معلومة، إذ يجري ذلك الدخل في كلّ فعل فعل، و جعل بعض الأفعال جزءا بالإجماع يجري في ذلك أيضا.

و تدلّ عليه أيضا الأخبار المتعدّدة المصرّحة بأنّ الذين يقفون تحت الأراك لا حجّ لهم «3».

______________________________

(1) كما في الدروس 1: 421، و الرياض 1: 384.

(2) التذكرة 1: 373، المنتهى 2: 719، المدارك 7: 399.

(3) كما في الوسائل 13: 531 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 225

و أكثر تلك الأخبار و إن لم يصرّح فيه بمن وقف في الأراك في الوقت الاختياريّ فيمكن تنزيله على من ترك الوقتين، إلّا أنّ صحيحة الحلبي منها ظاهرة في ذلك، فإنّ فيها: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال في الموقف:

ارتفعوا عن بطن عرنة، و قال: أصحاب الأراك لا حجّ لهم» «1».

فإنّ موقفه صلّى اللّه عليه و آله كان في الوقت الاختياريّ قطعا، فالأمر بالارتفاع حينئذ و نفي الحجّ عن أصحاب الأراك فيه ظاهر فيما قلناه.

و أمّا مرسلة ابن فضّال: «الوقوف بالمشعر فريضة و الوقوف بعرفة سنّة» «2» فالمراد بالسنّة فيها مقابل الفرض الذي هو ما ثبت وجوبه بالكتاب.

و مقتضى القاعدة المذكورة و إن كان البطلان بترك جزء من الوقوف الواجب الاختياريّ عمدا، إلّا أنّهم خصّوه بمن تركه بجميع أجزائه، أي ترك المسمّى، و الدليل عليه الإجماع.

و قد يستدلّ عليه أيضا بالأخبار المتقدّمة المتضمّنة لإيجاب الكفّارة على من أفاض قبل الغروب. و هو غير جيّد، لأنّ وجوب الكفّارة أعمّ من بطلان الحجّ، إلّا أن تستقيم الدلالة بالإجماع المركّب، فتأمّل.

المسألة الرابعة: لو ترك جميع الوقوف الاختياري اضطرارا
اشارة

- بأن نسيه و لم يصل إليه لضيق وقته أو لعذر آخر- لم يبطل حجّه و لا كفّارة عليه، بل يجب عليه تداركه ليلة العيد و لو إلى الفجر متّصلا به مع الإمكان إجماعا، له، و للنصوص:

كصحيحة الحلبي: عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال:

______________________________

(1) الكافي 4: 463- 3، التهذيب 5: 287- 976، الاستبصار 2: 302- 1079، الوسائل 13: 551 أبواب إحرام الحج ب 19 ح 10.

(2) الفقيه- 2: 206- 937 و فيه: بتفاوت، التهذيب 5: 287- 977، الاستبصار 2:

302- 1080، الوسائل 13: 552 أبواب إحرام الحج ب 19 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 226

«إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثمَّ يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتمّ حجّة حتى يأتي عرفات، و إن قدم و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام،

فإنّ اللّه تعالى أعذر لعبده، فقد تمَّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحجّ، فليجعلها عمرة مفردة و عليه الحجّ من قابل» «1».

و صحيحة ابن عمّار: في رجل أدرك الإمام و هو بجمع، فقال: «إن ظنّ أنّه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثمَّ يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و إن ظنّ أنّه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها و ليقم بجمع فقد تمَّ حجّه» «2».

و الأخرى: «كان رسول صلّى اللّه عليه و آله في سفر فإذا شيخ كبير، فقال: يا رسول اللّه، ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع؟ فقال له: إن ظنّ أنّه يأتي عرفات فيقف قليلا ثمَّ يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و إن ظنّ أنّه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها، و قد تمَّ حجّه» «3».

و رواية إدريس: عن رجل أدرك الناس بجمع و خشي إن مضى إلى عرفات أن يفيض الناس من جمع قبل أن يدركها، فقال: إن ظنّ أن يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات، و إن خشي أن لا يدرك جمعا فليقف بجمع ثمَّ ليفض مع الناس، و قد تمَّ حجّه» «4».

______________________________

(1) التهذيب 5: 289- 981، و في الاستبصار 2: 301- 1076، و الوسائل 14: 36 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 2 بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 476- 2، الفقيه 2: 284- 1394، الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 1.

(3) التهذيب 5: 290- 983، الاستبصار 2: 303- 1081، الوسائل 14: 37 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 4.

(4) التهذيب 5: 289- 982، الاستبصار 2: 301-

1077، الوسائل 14: 36 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 227

و هذه الروايات و إن كانت ظاهرة فيمن لم يتمكّن من إدراك الاختياريّ قاصرة عن التصريح بالناسي، إلّا أنّه مستفاد من التعليل المصرّح به في الصحيحة الأولى، إذ لا شكّ أنّ النسيان من أقوى الأعذار، بل يمكن الاستدلال به على عذر الجاهل أيضا- كما هو ظاهر الذخيرة و الدروس «1»- إذا كان الجهل ساذجا غير مشوب بتقصير أصلا.

و تؤيّد حكم المضطرّ و الناسي و الجاهل جميعا المستفيضة من الأخبار الصحيحة و غيرها «2» الآتية، المصرّحة بأنّ من أدرك جمعا فقد أدرك الحجّ.

فرعان:
أ: الواجب في الوقوف الاضطراريّ مسمّى الكون،

لا استيعاب الليل، إجماعا محقّقا و محكيّا في التذكرة «3» و غيرها «4»، و يدلّ عليه إطلاق الأخبار المتقدّمة، بل تصريح بعضها بقوله: «قليلا».

ب: وجوب الوقوف الاختياريّ إنّما هو مع علمه أو ظنّه

بأنّه إذا أتى به يدرك الاختياريّ المشعر، أمّا لو لم يعلم و لم يظنّ ذلك- بأن احتمل فواته أو ظنّه أو علمه- لا يجب عليه.

أمّا مع ظنّ الفوات أو علمه فلجميع الأخبار المتقدّمة.

و أمّا مع الاحتمال فلصحيحة الحلبي «5»، لأنّ معنى قوله: «و إن كان في مهل» أنّه كان كذا بحسب علمه أو ظنّه، لأنّ الألفاظ و إن كانت للمعاني

______________________________

(1) الذخيرة: 658، الدروس 1: 421.

(2) انظر الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22.

(3) التذكرة 1: 372.

(4) انظر المنتهى 2: 721، و المدارك 7: 402.

(5) المتقدمة في ص: 225.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 228

النفس الأمريّة، الّا أنّها مقيّدة بالعلم أو الظنّ في مقام التكاليف، و لا شك أنّ من يتساوى عنده الطرفان ليس في مهل بحسب علمه أو ظنّه.

و لقوله في رواية إدريس: «و إن خشي» إلى آخره، فإنّ مع احتمال الفوت تتحقّق الخشية.

المسألة الخامسة: لو ترك اضطراريّ عرفة عمدا

بعد ما فات اختياريّها، بطل حجّه، كما صرّح به بعض مشايخنا «1»، بل هو مقتضى إطلاق كثير من عبارات الأصحاب «2»، و تدلّ عليه القاعدة المتقدّمة، و صريح صحيحة الحلبي السابقة، و به تخصّص العمومات الدالّة على أنّ من أدرك جمعا فقد أدرك الحجّ «3».

و أمّا قول الفاضل في القواعد: الوقوف الاختياريّ بعرفة ركن، من تركه عمدا بطل حجّه «4».

فلا ينفي ركنية الاضطراريّ، و إنّما قيّده به ليعلم أنّه لا يجزئ الاقتصار على الاضطراريّ عمدا، و لذا قيّد في الإرشاد الاجتزاء بالمشعر بعد فوات عرفات بالكلّية، بقوله: جاهلا أو ناسيا أو مضطرّا «5».

المسألة السادسة: لو فاته الاضطراريّ أيضا اضطرارا لعذر أو نسيان

لم يبطل حجّه إذا أدرك اختياريّ المشعر، بلا خلاف يعرف كما في الذخيرة «6»، بل هو موضع وفاق كما في المدارك «7»، بل بالإجماع البسيط

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 384.

(2) انظر المنتهى 2: 719، و التذكرة 1: 373، و الذخيرة: 653.

(3) الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22.

(4) القواعد 1: 86.

(5) الإرشاد 1: 328.

(6) الذخيرة: 653.

(7) المدارك 7: 404.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 229

كما عن عبارات جماعة، منها: الانتصار و الخلاف و الغنية و الجواهر «1»، و الإجماع المركّب كما عن الانتصار و المنتهى «2».

فإنّ من أوجب الوقوف بالمشعر أجمع على الاجتزاء باختياريّة إذا فات الوقوف بعرفة لعذر، بل بالإجماع المحقّق، و هو الحجّة فيه، مضافا إلى جميع الأخبار المتقدّمة في المسألة الرابعة، بل و كذا إذا أدرك اضطراريّ المشعر، كما يأتي.

______________________________

(1) الانتصار: 90، الخلاف 2: 342، الغنية (الجوامع الفقهية): 580، جواهر الفقه: 43.

(2) الانتصار: 90، المنتهى 2: 720.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 230

الفصل الثالث في الوقوف بالمشعر
اشاره

و هو ثالث أفعال الحجّ، و يقال له: الجمع، لاجتماع الناس فيها، قاله الجوهري «1». أو لجمع آدم فيها بين الصلاتين المغرب و العشاء، كما في رواية إسماعيل بن جابر «2» و غيره. و يقال له المزدلفة أيضا، كما صرّح به في صحيحة ابن عمّار «3».

و الكلام فيه أيضا إمّا في مقدّماته، أو كيفيّته، أو أحكامه، فهاهنا ثلاث أبحاث:

البحث الأول في مقدّماته
اشاره

و هي أمور:

منها: الإفاضة من عرفات بعد غروب الشمس من يوم عرفة إلى المشعر،

و هو واجب، لوجوب المقدّمة.

و منها: أنّه يستحبّ أن يدعو عند غروب الشمس

بما في موثّقة أبي بصير المرويّة في التهذيب، قال: «إذا غربت الشمس فقل: اللّهمّ لا تجعله آخر العهد» إلى آخره «4».

______________________________

(1) الصحاح 3: 1198.

(2) علل الشرائع: 437- 1، الوسائل 14: 16 أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 ح 7.

(3) علل الشرائع: 436- 1، الوسائل 14: 10 أبواب الوقوف بالمشعر ب 4 ح 4.

(4) التهذيب 5: 187- 622، الوسائل 13: 559 أبواب إحرام الحج ب 24 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 231

و أن يدعو عند إفاضته بما رواه هارون بن خارجة: اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أظلم أو أظلم أو أقطع رحما أو ذي جار» «1».

و أن يفيض بالاستغفار، لصحيحة ابن عمّار: «إذا غربت الشمس فأفض مع الناس و عليك السكينة و الوقار، و أفض بالاستغفار، فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَ اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «2» فإذا انتهيت إلى الكثيب الأحمر عن يمين الطريق فقل:

اللّهمّ ارحم موقفي، و زد في علمي، و سلّم لي في ديني، و تقبّل مناسكي.

و إيّاك و الوجيف الذي يصنعه الناس، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: أيّها الناس إنّ الحجّ ليس بوجيف الخيل و لا إيضاع الإبل، و لكن اتّقوا اللّه و سيروا سيرا جميلا، و لا توطئوا ضعيفا و لا توطئوا مسلما، و توأّدوا و اقتصدوا في السير، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يكفّ ناقته حتى يصيب رأسها مقدّم الرجل و يقول: أيّها الناس عليكم بالدعة، فسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تتّبع»، قال:

و سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «اللّهمّ أعتقني من

النار» يكرّرها حتى أفاض الناس، فقلت: ألا تفيض، فقد أفاض الناس؟ قال: «إنّي أخاف الزحام و أخاف أن أشرك في عنت إنسان» «3».

أقول: الوجيف و الإيضاع كلاهما بمعنى الإسراع. و توأّدوا من التؤدة و هي: التأنّي. و العنت: المشقّة.

و منها: أنّه يستحبّ أن يقتصد في السير إلى المشعر و يتوسّط بسكينة

______________________________

(1) الكافي 4: 467- 3، الوسائل 14: 6 أبواب الوقوف بالمشعر ب 1 ح 3.

(2) البقرة: 199.

(3) التهذيب 5: 187- 623، الوسائل 14: 5 أبواب الوقوف بالمشعر ب 1 ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 232

و وقار، لما تقدّم في صحيحة ابن عمّار.

و منها: أن يدعو عند الكثيب الأحمر

- أي التلّ من الرمل عن يمين الطريق- بما مرّ في الصحيحة استحبابا.

و منها: أن يؤخّر صلاة المغرب و العشاء إلى المشعر

و إن ذهب ربع الليل بل ثلثه بلا خلاف، بل عن المنتهى: الإجماع عليه «1».

و هو راجح بالإجماع.

و لصحيحة الحلبي و ابن عمّار: «لا تصلّ المغرب حتى تأتي جمعا، فصلّ بها المغرب و العشاء الآخرة بأذان واحد و إقامتين» «2».

و محمّد: «لا تصلّ المغرب حتى تأتي جمعا و إن ذهب ثلث الليل» «3».

و منصور: «صلّوا المغرب و العشاء بجمع بأذان واحد و إقامتين، و لا تصلّ بينهما شيئا» «4».

و مضمرة سماعة: عن الجمع بين المغرب و العشاء الآخرة بجمع، قال: «لا تصلّهما حتى تنتهي إلى جمع و إن مضى من الليل ما مضى، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جمعهما بأذان واحد و إقامتين كما جمع بين الظهر و العصر بعرفات» «5».

______________________________

(1) المنتهى 2: 723.

(2) الكافي 4: 468- 1، التهذيب 5: 188- 626، الوسائل 14: 14 أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 ح 1.

(3) التهذيب 5: 188- 625، الاستبصار 2: 254- 895، الوسائل 14: 12 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 1.

(4) التهذيب 5: 190- 630، الاستبصار 2: 255- 899، الوسائل 14: 15 أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 ح 3، و فيها: صلاة المغرب و العشاء ..

(5) التهذيب 5: 188- 624، الاستبصار 2: 254- 894، الوسائل 14: 12 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 233

و ليس بواجب على الأظهر الأشهر و إن أفاده ظاهر ما مرّ، لأنّ الأمر فيما مرّ للاستحباب بقرينة صحيحة هشام بن الحكم: «لا بأس أن يصلّي الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة» «1».

و محمّد: «عثر محمل أبي بين عرفة و المزدلفة،

فنزل فصلّى المغرب و صلّى العشاء بالمزدلفة» «2».

و استدلّ برواية محمّد بن سماعة أيضا: للرجل أن يصلّي المغرب و العتمة في الموقف؟ قال: «قد فعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلّاهما في الشعب» «3».

أقول: الشعب بالكسر: يقال للطريق في الجبل، و لمسيل الماء في بطن أرض، و لما انفرج بين جبلين.

و هذا الحديث ليس نصّا على أنّ السائل أراد بالموقف عرفات، فيجوز أن يحمل على المشعر، و يراد بالشعب بطن الوادي الذي قريب منه الذي ورد الأمر بالنزول به.

خلافا لظاهر الشيخ في الخلاف و النهاية و العماني و ابن زهرة، فأوجبوا التأخير «4»، لما مرّ بجوابه.

______________________________

(1) التهذيب 5: 189- 629، الاستبصار 2: 255- 898، الوسائل 14: 12 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 3.

(2) التهذيب 5: 189- 628، الاستبصار 2: 255- 897، الوسائل 14: 12 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 4.

(3) التهذيب 5: 189- 627، الاستبصار 2: 255- 896، الوسائل 14: 13 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 5.

(4) الخلاف 2: 340، النهاية: 251، 252، حكاه عن العماني في المختلف:

299، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 580.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 234

و منها: أن يجمع بين الصلاتين بأذان واحد و إقامتين استحبابا،

و لا يأتي بنوافل المغرب بينهما، بالإجماع المحقّق و المحكيّ مستفيضا «1»، له، و للصحيحين، و المضمرة المتقدّمة.

و ليس ذلك بواجب، لصحيحة أبان: صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام بالمزدلفة، فقام فصلّى المغرب ثمَّ صلّى العشاء الآخرة و لم يركع فيما بينهما، ثمَّ صلّيت خلفه بعد ذلك بسنة، فلمّا صلّى المغرب قام فتنفّل بأربع ركعات «2».

و منها: أن يأتي بنوافل المغرب بعد العشاء،

و في المدارك: أنّه قول علمائنا أجمع «3»، لروايتي عنبسة:

إحداهما: إذا صلّيت المغرب بجمع أصلّي الركعات بعد المغرب؟

قال: «لا، صلّ المغرب و العشاء ثمَّ تصلّي الركعات بعد» «4».

و الثانية: عن الركعات التي بعد المغرب ليلة المزدلفة، فقال: «صلّها بعد العشاء أربعة ركعات» «5».

و الأمر فيها ليس للوجوب قطعا، لاستحباب أصل النافلة، و لصحيحة أبان المتقدّمة، فيكون ذلك أيضا مستحبّا.

______________________________

(1) كما في الخلاف 2: 340 و 341، و الذخيرة: 656.

(2) التهذيب 5: 190- 632، الاستبصار 2: 256- 901، الوسائل 14: 15 أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 ح 5، و فيها: صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام المغرب بالمزدلفة ..

(3) المدارك 7: 420.

(4) التهذيب 5: 190- 631، الاستبصار 2: 255- 900، و في الوسائل 14: 15 أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 ح 4: ثمَّ صلّ ..

(5) الكافي 4: 469- 2، الوسائل 14: 14 أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 235

البحث الثاني في كيفيته
اشاره

و هي أيضا بين واجبة و مندوبة، فيها هنا مقامان:

المقام الأول: في واجباته، و هي أمور:
الأول: النيّة

كما مرّ مرارا، و لينو أنّ وقوفها لحجّة الإسلام أو غيرها، ليحصل التمييز إن كان هنا وجه اشتراك.

و يظهر من بعض الأخبار الآتية حصول الوقوف الواجب بالصلاة في الموقف أو الدعاء فيه و إن لم يعلم أنّه الموقف و لم ينو الوقوف، و لا يبعد أن يكون كذلك في صحّة الحجّ و أن توقّف ترتّب ثواب الوقوف بخصوصه على نيّته.

الثاني: أن يكون وقوفه بالمشعر،

و حدّه ما بين المأزمين إلى الحياض و إلى وادي محسّر، بلا خلاف بين الأصحاب يعلم كما في الذخيرة «1»، بل بالإجماع كما في غيره «2»، و قد صرّح بذلك التحديد في صحاح ابن عمّار «3» و أبي بصير «4» و زرارة «5» و موثّقة إسحاق «6».

______________________________

(1) الذخيرة: 657.

(2) كالمنتهى 2: 726، و المدارك 7: 421.

(3) التهذيب 5: 190- 633، الوسائل 14: 17 أبواب الوقوف بالمشعر ب 8 ح 1.

(4) الكافي 4: 471- 6، الوسائل 14: 18 أبواب الوقوف بالمشعر ب 8 ح 4.

(5) التهذيب 5: 190- 634، الوسائل 14: 17 أبواب الوقوف بالمشعر ب 8 ح 2.

(6) الكافي 4: 471- 5، الوسائل 14: 18 أبواب الوقوف بالمشعر ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 236

و المأزمان: جبلان بين عرفات و المشعر، أو مضيق بينهما كما مرّ «1».

و وادي محسّر: واد معروف.

قال والدي العلّامة- قدّس سرّه- في المناسك المكّية ما ترجمته:

ابتداء وادي محسّر بالنسبة إلى من يذهب من المشعر إلى منى انتهاء المشعر، و هو موضع بين جبلين في عرض الطريق، فيها أحجار منصوبة تنحدر فيه الأرض، و منه إلى أربعين و خمسمائة ذراع داخل في وادي محسّر. انتهى.

و يجوز مع الزحام الارتفاع إلى الجبل، بلا خلاف كما صرّح به جمع «2»،

بل بالإجماع كما حكاه جمع آخر «3»، و تدلّ عليه موثّقة سماعة «4».

و في جواز الارتفاع إليه اختيارا مع الكراهة و عدمه، قولان، و الأحوط الترك.

الثالث: أن يكون الوقوف في وقت معيّن،
اشاره

و هو للرجل المختار غير ذي العذر ما بين الطلوعين من يوم النحر، و للمرأة و الرجل ذي العذر ما بين غروب الشمس ليلة النحر إلى طلوع الشمس، و لغير المتمكّن من إدراك الوقتين من طلوع الشمس إلى الزوال.

أمّا الأول فهو الأظهر الأشهر، و في الذخيرة: أنّه المعروف «5»، و في المدارك و المفاتيح و شرحه: عليه الإجماع «6».

______________________________

(1) في ص: 213.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 12    237     الثالث: أن يكون الوقوف في وقت معين، ..... ص : 236

(2) حكاه في الرياض 1: 386.

(3) كصاحب المدارك 7: 422، السبزواري في الذخيرة: 657.

(4) التهذيب 5: 180- 604، الوسائل 14: 19 أبواب الوقوف بالمشعر ب 9 ح 2.

(5) الذخيرة: 656.

(6) المدارك 7: 431، المفاتيح: 347.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 237

و تدلّ عليه صحيحة ابن عمّار: «أصبح على طهر بعد ما تصلّي الفجر، فقف إن شئت قريبا من الجبل و إن شئت حيث تبيت، فإذا وقفت فاحمد اللّه عزّ و جلّ» إلى أن قال: «ثمَّ أفض حين يشرق لك ثبير [1] و ترى الإبل مواضع أخفافها» «1».

و مرسلة جميل: «لا بأس أن يفيض الرجل بليل إذا كان خائفا» «2»، دلّت بالمفهوم على ثبوت البأس مع عدم الخوف.

خلافا للمحكيّ عن الدروس، فجعل الوقت الاختياريّ ليلة النحر إلى طلوع الشمس «3»، و نسبه بعضهم إلى ظاهر الأكثر «4»، نظرا إلى حكمهم بجبر الإفاضة قبل الفجر بدم شاة فقط و بصحّة الحجّ لو أفاض قبله.

و فيه: أنّ الجبر بالدم لو

لم يكن قرينة على تحريم الإفاضة لم يشعر بجوازها و لو لم يذكر غيره، بل هو بنفسه كاف في الإشعار بعدم الجواز عند الأكثر، و صحّة الحجّ مع الإفاضة لا تنافي الإثم، مع أنّ في الصحّة كلاما يأتي.

و يشبه أن يكون النزاع لفظيّا، فيكون مراد من جعل ما بين الطلوعين خاصّة الوقت الاختياريّ ما يحرم ترك الوقوف فيه، و من ضمّ معه قبل الفجر أراد ما يوجب تركه عمدا بطلان الحجّ.

______________________________

[1] ثبير: جبل بين مكّة و منى و يرى من منى و هو على يمين الداخل منها إلى مكّة- المصباح المنير: 80.

______________________________

(1) في الكافي 4: 469- 4 و الوسائل 14: 20 أبواب الوقوف بالمشعر ب 11 ح 1 بتفاوت يسير، التهذيب 5: 191- 635.

(2) الكافي 4: 474- 3، التهذيب 5: 194- 645، الاستبصار 2: 257- 905، الوسائل 14: 28 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 1.

(3) الدروس 1: 424.

(4) كما في الرياض 1: 387.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 238

و كيف كان، فاستدلّ لهذا القول بصحيحة هشام بن سالم: «و التقدّم من المزدلفة إلى منى يرمون الجمار و يصلّون الفجر في منازلهم بمنى لا بأس» «1».

و إطلاق رواية مسمع: في رجل وقف مع الناس بجمع ثمَّ أفاض قبل أن يفيض الناس، قال: «إن كان جاهلا فلا شي ء عليه، و إن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة» «2»، و لو وجب الوقوف بعد الفجر لما سكت عن أمره بالرجوع.

و إطلاق الأخبار بأنّ من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحجّ.

و يردّ الأول: بكونه أعمّ مطلقا ممّا مرّ، لاختصاص ما مرّ بغير المضطرّ، فيجب التخصيص به.

و الثاني: بأنّ عدم الذكر لا يدلّ على

العدم، و لذا سكت في أخبار الإفاضة من عرفات قبل غروب الشمس «3» عن العود، و اكتفى بذكر الكفّارة فقط- كما مرّ- مع وجوبه.

و الثالث: بأنّ إدراك الحجّ بشي ء لا ينافي وجوب غيره أيضا، مع أنّه أيضا كالأول أعمّ مطلقا ممّا مرّ.

نعم، روى عليّ بن عطية، قال: أفضنا من المزدلفة بليل أنا و هشام ابن عبد الملك الكوفي، و كان هشام خائفا، فانتهينا إلى جمرة العقبة طلوع الفجر، فقال لي هشام: أي شي ء أحدثنا في حجّتنا، فنحن كذلك إذ لقينا

______________________________

(1) التهذيب 5: 193- 643، الاستبصار 2: 256- 903، الوسائل 14: 30 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 8.

(2) الكافي 4: 473- 1، الفقيه 2: 284- 1393، التهذيب 5: 193- 642، الاستبصار 2: 256- 902، الوسائل 14: 27 أبواب الوقوف بالمشعر ب 16 ح 1.

(3) الوسائل 13: 558 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 239

أبو الحسن موسى عليه السلام و قد رمى الجمار و انصرف، فطابت نفس هشام «1».

إلّا أنّها قضيّة في واقعة، فلعلّه عليه السلام كان ذا عذر، مع أنّ المراد إدراك الوقوف و المراد الشرعيّ، و كونه وقوفا شرعيّا ممنوع.

و أمّا الثاني فهو أيضا ثابت بالإجماعين «2»، و نسبه في المنتهى إلى كلّ من يحفظ عنه العلم «3».

و تدلّ عليه- مضافا إلى الإجماع، و مطلقات إدراك الحجّ بإدراك قبل المشعر طلوع الشمس، حيث إنّ ما مرّ من موجبات الوقوف بعد الفجر لا يعمّ النساء قطعا، بل مخصوص بالرجال- المستفيضة من الصحاح و غيرها، كصحيحة ابن عمّار الطويلة، المتضمّنة لصفة حجّ الرسول صلّى اللّه عليه و آله «4»، و مرسلة جميل المتقدّمة، و رواية أبي بصير [و

صحيحتيه ] [1] و رواية سعيد السمّان، و صحيحة الأعرج، و رواية عليّ بن أبي حمزة:

الأولى: «لا بأس بأن تقدّم النساء إذا زال الليل فيقفن عند المشعر الحرام ساعة، ثمَّ ينطلق بهنّ إلى منى فيرمين الجمرة، ثمَّ يصبرن ساعة، ثمَّ ليقصّرن و ينطلقن إلى مكّة فيطفن، إلّا أن يكنّ يردن أن يذبح عنهن، فإنّهنّ يوكّلن من يذبح عنهن» [2].

______________________________

[1] في النسخ: و صحيحته، و الصحيح ما أثبتناه.

[2] الكافي 4: 474- 6، الوسائل 14: 30 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 7 بتفاوت يسير، عبّر الماتن عنها بالرواية، باعتبار ضعفها بمحمد بن سنان بسند الكافي، و لكنها صحيحة بسند الصدوق في الفقيه 2: 283- 1392.

______________________________

(1) التهذيب 5: 263- 897، الوسائل 14: 71 أبواب رمي جمرة العقبة ب 14 ح 3.

(2) انظر المدارك 7: 427، و الذخيرة: 657.

(3) المنتهى 2: 726.

(4) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، مستطرفات السرائر: 23- 4، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 240

و الثانية: «رخّص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الصبيان أن يفيضوا بليل، و أن يرموا الجمار بليل، و أن يصلّوا الغداة في منازلهم، فإن خفن الحيض مضين إلى مكّة و وكّلن من يضحّي عنهن» «1».

و الثالثة: «رخّص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الضعفاء أن يفيضوا من جمع بليل، و أن يرموا الجمرة بليل، فإن أرادوا أن يزوروا البيت وكّلوا من يذبح عنهم» «2».

و الرابعة: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عجّل النساء ليلا من المزدلفة إلى منى، فأمر من كان عليها منهنّ هدي أن ترمي و لا تبرح حتى

تذبح، و من لم يكن عليها منهنّ هدي أن تمضي إلى مكّة حتى تزور» «3».

و الخامسة: «أفض بهنّ بليل و لا تفض بهنّ حتى تقف بهنّ بجمع، ثمَّ أفض بهنّ حتى تأتي بهنّ الجمرة العظمى فيرمين الجمرة، فإن لم يكن عليهنّ ذبح فليأخذن من شعورهنّ و يقصّرن من أظفارهن، ثمَّ يمضين إلى مكّة في وجوههن، و يطفن بالبيت و يسعين بين الصفا و المروة، ثمَّ يرجعن إلى البيت فيطفن أسبوعا، ثمَّ يرجعن إلى منى و قد فرغن من حجّهن» و قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أرسل أسامة معهن» «4».

و السادسة: «أيّ امرأة أو رجل خائف أفاض من المشعر الحرام ليلا فلا بأس، فليرم الجمرة، ثمَّ ليمض و ليأمر من يذبح عنه، و تقصّر المرأة

______________________________

(1) الكافي 4: 474- 5، التهذيب 5: 194- 646، الاستبصار 2: 257- 906، الوسائل 14: 28 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 3.

(2) الكافي 4: 475- 8، الوسائل 14: 30 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 6.

(3) الكافي 4: 473- 2، الوسائل 14: 29 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 5.

(4) الكافي 4: 474- 7، التهذيب 5: 195- 647، الوسائل 14: 28 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 241

و يحلق الرجل، ثمَّ ليطف بالبيت و بالصفا و المروة، ثمَّ ليرجع إلى منى، فإن أتى منى و لم يذبح عنه فلا بأس أن يذبح هو، و ليحمل الشعر إذا حلق بمكّة إلى منى، و إن شاء قصّر إن كان حجّ قبل ذلك» «1».

و لا كفّارة عليهنّ إجماعا، للأصل.

و هذا الحكم شامل للنساء مطلقا، كما وقع التصريح بهنّ في أكثر الأخبار المتقدّمة، و

كذا الصبيان و الرجل الخائف، كما وقع به التصريح في مرسلة جميل، و الضعفاء مطلقا، كما صرّح بهم في صحيحة ابن عمّار الطويلة و إحدى صحاح أبي بصير.

و منها يظهر شمول الحكم لكلّ ذي عذر، لصدق الضعف، بل يدلّ عليه ما في ذيل صحيحة الأعرج من إرسال الرسول صلّى اللّه عليه و آله أسامة مع النساء.

و هل يشمل الحكم الجاهل و الناسي؟

فيه تردّد، و عدم الشمول أظهر.

و أمّا الثالث فهو أيضا إجماعي، تدلّ عليه صحيحة الحسن العطّار:

«إذا أدرك الحاجّ عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل من عرفات و لم يدرك الناس بجمع وجدهم قد أفاضوا فليقف قليلا بالمشعر الحرام، و ليلحق الناس بمنى و لا شي ء عليه» «2».

و رواية ابن عمّار أو «3» صحيحته: ما تقول في رجل أفاض من عرفات إلى منى؟ قال: «فليرجع فيأتي جمعا فيقف بها و إن كان الناس قد

______________________________

(1) الكافي 4: 474- 4، التهذيب 5: 194- 644، الاستبصار 2: 256- 904، الوسائل 14: 29 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 4.

(2) التهذيب 5: 292- 990، الاستبصار 2: 305- 1088، الوسائل 14: 44 أبواب الوقوف بالمشعر ب 24 ح 1.

(3) في «س»: و صحيحته.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 242

أفاضوا من جمع» «1».

و موثّقة يونس: رجل أفاض من عرفات فمرّ فلم يقف حتى انتهى إلى منى و رمى الجمرة و لم يعلم حتى ارتفع النهار، قال: «يرجع إلى المشعر فيقف به، ثمَّ يرجع فيرمي الجمرة العقبة» «2».

و موثّقة ابن عمّار: «من أفاض من عرفات إلى منى فليرجع و ليأت جمعا و ليقف بها و إن كان وجد الناس أفاضوا من جمع» «3».

و مرسلة ابن أبي عمير: «تدري لم جعل ثلاث هنا؟»

قال: قلت: لا، قال: «من أدرك شيئا منها فقد أدرك الحجّ» «4».

فإنّ الجعل هو التوقيف الشرعي، و ليس الثالث للمختار، فهو للمضطرّ قطعا.

و الأخبار الصحيحة المستفيضة الآتية المصرّحة بأنّ من أدرك المشعر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحجّ، فإنّ إدراك الحجّ لمن أحرم به واجب، و ما يتوقّف عليه الواجب واجب.

و نسب الحلّي إلى السيّد امتداد هذا الاضطراريّ إلى غروب الشمس من يوم النحر «5»، و أنكره في المختلف، و نسب إلى الحلّي الوهم «6». و كيف كان، فهو نادر خال عن الدليل.

______________________________

(1) الكافي 4: 472- 3، الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 21 ح 2.

(2) الكافي 4: 472- 4، الفقيه 2: 283- 1389، التهذيب 5: 288- 979، الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 21 ح 3.

(3) التهذيب 5: 288- 978، الوسائل 14: 34 أبواب الوقوف بالمشعر ب 21 ح 1.

(4) الكافي 4: 476- 6، الوسائل 14: 41 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 12.

(5) السرائر 1: 619.

(6) المختلف: 300.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 243

و الاستدلال له بإطلاقات: «من أدرك المشعر» عليل، لأنّ الكلام في الإدراك الشرعي.

و ها هنا قول آخر محكيّ عن ابن زهرة، و هو: أنّ الاختياريّ ليلة النحر و الاضطراريّ من طلوع فجره إلى طلوع شمسه «1». و هو غريب، و عن الدليل عري.

فرع: الواجب من هذه الأوقات الثلاثة للمشعر مجرّد المسمّى،

و لا يجب استيعاب الوقت و لا جزء معيّن منه، بلا خلاف يعرف في الاضطراريّين.

و يدلّ عليه في الاضطراريّ الأول قوله في صحيحة أبي بصير:

«فيقفن عند المشعر الحرام ساعة» «2»، و تصريح جميع الأخبار الواردة في توقيته بالإفاضة ليلا و رمي الجمار فيه «3»، فإنّه يعمّ أيّ وقت من الليل أراد فيه.

نعم، الأولى أن

يؤخّر الإفاضة فيه عن زوال الليل، كما صرّح به في الصحيحة المذكورة، و ظاهرها و إن كان عدم جواز الإفاضة قبل زواله، إلّا أنّ عدم القول به أوجب حمله على المرجوحيّة.

و في الاضطراريّ الثاني قوله: «فليقف قليلا» في صحيحة العطّار.

و على الأقوى الموافق للسرائر و التذكرة و المنتهى و الدروس في الاختياري «4»، بل عليه الإجماع عن التذكرة و المنتهى «5».

و يدلّ عليه الأصل، و إطلاق الوقوف في صحيحة ابن عمّار «6».

______________________________

(1) حكاه عنه في الرياض 1: 387، و هو في الغنية (الجوامع الفقهية): 580.

(2) الكافي 4: 474- 6، الفقيه 2: 283- 1392، الوسائل 14: 30 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 7.

(3) الوسائل 14: 28 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17.

(4) السرائر 1: 589، التذكرة 1: 375، المنتهى 2: 726، الدروس 1: 423.

(5) انظر التذكرة 1: 375، المنتهى 2: 726.

(6) في ص: 241.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 244

المتقدّمة، المتحقّق بالمسمّى.

و حسنة محمّد بن حكيم: الرجل الأعجمي و المرأة الضعيفة يكونان مع الجمّال الأعرابي، فإذا أفاض بهم من عرفات مرّ بهم- كما هو- إلى منى و لم ينزل بهم جمعا، فقال: «أ ليس قد صلّوا بها؟ فقد أجزأهم»، قلت: فإن لم يصلّوا بها؟ [قال:] «ذكروا اللّه فيها، فإن كانوا ذكروا اللّه فيها فقد أجزأهم» [1].

و رواية أبي بصير: إنّ صاحبي هذين جهلا أن يقفا بالمزدلفة، فقال:

«يرجعان مكانهما فيقفان بالمشعر ساعة»، قلت: فإنّه لم يخبرهما أحد حتى كان اليوم و قد نفر الناس، قال: فنكس رأسه ساعة، ثمَّ قال: «أ ليسا قد صلّيا الغداة بالمزدلفة؟» قلت: بلى، قال: «أ ليسا قد قنتا في صلاتهما؟» قلت: بلى، قال: «تمَّ حجّهما» «1»، إلى غير ذلك.

و رواية جميل:

«ينبغي للإمام أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس، و سائر الناس إن شاءوا عجّلوا و إن شاءوا أخّروا» «2».

و صحيحة هشام بن الحكم: «من أدرك المشعر الحرام و عليه خمسة من الناس فقد أدرك الحجّ» «3»، إلى غير ذلك.

و قيل بوجوب الوقوف من بدو طلوع الفجر «4». و لا دليل عليه من

______________________________

[1] الكافي 4: 472- 1، الفقيه 2: 283- 1390، التهذيب 5: 293- 995، الاستبصار 2: 306- 1093، الوسائل 14: 45 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 3، بتفاوت يسير، و ما بين المعقوفين من المصادر.

______________________________

(1) الكافي 4: 472- 2، التهذيب 5: 293- 994، الاستبصار 2: 306- 1092، الوسائل 14: 47 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 7.

(2) التهذيب 5: 193- 641، الاستبصار 2: 258- 909، الوسائل 14: 26 أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 4.

(3) الكافي 4: 476- 5، الفقيه 2: 243- 1161، الوسائل 14: 40 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 10.

(4) كما في المسالك 1: 114.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 245

الأخبار، بل الأمر بالوقوف في صحيحة ابن عمّار «1»، بعد صلاة الفجر يدلّ على خلافه، كما أنّ الأصل أيضا ينفيه.

و عن الصدوقين و المفيد و السيّد و الديلمي و الحلبي: وجوب الوقوف إلى طلوع الشمس للحاجّ مطلقا «2»، لقوله في صحيحة ابن عمّار المتقدّمة في صدر المسألة: «ثمَّ أفض حين يشرق لك ثبير» إلى آخره «3».

و صحيحة هشام بن الحكم: «لا تجاوز وادي محسّر حتى تطلع الشمس» «4».

و عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و المهذّب و الاقتصاد و ظاهر الجمل و العقود و الغنية و الجامع: وجوبه للإمام خاصّة «5»، للصحيحتين المذكورتين، و رواية جميل المتقدّمة.

و عدم دلالة الأخيرة

على الوجوب ظاهر، و دلالة الثانية عليه غير ظاهرة، لاحتمال الخبريّة، مع أنّ وادي محسّر من حدود المشعر لا نفسه.

و الاولى عن إفادة المطلوب قاصرة، لأنّ إرادة طلوع الشمس منها غير

______________________________

(1) الكافي 4: 469- 4، التهذيب 5: 191- 635، الوسائل 14: 20 أبواب الوقوف بالمشعر ب 11 ح 1.

(2) الصدوق في المقنع: 87، حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 300، المفيد في المقنعة: 417، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3):

68، الديلمي في المراسم: 113، الحلبي في الكافي: 197.

(3) الكافي 4: 469- 4، التهذيب 5: 191- 635، الوسائل 14: 20 أبواب الوقوف بالمشعر ب 11 ح 1.

(4) الكافي 4: 470- 6، التهذيب 5: 193- 640، الوسائل 14: 25 أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 2.

(5) النهاية: 252، المبسوط 1: 368، الوسيلة: 179، المهذّب 1: 254، الاقتصاد: 306، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 234، الغنية (الجوامع الفقهية): 581، الجامع للشرائع: 209.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 246

واضحة، سيّما مع قوله: «و ترى الإبل موضع أخفافها».

و مع ذلك تعارضان مع ما يأتي من النصّ المصرّح بأنّ الإفاضة قبل طلوع الشمس بقليل أحبّ.

المقام الثاني: في مستحبّاته.

و هي: أن يكون متطهّرا، لقوله عليه السلام في صحيحة ابن عمّار و الحلبي:

«أصبح على طهر بعد ما تصلّي الفجر فقف» «1».

و أن تكون نيّة الوقوف بعد صلاة الصبح، كما صرّح به كلماتهم في المقنع و الهداية و الكافي و المراسم و جمل العلم و العمل و الشرائع و النافع و المنتهى و التذكرة و التحرير و الإرشاد «2»، و غيرها من كتب الجماعة «3».

و استدلّ له بما مرّ من صحيحة ابن عمّار و الحلبي.

و في دلالتها نظر، لأنّ الظاهر من

قوله: «أصبح بعد ما تصلّي الفجر» أنّ المراد من صلاة الفجر فيها نافلته، إلّا أنّ تصريح الأصحاب كاف في إثبات الاستحباب.

و أن يصرف زمان وقوفه بالذكر و الدعاء، سيّما الدعوات المأثورة.

و عن السيّد و الحلبي و القاضي: وجوبه «4»، و في المفاتيح و شرحه: أنّه

______________________________

(1) الكافي 4: 469- 4، التهذيب 5: 191- 635، الوسائل 14: 20 أبواب الوقوف بالمشعر ب 11 ح 1، و لكنها عن معاوية بن عمار فقط.

(2) المقنع: 87، الهداية: 61، الكافي: 214، المراسم: 112، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 68، الشرائع 1: 256، النافع: 88، المنتهى 2: 724، التذكرة 1: 374، التحرير 1: 102، الإرشاد 1: 329.

(3) كالمدارك 7: 429، و الرياض 1: 387.

(4) انظر الانتصار: 89 و الكافي: 214، القاضي في المهذّب 1: 254.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 247

لا يخلو من قوّة «1». و هو كذلك، لظاهر قوله تعالى، و ظواهر الأوامر في الأخبار.

إلّا أنّه يجزئه اليسير من الذكر و الدعاء.

و أن يفيض غير الإمام من المشعر قبل طلوع الشمس بقليل، لموثّقة إسحاق «2»، و خبر معاوية بن حكيم «3». و أمّا الإمام فالأفضل له الإفاضة بعد الطلوع، لرواية جميل المتقدّمة.

و ورد في الأخبار و كلمات الأصحاب استحباب وطء الصرورة المشعر برجله، و لا بدّ إمّا من حمل المشعر فيه على موضع خاصّ من الموقف- كما قيل «4»- أو جعل المستحبّ الوطء بالرجل الذي هو أعمّ من الوقوف راكبا و في المحمل، بل مع النعل و الخفّ.

______________________________

(1) المفاتيح 1: 347.

(2) الكافي 4: 470- 5، التهذيب 5: 192- 639، الاستبصار 2: 257- 908، الوسائل 14: 25 أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 1.

(3) التهذيب 5: 192-

638، الاستبصار 2: 257- 907، الوسائل 14: 25 أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 3.

(4) انظر الرياض 1: 387.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 248

البحث الثالث في أحكامه و لواحقه
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: حكي عن ظاهر الأكثر: وجوب المبيت بالمشعر «1»،

و استدلّ بعضهم «2» بقوله في صحيحة ابن عمّار و الحلبي: «و يستحبّ للصرورة أن يقف على المشعر و يطأه برجله و لا يجاوز الحياض ليلة المزدلفة» «3».

و فيه نظر، لإمكان عطف قوله: «و لا يجاوز» على قوله: «يقف» فيكون مستحبّا، و لولاه أيضا لكان للجملة الخبريّة محتملا فلا يفيد الوجوب، مع أنّ عدم التجاوز عن الحياض أعمّ من المبيت في المزدلفة، لإمكان التقدّم عليها.

و صرّح في التذكرة بعدم الوجوب «4»، و هو ظاهر سائر كتبه «5».

و ظاهر الشرائع و النافع «6». و هو الأقوى، للأصل و عدم الدليل، سيّما إن كان مرادهم صرف بقيّة ليله فيها تماما، كما هو مقتضى الاستدلال بالصحيحة المذكورة.

______________________________

(1) المدارك 7: 423.

(2) انظر المدارك 7: 423، و الرياض 1: 387.

(3) الكافي 4: 468- 1، الوسائل 14: 19 أبواب الوقوف بالمشعر ب 10 ح 1 و ليس فيه صدر الحديث.

(4) التذكرة 1: 374.

(5) كالمنتهى 2: 724.

(6) الشرائع 1: 256، النافع: 88.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 249

و كذا لا يدلّ عليه مفهوم مرسلة جميل: «لا بأس أن يفيض الرجل بليل إذا كان خائفا» «1»، لأنّ عدم الإفاضة أعمّ من المبيت فيه، فيقدّم فيه لدرك الوقت الاختياري، و منه يعلم عدم دلالة ما يصرّح بالكفّارة في الإفاضة قبل الفجر.

و لو كان المراد كون جزء من الليل فيها فيمكن الاستدلال له بالأخبار الآمرة لتأخير الصلاتين إليها و الإتيان بهما فيها «2»، إلّا أنّه قد عرفت عدم بقاء تلك الأوامر على الحقيقة، فالظاهر عدم الوجوب أصلا.

نعم، يستحبّ، لبعض ما ذكر، و للتأسّي. و منهم من جعله دليل الوجوب «3». و فيه نظر.

المسألة الثانية: لا يجوز ترك الوقوف بالليل لمن علم أنّه لا يتمكّن من إدراك الوقوف بين الطلوعين

و لا بعده أو الأول خاصّة، لو قلنا بصحّة الحجّ مع

الوقوف الليلي، كما هو الحقّ، و أمّا لو لم نقل به فيجوز تركه مطلقا.

المسألة الثالثة: لا يجوز ترك الوقوف بين الطلوعين عمدا،

للأمر به المقتضي لوجوب الامتثال. و من أفاض عمدا قبل الفجر كان عليه دم شاة، للنصّ «4».

و هل يجب عليه ذلك للإفاضة، أو لترك الوقوف بين الطلوعين حتى

______________________________

(1) الكافي 4: 474- 3، التهذيب 5: 194- 645، الاستبصار 2: 257- 905، الوسائل 14: 28 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 1.

(2) الوسائل 14: 12 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5.

(3) المدارك 7: 423.

(4) الكافي 4: 473- 1، الفقيه 2: 284- 1393، التهذيب 5: 193- 642، الاستبصار 2: 256- 902، الوسائل 14: 27 أبواب الوقوف بالمشعر ب 16 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 250

أنّه لو لم يدخل المشعر حتى تطلع الشمس وجب عليه الدم أيضا؟

فيه نظر، و الأول أظهر.

و في بعض الصحاح الآتية: أنّ عليه بدنة.

و يمكن الجمع بحمل الأول على من وقف و لبث و أفاض قبل الفجر، و الثاني [على ] «1» من لم يلبث كما هو صريح الثاني، أو الأول على من أفاض لغير الجهل من الأعذار، و الثاني على المتعمّد المحض.

المسألة الرابعة: لا يجوز ترك الوقوف بعد طلوع الشمس

لمن فاته قبله و يتمّ حجّه مع ذلك الوقوف، و أمّا من فات حجّه فلا يجب عليه ذلك، و سيأتي تفصيله.

المسألة الخامسة: من ترك الوقوف بالمشعر رأسا
اشاره

ليلا و نهارا عمدا بطل حجّه إجماعا، له، و للقاعدة المتقدّمة في وقوف عرفات، و لرواية الحلبيّين- و قيل صحيحتهما-: «إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحجّ» «2».

و مفهوم المستفيضة المصرّحة بأنّ «من أدرك المشعر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحجّ» «3».

و لو كان اضطرارا صحّ الحجّ إن كان أدرك اختياريّ عرفة، كما يأتي.

تذنيب: اعلم أنّه قد ظهر ممّا ذكر أنّ أوقات الوقوفين خمسة:
اشاره

اختياريّ عرفة، و هو: ما بين الزوال يوم عرفة إلى غروب شمسه.

______________________________

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(2) التهذيب 5: 292- 991، الاستبصار 2: 305- 1089، الوسائل 14: 38 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 2.

(3) التهذيب 5: 292- 991، الاستبصار 2: 305- 1089، الوسائل 14: 38 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 251

و اضطراريّة، و هو: ما بين غروب شمسه إلى طلوع فجر يوم النحر.

و اختياريّ المشعر المحض، و هو: ما بين طلوعي فجر يوم النحر و شمسه.

و اختياريّة المشوب بالاضطراري، و هو: اضطراريّ عرفة.

و اضطراريّة المحض، و هو: من طلوع شمسه إلى زوالها.

و علم أنّ من ترك الوقوفين جميعا فقد بطل حجّه، سواء كان ذلك عن عمد أو نسيان أو جهل، و يدلّ عليه إجماع علماء الإسلام، و أخبار نفي الحجّ عن أصحاب الأراك «1» و عمّن فاتته المزدلفة.

و لو أدرك شيئا من الوقوفين فأقسامه- بالنسبة إلى انقسام كلّ منهما إلى الاختياريّ و الاضطراريّ- ثمانية.

و لو جعل الوقوف الليليّ للمشعر قسما على حدة تصير الأقسام أحد عشر، خمسة مفردة، و هي: اختياريّ عرفة، و اضطراريّها، و اختياريّ المشعر، و ليلته، و اضطراريّة، و ستّة اخرى مركّبة من هذه الخمسة:

الاختياريّان، و الاضطراريّان، و اختياريّ كلّ مع اضطراريّ الآخر، و اختياريّ عرفة مع ليلي المشعر،

و اضطراريّها معه.

و نحن نذكر حكم كلّ منها بالنسبة إلى صحّة الحجّ و عدمه، و حكم التارك للبعض عمدا و غير عمد بالتفصيل، فنقول:

[القسم الأول المفردات ]
الأول: أن يدرك اختياريّ عرفة خاصّة

، فعن الشهيد الثاني صحّة الحجّ «2»، و هو مذهب صاحب الجامع و المحقّق في الشرائع و الفاضل في

______________________________

(1) انظر الوسائل 13: 551 أبواب إحرام الحج ب 19 ح 10 و 11، الوسائل 13:

532 أبواب إحرام الحج ب 10 ح 3، 6، 7 و 11.

(2) المسالك 1: 114.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 252

الإرشاد و التبصرة و الشهيد في الدروس و اللمعة «1»، بل نسبه جماعة إلى المشهور، منهم: المحدّث المجلسي و الجزائري و شارح المفاتيح، و في الذخيرة و الكفاية: أنّه المعروف بين الأصحاب «2»، و نفي عنه الشهيد الثاني الخلاف كالتنقيح «3»، بل ظاهر المختلف و الدروس أيضا- كما قيل «4»- نفي الخلاف عنه، و في شرح المفاتيح: حكى عن بعضهم الإجماع عليه.

و اختار الفاضل في المنتهى: عدم الصحّة «5»، و تبعه في المدارك و المفاتيح من المتأخّرين «6»، و تردّد في التذكرة و التحرير «7»، إلّا أنّه صرّح في التحرير ثانيا بالصحّة كما حكي عنه «8»، بل حكي مثل ذلك عن المنتهى أيضا «9».

حجّة الأول: ما اشتهر من النبويّ من أنّ: «الحجّ عرفة» «10»، و ما في بعض أخبارنا الحسنة: «الحجّ الأكبر الموقف بعرفة و رمي الجمار» «11».

و صحيحة حريز كما في الفقيه: «من أفاض من عرفات مع الناس و لم يلبث معهم بجمع و مضى إلى منى متعمّدا أو مستخفّا فعليه بدنة» [1].

______________________________

[1] الكافي 4: 473- 6، الفقيه 2: 283- 1388، التهذيب 5: 294- 996، الوسائل

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 220، الشرائع 1: 254، الإرشاد 1: 330، التبصرة:

71، الدروس 1: 425، اللمعة (الروضة 2): 278.

(2) الذخيرة: 658، كفاية الأحكام: 69.

(3) الشهيد الثاني في المسالك 1: 113، التنقيح 1: 480.

(4) انظر الرياض 1: 385.

(5) المنتهى 2: 728.

(6) المدارك 7: 405، 406، المفاتيح 1: 348.

(7) التذكرة 1: 375، التحرير 1: 103.

(8) حكاه عنه في الرياض 1: 385.

(9) كما في الرياض 1: 385.

(10) سنن الدارمي 2: 59.

(11) الكافي 4: 264- 1، الوسائل 13: 550 أبواب إحرام الحج ب 19 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 253

و رواية محمّد بن يحيى: في رجل لم يقف بالمزدلفة و لم يبت بها حتى أتى منى، فقال: «ألم ير الناس لم يكونوا بمنى حين دخلها؟» قلت:

فإنّه جهل ذلك، قال: «يرجع»، قلت: إنّ ذلك قد فاته، قال: «لا بأس» «1».

و مرسلة الخثعمي: فيمن جهل و لم يقف بالمزدلفة و لم يبت بها حتى أتى منى، قال: «يرجع»، قلت: إنّ ذلك فاته، قال: «لا بأس» «2».

و دليل الثاني: عدم الإتيان بالمأمور به، و رواية الحلبيّين المتقدّمة، و رواية محمّد بن سنان: «فإن أدرك جمعا بعد طلوع الشمس فهي عمرة مفردة و لا حجّ له» «3»، و مفهوم المعتبرة من الصحاح و غيرها، المصرّحة:

بأنّ من أدرك جمعا- إمّا مطلقا، أو قبل زوال الشمس- فقد أدرك الحجّ «4».

أقول: الثلاثة الاولى من أدلّة القول الأول و إن كانت قاصرة، لعدم ثبوت الأولى من طرقنا، و عدم دلالتها على المطلوب لو ثبت، لكون الإطلاق مجازا قطعا و تعدّد المجازات.

و منه يظهر ضعف دلالة الثانية.

و عدم [1] استلزام وجوب البدنة لصحّة الحج، و كذا السكوت عن

______________________________

14: 48 أبواب الوقوف بالمشعر ب 26 ح 1، و هي مرويّة في الكافي و التهذيب عن علي بن

رئاب عن حريز، و في الفقيه و الوسائل عن علي بن رئاب فقط.

[1] هذا بيان وجه قصور الثالثة.

______________________________

(1) الكافي 4: 473- 5، التهذيب 5: 293- 993، الاستبصار 2: 305- 1091، الوسائل 14: 47 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 6، بتفاوت.

(2) التهذيب 5: 292- 992، الاستبصار 2: 305- 1090، الوسائل 14: 46 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 5.

(3) التهذيب 5: 290- 984، الاستبصار 2: 303- 1082، الوسائل 14: 38 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 4.

(4) انظر الوسائل 14: 37 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 254

بطلان الحج، مضافا إلى أعمّية ترك اللبث مع الناس عن ترك اللبث مطلقا.

و لكن دلالة الأخيرتين تامّة، و ضعف سندهما- لو كان- بالشهرة مجبور، و هما أخصّان مطلقا من جميع أدلّة الثاني.

لا لما قيل من عمومها بالنسبة إلى إدراك اختياريّ عرفة و عدمه «1»، لأنّهما أيضا كذلك، و التخصيص الخارجي لا يفيد في التعارض، كما بيّنا وجهه في موضعه.

بل لعمومها بالنسبة إلى الجاهل باختياريّ المشعر و غيره و اختصاصهما بالجاهل، فيجب تخصيصها بهما كما تخصّصان بمن أدرك عرفة بما يأتي.

و هما و إن اختصّتا بالجاهل، إلّا أنّه يلحق به الناسي و المضطرّ أيضا بعدم القول بالفصل.

و أمّا العامد فلا ينبغي الريب في بطلان حجّه، لعدم إتيانه بالمأمور به، و عدم دليل له على الاجتزاء أصلا يقابل ما مرّ من أدلّة القول الثاني.

فإذن الحقّ هو القول الأول بالنسبة إلى الجاهل و أخويه، و الثاني بالنسبة إلى العامد، و الظاهر أنّ غير العامد أيضا مراد من حكم بصحّة الحجّ هنا.

الثاني: أن يدرك اضطراريّ عرفة خاصّة،

في الدروس: أنّه غير مجز قولا واحدا «2»، و كذا في المفاتيح «3»، و في

الذخيرة: أنّه لا أعرف فيه خلافا «4»، و نقل بعضهم عن جماعة الإجماع عليه «5»، إلّا أنّ في شرح

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 385.

(2) الدروس 1: 426.

(3) المفاتيح 1: 348.

(4) الذخيرة: 659.

(5) انظر الرياض 1: 385.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 255

المفاتيح نسبه إلى المشهور، و هو مؤذن بالخلاف فيه، و لعلّه نظر إلى إطلاق كلام الإسكافي «1».

و مقتضى ما ذكرنا من الاستدلال للصحّة في الأول الصحّة في الثاني أيضا، إلّا أنّ شذوذ القول بها هنا أوجب عدم حجّية الروايتين بالنسبة إليه، فالوجه عدم الصحّة لا للعامد و لا لغيره.

الثالث: أن يدرك ليلة المشعر خاصّة،

قال في الذخيرة: الظاهر أنّه لا يصحّ حجّه، لعدم الإتيان بالمأمور به، و عدم الدليل على الصحّة.

و حكي عن الشهيد الثاني القول بالصحّة، لصحّة حجّ من أدرك اضطراريّ المشعر بالنهار، فهذا يصحّ بالطريق الأولى، لأنّ الوقوف الليليّ فيه شائبة الاختياري، للاكتفاء به للمرأة اختيارا، و للمضطرّ، و للمتعمّد مطلقا مع الجبر بشاة «2».

و ظاهر المدارك التردّد «3».

أقول: الظاهر عدم الإجزاء لمن ترك عرفة عمدا و الإجزاء لغيره مطلقا، سواء كان ممّن رخّص له الإفاضة قبل الفجر مطلقا أو مع عذر أو لا، و سواء أفاض قبل الفجر عمدا أو اضطرارا.

أمّا الحكم الأول فلمعارضة عمومات نفي الحجّ عن أصحاب الأراك «4» مع عمومات إدراك الحجّ بإدراك مزدلفة «5» بالعموم من وجه، و لا مرجّح، فيرجع إلى قاعدة عدم الصحّة، لعدم الإتيان بالمأمور به.

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 301.

(2) الذخيرة: 659.

(3) انظر المدارك 7: 406، 407، 426.

(4) الوسائل 13: 531، أبواب إحرام الحج ب 10.

(5) الوسائل 14: 45 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 256

و يدلّ عليه أيضا صريح صحيحة الحلبي «1»

المتقدّمة في المسألة الرابعة من أحكام الوقوف بعرفة، المصرّحة: بأنّه إن كان يتمكّن من إدراك اضطراريّ عرفة و لم يدركه لم يتمّ حجّه، و إذا كان كذلك بالنسبة إلى الاضطراريّ فالاختياريّ أولى بالحكم.

و أمّا الحكم الثاني فلصحيحة الحلبي المذكورة، و سائر الأخبار «2» المتقدّمة في تلك المسألة، المصرّحة: بأنّ من فاتته عرفات و وقف بالمشعر الحرام أو أقام به أو أدرك الناس به تمَّ حجّه، فإنّها بإطلاقها شاملة لما نحن فيه و أخصّ مطلقا من عمومات أصحاب الأراك، و التخصيص بما بين الطلوعين لا وجه له.

و تؤيّده مطلقات من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ منطوقا أو مفهوما، و إنّما جعلناها مؤيّدة لإمكان الدخل فيها بأنّ المتبادر من إدراك المشعر و نحوه غير الكون به، بل المراد إدراك أمر فيه، فهو إمّا إدراك وقوفه الشرعيّ، أو في وقت خاصّ، أو جمع خاصّ، أو غيره، فيكون الكلام مقتضيا، و مقتضاه غير معلوم، و لا قدر مشترك له يقينا بحيث يشمل المورد، فيدخله الإجمال المنافي للاستدلال.

الرابع: أن يدرك اختياريّ المشعر فيما بين الطلوعين خاصّة،

و حجّه صحيح- بالإجماع و الأخبار «3»، كما مرّ في المسألة الرابعة من أحكام الوقوف بعرفات- إذا لم يكن ترك عرفة عمدا، و إلّا فلا يصحّ كما مرّ.

الخامس: أن يدرك اضطراريّ المشعر النهاريّ خاصّة،

فإن كان ترك

______________________________

(1) التهذيب 5: 289- 981، الاستبصار 2: 301- 1076، الوسائل 14: 36 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 2.

(2) الوسائل 14: 35، 36 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 1، 2، 3، 4.

(3) الوسائل 13: 548 أبواب إحرام الحج ب 19.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 257

عرفة عمدا فحجّه باطل، لما مرّ، و إن كان اضطرارا ففيه خلاف:

فالمشهور بين الأصحاب فتوى- كما صرّح به جماعة «1»- عدم صحّة الحجّ، بل و كذلك رواية على ما ذكره المفيد، قال: الأخبار بعدم إدراك الحجّ به متواترة، و جعل القول المخالف رواية نادرة «2»، بل عليه الإجماع في المختلف كما قيل «3».

و في الغنية و التنقيح: لا خلاف في عدم إجزاء اضطراريّ عرفة، و أنّ ابن الجنيد إنّما قال بإجزاء اضطراريّ جمع لا غير، و به قال أيضا الصدوق، و على التقديرين فالإجماع منعقد اليوم على عدم إجزاء واحد من الاضطراريّين، لانقراض ابن الجنيد و من قال بمقالته «4». انتهى.

و نقل في المدارك الإجماع عن المنتهى أيضا «5»، و لم أجده فيه، بل ما وجدته فيه أنّه قال: أمّا لو أدرك أحد الاضطراريّين خاصّة، فإن كان المشعر صحّ حجّه على قول السيّد و بطل على قول الشيخ، و تؤيّد قول السيّد روايتا عبد اللّه بن المغيرة الصحيحة «6» و جميل الحسنة «7» عن أبي عبد اللّه عليه السلام، لكن الشيخ تأوّلهما بتأويلين بعيدين. انتهى [1].

______________________________

[1] المنتهى 2: 728، و ليس فيه: لكن الشيخ تأولهما بتأويلين بعيدين.

______________________________

(1) انظر

الرياض 1: 385.

(2) المقنعة: 431.

(3) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 358، و انظر المختلف: 301.

(4) التنقيح 1: 481.

(5) المدارك 7: 406.

(6) التهذيب 5: 291- 989، الاستبصار 2: 304- 1086، الوسائل 14: 39 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 6.

(7) الكافي 4: 476- 3، التهذيب 5: 291- 988، الوسائل 14: 40 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 258

و ذهب الصدوق في العلل إلى الاجتزاء به «1»، و هو قول الإسكافي «2»، و الظاهر من كلام السيّد و الحلبي «3»، و اختاره الشهيد الثاني و صاحب المدارك من المتأخّرين «4».

و قال الشهيد الأول في نكت الإرشاد: و لعلّ الأقرب إجزاؤه، ثمَّ قال:

و لو لا أنّ المفيد نقل أنّ الأخبار الواردة بعدم الإجزاء متواترة، و أنّ الرواية بالإجزاء نادرة، لجعلناه أصحّ لا أقرب «5». انتهى.

و الأقوى عندي هو القول المشهور، لنا: صحيحة حريز: عن رجل مفرد للحجّ فاته الموقفان جميعا، فقال: «له إلى طلوع الشمس من يوم النحر، فإن طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حجّ، و يجعلها عمرة، و عليه الحجّ من قابل» «6».

و مثلها الأخرى، إلّا أنّه زاد في آخرها: قال: قلت: كيف يصنع؟

قال: «يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة، و إن شاء أقام بمكّة، و إن شاء أقام بمنى مع الناس، و إن شاء ذهب حيث شاء، ليس من الناس في شي ء» «7»، و بمضمونها رواية إسحاق بن عبد اللّه «8» و صحيحة

______________________________

(1) علل الشرائع: 451.

(2) حكاه عنه في المختلف: 301.

(3) السيد في الانتصار: 96، الحلبي في الكافي: 197.

(4) الشهيد الثاني في الروضة 2: 278، المدارك 7: 407.

(5) غاية المراد في شرح نكت الإرشاد

1: 443.

(6) التهذيب 5: 291- 986، الاستبصار 2: 304- 1084، الوسائل 14: 37 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 1.

(7) التهذيب 5: 480- 1704، الوسائل 14: 50 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 4، بتفاوت يسير.

(8) التهذيب 5: 290- 985، الاستبصار 2: 303- 1083، الوسائل 14: 38 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 259

الحلبي «1» المتقدّمة في رابعة وقوف عرفات.

و لا يضرّ قوله فيها أخيرا: «فإن لم يدرك المشعر الحرام» إلى آخره، لأنّ المتبادر منه- بعد سبق قوله: «إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس»- أنّه إن لم يدركه قبل الطلوع، كما لا يخفى.

و رواية ابن سنان: عن الذي إذا أدركه الإنسان فقد أدرك الحجّ، قال:

«إذا أتى جمعا و الناس بالمشعر الحرام قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحجّ و لا عمرة له، و إن أدرك جمعا بعد طلوع الشمس فهي عمرة مفردة و لا حجّ له، فإن شاء أن يقيم بمكّة أقام، و إن شاء أن يرجع إلى أهله رجع و عليه الحجّ من قابل» «2»، و مثلها رواية محمّد بن الفضيل «3».

و صحيحة ضريس: عن رجل خرج متمتّعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكّة إلّا يوم النحر، فقال: «يقيم على إحرامه و يقطع التلبية حين يدخل مكّة، و يطوف و يسعى بين الصفا و المروة، و يحلق رأسه و ينصرف إلى أهله إن شاء»، و قال: «هذا لمن اشترط على ربّه عند إحرامه، فإن لم يكن اشترط فإنّ عليه الحجّ من قابل» «4».

و رواها الصدوق أيضا كذلك، إلّا أنّه زاد فيها- بعد قوله: «و يحلق

______________________________

(1) التهذيب 5: 289- 981، الاستبصار 2: 301- 1076، الوسائل 14: 36 أبواب

الوقوف بالمشعر ب 22 ح 2.

(2) التهذيب 5: 294- 997، الاستبصار 2: 306- 1094، الوسائل 14: 38 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 4.

(3) التهذيب 5: 291- 987، الاستبصار 2: 304- 1085، الوسائل 14: 38 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 3.

(4) التهذيب 5: 295- 1001، الاستبصار 2: 308- 1098، الوسائل 14: 49 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 260

رأسه»: «و يذبح شاته» «1».

و حمل الحجّ المنفيّ في هذه الأخبار على الحجّ الكامل و الأمر بجعلها عمرة على الاستحباب فاسد، لمنافاته لفوريّة الحجّ، التي هي إجماع من المسلمين، و غير مناسب لقوله: «ليس من الناس في شي ء»، و لقوله: «هي عمرة مفردة»، و لسؤال السائل في كثير منها.

و كذا حمل تلك الأخبار على من ترك الموقفين اختيارا، إذ المختار في ترك عرفة ليس له الحجّ إلى طلوع الشمس أيضا، مع أنّها ظاهرة كلّا في المضطرّ.

و احتجّ المخالف بصحيحة ابن المغيرة: جاءنا رجل بمنى فقال: إنّي لم أدرك الناس بالموقفين جميعا، فقال له عبد اللّه بن المغيرة: فلا حجّ له، و سأل إسحاق بن عمّار فلم يجبه، فدخل إسحاق على أبي الحسن عليه السلام فسأله عن ذلك، فقال: «إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحجّ» «2».

و صحيحة جميل: «من أدرك الموقف بجمع يوم النحر من قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحجّ» «3»، و نحوها صحيحته الأخرى «4»، و موثّقة إسحاق «5».

______________________________

(1) الفقيه 2: 243- 1160.

(2) التهذيب 5: 291- 989، الاستبصار 2: 304- 1086، الوسائل 14: 39 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 6.

(3) الكافي 4: 376- 3، التهذيب 5: 291- 988،

الاستبصار 2: 304- 1087، الوسائل 14: 40 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 9.

(4) العلل: 450- 1، الوسائل 14: 40 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 8.

(5) الكافي 4: 476- 4، الوسائل 14: 41 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 261

و صحيحة أخرى لجميل: «المتمتّع له المتعة إلى زوال الشمس من عرفة، و له الحجّ إلى زوال الشمس من يوم النحر» «1».

و صحيحة ابن عمّار: «إذا أدركت الزوال فقد أدركت الموقف» «2».

و صحيحة هشام بن الحكم: «من أدرك المشعر الحرام و عليه خمسة من الناس فقد أدرك الحجّ» «3»، و نحوها موثّقة أخرى لإسحاق «4».

و مرسلة ابن أبي عمير: «تدري لم جعل ثلاث هنا؟» قال: قلت: لا، قال: «من أدرك شيئا منها فقد أدرك الحجّ» «5».

و موثّقة الفضل بن يونس: عن رجل عرض له سلطان فأخذه يوم عرفة قبل أن يعرّف، فبعث به إلى مكّة فحبسه، فلمّا كان يوم النحر خلّى سبيله، كيف يصنع؟. قال: «يلحق بجمع ثمَّ ينصرف إلى منى و يرمي و يذبح و لا شي ء عليه»، قلت: فإن خلّى عنه يوم النفر كيف يصنع؟ قال:

«هذا مصدود من الحجّ، إن كان دخل مكّة متمتّعا بالعمرة إلى الحجّ فليطف بالبيت أسبوعا ثمَّ يسعي أسبوعا و يحلق رأسه و يذبح شاة، و إن دخل مكّة مفردا للحجّ فليس عليه ذبح و لا شي ء عليه و لا حلق» «6».

و الجواب: بعدم دلالة صحيحة ابن عمّار و ما يتعقّبها من الأخبار

______________________________

(1) التهذيب 5: 171- 569، الاستبصار 2: 247- 864، الوسائل 11: 295 أبواب أقسام الحج ب 20 ح 15.

(2) الفقيه 2: 243- 1165، الوسائل 14: 42 أبواب الوقوف بالمشعر ب

23 ح 15.

(3) الكافي 4: 476- 5، الفقيه 2: 243- 1161، الوسائل 14: 40 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 10.

(4) الفقيه 2: 234- 1164، الوسائل 14: 41 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 11.

(5) الكافي 4: 476- 6، الوسائل 14: 41 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 11.

(6) الكافي 4: 371- 8، التهذيب 5: 465- 1623، الوسائل 13: 183 أبواب الإحصار و الصد ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 262

أصلا.

أمّا الصحيحة، فلعدم دلالتها إلّا على إدراك الموقف بإدراك الاضطراري، و لا كلام فيه.

و أمّا صحيحة هشام و الموثّقة التي بعدها، لأنّ قوله: «و عليه خمسة» قرينة ظاهرة على أنّ المراد إدراكه قبل طلوع الشمس، لأنّه الوقت الذي يكون فيه الناس، و لأنّه لا فائدة ظاهرا لهذا القيد إلّا كون الوقوف قبل الطلوع، حيث إنّ بعده يفيض الناس عنه.

و أمّا المرسلة، فلعدم معلوميّة المشار إليه بقوله: «هنا»، بل الظاهر من مرسلته الأخرى أنّه إشارة إلى منى، فإنّ فيها: «أ تدري لم جعل المقام ثلاثا بمنى؟» الحديث «1»، فيكون المراد: أيّام الوقوف بمنى ثلاثة.

و أمّا الموثّقة الأخيرة، فلأنّ الظاهر من قوله: «يلحق بجمع» اللحوق بالناس، الذي يكون قبل الطلوع.

و أمّا البواقي، فهي أعمّ مطلقا ممّا مرّ من أخبار عدم الإجزاء، لأنّ هذه الأخبار كلّا أعمّ من إدراك اضطراريّ عرفات، بل من اختياريّها أيضا حتى الأولى، لأنّ الظاهر من قوله فيها: «لم يدرك الموقفين جميعا» أنّه لم يدركهما معا، و ما مرّ أكثره مخصوص بمن لم يدرك عرفة أصلا، فيجب تخصيص الثانية بالأولى.

بل الأخبار الإجزاء عموم آخر أيضا، لشمول قبل الزوال لما قبل طلوع الشمس أيضا.

هذا، مع ما في صحيحة جميل الأخيرة من

عدم الدلالة أيضا، لأنّه إذا

______________________________

(1) التهذيب 5: 481- 1706، العلل: 450- 1، الوسائل 14: 39 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 263

قيل: إدراك الأمر الفلاني إلى هذا الوقت، معناه: أنّه يدركه إذا أدرك من الوقت قدرا يتمكّن فيه من العمل بما هو لازم ذلك الأمر، كما في المتعة، حيث يشترط إدراك ما قبل الزوال بقدر يطوف و يسعى و يقصّر.

و الحاصل: أنّه إذا جعل عمل مغيّى بغاية يكون قبل الغاية ظرفا للعمل، بمعنى: أنّ قبلها وقت له و إن كان بعض أجزاء الوقت ظرفا لبعض أجزاء العمل، و لا يلزم أن يكون كلّ جزء ظرفا لجميع أجزاء العمل.

و ممّا ذكرنا ظهر فساد ما قيل من رجحان أخبار الإجزاء بمخالفة العامّة، حيث إنّهم يقولون بفوات الحجّ بفوات عرفات، فإنّ الرجوع إلى المرجّحات إنّما هو في التعارض بالتساوي أو العموم من وجه، مع أنّ أخبار عدم الإجزاء صريحة في إدراك الحجّ بعد طلوع الفجر، و هذا أيضا مخالف للعامّة.

و أمّا الستّ المركّبات.
الأول: أن يدرك الاختياريّين،

و درك الحجّ به ضروري.

و الثاني: أن يدرك اختياريّ عرفة مع ليلي المشعر خاصّة

و لم يدرك نهاريّة أصلا و لو عمدا، و ذلك أيضا كالأول عند الأكثر، و هو الأصح، لما عرفت من إجزاء إدراكه فقط، فكيف إذا كان مع غيره؟! و بما مرّ من أدلّته يخرج في صورة العمد عن تحت القاعدة المتقدّمة «1».

نعم، لو ترك ما بين الطلوعين عمدا يكون آثما، لتركه الواجب، و كانت عليه شاة أو بدنة على ما مرّ.

______________________________

(1) في ص: 224.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 264

الثالث: أن يدرك اختياريّ عرفة مع اضطراريّ المشعر في النهار،

فإن كان ترك اختياريّ المشعر عمدا بطل حجّه إجماعا على الظاهر، و للقاعدة المتقدّمة.

و لا يفيد منطوق مطلقات: «من أدرك المشعر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحجّ»، لمعارضتها مع منطوق مطلقات: «من أدركه بعد طلوع الشمس فلا حجّ له»، و مفهوم مطلقات: «من أدركه و عليه خمسة من الناس فقد أدرك الحجّ»، فيرجع إلى الأصل، مع أنّ الأخيرة أخصّ مطلقا من الاولى.

و إن كان اضطرارا صحّ حجّه اتّفاقا، كما عن المنتهى و التذكرة «1»، و في التنقيح «2» و غيره «3» بلا خلاف، لما عرفت من صحّته بإدراك اختياري عرفة خاصّة، فكيف إذا كان مع اضطراريّ المشعر؟! مضافا إلى المستفيضة المتقدّمة في تعيين الوقت الثالث للأوقات الثلاثة في المشعر.

الرابع: أن يدرك اضطراريّ عرفة مع ليليّة المشعر،

فإن كان ترك اختياريّ عرفة عمدا بطل حجّه، لما مرّ في بحث وقوف عرفة من الإجماع و القاعدة و الأخبار.

و لا يعارضها عموم: «من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ»، لمخالفته في المورد للإجماع، و معارضته لصحيحة الحلبي «4»- المصرّحة: بأنّ

______________________________

(1) المنتهى 2: 727، التذكرة 1: 375.

(2) التنقيح 1: 482.

(3) كالحدائق 16: 435.

(4) التهذيب 5: 287- 976، الاستبصار 2: 302- 1079، الوسائل 13: 551 أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة ب 19 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 265

أصحاب الأراك لا حجّ لهم- بالعموم من وجه، الموجبة للرجوع إلى القاعدة.

و إن كان لا عن عمد صحّ حجّه بالإجماع ظاهرا، لما مرّ من الصحّة مع إدراك الليليّة وحدها، فمع اضطراريّ عرفة بطريق أولى.

الخامس: أن يدرك اضطراريّ عرفة مع اختياريّ المشعر

و يصحّ حجّه إجماعا، و وجهه ظاهر ممّا مرّ، إلّا إذا كان تاركا لاختياريّ عرفة عمدا، فيبطل حجّه، لما سبق.

السادس: أن يدرك الاضطراريّين من غير تعمّد ترك أحد الاختياريّين،
اشاره

و الأقوى: صحّة الحجّ، وفاقا للشيخ و الصدوق و السيّد و الإسكافي و الحلبيّين و المحقّق و أكثر كتب الفاضل «1»، و أكثر المتأخّرين «2»، بل الأكثر مطلقا كما قيل «3»، لصحيحة الحسن العطّار «4».

و أمّا العمومات- المتضمّنة ل: «أنّ من لم يدرك الناس بمشعر قبل طلوع الشمس من يوم النحر فلا حجّ له» «5» الشاملة بعمومها لمحلّ النزاع- فإنّها معارضة لمثلها من العمومات القائلة ب: «أنّ من أدرك المشعر قبل

______________________________

(1) الشيخ في النهاية: 273، الصدوق في العلل: 451، السيد في الانتصار: 90، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 301، أبو الصلاح في الكافي: 197، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 508، المحقق في الشرائع 1: 254، الفاضل في المنتهى 2: 728.

(2) كصاحب المدارك 7: 406 السبزواري في الذخيرة: 658، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 358.

(3) انظر الحدائق 16: 411.

(4) التهذيب 5: 292- 990، الاستبصار 2: 305- 1088، الوسائل 14: 44 أبواب الوقوف بالمشعر ب 24 ح 1.

(5) الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 266

زوال الشمس من يوم النحر فقد أدرك الحجّ» «1».

و تقييد الأخيرة بمن أدرك اختياريّ عرفة ليس بأولى من تقييد الاولى بمن لم يدرك عرفة مطلقا و لو اضطراريّها، بل الأخيرة أولى بوجوه كثيرة، منها: شهادة صحيحة العطّار له.

و أمّا لو ترك أحد الاختياريّين فيبطل حجّه، للقاعدة المشار إليها مرارا، التي هي المرجع بعد تعارض العمومين المذكورين، و عدم شهادة الصحيحة هنا.

فذلكة:

قد علم ممّا ذكر بطلان الحجّ في صورتين من الصور الإحدى عشرة، و هما: ما إذا أدرك أحد الاضطراريّين خاصّة، و الصحّة في الصور التسع الباقية، و أنّ من ترك أحد الاختياريّين

عمدا أو أحد الاضطراريّين كذلك مع فوات اختياريّ و لو لا عن عمد بطل حجّة، إلّا في صورة واحدة، هي: ترك اختياريّ المشعر لمن أدرك ليليّه.

المسألة السادسة: من فاته الحجّ بعد الإحرام
اشاره

بفوات أحد الموقفين أو نحوه سقطت عنه بقيّة مناسكه من الهدي و الرمي و المبيت بمنى و الحلق أو التقصير فيها، أو الموقف الثاني إن فات قبله، و يتحلّل عن إحرامه بعمرة مفردة مع الإمكان، فيأتي بأفعالهم ثمَّ يتحلّل بما يتحلّل به المعتمر من الحلق أو التقصير، و عليه الحجّ من قابل مع استقرار وجوبه في ذمّته.

بإجماع العلماء المحقّق و المحكيّ «2» في الأحكام الثلاثة.

مضافا في الأول- و هو سقوط بقيّة المناسك- إلى الأصل، فإنّ وجوبها عليه إنّما كان من حيث كونه حاجّا، و مع فواته يتغيّر الموضوع.

______________________________

(1) كما في الوسائل 14: 37 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23.

(2) كما في الذخيرة: 660، الحدائق 16: 461، الرياض 1: 388.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 267

و إلى موثّقة الفضل المتقدّمة في مسألة من أدرك اضطراريّ المشعر، المصرّحة بعدم وجوب الذبح و الحلق عليه، و صحيحة حريز الثانية و رواية إسحاق المتقدّمتين فيها أيضا، و المصرّحتين بأنّ له أن لا يقيم بمنى و يذهب حيث شاء و أنّه ليس من الناس في شي ء.

و في الثاني و الثالث- و هما: التحلّل بالعمرة المفردة و الحجّ من قابل مع الاستقرار- إلى غير الاولى من الأخبار المذكورة، و صحيحة حريز الاولى و صحيحة ضريس و روايتي ابن سنان و الفضيل، المتقدّمة جميعا في المسألة المذكورة، و صحيحة الحلبي المتقدّمة في المسألة الرابعة من أحكام الوقوف بعرفات، و صحيحتي ابن عمّار:

الأولى: «أيّما قارن أو مفرد أو متمتّع قدم و قد فاته الحجّ فليحلّ بعمرة و

عليه الحجّ من قابل» «1».

و الثانية: رجل جاء حاجّا ففاته الحجّ و لم يكن طاف، قال: «يقيم مع الناس حراما أيّام التشريق و لا عمرة فيها، فإذا انقضت طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و أحلّ، و عليه الحجّ من قابل يحرم من حيث أحرم» «2».

فروع:
أ:

ظاهر أكثر الأخبار المتقدّمة من جهة تضمّنه لقول: «فهي عمرة»

______________________________

(1) الفقيه 2: 284- 1394، و في الوسائل 14: 48 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 5: 295- 999، الاستبصار 2: 307- 1096، الوسائل 14: 50 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 268

أو: «يطوف و يسعى» انقلاب إحرامه عمرة قهرا من غير توقّف على نيّة الاعتمار، فلو أتى بأفعالها من غير نيّة العمرة لكفى، كما نقله في الذخيرة عن موضع من القواعد و عن الدروس و اختاره هو «1»، لما ذكر، و لأصالة عدم وجوبها.

و لا ينافيها قوله في بعضها: «و ليجعلها عمرة»، لأنّ المفهوم من هذا الأمر الإتيان بأفعالها.

و عن التحرير و التذكرة و المنتهى: اعتبار النيّة «2»، للاستصحاب، و قوله: «إنّما الأعمال بالنيّات»، و عدم وضوح دلالة نحو قوله: «فهي عمرة» أو: «يطوف و يسعى» على الانقلاب القهري، لجواز أن يكون المعنى: فالواجب عليه هذه الأمور، أو: أفعاله التي يجب عليه الإتيان بها أفعال العمرة.

أقول: و إن أمكن الخدش في الاستصحاب، و في دلالة: «إنّما الأعمال بالنيّات»، و كذا في دلالة نحو قوله: «فهي عمرة» على القول الأول، و لكن الإنصاف أنّ المتبادر من الجعل عمرة: النقل إليها بالاختيار، إمّا بالقصد، أو بأمر آخر اختياريّ مشعور به، و هو أيضا لا ينفكّ عن قصدها، و

إلّا لم يكن جعلا منه، و هو ظاهر، فالحقّ هو القول الثاني.

ب: لو أراد من فاته الحجّ البقاء على إحرامه ليحجّ به

لم يكن ذلك له، كما صرّح به جماعة، منهم: الفاضل و الشهيد «3»، أمّا على

______________________________

(1) الذخيرة: 660.

(2) التحرير 1: 124، التذكرة 1: 398، المنتهى 2: 728.

(3) الفاضل في التحرير 1: 124، الشهيد في الدروس 1: 427.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 269

الانتقال القهري فظاهر، و أمّا على القول الآخر فلوجوب النقل إلى العمرة المفردة- الموجب للنهي عن ضدّه، الموجب لفساد أفعال حجّ الذي أتى بذلك الإحرام- و لتوقيفيّة العبادة، و عدم معلوميّة هذا النحو من العبادة.

و على هذا، فلو بقي إلى السنة القابلة بذلك الإحرام وجب عليه إكمال العمرة أولا، لأجل ذلك الوجوب، ثمَّ الإتيان بما عليه من المناسك من حجّ التمتّع أو غيره. و كذا لو رجع إلى بلده و عاد.

و لو لم يمكنه العود كان له حكم المصدود عن أفعال العمرة و سيأتي، و لا يجزئه الحجّ من قابل بذلك الإحرام و لا تبرأ ذمّته، لأنّ الإحرام الباقي عليه إمّا إحرام عمرة التمتّع أو حجّه أو حجّ آخر.

فإن كان الأول، لا يفيد ذلك التمتّع لهذا الحجّ، لوجوب كونهما في سنة واحدة كما مرّ.

و إن كان الثاني، لا يفيد هذا الحجّ لذلك التمتّع، لذلك أيضا، و للأمر المقتضي للنهي عن الضدّ الموجب لفساده كما سبق.

و إن كان الثالث، يكون فاسدا، لما مرّ من النهي.

ج: مقتضى ظواهر الأخبار المذكورة: وجوب الحجّ عليه من قابل مطلقا،

و مقتضى صحيحة ضريس المتقدّمة: التفصيل بين المشترط عند الإحرام فلا يجب عليه الحجّ مطلقا، و غير المشترط فيجب كذلك.

و في رواية الرقّي: قدم اليوم قوم قد فاتهم الحجّ، فقال: «نسأل اللّه العافية»، ثمَّ قال: «أرى عليهم أن يهريق كلّ واحد منهم دم شاة و يحلق، و عليهم الحجّ من قابل إن انصرفوا إلى بلادهم، و إن أقاموا حتى

تمضي أيّام

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 270

التشريق بمكّة خرجوا إلى بعض مواقيت أهل مكّة فأحرموا منه و اعتمروا فليس عليهم الحجّ من قابل» «1».

و مقتضاها التفصيل بين المنصرف إلى بلده فلا يجب الاستدراك، و غيره فيجب، إلّا أنّ الأكثر قيّدوه بما إذا كان الحجّ واجبا عليه، بل وجوبا مستقرّا مستمرّا قبل عامه هذا، و إلّا فحكموا باستحباب القضاء بل في الذخيرة: أنّه لا أعرف خلافا بين الأصحاب في ذلك «2»، و نحوه في غيره «3».

و قيّد بعضهم عدم وجوب القضاء في المندوب بما إذا لم يكن الفوات بتفريط منه «4»، و إلّا فيجب القضاء مطلقا.

و ذكر بعضهم أنّ هذا هو المشهور، فقال: إنّ المشهور عدم وجوب استدراك الحجّ المندوب، إلّا إذا كان فواته بتقصير منه فيتدارك وجوبا في العام المقبل، و مال بعض الأصحاب إلى عدم وجوب القضاء في المندوب مطلقا. انتهى.

و على هذا، فيكون وجوب القضاء على من استقرّ في ذمّته و رجع إلى بلده و لم يشترط إجماعيّا نصّا و فتوى، فلا كلام فيه، و كذا يكون عدم وجوبه فيما إذا لم يستقرّ في ذمّته و اشترط و لم يرجع ظاهرا، لوجوب تخصيص العمومات الاولى بالمقيّدين الأخيرين.

______________________________

(1) الكافي 4: 475- 1، التهذيب 5: 295- 1000، الوسائل 14: 50 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 5، بتفاوت.

(2) الذخيرة: 660.

(3) كالرياض 1: 388.

(4) انظر الحدائق 16: 470.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 271

و أمّا البواقي، فلو قطع النظر عن قول الأصحاب لوجب الحكم بوجوب القضاء مطلقا، إلّا أنّ مخالفة الشهرة العظيمة القديمة و الجديدة ممّا يوهن الخبر الصحيح، و لذلك يحكم بمقتضى الأصل في موارد مخالفة القوم في الوجوب، و هو المندوب

الفائت بغير التفريط، و بوجوب القضاء في غيره مطلقا.

د: يجوز لهذا الشخص التخلّف عن الناس و إتيان مكّة و إتمام عمرته

و الرجوع إلى أهله، و يجوز له الإقامة بمنى معهم أيّام التشريق و إتيان مكّة معهم و إتمام أمره، كما صرّح به في أكثر الروايات المتقدّمة، إلّا أنّ المستحبّ له إقامة منى أيّام التشريق، لصحيحة ابن عمّار الأخيرة المتقدّمة في هذه المسألة.

ه: المشهور بين الأصحاب- كما صرّح به غير واحد «1»- عدم وجوب الهدي على ذلك الشخص

، بل نسبوا القول بوجوبه و الرواية المتضمّنة له إلى الشذوذ، و هو كذلك، للأصل المعتضد بخلوّ أكثر أخبار المقام عن ذكره.

و عن الشيخ قول بوجوبه «2»، و قيل: إنّه نقله عن بعض الأصحاب «3»، و عن الدروس: نسبة إيجابه إلى الصدوقين أيضا «4».

و احتجّوا له برواية الرقّي المتقدّمة، و صحيحة ضريس السابقة على طريق الصدوق، و هما قاصرتان عن إفادة الوجوب، أمّا الثانية فظاهرة، لمقام الجملة الخبريّة، و أمّا الأولى فللفرق بين قوله: «أرى أنّ عليهم دم شاة»، و قوله: «أرى عليهم أن يهريق»، فالأول ظاهر في الإيجاب، و أمّا

______________________________

(1) كما في المدارك 7: 437، و الذخيرة: 660، و الحدائق 16: 466.

(2) الخلاف 2: 375، 376.

(3) المدارك 7: 437.

(4) الدروس 1: 427.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 272

الثاني- و هو عبارة الصحيحة- لم تثبت دلالته على الوجوب.

نعم، روى إسحاق بن عمّار في الموثّق: عن جارية لم تحض خرجت مع زوجها و أهلها فحاضت، فاستحيت أن تعلم أهلها و زوجها حتى قضت المناسك [و هي على تلك الحالة]، و واقعها زوجها، و رجعت إلى الكوفة، فقالت لأهلها: كان من الأمر كذا و كذا، فقال: «عليها سوق بدنة، و عليها الحجّ من قابل» [1].

إلّا أنّه يمكن أن لا يكون وجوب البدنة لما هو القدر المشترك بينها و بين المورد من فوات الحجّ، بل لأمور أخر تميّزت بها، من الإتيان بالمناسك و الوقاع في

الإحرام و غيرهما، مع أنّ الظاهر عدم قول بوجوب البدنة بخصوصها.

المسألة السابعة: يستحبّ للحاجّ حال كونه في المشعر التقاط حصى الجمار منه،
اشاره

إجماعا محقّقا «1»، و محكيّا مستفيضا «2»، له، و لصحيحتي ابن عمّار «3» و ربعي «4»: «خذ حصى الجمار من جمع، و إن أخذته من رحلك بمنى أجزأك».

و رواية زرارة: عن الحصى التي يرمى بها الجمار، قال: «تؤخذ من

______________________________

[1] الكافي 4: 450- 1، الفقيه 2: 241- 1151، التهذيب 5: 475- 1676، الوسائل 13: 140 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 19 ح 1، بدل ما بين المعقوفين في النسخ: و هو على تلك، و ما أثبتناه من المصادر.

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 289.

(2) انظر الرياض 1: 289.

(3) الكافي 4: 477- 1، التهذيب 5: 195- 650، الوسائل 14: 59 أبواب رمي جمرة العقبة ب 4 ح 2.

(4) الكافي 4: 477- 3، التهذيب 5: 196- 651، الوسائل 14: 31 أبواب الوقوف بالمشعر ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 273

جمع، و تؤخذ بعد ذلك من منى» «1».

ثمَّ إنّها سبعون حصاة، و هي العدد الواجب، و لو التقط أزيد منه احتياطا- حذرا من سقوط بعضها أو عدم إصابته- فلا بأس.

فروع:
أ: هذا على سبيل الاستحباب،

و يجوز أخذها من غير المشعر إجماعا و نصّا، كما مرّ و يأتي، إلّا أنّه يجب أن يكون من أرض الحرم من أيّ جهاتها شاء، بلا خلاف أجده.

و تدلّ عليه صحيحة زرارة: «حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك، و إن أخذته من غير الحرم لم يجزئك»، قال: و قال: «لا ترم الجمار إلّا بالحصى» «2».

و موثّقة حنّان: «يجوز أخذ الحصى من جميع الحرم، إلّا من المسجد الحرام و مسجد الخيف» «3».

و مرسلة حريز: من أين ينبغي أخذ حصى الجمار؟ قال: «لا تأخذه من موضعين: من خارج الحرم، و من حصى الجمار، و لا بأس بأخذه من سائر

الحرم» «4».

______________________________

(1) الكافي 4: 477- 2، الوسائل 14: 31 أبواب الوقوف بالمشعر ب 18 ح 2.

(2) الكافي 4: 477- 5، التهذيب 5: 196- 654، الوسائل 14: 32 أبواب الوقوف بالمشعر ب 19 ح 1.

(3) الكافي 4: 478- 8، التهذيب 5: 196- 652، الوسائل 14: 32 أبواب الوقوف بالمشعر ب 19 ح 2.

(4) الكافي 14: 478- 9، التهذيب 5: 196- 653، الوسائل 14: 32 أبواب الوقوف بالمشعر ب 19 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 274

و يستثنى من الحرم: المسجد الحرام و مسجد الخيف، فلا يجوز الأخذ منهما، للموثّقة المتقدّمة.

و لم يستثن القدماء- على ما في الدروس- سوى المسجدين «1»، بل في المختلف التصريح بالجواز من غيرهما عن الصدوق و الشيخ و الحلبي و الحلّي و ابن حمزة «2»، بل ظاهر التذكرة و المنتهى: الإجماع عليه «3»، و إن كان فيهما بعد ذلك الإجماع نسبة التعدّي إلى سائر المساجد إلى بعض علمائنا.

و استثنى جماعة- منهم: الجامع و النافع و الشرائع و القواعد- سائر المساجد أيضا «4»، و لم يذكروا دليلا عليه بخصوصه.

نعم، ينبغي البناء فيه على النهي عن إخراج حصى المساجد و عدمه، فيحرم على الأول دون الثاني.

و على الأول، فهل يفسد العمل؟

قيل: نعم، للنهي الموجب للفساد «5».

و ردّ: بأنّ غايته فساد الالتقاط دون الرمي «6».

و أجيب «7»: بوجوب الإعادة فورا، و مقتضاه النهي عن أضداده أيضا، و منها الرمي.

و هو حسن لو ثبتت الفوريّة المدّعاة، مع أنّ في فساد الضدّ المنهيّ

______________________________

(1) الدروس 1: 428.

(2) المختلف: 303.

(3) التذكرة 1: 375، المنتهى 2: 728.

(4) الجامع للشرائع: 209، المختصر النافع: 88، الشرائع 1: 257، القواعد 1: 87.

(5) انظر المختلف: 303.

(6) انظر كشف اللثام 1: 359، الرياض

1: 389.

(7) كما في الرياض 1: 389.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 275

عنه- الذي تعلّق [به ] «1» أمر آخر و لو موسّع- كلاما بيّناه في الأصول.

ثمَّ إنّ المراد بحصى الحرم- كما هو المتبادر- هو: المتكوّن فيه أو ما لم يعلم نقله إليه من غيره، فلا يكفي ما علم أنّه نقل إليه من غيره و لو بمدّة قبل ذلك.

ب: يجب أن تكون الحصاة أبكارا

- أي غير مرميّ بها رميا صحيحا- إجماعا محقّقا، و محكيّا عن الخلاف و الغنية و الجواهر و في المدارك و المفاتيح و شرحه «2»، و في الذخيرة: لا أعلم فيه خلافا بين الأصحاب «3»، و هو الحجّة فيه المؤيّدة بمرسلة حريز المتقدّمة.

و مرسلة الفقيه: «و لا تأخذ من حصى الجمار الذي قد رمي» «4».

و في رواية عبد الأعلى: «و لا تأخذ من حصى الجمار» «5».

ج: يجب أن يكون ممّا يصدق عليه الحصى،

وفاقا للأكثر، كما في التحرير و المنتهى «6»، لأنّه المأمور به، و في صحيحة زرارة المتقدّمة النهي عن الرمي بغيره.

و تجمعه أمور ثلاثة:

كونه حجرا، و جعله في الانتصار ممّا انفردت به الإماميّة «7»، و ظاهر

______________________________

(1) ما بين المعقوفين، أضفناه لاستقامة المعنى.

(2) الخلاف 2: 343، الغنية (الجوامع الفقهية): 581، جواهر الفقه: 43، المدارك 7: 441، المفاتيح 1: 349.

(3) الذخيرة: 661.

(4) الفقيه 2: 285- 1398، الوسائل 14: 60 أبواب رمي جمرة العقبة ب 5 ح 2.

(5) الكافي 4: 483- 3، الوسائل 14: 60 أبواب رمي جمرة العقبة ب 5 ح 2.

(6) التحرير 1: 103، المنتهى 2: 730.

(7) الانتصار: 105.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 276

التذكرة و المنتهى الإجماع عليه «1»، فلا يجزئ المدر [1] و الآجر [2] و الخزف و الجوهر.

خلافا للمحكيّ عن الخلاف، فجوّز بالجوهر و البرام [3] «2»، و لعلّه لصدق الحجر، و هو في الأخير غير بعيد.

و أن لا يكون كبيرا يخرج عن اسم الحصى. خلافا للدروس «3».

و أن لا يكون صغيرا كذلك، و الظاهر كفاية حصى الجصّ، لصدق الاسم.

و في وجوب طهارة الحصى قولان- كما في الذخيرة «4»- و أقربهما:

العدم، للأصل السالم عن المعارض.

د: يستحبّ أن تكون ملتقطة،

رخوة، برشاء، كحلية، منقّطة بقدر الأنملة.

و المراد بالأول: أن تكون كلّ واحدة مأخوذة من الأرض منفصلة، و لا تكون مكسورة من حجر، و تدلّ عليه رواية أبي بصير: «التقط الحصى و لا تكسرنّ منه شيئا» «5».

و بالثاني: أن لا تكون صلبة.

و بالثالث: أن تكون فيه نقط تخالف لونه، كما نسب إلى المشهور «6».

______________________________

[1] المدر: قطع الطين الذي لا يخالطه رمل- مجمع البحرين 3: 479.

[2] الآجر: طبيخ الطين- لسان العرب 4: 11.

[3] البرام: الحجر المعروف بالحجاز و اليمن- النهاية

لابن الأثير 1: 121.

______________________________

(1) التذكرة 1: 376، المنتهى 2: 729.

(2) الخلاف 2: 342.

(3) الدروس 1: 435.

(4) الذخيرة: 661.

(5) الكافي 4: 477- 4، التهذيب 5: 197- 657، الوسائل 14: 34 أبواب الوقوف بالمشعر ب 20 ح 3.

(6) نسبه في الرياض 1: 389.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 277

و حكي عن الجوهري «1» و غيره «2»، أو خصوص نقط بيض، كما عن ابن فارس «3»، أو ما فيه لون مختلط حمرة و بياضا و غيرهما، كما عن النهاية الأثيريّة «4»، أو مختلط بحمرة، كما عن المحيط «5»، أو ما فيه ألوان و خلط، كما عن تهذيب اللغة «6».

و كيف ما كان، فتدلّ عليه و على سابقة صحيحة هشام بن الحكم:

«كره الصمّ منها»، و قال: «خذ البرش» «7»، و الصمّ- جمع الأصمّ- و هو:

الصلب من الحجر.

و تدلّ على الثلاثة الأخيرة رواية البزنطي: «حصى الجمار تكون مثل الأنملة، و لا تأخذها سوداء و لا بيضاء و لا حمراء، خذها كحليّة منقّطة، تخذفهنّ خذفا، تضعها على الإبهام و تدفعها بظفر السبّابة»، قال: «و ارمها من بطن الوادي و اجعلهنّ عن يمينك كلّهن، و لا ترم على الجمرة»، قال:

«و تقف عند الجمرتين الأوليين و لا تقف عند جمرة العقبة» «8».

و لا يخفى أنّ الأبرش على التفسير الأول يكون مساويا للمنقّطة فيغني

______________________________

(1) الصحاح 3: 995.

(2) كابن منظور في لسان العرب 6: 264.

(3) معجم مقاييس اللغة 1: 219.

(4) نهاية ابن الأثير 1: 118.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 12    279     الفصل الرابع في نزول منى ..... ص : 279

(5) المحيط 7: 331.

(6) تهذيب اللغة 11: 360- 361.

(7) الكافي 4: 477- 6، التهذيب 5: 197- 655، الوسائل 14: 33 أبواب الوقوف

بالمشعر ب 20 ح 1.

(8) الكافي 4: 478- 7، التهذيب 5: 197- 656، قرب الإسناد: 359- 1284، الوسائل 14: 33 أبواب الوقوف بالمشعر ب 20 ح 2 و ص 61 أبواب رمي جمرة العقبة ب 7 ح 1 و ص 65 ب 10 ح 3، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 278

عنها، و لعلّه لذلك اقتصر الشيخ في التهذيب و الفقيه و الجمل على البرش «1».

و على الثاني يكون أخصّ منها، و على البواقي يكون أعم، و اللّه أعلم.

______________________________

(1) التهذيب 5: 196، الفقيه 2: 9، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 234.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 279

الفصل الرابع في نزول منى
اشارة

و ما فيها من المناسك و الأفعال الثلاثة يوم النحر قبل النفر إلى مكّة.

و لكونها ثلاثة- رمي جمرة العقبة، و الهدي، و الحلق أو التقصير- فهاهنا مقدّمة، و ثلاثة أبحاث، و خاتمة.

أمّا المقدّمة: ففي مقدّمات نزول منى.
اشارة

و هي أمور كلّها مستحبّة إلّا اثنين:

أحدهما: الإفاضة من المشعر يوم النحر.

و الثاني: نزول منى فيه، لتوقّف الأفعال الواجبة في ذلك اليوم في منى عليهما.

و أمّا المستحبّات:

فمنها: ما مرّ من إفاضة الإمام من المشعر بعد طلوع الشمس،

و إفاضة غيره قبله بقليل.

و منها: أن لا يتجاوز عن وادي محسّر إلّا بعد طلوع الشمس،

وفاقا للسرائر و الشرائع و النافع و المختلف و التذكرة و المنتهى «1»، لصحيحة هشام بن الحكم «2»، المتقدّمة في مستحبّات الغدوّ إلى عرفات، القاصرة عن إفادة

______________________________

(1) السرائر 1: 586، 589، الشرائع 1: 253، النافع: 88، المختلف: 297، التذكرة 1: 376، المنتهى 2: 729.

(2) الكافي 4: 470- 6، التهذيب 5: 193- 640، الوسائل 13: 25 أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 280

التحريم، لاحتمال الجملة الخبريّة.

و خلافا للمحكيّ عن صريح القاضي «1» و ظاهر الأكثر، فيحرم، للصحيحة.

أقول: قد استدلّوا لمرجوحيّة التجاوز عنه في الإفاضة من منى إلى عرفات و من المشعر إلى منى بهذه الصحيحة، و هو يتوقّف على ثبوت جواز هذا النحو من الاستعمال في المعنيين، و هو غير معلوم، و لذا ذكر بعضهم الكراهة في الثاني خاصّة «2».

و أورد في الكافي الصحيحة في الإفاضة من المشعر «3»، و في التهذيب في الإفاضة من منى «4»، و مع ذلك فالاستدلال بها على أحدهما أو كليهما مشكل، إلّا أن يكون النظر إلى كلّ من الاحتمالين المقتضي لرجحان الاحتياط، و لكنّ الأمر فيه سهل، لكفاية فتوى الأصحاب في إثبات الاستحباب.

و المستحبّ عدم قطع الوادي بتمامه، لأنّه المستفاد من الصحيحة و ظاهر الأكثر، و قد يقال باستحباب عدم قطع بعضه أيضا، بل قد يجعل ذلك أحوط.

و منها: أن يهرول و يسعى

- أي يسرع في المشي- إن كان ماشيا و يحرّك دابّته إن كان راكبا في وادي محسّر بتمامه، كما هو صريح السرائر «5» و ظاهر الأكثر.

كما في صحيحة ابن عمّار: «إذا مررت بوادي محسّر- و هو: واد عظيم بين جمع و منى و هو إلى منى أقرب- فاسع فيه حتى تجاوزه، فإنّ

______________________________

(1) المهذّب 1: 254.

(2)

السرائر 1: 589.

(3) الكافي 4: 468.

(4) التهذيب 5: 178.

(5) السرائر 1: 589.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 281

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حرّك ناقته و قال: سلّم لي عهدي، و اقبل توبتي، و أجب دعوتي، و اخلفني فيمن تركت بعدي» «1».

و رواية عبد الأعلى: «إذا مررت بوادي محسّر فاسع فيه» «2».

أو قدر مائة ذراع، كما في رواية عمر بن يزيد: «الرمل في وادي محسّر قدر مائة ذراع» «3».

أو مائة خطوة، كما في صحيحة محمّد بن إسماعيل: «الحركة في وادي محسّر مائة خطوة» «4».

و مقتضى استدلالهم بصحيحة هشام في المسألة المتقدّمة في المقامين حكمهم باستحباب الهرولة أيضا فيهما لتلك الأخبار، لكن لم أجد بعد على من ذكرها في الأول، بل صرّح في المدارك بالإجماع على عدم استحبابها فيه و كونه بدعة «5».

و لعلّه لما في صحيحة بن عمّار: «و أفض حين يشرق لك ثبير» إلى أن قال: «فأفاض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خلاف ذلك بالسكينة و الوقار و الدعة، فأفض بذكر اللّه و الاستغفار و حرّك به لسانك، فإذا مررت بوادي محسّر» إلى آخر ما مرّ في صحيحته «6»، حيث إنّها صريحة في السعي في الثاني،

______________________________

(1) الكافي 4: 470- 3، الفقيه 2: 282- 1384، التهذيب 5: 192- 637، الوسائل 14: 22 أبواب الوقوف بالمشعر ب 13 ح 1.

(2) التهذيب 5: 195- 648، الوسائل 14: 22 أبواب الوقوف بالمشعر ب 13 ح 2.

(3) الكافي 4: 471- 8، الوسائل 14: 23 أبواب الوقوف بالمشعر ب 13 ح 5.

(4) الكافي 4: 471- 4، الفقيه 2: 282- 1385، الوسائل 14: 23 أبواب الوقوف بالمشعر ب 13 ح 3.

(5) المدارك 7: 446.

(6) التهذيب 5: 192-

637، العلل: 444- 1، الوسائل 14: 26 أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 5، بتفاوت يسير في العلل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 282

فحملوا عليه المطلقات أيضا.

و لو ترك الهرولة فيه حتى تعدّى عن الوادي- بل حتى دخل مكّة أيضا- يستحبّ الرجوع و الهرولة.

لصحيحة حفص بن البختري: سأل بعض ولده: «هل سعيت في وادي محسّر؟» فقال: لا، فأمره أن يرجع حتى يسعى، قال له ابنه:

لا أعرفه، قال: فقال له: «سل الناس» «1».

و مرسلة الحجّال: مرّ رجل بوادي محسّر فأمره أبو عبد اللّه عليه السلام بعد الانصراف إلى مكّة أن يرجع و يسعى «2» و نحوها مرسلة الفقيه «3».

و الظاهر- كما هو مقتضى ترك الاستفصال في الصحيحة، و مفاد إطلاق عبارات جمع من الطائفة- ثبوت العود للهرولة مطلقا.

سواء تركها نسيانا أو جهلا أو عمدا، و خصّ في النافع الناسي بالذكر «4»، و لا وجه له.

و منها: أن يقتصد في سيره بسكينة و وقار،

و يفيض بالذكر و الاستغفار، كما مرّ في صحيحة ابن عمّار.

______________________________

(1) الكافي 4: 470- 1، الوسائل 14: 24 أبواب الوقوف بالمشعر ب 14 ح 1 بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 470- 2، التهذيب 5: 195- 649، و ليس فيه: إلى مكّة، الوسائل 14: 24 أبواب الوقوف بالمشعر ب 14 ح 2.

(3) الفقيه 2: 282- 1387، الوسائل 14: 24 أبواب الوقوف بالمشعر ب 14 ح 2.

(4) المختصر النافع: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 283

البحث الأول في رمي جمرة العقبة
اشارة

و يقال لها: القصوى أيضا.

و هي أقرب الجمرات الثلاث إلى مكّة، و الخارج من مكّة إلى منى يصل أولا إليها في يسار الطريق، و هي منصوبة اليوم في جدار عظيم متّصل بتلّ بحيث تظهر جهتها الواحدة.

و رميها بالجمار في ذلك اليوم واجب، بلا خلاف يعلم، كما عن التذكرة و المنتهى و الذخيرة «1»، بل مطلقا كما في غيرها «2».

و أمّا ما وقع في بعض كلمات الشيخ- من أنّ الرمي سنّة «3»- فأراد به مقابل الفرض، بمعنى: ما ثبت وجوبه من الكتاب، صرّح بذلك في السرائر، ثمَّ قال: لا خلاف عندنا في وجوبه و لا أظنّ أحدا من المسلمين خالف فيه «4»، كذا قيل «5».

و فيه: أنّ قول صاحب السرائر ذلك إنّما هو في مطلق الرمي بعد الرجوع إلى منى، و أمّا رمي جمرة العقبة يوم النحر فقال فيه: و ينبغي أن يرمي يوم النحر جمرة العقبة «6». و ظاهر ذلك الاستحباب كما لا يخفى.

______________________________

(1) التذكرة 1: 376، المنتهى 2: 729، الذخيرة: 662.

(2) انظر كشف اللثام 1: 359.

(3) كما في الجمل و العقود (الرسائل العشر): 234.

(4) السرائر 1: 591.

(5) انظر المدارك 8: 6.

(6) السرائر 1: 606.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص:

284

نعم، صرّح بالإجماع فيه كما في شرح المفاتيح، بل لا يبعد أن يكون الإجماع محقّقا عند التحقيق، و هو الحجّة فيه مع التأسي.

و صحيحة ابن عمّار: «خذ حصى الجمار ثمَّ ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة، فارمها من قبل وجهها و لا ترمها من أعلاها، و تقول و الحصى في يدك: اللّهمّ إنّ هؤلاء حصياتي فأحصهنّ لي و ارفعهنّ في عملي، ثمَّ ترمي و تقول مع كلّ حصاة: اللّه أكبر، اللّهمّ ادحر عنّي الشيطان، اللّهمّ تصديقا بكتابك و على سنّة نبيّك صلّى اللّه عليه و آله، اللّهمّ اجعله لي حجّا مبرورا و عملا مقبولا و سعيا مشكورا و ذنبا مغفورا، و ليكن فيما بينك و بين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا، فإذا أتيت رحلك و رجعت من الرمي فقل» إلى أن قال: «و يستحبّ أن ترمي الجمار على طهر» «1».

و في صحيحته الأخرى الواردة في حجّ الرسول صلّى اللّه عليه و آله بعد بيان نزوله المشعر: «و عجّل ضعفاء بني هاشم بليل و أمرهم أن لا يرموا الجمرة العقبة حتى تطلع الشمس، فلمّا أضاء له النهار أفاض حتى انتهى إلى منى، فرمى جمرة العقبة» «2».

و فيها تصريح برمي جمرة العقبة يوم النحر، بل في الأولى أيضا، حيث أمر به بعد أخذ الحصى و قبل سائر الأعمال.

و في رواية زرارة: عن رمي الجمرة يوم النحر ما لها ترمى وحدها و لا يرمي من الجمار غيرها يوم النحر؟ فقال: «قد كنّ يومين كلّهنّ و لكنّهم تركوا ذلك»، فقلت له: جعلت فداك، فأرميهن؟ قال: «لا ترمهنّ، أما

______________________________

(1) الكافي 4: 478- 1، التهذيب 5: 198- 661، الوسائل 14: 58 أبواب رمي جمرة العقبة ب 3 ح

1.

(2) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، مستطرفات السرائر: 23- 4، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 285

ترضى أن تصنع كما أصنع؟» «1».

و تدلّ عليه أيضا صحيحة أخرى لابن عمّار الآتية، المتكفّلة لكيفيّة رمي سائر الجمرات، القائلة: قل كذا و افعل كذا كما فعلت حين رمي جمرة العقبة يوم النحر.

و إن أبيت عن دلالة تلك الأخبار على وجوب رمي جمرة العقبة، فليستدلّ له بصحيحتي السمّان «2» و الأعرج «3»، و رواية عليّ بن أبي حمزة «4»، المتقدّمة جميعا في الواجب الثالث من واجبات وقوف المشعر، و إن كان فيها قصور من حيث الإحاطة بتمام أفراد المطلوب فليتمّه بالإجماع المركّب.

ثمَّ إنّ للرمي واجبات، و مستحبّات، و أحكاما، نذكرها في ثلاثة مقامات:

المقام الأول: في واجباته، و هي أمور:
الأول: النيّة،

و قد مرّ حكمها مرارا، و تجب مقارنتها لأول الرمي و استدامتها حكما إلى الفراغ.

الثاني: الرمي بسبع حصيات بإجماع علماء الإسلام،

كما في كلام جماعة «5»، و تدلّ عليه النصوص الآتية في حكم من نقص العدد.

الثالث: إلقاؤها بما يسمّى رميا،

إجماعا كما في المنتهى «6» و غيره «7»، لأنّ

______________________________

(1) الكافي 4: 479- 2، الوسائل 14: 74 أبواب رمي جمرة العقبة ب 16 ح 2.

(2) الكافي 4: 473- 2، الوسائل 14: 29 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 5.

(3) الكافي 4: 474- 7، التهذيب 5: 195- 647، الوسائل 14: 28 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 2.

(4) الكافي 4: 474- 4، التهذيب 5: 194- 644، الاستبصار 2: 256- 904، الوسائل 14: 53 أبواب رمي جمرة العقبة ب 1 ح 2.

(5) منهم العلّامة في المنتهى 2: 731، صاحب المدارك 8: 7، صاحب الرياض 1: 390.

(6) المنتهى 2: 731.

(7) كالمفاتيح 1: 350.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 286

الأمر وقع بالرمي فيجب امتثاله، فلو وضع بكفّه في المرمى لم يجز، و حكى في المنتهى اختلافا في الطرح، ثمَّ قال: و الحاصل أنّ الخلاف وقع باعتبار الخلاف في صدق الاسم، فإن سمّي رميا أجزأ بلا خلاف، و إلّا لم يجز إجماعا «1».

الرابع: أن يرميها باليد،

فلو رميها بفمه أو رجله لم يجز، لانصراف المطلق إلى الشائع المتعارف، و في رواية أبي بصير: «خذ حصى الجمار بيدك اليسرى و ارم باليمنى» «2».

الخامس: أن يصيب الجمرة،

فلو لم يصبها لم يجز إجماعا، لعدم صدق رمي الجمرة مع عدم الإصابة، و لصحيحة ابن عمّار: «و إن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها» «3».

و لو شكّ في الإصابة ما دام مشتغلا أعاد، تحصيلا للبراءة اليقينيّة.

السادس: أن يتلاحق الحصيات،

فلو رمى بها دفعة واحدة لم تحسب إلّا واحدة، بغير خلاف بيننا، كما صرّح به في السرائر، قال: فإن رماها بسبع حصيات دفعة واحدة لا يجزئه بغير خلاف بيننا «4». و لعلّ دليله الإجماع (و التأسّي) [1].

ثمَّ إنهم قالوا: و المعتبر تلاحق الرمي لا الإصابة، فلو أصابت المتلاحقة دفعة أجزأت، و لو رمى دفعة فتلاحقت في الإصابة لم يجز «5».

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ح».

______________________________

(1) المنتهى 2: 731.

(2) الكافي 4: 481- 3، الوسائل 14: 68 أبواب رمي جمرة العقبة ب 12 ح 2.

(3) الكافي 4: 483- 5، الفقيه 2: 285- 1399، التهذيب 5: 266- 907، الوسائل 14: 60 أبواب رمي جمرة العقبة ب 6 ح 1.

(4) السرائر 1: 608.

(5) انظر المدارك 8: 8، الرياض 1: 390.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 287

السابع: أن يكون كلّ من الإصابة و الرمي بفعله،

بلا خلاف، كما في المدارك و الذخيرة و المفاتيح «1»، بل بالإجماع كما في شرح المفاتيح، لأنّه مقتضى وجوب امتثاله الأمر بالرمي، و برمي الجمرة.

فلو كانت الحصاة في يده فصدمه حيوان و ألقيت إلى الجمرة لم يكف، و كذا لو ألقاها و وقعت على حيوان و تحرّك و وقعت الإصابة بحركته.

أمّا لو ألقاها و وقعت على غير الجمرة ثمَّ تدحرجت إليها أو تجاوزت عنه إليها و لو بصدمته- كما إذا وقعت على أرض صلبة ثمَّ رجعت إليها- فالوجه الإجزاء في الجميع، لصدق الامتثال، و صحيحة ابن عمّار «و إن أصابت إنسانا أو جملا ثمَّ وقعت على الجمار أجزأك» «2».

و لو شكّ في اشتراك حركة الغير بنى على أصالة عدم تأثيرها فيه.

المقام الثاني: في مستحباته، و هي أيضا أمور:
منها: أن يكون متطهّرا من الحدث،

فإنّه راجح إجماعا فتوى و نصّا، و من النصوص صحيحة ابن عمّار «3» المتقدّمة في صدر المسألة.

و رواية ابن أبي غسّان: عن رمي الجمار على غير طهور، قال:

«الجمار عندنا- مثل الصفا و المروة- حيطان، إن طفت بينهما على غير طهور لم يضرّك، و الطهر أحبّ اليّ فلا تدعه و أنت قادر عليه» «4».

______________________________

(1) المدارك 8: 8، الذخيرة: 662، المفاتيح 1: 350.

(2) الكافي 4: 483- 5، الفقيه 2: 285- 1399، التهذيب 5: 266- 907، الوسائل 14: 60 أبواب رمي جمرة العقبة ب 6 ح 1.

(3) الكافي 4: 478- 1، التهذيب 5: 198- 661، الوسائل 14: 56 أبواب رمي جمرة العقبة ب 2 ح 3.

(4) التهذيب 5: 198- 660 و فيه: عن ابن أبي غسّان، عن حميد بن مسعود، و في الاستبصار 2: 258- 912، و الوسائل 14: 57 أبواب رمي جمرة العقبة ب 2 ح 5:

عن أبي غسّان حميد بن مسعود.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 12، ص: 288

و صحيحة ابن عمّار «1» المتقدّمة في مسألة الطهارة للسعي، و صحيحة محمّد: «لا ترم الجمار إلّا و أنت على طهر» «2».

و ليس بواجب، على الأظهر الأشهر، كما في المدارك و الذخيرة «3» و غيرهما «4»، و عن المنتهى: لا نعلم فيه خلافا «5»، بل حكي عنه إسناده إلى علمائنا، و عن ظاهر الغنية الإجماع عليه «6».

لا للصحيحة الأولى، حتى يورد عليه بعدم وضوح «يستحبّ» فيما يجوز تركه، كما هو المصطلح عليه الآن، فلعلّ المراد المعنى الأعمّ المجامع للوجوب.

و لا للصحيحة الثانية و صحيحتي جميل «7» و رفاعة «8» و رواية أبي حمزة «9»، المتقدّمة جميعا في مسألة طهارة السعي، حتى يورد عليها بأنّها أعمّ من الصحيحة الأخيرة، فيجب تخصيصها بها.

و لا يفيد التعليل ب: «أنّ فيه صلاة» في أكثرها لجعلها خاصّة كما توهّم، لأنّه أيضا عام.

______________________________

(1) التهذيب 5: 396- 1379، الاستبصار 2: 316- 1120، الوسائل 13: 460 أبواب الطواف ب 89 ح 4.

(2) الكافي 4: 482- 10، التهذيب 5: 197- 659، الاستبصار 2: 258- 911، الوسائل 14: 56 أبواب رمي جمرة العقبة ب 2 ح 1.

(3) المدارك 8: 9، الذخيرة: 662.

(4) كالمفاتيح 1: 350.

(5) المنتهى 2: 732.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 581.

(7) الكافي 4: 420- 2، الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 6.

(8) التهذيب 5: 154- 510، الاستبصار 2: 241- 838، الوسائل 13: 493 أبواب السعي ب 15 ح 2.

(9) الكافي 4: 420- 2، التهذيب 5: 116- 379، الاستبصار 2: 222- 763، الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 289

بل لرواية ابن أبي غسّان المصرّحة بعدم الضرر، و لا يضرّ ضعف سندها عندنا

مع أنّها بالشهرة و نقل الإجماع منجبرة، فبها تعارض الصحيحة الأخيرة، و تكون لتجوّزها قرينة.

خلافا للمحكيّ عن المفيد و السيّد و الإسكافي، فأوجبوه «1»، لما مرّ بجوابه.

و لا يستحبّ له الغسل بخصوصه، كما صرّح به في صحيحة الحلبي:

عن الغسل إذا رمى الجمار، قال: «ربّما فعلت و أمّا السنّة فلا، و لكن من الحرّ و العرق» «2».

و صحيحة محمّد الحلبي: عن الغسل إذا أراد أن يرمي، فقال: «ربّما اغتسلت، فأمّا من السنّة فلا» «3».

فقول الإسكافي بحسنه «4» غير حسن.

و منها: الدعاء عند إرادة الرمي،

و عند رمي كلّ حصاة، و عند الرجوع إلى المنزل، بما في صحيحة ابن عمّار «5» المتقدّمة في صدر المسألة.

و منها: أن يكون بينه و بين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا،

لصحيحة ابن عمّار «6» المتقدّمة.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 417، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 68، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 302.

(2) الكافي 4: 482- 9، التهذيب 5: 197- 658، الاستبصار 2: 258- 910، الوسائل 14: 56 أبواب رمي جمرة العقبة ب 2 ح 2.

(3) الكافي 4: 482- 8، الوسائل 14: 56 أبواب رمي جمرة العقبة ب 2 ح 4.

(4) حكاه عنه في المختلف: 302.

(5) الكافي 4: 478- 1، التهذيب 5: 198- 661، الوسائل 14: 58 أبواب رمي جمرة العقبة ب 3 ح 1.

(6) الكافي 4: 478- 1، التهذيب 5: 198- 661، الوسائل 14: 58 أبواب رمي جمرة العقبة ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 290

و التعبير عن ذلك: ب: أنّه يستحبّ أن لا يتباعد بما يزيد عن خمسة عشر- كما في النافع «1»- أو يكون البعد عشرة أو خمسة عشر كما في الشرائع و السرائر و الإرشاد «2» و غيرها «3».

غير جيّد، لأنّ الأول قاصر عن إفادة تمام ما في النصّ، و الثاني تعدّ عنه، بل الصحيح ما ذكرنا، كما نقل عن عليّ بن بابويه «4».

و منها: أن يخذف الجمار خذفا،

لمرسلة البزنطي المتقدّمة في مسألة التقاط الحصى «5»، المنجبر ضعفها- لو كان- بالعمل، و بروايته في قرب الإسناد للحميري «6».

و الخذف- بإعجام الحروف-: الرمي بأطراف الأصابع، كما عن الخلاص، و نسبه الحلّي في السرائر إلى أهل اللسان «7».

و عن الصحاح «8» و الديوان و غيرهما «9»: الرمي بالأصابع.

و الظاهر اتّحاده مع الأول، إذ لا يكون الرمي بالأصابع غالبا إلّا بأطرافها، و لذا فسّره في السرائر بالأول، ثمَّ قال: هكذا ذكره الجوهري في

______________________________

(1) المختصر النافع: 89.

(2) الشرائع 1: 259، السرائر 1:

591، الإرشاد 1: 331.

(3) كالجمل و العقود (الرسائل العشر): 235، الكافي في الفقه: 215.

(4) حكاه عنه في المختلف: 303.

(5) الكافي 4: 478- 7، التهذيب 5: 197- 656، قرب الإسناد: 359- 1284، الوسائل 14: 61 أبواب رمي جمرة العقبة ب 7 ح 1.

(6) قرب الإسناد: 359- 1284.

(7) السرائر 1: 590.

(8) الصحاح 4: 1347.

(9) انظر أساس البلاغة: 150، لسان العرب 9: 61، المصباح المنير: 165، أقرب الموارد 1: 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 291

الصحاح «1».

و كذا يتّحد معهما ما عن المجمل و المفصّل: أنّه الرمي من بين إصبعين، إذ الرمي بالأصابع أو بأطرافها لا يكون غالبا إلّا من إصبعين.

ثمَّ ذلك و إن كان مطلقا و يتصوّر على أنحاء شتى، إلّا أنّ المستحبّ هنا أن يرمي من طرفي السبّابة، و الإبهام، بأن يضعها على الإبهام و يدفعها بظفر السبّابة، كما فسّر الخذف به في مجمع البحرين «2»، لتصريح المرسلة به، فيكون هذا الفرد من الخذف مستحبّا، بأن يضعها على باطن الإبهام و يرميها بظفر السبابة.

و إنّما خصّصناه- مع إطلاق المرسلة- بباطن الإبهام، كما في السرائر «3» و عن المقنعة و المبسوط و النهاية و المصباح و مختصره و المراسم و الكافي و المهذّب و الجامع و التحرير و التذكرة و المنتهى «4»، بل هو المشهور كما في المختلف و الروضة و مجمع البحرين «5»، دون ظاهرها كما عن القاضي «6».

لأنّ الدفع بظفر السبّابة- كما أمر به في المرسلة- لا يتيسّر إلّا بوضعها على بطن الإبهام.

______________________________

(1) السرائر 1: 590.

(2) مجمع البحرين 5: 42.

(3) السرائر 1: 590.

(4) المقنعة: 417، المبسوط 1: 369، النهاية: 266، المصباح: 641، المراسم:

113، الكافي: 215، المهذّب 1: 255، الجامع للشرائع: 210، التحرير 1:

104، التذكرة

1: 377، المنتهى 2: 732.

(5) المختلف: 302، الروضة 2: 286، مجمع البحرين 5: 42.

(6) المهذب 1: 255 .. و فيه: و قيل بل يضعها على ظهر إبهامه و يدفعها بالمسبّحة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 292

و أمّا ما عن الانتصار- من الدفع بظفر الوسطى عن بطن الإبهام «1»- فمخالف للنصّ، خال عن الدليل المعلوم.

و لا تضرّ مخالفة جمع من اللغويين في تفسير الخذف بما ذكر بعد بيان النصّ لكيفيّته، كما أنّه فسّره في العين و المحيط و المقاييس و الغريبين و النهاية الأثيريّة و القاموس بالدفع من بين السبّابتين «2».

ثمَّ استحباب ذلك هو الحقّ المشهور، لقصور المرسلة دلالة عن إثبات الوجوب.

خلافا للسرائر «3» و المحكيّ عن الانتصار مدّعيا فيه الإجماع «4»، فأوجباه.

و الإجماع غير ثابت، و النصّ- كما عرفت- قاصر.

و منها: أن يرميها من قبل وجهها لا عاليا عليها،

لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة «5»، و يستلزم ذلك استدبار الكعبة فهو أيضا يكون مستحبّا، كما صرّح به فحول القدماء ناسبا له إلى فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله «6».

و منها: أن لا يقف عندها بعد الفراغ منه،

لرواية البزنطي المتقدّمة:

«و لا تقف عند جمرة العقبة» «7»، و غيرها ممّا يأتي في رمي الجمار أيّام التشريق.

______________________________

(1) الانتصار: 105.

(2) العين 4: 245، المحيط 4: 320، معجم مقاييس اللغة 2: 165، النهاية الأثيرية 2: 16، القاموس 3: 135.

(3) السرائر 1: 590.

(4) الانتصار: 106.

(5) في ص: 284.

(6) انظر المبسوط 1: 369، و حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف: 303.

(7) الكافي 4: 478- 7، الوسائل 14: 61 أبواب رمي جمرة العقبة ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 293

المقام الثالث: في أحكامه،
اشارة

و فيه ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: يجوز الرمي راكبا و ماشيا،

بالإجماعين «1»، و المستفيضة من النصوص «2».

و اختلفوا في الأفضل منهما، فعن المشهور: أفضليّة المشي، و عن المبسوط و في السرائر: أفضليّة الركوب في رمي هذه الجمرة «3».

و الأظهر هو المشهور، لأنّ أفضليّته هي المستفادة من صحيحتي عليّ ابن جعفر «4» و عليّ بن مهزيار «5»، و روايتي مثنى «6» و عنبسة «7».

و أمّا صحاح ابن عمّار «8» و التميمي «9» و ابن عيسى «10» و مرسلة محمّد بن الحسين «11»، فهي لا تتضمّن سوى وقوع الرمي عن بعض الحجج عليه السلام راكبا

______________________________

(1) كما في المفاتيح 1: 351، كشف اللثام 1: 361.

(2) الوسائل 14: 62، 63 أبواب رمي جمرة العقبة ب 8 و 9.

(3) المبسوط 1: 369، السرائر 1: 591.

(4) التهذيب 5: 267- 912، الاستبصار 2: 298- 1066، الوسائل 14: 63 أبواب رمي جمرة العقبة ب 9 ح 1.

(5) الكافي 4: 486- 5، الوسائل 14: 64 أبواب رمي جمرة العقبة ب 9 ح 4.

(6) الكافي 4: 486- 4، الوسائل 14: 63 أبواب رمي جمرة العقبة ب 9 ح 3.

(7) الكافي 4: 485- 3، التهذيب 5: 267- 913، الوسائل 14: 63 أبواب رمي جمرة العقبة ب 9 ح 2.

(8) التهذيب 5: 267- 911، الاستبصار 2: 298- 1065، الوسائل 14: 62 أبواب رمي جمرة العقبة ب 8 ح 4.

(9) التهذيب 5: 267- 910، الاستبصار 2: 298- 1064، الوسائل 14: 62 أبواب رمي جمرة العقبة ب 8 ح 3.

(10) التهذيب 5: 267- 908، الاستبصار 2: 298- 1062، الوسائل 14: 62 أبواب رمي جمرة العقبة ب 8 ح 1.

(11) التهذيب 5: 267- 909، الاستبصار 2: 298- 1063، الوسائل 14: 62 أبواب رمي جمرة العقبة ب

8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 294

أو نفي البأس عنه، و هما لا يفيدان الأفضليّة.

المسألة الثانية: ظاهر الأصحاب، و مقتضى نسبة هذا الرمي في الأخبار بالرمي يوم النحر، وجوب كونه في ذلك اليوم،

و إن لم أعثر بعد على خبر دالّ بصريحه على وجوب كونه فيه، و لكن الظاهر من تتبّع الأخبار و فتوى الأصحاب ذلك، فلا ينبغي الخروج عنه.

نعم، قال في السرائر: و ينبغي أن يرمي يوم النحر جمرة العقبة، كما مرّ «1».

و لكن ظاهر ذلك استحباب أصل الرمي لا وقوعه في يوم النحر مع وجوب أصله.

و وقته تمام النهار، و يجوز لذوي الأعذار التقديم في الليل، كما يأتي في بحث رمي الجمار أيام التشريق.

المسألة الثالثة: هل يجب أن يكون الرمي مقدّما على الذبح و الحلق؟

الأقرب: لا، و سيأتي تحقيقه إن شاء اللّه سبحانه.

______________________________

(1) راجع ص: 283.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 295

البحث الثاني في الهدي
اشارة

و الكلام إمّا فيمن يجب عليه الهدي، أو في كيفيّة ذبحه و وقته و مكانه، أو في جنسه و وصفه و سنّه و عدده، أو في مصرفه و قسمته، أو في حكم العجز عنه و بدله، فهاهنا خمسة مقدمات:

المقام الأول: فيمن يجب عليه الهدي،
اشارة

و فيه مسألتان:

المسألة الأولى: يجب الهدي على المتمتّع،

بالإجماعين «1»، و الكتاب، و السنّة.

قال اللّه سبحانه فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ «2».

و في صحيحة زرارة: فقلت: و ما المتعة؟ قال: «يهلّ بالحج» إلى أن قال: «فإذا كان يوم التروية أهلّ بالحجّ و نسك المناسك و عليه الهدي»، فقلت: و ما الهدي؟ فقال: «أفضله بدنة، و أوسطه بقرة، و أخفضه شاة» «3».

و في رواية الأعرج: «من تمتّع في أشهر الحج ثمَّ أقام بمكّة حتى يحضر الحجّ فعليه شاة، و من تمتّع في غير أشهر الحجّ ثمَّ جاور بمكّة حتى يحضر الحجّ فليس عليه دم، إنّما هي حجّة مفردة، و إنّما الأضحى على

______________________________

(1) انظر المنتهى 2: 734.

(2) البقرة: 196.

(3) التهذيب 5: 36- 107، الوسائل 11: 255 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 296

أهل الأمصار» «1».

قوله: «إنّما الأضحى» يحتمل أن يكون المراد بها: الهدي، يعني:

الهدي على المتمتّعين، و هم أهل الأمصار، حيث لا تمتّع على أهل مكّة.

و فسّر في الوافي أهل الأمصار على من لم يحضر الحجّ، فقال:

حاصل الحديث أنّ المتمتّع يجب عليه الهدي، و غير المتمتّع لا يجب عليه الهدي، و الأضحية ليست إلّا على أهل الأمصار ممّن لم يحضر الحجّ دون من حضر «2».

إلى غير ذلك من الأخبار.

و لا فرق في وجوب الهدي على المتمتّع بين من أتاه فرضا أو متنفّلا، و لا بين المكّي و غيره، لإطلاق الأخبار.

و لا هدي على غير المتمتّع معتمرا أو حاجّا، مفترضا أو متنفّلا، مفردا أو قارنا، إلّا ما يسوقه القارن

عند الإحرام، إجماعا محقّقا و محكيّا مستفيضا «3».

و تدلّ عليه رواية الأعرج المتقدّمة، و ما في رواية إسحاق بن عبد اللّه:

«و إذا لم يكن متمتّعا لا يجب عليه الهدي» «4».

و في صحيحة ابن عمّار: «و أمّا المفرد للحجّ فعليه طواف» إلى أن قال: «و ليس عليه هدي و لا أضحية» «5»، و نحو ذلك في صحيحته

______________________________

(1) الكافي 4: 487- 1، التهذيب 5: 199- 662، الاستبصار 2: 259- 913، الوسائل 14: 82 أبواب الذبح ب 1 ح 11.

(2) الوافي 13: 1103.

(3) كما في التذكرة 1: 378، و المدارك 1: 15، و الرياض 1: 390.

(4) التهذيب 5: 200- 664، و صدر الحديث في الاستبصار 2: 259- 915، الوسائل 11: 252 أبواب أقسام الحج ب 4 ح 20.

(5) التهذيب 5: 41- 122، الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 1 و 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 297

الأخرى «1»، إلى غير ذلك «2».

و تحمل بعض الاخبار الموجبة للهدي على غيره أيضا «3» على الاستحباب جمعا.

المسألة الثانية: لو تمتّع المملوك بإذن مولاه

تخيّر المولى بين أن يهدي عنه و بين أن يأمره بالصوم الذي يجب على الحرّ العاجز من الهدي كما يأتي، بلا خلاف، بل بالإجماع، و بكلّ منهما صرّح أيضا جماعة «4»، و تدلّ عليه النصوص المستفيضة «5».

و أمّا بعض الأخبار المتضمّن: لأنّه عليه ما على الحرّ إمّا الأضحية و إمّا الصوم «6»، فالمراد بيان الكميّة دون الكيفيّة بقرينة ما ذكر.

و لو أعتق المملوك في زمان يجري حجّه عن حجة الإسلام كان كالحرّ في الكيفيّة أيضا، فيجب عليه الهدي.

المقام الثاني: في كيفيّته، و وقته، و مكانه، و فيه مسائل:
المسألة الأولى: تجب في ذبح الهدي أو نحره النيّة،

لأنّه عبادة، و لأنّ جهات الذبح متعدّدة فلا يتمحّض المذبوح هديا إلّا بالنيّة، كما مرّ غير مرّة.

المسألة الثانية: يجوز له الذبح أو النحر بنفسه،

و أن يوكّل غيره فيه.

______________________________

(1) الكافي 4: 298- 1، التهذيب 5: 44- 131، الوسائل 11: 221 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 13.

(2) الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحج ب 2.

(3) الوسائل 14: 79 أبواب الذبح ب 1.

(4) منهم العلّامة في المنتهى 2: 737، صاحب الرياض 1: 391.

(5) الوسائل 14: 83 أبواب الذبح ب 2.

(6) التهذيب 5: 201- 668، الاستبصار 2: 262- 926، الوسائل 14: 85 أبواب الذبح ب 2 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 298

أمّا الأول فظاهر.

و أمّا الثاني فهو مقطوع به في كلام الأصحاب، كما في المدارك و الذخيرة «1»، بل إجماعيّ، كما في غيرهما «2»، و تدلّ عليه صحيحتا أبي بصير «3»، و روايته «4»، و رواية عليّ بن أبي حمزة «5»، المتقدّمة جميعا في بيان وقت الوقوف بالمشعر.

و صحيحة علي: عن الضحيّة يخطئ الذي يذبحها فيسمّي غير صاحبها، أ يجزئ عن صاحب الضحيّة؟ فقال: «نعم، إنّما له ما نوى» «6»، يعني: إنّما للذابح ما نواه دون ما سمّاه.

و حينئذ تجب النيّة منهما، سمّاه.

و حينئذ تجب النيّة منهما، سمّاه.

و حينئذ تجب النيّة منهما، أمّا من الموكّل فينوي عند الأمر مستداما نيّته إلى زمان الذبح، مثلا: إنّ الآمر بالذبح- مثلا للهدي- يقصد القربة في الذبح لا في الأمر، فلو أمر إجلالا لنفسه مثلا و لكن كان قصده من الذبح القربة لكفى. و لو أخلّ ببعض أجزائها حين الأمر و قصده بعده قبل الذبح لكفى، كما لو أمر به للأكل ثمَّ رجع بعده و قصد الهدي.

______________________________

(1) المدارك 8: 18، الذخيرة: 664.

(2) كالرياض 1: 391.

(3)

الاولى في: الكافي 5: 474- 5، الوسائل 14: 28 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 3.

الثانية في: الكافي 5: 475- 8، الوسائل 14: 30 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 6.

(4) الكافي 5: 474- 4، الوسائل 14: 30 أبواب الوقوف بالمشعر.

(5) الكافي 5: 474- 4، الوسائل 14: 29 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 4.

(6) الفقيه 2: 296- 1469، التهذيب 5: 222- 748، قرب الإسناد: 239- 942، مسائل علي بن جعفر: 162- 254، الوسائل 14: 138 أبواب الذبح ب 29 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 299

و أمّا من الوكيل، فينوي أنّه من فلان، و ليس عليه قصد التقرّب بل، و لا تعيين مقصود الآمر.

فما في كلام بعضهم- من أنّ النيّة يجب أن تكون منه أو من الذابح «1»- غير سديد، لأنّه إن كان المراد نيّة القربة فلا تجب على الذابح، بل لا تكفي منه لو لم ينوها الآمر، و إن كان نيّة أنّه من فلان فهي متعيّنة على الوكيل إن احتمل وجها آخر.

بل الظاهر أنّه لا نيّة على الذابح إلّا إذا لم يتعيّن عين هدي الآمر و كان التعيين على الوكيل، فلو أعطاه شاة معيّنة ليذبحها له هديا، ثمَّ اشتبه على الذابح و ظنّها هدي نفسه و ذبحها، يكفي عن الآمر.

المسألة الثالثة: المشهور- كما في شرح المفاتيح- أنّه يجب أن يكون الذبح أو النحر يوم النحر

مع الإمكان، و في المدارك: أنّه قول علمائنا و أكثر العامّة «2»، و في الذخيرة: لا أعلم فيه خلافا بين أصحابنا «3»، و قيل: إنّه اتّفاقي «4».

و استدلّ له: بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نحر في هذا اليوم، و قال: «خذوا عنّي مناسككم» «5».

و فيه: أنّه يفيد لو ثبت كون ذلك منسكا أيضا، و إلّا فلا بدّ من وقوعه

في وقت.

______________________________

(1) الذخيرة: 664.

(2) المدارك 8: 27.

(3) الذخيرة: 664.

(4) كما في الرياض 1: 392.

(5) مسند أحمد 3: 318.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 300

و في المفاتيح أنّه قيل: بل يجوز طول ذي الحجّة اختيارا «1».

و هو قول الحلّي، قال في السرائر: و أمّا هدي المتعة فإنّه يجوز ذبحه طول ذي الحجّة، إلّا أنّه يكون قضاء بعد انقضاء هذه الأيّام- أي أيّام النحر- هكذا قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه.

و الأولى عندي أن لا يكون قضاء، لأنّ ذي الحجّة بطوله من أشهر الحجّ و وقت للذبح الواجب، فلا يكون قضاء، لأنّ القضاء ما يكون له وقت ففات «2». انتهى.

و به قال المحقّق في الشرائع، قال: و كذا لو ذبحه في بقيّة ذي الحجّة جاز «3».

و نقله في المدارك عن الشيخ في المصباح، فقال فيه: إنّ الهدي الواجب يجوز ذبحه و نحره طول ذي الحجّة، و يوم النحر أفضل «4». انتهى.

و حكي هذا القول عن مختصر المصباح و النهاية و الغنية و ظاهر المهذّب «5»، و عن الغنية الإجماع عليه.

و هو الأقوى، للأصل الخالي عن المعارض، و إطلاقات الكتاب و السنّة، و مفهوم الشرط في رواية الكرخي الآتية في المسألة اللاحقة، بل لو لا الإجماع لكان مقتضاهما جواز التأخير عن ذي الحجّة أيضا، كما يوهمه ظاهر المهذّب، إلّا أنّ الإجماع يدفعه.

______________________________

(1) المفاتيح 1: 353.

(2) السرائر 1: 595.

(3) الشرائع 1: 260.

(4) المدارك 8: 27.

(5) نقله- عن مختصر المصباح في الرياض 1: 392، النهاية: 257، الغنية (الجوامع الفقهية): 582، المهذّب 1: 258.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 301

بل في الروايات أيضا ما يدفعه، و هو: رواية النضر بن قرواش: عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فوجب عليه

النسك، فطلبه فلم يصبه، و هو موسر حسن الحال، و هو يضعف عن الصيام، فما ينبغي له أن يصنع؟

قال: «يدفع ثمن النسك إلى من يذبحه بمكّة إن كان يريد المضيّ إلى أهله و ليذبح عنه في ذي الحجّة»، قلت: فإنّه دفعه إلى من يذبح عنه فلم يصب في ذي الحجّة نسكا و أصابه بعد ذلك، قال: «لا يذبح عنه إلّا في ذي الحجّة و لو أخّره إلى قابل» «1».

المسألة الرابعة: يجب أن يكون الذبح أو النحر الواجب في الهدي بمنى،

و ظاهر التذكرة و المنتهى و المدارك و الذخيرة و صريح المفاتيح:

الإجماع عليه «2». و هو كذلك، فهو الدليل عليه.

(مضافا إلى) [1] رواية عبد الأعلى: «لا هدي إلّا من الإبل و لا ذبح إلّا بمنى» «3».

و صحيحة منصور: في الرجل يضلّ هديه فيجده رجل آخر فينحره، قال: «إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلّ عنه، و إن كان نحره بغير منى لم يجز عن صاحبه» «4»، و صحيحة السمّان «5» المتقدّمة في

______________________________

[1] بدل ما بين القوسين في «ق»: لو ثبت و ..

______________________________

(1) التهذيب 5: 37- 110، الاستبصار 2: 260- 917، الوسائل 14: 176 أبواب الذبح ب 44 ح 2.

(2) التذكرة 1: 380، المنتهى 2: 738، المدارك 8: 19، الذخيرة: 664، المفاتيح 1: 352.

(3) التهذيب 5: 214- 722، الوسائل 14: 90 أبواب الذبح ب 4 ح 6.

(4) الكافي 4: 495- 8، الفقيه 2: 297- 1475، التهذيب 5: 219- 739، الاستبصار 2: 272- 963، الوسائل 14: 137 أبواب الذبح ب 28 ح 2.

(5) الكافي 4: 473- 2، الوسائل 14: 29 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 302

بيان وقت الوقوف بمشعر.

و يؤيده كثير من الأخبار المتقدّمة فيه أيضا.

و رواية

الكرخي: «إن كان هديا واجبا فلا ينحر إلّا بمنى، و إن كان ليس بواجب فلينحره بمكّة إن شاء، و إن كان قد أشعره أو قلّده فلا ينحره إلّا يوم الأضحى» «1».

و حسنة مسمع: «منى كلّه منحر» «2».

و أمّا بعض الأخبار المتضمّنة لهدي الإمام عليه السلام في غير منى «3»، فقضايا في وقائع لا تفيد عموما و لا إطلاقا، فلعلّ هديه كان في عمرة أو مندوب، و مقتضى ذلك: أن لو تركه بمنى حتى ارتحل عن منى يعود إليها و يذبح، و إن لم يتمكّن منه يبعث إليها ليذبحه فيها.

و لا تنافيه صحيحة ابن عمّار: في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار البيت فاشترى بمكّة ثمَّ ذبح، قال: «لا بأس قد أجزأ عنه» «4»، لعدم صراحتها في كون الذبح أيضا بمكّة.

المسألة الخامسة:

ذهب جماعة- منهم: الشيخ في أحد قوليه و المحقّق «5»- إلى أنّه يجب أن يكون الذبح أو النحر بعد رمي جمرة العقبة و قبل الحلق أو التقصير، و نسبه بعضهم إلى أكثر المتأخّرين «6»، و عن

______________________________

(1) الكافي 4: 488- 3، التهذيب 5: 201- 670، الاستبصار 2: 263- 928، الوسائل 14: 88 أبواب الذبح ب 4 ح 1.

(2) التهذيب 5: 215- 723، الوسائل 14: 90 أبواب الذبح ب 4 ح 7.

(3) الكافي 4: 488- 6، التهذيب 5: 202- 671، الوسائل 14: 88 أبواب الذبح ب 4 ح 2.

(4) الكافي 4: 505- 4، الفقيه 2: 301- 1497، الوسائل 14: 156 أبواب الذبح ب 39 ح 5.

(5) الشيخ في الاستبصار 2: 284، المحقق في الشرائع 1: 265.

(6) انظر الحدائق 17: 241.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 303

المنتهى: النسبة إلى الأكثر بقول مطلق «1».

و عن الشيخ في

قوله الآخر و العماني و الحلبي و المهذّب و الفاضل في المختلف: استحباب ذلك «2».

و به صرّح الحلّي في السرائر، قال بعد ذكر الثلاثة: و لا بأس بتقديم أيّها شاء على الآخر، إلّا أنّ الأفضل الترتيب «3».

و عن ظاهر المختلف: أنّه قول معظم الأصحاب «4»، و أسنده في الدروس إلى الشهرة «5»، و اختاره من متأخّري المتأخّرين جماعة «6». و هو الأقرب.

أمّا رجحان الترتيب على النحو المذكور فلفتوى جمع من الفحول، و التأسّي بالرسول صلّى اللّه عليه و آله، و جملة من الأخبار الآتية القاصرة عن إفادة الوجوب، و قوله عليه السلام: «ينبغي لهم أن يقدّموه» في صحيحة جميل و رواية البزنطي الآتيتين.

و أمّا عدم الوجوب فللأصل الخالي عن المعارض، و صحيحة جميل:

عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال: «لا ينبغي إلّا أن يكون ناسيا» ثمَّ قال: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتاه أناس يوم النحر فقال بعضهم: يا رسول اللّه، حلقت قبل أن أذبح، و قال بعضهم: حلقت قبل أن أرمي، فلم يتركوا

______________________________

(1) المنتهى 2: 764.

(2) الشيخ في الخلاف 2: 345، حكاه عن العماني في المختلف: 307، الحلبي في الكافي: 201، المهذّب 1: 259، المختلف: 307.

(3) السرائر 1: 602.

(4) المختلف: 307.

(5) الدروس 1: 452.

(6) كالسبزواري في الذخيرة: 664، صاحب الرياض 1: 402.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 304

شيئا كان ينبغي لهم أن يقدّموه إلّا أخّروه، و لا شيئا كان ينبغي لهم أن يؤخّروه إلّا قدموه، فقال صلّى اللّه عليه و آله: لا حرج» «1».

و قريبة منها صحيحة محمّد بن حمران «2»، و رواية البزنطي، و فيها:

«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لمّا كان يوم النحر أتاه طوائف

من المسلمين فقالوا:

يا رسول، ذبحنا من قبل أن نرمي، و حلقنا من قبل أن نذبح، فلم يبق شي ء ممّا ينبغي لهم أن يقدّموه إلّا أخّروه، و لا شي ء ممّا ينبغي لهم أن يؤخّروه إلّا قدّموه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا حرج، لا حرج» «3».

و صحيحة ابن سنان: عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحّي، قال:

«لا بأس، و ليس عليه شي ء، و لا يعودن» «4».

و حمل هذه على صورة الجهل أو النسيان حمل بلا حامل.

احتجّ الموجبون بقوله سبحانه وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ «5».

و المراد به: الذبح، كما تدلّ عليه رواية الساباطي: و عن رجل حلق قبل أن يذبح، قال: «يذبح و يعيد الموسى، لأنّ اللّه تعالى يقول وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ الآية» «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 504- 1، الفقيه 2: 301- 1496، التهذيب 5: 236- 797، الاستبصار 2: 285- 1009، الوسائل 14: 155 أبواب الذبح ب 39 ح 4.

(2) التهذيب 5: 240- 810، الوسائل 14: 215 أبواب الذبح ب 2 ح 2.

(3) الكافي 4: 504- 2، التهذيب 5: 236- 796، الاستبصار 2: 284- 1008، الوسائل 14: 156 أبواب الذبح ب 39 ح 6.

(4) التهذيب 5: 237- 798، الاستبصار 2: 285- 1010، الوسائل 14: 158 أبواب الذبح ب 39 ح 10.

(5) البقرة: 196.

(6) التهذيب 5: 485- 1730، الوسائل 14: 158 أبواب الذبح ب 39 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 305

و بهذه الرواية، و برواية موسى بن القاسم، عن عليّ: «لا يحلق رأسه و لا يزور البيت حتى يضحّي، فيحلق رأسه و يزور متى ما شاء» «1».

و رواية جميل: «تبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق» «2».

و رواية عمر بن

يزيد: «إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك» «3»، و الفاء للترتيب.

و صحيحة ابن سنان المتقدّمة، فإنّ قوله: «لا يعودن» ظاهر في التحريم.

و الجواب- مع عدم دلالتها على وجوب تقديم الرمي و نوع إجمال في التضحية و موافقتها لكثير من العامّة «4»- أنّ شيئا منها سوى الآية و رواية عمر بن يزيد لا يدلّ على الوجوب، لمكان الجملة الخبريّة أو احتمالها.

و أمّا الآية و إن دلّت على وجوب تأخير الحلق عن بلوغ الهدي محلّه، إلّا أنّ كون بلوغ الهدي محلّه هو الذبح غير معلوم.

و رواية الساباطي معارضة بأكثر منها عددا و أصرح دلالة، و هي رواية عليّ بن أبي حمزة: «إذا اشتريت أضحيتك و وزنت ثمنها و صارت في رحلك فقد بلغ الهدي محلّه» «5».

______________________________

(1) التهذيب 5: 236- 795، الاستبصار 2: 284- 1006، الوسائل 14: 158 أبواب الذبح ب 39 ح 9.

(2) الكافي 4: 498- 7، التهذيب 5: 222- 749، الوسائل 14: 155 أبواب الذبح ب 39 ح 3.

(3) التهذيب 5: 240- 808، الوسائل 14: 211 أبواب الحلق و التقصير ب 1 ح 1.

(4) انظر بداية المجتهد 1: 352، و المغني و الشرح الكبير 3: 479.

(5) الموجود في المصادر رواية واحدة أوردها في الكافي 4: 502- 4، الوسائل 14: 157 أبواب الذبح ب 39 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 306

و مثلها رواية عليّ، عن العبد الصالح، و زاد في آخرها: «فإن أحببت أن تحلق فاحلق»، و نحوها رواية أبي بصير «2».

و مرسلة الفقيه عن عليّ بن أبي حمزة: «إذا اشترى الرجل هديه و قمّطه في بيته فقد بلغ محلّه، فإن شاء فليحلق» «3».

و عن المبسوط و النهاية و التهذيب و الحلّي: الفتوى بمضمونها و

تجويز الحلق بحصول الهدي في الرحل و إن لم يذبحه «4»، و إطلاقها إذا لم يرم بعد أيضا، فهذه الأخبار أيضا دالّة على عدم وجوب الترتيب.

و أمّا رواية عمر بن يزيد ففيها: عدم إمكان حمل الأمر فيها على الوجوب، لعدم وجوب الحلق بخصوصه، بل يتخيّر بينه و بين التقصير، فغاية ما يستفاد منها رجحان ما يتضمّنها من الحلق المرتّب، و مع ذلك معارضة بما مرّ من الأخبار المجوّزة للحلق بعد بلوغ الهدي محلّه.

و ممّا يمكن أن يستدلّ به على وجوب الترتيب بين هذه المناسك كلّا أو بعضا: الأخبار المتقدّمة في الواجب الثالث من واجبات الوقوف بالمشعر، المتضمّنة للفظة: «ثمَّ» في الأمر بها، إلّا أنّها لمعارضتها لصحيحتي جميل و ابن حمران و رواية البزنطي يجب حملها على الندب، لكونها قرينة على ذلك عرفا.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ الحقّ: عدم وجوب الترتيب بين هذه المناسك الثلاثة و إن كان راجحا، بل موافقا لطريقة الاحتياط، و اللّه العالم.

______________________________

(2) التهذيب 5: 235- 794، الاستبصار 2: 284- 1007، الوسائل 14: 157 أبواب الذبح ب 9 ح 37.

(3) الفقيه 2: 300- 1494، الوسائل 14: 157 أبواب الذبح ب 39 ح 7.

(4) المبسوط 1: 374، النهاية: 262، التهذيب 5: 222، الحلّي في السرائر 1: 599.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 307

المقام الثالث: في جنس الهدي،
اشارة

و سنّه، و وصفه، و عدده، و فيه مسائل:

المسألة الأولى: يجب أن يكون من إحدى النعم الثلاث:

الإبل، و البقر، و الغنم، بلا خلاف فيه، كما صرّح به طائفة «1»، بل بالإجماع كما ذكره جماعة «2»، بل هو إجماع محقّق، فهو الدليل عليه مع أصل الاشتغال، حيث لا إطلاق معلوما يصدق على غيرها، و لو كان لوجب صرفه إليها، و لأنّها المتبادرة المعتادة، و لصحيحة زرارة «3» المتقدّمة في صدر بحث الهدي.

المسألة الثانية: إن كان الهدي إبلا أو بقرا أو معزا يجب أن يكون ثنيّا،

و إن كان ضأنا يجزئ فيه الجذع، بلا خلاف فيه يعلم، كما في الذخيرة «4»، و في المدارك: أنّه مذهب الأصحاب «5»، و في المفاتيح و شرحه: الإجماع عليه و الاتّفاق «6». و الظاهر أنّه كذلك، فهو الحجّة فيه المعتضدة بالاحتياط.

و أمّا الأخبار فلا يثبت منها تمام المطلوب، لأنّ منها ما يدلّ على إجزاء هذه الأسنان في الثلاث دون نفي غيرها:

كصحيحة العيص: «الثنيّة من الإبل، و الثنيّة من البقر، و الثنيّة من المعز، و الجذع من الضأن» «7».

______________________________

(1) منهم صاحب المدارك 8: 28، السبزواري في الذخيرة: 666.

(2) منهم ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 581، الفيض في المفاتيح 1: 353.

(3) راجع ص: 295.

(4) الذخيرة: 666.

(5) المدارك 8: 28.

(6) المفاتيح 1: 353.

(7) التهذيب 5: 206- 688، الوسائل 14: 103 أبواب الذبح ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 308

و رواية أبي حفص: «يجزئ من البدن الثنيّ، و من المعز الثنيّ، و من الضأن الجذع» «1».

و منها ما يدلّ على عدم إجزاء الأدنى من الثنيّ من المعز:

كصحيحة ابن سنان: «يجزئ من الضأن الجذع، و لا يجزئ من المعز إلّا الثنيّ» «2».

و في صحيحة ابن عمّار: «يجزئ في المتعة الجذع من الضأن، و لا يجزئ الجذع من المعز» «3».

و رواية حمّاد: أدنى ما يجزئ من أسنان الغنم في الهدي، فقال:

«الجذع

من الضأن»، قلت: فالمعز؟ قال: «لا يجزئ الجذع من المعز» «4».

و مع ذلك ورد في قويّة محمد بن حمران: «أسنان البقر تبيعها و مسنّها في الذبح سواء» «5».

أقول: و التبيع: ما دخل في الثانية، و المسنّ: ما دخل في الثالثة.

و أمّا عدم إجزاء غير الثنيّ من البقر فلا تصريح فيه في الأخبار، بل صرّح في صحيحة الحلبي فيما يضحّي به: «أمّا البقر فلا يضرّك أيّ أسنانها، و أمّا الإبل فلا يصلح إلّا الثنيّ فما فوق» «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 490- 7، الوسائل 14: 105 أبواب الذبح ب 11 ح 9.

(2) التهذيب 5: 206- 689، الوسائل 14: 103 أبواب الذبح ب 11 ح 2.

(3) الكافي 5: 490- 9، الوسائل 14: 104 أبواب الذبح ب 11 ح 6.

(4) الكافي 4: 489- 1، التهذيب 5: 206- 690، المحاسن: 340- 127، العلل:

441- 1، الوسائل 14: 103 أبواب الذبح ب 11 ح 4.

(5) الكافي 4: 489- 3، الوسائل 14: 105 أبواب الذبح ب 11 ح 7.

(6) الكافي 4: 489- 2، التهذيب 5: 204- 681، الوسائل 14: 104 أبواب الذبح ب 11 ح 5، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 309

و منها يظهر عدم إجزاء غير الثنيّ من الإبل في الأضحية، و لكن الظاهر عدم القول بالفصل.

ثمَّ الثنيّ من الإبل ما كمل له خمس سنين و دخل في السادسة، بلا خلاف كما في المفاتيح «1»، و إجماعا كما في شرحه.

و أمّا من البقر و الغنم، ففي الوافي: أنّ الأشهر أنّه ما دخل في الثالثة «2»، و هو المطابق للصحاح و القاموس «3»، و به قال الشيخ كما حكي عنه «4»، و الفاضل في المنتهى و التحرير و موضع من التذكرة «5».

و

في المدارك و الذخيرة و المفاتيح و شرحه: أنّ المشهور أنّه ما دخل في الثانية «6»، و به صرّح الحلّي في السرائر و المحقّق في الشرائع «7».

و أمّا الجذع من الضأن، فعن التذكرة و المنتهى- موافقا لكلام الجوهري على ما قيل-: أنّه ما كمل له ستّة أشهر «8».

و في السرائر و عن الدروس و التحرير: أنّه ما كمل له سبعة أشهر «9».

و عن موضع من المنتهى: أنّه إذا بلغ سبعة أشهر فهو جذع إن كان بين شابّين، و إن كان بين هرمين فلا يقال أنّه جذع حتى يكمل ثمانية

______________________________

(1) المفاتيح 1: 353.

(2) الوافي 13: 1112.

(3) الصحاح 6: 2295، القاموس 4: 311.

(4) حكاه عنه في الكفاية: 70.

(5) المنتهى 1: 491، التحرير 1: 61، التذكرة 1: 213.

(6) المدارك 8: 29، الذخيرة: 666، المفاتيح 1: 353.

(7) السرائر 1: 597، الشرائع 1: 260.

(8) قال به صاحب المدارك 8: 30، و انظر التذكرة 1: 381، المنتهى 2: 740، الصحاح 3: 1194.

(9) السرائر 1: 597، الدروس 1: 436، التحرير 1: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 310

أشهر «1». و أسند ذلك إلى الشيخ و ابن الأعرابي «2».

و في المفاتيح و شرحه: أنّ المشهور أنّ الجذع من الضأن «3» ما دخل في الثانية «4»، و هو الظاهر من القاموس و النهاية الأثيريّة «5».

و قد سبقت أقوال أخر فيه و في الثنيّ من المعز في كتاب الزكاة، و حيث لا دليل تامّا يمكن التعويل عليه في التعيين في المقام، فالواجب بمقتضى أصل الاشتغال الأخذ بالاحتياط و ذبح الأعلى سنّا من هذه الأقوال.

المسألة الثالثة: يجب في الهدي أن يكون تامّ الأعضاء خاليا عن العيب،
اشارة

فلا يجزئ الناقص، و لا المعيب.

و ننقل أولا الأخبار الواردة في المقام، فنقول:

و تدلّ على الأول كلّية: صحيحه عليّ: عن

الرجل يشتري الأضحية عوراء فلا يعلم إلّا بعد شرائها، هل يجزئ عنه؟ قال: «نعم، إلّا أن يكون هديا واجبا، فإنّه لا يجوز ناقصا» «6».

و على الثاني كذلك: مفهوم صحيحة عمران الحلبي: «من اشترى هديا و لم يعلم أنّ به عيبا حتى نقد ثمنه ثمَّ علم بعد فقد تمَّ» «7».

______________________________

(1) المنتهى 1: 491.

(2) أسنده إلى الشيخ في المنتهى 1: 419، و إلى ابن الأعرابي في المبسوط 1: 199، و لسان العرب 8: 44.

(3) في «ح» و «ق» زيادة: و المعز.

(4) المفاتيح 1: 353.

(5) القاموس 3: 12، النهاية الأثيرية 1: 250.

(6) الفقيه 2: 295- 1463، التهذيب 5: 213- 719، الاستبصار 2: 268- 952، الوسائل 14: 125 أبواب الذبح ب 21 ح 1.

(7) التهذيب 5: 214- 720، الاستبصار 2: 269- 953، الوسائل 14: 130 أبواب الذبح ب 24 ح 3، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 311

و ابن عمّار: في رجل اشترى هديا فكان به عيب عور أو غيره، فقال:

«إن كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه، و إن لم يكن نقد ثمنه ردّه و اشترى غيره» «1».

و تدلّ على بعض أفراد كلّ منها المستفيضة من النصوص أيضا:

منها: المرويّ في السرائر و في المنتهى عن البرّاء، قال: قام فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خطيبا فقال: «أربع لا تجوز في الأضحى: العوراء البيّن عورها، و المريضة البيّن مرضها، و العرجاء البيّن عرجها، و الكسيرة التي لا تبقى» «2».

و فسّر في المنتهى الكسيرة التي لا تبقى: بالمهزولة التي لا مخّ لها «3».

و صحيحة البجلي: عن الرجل يشتري الهدي فلمّا ذبحه إذا هو خصيّ مجبوب [1]، و لم يكن يعلم أنّ الخصيّ لا يجوز في الهدي، هل يجزئه

أم يعيده؟ قال: «لا يجزئه إلّا أن يكون لا قوّة به عليه» «4».

و الأخرى: عن الرجل يشتري الكبش فيجده خصيّا مجبوبا، قال:

«إن كان صاحبه موسرا فليشتر مكانه» «5».

و في رواية أبي بصير: فالخصي يضحّى به؟ قال: «لا، إلّا أن لا يكون غيره» «6».

______________________________

[1] الجبّ: قطع الذكر أو ما لا يبقى منه قدر حشفة، و منه: «خصيّ مجبوب» مقطوع- مجمع البحرين 2: 21.

______________________________

(1) الكافي 4: 490- 9، التهذيب 5: 214- 721، الاستبصار 2: 269- 954، الوسائل 14: 130 أبواب الذبح ب 24 ح 1.

(2) السرائر: 141، و هو في مسند أحمد 4: 284.

(3) المنتهى 2: 740.

(4) التهذيب 5: 211- 708، الوسائل 14: 106 أبواب الذبح ب 12 ح 3.

(5) التهذيب 5: 211- 709، الوسائل 14: 107 أبواب الذبح ب 12 ح 4.

(6) الكافي 4: 490- 5، الوسائل 14: 108 أبواب الذبح ب 12 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 312

و صحيحة الحلبي: عن الضحيّة تكون الاذن مشقوقة، فقال: «إن كان شقّها وسما [1] فلا بأس، و إن كان شقّا فلا يصلح» «1».

و رواية السكوني: «لا يضحّى بالعرجاء، و لا بالعجفاء، و لا بالخرقاء، و لا الجذّاء، و لا العضباء» «2».

قال في الوافي: العجفاء: المهزولة، و الخرقاء: المخروقة الاذن و التي في أذنها ثقب مستدير، و الجذّاء: المقطوعة الاذن، و العضباء: المكسورة القرن الداخل أو مشقوقة الاذن «3».

و مرسلة الفقيه: «لا يضحّى بالعرجاء بيّن عرجها، و لا بالعوراء بيّن عورها، و لا بالعجفاء، و لا بالجرباء و لا بالجدعاء، و لا العضباء» «4».

في الوافي: الجدعاء: مقطوعة الأنف و الاذن «5».

و صحيحة جميل: في الأضحية يكسر قرنها، قال: «إذا كان القرن الداخل صحيحا فهي تجزئ» «6».

و

الأخرى في المقطوع القرن أو المكسور القرن: «إذا كان القرن الداخل صحيحا فلا بأس و إن كان القرن الخارج الظاهر مقطوعا» «7».

______________________________

[1] الوسم: أثر الكيّ، و العلامة- أقرب الموارد 2: 1452.

______________________________

(1) الكافي 4: 491- 11، الوسائل 14: 129 أبواب الذبح ب 23 ح 2.

(2) التهذيب 5: 213- 716، معاني الأخبار: 221- 1، الوسائل 14: 126 أبواب الذبح ب 21 ح 3، 4، بتفاوت.

(3) الوافي 13: 1124.

(4) الفقيه 2: 293- 1450، الوسائل 14: 126 أبواب الذبح ب 21 ح 3.

(5) الوافي 13: 1123.

(6) الكافي 4: 491- 13، الفقيه 2: 296- 1466، الوسائل 14: 128 أبواب الذبح ب 22 ح 1.

(7) التهذيب 5: 213- 717، الوسائل 14: 128 أبواب الذبح ب 22 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 313

و رواية شريح بن هاني: «أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الأضاحي أن نستشرف العين و الاذن، و نهانا عن الخرقاء و الشرقاء و المقابلة و المدابرة» «1».

في الوافي: الشرقاء: منشقّة الاذن طولا باثنتين، و المقابلة و المدابرة:

الشاة التي شقّ اذنها ثمَّ يفتل ذلك معلّقا، فإن أقبل به فهو، إقباله، و إن أدبر به فإدباره، و الجلدة المعلّقة من الاذن هي الإقبالة و الإدبارة، و الشاة مقابلة و مدابرة «2».

و صحيحة البزنطي: عن الأضاحي إذا كانت الاذن مشقوقة أو مثقوبة بسمة، فقال: «ما لم يكن منها مقطوعا فلا بأس» «3».

ثمَّ المستفاد من الاولى: عدم إجزاء الأول- أي الناقص- مطلقا في الهدي الواجب، فلا يجزئ مقطوع الاذن، و الأنف، و اللسان، و الشفة، و القضيب، و الأنثيين، و الألية، و الثدي، و القرن، و نحوها.

و تؤكّدها في المجبوب صحيحتا البجلي، و في مقطوعة الاذن صحيحة

البزنطي و رواية السكوني و مرسلة الفقيه، و في مكسورة القرن الداخل الأخيرتان مع صحيحتي جميل.

فيجب أن يكون ذلك هو الأصل في الأول، فإن ثبت خلافة في موضع يستثنى، و إلّا فلا، و يأتي موضع الاستثناء.

و أمّا صحيحة الحلبي المتضمّنة لقوله عليه السلام: النعجة و الكبش و الأنثى أفضل أو خير أو أحبّ من الخصي «4»، فلا يدلّ على إجزاء الخصي، و لو

______________________________

(1) الفقيه 2: 293- 1449، التهذيب 5: 212- 715، معاني الأخبار: 222- 1، الوسائل 14: 125 أبواب الذبح ب 21 ح 2.

(2) الوافي 13: 1124.

(3) التهذيب 5: 213- 718، الوسائل 14: 129 أبواب الذبح ب 23 ح 1.

(4) التهذيب 5: 206- 687، الوسائل 14: 107 أبواب الذبح ب 12 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 314

دلّ فإنّما هو بالعموم أو الإطلاق بالنسبة إلى الهدي و غيره، و بالنسبة إلى العجز عن غيره و عدمه، فيجب التقييد.

و أمّا الثاني و إن كان يظنّ أنّ مدلول الثانية و الثالثة عدم إجزاء المعيب مطلقا بعد نقد الثمن، إلّا أنّ في تماميّة دلالتهما عليه نظر، بل غايته المرجوحيّة.

نعم، يدلّ على عدم إجزاء العوراء و العرجاء الشديدتين رواية البرّاء، و ضعفها مجبور بحكاية جمع عدم الخلاف في المنع مع الصفات الأربع المذكورة فيها «1»، بل في المنتهى و المدارك «2»، و غيرهما «3»: الإجماع عليه.

و تعاضدها رواية السكوني و مرسلة الفقيه، و لا يضرّ اختصاصها بالأضحية، إمّا لعمومها للهدي أيضا أو للإجماع المركّب.

و أمّا سائر العيوب المذكورة في باقي الأحاديث المتقدّمة فبين ما لا تصريح بعدم إجزائه- بل غايته المرجوحية- و بين ما يعارض في حقّه بصحيحة البزنطي، فلا يثبت المنع عن غير العيبين، بل يجب

العمل فيه بمقتضى الأصل، و الإطلاق، و قوله سبحانه فَمَا اسْتَيْسَرَ.

و أمّا المريضة و المهزولة فيجي ء الكلام فيهما.

و قد تلخّص من جميع ما ذكر: عدم إجزاء الناقص مطلقا- سوى ما يجي ء استثناؤه- و عدم إجزاء العوراء و العرجاء الشديد عورها و عرجها، و إجزاء غيرهما.

______________________________

(1) كصاحب الرياض 1: 383.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 12    315     ب: هل المعتبر في العوراء انخساف العين، ..... ص : 315

(2) المنتهى 2: 740، المدارك 8: 30.

(3) كالرياض 1: 393.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 315

فروع:
أ: يستثنى من الناقص ما كسر قرنه الخارج و بقي الداخل،

و هو الأبيض الذي في وسط الخارج، و تدلّ على إجزائه صحيحتا جميل.

ب: هل المعتبر في العوراء انخساف العين،

كما عن الغنية «1»؟ أو لا، كما عن المنتهى و التحرير «2»؟

الظاهر هو: الأول، لأنّه المحتمل من العور البيّن، و لأنّ الرواية «3» المتضمّنة له ضعيفة لا يعمل بها إلّا في موضع علم انجبارها فيه. و صدق النقض على مطلق العور حتى تشمله صحيحة عليّ غير معلوم.

و كذا يشترط في العرج الشدّة بحيث يكون بيّنا، و الوجه ظاهر.

ج: و ممّا استثنوه أيضا: الناقص بحسب الخلقة،

كالجمّاء، و هي التي لم يخلق لها قرن، و الصمعاء و هي التي لم تخلق لها اذن.

و لا بأس به، للشكّ في صدق الناقص عليه، و لانصراف الإطلاق إلى الشائع.

و استثنى بعضهم البتراء أيضا «4»، و هي مقطوعة الذنب. و لا وجه له، لصدق النقص.

نعم، لو أريد منها فاقدة الذنب بحسب الخلقة كان له وجه.

د: الخصيّ الممنوع منه هو مسلول الخصية،

و أمّا المرضوض

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 582.

(2) المنتهى 2: 740، التحرير 1: 105.

(3) أي رواية البرّاء المتقدمة في صلّى اللّه عليه و آله: 311.

(4) كما في المنتهى 2: 741.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 316

خصيته- و هو الموجوء أيضا- فلا بأس به، لعدم صدق النقص، للأصل، و صحيحة ابن عمّار: «إذا رميت الجمرة فاشتر هديك إن كان من البدن أو من البقر، و إلّا فاجعل كبشا سمينا فحلا، فإن لم تجد فموجوءا من الضأن، فإن لم تجد فتيسا فحلا، فإن لم تجد فما تيسّر عليك» «1».

و في صحيحة أبي بصير: «المرضوض أحبّ إليّ من النعجة» «2».

و في صحيحة محمد: «و الموجوء خير من النعجة» «3».

ه: و ممّا يستثنى أيضا من الناقص: الخصيّ إذا لم يجد غيره،

على الأظهر الموافق لتصريح جماعة، منهم: الشهيد في الدروس و صاحب المدارك «4»، لصحيحة البجلي و الأخريين المتعقّبتين لها، و قوله في صحيحة ابن عمّار المتقدّمة: «فإن لم تجد فما تيسّر عليك».

و: و ممّا استثناه الشيخ في التهذيب: الناقص إذا بان نقصه بعد نقد الثمن «5»،

للصحيحين المتقدّمين «6»، فخصّ بهما الصحيح المتقدّم عليهما «7».

و التحقيق: أنّ بين الفريقين عموما من وجه، فمن استثنى عمل

______________________________

(1) التهذيب 5: 204- 679، الوسائل 14: 95 أبواب الذبح ب 8 ح 1، بتفاوت.

(2) الكافي 4: 490- 5، الوسائل 14: 112 أبواب الذبح ب 14 ح 3.

(3) التهذيب 5: 205- 686، الوسائل 14: 111 أبواب الذبح ب 14 ح 1.

(4) الدروس 1: 437، المدارك 8: 34.

(5) التهذيب 5: 214.

(6) الأول في: التهذيب 5: 214- 720، الاستبصار 2: 269- 953، الوسائل 14:

130 أبواب الذبح ب 24 ح 3.

الثاني في: الكافي 4: 490- 9، التهذيب 5: 214- 721، الاستبصار 2:

269- 954، الوسائل 14: 130 أبواب الذبح ب 24 ح 1.

(7) الفقيه 2: 295- 1463، التهذيب 5: 213- 719، الاستبصار 2: 268- 952، قرب الإسناد: 239- 941، الوسائل 14: 125 أبواب الذبح ب 21 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 317

بالإطلاق، و من لم يستثن عمل بأصل الاشتغال بعد رفع اليد عن الإطلاق، لتخصيصه بالمجمل الموجب لعدم الحجيّة في موضع الإجمال.

و هو الأقوى، لذلك، مضافا إلى ظاهر الإجماع، حيث لا يوجد للشيخ موافق في المسألة، بل تردّد هو نفسه في الاستبصار المتأخّر عن التهذيب أيضا «1».

ز: هل يستثنى ساقط الأسنان لهرم أم لا؟

الظاهر: الثاني، لصدق النقص، و لا تعارضه صحيحة العيص في الهرم الذي قد وقعت ثناياه: «إنّه لا بأس به في الأضاحي» «2»، و قريبة منها مرسلة الفقيه «3»، إذ لا يعلم شمولها للهدي أيضا.

ح: إذا لم يوجد إلّا فاقد الشرائط الغير الثابت استثناؤه بخصوصه،

ففي الإجزاء، أو الانتقال إلى الصوم، قولان، أصحّهما: الأول، لقوله عليه السلام في صحيحة ابن عمّار المتقدّمة: «فإن لم تجد فما تيسّر عليك».

و في صحيحته الأخرى: «اشتر فحلا سمينا للمتعة» إلى أن قال: «فإن لم تجد فما استيسر من الهدي» الحديث «4».

و كذا الحكم في الشرطين الآتيين من عدم الهزال و المرض.

المسألة الرابعة: يجب أن لا يكون الهدي مهزولا،

بلا خلاف يوجد كما قيل «5»، للصحاح و غيرها المستفيضة، المصرّحة كلّا: بأنّه لو اشتراها سمينة فوجدها سمينة أو مهزولة أجزأت، و لو اشتراها مهزولة فوجدها

______________________________

(1) الاستبصار 2: 269.

(2) الكافي 5: 491- 15، الوسائل 14: 114 أبواب الذبح ب 16 ح 6.

(3) الفقيه 2: 297- 1471، الوسائل 14: 115 أبواب الذبح ب 16 ح 8.

(4) الكافي 4: 490- 9، الوسائل 14: 107 أبواب الذبح ب 12 ح 7.

(5) انظر الرياض 1: 393.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 318

سمينة أجزأت أيضا، و لو اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة لم يجز، كصحاح العيص و الحلبي «1» و منصور «2» و مرسلة الفقيه.

و الأوليان مطلقتان، و الثالثة واردة في الهدي، و الرابعة مصرّح به فيها بعد الإطلاق بأنّ في هدي المتمتّع مثل ذلك.

و مقتضى تلك النصوص: الإجزاء لو اشتراها سمينة فبانت مهزولة، و هو كذلك بلا إشكال إذا كان الظهور بعد الذبح، و إن كان قبله فقد يستشكل فيه من جهة إطلاق النصوص، و من قوّة احتمال اختصاصها- بحكم التبادر- بما بعد الذبح، فيرجع إلى إطلاق ما دلّ على المنع من المهزولة.

و فيه: منع التبادر، و لو سلّم فيجب تقييده بمفهوم الشرط في صحيحة منصور: «و إن اشتراه و هو يعلم أنّه مهزول لم يجز عنه»، مضافا إلى إطلاق صدرها.

و كذا مقتضى الأخبار المذكورة: الإجزاء لو

ظهرت سمينة بعد الاشتراء مهزولة و لو بعد الذبح.

خلافا للعماني فيما بعد الذبح، لعدم حصول التقرّب به «3».

و فيه: أنّه ربّما لا يعلم الحكم، و كذا لو علم، لإمكان سقوط الواجب بفعل آخر، للنص.

ثمَّ إنّه فسّرت المهزولة بما لم يكن على كليتها شحم، و هو الذي يظهر من رواية الفضيل «4»، و لكن في كونه تفسيرا للهزال تأمّل، فيحتمل أن

______________________________

(1) الكافي 4: 490- 6، الوسائل 14: 114 أبواب الذبح ب 16 ح 5.

(2) التهذيب 5: 211- 712، الوسائل 14: 113 أبواب الذبح ب 16 ح 2.

(3) حكى ذلك عنه في المختلف 1: 306.

(4) الكافي 4: 492- 16، التهذيب 5: 212- 714، الوسائل 14: 113 أبواب الذبح ب 16 ح 3 و فيه: عن الفضل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 319

يكون ذلك مجزئا لظنّه السمن أولا، كما تدلّ عليه ندامته، فالأولى الرجوع إلى العرف.

المسألة الخامسة: لا تجزئ المريضة البيّن مرضها،

باتّفاق العلماء كما عن المنتهى «1»، لرواية البرّاء «2» المنجبر ضعفها بما ذكر.

المسألة السادسة: يستحبّ أن يكون الهدي سمينا،

للأخبار «3»، و الاعتبار، بل نقل الإجماع «4».

و أن يكون ممّا عرّف به، أي احضر بعرفات في عشيّة عرفة- كما عن المفيد و المنتهى و التذكرة و المهذّب و المدارك و الذخيرة و المفاتيح «5»- أو مطلقا، كما في السرائر «6»، و نقل عن غيره أيضا «7».

لصحيحة البزنطي: «لا يضحّى إلّا بما قد عرّف به» «8»، و نحوها في صحيحة أبي بصير «9».

و لقصورهما عن إفادة الوجوب- لمكان الخبريّة، مضافا إلى رواية سعيد: عمّن اشترى شاة لم يعرّف بها، قال: «لا بأس بها عرّف بها أم لم

______________________________

(1) المنتهى 3: 740.

(2) المتقدمة في ص: 311.

(3) الوسائل 14: 109 أبواب الذبح ب 13.

(4) كما في كشف اللثام 1: 368.

(5) نقله عنه في المدارك 8: 39، المنتهى 2: 742، التذكرة 1: 382، المهذّب 1: 257، الذخيرة: 669، المفاتيح 1: 355.

(6) السرائر 1: 598.

(7) كما في الشرائع 1: 261.

(8) التهذيب 5: 207- 692، الاستبصار 2: 265- 937، الوسائل 14: 115 أبواب الذبح ب 17 ح 1.

(9) التهذيب 5: 206- 691، الاستبصار 2: 265- 936، الوسائل 14: 116 أبواب الذبح ب 17 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 320

يعرّف بها» «1»- حملناهما على الاستحباب وفاقا للأكثر، بل عن المنتهى:

الإجماع عليه «2».

و عن ظاهر التهذيبين و النهاية و المبسوط و الإصباح و المهذّب و الغنية:

الوجوب «3»، لما ذكر بجوابه.

و يكفي في التعريف إخبار البائع به، لصحيحة أخرى لسعيد «4».

و هل التعريف هو الإحضار بعرفات في عشيّة عرفة، كما عن التذكرة و المنتهى و المهذّب و المقنعة و في المدارك و الذخيرة و المفاتيح «5»؟

أو الإحضار بعرفات

مطلقا، كما في السرائر «6»، بل نسب ذلك إلى غير الثلاثة الأولى «7».

كلّ محتمل، و مقتضى أصل الاشتغال: الأول.

و أن يكون إناثا من الإبل و البقر و فحولة من الغنم، لفتوى العلماء الأخيار.

و صحيحة ابن عمّار: «أفضل البدن ذوات الأرحام من البدن و البقر، و قد تجزئ الذكورة من البدن، و الضحايا من الغنم الفحولة» «8».

______________________________

(1) الفقيه 2: 297- 1473، التهذيب 5: 207- 693، الاستبصار 2: 265- 938، الوسائل 14: 116 أبواب الذبح ب 17 ح 4.

(2) المنتهى 2: 742.

(3) التهذيب 5: 206، الاستبصار 2: 265، النهاية: 258، المبسوط 1: 373، المهذّب 1: 257، الغنية (الجوامع الفقهية): 582.

(4) التهذيب 5: 207- 694، الاستبصار 2: 265- 939، الوسائل 14: 116 أبواب الذبح ب 17 ح 3.

(5) التذكرة 1: 382، المنتهى 2: 742، المهذّب 1: 257، نقله عن المفيد في المدارك 8: 39، الذخيرة: 669، المفاتيح 1: 355.

(6) السرائر 1: 598.

(7) كما في الرياض 1: 394.

(8) التهذيب 5: 204- 680، الوسائل 14: 98 أبواب الذبح ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 321

و أبي بصير: «أفضل الأضاحي في الحج الإبل و البقر»، و قال: «ذوو الأرحام»، و قال: «لا يضحّى بثور و لا جمل» «1».

و الحلبي: عن الإبل و البقر أيّهما أفضل أن يضحّى بها؟ قال: «ذوات الأرحام» «2».

و مقتضى هذه الروايات بضميمة الأصل و الإطلاق: إجزاء العكس في كلّ منهما، كما هو الأشهر، بل في المنتهى: لا نعلم خلافا في جواز العكس في الثانيين «3».

و في النهاية: لا يجوز التضحية بثور و لا بجمل بمنى، و لا بأس بهما في البلاد «4».

و في الاقتصاد: أنّ من شرطه إن كان من البدن أو البقر

أن يكون أنثى، و إن كان من الغنم أن يكون فحلا من الضأن، فإن لم يجد من الضأن جاز التيس من المعز «5».

و في المهذّب: إن كان من الإبل فيجب أن يكون ثنيّا من الإناث، و إن كان من البقر فيكون ثنيّا من الإناث «6».

فإن أرادوا تأكّد الاستحباب- كما قيل «7»- و إلّا فمحجوج عليهم بعدم الدليل.

______________________________

(1) التهذيب 5: 204- 682، الوسائل 14: 99 أبواب الذبح ب 9 ح 4.

(2) الكافي 4: 489- 2، التهذيب 5: 204- 681، الوسائل 14: 99 أبواب الذبح ب 9 ح 5.

(3) المنتهى 2: 742.

(4) النهاية: 257.

(5) الاقتصاد: 307.

(6) المهذّب 1: 257.

(7) انظر الحدائق 17: 107.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 322

المسألة السابعة: يكره التهدّي بالثور و الجمل،

لصحيحة أبي بصير المتقدّمة، و هي و إن اختصّت بالتضحية، و لكن الأكثر تعدّوا إلى التهديّ أيضا، و لعلّه للإجماع المركّب أو أعميّة التضحية أو الفحوى، و إن أمكن المناقشة في الكلّ، إلّا أنّ بعد فتوى جماعة «1» لا بأس به في مقام التسامح.

و لذلك يقال بكراهة الجاموس فيهما أيضا، مع التصريح بالجواز في صحيحة عليّ بن الريّان: عن الجاموس عن كم يجزئ في الضحية؟ فجاء الجواب: «إن كان ذكرا فعن واحد، و إن كان أنثى فعن سبعة» «2».

و هذه الصحيحة- مضافة إلى ظاهر الإجماع- هي دليل إجزائه، دون البناء على أنّه مع البقر جنس واحد حتى يناقش فيه.

و كذا يكره الموجوء، لفتوى الأصحاب، و إن كان في استفادة كراهته من الأخبار «3» نظر، لأنّ فيها رجّح بعض الأصناف على الموجوء و الموجوء على بعض آخر.

المسألة الثامنة: يستحبّ في النحر أو الذبح أمور:
منها: أن تنحر الإبل قائمة،

لقوله سبحانه فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَ «4»، أي حال كونها قائمات في صفّ واحد.

و لصحيحتي ابن سنان و الكناني:

الاولى: في قول اللّه عزّ و جلّ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَ ،

______________________________

(1) منهم العلّامة في المنتهى 2: 742، التذكرة 1: 382، و الكركي في جامع المقاصد 3: 244، و الأردبيلي في مجمع الفائدة 7: 290.

(2) التهذيب 5: 209- 701، الاستبصار 2: 267- 946، الوسائل 14: 119 أبواب الذبح ب 18 ح 8.

(3) الوسائل 14: 111 أبواب الذبح ب 14.

(4) الحجّ: 36.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 323

قال: «ذلك حين تصفّ للنحر تربط يديها ما بين الخفّ إلى الركبة، و وجوب جنوبها إذا وقعت على الأرض» «1».

و الثانية: كيف تنحر البدنة؟ قال: «تنحر و هي قائمة من قبل اليمين» «2».

و لا يجب ذلك، بلا خلاف يعلم، كما عن التذكرة و

المنتهى «3»، و يدلّ عليه المرويّ في قرب الإسناد: عن البدنة كيف ينحرها قائمة أو باركة؟ قال: «يعقلها، و إن شاء قائمة و إن شاء باركة» «4».

و منها: أن تكون الإبل حال النحر مربوطة يديها ما بين الخفّ و الركبة،

أي يجمع بين يديها و يربطهما ما بين الخفّ و الركبة، للصحيحة الاولى.

و أمّا ما في رواية حمران المذكورة في كتاب الصيد و الذبائح: «و أمّا البعير فشدّ أخفافه إلى آباطه و أطلق رجليه» «5».

فأرجعها المحقّق الشيخ عليّ إلى الأول، قال: المراد بشدّ أخفافه إلى آباطه: أن يجمع يديهما و يربطهما ما بين الخفّ و الركبة، و بهذا صرّح في رواية ابن سنان، و ليس المراد في الأول أنّه يعقل خفّي يديه معا إلى آباطه، لأنّه لا يستطيع القيام حينئذ، و المستحبّ في الإبل أن تكون قائمة [1]. انتهى.

______________________________

[1] لم نعثر عليه في جامع المقاصد و لا في رسالة الحج، و العبارة موجودة في المسالك 2: 228.

______________________________

(1) الكافي 4: 497- 1، الفقيه 2: 299- 1487، التهذيب 5: 220- 743، الوسائل 14: 148 أبواب الذبح ب 35 ح 1.

(2) الكافي 4: 497- 2، الفقيه 2: 299- 1488، التهذيب 5: 221- 744، الوسائل 14: 149 أبواب الذبح ب 35 ح 2.

(3) التذكرة 1: 380، المنتهى 2: 738.

(4) قرب الإسناد: 235- 921، الوسائل 14: 150 أبواب الذبح ب 35 ح 5.

(5) الكافي 6: 229- 4، التهذيب 9: 55- 227، الوسائل 24: 10 أبواب الذبائح ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 324

و كأنّه حمل الإبط على الركبة مجازا.

و احتمل بعضهم التخيير بين الأمرين أو اختصاص الهدي بالأول «1».

و كلّ محتمل.

و أمّا ما ورد في رواية أبي خديجة: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام و هو ينحر بدنة معقولة

يدها اليسرى، ثمَّ يقوم على جانب يدها اليمني و يقول: «بسم اللّه و اللّه أكبر، اللّهم إنّ هذا منك و لك، اللّهم تقبّله منّي»، ثمَّ يطعن في لبّتها «2».

فلا ينافي ما مرّ، لإمكان الجمع بين عقل اليد اليسرى ثمَّ ربط اليدين فيجمع بين الأمرين.

فالعمل بالأخيرة خاصّة- لترجيح هذه الرواية، كما عن الحلبيّين «3»، أو الحكم بالتخيير، كبعض المتأخّرين «4»- ليس بجيّد، مع أنّه على فرض التنافي يكون الترجيح للأولى، لتقديم القول على الفعل.

و منها: أن يكون الذي ينحرها واقفا من الجانب الأيمن للبدنة،

لصحيحة الكناني و رواية أبي خديجة المتقدمتين، و الأولى و إن لم تكن خالية عن إجمال في قوله: «من قبل اليمين»، إلّا أنّ الثانية تبيّنها.

و منها: أن يتولّى الذبح أو النحر بنفسه إن أحسنه،

للتأسّي بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فإنّه روي في الهدي و الأضحية تولّيه بنفسه:

ففي مرسلة الفقيه: «ضحّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بكبشين، ذبح واحدا

______________________________

(1) كما في كشف اللثام 1: 368.

(2) الكافي 4: 498- 8، التهذيب 5: 221- 745، الوسائل 14: 149 أبواب الذبح ب 35 ح 3.

(3) الحلبي في الكافي: 320.

(4) كما في كشف اللثام 1: 368.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 325

بيده فقال: اللّهم هذا عنّي و عمّن لم يضحّ من أهل بيتي، و ذبح الآخر و قال:

هذا عنّي و عمن لم يضحّ من أمّتي» «1».

و في صحيحة الحلبي الواردة في حجّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «و نحر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثلاثا و ستّين، فنحرها بيده» «2».

و ليس التولّي بنفسه واجبا كما مرّ، و إن لم يتولّاه بنفسه يجعل يده مع يد الذابح.

و استدلّوا له بصحيحة ابن عمّار: «كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يجعل السكّين في يد الصبي ثمَّ يقبض الرجل على يد الصبي فيذبح» «3».

و في دلالتها على المطلوب نظر، لجواز أن يكون ذلك لأجل الاحتراز عن ذبح الصبي، و مع ذلك فهي أخصّ من المدّعى، فإنّ كون يده مع يده يتصور على وجوه أخر غير ما في الصحيحة، و لعلّ فتوى الأصحاب تكفي في إثبات المطلوب.

و منها: أن يدعو عند النحر أو الذبح

بما في صحيحة صفوان: «إذا اشتريت هديك فاستقبل به القبلة و انحره أو اذبحه و قل: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً مسلما وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ،- إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ و أنا من المسلمين، اللّهمّ منك و

لك بسم اللّه و اللّه أكبر، اللّهمّ تقبّل منّي، ثمَّ أمرّ السكّين» «4».

و قد مرّ في رواية أبي خديجة دعاء أبي عبد اللّه عليه السلام، و ورد في

______________________________

(1) الفقيه 2: 293- 1448، الوسائل 14: 205 أبواب الذبح ب 60 ح 6.

(2) الكافي 4: 248- 6، الوسائل 11: 222 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 14.

(3) الكافي 4: 497- 5، الوسائل 14: 151 أبواب الذبح ب 36 ح 2.

(4) الكافي 4: 498- 6، التهذيب 5: 221- 746، الوسائل 14: 152 أبواب الذبح ب 37 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 326

مرسلة الفقيه في تضحية أمير المؤمنين عليه السلام أنه يقول: «بسم اللّه وجّهت وجهي» إلى قوله: «ربّ العالمين، اللهمّ منك و لك» «1».

و يمكن التخيير، و يحتمل التفرقة بين الهدي و الأضحية، فالأول للأول، و الثاني للثاني، كما هو مورد الخبرين، و اللّه العالم.

المسألة التاسعة: الحقّ: أنّه لا يجزئ الهدي الواحد إلّا عن شخص واحد في الحجّ الواجب
اشارة

مطلقا و لو بالشروع فيه، مطلقا و لو عند الضرورة، بل ينتقل حينئذ فرضه إلى الصوم، وفاقا للمشهور كما صرّح به جماعة «2»، و عن الخلاف: الإجماع عليه «3»، للأصل، و المستفيضة.

منها: صحيحة محمّد بن عليّ الحلبي: عن النفر تجزئهم البقرة؟

قال: «أمّا في الهدي فلا، و أمّا في الأضحى فنعم، و يجزئ الهدي عن الأضحية» «4»، و نحوها روايته إلى قوله: «نعم» «5».

و صحيحة محمّد- على ما في الاستبصار-: «لا تجوز البدنة و البقرة إلّا عن واحد بمنى» «6».

و أمّا على ما في التهذيب: «لا تجوز إلّا عن واحد بمنى» «7» ففي معناها إجمال يمنع الاستدلال، كما لا يخفى على المتأمّل.

______________________________

(1) الفقيه 2: 293- 1448، الوسائل 14: 153 أبواب الذبح ب 37 ح 2.

(2) منهم السبزواري في الكفاية: 70، صاحب

الحدائق 17: 34.

(3) الخلاف 2: 536.

(4) الفقيه 2: 297- 1472، الوسائل 14: 117 أبواب الذبح ب 18 ح 3.

(5) التهذيب 5: 210- 705، الاستبصار 2: 268- 950، الوسائل 14: 117 أبواب الذبح ب 18 ح 3.

(6) الاستبصار 2: 266- 941.

(7) التهذيب 5: 208- 696، الوسائل 14: 117 أبواب الذبح ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 327

و صحيحة الحلبي: «تجزئ البقرة و البدنة في الأمصار عن سبعة، و لا تجزئ بمنى إلّا عن واحد» «1».

و تؤيّده صحيحة الأزرق: عن متمتّع كان معه ثمن هدي و هو يجد بمثل ذلك الذي معه هديا، فلم يزل يتوانى و يؤخّر ذلك حتى إذا كان آخر النهار غلت الغنم فلم يقدر بأنّ يشتري بالذي معه هديا، قال: «يصوم ثلاثة أيّام بعد أيّام التشريق» «2».

خلافا للمحكيّ عن النهاية و المبسوط و الجمل و الاقتصاد و موضع من الخلاف، فيجزئ الواحد عند الضرورة عن خمسة و عن سبعة و عن سبعين» «3»، قيل: و تبعه كثير.

و عن القاضي و المختلف و ظاهر المنتهى، فيجزئ الواحد عند الضرورة عن الكثير مطلقا «4».

و عن موضع من الخلاف، فتجزئ بقرة أو بدنة عن سبعة إذا كانوا من أهل خوان «5» واحد «6».

و عن المفيد و الصدوق، فتجزئ بقرة عن خمسة إذا كانوا من أهل بيت «7».

______________________________

(1) التهذيب 5: 207- 695، الاستبصار 2: 266- 940، الوسائل 14: 118 أبواب الذبح ب 18 ح 4.

(2) الكافي 4: 508- 7، الفقيه 2: 304- 1509، الوسائل 14: 194 أبواب الذبح ب 51 ح 7.

(3) النهاية: 258، المبسوط 1: 372، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 235، الاقتصاد: 307، الخلاف 2: 535.

(4) القاضي في المهذب 1: 257،

المختلف: 305، المنتهى 2: 748.

(5) الخوان: الذي يؤكل عليه- الصحاح 5: 2110.

(6) الخلاف 2: 441.

(7) المفيد في المقنعة: 418، الصدوق في الهداية: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 328

و عن الديلمي، فكذلك مطلقا «1».

و حكى في الشرائع قولا بإجزاء الواحد عن خمسة و سبعة عند الضرورة إذا كانوا من أهل خوان واحد «2».

و في النافع قولا بإجزاء واحد عن سبعة و عن سبعين بشرط القيدين «3».

مستندين إلى أخبار كثيرة أقربها إلى الدلالة على المطلوب خمسة، و هي: رواية زيد بن جهم، و صحاح حمران و البجلي و ابن عمران، و مرسلة الحسن بن عليّ.

الاولى: متمتّع لم يجد هديا، فقال: «أما كان معه درهم يأتي به قومه فيقول: أشركوني بهذا الدرهم؟!» «4».

و الثانية: عزّت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة مائة دينار، فسئل أبو جعفر عليه السلام عن ذلك، فقال: «اشتركوا فيها»، قلت: كم؟ قال: «ما خفّ فهو أفضل»، قلت: عن كم يجزئ؟ قال: «عن سبعين» «5».

و الثالثة: قوم غلت عليهم الأضاحي و هم متمتّعون، و هم مترافقون، و ليسوا بأهل بيت واحد، و قد اجتمعوا في مسيرهم، و مضربهم واحد، أ لهم أن يذبحوا بقرة؟ قال: «لا أحبّ ذلك إلّا من ضرورة» «6».

______________________________

(1) المراسم: 114.

(2) الشرائع 1: 259.

(3) النافع: 89.

(4) الكافي 4: 497- 5، الوسائل 14: 120 أبواب الذبح ب 18 ح 13.

(5) الكافي 4: 496- 4، التهذيب 5: 209- 703، الاستبصار 2: 267- 948، الوسائل 14: 119 أبواب الذبح ب 18 ح 11.

(6) الكافي 4: 496- 2، التهذيب 5: 210- 706، الاستبصار 2: 268- 951، الوسائل 14: 119 أبواب الذبح ب 18 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 329

و الرابعة: «تجزئ

البقرة عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل خوان واحد» «1».

و الخامسة: كنّا جماعة بمنى- إلى أن قال:- فقلنا: نعم، أصلحك اللّه، إنّ الأضاحي قد عزّت علينا، قال: «فاجتمعوا فاشتروا جزورا فانحروها فيما بينكم»، قلنا: لا تبلغ نفقتنا ذلك، قال: «فاجتمعوا فاشتروا بقرة فيما بينكم»، قلنا: و لا تبلغ نفقتنا، قال: «فأجتمعوا فاشتروا شاة فاذبحوها فيما بينكم»، قلنا: تجزئ عن سبعة؟ قال: «نعم، و عن سبعين» [1].

فإنّ التضمّن للمتمتّع و الهدي كما في بعضها و لمني كما في بعض آخر يقرّب الرواية إلى المطلوب.

و أمّا البواقي، فليس فيها إلّا إجزاء الواحد عن كثير، إمّا مطلقا أو في الأضحية، و لا شكّ أنّها أعمّ مطلقا من الأخبار التي ذكرناها للمطلوب، فلا تعارضها فيه.

و أمّا الخمسة، فالأربعة الأخيرة منها أيضا كذلك.

و كونهم بمنى أو متمتّعين لا يخصّص الرواية بالهدي، لاستحباب الأضحية للمتمتّع أيضا، بل في بعضها التصريح بالأضحية التي هي الظاهرة في غير الهدي.

و أمّا الاولى، فلا دلالة لها على إجزاء ذلك عن الصيام المأمور به في

______________________________

[1] الكافي 4: 496- 3، التهذيب 5: 209- 702، الاستبصار 2: 267- 947، الوسائل 14: 120 أبواب الذبح ب 18 ح 12 و ص: 123 ب 19 ح 1، و في الجميع: عن الحسن بن علي، عن رجل يسمّى سوادة.

______________________________

(1) التهذيب 5: 208- 697، الاستبصار 2: 266- 942، الوسائل 14: 118 أبواب الذبح ب 18 ح 5، و في الجميع: عن ابن عمّار.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 330

القرآن بعد عدم وجدان الهدي، و لا على وجوب ذلك التشريك، فيحتمل أن يكون ذلك أمرا مرغوبا تحصل له فضيلة الهدي و إن وجب عليه الصيام.

فرع: ما مرّ- كما أشير إليه- مخصوص بالهدي،

بل الواجب منه- كما قالوا- و لو

بالشروع في الحجّ.

و أمّا الأضحية و المبعوث به من الآفاق و المتبرّع بسياقه إذا لم يتعيّن بالإشعار أو التقليد فيجزئ الواحد فيه إبلا كان أو بقرا أو غنما عن الكثير مطلقا، و لو بلغ ما بلغ، و لو في الاختيار، و في المنتهى: الإجماع على الإجزاء عن سبعة «1»، و في التذكرة: عن سبعين «2»، و لا يبعد أن يكون ذلك مثالا للكثرة، كما هو الظاهر من الأخبار المتضمّنة للعدد الخاص.

و قد ورد في صحيحة ابن سنان: «ذبح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم الأضحى كبشا عمّن لم يجد من أمّته» «3».

و في مرسلة الفقيه: أنّه ذبح كبشا و قال: «اللّهم هذا عنّي و عمّن لم يضحّ من أهل بيتي، و ذبح الآخر و قال: هذا عنّي و عمّن لم يضحّ من أمّتي» «4».

و لو لا مظنّة الإجماع على اختصاص عدم الإجزاء بالهدي الواجب لقلنا به في الهدي مطلقا و خصّصنا التشريك بالأضحية، كما هو الظاهر من الجمع بين الأخبار.

و نقل في السرائر عن الخلاف جواز تشريك السبعة في التطوّع إذا

______________________________

(1) المنتهى 2: 748.

(2) التذكرة 1: 384.

(3) الكافي 4: 495- 1، الوسائل 14: 100 أبواب الذبح ب 10 ح 3، بتفاوت يسير.

(4) الفقيه 2: 293- 1448، الوسائل 14: 205 أبواب الذبح ب 60 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 331

كانوا من أهل بيت واحد، و لا يجزئ إذا كانوا من أهل بيوت شتّى، و ادّعى عليه إجماع الفرقة «1».

و الأخبار تردّه، و تخصيص الإجزاء بسبعة في الذكر في بعض الاخبار «2» لا ينافي إجزاء الغير، فلا تقيّد به الإطلاقات، و لا يعارض ما يتضمن الزائد.

المقام الرابع: في مصرف الهدي و قسمته.
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: يجب أكل المالك شيئا من لحم الهدى،

وفاقا لصريح الحلّي و الشرائع و المختلف و المنتهى و القواعد و الدروس و المسالك و المدارك و الذخيرة و الكفاية «3»، و هو ظاهر الصدوق و العماني «4».

للآيتين «5»، و صحيحة ابن عمّار: «إذا ذبحت أو نحرت فكل و أطعم، كما قال اللّه تعالى فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ» «6».

و أورد «7» عليهما: بمنع دلالة الأمر فيهما على الوجوب، أمّا أولا:

______________________________

(1) السرائر 1: 596.

(2) الكافي 4: 496- 3، التهذيب 5: 209- 702، الاستبصار 2: 267- 947، الوسائل 14: 120 أبواب الذبح ب 18 ح 12.

(3) الحلي في السرائر 1: 598، الشرائع 1: 261، المختلف: 306، المنتهى 2:

752، القواعد 1: 88، الدروس 1: 439، المسالك 1: 116، المدارك 8: 43، الذخيرة: 670، الكفاية: 71.

(4) الصدوق في الهداية: 62، حكاه عن العماني في المختلف: 306.

(5) الحج: 28، 36.

(6) التهذيب 5: 223- 751، الوسائل 14: 159 أبواب الذبح ب 40 ح 1.

(7) كما في الرياض 1: 395.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 332

فلوروده مورد توهّم الحظر، حيث حكي عن صاحب الكشّاف و الفاضل المقداد «1» و غيرهما «2»:

أنّ الأمم الماضية يمتنعون من أكل نسائكم، فرفع اللّه الحرج عنه، فلا يفيد سوى الإباحة.

و أمّا ثانيا: فلأن محلّ النزاع هو هدي التمتّع، كما صرّح به في المدارك «3».

و في المنتهى: هدي التطوّع يستحب الأكل منه بلا خلاف، لقوله تعالى فَكُلُوا مِنْها، و أقلّ مراتب الأمر الاستحباب- إلى أن قال:- و لو لم يأكل من هدي التطوّع لم يكن به بأس بلا خلاف «4».

و لا اختصاص للآيتين و لا للرواية بهدي التمتع، بل يعمّه و هدي القران و التضحية، فلا بدّ إمّا من صرف

الأمر إلى الاستحباب أو التخصيص بهدي التمتّع، و الرجحان للأول، لما مرّ من كون المقام مقام توهّم الحظر، و لشهرة القول بالاستحباب، مضافا إلى شمول الرواية لسائر أفراد الذبح و النحر أيضا.

و يرد على الأول: عدم ثبوت النقل المذكور بحيث يوجب علينا صرف اللفظ عن حقيقته المعلومة، سيّما في الرواية التي وردت بعد مدّة طويلة من زمان رفع الحظر لو كان.

______________________________

(1) حكاه عنه في زبدة البيان: 227، و انظر الكشّاف 3: 158، الفاضل المقداد في كنز العرفان 1: 314.

(2) كالطبرسي في مجمع البيان 4: 86، القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 12:

64.

(3) المدارك 8: 45.

(4) المنتهى 2: 752.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 333

هذا، مع ما في حمل الأمر الوارد عقيب الحظر على الإباحة من الكلام.

و على الثاني: أنّ تصريح المدارك بأنّ محلّ النزاع هو هدي التمتّع يمكن أن يكون في هذا المقام، و مثله لا يدلّ على عدم النزاع في غيره أصلا، و نفي الخلاف في المنتهى لا حجيّة فيه، خصوصا بعد العلم بوجود الخلاف.

قال في السرائر: فأمّا هدي المتمتّع و القارن فالواجب أن يأكل منه و لو قليلا، و يتصدّق على القانع و المعترّ و لو قليلا، لقوله تعالى فَكُلُوا إلى آخره، و الأمر عندنا يقتضي الوجوب «1». انتهى.

و هذا ظاهر الصدوق و العماني أيضا «2»، و استقرب الشهيد في الدروس أيضا مساواة هدي السياق لهدي التمتّع في وجوب الأكل منه و الإطعام «3».

و قال في المدارك بعد نقله عنه: و لا بأس به «4».

مع أنّه يمكن أن يكون مراد المنتهى من التطوّع الأضحية و نحوها، و نفيه الخلاف مع تصريح الحلّي بالخلاف يدلّ على ذلك.

و قد يستدلّ للوجوب بأخبار أخر يمكن المناقشة

في دلالتها، و لا فائدة تامّة في ذكرها بعد ما ذكر.

و لا تنافيها صحيحة سيف الآتية الآمرة بالتثليث من غير ذكر الأكل،

______________________________

(1) السرائر 1: 598.

(2) الصدوق في الهداية: 62، حكاه عن العماني في المختلف: 306.

(3) الدروس 1: 443.

(4) المدارك 8: 71.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 334

لأنّ أكله داخل في إطعام الأهل، كما يستفاد من الموثّقة الآتية الآمرة بأكل الثلث.

و إن أبيت فنقول: فتتعارض هذه الصحيحة مع الموثقة، و الترجيح مع الموثّقة لا محالة، لموافقة الكتاب.

خلافا للشيخ «1» و جماعة «2»، فقالوا باستحباب الأكل، و في الدروس:

أنّ ظاهر الأصحاب الاستحباب «3». و استدلّوا له بالأصل الواجب دفعه بما ذكر.

المسألة الثانية: يجب أيضا إطعام شي ء منه،

و اختلف القائلون بوجوب أكله فيما يجب زائدا عليه.

فقال الحلّي بوجوب التصدّق على القانع و المعترّ «4»، و لم يزد على ذلك.

و في الكفاية: الواجب مسمّى الأكل، و إعطاء شي ء إلى القانع، و إعطاء شي ء إلى المعترّ «5».

و في الذخيرة: إعطاء شي ء إلى الفقير أيضا «6»، مضافا إلى ما في الكفاية.

و في المدارك: وجوب الأكل منه و الإطعام «7».

و في المسالك: وجوب الأكل و إهداء الإخوان و الصدقة على

______________________________

(1) النهاية: 261.

(2) منهم الحلبي في الكافي في الفقه: 200، ابن حمزة في الوسيلة: 184.

(3) الدروس 1: 439.

(4) السرائر 1: 598.

(5) الذخيرة: 670.

(6) الذخيرة: 670.

(7) المدارك 8: 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 335

الفقراء «1». و هو المصرّح به في الدروس «2»، و ظاهر الصدوق و العماني «3».

أقول: لا ينبغي الريب في وجوب الإطعام كما في المدارك، و الآيتان و الصحيحة السابقة «4» و رواية علي بن أسباط عن مولى لأبي عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله «5» تدلّ عليه بلا معارض، بل لها المعاضدات

الكثيرة.

و الظاهر وجوب إطعام الفقير، لإحدى الآيتين.

و لا تنافيها الصحيحة و الرواية المشار إليها، لكون إطعام الفقير أخصّ مطلقا من الإطعام.

و لا الآية الأخرى، لإمكان الجمع بين إطعام الفقير و القانع و المعترّ.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة سيف: «إنّي سقت هديا فكيف أصنع به؟

فقال له أبي: أطعم أهلك ثلثا، و أطعم القانع و المعترّ ثلثا، و أطعم المساكين ثلثا، فقلت: المساكين هم السؤّال؟ فقال: نعم، و قال: القانع الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها، و المعترّ ينبغي له أكثر من ذلك، هو أغنى من القانع يعتريك فلا يسألك» «6».

و موثّقة العقرقوفي: سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال:

«بمكّة»، قلت: فأيّ شي ء أعطي منها؟ قال: «كلّ ثلثا و أهد ثلثا و تصدّق

______________________________

(1) المسالك 1: 116.

(2) الدروس 1: 439.

(3) الصدوق في الهداية: 62، حكاه عن العماني في المختلف: 306.

(4) التهذيب 5: 223- 751، الوسائل 14: 159 أبواب الذبح ب 40 ح 1.

(5) الكافي 4: 501- 9، التهذيب 5: 224- 755، الوسائل 14: 116 أبواب الذبح ب 40 ح 20.

(6) التهذيب 5: 223- 753، معاني الأخبار: 208- 2، الوسائل 14: 160 أبواب الذبح ب 40 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 336

ثلثا» «1»، و غير ذلك «2».

فإن أبيت عن وجوب التثليث فتكون الروايتان معاضدتين للآية، و لا معارض لها أصلا، فيجب العمل بها، مع أنّ الصحيحة و الموثقة واردتان في هدي السياق خاصّة، و اتّحاد حكم الجميع غير واضح.

و كذا يجب إعطاء القانع و المعترّ، للآية و الصحيحتين المتقدّمتين، و لا معارض لها أصلا، أمّا الآية الأخرى و مطلقات الأمر بالإطعام فظاهر، و أمّا الأخبار المتضمّنة للإهداء و التصدّق فلتحقّقهما بالنسبة إلى القانع

و المعترّ أيضا.

و لا يجب غير ذلك أصلا، للأصل الخالي عن الدافع، سوى صحيحة سيف الآمرة بإطعام الأهل.

و هو غير قابل للحمل على الوجوب قطعا، لعدم وجوب إعطاء الأهل الثلث بالإجماع المعلوم من سيرة العلماء، بل جميع الأمّة من الصدر الأول إلى زماننا هذا، بل الحجج عليهم السلام، فإنّا نقطع بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ما أطعم ثلث ستّ و ستّين و لا الوليّ عليه السلام ثلث أربع و ثلاثين حين سوقهما لها لأهل بيتهما.

فإذن الحقّ هو: خيرة الذخيرة، بل يمكن إرجاع جميع الأقوال المذكورة في وجوب الزائد على الأكل إلى واحد، حيث إنّه لا يشترط في الإهداء الغناء، بل يكفي الإرسال لا بقصد التصدّق، و لا في القانع و المعترّ شي ء من الفقر و لا الغناء.

______________________________

(1) الكافي 4: 488- 5، التهذيب 5: 202- 672، الوسائل 14: 165 أبواب الذبح ب 40 ح 18.

(2) الوسائل 14: 159 أبواب الذبح ب 40.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 337

ثمَّ المراد بالقانع هو: الذي يقنع بما أرسلت إليه و لا يطلب منك الزائد عليه، و بالمعترّ: من يمرّ بك بقصد إعطائك إيّاه و لا يسأل، كما تدلّ عليه صحيحة سيف المذكورة، و صحيحتا ابن عمّار «1» و مرسلة الفقيه «2» و رواية عبد الرحمن «3».

المسألة الثالثة: يكفي في امتثال ما مرّ من الأكل و إطعام الفقير و القانع و المعترّ المسمّى،

لصدق الامتثال، و أصالة عدم وجوب الزائد.

و قد يقال بوجوب التثليث في القسمة: ثلث للأهل، و ثلث للإهداء، و ثلث للتصدّق.

و لا دليل عليه في غير هدي السياق من هدي التمتّع و الأصحيّة و غيرها، و الإجماع المركّب غير ثابت جدّا.

نعم، تدلّ عليه في هدى السياق صحيحة سيف و موثّقة العقرقوفي المتقدّمتين، فلا بأس بالقول بالوجوب فيه خاصّة، و لكن

في غير الثلث الأول، لما مرّ من الإجماع على عدم إعطاء الأهل و لا أكل المالك الثلث، بل الظاهر عدم إمكانهما غالبا، سيّما بملاحظة النهي عن الإخراج عن منى، و مع ذلك يحصل الوهن في وجوب الثلاثين الأخيرين أيضا.

المسألة الرابعة: ما ذكر إنّما هو في الهدي،

و أمّا في الأضحية

______________________________

(1) الاولى في: التهذيب 5: 223- 751، الوسائل 14: 159 أبواب الذبح ب 40 ح 1.

الثانية في: الكافي 4: 500- 6، الوسائل 14: 164 أبواب الذبح ب 40 ح 14.

(2) الفقيه 2: 294- 1456، الوسائل 14: 167 أبواب الذبح ب 40 ح 24.

(3) الكافي 4: 499- 2، معاني الأخبار: 208- 1، الوسائل 14: 163 أبواب الذبح ب 40 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 338

فلا يجب فيها شي ء ممّا ذكر، للأصل.

و يستحبّ التثليث: إمّا ثلث لأهل البيت، و ثلث للجيران، و ثلث للسائلين و الطالبين، كما تدلّ عليه رواية الكناني: عن لحوم الأضاحي، فقال: «كان علي بن الحسين و أبو جعفر عليهما السلام يتصدّقان بثلث على جيرانهما»، و ثلث على السؤال، و ثلث يمسكانه لأهل البيت» «1».

و الأولى اعتبار الفقر في الجيران، لمكان لفظ التصدّق.

أو ثلث لأهل البيت، و ثلث للفقراء من القانعين و المعترّين، و ثلث يهدى للأصدقاء، كما ذكره الحلّي في السرائر، ناسبا له إلى رواية أصحابنا «2»، لهذه الرواية المرسلة الكافية في مقام الاستحباب.

المسألة الخامسة: يترجّح عدم إخراج لحم الهدي عن منى

بلا خلاف فيه يوجد، بل مطلقا كما في المفاتيح، قال: و لا ينبغي إخراج شي ء منها من منى، بل يصرفه بها بلا خلاف «3». بل بالإجماع، و هو أو فتوى الأصحاب دليل عليه، و إلّا فليس في الأخبار شي ء يثبته كما سيظهر.

و هل ذلك على الوجوب حتى يحرم الإخراج؟ كما هو صريح الشرائع و الإرشاد و ظاهر النافع «4» و نسبه في الذخيرة إلى المشهور «5»، و قال في المدارك: هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 499- 3، الفقيه 2: 294- 1457، المقنع: 88، العلل: 438- 3، الوسائل 14:

163 أبواب الذبح ب 40 ح 13.

(2) السرائر 1: 598.

(3) المفاتيح 1: 356.

(4) الشرائع 1: 260، الإرشاد 1: 332، النافع 1: 89.

(5) الذخيرة: 666.

(6) المدارك 8: 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 339

أو الاستحباب حتى يستحبّ؟ كما هو ظاهر بعضهم «1»، بل نسبه في شرح المفاتيح إلى المشهور، قال: و المشهور بين الأصحاب كراهة إخراج شي ء من الهدي من منى و استحباب صرفه بها، و لعلّه ممّا لا خلاف فيه. ثمَّ قال بعد نقل طائفة من الاخبار: و المستفاد من ظواهر تلك الأخبار و إن كان التحريم و عدم جواز الإخراج إلّا أنّها محمولة عند الأكثر على الكراهة. انتهى.

الحقّ هو: الثاني، للأصل الفارغ عن مكاوحة [1] المعارض رأسا.

فإنّ الأخبار التي يتمسّكون بها للمنع تحريما أو كراهة: صحيحة محمّد: عن اللحم أ يخرج به من الحرم؟ فقال: «لا يخرج منه شي ء إلّا السنام بعد ثلاثة أيّام» «2».

و ابن عمّار: «لا تخرجنّ شيئا من لحم الهدي» «3».

و مرسلة الفقيه: «كنّا ننهى الناس عن إخراج لحوم الأضاحي من منى بعد ثلاثة، لقلّة اللحم و كثرة الناس، و أمّا اليوم فقد كثر اللحم و قلّ الناس فلا بأس بإخراجه، و لا بأس بإخراج الجلد و السنام من الحرم، و لا يجوز إخراج اللحم منه» «4».

و رواية عليّ بن أبي حمزة: «لا يتزوّد الحاجّ من أضحيته، و له أن

______________________________

[1] كاوحت فلانا مكاوحة إذا قاتلته فغلبته .. أكاح زيدا و كوّحه إذا غلبه- لسان العرب 2: 575.

______________________________

(1) كصاحب الرياض 1: 401.

(2) التهذيب 5: 226- 765، الاستبصار 2: 274- 974، الوسائل 14: 171 أبواب الذبح ب 42 ح 1.

(3) التهذيب 5: 226- 766، الاستبصار 2: 275- 975، الوسائل 14: 171 أبواب

الذبح ب 42 ح 2.

(4) الفقيه 2: 295- 1459، الوسائل 14: 170 أبواب الذبح ب 41 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 340

يأكل بمنى أيّامها» «1».

و رواية عليّ: «لا يتزوّد الحاجّ من أضحيته، و له أن يأكل منها أيّامها، إلّا السنام، فإنّه دواء» «2».

و موثّقة إسحاق: عن الهدي أ يخرج شي ء منه من الحرم؟ فقال:

«بالجلد و السنام و الشي ء ينتفع به»، قلت: إنّه بلغنا عن أبيك أنّه قال:

«لا يخرج من الهدي المضمون شيئا»، قال: «بل يخرج بالشي ء ينتفع به»، و زاد فيه أحمد: و لا يخرج بشي ء من اللحم من الحرم «3».

و يردّ أولا: بقصور تلك الروايات جميعا عن إفادة التحريم، لمكان الجملة الخبريّة أو ما يحتمله، سوى مرسلة الفقيه فإنّه و إن صرّح فيها أخيرا بقوله «لا يجوز» إلّا أنّه معارض بقوله أولا: «فلا بأس بإخراجه»، فلا بدّ إمّا من جعل الأخير من فتوى صاحب الكتاب- كما احتمله في الوافي «4»- أو من حمل: «لا يجوز» على الكراهة، أو رفع اليد عن الرواية.

و ثانيا: بما في كلّ واحد أيضا:

أمّا الأولى ففيها- مع ورودها في الحرم دون منى-: أنّ اللحم فيها عامّ للهديين و الكفّارات و الضحايا و سائر التطوّعات، و الإخراج أعمّ من إخراج المالك و الفقير و المهدى له و المشتري، و كثير منها ممّا لم يقل أحد بتحريمه، و بذلك تنفتح فيها أبواب من التجوّزات، و تعيين ما يفيد المطلوب منها

______________________________

(1) التهذيب 5: 227- 767، الاستبصار 2: 275- 976، الوسائل 14: 171 أبواب الذبح ب 42 ح 3.

(2) التهذيب 5: 227- 769، الاستبصار 2: 275- 978، الوسائل 14: 172 أبواب الذبح ب 42 ح 4.

(3) الوافي 14: 1167.

(4) الوافي 14:

1167.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 341

لا معين له، و مع ذلك قيّد بما بعد ثلاثة أيّام، و هو أيضا ممّا يفتح بابا اخرى.

و أمّا الثانية، ففيها عدم تعيّن محلّ الإخراج و لا من يخرجه.

و أمّا الثالثة، ففيها ما مرّ.

و أمّا الرابعة و الخامسة، ففيهما: أنّ التزوّد غير الإخراج، فقد يتزوّد و لا يخرج، و قد يخرج من غير التزوّد و يهديه لمن في غير منى، و مع ذلك تتضمّنان الأضحية، و شمولها للهدي غير معلوم.

و أمّا السادسة، ففيها ما مرّ في الاولى من ورودها في الحرم، و مع ذلك يدلّ صدرها على جواز إخراج شي ء ينتفع به، و هو بإطلاقه يشمل اللحم، و آخره لم يقطع بكونه من أحمد نفسه أو من الإمام.

هذا كلّه، مع ما لتلك الأخبار من المعارض، و هو صحيحة محمّد:

عن إخراج لحوم الأضاحي من منى، فقال: «كنّا نقول: لا يخرج منها شي ء، لحاجة الناس إليه، و أمّا اليوم فقد كثير الناس فلا بأس بإخراجه» «1».

هذا في اللحوم.

و أمّا الجلود و غيرها من الأجزاء- كالأطراف و الأمعاء و الشحم و القرن و غيرها- فظاهر بعض المحرّمين في اللحم التحريم فيها أيضا «2».

و عن الشهيد الثاني التصريح به «3»، و استدلّ له ببعض الأخبار الآمرة بالتصدّق بطائفة من هذه الأشياء و الناهية عن إعطائها الجزّارين «4».

و هو غريب، لأنّ كلّا منها غير الإخراج، و مع ذلك صرّح في المرسلة

______________________________

(1) الكافي 4: 500- 7، التهذيب 5: 227- 768، الاستبصار 2: 275- 977، الوسائل 14: 172 أبواب الذبح ب 42 ح 5.

(2) كما في الشرائع 1: 260.

(3) المسالك 1: 115.

(4) الوسائل 14: 173 أبواب الذبح ب 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص:

342

و الموثّقة المتقدّمتين بجواز إخراج الجلد و السنام، فالحقّ: الجواز.

و لا تنافيه صحيحة محمّد: عن اللحم أ يخرج به من الحرم؟ فقال:

«لا يخرج منه شي ء إلّا السنام بعد ثلاثة أيّام» «1»، لأنّ الظاهر رجوع الضمير إلى اللحم، مع أنّه لا يثبت أزيد من المرجوحيّة، و لو سلّم يجب الحمل عليها، لما مرّ.

و الظاهر عدم جواز إعطاء الجلود و لا شيئا آخر الجزّار و السلّاخ، للنهي عنه في صحيحة البختري «2»، و رواية ابن عمّار «3»، و رواية سليمان بن جعفر: «و إنّما يجوز للرجل أن يدفع الأضحية إلى من يسلخها بجلدها، لأنّ اللّه تعالى قال فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا، و الجلد لا يؤكل و لا يطعم، و لا يجوز ذلك في الهدي» «4».

و هل المنع يختصّ بالإعطاء أجرة، أو مطلقا؟

ظاهر الإطلاق: الثاني.

و قيّده جماعة بالأول «5»، و لعلّه لكونه الظاهر من المنع.

و فيه: منع ظاهر، و أمر الاحتياط واضح، و اللّه العالم.

المقام الخامس: في العجز عن الهدي و بيان بدله،
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: من أحرم بالتمتّع و لم يكن له هدي و لا ثمنه

الذي

______________________________

(1) التهذيب 5: 226- 765، الاستبصار 2: 274- 974، الوسائل 14: 171 أبواب الذبح ب 42 ح 1.

(2) الكافي 4: 501- 1، الوسائل 14: 173 أبواب الذبح ب 43 ح 1.

(3) الكافي 4: 501- 2، الوسائل 14: 173 أبواب الذبح ب 43 ح 2.

(4) الفقيه 2: 129- 550، الوسائل 14: 175 أبواب الذبح ب 43 ح 7، و رويت فيهما مرسلة.

(5) انظر الخلاف 2: 535، كشف اللثام 1: 371.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 343

يشتريه يجب عليه الانتقال إلى بدله، و هو صوم عشرة أيّام، بالكتاب، و السنّة، و الإجماع، ثلاثة و سبعة، و تلك عشرة كاملة.

المسألة الثانية: يجب أن تكون الثلاثة الأيّام في الحجّ
اشارة

- أي في شهره- و هو هنا: ذو حجّته الذي يحجّ فيه، بلا خلاف أجده.

و تدلّ عليه صحيحة رفاعة، و فيها: «إنّا أهل بيت نقول ذلك لقول اللّه عزّ و جلّ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِ ، نقول في ذي الحجّة» «1».

و في صحيحة البجلي- بعد السؤال عنه عن قوله تعالى فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِ -: «كان جعفر عليه السلام يقول: ذو الحجّة كلّه من أشهر الحجّ» «2».

و في صحيحة منصور: «من لم يصم في ذي الحجّة حتى يهلّ هلال المحرّم فعليه دم شاة و ليس له صوم، و يذبحه بمنى» «3».

و يجب فيها التتابع، بإجماعنا المصرّح به في كلام جماعة «4».

و تدلّ عليه موثّقة إسحاق: «لا تصم الثلاثة الأيّام متفرّقة» «5»، و نحوها الصحيح المرويّ في قرب الإسناد «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 506- 1، التهذيب 5: 38- 114، الوسائل 14: 178 أبواب الذبح ب 46 ح 1، و الآية: البقرة: 196.

(2) التهذيب 5: 230- 779، الاستبصار 2: 278- 988، الوسائل 14: 192 أبواب الذبح ب 51 ح 4.

(3)

الكافي 4: 509- 10، التهذيب 5: 39- 116، الاستبصار 2: 278- 989، الوسائل 14: 185 أبواب الذبح ب 47 ح 1.

(4) كما في المنتهى 2: 743، الحدائق 17: 130، الرياض 1: 396.

(5) التهذيب 5: 232- 784، الاستبصار 2: 280- 994، الوسائل 14: 198 أبواب الذبح ب 53 ح 1.

(6) قرب الإسناد: 17- 56، الوسائل 14: 182 أبواب الذبح ب 46 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 344

و رواية عليّ بن الفضل الواسطي المضمرة: «إذا صام المتمتّع يومين لا يتابع اليوم الثالث فقد فاته صيام ثلاثة أيّام في الحجّ، فليصم بمكّة ثلاثة أيّام متتابعات، فإن لم يقدر و لم يقم عليه الجمّال فليصمها في الطريق، أو إذا قدم علي أهله صام عشرة أيّام متتابعات» «1».

و يستثنى من وجوب التتابع فيه: إذا صام يومي التروية و عرفة، فيأتي بالثالث بعد التشريق، حكي ذلك عن الشيخ و الحلّي «2»، و جماعة «3»، و اختاره في الشرائع «4»، و في المدارك: أنّه المشهور بين الأصحاب «5»، و عن الحلّي: الإجماع عليه، و هو الأظهر.

لموثّقة الأزرق: عن رجل قدم يوم التروية متمتّعا و ليس له هدي فصام يوم التروية و يوم عرفة، قال: «يصوم يوما آخر بعد أيّام التشريق» «6».

و رواية البجلي: فيمن صام يوم التروية و يوم عرفة، قال: «يجزئه أن يصوم يوما آخر» «7».

و عورضتا بروايات أخر مصرّحة: بأنّ من فاته ذلك لا يصوم اليومين

______________________________

(1) التهذيب 5: 231- 782، الاستبصار 2: 279- 993، الوسائل 14: 196 أبواب الذبح ب 52 ح 4، و في قرب الإسناد: 394- 1381 عن أبي الحسن عليه السلام.

(2) الشيخ في المبسوط 1: 370، و النهاية: 255، الحلّي في السرائر 1: 593.

(3)

منهم الشهيد في الدروس 1: 441، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 238، و صاحب الرياض 1: 396.

(4) الشرائع 1: 262.

(5) المدارك 8: 50.

(6) الفقيه 2: 304- 1505، التهذيب 5: 231- 781، الاستبصار 2: 279- 992، الوسائل 14: 196 أبواب الذبح ب 52 ح 2.

(7) التهذيب 5: 231- 780، الاستبصار 2: 279- 991، الوسائل 14: 195 أبواب الذبح ب 52 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 345

بل يصوم بعد ذلك «1»، و لا تعارضهما عند التحقيق، لأنّها بين واردة بالجملة الخبريّة التي لا تفيد أزيد من المرجوحيّة، و آمرة بصوم أيّام التشريق أو يوم الحصبة و ما بعده، و لا يمكن حمل الأمر فيها على الوجوب، لجواز التأخير.

نعم، تعارضهما رواية الواسطي المتقدّمة، و لكنّها أعمّ مطلقا منهما، لأعميّة اليومين من التروية و عرفة، فيتعيّن التخصيص، و لكن لا شكّ أنّ الأحوط تأخير الثلاثة عن يوم النحر.

و لو فاته يوم التروية لا يصوم عرفة و يومين بعد النحر، لوجوب التتابع، خرج ما إذا أدرك التروية و عرفة بما مرّ، فيبقى الباقي.

و هل يجب كون الثلاثة في الثلاثة الأيّام التي قبل يوم النحر اختيارا، كما هو ظاهر الحلّي؟

قال في السرائر: فالثلاثة الأيّام: يوم قبل يوم التروية و يوم تروية و يوم عرفة، فإن فاته صوم هذه الأيّام صام يوم الحصبة.

و قال أيضا فيما بعد ذلك: أجمعوا على أنّه لا يجوز الصيام إلّا يوم قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، و قبل ذلك لا يجوز «2».

و هو- كما ترى- ظاهر في دعوى الإجماع على ذلك، و حكي الإجماع عليه عن ظاهر التبيان أيضا «3»، و ظاهر بعضهم حكاية القول به عن جمع آخر أيضا

«4».

______________________________

(1) أنظر الوسائل 14: 195 أبواب الذبح ب 52.

(2) السرائر 1: 592- 594.

(3) التبيان 2: 160.

(4) كالمختلف: 305.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 346

أو يستحبّ، كما صرّح به جماعة «1»؟

بل في الذخيرة: أنّه يجوز تأخيرها، فيصوم طول ذي الحجّة، لا أعلم فيه خلافا بين أصحابنا، و هو قول أكثر العامّة، و حكى المصنّف عن بعض العامّة قولا بخروج وقتها بمضيّ عرفة، و هو ضعيف «2». انتهى.

و يمكن الجمع: إمّا بحمل الأول على جعل الثلاثة المتّصلة «3» أول وقت الجواز.

أو بحمل الثاني على بقاء الوقت الاختياري، و إن وجبت المبادرة عند جماعة في الثلاثة المتّصلة «4».

و كيف كان، تدلّ على الأول أخبار كثيرة، أكثرها و إن لم يثبت سوى رجحان الثلاثة المذكورة- كالصحاح الأربع لرفاعة «5» و ابن عمّار «6» و العيص «7» و حمّاد «8»، و مرسلة الفقيه «9»، و روايتي يونس «10» و البجلي «11»-

______________________________

(1) كالمنتهى 2: 743، الدروس 1: 440، الحدائق 17: 124.

(2) الذخيرة: 673.

(3) كشف اللثام 1: 364، و انظر الرياض 1: 397.

(4) كشف اللثام 1: 364، و انظر الرياض 1: 397.

(5) المتقدمة في ص: 343.

(6) الكافي 4: 507- 3، التهذيب 5: 39- 115، الوسائل 14: 179 أبواب الذبح ب 46 ح 4.

(7) الكافي 4: 508- 4، الوسائل 14: 179 أبواب الذبح ب 46 ح 3.

(8) قرب الإسناد: 17- 56، الوسائل 14: 182 أبواب الذبح ب 46 ح 14.

(9) الفقيه 2: 302- 1504، الوسائل 14: 182 أبواب الذبح ب 46 ح 14.

(10) التهذيب 4: 231- 679، الوسائل 10: 201، أبواب من يصح منه الصوم ب 11 ح 3.

(11) التهذيب 5: 230- 779، الاستبصار 2: 278- 988، الوسائل 14: 192 أبواب الذبح

ب 51 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 347

و لكن يمكن إثبات الوجوب من بعضها، كصحيحة البجلي: ما تقول في رجل تمتّع و لم يكن له هدي؟ قال: «يصوم الأيّام التي قال اللّه تعالى» إلى أن قال: و أيّ أيّام هي؟ قال: «قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة» الحديث «1».

فإنّ في تفسير الأيّام التي قال اللّه سبحانه بالثلاثة دلالة على تعيينها.

و صحيحة محمّد: «الصوم الثلاثة الأيام، إن صامها فآخرها يوم عرفة، فإن لم يقدر على ذلك فليؤخّرها حتى يصومها في أهله و لا يصومها في السفر» «2».

و رواية القدّاح: «من فاته صيام الثلاثة الأيّام في الحجّ، و هي قبل يوم التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، فليصم أيّام التشريق، فقد اذن له» «3».

إلّا أنّه تعارضها صحيحة زرارة: «من لم يجد ثمن الهدي فأحبّ أن يصوم الثلاثة الأيّام في العشر الأواخر فلا بأس» «4»، المؤيّدة ببعض عمومات أخر، فهي قرينة على إرادة الرجحان من الروايات الأولى.

فإذن الأقوى هو: الاستحباب، فيجوز تأخيرها اختيارا.

و هل تجب المبادرة إليها بعد التشريق، فإن فات فليصم بعد ذلك، كما نسب إلى ظاهر الأكثر «5»؟

______________________________

(1) التهذيب 5: 230- 779، الاستبصار 2: 278- 988، الوسائل 14: 192 أبواب الذبح ب 51 ح 4.

(2) التهذيب 5: 234- 791، الاستبصار 2: 283- 1003، الوسائل 14: 181 أبواب الذبح ب 46 ح 10.

(3) التهذيب 5: 229- 778، الاستبصار 2: 277- 987، الوسائل 14: 193 أبواب الذبح ب 51 ح 6.

(4) الفقيه 2: 303- 1508، الوسائل 14: 182 أبواب الذبح ب 46 ح 13.

(5) كشف اللثام 1: 365.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 348

أو لا، بل يجوز التأخير عنه

اختيارا أيضا ما لم يخرج ذو الحجة؟

الظاهر: الثاني، للأصل السليم عمّا يعارضه، سوى أخبار كثيرة «1» قاصرة عن إفادة الوجوب، لمكان الجملة الخبريّة، أو المتضمّنة للأمر بصوم آخر أيّام التشريق، الذي لا قائل بوجوبه ظاهرا، بل تعارضها فيه أخبار كثيرة أخرى «2»، فيجوز صومها طول ذي الحجّة.

و هل يجوز صيام الثلاثة في أيّام التشريق كلّا، أو يجوز جعل أوله آخرها- أي يصوم يوم الحصبة، و هو الثالث عشر، و يومين بعده فلا يجوز الصوم في أيام منى خاصّة أو لا يجوز أصلا؟

الأول: محكيّ عن الإسكافي «3»، و له رواية القدّاح المتقدّمة، و رواية إسحاق «4».

و الثاني: للصدوقين و نهاية الشيخ و الحلّي و المدارك و الذخيرة «5»، و جمع آخر «6»، و لهم الصحاح الأربع، و مرسلة الفقيه، المتقدّمة إليها جميعا الإشارة، و صحيحة البجلي المتقدّم شطر منها.

و الثالث: للشرائع «7»، و له رواية البجلي المتقدّمة إليها الإشارة،

______________________________

(1) الوسائل 14: 178 أبواب الذبح ب 46.

(2) كما في الوسائل 14: 185 أبواب الذبح ب 47.

(3) حكاه عنه في المختلف: 304.

(4) التهذيب 5: 229- 777، الاستبصار 2: 277- 986، الوسائل 14: 193 أبواب الذبح ب 51 ح 5.

(5) الصدوق في الفقيه 2: 302، حكاه عن والده في المختلف: 304، النهاية:

255، الحلي في السرائر 1: 592، المدارك 8: 51، الذخيرة 673.

(6) كصاحب الحدائق 17: 134.

(7) الشرائع 1: 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 349

و صحيحتا ابن سنان «1» و ابن مسكان «2».

و مقتضى التحقيق: ردّ الأول، لندرته و شذوذه فتوى و رواية- كما صرّح في التهذيبين «3»- المانعين عن الحجّية، و الموجبين لمرجوحيّة الخبر عن معارضه، و لموافقته العامّة كما صرّح به جماعة «4».

و تشعر الروايتان بالتقية

أيضا، حيث نسبه الإمام عليه السلام إلى عليّ عليه السلام، بل في مكاتبة ابن السرّاج المرويّة في صحيحة صفوان دلالة عليها أيضا «5».

فيبقى الثانيان، و أخبار الأخير أعمّ مطلقا من أخبار الثاني، لأنّ الأول يعمّ جميع أيّام التشريق، و الثاني يختصّ بآخرها، فتعيّن حمل الأخير على الأول [1]، و يشهد لذلك الحمل صحيحة صفوان المتضمّنة لمكاتبة ابن السرّاج، و صحيحة البجلي المشار إليها، و غيرهما.

فإذن الحقّ هو: القول الأوسط.

و كما يجوز تأخير صيام الثلاثة عن الأيّام الثلاثة المتّصلة بيوم النحر، يجوز تقديمها عليها ما لم يتجاوز عن ذي الحجّة، وفاقا للمشهور كما عن التنقيح «6»، لإطلاق الآية، و تفسيرها في بعض الأخبار [2] المتقدّمة بذي

______________________________

[1] أي الأول من الثانيين.

[2] كصحيحتي رفاعة و البجلي المتقدمتين في ص 343.

______________________________

(1) التهذيب 5: 228- 774، الاستبصار 2: 276- 983، الوسائل 14: 191 أبواب الذبح ب 51 ح 1.

(2) التهذيب 5: 229- 775، الاستبصار 2: 277- 984، الوسائل 14: 192 أبواب الذبح ب 51، ح 2.

(3) التهذيب 5: 230، الاستبصار 2: 277.

(4) انظر الخلاف 2: 275، و الحدائق 17: 135.

(5) التهذيب 5: 229- 776، الاستبصار 2: 277- 985، الوسائل 14: 192 أبواب الذبح ب 51 ح 3.

(6) التنقيح 1: 493.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 350

الحجّة.

و صحيحة زرارة: «من لم يجد ثمن الهدي فأحبّ أن يصوم الثلاثة الأيّام في أول العشر فلا بأس بذلك» «1».

و قريبة منها روايته، و فيها: «فأحبّ أن يقدّم الثلاثة الأيّام في أول العشر» «2».

و بهما يخرج ما ظاهره تعيّن الثلاثة المتّصلة عن ظاهره، مع أنّك قد عرفت أنّه غير باق على ظاهره، و التأخير إلى السابع أحوط.

و لا يجوز التقديم على ذي الحجّة، لما

مرّ.

و يجب أن يكون الشروع في الصوم بعد التلبّس بالمتعة إجماعا، و هو الدليل عليه دون بعض التعليلات الغير التامّة، و يدلّ عليه أيضا تعلّق الأمر بالصيام في الآية و الأخبار «3» على المتمتّع، و صدقه قبل التلبّس به غير معلوم، فلا يكون مأمورا به، فلا يكون قبله صحيحا.

و يكفي التلبّس بالعمرة وفاقا للأكثر، بل في صريح السرائر: الإجماع عليه «4»، للأصل، و الإطلاق.

و اعتبر بعض الأصحاب التلبّس بالحجّ «5»، و تدفعه المستفيضة «6»، الدالّة على الأمر بصوم يوم قبل التروية مع استحباب الإحرام بالحجّ يوم التروية.

______________________________

(1) التهذيب 5: 235- 793، الاستبصار 2: 283- 1005، الوسائل 14: 180 أبواب الذبح ب 46 ح 8.

(2) الكافي 4: 507- 2، الوسائل 14: 179 أبواب الذبح ب 46 ح 2.

(3) انظر الوسائل 14: 178، 185 أبواب الذبح ب 46 ح 47.

(4) السرائر 1: 594.

(5) كما في الدروس 1: 440.

(6) الوسائل 14: 178 أبواب الذبح ب 46.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 351

و هل يجب أن يكون صيام الثلاثة في مكّة أو منى قبل الرجوع- كما قيّده بعضهم به «1»- إلّا مع حصول عذر من نسيان أو عدم موافقة الرفقاء أو غيرهما؟

ظاهر الأصحاب ذلك، و يمكن الاستدلال له ببعض مفاهيم الشرط الواردة في بعض الأخبار المشار إليها و في غيرها أيضا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 12    351     أ: من لم يصم الثلاثة حتى خرج ذو الحجة سقط عنه الصوم ..... ص : 351

أمّا مع العذر فيجوز صومها في الطريق و بعد الرجوع إلى الأهل، كما صرّح به في الأخبار «2».

و لا يتعيّن صومها بعد الرجوع إلى الأهل، كما في صحيحة محمّد «3»، لمعارضتها مع أخبار

كثيرة مخالفة للعامّة.

فروع:
أ: من لم يصم الثلاثة حتى خرج ذو الحجّة سقط عنه الصوم

و تعيّن عليه الهدي بمنى في القابل، عند علمائنا و أكثر العامّة كما في المدارك «4»، و عن الخلاف و في المفاتيح و شرحه: الإجماع عليه «5»، بل قيل: نقله جماعة.

و استدلّ له بصحيحة منصور المتقدّمة «6»، و الأخرى: من لم يصمّ

______________________________

(1) انظر النهاية: 256، المنتهى 2: 744.

(2) الوسائل 14: 185 أبواب الذبح ب 47.

(3) التهذيب 5: 234- 791، الاستبصار 2: 283- 1003، الوسائل 14: 181 أبواب الذبح ب 46 ح 10.

(4) المدارك 8: 55.

(5) الخلاف 2: 278، المفاتيح 1: 358.

(6) الكافي 4: 509- 10، التهذيب 5: 39- 116، الاستبصار 2: 278- 989، الوسائل 14: 185 أبواب الذبح ب 47 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 352

الثلاثة الأيّام في الحجّ حتى يهلّ الهلال، فقال: «عليه دم يهريقه و ليس عليه صيام» «1».

و صحيحة عمران الحلبي: عن رجل نسي أن يصوم الثلاثة الأيّام التي على المتمتّع إذا لم يجد الهدي حتى يقدم أهله، قال: «يبعث بدم» «2».

خلافا للمحكيّ عن التهذيب و المفيد، فيصوم في الطريق أو البلد إن كان ترك الصوم لعائق أو نسيان «3»، و استحسنه في الذخيرة «4».

للمستفيضة من الصحاح «5»، المصرّحة: بأنّ من فاته صومها بمكّة- لعدم القدرة أو عدم إقامة الجمّال أو الأصحاب- فليصمها في الطريق إن شاء، و إن شاء إذا رجع إلى أهله، من غير تقييد ببقاء ذي الحجّة و عدم خروجه، بتقييد الأولين من دليل الأول بالناسي بشهادة الثالثة.

أقول: مقتضى هذا الجمع: إدخال التارك للصوم عمدا في المستفيضة و إيجاب الصوم عليه، مع أنّه غير صحيح، لاختصاص المستفيضة طرّا بوجود المانع، فيبقى إطلاق الصحيحين الأولين في حقّ غير ذوي الأعذار بلا معارض، و لا

وجه لإخراجه عنهما.

فلا يبقى الريب في سقوط الصوم و وجوب الذبح على غير ذوي الأعذار، و لا على الناسي، للصحيحة الثالثة الخالية عن المعارض.

نعم، يبقى الكلام في ذوي الأعذار، و التعارض في حقّهم بين

______________________________

(1) التهذيب 4: 231- 680.

(2) الفقيه 2: 304- 1511، التهذيب 5: 235- 792، الاستبصار 2: 283- 1004، الوسائل 14: 186 أبواب الذبح ب 47 ح 3.

(3) حكاه عنهما في الذخيرة: 673. و الرياض 1: 397، و انظر التهذيب 5: 233.

(4) الذخيرة: 674.

(5) الوسائل 14: 185 أبواب الذبح ب 47.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 353

الصحيحين و المستفيضة بالعموم من وجه، لاختصاص الأولين بخروج الشهر و عمومهما بالنسبة إلى العذر و غيره، و الثانية بذوي الاعذار و عمومها بالنسبة إلى خروج الشهر و عدمه.

و الترجيح للأولين، لا لموافقة الكتاب كما قيل «1»- إذ غاية ما يدلّ عليه وجوب الصوم في الشهر و أمّا بعد خروجه فلا دلالة له عليه نفيا و إثباتا- بل لشذوذ القول الثاني، بحيث يخرج الدالّ عليه عن الحجّية، إذ لم ينقل قائل به سوى من ذكر، و رجع عنه الشيخ في الخلاف و الاستبصار أيضا «2»، و اللّه العالم.

و لا يخفى أنّ بما ذكرنا و إن ثبت سقوط الصوم و وجوب الذبح، لكن المستند- في كون الذبح هو الهدي دون كونه كفّارة- إن كان هو الإجماع فلا كلام، و إلّا ففي دلالة الأخبار «3» عليه نظر.

و أطلق طائفة من الأصحاب- منهم الحلّي «4»- بوجوب الدم، من غير تنصيص على كونه هديا أو كفّارة، و لكن صرّح الأكثر بالأول.

و الذبح بنيّة ما في الذمّة طريق الاحتياط.

ب: و هل يجب مع هذا الهدي دم كفّارة؟

عن المنتهى و المبسوط و الجامع: نعم «5»، و هو الأحوط، لما روي

من أنّه من ترك نسكا فعليه دم «6».

______________________________

(1) الرياض 1: 397.

(2) الخلاف 2: 278، الاستبصار 2: 279.

(3) الوسائل 14: 185 أبواب الذبح ب 47.

(4) السرائر 1: 592.

(5) المنتهى 2: 746، المبسوط 1: 370، الجامع للشرائع: 210.

(6) سنن البيهقي 5: 152.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 354

و عن الأكثر: لا، و هو الأظهر، للأصل، و ضعف الرواية.

ج: لو صام الثلاثة كملا- لفقد الهدي أو ثمنه- ثمَّ وجد الهدي،

لم يجب عليه على الأشهر الأظهر، بل عن الخلاف الإجماع عليه «1»، للأصل، و إطلاق الآية، و صريح رواية حمّاد المنجبرة بالعمل: عن متمتّع صام ثلاثة أيّام في الحجّ، ثمَّ أصاب هديا يوم خرج من منى، قال: «أجزأه صيامه» «2».

لكن الانتقال إلى الهدي أفضل بلا خلاف، كما صرّح به غير واحد «3»، لرواية عقبة بن خالد «4»، القاصرة عن إفادة الوجوب للجملة الخبرية.

و قيل: للاحتياط «5»، حيث حكي عن المهذّب القول بوجوب الانتقال مطلقا «6».

و عن القواعد: إذا وجده قبل التلبّس بالسبعة في وقت الذبح «7».

و هو حسن من جهة الوفاق على كفاية الذبح، و إلّا فكان الاحتياط في الجمع بين الهدي و صيام العشرة.

و المسقط للهدي عند الأكثر إكمال الثلاثة، فلولاه يجب الهدي.

خلافا للسرائر و المحكيّ عن الخلاف و كنز العرفان و جملة من كتب

______________________________

(1) انظر الخلاف 2: 277، و حكاه عنه في كشف اللثام 1: 364.

(2) الكافي 4: 509- 11، التهذيب 5: 38- 112، الاستبصار 2: 260- 919، الوسائل 14: 177 أبواب الذبح ب 45 ح 1.

(3) انظر المفاتيح 1: 358، الرياض 1: 397.

(4) الكافي 4: 510- 14، التهذيب 5: 38- 113، الاستبصار 2: 261- 920، الوسائل 14: 178 أبواب الذبح ب 45 ح 2.

(5) كما في المدارك 8: 57، و المفاتيح 1: 358.

(6) المهذّب 1:

159.

(7) القواعد 1: 88.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 355

الفاضل، فاكتفوا في سقوط الهدي بمجرّد التلبّس بالصوم «1»، للأصل، و الإطلاق المذكورين. و لا يخلو عن قوّة.

إلّا أنّ الاحتياط مع الأول، و الأحوط الجمع، كما في الصورة الأولى أيضا.

المسألة الثالثة: يجب أن يكون صيام السبعة الأيّام بعد الرجوع إلى الأهل،

بلا خلاف يعرف، كما في الذخيرة «2».

و خالف فيه أكثر العامّة، فقال بعضهم: إذا فرغ من أفعال الحجّ [1].

و بعضهم: إذا خرج من مكّة سائرا في الطريق [2].

لنا: ظاهر الآية و الأخبار المتكثّرة، كالصحاح الست: لحمّاد «3» و ابن عمّار «4»، و ابن سنان «5» و ابن مسكان «6» و سليمان «7» و صفوان «8»، و غيرها «9».

______________________________

[1] قال به مالك و أحمد و أبي حنيفة، انظر المجموع 7: 193.

[2] قال به عطا و مجاهد، انظر المغني لابن قدامة 3: 509.

______________________________

(1) السرائر 1: 594، الخلاف 2: 277، كنز العرفان 1: 297، الفاضل في المنتهى 2: 747، و المختلف: 305.

(2) الذخيرة: 674.

(3) قرب الإسناد: 17- 56، الوسائل 14: 182 أبواب الذبح ب 46 ح 14.

(4) تفسير العياشي 1: 92- 239، الوسائل 14: 183 أبواب الذبح ب 46 ح 16.

(5) التهذيب 5: 228- 774، الاستبصار 2: 276- 983، الوسائل 14: 191 أبواب الذبح ب 51 ح 1.

(6) التهذيب 5: 229- 775، الاستبصار 2: 277- 984، الوسائل 14: 192 أبواب الذبح ب 46 ح 7.

(7) التهذيب 5: 229- 775، الاستبصار 2: 277- 984، الوسائل 14: 192 أبواب الذبح ب 51 ح 2.

(8) التهذيب 5: 229- 776، الاستبصار 2: 277- 985، الوسائل 14: 192 أبواب الذبح ب 51 ح 3.

(9) الوسائل 14: 178 أبواب الذبح ب 46.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 356

و لا يشترط في تلك السبعة

التتابع على الحقّ المشهور، و عن المنتهى و التذكرة: أنّه لا يعرف فيه خلاف «1»، للأصل، و الإطلاق.

و عموم صحيحة ابن سنان: «كلّ صوم يفرّق إلّا ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين» «2».

و خصوص رواية إسحاق: إنّي قدمت الكوفة و لم أصم السبعة الأيّام حتى نزعت في حاجة إلى بغداد، قال: «صمها ببغداد»، قلت أفرّقها؟ قال:

«نعم» «3»، و ضعفها- لو كان- منجبر بما ذكر.

خلافا للمحكيّ في المختلف عن العماني و الحلبي «4»، و في التنقيح عن المفيد و ابن زهرة «5»، و في غيرهما عن المختلف أيضا «6»، فأوجبوه.

لرواية عليّ: عن صوم ثلاثة أيّام في الحجّ و سبعة، أ يصومها متوالية أو يفرّق بينها؟ قال: «يصوم الثلاثة لا يفرّق بينها، و السبعة لا يفرّق بينها، و لا يجمع الثلاثة و السبعة جميعا» «7».

و حسنة الحسين بن يزيد: «الثلاثة الأيّام و السبعة الأيّام في الحجّ لا يفرّق بينها، إنّما هي بمنزلة الثلاثة الأيّام في اليمين» «8».

______________________________

(1) المنتهى 2: 744، التذكرة 1: 383.

(2) الكافي 4: 140- 1، الوسائل 10: 382 أبواب بقية الصوم الواجب ب 10 ح 1.

(3) التهذيب 5: 233- 787، الاستبصار 2: 281- 998، الوسائل 14: 200 أبواب الذبح ب 55 ح 1.

(4) المختلف: 238.

(5) التنقيح 1: 494.

(6) حكاه عنه في الرياض 1: 397.

(7) التهذيب 4: 315- 957، الاستبصار 2: 281- 999، تفسير العياشي 1:

93- 242، الوسائل 14: 200 أبواب الذبح ب 55 ح 2.

(8) الكافي 4: 140- 3، الوسائل 10: 382 أبواب بقية الصوم الواجب ب 10 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 357

و جوابهما: قصور الدلالة عن الوجوب، و لا يفيد قوله: «بمنزلة الثلاثة الأيام»، إذ يمكن أن يكون المراد تنزيلها منزلتها

في الرجحان. و ما قد يدّعى من عموم المنزلة في مثل ذلك لا دليل عليه.

و مع ذلك كلّه، فلا ريب أنّ الاحتياط في التتابع.

و لا تجب المبادرة إلى الصوم بعد الرجوع فورا، للأصل.

و لو أقام من وجبت عليه السبعة بمكّة انتظر وصول أصحابه إلى بلده، أو مضيّ شهر إن كانت مدّة وصول أصحابه إلى البلد أكثر من شهر، بلا خلاف يوجد، كما في الذخيرة «1»، و قيل: إنّه مقطوع به في كلامهم «2»، لصحيحة ابن عمّار «3».

و عن جماعة- منهم: القاضي و الحلبيّون-: انتظار الوصول و عدم اعتبار الشهر «4»، و هو مقتضى صحيحتي البزنطي «5» و أبي بصير «6».

و الأول أظهر، لأنّ دليله مفصّل.

و مقتضى الاحتياط: التأخير إلى أكثر الأمرين، حيث لا تعتبر الفوريّة، و يكفي ظنّ وصول الأصحاب، كما صرّح به في الصحيحتين الأخيرتين.

و الإقامة أعمّ من مدّة معيّنة أو غير معيّنة أو الأبديّة، لعمومها في

______________________________

(1) الذخيرة: 674.

(2) الرياض 1: 397.

(3) الفقيه 2: 303- 1507، التهذيب 5: 234- 790، الاستبصار 2: 282- 1002، الوسائل 14: 190 أبواب الذبح ب 50 ح 2.

(4) القاضي في المهذّب 1: 201، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 572، علاء الدين في الإشارة: 119، أبو الصلاح في الكافي: 188.

(5) التهذيب 5: 41- 121، الوسائل 14: 189 أبواب الذبح ب 50 ح 1.

(6) الكافي 4: 509- 8، الفقيه 2: 303- 1506، التهذيب 4: 314- 954، الوسائل 14: 190 أبواب الذبح ب 50 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 358

الصحيحة.

و في مبدأ الشهر احتمالات أظهرها يوم عزم الإقامة.

و الظاهر تخصيص ذلك بإقامة مكّة، و أمّا في غيرها من البلدان أو الطريق فلا، بل ينتظر الوصول إلى البلد، و

مع اليأس يسقط الصيام، لتعلّق الأمر بالرجوع، و لا ينتقل إلى الهدي حينئذ، للأصل.

المسألة الرابعة: لو مات من وجب عليه ذلك الصيام قبل الصوم،

فإن لم يتمكّن من صيام شي ء من العشرة و لو بعضا سقط الصوم و لم يجب على وليّه القضاء عنه، بالإجماع على ما ادّعاه جماعة «1».

و إن تمكّن من فعل الجميع و لم يفعل ففيه أقوال، أظهرها: عدم القضاء على الوليّ إن مات بعد صوم الثلاثة، و قضاء العشرة إن مات قبله، لأنّه مقتضى الجمع بين الأخبار.

المسألة الخامسة: لو مات الواجد للهدي و لم يهد،

أخرج الهدي من أصل تركته، لأنّه من الحقوق الماليّة و جزء من الحجّ الذي يخرج كلّه منه، و لو لم تف التركة إلّا بجزء من الهدي سقط الكلّ على الأظهر.

المسألة السادسة: لو لم يكن له الهدي و لا ثمنه و لكن توقّع حصوله

قبل مضيّ وقت الهدي توقّعا معتنى به عرفا، لم ينتقل إلى الصوم، لصدق الوجدان عرفا.

المسألة السابعة: من فقد الهدي و كان له ثمنه و يريد الرجوع،

يخلّف ثمنه عند من يشتريه طول ذي الحجّة فيذبحه، فإن لم يتمكّن من ذلك أخّر ذلك إلى قابل من ذي الحجّة، وفاقا للصدوقين و الشيخين و السيّدين و الفاضلين في

______________________________

(1) منهم العلامة في المنتهى 2: 304، و نقله عن الصيمري في الرياض 1: 398.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 359

غير الشرائع و الحلبي و ابن حمزة [1]، بل للأكثر، بل عامّة من تأخّر كما قيل «1»، و عن ظاهر الغنية: الإجماع عليه «2».

لصحيحة حريز: في متمتّع يجد الثمن و لا يجد الغنم، قال: «يخلّف الثمن عند بعض أهل مكّة، و يأمر من يشتري له و يذبح عنه، و هو يجزئ عنه، فإن مضى ذو الحجّة أخّر ذلك إلى قابل من ذي الحجّة» «3».

و احتجّ له برواية النضر بن قرواش «4»، و هي بمضمون الصحيحة، إلّا أنّها تتضمّن التصريح بالضعف عن الصيام، و على هذا فلا تصلح دليلا للمطلوب مع القدرة عليه.

خلافا للحلّي و الشرائع «5»، و عزي إلى الفقيه أيضا، و قد ينسب إلى العماني «6»، و تنظّر فيه بعضهم «7»، و نسبه في السرائر إلى الجمل و العقود «8».

و فيه أيضا نظر.

______________________________

[1] الصدوقان في الفقيه 2: 304، المفيد في المقنعة: 390، الطوسي في المبسوط 1: 370، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 582، المرتضى في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 63، المحقق في النافع: 90، الفاضل في المنتهى 2: 743، الحلبي في الكافي: 200، ابن حمزة في الوسيلة: 182.

______________________________

(1) في الرياض 1: 396.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 582.

(3) الكافي 4: 508- 6، التهذيب 5: 37- 109،

الاستبصار 2: 260- 916، الوسائل 14: 176 أبواب الذبح ب 44 ح 1.

(4) التهذيب 5: 37- 110، الاستبصار 2: 260- 917، الوسائل 14- 176 أبواب الذبح ب 44 ح 2.

(5) الحلي في السرائر 1: 592، الشرائع 1: 261.

(6) كما في المختلف: 304.

(7) كصاحب الرياض 1: 396.

(8) السرائر 1: 592.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 360

و استدلّ له بصدق عدم وجدان الهدي الموجب لانتقال الفرض إلى الصوم، و برواية أبي بصير: عن رجل تمتّع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة، أ يذبح أو يصوم؟ قال: «بل يصوم، فإنّ أيّام الذبح قد مضت» «1».

و يردّ الأول: بوجوب تخصيصه بمن لم يجد الثمن أيضا، أو وجده و لم يجد الهدي، للخبر الصحيح «2» المعمول به عند الأصحاب، الذي هو أخصّ مطلقا من الآية.

و الثاني: بأنّه ظاهر فيمن يقدر على تحصيل الهدي و ذبحه بمنى، و هو غير ما نحن فيه.

و للمحكيّ عن الإسكافي، فخيّر بين القولين و بين التصدّق بالوسطى من قيمة الهدي «3»، جمعا بين ما مرّ و بين رواية عبد اللّه بن عمر «4».

و ردّ: بفقد الشاهد على ذلك الجمع «5».

و فيه: أنّ التعارض مع عدم المرجّح كاف فيه كما ثبت في محلّه، إلّا أنّ الترجيح هنا لأحد الأولين موجود، و لو لم يكن إلّا وجوب طرح المخالف للكتاب لكفى.

المسألة الثامنة: مقتضى وجوب الهدي و تعليق الانتقال إلى بدله بعدم وجدانه: وجوب شرائه لو وجد
اشاره

______________________________

(1) التهذيب 5: 37- 111، الاستبصار 2: 260- 918، الوسائل 14: 177 أبواب الذبح ب 44 ح 3.

(2) أي صحيحة حريز المتقدّمة في ص: 359.

(3) حكاه عنه في المختلف: 304.

(4) الكافي 4: 544- 22، الفقيه 2: 296- 1467، التهذيب 5: 238- 805، الوسائل 14: 203 أبواب الذبح ب 58

ح 1.

(5) انظر رياض المسائل 1: 396.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 361

و وجد ثمنه، لوجوب ما لا يتمّ الواجب إلّا به.

و لو لم يكن ثمنه موجودا و أمكنه الاستقراض مع تمكّنه من أدائه وجب أيضا، لما ذكر.

و كذا لو كان له متاع أو جنس تيسّر له دفعه بإزاء الهدي أو بيعه و صرف ثمنه فيه، وجب، ما لم يكن ممّا يدّعى ببقائه الحاجة أو الضرورة، فإنّ كان كذلك لا يجب، لأدلّة نفي الضرر و الحرج، و هذا هو الأصل في المقام.

و استثني منه لباس التجمّل، بل الفضل من الكسوة مطلقا، على ما قطع به الأصحاب في الأول، لمرسلة ابن أسباط: رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ و في عيبته [1] ثياب، إله أن يبيع من ثيابه شيئا و يشتري هديا؟ قال:

« [لا]، هذا ممّا يتزين به المؤمن، يصوم و لا يأخذ من ثيابه شيئا» [2].

و صحيحة البزنطي: عن المتمتّع يكون له فضل من الكسوة بعد الذي يحتاج إليه، فتسوى تلك الفضول مائة درهم، هل يكون ممّن يجب عليه؟

فقال: «له بدّ من كراء و نفقة؟»، فقلت: له كراء و ما يحتاج إليه بعد هذا الفضل من الكسوة، فقال: «أيّ شي ء الكسوة بمائة درهم؟ هذا ممّن قال اللّه تعالى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ إلى آخره «1».

______________________________

[1] العيبة- بالفتح-: مستودع الثياب، أو مستودع أفضل الثياب- مجمع البحرين 2:

130.

[2] الكافي 4: 508- 5، التهذيب 5: 238- 802، الوسائل 14: 202 أبواب الذبح ب 57 ح 2، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

______________________________

(1) التهذيب 5: 486- 1735، قرب الإسناد: 388- 1364، الوسائل 14: 201 أبواب الذبح ب 57 ح 1، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12،

ص: 362

قيل: و لأنّ مع التوقّف على بيع مثل ذلك لا يصدق قوله سبحانه:

فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ، إذ ليس ذلك استيسارا عرفا «1». و فيه نظر.

و يجب الاقتصار في الاستثناء على ما ذكر، لمخالفته الأصل.

و لو باع شيئا من المستثنى و اشترى الهدي أجزأ، لصدق الاستيسار و الوجدان حينئذ و لو سلّمنا عدم صدقه أولا.

و ناقش فيه بعضهم «2»، لأنّ مثل ذلك فرضه الصوم، فهو آت بغير الفرض.

و فيه: أنّه فرضه ما دام كذلك، و لكن إذا باع متاعه و اشترى الهدي فلا نسلّم أنّ فرضه الصوم.

فائدتان:
الأولى: ما سبق كان أحكام هدي التمتّع،

و قد ذكروا لهدي السياق أيضا أحكاما تركنا ذكرها، لقلّة الفائدة فيها في هذه الأزمنة. و لهدي الفداء و الكفّارات أيضا أحكام تأتي في بابها.

الثانية: في بيان الأضحية و أحكامها، و فيه مسائل:
المسألة الأولى: ترجّح الأضحية للحاجّ و غيره في مكّة و غيرها من الأمصار،

بالإجماعين «3».

و يدلّ عليه قوله سبحانه فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ «4»، على ما ذكره

______________________________

(1) انظر الذخيرة: 666.

(2) انظر المدارك 8: 23.

(3) الحدائق 17: 200.

(4) الكوثر: 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 363

بعض المفسّرين من أنّ المراد: نحر الأضحية بعد صلاة العيد «1».

و الأخبار المتكثّرة، منها: رواية الأعرج «2»، المتقدّمة في مسألة وجوب الهدي.

و صحيحة ابن سنان: عن الأضحى أ واجب على من وجد لنفسه و عياله؟ فقال: «أمّا لنفسه فلا يدعه، و أمّا لعياله فإن شاء تركه» «3».

و صحيحة محمّد: «الأضحية واجبة على من وجد من صغير أو كبير، و هي سنّة» «4».

و العلاء: عن الأضحى، فقال: «هو واجب على كلّ مسلم إلّا من لم يجد»، فقال له السائل: فما ترى في العيال؟ فقال: «إن شئت فعلت و إن شئت لم تفعل، فأمّا أنت فلا تدعه» «5».

و مرسلة الفقيه: جاءت أمّ سلمة- رضي اللّه عنها- إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقالت: يا رسول اللّه، يحضر الأضحى و ليس عندي ثمن الأضحية فأستقرض و اضحّي؟ قال: «استقرضي، فإنّه دين مقضيّ، و يغفر لصاحب الأضحية عند أول قطرة من دمها» [1].

و مرسلة الحلبي: «ضحّ بكبش أسود أقرن فحل، فإن لم تجد أسود

______________________________

[1] الفقيه 2: 138- 591، و في الفقيه 2: 292- 1447، علل الشرائع: 440- 1، الوسائل 14: 210 أبواب الذبح ب 64 ح 1 لا يوجد: و يغفر لصاحب الأضحية عند أوّل قطرة من دمها، و لعلّه من كلام الصدوق.

______________________________

(1) انظر مجمع البيان 5: 549، التبيان 10: 418.

(2)

الكافي 4: 487- 1، التهذيب 5: 36- 180، الاستبصار 2: 259- 913، الوسائل 14: 82 أبواب الذبح ب 1 ح 11.

(3) الكافي 4: 487- 2، الوسائل 14: 204 أبواب الذبح ب 60 ح 1.

(4) الفقيه 2: 292- 1445، الوسائل 14: 205 أبواب الذبح ب 60 ح 3.

(5) الفقيه 2: 292- 1446، الوسائل 14: 205 أبواب الذبح ب 60 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 364

فأقرن فحل، يأكل في سواد، و يبعر في سواد، و ينظر في سواد» [1].

و صحيحة ابن سنان: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يضحّي بكبش أقرن فحل، ينظر في سواد، و يمشي في سواد» «1» و لا تجب اتّفاقا عن غير الإسكافي «2»، للنبويّ المنجبر بالعمل: «كتب عليّ النحر و لم يكتب عليكم» «3».

و أوجبه الإسكافي، للآية، و الأخبار المتقدّمة.

و الجواب: أنّ الآية خطاب إلى الرسول، و قيل: إنّ وجوبها عليه صلّى اللّه عليه و آله من خواصّه «4»، كما يدلّ عليه النبوي أيضا، مع أنّ في ورودها في الأضحية كلاما.

و الأخبار- لمخالفتها في الوجوب للشهرتين «5»، بل الإجماع- لا تنهض حجّة لإثباته.

مضافا في الاولى إلى ما مرّ من احتمال إرادة المتمتّعين من أهل الأمصار.

و في الثانية من احتمال الخبريّة.

و ما في الثالثة من الإيجاب على الصغير المنفيّ قطعا، و إضمار الولي في حقّه ليس بأولى من الحمل على الاستحباب، سيّما بعد انضمام قوله:

______________________________

[1] الكافي 4: 489- 4، الوسائل 14: 110 أبواب الذبح ب 13 ح 5، و فيهما:

و يشرب، بدل: و يبعر، و في الكافي: حدّثني من سمعته.

______________________________

(1) التهذيب 5: 205- 685، الوسائل 14: 109 أبواب الذبح ب 13 ح 1.

(2) المختلف: 307.

(3) مسند أحمد 1:

317.

(4) كشف اللثام 1: 368.

(5) مسالك الافهام 1: 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 365

«و هي سنّة».

و منه يظهر ما في الرابعة أيضا من عموم: «كل مسلم»، فلا بدّ إمّا من التخصيص أو التجوّز، و التخصيص و إن كان مقدّما إلّا أنّه يضعف الترجيح هنا بوجوه خارجيّة.

و في الخامسة من عدم وجوب الاستقراض بخصوصه.

و في السادسة من عدم وجوب ما يتضمّنها من الكبش الموصوف.

المسألة الثانية: يجزئ الهدي للحاجّ عن الأضحية

بلا خلاف أجده، لصحيحة الحلبي المتقدّمة «1»، و صحيحة محمّد: «يجزئه في الأضحية هديه» «2».

قالوا: و الجمع بينهما أفضل. و في الذخيرة: أنّ للفظ الإجزاء ظهورا فيه «3».

و فيه نظر، لأنّ الإجزاء يدلّ على سقوط الأمر بواسطة الإتيان بما يجتزئ به، و إذ لا أمر فلا استحباب، فهو دليل لعدم الاستحباب.

و قيل: لأنّ فيه فعل المعروف و نفع الفقراء «4».

و فيه: أنّ الكلام في الأضحية من حيث إنّها هي، و لذا قيل- بعد نقل التعليل-: و فيه لو لا النصّ نظر- إلى أن قال:- و لكن الأمر بعد وضوح المأخذ سهل «5».

أقول:

إن أراد بالنصّ و المأخذ ما ذكره في الذخيرة فقد عرف ما فيه،

______________________________

(1) الكافي 4: 489- 4، الوسائل 14: 110 أبواب الذبح ب 13 ح 5.

(2) التهذيب 5: 238- 803، الوسائل 14: 205 أبواب الذبح ب 60 ح 2.

(3) الذخيرة: 679.

(4) حكاه في المدارك 8: 86، الرياض 1: 401.

(5) الرياض 1: 401.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 366

و إن كان غيره فلم أجده.

و على هذا، فلا دليل لاستحبابه على ذي الهدي، إلّا أن يثبت الإجماع، أو يتمسّك بفتوى الأصحاب في مقام الاستحباب، إن لم يضرّها لفظ الإجزاء.

المسألة الثالثة: لو لم يجد الأضحية يستحبّ التصدّق بثمنها

بلا خلاف يوجد، فإن اختلفت الأثمان فالظاهر كفاية الأدنى، و لكن الأفضل الوسط، و المراد به: نصف القيمتين و ثلث القيم الثلاث و ربع الأربع و هكذا، لرواية عبد اللّه بن عمر «1»، و هي و إن وردت في التثليث بعد السؤال عن الثلاث، إلّا أنّ منهم «2» من عمّم- كما ذكرنا- و لا بأس به.

المسألة الرابعة: زمان الأضحية في منى أربعة أيّام،

أولها يوم النحر، و في سائر الأمصار ثلاثة كذلك بلا خلاف فيه يعلم، كما في الذخيرة «3»، بل بالإجماع، كما عن ظاهر الغنية و المنتهى «4» و صريح غيرهما «5».

لصحيحة علي: عن الأضحى كم هو بمنى؟ قال: «أربعة أيّام»، و عن الأضحى في غير منى، قال: «ثلاثة أيّام»، فقلت: ما تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحى بيومين إله أن يضحّي في اليوم الثالث؟ قال: «نعم» «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 544- 22، الفقيه 2: 296- 1467، التهذيب 5: 238- 805، الوسائل 14: 203 أبواب الذبح ب 58 ح 1.

(2) كالشهيد في الدروس 1: 449، صاحب المدارك 8: 86، صاحب الرياض 1: 401.

(3) الذخيرة: 678.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 582، المنتهى 2: 755.

(5) المدارك 8: 82.

(6) التهذيب 5: 202- 763، الاستبصار 2: 264- 930، قرب الإسناد: 240- 947، 948، 949، الوسائل 14: 91 أبواب الذبح ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 367

أقول:

المراد باليوم الثالث: الثالث مع الأضحى الذي هو يوم القدوم، كما صرّح به في موثّقة الساباطي المرويّة في الفقيه: عن الأضحى بمنى، فقال: «أربعة أيّام»، و عن الأضحى في سائر البلدان، فقال: «ثلاثة أيّام»، و قال: «لو أنّ رجلا قدم إلى أهله بعد الأضحى بيومين ضحّى اليوم الثالث الذي قدم فيه» «1».

و رواية غياث: «الأضحى ثلاثة أيّام،

و أفضلها أولها» «2».

و هي و إن كانت أعمّ من منى و سائر الأمصار، إلّا أنّه يجب حملها على الأخير، حملا للمطلق على المقيّد. و منهم من حملها على التقيّة «3»، لأنّ مذهب أبي حنيفة و مالك و الثوري- كما قيل «4»- إنّها ثلاثة أيّام مطلقا.

و أمّا صحيحة محمّد: «الأضحى يومان بعد يوم النحر، و يوم واحد بالأمصار» «5».

و رواية كليب: عن النحر، فقال: «أمّا بمنى فثلاثة أيّام، و أمّا في البلدان فيوم واحد» «6».

فليستا صريحتين في التعارض مع ما مرّ، لجواز أن يكون المراد بالأضحى في الاولى و بالنحر في الثانية: يوم الأضحى و النحر من جهة

______________________________

(1) الفقيه 2: 291- 1439، الوسائل 14: 92 أبواب الذبح ب 6 ح 3.

(2) الفقيه 2: 292- 1442، التهذيب 5: 203- 675، الاستبصار 2: 264- 932، الوسائل 14: 92 أبواب الذبح ب 6 ح 4.

(3) كالسبزواري في الذخيرة: 679.

(4) المنتهى 2: 755.

(5) الكافي 4: 486- 2، التهذيب 5: 203- 677، الاستبصار 2: 264- 934، الوسائل 14: 93 أبواب الذبح ب 6 ح 7.

(6) الكافي 4: 486- 1، التهذيب 5: 203- 676، الاستبصار 2: 264- 933، الوسائل 14: 93 أبواب الذبح ب 6 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 368

الصوم لا من جهة الأضحية، كما ذكره الصدوق و الشيخ «1».

و صدّق الصدوق ذلك برواية منصور: «النحر بمنى ثلاثة أيّام، فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة أيّام، و النحر بالأمصار يوم، فمن أراد أن يصوم صام من الغد» «2».

و لا يتوهّم أنّه خلاف ما عليه الأصحاب من عدم جواز الصوم أيّام التشريق كلّا، لما مرّ من جواز بعض أفراده، و هو صوم بدل الهدي في اليوم

الثاني عشر.

و يمكن أيضا حمل الأخيرين على الأفضليّة [1]، كما ذكره جماعة «3».

و لو انقضت هذه الأيّام و لم يضحّ لم يكن عليه قضاؤها، لأنّه بأمر جديد. و عن المنتهى: القضاء إن وجب بنذر و شبهه «4»، لتعليل غير سديد.

المسألة الخامسة: يكره التضحية بما يربّيه،

لرواية محمّد بن الفضيل: كان عندي كبش سمين لاضحّي به- إلى أن قال في الجواب:- «ما كنت أحبّ لك أن تفعل، لا تربّينّ شيئا من هذا ثمَّ تذبحه» «5».

و مرسلة الفقيه: «لا يضحّى بشي ء من الدواجن» «6».

______________________________

[1] أي تحمل صحيحة محمّد و رواية كليب على أنّ الأفضل ذبح الأضحية في منى في يوم النحر و يومين بعده، و في الأمصار في يوم النحر.

______________________________

(1) الصدوق في الفقيه 2: 291، الشيخ في التهذيب 5: 203.

(2) الفقيه 2: 291- 1441، التهذيب 5: 203- 678، الاستبصار 2: 265- 935، الوسائل 14: 93 أبواب الذبح ب 6 ح 5.

(3) انظر المدارك 8: 84، الذخيرة: 679.

(4) المنتهى 2: 756.

(5) الكافي 4: 544- 20، التهذيب 5: 452- 1578، الوسائل 14: 208 أبواب الذبح ب 61 ح 1.

(6) الفقيه 2: 296- 1468، الوسائل 14: 208 أبواب الذبح ب 61 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 369

و الدواجن: الآلفات في البيوت، المقيمات في المكان، من الحمام و الشاة و أشباهها.

و رواية أبي الصحاري: الرجل يعلف الشاة و الشاتين ليضحّي بها، قال: «لا أحبّ ذلك»- إلى أن قال:- «و لكن إذا كان ذلك الوقت فليدخل سوق المسلمين و ليشتر منها و يذبحه» «1».

و الأولى أن لا يذبح إلّا فيما يشتري في العشر من ذي الحجّة، لمرسلة الفقيه: «لا يضحّى إلّا بما يشتري في العشر» «2».

المسألة السادسة: قد سبق في مصرف الهدي مصرف الأضحية أيضا،

و لكنّه على الأفضليّة، لقصور مستنده عن إثبات الوجوب، و له أكل الكلّ و إهداء الكلّ و التصدّق بالكلّ، للأصل. و كذا يجوز ادّخار لحومها بعد ثلاثة أيّام. و ما فيه النهي عنه منسوخ، كما صرّحت به الأخبار «3».

و هل يجوز بيع لحومها؟

قد نسب بعضهم إلى الأصحاب عدم

الجواز «4»، و خصّص بعضهم المنع بالواجبة منها «5»، و قيل: لعلّ ذلك مراد الأصحاب «6».

أقول: الكلام إمّا في البيع مطلقا و لو لأجل التصدّق بثمنها، أو في البيع مع عدم التصدّق بالثمن، ثمَّ على الثاني إمّا يكون الكلام في جواز البيع و عدمه، حتى يأثم به أو لا يأثم، أو في وقوع الأضحية المستحبّة معه و عدمه.

______________________________

(1) التهذيب 9: 83- 353، الوسائل 24: 92 أبواب الذبائح ب 40 ح 2.

(2) الفقيه 2: 295- 1461، الوسائل 14: 208 أبواب الذبح ب 61 ح 3.

(3) الوسائل 14: 168 أبواب الذبح ب 41.

(4) المدارك 8: 80.

(5) المنتهى 2: 754.

(6) كما في المدارك 8: 81.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 370

فإن كان الأول: فالظاهر الجواز، لعدم دليل على المنع، و خروجه عن ملكه بمجرّد الذبح غير معلوم.

و منه يظهر حكم الثاني أيضا، فإنّ الأصل مع الإباحة، و لا دليل على انتفائها.

و أمّا الثالث: فمبنيّ على أن يعلم أنّ التضحّي هو مجرّد الذبح، أو هو مع الصرف في مصرف خاص و لو بجزء منه و لو بإطعامه أهل بيته.

لا دليل على تعيين الأول، و لو مجرّد إطلاق، إذ غاية الإطلاقات ذبح الأضحية أو التضحّي، و الكلام بعد في تعيين المراد منه، و أصل الاشتغال- و لو بالأمر الاستحبابي- يقتضي عدم حصول التضحية بدون إطعام الغير مجّانا، و أمّا معه فالظاهر كفايته، و يدلّ على لزوم الأزيد من الذبح تتبّع الأخبار و سيرة المسلمين في الأعصار.

المسألة السابعة: يجوز أن يجعل جلد الأضحية مصلّى،

و أن يشتري بها متاع البيت، و أن ينتفع بها، للتصريح بالأول- بل برجحانه- في صحيحة ابن عمّار «1»، و بالثانيين في روايته «2».

و التصدّق أفضل، كما ورد فيهما. و عموم الرواية يدلّ

على جواز جعلها جرابا «3» أيضا، و في صحيحة علي: أنّه لا يصلح إلّا أن يتصدّق بثمنها «4».

______________________________

(1) التهذيب 5: 228- 771، الاستبصار 2: 276- 980، الوسائل 14: 174 أبواب الذبح ب 43 ح 5.

(2) الكافي 4: 501- 2، الوسائل 14: 173 أبواب الذبح ب 43 ح 2.

(3) الجراب بالكسر: وعاء من إهاب شاة يوعى فيه الحبّ و الدقيق و نحوهما، و الجمع جرب- مجمع البحرين 2: 23.

(4) التهذيب 5: 228- 773، الاستبصار 2: 276- 982، قرب الإسناد: 240- 943، الوسائل 14: 174 أبواب الذبح ب 43 ح 4، مسائل علي بن جعفر: 66- 271.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 371

و هو الأحوط.

و هل يمنع عن إعطائها الجزّارين، كما في جلود الهدي؟

الأصل يقتضي عدم المنع، لكون الأخبار المانعة بين ما يختصّ بالهدي و ما يحتمله «1»، بل صرّح في رواية سليمان بن جعفر المتقدّمة في جلد الهدي بالجواز «2».

و الأولى: المنع بإزاء الأجرة، و كذا الأحوط عدم بيعها إلّا مع التصدّق بثمنها أو إهدائه.

المسألة الثامنة: قال في المنتهى: تختصّ الأضحيّة بالنعم الثلاث،

و منها بالأسنان المذكورة، في الهدي «3».

و الأول كذلك، لظاهر الإجماع، و قضية أصل الاشتغال.

و أمّا الثاني، فقد عرفت أنّ المستند التامّ في الهدي الإجماع، فإن ثبت هنا و إلّا فللكلام فيه مجال.

نعم، تدلّ على عدم إجزاء ما دون الثني من الإبل صحيحة الحلبي «4»، المتقدّمة في الهدي، و الاحتياط في المقام لا يترك.

المسألة التاسعة: قيل: يشترط في الأضحية من الأوصاف ما يشترط في الهدي «5».

و في قبول ذلك كلّيّا إشكال، لاختصاص بعض الأخبار «6» المتقدّمة في

______________________________

(1) الوسائل 14: 173 أبواب الذبح ب 43.

(2) المتقدّمة في ص 342.

(3) المنتهى 2: 757.

(4) الكافي 4: 489- 2، التهذيب 5: 204- 681، الوسائل 14: 104 أبواب الذبح ب 11 ح 5.

(5) الحدائق 17: 208.

(6) الوسائل 14: 103 أبواب الذبح ب 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 372

الوصف بالهدي و عدم ثبوت الإجماع المركّب، و معارضة صحيحة عليّ «1» المتقدّمة مع الأخبار المتضمّنة للفظ الأضحية «2»، إلّا أنّ الحكم لمّا كان موافقا للاحتياط- و مع ذلك كانت أكثر الأخبار المتقدّمة متضمّنة للفظ الأضاحي- لا بأس به.

المسألة العاشرة: يجزئ الواحد عن الكثير كما مرّ،

و يجوز التضحية عن الغير، إجماعا فتوى و نصّا، و قد مرّ النصّ الدالّ عليه من تضحية الرسول صلّى اللّه عليه و آله لأهل بيته و لأمّته «3»، و تضحية الأمير عليه السلام للرسول صلّى اللّه عليه و آله «4».

______________________________

(1) الفقيه 2: 295- 1463، التهذيب 5: 213- 719، الاستبصار 2: 268- 952، قرب الإسناد: 239- 941، الوسائل 14: 125 أبواب الذبح ب 21 ح 1.

(2) الوسائل 14: 173 أبواب الذبح ب 43.

(3) الفقيه 2: 293- 1448، الوسائل 14: 205 أبواب الذبح ب 60 ح 6.

(4) الفقيه 2: 293- 1448، الوسائل 14: 206 أبواب الذبح ب 60 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 373

البحث الثالث في الحلق أو التقصير
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: و هو واجب على الحاجّ،

بالإجماعين «1»، و النصوص:

كرواية عمر بن يزيد: «إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك» «2».

و رواية أبي بصير: عن رجل جهل أن يقصّر من شعره أو يحلق حتى ارتحل من منى، قال: «فليرجع إلى منى حتى يحلق رأسه بها أو يقصّر، و على الصرورة أن يحلق» «3»، و بمضمونها روايته الأخرى «4»، إلى غير ذلك من الأخبار «5».

و القول باستحبابه- كما عن الشيخ في التبيان أو النهاية «6» على اختلاف النقلين- شاذّ، و بما مرّ مردود.

المسألة الثانية: يتخيّر الرجل بين الحلق و التقصير،

إلّا أن يكون

______________________________

(1) المنتهى 2: 762، مفاتيح الشرائع 1: 360، الرياض 1: 401.

(2) التهذيب 5: 240- 808، الوسائل 14: 211 أبواب الحلق و التقصير ب 1 ح 1.

(3) الكافي 4: 502- 5، الفقيه 2: 301- 1498، التهذيب 5: 241- 813، الاستبصار 2: 285- 1012، الوسائل 14: 218 أبواب الحلق و التقصير ب 5 ح 4، بتفاوت يسير.

(4) التهذيب 5: 242- 818، الاستبصار 2: 286- 1017، الوسائل 14: 221 أبواب الحلق و التقصير ب 6 ح 6.

(5) الوسائل 14: 211 أبواب الحلق و التقصير ب 1.

(6) التبيان 2: 154، النهاية: 262. نقله عن التبيان في المنتهى 2: 762، و في نسخة من السرائر 1: 602 عن النهاية.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 374

صرورة، أو ملبّدا- أي جعل في رأسه عسلا أو صمغا لئلّا يتّسخ أو يقمل- أو معقوصا [1]، فإنّ هؤلاء الثلاثة يتعيّن عليهم الحلق، وفاقا لجماعة من أعاظم القدماء «1».

و تدلّ على تخيير غير الثلاثة بينهما النصوص الآتية، و على تعيّن الحلق على الصرورة روايتا أبي بصير المتقدّمتان، و الثالثة: «على الصرورة أن يحلق رأسه و لا يقصّر، إنّما التقصير لمن حجّ حجّة الإسلام» «2».

و رواية بكر بن خالد: «ليس

للصرورة أن يقصّر، و عليه أن يحلق» «3»، و نحوها مرسلة الفقيه «4».

و رواية الساباطي: عن الرجل برأسه قروح لا يقدر على الحلق، قال:

«إن كان قد حجّ قبلها فليجزّ شعره، و إن كان لم يحجّ فلا بدّ له من الحلق» «5».

و رواية سليمان بن مهران المرويّة في الفقيه، المتضمّنة لعلل بعض المناسك، و فيها: فقلت: و كيف صار الحلق عليه- أي على الصرورة- واجبا دون من قد حجّ؟ فقال: «ليصير بذلك موسما» الحديث «6».

و على الملبّد و المعقوص صحيحة هشام: «إذا عقص الرجل رأسه أو

______________________________

[1] عقص الشعر: جمعه و جعله في وسط الرأس و شدّه- مجمع البحرين 4: 175.

______________________________

(1) انظر الجمل و العقود (الرسائل العشر): 236، و النهاية: 263، و الوسيلة: 186.

(2) الكافي 4: 503- 7، التهذيب 5: 484- 1725، الوسائل 14: 223 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 5.

(3) التهذيب 5: 243- 820، الوسائل 14: 224 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 10.

(4) الفقيه 2: 139- 598، الوسائل 14: 225 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 12.

(5) التهذيب 5: 485- 1730، الوسائل 14: 222 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 4.

(6) الفقيه 2: 154- 668، علل الشرائع: 449- 1، الوسائل 14: 225 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 375

لبّده في الحج أو العمرة فقد وجب عليه الحلق» «1».

و ابن عمّار: «إذا أحرمت فعقصت رأسك أو لبّدته فقد وجب عليك الحلق، و ليس لك التقصير، و إن أنت لم تفعل فمخيّر لك التقصير و الحلق في الحجّ، و ليس في المتعة إلّا التقصير» «2».

و على الثلاثة صحيحة أخرى لابن عمّار: «ينبغي للصرورة أن

يحلق رأسه، و إن كان قد حجّ فإن شاء قصّر و إن شاء حلق»، قال: «و إذا لبّد شعره أو عقصه فإن عليه الحلق، و ليس له التقصير» «3».

و رواية أبي سعيد: «يجب الحلق على ثلاثة نفر: رجل لبّد شعره، و رجل حجّ بدوا لم يحجّ قبلها، و رجل عقص رأسه» «4».

و لفظة: «ينبغي» في صحيحة ابن عمّار و إن لم تكن صريحة في الوجوب، إلّا أنّ بعد ضمّها مع مفهوم قوله: «و إن شاء»، إلى آخره، تصير ظاهرة في الوجوب.

خلافا لجماعة أخر «5»، بل نسب إلى الشهرة «6»، فحكموا باستحباب الحلق للثلاثة، للأصل، و إطلاق قوله سبحانه مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ ، إلى آخره «7»، و قوله عليه السلام: «و للمقصّرين» «8».

______________________________

(1) التهذيب 5: 484- 1724، الوسائل 14: 222 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 2.

(2) التهذيب 5: 160- 533، الوسائل 14: 224 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 8.

(3) الكافي 4: 502- 6، التهذيب 5: 484- 1726، الوسائل 14: 221 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 1.

(4) التهذيب 5: 485- 1729، الوسائل 14: 222 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 3.

(5) كما في المختلف: 308، الدروس 1: 453.

(6) كما في المدارك 8: 89، الرياض 1: 401.

(7) الفتح: 27.

(8) التهذيب 5: 243- 822، الوسائل 14: 223 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 376

و ضعف الجميع ظاهر بعد دلالة النصوص على التعيين.

ثمَّ إنّ من تخيّر بين الأمرين فالحلق له أفضل، إجماعا كما عن التذكرة «1»، له، و للصحاح المتضمّنة لطلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المغفرة للمحلّقين مرّتين أو ثلاث مرّات، و للمقصّرين مرّة

«2».

المسألة الثالثة: التخيير إنّما هو في حقّ الرجل،

و أمّا المرأة فيتعيّن عليها التقصير و لا حلق عليها، بلا خلاف بين الأصحاب يعلم، كما في الذخيرة «3»، بل هو موضع وفاق بين العلماء، كما في المدارك «4»، بل بالإجماع كما عن التحرير و المنتهى و في المفاتيح و شرحه «5»، بل يحرم الحلق عليها، إجماعا كما عن المختلف و غيره «6»، للنبويّ و المرتضويّ، المنجبرين بما مرّ:

الأول: «ليس على النساء حلق، إنّما على النساء التقصير» «7».

و الثاني: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن تحلق المرأة رأسها» «8».

و حسنة الحلبي: «ليس على النساء حلق، و عليهنّ التقصير» «9».

المسألة الرابعة: الظاهر كفاية المسمّى في كلّ من الحلق و التقصير،

لإطلاق النصوص.

______________________________

(1) التذكرة 1: 390.

(2) الفقيه 2: 139- 597، الوسائل 14: 224 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 11.

(3) الذخيرة: 681.

(4) المدارك 8: 91.

(5) التحرير 1: 108، المنتهى 2: 763، المفاتيح 1: 361.

(6) المختلف: 308، كشف اللثام 1: 373.

(7) سنن الدارمي 2: 64، سنن أبي داود 2: 203- 1984.

(8) سنن النسائي 8: 130.

(9) التهذيب 5: 390- 1364، الوسائل 13: 511 أبواب التقصير ب 5 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 377

و يستحبّ أن يكون تقصير المرأة قدر أنملة، لمرسلة ابن أبي عمير:

«تقصّر المرأة من شعرها لعمرتها قدر أنملة» «1».

و الأكثر حملوها على الندب، لقصورها عن إثبات الوجوب.

و لمرسلة الفقيه: «يكفيها في التقصير مثل طرف الأنملة» «2».

و لا يجب أن يكون بالمقراض و لا بالحديد، بل يكفي لو وقع بالسنّ أو الظفر أو غيرهما، كما مرّ في تقصير العمرة.

و يستحبّ في الحلق أن يبدأ بالناصية من القرن الأيمن، لرواية الحسن بن مسلم «3»، و صحيحة ابن عمّار «4»، و أن يحلق إلى العظمين، لرواية غياث بن إبراهيم «5».

المسألة الخامسة: من ليس على رأسه شعر

- إمّا خلقة، كالأقرع، أو لحلقه في إحرام العمرة- يمرّ الموسى على رأسه إجماعا.

لرواية أبي بصير: عن المتمتّع أراد أن يقصّر فحلق رأسه، قال:

«عليه دم يهريقه، فإذا كان يوم النحر أمرّ الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق» «6».

______________________________

(1) التهذيب 5: 244- 824، الوسائل 13: 508 أبواب التقصير ب 3 ح 2.

(2) الفقيه 1: 194- 908، الوسائل 13: 512 أبواب التقصير ب 5 ح 4.

(3) الكافي 4: 439- 5، التهذيب 5: 244- 825، الوسائل 13: 516 أبواب التقصير ب 10 ح 2.

(4) التهذيب 5: 244- 826، الوسائل 14: 228 أبواب الحلق و التقصير ب 10

ح 1.

(5) الكافي 4: 503- 10، التهذيب 5: 244- 827، الوسائل 14: 229 أبواب الحلق و التقصير ب 10 ح 2.

(6) التهذيب 5: 158- 525، الاستبصار 2: 242- 842، الوسائل 14: 229 أبواب الحلق و التقصير ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 378

و رواية زرارة: إنّ رجلا من أهل خراسان قدم حاجّا و كان أقرع الرأس و لا يحسن أن يلبّي، فاستفتي له أبو عبد اللّه عليه السلام، فأمر أن يلبّى عنه و يمرّ الموسى على رأسه، فإنّ ذلك يجزئ عنه «1».

و في رواية الساباطي: عن رجل حلق قبل أن يذبح، قال: «يذبح و يعيد الموسى، لأنّ اللّه تعالى يقول وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ «2»» «3».

و هل ذلك على سبيل الاستحباب؟ كما عن الأكثر «4»، و عن الخلاف الإجماع عليه «5»، لضعف الروايات سندا و دلالة على الوجوب.

أو الوجوب؟ لأنّه الظاهر من الأمر في الروايات، سيّما رواية زرارة المتضمّنة لأمره عليه السلام، و قيل بالوجوب على من حلق رأسه في العمرة و الاستحباب للأقرع «6»، و لا دليل له.

أقول: المراد بالاستحباب: إمّا كونه أفضل فردي المخيّر من الحلق و التقصير، كما كان أصل الحلق كذلك و معه يسقط التقصير، أو استحبابه بنفسه و إن وجب حينئذ التقصير أيضا لتعيّن الفرد الآخر إذا تعذّر أحدهما.

و كذلك المراد بالوجوب: إمّا كونه أحد فردي الواجب المخيّر فيسقط التقصير، أو وجوبه بنفسه و إن وجب التقصير.

______________________________

(1) الكافي 4: 504- 13، التهذيب 5: 244- 828، الوسائل 14: 230 أبواب الحلق و التقصير ب 11 ح 3.

(2) البقرة: 196.

(3) التهذيب 5: 485- 1730، الوسائل 14: 229 أبواب الحلق و التقصير ب 11 ح

3.

(4) كما في المدارك 8: 98، الذخيرة: 682.

(5) الخلاف 2: 331.

(6) انظر المسالك 1: 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 379

الظاهر من قوله في رواية زرارة: «فإنّ ذلك يجزئ عنه» أحد الأولين، بل هو الظاهر من قوله: «حين يريد أن يحلق» في الرواية الاولى، و من التعليل في الأخيرة، مضافا إلى استبعاد استحباب ذلك أو وجوبه مع التقصير، مع عدم كون نفس الحلق كذلك، فالوجه هو أحد الأولين.

و هل هو على الاستحباب كما في الحلق، أو الوجوب؟

الظاهر: الأول، لقصور الروايات عن إفادة الوجوب دلالة، سوى رواية زرارة، و هي و إن أفادت الوجوب، و لكنّها لكونها قضيّة في واقعة يحتمل أن لم يمكن في حقّه التقصير، لعدم شعر له أو كان صرورة أو ملبّدا أو معقوصا، فإنّه يتعيّن حينئذ إمرار الموسى مع عدم إمكان الحلق، مضافا إلى الاستبعاد المذكور.

المسألة السادسة: يجب أن يكون الحلق أو التقصير بمنى،

حتى لو رحل قبله عمدا أو جهلا أو نسيانا وجب عليه العود إليه للحلق أو التقصير، بلا خلاف كما قيل «1»، و في المدارك: أنّه مما قطع به الأصحاب «2»، و عن المدارك و المنتهى: أنّه موضع وفاق «3»، و في المفاتيح و شرحه: أنّه إجماع «4»، و الظاهر أنّه كذلك، فهو الدليل على الحكمين، مضافا إلى رواية أبي بصير المتقدّمة في المسألة الاولى «5».

و أمّا حسنة مسمع: عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصّر حتى نفر،

______________________________

(1) في الذخيرة: 682.

(2) المدارك 8: 95.

(3) المدارك 8: 95، المنتهى 2: 762.

(4) المفاتيح 1: 361.

(5) الكافي 4: 502- 5، التهذيب 5: 241- 813، الاستبصار 2: 285- 1012، الوسائل 14: 218 أبواب الحلق و التقصير ب 5 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 380

قال: «يحلق رأسه

إذا ذكر في الطريق أو أين كان» [1].

و رواية أبي بصير: في رجل زار البيت و لم يحلق رأسه، قال:

«يحلقه بمكّة، و يحمل شعره إلى منى، و ليس عليه شي ء» «1».

فمحمولتان على من لم يتمكّن من العود، لاختصاص الرواية بالمتمكّن قطعا، فهي في قوّة الخاص، مع أنّه لولاه لزم طرح إطلاق الحسنة، لمخالفتها لعمل الأصحاب.

و لو تعذّر العود وجب الحلق أو التقصير حيث تذكّر و تمكّن، بلا إشكال كما في المدارك «2»، و بلا خلاف كما في شرح المفاتيح و غيره «3»، لإطلاقات وجوب أحدهما، و وجوب كونه بمنى مع التمكّن لا يوجب سقوطه مع عدمه، و تؤيّده حسنة مسمع المذكورة.

و يترجّح حينئذ بعث شعره إلى منى بلا خلاف يعلم، له، و للأخبار، منها: رواية أبي بصير المذكورة.

و الأخرى: عن الرجل ينسى أن يحلق رأسه حتى ارتحل من منى، قال: «ما يعجبني أن يلقي شعره إلّا بمنى، و لم يجعل عليه شيئا» «4».

و قريبة منها رواية الكناني «5».

______________________________

[1] التهذيب 5: 241- 814، الاستبصار 2: 285- 1013، الوسائل 14: 218 أبواب الحلق و التقصير ب 5 ح 2. و فيها: «يحلق في الطريق أو أين كان».

______________________________

(1) التهذيب 5: 242- 817، الاستبصار 2: 286- 1016، المقنع: 89، الوسائل 14: 221 أبواب الحلق و التقصير ب 6 ح 7.

(2) المدارك 8: 96.

(3) انظر الرياض 1: 402.

(4) التهذيب 5: 242- 818، الاستبصار 2: 286- 1017، الوسائل 14: 221 أبواب الحلق و التقصير ب 6 ح 6.

(5) الكافي 4: 503- 8، الوسائل 14: 218 أبواب الحلق و التقصير ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 381

و صحيحة البختري: في الرجل يحلق رأسه بمكّة، قال: «يردّ الشعر إلى

منى» «1».

و ابن عمّار: «كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يدفن شعره في فسطاطه بمنى، و يقول: كانوا يستحبّون ذلك» «2».

و صحيحة أبي بصير: في الرجل يوصي أن يذبح عنه و يلقي هو شعره بمكة، قال: «ليس له أن يلقي شعره إلّا بمنى». «3»

و قد يستدلّ عليه أيضا ببعض الأخبار الآمرة بالرجوع و إلقاء الشعر بمنى «4»، و هي خارجة عن المورد، لأنّ الكلام في تعذّر الرجوع، و معه فلا كلام، و حينئذ يمكن أن يكون الإلقاء كناية عن الحلق أو التقصير.

و هل البعث واجب مطلقا، كما هو ظاهر الشرائع «5»، و عن الشيخ في النهاية «6»؟

أو مع العمد في الخروج عن منى، كما عن المختلف «7»؟

أو يستحبّ مطلقا، كصريح النافع و المنتهى «8» و غيرهما «9»، و ظاهر

______________________________

(1) الكافي 4: 503- 9، التهذيب 5: 242- 816، الاستبصار 2: 286- 1015، الوسائل 14: 219 أبواب الحلق و التقصير ب 6 ح 1.

(2) التهذيب 5: 242- 815، الاستبصار 2: 286- 1014، الوسائل 14: 220 أبواب الحلق و التقصير ب 6 ح 5.

(3) الفقيه 2: 300- 1495، الوسائل 14: 220 أبواب الحلق و التقصير ب 6 ح 4.

(4) الوسائل 14: 217 و 219 أبواب الحلق و التقصير ب 5 و 6.

(5) الشرائع 1: 265.

(6) النهاية: 263.

(7) المختلف: 308.

(8) النافع: 92، المنتهى 2: 764.

(9) كالرياض 1: 402.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 382

القواعد «1» و غيره «2»؟

الحقّ هو: الأخير، لقصور الروايات عن إفادة الوجوب، حتى صحيحة أبي بصير الأخيرة، لعدم صراحة قوله: «ليس له» في الوجوب، مع عدم خلوّها عن نوع إجمال من جهة مرجع الضمير في قوله: «هو» و قوله: «له»، و عدم تعيّن الشعر أنّه

من الحلق أو التقصير في الحجّ أو العمرة أو عن غير ذلك.

و لو تعذّر البعث سقط إجماعا كما قيل «3».

و يستحبّ دفن الشعر بمنى، لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة، و رواية أبي شبل: «إنّ المؤمن إذا حلق رأسه بمنى ثمَّ دفنه جاء يوم القيامة و كأنّ كلّ شعرة لها لسان طلق تلبّي باسم صاحبها» «4».

و ظاهرهما عدم اختصاص استحباب الدفن بمن حلق في غير منى و بعث شعره إليها، بل يستحبّ للجميع، و هو كذلك.

و القول بوجوب الدفن- كما حكي عن الحلّي «5»- نادر ضعيف، خال عن الدليل.

المسألة السابعة: قيل: المشهور أنّه يجب أن يكون الحلق أو التقصير للحاجّ يوم النحر «6»،

لرواية البصري: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم

______________________________

(1) القواعد 1: 89.

(2) كالدروس 1: 453.

(3) حكاه في الرياض 1: 402، و استظهر في الذخيرة: 682 عدم الخلاف فيه.

(4) الكافي 4: 502- 1، الفقيه 2: 139- 596، المقنع: 89، الوسائل 14: 220 أبواب الحلق و التقصير ب 6 ح 3، بتفاوت يسير.

(5) حكاه عنه في الرياض 1: 402، و هو في السرائر 1: 601.

(6) المدارك 8: 89.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 383

النحر يحلق رأسه» «1».

و في دلالتها على الوجوب نظر، و وجوب أخذ المناسك عنه يفيد لو علم كون ذلك أيضا من المناسك.

و يعاضد الوجوب أيضا بعض الأخبار المتضمّنة لحلّية كلّ شي ء يوم النحر إلّا النساء، كصحيحة محمّد بن حمران «2»، فإنّه لو لا تلازم الحلق و يوم النحر لم يصحّ ذلك على الإطلاق، إلّا أنّه لا يصلح دليلا، لجواز أن يكون ذلك لاستحبابه و تعارفه، و إلّا فالوجوب أيضا لا يستلزم الفعلية.

و عن الحلبي و التذكرة و المنتهى «3»: جواز تأخيره إلى آخر أيّام التشريق بعد أن يقدّمه على الطواف، للأصل. و هو الأقوى،

لذلك.

المسألة الثامنة: قال جماعة بوجوب تأخيره عن الذبح و الرمي «4»،

و قد مرّ تحقيقه، و أنّ الأقوى الاستحباب.

المسألة التاسعة: قالوا: يجب أن يكون الحلق أو التقصير قبل زيارة البيت لطواف الحجّ و السعي،
اشاره

و في المدارك نفي الريب عنه «5»، و في الذخيرة: لا أعلم فيه خلافا صريحا «6»، و هو كذلك.

إلّا أنّ جماعة- منهم الحلّي في السرائر «7»- لم يصرّحوا بوجوب

______________________________

(1) الكافي 4: 502- 3، الوسائل 14: 214 أبواب الحلق و التقصير ب 1 ح 12.

(2) التهذيب 5: 247- 835، الاستبصار 2: 289- 1024، الوسائل 14: 236 أبواب الحلق و التقصير ب 14 ح 1.

(3) الحلبي في الكافي: 201، التذكرة 1: 390، المنتهى 2: 765، نقله عنهم في المفاتيح 1: 361.

(4) انظر الشرائع 1: 265، المنتهى 2: 764، و المدارك 8: 101.

(5) المدارك 8: 92.

(6) الذخيرة: 681.

(7) السرائر 1: 601.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 384

ذلك، و اكتفوا بوجوب الدم لو أخّره عنها.

و ظاهر الذخيرة التشكيك في وجوبه، بل جعل عدم وجوبه مقتضى كلام الجماعة «1».

و جعله بعض مشايخنا هو الظاهر من الأخبار، و إن صرّح أخيرا: بأنّه لا خروج عمّا عليه الأصحاب «2».

و مراده من الأخبار: صحيحتا جميل «3» و ابن حمران «4»، و رواية البزنطي المتقدّمة «5» في مسألة ترتيب هذه المناسك الثلاثة، و الصحيحة الآتية المتضمّنة للفظ: «لا ينبغي» الظاهر في الاستحباب، و رواية أبي بصير التي تأتي الإشارة إليها «6»، و الأخبار الكثيرة المجوّزة لتقديم الطواف على الخروج إلى منى «7»، كما يأتي في مسألة وجوب تأخير الطواف عن الوقوفين.

و لا ينافيه إيجاب الدم على من أخّره عنها في بعض الأخبار «8» كما يأتي، أمّا لإمكان حمله على الاستحباب كما قيل «9»، أو لعدم اقتضاء

______________________________

(1) انظر الذخيرة: 681.

(2) كما في الرياض 1: 402.

(3) الكافي 4: 504- 1، التهذيب 5: 236- 797، الوسائل 14: 155

أبواب الذبح ب 39 ح 4.

(4) التهذيب 5: 240- 810، الوسائل 14: 215 أبواب الحلق و التقصير ب 2 ح 2.

(5) الكافي 4: 504- 2، التهذيب 5: 236- 796، الاستبصار 2: 284- 1008، الوسائل 14: 156 أبواب الذبح ب 39 ح 6.

(6) في: ج 13 ص 14.

(7) الوسائل 11: 280 أبواب أقسام الحج ب 13.

(8) الوسائل 13: 413 أبواب الطواف ب 63.

(9) الرياض 1: 402.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 385

وجوب الدم مع التأخير على وجوب التقديم، لجواز التخيير بين التقديم بلا دم و التأخير مع الدم.

و قال في الذخيرة: لم أطّلع على خبر تتّضح دلالته على الوجوب «1».

أقول: تدلّ على وجوب تقديم التقصير على الطواف صحيحة الأعرج «2»، و بعض ما تقدّمها «3» من الروايات المتقدّمة في الواجب الثالث من واجبات الوقوف، المتضمّنة للفظة: «ثمَّ» الدالّة على الترتيب، إلّا أنّه تعارضها صحيحتا جميل و ابن حمران و رواية البزنطي و سائر الأخبار المشار إليها.

و يمكن لأجلها حمل الترتيب فيها على الاستحباب، إلّا أنّ مخالفة الأخبار المجوّزة لتقديم الطواف مطلقا للشهرة العظيمة- التي كادت أن تكون إجماعا، بل هي إجماع عند التحقيق- تمنع عن العمل بإطلاقها حتى في غير المعذور أيضا، و مع ذلك يخالف العامّة أيضا كما قيل «4».

و على هذا، فالأقرب وجوب تقديم الحلق على الطواف.

ثمَّ لو قدّم الطواف على الحلق أو التقصير، فإن كان عمدا لزمه دم شاة فيما قطع به الأصحاب كما قيل «5»، و عزاه في الدروس إلى الشيخ و أتباعه «6»، لصحيحة محمّد: في رجل زار البيت قبل أن يحلق، فقال: «إن كان زار البيت قبل أن يحلق و هو عالم أنّ ذلك لا ينبغي [له ] فإنّ عليه

دم

______________________________

(1) الذخيرة: 681.

(2) الكافي 4: 474- 7، الوسائل 14: 155 أبواب الذبح ب 39 ح 2.

(3) الوسائل 14: 155 أبواب الذبح ب 39.

(4) انظر الرياض 1: 402.

(5) الحدائق 17: 248، الذخيرة: 681.

(6) الدروس 1: 454.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 386

شاة» «1» و هل عليه إعادة الطواف؟

ظاهر الشيخ و أتباعه كما في الدروس «2»، و مع الصدوق كما في الذخيرة «3»، بل ظاهر الأكثر كما ذكره الفاضل الهندي «4»، و صريح الصيمري كما حكي عنه «5»: عدم الوجوب.

لظاهر الصحيحة المذكورة، و ظاهر رواية أبي بصير الثانية، المتقدّمة في المسألة السادسة، المصرّحة بقوله: «و ليس عليه شي ء» «6».

و عن جماعة من المتأخّرين- منهم الشهيد الثاني في الروضة «7»، مدّعيا عليه الإجماع-: الوجوب.

لصحيحة ابن يقطين: عن المرأة رمت و ذبحت و لم تقصّر حتى زارت البيت فطافت وسعت من الليل، ما حالها؟ و ما حال الرجل إذا فعل ذلك؟ قال: «لا بأس به يقصّر و يطوف للحجّ ثمَّ يطوف للزيارة، ثمَّ قد أحلّ من كلّ شي ء» «8».

أقول: إثبات أحد القولين من الأخبار مشكل.

______________________________

(1) الكافي 4: 505- 3، الوسائل 14: 238 أبواب الحلق و التقصير ب 15 ح 1. و ما بين المعقوفين من المصدر.

(2) الدروس 1: 454.

(3) الذخيرة: 681.

(4) في كشف اللثام 1: 374.

(5) حكاه عنه في الرياض 1: 402.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 12    387     المسألة التاسعة: قالوا: يجب أن يكون الحلق أو التقصير قبل زيارة البيت لطواف الحج و السعي، ..... ص : 383

(6) التهذيب 5: 242- 817، الاستبصار 2: 286- 1016، المقنع: 89، الوسائل 14: 221 أبواب الحلق و التقصير ب 6 ح 7.

(7) الروضة 2: 309.

(8) التهذيب 5: 241-

811، الوسائل 14: 217 أبواب الحلق و التقصير ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 387

أمّا الأول: فلأنّ عدم الذكر في الصحيحة لا يدلّ على العدم، و كونه مقام الحاجة ممنوع، لجواز كون ذلك معلوما للسائل بوجه آخر. و أمّا الرواية فلجواز كون نفي الشي ء لعدم حلقه بمنى.

و أمّا الثاني: فلقصور الصحيحة عن إثبات الوجوب.

و الصواب: البناء في ذلك على وجوب التقديم و عدمه، فإن وجب وجبت الإعادة، لكون ما أتى به منهيّا عنه، لكونه ضدّ الواجب- الذي هو تأخير الطواف- و النهي موجب للفساد، و إلّا لم تجب، للأصل.

و إن كان ناسيا لم يجب عليه دم، للأصل.

و المعروف من مذهب الأصحاب- كما في المدارك و الذخيرة «1»- وجوب إعادة الطواف عليه، لصحيحة ابن يقطين المتقدّمة، و قد عرفت ضعف دلالتها على الوجوب.

و ظاهر الشرائع «2» و المحكيّ عن المختلف و الصيمري «3» وجود الخلاف فيه، و حكي الخلاف عن الصدوق أيضا «4»، و القول بعدم وجوب الإعادة، و هو مقتضى الأصل، و الاحتياط لا ينبغي أن يترك.

و الجاهل كالناسي في عدم وجوب الدم بلا خلاف يظهر، و في وجوب الإعادة عند طائفة «5»، و قالت طائفة أخرى بعدم الوجوب «6»، و هو الأظهر، لما مرّ.

______________________________

(1) المدارك 8: 93، الذخيرة: 681.

(2) الشرائع 1: 265.

(3) في الرياض 1: 403.

(4) حكاه عنه في الرياض 1: 403، و هو في الفقيه 2: 301.

(5) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 119، صاحب المدارك 8: 94.

(6) منهم الصدوق في المقنع: 89، صاحب الحدائق 17: 250.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 388

و في وجوب إعادة السعي- لو كان أتى به، حيث تجب إعادة الطواف- قولان، الأقوى هو:

الأول، لما مرّ في بحث السعي من وجوب إعادته لو قدّمه على الطواف.

ثمَّ إنّ ما ذكر إنّما هو في المتمتّع، و أمّا القارن و المفرد فيجوز له تقديم الطواف، كما يأتي بيانه في بيان مناسكه بعد الرجوع إلى مكّة.

فرع: قال في الذخيرة: و لو قدّم الطواف على الذبح أو على الرمي،

ففي إلحاقه بتقديمه على التقصير وجهان «1». و نحوه في المدارك «2»، و زاد في آخره: و أحوطهما ذلك.

أقول: أمّا في الدم، فلا دليل على اللحوق، و لا وجه للاحتياط به.

و أمّا في الإعادة، فلو كان ثبت وجوب التقديم على الحلق أو الطواف كان لها مطلقا- أو مع العمد- وجه، و لكن لم يثبت شي ء منهما.

و أمّا في وجوب الترتيب و عدمه، فيمكن الاستدلال للوجوب ببعض الأخبار المتقدّمة في الواجب الثالث من واجبات منى «3».

و تعارضها صحيحتا جميل و ابن حمران، و رواية البزنطي، و بعض الأخبار الأخر المتقدّمة إليها الإشارة «4»، و لكن العمل بها على الإطلاق- لما ذكر من مخالفة الشهرة و موافقة العامّة- مشكل، فالأقرب وجوب الترتيب.

و الحكم في الناسي و الجاهل كما مرّ.

______________________________

(1) الذخيرة: 682.

(2) المدارك 8: 94.

(3) راجع ص: 302، 303.

(4) في ص: 303، 304.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 389

خاتمة فيما يحلّ له من محرّمات الإحرام بعد الحلق أو التقصير
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: إذا فرغ المتمتّع من مناسكه الثلاثة-
اشاره

الرمي و الذبح و الحلق أو التقصير- يحلّ له كلّ شي ء أحرم منه، إلّا الطيب و النساء، وفاقا لتصريح المبسوط و النهاية و السرائر و الوسيلة و الجامع «1»، و ظاهر المحكيّ عن التهذيب و الاستبصار و عن الإسكافي و الخلاف و المختلف «2».

لصحيحة محمّد بن حمران: عن الحاج يوم النحر ما يحلّ له؟ قال:

«كلّ شي ء إلّا النساء»، و عن المتمتّع ما يحلّ له يوم النحر؟ قال: «كلّ شي ء إلّا النساء و الطيب» «3».

و قويّة عمر بن يزيد: «اعلم أنّك إذا حلقت رأسك فقد حلّ لك كلّ شي ء إلّا النساء و الطيب» «4».

و الصحيح المرويّ في السرائر عن نوادر البزنطي: المتمتّع ما يحلّ له

______________________________

(1) المبسوط 1: 376، النهاية: 263، السرائر 1: 601، الوسيلة: 187، الجامع للشرائع: 216.

(2) التهذيب 5: 245، الاستبصار 2: 287، حكاه عنه في المختلف: 308، الخلاف 2: 348، المختلف: 308.

(3) التهذيب 5: 247- 835، الاستبصار 2: 289- 1024، الوسائل 14: 236 أبواب الحلق و التقصير ب 14 ح 1، و فيهما: عن الحاجّ غير المتمتّع يوم النحر.

(4) التهذيب 5: 245- 831، الاستبصار 2: 287- 1020، الوسائل 14: 233 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 390

إذا حلق رأسه؟ قال: «كلّ شي ء إلّا النساء و الطيب» «1».

و تؤيّد عدم حلّية الطيب له صحيحة منصور: عن رجل رمى و حلق أ يأكل شيئا فيه صفرة؟ قال: «لا، حتى يطوف بالبيت و بين الصفا و المروة، ثمَّ قد حلّ له كلّ شي ء إلّا النساء حتى يطوف بالبيت طوافا آخر، ثمَّ قد حلّ له النساء» «2».

و صحيحة العلاء: تمتّعت يوم ذبحت و حلقت، أ فألطّخ رأسي

بالحنّاء؟ قال: «نعم، من غير أن تمسّ شيئا من الطيب»، قلت: أ فألبس القميص؟ قال: «نعم، إذا شئت»، قلت: أ فأغطّي رأسي؟ قال: «نعم» «3».

و قريبة منها صحيحته الأخرى، و قد زاد في آخرها: قلت: قبل أن أطوف بالبيت؟ قال: «نعم» «4».

و الروايتان الأخيرتان تدلّان على أنّه جعل «5» له لبس المخيط و تغطية الرأس أيضا.

و تدلّ على حلّية التغطية أيضا موثّقة يونس: المتمتّع يغطّي رأسه إذا حلق؟ فقال: «يا بنيّ، حلق رأسه أعظم من تغطيته إيّاه» «6».

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 32- 31، الوسائل 14: 238 أبواب الحلق و التقصير ب 14 ح 4.

(2) التهذيب 5: 245- 829، الاستبصار 2: 287- 1018، الوسائل 14: 232 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 2.

(3) التهذيب 5: 245- 830، الاستبصار 2: 287- 1019، الوسائل 14: 233 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 3.

(4) التهذيب 5: 247- 836، الاستبصار 2: 289- 1025، الوسائل 14: 233 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 5.

(5) في «س»: حلّ.

(6) الكافي 4: 505- 2، الوسائل 14: 234 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 391

و قد دلّت أخبار أخر أيضا على حلّية كلّ شي ء- غير بعض المذكورات- له، و على بقاء حرمة النساء له «1».

و المعارض لأخبارنا ثلاثة أصناف من الأخبار:

أحدها: ما دلّ على عدم جواز لبس المخيط و تغطية الرأس من الأخبار «2»، و هي على الكراهة محمولة، كما يأتي.

و ثانيها: ما دلّ على حلّية الطيب له أيضا، كصحيحة سعيد بن يسار:

عن المتمتّع إذا حلق رأسه قبل أن يزور فيطليه بالحنّاء؟ قال: «نعم، الحنّاء و الثياب و الطيب و كلّ شي ء إلّا النساء»، ردّدها

عليّ مرتين أو ثلاثا، و قال:

سألت أبا الحسن عليه السلام، فقال: «نعم، الحنّاء و الثياب و الطيب و كلّ شي ء إلّا النساء» «3».

و صحيحة البجلي، و هي طويلة، و في آخرها: فقال: يا أبه، إنّ موسى أكل خبيصا [1] فيه زعفران و لم يزر بعد: فقال أبي: «هو أفقه منك، أ ليس قد حلقتم رؤوسكم؟!» «4».

و الخزّاز: رأيت أبا الحسن عليه السلام بعد ما ذبح حلق، ثمَّ ضمّد رأسه بمسك، ثمَّ زار البيت و عليه قميص و كان متمتّعا «5».

______________________________

[1] الخبيص: هو طعام معمول من التمر و الزبيب و السمن- مجمع البحرين 4:

167.

______________________________

(1) الوسائل 14: 232 أبواب الحلق و التقصير ب 13.

(2) انظر الوسائل 14: 240 أبواب الحلق و التقصير ب 18.

(3) الكافي 4: 505- 1، التهذيب 5: 245- 832، الاستبصار 2: 287- 1021، الوسائل 14: 234 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 7، بتفاوت يسير.

(4) الكافي 4: 506- 4، التهذيب 5: 246- 833، الاستبصار 2: 288- 1022، الوسائل 14: 237 أبواب الحلق و التقصير ب 14 ح 3.

(5) الكافي 4: 505- 3، الوسائل 14: 235 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 392

و ابن عمّار: «سئل ابن عبّاس: هل كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتطيّب قبل أن يزور البيت؟ قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يضمّد رأسه بالمسك قبل أن يزور» «1».

و موثّقة إسحاق: عن المتمتّع إذا حلق رأسه ما يحلّ له؟ قال: «كلّ شي ء إلّا النساء» «2».

و لكن لا يعلم من الأصحاب من عمل بهذه الأخبار و أحلّ الطيب له، صرّح بذلك في الذخيرة أيضا «3»، و على هذا

فتكون شاذّة يجب طرحها، و مع ذلك مرجوحة بالنسبة إلى معارضاتها، لموافقتها لأكثر العامّة، كالشافعي و أحمد و أبي حنيفة و غيرهم «4».

و تومئ إليه صحيحة ابن عمّار المتقدّمة، مضافا إلى كون صحيحتي البجلي و ابن عمّار قضية في واقعة، فلعلّه كان في غير التمتّع.

و دلالة الموثّقة بالعموم المطلق بالنسبة إلى ما مرّ، فيجب التخصيص بغير الطيب.

و نسخ الصحيحة الأولى مختلفة، ففي بعضها لا يوجد قوله: قبل أن يزور، فيحصل لها العموم أيضا.

و ثالثها: ما يدلّ على حرمة الصيد له أيضا، و هي صحيحة ابن عمّار:

«إذا ذبح الرجل و حلق فقد أحلّ من كلّ شي ء أحرم منه إلّا النساء و الطيب، فإذا زار البيت و سعى بين الصفا و المروة فقد أحلّ من كلّ شي ء أحرم منه إلّا

______________________________

(1) التهذيب 5: 246- 834، الوسائل 14: 237 أبواب الحلق و التقصير ب 14 ح 2.

(2) الكافي 4: 506- 5، الوسائل 14: 234 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 8.

(3) الذخيرة: 683.

(4) المغني و الشرح الكبير 3: 470، بدائع الصنائع 2: 142.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 393

النساء، فإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كلّ شي ء أحرم منه إلّا الصيد» «1».

فإنّها تدلّ على بقاء حرمة الصيد بعد المناسك الثلاثة أيضا، و عمل بها جماعة من الأصحاب، منهم: الشرائع و النافع و الإرشاد «2» و غيرها «3»، و نسبه في المدارك إلى أكثر الأصحاب «4».

و قيل: فيه نظر، لإطلاق أكثر الأصحاب أنّه يحلّ له كل شي ء إلّا الطيب و النساء «5». انتهى.

و استدلوا له بالصحيحة المذكورة مضافة إلى الاستصحاب، و ظاهر قوله سبحانه لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ «6»، حيث إنّ الإحرام يتحقّق بحرمة الطيب

و النساء أيضا، و لكونه في الحرم.

أقول: يمكن الجواب أمّا عن الصحيحة: فبأنّه لا كلام في حرمة الصيد بعد طواف النساء و الحلق أيضا من جهة الحرم، و إنّما الكلام في حرمته من جهة الإحرام، و تظهر الفائدة في أكل لحم الصيد، و الصحيحة لا تدلّ إلّا على حرمته، لا على أنّه من جهة الإحرام.

و لا يصير الاستثناء منقطعا كما قد يتوهّم، لأنّ الصيد أيضا ممّا أحرم منه، غاية الأمر أنّ جهة حرمته أيضا ليست نفس الإحرام، و لكن ذلك لا يخرجه عن كونه ممّا أحرم منه، و لا عن أصل الحرمة.

______________________________

(1) الفقيه 2: 302- 1501، الوسائل 14: 232 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 1.

(2) الشرائع 1: 265، النافع 1: 92، الإرشاد 1: 335.

(3) كالحدائق 17: 259.

(4) المدارك 8: 102.

(5) انظر الرياض 1: 403.

(6) المائدة: 95.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 394

و بالجملة: لا دلالة للصحيحة على حرمته الإحراميّة حتى تعارض ما مرّ، و لا أقلّ من الاحتمال المسقط للمعارضة.

هذا، مع ما فيها من الشذوذ المخرج عن الحجيّة، لعدم قول يعرف بين الأصحاب بحرمة الصيد الإحراميّ، بعد طواف النساء.

و أمّا عن الاستصحاب: فباندفاعه بما مرّ.

و أمّا عن الآية: فبمنع كونه محرما، فإنّ المراد بالمحرم ليس من حرم عليه شي ء، بل من تحرم عليه الأمور المخصوصة التي ارتفعت حرمة أكثرها، فلا يمكن استصحاب المحرّمية أيضا، لتغيّر الموضوع.

فرع: قد ذكرنا حصول التحلّل عن غير الأمرين بالفراغ عن المناسك الثلاثة.

و هل يتوقف التحلّل عليها، كما هو ظاهر من علّق التحلّل بالفراغ عن مناسك منى، كما في النافع «1»، و عن جماعة أخرى «2»؟

أو يترتّب التحلّل بالحلق أو التقصير خاصة، كما في الكتب السبعة الأولى المذكورة في صدر المسألة، و في الشرائع و الإرشاد «3»؟

و عن

العماني و المقنع و التحرير و المنتهى و التذكرة: الترتّب على الرمي و الحلق [1].

______________________________

[1] حكاه عن العماني في المختلف: 308، و عن البقية في كشف اللثام 1: 374.

المقنع: 90 و فيه: إذا ذبح الرجل و حلق فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه إلّا النساء و الطيب. التحرير 1: 109، المنتهى 2: 765، التذكرة 1: 391 و فيهما: إذا حلق أو قصر حلّ له كل شي ء أحرم منه إلّا النساء ..

______________________________

(1) النافع 1: 92.

(2) كما في التنقيح 1: 498، الرياض 1: 403.

(3) راجع ص: 389، الشرائع 1: 265، الإرشاد 1: 335.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 395

و عن ابني بابويه: على الرمي «1».

و قيل: برجوع القول الثاني و الثالث إلى الأول، حيث إنّ المتعارف في الحلق وقوعه بعد الرمي و الذبح «2».

و كيف كان، دليل الأول: أنّه المراد من الأخبار، حملا للحلق على الغالب المتعارف من كونه بعد النسكين الآخرين، بل على أصله عند من أوجب الترتيب، بل يمكن كون التعارف قرينة على إرادة ذلك.

دليل الثاني: أكثر الأخبار المتقدّمة المعلّقة للحلّية على الحلق خاصّة «3».

و دليل الثالث: صحيحة منصور المتقدّمة «4».

و حجّة الرابع: المرويّ عن قرب الإسناد: «إذا رميت جمرة العقبة فقد حلّ لك كلّ شي ء حرم عليك إلّا النساء» «5».

أقول: يردّ دليل الأخير بالضعف، و الشذوذ، و معارضته الأخبار الغير العديدة.

و دليل ما قبله: بأنّ الرمي و الحلق في الصحيحة إنّما ورد في السؤال، و هو غير كاف لإثبات التعليق.

و دليل ما قبله: بأنّ الحكم و إن علّق في أكثر الأخبار بما بعد الحلق، إلّا أنّا قد أثبتنا في الأصول: أنّ حمل اللفظ على مقتضى أصل الحقيقة إنّما

______________________________

(1) الفقيه 2: 328، حكاه

عنه و عن أبيه في المختلف: 308.

(2) الذخيرة: 684.

(3) راجع ص: 389، 390.

(4) في ص: 392.

(5) قرب الإسناد: 108- 370، الوسائل 14: 235 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 396

هو إذا لم يكن هناك ما يصلح لأن يكون قرينة للتجوّز، و أمّا معه فلا يجري على أصل الحقيقة، بل إن علم كون ذلك الأمر قرينة يحمل على التجوّز، و إن صلح لها يتوقّف و يعمل بالأصل، و الأصل هنا مع عدم التحلّل إلّا بعد الثلاثة.

و مع ذلك تعارض تلك الأخبار بمفهوم صحيحة ابن عمّار الأخيرة «1»، الدالّة على عدم التحلّل بدون الذبح، و يلزمه بدون الرمي أيضا بالإجماع المركّب، و بما يأتي من المرويّ في بصائر الدرجات [1].

فإذن الأقرب هو: القول الأول، و إليه المعوّل.

المسألة الثانية: إذا طاف المتمتّع طواف الحجّ و سعى بين الصفا و المروة أحلّ من الطيب أيضا،

بلا خلاف يعلم، لصحيحتي منصور و ابن عمّار المتقدّمتين.

و رواية المروزي: «إذا حجّ الرجل فدخل مكّة [متمتّعا] فطاف بالبيت و صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام و سعى بين الصفا و المروة و قصّر، فقد حلّ له كلّ شي ء ما خلا النساء، لأنّ عليه لتحلّة النساء طوافا و صلاة» «2».

و صحيحة أخرى لابن عمّار الطويلة في زيارة البيت يوم النحر، و في آخرها: «ثمَّ اخرج إلى الصفا، فاصعد عليه و اصنع كما صنعت يوم دخلت مكة» إلى أن قال: «فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شي ء أحرمت منه إلّا النساء» الحديث «3».

______________________________

[1] التهذيب 5: 162- 544، الاستبصار 2: 244- 853، الوسائل 13: 444 أبواب الطواف ب 82 ح 7. و ما بين المعقوفين من المصادر.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 398.

(2) انظر ص: 396.

(3) الكافي 4: 511- 4، التهذيب 5: 251- 853،

الاستبصار 2: 292- 1037، الوسائل 14: 249 أبواب زيارة البيت ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 397

و أمّا صحيحة محمّد بن إسماعيل: هل يجوز للمحرم المتمتّع أن يمسّ الطيب قبل أن يطوف طواف النساء؟ فقال: «لا» «1».

فمحمولة على الجواز بالمعنى الأخصّ، كما ذكره في التهذيبين «2» بقرينة ما مرّ، و لولاه لطرحت بالشذوذ.

و مقتضى الصحاح المذكورة: عدم التحلّل بالطواف خاصّة، و هو المشهور كما قيل «3».

و ظاهر بعض العبارات- و منها: الشرائع و النافع و المنتهى «4»- عدم توقّف التحلّل على السعي، للخبرين.

في أحدهما: «إذا كنت متمتّعا فلا تقربنّ شيئا فيه صفرة حتى تطوف بالبيت» «5».

و الآخر المرويّ في بصائر الدرجات، الآتي ذكره.

و جوابه: أنّ التعارض بين مفهوم غاية الخبرين و مفهوم شرط الصحاح بالعموم من وجه، فإن رجّحنا الصحاح بالصحّة و الأكثرية و الأشهرية، و إلّا فيرجع إلى استصحاب الحرمة.

و هل يتوقّف هذا التحليل على صلاة الطواف؟

قيل: لا، لإطلاق النصّ، و الفتوى «6».

______________________________

(1) التهذيب 5: 248- 839، الاستبصار 2: 290- 1029، الوسائل 14: 242 أبواب الحلق و التقصير ب 19 ح 1.

(2) التهذيب 5: 248، الاستبصار 2: 290.

(3) في الرياض: 1: 403.

(4) الشرائع 1: 265، النافع: 92، المنتهى 2: 766.

(5) التهذيب 5: 298- 1009، الوسائل 12: 445 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 12.

(6) انظر الرياض 1: 403.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 398

و فيه: أنّ الإطلاق إنّما يحكم به لو لا شيوع تقدّمها على السعي المتأخّر عنه التحليل، مضافا إلى دلالة رواية المروزي المتقدّمة «1» على التوقّف.

و كذا صحيحة ابن عمّار الأخيرة «2» على التوقّف، فإنّ فيها قبل ما نقلنا منها: «ثمَّ صلّ عند مقام إبراهيم ركعتين» إلى

أن ساق الكلام إلى قوله عليه السلام:

«فإذا فعلت ذلك فقد أحللت» إلى آخره. فالأصحّ: التوقّف.

و لو قدّم الطواف و السعي على الوقوف أو مناسك منى- كما في القارن و المفرد مطلقا و المتمتّع للضرورة أو بدونها إن جوّزناه في بعضها- فهل يحصل ذلك التحلّل، أم لا؟

نقل في المدارك عن بعض الأصحاب: الأول «3»، و استوجهه شيخنا الشهيد الثاني- رحمه اللّه- و اختار هو عدمه «4».

للاستصحاب، و المرويّ في بصائر الدرجات، فإنّ فيه: «إذا أردت المتعة في الحجّ» إلى أن قال: «ثمَّ أحرمت بين الركن و المقام بالحجّ، فلا تزال محرما حتى تقف بالمواقف، ثمَّ ترمي و تذبح و تغتسل، ثمَّ تزور البيت، فإذا فعلت فقد أحللت» «5».

و لا تفيد الإطلاقات، لما ذكرنا من الشيوع المانع عن التمسّك به.

المسألة الثالثة: إذا طاف المتمتّع طواف النساء حلّت له النساء

______________________________

(1) في ص: 396.

(2) المتقدّمة في ص: 396.

(3) المدارك 8: 106.

(4) المسالك 1: 119.

(5) بصائر الدرجات: 533، الوسائل 11: 234 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 30، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 399

و جميع ما أحرم منه، و لم يبق بعد ذلك شي ء، إجماعا كما في المدارك «1»، بل على التحقيق، له، و للأخبار، كصحيحتي منصور «2» و ابن عمّار «3» المتقدّمتين.

و صحيحة ابن عمّار الأخيرة المنقول بعضها، و فيها- بعد ذكر: «ثمَّ أرجع إلى البيت»-: «فطف به أسبوعا آخر، ثمَّ صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم، ثمَّ قد أحللت من كلّ شي ء، و فرغت من حجّك كلّه و كلّ شي ء أحرمت منه» «4»، بل و كذا رواية المروزي السابقة «5» و غيرها «6».

و مقتضى الصحيحتين الأخيرتين: توقّف حلّية النساء على ركعتي هذا الطواف أيضا، و هو كذلك لذلك، وفاقا للمحكيّ عن الهداية و الاقتصاد

«7».

و خلافا لإطلاق أكثر الفتاوى، لإطلاق أكثر النصوص، و حمل صحيحة ابن عمّار على توقّف مجموع التحلّل و الفراغ من الحجّ عليها.

و فيه: أنّ رواية المروزي لا تقبل حملا، فبها تقيّد الإطلاقات.

و حكي عن العماني: حلّية النساء بالفراغ من السعي «8»، و هو خلاف الإجماع و النصوص المذكورة و غيرها.

و كما تحرم النساء على الرجال قبل طوافهم طواف النساء، فكذلك

______________________________

(1) المدارك 8: 106.

(2) المتقدّمة في ص: 390.

(3) المتقدّمة في ص: 392.

(4) الكافي 4: 511- 4، التهذيب 5: 251- 853، الاستبصار 2: 292- 1037، الوسائل 14: 249 أبواب زيارة البيت ب 4 ح 1.

(5) في ص: 396.

(6) الوسائل 14: 236 أبواب الحلق و التقصير ب 14.

(7) الهداية: 65، الاقتصاد: 309.

(8) حكاه عنه في المختلف: 309.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 400

الرجال تحرم عليهنّ قبل طوافهنّ، كما صرّح به جماعة «1».

لا لعموم قوله تعالى فَلا رَفَثَ الآية «2»، بضميمة كون الرفث هو الجماع و عدم الخروج عن الحجّ إلّا بطواف النساء، لدلالة الأخبار الصحيحة- كما يأتي- من خروج طواف النساء عن الحجّ.

و لا للإجماع المنقول، لعدم حجّيته.

بل للاستصحاب، و الأخبار، كصحيحة العلاء و البجلي و ابن رئاب و عبد اللّه بن صالح: «المرأة المتمتّعة إذا قدمت مكّة ثمَّ حاضت» و ساق الحديث إلى أن قال: «ثمَّ طافت طوافا للحجّ، ثمَّ خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلّت من كلّ شي ء يحلّ منه المحرم إلّا فراش زوجها، فإذا طافت أسبوعا آخر حلّ لها فراش زوجها» «3».

و رواية درست: متمتّعة قدمت مكّة فرأت الدم- إلى أن قال: «فإذا قدمت مكّة طافت بالبيت طوافين، وسعت بين الصفا و المروة، فإذا فعلت ذلك فقد حلّ لها كلّ شي ء ما عدا

فراش زوجها» [1].

و رواية عجلان: «إذا اعتمرت المرأة ثمَّ اعتلّت قبل أن تطوف قدّمت السعي و شهدت المناسك، فإذا طهرت و انصرفت من الحجّ قضت طواف العمرة و طواف الحجّ و طواف النساء، ثمَّ أحلّت من كلّ شي ء» «4».

______________________________

[1] الكافي 4: 446- 2، التهذيب 5: 391- 1368، الاستبصار 2: 312- 1109، الوسائل 13: 449 أبواب الطواف ب 84 ح 2. و في الجميع: عن درست الواسطي، عن عجلان أبي صالح ..

______________________________

(1) انظر المدارك 8: 107، الذخيرة: 684، الحدائق 17: 267.

(2) البقرة: 197.

(3) الكافي 4: 445- 1، الوسائل 13: 448 أبواب الطواف ب 84 ح 1، بتفاوت يسير.

(4) الكافي 4: 447- 6، التهذيب 5: 394- 1374، الاستبصار 2: 314- 1115، الوسائل 13: 449 أبواب الطواف ب 84 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 401

المسألة الرابعة: ما ذكر إنّما هو في حقّ المتمتّع،

و أمّا القارن و المفرد فيتحلّلان بالحلق أو التقصير عن غير النساء مطلقا حتى الطيب، صرّح بذلك الشيخ في النهاية و المبسوط و الحلّي و ابن حمزة في الوسيلة «1»، و جمع آخر «2»، بل الأكثر، و في الذخيرة: أنّه المعروف بين الأصحاب «3».

و ظاهر إطلاق الأكثر عدم الفرق في ذلك بين أن يقدّما الطواف و السعي على باقي المناسك أم لا.

و قيّده في الدروس بصورة التقديم «4».

و عن الجعفي: التسوية بينهما و بين المتمتّع «5».

و سيأتي تحقيق المقام فيه إن شاء اللّه.

المسألة الخامسة: يكره للمتمتّع لبس المخيط و التقنّع

حتى يطوف للحجّ و يسعى، و الطيب حتى يطوف طواف النساء.

و تدلّ على الأول صحاح: محمّد «6»، و سعيد الأعرج «7»، و منصور «8»، و ابن عمّار عن إدريس القمّي «9».

______________________________

(1) النهاية: 263، المبسوط 1: 377، الحلي في السرائر 1: 601، الوسيلة: 187.

(2) انظر الدروس 1: 455، الحدائق 17: 258.

(3) الذخيرة: 684.

(4) الدروس 1: 455.

(5) حكاه عنه في الدروس 1: 455.

(6) التهذيب 5: 247- 837، الاستبصار 2: 289- 1026، الوسائل 14: 241 أبواب الحلق و التقصير ب 18 ح 2.

(7) الفقيه 2: 302- 1502، الوسائل 14: 241 أبواب الحلق و التقصير ب 18 ح 4.

(8) التهذيب 5: 248- 839، الاستبصار 2: 290- 1028، الوسائل 14: 240 أبواب الحلق و التقصير ب 18 ح 1.

(9) التهذيب 5: 247- 838، الاستبصار 2: 289- 1027، المقنع: 90، الوسائل 14: 241 أبواب الحلق و التقصير ب 18 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 12، ص: 402

و على الثاني: صحيحة محمّد بن إسماعيل المتقدّمة في المسألة الثانية «1».

و إنّما حملت هذه الروايات على الكراهة لقرينة ما مرّ من الأخبار المخالفة لها، مضافة إلى قصور الأربعة الأولى عن

إفادة الحرمة، بل صحيحة منصور ظاهرة في عدمها.

و مورد الجميع المتمتّع خاصّة، بل في صحيحة الأعرج التصريح بعدم المنع في غيره، و كذا في الخبر المرويّ عن قرب الإسناد «2».

و ظاهر بعضهم الإطلاق، و لا وجه له معلوما كما قيل «3».

______________________________

(1) راجع ص: 397.

(2) قرب الإسناد: 108- 370، الوسائل 14: 235 أبواب الحلق و التقصير ب 13 ح 11.

(3) في الرياض 1: 400.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة الجزء 13

[تتمة كتاب الحج ]

[تتمة المقصد الرابع ]

[تتمة المبحث الثاني ]
[تتمة الباب الأول ]
[تتمة المطلب الثاني ]
الفصل الخامس في الرجوع إلى مكّة للإتيان بمناسكها الخمسة
اشاره

الطواف، و ركعتاه، و السعي، و طواف النساء، و ركعتاه.

و سبقت كيفيّة الطواف و ركعتيه و السعي في العمرة، و إنّما بقيت مسائل منها متعلّقة بذلك المقام، ففي هذا الفصل مسائل:

المسألة الأولى: يجب على الحاجّ- بعد فراغه من مناسك منى،

و يجوز قبله أيضا على القول بجواز تقديم الطواف و السعي على مناسكه كلّا أو بعضا- المضيّ إلى مكّة- شرّفها اللّه تعالى- لمناسكها، اتّفاقا نصّا و فتوى.

و يترجّح إيقاع ذلك في يوم النحر، لاستحباب المسارعة إلى الخيرات، و التحرّز عن الموانع و الأعراض، و المعتبرة من الأخبار:

كصحيحة محمّد: عن المتمتّع متى يزور البيت؟ قال: «يوم النحر» «1».

______________________________

(1) التهذيب 5: 249- 841، الاستبصار 2: 290- 1030، الوسائل 14: 244 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 6

و صحيحة ابن عمّار: في زيارة البيت يوم النحر، قال: «زره، فإن شغلت فلا يضرّك أن تزور البيت من الغد، و لا تؤخّر أن تزور من يومك، فإنّه يكره للمتمتّع ان يؤخّر، و موسّع للمفرد أن يؤخّر» «1».

و منصور: «لا يبيت المتمتّع يوم النحر بمنى حتى يزور البيت» «2».

و هل يجب ذلك بدون العذر، كما عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و الجامع «3»، للأخبار المذكورة، سيّما الأمر و مفهوم الشرط في الثانية، و لا ينافيه قوله فيها: «يكره»، لأعمّية الكراهة من الحرمة؟

أو لا يجب، كما عن الباقين؟

الحقّ هو: الثاني، و قصور الأخبار المتقدّمة عن إفادة الحرمة، حتى الأمر و المفهوم المذكور، لأنّ الأمر في الجواب غير مقيّد بيوم النحر.

و لأنّ الشغل أعمّ من العذر، و الضرر أعمّ من العقاب، فإنّ حرمان الثواب أيضا ضرر، و غير الغد أعمّ من يوم النحر، لأنّ ليلته غير يوم النحر و غير الغد.

و للأخبار المجوّزة للتأخير

أو الظاهرة في الاستحباب «4»، كما يأتي.

و على هذا، فيجوز التأخير إلى الليلة.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة الحلبي: «ينبغي للمتمتّع أن يزور البيت يوم

______________________________

(1) الكافي 4: 511- 4، التهذيب 5: 251- 853، الاستبصار 2: 292- 1037، الوسائل 14: 243 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 1.

(2) التهذيب 5: 249- 842، الاستبصار 2: 290- 1031، الوسائل 14: 245 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 6.

(3) النهاية: 264، المبسوط 1: 377، الوسيلة: 187، الجامع للشرائع: 217.

(4) الكافي 4: 511- 3، التهذيب 5: 249- 843، الاستبصار 2: 291- 1032، الوسائل 14: 245 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 7

النحر أو من ليلته، و لا يؤخّر ذلك» «1».

و نحوها صحيحة عمران الحلبي «2».

و إلى الغد، لقصور ما مرّ من الأخبار- الناهية عن التأخير- لإثبات الحرمة.

و لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة «3».

و الأخرى: عن المتمتّع متى يزور البيت؟ قال: «يوم النحر أو من الغد، و لا يؤخّر، و المفرد و القارن ليسا بسواء، موسّع عليهما» «4».

و إلى يوم النفر الثاني، وفاقا للحلّي و الغنية و الكافي «5» و أكثر المتأخّرين «6»، بل غير نادر منهم.

لقصور ما مرّ عن إفادة الحرمة عن الغد.

و لموثّقة إسحاق: عن زيارة البيت تؤخّر إلى يوم الثالث، قال:

«تعجيلها أحبّ إليّ، و ليس به بأس إن أخّره» «7».

و صحيح ابن سنان: «لا بأس أن تؤخّر زيارة البيت إلى يوم النفر، إنّما يستحبّ تعجيل ذلك مخافة الأحداث و المعاريض» «8».

______________________________

(1) الكافي 4: 511- 3، الوسائل 14: 245 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 7.

(2) التهذيب 5: 249- 843، الاستبصار 2: 291- 1032، الوسائل 14: 245 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 7.

(3)

في ص: 6.

(4) التهذيب 5: 249- 844، الاستبصار 2: 291- 1036، الوسائل 14: 245 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 8.

(5) الحلي في السرائر 1: 602، الغنية (الجوامع الفقهية): 582، الكافي في الفقه: 195.

(6) انظر الدروس 1: 457، الحدائق 17: 274، الذخيرة: 685.

(7) الفقيه 2: 244- 1170، التهذيب 5: 250- 845، الاستبصار 2:

291- 1033، الوسائل 14: 246 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 10.

(8) الفقيه 2: 245- 1171، التهذيب 5: 250- 846، الاستبصار 2:

291- 1034، الوسائل 14: 245 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 8

و المرويّ في السرائر عن نوادر البزنطي: عن رجل أخّر الزيارة إلى يوم النفر، قال: «لا بأس» «1».

خلافا للمحكيّ عن المفيد و السيّد و الديلمي و النافع و موضع من الشرائع و الإرشاد و التذكرة و المنتهى «2»، و قيل: جماعة من المتأخّرين «3».

للأخبار المتقدّمة القاصرة عن إفادة الحرمة حتى من جهة قوله:

«موسّع عليهما»، إذ في رفع الاستحباب أيضا نوع توسعة.

و من ذلك يظهر ضعف ما أجيب به عن روايات التأخير من الحمل على غير المتمتّع، حملا للمطلق على المقيّد.

و إلى آخر ذي الحجّة، وفاقا للحلّي «4»، و هو ظاهر الاستبصار «5»، و حكي عن المختلف «6»، و نسبه إلى سائر المتأخّرين، و اختاره في المفاتيح «7» و شرحه، و نسبه في الأخير أيضا إلى أكثر متأخّري أصحابنا.

للأصل، و لصحيحتي الحلبي و هشام بن سالم:

الاولى: عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح، قال: «ربّما أخّرته حتى تذهب أيّام التشريق، لكن لا يقرب النساء و الطيب» «8».

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 35- 48، الوسائل 14: 246 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 11.

(2) المفيد في المقنعة:

420، السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 69، الديلمي في المراسم: 114، النافع: 92، الشرائع 1: 265، الإرشاد 1: 335، التذكرة 1: 391، المنتهى 2: 767.

(3) انظر الرياض 1: 404.

(4) السرائر 1: 602.

(5) الاستبصار 2: 291.

(6) المختلف: 309.

(7) المفاتيح 1: 363.

(8) الفقيه 2: 245- 1172، التهذيب 5: 250- 847، الاستبصار 2:

291- 1035، الوسائل 14: 243 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 2 بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 9

و الثانية: «لا بأس إن أخّرت زيارة البيت إلى أن تذهب أيّام التشريق، إلّا أنّك لا تقرب النساء و لا الطيب» «1».

و هما و إن لم تصرّحا بالتأخّر إلى آخر الشهر، إلّا أنّهما تدلّان عليه.

خلافا لموضع من الشرائع و للذخيرة و للمحكيّ عن الغنية و الكافي «2»، فلم يجوّزوا التأخير عن آخر أيّام التشريق.

و يدلّ عليه مفهوم الغاية في صحيحة ابن سنان و المرويّ عن النوادر المتقدّمين، و لكن يجب حملهما على الكراهة، بقرينة الصحيحتين الأخريين.

مضافا إلى أنّ المفهوم عامّ بالنسبة إلى زمان التأخير، فيجب التخصيص.

المسألة الثانية: ما مرّ من الخلاف في جواز التأخير و عدمه إنّما هو في المتمتّع،

و أمّا القارن و المفرد فيجوز لهما التأخير طول ذي الحجّة، بلا خلاف كما قيل «3».

لقوله سبحانه الْحَجُّ أَشْهُرٌ «4».

و الأصل.

و الإطلاقات.

و صحيحتي ابن عمّار المتقدّمتين، و هما و إن لم تصرّحا بالتأخير إلى آخر الشهر، إلا أنّ إطلاق جواز التأخير و اختصاص المقيّدات بالمتمتّع-

______________________________

(1) الفقيه 2: 245- 1174، الوسائل 14: 244 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 3.

(2) الشرائع 1: 265، الذخيرة: 685، الغنية (الجوامع الفقهية): 582، الكافي:

195.

(3) مفاتيح الشرائع 1: 363.

(4) البقرة: 197.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 10

سيّما بضميمة الإجماع المركّب- كاف في إثبات المطلوب.

نعم، يكره التأخير.

لفتوى الأجلّة، كما في النافع و

الشرائع و المنتهى و الإرشاد و التحرير و التلخيص «1».

و للعلّة المذكورة في صحيحة ابن سنان المتقدّمة.

المسألة الثالثة: يستحبّ لمن يمضي إلى طواف الحجّ الغسل و تقليم الأظفار و أخذ الشارب.

لرواية عمر بن يزيد: «ثمَّ احلق رأسك، و اغتسل، و قلّم أظفارك، و خذ من شاربك، وزر البيت، و طف به أسبوعا تفعل كما صنعت يوم قدمت مكّة» «2».

و لو اغتسل لذلك بمنى جاز، للأصل، و رواية الحسين «3».

و لو اغتسل نهارا و طاف ليلا أجزأه الغسل ما لم يحدث ما يوجب الوضوء.

لموثّقة إسحاق: عن غسل الزيارة يغتسل الرجل بالنهار و يزور في الليل بغسل واحد، يجزئه ذلك؟ قال: «يجزئه ما لم يحدث ما يوجب وضوء، فإن أحدث فليعد غسله بالليل» «4».

______________________________

(1) النافع: 92، الشرائع 1: 265، المنتهى 2: 767، الإرشاد 1: 335، التحرير 1: 109.

(2) التهذيب 5: 250- 848، الوسائل 14: 247 أبواب زيارة البيت ب 2 ح 2.

(3) الكافي 4: 511- 1، التهذيب 5: 250- 849، الوسائل 14: 248 أبواب زيارة البيت ب 3 ح 1.

(4) الكافي 4: 511- 2، و في التهذيب 5: 251- 850، الوسائل 14: 248 أبواب زيارة البيت ب 3 ح 2، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 11

و الزيارة أعمّ من زيارة البيت و زيارة المشاهد. و الرواية- كما ترى- مختصّة بالغسل نهارا و الطواف ليلا.

و قد استدلّ بعضهم على العكس أيضا «1»، و هو غير جيّد، إلّا أنّ بعد عدم الحدث يصدق كونه مغتسلا، فلا حاجة إلى غسل آخر، إذ لم يستحبّ الغسل في يوم الزيارة أو ليلها، بل لها نفسها.

و لذا لو أحدث في يوم الغسل استحبّت الإعادة، كما صرّح به في صحيحة البجلي: عن الرجل يغتسل للزيارة ثمَّ ينام، أ يتوضّأ قبل أن يزور؟

قال: «يعيد غسله، لأنّه

إنّما دخل بوضوء» «2».

و يستحبّ الغسل لدخول مكّة، لإطلاق صحيحة البجلي المتقدّمة في دخول مكّة لطواف العمرة.

المسألة الرابعة: يستحبّ لمن رجع من منى لطواف البيت أن يقوم على باب المسجد،

و يدعو بالمأثور في صحيحة ابن عمّار، قال: «فإذا أتيت البيت يوم النحر فقمت على باب المسجد، فقلت: اللّهم أعنّي على نسكك، و سلّمني له و سلّمه لي، أسألك مسألة العليل الذليل المعترف بذنبه أن تغفر لي ذنوبي، و أن ترجعني بحاجتي، اللّهم إنّي عبدك، و البلد بلدك، و البيت بيتك، جئت أطلب رحمتك، و أؤمّ طاعتك، متّبعا لأمرك، راضيا بقدرك، أسألك مسألة المضطرّ إليك، المطيع لأمرك، المشفق من عذابك، الخائف لعقوبتك، أن تبلغني عفوك، و أن تجيرني من النار برحمتك» الحديث «3».

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 404.

(2) التهذيب 5: 251- 851، الوسائل 14: 249 أبواب زيارة البيت ب 3 ح 4.

(3) الكافي 4: 511- 4، التهذيب 5: 251- 853، الوسائل 14: 249 أبواب زيارة البيت ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 12

و يستحبّ أيضا الدعاء على باب المسجد بالمأثور في موثّقة أبي بصير، المتقدّمة الإشارة إليها في دخول المسجد لطواف العمرة، المبتدئ بقوله عليه السّلام: «بسم اللّه و باللّه و من اللّه» الحديث «1».

و أمّا الدعاء المتقدّم في طواف العمرة على باب المسجد، المبتدأ بقوله: «السلام عليك»، و حين دخوله، المبتدأ بقوله: «اللّهم إنّي أسألك في مقامي هذا» المأثورين في صحيحة ابن عمّار «2»، المتقدّمة في طواف العمرة، فالظاهر اختصاصهما بذلك الطواف، لقوله في الدعاء الأخير: «في أول مناسكي» كما لا يخفى.

و يستحبّ أيضا ما مرّ في طواف العمرة، من دخول مكّة و المسجد حافيا خاضعا مع السكينة و الوقار، و دخول المسجد من باب بني شيبة، لإطلاق الأخبار.

المسألة الخامسة: بعد الفراغ من الدعاء المذكور يأتي الحجر الأسود،

و يفعل كما فعل في طواف العمرة، و يقول كما قال فيه، كما صرّح به في صحيحة ابن عمّار المتقدّمة في

صدر المسألة السابقة.

و فيها- بعد ما نقلناه-: «ثمَّ تأتي الحجر الأسود فتستلمه و تقبّله، فإن لم تستطع فاستلمه بيدك و قبّل يدك، و إن لم تستطع فاستقبله و كبّر و قل كما قلت حين طفت بالبيت يوم قدمت مكّة، ثمَّ طف بالبيت سبعة أشواط كما وصفت لك يوم قدمت مكّة» الحديث «3».

______________________________

(1) الكافي 4: 402- 2، التهذيب 5: 100- 328، الوسائل 13: 205 أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها ب 8 ح 2.

(2) الكافي 4: 401- 1، التهذيب 5: 99- 327، الوسائل 13: 204 أبواب مقدمات الطواف ب 8 ح 1.

(3) الكافي 4: 511- 4، التهذيب 5: 251- 853، الوسائل 14: 249 أبواب زيارة البيت ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 13

المسألة السادسة: و مناسكه بمكّة حينئذ:

طواف البيت للحجّ و ركعتاه و السعي، و قد مرّت كيفيّة الثلاثة و واجباتها و مستحبّاتها و أحكامها في العمرة، و الجميع في الموردين على السواء.

المسألة السابعة: قد سبق وجوب تأخير الطواف عن الحلق أو التقصير على المتمتّع،

و كذلك يجب عليه تأخير طواف حجّه و سعيه عن الوقوفين عند جمهور الأصحاب، كما في الذخيرة «1»، بل بالإجماع المحكيّ عن الغنية و المنتهى و المعتبر و التذكرة و في المدارك «2».

و يستدلّ عليه بصحيحة ابن عمّار: عن المتمتّع متى يزور البيت؟

قال: «يوم النحر أو من الغد، و لا يؤخّر، و المفرد و القارن ليسا بسواء، موسّع عليهما» «3».

و محمّد: عن المتمتّع متى يزور البيت؟ قال: «يوم النحر» «4».

و عمر بن يزيد: «ثمَّ احلق رأسك، و اغتسل، و قلّم أظفارك، و خذ من شاربك، وزر البيت و طف به أسبوعا تفعل كما صنعت يوم قدمت بمكّة» «5».

أمر بالحلق و الزيارة بعده بلفظة: «ثمَّ» الدالّة على التراخي و الترتيب،

______________________________

(1) الذخيرة: 641.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 576، المنتهى 2: 708، المعتبر 2: 340، التذكرة 1: 367، المدارك 8: 186.

(3) التهذيب 5: 249- 844، الاستبصار 2: 291- 1036، الوسائل 14: 245 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 8.

(4) التهذيب 5: 249- 841، الاستبصار 2: 290- 1030، الوسائل 14: 244 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 5.

(5) التهذيب 5: 250- 848، الوسائل 14: 247 أبواب زيارة البيت ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 14

و الحلق لا يكون إلّا بعد الوقوفين.

و صحيحة الحلبي: عن رجل أتى المسجد الحرام و قد أزمع بالحجّ، يطوف بالبيت؟ قال: «نعم، ما لم يحرم» «1».

و رواية عبد الحميد بن سعيد: عن رجل أحرم يوم التروية من عند المقام بالحجّ، ثمَّ طاف بالبيت بعد إحرامه و

هو لا يرى أنّ ذلك لا ينبغي له، أ ينقض طوافه بالبيت إحرامه؟ قال: «لا، و لكن يمضي على إحرامه» «2».

و رواية أبي بصير: رجل كان متمتّعا و أهلّ بالحجّ، قال: «لا يطوف بالبيت حتى يأتي عرفات، فإن طاف قبل أن يأتي منى من غير علّة فلا يعتدّ بذلك الطواف» «3».

و مفهوم الشرط في موثّقة إسحاق: عن المتمتّع إذا كان شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض يعجّل طواف الحجّ قبل أن يأتي منى؟ فقال: «نعم، من كان هكذا يعجّل» «4».

و في صحيحة الأزرق: عن امرأة تمتّعت بالعمرة إلى الحجّ، ففرغت من طواف العمرة و خافت الطمث قبل يوم النحر، أ يصلح لها أن تعجّل طوافها- طواف الحجّ- قبل أن تأتي منى؟ قال: «إذا خافت أن تضطرّ إلى

______________________________

(1) الكافي 4: 455- 3، التهذيب 5: 169- 563، الوسائل 13: 447 أبواب الطواف ب 83 ح 4.

(2) التهذيب 5: 169- 564، الوسائل 13: 447 أبواب الطواف ب 83 ح 6.

(3) الكافي 4: 458- 4، التهذيب 5: 130- 429، الاستبصار 2: 229- 793، الوسائل 11: 281 أبواب أقسام الحجّ ب 13 ح 5.

(4) الكافي 4: 457- 1، الفقيه 2: 244- 1169، التهذيب 5: 131- 432، الاستبصار 2: 230- 796، الوسائل 11: 281 أبواب أقسام الحجّ ب 13 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 15

ذلك فعلت» «1».

و يؤيده مفهوم الوصف في بعض الأخبار الآتية في المعذور «2».

و لا يخفى أنّ تلك الأخبار بجملتها قاصرة عن إفادة الوجوب و إن كان بعضها ظاهرا فيه، فالأولى الاستدلال ببعض الأخبار المتقدّمة «3» في بيان الواجب الثالث من واجبات الوقوف بمنى، المتضمّنة لإيجاب الترتيب بين الطواف و الحلق المتأخّر عن الوقوفين «4».

إلّا

أنّ بإزاء تلك الأخبار أخبارا دالّة على جواز التقديم:

كموثّقة إسحاق: عن رجل يحرم بالحجّ من مكّة، ثمَّ يرى البيت خاليا، فيطوف قبل أن يخرج، عليه شي ء؟ قال: «لا» «5».

و صحيحة عليّ بن يقطين: عن الرجل المتمتّع يهلّ بالحجّ ثمَّ يطوف و يسعى بين الصفا و المروة قبل خروجه إلى منى، قال: «لا بأس» «6».

و نحوها صحيحة البجلي «7».

و صحيحة البختري: في تعجيل الطواف قبل الخروج إلى منى، فقال:

«هما سواء، أخّر ذلك أو قدّمه»، يعني للمتمتّع «8».

______________________________

(1) التهذيب 5: 398- 1384، الوسائل 13: 415 أبواب الطواف ب 64 ح 2.

(2) انظر ص: 17.

(3) في ج 12: 300.

(4) في «ح» و «ق» زيادة: و تلك الأخبار كما ترى قاصرة عن افادة الوجوب.

(5) الكافي 4: 457- 1، الفقيه 2: 244- 1169، الوسائل 11: 281 أبواب أقسام الحجّ ب 13 ح 7.

(6) التهذيب 5: 131- 430، الاستبصار 2: 229- 794، الوسائل 11: 281 أبواب أقسام الحجّ ب 13 ح 3.

(7) التهذيب 5: 477- 1686، الوسائل 11: 280 أبواب أقسام الحجّ ب 13 ح 2.

(8) الفقيه 2: 244- 1167، الوسائل 13: 416 أبواب الطواف ب 64 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 16

و صحيحة جميل و ابن بكير: عن المتمتّع يقدّم طوافه و سعيه في الحجّ، فقال: «هما سيّان قدّمت أو أخّرت» «1».

و قريبة منها موثّقة زرارة «2»، إلى غير ذلك.

و هذه الروايات أصحّ إسنادا و أوضح دلالة.

و يمكن الجمع بينها و بين الأخبار الأولى، بحمل الاولى على الكراهة بشهادة العرف، و بحمل الثانية على المعذور بشهادة الأخبار الآتية المجوّزة له التقديم، و ليس هذا التخصيص بأولى من ذلك المجاز، كما حقّقناه في موضعه، بل الأول أولى لفهم

العرف، و لولاه أيضا لرجّحه الأصل.

و لذا حكي عن جملة من متأخّري المتأخّرين الميل إلى الجواز لو لا الإجماع «3»، و هو ظاهر الخلاف و التذكرة «4»، و محتمل التحرير «5»، إلّا أنّ موافقة الأخبار الأخيرة للعامّة و مخالفتها للشهرة العظيمة القديمة و الحديثة يوجب مرجوحيّتها و ترجيح الاولى، فعليه الفتوى.

هذا في غير المعذور.

و أما هو- كامرأة تخاف الحيض المتأخّر، أو مريض يضعف عن العود، أو شيخ عاجز يخاف على نفسه الزحام- فيجوز له التقديم، وفاقا لغير الحلّي «6»، بل إجماعا كما عن الغنية «7».

______________________________

(1) التهذيب 5: 477- 1685، الوسائل 11: 280 أبواب أقسام الحجّ ب 13 ح 1.

(2) الكافي 4: 459- 1، التهذيب 5: 45- 134، الوسائل 11: 283 أبواب أقسام الحجّ ب 14 ح 2.

(3) حكاه عنهم في الرياض 1: 419.

(4) الخلاف 2: 350، التذكرة 1: 391.

(5) التحرير 1: 100.

(6) السرائر 1: 575.

(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 578.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 17

للأخبار المطلقة المجوّزة المتقدّمة، الغير المرجوحة عن معارضها بالنسبة إلى هذا الفرد.

و الأخبار المختصّة به، كصحيحة الأزرق، و موثّقة إسحاق المتقدّمتين.

و صحيحة الحلبي: «لا بأس بتعجيل الطواف للشيخ الكبير و المرأة تخاف الحيض قبل أن تخرج إلى منى» «1».

و قويّة إسماعيل بن عبد الخالق: «لا بأس أن يعجّل الشيخ الكبير و المريض و المرأة و المعلول طواف الحجّ قبل أن يخرجوا إلى منى» «2».

و كذا يجوز للقارن و المفرد تقديم طواف الحجّ و السعي على الوقوفين، بالإجماع المحكيّ عن الشيخ و الغنية «3»، و ظاهر المعتبر «4» و غيرها «5».

للأصل، و المستفيضة، كصحيحتي ابني أبي عمير و عمّار، و الموثّقات الثلاث لزرارة و إسحاق، و صحاح ابن عمّار و الحلبي

و غيرهما «6»، الواردة في حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مفردا، و تقديمه الطواف و السعي على الوقوف.

و رواية موسى بن عبد اللّه: عن المتمتّع يقدم مكّة ليلة عرفة، قال: «لا متعة له، يجعلها حجّة مفردة، و يطوف بالبيت، و يسعى بين الصفا و المروة، و يخرج إلى منى» الحديث «7».

______________________________

(1) الكافي 4: 458- 3، الوسائل 11: 281 أبواب أقسام الحجّ ب 13 ح 4.

(2) الكافي 4: 458- 5، التهذيب 5: 131- 431، الاستبصار 2: 230- 795، الوسائل 11: 281 أبواب أقسام الحجّ ب 13 ح 6.

(3) الشيخ في الخلاف 2: 350، الغنية (الجوامع الفقهية): 578.

(4) المعتبر 2: 339.

(5) انظر المدارك 8: 189.

(6) الوسائل 11: أبواب أقسام الحجّ ب 2 و 14.

(7) التهذيب 5: 173- 581، الاستبصار 2: 249- 876، الوسائل 11: 298 أبواب أقسام الحجّ ب 21 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 18

و أمّا ما في المعتبر و المختلف و المنتهى «1»، من احتمال إرادة التعجيل بعد مناسك منى قبل انقضاء أيّام التشريق و بعده.

فمع كونه تقييدا بلا جهة، غير جار في الأكثر كما لا يخفى.

خلافا للحلّي «2» هنا أيضا، فمنع من التقديم، و هو نادر ضعيف.

و كذا القول بكراهة التقديم، كما في الشرائع و القواعد «3»، لعدم دليل واضح عليها، سوى الشبهة الناشئة عن خلاف الحلّي.

و هو ضعيف، سيّما مع تقديم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أمره بأخذ المناسك عنه.

المسألة الثامنة: يجب- بعد طواف الزيارة و السعي- طواف النساء في الحجّ بأنواعه،

إجماعا محقّقا، و محكيا «4» مستفيضا جدّا.

له، و للأخبار المتواترة معنى، من الصحاح و غيرها الخالية عن المعارض، غير خبر ضعيف، مقطوع، مردود، واجب الحمل على التقيّة، أو على العمرة المتمتّع بها.

و كذا يجب في

العمرة المفردة، بلا خلاف من غير الجعفي «5»، بل بالإجماع المحقّق، و المحكيّ عن الغنية و المنتهى و التذكرة «6» و غيرها «7».

للمستفيضة «8» الصحيحة و غيرها، و المنجبرة كلّا.

______________________________

(1) المعتبر 2: 339، المختلف: 262، المنتهى 2: 709.

(2) السرائر 1: 575.

(3) الشرائع 1: 271، القواعد 1: 84.

(4) كما في المنتهى 2: 768.

(5) حكاه عنه في الدروس 1: 329.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 578، المنتهى 2: 768، التذكرة 1: 391.

(7) كالرياض 1: 420.

(8) الوسائل 13: 442 أبواب الطواف ب 82.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 19

ثمَّ إنّه يستدلّ للجعفي بأخبار قاصرة دلالة، أو مطروحة قطعا، من حيث موافقتها للعامّة طرّاً، و مخالفتها لعمل الطائفة جلّا.

و يختصّ بها و لا يجب في العمرة المتمتّع بها، على الأظهر الأشهر، بل المعروف بين الأصحاب، كما في الذخيرة «1»، بل ادّعى عليه الإجماع بعض من تأخّر «2».

للصحاح المستفيضة أيضا:

منها: صحيحة محمّد بن عيسى: «أمّا العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء، و أمّا التي يتمتّع بها إلى الحجّ فليس على صاحبها طواف النساء» «3».

و صحيحة صفوان: رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فطاف و سعى و قصّر، هل عليه طواف النساء؟ قال: «لا، إنّما طواف النساء بعد الرجوع من منى» «4».

و منها: الأخبار «5» الكثيرة الواردة في مجامعة النساء قبل التقصير، و الاكتفاء في تلك الحال بقطع شي ء من الشعر.

و حكي عن بعض الأصحاب وجوبها فيها أيضا «6»، و لعلّه لرواية

______________________________

(1) الذخيرة: 641.

(2) مفاتيح الشرائع 1: 364.

(3) الكافي 4: 538- 9، التهذيب 5: 163- 545، الاستبصار 2: 245- 854، الوسائل 13: 442 أبواب الطواف ب 82 ح 1.

(4) التهذيب 5: 254- 862، الاستبصار 2: 232- 805، الوسائل 13: 444 أبواب الطواف ب

82 ح 6.

(5) الوسائل 13: 442 أبواب الطواف ب 82.

(6) انظر الدروس 1: 329.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 20

المروزي المتقدّمة في المسألة الثالثة من بحث التحليل «1»، القاصرة سندا و دلالة و مقاومة لما مرّ.

المسألة التاسعة: لا يختصّ وجوب ذلك الطواف بالرجال،

و لا بمن من شأنه الوطء، بل يجب على كلّ أحد، رجلا كان أو امرأة أو صبيّا أو همّا «2» لا يقدر على الوطء أو خصيّا، بالإجماعين «3».

للإطلاقات «4»، و خصوص صحيحة ابن يقطين: عن الخصيان و المرأة الكبيرة أ عليهم طواف النساء؟ قال: «نعم، عليهم الطواف كلّهم» «5».

المسألة العاشرة: طواف النساء كطوافي العمرة و الحجّ،

كيفية و شرطا و حكما و صلاة.

المسألة الحادية عشرة: لا يجوز تقديم طواف النساء على الوقوفين

و سائر المناسك للمتمتّع و غيره اختيارا، بلا خلاف، بل بالإجماع كما قيل «6»، بل محقّقا.

لما يأتي من وجوب تأخيره عن السعي المتأخّر عن سائر المناسك.

و لموثّقة إسحاق: المفرد بالحجّ إذا طاف بالبيت و بالصفا و المروة أ يعجل طواف النساء؟ قال: «لا، إنّما طواف النساء بعد ما يأتي منى» «7».

______________________________

(1) راجع ج 12: 391.

(2) الهمّ بالكسر: الشيخ الكبير البالي- لسان العرب 12: 621.

(3) المنتهى 2: 768، كشف اللثام 1: 343.

(4) الوسائل 13: 298 أبواب الطواف ب 2.

(5) الكافي 4: 513- 4، التهذيب 5: 255- 864، الوسائل 13: 298 أبواب الطواف ب 2 ح 1.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 578، كشف اللثام 1: 344، رياض المسائل 1: 418.

(7) الكافي 4: 457- 1، التهذيب 5: 132- 435، الاستبصار 2: 230- 797، الوسائل 11: 283 أبواب أقسام الحجّ ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 21

و لا يضرّ اختصاص السؤال بالمفرد، لعموم قوله: «إنّما» إلى آخره، مضافا إلى عدم القول بالفصل.

و أمّا رواية الحسن بن عليّ، عن أبيه: «لا بأس بتعجيل طواف الحجّ و طواف النساء قبل الحجّ يوم التروية قبل خروجه إلى منى» «1».

فلشذوذها بالإطلاق لا تعارض ما مرّ.

و كذا لا يجوز تقديمه على السعي بالإجماع.

له، و لمرسلة أحمد: متمتّع زار البيت، فطاف طواف الحجّ، ثمَّ طاف طواف النساء، ثمَّ سعى، قال: «لا يكون السعي إلّا قبل طواف النساء»، فقلت: عليه شي ء؟ قال: «لا يكون السعي إلّا قبل طواف النساء» «2».

و صحيحة ابن عمّار في زيارة البيت يوم النحر، إلى أن قال: «ثمَّ طف بالبيت سبعة أشواط كما وصفت لك يوم قدمت مكّة، ثمَّ صلّ عند مقام

إبراهيم» إلى أن قال: «ثمَّ اخرج إلى الصفا فاصعد عليه» إلى أن قال:

«فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شي ء أحرمت منه إلّا النساء، ثمَّ ارجع إلى البيت فطف به أسبوعا، ثمَّ صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام، ثمَّ قد أحللت من كلّ شي ء و فرغت من حجّك كلّه و كلّ شي ء أحرمت [منه ] [1]».

و لا يعارضهما إطلاق موثّقة سماعة: عن رجل طاف طواف الحجّ و طواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا و المروة، قال: «لا يضرّه، يطوف

______________________________

[1] الكافي 4: 511- 4، التهذيب 5: 251- 853، الوسائل 14: 249 أبواب زيارة البيت ب 4 ح 1، بدل ما بين المعقوفين في النسخ: به، و ما أثبتناه من المصادر.

______________________________

(1) التهذيب 5: 133- 437، الاستبصار 2: 230- 798، الوسائل 13: 415 أبواب الطواف ب 64 ح 1.

(2) الكافي 4: 512- 5، التهذيب 5: 133- 438، الاستبصار 2: 231- 799، الوسائل 13: 417 أبواب الطواف ب 65 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 22

بين الصفا و المروة، و قد فرغ من حجّه» «1».

للشذوذ، و مخالفة الإجماع.

و لو قدّمه عليه أو على الوقوفين نسيانا لم يعده و أجزأه، للموثّقة المذكورة.

و صحيحة جميل: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتاه أناس يوم النحر، فقال بعضهم: يا رسول اللّه، حلقت قبل أن أذبح، و قال بعضهم: حلقت قبل أن أرمي، فلم يتركوا شيئا كان ينبغي لهم أن يقدّموه إلّا أخّروه، و لا شيئا كان ينبغي لهم أن يؤخّروه إلّا قدموه، فقال صلّى اللّه عليه و آله: لا حرج» «2».

و بمضمونها رواية البزنطي، و فيها: «لا حرج لا حرج» «3».

و هما و إن كانتا شاملتين للعامد

أيضا، إلّا أنّه خرج بالإجماع، و كذا و إن كانتا معارضتين للمرسلة المذكورة، إلّا أنّ الموجب لترجيحها- و هو الإجماع- هنا مفقود، بل لو كان إجماع فعلى ترجيحهما، و لولاه أيضا يجب الرجوع إلى الأصل.

و منه يعلم أنّ مقتضى الدليل: كون الجاهل أيضا كالناسي، و لكن قيل: إنّ حكمه عند أكثر الأصحاب كالعامد «4».

و لا يخفى أنّ بمجرد ذلك لا يمكن رفع اليد عن الدليل، فإلحاقه

______________________________

(1) الكافي 4: 514- 7، الفقيه 2: 244- 1166، التهذيب 5: 133- 439، الاستبصار 2: 231- 800، الوسائل 13: 418 أبواب الطواف ب 65 ح 2.

(2) الكافي 4: 504- 1، الفقيه 2: 301- 1496، التهذيب 5: 236- 797، الاستبصار 2: 285- 1009، الوسائل 14: 155 أبواب الذبح ب 39 ح 4. بتفاوت.

(3) الكافي 4: 504- 2، التهذيب 5: 236- 796، الاستبصار 2: 284- 1008، الوسائل 14: 156 أبواب الذبح ب 39 ح 6.

(4) انظر الرياض 1: 420.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 23

بالناسي أقوى.

و يجوز تقديمه على الوقوفين و السعي مع العذر و الضرورة، و منها:

مخافة الحيض.

لإطلاق (رواية الحسن بن علي «1» و) [1] الموثّقة الثانية «2» و ما بعدها، و لا يضرّها إطلاق الموثّقة الاولى «3» و المرسلة «4» بالتقريب المتقدّم.

و قال نادر بعدم جواز التقديم حينئذ أيضا «5»، و لا دليل يعتدّ به، و بعض الأخبار الظاهرة فيه مع خوف الحيض معارض بمثله و غيره، فالأصل هو المرجع.

المسألة الثانية عشرة: قد مرّت أحكام ترك طواف العمرة و الحجّ.

و أمّا طواف النساء فلا يبطل الحجّ بتركه و لو عمدا أو جهلا، من غير خلاف، كما عن السرائر و في المفاتيح «6»، بل بالاتفاق، كما في شرحه، بل بالإجماع، كما في المسالك «7».

لأصالة عدم ربطه بالنسك ربط الجزئيّة،

و خروجه عن حقيقته.

و منه يظهر ضعف ما في الذخيرة، من أنّ مقتضى ما مرّ في ترك طواف الفريضة من عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه: بطلان الحجّ هنا أيضا «8».

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ق» و «س».

______________________________

(1) المتقدمة في ص 21.

(2) و هي موثقة سماعة، المتقدمة في ص: 21.

(3) و هي موثقة إسحاق المتقدمة في ص: 20.

(4) و هي مرسلة أحمد المتقدمة في ص: 21.

(5) السرائر 1: 575.

(6) السرائر 1: 617، المفاتيح 1: 364.

(7) المسالك 1: 123.

(8) الذخيرة: 625.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 24

و تدلّ على خروجه عن الحقيقة أيضا الصحاح المستفيضة:

كصحيحة ابن عمّار في القارن، حيث قال في بيان نسكه: «و طواف بعد الحجّ، و هو طواف النساء» «1»، و نحوها صحيحة أخرى له «2»، و صحيحة الحلبي «3» أيضا.

و صحيحة الخزّاز: امرأة معنا حائض و لم تطف طواف النساء، و يأبى الجمّال أن يقيم عليها، فأطرق و هو يقول «لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها و لا يقيم عليها جمّالها»، ثمَّ رفع رأسه فقال: «تمضي، فقد تمَّ حجّها» «4».

و لا يضرّ اختصاص هذه الأخبار بالحجّ و عدم جريانها في العمرة بعد عدم القول بالفصل و ما مرّ من الأصل.

نعم، يمكن الخدش في الأخيرة أنّها تدلّ على تمام الحجّ حال الاضطرار لا مطلقا.

و الجواب- بأنّ موردها و إن اختصّ بها لكن العبرة بعموم الجواب- ضعيف في الغاية، إذ لا عموم في الجواب أصلا.

و ليس في قوله عليه السّلام في بعض الأخبار، كصحيحة ابن عمّار: «على المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ثلاثة أطواف» إلى أن قال: «و عليه للحجّ طوافان» «5» دلالة على دخول الطوافين في حقيقة الحجّ، إذ وجوبه للحجّ

______________________________

(1) التهذيب

5: 41- 122، الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 1.

(2) الكافي 4: 296- 2، الوسائل 11: 221 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 12.

(3) التهذيب 5: 42- 124، الوسائل 11: 218 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 6.

(4) الكافي 4: 451- 5، الفقيه 2: 245- 1176، الوسائل 13: 452 أبواب الطواف ب 84 ح 13، بتفاوت.

(5) الكافي 4: 295- 1، التهذيب 5: 35- 104، الوسائل 11: 220 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 25

لا يدلّ على كونه جزءا منه، كما يقال: و على المكلّف الوضوء للصلاة.

نعم، يجب عليه الإتيان به حينئذ متى كان بالإجماع، لاشتغال ذمّته به، و لفحوى ما دلّ على وجوب الإتيان به للناسي متى تذكّر، و كذلك في صورة النسيان من غير خلاف فيه، و لا في جواز الاستنابة فيه، و تدلّ عليهما الأخبار الآتية.

و إنّما الخلاف في أنّه هل تجب المباشرة فيه بنفسه إلّا مع تعذّره أو تعسّره فيستنيب، أو تجوز الاستنابة فيه مطلقا؟

الأول:- و هو الأظهر- للشيخ قدّس سرّه في التهذيب و الفاضل في المنتهى «1»، لأصالة بقاء حرمة النساء و عدم الانتقال إلى الغير.

و صحيحة ابن عمّار المتقدّمة في المسألة السابقة، فإنّ لفظة:

«لا يصلح» تدلّ على عدم الجواز، كما بيّناه مفصّلا في كتاب عوائد الأيّام، بل في قوله فيها: «لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت» أيضا دلالة واضحة عليه، لتعليقه الحلّية على زيارته «2» في مباشرته بنفسه.

و على هذا، فتدلّ عليه أيضا صحيحة أخرى له: رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله، قال: «لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت»، و قال:

«يأمر من يقضي عنه إن لم يحجّ،

فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليّه أو غيره» «3».

و ثالثة: في رجل نسي طواف النساء حتى أتى الكوفة، قال: «لا تحلّ

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 13    26     المسألة الثانية عشرة: قد مرت أحكام ترك طواف العمرة و الحج. ..... ص : 23

____________________________________________________________

(1) التهذيب 5: 128، المنتهى 2: 703.

(2) في «ق» و «س» زيادة: الحقيقة.

(3) الكافي 4: 513- 5، التهذيب 5: 128- 422، الاستبصار 2: 228- 789، الوسائل 13: 407 أبواب الطواف ب 58 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 26

له النساء حتى يطوف بالبيت»، قلت: فإن لم يقدر؟ قال: «يأمر من يطوف عنه» «1».

دلّت على عدم حصول الحلّية إلّا بطوافه بنفسه، خرجت صورة عدم القدرة، بل التعسّر- بالإجماع، و نفي العسر و الحرج، و الصحيحة الأخيرة، بل المتقدّمة عليها، حيث جوّز الأمر بالقضاء في صورة عدم رجوعه بنفسه، المشتملة على التعسّر غالبا- فيبقى الباقي.

و الثاني: للأكثر، كما صرّح به جمع «2»، لإطلاق صحيحة رابعة لابن عمّار: عن رجل نسي طواف النساء حتى رجع إلى أهله، قال: «يرسل فيطاف عنه، فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليّه» «3»، و قريب من صدرها المرويّ في مستطرفات السرائر «4»، بل بعمومهما الحاصل من ترك الاستفصال.

و كذا خامسة له أيضا يأتي ذكرها.

بل يدلّ عليه إطلاق الصحيحة الثانية له أو عمومها أيضا، لاشتمالها على الأمر بالقضاء- في صورة عدم حجّه بنفسه- مطلقا، سواء تعذّر حجّه أم لا، بل هو قرينة على أنّ المراد من قوله: «حتى يزور البيت» في صدرها: حتى تحصل زيارته بنفسه أو بغيره.

بل عليه قرينة أخرى أيضا، و هي صحيحة خامسة لابن عمّار: رجل

______________________________

(1) التهذيب 5: 256-

867، الاستبصار 2: 233- 809، الوسائل 13: 407 أبواب الطواف ب 58 ح 4.

(2) المفاتيح 1: 365، الرياض 1: 418.

(3) التهذيب 5: 488- 1746، الاستبصار 2: 233- 808، الوسائل 13: 407 أبواب الطواف ب 58 ح 3.

(4) مستطرفات السرائر: 35- 49، الوسائل 13: 409 أبواب الطواف ب 58 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 27

نسي طواف النساء حتى رجع إلى أهله، قال: «يأمر من يقضي عنه إن لم يحجّ، فإنّه لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت» «1».

فإنّ تعليل الأمر بالاستنابة بهذه العلّة قرينة على أن المراد بطوافه بالبيت أعمّ من طوافه بنفسه أو بنائبه.

و على هذا، فيكون قوله: «حتى يزور البيت» أو: «يطوف» دليلا آخر على المطلوب أيضا.

بل استدلّ بعضهم «2» بالصحيحة الاولى له أيضا، لظهور نفي الصلاحيّة في الكراهة، و لو منع فلا أقلّ من عمومه لها و للحرمة، فلا يكون ذلك للقول المخالف بحجّة.

أقول: أمّا الاستدلال بالصحيحة الأولى، ففاسد، لما أشرنا إليه من دلالة نفي الصلاحيّة على الفساد.

و أمّا الاستدلال بقوله: «حتى يزور» أو: «يطوف» بالتقريب المتقدّم، فكذلك أيضا، لكونه حقيقة في مباشرته بنفسه و عدم صلاحيّة ما ذكره قرينة للتجوّز فيه.

و أمّا الصحيحة الخامسة، فلأنّه إنّما تصلح قرينة لو كان المستتر في «يطوف» راجعا إلى المقضيّ عنه، و أمّا إذا رجع إلى القاضي فلا تكون قرينة أصلا، سيّما إذا كان قوله: «فإنّه لا تحلّ له النساء» إلى آخره، تفريعا لا تعليلا.

و أمّا قوله: «يأمر من يقضي عنه» فظاهر، لأنّ تجويز الأمر بالقضاء في صورة عدم حجّه بنفسه لا يدلّ على أن المراد بقوله: «يزور» هو المعنى

______________________________

(1) الفقيه 2: 245- 1175، الوسائل 13: 408 أبواب الطواف ب 58 ح 8.

(2)

انظر التهذيب 5: 128.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 28

الأعمّ.

فلم تبق إلّا الإطلاقات المعارضة لمثلها من الصحيحة الاولى و الثالثة، الموجب لتركهما و الرجوع إلى الأصلين المتقدّمين، لو لا ترجيح الصحيحة الثالثة بالأخصيّة المطلقة، حيث إنّ ذيلها قرينة على أنّ معنى قوله: «حتى يطوف بالبيت» أنّه مع القدرة، و مرجوحيّة الإطلاقات الأخيرة باحتمال ورودها مورد الغالب، و هو صورة التعسّر أو التعذّر في العود.

فرع: لو مات و لم يطف و لو استنابة قضاه عنه الوليّ أو غيره، لما مرّ من الروايات المتكثّرة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 29

الفصل السادس في العود من مكّة إلى منى
اشاره

للإتيان بمنسكيه الواجبين و سائر مستحبّاته.

اعلم أنّه إذا قضى الحاجّ مناسكه بمكّة من الطوافين و السعي بينهما وجب عليه العود إلى منى إجماعا لما بقي عليه من المناسك، و هي أمران واجبان: البيتوتة بمنى، و رمي الجمار الثلاث، و بعض المستحبّات، فهاهنا أبحاث ثلاثة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 30

البحث الأول في بيان البيتوتة
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: يجب على الحاجّ البيتوتة بمنى،

إجماعا محقّقا، و منقولا في المنتهى و التذكرة و المفاتيح «1» و شرحه و غيرها «2»، و هو مذهب أكثر العامّة كما حكاه جماعة «3».

و الإجماع هو الحجّة فيه، مضافا إلى صحيحة ابن عمّار: «لا تبت ليالي التشريق إلّا بمنى، فإن بتّ بغيرها فعليك دم، فإن خرجت أول الليل فلا ينتصف لك الليل إلّا و أنت بمنى، إلّا أن يكون شغلك بنسكك أو قد خرجت من مكّة، و إن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تصبح بغيرها» «4».

و الأخرى: «إذا فرغت من طوافك للحجّ و طوافك للنساء فلا تبت إلّا بمنى، إلّا أن يكون شغلك في نسكك، و إن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تبيت بغير منى» «5».

و صحيحة العيص: عن الزيارة من منى، قال: «إن زار بالنهار أو

______________________________

(1) المنتهى 2: 769، التذكرة 1: 392، المفاتيح 1: 377.

(2) كالرياض 1: 425.

(3) انظر المنتهى 2: 769، و الرياض 1: 425.

(4) الكافي 4: 514- 1، التهذيب 5: 258- 878، الاستبصار 2: 293- 1045، الوسائل 14: 254 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 8، بتفاوت.

(5) التهذيب 5: 256- 868، الوسائل 14: 251 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 31

عشاء فلا ينفجر الفجر إلّا و هو بمنى، و إن زار بعد نصف الليل أو السحر فلا بأس أن ينفجر الفجر و هو بمكّة» «1».

و رواية جعفر بن ناجية: «إذا خرج الرجل من منى أول الليل فلا ينتصف له الليل إلّا و هو بمنى، و إذا خرج بعد نصف الليل فلا بأس أن يصبح بغيرها» «2».

و دلالة الثلاثة الأخيرة على الوجوب من جهة دلالة مفاهيمها

على ثبوت الضرر أو البأس مع الترك.

و مرسلة الفقيه الواردة في علل المناسك، و هي طويلة، و فيها: «و أذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للعبّاس أن يبيت بمكّة ليالي منى من أجل سقاية الحاجّ» «3».

إلى غير ذلك من الأخبار المتكثّرة «4»، إلّا أنّ كثيرا منها قاصرة عن إفادة الوجوب، حتى المثبتة للدم على تارك البيتوتة، لما ذكرنا مرارا من عدم الملازمة. و فيما ذكرنا للمطلوب كفاية.

و عن الشيخ في التبيان: استحبابها «5».

و هو شاذّ مخالف للإجماع، و بعض الأخبار الظاهر فيه محمول على بعض الصور، الذي يجوز فيه الترك، كما يأتي.

______________________________

(1) الكافي 4: 514- 2، التهذيب 5: 256- 870، الوسائل 14: 252 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 4، بتفاوت.

(2) الفقيه 2: 287- 1409، الوسائل 14: 257 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 20.

(3) الفقيه 2: 129، الوسائل 14: 258 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 21، و رواها فيه عن العلل. بتفاوت يسير.

(4) انظر الوسائل 14: 251 أبواب العود إلى منى ب 1.

(5) التبيان 2: 154.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 32

و أمّا ما في بعض الكتب من جعلها من السنّة، أو حصر واجبات الحجّ في غيرها، أو الحكم بأنّه إذا طاف النساء تمّت مناسكه «1».

فلا ينافي ما مرّ، لجواز أن يراد بالسنّة مقابل الفرض، و خروجها عن الحجّ و إن وجبت.

و يجب أن تكون البيتوتة المذكورة في ليلتين من ليالي التشريق:

الليلة الحادية عشرة و الثانية عشرة مطلقا، و الثالثة عشرة في بعض الصور الآتي ذكره إن شاء اللّه، بالإجماعين أيضا «2»، و هو الدليل عليه.

مضافا إلى صحيحة ابن عمّار الأولى المتقدّمة، و صحيحته الأخرى الواردة في

حجّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الطويلة، و فيها: «و حلق، و زار البيت، و رجع إلى منى، فأقام بها حتى كان اليوم الثالث من آخر أيّام التشريق، ثمَّ رمى الجمار، و نفر حتى انتهى إلى الأبطح» «3».

و فعله ذلك- لكونه بيانا لمجمل أمر يؤخذ بيانه عنه بقوله: «خذوا عنّي مناسككم»- حجّة.

و لم أعثر على خبر آخر يتضمّن تفصيل زمان البيتوتة، إلّا أنّ ما ذكرناه كاف في المطلوب، و الصحيحة الاولى و إن تضمّنت الليلة الثالثة أيضا بالإطلاق، إلّا أنّها خرجت في بعض صورها بالأدلّة الآتية.

و تجب النيّة في البيتوتة مقارنة لأول الليل بعد تحقّق الغروب، و الواجب فيها قصد الفعل- و هو المبيت تلك الليلة- و القربة، و سائر ما لا

______________________________

(1) انظر كشف اللثام 1: 377.

(2) راجع ص 30.

(3) الكافي 4: 245- 4، التهذيب 5: 454- 1588، مستطرفات السرائر 23- 4، الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحجّ ب 2 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 33

يتعيّن إلّا بالنيّة على ما مرّ غير مرّة.

و لو بات و أخلّ بالنيّة عمدا أثم، كذا قيل «1»، و لعلّ المراد: الإثم لقصد المخالفة أو الاستخفاف، لا لترك البيتوتة، لحصولها قطعا. و على هذا فلا يلزم عليه فداء، لأنّه مرتّب على ترك البيتوتة، و هي غير متحقّقة.

المسألة الثانية: لو ترك البيتوتة بمنى
اشاره

كان عليه الفداء دم شاة، بالإجماع المحكيّ عن الخلاف و الغنية و المنتهى و في المفاتيح و شرحه «2»، للمستفيضة من النصوص، كصحيحة ابن عمّار المتقدّمة.

و صفوان: قال: قال أبو الحسن عليه السّلام: «سألني بعضهم عن رجل بات ليلة من ليالي منى بمكّة، فقلت: لا أدري»، فقلت له: جعلت فداك، ما تقول فيها؟ قال: «عليه دم إذا بات»، فقلت:

إن كان حبسه شأنه الذي كان فيه من طوافه و سعيه لم يكن لنوم و لا لذّة، أ عليه مثل ما على هذا؟ قال: «ليس هذا بمنزلة هذا، و ما أحبّ له أن ينشقّ الفجر إلّا و هو بمنى» «3».

و علي: عن رجل بات بمكّة في ليالي منى حتى أصبح، قال: «إن كان أتاها نهارا فبات فيها حتى أصبح فعليه دم يهريقه» «4».

و جميل: «من زار فنام في الطريق، فإن بات بمكّة فعليه دم، و إن كان

______________________________

(1) كما في كشف اللثام 1: 377.

(2) الخلاف 2: 358، الغنية (الجوامع الفقهية): 581، المنتهى 2: 770، المفاتيح 1: 377.

(3) التهذيب 5: 257- 871، الاستبصار 2: 292- 1038، الوسائل 14: 252 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 5، بتفاوت.

(4) التهذيب 5: 257- 873، الاستبصار 2: 292- 1040، الوسائل 14: 251 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 34

قد خرج منها فليس عليه شي ء و إن أصبح دون منى» «1».

و خبر جعفر بن ناجية: عمّن بات ليالي منى بمكّة، فقال: «عليه ثلاثة من الغنم يذبحهن» «2».

فروع:
أ: صريح الأكثر: أنّ الدم الواجب هو الشاة،

و لعلّه بقرينة الرواية الأخيرة، و إلّا فالدم في أكثر الروايات مطلق مقتضاه التخيير، و لكن يجب تقييده بالخبر الأخير مع الإجماع المركّب.

ب: اختلفت تعبيراتهم في الفداء:

فمنهم من صرّح بأنّ لكلّ ليلة شاة «3»، فلليلة واحدة شاة، و لليلتين شاتان، و للثلاث ثلاث.

و منهم من قال- بعد ذكر الوجوب في الليلتين الأوليين ابتداء-: إنّ لكلّ ليلة شاة «4»، مدّعيا بعضهم الإجماع عليه «5».

و هذا محتمل لاختصاص الكفّارة بالليلتين، و محتمل لأن يكون حكم الكفّارة للّيالي الثلاث.

و منهم من صرّح باختصاص الكفّارة بالليلتين، إلّا مع وجوب الليلة

______________________________

(1) الكافي 4: 514- 3، التهذيب 5: 259- 881، الاستبصار 2: 294- 1048، الوسائل 14: 256 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 16.

(2) الفقيه 2: 286- 1406، التهذيب 5: 489- 1751، الاستبصار 2:

292- 1039، الوسائل 14: 253 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 6.

(3) كما في المفاتيح 1: 377، و المدارك 8: 223.

(4) كما في المنتهى 2: 770، و كشف اللثام 1: 377.

(5) الخلاف 2: 358، الغنية (الجوامع الفقهية): 581.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 35

الثالثة، كما في الشرائع و النافع «1» و منهم من قال بوجوب الثلاث في الليالي الثلاث، من غير ذكر حكم الليلة الواحدة أو الليلتين، كالشيخ في النهاية و الإسكافي و الحلّي و المختلف «2»، و إن أطلق بعض هؤلاء أولا بوجوب الدم بالبيتوتة في غير منى «3».

و منهم من قال بوجوب البيتوتة في ليالي التشريق و وجوب الدم مع البيتوتة في غيره، كالعماني و المقنعة و الهداية و المراسم و الكافي و جمل العلم و العمل «4».

و هذا محتمل للأول، و للبيتوتة بين الليلة و الليلتين و الثلاث، و لعدم وجوب الكفّارة إلّا بالثلاث، حيث

عبّروا بلفظ الجمع في الليالي.

و لا يخفى أنّ المستفاد من صحيحتي ابن عمّار و عليّ: وجوب الدم ببيتوتة الليالي في غير منى، و لا يستفاد منهما حكم الليلة و الليلتين، و لا قدر الدم.

و من خبر جعفر: وجوب الثلاث في الثلاث، فإذا حمل المجمل على المبيّن ثبتت الثلاث في الثلاث.

و من صحيحة صفوان صريحا و من صحيحة جميل إطلاقا: وجوب

______________________________

(1) الشرائع 1: 275، المختصر النافع: 96.

(2) النهاية: 266، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 310، الحلي في السرائر 1:

604، المختلف: 310.

(3) كالحلّي في السرائر 1: 604، و الإسكافي على ما حكاه عنه في المختلف: 310.

(4) حكاه عن العماني في المختلف: 310، المقنعة: 421، الهداية: 64، المراسم: 115، الكافي: 198، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 69.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 36

الدم في الليلة و الليلتين أيضا من غير تعيين قدر الدم، و لا تنافي بينهما و بين الأخبار الأول، و مقتضاهما بضميمة الأصل: وجوب دم شاة في غير الثلاث، و ذلك أحد محتملات قول الإسكافي و الحلّي و من قال بمقالتهما، فهو الأقوى و عليه الفتوى.

و أمّا صحيحة العيص: عن رجل فاتته ليلة من ليالي منى، قال: «ليس عليه شي ء و قد أساء» «1».

فحملها بعضهم على الجاهل، أو الليلة الثالثة، أو بعد انتصاف الليل، أو الاشتغال بالطاعة «2».

و الكلّ خلاف الظاهر، بل ظاهرها نفي الوجوب عن الليلة الواحدة، كما هو أحد احتمالات قول الإسكافي و تابعيه، و العماني و موافقيه.

و بها يمكن صرف صحيحة صفوان عن ظاهرها- الذي هو الوجوب- إلّا أنّ تعارضهما مع موافقة صحيحة العيص للتقيّة- كما يستفاد من صحيحة صفوان، و نسب إلى أبي حنيفة «3»- يوجب ترجيح صحيحة

صفوان.

و لا تعارضها أيضا صحيحة سعيد: فاتتني ليلة المبيت بمنى من شغل، فقال: «لا بأس» «4».

لأنّ نفي البأس لا ينفي الدم، مع إمكان استثناء الشغل، و سيأتي.

ج: إطلاق النصوص و الفتاوى في الفداء يشمل العالم و الجاهل

______________________________

(1) التهذيب 5: 257- 874، الاستبصار 2: 292- 1041، الوسائل 14: 253 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 7.

(2) انظر الرياض 1: 426.

(3) نسبه إليه في بدائع الصنائع 2: 159، و نقله عنه في المنتهى 2: 770.

(4) التهذيب 5: 257- 875، الاستبصار 2: 293- 1042، الوسائل 14: 255 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 37

و المضطرّ و الناسي، فيجب عليهم أيضا، و يكون جبرانا لا كفّارة.

و عن الشهيد في بعض الحواشي: استثناء الجاهل «1». و وجهه غير معلوم.

د: يختصّ غير صحيحة ابن عمّار من أخبار الدم بما إذا كان المبيت بمكّة،

بل تصرّح صحيحة جميل بالاختصاص و النفي في غيرها، و توافقها صحيحة هشام: «إذا زار الحاجّ من منى، فخرج من مكّة، فجاوز بيوت مكّة، فنام ثمَّ أصبح قبل أن يأتي منى، فلا شي ء عليه» «2».

و أمّا صحيحة ابن عمّار فعامّة، و لا تعارض بينها و بين غير صحيحتي جميل و هشام، و لكنّهما تعارضانها بالعموم المطلق، لظهورهما في البيتوتة في طريق منى خاصّة، و مقتضى الاستدلال بها: تخصيص استثناء الفداء بذلك، كما احتمله بعض مشايخنا، قال: و يحتمل تقييد الطريق بطريق بحدود مكّة لا خارجها، و لا بعد فيه «3». انتهى.

إلّا أنّه تعارضهما رواية عليّ: عن رجل زار البيت و طاف بالبيت و بالصفا و المروة، ثمَّ رجع فغلبته عينه في الطريق، فنام حتى أصبح، قال:

«عليه شاة» «4».

و لا يضرّ ضعف سند الرواية كما مرّ غير مرّة، سيّما مع انجبارها بالشهرة، بل ظاهر بعض مشايخنا مظنّة انعقاد الإجماع على تحقّق الفداء

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 425.

(2) الكافي 4: 515- 4، الفقيه 2: 287- 1411، الوسائل 14: 257 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 17.

(3) الرياض 1: 426.

(4) التهذيب

5: 259- 879، الاستبصار 2: 294- 1046، الوسائل 14: 254 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 38

في النوم في الطريق أيضا «1».

و على هذا، فيبقى عموم صحيحة ابن عمّار خاليا عن المعارض المعلوم، لخروج المعارضتين عن الحجّية، فالعمل على العموم.

ه: يسقط الدم عمّن بات بمكّة متشاغلا بالعبادة،

بل عليه عامّة المتأخّرين، لصحيحتي ابن عمّار و صحيحة صفوان المتقدّمة «2».

و صحيحة أخرى لابن عمّار: عن رجل زار البيت فلم يزل في طوافه و دعائه و السعي بين الصفا و المروة حتى يطلع الفجر، قال: «ليس عليه شي ء، كان في طاعة اللّه» «3».

و مقتضى التعليل في الأخيرة- بكونه في طاعة اللّه- عموم الحكم لكلّ عبادة واجبة أو مندوبة.

و لا يعارضها مفهوم الاستثناء في الصحيحتين الأوليين، لأنّ النسك يعمّ كلّ طاعة.

و ظاهر الصحاح المذكورة اشتراط استيعاب الليل بها، و لا أقلّ من اختصاص موردها أو احتماله بالمستوعب، فيقتصر فيما يخالف أصل لزوم الدم على القدر الثابت.

و قد يستثنى قدر ما يضطرّ إليه من غذاء أو شراب أو نوم غالب.

و تنظّر بعضهم في الأخير، لعدم دليل على استثناء النوم، و استند في

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 426.

(2) في ص: 30 و 33.

(3) الفقيه 2: 286- 1407، التهذيب 5: 258- 876، الاستبصار 2:

293- 1043، الوسائل 14: 255 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 13، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 39

استثناء الأولين إلى حمل النصّ على الغالب «1».

و فيه: منع تلك الغلبة بحيث توجب انصراف المطلق إليه.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ هذا القدر من الاشتغال لا ينافي الاستيعاب العرفي بالعبادة، و لو نوى بالأكل و الشرب التقوّي على العبادة يرتفع الإشكال.

و قيل: اللازم استيعاب القدر الذي

يجب عليه المبيت بمنى، و هو أن يتجاوز نصف الليل «2».

و هو مصير إلى خلاف الأصل بلا دليل.

نعم، ذكر جماعة من المتأخرين: أنّه يسقط الدم المضيّ إلى منى بعد الفراغ من العبادة و إن علم أنّه لا يدركها قبل انتصاف الليل «3».

لصحاح جميل و هشام و عيص المتقدّمة «4».

و قوله في صحيحة ابن عمّار الأولى: «أو قد خرجت من مكّة» «5».

و صحيحة محمّد بن إسماعيل: في الرجل يزور فينام دون منى، قال:

«إذا جاز عقبة المدنيّين فلا بأس أن ينام» «6».

أقول: و إن دلّت الأخبار المذكورة على ذلك، إلّا أنّه تعارضها رواية

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 426.

(2) كما في المسالك 1: 125.

(3) كما في الدروس 1: 459.

(4) راجع ص: 33 و 37 و 30.

(5) الكافي 4: 514- 1، التهذيب 5: 258- 878، الاستبصار 2: 293- 1045، الوسائل 14: 254 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 8.

(6) الكافي 4: 515- 3، التهذيب 5: 259- 880، الاستبصار 2: 294- 1047، الوسائل 14: 256 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 40

عليّ المتقدّمة، فيرجع إلى عمومات وجوب الدم، مع أنّه لو تمّت دلالة تلك الصحاح لما اختصّت بمن اشتغل في مكّة بالعبادة، كما مرّت إليه الإشارة.

و هل الساقط- بالمبيت بمكّة مشتغلا بالطاعة- هو الدم خاصّة و إن كان آثما؟

أو يسقط الإثم أيضا، فيجوز له ذلك أيضا، و يكون أحد فردي الواجب المخيّر؟

المذكور في كلام الأكثر: سقوط الدم، و صرّح في المدارك بجواز البيتوتة بمكّة كذلك «1». و هو كذلك، للأخبار المذكورة، و لا يبعد أن يكون ذلك مراد الأكثر أيضا، فتأمّل.

المسألة الثالثة: قد ظهر ممّا ذكرنا في المسألة السابقة أنّ وجوب البيات بمنى إنّما هو لغير من بات بمكّة مشتغلا بالطاعة،

بمعنى التخيير بينهما و إن كان البيات بمنى أفضل و أولى،

لصحيحة صفوان السالفة.

و هل الاشتغال بشغل آخر غير الطاعة في مكّة أو غيرها أيضا كذلك، كما تدلّ عليه صحيحة سعيد المتقدّمة؟

أم لا، كما هو ظاهر الأصحاب كافّة؟

الظاهر: الثاني، لضعف الرواية بالشذوذ، مع أنّ حمل الفوات على النسيان و نفي البأس على العذاب- الذي هو منفيّ عن الناسي قطعا- ممكن، و يمكن حمل الشغل على ما يضطرّه، كما يأتي.

و كذا يظهر من الصحاح الخمس- لجميل و هشام و ابن عمّار الاولى

______________________________

(1) المدارك 8: 225.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 41

و العيص و محمّد بن إسماعيل- أنّ الواجب إمّا البيات بمنى أو الخروج من مكّة إليها و إن نام في الطريق، فيكون طريق منى قائما مقامها، إلّا أنّي لم أظفر بمصرّح بذلك من الأصحاب.

نعم، جعله في الذخيرة إشكالا «1»، و اللّه العالم.

المسألة الرابعة: يكفي في حصول القدر الواجب من المبيت بمنى أن يكون بها ليلا حتى ينتصف الليل،

فله الخروج بعد نصف الليل، للصحاح الثلاث المتقدّمة لابن عمّار و العيص و رواية جعفر.

و رواية عبد الغفّار الجازي: عن رجل خرج من منى يريد البيت قبل نصف الليل فأصبح بمكّة، قال: «لا يصلح له حتى يتصدّق بها صدقة أو يهريق دما، فإن خرج من منى بعد نصف الليل لم يضرّه شي ء» «2».

و دلالة الأخبار المذكورة طرّا على كفاية النصف الأول- الذي مبدأه أول الغروب و منتهاه نصف الليل- واضحة.

بل تدلّ صحيحة ابن عمّار الاولى و صحيحة العيص و رواية جعفر «3» على كفاية النصف الثاني من الليل أيضا، فيتساوى النصفان في تحصيل الامتثال، كما عن الحلبي «4»، و يميل إليه كلام بعض آخر من المتأخّرين «5».

و هو الأظهر، لما ذكر.

و لا يعبأ بما ذكره بعضهم من أنّ ظاهر الأصحاب انحصار الوقت

______________________________

(1) الذخيرة: 676.

(2) التهذيب 5: 258- 877، الاستبصار 2: 293- 1044، الوسائل 14:

256 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 14.

(3) المتقدّمة جميعا في ص 30- 31.

(4) الكافي في الفقه: 198.

(5) كصاحب المدارك 8: 227.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 42

المجزي في النصف الأول «1».

إذ لا يترك مدلول الأخبار المعتبرة مع وجود القائل به بمجرّد ادّعاء أنّ ظاهر الأصحاب غير ذلك.

نعم، الاحتياط أمر آخر.

و الكون بها إلى الفجر أفضل، كما في السرائر و عن النهاية و المبسوط و الكافي و الجامع «2»، لفتوى هؤلاء، و صحيحة صفوان المتقدّمة، و صحيحة الكناني «3».

ثمَّ مقتضى إطلاق طائفة من الأخبار المتقدّمة و صريح صحيحة العيص: جواز الخروج بعد الانتصاف و لو دخل مكّة.

و يدلّ عليه أيضا الأصل، و الخبر المرويّ في قرب الإسناد: «و إنّ كان خرج من منى بعد نصف الليل فأصبح بمكّة فليس عليه شي ء» «4».

خلافا للسرائر و عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و الجامع، فقالوا:

لا يدخل مكّة حتى يطلع الفجر «5».

و لم أعثر على مستند لهم، كما اعترف به في الدروس أيضا «6».

المسألة الخامسة: يجوز لذوي الأعذار المضطرّين ترك المبيت بمنى،

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 426.

(2) السرائر 1: 604، النهاية: 265، المبسوط 1: 378، الكافي: 198، الجامع: 217.

(3) التهذيب 5: 259- 882، الاستبصار 2: 294- 1049، الوسائل 14: 255 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 11.

(4) قرب الإسناد: 242- 958، الوسائل 14: 258 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 23.

(5) السرائر 1: 604، النهاية: 265، المبسوط 1: 378، الوسيلة: 188 الجامع للشرائع: 217.

(6) الدروس 1: 459.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 43

إذ لا حرج في الدين و لا ضرر و لا ضرار، [و لصحيحة] [1] سعيد المتقدّمة «1».

و من الأعذار: الخوف على النفس، أو البضع، أو المال المحترم.

و منه: تمريض

المريض الذي يخاف عليه.

و منه: وجود مانع عامّ أو خاصّ يمنع منه، كنفر الحجيج و غيره.

و عن الخلاف و المنتهى الإجماع على ذلك «2».

و هل يسقط مع زوال الإثم الفداء أيضا، أم لا؟

عن الغنية: الأول «3».

و الظاهر: الثاني، لإطلاق روايات ثبوت الدم بترك المبيت.

و عدّوا من ذوي الأعذار: الرعاة، و أهل سقاية الحاجّ، و عن الخلاف و التذكرة و المنتهى: نفي الخلاف عنه «4».

و منهم من خصّ استثناء أهل السقاية بأولاد عبّاس بن عبد المطّلب «5»، كما أنّ منهم من خصّ استثناء الرعاة بمن لم تغرب عليه الشمس بمنى، فإن غربت وجب عليه المبيت «6».

و لا يخفى أنّه لو اضطرّ الراعي إلى ذلك أو الحاجّ إلى الساقي صحّ

______________________________

[1] في النسخ: و صحيحة، و الأنسب ما أثبتناه.

______________________________

(1) في ص: 36.

(2) الخلاف 2: 354، المنتهى 2: 771.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 581.

(4) الخلاف 2: 354، التذكرة 1: 392، المنتهى 2: 771.

(5) كالعلّامة في التحرير 1: 109، و الشهيد في الدروس 1: 460، و الشافعي في الأم 2: 215.

(6) كالعلّامة في التحرير 1: 109، و الشهيد في الدروس 1: 460.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 44

الاستثناء، لدفع الضرر، و إلّا فلا وجه له.

و ما مرّ من ترخيص الرسول صلّى اللّه عليه و آله للعبّاس لا يفيد العموم، و الاتّفاق المدّعى غير ثابت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 45

البحث الثاني في رمي الجمار الثلاث
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: يترجّح أن يرمي كلّ يوم من أيّام التشريق كلّ جمرة من الجمرات الثلاث،

إجماعا قطعيّا، و تدلّ عليه الأخبار المتواترة:

كصحيحة ابن عمّار: «ارم في كلّ يوم عند زوال الشمس، و قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة، و ابدأ بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها في بطن المسيل، و قل كما قلت يوم النحر، ثمَّ قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة فاحمد اللّه و أثن عليه و صلّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، ثمَّ تقدّم قليلا فتدعو و تسأله أن يتقبّل منك، ثمَّ تقدّم أيضا، ثمَّ افعل ذلك عند الثانية فاصنع كما صنعت بالأولى، و تقف و تدعو اللّه كما دعوت، ثمَّ تمضي إلى الثالثة و عليك السكينة و الوقار، فارم و لا تقف عندها» «1».

و إنّما حملناها على مطلق الرجحان مع تضمّنها الأمر، لوقوعه على ما لا يجب قطعا من كونه عند الزوال و نحوه.

و نحوها في الدلالة عليه أخبار أخر «2» متضمنّة للجمل الخبريّة للرمي

______________________________

(1) الكافي 4: 480- 1، التهذيب 5: 261- 888، و في الاستبصار 2:

296- 1057 صدر الحديث فقط، الوسائل 14: 68 أبواب رمي جمرة العقبة ب 12 ح 1، و أورد ذيلها في ص 75 ب 10 ح 2.

(2) انظر الوسائل 14: 72 أبواب رمي جمرة العقبة ب 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 46

أو قضائه أو ترتيبه، يأتي شطر منها.

و هل ذلك على الوجوب؟

كما هو المشهور بين الأصحاب، كما عن المختلف و في شرح المفاتيح «1»، و المعروف بينهم، كما في المدارك و الذخيرة «2»، و بلا خلاف فيه يعرف، كما عن المنتهى التذكرة «3»، بل بلا خلاف مطلقا، كما في السرائر «4»، بل بالإجماع، كما في المفاتيح و عن المنتهى في شرحه «5»، و عن الخلاف

على ما يلزمه الإجماع عليه، كالترتيب و القضاء «6».

لصحيحة العجلي: عن رجل نسي رمي الجمرة الوسطى في اليوم الثاني قال: «فليرمها في اليوم الثالث لما فاته، و لما يجب عليه في يومه»، قلت: فإنّ لم يذكر إلّا يوم النفر؟ قال: «فليرمها و لا شي ء عليه» «7».

و ابن عمّار: في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت إلى مكّة، قال: «فلترجع فلترم الجمار كما كانت ترمي، و الرجل كذلك» «8».

و الأخرى: في رجل أخذ إحدى و عشرين حصاة، فرمى به فزادت واحدة، فلم يدر من أيّتهنّ نقصت، قال: «فليرجع فليرم كلّ واحدة

______________________________

(1) المختلف: 302.

(2) المدارك 8: 229، الذخيرة: 662.

(3) المنتهى 2: 729، التذكرة 1: 376.

(4) السرائر 1: 606.

(5) المفاتيح 1: 350.

(6) الخلاف 2: 351- 354.

(7) التهذيب 5: 263- 894، الوسائل 14: 73 أبواب رمي جمرة العقبة ب 15 ح 3.

(8) الكافي 4: 484- 3، الفقيه 2: 285- 1401، التهذيب 5: 263- 898، الاستبصار 2: 296- 1058، الوسائل 14: 261 أبواب العود إلى منى ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 47

بحصاة» الحديث «1».

و قويّة عمر بن يزيد: «من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيّام التشريق فعليه أن يرميها من قابل، فإن لم يحجّ رمى عنه وليّه، فإن لم يكن له وليّ استعان برجل من المسلمين يرمي عنه، فإنّه لا يكون رمي الجمار إلّا أيّام التشريق» «2»، إلى غير ذلك «3».

و قد يستدلّ أيضا للوجوب بما ورد من أنّ الحجّ الأكبر الوقوف بعرفة و رمي الجمار «4».

و برواية ابن جبلة: «من ترك رمي الجمار متعمّدا لم تحلّ له النساء، و عليه الحجّ من قابل» «5».

و لا دلالة للأول على الوجوب، مع أنّه

ليس باقيا على حقيقته، و كذا الثاني، لأنّه خلاف الإجماع و النصوص.

و عن التبيان و الجمل و العقود و التهذيبين و الإسكافي و ابن البرّاج:

عدّه من السنّة «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 483- 5، الفقيه 2: 285- 1399، التهذيب 5: 266- 907، الوسائل 14: 268 أبواب العود إلى منى ب 7 ح 1.

(2) التهذيب 5: 264- 900، الاستبصار 2: 297- 1060، الوسائل 14: 262 أبواب العود إلى منى ب 3 ح 4.

(3) انظر الوسائل 14: 261 أبواب العود إلى منى ب 3.

(4) الكافي 4: 264- 1، الوسائل 14: 263 أبواب العود إلى منى ب 4 ح 1.

(5) التهذيب 5: 264- 901، الاستبصار 2: 297- 1061، الوسائل 14: 264 أبواب العود إلى منى ب 4 ح 5.

(6) التبيان 2: 154، الجمل و العقود (الرسائل العشر): 237، التهذيب 5: 522، الاستبصار 2: 297، حكاه عن الإسكافي و ابن البراج في المختلف: 302، و انظر المهذّب 1: 254.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 48

و حمل في المنتهى و السرائر كلام الشيخ على ما ثبت وجوبه من غير الكتاب «1»، و لكن ظاهر ابن حمزة حمل كلامه على مقابل الواجب، حيث قال: الرمي واجب عند أبي يعلى، مندوب إليه عند الشيخ أبي جعفر الطوسي «2». و هذا المعنى هو الظاهر من التهذيبين.

و حمل بعضهم كلامه على رمي الجمرة العقبة «3»، و هو الظاهر من الجمل و العقود.

و عن المفيد: أنّ فرض الحجّ: الإحرام، و التلبية، و الطواف، و السعي، و الموقفان، و ما بعد ذلك سنن بعضها أوكد من بعض «4».

و كيف كان، فلا ينبغي الريب في ضعف القول بالاستحباب.

لا لما قيل من شذوذ القول به، و انعقاد الإجماع المتأخّر

عنهم «5»، إذ بعد مخالفة مثل هؤلاء الأجلّة- بل مع احتمال المخالفة- لا يعدّ القول شاذّا، و الإجماع المنعقد عن العلماء بعد حين ليس عندنا بحجّة.

بل لما ذكرنا من المستفيضة الخالية عن المعارض بالمرّة.

المسألة الثانية: يجب رمي كلّ جمرة بسبع حصيات،

بلا خلاف يعرف، كما في الذخيرة «6»، بل بالإجماع المحقّق.

و تدلّ عليه صحيحة ابن عمّار الثالثة المتقدّمة في المسألة المتقدّمة، و تتمّتها الغير المذكورة أيضا، و لعلّها تأتي، و غير ذلك من الأخبار التي يأتي

______________________________

(1) المنتهى 2: 772، السرائر 1: 606.

(2) الوسيلة: 181.

(3) انظر الرياض 1: 427.

(4) المقنعة: 67.

(5) انظر الرياض 1: 427.

(6) الذخيرة: 689.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 49

بعضها إن شاء اللّه تعالى.

المسألة الثالثة: يجب رمي الجمرات الثلاث مرتّبا،

يبدأ بالأولى ثمَّ الوسطى ثمَّ العقبة.

و العقبة: ما مرّ بيانه في أعمال يوم النحر، و إذا تجاوز القادم من مكّة عن العقبة يصل إلى الوسطى، ثمَّ إلى الاولى، و هي التي تلي المشعر.

و وجوب الترتيب على النحو المذكور مجمع عليه، كما عن الخلاف و الغنية و التذكرة و المنتهى و في المدارك و المفاتيح و شرحه «1»، بل إجماع محقّق، له، و للأخبار، منها: صحيحة ابن عمّار الاولى «2»، و غيرها ممّا يأتي في حكم من خالف الترتيب.

المسألة الرابعة: لو خالف الترتيب و رمى منكوسة،

يعيد بما يحصل به الترتيب بالإجماع، له، و لتوقّف حصول الامتثال به.

و لصحيحة ابن عمّار المتقدّم بعضها، و في آخرها: الرجل ينكس في رمي الجمار فيبدأ بجمرة العقبة ثمَّ الوسطى ثمَّ العظمى، قال: «يعود فيرمي الوسطى ثمَّ يرمي جمرة العقبة و إن كان في الغد» «3».

و الأخرى: في رجل رمى الجمار منكوسة، قال: «يعيد على الوسطى و جمرة العقبة» «4».

و حسنة مسمع: في رجل نسي رمي الجمار يوم الثاني فبدأ بجمرة العقبة ثمَّ الوسطى ثمَّ الأولى «يؤخّر ما رمى بما رمى، و يرمي الجمرة

______________________________

(1) الخلاف 2: 351، الغنية (الجوامع الفقهية): 581، التذكرة 1: 393، المنتهى 2: 772، المدارك 8: 230، المفاتيح 1: 378.

(2) راجع ص: 45.

(3) الكافي 4: 483- 5، الوسائل 14: 266 أبواب العود إلى منى ب 5 ح 4.

(4) الفقيه 2: 285- 1399، الوسائل 14: 265 أبواب العود إلى منى ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 50

الوسطى ثمَّ جمرة العقبة» «1».

و كذا لو رمى الوسطى ثمَّ العقبة ثمَّ الاولى.

و لو رمى العقبة ثمَّ الاولى ثمَّ الوسطى أعاد العقبة خاصّة.

و كذا لو رمى الاولى ثمَّ العقبة ثمَّ الوسطى.

هذا إذا قدّم المتأخّرة على

جميع رميات المتقدّمة أو على الأربع منها فما زادت.

و لو قدّمها على الأقلّ من الأربع منها أتمّ الباقية من المتقدّمة من غير إعادة المتأخّرة.

و حاصله: حصول الترتيب المأمور به برمي الجمرة المتأخّرة بعد رمي أربع حصيات على المتقدّمة، بلا خلاف فيه بين الأصحاب، بل عن صريح الخلاف و ظاهر التذكرة و المنتهى: الإجماع عليه «2».

و يدلّ عليه ما في تتمّة صحيحة ابن عمّار الثالثة المتقدّمة: في رجل رمى الاولى بأربع، و الأخيرتين بسبع سبع، قال: «يعود فيرمي الأولى بثلاث و قد فرغ، و إن كان رمى الاولى بثلاث، و رمى الأخيرتين بسبع سبع، فليعد فليرمهنّ جميعا، و إن كان رمى الوسطى بثلاث ثمَّ رمى الأخرى، فليرم الوسطى بسبع، و إن كان رمى الوسطى بأربع رجع فرمى بثلاث» «3».

و الأخرى: في رجل رمى الجمرة الأولى بثلاث، و الثانية بسبع، و الثالثة بسبع، قال: «يعيد يرميهنّ جميعا بسبع سبع»، قلت: فإن رمى

______________________________

(1) الكافي 4: 483- 1، و في التهذيب 5: 265- 902 بتفاوت يسير، الوسائل 14: 265 أبواب العود إلى منى ب 5 ح 2.

(2) الخلاف 2: 351، التذكرة 1: 393، المنتهى 2: 772.

(3) الكافي 4: 483- 5، الفقيه 2: 285- 1399، الوسائل 14: 267 أبواب العود إلى منى ب 6 ح 1، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 51

الأولى بأربع، و الثانية بثلاث، و الثالثة بسبع؟ قال: «يرمي الجمرة الأولى بثلاث، و الثانية بسبع، و يرمي الجمرة العقبة بسبع»، قلت: فإن رمى الجمرة الأولى بأربع، و الثانية بأربع، و الثالثة بسبع؟ قال: «يعيد فيرمي الأولى بثلاث، و الثانية بثلاث، و لا يعيد على الثالثة» «1».

و رواية عليّ بن أسباط: «إذا رمى الرجل الجمار أقلّ من

أربع لم يجزئه، أعاد عليها و أعاد على ما بعدها و إن كان قد أتمّ ما بعدها، و إذا رمى شيئا منها أربعا بنى عليها و لم يعد على ما بعدها إن كان قد أتمّ رميه» [1].

و الظاهر- كما هو مقتضى إطلاق تلك الأخبار- تساوي العامد و الجاهل و الناسي في البناء على الأربع، و هو ظاهر المحكيّ عن المبسوط و الخلاف و الجامع و التحرير و التلخيص و اللمعة «2».

و نسب إلى السرائر أيضا [2]، و هو خطأ، لتخصيصه الناسي بالذكر، قال:

فإن نسي فرمى الجمرة الأولى بثلاث حصيات و رمى الجمرتين الأخريين على التمام، كان عليه أن يعيد عليها كلّها.

و إن كان رمى من الجمرة الأولى أربع حصيات ثمَّ رمى الجمرتين

______________________________

[1] التهذيب 5: 266- 905، الوسائل 14: 268 أبواب العود إلى منى ب 6 ح 3 و فيه: بنى عليها و أعاد على ما بعدها إن كان ..

[2] نسبه إليه و إلى ما تقدّمه في كشف اللثام 1: 379. و الظاهر أنّ النسبة إلى ما تقدم خطأ أيضا، كما يأتي.

______________________________

(1) التهذيب 5: 265- 904، الوسائل 14: 267 أبواب العود إلى منى ب 6 ح 2.

(2) المبسوط 1: 379، الخلاف 2: 351، الجامع: 218، التحرير 1: 110، اللمعة (الروضة البهيّة 2): 318.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 52

على التمام، كان عليه أن يعيد على الاولى بثلاث حصيات.

و كذلك إن كان رمى من الوسطى أقلّ من أربع حصيات، أعاد عليها و على ما بعدها، و إن رماها بأربع تمّمها، و ليس عليه الإعادة على ما بعدها «1». انتهى.

خلافا للسرائر- كما تلونا عليك- و الإرشاد و المحكيّ عن القواعد و التذكرة و المنتهى و الدروس و

الروضة، فقيّدوه بالناسي «2»، بل نسب في الذخيرة و المدارك و المفاتيح التقييد به أو بالجاهل إلى أكثر الأصحاب و إلى الشهرة «3».

و لا مستند لهم، سوى ما حكى الفاضل من أنّ الأكثر يقوم مقام الكلّ مع النسيان [1].

و أنّ اللاحقة قبل إكمال السابقة مع العمد منهيّ عنه، فيفسد «4».

و الأول: إعادة للمدّعى.

و الثاني: مصادرة في المطلوب، لمنع النهي بعد تمام الأربع، و هل الكلام إلّا فيه. و منع شمول الإطلاق للعامد أو تبادر غيره إلى الذهن ضعيف، كالاستناد إلى حمل فعل المسلم على الصحّة.

ثمَّ المستفاد من الروايات المذكورة: استئناف الناقصة عن الأربع و ما بعدها مطلقا، و لم أعثر على مصرّح بخلاف ذلك.

______________________________

[1] التذكرة 1: 393، المنتهى 2: 772، و فيهما: الشي ء، بدل: الكل.

______________________________

(1) السرائر 1: 609.

(2) السرائر 1: 609، الإرشاد 1: 335، القواعد 1: 90، التذكرة 1: 393، المنتهى 2: 772، الدروس 1: 430، الروضة 2: 320.

(3) الذخيرة: 690، المدارك 8: 234، المفاتيح 1: 378.

(4) حكاه صاحب الرياض 1: 427 عن الروضة بالفحوى، و هو فيها في ج 2: 320.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 53

نعم، نسب إلى الحلّي أنّه قال بالاكتفاء بإكمال الناقصة و استئناف ما بعدها خاصّة «1»، و ما نقلنا من كلامه صريح فيما ذكرناه، مخالف لما نسب إليه.

المسألة الخامسة: وقت رمي الجمرة مطلقا- سواء كانت الجمرة العقبة الواجب رميها يوم النحر

أو رمي أيّام التشريق- النهار، بلا خلاف يعرف.

و تدلّ عليه- بعد ظاهر الإجماع- صحيحة العجلي المتقدّمة الآمرة لرمي المنسي في اليوم الثالث، و المصرّحة بقوله: «لما يجب عليه في يومه» «2».

و صفوان بن مهران: «رمي الجمار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها» «3»، و نحوها صحيحة منصور «4».

و صحيحة زرارة و ابن أذينة: قال للحكم بن عتيبة: «ما حدّ رمي

الجمار؟» فقال الحكم: عند زوال الشمس- إلى أن قال:- «هو و اللّه ما بين طلوع الشمس إلى غروبها» «5».

و إسماعيل بن همام: «لا ترم الجمرة يوم النحر حتى تطلع الشمس» «6»،

______________________________

(1) نسبه إليه في الدروس 1: 430، و انظر السرائر 1: 610.

(2) التهذيب 5: 263- 894، الوسائل 14: 73 أبواب رمي جمرة العقبة ب 15 ح 3.

(3) التهذيب 5: 262- 890، الوسائل 14: 69 أبواب رمي جمرة العقبة ب 13 ح 2 و فيه: ارم الجمار ..

(4) التهذيب 5: 262- 891، الاستبصار 2: 296- 1055، الوسائل 14: 69 أبواب رمي جمرة العقبة ب 13 ح 4.

(5) الكافي 4: 481- 5، التهذيب 5: 262- 892، الاستبصار 2: 296- 1056، الوسائل 14: 69 أبواب رمي جمرة العقبة ب 13 ح 5.

(6) الكافي 4: 482- 7، الوسائل 14: 70 أبواب رمي جمرة العقبة ب 13 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 54

و غير ذلك.

المؤيّدة جميعا بما يأتي من التعبير ب: رمي الخائف و المريض و نحوهما ليلا بالترخّص، و من تعليق الرمي في الليل بالخوف و نحوه، كما يأتي.

و لا تنافيه رواية عليّ بن عطيّة: أفضنا من المزدلفة بليل أنا و هشام بن عبد الملك الكوفي، و كان هشام خائفا، فانتهينا إلى جمرة العقبة طلوع الفجر، فقال لي هشام: أيّ شي ء أحدثنا في حجّتنا؟! فنحن كذلك إذ لقينا أبا الحسن موسى عليه السّلام و قد رمى الجمار و انصرف، فطابت نفس هشام «1».

لأنّ رميه عليه السّلام كان بعد طلوع الفجر، مع أنّه قضية في واقعة، فلعلّه عليه السّلام كان خائفا أو مريضا أو له عذر آخر.

هذا في غير المعذور.

و أمّا المعذور- كالخائف، و الراعي، و العبد

الذي لا يملك من أمره شيئا، و المدين، و الحاطبة- فيجوز لهم الرمي ليلا، بلا خلاف ظاهر فيه، كما صرّح بعضهم أيضا «2»، بل بالاتّفاق كبعض آخر «3».

للمعتبرة المستفيضة، كصحيحتي زرارة و محمّد «4» و ابن سنان «5» في الأول، و رواية أبي بصير في الثاني «6»، و موثّقة سماعة في الثانيين «7»،

______________________________

(1) التهذيب 5: 263- 897، الوسائل 14: 71 أبواب رمي جمرة العقبة ب 14 ح 3.

(2) المفاتيح 1: 379، كشف اللثام 1: 379، الرياض 1: 428.

(3) انظر الخلاف 2: 345، الغنية (الجوامع الفقهية): 581.

(4) الكافي 4: 485- 4، الوسائل 14: 71 أبواب رمي جمرة العقبة ب 14 ح 4.

(5) التهذيب 5: 263- 895، الوسائل 14: 70 أبواب رمي جمرة العقبة ب 14 ح 1.

(6) الكافي 4: 481- 6، الوسائل 14: 72 أبواب رمي جمرة العقبة ب 14 ح 6.

(7) الكافي 4: 485- 5، الوسائل 14: 71 أبواب رمي جمرة العقبة ب 14 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 55

و موثّقته الأخرى في الثلاثة «1»، و رواية أخرى لأبي بصير في الأول و الأخيرين «2»، و رواية عليّ بن حمزة- المتقدّمة في الواجب الثالث من واجبات منى- في الأول و المرأة «3»، و يستفاد منها و من سائر المعتبرة المتقدّمة في البحث المذكور: استثناء المرأة أيضا مطلقا، و من بعضها استثناء الصبيان أيضا، و لا بأس به.

و استثني في الشرائع و الإرشاد «4» و غيرهما «5»: المريض أيضا، بل في المفاتيح: نفي الخلاف «6»، و في شرحه: الاتّفاق على استثنائه.

و استدلّ له برواية أبي بصير الأخيرة المشار إليها، و هي: عن الذي ينبغي له أن يرمي بليل من هو؟ قال: «الحاطبة، و

المملوك الذي لا يملك من أمره شيئا، و الخائف، و المدين، و المريض الذي لا يستطيع أن يرمي يحمل إلى الجمار، فإن قدر على أن يرمي و إلّا فارم عنه و هو حاضر».

و يمكن الخدش في دلالتها، لجواز كون قوله: «و المريض» مبتدأ خبره: «يحمل»، و يكون بيانا لحكم المريض، و لم يكن معطوفا على سابقة.

______________________________

(1) التهذيب 5: 263- 896، الوسائل 14: 71 أبواب رمي جمرة العقبة ب 14 ح 2.

(2) الفقيه 2: 286- 1403، الوسائل 14: 72 أبواب رمي جمرة العقبة ب 14 ح 7.

(3) الكافي 4: 474- 4، التهذيب 5: 194- 644، الاستبصار 2: 256- 904، الوسائل 14: 53 أبواب رمي جمرة العقبة ب 1 ح 2.

(4) الشرائع 1: 275، الإرشاد 1: 336.

(5) انظر الخلاف 2: 345، القواعد 1: 90، الدروس 1: 429.

(6) المفاتيح 1: 379.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 56

و مقتضى إطلاق كثير من النصوص: عدم الفرق في الليل بين المتقدّم و المتأخّر و إن اختصّ بعضها- الوارد في جمرة العقبة- بالليل المتقدّم.

و قيل: الظاهر أنّ المراد بالرمي ليلا: رمي جمرات كلّ يوم في ليلته، و لو لم يتمكّن من ذلك لم يبعد جواز رمي الجميع في ليلة واحدة، لأنّه أولى من الترك أو التأخّر «1». انتهى. و لا بأس به.

المسألة السادسة: و وقته من النهار ما بين طلوع الشمس و غروبها،

وفاقا للنهاية و المبسوط و السيّد و الإسكافي و العماني و الحلبي و الحلّي و الفاضلين «2»، و غيرهم «3»، بل هو المشهور، كما صرّح به غير واحد «4».

لصحاح: صفوان، و منصور، و زرارة، المتقدّمة في المسألة السابقة.

و صحيحة أخرى لمنصور: «ترمي الجمار من طلوع الشمس إلى غروبها» «5».

و مرسلة الفقيه، و فيها: فقلت: إلى متى يكون رمي الجمار؟

فقال: «من ارتفاع النهار إلى غروب الشمس، و من أصاب الصيد فليس له أن ينفر في

______________________________

(1) المدارك 8: 233.

(2) النهاية: 266، المبسوط 1: 378، السيد في الناصريات (الجوامع الفقهية):

208، حكاه عن الإسكافي و العماني في المختلف: 310، الحلبي في الكافي:

199، الحلي في السرائر 1: 605 و 609، المحقق في النافع: 97، و الشرائع 1:

275، العلّامة في المنتهى 2: 732.

(3) كالدروس 1: 429، و المفاتيح 1: 379.

(4) انظر المسالك 1: 126، المدارك 8: 230، الرياض 1: 427.

(5) الكافي 4: 481- 4، الوسائل 14: 70 أبواب رمي جمرة العقبة ب 13 ح 6 و فيهما: رمي الجمار ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 57

النفر الأول» «1».

و المراد من ارتفاع النهار: طلوع الشمس، فإنّه ارتفاع بالنسبة إلى طلوع الفجر، و إنّما حملناه على ذلك إذ لم يقل أحد بأنّ المبدأ ارتفاع الشمس.

خلافا في مبدئه للمحكيّ عن الوسيلة و الإشارة و والد الصدوق، فجعلوه أول النهار الصادق على ما بين الطلوعين أيضا «2»، و لعلّه لرواية عليّ بن عطيّة المتقدّمة، و قد عرفت ضعف دلالتها، فتبقى صحيحة إسماعيل السابقة و غيرها خالية عن المعارض.

و يمكن قريبا أن يكون مرادهم من أول النهار: طلوع الشمس، كما هو مصطلح الهيئويّين، و وقع في بعض كتب اللغة «3».

و عن الخلاف و الغنية و الإصباح و الجواهر، فجعلوه بعد الزوال «4»، لنقل بعضهم الإجماع «5»، و صحيحة ابن عمّار المتقدّمة في المسألة الاولى.

و الأول ليس بحجّة، سيّما مع جعل هذا القول في المختلف شاذّا لم يعمل به أحد من علمائنا «6».

و كذا الثاني لو حمل على الحقيقة، لمخالفتها الشهرة العظيمة، مع أنّها

______________________________

(1) الفقيه 2: 289- 1426، الوسائل 14: 68 أبواب رمي جمرة

العقبة ب 13 ح 1 و فيه صدر الحديث.

(2) الوسيلة: 188، الإشارة: 138، حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 310.

(3) المصباح المنير: 627، مجمع البحرين 3: 507.

(4) الخلاف 2: 351، الغنية (الجوامع الفقهية): 581، الجواهر: 43.

(5) كما في الخلاف 2: 351، و الغنية (الجوامع الفقهية): 581، و الجواهر: 43، و الرياض 1: 427.

(6) المختلف: 311.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 58

معارضة للصحاح الكثيرة، على فهي إرادة المجاز عنها قرينة، و لو قطع النظر عنها فتحتمل التقيّة، لموافقتها لمذهب الشافعي و أبي حنيفة «1».

هذا كلّه، مع أنّ ما أمر به فيها هو الرمي عند الزوال، و مقتضاه عدم جوازه بعده، و هو ممّا لم يقل به أحد من الطائفة، و ردّته صريحا صحيحة ابن أذينة و زرارة المتقدّمة «2»، مؤكدا باليمين بالجلالة.

و في منتهاه للمحكيّ عن الصدوقين، فجعلاه أول الزوال و إن صرّحا بالرخصة في التقديم أيضا «3». و هو أيضا ضعيف غايته.

و الأفضل إيقاعه عند الزوال، لصحيحة ابن عمّار المذكورة.

المسألة السابعة: لو نسي رمي جمرة من الجمرات الثلاث أو جمرتين في يوم،

قضاه بعده وجوبا، بلا خلاف، لصحيحة العجلي المتقدّمة في المسألة الاولى، و صحيحة ابن عمّار الأولى المتقدّمة في المسألة الرابعة.

و صحيحة ابن سنان: في رجل أفاض من جمع حتّى انتهى إلى منى، فعرض له عارض فلم يرم الجمرة حتى غابت الشمس، قال: «يرمي إذا أصبح مرّتين: مرّة لما فاته، و الأخرى ليومه الذي يصبح فيه، و ليفرق بينهما، إحداهما بكرة و هي للأمس، و الأخرى عند زوال الشمس و هي ليومه» «4».

و الإطلاقات المتقدّمة الآمرة بالإعادة لو نكس.

و غير الاولى من تلك الروايات و إن كانت قاصرة عن إفادة الوجوب،

______________________________

(1) الشافعي في الأم 2: 213، و عن أبي حنيفة في بدائع الصنائع 2: 137.

(2)

في ص 53.

(3) حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 310، الصدوق في المقنع: 92، و الهداية:

64، و الفقيه 2: 331، و لم نعثر على تصريح لوالد الصدوق بالرخصة في التقديم.

(4) الكافي 4: 484- 2، التهذيب 5: 262- 893، الوسائل 14: 72 أبواب رمي جمرة العقبة ب 15 ح 1، 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 59

إلّا أنّ الأمر في الأولى كاف في إثباته، بل و كذا عمل الأصحاب. و هي و إن اختصّت بواحدة، إلّا أنّ الإجماع المركّب يجاوز حكم وجوبها إلى الزائدة أيضا.

و يجب التعجيل في الغد، للصحيحة الاولى.

و مقتضى الصحيحة الاولى: هو قضاء الجمرة الفائتة خاصّة دون غيرها ممّا تقدّم عليها أو تأخّر، و كذا مقتضى الثانية في المتقدّم، و يدلّ عليه الأصل أيضا.

و يظهر من بعضهم قضاء المتأخّرة أيضا، لوجوب الترتيب «1».

و إثباته في القضاء مشكل، و ثبوته في الأداء لا يدلّ عليه في القضاء.

ثمَّ إنّ ظاهرهم أنّ الحكم كذلك لو ترك رمي جمرة أو جمرتين عمدا أو جهلا أو اضطرارا، و هو مقتضى إطلاق الصحيحة الثانية، بل الثالثة، و إن كان في دلالتهما على الوجوب نظر، إلّا أنّ مجرّد رجحان القضاء بضميمة الإجماع المركّب كأنّه يكفي في إثباته.

و الظاهر عدم الريب في وجوب قضاء ما أتى به من المتأخّرة أيضا إذا كان تعمّدا، للنهي الموجب للفساد.

و لو نسي رمي جمار يوم كلّا، يجب قضاؤه أيضا في الغد، بلا خلاف فيه كما قيل «2»، بل بالإجماع كما عن الغنية «3».

قيل: و إن فاته رمي يومين قضاهما في الثالث «4».

______________________________

(1) انظر المدارك 8: 236.

(2) في الرياض 1: 427.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 581.

(4) المدارك 8: 236، الرياض 1: 427.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 13، ص: 60

و وجوب أصل القضاء و إن ثبت ممّا يأتي من أخبار من نسيها حتى دخل مكّة أو مضيّ أيّام التشريق، و لكن دليل وجوب قضائه من الغد و كذا قضاء اليوم الأول في الثالث فلعلّه الإجماع البسيط أو المركّب، و إلّا فلا شي ء من الأخبار يدلّ عليه، و كذا لو تركها من غير نسيان، من عذر أو جهل أو عمد.

ثمَّ إنّهم قالوا بوجوب الترتيب في اليوم اللاحق بالبدأة بوظيفة السابق أولا ثمَّ وظيفة اليوم، بل قالوا: لو فاته يومين بدأ بالأول ثمَّ الثاني ثمَّ الثالث.

و استدلّوا عليه بالإجماع المحكيّ في الخلاف «1».

و بتقدّم السبب.

و بالاحتياط.

و بصحيحة ابن سنان.

و الأول: ليس بحجّة.

و الثاني: ضعيف في الغاية، لمنع اقتضاء تقدّم السبب لتقديم المسبّب.

و الثالث: ليس بواجب.

و الرابع: كان حسنا لو لا تقييد الأمر فيه بما بعده، فإنّه غير واجب قطعا، للأصل، و ظاهر الإجماع كما قيل أيضا «2»، و الحكم في بعض الأخبار الآتية بالفصل بين الرميتين بساعة المنافي لما في ذلك الصحيح، فإن ثبت الإجماع على وجوب الترتيب، و إلّا فالأصل يقتضي عدمه، و لكن لا شكّ في رجحانه، بل كونه أحوط.

المسألة الثامنة: لو نسي رمي الجمار حتى نفر و دخل مكّة

وجب

______________________________

(1) الخلاف 2: 356.

(2) انظر المفاتيح 1: 379، الرياض 1: 428.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 61

عليه أن يرجع إلى منى و يأتي بما فات وجوبا، لمطلقات الإعادة المذكورة، و خصوص الصحاح، كصحيحة ابن عمّار الثانية، و قويّة عمر بن يزيد، المتقدّمتين في المسألة الاولى.

و صحيحة ابن عمّار الأخرى: رجل نسي رمي الجمار حتى أتى مكّة، قال: «يرجع فيرميها يفصل بين كلّ رميتين بساعة»، قلت: فإنّه فاته ذلك و خرج؟ قال: «ليس عليه شي ء» «1».

و الثالثة: رجل نسي رمي الجمار، قال:

«يرجع فيرميها»، قلت: فإنّه نسيها حتى أتى مكّة، قال: «يرجع فيرمي متفرّقا يفصل بين كلّ رميتين بساعة»، قلت: فإنّه نسي أو جهل حتى فاته و خرج، قال: «ليس عليه أن يعيد» «2».

و غير القويّة من تلك الأخبار و إن كان مطلقا شاملا لصورتي بقاء أيّام التشريق و عدمه، لكن قيّده غير واحد من الأصحاب- منهم:

الشيخ و الفاضل «3»، بل الأكثر كما قيل «4»- بالأول، بل عليه الإجماع عن الغنية «5»، و هو الأظهر، للقويّة المنجبرة، التي هي أخصّ مطلقا من البواقي.

و مقتضى القويّة: أنّه لو فاته حتى مضت أيّام التشريق، أو خرج من مكّة و لم يمكنه الرجوع في هذا العام، تجب عليه الإعادة في العام القابل إن

______________________________

(1) الكافي 4: 484- 1، الوسائل 14: 261 أبواب العود إلى منى ب 3 ح 2.

(2) التهذيب 5: 264- 899، الاستبصار 2: 297- 1059، الوسائل 14: 262 أبواب العود إلى منى ب 3 ح 3.

(3) الشيخ في التهذيب 5: 522، الفاضل في المنتهى 2: 774.

(4) الرياض 1: 428.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 583.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 62

حجّ بنفسه، و إلّا يستنيب من يرمي عنه.

و عليه الفتوى، وفاقا للشيخ في التهذيبين و الخلاف و النهاية و الحلّي و الفاضل في الإرشاد و القواعد و الشهيدين في الدروس و المسالك و الروضة و ابن زهرة في الغنية «1» مدّعيا عليه الإجماع.

للخبر المذكور، الخالي عن المعارض، سوى قوله: «ليس عليه شي ء» و: «ليس عليه أن يعيد» في الصحيحتين الأخيرتين، و هما أعمّ مطلقا من القويّة، لعموم الشي ء للقضاء و الكفّارة و العقاب و العود في ذلك العام، و عموم نفي الإعادة له في هذا العام و في العام القابل

بنفسه مع الإمكان و عدمه، فيجب تخصيصهما بالقويّة.

مضافا إلى احتمال أن يكون مراد السائل من الفائت في الصحيحين:

التفريق، و يؤيّده قوله: «يعيد» في الثانية.

خلافا لظاهر الشرائع و صريح النافع و المدارك و الذخيرة و عن التبصرة، فاستحبّوه «2».

إمّا لضعف الرواية سندا، المردود بعدم ضيره أولا، و بانجباره بما مرّ ثانيا.

أو لضعف الدلالة على الوجوب، و المردود بصراحة قوله: «عليه» في القويّة فيه.

نعم، يصحّ ذلك في الاستنابة خاصّة، و لكنّه يتمّ بالإجماع المركّب

______________________________

(1) التهذيب 5: 522، الاستبصار 2: 297، الخلاف 2: 352، النهاية: 267، الحلّي في السرائر 1: 609، الإرشاد 1: 336، القواعد: 90، الدروس 1: 434، المسالك:

126، الروضة 2: 325، الغنية (الجوامع الفقهية): 581.

(2) الشرائع 1: 276، النافع: 97، المدارك 8: 238، الذخيرة: 691، التبصرة: 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 63

أيضا.

و لا يخفى أنّ الأخبار المذكورة في المسألتين و إن اختصّت بالناسي أو الجاهل- كأكثر الفتاوى- إلّا أنّ ظاهرهم كون العامد و التارك اضطرارا أيضا كذلك، بل صرّح به في المدارك «1» و غيره «2»، و يمكن استفادته من بعض الإطلاقات، و لا ريب أنّه أحوط، و لا يختلّ بذلك إحلال حتى العامد.

و أمّا رواية ابن جبلة المتقدّمة في المسألة الأولى فشاذّة جدّا، و لذا حملوها على محامل غير ظاهرة.

المسألة التاسعة: ما مرّ كان حكم ترك رمي الجمار كلّا،

و كذا ترك رمي جمار يوم، بل رمي جمرة من جمار الكلّ، أو جمار يوم، بل و رمي حصاة فصاعدا من الحصيّات، عمدا أو سهوا أو جهلا، و لعلّه إجماعي، و لا يبعد استفادته من بعض الإطلاقات المتقدّمة و الآتية.

و كيف كان، فالقضاء أحوط إن لم يكن مفتى به.

و الكلام في قضاء المتأخّرة كما مرّ في المسألة السابعة.

المسألة العاشرة: قال في المدارك: لو فاتته جمرة و جهل تعيينها،

أعاد على الثلاث مرتّبا، لإمكان كونها الاولى فتبطل الأخيرتان.

و كذا لو فاتته أربع حصيات من جمرة و جهلها.

و لو فاته دون الأربع كرّره على الثلاث، و لا يجب الترتيب هنا، لأنّ الفائت من واحدة [و وجوب الباقي من باب المقدّمة كوجوب ثلاث فرائض

______________________________

(1) المدارك 8: 238.

(2) كالحدائق 17: 316، و الرياض 1: 429.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 64

عن واحدة] «1» مشتبهة من الخمس.

و لو فاتته من كلّ جمرة واحدة أو اثنتان أو ثلاث، وجب الترتيب، لتعدّد الفائت بالأصالة.

و لو فاتته ثلاث و شكّ في كونها من واحدة أو أكثر، رماها عن كلّ واحدة مرتّبا، لجواز التعدّد.

و لو كان الفائت أربعا، استأنف «2». انتهى.

و لا بأس به، و إن كان للتأمّل في بعض ما ذكره مجال.

و تدلّ على بعضها صحيحة ابن عمّار: في رجل أخذ إحدى و عشرين حصاة، فرمى بها فزادت واحدة، فلم يدر من أيّتهنّ نقصت، قال: «فليرجع فليرم كلّ واحدة بحصاة، و إن سقطت من رجل حصاة فلم يدر أيّتهنّ هي- قال:- يأخذ من تحت قدميه حصاة فيرمي بها» «3».

المسألة الحادية عشرة: يجوز الرمي عن المعذور
اشاره

الذي لا يمكنه الرمي- كالمريض- و عن الصبي غير المميّز، و عن المغمى عليه، بلا خلاف فيه يعرف.

للصحاح و غيرها المستفيضة، كصحيحتي حريز «4»، و الصحاح

______________________________

(1) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(2) المدارك 8: 236.

(3) الكافي 4: 483- 5، الفقيه 2: 285- 1399، التهذيب 5: 266- 907، الوسائل 14: 268 أبواب العود إلى منى ب 7 ح 1، بتفاوت يسير.

(4) الاولى: في التهذيب 5: 123- 400، الاستبصار 2: 225- 776، الوسائل 14:

76 أبواب رمي جمرة العقبة ب 17 ح 9.

الثانية في: التهذيب 5: 123- 402، الاستبصار 2: 225- 778، الوسائل 14:

76 أبواب رمي جمرة العقبة ب 17 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 65

الخمس لابن عمّار «1»، و مرسلة الفقيه «2»، المتقدّمة جميعا في الطواف عن المعذور.

و صحيحة ابن عمّار و البجلي: «الكسير و المبطون يرمى عنهما»، قال:

«و الصبيان يرمى عنهم» «3».

و رفاعة: عن رجل أغمي عليه: فقال: «ترمى عنه الجمار» «4».

و موثّقة إسحاق: عن المريض ترمى عنه الجمار؟ قال: «نعم، يحمل إلى الجمرة و يرمى عنه» «5».

و الأخرى و هي كالأولى، و زاد فيها: قلت: فإنّه لا يطيق ذلك، قال:

«يترك في منزله و يرمى عنه» «6».

و رواية اليعقوبي: عن المريض لا يستطيع أن يرمي الجمار، قال:

«يرمى عنه» «7».

______________________________

(1) الاولى في: التهذيب 5: 398- 1386، الوسائل 13: 390 أبواب الطواف ب 47 ح 4.

الثانية في: الكافي 4: 422- 4، الوسائل 13: 391 أبواب الطواف ب 47 ح 9.

الثالثة في: التهذيب 5: 125- 409، الوسائل 13: 394 أبواب الطواف ب 49 ح 6.

الرابعة في: الفقيه 2: 252- 1215، الوسائل 13: 394 أبواب الطواف ب 49 ح 7.

الخامسة في: الفقيه 2: 252- 1216، الوسائل 13: 394 أبواب الطواف ب 49 ح 8.

(2) الفقيه 2: 252- 1224، الوسائل 13: 393 أبواب الطواف ب 49 ح 2.

(3) الفقيه 2: 286- 1404، الوسائل 14: 74 أبواب رمي جمرة العقبة ب 17 ح 1.

(4) التهذيب 5: 268- 916، الوسائل 14: 76 أبواب رمي جمرة العقبة ب 17 ح 5.

(5) الكافي 4: 485- 2، التهذيب 5: 268- 15.، الوسائل 14: 75 أبواب رمي جمرة العقبة ب 17 ح 4.

(6) الفقيه 2: 286- 1405، التهذيب 5: 268- 915، الوسائل 14: 75 أبواب رمي جمرة العقبة ب 17 ح 2.

(7) التهذيب 5:

268- 917، الوسائل 14: 76 أبواب رمي جمرة العقبة ب 17 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 66

فروع:
أ: الظاهر من تعبير الأصحاب بالجواز عدم وجوب ذلك على أحد

أصالة، و هو كذلك، للأصل، و عدم دلالة الأخبار على الزائد على الجواز.

نعم، يجب عليه لو أجّره لذلك.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 13    66     د: قالوا: لو رمي عن المعذور فزال عذره و الوقت باق ..... ص : 66

هل تجب على المعذور الشاعر الاستنابة في ذلك؟

لا دليل عليه، بل يقضي، لجواز أن يقضيه بنفسه بعد زوال العذر، كما مرّ.

نعم، لو يئس من زواله تجب عليه الاستنابة.

ب: هل يجب حمل المعذور- مع الإمكان [1]- إلى الجمار،

ثمَّ يرمى عنه، أو يستحبّ؟

ظاهر الأصحاب: الثاني، و هو كذلك، لعدم ثبوت الأزيد منه من الأخبار المتضمّنة له.

ج: هل يشترط إذن المرميّ عنه لو عقله، أم لا؟

عن المبسوط: نعم «1».

و عن التحرير و المنتهى: لا «2»، (و هو الأظهر) [2]، للأصل، و الإطلاق.

د: قالوا: لو رمي عن المعذور فزال عذره و الوقت باق

لم يجب عليه فعله، لسقوطه بفعل النائب، لأنّ الامتثال يقتضي الإجزاء.

______________________________

[1] في «ح» زيادة: ثمَّ المشي.

[2] ما بين القوسين ليس في «س».

______________________________

(1) المبسوط 1: 380.

(2) التحرير 1: 110، المنتهى 2: 774.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 67

و في الدليل نظر، لأنّه يقتضي الإجزاء عن الفاعل فيما أمر به لا عن غيره.

و يمكن الاستدلال بأنّ المتبادر المنساق إلى الذهن من الأخبار أنّه بدل فعله، فلو وجب عليه أيضا لزم جمع البدل و المبدل عنه.

و فيه أيضا تأمّل، و فعله مع الإمكان أحوط.

المسألة الثانية عشرة: يستحبّ في رمي كلّ من الجمرات الثلاث: الدعاء

بالمأثور في صحيحة ابن عمّار المتقدّمة في رمي جمرة العقبة «1».

لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة في المسألة الأولى «2»، المصرّحة بقوله:

«قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة».

و في رمي غير جمرة العقبة: رميها عن يسارها- الذي هو يمين الرامي- مستقبل القبلة، و الوقوف عندها بعد الفراغ، و حمد اللّه و الثناء عليه، و الصلاة على النبيّ و آله صلّى اللّه عليه و آله، و الدعاء، و المسألة أن يتقبّل منك.

و في جمرة العقبة: رميها عن يمينها، مستدبر القبلة، غير واقف عندها بعد الفراغ.

و تدلّ على الحكم الأول في الجمرتين: صحيحة ابن عمّار المتقدّمة في المسألة الاولى.

و صحيحة إسماعيل بن همام: «ترمي الجمار من بطن الوادي، و تجعل كلّ جمرة عن يمينك، ثمَّ تنفتل في الشقّ الآخر إذا رميت جمرة العقبة» «3».

و على الحكم الثاني فيهما: صحيحة ابن عمّار أيضا، و كذا على الحكم

______________________________

(1) راجع ج 12: 279.

(2) في ص 43.

(3) الكافي 4: 482- 7، الوسائل 14: 66 أبواب رمي جمرة العقبة ب 10 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 68

الثالث فيهما.

و كذا تدلّ على الوقوف عندهما- مضافة إلى الصحيحة- رواية البزنطي «1»،

و صحيحة يعقوب بن شعيب: «قم عند الجمرتين، و لا تقم عند جمرة العقبة»، قلت: هذا من السنّة؟ قال: «نعم»، قلت: ما أقول إذا رميت؟

قال: «كبّر مع كلّ حصاة» «2».

و تدلّ على الحكم الأول في جمرة العقبة: صحيحة إسماعيل، و بها تخصّ سائر الأخبار الدالّة على الرمي عن يسار الجمرة مطلقا «3».

و على الثاني فيها: الشهرة، و فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، كما ذكرهما في المنتهى «4» و غيره «5».

و على الثالث فيها: صحيحتا ابن عمّار و ابن شعيب، و رواية البزنطي المتقدّمة، و غيرها.

ثمَّ سائر أحكام رمي الجمرات و كيفيّاتها الواجبة و المستحبّة كما مرّت في رمي جمرة العقبة.

______________________________

(1) الكافي 4: 478- 7، التهذيب 5: 197- 656، قرب الإسناد: 359- 1284، الوسائل 14: 65 أبواب رمي جمرة العقبة ب 10 ح 3.

(2) الكافي 4: 481- 2، التهذيب 5: 261- 889، قرب الوسائل 14: 64 أبواب رمي جمرة العقبة ب 10 ح 1، و أورد ذيلها في ص 67 ح 1.

(3) الوسائل 14: 68 أبواب رمي جمرة العقبة ب 12.

(4) المنتهى 2: 773.

(5) كالتذكرة 1: 377، و الذخيرة: 663.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 69

البحث الثالث في سائر ما ينبغي أن يفعل في منى
اشاره

في هذه الأيّام و النفر منها.

و فيها مسائل:

المسألة الأولى: تستحبّ الإقامة بمنى أيّام التشريق-

أي بياض النهار- زائدا على القدر الواجب للرمي.

لرواية ليث: يأتي الرجل مكّة أيّام منى بعد فراغه من زيارة البيت فيطوف بالبيت تطوّعا، فقال: «المقام بمنى أفضل و أحبّ إليّ» «1».

و صحيحة العيص: عن الزيارة بعد زيارة الحجّ أيّام التشريق، فقال:

«لا» «2».

و لا تجب، للأصل، و صحيحة جميل: «لا بأس أن يأتي الرجل مكّة فيطوف بها في أيّام منى، و لا يبيت بها» «3».

و يعقوب: عن زيارة البيت أيّام التشريق، فقال: «حسن» «4».

و موثّقة إسحاق: رجل زار فقضى طواف حجّة كلّه، أ يطوف بالبيت

______________________________

(1) الكافي 4: 515- 1، الفقيه 2: 287- 1413، التهذيب 5: 490- 1755، الاستبصار 2: 295- 1053، الوسائل 14: 260 أبواب العود إلى منى ب 2 ح 5 بتفاوت.

(2) الكافي 4: 515- 2، التهذيب 5: 490- 1754، الاستبصار 2: 295- 1052، الوسائل 14: 260 أبواب العود إلى منى ب 2 ح 6.

(3) الفقيه 2: 287- 1412، التهذيب 5: 490- 1753، الاستبصار 2: 295- 1050، الوسائل 14: 259 أبواب العود إلى منى ب 2 ح 1.

(4) التهذيب 5: 260- 885، الوسائل 14: 259 أبواب العود إلى منى ب 2 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 70

أحبّ إليك، أم يمضي على وجهه إلى منى؟ فقال: «أيّ ذلك شاء فعل ما لم يبت» «1».

المسألة الثانية: يستحبّ للناسك ما دام بمنى أن يصلّي في مسجد الخيف،

و أفضله ما كان مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في زمانه، فإنّه قد زيد عليه بعده.

ففي صحيحة ابن عمّار: «صلّ في مسجد الخيف، و هو مسجد منى، و كان مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على عهده عند المنارة التي في وسط المسجد، و فوقها إلى القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا، و عن يمينها و

عن يسارها و خلفها نحوا من ذلك»، قال: «فتحرّ ذلك، فإن استطعت أن يكون مصلّاك فيه فافعل، فإنّه قد صلّى فيه ألف نبيّ» «2».

و يستحبّ أن يفعل فيه أيضا ما في صحيحة الثمالي: «من صلّى في مسجد الخيف بمنى مائة ركعة قبل أن يخرج منه عدلت عبادة سبعين عاما، و من سبّح اللّه فيه مائة تسبيحة كتب اللّه له كأجر عتق رقبة، و من هلّل اللّه فيه مائة تهليلة عدلت أجر إحياء نسمة، و من حمد اللّه فيه مائة تحميدة عدلت أجر خراج العراقين يتصدّق به في سبيل اللّه عزّ و جلّ» «3».

و يستحبّ أيضا صلاة ستّ ركعات في مسجد منى.

لرواية أبي بصير: «صلّ ستّ ركعات في مسجد منى في أصل

______________________________

(1) التهذيب 5: 490- 1756، الوسائل 14: 260 أبواب العود إلى منى ب 2 ح 4.

(2) الكافي 519- 4، التهذيب 5: 274- 939، الوسائل 5: 268 أبواب أحكام المساجد ب 50 ح 1.

(3) الفقيه 1: 149- 690، الوسائل 5: 269 أبواب أحكام المساجد ب 51 ح 1.

و العراقان: الكوفة و البصرة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 71

الصومعة» «1».

و ذكر بعضهم استحباب هذه الستّ أمام العود إلى مكّة «2»، و الرواية مطلقة، فالأولى الإطلاق كما في السرائر «3».

و لو قيّدت المائة ركعة المتقدّمة بذلك لكان له وجه، لقوله عليه السّلام: «قبل أن يخرج منه».

المسألة الثالثة: يستحبّ التكبير أيّام التشريق بعد الصلوات

على الأظهر الأشهر، و قال جماعة بوجوبه «4»، و قد مرّ في بحث صلاة العيدين تحقيق ذلك و كيفيّة التكبير.

و يستحبّ عقيب خمس عشرة صلوات مفروضة- أولها صلاة الظهر يوم النحر- لمن لم يتعجّل في النفر الأول، و عقيب عشر صلوات- مبدؤها ما ذكر- لمن تعجّل، كما صرّح في المستفيضة:

ففي صحيحة

محمّد: عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ «5»، قال: «التكبير في أيّام التشريق صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث، و في الأمصار عشر صلوات، فإذا نفر الناس النفر الأول أمسك أهل الأمصار، من أقام بمنى فصلّى بها الظهر و العصر فليكبّر» «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 519- 6 و فيه: عن علي بن أبي حمزة، التهذيب 5: 274- 940، الوسائل 14: 270 أبواب أحكام المساجد ب 51 ح 2.

(2) انظر القواعد: 91، المسالك 1: 127، الحدائق 17: 335، كشف اللثام 1: 380.

(3) السرائر 1: 613.

(4) كما في المبسوط 1: 380، التنقيح 1: 519.

(5) البقرة: 203.

(6) الكافي 4: 516- 1، التهذيب 3: 139- 312، الاستبصار 2: 299- 1068، الوسائل 14: 271 أبواب العود إلى منى ب 8 ح 4 بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 72

و ابن عمّار: «التكبير أيّام التشريق من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من آخر أيّام التشريق إن أنت أقمت بمنى، و إن أنت خرجت فليس عليك التكبير» «1».

و رفاعة: عن الرجل يتعجّل في يومين من منى، أ يقطع التكبير؟ قال:

«نعم، بعد صلاة الغداة» «2».

المسألة الرابعة: يتخيّر الحاجّ بين أن ينفر من منى بعد الرمي في النفر الأول،
اشاره

و هو الثاني عشر من ذي الحجّة، و أن يؤخّر إلى النفر الثاني، و هو الثالث عشر منه، في الجملة، إجماعا محقّقا و محكيا «3»، كتابا، و سنّة.

قال اللّه سبحانه وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ «4»، فسّره في الأخبار بالنفرين، كما يأتي.

و في صحيحة جميل: «لا بأس أن ينفر الرجل في النفر الأول ثمَّ يقيم بمكّة» «5».

إلى غير ذلك من

الأخبار «6»، و يأتي ما يدلّ عليه.

______________________________

(1) التهذيب 5: 269- 922 و في الكافي 4: 517- 4 و الوسائل 7: 459 أبواب صلاة العيد ب 21 ح 4: إلى صلاة العصر.

(2) التهذيب 5: 487- 1738، الوسائل 7: 461 أبواب صلاة العيد ب 21 ح 9.

(3) كما في المنتهى 2: 775، المفاتيح 1: 380، الرياض 1: 429.

(4) البقرة: 203.

(5) الكافي 4: 521- 6، الفقيه 2: 289- 1425، التهذيب 5: 274- 938، الوسائل 14: 274 أبواب العود إلى منى ب 9 ح 1.

(6) كما في الوسائل 14: 274 أبواب العود إلى منى ب 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 73

خلافا للمحكيّ عن الحلبي، فلم يجوّز النفر الأول إلّا للضرورة «1»، و لا مستند له.

و لكن يشترط جواز النفر في الأول بشرطين:
الشرط الأول: أن يكون ممّن اتّقى في حال إحرامه من الصيد و النساء خاصّة،

فمن لم يتّق أحدهما فيه لم يجز له أن ينفر في الأول على الحقّ المشهور، بل لا يعرف فيه خلاف بين الأصحاب، كما في الذخيرة «2»، بل كاد أن يكون إجماعا، كما في المفاتيح و شرحه «3»، بل هو مجمع عليه، كما في المدارك و عن المنتهى «4» و جمع آخر «5».

لمرسلة الفقيه «6»، المتقدّمة في مسألة وقت رمي الجمار.

و رواية حمّاد بن عثمان: في قول اللّه عزّ و جلّ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ، «لمن اتّقى الصيد- يعني: في إحرامه- فإن أصابه لم يكن له أن ينفر في النفر الأول» «7».

و الأخرى: «إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول، و من نفر في النفر الأول فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس» «8».

و رواية محمّد بن المستنير: «من أتى النساء في إحرامه لم يكن له أن

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 198.

(2) الذخيرة: 687.

(3) المفاتيح 1:

380.

(4) المدارك 8: 244، المنتهى 2: 774.

(5) كالتذكرة 1: 394، و الرياض 14: 429.

(6) الفقيه 2: 289- 1426، الوسائل 14: 68 أبواب رمي جمرة العقبة ب 13 ح 1.

(7) التهذيب 5: 273- 933، الوسائل 14: 279 أبواب العود إلى منى ب 11 ح 2.

(8) التهذيب 5: 490- 1758، الوسائل 14: 279 أبواب العود إلى منى ب 11 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 74

ينفر في النفر الأول» «1».

و مفهوم الأخيرة و إن دلّ بعمومه على جواز النفر لمن لم يأت النساء و إن أصاب الصيد، و لكنّه يخصّ بمنطوق الروايات الاولى، و لا يمكن العكس، للإجماع. و كذا الكلام في مفهوم الاولى و منطوق الأخيرة.

مع أنّه يمكن القول بعدم التعارض بين المفهومين و المنطوقين، إذ ليس مقتضى المفهوم إلّا كون النفر له، و هو يتحقّق بكونه له في بعض الصوم، فتأمّل.

خلافا لمن اشترط اتّقاء الصيد إلى انقضاء النفر الأخير، حكي عن ظاهر الطبرسي «2».

لرواية حمّاد الثانية المتقدّمة.

و رواية ابن عمّار: من نفر في النفر الأول متى يحلّ له الصيد؟ قال:

«إذا زالت الشمس من اليوم الثالث» «3».

و لا دلالة لهما على مدّعاه، بل يستفاد منهما استحباب الاتّقاء من الصيد لمن نفر في الأول إلى النفر الأخير.

كما تدلّ عليه أيضا صحيحة أخرى لابن عمّار: في قول اللّه عزّ و جلّ:

فَمَنْ تَعَجَّلَ إلى آخره، فقال: «يتّقي الصيد حتّى ينفر أهل منى في النفر الأخير» «4».

و الأخرى: «ينبغي لمن تعجّل في يومين أن يمسك عن الصيد حتى

______________________________

(1) الكافي 4: 522- 11، التهذيب 5: 273- 932، الوسائل 14: 279 أبواب العود إلى منى ب 11 ح 1.

(2) انظر مجمع البيان 1: 299.

(3) التهذيب 5: 491- 1759، الوسائل 14:

280 أبواب العود إلى منى ب 11 ح 4.

(4) الفقيه 2: 288- 1415، الوسائل 14: 280 أبواب العود إلى منى ب 11 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 75

ينقضي اليوم الثالث» «1».

و لمن اشترط في جوازه الاتّقاء عمّا يوجب الكفّارة مطلقا، و هو الحلّي، ذكره في باب زيارة البيت و الرجوع إلى منى و رمي الجمار من السرائر، قال: و ذلك أنّ من عليه كفّارة لا يجوز له أن ينفر في النفر الأخير بغير خلاف.

إلّا أنّ كلامه في الباب الذي بعده- و هو باب النفر من منى- يوافق المشهور ظاهرا، قال: فإن كان ممّن أصاب النساء في إحرامه أو صيدا لم يجز له أن ينفر في النفر الأول، و يجب عليه المقام إلى النفر الأخير «2».

و لمن اشتراط فيه اتّقاء كلّ ما حرم عليه بإحرامه، و هو محكيّ عن ابن سعيد «3».

و لا دليل للقولين إلّا نفي الخلاف في السرائر لأولهما.

و ظاهر الآية، و رواية سلام بن المستنير، أنّه قال: «لمن اتّقى الرفث و الفسوق و الجدال و ما حرّم اللّه تعالى عليه في إحرامه» «4» لثانيهما.

و الأول: ليس بحجّة.

و الثاني: مجمل، لعدم معلومية متعلّق الاتّقاء، فيمكن أن يكون نفي الإثم عن المتقدّم و المتأخّر و غفران الذنوب، لا مورد الاتّقاء، مع أنّه قد وردت في تفسيره معان متعدّدة في الأخبار «5».

و منه يظهر عدم دلالة الثالث أيضا.

______________________________

(1) الفقيه 5: 289- 1424، الوسائل 14: 280 أبواب العود إلى منى ب 11 ح 5.

(2) السرائر 1: 605 و فيه: .. في النفر الأول، 612.

(3) الجامع للشرائع: 218.

(4) الفقيه 2: 288- 1416، الوسائل 14: 280 أبواب العود إلى منى ب 11 ح 7.

(5) الوسائل 14:

279 أبواب العود إلى منى ب 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 76

الشرط الثاني: أن لا تغرب الشمس عليه يوم الثاني عشر في منى،

فلو غربت الشمس عليه و هو بمنى لم يجز له النفر، بل وجب عليه المبيت بها ليلة الثالث عشر، إجماعا محقّقا، و محكيّا مستفيضا «1»، له.

و لصحيحة ابن عمّار: «إذا نفرت في النفر الأول، فإن شئت أن تقيم بمكّة و تبيت بها فلا بأس بذلك»، قال: و قال: «إذا جاء الليل بعد النفر الأول فبت بمنى، و ليس لك أن تخرج منها حتى تصبح» «2».

و رواية أبي بصير: عن الرجل ينفر في النفر الأول، قال: «له أن ينفر ما بينه و بين أن تصفر الشمس، فإن هو لم ينفر حتى يكون عند غروبها فلا ينفر، و ليبت بمنى حتى إذا أصبح و طلعت الشمس فلينفر متى شاء» [1].

و صحيحة الحلبي: «فمن تعجّل في يومين فلا ينفر حتّى تزول الشمس، فإن أدركه المساء بات و لم ينفر» «3».

و لو ارتحل و غربت الشمس قبل تجاوز حدود منى يجب المبيت بها، لصدق الغروب عليه بمنى.

و قيل بعدم الوجوب، لمشقّة الحطّ «4». هو ضعيف غايته.

______________________________

[1] الفقيه 2: 288- 1421، التهذيب 5: 272- 931، الوسائل 14: 278 أبواب العود إلى منى ب 10 ح 4 و فيه: و بين أن تسفر الشمس.

______________________________

(1) كما في المنتهى 2: 776.

(2) الكافي 4: 521- 7، التهذيب 5: 272- 930، الوسائل 14: 277 أبواب العود إلى منى ب 10 ح 2.

(3) الكافي 4: 520- 4، التهذيب 5: 272- 929، الوسائل 14: 277 أبواب العود إلى منى ب 10 ح 1.

(4) المنتهى 2: 776.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 77

فروع:
أ: من نفر في الأول لم يجز له النفر قبل الزوال،

بل يجب أن يكون بعده قبل الغروب على الأشهر.

قيل: للمستفيضة من الصحاح و غيرها «1»، كصحيحة الحلبي المتقدّمة.

و صحيحة ابن عمّار: «إذا أردت أن

تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتى تزول الشمس، و إن تأخّرت إلى آخر أيّام التشريق- و هو يوم النفر الأخير- فلا عليك أيّ ساعة نفرت و رميت قبل الزوال أو بعده» «2».

و الخزّاز، و فيها: «أمّا اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس، و كانت ليلة النفر، و أمّا اليوم الثالث فإذا ابيضّت الشمس فانفر على بركة اللّه، فإنّ اللّه جلّ ثناؤه يقول فَمَنْ تَعَجَّلَ » إلى آخره «3».

و صحيحة الحلبي: عن الرجل ينفر في النفر الأول قبل أن تزول الشمس، قال: «لا، و لكن يخرج ثقله إن شاء، و لا يخرج حتى تزول الشمس» «4».

خلافا للمحكيّ عن التذكرة، فقرّب استحباب التأخير إلى الزوال «5».

______________________________

(1) الرياض 1: 429.

(2) الكافي 4: 520- 3، الفقيه 2: 287- 1414، التهذيب 5: 271- 926، الاستبصار 2: 300- 1073، الوسائل 14: 274 أبواب العود إلى منى ب 9 ح 3.

(3) الكافي 4: 519- 1، التهذيب 5: 271- 927، الاستبصار 2: 300- 1074، الوسائل 14: 275 أبواب العود إلى منى ب 9 ح 4.

(4) الفقيه 2: 288- 1422، الوسائل 14: 276 أبواب العود إلى منى ب 9 ح 6.

(5) التذكرة 1: 394.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 78

قيل «1»: و يمكن حمل كثير من العبارات عليه، إذ الواجب في منى هو الرمي و البيتوتة، و الإقامة في اليوم مستحبّة كما مرّ، و لعموم رواية أبي بصير المتقدّمة، و خصوص رواية زرارة: «لا بأس أن ينفر الرجل في [النفر] الأول قبل الزوال» «2».

و هو قويّ جدا، لأنّ غير صحيحة ابن عمّار من المستفيضة المتقدّمة لا يثبت سوى الاستحباب، و أمّا هي و إن كانت ظاهرة في الوجوب إلّا أنّ الروايتين

قرينتان على إرادة التجوّز منها.

و كيف كان، يجوز له تقديم رحله قبل الزوال، للأصل، و صحيحة الحلبي.

ب: من نفر في الأخير يجوز له السفر قبل الزوال و بعده،

بلا خلاف، كما عن المنتهى «3»، بل بالإجماع، كما عن الغنية و التذكرة «4»، و قد مضى ما يدلّ عليه، و إطلاقه يعمّ الإمام و غيره.

و عن النهاية و المبسوط و المهذّب و السرائر و الغنية و الإصباح:

اختصاصه بغير الإمام، و قالوا: عليه أن يصلّي الظهر بمكّة «5».

و عن المنتهى و التذكرة: استحباب ذلك له «6».

______________________________

(1) كشف اللثام 1: 380.

(2) التهذيب 5: 272- 928، الاستبصار 2: 301- 1075، الوسائل 14: 277 أبواب العود إلى منى ب 9 ح 11، و ما بين المعقوفين من المصادر.

(3) المنتهى 2: 777، نقله عنه في كشف اللثام 1: 380.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 581، التذكرة 1: 394.

(5) النهاية: 269، المبسوط 1: 380، المهذّب 1: 263، السرائر 1: 612، الغنية (الجوامع الفقهية): 581 الإصباح: 160.

(6) المنتهى 2: 777، التذكرة 1: 394.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 79

و لا بأس به، لصحيحة الحلبي «1»، و مضمرة النخعي «2»، بل ربّما يفهم من الأخيرة رجحانه لغير الإمام أيضا.

ج: قال في المدارك: قد نصّ الأصحاب على أنّ الاتّقاء معتبر في إحرام الحجّ،

و قوّى الشارح اعتباره في عمرة التمتّع أيضا، لارتباطها بالحجّ و دخولها فيه، و المسألة قويّة الإشكال «3». انتهى.

أقول: ظاهر إطلاق أخبار الاتّقاء يقوّي ما قواه شيخنا الشهيد الثاني «4»، فهو الأقوى.

د: قال فيه أيضا: المراد بعدم اتّقاء الصيد في حال الإحرام: قتله،

و بعدم اتّقاء النساء: جماعهن، و في إلحاق باقي المحرّمات المتعلّقة بالصيد و النساء بهما- كأكل الصيد و لمس النساء بشهوة- وجهان «5».

أقول: الظاهر من إصابة الصيد المذكور في الأخبار هو: القتل و الأخذ، فيختصّ بهما، كما ذكره بعضهم «6»، و من إتيان النساء المذكور فيها هو:

الجماع، فيختصّ به. و لو لا الظهور فلا أقلّ من الاحتمال، فيدفع غير ما ذكر بالأصل.

ه: قال في المنتهى: قد بيّنا أنّه يجوز أن ينفر في الأول،

فحينئذ

______________________________

(1) الكافي 4: 520- 5، التهذيب 5: 273- 934، الوسائل 14: 281 أبواب العود إلى منى ب 12 ح 1.

(2) الكافي 4: 521- 8، التهذيب 5: 273- 935، الوسائل 14: 282 أبواب العود إلى منى ب 12 ح 2.

(3) المدارك 8: 248.

(4) المسالك 1: 126.

(5) المدارك 8: 248.

(6) انظر الرياض 1: 429.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 80

يسقط عنه رمي الجمار في اليوم الثالث من أيّام التشريق بلا خلاف.

إذا ثبت هذا، فإنّه يستحبّ له أن يدفن الحصاة المختصّة بذلك اليوم بمنى، و أنكره الشافعي و قال: إنّه لا يعرف به أثرا، بل ينبغي أن تطرح أو تدفع إلى من [لم ] [1] يتعجّل «1». انتهى.

أقول: و حكي عن الإسكافي: أنّه يرمي حصى اليوم الثالث عشر في اليوم الثاني عشر بعد رمي يومه «2».

ثمَّ أقول: دليل السقوط: أنّ بعد ثبوت جواز النفر الأول فلا يخلو إمّا أن يجب رمي الثالث عشر في الثاني عشر، أو تجب الاستنابة له في الثالث عشر، أو العود فيه.

و الثالث خلاف الإجماع المقطوع، و الأولان خلاف الأصل، فلم يبق إلّا السقوط، بل في الأولين أيضا سقوط هذا الواجب عنه، و هما أمران آخران منفيّان بالأصل.

و أمّا دفن الحصاة فلا دليل عليه، و لكن يمكن إثباته بفتوى الفاضل و الشهيد

في الدروس «3»، لأنّ المقام مقام المسامحة.

و: قد بيّنا في بحث البيتوتة وجوب بيتوتة ليلتين مطلقا،

و بيتوتة ليلة الثالث عشر في بعض الصور، و قد علم ممّا ذكرنا في مسألة النفر أنّ بيتوتة الثالث عشر إنّما هي إذا بقي في منى حتى غربت الشمس من هذه الليلة، أو لم يتّق الصيد و النساء في إحرامه.

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

______________________________

(1) المنتهى 2: 777.

(2) حكاه عنه في الدروس 1: 435.

(3) الفاضل في التذكرة 1: 394، الدروس 1: 435.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 81

الفصل السابع فيما يستحبّ بعد الفراغ من العود إلى مكّة من منى، و دخول الكعبة، و طواف الوداع، و ما يتعلّق بذلك الباب
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لو بقي على الحاجّ شي ء من المناسك الواجبة

- من طواف أو سعي أو بعض أحدهما أو غير ذلك، و كان أخّره من بيتوتة منى- وجب عليه العود إلى مكّة لإتمام المناسك إجماعا، لتوقّف الواجب عليه.

و لو لم يبق عليه شي ء، من المناسك الواجبة يجوز له الانصراف حيث شاء.

للأصل، و رواية السري: ما ترى في المقام بمنى بعد ما ينفر الناس؟

قال: «إن كان قد قضى نسكه فليقم ما شاء، و ليذهب حيث شاء» «1».

نعم، و قالوا: يستحبّ له العود لمكّة لوداع البيت و دخول الكعبة.

فإن أرادوا أنّ من لم يودّع البيت و لم يدخل الكعبة يستحبّ له العود لأجل ذلك.

فهو كذلك، لاستحبابهما، و استحباب مقدّمة المستحبّ، و مرجعه إلى استحباب الأمرين، و لا يكون العود إلى مكّة مستحبّا أصلا.

______________________________

(1) الكافي 4: 541- 6، التهذيب 5: 273- 936، الوسائل 14: 282 أبواب العود إلى منى ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 82

و إن أرادوا استحباب العود مطلقا، أو استحباب تأخير الأمرين إلى العود.

فلا دليل عليه أصلا، و الأصل يدفعه، بل في الروايات ما ينفيه.

ففي رواية ابن عمّار: «كان أبي يقول: لو كان لي طريق إلى منزلي من منى ما دخلت مكّة» «1».

المسألة الثانية: يستحبّ دخول الكعبة إجماعا،

له، و للنصوص:

ففي مرسلة عليّ بن خالد: «الداخل الكعبة يدخل و اللّه راض عنه، و يخرج عطلا [1] من الذنوب» «2».

و في موثّقة ابن القدّاح: عن دخول الكعبة، قال: «الدخول فيها دخول في رحمة اللّه، و الخروج منها خروج من الذنوب، معصوم فيما بقي من عمره، مغفور له ما سلف من ذنوبه» «3».

و قريبة منها مرسلة الفقيه «4».

و في أخرى: «من دخل الكعبة بسكينة، و هو أن يدخلها غير متكبّر و لا متجبّر، غفر له» «5».

و لا تنافيه

صحيحة حمّاد بن عثمان: عن دخول البيت، فقال: «أمّا

______________________________

[1] قد يستعمل العطل في الخلوّ من الشي ء- لسان العرب 11: 454.

______________________________

(1) الكافي 4: 521- 9، التهذيب 5: 274- 937، الوسائل 14: 283 أبواب العود إلى منى ب 14 ح 1.

(2) الكافي 4: 527- 1، التهذيب 5: 275- 943، المحاسن: 70- 138، الوسائل 13:

272 أبواب مقدمات الطواف ب 34 ح 2.

(3) الكافي 4: 527- 2، الفقيه 2: 133- 562، التهذيب 5: 275- 944، الوسائل 13:

271 أبواب مقدمات الطواف ب 34 ح 1.

(4) الفقيه 2: 133- 562، الوسائل 13: 271 أبواب مقدمات الطواف ب 34 ح 1.

(5) الفقيه 2: 133- 563، الوسائل 13: 271 أبواب مقدمات الطواف ب 34 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 83

الصورة فيدخله، و أمّا من حجّ فلا» «1».

لأنّ قوله: «فيدخله» يمكن أن يكون تأكّد الاستحباب، فالنفي في غيره يرجع إلى التأكّد، و يمكن أيضا أن يكون النفي للمرجوحيّة لمن حجّ و دخل أولا، كما هو المتأكّد في حقّ الصرورة، حيث إنّه لا يترجّح تكرار الدخول كما يأتي، فيكون المعنى: و أمّا من حجّ و دخل فلا.

و الاستحباب يعمّ الرجال و النساء.

لصحيحة ابن سنان: عن دخول النساء الكعبة، قال: «ليس عليهن، و إن فعلن فهو أفضل» «2».

و ربّما يستفاد منها: أنّ استحباب الدخول في حقّ النساء ليس على حدّ استحبابه للرجال.

و يتأكّد في حقّ الصرورة بلا خلاف يعرف، لصحيحة حمّاد المتقدّمة، و صحيحة سعيد الأعرج: «لا بدّ للصرورة أن يدخل البيت قبل أن يرجع» «3».

و مرسلة أبان: «يستحبّ للصرورة أن يطأ المشعر الحرام، و أن يدخل البيت» «4».

و رواية سليمان بن مهران، و فيها: و كيف صار الصرورة يستحبّ له دخول الكعبة

دون من حجّ؟ فقال: «لأنّ الصرورة قاضي فرض مدعوّ إلى

______________________________

(1) التهذيب 5: 277- 948، الوسائل 13: 273 أبواب مقدمات الطواف ب 35 ح 3.

(2) التهذيب 5: 448- 1561، الوسائل 13: 283 أبواب مقدمات الطواف ب 41 ح 1.

(3) الكافي 4: 529- 6، التهذيب 5: 277- 947، الوسائل 13: 273 أبواب مقدمات الطواف ب 35 ح 1.

(4) الكافي 4: 469- 3، التهذيب 5: 191- 636، الوسائل 13: 273 أبواب مقدمات الطواف ب 35 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 84

حجّ بيت اللّه، يجب أن يدخل البيت الذي دعي إليه ليكرم فيه» «1».

و ظاهر صحيحة الأعرج و إن كان الوجوب في حقّ الصرورة، إلّا أنّه حمل على الاستحباب أو شدّته، للإجماع على انتفاء الوجوب.

لا للخبرين الأخيرين كما قيل «2»، لأعمّية الاستحباب في الاصطلاح المتقدّم عن الوجوب.

بل يشعر بإرادته قوله: «يجب» أخيرا في الأخيرة، و لو لا الأعمية من جهة اللغة أيضا يمكن التجوّز به عنه، كما قد يتجوّز بالوجوب عن الاستحباب.

و لو لا مظنّة الإجماع على ثبوت الاستحباب لغير الصرورة أيضا لكنّا نقول بعدم استحبابه في حقّه مطلقا.

و يمكن أن يقال به إذا كان قد دخل أولا، كما هو الغالب، و احتمله بعض المتأخّرين، حيث قال: كأنّ تكرير الدخول خلاف الأولى.

و هو كذلك، لأنّه الظاهر من صحيحة حمّاد، و رواية سليمان، و عدم دخول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيه إلّا مرّة، كما في ذيل صحيحة ابن عمّار الآتية:

«و لم يدخلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلّا يوم فتح مكّة» «3».

و في الأخرى: «فإن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يدخل الكعبة في حجّ و لا عمرة، و لكنّه دخلها

في الفتح- فتح مكّة- و صلّى ركعتين بين العمودين» «4».

______________________________

(1) الفقيه 2: 154- 668، الوسائل 13: 273 أبواب مقدمات الطواف ب 35 ح 4.

(2) في الرياض 1: 430.

(3) الكافي 4: 528- 3، التهذيب 5: 276- 945، الوسائل 13: 275 أبواب مقدمات الطواف ب 36 ح 1.

(4) التهذيب 5: 279- 953، الاستبصار 1: 298- 1101، الوسائل 4: 337 أبواب القبلة ب 17 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 85

المسألة الثالثة: يستحبّ الغسل لدخول الكعبة

استحبابا مؤكّدا، كما في السرائر «1»، و أن يدخلها بسكينة و وقار، حافيا بلا حذاء، و أن لا يبزق فيها و لا يتمخّط فيها، و أن يأخذ بحلقتي الباب، و أن يدعو إذا أخذهما بالدعاء المأثور بقوله: «اللّهمّ إنّ البيت بيتك» «2»، و أن يدعو حين يدخل بالدعاء المأثور في صحيحة ابن عمّار الآتية.

ثمَّ يدخل و يصلّي ركعتين على الرخامة الحمراء، التي بين الأسطوانتين اللتين تليان الباب، و هي- كما قيل «3»- مولد مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام، يقرأ في الركعة الأولى حم السجدة، و في الثانية عدد آياتها من القرآن دون حروفها أو كلماتها، و يصلّي في كلّ زاوية من زوايا البيت الأربع، و يدعو بعد ذلك بالدعاءين المأثورين في صحيحتي ابن عمّار و الأعرج الآتيتين.

و الظاهر أنّ الدعاءين بعد تمام الصلاة في الزوايا الأربع، لا أنّه بعدها في كلّ زاوية.

و عن القاضي: أنّه يبدأ بالزاوية التي فيها الدرجة، ثمَّ الغربيّة، ثمَّ التي فيها الركن اليماني، ثمَّ التي فيها الحجر الأسود «4».

و يستقبل الحائط الذي بين الركنين اليماني و الغربي، و يرفع يديه عليه و يلزق به و يدعو.

ثمَّ يتحوّل إلى الركن اليماني و يلصق به و يدعو، و يأتي بالأسطوانة

______________________________

(1) السرائر 1: 614.

(2)

الكافي 4: 530- 11، التهذيب 5: 278- 952، الوسائل 13: 277 أبواب مقدمات الطواف ب 36 ح 5.

(3) انظر كشف اللثام 1: 381، الرياض 1: 430.

(4) المهذب 1: 263.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 86

التي بحذاء الحجر، و يلصق بها صدره و يدعو بالدعاء الآتي.

ثمَّ يدور بالأسطوانة، و يلصق بها ظهره و بطنه و يدعو بالدعاء المذكور، و أن يقبل على كلّ أركان البيت و يكبّر إلى كلّ ركن منه.

كل ذلك للأخبار:

ففي صحيحة ابن عمّار: «إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها، و لا تدخلها بحذاء، و تقول إذا دخلت: اللّهمّ إنّك قلت في كتابك:

وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً «1»، فآمنّي من عذاب النار، ثمَّ تصلّي ركعتين بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء، تقرأ في الركعة الأولى حم السجدة، و في الثانية عدد آياتها من القرآن، و تصلّي في زواياه، و تقول: اللّهمّ من تهيّأ و تعبّأ و أعدّ و استعدّ لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده و جائزته و نوافله و فواضله، فإليك يا سيّدي تهيئتي و تعبئتي و إعدادي و استعدادي رجاء رفدك و نوافلك و جائزتك، فلا تخيّب اليوم رجائي، يا من لا يخيب عليه سائل، و لا ينقصه نائل، فإنّي لم آتك اليوم بعمل صالح قدّمته، و لا شفاعة مخلوق رجوته، و لكنّي أتيتك مقرّا بالظلم و الإساءة على نفسي، فإنّه لا حجّة لي و لا عذر، فأسألك يا من هو كذلك أن تصلّي على محمّد و آل محمّد، و أن تعطيني مسألتي، و تقيلني عثرتي، و تقلبني برغبتي، و لا تردّني مجبوها ممنوعا، و لا خائبا، يا عظيم يا عظيم يا عظيم، أرجوك العظيم، أسألك يا عظيم أن تغفر لي

الذنب العظيم، لا إله إلّا أنت».

قال: «و لا تدخلها بحذاء، و لا تبزق فيها، و لا تمخط فيها، و لم يدخلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلّا يوم فتح مكّة» «2».

______________________________

(1) آل عمران: 97.

(2) الكافي 4: 528- 3، التهذيب 5: 276- 945، الوسائل 13: 275 أبواب مقدمات الطواف ب 36 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 87

و في صحيحة الأعرج: «فإذا دخلته فادخله على سكينة و وقار، ثمَّ ائت كلّ زاوية من زواياه، ثمَّ قل: [اللهمّ ] إنّك قلت وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً، فآمنّي من عذاب يوم القيامة، و صلّ بين العمودين اللذين يليان الباب على الرخامة الحمراء، و إن كثر الناس فاستقبل كلّ زاوية من مقامك حيث صلّيت، و ادع اللّه و سله» «1».

و في صحيحة ابن أبي العلاء: قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام و ذكرت الصلاة في الكعبة، قال: «بين العمودين، تقوم على البلاطة الحمراء [1]، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلّى عليها، ثمَّ أقبل على أركان البيت فكبّر على كلّ ركن منه» «2».

و في الأخرى لابن عمّار: رأيت العبد الصالح عليه السّلام دخل الكعبة فصلّى ركعتين على الرخامة الحمراء، ثمَّ قال فاستقبل الحائط بين الركن اليماني و الغربي، فرفع يده عليه و لزق به و دعا، ثمَّ تحوّل إلى الركن اليماني فلصق به و دعا، ثمَّ أتى الركن الغربي، ثمَّ خرج «3».

و صحيحة إسماعيل بن همام: «دخل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الكعبة فصلّى في زواياها الأربع، صلّى في كلّ زاوية ركعتين» «4».

______________________________

[1] البلاطة الحمراء: هي حجر تسمّى حجر السماق، ولد عليها علي بن أبي طالب عليه السّلام في بيت اللّه الحرام،

و قد كانت في وسط البيت ثمَّ غيّرت و جعلت في ضلع البيت عند الباب- مجمع البحرين 4: 240.

______________________________

(1) الكافي 4: 529- 6، التهذيب 5: 277- 947، الوسائل 13: 278 أبواب مقدمات الطواف ب 36 ح 6. و ما بين المعقوفين من المصادر.

(2) الكافي 4: 528- 4، الوسائل 13: 276 أبواب مقدمات الطواف ب 36 ح 3.

(3) الكافي 4: 529- 5، التهذيب 5: 278- 951، الوسائل 13: 277 أبواب مقدمات الطواف ب 36 ح 4.

(4) الكافي 4: 529- 8، التهذيب 5: 278- 949، الوسائل 13: 276 أبواب مقدمات الطواف ب 36 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 88

و موثّقة يونس بن يعقوب: إذا دخلت الكعبة كيف أصنع؟ قال: «خذ بحلقتي الباب إذا دخلت، ثمَّ أمض حتى تأتي العمودين، فصلّ على الرخامة الحمراء، ثمَّ إذا خرجت من البيت فنزلت من الدرجة فصل عن يمينك ركعتين» «1».

و في الثالثة لابن عمّار: في دعاء الولد، قال: «أفض عليك دلوا من ماء زمزم ثمَّ ادخل البيت، فإذا قمت على باب البيت فخذ بحلقة الباب، ثمَّ قل:

اللهمّ إنّ البيت بيتك، و العبد عبدك و قد قلت وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً، فآمنّي من عذابك و أجرني من سخطك، ثمَّ ادخل البيت فصلّ على الرخامة الحمراء ركعتين، ثمَّ قم إلى الأسطوانة التي بإزاء الحجر و ألصق بها صدرك، ثمَّ قل: يا واحد يا ماجد يا قريب يا بعيد يا عزيز يا حكيم، لا تذرني فردا و أنت خير الوارثين، هب لي من لدنك ذرّية طيّبة إنّك سميع الدعاء، ثمَّ در بالأسطوانة فألصق بها ظهرك و بطنك، و تدعو بهذا الدعاء، فإن يرد اللّه شيئا كان» «2».

و الظاهر من الأخيرة

أنّ ما تضمّنته من الدعاء و الآداب لمن أراد الولد، و لكن لا بأس بالتعميم.

و يستفاد من صحيحة الأعرج: كفاية استقبال كلّ زاوية في مقامه الذي صلّى فيه و الدعاء و المسألة إذا منع كثرة الناس.

و من موثّقة يونس: استحباب صلاة ركعتين عن يمين المصلّي إذا

______________________________

(1) الكافي 4: 530- 10، التهذيب 5: 278- 950، الوسائل 13: 282 أبواب مقدمات الطواف ب 40 ح 2.

(2) الكافي 4: 530- 11، التهذيب 5: 278- 952، الوسائل 13: 277 أبواب مقدمات الطواف ب 36 ح 5، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 89

خرج و نزل من الدرجة.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة ابن سنان، قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام- و هو خارج من الكعبة- و هو يقول: «اللّه أكبر اللّه أكبر»، حتى قالها ثلاثا، ثمَّ قال: «اللهمّ لا تجهد بلاءنا، ربّنا و لا تشمت بنا أعداءنا، فإنّك أنت الضارّ النافع»، ثمَّ هبط فصلّى إلى جانب الدرجة، جعل الدرجة عن يساره مستقبل الكعبة ليس بينها و بينه أحد، ثمَّ خرج إلى منزله «1».

و يستحبّ أيضا أن يسجد في البيت و يدعو و هو ساجد بالدعاء المأثور في رواية ذريح، أوله: «لا يردّ غضبك إلّا حلمك» إلى آخر الدعاء «2».

المسألة الرابعة: و يستحبّ أيضا أن يطوف بالبيت طواف الوداع،
اشاره

بالإجماع، و عن بعض العامّة وجوبه «3».

و في رواية عليّ: في رجل لم يودّع البيت، قال: «لا بأس به إن كانت به علّة أو كان ناسيا» «4».

و إثبات البأس في المفهوم محمول على شدّة التأكّد، للإجماع.

و هذا الطواف أيضا- كغيره- سبعة أشواط، و له صلاته، و ينبغي أن يعتمد في كيفيّته ما في صحيحة ابن عمّار، قال: «إذا أردت أن تخرج من مكّة فتأتي أهلك فودّع البيت و

طف بالبيت أسبوعا، و إن استطعت أن تستلم الحجر الأسود و الركن اليماني في كلّ شوط فافعل، و إلّا فافتح به و اختم به،

______________________________

(1) الكافي 4: 529- 7، التهذيب 5: 279- 956، قرب الإسناد: 4- 10، الوسائل 13:

282 أبواب مقدمات الطواف ب 40 ح 1.

(2) التهذيب 5: 276- 946، الوسائل 13: 279 أبواب مقدمات الطواف ب 37 ح 1.

(3) انظر المغني و الشرح الكبير 3: 490.

(4) التهذيب 5: 282- 960، الوسائل 14: 291 أبواب العود إلى منى ب 19 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 90

فإن لم تستطع ذلك فموسّع عليك، ثمَّ تأتي المستجار فتصنع عنده كما صنعت يوم قدمت مكّة، و تخيّر لنفسك من الدعاء، ثمَّ استلم الحجر الأسود، ثمَّ ألصق بطنك بالبيت، تضع يدك على الحجر و الأخرى على الباب، و احمد اللّه و أثن عليه و صلّ على النبيّ و آله، ثمَّ قل: اللهم صلّ على محمّد عبدك و رسولك و نبيّك و أمينك و حبيبك و نجيبك و خيرتك من خلقك، اللّهم كما بلّغ رسالاتك و جاهد في سبيلك و صدع بأمرك و أوذي في جنبك و عبدك حتى أتاه اليقين، اللّهم اقلبني مفلحا منجحا مستجابا بأفضل ما يرجع به أحد من وفدك من المغفرة و البركة و الرحمة و الرضوان و العافية، اللهم إن أمتّني فاغفر لي، و إن أحييتني فارزقنيه من قابل، اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك، اللهم إنّي عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك، حملتني على دوابّك، و سيّرتني في بلادك حتى أقدمتني حرمك و أمنك، و قد كان في حسن ظنّي بك أن تغفر لي ذنوبي، فإن كنت غفرت لي ذنوبي فازدد

عنّي رضا، و قرّبني إليك زلفى، و لا تباعدني، و إن كنت لم تغفر لي فمن الآن فاغفر لي قبل أن تنأى عن بيتك داري، فهذا أوان انصرافي إن كنت قد أذنت لي، غير راغب عنك و لا عن بيتك، و لا مستبدل بك و لا به، اللهم احفظني من بين يديّ و من خلفي و عن يميني و عن شمالي حتى تبلغني أهلي، فإذا بلغتني أهلي فاكفني مئونة عبادك و عيالي، فإنّك وليّ ذلك من خلقك و منّي، ثمَّ ائت زمزم و اشرب من مائها، ثمَّ اخرج و قل: آئبون تائبون عابدون، لربّنا حامدون، إلى ربّنا منقلبون راغبون، إلى اللّه راجعون إن شاء اللّه»، و قال: إنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام لمّا ودّعها و أراد أن يخرج من المسجد الحرام

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 91

خرّ ساجدا عند باب المسجد طويلا، ثمَّ قام و خرج «1».

أقول: و تستفاد منها و من سائر أخبار الباب أمور:
الأول: استحباب استلام الحجر الأسود و الركن اليماني

في كلّ شوط، و إن لم يتمكّن ففي الافتتاح و الاختتام.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة عليّ بن مهزيار: رأيت أبا جعفر الثاني عليه السّلام في سنة خمس عشرة و مائتين ودّع البيت بعد ارتفاع الشمس، فطاف بالبيت يستلم الركن اليماني في كلّ شوط، فإذا كان في الشوط السابع استلمه، و استلم الحجر و مسح بيده، ثمَّ مسح وجهه بيده، ثمَّ أتى المقام فصلّى خلفه ركعتين، ثمَّ خرج إلى دبر الكعبة إلى الملتزم، فالتزم البيت و كشف الثوب عن بطنه، ثمَّ وقف عليه طويلا يدعو، ثمَّ خرج من باب الحنّاطين و توجّه.

قال: فرأيته سنة سبع عشرة و مائتين ودّع البيت ليلا يستلم الركن اليماني و الحجر الأسود في كلّ شوط، فلمّا كان في الشوط السابع التزم البيت

في دبر الكعبة قريبا من الركن اليماني و فوق الحجر المستطيل، و كشف الثوب عن بطنه، ثمَّ أتى الحجر الأسود فقبّله و مسحه، و خرج إلى المقام فصلّى خلفه، و مضى و لم يعد إلى البيت، و كان وقوفه على الملتزم بقدر ما طاف به بعض أصحابنا سبعة أشواط و بعضهم ثمانية [1].

______________________________

[1] الكافي 4: 532- 3 و فيه: رأيت أبا جعفر الثاني عليه السّلام في سنة خمس و عشرين و مائتين ودّع البيت بعد ارتفاع ..، و في الوسائل 14: 289 أبواب العود إلى منى ب 18 ح 3: عن الحسن بن علي الكوفي، و فيه: فرأيته في سنة تسع عشرة و مائتين ودّع البيت ليلا ..

______________________________

(1) الكافي 4: 530- 1، التهذيب 5: 280- 957، الوسائل 14: 287 أبواب العود إلى منى ب 18 ح 1، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 92

و ذكر جماعة: أنّه يستحبّ استلام الأركان كلّها «1». و لا بأس به.

الثاني: استحباب إتيان المستجار و التزامه

و إلصاق البطن عليه باسطا يديه و الدعاء فيه.

و تدلّ عليه الصحيحة الأخيرة أيضا، و المستفاد منها تخيّره في كون ذلك في الشوط السابع أو بعد إتمام الصلاة و طوافه.

الثالث: إلصاق البطن بالبيت بعد الطواف بين الحجر و الباب،

واضعا إحدى يديه على الحجر و الأخرى على الباب، داعيا بما مرّ من الدعاء.

الرابع: الشرب من ماء زمزم بعد الطواف.

و تدلّ عليه أيضا رواية أبي إسماعيل: جعلت فداك، فمن أين أودّع البيت؟ قال: «تأتي المستجار بين الحجر و الباب فتودّعه من ثمَّ، ثمَّ تخرج فتشرب من زمزم، ثمَّ تمضي»، قلت: أصبّ على رأسي؟ قال: «لا تقرب الصبّ» «2».

الخامس: الدعاء عند الخروج من المسجد الحرام

بقوله: «آئبون» إلى آخره.

السادس: السجود عند باب المسجد عند إرادة الخروج.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة الخراساني: رأيت أبا الحسن عليه السّلام ودّع البيت، فلمّا أراد أن يخرج من باب المسجد خرّ ساجدا، ثمَّ قام فاستقبل القبلة، فقال: «اللّهم إنّي أنقلب على ألّا إله إلّا أنت» «3».

______________________________

(1) منهم الطوسي في النهاية: 236، الشهيد الثاني في الروضة 2: 328، صاحب الرياض 1: 430.

(2) الكافي 4: 532- 4، الوسائل 14: 290 أبواب العود إلى منى ب 18 ح 5.

(3) الكافي 4: 531- 2، التهذيب 5: 281- 958، العيون 2: 17- 43، الوسائل 14:

288 أبواب العود إلى منى ب 18 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 93

و قيل: و لتكن السجدة مستقبل القبلة «1».

و لا بأس به، بل هو أولى.

السابع: الدعاء- بعد القيام من السجدة مستقبلا-

بما في هذه الصحيحة الأخيرة.

الثامن: أن يخرج من باب الحنّاطين،

ذكره جماعة من الأصحاب «2».

و لعلّ مستندهم الصحيحة الثانية، و في دلالتها نظر، لعدم معلوميّة كون خروج الإمام من باب العبادة، و لكن لا بأس به، لفتوى الأصحاب.

قال في الدروس: هذا الباب بإزاء الركن الشامي «3».

و زاد فيه بعضهم: على التقريب «4».

و قال المحقّق الثاني: و لم أجد أحدا يعرف موضع هذا الباب، فإنّ المسجد قد زيد فيه، فينبغي أن يتحرّى الخارج محاذاة الركن الشامي ثمَّ يخرج «5».

و قال والدي العلّامة- طاب ثراه- في المناسك المكّية: و هو الباب الذي يسمّى الآن بباب الدربيّة يحاذي الركن الشامي، و هو أول باب يفتح في جنب باب السلام من جهة يمين من يدخل المسجد. انتهى.

و غرضه- قدس سرّه- أنّ ذلك الباب يمرّ بموضع باب الحنّاطين، و إلّا فالمسجد قد وسّع الآن.

______________________________

(1) كما في كشف اللثام 1: 382، الرياض 1: 430.

(2) كما في السرائر 1: 616، الدروس 1: 469، المسالك 1: 127، كشف اللثام 1:

382، الرياض 1: 430.

(3) الدروس 1: 469.

(4) انظر كشف اللثام 1: 382، الرياض 1: 430.

(5) جامع المقاصد 3: 272.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 94

المسألة الخامسة: يستحبّ عند إرادة الخروج من مكّة اشتراء درهم تمرا،

و التصدّق به كفّارة لما لعلّه فعله في الإحرام، أو الحرم.

تدلّ عليه- مع فتوى الأصحاب- صحيحة حفص و ابن عمّار «1»، و الأخرى للأخير «2»، و رواية أبي بصير «3».

المسألة السادسة: يستحبّ لمن أراد الخروج من مكّة أن يعزم على العود إليها،

و أن يسأل اللّه سبحانه التوفيق للرجوع، و أن لا يجعل ذلك آخر العهد منه، اللهم ارزقنا العود إلى بيتك المحرّم بمنّك و كرمك.

ففي رواية ابن سنان: «من رجع من مكّة و هو ينوي الحجّ من قابل زيد في عمره» «4».

و في رواية إسحاق: إنّي قد وطّنت نفسي على لزوم الحجّ كلّ عام بنفسي أو برجل من أهل بيتي بمالي، فقال: «و قد عزمت على ذلك؟» قال:

قلت: نعم، قال: «إن فعلت فأيقن بكثرة المال»، أو قال: «فأبشر بكثرة المال» «5».

و في حسنة الأحمسي: «من خرج من مكّة و هو لا يريد العود إليها فقد اقترب أجله و دنا عذابه» «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 533- 1، التهذيب 5: 282- 963، الوسائل 14: 292 أبواب العود إلى منى ب 20 ح 2.

(2) الفقيه 2: 290- 1430، الوسائل 14: 292 أبواب العود إلى منى ب 20 ح 1.

(3) الكافي 4: 533- 2، الوسائل 14: 292 أبواب العود إلى منى ب 20 ح 3.

(4) الكافي 4: 281- 3، الوسائل 11: 150 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 57 ح 1.

(5) الكافي 4: 253- 5، الفقيه 2: 140- 608، ثواب الأعمال: 47، الوسائل 11:

133 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 46 ح 1، بتفاوت.

(6) الكافي 4: 270- 1، الوسائل 11: 151 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 57 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 95

المسألة السابعة: و من المستحبّات أن يصلّي جميع صلواته ما دام بمكّة في المسجد الحرام،

فإنّ فضله ممّا لا يحيط به الكلام، حتى ورد أنّ صلاة ركعة فيه تقابل مائة ألف ركعة في غيره «1».

و لوقوع الزيادة في المسجد بعد عصر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الحجج عليهم السّلام فينبغي أن يصلّي قريب الكعبة بحيث يقطع وقوع

الصلاة في المسجد الحرام.

قال والدي العلّامة- قدس سرّه- في المناسك المكّية ما ترجمته: إنّ القدر المحقّق كونه من المسجد الحرام في عهد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله هو القدر المدوّر الذي أحاطت به الأسطوانات التي من الحديد، المنصوبة حول الكعبة، و تعلّق عليها القناديل في الليالي، و هي ثلاث و ثلاثون أسطوانة، إحدى و ثلاثون منها من الحديد، و اثنتان منها من المرمر.

ثمَّ قال: و الظاهر أنّ المربّع المستطيل- المفروش بالحجر، المشتمل على ملتزم و طاق بني شيبة و مقام إبراهيم و المنبرين اللذين أحدهما من الخشب و الآخر من المرمر- داخل في المسجد و إن كان خارجا من المدوّر المذكور.

المسألة الثامنة: و ممّا عدّه بعضهم من المستحبّات: إتيان بعض المواضع المتبركة بمكّة،

كمولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و منزل خديجة، و زيارة قبر خديجة، و الغار الذي بجبل حراء، الذي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ابتداء الوحي يتعبّد به، و الغار الذي بجبل ثور، استتر فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن المشركين «2».

______________________________

(1) الوسائل 5: 270 أبواب أحكام المساجد ب 52 و فيها: أن الصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة.

(2) انظر الدروس 1: 468، و الذخيرة: 695.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 96

و لمّا بذل والدي العلّامة- شكر اللّه مساعيه الجميلة- جهده الشريف في تحقيق تلك الأماكن بمكّة و بيانها فنذكر هنا ترجمة ما ذكره في ذلك المقام في المناسك المكّية، قال- طيّب اللّه مضجعه-:

الحطيم: قدر من حائط البيت ما بين حجر الأسود و باب الكعبة.

و المعجن: موضع قريب من حائط البيت، منحطّ من الأرض.

و مصلّى الرسول صلّى اللّه عليه و آله: ما بين الحجر الأسود و الركن اليماني، قريب من حائط البيت، يتّصل

موضع سجوده بشاذروان، و على موضع السجدة حجر مدوّر من يشم [1]، و على موضع اليدين أيضا علامة.

و مصلّى إبراهيم: ما بين الركن و المعجن، لكنّه إلى المعجن أقرب، و نصب على فوقه في شاذروان حجر أبيض مرمر، نقش عليه بعض الآيات القرآنيّة.

ثمَّ قال- قدس سرّه-: و في مكّة أماكن شريفة أخرى في إتيانها فضل كامل:

منها: دار خديجة، التي هي دار الوحي و مولد سيدة نساء العالمين، و هي في سوق الصبّاغين، الذي هو قرب سوق الصفا و المروة، واقعة في يمين من يمشي من الصفا إلى المروة، و لها قبّة معروفة، و يتّصلها مسجد، يستحبّ إتيانها، و صلاة التحيّة فيها، و طلب الحوائج و المسألة.

و منها: مولد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و هو في سوق الليل، و له قبّة معروفة، و أصل موضع التولّد شبيه بجوف ترس، و عليه منارة من الخشب، يستحبّ إتيانه، و صلاة التحيّة فيه، و طلب الحاجة.

و منها: قبر خديجة، و هو في مقابر معلاة، قريب بانتهاء المقابر في

______________________________

[1] يشم و يرادفها يشب، يشف، فارسية معرّبة: حجر يشبه العقيق أو الزبرجد، ذو ألوان مختلفة، كالأبيض و الرمادي و الأخضر الداكنين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 97

سفح الجبل، و له قبّة معروفة، أصل القبّة بيضاء و حيطانها صفراء، و تستحبّ زيارتها.

و كذا زيارة آمنة أمّ الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و قبرها قريب من قبر خديجة في فوقه بقليل، من يمين من يصعد من مكّة إلى الجبل.

و زيارة أبي طالب عليه السّلام والد أمير المؤمنين عليه السّلام، و عبد المطّلب جدّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و قبرهما فوق قبر خديجة و آمنة، و يدور

عليهما حائط ليس بينه و بين الجبل إلّا حظيرة اشتهر أنّه مدفن بعض الصوفيّة، الذي يعتقده أهل السنّة.

و للحظيرة- التي دفن فيها أبو طالب و عبد المطّلب- باب من يمين من يصعد من جانب قبر خديجة إلى الجبل.

و في الجانب المقابل للباب من هذه الحظيرة حظيرة اخرى أرفع من تلك الحظيرة، و في قبلته محراب، و في مقابل الباب قبر أبي طالب و عبد المطّلب.

و هنا قبر آخر متّصل بالحائط في يمين الباب، بعضهم يقولون: أنّه قبر عبد مناف، و لكنّه لم يعلم. انتهى كلامه رفع مقامه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 99

الباب الثاني في تفصيل أفعال حجّ الإفراد، و حجّ القرآن، و العمرة المفردة، و شرائطها، و أحكامها، من حيث إنّها هي.
اشاره

و فيه فصلان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 101

الفصل الأوّل في بيان ما يتعلّق بقسمي الحجّ
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: حجّ الإفراد و القران فرض أهل مكّة و من في حكمهم

- كما مرّ- بالإجماع، و الأخبار المستفيضة جدّا «1»، المتقدّم كثير منها.

المسألة الثانية: لا يجوز لهم العدول إلى التمتّع في حجّة الإسلام

اختيارا على الحقّ المشهور، للأصل، حيث لم يقع التوقيف به، و الأخبار المعيّنة لهم غير التمتّع.

و عن الشيخ قول بالجواز في المبسوط و الخلاف، و حكي عن الجامع أيضا «2».

لوجوه ضعيفة، أجودها صحيحة البجلي و عبد الرحمن: عن رجل من أهل مكّة خرج إلى بعض الأمصار، ثمَّ رجع فمرّ ببعض المواقيت التي وقّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، إله أن يتمتّع؟ فقال: «ما أزعم أنّ ذلك ليس له، و الإهلال بالحجّ أحبّ إليّ» «3».

و الروايات الواردة في أنّ للمفرد بعد دخول مكّة و الطواف و السعي

______________________________

(1) الوسائل 11: 258 أبواب أقسام الحج ب 6.

(2) المبسوط 1 ب: 306، الخلاف 2: 261، الجامع للشرائع: 179.

(3) التهذيب 5: 33- 100، الاستبصار 2: 158- 518، الوسائل 11: 262 أبواب أقسام الحج ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 102

العدول إلى المتعة.

و يردّان أولا: بعدم نصوصيّتهما في الفريضة، بل للتطوّع محتملان، سيّما الاولى، لبعد بقاء المكّي بلا حجّة الإسلام- إلى أن يخرج من مكّة و يرجع إليها- عادة.

و ليس في قوله: «و الإهلال بالحجّ أحبّ» قرينة على إرادة الواجب بناء على أفضليّة التمتّع في التطوّع مطلقا، إجماعا على ما قيل «1»- لاحتماله إرادة إظهار الحجّ تقيّة [1]، كما في الصحيح: «ينوي العمرة و يهلّ بالحجّ» «2».

و ثانيا: بأخصيّتهما عن المدّعى، لورود الاولى فيمن خرج إلى بعض الأمصار ثمَّ رجع فمرّ ببعض المواقيت، و قد أفتى بمضمونها في موردها خاصّة جماعة، كالشيخ في التهذيب و الاستبصار و النهاية و المبسوط و المحقّق في المعتبر و الفاضل في التحرير و المنتهى و التذكرة «3».

و

الثانية: فيمن أحرم بالإفراد و دخل مكّة و طاف و سعى مفردا، و لذا جعلوا موردها مسألة على حدة كما يأتي.

و ثالثا: بمعارضتهما مع أخبار عدم شرعيّة التمتّع للمكّي، و أخصّية الثانية، لاختصاصها بالفرض و أعمّيتهما عنه، فيجب التخصيص. و لو لوحظ

______________________________

[1] في «ح»: لاحتمال إرادة الحج تقية ..

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 353.

(2) التهذيب 5: 80- 264 و فيه: «ينوي المتعة و يحرم بالحج». و في الاستبصار 2:

168- 554، و الوسائل 13: 351 أبواب الإحرام ب 22 ح 1: «ينوي العمرة و يحرم بالحج».

(3) التهذيب 5: 33، الاستبصار 2: 158، النهاية: 206، المبسوط 1: 313، المعتبر 2: 798، التحرير 1: 93، المنتهى 2: 664، التذكرة 1: 319.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 103

اختصاصهما بالموردين لكان التعارض بالعموم من وجه، و الترجيح لأخبار المنع، لموافقة الكتاب و الشهرة و الأكثريّة عددا و الأصرحيّة دلالة.

قيل: مع أنّه على تقدير التساوي يرجع إلى الأصل، و مقتضاه وجوب تحصيل البراءة اليقينيّة، و لا تحصل إلّا بغير المتعة «1».

و فيه: أنّه يصحّ على قول من يقول بالتساقط بعد التعارض، و على المختار- من الرجوع إلى التخيير فيما لم يدلّ دليل على انتفائه- فلا يصحّ ذلك، بل يرجع إلى جواز العدول.

المسألة الثالثة: هل يجوز العدول اضطرارا،

كخوف الحيض المتأخّر عن النفر مع عدم إمكان تأخير العمرة إلى أن تطهر، و خوف عدوّ بعده، و فوت الصحبة كذلك؟

المعروف من مذهب الأصحاب- كما قيل «2»-: نعم، و في الذخيرة:

لا أعلم فيه خلافا بين الأصحاب «3». و في المدارك: أنّه مذهب الأصحاب «4» و هو مشعر بالاتّفاق، بل حكي عن بعضهم التصريح به «5».

قيل «6»: للعمومات، و فحوى ما دلّ على جواز العدول من التمتّع- مع أفضليّته-

إليهما مع الضرورة [1].

و يردّ الأول: بمنع عموم يدلّ عليه، و إن أريد ما أشير إليه من أخبار

______________________________

[1] بمعنى: أن العدول من التمتّع إلى الإفراد و القران إذا كان جائزا مع الضرورة فبالأولى أن يكون العدول منهما إليه جائزا، لأفضليّته.

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 353.

(2) انظر الرياض 1: 353.

(3) الذخيرة: 551.

(4) المدارك 7: 189.

(5) كما في الرياض 1: 353.

(6) المدارك 7: 189.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 104

العدول بعد دخول مكّة- كما قيل «1»- ففيه:

أولا: أنّها غير المورد كما مرّ.

و ثانيا: أنّها تفرّق بين المفرد و القارن، و الأصحاب لا يفرّقون بينهما في المضطرّ.

و ثالثا: أنّ مع التسليم تعارض عمومات المنع بالعموم المطلق، فيجب التخصيص بالمتطوّع، فإذن المنع حينئذ أيضا أولى، كما حكي عن ظاهر التبيان و الاقتصاد و الغنية و السرائر «2».

و على هذا، فوظيفة المضطرّ إمّا تقديم العمرة المفردة- كما احتمله بعضهم «3»، أو تأخير الحجّ إلى القابل.

المسألة الرابعة: تشترط فيهما النيّة- كما مرّ في المتعة- و وقوعهما في أشهر الحجّ،

بالإجماعين «4»، و عمومات الكتاب «5» و السنّة، و خصوص بعض الصحاح «6». و أن يعقد إحرامهما من الميقات، كما يأتي.

المسألة الخامسة: القارن كالمفرد على الأصحّ الأشهر إلّا بسياق الهدي.

للأخبار المستفيضة من الصحاح و غيرها «7».

______________________________

(1) الرياض 1: 353.

(2) التبيان 2: 159، الاقتصاد: 298، الغنية (الجوامع الفقهية): 573، السرائر 1:

520.

(3) كما في كشف اللثام 1: 278، الرياض 1: 353.

(4) كما في المعتبر 2: 786، و حكاه في المدارك 7: 191، الرياض 1: 353.

(5) البقرة: 97.

(6) التهذيب 5: 445- 1550، الوسائل 11: 271 أبواب أقسام الحج ب 11 ح 1.

(7) الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحج ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 105

و قيل: إنّه كالمتمتّع إلّا بسياق الهدي و عدم التحلّل عن العمرة في الأثناء «1»، لأخبار غير واضحة الدلالة.

المسألة السادسة: يستحبّ للقارن الإشعار و التقليد

لما يسوقه من البدن، بلا خلاف فيه يوجد.

له، و للأخبار المستفيضة الآمرة بهما «2»، المحمولة على الاستحباب، للأصل، و الإجماع، و الصحيح: في رجل ساق هديا و لم يقلّده و لم يشعره، قال له: «أجزأ عنه، ما أكثر ما لا يقلّد و لا يشعر و لا يحلّل» «3».

قالوا: و يستحبّ أن يكون ذلك بعد التلبية.

و لا نصّ عليه بخصوصه، كما صرّح به جماعة «4»، و لكن إطلاق الأوامر بهما و فتوى الأصحاب كاف في ذلك، لما يتحمّل من التسامح.

و المراد من الإشعار- كما ذكره الأصحاب-: أن يشقّ سنام البعير من الجانب الأيمن، و يلطّخ صفحته بدم إشعاره.

و المذكور في الأخبار إنّما هو الشقّ بالطريق المذكور «5»، و أمّا تلطّخ الصفحة فذكره الأصحاب، و لعلّه كاف في إثباته.

هذا إذا كانت معه بدنة واحدة.

و أمّا إذا كانت بدن كثيرة، فإنّه يدخل بينها و يشعرها يمينا و شمالا، أي هذه في يمينها و هذه في شمالها، من غير أن يرتّبها ترتيبا يوجب الإشعار

______________________________

(1) حكاه في التذكرة 1: 318، الحدائق 14: 372.

(2) الوسائل 11: 275 أبواب

أقسام الحج ب 12.

(3) الفقيه 2: 209- 953، الوسائل 11: 277 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 10.

(4) انظر كشف اللثام 1: 281، المدارك 7: 195، الرياض 1: 354.

(5) الوسائل 11: 275 أبواب أقسام الحج ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 106

في اليمين، و المستند فيه صحيحة حريز «1» و غيرها «2».

و المراد من التقليد: أن يعلّق في رقبة المسوق نعلا صلّى فيه السائق نفسه، كما صرّح به في المستفيضة «3».

ثمَّ استحباب الإشعار و التقليد إنّما هو للبدن، و أمّا البقر و الغنم فلا إشعار فيهما، بل يختصّان بالتقليد، كما صرّح به في صحيحة زرارة «4».

المسألة السابعة: يجوز للمفرد و القارن تقديم طوافه و سعيه على الوقوفين،

كما مرّ بيانه في بحث مناسك مكّة بعد الرجوع من منى، و إذا فعل أحدهما ذلك يجدّد التلبية عند كلّ طواف عقيب صلاته، على الحقّ المشهور، لصحيحتي البجلي «5» و ابن عمّار «6».

و هل يحلّان بالطواف لو لا التلبية، فالتلبية للبقاء على الإحرام؟ فيه أوجه:

الأول: حصول التحلّل بالطواف للمفرد و القارن، حكي عن المبسوط و النهاية و الخلاف، و هو مختار الشهيدين في اللمعتين و المسالك و المحقّق الثاني «7»، و نفى عنه البأس في التنقيح «8».

______________________________

(1) التهذيب 5: 43- 128، الوسائل 11: 279 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 19.

(2) انظر الوسائل 11: 275 أبواب أقسام الحج ب 12.

(3) انظر الوسائل 11: 275 أبواب أقسام الحج ب 12.

(4) الفقيه 2: 209- 952، الوسائل 11: 277 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 9.

(5) الكافي 4: 300- 5، التهذيب 5: 45- 137، الوسائل 11: 285 أبواب أقسام الحج ب 16 ح 1.

(6) الكافي 4: 298- 1، التهذيب 5: 44- 131، الوسائل 11: 286 أبواب أقسام الحج ب 16

ح 2.

(7) المبسوط 1: 309، النهاية: 208، و حكاه عن الخلاف في الإيضاح 1: 262، الروضة 2: 214، المسالك 1: 124، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 115.

(8) التنقيح 1: 441.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 107

للصحيحتين المتقدّمتين، و موثّقة زرارة «1»، و المرويّ في العلل، و فيه:

«المحرم إذا طاف بالبيت أحلّ إلّا لعلّة» «2».

الثاني: حصوله للمفرد خاصّة دون القارن، حكي عن الشيخ في التهذيب «3»، و استظهره في الذخيرة «4»، و قوّاه بعض مشايخنا المعاصرين «5».

للأخبار المصرّحة بأنّ السائق لا يحلّ ما لم يبلغ الهدي محلّه «6»، و خصوص صحيحتي زرارة «7» و ابن عمّار «8»، و مرسلة يونس بن يعقوب «9»، و موثّقة زرارة «10».

و الثالث: عكس الثاني، حكي في التنقيح عن المفيد و السيّد «11»، و لكن كلامهما لا يدلّ عليه، و مستنده غير واضح كما صرّح به غير واحد «12».

و الرابع: عدم حصول الإحلال مطلقا إلّا بالنيّة، و إن كان الأولى تجديد

______________________________

(1) الكافي 4: 299- 2، التهذيب 5: 44- 132، الوسائل 11: 255 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 5.

(2) العلل: 274- 9، الوسائل 11: 232 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 27.

(3) التهذيب 5: 27.

(4) الذخيرة: 550.

(5) الرياض 1: 355.

(6) الوسائل 11: 254 أبواب أقسام الحج ب 5.

(7) الفقيه 2: 203- 928، الوسائل 11: 256 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 7.

(8) الكافي 4: 298- 1، الوسائل 11: 255 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 4.

(9) الكافي 4: 399- 3، التهذيب 5: 44- 133، الوسائل 11: 256 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 6.

(10) الفقيه 2: 203- 927، الوسائل 11: 255 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 5.

(11) التنقيح

1: 441.

(12) انظر الحدائق 14: 384، الرياض 1: 355.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 13    108     المسألة السابعة: يجوز للمفرد و القارن تقديم طوافه و سعيه على الوقوفين، ..... ص : 106

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 108

التلبية، حكي عن الحلّي و الفاضل و ولده «1».

للأصل. و هو مدفوع بما مرّ.

و ما دلّ على عدم إحلال القارن ما لم يبلغ الهدي محلّه. و هو أخصّ من المدّعي.

و لبعض الاجتهادات المردودة في مقابل النصّ.

فضعف هذا القول ظاهر، و كذا سابقة، لما مرّ.

و القول الأول و إن دلّت عليه المستفيضة إلّا أنّ دلالة غير صحيحة ابن عمّار منها على القارن بالعموم، اللازم تخصيصه بما مرّ.

و أمّا الصحيحة و إن تضمّنت القارن خصوصا، إلّا أنّها ليست صريحة في القارن بالمعنى المتنازع فيه، لاحتماله القارن بين الحجّ و العمرة في النيّة، كما عبّر به عنه في صحيحة زرارة المشار إليها، و لو سلّم فلا يكافئ ما تقدّم دليلا للثاني، لأكثريّته و أصرحيّته، و لو سلّم التساوي فالمرجع استصحاب الإحرام.

فالأظهر هو القول الثاني.

و على هذا، فهل يلبّي القارن أيضا تعبّدا، أم لا؟

الظاهر: الأول، كما هو ظاهر كلام السيّد و المفيد و الحلبي و القاضي في القارن «2»، حيث حكموا بتجديد التلبية على القارن دون المفرد من غير تصريح بالتحلّل، و من أجله نسب في التنقيح إلى الأولين القول الثالث «3».

______________________________

(1) الحلي في السرائر 1: 524، الفاضل في المختلف: 262، و ولده في الإيضاح 1:

262.

(2) السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 64، المفيد في المقنعة: 391، الحلبي في الكافي في الفقه: 208، القاضي في المهذّب 1: 210.

(3) التنقيح الرائع 1: 441.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 13، ص: 109

و هل هو واجب على المفرد، و القارن، كما هو ظاهر أرباب القول الأول؟

أم مستحبّ فيهما، كما هو صريح أرباب القول الرابع؟

أو لازم في القارن دون المفرد، كما نقلناه عن السيّد و المفيد و الحلبي و القاضي؟

الأظهر: الاستحباب، لقصور ما دلّ عليه من إثبات الوجوب، إمّا لأجل تضمّنه عموما لا يمكن حمله على الوجوب في الجميع، أو لمقام الجملة الخبريّة.

إلّا في المفرد، الذي يجب عليه الإفراد و يتعيّن، فتلزم عليه التلبية، لئلّا يبطل حجّه الأفرادي.

المسألة الثامنة: صرّح الأصحاب بجواز عدول المفرد بعد الإحرام و دخول مكّة إلى المتعة،

فيجعل إحرامه عمرة، بلا خلاف يوجد كما صرّح به جماعة «1»، بل بالإجماع كما عن الخلاف و المعتبر و المنتهى «2»، و ظاهر جمع آخر «3».

للمستفيضة المصرّحة به «4»، و فيها الصحاح و غيرها.

و للأخبار المتظافرة بأمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أصحابه بالعدول، و خصّه جماعة من متأخّري المتأخّرين بما إذا لم يكن الإفراد عليه متعيّنا «5».

______________________________

(1) كصاحب الحدائق 14: 399، صاحب الرياض 1: 355.

(2) الخلاف 2: 261، المنتهى 2: 662، المعتبر 2: 797.

(3) التنقيح الرائع 1: 442، المدارك 7: 203، كشف اللثام 1: 283.

(4) الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحج ب 2.

(5) كما في كشف اللثام 1: 283، الحدائق 14: 404، المفاتيح 1: 309، الرياض 1: 356.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 110

إمّا لعدم عموم في الأخبار المجوّزة بحيث يشمل من تعيّن عليه.

أو لتعارضها مع أخبار الإفراد على المكّي بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل، و هو استصحاب وجوب الإفراد عليه.

أقول: أمّا منع العموم فغير صحيح كما صرّح به جماعة «1»، و يظهر للمتأمّل في الأخبار.

و أمّا الرجوع إلى الأصل بعد التعارض فمبنيّ على قول من يقول بالتساقط عند التعارض، و هو خلاف

التحقيق، بل يرجع إلى التخيير، و مقتضاه جواز العدول مطلقا، إلّا أنّ موافقة الكتاب- التي هي من المرجّحات المنصوصة- ترجّح الأول، فالحقّ: عدم الجواز في صورة التعيّن.

المسألة التاسعة: قد مرّ في بحث المواقيت: إنّ المكّي إذا بعد عن أهله و مرّ على بعض مواقيت الآفاق يحرم منه.

و هل يجوز له التمتّع حينئذ، أو يحرم للنوع الذي هو فرض المكّي؟

فالأكثر إلى الجواز، لصحيحة البجلي و عبد الرحمن بن أعين «2»، و بعض أخبار أخر.

و يمكن حملها على المندوب، بل هو الظاهر من بعضها، و لولاه أيضا لتعارض في الواجب مع الأخبار «3» المعيّنة لغير التمتّع على المكّي بالعموم و الخصوص من وجه، و الترجيح لأخبار المنع عن التمتّع، لموافقة الكتاب

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 102، السيوري في التنقيح 1: 443.

(2) التهذيب 5: 33- 100، الاستبصار 2: 158- 518، الوسائل 11: 262 أبواب أقسام الحج ب 7 ح 1.

(3) الوسائل 11: 262 أبواب أقسام الحج ب 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 111

كما مرّ.

المسألة العاشرة: المجاور بمكّة لا يخرج بمجرّد المجاورة عن فرضه

المستقرّ عليه قبلها مطلقا قطعا، ما لم يقم مدّة توجب انتقال الفريضة إلى غيرها، بل إذا أراد حجّة الإسلام يحرم للتمتّع وجوبا إجماعا نصّا و فتوى؛ للاستصحاب و الأخبار.

و اختلفوا في ميقاته، فقال في المقنعة و الكافي و الخلاف و الجامع و المعتبر و النافع و المنتهى و التحرير و التذكرة و موضع من النهاية: إنّه يحرم من ميقات أهله «1»، أي الميقات الذي كان يمرّ إليه إذا جاء من بلده.

للاستصحاب.

و العمومات الواردة في المواقيت «2».

و خبر سماعة: عن المجاور إله أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ؟ قال:

«نعم، يخرج إلى مهلّ أرضه فيلبّي إن شاء» «3».

و الأخبار الواردة في ناسي الإحرام أو جاهلة أنّه يرجع إلى ميقات أهل أرضه «4»، فإنّه لا تعقل خصوصيته للناسي و الجاهل.

و قال جماعة- منهم: المقنع و المبسوط و ظاهر الشرائع و الإرشاد و القواعد و النهاية و الدروس و المسالك و الروضة كما حكي-: بأنّه يحرم من

______________________________

(1) المقنعة: 396، الكافي: 202،

الخلاف 2: 285، الجامع: 179، المعتبر 2:

341، النافع: 81، المنتهى 2: 671، التحرير 1: 93، التذكرة 1: 321، النهاية:

211.

(2) الوسائل 11: 337 أبواب المواقيت ب 19.

(3) الكافي 4: 302- 7، التهذيب 5: 59- 188، الوسائل 11: 337 أبواب المواقيت ب 19 ح 1.

(4) انظر الوسائل 11: 328 أبواب المواقيت ب 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 112

أيّ ميقات كان «1».

لعدم تعيين الحجّ عليه من طريق، و جواز الإحرام من كلّ ميقات إذا مرّ عليه، و لإطلاق مرسلة حريز: «من دخل مكّة بحجّة عن غيره ثمَّ أقام سنة فهو مكّي، فإذا أراد أن يحجّ عن نفسه أو أراد أن يعتمر بعد ما انصرف عن عرفة فليس له أن يحرم بمكّة، و لكن يخرج إلى الوقت» «2».

و عن الحلبي: أنّه يحرم من أدنى الحلّ «3»، و مال إليه في المدارك «4».

لصحيحة الحلبي، و فيها: «و حكم القاطنين بمكّة إذا قاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكّة، فإذا قاموا شهرا فإنّ لهم أن يتمتّعوا»، قلت: من أين؟ قال: «يخرجون من الحرم» «5».

و قريبة منها صحيحة حمّاد «6»، و بعض الأخبار «7» المتضمّنة لإحرام المجاور من الجعرانة [1] و الحديبية [2] و التنعيم [3].

______________________________

[1] الجعرانة: موضع بين مكّة و الطائف على سبعة أميال من مكّة .. مجمع البحرين 3: 247.

[2] الحديبية: و هي بئر بقرب مكّة على طريق جدّة دون مرحلة، ثمَّ أطلق على الموضع- مجمع البحرين 2: 36.

[3] التنعيم: موضع قريب من مكّة، و هو أقرب إلى أطراف الحلّ إلى مكّة، و يقال بينه و بين مكّة أربعة أميال، و يعرف بمسجد عائشة- مجمع البحرين 6: 179.

______________________________

(1) المقنع: 69، المبسوط 1: 313، الشرائع 1: 241،

الإرشاد 1: 309، القواعد 1:

79، النهاية: 211، الدروس 1: 342، المسالك 1: 104، الروضة 2: 226.

(2) الكافي 4: 302- 8، التهذيب 5: 60- 189، الوسائل 11: 269 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 9.

(3) الكافي في الفقه: 202.

(4) المدارك 7: 207.

(5) التهذيب 5: 35- 103، الوسائل 11: 266 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 3، بتفاوت.

(6) الكافي 4: 300- 4، الوسائل 11: 268 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 7.

(7) الوسائل 11: 265 أبواب أقسام الحج ب 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 113

و يرد على دليل الأول: ضعف الاستصحاب، لأنّ المسلّم وجوب إحرامه هناك حين المرور لا مطلقا.

و منع شمول العمومات للمورد، لأنّ المتبادر منها من يمرّ على الميقات، و لذا يجوز لأهل كلّ أرض الإحرام عن ميقات آخر بالعدول عن الطريق.

و ضعف الخبر عن الدلالة على الوجوب.

و قيل: لمكان قوله: «إن شاء» أيضا «1».

و فيه: أنّ الظاهر أنّ متعلّق المشيّة التمتّع بالعمرة دون الخروج إلى مهلّ أرضه.

و كون التعدّي من الناسي و الجاهل قياسا، و عدم تعقّل الخصوصيّة غير مفيد، بل اللازم تعقّل عدم الخصوصيّة.

و على دليل الثاني: أنّ جواز الإحرام بعد المرور غير المفروض، و لفظ: «الوقت» في المرسل مجمل، لاحتمال عهديّة اللام.

و على دليل الثالث: أنّه شاذّ، مع أنّ خارج الحرم فيه مطلق يحتمل التقييد بأحد الأولين.

و أمّا أخبار الجعرانة و نحوها فمحمولة على العمرة المفردة، كما وردت به المستفيضة.

مع معارضتها مع الموثّق في المجاور، و فيه: «فإن هو أحبّ أن يتمتّع في أشهر الحجّ بالعمرة إلى الحجّ فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق [1]

______________________________

[1] ذات عرق: مهلّ أهل العراق، و هو الحدّ بين نجد و تهامة- معجم البلدان 4:

107.

______________________________

(1) الرياض 1: 356.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 114

و يجاوز عسفان [1]، فيدخل متمتّعا بالعمرة إلى الحجّ، فإن أحبّ أن يفرد بالحجّ فليخرج إلى الجعرانة فيلبّي منها» «1».

و إذا ظهر ضعف الكلّ نقول: قد ثبت من الجميع- بل الإجماع- وجوب الخروج من الحرم، فهو لازم، و الأصل و إن كانت البراءة عن الزائد، إلّا أنّ شذوذ القول بأدنى الحلّ و إطلاق دليله بالنسبة إلى ما تقدّم يأبى عن المصير إلية بالجرأة، فالأولى و الأحوط الإحرام من أحد المواقيت، و الأولى منه من ميقات أرضه، لحصول البراءة به قطعا.

هذا مع الإمكان، و أمّا مع التعذّر فيحرم من أدنى الحلّ على المشهور، بل المقطوع به في كلام الأصحاب كما قيل «2»، بل ادّعى بعضهم الاتّفاق عليه «3»، و دليله واضح ممّا مرّ، فإنّه لا شذوذ حينئذ حتى ترفع اليد عن دليله.

و لو تعذّر في أدنى الحلّ أحرم من مكّة بلا خلاف فيه، و يدلّ عليه ما دلّ على ثبوت الحكم في غير ما نحن فيه.

المسألة الحادية عشرة: المجاور بمكّة إذا أقام بها ثلاث سنين ينتقل فرضه إلى القران أو الإفراد

إجماعا.

و هل يختصّ بذلك، كما عن الإسكافي و النهاية و المبسوط و الحلّي «4»؟

______________________________

[1] عسفان: موضع بين مكّة و المدينة .. بينه و بين مكّة مرحلتان- مجمع البحرين 5: 100.

______________________________

(1) الفقيه 2: 274- 1335، الوسائل 11: 270 أبواب أقسام الحج ب 10 ح 2، و فيهما: أو يجاوز عسفان.

(2) المدارك 7: 206.

(3) و هو في الرياض 1: 361.

(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 261، النهاية: 206، المبسوط 1: 308، الحلي في السرائر 1: 522.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 115

أو لا، بل ينتقل بإقامة سنتين كاملتين أيضا، كما عن الشيخ في كتابي الأخبار و الفاضلين و الشهيدين «1»، و

غيرهما «2»، بل في المسالك «3» و غيره «4»: أنّه المشهور بين الأصحاب، و ربّما نسب إلى من عدا الشيخ من علمائنا؟

الحقّ: هو الثاني، لصحيحتي زرارة و عمر بن يزيد:

الاولى: «من أقام بمكّة سنتين فهو من أهل مكّة لا متعة له» «5».

و الثانية: «المجاور بمكّة يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ إلى سنتين، فإذا جاوز سنتين كان قاطنا، و ليس له أن يتمتّع» «6».

و بهما يندفع الاستصحاب، الذي هو دليل الأولين.

و هل يختصّ بذلك، أو ينتقل بالأدون أيضا كالسنة، كما في صحيحة الحلبي المتقدّمة في المسألة السابقة، و صحيحة ابن سنان «7»، و صحيحة محمّد «8»؟

أو ستّة أشهر، كصحيحة البختري «9»؟

______________________________

(1) الشيخ في التهذيب 5: 34، و الاستبصار 2: 159، المحقق في الشرائع 1: 240، العلامة في القواعد 1: 73، الشهيد في الدروس 1: 331، الشهيد الثاني في الروضة 2: 217.

(2) كما في الرياض 1: 357.

(3) المسالك 1: 102.

(4) كالمختلف: 261.

(5) التهذيب 5: 34- 101، الاستبصار 2: 159- 519، الوسائل 11: 265 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 1.

(6) التهذيب 5: 34- 102، الوسائل 11: 266 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 2.

(7) الكافي 4: 301- 6، الوسائل 11: 269 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 8.

(8) التهذيب 5: 476- 1680، الوسائل 11: 265 أبواب أقسام الحج ب 8 ح 4.

(9) التهذيب 5: 476- 1679، الوسائل 11: 264 أبواب أقسام الحج ب 8 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 116

أو خمسة أشهر، كمرسلة حسين «1» و غيره، و مال إليها بعض المتأخّرين «2»؟

و خيّر بعضهم بين الفرضين في الأدون من السنة، و هو حسن، بل هو ليس من باب الجمع أو التأويل، بل التأمّل في

الأخبار الأخيرة لا يثبت منها سوى الجواز، الذي هو معنى التخيير، و لكن شذوذ تلك الأخبار يمنع من العمل بها، و مع ذلك فالاحتياط في التمتّع في الأدون، لجوازه على القولين، و موافقته للاستصحاب.

و مقتضى إطلاق النصّ و الفتوى عدم الفرق في الإقامة الموجبة لانتقال الفرض بين كونها بنيّة الدوام أو المفارقة، كما صرّح به جماعة «3».

و قيّده بعضهم بنيّة المفارقة، لصدق كونه من أهل مكّة بمجرّد الإقامة بنيّة الدوام «4».

و فيه: أنّه على هذا يحصل التعارض بين هذه الأخبار و أخبار فرض أهل مكّة بالعموم من وجه، و لا وجه لتقديم الأخير، بل يحصل الخدش حينئذ في السنتين [1] أيضا، فينعكس الأمر فيه لو لا نيّة الدوام، و تعارض أخبار السنتين مع أخبار فرض النائي، كذا قيل «5».

إلّا أنّ الأصل في الأدون من السنتين و الإجماع المركّب في السنتين- حيث إنّه لا قائل فيه بالفرق بين نيّة الدوام و عدمه- يرجّحان

______________________________

[1] في «ق» فيما بعد السنتين ..

______________________________

(1) التهذيب 5: 476- 1682، الوسائل 11: 265 أبواب أقسام الحج ب 8 ح 5.

(2) كالعلامة في المنتهى 2: 644، و المختلف: 261.

(3) كالشهيد في المسالك 1: 103، صاحب الرياض 1: 357.

(4) انظر الرياض 1: 357.

(5) انظر الرياض 1: 357.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 117

مقتضى الإطلاق الذي ذكرناه، فعليه الفتوى.

و لو انعكس الفرض، فأقام المكّي في الآفاق لم ينتقل فرضه مطلقا ما لم يخرج عن المكّية بنيّة الدوام، للأصل و حرمة القياس.

المسألة الثانية عشرة: ذو المنزلين يعتبر في تعيين الفرض أغلبهما إقامة،

فيتعيّن عليه فرضه، بلا خلاف يوجد، لصحيحة زرارة «1».

و لو تساويا يتخيّر بين الفرضين، بلا خلاف كذلك أيضا، لعدم سقوط الحجّ عنه، و لا وجوب المتعدّد إجماعا، و بطلان الترجيح بلا مرجّح.

و ذكر جماعة

فيه: أنّه يجب تقييده بما لم يقم بمكّة سنتين متواليتين، فإنّه ينتقل حينئذ فرضه إلى فرض أهل مكّة و إن كانت إقامته في غيرها أكثر، لما مرّ من أنّ اقامة السنتين في غيرها لا توجب الانتقال، و إقامة السنتين توجب الانتقال «2».

و ذلك من باب الإطلاق، فإنّ الصحيحتين المتضمّنتين لمجاوزة السنتين تعمّ القسمين، و لا تختصّ بمجاوزة النائي حتى يحتاج إلى التمسّك بالأولويّة، كما فعله بعض مشايخنا المعاصرين، فيرد عليه: منع الأولويّة، كما نقله عن بعض معاصريه، و قال: لا أعرف له وجها «3». فإنّ إثبات الأولويّة يحتاج إلى وجه.

ثمَّ أقول: هذا حسن في صورة التساوي، فلو كان له منزلان متساويان في الإقامة و أقام بمكّة سنتين ينتقل فرضه، لما مرّ من غير معارض.

______________________________

(1) التهذيب 5: 34- 101، الاستبصار 2: 159- 519، الوسائل 11: 265 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 1.

(2) منهم صاحب المدارك 7: 211، السبزواري في الذخيرة: 555، صاحب كشف اللثام 1: 284، صاحب الرياض 1: 357.

(3) انظر الرياض 1: 357.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 118

و أمّا في صورة غلبة الإقامة بغير مكّة فلا، لتعارض صحيحة زرارة- المتضمنة لحكم الغالب- معه، بل الظاهر منها رجوع الضمير المجرور فيها إلى من أقام بمكّة سنتين، و على هذا فيكون ما يبيّن حكم الغالب أخصّ و يجب تقديمه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 119

الفصل الثاني فيما يتعلّق بالعمرة
اشاره

و قد مرّ ما يتعلّق بأقسامها بحسب الوجوب و الندب في الباب الثالث من المقصد الأول، و محلّ إحرامها في المقصد الثاني.

و المقصود هنا بيان ما يتعلّق بأفعالها و أحكامها، و قد عرفت أنّها على قسمين: المتمتّع بها، و المفردة.

و أفعال الاولى خمسة: الإحرام، و الطواف، و ركعتاه،

و السعي، و التقصير.

و أفعال الثانية سبعة، بزيادة طواف النساء، و ركعتيه، و يتخيّر فيها بين التقصير و الحلق.

و نحن نذكر ما يتعلّق بها في هذا المقام في طيّ مسائل:

المسألة الأولى: صورتها:

أن يحرم من الميقات الذي يسوغ الإحرام منه- كما مرّ في بحثه- ثمَّ يدخل مكّة فيطوف و يصلّي ركعتيه، و يسعى بين الصفا و المروة، ثمَّ يقصّر إن كان متمتّعا و تمّت، و يقصّر أو يحلق، و يطوف النساء و يصلّي ركعتيه إن كان مفردا.

و كيفيّة هذه الأفعال من الإحرام و الطوافين و ركعتيهما و السعي و التقصير و الحلق بعينها هي ما مرّ، فلا حاجة إلى الإعادة.

المسألة الثانية: عمرة التمتّع فرض من ليس من حاضري المسجد الحرام،

و لا تصحّ إلّا في أشهر الحجّ، و تسقط المفردة معها، و يلزم فيها

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 120

التقصير، و لا يجوز حلق الرأس، و لا يجب فيها طواف النساء كما مرّ، كلّ هذه الأحكام في مواضعها.

و المفردة فرض حاضري المسجد الحرام و من بحكمه من الذين يعدلون إلى الإفراد، بلا خلاف فيه بين الأصحاب، كما في المدارك «1».

و يمكن أن يستدلّ له بعموم صحيحة الحلبي: «دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة، لأنّ اللّه تعالى يقول فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ «2» فليس لأحد إلّا أن يتمتّع» الحديث «3»، خرج منه ما خرج فيبقى الباقي.

و تظهر الثمرة في مثل الأجير للحجّ عن البلاد النائية- بناء على ما اخترناه من عدم ارتباط العمرة المفردة بالحجّ- فلا تجب على ذلك الأجير العمرة المفردة لنفسه و إن كان مستطيعا لها، و يجب فيها طواف النساء كما مرّ في بحثه.

المسألة الثالثة: تصحّ العمرة المفردة في جميع أيّام السنة،

بلا خلاف فيه يعرف، كما عن المنتهى «4»، و تدلّ عليه المستفيضة من الأخبار:

كصحيحة البجلي: «في كلّ شهر عمرة» «5»، و نحوها موثّقة يونس «6».

______________________________

(1) المدارك 8: 462.

(2) البقرة: 196.

(3) التهذيب 5: 25- 75، الاستبصار 2: 150- 493، و في العلل: 411- 1 بتفاوت يسير، الوسائل 11: 240 أبواب أقسام الحج ب 3 ح 2.

(4) المنتهى 2: 877.

(5) الكافي 4: 534- 2، الوسائل 14: 307 أبواب العمرة ب 6 ح 1.

(6) الكافي 4: 534- 1، التهذيب 5: 434- 1507، الوسائل 14: 307 أبواب العمرة ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 121

و في رواية عليّ بن أبي حمزة: «لكلّ شهر عمرة»، قلت: يكون أقلّ؟ قال: «لكلّ عشرة أيّام عمرة»

«1».

و موثّقة إسحاق: «السنة اثنا عشر شهرا، يعتمر لكلّ شهر عمرة» «2».

إلى غير ذلك «3».

و أفضل أيّام السنة لها شهر رجب، بلا خلاف فيه كما قيل «4»، و تدلّ عليه المستفيضة من الصحاح و غيرها:

ففي صحيحة زرارة: «فأفضل العمرة عمرة رجب» «5».

و في صحيحة ابن عمّار: «و أفضل العمرة عمرة رجب» «6».

و في أخرى: أيّ العمرة أفضل: عمرة في رجب أو عمرة في شهر رمضان؟ فقال: «لا، عمرة في رجب أفضل» «7».

و أمّا رواية عليّ بن حديد: الخروج في شهر رمضان أفضل أو أقيم حتى ينقضي الشهر و أتمّ صومي؟ فكتب إليّ كتابا قرأته بخطّه: «سألت يرحمك اللّه عن أيّ العمرة أفضل، عمرة شهر رمضان أفضل، يرحمك اللّه» «8».

فالمراد أفضليّتها عن الإقامة و الصوم كما يدلّ عليه صدرها.

______________________________

(1) الفقيه 2: 278- 1363، الوسائل 14: 309 أبواب العمرة ب 6 ح 9، بتفاوت يسير.

(2) الفقيه 2: 278- 1362، الوسائل 14: 309 أبواب العمرة ب 6 ح 8.

(3) الوسائل 14: 307 أبواب العمرة ب 6.

(4) المنتهى 2: 877.

(5) التهذيب 5: 433- 1502، الوسائل 14: 301 أبواب العمرة ب 3 ح 2.

(6) الكافي 4: 536- 6، الوسائل 14: 303 أبواب العمرة ب 3 ح 13.

(7) الفقيه 2: 276- 1347، الوسائل 14: 301 أبواب العمرة ب 3 ح 3.

(8) الكافي 4: 536- 2، الوسائل 14: 304 أبواب العمرة ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 122

و تحقّق العمرة فيه بالإحرام فيه و إن أكملها في غيره، و بالإكمال فيه و إن أهلّها في غيره.

لصحيحة ابن سنان: «إذا أحرمت و عليك من رجب يوم و ليلة فعمرتك رجبيّة» «1».

و رواية عيسى الفرّاء: «إذا أهلّ بالعمرة في رجب

و أحلّ في غيره كانت عمرته لرجب، و إذا أهلّ في غير رجب و طاف في رجب فعمرته لرجب» «2».

المسألة الرابعة: يتخيّر في العمرة المفردة بين الحلق و التقصير،

بلا خلاف كما قيل «3»، و الحلق أفضل.

و تدلّ على التخيير صحيحة ابن سنان: في الرجل يجي ء معتمرا عمرة مبتولة، قال: «يجزئه إذا طاف بالبيت و سعي بين الصفا و المروة و حلق أن يطوف طوافا واحدا بالبيت، و من شاء أن يقصّر قصّر» «4».

و صحيحة ابن عمّار: «المعتمر عمرة مفردة إذا فرغ من طواف الفريضة و صلاة الركعتين خلف المقام و السعي بين الصفا و المروة حلق أو قصّر» «5».

و على أفضليّة الحلق ما في هذه الصحيحة أيضا: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال في العمرة المبتولة: اللهمّ اغفر للمحلّقين، فقيل: يا رسول اللّه و للمقصّرين، فقال: اللهمّ أغفر للمحلّقين، فقيل: يا رسول اللّه

______________________________

(1) الفقيه 2: 276- 1349، الوسائل 14: 301 أبواب العمرة ب 3 ح 4.

(2) الكافي 4: 536- 3، الوسائل 14: 302 أبواب العمرة ب 3 ح 11.

(3) في القواعد 1: 92، التحرير 1: 129.

(4) الكافي 4: 538- 6، الوسائل 14: 316 أبواب العمرة ب 9 ح 1.

(5) التهذيب 5: 438- 1523، الوسائل 13: 511 أبواب التقصير ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 123

و للمقصّرين، فقال: و للمقصّرين».

و حسنة سالم بن الفضيل [1]: دخلنا بعمرة فنقصّر أو نحلق؟ فقال:

«احلق، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ترحّم على المحلّقين ثلاث مرّات، و على المقصّرين مرّة» «1».

المسألة الخامسة: من أحرم بالعمرة المفردة في أشهر الحجّ

و دخل مكّة جاز أن ينوي بها عمرة التمتّع و يحجّ بعدها، و يلزمه دم الهدي حينئذ، لصحيحة عمر بن يزيد «2»، بل مقتضى الصحيحة جواز إيقاع حجّ التمتّع بعدها و إن لم ينو بها التمتّع.

و على هذا، فلا حاجة إلى تقييد العمرة المفردة بما إذا لم تكن

متعيّنة بنذر و شبهه، كما فعله بعضهم.

______________________________

[1] في النسخ: سالم بن الفضل، و في الوسائل: سالم أبو الفضل، و الظاهر ما أثبتناه.

______________________________

(1) الفقيه 2: 276- 1346، الوسائل 14: 225 أبواب الحلق و التقصير ب 7 ح 13.

(2) التهذيب 5: 435- 1513، الوسائل 14: 312 أبواب العمرة ب 7 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 125

المقصد الخامس في الصدّ و الإحصار

اشاره

و فيه مقدّمة و مقامان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 127

المقدّمة

اعلم أنّ المراد بالمحصور هنا: من منعه المرض خاصّة عن إتمام أفعال الحجّ بعد التلبّس به، و بالمصدود: من منعه العدو و ما في معناه خاصّة، بلا خلاف عندنا في ذلك كما قيل «1»، و عن ظاهر المنتهى: أنّه اتّفاقيّ بين الأصحاب «2»، و في المسالك: أنّه الذي استقرّ عليه رأي أصحابنا و وردت به نصوصهم «3»، بل قيل بتصريح جماعة بالإجماع منّا على ذلك مستفيضا «4».

و تدلّ عليه أيضا من الأخبار صحيحة ابن عمّار: «المحصور غير المصدود، و المحصور: المريض، و المصدود: الذي يردّه المشركون كما ردّوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الصحابة ليس من مرض، و المصدود تحلّ له النساء، و المحصور لا تحلّ له النساء» «5».

و صحيحته الأخرى المرويّة في الكافي، و فيها- بعد ذكر أنّ الحسين عليه السّلام مرض في الطريق-: قلت: فما بال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين رجع من الحديبية حلّت له النساء و لم يطف بالبيت؟ قال: «ليسا سواء، كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله

______________________________

(1) الرياض 1: 438.

(2) المنتهى 2: 846.

(3) المسالك 1: 128.

(4) انظر الرياض 1: 438.

(5) الكافي 4: 369- 3، الفقيه 2: 304- 1512، التهذيب 5: 423- 1467، المقنع: 77، معاني الأخبار: 222- 1، الوسائل 13: 177 أبواب الإحصار و الصدّ ب 1 ح 1، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 128

مصدودا و الحسين عليه السّلام محصورا» «1».

و في صحيحة البزنطي: أخبرني عن المحصور و المصدود هما سواء؟ فقال: «لا» «2»، و يستفاد تغايرهما من أخبار أخر أيضا «3».

و قال في المسالك: إنّه مطابق للّغة أيضا،

و استشهد له بما نقله الجوهري عن ابن السكّيت أنّه قال: أحصره المرض: إذا منعه من السفر أو من حاجة يريدها «4».

و نقله عنه الفيّومي أيضا و عن ثعلب، و عن الفّراء: أنّ هذا هو كلام العرب، و عليه أهل اللغة «5».

و قيل- بعد نقل ما مرّ عن المسالك-: و لكن المحكيّ عن أكثر اللغويين اتّحاد الحصر و الصدّ، و أنّهما بمعنى المنع من عدو كان أو مرض «6».

أقول: في كلام المسالك و بعض آخر نوع خلط في النقل عن أهل اللغة، فإنّ أكثر اللغويين- كابن السكّيت و ثعلب و الفرّاء و الأخفش و الشيباني و الفيّومي و الجوهري و الفيروزآبادي و ابن الأثير و صاحب المغرب «7»،

______________________________

(1) الكافي 4: 369- 3، الوسائل 13: 178 أبواب الإحصار و الصدّ ب 1 ح 3، و فيه: .. حين رجع إلى المدينة .. ليس هذا مثل هذا ..

(2) الكافي 4: 369- 2، التهذيب 5: 464- 1622، الوسائل 13: 179 أبواب الإحصار و الصدّ ب 1 ح 4.

(3) الوسائل 13: 177 أبواب الإحصار و الصدّ ب 1.

(4) المسالك 1: 128، و هو في الصحاح 2: 632.

(5) المصباح المنير: 138.

(6) انظر الرياض 1: 438.

(7) حكاه ابن السكّيت و الأخفش في الصحاح 2: 632، و عن ثعلب و الفرّاء و الشيباني في المصباح المنير: 138، الفيومي في المصباح المنير: 138، الجوهري في الصحاح 2: 632، الفيروزآبادي في القاموس المحيط 2: 10، ابن الأثير في النهاية 1: 395.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 129

و غيرهم «1»- على أنّ الإحصار هو: الحبس للمرض، و نقله في تفسير العالم عن أهل العراق، و عن كلام العرب.

و أنّ الحصر هو: الحبس للعدو، و

صرّح بهذه التفرقة أبو عبيدة و الكسائي و صاحبا المجمع و الكشّاف «2».

فالصدّ هو المرادف للحصر عند أكثر اللغويين دون الإحصار.

و كيف كان، فلا فائدة في نقل كلام أهل اللغة، إذ لا ريب في المغايرة بين الصدّ و بين الحصر، و أنّ المعنى ما ذكره أصحابنا، للنصّ الصحيح من أهل العصمة سلام اللّه عليهم.

و تظهر الفائدة فيما يترتّب على اللفظين من الأحكام، فإنّهما و إن اشتركا في ثبوت أصل التحلّل بهما في الجملة، و لكنّهما يفترقان في بعض الأحكام من عموم التحلّل و عدمه، و مكان ذبح هدي التحلّل، و غير ذلك.

و لو اجتمع الإحصار و الصدّ على المكلّف- بأن يمرض و يصدّه العدو- يتخيّر في أخذ حكم ما شاء منهما، و أخذ الأخفّ (من أحكامهم) [1]، لصدق الوصفين الموجب للأخذ بالحكم، سواء عرضا دفعة أو متعاقبين، وفاقا لجماعة «3»، و سيأتي تحقيقه.

______________________________

[1] بدل ما بين القوسين في «س»: منهما.

______________________________

(1) كابن منظور في لسان العرب 4: 195.

(2) حكاه عن أبي عبيدة في لسان العرب 4: 195، مجمع البيان 1: 289، الكشاف 1: 240.

(3) كالشهيد في الدروس 1: 483، الشهيد الثاني في الروضة 2: 367.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 130

المقام الأول في أحكام المصدود
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: إذا تلبّس المكلّف بإحرام الحجّ أو العمرة وجب عليه الإكمال،

إجماعا فتوى و دليلا، كتابا و سنّة، قال اللّه سبحانه وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ «1».

و متى صدّ بعد إحرامه- و لم يكن له طريق سوى ما صدّ عنه، أو كان له طريق و لم يمكن له المسير منه، إمّا لقصور نفقته عنه، أو عدم الرفقة، أو غير ذلك- فيحلّ حيث صدّ عن كلّ شي ء حرم عليه بالإحرام، بلا خلاف يعرف، كما في الذخيرة «2»، بل بالإجماع، كما عن التذكرة «3».

و تدلّ عليه صحيحتا ابن عمّار المتقدّمتان «4».

و في ثالثة: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين صدّه المشركون يوم الحديبية نحر و أحلّ و رجع إلى المدينة» «5».

و موثّقة زرارة: «المصدود يذبح حيث صدّ، و يرجع صاحبه و يأتي

______________________________

(1) البقرة: 196.

(2) الذخيرة: 700.

(3) التذكرة 1: 395.

(4) في ص: 127.

(5) الفقيه 2: 306- 1517، و في التهذيب 5: 424- 1472، و الوسائل 13: 191 أبواب الإحصار و الصدّ ب 9 ح 5: نحر بدنة و رجع إلى المدينة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 131

النساء» الحديث «1».

و رواية حمران: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين صدّ بالحديبيّة قصّر و أحلّ و نحر، ثمَّ انصرف منها، و لم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك، فأمّا المحصور فإنّما يكون عليه التقصير» «2».

و المرسلة، و فيها: «و المصدود بالعدو ينحر هديه الذي ساقه مكانه، و يقصّر من شعر رأسه و يحلّ، و ليس عليه اجتناب النساء، سواء كانت حجّته فريضة أو سنّة» «3».

و في الرضويّ: «و إن صدّ رجل عن الحجّ و قد أحرم فعليه الحجّ من قابل، و لا بأس بمواقعة النساء، لأنّ هذا مصدود و ليس كالمحصور»

«4».

و هل يتوقّف التحلّل على ذبح الهدي أو نحره فلا يقع التحلّل إلّا به، أو يحصل التحلّل بدونه؟

الأول: مذهب الأكثر، كما في المدارك و الذخيرة «5» و غيرهما «6».

للآية الشريفة «7».

و لفعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يوم الحديبية.

و لموثّقة زرارة السابقة، و مرسلة الفقيه: «المحصور و المضطرّ ينحران

______________________________

(1) الكافي 4: 371- 9، الوسائل 13: 180 أبواب الإحصار و الصدّ ب 1 ح 5.

(2) الكافي 4: 368- 1، الوسائل 13: 186 أبواب الإحصار و الصدّ ب 6 ح 1.

(3) المقنعة: 446، الوسائل 13: 180 أبواب الإحصار و الصدّ ب 1 ح 6.

(4) فقه الرضا عليه السّلام: 229، مستدرك الوسائل 9: 309 أبواب الإحصار و الصدّ ب 1 ح 3.

(5) المدارك 8: 289، الذخيرة: 700.

(6) انظر المفاتيح 1: 286، الرياض 1: 438.

(7) البقرة: 196.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 132

بدنتهما في المكان الذي يضطرّان فيه» «1».

و لاستصحاب حكم الإحرام.

و الثاني: مذهب الحلّي «2».

لأصل البراءة، و ضعف ما مرّ من الأدلّة، لورود الآية في المحصور، و قد عرفت إطباق اللغويين على اختصاص الإحصار بالحصر بالمرض.

و قول جماعة من المفسّرين بنزول الآية في حصر الحديبية «3» لا يثبت شمولها للصدّ أيضا، و قوله سبحانه فَإِذا أَمِنْتُمْ في ذيل الآية لا يخصّصها به أيضا، لتحقّق الأمن في المريض أيضا، مع أنّها لو دلّت على حكم المصدود أيضا عموما أو خصوصا لم تفد، لعدم صراحتها في الوجوب.

و عدم دلالة فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على الوجوب أولا، و عدم توقّف التحليل عليه ثانيا، سيّما مع ذكر نحره بعد الحلّ في بعض الأخبار المتقدّمة.

و منهما يظهر ضعف دلالة الأخبار المذكورة أيضا.

و معارضة الاستصحاب بمثله من استصحاب حال

العقل، فيبقى الأصل بلا معارض، بل يؤيّده إطلاق صحيحة ابن عمّار الاولى و الرضويّ.

و لذا تردّد في المدارك و الذخيرة في المسألة «4»، و هو في محلّه جدّا.

بل قول الحلّي في غاية المتانة و الجودة.

و لم يكتف جماعة من المشترطين للهدي به خاصّة، فاشترطوا نيّة

______________________________

(1) الفقيه 2: 305- 1513، الوسائل 13: 187 أبواب الإحصار و الصدّ ب 6 ح 3.

(2) السرائر 1: 641.

(3) منهم النيشابوري في حواشي تفسير الطبري 2: 242، الفخر الرازي في تفسيره الكبير 5: 161، أبو السعود في تفسيره 1: 207.

(4) المدارك 8: 289، الذخيرة: 700.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 133

التحلّل بالذبح أو النحر أيضا، لوجوه ضعيفة غايتها.

فالحقّ: عدم الحاجة إليها و إن قلنا باشتراط الهدي.

و جواز بقائه على إحرامه- و إن ذبح إذا لم ينو التحلّل- لا يفيد، لاشتراط نيّة التحلّل في الهدي، بل له أن ينويه قبله أو بعده أيضا.

ثمَّ ممّا ذكرنا ظهر: أنّه كما لا يتوقّف التحليل على الهدي لا دليل على وجوبه أيضا، كما هو مذهب الحلّي.

نعم، يستحبّ، للأخبار المذكورة.

خلافا للمشهور، بل عن الغنية و المنتهى: إجماعنا عليه «1»، لما مرّ من أدلّة اشتراطه للتحلّل بجوابها.

و الاحتياط في الهدي و التحلّل بعده.

و عليه، فهل يتعيّن مكان الصدّ لذبحه، أو يجوز له البعث كالمحصور؟

فيه قولان، للأول: الأخبار المذكورة.

و للثاني: قصورها عن إفادة الوجوب، سيّما مع احتمال ورودها مورد توهّم وجوب البعث، و هو الأقوى.

و هل يتوقّف التحلّل على التقصير، كما عن المقنعة و المراسم «2»؟

أو الحلق، كما عن الغنية و الكافي «3»؟

أو أحدهما مخيّرا بينهما، كما عن الشهيدين «4»؟

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 583، المنتهى 2: 486.

(2) المقنعة: 446، المراسم: 118.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 583، الكافي: 218.

(4) الدروس

1: 479، الروضة 2: 368، المسالك 1: 129.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 134

أو لا يتوقّف على شي ء منهما، كما عن الشيخ «1»، بل نسب إلى الأكثر «2»، و هو ظاهر الشرائع و النافع «3»؟

الحقّ هو: الأخير، للأصل، و إطلاق أكثر الأخبار المتقدّمة.

و للأول: رواية حمران و المرسلة المتقدّمتين.

و ثبوت التقصير أصالة.

و لم يظهر أنّ الصدّ أسقطه، فالإحرام يستصحب إليه.

و في الروايتين ما مرّ من عدم دلالتهما على الوجوب، ثمَّ على التوقّف.

و في الأخير منع ثبوته أصالة، و إنّما هو في محلّ خاصّ قد فات بالصدّ جزما.

و الاستصحاب معارض بما مرّ، مع أنّه إنّما يكون في مقام الشكّ، و لا شكّ هنا بعد إطلاق الأدلّة من الكتاب و السنّة بجواز الإحلال بالصدّ من غير اشتراط التقصير.

و للثاني: رواية عامّية متضمّنة لحلق النبيّ صلّى اللّه عليه و آله «4».

و موثّقة الفضل الواردة في رجل أخذه سلطان، و فيها: «هذا مصدود من الحجّ، إن كان دخل مكّة متمتّعا بالعمرة إلى الحجّ فليطف بالبيت أسبوعا، و ليسع أسبوعا، و يحلق رأسه، و يذبح شاة» «5».

و فيه: منع الدلالة على الوجوب أولا، و المعارضة مع ما مرّ ثانيا.

______________________________

(1) في النهاية: 282.

(2) الرياض 1: 439.

(3) الشرائع 1: 280، و النافع: 100.

(4) انظر المغني لابن قدامة 3: 380.

(5) الكافي 4: 371- 8، التهذيب 5: 465- 1623، الوسائل 13: 183 أبواب الإحصار و الصدّ ب 3 ح 2، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 135

و للثالث: الجمع بين الأخبار. و جوابه ظاهر.

المسألة الثانية: هل يجوز الإحلال بالصدّ مطلقا

و لو مع رجاء زوال المانع بل ظنّه، أم لا؟

قيل: ظاهر إطلاق النص و الفتوى: الأول «1»، بل قيل: هو ظاهر الأصحاب، حيث صرّحوا بجوازه مع ظنّ انكشاف

العدو قبل الفوات «2».

و نسبه في الذخيرة إلى المعروف من مذهب الأصحاب «3».

و يظهر من الشهيد الثاني: الثاني، و أنّ التحلّل إنّما يسوغ إذا لم يرج المصدود زوال العذر قبل خروج الوقت «4»، و تبعه بعض آخر، فقال:

الظاهر اختصاص الجواز بصورة عدم الرجاء قطعا أو ظنّا «5».

حجّة الأول: تحقّق الصدّ في موضع البحث، فيلحقه حكمه، للإطلاقات.

و دليل الثاني: الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقّن من إطلاق النصّ و الفتوى، و هو قويّ جدّا، لإمكان منع صدق الصدّ مع ظنّ الزوال.

المسألة الثالثة: ما مرّ من تحلّل المصدود إنّما هو على الرخصة و الجواز

دون الحتم و الوجوب، فيجوز له- في إحرام الحجّ و العمرة المتمتّع بها- البقاء على إحرامه إلى أن يتحقّق الفوات، فيتحلّل بالعمرة كما هو شأن من فاته الحجّ، و يجب عليه إكمال أفعال العمرة إن أمكن، و إلّا تحلّل بهدي إن استمرّ المنع، و إلّا بقي على إحرامها إلى أن يأتي بأفعالها.

______________________________

(1) الرياض 1: 439.

(2) الحدائق 16: 15.

(3) الذخيرة: 701.

(4) الروضة 2: 370.

(5) انظر الرياض 1: 439.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 136

و أمّا في إحرام العمرة المفردة فلم يتحقّق الفوات، بل يتحلّل منها عند تعذّر الإكمال، و لو تأخّر الإحلال كان جائزا، فإن أيس من زوال العذر تحلّل بالهدي حينئذ.

المسألة الرابعة: لا شكّ في تحقّق الصدّ في الحجّ و العمرة

بحصول المانع عن غير الإحرام من مناسكهما طرّا.

و أمّا في الصدّ عن بعض المناسك فقد يقال بصدق المصدود فيه مطلقا، لصدق الصدّ، و عموم المصدود.

و فيه نظر، لأنّ المصدود في الأخبار مقتض و يقتضي ذكر ما صدّ عنه، و هو كما يحتمل العموم يحتمل إرادة جميع الأفعال أو عمدتها، فعلى هذا يكون مجملا كما حقّقنا في موضعه، إلّا أنّه ورد في موثّقة الفضل المتقدّمة و الآتية: «هذا مصدود من الحجّ»، و كذا في الرضوي «1».

و منه يعلم أنّ المراد: المصدود من الحجّ، و لازمه صدق الصدّ متى بقي من الأفعال ما لم يتمّ الحجّ بدونه، فكلّ عمل يبطل الحجّ بتركه يكون الممنوع عنه مصدودا البتّة و إن أتى بغيره ممّا تقدّم عليه أو تأخّر، فهذا هو الأصل في صدق المصدود.

بل لنا أن نقول بصدقه على كلّ من لم يتمّ أفعال الحجّ أو العمرة، و إثبات عمومه من قوله في صحيحة ابن عمّار: «و المصدود هو الذي ردّه المشركون» «2»، فإنّ الردّ يصدق ما

لم يتمّ المقصود، و هو تمام المناسك،

______________________________

(1) راجع ص: 131.

(2) الكافي 4: 369- 3، الفقيه 2: 304- 1512، التهذيب 5: 423- 1467، المقنع: 77، معاني الأخبار: 222- 1، الوسائل 13: 177 أبواب الإحصار و الصدّ ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 137

فما لم يتمّ ما هو نهض بصدده يصدق عليه أنّه ردّ، فيكون مصدودا.

و على هذا، فلا ينبغي الريب في تحقّقه في الحجّ بالمنع عن الموقفين، و في الذخيرة: لا أعرف فيه خلافا بين الأصحاب «1».

و تدلّ عليه موثّقة الفضل الواردة في رجل أخذه السلطان يوم عرفة و لم يعرّف، و فيها: فإن خلّى عنه يوم الثاني- أي ثاني يوم النحر [1]- كيف يصنع؟ قال: «هذا مصدود من الحجّ» الحديث «2».

و كذا عن أحدهما إذا كان ممّا يفوت بفواته الحجّ، و الوجه ظاهر ممّا ذكرناه، و الظاهر عدم الخلاف فيه أيضا، بل قيل فيه و في سابقة اتّفاقا «3».

و لو صدّ- بعد إدراك الموقفين- من مناسك منى يوم النحر خاصّة دون مكّة، فإن أمكنت الاستنابة لها استناب و قد تمَّ نسكه بمنى، قيل: بلا خلاف «4».

و الوجه فيه: أنّ مع ثبوت الاستنابة فيها و إمكانها لا يصدق عليه المصدود من الحجّ و لا المردود عنه، و لكن يخدشه صدق الردّ في الجملة و إن لم يكن مردودا عن الحجّ، فتأمّل.

و إن لم يمكن الاستنابة، ففي البقاء على إحرامه و جواز التحلّل وجهان، بل قولان: من الأصل، و من إفادة الصدّ التحلّل عن الجميع، فعن بعضه بطريق أولى، و عموم نصوص الصدّ.

______________________________

[1] جملة: أي ثاني يوم النحر، من كلام المصنّف رحمه اللّه.

______________________________

(1) الذخيرة: 700.

(2) التهذيب 5: 465- 1623، و في الكافي 4:

371- 8، و الوسائل 13: 183 أبواب الإحصار و الصدّ ب 3 ح 2: فإن خلّى عنه يوم النفر ..

(3) كما في الرياض 1: 439.

(4) كما في الرياض 1: 439.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 138

و يمكن الخدش في الأصل بالمعارضة كما مرّ.

و في الأولويّة بالمنع، لاحتمال خصوصيّة في الصدّ عن الجميع لا توجد في الصدّ عن الأبعاض.

و في العموم بما ذكر، لأنّه ليس مصدودا عن الحجّ.

نعم، استلزام البقاء على الإحرام إلى القابل العسر و الحرج المنفيّين في الشريعة- سيّما مع إمكان عدم التمكّن في القابل أيضا، و صدق مطلق الردّ، المؤيّدين بأصالة عدم الحرمة بعد سقوط الاستصحابين- يقوّي القول الثاني هنا.

و منه تظهر قوّة القول بجواز التحلّل لو كان المنع من مكّة و منى جميعا، بل و كذا لو منع من مكّة خاصّة، بل الأمر فيهما أظهر، لاستلزامهما ترك الطواف و السعي، الموجب لفوات الحجّ، بمقتضى أصل عدم الإجزاء مع عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، و ظهور صدق الردّ.

و لو كان المنع من العود إلى منى لمناسكها بعد قضاء مناسك مكّة فلا يتحقّق الصدّ عندهم، بل حكي نقل جماعة من الأصحاب الإجماع عليه، فيصحّ الحجّ، و يستنيب في الرمي إن أمكن، و إلّا قضاه حيث أمكن «1»، و هو كذلك.

مع أنّه لا ثمرة يعتدّ بها تظهر حينئذ، لصحّة الحجّ، و حصول التحلّل، و عدم وجوب هدي آخر قطعا.

هذا في الحجّ.

و أمّا العمرة، فيتحقّق الصدّ بالمنع من دخول مكّة قطعا، و كذا بالمنع

______________________________

(1) الرياض 1: 439.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 139

من أفعالها بعد دخول مكّة، و السعي خاصّة أيضا، لصدق المصدود من الحجّ أو العمرة، و عدم ثبوت جواز الاستنابة في

الأفعال لمثله، و لا دليل على صحّة عمرته أو حجّه.

المسألة الخامسة: لا يسقط الحجّ المستقرّ في الذمّة قبل عام الصدّ بالصدّ،

و لا مع بقاء الاستطاعة إلى العام المقبل، و يسقط لو كان ذلك العام عام أول استطاعته و انتفت الاستطاعة.

و يسقط المندوب، أي لا يجب إتمامه- كما أوجبه أبو حنيفة و أحمد في رواية «1»- للأصل، و الإجماع، كما هو ظاهر التذكرة و المنتهى «2»، و إنّما يقضيه ندبا.

المسألة السادسة: لو كان هناك مسلك آخر غير ما فيه الصدّ

فلا صدّ، و لو كان أطول و أمكن الوصول منه.

و لو خشي الفوات منه لبعده لم يتحلّل، لعدم صدق الصدّ و الردّ، بل يسلكه إلى أن يتحقّق الفوات، ثمَّ يتحلّل بالعمرة المفردة كما هو شأن من فاته الحجّ، أو يعدل من العمرة المتمتّع بها إلى الإفراد.

المسألة السابعة: المحبوس بدين يقدر على أدائه ليس مصدودا،

و الوجه ظاهر.

و بدين لا يقدر على أدائه مصدود على الأقوى، لصدق المصدود من الحجّ عليه، لأنّه بمعنى الممنوع لغة كيف ما كان.

نعم، مقتضى الروايات اختصاصه بما إذا كان المنع بغير المرض،

______________________________

(1) انظر المغني لابن قدامة 3: 375، و الشرح الكبير 3: 536، و بداية المجتهد 1:

355.

(2) التذكرة 1: 396، المنتهى 2: 847.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 140

و ذكر العدو في بعض الأخبار إنّما وقع على سبيل التمثيل، و ذكر بعض الأفراد لا لحصر الحكم فيه.

و المحبوس ظلما- لمطالبة مال غير قادر عليه أو موجب صرفه لإتلافه- مصدود، و لمطالبة ما يقدر عليه قليلا أو كثيرا غير مصدود، و إن لم نقل بوجوب دفعه لأجل الضرر، فإنّ الصدّ أمر، و عدم وجوب البذل لأجل نفي الضرر أمر آخر، و الكلام هنا في الأول.

و لا شكّ أنّ مع خلو السرب ببذل مال مقدور عليه لا يكون السرب مصدودا، و لا أقلّ من الشكّ في صدق الصدّ و إن قلنا بعدم وجوب بذله، غايته أنّه يكون باقيا على إحرامه و لا يكون بذلك آثما.

و الحاصل: أنّ الصدّ مسألة، و وجوب بذل المال للخلاص و تخلية السرب مسألة أخرى، و يمكن جمع عدم وجوب البذل مع عدم الصدّ، و الكلام هنا في الاولى، و أمّا الثانية فقد مرّ تحقيقها في بحث الاستطاعة.

المسألة الثامنة: لو صابر المصدود و لم يتحلّل حتى فات الحجّ،

قالوا: لم يجز له التحلّل، بل يتحلّل بالعمرة. فإن ثبت الإجماع عليه و إلّا فللبحث فيه مجال، لاستصحاب جواز التحلّل، و صدق المصدود من الحجّ.

المسألة التاسعة: لو تحلّل المصدود ثمَّ اتّفق رفع المانع مع بقاء الوقت،

يستأنف العمل، و لو ضاق الوقت عن التمتّع انتقل إلى الإفراد.

المسألة العاشرة: من أفسد حجّه ثمَّ صدّ،

يجب عليه الإتيان بوظيفة المفسد، لأدلّته و استصحابه، و ثبتت له وظيفة المصدود أيضا، لصدقه.

المسألة الحادية عشرة: لو أمكن رفع المانع ببذل مال غير متضرّر به،

وجب، لصدق الاستطاعة و وجوب مقدّمة الواجب، و لم يكن مصدودا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 141

و إن كان ممّا يتضرّر به، فالكلام في وجوب أدائه و عدمه ما مرّ في بحث الاستطاعة، و لكنّه ليس مصدودا مع إمكان الأداء، كما مرّ بيانه في المسألة السابعة.

و لو أمكن المحاربة و المقاتلة مع العدو، فمع عدم ظنّ الغلبة يكون مصدودا، و يثبت له حكم الصدّ، و مع ظنّ الغلبة لا يصدق الصدّ، فلا تثبت أحكامه.

و أمّا وجوب القتال أو جوازه أو عدم جوازه حينئذ، فهو أمر آخر غير مسألة الصدّ، و لتحقيقه مقام آخر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 142

المقام الثاني في المحصور
اشاره

و قد عرفت أنّه من يمنعه المرض عن الوصول إلى مكّة أو الموقفين أو نحو ذلك، على التفصيل المتقدّم في الصدّ.

و فيه أيضا مسائل:

المسألة الاولى: لا خلاف هنا في وجوب الهدي،

و توقّف التحلّل على الهدي، و نقل الإجماع عليه مستفيض «1».

و تدلّ- مع الإجماع- على الأول مضمرة زرعة: عن رجل أحصر في الحجّ، قال: «فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه، و محلّه أن يبلغ الهدي محلّه، و محلّه منى يوم النحر إذا كان في الحجّ، و إن كان في عمرة نحر بمكّة، و إنّما عليه أن يعدهم لذلك يوما، فإذا كان ذلك اليوم فقد و في، و إن اختلفوا في الميعاد لم يضرّه إن شاء اللّه» «2».

و على الثاني مفهوم الشرط في موثّقة زرارة، بل منطوق ذيلها:

«و المحصور يبعث بهديه و يعدهم يوما، فإذا بلغ الهدي أحلّ هذا في مكانه»، قلت: أ رأيت إن ردّوا عليه دراهمه و لم يذبحوا عنه و قد أحلّ و أتى النساء؟ قال: «فليعد و ليس عليه شي ء، و ليمسك الآن عن النساء إذا بعث» «3».

______________________________

(1) انظر المنتهى 2: 850، المدارك 8: 301، المفاتيح 1: 386.

(2) التهذيب 5: 423- 1470، الوسائل 13: 182 أبواب الإحصار و الصدّ ب 2 ح 2.

(3) الكافي 4: 371- 9، الوسائل 13: 180 أبواب الإحصار و الصدّ ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 143

و مفهوم الشرط في صحيحة ابن عمّار الآتية.

و تؤيّدهما الأخبار الأخر، الآتي بعض منها أيضا، المتضمّنة للجمل الخبريّة.

المسألة الثانية: اختلفوا- بعد وفاقهم على اشتراط الهدي و توقّف التحلّل عليه- في وجوب بعثه،

و جواز ذبحه في موضع الحصر.

فذهب الأكثر- كما صرّح به جماعة «1»- إلى وجوب بعثه إلى منى و ذبحه فيها إن كان حاجّا، و إلى مكّة إن كان معتمرا، و لا يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه، و عن ظاهر الغنية: الإجماع عليه «2».

و استدلّ له بظاهر قوله سبحانه وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ «3».

و المضمرة و الموثّقة

المتقدّمتين في المسألة السابقة.

و صحيحة ابن عمّار: عن رجل أحصر فبعث بالهدي، قال: «يواعد أصحابه ميعادا، إن كان في الحجّ فمحلّ الهدي يوم النحر، فإذا كان يوم النحر فليقصّر من رأسه، و لا يجب عليه الحلق حتى يقضي المناسك، و إن كان في عمرة فلينظر مقدار دخول أصحابه مكّة و الساعة التي يعدهم فيها، فإن كان تلك الساعة قصّر و أحلّ» الحديث «4».

المؤيّدة جميعا بأخبار أخر أيضا «5».

______________________________

(1) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة: 7: 412، صاحب المدارك 8: 301، السبزواري في الكفاية: 73، الكاشاني في المفاتيح 1: 386.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 583.

(3) البقرة: 196.

(4) الكافي 4: 369- 3، التهذيب 5: 421- 1465، الوسائل 13: 181 أبواب الإحصار و الصدّ ب 2 ح 1، بتفاوت يسير.

(5) الوسائل 13: 181 أبواب الإحصار و الصدّ ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 144

و عن المقنع: أنّه ذهب إلى ذبحه في مكان الحصر «1».

و يدلّ عليه ذيل صحيحة ابن عمّار السابقة، و فيها: «فإنّ الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما خرج معتمرا، فمرض في الطريق، و بلغ عليّا عليه السّلام ذلك و هو في المدينة، فخرج في طلبه فأدركه في السقيا [1] و هو مريض بها، فقال: يا بنيّ ما تشتكي؟ فقال: أشتكي رأسي، فدعا عليّ عليه السّلام ببدنة فنحرها و حلق رأسه و ردّه إلى المدينة، فلمّا برئ من وجعه اعتمر»، قلت:

أرأيت حين برئ من وجعه قبل أن يخرج إلى العمرة حلّت له النساء؟ قال:

«لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت و بالصفا و المروة»، قلت: فما بال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين رجع من الحديبية حلّت له النساء و لم يطف بالبيت، قال:

«ليسا سواء، كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مصدودا، و الحسين عليه السّلام محصورا».

و صحيحة رفاعة: «خرج الحسين عليه السّلام معتمرا و قد ساق بدنة حتى انتهى إلى السقيا، فبرسم [2] فحلق شعر رأسه و نحر مكانه، ثمَّ أقبل» الحديث «2».

و مرسلة الفقيه: «المحصور و المضطرّ ينحران بدنتهما في المكان الذي يضطرّان فيه» «3».

______________________________

[1] السقيا: موضع يقرب من المدينة، و قيل: هي على يومين منها- مجمع البحرين 1: 221. و في معجم البلدان 3: 228: السقيا من أسافل أودية تهامة، لمّا رجع تبّع من قتال أهل المدينة يريد مكّة فنزل السقيا و قد عطش فأصابه بها مطر فسمّاها السقيا.

[2] البرسام: داء معروف، و في بعض كتب الطب: أنّه ورم حارّ يعرض للحجاب الذي بين الكبد و المعى ثمَّ يتّصل بالدماغ- المصباح المنير: 41- 42.

______________________________

(1) المقنع: 76.

(2) الفقيه 2: 305- 1515، الوسائل 13: 186 أبواب الإحصار و الصدّ ب 6 ح 2.

(3) الفقيه 2: 305- 1513، الوسائل 13: 187 أبواب الإحصار و الصدّ ب 6 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 145

و صحيحة ابن عمّار: في المحصور و لم يسق الهدي، قال: «ينسك و يرجع، فإن لم يجد ثمن هدي صام» «1».

و عن الإسكافي: التخيير بين البعث و الذبح حيث أحصر، مع أولويّة الأول «2». و قوّاه في المدارك «3»، و استقربه في الذخيرة «4»، جمعا بين الأخبار.

و عن ظاهر المفيد و الديلمي: التفصيل، فيبعث في الحجّ الواجب، و يذبح في محلّ الحصر في التطوّع «5»، و لعلّه لورود بعض أخبار الذبح في محلّ الحصر في المتطوّع.

و عن الجعفي: فيذبح مكانه مطلقا ما لم يكن ساق الهدي «6»، و له صحيحة ابن عمّار

الأخيرة.

و ربّما قيل باختصاص جواز الذبح مكانه إذا أضرّ به التأخير.

و تدلّ عليه رواية زرارة: «إذا أحصر الرجل فبعث بهديه فآذاه رأسه قبل أن ينحر هديه فإنّه يذبح شاة في المكان الذي أحصر فيه، أو يصوم، أو يتصدّق، و الصوم ثلاثة أيام، و الصدقة على ستّة مساكين، نصف صاع لكلّ مسكين» «7».

______________________________

(1) الكافي 4: 370- 5، الوسائل 13: 187 أبواب الإحصار و الصدّ ب 7 ح 2.

(2) نقله عنه في المختلف: 317.

(3) المدارك 8: 304.

(4) الذخيرة: 702.

(5) المفيد في المقنعة: 446، الديلمي في المراسم: 118.

(6) حكاه عنه في الدروس 1: 477.

(7) الكافي 4: 370- 6، التهذيب 5: 334- 1149، الاستبصار 2: 196- 658، الوسائل 13: 185 أبواب الإحصار و الصدّ ب 5 ح 2، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 146

و قريبة منها رواية أخرى له «1».

أقول: دلالة أدلّة القول الأول على مطلوبهم واضحة، و لا دلالة لإضافة الهدي إلى الضمير في الروايتين الأوليين على الهدي المساق أصلا، فلا تختصّان بما إذا ساق الهدي، كما هو المحكي عن الجعفي.

و حمل الآية على أنّ المراد: حتى تنحروا هديكم، خلاف الظاهر، بل خلاف تصريح الأخبار ببيان محلّ الهدي.

و أمّا أدلّة القول الثاني:

فالروايتان الأوليان واردتان في التطوّع، و عدم إمكان البعث أيضا محتمل.

و الثالثة لا تدلّ على التعيين، غايتها الجواز.

و الرابعة مخصوصة بمن لم يسق الهدي، مضافا إلى أنّ قوله:

«ينسك» ليس صريحا في الذبح مكانه، لجواز إرادة البعث منه.

فهذا القول ساقط جدّا، و كذا الرابع و الخامس.

أمّا الأول [1]، فلعدم شاهد على ذلك الجمع، سوى خبري خروج الحسين عليه السّلام، و ليست فيهما دلالة على أنّه لكون الحجّ تطوّعا، بل يمكن أن يكون لجواز الأمرين مطلقا، أو

التضرّر بالتأخير- كما هو ظاهر شكايته من رأسه المقدّس- أو عدم إمكان البعث.

و أمّا الثاني [2]، فلما مرّ من إجمال معنى قوله: «ينسك»، مع أنّ عدم السياق ورد في السؤال، فلعلّ الحكم لجواز الأمرين.

______________________________

[1] أي الرابع.

[2] أي الخامس.

______________________________

(1) التهذيب 5: 423- 1469، الوسائل 13: 185 أبواب الإحصار و الصدّ ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 147

و أمّا السادس، فلا ينافي القول الأول، لجواز وجوب البعث، و جواز التعجيل في الإحلال مع الذبح في المكان، أو الصوم، أو التصدّق، زائدا على البعث.

فلم يبق إلّا القول المشهور و مذهب الإسكافي.

و بعد ما عرفت من إجمال فعل عليّ عليه السّلام، و عدم معلوميّة أنّه هل هو للجواز أو التطوّع أو التضرّر أو عدم التمكّن، لا يصلح دليلا لقول، كما أنّ إجمال قوله: «ينسك» في صحيحة ابن عمّار كذلك.

فلم يبق للإسكافي إلّا مرسلة الفقيه، و هي- مع احتمالها لصورة الضرورة كما قيل «1»- مخالفة لشهرة القدماء و عمل المعظم، و بها تخرج عن الحجّية، فضلا عن مقاومة الأخبار المعتبرة، و مع ذلك لإرادة المحصور بغير المرض محتملة، كما هو مقتضى إطباق أهل اللغة من تخصيصهم المحصر بالمريض و تعميمهم المحصور بغيره.

و من ذلك ظهرت قوّة القول الأول، و أنّه المنصور المعوّل.

المسألة الثالثة: المحصور الباعث للهدي يواعد مع المبعوث معه
اشاره

يوما للنحر أو الذبح، كما أمر به في موثّقتي زرعة و زرارة، و صحيحة ابن عمّار «2»، فإذا بلغ ذلك الوقت قصّر و أحلّ من كلّ شي ء أحرم منه، إلّا النساء خاصّة، فإنّه لا يحلّ منهنّ حتى يحجّ في القابل، إلّا إذا كان الإحرام تطوّعا، فإنّه يحلّ منهنّ إذا استناب أحدا فطاف عنه طواف النساء.

أمّا الحلّ من كلّ شي ء غير النساء و عدم الحلّ

من النساء بذلك، فبالإجماع منّا، له، و للنصوص، كصحيحة ابن عمّار المتقدّمة، و موثّقة

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 438.

(2) المتقدّمة جميعا في ص 142 و 143.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 148

زرارة «1» و الرضويّ: «لا يقرب النساء حتى يحجّ من قابل» «2».

و أمّا صحيحة البزنطي: عن محرم انكسرت ساقه، أيّ شي ء يكون حاله و أيّ شي ء عليه؟ قال: «هو حلال من كلّ شي ء»، فقلت: من النساء و الثياب و الطيب؟ فقال: «نعم، من جميع ما يحرم على المحرم» الحديث «3».

فهي شاذّة، و للإجماع مخالفة، و مع ذلك هو مذهب بعض العامّة «4»، فيحتمل التقيّة.

و أمّا توقّف حلّهنّ له في الحجّ الواجب بالحجّ من قابل و حلّهنّ به، فلصحيحة ابن عمّار المتقدّمة، و الرضويّ المنجبر بعمل الطائفة.

و أمّا حلّهنّ في المندوب بالطواف عنه طواف النساء استنابة، فاستدلّ له بالإجماع المنقول في المنتهى «5».

و بأنّ الحجّ المندوب لا يجب العود فيه لاستدراكه، و البقاء على تحريم النساء ضرر عظيم منفي، فاكتفي في الحلّ بالاستنابة.

و الأول: ليس بحجّة.

و الثاني: مردود بأنّ عدم وجوب العود لا ينافي إمكان العود، فيعود

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 142.

(2) فقه الرضا عليه السّلام: 229، مستدرك الوسائل 9: 309 أبواب الإحصار و الصدّ ب 1 ح 3.

(3) الكافي 4: 369- 2، التهذيب 5: 464- 1622، الوسائل 13: 188 أبواب الإحصار و الصدّ ب 8 ح 1.

(4) انظر المبسوط لشمس الدين السرخسي 4: 107، المغني لابن قدامة 3:

372.

(5) المنتهى 2: 850.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 149

و يطوف، و ليس العود ضررا، و إلّا فهو في الواجب أيضا حاصل.

مع أنّ الأخبار للواجب و المندوب شاملة، بل صحيحة ابن عمّار في المندوب ظاهرة، لأنّ الظاهر

كون إحرام الحسين عليه السّلام تطوّعا، و لذا استشكله بعض المتأخّرين «1»، و هو في محلّه.

بل ظاهر جمع اتّحاد المندوب و الواجب في الحكم، و هو المحكيّ عن الخلاف و الغنية و التحرير، حيث قالوا: لا يحللن للمحصور حتى يطوف لهنّ من قابل أو يطاف عنه «2»، من غير تفصيل بين الواجب و غيره.

كذا في الجامع، إلّا أنّه لم يقيّد بالقابل، و قيّد الطواف بالنساء «3».

و في السرائر، إلّا أنّه قال: لا يحللن حتى يحجّ عنه في القابل، أو يأمر من يطوف عنه النساء «4».

و في الكافي، إلّا أنّه قال: لا يحللن له حتى يحجّ، أو يحجّ عنه «5».

إلّا أنّه يمكن أن يستدلّ للمشهور من التفرقة بالمرسل المرويّ في المقنعة: «المحصور بالمرض، إن كان ساق هديا أقام على إحرامه حتى يبلغ الهدي محلّه، ثمَّ يحلّ، و لا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل، هذا إذا كان حجّة الإسلام، فأمّا حجّ التطوّع فإنّه ينحر هديه و قد أحلّ ممّا أحرم عنه، فإن شاء حجّ من قابل، و إن شاء لا يجب عليه الحجّ» [1].

______________________________

[1] المقنعة: 446 و فيه: «و إن لم يشأ لم يجب عليه الحجّ»، الوسائل 13: 180 أبواب الإحصار و الصدّ ب 1 ح 6.

______________________________

(1) كما في المدارك 8: 305، كفاية الأحكام: 73.

(2) الخلاف 2: 428، الغنية (الجوامع الفقهية): 583، نقله عن التحرير في كشف اللثام 1: 390.

(3) الجامع للشرائع: 223.

(4) السرائر 1: 638.

(5) الكافي في الفقه: 218.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 150

و لكن الفرق المذكور فيه غير التفرقة المشهورة، لحكمه بالحلّ من دون الاستنابة.

و نقل عن المفيد و غيره «1»، و لكن ضعف الخبر يمنع من العمل به.

فإذن الأظهر: اتّحاد

الندب و الواجب في الحكم.

ثمَّ المخالف في المقام من خالف في عمرة التمتّع، فحكم بحلّ النساء للمحصور فيها من غير احتياج إلى طواف، كما عن الدروس، مستدلّا بأنّه لا طواف للنساء فيها «2»، و بإطلاق صحيحة البزنطي المتقدّمة، خرج منها الحجّ بأقسامه و العمرة المفردة بالإجماع و الأخبار، فيبقى الباقي.

و فيه- مضافا إلى كونه خروج الأكثر الذي لا يجوز في التخصيصات و التقييدات-: أنّ هذا التقييد إن كان للجمع فهو- مع كونه جمعا بلا شاهد، و هو غير جائز- لا ينحصر وجهه في ذلك، فيمكن الجمع بنحو آخر.

و إن كان لوجود مقيّد، فلم نعثر عليه، بل الأخبار متساوية بالنسبة إليها و إلى الحجّ و المفردة.

و دعوى ظهور صحيحة ابن عمّار في غير عمرة التمتّع لا وجه لها، مع أنّ هذه الصحيحة بالنسبة إلى وقت الحلّ عامّة، فيمكن تخصيصها بما بعد الحجّ من قابل، بل يمكن تخصيصها بغير النساء أيضا، حيث إنّ الجواب عامّ و إن صرّح بهنّ في السؤال.

و أمّا التعليل الأول، ففيه: أنّه إنّما يتمّ لو علّق حلّهنّ على طواف النساء و هو غير معلوم، إذ ليس في الروايات تعرّض لذكر طواف النساء.

______________________________

(1) نقله عن المفيد و الديلمي في كشف اللثام 1: 390، و هو في المقنعة: 446، و المراسم: 118.

(2) الدروس 1: 476.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 151

و من خالف في وجوب الحجّ من قابل بنفسه، فأجاز الاستنابة فيه أيضا، و هو الخلاف «1» و من بعده «2». إلّا أن يحمل كلامهم على التسويغ دون التخيير، و إلّا فلا دليل لهم يكافئ ما مرّ من الأخبار.

فرع: هل توقّف حلّ النساء على حجّه من قابل مطلق،

حتى في صورة العجز عنه، و لا تكفي الاستنابة عنه، كما هو محكيّ عن ظاهر

النهاية و المبسوط و المهذّب و الوسيلة و المراسم و الإصباح و الفاضلين في جملة من كتبهما «3»؟

أم يختصّ بصورة الإمكان، و بدونه تحلّ بالإتيان نيابة عنه؟ كما عن القواعد «4»؟

و ظاهر الخلاف و الغنية و التحرير و الكافي و الجامع و السرائر: الحلّ بالإتيان نيابة عنه مطلقا، من غير تقييد بصورة العجز «5».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 13    152     فرع: هل توقف حل النساء على حجه من قابل مطلق، ..... ص : 151

يل الأول: الأصل، و الأخبار المتقدّمة.

و دليل الثاني: لزوم الحرج لولاه، بضميمة عدم قائل بالإحلال بدون الحجّ، أو الطواف بنفسه أو نيابة في لزوم الاستنابة، مضافا إلى الاقتصار على المتيقّن فيما يخالف الأصل.

______________________________

(1) الخلاف 2: 428.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 583.

(3) النهاية: 281، المبسوط 1: 335، المهذب 1: 270، الوسيلة: 193، المراسم: 118، المحقق في الشرائع 1: 382، النافع: 100، العلامة في التذكرة 1: 397، الإرشاد 1: 339، التبصرة: 78.

(4) القواعد 1: 93.

(5) الخلاف 2: 428، الغنية (الجوامع الفقهية): 583، التحرير 1: 123، الكافي:

218، الجامع: 223، السرائر 1: 638.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 152

و لم أعثر للثالث على دليل، فهو ساقط.

فبقي الترجيح بين الأولين، و لعلّه للثاني، لما ذكر، مضافا إلى معارضة الأصل- الذي هو دليل الأول- مع مثله، كما أشير إليه، و ضعف الرضوي «1»، و ظهور التمكّن للحسين عليه السّلام.

المسألة الرابعة: إذا بعث هديه أو ثمنه و أحلّ ثمَّ بان أنّه لم يذبح له هدي،

لم يبطل تحلّله، بل كان باقيا على الحلّ، و لكن يبعث ليذبح له في القابل، بلا خلاف فيه و لا إشكال.

لموثّقتي زرعة و زرارة المتقدّمتين «2».

و صحيحة ابن عمّار: «فإن ردّوا الدراهم و لم يجدوا هديا ينحرونه، و قد أحلّ، لم يكن عليه شي ء، و لكن

يبعث في القابل و يمسك أيضا» «3».

و هل يجب عليه الإمساك ثانيا إلى يوم الوعد الثاني كما هو المشهور، كما في المسالك و الروضة «4» و غيرهما «5»؟

أو لا، كما هو المحكيّ عن السرائر و ظاهر الشرائع و النافع و المختلف و الفاضل المقداد «6»، و غيرهم من المتأخّرين «7»؟

الأقوى هو: الأول، للأمر بالإمساك في موثّقة زرارة، و هو للوجوب.

استدلّ للثاني بالأصل، لأنّه ليس بمحرم و لا في الحرم، و الأمر في

______________________________

(1) راجع ص: 148.

(2) في ص: 142.

(3) التهذيب 5: 421- 1465، الوسائل 13: 181 أبواب الإحصار و الصدّ ب 2 ح 1.

(4) المسالك 1: 131، الروضة 2: 370.

(5) كما في الدروس 1: 478، الحدائق 16: 50، الرياض 1: 442.

(6) السرائر 1: 639، الشرائع 1: 282، النافع: 100، المختلف: 317، الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1: 529.

(7) كالشهيد في اللمعة (الروضة 2): 369.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 153

الموثّق محمول على الاستحباب.

و فيه: أنّه حمل بلا حامل، و الأصل بما مرّ مدفوع.

بل قد يقال: إنّ الأصل بالعكس، لأنّ مقتضى الآية اشتراط التحلّل ببلوغ الهدي محلّه في نفس الأمر، فلو تحلّل و لم يبلغ كان باطلا.

و لا يستفاد من الأخبار سوى أنّه لو تحلّل يوم الوعد و لم يبلغ لم يكن عليه ضرر- أي إثم أو كفّارة- و هو لا يستلزم حصول التحلّل في أصل الشرع و لو مع الانكشاف.

و على هذا، فيكون محرما في الواقع و إن اعتقد- لجهله- كونه محلّا، فقوله-: لأنّه ليس بمحرم- ممنوع، إذ لا دليل عليه من نصّ أو إجماع.

و فيه أولا: أنّ مقتضى الآية النهي عن الحلق حتى يبلغ الهدي، و لا بدّ أن يراد من البلوغ وعده، للإجماع

و النصّ على انتفاء النهي يوم الوعد بلغ أو لم يبلغ، و لو أريد نفس الأمر لزم كون النهي باقيا مع عدم البلوغ فيأثم، و هو عين الضرر و خلاف الإجماع.

و الحاصل: أنّه إنّما يتمّ لو كان المعنى في الآية هو الحكم الوضعي، و لكنّه حكم تكليفي منتف في يوم الوعد قطعا، ذبح أم لم يذبح.

و ثانيا: أنّ المصرّح به في أخبار كثيرة: أنّه حلّ حيث حبسه، كما في رواية حمران: عن الذي يقول: حلّني حيث حبستني، فقال: «هو حلّ حيث حبسه، قال أو لم يقل» «1».

و في صحيحة زرارة: «هو حلّ إذا حبس، اشتراط أو لم يشترط» «2».

______________________________

(1) الفقيه 2: 306- 1516، الوسائل 13: 189 أبواب الإحصار و الصدّ ب 8 ح 3.

(2) الكافي 4: 333- 7، التهذيب 5: 80- 267، الوسائل 12: 357 أبواب الإحرام ب 25 ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 154

خرج ما قبل البعث و الميعاد بالدليل، فيبقى الباقي، و مقتضاه حصول الحلّ النفس الأمري، لكون الألفاظ موضوعة للمعاني النفس الأمريّة.

و ثالثا: أنّه لو تمَّ ما ذكره لزم وجوب الإمساك بعد الانكشاف بلا فصل، مع أنّ مقتضى موثّقة زرارة كون وقت الإمساك حين البعث الثاني، كما هو مذهب الأصحاب أيضا.

و من ذلك ظهر أنّ مبدأ ذلك الإمساك هو حين البعث الثاني، و منتهاه حين الوعد الثاني.

و لو ظهر عدم الذبح ثانيا أيضا فهل يبعث ثالثا، أم لا؟ فيه وجهان.

المسألة الخامسة: لو أحصر أو صدّ فبعث بهديه ثمَّ زال العارض

من المرض أو العدو، التحق بأصحابه إن لم يفت وقته، بأن يدرك أحد الموقفين على وجه يصحّ حجّه، بلا خلاف، لزوال العذر.

و لصحيحة زرارة: «إذا أحصر بعث بهديه، فإذا أفاق و وجد في نفسه خفّة فليمض إن

ظنّ أنّه يدرك الناس، فإن قدم مكّة قبل أن ينحر الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك، و ينحر هديه و لا شي ء عليه، و إن قدم مكّة و قد نحر هديه فإنّ عليه الحجّ من قابل أو العمرة»، قلت: فإن مات و هو محرم قبل أن ينتهي إلى مكّة؟ قال: «يحجّ عنه إذا كانت حجّة الإسلام، و يعتمر، إنّما هو شي ء عليه» [1].

قيل: و مثل ذلك اخرى واردة في المصدود «1».

و إن فاته الحجّ تحلّل بعمرة مفردة، و يقضي الحجّ إن كان واجبا و إلّا

______________________________

[1] الكافي 4: 370- 4، و في التهذيب 5: 422- 1466، الوسائل 13: 183 أبواب الإحصار و الصدّ ب 3 ح 1: فإنّ عليه الحجّ من قابل و العمرة.

______________________________

(1) الرياض 1: 443.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 155

ندبا، بلا خلاف إن تبيّن عدم وقوع الذبح عنه، و على الأشهر إن تبيّن وقوعه، لعموم أدلّة وجوب التحلّل بالعمرة على من فاته الحجّ.

و احتمل الشهيدان «1» و بعض آخر «2» عدم الاحتياج إلى عمرة التحلّل حينئذ لحصوله بالذبح، لأدلّة حصوله ببلوغ الهدي محلّه «3».

و الخدش فيها- بعدم ظهور شمولها للمفروض، لانصراف إطلاقها بحكم التبادر إلى غيره- مردود بالمنع أولا، و جريان مثله في أدلّة وجوب التحلّل بالعمرة ثانيا.

كما أنّ الاستدلال لوجوب العمرة بالصحيحة المتقدّمة- على بعض نسخها العاطف للعمرة على الحجّ بلفظة: واو- مردود بعدم دلالته على أنّ المراد تلك العمرة، مع أنّ بعد اختلاف النسخ و أكثريّة العطف ب: أو، لا تصلح للاستدلال، و اللّه العالم.

______________________________

(1) الشهيد الأوّل في الدروس 1: 479 الشهيد الثاني في المسالك 1: 132.

(2) كصاحب المدارك 8: 307.

(3) البقرة: 196، و انظر الوسائل 13:

181 أبواب الإحصار و الصدّ ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 157

المقصد السادس في الكفّارات

اشاره

و فيه أبحاث

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 159

البحث الأول في كفّارة الصيد و ما يحذو حذوه
اشاره

و فيه مقامات:

المقام الأول في كفارة الطيور و فرخها و بيضها
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: إذا قتل المحرم نعامة فكفّارته بدنة،

و هي الأنثى من الإبل على الأحوط.

فإن لم يجدها فضّ على البدنة بعد تقويمها قيمة عادلة على الطعام مطلقا على الأقوى، وفاقا لجماعة «1»، لإطلاق الأخبار.

و على البرّ خاصّة- كما هو مختار آخرين «2»- على الأحوط، لما قيل «3» من أنّه المتبادر من الطعام، فيطعمه ستّين مسكينا إجماعا نصّا و فتوى.

لكلّ مسكين مدّ على الأقوى، وفاقا للصدوق، و العماني «4»،

______________________________

(1) منهم ابن حمزة في الوسيلة: 167، صاحب الجامع: 189.

(2) كما في الكافي: 205، الشرائع 1: 284، الروضة 2: 334، المدارك 8:

323.

(3) المدارك 8: 323.

(4) الصدوق في الفقيه 2: 233، حكاه عن العماني في المختلف: 102.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 160

و غيرهما «1»، لصحيحة ابن عمّار «2»، و رواية أبي بصير «3».

و ذهب جماعة «4»- بل هو على الأشهر كما «5» قيل- [إلى أنّ ] [1] لكلّ مسكين نصف صاع، مدّان.

لصحيحة الحذّاء «6».

المجاب عنها: بقصورها عن إفادة الوجوب أولا.

و عمومها المطلق بالنسبة إلى النعامة ثانيا.

و مخالفتها للأصل- الذي هو المرجع عند التعارض و عدم المرجح- ثالثا.

و لبعض آخر «7»، فأطلق الإطعام، لإطلاق بعض الأخبار، اللازم تقييده بما مرّ.

ثمَّ إنّه يكتفي بذلك القدر، و لا يلزمه إنفاق ما زاد عن قيمتها عن ستّين مدّا، بل الزائد له، و لا يلزمه أيضا ما نقصت القيمة عن الوفاء بالستّين، بلا خلاف عن غير من أطلق الإطعام، بل عن الخلاف الإجماع

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) كالعلّامة في المختلف: 271.

(2) التهذيب 5: 343- 1187، الوسائل 13: 13 أبواب كفّارات الصيد ب 2 ح 13.

(3) الكافي 4: 385- 1، الفقيه 2: 233- 1112، الوسائل 13: 9 أبواب كفّارات الصيد ب 2 ح 3.

(4) كالمحقق في الشرائع

1: 284.

(5) انظر الرياض 1: 448.

(6) الكافي 4: 387- 10، التهذيب 5: 341- 1183، الوسائل 13: 8 أبواب كفّارات الصيد ب 2 ح 1.

(7) كما في المقنع: 78.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 161

على نفي وجوب الزائد «1»، و تدلّ عليه مرسلة جميل «2».

و أمّا ما في صحيحة محمّد، من أنّ «عدل الهدي ما بلغ يتصدّق به» «3».

فعامّ لا يقاوم ما مرّ.

و كذا ما في رواية الرقّي من أنّ «من لم يجد البدنة الواجبة في الفداء فسبع شياه» «4»، مع أنّه ممّا لم يقل به أحد في المقام، كما صرّح به بعضهم «5».

و إن لم يجد ثمنها ليطعم، صام عن كلّ مدّ يوما على الأشهر، بل عن الغنية و التبيان و الكنز «6»: الإجماع عليه.

لصحيحة محمّد: «فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ لكلّ طعام مسكين يوما» «7».

المؤيّدة بصحيحة الحذّاء و مرسلة ابن بكير «8»، القاصرتين عن إفادة الوجوب.

خلافا للعماني و الصدوق، فثمانية عشر يوما مطلقا «9»، لموثّقة أبي

______________________________

(1) الخلاف 2: 422.

(2) الكافي 4: 386- 5، التهذيب 5: 342- 1185، الوسائل 13: 8 أبواب كفّارات الصيد ب 2 ح 2.

(3) التهذيب 5: 342- 1184، الوسائل 13: 11 أبواب كفّارات الصيد ب 2 ح 10.

(4) الكافي 4: 385- 2، التهذيب 5: 481- 1711، الوسائل 13: 9 أبواب كفّارات الصيد ب 2 ح 4.

(5) كصاحب الرياض 2: 449.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 575، التبيان 4: 27، كنز العرفان 1: 325.

(7) التهذيب 5: 342- 1184، الوسائل 13: 11 أبواب كفّارات الصيد ب 2 ح 10.

(8) الكافي 4: 386- 3، الوسائل 13: 10 أبواب كفّارات الصيد ب 2 ح 5.

(9) حكاه عن العماني في المختلف: 272، الصدوق في

المقنع: 78، و الفقيه 2:

232.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 162

بصير «1» و روايته، و صحيحة ابن عمّار، و رواية الرقّي.

و أجيب: بترجيح الاولى، للاعتضاد بالشهرة و الإجماع المنقول، و موافقتها لأصل الاشتغال «2».

و كون حمل الثانية على صورة العجز على الاولى تقييدا، و هو خير من حمل الثانية على الاستحباب، الذي هو التجوّز.

و الأول: مردود بعدم صلاحيّته للترجيح.

و الثاني: بأنّ أصل الاشتغال إنّما يرجع إليه إذا لم يكن هناك قدر مشترك، و إلّا فيرجع إلى أصل البراءة، و القدر المشترك هنا حاصل، و التقييد إنّما يقدّم مع وجود دليل عليه و إلّا فلا وجه له.

و إذن فالأقرب هو: الثاني، و إن كان الأحوط هو الأول.

و على الاحتياط، فمع العجز عن صيام الستّين يصوم ثمانية عشر يوما، و وجهه قد ظهر.

و لا تتابع في هذين الصومين.

للأصل.

المسألة الثانية: في قتل كلّ واحد من العصفور و القبّرة

«3»- و هي التي يقال لها بالفارسية: چلو- و الصعوة «4»- يقال لها بالفارسية: برف چين، ذكرهما في شرح المفاتيح- مدّ من طعام، وفاقا للأكثر كما قيل «5».

______________________________

(1) التهذيب 5: 342- 1186، الوسائل 13: 12 أبواب كفّارات الصيد ب 2 ح 12.

(2) انظر الرياض 1: 449.

(3) القبّرة: و هو ضرب من الطير يشبه الحمّرة- حياة الحيوان 2: 196.

(4) الصّعوة: طائر من صغار العصافير أحمر الرأس- حياة الحيوان 1: 616.

(5) المنتهى 2: 826.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 163

لمرسلة صفوان «1».

خلافا للمحكيّ عن الصدوقين، فأوجبا في غير النعامة من الطيور شاة «2».

لصحيحة ابن سنان في محرم ذبح طيرا: «إنّ عليه دم شاة يهريقه، فإن كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن» «3».

و جوابه: أنّها أعمّ مطلقا ممّا مرّ، فيجب تخصيصها به.

و للإسكافي، فأوجب القيمة «4».

لمرسلة حريز، عن

سليمان بن خالد: عمّا في القمري [1] و الدبسي [2] و السماني [3] و العصفور و البلبل، قال: «قيمته، فإن أصابه و هو محرم في الحرم فقيمتان، ليس عليه فيه دم» «5».

______________________________

[1] القمري: و هو طائر مشهور حسن الصوت أصغر من الحمام منسوب إلى طير قمر، و يقال هو الحمام الأزرق، و للذكر ساق حمر- مجمع البحرين 3: 463- 464.

[2] الدبسي: طائر صغير منسوب إلى دبس الرطب، لأنّهم يغيرون في النسب، و الأدبس من الطير و الخيل: الذي في لونه غبرة بين السواد و الحمرة- حياة الحيوان 1: 466.

[3] لسماني: اسم لطائر يلبد بالأرض، و لا يكاد يطير إلّا أن يطار، و يسمى قتيل الرعد، من أجل أنه إذا سمع الرعد مات- حياة الحيوان 1: 563.

______________________________

(1) الكافي 4: 390- 8، التهذيب 5: 466- 1629، الوسائل 13: 20 أبواب كفّارات الصيد ب 7 ح 1.

(2) الصدوق في المقنع: 78، حكاه عن والده في المختلف: 273.

(3) التهذيب 5: 346- 1201، الاستبصار 2: 201- 682، الوسائل 13: 23 أبواب كفّارات الصوم ب 9 ح 6.

(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 273.

(5) الكافي 4: 390- 7، التهذيب 5: 371- 1293، الوسائل 13: 90 أبواب كفّارات الصيد ب 44 ح 7، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 164

و جوابه: أنّها شاذّة يجب الطرح، مع أنّها أيضا أعمّ مطلقا ممّا مرّ.

المسألة الثالثة: في قتل القطاة- و يقال لها بالفارسية:

صفرو- حمل فطم و رعى في المرعى، بلا خلاف فيه.

لصحيحة سليمان بن خالد «1»، و رواية مفضّل بن صالح «2».

و لا تعارضها صحيحة أخرى لسليمان: «من أصاب قطاة أو حجلة أو درّاجة أو نظيرهنّ فعليه دم» «3».

لأنّ الدم مطلق، فيجب حمله على الحمل، لما مرّ، و لذا قالوا

بالحمل في الحجل- و هو نوع من القبج- و الدرّاجة أيضا، بل نفي الخلاف فيهما أيضا، فإن ثبت الإجماع، و إلّا فحكمها حكم مطلق الطير.

المسألة الرابعة: في غير ما ذكر من الطيور دم شاة،

وفاقا للصدوقين «4»، و جماعة من المتأخّرين، منهم: صاحبا المدارك و الذخيرة «5».

لصحيحة ابن سنان المذكورة.

و الأخرى في حمام مكّة الطير الأهلي من غير حمام الحرم: «من ذبح طيرا منه و هو غير محرم فعليه أن يتصدّق بصدقة أفضل من ثمنه، فإن كان محرما فشاة عن كلّ طير» «6».

______________________________

(1) التهذيب 5: 344- 1190، الوسائل 13: 18 أبواب كفّارات الصيد ب 5 ح 1.

(2) الكافي 4: 389- 3، الوسائل 13: 19 أبواب كفّارات الصيد ب 5 ح 3.

(3) الكافي 4: 390- 9، التهذيب 5: 344- 1191، الوسائل 13: 18 أبواب كفّارات الصيد ب 5 ح 2.

(4) المقنع: 78.

(5) المدارك 8: 347، الذخيرة: 609.

(6) الكافي 4: 235- 15، الفقيه 2: 169- 742، الوسائل 13: 23 أبواب كفّارات الصيد ب 9 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 165

و صحيحة سليمان بن خالد: رجل أغلق بابه على طائر فمات، فقال:

«إن كان أغلق الباب بعد ما أحرم فعليه شاة، و إن كان أغلق الباب قبل أن يحرم فعليه ثمنه» «1».

و في بعض الأخبار عن مولانا الجواد عليه السّلام: «إنّ المحرم إذا قتل صيدا في الحلّ و كان الصيد من ذوات الطير و كان الطير من كبارها فعليه شاة، و إن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، و إذا قتل فرخا [في الحلّ ] فعليه حمل فطم من اللبن، و إذا قتله في الحرم فعليه الحمل و قيمة الفرخ، و إن كان من الوحش و كان حمار وحش فعليه بقرة، و إن كان نعامة فعليه

بدنة، و إن كان ظبيا فعليه شاة، و إن كان قتل من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة» «2».

و صحيحة زرارة: «إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة إلى أن يبلغ الظبي فعليه دم يهريقه و يتصدّق بمثل ثمنه» «3».

و مثل الثمن لكونه في الحرم لا لأجل الإحرام.

و قد ورد التصريح بالشاة للحمامة- التي هي إمّا: كلّ طير مطوّق بطوق أخضر أو أحمر أو أسود محيط بعنقه، أو: ما يعبّ الماء، أي يشربه كرعا، بأن يضع منقاره فيه و يشرب و هو واضع فيه كالغنم، لا بأن يأخذ الماء بمنقاره قطرة قطرة و يبلعها بعد إخراجه كالدجاجة و العصفور- في

______________________________

(1) الفقيه 2: 167- 727، التهذيب 5: 350- 1215، الوسائل 13: 41 أبواب كفّارات الصيد ب 16 ح 2، بتفاوت.

(2) الاحتجاج: 444، الإرشاد 2: 283، تحف العقول: 336، تفسير القمي 1:

183، روضة الواعظين: 239، كشف الغمّة 2: 355، الوسائل 13: 14 أبواب كفّارات الصيد ب 3 ح 1 و ما بين المعقوفين من المصادر.

(3) الفقيه 2: 167- 726، الوسائل 13: 29 أبواب كفّارات الصيد ب 11 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 166

روايات متكثّرة جدّا «1»، و تطابقت عليه الفتاوى أيضا.

المسألة الخامسة: من قتل جرادا في الإحرام فعليه الفداء

كفّ من طعام أو تمرة، مخيّرا بينهما، وفاقا للمحكيّ عن التهذيب و المبسوط و التحرير و التذكرة و المنتهى و الشهيدين «2»، و غيرهما من المتأخرين «3».

جمعا بين ما يتضمّن الأول خاصّة- كصحيحتي محمّد «4»- و ما يتضمّن الثاني كذلك، كصحيحتي ابن عمّار «5» و زرارة «6».

و المخالف بين من أثبت الأول خاصّة «7» و الثاني كذلك «8»، و كلّ منهما جماعة من القدماء، و في بعض الروايات إثبات الدم لإصابة

الجرادة و أكلها معا «9»، و حكي العمل به عن جماعة «10»، و لا بأس به.

و لو كان الجراد كثيرا فقتلها جملة فعليه دم شاة، بلا خلاف- إلّا عن

______________________________

(1) كما في الوسائل 13: 28 أبواب كفّارات الصيد ب 11.

(2) التهذيب 5: 363، المبسوط 1: 348، التحرير 1: 116، التذكرة 1: 347، المنتهى 2: 826، الدروس 1: 357، الروضة 2: 346.

(3) كما في المدارك 8: 348، المفاتيح 1: 323.

(4) الاولى في: التهذيب 5: 364- 1267، الاستبصار 2: 208- 708، الوسائل 13: 77 أبواب كفّارات الصيد ب 37 ح 3.

الثانية في: الكافي 4: 393- 3، الوسائل 13: 78 أبواب كفّارات الصيد ب 37 ح 6.

(5) التهذيب 5: 363- 1264، الوسائل 13: 76 أبواب كفّارات الصيد ب 37 ح 1.

(6) التهذيب 5: 363- 1265، الاستبصار 2: 207- 706، الوسائل 13: 77 أبواب كفّارات الصيد ب 37 ح 2.

(7) كالمفيد في المقنعة: 438.

(8) كالشيخ في الخلاف 2: 414.

(9) كما في الوسائل 13: 76 أبواب كفّارات الصيد ب 37.

(10) حكاه عنهم صاحب الرياض 1: 454.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 167

شاذّ قال فيه بمدّ من تمر [1]- بل بالإجماع كما في الخلاف «1».

لصحيحتي محمّد المشار إليهما.

و مقتضى إحداهما: ثبوت الدم في الأكثر من الواحدة مطلقا و إن كان اثنتين، إلّا أنّه يعارضها مفهوم الأخرى، حيث قال: «فإن كان كثيرا فعليه دم شاة»، فإنّ الاثنتين ليستا كثيرا عرفا.

و لذا اقتصر الأصحاب على ذكر الكثير، و صرّح بعضهم: بأنّ المرجع فيه إلى العرف، و فيما لم يبلغ الكثير العرفي في كلّ جراد تمرة «2».

و هو حسن من جهة نفي الدم، حيث إنّ بعد تعارضها يرجع إلى أصالة نفي الدم.

و أمّا إثبات

التمرتين ففيه نظر، إذ لم يثبت من الصحيحتين المتقدّمتين إلّا أنّ في الجرادة الواحدة تمرة أو كفّا من طعام، و أمّا ما بين الواحدة و الكثيرة فلم يظهر له حكم من الأخبار.

هذا، مع أنّ في كتابي الحديث ذكر في الصحيح الأول هكذا: من قتل جرادا كثيرا، قال: «كفّ من طعام، و إن كان أكثر من ذلك فعليه دم شاة».

و لا شك أنّ أكثر من الكثير لا يصدق على الاثنتين، فلا يبقى معارض للمفهوم المذكور مطلقا، بل يعارض منطوقا فيهما من جهة إثبات الدم للكثير في إحداهما و الكفّ من طعام له في الأخرى و إثبات الدم للأكثر من

______________________________

[1] قال به المفيد في المقنعة في كتاب الكفّارات: 577، و قال في كتاب الحج (438): عليه دم شاة.

______________________________

(1) الخلاف 2: 415.

(2) كالشهيد الثاني في الروضة 2: 346.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 168

الكثير.

و مقتضى الاستدلال: اختصاص الدم بكثير فوق الكثير، لأخصّيته، و لكن كأنّه لا قائل بالتفصيل في الكثير، و الاحتياط في أقلّ مراتب الكثرة بالجمع بين واحد من التمرة أو الكفّ و بين الدم، و فيما بينه و بين الواحدة بأحد الأولين، بل بالجميع أيضا.

هذا كلّه، مع إمكان التحرّز عن الجرادة.

و لو كان على الطريق بحيث لا يتمكّن من التحرّز عنه إلّا بمشقّة كثيرة لا تتحمّل عادة، فلا إثم و لا كفّارة في قتله، بغير خلاف ظاهر.

للصحاح الثلاث: لزرارة «1»، و ابن عمّار «2»، و حريز «3»، و موثّقة أبي بصير «4»، الصريحة كلّها في ذلك.

المسألة السادسة: المشهور بين الأصحاب- بل ادّعى عليه الإجماع جماعة «5»- أنّ في كسر بيض النعامة

- إذا كان فيه فرخ يتحرّك فتلف- لكلّ بيضة بكرة من الإبل.

و إن لم يعلم تحرّك الفرخ فيه فعليه إرسال فحل الإبل في عدد ما كسره من البيضة من

الإناث، فما حصل من النتاج هدي لبيت اللّه.

للجمع بين ما دلّ على أنّ فيه البكرة مطلقا- كصحيحة سليمان بن

______________________________

(1) الكافي 4: 393- 7، الوسائل 13: 79 أبواب كفّارات الصيد ب 38 ح 3.

(2) التهذيب 5: 364- 1269، الاستبصار 2: 208- 709، الوسائل 13: 79 أبواب كفّارات الصيد ب 38 ح 2.

(3) التهذيب 5: 364- 1268، الاستبصار 2: 208- 710، الوسائل 13: 78 أبواب كفّارات الصيد ب 38 ح 1.

(4) الكافي 4: 394- 8، الوسائل 12: 429 أبواب تروك الإحرام ب 7 ح 3.

(5) كما في الخلاف 2: 416، المدارك 8: 332.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 169

خالد «1»- و ما دلّ على أنّ فيه الإرسال كذلك، كصحيحته الأخرى «2»، و صحيحة الحلبي «3»، و صحيحتي الكناني «4»، و رواية عليّ بن أبي حمزة «5»، و مرسلة التهذيب «6».

لشهادة صحيحة عليّ: عن رجل كسر بيض النعام، و في البيض فراخ قد تحرّك، فقال: «عليه لكلّ فرخ تحرّك بعير ينحره في المنحر» «7».

و ذهب جماعة من القدماء- منهم: الإسكافي و الصدوق في بعض كتبه و المفيد و السيّد و الديلمي «8»- إلى أنّ فيه الإرسال مطلقا، لأكثريّة أخباره.

و عن الصدوقين: الإرسال إذا تحرّك، و بدونه فلكلّ بيضة شاة «9»،

______________________________

(1) الكافي 4: 389- 5، التهذيب 5: 355- 1233، الاستبصار 2: 202- 687، الوسائل 13: 55 أبواب كفّارات الصيد ب 24 ح 4.

(2) الكافي 4: 389- 4، الوسائل 13: 58 أبواب كفّارات الصيد ب 25 ح 5.

(3) التهذيب 5: 354- 1230، الاستبصار 2: 202- 685، الوسائل 13: 52 أبواب كفّارات الصيد ب 23 ح 1.

(4) الاولى في: التهذيب 5: 355- 1232، الاستبصار 2: 202- 686، الوسائل 13: 52

أبواب كفّارات الصيد ب 23 ح 2.

الثانية في: الكافي 4: 389- 2، الوسائل 13: 54 أبواب كفّارات الصيد ب 23 ح 6.

(5) الكافي 4: 387- 11، التهذيب 5: 354- 1229، الاستبصار 2: 201- 684، الوسائل 13: 53 أبواب كفّارات الصيد ب 23 ح 5.

(6) التهذيب 5: 354- 1231، الوسائل 13: 53 أبواب كفّارات الصيد ب 23 ح 4.

(7) التهذيب 5: 355- 1234، الاستبصار 2: 203- 688، قرب الإسناد:

236- 925، الوسائل 13: 54 أبواب كفّارات الصيد ب 24 ح 1.

(8) نقله عن الإسكافي في المختلف: 275، الصدوق في المقنع: 78، المفيد في المقنعة: 436، السيّد في الانتصار: 100، الديلمي في المراسم: 120.

(9) الصدوق في الفقيه 2: 234، حكاه عن والده في المختلف: 275.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 170

للجمع بين إطلاقات الإرسال و بين ما دلّ على أنّ في بيضة النعامة شاة، كصحيحة الحذّاء «1»، و رواية أبي بصير «2».

بشهادة رواية محمّد بن الفضيل المتضمّنة لقوله عليه السّلام: «إذا أصاب المحرم بيض نعام ذبح عن كلّ بيضة شاة، و إذا وطئ بيض النعام ففدغها و هو محرم و فيها أفراخ تتحرّك فعليه أن يرسل» الحديث [1]، و نحوها الرضوي «3».

و عن المقنع: أنّه أوجب الشاة في إصابة البيضة، و الإرسال في الوطء و الفدغ «4».

و يظهر من بعض المحدّثين من متأخّري المتأخّرين الجمع بالفرق بين الإصابة باليد و الكسر و الأكل ففيها البعير، و بين الوطء فالكسر فالإرسال «5».

و هو قريب لما في المقنع من التفصيل و إن افترقا في الشاة و البعير.

و استشهد لذلك بصحيحة أبان بن تغلب: في قوم حجّاج محرمين أصابوا أفراخ نعام فأكلوا جميعا، قال: «عليهم مكان كلّ فرخ أكلوه

______________________________

[1] الفقيه

2: 233- 1117، و الفدغ: شدخ الشي ء المجوّف- مجمع البحرين 5:

14.

______________________________

(1) الكافي 4: 388- 12، التهذيب 5: 466- 1628، الوسائل 13: 56 أبواب كفّارات الصيد ب 24 ح 5.

(2) التهذيب 5: 356- 1236، الوسائل 13: 53 أبواب كفّارات الصيد ب 23 ح 3.

(3) فقه الرضا عليه السّلام: 227، مستدرك الوسائل 9: 272 أبواب كفّارات الصيد ب 18 ح 3.

(4) المقنع: 78.

(5) انظر الوافي 13: 761.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 171

بدنة يشتركون فيها جميعا، فيشترونها على عدد الفراخ و على عدد الرجال» «1».

أقول: و إن أمكن ردّ بعض هذه الأقوال بالشذوذ، و لكن الترجيح بين القولين الأولين مشكل يحتاج إلى تأمّل لا يقتضيه المقام، لعدم الاهتمام بشأن المسألة.

ثمَّ إنّه لو عجز عمّا ذكر، فعن كلّ بيضة شاة، فإن لم يجد فالصدقة على عشرة مساكين، لكلّ مسكين مدّ، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيّام، على المشهور بين الأصحاب المدّعى عليه الاتّفاق «2».

و تدلّ على هذه الأحكام بذلك التفصيل رواية عليّ بن أبي حمزة و بعض الصحاح «3».

و فيه قول آخر «4» متروك للشذوذ.

المسألة السابعة: في إصابة بيض القطاة في الإحرام بكرة من الغنم في صحيحة سليمان بن خالد «5»، و فيها مخاض من الغنم- و هي التي من شأنها أن تكون حاملا- و في روايته «6».

______________________________

(1) الفقيه 2: 236- 1123، التهذيب 5: 353- 1227، الوسائل 13: 45 أبواب كفّارات الصيد ب 18 ح 4، بتفاوت.

(2) انظر المدارك 8: 335.

(3) الوسائل 13: 8 أبواب كفّارات الصيد ب 2.

(4) قال به المفيد في كتاب الكفّارات من المقنعة: 572، إلّا أنّه وافق المشهور في كتاب الحجّ: 436.

(5) التهذيب 5: 356- 1239، الاستبصار 2: 203- 692، الوسائل 13: 55

أبواب كفّارات الصيد ب 24 ح 3.

(6) الكافي 4: 389- 5، التهذيب 5: 355- 1233، الاستبصار 2: 202- 687، الوسائل 13: 55 أبواب كفّارات الصيد ب 24 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 172

و في وطئها و شدخها إرسال فحولة من الغنم على عدد البيض من الإناث على ما مرّ في بيض النعامة، و في روايته المشار إليها، و روايته الأخرى «1»، و رواية محمّد بن الفضيل «2».

و في صحيحة أخرى لسليمان: «في بيض القطاة كفّارة مثل ما في بيض النعام» «3».

و الظاهر أنّ المراد: المماثلة في الكيفيّة دون جنس الكفّارة، و الحمل على المماثلة في ثبوت أصل الكفّارة بعيد عن ظاهر العبارة.

و للأصحاب فيها أقوال كثيرة لا ينطبق واحد منها على تلك الأخبار، و حيث لا يثبت في المسألة إجماع بسيط و لا مركب فالأولى قطع النظر عن الأقوال، و القول بالإرسال مع الوطء، و التخيير بين البكرة و المخاض من الغنم في غيره من وجوه الإصابة، كما ذكره بعض المتأخّرين من العصابة في الفرق بين الوطء و الإصابة «4».

بل لنا التخصيص بالبكرة في غير صورة الوطء، لخصوصيّة روايتها ببيض القطاة و عموم رواية المخاض، و إن كان صدرها مخصوصا بالقطاة.

و يمكن تخصيص ما ذكرنا بالبيض التي لم يتحرّك فيها الفرخ.

و أمّا ما تحرّك فيه ففيه حمل.

______________________________

(1) الكافي 4: 389- 4، الوسائل 13: 58 أبواب كفّارات الصيد ب 25 ح 5.

(2) الفقيه 2: 233- 1117.

(3) التهذيب 5: 357- 1240، الاستبصار 2: 204- 693، الوسائل 13: 58 أبواب كفّارات الصيد ب 25 ح 2.

(4) انظر الوافي 13: 763.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 173

لرواية أبي بصير: عن رجل قتل فرخا و هو

محرم في غير الحرم، فقال: «عليه حمل، و ليس عليه قيمته، لأنّه ليس في الحرم» «1».

و الفرخ يصدق على البيض التي فيها الفرخ، كما تدلّ عليه صحيحة عليّ المتقدّمة في بيض النعام «2».

قالوا: و لو عجز عن الإرسال فعن كلّ بيضة شاة، و مع العجز يطعم عشرة مساكين، و مع العجز يصوم ثلاثة أيّام «3»، و لعلّه للمماثلة المذكورة في صحيحة سليمان، و لا بأس به.

و ألحق جماعة بيض القبج ببيض القطاة «4».

قيل: و لا مستند له «5».

و ألحقه بعضهم ببيض الحمام «6»، لأنّ القبج نوع من الحمام.

و هو حسن إن ثبتت النوعيّة.

المسألة الثامنة: حكم في وطء بيض الحمامة على المحرم بدرهم

في صحيحة حريز «7»، و كذا في صحيحته الأخرى في مطلق البيضة «8».

______________________________

(1) الكافي 4: 390- 6، الوسائل 13: 23 أبواب كفّارات الصيد ب 9 ح 4.

(2) راجع ص: 169.

(3) انظر المقنعة: 572، السرائر 1: 565.

(4) كما في الشرائع 1: 285، المنتهى 2: 824، و جامع المقاصد 3: 308.

(5) الحدائق 15: 214.

(6) كما في المسالك 1: 135، المدارك 8: 335.

(7) الكافي 4: 389- 1، التهذيب 5: 345- 1197، الاستبصار 2: 200- 678، الوسائل 13: 22 أبواب كفّارات الصيد ب 9 ح 1.

(8) التهذيب 5: 346- 1202، الاستبصار 2: 201- 683، الوسائل 13: 23 أبواب كفّارات الصيد ب 9 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 174

و في رواية محمّد بن الفضيل بربع درهم في مطلق البيضة «1».

و في رواية يونس بن يعقوب بنصف درهم، قال فيها- بعد السؤال عن رجل أغلق بابه على حمام من حمام الحرم و فراخ و بيض-: «و إن كان أغلق عليها بعد ما أحرم فإنّ عليه لكلّ طير شاة، و لكلّ فرخ حملا، و إن لم

يكن تحرّك فدرهم، و للبيض نصف درهم» «2».

و في صحيحة عليّ: في كسر بيض الحمام و في البيض فراخ قد تحرّك، [فقال: «عليه أن يتصدّق عن كل فرخ قد تحرّك ]، بشاة، و إن كانت الفراخ لم تتحرّك [تصدّق ] بقيمته ورقا يشتري به علفا يطرحه لحمام الحرم» «3».

و في رواية الحارث بن المغيرة بدم لأكل المحرم بيض حمام الحرم «4».

و مقتضى الاستدلال بالأخبار بعد رفع اليد عن رواية ربع الدرهم، لاحتمال وروده في حقّ الجاني المحلّ في الحرم كما يظهر من الحديث، أو عمومه له فيخصّ به، و بعد تحكيم المقيّد منه على المطلق فتحمل رواية الدم على البيض الذي فيه فرخ يتحرّك، و إرادة الحمل من الدم و كذا من الشاة: أن يجعل البيض ثلاثة أنواع:

______________________________

(1) الفقيه 2: 233- 1117.

(2) التهذيب 5: 350- 1216، الوسائل 13: 42 أبواب كفّارات الصيد ب 16 ح 3.

(3) التهذيب 5: 358- 1244، الاستبصار 2: 205- 697، قرب الإسناد:

236- 924، الوسائل 13: 59 أبواب كفّارات الصيد ب 26 ح 1، و ما بين المعقوفين من المصادر.

(4) الكافي 4: 395- 2، الوسائل 13: 89 أبواب كفّارات الصيد ب 44 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 175

ما فيه فرخ يتحرّك ففيه حمل.

و ما فيه فرخ لم يتحرّك ففيه درهم.

و ما ليس فيه فرخ ففيه نصف درهم.

و لكن لم نعثر من الأصحاب على من حكم بالثالث، بل قسّموا البيض بالقسمين الأوليين و حكموا فيهما بالحكمين، و هو الأحوط.

المسألة التاسعة: في فرخ الحمام حمل أو جدي

مخيّرا بينهما.

لصحيحة ابن سنان «1».

المسألة العاشرة: عن المفيد و السيّد: أنّ في قتل زنبور تمرة،

و في قتل زنابير كثيرة مدّ من طعام أو من تمرّ «2».

و عن الإسكافي: أنّ فيه كفّا من طعام أو تمر «3».

و عن جماعة- منهم: الحلّي في السرائر «4»-: أنّ مع العمد فيه كفّا من طعام، و لا شي ء مع الخطأ.

و فيه أقوال أخر.

و المستند: أخبار لا يثبت شي ء منها الوجوب، لخلوّها عن الدالّ عليه، بل غاية ما يثبت منها استحباب شي ء من الطعام، فعليه الفتوى.

______________________________

(1) التهذيب 5: 346- 2101، الاستبصار 2: 201- 682، الوسائل 13: 23 أبواب كفّارات الصيد ب 9 ح 6.

(2) المفيد في المقنعة: 438، السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 72.

(3) حكاه عنه في المختلف: 274.

(4) السرائر 1: 558.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 176

المسألة الحادية عشرة: في غير ما ذكر من الطيور شاة،

و من الإفراخ حمل أو جدي، و من البيض درهم، كما يأتي بيانه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 177

المقام الثاني في كفّارة الوحوش و غيرها من الحيوانات
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: في بقرة الوحش بقرة أهلية

بالإجماع و الصحاح «1»، و في حماره عند الأكثر، بل عن الغنية الإجماع عليه «2».

لصحيحة حريز «3»، و موثّقة أبي بصير «4»، و رواية الكناني «5».

و بدنة عند صاحب المقنع «6».

لصحيحتي يعقوب بن شعيب «7» و سليمان بن خالد «8»، و رواية أبي بصير «9».

و أحدهما مخيّرا عند الإسكافي «10» و جماعة من المتأخّرين «11».

جمعا بين الأخبار.

______________________________

(1) انظر الوسائل 13: 5 أبواب كفّارات الصيد ب 1.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 575.

(3) التهذيب 5: 341- 1181، الوسائل 13: 5 أبواب كفّارات الصيد ب 1 ح 1.

(4) التهذيب 5: 342- 1186، الوسائل 13: 12 أبواب كفّارات الصيد ب 2 ح 12.

(5) التهذيب 5: 341- 1180، الوسائل 13: 6 أبواب كفّارات الصيد ب 1 ح 3.

(6) المقنع: 77.

(7) الكافي 4: 386- 4، الوسائل 13: 6 أبواب كفّارات الصيد ب 1 ح 4.

(8) التهذيب 5: 341- 1182، الوسائل 13: 5 أبواب كفّارات الصيد ب 1 ح 2.

(9) الكافي 4: 385- 1، الوسائل 13: 9 أبواب كفّارات الصيد ب 2 ح 3.

(10) حكاه عنه في المختلف: 272.

(11) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 6: 366، صاحب المدارك 8: 326.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 178

و هو الأظهر، لأنّه المرجع المنصوص عند التعارض و عدم الترجيح.

و لعلّ نظر الأولين إلى الترجيح بموافقة الكتاب، حيث إنّ البقرة أقرب إلى الحمار من البدنة.

و فيه: أنّ مثل تلك الأقربيّة لا تفهم من المماثلة.

فإن لم يجد الفداء، قالوا: فضّ قيمة البقرة على مطلق الطعام «1»، لإطلاق الأخبار «2»، أو على البرّ خاصّة، لأنّ الطعام هو لغة «3».

و الأول أقرب، و الثاني أحوط.

و يطعمها ثلاثين مسكينا، بلا خلاف.

لصحيحة ابن عمّار «4»، و موثّقة أبي

بصير و روايته.

لكل مسكين مدّين عند الأكثر.

لصحيحة الحذّاء: «إذا أصاب المحرم صيدا و لم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النعم دراهم، ثمَّ قوّمت الدراهم طعاما، لكلّ مسكين نصف صاع، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما» «5».

و مدّ عند آخرين «6»، قيل: كما في الصحيح و نسب المدّين إلى الصحيحين «7».

______________________________

(1) كما في المبسوط 1: 340، المسالك 1: 134.

(2) الوسائل 13: 8 أبواب كفّارات الصيد ب 2.

(3) انظر الشرائع 1: 285، المدارك 8: 326.

(4) التهذيب 5: 343- 1187، الوسائل 13: 13 أبواب كفّارات الصيد ب 2 ح 13.

(5) الكافي 4: 387- 10، التهذيب 5: 341- 1183، الوسائل 13: 8 أبواب كفّارات الصيد ب 2 ح 1، بتفاوت يسير.

(6) منهم صاحب المدارك 8: 327.

(7) انظر الرياض 1: 449.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 179

و لم أجد الصحيح في المدّ، و لا غير صحيحة عامّة في المدّين، و لعلّ نظره إلى أخبار البدنة و تقسيم الأمداد على الستّين.

و لا دليل على الاتّحاد، و القياس باطل، إلّا أن يتمسّك بالإجماع المركّب، و هو حسن، إلّا أنّه ليس استنادا إلى الصحيح و الصحيحين.

نعم، يمكن استفادة المدّ من ضمّ مرسلة ابن بكير: في قول اللّه تعالى أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً، قال: «بثمن قيمة الهدي طعاما، ثمَّ يصوم لكلّ مدّ يوما» «1».

و صحيحة محمّد: عن قول اللّه تعالى أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً، قال: «عدل الهدي ما بلغ يتصدّق به، فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ لكلّ طعام مسكين يوما» «2». و لا بأس به.

فإن عجز فتسعة أيّام.

ثمَّ لا يخفى أنّ تقويم البقرة و التوزيع على ثلاثين مسكينا في

حمار الوحش إنّما هو على المشهور.

و أمّا على المختار، فالحكم التخيير بين ما ذكر و بين تقويم البدنة و التوزيع كما مرّ في النعامة، لأنّه الحكم في بدل البدنة، كما صرّح به في الأخبار الخاصّة و العامّة «3».

ثمَّ على التقديرين: إن كانت القيمة أقلّ من الستّين أو الثلاثين اقتصر على القيمة، و لو زادت لم تجب عليه الزيادة، كما مرّ في النعامة، بلا

______________________________

(1) الكافي 4: 386- 3، الوسائل 13: 10 أبواب كفّارات الصيد ب 2 ح 5، و الآية في: المائدة: 94.

(2) التهذيب 5: 342- 1184، الوسائل 13: 11 أبواب كفّارات الصيد ب 2 ح 10.

(3) كما في الوسائل 13: 8 أبواب كفّارات الصيد ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 180

خلاف فيه يوجد.

و قيل: و في الأخبار عليه الدلالة «1».

و لا يخفى أنّها واردة في البدنة، فالأحسن التمسّك بالإجماع المركّب.

و لو لم يجد القيمة صام تسعة أيّام على الأظهر، و عن كلّ مسكين يوما، فإن عجز فتسعة أيّام على الأحوط الأشهر، و وجه الاستدلال في النعامة ظهر.

المسألة الثانية: في قتل الظبي شاة.

بالكتاب و السنّة و الإجماع.

فإن لم يجد الشاة فضّ ثمنها على الطعام على الأظهر، أو خصوص البرّ على الأحوط، و يطعم عشرة مساكين إجماعا نصّا و فتوى، لكلّ مسكين مدّان على الأشهر، و مدّ عند جماعة «2».

و لعلّه للإجماع المركّب.

و يمكن استفادة المدّ من ضمّ المرسلة و الصحيحة كما مرّ.

و لو قصرت قيمتها عن الإتمام اقتصر عليها، و لو زادت لم يجب عليه الزائد، فإن لم يجد صام ثلاثة أيّام على الأظهر و عشرة أيام، فإن عجز فثلاثة على الأحوط الأشهر.

المسألة الثالثة: في قتل الثعلب و الأرنب شاة،

بلا خلاف، بل عن بعضهم: الإجماع عليه «3».

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 449.

(2) كما في المدارك 8: 328، الكفاية: 62.

(3) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 575، و حكاه في الرياض 1: 450.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 181

لرواية أبي بصير فيهما «1»، و صحيحتي البزنطي «2» و ابن مسكان «3» في الأرنب.

و لو لم يجدها فهما كالظبي في البدل، على الأظهر الأشهر الأحوط.

لصحاح الحذّاء و محمّد و ابن عمّار و مرسلة ابن بكير.

و عن القديمين و الصدوقين و المحقّق: أنّه لا بدل لهما، بل يستغفر اللّه تعالى، للأصل «4».

و جوابه ظاهر.

المسألة الرابعة: في قتل الضبّ و القنفذ و اليربوع جدي

على الأظهر الأشهر، بل حكي عن عامّة من تأخّر «5».

لحسنة مسمع: «اليربوع و القنفذ و الظبّ إذا أصابه المحرم فعليه جدي، و الجدي خير منه، و إنّما جعل عليه هذا كي ينكل عن صيد غيره» [1].

و أوجب جماعة فيه الحمل «6»، مدّعيا بعضهم الإجماع عليه «7»،

______________________________

[1] الكافي 4: 387- 9، و في التهذيب 5: 344- 1192، و الوسائل 13: 19 أبواب كفّارات الصيد ب 6 ح 1: «لكي ينكل عن فعل غيره من الصيد».

______________________________

(1) الكافي 4: 386- 7، الفقيه 2: 233- 1116، التهذيب 5: 343- 1188، الوسائل 13: 17 أبواب كفّارات الصيد ب 4 ح 4.

(2) الفقيه 2: 233- 1114، الوسائل 13: 17 أبواب كفّارات الصيد ب 4 ح 1.

(3) الفقيه 2: 233- 1115، الوسائل 13: 17 أبواب كفّارات الصيد ب 4 ح 2.

(4) حكاه عن القديمين و والد الصدوق في المختلف: 273، الصدوق في الفقيه 2:

233، المحقق في الشرائع 1: 285.

(5) كما في الرياض 1: 454.

(6) كما في الكافي في الفقه: 206، الغنية (الجوامع الفقهية): 576.

(7) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 576.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 182

و وجهه غير واضح.

و ألحق الشيخان و السيّد و الحلّي و ابن حمزة و المحقّق الثاني «1» و غيرهم «2» بالثلاثة أشباهها، و لعلّهم- كما قيل «3»- نظروا إلى التعليل في الحسن بقوله: «و إنّما جعل عليه»، و لا يخلو عن قوّة.

المسألة الخامسة: قال جماعة

- منهم: الصدوق في الفقيه و المقنع و الشيخ و الفاضل في المختلف و الشهيد في الدروس «4»، و جمع آخر «5»-: إنّ في قتل العظاية- بالعين المهملة و الظاء المعجمة، و هي من كبار الوزغ- كفّا من طعام.

لصحيحة ابن عمّار: محرم قتل عظاية، قال: «كفّ من طعام» «6».

خلافا لكثير من الأصحاب، فلم يوجبوا له شيئا.

و هو الأظهر، لقصور الصحيحة عن إفادة الوجوب.

نعم، نقلها في بعض الكتب هكذا: «عليه كفّ من طعام» «7»، و لكن لم تثبت هذه الزيادة.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 435، الطوسي في النهاية: 223، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 71، ابن حمزة في الوسيلة: 168، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 312.

(2) منهم الحلّي في السرائر 1: 558، ابن سعيد في الجامع: 190 صاحب الرياض 1: 454.

(3) الرياض 1: 454.

(4) الفقيه 2: 235، المقنع: 79، الشيخ في التهذيب 5: 344، المختلف: 274، الدروس 1: 358.

(5) منهم العلامة في المنتهى 2: 827 الأردبيلي في مجمع الفائدة 6: 383، صاحب الرياض 1: 454.

(6) التهذيب 5: 345- 1194، الوسائل 13: 20 أبواب كفّارات الصيد ب 7 ح 3.

(7) كما في الرياض 1: 454.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 183

المسألة السادسة: أثبت جماعة في القمّلة يلقيها من جسده كفّا من طعام «1».

لحسنتي ابن أبي العلاء «2»، المتقدّمتين في بحث إلقاء هوام الجسد.

المؤيّدتين بصحيحتي حمّاد «3» و محمّد «4»، المتقدّمتين فيه أيضا.

و رواية الحلبي: حككت رأسي و أنا محرم فوقع منه قمّلات، فأردت ردّهنّ فنهاني، و قال: «تصدّق بكفّ من طعام» «5».

و نفاه جمع آخر، و قالوا باستحبابه «6».

لرواية أبي الجارود النافية للفداء في قتلها «7»، و صحيحة ابن عمّار النافية للشي ء فيه «8»، و الأخرى النافية للشي ء عن سقوطها عن الرأس

______________________________

(1)

منهم المفيد في المقنعة: 435، القاضي في المهذّب 1: 226، المحقّق في النافع: 103، العلامة في القواعد 1: 95، الإرشاد 1: 319.

(2) الأولى في: الكافي 4: 362- 3، الوسائل 12: 539 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 3.

الثانية في: التهذيب 5: 336- 1160، الاستبصار 2: 196- 661، الوسائل 13: 168 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 15 ح 3.

(3) التهذيب 5: 336- 1158، الاستبصار 2: 196- 659، الوسائل 13: 168 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 15 ح 1.

(4) التهذيب 5: 336- 1159، الاستبصار 2: 196- 660، الوسائل 13: 168 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 15 ح 2.

(5) التهذيب 5: 337- 1163، الوسائل 13: 169 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 15 ح 4.

(6) كما في المسالك 1: 137.

(7) الكافي 4: 362- 1، الفقيه 2: 230- 1090، الوسائل 13: 170 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 15 ح 8.

(8) الكافي 4: 362- 2، التهذيب 5: 337- 1166، الاستبصار 2: 197- 664، الوسائل 13: 169 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 15 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 184

بحكّة «1»، و رواية مرّة «2»، و غيرها «3»، المجوّزة لإلقائها، المتقدّمة جميعا في البحث المذكور.

و رواية أخرى لأبي الجارود: حككت [رأسي و أنا محرم ] فوقعت قمّلة، قال: «لا بأس»، قلت: أيّ شي ء تجعل فيها؟ قال: «و ما أجعل عليك في قمّلة؟! ليس عليك فيها شي ء» [1].

و هو الأقوى، لذلك.

و لا يتوهّم أعمّية الأخبار الأخيرة باعتبار نفيها الشي ء الشامل للعقاب أيضا، فيجب التخصيص، لأنّ روايتي أبي الجارود مصرّحتان بنفي الفداء وجوبا، فهما قرينتان على تجوّز الحسنتين.

و حمل الأخبار الأخيرة على التقيّة- بمحض حكاية نفي الكفّارة فيه عن طائفة من العامّة «4»-

غير جيّد، بعد ذهاب جمع آخر من مشاهيرهم إلى خلافه.

نعم، الأحوط الفداء.

المسألة السابعة: ذهب جماعة- منهم: عليّ بن بابويه و ابن حمزة- إلى ثبوت وجوب الفداء بكبش في قتل الأسد «5».

______________________________

[1] الكافي 4: 365- 12، الوسائل 13: 169 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 15 ح 7، و ما بين المعقوفين من المصدر.

______________________________

(1) الفقيه 2: 229- 1086، التهذيب 5: 337- 1165، الاستبصار 2: 197- 663، الوسائل 13: 169 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 15 ح 5.

(2) التهذيب 5: 337- 1164، الاستبصار 2: 197- 662، الوسائل 12: 540 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 6.

(3) الوسائل 13: 168 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 15.

(4) كما في الحدائق 15: 250 و حكاه عن العامّة في المنتهى 2: 817 و التذكرة 1: 355.

(5) نقله عن علي بن بابويه في المختلف: 271، الوسيلة: 164.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 185

و قيّده بعضهم بما إذا لم يرده «1».

و استندوا إلى رواية [أبي ] «2» سعيد المكاري «3».

و نفى جماعة الكفّارة فيه بخصوصه.

للأصل.

و ضعف الرواية «4».

أقول: و هو الأقوى، لأنّ غاية ما تدلّ عليه الرواية ذبح الكبش للحرم لا للإحرام.

المسألة الثامنة: ما لا تقدير لفديته من الحيوانات

ففيه قيمته السوقيّة الثابتة بإخبار عدلين عارفين، بلا خلاف فيه يعلم، أو مطلقا كما في المدارك و الذخيرة «5»، و غيرهما «6».

قالوا: لتحقّق الضمان، لعمومات الجزاء و الفداء في الصيد، فمع عدم التقدير يرجع إلى القيمة.

و لصحيحة حريز «7»: «في الظبي شاة، و في البقرة بقرة، و في الحمامة بدنة، و في النعامة بدنة، و فيما سوى ذلك قيمته».

______________________________

(1) انظر الوسيلة: 164، الغنية (الجوامع الفقهية): 576.

(2) أضفناه لاستقامة السند.

(3) الكافي 4: 237- 26، التهذيب 5: 366- 1275، الاستبصار 2: 208- 712، الوسائل 13: 79 أبواب كفّارات الصيد ب 39 ح 1.

(4) منهم العلامة في المنتهى 2: 801، الشهيد الثاني في المسالك 1: 133، صاحب المدارك 8: 315، 316.

(5) المدارك 8: 350، الذخيرة:

609.

(6) كالمفاتيح 1: 324، الحدائق 15: 254.

(7) كذا، و الصحيح: و لصحيحة سليمان بن خالد .. انظر التهذيب 5: 341- 1182، الوسائل 13: 5 أبواب كفّارات الصيد ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 186

أقول: لا شكّ في تخصيص قوله: «ما سوى ذلك» أي من الحيوانات الممنوع تعرّضها للمحرم بحكم التبادر و قرينة المقام، و لا بدّ أيضا من التخصيص بما له قيمة بقرينة قوله: «قيمته»، فلا يثبت في كثير من الحشرات كالخنفساء و الذباب، و أمّا ما لا قيمة له ممّا يحرم تعرّضه ففيه الإثم و الاستغفار.

ثمَّ إنّ ظاهرهم أنّ ما سوى ما ذكر من الطيور و الإفراخ و البيوض داخل فيما لا تقدير له.

و الحق: أنّ جميع هذه الثلاثة ممّا وقع له التقدير:

أمّا الطيور، فقد مرّ الكلام فيه، و أنّ في كل طير دم شاة.

و أمّا الإفراخ، ففي كلّ فرخ حمل أو جدي مخيّرا بينهما.

لصحيحة ابن سنان المتقدّمة في المسألة الثانية من المقام الأول «1».

و رواية أبي بصير: عن رجل قتل فرخا و هو محرم في غير الحرم، فقال: «عليه حمل و ليس عليه قيمته، لأنّه ليس في الحرم» «2».

و أمّا البيوض، فلصحيحة حريز: «و إن وطئ المحرم بيضة و كسرها فعليه درهم، كلّ هذا يتصدّق به بمكّة و منى» «3».

فالحقّ: عدم الرجوع فيها إلى القيمة، لكونها مقدّرة، بل لعموم العلّة المذكورة في رواية أبي بصير النافية للقيمة، بل مقتضاه نفي القيمة في جميع المواضع، و أنّ الرجوع إلى القيمة حكم الصيد الحرمي دون

______________________________

(1) راجع ص: 163.

(2) الكافي 4: 390- 6، الوسائل 13: 23 أبواب كفّارات الصيد ب 9 ح 4.

(3) التهذيب 5: 346- 1202، الاستبصار 2: 201- 683، الوسائل

13: 23 أبواب كفّارات الصيد ب 9 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 187

الإحرامي، إلّا أنّه لأعمّيته بالنسبة إلى صحيحة حريز المتقدّمة يخصّص بها، كما أنّ الصحيحة لأعمّيتها من أخبار الطير و الفرخ و البيض يجب تخصيصها بها. و عدم الاطّلاع على من قال بمثل ما قلنا في مطلق البيض لا يدلّ على العدم، و لو سلّم عدم الذكر فلا يثبت منه الإجماع، و اللّه أعلم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 188

المقام الثالث في بقيّة أحكام كفّارات الحيوانات
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: اللازم في الفداء المنصوص عليه- كالبدنة و البقرة و الشاة و الحمل- صدق الاسم

و تحقّق المماثلة النوعيّة عرفا، و لا يشترط أزيد من ذلك، للأصل.

فيجوز فداء الصيد المعيب بمعيب آخر مثله- كالأعور بالأعور- بل بمعيب آخر لا يماثله في العيب- كالأعور بالأعرج- بل الصحيح بالمعيب، كالأعرج.

لصدق المماثلة الثابت اعتبارها و الاسم.

و الأفضل إفداء الصحيح- بل المعيب- بالصحيح.

و كذا يجوز إفداء الذكر بالأنثى و بالعكس فيما لا مقدّر خاصّا له، لما ذكر، و التماثل أحوط.

المسألة الثانية: لو أصاب صيدا حاملا،

فألقت جنينا، ثمَّ ماتا، فدى الامّ بمقدّرها، و الصغير بمثله من الصغار، بلا خلاف فيه بين العلماء كما في المدارك «1».

لإطلاق الأمر بالفداء بالمقدّر، و بالمماثل المتناول للصغير و الكبير.

و لو عاشا لم تكن عليه فدية، للأصل.

______________________________

(1) المدارك 8: 353.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 189

و لو عاب أحدهما ضمن الأرش.

و لو مات أحدهما فداه دون الآخر، و الوجه ظاهر.

و لو ألقت جنينا لا حياة له و مضت فهي معيبة فيه الأرش، كما يأتي.

و لو شكّ في حياة الجنين لم يكن له فداء أيضا، لتعلّق الحكم بالحيّ بعد الولادة.

المسألة الثالثة: أصابه المحرم للصيد

- بل لمطلق الحيوان الممنوع عنه في الإحرام- تارة يكون بمباشرة قتله، و اخرى بإمساكه و أخذه، و ثالثة بإيجاد سبب مؤد إلى هلاكه، و يقال له: التسبيب، كإغلاق باب عليه من غير مباشرة غيره في إتلافه، و إلّا فلا يكون إصابة منه، بل هو إشارة و دلالة، و يأتي حكمها.

فثبوت الفداء المتقدّم بمباشرة القتل واضح، و جميع الأدلّة المتقدّمة دالّة عليه.

و أمّا الإمساك و إيجاد السبب، فإن أدّيا إلى الهلاك و التلف فلا شكّ في ثبوت الفداء أيضا، لصدق إصابة الصيد و الحيوان عليه.

و تدلّ عليه صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة في المسألة الرابعة من المقام الأول «1»، و رواية يونس بن يعقوب المتقدّمة في المسألة الثامنة منه «2».

و إن لم يؤدّيا إلى الهلاك- بل خلّى سبيله- فالظاهر أنّه لا فداء فيه، بل فيه الإثم فقط.

و يدلّ عليه مفهوم الشرط في صحيحة ابن أبي عمير: «المحرم إذا قتل

______________________________

(1) راجع ص: 163.

(2) راجع ص: 174.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 190

الصيد فعليه جزاؤه» الحديث «1».

و في صحيحة منصور: «المحرم لا يدلّ على الصيد، فإن

دلّ عليه فقتل فعليه الفداء» «2».

و ترتّب الفداء في الأخبار على القتل و الذبح و الإصابة التي لم يعلم صدقها على غير ذلك.

و يدلّ عليه أيضا مفهوم العلّة المنصوصة في رواية أبي بصير: في محرم رمى ظبيا فأصابه في يده- إلى أن قال:- «و إن كان ذهب على وجهه فلم يدر ما صنع فعليه الفداء، لأنّه لا يدري، لعلّه هلك» «3».

و ما ورد في نفي الضمان على من رمى الصيد و لم يؤثّر فيه «4».

و تؤيّده أيضا أخبار كثيرة واردة في أخذ الطائر في الحرم، فأمر بتخلية سبيله من غير أمر بالكفّارة «5»، و فيها مطلقات أيضا تشمل المحرّمة [1]، بل منها ما هو ظاهر فيه.

و قد حكى في المدارك عن الشيخ و جمع من الأصحاب الضمان بإغلاق الباب على الطائر «6»، و هو ظاهر النافع «7»، و حكي عن الفاضل في

______________________________

[1] كذا في النسخ، و لعلّه تصحيف عن المحرم.

______________________________

(1) التهذيب 5: 377- 1317، الاستبصار 2: 214- 735، الوسائل 12: 432 أبواب تروك الإحرام ب 10 ح 6.

(2) الكافي 4: 381- 2، التهذيب 5: 467- 1634، الاستبصار 2: 187- 629، الوسائل 12: 416 أبواب تروك الإحرام ب 1 ح 3.

(3) الكافي 4: 386- 6، الوسائل 13: 62 أبواب كفّارات الصيد ب 27 ح 4.

(4) الوسائل 13: 61 أبواب كفّارات الصيد ب 27.

(5) انظر الوسائل 13: 30 أبواب كفّارات الصيد ب 12.

(6) المدارك 8: 367.

(7) النافع: 104.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 191

التلخيص «1».

و احتجّوا له برواية يونس بن يعقوب المتقدّمة، و صحيحة ابن سنان «2» على بعض نسخها الذي ليس فيه قوله: «فمات».

و برواية أخرى واردة في إغلاق الباب على حمام الحرم من غير

تقييد بالمحرم «3».

و ردّ بعضهم الصحيحة باختلاف النسخ، بل في الأكثر قوله:

«فمات»، و الروايتين بالضعف.

و حملها [1] بعضهم على الجهل بصورة الحال، فتغلق الباب و لا يدري بعده حال الطائر «4».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 13    192     المسألة الثالثة: أصابه المحرم للصيد ..... ص : 189

هو حمل بلا شاهد.

و يمكن أن يكون المراد: الإغلاق حتى يهلك، كما هو الظاهر، و يمكن حمل الفتاوى المطلقة عليه أيضا، و لذا قيّد في السرائر الإغلاق بالتأدية إلى الهلاك «5».

و لو عمل بهما في موردهما خاصّة- و هو إغلاق الباب على حمام الحرم، كما هو ظاهر القائلين به، حيث عنونوا المسألة هكذا- لم يكن

______________________________

[1] في «ق» و «ح»: و حملهما ..

______________________________

(1) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 400.

(2) كذا، و الصحيح: و صحيحة سليمان بن خالد .. انظر التهذيب 5: 350- 1215، الوسائل 13: 41 أبواب كفّارات الصيد ب 16 ح 2.

(3) و هي رواية زياد الواسطي الواردة في الكافي 4: 234- 13، التهذيب 5:

350- 1217، الوسائل 13: 42 أبواب كفّارات الصيد ب 16 ح 4.

(4) انظر المدارك 8: 368.

(5) السرائر 1: 560.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 192

بعيدا، بل مقتضى الاستدلال ذلك، فعليه الفتوى، فيفدي بما في رواية يونس المذكورة، و إن كان الأحوط الفداء بمطلق الإمساك و الحبس، لإمكان إدخاله في الإصابة، و لكنّ الظاهر أنّه لا قائل به.

و البيض أيضا كالحيوان فيما ذكر.

المسألة الرابعة: كما تثبت الكفّارة بقتل الصيد مباشرة أو تسبيبا كذلك تثبت لأكله

و إن صادرة غيره، أو صاده هو حال الحلال، بلا خلاف فيه، فحكي عن جماعة من القدماء و المتأخّرين: أنّ فيه الفداء مثل أصل الصيد «1»، و ذهب جمع آخر- و الظاهر أنّهم الأكثر- إلى ضمان القيمة «2».

دليل الأولين:

الأخبار المتكثّرة من الصحاح و الموثّقات المتقدّمة كثير منها في مسألة اضطرار المحرم إلى الصيد أو الميتة: أنّه يأكله و يفديه «3».

و صحيحة الحذّاء: عن رجل اشترى لرجل محرم بيض نعامة فأكله المحرم، قال: «على الذي اشتراه فداء، و على المحرم فداء»، قلت: و ما عليهما؟ قال: «على المحلّ جزاء قيمة البيض، لكلّ بيضة درهم، و على المحرم الجزاء لكلّ بيضة شاة» «4».

و صحيحة زرارة المصرّحة بأنّ: «من أكل طعاما لا ينبغي أكله و هو محرم متعمّدا فعليه شاة» «5».

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 455.

(2) كما في الخلاف 2: 405، الشرائع 1: 288، القواعد: 96، الحدائق 15: 261.

(3) انظر الوسائل 13: 84 أبواب كفّارات الصيد ب 43.

(4) الكافي 4: 388- 12، التهذيب 5: 355- 1235، الوسائل 13: 105 أبواب كفّارات الصيد ب 57 ح 1.

(5) التهذيب 5: 369- 1287، الوسائل 13: 157 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 8 ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 193

و صحيحة عليّ: عن قوم اشتروا ظبيا، فأكلوا منه جميعا و هم حرم، فقال: «على كلّ منهم فداء صيد، على كلّ إنسان منهم على حدة فداء صيد كامل» «1».

و رواية يوسف الطاطري: صيدا يأكله قوم محرمون، قال: «عليهم شاة، و ليس على الذي ذبحه إلّا شاة» «2».

و صحيحة أبان بن تغلب: في قوم حجّاج محرمين أصابوا فراخ نعام و أكلوا جميعا، فقال: «مكان كلّ فرخ أكلوه بدنة يشتركون فيها، و يشترونها على عدد الفراخ و عدد الرجال» «3».

حجّة الآخرين: الأصل.

و صحيحة ابن عمّار: «إن اجتمع قوم على صيد و هم محرمون في صيده أو أكلوا منه فعلى كلّ واحد منهم قيمته» «4».

و موثّقته في آخرها: «و أيّ قوم

اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فإنّ على كلّ إنسان منهم قيمته، و إن اجتمعوا عليه في صيد فعليهم مثل ذلك» «5».

و أجاب بعض من اختار الأول «6» عن الأصل بوجوب رفع اليد عنه

______________________________

(1) التهذيب 5: 351- 1221، قرب الإسناد: 243- 964، الوسائل 13: 44 أبواب كفّارات الصيد ب 18 ح 2.

(2) الكافي 4: 391- 3، الفقيه 2: 235- 1123، التهذيب 5: 352- 1225، الوسائل 13: 47 أبواب كفّارات الصيد ب 18 ح 8.

(3) الفقيه 2: 236- 1123، التهذيب 5: 353- 1227، الوسائل 13: 45 أبواب كفّارات الصيد ب 18 ح 4، بتفاوت.

(4) الكافي 4: 391- 2، التهذيب 5: 351- 1219، الوسائل 13: 44 أبواب كفّارات الصيد ب 18 ح 1.

(5) التهذيب 5: 370- 1288، الوسائل 13: 45 أبواب كفّارات الصيد ب 18 ح 3.

(6) كصاحب الرياض 1: 455.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 194

بما مرّ، مع أنّه قد يكون الأصل مع الأول بأن تزيد القيمة على الشاة.

و ضعف دلالة الثاني، لاحتمال أن يكون المراد من القيمة فيه الفداء، بل هو كذلك البتّة، لأنّ المراد من القيمة بالإضافة إلى القتل: الفداء، فكذا بالإضافة إلى الأكل.

و منه يعلم حال الثالث أيضا، فيراد من القيمة فيه الفداء، بقرينة قوله: «مثل ذلك»، فإنّ الظاهر أنّه إشارة إلى ما في الأكل دون الصيد.

أقول: ما ذكره في ردّ الثالث و إن كان محلّا للمناقشة- لاحتمال كون ذلك إشارة إلى الصيد، و المراد المماثلة المأمور بها في الآية الكريمة «1»، فلا يكون قرينة على إرادة الفداء من القيمة- و لكنّه صحيح في الثاني، فإنّ عطف الأكل على الصيد يفيد أنّ المراد بالقيمة ليس هو مقصودهم وحده، لعدم إمكانه بالنسبة إلى الاجتماع

على الصيد.

و على هذا، فإمّا أن يكون المراد بها الفداء في الصيد و القيمة في الأكل، لا باستعمال اللفظ في المعنيين، بل بالاشتراك المعنوي، حيث إنّ المراد بالقيمة: ما يقابل الشي ء و يقاومه عادة أو شرعا.

أو الفداء فيهما، فيحصل فيه الإجمال المانع عن الاستدلال.

و منه يعلم خدش آخر في الثالث، و هو عدم صراحة القيمة في المعنى المقصود، فلعلّه الفداء أو شي ء آخر قرّره الشارع جزاء، و قد استعملت القيمة في الفداء في الموثّقة المذكورة آخرها، ففي أولها- بعد كلام في الصيد-: «فإن أصبته و أنت حلال في الحرم فعليك قيمة واحدة، و إن أنت أصبته و أنت حرام في الحلّ فعليك القيمة، و إن أصبته و أنت حرام

______________________________

(1) المائدة: 95.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 195

في الحرم فعليك الفداء مضاعفا» «1».

و منه يظهر ضعف الاستدلال بهما على ما أرادوه، سيّما بعد المقابلة مع ما أورده الأولون من إثبات الفداء، و ما سنذكره أيضا.

و لكن لا يصلحان أيضا دليلا للقول الأول- كما ذكره بعضهم- إذ غايته الإجمال في المراد، بل و لو سلّم أنّه الفداء أيضا لا يفيد، لأنّ الفداء:

ما يعوّض عن الشي ء سواء كان من جنسه أو غير جنسه، و لا يختصّ الفداء بأمر معيّن من مماثل أو حيوان.

و لذا استعمل في الموثّقة المذكورة كلّ من القيمة و الفداء في مقام الآخر، و أطلق الفداء في مقام القيمة المصطلحة في مواضع غير عديدة، منها: رواية عقبة بن خالد «2»، الواردة في محلّ قتل صيدا يؤمّ الحرم.

و أطلق فيما يقابل الشي ء مطلقا، كما ورد في صحيحة ابن عمّار «3»:

الفداء فيما يقابل وطء البعير الدباء، أي صغار الجراد.

و في صحيحة أبي الجارود: قتل قمّلة فما

فداؤها «4»؟

و قال اللّه سبحانه فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ «5».

و أظهر من الجميع صحيحة الحذّاء المتقدّمة، فإنّ فيها التصريح أولا

______________________________

(1) التهذيب 5: 370- 1288، الوسائل 13: 70 أبواب كفّارات الصيد ب 31 ح 5.

(2) الكافي 4: 397- 8، التهذيب 5: 360- 1251، الوسائل 13: 66 أبواب كفّارات الصيد ب 30 ح 1.

(3) الكافي 4: 393- 5، الوسائل 13: 78 أبواب كفّارات الصيد ب 37 ح 8.

(4) الكافي 4: 362- 1، الفقيه 2: 230- 1090، الوسائل 13: 170 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 15 ح 8.

(5) البقرة: 196.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 196

بالفداء، ثمَّ فسّره بالقيمة.

و بالجملة: صدق الفداء على القيمة- بل يساويها في الصدق عليها و على الجزاء الذي هو مقصودهم- ممّا لا ينبغي الريب فيه، فلا تصلح الروايتان دليلا لمقصود الأولين أيضا، بل منه يظهر الخدش في جميع ما استدلّوا به له أيضا.

مضافا إلى ما في أخبار فدية المضطرّ «1» إلى احتمال كونه من جهة نفس الصيد، حيث إنّها لا تختصّ بما صاده غير من أكله.

و ما في البواقي من الأمر بالشاة في بيض النعامة، كما في صحيحة الحذّاء، أو في أكل مطلق ما لا ينبغي أكله، كما في صحيحة زرارة، أو في أكل مطلق الصيد، كما في رواية يوسف.

و هذا ليس الفداء المطلوب لهم في الأكثر، بل يدلّ على أنّ الفداء شاة.

و تدلّ عليه أيضا موثّقة أبي بصير: عن قوم محرمين اشتروا صيدا فاشتركوا فيه، فقالت رفيقة لهم: اجعلوا فيه لي بدرهم، فجعلوا لها، فقال:

«على كلّ إنسان منهم شاة» «2».

و مرفوعة محمّد بن يحيى: في رجل أكل لحم صيد لا يدري ما هو و هو محرم، قال: «عليه

دم شاة» «3».

و على هذا، فيمكن حمل أخبار الفداء و القيمة على ذلك، بإرادة

______________________________

(1) الوسائل 13: 84 أبواب كفّارات الصيد ب 43.

(2) الكافي 4: 392- 4 و فيه بتفاوت يسير، الفقيه 2- 236- 1125، التهذيب 5:

351- 1220، الوسائل 13: 45 أبواب كفّارات الصيد ب 18 ح 5.

(3) الكافي 4: 397- 7، التهذيب 5: 384- 1342، الوسائل 13: 101 أبواب كفّارات الصيد ب 54 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 197

القيمة أو الفداء الذي عيّنه الشارع من باب تخصيص العامّ بالخاصّ.

و بنفي البعد عنه صرّح في الذخيرة، قال: و لا يبعد أن يقال: الأكل يقتضي ثبوت شاة و ينضمّ إلى فدية القتل إن اجتمع الأكل معه.

ثمَّ نقل الأخبار الدالّة عليه فقال: هذا مقتضى النظر، لكن لم أجد ما ذكرته في كلام أحد من الأصحاب «1». انتهى.

أقول: قد أطلق جماعة من الأصحاب- منهم: الحلّي في السرائر و المحقّق في الشرائع و الفاضل في الإرشاد «2»، و غيرهم «3»- بثبوت الشاة في أكل ما لا ينبغي أكله، فلعلّهم أرادوا ذلك، بل هو ظاهر فيه.

و تقييد بعض الشارحين [1] للأخيرين بقولهم: ممّا لا تقدير «4» فيه- بناء على اختيارهم الفداء أو القيمة في أكل الصيد- لا يوجب كلامهم أيضا.

نعم، ذكر الأول- بعد ما ذكر مسائل كثيرة-: و متى اشتروا لحم صيد و أكلوه كان أيضا على كلّ منهم الفداء «5».

و قال الثاني- قبل ما ذكر بمسائل كثيرة-: قتل الصيد موجب لفديته، فإن أكله لزمه فداء آخر، و قيل: يفدي ما قتل و يضمن ما أكل، و هو الوجه «6».

______________________________

[1] في «ق»: المتأخرين ..

______________________________

(1) الذخيرة: 611.

(2) السرائر 1: 554، الشرائع 1: 298، الإرشاد 1: 324.

(3) كصاحب الحدائق 15:

265.

(4) انظر المسالك 1: 146، و الذخيرة: 624.

(5) السرائر 1: 560.

(6) الشرائع 1: 288.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 198

و نحوه الثالث، إلّا أنّه قال: و ضمن قيمة ما أكل «1».

و يمكن أن يكون هذا الحكم مختصّا عندهم بالشراء و الأكل، أو القتل و الأكل، للنصّ المخصوص فيهما بزعمهم.

و أن يكون مراد الأول من الفداء هو، الشاة التي ذكرها أولا، فإنّه ذكر في هذا الباب الفداء، و أراد به القيمة و الجزاء كثيرا، و تخصيص هذه المسألة بالذكر ثانيا لبيان تعلق الفداء بكلّ واحد من المشتركين.

و مراد الثاني من الضمان: ضمان ما في الأكل الذي سيذكره بعده، و تخصيصه بالذكر أولا لدفع احتمال تداخل الأكل و القتل في الفداء.

و كذا الثالث و إن كان بعيدا فيه.

و بالجملة: لو لم نقل بظهور كلماتهم فيما قلنا، فلا أقلّ من الاحتمال المانع عن دعوى الإجماع على خلافه.

و على هذا، فالأقوى وجوب دم شاة في أكل لحم الصيد مطلقا، فإن أكل مع القتل تكون فيه الكفّارة المقرّرة للقتل و الشاة للأكل، إذ الظاهر عدم التداخل، كما لعلّه يأتي بيانه.

المسألة الخامسة: لو رمى صيدا فلم يصبه،

أو شكّ في الإصابة و عدمه، أو أصابه و لم يؤثّر فيه، أو شكّ في التأثير و عدمه، فلا شي ء عليه، بالإجماع في الأول، و بلا خلاف إلّا من القاضي- كما قيل- في الثاني «2»، و بلا خلاف مطلقا كما قيل «3»، بل بالإجماع المحكي عن جماعة في

______________________________

(1) الإرشاد 1: 320.

(2) انظر الرياض 1: 456، و هو في المهذب 1: 228.

(3) انظر الرياض 1: 456.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 199

الثالث «1»، و على الأقوى وفاقا لظاهر المدارك في الرابع «2»، و ظاهر النافع و التحرير التوقّف فيه

«3».

كلّ ذلك للأصل الخالي عمّا يصلح للمعارضة، مضافا في الثالث إلى رواية أبي بصير «4».

نعم، ادّعي عن ظاهر بعضهم في الرابع الإجماع على لزوم الفداء «5».

و لا فائدة فيه، لعدم حجّية الإجماع المنقول.

و يستثنى من الأول و الثالث: ما لو رمى اثنان و أخطأ أحدهما، فإنّ على كلّ واحد منهما الفداء، وفاقا للأكثر «6».

لصحيحة ضريس «7»، و رواية إدريس بن عبد اللّه «8».

خلافا للحلّي، فنفاه عن المخطئ «9».

و هو حسن على أصله من عدم العمل بالآحاد.

و لا يتعدّى الحكم إلى الأكثر من اثنين، سواء تعدّد المصيب أو المخطئ، اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النصّ.

و لو رماه و جرحه فغاب و جهل حاله، فعليه الفداء كاملا، بلا خلاف

______________________________

(1) الرياض 1: 456.

(2) المدارك 8: 357.

(3) المختصر النافع: 103، التحرير 1: 117.

(4) الكافي 4: 386- 6، الوسائل 13: 62 أبواب كفّارات الصيد ب 27 ح 4.

(5) انظر الرياض 1: 456، و كشف اللثام 1: 398.

(6) كما في النافع: 104، الشرائع 1: 290 المسالك 1: 141، المدارك 8: 356، 369.

(7) التهذيب 5: 352- 1223، الوسائل 13: 49 أبواب كفّارات الصيد ب 20 ح 1.

(8) التهذيب 5: 351- 1222، الوسائل 13: 49 أبواب كفّارات الصيد ب 20 ح 2.

(9) السرائر 1: 561.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 200

فيه، بل عليه الإجماع عن المنتهى و الانتصار و شرح الجمل للقاضي «1» و غيرها «2».

للمستفيضة الدالة عليه «3».

المسألة السادسة: لو اشترك جماعة محرمين في قتل صيد

لزم كلّ واحد منهم فداء كامل، إجماعا محقّقا، و منقولا مستفيضا «4».

له، و للنصوص المستفيضة المتقدّمة بعضها «5».

و منها صحيحة البجلي: عن رجلين أصابا صيدا و هما محرمان، الجزاء بينهما أو على كل واحد منهما الجزاء؟ فقال: «لا، بل عليهما أن يجزي

كلّ واحد منهما الصيد» الحديث «6».

المسألة السابعة: من أحرم و معه صيد مملوك له قبل الإحرام

زال ملكه عنه عند جماعة «7»، بل الأكثر، بل عن جماعة: الإجماع عليه «8».

لوجوه قاصرة جدّا عن دفع الأصل و الاستصحاب الخاليين عن المعارض، سوى رواية أبي سعيد المكاري «9»، و هي على زوال الملك غير

______________________________

(1) المنتهى 2: 828، الانتصار: 104، شرح الجمل: 239.

(2) كالحدائق 15: 273.

(3) كما في الوسائل 13: 61 أبواب كفّارات الصيد ب 27.

(4) كما في المدارك 8: 359، المفاتيح 1: 326، الرياض 1: 457.

(5) انظر الوسائل 13: 44 أبواب كفّارات الصيد ب 18.

(6) الكافي 4: 391- 1، التهذيب 5: 466- 1631، الوسائل 13: 46 أبواب كفّارات الصيد ب 18 ح 6.

(7) منهم المحقق في الشرائع 1: 289، العلامة في الإرشاد 1: 320، الشهيد في الدروس 1: 352.

(8) حكاه في الرياض 1: 457.

(9) التهذيب 5: 362- 1257، الوسائل 13: 74 أبواب كفّارات الصيد ب 34 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 201

دالّة، بل آمرة بإخراجه عنه، و هو لا يدلّ على الزوال، مع أنّ الأمر فيه أيضا ليس دالّا على الوجوب، لوروده بالجملة الخبريّة.

فإذن فعدم الزوال- كما حكي عن الإسكافي و الشيخ «1»، و قوّاه جماعة من المتأخّرين «2»- أقوى.

نعم، يجب عليه إرساله إذا دخل الحرم.

لرواية أبي سعيد، و غيرها «3».

و لو لم يرسله حينئذ حتى مات فعليه الفداء إجماعا.

لحسنة بكير بن أعين «4».

و لو كان له صيدا و لم يكن معه- بل كان نائيا عنه- لم يزل ملكه عنه، بلا خلاف، كما صرّح به جماعة «5».

و تدلّ عليه صحيحتا جميل «6» و محمّد «7».

و كما لا يزول ملكه عنه مطلقا قطعا «8»، فهل يجوز له إدخاله في ملكه ابتداء ببيع أو هبة أو

إرث أو وقف أو غيرها، أم لا؟

و لو أدخله فهل ينتقل إليه، أم لا؟

______________________________

(1) الشيخ في التهذيب 5: 362، حكاه عن الإسكافي في المدارك 8: 363.

(2) كصاحبي المدارك 8: 363، و الحدائق 15: 171.

(3) الوسائل 13: 73 أبواب كفّارات الصيد ب 34.

(4) الكافي 4: 234- 11، التهذيب 5: 362- 1259، الوسائل 13: 75 أبواب كفّارات الصيد ب 36 ح 3.

(5) منهم صاحب المدارك 8: 364، الذخيرة: 612، الرياض 1: 458.

(6) الكافي 4: 382- 9، التهذيب 5: 362- 1260، الوسائل 13: 73 أبواب كفّارات الصيد ب 34 ح 1.

(7) الفقيه 2: 167- 731، الوسائل 13: 74 أبواب كفّارات الصيد ب 34 ح 4.

(8) ليست في «ق» و «س».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 202

قال جماعة- بل هم الأكثر كما قيل- بعدم الدخول في ملكه مطلقا «1».

و فرّق جماعة بين ما كان معه عند الإحرام فلا يملكه، و ما لم يكن معه فيملكه «2».

و احتجّوا بوجوه غير تامّة، و الأصل يقتضي الدخول، إلّا أنّه صرّح في صحيحة الحذّاء بأنّ من اشترى بيض نعامة لرجل محرم فعلى الذي اشتراه فداء «3».

و في رواية أبي بصير بأنّ قوما محرمين اشتروا صيدا على كلّ إنسان منهم فداء «4».

فإن قلنا باستلزام وجوب الفداء للحرمة- إمّا مطلقا أو هنا خاصّة، للإجماع المركّب- و باقتضاء النهي في المعاملات للفساد كما هو التحقيق، يثبت الحكم بعدم الانتقال بالاشتراء، و يتعدّى إلى غيره بالإجماع المركّب، و اللّه العالم.

المسألة الثامنة: كما يجب الفداء بالذبح على المحرم، كذلك يجب بأن يمسك الصيد

و ذبحه غيره من محلّ أو محرم، بلا خلاف فيه، كما صرّح به جماعة «5»، بل بالإجماع ظاهرا، فهو الحجّة فيه.

و قد يستدلّ له بفحوى ما مرّ من لزومه على الشريك في الرمي من

______________________________

(1) كالشيخ في

المبسوط 1: 347، الخلاف 2: 413، العلّامة في التحرير 1:

117.

(2) انظر الروضة 2: 350، جامع المقاصد 3: 334، الذخيرة: 613.

(3) الكافي 4: 388- 12، التهذيب 5: 466- 1628، الوسائل 13: 105 أبواب كفارات الصيد ب 57 ح 1.

(4) الكافي 4: 392- 4، الوسائل 13: 45 أبواب كفارات الصيد ب 18 ذيل الحديث 5.

(5) منهم صاحب الرياض 1: 458.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 203

غير إصابة و على الدالّ، فهنا أولى.

و فيه نظر.

المسألة التاسعة: قال جماعة: السائق يضمن ما تجنيه دابّته مطلقا،

و كذلك الراكب إذا كانت دابّته واقفة، و إذا كانت سائرة يضمن ما تجنيه بيديها «1».

و ألحق في المنتهى الرأس باليدين أيضا «2».

و كأنّ مستندهم في التفصيل ما ورد في حكم مطلق الجناية.

و الأظهر الرجوع إلى صحيحة ابن عمّار في المحرم: «ما وطئت من الدباء أو وطئته بعيرك فعليك فداؤه» «3».

و في الأخرى: «ما وطئ بعيرك و أنت محرم فعليك فداؤه» «4».

و رواية الكناني: «ما وطئته أو وطئه بعيرك أو دابّتك و أنت محرم فعليك فداؤه» «5».

و هذه الروايات مطلقة بالإضافة إلى اليد و الرجل، فعليه الفتوى، و كذا الرأس، لعدم قول بالفصل.

و لو انقلبت الدابّة على صيد أو جراد لم يكن ضمان، كما ذكره في

______________________________

(1) منهم المحقق في الشرائع 1: 290، الشهيد الثاني في المسالك 1: 141، صاحب المدارك 8: 372.

(2) المنتهى 2: 831.

(3) الكافي 4: 393- 5، الوسائل 13: 100 أبواب كفارات الصيد ب 53 ب 2.

(4) الكافي 4: 382- 10، الفقيه 2: 234- 1118، الوسائل 13: 100 أبواب كفارات الصيد ب 53 ح 1.

(5) التهذيب 5: 355- 1232، الاستبصار 2: 202- 686، الوسائل 13: 100 أبواب كفارات الصيد ب 53 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 204

المنتهى

«1»، للأصل.

و هل يضمن مالك الدابّة إذا لم يركبها أو كانت سائبة للرعي أو الاستراحة؟

قيل: لا، لانتفاء اليد، و تبادر الراكب من الروايتين «2».

و قد يقال: نعم، لظاهر إطلاق لفظ الروايات.

و هو الأظهر.

المسألة العاشرة: لو دلّ محرم على صيد في حلّ أو حرم محلّا أو محرما

فقد ضمنه إجماعا، كما عن الخلاف و الغنية «3».

لصحيحتي [الحلبي ] «4» و منصور «5»، المتقدّمتين في مسألة تحريم الصيد من تروك الإحرام، و احتمال إرادة كون الفداء في الأول على المستحلّ دون الدالّ خلاف ما يفهم من متن الحديث.

و مقتضى الحديثين اختصاص الفداء بصورة القتل بالدلالة.

أمّا الحديث الأول فلقوله: «فيستحلّ من أجلك».

و أمّا الثاني فظاهر.

مع أنّه لو لا اختصاص الأول للزم تخصيصه بمفهوم الشرط في الثاني.

و الفداء مخصوص بما إذا أفادت الدلالة شيئا للمدلول.

______________________________

(1) المنتهى 2: 831.

(2) في المدارك 8: 372.

(3) الخلاف 2: 405، الغنية (الجوامع الفقهية): 576.

(4) في النسخ: ابن عمّار، و الصحيح ما أثبتناه. انظر الكافي 4: 381- 1، الوسائل 13: 43 أبواب كفارات الصيد ب 17 ح 1.

(5) الكافي 4: 381- 2، التهذيب 5: 315- 1086، الوسائل 12: 416 أبواب تروك الإحرام ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 205

و إن كان يراه فلا فداء على الدالّ، لعدم صدق الدلالة و الاستحلال لأجله حينئذ.

و مقتضى الصحيحة الأولى ضمان المحلّ أيضا إذا دلّ في الحرم، و لكن إذا دلّ في الحلّ محرما فلا فداء على المحلّ، للأصل.

المسألة الحادية عشرة: لو أغرى المحرم كلبه أو بازه بصيد فقتله،

ضمن.

لصدق الدلالة و الاصطياد و الإصابة الواردة في الروايات.

المسألة الثانية عشرة: لو وقع واحد ممّا مرّ- ممّا له الفداء

أو بدله أو القيمة أو غيرها- من المحرم في الحرم يجتمع عليه ما يلزم المحرم في الحلّ و المحلّ في الحرم، على الحقّ المشهور بين الأصحاب، كما صرّح به جماعة «1»، بل نسب خلافه إلى النادر «2».

للمعتبرة المستفيضة، كصحيحة زرارة المتقدّمة في المسألة الرابعة من المقام الأول «3».

و رواية ابن الفضيل: عن رجل قتل حمامة من حمام الحرم و هو غير محرم، قال: «عليه قيمتها، و هو درهم يتصدّق به أو يشتري طعاما لحمام الحرم، و إن قتلها و هو محرم في الحرم فعليه شاة و قيمة الحمامة» «4».

______________________________

(1) منهم العلّامة في المختلف: 278، السبزواري في الذخيرة: 608، الكفاية:

64.

(2) كما في الرياض 1: 459.

(3) راجع ص: 165.

(4) التهذيب 5: 345- 1198، الاستبصار 2: 200- 679، الوسائل 13: 26 أبواب كفارات الصيد ب 10 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 206

و الأخرى: عن رجل قتل حمامة من حمام الحرم و هو محرم، قال:

«إن قتلها و هو محرم في الحرم فعليه شاة و قيمة الحمامة» إلى أن قال: «فإن قتله و هو محرم في الحرم فعليه حمل و قيمة الفرخ نصف درهم» الحديث «1».

و صحيحة الحلبي: «إن قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة و ثمن الحمامة درهم أو شبهه، يتصدّق به أو يطعمه حمام مكّة، فإن قتلها في الحرم و ليس بمحرم فعليه ثمنها» «2».

و رواية أبي بصير: عن محرم قتل حمامة من حمام الحرم خارجا من الحرم، فقال: «عليه شاة»، قلت: فإن قتلها في جوف الحرم؟ قال: «عليه شاة و قيمة الحمامة»، قلت: فإن قتلها في الحرم و هو حلال؟ قال: «عليه ثمنها، ليس

عليه غيره» «3».

و الأخرى: في رجل قتل طيرا من طير الحرم و هو محرم في الحرم، فقال: «عليه شاة و قيمة الحمام درهم يعلف به حمام الحرم» «4».

و صحيحة ابن عمّار: «إن أصبت الصيد و أنت محرم في الحرم فالفداء مضاعف عليك، و إن أصبته و أنت حلال في الحرم فالفداء قيمة واحدة، و إن أصبته و أنت حرام في الحل فإنّما عليك فداء

______________________________

(1) الفقيه 2: 233- 1117، الوسائل 13: 28 أبواب كفارات الصيد ب 11 ح 1 و فيه صدر الحديث.

(2) الكافي 4: 395- 1، التهذيب 5: 370- 1289، الوسائل 13: 29 أبواب كفّارات الصيد ب 11 ح 3.

(3) التهذيب 5: 347- 1203، الوسائل 13: 29 أبواب كفّارات الصيد ب 11 ح 2.

و أورد ذيلها في ص 28 ب 10 ح 9.

(4) الفقيه 2: 171- 751، الوسائل 13: 30 أبواب كفّارات الصيد ب 11 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 207

واحد» «1».

و موثّقة ابن عمّار في حكم الصيد، و فيها: «فإن أصبته و أنت حلال في الحرم فعليك قيمة واحدة، و إن أصبته و أنت حرام في الحل فعليك القيمة، و إن أصبته و أنت حرام في الحرم فعليك الفداء مضاعفا» الحديث «2».

و مثل الأخيرين المرويّ عن مولانا الجواد عليه السّلام المتقدّم في الرابعة من المقام الأول «3».

و المراد بالفداء في الأخيرين: ما يعمّ القيمة، كما يظهر منهما و ممّا مرّ في المسألة الرابعة.

و يظهر للمتتبّع في الأخبار و كلمات القدماء أنّ الفداء و الجزاء أعمّ من المقدّرات الشرعيّة و القيمة، و هو المطابق للّغة، مضافا إلى ما مرّ من أخبار الحمامة، فإنّها صريحة في أنّ المجتمع على المحرم في الحرم: الفداء

و القيمة، لا الفداء مضاعفا.

و منه يظهر أنّه لا يلزم ارتكاب تجوّز في لفظ الفداء، بل أراد المطلق، و إن ثبت التعيين بأخبار الحمامة منضمّة إلى عدم القول بالمطلق في غير الحمامة و الخصوص في الحمامة.

و منه يظهر أيضا ضعف القول المحكيّ عن الإسكافي و السيّد في أحد قوليه- بتضاعف الفداء المصطلح مطلقا لأجل الأخبار الثلاثة «4»- لما ذكر،

______________________________

(1) الكافي 4: 395- 4، الوسائل 13: 89 أبواب كفّارات الصيد ب 44 ح 5، بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 5: 370- 1288، الوسائل 13: 70 أبواب كفّارات الصيد ب 31 ح 5.

(3) راجع ص: 165.

(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 227، السيّد في الانتصار: 99.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 208

و لأنّ غاية الأخيرة الإطلاق في الفداء، و هو لا يعيّن المصطلح.

و قد يتوهّم صراحة الأخيرة في تضاعف الفداء المصطلح.

و كأنّه استنبطه من قوله هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ «1».

و يمكن أن يقال: بأنّ الهدي لعلّه لبعض منه لا للجميع، أو المراد بالهدي: ما يعمّ غير الحيوان أيضا، مع أنّ فيه صرّح بالفداء و القيمة للفرخ، و لو سلّم فلضعف الرواية لا تصلح دليلا لحكم هذا.

مع أنّ السيّد و الإسكافي أطلقا الفداء أيضا، فيمكن أن يكون مرادهما ما يطابق المشهور، بل هو الظاهر للمتتبّع في كلمات القدماء.

و قال الحلّي في السرائر: و إذا صاد المحرم في الحرم كان عليه جزاءان، أو القيمة مضاعفة إن كانت له قيمة منصوصة «2». انتهى.

و ظاهر هذه العبارة يطابق المحكيّ عن الإسكافي، فعيّن عليه الجزاءان فيما له جزاء، و القيمة المضاعفة فيما له قيمة منصوصة.

و حكي عن جماعة: التخيير «3».

و عن العماني: شاة في الحمامة «4».

و لو لا مخافة خرق الإجماع المركّب لقلنا في

الحمامة بالفداء المصطلح و القيمة، و في غيرها بالتخيير، و اللّه العالم.

و التضاعف إنّما هو إذا لم يبلغ الفداء بدنة، و إذا بلغها- كما في النعامة- يقتصر عليها عند جماعة «5»، بل المشهور كما عن

______________________________

(1) المائدة: 95.

(2) السرائر 1: 563.

(3) حكاه في الرياض 1: 460.

(4) حكاه عنه في المختلف: 278.

(5) انظر النهاية: 266، الشرائع 1: 292، التبصرة: 65.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 209

المسالك «1»، للمرسلتين «2».

خلافا لجمع آخر «3»، بل ادّعي عليه الشهرة أيضا «4»، لإطلاق ما مرّ.

و فيه: أنّ المرسلتين خاصّتان، فيجب التخصيص بهما، و القول بضعفهما لا اعتبار له عندنا.

المسألة الثالثة عشرة: لا فرق في ضمان الفداء أو القيمة فيما له أحدهما

بين العمد- بأن يعلم أنّه صيد ذاكر لإحرامه- و السهو- بأن يكون غافلا عن الإحرام أو كونه صيدا- و الجهل بالحكم، و العلم، و الخطأ- بأن قصد شيئا فأخطأ إلى الصيد- و الاختيار، و الاضطرار، إلّا فيما مرّ من الجراد ممّا يشقّ التحرّز عنه.

بالإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضا في الخلاف و الغنية و التذكرة و المنتهى «5» و غيرها «6».

له، و للإطلاقات، و خصوص المستفيضة:

كصحيحة ابن عمّار: «اعلم أنّه ليس عليك فداء شي ء أتيته و أنت جاهل به و أنت محرم في حجّك و لا في عمرتك، إلّا الصيد، فإنّ عليك فيه

______________________________

(1) المسالك 1: 142.

(2) الاولى في: الكافي 4: 395- 5، الوسائل 13: 92 أبواب كفّارات الصيد ب 46 ح 1.

الثانية في: التهذيب 5: 372- 1294، الوسائل 13: 92 أبواب كفّارات الصيد ب 46 ح 2.

(3) انظر السرائر 1: 563، كشف اللثام 1: 402، الذخيرة: 608.

(4) كما في الرياض 1: 460.

(5) الخلاف 2: 396، الغنية (الجوامع الفقهية): 575، التذكرة 1: 351، المنتهى 2: 818.

(6) كالمدارك 8: 395، الرياض 1: 460.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 210

الفداء بجهالة كان أو بعمد» «1».

و البزنطي: عن المحرم يصيب الصيد بجهالة، قال: «عليه كفّارة»، قلت: فإن أصابه خطأ؟ قال: «و أيّ شي ء الخطأ عندك؟» قلت: يرمي هذه النخلة فتصيب نخلة أخرى، قال: «نعم، هذا الخطأ و عليه الكفّارة»، قلت: فإنّه أخذ طائرا متعمّدا فذبحه و هو محرم، قال: «عليه الكفّارة»، قلت:

أ لست قلت: إنّ الخطأ و الجهل و العمد ليسوا بسواء، فلأيّ شي ء يفضل المتعمّد الجاهل و الخاطئ؟ قال: «إنّه أثم و لعب بدينه» «2».

و الأخرى: عن المحرم يصيب الصيد بجهالة أو خطأ أو عمد، أهم فيه سواء؟ قال: «لا»، قلت: جعلت فداك، ما تقول في رجل أصاب صيدا بجهالة و هو محرم، إلى قريب ممّا مرّ في السابقة «3».

و في الصحيح عن مسمع: «إذا رمى المحرم صيدا فأصاب اثنين فإنّ عليه كفّارتين جزاؤهما» «4».

و حكي عن العماني: السقوط عن الناسي، لحديث رفع القلم «5».

و قوله شاذّ، و استدلاله ضعيف.

و كما يتساوى الجميع في أصل الكفّارة كذلك يتساوى في وحدتها و عدم تضاعفها و لو في العمد، للأصل، و الإطلاق.

______________________________

(1) الكافي 4: 382- 10، الوسائل 13: 70 أبواب كفّارات الصيد ب 31 ح 4، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 4: 381- 4، الوسائل 13: 69 أبواب كفّارات الصيد ب 31 ح 2، بتفاوت يسير.

(3) التهذيب 5: 360- 1253، الوسائل 13: 69 أبواب كفّارات الصيد ب 31 ح 3.

(4) الكافي 4: 381- 5، الوسائل 13: 71 أبواب كفّارات الصيد ب 31 ح 6.

(5) الخصال: 93- 40، الوسائل 1: 45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 211

خلافا للمحكيّ عن الناصريات و الانتصار «1»، فقال بالتضاعف في

العمد إمّا مع قصد نقض الإحرام كما عن الأول، أو مطلقا كما عن الثاني.

للإجماع.

و الاحتياط.

و أغلظيّة العمد.

و الأول: ليس بحجّة.

و الثاني: ليس بواجب.

و الثالث: اجتهاد في مقابلة النصّ المصرّح بأنّ الفارق بين العمد و غيره ليس إلّا الإثم.

المسألة الرابعة عشرة: إذا تكرّر الصيد من المحرم،

فإن كان من غير عمد ضمن الكفّارة بكلّ مرّة إجماعا.

لإطلاق صحيحة ابن عمّار: في المحرم يصيد الصيد، قال: «عليه الكفّارة في كلّ ما أصاب» «2».

و الأخرى: محرم أصاب صيدا، قال: «عليه الكفّارة»، قلت: فإن هو عاد؟ قال: «عليه كلّما عاد كفّارة» «3».

و خصوص مرسلة ابن أبي عمير: «إذا أصاب المحرم الصيد خطأ فعليه كفّارة، فإن أصابه ثانيا خطأ فعليه الكفّارة أبدا إذا كان خطأ، فإن أصابه متعمّدا كان عليه الكفّارة، فإن أصابه ثانيا متعمّدا فهو ممّن ينتقم اللّه منه و لم

______________________________

(1) الناصريات: 209، الانتصار: 99.

(2) الكافي 4: 394- 1 بتفاوت، التهذيب 5: 372- 1295، الاستبصار 2:

210- 718، الوسائل 13: 92 أبواب كفّارات الصيد ب 47 ح 1.

(3) التهذيب 5: 372- 1296، الاستبصار 2: 210- 719، الوسائل 13: 93 أبواب كفّارات الصيد ب 47 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 212

يكن عليه الكفّارة» «1».

و بالأخيرة يقيّد ما دلّ على نفي التكرّر مطلقا، كصحيحة الحلبي: في محرم أصاب صيدا، قال: «عليه الكفّارة»، قلت: فإن أصاب آخر؟ قال:

«إذا أصاب آخر ليس عليه كفّارة، و هو ممّن قال اللّه عزّ و جلّ وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ » «2».

و ابن أبي عمير: «المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه، و يتصدّق بالصيد على مسكين، فإن عاد فقتل صيدا آخر لم يكن عليه جزاؤه، و ينتقم اللّه منه، و النقمة في الآخرة» «3».

و رواية حفص: «إذا أصاب المحرم الصيد فقولوا له:

هل أصبت صيدا قبل هذا و أنت محرم؟ فإن قال: نعم، فقولوا له: إنّ اللّه ينتقم منك، فاحذر النقمة، فإن قال: لا، فاحكموا عليه جزاء ذلك الصيد» «4».

مع أنّ الظاهر من هذه الأخبار النافية للتكرّر: المتعمّد، بل صريحة فيه، لقوله فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ .

و منها يظهر عدم ضمان المتعمّد غير المرّة الواحدة، وفاقا للشيخ في النهاية و التهذيبين و الصدوق في الفقيه و المقنع و القاضي و النكت

______________________________

(1) التهذيب 5: 372- 1298، الاستبصار 2: 211- 721، الوسائل 13: 94 أبواب كفّارات الصيد ب 48 ح 2.

(2) الكافي 4: 394- 2، الوسائل 13: 94 أبواب كفّارات الصيد ب 48 ح 4، و الآية في: المائدة: 96.

(3) التهذيب 5: 467- 1633، الاستبصار 2: 211- 720، الوسائل 13: 93 أبواب كفّارات الصيد ب 48 ح 1. و في الجميع: عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي ..

(4) التهذيب 5: 467- 1635، الوسائل 13: 94 أبواب كفّارات الصيد ب 48 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 213

و المسالك «1»، بل و أكثر المتأخّرين «2»، بل عن الكنز: نسبته إلى أكثر الأصحاب «3»، و عن التبيان: أنّه ظاهر مذهب الأصحاب «4»، و عن المجمع:

أنّه الظاهر في رواياتنا «5»، و في الشرائع: أنّه الأشهر «6»، و في النافع: أشهر الروايتين «7».

لهذه الأخبار، و بها تقيّد الصحيحتين الأوليين، لأخصّيتها.

مع أنّه لو سلّمت المساواة لزم الجمع بما ذكر بشهادة المرسلة التي هي في حكم المسانيد، و لولاها أيضا لزم تقديم هذه الأخبار، لأكثريّتها، و لمخالفتها لأكثر العامّة، بل موافقتها لظاهر الكتاب، لأنّ اللّه سبحانه حكم بالجزاء أولا و بالانتقام لمن عاد، و يفهم منه: أنّ الأول ليس بمن عاد، بل هو

البادئ، و لكون التفصيل قاطعا للشركة يدلّ على انتفاء غير الانتقام فيمن عاد، و للأصل.

فالقول بالتكرّر مطلقا- كما عن المبسوط و الخلاف و الإسكافي و الحلّي و الحلبي و السيّدين و الفاضل في جملة من كتبه و كنز العرفان «8»

______________________________

(1) النهاية: 226، التهذيب 5: 372، الاستبصار 2: 211، الفقيه 2: 234، المقنع: 79، القاضي في شرح جمل العلم و العمل: 240، و المهذب 1: 228، المسالك: 142.

(2) كما في الرياض 1: 461.

(3) كنز العرفان 1: 327.

(4) التبيان 4: 27.

(5) مجمع البيان 2: 245.

(6) الشرائع 1: 292.

(7) النافع: 105.

(8) المبسوط 1: 342، الخلاف 2: 397، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 277، الحلي في السرائر 1: 563، الحلبي في الكافي: 205، السيّد المرتضى في الناصريات (الجوامع الفقهية): 259، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 575، الفاضل في المختلف: 277، و القواعد 1: 98، كنز العرفان 1: 328.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 214

و غيرهم «1»- ضعيف.

و استدلّوا له بالآية «2».

و قد عرفت أنّها ظاهرة في غير من عاد.

و بالاحتياط.

و هو ليس بواجب.

و بإطلاق مطلقات الكفّارة.

و فيها: أنّها ظاهرة في المرّة الاولى، و لو سلّم فيجب التقييد بما مرّ.

و بما مرّ في المسألة السابقة من الأخبار المصرّحة بنفي الفرق بين الخطأ و العمد إلّا في الإثم.

و فيها: أنّها أيضا ظاهرة في المرّة الاولى، و لو سلم فعامّة بالنسبة إلى المرسلة و ما بعدها، فيجب التخصيص بها.

و الظاهر اختصاص ذلك التفصيل بالصيد الإحرامي.

و أمّا الحرمي للمحلّ فالظاهر تكرّر الكفّارة فيه مطلقا، لاختصاص الأخبار بالمحرم.

و كذا يختصّ بالعمد بعد العمد، و بالإحرام الواحد، فتتكرّر [في ] [1] العمد بعد الخطأ أو النسيان و عكسه، و في الإحرامين مطلقا لعامين أو

عام واحد، لم يرتبط أحدهما بالآخر، أو ارتبط، كإحرام العمرة للمتمتّع بها مع

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء السياق.

______________________________

(1) كالعلّامة في الإرشاد 1: 321، الشهيد في اللمعة (الروضة 2): 364.

(2) المائدة: 95.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 215

حجّها.

المسألة الخامسة عشرة: إذا عرفت وجوب الفداء على المحرم في الصيد

و نحوه بما مرّ مفصّلا، و ستعرف وجوبه على المحلّ في الحرم أيضا بأداء ثمنه.

فاعلم أنّ الفداء كلّما كان من حيوان أو طعام أو ثمن أو نحوها يجب صرفه للّه سبحانه- كما يأتي- سواء كان الصيد مملوكا لأحد أم لا.

نعم، يزيد في الأول ضمان القيمة للمالك أيضا على ما تقتضيه قاعدة الإتلاف، وفاقا للمحكيّ عن الخلاف و المبسوط و التذكرة و التحرير و المنتهى و الدروس و المسالك و المحقّق الشيخ عليّ «1»، و جماعة من المتأخّرين «2»، بل أكثرهم، بل قيل: إنّه مذهب المتأخّرين كافّة «3»، بل ظاهر المنتهى دعوى الاتّفاق عليه «4».

أمّا ضمان القيمة للمالك في المملوك فلأدلّة ضمان المتلف ما أتلفه بالمثل أو القيمة بلا معارض.

و أمّا صرف الفداء للّه فلأنّه شي ء أمر به سبحانه و أوجبه، و تصريح الأخبار المتواترة به:

كصحيحة الحلبي: عن فداء الصيد يأكل صاحبه من لحمه، قال:

______________________________

(1) حكاه عن الخلاف في كشف اللثام 1: 452، المبسوط 1: 346، التذكرة 1:

351، التحرير 1: 115، المنتهى 2: 819، الدروس 1: 353، المسالك 1:

144، و انظر جامع المقاصد 3: 340.

(2) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 402، و صاحبي الحدائق 15: 325، و الرياض 1: 462.

(3) كما في الرياض 1: 462.

(4) المنتهى 2: 819.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 216

«يأكل من أضحيته و يتصدّق بالفداء» «1».

و زرارة: « [إذا أصاب ] المحرم في الحرم حمامة إلى أن يبلغ الظبي [فعليه ] دم يهريقه

و يتصدّق بمثل ثمنه، و الحلال يتصدّق بمثل ثمنه» «2».

و في صحيحة عليّ: فيمن أخرج طيرا من مكّة فمات «تصدّق بثمنه» «3».

و في صحيحة ابن سنان: في حمام مكّة الأهلي «يتصدّق بصدقة أفضل من ثمنه» «4».

و في صحيحة الحذّاء: «إذا لم يجد الجزاء قوّم جزاؤه من النعم، ثمَّ قوّمت الدراهم طعاما لكلّ مسكين نصف صاع» «5».

و رواية ابن مسكان: عن رجل أهدى هديا فانكسر، قال: «إن كان مضمونا- و المضمون: ما كان في يمين أو نذر أو جزاء- فعليه فداؤه»، قلت: أ يأكل منه؟ قال: «لا، إنّما هو للمساكين» [1].

______________________________

[1] الكافي 4: 500- 8، التهذيب 5: 224- 756، الاستبصار 2: 272- 965، الوسائل 14: 165 أبواب الذبح ب 40 ح 16، و فيها: عن ابن مسكان، عن أبي بصير. كما و فيها: .. في يمين يعني نذرا أو جزاء ..

______________________________

(1) الكافي 4: 500- 5، الفقيه 2: 295- 1460، و في التهذيب 5: 224- 757، و الاستبصار 2: 273- 966، الوسائل 14: 164 أبواب الذبح ب 40 ح 15، بتفاوت.

(2) الفقيه 2: 167- 726، الوسائل 13: 29 أبواب كفّارات الصيد ب 11 ح 4، بتفاوت. و ما بين المعقوفين من المصدر.

(3) التهذيب 5: 464- 1620، قرب الإسناد: 244- 968، الوسائل 13: 37 أبواب كفّارات الصيد ب 14 ح 1، مسائل علي بن جعفر: 105- 8، بتفاوت يسير.

(4) الكافي 4: 235- 15، الفقيه 2: 169- 742، الوسائل 13: 23 أبواب كفّارات الصيد ب 9 ح 5، بتفاوت.

(5) الكافي 4: 387- 10، التهذيب 5: 341- 1183، الوسائل 13: 8 أبواب كفّارات الصيد ب 2 ح 1، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 217

إلى غير ذلك من الأخبار

التي لا تحصى كثرة.

و يدلّ عليه أيضا إطلاق الكفّارة عليه في الأخبار الكثيرة.

خلافا للمحقّق في الشرائع و النافع و الفاضل في الإرشاد و القواعد و غيرهما في المملوك، فجعلوا الفداء لصاحبه «1».

و لا دليل عليه أصلا، إذ ليس إلّا أدلّة ضمان التلف، و شي ء منها لا ينطبق على قاعدة الفداء، و لذا أوردت عليه إشكالات عديدة، حتى أنهاها في المسالك إلى اثني عشر «2»، و المتأمّل يجدها أكثر.

و أمّا على المختار فلا إشكال أصلا.

المسألة السادسة عشرة: الفداء إن لم يكن حيوانا

[يتصدّق به ] [1].

و إن كان حيوانا يذبحه أولا بنيّة الكفّارة، ثمَّ يتصدّق به.

كما نطقت به الأخبار:

منها: صحيحة زرارة المتقدّمة المتضمّنة لقوله: «دم يهريقه».

و صحيحة ابن سنان الناطقة بأنّ: «من وجب عليه فداء صيد أصابه و هو محرم فإن كان حاجّا نحر بمنى، و إن كان معتمرا نحر بمكّة» «3».

و في صحيحة عليّ- في الفداء الحرمي-: «بعير ينحره في

______________________________

[1] بدل ما بين المعقوفين في «ق» و «ح»: فتصدقه، و الأولى ما أثبتناه.

______________________________

(1) الشرائع 1: 293، النافع: 105، الإرشاد 1: 321، القواعد 1: 98، و انظر تبصرة المتعلمين: 65.

(2) المسالك 1: 143.

(3) الكافي 4: 384- 3، التهذيب 5: 373- 1299، الاستبصار 2: 211- 722، الوسائل 13: 95 أبواب كفّارات الصيد ب 49 ح 1، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 218

المنحر» «1»، إلى غير ذلك.

و يتصدّقه على المساكين و الفقراء، و لا يجب فيهم التعدّد في غير ما ورد، كإطعام ستّين و نحوهم.

للأصل، و يستفاد من الأخبار.

و لا يأكل منه، بلا خلاف يوجد، بل عليه الإجماع عن جماعة «2».

و تدلّ عليه الأخبار المصرّحة بأنّه يتصدّق على المساكين، و خصوص صحيحة الحلبي و رواية ابن مسكان المتقدّمتين، و صحيحة حريز «3»، و رواية

ابن عمّار «4».

و رواية عليّ بن أبي حمزة: عن رجل قبّل امرأته و هو محرم، قال:

«عليه بدنة و إن لم ينزل، و ليس له أن يأكل منها» «5».

و بإزاء تلك الأخبار روايات أخر تدلّ على جواز الأكل منه، كصحيحتي ابن عمّار «6» و ابن سنان «7»، و حسنة الكاهلي «8»، و رواية جعفر

______________________________

(1) التهذيب 5: 355- 1234، الاستبصار 2: 203- 688، قرب الإسناد:

236- 925، الوسائل 13: 54 أبواب كفّارات الصيد ب 24 ح 1، بتفاوت.

(2) كما في الخلاف 2: 346، الغنية (الجوامع الفقهية): 582.

(3) الفقيه 2: 299- 1483، الوسائل 14: 167 أبواب الذبح ب 40 ح 26.

(4) التهذيب 5: 215- 726، الاستبصار 2: 270- 957، الوسائل 14: 132 أبواب الذبح ب 25 ح 3.

(5) الكافي 4: 376- 3، التهذيب 5: 327- 1123، الوسائل 13: 139 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 18 ح 4.

(6) التهذيب 5: 223- 751، الوسائل 14: 159 أبواب الذبح ب 40 ح 1، و الآية في: الحج 36.

(7) التهذيب 5: 484- 1723، الوسائل 14: 162 أبواب الذبح ب 40 ح 10.

(8) التهذيب 5: 225- 759، الاستبصار 2: 273- 968، الوسائل 14: 161 أبواب الذبح ب 40 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 219

ابن بشير «1».

و ردّوها بالشذوذ.

أقول: و لولاه أيضا لتعارضتا و يجب الرجوع إلى عمومات التصدّق.

و حملها بعضهم على حال الضرورة «2».

ثمَّ أقول: الظاهر أنّ المراد من الأخبار الأولى: الأكل مجّانا- كما هو المتبادر منها- و من الثانية: مطلق الأكل، فيجوز له الأكل مع ضمان القيمة، كما صرّح بلزوم القيمة لو أكل في صحيحة حريز و رواية السكوني «3».

و لا يبعد أن يكون ذلك مراد المانعين و المجوّزين، و به

يندفع التعارض من الأخبار أيضا، و عليه الفتوى.

المسألة السابعة عشرة: يستثنى من وجوب التصدّق: فداء حمام الحرم للمحرم،

و قيمته للمحلّ في الحرم، و هما لهما، فيتخيّر بين التصدّق به و اشتراء العلف لحمام الحرم.

لصحيحة الحلبي المصرّحة بالتخيير «4»، و بها تخرج مطلقات الأمر بالثاني- و هي كثيرة- عن ظاهرها الذي هو التعيين، مع أنّها بكثرتها خالية عن الدالّ على الوجوب، و إنّما غايتها الرجحان، و هو مسلّم، فيكون الثاني أفضل فردي المخيّر.

______________________________

(1) التهذيب 5: 225- 760، الاستبصار 2: 273- 969، الوسائل 14: 161 أبواب الذبح ب 40 ح 7.

(2) كالشيخ في التهذيب 5: 225.

(3) التهذيب 5: 225- 761، الاستبصار 2: 273- 970، الوسائل 14: 161 أبواب الذبح ب 40 ح 5.

(4) الكافي 4: 395- 1، التهذيب 5: 370- 1289، الوسائل 13: 51 أبواب كفّارات الصيد ب 22 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 220

المسألة الثامنة عشرة: اختلفت الأخبار في محلّ ذبح الفداء أو نحره:
اشارة

منها: المرويّ في إرشاد المفيد عن مولانا الجواد عليه السّلام: «إذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه و كان إحرامه بالحجّ نحره بمنى، و إن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكّة» «1».

و المرويّ في تفسير عليّ مسندا و في تحف العقول مرسلا: «المحرم بالحجّ ينحر الفداء بمنى، و المحرم بالعمرة ينحر الفداء بمكّة» «2».

و صحيحة ابن سنان: «من وجب عليه فداء صيد أصابه و هو محرم، فإن كان حاجّا نحر هديه الذي يجب عليه بمنى، و إن كان معتمرا نحره بمكّة قبالة الكعبة» «3».

و موثّقة زرارة: «في المحرم إذا أصاب صيدا فوجب عليه الفداء، فعليه أن ينحره إن كان في الحجّ بمنى حيث ينحر الناس، و إن كان في عمرة نحره بمكّة، و إن شاء تركه إلى أن يقدم فيشتريه، فإنّه يجزئ عنه» «4».

و في رواية الكرخي: «فإن كان هديا واجبا فلا ينحره إلّا بمنى، و

إن كان ليس بواجب فلينحره بمكّة إن شاء» «5».

و صحيحة حريز، و فيها: «فإن قتل فرخا و هو محرم في غير الحرم

______________________________

(1) الإرشاد 2: 283، الوسائل 13: 14 أبواب كفّارات الصيد ب 3 ح 1.

(2) تفسير القمي 1: 183، تحف العقول: 335، الوسائل 13: 15 أبواب كفّارات الصيد ب 3 ح 2.

(3) الكافي 4: 384- 3، التهذيب 5: 373- 1299، الاستبصار 2: 211- 722، الوسائل 13: 95 أبواب كفّارات الصيد ب 49 ح 1.

(4) الكافي 4: 384- 4، التهذيب 5: 373- 1300، الاستبصار 2: 212- 723، الوسائل 13: 98 أبواب كفّارات الصيد ب 51 ح 2.

(5) الكافي 4: 488- 3، التهذيب 5: 201- 670، الاستبصار 2: 263- 928، الوسائل 14: 88 أبواب الذبح ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 221

فعليه حمل قد فطم، و ليس عليه قيمته، لأنّه ليس في الحرم، و يذبح الفداء إن شاء بمنزله بمكّة، و إن شاء بالحزورة بين الصفا و المروة» الحديث «1».

و صحيحة منصور: عن كفّارة العمرة المفردة أين تكون؟ فقال:

«بمكّة، إلّا أن يشاء صاحبها أن يؤخّرها إلى منى، و يجعلها بمكّة أحبّ إليّ و أفضل» «2».

و ابن عمّار: كفّارة العمرة أين تكون؟ قال: «بمكّة، إلّا أن يؤخّرها إلى الحجّ فتكون بمنى، و تعجيلها أفضل و أحبّ إليّ» «3».

و الأخرى: «يفدي المحرم فداء الصيد حيث أصابه» «4».

و مرسلة أحمد: «من وجب عليه هدي في إحرامه فله أن ينحره حيث شاء، إلّا فداء الصيد، فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ» «5».

و موثّقة إسحاق: الرجل يخرج من حجّته شيئا يلزم منه دم، يجزئه أن يذبحه إذا رجع إلى أهله؟ فقال: «نعم» «6».

و قريبة منها

الأخرى «7» و الثالثة «8»، إلّا أنّ في الأخيرة: «يخرج من

______________________________

(1) لم نعثر على هكذا نصّ لحريز. نعم وجدناه مرويّا عن محمّد بن الفضيل، انظر الفقيه 2: 233- 1117.

(2) التهذيب 5: 374- 1303، الاستبصار 2: 212- 725، الوسائل 13: 96 أبواب كفّارات الصيد ب 50 ح 4.

(3) الكافي 4: 539- 5، الوسائل 14: 89 أبواب الذبح ب 4 ح 4.

(4) الكافي 4: 384- 1، التهذيب 5: 373- 1301، الاستبصار 2: 212- 724، الوسائل 13: 98 أبواب كفّارات الصيد ب 51 ح 1.

(5) الكافي 4: 384- 2، التهذيب 5: 374- 1304، الاستبصار 2: 212- 726، الوسائل 13: 96 أبواب كفّارات الصيد ب 49 ح 3.

(6) الكافي 4: 488- 4، الوسائل 14: 90 أبواب الذبح ب 5 ح 1.

(7) الكافي 4: 488- 4، الوسائل 14: 90 أبواب الذبح ب 5 ح 1.

(8) التهذيب 5: 481- 1712، الوسائل 13: 97 أبواب كفّارات الصيد ب 50 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 222

حجّه و عليه شي ء» مقام: «يخرج من حجّته شيئا».

ثمَّ لأجل ذلك الاختلاف اختلفت الأصحاب أيضا.

و بيان ذلك: أنّ الفداء أمّا للجناية في الحجّ، أو العمرة المتمتّع بها أو المفردة، و على التقديرين: إمّا فداء للصيد، أو غيره.

فإن كان فداء للجناية بالصيد في الحجّ فذهب الأكثر إلى وجوب النحر بمنى أو الذبح.

حكي عن والد الصدوق و الخلاف و المبسوط و النهاية و فقه القرآن للراوندي و الفقيه و المقنع و المراسم و الإصباح و الإشارة و الغنية و جمل العلم و العمل و المقنعة و الكافي و المهذّب و الوسيلة و الجامع و روض الجنان و في السرائر و الشرائع و النافع و القواعد و الإرشاد

«1»، بل لا خلاف فيه أجده، بل صرّح به بعضهم مطلقا «2»، و هو كذلك.

و تدلّ عليه- مع ظاهر الإجماع- من الأخبار: الخمسة الاولى.

و تعارضها الآية الشريفة، و صحيحة حريز، و الأخبار الخمسة الأخيرة، و لكن الآية و الصحيحتين و المرسلة تعارضها بالعموم المطلق، لشمول الأربعة للعمرة أيضا، و كذا الأخيرة، لعدم صراحتها في كون الشي ء

______________________________

(1) حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 287، الخلاف 2: 438، المبسوط 1:

345، النهاية: 226، فقه القرآن 1: 309، الفقيه 2: 235، المقنع: 79، المراسم: 121، الإشارة: 136، الغنية (الجوامع الفقهية): 582، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 72، المقنعة: 438، الكافي: 206، المهذب 1:

230، الوسيلة: 171، الجامع: 195، حكاه عن الروض في الرياض 1: 462، السرائر 1: 564، الشرائع 1: 293، النافع: 105، القواعد 1: 89، الإرشاد 1:

321.

(2) كما في الرياض 1: 462.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 223

للحجّ، فلعلّه للعمرة المتمتّع بها، فيجب التخصيص بالخمسة الاولى.

مع أنّ الإفداء في الصحيحة [1] ليس نصّا في الذبح، فلعلّه الشراء، كما ذكره الشيخ في توجيه الموثّقة «1».

و أوجبه بعضهم حيث أصابه «2»، لتلك الصحيحة.

و في المرسلة كلام يأتي، و أمّا الباقيتان فلا تكافئان ما مرّ، لمخالفتهما عمل الطائفة، مع أنّ الحمل على الاضطرار ممكن.

و إن كان فداء للصيد في إحرام العمرة فذهب أكثر من ذكر أيضا إلى وجوب ذبحه بمكّة «3».

و تدلّ عليه الأخبار الأربعة الاولى و المرسلة، بحمل ذيل الموثّقة على تأخير الاشتراء كما مرّ.

و قال في السرائر- و حكي عن الوسيلة و الراوندي- بوجوب ذبحه في العمرة المتمتّع بها بمنى «4».

و لا يحضرني دليل لهم سوى بعض العمومات، كرواية الكرخي، و قوله عليه السّلام: «لا ذبح

إلّا بمنى» «5»، و يجب تخصيصها بما ذكر، مع أنّه لولاه لم يظهر وجه التخصيص بعمرة التمتّع.

و عن والد الصدوق: تجويز ذبح فداء الصيد في عمرة التمتّع

______________________________

[1] أي صحيحة ابن عمّار.

______________________________

(1) انظر التهذيب 5: 373، الاستبصار 2: 212.

(2) كما في الكافي في الفقه: 199، الغنية (الجوامع الفقهية): 582.

(3) منهم المفيد في المقنعة: 438، السيّد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 72، الشيخ في النهاية: 226، المبسوط 1: 345.

(4) السرائر 1: 564، الوسيلة: 171، الراوندي في فقه القرآن 1: 309.

(5) التهذيب 5: 214- 722، الوسائل 14: 90 أبواب الذبح ب 4 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 224

بمنى «1».

و له الرضويّ «2» كما قيل «3».

و له أيضا صحيحة ابن عمّار المذكورة «4»، فإنّها ظاهرة في عمرة المتعة، بقرينة تجويز التأخير إلى الحجّ.

و لا يعارضها شي ء من الأخبار المذكورة- سوى المرسلة- لورودها كلّا في كفّارة العمرة بالجملة الخبريّة، بخلاف الحجّ، فإنّ في الموثّقة تصريحا بالدالّ على الوجوب، مضافا إلى الإجماع عليه فيه.

و أمّا المرسلة، فهي أعمّ مطلقا من هذه الصحيحة، لشمولها للعمرة المفردة أيضا.

مع أنّه يمكن أن يقال: إنّه إن كان المراد بقوله هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ قبالتها و بمرءاها فليس بواجب، و إلّا لزم الذبح في موضع مخصوص بمكّة، و على هذا فيكون للاستحباب، فلا يعارض ما دلّ على الجواز بمنى.

و إن كان المراد قرب الكعبة مجازا- من باب تسمية الشي ء باسم جزئه حتى يشمل مكّة- فيمكن كون التجوّز بما يشمل منى أيضا، أو يكون تجوّزه معنى آخر، بأن يراد: ما يصل نفعه إلى الكعبة و لو بالوصول إلى الفقراء الآمّين لها و نحوه.

و بالجملة: لا أرى معارضا لمجوّزاته بمنى، فهو الأقوى.

______________________________

(1)

حكاه عنه في المختلف: 287.

(2) فقه الرضا عليه السّلام: 221.

(3) انظر الحدائق 15: 330.

(4) في ص 221.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 225

و إن كان فداء لغير الصيد في الحجّ، فإطلاق كلام جمع ممّن ذكر يدلّ على وجوب ذبحه بمنى «1»، و لكن كلام كثير منهم خال عن ذكره، لاقتصارهم على ذكر جزاء الصيد، و ليس في الأخبار المتقدّمة ما يصرّح بالوجوب في موضع مخصوص، و ما يعمّ جزاء غير الصيد منها أيضا لا يفيد الوجوب.

و في المرسلة دلالة على الجواز حيث شاء بلا معارض.

نعم، في الأخبار الواردة في التظليل ما يدلّ على وجوب ذبح كفّارته بمنى، و هو صحاح ابن بزيع «2».

و لا تعارضها صحيحة عليّ الواردة فيه، المتضمّنة ل: أنّ مولانا الرضا عليه السّلام «إذا قدم مكّة ينحر بدنة لكفّارة الظل» «3»، لأنّه قضية في واقعة، فلعلّه لإحرام العمرة.

و يمكن أن يكون المراد بقدوم مكّة: أي إذا سافر إلى مكّة، فلا يكون محلّ النحر معيّنا.

و لا يضرّ كونها أعمّ من كفّارة إحرام العمرة و الحجّ، إذ على هذا تعارض ما دلّ على جواز ذبح كفّارة العمرة في غير منى، و لا معارض لها يساويها أو يكون أخصّ منها في كفّارته في إحرام الحجّ، فيجب الحكم بوجوب كونه بمنى، و يتعدّى إلى غير التظليل بالإجماع المركّب، فالحكم

______________________________

(1) كالخلاف 2: 438، و المراسم: 121، و الغنية (الجوامع الفقهية): 582، و الكافي في الفقه: 206، و الشرائع 1: 293، و النافع: 105، و القواعد 1: 89، و الجامع للشرائع: 195.

(2) الوسائل 13: 154 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 6.

(3) التهذيب 5: 334- 1150، الوسائل 13: 97 أبواب كفّارات الصيد ب 49 ح 6.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 13، ص: 226

بالتخيير فيه- كما في الذخيرة «1»- غير جيّد.

و إن كان فداء لغير الصيد في إحرام العمرة، فكلام من ذكر فيه ككلامهم في فدائه في الحجّ بالنسبة إلى مكّة، فبين مطلق بوجوب ذبح المعتمر بمكّة، و بين مقتصر بذكر جزاء الصيد.

إلّا أنّ عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و الجامع و روض الجنان:

التصريح بجواز ذبح المعتمر كفّارة غير الصيد بمنى «2».

و على هذا، ففيه قولان:

وجوب الذبح بمكّة.

و التخيير بينه و بين منى.

دليل الأول: ليس إلّا إطلاق الخبرين الأولين [1]، و هما- مع ضعفهما الغير المعلوم انجبارهما في المقام، و قصورهما عن إفادة الوجوب- يعارضان عموم المرسلة و أخبار التظليل و خصوص صحيحتي منصور و ابن عمّار «3»، كما أنّهما يعارضان في إفادة الوجوب أخبار التظليل.

و لو لا تقديمهما لحكمنا بالتخيير، فإذن هو الحقّ فيه مع أفضليّة الذبح بمكّة، للصحيحين.

و تحصّل ممّا ذكر: وجوب ذبح فداء الكفّارة في الحجّ بمنى مطلقا، و التخيير في العمرتين كذلك مع أفضليّة مكّة.

______________________________

[1] أي المرويّان في إرشاد المفيد و تفسير علي و تحف العقول، المتقدّمان في ص 220.

______________________________

(1) الذخيرة: 616.

(2) النهاية: 226، المبسوط 1: 345، الوسيلة: 171، الجامع: 196.

(3) المتقدمتين في ص: 221.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 227

فروع:
أ: عن الشهيد في الدروس: أنّه ألحق بالذبح صدقات الكفّارة،

في أنّ محلّها مكّة إن كانت الجناية في عمرة، و منى إن كانت في الحجّ «1».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 13    228     ج: مصرف الجنايات الحرمية من التصدقات: الفقراء و المساكين، ..... ص : 228

لا أرى عليه دليلا، نعم يدلّ إطلاق صحيحتي منصور و ابن عمّار على صرف كفّارة العمرة في مكّة أو منى.

و في صحيحة حريز: «فإن وطئ المحرم بيضة و كسرها فعليه

درهم، كلّ هذا يتصدّق به بمكّة و منى» «2».

و إثبات الوجوب بها و إن كان مشكلا إلّا أنّ الاحتياط أن لا يتجاوز عن مكّة و منى.

ب: قال في المنتهى- بعد أن ذكر أنّ مصرف المذبوح أو المنحور مساكين الحرم-:

و كذا الصدقة مصرفها مساكين الحرم «3».

أقول: الظاهر أنّ مراده من مساكين الحرم: الحاضرون فيه، سواء كانوا من أهل الحرم أو غيره، و على هذا فيرجع إلى ما ذكرنا في الفرع الأول.

و لو أراد أهله فلا دليل عليه ظاهرا.

و أمّا الصوم اللازم في الجنايات فلا يختصّ بمكان دون غيره، بلا خلاف نعلمه، كذا قيل «4»، و هو كذلك.

______________________________

(1) الدروس 1: 391.

(2) التهذيب 5: 346- 1202، الاستبصار 2: 201- 683، الوسائل 13: 23 أبواب كفّارات الصيد ب 9 ح 7.

(3) المنتهى 2: 753.

(4) كما في المنتهى 2: 753.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 228

ج: مصرف الجنايات الحرميّة من التصدّقات: الفقراء و المساكين،

و الأحوط صرفها أيضا في مساكين الحرم و إن لم يكن دليل على تعيينه يعلم، و اللّه أعلم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 229

البحث الثاني في كفّارة الاستمتاع بالنساء و ما يلحق به
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: من جامع امرأته بعد إحرام الحجّ عالما بالحكم عامدا في الفعل،
اشارة

قالوا: يفسد حجّه، و تجب عليه أمور أربعة: إتمام الحجّ، و كفّارة بدنة، و الحجّ من قابل، و التفريق بينهما قدرا خاصّا.

أقول: أمّا فساد الحجّ فسيأتي الكلام فيه في الفروع.

و أمّا وجوب إتمام الحجّ فلم أظفر على تصريح به في خبر، و لكن الظاهر انعقاد الإجماع عليه، فهو الحجّة فيه.

مضافا- فيما لو كان حجّة الإسلام- إلى أنّ وجوبها فوري، و ستعرف عدم الفساد، فيجب الإتمام، و كذا في سائر ما يجب فورا، كالاستئجار و النذر المعيّنين.

و في الجميع إلى ما صرّحوا به من وجوب إتمام الحجّ مطلقا- فرضا كان أو ندبا- بالشروع فيه إن ثبت ذلك.

و أمّا وجوب البدنة و الحجّ من قابل، فهما أيضا إجماعيّان، و مدلول عليهما بالمستفيضة المعتبرة:

كصحيحة زرارة: عن محرم غشي امرأته و هي محرمة، فقال:

«جاهلين أو عالمين؟» قلت: أجبني على الوجهين جميعا، قال: «إن كانا جاهلين استغفروا ربّهما، و مضيا على حجّهما، و ليس عليهما شي ء، و إن كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه، و عليهما بدنة،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 230

و عليهما الحجّ من قابل، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرّق بينهما حتى يقضيا نسكهما و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا»، قلت: فأيّ الحجّتين لهما؟ قال: «الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا، و الأخرى لهما عقوبة» «1».

و ابن عمّار: في المحرم يقع على أهله، قال: «إن كان أفضى إليها فعليه بدنة و الحجّ من قابل، و إن لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة و ليس عليه الحجّ من قابل»، قال: و سألته عن رجل وقع على امرأته و هو محرم، قال:

«إن كان جاهلا فليس عليه شي ء، و

إن لم يكن جاهلا فعليه سوق بدنة و عليه الحجّ من قابل، فإذا انتهى إلى المكان الذي وقع بها فرّق محملاهما، فلم يجتمعا في خباء واحد إلّا أن يكون معهما غيرهما، حتى يبلغ الهدي محلّه» «2».

و الأخرى: عن رجل محرم وقع على أهله، فقال: «إن كان جاهلا فليس عليه شي ء، و إن لم يكن جاهلا فعليه أن يسوق بدنة، و يفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، و عليهما الحجّ من قابل» «3».

و رواية عليّ بن أبي حمزة: عن محرم واقع أهله، فقال: «قد أتى عظيما»، قلت: قد ابتلي، قال: «استكرهها أو لم يستكرهها؟» قلت: أفتني

______________________________

(1) الكافي 4: 373- 1، التهذيب 5: 317- 1092، الوسائل 13: 112 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 3 ح 9، و في الجميع: و الأخرى عليهما عقوبة.

(2) الكافي 4: 373- 3، الوسائل 13: 113 و 119 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 3 و 7 ح 12 و 2.

(3) التهذيب 5: 318- 1095، و في الوسائل 13: 110 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 3 ح 2: .. عليه الحجّ من قابل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 231

فيهما جميعا، قال: «إن كان استكرهها فعليه بدنتان، و إن لم يكن استكرهها فعليه بدنة و عليها بدنة، و يفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان حتى ينتهيا إلى مكّة، و عليهما الحجّ من قابل لا بدّ منه»، قال: قلت: فإذا انتهيا إلى مكّة فهي امرأته كما كانت؟ فقال: «نعم، هي امرأته كما هي، فإذا انتهيا إلى المكان الذي كان منهما ما كان افترقا حتى يحلّا، فإذا أحلّا فقد انقضى عنهما، إنّ أبي كان يقول ذلك» «1».

و صحيحة جميل:

عن محرم وقع على أهله، قال: «عليه بدنة» إلى أن قال: قلت: عليه شي ء غير هذا؟ قال: «نعم، عليه الحجّ من قابل» «2».

مضافا في الأول إلى صحيحة سليمان بن خالد: عن رجل باشر امرأته و هما محرمان، ما عليهما؟ فقال: «إن كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدي جميعا، و يفرّق بينهما حتى يفرغا من المناسك، و حتى يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، و إن كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها صاحبها فليس عليها شي ء» «3».

و صحيحة عليّ، و فيها- بعد تفسير الرفث بجماع النساء-: «فمن رفث فعليه بدنة ينحرها» «4».

______________________________

(1) الكافي 4: 374- 5، التهذيب 5: 317- 1903، الوسائل 13: 116 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 4 ح 2.

(2) التهذيب 5: 318- 1096، الوسائل 13: 111 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 3 ح 3.

(3) الكافي 4: 375- 7، الوسائل 13: 115 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 4 ح 1.

(4) التهذيب 5: 297- 1005، قرب الإسناد: 234- 915، الوسائل 13: 115 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 3 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 232

و رواية خالد الأصم: حججت و جماعة من أصحابنا، و كانت معنا امرأة، فلمّا قدمنا مكّة جاءنا رجل من أصحابنا، فقال: يا هؤلاء، إنّي قد بليت، قلنا: بما ذا؟ قال: شكرت «1» بهذه المرأة، فاسألوا أبا عبد اللّه عليه السّلام، فسألناه، فقال: «عليه بدنة»، فقالت المرأة: فاسألوا لي فإنّي قد اشتهيت، فسألناه، قال: «عليها بدنة» «2».

و أمّا الحكم الرابع، فالمشهور وجوبه أيضا، و دعوى الشهرة عليه مستفيضة، و في المدارك الإجماع عليه «3».

و ظاهر المبسوط و النهاية و السرائر و المهذب: الاستحباب «4»، و يحتمله الخلاف أيضا «5»،

كما أنّ ظاهر المختلف التوقّف في وجوبه و استحبابه «6».

دليل الموجبين: الأخبار المتقدّمة.

مضافة إلى صحيحة ابن عمّار: في المحرم يقع على أهله، قال:

«يفرّق بينهما، و لا يجتمعان في خباء إلّا أن يكون معهما غيرهما، حتى يبلغ الهدي محلّه» «7».

______________________________

(1) شكر المرأة: فرجها- الصحاح 2: 702. شكرها: فرجها، و قيل: بضعها، و نهى عن شكر البغيّ، أراد عن وطئها- لسان العرب 4: 427.

(2) التهذيب 5: 331- 1140، الوسائل 13: 112 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 3 ح 7، بتفاوت يسير.

(3) المدارك 8: 410.

(4) المبسوط 1: 336، النهاية: 230، السرائر 1: 548، المهذب 1: 229.

(5) الخلاف 2: 368.

(6) المختلف: 282.

(7) التهذيب 5: 319- 1100، الوسائل 13: 111 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 3 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 233

و مرفوعة أبان: «المحرم إذا وقع على أهله يفرّق بينهما» يعني بذلك:

لا يخلوان، و أن يكون معهما ثالث «1».

و لا يخفى أنّه لا دلالة في شي ء منها بكثرتها على الوجوب، بل غايتها الرجحان الموجب للحكم بالاستحباب بضميمة الأصل، فهو الأقوى.

(نعم، في الرضويّ: «فإن جامعت و أنت محرم- في الفرج- فعليك بدنة، و عليك الحجّ من قابل، و يجب أن يفرّق بينك و بين أهلك حتى تؤدّي المناسك ثمَّ تجتمعان، فإذا حججتما من قابل و بلغتما الموضع الذي واقعتما فرّق بينكما حتى تقضيا المناسك، ثمَّ تجتمعان، فإن أخذتما على غير الطريق الذي كنتما فيه العام الأول لم يفرّق بينكما» «2».

و ضعفه منجبر بالعمل، و به يدفع الأصل، فالأقوى الوجوب) [1].

فروع:
أ: لا فرق في الزوجة بين الدائمة و المتمتّع بها،

لصدق الامرأة و الأهل عليهما.

و صرّح في الشرائع بإلحاق الأمة بهما أيضا «3»، و احتجّ له بصدق

______________________________

[1] بدل ما بين القوسين في «ق»: نعم، قيل: في الرضويّ تصريح بالوجوب-

انظر الرياض 1: 467- و هو و إن كان كذلك كان كافيا بضميمة انجباره بما مرّ، و لكن لا يحضرني الآن حتى ينظر في دلالته، و في أنّه هل هو قال على التفريق في الحجّة الأولى أو الثانية، و أنّ منتهاه إلى أين.

______________________________

(1) الكافي 4: 373- 2، التهذيب 5: 319- 1101، الوسائل 13: 111 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 3 ح 6، بتفاوت.

(2) فقه الرضا عليه السّلام: 217، مستدرك الوسائل 9: 288 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 3 ح 2، بتفاوت يسير.

(3) الشرائع 1: 294.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 234

الامرأة و الأهل عليها «1».

و استشكل فيه بعضهم، لتبادر غيرها منهما «2».

و هو في موقعه، فإنّ دلالة أهله أو امرأته على الجارية ليست مستندة إلى وضع لغوي، لعدم ثبوت وضع تركيبيّ لهما يوجب صدقه عليها، فإنّ صدق الأهل على الأمة محلّ تأمّل.

و كذا وجه الاختصاص بالإضافة غير معلوم، و لذا لا تصدق امرأته على بنته و أخته و امّه مع وجود نوع اختصاص، و في قوله في رواية عليّ:

«فهي امرأته» نوع إشعار بأنّ المراد الزوجيّة، و في إثبات البدنة عليها أيضا فيها و في صحيحتي زرارة و سليمان- من غير استفصال- دلالة عليه، إذ لا تثبت البدنة على الأمة.

فالأقوى: عدم الإلحاق، و إن كان الأحوط الإلحاق.

و ممّا ذكر تظهر أولويّة عدم إلحاق الأجنبيّة و الغلام و البهيمة أيضا، للأصل.

و عن المنتهى: الإلحاق، للأولويّة من جهة أفحشيّة الفعل «3».

و فيه: عدم معلوميّة العلّة في الأحكام الثلاثة، فإنّا نسلّم أولويّة الأجنبيّة و أخويها بلزوم الترك و ترتّب الإثم، و أمّا أولويّتها في اقتضاء هذه الأحكام الثلاثة فغير معلوم، و الاحتياط لا ينبغي أن يترك.

ب: المشهور بين الأصحاب- كما قيل «4»- عدم الفرق في الوطء بين القبل و الدبر.

______________________________

(1) كما في كشف

اللثام 1: 404.

(2) كما في الحدائق 15: 363، الرياض 1: 466.

(3) المنتهى 2: 838.

(4) كما في المهذب البارع 2: 279 الذخيرة: 618.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 235

لصدق الوقاع و الغشيان و الإفضاء و المباشرة- الواردة في الأخبار- على وطء الدبر أيضا.

و نقل عن الشيخ في المبسوط: أنّه أوجب بالوطء في الدبر البدنة دون الإعادة «1».

و احتجّ له بصحيحة ابن عمّار: عن رجل وقع على أهله فيما دون الفرج، قال: «عليه بدنة، و ليس عليه الحجّ من قابل، و إن كانت المرأة تابعته على الجماع [فعليها مثل ما عليه ]، و إن كان استكرهها فعليه بدنتان و عليهما الحجّ من قابل» [1].

و في كلّ من النسبة و الاحتجاج نظر:

أمّا الأول، فلما قيل «2»، من أنّ عبارته المحكيّة صريحة في الموافقة للمشهور، و أنّ الذي فيه البدنة خاصّة هو الوقاع دون الفرج الشامل للقبل و الدبر، كما صرّح به في صدر عبارته المحكيّة.

نعم، حكى في الخلاف الخلاف المزبور عن بعض الأصحاب، محتجّا له بأصل البراءة «3».

و أمّا الثاني، فلصدق الفرج على الدبر أيضا لغة، و تبادر القبل منه إنّما هو في العرف الطارئ، الذي يجب الحكم فيه بأصالة التأخّر، فلا يصلح ذلك دليلا لتخصيص العمومات المذكورة.

______________________________

[1] التهذيب 5: 318- 1097، الوسائل 13: 119 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 7 ح 1 و فيه: و عليه الحجّ من قابل، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

______________________________

(1) المبسوط 1: 336.

(2) انظر الرياض 1: 466.

(3) الخلاف 2: 370.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 236

إلّا أنّه يمكن الخدش في العمومات أيضا، لأنّ الوقاع و ما يرادفها من الألفاظ المتقدمة ليست موضوعة لوطء القبل و الدبر، بل لمعنى شامل لهما و

لغيرهما من الأفراد المتكثّرة جدّا، فلو بني الأمر فيهما على الإطلاق و إخراج ما عدا وطء الثقبين لزم خروج الأكثر، و هو- على التحقيق- غير مجوّز، فلا بدّ من ارتكاب التجوّز، و لتعدّده يتأتّى الإجمال، فيرجع فيما لا يعلم إلى الأصل.

(إلّا أنّ قوله في الرضوي المتقدّم: «و إن جامعت في الفرج»- المنجبر بالشهرة- يدلّ بإطلاقه على المشهور، فهو الحقّ المنصور) [1].

ج: هل الحجّة الأولى فرضه و الثانية عقوبة، أو بالعكس؟

عن الشيخ «1» و جماعة «2»: الأول، و نقله في المدارك عن أحكام الصدّ من الشرائع «3»، و يميل إليه كلام النافع «4».

و نقل عن الشيخ في الخلاف «5» و كثير من كتب الفاضل «6»: الثاني، و إليه ذهب الحلّي في السرائر «7».

دليل الأول: الاستصحاب، و صحيحة زرارة المتقدّمة «8».

______________________________

[1] بدل ما بين القوسين في «ق»: و منه تعلم قوة ما نقله في الخلاف عن بعض الأصحاب، و إن كان الاحتياط في متابعة المشهور.

______________________________

(1) في النهاية: 230.

(2) منهم يحيى بن سعيد في الجامع: 187، السبزواري في الكفاية: 64، الذخيرة:

618.

(3) المدارك 8: 408، و هو في الشرائع 1: 281.

(4) النافع: 106.

(5) حكاه عنه في السرائر 1: 550، و انظر الخلاف 2: 367.

(6) كما في المختلف: 282 التحرير 1: 119.

(7) السرائر 1: 550.

(8) في ص 229.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 237

و دليل الثاني: إنّ الاولى فاسدة، و الفاسد لا يجزئ و لا يبرئ ذمّته.

أمّا المقدّمة الأولى: فبالإجماع، كما يشعر به استدلالهم على المطلوب بالفساد، و صرّح بكونه إجماعيّا الفاضل المقداد «1».

و تدلّ عليه أيضا صحيحة سليمان بن خالد: «في الجدال شاة، و في السباب و الفسوق بقرة، و الرفث فساد الحجّ» «2».

و رواية عبيد، و فيها:

فإن كان طاف بالبيت طواف الفريضة، فطاف أربعة أشواط، ثمَّ غمزه بطنه، فخرج فقضى حاجته، فغشي أهله، فقال:

«أفسد حجّه و عليه بدنة» الحديث «3».

و الرضويّ: «و الذي يفسد الحجّ و يوجب الحجّ من قابل: الجماع للمحرم في الحرم، و ما سوى ذلك ففيه الكفّارات» «4».

و أمّا الثانية: فبالإجماع أيضا، صرّح به الفاضل المذكور «5».

أقول: كيف تقبل دعوى الإجماع مع نسبة الخلاف إلى الشيخ و جماعة؟! فإنّ بعد الإجماع على عدم إجزاء الفاسد يكون حكم الشيخ و تابعيه بالإجزاء كالتصريح بعدم الفساد، كما ذكره في الدروس «6»، و نقل

______________________________

(1) التنقيح الرائع 1: 559.

(2) الكافي 4: 339- 6، التهذيب 5: 297- 1004، الوسائل 13: 145 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 1 ح 1، و ص 148 ب 2 ح 1.

(3) الكافي 4: 379- 7، التهذيب 5: 321- 1108، الوسائل 13: 126 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 11 ح 2.

(4) فقه الرضا عليه السّلام: 214، مستدرك الوسائل 9: 288 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 3 ح 2.

(5) التنقيح 1: 559.

(6) الدروس 1: 370.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 238

الفاضل المذكور منع الفساد عن بعض الفضلاء أيضا «1»، و نقله في المدارك «2»، و هو ظاهر اختياره، حيث استدلّ بأصالة عدم تحقّق الفساد، و يظهر من بعض من تأخّر عنه أيضا «3».

فالإجماع على الفساد غير ثابت، و المنقول منه بعيد عن الحجّية جدّا.

و أمّا رواية عبيد، فغير باقية على حقيقتها إجماعا، لعدم فساد الحجّ- بعد الوقوف بالمشعر- بالجماع إجماعا نصّا و فتوى.

و أمّا صحيحة سليمان، فيتردّد الأمر فيها بين تخصيص الرفث بما بعد التلبية و قبل المشعر و بين التجوّز في الفساد، و التخصيص و إن كان مقدّما على المجاز،

إلّا أنّه يرجح الثاني هنا بقرينة صحيحة زرارة المذكورة الدالّة على عدم الفساد، و لا يضرّ إضمارها كما حقّق في موضعه.

و رواية أبي بصير المرويّة في الفقيه: عن رجل واقع امرأته و هو محرم، قال: «عليه جزور كوماء [1]»، قال: لا يقدر، قال: «ينبغي لأصحابه أن يجمعوا له و لا يفسدوا له حجّة» «4».

فإنّها تدلّ على عدم فساد الحجّ بعد أداء الكفّارة.

و الحكم و إن كان كذلك لو لم يؤدّها أيضا- إذ الفساد و عدمه لا يتفاوت بأدائها و عدمه، فالمراد بالفساد: نقصان الحجّ- إلّا أنّه تدلّ على

______________________________

[1] كوماء: أي سمينة- مجمع البحرين 6: 160.

______________________________

(1) التنقيح 1: 559.

(2) المدارك 8: 409.

(3) كما في الحدائق 5: 361.

(4) الفقيه 2: 213- 970، المقنع: 76، الوسائل 13: 113 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 3 ح 13، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 239

انجبار النقصان أيضا بالكفّارة فضلا عن الفساد.

و منه يظهر عدم دلالة الرضويّ أيضا، مضافا إلى تخصيصه الفساد بالجماع في الحرم، و لا قائل به، بل ينفي الفساد في غيره.

و ممّا ذكر ظهر أنّ الأقوى هو القول الأول.

و تظهر الفائدة بين القولين في موارد عديدة.

د: قد عرفت رجحان التفريق بين الرجل و المرأة، و أنّه إجماعيّ و إن اختلف في وجوبه و استحبابه، و مقتضى الأخبار المذكورة: الثاني، و مقتضى الرضويّ «1»: الأول.

ثمَّ إنّ ها هنا خلافين آخرين:

أحدهما: أنّ هذا التفريق هل هو في الحجّة الأولى الأدائيّة و الثانية القضائيّة، أو في الثانية خاصّة؟

فالأول محكيّ عن جماعة، منهم: الصدوقان و الإسكافي «2»، و ابن زهرة مدّعيا الإجماع عليه «3».

و الثاني أيضا منقول عن جمع، منهم: المحقّق في الشرائع و النافع، و الفاضل في القواعد «4».

و الحقّ

مع الأول [1].

لدلالة طائفة من الأخبار المتقدّمة على التفريق فيهما، و بعضها عليه

______________________________

[1] في «ق»: و الحق في الرجحان مع الأول ..

______________________________

(1) المتقدم في ص 233.

(2) الصدوق في الفقيه 2: 213، حكاه عن والد الصدوق و الإسكافي في المختلف:

282.

(3) ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 577.

(4) الشرائع 1: 294، النافع: 107، القواعد 1: 98.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 240

في الاولى، و بعضها في الثانية، و لا تنافي بين شي ء منهما، لأنّ ثبوته في أحدهما لا ينافي الثبوت في الآخر أيضا [1].

و ثانيهما: أنّ منتهى هذا التفريق إلى أين هو؟ فإنّ الأخبار فيه مختلفة.

ففي بعضها: إلى بلوغ الهدي محلّه.

و في بعض آخر: حتى يحلّا.

و في ثالث: حتى ينتهيا إلى مكّة.

و في رابع: حتى يفرغا المناسك.

و في خامس: حتى يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه الخطيئة.

و يدلّ عليه أيضا الصحيح: «يفرّق بينهما حتى ينفر الناس و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا»، قلت: أرأيت إن أخذا في غير ذلك الطريق إلى أرض أخرى، أ يجتمعان؟ قال: «نعم» «1».

و المرويّ في نوادر البزنطي: «يفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك، أو حتى يعودا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا»، [فقلت: أرأيت ] إن أرادا أن يرجعا إلى غير ذلك الطريق؟ قال: «فليجتمعا إذا قضيا المناسك» [2].

و من الأصحاب من حمل ذلك الاختلاف إلى تفاوت مراتب الفضل «2».

______________________________

[1] في «ق» زيادة: و أمّا في الوجوب فالحكم به موقوف على ملاحظة الرضوي.

[2] مستطرفات السرائر: 31- 29، الوسائل 13: 114 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 3 ح 15، بتفاوت يسير. و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

______________________________

(1) معاني الأخبار: 294- 1، الوسائل 13: 114 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 3 ح

14.

(2) كما في الحدائق 15: 371، الرياض 1: 467.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 241

و منهم من فصّل بين الأدائيّة و القضائيّة، ففي الأولى: جعل الانتهاء موضع الخطيئة، و في الثانية: الإحلال.

و الأحوط: الافتراق فيهما إلى موضع الخطيئة فيهما.

ثمَّ إنّ الافتراق إلى موضع الخطيئة إذا سلكا هذا الطريق الذي وقعت فيه الخطيئة، و إلّا فلا افتراق بعد قضاء المناسك، كما صرّح به الصحيح و المرويّ عن النوادر المذكورين، و صرّح به جمع من الأصحاب «1».

و المراد من الافتراق- كما ورد في الأخبار [1]-: أن لا يخلوا إلّا معهما ثالث.

و قيّده بعضهم بالمحترم، فلا عبرة بغير المميّز «2».

و لا بأس به، بل هو الظاهر المتبادر.

ه: لا فرق في الأحكام المذكورة بين الحجّ الواجب و المندوب، لظاهر الإجماع، و إطلاق النصوص.

المسألة الثانية: ما مرّ حكم الرجل، و أمّا المرأة

فأمّا تكون مطاوعة أو مكرهة.

فإن كانت مطاوعة كانت كالرجل في الأحكام الأربعة المذكورة، بلا خلاف يوجد، بل حكي الإجماع عليه «3».

و يدلّ عليه في وجوب الإتمام ما دلّ عليه في الرجل.

و في الأحكام الثلاثة الأخيرة كثير ممّا تقدّم من الأخبار، سيّما في

______________________________

[1] كصحيحة ابن عمّار و مرفوعة أبان المتقدمتين في ص: 232.

______________________________

(1) كصاحبي الحدائق 15: 372، و المدارك 8: 412.

(2) انظر القواعد 1: 99، الرياض 1: 466.

(3) كما في المدارك 8: 409.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 242

صحيحة ابن عمّار المذكورة في الفرع الثاني «1» بقوله: «فعليها مثل ما عليه».

و إن كانت مكرهة فلا شكّ في وجوب الإتمام عليها.

و لا كفّارة عليها إجماعا نصّا و فتوى، و على الرجل الكفّارتان كذلك، و قد مرّ في الأخبار التصريح به.

و لا حجّ من قابل أيضا بالإجماع.

و يدلّ عليه بعض الأخبار.

و أمّا [ما] [1] في صحيحة ابن

عمّار المذكورة: «و عليهما الحجّ من قابل» فهو مخالف للإجماع، غير معمول به عند الأصحاب، فيجب طرحه.

و أمّا الافتراق فلا فرق فيه بين المطاوعة و الإكراه، لإطلاق الأخبار بلا معارض.

و توهّم معارضة مفهوم قوله في صحيحة زرارة: «و إن كانا عالمين فرّق بينهما» «2»- حيث إنّ حكم المكره حكم غير العالم- خطأ، لأنّ حكم المنطوق التفريق و الكفّارة عليهما و الحجّ من قابل كذلك، فمقتضى المفهوم انتفاء الجميع لا كلّ واحد، و هو كذلك.

و منه يظهر عدم معارضة مفهوم صحيحة سليمان المذكورة أيضا «3»، بل و لا منطوق ذيلها، حيث قال: «فليس عليها شي ء»، لأنّ التفريق بالمعنى المذكور ليس شيئا عليها.

و توهّم انصراف المطلقات إلى غير المكرهة- سيّما في المقام- غير

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) في ص 235.

(2) المتقدمة في ص: 229.

(3) المتقدمة في ص: 231.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 243

جيّد.

المسألة الثالثة: ما مرّ من الأحكام المذكورة كان حكم العامد

العالم بالحكم و بالإحرام المختار.

و أمّا غيره فلا شي ء عليه، بل يتمّ حجّه و يمضي و يجزئه، بلا خلاف.

بل بالإجماع كما صرّح به بعضهم «1».

للأصل.

و الأخبار المتقدّمة المصرّحة بذلك في الجاهل، الشامل لغة للناسي و الساهي و الجاهل بفرديه، و في المرأة المكرهة المتعدّي حكمها إلى الرجل بالإجماع المركّب.

و بالتصريح في صحيحة زرارة «2» بكون القضاء عقوبة و لا عقوبة على المكره، بل و لا على الساهي و الناسي و الجاهل و لو بالحكم، سيّما إذا لم يكن مقصّرا.

و بقوله: «قد أتى عظيما» في رواية عليّ بن أبي حمزة «3»، فإنّ مثل ذلك إنّما يقال للعامد العالم.

مضافا في الناسي و الساهي و الجاهل إلى مرسلة الفقيه الآتية «4»، و في الجاهل إلى روايتي سلمة بن محرز الآتيتين «5».

و هل المكره

للزوج أو له و لها كالزوج المكره للزوجة في تحمّل الكفّارة أو الكفّارتين.

______________________________

(1) انظر الخلاف 2: 369، الغنية (الجوامع الفقهية): 576.

(2) المتقدمة في ص: 229.

(3) المتقدمة في ص: 230.

(4) في ص: 244.

(5) في ص: 245.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 244

الحقّ: لا، اقتصارا لما يخالف الأصل على موضع النصّ.

المسألة الرابعة: ما قالوا من الأحكام الخمسة

- من الفساد، و وجوب الإتمام، ثمَّ القضاء، و الكفّارة، و التفريق- إنّما هو إذا كان الجماع بعد التلبية و قبل وقوف المشعر.

أمّا لو كان قبل الأول أو بعد الثاني فليس كذلك.

أمّا لو كان قبل التلبية فلا شي ء عليه أصلا، بل لم يدخله حقيقة في الحجّ بعد، كما مرّ في صدر بحث الإحرام، و تصرّح به المرسلة الآتية.

و أمّا لو كان بعد وقوف المشعر فلا فساد و لا قضاء و لا تفريق.

نعم تجب الكفّارة المذكورة.

بلا خلاف في الحكمين: المنفي و المثبت، بل بالإجماع المحقّق و المحكيّ مستفيضا «1».

له فيهما.

و لمرسلة الفقيه المنجبر ضعفها- لو كان- بما مرّ: «إن وقعت على أهلك بعد ما تعقد للإحرام و قبل أن تلبّي فلا شي ء عليك، فإن جامعت و أنت محرم قبل أن تقف بالمشعر فعليك بدنة و الحجّ من قابل، و إن جامعت بعد وقوفك بالمشعر فعليك بدنة و ليس عليك الحجّ من قابل، و إن كنت ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليك» «2».

مضافا في الحكم الأول إلى مفهوم الشرط في صحيحتي ابن عمّار:

الأولى: «إذا واقع المحرم أهله قبل أن يأتي المزدلفة فعلية الحجّ من

______________________________

(1) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 576، المنتهى 2: 835، الرياض 1: 467.

(2) الفقيه 2: 213- 969، الوسائل 13: 107 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 1 ح 2، و ص 109 ب 2

ح 5، و ص 118 ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 245

قابل» «1».

و قريبة منها الأخرى «2».

و في الحكم الثاني إلى صحيحة ابن عمّار: وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف النساء، قال: «عليه جزور سمينة، و إن كان جاهلا فليس عليه شي ء» «3».

و نحوها إلى قوله: «سمينة» صحيحة زرارة «4».

و رواية أحمد: عن رجل أتى امرأته متعمّدا و لم يطف طواف النساء، قال: «عليه بدنة، و هي تجزئ عنهما» «5».

و رواية سلمة: عن رجل وقع على أهله قبل أن يطوف طواف النساء، قال: «ليس عليه شي ء»، فخرجت إلى أصحابنا فأخبرتهم، فقالوا: اتّقاك، هذا ميسر قد سأله عن مثل هذا، فقال له: «عليك بدنة»، قال: فدخلت عليه فقلت: جعلت فداك، إنّي أخبرت أصحابنا بما أجبتني، فقالوا: اتّقاك، هذا ميسر قد سأله عما سألت، فقال له: «عليك بدنة»، فقال: «إنّ ذلك كان بلغه، فهل بلغك؟» قلت: لا، قال: «ليس عليك شي ء» «6».

______________________________

(1) الكافي 4: 379- 5 بتفاوت يسير، الوسائل 13: 113 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 3 ح 10.

(2) التهذيب 5: 319- 1099، الوسائل 13: 110 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 3 ح 1.

(3) الكافي 4: 378- 3، التهذيب 5: 323- 1109، الوسائل 13: 121 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 9 ح 1.

(4) التهذيب 5: 485- 1732، الوسائل 13: 124 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 10 ح 3.

(5) التهذيب 5: 489- 1748، الوسائل 13: 124 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 10 ح 4.

(6) الكافي 4: 378- 1، التهذيب 5: 322- 1108، الوسائل 13: 123 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 10 ح 2، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 246

و بمضمونها الأخرى «1».

إلى غير ذلك من الأخبار

الآتية شطر منها.

ثمَّ بالمرسلة و المفهومين تخصّص العمومات و الإطلاقات المتقدّمة المثبتة للقضاء على المحرم المجامع.

و منه- بضميمة الأصل- يظهر عدم ثبوت التفريق هنا أيضا، إذ بعد التخصيص يكون الموضوع: المجامع قبل الوقوف، مع أنّ ظاهر كثير منها إنّما هو المجامع قبل الوقوف، حيث أمر بالتفريق حتى يرجعا إلى مكان الخطيئة، و لا رجوع غالبا إلى موضعه إذا كان بعد الوقوف، فتأمّل.

و لأجل تلك الإطلاقات و العمومات و اختصاص المخصّص بما بعد وقوف المشعر اقتصرنا في التخصيص به، وفاقا للأكثر، بل عن المسائل الرسّية و الانتصار و جمل العلم و العمل و الجواهر و الغنية: الإجماع عليه [1].

خلافا للمحكيّ عن المفيد و الحلبي و الديلمي، فخصّوا قبل وقوف عرفة أيضا «2»، و لا دليل له يصلح الركون إليه.

______________________________

[1] حكاه عنهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 404، الطباطبائي في الرياض 1:

465، و انظر المسائل الرسّية (رسائل الشريف المرتضى 2): 334، الانتصار:

96، الجواهر: 45، الغنية (الجوامع الفقهية): 576. و أمّا النسبة إلى الجمل فلعلها سهو، فإنّ العبارة فيه هكذا: إذا جامع المحرم قبل الوقوف بعرفة فعليه بدنة و الحجّ من قابل، و إن جامع بعد الوقوف فعليه بدنة و لا حجّ عليه.

و هي كما ترى موافقة لعبارة المفيد و تالييه، على أنّه لم يصرّح فيه بإجماع أصلا، و لا يبعد أن يكون المراد شرح جمل العلم و العمل للقاضي- كما حكاه عنه في كشف اللثام و الرياض- فإنّه موجود فيه و ادّعى عليه الإجماع أيضا. انظر شرح الجمل: 235.

______________________________

(1) التهذيب 5: 486- 1733، الوسائل 13: 124 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 10 ح 5.

(2) المفيد في المقنعة: 433، الحلبي في الكافي: 203، الديلمي في المراسم: 119.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 247

المسألة الخامسة:

ما مرّ- من لزوم الكفّارة ببدنة و عدم لزوم غيره من القضاء و التفريق بالجماع بعد وقوف المشعر- يعمّ جميع الأحوال التي بعده إلى أن يتجاوز في طواف النساء عن أربعة أشواط، و لو جامع بعد ذلك فلا شي ء عليه أصلا.

أمّا الحكم الأول فتدلّ عليه الأخبار المتقدّمة في المسألة السابقة.

و صحيحة العيص: عن رجل واقع أهله حين ضحّى قبل أن يزور البيت، قال: «يهريق دما» «1».

و قوله في ذيل رواية حمران الآتية: «و إن كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثمَّ خرج فغشي فقد أفسد حجّه، و عليه بدنة و يغتسل، ثمَّ يعود فيطوف أسبوعا» «2».

و المراد بالفساد هنا: نقصان الكمال، لعدم قول بالفساد حينئذ قطعا.

و أمّا بعض الأخبار النافية للكفّارة إذا كان بعد طواف الزيارة و لو قبل تمام السعي- كرواية عبيد «3» و صحيحة منصور- فبمعارضة ما مرّ عن درجة الحجّية ساقطة، فيرجع إلى الإطلاقات، مع أنّها بمخالفة الأصحاب طرّا موهونة.

مضافا إلى أنّ الصحيحة قضيّة في واقعة، و لعلّه عليه السّلام كان يعلم بكونه جاهلا، بل فيها ما يشعر به.

______________________________

(1) الكافي 4: 379- 4، التهذيب 5: 321- 1105، الوسائل 13: 122 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 9 ح 2.

(2) الكافي 4: 379- 6، التهذيب 5: 323- 1110، الوسائل 13: 126 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 11 ح 1.

(3) الكافي 4: 379- 7، التهذيب 5: 321- 1107، الوسائل 13: 126 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 248

و أمّا الحكم الثاني فتدلّ عليه رواية أبي بصير: في رجل نسي طواف النساء، قال: «إذا زاد على النصف و خرج ناسيا أمر من يطوف

عنه، و له أن يقرب النساء إذا زاد على النصف» «1».

فإنّ الرخصة في المقاربة توجب انتفاء الكفّارة بالإجماع المركّب.

و قيل: لأنّه لا معنى للزوم الكفّارة على الفعل المرخّص فيه «2».

و وهنه بيّن من لزوم الكفّارة على التظليل و نحوه مع الضرورة.

و تدلّ عليه أيضا فيما إذا طاف خمسة أشواط رواية حمران- بل صحيحته-: عن رجل كان عليه طواف النساء وحده فطاف منه خمسة أشواط، ثمَّ غمزه بطنه فخاف أن يبدره فخرج إلى منزله فنفض، ثمَّ غشي جاريته، قال: «يغتسل، ثمَّ يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان قد بقي عليه من طوافه، و يستغفر اللّه و لا يعود، و إن كان طاف» «3» إلى آخر ما مرّ.

فإنّ ذكر البدنة في ثلاثة أشواط دون الخمسة يدلّ على انتفائها فيها.

و لا ينافي ذلك ما مرّ من انتفاء الكفّارة فيما زاد على النصف مطلقا، لأنّ التقييد بالخمسة إنّما وقع في كلام الراوي.

و قد يستدلّ أيضا بمفهوم الشرط في ذيل هذه الرواية.

و هو ضعيف غايته، لأنّ مفهومه: أنّه إن لم يطف ثلاثة أشواط، و المتبادر منه عدم بلوغ الثلاثة، لا التجاوز عنه، فإنّه معه يصدق طواف الثلاثة.

______________________________

(1) الفقيه 2: 246- 1178، الوسائل 13: 409 أبواب الطواف ب 58 ح 10.

(2) الرياض 1: 469.

(3) الكافي 4: 379- 6، الفقيه 2: 245- 1177: التهذيب 5: 323- 1110، الوسائل 13: 126 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 11 ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 249

هذا، مع أنّ المنطوق مركّب من حكمين: فساد الحجّ- أي الطواف- و الكفّارة، و يكفي في صدق المفهوم انتفاء أحدهما.

و منه يظهر ضعف ما نفي عنه البعد في الذخيرة «1» من سقوط الكفّارة بعد مجاوزة ثلاثة

أشواط، لذلك المفهوم.

و من الأصحاب من خصّ الحكم الثاني بما إذا كان بعد الخمسة «2».

و لعلّه لزعمه ضعف الرواية الاولى. و هو عندنا غير موجّه.

أو لعدم ثبوت الإجماع المركّب عنده، فيرجع فيما دون الخمسة إلى الإطلاقات.

و هو كان حسنا لو لم يثبت الإجماع المركّب.

و أمّا منع الإطلاق بتبادر قبل الشروع في طواف النساء من الإطلاقات فموهون غايته، إذ المتبادر من: «قبل الطواف» قبل الفراغ عنه.

المسألة السادسة: لو جامع المحلّ الموسر عالما عامدا أمته

المحرمة بإذنه لزمته بدنة أو بقرة أو شاة مخيّرا بينها.

و مع الإعسار: شاة أو صام.

و مع انتفاء العمد أو العلم أو الإذن لا شي ء.

بلا خلاف معتنى به في جميع هذه الأحكام.

لموثّقة إسحاق بن عمّار «3»، المصرّحة بهذه الأحكام منطوقا و مفهوما.

______________________________

(1) الذخيرة: 620.

(2) كما في الشرائع 1: 294، المنتهى 2: 840.

(3) الكافي 4: 374- 6، التهذيب 5: 320- 1102، الاستبصار 2: 190- 639، الوسائل 13: 120 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 250

و أمّا صحيحة ضريس «1» و رواية وهب بن عبد ربّه «2»- المصرّحتين:

بأنّه لا شي ء عليه، أو يجوز له نقض إحرامها- فهما ظاهرتان أو محمولتان على قبل التلبية.

و عن المبسوط و النهاية و السرائر: أنّ عليه بدنة «3»، و مع العجز: شاة أو صيام.

و لم أقف على مستنده.

و الظاهر كفاية الإعسار عن البدنة على تعيّن الشاة و الصيام.

و قيل باعتبار الإعسار عنها و عن البقرة «4».

و لا وجه.

و يكفي في الصيام يوم واحد، للإطلاق.

و قيل: ثلاثة أيّام، لأنّها الواقع في إبدال الشاة «5».

و هو أحوط.

و إطلاق الموثّقة و فتاوى الأكثر يقتضي عدم الفرق بين الأمة المكرهة و المطاوعة.

و قيل بوجوب الكفّارة على المطاوعة، فتكفّر بدل البدنة بصيام ثمانية عشر يوما و

القضاء، فيجب على المولى إذنها و يتحمّل مئونتها «6».

______________________________

(1) التهذيب 5: 320- 1103، الاستبصار 2: 191- 640، الوسائل 13: 121 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 8 ح 3.

(2) الفقيه 2: 208- 949، الوسائل 13: 120 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 8 ح 1.

(3) المبسوط 1: 337، النهاية: 230، السرائر 1: 549.

(4) كما في الدروس 1: 371، المدارك 8: 418، الرياض 1: 468.

(5) الدروس 1: 371، جامع المقاصد 3: 349، المدارك 8: 418.

(6) انظر المسالك 1: 144.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 251

قيل: نظرهم إلى عموم الأخبار المتقدّمة الواردة في المرأة و الأهل الخالي عن معارضة الموثّقة، لورودها في حكم المولى خاصّة، و أمّا بالنسبة إلى الأمة فمجملة «1».

و هذا يصح بناء على شمول أهله أو امرأته للأمة، و قد عرفت عدم وضوحه، فالرجوع إلى الأصل- كما عليه الأكثر- أظهر.

المسألة السابعة: في العبث بالذكر حتى يمني بدنة و قضاء الحجّ.

لموثّقة إسحاق: في محرم عبث بذكره فأمنى، قال: «أرى عليه مثل ما على من أتى أهله و هو محرم: بدنة و حجّ من قابل» «2».

و إطلاقها يشمل ما إذا قصد الإمناء أم لا.

و منهم من ذكر بلفظ الاستمناء «3»، الظاهر في طلبه و قصده.

و لا وجه للتخصيص بعد إطلاق الرواية و عدم المعارض.

و لا تعارضها صحيحة ابن عمّار المتقدّمة في الفرع الثاني من المسألة الأولى «4»، لاختلاف موضوعيهما.

و منهم- و لعلّه الأكثر كما صرّح به بعضهم- من عمّم مع التخصيص المذكور بالعبث بالذكر أو الملاعبة مع الأهل و غيره.

و لا دليل له تامّا على التعميم أيضا، سوى ما يتوهّم من كون العلّة هو الإمناء، و لا خصوصيّة للعبث بالذكر.

______________________________

(1) الحدائق 15: 362.

(2) الكافي 4: 376- 6، التهذيب 5: 324- 1113، الاستبصار 2: 192- 646، الوسائل 13: 132

أبواب كفّارات الاستمتاع ب 15 ح 1.

(3) كما في الدروس 1: 371.

(4) التهذيب 5: 318- 1097، الوسائل 13: 119 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 7 ح 1، و قد تقدمت في ص 235.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 252

و ما قيل من أنّه أقبح من إتيان الأهل الثابت فيه الأمران «1».

و من حسنة مسمع التي رواها الإسكافي: «إذا نزل الماء إمّا بعبث بحرمته أو بذكره أو بإدمان نظره مثل الذي جامع» «2».

و الأولان: استنباط للعلّة، و هو طريقة العامّة المضلّة.

و الثالث: ليس بحجّة، مع أنّه لا قطع بكونه من الرواية، مضافا إلى عدم صراحته في وجوب القضاء إلّا بتعميم المماثلة، و هو محلّ الخدشة.

المسألة الثامنة: من أمنى- أي أخرج منيّه بقصد و اختيار- بغير ما ذكر

من العبث بالذكر من ملاعبة أو مسّ، أو نظر إلى الأهل، أو الأجنبيّة، أو الغلام، أو غيرها، فالأصل فيه وجوب البدنة خاصّة.

لصحيحة البجلي: عن الرجل يمني و هو محرم من غير جماع أو يفعل ذلك في شهر رمضان ما ذا عليهما؟ قال: «عليهما جميعا الكفّارة، مثل ما على الذي يجامع» «3».

مضافا في الإمناء بالملاعبة بامرأته إلى صحيحة أخرى له، و هي كالأولى، إلّا أنّ أولها: عن الرجل يعبث بامرأته حتى يمني و هو محرم «4»، إلى آخر ما مرّ.

______________________________

(1) المختلف: 283.

(2) المختلف: 282.

(3) الكافي 4: 376- 5، التهذيب 5: 327- 1124، الوسائل 13: 131 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 14 ح 1، بتفاوت.

(4) التهذيب 5: 324- 1114 بتفاوت، الوسائل 13: 131 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 14 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 253

و قيل هنا بالجزور «1».

و لا وجه له.

إلّا أنّ الظاهر أنّهم لم يفرّقوا بينه و بين البدنة، و لذا استدلّ جماعة لأحدهما بأخبار الآخر في مواضع عديدة.

و قيل

فيه بعموم الحكم للمرأة أيضا، و استدلّ له بهذه الصحيحة «2».

و هو خطأ، فإنّ ضمير التثنية للمحرم و الفاعل في شهر رمضان دون الرجل و المرأة.

و في الإمناء بالنظر إلى امرأته بشهوة إلى حسنة مسمع، و فيها: «و من نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور» «3».

و قد يستدلّ له أيضا بصحيحة ابن عمّار: في المحرم ينظر إلى امرأته و ينزلها بشهوة حتى ينزل، قال: «عليه بدنة» «4».

و هو كان حسنا لو كان فيها كما نقله، حيث نقله بلفظه: «أو» مكان الواو في قوله: «و ينزلها»، و لكنّها ليست كذلك في النسخ الصحيحة.

و لا يعارض الحسنة صدر هذه الصحيحة: عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى و هو محرم، قال: «لا شي ء عليه» «5».

______________________________

(1) انظر المقنع و الهداية: 76، الحدائق 15: 399.

(2) انظر المدارك 8: 428.

(3) الكافي 4: 376- 4، التهذيب 5: 326- 1121، الاستبصار 2: 191- 641، الوسائل 13: 136 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 17 ح 3.

(4) الكافي 4: 375- 1، الوسائل 13: 135 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 17 ح 1 و فيه: أو ينزلها ..

(5) الكافي 4: 375- 1، التهذيب 5: 325- 1117، الاستبصار 2: 191- 642، الوسائل 13: 135 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 254

و لا موثّقة إسحاق: في محرم نظر إلى امرأته بشهوة فأمنى، قال:

«ليس عليه شي ء» «1».

لأعمّيتهما مطلقا منها، من حيث شمول الشي ء المنفي للجزور و القضاء و التفريق و العقاب و سائر أنواع الكفّارة، و شمول النظر في الأولى لما كان بالشهوة و غيرها. و لو لا الحسنة لكانتا معارضتين للأصل المذكور بالعموم من وجه، اللّازم فيه الرجوع إلى

أصل البراءة، كما هو مذهب المفيد و السيّد «2».

و إنّما قيّدنا بقولنا في صدر المسألة بقصد و اختيار لأنّه المتبادر من أمناء الشخص، و أمّا ما لم يكن كذلك فليس هو حقيقة فعله، و لا يقال: إنّه فعله حتى يصدق أنّه أمنى، و فعله أعمّ من أن يقصد إليه بنفسه أو إلى سببه الذي يوجده و لو كان سببا عاديّا.

المسألة التاسعة: من قبّل امرأته محرما:

فإن كان بشهوة و أمنى فعليه البدنة.

للأصل المذكور.

مضافا إلى عموم صحيحة الحلبي: عن المحرم يضع يده- إلى أن قال:- قلت: فإن قبّل؟ قال: «هذا أشدّ، ينحر بدنة» «3».

و رواية عليّ بن أبي حمزة: عن رجل قبّل امرأته و هو محرم، قال:

______________________________

(1) التهذيب 5: 327- 1122، الاستبصار 2: 192- 643، الوسائل 13: 138 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 17 ح 7.

(2) المفيد في المقنعة: 433، السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 70.

(3) الكافي 4: 375- 2، الوسائل 13: 138 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 255

«عليه بدنة و إن لم ينزل» «1».

و حسنة مسمع: «إنّ حال المحرم ضيّقة، فإن قبّل امرأته على غير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة، و من قبّل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور» «2».

و كذلك إن كان مع الشهوة دون الإمناء.

لإطلاق الصحيحة و الرواية.

و لا ينافيها مفهوم قوله: «فأمنى» في الحسنة، لأنّه مفهوم ضعيف لا حجّية فيه.

و إن كان مع الإمناء دون الشهوة فلا بدنة عليه، بل عليه دم شاة.

للحسنة المذكورة النافية للبدنة، بقرينة التفصيل القاطع للشركة، فإنّها تعارض صحيحة البجلي- المثبتة للبدنة في الإمناء مطلقا- بالعموم من وجه، و إذ لا مرجّح فيرجع في خصوص الأمناء إلى الأصل، و

تبقى الشاة لنفس التقبيل.

لا يقال: الإمناء مع التقبيل بلا شهوة من الأفراد النادرة جدّا، فلا تنصرف إليه الحسنة، لأنّه على ذلك يجري مثله في الصحيحة أيضا.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ ثبوت الشاة خاصّة للتقبيل مطلقا لا ينافي ثبوت البدنة للإمناء كذلك، فإنّ الإمناء أمر آخر و إن ترتّب على التقبيل و اجتمع معه، و لازمه ثبوت الأمرين.

______________________________

(1) الكافي 4: 376- 3، التهذيب 5: 327- 1123، الوسائل 13: 139 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 18 ح 4.

(2) الكافي 4: 376- 4، التهذيب 5: 326- 1121، الاستبصار 2: 191- 641، الوسائل 12: 434 أبواب تروك الإحرام ب 12 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 256

إلّا أنّ ها هنا كلاما آخر، و هو: عدم معلوميّة صدق الإمناء حينئذ، لأنّه إخراج المني، و ما نحن فيه و إن كان خروجا و لكن لا يعلم كونه إخراجا، إذ ليس التقبيل بغير شهوة سببا عاديّا له.

و الحاصل: أنّه بالنسبة إلى خروج المني كنسبة النوم إلى الاحتلام، فلا يكون هذا الفرد داخلا في الأصل المذكور رأسا لا أن يكون مستثنى من الأصل، فإنّ الإمناء إنّما يكون مع طلبه، كما تشعر به صحيحة الحلبي، و فيها: قلت: فإنّه أراد أن ينزلها من المحمل، فلمّا ضمّها إليه أدركته الشهوة، قال: «ليس عليه شي ء، إلّا أن يكون طلب ذلك» «1».

و لو لا ذلك لكنّا نقول بوجوب البدنة و الشاة معا، الاولى للإمناء، و الثانية للتقبيل، لأدلّة كلّ منهما، و نفي الحسنة للبدنة لأجل التفصيل إنّما ينفيها من حيث التقبيل لا من حيث الإمناء.

و إنّما لم نقل بالبدنتين في صورة التقبيل بالشهوة و الإمناء بمثل ذلك الدليل لما ثبت عندنا من أصالة تداخل الأسباب مع

اتّحاد المسبّب نوعا.

و لا نبالي بعدم معلوميّة شريك في ذلك القول، لجواز أن يكون مراد القوم- كلّا أو بعضا- بيان كفّارة كلّ فعل بخصوصه، فيجتمع مع الاجتماع، مع أنّ المقام- لتشتّت الأقوال- ممّا لا يعلم فيه إجماع بسيط أو مركّب.

لا يقال: إنّه و إن لم تثبت البدنة حينئذ بالأصل المذكور- لما ذكرت- و لكن يمكن إثباتها بإطلاق صحيحة الحلبي و رواية عليّ بن أبي حمزة.

لأنّا نقول: بأنّهما أعمّان مطلقا من الحسنة، لتقييدها بغير الشهوة، فيجب التخصيص بها.

______________________________

(1) التهذيب 5: 326- 1118، الوسائل 13: 137 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 17 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 257

بل قد يقال: إنّ سياقهما ظاهر فيما كان مع الشهوة، و مع ذلك هو الغالب المنصرف إليه الإطلاق، و لكنّهما لا يخلوان عن قبول المنع.

و كذلك إن كان بدون الشهوة و الأمناء، للحسنة المتقدّمة.

و تحصّل ممّا ذكر: أنّ في التقبيل مع الشهوة البدنة و لو لم يمن، و بدونها الشاة و لو أمنى.

و للقوم فيه أقوال أخر:

فعن جماعة- منهم: الحلّي و الديلمي و ابن زهرة-: اشتراط الإنزال و الشهوة معا في ثبوت البدنة «1».

و عن آخرين- منهم: الصدوق و المفيد-: عدم اشتراط الشهوة في ثبوتها «2».

و منهم من جمع بين الأمرين: اشتراط الإنزال، و عدم الشهوة.

و منهم من اشترط الإنزال و الشهوة معا، حكي عن ابن سعيد «3».

و منهم من لم يحكم بالبدنة أصلا، بل اكتفى فيه بالشاة مطلقا «4».

و الكلّ ضعيف غير مطابق لمقتضى الاستدلال.

المسألة العاشرة: من مسّ امرأته أو حملها بشهوة

فعليه شاة.

لصحيحة ابن عمّار: عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى و هو محرم، قال: «لا شي ء عليه، و لكن ليغتسل و يستغفر ربّه، و إن حملها من غير شهوة فأمنى

أو أمذى فلا شي ء عليه، و إن حملها أو مسّها بشهوة فأمنى

______________________________

(1) الحلي في السرائر 1: 552، الديلمي في المراسم: 119، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 576.

(2) الصدوق في المقنع: 76، المفيد في المقنعة: 434.

(3) الجامع للشرائع: 188.

(4) انظر الفقيه 2: 213- 970.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 258

أو أمذى فعليه دم» «1».

و الحلبي: قلت: المحرم يضع يده بشهوة، قال: «يهريق دم شاة» «2».

و محمّد: عن رجل حمل امرأته و هو محرم فأمنى أو أمذى، قال:

«إن حملها أو مسّها بشي ء من الشهوة فأمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذ فعليه دم شاة يهريقه، فإن حملها أو مسّها بغير شهوة أمنى أو لم يمن فليس عليه شي ء» «3».

و حسنة مسمع، و فيها: «و من مسّ امرأته بيده و هو محرم على شهوة فعليه دم شاة» «4».

فإن حصل مع ذلك الإنزال فعليه مع الشاة البدنة، الاولى: للمسّ بشهوة، و الثانية: للإمناء، للتقريب الذي مرّ في المسألة السابقة.

و إن مسّها أو حملها بلا شهوة فلا شي ء عليه و إن أنزل، لصحيحتي ابن عمّار و محمّد المتقدّمتين.

و لا يرد: أنّهما أعمّان مطلقا من الأصل المذكور، حيث إنّ الشي ء أعمّ من الكفارة.

لأنّ التقابل مع ما فيه الكفّارة يجعلهما كالصريح في إرادة نفي الكفّارة، فإنّ التفصيل قاطع للشركة.

______________________________

(1) الكافي 4: 375- 1، الوسائل 13: 135 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 17 ح 1 و فيه: و إن حملها .. و هو محرم ..

(2) الكافي 4: 375- 2، الوسائل 13: 138 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 18 ح 1.

(3) الفقيه 2: 214- 972، التهذيب 5: 326- 1119، الوسائل 13: 137 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 17 ح 6، بتفاوت.

(4) الكافي 4: 376-

4، التهذيب 5: 326- 1121، الاستبصار 2: 191- 641، الوسائل 13: 136 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 17 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 259

مع أنّه لو قطع النظر عن ذلك لكان تعارضهما مع دليل الأصل بالعموم من وجه، اللازم فيه الرجوع إلى أصالة البراءة بعد اليأس عن الترجيح.

مضافا إلى عدم معلوميّة صدق الإمناء حينئذ بالتقريب المذكور.

المسألة الحادية عشرة: من نظر إلى أهله فلا شي ء عليه

من جهة النظر مطلقا، بشهوة كان أو بدونها.

لأصل البراءة.

و صحيحة ابن عمّار: عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى و هو محرم، قال: «لا شي ء عليه» «1».

و موثّقة إسحاق: «محرم نظر إلى امرأته بشهوة فأمنى، قال: «ليس عليه شي ء» «2».

و لو كان معه الإنزال، فإن كان بشهوة فعليه بدنة.

للأصل المتقدّم.

و حسنة مسمع: «و من نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور» «3».

و هي و إن كانت معارضة مع الصحيحة و الموثقة و لكنّها أخصّ مطلقا منهما، لأنّ الجزور أخصّ من الشي ء، مع أنّه لولاه أيضا للزم الرجوع إلى

______________________________

(1) الكافي 4: 375- 1، التهذيب 5: 325- 1117، الاستبصار 2: 191- 642، الوسائل 13: 135 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 17 ح 1.

(2) التهذيب 5: 327- 1122، الاستبصار 2: 192- 643، الوسائل 13: 138 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 17 ح 7.

(3) الكافي 4: 376- 4، التهذيب 5: 326- 1121، الاستبصار 2: 191- 641، الوسائل 13: 136 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 17 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 260

الأصل المذكور.

و إن كان بدون الشهوة فلا شي ء عليه.

لمعارضة الصحيحة مع دليل الأصل بالعموم من وجه، فيرجع إلى أصل البراءة، مضافا إلى ما مرّ من عدم معلوميّة صدق أمنائه حينئذ.

و من نظر إلى غير أهله من الأجنبيّات فأمنى، فإن

كان موسرا فعليه بدنة، و إن كان متوسّطا فبقرة، و إن كان معسرا فشاة.

لموثّقة أبي بصير: عن رجل نظر إلى ساق امرأة فأمنى، قال: «إن كان موسرا فعليه بدنة، و إن كان بين ذلك فبقرة، و إن كان فقيرا فشاة، أما إنّي لم أجعل ذلك عليه من أجل الماء، و لكن من أجل أنّه نظر إلى ما لا يحلّ له» «1».

و قريبة منها الأخرى، و فيها: ساق امرأة أو فرجها «2»، و ذيلها يدلّ على كون الامرأة أجنبيّة.

و معنى قوله: «من أجل الماء» أي من أجله خاصّة، كما تدلّ عليه صحيحة ابن عمّار: في محرم نظر إلى غير أهله فأمنى، قال: «عليه دم، لأنّه نظر إلى غير ما يحلّ له، و إن لم يكن أنزل فليتّق اللّه و لا يعد، و ليس عليه شي ء» «3».

و إطلاق الدم فيها محمول على تفصيل الموثّقة، حملا للمجمل على المبيّن، و المقيّد على المطلق.

______________________________

(1) الكافي 4: 377- 7، التهذيب 5: 325- 1115، الوسائل 13: 133 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 16 ح 2، بتفاوت.

(2) المقنع: 76، الوسائل 13: 133 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 16 ح 2.

(3) الكافي 4: 377- 8، الوسائل 13: 135 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 16 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 261

و لا ينافي قوله: «إنّي لم أجعل ذلك عليه من أجل الماء» ما ذكرنا من الأصل المتقدّم، لأنّ مبناه على قصد الإمناء الذي هو الاستمناء، و هذا يدلّ على أنّ خروج الماء من حيث هو ليس شيئا بإزائه.

و هل ذلك التفصيل جار في النظر إلى الأهل مع الإمناء، أم لا؟

الظاهر هو: الثاني، لاختصاص الموثّقة بغير الأهل.

و لا يلزم أغلظيّة النظر إلى الأهل عن النظر

إلى غيرها، لأنّ الحكم حكم النظر إلى الغير مع الإمناء، سواء كان بشهوة أو غير شهوة، طلب خروج المني أو لم يطلب، و يحتمل اجتماع الحكمين مع النظر بالشهوة إلى الغير و الإنزال.

المسألة الثانية عشرة: لا كفّارة في غير ما ذكر من الاستمتاعات،

للأصل.

و لا في الإمناء بسماع كلام الأجنبيّة مطلقا، و لا في حال جماعها، و لا في توصيف الأجنبيّة له.

لرواية أبي بصير «1»، و مرسلة البزنطي «2»، و روايتي سماعة «3».

إلّا إذا قصد بأحد هذه الأحوال الإمناء و أمنى، فيحتمل وجوب البدنة كما ذكره بعض الأصحاب، للأصل المذكور.

______________________________

(1) الكافي 4: 377- 10، التهذيب 5: 327- 1125، الوسائل 13: 142 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 20 ح 3.

(2) الكافي 4: 377- 11، الوسائل 13: 141 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 20 ح 2.

(3) الاولى في: التهذيب 5: 328- 1126، الوسائل 13: 142 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 20 ح 4.

الثانية في: الكافي 4: 377- 12، الوسائل 13: 141 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 20 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 262

المسألة الثالثة عشرة: من جامع في إحرام العمرة قبل السعي:

فإن كانت عمرة مفردة فسدت عمرته و عليه بدنة و قضاء العمرة، بلا خلاف يوجد فيها، بل بالإجماع.

لصحيحة أحمد بن أبي عليّ: في الرجل اعتمر عمرة مفردة فوطئ أهله و هو محرم قبل أن يفرغ من طوافه و سعيه، قال: «عليه بدنة، لفساد عمرته، و عليه أن يقيم بمكّة حتى يدخل شهر آخر، فيخرج إلى بعض المواقيت، فيحرم منه ثمَّ يعتمر» «1».

و بمضمونها حسنة مسمع، إلّا أنّ فيها: «فيطوف بالبيت ثمَّ يغشى أهله قبل أن يسعى» «2».

و المآل واحد، لأنّ قبل الفراغ من الطواف و السعي- كما في الصحيحة- يشمل ما بعد الطواف قبل السعي أيضا، فتوهّم اختصاصها بما قبل الطواف و السعي معا- كما قيل- غير جيّد.

و أمّا العمرة المتمتّع بها، فظاهر الأكثر أنّها كالمفردة، بل صرّح بعضهم بعدم الخلاف فيه «3».

و ظاهر التهذيب- كما قيل «4»- تخصيص الحكم بالمفردة.

و دليل التعميم: عدم الخلاف، و تساوي العمرتين

في الأركان، و حرمتهن.

و دليل التخصيص: اختصاص المنصوص بالمفردة.

______________________________

(1) الكافي 4: 538- 1، الوسائل 13: 129 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 12 ح 4.

(2) الكافي 4: 538- 2، الفقيه 2: 275- 1344، التهذيب 5: 323- 1111، الوسائل 13: 128 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 12 ح 2.

(3) انظر الرياض 1: 470.

(4) المدارك 8: 422، و انظر التهذيب 5: 323.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 263

أقول: يمكن الاستدلال للأول بإطلاق كثير من الأخبار المتضمّنة لقضاء الحجّ و التفريق إذا وقع المحرم على أهله، فإنّها تشمل إحرام الحجّ و إحرام عمرة التمتّع مع اتّساع الوقت لإنشاء عمرة أخرى أو ضيقه، خرجت صورة الاتّساع بالإجماع، فبقي الباقي، و منه ما وقع في إحرام العمرة مع ضيق الوقت، و لا وجه لقضاء الحج حينئذ إلّا فساد العمرة، و حينئذ فالتعميم أقوى، لذلك.

و منه يظهر وجه وجوب التفريق أيضا كما ذكره الفاضل في القواعد و الشهيدان «1»، و وجه وجوب قضاء الحجّ مع عدم إمكان إنشاء العمرة، و كذا يدلّ على أنّه يجب التفريق في إحرام العمرة بعض الأخبار المطلقة المتضمّنة لتفريق المحرم المجامع كما مرّ.

و هل يجب إتمام العمرة الفاسدة؟

الظاهر: لا، للأصل.

و المحصّل ممّا ذكر: فساد العمرة بالجماع قبل السعي، فإن كانت مفردة يتركها و يقضيها، و إن كانت متمتّعا بها ينشئها مع اتّساع الوقت و يتمّ الحجّ، و عليه البدنة، لإطلاقات وجوبها على المحرم المجامع أو الذي استمنى، و مع ضيق الوقت يقضيها مع الحجّ من قابل، و عليه البدنة، و يجب التفريق على الوجه المتقدّم.

و يمكن الاستدلال على فساد عمرة التمتّع بالجماع بإطلاق صحيحة ضريس: عن رجل أمر جاريته أن تحرم من الوقت فأحرمت و لم يكن هو

أحرم، فغشيها بعد ما أحرمت، قال: «يأمرها فتغتسل، ثمَّ تحرم و لا شي ء

______________________________

(1) حكاه عنهم في الرياض 1: 470، و انظر القواعد 1: 99، الدروس 1: 338، المسالك 1: 145.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 264

عليه» «1».

و رواية وهب بن عبد ربّه: في رجل كانت معه أمّ ولد، فأحرمت قبل سيّدها، إله أن ينقض إحرامها و يطأها قبل أن يحرم؟ قال: «نعم» «2».

دلّتا على انتقاض إحرام الجارية، بالمجامعة معها، فالرجل أيضا كذلك بالإجماع المركّب.

و منه يظهر وجه آخر لفساد الحجّ مع الضيق، لدوران الأمر بين العدول إلى الإفراد، أو التمتّع بالحجّ بالعمرة الفاسدة، أو وجوب القضاء، و الأولان مخالفان للأصل و التوقيف، فبقي الثالث.

هذا حكم الجماع، و أمّا غيره من أنواع التمتّعات إذا وقع في العمرة فحكمه كما مرّ، للإطلاقات.

المسألة الرابعة عشرة: لو عقد محرم لمحرم على امرأة

و دخل بها كان على العاقد بدنة و على الزوج بدنة، فيما قطع به الأصحاب من غير خلاف كما قيل «3»، و في المدارك «4» و غيره «5»: أنّ ظاهر الأصحاب الاتّفاق عليه، و عن صريح الغنية: الإجماع عليه «6».

و تدلّ عليه موثّقة سماعة: «لا ينبغي للرجل الحلال أن يزوّج محرما و هو [يعلم ] أنّه لا يحلّ له»، قلت: فإن فعل و دخل بها المحرم؟ قال: «إن

______________________________

(1) التهذيب 5: 320- 1103، الاستبصار 2: 191- 640، الوسائل 13: 121 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 8 ح 3.

(2) الفقيه 2: 208- 949، الوسائل 13: 120 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 8 ح 1.

(3) الرياض 1: 469.

(4) المدارك 8: 421.

(5) انظر الكفاية: 65، كشف اللثام 1: 408.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 577.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 265

كانا عالمين فإنّ على كل واحد منهما بدنة، و على المرأة إن

كانت محرمة بدنة، و إن لم تكن محرمة فلا شي ء عليها، إلّا أن تكون قد علمت أنّ الذي تزوّجها محرم، فإن كانت علمت ثمَّ تزوّجته فعليها بدنة» «1».

و الموثّقة و إن اختصّت بالعاقد الحلال، و لكنّ الأصحاب عمّموا الحلال للمحرم أيضا.

و كذا مقتضاها الاختصاص بصورة علمه و كذا علم الزوج- و حكي عن الأكثر: التعميم «2»، و لا وجه له- و بالمرأة المحرمة أو العالمة بإحرام الزوج، و هو كذلك، و اللّه العالم.

______________________________

(1) الكافي 4: 372- 5، التهذيب 5: 330- 1138، الوسائل 13: 142 أبواب كفّارات الاستمتاع ب 21 ح 1 و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.

(2) كما في كشف اللثام 1: 408.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 266

البحث الثالث في سائر الكفّارات
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: في كفّارة الطيب،

و الكلام فيه: إمّا في التدهّن بالطيب، أو أكل الطعام المطيّب، أو نفس التطيّب.

و اختلفت كلماتهم في كفّارته:

فمنهم من لم يذكر له كفّارة أصلا، كالديلمي «1».

و منهم من ذكرها للتدهّن خاصّة، كابن سعيد «2».

و منهم من ذكرها لأكل الطعام المطيّب كذلك، كالمفيد و ابن حمزة «3».

و منهم من ذكرها لاستعمال المسك و العنبر و العود و الكافور و الزعفران، كالنزهة «4».

و منهم من ذكرها للأكل و شمّ الكافور و المسك و العنبر و الزعفران و الورس، و صرّح بالنفي فيما عدا ذلك، كالحلبي «5».

و منهم من زاد على الأخير: استعمال الدهن الطيّب، و نفي الكفّارة عمّا عدا ما ذكره بالإجماع و الأخبار و الأصل، كالخلاف «6».

______________________________

(1) المراسم: 106.

(2) الجامع للشرائع: 194.

(3) المفيد في المقنعة: 438، ابن حمزة في الوسيلة: 167.

(4) نزهة الناظر: 68.

(5) الكافي: 204.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 13    267     المسألة الأولى: في كفارة الطيب، ..... ص : 266

(6) الخلاف 2: 302- 304.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 267

و منهم من عمّمها للطيب صبغا و أكلا و اطلاء و تبخيرا و شمّا و مسّا و احتقانا و اكتحالا و إسعاطا، ابتداء و استدامة، كالشرائع و النافع و القواعد و الإرشاد و المنتهى و التذكرة و التحرير «1»، و إن اختلف عبارات هؤلاء زيادة و نقصانا فيما ذكروه للتعميم.

و الأخبار الواردة في المقام: ما تقدّم في ثالث محرّمات الإحرام:

من صحيحة زرارة المصرّحة بوجوب الدم في أكل الزعفران و الطعام الطيّب متعمّدا «2».

و صحيحة ابن عمّار الآمرة بالتصدّق بقدر ما صنع في مسّ الطيب و التدهّن و الطعام المطيّب «3».

و صحيحة حريز و مرسلته الآمرتين بالتصدّق بقدر السعة في

قدر ما صنع، أو قدر الشبع في مسّ الطيب و التلذّذ بالريح الطيّبة «4».

و روايتي الحسن بن زياد الآمرتين بالتصدّق بشي ء في غسل اليد بالأشنان المطيّب «5».

______________________________

(1) الشرائع 1: 295، النافع: 107، القواعد 1: 99، الإرشاد 1: 323، المنتهى 2: 814، التذكرة 1: 353، التحرير 1: 120.

(2) الكافي 4: 354- 3، الفقيه 2: 223- 1046، الوسائل 13: 150 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 4 ح 1.

(3) التهذيب 5: 304- 1039، الوسائل 12: 444 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 8.

(4) الصحيحة في: التهذيب 5: 297- 1007، الاستبصار 2: 178- 591، الوسائل 12:

445 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 11.

المرسلة في: 353- 2، الوسائل 12: 443 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 6.

(5) الاولى في: الفقيه 2: 223- 1047، الوسائل 12: 151 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 4 ح 4.

الثانية في: الكافي 4: 354- 7، الوسائل 13: 152 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 4 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 268

مضافا إلى صحيحة أخرى لزرارة: «من نتف إبطيه، أو قلّم ظفره، أو حلق رأسه، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه، أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله، و هو محرم، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء، و من فعله متعمّدا فعليه شاة» «1».

و المرويّ في قرب الإسناد للحميري: «لكلّ شي ء خرجت من حجّك فعليك دم تهريقه حيث شئت» «2».

و مرسلة المفيد عن الصادق عليه السّلام: «كفارة مسّ الطيب للمحرم أن يستغفر اللّه» «3».

و مقطوعة ابن عمّار: في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج، قال: «إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين، و إن كان فعله بعمد فعليه دم شاة» «4».

و

رواية الحسن بن هارون: إنّي أكلت خبيصا فيه زعفران حتى شبعت و أنا محرم، قال: «إذا فرغت من مناسكك و أردت الخروج من مكّة فابتع بدرهم تمرا فتصدّق به، فيكون كفّارة لذلك، و لما دخل في إحرامك ممّا لا تعلم» «5».

______________________________

(1) التهذيب 5: 369- 1287، الوسائل 13: 157 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 8 ح 1.

(2) قرب الإسناد: 237- 928، الوسائل 13: 158 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 8 ح 5.

(3) المقنعة: 446، الوسائل 13: 153 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 4 ح 9.

(4) التهذيب 5: 304- 1038، الوسائل 13: 151 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 4 ح 5 بتفاوت يسير.

(5) الكافي 4: 354- 9، الفقيه 2: 223- 1045، التهذيب 5: 298- 1008، الوسائل 13: 149 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 3 ح 1 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 269

أقول: لا ينبغي الريب في وجوب الشاة في أكل الطعام المطيّب و التدهين بالمطيّب متعمّدا.

لصحيحتي زرارة و مقطوعة ابن عمّار و رواية قرب الإسناد، لأخصّية الأولين من سائر الأخبار المخالفة لهما مضمونا، لاختصاصهما بالمتعمّد.

و كذا في استعمال ما يحرم استعماله من الطيب، و هو- على المختار-:

المسك و الزعفران و العود و الورس.

لرواية قرب الإسناد المنجبرة بالشهرة، التي هي أخصّ ممّا ذكر أيضا، لاختصاصها بالعمد- لعدم كون غيره خرجا من الحجّ- و بالمحرّم أيضا لذلك، و نفي الكفّارة الواجبة في غير ما ذكر، و إن استحبّ التصدّق بما ورد في الأخبار فيما عدا ذلك، للأخبار المذكورة اللازم حملها على الاستحباب، للإجماع على عدم الوجوب في غير العمد- كما دلّت عليه بعض الأخبار المتقدّمة مفهوما أو منطوقا- و كذا في غير المحرّم من الطيب.

المسألة الثانية: في قلم كلّ ظفر من أظفار اليد أو الرجل مدّ
اشارة

من

طعام.

و في جميع أظفار اليدين أو الرجلين دم واحد.

و كذا في جميع أظفار اليدين و الرجلين في مجلس واحد.

و لو كان كلّ واحد منهما في مجلس لزمه دمان.

وفاقا للمشهور كما صرّح به جماعة «1»، بل لغير شاذّ، كما في المدارك «2»، بل بالإجماع، كما عن الخلاف و الغنية و المنتهى «3».

______________________________

(1) منهم السبزواري في الذخيرة: 621، صاحب الحدائق 15: 540.

(2) المدارك 8: 434.

(3) الخلاف 2: 309، 310، الغنية (الجوامع الفقهية): 577، المنتهى 2: 817.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 270

لصحيحة أبي بصير: رجل قلّم ظفرا من أظافيره و هو محرم، قال:

«عليه مدّ من طعام حتى يبلغ عشرة، فإن قلّم أصابع يديه كلّها فعليه دم شاة»، قلت: فإن قلّم أظافير يديه و رجليه جميعا؟ فقال: «إن كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم، و إن كان فعله متفرّقا في مجلسين فعليه دمان» «1».

و لكن لا دلالة لها على لزوم الشاة في أظفار الرجلين خاصّة.

و تدلّ عليه و على حكم كلّ ظفر و كلّ أظفار اليدين أيضا رواية الحلبي: عن محرم قلّم أظافيره، قال: «عليه مدّ في كلّ إصبع، فإن هو قلّم أظافيره عشرتها فإنّ عليه دم شاة» «2».

كما تدلّ أيضا على الحكمين الأخيرين موثّقة أبي بصير: «إذا قلّم المحرم أظافير يديه و رجليه في مكان واحد فعليه دم، و إن كانتا متفرّقتين فعليه دمان» «3».

و يقيّد ما ذكر إطلاق صحيحة زرارة: «من قلّم أظافيره ناسيا [أو ساهيا] أو جاهلا فلا شي ء عليه، و من فعله متعمّدا فعليه دم» «4».

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي، فلكلّ ظفر مدّ أو قيمته مخيّرا بينهما،

______________________________

(1) الفقيه 2: 227- 1057، التهذيب 5: 332- 1141، الاستبصار 2:

194- 651، الوسائل 13: 162 أبواب

بقية كفّارات الصوم ب 12 ح 1 بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 5: 332- 1142، الاستبصار 2: 194- 652، الوسائل 13: 162 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 12 ح 2.

(3) الكافي 4: 360- 5، الوسائل 13: 164 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 12 ح 6.

(4) التهذيب 5: 333- 1145، الاستبصار 2: 195- 655، الوسائل 13: 160 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 10 ح 5، و ما بين المعقوفين من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 271

إلى أن يبلغ خمسة فصاعدا ففيها دم إن كان في مجلس واحد، فإن فرّق بين يديه و رجليه فليديه دم و لرجليه دم «1».

و دليله على الجزء الأول: الجمع بين صحيحة أبي بصير المتقدّمة و هذه الصحيحة أيضا على رواية التهذيب، فإنّ فيها: «في كلّ ظفر قيمة مدّ من طعام» «2».

و على الجزء الثاني: صحيحة حريز: في المحرم ينسى فيقلّم ظفرا من أظافيره، فقال: «يتصدّق بكفّ من طعام»، قلت: فاثنتين؟ قال «كفّين»، قلت: فثلاثة؟ قال: «ثلاثة أكفّ، كلّ ظفر كفّ حتى يصير خمسة، فإذا قلّم خمسة فعليه دم واحد خمسة كان أو عشرة أو ما كان» «3».

و مرسلته: في محرم قلّم ظفرا، قال: «يتصدّق بكفّ من طعام»، قلت: ظفرين؟ قال «كفين»، قلت: ثلاثة؟ قال «ثلاثة أكفّ»، قلت:

أربعة؟ قال: «أربعة أكفّ»، قلت: خمسة؟ قال: «عليه دم يهريقه، فإن قصّ عشرة أو أكثر من ذلك فليس عليه إلّا دم يهريقه» «4».

و على الجزء الثالث: ما مرّ دليلا للقول المشهور.

و يردّ دليله على الأول: بعدم المقاومة لما مرّ حتى يحتاج إلى الجمع، للشذوذ.

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 285.

(2) التهذيب 5: 332- 1141، الوسائل 13: 162 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 12 ح 1.

(3) التهذيب

5: 332- 1143، الاستبصار 2: 194- 653، الوسائل 13: 163 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 12 ح 3.

(4) الكافي 4: 360- 4، الوسائل 13: 164 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 12 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 272

و به يردّ دليله على الجزء الثاني أيضا، مضافا إلى ورود الصحيحة في الناسي، و لا بدّ من حملها على الاستحباب، لعدم وجوب الكفّارة على الناسي إجماعا و نصّا كما مرّ.

و منه يعلم أنّه المحمل في المرسلة أيضا.

هذا، مع أنّها بتمام مضمونها لا توافق قول أحد من الطائفة، بل قيل:

توافق مذهب أبي حنيفة «1».

و للمحكيّ عن الحلبي، فقال: لقصّ كلّ ظفر كفّ من طعام، و في أظفار إحدى يديه صاع، و في أظفار كلتيهما دم و كذلك حكم أظفار رجليه «2».

و دليله على الجزء الأول: صحيحة حريز و مرسلته المتقدّمتان.

و صحيحة ابن عمّار: عن المحرم تطول أظفاره أو ينكسر بعضها فيؤذيه ذلك، قال: «لا يقصّ شيئا منها إن استطاع، فإن كانت تؤذيه فليقصّها و ليطعم مكان كلّ ظفر قبضة من طعام» «3».

و جوابه يظهر ممّا مرّ أيضا، مع أنّ الأخيرة واردة في المضطر الذي لا يجب عليه شي ء، فحملها على الاستحباب أيضا متعيّن.

و لم أظفر على جزئه الثاني على دليل، إلّا أن يراد بالصاع: صاع النبيّ- الذي هو خمسة أمداد- فيؤول إلى المشهور.

و الثالث يوافق المشهور.

______________________________

(1) كما في الحدائق 15: 543.

(2) الكافي في الفقه: 204.

(3) الكافي 4: 360- 3، التهذيب 5: 314- 1083، الفقيه 2: 228- 1077، الوسائل 13: 163 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 12 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 273

و للمحكيّ عن العماني، فإنّه قال: من انكسر ظفره و هو محرم

فلا يقصّه، فإن فعل فعليه أن يطعم مسكينا في يده «1».

و لا دليل له، إلّا أن يراد بالإطعام: مطلقه الشامل للقبضة أيضا، فتدلّ عليه صحيحة ابن عمّار، و لكنّها مخصوصة بحال الاضطرار، محمولة على الاستحباب.

فروع:
أ: ما مرّ من الكفّارة إنّما هو مع التعمّد،

و أمّا مع النسيان أو السهو أو الجهل فلا كفّارة إجماعا.

و تدلّ عليه صحيحة زرارة المتقدّمة، و مرسلة الفقيه.

قال- بعد نقل صحيحة أبي بصير المتقدّمة-: و في رواية زرارة: «إنّ من فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليه» «2».

و في رواية أبي حمزة «3»: عن رجل قلّم أظافيره إلّا إصبعا واحدا، قال: «نسي؟» قال: نعم، قال: «لا بأس» «4».

ب: لو أفتى أحد بتقليم ظفر المحرم فأدماه،

لزم المفتي شاة على الحقّ المشهور، لرواية إسحاق الصيرفي «5» المنجبرة، و إطلاقها يقتضي عدم

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 285.

(2) الفقيه 2: 228- 1076، الوسائل 13: 160 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 10 ح 2.

(3) في النسخ: ابن أبي حمزة، و الصحيح ما أثبتناه.

(4) التهذيب 5: 332- 1144، الاستبصار 2: 195- 654، الوسائل 13: 160 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 10 ح 4.

(5) التهذيب 5: 333- 1146، الوسائل 13: 164 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 274

اشتراط إحرام المفتي، كما أنّ تقييدها مع الأصل يقتضي الاختصاص بصورة الإدماء.

و هل تشترط أهليّة المفتي للإفتاء بزعم المستفتي؟

قيل: نعم «1».

و فيه نظر.

نعم، الظاهر اشتراط عدم زعمه بطلان قوله.

ج: إنّما يجب الدم أو الدمان بتقليم أصابع اليدين و الرجلين

إذا لم يتخلّل التكفير عن السابق قبل البلوغ إلى حدّ يوجب الشاة، و إلّا تعدّد المدّ خاصة بحسب تعدّد الأصابع، لأنّه المتبادر من النصّ و الفتوى، كذا قيل «2».

و هو للمنع قابل، بل الظاهر من الإطلاق: الدم مع البلوغ إلى حدّه و إن كفّر للسابق.

و لذا قالوا: لو كفّر شاة لليدين أو الرجلين ثمَّ أكمل الباقي في المجلس وجبت عليه شاة أخرى.

د: مقتضى إطلاق الروايات: أنّ بعض الظفر كالكلّ،

لصدق الظفر، بل المتعارف قصّه ليس إلّا بعض الظفر.

و لو تعدّدت دفعات قصّ ظفر إصبع واحد، فإن كان في مجلس واحد فالظاهر عدم تعدّد الفدية، لعدم دليل على اشتراط وحدة القصّ، بل الظاهر أنّه كذلك مع اختلاف المجلس.

ه: هل الحكم بالدم موقوف على إكمال اليدين أو الرجلين،

كما هو

______________________________

(1) كما في الروضة 2: 361، المدارك: 538.

(2) قال به في المدارك 8: 435، الذخيرة: 622.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 275

مقتضى صحيحة أبي بصير «1».

أو يتحقّق بإكمال العشرة أصابع و لو كان بعضها من اليد و بعضها من الرجل، كما هو المستفاد من رواية الحلبي «2»؟

الظاهر: الأول، لا لما يتوهّم من تعارض مفهوم الصحيحة مع منطوق الرواية بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل، لأنّ نسبة الأصل إلى الشاة و عشرة أمداد على السواء.

بل لأنّ المتبادر من قوله في الرواية: «أظافيره عشرتها» هو: العشرة من عضو واحد.

نعم، لو كان يقول: عشرة أظافيره، لكان للإشكال وجه.

و: لو كانت له إصبع زائدة في اليد أو الرجل،

فهل يتوقّف وجوب الدم على قصّ ظفرها أيضا، أم لا، بل يجب بقصّ العشرة؟

الظاهر: الأول، للأصل، و انصراف إطلاق العشرة إلى الغالب من الأشخاص، فمثل ذلك الشخص خارج عن الإطلاق، فيرجع في حقّه إلى الأصل و إطلاق اليدين و الرجلين.

و لو كانت أصابعه ناقصة فيشكل الحكم من جهة ذكر العشرة و انصراف المطلق إلى الشائع، و من جهة صدق اليدين و الرجلين.

و الأصل يقتضي عدم وجوب الدم و الاقتصار على مدّ لكلّ ظفر، فتأمّل.

المسألة الثالثة: في لبس المخيط عمدا دم شاة بالإجماع،

كما عن

______________________________

(1) المتقدمة في ص 270.

(2) المتقدمة في ص 272.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 276

المنتهى «1» و في غيره «2».

لصحيحة زرارة المتقدّمة في المسألة الاولى «3».

و صحيحة محمّد: عن المحرم إذا احتاج إلى ضروب من الثياب يلبسها، قال: «عليه لكلّ صنف منها فداء» «4».

و رواية سليمان بن العيص: عن المحرم يلبس القميص متعمّدا، قال:

«عليه دم» «5».

و لا فرق في ذلك بين المختار و المضطرّ و إن انتفى التحريم في الثاني، لإطلاق الروايات المتقدّمة.

و الخدش في دلالة الأولى- بأنّه مع الاضطرار ليس ممّا لا ينبغي لبسه- مردود بأنّها تتضمّن قوله: «ففعل ذلك ناسيا» أيضا، فيعلم أنّ المراد: ممّا لا ينبغي في صورة العمد و الاختيار.

و عن الخلاف و السرائر و التحرير و المنتهى و التذكرة: استثناء السراويل عند الضرورة، فلا فداء فيه «6»، و عن الأخيرين: الإجماع عليه «7»،

______________________________

(1) المنتهى 2: 812.

(2) كما في كشف اللثام 1: 408، الرياض 1: 473.

(3) التهذيب 5: 369- 1287، الوسائل 13: 157 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 8 ح 1.

(4) الكافي 4: 348- 2، الفقيه 2: 219- 1005، التهذيب 5: 384- 1340، الوسائل 13: 159 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 9 ح 1.

(5) التهذيب

5: 384- 1339، الوسائل 13: 157 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 8 ح 2.

(6) الخلاف 2: 297، السرائر 1: 543، التحرير 1: 114، المنتهى 2: 782، التذكرة 1: 332.

(7) المنتهى 2: 782، التذكرة 1: 332.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 277

و استدلّ له الشيخ بالأصل مع خلوّ الأخبار عن فدائه.

و فيه: ما مرّ من دلالة الإطلاقات.

و عن بعضهم: استثناء لبس الخفّين أيضا مع الاضطرار، للأصل، و تجويز لبسه في بعض الأخبار من غير إيجاب الفداء «1».

بل قد يقال باستثنائه مطلقا، لعدم دليل عليه، سوى ما قيل من أنّ الأصل في تروك الإحرام الفداء «2»، و هو ممنوع، و الأخبار المتقدّمة المتضمّنة للفظ الثوب، و شموله للخفين ممنوع.

و هو جيّد جدّا.

و قال في المدارك: و الاستدامة في اللبس كالابتداء، فلو لبس المحرم قميصا ناسيا ثمَّ ذكر وجب خلعه إجماعا و لا فدية، و لو أخلّ بذلك بعد العلم لزمه الفداء «3». انتهى.

و لا بأس به.

و لو لبس متعدّدا، فإمّا يتّحد اللبس و يتعدّد الملبوس شخصا مع وحدة الصنف، أو صنفا، أو يتّحد الملبوس و يتعدّد اللبس، أو يتعدّدان.

فعلى الأول- كأن يلبس قميصين بلبس واحد-: ليس إلّا كفارة واحدة، بلا خلاف فيه يعرف، للأصل.

و على الثاني- كأن يلبس قميصا و قباء بلبس واحد-: فالظاهر تعدّد الفداء، لصحيحة محمّد المتقدّمة، و حملها على صورة تعدّد اللبس لا وجه

______________________________

(1) انظر التذكرة 1: 332.

(2) كما في الرياض 1: 473.

(3) المدارك 8: 437.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 278

له، و أغلبيّته لو سلّمت ليست بحدّ يوجب الانصراف إليه.

و على الثالث- كأن يلبس قميصا واحدا مرّتين-: فإن تخلّل التكفير بينهما تتعدّد الكفّارة، لاقتضاء وجود السبب وجود المسبب. و إن لم

يتخلّل لم تجب إلّا كفّارة واحدة، سواء اختلف مجلس اللبسين أو اتّحد، لأصالة تداخل الأسباب على ما هو التحقيق عندنا.

و على الرابع: فمع تعدّد الملبوس صنفا أو تخلّل التكفير تتعدّد الكفّارة، و إلّا فلا، و يظهر وجهه ممّا سبق.

و لا كفّارة في اللبس نسيانا أو جهلا، إجماعا نصّا و فتوى.

المسألة الرابعة: في إزالة الشعر الكفّارة إجماعا،

للنصوص الآتية.

و هي في حلق الرأس من أذى دم شاة أو صيام ثلاثة أيّام أو الصدقة، إجماعا من غير شاذّ، للكتاب و السنّة:

منها: مرسلة حريز، و فيها: «فأمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله- أي أمر كعب حيث رآه القمّل بتناثر من رأسه، و قال له: أ تؤذيك هوامّك؟

قال: نعم، فنزلت الآية [1]- أن يحلق، و جعل الصيام ثلاثة أيّام، و الصدقة على ستّة مساكين، لكلّ مسكين مدّان، و النسك شاة» «1»، و نحوها صحيحته «2».

و مرسلة الفقيه، إلّا أنّ فيها: «لكلّ مسكين صاع من تمر، و النسك

______________________________

[1] الآية: «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ» البقرة: 196.

______________________________

(1) الكافي 4: 358- 2، المقنع: 75، الوسائل 13: 166 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 14 ذيل الحديث 1.

(2) التهذيب 5: 333- 1147، الاستبصار 2: 195- 656، الوسائل 13: 165 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 14 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 279

شاة لا يطعم منها أحد إلّا المساكين» «1».

و منها: رواية عمر بن يزيد، و فيها- بعد ذكر الآية-: «فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا فالصيام ثلاثة أيّام، و الصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام، و النسك شاة يذبحها فيأكل و يطعم، و إنّما عليه واحد

من ذلك» «2».

و خلافا للمحكيّ عن الديلمي، فاقتصر فيه على الدم خاصّة «3».

و لا وجه له.

و من غير أذى: دم شاة خاصّة، وفاقا للمحكيّ عن النزهة «4»، و نفي عنه البعد في المدارك «5»، و قوّاه بعض مشايخنا «6» أولا.

لصحيحة زرارة و رواية قرب الإسناد المتقدّمتين في المسألة الاولى «7»، و صحيحته الأخرى «8»، و هي كالأولى، إلّا أنّه ليس فيها: تقليم الظفر، بتخصيص هذه بما تقدّم من مورده من الأذى، و إبقائها في غيره على عمومه.

______________________________

(1) الفقيه 2: 228- 1083 و 1084، الوسائل 13: 167 و 168 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 14 ح 4 و 5.

(2) التهذيب 5: 333- 1148، الاستبصار 2: 195- 657، الوسائل 13: 166 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 14 ح 2.

(3) المراسم: 120.

(4) نزهة الناظر: 67.

(5) المدارك 8: 439.

(6) كما في الرياض 1: 474.

(7) في ص: 268.

(8) الكافي 4: 361- 8، التهذيب 5: 339- 1174، الوسائل 13: 159 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 280

خلافا لآخرين- و لعلّهم الأكثر «1»- فجعلوا التخيير في حلق الرأس مطلقا، بل عن المنتهى: أنّ التخيير في هذه الكفّارة لعذر أو غيره مذهب علمائنا أجمع «2».

و لا دليل عليه يوجب حمل الصحيحين على التجوّز- من الوجوب التخييري- مع عدم إمكانه في غير حلق الرأس ممّا ذكر فيهما، و بمجرّد ذلك الإجماع المنقول لا يجوز المصير إلى التجوّز.

و الحكمان- أي التخيير مع الأذى و الدم بدونه- جاريان في حلق الرأس مطلقا، جميعه كان أو بعضه، قليلا كان أو كثيرا، لصدق حلق الرأس، إلّا أن يكون قليلا غايته، بحيث يخرج عن التسمية- كحلق شعرة أو شعرتين أو ثلاثة-

فلا يثبت ذلك بما ذكر، و إن أمكن القول فيه بالدم أيضا، لرواية قرب الإسناد المتقدّمة، بل كذلك، لذلك.

و قيل في حلق ثلاث شعرات بالصدقة بكفّ من طعام أو سويق «3».

و لا وجه له، سوى بعض الأخبار الآتية، التي موردها غير الحلق.

و هل حلق غير الرأس أيضا كحلقة، أم لا؟

ظاهر إطلاق الفاضلين «4» و بعض من تأخّر عنهما «5»: الأول.

و مقتضى تقييد جمع ممّن تقدّم عليهما: الثاني «6».

و هو الأجود، لتعلّق الحكم بالرأس.

______________________________

(1) انظر المسالك 1: 145، اللمعة (الروضة 2): 363، المفاتيح 1: 339.

(2) المنتهى 2: 815.

(3) كما في المدارك 8: 440.

(4) المحقق في النافع: 108، العلّامة في المنتهى: 815.

(5) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 110، صاحب المدارك 8: 440.

(6) كالطوسي في النهاية: 233، الديلمي في المراسم: 120.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 281

إلّا أنّ في حلق غيره أيضا الدم مطلقا.

لرواية قرب الإسناد.

و كذا في إزالة شعر الرأس بغير الحلق، لذلك، إلّا فيما ورد فيه نصّ بخصوصه، كما يأتي.

ثمَّ الصدقة المذكورة هل هي على ستّة مساكين، لكلّ مسكين مدّان، كما نسبه في المدارك إلى الأكثر «1»، و بعض من تأخّر عنه إلى الأشهر «2»؟

أو على ستّة مساكين من غير ذكر المدّ و لا المدّين، كما عن الغنية نافيا عنه الخلاف «3»؟

أو عليهم لكلّ مسكين مدّ، كما عن المبسوط و المقنعة و السرائر «4»؟

أو على عشرة مساكين، لكلّ مسكين مدّ، كما عن ابن حمزة و القواعد و في الشرائع، و نسبه في المسالك إلى المشهور «5»؟

أو التخيير بين الستّة و المدّين أو العشرة و الإشباع، كما عن التهذيبين و الجامع «6»؟

و الأقوى هو: الأخير، للجمع بين روايتي حريز و بين رواية عمر بن يزيد «7».

______________________________

(1)

المدارك 8: 439.

(2) كما في الرياض 1: 473.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 577.

(4) المبسوط 1: 350، المقنعة: 434، السرائر 1: 553.

(5) ابن حمزة في الوسيلة: 169، القواعد 1: 99، الشرائع 1: 296، المسالك 1:

145.

(6) التهذيب 5: 334، الاستبصار 2: 196، الجامع: 195.

(7) المتقدمة جميعا في ص 278 و 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 282

و نظر الأولين إلى ضعف رواية عمر سندا و متنا لتجويز الأكل فيه من الفداء.

و الأول غير ضائر عندنا.

و الثاني عند الكلّ، لأنّ طرح جزء من الرواية لا يوجب طرح الباقي.

و نظر الرابع إلى ترجيح رواية العشرة، مع كون الغالب في الشبع المدّ. و كلاهما في حيّز المنع.

و منه يظهر منظور الخامس و جوابه.

و أمّا الثالث فلم يظهر لي محطّ نظره، سوى ما ذكره بعضهم عن الفقيه- بعد ذكر مرسلته المتقدّمة-: و روي: «مدّ من تمر» «1»، و لم أتفطّن بوجه ترجيحه على غيره، سيّما مع تقييده بالتمر الذي لا قائل به بخصوصه.

المسألة الخامسة: إذا نتف الرجل إبطيه معا فكفّارته دم شاة،

و إن نتف إحداهما فعليه إطعام ثلاثة مساكين على المشهور بين الأصحاب، بل قيل: لا خلاف في الحكمين أجده إلّا عن بعض المتأخّرين «2».

أمّا الأول: فلصحيحة زرارة و رواية قرب الإسناد المتقدّمتين.

و صحيحة حريز: «إذا نتف الرجل إبطيه بعد الإحرام فعليه دم شاة» [1].

______________________________

[1] التهذيب 5: 340- 1177، الاستبصار 2: 199- 675، الوسائل 13: 161 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 11 ح 1، و في الجميع لا توجد لفظة: شاة.

______________________________

(1) ذكره في الرياض 1: 474، و هو في الفقيه 2: 229- 1084، الوسائل 13:

168 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 14 ح 5.

(2) كما في الرياض 1: 474.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 283

و أمّا الثاني: فاستدلّ له

برواية عبد اللّه بن جبلة: في محرم نتف إبطه، قال: «يطعم ثلاثة مساكين» «1».

و اعترض عليها بضعف السند «2».

و ردّ بالانجبار بالعمل «3»، و هو كذلك.

إلّا أنّه يرد عليها: ضعف الدلالة على الوجوب، مع ما قيل من أنّ صحيحة زرارة تدلّ على وجوب الدم في مطلق الإبط «4»، و حمله على الإبطين- لأنّ الغالب نتفهما معا- يجري في الرواية أيضا.

و لا معارض لها، سوى ما قيل من مفهوم صحيحة حريز «5».

و هو فاسد، إذ لا يعتبر مفهوم الشرط في أمثال ذلك المقام، و لذا لم يقل أحد بمعارضته مع ما دلّ على أنّ في الطيب و تقليم الظفر و نحوهما شاة.

و لا يقال: إنّه يعارض ما إذا قال: من حلق رأسه ففيه شاة، بل الظاهر أنّ الحكم وجوب الشاة لكفّارة ذلك العمل، فلا يعارض ما دلّ على وجوبها لغيرها، مع أن الموجود في كثير من النسخ الصحيحة من الوافي بل في جميع ما وجدنا في صحيحة حريز أيضا: «إبطه» بالإفراد دون التثنية.

و على هذا، فلا يكون لما حكم في مطلق الإبط بالشاة- كما اختاره

______________________________

(1) التهذيب 5: 340- 1178، الاستبصار 2: 200- 676، الوسائل 13: 161 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 11 ح 2.

(2) كما في المدارك 8: 442.

(3) كما في الرياض 1: 474.

(4) انظر الذخيرة: 623.

(5) انظر الرياض 1: 474.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 284

بعض المتأخّرين- معارض أصلا، فيجب الحكم به، و يحكم باستحباب إطعام ثلاثة مساكين أيضا لمطلق الإبط.

و ذهب بعض المتأخّرين إلى التخيير بين الإطعام و الدم مع أولويّة الدم «1».

و حكم بعض إحدى الإبطين كتمامها، لصدق نتف الإبط، و كذا إزالة شعرها بغير النتف، بل إزالة مطلق الشعر غير ما

ذكر- و يأتي- لرواية قرب الإسناد «2».

المسألة السادسة: إن نتف المحرم من شعر لحيته أو غيرها- سوى الإبط- شيئا قليلا أو كثيرا،

أو مسّ رأسه أو لحيته أو غيرهما فسقطت منه شعرة أو شعرات، فعليه أن يتصدّق بكفّ من طعام أو سويق أو كفّين، أو يشتري تمرا بدرهم فيتصدّق به، مخيّرا بينهما.

جمعا بين ما يدلّ على التصدّق بالكفّ- كصحيحتي هشام «3» و الحلبي «4»- و ما يدلّ على اشتراء التمر- كرواية الحسن بن هارون «5»- و ما دلّ على مطلق الإطعام، كصحيحة ابن عمّار «6».

______________________________

(1) انظر المفاتيح 1: 339، الوافي 12: 645.

(2) المتقدمة في ص 268.

(3) التهذيب 5: 338- 1171، الاستبصار 2: 198- 669، الوسائل 13: 171 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 16 ح 5.

(4) الكافي 4: 361- 9، الوسائل 13: 173 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 16 ح 9.

(5) التهذيب 5: 340- 1176، الاستبصار 2: 199- 674، الوسائل 13: 171 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 16 ح 4.

(6) التهذيب 5: 338- 1170، الاستبصار 2: 198- 668، الوسائل 13: 171 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 16 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 285

و أمّا ما نفي فيه الشي ء أو الصرر- كروايتي المرادي «1» و المفضّل بن عمر «2»- فيحمل على المؤاخذة جمعا، و ما تردّد فيه بين الكفّ أو الكفّين يحمل الزائد على الكفّ فيه على الاستحباب.

و هل الحكم المذكور مخصوص بغير الوضوء إمّا مطلقا أو للصلاة أو مع الغسل أيضا، كما حكي عن الأكثر «3»؟

لصحيحة التميمي: عن المحرم يريد إسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة أو الشعرتان، فقال: «ليس بشي ء، ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ » «4».

أو يعمّه أيضا، كما عن الصدوق و المفيد و السيّد و الديلمي «5».

لبعض الأخبار المتقدّمة.

الحقّ: الأخير، لعدم دلالة الصحيحة المذكورة

على نفي الكفّارة أصلا و لو من جهة التعليل، لأنّ الأكفّ من الطعام لا حرج فيها أصلا.

المسألة السابعة: في التظليل سائرا الكفّارة،
اشاره

و عن ظاهر المنتهى:

اتّفاق الأصحاب عليه «6»، و نسبه في المدارك إلى مذهب الأصحاب عدا

______________________________

(1) الكافي 4: 361- 10، التهذيب 5: 339- 1175، الاستبصار 2: 199- 673، الوسائل 13: 172 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 16 ح 8.

(2) التهذيب 5: 339- 1173، الاستبصار 2: 198- 671، الوسائل 13: 172 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 16 ح 7.

(3) انظر الرياض 1: 474.

(4) التهذيب 5: 339- 1172، الاستبصار 2: 198- 670، الوسائل 13: 172 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 16 ح 6.

(5) الصدوق في المقنع: 75، المفيد في المقنعة: 435 السيد في جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 71، الديلمي في المراسم: 120.

(6) المنتهى 2: 814.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 286

الإسكافي «1».

و تدلّ عليه المستفيضة المتقدّمة أكثرها في بحث حرمة التظليل، كالصحاح السبع: لابن المغيرة و ابن بزيع و الخراساني و الأشعري و عليّ، و روايتي أبي بصير و عليّ بن محمّد، المتقدّمة جميعا «2».

و رواية أبي عليّ بن راشد: عن محرم ظلّل في عمرته، قال «يجب عليه دم»، قال: «فإن خرج من مكّة و ظلّل وجب عليه أيضا دم لعمرته و دم لحجّته» «3».

و صحيحته: يشتدّ عليّ كشف الظلال في الإحرام، لأنّي محرور تشتدّ عليّ الشمس، فقال: «ظلّل و أرق دما»، فقلت له: دما أو دمين؟

قال: «للعمرة؟» قلت: إنّا نحرم بالعمرة و ندخل مكّة فنحلّ و نحرم بالحجّ، قال: «فأرق دمين» «4».

و اختلفوا فيما يكفّر به، فالحقّ الموافق لقول الأكثر- كما في المدارك و الذخيرة «5»-: أنّه دم شاة، للصحاح الأربع لابن بزيع و الخراساني

المتقدّمة.

و عن المقنعة و جمل العلم و العمل و المراسم و النهاية و المبسوط و الوسيلة و السرائر: أنّه دم «6».

______________________________

(1) المدارك 8: 442.

(2) في ج 12 ص 25، 26، 28، 29.

(3) الكافي 4: 352- 14، الوسائل 13: 157 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 7 ح 2.

(4) التهذيب 5: 311- 1067، الوسائل 13: 156 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 7 ح 1.

(5) المدارك 8: 442، الذخيرة: 623.

(6) المقنعة: 434، جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 70، المراسم: 121، النهاية: 233، المبسوط 1: 321، الوسيلة: 168، السرائر 1: 553.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 287

لإطلاق الدم في رواية عليّ بن محمّد و صحيحة أبي عليّ و روايته.

و يجب الحمل على الشاة حملا للمطلق على المقيّد، كما تقيّد إطلاقات الفداء و الكفّارة بالدم أيضا، لذلك.

و أمّا ما في صحيحة عليّ- من أنّه كان ينحر بدنة لكفّارة الظلّ- فلا حجّية فيه، لأنّ فعل عليّ بن جعفر أو فهمه لا يصلح حجّة للغير، سيّما في مقابلة الأخبار.

و عن العماني: أنّ كفّارته صيام أو صدقة أو نسك- كالحلق للأذى «1»- لخبر ضعيف بالشذوذ.

و عن الصدوق: أنّها مدّ لكلّ يوم «2».

و تدلّ عليه رواية أبي بصير المشار إليها.

و حملها على حال النزول و استحباب التصدّق ممكن، لعمومها و أخصّية ما تقدّم، مع أنّها شاذّة.

فرعان:
أ: هل الفداء مخصوص بحال الاضطرار،

كما حكي عن ظاهر جملة من القدماء «3»؟

أو يتعدّى إلى حال الاختيار أيضا؟

دليل الأول: الأصل، و اختصاص جملة الأخبار به، حتى صحيحة

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 285.

(2) المقنع: 74.

(3) حكاه في الرياض 1: 475.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 288

عليّ، لأنّ تجويزه التظليل ليس إلّا مع الضرورة.

و صرّح جماعة بالتعدّي.

لاحتمال الإجماع «1».

و هو

ممنوع.

و للأولويّة.

و هي مردودة، لأنّ الكفّارة لعلّها لجبر النقصان الحاصل بالاضطرار، و لعلّ مع الاختيار و ارتكاب النقصان لا يطلب الشارع الانجبار.

أقول: و يمكن التعدّي بإطلاق رواية أبي عليّ، بل عمومها الحاصل من ترك الاستفصال من غير معارض، و لا يضرّ ضعف سندها بالإرسال، لانجباره بعمل الأكثر.

ب: مقتضى الأصل و الإطلاقات-

بل صريح رواية أبي عليّ و صحيحته- عدم تكرّر الكفّارة بتكرر التظليل في النسك الواحد من الحجّ أو العمرة، و صرّح به جماعة أيضا «2»، بل كأنّه لا خلاف فيه مع الاضطرار.

نعم، قيل بشاة لكلّ يوم للمختار «3»، و لا دليل له.

المسألة الثامنة: في تغطية الرأس للرجل الكفّارة دم شاة،

على ما هو المقطوع به بين الأصحاب، كما في المدارك و الذخيرة «4»، بل بلا خلاف، كما عن المنتهى و التذكرة، بل المبسوط «5»، بل بالإجماع، كما عن الغنية «6».

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 204، المسالك 1: 145.

(2) الذخيرة 1: 623، الرياض 1: 475.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 577.

(4) المدارك 8: 444، الذخيرة: 623.

(5) المنتهى 2: 814، التذكرة 1: 353، المبسوط 1: 351.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 577.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 289

لرواية قرب الإسناد المتقدّمة «1»، المؤيّدة بالمرسلة المرويّة في بعض كتب الطائفة فيمن غطّى رأسه: «إنّ عليه الفدية» «2» و الضعف منجبر بما مرّ.

و قيل [1]: يؤيّده عموم صحيحة زرارة المتضمّنة لقوله: من لبس ما لا ينبغي لبسه متعمّدا فعليه شاة «3».

و فيه خدش، فإنّ جهة اللبس غير جهة الستر.

و الظاهر تكرّر الفدية بتكرّر التغطية لو تخلّله التكفير، لصدق الخرج في الحجّ بكلّ مرّة، دون ما إذا لم يتخلّل، للتداخل.

و لا يتكرّر بتعدّد الغطاء.

و لا فرق في لزوم التكفير بين الاختيار و الاضطرار، للإطلاق.

و ممّا ذكرنا يظهر لزوم الدم في الارتماس أيضا.

و أمّا في الستر بالطين و حمل شي ء على الرأس فيبنى على حرمته و عدمه، و الوجه ظاهر.

المسألة التاسعة: لم يذكروا للفسوق كفّارة،

و مقتضى رواية قرب الإسناد «4» ثبوت الدم، و مقتضى صحيحة سليمان بن خالد «5»- المتقدّمة في

______________________________

[1] انظر الرياض 1: 475 و فيه: و في الغنية الإجماع صريحا، و هو الحجة المعتضدة بعموم ما مرّ من الصحيح: من لبس ما لا ينبغي ..

______________________________

(1) في ص 268.

(2) الخلاف 2: 299.

(3) التهذيب 5: 369- 1287، الوسائل 13: 157 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 8 ح 1.

(4) المتقدمة في ص: 268.

(5) الكافي 4: 339- 6، التهذيب 5: 297-

1004، الوسائل 13: 148 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 290

بحث تحريم الفسوق- أنّ فيه مع السباب بقرة.

و في صحيحة عليّ: «و كفّارة الفسوق: يتصدّق به إذا فعله و هو محرم» «1».

إلّا أنّ في صحيحة محمّد و الحلبي: أرأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال: «لم يجعل اللّه له حدّا، يستغفر اللّه و يلبّي» «2».

و لا شكّ أنّ مع معارضة هذه الصحيحة لما ذكر- مع عدم وجود مصرّح بالكفارة، و موافقة الصحيحة للأصل، و أخصّيتها عن رواية قرب الإسناد، و سقوط شي ء عن صحيحة عليّ- يرجع إلى الأصل.

و حمل في الوافي صحيحة سليمان على ما إذا كان فوق مرّتين مع يمين «3»، فيصير حينئذ جدالا.

المسألة العاشرة: الجدال إن كان صدقا فلا كفّارة فيما دون الثلاث مرّات منه،
اشارة

و في الثلاث منه شاة.

و إن كان كذبا ففي مرّة منه شاة، و في مرّتين بقرة، و في ثلاث مرّات بدنة.

أمّا الأولان: فعلى الحقّ المشهور بين الأصحاب، بل قيل: لا يكاد يتحقّق فيه خلاف يعتدّ به «4».

للأخبار المستفيضة من الصحاح و غيرها، كصحيحتي ابن عمّار «5»،

______________________________

(1) التهذيب 5: 297- 1005، الوسائل 13: 149 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 2 ح 3.

(2) الفقيه 2: 212- 968، الوسائل 12: 464 أبواب تروك الإحرام ب 32 ح 2.

(3) الوافي 13: 667.

(4) الرياض 1: 475.

(5) الكافي 4: 337- 3، الوسائل 13: 146 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 291

و محمّد «1»، و موثّقة يونس «2»، المتقدّمة في بحث تحريم الجدال.

و صحيحة محمّد و الحلبي: «إذا جادل فوق مرّتين فعلى المصيب دم يهريقه، و على المخطئ بقرة» «3».

و ابن عمّار: «إنّ الرجل إذا حلف ثلاثة أيمان في مقام ولاء

و هو محرم فقد جادل، و عليه حدّ الجدال دم يهريقه و يتصدّق به» «4».

و صحيحة أبي بصير: «إذا حلف الرجل ثلاثة أيمان و هو صادق و هو محرم فعليه دم يهريقه، و إذا حلف يمينا واحدة كاذبا فقد جادل، فعليه دم يهريقه» «5».

و الأخرى: «إذا حلف ثلاثة أيمان متتابعات صادقا فقد جادل و عليه دم، و إذا حلف واحدة كاذبا فقد جادل و عليه دم» «6».

و الرضوي: «و إن جادلت مرّة أو مرّتين و أنت صادق فلا شي ء عليك، فإن جادلت ثلاثا و أنت صادق فعليك دم شاة، و إن جادلت مرّة و أنت كاذب فعليك دم شاة، و إن جادلت مرّتين كاذبا فعليك دم بقرة، و إن

______________________________

(1) التهذيب 5: 335- 1153، الوسائل 13: 147 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 1 ح 6.

(2) التهذيب 5: 335- 1156، الاستبصار 2: 197- 666، الوسائل 13: 147 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 1 ح 8.

(3) الفقيه 2: 212- 968، الوسائل 13: 145 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 1 ح 2.

(4) التهذيب 5: 335- 1152، الوسائل 13: 146 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 1 ح 5.

(5) التهذيب 5: 335- 1154، الاستبصار 2: 197- 665، الوسائل 13: 147 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 1 ح 7.

(6) الكافي 4: 338- 4، الوسائل 13: 146 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 1 ح 4 و فيه: بثلاثة أيمان متعمدا ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 292

جادلت ثلاثا و أنت كاذب فعليك بدنة» «1».

دلّت هذه الأخبار منطوقا و مفهوما على الحكمين، و لا معارض لها.

و لا تنافي الأول صحيحة سليمان بن خالد: يقول: «في الجدال شاة» «2»، و لا الثاني موثّقة يونس

المشار إليها.

إذ صحيحة سليمان محمولة على ما إذا كان فوق مرّتين أو الكاذب منه، حملا للمطلق على المقيّد، مع أنّ المستفاد من كثير من الأخبار المتقدّمة عدم تحقّق الجدال في الصادق ما لم يزد على المرّتين، و توقّفه عليها.

و ظاهر الموثّقة أنّ المقول هو المرّة الواحدة.

و أمّا المرويّ في تفسير العيّاشي: «من جادل في الحجّ فعليه إطعام ستّين مسكينا، لكلّ مسكين نصف صاع إن كان صادقا أو كاذبا، فإن عاد مرّتين فعلى الصادق شاة، و على الكاذب بقرة» [1].

فشاذّ في غير الجزء الأخير، مردود بمخالفة الإجماع و الأخبار.

و هل يشترط في وجوب الكفّارة بالثلاث تواليها و تتابعها، كما هو مقتضى مفهوم الشرط في صحيحتي ابن عمّار و موثّقة أبي بصير الأخيرة، و هو المنقول عن العماني «3»، و مال إليه في المدارك و الذخيرة «4»؟

______________________________

[1] تفسير العياشي 1: 95- 255، الوسائل 13: 148 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 1 ح 10، و فيهما: ستة مساكين، بدل: ستين مسكينا.

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 217، مستدرك الوسائل 9: 295 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 1 ح 2.

(2) الكافي 4: 339- 6، الوسائل 13: 145 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 1 ح 1.

(3) حكاه عنه في الدروس 1: 386.

(4) المدارك 8: 446، الذخيرة: 624.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 293

أو لا، كما هو ظاهر إطلاق صحيحتي محمّد و الحلبي و محمّد، و موثّقة أبي بصير الاولى؟ و هو ظاهر إطلاق الأكثر، بل قيل: إنّ الظاهر انعقاد الإجماع، لكون قول العماني شاذّا على الإطلاق «1»، بل إطلاق كلامه يعمّ الصادق و الكاذب، و هو خلاف للإجماع، و مخالف للمستفيضة من الأخبار.

الحقّ هو: الأول، لما مرّ، و عدم ثبوت انعقاد

الإجماع، بل الشهرة الموجبة للشذوذ.

و أمّا الأحكام الثلاثة الأخيرة فكذلك أيضا.

و تدلّ على الأول منها: صحاح ابن عمّار و أبي بصير.

و على الثاني: رواية العيّاشي.

و على الثالث: إطلاق رواية أبي بصير: «إذا جادل الرجل و هو محرم فكذب متعمّدا فعليه جزور» «2».

خرج عنها ما دون الثلاث بدليله، فيبقى الباقي.

و على الأخيرين: الرضويّ المتقدّم، المنجبر ضعفه و ضعف رواية العيّاشي بعمل الأكثر.

و مقتضى بعض الصحاح المتقدّمة: وجوب البقرة في الثلاث، و مال إليه في المدارك و الذخيرة «3»، و حكي القول به في الأخير عن الصدوق، و حمل رواية أبي بصير على الاستحباب «4».

______________________________

(1) الرياض 1: 475.

(2) التهذيب 5: 335- 1155، الوسائل 13: 147 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 1 ح 9.

(3) المدارك 8: 445، الذخيرة: 623.

(4) الذخيرة: 623.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 294

و هو كان حسنا لو لا الشذوذ المخرج عن الحجّية، و التعارض مع الحديث المنجبر.

فروع:
أ: الحقّ أنّه لا كفّارة إذا اضطرّ إلى اليمين لإثبات حقّ أو نفي باطل،

كما في المدارك و الذخيرة «1»، و عن السرائر و جمع آخر «2».

و لا فيما إذا كان في طاعة اللّه و صلة الرحم و إكرام الأخ المؤمن، كما عن الإسكافي و الفاضل و الجعفي «3».

لصحيحة أبي بصير «4» المتقدّمة في بحث تحريم الجدال، و التقريب الذي ذكرنا فيه.

ب: لو زاد الصادق عن ثلاثة و لم يتخلّل التكفير فعليه كفّارة واحدة عن الجميع،

و مع تخلّله فلكلّ ثلاثة شاة على الأحوط، بل الأظهر.

ج: إنّما تجب على الكاذب البقرة بالمرّتين و البدنة بالثلاث

إذا لم يكن كفّر عن السابق، فلو كفّر عن كلّ واحدة فالشاة، أو اثنتين فالبقرة.

و الضابط اعتبار العدد ابتداء أو بعد التكفير، فللمرّة شاة، و للمرّتين

______________________________

(1) المدارك 8: 446، الذخيرة: 624.

(2) منهم الشهيد الأول في الدروس 1: 387، الكاشاني في المفاتيح 1: 342، صاحب الحدائق 15: 469.

(3) حكاه عن الإسكافي و ارتضاه في المختلف: 271، حكاه عن الجعفي في الدروس 1:

387.

(4) الكافي 4: 338- 5، الفقيه 2: 214- 973، الوسائل 12: 466 أبواب تروك الإحرام ب 32 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 295

بقرة، و للثلاث بدنة.

صرّح بذلك جماعة «1»، بل قيل: من غير خلاف بينهم أجده «2».

و للتأمّل فيه مجال، إذ مقتضى عموم رواية أبي بصير وجوب الجزور مطلقا، و لم يعلم خروج غير المرّتين و المرّة- لا ثالث لهما أصلا- عنه.

نعم، يمكن أن يقال في البقرة: إنّ إتيانها في المرّتين موقوف على انجبار الخبرين، و تحقّقه في كلّ مرّتين- حتى ما سبقت الكفّارة الأولى- غير معلوم، إلّا أنّه يمكن إثباتها بإثبات البدنة فيما نحن فيه بضميمة الإجماع المركّب، فتأمّل.

المسألة الحادية عشرة: في قلع شجرة الحرم الكفّارة على المشهور،

بل قيل: كاد أن يكون إجماعا «3».

و تدلّ عليه مرسلة الفقيه: عن الأراك يكون في الحرم فأقطعه، قال:

«عليك فداؤه» [1].

و موثّقة سليمان: عن رجل قلع من الأراك الذي بمكّة، قال: «عليه ثمنه» «4»، و غير ذلك ممّا يأتي.

______________________________

[1] الفقيه 2: 166- 723، الوسائل 13: 174 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 18 ح 1. و الأراك: شجر يستاك بقضبانه، له حمل كعناقيد العنب، يملأ العنقود الكف- مجمع البحرين 5: 253.

______________________________

(1) منهم صاحب المدارك 8: 446، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 411، صاحب الرياض 1: 476.

(2) انظر الرياض 1: 476.

(3) انظر الرياض 1:

476.

(4) الفقيه 2: 166- 720، التهذيب 5: 379- 1324، الوسائل 13: 174 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 18 ح 2 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 296

خلافا للمحكيّ عن الحلّي «1»، فقال: لا كفّارة فيه، و هو ظاهر الشرائع و النافع «2»، و استوجهه في المدارك «3»، للأصل، و ضعف الروايات.

و هو ضعيف، لمنع الضعف، و الانجبار لو كان.

و اختلفوا فيما يكفّر به، فقيل: في قلع كبير شجر الحرم بقرة، و في قلع صغيرها شاة، و في قطع بعض أغصانها قيمته «4».

و هو المشهور كما ذكره بعض مشايخنا «5»، و عن الخلاف: الإجماع عليه «6».

و عن القاضي: أنّها بقرة في الكبيرة و الصغيرة «7».

و عن الإسكافي و المختلف: أنّها قيمتها و ثمنها مطلقا «8».

و دليل الأول: الإجماع المنقول.

و مرسلة موسى «9»، المتقدّمة في بحث قطع الشجر من تروك الإحرام.

و المرويّ عن ابن عبّاس أنّه قال: في الدوحة بقرة، و في الجزلة شاة [1].

______________________________

[1] المهذب للفيروزآبادي الشيرازي 1: 219. و الدوحة: الشجرة العظيمة، من أيّ

______________________________

(1) السرائر 1: 554.

(2) الشرائع 1: 297، النافع: 108.

(3) المدارك 8: 447.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 577.

(5) الرياض 1: 476.

(6) الخلاف 2: 408.

(7) المهذّب 1: 223.

(8) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 286، المختلف: 287.

(9) التهذيب 5: 381- 1331، الوسائل 13: 174 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 18 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 297

و ضعف الكلّ ظاهر جدّا:

أمّا الأول: فلعدم حجّيته.

و أمّا الثاني: فلعدم دلالتها على الوجوب أولا، و عدم اختصاصها بالكبيرة ثانيا، و صراحتها في عدم الوجوب ثالثا، لورودها فيما في دار القالع، و قد مرّ جواز قلعها، بل صرّح به في المرسلة، حيث قال: «فإن أراد نزعها

نزعها»، و لا كفّارة في مثله وجوبا قطعا.

و أمّا الثالث: فلعدم ثبوت الرواية أولا.

و عدم حجّية قول ابن عبّاس جدّا ثانيا.

و عدم تعرّضه للأبعاض ثالثا.

مع أنّه ينافي ذلك موثّقة سليمان المثبتة للثمن، و جعل موردها القطع من الأراك- الذي هو الظاهر في بعض أغصانه- خطأ، لتضمّنها لفظ:

القلع، الذي هو الصريح في قلع الأصل.

و منه تظهر قوّة قول الإسكافي، فهو المعتمد، و لا تنافيه مرسلة الفقيه، لأنّ الفداء أعمّ من الثمن، و بها يستدلّ على الثمن في الأغصان بضميمة عدم القول بغيره فيها.

و لا يمكن التمسّك برواية قرب الإسناد المتقدّمة «1» هنا، لعدم كون ذلك خرجا في الحجّ، بل هو من خصائص الحرم، كما مرّ في بحث التروك.

و لا كفّارة في قلع الحشيش، وفاقا للمشهور، للأصل.

______________________________

الشجر كان- الصحاح 1: 361. و الجزلة: هي ما عظم من الشجر دون الدوحة- انظر مصدر الرواية، و الجزل: ما عظم من الحطب و يبس- الصحاح 4: 1655.

______________________________

(1) في ص 255.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 298

المسألة الثانية عشرة: لا كفّارة في غير ما ذكر من تروك الإحرام،

للأصل، و عدم الدليل، سوى بعض الأخبار الضعيفة، المتوقّف الاستناد إليها إلى الانجبار، الغير الحاصل في عدا ما مرّ.

و قد يقال بوجوب دم الشاة في قطع الضرس، لرواية مرسلة مضمرة مكاتبة «1»، قاصرة عن إفادة الوجوب، محتملة لكونه للإدماء الغير المنفكّ عن قلع الضرس غالبا، فالأقوى: العدم، وفاقا لجمع من القدماء «2» و المتأخّرين «3».

______________________________

(1) التهذيب 5: 385- 1344، الوسائل 13: 175 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 19 ح 1.

(2) كالصدوق في المقنع: 74، الفقيه 2: 222، و حكاه عن الإسكافي في المختلف:

287.

(3) منهم العلّامة في المختلف: 287، الفاضل الآبي في كشف الرموز 1: 413، الأردبيلي في مجمع الفائدة 7: 53، صاحب المدارك

8: 449.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 299

البحث الرابع في بعض ما يتعلّق بأحكام الكفّارات
اشارة

و فيه أربع مسائل:

المسألة الاولى: لو تعدّدت أسباب التكفير المختلفة

- كالصيد و الوطء و اللبس- فالمشهور أنّه تجب عن كلّ واحد كفّارة، سواء فعل ذلك في وقت واحد أو وقتين، كفّر عن الأول أو لم يكفّر.

و في المدارك: أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب «1».

و في الذخيرة: أنّه المعروف بينهم «2».

و عن ظاهر المنتهى: أنّه موضع وفاق «3».

و ادّعى الوفاق فيه بعض الأعلام أيضا «4».

و استدلّ عليه بأنّ كلّ واحد من تلك الأمور سبب مستقلّ في وجوب الكفّارة، و الحقيقة باقية عند الاجتماع. فيجب وجود الأثر.

و أيّد بفحوى ما دلّ على تكرّر الكفّارة بتكرّر الصيد و لبس الأنواع المتعدّدة من الثياب.

قال في الذخيرة: و فيه تأمّل، لأنّ القدر المسلّم كون كلّ واحدة سببا، أي معرّفا لوجوب الكفّارة.

______________________________

(1) المدارك 8: 451.

(2) الذخيرة: 624.

(3) المنتهى: 845.

(4) كما في كشف اللثام 1: 412.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 300

أمّا كونه معرّفا لوجوب كفّارة مغايرة لما يعرّف وجوبه السبب الآخر فمحلّ نظر يحتاج إلى دليل.

و كذا في التأييد تأمّل.

و بالجملة: لا خفاء في تعدّد الكفّارة مع تخلّل التكفير، أمّا بدونه ففيه خفاء. انتهى «1».

و هو جيّد جدّا، سيّما على ما حقّقناه من أصالة تداخل الأسباب.

و منه يظهر الجواب عمّا استدلّ به للتعدّد، من أنّ المقتضي موجود و المسقط منتف، فإنّه إن أريد المقتضي للتعدّد فوجوده ممنوع، و إن أريد للمطلق فالواحدة مسقطة.

و قال في المدارك: لا ريب في التعدّد مع سبق التكفير، و إنّما يحصل التردّد مع عدمه «2».

ثمَّ أقول: لا ينبغي الريب في التعدّد فيما ذكراه من صورة التخلّل، و كذا لا شكّ فيه مع اختلاف المسبّبات- أي الكفّارات، كالشاة و البقرة و الصوم- و الوجه ظاهر، و أمّا بدونهما فالمتّجه عدم

التعدّد، و إن كان التعدّد مطلقا أولى و أحوط.

المسألة الثانية: قد تقدّم تكرّر الكفّارة بتكرّر الصيد.

و أمّا في غير الصيد، فلا شكّ في تكرّرها أيضا بتكرّره مع تخلّل التكفير، أو كون السبب الواحد المتكرّر إتلافا مضمنا للمثل أو القيمة، فإنّ امتثال المثل أو القيمة لا يحصل إلّا بالإتيان بالجميع.

و أمّا بدون ذلك، فمقتضى الأصل الذي حقّقناه عدم التكرّر، إلّا فيما

______________________________

(1) الذخيرة: 624.

(2) المدارك 8: 451.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 301

ثبت بدليل خاصّ، كلبس الثياب المختلفة صنفا.

إلّا أنّهم ذكروا تكرّرها في مواضع.

منها: الوطء، فإنّ المشهور- كما في المدارك «1» و عن جماعة «2»، و المعروف من مذهب الأصحاب كما الذخيرة «3».

و المنفردة به الإماميّة كما عن الانتصار «4»، بل عنه و عن الغنية الإجماع عليه «5»- تكرّر الكفّارة، سواء كان التكرّر في مجلس واحد أو مجالس متعدّدة، كفّر عن الأول أم لا.

و استدلّ له بالإجماع المنقول الذي هو في حكم النصّ الصحيح، و الشهرة العظيمة، و بعموم النصوص الموجبة للكفّارة.

و يردّ الأولان: بعدم الحجّية.

و [الأخير] «6»: بمنع عموم النصّ، فإنّه لا يفيد إلّا أنّ على المجامع بدنة، و هو أعمّ من المجامع مرّة أو مرّات.

و أجيب عنه أولا: بعموم الإجماع المنقول الذي هو في حكم النصّ الصحيح.

و ثانيا: بأنّه لو تمَّ لنفى التكرّر مطلقا، كفّر عن الأول أم لا، و الظاهر أنّ المعترض لا يقول به.

و فيه أولا: أنّ الإجماع المنقول ليس في حكم الخبر الضعيف أيضا،

______________________________

(1) المدارك 8: 451.

(2) كما في الرياض 1: 476.

(3) الذخيرة: 476.

(4) الانتصار: 101.

(5) الانتصار: 101، الغنية (الجوامع الفقهية): 576.

(6) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 302

فكيف بالصحيح؟! و ثانيا: أنّه لو سلّم فيكون هو دليلا على المطلوب لا

جوابا لمنع عموم النصّ، إلّا أن يكون مراده: أنّ هذا النص عامّ و إن لم يكن غيره كذلك.

و ثالثا: أنّه لا ينفي التكرّر مع التخلّل، بل يثبته، لأنّ بعد دلالة النصّ على أنّ على المجامع يجب نحر بدنة فلو جامع بعد نحر لا بدّ من الوجوب ثانيا ليتحقّق حكم النصّ.

بخلاف ما لو لم ينحر بعد، لجواز تعلّق أسباب عديدة لوجوب أمر واحد، كالصلاة الواجبة المنذورة المحلوف عليها أيضا.

و بذلك يظهر أنّ الأقوى عدم التكرّر بدون التخلّل، كما هو مذهب الشيخ في الخلاف مطلقا «1»، و ابن حمزة فيما إذا كان مفسدا للحجّ و تكرّر دفعة «2»، و قوّاه في المختلف «3»، و مال إليه في المدارك و الذخيرة «4».

ثمَّ المرجع في التكرّر- على القول به مطلقا أو مع التخلّل- هو الصدق العرفي، دون تكرّر الإيلاج و النزع مطلقا كما ذكره جماعة، كما قيل «5».

و فيه: أنّه إنّما يصحّ لو كان المناط في التكرّر هو الإجماع المنقول، و أمّا إن كان عموم النصّ و تعدّد الأسباب فلا، إذ لا شكّ أنّ كلّ إيلاج و نزع

______________________________

(1) الخلاف 2: 367.

(2) الوسيلة: 165.

(3) المختلف: 287.

(4) المدارك 8: 452، الذخيرة: 624.

(5) انظر الرياض 1: 477.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 303

سبب تامّ، فلو أولج مرّة و نزع يؤثّر في الوجوب قطعا، فلو لم يؤثّر الثاني لزم تخلّف المسبّب عن السبب عنده، فتأمّل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 13    303     المسألة الثالثة: إذا أكل المحرم أو لبس ما يحرم عليه عامدا ..... ص : 303

منها: التكرّر بتكرّر الحلق.

و منها: التكرّر بتكرّر اللبس.

و منها: التكرّر بتكرّر الطيب.

فإنّ منهم من قال فيها بالتكرّر مطلقا «1».

و منهم من فرّق بين اتّحاد

المجلس أو الوقت و تعدّده «2».

و منهم من فرّق في الحلق بين تمام الرأس و بعضه «3».

و منهم من مال إلى عدم التكرّر إلّا مع التخلّل «4»، و هو الصحيح الموافق للأصل الذي قدّمناه.

و قد ذكر بعض الأعلام في المقام تفصيلا لمطلق التكرّر «5»، و لكنّه مبنيّ على أصالة عدم التداخل، و قد عرفت أنّها عندنا خلاف التحقيق.

المسألة الثالثة: إذا أكل المحرم أو لبس ما يحرم عليه عامدا

عالما ممّا لا تقدير فيه بالخصوص لزمه دم شاة، بلا خلاف يوجد.

لصحيحة زرارة المتقدّم ذكرها مرارا: «من نتف إبطه، أو قلّم ظفره، أو حلق رأسه، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه، أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله، و هو محرم، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا، فليس عليه شي ء، و من فعل

______________________________

(1) كما في المدارك 8: 453.

(2) كما في الشرائع 1: 298.

(3) كما في الذخيرة: 624.

(4) كما في الذخيرة: 624.

(5) انظر الرياض 1: 477.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 304

متعمّدا فعليه دم شاة» «1».

المسألة الرابعة: لا كفّارة في شي ء من تروك الإحرام على الناسي و الجاهل إلّا الصيد.

أمّا لزوم الكفّارة عليهما في الصيد فقد مرّ بيانه في بحث كفّارة الصيد.

و أمّا عدم لزومه عليهما في غيره ففي المدارك: أنّه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا «2».

و في الذخيرة: أنّه المعروف من مذهبهم «3».

و قيل: لا خلاف فيه مطلقا «4».

بل هو إجماع محقّق، و هو الحجّة فيه.

مضافا الى النصوص المستفيضة جدّا، كصحيحة زرارة المتقدّمة في المسألة السابقة، و صحيحة ابن عمّار السابقة في مسألة وجوب كفّارة الصيد نسيانا أو جهلا «5»، و غيرهما من الأخبار «6».

و في الرضويّ: «و كلّ شي ء أتيته في الحرم بجهالة و أنت محلّ أو محرم أو أتيت في الحلّ و أنت محرم فليس عليك شي ء، إلّا الصيد، فإنّ

______________________________

(1) التهذيب 5: 369- 1287، الوسائل 13: 157 أبواب بقية كفّارات الإحرام ب 8 ح 1.

(2) المدارك 8: 454.

(3) الذخيرة: 624.

(4) كما في الرياض 1: 477.

(5) المتقدّمة في ص: 209.

(6) الوسائل 13: 68 أبواب كفارات الصيد ب 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 305

عليك فداءه، فإن تعمّدته كان عليك فداؤه و إثمه، و إن علمت أو لم تعلم فعليك فداؤه» «1». و اللّه العالم.

______________________________

(1)

فقه الرضا (ع): 227، مستدرك الوسائل 9: 275 أبواب كفارات الصيد 24 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 306

خاتمة في نبذ ممّا يتعلّق بمكّة المشرّفة و الحرم المحترم و حرم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و زيارته،

اشارة

و ما يستحبّ لأهل الآفاق لإدراك ثواب الحجّ، و آداب السفر.

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: قالوا: الطواف للمجاور بمكّة أفضل من الصلاة، و للمقيم بها العكس.

و تدلّ عليه صحيحة حريز: «الطواف لغير أهل مكّة أفضل من الصلاة، و الصلاة لأهل مكّة أفضل» [1].

و الأخرى: عن الطواف- يعني لأهل مكّة ممّن جاور بها- أفضل أو الصلاة؟ قال: «الطواف للمجاورين أفضل، و الصلاة لأهل مكّة و القاطنين بها أفضل من الطواف» [2].

و ينبغي أن يقيّد المجاور بمن أقام سنة فما زاد إلى أقلّ من سنتين، و القاطن بمن أقام ثلاث سنين فصاعدا، و أمّا من أقام سنتين قبل أن يتمّ ثلاث سنين فهما متساويان.

______________________________

[1] الكافي 4: 412- 2، الفقيه 2: 134- 568، الوسائل 13: 311 أبواب الطواف ب 9 ح 3 و فيه: عن حريز، عن عبد اللّه .. و الصلاة لأهل مكة و القاطنين بها أفضل من الطواف.

[2] التهذيب 5: 446- 1555 و فيه: عن الطواف بغير أهل مكّة ممّن جاور بها ..،

الوسائل 13: 311 أبواب الطواف ب 9 ح 4 و فيه: عن الطواف لغير أهل مكّة لمن جاور بها ...

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 307

كما تفصح عن ذلك صحيحة هشام بن الحكم: من أقام بمكّة سنة فالطواف له أفضل من الصلاة، و من أقام سنتين خلط من ذا و من ذا، و من أقام ثلاث سنين كانت الصلاة له أفضل من الطواف» «1».

و قريبة منها صحيحة حفص و حمّاد و هشام «2»، و مرسلة الفقيه المقطوعة «3».

قال في المدارك: الظاهر أنّ المراد بالصلاة: النوافل المطلقة غير الرواتب، إذ ليس في الروايتين تصريح بأفضليّة الطواف من كلّ صلاة، و تنبّه عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج «4»، المتضمّنة للأمر بقطع الطواف لخوف فوات الوتر و

البدأة بالوتر ثمَّ إتمام الطواف.

قال: و بالجملة لا يمكن الخروج بهاتين الروايتين عن مقتضى الأخبار الصحيحة المستفيضة، المتضمّنة للحثّ الأكيد على النوافل المرتّبة «5». انتهى.

و مرجعه- كما قيل- إلى أنّ التعارض بين هذه الأخبار و أخبار الحثّ على النوافل المرتّبة بالعموم و الخصوص من وجه، و يمكن تقييد كلّ واحد منهما بالآخر، فيبقى المصير إلى الترجيح، و هو لأخبار الحثّ، لأكثريّتها- بل تواترها- المفيدة للقطع.

بخلاف هذه، لأنّها من الآحاد المفيدة للظنّ، فلا يترجّح على

______________________________

(1) الكافي 4: 412- 1، الوسائل 13: 310 أبواب الطواف ب 9 ح 1.

(2) التهذيب 5: 447- 1556، الوسائل 13: 310 أبواب الطواف ب 9 ح 1.

(3) الفقيه 2: 134- 567.

(4) الكافي 4: 415- 2، التهذيب 5: 122- 397، الوسائل 13: 385 أبواب الطواف ب 44 ح 1.

(5) المدارك 8: 271.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 308

القطع، سيّما مع تأكّدها بما مرّ من قطع الطواف للوتر بخوف فواته «1». و هو جيّد.

و تترجّح أخبار الحث أيضا بالأشهريّة، التي هي من المرجّحات المنصوصة، بل موافقة الكتاب في التهجّد، و تتمّ في البواقي بعدم الفصل.

المسألة الثانية: المعروف من مذهب الأصحاب- كما في المدارك «2»- كراهة المجاورة بمكّة،

و الأخبار في ذلك الباب مختلفة، فمنها ما يدلّ على أفضليّة المقام بمكّة «3»، و منها ما يدلّ على خلافه «4»، و لكنّ الثاني أكثر و أشهر و أدلّ، و في أخباره ما هو معلّل، فعليه الفتوى و العمل.

المسألة الثالثة: من جنى في غير الحرم ما يوجب حدّا أو تعزيرا أو قصاصا، و لجأ إلى الحرم،

لم يؤخذ فيه، و لا يحدّ، و لا يعزّر، و لا يقتصّ منه، ما دام في الحرم، و لكن يمنع من السوق، فلا يبايع و لا يجالس حتى يخرج منه، كما في رواية عليّ بن أبي حمزة «5».

و في صحيحة الحلبي: «لم يسع لأحد أن يأخذه في الحرم، و لكن يمنع من السوق، و لا يبايع و لا يطعم، و لا يسقى، و لا يكلّم، فإنّه إذا فعل ذلك به يوشك أن يخرج فيؤخذ» «6».

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 432.

(2) المدارك 8: 271.

(3) الوسائل 13: 230 أبواب مقدّمات الطواف ب 15.

(4) الوسائل 13: 231 أبواب مقدّمات الطواف ب 16.

(5) الكافي 4: 227- 3، الوسائل 13: 226 أبواب مقدّمات الطواف ب 14 ح 3.

(6) الكافي 4: 226- 2، الوسائل 13: 226 أبواب مقدّمات الطواف ب 14 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 309

و في صحيحة هشام نحوه «1».

و في صحيحة ابن عمّار: «لا يطعم، و لا يسقى، و لا يبايع، و لا يؤوى» [1].

و أكثر هذه الأخبار و إن لم يفد الوجوب، إلّا أنّ قوله في صحيحة الحلبي: «لم يسع» كاف في إثباته.

و مقتضى تلك الأخبار: ترك الإطعام و الإسقاء و الإيواء و التكلّم و المجالسة معه مطلقا.

و في عبارات الفقهاء: يضيّق عليه في هذه الأمور، و لعلّ مرادهم من التضييق: الترك، و لو أريد منه: الاكتفاء بما يسدّ الرمق أو لا يتحمّل عادة، لم يكن

على استثنائه دليل.

و ما قيل من أنّ الترك يوجب تلف النفس فيه، فيحصل في الحرم ما أريد الهرب عنه، بل قد يكون أزيد «2».

مردود بأنّ المتلف حينئذ هو نفسه، حيث لم يخرج.

و المنهيّ عنه هو: إعطاؤه الطعام و الشراب و المأوى، فلو كان له في الحرم مأوى و له ما يكفيه من الطعام و الماء لم يجز منعه و أخذه منه، للأصل.

و لو أحدث مقتضي الجناية في الحرم يؤخذ و يجرى عليه موجبه،

______________________________

[1] الكافي 4: 227- 4، التهذيب 5: 419- 1456، الوسائل 13: 225 أبواب مقدّمات الطواف ب 14 ح 1 و فيه: و لا يؤذي، بدل: و لا يؤوى، كما في «ق».

______________________________

(1) الفقيه 4: 85- 273، التهذيب 10: 216- 853، الوسائل 28: 59 أبواب مقدمات الحدود ب 34 ح 1.

(2) الرياض 1: 432.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 310

كما نصّ عليه في النصوص.

و كذا لا يتقاضى المديون بالدين ما دام في الحرم، كما صرّح به في موثّقة سماعة، و فيها: «لا تسلّم عليه، و لا تروّعه حتى يخرج من الحرم» «1».

و ربّما الحق بالحرم مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و مشاهد الأئمّة عليهم السّلام، قيل:

لإطلاق اسم الحرم عليها «2».

و هو ضعيف.

نعم، هو المناسب للتعظيم المأمور به في حقّهم.

و قد وردت أخبار كثيرة في حقّ كربلاء: أنّ اللّه سبحانه اتّخذها حرما آمنا «3»، و المفهوم من الأمن: عدم تخويف أحد فيه.

و في موثّقة (سماعة) [1] المرويّة في كامل الزيارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «لموضع قبر الحسين عليه السّلام حرمة معلومة، من عرفها و استجار بها اجير» «4».

و في بعض الأخبار: أنّ حرمة موضع قبر الحسين عليه السّلام فرسخ

في فرسخ من أربعة جوانب القبر «5».

______________________________

[1] كذا في النسخ، و الموجود في المصادر: إسحاق بن عمار.

______________________________

(1) الكافي 4: 241- 1، التهذيب 6: 194- 423، الوسائل 13: 265 أبواب مقدّمات الطواف ب 30 ح 1.

(2) انظر الروضة 2: 333، المسالك 1: 126، المدارك 8: 255.

(3) الوسائل 14: 513 أبواب المزار و ما يناسبه ب 68.

(4) كامل الزيارات: 272- 4، التهذيب 6: 71- 134، الوسائل 14: 511 أبواب المزار و ما يناسبه ب 67 ح 4.

(5) التهذيب 6: 71- 133، كامل الزيارات: 271- 2، الوسائل 14: 510 أبواب المزار و ما يناسبه ب 67 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 311

و في أخبار كثيرة: أنّها أعظم حرمة من جميع بقاع الأرض «1».

و في بعضها: أنّه أعظم حرمة من الحرم «2».

و مقتضى جميع ذلك إجارة من استجار به.

و يؤكّده ما ورد من امتناع البازي و الكلاب في زمن الرشيد من أخذ الظباء الملتجئة بقبر مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام «3»، و الحكايات الكثيرة المتضمّنة لتضرّر من أراد السوء ببعض الملتجئين إلى بعض المشاهد المشرّفة «4».

و لكن إثبات التحريم بمثل هذه الأخبار مشكل، إلّا إذا كان من جهة الاستخفاف و الإهانة.

و الأولى و الأحوط لصاحب الحقّ تركه ما دام الجاني ملتجئا إلى أحد المشاهد، بل يمكن إثبات التحريم أيضا بكون التعرّض له مطلقا نوع استخفاف و إهانة لمن لجأ إليه عرفا.

و لكن يشكل الأمر في حقوق اللّه سبحانه، و في حقّ غير صاحب الحقّ إذا طلبه صاحبه، أو كان صاحب الحقّ صغيرا و نحوه، و اللّه العالم.

المسألة الرابعة: قد ورد في صحيحتي محمّد أنّه: «لا ينبغي لأحد أن يرفع بناء فوق الكعبة» «5».

و هو ظاهر في الكراهة كما هو المشهور.

______________________________

(1) كامل الزيارات: 264، الوسائل 14: 513 أبواب المزار و ما يناسبه

ب 68.

(2) كامل الزيارات: 264، الوسائل 14: 513 أبواب المزار و ما يناسبه ب 68.

(3) البحار 97: 252- 47.

(4) البحار 42: 334- 22.

(5) الأولى في: الكافي 4: 230- 1، الفقيه 2: 165- 714، التهذيب 5:

448- 1563، الوسائل 13: 233 أبواب مقدّمات الطواف ب 16 ح 5.

الثانية في: التهذيب 5: 420- 1459، الوسائل 13: 235 أبواب مقدّمات الطواف ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 312

و عن الشيخ و الحلّي و القاضي: تحريمه «1».

و الأصل ينفيه، مع أنّ في نسبته إلى الحلّي نظرا، لأنّه عبّر في باب زيادات فقه الحجّ من السرائر بالعبارة المذكورة من الصحيحين «2».

و البناء يعمّ الدار و غيرها حتى حيطان المسجد.

و قيل: يشمل القريب و البعيد «3».

و مقتضاه التحريم أو الكراهة في الأمصار أيضا.

و هو بعيد غاية البعد، بل خلاف المنساق إلى الذهن من الأخبار.

و قيل: ظاهر الصحيحين أن يكون ارتفاع البناء بنفسه أكثر من ارتفاع الكعبة، فلا يكره البناء على الجبال حولها و إن ارتفع كثيرا عن الكعبة «4».

و مقتضاه عدم إباحة بناء أرفع من الكعبة و لو لم يتجاوز أصل البناء عن بناء الكعبة.

و هو بعيد غير مفهوم من الخبر، و المتبادر مرجوحيّة البناء المتجاوز عن سطح الكعبة بحيث يكون مشرفا عليه، سواء كان في الجبل أو غيره، قريبا من الكعبة أو في مكان يرى الكعبة.

مع أنّ للحديث احتمالا آخر، و هو النهي عن بناء بناء فوق سطح الكعبة حتى يكون بناء فوقانيّا له، فتأمّل.

المسألة الخامسة: يكره منع الحاجّ من سكنى دور مكّة،

______________________________

(1) الشيخ في المبسوط 1: 384، القاضي في المهذب 1: 273.

(2) السرائر 1: 645.

(3) انظر مجمع الفائدة 7: 424.

(4) كما في كشف اللثام 1: 383.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 313

للصحاح

«1».

و عن الإسكافي و الشيخ: تحريمه «2».

و لا فائدة مهمّة لنا في تحقيق هذه المسألة، و لا بعض ما تقدّم عليها، إذ قلّما يتّفق لنا التمكّن أو الاحتياج إلى العمل بمقتضاها.

و ممّا يذكر في ذلك المقام حكم لقطة الحرم، و يأتي تحقيقها في بحث اللقطة إن شاء اللّه سبحانه.

المسألة السادسة: إذا نفّر أحد حمام الحرم،

فإن لم يعد فعن كلّ طير شاة، و لو عاد فعن الجميع شاة، حكي عن الشيخين و والد الصدوق و القاضي و الحلّي و الديلمي و ابن حمزة و الفاضل في جملة من كتبه «3»، و نسبه بعضهم إلى الأكثر «4».

و حكاه في التهذيب عن عليّ بن بابويه في رسالته، و قال: لم أجد به حديثا مسندا «5».

و استند له بعض المعاصرين بهذا الكلام من الشيخ، فإنّه مفهم لوجود رواية مرسلة به «6»، و هي- مع الانجبار بفتوى الأصحاب- كافية في إثبات

______________________________

(1) الوسائل 13: 267 أبواب مقدّمات الطواف ب 32.

(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 321، الشيخ في المبسوط 1: 384.

(3) المفيد في المقنعة: 436، الطوسي في المبسوط 1: 341، حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 280 القاضي في المهذّب 1: 223، الحلي في السرائر 1:

560، الديلمي في المراسم: 120، ابن حمزة في الوسيلة: 167، الفاضل في التحرير 1: 118، و القواعد 1: 96، و التذكرة 1: 349، و المنتهى 2: 831، و الإرشاد 1: 320.

(4) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 400.

(5) التهذيب 5: 350.

(6) فقه الرضا «ع»: 229، مستدرك الوسائل 9: 285 أبواب كفّارات الصيد ب 40 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 314

المطلوب «1».

و لا يخفى وهنه، فإنّه نظر إلى مفهوم الوصف الضعيف، سيّما في ذلك المقام، لجواز أن يكون القيد

لانحصار الحجّة عنده بالمسند، مع أنّه أيّ فائدة في المرسل الذي لا يعلم متنه حتى ينظر في مدلوله؟! و قد يستدلّ له أيضا بأنّ التنفير حرام، لأنّه سبب الإتلاف غالبا، و لعدم العود، فكان عليه مع الرجوع دم، لفعل المحرّم، و مع عدم الرجوع شاة، لما يدلّ على أنّ من أخرج طيرا من الحرم وجب عليه أن يعيده، و إن لم يفعل ضمنه «2».

و فيه أولا: منع كون التنفير سببا للإتلاف غالبا.

و ثانيا: مطالبة الدليل على وجوب الدم بفعل المحرّم.

و ثالثا: مطالبته على الضمان مع عدم الإعادة ثمَّ ضمان شاة.

أقول: يمكن أن يستدلّ على حرمة التنفير بصحيحة ابن سنان الواردة في حقّ المحرم: «و من دخله من الوحش و الطير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم» «3»، و لا شكّ أنّ التنفير إيهاج و إيذاء.

و على حرمته بإخراجه من الحرم بمثل صحيحة ابن عمّار الواردة فيه أيضا: «ما كان يصفّ من الطير فليس لك أن تخرجه» «4».

و لكنّهما أخصّان من المطلوب.

نعم، يدلّ على المطلوب الرضويّ المنجبر ضعفه بالعمل: «و إن

______________________________

(1) و هو صاحب الرياض 1: 459.

(2) الوسائل 13: 37 أبواب كفّارات الصيد ب 14.

(3) الكافي 4: 226- 1، الفقيه 2: 163- 703، التهذيب 5: 449- 1566، الوسائل 13: 34 أبواب كفّارات الصيد ب 13 ح 1.

(4) الكافي 4: 232- 2، الوسائل 13: 83 أبواب كفّارات الصيد ب 41 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 315

نفّرت حمام الحرم فرجعت فعليك في كلّها شاة، و إن لم ترها رجعت فعليك في كلّ طير دم شاة» «1».

و هو كاف في إثبات المطلوب، و لا يبعد أن يكون إلى ذلك نظر الشيخ

إن كان منظورة اعتبار مفهوم الوصف.

و هل المراد بالتنفير و العود: التنفير من الحرم و إليه.

أو من الوكر و إليه.

أو من كلّ مكان و إليه؟

كلّ محتمل، و الرضويّ مطلق يشمل الجميع، و كذا الفتاوى الجابرة له.

و الشاكّ في العدد يبني على الأقل، للأصل، و في العود إلى العدم، له، و لقوله في الرضوي: «و إن لم ترها رجعت».

و الظاهر تساوي المحلّ و المحرم في ذلك، و عدم تعلّق حكم آخر للإحرام به، للأصل.

المسألة السابعة: كلّما يحرم من الصيد على المحرم في الحلّ

- بالتفصيل المتقدّم- يحرم على المحلّ في الحرم، بإجماع العلماء كافّة محقّقا، و محكيّا في كلام جماعة «2».

و تدلّ عليه الأخبار المستفيضة، كصحيحة ابن سنان المتقدّمة في المسألة السابقة.

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 229، مستدرك الوسائل 9: 285 أبواب كفّارات الصيد ب 40 ح 2.

(2) منهم العلّامة في المنتهى 2: 800، صاحب المدارك 8: 376، الكاشاني في المفاتيح 1: 388، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 452.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 316

و موثّقة زرارة: «حرّم اللّه حرمه بريدا في بريد، أن يختلى خلاه أو يعضد شجره- إلّا الإذخر [1]- أو يصاد طيره» «1».

و صحيحة الحلبي: عن الصيد يصاد في الحلّ ثمَّ يجاء به إلى الحرم و هو حيّ، فقال: «إذا أدخله الحرم فقد حرم أكله و إمساكه» الحديث «2».

و اخرى: عن صيد رمي في الحلّ ثمَّ ادخل الحرم و هو حيّ، فقال:

«إذا أدخله الحرم و هو حيّ فقد حرم لحمه و إمساكه»، و قال: «لا تشتره في الحرم إلّا مذبوحا» الحديث «3».

و الأخرى: «لا تستحلّنّ شيئا من الصيد و أنت حرام، و لا و أنت حلال في الحرم، و لا تدلّنّ عليه محرما و لا محلّا فيصطاده، و لا تشر إليه

فيستحلّ من أجلك، فإنّ فيه فداء لمن تعمّده» «4».

و مرسلة أبي جرير، و فيها: «كلّ ما ادخل الحرم من الطير ممّا يصفّ جناحيه فقد دخل مأمنه، فخلّ سبيله» «5».

و رواية عبد اللّه بن سنان: إنّ هؤلاء يأتونا بهذه اليعاقيب «6»، فقال:

______________________________

[1] اختليته: اقتطعته. و الخلى: الرطب من النبات، الواحدة: خلاة- مجمع البحرين 1: 131. و عضدت الشجرة: قطعتها- المصباح المنير: 415. و الإذخر: نبات معروف ذكيّ الريح، و إذا جفّ ابيضّ- المصباح المنير: 207.

______________________________

(1) التهذيب 5: 381- 1332، الوسائل 12: 555 أبواب تروك الإحرام ب 87 ح 4.

(2) الكافي 4: 233- 4، الوسائل 13: 39 أبواب كفّارات الصيد ب 14 ح 6.

(3) التهذيب 5: 376- 1313، الاستبصار 2: 214- 731، الوسائل 12: 423 أبواب تروك الإحرام ب 5 ح 1.

(4) الكافي 4: 381- 1، الوسائل 13: 43 أبواب كفّارات الصيد ب 17 ح 1.

(5) الكافي 4: 236- 19، الوسائل 13: 31 أبواب كفّارات الصيد ب 12 ح 6.

(6) اليعاقيب: جمع يعقوب، المذكر من الحجل و القطا- لسان العرب 1: 622.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 317

«لا تقربوها في الحرم» «1».

و رواية شهاب بن عبد ربّه، و فيها: «أما علمت أنّ ما أدخلت به الحرم حيّا فقد حرم عليك ذبحه و إمساكه؟!» «2».

و في صحيحة أبي بصير: «لا يذبح في الحرم إلّا الإبل و البقر و الغنم و الدجاج» «3».

و صحيحة حريز: «المحرم يذبح ما أحلّ للحلال في الحرم أن يذبحه، هو في الحلّ الحرم جميعا» «4».

و نحوها في الأخرى «5».

إلى غير ذلك من الأخبار.

و قد ثبت من صحيحة أبي بصير و رواية شهاب و صحيحتي حريز [للمحلّ في الحرم ] «6» ما ثبت للمحرم من

أصالة حرمة قتل كلّ حيوان من الوحوش و الطيور و الحشرات، و تدلّ على الأولين مطلقا صحيحة ابن سنان أيضا.

ثمَّ إنّه يستثنى منها ما مرّ استثناؤه للمحرم من الإبل و البقر و الغنم و الدجاج، كما صرّح باستثنائها في صحيحة أبي بصير و غيرها من الأخبار

______________________________

(1) التهذيب 5: 376- 1312، الاستبصار 2: 213- 730، الوسائل 12: 425 أبواب تروك الإحرام ب 5 ح 6.

(2) الفقيه 2: 170- 746، الوسائل 13: 31 أبواب كفّارات الصيد ب 12 ح 4.

(3) الكافي 4: 231- 1، الوسائل 12: 549 أبواب تروك الإحرام ب 82 ح 5 و فيهما: لا يذبح بمكّة إلّا ..

(4) التهذيب 5: 367- 1278، الوسائل 12: 549 أبواب تروك الإحرام ب 82 ح 3.

(5) الكافي 4: 365- 1، الوسائل 12: 549 أبواب تروك الإحرام ب 82 ح 3.

(6) ما بين المعقوفين ليس في النسخ، أضفناه لاستقامة المعنى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 318

الكثيرة.

و كذا تستثنى الأفعى و العقرب و الفأرة و رمي الغراب و النحل و النمل و القمّل و البرغوث و البقّ.

للتصريح بها في صحيحتي ابن عمّار «1»، و رواية حنّان بن سدير «2»، و مرسلة ابن فضّال «3».

و كذلك كلّ حيوان مؤذ إذا أراد الإنسان.

لدفع الضرر، و لمفهوم العلّة في رواية محمّد بن حمران: «كنت مع عليّ بن الحسين عليهما السّلام بالحرم فرآني أوذي الخطاطيف [1]، فقال: يا بنيّ لا تقتلهنّ و لا تؤذهنّ، فإنّهنّ لا يؤذين شيئا» «4».

المسألة الثامنة: من قتل في الحرم صيدا و إن كان محلّا فعليه التصدّق بقيمته،

على الأظهر الموافق للأكثر، كما في الذخيرة و المدارك «5»، بل بلا خلاف، كما في المفاتيح «6»، و باتّفاق الأصحاب، كما في شرحه،

______________________________

[1] الخطاطيف: جمع خطّاف، الطائر المعروف، يقال شفقة و رحمة، و يسمّى

زوار الهند، و يعرف الآن بعصفور الجنّة، و هو من الطيور القواطع إلى الناس، تقطع البلاد البعيدة رغبة في القرب منهم- مجمع البحرين 5: 47.

______________________________

(1) الاولى في: التهذيب 5: 365- 1273، الوسائل 12: 545 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 2.

الثانية في: الكافي 4: 363- 2، العلل: 458- 2، الوسائل 12: 545 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 4.

(2) الفقيه 2: 231- 1105، الوسائل 12: 547 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 11.

(3) الكافي 4: 364- 11، الوسائل 12: 551 أبواب تروك الإحرام ب 84 ح 4.

(4) الفقيه 2: 170- 747، الوسائل 13: 35 أبواب كفّارات الصيد ب 13 ح 2.

(5) الذخيرة: 614، المدارك 8: 377.

(6) المفاتيح 1: 389.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 319

و في المدارك: بل قيل إنّه إجماع «1».

و تدلّ عليه صحيحة سليمان بن خالد و ابن سنان المتقدّمتين في المسألة الرابعة من المقام الأول من باب الكفّارات.

و رواية أبي بصير المتقدّمة في المسألة السابعة منه.

و روايته المتقدّمة في الثانية عشرة من المقام الثالث منه.

و صحيحة الحذّاء المتقدّمة في الرابعة من المقام الثالث منه.

و صحيحة الحلبي: «إن قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة، و ثمن الحمامة درهم أو شبهه يتصدّق به أو يطعمه حمام مكّة، فإن قتلها في الحرم و ليس بمحرم فعليه ثمنها» «2».

و صحيحة ابن عمّار: رجل اهدي له حمام أهليّ جي ء به و هو في الحرم، فقال: «إن هو أصاب شيئا منه فليتصدّق بثمنه نحوا ممّا كان يسوّي القيمة» «3».

و في صحيحة محمّد: «فليتصدّق مكانه بنحو من ثمنه» «4».

و صحيحة عليّ: رجل خرج بطير من مكّة إلى الكوفة، قال: «يردّه إلى مكّة، فإن مات تصدّق بثمنه» «5».

______________________________

(1)

المدارك 8: 377.

(2) الكافي 4: 395- 1، التهذيب 5: 370- 1289، الوسائل 13: 29 أبواب كفّارات الصيد ب 11 ح 3.

(3) الكافي 4: 232- 2، الوسائل 13: 31 أبواب كفّارات الصيد ب 12 ح 5 و فيهما:

رجل اهدي إليه حمام أهليّ و هو في الحرم ..

(4) الفقيه 2: 168- 736، التهذيب 5: 347- 1205، الوسائل 13: 31 أبواب كفّارات الصيد ب 12 ح 3.

(5) التهذيب 5: 464- 1620، قرب الإسناد: 244- 968، الوسائل 13: 37 أبواب كفّارات الصيد ب 14 ح 1 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 320

و رواية محمّد بن الفضيل: عن رجل قتل حمامة من حمام الحرم و هو غير محرم، قال: «عليه قيمتها، و هو درهم يتصدّق به، أو يشتري طعاما لحمام الحرم» الحديث «1».

و في صحيحة الأعرج: «عن بيضة نعامة أكلت في الحرم، قال:

«تصدّق بثمنها» «2».

إلى غير ذلك من الأخبار الغير العديدة «3».

و على الثمن تحمل الأخبار المتضمّنة للفداء أو الجزاء، حملا للعامّ على الخاصّ.

و عن الشيخ: أنّ فيه دما «4»، و اختاره الحلّي في السرائر، قال فيه:

و من ذبح صيدا في الحرم و هو محلّ فعليه دم لا غير «5».

و هو ضعيف، و رواية أبي بصير المشار إليها تردّه صريحا.

و ما لا قيمة له من الحيوانات- التي يحرم تعرّضها في الحرم- لا شي ء فيه غير الإثم و الاستغفار.

و يستفاد من الأخبار وجوب القيمة كائنا ما كان، فما في بعض الأخبار «6»

______________________________

(1) الفقيه 2: 167- 729 و فيه: و هو في الحرم غير محرم، التهذيب 5:

345- 1198، الاستبصار 2: 200- 679، الوسائل 13: 26 أبواب كفّارات الصيد الصيد ب 10 ح 6.

(2) الكافي 4: 237- 23، الفقيه 2:

171- 753، الوسائل 13: 56 أبواب كفّارات الصيد ب 24 ح 6.

(3) الوسائل 13: 25 أبواب كفّارات الصيد ب 10.

(4) المبسوط 1: 340.

(5) السرائر 1: 561.

(6) كخبر عبد الرحمن بن الحجّاج المذكور في: الفقيه 2: 171- 754، الوسائل 13: 25 أبواب كفّارات الصيد ب 10 ح 1.

و خبر حفص بن البختري المذكور في: الكافي 4: 234- 10، التهذيب 5:

345- 1196، الاستبصار 2: 200- 677 الوسائل 13: 26 أبواب كفّارات الصيد ب 10 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 321

- في تعيين الدرهم للحمامة، و نصفه لفرخها، و ربعه لبيضتها- محمول على كون ذلك قيمة وقت السؤال، جمعا بين الأخبار.

و ذهب بعض الأصحاب إلى تعيينه فيما عيّن، حملا للمطلق على المقيّد «1».

و هو الأقرب.

و قيل بوجوب أكثر الأمرين من الدرهم و القيمة «2».

و هو الأحوط.

و لو اشترك جماعة محلّون في قتله، ففي وجوب القيمة على كلّ واحد منهم قياسا على المحرمين، أو على جميعهم قيمة واحدة لأصالة البراءة، قولان، الأول للشهيد [1]، و الثاني للشيخ «3»، و هو الأقوى.

و لا يتوهّم أنّه يمكن نفي القيمة هنا مطلقا لأنّ الثابت منها على شخص واحد دون المتعدّد، إذ من الأخبار ما يتضمّن الجنس الصادق على الواحد و المتعدّد.

و لو ارتكب جناية غير القتل، فقيل: المشهور وجوب الأرش، و يظهر من بعضهم كونه اتّفاقيّا، حيث قال- على ما حكي عنه-: لو لا

______________________________

[1] لم نعثر على كذا قول للشهيد، نعم قال به الشهيد الثاني في المسالك 1: 141.

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 453.

(2) انظر الرياض 1: 453.

(3) المبسوط 1: 346.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 322

اتّفاق الأصحاب على وجوب الأرش لأمكن القول بعدم الوجوب، إذ لم يثبت كون

الأجزاء مضمونة كالجملة. انتهى.

و يظهر من المدارك و بعض شرّاح النافع عكس ذلك، حيث قال الأول- في شرح قول المصنّف: فلو أصاب صيدا ففقأ عينه أو كسر قرنه كان عليه صدقة استحبابا-: و لم يتعرّض الأصحاب لغير هاتين الجنايتين، و أصالة البراءة تقتضي عدم الكفّارة، إلى آخره «1».

و قال الثاني- في شرح قوله: و تستحبّ الصدقة لو كسر قرنه أو فقأ عينه-: وفاقا للحلّي، و ليس في المتن و غيره التعرّض لغير الجنايتين، لعدم النصّ، و أصالة البراءة تقتضي عدم ترتّب الكفّارة في غيرهما و إن قلنا بحرمة الجناية، لعدم الملازمة «2». انتهى.

و هو حسن، فالحقّ: عدم الكفّارة في غير القتل.

و لا شي ء- في قتل الصيد الذي يؤمّ الحرم و لم يدخله- وجوبا على المحلّ، للأصل، و انتفاء الدليل المثبت للوجوب.

نعم، يكره، و يستحبّ الفداء.

و كذا يكره الصيد بين البريد و الحرم، أي من أول الحرم إلى منتهى بريد، و هو أربعة فراسخ خارج الحرم، و يسمّى حرم الحرم.

و يستحبّ الفداء على الأظهر الأشهر.

أمّا الكراهة و استحباب الفداء فللشهرة، و صحيحتي الحلبي «3».

______________________________

(1) المدارك 8: 381.

(2) الرياض 1: 464.

(3) الاولى في: التهذيب 5: 361- 1255، الاستبصار 2: 207- 705، الوسائل 13: 71 أبواب كفّارات الصيد ب 32 ح 1. الثانية في: الكافي 4: 232- 1، الوسائل 13: 71 أبواب كفّارات الصيد ب 32 ذيل الحديث 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 323

و أمّا عدم الوجوب فللأصل، و قصورهما عن إفادة الحرمة، و معارضتهما لصحيحة البجلي «1» النافية للجزاء، فقول جماعة بالحرمة و الوجوب «2» للصحيحين ضعيف.

و من أدخل صيدا في الحرم وجب عليه إرساله، و لو تلف في يده ضمنه و لو كان السبب

غيره.

و كذا لو أخرجه من الحرم فتلف قبل الإرسال.

كلّ ذلك بالإجماع المحقّق و المنقول مستفيضا «3»، و بالصحاح المستفيضة «4».

و لو كان الصيد طائرا مقصوصا وجب عليه حفظه بنفسه أو بإيداعه عند رجل مسلم أو امرأة مسلمة حتى يكمل ريشه ثمَّ يرسله، بلا خلاف فيه يوجد.

و تدلّ عليه الأخبار المعتبرة «5»، و فيها الصحيح «6».

و في تحريم صيد حمام الحرم على المحلّ من الحلّ قولان،

______________________________

(1) الفقيه 2: 168- 737، العلل: 454- 8، الوسائل 13: 67 أبواب كفّارات الصيد ب 30 ح 3.

(2) منهم المفيد في المقنعة: 439، الشيخ في النهاية: 228، القاضي في المهذّب 1: 228، ابن حمزة في الوسيلة: 165.

(3) كما في المدارك 8: 384، المفاتيح 1: 390، الرياض 1: 464.

(4) الوسائل 13: 37 أبواب كفّارات الصيد ب 14.

(5) الوسائل 13: 30 أبواب كفّارات الصيد ب 12.

(6) الكافي 4: 233- 6، الفقيه 2: 169- 738، التهذيب 5: 348- 1208، الوسائل 13: 34 أبواب كفّارات الصيد و توابعها ب 12 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 324

أحوطهما- بل أجودهما- التحريم، و كذا بيضها.

و من نتف ريشة من حمام الحرم كانت عليه صدقة يسلّمها بتلك اليد الجانية، لرواية إبراهيم بن ميمون «1»، و هي في الدلالة على الوجوب قاصرة، إلّا أنّه أحوط.

و لو ذبح في الحرم صيد كان حراما و ميتة و لو ذبحه المحلّ، بالإجماع و المستفيضة «2».

و لو ذبحه في الحلّ و أدخله الحرم لم يحرم على المحلّ كذلك.

و كما يحرم الصيد في الحرم تحرم الدلالة عليه و الإشارة إليه، و قد مرّ في المسألة السابقة ما يدلّ عليه.

و يجب التصدّق بما يفديه المحلّ لصيد الحرم و إن كان مملوكا، إلّا أنّ

في المملوك ضمان قيمته لمالكه أيضا.

و يستثنى من وجوب التصدّق ما يفديه لحمام الحرم، فإنّه يتخيّر فيه بين التصدّق و اشتراء العلف لحمام الحرم، كما مرّ في بحث الكفّارات.

المسألة التاسعة: يحرم قطع شجر الحرم و حشيشه،

بإجماع العلماء و الصحاح المستفيضة «3».

و قد مرّ ما يتعلّق بذلك مفصّلا في بحث تروك الإحرام، و أنّه لا يحرم من حيث الإحرام و إنّما يحرم من حيث الحرم.

المسألة العاشرة: من مات في أحد الحرمين

- مكّة أو المدينة- لم

______________________________

(1) الكافي 4: 235- 17، التهذيب 5: 348- 1210، الفقيه 2: 169- 739، الوسائل 13: 36 أبواب كفّارات الصيد ب 13 ح 5.

(2) الوسائل 13: 65 أبواب كفّارات الصيد ب 29.

(3) الوسائل 12: 552 أبواب تروك الإحرام ب 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 325

يعرض يوم القيامة و لم يحاسب.

كما نصّ عليه في رواية أبي حجر الأسلمي، الآتية في المسألة اللّاحقة «1»، و يستفاد منها أنّ من مات في سفر الحجّ يحشر مع أصحاب بدر.

و في مرسلة الفقيه: «من دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر، من برّ الناس و فاجرهم» «2».

و في حديث آخر: «من مات بالمدينة كان مع الآمنين» «3».

المسألة الحادية عشرة: لا يجوز دخول مكّة بغير إحرام،

إجماعا منقولا «4» و محقّقا.

و تدلّ عليه صحيحتا محمّد «5» و رفاعة «6» و روايتا رفاعة «7» و القاسم [عن ] «8» علي، و رواية عاصم «9»، و غيرها «10».

______________________________

(1) انظر ص: 328.

(2) الفقيه 2: 147- 650، الوسائل 13: 287 أبواب مقدّمات الطواف ب 44 ح 1.

(3) الكافي 4: 558- 3، التهذيب 6: 14- 28، الوسائل 14: 348 أبواب المزار و ما يناسبه ب 9 ح 3، بتفاوت يسير.

(4) كما في المدارك 7: 380، كشف اللثام 1: 320، الرياض 1: 381.

(5) الفقيه 2: 239- 1140، التهذيب 5: 448- 1564، الوسائل 12: 404 أبواب الإحرام ب 50 ح 4.

(6) التهذيب 5: 165- 552، الاستبصار 2: 245- 857، الوسائل 12: 403 أبواب الإحرام ب 50 ح 3.

(7) الكافي 4: 324- 4، الوسائل 12: 405 أبواب الإحرام ب 50 ح 8.

(8) في النسخ: و القاسم بن علي، و هو تصحيف، و الصحيح ما أثبتناه- انظر الفقيه 2: 239- 1141، الوسائل 12: 405

أبواب الإحرام ب 50 ح 10.

(9) التهذيب 5: 165- 550، الاستبصار 2: 245- 855، الوسائل 12: 402 أبواب الإحرام ب 50 ح 1.

(10) الوسائل 12: 402 أبواب الإحرام ب 50.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 326

و مقتضى بعض هذه الأخبار: عدم جواز دخول الحرم بغير إحرام، كما حكي الفتوى به عن جمع «1».

و هو الأحوط، بل الأظهر.

و اختلفت هذه الأخبار في استثناء المريض و المبطون، ففي بعضها التصريح بالاستثناء، و في آخر بالعدم.

و جمع بينهما بعضهم بحمل الأول على غير المتمكّن و الثاني على المتمكّن.

و هو جمع بلا شاهد، و الرجوع إلى الأصل و الحمل على الاستحباب- كما عن الشيخ «2» و غيره «3»- أولى.

و استثني أيضا من دخلها بعد الإحلال من إحرام و قبل مضيّ شهر من إحلاله من الإحرام السابق، أو من خروجه، على اختلاف القولين.

و يستثنى أيضا الحطّابة و المجتلبة [1].

المسألة الثانية عشرة: يكره دخول الحرم مع السلاح البارز،

لصحيحة حريز: «لا ينبغي أن يدخل الحرم بسلاح، إلّا أن يدخله في جوالق [2] أو يغيّبه»، يعني: يلفّ على الحديد شيئا «4».

و نحوها صحيحة أبي بصير، و فيها: «و لكن إذا دخل مكّة لم

______________________________

[1] المجتلبة: الذين يجلبون الأرزاق- مجمع البحرين 2: 25.

[2] جوالق: وعاء من الأوعية معروف معرّب- لسان العرب 10: 36.

______________________________

(1) حكاه عنهم في الرياض 1: 381.

(2) الاستبصار 2: 246.

(3) كالعلّامة في المنتهى 2: 688.

(4) الكافي 4: 228- 1، الفقيه 2: 164- 708، الوسائل 13: 256 أبواب مقدّمات الطواف ب 25 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 327

يظهره» «1».

المسألة الثالثة عشرة: يستحبّ ختم القرآن بمكّة،

فإنّه روى الصدوق في الفقيه مرسلا عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام أنّه قال: «من ختم القرآن بمكّة لم يمت حتى يرى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و يرى منزله في الجنّة» «2».

المسألة الرابعة عشرة: تستحبّ زيارة قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله

استحبابا مؤكّدا إجماعا، بل ضرورة دينيّة، و استفاضت به الأخبار المطلقة و المتضمّنة لخصوص ما بعد الممات.

ففي رواية يزيد بن عبد الملك، عن أبيه، عن جدّه: دخلت على فاطمة عليها السّلام فبدأتني بالسلام، ثمَّ قالت: «ما بدا بك؟» قلت: طلب البركة، قالت: «أخبرني أبي و هو ذا هو: أنّه من سلّم عليه و عليّ ثلاثة أيّام أوجب اللّه له الجنّة»، قلت لها: في حياته و حياتك؟ قالت: «نعم، و بعد موتنا» «3».

و في رواية السدوسي: قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من أتاني زائرا كنت شفيعه يوم القيامة» «4».

و في رواية أبي شهاب: قال الحسين عليه السّلام لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «يا أبتاه ما لمن زارك؟» فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «يا بنيّ، من زارني حيّا أو ميّتا أو

______________________________

(1) الكافي 4: 228- 2، الفقيه 2: 164- 707، الوسائل 13: 256 أبواب مقدمات الطواف ب 25 ح 2.

(2) الفقيه 2: 146- 645، الوسائل 13: 289 أبواب مقدّمات الطواف ب 45 ح 3.

(3) التهذيب 6: 9- 18، الوسائل 14: 367 أبواب المزار و ما يناسبه ب 18 ح 1.

(4) الكافي 4: 548- 3، التهذيب 6: 4- 4، و رواها في الوسائل 14: 333 أبواب المزار و ما يناسبه ب 3 ح 2 عن السندي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 328

زار أباك أو زار أخاك أو زارك كان حقّا عليّ أن أزوره يوم

القيامة و أخلّصه من ذنوبه» «1».

و في مرسلة الفقيه: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام: «يا عليّ، من زارني في حياتي أو بعد موتي أو زارك في حياتك أو بعد موتك أو زار ابنيك في حياتهما أو بعد موتهما ضمنت له يوم القيامة أن أخلّصه من أهوالها و شدائدها حتى أصيّره معي في درجتي» «2».

و في رواية سليمان: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «من زارني في حياتي و بعد موتي كان في جواري يوم القيامة» «3».

و في صحيحة ابن سنان: «بينا الحسين بن عليّ عليهما السّلام في حجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذ رفع رأسه فقال: يا أبه ما لمن زارك بعد موتك؟ فقال:

يا بنيّ من أتاني زائرا بعد موتي فله الجنّة، و من أتى أباك زائرا بعد موته فله الجنّة، و من أتى أخاك بعد موته زائرا فله الجنّة، و من أتاك زائرا بعد موتك فله الجنّة» [1].

و في رواية الأسلمي: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من أتى مكّة حاجّا و لم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة، و من أتاني زائرا وجبت له شفاعتي،

______________________________

[1] التهذيب 6: 40- 84، الوسائل 14: 329 أبواب المزار و ما يناسبه ب 2 ح 17، و في التهذيب 6: 20- 44 و نسختي «ح» و «س»: بينا الحسن بن علي عليهما السّلام.

______________________________

(1) الكافي 4: 548- 4، و رواها في التهذيب 6: 4- 7 عن المعلّى بن شهاب، و في الوسائل 14: 326 أبواب المزار و ما يناسبه ب 2 ح 14 عن المعلّى بن أبي شهاب.

(2) الفقيه 2: 346- 1581 بتفاوت يسير، الوسائل 14: 328

أبواب المزار و ما يناسبه ب 2 ح 16.

(3) التهذيب 6: 3- 2، و رواها في الوسائل 14: 334 أبواب المزار و ما يناسبه ب 3 ح 5 عن صفوان بن سليمان.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 329

و من وجبت له شفاعتي وجبت له الجنّة، و من مات في أحد الحرمين- مكّة و المدينة- لم يعرض و لم يحاسب، و من مات مهاجرا الى اللّه عزّ و جلّ يحشر يوم القيامة مع أصحاب بدر» [1].

الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة «1».

و مقتضى الأخيرة: تأكّد استحبابها للحاجّ، بل ربما تشعر بتحريم تركها له.

و اختلفت الأخبار في أفضليّة البدأة بمكّة و الختم بالمدينة، أو بالعكس، أو التساوي.

ففي حسنة سدير: «ابدءوا بمكّة و اختموا بنا» «2».

و في صحيحة البرقي «3» و رواية غياث بن إبراهيم «4»: أبدأ بالمدينة أو بمكّة؟ قال: «ابدأ بمكّة و اختم بالمدينة، فإنّه أفضل».

و في صحيحة العيص: عن الحاجّ من الكوفة يبدأ بالمدينة أفضل أو بمكّة؟ قال: «بالمدينة» «5».

______________________________

[1] الكافي 4: 548- 5، الفقيه 2: 338- 1571، علل الشرائع: 460- 7 و فيه:

و لم يزرني إلى المدينة جفاني، و من جفاني جفوته يوم القيامة ..، الوسائل 14: 333 أبواب المزار و ما يناسبه ب 3 ح 3.

______________________________

(1) الوسائل 14: 332 أبواب المزار و ما يناسبه ب 3.

(2) الكافي 4: 550- 1، الفقيه 2: 334- 1552، الوسائل 14: 321 أبواب المزار و ما يناسبه ب 2 ح 2.

(3) الكافي 4: 550- 2، الوسائل 14: 320 أبواب المزار و ما يناسبه ب 1 ح 4.

(4) التهذيب 5: 439- 1527، الاستبصار 2: 329- 1166، الوسائل 14: 320 أبواب المزار و ما يناسبه ب 1 ح 3.

(5)

الفقيه 2: 334- 1555، التهذيب 5: 439- 1526، الوسائل 14: 319 أبواب المزار و ما يناسبه ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 330

و في (حسنة يقطين) [1]: عن الممرّ بالمدينة في البداية أفضل أو في الرجعة؟ قال: «لا بأس بذلك أيّة كان» «1».

و حمل في الفقيه و التهذيبين الأخبار الأوّلة على المختار، و ما بعدها على من حجّ على طريق يمرّ بالمدينة أولا، فالبدأة بها أفضل، لئلّا يخترم دون ذلك أو لا يرجع «2».

أقول: لا شكّ في أفضلّية البدأة بالمدينة مع المرور بها، لأنّ تركها حينئذ نوع جفاء بل استخفاف، مضافا إلى جواز الاخترام أو عدم الرجوع.

و إنّما الكلام في المختار، و حمل الأخبار الأخيرة على المارّ حمل بلا شاهد، فتتعارض الأخبار، و لا بدّ لنا من الحكم بالتخيير كما هو مقتضى الأخيرة، إلّا أنّ الاعتبار يحكم بأفضليّة البدأة بالمدينة مع الاختيار، لتحصيل الاستعداد، و لأنّها مقتضى ترتيب الصعود وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها «3».

الخامسة عشرة: قالوا: لو ترك الناس زيارة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أجبروا عليها.

و في النافع: لو ترك الحاجّ .. «4».

و على الأول [2]: يكون المراد ترك كافّة الناس.

______________________________

(1) كذا في النسخ، و الموجود في المصادر: علي بن يقطين.

(2) في «ح»: و قيل: على الأول ..

______________________________

(1) التهذيب 5: 440- 1528، الاستبصار 2: 329- 1167، الوسائل 14: 319 أبواب المزار و ما يناسبه ب 1 ح 2.

(2) الفقيه 2: 334، التهذيب 5: 440، الاستبصار 2: 329.

(3) البقرة: 189.

(4) النافع: 98.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 331

و تدلّ عليه صحيحة الفضلاء الثلاثة و غيرهم: «لو أنّ الناس تركوا الحجّ لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك و على المقام عنده، و لو تركوا زيارة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله»،

لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك و على المقام عنده» «1» و على هذا يكون واجبا كفائيّا.

و على الثاني: يمكن أن يكون المراد: كلّ الحاجّ، فيكون واجبا كفائيا لهم، و على هذا يكون دليله كونه جفاء له صلّى اللّه عليه و آله لعدم الالتفات إليه بحكم العرف و العادة.

لا ما دلّ على أنّ من حجّ و لم يزره كان جافيا له [1]، حتى يرد عليه ما أورد من عدم انطباق الدليل على المدّعى لكون المدّعى الاتّفاق، و يجري الدليل على كلّ واحد «2».

و لا الصحيحة المذكورة، كما استدلّ به ذلك المورد، لأنّها واردة في كلّ الناس لا كلّ الحاجّ.

و أن يكون كلّ واحد من الحاجّ، و يكون دليله رواية الأسلمي السابقة- حيث إنّه صلّى اللّه عليه و آله لا يجفي غير الجافي- و النبويّ المرويّ في كتب القوم:

«من زار مكّة و لم يزرني في المدينة جفاني» «3».

المسألة السادسة عشرة: كما أنّ لمكّة حرما كذلك للمدينة حرم،

______________________________

[1] أي النبوي الآتي قريبا.

______________________________

(1) الكافي 4: 272- 1، الفقيه 2: 259- 1259، التهذيب 5: 441- 1532 و ليس فيه: «و على المقام عنده» الثانية، الوسائل 11: 24 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 5 ح 2.

(2) انظر الرياض 1: 432.

(3) كنوز الحقائق: 126 عن ابن عدي، و هو في هداية الصدوق: 67، مستدرك الوسائل 10: 186 أبواب المزار ب 3 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 332

بلا خلاف يعرف.

و تدلّ عليه الأخبار المستفيضة «1».

و حدّه من عائر إلى و عير- بفتح الواو أو ضمّها على اختلاف النقلين- كما صرّح به في صحيحتي ابن عمّار «2» و الصيقل «3»، و مرسلة الفقيه «4».

و هما- على ما حكي عن الشهيد الثاني «5» و جماعة «6»- جبلان

يكتنفان المدينة شرقا و غربا.

و قيل: عير- و يقال له: عائر- جبل مشهور في قبلة المدينة قرب ذي الحليفة «7».

و المصرّح به في صحيحة ابن عمّار: «ظلّ عائر إلى ظلّ و عير».

و في المرسلة: «ظلّ عائر إلى في ء و عير».

و لعلّ التقييد بذلك للتنبيه على أنّ الحرم داخلهما، بل بعض الداخل.

و هذا الحدّ من الحرم يحرم قطع شجره، على الأظهر الأشهر

______________________________

(1) الوسائل 14: 360 أبواب المزار و ما يناسبه ب 16.

(2) الكافي 4: 564- 5، التهذيب 6: 12- 23، الوسائل 14: 362 أبواب المزار و ما يناسبه ب 17 ح 1.

(3) الكافي 4: 564- 3، التهذيب 6: 13- 26، الوسائل 14: 363 أبواب المزار و ما يناسبه ب 17 ح 2.

(4) الفقيه 2: 336- 1564، الوسائل 14: 365 أبواب المزار و ما يناسبه ب 17 ح 7.

(5) المسالك 1: 128.

(6) حكاه في المدارك 8: 274، الذخيرة: 706.

(7) حكاه في كشف اللثام 1: 384 عن خلاصة الوفاء.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 333

كما صرّح به جماعة «1». بل عن المنتهى نسبه إلى علمائنا «2»، للتصريح بتحريمه في صحيحة الصيقل و مرسلة الفقيه، و بالمرجوحيّة في صحيحة ابن عمّار.

و هل يحرم نزع مطلق النبات، أو يختصّ بالشجر؟

ظاهر الشرائع و النافع و الكفاية «3» و غيرها «4»: الثاني، للاختصاص به في بعض الأخبار.

و الأظهر: الأول، لموثّقة زرارة، فإنّ فيها: «حرّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المدينة ما بين لابتيها [1] صيدها، و حرّم ما حولها بريدا في بريد أن يختلى خلاها أو يعضد شجرها، إلّا عودي الناضح» «5».

و لا يضرّ جعل الحرم فيها من بريد إلى بريد، لاتّحاده مع ما ذكر، كما صرّح به في

التهذيب، قال: البريد إلى البريد و هو: ظلّ عائر إلى ظلّ و عير «6». و ذكره غيره أيضا «7».

و منه يظهر الوجه في بعض أخبار أخر جعل الحرم في المدينة بريدا

______________________________

[1] لابتا المدينة: حرّتان عظيمتان يكتنفانها. و اللابة: هي الحرّة ذات الحجارة السود قد ألبتها لكثرتها، و جمعها لابات، و هي الحرار، و إن كثرت فهي اللّاب و اللّوب- مجمع البحرين 2: 168.

______________________________

(1) منهم صاحب المدارك 8: 274، السبزواري في الذخيرة: 706، صاحب الرياض 1: 433.

(2) المنتهى 2: 799.

(3) الشرائع 1: 278، النافع: 98، الكفاية: 73.

(4) كما في الذخيرة: 706.

(5) الفقيه 2: 336- 1562، الوسائل 14: 365 أبواب المزار و ما يناسبه ب 17 ح 5.

(6) التهذيب 6: 13.

(7) كما في الجامع للشرائع: 231، المدارك 8: 274.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 334

إلى بريد.

و أمّا ما يظهر من صحيحة الصيقل- من ردّه عليه السّلام على ربيعة الرأي من جعله الحرم بريدا إلى بريد- فإنّما هو باعتبار إطلاقه الدالّ على حرمة الصيد في ذلك الحدّ أيضا، و لذا فصّل عليه السّلام بعد الردّ.

و في رواية أبي بصير جعل حدّ حرم المدينة من ذباب إلى و أقم و العريض و النقب من قبل مكّة [1].

و قيل: الذباب- بضمّ المعجمة و قيل بكسرها- جبل شاميّ [2] المدينة، كان مضرب قبّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يوم الأحزاب «1».

و واقم: حصن من حصون المدينة.

و العريض- مصغّرا-: واد في شرق الحرّة، قريب قناة، و هي أيضا واد.

و النقب: الطريق في الجبل.

و لكن لم يصرّح في تلك الرواية بأنّه ما حرّم في ذلك الحدّ، فلا ينافي ما مرّ، لجواز أن يكون مخصوصا بما ليس في الأول.

هذا حكم الشجر.

و أمّا

الصيد، فلا يحرم في جميع ما ذكر، بل يحرم ما صيد بين الحرّتين على الأقوى، و عزاه جمع إلى علمائنا «2»، بل عليه الإجماع عن

______________________________

[1] الكافي 4: 564- 4، الفقيه 2: 336- 1565 و فيه رباب- بالمهملة- بدل:

ذباب، الوسائل 14: 363 أبواب المزار و ما يناسبه ب 17 ح 3 و فيه: زباب- بالمعجمة- بدل: ذباب.

[2] الشامة: الميسرة- الصحاح 5: 1957.

______________________________

(1) انظر كشف اللثام 1: 384، الرياض 1: 433.

(2) كما في المنتهى 2: 799.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 335

صريح الخلاف و ظاهر المنتهى «1».

لصحيحتي ابن سنان «2»، و موثّقة زرارة، و لكن في الأخيرة: «ما بين لابتيها»، و لعلّ المراد واحد، كما يظهر من صحيحة الصيقل، فإنّ فيها:

«قال: و ما بين لابتيها؟ قلت: ما أحاطت به الحرار».

و أصل الحرّة- بفتح الحاء المهملة و تشديد الراء- الأرض التي فيها حجارة سود.

و المراد بالحرّتين- كما قالوا-: حرّة واقم، و هي شرقيّة المدينة، و حرّة ليلى، و هي غربيّتها، و هي حرّة العقيق.

و لها حرّتان أخريان جنوبا و شمالا تتّصلان بهما، فكأنّ الأربع حرّتان، فلذا اكتفي بهما، و هما: حرّة قبا و حرّة الرجلى ككسرى، و يمدّ.

و أمّا ما في بعض الأخبار- من جواز الصيد في حرم المدينة «3»- فمحمول على الزائد من هذا القدر، حملا للعامّ على الخاصّ.

المسألة السابعة عشرة: تستحبّ في المدينة زيارة فاطمة سيّدة نساء العالمين عليها السّلام.

و اختلفوا في موضع قبرها الشريف:

فظاهر الشيخ في النهاية و المحقّق في الشرائع و النافع: أنّه عند

______________________________

(1) الخلاف 2: 420، المنتهى 2: 799.

(2) الاولى في: الفقيه 2: 337- 1566، الوسائل 14: 365 أبواب المزار و ما يناسبه ب 17 ح 9.

الثانية في: التهذيب 6: 13- 25، الوسائل 14: 365 أبواب المزار و ما يناسبه ب 17 ح

9.

(3) الوسائل 14: 362 أبواب المزار و ما يناسبه ب 17 ح 1 و 4 و 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 336

الروضة «1»، و هي ما بين القبر و المنبر، كما ذكره الشيخ «2» و جماعة «3».

و استدلّوا له بما روي مستفيضا في الأخبار المعتبرة: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: ما بين قبري- أو بيتي- و منبري روضة من رياض الجنّة» «4».

و في الفقيه: أنّه روي أنّها دفنت بين القبر و المنبر «5».

و قيل: إنّه في البقيع «6»، رواه في الفقيه أيضا مرسلا «7»، و استبعده جماعة «8».

و قال جماعة: إنّها دفنت في بيتها، و هو الآن داخل في المسجد «9»، و تدلّ عليه صحيحة البزنطي «10».

و لكن في إثبات أمثال تلك الأمور الواقعية بأخبار الآحاد نظرا، كما بيّناه في الأصول.

و الأولى- كما في القواعد و الدروس «11» و غيرهما «12»- زيارتها في

______________________________

(1) النهاية: 287، الشرائع 1: 278، النافع: 98.

(2) النهاية: 287.

(3) كالمحقق في النافع: 98، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 382.

(4) الوسائل 14: 344 أبواب المزار و ما يناسبه ب 7.

(5) الفقيه 2: 341- 1574، الوسائل 14: 369 أبواب المزار و ما يناسبه ب 18 ح 4.

(6) حكاه عن البعض في التهذيب 6: 9.

(7) الفقيه 2: 341- 1573، الوسائل 14: 369 أبواب المزار و ما يناسبه ب 18 ح 4.

(8) منهم الشيخ في المبسوط 1: 386، و النهاية: 287 و التهذيب 6: 9، و الحلّي في السرائر 1: 652، ابن سعيد في الجامع: 232.

(9) الفقيه 2: 341، الذخيرة: 707، المدارك 8: 278، الرياض 1: 433.

(10) الفقيه 1: 148- 684، التهذيب 3: 255- 705، الوسائل 14: 368 أبواب

المزار و ما يناسبه ب 18 ح 3.

(11) القواعد: 91، الدروس 2: 6.

(12) الرياض 1: 433.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 337

المواضع الثلاثة.

و تستحبّ أيضا زيارة الأئمّة الأربعة عليهم السّلام في البقيع.

المسألة الثامنة عشرة: يستحبّ صيام ثلاثة أيّام في المدينة:

الأربعاء، و الخميس، و الجمعة، لطلب الحاجة.

بالأخبار المستفيضة و إن اختلفت في الكيفيّة.

ففي صحيحة الحلبي- بعد الأمر بإقامة الأيّام الثلاثة مع الاستطاعة-:

«فتصلّي يوم الأربعاء ما بين القبر و المنبر عند الأسطوانة التي تلي القبر، فتدعو اللّه عندها و تسأله كلّ حاجة تريدها، و اليوم الثاني عند أسطوانة التوبة، و هي أسطوانة أبي لبابة [1]، و يوم الجمعة عند مقام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مقابل الأسطوانة الكثيرة الخلوق [2]، فتدعو اللّه عندهنّ لكلّ حاجة، و تصوم تلك الثلاثة الأيّام» «1».

و نحوها صحيحة ابن عمّار في ترتيب الأساطين، إلّا أنّ فيها: «و صلّ ليلة الأربعاء و يوم الأربعاء عند الأسطوانة الاولى، و ليلة الخميس و يوم الخميس عند الثانية، و ليلة الجمعة و يوم الجمعة عند الثالثة» و في آخرها:

«و ادع بهذا الدعاء لحاجتك: اللّهمّ إني أسألك بعزّتك و قوّتك و قدرتك و جميع ما أحاط به علمك أن تصلّي على محمّد و آل محمّد، و أن تفعل بي

______________________________

[1] أبو لبابة: بضم اللام و خفة الموحدة- اسمه رفاعة بن المنذر النقيب، و أسطوانة أبي لبابة: في مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله بالمدينة، و هي أسطوانة التوبة التي ربط إليها نفسه حتى نزل عذره من السماء- مجمع البحرين 2: 165.

[1] الخلوق: طيب مركب، يتّخذ من الزعفران و غيره من أنواع الطيب، و الغالب عليه الصفرة أو الحمرة- مجمع البحرين 5: 157.

______________________________

(1) الكافي 4: 558- 4، الوسائل 14: 351 أبواب المزار و

ما يناسبه ب 11 ح 3، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 338

كذا و كذا» «1».

و في صحيحة أخرى لابن عمّار- بعد ذكر صوم الثلاثة الأيّام-:

«تصلّي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة، و هي أسطوانة التوبة، و تقعد عندها يوم الأربعاء، ثمَّ تأتي ليلة الخميس الأسطوانة التي تليها ممّا يلي مقام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ليلتك و يومك، ثمَّ تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و مصلّاه ليلة الجمعة، و تصلّي عندها ليلتك و يومك «إلى أن قال:» فإن استطعت أن لا تتكلّم بشي ء في هذه الأيّام إلّا ما لا بدّ لك منه، و لا تخرج من المسجد إلّا لحاجة، و لا تنام في ليل و لا نهار، فافعل، ثمَّ احمد اللّه في يوم الجمعة و أثن عليه، و صلّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و سل حاجتك، و ليكن فيما تقول: اللّهمّ ما كانت لي إليك من حاجة شرعت أنا في طلبها و التماسها أو لم أشرع سألتكها أو لم أسألكها فإنّي أتوجّه إليك بنبيّك محمّد نبي الرحمة صلّى اللّه عليه و آله في قضاء حوائجي صغيرها و كبيرها» «2».

و قريبة منها مرسلة الفقيه، إلّا أنّ فيها: «و لا تنام في ليل و لا نهار إلّا القليل» «3».

أقول: الوجه: التخيير بين القسمين و إن كان الأول أشهر، و قيل: هو أيضا أحوط «4»، و لا أعرف وجهه.

المسألة التاسعة عشرة: يستحبّ الإكثار للصلاة في مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله،

______________________________

(1) الكافي 4: 558- 5، الوسائل 14: 351 أبواب المزار و ما يناسبه ب 11 ح 4، بتفاوت.

(2) التهذيب 6: 16- 35، الوسائل 14: 350 أبواب المزار و ما يناسبه ب 11 ح 1، بتفاوت.

(3) الفقيه 2:

340.

(4) انظر الرياض 1: 434.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 339

و أنّه إذا فرغ من الدعاء عند قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله يأتي المنبر و يمسحه بيده و يأخذ برمّانتيه- و هما السفلاوان- و يمسح عينيه و وجهه به، فإنّه شفاء للعين، و يقوم عنده و يحمد اللّه و يثني عليه، و يسأل حاجته، و أن يصلّي على النبي صلّى اللّه عليه و آله عند دخول المسجد، و كذا عند الخروج عنه، و أن يأتي مقام النبي صلّى اللّه عليه و آله و يصلّي فيه ما بدا له.

كلّ ذلك منصوص عليه في صحيحة ابن عمّار «1».

المسألة العشرون: تستحبّ الصلاة في المساجد التي بالمدينة، كمسجد قبا، بضم القاف.

و مسجد الفضيخ- سمّي به لنخل كان فيه يسمّى الفضيخ- بالفاء المفتوحة و الضاد و الخاء المعجمتين.

قال صاحب القاموس في كتاب مغانم المطابة: إنّ هذا المسجد يعرف بمسجد الشمس اليوم، و هو شرقيّ مسجد قبا على شفير الوادي، مرضوم [1] بحجارة سود، و هو مسجد صغير.

و وجه تسميته مسجد الشمس لأنّ فيه ردّت الشمس لأمير المؤمنين عليه السّلام، كما ورد في رواية عمّار بن موسى «2».

و مشربة أمّ إبراهيم [2]، و هو- في كتاب المغانم-: مسجد بقبا

______________________________

[1] الرضم و الرضام: صخور عظام يرضم بعضها فوق بعض في الأبنية، الواحدة رضمة- الصحاح 5: 1933.

[2] المشربة: بفتح الميم و فتح الراء و ضمّها: الغرفة، و منه مشربة أمّ إبراهيم عليه السّلام،

______________________________

(1) الكافي 4: 553- 1، التهذيب 6: 7- 12، الوسائل 14: 344 أبواب المزار و ما يناسبه ب 7 ح 1، و أورد ذيلها في ص 340 ب 5 ح 2.

(2) الكافي 4: 561- 7، الوسائل 14: 355 أبواب المزار و ما يناسبه ب 12 ح 4.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 340

شماليّ مسجد بني قريظة، قريب من الحرّة الشرقيّة في موضع يعرف بالدشت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 13    340     المسألة العشرون: تستحب الصلاة في المساجد التي بالمدينة، كمسجد قبا، بضم القاف. ..... ص : 339

ل: و ليس عليه بناء و لا جدار، و إنّما هو عريصة صغيرة بين نخيل، طولها نحو عشرة أذرع، و عرضها أقلّ منه بنحو ذراع، و قد حوّط عليها برضم لطيف من الحجارة السود.

و مسجد الفتح، و هو مسجد على قطعة من جبل سلع من جهة الغرب، و غربيّه وادي بطحان، و هو الذي يسمّى بمسجد الأحزاب.

و أن تأتي في جانب احد و تصلّي فيه في المسجد الذي دون الحرّة.

و تأتي قبر حمزة بن عبد المطّلب و تسلّم عليه.

و تأتي قبور شهداء احد.

و تأتي المسجد الذي في المكان الواسع إلى جانب الجبل عن يمينك حين تدخل احد، و تصلّي فيه.

و تصلّي عند قبور الشهداء، و أن تقول عند قبور الشهداء: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، و تقول: السلام عليكم يا أهل الديار، أنتم لنا فرط و إنّا بكم لاحقون.

و أن تقول في مسجد الفتح: يا صريخ المكروبين، يا مجيب دعوة المضطرّين، اكشف غمّي و همّي و كربي كما كشفت عن نبيّك غمّه و همّه و كربه و كفيته هول عدوّه في هذا المكان.

و تستحبّ البدأة بمسجد قبا، ثمَّ مشربة أمّ إبراهيم، ثمَّ مسجد

______________________________

و إنّما سمّيت بذلك لأنّ إبراهيم بن النبي صلّى اللّه عليه و آله ولدته امّه فيها و تعلقت حين ضربها المخاض بخشبة من خشب تلك المشربة، و قد ذرعت من القبلة إلى الشمال أحد عشر ذراعا- مجمع البحرين 2: 89.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 341

الفضيخ، ثمَّ احد، و يبدأ فيه بالمسجد الذي دون الحرّة، ثمَّ قبر حمزة، ثمَّ قبور الشهداء، ثمَّ المسجد الذي في المكان الواسع، ثمَّ الصلاة عند قبور الشهداء، ثمَّ مسجد الفتح.

صرّح بذلك الترتيب في رواية عقبة بن خالد «1».

المسألة الإحدى و العشرون: يستحبّ وداع قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله عند إرادة الخروج من المدينة.

ففي صحيحة ابن عمّار: «إذا أردت أن تخرج من المدينة فاغتسل، ثمَّ ائت قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بعد ما تفرغ من حوائجك فودّعه، و اصنع مثل ما صنعت عند دخولك، و قل: اللّهمّ لا تجعله آخر العهد من زيارة قبر نبيّك صلوات اللّه و سلامه عليه، فإن توفّيتني قبل ذلك فإنّي أشهد في مماتي على ما شهدت عليه في حياتي أن لا إله إلّا أنت و أنّ محمدا عبدك و رسولك» «2».

و في رواية يونس بن يعقوب: عن وداع قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، [فقال:] «تقول: صلّى اللّه عليك، السلام عليك، لا جعله اللّه آخر تسليمي عليك» «3»، و اللّه العالم.

المسألة الثانية و العشرون: من أراد أن يدرك ثواب الحجّ كلّ سنة

فليعمل بما ورد في المرسل، فإنّ فيه:

______________________________

(1) الكافي 4: 560- 2، التهذيب 6: 17- 39، الوسائل 14: 353 أبواب المزار و ما يناسبه ب 12 ح 2.

(2) الكافي 4: 563- 1، التهذيب 6: 11- 20، الوسائل 14: 358 أبواب المزار و ما يناسبه ب 15 ح 1.

(3) الكافي 4: 563- 2، كامل الزيارات: 26- 2، الوسائل 14: 359 أبواب المزار و ما يناسبه ب 15 ح 2، و ما بين المعقوفين من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 342

«ما يمنع أحدكم أن يحجّ كلّ سنة؟» فقيل له: لا تبلغ ذلك أموالنا، فقال: «أما يقدر أحدكم إذا خرج أخوه أن يبعث معه ثمن أضحيّته، و يأمره أن يطوف عنه أسبوعا بالبيت، و يذبح عنه؟! فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه و تهيّأ للمسجد، فلا يزال في الدعاء حتى تغرب الشمس» «1».

و الظاهر أنّ المراد بالثياب التي أمر بلبسها إنّما هي ثياب الزينة، كما ورد به في الخروج إلى يوم

العيد و الجمعة.

و لا يضرّ إرسال الرواية، لما في أدلّة السنن من المسامحة.

و قد ورد طريق آخر أيضا في الروايات المستفيضة الصحيحة، من بعث الهدي من أيّ أفق كان، و المواعدة مع المبعوث معه لإشعاره أو تقليده، و اجتناب ما يجتنبه المحرم وقت المواعدة حتى يبلغ الهدي محلّه «2».

و لكن لعدم تيسّر العمل به في أكثر الآفاق من بعث الهدي، و عدم دليل على الاكتفاء ببعث ثمنه، سيّما مع الإتيان بالإشعار و التقليد، تركنا ذكره هنا.

المسألة الثالثة و العشرون:- و هي الأخيرة من مسائل الكتاب- في نبذ من آداب الخروج من البيت و المسافرة.
اشارة

تستحبّ لمن أراد السفر مطلقا أمور:

منها: أن يعلم إخوانه بذلك.

______________________________

(1) الفقيه 2: 306- 1518، الوسائل 13: 192 من أبواب الإحصار و الصد ب 9 ح 6.

(2) الوسائل 13: 190 أبواب الإحصار و الصد ب 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 343

لرواية السكوني «1».

و منها: أن يخرج يوم السبت

- كما صرّح به في صحيحة ابن سنان «2»، و رواية حفص بن غياث «3»- بعد طلوع الشمس منه، كما في رواية الخثعمي «4».

أو يوم الخميس.

فإنّ في رواية عبد اللّه بن سليمان: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يسافر يوم الخميس»، و قال: «يوم الخميس يحبّه اللّه و رسوله و ملائكته» «5».

أو يوم الثلاثاء.

فإنّ في رواية حفص: «من تعذّرت عليه الحوائج فليلتمس طلبها يوم الثلاثاء، فإنّه اليوم الذي ألان اللّه فيه الحديد لداود عليه السّلام» «6».

و في صحيحة الخزّاز: «و اخرجوا يوم الثلاثاء» «7».

و منها: أن لا يسافر يوم الجمعة مطلقا.

فإنّ في رواية الخثعمي «لا تخرج يوم الجمعة في حاجة».

و لا في يوم الاثنين.

فإنّ في صحيحة الخزّاز «و أيّ يوم أعظم شؤما من يوم الاثنين؟!

______________________________

(1) الكافي 2: 174- 16، الوسائل 11: 448 أبواب آداب السفر ب 56 ح 1.

(2) الفقيه 2: 174- 774، الوسائل 11: 348 أبواب آداب السفر ب 3 ح 1.

(3) الفقيه 2: 173- 766، المحاسن: 345- 6، الوسائل 11: 349 أبواب آداب السفر ب 3 ح 3.

(4) الفقيه 2: 174- 773، الوسائل 11: 349 أبواب آداب السفر ب 3 ح 4.

(5) الفقيه 2: 173- 768 و 769، الوسائل 11: 358 أبواب آداب السفر ب 7 ح 1 و 2.

(6) الفقيه 2: 173- 766، الوسائل 11: 351 أبواب آداب السفر ب 4 ح 2.

(7) الفقيه 2: 174- 777، المحاسن: 347- 16، الوسائل 11: 351 أبواب آداب السفر ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 344

فقدنا فيه نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله، و ارتفع الوحي عنّا، لا تخرجوا، و اخرجوا يوم الثلاثاء».

و في مرسلة الفقيه: «لا تسافر يوم الاثنين، و لا تطلب فيه

حاجة» «1».

و لا في يوم الأربعاء.

كما يستشمّ من صحيحة حمّاد «2».

و لا في يوم كان القمر في العقرب.

فإنّ في رواية محمّد بن حمران: «من سافر و تزوّج و القمر في العقرب لم ير الحسنى» «3».

و هل المعتبر كونه في برج العقرب على ما هو مصطلح أهل النجوم، أو صورته؟

كلّ محتمل، و يحتمل الاقتصار على ما اجتمع فيه الأمران، و الظاهر كفاية قول المنجّمين في الدخول فيه و الخروج عنه.

و لو تصدّق حين السفر له المسافرة في أيّ يوم شاء و يندفع عنه شؤمه.

ففي صحيحة البجلي: «تصدّق و اخرج أيّ يوم شئت» «4».

______________________________

(1) الفقيه 2: 174- 776، الوسائل 11: 353 أبواب آداب السفر ب 4 ح 6.

(2) الكافي 4: 283- 3، الفقيه 2: 175- 782، التهذيب 5: 49- 150 و فيه: عن حمّاد عن الحلبي، المحاسن: 348- 22، الوسائل 11: 375 أبواب آداب السفر ب 15 ح 2.

(3) المحاسن: 347- 20، و في الفقيه 2: 174- 778، و الوسائل 11: 367 أبواب آداب السفر ب 11 ح 1 عن محمّد بن حمران، عن أبيه.

(4) الكافي 4: 283- 4، الفقيه 2: 175- 781، الوسائل 11: 375 أبواب آداب السفر ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 345

و في صحيحة حمّاد: «افتتح سفرك بالصدقة، و اخرج إذا بدا لك، و اقرأ آية الكرسي» «1».

و ليكن تصدّقه على أول مسكين.

كما في صحيحة ابن أبي عمير: «إذا وقع في نفسك شي ء فتصدّق على أول مسكين، ثمَّ امض، فإنّ اللّه تعالى يدفع عنك» «2».

و ليكن ذلك أيضا إذا وضع رجله في الركاب.

كما في رواية محمّد «3».

و منها: أن يصلّي ركعتين حين الخروج.

ففي رواية السكوني: «ما استخلف رجل على أهله بخليفة أفضل من ركعتين

يركعهما إذا أراد الخروج إلى سفر، و يقول: الّلهمّ إنّي أستودعك نفسي و أهلي و مالي و ذرّيتي و دنياي و آخرتي و أمانتي و خاتمة عملي» «4».

و منها: أن يجمع عياله في بيت و يقول:

اللّهم إنّي أستودعك الغداة نفسي و مالي و أهلي و ولدي، الشاهد منّا و الغائب، اللّهمّ احفظنا و احفظ علينا، اللّهمّ اجعلنا في جوارك، اللّهمّ لا تسلبنا نعمتك و لا تغيّر ما بنا من

______________________________

(1) الكافي 4: 283- 3، الفقيه 2: 175- 782، الوسائل 11: 375 أبواب آداب السفر ب 15 ح 2.

(2) الفقيه 2: 175- 783، المحاسن: 349- 26، الوسائل 11: 376 أبواب آداب السفر ب 15 ح 3، 4.

(3) الفقيه 2: 176- 785، المحاسن: 348- 25، الوسائل 11: 376 أبواب آداب السفر ب 15 ح 5.

(4) الكافي 4: 283- 1، الفقيه 2: 177- 789، التهذيب 5: 49- 152، المحاسن:

349- 29، الوسائل 11: 379 أبواب آداب السفر ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 346

عافيتك و فضلك.

كما ورد في صحيحة العجلي «1».

و أن يقول ما في مرسلة الفقيه: «الّلهمّ خلّ سبيلنا، و أحسن مسيرنا،

و منها: أن يفعل ما في صحيحتي صباح الحذّاء:

الأولى: «إذا أراد السفر قام على باب داره تلقاء وجهه الذي يتوجّه إليه فقرأ فاتحة الكتاب أمامه و عن يمينه و عن شماله، و آية الكرسي أمامه و عن يمينه و عن شماله، ثمَّ قال: اللّهمّ احفظني و احفظ ما معي، و سلّمني و سلّم ما معي، و بلّغني و بلّغ ما معي ببلاغك الحسن» «2».

الثانية: «إذا أردت السفر فقف على باب دارك و اقرأ فاتحة الكتاب أمامك و عن يمينك و عن شمالك، و قل هو اللّه أحد أمامك و عن يمينك و عن شمالك، و قل أعوذ بربّ الناس و قل أعوذ بربّ الفلق أمامك و عن يمينك و عن شمالك، ثمَّ قل: الّلهمّ احفظني، إلى آخر الدعاء» «3» إلّا أنّه قال: «بلاغا حسنا» مكان: «ببلاغك

الحسن».

و منها: أن يدعو بما في صحيحة ابن عمّار:

«إذا خرجت من بيتك تريد الحجّ و العمرة إن شاء اللّه فادع دعاء الفرج، و هو: لا إله إلّا اللّه الحليم الكريم، لا إله إلّا اللّه العليّ العظيم، سبحان اللّه ربّ السماوات السبع، و ربّ الأرضين السبع، و ربّ العرش العظيم، و الحمد للّه ربّ العالمين، قل: اللّهمّ

______________________________

(1) الكافي 4: 283- 2، المحاسن: 350- 30، الوسائل 11: 380 أبواب آداب السفر ب 15 ح 18، 2.

(2) الكافي 4: 283- 1، الفقيه 2: 177- 790، التهذيب 5: 49- 153، المحاسن: 350- 31، الوسائل 11: 381 أبواب آداب السفر ب 19 ح 1.

(3) الكافي 2: 543- 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 347

كن لي جارا من كلّ جبار عنيد، و من كلّ شيطان مريد، ثمَّ قل: بسم اللّه دخلت و بسم اللّه خرجت و في سبيل اللّه، اللّهمّ إنّي أقدّم بين يدي نسياني و عجلتي بسم اللّه و ما شاء اللّه في سفري هذا ذكرته أو نسيته، الّلهمّ أنت المستعان على الأمور كلّها، و أنت الصاحب في السفر و الخليفة في الأهل، الّلهمّ هوّن علينا سفرنا و اطو لنا الأرض، و سيّرنا فيها بطاعتك و طاعة رسولك، الّلهم أصلح لنا ظهرنا [1]، و بارك لنا في ما رزقتنا، و قنا عذاب النار، اللّهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السفر [2]، و كآبة المنقلب، و سوء المنظر في الأهل و المال و الولد، اللّهمّ أنت عضدي و ناصري، بك أحلّ و بك أسير، اللّهمّ إنّي أسألك في سفري هذا السرور و العمل بما يرضيك عنّي، اللّهمّ اقطع عني بعده و مشقّته، و اصبحني فيه، و اخلفني في أهلي بخير، لا حول و لا قوة إلّا باللّه،

اللّهمّ إنّي عبدك و هذا حملانك [3]، و الوجه وجهك، و السفر إليك، و قد اطّلعت على ما لم يطّلع عليه أحد غيرك، فاجعل سفري هذا كفّارة لما قبله من ذنوبي، و كن عونا لي عليه، و اكفني وعثه و مشقّته، و لقّني من القول و العمل رضاك، فإنّما أنا عبدك و بك و لك» «1».

و منها: أن يقول إذا خرج من منزله ما في رواية ابن أسباط،

و هو:

«بسم اللّه، آمنت باللّه، و توكّلت على اللّه، ما شاء اللّه، لا حول و لا قوة إلّا

______________________________

[1] الظهر: الإبل القوي- مجمع البحرين 3: 389 و في المصباح المنير: 387:

الظّهر: الطريق في البرّ.

[2] و عثاء السفر: مشقّته- الصحاح 1: 296.

[3] الحملان: ما يحمل عليه من الدواب في الهبة خاصة- لسان العرب 11: 175.

______________________________

(1) الكافي 4: 284- 2، التهذيب 5: 50- 154، الوسائل 11: 383 أبواب آداب السفر ب 19 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 348

باللّه» «1».

و أن يقول حين يخرج من باب داره ما في رواية أبي بصير «أعوذ باللّه ممّا عاذت منه ملائكة اللّه من شرّ هذا اليوم، و من شرّ الشيطان، و من شرّ من نصب لأولياء اللّه، و من شرّ الجنّ و الإنس، و من شرّ السباع و الهوام، و من شرّ ركوب المحارم كلّها، أجير نفسي باللّه من كلّ شرّ» «2».

و أن يقول إذا وضع رجله في الركاب: سبحان الذي سخّر لنا هذا و ما كنّا له مقرنين، أستغفر اللّه الذي لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم و أتوب إليه، اللّهمّ أغفر لي ذنوبي، فإنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت «3».

و منها: أن يستصحب عصا من لوز مرّ و يتلو هذه الآية من سورة القصص:

وَ لَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ إلى قوله وَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ «4».

فإنّ في مرسلة الفقيه: «فإنّه أمان من كلّ سبع ضارّ، و لصّ عاد، و ذات حمة [1] حتى يرجع إلى أهله، و كان معه سبعة و سبعون من المعقّبات

______________________________

[1] الحمة: السّمّ، و قد يشدّد، و يطلق على إبرة العقرب للمجاورة، لأنّ السّمّ منها يخرج- نهاية ابن الأثير 1: 446، و في لسان العرب 14: 201 حكى عن البعض أنّها الإبرة التي تضرب بها الحيّة

و العقرب و الزنبور و نحو ذلك، أو تلدغ بها.

______________________________

(1) الفقيه 2: 177- 792، المحاسن: 350- 33، الوسائل 11: 384 أبواب آداب السفر ب 19 ح 6.

(2) الكافي 2: 541- 4، الفقيه 2: 178- 793، المحاسن: 350- 34، الوسائل 11: 385 أبواب آداب السفر ب 19 ح 7، بتفاوت.

(3) يدلّ عليه ما في الوسائل 11: 387 أبواب آداب السفر ب 20.

(4) القصص: 22- 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 349

- أي ملائكة الليل و النهار- يستغفرون له» «1».

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «حمل العصا ينفي الفقر و لا يجاوره شيطان» «2».

و منها: أن لا يسافر وحده،

فإنّه قد استفاضت الروايات على المنع عنه «3».

و لو اتّفق له ذلك فليقل ما في رواية الجعفري: «ما شاء اللّه لا حول و لا قوة إلّا باللّه، اللهمّ آنس وحشتي، و أعنّي على وحدتي، و أدّ غيبتي» «4».

و منها: أن لا ينام على دابّته،

فإنّ في رواية حمّاد أنّ ذلك ليس من فعل الحكماء، إلّا أن يكون في محمل يمكنه التمدّد.

و أن ينزل عن دابّته إذا قرب المنزل، و يبدأ بعلفها قبل علف نفسه.

و أن يصلّي ركعتين إذا نزل قبل أن يجلس، و كذا إذا أريد الارتحال.

و يبعد المذهب [1] عند قضاء الحاجة.

و أن لا يأكل طعاما حتى يتصدّق ابتداء بشي ء منه إن استطاع.

و يقرأ كتاب اللّه ما دام راكبا، و يسبّح ما دام عاملا عملا، و يدعو ما دام خاليا.

و أن لا يسير من أول الليل، و لا يرفع الصوت في المسير.

______________________________

[1] المذهب: هو الموضع الذي يتغوّط فيه- مجمع البحرين 2: 62.

______________________________

(1) الفقيه 2: 176- 786، الوسائل 11: 377 أبواب آداب السفر ب 16 ح 1، بتفاوت.

(2) الفقيه 2: 176- 786، الوسائل 11: 379 أبواب آداب السفر ب 17 ح 1.

(3) الوسائل 11: 408 أبواب آداب السفر ب 30.

(4) المحاسن: 370- 122، الفقيه 2: 181- 807، الوسائل 11: 397 أبواب آداب السفر ب 25 ح 2، 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 350

كلّ ذلك ورد في رواية حمّاد «1».

و منها: أن يدير العمامة تحت حنكه.

كما في موثّقة الساباطي «2»، و رواية علي بن الحكم.

و في الأخيرة «من خرج من منزلة معتمّا تحت حنكه يريد سفرا لم يصبه في سفره سرق و لا حرق و لا مكروه» «3».

و له أن يشتغل في مسيره بالحداء [1] و الشعر الذي ليس فيه خنى- أي فحش- فإنّ في رواية السكوني: أنّه زاد المسافر «4».

و منها: أن يقول اللّهمّ لك الشرف على كلّ شرف،

إذا صعد أكمة- أي ما ارتفع من الأرض- كما في رواية حذيفة «5»، و يكبّر كما في صحيحة ابن عمّار، و فيها: «أن يسبّح حين يهبط» «6».

و منها: أن يقول إذا نزل منزلا: ربّ أنزلني منزلا مباركا و أنت خير المنزلين،

و أن يقول إذا تعاين مدينة أو قرية: اللّهمّ إنّي أسألك خيرها،

______________________________

[1] حدا بالإبل حدوا و حداء: إذا زجرها و غنّى لها ليحثّها على السير- مجمع البحرين 1: 96، و في الصحاح 6: 2309: الحدو: سوق الإبل و الغناء لها.

______________________________

(1) الفقيه 2: 194- 884، المحاسن: 375- 145، الوسائل 11: 440 أبواب آداب السفر ب 52 ح 1 و 2.

(2) الفقيه 1: 173- 814، الوسائل 4: 402 أبواب لباس المصلي ب 26 ح 5.

(3) الكافي 6: 461- 6، الوسائل 4: 402 أبواب لباس المصلي ب 26 ح 3.

(4) الفقيه 2: 183- 823، المحاسن: 358- 73، الوسائل 11: 418 أبواب آداب السفر ب 37 ح 1.

(5) الكافي 4: 287- 1، المحاسن: 353- 43، الوسائل 11: 393 أبواب آداب السفر ب 22 ح 2.

(6) الكافي 4: 287- 2، الفقيه 2: 179- 796، الوسائل 11: 391 أبواب آداب السفر ب 21 ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 13، ص: 351

و أعوذ بك من شرّها، الّلهمّ حبّبنا إلى أهلها، و حبّب صالحي أهلها إلينا «1».

إلى غير ذلك من الآداب الواردة في مظانّها.

و الحمد للّه، و الصلاة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خلفاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

قد تمَّ كتاب الحجّ من مستند الشيعة في أحكام الشريعة يوم الجمعة، سادس عشر شهر رجب المرجّب، سنة ألف و مائتين و واحد و أربعون، تمَّ بالخير و الظفر.

______________________________

(1) يدلّ عليه ما في الوسائل 11: 444 أبواب آداب السفر

ب 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة الجزء 14

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

و به نستعين

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 7

كتاب مطلق الكسب و الاقتناء

اشارة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 9

مقدّمة: اعلم أنّ الكسب جنس تحته أنواع كثيرة، و لكلّ نوع منه متعلّق، هو ما يكتسب به، فهذه أمور ثلاثة، و الأولان من فعل المكلّف، و الثالث ليس كذلك، بل هو الأعيان و المنافع الخارجيّة.

و لكلّ من الأولين آداب، بمعنى: أن لمطلق الكسب- من غير تخصيص بنوع منه- أمورا يرجح فيها ارتكابه أو تركه مع المنع من النقيض أو بدونه.

و لكلّ نوع منه أيضا آداب مختصّة به.

و لكلّ من الثلاثة- باعتبار الأحكام الشرعيّة- أقسام:

فينقسم مطلق الكسب من حيث هو- أي مع قطع النظر عن أنواعه و متعلّقاته- إلى خمسة أقسام: الواجب، و المندوب، و الحرام، و المكروه، و المباح. بمعنى: أنّه قد يكون واجبا، و قد يكون مندوبا، و هكذا.

و الثاني ينقسم إلى أربعة أقسام، هي غير الواجب، إذ ليس من أنواع التكسّب ما يكون واجبا من حيث هو إلّا على الوجوب الكفائي في بعض الأنواع.

و الثالث ينقسم إلى أقسام ثلاثة: الحرام، و المكروه، و المباح.

بمعنى: أنّه يحرم جعله متعلّقا للكسب، أو يكره، أو يباح.

و لم يرد استحباب جعل شي ء من الأعيان أو المنافع متعلّقا له، أو وجوبه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 10

و هذا أيضا على قسمين، لأنّه إمّا يكون في مطلق الكسب، بمعنى:

أنّه يحرم أو يكره أو يباح جعله متعلّقا و موردا لمطلق الكسب من غير اختصاص بنوع.

أو يكون في نوع خاص، أو أنواع خاصّة منه، كالأراضي الموات، فإنّها لا يجوز بيعها و إجارتها و نحوهما، و يجوز تحجيرها و إحياؤها، و كالوقف العام يجوز إجارتها و الزراعة فيها، و لا يجوز

بيعها و هبتها.

ثمَّ الأول و إن انقسم باعتبار أقسام الثانيين إلى أقسامهما و الثاني باعتبار الثالث إلى أقسامه، إلّا أنّ المتعارف تقسيم كلّ منها إلى أقسامه الحاصلة له مع قطع النظر عن الآخر.

و قد وقع في هذا المقام خلط و تخليط و اختلاف كثير في كثير من كتب الأصحاب من وجوه عديدة:

فترى منهم من يعنون كتاب الكسب و يذكر فيه بعض آدابه و أقسام أنواعه، ثمَّ يذكر فيه ما يتعلّق بعقد البيع و أحكامه، و يعنون للصلح و الإجارة و غيرها من المعاوضات كتابا على حدة، مع أنّ نسبتها إلى مطلق الكسب كنسبة البيع إليه، فلا وجه للتفرقة، على أنّ البيع كغيره من المعاوضات أعمّ من وجه من مطلق الكسب، فجعله من أفراده غير جيّد.

و منهم من ذكر آدابا لمطلق الكسب، و ترى بعضها مخصوصا ببعض أنواعه، مع أنّه قد يذكر في باب هذا النوع بعض ما يختصّ به من الآداب، بل قد يذكر فيه بعض ما هو آداب للمطلق.

و أيضا ترى منهم من خلط بين كثير من أقسام أنواع الكسب و أقسام ما يكتسب به، مع أنّه عنون لكلّ منهما عنوانا على حدة.

و أيضا ترى منهم من يذكر بعض أقسام ما يكتسب به في عنوان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 11

مطلق الكسب، و بعضها في عنوان نوع خاصّ منه، مع اشتراكهما في الاختصاص أو العموم.

و قد ترى منهم من خلط بين أقسام الكسب و بين آدابه، فجعل بعض ما يحرم ارتكابه أو يكره في مطلق الكسب أو نوع منه من أنواع الكسب المحرّم أو المكروه أو بالعكس، إلى غير ذلك من الوجوه الظاهرة للمتتبّع.

و الأولى أن يعنون لمطلق الكسب كتابا، و لكلّ من

عقود المعاوضات كتابا على حدة، و يذكر ما يرد على المطلق من الآداب و الأقسام في كتابه، و ما يرد على نوع خاصّ منه في كتابه الخاصّ، و نحن معنونون كذلك، إلّا أنّا نذكر آداب مطلق الكسب و البيع في عنوان واحد اتباعا للأكثر و حفظا عن التشتّت، و نذكرها مع ما يجري مجراها في مقاصد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 13

المقصد الأول في الحثّ على الكسب و الترغيب إليه

و يقسّم مطلقه إلى الأقسام الخمسة.

قال اللّه سبحانه فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَ كُلُوا مِنْ رِزْقِهِ «1».

و قال فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَ ابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ «2».

و في الخبر: «اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدا، و اعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا» «3».

و في آخر: «إنّ اللّه تبارك و تعالى ليحبّ الاغتراب في طلب الرزق» «4».

و في ثالث: «لا تكسلوا في طلب معايشكم، فإنّ آباءنا كانوا يركضون

______________________________

(1) الملك: 15.

(2) الجمعة: 10.

(3) الفقيه 3: 94- 356، الوسائل 17: 76 أبواب مقدمات التجارة ب 28 ح 2.

(4) الفقيه 3: 95- 358، الوسائل 17: 77 أبواب مقدمات التجارة ب 29 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 14

فيها و يطلبونها» «1».

و في رابع: «إنّ اللّه يحبّ المحترف الأمين» «2».

و في خامس: «إنّي أجدني أمقت الرجل يتعذّر عليه المكاسب، فيستلقي على قفاه و يقول: اللّهم ارزقني، و يدع أن ينتشر في الأرض و يلتمس من فضل اللّه، و الذرة [3] تخرج من جحرها تلتمس رزقها» «4».

و في سادس: في من أقبل على العبادة و ترك التجارة: «أما علم أنّ تارك الطلب لا يستجاب له» «5».

و في سابع: «لأبغض الرجل أن يكون كسلانا في أمر دنياه، و من كسل عن أمر دنياه كان من أمر آخرته أكسل» «6»، إلى

غير ذلك من الأخبار المتواترة معنى «7».

و هو قد يجب إن اضطرّ إليه في إبقاء مهجته و مهجة عياله و من يجري مجراها، قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «ملعون من ألقى كلّه على الناس» «8».

و في مرسلة الفقيه: «ملعون ملعون من ضيّع من يعول» «9».

______________________________

[3] الذرّ: صغار النمل، و الواحدة ذرّة، القاموس المحيط 2: 35.

______________________________

(1) الفقيه 3: 95- 363، الوسائل 17: 60 أبواب مقدمات التجارة ب 18 ح 8.

(2) الخصال 2: 621- 10، الوسائل 17: 11 أبواب مقدمات التجارة ب 1 ح 6.

(4) الفقيه 3: 95- 366، الوسائل 17: 30 أبواب مقدمات التجارة ب 6 ح 4.

(5) الكافي 5: 84- 5، التهذيب 6: 323- 885، الوسائل 17: 27 أبواب مقدمات التجارة ب 5 ح 7.

(6) الكافي 5: 85- 4، الوسائل 17: 58 أبواب مقدمات التجارة ب 18 ح 1، بتفاوت يسير.

(7) الوسائل 17: 58 أبواب مقدمات التجارة ب 18.

(8) الكافي 5: 72- 7، التهذيب 6: 327- 902، الوسائل 17: 31 أبواب مقدمات التجارة ب 6 ح 10.

(9) الكافي 4: 12- 9، الفقيه 3: 103- 417، الوسائل 17: 68 أبواب مقدمات التجارة ب 23 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 15

و عن الصادق عليه السّلام: «كفى بالمرء إثما أن يضيّع من يعول» «1».

و كذلك إذا توقّفت عليه الواجبات المطلقة، كالحجّ بعد فقد الاستطاعة مع التقصير، و الماء للطهارة، و الساتر للعورة، و نحوها.

و يستحبّ للتوسعة في المعاش بلا خلاف ظاهر، و في الأخبار دلالة عليه:

ففي رواية أبي حمزة: «من طلب الرزق في الدنيا استعفافا عن الناس و سعة على أهله و تعطّفا على جاره لقي اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة و

وجهه مثل القمر ليلة البدر» «2».

و مثل التوسعة تحصيل ما يتوقّف عليه من العبادات المستحبّة، كالبرّ، و الصدقة، و الحجّ المستحبّ، و العتق، و بناء المساجد و المدارس، و أمثالها، و في الأخبار المستفيضة تصريح به:

ففي الصحيح: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أعتق ألف مملوك من كدّ يده» «3».

و في الحسن: قال رجل لأبي عبد اللّه عليه السّلام: و اللّه إنّا لنطلب الدنيا و نحبّ أن نؤتى بها، فقال: «تحبّ أن تصنع بها ما ذا؟» قال: أعود بها على نفسي و عيالي، و أصل بها، و أتصدّق، و أحجّ و أعتمر، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

______________________________

(1) الكافي 4: 12- 8، الفقيه 3: 103- 416، الوسائل 17: 68 أبواب مقدمات التجارة ب 23 ح 8.

(2) الكافي 5: 78- 5، التهذيب 6: 324- 890، الوسائل 17: 21 أبواب مقدمات التجارة ب 4 ح 5، بتفاوت يسير.

(3) أمالي الصدوق: 232- 14، الوسائل 1: 88 أبواب مقدمة العبادات ب 20 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 16

«ليس هذا طلب الدنيا، هذا طلب الآخرة» «1».

و يكره لمجرّد إكثار المال و جمعه و زينة الدنيا و سائر ما يكون مكروها، كما يحرم إذا كان سببا لترك واجب، و يباح فيما سوى ذلك.

______________________________

(1) الكافي 5: 72- 10، التهذيب 6: 327- 903، الوسائل 17: 34 أبواب مقدمات التجارة ب 7 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 17

المقصد الثاني في آداب مطلق الكسب و البيع

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأول في المستحبّات

و هي أمور:

منها: التفقّه أولا و لو تقليدا فيما يتولّاه بنفسه، بالإجماع و الأخبار «1»، ليعرف كيفيّة الاكتساب، و يميّز بين العقود الصحيحة و الفاسدة، و يسلم من الربا الموبق، و لا يرتكب المآثم من حيث لا يعلم، و هذا إنّما هو قبل الدخول في الواقعة و الاحتياج إليه في خصوص المعاملة، و إلّا فيكون التفقّه واجبا من باب المقدّمة.

______________________________

(1) الوسائل 17: 381 أبواب آداب التجارة ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 18

و الحاصل: أنّ المستحبّ هو معرفة الأحكام المفصّلة لجميع أفراد ما يمكن أن يتّفق له في هذا النوع، لئلّا يدخل في الحرام من حيث لا يعلم.

و منها: الإجمال في الطلب، بأن لا يصرف أكثر أوقاته فيه.

ففي صحيحة الثمالي: «فاتّقوا اللّه عزّ و جلّ و أجملوا في الطلب» «1».

و في مرسلة ابن فضّال: «فليكن طلب المعيشة فوق كسب المضيّع و دون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئنّ إليها» «2».

و منها: قصد النفقة و السعة و دفع الضرورة أو ما يتقرّب به إلى اللّه، دون زينة الدنيا و التفاخر و التكاثر و الملاهي.

و منها: الثقة باللّه و التوكّل عليه، و عدم الاعتماد على عمله و فطانته.

روى عبد اللّه بن سليمان: «إنّ اللّه عزّ و جلّ وسّع في أرزاق الحمقى ليعتبر العقلاء، و يعلموا أنّ الدنيا ليس ينال ما فيها بعمل و لا حيلة» «3».

و في مرفوعة ابن جمهور: «لن يزداد امرؤ نقيرا بحذقه و لم ينقص امرؤ نقيرا بحمقه» «4».

و منها: إقالة النادم مؤمنا كان أو غيره، لرواية الجعفري «5»، و لما فيه

______________________________

(1) الكافي 5: 80- 1، التهذيب 6: 321- 880، المقنعة: 90، الوسائل 17: 44 أبواب مقدمات التجارة ب 12

ح 1.

(2) الكافي 5: 81- 8، التهذيب 6: 322- 882، الوسائل 17: 48 أبواب مقدمات التجارة ب 13 ح 3.

(3) الكافي 5: 82- 10، التهذيب 6: 323- 884، الوسائل 17: 48 أبواب مقدمات التجارة ب 13 ح 1.

(4) الكافي 5: 81- 9، التهذيب 6: 323- 883، الوسائل 17: 49 أبواب مقدمات التجارة ب 13 ح 4.

(5) الكافي 5: 151- 4، التهذيب 7: 5- 15، الوسائل 17: 385 أبواب آداب التجارة ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 19

من جبر قلب المسلم، سيّما في البيع، لخصوص رواية أبي حمزة «أيّما عبد أقال مسلما في بيع أقاله اللّه عثرته يوم القيامة» «1».

و التقييد بالنادم- مع إطلاق بعض الأخبار- لأنّ استحبابها إنّما هو بعد الاستقالة، و لا استقالة لغير النادم، فإثبات استحبابها مطلقا لا وجه له.

و منها: التسوية بين كلّ الناس في البيع و الشراء، فيكون الساكت عنده بمنزلة المماكس [2]، و غير البصير بمنزلة البصير، و المستحيي بمنزلة المداقّ.

لرواية ميسر: «إن ولّيت أخاك فحسن، و إلّا فبع بيع البصير المداقّ» «3»، و دلالتها إنّما هي على كون إضافة البيع إلى المفعول.

و رواية ابن جذاعة: في رجل عنده بيع فسعّره سعرا معلوما فمن سكت عنه ممّن يشتري منه فباعه بذلك السعر و من ماكسه فأبى أن يبتاع منه زاده، قال: «لو كان يزيد الرجلين و الثلاثة لم يكن بذلك بأس، و أمّا أن يفعله بمن أبى عليه و كايسه و يمنعه ممّن لم يفعل ذلك فلا يعجبني» «4».

و استحباب التسوية إنّما هو لأجل ما ذكر.

و أمّا لو كان التفاوت من جهة أخرى- كالفضل و الإيمان و الورع و القرابة- فلعلّه لا مانع منه كما ذكره

جماعة «5»، و لكن يكره للآخذ قبوله،

______________________________

[2] المماكسة في البيع: انتقاص الثمن و استحطاطه- مجمع البحرين 4: 108.

______________________________

(1) الكافي 5: 153- 16، الفقيه 3: 122- 526، التهذيب 7: 8- 26، الوسائل 17: 386 أبواب آداب التجارة ب 3 ح 2، بتفاوت يسير.

(3) الكافي 5: 153- 19، التهذيب 7: 7- 24، الاستبصار 3: 70- 234، الوسائل 17: 397 أبواب آداب التجارة ب 10 ح 2.

(4) الكافي 5: 152- 10، التهذيب 7: 8- 25، الوسائل 17: 398 أبواب آداب التجارة ب 11 ح 1، بتفاوت يسير.

(5) منهم الشهيد الثاني في الروضة 3: 286، و صاحبي مفتاح الكرامة 4: 133 و الرياض 1: 519.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 20

و لقد كان السلف يوكّلون في الشراء ممّن لا يعرف هربا من ذلك.

و منها: ذكر اللّه سبحانه في السوق، و الدعاء بالمأثور عند دخول السوق، و الجلوس في مكانه، و عند الشراء و بعده، و عند شراء الدابّة أو الرأس «1».

و منها: أن يأخذ ناقصا و يعطي راجحا بحيث لا يؤدّي إلى الجهالة، للأمر بإيفاء الكيل و الوزن، مع ما ورد من أنّه لا يكون الوفاء حتى يميل الميزان «2».

و في رواية السكوني: «مرّ أمير المؤمنين عليه السّلام على جارية قد اشترت لحما من قصّاب و هي تقول: زدني، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: زدها، فإنّه أعظم للبركة» «3»، و كانت الجارية أمة للغير، فلا ينافي ذلك استحباب الأخذ ناقصا.

و في صحيحة ابن عمّار: «من أخذ الميزان بيده فنوى أن يأخذ لنفسه وافيا لم يأخذ إلّا راجحا، و من أعطى فنوى أن يعطي سواء لم يعط إلّا ناقصا» «4».

قيل: إنّ هذه الزيادة و النقصان غير ما يجب من

باب المقدّمة «5». و لا يخفى أنّ وجوبها من باب المقدّمة ممنوع، إذ ليس الواجب المساواة

______________________________

(1) انظر الوسائل 17: 401- 409 أبواب آداب التجارة ب 18.

(2) الوسائل 17: 392 أبواب آداب التجارة ب 7.

(3) الكافي 5: 152- 8، الفقيه 3: 122- 524، التهذيب 7: 7- 20، الوسائل 17: 392 أبواب آداب التجارة ب 7 ح 1.

(4) الكافي 5: 159- 2، الفقيه 3: 123- 534، التهذيب 7: 11- 46، الوسائل 17: 393 أبواب آداب التجارة ب 7 ح 5.

(5) انظر الرياض 1: 519.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 21

الحقيقيّة، بل العرفيّة، المتحقّقة بالتساوي في النظر بتفاوت قليل يسامح فيه عرفا، سيّما مع حصول التراضي، و مع ما تشعر به أخبار كثيرة من نفي البأس عن القليل من الزيادة و النقصان.

و مع التشاحّ في درك الفضيلة، قيل: يقدّم من بيده المكيال و الميزان «1».

و هو لا يقطع التشاحّ إذا وقع في المباشرة.

و قيل: البائع، لأنّ الوزن عليه «2».

و هو لا ينفي استحباب الأخذ ناقصا.

و قيل بالقرعة «3».

و منها: تقديم الاستخارة- أي طلب الخيرة من اللّه سبحانه- و الوضوء و التكبير في طلب الرزق، و كونه سهل البيع، سهل الشراء، سهل القضاء، سهل الاقتضاء، للأخبار و فتاوى الأصحاب.

و أمّا ما ورد من الأمر بمماكسة المشتري و إن أعطى الجزيل «4» فمحمول على الجواز، أو على ما رواه السكوني: «أنزل اللّه تعالى على بعض أنبيائه عليهم السّلام: للكريم فكارم، و للسمح فسامح، و عند الشكس فالتو» [5].

______________________________

[5] الفقيه 3: 121- 522، الوسائل 17: 388 أبواب آداب التجارة ب 4 ح 3، و الشكس: الاختلاف و التنازع- مجمع البحرين 4: 78.

______________________________

(1) انظر الروضة 3: 291، المفاتيح 3: 20.

(2) انظر

مفتاح الكرامة 4: 133.

(3) انظر مفتاح الكرامة 4: 133.

(4) الفقيه 3: 122- 530، الوسائل 17: 455 أبواب آداب التجارة ب 45 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 22

الفصل الثاني فيما يكره ارتكابه
اشارة

و هي أيضا أمور:

منها: عيب ما يشتري و حمد ما يبيع و إن كان صادقا.

لإطلاق مرفوعة ابن عيسى: «أربع من كنّ فيه طاب مكسبه: إذا اشترى لم يعب، و إذا باع لم يحمد، و لم يدلّس، و فيما بين ذلك لا يحلف» «1».

و رواية السكوني: «من باع و اشترى فليحفظ خمس خصال و إلّا فلا يبيعنّ و لا يشترينّ: الربا، و الحلف، و كتمان العيب، و الحمد إذا باع، و الذمّ إذا اشترى» «2»، و هي و إن تضمّنت للأمر و النهي إلّا أنّ الإجماع على عدم الحرمة عند الصدق يعيّن حملها على مطلق الطلب أو التخصيص بالكذب.

و منها: الحلف بالبيع و الشراء- بل مطلقا- و إن صدق فيه

، لما مرّ، و لأنّه يذهب بالبركة، كما نطقت به المستفيضة «3».

و روى الصدوق عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «ويل لتجّار أمّتي من لا و اللّه بلى و اللّه» «4».

______________________________

(1) الكافي 5: 153- 18، الوسائل 17: 384 أبواب آداب التجارة ب 2 ح 3.

(2) الكافي 5: 150- 2، الفقيه 3: 120- 515، التهذيب 7: 6- 18، المقنعة:

91، الوسائل 17: 383 أبواب آداب التجارة ب 2 ح 2. و هو في الخصال 1:

285- 38.

(3) الوسائل 17: 419 أبواب آداب التجارة ب 25.

(4) الفقيه 3: 97- 371، الوسائل 17: 420 أبواب آداب التجارة ب 25 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 23

و في الأمالي عن الصادق عليه السّلام: «إنّ اللّه تبارك و تعالى ليبغض المنفق سلعته بالأيمان» «1»، إلى غير ذلك.

و منها: البيع في الظلمة و موضع يستر فيه العيب

، لأنّه مظنّة ستر العيب، و لصحيحة هشام: «إنّ البيع في الظلال غشّ، و الغشّ حرام» «2»، و حملها على الكراهة لعدم كونه غشّا حقيقة و لا تدليسا، فعلى المشتري أن يخرج المتاع إلى حيث يتمكّن من ملاحظته، و لعدم القائل به من الأصحاب.

و منها: تزيين متاعه بأن يظهر جيّده و يكتم رديّه

، بل ينبغي إظهار الكلّ، لما مرّ، و لما روي: «أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لفاعل ذلك: ما أراك إلّا قد جمعت خيانة و غشّا للمسلمين» «3»، و التقريب ما مرّ.

و منها: الربح على المؤمن

، قالوا: إلّا إذا كان شراؤه للتجارة أو يشتري بأكثر من مائة درهم.

لرواية سليمان بن صالح و أبي شبل: «ربح المؤمن على المؤمن ربا، إلّا أن يشتري بأكثر من مائة درهم، فاربح عليه قوت يومك، أو يشتريه للتجارة فاربحوا عليهم و ارفقوا بهم» «4».

و لا يخفى أن فاعل قوله «يشتري» و: «يشتريه» يمكن أن يكون

______________________________

(1) الأمالي: 390- 6، الوسائل 17: 420 أبواب آداب التجارة ب 25 ح 6.

(2) الكافي 5: 160- 6، الفقيه 3: 172- 770، التهذيب 7: 13- 54، الوسائل 17: 466 أبواب آداب التجارة ب 58 ح 1.

(3) الكافي 5: 161- 7، التهذيب 7: 13- 55، الوسائل 17: 282 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 8.

(4) الكافي 5: 154- 22، التهذيب 7: 7- 23، الاستبصار 3: 69- 232، الوسائل 17: 396 أبواب آداب التجارة ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 24

المؤمن الأول و أن يكون الثاني، و الأكثر حملوه على الثاني، و لاحتمال الأمرين يشكل استثناء كلّ منهما، و إن كان الظاهر ما فهمه الأكثر.

نعم، لا إشكال إذا كانا معا كذلك.

و في المحاسن: «ربح المؤمن على المؤمن ربا» «1».

و في عقاب الأعمال: «ربح المؤمن ربا» «2».

و إنّما حملوها على الكراهة قيل «3»: للتصريح بالجواز في رواية عمر السابري- بعد قوله: إنّ الناس يزعمون أنّ الربح على المضطرّ حرام هو من الربا-: فقال: «هل رأيت أحدا اشترى غنيّا أو فقيرا إلّا من ضرورة؟! يا عمر

قد أحلّ اللّه البيع و حرّم الربا، و اربح و لا ترب» «4» و رواية ميسر «5» المتقدّمة، و لسائر عمومات المرابحة «6».

و لا يخفى أنّ دليل المنع أخصّ، لاختصاصه بالمؤمن، و لمكان الاستثناء، فكما يمكن الجمع بالحمل على الكراهة يمكن بالتخصيص أيضا.

و لا يخفى أنّ دليل المنع أخصّ، لاختصاصه بالمؤمن، و لمكان الاستثناء، فكما يمكن الجمع بالحمل على الكراهة يمكن بالتخصيص

______________________________

(1) المحاسن: 101- 73، الوسائل 17: 397 أبواب آداب التجارة ب 10 ح 3.

(2) عقاب الأعمال: 239- 1، الوسائل 17: 398 أبواب آداب التجارة ب 10 ح 5.

(3) انظر الرياض 1: 520.

(4) الفقيه 3: 176- 793، التهذيب 7: 18- 78، الاستبصار 3: 72- 238، الوسائل 17: 447 أبواب آداب التجارة ب 40 ح 1.

(5) الكافي 5: 153- 19، التهذيب 7: 7- 24، الاستبصار 3: 70- 234، الوسائل 17: 397 أبواب آداب التجارة ب 10 ح 2.

(6) الوسائل 17: 447 أبواب آداب التجارة ب 40.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 25

أيضا.

فالأولى أن يستند في الجواز إلى الإجماع، و برواية سالم- بعد سؤاله عن الخبر الذي روي أنّ ربح المؤمن ربا-: «ذاك إذا ظهر الحقّ و قام قائمنا أهل البيت، فأمّا اليوم فلا بأس أن يبيع من الأخ المؤمن و يربح عليه» «1»، بل يمكن نفي الكراهة اليوم- كما قيل «2»- بذلك.

و قد تضعّف الكراهة أيضا بعمل المسلمين و المؤمنين في الأعصار و الأمصار من دون التزام ذلك، بل و لا مراعاته أصلا.

و يكره الربح على من يعده بالإحسان في البيع، لقول الصادق عليه السّلام:

«إذا قال الرجل للرجل: هلمّ أحسن بيعك، حرم عليه الربح» «3»، و الحمل على الكراهة للإجماع.

و الاستدلال بأنّ أقلّ الإحسان إليه

التولية، ضعيف.

و منها: السوم ما بين الطلوعين

، لمرفوعة ابن أسباط: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس» «4»، و المستفيضة المصرّحة: بأنّ الجلوس للتعقيب بعد صلاة الصبح أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض و ركوب البحر «5». و لا ينافي ذلك استحباب التبكير،

______________________________

(1) التهذيب 7: 178- 785، الاستبصار 3: 70- 233، الوسائل 17: 397 أبواب آداب التجارة ب 10 ح 4.

(2) انظر الحدائق 18: 27.

(3) الكافي 5: 152- 9، التهذيب 7: 7- 21، الفقيه 3: 173- 774، الوسائل 17: 395 أبواب آداب التجارة ب 9 ح 1.

(4) الكافي 5: 152- 12، الفقيه 3: 122- 529، التهذيب 7: 8- 28، الوسائل 17: 399 أبواب آداب التجارة ب 12 ح 2.

(5) الوسائل 6: 429 أبواب التعقيب و ما يناسبه ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 26

لأنّه محمول على أول النهار.

و منها: الاشتغال بالكسب في الليل كلّه

، لرواية البصري الشعيري:

«من بات ساهرا في كسب و لم يعط العين حظّها من النوم فكسبه ذلك حرام» «1».

و منها: الاستهانة بقليل الرزق

، لرواية إسحاق بن عمّار: «من استقلّ قليل الرزق حرم الكثير» «2».

و منها: ركوب البحر للتجارة

، لما رواه محمّد: إنّ أبا جعفر و أبا عبد اللّه كرها ركوب البحر للتجارة «3».

و مرفوعة عليّ: «ما أجمل في طلب الرزق من ركب البحر للتجارة» «4»، و غيرهما من المستفيضة.

و منها: دخول السوق أولا و الخروج آخرا

، بل يبادر إلى قضاء حاجته و يخرج منه سريعا، لأنّه مأوى الشياطين كما أنّ المسجد مأوى الملائكة، فيكون على العكس.

ففي المرسل: «شرّ بقاع الأرض الأسواق، و هي ميدان إبليس، يغدو برايته و يضع كرسيّه و يبثّ ذريته، فبين مطفّف في قفيز، أو طائش في ميزان، أو سارق في ذرع، أو كاذب في سلعة، فيقول: عليكم برجل مات

______________________________

(1) الكافي 5: 127- 6، التهذيب 6: 367- 1059، الوسائل 17: 164 أبواب ما يكتسب به ب 34 ح 2.

(2) الكافي 5: 311- 30، التهذيب 7: 227- 993، الوسائل 17: 460 أبواب آداب التجارة ب 50 ح 3.

(3) الكافي 5: 256- 1، التهذيب 6: 388- 1158، الوسائل 17: 240 أبواب ما يكتسب به ب 67 ح 1.

(4) الكافي 5: 256- 2، الوسائل 17: 241 أبواب ما يكتسب به ب 67 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 27

أبوه و أبوكم حيّ، فلا يزال مع ذلك أول داخل و آخر خارج» [1].

و نحوه المروي في المجالس بزيادة: «أبغض أهل الأسواق أولهم دخولا إليها و آخرهم خروجا منها» «2».

و لا فرق في ذلك بين التاجر و غيره، و لا بين أهل السوق عادة و غيرهم.

و منها: معاملة السفلة

، و هم الذين لا يسرّهم الإحسان و لا تسوؤهم الإساءة، أو من يضرب بالطنبور، أو من لا يبالي بما قال و لا ما قيل فيه.

و في الفقيه نسب التفاسير الثلاثة إلى الأخبار «3»، و لكن في رواية السيّاري «4» ما يدلّ على اختصاصه بالأخير.

و في كلام جماعة: الأدنين «5»، بدل السفلة، و فسّر- مع ما مرّ- بالذين يحاسبون على الشي ء الدون.

و ذوي العاهات، أي النقص في أبدانهم، و الآفة فيها من البرص، و

الجذام، و العمى، و العرج، و نحوها.

و الأكراد، و هم معروفون.

كلّ ذلك للأخبار «6»، إلّا أنّ المنهيّ عنه في الأخير المخالطة دون المعاملة.

______________________________

[1] الفقيه 3: 124- 539، الوسائل 17: 468 أبواب آداب التجارة ب 60 ح 1، و فيه بتفاوت. و القفيز: مكيال يتواضع الناس عليه، و هو عند أهل العراق ثمانية مكاكيك- مجمع البحرين 4: 31.

______________________________

(2) أمالي الطوسي: 144، الوسائل 17: 469 أبواب آداب التجارة ب 60 ح 2.

(3) الفقيه 3: 100 ذيل الحديث 392.

(4) مستطرفات السرائر: 49- 10، المستدرك 13: 269 أبواب آداب التجارة ب 19 ح 2.

(5) منهم المحقق في الشرائع 2: 20، و الشهيد الثاني في الروضة 3: 293.

(6) الوسائل 17: 415 و 416 و 417 أبواب آداب التجارة ب 22 و 23 و 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 28

و كذا تكره معاملة المحارف، و هو المحروم الممنوع، و هو خلاف المبارك.

و خصوص الاستقراض، بل مطلق طلب الحاجة ممّن لم يكن فكان، أي من أصاب ماله حديثا.

و مشاركة الذمّي، و إيضاعه، و إيداعه.

و الاستعانة بالمجوس و لو على أخذ قوائم شاتك و أنت تريد ذبحها، كما في المرسل «1».

و منها: الشكوى على إنفاق رأس المال و عدم الربح

، ففي رواية جابر: «يأتي على الناس زمان يشكون فيه ربّهم» قلت: و كيف يشكون ربّهم؟ قال: «يقول الرجل: و اللّه ما ربحت شيئا منذ كذا و كذا، و لا آكل و لا أشرب إلّا من رأس مالي، ويحك هل أصل مالك و ذروته إلّا من ربّك؟!» «2».

و منها: التعرّض للكيل و الوزن إذا لم يحسنه

، للمرسل: قلت: رجل من نيّته الوفاء، و هو إذا كال لم يحسن الكيل، قال: «فما يقول الذين حوله؟» قلت، يقولون: لا يوفي، قال: «هذا لا ينبغي أن يكيل» «3».

و في الروضة: قيل: يحرم، للنهي عنه في الأخبار المقتضي للتحريم، و حمل على الكراهة «4». انتهى.

______________________________

(1) الفقيه 3: 100- 391، أمالي الطوسي: 456، الوسائل 17: 417 أبواب آداب التجارة ب 24 ح 1 و 7.

(2) الكافي 5: 312- 37، التهذيب 7: 226- 990، الوسائل 17: 462 أبواب آداب التجارة ب 53 ح 1.

(3) الكافي 5: 159- 4، الفقيه 3: 123- 533، التهذيب 7: 12- 47، الوسائل 17: 394 أبواب آداب التجارة ب 8 ح 1.

(4) الروضة 3: 294.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 29

و لم نقف على هذا النهي.

و أمّا المرسل، فمع اختصاصه بالكيل غير ظاهر في النهي، بل مشعر بالكراهة. إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ الوفاء واجب يجب امتثاله، و حصل الاشتغال به، فلا بدّ من تحصيل البراءة اليقينيّة أو الظنّية المعتبرة، و هي غير حاصلة بالنسبة إلى هذا الشخص، فالقاعدة تقتضي تحريمه عليه.

و لكن تحصيل البراءة بالتراضي أو الزيادة- بحيث يحصل العلم بالوفاء- ممكن.

و منها: الاستحطاط من الثمن بعد العقد

، لأنّه صار ملكا للبائع، فيندرج تحت قوله تعالى وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ 7: 85 «1».

و لرواية الكرخي الصحيحة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، و فيها- بعد السؤال عن الاستحطاط-: قال: «لا، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن الاستحطاط بعد الصفقة» «2».

و صحيحة الشحّام: «الوضيعة بعد الصفقة حرام» «3».

و ظاهر هذه و إن كان الحرمة، إلّا أنّهم حملوها على الكراهة، لرواية أبي العطارد الصحيحة عن صفوان- الذي أجمعوا على

تصحيح ما يصح عنه-: أشتري الطعام فأوضع في أوله و أربح في آخره، و أسأل صاحبي أن يحطّ عنّي في كلّ كرّ كذا و كذا، فقال: «هذا لا خير فيه، و لكن يحطّ عنك

______________________________

(1) الأعراف: 85.

(2) الكافي 5: 286- 1، الفقيه 3: 145- 641، التهذيب 7: 233- 1017، الاستبصار 3: 73- 243، الوسائل 17: 452 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 1، بتفاوت يسير.

(3) الكافي 5: 286- 2، الفقيه 3: 147- 646، التهذيب 7: 80- 346، الوسائل 17: 453 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 6، و في الجميع بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 30

جملة»، قلت: فإن حطّ عنّي أكثر مما وضعت؟ قال: «لا بأس» «1».

و رواية معلّى: الرجل يشتري المتاع ثمَّ يستوضع، قال: «لا بأس»، و أمرني فكلّمت له رجلا في ذلك «2».

و رواية يونس بن يعقوب: الرجل يشتري من الرجل البيع فيستوهبه بعد الشراء من غير ان يحمله على الكره، قال: «لا بأس به» «3». و قريبة منها روايته الأخرى «4».

و روايتي أبي الأكراد، و فيهما: فأشارط النقّاش على شرط، و إذا بلغ الحساب فيما بيني و بينه استوضعه على الشرط، قال: «فبطيبة نفس منه؟» قلت: نعم، قال: «نعم، لا بأس» «5».

و هذه الأخبار و إن كان أكثرها ضعيفة سندا، و لكن ذلك غير ضائر عندنا، سيّما مع الاعتضاد بالشهرة العظيمة.

و قد تحمل أخبار الجواز على الاستيهاب، و فيه ما فيه.

ثمَّ المستفاد من الصحيحة: كراهة قبول حطّ البائع بدون الاستحطاط

______________________________

(1) الكافي 5: 179- 6، التهذيب 7: 38- 159، الوسائل 17: 453 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 5.

(2) التهذيب 7: 233- 1018، الاستبصار 3: 73- 244، الوسائل 17: 453 أبواب آداب

التجارة ب 44 ح 3.

(3) الفقيه 3: 146- 645، الوسائل 17: 454 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 7 و فيهما: يوسف بن يعقوب.

(4) التهذيب 7: 233- 1019، الاستبصار 3: 74- 245، الوسائل 12: 334 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 4.

(5) الاولى في: التهذيب 7: 234- 1020، الوسائل 17: 452 أبواب آداب التجارة ب 44 ح 2، بتفاوت.

الثانية في: الكافي 5: 274- 2، التهذيب 7: 211- 928، الوسائل 19:

132 كتاب الإجارة ب 23 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 31

أيضا، و لا بعد فيه.

و منها: دخول المؤمن في سوم أخيه بيعا أو شراء

، بأن يطلب ابتياع الذي يريد أن يشتريه ليقدّمه البائع، أو يبذل للمشتري متاعا غير ما اتّفق عليه هو و البائع، و الحاصل: أن يستميل أحد المتساومين إلى نفسه، لنهي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في خبر المناهي، قال: «لا يسوم الرجل على سوم أخيه» «1».

و ذهب الشيخ و الحلّي و المحقّق الثاني إلى الحرمة «2»، لما ذكر، و لأنّ فيه كسر قلب المؤمن و ترك لحقّه.

و يضعّف الأول: بأنّه خبر في مقام الإنشاء، و كونه للتحريم غير ثابت.

و الثانيان: بمنع حرمة مطلق كسر القلب و عموم وجوب الحقوق حتى مثل ذلك.

قال في المسالك: و إنّما يحرم أو يكره بعد تراضيهما أو قربه، فلو ظهر منه ما يدلّ على عدم الرضا و طلب الزيادة أو جهل حاله لم يحرم و لم يكره اتّفاقا «3»، و علّل ذلك بالأصل، و عدم الدخول في السوم عادة.

و هو مشكل، لصدق دخول السوم بمجرّد طلب البيع بعد ما شرع أخوه في المساومة، سواء زاد في الثمن أو لم يزد، و الأولى التعميم- كما قيل- إلّا أن يثبت الإجماع.

و لو كان السوم

بين اثنين- سواء دخل أحدهما على النهي أم ابتدءا فيه

______________________________

(1) الفقيه 4: 3- 1، الوسائل 17: 458 أبواب آداب التجارة ب 49 ح 3.

(2) الشيخ في النهاية: 374، الحلي في السرائر 2: 235، المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 51.

(3) المسالك 1: 176.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 32

معا قبل محلّ النهي- لم يجعل نفسه بدلا عن أحدهما، لصدق دخول السوم.

و لا كراهة فيما يكون في الدلالة، لأنّها عرفا موضوعة لطلب الزيادة ما دام الدلّال يطلبها، فإذا حصل الاتّفاق تعلّقت الكراهة.

و لا كراهة في طلب المشتري أو البائع من بعض الطالبين الترك، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتبادر أو المتيقّن من النصّ، إلّا أن يستلزم لجبر الوجه، فيكره، لعدم الرضا في نفس الأمر.

و لا كراهة أيضا في ترك الملتمس منه قطعا، بل ربّما استحبّ، لأنّ فيه قضاء حاجة لأخيه.

قيل: و يحتمل الكراهة لو قلنا بكراهة طلبه، لإعانته على المكروه «1».

و فيه: منع كراهة كلّ إعانة على المكروه، مع أنّ المكروه إنّما هو طلب الترك، و قد حصل من الطالب من دون إعانة من الملتمس.

و هل يختصّ الدخول في المبايعة، أو يعمّ سائر المعاوضات أيضا و لو كانت جائزة؟

صرّح في التنقيح بالثاني «2»، و الظاهر هو الأول، إذ لم يثبت صدق السوم في غير البيع.

نعم، لا بأس بالتعميم من جهة كسر القلب.

و الأولى بالكراهة ممّا ذكر ما إذا تحقق البيع و لكلّ من المتبايعين خيار المجلس، فيعرض آخر للمشتري سلعة خيرا من الأولى أو بأقلّ منها ليفسخ، أو للبائع أكثر من الثمن الذي باعه به.

______________________________

(1) الروضة 3: 296.

(2) التنقيح 2: 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 33

و قيل بالحرمة «1»، و الأولى ما ذكرنا.

ثمَّ

على القول بالحرمة في ذلك و في دخول السوم لا يبطل البيع لو دخل، لتعلّق النهي بالخارج.

و منها: توكّل الحاضر للبادي في بيع المال

، و المراد بالبادي: الغريب الجالب للبلد، بدويّا كان أو قرويّا، للنصوص:

منها: رواية عروة بن عبد اللّه: «لا يتلقّى أحدكم تجارة خارجا من المصر، و لا بيع حاضر لباد، و المسلمون يرزق اللّه عز و جلّ بعضهم من بعض» «2»، و في بعض النسخ: «ذروا المسلمين»، و نقله في المنتهى أيضا كذلك «3».

و نحوه المرويّ عن مجالس الشيخ، عن جابر، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، إلّا أنّ فيها: «دعوا» بدل: «ذروا» «4».

و رواية يونس بن يعقوب: قال: تفسير قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «لا يبيعنّ حاضر لباد»: أنّ الفاكهة و جميع أصناف الغلّات إذا حملت من القرى إلى السوق فلا يجوز أن يبيع أهل السوق لهم من الناس، ينبغي أن يبيعوه حاملوه من القرى و السواد، فأمّا من يحمل من مدينة إلى مدينة فإنّه يجوز و يجري مجرى التجارة «5».

و في طرق العامّة عن ابن عباس: قال: نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يتلقّى الركبان و أن يبيع حاضر لباد، قال: قلت لابن عبّاس: ما قوله: «حاضر

______________________________

(1) كما في نهاية الشيخ: 374، و فقه القرآن للراوندي 2: 45.

(2) الكافي 5: 168- 1، الفقيه 3: 174- 778، التهذيب 7: 158- 697، الوسائل 17: 444 أبواب آداب التجارة ب 37 ح 1.

(3) المنتهى 2: 1005.

(4) أمالي الطوسي: 409، الوسائل 17: 445 أبواب آداب التجارة ب 37 ح 3.

(5) الكافي 5: 177- 15، الوسائل 17: 445 أبواب آداب التجارة ب 37 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 34

لباد»؟ قال: لا يكون له

سمسارا «1».

و ظاهر الأخيرتين و إن كان الحرمة- كما في الخلاف و مهذّب القاضي و المنتهى و شرح القواعد مطلقا، و المبسوط و السرائر و الوسيلة «2»، مقيّدا في الأول بما لا يضطرّ إليه، و في الثاني بما إذا حكم عليه الحاضر فباع بدون رأيه، و في الثالث بما إذا باع الحاضر في البدو لا في الحضر- و لكنّهما غير ناهضتين لإثباتها.

أمّا الأول، فلعدم ثبوت كون التفسير المذكور من الإمام، بل ظاهره أنه من يونس.

و أمّا الثاني، فلكونه عامّيا غير حجّة.

و أمّا روايتا عروة و المجالس، فهما قاصرتان من حيث الدلالة لإثبات الحرمة، لعدم ورودهما بصيغة النهي المقتضية للحرمة، و إنّما هو إخبار في مقام الإنشاء، و لا يفيد عندنا أزيد من الطلب، مع ما في الأخيرة من عدم الحجّيّة أيضا، فلا يمكن التمسّك في إثبات الحرمة بقوله: «دعوا» فيها أيضا.

و أمّا قوله: «ذروا» في الأولى فهو- لاختصاصه ببعض النسخ- غير ثابت، و على هذا فالقول بالكراهة- كما هو مذهب الأكثر- أقوى.

و يؤكّده أيضا عموم الأخبار المرخّصة للسمسار في الوكالة لبيع أموال الناس «3».

______________________________

(1) صحيح مسلم 3: 1157- 19.

(2) الخلاف 3: 172، نقله عن القاضي في المختلف: 247، المنتهى 2: 1005، جامع المقاصد 4: 52، المبسوط 2: 160، السرائر 2: 236، الوسيلة: 260.

(3) الوسائل 18: 74 أبواب أحكام العقود ب 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 35

و قد يؤيّد أيضا بصحيحة أبي بصير: قلت له: الرجل يأتيه النبط بأحمالهم فيبيعها لهم بالأجر، فيقولون له: أقرضنا دنانير، فإنّا نجد من يبيع لنا غيرك و لكنّا نخصّك بأحمالنا من أجل أنّك تقرضنا، قال: «لا بأس، إنّما يأخذ دنانير مثل دنانيره» «1» الحديث.

و هو حسن في نفي

الحرمة فيما إذا التمس البدوي من الحاضر و يعرضه عليه، و لذا نفاها كثير من المحرّمين في هذه الصورة، بل ظاهر أكثر القائلين بالكراهة انتفاؤها حينئذ أيضا، و هو كذلك، لعمومات استحباب قضاء حوائج الناس «2». و تعارضها مع ما ذكر غير ضائر، إذ لو رجّحنا الأول بالأشهريّة و الأكثريّة و موافقة السنّة و الكتاب فهو، و إلّا فيرجع إلى الجواز الأصلي. لا للصحيحة، لعدم منافاة نفي البأس للكراهة. و لا لأنّه لو لا ذلك لم تجز السمسرة بحال، و قد قال في الدروس: لا خلاف في جواز السمسرة في الأمتعة المجلوبة من بلد إلى بلد «3»، كما في شرح القواعد «4»، لأنّ الكلام في المجلوبة من القرى و البادية دون البلد، فإنّ بيع الحضري فيها جائز مطلقا كما هو ظاهر الأكثر، للأصل، و اختصاص روايات المنع «5» بغيرها، و أكثرها و إن اختصّت بالبدوي، و لكن ذكر القرى في رواية يونس «6» كاف للتعدّي إلى القروي أيضا بملاحظة التسامح في أدلّة

______________________________

(1) التهذيب 6: 203- 461، و ج 7: 157- 695، الوسائل 18: 356 أبواب الدين و القرض ب 19 ح 10.

(2) الوسائل 16: 357 و 363 و 365 أبواب فعل المعروف ب 25 و 26 و 27.

(3) الدروس 3: 182.

(4) جامع المقاصد 4: 52.

(5) الوسائل 17: 444 أبواب آداب التجارة ب 37.

(6) المتقدمة في ص: 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 36

السنن، مضافا إلى تصريح جماعة من الفقهاء «1»، و نظرا إلى التعليل، بل لا يبعد التعدي لأجله إلى البلدي أيضا كما قاله المحقّق الثاني «2».

و لا يضرّ اختصاص الرواية بالفاكهة و الغلّات، لعدم القول بالفصل في ذلك، و إن خصّ بعض المتأخّرين

النهي بها لذلك «3»، و هو ضعيف، نظرا إلى إطلاق سائر الروايات بل عمومها، و التفاتا إلى عموم التعليل، و حملا للمفسّر على الغالب، مع أنّه لا حجّيّة في ذلك التفسير كما مرّ.

هذا، ثمَّ إنّهم شرطوا في تحريمه أو كراهته شروطا:

الأول: ما مرّ من أن يعرض الحضري ذلك على البدوي، و قد عرفت وجهه.

الثاني: علم الحاضر بالنهي، و ذلك إنّما يتمّ على القول بمعذوريّة الجاهل بتفاصيل الأحكام بعد العلم بالإجمال، و هو مشكل، و تخصيصه من بينها يحتاج إلى مخصّص.

الثالث: أن تظهر من ذلك المتاع سعة في البلد، و إن لم تظهر- لكبر البلد، أو لعموم وجوده- فلا تحريم و لا كراهة، لأنّ المقتضي للنهي تفويت الربح على الناس، كما يدلّ عليه التعليل، و لم يوجد هنا.

و فيه: أنّه لا يشترط حصول الربح لأكثر أهل البلد، بل يكفي حصوله و لو لواحد، و هو قد يتحقّق مع ما ذكر.

الرابع: أن يكون المتاع ممّا تعمّ الحاجة به، و لا دليل على ذلك، إلّا

______________________________

(1) كالفاضل في المنتهى 2: 1005، المحقّق الثاني في جامع المقاصد 4: 52، الشهيد الثاني في الروضة 3: 297.

(2) جامع المقاصد 4: 52.

(3) انظر الحدائق 18: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 37

أن يكون مستنبطا من تخصيص رواية يونس «1» بالنوعين.

الخامس: أن يكون الغريب جاهلا بسعر البلد، فلو كان عالما لا بأس به. و لا بأس به، لاستفادته من العلّة.

هذا حكم البيع.

و أمّا الشراء للبادي، فقيل: لا بأس به «2»، للأصل، و اختصاص النصوص بالبيع.

و ضعّف بعموم التعليل «3»، و لا بعد فيه.

و منه يظهر إمكان التعدّي إلى سائر العقود أيضا كما في التنقيح «4».

ثمَّ لو قلنا بالحرمة هل يبطل به البيع، أم

لا؟

المصرّح به في كلام الأكثر: الثاني، لتعلّق النهي بالخارج.

و هو غير جيّد، لأنّ النهي في الروايات متعلّق بنفس البيع.

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 33.

(2) كما في المنتهى 2: 1005.

(3) انظر الرياض 1: 521.

(4) التنقيح 2: 39.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 38

الفصل الثالث فيما يحرم ارتكابه
اشارة

و هو أيضا أمور:

منها: تلقّي الركبان القاصدين بلد البيع و الخروج إليهم للبيع عليهم و الشراء منهم مطلقا
اشارة

، لا مع إخباره بكساد ما معه كذبا كما في النهاية الأثيرية «1»، لإطلاق النصوص:

منها: رواية عروة المتقدّمة «2»، و رواية منهال الصحيحة عن السرّاد- و هو ممّن أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنه-: «لا تلقّ، و لا تشتر ما تلقّى، و لا تأكل منه» «3».

و مرسلته أيضا: عن تلقّي الغنم، فقال: «لا تلقّ، و لا تشتر ما يتلقّى، و لا تأكل من لحم ما يتلقّى» «4».

و روايته الأخرى الصحيحة عن ابن أبي عمير- و هو أيضا ممّن أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنه- «لا تلقّ، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن التلقّي»، قلت: و ما حدّ التلقّي؟ قال: «ما دون غدوة أو روحة»، قلت:

و كم الغدوة و الروحة؟ قال «أربعة فراسخ»، قال ابن أبي عمير: و ما فوق

______________________________

(1) النهاية 4: 266.

(2) في ص: 33.

(3) الكافي 5: 168- 2، التهذيب 7: 158- 696، الوسائل 17: 443 أبواب آداب التجارة ب 36 ح 2.

(4) الفقيه 3: 174- 779، الوسائل 17: 443 أبواب آداب التجارة ب 36 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 39

ذلك فليس بتلقّ «1».

و في رواية أخرى عنه الصحيحة عن السرّاد أيضا: قال: قلت له: ما حدّ التلقّي؟ قال: «روحة» «2».

و روى في السرائر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «لا يبيع بعضكم على بعض، و لا تكفّوا المبلغ حتى يهبط بها الأسواق» [1].

و فيه أيضا: و روي عنه أنّه نهى عن تلقّي الجلب، فإن تلقّى متلقّ فاشتراه فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق «4».

و في الرواية العاميّة المرويّة في المنتهى و غيره: «لا تلقّوا الركبان»، و فيه أيضا: «لا تلقّوا

الجلب، فمن تلقّاه فاشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار» [2].

و ظاهر هذه الأخبار التحريم، كما ذهب إليه الشيخ في المبسوط و الخلاف و الإسكافي و القاضي و الحلّي و الحلبي و الفاضل في المنتهى و المحقّق الثاني و ظاهر الدروس «6» و غيره «7»، و اختاره بعض مشايخنا «8»،

______________________________

[1] السرائر 2: 237 و فيه: السلع، بدل: المبلغ.

[2] المنتهى 2: 1005، و هو في صحيح مسلم 3: 1157- 19، و الجلب بفتحتين:

ما تجلبه من بلد الى بلد، فعل بمعنى مفعول، مجمع البحرين 2: 24.

______________________________

(1) الكافي 5: 169- 4، التهذيب 7: 158- 699، الوسائل 17: 442 أبواب آداب التجارة ب 36 ح 1.

(2) الكافي 5: 168- 3، التهذيب 7: 158- 698، الوسائل 17: 443 أبواب آداب التجارة ب 36 ح 4.

(4) السرائر 2: 237.

(6) المبسوط 2: 160، الخلاف 3: 172، حكاه عن الإسكافي و القاضي في المختلف: 346، الحلي في السرائر 2: 237، الحلبي في الكافي: 360، المنتهى 2: 1005، المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 37، الدروس: 179.

(7) كالفيض الكاشاني في المفاتيح 2: 17 و صاحب الحدائق 18: 55.

(8) كصاحب الرياض 1: 521.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 40

و في الخلاف الإجماع عليه.

خلافا لأكثر المتأخّرين، فذهبوا إلى الكراهة «1»، للأصل، و ضعف الأخبار.

و ضعفهما ظاهر ممّا مرّ، فالقول بالتحريم أقوى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 14    40     الأول: القصد إلى الخروج للتلقي ..... ص : 40

حدّ التلقّي عند الأصحاب- بلا خلاف كما في الخلاف و المنتهى و التذكرة «2»-: أربعة فراسخ فما دونه، فلا نهي فيما زاد عنها، و يدلّ عليه رواية منهال الأخيرة.

و عن ابن حمزة: أنّ حدّه ما دون أربعة

فراسخ «3»، و تساعده روايته الثالثة.

و رجّح الأولى بالموافقة لفتوى الأصحاب.

و يمكن الجمع بينهما بإخراج الحدّ عن المحدود، فينتهي النهي في الحدّ، و به يمكن الجمع بين الفتاوى أيضا، مع أنّ الأمر في ذلك هيّن جدّا، و الثمرة فيه منتفية غالبا.

ثمَّ إنّهم ذكروا للتلقّي المنهيّ عنه شروطا:

الأول: القصد إلى الخروج للتلقّي

، فلو اتّفق و صادفته الركب في خروجه لغرض آخر لم يكن به بأس، و هو كذلك، للأصل، و اختصاص النصّ بحكم التبادر- بل تصريح أهل اللغة- بصورة القصد إلى الخروج.

و ربّما يقال: إنّ العلّة المستفادة تشمل عدم القصد أيضا.

و فيه: أنّ اختصاص العلّة بالنهي عن بيع الحاضر للبادي ممكن، بل

______________________________

(1) كما في الشرائع 2: 20، و التذكرة 1: 585، و الروضة 3: 297.

(2) الخلاف 3: 172، المنتهى 2: 1006، التذكرة 1: 586.

(3) الوسيلة: 260.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 41

هو الظاهر، لأنّه الذي يفوّت ربح الناس بعضهم عن بعض، و أمّا التلقّي ففيه أيضا يرزق المتلقّي، فلا يناسبه التعليل.

الثاني: الخروج بقصد المعاملة

، فلو خرج إليهم لا لذلك و اتّفق ذلك فلا بأس، لأنّ التلقّي- و هو الاستقبال- ليس بمنهيّ عنه إجماعا مع عدم القصد إلى البيع و الشراء، و بعد حصوله لا دليل على النهي عن نفس المبايعة، لعدم كونها تلقّيا، و حصولها بعد التلقّي لا يجعلها من أفراده، كما أنّ التلقّي الواقع مباحا لا يصير لحصول المبايعة بعده منهيّا عنه.

الثالث: تحقّق الخروج من البلد

، أي حدوده عرفا و لو بالمسمّى، فلو تلقّى الركب في أول وصوله إليه لم يثبت الحكم، لقوله: «خارجا عن المصر» في رواية عروة «1».

و فيه: أنّ إطلاق غيرها كاف في ثبوت الحكم فيما يصدق عليه التلقّي، و توقّف صدقه على الخروج ممنوع.

و في رواية السرائر الأولى دلالة على تحقّقه قبل إهباط السلع.

الرابع: جهل الركب بسعر البلد فيما يبيعه و يشتريه.

و استدلّ عليه تارة بالتعليل المذكور، و قد ظهر ضعفه، و اخرى بالعلّة المستفادة من الحكم من أنّه خداع و إضرار، و ثالثة بعدم تبادر غير ذلك من الأخبار، و ضعفهما ظاهر، فالتعميم بالنسبة إليه- كما في شرح القواعد «2» و غيره- أقوى.

و هل يختصّ الحكم بشراء متاع الركب، أو يعمّ البيع عليهم أيضا؟

______________________________

(1) الكافي 5: 168- 1، الفقيه 3: 174- 778، التهذيب 7: 158- 697، الوسائل 17: 443 أبواب آداب التجارة ب 36 ح 5.

(2) انظر جامع المقاصد 4: 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 42

فيه وجهان، و الأقرب: الثاني، لصدق التجارة المنهيّ عنها في رواية عروة، و لإطلاق النهي عن التلقّي مطلقا، خرج ما لم يكن فيه معاملة أصلا بالإجماع، فيبقى الباقي.

و منه تعلم قوّة إلحاق غير البيع و الشراء من عقود المعاملات بهما.

نعم، يشترط بحكم الإجماع أن يكون ما وقعت عليه المعاملة ممّا كان مقصود الركب معاملته، فلو كان معهم شي ء لم يكن في نظرهم بيعه فتلقّاهم متلقّ و اشتراه كان جائزا، و كذا الشراء، و منه بيع المأكول و المشروب منهم غير ما يحتاجون إليه في المصر، و أمّا فيه فالحكم بالجواز مشكل.

و لا يشترط في حرمة التلقّي كون الركب قاصدين لبلد المتلقّي، فلو كانوا قاصدين لبلد آخر و تلقّاه متلقّ من موضع آخر و لو مرّ

الركب به لم يجز.

نعم، لو لم يقصدوا بلدا معيّنا للمعاملة، بل كان معهم سلع يريدون بيعها كلّما اتّفق، و عرضوها على أهل كل بلد مرّوا به، جاز لهم بيعها و إن لم يدخلوا البلد بل نزلوا خارجه، للإجماع.

نعم، لا يجوز لأحد من أهل تلك المنازل السبق إليهم قبل نزولهم.

ثمَّ لو خرج و باع عليهم أو اشترى منهم فهل ينعقد البيع، أو يقع فاسدا؟

الأول- و هو الأقوى- للأكثر، لتعلّق النهي بالخارج.

و قد يستدلّ على الصحّة أيضا بإثبات الخيار في بعض الروايات المتقدّمة، حيث إنّ الخيار لا يكون إلّا في البيع الصحيح.

و فيه نظر، لأنّه إنّما يكون لو كان المعنى خيار الفسخ، و هو غير

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 43

معلوم، و لم تثبت حقيقة شرعيّة في الخيار، فيمكن أن يكون المراد بالخيار أنّ الأمر بيده، فإن شاء أخذ منه و إن شاء باع عليه.

و الثاني: للإسكافي «1»، و هو ضعيف.

نعم، يحرم أكل ما تلقّى و شراؤه، للخبرين الثانيين «2»، و قد يجعل ذلك دليلا على الفساد.

و فيه: أنّه يجوز أن يكون من باب التعبّد لا لأجل الفساد.

و منها: النجش

، و هو حرام وفاقا للأكثر، بل في المنتهى و عن المحقّق الثاني الإجماع عليه «3»، و في المهذّب: و لا أعلم في تحريمه خلافا بين الأصحاب «4».

لرواية عبد اللّه بن سنان المرويّة في الكافي: «الواشمة و المتوشّمة و الناجش و المنجوش ملعونون على لسان محمّد صلّى اللّه عليه و آله» [5].

و المرويّ في معاني الأخبار للصدوق عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «لا تناجشوا» «6»، و رواه في التذكرة أيضا «7».

و هو باتّفاق اللغويين و الفقهاء- و إن اختلفت عباراتهم-: الزيادة في

______________________________

[5] الكافي 5: 559- 13

الوسائل 17: 458 أبواب آداب التجارة ب 49 ح 2.

و الوشم: أن يغرز الجلد بإبرة، ثمَّ يحشى بكحل أو نيل، فيزرق أثره أو يخضر.

و قد وشمت تشم وشما فهي واشمة. و المستوشمة و الموتشمة: التي يفعل بها ذلك- نهاية ابن الأثير 5: 189.

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 346.

(2) و هما صحيحة منهال و مرسلته، المتقدمتان في ص: 38.

(3) المنتهى 2: 1004، المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 39.

(4) المهذب البارع 2: 366.

(6) معاني الأخبار: 284، الوسائل 17: 459 أبواب آداب التجارة ب 49 ح 4.

(7) التذكرة 1: 584.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 44

ثمن المبيع مظهرا إرادة شرائه من غير إرادته، بل أراد به محض ترغيب الغير بالثمن الغالي.

نعم، زاد بعضهم كونه بمواطاة البائع «1».

و على التقديرين يكون خداعا و غشّا أيضا، و الأخبار في تحريمهما مستفيضة، فالقول بالكراهة- كما نقله في الدروس عن قوم «2»- لا وجه له.

و منه يظهر التعدّي في التحريم إلى ترك الزيادة في ثمن السلعة ليشتري بالثمن القليل، بل إلى سائر المعاوضات أيضا.

ثمَّ مع وقوع البيع معه، فهل يصحّ و لا خيار، كما عن المبسوط «3»؟.

أو يصحّ و له الخيار مطلقا، كما عن القاضي؟.

أو مع الغبن، كالفاضلين و الثانيين «4»؟.

أو يبطل البيع إن كان من البائع، كالإسكافي «5»؟.

الأقوى هو: الثالث.

و منها: الاحتكار
اشارة

، و هو حبس الشي ء انتظارا لغلائه إجماعا.

نعم، يظهر من النهاية الأثيريّة أنّه الاشتراء و الحبس «6»، و في بعض الأخبار أيضا تصريح به كما يأتي.

______________________________

(1) انظر المختصر النافع: 120، جامع المقاصد 4: 39.

(2) الدروس 3: 178.

(3) المبسوط 2: 159.

(4) المحقق في الشرائع 2: 21، و النافع: 120، العلّامة في المنتهى 2: 1004، و التذكرة 1: 584، و المختلف:

346، المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 39، الشهيد الثاني في المسالك 1: 177.

(5) حكاه عنه في المختلف: 346.

(6) النهاية 1: 417.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 45

و أما من خصّه بالطعام فالظاهر أنّه أراد الممنوع منه شرعا.

و هو حرام، وفاقا للصدوق في المقنع و الشيخ في الاستبصار و القاضي و الحلّي و الحلبي في أحد قوليه و المنتهى و التحرير و التنقيح و الدروس و المسالك و الروضة «1».

و خلافا للشيخين في المقنعة و الفقيه و المبسوط و الديلمي و الحلبي في قوله الآخر و الشرائع و النافع و المختلف و الإرشاد و اللمعة، فقالوا بالكراهة «2».

لنا: المستفيضة، منها: رواية حذيفة بن منصور، و فيها: «ثمَّ قال- يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله-: يا فلان، إنّ المسلمين ذكروا أنّ الطعام قد نفد إلّا شيئا عندك، فأخرجه و بعه كيف شئت و لا تحبسه» «3».

و صحيحة الحلبي: «الحكرة: أن يشتري طعاما ليس في المصر غيره فيحتكره، فإن كان في المصر طعام أو يباع غيره فلا بأس بأن يلتمس بسلعته الفضل»، قال: و سألته عن الزيت، فقال: «إن كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه» «4»، دلّت بالمفهوم على ثبوت البأس- الذي هو العذاب- عند عدم الشرط.

و صحيحة الحنّاط: قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ما عملك؟»

______________________________

(1) المقنع: 125، الاستبصار 3: 115، نقله عن القاضي في المختلف: 346، الحلبي في الكافي: 360، المنتهى 2: 1006، التحرير 1: 160، التنقيح 2:

42، الدروس 3: 180، المسالك 1: 177، الروضة 3: 298.

(2) المقنعة: 616، الفقيه 3: 168، المبسوط 2: 195، الديلمي في المراسم:

182، الحلبي في الكافي: 283، الشرائع 2: 21، النافع 1: 120، المختلف:

345، اللمعة

(الروضة 3): 298.

(3) الكافي 5: 164- 2، التهذيب 7: 159- 705، الاستبصار 3: 114- 407، الوسائل 17: 429، أبواب آداب التجارة ب 29 ح 1.

(4) الكافي 5: 164- 3، الفقيه 3: 168- 746، الاستبصار 3: 115- 409، الوسائل 17: 427- 428 أبواب آداب التجارة ب 28 ح 1 و 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 46

قلت: حنّاط، و ربّما قدمت على نفاق، و ربّما قدمت على كساد فحبست، قال «فما يقول من قبلك فيه؟» قلت: يقولون: محتكر، قال: «يبيعه أحد غيرك؟» قلت: ما أبيع أنا من ألف جزء جزءا، قال: «لا بأس، إنّما كان ذلك رجل من قريش يقال له حكيم بن حزام، و كان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كلّه، فمرّ عليه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال: يا حكيم بن حزام، إيّاك أن تحتكر» «1».

و رواية القدّاح: «الجالب مرزوق و المحتكر ملعون» «2».

و رواية السكوني: «الحكرة في الخصب أربعون يوما، و في البلاء و الشدة ثلاثة أيّام، فما زاد على الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون، و ما زاد في العسرة على ثلاثة أيّام فصاحبه ملعون» «3» و رواية أخرى: «نهى أمير المؤمنين عليه السّلام عن الحكرة في الأمصار» «4».

و ثالثة: «لا يحتكر الطعام إلّا خاطئ» «5».

و المرويّ في نهج البلاغة في عهد كتبه أمير المؤمنين عليه السّلام للأشتر:

«فامنع من الاحتكار، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله منع منه، و ليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل و أسعار لا يجحف بالفريقين من البائع و المبتاع، فمن قارف حكرة بعد نهيك إيّاه فنكّل و عاقب» «6».

______________________________

(1) الكافي 5: 165- 4، الفقيه 3: 169- 747، التهذيب 7: 160- 707، الاستبصار 3:

115- 410، الوسائل 17: 428 أبواب آداب التجارة ب 28 ح 3.

(2) الكافي 5: 165- 6، الفقيه 3: 169- 751، التهذيب 7: 159- 702، الاستبصار 3: 114- 404، الوسائل 17: 424 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 3.

(3) الكافي 5: 165- 7، الفقيه 3: 169- 753، التهذيب 7: 159- 703، الاستبصار 3: 114- 405، الوسائل 17: 423 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 1.

(4) الفقيه 3: 169- 752، الوسائل 17: 426 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 9.

(5) الفقيه 3: 169- 749، الوسائل 12: 314 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 8.

(6) نهج البلاغة (محمد عبده) 3: 110، الوسائل 17: 427 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 47

و في الخصال: «و لأن يلقى اللّه العبد سارقا أحبّ إلى اللّه من أن يلقاه و قد احتكر طعاما» «1».

و في مجالس الشيخ بسند معتبر: «أيّما رجل اشترى طعاما فكبسه أربعين صباحا يريد به غلاء المسلمين، ثمَّ باعه فتصدّق بثمنه، لم يكن كفّارة لما منع» «2».

و في قرب الإسناد: إنّ عليّا عليه السّلام كان ينهى عن الحكرة في الأمصار، و قال: «ليس الحكرة إلّا في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن» «3».

و في كتاب ورّام: عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن جبرئيل قال: «اطّلعت في النار فرأيت واديا في جهنّم يغلي فقلت: يا مالك، لمن هذا؟ فقال: لثلاثة:

المحتكرين و المدمنين الخمر و القوّادين» «4».

و في طرق العامّة: «من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ من اللّه و برئ اللّه منه» «5».

و أيضا: «من احتكر على المسلمين لم يمت حتى يضربه اللّه بالجذام و الإفلاس» «6».

و يؤيّده

أيضا الإجماع على إجبار المحتكر على البيع كما يأتي.

و بعض تلك الروايات و إن كان قاصرا سندا أو دلالة، إلّا أنّ فيها ما لا يقصر بشي ء منهما، فالإيراد بالقصور ضعيف.

______________________________

(1) الخصال 1: 288، الوسائل 17: 137 أبواب ما يكتسب به ب 21 ح 4.

(2) أمالي الطوسي: 687، الوسائل 17: 425 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 6.

(3) قرب الاسناد: 135، الوسائل 17: 426 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 7.

(4) الوسائل 17: 426 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 11.

(5) الجامع الصغير 2: 556- 8332.

(6) سنن ابن ماجه 2: 729- 2155.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 48

حجّة القول بالكراهة: الأصل، و عموم السلطنة على المال، و خصوص صحيحة الحلبي: عن الرجل يحتكر الطعام و يتربّص به، هل يجوز ذلك؟

فقال: «إن كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس، و إن كان قليلا لا يسع الناس فإنّه يكره أن يحتكره و يترك الناس ليس لهم طعام» «1».

و فيه: أنّ ثبوت الحقيقة الشرعيّة في الكراهة ممنوع، و هي في اللغة أعمّ من التحريم، و العدول إليها مع السؤال عن الجواز لا يصلح قرينة لتعيين عدم الحرمة، و الأصل و العمومات مندفعة بما ذكرنا من الأدلّة.

فروع:
[الأول ]

أ: لا خلاف في أنّه لا يكون الاحتكار الممنوع منه إلّا في الأطعمة، كما أنّه لا خلاف- على ما قيل [1]- في كونه في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب.

و إنّما الخلاف فيما عداها من الأطعمة، فأطلق المفيد فقال: إنّ الحكرة في احتباس الأطعمة «3».

و خصّها الحلبي بالأربعة المتقدّمة «4».

و زاد عليها الشيخ في النهاية و الحلّي و القاضي و المحقّق و العلّامة في المنتهى و المختلف و التحرير و ابن

فهد في مهذّبه: السمن «5».

______________________________

[1] انظر مجمع الفائدة 8: 26 و فيه: و لعلّه لا خلاف في وجوده فيها.

______________________________

(1) الكافي 5: 165- 5، التهذيب 7: 160- 708، الاستبصار 3: 115- 411، الوسائل 17: 424 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 2.

(3) المقنعة: 616.

(4) الكافي في الفقه: 360.

(5) النهاية: 374، الحلي في السرائر 2: 238، نقله عن القاضي في المختلف:

346، المحقق في الشرائع 2: 21، و النافع: 120، المنتهى 2: 1007، المختلف: 346، التحرير 1: 160، ابن فهد في المهذب البارع 2: 370.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 49

و زاد الصدوق في المقنع على الخمسة: الزيت «1».

و في الدروس و اللمعة على الستّة: الملح «2».

و جعله ابن حمزة و المبسوط و القواعد و الإرشاد بدلا عن الزيت «3».

و الأقوى قول الصدوق، لموثّقة غياث بن إبراهيم المرويّة في الفقيه:

«ليس الحكرة إلّا في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن و الزيت» «4»، و بها تقيّد إطلاقات الاحتكار أو الاحتكار في الطعام.

و يدلّ على الثبوت في الستّة أيضا المرويّ في الخصال: «الحكرة في ستّة أشياء: في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن و الزيت» «5».

و في خصوص الزيت أيضا صحيحة الحلبي المتقدّمة «6».

[الثاني ]

ب: يستفاد من رواية السكوني الاولى: أنّ الحكرة الممنوعة في زمان الرخص و السعة ما زاد على الأربعين يوما، سواء احتاج الناس إلى القوت أم لا، و في زمان الغلاء و الشدّة ما زاد على ثلاثة أيّام، و به أفتى الشيخ و القاضي «7».

و من صحيحة الحلبي الأولى: أنّها إذا لم يكن في المصر طعام، أو لم يوجد بائع غيره. و المراد بالأول: أن لا يكون طعام للناس لا

يحتاجون الى الشراء، و بمضمونها عمل جماعة، منهم: المحقّق في الشرائع و النافع «8».

______________________________

(1) نقله عنه في المختلف: 346.

(2) الدروس 3: 180، اللمعة (الروضة 3): 299.

(3) ابن حمزة في الوسيلة: 260، المبسوط 2: 195، القواعد 1: 122، الإرشاد 1: 356.

(4) الفقيه 3: 168- 744، الوسائل 17: 425 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 4.

(5) الخصال: 329- 23، الوسائل 17: 426 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 10.

(6) في ص 45.

(7) الشيخ في النهاية: 374، نقله عن القاضي في المختلف: 346.

(8) الشرائع 2: 21، النافع: 120.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 50

و من صحيحته الأخيرة: أنّها تكون مع قلّة الطعام و عدم سعته للناس، بأن يحتاجون كلّا أو بعضا إلى طعامه، و بها صريح فتوى جماعة من المتأخّرين «1»، و الظاهر اتّحاده مع الثاني.

و الرواية الاولى و إن كانت أخصّ مطلقا من الثانيتين، إلّا أنّ ضعفها- باعتبار مخالفتها للشهرة العظيمة- يمنع من تخصيصهما بها، فالأقوى اشتراط المنع بحاجة الناس كلّا أو بعضا إلى ما احتكره، و إن كان قول الشيخ أحوط.

[الثالث ]

ج: صرّح جماعة بعدم الفرق بين أن يكون ما احتكره من غلّته أو اشتراه «2».

و اشترط الفاضل الاشتراء «3»، و هو الأصحّ، لمفهوم الحصر في صحيحة الحلبي «4».

و احتمال ورودها مورد الغالب منفي بالأصل، لكونه تجوّزا، و كذا تخصيص الحصر فيها بالنسبة إلى فقد الطعام و البائع، و بها تقيّد إطلاقات الاحتكار و عموم العلّة لو ثبت.

[الرابع ]

د: يشترط فيها أن يكون الحبس لزيادة الثمن، فلو أمسكه لنفقته أو الزرع فلا مانع منه، لعدم صدق الاحتكار عليه، لأنّه- كما عرفت- هو الحبس انتظارا للغلاء.

______________________________

(1) منهم العلّامة في التحرير: 160، و الشهيد في الدروس 3: 180، و الشهيد الثاني في الروضة 3: 299.

(2) كما في المسالك 1: 177، و الرياض 1: 522.

(3) المنتهى 2: 1007.

(4) الكافي 5: 165- 5، التهذيب 7: 160- 708، الاستبصار 3: 115- 411، الوسائل 17: 424 أبواب آداب التجارة ب 27 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 51

و تدلّ عليه أيضا الأخبار المستفيضة الواردة في إحراز قوت السنة «1»، و أنّه راجح مندوب إليه.

نعم، يستحبّ مواساة الناس في الأقوات، و بيعها و شرائها كلّ يوم مع الناس إذا كان زمان غلاء و قحط، كما تدلّ عليه صحيحة حمّاد بن عثمان «2» و روايتا معتب «3».

[الخامس ]

ه: يجبر المحتكر على البيع إجماعا حتى من القائل بالكراهة، كما في المهذّب و التنقيح «4» و كلام جماعة «5». و هو- كما مرّ- من الشواهد القويّة على الحرمة، لاستبعاد جواز الحبس و وجوب الجبر على تركه.

ثمَّ الدليل على الإجبار- بعد الإجماع- وجوب النهي عن المنكر على القول بالحرمة.

و أمّا الاستدلال برواية حذيفة المتقدّمة «6» و رواية ضمرة: «أنّه- يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله- مرّ بالمحتكرين فأمر بحكرتهم أن يخرج إلى بطون الأسواق، و حيث ينظر الناس إليها، فقيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لو قوّمت عليهم، فغضب صلّى اللّه عليه و آله حتى عرف الغضب في وجهه و قال: أنا أقوّم

______________________________

(1) الوسائل 17: 434 أبواب آداب التجارة ب 31.

(2) الكافي 5: 166- 1، التهذيب 7: 160-

709، الوسائل 17: 436 أبواب آداب التجارة ب 32 ح 1.

(3) الاولى في: الكافي 5: 166- 2، التهذيب 7: 161- 710، الوسائل 17: 436 أبواب آداب التجارة ب 31 ح 2.

الثانية في: الكافي 5: 166- 3، التهذيب 7: 161- 711، الوسائل 17:

437 أبواب آداب التجارة ب 31 ح 3.

(4) المهذّب البارع 2: 370، التنقيح 2: 42.

(5) منهم صاحبي الحدائق 18: 64 و الرياض 1: 522.

(6) الكافي 5: 164- 2، التهذيب 7: 159- 705، الاستبصار 3: 114- 407، الوسائل 17: 429 أبواب آداب التجارة ب 29 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 52

عليهم؟! إنّما السعر إلى اللّه عزّ و جلّ، يرفعه إذا شاء و يخفضه إذا شاء» «1».

فضعيف، لأنّ أمره صلّى اللّه عليه و آله بالبيع لا يدلّ على وجوب الأمر على غيره، بل و لا على وجوبه عليه أيضا.

و إذ قد عرفت أنّ وجوبه من باب النهي عن المنكر لا يكون مختصّا بالإمام، بل يجب على الكلّ.

و هل يسعّر السعر عليه، أم لا؟

ذهب المفيد و الديلمي إلى الأول «2»، فيسعّر عليه بما يراه الحاكم من المصلحة، و المشهور الثاني، لروايتي حذيفة و ضمرة.

و قال ابن حمزة و الفاضل و الشهيد في اللمعة «3» و جمع آخر «4» بالتسعير مع إجحاف المالك، و عدمه بدونه.

و قيل بالأمر بالنزول مع الإجحاف حتى يرتفع و تركه أن يبيع كيف شاء مع عدمه «5»، و هو الأقوى.

أمّا الأمر بترك الإجحاف معه فلوجوب كون البيع بأسعار لا يجحف، لما نقلناه من نهج البلاغة «6»، و به تخصّص الروايتان، فيجب الأمر به من باب الأمر بالمعروف، و لأنّه لولاه لانتفت فائدة الإجبار على البيع.

و أمّا تركه يبيع كيف شاء

مع عدمه فللأصل و الروايتين.

______________________________

(1) الفقيه 3: 168- 745، التهذيب 7: 161- 713، الاستبصار 3: 114- 408، الوسائل 17: 430 أبواب آداب التجارة ب 30 ح 1.

(2) المفيد في المقنعة: 616، الديلمي في المراسم: 182.

(3) ابن حمزة في الوسيلة: 260، الفاضل في المختلف: 346، اللمعة (الروضة 3): 299.

(4) منهم الشهيد في الدروس 3: 180، الفاضل المقداد في التنقيح 2: 43، الكركي في جامع المقاصد 4: 42.

(5) الروضة 3: 299.

(6) راجع ص: 46.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 53

المقصد الثالث في بيان المكاسب المكروهة و المحرّمة

اشارة

و فيه فصلان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 55

الفصل الأول فيما يكره التكسّب به
اشارة

و هو أمور:

منها: الصرف، و بيع الأكفان، و الطعام، و الرقيق، و الجزارة، و الصياغة

، بلا خلاف في شي ء منها، له.

و لرواية إسحاق بن عمّار: «لا تسلّمه صيرفيّا، فإنّ الصيرفيّ لا يسلم من الربا، و لا تسلّمه بيّاع الأكفان، فإنّ صاحب الأكفان يسرّه الوبا إذا كان، و لا تسلّمه بيّاع طعام، فإنّه لا يسلم من الاحتكار، و لا تسلّمه جزّارا، فإنّ الجزارة تسلب الرحمة، و لا تسلّمه نخّاسا، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: شرّ الناس من يبيع الناس» «1».

و رواية ابن عبد الحميد: «لا تسلّمه سبّاء و لا صائغا و لا قصّابا و لا حنّاطا و لا نخّاسا»، قال: «فقال: يا رسول اللّه، و ما السبّاء؟ قال: الذي يبيع الأكفان و يتمنّى موت أمّتي» «2».

و رواية طلحة: «نهيتها أن تجعله قصّابا أو حجّاما أو صائغا» «3».

و الأولان لا يفيدان أزيد من الكراهة، لاحتمال الصيغة أن تكون نفيا.

______________________________

(1) الكافي 5: 114- 4، التهذيب 6: 361- 1037، الاستبصار 3: 62- 208، علل الشرائع: 530- 1، الوسائل 17: 135 أبواب ما يكتسب به ب 21 ح 1.

(2) الفقيه 3: 96- 369، التهذيب 6: 362- 1038، الاستبصار 3: 63- 209، العلل: 530- 2، معاني الأخبار: 150- 1، الخصال: 287- 44، الوسائل 17:

137 أبواب ما يكتسب به ب 21 ح 4.

(3) الكافي 5: 114- 5، التهذيب 6: 363- 1041، الاستبصار 3: 64- 212، العلل: 530- 3، الوسائل 17: 136 أبواب ما يكتسب به ب 21 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 56

و أمّا الأخير فظاهر النهي فيه و إن اقتضى الحرمة، إلّا أنّ الإجماع منع من حمله عليها، مضافا إلى المعارضة مع بعض أخبار أخر في الجملة، و ترك الإنكار على أرباب هذه الصناعات في

جميع الأعصار و الأمصار.

قيل: و ظاهر هذه الأخبار كغيرها اختصاص الكراهة باتّخاذ ذلك حرفة و صنعة، دون أن يصدر منه ذلك أحيانا «1».

و هو كذلك، أمّا في غير بيع الرقيق فظاهر، و أمّا فيه فقد يناقش من جهة عموم العلّة.

و فيه: أنّ المذكور في العلّة كراهة بيع الناس، الذي هو اسم الجمع المحلّى المفيد للعموم، و هو و إن كان غير مراد و لكن لم يثبت إرادة من يبيعه أحيانا، فيقتصر على القدر المتيقّن.

ثمَّ بعد اختصاص الكراهة بما ذكر لا يحتاج إلى تقييد المكروه بعدم احتياج الناس إليه، لئلّا يلزم اجتماع المكروه مع الواجب العيني أو الكفائي، لعدم مماسّة الحاجة إلى اتّخاذ ذلك حرفة.

و الظاهر أنّ المراد ببيّاع الطعام: بيّاع الحنطة، لأنّ الطعام في لغة العرب هو الحنطة، كما بيّنوه في بيان حلّية طعام أهل الكتاب، و يؤكّده التعليل بعدم السلامة من الاحتكار، و التخصيص بالحنّاط في الرواية الثانية.

و المراد ببيّاع الحنطة- كما مرّ-: من اتّخذ ذلك حرفة، فلا بأس ببيع الزارع للحنطة ما يفضل عن قدر حاجته، و لو تكرّر ذلك منه، بل اتّخذ حرفته الزراعة و يبيع الفاضل، لأنّ ذلك يسمّى زارعا لا بيّاع الحنطة.

و منها: الحياكة

، لقول أمير المؤمنين عليه السّلام للأشعث بن قيس: «حائك

______________________________

(1) الحدائق 18: 228.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 57

ابن حائك، منافق بن كافر» «1».

و في بعض الأخبار: «لا ينجب الحائك إلى سبعة بطون».

و رواية الصيقل: جعلت فداك، تغزلهما أمّ إسماعيل و أنسجهما أنا، فقال لي: «حائك؟» فقلت: نعم، قال: «لا تكن حائكا» «2».

و يستفاد من ذلك اتّحاد النساجة و الحياكة، كما صرّح في الصحاح و غيره «3»، فتعمّ الكراهة كلّ النسج من الغزل و الإبريسم، كما في

التذكرة، حيث عطف النساجة على الحياكة «4».

قيل: الكراهة و الرذالة مختصّتان بوقت كونهما حرفة، فلو تركهما زالتا «5». و به تشعر رواية الصيقل.

و منها: الحجامة

إذا شرط الأجرة، لرواية أبي بصير: عن كسب الحجّام، فقال: «لا بأس به إذ لم يشارط» «6».

و موثّقة سماعة: «السحت أنواع كثيرة، منها: كسب الحجّام إذا شارط» «7».

و نحوها موثّقته الأخرى «8»، إلّا أنّه ليست فيها الجملة الشرطيّة.

______________________________

(1) نهج البلاغة (محمد عبده) 1: 51.

(2) الكافي 5: 115- 6، التهذيب 6: 363- 1042، الاستبصار 3: 64- 213، الوسائل 17: 140 أبواب ما يكتسب به ب 23 ح 1.

(3) الصحاح 4: 1582، و انظر القاموس المحيط 3: 310.

(4) التذكرة 1: 581.

(5) انظر التذكرة 1: 581، الحدائق 18: 228.

(6) الكافي 5: 115- 1، التهذيب 6: 354- 1008، الاستبصار 3: 58- 190، الوسائل 17: 104 أبواب ما يكتسب به ب 9 ح 1.

(7) الكافي 5: 127- 3 الوسائل 17: 92 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 2.

(8) التهذيب 6: 355- 1013، الوسائل 17: 93 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 58

و البأس و السحت و إن كانا موجبين للحرمة، إلّا أنّ الإجماع على عدمها- مضافا إلى بعض الروايات- أوجب حملهما على الكراهة.

ثمَّ إنّ إطلاق الموثّقة الأخيرة و إن اقتضى الكراهة مطلقا، إلّا أنّه لا بدّ من تقييدها بها، لمفهوم الاولى للأصل.

فالقول بالكراهة مطلقا- كاللمعة «1»، لإطلاق الموثّقة الأخيرة- غير سديد، كالقول بعدم الكراهة كذلك، لرواية حنّان: دخلنا على أبي عبد اللّه عليه السّلام و معنا فرقد الحجّام، قال: جعلت فداك، إنّي أعمل عملا و قد سألت عنه غير واحد و لا اثنين فزعموا أنّه عمل مكروه، فأنا

أحبّ أن أسألك عنه، فإن كان مكروها انتهيت عنه- إلى أن قال-: «و ما هو؟» قال:

حجّام، قال: «كل من كسبك يا ابن أخ، و تصدّق و حجّ منه، و تزوّج، فإنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد احتجم و أعطى الأجر، و لو كان حراما ما أعطاه»، قال:

جعلني اللّه فداك، إنّ لي تيسا [1] أكريه فما تقول في كسبه؟ قال: «كل من كسبه فإنّه لك حلال و الناس يكرهونه»، قال حنّان: قلت: لأيّ شي ء يكرهونه و هو حلال؟ قال: «لتعيير الناس بعضهم بعضا» «3».

لإجمال الرواية من حيث المراد من الكراهة، إذ يحتمل أن يكون المراد بالكراهة فيها المعنى المصطلح، و بالحرام الكراهة، و يحتمل العكس، و يؤيده التعليل كما قيل.

ثمَّ كراهة التكسّب و إن اختصّت بصورة الشرط لما مرّ، إلّا أنّه يمكن

______________________________

[1] التيس: الذكر من المعز، و الجمع: أتياس و أتيس، و الجمع الكثير: تيوس- لسان العرب 6: 33.

______________________________

(1) اللمعة (الروضة 3): 219.

(3) الكافي 5: 115- 2، التهذيب 6: 354- 1009، الاستبصار 3: 58- 191، الوسائل 17: 105 أبواب ما يكتسب به ب 9 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 59

القول بكراهة الأكل من كسبه مطلقا، لإطلاق صحيحة الحلبي: عن كسب الحجّام، فقال: «لك ناضح [1]؟» فقال: نعم، فقال: «اعلفه إيّاه و لا تأكله» «2».

و الحكمان مخصوصان بالحجّامة، فلا يتعدّيان إلى الفصد [2]، للأصل.

و منها: ضراب الفحل بأن يؤاجره لذلك

، للمرسل: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن عسيب الفحل، و هو اجرة الضراب» «4»، و حمل على التنزيه، للإجماع.

و لصحيحة ابن عمّار: عن أجر التيوس، قال: «إن كانت العرب لتعاير به فلا بأس» «5»، و رواية حنّان المتقدّمة.

و ظاهر هذه الأخبار كراهة أخذ

الأجر مطلقا بجعل و إجارة، و التخصيص بالأجرة غير ظاهر.

و منها: التكسّب بما يكتسب به الصبيان بنحو الاحتطاب و الاحتشاش فيما لم تعلم الإباحة أو الحرمة

، أي يكره للولي أن ينقله إلى نفسه أو غيره أو يتصرّف فيه بالتصرّفات الجائزة، و أما بالواجبة- كحفظه من التلف، أو صرفه فيما يحتاج إليه الصغير- فواجب.

و كذا يكره لغير الولي بأن يشتريه من الولي.

و كذا يكره التكسّب بما يكتسب به كلّ من يعلم عدم اجتنابه من المحرّمات، كالعشّار و الظلمة و المعاملين معهم في أموالهم المحرّمة، بل

______________________________

[1] الناضح: البعير يستقى عليه- الصحاح 1: 411.

[2] الفصد: قطع العرق- الصحاح 2: 519.

______________________________

(2) التهذيب 6: 356- 1014، الاستبصار 3: 60- 196، الوسائل 17: 104 أبواب ما يكتسب به ب 9 ح 2.

(4) الفقيه 3: 105- 433، الوسائل 17: 111 أبواب ما يكتسب به ب 12 ح 3.

(5) الكافي 5: 116- 5، التهذيب 6: 355- 1012، الاستبصار 3: 59- 194، الوسائل 17: 111 أبواب ما يكتسب به ب 12 ح 2، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 60

المشتبهة، بل كلّ من لا يؤمن عنه في اجتنابه عن المحرّمات، بل عن المشتبهات، لصدق الشبهة المستحبّ اجتنابها بالمستفيضة على الجميع.

و لفحوى رواية السكوني: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن كسب الإماء، فإنّها إن لم تجد زنت، إلّا أمة قد عرفت بصنعة يد، و نهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده، فإنّه إن لم يجد سرق» «1».

و المراد: أنّهما مظنّتان لذلك، فيسري الحكم إلى كلّ من هو مظنّة لأخذ كلّ محرّم، بضميمة الإجماع المركّب.

و التخصيص المصرّح به فيها محمول على شدّة الكراهة، و إلّا فيكره في غير محلّ التخصيص مع عدم الاطمئنان أيضا، لما ذكر، و لعلّه تتفاوت مراتب الكراهة بتفاوت المظنّة.

و منها: أخذ الأجرة على تعليم القرآن

، لرواية حسّان: عن التعليم، فقال: «لا تأخذ على التعليم

أجرا» قلت: الشعر و الرسائل و ما أشبه ذلك أشارط عليه؟ قال: «نعم، بعد أن يكون الصبيان عندك سواء في التعليم لا تفضّل بعضهم على بعض» «2».

و رواية الأعشى: إنّي أقرئ القرآن فتهدى إليّ الهديّة فأقبلها؟ قال:

«لا» قلت: إن لم أشارطه؟ قال: «أرأيت أن لو لم تقرئ كان يهدى لك؟» قال: قلت: لا، قال: «فلا تقبله» «3».

______________________________

(1) الكافي 5: 128- 8، التهذيب 6: 367- 1057، الوسائل 17: 163 أبواب ما يكتسب به ب 33 ح 1.

(2) الكافي 5: 121- 1، التهذيب 6: 364- 1045، الاستبصار 3: 65- 214، الوسائل 17: 154 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 1.

(3) الفقيه 3: 110- 462، التهذيب 6: 365- 1048، الاستبصار 3: 66- 219، الوسائل 17: 155 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 4، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 61

و رواية زيد بن عليّ، عن آبائه، عن عليّ عليه السّلام: «أنّه أتاه رجل فقال له:

يا أمير المؤمنين، و اللّه إنّي لأحبّك للّه، فقال له: و لكن أنا أبغضك للّه، فقال:

و لم؟ قال: لأنّك تبغي في الأذان و تأخذ على تعليم القرآن أجرا، و سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: من أخذ على تعليم القرآن أجرا كان حظّه يوم القيامة» «1».

و رواية إسحاق بن عمّار: إنّ لنا جارا يكتّب و قد سألني أن أسألك عن عمله، فقال: «مره إذا دفع إليه الغلام أن يقول لأهله: إنّما أنا أعلّمه الكتاب و الحساب و اتّجر عليه بتعليم القرآن حتى يطيب له كسبه» «2»، و المراد بالكتاب: الكتابة.

و لا تنافيها رواية الفضل بن قرّة: إنّ هؤلاء يقولون: إنّ كسب المعلّم سحت، فقال: «كذبوا أعداء اللّه،

إنّما أرادوا أن لا يعلّموا القرآن، و لو أنّ المعلّم أعطاه رجل دية ولده كان حلالا» «3»، لأنّ غايتها انتفاء الحرمة، و هو لا ينافي الكراهة، مع أنّ المستفاد منها انتفاء الحرمة في مطلق التعليم دون تعليم القرآن، فتأمّل.

و يجوز قبول الهديّة لمعلّم القرآن إذا لم يكن أجرا و شرطا، لرواية المدائني: «المعلّم لا يعلّم بالأجر، و يقبل الهدية» «4».

______________________________

(1) الفقيه 3: 109- 461، التهذيب 6: 376- 1099، و أورد صدره في الاستبصار 3: 65- 215، الوسائل 17: 157 أبواب ما يكتسب به ب 30 ح 1.

(2) التهذيب 6: 364- 1044، الاستبصار 3: 65- 217، الوسائل 17: 155 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 3.

(3) الكافي 5: 121- 2، الفقيه 3: 99- 384، التهذيب 6: 364- 1046، الاستبصار 3: 65- 216، الوسائل 17: 154 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 2.

(4) التهذيب 6: 365- 1047، الاستبصار 3: 66- 218، الوسائل 17: 156 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 62

و ربّما يقال بكراهة أخذ الهديّة أيضا، لرواية الأعشى المتقدّمة.

و فيه: أنّها إنّما تدلّ على كراهة قبول الهديّة على قراءة القرآن دون تعليمه.

ثمَّ إنّه يظهر من هذه الرواية كراهة التكسّب بقراءة القرآن.

و قد يقال بكراهة التكسّب بكتابة القرآن أيضا، لما دلّ على كراهة أخذ الأجرة على تعليمه.

و لا دلالة فيه عليها.

و لما روي: أنّه ما كان المصحف يباع، و لا يؤخذ الأجر على كتابته في زمانه صلّى اللّه عليه و آله، بل كان يخلّى الورقة في المسجد عند المنبر، و كلّ من يجي ء يكتب سورة «1».

و لا دلالة فيه على الكراهة، إذ لعلّه كان لعدم التعارف، كما

يستفاد من رواية روح: ما ترى أن اعطى على كتابته أجرا؟ قال: «لا بأس، و لكن هكذا كانوا يصنعون» «2»، يعني: يخلّى عند المنبر كما مرّ.

______________________________

(1) الكافي 5: 121- 3، التهذيب 6: 266- 1052 و 1053، الوسائل 17:

159 أبواب ما يكتسب به ب 31 ح 4 و 8.

(2) الكافي 5: 121- 3، التهذيب 6: 266- 1052 و 1053، الوسائل 17:

159 أبواب ما يكتسب به ب 31 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 63

الفصل الثاني فيما يحرم التكسّب به
اشارة

و هو أيضا أمور:

منها: المسكر

، خمرا كان أو غيره، مائعا بالأصالة أو جامدا، كان التكسّب به بالبيع مطلقا أو غيره، بل مطلق التصرّف فيه و إمساكه في غير الجامد، كما صرّح به جماعة «1»، منهم الحلّي، قال: و الخمر و التصرف فيها حرام على جميع الوجوه، من البيع، و الشراء، و الهبة، و المعارضة، و الحمل لها، و الصنعة، و غير ذلك من أنواع التصرّف «2».

و أمّا دليل حرمة بيع الخمر مطلقا، فبعد الإجماع المحقّق، و قوله سبحانه إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ «3»، المستفيضة من النصوص:

منها: رواية جابر: «لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في الخمر عشرة: غارسها، و حارسها، و بائعها، و مشتريها» الحديث «4».

و في رواية أخرى بعد عدّ العشرة: «و كذا كلّ نبيذ و كلّ مسكر، لأنّه نجس».

و صحيحة عمّار بن مروان: «و السحت أنواع كثيرة، منها: أجور الفواحش، و ثمن الخمر و النبيذ المسكر» «5».

______________________________

(1) كالمفيد في المقنعة: 587، و الطوسي في النهاية: 363.

(2) السرائر 2: 218.

(3) المائدة: 90.

(4) الخصال: 444- 41، الوسائل 25: 375 أبواب الأشربة المحرمة ب 34 ح 1.

(5) الكافي 5: 126- 1، التهذيب 6: 368- 1062، الوسائل 17: 92 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 64

و الروايات بهذا المضمون في ثمن الخمر كثيرة جدّا.

و رواية يونس: «إن أسلم رجل و له خمر و خنازير ثمَّ مات و هي في ملكه و عليه دين، قال: يبيع ديّانه أو وليّ له غير مسلم خمره و خنازيره فيقضي دينه، و ليس له أن يبيعه و هو حيّ، و لا يمسكه» «1».

و

رواية أبي بصير، و فيها: «إنّ الذي حرّم شربها حرّم ثمنها، فأمر بها فصبّ على الصعيد» «2».

و مرسلة يزيد بن خليفة الطويلة، و فيها: «انظر شرابك هذا الذي تشربه، فإن كان يسكر كثيره فلا تقربنّ قليله» «3».

و صحيحة ابن أذينة: عن رجل له كرم أ يبيع العنب و التمر من يعلم أنّه يجعله خمرا أو مسكرا؟ فقال: «إنّما باعه حلالا في الإبّان [4] الذي يحلّ شربه و أكله، فلا بأس ببيعه» «5»، علّل حلّية البيع بحلّية الأكل و الشرب، فينتفي حين انتفائها.

و رواية عمر بن حنظلة الآتية في المسألة الآتية «6».

و المرويّ في تحف العقول، و رسالة المحكم و المتشابه للسيّد، و الفصول المهمّة للشيخ الحرّ: «كلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا هو منهيّ عنه

______________________________

[1] إبّان الشي ء- بالكسر و التشديد-: وقته- مجمع البحرين 6: 197.

______________________________

(1) الكافي 5: 232- 13، التهذيب 5: 138- 612، الوسائل 17: 227 أبواب ما يكتسب به ب 57 ح 2.

(2) التهذيب 7: 135- 599، الوسائل 17: 225 أبواب ما يكتسب به ب 55 ح 6، و فيهما: فصبّت في الصعيد.

(3) الكافي 6: 411- 16، الوسائل 25: 340 أبواب الأشربة المحرمة ب 17 ح 9.

(5) الكافي 5: 231- 8، الوسائل 17: 230 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 5.

(6) انظر ص: 71.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 65

من جهة أكله و شربه، أو كسبه، أو نكاحه، أو ملكه، أو هبته، أو عاريته، أو إمساكه، أو شي ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد، نظير البيع بالربا، و البيع للميتة و الدم و لحم الخنزير و لحوم السباع من جميع صنوف سباع الوحش، أو الطير، أو جلودها، أو الخمر، أو شي ء من

وجوه النجس، فهذا كلّه حرام محرّم، لأنّ ذلك كلّه منهي عن أكله و شربه و لبسه و ملكه و إمساكه و التقلّب فيه، فجميع تقلّبه في ذلك حرام» الحديث «1».

و الرضويّ: «و كلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا قد نهي عنه من جهة أكله و شربه و لبسه و نكاحه و إمساكه لوجه الفساد، مثل: الميتة، و الدم، و لحم الخنزير، و الربا، و جميع الفواحش، و لحوم السباع، و الخمر، و ما أشبه ذلك، حرام ضارّ للجسم» الحديث «2».

و المرويّ في التنقيح و [الخلاف ] [1] و المنتهى: «لعن اليهود، حرّمت عليهم الشحوم فباعوها» «4».

و فيهما: «إن اللّه إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه» «5».

و في الغوالي: «إن اللّه إذا حرّم على قوم أكل شي ء حرّم ثمنه» «6».

و في تفسير القمّي عن الباقر- بعد ذكر الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ

______________________________

[1] بدل ما بين المعقوفين في «ح» و «ق»: المهذّب، و الظاهر أنّه تصحيف و الصواب ما أثبتناه، حيث إنّ الحديثين غير موجودين فيه، و لكنّهما موجودان في الخلاف.

______________________________

(1) تحف العقول: 333، الوسائل 17: 83 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1.

(2) فقه الرضا «ع»: 250، مستدرك الوسائل 13: 64 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1.

(4) التنقيح 2: 5، الخلاف 1: 588، المنتهى 2: 1010، بتفاوت.

(5) التنقيح 2: 5، الخلاف 1: 587.

(6) الغوالي 2: 110- 301، مستدرك الوسائل 13: 73 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 66

وَ الْأَزْلامُ و بيانها-: «كلّ هذا بيعه و شراؤه و الانتفاع بشي ء من هذا حرام من اللّه محرّم» «1».

و ضعف بعض تلك الأخبار- لانجبارها بالعمل- غير ضائر.

و أمّا حرمة سائر

أنواع التكسّب بها و التصرّف فيها و إمساكها، ف- بعد الإجماع- للآية؛ حيث إنّ الأمر بالاجتناب يفيد النهي عن جميع ما ذكر.

و مرسلة يزيد بن خليفة، لمثل ذلك أيضا.

و رواية يونس، حيث إنّ النهي عن الإمساك يستلزم النهي من جميع أنواع التصرّفات.

و رواية أبي بصير، حيث إنّ إيجاب الصبّ يقتضي النهي عن جميع أضداده.

و المرويّ في تحف العقول، و الرضوي، و رواية القمي المتقدّمة.

و رواية الحسين بن عمر بن يزيد: «يغفر اللّه في شهر رمضان إلّا لثلاثة:

صاحب مسكر، أو صاحب شاهين، أو مشاحن» [1].

و من هذا يظهر وجوب إهراقها على من كانت بيده، و على كلّ أحد كفاية- لو لم يهرق- من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و أمّا حرمة بيع سائر الأشربة المسكرة و التصرّف فيها و التكسّب بها و حفظها و إمساكها فلأكثر ما ذكر، بل جميعه، لكون كلّ نبيذ مسكر خمرا لغة- كما صرّح به في القاموس «3»- و شرعا، كما دلّت عليه الروايات

______________________________

[1] الكافي 6: 436- 10، الوسائل 17: 319 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 6.

و المشاحن: صاحب البدعة- القاموس 4: 241.

______________________________

(1) تفسير القمي 1: 180، الوسائل 17: 321 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 12.

(3) القاموس 2: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 67

المتكثّرة:

منها: رواية عطا: «كلّ مسكر خمر» «1».

و الصحيح: «الخمر من خمسة: العصير من الكرم، و النقيع من الزبيب، و البتع [1] من العسل، و المزر [2] من الشعير، و النبيذ من التمر» «4».

و المرسل: «الخمر من خمسة أشياء: من التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير و العسل» «5».

و رواية أبي الجارود: «عن النبيذ أ خمر هو؟ فقال: ما زاد على الترك

جودة فهو خمر» «6».

و في تفسير القمّي عن الباقر عليه السّلام في آية إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ «7» الآية: «أمّا الخمر فكل مسكر من الشراب إذا خمر فهو خمر» إلى أن قال:

«و إنّما كانت الخمر يوم حرّمت بالمدينة فضيخ البسر و التمر، فلمّا نزل تحريمها خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقعد في المسجد فدعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها فكفأها كلّها و قال: هذه كلّها خمر» إلى أن قال: «فأمّا عصير العنب فلم يكن يومئذ بالمدينة منه شي ء» الحديث «8».

______________________________

[1] البتع و البتع: نبيذ يتخذ من عسل كأنه الخمر صلابة- لسان العرب 8: 4.

[2] المزر: نبيذ الشعير و الحنطة و الحبوب- لسان العرب 5: 172.

______________________________

(1) الكافي 6: 408- 3، التهذيب 9: 111- 482، الوسائل 25: 326 أبواب الأشربة المحرّمة ب 15 ح 5.

(4) الكافي 6: 392- 1، التهذيب 9: 101- 442، الوسائل 25: 279 أبواب الأشربة المحرّمة ب 1 ح 1.

(5) الكافي 6: 392- 2، الوسائل 25: 279 أبواب الأشربة المحرّمة ب 1 ح 2.

(6) الكافي 6: 412- 5، الوسائل 25: 343 أبواب الأشربة المحرّمة ب 19 ح 4.

(7) المائدة: 90.

(8) تفسير القمي 1: 180، الوسائل 17: 321 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 68

و أمّا ما في بعض الأخبار- من تخصيص الخمر بما يكون من العنب- فالمراد منه الخمرة الملعونة، كما صرّح به في الرضويّ: «و لها خمسة أسامي، فالعصير من الكرم و هي الخمرة الملعونة» «1».

و أمّا حرمة بيع الجامد من المسكر فلصحيحة ابن أذينة، و ما تأخّر عنها من الروايات «2».

و قد يخصّ ذلك خاصّة بما إذا لم يقصد ببيعه المنفعة

المحلّلة، و إطلاق الصحيح و غيره يضعّفه.

نعم، الظاهر عدم حرمة التصرّف فيه بالانتفاع به بالمنافع المحلّلة أو إمساكه لذلك، لعدم دليل عليه إلّا المرويّ في تحف العقول و الرضوي «3»، و هما- لضعفهما و عدم انجبارهما بالعمل إلّا مدلولا- لا ينهضان حجّة إلّا في كلّ حكم ثبت اشتهاره، و لم يثبت ذلك هنا.

و مثل الجامد من المسكر: العصير العنبي بعد الغليان و إن قلنا بطهارته، لرواية أبي كهمش: لي كرم و أنا أعصره كلّ سنة و أجعله في الدنان و أبيعه قبل أن يغلي، قال: «لا بأس به، و إن غلا فلا يحلّ بيعه» «4».

و يستثنى من التصرّف و التكسّب المحرّمين في الخمر جعله خلّا و إمساكه لذلك، كما صرح به الحلّي و الفاضل «5» و غيرهما «6»، و تدلّ عليه

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 280، مستدرك الوسائل 17: 37 أبواب الأشربة المحرمة ب 1 ح 2.

(2) راجع ص 64.

(3) راجع ص: 64، 65.

(4) الكافي 5: 232- 12، الوسائل 17: 230 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 6.

(5) الحلي في السرائر 2: 218، الفاضل في التحرير 1: 160.

(6) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 235.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 69

الروايات المتكثّرة «1».

و هل يجوز بيعها لذلك؟

الظاهر: لا، لظاهر الإجماع و إطلاق النصوص.

و أمّا موثّقة عبيد بن زرارة: عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلّا، قال: «لا بأس به» «2».

و رواية جميل: يكون لي على الرجل دراهم فيعطيني بها خمرا، فقال: «خذها ثمَّ أفسدها» «3» و زيد في رواية: «و اجعلها خلّا».

فلا تنهضان حجّتين للتخصيص، لعدم ظهور الأخذ في كونه على سبيل البيع و الشراء، بل هما أمران زائدان على الأخذ، فإثباتهما يحتاج إلى الدليل.

و يستثنى

أيضا منه التصرّف فيه بالتداوي في حال الضرورة، لمحافظة النفس كما يأتي في محلّه، و يظهر منه جواز إمساكه لذلك، و لكن يشترط في التصرّف و الإمساك العلم بالضرورة أو الظنّ المعتبر شرعا، فلا يجوز إمساكها لتجويز الاحتياج إليها و احتماله، و لا التصرّف فيها مع إمكان دفع الضرورة بغيرها.

و أمّا اقتناؤها لفائدة محلّلة غير ذلك فلا، لما مرّ، و إن أشعرت بجوازه كلمات بعضهم «4».

و منها: المائعات النجسة
اشاره

ذاتا أو عرضا، كان التكسّب بها بالبيع أو غيره، و إن قصد بها نفع محلّل و أعلم المشتري بحالها إن لم يقبل التطهير،

______________________________

(1) الوسائل 25: 370 أبواب الأشربة المحرّمة ب 31.

(2) الكافي 6: 428- 3، التهذيب 9: 117- 505، الاستبصار 4: 93- 356، الوسائل 25: 370 أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 3.

(3) التهذيب 9: 118- 508، الاستبصار 4: 93- 358، الوسائل 25: 371 أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 6.

(4) منهم العلّامة في المنتهى 2: 1010 و صاحب الحدائق 18: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 70

إجماعا كما عن الغنية و المنتهى و ظاهر المسالك «1».

و مع قبولها له على الأصحّ، وفاقا لظاهر الحلّي، بل التهذيب، بل الخلاف و النهاية للشيخ «2»، حيث صرّح فيهما بوجوب إهراق الماء النجس، بل في النهاية بعدم جواز استعمال شي ء من المائعات و وجوب الإهراق في بحث المشارب، للرواية الثانية من الروايات المتقدّمة في المسألة السابقة «3»، و صحيحة ابن أذينة و ما تأخّر عنها من الروايات «4»، و للأمر بإهراق الماء النجس- المستلزم للنهي عن جميع أضداده الخاصّة، التي منها: بيعه و صلحه و إمساكه و سائر التصرفات- في أخبار كثيرة:

كموثّقة سماعة: عن رجل معه إناءان فيهما ماء، فوقع في

أحدهما قذر لا يدري أيّهما هو، و ليس يقدر على ماء غيره، قال: «يهريقهما جميعا و يتيمّم» «5».

و الأخرى: «و إن كان أصابته جنابة فأدخل يده في الماء فلا بأس به إن لم يكن أصاب يده شي ء من المني، و إن كان أصاب يده فأدخل يده في الماء قبل أن يفرغ على كفّيه فليهرق الماء كلّه» «6».

و موثّقة أبي بصير: «إذا أدخلت يدك في الإناء قبل أن تغسلها فلا بأس، إلّا أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة، فإن أدخلت يدك في الإناء

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 586، المنتهى 2: 1010، المسالك 1: 164.

(2) الحلبي في السرائر 2: 219، التهذيب 1: 248، الخلاف 1: 175، النهاية: 5 و 364 و 588.

(3) في ص: 63.

(4) راجع ص: 64.

(5) الكافي 3: 10- 6، التهذيب 1: 249- 713، الاستبصار 1: 21- 48، الوسائل 1: 151 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 2.

(6) التهذيب 1: 308- 102، الوسائل 1: 152 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 71

و فيها شي ء من ذلك فأهرق الماء» «1».

و صحيحته: عن الجنب يجعل الركوة [1] أو التور [2] فيدخل إصبعه فيه، قال: «إن كانت يده قذرة فليهرقه» «4».

و صحيحة البزنطي: عن الرجل يدخل يده في الإناء و هي قذرة، قال:

«يكفئ الإناء» «5».

و صحيحة البقباق، و فيها: فقال: «رجس نجس- أي الكلب- لا تتوضّأ بفضله و أصبب ذلك الماء» الحديث «6».

و رواية عمر بن حنظلة: في قدح من المسكر يصبّ عليه الماء حتى تذهب عاديته و يذهب سكره، فقال: «لا و اللّه، و لا قطرة يقطر منه في حبّ إلّا أهريق ذلك الحبّ» «7».

و تلك الروايات و إن اختصّت

بالماء إلّا أنّه يثبت الحكم في غيره بعدم القول بالفصل، مضافا إلى الأمر بإهراق المرقة المتنجّسة بموت الفأرة و دفن

______________________________

[1] الركوة- مثلّثة-: زورق صغير و رقعة تحت العواصر- القاموس 4: 338. الركوة بالفتح: هي دلو صغير من جلد. و بالضم: زقّ يتخذ للخمر و الخلّ- مجمع البحرين 1: 194- 195.

[2] التور بالفتح فسكون: إناء صغير من صفر أو خزف يشرب منه و يتوضأ فيه و يتوكل- مجمع البحرين 3: 234.

______________________________

(1) الكافي 3: 11- 1، الوسائل 1: 154 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 4.

(4) التهذيب 1: 308- 103، الاستبصار 1: 20- 46، مستطرفات السرائر: 27، الوسائل 1: 154 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 11.

(5) التهذيب 1: 39- 105، الوسائل 1: 153 أبواب الماء المطلق ب 8 ح 7.

(6) التهذيب 1: 225- 646، الاستبصار 1: 19- 40، الوسائل 1: 226 أبواب الأسآر ب 3 ح 4.

(7) الكافي 6: 410- 15، التهذيب 9: 112- 485، الوسائل 25: 341 أبواب الأشربة المحرّمة ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 72

العجين النجس.

و يظهر من تلك الروايات و رواية تحف العقول السابقة «1» عدم جواز الانتفاع بها منفعة محلّلة أيضا، و لا اقتنائها، لذلك، و هو كذلك، لذلك.

وفاقا لظاهر الحلّي، قال: و كلّ طعام أو شراب حصل فيه شي ء من الأشربة المحضورة أو شي ء من المحرّمات و النجاسات، فإنّ شربه و عمله و التجارة فيه و التكسّب به و التصرّف فيه حرام محظور «2».

بل الأكثر فيما لا يقبل التطهير، كما يظهر من تخصيصهم جواز الانتفاع بالدهن النجس بالاستصباح، و نسبة القول بتجويز اتّخاذ الصابون منه و طلي الأجرب و الدواب إلى نادر [1].

خلافا للفاضل في أكثر

كتبه «4»، و يضعّف بما مرّ.

و يستثنى من ذلك الدهن بجميع أصنافه، فيجوز الاستصباح به و بيعه لذلك، للإجماع، و المستفيضة من الصحاح و غيرها:

ففي صحيحة زرارة: «إذا وقعت الفأرة في السمن و ماتت، فإن كان جامدا فألقها و ما يليها و كل ما بقي، و إن كان ذائبا فلا تأكله و استصبح به، و الزيت مثل ذلك» «5».

و في صحيحة ابن وهب: جرذ مات في سمن أو زيت أو عسل، فقال:

«أمّا السمن و العسل فيؤخذ الجرذ و ما حوله، و الزيت يستصبح به»،

______________________________

[1] حكاه في الحدائق 18: 90 عن بعض الأصحاب.

______________________________

(1) راجع ص: 64، 65.

(2) السرائر 2: 219.

(4) كنهاية الإحكام 2: 464، و التحرير 1: 160، و القواعد 1: 120.

(5) الكافي 6: 261- 1، الوسائل 17: 97 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 73

و قال في بيع ذلك الزيت: «يبيعه و يبيّنه لمن اشتراه ليستصبح به» «1».

و موثّقته: في جرذ مات في زيت، ما تقول في بيع ذلك الزيت؟

قال: «بعه و بيّنه لمن اشتراه ليستصبح به» «2».

و صحيحة أبي بصير: عن الفأر تقع في السمن أو في الزيت فتموت فيه، قال: «إن كان جامدا فتطرحها و ما حولها و يؤكل ما بقي، و إن كان ذائبا فأسرج به و أعلمهم إذا بعته» «3».

و قريبة من بعض هذه الأخبار صحيحتا الحلبي «4» و الأعرج «5».

و ليس في شي ء منها تقييد الاستصباح بتحت السماء كما عن الأكثر [1]، و في المسالك و الروضة: أنّه المشهور «7»، و عن الحلّي: الإجماع عليه «8».

و مستنده غير واضح سواه.

و ما ادّعاه في المبسوط «9» من رواية الأصحاب الصريحة في التقييد.

و كونه

أظهر أفراد الاستصباح.

و يضعّف الأول: بعدم ثبوته.

و الثاني: بعدم حجّيته، مع أنّ المدّعي اختار خلافه هنا.

______________________________

[1] قال في كشف اللثام 2: 269: قطع به الأصحاب.

______________________________

(1) التهذيب 9: 85- 359، الوسائل 17: 85 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 43 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 7: 129- 563، الوسائل 17: 98 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 4.

(3) التهذيب 7: 129- 562، الوسائل 17: 98 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 3.

(4) التهذيب 9: 86- 361، الوسائل 24: 195 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 43 ح 3.

(5) التهذيب 9: 86- 362، الوسائل 24: 195 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 43 ح 4.

(7) المسالك 1: 164، الروضة 3: 207.

(8) السرائر 3: 122.

(9) المبسوط 6: 283.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 74

و الثالث: بالمنع، بل الغالب عكسه.

و قد يعلّل بنجاسة دخان النجس، أو بتصاعد شي ء من أجزائه مع الدخان، فينجس السقف.

و فيه: منع نجاسة الدخان أو العلم بتصاعد شي ء من أجزاء الدهن أولا، و منع حرمة تنجيس المالك ملكه ثانيا.

و أمّا القول: بأنّ ذلك يوجب أن ينجس غالبا ما يشترط فيه الطهارة في الصلاة من الثوب و البدن.

ففيه- بعد تسليمه- أنّه إن لم يعلم فينفى بالأصل، و إلّا فاللازم إزالة النجاسة.

فالتعميم- كما في المبسوط و الخلاف، و عن الإسكافي و جماعة من المتأخّرين «1»- هو الأقوى.

ثمَّ الحقّ الاقتصار في الاستثناء على الاستصباح أو بيعه، لرواية تحف العقول «2» المنجبرة بالشهرة، و يؤيّده- بل يدلّ عليه- التعليل في الصحيحة و الموثّقة المتقدّمتين بقوله: «ليستصبح».

خلافا لشاذّ، فألحق به عمل الصابون و تدهين الأجرب «3»، و آخر، فاحتمل لحوق كلّ انتفاع لم يوجب محرّما «4»، بل عن الشهيد في بعض حواشيه «5»

التصريح باللحوق.

______________________________

(1) المبسوط 6: 283، الخلاف 2: 543، حكاه عن الإسكافي في المختلف:

685، و انظر المسالك 1: 164، و كفاية الأحكام: 85، و الحدائق 18: 89.

(2) المتقدمة في ص: 64، 65.

(3) المسالك 2: 246.

(4) جامع المقاصد 4: 13.

(5) نقله عنه في جامع المقاصد 4: 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 75

استنادا إلى الأصل.

و الخبر المرويّ عن نوادر الراوندي «1».

و حملا للنصوص على النفع الغالب، أو جعل الإسراج كناية عن استعمال لم يوجب المباشرة.

مع عدم دلالة الأخبار على المنع من غير الاستصباح.

و يندفع الأول: بعموم ما دلّ على المنع من التكسّب به، خرج المجمع عليه.

و الثاني: بالضعف.

و الثالث: بعدم دلالته على التعميم.

و الرابع: بعدم دليل عليه.

و هل يجب في بيعه الإعلام بالنجاسة، أم لا؟

المصرّح به في كلامهم «2» هو: الأول، و هو كذلك، للموثّقة و الصحيحة المتقدّمتين «3».

ثمَّ لو تركه هل يقع البيع صحيحا، أم فاسدا؟

الظاهر هو: الأول، لعدم دليل على فساده.

و قد يوجّه الفساد بأنّ الإعلام إمّا شرط جواز البيع أو صحّته أو مشكوك في شرطيّته، و الفساد على الأولين ظاهر، و كذا على الثالث، لحصول الإجمال في تخصيص عمومات الصحّة، فلا تكون حجّة في

______________________________

(1) نوادر الراوندي: 50.

(2) منهم المحقق في الشرائع 3: 226، و الشهيد الثاني في المسالك 2: 246، و صاحب الكفاية: 85.

(3) في ص: 73.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 76

موضع الإجمال.

و يضعّف: بأنّ تجويز البيع في الصحيحة مطلق و الأصل عدم الاشتراط، و عطف قوله: «و يبيّنه» لا يثبته «1»، فلا إجمال.

و في حكم المائعات النجسة: الجوامد المتنجّسة الغير القابلة للتطهير، كالعسل و السمن الجامدين، بلا خلاف ظاهر، لعموم الأخبار المتقدّمة، و الأمر بإلقائه في المعتبرة المتقدّمة بعضها.

و أمّا

القابلة له- كالثوب المتنجس و الحبوب- فيجوز بيعها و التكسّب بها، بالإجماع، بل الضرورة، و في الأخبار عليه الدلالة.

فرعان:
[الأول ]

أ: مقتضى الأصل المستفاد من العمومات و اختصاص النصوص المثبتة للاستصباح بالمتنجّس من الدهن عدم جوازه فيما يذاب من شحوم الميتة و ألبانها.

مضافا إلى المستفيضة الآتية المصرّحة بعدم جواز الانتفاع بالميتة مطلقا «2»، بل في صحيحة الوشّاء الآتية «3» إشعار بتحريم الاستصباح بها أيضا، مع أنّ الظاهر اتّفاقهم عليه كما قيل «4».

إلّا أنّ المحكيّ عن الفاضل تجويز الاستصباح به [1] و تبعه بعض

______________________________

[1] الحاكي هو الشهيد في بعض حواشيه على ما نقله عنه في جامع المقاصد 4:

13.

______________________________

(1) في «ح»: لا يبيّنه.

(2) في ص: 78.

(3) في ص: 79، 80.

(4) انظر المسالك 2: 246.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 77

المتأخّرين «1»، للمرويّ في السرائر و قرب الإسناد: عن الرجل يكون له الغنم يقطع من ألياتها و هي أحياء، أ يصلح أن ينتفع بما قطع؟ قال: «نعم، يذيبها و يسرج بها، و لا يأكلها و لا يبيعها» «2».

و يضعّفه مخالفته لعمل المعظم، مضافا إلى أنّه خاصّ بالمقطوع من الحيّ، فيمكن الاختصاص به لو لا معارضة صحيحة الوشّاء «3».

[الثاني ]

ب: يظهر من الأخبار جواز بيع المتنجّس على من يستحلّه من أهل الذمّة.

ففي رواية زكريّا بن آدم: عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيها لحم كثير و مرق كثير، قال: «يهراق المرق أو يطعمه لأهل الذمّة أو الكلاب» إلى أن قال: قلت: فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم، فقال:

«فسد»، قلت: أبيعه من اليهود و النصارى و أبيّن لهم فإنّهم يستحلّون شربه؟

قال: «نعم» «4».

و في مرسلة ابن أبي عمير: في العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع به؟ قال: «يباع ممّن يستحلّ الميتة» «5».

و بمضمونها أفتى جماعة، منهم: صاحب المدارك «6»، و والدي العلّامة- رحمه

اللّه- و هو الأقوى، لما ذكر.

______________________________

(1) كالمجلسي في البحار 77: 77.

(2) مستطرفات السرائر: 55- 8، قرب الإسناد: 268- 1066، الوسائل 17: 98 أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 6.

(3) الآتية في ص: 79، 80.

(4) الكافي 6: 422- 1، التهذيب 9: 119- 512، الوسائل 25: 358 أبواب الأشربة المحرّمة ب 26 ح 1.

(5) التهذيب 1: 414- 1305، الاستبصار 1: 29- 76، الوسائل 1: 242 أبواب الأسآر ب 11 ح 1.

(6) المدارك 2: 369.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 78

خلافا للشيخ في التهذيب، حيث قال- بعد ذكر المرسلة المذكورة، و نقل مرسلة أخرى، هي: «أنّه يدفن و لا يباع»-: و بهذا الخبر نأخذ دون الأول «1». انتهى.

و الجواب عن المرسلة الأخيرة: أنّها غير صريحة في النهي.

و الظاهر أنّه يختصّ جواز البيع بمن يستحلّه، لاختصاص الحكم في المرسلة و السؤال في الرواية.

و هل يجب البيان لهم؟

مقتضى إطلاق المرسلة: العدم، و لا يقيّدها ذكر البيان في سؤال الرواية كما لا يخفى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 14    78     و منها: الميتة ..... ص : 78

يظهر من الرواية أيضا جواز إطعام المتنجّس للكلاب، فيستثنى أيضا، و يأتي تمام الكلام في ذلك في كتاب المشارب إن شاء اللّه سبحانه.

و منها: الميتة

، و حرمة بيعها و شرائها و التكسّب بها إجماعي، و في التذكرة عليه الإجماع «2»، و في المنتهى إجماع العلماء كافّة «3»، بل يحرم جميع وجوه الاستمتاع بها كما في المنتهى «4».

لرواية عليّ بن المغيرة الصحيحة عن السرّاد- و هو ممّن أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنه-: الميتة ينتفع بشي ء منها؟ قال: «لا» «5».

و رواية فتح بن يزيد الجرجاني: «لا ينتفع من الميتة بإهاب [1] و لا

______________________________

[1]

و الإهاب: الجلد ما لم يدبغ، و الجمع أهب- الصحاح 1: 89.

______________________________

(1) التهذيب 1: 414.

(2) التذكرة 1: 464.

(3) المنتهى 2: 1008.

(4) المنتهى 2: 1008.

(5) الكافي 6: 259- 7، الوسائل 24: 184 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 34 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 79

عصب [1]» «2».

و صحيحة الكاهلي على طريق الفقيه: عن قطع أليات الغنم، فقال: «لا بأس بقطعها يصلح بها مالك»، ثمَّ قال: «إنّ في كتاب عليّ: أنّ ما قطع منها ميتة لا ينتفع به» «3».

و المستفاد ممّا ذكرنا [عدم ] [2] اختصاص التحريم بالبيع، بل يعمّ جميع وجوه الانتفاع، كما أنّ المستفاد من الأوليين أنّ حكم جميع أجزاء الميتة حكمها، كما هو المعروف من مذهبهم.

و يدلّ على جميع ذلك ما مرّ في المسكر من الرضوي، و رواية تحف العقول «5»، كما يدلّ على حرمة بيعها أكثر الروايات المتقدّمة هناك، و المستفيضة المصرّحة بأنّ ثمن الميتة من السحت «6».

و يستفاد من الثالثة أنّ حكم الأجزاء المبانة من الحيّ أيضا حكمها، و لا خلاف فيه ظاهرا.

و يدلّ عليه أيضا كثير ممّا مرّ في المسكر، و رواية أبي بصير: في أليات الضأن تقطع و هي أحياء: «إنّها ميتة» «7».

و صحيحة الوشّاء: إنّ أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها، فقال «حرام، هي ميّت» فقلت: جعلت فداك، فيستصبح بها؟ فقال:

______________________________

[1] العصبة: واحد العصب و الأعصاب، و هي أطناب المفاصل- الصحاح 1: 182.

[2] في النسخ: من، و الصواب ما أثبتناه.

______________________________

(2) الكافي 6: 258- 6، الوسائل 24: 185 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 34 ح 2.

(3) الفقيه 3: 209- 967، الوسائل 24: 71 أبواب الذبائح ب 30 ح 1.

(5) المتقدمتين في ص: 64، 65.

(6) الوسائل 17: 92 أبواب ما يكتسب

به ب 5.

(7) الكافي 6: 255- 2، الوسائل 24: 72 أبواب الذبائح ب 30 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 80

«أما علمت أنّه يصيب اليد و الثوب، و هو حرام» «1».

و بعض الروايات الدالة بظاهرها على جواز بيع ما يتّخذ من جلودها للسيوف و شرائها.

كموثّقة سماعة: عن جلد الميتة المملوح و هو الكيمخت، فرخّص فيه، و قال: «إن لم تمسّه فهو أفضل» «2».

و مكاتبة الصيقل: إنّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحمير الميتة فيصيب ثيابي أ فأصلي فيها؟ فكتب إليّ: «اتّخذ ثوبا لصلاتك» «3».

و اخرى: إنّا قوم نعمل السيوف، ليس لنا معيشة و لا تجارة غيرها، و نحن مضطرّون إليها، و إنّما علاجنا من جلود الميتة البغال و الحمير الأهليّة، لا يجوز في أعمالنا غيرها، فيحلّ لنا عملها و شراؤها و بيعها و مسّها بأيدينا و ثيابنا، و نحن محتاجون إلى جوابك في هذه المسألة يا سيّدنا لضرورتنا إليها، فكتب عليه السّلام: «اجعلوا ثوبا للصلاة» «4».

أو على جواز الانتفاع بها بجعل الماء و مثله فيها.

كرواية الحسين بن زرارة: في جلد شاة ميتة يدبغ فيصيب فيه اللبن أو الماء فأشرب منه و أتوضّأ؟ قال: «نعم» و قال: «و يدبغ فينتفع به و لا يصلّى فيه» «5».

______________________________

(1) الكافي 6: 255- 3، الوسائل 24: 178 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 32 ح 1، بتفاوت.

(2) التهذيب 9: 78- 333، الاستبصار 4: 90- 344، الوسائل 24: 186 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 34 ح 8.

(3) الكافي 3: 407- 16، التهذيب 2: 358- 1483، الوسائل 3: 489 أبواب النجاسات ب 49 ح 1.

(4) التهذيب 6: 376- 110، الوسائل 17: 173 أبواب ما يكتسب به ب 38 ح 4.

(5) التهذيب 9: 78-

332، الاستبصار 4: 90- 343، الوسائل 24: 186 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 34 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 81

و مرسلة الفقيه: عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن و الماء و السمن ما ترى فيه؟ فقال: «لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت» الحديث «1».

فهي [1] شاذّة جدّا خارجة عن حيّز الحجّية.

مع أنّ الاولى معارضة بموثّقة أخرى لسماعة: عن أكل الجبن و تقليد السيف و فيه الكيمخت و الغراء، قال: «لا بأس بما لم تعلم أنّه ميتة» [2].

و الترجيح للثانية، لموافقة الأولى للعامّة و الثانية للكتاب.

و الثانيتان ضعيفتان دلالة، لأنّها ليست إلّا بالتقرير، و حجّيته إنّما هي إذا لم يكن هناك مانع عن المنع، و التقية أقوى الموانع سيّما في المكاتبات.

مع أنّ في الثالثة إشعارا بها، حيث عدل عن الجواب إلى الإجمال.

و الأخيرتان متروكتان عند أصحابنا طرّا، و مخالفتان لإجماعهم.

و تستثنى من الميتة أجزاؤها العشرة التي لا تحلّها الحياة، فيحلّ الانتفاع بها كما يأتي في كتاب المطاعم، و مرّ في بحث الطهارة أيضا.

و كذا يستثنى منها بيعها ممّن يستحلّ الميتة إذا اختلطت بالذكيّ و لم يميّز، لصحيحتي الحلبي:

أحدهما: «إذا اختلط الذكيّ و الميتة باعه ممّن يستحلّ الميتة و يأكل ثمنه» «4».

______________________________

[1] خبر لقوله: و بعض الروايات الدالة ..

[2] التهذيب 9: 78- 331، الاستبصار 4: 90- 342، الوسائل 24: 185 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 34 ح 5. الغراء ككتاب: شي ء يتّخذ من أطراف الجلود يلصق به- مجمع البحرين 1: 315.

______________________________

(1) الفقيه 1: 9- 15، الوسائل 3: 463 أبواب النجاسات ب 34 ح 5.

(4) الكافي 6: 260- 2، التهذيب 9: 48- 199، الوسائل 24: 187 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 36 ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 82

و ثانيهما: الميتة و الذكيّ اختلطا فكيف يصنع؟ فقال: «يبيعه ممّن يستحلّ الميتة و يأكل ثمنه، فإنّه لا بأس به» «1».

و قد يستثنى أيضا الاستقاء بجلدها لغير مشروط الطهارة، و مرّ الكلام فيه في كتاب الطهارة، و يأتي الكلام في سابقة في كتاب المطاعم.

و منها: الأرواث و الأبوال

، و تحريم بيعها ممّا لا يؤكل لحمه شرعا موضع وفاق كما في المسالك «2»، و في التذكرة: الإجماع على عدم صحّة بيع نجس العين مطلقا، و كذا السرجين النجس «3». و كثير من الأخبار المتقدّمة في المسكر يدلّ عليه.

مضافا إلى رواية يعقوب بن شعيب: «ثمن العذرة من السحت» «4».

و موثّقة سماعة: إنّي رجل أبيع العذرة فما تقول؟ قال: «حرام بيعها و ثمنها» «5».

و أمّا قوله فيها: و قال: «لا بأس ببيع العذرة» و نحوها رواية محمّد بن مضارب «6»، فلمعارضتهما لعمل المعظم لا تنهضان حجّتين، مع أنّ بعد تعارضهما تبقى العمومات المانعة المتقدّمة خالية عن المعارض.

______________________________

(1) الكافي 6: 260- 1، التهذيب 9: 47- 198، الوسائل 24: 187 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 36 ح 2، بتفاوت يسير.

(2) المسالك 1: 165.

(3) التذكرة 1: 464.

(4) التهذيب 6: 372- 1080، الاستبصار 3: 56- 182، الوسائل 17: 175 أبواب ما يكتسب به ب 40 ح 1.

(5) التهذيب 6: 372- 1081، الاستبصار 3: 56- 183، الوسائل 17: 175 أبواب ما يكتسب به ب 40 ح 2.

(6) الكافي 5: 226- 3، التهذيب 6: 372- 1079، الاستبصار 3: 56- 181، الوسائل 17: 175 أبواب ما يكتسب به ب 40 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 83

و هل يجوز الانتفاع بها نفعا محلّلا بغير بيع- كتربية الزرع و اقتنائها لذلك- أم لا؟

صرّح

الفاضل في المنتهى و القواعد بالأول «1».

و ظاهر الحلّي: الثاني، قال في السرائر: و جميع النجاسات محرّم التصرّف فيها و التكسّب بها على اختلاف أجناسها من سائر أنواع العذرة و روث ما لا يؤكل لحمه و بوله «2».

و الأصل مع الأول، و روايتا الرضوي و تحف العقول «3» مع الثاني، إلّا أنّ ضعفهما و عدم ثبوت انجبارهما في المورد- و إن ثبت في غيره- يمنعهما عن دفع الأصل، فالأول هو الأقوى، و لكن مع الكراهة كما في المنتهى «4»، للروايتين.

و أمّا ممّا يؤكل لحمه فيجوز الاكتساب بها مطلقا، وفاقا للأكثر، بل عن السيّد الإجماع عليه «5»، لطهارتها و عظم الانتفاع بها، فيشملها الأصل و العمومات.

و خلافا للمفيد و النهاية و الديلمي و ظاهر الإرشاد «6»، فمنعوا عنه، للاستخباث و عدم الانتفاع، إلّا بول الإبل للاستشفاء مع الضرورة إليه، للإجماع، و النصوص.

______________________________

(1) المنتهى 2: 1010، القواعد 1: 120.

(2) السرائر 2: 219.

(3) مرّتا في ص: 64، 65.

(4) المنتهى 2: 1010.

(5) الانتصار: 201.

(6) المفيد في المقنعة: 587، النهاية: 364، الديلمي في المراسم: 170، الإرشاد 1: 357.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 84

و يضعّف دليل المنع في المستثنى منه بمنع ملازمة الأول للمنع بعد إمكان الانتفاع به، و منع الثاني وجدانا.

و منها: الخنزير و الكلب

، و حرمة التكسّب بهما إجماعيّة، كما صرّح به جماعة «1»، مضافا إلى كثير من الأخبار المتقدّمة في المسكر الشاملة لهما صريحا أو عموما، و المستفيضة الدالّة على حرمة ثمن الكلب.

كرواية جرّاح المدائني: و نهى عن ثمن الكلب «2».

و صحيحة حريز: «السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب» «3».

و رواية الوليد العامري: عن ثمن الكلب الذي لا يصيد، فقال «سحت، و أمّا الصيود فلا بأس» «4».

و موثّقة محمّد:

«ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت» «5».

و مرسلة الفقيه: «و ثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت» «6».

و يستفاد من الأخيرتين- تقييدا- و من سابقتها- صريحا- اختصاص المنع بما عدا كلب الصيد.

و تدلّ عليه أيضا رواية أبي بصير: عن ثمن كلب الصيد، فقال: «لا بأس

______________________________

(1) منهم الشيخ في المبسوط 2: 166 و العلامة في التحرير: 160 و صاحب الرياض 1: 498.

(2) التهذيب 7: 136- 600، الوسائل 17: 119 أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 4.

(3) لم نعثر على كذا نصّ لحريز، و ما في الكافي 5: 126- 2، التهذيب 6:

368- 1061، تفسير القمّي 1: 170، الخصال: 329- 25، الوسائل 17: 93 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 5 مرويّ عن السكوني.

(4) التهذيب 7: 367- 1060، الوسائل 17: 119 أبواب ما يكتسب به 14 ح 7.

(5) التهذيب 6: 356- 1017، الوسائل 17: 119 أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 3، و فيه: عن العماري.

(6) الفقيه 3: 105- 435، الوسائل 17: 94 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 85

به» «1».

و رواية ليث: عن الكلب الصيود يباع؟ فقال: «نعم، و يؤكل ثمنه» «2».

و هو إجماعيّ أيضا، كما في المنتهى و الغنية و المسالك «3»، و في المهذّب قريب من الإجماع، و قال: و فيه قول بالمنع متروك «4». و هذا صريح في وجود الخلاف، كما أنّ في التذكرة و القواعد «5» إشعارا به، و لكنّه غير مضرّ في الإجماع.

و بذلك يقيّد ما أطلق فيه المنع عن ثمن الكلب، و ليس في النصّ و الفتوى التقييد بالسلوقي كما في المبسوط «6»، و الأصل يدفعه.

و في كلب الماشية و

الحائط و الدار و الزرع قولان:

المنع، و هو للشيخين و القاضي و الغنية و الشرائع «7» و اختاره من المتأخّرين جماعة «8»، و عن الخلاف الإجماع عليه «9»، لإطلاق الأخبار المانعة عموما، أو خصوص الكلب و عدم المخصّص.

و الجواز، و هو للإسكافي و الحلّي و ابن حمزة و أبي علي و الفاضل

______________________________

(1) الفقيه 3: 105- 434، التهذيب 6: 356- 1016، الوسائل 17: 119 أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 5.

(2) التهذيب 9: 80- 343.

(3) المنتهى 2: 1009، الغنية (الجوامع الفقهية): 586، المسالك 1: 167.

(4) المهذب البارع 2: 347.

(5) التذكرة 1: 464، القواعد 1: 120.

(6) المبسوط 2: 166.

(7) المفيد في المقنعة: 589، الطوسي في النهاية: 364، نقله عن القاضي في المختلف: 341، الغنية (الجوامع الفقهية): 586، الشرائع 2: 12.

(8) منهم يحيى بن سعيد في نزهة الناظر: 76 و صاحب الحدائق 18: 81.

(9) الخلاف 3: 181.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 86

و التنقيح و المهذّب «1» و اختاره كثير ممّن تأخّر «2».

للأصل، و العمومات.

و الاشتراك مع كلب الصيد في الانتفاع المسوّغ لبيعه.

و لأنّ لها ديات مقدرة.

و لجواز إجارتها، و لا فارق.

و الأولان: مخصّصان بما مرّ.

و الثالث: قياس باطل.

و الرابع: غير دالّ على جواز البيع، لعدم الملازمة، بل ربّما يجعل- كما في المهذب و المسالك «3»- دليلا على المنع.

و الخامس: بثبوت الفارق، و هو وجود المنفعة المحلّلة المصحّح للإجارة.

نعم، قال الشيخ في المبسوط: و روي جواز بيع كلب الماشية و الحائط «4».

و هو و إن كان أخصّ من المطلوب، إلّا أنّه يتمّ بعدم الفصل، فالجواز هو الأقوى، و إن كان المنع أحوط.

و كيف كان، فلا ينبغي الريب في جواز اقتناء هذه الكلاب للحراسة،

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي

في المختلف: 341، الحلي في السرائر 2: 215- 220، ابن حمزة في الوسيلة: 249، الفاضل في القواعد 1: 120، التنقيح 2: 7، المهذب البارع 2: 348.

(2) منهم العلامة في التحرير: 160 و الشهيد في الدروس 3: 168 و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 14.

(3) المهذب البارع 2: 348، المسالك 1: 167.

(4) المبسوط 2: 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 87

لما مرّ.

و للصحيح: «لا خير في الكلاب إلّا كلب صيد أو ماشية» «1».

و المرويّ في الغوالي: إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر بقتل الكلاب في المدينة- إلى أن قال:- فجاء الوحي باقتناء الكلاب التي ينتفع بها، فاستثنى صلّى اللّه عليه و آله كلاب الصيد، و كلاب الماشية، و كلاب الحرث، و أذن في اتّخاذها «2».

و لثبوت الدية لها بالإجماع، و الأخبار.

ففي رواية أبي بصير: «دية الكلب السلوقي أربعون درهما، و دية كلب الغنم كبش، و دية كلب الزرع جريب من بر، و دية كلب الأهل قفيز من تراب لأهله» «3».

و في رواية السكوني: فيمن قتل كلب الصيد، قال: «يقوّمه، و كذلك البازي، و كذلك كلب الغنم، و كذلك كلب الحائط» «4».

و في مرسلة ابن فضّال: «دية كلب الصيد أربعون درهما، و دية كلب الماشية عشرون درهما، و دية الكلب الذي ليس للصيد و لا للماشية زنبيل من تراب، على القاتل أن يعطيه، و على صاحبه أن يقبل» «5».

و إثبات الصاحب لها مثبت للملكيّة الموجبة لجواز الاتّخاذ، بل المستفاد

______________________________

(1) الكافي 6: 552- 4، الوسائل 11: 530 أبواب أحكام الدواب ب 43 ح 2.

(2) غوالي اللئالي 2: 148- 414 مستدرك الوسائل 8: 293 أبواب أحكام الدواب في السفر و غيره ب 35 ح 2.

(3)

الكافي 7: 368- 6، التهذيب 10: 310- 1155، الوسائل 29: 226 أبواب ديات النفس ب 19 ح 2.

(4) الكافي 7: 368- 7، التهذيب 10: 310- 1156، الوسائل 29: 226 أبواب ديات النفس ب 19 ح 3.

(5) الفقيه 4: 126- 442، الوسائل 29: 227 أبواب ديات النفس ب 19 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 88

من الأخيرة- مضافة إلى رواية الغوالي- اتّخاذ مطلق الكلب إذا كان له منفعة، إلّا الكلب العقور، و أنّه خرج بالإجماع و ما دلّ على جواز قتله من الروايات.

و أمّا ما روي في المنتهى من أنّه: «من ربط إلى جنب داره كلبا نقص من عمله كلّ يوم قيراط، و القيراط كجبل احد» «1»، و قريب منه المرويّ من طرق العامّة «2»، مع استثناء كلب الماشية و الزرع و الصيد.

فلضعفهما قاصران عن إثبات التحريم مع عدم ظهورهما فيه، سيّما مع المعارضة لما سبق [1].

و منها: ما يقصد منه المحرّم

، كآلات اللهو من الدفّ و القصب و المزمار و الطنبور، و هياكل العبادات المبتدعة، و آلات القمار من النرد و الشطرنج و غيرهما، و لا خلاف في حرمة بيعها و التكسّب بها، و نقل الإجماع- كما قيل «4»- به مستفيض، بل هو إجماع محقّق، و هو الحجّة فيه، مع ما مرّ من المرويّ من تحف العقول «5».

مضافا إلى قوله سبحانه إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ «6».

بضميمة ما رواه الشيخ الحرّ في الفصول المهمّة عن عليّ عليه السّلام، أنّه قال:

«كلّ ما ألهى عن ذكر اللّه فهو ميسر» «7».

______________________________

[1] في «ق» زيادة: بالعموم المطلق.

______________________________

(1) المنتهى 2: 1010.

(2) كما في غوالي اللئالي 1: 143- 66، سنن الترمذي 4: 80- 1489.

(4) انظر

الرياض 1: 499.

(5) المتقدم في ص: 64، 65.

(6) المائدة: 90.

(7) الفصول المهمة 2: 242 أبواب التجارة ب 12 ح 2، و نقله في الوسائل 17: 315 أبواب ما يكتسب به ب 100 ح 15 عن أمالي الشيخ الطوسي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 89

و رواية جابر: «لمّا أنزل اللّه عزّ و جلّ على رسوله إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ الآية، قيل: يا رسول اللّه، ما الميسر؟ قال: ما تقومر به حتى الكعاب و الجوز» «1».

و صحيحة معمّر: «و كلّ ما قومر عليه فهو ميسر» «2».

و ما في تفسير القمّي: عن الباقر، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أنّه قال: «فأمّا الميسر: فالنرد و الشطرنج و كلّ قمار ميسر، و أمّا الأنصاب: فالأوثان التي كان يعبدها المشركون، و أمّا الأزلام: فالأقداح التي كانت تستقسم بها مشركو العرب في الأمور في الجاهليّة، كلّ هذا بيعه و شراؤه و الانتفاع بشي ء من هذا حرام من اللّه محرّم» «3».

و المرويّ في مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي: «بيع الشطرنج حرام، و أكل ثمنه سحت، و اتّخاذها كفر، و اللعب بها شرك، و السلام على اللاهي [بها] معصية كبيرة موبقة، و الخائض يده فيها كالخائض يده في لحم الخنزير» «4».

و المرويّ في الفصول المهمّة: «إنّما حرم اللّه الصناعة التي هي حرام كلّها، التي يجني منها أنواع الفساد محضا، نظير: البرابط و المزامير و الشطرنج، و كلّ ملهوّ به، و الصلبان و الأصنام، و ما أشبه ذلك من صناعات

______________________________

(1) الكافي 5: 122- 2، الفقيه 3: 97- 374، التهذيب 6: 371- 1075، الوسائل 17: 165 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 4.

(2) الكافي 6: 435- 1، الوسائل 17: 323 أبواب

ما يكتسب به ب 104 ح 1.

(3) تفسير القمي 1: 181، الوسائل 17: 321 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 12، و ليس فيهما: عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

(4) مستطرفات السرائر: 59- 29، الوسائل 17: 323 أبواب ما يكتسب به ب 103 ح 4، و ما بين المعقوفين من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 90

الأشربة الحرام، و ما يكون منه و فيه الفساد محضا و لا يكون منه و لا فيه شي ء من وجوه الصلاح، فحرام تعليمه و تعلّمه و العمل به و أخذ الأجرة عليه و جميع التقلّب فيه من جميع الحركات كلّها، إلّا أن تكون صناعة قد تتصرّف إلى بعض وجوه المنافع» [1].

و ضعف بعض تلك الأخبار بالشهرة منجبر، و مقتضى إطلاقها- كإطلاق الفتاوى- حرمة بيعها مطلقا، سواء قصد به المنفعة المحرّمة أو منفعة محلّلة، و في المسالك نفى البعد عن الجواز في الثاني، و قال: إلّا أنّ هذا الفرض نادر، و قد يجعل ندوره سببا لإخراجه عن الإطلاقات «2».

أقول: و في الندور مطلقا منع، فإن الدفّ يمكن الانتفاع به في كثير ممّا ينتفع فيه بالغربال و نحوه، لحفظ المتاع و نقل الغلّات و نحوها، و كذا الجوز.

و التحقيق: أنّ الإجماع- الذي هو أحد الأدلّة- تحقّقه فيما يقصد كثيرا فيه المنفعة المحلّلة و شاعت فيه هذه- كالجوز و الدفّ- غير معلوم، و انجبار الأخبار الغير المعتبرة بالنسبة إليه غير ثابت أيضا، و دلالة المعتبرة فيها على إطلاق الحرمة و حرمة المطلق حتى ما شاعت فيه بهذا القصد غير واضحة، بل الإجماع على خلافه في الجملة واضح كما في الجوز، فالجواز بهذه القصد فيما شاع فيه ذلك أظهر.

و

أمّا ما لا يقصد منه ذلك إلّا نادرا، فإن قلنا بخروجه عن تلك

______________________________

[1] تحف العقول: 245- 250، الوسائل 17: 85 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1، بتفاوت يسير.

و البربط: شي ء من ملاهي العجم يشبه صدر البط، معرّب بربت، أي: صدر البط، لأنّ الصدر يقال له بالفارسية: بر، و الضارب به يضعه على صدره- مجمع البحرين 4: 238.

______________________________

(2) المسالك 1: 165.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 91

المطلقات- للندور- لجرى مثله في مطلقات التملّك و البيع أيضا، فيخرج منهما جميعا، فلا يكون بيعه صحيحا، إلّا أنّ الظاهر أنّه لا يكون بذلك القصد محرّما، فتأمّل.

و من هذا يظهر حال الابتياع للكسر، و يأتي إن شاء اللّه زيادة بيان لذلك في كتاب الشهادات.

نعم، لو كسر بحيث يخرج عن الاسم جاز البيع قطعا.

و كما يحرم بيع هذه الأشياء يحرم عملها مطلقا، بلا خلاف بين علمائنا في ذلك كما في المنتهى «1»، للآية «2»، و المرويّين في تحف العقول و الفصول المهمّة «3».

و يحرم أيضا اتّخاذها و اقتناؤها كما صرّح به في التذكرة «4»، للآية، و المرويّين.

مضافا في خصوص الشطرنج إلى المرويّ في المستطرفات و رواية الحسين بن عمر المتقدّمة في المسكر «5».

و في الجميع إلى الرضويّ: «من أبقى في بيته طنبورا أو عودا أو شيئا من الملاهي من المعزفة و الشطرنج و أشباهه أربعين يوما فقد باء بغضب من اللّه، فإن مات في أربعين مات فاجرا فاسقا مأواه النار، و بئس المصير» «6».

و الكلام في الاقتناء للمنفعة المحلّلة يظهر ممّا مرّ.

______________________________

(1) المنتهى 2: 1011.

(2) المائدة: 90.

(3) راجع ص: 64، 65.

(4) التذكرة 1: 582.

(5) راجع ص: 66.

(6) فقه الرضا «ع»: 283، مستدرك الوسائل 13: 218 أبواب ما يكتسب

به ب 79 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 92

و منها: بيع السلاح لأعداء أهل الدين

، مسلمين كانوا أم مشركين.

و حرمته في الجملة إجماعيّة، و هو الحجّة فيها.

مضافا إلى صحيحة الحضرمي: ما ترى فيما يحمل إلى الشام من السروج و أداتها؟ فقال: «لا بأس، أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، إنّكم في هدنة، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السلاح و السروج» «1».

و رواية هند السّراج: عن حمل السلاح إلى أهل الشام، فقال: «احمل إليهم، فإنّ اللّه عزّ و جلّ يدفع بهم عدوّنا و عدوّكم- يعني الروم- فإذا كانت الحرب بيننا فمن حمل إلى عدوّنا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشترك» «2».

و مرسلة السرّاد: إنّي أبيع السلاح، قال: «لا تبعه في فتنة» «3».

و مقتضى تلك الأخبار- مضافا إلى الأصل- اختصاص المنع بحال الحرب- أي حال قيام راياته [و] [1] التهيّؤ له- كما هو مقتضى الأخيرتين، بل حال عدم الصلح و حذر كلّ من الفريقين عن الآخر و إن لم تكن محاربة و لا تهيّؤ لها، كما هو مقتضى الأولى، لأنّها حال المباينة، و هذا هو مختار الحلّي و النافع و المختلف و التحرير و ظاهر المنتهى و الدروس «5».

و ذهب جماعة- منهم: الشيخان و الديلمي و الحلبي و الشرائع

______________________________

[1] أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) الكافي 5: 112- 1، التهذيب 6: 354- 1005، الاستبصار 3: 57- 187، الوسائل 17: 101 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 1.

(2) الكافي 5: 112- 2، الفقيه 3: 107- 448، التهذيب 6: 353- 1004، الاستبصار 3: 58- 189، الوسائل 17: 101 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 2.

(3) الكافي 5: 113- 4، التهذيب 6: 354- 1007، الاستبصار

3: 57- 186، الوسائل 17: 102 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 4.

(5) الحلي في السرائر 2: 216، النافع: 116، المختلف: 340، التحرير: 160، المنتهى 2: 1011، الدروس 3: 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 93

و التذكرة «1»- إلى إطلاق المنع، اتّباعا لبعض النصوص:

كالصحيح المرويّ في الوسائل عن كتاب عليّ بن جعفر، و في قرب الإسناد للحميري: عن حمل المسلمين إلى المشركين التجارة، قال: «إذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس» «2».

و المرويّ في الفقيه في وصيّة النبيّ لعليّ عليه السّلام: «كفر باللّه العظيم من هذه الأمّة عشرة أصناف»، و عدّ منهم بائع السلاح لأهل الحرب «3».

و أجيب: بأنّهما مطلقان يجب تقييدهما بما مرّ، مع معارضتهما لإطلاق الجواز في ظاهر رواية الصيقل: إنّي رجل صيقل أشتري السيوف و أبيعها من السلطان، أ جائز لي بيعها؟ فكتب: «لا بأس به» «4».

أقول: الروايتان مطلقتان واردتان في المشركين و أهل الحرب، و اختصاص الأول بالكفّار ظاهر، و كذا الثاني، لأنّهم المراد من أهل الحرب، كما يظهر من المهذّب و غيره.

و يدلّ عليه إطلاق الفقهاء طرّا الحربيّ على غير الذمّي من الكفّار، و لذا يقال لبلاد المشركين: دار الحرب.

و على هذا، فلا تعارض بين هذه و بين الأوليين من الروايات المتقدّمة، لتباين الموضوعين.

و أمّا الثالثة و إن كان موضوعها أعمّ من وجه من موضوع هذه، و لكن

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 588، الطوسي في النهاية: 365، الديلمي في المراسم:

170، الحلبي في الكافي: 282، الشرائع 2: 9، التذكرة 1: 582.

(2) قرب الإسناد: 264- 1047 بتفاوت يسير، الوسائل 17: 103 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 6.

(3) الفقيه 4: 257- 821، الوسائل 17: 103 أبواب ما يكتسب به ب 8

ح 7.

(4) التهذيب 6: 382- 1128، الوسائل 17: 103 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 94

لا تعارض بينهما حقيقة، إذ المنع عن البيع في حال الفتنة لا يدلّ على الجواز في غيرها.

و على هذا، فالمنع مطلقا في الكفّار و في حال المباينة في أعداء الدين من المسلمين أقوى و أظهر.

و صرّح في المهذّب بأنّ التفصيل إنّما هو في ذلك، قال: بيع السلاح لأهل الحرب لا يجوز إجماعا، و أمّا أعداء الدين- كأصحاب معاوية- هل يحرم بيع السلاح منهم مطلقا أو في حال الحرب خاصّة «1»؟ انتهى.

هذا، و أمّا غير أعداء الدين من فرق المسلمين المحاربين للمسلمين فلا شكّ في عدم لحوقهم بالكفّار، فيجوز البيع منهم في حال عدم الحرب.

و الظاهر من جماعة إلحاقهم بأعداء الدين من فرق المسلمين «2»، لتعميم المنع في كلّ فتنة في المرسلة، و لاستلزامه معونة الظالم و الإعانة على الإثم المحرّمين.

أقول: الظاهر من الروايات المنع عن البيع من أعداء الدين في حال المباينة مطلقا، سواء تهيّؤا للحرب و أرادوا الشراء لخصوص المحاربة معهم أو لا، و سواء كان البيع بقصد المساعدة أم لا.

و أمّا غيرهم من فرق المسلمين فلا دليل فيهم على هذا التعميم، بل و كذلك في سائر فرق الشيعة المباينين للإماميّة، فالتخصيص فيهم- بما إذا قصد المتبايعين حرب المسلم حتى تصدق المعونة على الظلم و الإثم، أو كان حال الحرب و الفتنة- هو الصواب.

______________________________

(1) المهذب البارع 2: 350.

(2) انظر الحدائق 18: 208.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 95

و هل يحرم بيع ما يعدّ جنّة لهم أيضا- كالسلاح- أم لا؟

قيل بالأول، لظاهر رواية هند «1».

و قيل بالثاني «2»، لصحيحة محمّد بن

قيس: عن الفئتين تلتقيان من أهل الباطل، أبيعهما السلاح؟ فقال: «بعهما ما يكنّهما، الدرع و الخفّين» «3».

و دلالة الأولى مختصّة بما إذا علم به الاستعانة علينا، و الثانية بما إذا كان حين التقاء الفئتين الباطلتين، فيمكن أن يكون ذلك لأجل الحفظ عن القتل، فإنّه من الباطل غير جائز، و لكن الأصل مع الثانية.

و هو- في غير مورد الاولى، و غير ما إذا قصد به محافظتهم عن المسلمين- خال عن المعارض، فالصحيح الجواز، إلّا مع العلم بأنّهم يريدون الاستعانة على المسلمين أو قصد حفظهم عنهم.

و يحرم بيع السرج أيضا حال المباينة.

و منها: الإجارة و البيع- بل كلّ معاملة و تكسّب- للمحرّم

، كإجارة المساكن و الحمولات للخمر، و ركوب الظلمة و إسكانهم للظلم، و بيع العنب و التمر و غيرهما ممّا يعمل منه المسكر ليعمل خمرا، و الخشب ليعمل صنما أو بربطا.

و الظاهر أنّ حرمته إذا شرطا المحرّم في العقد أم حصل اتّفاقهما عليه.

و الحاصل: أن يكون المحرّم هو غاية البيع و المقصود منه ممّا لا خلاف فيها، و عليه في المنتهى الإجماع «4»، و هو الحجّة فيه، مع كونه

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 500.

(2) انظر النهاية: 366.

(3) الكافي 5: 113- 3، التهذيب 6: 354- 1006، الاستبصار 3: 57- 188، الوسائل 17: 102 أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 3.

(4) المنتهى 2: 1011.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 96

بنفسه فعلا محرّما لما بيّنا في موضعه: أنّ فعل المباح بقصد التوصّل به إلى الحرام محرّم، و مع أنّه معاونة على الإثم المحرّم كتابا و سنّة و إجماعا.

و قد يستدلّ برواية جابر: عن الرجل يؤاجر بيته يباع فيه الخمر، قال: «حرام أجرته» «1».

و رواية عمرو بن حريث- الصحيحة عن السرّاد و أبان المجمع على تصحيح ما يصحّ

عنهما-: عن بيع التوت [1] أبيعه يصنع به الصليب و الصنم؟

قال: «لا» «3».

و صحيحة ابن أذينة، و فيها: عن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذ صلبانا، قال: «لا» «4»، و اختصاصها بموارد خاصّة غير ضائر، لعدم القول بالفصل.

و فيه: أنّ هذه الروايات تتعارض مع إطلاق الروايات الآتية، و لا ترجيح، و ترجيح هذه الثلاث في بعض صورها- و هو صورة الشرط- بموافقة الكتاب لا يصلح ترجيحا لأصل الرواية.

و توهّم كونها أخصّ مطلقا من الآتية- لاختصاص الآتية بغير صورة الشرط إجماعا- فاسد، لأنّه لا يجعل الرواية خاصّة، كما بيّنا في كتاب عوائد الأيام.

______________________________

[1] التوت: شجر معروف- مجمع البحرين 4: 8.

______________________________

(1) الكافي 5: 227- 8، التهذيب 6: 371- 1077، الاستبصار 3: 55- 179، الوسائل 17: 174 أبواب ما يكتسب به ب 39 ح 1 و فيه: عن صابر.

(3) الكافي 5: 226- 5، و فيه: عمر بن جرير، التهذيب 6: 373- 1084، الوسائل 17: 176 أبواب ما يكتسب به ب 41 ح 2، بتفاوت يسير.

(4) الكافي 5: 226- 2، التهذيب 2: 373- 1082، الوسائل 17: 176 أبواب ما يكتسب به ب 41 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 97

و إن لم يشترطا ذلك و لم يتّفقا عليه، فإمّا لا يعلم أنّه يعمل منه المحرّم، أو يعلم.

فإن لم يعلم، فإمّا ليس المشتري من عهد منه عمل ذلك، أو يكون كذلك.

فإن لم يكن فلا يحرم البيع منه و لا يكره مع عدم الظنّ إجماعا، و معه على الأصحّ، و إن كان فيكره.

خلافا للمحكيّ عن بعضهم، فحرّمه.

أمّا عدم الحرمة في جميع ما ذكر فبعد الإجماع في البعض، بل في الجميع كما هو الظاهر عن المنتهى «1»، و الأصل، المستفيضة

من الأخبار:

كصحيحة رفاعة: عن بيع العصير ممّن يخمّره، فقال: «حلال، أ لسنا نبيع تمرنا ممّن يجعله شرابا خبيثا؟!» «2».

و صحيحة ابن أبي عمير: عن بيع العصير ممّن يصنعه خمرا، فقال:

«بعه ممّن يطبخه أو يجعله خلّا أحبّ إليّ، و لا أرى بالأول بأسا» «3».

و صحيحة محمّد الحلبي: عن بيع العصير ممّن يجعله حراما، فقال:

«لا بأس به، تبيعه حلالا و يجعله ذلك حراما» «4».

و صحيحة أبي المعزى: كان لي أخ فهلك و ترك في حجري يتيما، و لي أخ يلي ضيعة لنا، و هو يبيع العصير ممّن يصنعه خمرا، و يؤاجر

______________________________

(1) المنتهى 2: 1010.

(2) التهذيب 7: 136- 603، الاستبصار 3: 105- 370، الوسائل 17: 231 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 8.

(3) التهذيب 7: 137- 605، الاستبصار 3: 106- 375 و فيهما: أو يصنعه ..، الوسائل 17: 231 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 9.

(4) الكافي 5: 231- 6، التهذيب 7: 136- 604، الاستبصار 3: 105- 371، الوسائل 17: 230 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 4، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 98

الأرض بالطعام، فأمّا ما يصيبني فقد تنزّهت، فكيف أصنع بنصيب اليتيم؟

- إلى ان قال:- «و أمّا بيع العصير ممّن يصنعه خمرا فليس به بأس، خذ نصيب اليتيم منه» «1» و صحيحة ابن أذينة: عن الرجل يؤاجر سفينته و دابّته ممّن يحمل فيها أو عليها الخمر و الخنازير، فقال: «لا بأس» «2».

و صحيحته الأخرى: عن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذ منه برابط، فقال: «لا بأس به» «3».

و رواية يزيد بن خليفة: إنّ لي الكرم، قال: «تبيعه عنبا»، قال: فإنّه يشتريه من يجعله خمرا، قال: «بعه إذن عصيرا» قال: إنّه

يشتريه منّي عصيرا فيجعله خمرا في قربتي، قال: «بعته حلالا فجعله حراما فأبعده اللّه» «4».

و رواية سماعة: قال: «لا يصلح لباس الحرير و الديباج، فأمّا بيعه فلا بأس به» «5» و تدلّ عليه أيضا الروايات المجوّزة لبيع المائع النجس و العجين النجس ممّن يستحلّ الميتة «6».

______________________________

(1) التهذيب 7: 196- 866، الوسائل 17: 231 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 7.

(2) الكافي 5: 227- 6، التهذيب 6: 372- 1078، الاستبصار 3: 55- 180، الوسائل 17: 174 أبواب ما يكتسب به ب 39 ح 2.

(3) الكافي 5: 226- 2، التهذيب 6: 373- 1082، الوسائل 17: 176 أبواب ما يكتسب به ب 41 ح 1.

(4) التهذيب 7: 137- 610، الاستبصار 3: 106- 373، الوسائل 17: 231 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 10.

(5) التهذيب 7: 135- 598، الوسائل 17: 302 أبواب ما يكتسب به ب 97 ح 1.

(6) انظر الوسائل 1: 242 أبواب الأسآر ب 11 ح 1، و الوسائل 17: 99 أبواب ما يكتسب به ب 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 99

و هذه الروايات و إن كانت معارضة للثلاث الأولى، إلّا أنّ لعدم الترجيح يرجع إلى التخيير أو الأصل، و هما يفيدان الجواز.

و أمّا الكراهة في الأخير فلصحيحة ابن أبي عمير المتقدّمة «1».

و إن علم أنّه يعمل منه المحرّم فالمشهور- كما قيل- عدم الحرمة، و يدلّ عليه الأصل و إطلاقات الروايات المتقدّمة.

و صحيحة البزنطي: «لو باع ثمرته ممّن يعلم أنّه يجعله حراما لم يكن بذلك بأس» «2».

و رواية أبي كهمش: «هو ذا نحن نبيع تمرنا ممّن نعلم أنّه يصنعه خمرا» «3».

و صحيحة ابن أذينة المتقدّمة في التكسّب بالمسكر «4».

و صرّح في المبسوط و

المختلف و المسالك بالحرمة «5»، لإطلاق رواية جابر و تالييها «6».

و لكونه مساعدة و إعانة على الإثم المحرّم قطعا.

و للزوم النهي عن المنكر، فإذا علمنا بعمله يجب علينا زجره عنه.

و يمكن أن يجاب عن الأول: بأنّها معارضة مع الأخبار الأخيرة، فلو

______________________________

(1) في ص 97.

(2) الكافي 5: 230- 1، و في التهذيب 7: 138- 611، و الاستبصار 3:

106- 374: خمرا حراما، الوسائل 17: 229 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 1.

(3) الكافي 5: 232- 12، الوسائل 17: 230 أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 6، و فيهما: عن أبي كهمس.

(4) راجع ص: 64.

(5) المبسوط 2: 138، المختلف: 388، المسالك 1: 165.

(6) راجع ص: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 100

فرضنا عدم الترجيح للأخيرة- بكثرتها و صحّتها و ظهور دلالتها و معاضدتها بالشهرة، بل بعموم: «أحلّ اللّه البيع»- يتساقطان، فيرجع إلى عموم حلّية البيع.

و عن الثاني: بمنع كونه إعانة على الإثم، و إنّما هي إذا كان مقصود البائع منه أيضا ذلك العمل، كما بيّنا في موضعه، و صرّح به الفاضلان الأردبيلي و السبزواري «1».

و عن الثالث: بأنّ الثابت عن النهي عن المنكر هو المنع قولا، لأنّه حقيقة النهي، أو ما ثبت وجوبه زائدا عليه أيضا- كالضرب و نحوه- و ليس ما نحن فيه نهيا عن المنكر حقيقة، و لم يثبت وجوب غيره بحيث يشمل المورد أيضا.

و إذن، فالأقوى هو الجواز.

فإن قيل: إنّ من صورة العلم أن يعلم أنّ المشتري يشتريه لأجل ذلك و إن لم يكن البيع كذلك، و لا شكّ أنّ الشراء بهذا القصد محرّم و النهي موجب لفساده المستلزم لفساد البيع.

قلنا: لمّا كانت دلالة النهي في المعاملات على الفساد عندنا شرعيّة، فيحصل

التعارض بين دليله و بين تلك الروايات المصحّحة للبيع المستلزم لصحّة الشراء، و لكون تلك الروايات أخصّ مطلقا تخصّص بها أدلّة الفساد.

و ممّا ذكر ظهر الحكم في مثل: بيع الحرير للرجل و بيع أواني الذهب و الفضّة، و كذلك صنعتها و الأجر لصنعتها، لعدم ثبوت حرمة أصل صنعتها.

نعم، يحرم إعطاء الأجر لعمل الصور المجسّمة، لأنّه بنفسه حرام.

______________________________

(1) الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 51، السبزواري في كفاية الاحكام: 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 101

و منها: المسوخ و السباع، أمّا الأولى فأكثر الأصحاب على عدم جواز التكسّب بها «1»، إمّا لتحريم اللحم كما قيل «2»، أو عدم الانتفاع، أو النجاسة.

و الكلّ ضعيف، لمنع الملازمة في الأول.

و منع الملزوم في الثانيين، فإنّ منها ما ينتفع به نفعا بيّنا، كالفيل للانتفاع بعظمه و الحمل عليه، بل كذلك جميعها لو قلنا بوقوع التذكية عليها، فيشملها الأصل و العمومات.

فالحقّ فيها- وفاقا لأكثر المتأخّرين من أصحابنا «3»- جواز التكسّب بها مع الانتفاع المعتدّ به عند العقلاء.

نعم، في رواية مسمع: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن القرد أن يباع أو يشترى» «4»، و إطلاقها يشمل ما لو قصد به الانتفاع المحلّل أيضا، كحفظ المتاع.

و الأقرب: المنع فيها خاصّة مطلقا، و الرواية و إن كانت ضعيفة سندا إلّا أنّه غير ضائر عندنا، و الإجماع المركّب غير ثابت، مع إمكان القول بأنّ النفع المحلّل من القردان نادر، فإطلاق المنع إليه غير منصرف.

و أمّا الثانية، ففيها أقوال:

______________________________

(1) منهم الشيخ الطوسي في المبسوط 2: 166 و الخلاف 3: 184، المحقّق في النافع: 116.

(2) الخلاف 3: 184 و انظر التنقيح 2: 10.

(3) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 165.

(4) الكافي 5: 227-

7، التهذيب 7: 134- 594، الوسائل 17: 171 أبواب ما يكتسب به ب 37 ح 4، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 102

المنع مطلقا، و هو منقول عن العماني «1».

و المنع في غير الفهود، نقله في المهذّب عن أكثر المتقدّمين و النهاية و الخلاف و الديلمي «2».

و في غير الفهد و سباع الطير، و هو محكي عن المفيد «3».

و الجواز مطلقا، و هو مذهب الحلّي و الفاضلين «4» و أكثر المتأخّرين «5».

و الجواز إلّا فيما لا ينتفع به، كالسبع و الذئب، حكي عن المبسوط «6».

و يظهر من التذكرة أنّ استثناء الهرّ إجماعيّ بين العلماء «7» و كيف كان، فالحقّ الجواز مطلقا، لطهارتها و الانتفاع بها نفعا معتدّا به، فتشملها الأصول و العمومات.

مضافا إلى صحيحة عيص: عن الفهود و سباع الطير هل يلتمس التجارة فيها؟ قال: «نعم» «8».

و صحيحة محمّد و البصري: «لا بأس بثمن الهرّ» «9».

و قد يستدلّ على الجواز في الأولى أيضا بالروايات المجوّزة لبيع

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 340.

(2) المهذب البارع 2: 351.

(3) المقنعة: 589.

(4) الحلي في السرائر 2: 220، المحقق في الشرائع 2: 10 و النافع: 116، العلّامة في القواعد 1: 120 و التذكرة 1: 464.

(5) منهم فخر المحققين في الإيضاح 1: 404 و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 2: 10 و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 19.

(6) المبسوط 2: 166.

(7) التذكرة 1: 464.

(8) الكافي 5: 226- 4، التهذيب 6: 373- 1085، الوسائل 17: 170 أبواب ما يكتسب به ب 37 ح 1.

(9) التهذيب 6: 356- 1017، الوسائل 17: 119 أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 103

عظام الفيل و العاج «1»،

و في الثانية بالأخبار المصرّحة بجواز بيع جلود النمر و السباع «2».

و هو حسن من جهة أنّ أقوى مستند المانع عدم الانتفاع، و هي مثبتة له، و إلّا فلا دلالة لجواز بيع بعض الأجزاء على جواز بيع الكلّ، كما في الميتة بالنسبة إلى أجزائها العشرة.

و منها: ما لا ينتفع به أصلا

، و ستظهر جليّة الحال فيه في كتاب البيع.

و منها: القمار بالآلات المعدّة له

، كالنرد، و الشطرنج، و الأربعة عشر [1]، و اللعب بالخاتم و الجوز و البيض، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل في المنتهى «4» و غيره «5» الإجماع عليه، و هو الحجّة في المقام، و عليه المعوّل.

و قد يستدلّ أيضا بالأخبار، كالصحيح: عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ «6»، فقال: «كانت قريش يقامر الرجل بأهله و ماله فنهاهم اللّه عزّ و جلّ عن ذلك» «7».

و رواية جابر: «لمّا أنزل اللّه عزّ و جلّ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ «8»

______________________________

[1] الأربعة عشر: الصفّان من النقر يوضع فيها شي ء يلعب فيه، في كلّ سبع نقر محفورة- مجمع البحرين 3: 406.

______________________________

(1) الوسائل 17: 171 أبواب ما يكتسب به ب 37 ح 2 و 3.

(2) الوسائل 17: 172 أبواب ما يكتسب به ب 37 و 38 ح 5 و 1.

(4) المنتهى 2: 1012.

(5) كالرياض 1: 504.

(6) البقرة: 188.

(7) الكافي 5: 122- 1، الوسائل 17: 164 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 1.

(8) المائدة: 90.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 104

قيل: يا رسول اللّه ما الميسر؟ قال: ما تقومر به حتى الكعاب و الجوز» «1».

و صحيحة معمّر: «النرد و الشطرنج و الأربعة عشر بمنزلة واحدة، و كلّ ما قومر به فهو ميسر» «2».

و فيه: أنّ غاية ما تدلّ عليه الرواية الاولى هو النهي عن القمار بالأهل و المال لا مطلقه، و أمّا الأخيرتان فلا تدلّان إلّا على حرمة ما تقومر به دون أصل القمار.

و أمّا رواية الوشّاء: «الميسر هو القمار» «3»، ففيها: أنّه إن أريد من القمار ما قومر به لم يفد،

و إن أريد المعنى المصدري يكون مخالفا لما فسّر الميسر به في غيرها، فإن حكمنا بالاشتراك أو الحقيقة أو المجاز لم يمكن حمل الآية عليهما، لعدم استعمال اللفظ في المعنيين، و لا على أحدهما، لعدم التعيين، و كذا إن حكمنا بالتعارض.

ثمَّ الظاهر أنّ القمار يكون في كلّ لعب جعل للغالب أجر مطلقا، أو إذا كان بما أعدّ لذلك عند اللاعبين، و قد وقع التصريح ببعض أنواعه في الروايات المتقدّمة و الآتية.

ثمَّ ما يترتّب عليه من الأجر لا يملك، بل هو سحت و إن وقع من غير المكلّف، لرواية إسحاق بن عمار: الصبيان يلعبون بالجوز و البيض و يقامرون، فقال: «لا تأكل منه، فإنّه حرام» «4».

______________________________

(1) الكافي 5: 122- 2، الفقيه 3: 97- 374، التهذيب 6: 371- 1075، الوسائل 17: 165 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 4.

(2) الكافي 6: 435- 1، الوسائل 17: 323 أبواب ما يكتسب به ب 104 ح 1، بتفاوت يسير.

(3) الكافي 5: 124- 9، الوسائل 17: 165 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 3.

(4) الكافي 5: 124- 10، التهذيب 6: 370- 1069، الوسائل 17: 166 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 105

و رواية السكوني: كان ينهى عن الجوز يجي ء به الصبيان من القمار أن يؤكل، و قال: «هو سحت» «1».

فيجب ردّه إلى المالك إن عرف، و التصدّق إن جهل، و الصلح إن انحصر بين معيّنين.

و هل يحرم اللعب بالآلات المعدّة له من غير قمار؟

لا إشكال في تحريم الشطرنج و النرد كما صرّح به الصدوق «2»، بل لا خلاف فيه.

ففي رواية الشحّام: «الرجس من الأوثان: الشطرنج» «3».

و في رواية عمر بن يزيد:

«يغفر اللّه في شهر رمضان إلّا لثلاثة» «4» و عدّ منها صاحب الشاهين، و فسّره في روايته الأخرى بالشطرنج «5».

و في رواية أبي بصير: «الشطرنج و النرد هما الميسر» «6».

و في رواية عبد الملك القمّي- بعد السؤال عن الميسر-: «هي الشطرنج»، قال: فقلت: إنّهم يقولون إنّها النرد، قال: «و النرد أيضا» «7».

و قال في الفقيه- بعد جعله النرد أشدّ من الشطرنج-: فأما الشطرنج فإنّ اتّخاذها كفر، و اللعب بها شرك، و تعليمها كبيرة موبقة، و السلام على

______________________________

(1) الكافي 5: 123- 6، الفقيه 3: 97- 375، التهذيب 6: 370- 1070، تفسير العياشي 1: 322- 116، الوسائل 17: 166 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 6.

(2) المقنع: 154.

(3) الكافي 6: 435- 2، الفقيه 4: 41- 135، الوسائل 17: 318 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 1.

(4) الكافي 6: 436- 10، الوسائل 17: 319 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 6.

(5) الكافي 6: 435- 5، الوسائل 17: 319 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 4.

(6) الكافي 6: 435- 3، الوسائل 17: 324 أبواب ما يكتسب به ب 104 ح 2.

(7) الكافي 6: 436- 8، الوسائل 17: 324 أبواب ما يكتسب به ب 104 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 106

اللاهي بها معصية، و مقلّبها كمقلّب لحم الخنزير، و الناظر إليها كالناظر [إلى ] فرج امّه [1]. انتهى.

و بهذه الأحكام صرّح في الأخبار.

و أمّا في غيرهما فيشكل الحكم بالتحريم، بل الأصل مع عدمه.

و منها: عمل الصور

، و هي أقسام، لأنّها إمّا صورة ذي روح أو غيره، و على التقديرين إمّا مجسّمة أو منقوشة، فالأولى حرام عمله مطلقا بلا خلاف أجده، و ادّعى الأردبيلي الإجماع عليه، و

كذا الكركي و نفى الريب عنه «2»، و في [الكفاية] [2] نفى العلم بالخلاف فيه.

و تدلّ عليه أيضا المستفيضة، منها: الصحيح المرويّ في المحاسن:

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر، فقال: «لا بأس، ما لم يكن شيئا من الحيوان» «4».

و تضعيف دلالته- بأنّ ثبوت البأس أعمّ من الحرمة- ضعيف، لأنّ البأس حقيقة في الشدّة و العذاب، و هما في غير الحرام منفيّان.

و المرويّ في الخصال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من صوّر صورة عذّب و كلّف أن ينفخ فيها و ليس بفاعل» «5».

و فيه و في ثواب الأعمال صحيحا عن عبد اللّه بن مسكان- المجمع

______________________________

[1] الفقيه 4: 42، و ما بين المعقوفين في النسخ: في، و ما أثبتناه من المصدر.

[2] بدل ما بين المعقوفين في «ح»: لف، و في «ق»: يق، و الظاهر أنّه تصحيف:

كف- رمز الكفاية-، حيث إن العبارة غير موجودة في المختلف و الحدائق، لكنها موجودة في الكفاية: 85.

______________________________

(2) جامع المقاصد 4: 23.

(4) المحاسن: 619- 54، الوسائل 17: 296 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 3.

(5) الخصال 1: 109- 77، الوسائل 17: 297 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 107

على تصحيح ما يصحّ عنه- بإسناده عن الصادق عليه السّلام: قال: «ثلاثة يعذّبون يوم القيامة: من صوّر صورة من الحيوان يعذّب حتى ينفخ فيها و ليس بنافخ» «1».

و مرسلة ابن أبي عمير: «من مثّل تمثالا كلّف يوم القيامة أن ينفخ فيه الروح» «2».

و حسنة حسين بن المنذر: «ثلاثة معذّبون يوم القيامة» و عدّ منهم:

«رجل صوّر تماثيل يكلّف أن ينفخ فيها و ليس بنافخ» «3».

و قريب

منها المرويّ في الفقيه في حديث المناهي، و فيه أيضا:

«نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن التصاوير» «4».

و المرويّ في تحف العقول و رسالة المحكم و المتشابه للسيّد:

«و صنعة صنوف التصاوير ما لم يكن فيه مثال الروحاني فحلال تعلّمه و تعليمه» «5»، و يقربه الرضوي «6».

و في الفقيه: «من حدّد قبرا أو مثّل مثالا خرج عن الإسلام» «7».

______________________________

(1) الخصال 1: 108- 76، ثواب الأعمال: 223، الوسائل 17: 297 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 7.

(2) الكافي 6: 527- 4، المحاسن: 615- 42، الوسائل 5: 304 أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 2.

(3) الكافي 6: 528- 10، المحاسن: 615- 44، الوسائل 5: 305 أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 5.

(4) الفقيه 4: 3- 1، الوسائل 17- 297 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 6.

(5) تحف العقول: 335، المحكم و المتشابه: 46- 49، الوسائل 17: 83 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1.

(6) فقه الرضا عليه السّلام: 301، مستدرك الوسائل 13: 64 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1.

(7) الفقيه 1: 120- 579، الوسائل 3: 208 أبواب الدفن ب 43 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 108

و تلك الأخبار و إن كان بعضها ضعيفا دلالة- [كالرابعة] [1]، حيث إنّ بمجرد التكليف بالنفخ لا يثبت التحريم. و الأخيرة، حيث إنّ الخروج فيها ليس باقيا على حقيقته بالإجماع- و لكنّها صالحة مؤيّدة للبواقي، و ضعف بعضها سندا غير ضائر عندنا، كما بيّنا مرارا.

و أمّا البواقي، فقد وقع الخلاف فيها، فالثانية محرّمة عند الحلّي و القاضي و شيخنا الشهيد الثاني «2» و بعض آخر «3». و جوّزها جماعة «4»، بل قيل: إنّه

الأشهر «5».

و الأول هو الأظهر، لإطلاق النصوص المتقدّمة، و خصوص حديث المناهي المرويّ في الفقيه: «و نهى عن نقش شي ء من الحيوان على الخاتم» «6».

و رواية أبي بصير: «يا محمّد، إنّ ربّك يقرئك السلام و ينهى عن تزويق البيوت» فقال أبو بصير: فقلت: و ما تزويق البيوت؟ فقال: «تصاوير التماثيل» «7».

و ظاهر أنّ التزويق إنّما هو في النقوش، للمجوّز الأصل، و الروايات

______________________________

[1] في النسخ: كالثالثة، و الظاهر ما أثبتناه، و هي مرسلة ابن أبي عمير المتقدمة في ص 107.

______________________________

(2) الحلي في السرائر 2: 215، القاضي في المهذب 1: 344، الشهيد الثاني في الروضة 3: 212 و المسالك 1: 165.

(3) منهم الحلبي في الكافي في الفقه: 281 و صاحب الحدائق 18: 100.

(4) منهم السبزواري في الكفاية: 85 و صاحب الرياض 1: 501.

(5) الرياض 1: 501.

(6) الفقيه 4: 5- 1، الوسائل 17: 297 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 6.

(7) الكافي 6: 526- 1، المحاسن: 614- 37، الوسائل 5: 303 أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 109

المعتبرة المرخّصة للجلوس و الوطء على الفرش المصوّرة «1».

و الأصل مندفع بما مرّ. و الروايات غير دالّة، لعدم الملازمة بين رخصة الجلوس و جواز العمل، مع احتمال حملها على غير ذوات الأرواح، و معارضتها بالموثّق: يجلس الرجل على بساط فيه تماثيل، فقال: «الأعاجم تعظّمه و إنّا لنمقته» «2».

و لا يشترط في صدق صورة الحيوان أو ذي الروح وجود ما يطابقها عرفا شخصا أو نوعا في الخارج، بل يكفي كونها بحيث يقال عرفا أنّها صورة الحيوان، لأنّ معنى صورة الحيوان أو ذي الروح: الصورة المختصّة به، و المراد شيوع الاختصاص و تعارفه و جريان

العادة به، فلو صوّر صورة حيوان لم يعلم وجود نوعه، و لكن كان بحيث لو فرض وجود مطابقه لكان من الحيوان بحسب العادة، كان محرّما.

و البواقي مجوّزة عند الأكثر، و هو الأقوى، للأصل، و اختصاص أكثر الأخبار المتقدّمة صريحا أو ظاهرا بذوات الأرواح، مضافا إلى تصريح صحيح المحاسن و المرويّ في التحف و أخويه بحلّية غيرها.

و في الموثّق: في قول اللّه عزّ و جلّ يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ «3» فقال: «و اللّه ما هي تماثيل الرجال و النساء، و لكنّها الشجر و شبهه» «4».

______________________________

(1) الوسائل 5: 308 أبواب أحكام المساكن ب 4.

(2) الكافي 6: 477- 7 و فيه: لنمتهنه، بدل: لنمقته، الوسائل 5: 308 أبواب أحكام المساكن ب 4 ح 1.

(3) سبأ: 12.

(4) الكافي 6: 527- 7، المحاسن: 618- 53، الوسائل 17: 295 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 110

و في المحاسن في الصحيح: «لا بأس بتماثيل الشجر» «1».

و بهذه الأخبار يقيّد بعض المطلقات، الذي هو الحجّة لمن خالف و حرّم، كما حكي عن الحلبي «2».

و هل يحرم إبقاء ما يحرم عمله فتجب إزالته، أم لا؟

الظاهر هو: الثاني، سيّما فيما توجب إزالته الضرر، للأصل، و عدم استلزام حرمة العمل حرمة الإبقاء، و الروايات المطلقة الدالّة على استحباب تغطّي التماثيل الواقعة تجاه القبلة، و نافية البأس عن الواقعة يمينا و شمالا، و المكرهة عن مصاحبتها في الصلاة «3».

و خصوص صحيحة الحلبي: قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ربّما قمت فأصلّي و بين يديّ الوسادة، و فيها تماثيل طير، فجعلت عليها ثوبا» «4».

و أمّا حسنة زرارة: «لا بأس بأن تكون التماثيل في البيوت إذا

غيّرت رؤوسها منها و ترك ما سوى ذلك» «5».

و رواية السكوني: قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى المدينة فقال: لا تدع صورة إلّا محوتها، و لا قبرا إلّا سوّيته، و لا كلبا إلّا قتلته» «6».

______________________________

(1) المحاسن: 619- 55، الوسائل 17: 269 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 2.

(2) الكافي في الفقه: 281.

(3) الوسائل 5: 170 أبواب مكان المصلي ب 32.

(4) التهذيب 2: 226- 892، الوسائل 5: 170 أبواب مكان المصلي ب 32 ح 2.

(5) الكافي 6: 527- 8، المحاسن: 619- 56، الوسائل 5: 308 أبواب أحكام المساكن ب 4 ح 3.

(6) الكافي 6: 528- 14، المحاسن: 613- 34، الوسائل 5: 306 أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 111

فمحمولتان على الاستحباب جمعا، مع أنّ اللّازم- على فرض بقاء التعارض و عدم المرجّح- الرجوع إلى الأصل، و هو مع الجواز، و المستفاد من الحسنة انتفاء كراهة الإبقاء بتغيّر الرأس، و لا بأس به.

و هل يجوز ابتياع ما يحرم عمله أو ما فيه ذلك؟

الأقوى: نعم، للأصل، إلّا إذا كان إعانة على عمله، فيحرم.

و أمّا أجر عمل المحرّم من الصور فالظاهر من كلماتهم الحرمة، فإن ثبت الإجماع فيه بخصوصه أو في أجر كلّ محرّم فهو المتّبع، و إلّا ففي تحريم أخذه نظر، و إن كان إعطاؤه محرّما لكونه إعانة على الإثم.

و منها: السحر

، و الظاهر أنّه لا خلاف في تحريمه، سواء كان أمرا حقيقيّا أو تخيّليّا، و في كلام جماعة الإجماع عليه «1»، بل نسب إلى شريعة الإسلام «2»، و في الخلاف بلا خلاف «3»، و هو الحجّة، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة:

ففي رواية:

«ساحر المسلمين يقتل»، و فيها: «السحر و الشرك مقرونان» «4».

و في أخرى: «يضرب الساحر بالسيف ضربة واحدة على أمّ رأسه» «5».

و في ثالثة: «حلّ دمه» «6».

______________________________

(1) كالعلامة في المنتهى 2: 1014 و السبزواري في الكفاية: 87.

(2) كما في الإيضاح 1: 405، التنقيح 2: 12.

(3) الخلاف 2: 434.

(4) الكافي 7: 260- 1، الفقيه 3: 371- 1752، التهذيب 10: 147- 583، العلل: 546- 1، الوسائل 17: 146 أبواب ما يكتسب به ب 25 ح 2 و ج 18:

576 أبواب بقية الحدود ب 1 ح 1.

(5) الكافي 7: 260- 2، التهذيب 10: 147- 584 بتفاوت يسير، الوسائل 28:

366 أبواب بقية الحدود ب 1 ح 3.

(6) التهذيب 10: 147- 585، الوسائل 28- 367 أبواب بقية الحدود ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 112

و في رابعة: «من تعلّم من السحر شيئا كان آخر عهده بربّه، و حدّه القتل» «1».

و في خامسة: «الساحر كافر» «2».

و ظاهرها التحريم مطلقا.

و قد استثني السحر للتوقّي و دفع المتنبّي، بل في الدروس و الروضة «3» و غيرهما «4»: أنّه ربما وجب كفاية لذلك.

و استدلّوا عليه بضعف الروايات، فيقتصر منها على ما حصل الانجبار بالنسبة إليه.

و بقول الصادق عليه السّلام في رواية عيسى بن سيف- بعد اعترافه بالسحر و التوبة و استفساره عن المخرج-: «حلّ و لا تعقد» «5».

و روايتي العلل و العيون، ففي الأولى: «توبة الساحر أن يحلّ و لا يعقد» «6».

و في الثانية: «كان بعد نوح قد كثرت السحرة و المموّهون، فبعث اللّه تعالى ملكين إلى نبيّ ذلك الزمان بذكر ما يسحر به السحرة، و ذكر ما يبطل به سحرهم و يردّ به كيدهم، فتلقّاه النبيّ من الملكين و أدّاه

إلى عباد اللّه بأمر اللّه [فأمرهم ] أن يقفوا به على السحر و أن يبطلوه، و نهاهم أن يسحروا به

______________________________

(1) التهذيب 10: 147- 586، الوسائل 28: 367 أبواب بقية الحدود ب 3 ح 2.

(2) دعائم الإسلام 2: 482، المستدرك 13: 107 أبواب ما يكتسب به ب 22 ح 6.

(3) الدروس 3: 164، الروضة 3: 215.

(4) كالحدائق 18: 171.

(5) الكافي 5: 115- 7، الفقيه- 3: 110- 463، التهذيب 6: 364- 1043، الوسائل 17: 145 أبواب ما يكتسب به ب 25 ح 1، بتفاوت في السند.

(6) العلل: 546- ذ. ح 1، الوسائل 17: 147 أبواب ما يكتسب به ب 25 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 113

الناس» الحديث «1».

و بأنّ الضرورات تبيح المحظورات كما ورد، و يثبته نفي الضرر و الحرج في الدين.

و فيه: أنّ الروايات و إن كانت ضعافا، إلّا أنّها أيضا حجّة عندنا كالصحاح. و تلك الأخبار لا تدلّ على جواز السحر، لإمكان الحلّ و الإبطال بغير السحر من القرآن و الذكر و التعويذ، كما استفاضت به الروايات، و يرشد إليه قوله في الأخيرة: «و نهاهم أن يسحروا» على سبيل الإطلاق. و عدم تأثير القرآن و الدعاء في بعض الأوقات لقصورنا، فلا يوجب حرجا لو منعنا من الحلّ بالسحر.

و بهذا يظهر أنّه لا ضرورة مبيحة للسحر و لا يتوقّف دفع الضرر و رفع الحرج عليه، كذا قيل.

و يمكن أن يخدش فيه: بأنّه قد لا يحلّ ببعض الآيات و الأدعية، و كما يمكن أن يكون ذلك لقصورنا يمكن أن يكون لعدم صحّة الرواية، و حجّيّة الآحاد في الأحكام لا توجب حجّيتها و ثبوتها في أمثال ذلك أيضا، فلا يكون بدّ من الحلّ بالسحر، و لو

لم تبح الضرورات لأجل ذلك لم يحلّ محرّم بضرورة.

ثمَّ السحر عرّف تارة بكلام أو كتابة يحدث بسببه ضرر على من عمل له في بدنه أو عقله.

و اخرى به، مع زيادة العمل في الجنس و تبديل الضرر بالأثر و إضافة القلب.

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا عليه السّلام 1: 208- 1، الوسائل 17: 147 أبواب ما يكتسب به ب 25 ح 4، و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 114

و ثالثة بالثاني، مع اشتراط عدم المباشرة له.

و رابعة بالثالث، مع زيادة العقد و الرقى في الجنس.

و خامسة بأنّه عمل يستفاد منه حصول ملكة نفسانيّة يقتدر بها على أفعال غريبة و أسباب خفيّة.

و سادسة باستحداث الخوارق، سواء كان بالتأثير النفساني، أو الاستعانة بالفلكيّات فقط، أو بتمزيج قواها بالقوى الأرضيّة، أو بالاستعانة بالأرواح الساذجة.

و لا يخفى أن كلّا منها منتقضة إمّا في الطرف أو العكس أو فيهما، لورود النقض بما يؤثّر في متعلّقات المسحور- كداره أو ولده أو ماله- أو ما يوجب حدوث أمر غريب من غير تأثير في شخص، و بالسحر عملا، و بالدعوات المستجابة و التوسّل بالقرآن و الأدعية، و بالمعجزة و التوصّل إلى الأمور الغريبة باستعمال القواعد الطبيعيّة، إلى غير ذلك.

و لم أعثر على حدّ تامّ في كلماتهم.

و المرجع في معرفته و إن كان هو العرف- كما هو القاعدة و صرّح به في المنتهى «1»- إلّا أنّه فيه أيضا غير منقّح.

و الذي يظهر من العرف و التتبّع في موارد الاستعمال أنّه عمل يوجب حدوث أمر منوط بسبب خفي غير متداول عادة، لا بمعنى أنّ كلّما كان كذلك هو سحر، بل بمعنى أنّ السحر كذلك.

و توضيح ذلك: أنّ ذلك تارة يكون بتقوية

النفس و تصفيتها حتى يقوى على مثل ذلك العمل، كما هو دأب أهل الرياضة و عليه عمل أهل

______________________________

(1) المنتهى 2: 1014.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 115

الهند.

و أخرى باستعمال القواعد الطبيعيّة أو الهندسيّة أو المداواة العلاجيّة، و هو المتداول عند الافرنجيّين.

و ثالثة بتسخير روحانيّات الأفلاك و الكواكب و نحوها، و هو المشهور عن اليونانيّين و الكلدانيّين.

و رابعة بتسخير الجنّ و الشياطين.

و خامسة بأعمال مناسبة للمطلوب، كتماثيل أو نقوش أو عقد أو نفث أو كتب منقسما إلى رقية [1] و عزيمة [2] أو دخنة [3] في وقت مختار، و هو المعروف عن النبط.

و سادسة بذكر أسماء مجهولة المعاني و كتابتها بترتيب خاصّ، و نسب ذلك إلى النبط و العرب.

و سابعة بذكر ألفاظ معلومة المعاني غير الأدعية.

و ثامنة بالتصرّف في بعض الآيات أو الأدعية أو الأسماء، من القلب أو الوضع في اللوح المربع، أو مع ضمّه مع عمل آخر من عقد أو تصوير أو غيرهما.

و تاسعة بوضع الأعداد في الألواح.

و لا شكّ في عدم كون الأولين سحرا، كما أنّ الظاهر كون الخامس سحرا، و البواقي مشتبهة، و الأصل يقتضي فيها الإباحة، إلّا ما علمت حرمته من جهة الإجماع، كما هو الظاهر في التسخيرات.

______________________________

[1] الرقية بالضم: العوذة- القاموس المحيط 4: 338.

[2] عزيمة: العزائم- الرقى- مجمع البحرين 6: 115.

[3] دخنة: ذريرة تدخّن بها البيوت- القاموس 4: 223.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 116

و منها: الكهانة

، و هي- كما في المسالك «1» و غيره «2» بل المصرّح به في كلام الأكثر «3»-: عمل يوجب طاعة بعض الجانّ له و اتّباعه له، بحيث يأتيه بالأخبار الغائبة، و في الأخبار أيضا ما يستفاد منه ذلك:

ففي الأمالي عن الصادق عليه السّلام- في

ذكر عجائب ليلة ولادة الرسول صلّى اللّه عليه و آله-: «و لم تبق كاهنة في العرب إلّا حجبت عن صاحبها» «4».

و عن ابن عبّاس في تفسير قوله تعالى إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ «5» كان في الجاهلية كهنة و مع كلّ واحد شيطان، و كان يقعد من السماء مقاعد للسمع، فيستمع من الملائكة ما هو كائن في الأرض، فينزل و يخبر به الكاهن، فيفشيه الكاهن إلى الناس «6». فهو قريب من السحر أو أخصّ منه.

و الأصل في تحريمه- بعد الإجماع الثابت المصرّح به في كلام جماعة «7»- النصوص المستفيضة:

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 14    116     و منها: الكهانة ..... ص : 116

ها: المرويّ في نهج البلاغة: «المنجّم كالكاهن و الكاهن كالساحر، و الساحر كالكافر، و الكافر في النار» «8».

و الخبران العادّان أجر الكاهن من السحت «9».

______________________________

(1) المسالك 1: 166.

(2) كما في الروضة 3: 215 و الحدائق 18: 184.

(3) كالعلامة في التحرير: 161 و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 31.

(4) أمالي الصدوق: 235.

(5) الحجر: 18.

(6) مجمع البيان 3: 332.

(7) كالسبزواري في الكفاية: 87 و صاحب الرياض 1: 503.

(8) نهج البلاغة (محمّد عبدة) 1: 125.

(9) الأول في: الكافي 5: 126- 2، التهذيب 6: 368- 1061، الوسائل 17: 93 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 5.

الثاني في: الفقيه 4: 262- 821، تفسير العياشي 1: 322- 117، الوسائل 17:

94 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 117

و ما روى الصدوق عن أبي بصير: «من تكهّن أو تكهّن له فقد برئ من دين محمّد»، قلت: فالقيافة؟ قال: «ما أحبّ أن تأتيهم» «1» و يؤيّده المرويّ في مستطرفات السرائر: «من

مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذّاب يصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل اللّه تعالى من كتاب» «2».

و منها: الشعبذة

، قيل: هي الأفعال العجيبة المترتّبة على سرعة اليد بالحركة فتلبس على الحس «3». و عن الدروس نفي الخلاف في تحريمه [1].

و منها: القيافة

، قالوا: هي الاستناد إلى علامات و أمارات يترتّب عليها إلحاق نسب و نحوه، و في الدروس و التنقيح [2] و غيرهما «4» الإجماع على تحريمه، و هو الظاهر من التذكرة «5»، و في الكفاية: لا أعلم خلافا بينهم في تحريم القيافة «6». فإن ثبت الإجماع فهو المتّبع، و إلّا ففيه نظر، و رواية الصدوق المتقدّمة ناظرة إلى الكراهة، و تظهر الرخصة من بعض روايات أخر أيضا، و لذا قيل: إنّما يحرم إذا رتّب عليها محرّما أو جزم بها «7». و ليس

______________________________

[1] لم نعثر عليه في الدروس و لا على من نقله عنه، و هو موجود في المنتهى 2:

1014.

[2] لم نعثر عليه في الدروس و لا على من نقله عنه، التنقيح 2: 13.

______________________________

(1) الخصال 1: 19- 68، الوسائل 17: 149 أبواب ما يكتسب به ب 26 ح 2.

(2) مستطرفات السرائر: 83، الوسائل 17: 150 أبواب ما يكتسب به ب 26 ح 3.

(3) كالشهيدين في الدروس 3: 164 و الروضة 3: 215.

(4) كالمنتهى 2: 1014 و الرياض 1: 503.

(5) التذكرة 1: 582.

(6) الكفاية: 87.

(7) المسالك 1: 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 118

ذلك ببعيد.

و منها: التنجيم و تعلّم النجوم

، حرّمه بعض الأصحاب «1»، و أسند إلى جماعة أيضا، و ليس كذلك.

و يظهر من جماعة- كالسيّد و الفاضل «2» و غيرهما «3»-: أنّ تحريمه من حيث فساد مذهب المنجّمين من اعتقاد تأثير الكواكب و أوضاعها استقلالا أم اشتراكا، اختيارا أم إيجابا.

و قيل بالحرمة مع اعتقاد كونها معدّة لتأثير اللّه سبحانه أيضا، لكونه علما بما لا يعلم.

و من بعض المتأخّرين: أنّه من حيث ابتنائه على الظنّ و التخمين، و كونه قولا بما لا يعلم «4».

و من ثالث: أنّه من حيث هو

هو «5»، لدلالة الأخبار «6» على تحريمه.

و يمكن أن يكون التحريم أيضا لأجل الإخبار بما لم يقع، فيشبه الكهانة.

و صرّح كثير من أصحابنا- منهم ابن طاوس «7»- بجوازه إذا لم يعتقد منافيا للشرع، بل هو الظاهر من الأكثر «8»، حيث قيّدوا التحريم بما إذا اعتقد

______________________________

(1) منهم العلّامة في المنتهى 2: 1014.

(2) نقله عن السيّد في فرج المهموم: 43، الفاضل في المنتهى 2: 1014 و التحرير: 161.

(3) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 46.

(4) كما في الدروس 3: 165.

(5) كالحر العاملي في الوسائل 11: 370 ب 14 أبواب آداب السفر، و ج 17: 144 ب 24 أبواب ما يكتسب به.

(6) الوسائل 17: 141 أبواب ما يكتسب به ب 24.

(7) فرج المهموم: 81.

(8) كما في الدروس 3: 165، جامع المقاصد 4: 32.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 119

التأثير.

أقول: أمّا تحريمه لأجل فساد المذهب فممّا لا وجه له، إذ لا مدخليّة للمذهب و اعتقاد التأثير من الكواكب في التنجيم، لأنّ غاية ما يترتّب عليه أنّه يحدث كذا عند وضع كذا.

و أمّا أنّه هل هو من تأثير النجم مستقلّا أو اشتراكا، حتى يكون اعتقاده حراما.

أو من باب العلامات و الأمارات على ما أجراه اللّه تعالى بعادته عقيبها، حتى لم يحرم اعتقاده، على ما صرّح به الأكثر، كالسيّد و المفيد و الكراجكي و ابن طاوس و المحقّق الثاني و شيخنا البهائي و المجلسي «1» و غيرهم «2».

أو من قبيل تسخين النار و تبريد الماء. أو غير ذلك.

فليس من مسائل النجوم و لا من متفرّعاتها، بل هو من المسائل الطبيعيّة.

و ليس التنجيم إلّا كالطب، فكما لا يبتني الطبّ على اعتقاد أنّ تأثير الدواء هل هو من جهة نفسه أو من

اللّه سبحانه، فكذلك النجوم، و الظاهر أن فساد اعتقاد بعض المنجّمين أوجب توهّم بعضهم أنّه ناشئ من جهة التنجيم.

و أمّا من حيث كونه قولا بما لا يعلم، فمع أنّه لا يحرم التعليم و لا

______________________________

(1) حكاه ابن طاوس عن السيّد و المفيد و قال به في فرج المهموم: 81، و المجلسي عنهما و البهائي و قال به في البحار 55: 278 و 281، الكراجكي في كنز الفوائد 2: 227 عن فرج المهموم، المحقّق الثاني في جامع المقاصد 4: 32.

(2) كالشهيد في الدروس 3: 165 و القواعد و الفوائد 2: 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 120

يختصّ بالتنجيم، يوجب التحريم إذا كان الحكم بالبتّ مع ظنيّته، فلا يحرم إذا حكم بالظنّ كما هو الطريقة، أو بالقطع إذا حصل من تكرّر التجارب.

و أمّا من جهة أنّه الإخبار بما لم يقع، ففيه: أنّ تحريمه مطلقا ممنوع، فبقي أن يكون الوجه فيه هو الروايات، و هي كثيرة:

منها: المرويّ في النهج المتقدّم أوله: «إيّاكم و تعلّم النجوم إلّا ما يهتدى به في برّ أو بحر، فإنّها تدعو إلى الكهانة، المنجّم كالكاهن، و الكاهن كالساحر، و الساحر كالكافر، و الكافر في النار» «1».

و رواه في المجالس و الاحتجاج أيضا «2»، و في آخره في رواية ابن أبي الحديد مخاطبا للمنجّم الذي نهاه عن السير في الوقت المعيّن: «أما و اللّه إن بلغني أن تعمل بالنجوم لأخلدنّك السجن أبدا ما بقيت، و لأحرمنّك العطا ما كان لي سلطان» «3».

و منها: رواية عبد الملك بن أعين، و فيها- بعد قوله للصادق عليه السّلام:

إنّي قد ابتليت بهذا العلم-: «تقضي؟» قلت: نعم، قال: «أحرق كتبك» «4»، و مثلها في دعوات الراوندي «5».

و رواية نصر بن

قابوس المرويّة في الخصال: «المنجّم ملعون، و الكاهن ملعون، و الساحر ملعون، و المغنّية ملعونة» «6».

قال الصدوق: المنجّم الملعون هو الذي يقول بقدم الفلك، و لا يقول

______________________________

(1) نهج البلاغة 1: 125 خطبة 77، الوسائل 11: 373 أبواب آداب السفر ب 14 ح 8.

(2) أمالي الصدوق: 338- 16، بتفاوت، الاحتجاج: 240.

(3) البحار 55: 264- 265.

(4) الفقيه 2: 175- 779، الوسائل 11: 370 أبواب آداب السفر ب 14 ح 1.

(5) دعوات الراوندي: 112.

(6) الخصال: 297- 67، الوسائل 17: 143 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 121

بمفلّكه و خالقه.

و فيه أيضا بسنده عن السجّاد: أنّه قال: «نهى رسول اللّه عن خصال» إلى أن قال: «و عن النظر في النجوم» «1».

و عن الصادق عليه السّلام: يقول: «سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عن الساعة، قال:

عند إيمان بالنجوم و تكذيب بالقدر» «2».

و رواية هشام بن الحكم المرويّة في الاحتجاج: إنّ زنديقا قال للصادق عليه السّلام: ما تقول في علم النجوم؟ قال: «هو علم قلّت منافعه، و كثرت مضارّه» إلى أن قال: «و المنجّم يضادّ اللّه في علمه بزعمه أنّه يردّ قضاء اللّه عن خلقه» «3».

و رواية الكابلي المرويّة في معاني الأخبار: «الذنوب التي تظلم الهواء: السحر و الكهانة و الإيمان بالنجوم» «4».

و قال الفاضلان و الشهيدان: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «من صدّق كاهنا أو منجّما فهو كافر بما أنزل اللّه على محمّد» «5».

و في دعاء الاستخارة المرويّة عن الصادق عليه السّلام: «اللّهمّ إنّك خلقت أقواما يلجئون إلى مطالع النجوم لأوقات حركاتهم و سكونهم و تصرّفهم و عقدهم، و خلقتني أبوء إليك من اللجإ إليها و من طلب

الاختيارات بها،

______________________________

(1) الخصال: 417- 10 و فيه: عن الباقر عن آبائه عليهم السّلام، الوسائل 17: 143 أبواب ما يكتسب به ب 12 ح 9.

(2) الخصال: 62- 87، الوسائل 17: 143 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 6.

(3) الاحتجاج: 348، الوسائل 17: 143 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 10.

(4) معاني الأخبار: 270- 2، الوسائل 11: 372 أبواب آداب السفر ب 14 ح 6.

(5) المحقّق في المعتبر 2: 688، العلامة في التذكرة 1: 271، الشهيد الثاني في المسالك 1: 76. و هو في الوسائل 17: 144 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 122

و أتيقّن أنّك لم تطلع أحدا على غيبك في مواقعها و لم تسهّل له السبيل إلى تحصيل أفاعيلها، و أنّك قادر على نقلها في مداراتها عن السعود العامّة و الخاصّة إلى النحوس، و عن النحوس الشاملة و المفردة إلى السعود» إلى أن قال: «و ما أسعدت من اعتمد على مخلوق مثله و أستمدّ الاختيار لنفسه «1»» [1] إلى آخر الدعاء، إلى غير ذلك.

و لكن تلك الأخبار مع ضعف دلالة أكثرها- لأنّ الإيمان بالنجوم غير التنجيم، و الأمر بإحراق الكتب لعلّه لما أجاب من أنّه يقضي بذلك الظاهر في القطع، و كثرة مضارّه يمكن أن يكون لأجل عدم إمكان التحرّز عمّا ظنّ مساءته و تعويق الحاجات و غيرهما، و مضادّة المنجّم بزعمه ردّ قضاء اللّه مسلّم إذا زعم ذلك، فالمحرّم هذا الزعم- معارضة بمثلها، بل أصرح منها من النصوص:

كرواية عبد الرحمن بن سيابة: قال: قلت لأبي عبد اللّه: جعلت فداك، إنّ الناس يقولون: إنّ النجوم لا يحلّ النظر فيها و هي تعجبني، فإن كانت تضرّ

بديني فلا حاجة لي في شي ء يضرّ بديني، و إن كانت لا تضرّ بديني فو اللّه إنّي لأشتهيها و أشتهي النظر فيها، فقال: «ليس كما يقولون، لا تضرّ بدينك» ثمَّ قال: «إنّكم تنظرون في شي ء منها كثيره لا يدرك و قليله لا ينتفع به، تحسبون على طالع القمر» الحديث «3».

قال ابن طاوس: روى هذا الحديث أصحابنا في الأصول «4».

و المرويّ في كتاب التجمّل: إنّ الصادق عليه السّلام قال: «يحلّ النظر في

______________________________

[1] في النسخ زيادة: و هم أولئك. و هي ليست في الوسائل.

______________________________

(1) فتح الأبواب: 198، الوسائل 17: 144 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 12.

(3) الكافي 8: 195- 233، الوسائل 17: 141 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 1.

(4) فرج المهموم: 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 123

النجوم» «1».

و في كتاب نزهة الكرام و بستان العوام تأليف محمّد بن الحسين الرازي: إنّ الكاظم عليه السّلام قال لهارون- بعد قوله: إنّ الناس ينسبونكم يا بني فاطمة إلى علم النجوم و فقهاء العامّة يروون ذمّه-: «هذا حديث ضعيف و إسناده مطعون فيه، و اللّه تبارك و تعالى قد مدح النجوم، و لو لا أنّ النجوم صحيحة ما مدحها اللّه عزّ و جلّ، و الأنبياء عليهم السّلام كانوا عالمين بها» إلى أن قال: «و بعد علم القرآن ما يكون أشرف من علم النجوم، و هو علم الأنبياء و الأوصياء و ورثة الأنبياء» الحديث «2».

و في فقه الرضا عليه السّلام: اعلم يرحمك اللّه إنّ كلّ ما يتعلّمه العباد من أنواع الصنائع، مثل: «الكتاب و الحساب و التجارة و النجوم و الطب» إلى أن قال: «فحلال تعليمه و العمل به و أخذ الأجرة عليه» «3».

و في الرسالة

الذهبيّة للرضا عليه السّلام: «اعلم أنّ الجماع و القمر في برج الحمل أو الدلو من البروج أفضل، و خير من ذلك أن يكون في برج الثور، لكونه شرف القمر» «4» و تؤيّدها الروايات الدالّة على أنّه علم الأنبياء و أهل بيت بالهند و أهل بيت في العرب، و أنّ عليّا عليه السّلام أعلم الناس به، و أنّه حق، كروايات الخفّاف «5» و المعلّى «6» و جميل بن صالح «7»، و ما رواه ابن طاوس عن

______________________________

(1) راجع البحار 55: 250- 35.

(2) البحار 55: 252- 36.

(3) فقه الرضا عليه السّلام: 301، مستدرك الوسائل 13: 64 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1.

(4) البحار 55: 268- 52.

(5) الكافي 8: 351- 549، الوسائل 17: 141 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 2.

(6) الكافي 8: 330- 507، الوسائل 17: 142 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 3.

(7) الكافي 8: 330- 508، الوسائل 17: 142 أبواب ما يكتسب به ب 24 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 124

يونس بن عبد الرحمن «1»، و ما رواه ابن شهرآشوب في مناقبه «2»، و غيرها.

و تقرير الكاظم عليه السّلام ابن أبي عمير عليه، كما في مرسلته المرويّة في الفقيه: كنت أنظر في النجوم و أعرفها و أعرف الطالع، فيدخلني من ذلك شي ء، فشكوت ذلك إلى أبي الحسن عليه السّلام، فقال: «إذا وقع في نفسك شي ء فتصدّق على أول مسكين ثمَّ امض، فإنّ اللّه تعالى يدفع عنك» «3» إلى غير ذلك.

و حمل الأخبار المانعة على اعتقاد التأثير أو الحكم بالبتّ و العمل في غيرهما بمقتضى الأصل متعيّن.

و منها: الغناء
اشاره

، و الكلام إمّا في مهيّته أو حكمه.

أمّا الأول: فبيانه: أنّ كلمات العلماء

من اللغويين و الأدباء و الفقهاء مختلفة في تفسير الغناء.

ففسّره بعضهم بالصوت المطرب.

و آخر بالصوت المشتمل على الترجيع.

و ثالث بالصوت المشتمل على الترجيع و الإطراب معا.

و رابع بالترجيع.

و خامس بالتطريب.

و سادس بالترجيع مع التطريب.

و سابع برفع الصوت مع الترجيع.

و ثامن بمدّ الصوت.

______________________________

(1) البحار 55: 235- 15.

(2) البحار 55: 249- 32.

(3) الفقيه 2: 175- 783، الوسائل 11: 376 أبواب آداب السفر ب 15 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 125

و تاسع بمدّه مع أحد الوصفين أو كليهما.

و عاشر بتحسين الصوت.

و حادي عشر بمدّ الصوت و موالاته.

و ثاني عشر- و هو الغزالي- بالصوت الموزون المفهم المحرّك للقلب «1».

و لا دليل تامّا على تعيين أحد هذه المعاني أصلا.

نعم، يكون القدر المتيقّن من الجميع المتّفق عليه في الصدق- و هو:

مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب الأعمّ عن السارّ و المحزن المفهم لمعنى- غناء قطعا عند جميع أرباب هذه الأقوال، فلو لم يكن هنا قول آخر يكون هذا القدر المتّفق عليه غناء قطعا.

إلّا أنّ بعض أهل اللغة فسّره بما يقال له بالفارسية: سرود، أيضا.

و حكي عن الصحاح أنّه قال: الغناء هو ما يسمّيه العجم ب: «دو بيتي».

و قال بعض الفقهاء «2»: إنّه يجب الرجوع في تعيين معناه إلى العرف.

و لا يخفى ما في معنى الأولين من الخفاء، فإنّ «سرود» و «دو بيتي» ليس بذلك الاشتهار في هذه الأعصار بحيث يتّضح المراد منها، و يمكن أن يكون هذا متّحدا مع أحد المعاني المتقدّمة.

و يحتمل قريبا أن يكون للّحن و كيفيّة الترجيع مدخليّة في صدقهما، و يشعر به ما في رواية عبد اللّه بن سنان الآتية «3» الفارقة بين لحن العرب

______________________________

(1) إحياء علوم الدين 2: 270.

(2) منهم الفاضل المقداد في

التنقيح 2: 11، الشهيد الثاني في الروضة 3: 212، صاحب الرياض 1: 502.

(3) في ص 148 و 149.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 126

و لحن أرباب الفسوق و الكبائر.

و يؤيّده أيضا ما قد يفسّر به «سرود» من أنّه ما يقال له بالفارسية «خوانندگى»، و قد يفسّر الغناء بذلك أيضا، فإنّ التعبير ب: «خوانندگى» في الأغلب إنّما يكون بواسطة الألحان و النغمات.

و كذا الثالث، فإنّ فيه خفاء أيضا، فإنّه لا عرف لأهل العجم في لفظ الغناء، و مرادفه من لغة الفرس غير معلوم، و عرف العرب فيه غير منضبط، و قد يعبّر عنه أيضا ب: «خوانندگى»، و هو غير ثابت أيضا.

و لأجل هذه الاختلافات يحصل الإجمال غايته في معنى الغناء، و لكنّ الظاهر أنّ القدر المتيقّن المذكور من المعاني الاثنى عشريّة- سيّما إذا ضمّ معه اللحن الخاصّ المعهود الذي يستعمله أرباب الملاهي و يتداول عندهم و يعبّر عنه الآن عند العوام ب: «خوانندگى»- يكون غناء قطعا، سواء كان في القرآن و الدعاء و المراثي أو في غيرها.

و لعلّ إلى اعتبار هذا اللحن في مفهومه قال صاحب الوافي: لا وجه لتخصيص الجواز بزفّ العرائس و لا سيّما و قد وردت الرخصة في غيره، إلّا أن يقال: إنّ بعض الأفعال لا يليق بذوي المروّات و إن كان مباحا «1».

فإنّ غير اللائق للمروّة هو هذه الألحان المعهودة.

و أمّا الثاني، فلا خلاف في حرمة ما ذكرنا أنّه غناء قطعا- و هو: مدّ الصوت المفهم المشتمل على الترجيع و الإطراب، سيّما مع الضميمة المذكورة- في الجملة، و لعلّ عدم الخلاف بل الإجماع عليه مستفيض، بل هو إجماع محقّق قطعا، بل ضرورة دينيّة.

______________________________

(1) الوافي 17: 220.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14،

ص: 127

و إنّما الكلام في أنّه هل هو حرام مطلقا من غير استثناء فرد منه، أو يحرم في الجملة- يعني: أنّه يحرم بعض أفراده- إمّا لاستثناء بعض آخر بدليل أو لاختصاص تحريم الغناء ببعض أفراده؟

فالمستفاد من كلام الشيخ في الاستبصار: الثاني، حيث قال- بعد نقل أخبار حرمة الغناء و كسب المغنّية-: الوجه في هذه الأخبار الرخصة فيمن لا يتكلّم بالأباطيل، و لا يلعب بالملاهي و العيدان و أشباهها، و لا بالقصب و غيره، بل كان ممّن يزفّ العروس و يتكلّم عندها بإنشاد الشعر، و القول البعيد عن الفحش و الأباطيل ..

و أمّا ما عدا هؤلاء- ممّن يتعيّن لسائر أنواع الملاهي- فلا يجوز على حال، سواء كان في العرائس أو غيرها «1». انتهى.

و هو ظاهر الكليني، حيث ذكر كثيرا من أخبار الغناء في أبواب الأشربة «2»، لاشتماله على الملاهي و شرب المسكر. و يظهر من كلام صاحب الكفاية أيضا أنّ صاحب الكافي لا يحرّم الغناء في القرآن «3».

و محتمل الصدوق، كما يظهر من تفسيره للمرسلة الآتية «4»، بل والده في الرسالة «5»، حيث عبّر فيها بمثل ما عبّر في الرضويّ الآتي بيانه.

بل ذكر صاحب الكفاية في كتاب التجارة- بعد نقل كلام عن الشيخ أبي عليّ الطبرسي في مجمع البيان-: إلّا أنّ هذا يدلّ على أنّ تحسين الصوت بالقرآن و التغنّي به مستحبّ عنده، و أنّ خلاف ذلك لم يكن معروفا

______________________________

(1) الاستبصار 3: 62.

(2) الكافي 6: 431.

(3) الكفاية: 86.

(4) الفقيه 4: 42- 139.

(5) حكاه عنه في المقنع: 154.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 128

عند القدماء، قال: و كلام السيّد المرتضى في الدرر و الغرر لا يخلو عن إشعار واضح بذلك «1».

و يشعر به كلام الفاضل في

المنتهى أيضا «2»، حيث يذكر في أثناء ذكر المسألة عبارة الاستبصار المتقدّمة الظاهرة في التخصيص شاهدا لحكمه بحرمة الغناء.

و كذا هو المستفاد من كلام طائفة من متأخّري أصحابنا، منهم المحقّق الأردبيلي «3»، حيث جعل في باب الشهادات من شرح الإرشاد الاجتناب عن الغناء في مراثي الحسين عليه السّلام أحوط.

و منهم صاحب الكفاية، حيث قال في كتاب التجارة: و في عدّة من الأخبار الدالّة على حرمة الغناء إشعار بكونه لهوا باطلا، و صدق ذلك في القرآن و الدعوات و الأذكار المقروءة بالأصوات الطيّبة المذكّرة للآخرة المهيّجة للأشواق في العالم الأعلى محلّ تأمّل.

إلى أن قال: فإذن لا ريب في تحريم الغناء على سبيل اللهو و الاقتران بالملاهي و نحوها، ثمَّ إن ثبت إجماع في غيره كان متّبعا، و إلّا بقي حكمه على أصل الإباحة «4».

و قال في كتاب الشهادات: و استثنى بعضهم مراثي الحسين عليه السّلام، إلى أن قال: و هو غير بعيد «5».

و منهم صاحب الوافي، قال في باب ترتيل القرآن: و لعلّه كان نحوا

______________________________

(1) الكفاية: 86، و فيه: لا يخلو عن إشكال ..، و هو في مجمع البيان 1: 16.

(2) المنتهى 2: 1012.

(3) مجمع الفائدة 12: 338.

(4) الكفاية: 86.

(5) الكفاية: 281.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 129

من التغنّي مذموما في شرعنا «1».

و قال في باب كسب المغنّية و شرائها: لا بأس بسماع التغنّي بالأشعار المتضمّنة ذكر الجنّة و النار، و التشويق إلى دار القرار، و وصف نعم اللّه الملك الجبار، و ذكر العبادات، و الترغيب في الخيرات و الزهد في الفانيات، و نحو ذلك «2». انتهى.

و قال في المفاتيح ما ملخّصه: و الذي يظهر لي- من مجموع الأخبار الواردة في الغناء و يقتضيه التوفيق

بينهما- اختصاص حرمته و حرمة ما يتعلّق به بما كان على النحو المتعارف في زمن بني أميّة، من دخول الرجال عليهنّ، و استماعهم لقولهنّ، و تكلّمهنّ بالأباطيل، و لعبهنّ بالملاهي، و بالجملة: ما اشتمل على فعل محرّم دون ما سوى ذلك. انتهى «3».

و المشهور بين المتأخّرين- كما قال في الكفاية «4»- الأول، و لا بدّ أولا من بيان أدلّة حرمة الغناء، ثمَّ بيان ما يستفاد من المجموع، ثمَّ ملاحظة أنّه هل استثني منه شي ء يثبت من أدلّة الغناء حرمته.

فنقول: الدليل عليها هو الإجماع القطعي- بل الضرورة الدينيّة- و الكتاب، و السنّة، أمّا الإجماع فظاهر، و أمّا الكتاب فأربع آيات بضميمة الأخبار المفسّرة لها:

الاولى: قوله سبحانه فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ «5».

______________________________

(1) الوافي 9: 1743.

(2) الوافي 17: 221.

(3) المفاتيح 2: 21.

(4) الكفاية: 85.

(5) الحج: 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 130

بضميمة رواية أبي بصير: عن قول اللّه تعالى فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، قال: «هو الغناء» «1».

و رواية الشحّام و مرسلة ابن أبي عمير، و فيهما- بعد السؤال عن الآية: «و قول الزور: الغناء» «2».

و الثانية: قوله سبحانه وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ «3».

بضميمة ما في تفسير عليّ القمّي عن الباقر عليه السّلام: «إنّه الغناء و شرب الخمر و جميع الملاهي» «4».

و المرويّ في معاني الأخبار عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام: عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ، قال: «منه الغناء» «5».

و في صحيحة محمّد: «الغناء ممّا قال اللّه تعالى وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ -

الآية-» «6».

و قريبة منها رواية مهران بن محمّد «7».

______________________________

(1) الكافي 6: 431- 1، الوسائل 17: 305 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 9.

(2) رواية الشحّام في: الكافي 6: 435- 2، الوسائل 17: 303 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 2.

مرسلة ابن أبي عمير في: الكافي 6: 436- 7، الوسائل 17: 305 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 8.

(3) لقمان: 6.

(4) تفسير القمي 2: 161.

(5) معاني الأخبار: 349- 1، الوسائل 17: 308 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 20.

(6) الكافي 6: 431- 4، الوسائل 17: 304 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 6.

(7) الكافي 6: 431- 5، الوسائل 17: 305 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 131

و رواية الوشّاء: عن الغناء، قال: «هو قول اللّه عزّ و جلّ وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ » «1».

و رواية الحسن بن هارون: «الغناء مجلس لا ينظر اللّه إلى أهله، و هو ممّا قال اللّه عزّ و جلّ وَ مِنَ النَّاسِ - الآية-» «2».

و في الصافي عن الكافي، عن الباقر عليه السّلام: «الغناء ممّا أوعد اللّه عليه النار» و تلا هذه الآية «3».

و في الرضويّ: «إنّ الغناء ممّا قد وعد اللّه عليه النار في قوله وَ مِنَ النَّاسِ - الآية-» «4».

و الثالثة: قوله سبحانه وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ «5».

بضميمة ما في تفسير القمّي عن الصادق عليه السّلام وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ : «الغناء و الملاهي» «6».

و الرابعة: قال اللّه سبحانه وَ الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ «7».

بضميمة صحيحة محمّد و الكناني في قول اللّه عزّ و جلّ وَ الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ، قال: «هو الغناء» «8».

و

أمّا السنّة فكثيرة جدّا:

______________________________

(1) الكافي 6: 432- 8، الوسائل 17: 306 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 11.

(2) الكافي 6: 433- 16، الوسائل 17: 307 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 16.

(3) الكافي 6: 431- 4، تفسير الصافي 4: 140، الوسائل 17: 304 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 6.

(4) فقه الرضا عليه السّلام: 281، مستدرك الوسائل 13: 213 أبواب ما يكتسب به ب 78 ح 9.

(5) المؤمنون: 3.

(6) تفسير القمي 2: 88.

(7) الفرقان: 72.

(8) الكافي 6: 433- 13، الوسائل 17: 304 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 132

ففي صحيحة الشحّام: «بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة، و لا تجاب فيه الدعوة، و لا يدخله الملك» «1».

و روايته: «الغناء عشّ النفاق» «2».

و رواية يونس: إنّ العبّاسي ذكر أنّك ترخّص في الغناء، فقال:

«كذب الزنديق ما هكذا قلت له، سألني عن الغناء، فقلت له: إنّ رجلا أتى أبا جعفر عليه السّلام فسأله عن الغناء، فقال: يا فلان إذا ميّز اللّه بين الحقّ و الباطل فأين يكون الغناء؟ فقال: مع الباطل، فقال: قد حكمت» «3».

و في جامع الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «يحشر صاحب الغناء من قبره أعمى و أخرس و أبكم» «4».

و فيه عنه صلّى اللّه عليه و آله: «ما رفع أحد صوته بغناء إلّا بعث اللّه شيطانين على منكبه يضربون بأعقابهما على صدره حتى يمسك» «5».

و في الخصال عن الصادق عليه السّلام: «الغناء يورث النفاق و يعقب الفقر» «6».

و مرسلة الفقيه: سأل رجل عليّ بن الحسين عليه السّلام عن شراء جارية لها صوت، فقال: ما عليك لو اشتريتها فذكّرتك الجنّة- يعني

بقراءة القرآن- و الزهد و الفضائل التي ليست بغناء، و أمّا الغناء فمحظور» «7».

______________________________

(1) الكافي 6: 433- 15، الوسائل 17: 303 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 1.

(2) الكافي 6: 431- 2، الوسائل 17: 305 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 10.

(3) الكافي 6: 435- 25، الوسائل 17: 306 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 13.

(4) جامع الأخبار: 154، مستدرك الوسائل 13: 219 أبواب ما يكتسب به ب 79 ح 17.

(5) جامع الأخبار: 154، مستدرك الوسائل 13: 214 أبواب ما يكتسب به ب 78 ح 15، و فيهما: «منكبيه» بدل: «منكبه».

(6) الخصال 1: 24- 84، الوسائل 17: 309 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 23.

(7) الفقيه 4: 42- 139، الوسائل 17: 122 أبواب ما يكتسب به ب 16 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 133

و تدلّ عليه المستفيضة المانعة عن بيع المغنّيات و شرائهنّ و تعليمهنّ:

كرواية الطاطري: عن بيع الجواري المغنّيات، فقال: «شراؤهنّ و بيعهنّ حرام، و تعليمهنّ كفر، و استماعهنّ نفاق» «1».

و رواية ابن أبي البلاد، و فيها: «و تعليمهنّ كفر، و الاستماع منهنّ نفاق، و ثمنهنّ سحت» «2».

و يستفاد من الأخيرتين حرمة استماع الغناء أيضا، كما هو مجمع عليه قطعا.

و إطلاق المنع عن الاستماع منهنّ- حتى من المحارم- يأبى عن كون المنع لحرمة استماع صوت الأجانب، مضافا إلى ظهور العطف على تعليمهنّ و التعليق بالوصف في إرادة استماع الغناء.

و يدلّ على حرمة الغناء و استماعه أيضا المرويّ في المجمع عن طريق العامّة، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «من ملأ مسامعه من غناء لم يؤذن له أن يسمع صوت الروحانيّين يوم القيامة» قيل: و ما الروحانيّون

يا رسول اللّه؟

قال: «قرّاء أهل الجنّة» «3».

و رواية عنبسة: «استماع الغناء و اللهو ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع» «4».

و مرسلة إبراهيم بن محمّد المدني: سئل عن الغناء و أنا حاضر،

______________________________

(1) الكافي 5: 120- 5، التهذيب 6: 356- 1018، الاستبصار 3: 61- 201، الوسائل 17: 124 أبواب ما يكتسب به ب 16 ح 7.

(2) الكافي 5: 120- 7، التهذيب 6: 357- 1021، الاستبصار 3: 61- 204، الوسائل 17: 123 أبواب ما يكتسب به ب 16 ح 5.

(3) مجمع البيان 4: 314.

(4) الكافي 6: 434- 23، الوسائل 17: 316 أبواب ما يكتسب به ب 101 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 134

فقال: «لا تدخلوا بيوتا اللّه معرض عن أهلها» «1».

و قد يستدلّ عليها برواية مسعدة بن زياد: إنّي أدخل كنيفا لي، ولي جيران عندهم جوار يتغنّين و يضربن بالعود، فربّما أطلت الجلوس استماعا لهنّ، فقال: «لا تفعل»، فقال الرجل: و اللّه ما آتيهنّ، و إنّما هو سماع أسمعه بأذني، فقال: «للّه أنت، أمّا سمعت اللّه يقول إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا «2»» فقال: بلى و اللّه لكأنّي لم أسمع بهذه الآية، إلى أن قال: «قم فاغتسل و صلّ ما بدا لك، فإنّك كنت مقيما على أمر عظيم، ما كان أسوأ حالك لو متّ على ذلك» الحديث «3».

أقول: أمّا الإجماع فظاهر أنّ الثابت منه ليس إلّا حرمة الغناء في الجملة، و لا يفيد شيئا في موضع الخلاف.

و أمّا الكتاب فظاهر أنّه لا دلالة للآيتين الأخيرتين على الحرمة أصلا، مضافا إلى ما يظهر من بعض الأخبار المعتبرة من تفسير اللغو بغير الغناء ممّا يباينه أو يعمّه.

و أمّا الآية

الثانية، فلا شكّ أنّه لا دلالة للأخبار المفسّرة لها بنفسها على الحرمة، بل الدالّ عليها هو الآية بضميمة التفسير، فيكون معنى الآية:

و من الناس من يشتري الغناء ليضلّ عن سبيل اللّه و يتّخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين. فمدلولها حرمة الغناء الذي يشترى ليضلّ عن سبيل اللّه و يتّخذها هزوا، و هو ممّا لا شكّ فيه، و لا تدلّ على حرمة غير ذلك ممّا

______________________________

(1) الكافي 6: 434- 18، الوسائل 17: 306 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 12.

(2) الإسراء: 36.

(3) الكافي 6: 432: 10، الفقيه 1: 45- 177، التهذيب 1: 116- 304، الوسائل 3: 331 أبواب الأغسال المندوبة ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 135

يتّخذ الرقيق القلب لذكر الجنّة، و يهيج الشوق إلى العالم الأعلى، و تأثير القرآن و الدعاء في القلوب، بل في قوله لَهْوَ الْحَدِيثِ إشعار بذلك أيضا.

مع أنّ رواية الوشّاء محتملة لأن تكون تفسيرا للغناء بلهو الحديث، لا بيانا لحكمه، فلا تكون شاملة لما لا يصدق عليه لهو الحديث لغة و عرفا.

مضافا إلى معارضة هذه الأخبار مع ما روي في مجمع البيان عن الصادق عليه السّلام: «أنّ لهو الحديث في هذه الآية: الطعن في الحقّ و الاستهزاء به» «1».

و رواية أبي بصير: عن كسب المغنّيات، فقال: «التي يدخل عليها الرجال حرام، و التي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس، و هو قول اللّه عزّ و جلّ وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي «2»- الآية-»، فإنّها تدلّ على أنّ لهو الحديث هو غناء المغنّيات التي يدخل عليهنّ الرجال، لا مطلقا.

و إلى أنّ الظاهر من رواية الحسن بن هارون «3»: أنّ الغناء- الذي أريد من لهو الحديث- مجلس، و هو

ظاهر في محافل المغنّيات.

و إلى أنّ مدلول سائر الأخبار المفسّرة أنّ الغناء فرد من لهو الحديث، و أنّه بعض ما قال اللّه سبحانه، فيشعر بأنّ المراد من لهو الحديث معناه اللغوي و العرفي الذي فرد منه الغناء، و هو لا يصدق إلّا على الأقوال الباطلة الملهية لا مطلقا.

______________________________

(1) مجمع البيان 4: 313.

(2) الكافي 5: 119- 1، التهذيب 6: 358- 1024، الاستبصار 3: 62- 207، الوسائل 17: 120 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 1.

(3) المتقدّمة في ص: 131.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 136

فلم تبق من الآيات الكريمة إلّا الآية الاولى، و سيجي ء الكلام فيها.

و أمّا الأخبار، فظاهر أنّ الروايات المانعة عن بيع المغنّيات و شرائهنّ و الاستماع لهنّ لا دلالة لها على حرمة المطلق، إذ لا شكّ انّ المراد منهنّ ليس من من شأنه أن يتغنّى و يقدر على الغناء، لعدم حرمة بيعه و شرائه قطعا. بل المراد: الجواري اللّاتي أخذن ذلك كسبا و حرفة، كما هو ظاهر الأخبار المانعة عن كسبهنّ و أجرهنّ.

و على هذا، فتكون إرادتهنّ من المغنّيات- الموضوعة لغة لمن يغنّي مطلقا إمّا مع بقاء المبدأ أو مطلقا- مجازا، فيمكن أن يكون المراد بهنّ اللّاتي كنّ في تلك الأزمنة، و هنّ اللّاتي أخذنها كسبا و حرفة في محافل الرجال و الأعراس، بل الظاهر أنّه لم يكن يكسب بغيرهما، و في رواية أبي بصير المتقدّمة- المقسّمة لهنّ إلى اللّاتي يدخل عليهن الرجال و اللّاتي تزفّ العرائس- دلالة على ذلك.

و أمّا سائر الروايات، فبكثرتها و تعدّدها خالية عن الدلالة على الحرمة أصلا، إذ لا دلالة- لعدم الأمن من الفجيعة، و عدم إجابة الدعوة، و عدم دخول الملك، و كونه عشّ النفاق

أو مورثه أو منبته، أو كونه مع الباطل، أو الحشر أعمى و أصمّ و أبكم، أو بعث الشيطان للضرب على الصدر، أو تعقيب الفقر، أو عدم سماع صوت الروحانيّين، أو أعراض اللّه عن أهله- على إثبات الحرمة، لورود أمثال ذلك في المكروهات كثيرا.

مع أنّ روايتي جامع الأخبار و رواية المجمع «1» عن طريق العامّة لا حجّية فيها أصلا.

______________________________

(1) المتقدّمة جميعا في ص: 132 و 133.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 137

و أمّا مرسلة الفقيه «1»، فإنّما تفيد الحرمة لو كان التفسير من الإمام، و هو غير معلوم، بل خلاف الظاهر، لأنّ الظاهر أنّه من الصدوق، مع أنّه لو كان من الإمام أيضا إنّما يفيد حرمة المطلق لو كان قوله: «التي ليست بغناء» وصفا احترازيّا للقراءة، و هو أيضا غير معلوم.

و أمّا رواية مسعدة «2»، فمع اختصاصها بغناء الجواري المغنّية، مشتملة على ضرب العود أيضا، فلعلّ المعصية كانت لأجله.

فإن قيل: إنّ تكذيبه عليه السّلام لمن نسب إليه الرخصة في الغناء يدلّ على انتفاء الرخصة، فيكون حراما.

قلنا: التكذيب في نسبة الرخصة لا يستلزم المنع، لأنّ عدم ترخيص الإمام أعمّ من المنع، بل كلامه عليه السّلام: ما هكذا قلت، بل قلت كذا، صريح في أنّ التكذيب ليس للمنع، بل لذكره خلاف الواقع، مع أنّه يمكن أن يكون التكذيب لأجل أنّه نسب الرخصة في المطلق، و هو كذب صريح.

و لا يتوهّم دلالة كونه مع الباطل على الحرمة، إذ لا يفيد ذلك أزيد من الكراهة، لعدم معلوميّة أنّ المراد بالباطل ما يختصّ بالحرام، و لذا يصحّ أن يقال: التكلّم بما لا يعني يكون من الباطل.

مضافا إلى أنّ [في ] [1] تصريح السائل بكونه مع الباطل- بحيث يدلّ على شدّة ظهور

كونه معه عنده- إشعارا ظاهرا بأنّ المراد منه ما كان مع التكلّم بالأباطيل.

فإن قيل: هذه الأخبار و إن لم تثبت التحريم، إلّا أنّ الروايتين

______________________________

[1] أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 132.

(2) المتقدّمة في ص: 134.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 138

المذكورتين في تفسير الآية الثانية المتضمّنتين لقوله: «إنّ الغناء ممّا أوعد اللّه عليه النار» «1» تدلّان على حرمته، بل كونه من الكبائر.

قلنا: لا دلالة لهما إلّا على حرمة بعض أفراد الغناء، و هو الذي يشترى ليضلّ به عن سبيل اللّه و يتّخذها هزوا، ألا ترى أنّه لو قال أحد: أمر الأمير بضرب البصري، في قوله: اضرب زيد البصري، يفهم أنّه مراده من البصري دون المطلق، و لو أبيت الفهم فلا شكّ أنّه ممّا يصلح قرينة لإرادة هذا الفرد من المطلق، و معه لا تجري فيه أصالة إرادة الحقيقة، التي هي الإطلاق.

فلم يبق دليل على حرمة مطلق الغناء سوى قوله سبحانه وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ «2» بضميمة تفسيره في الأخبار المتقدّمة «3» بالغناء.

إلّا أنّه يخدشه: أنّه يعارض تلك الأخبار المفسّرة ما رواه الصدوق في معاني الأخبار عن الصادق عليه السّلام: قال: سألته عن قول الزور، قال: «منه قول الرجل للذي يغنّي: أحسنت» «4»، فإنّ الأخبار الأولة باعتبار الحمل تدلّ على أنّ معناه الغناء، و ذلك يدلّ على أنّه غيره أو ما هو أعمّ منه، بل فيه إشعار بأنّ المراد من الزور هو معناه اللغوي و العرفي- أي الباطل و الكذب و التهمة- كما في النهاية الأثيريّة «5». و عدم صدق شي ء من ذلك على مثل القرآن و الأدعية و المواعظ و المراثي واضح و إن ضمّ معه نوع ترجيع.

بل يعارضها ما رواه في الصافي عن

المجمع، قال: «و عن

______________________________

(1) راجع ص 131.

(2) الحج: 30.

(3) في ص: 130.

(4) معاني الأخبار: 349- 2، الوسائل 17: 309 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 21.

(5) النهاية 2: 318.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 139

النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: أنّه عدلت شهادة الزور بالشرك باللّه» ثمَّ قرأ هذه الآية «1». فإنّه يدلّ على أنّ المراد بقول الزور: شهادة الزور.

و بملاحظة هذين المتعارضين- المعتضدين بظاهر اللفظ، و باشتهار تفسيره بين المفسّرين بشهادة الزور أو مطلق القول الباطل- يوهن دلالة تلك الآية أيضا على حرمة المطلق.

مضافا إلى معارضتها مع ما دلّ على أنّ الغناء على قسمين: حرام و حلال.

كالمرويّ في قرب الإسناد للحميري بإسناد لا يبعد إلحاقه بالصحاح- كما في الكفاية «2»- عن عليّ بن جعفر، عن أخيه: قال: سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر و الأضحى و الفرح يكون؟ قال: «لا بأس ما لم يعص به» «3».

و المرويّ في تفسير الإمام عليه السّلام، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله- في حديث طويل، فيه ذكر شجرة طوبى و شجرة الزقّوم و المتعلّقين بأغصان كلّ واحدة منهما-:

«و من تغنّى بغناء حرام يبعث فيه على المعاصي فقد تعلّق بغصن منه» «4» أي من الزقّوم.

فإنّ الأول صريح في أنّ من الغناء ما لا يعصى به، و الثاني ظاهر في أنّ الغناء على قسمين: حرام و حلال.

و صحيحة أبي بصير: «أجر المغنّية التي تزف العرائس ليس به بأس،

______________________________

(1) تفسير الصافي 3: 377.

(2) الكفاية: 86.

(3) قرب الإسناد: 294- 1158، الوسائل 17: 122 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 5.

(4) تفسير الإمام العسكري عليه السّلام: 648.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 140

ليست بالتي يدخل عليها الرجال»

«1»، فإنّها ظاهرة في أنّه لا حرمة في غناء المغنّية التي لا يدخل عليها الرجال.

المؤيّدة بروايته الأخرى المتقدّمة «2» المقسّمة للمغنّيات على قسمين:

ما يدخل عليهنّ الرجال و ما يزفّ العرائس، و الحكم بحرمة الاولى و نفي البأس عن الثانية، و بأنّ الظاهر اشتهار هذا التقسيم عند أهل الصدر الأول، كما يظهر من كلام الطبرسي.

و على هذا فنقول: إنّ المراد بما يعصى به من الغناء أو عمل الحرام منه [إمّا] [1] هو ما يتكلّم بالباطل و يقترن بالملاهي و نحوهما، و حينئذ فعدم حرمة المطلق واضح.

أو يكون غيره و يكون المراد غناء نهى عنه الشارع، و لعدم كونه معلوما يحصل فيه الإجمال، و تكون الآية مخصّصة بالمجمل، و العام المخصّص أو المطلق المقيّد بالمجمل ليس بحجّة.

و يؤكّد اختصاص الغناء المحرّم بنوع خاصّ ما يتضمّنه كثير من الأخبار المذكورة، من نحو قوله: «الغناء مجلس» كما في رواية الحسن بن هارون «4»، أو: «بيت الغناء» كما في صحيحة الشحّام «5»، أو: «صاحب الغناء» كما في رواية جامع الأخبار «6»، أو: «لا تدخلوا بيوتا» بعد السؤال

______________________________

[1] في النسخ: ما، و الأنسب ما أثبتناه.

______________________________

(1) الكافي 5: 120- 3، الفقيه 3: 98- 376، التهذيب 6: 357- 1022، الوسائل 17: 121 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 3.

(2) في ص: 135.

(4) الكافي 6: 433- 16، الوسائل 17: 307 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 16.

(5) الكافي 6: 433- 15، الوسائل 17: 303 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 1.

(6) جامع الأخبار: 154.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 141

عن مطلق الغناء، كما في مرسلة إبراهيم المدني «1».

و قد ظهر من جميع ذلك أنّ القدر الثابت من الأدلّة هو حرمة

الغناء بالمعنى المتيقّن كونه غناء لغويا، و هو ترجيع الصوت مع الإطراب في الجملة، و لا دليل على حرمته بالكلّية، فاللازم فيه هو الاقتصار على القدر المعلوم حرمته بالإجماع، و هو ما كان في غير ما استثنوه، و هي أمور

[ما استثني من الغناء الغير المحرم ]
منها: غناء المغنّية في زفّ العرائس

، استثناه في النهاية و النافع و المختلف و التحرير و القاضي «2»، و جمع آخر «3»، و هو كذلك، و لكنّه ليس لما ذكرنا من عدم ثبوت الدليل على حرمة المطلق، لوجوده في غناء المغنّيات كما مرّ، بل للأخبار المقيّدة لهذه المطلقات:

كرواية أبي بصير المتقدّمة: «و التي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس» «4».

و الأخرى: «المغنّية التي تزفّ العرائس لا بأس بكسبها» «5».

و صحيحته: «أجر المغنّية التي تزفّ العرائس ليس به بأس، ليست بالتي يدخل عليها الرجال» «6».

______________________________

(1) الكافي 6: 434- 18، الوسائل 17: 306 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 12.

(2) النهاية: 367، النافع: 116، المختلف: 342، التحرير 1: 160، القاضي في المهذّب 1: 346.

(3) كما في الدروس 3: 162، الروضة 3: 213، الرياض 1: 502.

(4) الكافي 5: 119- 1، التهذيب 6: 358- 1024، الاستبصار 3: 62- 207، الوسائل 17: 120 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 1.

(5) الكافي 5: 120- 2، التهذيب 6: 357- 1023، الاستبصار 3: 62- 206، الوسائل 17: 126 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 2.

(6) الكافي 5: 120- 3، الفقيه 3: 98- 376، التهذيب 6: 357- 1022، الاستبصار 3: 62- 205، الوسائل 17: 121 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 142

خلافا للمفيد و الحلبي و الحلّي و الديلمي و التذكرة و الإرشاد «1»، فلم يستثنوه.

إمّا لمعارضة تلك

الأخبار للروايات المحرّمة للغناء أو كسبه أو لشراء المغنّيات و بيعهنّ و تعليمهنّ، حيث إنّه لو كانت له جهة إباحة لم يحرم البيع و الشرى و التعليم.

أو لضعف سندها.

أو لضعف دلالتها، إذ غايتها نفي البأس عن الأجرة، و هو غير ملازم لنفي الحرمة.

و يمكن الجواب: بأنّ المعارضة بقسميها مطلقة، فيجب حملها على المقيّد.

و ضعف السند غير ضائر، مع أنّ فيها الصحيح.

و الملازمة ثابتة، لعدم القول بالفرق، و الاستقراء الحاصل من تتبّع الأخبار الدالّة على الملازمة في كثير من الأمور المحرّمة، مع أنّ المنفيّ عنه البأس في روايتي أبي بصير هو نفس الكسب، و حمله على المكتسب تجوّز.

هذا، ثمَّ إنّه يشترط في الحلّية عدم دخول الرجال عليهنّ، و إلّا فيحرم و إن كانوا محارم، كما احتمله المحقّق الثاني «2»، للإطلاق.

و كذا يشترط عدم التكلّم بالباطل، و عدم سماع الأجانب من الرجال،

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 588، الحلبي في الكافي في الفقه: 281، الحلي في السرائر 2: 215، الديلمي في المراسم: 170، التذكرة 2: 581، الإرشاد 1:

357.

(2) جامع المقاصد 4: 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 143

و الوجه ظاهر.

و أمّا اشتراط عدم العمل بالملاهي فلا وجه له، لأنّه ليس نفس الغناء، و لا عارضا له، و لا من مشخّصاته كما في السابقين، بل هو حرام مقارن له، فلا يحرم به، و لذا خصّ بعضهم الأولين بالذكر «1».

و هل يتعدّى إلى المغنّي و إلى غير الزفاف- و هو إهداء العروس إلى زوجها حتى يدخله عليها- بل و غير الأعراس؟

الظاهر: نعم، [لا] [1] لإطلاق قوله عليه السّلام في الرواية: «التي تدعى إلى الأعراس»، لعدم ثبوت صدق العرس على غير ما ذكر في زمان الشارع.

بل لقوله في الصحيحة «ليست بالتي

يدخل عليها الرجال» يدلّ على علّيّة عدم دخول الرجال للجواز، فيتحقّق كلّما لم يدخلوا عليهن.

و ردّ: بأنّ عدم الجواز في بعض صور عدم الدخول أيضا إجماعيّ، و منه يعلم عدم ثبوت العلّيّة الحقيقيّة لعدم دخول الرجال للجواز، فيكون تجوّزا، فلا يعلم منه ثبوت الحكم في غير محلّ التصريح.

و فيه نظر ظاهر، لأنّه يكون حينئذ من باب تخصيص عموم العلّة، و هو لا يخرجها عن الحجّيّة في غير موضع التخصيص.

هذا، مضافا في المغنّي إلى الأصل المعتمد عليه، حيث لم تثبت الحرمة بالإطلاق.

و منها: الحداء

، و هو سوق الإبل بالغناء، و اشتهر فيه الاستثناء، و توقّف فيه جماعة، مصرّحين بعدم عثورهم على دليل عليه «3»، و لذا ذهب

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

______________________________

(1) كالشيخ في النهاية: 367.

(3) منهم السبزواري في الكفاية: 86، صاحب الحدائق 18: 116.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 144

جمع إلى عدم الاستثناء «1».

و الرواية العامّية- أنّه كان واحد من أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يفعل الحداء بحضرته و هو يسمع، و بعد ذلك ترحّم عليه «2»- غير صالحة للحجّيّة.

و الحقّ فيه: عدم الحرمة، للأصل، و عدم ثبوت الحرمة كلّية.

و منها: في مراثي الحسين عليه السّلام و غيره من الحجج و المعصومين

، للأصل المذكور المعتمد.

و ربّما يؤيّد أيضا بعمل الناس في الأعصار و الأمصار من غير نكير.

و قول الصادق عليه السّلام لمن أنشد عنده مرثية «اقرأ كما عندكم» أي بالعراق «3».

و بأنّه معين على البكاء، فهو إعانة على الخير.

و القول بأنّ المسلّم هو إعانة الغناء على مطلق البكاء، و كونه خيرا ممنوع، و أمّا كونه معينا على البكاء على الحسين عليه السّلام فهو غير مسلّم، فإنّه إنّما يكون باعتبار تذكّر أحواله، و لا دخل للغناء فيه، مع أنّ عموم رجحان الإعانة على الخير أو إطلاقه و لو بالحرام غير ثابت.

مردود بأنّ تخصيص علّة البكاء على الحسين بتذكّر أحواله فقط أمر مخالف للوجدان، فإنّا نشاهد من أنفسنا تأثير الألفاظ و الأصوات، فنرى أنّه يعبّر عن واقعة واحدة بألفاظ مختلفة يحصل من بعضها البكاء الشديد، و لا يؤثّر بعضها أصلا.

______________________________

(1) منهم المفيد في المقنعة: 588، الحلبي في الكافي في الفقه: 281، الديلمي في المراسم: 170، الحلي في السرائر 2: 215.

(2) انظر صحيح البخاري 7: 43، مسند أحمد 3: 172.

(3) ورد معناه في ثواب الاعمال: 111، كامل

الزيارات: 104، الوسائل 14: 594 أبواب المزار و ما يناسبه ب 104 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 145

و نرى أنّا نبكي من تعزية بعض الناس دون بعض، بل نرى أنّه ربّما يذكر أحد واقعة و لا يؤثّر في قلب، و يذكر غيره هذه الواقعة و تحصل منه الرقّة بحيث يشرف بعض الناس على الهلاكة، بل ربّما يبقى التأثير بعد تمام تعزيته، بحيث تسيل الدموع بمجرّد تذكّر ما ذكره من الوقائع بعد مدّة طويلة.

و بالجملة: إعانة الألفاظ و العبارات و الألحان و الأصوات على البكاء على شخص أمر مقطوع به، و ليس البكاء فيه على شي ء غير وقائع هذا الشخص، فإنّ المشاهد أنّ بتعزية بعض الناس و ذكر بعض الألفاظ تحصل حرقة خاصّة للقلب على الحسين عليه السّلام و أصحابه ما لا يحصل بتعزية غيره و لا بلفظ آخر مرادف.

و التحقيق: أنّ الصوت و اللفظ و اللحن من الأمور المرقّقة للقلب، المعدّة للتأثير، و بترقيقها و إعدادها يحصل البكاء بتذكّر الأحوال، فكون الصوت و اللفظ معينا على البكاء ممّا لا يمكن إنكاره.

و أمّا قول المعترض-: مع أنّ عموم رجحانه، إلى آخره- ففيه: أنّه ليس مراد المستدلّ تجويز إعانة البرّ بالحرام، بل يمنع الحرمة حين كون الغناء معينا على البكاء، استنادا إلى تعارض عمومات حرمة الغناء مع عمومات رجحان الإعانة بالبرّ و عدم المرجّح، فيبقى محلّ التعارض على مقتضى الأصل.

و منع عموم الإعانة على البرّ أو ترجيح عمومات الغناء بأظهريّة العموم أو الأكثريّة أو لأجل ترجيح الحرمة على الجواز مع التعارض، ليس بشي ء، لأنّ عموم إعانة البرّ مطلقا أمر ثابت كتابا و سنّة.

مع أنّ الأحاديث الواردة في أنّ من أبكى أحدا على الحسين كان

له

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 146

كذا و كذا بلغت حدّ الاستفاضة، بل التواتر، و كثير منها مذكور في ثواب الأعمال للصدوق «1»، فمنع التعارض ضعيف جدّا، كترجيح عمومات حرمة الغناء، فإنّ عمومات الإعانة على البرّ و خصوص الإبكاء «2» أكثر بكثير، مذكورة في الكتاب و السنّة، مجمع عليه بين الأصحاب.

و ترجيح جانب الحرمة على الجواز لم يثبت عندنا، إلّا على وجه الأولويّة و الاستحباب، و هو أمر آخر، بل لا يبعد ترجيح عمومات الإعانة بتضعيف حرمة الغناء دلالة أو سندا.

و أمّا ما يجاب عن التعارض بمنع كون الغناء معينا على البكاء مطلقا، لأنّ المعين عليه هو الصوت، و أمّا نفس الترجيع الذي يتحقّق به الغناء فلم يعلم كونه معينا عليه أصلا، لا على الحسين عليه السّلام و لا مطلقا.

ففيه أولا: أنّ من البيّن أنّ لنفس الترجيع أيضا أثرا في القلب، كما يدلّ عليه ما في كلام جماعة «3» من توصيف الترجيع بالمطرب مع تفسيرهم الإطراب، فإنّ حزن القلب من معدّات البكاء، مع أنّه قيل: إنّ الغناء المحرّم هو الصوت «4».

و منها: قراءة القرآن

، و قد مرّ قول صاحب الكفاية: أنّ الظاهر من تفسير الطبرسي أنّ التغنّي في القرآن مستحبّ عنده، و أنّ خلاف ذلك لم يكن معروفا بين القدماء «5».

______________________________

(1) ثواب الاعمال: 83.

(2) انظر الوسائل 14: 500 و 593 أبواب المزار و ما يناسبه ب 66 و 104.

(3) منهم المحقق في الشرائع 4: 128، الشهيد في الدروس 2: 126، الكركي في جامع المقاصد 4: 23.

(4) راجع ص: 124 و 125.

(5) كفاية الأحكام: 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 147

و توهّم أنّ الطبرسي لم يذكر إلّا تحسين اللفظ و تزيين الصوت و تحزينه، و كلّ

ذلك غير الغناء.

مردود بأنّه- بعد ذكر الرواية الآتية الآمرة بالتغنّي بالقرآن- ذكر تأويل بعضهم بأنّ المراد منه: الاستغناء بالقرآن، ثمَّ قال: و أكثر العلماء على أنّه تزيين الصوت و تحزينه «1».

و لا نعني أنّ المراد بالتغنّي هنا هو ما تحصل به زينة الصوت و تحزينه، و هو في مقام بيان معنى التغنّي ليس إلّا ما يحصل به الغناء.

ثمَّ إنّه يدلّ على استثنائها و جواز التغنّي فيها ما مرّ من الأصل، مضافا إلى المعتبرة الآمرة بقراءته بالحزن و بالصوت الحسن، و الدالّة على جوازها، بل رجحانها، و على حسن الصوت الحسن مطلقا:

كمرسلة ابن أبي عمير، و فيها: «إنّ القرآن نزل بالحزن فاقرءوه بالحزن» «2».

و الروايات الأربع لعبد اللّه بن سنان «3»، و روايتي أبي بصير «4»، و روايات حفص «5» و عبد اللّه التميمي «6» و دارم بن قبيصة «7» و سماعة و موسى

______________________________

(1) مجمع البيان 1: 16.

(2) الكافي 2: 614- 2، الوسائل 6: 208 أبواب قراءة القرآن ب 22 ح 1.

(3) الكافي 2: 614 و 615- 3 و 6 و 7 و 9، الوسائل 6: 208 و 210 و 211 أبواب قراءة القرآن ب 22 و 24 ح 2 و 1 و 3.

(4) الكافي 2: 615 و 616- 8 و 13، الوسائل 6: 211 أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 5.

(5) أمالي الطوسي: 544، الوسائل 6: 210 أبواب قراءة القرآن ب 22 ح 3.

(6) الوسائل 6: 212 أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 6.

(7) عيون أخبار الرضا عليه السّلام 2: 68- 322، الوسائل 6: 212 أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 148

السمري، و صحيحة معاوية بن عمّار «1»،

و غيرها.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ هذه الأخبار تعارض مع أدلّة المنع، و التعارض بالعموم من وجه، و لا ترجيح، فيرجع إلى الأصل.

و منع التعارض، لأنّ الغناء هو الترجيع، و هو وصف عارض للصوت الحسن، يوجد بإيجاد آخر مغاير لإيجاد الصوت، فلا يدلّ الترغيب فيه على الترغيب فيه أيضا.

مدفوع بعدم ثبوت كون الغناء هو الترجيع، بل يقال: هو الصوت المشتمل على الترجيع، كما في كلام جماعة من أهل اللغة «2».

مع أنّ الوارد في بعض الأخبار المذكورة الأمر بالقراءة بالحزن أو بصوت حزين، و في بعضها تحسين الصوت، و لا شكّ أنّ الترجيع أحد أفراد القراءة بالحزن و التحسين أيضا، فيحصل التعارض على التقديرين، و يرجع إلى الأصل المقتضي للجواز.

و تدلّ على الجواز أيضا رواية أبي بصير الصحيحة عن السرّاد- المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه- و فيها: «و رجّع بالقرآن صوتك، فإنّ اللّه يحبّ الصوت الحسن يرجّع به ترجيعا» «3».

و العامي المرويّ في المجمع: «فإذا قرأتموه- أي القرآن- فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا و تغنّوا به، فمن لم يتغنّ بالقرآن فليس منّا» «4».

و تردّ بمعارضتها لرواية عبد اللّه بن سنان «اقرءوا القرآن بألحان العرب

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 97، الوسائل 6: 209 أبواب قراءة القرآن ب 23 ح 2.

(2) راجع ص: 124 و 125.

(3) الكافي 2: 616- 13، الوسائل 6: 211 أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 5.

(4) مجمع البيان 1: 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 149

و أصواتها، و إيّاكم و لحون أهل الفسوق و الكبائر، فإنّه سيجي ء بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانيّة، لا يجوز تراقيهم، قلوبهم مقلوبة، و قلوب من يعجبه شأنهم».

مضافا إلى عدم الدلالة، أمّا الأول فلمنع كون

مطلق الترجيع غناء.

فإن قلت: إذا ضمّ معه الحزن المأمور به في الروايات يحصل الغناء.

قلنا: المأمور به هو حزن القارئ، و المعتبر في الغناء حزن المستمع، و شتّان ما بينهما.

و أمّا الثاني، فلجواز أن يكون المراد طلب الغناء و دفع الفقر.

و فيه: أنّ الرواية ليست معارضة لما ذكر، بل مؤكّدة له، للأمر بالقراءة بألحان العرب، و اللحن هو التطريب و الترجيع.

قال في النهاية الأثيريّة: اللحون و الألحان جمع لحن، و هو التطريب، و ترجيع الصوت، و تحسين القراءة، و الشعر و الغناء «1».

و قال في الصحاح: و منه الحديث: «اقرءوا القرآن بلحون العرب»، و قد لحن في قراءته: إذا طرب و غرد، و هو ألحن الناس إذا كان أحسنهم قراءة و غناء «2». و قال أيضا: الغرد- بالتحريك- التطريب في الصوت، و الغناء «3».

و أمّا النهي عن لحون أهل الفسوق و الكبائر و ذمّ أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانيّة، فلا يدلّ إلّا على النهي عن نوع خاصّ من الترجيع، و هو ترجيع الغناء و النوح و الرهبانيّة، و لعدم معلوميّته يجب العمل

______________________________

(1) النهاية 4: 242.

(2) الصحاح 6: 2193.

(3) الصحاح 2: 516.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 150

في كلّ ما لا يعلم بالأصل.

و لا يتوهّم أنّه يلزم تخصيص العام بالمجمل إذا دلّت الرواية على أنّ الترجيع المجوّز هو ترجيع العرب، و المنهيّ عنه هو ترجيع الغناء و النوح و الرهبانيّة و ترجيع أهل الفسوق و الكبائر، غاية الأمر أنّه لا يعلم تعيين أحدهما، و مثل ذلك ليس تخصيصا بالمجمل.

و أمّا منع كون مطلق الترجيع غناء ففيه: أنّه بعد ضمّ حسن الصوت المرغّب فيه مع الترجيع لا يمكن الخلوّ عن نوع من الإطراب،

فيكون غناء. و تحزين القارئ يستلزم تحزين المستمع غالبا.

و أمّا تأويل قوله: «تغنّوا» بطلب الغناء فهو ما يستبعد عن سياق الكلام غاية الاستبعاد.

و منها: مطلق الذكر و الدعاء و الفضائل و المناجاة و أمثالها

. و يدلّ على استثنائها و جواز الغناء فيها ما ذكرنا من الأصل السالم عن المعارض بالمرّة.

مضافا إلى مرسلة الفقيه المتقدّمة، المتضمّنة لتجويز شراء المغنّية لأن تذكّر بصوتها «1»، فإنّ إطلاقها يشمل الغناء أيضا، مع أنّ الظاهر أنّ السؤال كان عن غنائها إذا كان عدم حرمة غيره ظاهرا، و فيها دلالة على تأثير الصوت و وصفه في رقّة القلب، و لو لا دلالتها بخصوصها فلا شكّ في الدلالة بالعموم، فيحصل التعارض المذكور على نحو ما مرّ في القرآن و المراثي.

و قد يورد على التعارض المذكور بما مرّ من أنّ الغناء هو الترجيع المطرب، كما هو المستفاد من كلام الغزالي في الإحياء «2»، و من كلام

______________________________

(1) راجع ص: 132.

(2) إحياء علوم الدين 2: 270.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 151

الجوهري في لغة التغريد، حيث قال: التغريد: التطريب في الصوت و الغناء «1».

و كذلك كلام جمع آخر فسّروه بالمعنى المصدري، كمدّ الصوت و تحسين اللفظ و أمثاله «2»، و هو من أوصاف الصوت و القراءة و الذكر و أمثالها الموجودة بإيجاد مغاير لإيجاد معروضاتها، فلا تعارض بين النهي عنه و الترغيب إليها.

نعم، يصحّ التعارض لو قلنا بأنّ الغناء هو الصوت المشتمل على الترجيع، كما هو المصرّح به في كلام طائفة أخرى، كصاحب القاموس، حيث قال: الغناء ككساء، من الصوت ما طرّب به «3».

و هو ظاهر النهاية الأثيريّة، قال: و كلّ من رفع صوتا و والاه فهو عند العرب غناء «4».

و عن الصحاح أنّه قال: الغناء هو ما يسمّيه العجم: دو بيتي «5».

بل قيل:

إنّ الغناء فسّر في المشهور بالصوت المشتمل على الترجيع المطرب «6».

بل هو الظاهر من الأخبار المفسّرة لقول الزور و لهو الحديث بالغناء، لأنّهما غير الترجيع.

و فيه: أنّ مع هذا الاختلاف و عدم تعيّن المعنى يرجع الى مقتضى

______________________________

(1) الصحاح 2: 516.

(2) راجع ص: 124 و 125.

(3) القاموس 4: 374.

(4) النهاية الأثيريّة 3: 391.

(5) لم نعثر عليه في الصحاح.

(6) انظر المفاتيح 2: 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 152

الأصل، و هو الإباحة.

هذا، ثمَّ إنّه كما يحرم الغناء مطلقا أو غير ما استثني، يحرم استماعه أيضا بالإجماع و الروايات المتقدّمة.

و كذا يحرم التكسّب بالمحرّم منه و الأجرة عليه بلا خلاف أجده، و ظاهر المفيد أنّه إجماع المسلمين «1»، و في المنتهى: تعلّم الغناء و الأجرة عليه حرام عندنا بلا خلاف «2».

و تدلّ [عليه ] [1] روايات أبي بصير و الطاطري و ابن أبي البلاد المتقدّمة «4».

و رواية نصر بن قابوس: «المغنّية ملعونة، ملعون من أكل كسبها» «5».

و مرسلة الفقيه: «أجر المغنّي و المغنّية سحت» «6».

و قد يستدلّ عليه أيضا بالأصل، إذ الأصل عدم صحّة المعاملة و عدم الانتقال.

و هو ضعيف غايته، لأنّ غايته عدم اللزوم دون الحرمة لو رضى به المالك.

و منها: معونة الظالمين في ظلمهم

، بل في مطلق الحرام، بالثلاثة.

قال اللّه سبحانه وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ «7».

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) المقنعة: 588.

(2) المنتهى 2: 1012.

(4) راجع ص: 133 و 135.

(5) الكافي 5: 120- 6، التهذيب 6: 357- 1020، الاستبصار 3: 61- 203، الوسائل 15: 121 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 4.

(6) الفقيه 3: 105- 436، الوسائل 17: 307 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 17.

(7) المائدة: 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14،

ص: 153

و قال تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا «1» و الركون المحرّم هو الميل القليل، فكيف بالإعانة؟! و في حسنة أبي بصير: عن أعمالهم، فقال: «لا، و لا مدّة بقلم، و إنّ أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئا إلّا أصابوا من دينه مثله» «2».

و موثّقة يونس: «لا تعنهم على بناء مسجد» «3».

و موثّقة عمّار: عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل، قال: «لا، إلّا أن لا يقدر على شي ء يأكل و لا يشرب، و لا يقدر على حيلة» «4».

و رواية عذافر: «ما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة؟!» «5».

و رواية ابن أبي يعفور، و فيها- بعد السؤال عن الرجل يدعى إلى البناء يبنيه أو النهر يكريه أو المسنّات يصلحها-: «ما أحب أنّي عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء و أنّ لي ما بين لابتيها، لا و لا مدّة بقلم، إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار» [1].

و صحيحة أبي حمزة: «إيّاكم و صحبة الظالمين و معونة الظالمين» «7».

و رواية طلحة بن زيد: «العامل بالظلم و المعين له و الراضي به

______________________________

[1] الكافي 5: 107- 7، التهذيب 6: 331- 919، الوسائل 17: 179 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 6. و المسنّات: ضفيرة تبنى للسيل لتردّ الماء، سمّيت مسنّاة لأنّ فيها مفاتح للماء بقدر ما تحتاج إليه ممّا لا يغلب، انظر لسان العرب 1: 406.

______________________________

(1) هود: 113.

(2) الكافي 5: 106- 5، التهذيب 6: 331- 918، الوسائل 17: 179 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 5.

(3) التهذيب 6: 338- 941، الوسائل 17: 180 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 8.

(4) التهذيب 6: 330- 915، الوسائل 17: 202 أبواب ما يكتسب

به ب 48 ح 3.

(5) الكافي 5: 105- 1، الوسائل 17: 178 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 3.

(7) الكافي 8: 14- 2، الوسائل 17: 177 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 154

شركاء» «1».

و في عقاب الأعمال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين أعوان الظلمة، و من لاق لهم دواة، أو ربط لهم كيسا، أو مدّ لهم مدّة قلم، فاحشروهم معهم» «2».

و في تفسير العيّاشي عن الرضا عليه السّلام- بعد السؤال عن أعمال السلطان- «الدخول في أعمالهم و العون لهم و السعي في حوائجهم عديل الكفر، و النظر إليهم على العمد من الكبائر التي يستحقّ بها النار» «3».

و في كتاب ورّام: قال عليه السّلام: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الظلمة و أعوان الظلمة و أشباه الظلمة حتى من برى لهم قلما أو لاق لهم دواة» قال: «فيجتمعون في تابوت من حديد ثمَّ يرمى بهم في جهنّم» «4».

و فيه أيضا أنّه قال: «من مشى إلى ظالم ليعينه، و هو يعلم أنّه ظالم، فقد خرج من الإسلام» «5»، إلى غير ذلك.

و المستفاد من غير الآية الاولى من تلك الأدلّة و إن كان حرمة إعانة الظالمين و لو في المباحات و الطاعات- و لذا يظهر الميل إليها من بعض أصحابنا «6»- إلّا أنّ ظاهر الأكثر «7»- بل كما قيل: بغير خلاف يعرف «8»-

______________________________

(1) الكافي 2: 333- 16، الوسائل 17: 177 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 2.

(2) عقاب الأعمال: 260، الوسائل 17: 180 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 11.

(3) تفسير العياشي 1: 238- 110، الوسائل

17: 191 أبواب ما يكتسب به ب 45 ح 12.

(4) تنبيه الخواطر 1: 54، الوسائل 17: 182 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 16.

(5) تنبيه الخواطر 1: 54، الوسائل 17: 182 أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 15.

(6) انظر الحدائق 18: 119 و الرياض 1: 504.

(7) منهم الشهيد الثاني في الروضة 3: 213، السبزواري في الكفاية: 86، صاحب الرياض 1: 505.

(8) كما في الرياض 1: 505.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 155

اختصاص التحريم بالإعانة في المحرّم.

و علّل تارة بقصور الأخبار المطلقة سندا.

و أخرى بعدم صراحتها دلالة، لاحتمال أن يكون المراد بالمباحات و الطاعات ما عرضها التحريم بغصب و نحوه، كما هو الأغلب في أحوالهم.

و ثالثة بالحمل على الكراهة، جمعا بينها و بين قوله عليه السّلام في رواية ابن أبي يعفور: «ما أحبّ» الذي هو ظاهر في الكراهة قطعا، مع أنّ بعض تلك الأخبار ليس صريحا في التحريم، كالأول و الثالث، إذ يجوز أن يكون المراد من قوله: «لا» إنّه لا يحسن، أو لا أحبّ.

و في الأول: المنع، كيف؟! و فيها الصحيح و الموثّق و الحسن، مع أنّ بعد إطلاق الآية الثانية لا يضرّ ضعف سند الخبر.

و في الثاني: عدم الدليل على هذا التقييد البعيد، و الغلبة الموجبة للتقييد ممنوعة.

و في الثالث: بأنّ قوله: «ما أحبّ»، لا تنافيه الحرمة لغة، و ظهوره في الكراهة في زماننا لا يقتضيه في زمان الشارع، و الأصل تأخّره، مع أنّ مقتضى التعليل المعقّب له الحرمة، و عدم ظهور بعضها في الحرمة لا يوجب خروج الباقي عن الظهور.

فالأولى أن يعلّل بمعارضة تلك المطلقات مع الأخبار المتكثّرة، الواردة في الموارد العديدة في الحثّ على إعانة المسلمين و قضاء حوائجهم

و مودّتهم و الاهتمام بأمورهم «1»، المعاضدة بالكتاب «2» و بعمل كافّة الأصحاب.

______________________________

(1) الوسائل 12: 26 و 203 أبواب أحكام العشرة ب 14 و 122.

(2) المائدة: 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 156

و إذ لا مرجّح فالعمل على الأصل المقطوع به، و هو جواز إعانة الظالم و قضاء حوائجه في غير المحرّم، لخروج المحرّم عن مطلقات الإعانة بالإجماع و ضرورة العقل .. و لكن مقتضى ذلك عدم رجحانه استحبابا أو وجوبا، بل يختصّ الرجحان بغير الظالم، و هو كذلك، و يلزمه عدم رجحان إعانة العاصي للّه، بل من صدرت عنه معصية و لم [يتب ] [1]، لصدق الظالم عليه لغة و إطلاقه عليه في غير موضع من الكتاب العزيز.

و اختصاص بعض الأخبار «2» بالظالمين من خلفاء الجور لا يخصّص غيره، و يؤكّده الحثّ على بغض الفسّاق، و الأمر بالبغض في اللّه، و النهي عن مجالسة أهل المعصية في أخبار كثيرة «3».

و أمّا من تاب عن ذنب فهو كمن لا ذنب له، ضرورة إعانة النبيّ و الأئمّة لمن سبق كفره و عصيانه بعد رجوعه، و محبّتهم له و مصادقتهم إيّاه، فمثله خارج عن مطلقات النهي عن إعانة الظالم قطعا، فيدخل في معارضها بلا معارض، و مثله من لم يعلم صدور ظلم و معصية منه، لعدم العلم بصدق الظالم.

و هل يلحق بهما من لم يعلم بالقرائن ركونه إلى الذنب من أهل العصيان، و احتملت في حقه التوبة؟

فيه إشكال من حيث دلالة الأخبار على وجوب عدم اتّهام المسلم في أمر دينه، و التوبة أمر واجب من الدين، و من جهة أنّ ما يدلّ على خروج التائب عن الظالم- من معاملة المعصومين مع أصحابهم- لم تعلم دلالته

______________________________

[1] في النسختين

يثبت، و الظاهر ما أثبتناه.

______________________________

(2) الوسائل 17: 177 أبواب ما يكتسب به ب 42.

(3) الوسائل 12: 27 أبواب أحكام العشرة ب 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 157

على خروج مثله أيضا، فتأمّل.

و منها: حفظ كتب الضلال عن الاندراس، و نسخها و تعليمها و تعلّمها

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 14    157     و منها: حفظ كتب الضلال عن الاندراس، و نسخها و تعليمها و تعلمها ..... ص : 157

على المعروف من مذهب الأصحاب، بل بلا خلاف بينهم كما في المنتهى «1».

لرواية الحذّاء: «من علّم باب ضلال كان عليه مثل وزر من عمل به» «2».

و لما رواه في تحف العقول و رسالة المحكم و المتشابه للسيّد، عن الصادق عليه السّلام: «و كلّ منهيّ عنه ممّا يتقرّب به لغير اللّه و يقوى به الكفر و الشرك من جميع وجوه المعاصي أو باب يوهن به الحق، فهو حرام بيعه و شراؤه و إمساكه و ملكه و هبته و عاريته و جميع التقلّب فيه، إلّا في حال تدعو الضرورة فيه إلى ذلك» «3». و ينجبر ضعفها بالعمل.

و التمسّك بحرمة المعاونة على الإثم غير مطّرد، و بوجوب دفع الضرر المحتمل أو المظنون ضعيف، لأنّه إنّما يفيد لو انحصر الدفع بذلك، و ليس كذلك، لاندفاعه بعدم الرجوع، أو المجاهدة في دفع الشبهة، و لذا يتعلّق التكليف به.

و مقتضى الاستثناء في الأخيرة عدم الحرمة مع التقيّة، و هو كذلك، بل و كذا إذا كان الغرض النقض أو الحجّة على أهل الباطل، وفاقا لصريح المشهور «4»، لما رواه الشيخ الحرّ في الفصول المهمة، عن الصادق عليه السّلام- و الظاهر أنّه أيضا من الكتاب المذكور-: «إنّ كلّ شي ء يكون لهم فيه

______________________________

(1) المنتهى 2: 1013.

(2) الكافي 1: 35- 4، الوسائل 16: 173 أبواب الأمر

و النهي ب 16 ح 2.

(3) تحف العقول: 245- 250، المحكم و المتشابه: 46- 48، الوسائل 17: 83 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1.

(4) كما في المسالك 1: 166، و الرياض 1: 503.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 158

الصلاح من جهة من الجهات، فهذا كلّه حلال بيعه و شراؤه و إمساكه و استعماله و هبته و عاريته» «1».

و مقتضى ذلك و إن كان استثناء كلّ ما إذا ترتّب عليه مقصد صحيح- كتحصيل البصيرة بالاطّلاع على الآراء و المذاهب، و تمييز الصحيح من الفاسد، و الاستعانة على التحقيق، و تحصيل ملكة البحث و النظر، و غير ذلك، كما ذكره المحقّق الثاني و صاحب الكفاية «2»- إلّا أنّ ضعف الرواية و عدم انجبارها إلّا في النقض و الاحتجاج يمنع من استثناء غيرهما.

و لو اشتمل الكتاب على الضلال و غيره جاز حفظ غير موضع الضلال بعد طرحه، للأصل.

و المراد بالضلال: ما خالف الحق واقعا كما يخالف الضروري، أو بحسب علم المكلف خاصّة، و أمّا ما خالفه بحسب ظنّه فلا.

و هل تلحق بكتب الضلال كتب السحر و القيافة و أمثالهما من المحرّمات؟

الظاهر من رواية التحف ذلك، و لكن لعدم تصريح الأصحاب به لم تعلم الشهرة الجابرة، فالأصل ينفيه إلّا مع قصد التوصّل إلى المحرّم.

فرع: مقتضى ما ذكر وجوب إتلاف ما فيه ضلال من الكتب و عدم لزوم غرامة على من أتلفه من غيره، إلّا إذا احتمل الغرض المستثنى في حقّه مع ادّعائه.

و منها: هجاء المؤمنين:
اشاره

أي ذكر معايبهم بالشعر، للإجماع، و إيجابه الإيذاء.

______________________________

(1) تحف العقول: 245- 250.

(2) المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 26، الكفاية: 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 159

و قد قال اللّه سبحانه وَ الَّذِينَ

يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً «1».

و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من آذى مؤمنا فقد آذاني، و من آذاني فقد آذى اللّه، فهو ملعون في التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان» «2»، و منه و ممّا يأتي من جواز غيبة المخالف و سبّه يظهر وجه التخصيص.

و أمّا رواية السكوني: «من تمثّل ببيت شعر من الخنا لم تقبل منه صلاة ذلك اليوم، و من تمثّل بالليل لم تقبل منه الصلاة تلك الليلة» [1] فعن إفادة الحرمة قاصرة.

و الغيبة أعمّ من وجه منه، و هي أن يذكر إنسان من خلفه بما هو فيه من السوء، فلو لم يكن من خلفه لم يكن غيبته، كما هو مقتضى مادّة اللفظ.

و في رواية أبان: عن رجل لا يعلمه إلّا يحيى الأزرق «من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه ممّا عرفه الناس لم يغتبه، و من ذكره من خلفه بما هو فيه ممّا لا يعرفه الناس فقد اغتابه، و من ذكره بما ليس فيه فقد بهته» «4»، و يستفاد منها وجه اشتراط كونه ممّا هو فيه أيضا.

مضافا إلى حسنة عبد الرحمن بن سيابة: «الغيبة: أن تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه، و أمّا الأمر الظاهر فيه مثل الحدّة و العجلة فلا، و البهتان:

______________________________

[1] التهذيب 2: 240- 952، الوسائل 7: 403 أبواب صلاة الجمعة و آدابها ب 51 ح 2، و الخنا: الفحش من القول- مجمع البحرين 1: 132.

______________________________

(1) الأحزاب: 58.

(2) جامع الأخبار: 147، مستدرك الوسائل 9: 99 أبواب أحكام العشرة ب 125 ح 1.

(4) الكافي 2: 358- 6، الوسائل 12: 289 أبواب أحكام العشرة ب 154 ح

3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 160

أن تقول فيه ما ليس فيه» «1».

و ما رواه في مكارم الأخلاق: قلت: يا رسول اللّه، و ما الغيبة؟ قال:

«ذكرك أخاك بما يكره»، قلت: يا رسول اللّه، فإن كان فيه ذلك الذي يذكر به؟ قال: «اعلم أنّك إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته، و إذا ذكرته بما ليس هو فيه فقد بهته» «2».

و ما رواه في مجمع البيان: «إذا ذكرت الرجل بما فيه ممّا يكرهه اللّه فقد اغتبته» «3».

و يظهر من ذلك و سابقة- مضافا إلى الإجماع- وجه اشتراط كونه مؤمنا، فلو لم يكن كذلك لم يكن غيبة.

و هل يشترط فيه أن يكون ممّا يكره المغتاب و يغمّه لو سمعه؟

الأظهر: لا، لإطلاق الأوليين، و صحيحة داود بن سرحان: عن الغيبة، قال: «هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل، و تبثّ عليه أمرا قد ستره اللّه عليه لم يقم عليه فيه حدّ» «4».

و لا تنافيه رواية المكارم، لجواز أن يكون ما يكره بمعناه اللازم، مع أنّا نرى كراهة بعض الناس ممّا ليس بسوء عرفا، بل ممّا هو حسن شرعا، و هو ليس بغيبة إجماعا.

و منهم من أخذ فيها قصد الذمّ [1]، فإن أراد في صدق الغيبة فالإطلاق

______________________________

[1] قال في جامع المقاصد 4: 27: و ضابط الغيبة كلّ فعل يقصد به هتك عرض المؤمن و التفكّه به.

______________________________

(1) الكافي 2: 358- 7، الوسائل 12: 288 أبواب أحكام العشرة ب 154 ح 2.

(2) مكارم الأخلاق 2: 378.

(3) مجمع البيان 5: 137.

(4) الكافي 2: 357- 3، الوسائل 12: 288 أبواب أحكام العشرة ب 154 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 161

ينفيه، و إن أراد في التحريم ففيه تفصيل

يأتي.

ثمَّ إنّه لا ريب في حرمة الغيبة، و يدلّ عليها الإجماع، و الكتاب، و السنّة.

قال اللّه سبحانه مخاطبا للذين آمنوا وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً «1».

و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إيّاكم و الغيبة، فإنّ الغيبة أشدّ من الزنا، فإنّ الرجل قد يزني فيتوب اللّه عليه، و إنّ صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه» «2».

و عن الصادق عليه السّلام: «الغيبة حرام على كلّ مسلم» «3».

و في مرسلة ابن أبي عمير: «من قال في مؤمن ما رأته عيناه و سمعته أذناه فهو من الذين قال اللّه عزّ و جلّ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ» «4».

و رواية السكوني: «الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الآكلة في جوفه» «5».

و رواية الحسين بن زيد: «و نهى عن الغيبة، و قال: من اغتاب إمرءا مسلما بطل صومه و نقض وضوءه، و جاء يوم القيامة تفوح من فيه رائحة أنتن من الجيفة، يتأذّى بها أهل الموقف، فإن مات قبل أن يتوب مات

______________________________

(1) الحجرات: 12.

(2) أمالي الطوسي: 548، الوسائل 12: 280 أبواب أحكام العشرة ب 152 ح 9.

(3) مصباح الشريعة: 204، و عنه في البحار 72: 257- 48.

(4) الكافي 2: 357- 2، الوسائل 12: 280 أبواب أحكام العشرة ب 152 ح 6، و الآية: النور: 19.

(5) الكافي 2: 356- 1، الوسائل 12: 280 أبواب أحكام العشرة ب 152 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 162

مستحلّا لما حرّمه اللّه تعالى» «1».

و في خطبة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «معاشر من آمن بلسانه و لم يؤمن بقلبه، لا تغتابوا المسلمين، و لا تتّبعوا عوراتهم» «2».

و في رواية: «كذب من زعم أنّه ولد حلال

و هو يأكل لحوم الناس بالغيبة» «3».

و المستفاد من إطلاق رواية السكوني و ما بعدها و ما في معناها و إن كان حرمة غيبة المخالف أيضا، إلّا أنّ صريح جماعة التخصيص بالمؤمن «4»، بل نفى بعضهم الريب عنه «5»، فتجوز غيبة المخالف، و هو كذلك.

لصحيحة داود بن سرحان: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم، و أكثروا من سبّهم و القول فيهم و الوقيعة، و باهتوهم، كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام، و يحذرهم الناس و لا يتعلّموا من بدعهم، يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات، و يرفع لكم به الدرجات في الآخرة» «6».

و الوقيعة: الغيبة، قال في مجمع البحرين: وقع في الناس وقيعة:

______________________________

(1) الفقيه 4: 8- 1، الوسائل 12: 282 أبواب أحكام العشرة ب 152 ح 13.

(2) الكافي 2: 354- 2، المحاسن: 104- 83، عقاب الأعمال: 241، الوسائل 12: 275 أبواب أحكام العشرة ب 150 ح 3، بتفاوت في الجميع.

(3) أمالي الصدوق: 174- 9، الوسائل 12: 283 أبواب أحكام العشرة ب 152 ح 16.

(4) منهم المحقق في الشرائع 2: 10 و العلامة في المنتهى 2: 1013 و الشهيد الثاني في المسالك 1: 166.

(5) كما في الرياض 1: 503.

(6) الكافي 2: 375- 4، الوسائل 16: 267 أبواب الأمر و النهي ب 39 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 163

اغتابهم «1».

و يؤيّده اختصاص أكثر الأخبار الواردة في طرقنا بالمؤمن أو الأخ في الدين «2»، و دعوى الإيمان و الأخوّة للمخالف ممّا يقطع بفساده.

و تؤكّده النصوص المتواترة الواردة عنهم في طعنهم و لعنهم و تكفيرهم، و أنّهم شرّ من اليهود و النصارى و أنجس

من الكلاب «3».

فتأمّل نادر ممّن تأخّر ضعيف كتمسّكه بإطلاق الكتاب «4»، لاختصاص الخطاب بأهل الإيمان، و كون المخالفين منهم ممنوع، و اقتضاء التعليل بما تضمّن الاخوّة اختصاص الحكم بمن ثبت له الصفة.

مضافا إلى أنّ تعدية خطاب المشافهة إلى الغائبين تحتاج إلى اتّحاد الوصف، و لا ريب في تغايره.

فروع:
[الأول ]

أ: ذكر جماعة «5»- منهم: والدي رحمه اللّه في جامع السعادات «6»- أنّ الغيبة لا تنحصر باللسان، بل كلّما يفهم نقصان الغير و يعرّف ما يكرهه فهو غيبة، سواء كان بالقول، أو الفعل، أو التصريح، أو التعريض، أو الإشارة، أو الإيماء، أو الغمز، أو الرمز، أو الكتابة، أو الحركة.

______________________________

(1) مجمع البحرين 3: 408.

(2) الوسائل 12: 278 أبواب أحكام العشرة ب 152.

(3) الوسائل 16: 176 أبواب الأمر و النهي ب 17.

(4) مجمع الفائدة 8: 76.

(5) كالعلامة في القواعد 2: 46 و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 27 و الشهيد الثاني في الروضة 3: 314.

(6) جامع السعادات 2: 305.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 164

أقول: لا شكّ فيه إذا كان بالتعريض بالقول، لصدق القول و الذكر، و أمّا في البواقي فاستدلّ عليه بأنّ الذكر باللسان غيبة محرّمة ليفهمه الغير نقصان أخيك، لا لكون المفهم لسانا.

مضافا في الإيماء و الحركة إلى ما روي: أنّه دخلت امرأة قصيرة على عائشة، فلمّا ولّت أومأت بيدها- أي هي قصيرة- فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«قد اغتبتها» «1».

مع أنّ القلم أحد اللسانين.

و في الكلّ نظر، لكون العلّة مستنبطة، و الرواية ضعيفة، و العبارة غير ثابتة ممّن كلامه حجّة، و لفظ البثّ في صحيحة داود «2» و إن اقتضى التعميم، إلّا أنّ صدر الصحيحة و رواية عبد الرحمن «3» يخصّصها بالقول،

و هو الأظهر.

[الثاني ]

ب: قال والدي في جامع السعادات: ذكر مصنّف في كتابه فاضلا معيّنا و تهجين كلامه بلا اقتران شي ء من الأعذار المحوجة إلى ذكره غيبة «4».

و في كونه غيبة نظر، و إن كان محرّما لكونه إيذاء.

[الثالث ]

ج: قال والدي- رحمه اللّه- في الكتاب المذكور: الغيبة إنّما تحرم إذا قصد بها هتك عرضه أو إضحاك الناس منه، و أمّا إذا كان ذلك لغرض صحيح لا يمكن التوصّل إليه إلّا به فلا تحرم «5».

و في إطلاقه نظر، و الظاهر الاقتصار في الجواز فيما ورد في جوازه

______________________________

(1) مسند أحمد 6: 136.

(2) المتقدّمة في ص: 160.

(3) المتقدّمة في ص: 159.

(4) جامع السعادات 2: 323.

(5) جامع السعادات 2: 320.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 165

رخصة خصوصا أو عموما، كما يأتي وجهه.

[الرابع ]

د: النقص- كما صرّح به والدي «1»- أعمّ من أن يكون في بدنه، أو أخلاقه، أو أفعاله، أو أقواله المتعلّقة بدينه أو دنياه، بل في ثوبه، أو داره، أو دابّته، و أمثال ذلك.

[ما استثني من الغيبة المحرمة]
اشاره

ثمَّ إنّه استثنيت من الغيبة المحرّمة مواضع:

الأول: الفاسق مطلقا إذا كان مصرّا على فسقه

، استثناه بعضهم، بل ظاهر مجمع البحرين أنّه المشهور، قال: المنع من غيبة الفاسق المصرّ- كما يميل إليه كلام بعض من تأخّر- ليس بالوجه «2».

و يدلّ عليه ما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أنّه قال: «قولوا في الفاسق ما فيه كي يحذره الناس» «3».

و عنه أيضا: أنّه قال: «لا غيبة لفاسق» «4».

و الحمل على النهي بعيد، و ينفيه بعض الأخبار الآتية، و لكن ضعف الروايتين و عدم ثبوت الشهرة الجابرة يمنع الحكم بمقتضاهما.

نعم، في موثّقة سماعة: «من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدّثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم، كان ممّن حرمت غيبته، و كملت مروّته، و ظهر عدله، و وجبت اخوّته» «5».

و في موثّقة أبي بصير: أنّه: «استأذن على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله- و كان عند

______________________________

(1) جامع السعادات 2: 303.

(2) مجمع البحرين 1: 136.

(3) تفسير القرطبي 16: 339.

(4) مستدرك الوسائل 9: 129 أبواب أحكام العشرة ب 134 ح 6، و رواه في غوالي اللئالي 1: 438- 153.

(5) الكافي 2: 239- 28، الوسائل 12: 278 أبواب أحكام العشرة ب 152 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 166

عائشة- رجل، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: بئس أخو العشيرة، فقامت عائشة فدخلت البيت، فأذن له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فلما دخل أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بوجهه و بشره اليه يحدّثه، حتى إذا فرغ و خرج من عنده قالت عائشة:

يا رسول اللّه، بينا أنت تذكر هذا الرجل بما ذكرته به إذ أقبلت عليه بوجهك و بشرك، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

عند ذلك: إنّ من شرار عباد اللّه من يكره مجالسته لفحشه» «1».

و لكن جواز كون المنفيّ بالمفهوم في الأولى مجموع الأربعة، و الرجل في الثانية كافرا أو بالفسق مجاهرا، يمنع من إثباتهما الحكم.

الثاني: المجاهر بالفسق المعلن له

، و قد استثناه جماعة «2».

و تدلّ عليه روايات أبان و عبد الرحمن و صحيحة داود بن سرحان المتقدّمة «3».

مضافة إلى صحيحة هارون بن الجهم المرويّة في مجالس الصدوق:

«و إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة» «4».

و احتمال النهي- مع كونه بعيدا- ينفيه العطف على الحرمة و الشرط.

و تؤيّده رواية ابن أبي يعفور: «لا غيبة لمن صلّى في بيته و رغب عن جماعتنا، و من رغب عن جماعة المسلمين وجبت على المسلمين غيبته» «5».

______________________________

(1) الكافي 2: 326- 1، و أورد ذيله في الوسائل 16: 30 أبواب جهاد النفس ب 70 ح 5.

(2) منهم العلّامة في القواعد 2: 148، الشهيد الثاني في الروضة 3: 214، السبزواري في الكفاية: 87.

(3) في ص: 159، 162.

(4) أمالي الصدوق: 42- 7، الوسائل 12: 289 أبواب أحكام العشرة ب 154 ح 4.

(5) التهذيب 6: 241- 596، الاستبصار 3: 12- 33، الوسائل 27: 392 أبواب الشهادات ب 41 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 167

و روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «من ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له» «1».

لا يقال: إنّ تعارض الأخبار المجوّزة مع الأخبار الناهية عن غيبة المؤمن و المسلم بالعموم من وجه، و الترجيح للناهية بموافقة الكتاب.

فإنّا نقول: إنّ هذا إذا علم عموم الكتاب للمجاهر بالفسق أيضا، و هو غير معلوم، لأنّ الخطاب للمشافهين، و كون واحد منهم مجاهرا بالفسق لم يعلم، بل هو

بالأصل مدفوع، فإثبات الحكم للمجاهر بالشركة غير جائز.

و مقتضى الروايتين و الصحيحة المتقدّمة و إن كان اختصاص الجواز بما جاهر و تظاهر به، و عدم التعدّي إلى غيره من الأسواء- كما هو المصرّح به في كلام جماعة «2»- إلّا أنّ مقتضى البواقي التعميم، فعليه الفتوى.

الثالث: من كان معروفا باسم يعرب عن غيبته.

و تدلّ عليه- بعد عمل العلماء- الروايتان، و الصحيحة المتقدّمة، بل مقتضاها استثناء كلّ عيب عرفه الناس و لو لم يعرف به، و لكنّ المستفاد منها عدم كون ذلك غيبة، لا عدم الإثم عليه لو كان ممّا يكره صاحبه لو سمعه، فيحرم لو كان كذلك، لعمومات حرمة الإيذاء و إظهار العيوب «3».

الرابع: إذا علم اثنان من رجل عيبا فذكره أحدهما عند الآخر

، استثناه بعضهم «4»، و هو تخصيص للعمومات من غير حجّة، و رواية أبان «5»

______________________________

(1) الاختصاص (مصنفات الشيخ المفيد 12): 242، مستدرك الوسائل 9: 129 أبواب أحكام العشرة ب 134 ح 3.

(2) منهم الشهيد في القواعد و الفوائد 2: 148.

(3) الوسائل 8: 608 أبواب أحكام العشرة ب 157.

(4) انظر القواعد و الفوائد 2: 151.

(5) الكافي 2: 358- 6، الوسائل 12: 289 أبواب أحكام العشرة ب 154 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 168

غير مفيدة، لأنّه لم يعرفه الناس.

الخامس: التظلّم عند من يرجو إزالة ظلمه

، لبعض الروايات، و لتوقّف دفع الظلم المجوّز إجماعا عليه.

السادس: ما كان متعلّقه- أعني المقول فيه- غير معيّن

، نحو: بعض الناس كذا، و: بعض أهل البصرة كذا، أو: رأيت شخصا كذا، لعدم ظهور الأخبار الناهية في مثل ذلك، و للإجماع، و لورود مثله في كلمات الأطهار.

السابع: ما كان متعلّقه غير معروف عند السامع.
الثامن: ما كان متعلّقه غير محصور

. و في استثنائهما نظر ظاهر، بل الحرمة فيهما أظهر.

التاسع: الجرح و التعديل للشاهد و الراوي

، لعمل العلماء، و أخبار التذكية المعارضة لمحرّمات الغيبة، فيرجع إلى الأصل.

و منه يعلم استثناء كلّ ما وردت في جوازه أو وجوبه حجّة خاصّة أو عامة مكافئة لأدلّة حرمة الغيبة، كالاستفتاء، و نصح المستشير، و تحذير المسلم من الوقوع في الخطر و الشرّ، و الشهادة على فاعل المحرّم حسبة و أمثالها.

و منها: غشّ الناس

، و هو حرام بلا خلاف فيه ظاهرا، و في المنتهى التصريح به «1»، للصحاح المستفيضة و غيرها.

ففي صحيحة هشام بن سالم: «ليس من المسلمين من غشّهم» «2».

و صحيحة هشام بن الحكم- كما في الفقيه- و حسنته- كما في

______________________________

(1) المنتهى 2: 1012.

(2) الكافي 5: 160- 2، التهذيب 7: 12- 49، الوسائل 17: 279 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 169

الكافي و التهذيب-: «البيع في الظلال غشّ، و الغشّ لا يحل» [1].

و مرسلة عبيس: «إيّاك و الغشّ» «1».

و مرسلة الفقيه: «ليس منّا من غشّ مسلما» «2».

و اخرى: «من غشّ المسلمين حشر مع اليهود يوم القيامة» «3».

و ثالثة: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لزينب العطّارة: إذا بعت فأحسني و لا تغشّي» «4».

و في عقاب الأعمال: «من غشّ مسلما في بيع أو شراء فليس منّا، و يحشر مع اليهود يوم القيامة» «5» إلى غير ذلك.

ثمَّ الغشّ خلاف النصح و الخلوص، أو إظهار خلاف ما أضمر، و حصوله في المعاملات إنّما يكون إذا كان في المبيع نقص و رداءة، و له صور.

و توضيح المقام: أنّ النقص الذي يمكن أن يتحقّق فيه الغشّ يتصوّر على وجوه، لأنّ سببه إمّا يكون مزج المبيع بغير جنسه- كاللبن بالماء- أو بجنسه- كالجيّد بالردي- أو بغير المزج.

و هو قد يكون بعيب فيه

أخفاه بإبداء وصف يستره، أو عدم إظهاره

______________________________

[1] الفقيه 3: 172- 770، الكافي 5: 160- 6، التهذيب 7: 13- 54- و وجه كونها حسنة فيهما وجود إبراهيم بن هاشم في السند و هو إمامي ممدوح- الوسائل 17:

280 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 3.

______________________________

(1) الكافي 5: 160- 4، التهذيب 7: 12- 51، الوسائل 17: 281 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 7.

(2) الفقيه 3: 173- 776، 777، الوسائل 17: 282 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 10.

(3) الفقيه 3: 173- 776، 777، الوسائل 17: 282 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 10.

(4) الفقيه 3: 173- 775، الوسائل 17: 281 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 6.

(5) عقاب الأعمال: 284، الوسائل 17: 283 أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 170

مع كونه مستورا.

و قد يكون بتغييره عمّا هو في الواقع إلى الأدنى لمصلحة نفسه، كبلّ اليابس لزيادة الوزن.

و قد يكون بالتباس السلعة بأن يزعم الردي ء الجيّد، كأن يبيع لبن البقر مكان لبن المعز.

ثمَّ على جميع التقادير: إمّا يكون النقص خفيّا حال المعاملة عرفا، أو غير خفيّ، بل يكون ممّا يعرف غالبا.

و على الأول: إمّا يكون ممّا يظهر النقص حال المعاملة بالفحص، و يكون خفاؤه لتقصير المشتري، أو لا يظهر بالفحص.

و على الثاني: إمّا يعلم تفطّن المشتري به، أو عدم تفطّنه، أو لا يعلم.

و على التقادير: إمّا يبيعه على ما هو المتعارف في الخالي عن النقص من السعر، أو على ما يتعارف مع النقص.

و على التقادير: إمّا يكون حصول النقص بفعل البائع بقصد الغشّ، أو لا.

و على التقادير: إمّا يظهر من البائع عدم النقص قولا أو

فعلا، أو يظهر النقص، أو لا يظهر شي ء منهما.

فإن أظهر عدم النقص ارتكب المحرّم مطلقا، لكونه كذبا مطلقا، و غشّا أيضا في صور عدم تفطّن المشتري.

و إن أظهر النقص لم يرتكب محرّما أصلا، بالإجماع و المستفيضة.

و إن لم يظهر شيئا منهما فلا حرام مع تفطّن المشتري، بل مع عدم

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 171

العلم بعدم تفطّنه، و إن علم عدم تفطّنه فالظاهر الحرمة أيضا، لكونه خلاف النصح الواجب بالأخبار المستفيضة، إلّا إذا باعه بسعر الردي ء و لم يتضرّر به المشتري.

ثمَّ البيع صحيح في جميع تلك الصور، لتعلّق النهي بالغشّ، و هو غير البيع، لأنّه يتحقّق بإظهار خلاف ما أضمر أو ترك النصح، و كلاهما غير البيع.

و لا يضرّ ظنّ المشتري اتّصافه بخلاف ما هو كذلك فلا يقصد ذلك، لأنّ ثبوت خيار الرؤية بالأخبار «1» و الإجماع يدلّ على عدم اعتبار ذلك في الصحة.

و منها: تدليس الماشطة

بإظهارها في المرأة محاسن ليست فيها لترويج كسادها، بلا خلاف، بل عليه الإجماع في بعض العبارات «2»، لكونه غشّا. و منه يظهر انسحاب الحكم في فعل المرأة ذلك بنفسها.

و لو انتفى التدليس- كما لو كانت مزوّجة- فلا تحريم، للأصل، و المستفيضة:

ففي صحيحة محمّد: «فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ادني منّي يا أمّ عطيّة، إذا أنت قنيت الجارية فلا تغسلي وجهها بالخرقة، فإنّ الخرقة تشرب ماء الوجه» «3».

و مرسلة ابن أبي عمير: «دخلت ماشطة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال

______________________________

(1) الوسائل 18: 28 أبواب الخيار ب 15.

(2) مجمع الفائدة 8: 84.

(3) الكافي 5: 118- 1، التهذيب 6: 360- 1035، الوسائل 17: 131 أبواب ما يكتسب به ب 19 ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 14، ص: 172

لها: هل تركت عملك أو أقمت عليه؟ قالت: يا رسول اللّه، أنا أعمله إلّا أن تنهاني عنه فأنتهي، فقال: افعلي، فإذا مشّطت فلا تجلي الوجه بالخرقة، فإنّه يذهب بماء الوجه، و لا تصلي الشعر بالشعر» «1».

و رواية سعد الإسكاف: عن القرامل التي تضع النساء في رؤوسهنّ يصلنه بشعورهن، فقال: «لا بأس به على المرأة ما تزيّنت به لزوجها»، قال: فقلت له: بلغنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعن الواصلة و الموصولة، فقال:

«ليس هناك، إنّما لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الواصلة التي تزني في شبابها، فلمّا كبرت قادت النساء إلى الرجال، فتلك الواصلة و الموصولة» «2».

و مضمرة عبد اللّه بن الحسن: عن القرامل، قال: «و ما القرامل؟» قلت: صوف تجعله النساء في رؤوسهن، قال: «إذا كان صوفا فلا بأس، فإن كان شعرا فلا خير فيه من الواصلة و الموصولة» «3».

و مرسلة الفقيه: «لا بأس بكسب الماشطة إذا لم تشارط و قبلت ما تعطى، و لا تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها، و أمّا شعر المعز فلا بأس بأنّ يوصل بشعر المرأة» «4».

بل يستحبّ تزيين المرأة لزوجها، كما يستفاد من كثير من المعتبرة.

ثمَّ المستفاد من المرسلتين حرمة وصل شعر المرأة بشعر امرأة

______________________________

(1) الكافي 5: 119- 2، التهذيب 6: 359- 1031، الوسائل 17: 131 أبواب ما يكتسب به ب 19 ح 2، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 5: 119- 3 بتفاوت يسير، التهذيب 6: 360- 1032، الوسائل 17:

132 أبواب ما يكتسب به ب 19 ح 3.

(3) التهذيب 6: 361- 1036، الوسائل 17: 132 أبواب ما يكتسب به ب 19 ح 5.

(4) الفقيه 3: 98- 378، الوسائل 17: 133 أبواب ما يكتسب

به ب 19 ح 6، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 173

اخرى، و حمل على الكراهة، أو على ما إذا كان فيه تعريض للشعر إلى غير ذات محرم، فإن ثبت إجماع، و إلّا فلا وجه للحمل، و ثبوت الإجماع مشكل، فالتعميم أظهر.

و تجويز وضع القرامل في رواية سعد، و إنكار لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مطلق الواصلة و الموصولة للقرامل، لا يفيد، لكون القرامل أعمّ، فيجب التخصيص، سيّما مع التصريح بذلك التخصيص في رواية عبد اللّه.

و هل يلحق به وضع شعر الغير على الرأس من غير وصل؟

فيه تأمّل، و عدم اللحوق أظهر.

و منها: تزيين الرجل بالذهب و الحرير

إلّا ما استثني، و بالسوار و الخلخال و الثياب المختصّة بالنسوة في العادة- و تختلف باختلاف الأصقاع و الأزمان- إجماعا، نصّا و فتوى في الأولين، و على الأظهر الأشهر في البواقي، بل قد يحتمل فيها الإجماع أيضا، للنصوص المانعة عن تشبّه كلّ من الرجال و النساء بالآخر:

ففي الخبر المرويّ عن الخلاف و العلل: «لعن اللّه المتشبّهين من الرجال بالنساء و المتشبّهات من النساء بالرجال» «1».

و في آخره: «أخرجوهم من بيوتكم، فإنّهم أقذر شي ء» «2» و قصور الأسانيد منجبر بالشهرة، مع التأيّد بأنّه من لباس الشهرة المنهيّ عنها في المستفيضة.

______________________________

(1) العلل: 602- 63، الوسائل 17: 284 أبواب ما يكتسب به ب 87 ح 2 و ج 20:

337 أبواب النكاح المحرّم ب 18 ح 9.

(2) العلل: 602- 64، الوسائل 17: 285 أبواب ما يكتسب به ب 87 ح 3 و ج 20:

338 أبواب النكاح المحرّم ب 18 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 174

و يظهر من الخبر المذكور أنّه ينسحب الحكم في تزيين المرأة بلباس الرجل أيضا، مع أنّه

لا قائل بالفرق.

و منها: العمل بآلات اللهو

. و قد ذكرنا تفصيلها في كتاب الشهادات.

و منهم من زاد أمورا أخر، و منهم من نقص.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 175

المقصد الرابع في بعض ما يتعلّق بهذا المقام

اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: المشهور أنّه لا يجوز أخذ الأجرة على ما يجب فعله
اشاره

عينا أو كفاية، و نفى بعضهم الخلاف فيه «1»، و ظاهر الأردبيلي الإجماع عليه «2».

و عن فخر المحقّقين: عدم الجواز في الواجبات المتوقّفة على النيّة دون غيرها «3».

و ظاهر بعضهم اختصاص عدم الجواز بالذاتي دون التوصّلي، بل ادّعى الإجماع على الجواز في الثاني «4».

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 505.

(2) مجمع الفائدة 8: 89.

(3) إيضاح الفوائد 2: 264.

(4) انظر الرياض 1: 505.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 176

و توهّم اتّحاد القولين الأخيرين باطل، لأنّ الذاتي قد تكون فيه النيّة و قد لا تكون، كردّ الأمانة، و أداء الدين، و مضاجعة الزوجة، و نحوها.

و نسب الخلاف إلى السيّد في تغسيل الموتى و تكفينهم و دفنهم بالنسبة إلى غير الولي «1»، و هو بالخلاف في الموضوع أشبه، فإنّه لا يقول بوجوب هذه الأمور على غير الولي.

و استدلّ عليه تارة بالإجماع. و هو- لعدم ثبوته إلّا في الجملة- قاصر عن إفادة تمام المطلوب.

و اخرى بمنافاته للإخلاص المأمور به. و هو- مع اختصاصه بما يتوقّف على النيّة- ممنوع، لإمكان الإخلاص غبّ [1] إيقاع عقد الإجارة، فإنّ العمل يصير بعده واجبا، و يصير من قبيل ما لو وجب بنذر و شبهه، فيمكن تحقّق الإخلاص في العمل، و إن صارت الأجرة سببا لتوجه الأمر الإيجابي إليه.

و بذلك صحّح جماعة جواز الأجرة على استئجار الصلوات على الأموات «3».

و التحقيق أن يقال: إنّ مورد الإجارة إمّا ما هو واجب على الأجير عينا أو كفاية، أو على المستأجر.

و على الأول: إمّا دلّ دليل على وجوبه مطلقا، أي من غير تقييد بأخذ الأجرة عليه، أو ليس كذلك.

و على التقادير: إمّا يكون واجبا ذاتيّا، أو توصّليّا.

______________________________

[1] غبّ كلّ شي ء: عاقبته- الصحاح 1: 190.

______________________________

(1)

نسبه إليه في شرح جمل العلم و العمل: 148.

(3) منهم صاحب الرياض 1: 505.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 177

و على الأول: إمّا تجب فيه النيّة، أو لا.

فإن كان واجبا مطلقا على الأجير لا ترد عليه الإجارة، و لا يجوز أخذ الأجرة عليه مطلقا، لأنّ هذا الفعل إمّا ليس فيه منفعة للمستأجر، أو تكون فيه منفعة له.

فإن لم تكن فيه منفعة فلا معنى للإجارة و الأجر فيه، لأنّ الأجر عبارة عمّا يؤخذ عوضا عن شي ء ينتقل إلى المستأجر، فإذ لا منفعة له فيه فلا نقل، فلا أجر و لا إجارة.

و كذلك إن كانت فيه منفعة له، كإنقاذ ولده الغريق، لأنّ إيجاب اللّه سبحانه هذا الفعل على الأجير و طلبه منه تمليك للمستأجر لهذه المنفعة من الأجير، و لا تجوز الإجارة و لا أخذ الأجرة عن شخص بعوض أداء ما يملكه.

و هذا ظاهر، و فيما تجب فيه النية أظهر، لأنّ منافع العبد بأسرها ملك اللّه سبحانه، و هو و إن أذن له في التصرّف فيها بأنحاء التصرّفات، إلّا أنّ إيجابه سبحانه لفعل له عزّ شأنه يوجب عدم الإذن للعبد في التصرّف في تلك المنفعة و أخذ العوض عنها و نقلها إلى الغير. بل الإيجاب تفويت تلك المنفعة و إخراجها من يده، لأنّ إيجاب المنفعة طلب من اللّه سبحانه هذه المنفعة لنفسه و عدم كونها مملوكة للعبد، فلا يجوز أخذ العوض عنها.

ثمَّ لا فرق في ذلك بين ما كان وجوبه عينا أم كفاية، لأنّ الواجب الكفائي أيضا واجب مشروط على كلّ أحد، و شرطه عدم العلم بفعل غيره، و هو متحقّق فيما نحن فيه.

و يدلّ على المطلوب أيضا: أنّ عموم أدلّة الإجارة بحيث يشمل المورد غير

معلوم، و الأصل في المعاملات الفساد، إلّا أنّ ذلك لا يثبت إلّا

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 178

فساد عقد الإجارة في غير ما دلّ الدليل على صحّتها فيه، نحو الصنائع و ما يشبهها من الواجبات الكفائيّة، أو الحجّ و الصلاة و نحوهما من الغير. و أمّا عدم جواز أخذ الأجرة و حرمتها فلا، بخلاف الأول، فإنّ نقل ما هو ملك للغير إليه أو إلى غيره و أخذ العوض عنه غير جائز.

نعم، لو أعطاه ذلك الغير، مع علمه بأنّه ليس عوضا له و لا يستحقّ العوض، يكون ذلك إباحة محضة لا عوضا و اجرة، فيكون مباحا.

و لنا أن نستدلّ أيضا بأنّ المتبادر عن إيجاب شي ء طلبه مجانا، و لذا لو أمر المولى عبده بأمر فأخذ الأجر من شخص و لو كان له فيه نفع يذمّ عرفا، إلّا أن تكون قرينة على جواز الأخذ.

ثمَّ إنّ ما ذكرناه إنّما هو في الواجب المعيّن، أمّا المخيّر فلا حرمة في أخذ الأجرة على أحد أفراده المعيّن إذا كان في التعيين نفع للمستأجر.

و إن لم يثبت وجوبه مطلقا- بل احتمل كونه واجبا بشرط الإجارة أو معها- فلا يحرم أخذ الأجرة.

و به تتّضح الإجارة في أكثر الصنائع- التي هي واجبات كفائيّة- مضافا إلى الإجماع بل الضرورة على الجواز فيها.

و إن كان واجبا على المستأجر، فإن كان واجبا توقيفيا فلا شكّ أنّ الأصل عدم صحّته إذا صدر عن غيره، لأنّ الصحّة في مثله موافقة الأمر، و بعد توجّه الأمر إلى شخص لا يكون ما أتى به غيره موافقا للمأمور به، فلا يكون العمل صحيحا، فلا تكون منفعة، و لا إجارته صحيحة، و لا أخذ الأجرة عليه جائزا.

نعم، إن دلّ دليل على جواز

فعل الغير عنه نيابة فيخرج به عن الأصل، و يحكم بصحّة العمل و الإجارة بهذا الدليل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 179

و من هذا القبيل استئجار الغير للعبادة عن الميّت، كالصلاة و الحجّ و الصوم، فما وجد له دليل على جواز الإجارة يحكم به فيه، و ما لم يوجد لا يحكم.

و أمّا أنّه هل يوجد دليل على جواز استئجار العبادات مطلقا أو عبادة خاصّة، فهو ليس من وظيفة المقام.

نعم، قد يستشكل فيما ثبت فيه ذلك من وجهين:

أحدهما: أنّ صحّة الإجارة موقوفة على قابليّة المنفعة و كونها محلّلة، و لا ريب أنّ الصلاة- مثلا- عن الغير قبل الإجارة في غير التبرّع غير صحيحة، فصحّتها بالإجارة توجب الدور، إذ صحّة الصلاة عن الغير موقوفة على الإجارة الصحيحة المتوقّفة على صحّة الصلاة عن الغير.

و دفعه: أنّ وقوع الإجارة الصحيحة موقوف على إمكان الصلاة عن الغير بالإجارة، و إمكانها موقوف على دليل شرعيّ عليها، لا على الإجارة الصحيحة، و إنّما يتوقّف عليها وقوع الصلاة المؤدّاة صحيحة، و صحّة الإجارة غير موقوفة عليها.

و ثانيهما: أنّ الصلاة و نحوها عبادة يجب فيها إخلاص النيّة، و هو مع الإجارة غير متحقّق، لأنّ الفعل حينئذ يكون بقصد أخذ الأجرة.

و دفع: بأنّ بعد ثبوت صحّة الإجارة بدليل يكون ذلك دليل على جواز تشريك ضميمة أخذ الأجرة مع القربة في القصد، كالجنّة، و الخلاص من النار، و أمثالهما.

و لا يخفى أن مبنى ذلك على عدم إمكان الإخلاص مع الإجارة، و إلّا لم يدلّ دليل جوازها على جواز التشريك، و الظاهر إمكانه كما مرّ، فإنّ الفعل بالإجارة يصير واجبا شرعا و تتمّ نيّة التقرّب، و عدم استحقاق تمام

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 180

الأجرة

قبل العمل لا يوجب عدم وجوبه.

قيل: المتصوّر من نيّة التقرّب من جهة الإجارة إنّما هو من جهتها لا من جهة أنّه عبادة مخصوصة، و لا ريب أنّ المعتبر في الصلاة و الصوم و نحوهما نيّة التقرّب بها إلى اللّه من حيث إنّها هي.

قلنا: لم يثبت من أدلّة وجوب الإخلاص أزيد من وجوب قصد كون الفعل للّه سبحانه، و لأجل إطاعته و امتثال أمره، أمّا وجوب نيّة الإطاعة- من حيث إنّ الفعل هذا الفعل، أو لأجل الإيجاب من هذه الجهة- فلا، و لو وجب ذلك لم يبرأ من نذر واجبا أصليّا أبدا، فاندفع الإشكال.

بل الحقّ: عدم ورود الإشكال ابتداء أيضا، لأنّ القدر المسلّم وجوب الإخلاص في كلّ عبادة على من يتعبّد بها، و كون ما يلزم بالإجارة ممّا هو في الأصل عبادة للأجير ممنوع، و كونه عبادة لمن وجب عليه بأصل الشرع لا يقتضي كونه عبادة للأجير أيضا، و وجوبه بالإجارة لا يجعله عبادة كسائر الأفعال الواجبة بالإجارة.

نعم، يشترط فيه قصد ما يميّزه عن غيره من الأفعال إن لم يميّز بغيره، و قصد كونه أداء لما وجب بالإجارة، كما هو شرط في أداء كلّ حقّ لازم، و يجب الخلوص في ذلك بحيث ينصرف إليه، و أمّا وجوب ما سوى ذلك فلا دليل عليه.

فإن قيل: لا شكّ أنّ الصلاة الفائتة التي تتدارك بالاستئجار- مثلا- كان قصد القربة جزءا لها، فتجويز تداركها بالاستئجار أو الأمر به يقتضي تدارك جميع أجزائها.

قلنا: فيه- مع أنّ هذا مخصوص بما يتدارك به الفائتة لا مطلقا- أنّ كون قصد الإخلاص جزءا الماهيّة الصلاة ممنوع، و إنّما هو شرط في صحّتها

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 181

في الجملة، أي حين التعبّد بها. و

لو سلّم فلا نسلّم جزئيّته لمطلق الصلاة، و إنّما هو جزء للصلاة الصادرة ممّن يتعبّد بها.

ثمَّ بما ذكرنا- من عدم كونها عبادة للأجير- يندفع إشكال آخر أورد من جهة اعتبار الرجحان في العبادة، و الرجحان من جهة الإجارة غير مفيد في رجحان أصل المنفعة، بل يندفع ذلك مع كونها عبادة أيضا، كما في قصد التقرّب.

و إن كان واجبا توصّليّا على المستأجر خاصّة فتجوز الإجارة و أخذ الأجرة عليه، و الوجه ظاهر.

[حرمة أخذ الأجر على القضاء]

فرع: و من الواجبات المحرّم أخذ الأجر عليها: القضاء مطلقا، تعيّن أم لا، مع الحاجة أم بدونها، وفاقا للحلبي و الحلّي «1» و جماعة «2»، و وجهه ظاهر ممّا مضى.

مضافا إلى المرويّ في الخصال: «السحت له أنواع كثيرة، منها ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة، و منها أجور القضاء» «3».

و قد يستدلّ بالصحيح: عن قاض بين فريقين يأخذ من السلطان على القضاء الرزق، قال: «ذلك السحت» «4»، بحمل الرزق على الأجر، للإجماع على حلّه، و لكونه من المصالح العامّة المعدّ بيت المال لها.

و حمل السحت على الكراهة- لما ذكر- و إن كان ممكنا، إلّا أنّ الأول

______________________________

(1) الحلبي في الكافي في الفقه: 183، الحلي في السرائر 2: 217.

(2) منهم العلّامة في المنتهى 2: 1018 و الشهيد الثاني في الروضة 3: 218 و صاحب الرياض 1: 506.

(3) الخصال 1: 329- 26، الوسائل 17: 95 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 12.

(4) الكافي 7: 409- 1، الفقيه 3: 4- 12، التهذيب 6: 222- 527، الوسائل 27: 221 أبواب آداب القاضي ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 182

أولى، لكونه التقييد الراجح على المجاز المطلق، مع أنّ اللازم من الثاني كراهة الارتزاق، و لا

قائل به، فيلزم ارتكاب مجازين.

و يمكن أن يقال: إنّ التجوّز لا ينحصر في الأمرين، لإمكان ارتكابه في القاضي و السلطان و القضاء، سيّما مع ما تعارف في زمان الإمام من الثلاثة، مع أنّ الإجماع على [عدم ] [1] كراهة الارتزاق ممنوع، كيف؟! و هو مذهب الحلّي و الشيخ في النهاية «2».

و خلافا للمفيد و النهاية و القاضي «3»، فيجوز مع الكراهة.

و للشرائع و المختلف «4»، فالتفصيل بتعيّنه عليه فالأول، و إلّا فالثاني، إمّا مطلقا كالثاني، أو بشرط الحاجة- و إلّا فكالأول- كالأول.

كلّ ذلك لوجوه ضعيفة.

المسألة الثانية:
اشاره

المنقول عن الأكثر جواز أخذ الأجرة على المندوبات «5»، للأصل، و انتفاء المانع.

و نقل عن بعض الأصحاب عدم الجواز في مستحبّات تجهيز الميّت، محتجّا بإطلاق النهي «6». و لم نقف عليه.

و قيل بالعدم إذا كان استحبابه ذاتيّا توقيفيّا، لما مرّ من منافاة الإجارة للرجحان و القربة، و بالجواز إذا كان توصّليّا و كان له نفع للمستأجر، للأصل «7».

______________________________

[1] أضفناه لاستقامة المعنى.

______________________________

(2) الحلي في السرائر 2: 217، النهاية: 367.

(3) المفيد في المقنعة: 588، النهاية: 367، القاضي في المهذب 1: 346.

(4) الشرائع 4: 69، المختلف: 342.

(5) كما في الرياض 1: 505.

(6) حكاه في الإيضاح 1: 408 عن القاضي ابن البراج.

(7) انظر مفتاح الكرامة 4: 94.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 183

و قد ظهر ضعف دليله على العدم.

و القول الفصل فيه: أنّ حكم ما يستحبّ على المستأجر خاصّة حكم الواجب بلا تفاوت.

و أمّا ما يستحبّ على الأجير عينا أو كفاية، فإن لم يكن فيه نفع للمستأجر فلا يجوز و إن كان دليل استحبابه مطلقا، فإنّ أراد المستأجر الإتيان بالمستحبّ فلا يجوز، لما مرّ من دليل التبادر، فإنّ المتبادر استحبابه مجّانا، فما فعل بالعوض

لا يكون مستحبّا. و إن أراد نفس الفعل كيف ما كان فهو عن المقام خارج، و بمقتضى الأصل جائز، إلّا أن يوجب ارتكاب حرام من بدعة أو تشريع أو غيرهما.

فرعان:
الأول:
اشاره

لو قلنا بجواز أخذ الأجر على المستحبّ يستثنى منه أمران:

[ما استثني من أخذ الأجر على المستحب ]
أحدهما: الأذان

، فإنّه يحرم أخذ الأجرة عليه وفاقا للمعظم «1»، بل عن بعض الأصحاب نفي الخلاف عنه «2»، و في الخلاف و شرح القواعد للمحقّق الثاني الإجماع عليه «3».

لصحيحة محمّد المرويّة في كتاب الشهادات من الفقيه: «لا تصلّ خلف من يبغي على الأذان و الصلاة بين الناس أجرا، و لا تقبل شهادته» «4»، و هو نصّ في التحريم.

______________________________

(1) منهم الشيخ في النهاية: 365، الحلي في السرائر 2: 217، العلّامة في التذكرة 1: 583.

(2) كما في الرياض 1: 506.

(3) الخلاف 1: 290، جامع المقاصد 4: 36.

(4) الفقيه 3: 27- 75، الوسائل 27: 378 أبواب الشهادات ب 32 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 184

و تؤيّده حسنة حمران، و فيها: «إذا رأيت أنّ الحقّ قد مات و ذهب أهله»، و يعدّ المنكرات، إلى أن قال: «و رأيت الأذان بالأجر و الصلاة بالأجر» «1».

و رواية السكوني: «و لا يتّخذنّ مؤذّنا يأخذ على أذانه أجرا» «2».

و رواية زيد بن عليّ: «أتى رجل أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له: و اللّه إنّي أحبّك للّه، فقال له: و اللّه إنّي لأبغضك للّه، قال: لأنّك تبغي على الأذان كسبا، و تأخذ على تعليم القرآن أجرا» «3».

و إنّما جعلنا الأخيرة مؤيّدة- مع أنّ ظاهرها التحريم- للتصريح بإباحة أجر معلّم القرآن في رواية الفضل بن أبي قرّة «4»، فتكون هذه قرينة على عدم إرادة الحقيقة من قوله: «أبغضك».

و يجوز للمؤذّن الارتزاق من بيت المال على المشهور، بل في التذكرة الإجماع عليه «5»، للأصل.

و مرسلة حمّاد بن عيسى الواردة في حكم ما يخرج من أرض الخراج: «و يكون الباقي بعد ذلك أرزاق أعوانه على

دين اللّه، و في مصلحة ما ينويه من تقوية الإسلام و الدين في وجوه الجهاد، و غير ذلك ممّا فيه

______________________________

(1) الكافي 8: 36- 7، الوسائل 16: 275 أبواب الأمر و النهي ب 41 ح 6.

(2) الفقيه 1: 184- 870، التهذيب 2: 283- 1129، الوسائل 5: 447 أبواب الأذان و الإقامة ب 38 ح 1.

(3) الفقيه 3: 109- 461، التهذيب 6: 376- 1099، الاستبصار 3: 65- 215، الوسائل 17: 157 أبواب ما يكتسب به ب 30 ح 1، بتفاوت.

(4) الكافي 5: 121- 2، الفقيه 3: 99- 384، التهذيب 6: 364- 1046، الاستبصار 3: 65- 216، الوسائل 17: 154 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 2.

(5) التذكرة 1: 109.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 185

مصلحة العامّة» «1».

و المراد بالارتزاق منه: أن يعطيه الحاكم منه و إن كان لكونه مؤذّنا، بل و إن ارتزق منه للأذان و يكون ذلك من جهة أذانه، و لكن لا يجوز الأذان لذلك بأن يوقفه عليه و يؤذّن لذلك، لصدق الأجر المحرّم بالأخبار عليه لغة و عرفا و إن لم يكن فيه و لا في المدّة و العمل تقدير و لم يجر صيغة.

فالتفرقة بين الارتزاق و الأجر بعدم التقدير و الصيغة في الأوّل- كما في المسالك «2»- غير صحيح، بل الصحيح في الفرق ما ذكرنا.

و يجوز له أيضا الارتزاق من الموقوفات على المؤذّنين و المنذورات لهم أو ما يعمّهم إن لم يوقف العمل عليه و لم يكن الأذان لأخذه و إن كان أخذه للأذان، للأصل، و عدم صدق الأجر.

و إن أوقفه عليه لم يجز، لأنّه يكون أجرا.

و هل يشترط في ارتزاقه منهما أو من بيت المال الخلوص في النيّة، أم لا؟

الظاهر:

العدم، و به صرّح في المسالك في الأوّل «3»، إذ به يقوى الإسلام و يظهر شعاره، فيكون من المصالح، و يتصحّح به قصد الواقف و الناذر القربة. و بطلان الأذان حينئذ ممنوع، لعدم اشتراط النيّة فيه.

ثمَّ لو أخذ أجرا و ارتكب ذلك المحرّم فهل يحرم أذانه أيضا، أم لا؟.

الظاهر: العدم، للأصل.

______________________________

(1) الكافي 1: 539- 4، الوسائل 15: 110 أبواب جهاد العدو ب 41 ح 2.

(2) المسالك 1: 166.

(3) المسالك 1: 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 186

و البدعة و التشريع إنّما يكونان لو اعتقد مشروعيّة مثل ذلك أيضا، مع أنّ في الحرمة مع ذلك الاعتقاد أيضا نظرا، إمّا لإمكان إثبات مشروعيّته [1] بالعمومات، و تقييدها مطلقا بما فيه الإخلاص مخالف للأصل، أو لأنّ اللازم حرمة ذلك الاعتقاد دون العمل.

و ثانيهما: الصلاة بالناس جماعة، و يحرم في الجملة أخذ الأجر عليها أيضا، وفاقا لجماعة «2»، بل قيل بعدم مخالف ظاهر فيه، لصحيحة محمّد المتقدّمة «3».

و يجوز للإمام الارتزاق ممّا ذكر، لما ذكر.

الثاني:

اختلفوا في أخذ الأجر على تعليم غير الواجب من القرآن، فمختار المفيد و المختلف «4» و جماعة «5»: الجواز مع الكراهة مطلقا.

و الحلّي و القاضي و الشيخ في النهاية خصّوا الكراهة بصورة الشرط «6».

و الحلبي اختار التحريم مطلقا «7».

و الشيخ في أحد أقواله مع الشرط «8».

و الحقّ هو: الأول، أمّا الجواز فللأصل، و لرواية الفضل بن أبي قرّة:

هؤلاء يقولون: إنّ كسب المعلّم سحت، فقال: «كذبوا أعداء اللّه، إنّما

______________________________

[1] في «ق» زيادة: في الجملة.

______________________________

(2) منهم المفيد في المقنعة: 588، الطوسي في النهاية: 365، الحلي في السرائر 2: 217، صاحب الرياض 1: 506.

(3) في ص: 183.

(4) المفيد في المقنعة: 588، المختلف: 342.

(5) منهم الفاضل المقداد

في التنقيح 2: 16، صاحب الرياض 1: 507.

(6) الحلي في السرائر 2: 223، حكاه عن القاضي في المختلف: 341، النهاية: 367.

(7) الكافي في الفقه: 283.

(8) الاستبصار 3: 65.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 187

أرادوا أن لا تعلّموا القرآن أولادهم، لو أنّ المعلّم أعطاه رجل دية ولده لكان للمعلّم مباحا» «1»، و الأخبار الواردة في جواز أن يجعل ذلك مهرا «2».

و أمّا الكراهة فلرواية زيد المتقدّمة «3»، و رواية حسّان: «لا تأخذ على التعليم أجرا» «4».

و رواية إسحاق بن عمّار: «مره إذا دفع إليه الغلام أن يقول لأهله: إنّي أعلّمه الكتاب و الحساب و اتّجر عليه بتعليم القرآن حتى يطيب له كسبه» «5».

و في الفقه الرضوي: «أمّا معلّم لا يعلّمه إلّا قرآنا فقط فحرام أجرته إن شارط أو لم يشارط» «6».

و هذه الأخبار مستند المحرّم، و هو حسن لو لا المعارض، مضافا إلى قصور بعضها عن إفادة التحريم.

المسألة الثالثة:

يجوز أخذ الأجر على إجراء العقد مطلقا وكالة، و أمّا على تعليمه فالمصرّح به في كلام جماعة «7» العدم، لكونه واجبا كفائيّا، و عن المحقّق الشيخ علي الإجماع عليه «8»، فإن ثبت فهو، و إلّا ففيه نظر،

______________________________

(1) الكافي 5: 121- 2، الفقيه 3: 99- 384، التهذيب 6: 364- 1046، الاستبصار 3: 65- 216، الوسائل 17: 154 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 2.

(2) الوسائل 21: 242 أبواب المهور ب 2.

(3) في ص: 184.

(4) الكافي 5: 121- 1، التهذيب 6: 364- 1045، الاستبصار 3: 65- 214، الوسائل 17: 154 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 1.

(5) التهذيب 6: 364- 1044، الاستبصار 3: 65- 217، الوسائل 17: 155 أبواب ما يكتسب به ب 29 ح 3.

(6) فقه

الرضا «ع»: 253 بتفاوت، مستدرك الوسائل 13: 116 أبواب ما يكتسب به ب 26 ح 1.

(7) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 166، صاحب الرياض 1: 506.

(8) جامع المقاصد 4: 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 188

لاختصاص ذلك بما إذا وجب النكاح مثلا، مع أنّ الواجب حينئذ إمّا التعليم أو الإجراء وكالة، و لا بأس بأخذ الأجر على أحد أفراد المخيّر كما مرّ.

هذا، مع أنّه لو سلّم وجوبه معيّنا فلم يثبت وجوبه المطلق، فيمكن أن يكون مطلقا، أي و لو مع الأجرة.

المسألة الرابعة:

يحرم أخذ الأجر على كلّ فعل محرّم، لمثل ما مرّ في الواجب، فإنّه لا يملك الأجير تلك المنفعة حتى ينقلها، بل تحريمها نهي عن نقلها.

المسألة الخامسة:

لو دفع إلى رجل مالا ليصرف في قبيل هو منهم، فإن عيّن له عمل بمقتضى تعيينه.

و إن أطلق، فظاهر الكليني أنّ له أن يأخذ منه «1»، و هو صريح المفيد و النهاية و موضع من المبسوط و القاضي و الشرائع و المنتهى و الإرشاد و زكاة المختلف و متاجر التحرير و الكفاية و المحقّق الأردبيلي و أحد قولي الحلّي «2» و جمع آخر «3»، بل في الدروس عليه الشهرة «4».

و منع منه في موضع آخر من المبسوط، و هو القول الآخر للحلّي و ذهب إليه في النافع و متاجر المختلف و التذكرة و القواعد و المحقّق الثاني «5»، و إليه ذهب بعض مشايخ والدي رحمه اللّه.

______________________________

(1) الكافي 3: 555.

(2) المفيد في المقنعة: 361 نقل رواية، النهاية: 366، المبسوط 1: 247، القاضي في المهذب 1: 171، الشرائع 2: 12، المنتهى 2: 1021، المختلف: 187، التحرير 1: 162، الكفاية: 88، مجمع الفائدة 8: 116، الحلي في السرائر 2: 223.

(3) كصاحبي الحدائق 18: 237 و الرياض 1: 509.

(4) نسبه في الدروس 3: 171 إلى الأكثر، و في الحدائق 18: 237: إنّه المشهور.

(5) المبسوط 2: 403، الحلّي في السرائر: 1- 463، النافع: 118، المختلف: 343، التذكرة 1: 583، القواعد 1: 122، المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 189

و عن بعض الأصحاب: الفرق بين الألفاظ، فاختار الأول في: «ضعه فيهم» أو ما أدّى معناه، و الثاني في: «ادفعه إليهم» و ما يكون بمؤدّاه «1».

احتجّ الأولون بأصالة الجواز.

و أصالة

عدم التخصيص في اللفظ العام، كما هو المفروض.

و بموثّقة سعيد بن يسار: الرجل يعطى الزكاة يقسّمها بين أصحابه، أ يأخذ منها شيئا؟ قال: «نعم» «2».

و حسنة الحسين بن عثمان: في الرجل اعطي مالا يفرّقه في من يحلّ له، إله أن يأخذ منه شيئا لنفسه و إن لم يسمّ له؟ قال: «يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره» «3».

و صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج: عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسّمها و يضعها في مواضعها، و هو ممّن تحلّ له الصدقة، قال: «لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره»، قال: «و لا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعه في مواضع مسمّاة إلّا بإذنه» «4».

و يرد على الأول: منع الأصل، بل الأصل عدم جواز التصرّف في مال الغير حتى يثبت المجوّز.

و على الثاني: منع العموم، إذ المتبادر من هذا الخطاب تغاير الدافع و المدفوع إليه حقيقة، مع انّ دعوى كون تلك الهيئة موضوعة في اللغة لما

______________________________

(1) كما في التنقيح 2: 21، مفتاح الكرامة 4: 110.

(2) الكافي 3: 555- 1، الوسائل 17: 277 أبواب ما يكتسب به ب 84 ح 1.

(3) الكافي 3: 555- 2، التهذيب 4: 104- 295، الوسائل 9: 288 أبواب المستحقين للزكاة ب 40 ح 2.

(4) الكافي 3: 555- 3، التهذيب 4: 104- 296، المقنعة: 261، الوسائل 9:

288 أبواب المستحقين للزكاة ب 40 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 190

يشمل المدفوع إليه ممنوعة. و لو سلّم فجريان أصالة عدم التخصيص ممنوع، لما أثبتنا في الأصول من أنّ العمل بأصالة الحقيقة إذا كان مع اللفظ ما يصلح قرينة للتجوّز مشكل، و وجوده في المقام ظاهر.

و على الرواية الاولى: أنّ القبيل فيها أصحاب

الدافع و ليس هو منهم، فهي عن المفروض خارجة، بل على ظاهرها غير باقية، و حملها على ما يصدق على المفروض ليس بمتعيّن.

و على الأخيرتين: أنّ اللفظ المذكور فيهما التفريق و الوضع فيهم، فالتعدّي إلى غيرهما من الألفاظ- سيّما الدفع و ما بمعناه- مع كونه محلّ الخلاف غير جائز.

و استدلّ المانعون بأصالة عدم الجواز كما مرّ.

و بصحيحة عبد الرحمن الحجّاج: عن رجل أعطاه رجل مالا ليقسّمه في محاويج أو مساكين و هو محتاج، أ يأخذ منه لنفسه و لا يعلمه؟ قال: «لا يأخذ منه شيئا حتى يأذن له صاحبه» «1».

و يرد على الأول: أنّ الأصل مدفوع بالروايتين الأخيرتين فيما دلّتا عليه.

و على الثاني: قوله: «لا يأخذ» نفي، و هو قاصر عن إفادة التحريم على الأصحّ، مع أنّه أعمّ مطلقا من الحسنة، لأنّه يدلّ على عدم جواز الأخذ ما لم يأذن مطلقا، و هي جواز الأخذ بدون التسمية و الإذن مثل ما يعطي غيره، فيخصّ بها.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ الحقّ هو التفصيل، فالجواز في مثل «فرّقه» [1]

______________________________

[1] في «ق» زيادة: وضعه.

______________________________

(1) التهذيب 6: 352- 1000، الاستبصار 3: 54- 176، الوسائل 17: 277 أبواب ما يكتسب به ب 84 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 191

للروايتين «1»، و المنع في غيره للأصل.

و لأجل ذلك الأصل نقول بعدم جواز الأخذ زائدا على ما أعطاه غيره، كما عليه دعوى الإجماع- من كلّ من جوّز الأخذ عليه- في كلام جماعة من أصحابنا «2»، لاحتمال إرادة المماثلة في المعطى من الروايتين، لا في جواز الإعطاء.

ثمَّ الظاهر أنّ المراد بالمماثلة في المعطى ليس مساواة ما أخذه لما أخذه غيره قدرا، حتى تدلّ على عدم جواز التفاضل بين الفقراء و

وجوب التسوية، كما قيل «3».

بل المراد: أنى يجعل نفسه كأحدهم في ملاحظة الاحتياج و العيال، و انقطاع الوسائل، و تقسيم المال مع هذه الملاحظة، و لا يفضّل نفسه على أحدهم بلا جهة.

و هذه المماثلة تتحقّق مع كون ما أخذه أزيد الحصص أو أنقصها، و الأحوط اختيار الأنقص و لو كان يستحقّ الأزيد.

هذا، ثمَّ إنّ المصرّح به في كلام جماعة: عدم الخلاف في جواز إعطائه لعياله و أقاربه إذا كانوا بالوصف «4»، لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: في رجل أعطاه رجل مالا ليقسّمه في المساكين، و له عيال محتاجون، أ يعطيهم من غير أن يستأمر صاحبه؟ قال: «نعم» «5».

______________________________

(1) المتقدّمتين في ص: 189.

(2) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 167، السبزواري في الكفاية: 88، صاحب الرياض 1: 509.

(3) الحدائق 18: 240.

(4) منهم صاحب الحدائق 18: 241، صاحب الرياض 1: 509.

(5) التهذيب 6: 352- 1001، الوسائل 17: 17: 277 أبواب ما يكتسب به ب 84 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 192

و قد يتأمّل فيه، نظرا إلى أنّ الأخذ للعيال أخذ لنفسه، أو إلى عدم تبادره من اللفظ، فالأصل مع العدم. و هو كذلك في غير مورد النصّ، و هو ما كان بلفظ القسمة و نحوه فيما يجب عليه من النفقة و الكسوة، و أمّا غيره فلا.

المسألة السادسة:
اشاره

صرّح الأكثر بحرمة تولية القضاء و الحكم و نحوه عن السلطان الجائر «1»، و نفى بعضهم الخلاف عنها «2»، لكونها إعانة للظالم، و للمستفيضة الدالّة عليها «3».

و استثنوا منها مقامين:

[ما استثني من حرمة التولية عن الجائر]
أحدهما: مع الخوف و التقيّة

على النفس أو المال أو العرض عليه، أو على المؤمنين كلّا أو بعضا، على وجه لا ينبغي تحمّله عادة بحسب حال المكره في الرفعة و الضعة بالنسبة إلى الإهانة، فيجوز حينئذ، بل قد يجب بلا خلاف، للإجماع، و المستفيضة، بل المتواترة من الصحاح و غيرها الدالّة على جواز التقيّة، بل وجوبها.

ففي الصحيح: «التقيّة في كلّ شي ء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه له» «4».

و في آخر: «التقيّة في كلّ ضرورة، و صاحبها أعلم بها حين ينزل» «5».

و في ثالث: عن القيام للولاة، فقال: «التقيّة من ديني و دين آبائي، و لا

______________________________

(1) منهم المحقق في الشرائع 2: 12، صاحب الرياض 1: 510.

(2) كما في الرياض 1: 510.

(3) الوسائل 27: 11 أبواب صفات القاضي ب 1.

(4) الكافي 2: 220- 18، الوسائل 16: 214 أبواب الأمر و النهي ب 25 ح 2.

(5) الكافي 2: 219- 13، الوسائل 16: 214 أبواب الأمر و النهي ب 25 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 193

إيمان لمن لا تقيّة له» «1».

و خصوص ما رواه الحلّي في السرائر عن أبي الحسن الثالث: إنّ محمّد بن عليّ بن عيسى كتب إليه يسأله عن العمل لبني العبّاس و أخذ ما يتمكّن من أموالهم، هل فيه رخصة؟ فقال: «ما كان المدخل فيه بالجبر و القهر فاللّه قابل للعذر» الحديث «2».

و أمّا رواية الحسن الأنباري: كتبت إليه أربع عشرة سنة أستأذنه في أعمال السلطان، فلمّا كان في آخر كتاب كتبته إليه أذكر أنّي أخاف

على خيط عنقي- إلى أن قال- فكتب إليّ: «قد فهمت كتابك و ما ذكرت من الخوف على نفسك، فإن كنت تعلم أنّك إذا ولّيت عملت في عملك بما أمر به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثمَّ تصيّر أعوانك و كتّابك أهل ملّتك، فإذا صار إليك شي ء و آسيت به فقراء المؤمنين حتى تكون واحدا منهم كان ذا بذا، و إلّا فلا» «3».

فلا تنافيه، لأنّه يمكن أن يكون إخبارا منه عليه السّلام بعدم الخوف على النفس عليه.

و كما يجب القبول حينئذ كذلك يجب أن ينفّذ أمر الجائر و نهيه و جميع ما يحكم به و لو كان محرّما إجماعا، متحرّيا الأسهل فالأسهل، و متدرّجا من الأدنى إلى الأعلى، اقتصارا في فعل المحرّم على أقلّ ما تندفع به الضرورة.

______________________________

(1) الكافي 2: 219- 12، الوسائل 16: 204 أبواب الأمر و النهي ب 24 ح 3.

(2) مستطرفات السرائر: 68، الوسائل 17: 190 أبواب ما يكتسب به ب 45 ح 9.

(3) الكافي 5: 111- 4، التهذيب 6: 335- 928، الوسائل 17: 201 أبواب ما يكتسب به ب 48 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 194

و لو انحصر في الأعلى وجب، إلّا في قتل المسلم المحقون الدم، فلا يجوز إجماعا، للصحيح: «إنّما جعلت التقيّة لتحقن بها الدماء، فإذا بلغ الدم فلا تقيّة» «1»، و نحوه الموثّق «2».

و قيل: و ظاهر الإطلاق يشمل الجرح أيضا، كما عن الشيخ «3». و في ثبوت الإطلاق في مثل هذا التركيب نظر.

و لزوم الاقتصار في الخروج عن عمومات التقيّة على المتيقّن- بل المتبادر- يقتضي جواز الجرح الذي لم يبلغ حدّ القتل، و لذا اقتصر عليه في الاستثناء جماعة «4»، بل- كما قيل

«5»- هو الأشهر.

و قيل: ينبغي القطع بالجواز إذا كان الخوف على النفس بتركه، و يحتاط بتركه في غيره «6». و هو جيّد.

و هل المسلم يشمل المخالف أيضا، أم لا؟

فيه إشكال، و الاحتياط يقتضي المصير إلى الأول إذا كان الخوف بترك القتل على نحو المال و سيّما القليل منه، و أمّا إذا كان على النفس المؤمنة فلا يبعد المصير إلى الثاني، فلا شي ء يوازي دم المؤمن كما يستفاد من النصوص.

______________________________

(1) الكافي 2: 220- 16، المحاسن: 259- 310، الوسائل 16: 234 أبواب الأمر و النهي ب 31 ح 1.

(2) التهذيب 6: 172- 335، الوسائل 16: 234 أبواب الأمر و النهي ب 31 ح 2.

(3) حكاه عنه في المسالك 1: 168 و الرياض 1: 510.

(4) منهم الشيخ في النهاية: 357 و المحقق في النافع: 118 و العلّامة في القواعد 1:

122.

(5) انظر الرياض 1: 510.

(6) انظر الرياض 1: 510.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 195

و ثانيهما: إذا أمن من ارتكاب المحرّم

و الاقتدار على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فيجوز حينئذ كما قيل «1»، بل قال جماعة بالاستحباب حينئذ «2»، و قيل بالوجوب «3».

استدلّ المجوّز بتعارض عمومات منع قبول الولاية عنه و إعانته، و عمومات الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، بالنظر إلى دلالتها الالتزاميّة على وجوب المقدّمة، التي هي قبول الولاية بالعموم من وجه، و لم يظهر مرجّح فيعمل بمقتضى الأصل.

و ردّ: بأنّ ذلك إذا كان وجوب الأمر و النهي المذكورين مطلقا حتى يجب تحصيل القدرة من باب المقدّمة.

و فيه: أنّ أدلّتهما مطلقة و الأصل عدم التقييد، و القدرة الذاتيّة المشروطة بها التكاليف حاصلة، و إن كان تأثيرها موقوفا على رفع مانع هو التقيّة، و هي بقبول التولية مرتفعة كما هو المفروض.

هذا،

مع أنّ من الظواهر ما يدلّ على ارتفاع الحرمة، كمرسلة الفقيه:

«كفّارة خدمة السلطان قضاء حوائج الإخوان» «4».

و في رواية زياد بن أبي سلمة: «لأن أسقط من حالق فأتقطّع قطعة قطعة أحب إليّ من أن أتولّى لأحد منهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم، إلّا لتفريج كربة عن مؤمن أو فكّ أسره أو قضاء دينه» إلى أن قال: «فإن ولّيت

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 510.

(2) منهم الشيخ في النهاية: 356 و المحقق في الشرائع 2: 12 و النافع: 118 و العلّامة في نهاية الإحكام 2: 525.

(3) كما في المسالك 1: 168، و الحدائق 18: 126.

(4) الفقيه 3: 108- 453، الوسائل 17: 192 أبواب ما يكتسب به ب 46 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 196

شيئا من أعمالهم فأحسن إلى إخوانك فواحدة بواحدة» الحديث «1». و رواية الأنباري المتقدّمة.

و استدلّ القائل بالاستحباب بأنّ بعد ثبوت الجواز يثبت الرجحان، لأنّ الأمر و النهي المذكورين عبادة، و العبادة لا تكون إلّا راجحة.

و فيه: أنّه إن أريد الجواز الثابت بالأصل- كما هو مقتضى الدليل الأوّل- فهو ليس جوازا شرعيّا، بل هو عقلي، فإذا لم يمكن تحقّقه في العبادة فنسبة الحرمة و الرجحان إليه على السواء، مع أنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من الواجبات التوصّلية الغير المتوقّفة على النيّة، و عدم كون مثل ذلك إلّا راجحا ممنوع.

نعم، ما يترتّب عليه الثواب منه كذلك.

و منه يعلم عدم تماميّة المطلوب إن أريد الجواز الشرعي كما هو مقتضى الاستدلال بالظواهر، مع أنّ مقتضاها عدم اختصاص الجواز بصورة التمكّن من الأمر و النهي المذكورين، بل يعمّ غيرهما من قضاء دين الإخوان و الإحسان إليهم.

و قد يستدلّ أيضا بصحيحة عليّ بن يقطين: «للّه

عزّ و جلّ مع السلطان أولياء يدفع عن أوليائه» «2».

و فيه: أنّ الكون مع السلطان أعمّ من الدخول في عمله و الولاية منه.

و منه يظهر ضعف الاستدلال بما هو في ذلك المعنى، كحسنة ابن

______________________________

(1) الكافي 5: 109- 1، التهذيب 6: 333- 924، الوسائل 17: 194 أبواب ما يكتسب به ب 46 ح 9.

(2) الكافي 5: 112- 7، الفقيه 3: 108- 451، الوسائل 17: 192 أبواب ما يكتسب به ب 46 ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 197

أبي عمير «1»، و مرسلة المقنع «2»، و رواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع المرويّة في كتب الرجال «3».

نعم، يمكن ان يستدلّ على الرجحان بما في آخر مكاتبة محمّد بن عليّ بن عيسى المتقدّمة «4»: فكتبت إليه أعلمه أنّ مذهبي في الدخول في أمرهم وجود السبيل إلى إدخال المكروه على عدوّه، و انبساط اليد في التشفّي منهم بشي ء به أتقرّب به إليهم، فأجاب: «من فعل ذلك فليس مدخله في العمل حراما، بل أجرا و ثوابا».

و المروي في قرب الإسناد عن عليّ بن يقطين: أنّه كتب إلى أبي الحسن موسى عليه السّلام: إنّ قلبي يضيق ممّا أنا عليه من عمل السلطان- و كان وزيرا لهارون- فإن أذنت جعلني اللّه فداك هربت منه، فرجع الجواب:

«لا آذن لك بالخروج من عملهم» «5».

و لكن الثابت منهما رجحان التولية إذا كان المقصود منها الفعل الراجح، لا إذا علم ترتّبه عليها و إن كان مقصوده أمرا مباحا أو مكروها، و هذا يثبت مع ثبوت الجواز أيضا، لصيرورة الجائر بالقصد راجحا.

دليل الموجب: أنّ مقتضى أخبار الرجحان أو الجواز- مع التمكّن عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر- اختصاص المنع بما عدا ذلك،

فيبقى وجوب مقدّمة الواجب خاليا عن المعارض، فيكون واجبا.

______________________________

(1) الكافي 5: 107- 9، الوسائل 17: 188 أبواب ما يكتسب به ب 45 ح 4.

(2) المقنع: 122، الوسائل 17: 193 أبواب ما يكتسب به ب 46 ح 5.

(3) رجال النجاشي: 331.

(4) في ص: 193.

(5) قرب الاسناد: 305- 1198، الوسائل 17: 198 أبواب ما يكتسب به ب 46 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 198

و هو حسن، و لكن يختصّ بما إذا كان حين قبول الولاية معروفا واجبا متروكا أو منكرا حراما موجودا و توقّف الأمر و النهي على قبول التولية، لا إذا كان قبولها سببا للتمكّن من النهي عن المنكر لو وجد و الأمر بالمعروف لو ترك، إذ لم يثبت وجوب مقدّمة مثل ذلك أيضا.

و الظاهر أنّ مرادهم ما يشمل الثاني أيضا.

هذا، ثمَّ إنّ ظاهر الأكثر اختصاص الجواز أو الرجحان مطلقا أو مع المنع من الترك بصورتي الاستثناء، و أنّ التولية في غيرهما حرام و إن علم عدم ارتكاب المآثم.

و هو فيما هو ظاهر كلامهم- من التولية عن السلطان الجائر مطلقا من المخالفين أو الشيعة في زمن الحضور أو الغيبة- مشكل، لعدم دليل على ذلك العموم، فإنّ الأخبار المانعة عن التولية عنهم غير متضمّنة لما يعمّ الجميع، كما لا يخفى على الناظر فيها، و ما أمكن التعميم فيه قاصر عن إثبات الحرمة، كموثّقة عمّار: عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل، قال:

«لا، إلّا أن لا يقدر على شي ء يأكل و لا يشرب، و لا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شي ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت» «1»، حيث إنّ جواب السؤال ليس إلّا «لا يخرج» و هو لكونه نفيا لا يفيد سوى المرجوحيّة.

نعم،

يصحّ ما ذكروه في التولية عن سلاطين عهدهم من بني أميّة و بني العبّاس لعنهم اللّه.

فالقول الفصل أن يقال: إنّ الكلام إمّا في التولية عنهم، أو عن غيرهم من سلاطين الجور.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 14    199     و ثانيهما: إذا أمن من ارتكاب المحرم ..... ص : 195

____________________________________________________________

(1) التهذيب 6: 330- 915، الوسائل 17: 202 أبواب ما يكتسب به ب 48 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 199

أمّا الأول، فالأصل فيه الحرمة و إن انفكّ عن العمل و ارتكاب المآثم، لإطلاق المستفيضة.

و تجوز مع الإكراه على التفصيل المتقدّم، و مع الأمن عن ارتكاب المحرّم، و القدرة على جعل الولاية وسيلة لابتغاء مرضاة اللّه سبحانه و قصد ذلك، بل يكون حينئذ راجحا و يجب مع الأمن و الاقتداء بها على الأمر بمعروف مهمل أو دفع منكر متحقّق.

و أمّا الثاني، فلا تحرم نفس التولية إلّا إذا كانت إعانة على محرّم آخر، للأصل، و قد تستحبّ، و قد تجب، كما مرّ. و أمّا نفس العمل المترتّب على الولاية فحكمه ظاهر.

المسألة السابعة:

جوائز السلطان- بل مطلق الظالم، بل من لا يتورّع المحارم من الأموال- محرّمة إن علمت حرمتها بعينها.

فإن قبضها حينئذ أعادها على المالك إن عرف، و يتصدّق بها إن لم يعرف، كما صرّح به في رواية علي بن أبي حمزة «1».

و إن لم يعلم حرمتها كذلك فهي حلال مطلقا و إن علم أنّ في ماله مظالم، بلا خلاف فيه، للأصل، و المستفيضة، كروايات البصري «2»، و ابن وهب «3»، و مرسلة محمّد بن أبي حمزة «4»، و صحيحة الحذّاء «5».

______________________________

(1) الكافي 5: 106- 4، التهذيب 6: 331- 920، الوسائل 17: 199 أبواب ما يكتسب

به ب 47 ح 1.

(2) التهذيب 7: 132- 582، الوسائل 17: 221 أبواب ما يكتسب به ب 53 ح 3.

(3) التهذيب 6: 337- 938، الوسائل 17: 219 أبواب ما يكتسب به ب 52 ح 4.

(4) التهذيب 6: 337- 937، الوسائل 17: 219 أبواب ما يكتسب به ب 52 ح 3.

(5) الكافي 5: 228- 2، التهذيب 6: 375- 1094، الوسائل 17: 219 أبواب ما يكتسب به ب 52 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 200

و أمّا الاستدلال بالروايات المجوّزة لقبول جوائز العمّال- كصحيحة محمّد و زرارة «1»، و صحيحة أبي ولّاد «2»، و صحيحة أبي المغراء «3»- فهي غير دالّة، لعدم دلالتها على العلم بأنّ في ماله حراما، بل السؤال فيها إنّما هو لأجل كونهم متصرّفين في الخراج و المقاسمة، و هما حلالان كما يأتي.

و الأفضل التورّع عنها في غير ما علم حلّه إجماعا، لصدق الشبهة المأمور باجتنابها، إلّا مع إخبار المخبر بالإباحة، فلا تكره كما قيل «4»، بل نفي عنه الخلاف «5».

و هو مشكل، لعدم خروجه عن الشبهة إذا احتمل كذبه، و وجوب حمل قول المسلم على الصدق إن كفى في رفع الشبهة لكفى وجوب حمل فعله على الصّحة في رفعها بمجرّد الإعطاء أيضا، فلا يكون مكروها مطلقا.

و صرّح في المنتهى بزوال الكراهة بإخراج الخمس أيضا «6»، و ربّما أسند إلى المشهور، لكونه مطهّرا للمختلط بالحرام، فلما لم تعلم حرمته أولى، و لموثّقة عمّار: عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل، قال: «لا، إلّا أن لا يقدر على شي ء يأكل و لا يشرب، و لا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شي ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت» «7».

______________________________

(1) التهذيب 6: 336- 931،

الوسائل 17: 214 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 5.

(2) الفقيه 3: 108- 449، التهذيب 6: 338- 940، الوسائل 17: 213 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 1.

(3) الفقيه 3: 108- 450، التهذيب 6: 338- 942، الوسائل 17: 213 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 2.

(4) الرياض 1: 509.

(5) الرياض 1: 509.

(6) المنتهى 2: 1025.

(7) التهذيب 6: 330- 915، الوسائل 17: 202 أبواب ما يكتسب به ب 48 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 201

و الأولويّة ممنوعة، و الموثّقة غير دالّة، إذ لا دلالة فيها على أنّه صار في يده شي ء من المشتبه بالحرام، لجواز أن يكون من ارتفاع الأراضي الخراجيّة الذي هو مباح و خمسه للإمام، مع أنّه يكون هذا كسبا، و ما صار بيده ربحا، فإخراج خمسه من حيث هو واجب، و لا يدلّ على أنّه يطهّره.

ثمَّ إنّ ظاهر إطلاق النصوص و الفتاوى: الحلّية مع عدم العلم بالحرمة و إن لم يعلم أنّ للمخبر مالا حلالا، و الأصل و إن يساعد خلافه و لكن لا أثر له مع إطلاق الرواية.

و أمّا المروي في الاحتجاج للطبرسي و كتاب الغيبة للشيخ، و فيها- بعد أن سئل الصاحب عن أكل مال من لا يتورّع المحارم-: «و إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه و اقبل برّه، و إلّا فلا» «1» فلا نافيه، لأنّ معنى قوله: «و إلّا» أي و إن لم يكن له مال غير الحرام الذي في يده، لا أنّه إن لم يعلم له مال، فيكون حكمه مسكوتا عنه فيه، فيعمل بمقتضى الإطلاق.

المسألة الثامنة:

قد طال تكلّم الأصحاب فيما يأخذ الجائر باسم المقاسمة و الخراج

و الزكاة عن الأموال.

و المراد بالمقاسمة: الحصّة المعيّنة من حاصل الأرض يؤخذ عوضا عن زراعتها.

و بالخراج: المال المضروب عليها أو على [الشجر حسبما] [1] يراه الحاكم. و قد يطلق الثاني على الأول.

______________________________

[1] في النسخ: البحر حيث ما، و الظاهر ما أثبتناه.

______________________________

(1) الاحتجاج 2: 485، الغيبة: 235، الوسائل 17: 217 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 202

و الكلام في المقام تارة في دفع هذه الثلاثة إلى الجائر، و اخرى في الأخذ منه، و ثالثة في براءة ذمّة الدافع إذا دفعها إليه.

أمّا الأول، فظاهر جماعة من أصحابنا وجوب دفع الأولين إليه «1»، فلا يجوز للزارع جحد شي ء منهما و لا منعه و لا سرقته، و نقله المحقّق الشيخ علي في رسالته الخراجيّة عن كثير من معاصريه «2»، و في كفاية الأحكام عن بعض الأصحاب الاتّفاق عليه، و تأمّل هو فيه «3».

و نقل بعضهم عن جماعة من أصحابنا عدم براءة الذمّة بالدفع اختيارا، و مقتضاه عدم جوازه مع التمكّن، و بذلك صرّح الشيخ إبراهيم القطيفي في نقض الخراجيّة للشيخ علي «4»، بل ظاهره دعوى الضرورة الدينيّة على العدم.

و لا يخفى أنّ ذلك مقتضى الأصل، لأنّهما- كالزكاة- حقّ لجماعة خاصّة ليس الجائر منهم و لا قيّما عليهم، فالأصل عدم جواز دفع حصّتهم إليهم- سيّما مع ما هو عليه من الفسق الواضح- ما دام يتمكّن من عدم الدفع.

و تدلّ عليه صحيحة العيص: في الزكاة فقال: «ما أخذه منكم بنو أميّة فاحتسبوا به، و لا تعطوهم شيئا ما استطعتم» «5»، و صحيحة الشحّام الآتية «6».

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 155، المحقق الثاني في جامع المقاصد 7: 11، صاحب الرياض 1: 496.

(2)

انظر رسالة قاطعة اللجاج في تحقيق حلّ الخراج (رسائل المحقّق الكركي 1):

274.

(3) كفاية الأحكام: 80.

(4) انظر السراج الوهّاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج (كلمات المحققين): 307.

(5) الكافي 3: 543- 4، التهذيب 4: 39- 99، الاستبصار 2: 27- 76، الوسائل 9: 252 أبواب المستحقين للزكاة ب 20 ح 3.

(6) في ص 204.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 203

و لم أعثر إلى الآن على حجّة واضحة دافعة للأصل.

و ما ذكره بعضهم- من أنّ المستفاد من الظواهر: أنّ حكم تصرّف الجائر في الأراضي الخراجيّة حكم تصرّف الإمام العادل- غير مسلّم، و لو سلّم فإنّما هو في الجملة.

فوجوب منعها عن الجائر مع التمكّن أظهر، و في بعض الروايات تأييد له أيضا، كما في رواية علي بن عطيّة المذكورة في باب شراء السرقة و الخيانة و متاع السلطان، المانعة من إعطاء قيمة الأرز لابن أبي هبير [1]، و رواية علي بن يقطين «2» المصرّحة: بأنّه كان يجبي أموال الشيعة علانية و يردّ عليهم سرّا، و أمّا بدون التمكّن فهو أمر آخر.

و أمّا الثاني- و هو جواز الأخذ من الجائر بعد أخذه من المالك قهرا، أو لكونه متديّنا بدين الجائر- فالظاهر عدم الخلاف بل الإجماع فيه في الجملة، بل في المسالك و التنقيح و شرح القواعد للمحقّق الثاني و رسالته الخراجيّة دعوى الإجماع عليه «3»، و هو الحجّة في المقام، و إلّا فالأخبار التي استدلّوا بها لا تخلو عن مناقشة في الدلالة، مع أنّ ما يمكن إتمام دلالتها- و لو بقطع النظر عن بعض الاحتمالات- لا يثبت أزيد ممّا يثبته الإجماع، و هو جواز شراء هذه الثلاثة من الجائر في الجملة.

بل الظاهر وقوع الإجماع على جواز الأخذ في الجملة، سواء كان

______________________________

[1]

التهذيب 6: 337- 936، الوسائل 17: 218 أبواب ما يكتسب به ب 52 ح 2، و فيهما: هبيرة، بدل: ابن أبي هبير.

______________________________

(2) الكافي 5: 110- 3، التهذيب 6: 335- 927، الوسائل 17: 193 أبواب ما يكتسب به ب 46 ح 8.

(3) المسالك 1: 168، التنقيح 2: 19، جامع المقاصد 1: 207، انظر رسالة قاطعة اللجاج في تحقيق حلّ الخراج (رسائل المحقق الكركي 1): 276.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 204

بالشراء أو غيره، فيجب الحكم به، و لكن نقتصر على موضع الإجماع، و هو السلطان المخالف، كما صرّح به الشهيد الثاني، و أمّا الشيعة فلا، و التعدّي إليهم بواسطة بعض التعليلات قياس مستنبط العلّة، مردود عند الشيعة، و يقتصر في الأخذ بدون الشراء على من يستحقّه.

و أمّا الثالث، فالحقّ عدم البراءة مع التمكّن من عدم الدفع، للأصل، و صحيحة الشحّام: إنّ هؤلاء المصدّقين يأتونا فيأخذون منّا الصدقة فنعطيهم إيّاها، أ يجزئ عنّا؟ فقال: «لا، إنّما هؤلاء قوم غصبوكم» أو قال: «ظلموكم أموالكم، و إنّما الصدقة لأهلها» «1».

و أمّا صحيحة سليمان: «إنّ أصحاب أبي أتوه فسألوه عمّا يأخذه السلطان، فرقّ لهم و إنّه ليعلم أنّ الزكاة لا تحلّ إلّا لأهلها، فأمرهم أن يحتسبوا به فجاز ذا و اللّه لهم» «2».

و صحيحة يعقوب بن شعيب: عن العشور التي تؤخذ من الرجل، أ يحتسب بها من زكاته؟ قال: «نعم، إن شاء» «3».

و صحيحة الحلبي: عن صدقة المال يأخذها السلطان، فقال: «لا آمرك أن تعيد» «4».

______________________________

(1) التهذيب 4: 40- 101، الاستبصار 2: 27- 78، الوسائل 9: 253 أبواب المستحقين للزكاة ب 20 ح 6.

(2) الكافي 3: 543- 1، التهذيب 4: 39- 98، الاستبصار 2: 27- 75، الوسائل 9: 252

أبواب المستحقين للزكاة ب 20 ح 4، بتفاوت.

(3) الكافي 3: 543- 2، الفقيه 2: 15- 41، الوسائل 9: 251 أبواب المستحقين للزكاة ب 20 ح 1.

(4) التهذيب 4: 40- 100، الاستبصار 2: 27- 77، الوسائل 9: 253 أبواب المستحقين للزكاة ب 20 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 205

و مرسلة الفقيه: عن الرجل يأخذ منه هؤلاء زكاة ماله، أو خمس غنيمته، أو خمس ما يخرج له من المعادن، أ يحسب ذلك له في زكاته و خمسه؟ فقال: «نعم» «1».

فمحمولة على صورة عدم التمكّن، لصحيحة العيص: في الزكاة، فقال: «ما أخذ منكم بنو أميّة فاحتسبوا به، و لا تعطوهم شيئا ما استطعتم» «2»، فإنّها تدلّ على عدم الاحتساب في صورة استطاعة عدم الدفع، لأنّ النهي في العبادات يقتضي الفساد، و هي أخصّ مطلقا من الأخبار المتقدّمة، فيجب تخصيصها بها، كما يجب تخصيص صحيحة الشحّام بها أيضا.

و منه يظهر وجه البراءة في صورة عدم التمكّن.

ثمَّ إنّ ما ذكر و إن كان في الزكاة، إلّا أنّه يثبت الحكم في الخراج و المقاسمة أيضا بعدم القول بالفصل.

حجّة المجوّزين للدفع مطلقا: الأخبار المذكورة. و جوابها قد ظهر.

و استلزام عدم الاحتساب العسر و الحرج على الشيعة. و هو بالتفصيل الذي ذكرنا مدفوع.

و صحيحة الحذّاء: الرجل منّا يشتري من السلطان من إبل الصدقة و غنمها، و هو يعلم أنّهم يأخذون أكثر من الحقّ الذي يجب عليهم، قال:

فقال: «ما الإبل و الغنم إلّا مثل الحنطة و الشعير و غير ذلك، لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه»، قيل له: فما ترى في مصدّق يجيئنا فيأخذ صدقات

______________________________

(1) الفقيه 2: 23- 84، الوسائل 9: 254 أبواب المستحقين للزكاة ب 20 ح 7.

(2) الكافي

3: 543- 4، التهذيب 4: 39- 99، الاستبصار 2: 27- 76، الوسائل 9: 252 أبواب المستحقين للزكاة ب 20 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 206

أغنامنا، فنقول: فيبيعناها، فما ترى في شرائها منه؟ قال: «إن كان قد أخذ بها و عزلها فلا بأس»، قيل له: فما ترى في الحنطة و الشعير يجيئنا القاسم فيقسّم لنا حظّنا و يأخذ حظّه فيعزله بكيل، فما ترى في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال: «إن كان ما أقبضه بكيل و أنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه بغير كيل» «1».

و أورد عليها أولا: بمنع دلالتها على إباحة شراء الصدقة، لعدم تعيّن إرجاع الضمير في قوله: «لا بأس به» إلى شراء إبل الصدقة، بل يمكن رجوعه إلى الإبل و الغنم المذكورين أخيرا، و يكون إشارة إلى الأصل المقرّر- و هو أصالة الإباحة- يعني: لا بأس بالشراء حتى تعرف أنّه من إبل الصدقة، و أدّى بهذه العبارة من باب التقيّة.

و ثانيا: بمنع الدلالة على إباحة الخراج و المقاسمة.

و ثالثا: باحتمال كون المصدّق من قبل العدل.

و رابعا: باحتمال الشراء فيه للاستنقاذ، بناء على كون متعلّقها فيه صدقات المشترين خاصّة.

و ردّ الأول: بأنّ وجوب مطابقة الجواب للسؤال يعيّن رجوع الضمير إلى شراء إبل الصدقة، و تحديد الإباحة بعدم معروفيّة الحرمة لما تضمّنه السؤال من أخذ الزائد على الحقّ، فيكون حاصل الجواب نفي البأس عن شراء الصدقة ما لم تعلم فيها الزيادة المحرّمة بظهور لفظ القاسم في أنّ المأخوذ مال المقاسمة، سيّما في مقابلة لفظ المصدّق.

مع أنّه مرّت الإشارة إلى حكم زكاة الحنطة و الشعير في صدر الرواية،

______________________________

(1) الكافي 5: 228- 2، التهذيب 6: 375- 1094، الوسائل 17: 219 أبواب ما يكتسب به

ب 52 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 207

فيلزم التكرار لو حمل عليها.

و الثاني و الثالث: ببعده بملاحظة حال الأئمّة في زمان صدور الرواية.

و الرابع: بالبعد، مضافا إلى كون صدر الرواية كالصريح في كون البيع من غير المشتري.

أقول: ما ردّ به الأول و إن كان كذلك و كان الصحيح الاعتراض عليه بلزوم التخصيص بصورة عدم التمكّن لما مرّ، إلّا أنّ في البواقي كلاما، لأنّ ظهور لفظ القاسم فيما ذكره ممنوع، لتحقّق القسمة في صدقات الغلّات أيضا، لأنّها أيضا كمال المقاسمة تؤخذ بالنسبة، و المقابلة للمصدّق غير مفيدة، لجواز اختصاص استعمال المصدّق عندهم بأخذ صدقات الأنعام.

و أمّا لزوم التكرار ففيه: أنّ ما مضى هو حكم أصل البيع، و المسؤول عنه البيع اكتفاء بالكيل الأول، و لذا سئل عن الغنم ثانيا مع كونه في السؤال الأول أيضا.

و لو سلّم الظهور فكون المأخوذ مال مقاسمة السلطان ممنوع، لجواز أن تكون الأرض ملك القاسم قاسمها للزارع، كما يشعر به قوله: حظّه، و يكون المراد بالقاسم من قاسم الملك، و يكون السؤال من جهة بيع حظّه بلا كيل اعتمادا على الكيل الأول، كما يدلّ عليه الجواب.

و أمّا بعد كون المصدّق من جانب العدل فهو و إن كان كذلك، إلّا أنّه يمكن المراد به الفقير الذي هو آخذ الصدقة لا من يأخذه من جانب السلطان.

و أمّا كون صدر الرواية كالصريح في مخالفة المشتري للمأخوذ منه فهو و إن كان في الصدقة كذلك، و لكن الظاهر في عجز الرواية الذي يستدلّ به على المقاسمة بعكس ذلك، إلّا أنّ اشتراط الإقباض بالكيل و حضور

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 208

المشتري يأبى عن حمل ذلك أيضا على إرادة الاستنقاذ.

و حسنة الحضرمي:

«ما يمنع ابن أبي سمال أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس و يعطيهم ما يعطي الناس» ثمَّ قال للراوي: «لم تركت عطاءك؟» قال: مخافة على ديني، قال: «ما منع ابن أبي سمال أن يبعث إليك بعطائك، أما علم أنّ لك في بيت المال نصيبا؟!» «1».

حيث جوّز أولا لشباب الشيعة أخذ ما يعطي الحاكم الناس المعينين له، و من جملة ما يعطيهم وجوه الخراج و المقاسمة.

و ثانيا للراوي أخذ العطاء من بيت المال الغالب فيه اجتماع وجوههما فيه.

و في دلالتها تأمّل، لعدم معلوميّة ما يعطيه ابن أبي سمال للمعينين له، فيجوز أن يكون من غير وجوههما، و نصيبه من بيت المال يمكن أن يكون من غير جهة الخراج و المقاسمة.

و بالجملة: الاستدلال مع هذا النوع من الإجمال في غاية الإشكال.

و الأخبار المجوّزة للشراء «2» ما لم يظلم فيه أحدا من العامل بعد السؤال عنه، من جهة ترك الاستفصال ممّا يشترى منه، فيفيد العموم لجميع أمواله التي منها ما نحن فيه.

و لا يخفى ما فيه، فإنّا ندّعي أنّ ما نحن فيه ما علم أنّه ظلم فيه، كما هو مقتضى الأصل، مع أنّ باشتراط المالكيّة في المبيع يخرج جواز شراء ذلك، لعدم كونه ملكا للعامل قطعا، فالتجويز إنّما هو لجواز كونه من مال العامل نفسه [1]، كما في سائر أموال الظلمة.

______________________________

[1] في «ح»: بعينه.

______________________________

(1) التهذيب 6: 336- 933، الوسائل 17: 214 أبواب ما يكتسب به ب 51 ح 6.

(2) الوسائل 17: 218 أبواب ما يكتسب به ب 52.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 209

و منه يعلم و هن الاستدلال بإطلاق المجوّزات للشراء من الظلمة و أخذ جوائزهم، مع أنّ المتبادر منها: أنّ السؤال و التجويز

لما يعرض في أموالهم من الشبهة و الاختلاط.

و رواية الهاشمي: عن الرجل يتقبّل خراج الرجال و جزية رؤوسهم و خراج النخل و الشجر و الآجام [1] و المصائد و السمك و الطير، و هو لا يدري لعلّ هذا لا يكون أبدا أو يكون، أ يشتريه و في أيّ زمان يشتريه و يتقبّل منه؟ فقال: «إذا علمت أنّ من ذلك شيئا واحدا قد أدرك فاشتره و تقبّل منه» «2»، و قريبة منها روايته الأخرى «3».

و موثّقة سماعة: عن شراء الخيانة و السرقة، قال: «إذا عرفت أنّه كذلك فلا، إلّا أن يكون شيئا يشتريه من العمّال» «4»، و بمضمونها روايات كثيرة «5».

وجه الدلالة: عموم المستثنى الشامل للمفروض، و إن خرج غيره بالإجماع.

و في دلالتهما نظر:

أمّا الأول، فلوروده في بيان حكم تقبّل ما يدرك، و في اعتبار إطلاق مثل ذلك تأمّل.

______________________________

[1] الأجمة: الشجر الملتف، و الجمع أجمات، و الآجام جمع الجمع- مجمع البحرين 6: 6.

______________________________

(2) الفقيه 3: 141- 621، الوسائل 17: 355 أبواب عقد البيع ب 2 ح 4.

(3) الكافي 5: 195- 12، التهذيب 7: 124- 544، الوسائل 17: 355 أبواب عقد البيع ب 12 ح 4.

(4) الفقيه 3: 143- 630، التهذيب 6: 337- 934، الوسائل 17: 336 أبواب عقد البيع ب 1 ح 1.

(5) الوسائل 17: 333 أبواب عقد البيع ب 1 ح 1 و 4 و 7 و 9 و 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 210

و أمّا الثاني، فلعدم صدق الخيانة و السرقة على المفروض إلّا بضرب من التجوّز، و إذا انفتح بابه فليس ذلك أولى من غيره.

المسألة التاسعة:
اشاره

لا يجوز بيع الأراضي المفتوحة عنوة- أي قهرا و غلبة- و يقال لها: أرض الخراج أيضا،

و لا وقفها، و لا صلحها، و لا هبتها.

و لا بدّ من ذكر نبذة من الأخبار الواردة فيها و المناسبة لها أولا، فهي كثيرة جدّا:

الأولى: صحيحة الحلبي: عن السواد ما منزلته؟ فقال: «هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم، و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، و لمن لم يخلق بعد»، فقلنا: الشراء من الدهاقين؟ قال: «لا يصلح إلّا أن يشتري منهم على أن يجعلها للمسلمين، فإن شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذها»، قلنا: فإن أخذها منه؟ قال: «يردّ إليه رأس ماله و له ما أكل من غلّتها» [1].

الثانية: رواية الشامي: «لا تشتروا من أرض السواد شيئا إلّا من كانت له ذمّة، فإنّما هو في ء للمسلمين» «2».

الثالثة: رواية محمّد بن شريح: عن شراء الأرض من أرض الخراج، فكرهه، و قال: «إنّما أرض الخراج للمسلمين»، فقالوا له: فإنّه يشتريها الرجل و عليه خراجها، فقال: «لا بأس، إلّا أن يستحيي عن عيب ذلك» «3».

______________________________

[1] التهذيب 7: 147- 652، الاستبصار 3: 109- 384، الوسائل 17: 369 أبواب عقد البيع ب 21 ح 4، بتفاوت.

و الدهقان: رئيس القرية، و مقدّم أصحاب الزراعة- مجمع البحرين 6: 250.

______________________________

(2) الفقيه 3: 152- 667، التهذيب 7: 147- 653، الوسائل 17: 369 أبواب عقد البيع ب 21 ح 5.

(3) التهذيب 7: 148- 654، الاستبصار 3: 109- 386، الوسائل 17: 370 أبواب عقد البيع ب 21 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 211

الرابعة: رواية أبي بردة: كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال «من يبيع ذلك و هي أرض المسلمين؟» قال: قلت: يبيعها الذي هي في يده، قال: «و يصنع بخراج المسلمين ما ذا؟» ثمَّ قال: «لا بأس أن يشتري حقّه منها و يحوّل

حقّ المسلمين عليه، و لعلّه يكون أقوى عليها و أملى بخراجهم منه» «1».

الخامسة: رواية صفوان و البزنطي: قالا: ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج- إلى أن قال:- «و ما أخذ بالسيف فذلك للإمام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بخيبر، قبّل سوادها و بياضها» يعني:

أرضها و نخلها، إلى أن قال: «إنّ أهل مكّة دخلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عنوة و كانوا أسراء في يده فأعتقهم، فقال: اذهبوا أنتم الطلقاء» «2».

السادسة: صحيحة البزنطي، و فيها: «و ما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالذي يرى كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بخيبر، قبّل أرضها و نخلها» الحديث «3».

السابعة: مرسلة حمّاد الطويلة، و فيها: «و الأرضون التي أخذت عنوة بخيل و رجال فهي موقوفة متروكة في أيدي من يعمرها و يحييها و يقوم عليها، على ما يصالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الحقّ النصف و الثلث و الثلاثين على قدر ما يكون لهم صلاحا و لا يضرّهم، فإذا أخرج منها ما أخرج بدأ فأخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء أو سقي سيحا، و نصف العشر ممّا سقي بالدوالي و النواضح» إلى أن قال: «و يؤخذ بعد ما

______________________________

(1) التهذيب 4: 146- 406، الاستبصار 3: 109- 387، الوسائل 15: 155 أبواب جهاد العدو ب 71 ح 1.

(2) الكافي 3: 512- 2، التهذيب 4: 118- 341، الوسائل 15: 157 أبواب جهاد العدو ب 72 ح 1.

(3) التهذيب 4: 119- 342، الوسائل 15: 158 أبواب جهاد العدو ب 72 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 212

بقي من العشر فيقسّم بين الوالي و

بين شركائه الذين هم عمّار الأرض و أكرتها، فتدفع إليهم أنصباؤهم على قدر ما صالحهم عليه، و يؤخذ الباقي فيكون ذلك أرزاق أعوانه على دين اللّه عزّ شأنه، و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد، و غير ذلك ممّا فيه مصلحة العامّة، ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير» إلى أن قال: «و الأنفال إلى الوالي، و كلّ أرض فتحت أيّام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى آخر الأبد ما كان افتتاحا بدعوة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من أهل الجور و أهل العدل، لأنّ ذمّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الأولين و الآخرين ذمّة واحدة» الحديث «1».

الثامنة: صحيحة محمّد: عن سيرة الإمام في الأرض التي فتحت بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قد سار في أهل العراق بسيرة فهي إمام لسائر الأرضين» «2».

التاسعة: صحيحة عمر بن يزيد، و فيها: «و كلّ ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون، كلّ ذلك لهم حتى يقوم قائمنا، فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم و يترك الأرض في أيديهم، و أمّا ما كان في أيدي غيرهم فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم» [1].

______________________________

[1] الكافي 1: 408- 3، الوسائل 9: 548 أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام ب 4 ح 12، بتفاوت. و الطسق: الوظيفة من خراج الأرض- الصحاح 4: 1517، مجمع البحرين 5: 206.

______________________________

(1) الكافي 1: 539- 4، التهذيب 4: 128- 366، أورد شطرا منه في الوسائل 15: 110 أبواب جهاد العدو ب 41 ح 2 و شطرا في ج 9: 266 أبواب المستحقين للزكاة

ب 28 ح 3، و في الجميع بتفاوت.

(2) الفقيه 2: 29- 104، التهذيب 4: 118- 340، الوسائل 15: 153 أبواب جهاد العدو ب 69 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 213

العاشرة: رواية يونس أو المعلّى: ما لكم في هذه الأرض؟ فتبسّم- إلى أن قال:- «فما سقت أو استقت فهو لنا، و ما كان لنا فهو لشيعتنا» «1».

الحادية عشرة: رواية ابن المغيرة، و فيها: «و كلّ من والى آبائي فهم في حلّ مما في أيديهم من حقّنا، فليبلغ الشاهد الغائب» «2».

الثانية عشرة: رواية البرقي: «الناس كلّهم يعيشون في فضل مظلمتنا، إلّا أنّا أحللنا شيعتنا من ذلك» «3».

الثالثة عشرة: رواية أبي حمزة: «إنّ اللّه جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفي ء» إلى أن قال: «و قد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا، و اللّه يا أبا حمزة ما من أرض تفتح و لا خمس يخمّس فيضرب على شي ء منه إلّا كان حراما على من يصيبه، فرجا كان أو مالا» «4».

الرابعة عشرة: مرسلة حمّاد: «يؤخذ الخمس من الغنائم فيجعل لمن جعله اللّه و يقسّم الأربعة أخماس بين من قاتل عليه» إلى أن قال: «و ليس لمن قاتل شي ء من الأرضين و لا ما غلبوا عليه إلّا ما احتوى عليه العسكر» الحديث «5».

الخامسة عشرة: حسنة معاوية بن وهب: السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم، كيف يقسّمون؟ قال: «إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام

______________________________

(1) الكافي 1: 409- 5، الوسائل 9: 550 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 17.

(2) التهذيب 4: 143- 399، الوسائل 9: 547 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 9.

(3) الفقيه 2: 24- 90، التهذيب 4: 138-

388، الاستبصار 2: 59- 193، علل الشرائع: 377- 3، الوسائل 9: 456 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 7.

(4) الكافي 8: 285- 431، الوسائل 9: 552 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 4 ح 19.

(5) الكافي 1: 539- 4، الوسائل 15: 110 أبواب جهاد العدو ب 41 ح 2، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 214

عليهم اخرج منها الخمس للّه و للرسول و قسّم بينهم ثلاثة أخماس، و إن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام، يجعله حيث أحبّ» «1».

السادسة عشرة: موثّقة سماعة: عن الخمس، فقال: «في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير» «2».

السابعة عشرة: مرسلة أحمد: «الخمس من خمسة أشياء: من الكنوز و المعادن و الغوص و الغنم الذي يقاتل عليه» الحديث «3».

الثامنة عشرة: مرسلة الورّاق: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام، و إذا غزوا بأمر الإمام كان للإمام الخمس» «4».

التاسعة عشرة: رواية الهاشمي: عن رجل اشترى منهم أرضا من أراضي الخراج، فبنى فيها أو لم يبن، غير أنّ أناسا من أهل الذمّة نزلوها، إله أن يأخذ منهم أجور البيوت إذا أدّوا جزية رؤوسهم؟ قال: «يشارطهم، فما أخذ بعد الشرط فهو حلال» «5».

العشرون: صحيحة زرارة: «رفع إلى أمير المؤمنين عليه السّلام رجل مسلم اشترى أرضا من أراضي الخراج، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: له ما لنا و عليه ما علينا، مسلما كان أو كافرا، له ما لأهل اللّه و عليه ما عليهم» «6».

______________________________

(1) الكافي 5: 43- 1، الوسائل 9: 524 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 3.

(2) الكافي 1: 545- 11، الوسائل 9: 503 أبواب ما

يجب فيه الخمس ب 8 ح 6.

(3) التهذيب 4: 126- 364، الوسائل 9: 489 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 11.

(4) التهذيب 4: 135- 378، الوسائل 9: 529 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 ح 16.

(5) التهذيب 7: 149- 663، الوسائل 17: 370 أبواب عقد البيع ب 21 ح 10.

(6) التهذيب 4: 147- 411، الوسائل 15: 157 أبواب جهاد العدو ب 71 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 215

الحادية و العشرون: صحيحة ابن سنان: إنّ لي أرض خراج و قد ضقت بها ذرعا، قال: فسكت هنيئة فقال: «إنّ قائمنا عليه السّلام لو قد قام كان نصيبك من الأرض أكثر منها» «1».

الثانية و العشرون: موثّقة زرارة: «لا بأس بأن يشتري أرض أهل الذمّة إذا عمّروها و أحيوها، فهي لهم» «2».

الثالثة و العشرون: حسنة زرارة: «من أحيا مواتا فهو له» «3».

الرابعة و العشرون: حسنة الفضلاء، و هي مثل سابقتها «4».

الخامسة و العشرون: رواية السكوني و مرسلة الفقيه: «من غرس شجرا أو حفر واديا بدئا لم يسبقه إليه أحد أو أحيا أرضا ميتة فهي له، قضاء من اللّه عزّ و جلّ و رسوله صلّى اللّه عليه و آله» «5». و بمضمونهما أخبار كثيرة أخرى «6».

السادسة و العشرون: رواية أبي بصير: «كلّ شي ء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإنّ لنا خمسه» «7».

السابعة و العشرون: صحيحة الحلبي: «لا بأس بأن يتقبّل الرجل الأرض و أهلها من السلطان»، و عن مزارعة أهل الخراج بالربع و النصف و الثلث، قال:

______________________________

(1) التهذيب 7: 149- 660، الوسائل 15: 159 أبواب جهاد العدو ب 72

ح 3.

(2) الكافي 5: 282- 2، الوسائل 17: 368 أبواب عقد البيع ب 21 ح 2.

(3) الكافي 5: 279- 3، الوسائل 25: 412 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 6.

(4) الكافي 5: 279- 4، التهذيب 7: 152- 673، الاستبصار 3: 108- 382، الوسائل 25: 412 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 5.

(5) الكافي 5: 280- 6، الفقيه 3: 151- 665، التهذيب 7: 151- 670، الاستبصار 3: 107- 379، المقنع: 132، الوسائل 25: 413 أبواب إحياء الموات ب 2 ح 1.

(6) الوسائل 25: 411 أبواب إحياء الموات ب 1.

(7) المقنعة: 280، الوسائل 9: 542 أبواب الأنفال ب 3 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 216

«نعم، لا بأس به، قد قبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خيبر أعطاها اليهود» الحديث «1».

الثامنة و العشرون: رواية عبد اللّه بن محمّد: عن رجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسمّاة أو بطعام مسمّى، ثمَّ آجرها و شرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقلّ من ذلك أو أكثر و له في الأرض بعد ذلك فضل، أ يصلح له ذلك؟ قال: «نعم، إذا حفر لهم نهرا أو عمل لهم عملا يعينهم بذلك فله ذلك» الحديث «2».

ثمَّ تحقيق الحال في تلك الأراضي يستدعي بيان

فروع:
[الأول ]

أ: لا خلاف في كون تلك الأراضي للمسلمين قاطبة، و نقل الوفاق عليه متكرّر «3»، و الأخبار به مصرّحة، كما في الأخبار الأربعة الاولى «4».

و هل كونها لهم بعنوان ملك الرقبة، أو لها نوع اختصاص لهم و لو من جهة صرف منافعها في مصالحهم؟

صرّح بعض أصحابنا بعدم تملّك الرقبة «5»، و صريح بعض آخر التملّك «6»، و كلام الأكثر خال عن القيدين، بل

قالوا: إنّها لهم.

و في كتاب إحياء الموات من الكفاية إنّ المراد بكونها للمسلمين أنّ الإمام يأخذ ارتفاعها و يصرفه في مصالحهم على حسب ما يراه، لا أنّ من

______________________________

(1) التهذيب 7: 201- 888، الوسائل 19: 42 و 59 في أحكام المزارعة ب 8 ح 8 و ب 18 ح 3.

(2) الكافي 5: 272- 2، التهذيب 7: 203- 896، الاستبصار 3: 129- 465، الوسائل 19: 127 أبواب أحكام الإجارة ب 21 ح 3 و 4 بتفاوت يسير.

(3) كما في المنتهى 2: 934 و الكفاية: 75 و الرياض 1: 495.

(4) المتقدمة في ص: 210 و 211.

(5) كالعلّامة في المنتهى 2: 936 و المحقق الأردبيلي في المجمع 7: 470.

(6) انظر الدروس 2: 41 و جامع المقاصد 3: 403.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 217

شاء من المسلمين له التسلّط عليها أو على بعضها بلا خلاف «1».

و التحقيق: أنّه ليس في الأخبار ما يدلّ على الملكيّة، إذ غاية ما فيها إمّا الإضافة و يكفي فيها أدنى الملابسة، أو اللام، و كونها حقيقة في الملكيّة خاصّة غير ثابتة، بل أحد معانيها: الاختصاص و الاستحقاق، فيحتمل اختصاص الارتفاع و استحقاقه، و لذا ذكر في الخامسة «2» أنّها للإمام مع أنّه ليس له إلّا اختصاص إقبالها و استحقاقها، كما صرّح به في سائر الأخبار.

مع أنّ الملكيّة لا يمكن ان تكون لغير المعيّن، إذ لا معنى لها.

و لا لطائفة معيّنة من المسلمين، لأنّها خلاف الإجماع و الأخبار، بل في الأولى: أنّها «لجميع المسلمين لمن هو اليوم و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد» «3».

و لا لجميعهم إلى يوم القيامة، إذ لو كان كذلك لكان ارتفاعها مشتركا بين الجميع، كما

هو مقتضى الملكيّة.

فإن قيل: يجري مثل ذلك في نوع الاختصاص الذي أنت تقول به أيضا.

قلنا: نوع الاختصاص الثابت هو وجوب صرف منافعها في مصالحهم لا مصالح الجميع أو مصالح كلّ واحد، بل مصالح المسلم من حيث الإسلام في الجملة واحدا كان أو أكثر، و التعميم لأجل بيان استواء الجميع و عدم اختصاص طائفة كاختصاص الأصناف الثمانية بالصدقات، و لا يجري مثل ذلك في الملكيّة.

فإن قيل: يلزم بقاء رقبتها بلا مالك.

______________________________

(1) الكفاية: 239.

(2) المتقدمة في ص: 211.

(3) تقدمت في ص: 210.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 218

قلنا: لا محذور فيه، كما في الزكاة قبل تسليمها إلى مستحقّها، و هو أحد محتملات قوله: «موقوفة» في السابعة «1»، أي عن الملكيّة، مع أنّه يمكن أن يكون ملكا للّه سبحانه، كما في الأعيان الموقوفة على رأي «2»، و مقتضى قوله سبحانه إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ «3»، بل يمكن أن تكون رقبتها و ملكيّتها للإمام أيضا، بل هو مقتضى الأصل الثابت بالعمومات المصرّحة بأنّ الأرض كلّها للإمام «4».

و بالجملة: إن قلنا بإفادة اللام للملكيّة يحصل التعارض بين الخامسة و بعض ما تقدّم عليها، و يجب الرجوع إلى الأصل المذكور.

و لو لم نقل بإفادتها لها لا تثبت الملكيّة من هذه الأخبار، و يرجع إلى الأصل، إذ ليست هي أملاكا لعمّارها قطعا، لخروجها عن ملكيّة أربابها بالإجماع، فتدخل تحت العمومات.

فلو قلنا: بأنّ ملكيّتها للإمام، كان أظهر في الفتوى و أوفق بالأدلّة و إن تعيّن صرف منافعها إلى مصالح خاصّة من مصالح رعاياه، كما في الموقوف على القول بملكيّة اللّه سبحانه، فتصرف منافعه في مصالح عباده.

[الثاني ]

ب: ما ذكر إنّما هو حكم نفس تلك الأراضي، و أمّا منافعها

و ارتفاعها فهي للمسلمين، بمعنى: أنّها تصرف في المصالح العامّة بلا خلاف، بل بالإجماع، و هو الدليل عليه، مضافا إلى صريح الرواية السابعة، بل سائر الروايات المتضمّنة لأنّها للمسلمين.

[الثالث ]

ج: ما ذكر إنّما هو حكم غير الخمس من ارتفاع تلك الأراضي.

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 211 و 212.

(2) قال به العلّامة في التحرير 1: 269.

(3) الأعراف: 128.

(4) الوسائل 9: 523 أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام ب 1 و 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 219

و أمّا خمسها فهل هو أيضا للمسلمين، أو هو لأهله فيجب إخراجه لهم؟ بل و كذلك الكلام في نفس الأراضي لو لم نقل بأنّ الجميع ملك للإمام.

ظاهر الأكثر هو: الثاني، و هو صريح الحلّي و خمس الشرائع و الفاضل في المنتهى و المحقّق الأردبيلي «1»، و عن المبسوط: أنّه مقتضى المذهب «2»، و قيل: هو الظاهر من جميع الأصحاب «3».

و هو الحقّ، للرواية الثالثة عشرة، و الخمس المتعقّبة لها «4»، و السادسة و العشرين «5»، و هي و إن كانت معارضة مع عمومات الأخبار المصرّحة بأنّها لجميع المسلمين «6» بالعموم من وجه، إلّا أنّ الترجيح لأخبار الخمس، لموافقة الكتاب و مخالفة العامّة.

[الرابع ]

د: لا إشكال فيما ذكر من الأحكام إذا كان القتال و الاستغنام بإذن الإمام الحقّ.

و أمّا إذا لم يكن كذلك فهل هو أيضا كذلك، أم يكون الأرض من الأنفال و رقبتها [1] و منافعها للإمام؟

صرّح فخر المحقّقين و والده العلّامة- على ما نقل عنهما علي بن عبد الحميد الحسني في شرح النافع- بالثاني، و ذكره الشيخ في المبسوط أيضا «8».

______________________________

[1] نسخة في ح: و رفعتها.

______________________________

(1) الحلي في السرائر 1: 477، الشرائع 1: 181، المنتهى 1: 544، مجمع الفائدة 7: 471.

(2) المبسوط 2: 34.

(3) الحدائق 12: 360.

(4) راجع ص: 213.

(5) المتقدّمة في ص: 215.

(6) الوسائل 9: 543 أبواب الأنفال ب 4.

(8) المبسوط 2: 34.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 14، ص: 220

و الحقّ أنّ الأصل فيما فتح بغير إذن الإمام و إن كان كونه من الأنفال- كما دلّت عليه الرواية الثامنة عشرة «1»- إلّا أنّ حكم الأراضي المفتوحة بعد زمان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بأجمعها حكم المفتوحة عنوة بإذن الإمام.

بمعنى: أنّ الإمام- الذي هو مالك الأنفال- أجرى عليها حكمها، كما تدلّ عليه الرواية الثامنة «2» بضميمة الاولى و الثانية «3».

و لا تعارض بينها و بين الثامنة عشرة، لأنّ مدلول الثامنة عشرة: أنّ ما اغتنم بغير إذن الإمام كلّه للإمام، و مدلول هذه: أنّ الإمام سار في الأراضي التي فتحت بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سيرة المفتوحة عنوة.

مع أنّه لو قلنا بالتعارض كانت هذه بملاحظة أصالة عدم الإذن أخصّ مطلقا من الثامنة عشرة، فتخصّصها قطعا.

و بما ذكرنا ظهر وجه ما قاله الأكثر من كون أرض السواد مفتوحة عنوة «4»- أي أنّها بحكمها- و يريدون ذلك المعنى.

و أمّا الحكم بكونها مفتوحة بإذن الإمام فليس هو مراد الأكثر و إن ذكره بعضهم نظرا إلى ما نقل من أنّ الحسنين عليهما السّلام كانا مع العسكر، و أنّ عمّار ابن ياسر كان أميرا، مؤيّدا بقبول سلمان تولية المدائن، و مشاورة عمر للصحابة خصوصا أمير المؤمنين عليه السّلام في الأكثر سيّما الحروب «5».

و في ثبوت جميع ما ذكر ثمَّ ثبوت إذن الإمام في الجميع نظر ظاهر.

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 214.

(2) المتقدمة في ص: 212.

(3) راجع ص: 210.

(4) منهم الشيخ في الخلاف 2: 68، العلّامة في المنتهى 2: 937، السبزواري في الكفاية: 79.

(5) انظر الحدائق 18: 308.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 221

[الخامس ]

ه: ما ذكرنا من حكم المفتوحة عنوة إنّما هو إذا كانت

محياة وقت الفتح.

و أمّا الموات منها حينئذ فقالوا: إنّها مال الإمام خاصّة، و حكمها حكم سائر الموات، لا يجوز التصرّف فيها بدون إذن الإمام مع حضوره، و مع عدمه فيملكها من أحياها «1».

و قيل: إنّ الظاهر عدم الخلاف بين الأصحاب في ذلك «2»، و في الكفاية: بلا خلاف «3».

أقول: لو ثبت الإجماع على جميع ما ذكروه فهو، و إلّا ففي ثبوت كونها من الأنفال نظر، من جهة التعارض بين الأخبار «4» الدالّة على أنّ منافع جميع الأراضي الميّتة للإمام بالعموم من وجه و عدم المرجّح.

نعم، لا إشكال في ثبوت حكم الأخير- أي ثبوت التملّك لمن أحياها- للرواية الثانية و العشرين و الثلاث المتعقّبة لها «5» و ما بمضمونها.

و لا يتوهّم معارضتها مع الأخبار الدالّة على أنّ الأراضي المفتوحة عنوة للمسلمين «6»، إذ لا كلام لنا حينئذ في كونها لهم أولا و إن كانت مواتا قبل الفتح.

بل الكلام في أنّ الموات منها هل خرجت عن كونها كذلك بالإحياء و دخلت في ملكيّة المحيي، أم لا؟

______________________________

(1) انظر المبسوط 3: 278، الشرائع 1: 322، المسالك 1: 155.

(2) انظر الرياض 2: 318.

(3) الكفاية: 239.

(4) الوسائل 9: 523 أبواب الأنفال ب 1.

(5) المتقدمة في ص: 215.

(6) الوسائل 25: 435 أبواب إحياء الموات ب 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 222

مقتضى أخبار إحياء الموات «1» الخروج و الدخول، و أمّا عدمهما فليس إلّا مقتضى الاستصحاب و أصل العدم، و لا عمل عليهما مع دلالة عموم الأخبار المتكثّرة على خلافهما.

[السادس ]

و: المعروف من مذهب الأصحاب و المدلول عليه بالأخبار- كالخامسة و السادسة و السابعة و الثامنة و غيرها «2»- و الثابت من سيرة أمير المؤمنين عليه السّلام فيما فتحت بعد الرسول

صلّى اللّه عليه و آله: أنّ توليه هذه الأراضي و النظر فيها إلى الإمام، يصنع فيها ما يراه من تقبيلها ممّن يريد كيف يريد.

و ظاهر ذلك- بل صريح قوله: «و ذلك للإمام» أو: «إليه»، و مقتضى أصالة عدم جواز التصرّف في ملك الغير بدون إذنه، على ما ذكرنا من ملكيّة هذه الأراضي للّه سبحانه أو للإمام- عدم جواز التصرّف لأحد فيها إلّا بإذنه.

و هو كذلك مع ظهوره و استقلاله.

و أمّا بدونهما فقد وقع الخلاف في من له التصرّف فيها:

فظاهر الشيخ في التهذيب: جواز التصرّف فيها و إباحته لكلّ أحد من الشيعة، قال: و أمّا أراضي الخراج و أراضي الأنفال و التي قد انجلى أهلها منها فإنّا قد أبحنا أيضا التصرّف فيها ما دام الإمام مستترا «3». انتهى.

و هو الظاهر من الكفاية، حيث قال- بعد نقل كلام عن بعضهم دالّ على أنّ المتولّي هو السلطان الجائر-: و يحتمل جواز التصرّف مطلقا «4». انتهى.

______________________________

(1) الوسائل 25: 411 أبواب إحياء الموات ب 1.

(2) راجع ص: 214.

(3) التهذيب 4: 144.

(4) الكفاية: 77.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 223

و قيل: لا يجوز التصرّف فيها إلّا بإذن السلطان الجائر و لو أمكن التصرّف فيها بدون إذنه «1»، بل نقل بعضهم على ما في الكفاية اتّفاق الأصحاب عليه «2».

و قال في المسالك في حكم هذه الأرضين في زمان الغيبة: و هل يتوقّف التصرّف في هذا القسم منها على إذن الحاكم الشرعي إن كان متمكّنا من صرفها في وجهها، بناء على كونه نائبا عن المستحقّ عليه السّلام مفوّضا إليه ما هو أعظم من ذلك؟

الظاهر ذلك، و حينئذ فيجب عليه صرف حاصلها في مصالح المسلمين، و مع عدم التمكّن أمرها إلى الجائر.

و أمّا

جواز التصرّف فيها كيف اتّفق لكلّ أحد من المسلمين فبعيد جدّا، بل لم أقف على قائل به، لأنّ المسلمين بين قائل بأولويّة الجائر و توقّف التصرّف على إذنه، و بين مفوّض الأمر إلى الإمام العادل، فمع غيبته يرجع الأمر إلى نائبه، فالتصرّف بدونهما لا دليل عليه.

و ليس هذا من باب الأنفال التي أذنوا عليهم السّلام لشيعتهم في التصرّف فيها في حال الغيبة، لأنّ ذلك حقّهم، فلهم الإذن فيه مطلقا.

بخلاف المفتوحة عنوة، فإنّها للمسلمين قاطبة، و لم ينقل عنهم الإذن في هذا النوع «3». انتهى.

و خلاصته: أنّ النظر في هذه الأراضي في زمان الغيبة للنائب العام، و مع عدم تمكّنه للجائر، دون غيرهما.

______________________________

(1) لعل المراد منه ما في الرياض 1: 496.

(2) الكفاية: 79.

(3) المسالك 1: 155.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 224

أقول: قوله: و أمّا جواز التصرّف فيها كيف اتّفق لكلّ أحد من المسلمين، إلى آخره، إن أراد منهم الشيعة و غيرهم فهو كذلك، و إن أراد الشيعة خاصّة فقد عرفت أنّه الظاهر من كلام التهذيب، و تشعر به كلمات بعض آخر أيضا [1]، فالقول به متحقّق ظاهرا.

و الظاهر أنّه الأقرب، أي يكون لكلّ واحد من الشيعة التصرّف في هذه الأراضي و النظر فيها و تقبيلها و إجارتها في زمان عدم تسلّط الإمام.

و الدليل عليه: عموم الرواية التاسعة «2»، حيث تدلّ على أنّ الشيعة محلّلون في ذلك التصرّف.

و العاشرة «3»، حيث تدلّ على أنّ ما كان لهم فهو ثابت لشيعتهم، و التصرّف في تلك الأراضي كان لهم.

و الحادية عشرة «4»، فإنّ التصرّف في تلك الأراضي و تقبيلها حقّ للإمام، فيكون حلالا للشيعة.

و الثانية عشرة «5»، فإنّ تقبيل الناس لتلك الأراضي أيضا مظالم للأئمّة، فيكون حلالا

للشيعة.

و من ذلك يظهر فساد ما تقدّم من المسالك من أنّ هذا ليس من باب الأنفال، فإنّ ذلك حقّهم، فلهم الإذن فيه، إلى آخره. فإنّ ما للمسلمين هو منافع هذه الأرضين أو مع رقبتها، و أمّا التصرّف و التقبيل فحقّ للإمام،

______________________________

[1] كصاحب الحدائق 18: 301، و يشعر بذلك أيضا كلام صاحب كشف الغطاء:

359.

______________________________

(2) المتقدمة في ص: 212.

(3) المتقدّمة في ص: 213.

(4) المتقدمة في ص: 213.

(5) المتقدمة في ص: 213.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 225

فيكون له الإذن فيه للشيعة.

و كذا يظهر فساد ما ذكره من عدم نقل الإذن. فإنّه و إن لم ينقل في خصوص تلك الأراضي، و لكن يثبت بالعمومات ما ثبت بالخصوص ما لم يكن له معارض، كما في المسألة.

و ظهر ممّا ذكرنا عدم توقّف جواز التصرّف و التقبيل لآحاد الشيعة على إذن النائب العام أو السلطان الجائر.

و هل يجوز التقبيل من السلطان الجائر- أي المخالف- أم لا؟

ظاهر الأكثر ذلك «1».

و قيل: الثابت من الأدلّة و الأخبار الواردة في هذه المسألة و مسألة الخراج و المقاسمة هو حلّيّة أخذها من الجائر بالبيع و الشراء و الحوالة و غيرها، و حلّيّة التصرّف في تلك الأراضي بإذنهم و أمرهم و تقبيلهم إذا كانوا متسلّطين عليها بحيث لا يمكن الاستنقاذ من أيديهم و التخلّص من أذيّتهم و ضررهم.

و أمّا لو أمكن التصرّف في الأراضي الخراجيّة بدون مظنّة ضرر من قبلهم، و أمكن التصرّف في المقاسمة و الخراج كذلك، فلم يظهر وجوب استئذانهم، بل و لا جوازه أيضا من الأدلّة. انتهى.

و المستفاد منه جواز التصرّف بإذن الجائر مع عدم إمكانه بدونه، و التردّد في الجواز به مع الإمكان بدونه.

و قال صاحب الكفاية- بعد نقل القول باشتراط

إذن الجائر-: و قد نازع فيه بعض المتأخّرين من الأصحاب، و قال: لا دليل عليه من الكتاب

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 169 و صاحب الرياض 1: 507.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 226

و لا من السنّة، بل قد يستنبط منهما خلافه، إذ هذا معاونة على الإثم و معونة للظالم، و قول بأنّ له ولاية و عهدا من اللّه عزّ و جلّ، إذ من لا سلطنة له من اللّه و رسوله في أمر جاز خلافه في ذلك الأمر، و الكتاب و السنّة قاطعتان بالنهي عن هذه الأمور.

و أيضا لو كان الأمر على ما ذكر لم يكن على الجابي و العامل و أمثالهما من الجور شي ء، نظرا إلى أنّ أخذهم و جمعهم إنّما هو لما يحرم على المأخوذ منه منعه، و هو نوع برّ و إحسان بالنسبة إلى المأخوذ منه، و معاونة على إبراء ذمّته من الواجب.

و هذا- مع كونه فتح باب لإقامة الباطل و خمول الحقّ المنفيّين عقلا و نقلا- مردود بخصوص ما رواه الشيخ، و نقل روايات دالّة على المنع من الدخول في أعمالهم.

قال: و فيه نظر، لأنّ كون ذلك إثما إنّما يكون على تقدير كون أخذ الجائر حراما مطلقا بأيّ غرض كان، و هو ممنوع، و قد مرّت الإشارة إليه، و تقوية الظالم إنّما يسلّم تحريمه في الظلم، و في مطلقه إشكال «1». انتهى.

أقول: لا ينبغي الريب في كون تصرّف الجائر المخالف و تقبيله لتلك الأراضي محرّما منهيّا عنه، كيف؟! و قد صرّح في الرواية التاسعة «2» بكون تصرّف غير الشيعة فيها حراما، و خصّص في غير واحد من الأخبار «3» تحليل الحقّ بالشيعة، و كيف لا يكون حراما؟! و هو

تتمّة غصب منصب الولاية، و هذا الجائر هو الغاصب و هو المانع عن استقلال الإمام في زمان

______________________________

(1) الكفاية: 80.

(2) المتقدّمة في ص: 212.

(3) انظر الوسائل 9: 543 أبواب الأنفال ب 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 227

الحضور.

و قوله: و قد مرّت الإشارة إليه، إشارة إلى ما ذكره عند بيان حكم الخراج من عدم ثبوت حرمة تصرّف الجائر إذا كان غرضه جمع حقوق المسلمين.

و لا يخفى أنّ بعد ثبوت كون الجمع و التقبيل وظيفة شخص معيّن و حقّه يكون عمله حراما، سيّما إذا كان مانعا لوليّ الأمر [من ] [1] التصرّف، مع أنّ العلم بغرضه ذلك و الوفاء به- مع ما هو عليه من الفسق الظاهر، و صرف أموال المسلمين في غير مصارفها- غير ممكن الحصول.

فإن قلت: قد ورد في بعض الأخبار جواز التقبيل من السلطان الجائر، كما مرّ في الرواية الحادية و العشرين و السابعة و العشرين و الثامنة و العشرين «2»، و على هذا فلا يكون تقبيل السلطان الجائر حراما، أو يكون هذا النوع من الإعانة على الحرام مستثنى.

قلنا: على الأول: تكون تلك الأخبار معارضة مع ما يدلّ على حرمة تصرّف المخالف في تلك الأراضي كما مرّ.

و على الثاني: مع الأخبار الناهية عن المعاونة على الإثم و الدخول في أعمال الظلمة «3».

و تعارضها مع الفريقين بالعموم من وجه، لكون السلطان في تلك الأخبار أعمّ من الحقّ و غيره، كما يصرّح به الاستشهاد بتقبيل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

______________________________

[1] في «ق»: مع، و في «ح»: منع، و الظاهر ما أثبتناه.

______________________________

(2) المتقدّمة في ص: 215 و 216.

(3) الوسائل 16: 55 أبواب جهاد النفس ب 80 و ج 17: 177 أبواب ما يكتسب به ب

42.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 228

في السابعة و العشرين، و كون الأرض فيها أيضا أعمّ من الخراجيّة و غيرها، و احتمال كون تصرّف الراوي في الحادية و العشرين من غير إذن السلطان أيضا، و الترجيح للمعارض، للمخالفة لمذهب العامّة و الموافقة للكتاب، مع أنّه لو لا الترجيح على الأول كانت قضيّة الأصل أيضا الحرمة.

هذا، مضافا إلى أنّه لا دلالة للحادية و العشرين أصلا كما لا يخفى.

و المقصود من السابعة و العشرين بيان حكم أصل قبالة الأرض، حيث إنّها كانت ممّا يشكّك فيها، و البأس ينفى عن ذلك لا عن قبالة السلطان، بل يمكن أن تكون الأرض من أملاك السلطان دون الأراضي الخراجيّة.

و في الثامنة و العشرين عن استئجار أرض مستأجر بفضل، و لذا أجاب فيها بما أجاب.

فلا يدلّان على حكم التقبيل من السلطان أصلا.

و قد يستدلّ أيضا على الجواز بأخبار أخر، كروايتي الهاشمي، إحداهما: في الرجل يتقبّل بجزية رؤوس الرجال [1] و خراج النخل و الآجام و الطير، و هو لا يدري لعلّه لا يكون من هذا شي ء أبدا أو يكون، قال: «إذا علم من ذلك شيئا واحدا أنّه قد أدرك فاشتره و تقبّل به» «2»، و قريبة منها الأخرى «3».

و لا يخفى ما فيه، فإنّه ليس السؤال فيها عن حكم تقبيل الخراج، سيّما

______________________________

[1] في «ق» و «ح»: الجبال، و ما أثبتناه من المصادر.

______________________________

(2) الكافي 5: 195- 12، التهذيب 7: 124- 544، الوسائل 17: 355 أبواب عقد البيع ب 12 ح 4، بتفاوت.

(3) الفقيه 3: 141- 621، الوسائل 17: 355 أبواب عقد البيع ب 12 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 229

عن الجائر من حيث هو، بل نفي البأس عن تقبّله

قبل أن يدرك، و لا عموم في أصل الخراج. و ترك الاستفصال يفيد لو كان السؤال عن حكم نفس الخراج.

و صحيحة ابن سرحان: في الرجل تكون له الأرض عليها خراج معلوم، و ربّما زاد و ربّما نقص، فيدفعها إلى رجل على أن يكفيه خراجها و يعطيه مائتي درهم في السنة، قال: «لا بأس» «1».

و فيه: أنّ السؤال فيها ليس عن التقبيل، بل عن حكم فضل ما تقبّل، و أيضا الكلام في التقبّل من السلطان، لا في أن يكون لأحد أرض خراج يتصرّف فيها فيأخذ السلطان منه خراجا ظلما، و لا يقول إنّه يجب حينئذ ترك تلك الأرض.

و الحاصل: أنّه لا يثبت منها أزيد من نفي البأس عن أداء الخراج، لا عن التقبّل من السلطان.

و منه يظهر عدم دلالة ما بمضمونها، كروايتي يعقوب بن شعيب «2»، و رواية أبي بردة «3»، و موثّقة سماعة «4»، و رواية إبراهيم بن ميمون «5».

______________________________

(1) الكافي 5: 265- 5، الفقيه 3: 154- 678، التهذيب 7: 196- 868، الوسائل 19: 57 أبواب أحكام المزارعة و المساقاة ب 17 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) الاولى في: الكافي 5: 268- 2، التهذيب 7: 198- 876، الوسائل 19: 45 أبواب أحكام المزارعة و المساقاة ب 10 ح 2.

الثانية في: التهذيب 7: 201- 886، الوسائل 19: 59 أبواب أحكام المزارعة و المساقاة ب 18 ح 2.

(3) التهذيب 7: 209- 918، الوسائل 19: 58 أبواب أحكام المزارعة و المساقاة ب 17 ح 3.

(4) الكافي 5: 269- 4، الفقيه 3: 155- 679، التهذيب 7: 199- 880، الوسائل 19: 59 أبواب أحكام المزارعة و المساقاة ب 18 ح 1.

(5) الكافي 5: 270- 5، التهذيب 7: 199- 878، الوسائل 19:

57 أبواب أحكام المزارعة و المساقاة ب 17 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 230

و كرواية اخرى للهاشمي: عن رجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسمّاة أو بطعام مسمّى، ثمَّ آجرها و شرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقلّ من ذلك أو أكثر، و له في الأرض بعد ذلك فضل، أ يصلح له ذلك؟ قال: «نعم، إذا حفر لهم نهرا أو عمل لهم شيئا يعينهم بذلك فله ذلك» «1».

و فيه- مضافا إلى ما مرّ- أنّا لا ننكر أنّه إذا ارتكب المحرّم و تقبّل فيكون تصرّفه و إجارته بعد ذلك حلالا، إنّما الكلام في أصل التقبّل، كمن دخل دار قوم بغير إذنهم و أخذ مال نفسه منها، إلى غير ذلك.

و بعد الإحاطة بما ذكرنا تقدر على ردّ سائر ما أورد في هذا المقام من الأخبار.

ثمَّ إنّ مقتضى ما ذكر عدم جواز التقبّل من السلطان المخالف، سواء في ذلك إمكان التصرّف بدون إذنه و عدمه، إلّا أنّه يمكن أن يمنع كون التقبيل منه لأجل الحاجة أو استيفاء الحقّ أو نحو ذلك إعانة على الإثم أو على الظلم أو دخولا في أعمال الظلمة، فإنّ للقصد مدخليّة في تحقّق الإعانة، كما بيّنا في موضعه.

و على هذا فيمكن أن يقال: بأنّ الثابت من الأدلّة و إن كان حرمة تقبيل الجائر، و لكنّ الأصل- بضميمة ما مرّ من جواز تصرّف آحاد الشيعة فيها- يقتضي جواز تقبيل الشيعة منه، إذ لا دليل على حرمته إلّا كونه معاونة على الإثم أو للظالم أو دخولا في عمله، و الكلّ ممنوع، فيجوز لهم التقبيل منه.

و يدلّ عليه تقريرهم عليهم السّلام جماعة من الشيعة على ذلك. فعليه الفتوى.

______________________________

(1) الكافي 5: 272-

2، التهذيب 7: 203- 896، الاستبصار 3: 129- 465، الوسائل 19: 127 أبواب أحكام الإجارة ب 21 ح 3 و 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 231

و ظهر أيضا جواز التقبيل من سلاطين الشيعة إذا كان شيئا من تلك الأراضي في أيديهم و جاز لهم التصرّف فيها، بأن لم يكونوا أخرجوها من يد شيعة اخرى قهرا، حيث إنّ المتصرّف أولى من غيره، بل معه أيضا، لأنّ غايته حرمة الإخراج لا حرمة التصرّف بعده، و هؤلاء السلاطين لكونهم من الشيعة يكونون محلّلين ممّا في أيديهم.

ز: ما ذكر كان حكم تقبيل نفس الأرض. و أمّا طسقها [1]، فقضيّة الأصل الثابت من بعض الأخبار المتقدّمة وجوب صرفه إلى مصالح المسلمين، و لا مخرج عنها، بل هو مقتضى اختصاصها بالمسلمين، و تحليل الإمام كان مختصّا بحقوقهم و ما كان لهم، لا لحقوق المسلمين، و لم يثبت تحليل الجميع، فعلى كلّ متصرّف- و لو من آحاد الشيعة- صرفه فيها، و لا شكّ أنّه لا يجب في صرفه فيها إذن السلطان الجائر، لعدم دليل عليه، إلّا إذا لم يمكن دونه و اتّقى من تركه.

و هل يتوقّف على إذن النائب العام؟

الأحوط ذلك، و إن كان الحكم بالوجوب محلّ النظر.

و لو تقبّله من سلطان الشيعة فلا شكّ في وجوب دفع الزائد من الطسق إليه، لأنّه حقّه، و أمّا الطسق فالظاهر أنّه كذلك، إلّا إذا علم عدم صرفه إيّاه في مصارفه.

[السابع ]

ح: اختلفوا في جواز بيع الأراضي المفتوحة عنوة، فمنهم من منع منه مطلقا «2»، و منهم من جوّزه في زمان الغيبة كذلك «3»، و منهم من فصّل

______________________________

[1] الطسق: الوظيفة من خراج الأرض- الصحاح 4: 1517.

______________________________

(2) كالشيخ في النهاية: 195، المبسوط 2: 34،

المحقق في الشرائع 1: 322، العلّامة في التذكرة 1: 427.

(3) كالشهيد في الدروس 2: 41 و المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 403.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 232

نوعا من التفصيل «1».

و الحقّ: أنّه لا يجوز بيع نفس رقبتها و لا نقلها بعقد آخر، و يجوز بيع الآثار المملوكة الكائنة فيها، من شجر أو بناء أو نحوهما، و بتبعيّتها يملك المشتري حقّ التصرّف فيها إذا بيعت الآثار كائنة فيها و كان مقصودهما بقاء الآثار فيها، بمعنى: أنّه إذا بيعت تلك الآثار يحقّ للمشتري التصرّف في نفس الأرض أيضا تبعا لها. و كذا يصحّ صلح حقّ التصرّف- أي أولويّته- و إن لم تكن فيها آثار.

أمّا عدم جواز بيع نفس الرقبة أو نقلها بعقد آخر فلعدم كونها ملكا لأحد بخصوصه حتى يصحّ نقلها كما عرفت، مع أنّه لو قلنا بكونها ملكا للمسلمين فهي تكون ملكا لجميعهم من الموجودين و غيرهم، كما صرّح به في الرواية الاولى «2»، و يكون كلّ جزء مشتركا بين الجميع، و لا يعلم قدر حصّة أحد، فكيف يصحّ بيع أرض معيّنة أو نقلها كما هو المطلوب؟! و يدلّ عليه أيضا نفي صلاحيّة شرائها في الرواية الاولى، و أمّا ما استثناه فهو ليس شراء حقيقيّا قطعا- أي تملّك رقبتها- و إلّا لم يجز لوليّ الأمر أخذها منه، و لم يجب عليه جعلها للمسلمين، فهما قرينتان على عدم إرادة الشراء الحقيقي من المستثنى، فالمراد منه: إمّا صورة الشراء لإخراجها من أيدي الدهاقين، أو شراء حقّ التصرّف مجازا، إذ لا يتعيّن معناه المجازي، فيكون مجملا غير مفيد.

و يدلّ عليه إنكاره جواز بيعها في الرواية الرابعة «3». و نفي البأس فيها

______________________________

(1) كالحلي في السرائر 1: 478،

الشهيد الثاني في المسالك 1: 155.

(2) المتقدمة في ص 210.

(3) المتقدمة في ص: 211.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 233

عن شراء حقّه منها غير مفيد لتجويز اشتراء نفس الرقبة، لتوقّفه على ثبوت الحقّ فيها، و هو غير ثابت، بل المراد جواز شراء الآثار أو بيع حقّ التصرّف و أولويّته مجازا.

بل تدلّ عليه أيضا الرواية الثانية الناهية عن اشتراء أرض السواد «1».

و أمّا جواز بيع الآثار فظاهر.

و أمّا انتقال أولويّة حقّ التصرّف بنقل الآثار مع قصد ثبوت الآثار و بقائها فلأنّ أولويّة التصرّف حقّ مملوك للبائع يجوز له نقله إلى غيره بما يتحقّق به النقل و يصلح له، و بيع الآثار بقصد البقاء متضمّن لاشتراط تصرّف المشتري- من حيث كونها محلا لما اشتراه من الآثار- فيها، و الشرط الذي يتضمّنه عقد لازم لازم.

و أمّا جواز صلح هذه الأولويّة فلعمومات الصلح المذكورة في مظانّها.

و استدلّ من جوّز بيعها مطلقا بأخبار لا دلالة لأكثرها على كونها واردة في خصوص أرض الخراج أو ما يعمّها، و ما كان له دلالة عليه فيعارض ما تقدّم من الروايات، و حينئذ فإمّا يتساقطان و يرجع إلى الأصل- الذي هو عدم جواز الشراء لعدم ثبوت الملكيّة- أو يحمل الشراء فيه على ما تشهد له الروايتان من المعنى المجازي أو شراء الحقّ.

[الثامن ]

ط: لا بدّ في ثبوت كون أرض مفتوحة عنوة من العلم الحاصل من التواتر أو الخبر المحفوف بالقرينة أو نحوهما، أو الظنّ الثابت حجّيّته شرعا من حديث أو شهادة العدلين أو إقرار ذي اليد.

و أمّا مطلق الظنّ- كالظنّ الحاصل من قول أرباب السير و التواريخ، أو

______________________________

(1) راجع ص: 210.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 234

من شهرة مفيدة للظنّ- فلا، لعدم

ثبوت حجّيّته، و الأصل عدم ثبوت أحكام المفتوحة عنوة لها.

و على هذا فنقول: كلّ أرض شكّ في كونها من الأراضي المفتوحة عنوة إمّا تكون عليها يد مسلم أو مسالم، أو لا.

فعلى الأول: إمّا يقرّ بكونها مفتوحة عنوة و يعمل فيها معاملتها، أو لا.

فعلى الأول: يحكم بما يقرّ به.

و على الثاني: فإمّا لا يدّعي ملكيّة نفسه لها و يقول بعدم كونها ملكا له و إن لم يعيّن حالها، فيكون مجهول المالك و يلزمها حكمه.

أو يدّعي الملكيّة، لا بمعنى أنّه يدّعي العلم بعدم كونها مفتوحة عنوة، بل بمعنى أنّه يدّعي عدم العلم بحقيقتها و يقول: إنّي لا أعلم الحقيقة و يدي عليها يد التملّك كاليد في سائر المملوكات، فيحكم بملكيّتها له، لأنّ الأصل الثابت من الأدلّة في اليد الملكيّة.

و إن لم تكن عليها يد مسلم أو من في حكمه يلزمها حكم مجهول المالك عندنا.

ثمَّ ما ذكرنا أعمّ من أن تكون الأرض في بلدة لم يعلم كونها مفتوحة عنوة، أو علم كون أصل البلدة أولا كذلك و لكن لم يعلم خصوص تلك الأرض، و ذلك لأنّ كون بلدة مفتوحة عنوة لا يوجب كون كلّ أرض فيها كذلك، لاحتمال كون هذه الأرض مواتا حين الفتح فتملّكها أحد بالإحياء.

و الأصل و إن كان عدم التغيير- أي كون العامرة وقت الفتح باقية على كونها معمورة، و الميتة على كونها ميتة، و يلزمها كون تلك الأرض عامرة وقت الفتح- و لكن تعارض هذا الأصل أصالة تأخّر الحادث، الذي هو

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 235

إحياء تلك الأرض، فيتساقطان و يبقى أصل اليد خاليا عن المعارض، و هذا جار في جميع أراضي تلك البلدة.

و كون أصل البلدة مفتوحا عنوة لا يثبت الحكم

في شي ء من هذه الأراضي، لأنّ البلدة اسم للقدر المشترك بين ما يصدق على هذا الموجود بأجمعه و بعضه و على ما يقرب منه، فيمكن أن يكون العامر وقت هذا الفتح من الموات حينئذ، و العامر حينئذ من الموات قبل الفتح، و أصالة تأخّر الحادث ترجّح ذلك.

نعم، لو علم قطعا وجود العامر وقت الفتح في تلك الأراضي و لم يعلم التعيين لم يجز شراء الجميع و بيعه، و إن جاز في كلّ قطعة قطعة، كما في الأرض التي علم نجاسة موضع منها.

ثمَّ إنّ منهم من اعتبر مطلق الظنّ، قال في الكفاية- بعد نقل الأخبار الدالّة على كون أرض السواد مفتوحة عنوة-: فإن علم كون بلد آخر كذلك فذاك، و ما لم يعلم فيه ذلك و كان مشتبها فالظاهر أن يعمل بالظنّ فيه.

بيان ذلك: أنّا نعلم أنّ بعض البلاد كان مفتوحا عنوة و بعضها صلحا، و ما كان صلحا اشتبه أمره في أنّ الصلح وقع على أن تكون الأرض لهم، أو على أن تكون الأرض للمسلمين فيكون حكمه حكم المفتوحة عنوة، فهذا البلد المشتبه إمّا يكون على سبيل الأول أو الثالث فيكون للمسلمين و عليه الخراج، أو على سبيل الثاني فلم يكن عليه خراج.

فإمّا أن يجري عليه خصوص حكم بلا أمر دالّ عليه أو أمارة ظنّية ففيه ترجيح حكم بلا مرجح، أو يرجع فيه إلى الظنّ، و إذا بطل الأول تعيّن الثاني.

و أيضا إذا كان المظنون فيه أمرا كان خلافه مرجوحا، فإمّا أن يعمل

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 236

فيه بالراجح، أو بالمرجوح، أو لا يعمل فيه بشي ء منهما، لا وجه للثالث و هو ظاهر، و لا للعمل بالمرجوح، فتعيّن الأول «1». انتهى كلامه طاب

ثراه.

أقول: قوله: فهذا البلد المشتبه، إلى آخره. فيه احتمالات أخر:

أحدها: أن تكون أرض من أسلم أهله طوعا.

و ثانيها: أن تكون مواتا أحياها المسلمون.

و ثالثها: أن يكون من خمس الإمام فنقلها بأحد وجوه النقل.

قوله: فإمّا أن يجري عليه، إلى آخره.

أقول: يعمل فيه بما يعمل فيه لو لم تكن هناك أمارة ظنيّة أيضا.

و الحاصل: أنّه يحكم في أراضيه بمقتضى اليد إن كانت أو بمقتضى الجهل بالمالك، و ليس شي ء منهما حكما بلا دليل، و هو ظاهر.

و منه ظهر فساد قوله: و إذا بطل الأول تعيّن الثاني، لعدم الحصر، لجواز جريان حكم بدليل دالّ عليه، كاليد و أصالة تأخّر الحادث و نحوها.

قوله: و إذا كان المظنون فيه أمر، إلى آخره.

فيه: أنّ المرجوح باعتبار الظنّ قد يصير راجحا باعتبار آخر، كانضمام اليد و نحوها معه، فلا يكون ترجيحا للمرجوح.

و المراد: أنّ ذلك المرجوح و إن كان مرجوحا بكونه مفتوحا عنوة واقعا، لكن يمكن أن يصير راجحا بكونه مملوكا على الظاهر، كما إذا حصل من إنكار المدّعى عليه ظنّ أقوى من الظنّ الحاصل من شهادة عدلي المدّعي، و كالظنون في الأحكام الشرعيّة، فإنّ هذا القائل لا يعمل بمطلق الظنّ فيها.

______________________________

(1) الكفاية: 79.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 237

ثمَّ قال بعد كلام: لا يقال: إذا كان البلد تحت يد المسلمين كان محكوما بكونه ملكا لهم، و القول بخلاف ذلك يحتاج إلى أمر مفيد للعلم، و لا يكفي الظنّ في ذلك.

فإنّا نقول: نحن نعلم أنّ تلك الأراضي كانت تحت يد الكفّار ثمَّ طرأ عليها دخولها تحت يد المسلمين، إمّا على وجه كونها ملكا لجميع المسلمين و الآن لصاحب اليد أولويّة التصرّف فيها، و إمّا على وجه كونها ملكا لصاحب اليد، فإذا

اشتبه الأمر لم يكن لنا أن نحكم بشي ء من ذلك إلّا بحجّة، و لا يعرف أنّ اليد في أمثال هذه الأراضي تقتضي الحكم باختصاصها بصاحب اليد على وجه الاختصاص الملكي، و إن سلّمنا ذلك في المنقولات و الأشجار و الأبنية و أمثالها. و من المعلوم أنّ المتصرّف أيضا لا يدّعي ذلك و لا يعلمه، و لو ادّعى شيئا من ذلك لا نصدّقه، لأنّا نعلم أنّه لا يعلم. و لا يمكن دعوى الإجماع فيما نحن فيه، و لا دعوى نصّ يدلّ على أكثر ممّا ذكرنا.

و إذا علم كون بلد مفتوحا عنوة و حصل الاشتباه في بعض مزارعه و قراه فسبيل تحصيله ما ذكرنا، و كذلك السبيل في معرفة كون الأرض عامرة وقت الفتح أو مواتا، فإنّه يعوّل عليها بالأمارات الظنّيّة عند تعذّر العلم «1». انتهى.

قوله: نحن نعلم أنّ تلك الأراضي كانت تحت يد الكفّار، إلى آخره.

فيه منع، لجواز عدم دخولها تحت أيديهم بكونها محياة للمسلمين.

قوله: و لا نعرف أنّ اليد، إلى آخره.

______________________________

(1) الكفاية: 79.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 238

فيه: أنّ مطلق اليد دليل على الملكيّة، سواء كانت على الأراضي أو غيرها، كما صرّح به في كتاب إحياء الموات «1»، و دلّت عليه الأخبار العامّة للأرضين أيضا، بل منها الواردة في خصوص الأرض، كما ورد في ردّ أمير المؤمنين عليه السّلام على أبي بكر، حيث طلب البيّنة عن سيدة النساء عليها السّلام لأجل فدك «2».

قوله: من المعلوم أنّ المتصرّف أيضا، إلى آخره.

أقول: لا يشترط في دلالة اليد على الملكيّة علم ذي اليد بالواقع، لأنّ كلّ من في يده شي ء لا يعلم حقيقة الأمر، فإنّ العبد الذي ورثه أحد أو اشتراه يمكن أن يكون في الواقع

حرّا، أو مسروقا، أو نحو ذلك.

قوله: و لا يمكن دعوى الإجماع، إلى آخره.

بل يمكن دعوى الإجماع، و النصّ الدالّ على الأكثر موجود، كما أشرنا إليه.

قوله: فسبيل تحصيله ما ذكرنا.

فيه منع، بل يعمل فيه بالأصول و القواعد.

و قد يستدلّ على اعتبار مطلق الظنّ هنا بانسداد باب العلم و بقاء التكليف، و كون الأمر في التكاليف على الظنّ سيّما في الموضوعات، و لا فرق في ذلك بين الرجوع إلى أهل الخبرة في الأرض [1]، و إلى العرف و اللغة في فهم المعنى، و إلى الهيئة في القبلة.

أقول: أمّا دليل انسداد باب العلم قد ذكرنا ما فيه في كتبنا الأصوليّة

______________________________

[1] في «ق» و نسخة من «ح»: الأرش.

______________________________

(1) الكفاية: 240.

(2) تفسير القمّي 2: 155.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 239

مستوفى، و كون البناء على مطلق الظنّ في الأحكام و الموضوعات ممنوع، و الرجوع إلى أهل الخبرة و اللغة و الهيئة فإنّما هو لأدلّة خاصة بها، فهي الفارقة، و إن لم يكن فيها دليل فيمنع الرجوع فيها أيضا.

و ممّا قد يجعل دليلا على كون الأرض مفتوحة عنوة ضرب الخراج من الحاكم و إن كان جائرا، عملا بأنّ الأصل في تصرّفات المسلم الصحّة.

و اعترض عليه: بأنّه إنّما يتمّ إذا كان الحكم بكونه خراجيّا مصحّحا لتصرّفه و تسلّطه على الأخذ، و أمّا إن قلنا: إنّ فعله- كتسلّطه و ضربه و أخذه- حرام و إن حكمنا بكونها خراجيّة، فلا.

و ردّ: بأنّ المراد من أصالة صحّة فعل المسلم إنّما هو صحّة فعله على ما يعتقده صحيحا، فإذا انحصر عندهم جواز أخذ الخراج في الأراضي الخراجيّة فإذا رأيناهم يأخذون الخراج من أحد يحكم بصحّة فعله عندهم، و إن كان أصل الفعل باطلا عندنا.

مع أنّا

إذا رأينا المسلمين في الأعصار يأخذون منهم خراج تلك الأراضي فحمل أفعالهم على الصحيح قد دلّنا على أنّ الأرض كانت خراجيّة.

أقول: فيه- مضافا إلى أنّ الحمل على الصحّة لو سلّم فإنّما هو في أفعال الشيعة خاصّة، و مع التسليم مطلقا لا يثبت إلّا كون الأرض خراجيّة عند من يأخذ الخراج أو مع من يقبله عنه، و ذلك غير كاف للثبوت عند مجتهد آخر، إذ معتقد طائفة لا يفيد لغيرهم- أنّ تلك الأراضي التي يؤخذ منها الخراج لا تخلو إمّا تكون في يد السلطان، يتقبّلها و يؤجرها لمن يشاء، و يأخذ طسقها باسم الخراج، فهذا اعتراف من صاحب اليد بكونها خراجيّة، و هذا كاف في الثبوت، و لا حاجة إلى الحمل على الصحّة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 240

أو تكون في يد الرعيّة، و هم أيضا يعطون الخراج معترفين بكونه حقّا، فهذا أيضا كالأول، أو يأخذ منهم الخراج كرها لهم مع عدم اعترافهم بالحقّيّة، بل مع تصريحهم بعدمها، و في هذا كما أنّ حمل فعل السلطان على الصحّة يثبت الخراجيّة، حمل إكراه الرعيّة على الصحّة أيضا يدلّ على عدمها، فيتعارضان.

نعم، لو اعترف الرعيّة المتصرّف لها لم يتحقّق التعارض، و لكن لا يفيد أيضا لسائر ما ذكر.

[التاسع ]

ي: قد تلخّص ممّا ذكرنا أنّه ليس لنا اليوم أرض مخصوصة يتمّ لنا الحكم بكونها مفتوحة عنوة، إذ لا دليل علميّا على شي ء منها، و لا ظنّيّا ثابت الحجّيّة، إلّا بعض الأخبار الواردة في أرض السواد أو مكّة، و هي مع وجود التعارض لبعضها لا تثبت حكم كلّ أرض بخصوصها، و حكم الجملة غير مفيد كما مرّ، و لا يحصل من أقوال أرباب التواريخ شي ء يمكن الركون إليه، مع

شدّة اختلافها في الأكثر.

قال بعض أصحابنا: إنّ ما وجدنا في بعض كتب التواريخ- و كأنّه من الكتب المعتبرة في هذا الفنّ- أنّ الحيرة- و كأنّها من قرى العراق بقرب الكوفة- فتحت صلحا، و إنّ نيشابور من بلاد خراسان فتحت صلحا، و قيل: عنوة، و بلخ منها و هراة و قوشج و التوابع فتحت صلحا، و بعض آخر منها فتح صلحا، و بعض عنوة.

و بالجملة: حكى حال بلاد خراسان مختلفا في كيفيّة الفتح.

و أمّا بلاد شام و نواحيه، فحكي أنّ حلب [1] و حمص و طرابلس

______________________________

[1] في «ق» زيادة: و حمى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 241

فتحت صلحا، و أنّ دمشق فتحت بالدخول من بعض غفلة بعد أن كانوا طلبوا الصلح من غيره، و أنّ أهالي طبرستان صالحوا أهل الإسلام، و أنّ آذربايجان فتح صلحا، و أنّ أهل أصفهان عقدوا أمانا، و الريّ فتح عنوة.

و قد حكى في المنتهى عن الشافعي: أنّ مكة فتحت صلحا بأمان قدّم لهم قبل دخوله، و هو منقول عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و مجاهد، و نسب إلى الظاهر من المذهب: أنّها فتحت بالسيف ثمَّ آمنهم بعد ذلك، و نقل عن مالك و أبي حنيفة و الأوزاعي.

و حكى عن التذكرة عن بعض الشافعيّة: أنّ سواد العراق فتح صلحا، قال: و هو منقول عن أبي حنيفة، و عن بعض الشافعيّة: أنّه اشتبه الأمر عليّ، و لا أدري أفتح صلحا أم عنوة.

و حكم العلّامة في المنتهى و التذكرة بأنّ السواد فتحه عمر بن الخطاب، و حدّه في العرض من منقطع الجبال بحلوان إلى طرف القادسيّة المتّصل بعذيب من أرض العرب، و من تخوم الموصل طولا إلى ساحل البحر ببلاد عبّادان من

شرقي دجلة، و أمّا الغربي الذي يليه البصرة فإنّه إسلامي، مثل شطّ عثمان بن أبي العاص، و ما والاها كانت أسباخا و مواتا فأحياها عثمان بن أبي العاص [1]. انتهى.

نقلناه بطوله لما فيه من بعض الفوائد.

______________________________

[1] حكاه في الحدائق 18: 309، 310 عن بعض الفضلاء.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 243

كتاب البيع

اشارة

و هو عرفا: نقل الملك بعوض من مالك إلى آخر بعقد مخصوص.

و مرادنا من العقد أعمّ من اللفظي ليشمل التقابض على القول بكفايته، و ذلك العقد سبب النقل كما أنّ النقل سبب الانتقال.

و عرّفه جماعة بالعقد «1». و هو غير جيّد، لأنّه مركّب من الإيجاب و القبول، فيلزمه عدم كون أحد المتعاقدين بائعا، و عدم صحّة باع فلان حقيقة و لا يلزم ذلك في النقل، لأنّ الناقل أحدهما و إن توقّف صيرورته ناقلا على قبول الآخر.

و التحقيق: أنّه لا فائدة مهمّة في ذلك النزاع، لتوقّف تحقّق البيع على ذلك العقد على القولين. و إنّما المهمّ بيان ذلك العقد و شرائطه و سائر أحكام البيع و أقسامه، و نذكره في مقاصد:

______________________________

(1) منهم الحلبي في الكافي في الفقه: 352، ابن حمزة في الوسيلة: 236، العلّامة في المختلف: 347.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 245

المقصد الأول في عقد البيع و شرائطه

اشارة

و فيه ثلاثة فصول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 247

الفصل الأول في بيان ما يتحقّق به البيع، أي العقد المخصوص
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى:

اعلم أنّ الشارع رتّب أحكاما على البيع، و ليس هنا نصّ أو إجماع دالّ على أنّ البيع أو ما يتحقّق به البيع ما هو.

و حينئذ فإمّا يقال: إنّه ليس له معنى لغوي أو عرفي معلوم لنا مع قطع النظر عن الشرع، فيلزم حينئذ علينا الاقتصار في ترتّب الأحكام بما انعقد الإجماع على تحقّق البيع به.

أو يقال: إنّ له معنى كذلك معلوما لنا، و حينئذ فإمّا يثبت شرعا بإجماع أو غيره شرط لتحقّق البيع، أو لا، فإنّ ثبت فيقتصر في تحقّق البيع شرعا بما هو واجد للشرط، و إن لم يثبت فيحكم بالترتّب في جميع ما يتحقّق به البيع عرفا أو لغة.

و من ذلك و ممّا سيأتي حصلت الاختلافات في عقد البيع، فمن ظنّ عدم ظهور معنى لغوي أو عرفي يضطرّ إلى الاقتصار على موضع الإجماع. و هذا محطّ قول جماعة بتخصيص البيع شرعا بما كان مع الصيغة المخصوصة الجامعة لجميع الشرائط المختلف فيها.

و من ظنّ ظهوره، و لكن زعم الإجماع على اشتراط الصيغة في تحقّق البيع، لزمه القول به، و لكن يقتصر في الشرط بما هو محلّ الإجماع، يعني ما ثبت الإجماع بزعمه على اشتراطه. و هذا مناط قول من يقول باشتراط الصيغة في تحقّق البيع و لكن يوسّع فيها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 248

و من لم يظهر ذلك الإجماع له، و لم يعثر على دليل آخر أيضا على الاشتراط، يوسّع في تحقّق البيع بما يتحقّق به لغة أو عرفا. و إلى هذا ينظر من اكتفى بمطلق اللفظ أو بالمعاطاة أيضا.

و هاهنا أمر آخر، و هو أنّه بعد تعيين معنى البيع أو ما يتحقّق به البيع عرفا- و أنّه ما

سيأتي من أنّه ما يدلّ على نقل المالك ملكه به إلى آخر بعوض معلوم بالطريق المعهود- قد يقع الخلاف في الدالّ.

فقد يقال: باختصاص الدالّ الصريحي بالصيغة المخصوصة، فلذا يقول باختصاص تحقّق البيع بها. و إلى هذا نظر طائفة من المشترطين للصيغة.

و قد لا يقال بالاختصاص، فيعمّم.

و إذ عرفت ذلك تعلم أنّ وظيفتنا أولا الفحص عن أنّه هل للبيع معنى لغوي أو عرفي نعلمه، و أنّه ما هو؟

فنقول: إنّ من البديهيّات التي لا شكّ فيها: أنّ لفظي البيع و الشراء ممّا يستعمله عامّة الناس من أهل الأسواق و البوادي و الخارجين عن شريعتنا- بل عن مطلق الشريعة- استعمالا خارجا عن حدّ الإحصاء، و ليسوا شاكّين في معناه، و لا متردّدين، و لا محتاجين في فهمه إلى القرينة، فهذا يقول: بعت و اشتريت، و ذاك: أبيع و أشتري، و ثالث: هل يبيع و هل يشتري، إلى غير ذلك، و يفهم المخاطب مراده من غير قرينة أصلا، و لو لم يعلم القدر المجمع عليه شرعا، و لم يفهم إجماعا أو شرعا، و لم تقرع سمعه صيغة، فيقطع بذلك أنّ ما يتحقّق به البيع عرفا أمر مضبوط معلوم عند أهل العرف مع قطع النظر عن الشرع، و هو ما يدلّ عرفا على نقل المالك ملكه به إلى آخر بعوض بقصد المبايعة، إذ عند حصول ذلك

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 249

يستعمل لفظ البيع عندهم، و يتبادر عنه حصوله، و لا يجوّزون سلب الاسم معه، سواء كان ذلك بقبض كلّ من العوضين و هو المسمّى بالمعاطاة، أو بقبض أحدهما مع ضمان الآخر، أو بألفاظ دالّة على ذلك.

و على هذا، فلا تشترط في تحقّق البيع عرفا صيغة مخصوصة من حيث

إنّها هي، و إن وجب كون الفعل أو اللفظ دالا على النقل المذكور عرفا.

و هذا هو الذي يظهر من كلمات الأكثر «1»، و إليه ينظر قول المحقّق الشيخ علي في شرح القواعد تارة: إنّ المعاطاة بيع بالاتّفاق، و اخرى: إنّه المعروف من الأصحاب «2».

و أمّا ما يظهر من بعضهم «3»- من الخلاف في تسمية المعاطاة بيعا، و هو بين شاكّ فيها و ناف لها، بل عن الغنية الإجماع على العدم «4»، و في الروضة: اتّفاقهم على أنّها ليست بيعا «5»- فالظاهر أنّ المراد: البيع الشرعي، أي ما يوجب الانتقال شرعا، حيث يزعم اشتراط صيغة خاصّة و انعقاد الإجماع عليه، فلا تخالف بين دعوى الإجماعين.

و لو أرادوا نفي البيع العرفي ففساده ظاهر لوجوه:

منها: الاستعمال، فإنّه يقال: ابتعت الخبز و اللحم و بعته، و لو لم يتحقّق أمر سوى المعاطاة، و الأصل فيه الحقيقة، و أعميّته إنّما هو مع تعدّد المستعمل فيه، و هو هنا غير ثابت، و استعماله فيما كان مع الصيغة بدون

______________________________

(1) كالعلّامة في التذكرة 1: 462 و صاحب الرياض 1: 510.

(2) جامع المقاصد 4: 58.

(3) كصاحب الحدائق 18: 375.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 586.

(5) الروضة 3: 222.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 250

التقابض لا يثبته، لجواز كون المستعمل فيه هو القدر المشترك، و هو النقل المذكور. بل هو كذلك، و لذا لو فرض استقرار عرف على المبايعة بعمل أو لفظ آخر يصحّ استعمال البيع و الشراء بعد تحقّقه.

و منها: عدم صحّة السلب، فإنّه إذا اتّخذ أحد حرفته بيع الكرابيس [1] أو الرقيق أو غيرهما، و كان يبيعها مدّة بالمعاطاة، يقال: إنّه بيّاع الكرباس- مثلا- و لو لم يتلفّظ بصيغة أبدا، و لا يجوز أن

يقال ليس كذلك، كما نشاهد في أهل السوق و أرباب الحرف.

و لو أمر أحد ببيع كرباس فباعه بالمعاطاة أو بلفظ غير الصيغ المخصوصة لا يجوز له أن يقول: ما بعته، و لو عاتبه لعدم الامتثال لذمّ، و هذا ظاهر جدّا.

و منها: التبادر، فإنّه يجاوز ذكر البيع و الشراء حدّ الإحصاء عند أهل القرى و البوادي و يفهمون معناه و يتبادر عندهم، مع أنّهم لا يعرفون صيغة، بل لم يسمعوها في الأكثر، و يدلّ عليه أيضا قول القائل: بعت متاعي و لكن ما أجريت الصيغة، و صحّة الاستفسار بعد قوله ذلك أنّه هل أجريت صيغته.

و يجري أكثر تلك الوجوه أو جميعها في قبض أحد العوضين مع ضمان الآخر في التلفّظ بالألفاظ المفهمة عرفا لنقل المالك ملكه بها بالقصد المذكور، فيتحقّق البيع بجميع ذلك عرفا.

ثمَّ إنّ بما ذكرنا كما يثبت أنّ البيع يتحقّق عرفا بحصول ما يدلّ على النقل المتقدّم مطلقا، سواء كان لفظا أو غير لفظ، كذلك يثبت عدم انحصار الدالّ على ذلك النقل في اللفظ [2] المخصوص، بل و لا في مطلق اللفظ،

______________________________

[1] الكرابيس: جمع كرباس، و هو القطن- مجمع البحرين 4: 100.

[2] في «ق» زيادة: المذكور.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 251

و جميع ما ذكرنا يدلّ عليه.

و بعد ثبوت تحقّق البيع بما ذكر عرفا يثبت لغة و شرعا أيضا بضميمة الأصل، و إذ ثبت كونه بيعا شرعيّا يكون جائزا و يباح به التصرّف لكلّ من الطرفين فيما نقل إليه و لو لم يتلفّظ بالصيغة، بعمومات الكتاب و السنّة الدالّة على حلّية البيع و جوازه.

مضافة إلى الإجماع القطعي المستفاد من عمل الناس في الأعصار و الأمصار حتى زمان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله

من غير نكير، و من فتاوى العلماء بالنسبة إلى المعاطاة.

و قول العلّامة في النهاية- بكون المعاطاة بيعا فاسدا، فيلزمه عدم جواز التصرّف «1»- شاذّ، مع أنّه أيضا قد رجع عنه «2».

و يلزم من جوازه شرعا و إمضاء الشارع إيّاه زوال ملكيّة المبيع من البائع و حصولها للمشتري شرعا، إذ لا معنى لتحليل الشارع و إمضائه نقل الملك الذي هو معنى البيع- بل قوله في موارد متكثّرة: بع و بيعوا و أمثالهما- إلّا تحقّق النقل شرعا.

و يدلّ عليه أيضا جواز بيع السلعة للمشتري و لو بالمعاطاة بالإجماع، و إطلاق الأخبار في جواز بيع ما ابتيع الشامل لما ابتيع عرفا.

و في الصحيح- بعد السؤال عن بيع كذا و كذا [1] بكذا كذا درهما فباعه المشتري بربح قبل القبض و إعطاء الثمن-: «لا بأس بذلك الشراء، أ ليس قد كان ضمن لك الثمن؟» قلت: نعم، قال: «فالربح له» «4»، و هو يدلّ على

______________________________

[3] في «ح» زيادة: حدّه.

______________________________

(1) نهاية الاحكام 2: 449.

(2) كما في المختلف: 348.

(4) الكافي 5: 177- 16، الوسائل 18: 64 أبواب أحكام العقود ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 252

جواز البيع بمجرّد ضمان الثمن و إن لم يجر صيغة خاصّة، و إذ جاز للمشتري بيعه يكون ملكا له، إذ لا بيع [1] إلّا فيما هو ملك للبائع، كما نطقت به الأخبار:

ففي صحيحة الصفّار المكاتبة: رجل له قطاع من أرضين، فحضره الخروج إلى مكّة، و القرية على مراحل من منزله، و لم يؤت بحدود أرضه، و إنّما عرف حدود القرية، فقال للشهود: اشهدوا أنّي قد بعت من فلان جميع القرية التي حدّ منها كذا، و الثاني و الثالث و الرابع، و إنّما له

بعض هذه القرية، و قد أقرّ له بكلّها، فوقّع عليه السّلام: «لا يجوز بيع ما ليس بملك، و قد وجب الشراء على البائع على ما يملك» «2».

و في صحيحة محمّد- بعد السؤال عن رجل أتاه رجل، فقال: ابتع لي متاعا لعلي أشتريه منك، فابتاعه الرجل من أجله-: «ليس به بأس، إنّما يشتريه بعد ما يملكه» «3».

و يدلّ على التملّك الشرعيّ أيضا- من غير حاجة إلى الصيغة- إطلاق ما دلّ على أنّ من ابتاع شيئا فهو له، كما في صحيحة جميل الواردة في من اشترى طعاما و ارتفع أو نقص- أي في القيمة- و قد اكتال بعضه فأبى صاحب الطعام أن يسلّم له ما بقي و قال: إنّما لك ما قبضت، حيث قال:

«إن كان يوم اشتراه ساعره على أنّه له فله ما بقي» «4».

و في صحيحة العلاء: إنّي أمرّ بالرجل فيعرض عليّ الطعام- إلى أن

______________________________

[1] في «ق»: يقع.

______________________________

(2) الكافي 7: 402- 4، الفقيه 3: 153- 674، التهذيب 7: 150- 667، الوسائل 17: 339 أبواب عقد البيع و شروطه ب 2 ح 1، بتفاوت.

(3) التهذيب 7: 51- 220، الوسائل 18: 51 أبواب أحكام العقود ب 8 ح 8.

(4) الكافي 5: 181- 2، التهذيب 7: 34- 143، الوسائل 18: 84 أبواب أحكام العقود ب 26 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 253

قال-: فأقول له: اعزل منه خمسين كرّا أو أقلّ أو أكثر بكيله، فيزيد و ينقص، و أكثر ذلك ما يزيد، لمن هو؟ قال: «هو لك» الحديث «1».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 14    253     المسألة الثانية: ..... ص : 253

الأخير ظاهر في عدم جريان الصيغة، و لو منع الظهور يكفي العموم المستفاد من

ترك الاستفصال.

المسألة الثانية:

و إذ عرفت حصول نقل الملك عن البائع، و حصول التملّك للمشتري بحصول البيع العرفي مطلقا، فلزوم ذلك هل يتوقّف على صيغة خاصّة، أو على مطلق اللفظ، أو يحصل بحصول البيع عرفا و لو بالمعاطاة أو مثلها؟

المشهور هو: الأول، بل كاد أن يكون إجماعا، كما في الروضة و المسالك في موضعين «2»، بل ظاهر الأخير- كصريح الغنية «3»- انعقاده.

و نقل في المسالك الثاني عن بعض معاصريه.

و الثالث ظاهر المفيد «4»، و جمع من المتأخّرين «5»، و هو الحقّ، لمفهوم الغاية في الأخبار الصحيحة المتكثّرة المصرّحة بأنّ: «البيّعان بالخيار حتى يفترقا» «6».

و عموم الصحيحين، في أحدهما: «فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما» «7».

______________________________

(1) الكافي 5: 182- 3، الوسائل 18: 86 أبواب أحكام العقود ب 27 ح 1.

(2) الروضة 3: 222، المسالك 1: 169- 170.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 586.

(4) المقنعة: 591.

(5) منهم السبزواري في كفاية الأحكام: 88 و الكاشاني في مفاتيح الشرائع 3: 48.

(6) الكافي 5: 170- 4، الوسائل 18: 5 أبواب الخيار ب 1 ح 2.

(7) الكافي 5: 170- 6، التهذيب 7: 20- 85، الاستبصار 3: 72- 240، الوسائل 18: 6 أبواب الخيار ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 254

و في الآخر: «فإذا افترقا فقد وجب البيع» «1».

و الخبر: «إذا صفّق الرجل على البيع فقد وجب و إن لم يفترقا» «2»، خرج عنه ما خرج بالإجماع فيبقى الباقي.

و ترك الاستفصال في أخبار خيار الشرط و العيب.

كما في الصحيح: عن الرجل يبتاع الجارية، فيقع عليها فيجد فيها عيبا بعد ذلك، قال: «لا يردّها على صاحبها» «3».

و في الآخر: «كان القضاء الأول في الرجل إذا اشترى الأمة فوطئها ثمَّ ظهر على

عيب: أنّ البيع لازم» «4».

و في الخبر: الرجل يشتري زقّ [1] زيت فيجد فيه درديّا، قال: «إن كان يعلم أنّ الدردي يكون في الزيت فليس له أن يردّه» «6».

و في الموثّق: عن رجل باع جارية على أنّها بكر، فلم يجدها على ذلك، قال: «لا يردّ عليه، و لا يجب عليه شي ء، إنّه يكون يذهب في حال

______________________________

[1] الزقّ بالكسر: السقاء أو جلد يجزّ و لا ينتف للشراب أو غيره- مجمع البحرين 5:

177. و الدردي من الزيت و غيره ما يبقى في أسفله- مجمع البحرين 3: 45.

______________________________

(1) الكافي 5: 170- 7، الفقيه 3: 126- 550، التهذيب 7: 20- 86، الاستبصار 3: 72- 241، الوسائل 18: 6 أبواب الخيار ب 1 ح 4.

(2) التهذيب 7: 20- 87، الاستبصار 3: 73- 242، الوسائل 18: 7 أبواب الخيار ب 1 ح 7.

(3) الكافي 5: 215- 6، التهذيب 7: 61- 264، الوسائل 18: 103 أبواب العيوب ب 4 ح 4.

(4) التهذيب 7: 61- 263، قرب الاسناد: 10، الوسائل 18: 104 أبواب العيوب ب 4 ح 7.

(6) الكافي 5: 229- 1، الفقيه 3: 172- 767، التهذيب 7: 66- 283، الوسائل 18: 109 أبواب أحكام العيوب ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 255

مرض أو أمر يصيبها» «1».

و رواية هذيل بن صدقة: عن الرجل يشتري المتاع أو الثوب فينطلق به إلى منزله، و لم ينقد شيئا فيبدو له فيردّه، هل ينبغي ذلك له؟ قال: «لا، إلّا أن تطيب نفس صاحبه» «2».

و مكاتبة جعفر بن عيسى: المتاع يباع في من يزيد، فينادي عليه المنادي، فإذا نادى عليه المنادي برئ من كلّ عيب فيه، فإذا اشتراه المشتري و رضيه و لم يبق

إلّا نقده الثمن فربّما زهد، فإذا زهد فيه ادّعى فيه عيوبا و أنّه لم يعلم بها، فيقول له المنادي: قد برئت فيها، فيقول المشتري:

لم أسمع البراءة منها، أ يصدّق فلا يجب عليه الثمن، أم لا يصدّق فيجب عليه الثمن؟ فكتب: عليه السّلام: «عليه الثمن» «3»، إلى غير ذلك.

احتجّ المشهور بالإجماع المنقول «4»، و الأصول، و بأنّ اللزوم إنّما يكون في البيع، و هو إنّما يتحقّق بتحقّق ما يدلّ على نقل الملك به، أي إنشاؤه بالطريق المتقدّم صريحا، و الدالّ صريحا على ذلك منحصر في الصيغة المخصوصة.

و بعض الظواهر، كالصحيح: الرجل يجيئني فيقول: اشتر هذا الثوب و أربحك كذا و كذا، فقال: «أ ليس إن شاء أخذ و إن شاء ترك؟» قلت: بلى،

______________________________

(1) الكافي 5: 215- 11، التهذيب 7: 65- 279، الاستبصار 3: 82- 277، الوسائل 18: 108 أبواب أحكام العيوب ب 6 ح 2.

(2) التهذيب 7: 59- 255، الوسائل 17: 386 أبواب آداب التجارة ب 3 ح 3 بتفاوت يسير فيه.

(3) التهذيب 7: 66- 285، الوسائل 18: 111 أبواب أحكام العيوب ب 8 ح 1.

(4) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 586، الرياض 1: 510.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 256

قال: «لا بأس، إنّما يحلّل الكلام و يحرّم الكلام» «1».

و الخبر: رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طنّ قصب من أنبار بعضها على بعض من أجمة واحدة، و الأنبار فيه ثلاثون ألف طنّ، فقال البائع: قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طنّ، فقال المشتري: قد قبلت و اشتريت و رضيت- إلى أن قال:- و أصبحوا و قد وقع النار في القصب [فاحترق منه ] عشرون ألف طنّ و بقي عشرة آلاف، فقال: «العشرة آلاف التي بقيت

للمشتري» [1].

و الموثّق: «لا تشتر كتاب اللّه عزّ و جلّ، و لكن اشتر الحديد و الورق و الدفّتين، و قل: اشتريت منك هذا بكذا و كذا» «3».

و المرسل «لا تشتر كتاب اللّه، و لكن اشتر الحديد و الجلود، و قل:

اشتري هذا منك بكذا و كذا» «4»، و مثله رواية أخرى أيضا «5».

و الجواب عن الأول: بمنع الحجّية.

و عن الثاني: باندفاعه بما مرّ من الأدلّة.

مضافا إلى أنّه إن أريد أصالة عدم الملك أو الانتقال أو ترتّب أحكام البيع فقد عرفت ثبوتها.

و إن أريد أصالة عدم اللزوم فممنوعة، لأنّ قبل ملك المشتري لم

______________________________

[1] التهذيب 7: 126- 549، الوسائل 17: 365 أبواب عقد البيع ب 19 ح 1، و ما بين المعقوفين من المصدر. و الطنّ: حزمة من حطب أو قصب- مجمع البحرين 6: 278.

______________________________

(1) الكافي 5: 201- 6، التهذيب 7: 50- 216، الوسائل 18: 50 أبواب أحكام العقود ب 8 ح 4.

(3) الكافي 5: 121- 2، التهذيب 6: 365- 1049، الوسائل 17: 158 أبواب ما يكتسب به ب 31 ح 2.

(4) التهذيب 6: 365- 1049، الوسائل 17: 158 أبواب ما يكتسب به ب 31 ح 3.

(5) الكافي 5: 121- 1، الوسائل 17: 158 أبواب ما يكتسب به ب 31 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 257

يكن لزوم و لا عدم لزوم، و بعده فلا يعلم المتحقّق منهما، و ليس أحد الفصلين أوفق بالأصل من الآخر.

و عن الثالث: بأنّه إن أريد بالدالّ صريحا الدالّ بحسب الوضع الحقيقي فمع تحكّم التخصيص ليست الصيغة المخصوصة أيضا كذلك، و إن أريد مطلقا فالانحصار ممنوع.

و عن الرابع: بأنّه ليس ظاهرا في مطلوبهم، بل لا محتملا له، لأنّه لا يلائم جعل

قوله: «إنّما يحرّم» تعليلا لسابقه، بل المراد: أنّه إن كان بحيث إن شاء أخذ و إن شاء ترك و لم يقل ما يوجب البيع لا بأس و إلّا ففيه بأس، لأنّه يحرّم و يحلّل بكلام، فإن أوجب البيع يحرم و إلّا فيحلّ، كما ورد في صحيحة يحيى بن الحجّاج: عن رجل قال لي: اشتر هذا الثوب أو هذه الدابّة و بعينها أربحك فيها كذا و كذا، قال: «لا بأس بذلك»، قال: «ليشتريها و لا يواجبه البيع قبل أن يستوجبها أو يشتريها» «1».

و قد ورد بهذا المعنى في أحاديث أخر، كصحيحة الحلبي: عن الرجل يزرع الأرض فيشترط للبذر ثلثا، و للبقر ثلثا، قال: «لا ينبغي أن يسمّي شيئا فإنّما يحرّم الكلام» «2»، و نحوه في صحيحة سليمان بن خالد «3»، و رواية أبي الربيع الشامي «4».

______________________________

(1) الكافي 5: 198- 6، التهذيب 7: 58- 250، الوسائل 18: 52 أبواب أحكام العقود ب 8 ح 13، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 5: 267- 6، الوسائل 19: 41 أبواب أحكام المزارعة ب 8 ح 4.

(3) الكافي 5: 267- 5، التهذيب 7: 197- 873، الوسائل 19: 41 أبواب أحكام المزارعة ب 8 ح 6.

(4) الفقيه 3: 158- 691، التهذيب 7: 194- 857، المقنع: 130، الوسائل 19:

43 أبواب في أحكام المزارعة ب 8 ح 10، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 258

و عن الخامس: بأنّه لا يدلّ إلّا على اللزوم مع الصيغة، و أين هذا من الحصر؟! و [عن السادس ] [1]: بمنع الدلالة على توقّف الصحّة أو اللزوم على القول المذكور من جهة تحقّق البيع، بل إنّما هو لأجل تعيين المبيع في مقام لا يمكن تعيّنه إلّا باللفظ، فالمراد ذكر المبيع لفظا،

مع أنّ اللفظ مختلف في الروايات أيضا.

المسألة الثالثة:

قد ظهر ممّا ذكرنا أنّه تكفي الإشارة المفهمة للنقل بعنوان البيع إذا أفادت القطع، و كذا الكتابة، سواء تيسّر التكلم، أو تعذّر.

و أمّا على المشهور فلا يكفي على الأول، و أمّا على الثاني- كالأخرس- فصرّحوا بالكفاية، و وجهه عند من يعمّم البيع و يثبت اشتراط الصيغة بالإجماع ظاهر، و لكنّه لم يظهر وجهه عند من يخصّص البيع بما كان مع الصيغة، أو يقول بعدم دلالة الإشارة على النقل، إلّا أن يدّعي الإجماع على عدم الاشتراط حينئذ.

و القول: بأنّها تدلّ ظنّا، فيكتفى بها عند عدم إمكان العلم.

مردود بعدم دليل على قيام الظنّ مقام العلم عند تعذّره مطلقا، سيّما مع إمكان التوكيل.

و احتياجه إلى الصيغة عند المشهور ممنوع، لعدم كونه من العقود اللازمة.

و أصالة عدم وجوبه مندفعة بأنّها إنّما تكون لو أردنا الوجوب الشرعي، و أمّا الشرطي- كما هو المقصود- فلا معنى لأصالة عدمه، بل هو مقتضى الأصل.

المسألة الرابعة:

قد ظهر أيضا أنّه يمكن تحقّق البيع باللفظ و إن لم يتحقّق قبض شي ء من الطرفين، و إذا تحقّق به تحقّق لزومه أيضا، و لا

______________________________

[1] في «ح» و «ق»: عن الخامس، و الظاهر ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 259

ينحصر ذلك في لفظ خاصّ من عربي أو غيره.

نعم، يجب كونه دالا على إنشاء النقل المتقدّم ذكره به، و لو مع قرينة حاليّة أو مقاليّة.

و لا ريب في دلالة الماضي عليه و لو لم تكن قرينة سوى [1] التلبّس بالبيع، بخلاف غيره من المضارع و الأمر و الاستفهام، فإنّها غير دالّة مع ذلك أيضا، بل لا تكاد توجد قرينة دالّة على إرادة إنشاء البيع منها، إلّا بأن يصرّح أولا: بأنّي أريد الإنشاء منها.

و لا يشترط تقديم الإيجاب و

لو كان القبول بلفظ «قبلت» إذا أضاف إليه باقي الأركان، و التفرقة غير جيّدة.

المسألة الخامسة:

على القول باشتراط الصيغة- كما هو المشهور- فهل هي شرط اللزوم خاصّة، أو مع انتقال الملك أيضا، أو هما مع إباحة التصرّف؟

لا ينبغي الريب في الإباحة بدونها، للأصل، و الإجماع، و إذن المالك في التصرّف.

و القول بكونه بيعا فاسدا، مع شذوذه لا ينفي إلّا الإباحة الشرعيّة من جهة البيع لا مطلقا، مع أنّ حرمة التصرّف في المقبوض بالبيع الفاسد بجميع أفراده- حتى ذلك- لم تثبت.

نعم، ينبغي تقييد إباحة التصرّف من كلّ منهما بعدم قصده الرجوع بماله حال التصرّف، لأنّه المعلوم من الإذن.

و أمّا الأولان فيجب بناؤهما على كون المعاطاة و نحوها ممّا تجرّد عن الصيغة بيعا عرفا و لغة، أم لا.

فإن قلنا به- كما هو الحقّ- فالحقّ هو: الأول، لانحصار دليل اشتراط

______________________________

[1] في «ق»: مع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 260

الصيغة عندهم حينئذ و تخصيص عمومات اللزوم بالإجماع، و انحصاره في اشتراط اللزوم ظاهرا أو مع بعض الظواهر الذي لا تثبت منه حرمة التصرّف بدون الصيغة، و تبقى عمومات حلّية البيع خالية عن المعارض، فيصير البيع في الشرع قسمين: لازم و جائز.

و إن لم نقل به فالحقّ هو: الثاني، إذ تدلّ على اشتراط الصيغة حينئذ الأصول المتقدّمة، و هي جارية في نفي الملك أيضا.

و إطلاق القول بنقل الملك مع المعاطاة- تمسّكا بأنّه لولاه لما تحقّق الملك بالتلف- ضعيف جدّا.

المسألة السادسة:

على القول بتوقّف اللزوم على الصيغة، فيجوز لكلّ منهما الرجوع في المعاطاة مع بقاء العينين، و الوجه فيه ظاهر، كما في عدم الرجوع مع تلفهما معا، لعدم إمكان الرجوع في العين، و أصالة عدم الاشتغال بالمثل أو القيمة.

و لو تلفت إحداهما خاصّة فلا يجوز الرجوع لصاحب التالفة.

و هل له ردّ الموجودة بلا مطالبة شي ء لو

أراده لمصلحة و امتنع صاحبه؟

الظاهر: نعم، لأصالة عدم اللزوم. و لصاحب الموجودة الرجوع إليها، لذلك أيضا على الأقوى، ثمَّ الآخر يرجع إلى قيمة التالفة أو مثله.

كذا قالوا، و هو بإطلاقه مشكل، بل الموافق للقواعد أن يقال: لو كان التلف لا من جهة صاحب الموجودة فلا يرجع إليه بشي ء، لأصل البراءة، و عدم دليل على الاشتغال.

و إن كان منه، فإن قصد الرجوع قبل الإتلاف فعليه المثل أو القيمة، إذ كونه مأذونا في الإتلاف إنّما كان مع عدم قصده الرجوع، فمعه يكون غاصبا، فيعمل فيه بقاعدة الغصب.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 261

و إن لم يقصده قبله، فمقتضى الأصول و إن كانت براءة ذمّته عن المثل أو القيمة لعدم كونه غاصبا، و جواز رجوعه إلى عينه للأصل، إلّا أنّ الإجماع و نفي الضرر يمنعان عن الأمرين معا، فلا بدّ من أحدهما، و لكن تعيين أحدهما مشكل.

و تعيين الاشتغال مطلقا أو على كون المعاطاة إباحة محضة لقاعدة الغصب كعدم الرجوع على كونها تمليكا لئلّا يلزم الجمع بين المالين باطل، لمنع صدق الغصب، و تسليم جواز جمع المالين إذا اشتغلت ذمّته بمثل أحدهما أو قيمته، إلّا أن تعيّن الاشتغال بإثبات جواز الرجوع بمثل: «الناس مسلّطون على أموالهم» «1» و: «على اليد ما أخذت» «2».

و لو كان التالف بعض أحدهما أو كليهما ففيه احتمالات قد تختلف باختلاف كونهما مثليّين أو قيميّين، أو التالف بعضه في صورة التلف من أحدهما مثليّا و الآخر قيميّا أو بالعكس، و كون التالفين متساويين أو مختلفين في صورة التلف منهما.

و لو لم تتلف العين و لكن وقع التصرّف فيها، فإن كان بنقل الملك اللازم فكالتلف، لأنّه سلّطه على ذلك.

و إن كان بالمتزلزل فيحتمل اللزوم

أو الإلزام بالاسترداد أو بالمثل أو القيمة.

و التصرّف فيه بالإباحة للغير كالموجود، و بمثل اللبس و الركوب لا يمنع الرجوع في العين.

و هل يجوّزه بالأجرة؟ يحتمل الجواز، لنفي الضرر. و العدم،

______________________________

(1) عوالي اللئالي 1: 222- 99.

(2) عوالي اللئالي 1: 389- 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 262

للأصل و استناد الضرر الى تقصير مالكه في التحفّظ بإيجاب البيع، و لعلّه الأظهر، إلّا إذا قصد الرجوع قبل التصرّف فيصير غصبا.

و كذا لا يمنع الرجوع تغيير العين، كطحن الحنطة و قصّ الثوب.

و ليس للمغيّر الرجوع إلى أجرة العمل، إلّا إذا كان الرجوع من الآخر على إشكال، و مثله ما لو حدث بالتغيير أثر متجدّد في العين كصبغ الثوب، و كذا الاشتباه بالغير أو الامتزاج بحيث (لم يمكن) التمييز، و امتناع الرادّ بعينه غير ضائر، أو يكون الحكم حينئذ كالحكم فيما إذا اشتبه أو امتزج عدوانا أو خطأ، و لا رجوع بالنماء الحاصل إذا تلف، و يرجع به مع بقائه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 263

الفصل الثاني في شرائط المتعاقدين
اشاره

و هي أمور:

منها: البلوغ

، فلا يصحّ بيع الصبي مطلقا، مميّزا كان أو لا، بإذن الولي أو بدونه، في ماله أو مال غيره.

و عن الشيخ قول بالجواز في من بلغ عشرا عاقلا «1».

و عن التحرير جوازه مع إذن الولي إذا أراد اختباره «2».

و استظهر بعض المتأخّرين الجواز في الدون و فيما إذا كان الصبي آلة «3».

و استشكل في الكفاية في المميّز «4».

لنا:- بعد الأصول- رواية حمزة بن حمران، المعتضدة بعمل الأصحاب في هذه المسألة و مسألة تحديد البلوغ، الصحيحة عن الحسن بن محبوب الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، و فيها: «الجارية إذا تزوّجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم، و دفع إليها مالها، و جاز أمرها في الشراء و البيع، و أقيمت عليها الحدود التامّة، و أخذ لها بها»، قال: «و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع و لا يخرج عن اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك» «5».

______________________________

(1) المبسوط 2: 163.

(2) التحرير 1: 164.

(3) كما في مفاتيح الشرائع 3: 46، مفتاح الكرامة 4: 170، الرياض 1: 511.

(4) كفاية الأحكام: 89.

(5) الكافي 7: 197- 1، الوسائل 17: 360 أبواب عقد البيع و شروطه ب 14 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 264

و صحيحة عليّ بن رئاب: عن رجل مات و ترك أولادا صغارا و ترك مماليك غلمانا و جواري- إلى أن قال السائل-: فما ترى في من اشترى منهم الجارية يتّخذها أمّ ولد؟ قال: «لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيّم الناظر لهم فيما يصلحهم» «1»، دلّت بمفهوم الشرط على البأس في بيع غير القيّم.

و يدلّ على المطلوب

أيضا قوله سبحانه وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ، فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ «2».

حيث إنّ المراد بالدفع المنهي عنه بالمفهوم قبل البلوغ هو التسليط على التصرّف قطعا، و البيع و الشراء و لو بمجرّد الصيغة تصرّف، لأنّه تمليك أو تملّك. و يؤيّد المطلوب بعض الظواهر الأخر أيضا.

و بما ذكر تخصّص عمومات البيع و إطلاقاته، و لا حاجة إلى بعض التمحّلات التي قد ترتكب للتفصّي عنها.

و يظهر منه أيضا وجه التفصّي عن بعض ما يتوهّم منه الجواز، من الروايات الواردة في أحكام الصبي «3»، فإنّها بين شاملة للمبحث بعموم أو إطلاق يجب تخصيصه، أو مخصوصة بغيره.

دليل الشيخ- على ما قيل «4»-: بعض الظواهر الدالّة على جواز عتق الصبيّ أو تصدّقه أو وصيّته «5». و جوابه ظاهر.

______________________________

(1) الكافي 5: 208- 1، الفقيه 4: 161- 564، التهذيب 7: 68- 294، الوسائل 17: 361 أبواب عقد البيع و شروطه ب 15 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) النساء: 6.

(3) الوسائل 17: 360 أبواب عقد البيع و شروطه ب 14.

(4) انظر الرياض 1: 511.

(5) الوسائل 19: 360 أبواب أحكام الوصايا باب 44، و ج 23: 91 أبواب العتق ب 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 265

و حجّة التحرير: الآية، لشمول الاختبار للبيع و الشراء.

و فيها- بعد تسليم الشمول و إفادتها الأمر بالعموم- أنّها مخصّصة بما مرّ.

و مستند المجوّز في الدون و فيما كان آلة: دفع العسر، و جريان العادة بحيث يعطي الإجماع.

و فيه: أنّهما لا يثبتان إلّا إباحة التصرّف دون ترتّب أحكام البيع، مضافا إلى منعهما.

و قد يزاد في دليل الثاني: أنّ مع كونه آلة يكون البائع و المشتري حقيقة من له الأهليّة.

و فيه: أنّه إن أريد

بكونه آلة أن يصدر ما ينقل به الملك من اللفظ أو مثله من البائع، و هو بأمر الصبي بمجرّد الإعطاء و الأخذ الغير المحتاجين إلى قصد بيع و شراء، فهو ليس بيعا و شراء.

و إن أريد أن يكون القاصد للنقل و عاقد البيع هو الصبي، فهو البائع حقيقة و لا يكون آلة، بل يكون مثل الوكيل، و ترتّب الأثر على فعله يحتاج الى الدليل.

و لم أعثر لمن يستشكل في المميّز على حجّة سوى إطلاقات البيع، و قد عرفت جوابها.

هذا، ثمَّ إنّه هل يجوز التصرّف فيما يؤخذ من الصبي ثمنا أو مثمّنا، أم لا؟

إن ثبتت حرمة التصرّف فيما يقبض بالبيع الفاسد مطلقا فعدم الجواز ظاهر، و إلّا فكذلك إن لم يعلم إذن الولي أو المالك، و إن علم ففيه تفصيل يأتي في بحث الحجر مع سائر ما يتعلّق بأخذ المال من الصبي أو دفعه إليه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 266

و منها: الرشد،

فلا يصحّ بيع السفيه، بالإجماع، و الآية المتقدّمة، و قوله سبحانه وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ «1» بالتقريب المذكور.

و به تظهر دلالة رواية هشام أيضا: «و إن احتلم و لم يؤنس رشده و كان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليّه ماله» «2».

و يدلّ عليه الموثّق أيضا: «إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنات، و كتبت عليه السيئات، و جاز أمره إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا» «3»، دلّ على أنّ السفيه لا يجوز أمره، و لكونه منفيّا يفيد العموم.

و منه يمكن استفادة عدم صحّة بيعه و لو كان بإذن الولي أو المالك.

و منها: العقل،

فلا يصحّ بيع المجنون، و لا المغمى عليه، و لا السكران، بلا خلاف.

و منها: القصد إلى النقل،

فلا يصحّ من الهازل إجماعا، و لما يأتي، و كذا لا يصحّ حال الغصب المستولي على العقل.

و منها: الاختيار،

فلا يصحّ بيع المكره إلّا ما استثني، للإجماع.

و رواية محمّد: «من اشترى طعام قوم و هم له كارهون قصّ لهم من لحمه يوم القيامة» «4»، و هو في قوّة النهي الدالّ على الفساد في مثله على الأقوى.

______________________________

(1) النساء: 5.

(2) الكافي 7: 68- 2، الوسائل 17: 360 أبواب عقد البيع و شروطه ب 14 ح 2، بتفاوت.

(3) الكافي 7: 68- 6، الوسائل 17: 361 أبواب عقد البيع و شروطه ب 14 ح 3، بتفاوت يسير.

(4) الكافي 5: 229- 1، التهذيب 7: 132- 580، الوسائل 17: 338 أبواب عقد البيع و شروطه ب 1 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 267

و قوله عليه السّلام: «رفع عن أمّتي ما استكرهوا عليه» «1» أي أحكامه.

و الأخبار الواردة في فساد طلاق المكره «2» بضميمة الإجماع المركّب.

و لعدم ثبوت كونه بيعا شرعا، و ليس بيعا عرفا أيضا، إذ قد عرفت أنّ تحقّقه عرفا يتوقّف على وقوع ما يدلّ على إرادة نقل الملك به بقصد البيع، و كيف يدلّ ما صدر عنه كرها عليها؟! و التوضيح: أنّه قد دلّ العرف و انعقد الإجماع القطعي على لزوم قصد النقل في تحقّق البيع، أو التلفّظ باللفظ الظاهر فيه، أو الإتيان بعمل ظاهر فيه مع عدم العلم بعدم القصد من قرينة خارجيّة، و عدم ضمّ ما يوجب ظهور عدم القصد، و ثبت اعتبار ذلك الظهور و وجوب اتّباعه بالإجماع، بل الضرورة، و لكن يشترط فيه أن لا يضمّ أمر خارجيّ معارض لذلك الظهور يوجب ظهور خلافه، فإنّه لو ضمّ مثله لا يظهر القصد، و لا دليل

على اعتبار مجرّد اللفظ.

و لا شكّ أنّ الإكراه من الأمور المنافية لظهور القصد، بل يوجب ظهور خلافه، فمعه لا يحكم بتحقّق البيع.

و يتحقّق الإكراه- بحكم العرف- بتوعّده بما يكون ضارّا بالمكره بحسب نفسه أو من يجري مجراه، مع قدرة المتوعّد على ما يوعد به، و حصول الظنّ بأنّه يفعل به لو لم يفعل ما يأمره به، مع العجز عن الدفع، سواء كان المتوعّد به قتلا أو قطعا أو جرحا أو ضربا أو شتما أو أخذ مال أو إتلافه أو منع حقّ، و يختلف ما عدا القتل و القطع باختلاف طبقات الناس و أحوالهم، بل باختلاف المبيع، فقد يؤثّر القليل فيما لا يؤثّر في غيره

______________________________

(1) عوالي اللئالي 1: 232- 131.

(2) الوسائل 22: 86 أبواب مقدّمات الطلاق و شرائطه ب 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 268

الكثير.

و منهم من جعل أخذ المال من قبيل القتل «1». و الأول أقوى.

و الضابط: حصول الضرر عرفا بوقوع المتوعّد عليه.

و المراد بالعجز عن الدفع أعمّ من الفرار و الاستعانة بالغير و المقاومة و نحوها.

و من هذا يظهر فساد ما قيل من أنّ الإكراه لا ينافي القصد إلى نقل الملك بأن يكون قاصدا للبيع حقيقة، و إن كان منافيا للرضا.

نعم، الظاهر منه عدم القصد، و لذا يحكم بالبطلان معه حيث لا يعلم تحقّق القصد حينئذ.

و على هذا فيرد الإشكال حينئذ فيما علم قصده من أمارة خارجيّة.

و وجه الفساد: أنّ القصد- لكونه أمرا باطنيّا، و ليس لعدمه أثر خارجي يظهر للمكره فيما نحن فيه- لا يمكن الإكراه عليه، لإمكان الدفع، فكلّما فرض تحقّقه يكون من غير إكراه، و إن أكره على البيع ابتداء فكلّما علم حصول القصد يحكم بصحّة البيع.

و لو تخيّر

المكره بين البيع و غيره، فإن كان الفرد الآخر ممّا يتمكّن من فعله من غير عسر و مشقّة، و لا يكون فيه ضرر، أو كان و لكن كان ممّا يجب عليه- كدفع نفقة زوجته، أو دية جناية، أو مثلهما- فيصحّ البيع.

لإمكان الدفع باختيار الفرد الآخر الذي لا ضرر فيه أو يجب عليه.

و لأنّ ذلك لا يصدق عليه الإكراه عرفا، و ليس يوجب ظهور عدم القصد أصلا.

______________________________

(1) انظر المسالك 1: 171.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 269

و يزيد في الثاني بأنّه لم يجبره إلّا على أحد الأمرين اللذين أجبره الشارع على أحدهما بخصوصه، فالمكره لم يفعل أزيد ممّا فعله الشارع، بل وسّع عليه، حيث خيّره بينه و بين بدله.

و لأنّ بعلمه بعدم كون المكره عاصيا في إكراهه، و بكونه ذي حقّ يوجب البيع سقوط حقّه في بعض الموارد، يمكن أن يكون راضيا، فلا ينافي ظهور القصد المستفاد من اللفظ و العمل، مع أنّ حمل أفعال المسلمين على عدم المعصية يثبت تحقّق القصد في بعض موارد الفرض.

و يدلّ عليه أيضا النصّ الوارد في ذلك في باب الإكراه على الطلاق «1» بضميمة الإجماع المركّب.

و إن كان الآخر ممّا لا يتمكّن من فعله- كإجبار الفقير الغير المتمكّن على البيع أو نفقة الزوجة- أو يمكن و لكن مع العسر و المشقّة- كالبيع و المشي راجلا عشرين فرسخا بالنسبة إلى من يكون ذلك مشقّة شديدة عليه- كان إكراها، للصدق العرفي.

و كذا إن كان الفرد الآخر ممّا فيه ضرر لا يجب عليه تحمّله فهو إكراه موجب لفساد البيع، لصدق الإكراه عرفا، و لعدم ظهور القصد معه، حيث إنّه عاص ظالم.

و لو لم يكرهه على خصوص البيع و لكن أكرهه على أمر

آخر يضطّر بسببه إلى بيع ماله و لو بثمن بخس، فإن كان قصد المكره أيضا بيع المال و خروجه من يده، و علم البائع منه ذلك، و لم يندفع ظلمه إلّا به، فهو أيضا إكراه على البيع و مفسد إيّاه.

______________________________

(1) الوسائل 22: 7 أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 270

و إن لم يكن قصده ذلك، بل كان مقصوده ذلك الأمر الآخر، و لكنّه باع بنفسه ما له ليدفع به الإكراه، كمن يكرهه على دفع مال فباع أرضا ليؤدّي من ثمنها ذلك المال، فهو ليس إكراها على البيع قطعا.

نعم، لو استشكل أحد فيما إذا توقّف دفع الإكراه على البيع- كأن يطلب منه مالا و لم يتمكّن من أدائه إلّا ببيع أرض، بأن لا يكون له إلّا تلك الأرض، سيّما إذا علم المكره بذلك- لم يكن بعيدا، بل الظاهر أنّه مع علمه به إكراه، للصدق العرفي، و أمّا بدونه ففي الصدق إشكال، و أمر الاحتياط واضح.

و لا يتوهّم أنّه و إن لم يعلمه المكره و لكنّ المكره غير راض بالبيع، فلا يكون صحيحا.

قلنا: لا نسلّم أنّه غير راض، بل قد يكون هو غاية مطلوبه لدفع الظلم عن نفسه، فإنّ البيع لا يجب أن يكون لأجل نفع دائما، بل قد يكون لدفع ضرّ، كمن يبيعه لأداء دين أو دفع جوع، فإنّ مثل ذلك لا يسمّى إكراها، لأنّه و إن لم يرتكب البيع لو خلّي و نفسه و لم يتحقّق هذا الباعث، و لكن مع حصول ذلك يرضى به غاية الرضا.

فالمناط في البطلان: صدق الإكراه على البيع عرفا، أو ظهور عدم القصد، و بدون الأمرين يصحّ البيع.

و منه يظهر الضابط في الفساد

لأجل الإكراه.

و منها: المالكيّة،
اشاره

فلا يصحّ البيع من غير المالك إلّا ما استثني، للإجماع في الجملة، و الأخبار، كصحيحتي الصفّار «1» و محمّد «2» المتقدّمتين

______________________________

(1) الكافي 7: 402- 4، الفقيه 3: 153- 674، التهذيب 7: 150- 667، الوسائل 17: 339 أبواب عقد البيع و شروطه ب 2 ح 1.

(2) التهذيب 7: 51- 220، الوسائل 18: 51 أبواب أحكام العقود ب 8 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 271

في الفصل الأول.

و صحيحة منصور: في رجل أمر رجلا أن يشتري له متاعا فيشتريه منه، قال: «لا بأس بذلك، إنّما البيع بعد ما يشتريه» «1».

و ما ورد من أنّه: «لا بيع إلّا فيما يملك» «2».

و القول- بأنّ النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد مطلقا- عندي باطل.

و رواية سليمان بن صالح «3» الدالّة على نهي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن بيع ما ليس عندك و إرادة ما لا يصحّ تملّكه ممّا لا يملك أو نفي لزوم البيع دون صحّته و الحمل على نفي بيع البائع لنفسه لا فضولا، و إن كانت ممكنة في بعض تلك الأخبار، إلّا أنّها غير جارية في الجميع.

و بتلك الأدلّة تقيّد عمومات البيع و إطلاقاته، حيث إنّ بيع ملك الغير أيضا بيع لغة و عرفا، لأنّه ليس إلّا نقل الملك بما يدلّ عليه كما مرّ، و لا يختصّ بنقل ملك الناقل نفسه، و لذا يصحّ الإطلاق عرفا.

و استعمل البيع في الأخبار الكثيرة «4» في نقل ملك الغير أيضا، كيف لا؟! و المعاملة غير منحصرة في صدورها عن المالك خاصّة، لجواز صدورها من الوكيل و الأب و الجدّ و الوصي و نحوهم.

نعم، الظاهر اختصاص الصدق بما إذا باعه لا عن نفسه، أي لا

ناويا

______________________________

(1) التهذيب 7: 50- 218، الوسائل 18: 50 أبواب أحكام العقود ب 8 ح 6.

(2) الوسائل 17: 333 أبواب عقد البيع و شروطه ب 1.

(3) التهذيب 7: 230- 1005، الوسائل 18: 37 أبواب أحكام العقود ب 2 ح 4.

(4) الوسائل 18: 38 أبواب أحكام العقود ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 272

نقل ملك نفسه، إذ لا ملك لنفسه حتى ينقله عنه، فلا يمكن تحقّق القصد بالنقل فيه أيضا.

و أمّا ما في رواية إسحاق بن عمّار: «ما أحبّ أن يبيع ما ليس له» «1» فهو و إن كان مشعرا بالجواز، إلّا أنّه يجب إرجاعه إلى إرادة الحرمة جمعا.

و هاهنا مسائل:
الأولى:
اشاره

الظاهر عدم الخلاف في عدم تأثير إجازة البيع ممّن تقدّم عدم جواز بيعه بعد رفع المانع، أو ممّن تصحّ منه الإجازة، إلّا في الأخيرين، أي المكره و غير المالك.

أمّا الأول، فأكثر من ذكر المسألة أفتى بكفاية الإجازة بعد زوال الإكراه، و قوّى الفاضل الأردبيلي عدم التأثير، و ظاهر المحقّق الشيخ علي و كفاية الأحكام التردّد «2».

و الحقّ فيه: عدم التأثير، أمّا على القول بعدم معلوميّة معنى البيع عرفا و لزوم الاقتصار فيه على المجمع عليه فظاهر.

و أمّا على ما ذكرنا فلأنّ ما أتى به حال الإكراه ليس بيعا، لعدم القصد كما مرّ، و لا إجازته فقط حال الإجازة، و هو ظاهر، و صدق البيع عرفا على مجموع الأمرين- سيّما بعد مضيّ مدّة طويلة من البين- غير معلوم، فلا تشمله أدلّة البيع، و ليس دليل آخر، فمقتضى الأصول المسلّمة عدم صحّته.

______________________________

(1) التهذيب 7: 130- 571، الوسائل 18: 335 أبواب عقد البيع و شروطه ب 1 ح 5.

(2) الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 156، الشيخ علي في جامع

المقاصد 4: 62، كفاية الأحكام: 89.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 273

احتجّ المشهور بعموم: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» «1».

و بأنّه بالغ عاقل صدر عنه عقد، و ليس ثمَّ مانع إلّا عدم القصد إلى العقد حين إيقاعه، و قد لحقه بعد الإجازة، و لا دليل على اشتراط الاقتران كالفضولي، للأصل.

و يرد على الأول: منع الدلالة، كما بيّناه في موضعه.

و على الثاني: أنّ عدم المانع غير كاف، بل اللازم وجود المقتضي، و وجوده غير معلوم، إذ لم يعلم كونه عقدا و لا بيعا شرعيّا أو عرفيّا، و لا دليل غيره.

و فرقه مع الفضولي واضح، إذ قصد النقل الموجب لصدق البيع فيه متحقّق كما مرّ، بخلاف هذا، مع أنّه لو صحّ ذلك لورد في مثل عقد الصبي و المجنون و الهازل، للاشتراك في المانع و المقتضي، فإنّ المانع- و هو عدم اعتبار العقد بنفسه و إن اختلف وجهه- مشترك.

و عموم الآية إن كان بحيث يشمل العقد الغير المعتبر شمل عقد الصبيّ أيضا، و إن خصّ بالمعتبر منه في نظر الشرع لم يشمل عقد المكره أيضا.

و دعوى تأثير إجازته بعد زوال المانع معارضة بالمثل.

و الجواب: بأنّ المراد العقود المعتبرة شرعا الصادرة عمّن يكون له أهلا خاصّة دون غيرها، و عقود الصبي غير معتبرة، بل وجودها كعدمها، فالمانع عن عدم دخول عقده فيه- و هو سلب العبرة عنه- لازم لذاته غير منفكّ عنه، فلا يتصوّر فيه زوال المانع. بخلاف المكره، فإنّ المانع عن

______________________________

(1) المائدة: 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 274

دخول عقده أمر خارج عن ذات العقد ممكن الزوال، فإذا زال دخل في العموم.

مردود بأنّ أمثال ذلك أمور إقناعيّة لا مستند لها شرعا، مع أنّه إن كان يؤخذ الصدور حال

الصغر وصفا لعقد الصبي فليؤخذ الصدور حال عدم القصد وصفا لعقد المكره، و إن أخذ خارجا عنه فكذا ها هنا.

و أمّا ما في المسالك من التفرقة من أنّ القصد من المكره حاصل دون من سبق، لأنّ غير العاقل لا يقصد إلى اللفظ و لا إلى مدلوله، بخلاف المكره، فإنّه باعتبار كونه عاقلا قاصدا إلى ما يتلفّظ به، لكنّه بالإكراه غير قاصد إلى مدلوله، و ذلك كاف في صلاحيّته و قبوله للصحّة، إذ لحقه القصد إلى مدلوله «1».

ففيه: منع عدم قصد السفيه و الصبيّ المميّز إلى اللفظ، مضافا إلى أنّ كفاية لحوق القصد إلى المدلول دون القصد إليه و إلى اللفظ ليست إلّا من الاستحسانات، و لا يستند إلى دليل شرعي.

و أمّا الثاني- و هو المعروف بالفضولي- ففي صحّته قولان:

الأول: الصحّة و اللزوم بعد الإجازة من المالك، و هو مذهب الإسكافي و المفيد و ابن حمزة و الشيخ في النهاية «2»، و هو الأشهر بين المتأخّرين، بل مطلقا كما في الروضة و المسالك «3» و كلام جماعة «4»، بل

______________________________

(1) المسالك 1: 171.

(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 348، المفيد في المقنعة: 606، ابن حمزة في الوسيلة: 249، النهاية: 385.

(3) الروضة 3: 226، المسالك 1: 171.

(4) منهم صاحب الرياض 1: 512.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 275

قيل: كاد أن يكون إجماعا «1».

و الثاني: عدم الصحّة و البطلان من غير تأثير للإجازة، و هو مختار الشيخ في الخلاف و المبسوط و ابن زهرة و الحلّي و الحلبي و الشيخ الحرّ العاملي و بعض مشايخنا الأخباريّين و فخر المحقّقين «2»، و نقله في التنقيح عن شيخه السعيد «3»، و اختاره من المتأخّرين المحقّق الأردبيلي و السيّد الداماد في

رسالته الرضاعيّة «4»، بل ادّعى الأولان- كما حكي- عليه الإجماع «5».

و ظاهر القواعد و الكفاية التردّد «6».

و الحقّ هو: الثاني، لما مرّ من النهي عن بيع ما لا يملكه البائع.

احتجّ المجوّز بخبر البارقي العامّي «7».

و هو ضعيف سندا و دلالة، أمّا الأول فظاهر غاية الظهور، و الشهرة الجابرة لو أجريناها في الأخبار العاميّة أيضا مع أنّه محلّ البحث هنا غير ثابتة، و المحكية منها معارضة مع ما مرّ من دعوى الإجماع من الجليلين

______________________________

(1) كما في الحدائق 18: 377.

(2) الخلاف 3: 168، المبسوط 2: 150، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):

585، الحلي في السرائر 2: 274 و 415، الحلبي في الكافي في الفقه: 359، الحر العاملي في الوسائل 17: 333، صاحب الحدائق 18: 378، فخر المحققين في الإيضاح 1: 417.

(3) التنقيح 2: 26.

(4) الأردبيلي في زبدة البيان: 427 و مجمع الفائدة 8: 158، الرسالة الرضاعية (كلمات المحقّقين): 130.

(5) الخلاف 3: 168، الغنية (الجوامع الفقهية): 585.

(6) القواعد 1: 124، كفاية الأحكام: 89.

(7) مستدرك الوسائل 13: 245 أبواب عقد البيع و شرائطه ب 18 ح 1، و هو في مسند أحمد 4: 376.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 276

المتقدمين على البطلان و الفساد كما مرّ.

و أمّا الثاني، فلعدم صراحته و لا ظهوره في شرائه و بيعه فضولا، لجواز أن يكون لنفسه و كان قصده إهداء الشاة من نفسه للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فأخذ لنفسه الدينار قرضا- اتّكالا على إذن الفحوى، كما يقال في الإقباض على الحمل على الفضولي- و اشترى الشاتين لنفسه، و باع أحدهما كذلك، و جاء بالدينار المأخوذ و الشاة إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله، فدعا له.

و احتجّوا أيضا بما ورد

من تقرير النبي صلّى اللّه عليه و آله بيع عقيل داره بمكّة.

و ضعفه ظاهر.

و بما ورد من جواز ذلك في النكاح مع كون الأمر في الفروج أشدّ.

و هو قياس غير جائز عندنا.

و بما روي في الصحيح: أنّه «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في وليدة باعها ابن سيّدها و أبوه غائب، فاستولدها الذي اشتراها، فولدت منه غلاما، ثمَّ جاء سيّدها الأول، فخاصم سيّدها الأخير فقال: وليدتي باعها ابني بغير إذني، فقال عليه السّلام: الحكم أن تأخذ وليدتك و ابنها، فناشده الذي اشتراها، فقال: خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ لك البيع، فلمّا أخذه قال له أبوه: أرسل ابني، فقال: لا و اللّه لا أرسل إليك ابنك حتى ترسل ابني، فلمّا رأى ذلك سيّد الوليدة أجاز بيع ابنه» «1».

و فيه أولا: أنّها ظاهرة في ردّ الأب بيع الابن أولا و فسخه، و القائل بالفضولي يقول بصحّته مع عدمه.

______________________________

(1) الكافي 5: 211- 12، الفقيه 3: 140- 615، التهذيب 7: 74- 319 و 488- 1960، الاستبصار 3: 85- 288 و 205- 739، الوسائل 21: 203 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 1، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 277

و القول: بأنّ إرادة عدم الرضا بالإقباض ممكنة، و المعنى أنّه خاصم سيّدها الأخير في القبض و التصرّف، حيث إنّه باعها ابنه بغير إذنه، و إذا كان كذلك لا يجوز التصرّف بمثل هذا البيع.

مردود بأنّه خلاف الظاهر، إذ لو لا ردّ البيع و عدم رضاه به لما كان تخاصم في الإقباض، فهو دالّ على الردّ، بل قوله: «الحكم أن تأخذ وليدتك» صريح في أنّه ردّ البيع، إذ بدونه ليس الحكم ذلك قطعا.

و ثانيا: أنّه لم يثبت كون

الإجازة حقيقة في الرضا بالبيع السابق، فيمكن أن يكون المراد من إجازة بيع ابنه نقله الملك بالبيع كما فعله ابنه- أي تجديد البيع- فلا يفيد.

و ثالثا: أنّها لا تدلّ إلّا على أنّ السيّد الأول أجاز البيع، و أمّا أنّ إجازته كافية فلا يستفاد من الرواية.

هذا كلّه، مضافا إلى ما في الرواية من الإشكال من جهة الأمر بأخذ ابن السيّد حتى يرسل ابن الوليدة، و الأمر بأخذ السيّد ابن الوليدة، فإنّ الحكمين غير جائزين مطلقا، [إذ لو] [1] كان وطء المشتري وطء شبهة يكون ابنه حرّا، غاية الأمر وجوب إعطاء قيمته، و إلّا فكان ملكا للسيّد الأول، فلا يجوز حكمه بأخذ ابن السيّد و قوله: «لا و اللّه حتى ترسل ابني».

و قد يستدل أيضا بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «2» بتقريب تقدّم في المكره، و أشير إلى ضعفه، مع أنّه لو سلّمت دلالته يكون أعمّ مطلقا من أدلّة عدم جواز بيع غير المالك، فتخصيصه بها لازم.

و الشراء الفضولي كالبيع، لأنّه أيضا بيع و نقل ملك للثمن إلى البائع.

______________________________

[1] في «ح» و «ق»: إن، و الظاهر ما أثبتناه.

______________________________

(2) المائدة: 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 278

فروع:
[الأول ]

أ: لو قلنا بصحّة البيع الفضولي فهل يعمّ مطلق بيع ملك الغير، أو يشترط كونه بقصد النقل عن المالك و له؟ و تظهر الفائدة في إجازة المبيع غصبا.

ظاهر جمع: الثاني.

و التحقيق: أنّه إن قلنا بعدم جواز بيع ما لا يملك، و قلنا بصحّة الفضولي من باب التخصيص في أدلّة عدم جواز بيع ما لا يملك، فلا يخرج إلّا الثاني.

و إن قلنا بأصالة صحّة جميع العقود للآية و غيرها، و ضعّفنا دلالة عموم فساد بيع ما لا يملك، و أخرجنا ما ليس معه

إجازة بالإجماع، فالصواب التعميم.

و لا يخلو كلامهم في هذا المقام عن اضطراب، لأنّ طائفة من الأصحاب يجعلون البائع غصبا أيضا في حكم الفضولي، و يظهر من كثير من كلماتهم أنّ المراد: الغاصب البائع لنفسه «1». و منهم من يدعي عدم الفصل بين الفضولي و الغاصب «2».

و طائفة أخرى يحملون أخبار النهي عن بيع ما ليس عندك و السرقة و الخيانة على البيع لنفسه، بل فعل ذلك بعض من صرّح بكون الغاصب كالفضولي أيضا «3»، و الفرق غير معلوم، بل و لا ظاهر.

______________________________

(1) انظر التذكرة 1: 463، الإيضاح 1: 417، الدروس 3: 193، التنقيح 2: 27.

(2) كالفاضل المقداد في التنقيح 2: 27 و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 69.

(3) كالفاضل المقداد في التنقيح 2: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 279

بل الفاضل [حكم ] [1] في التذكرة بعدم جواز بيع مال الغير بقصد أن يشتريه من ذلك الغير و يسلّمه «2»، و كذا في المختلف و صاحب التنقيح «3»، و في التذكرة: لا نعلم فيه خلافا «4».

و ظاهر ذلك- كما صرّح به بعضهم «5»- عدم جواز البيع لنفسه، إذ ظاهر أنّ قصد الشراء بعد ذلك لا يوجب الفساد، سيّما مع تصريحهم بكفاية إجازة البائع الفضولي لو انتقل إليه المال بعد البيع فضولا و قبل الإجازة.

و تجويز كون بيع الغاصب لنفسه أقرب إلى الصحّة من بيع غير الغاصب كذلك مع عدم دليل شرعي فارق، بعيد جدّا.

و التحقيق: ما ذكرنا من التفصيل، بل على القول بأصالة عدم صحّة بيع ما لا يملك- كما هو الحقّ- يختصّ خروج الفضولي على القول بصحّته في جميع موارده بما ثبت خروجه.

[الثاني ]

ب: قد عرفت أنّه على القول بأصالة عدم صحّة بيع

ما لا يملك يقتصر بما ثبت خروجه.

فيعلم أنّ من يقتصر في دليل الخروج بخبر البارقي «6» و نحوه يجب أن لا يصحّ عنده بيع الغاصب و لا تفيد إجازة المالك في الصحّة، بل يحكم ببطلان بيع ملك الغير في غير مورد الخبر و أشباهه أو ما أخرجه الإجماع

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(2) التذكرة 1: 463.

(3) المختلف: 348، التنقيح 2: 26.

(4) التذكرة 1: 463.

(5) انظر الرياض 1: 512.

(6) المتقدم في ص: 275.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 280

المركّب.

و يلزمه أيضا عدم إفادة الإجازة في صحّة الفضولي إذا ردّه المالك أولا.

و فيما لو انتقل إلى البائع الفضولي قبل الإجازة فأجازه ذلك البائع.

و فيما لو باعه فضولا ثانيا بعد بيعه كذلك أولا، فالحكم للأول خاصّة.

و فيما لم يعلم البائع مالكه و قصد النقل من مطلق المالك، بل لو علمه متردّدا بين متعدّد.

و فيما باع بظنّ الفضولي و قصده ثمَّ بان أنّ البائع هو المالك.

و فيما مات المالك قبل الإجازة و أجازه الوارث.

و فيما علم البائع الفضولي عدم رضا المالك حين العقد و إن جوّز الرضا بعد ذلك.

و فيما باع فضولا من الصبي أو المجنون فأجازا بعد الكمال. إلى غير ذلك.

[الثالث ]

ج: لو باع المالك السلعة قبل الاطّلاع على تحقّق البيع الفضولي و إجازته لزم ذلك البيع و بطل الفضولي.

[الرابع ]

د: لو قلنا بصحّة الفضولي مطلقا أو في بعض الموارد، و أجازه المالك و لزم العقد، فهل هي ناقلة للملك من حينها، أم كاشفة عن حصوله من حين العقد؟

نسب الثاني إلى الأشهر «1»، استنادا إلى أنّه مقتضى الإجازة، إذ ليس معناها إلّا الرضا بمضمون العقد، و ليس مضمونه إلّا إنشاء نقل العوضين من

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 513.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 281

حينه، بل لو كان المراد الإجازة من حين الإذن- بمعنى: أنّه يتحقّق البيع حينئذ- فهو لم يجز العقد المتقدّم، إذ المقصود منه وقوع البيع من حينه، فهذا يحتاج إلى إنشاء جديد.

و إلى أنّه عقد يشمله عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و ليس ما يخرجه، لأنّ المخرج هو ما إذا لم تلحقه الإجازة.

و يرد على الأول: أنّا نسلّم أنّ معنى الإجازة الرضا بمضمون العقد، و هو انتقال المبيع إليه من حين العقد، و لكن لا دليل على كون ذلك الرضا موجبا لتحقّق النقل الشرعي من حينه.

و التوضيح: أنّه لا شكّ أنّ مجرّد الرضا بانتقال شي ء إلى آخر في هذا الزمان أو زمان سابق لا يوجب نقله إليه ما لم يتحقّق عقد، و كذا المفروض أنّا لا نعلم قبل الإجازة و الرضا حصول الانتقال من حين العقد، بل نقول بعدم النقل بذلك العقد لو لم تلحقه الإجازة، و إنّما علمنا حصول النقل بهما معا، و أيّ ملازمة شرعيّة بين حصول الرضا بمقتضى عقد في زمان و تحقّق مقتضاه شرعا؟! بل لو لا الدليل الشرعي لم نقل بتحقّقه شرعا من حين الرضا أيضا.

و على الثاني: أنّ دلالة

الآية على لزوم العقود غير تامّة، سلّمنا، و لكنّ الأخبار الدالّة على عدم جواز بيع غير المالك- كما مرّ- أخرجت هذا العقد منه، فتحقّق مقتضاه يحتاج إلى دليل آخر، فيجب الاقتصار على القدر المتيقّن، و هو حصول النقل من حين الإجازة.

و ذهب المحقّق الأردبيلي إلى الأول، بل قال: إنّه على ما أظنّه ظاهر، مع أنّي أرى أكثرهم لا يقولون إلّا بأنّه كاشف، و ما أرى له دليلا.

و استدلّ عليه بأنّ الظاهر من الآيات و الأخبار و العقل و الإجماع أنّ

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 282

رضا المالك جزء أو سبب أو شرط، فكيف يصحّ العقد بدونه و يكون كاشفا لا سببا؟! و بأنّه إن لم يكن الرضا جزءا- و المفروض عدم جزء آخر بالاتّفاق- فيلزم الحكم بالصحّة من دون إجازة أيضا.

و بأنّه لو لم يجز المالك يلزم الحكم بفساد العقد مع وجود جميع ما يتوقّف عليه.

و أجيب عن الجميع: بتسليم كون الرضا شرطا، و لكن لا تجب مقارنته للعقد، و لا يلزم من صحّة العقد السابق بعد تحقّقها صحّة العقد بدون الشرط، إذ بعد حصول الإجازة يعلم كون العقد جامعا للشرائط، و بعدمها يعلم فساد العقد.

و لا منافاة بين تأخّر الشرط عن المشروط، فإنّ علل الشرع معرّفات.

أقول: توضيحه: أنّ صحّة العقد عبارة عن ترتّب الأثر عليه، و المراد بالأثر: الانتقال الأعمّ من المتزلزل و اللازم، و المراد بكون الإجازة كاشفة عن الصحّة بأحد المعنيين: أنّ العقد حين إيقاعه صار موجبا لأحد الانتقالين و ترتّب عليه هذا الأثر في الواقع، و لكن لم يكن ذلك معلوما لنا، فلمّا تحقّقت الإجازة علمنا بأنّ أحد الانتقالين كان متحقّقا حين العقد، و إن لم يتحقق يعلم فساد العقد

أولا.

فإن قيل: إن لم يتوقّف أحد الانتقالين على الإجازة فيحصل العلم به عند العقد و لم تكن الإجازة كاشفة، و إن توقّف عليها فلا معنى لحصول أحد الانتقالين قبل تحقّق الشرط.

قلنا: الإجازة شرط في ترتّب الأثر واقعا، و لكن ليس الشرط وجودها عند العقد بل في وقت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 283

و الحاصل: أنّه يتوقّف تأثير العقد على وجود الإجازة، لا بمعنى توقّفه على وجودها الفعلي، بل على وجودها و لو في وقت آخر، فلو كان العقد في الواقع بحيث تتعقّبه الإجازة بعد مدّة يكون حين الصدور سببا تامّا، و إذا كان في الواقع بحيث لم تتعقّبه الإجازة يكون فاسدا.

فإذا وقع العقد فهو في الواقع لا يخلو إمّا أن يكون متعقّبا للإجازة، أو غير متعقّب لها.

فعلى الأول: يكون في الواقع ناقلا من حين العقد و إن لم يعلم به.

و على الثاني: يكون فاسدا و إن لم يعلم به.

و إذا تحقّقت الإجازة علمنا أنّه كان في الواقع متعقّبا لها و صحيحا، فمرادهم من قولهم: السبب الناقل هو العقد المشروط بشرائط التي منها رضا المالك: أنّ العقد المشروط بهذا الشرط المتضمّن لحصوله و لو في وقت سبب ناقل، لا أنّ العقد المشروط بهذا الشرط المتضمّن لحصوله حين العقد هو السبب الناقل.

و بذلك يظهر توضيح كلام الشهيد الثاني في الروضة عند شرح قول المصنّف: و هي كاشفة عن صحّة العقد «1».

و قد يجاب عن الدليل أيضا: بمنع كون الرضا سببا أو شرطا للانتقال و الصحّة، و لا دلالة لدليل على ذلك أصلا، بل الانتقال في الجملة الحاصل في ضمن المتزلزل حاصل قبل الإجازة، و الإجازة شرط اللزوم و الاستقرار، نظير انقضاء الخيار في البيع اللازم.

أقول: لو

قلنا بكون البيع الفضولي بيعا عرفا، أو بتماميّة دلالة آية

______________________________

(1) الروضة 3: 229.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 284

الوفاء بالعقود، و قلنا على التقديرين بعدم تماميّة شي ء من الأخبار الدالّة على عدم جواز بيع غير المالك أو عدم شمولها للفضولي، و خصّصنا دليل اشتراط رضا المالك بالإجماع، لتمّ كلّ من الجوابين المذكورين، بل لم يحتج حينئذ في صحّة البيع الفضولي بعد الإجازة إلى دليل أيضا.

و أمّا لو قلنا بأنّ القاعدة المستفادة من الأخبار عدم جواز بيع غير المالك، و عدم الجواز موجب للفساد، و أنّ إخراج الفضولي بتوسّط الخبرين المتقدّمين «1»، فلا يتمّ شي ء من الجوابين، إذ لم يعلم من الخبرين إلّا حصول الانتقال بعد الإجازة، و أمّا حصوله قبلها- و إن توقّف العلم به على حصولها أو ترتّب الأثر على العقد المذكور و كون الرضا شرطا للّزوم- فلا دليل عليه.

و من هذا و إن ظهر سرّ ما ذهب إليه الأكثر- و أنّه مبنيّ على مقدّمتين مقبولتين عندهم، إحداهما: تماميّة دلالة الآية، و ثانيتهما: عدم تماميّة دلالة الأخبار على عدم صحّة بيع الفضولي- و لكن ظهر أنّ الحقّ- على القول بكفاية الإجازة و تأثيرها- هو كون الإجازة ناقلة من حينها، لعدم صحّة المقدّمتين.

[الخامس ]

ه: ثمَّ على تقدير عدم الإجازة فيما تفيد فيه الإجازة، و مطلقا فيما لا تفيد فيه، قالوا: كان للمالك أن يرجع إلى المشتري في عين ماله إذا كان باقيا مع نمائه الباقي، متّصلا كان أو منفصلا، و بقيمة ماله و نمائه أو مثلهما مع كونه تالفا بفعل المشتري أو غيرها، و بعوض منافعها المستوفاة و غيرها، سواء في كلّ ذلك كون المشتري عالما بأنّه مال الغير، أو جاهلا.

و لم نعثر على

مصرّح بالخلاف في شي ء من تلك الأحكام، و أكثرها

______________________________

(1) في ص: 270 و 271.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 285

مصرّح به في كلام الأكثر، بل مجمع عليه.

و يدلّ على جميع تلك الأحكام ما رواه الشيخ في أماليه، عن رزيق، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: في رجل اشترى أرضا لميّت بغير إذن ورثته، فقال له الرجل المشتري: جعلني اللّه فداك، كيف أصنع؟ فقال: «ترجع بمالك على الورثة، و تردّ المعيشة إلى صاحبها، و تخرج يدك عنها»، قال: فإذا أنا فعلت ذلك فله أن يطالبني بغير هذا؟ قال: «نعم، له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلّة من ثمن الثمار، و كلّ ما كان مرسوما في المعيشة يوم اشتريتها، يجب عليك أن تردّ ذلك، إلّا ما كان من زرع زرعته أنت، فإنّ للزارع إمّا قيمة الزرع و إمّا أن يصبر عليك إلى وقت حصاد الزرع، فإن لم يفعل كان ذلك له و ردّ عليك القيمة و كان الزرع له»، قلت: جعلت فداك، و إن كان هذا قد أحدث فيها بناء و غرسا؟ قال: «له قيمة ذلك، أو يكون ذلك المحدث بعينه يقلعه و يأخذه»، قلت: أرأيت إن كان فيها غرس أو بناء فقطع الغرس و هدم البناء؟ قال: «يردّ ذلك إلى ما كان أو يغرم القيمة لصاحب الأرض، فإذا ردّ جميع ما أخذ من غلّاتها إلى صاحبها و ردّ البناء و الغرس و كلّ محدث إلى ما كان أو ردّ القيمة كذلك يجب على صاحب الأرض أن يردّ عليه كلّما خرج عنه في إصلاح المعيشة من قيمة غرس أو بناء أو نفقة في مصلحة المعيشة و دفع النوائب عنها، كلّ ذلك فهو مردود إليه» «1».

و

ضعفها غير ضائر، أمّا عندنا فظاهر، و أمّا على المشهور بين المتأخّرين فلانجبارها بالشهرة بل الإجماع، و دلالتها- على الرجوع في العين الباقية و النماء الباقي و قيمة التالف منهما بفعل المشتري- ظاهرة.

______________________________

(1) أمالي الطوسي: 707، الوسائل 17: 340 أبواب عقد البيع و شروطه ب 3 ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 286

و أمّا دلالتها على الرجوع في التالف من المشتري و في عوض المنافع المستوفاة و غيرها فقوله عليه السّلام: «و كلّ محدث إلى ما كان أو ردّ القيمة» يستفاد منه وجوب ردّ كلّ ما يحدث عند المشتري مع إمكانه، و ردّ قيمته إن كانت له قيمة مع عدمه، سواء كان الحدوث من المشتري أم لا.

و لا شكّ أنّ تلف العين و النماء و إن لم يكن بفعل المشتري أمر محدث فيجب ردّ قيمته، و كذلك استيفاء المنافع، بل إثبات المشتري يده على العين إثبات ليده على منافعه مطلقا و تصرّف فيه، و هذا أيضا أمر محدث فيجب ردّ قيمته.

مثلا: إذا تصرّف المشتري في دار زيد و أثبت يده عليه في شهر فهو تصرّف في حقّ السكنى فيها في ذلك الشهر و إن لم يسكن فيه، و هذا أمر محدث، و لمّا لم يمكن ردّ ذلك- أي رفع التصرّف في هذا الشهر المخصوص- فتجب قيمته، و هي أجرة المثل.

و ترك الاستفصال في الرواية يدلّ على ثبوت الحكم في صورة علم المشتري و جهله، بل الظاهر من قوله: «إمّا للزارع» إلى آخره، و قوله:

«كذلك يجب على صاحب الأرض» أنّ المشتري كان جاهلا.

و تدلّ على جميع تلك الأحكام أيضا- في صورة علم المشتري بأنّه مال الغير- صحيحة أبي ولّاد الطويلة، حيث سأل

الراوي: أنّه اكترى بغلة من الكوفة إلى قصر بني هبيرة بمبلغ في طلب غريم، فلمّا خرج أخبر أنّ الغريم ذهب إلى النيل، فلمّا ذهب إليه أخبر بتوجّهه إلى بغداد، فتوجّه إليه و ظفر به و رجع، فأراد إرضاء المالك بالتواضع و التبذّل فلم يرض، و حكم بعض قضاة العامّية بأنّه لا حقّ له، فأجاب الإمام عليه السّلام بأنّ عليه مثل كري البغل ذاهبا و جائيا، قال: قلت: جعلت فداك، فقد علفته بدراهم فلي عليه

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 287

علفه؟ قال: «لا، لأنّك غاصب»، فقلت: أرأيت لو عطب [1] البغل أو نفق [2] أ ليس كان يلزمني؟ قال: «نعم، قيمة بغل يوم خالفته»، قلت: فإن أصاب البغل كسر أو دبر [3] أو عقر [4] فقال: «عليك قيمة ما بين الصحّة و العيب يوم تردّه عليه»، قلت: فمن يعرف ذلك؟ قال: «أنت و هو، إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك، فإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمك ذلك، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكترى كذا و كذا فيلزمك» الحديث «5».

وجه الدلالة: أنّ قوله: «لأنّك غاصب» يدلّ على أنّ كلّ من تصرّف في ملك الغير بغير إذنه مع علمه به و إن جوّز رضاه و لو ببذل مال- كما في المورد- يكون غاصبا. و من القواعد المعلومة بالإجماع- بل الضرورة-:

أنّه يجب على الغاصب ردّ ما غصبه مع بقائه، و ضمانه للقيمة مع التلف، و كلّما ثبتت عليه يد المشتري فيما نحن فيه إذا علم أنّه مال الغير من العين و النماء و المنافع المستوفاة و غيرها من هذا القبيل.

بل يدلّ [عليه ] [5] أيضا [قوله ] [6]: «نعم قيمة بغل»، لعدم

القول

______________________________

[1] عطب الهدي: هلاكه، و قد يعبر به عن آفة تعتريه تمنعه من السير- مجمع البحرين 2: 124.

[2] نفقت الدابة من باب قعد تنفق نفوقا: أي هلكت و ماتت- مجمع البحرين 5:

241.

[3] الدبر- بالتحريك-: كالجراحة تحدث من الرجل و نحوه- المغرب 1: 174، مجمع البحرين 3: 299.

[4] العقر: الجرح- القاموس 2: 96، المصباح المنير: 421.

[5] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

[6] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(5) الكافي 5: 290- 6، التهذيب 7: 215- 943، الاستبصار 3: 134- 483، الوسائل 19: 119 أبواب أحكام الإجارة ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 288

بالفصل بين البغل و غيره من الأموال.

و يدلّ على بعض هذه الأحكام قوله عليه السّلام: «الناس مسلّطون على أموالهم» «1».

و: «على اليد ما أخذت» «2».

و موثّقة جميل: في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولّدها، ثمَّ يجي ء مستحقّ الجارية، فقال: «يأخذ الجارية المستحقّ، و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد، و يرجع على من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أخذت منه» «3».

و رواية زرارة: قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل اشترى جارية من سوق المسلمين، فخرج بها إلى أرضه فولدت منه أولادا، ثمَّ أتاها من يزعم أنّها له و أقام على ذلك البيّنة، قال: «يقبض ولده و يدفع إليه الجارية، و يعوّضه في قيمة ما أصابه من لبنها و خدمتها» «4».

و رواية أخرى له: قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها، ثمَّ يجي ء رجل فيقيم البيّنة على أنّها جاريته و لم يبع و لم يهب، قال: فقال: «يردّ إليه جاريته و يعوّضه ممّا انتفع» «5».

و يستفاد من الموثّق وجوب دفع قيمة النماء أيضا

إذا كان باقيا و لم يمكن دفعه شرعا.

______________________________

(1) عوالي اللئالي 1: 222- 99.

(2) عوالي اللئالي 1: 389- 22.

(3) التهذيب 7: 82- 353، الاستبصار 3: 84- 285، الوسائل 21: 205 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 5.

(4) التهذيب 7: 83- 357، الاستبصار 3: 85- 289، الوسائل 21: 204 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 4، بتفاوت يسير.

(5) الكافي 5: 216- 13، التهذيب 7: 64- 276، الاستبصار 3: 84- 287، الوسائل 21: 204 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 88 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 289

و لو تلف نماء متّصل و بقيت العين- كالسمن- و ردّ العين، يجب ردّ قيمة النماء، لما مرّ، و لكنّه مخصوص بما إذا كانت له قيمة. و الوجه ظاهر.

ثمَّ المستفاد من تلك الأخبار رجوع المالك إلى المشتري، و قد ذكر كثير منهم تخيّر المالك في صورة تلف العين بين الرجوع إليه أو إلى البائع.

و وجهه- في صورة مسبوقيّة تصرّف المشتري بتصرّف البائع في التلف- ظاهر.

و أمّا مع عدم المسبوقيّة- بأن تكون العين في يد المشتري فباعه البائع أو في يد ثالث- فلم أعثر لجواز الرجوع على البائع على وجه، و الظاهر عدم جوازه.

[السادس ]

و: و في القيمة التي يرجع إليها المالك إذا تفاوتت من حين التصرّف إلى زمان الدفع أقوال:

مذهب المحقّق في النافع و الشيخ في موضع من المبسوط إلى أنّها قيمة يوم التصرّف «1»، و نسبه في الشرائع إلى الأكثر «2».

و قال الشيخ في النهاية و الخلاف و موضع من المبسوط و ابن حمزة و الحلي: أنّها أعلى القيم من حين التصرّف إلى التلف [1]، و مال إليه في الدروس «4»، و اختاره في

اللمعة و الروضة «5»، و نسبه في المختلف و التنقيح

______________________________

[1] لم نعثر عليه في النهاية، نعم حكاه عنه في المقتصر: 342 و المهذب البارع 4:

252، الخلاف 3: 403 و 415، المبسوط 3: 72، ابن حمزة في الوسيلة:

276، الحلّي في السرائر 2: 325 و 481.

______________________________

(1) النافع: 256، المبسوط 3: 60.

(2) الشرائع 3: 240.

(4) الدروس 3: 113.

(5) اللمعة و الروضة 3: 234.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 290

إلى الأكثر «1».

و ذهب القاضي و الفاضل في المختلف إلى أنّها قيمة يوم التلف «2»، و نسبه في الدروس إلى الأكثر «3».

و قيل: بأنّها أعلاها من حين التصرّف إلى وقت الدفع «4»، اختاره بعض المتأخّرين «5».

و الحقّ هو: الأول، لا لما قيل من أنّه زمان اشتغال ذمّته و ضمانه للقيمة «6»، لمنع ضمانه للقيمة حينئذ، و إنّما هو ضامن لردّ العين، و إنّما يضمن القيمة لو تلفت العين، بل لصحيحة أبي ولّاد المتقدّمة «7».

و ليس محطّ استدلالنا فيها قوله: «قيمة بغل يوم خالفته» حتى يرد أنّه يحتمل أن يكون قوله: «يوم خالفته» متعلّقا بقوله: يلزم، المدلول عليه بقوله: «نعم» و يكون المراد: نعم يلزمك- لو هلك- قيمة البغل من يوم المخالفة، و يكون دفعا لتوهّم الضمان لو تلف قبل المخالفة.

بل قوله: «أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكترى كذا و كذا فيلزمك» فإنّ معناه: فيلزمك قيمة البغل حين أكرى.

و لا يرد: أنّه ليس حين المخالفة، فتلزم القيمة قبل المخالفة، و هو مخالف للإجماع.

______________________________

(1) المختلف: 455، التنقيح 2: 174.

(2) القاضي في جواهر الفقه: 110، المختلف: 455.

(3) الدروس 3: 113.

(4) انظر الرياض 2: 304.

(5) حكاه في الرياض 2: 304 عن العلامة المجلسي.

(6) انظر التنقيح 2: 32.

(7) في

ص: 286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 291

لأنّه لا فاصلة يعتدّ بها بين وقتي المخالفة و الإكراء في المورد، كما يدلّ عليه صدر الحديث.

و المراد بالمخالفة في الحديث: التصرّف بدون الإذن دون التصرّف مع النهي، لعدم نهي صاحب البغلة عن التجاوز.

فلا يرد أنّ المخالفة غير متحقّقة فيما نحن فيه، و اختصاصها بالعالم بأنّه ملك الغير غير ضائر، لعدم القول بالفصل.

احتجّ المخالف الأول بأنّ اشتغال ذمّة المتصرّف يقيني، و لا يحصل بالبراءة إلّا بدفع أعلى القيم.

و بأنّه مضمون في جميع حالاته، التي من جملتها حالة أعلى القيم، و لو تلف فيها لزم ضمانه، فكذا بعده.

و يرد على الأول: أنّ المتيقّن اشتغال ذمّته به هو أدنى القيم من القيم الأربعة المذكورة، لا مطلقا.

و على الثاني: أنّ ضمان العين في تلك الحالة غير مفيد، و ضمان القيمة إنّما هو على تقدير التلف لا مطلقا.

و قال صاحب الكفاية لتقوية هذا القول: إنّ المتصرّف في أول زمان التصرّف مكلّف بإيصال العين إلى المالك في ذلك الوقت، فإن لم يفعل كان عليه أن يجبر النقصان الذي حصل للمالك بسببه، و هو إمّا بردّ العين في زمان آخر، أو قيمته في الزمان الأول عند تعذّر ذلك، و كذلك في الزمان الثاني و الثالث، فإذا فرض زيادة القيمة في بعض هذه الأزمنة كان عليه ردّها عند تعذّر العين «1».

______________________________

(1) الكفاية: 257.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 292

و يظهر ما فيه ممّا مرّ، فإنّ مع بقاء العين ليس على المتصرّف إلّا ردّها، و لا تشتغل ذمّته بالقيمة مطلقا إلّا عند التلف.

و احتجّ الثاني: بأنّ الانتقال إلى القيمة إنّما هو عند التلف، فيعتبر في تلك الحال.

و فيه: منع استلزام التلف الانتقال إلى القيمة

حينه، إذ لا مانع من تعيين قيمة أخرى بدليل آخر.

و بأنّ اعتبار الأزيد منه لا دليل عليه، و اعتبار الأدون يوجب الضرر المنفي.

و فيه: منع إيجاب اعتبار الأدون للضرر، إذ ليست القيمة السوقيّة في حال ممّا يحصل بالمنع عن استيفائها ضرر، و لذا لو منع مانع آخر عن بيع ماله حتى ينقص قيمته لا يحكم بضمانه.

و قد يقال: إنّه قد ورد في الأخبار الأمر بردّ قيمة التالف، و المتبادر من قيمته قيمة وقت التلف.

و فيه: منع تبادر ذلك، و لكنّ الظاهر عدم الريب في أنّ المتردّد فيه من أمثال ذلك في العرف إنّما هو قيمة وقت التصرّف و وقت التلف، و أمّا غيرهما فلا يحتمله أصلا.

و من هذا يظهر فساد غير القول الأول و الثالث مطلقا، و التردّد إنّما هو بينهما لو لا الصحيح المتقدّم.

و حكم النماء التالف أيضا حكم العين في اعتبار وقت التصرّف.

و أمّا المنافع، فلكونها تدريجيّة غير قارّة فلا يجري فيها ذلك الخلاف.

هذا كلّه إذا كان التفاوت من جهة السوق و تلفت العين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 293

أمّا إذا كانت العين باقية و ردّها فلا يضمن التفاوت السوقي، بلا خلاف، للأصل.

كما أنّه لا خلاف في ضمان الأعلى إذا كان التفاوت من جهة زيادة عينيّة- كالسمن- أو وصفيّة- كتعلّم صنعة و نسيانها- سواء كان حصول الزيادة بفعل المتصرّف أو لا، و سواء كان نقصها بتفريطه أم لا.

و لا فرق في ضمان قيمة تلك الزيادة عند تلفها بين بقاء العين و ردّها و بين تلفها و ردّ قيمتها.

نعم، لو زاد في العين ما لا قيمة له- كسمن مفرط- فلا ضمان فيه.

و ظهر ممّا ذكر أنّه لو كان المبيع فرسا- مثلا- و كانت

قيمته يوم القبض ثلاثين درهما و كان مهزولا، ثمَّ سمن و تلف و كانت القيمة حينئذ عشرين درهما لأجل السوق، بحيث لو كان حينئذ مهزولا كالأول كانت قيمته عشرة دراهم، يجب عليه دفع أربعين درهما: ثلاثون قيمة يوم القبض، و عشرة قيمة الزيادة التالفة.

و أنّه لو كان حين القبض سمينا و قيمته عشرون درهما، ثمَّ هزل و لكن كانت قيمته السوقيّة ثلاثين درهما، و ردّه حينئذ، يجب على المتصرّف دفع التفاوت بين قيمة السمين و المهزول يوم القبض أيضا.

إلى غير ذلك من الفروعات المتكثّرة، و يجي ء شطر منها مع سائر ما يناسب هذا الباب في كتاب الغصب.

[السابع ]

ز: و لو اختلفت قيمة العين أو النماء في بلد القبض و التلف أو الدفع، فالظاهر اعتبار مكان يتحقّق فيه ضمان القيمة، و يحتمل اعتبار الأدون من قيم الأمكنة الثلاثة، للأصل.

[الثامن ]

ح: و على تقدير بقاء العين إذا احتاج ردّه إلى مئونة فعلى الدافع،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 294

لوجوب الدفع عليه و توقّفه عليها.

[التاسع ]

ط: ثمَّ إذا رجع المالك إلى المشتري فيما ذكر، فإن كان المشتري عالما بأنّه مال الغير و لم يكن البائع يدّعي الإذن فلا يرجع المشتري إلى البائع بغير الثمن الذي أعطاه ممّا اغترمه للمالك، إجماعا، للأصل.

و أمّا الثمن، فإن كان موجودا كان للمشتري الرجوع به على الأقوى، وفاقا لجماعة، منهم: المحقّق في بعض تحقيقاته «1»، و الفاضل في المختلف و التذكرة «2»، و الشهيدان في اللمعة و الروضة و المسالك «3»، لأصالة عدم الانتقال، و تسلّط الناس على أموالهم.

و إن لم يكن موجودا فلا يرجع به، وفاقا للأكثر، و نسبه في التذكرة إلى علمائنا «4»، لأصالة براءة ذمّته و عدم دليل على ضمانه، و لم يثبت عموم ضمان كلّ من أتلف مال غيره بحيث يشمل ما نحن فيه أيضا.

و حرمة تصرّف البائع لو سلّمت لا تستلزم الضمان.

و قوله عليه السّلام: «على اليد ما أخذت» «5» يدلّ على أداء العين لا وجوب العوض.

و رواية الأمالي و موثّقة جميل المتقدّمتان «6» مخصوصتان بالجاهل، أمّا الأولى فلما مرّ، و أمّا الثانية فللأمر فيها بأخذ الولد و إعطاء قيمته.

فإن قيل: إنّ المشتري أذن في التلف بشرط عدم تحقّق أخذ

______________________________

(1) نقله عنه في المسالك 1: 172.

(2) المختلف: 348، التذكرة 1: 463.

(3) اللمعة و الروضة 3: 235، المسالك 1: 172.

(4) التذكرة 1: 463.

(5) عوالي اللئالي 1: 389- 22.

(6) في ص: 285، 288.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 295

العوض، و قد انتفى الشرط فينتفي المشروط، فيكون متلفا لمال الغير بدون إذنه، و هو موجب للضمان قطعا.

قلنا:

الاشتراط ممنوع، بل نعلم قطعا أنّه يريد تسليمه إيّاه قبل تحقّق استرداد المبيع أو عوضه أن يتصرّف فيه كيف شاء، كيف؟! و لو كان كما قيل فإن كان المراد اشتراط الإذن بعدم تحقّق استرداده في بعض الآنات فقد حصل الشرط، و إن كان اشتراطه بعد تحقّق استرداده في شي ء من الأزمنة يلزم أن يكون منظورة عدم التصرّف فيه أبدا، و هو منفي قطعا.

نعم، مقصوده أخذ العوض لو تحقّق استرداد المبيع أو عوضه، و ذلك القصد غير موجب للضمان، بل لا دليل على إيجابه له لو كان منظور البائع ردّ عوضه أيضا.

نعم، لو كان البيع فضولا لأجل المالك، و سلّم المشتري الثمن إلى البائع ليسلّمه المالك لو أجاز، و أتلفه البائع، فالوجه الرجوع إليه، و الوجه ظاهر. أمّا إذا تلف حينئذ لا من جهة البائع فلا رجوع إليه أيضا.

و إن كان المشتري جاهلا فيرجع إلى البائع بالثمن الذي أعطاه البائع مطلقا، تالفا كان أم باقيا، لرواية الأمالي و موثّقة جميل «1» أيضا.

و كذا بسائر ما اغترمه للمالك ممّا لم يحصل له في مقابلته له عوض، بلا خلاف يعرف، كزيادة الثمن التي يؤدّيها في صورة التلف، و قيمة النماء التالف، و اجرة ما لم ينتفع به، و قيمة الولد، و أمثالها، و منها ما صرف في إصلاح المبيع بل تزيينه، و كلّ ما يجوز لمالك الملك صرفه فيه.

و تدلّ عليه- بعد ظاهر الإجماع- موثّقة جميل، بضميمة الإجماع

______________________________

(1) المتقدمتين في ص: 285 و 288.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 296

المركّب، و عموم قوله عليه السّلام: «المغرور يرجع على من غرّه» نقله المحقّق الشيخ علي في حاشيته على الإرشاد، و ضعفه غير ضائر، لأنّ الشهرة بل الإجماع له

جابر، بل هذه قاعدة مسلّمة بين جميع الفقهاء متداولة عندهم، يستعملونها في مواضع متعدّدة، كالغصب، و التدليس في المبيع، و الزوجة، و الجنايات، و أمثالها.

و تدلّ عليه العلّة المنصوصة في رواية رفاعة: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في امرأة زوّجها وليّها و هي برصاء أنّ لها المهر بما استحلّ من فرجها، و أنّ المهر على الذي زوّجها، و إنّما صار المهر عليه لأنّه دلّسها» «1».

و أمّا ما اغترمه ممّا حصل له في مقابله نفع- كعوض الثمرة و اجرة السكنى- ففي الرجوع به إلى البائع و عدمه قولان:

الأول: للمحقّق في تجارة الشرائع، و صاحب التنقيح «2».

و الثاني: للشيخ في المبسوط و الخلاف و الحلّي «3».

و لعلّ الأظهر هو الأول، لما مرّ من رجوع المغرور إلى الغارّ، و العلّة المنصوصة، و لكن يجب التخصيص بما إذا كان البائع عالما بأنّه ملك الغير لتحقّق التغرير و التدليس، و إلّا فلا يرجع، للأصل.

و عدم القول بالفصل غير معلوم، و لو لا إطلاق موثّقة جميل «4» و ظاهر

______________________________

(1) الكافي 5: 407- 9، التهذيب 7: 424- 1697، الاستبصار 3: 245- 878، مستطرفات السرائر: 36- 53، الوسائل 21: 212 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 2 ح 2.

(2) الشرائع 2: 14، التنقيح 4: 75.

(3) المبسوط 3: 71، الخلاف 3: 403، الحلّي في السرائر 2: 325.

(4) المتقدمة في ص: 288.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 297

الإجماع لقلنا بمثل ذلك فيما لم يحصل في مقابلته نفع أيضا.

[العاشر]

ي: لا يخفى أنّ ظاهر كثير من عباراتهم أنّ ما ينفقه المشتري في المبيع لإصلاحه و دفع النوائب عنه حكمه حكم ما اغترمه المشتري و لا نفع له، فيجوز له الرجوع فيها على البائع، و صريح

رواية الأمالي «1» أنّه يجب على المالك ردّ جميع ذلك، و ردّ النصّ الصريح بمجرّد مخالفة جمع من المتأخّرين غير جائز.

نعم، لو ثبت الإجماع على الأول لكان هو المتعيّن، و لكنّه غير ثابت، فالفتوى على الثاني، و لكنّ ذلك مختصّ بصورة الجهل، و أمّا مع العلم فلا يرجع به إلى أحد، كما صرّح به في صحيحة أبي ولّاد «2».

المسألة الثانية:

لو باع المملوك له و لغيره صفقة في بيع واحد، وقف البيع في غير المملوك على الإجازة، على القول بصحّة الفضولي، و بطل على القول المختار، و صحّ في المملوك مطلقا، سواء حصلت الإجازة في غيره أم لا.

أمّا الأول فوجهه ظاهر ممّا مرّ.

و أمّا صحّته في المملوك فهو الحقّ المشهور بين أصحابنا، بل عن الغنية و التذكرة الإجماع عليه «3»، و صرّح بعضهم بعدم الخلاف فيه «4»، و وجهه- على ما ذكرنا من معنى البيع عرفا- ظاهر، فإنّه قد ورد البيع عرفا على هذا البعض المملوك و لو في ضمن وروده على الكلّ، و انضمام شي ء آخر معه لا يخرج هذا البعض عن كونه مبيعا، و لا البائع عن كونه بائعا له،

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 285.

(2) المتقدمة في ص: 286.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 585، التذكرة 1: 463.

(4) انظر الرياض 1: 513.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 298

فتشمله عمومات صحّة البيع و لزومه «1»، و صحيحة الصفّار المتقدّمة في أوائل المبحث «2».

نعم، يشكل على القول باشتراط تحقّق البيع و صحّته على الشرع، إذ لا دليل شرعا على أنّ بيع الكلّ بيع لجزئه، إلّا أن يدّعى الإجماع في خصوص المسألة، كما هو الظاهر.

و احتمل بعض المتأخّرين البطلان رأسا «3»، أي بعد عدم إجازة مالك البعض الآخر على

القول بتأثيرها، و مطلقا على عدمه.

لأنّ العقد تابع للقصد، و المقصود هو بيع المجموع لا الجزء.

و أيضا الجزء ليس نفس ما وقع عليه البيع فلا بيع حينئذ فيه.

و يرد على الأول: أنّه إن أريد أنّه لم يقصد بيع الجزء أصلا فبطلانه ظاهر، لأنّ قصد بيع الكلّ يستلزم قصد بيع جزئه، و ما لا يقصد بيع جزئه لا يقصد بيع كلّه.

و إن أريد أنّه قصد كونه جزءا للمبيع- أي بشرط كونه في ضمن الكلّ- ففيه: أنّه ممنوع، غاية الأمر أنّه لا يعلم قصد كونه مبيعا برأسه أيضا، و هو غير مضرّ.

و التوضيح: أنّه علم قصد بيعه قطعا و لكنّه يحتمل أن يكون مراده بيعه مطلقا، سواء أجاز مالك البعض الآخر أيضا أم لا، و أن يكون بيعه منضمّا مع البعض الآخر، و الثابت من عمومات البيع نفوذ البيع مطلقا، سواء قصد استقلال ما قصد بيعه، أو جزئيّته لغيره، أو لم يعلم شي ء

______________________________

(1) الوسائل 17: 333 أبواب عقد البيع و شروطه ب 1.

(2) راجع ص: 252.

(3) انظر مجمع الفائدة 8: 162.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 299

منهما، خرج ما علم فيه الجزئيّة و انتفاء الجزء الآخر بالإجماع، فيبقى الباقي.

و على الثاني: أنّه يصحّ على القول بوجوب الاقتصار في تحقّق البيع بما علم كونه بيعا شرعا.

و أمّا على ما ذكرنا- من أنّه يتحقّق بتحقّق كلّ ما دلّ على نقل الملك به بقصد المبايعة- فلا، إذ هو أعمّ من أن تكون الدلالة بالمطابقة أو التضمّن أو الالتزام، و لذا لو باع أحد داره و فرسه صفقة يقال: إنّه باع فرسه.

ثمَّ إن أجاز مالك البعض الآخر و قلنا بتأثيرها، و إلّا فإن كان المشتري عالما بأنّ بعضه مال الغير

و لم يدّع البائع الإذن فلا خيار له، للأصل.

و الكلام في الرجوع على البائع بثمنه و غيره كما تقدّم.

و إن كان جاهلا أو ادّعى البائع الإذن قالوا: كان له الخيار في المملوك أيضا، و استدلّوا عليه تارة بأنّ تبعّض الصفقة أو الشركة عيب موجب للخيار، و اخرى بأنّهما موجبان الضرر المنفي. و في إطلاقهما نظر ظاهر، إلّا أنّ الظاهر عدم الخلاف.

و لا يبعد أن يستدلّ عليه برواية عمر بن حنظلة الآتية الواردة فيمن باع أرضا على أنّ فيها عشرة أجربة، فلمّا مسح فإذا هي خمسة أجربة «1».

و المسألة محلّ إشكال، و لعلّه يأتي الكلام فيها.

فإن فسخ المشتري يرجع كلّ مال إلى مالكه، و إن أمضى في المملوك فيلزم و يقسّط الثمن على المالين، و في كيفيّته كلام.

و الوجه- كما قيل «2»- أن يقال: إذا لم تكن قيمة المجموع زائدة على

______________________________

(1) الفقيه 3: 151- 633، التهذيب 7: 153- 675، الوسائل 18: 27 أبواب الخيار ب 14 ح 1.

(2) كما في كفاية الأحكام: 89.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 300

مجموع قيمتي الجزءين يقوّم واحد منهما، مثل المملوك، و يقوّم المجموع، و تراعى النسبة بين قيمته و قيمة المجموع، و يأخذ البائع من الثمن بتلك النسبة، و يردّ الباقي على المشتري.

أو يقوّم غير المملوك و المجموع، و تراعى النسبة، و يرجع المشتري من الثمن بتلك النسبة، و يأخذ البائع الباقي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 14    300     المسألة الثالثة: ..... ص : 300

إن كانت قيمة المجموع زائدة يقوّم المملوك و المجموع، و تراعى النسبة بين القيمتين، و يأخذ البائع من الثمن بتلك النسبة، و يرجع المشتري بالباقي.

أو يقوّم كلّ منهما و المجموع، و تراعى النسبة

بين مجموع قيمتي الجزءين و قيمة المجموع، و يجعل من الثمن قدرا بتلك النسبة بإزاء مجموع القيمتين و الباقي بإزاء الهيئة التركيبيّة، و يأخذ البائع من الثمن بنسبة قيمة مملوكه إلى مجموع القيمتين، و يرجع المشتري على البائع بالباقي.

المسألة الثالثة:

لو باع ما يملك مع ما لا يملك مطلقا- كالحرّ- أو لا يملكه المسلم- كالخمر و الخنزير- فيصحّ البيع فيما يملك دون ما لا يملك، و يقسّط الثمن عليهما على ما مرّ، و طريق تقويم الحرّ فرض كونه عبدا بهذه الصفة، و يقوّم الخمر و الخنزير عند مستحلّيهما، و الكلام فيما كان للهيئة الاجتماعيّة مدخليّة- كخفّين أحدهما جلد الخنزير- كالسابق.

و لا يخفى أنّ تقويم الخمر و الخنزير عند مستحلّيهما إنّما هو عند علم المتبايعين بكونه خمرا أو خنزيرا، أمّا مع ظنّ كونهما خلّا أو شاة فيقوّم مثله لو كان شاة أو خلّا على ما هو من الأوصاف، و يقع الإشكال فيما لم يكن اتّحاد الأوصاف.

ثمَّ إنّ الحكم بصحّة البيع فيما يملك- مع جهل المتابعين بفساد البيع

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 301

فيما لا يملك- ظاهر.

و أمّا مع علم أحدهما أو كليهما فظاهر إطلاق الأكثر الصحّة، إلّا أنّ الفاضل في التذكرة نفى البعد عن الحكم بالبطلان مع علم المشتري «1»، و استشكل في المسالك الحكم بالصحّة حينئذ أيضا، لإفضائه إلى الجهل بالثمن حال البيع «2»، و اخرى في الروضة الإشكال في صورة علم البائع وحده أيضا «3».

قيل: الفرق بين ذلك و بين ما تكون الضميمة مال الغير: أنّه يبتاع ملك الغير مع مملوك البائع، و الثمن إنّما هو بإزاء المجموع، و البيع في المجموع صحيح.

أقوال: على القول بعدم تأثير الإجازة أو كونها ناقلة لم يتحقّق البيع

الصحيح في المجموع أو إلّا حال الإجازة، و أمّا قبلهما فلم يتحقّق بيع صحيح في المجموع، فيتحقّق الجهل بثمن المملوك حال البيع، فيلزم فساد البيع فيه حينئذ، و لا تفيد الإجازة المتحقّقة بعد ذلك.

و كذا على القول بكون الإجازة كاشفة مع عدم الإجازة، فإنّه يكشف عن فساد البيع في المجموع حال البيع، فيتحقّق الجهل بثمن المملوك أيضا.

نعم، لو قلنا بكون الإجازة موجبة للّزوم و عدمها للانفساخ لظهر الفرق، و لكنّه خلاف ما صرّح به الأكثر و ما ذكروه في النماء المتخلّل.

أقول: الصواب التفرقة، بالإجماع و صحيحة الصفّار المتقدّمة «4»، ثمَّ المتّجه في محلّ النزاع: الفساد في صورتي علم البائع أو المشتري، لما ذكر.

______________________________

(1) التذكرة 1: 565.

(2) المسالك 1: 173.

(3) الروضة 3: 240.

(4) في ص: 252.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 302

المسألة الرابعة:

لا فرق في اشتراط المالكيّة بين المثمن و الثمن، فلو اشترى شيئا بثمن غير مملوك له بطل البيع، لما مرّ.

و المراد بالشراء بالثمن الغير المملوك: أن اشترى السلعة بهذا الثمن المعيّن، أمّا لو اشترى بثمن غير مشخّص ثمَّ أعطى ثمنا غير مملوك له لم يبطل البيع.

ثمَّ في صورة بطلان البيع كان لمالك الثمن الرجوع بعين ثمنه إلى البائع مع بقائه، و إلى كلّ من المتبايعين بمثله مع تلفه، و ليس له غير ذلك من الأجرة أو المنافع شيئا، إلّا إذا كان الثمن ممّا له نفع.

و يرجع البائع بالمبيع و نمائه المتّصل و المنفصل مع البقاء إلى المشتري مطلقا، و مع التلف إن كان البائع جاهلا بأنّ الثمن ملك الغير، و يرجع إليه حينئذ بالمنافع المستوفاة و غيرها، و إن كان عالما فلا رجوع بشي ء من التالف أصلا، و وجهه ظاهر ممّا مرّ.

و منها: المغايرة الحقيقيّة بين المتعاقدين،

قال بعضهم باشتراطها في الجملة.

و التوضيح: أنّه سيأتي في مباحث الحجر و التفليس جواز بيع الأب و الجدّ للأب و وصيّهما إن فقدا و شرائهم للأطفال و السفهاء و المجانين المتّصل سفههم و جنونهم بالبلوغ.

ثمَّ من الحاكم و أمينه إن لم يوجدوا، [و مطلقا] [1] إن طرأ السفه أو الجنون بعد البلوغ، و كذلك الغائب.

ثمَّ من آحاد المؤمنين مع تعذّر الحاكم و أمينه مع المصلحة.

______________________________

[1] في «ح» و «ق»: مطلقا، و الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 303

و كذا يأتي في بحث الوكالة جواز بيع الوكيل و شرائه.

و ليس كلامنا في هذا المقام في شي ء من ذلك، و إنّما الكلام في أنّه هل يجوز لهؤلاء تولّي طرفي المبايعة؟ و ذلك يكون على وجهين:

أحدهما: أن يتولّى كلّ منهم طرفي العقد- أي

الإيجاب و القبول- بأن يكون موجبا و قابلا معا، كأن يتوكّل الوكيل عن البائع و المشتري، أو عن أحدهما مع كونه الآخر بنفسه، و يتوكّل الولي في المبايعة لمن له عليه الولاية عن الطرف الآخر، أو كان نفسه هو الآخر.

و ثانيهما: أن يبيع كلّ منهم عن نفسه أو يشتري له، أي يبيع مال نفسه بالمولّى عليه أو الموكّل الذي وكّله في شراء ذلك، أو اشترى نفسه مال المولّى عليه أو مال الموكّل الذي وكّله في بيعه.

أمّا الأول، فالحق فيه الجواز، و لعلّه الأشهر، لصدق البيع و الشراء عرفا، إذ ليس البيع إلّا نقل الملك إلى آخر، و هو صادق في المورد، لتغاير الناقل و المنتقل إليه حقيقة و إن كان الموجب و القابل منهما واحدا، فيكون جائزا و لازما بالعمومات، و لا دليل على اشتراط المغايرة بين موجد النقل و موجد قبوله.

و ما قد يتشبّث به لاعتبار التعدد هو أصالة عدم الانتقال.

و أنّ الإيجاب نقل الملك عن الموجب، و القبول نقله إليه، فيجتمع الضدّان.

و في الأول: أنّ العمومات مخرجة عن الأصل.

و في الثاني: أنّ الإيجاب لنقل الملك عن المالك دون الموجب، كما أنّ القبول للانتقال إلى مالك الثمن- أي المشتري- دون القابل.

و أمّا الثاني، فيأتي الكلام فيه في مباحث الحجر و الوكالة و الوصاية.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 304

الفصل الثالث في شرائط العوضين
اشاره

و هي أيضا أمور:

منها:

أن يكونا مملوكين- أي ممّا يصحّ تملّكه- لما مرّ في اشتراط المالكيّة.

و المرجع في كون شي ء ملكا و مالا إلى العرف، حيث إنّه لا دليل شرعا على بيانه و إن ثبت من الشرع عدم تملّك بعض الأشياء، فيشترط في صحّة البيع كون كلّ من العوضين ملكا عرفا و عدم دليل شرعيّ على عدم صحّة تملكه، فلا يصحّ بيع ما لا يملك شرعا- كالحرّ- أو عرفا- كالأشياء التي لا ينتفع بها- فإنّها لا تسمّى مالا في العرف، لصحّة السلب، و تبادر الغير، و لأنّ الملكيّة أو الماليّة ربط حادث بين المالك و المملوك، فهو مخالف للأصل لا يحكم به إلّا مع الثبوت، و لم يثبت فيما لا نفع فيه.

و النفع المعتبر في صدق المال هو ما كان معتبرا في نظر العقلاء، فلا اعتبار بما لم يكن كذلك، إمّا لكونه نفعا يسيرا لا يعتني به العاقل، أو يعدّ مثله لغوا عنده لا نفعا، للأصل المتقدّم.

و هل يشترط كونه معلوم الترتّب على العين، أو يكفي الظنّ أو الاحتمال أيضا؟

و على التقديرين هل يشترط عدم ندرة الانتفاع به، أو يكفي مجرّد الترتّب و إن كان نادرا؟

الحقّ: كفاية الظنّ و مجرّد الترتّب، و لذا تعدّ أكثر العقاقير التي توجد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 305

عند الأطبّاء و المعاجين التي يصنعونها مالا، مع أنّ ترتّب المنافع المذكورة لها عليها ليس إلّا ظنّيا، و لا يحتاج إلى كثير منها إلّا نادرا.

نعم، الظاهر عدم كفاية الاحتمال، للأصل، و لهذا قالوا: لا يصحّ بيع مثل الخفافيش [1] و العقارب و الجعلان [2] و القنافذ و نحوها، و لا اعتبار بما يورد في الخواصّ من منافعها، فإنّه لا يحصل ممّا

أورد علم و لا ظنّ، و لو فرض حصول العلم أو الظنّ لا نقول بعدم صحّة بيعها، و عدم عدّها مالا لأجل عدم الظنّ، و لو حصل يلتزم عدّها من المال.

و على هذا، فلو فرض وقوع مرض بين أهل بلدة اجتمعت حذّاق الأطبّاء، بل لو قال طبيب حاذق: أنّ علاجه دهن العقرب أو دم الخفّاش، و لم يتهيّأ لكلّ أحد جمعهما، فيجوز لمن أخذهما بيعهما، و يكون صحيحا.

و قد يكون الشي ء ممّا ينتفع به و يكون مالا، و لكن يبلغ في القلّة حدّا لا ينتفع به و لا يعدّ مالا عرفا، كالحبّة و الحبّتين من الحنطة، و صرّح جماعة بعدم جواز بيعه «3».

قال في التذكرة: لا يجوز بيع ما لا منفعة فيه، لأنّه ليس مالا، فلا يؤخذ في مقابلته المال، كالحبّة و الحبّتين من الحنطة، و لا نظر إلى ظهور الانتفاع إذا انضمّ إليها أمثالها، و لا إلى أنّها قد توضع في الفخ أو تبذر، و لا فرق بين زمان الرخص و الغلاء، و مع هذا فلا يجوز أخذ حبّة من صبرة

______________________________

[1] في نسخة من «ح»: الخنافيس.

[2] الجعل: دويبة معروفة تسمى الزعقوق، تعضّ البهائم في فروجها فتهرب، و هو أكبر من الخنفساء، شديد السواد، في بطنه لون حمرة، للذكر قرنان- حياة الحيوان 1: 278.

______________________________

(3) انظر الإرشاد 1: 361 و الحدائق 18: 430.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 306

الغير، فإن أخذ وجب الردّ، و إن تلفت فلا ضمان، لأنّه لا ماليّة لها «1». انتهى.

و ربما يظهر من بعضهم التأمّل في عدم كونه مالا «2»، و يدلّ عليه عدم جواز أخذه و وجوب الردّ، و عدم كونه من الأفراد المتعارفة من المال أو بيعه من أفراد

البيع المتعارفة لا يوجب بطلانه، غاية الأمر عدم جواز بذل المال بإزائه أزيد منه لئلّا يكون سفها و تبذيرا، فقد يشتري حبّة و يجتمع عنده ما يحصل فيه نفع كثير.

و التحقيق: اختلافه باختلاف الأحوال و القصود، فقد يمكن أن يكون بيعه ممّا تترتّب عليه فائدة مقصودة للعقلاء.

و منها:

أن يكونا عينين، فلو كانا منفعة- كسكنى الدار مدّة- لم ينعقد، للإجماع، و عدم معلوميّة صدق البيع على نقل ملك المنفعة عرفا.

و تجويز الشيخ في المبسوط بيع خدمة العبد «3» شاذّ غير قادح في الإجماع.

و رواية إسحاق بن عمار «4»- المجوّزة لبيع سكنى الدار- شاذّة غير معمول بها، مع ما في متنها من تجويز بيع السكنى، مع عدم كون السكنى فيها ملكا للبائع بعد عدم تجويزه بيع ما ليس له في جواب السؤال عن بيع أصل الدار.

و منها:

أن لا يكونا ممّا يشترك فيه جميع المسلمين، من المباحات العامّة- كالكلأ و الماء- قبل حيازتها و ضبطهما لنفسهما، و كالسموك في

______________________________

(1) التذكرة 1: 465.

(2) مجمع الفائدة 8: 167.

(3) حكاه عنه في المفاتيح 3: 50.

(4) التهذيب 7: 130- 571، الوسائل 17: 335 أبواب عقد البيع و شروطه ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 307

البحار و الأنهار، و الوحوش في البراري، للإجماع، و لانتفاء الملكيّة فيها، للأصل.

هذا إذا كانت المذكورات واقعة في مباح عامّ، أمّا لو كان الكلأ في أرضه أو الماء في بئره فلا خلاف في صحّة بيعه استقلالا و تبعا لما هو فيه، و هذا هو المراد من رواية موسى بن إبراهيم: عن بيع الماء و الكلأ، قال: «لا بأس» «1».

و منها:

أن لا يكونا من الأراضي المفتوحة عنوة، و تحقيق الكلام فيها قد مرّ مستوفى.

و منها:

أن لا يكون ممّا سبق عدم جواز التكسّب به مطلقا عن الأعيان النجسة و نحوها.

و منها:
اشاره

أن يكون ملكا طلقا، فلا يجوز بيع الوقف و لا الرهن و لا أمّ الولد.

أمّا الوقف فعدم جواز بيعه في الجملة إجماعي، و بالإجماع كذلك صرّح جماعة، كالسيّد و الحلّي و المسالك «2» و غيرهم «3»، و هو الحجّة فيما عدا محلّ النزاع، مضافا إلى أصالة عدم جواز بيع غير ما يملكه البائع كما مرّ.

و عموم الصحيح: «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» «4».

و خصوص صحيحة أبي علي بن راشد: اشتريت أرضا إلى جنب

______________________________

(1) الكافي 5: 277- 5، التهذيب 7: 141- 625، الوسائل 25: 421 أبواب إحياء الموات ب 9 ح 3 بتفاوت.

(2) السيد في الانتصار: 227، الحلي في السرائر 3: 153، المسالك 1: 174.

(3) كالعلامة في التذكرة 1: 465.

(4) الكافي 7: 37- 34، الوسائل 19: 175 كتاب الوقوف و الصدقات ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 308

ضيعتي بألفي درهم، فلمّا وزنت المال خبّرت أنّ الأرض وقف، فقال: «لا يجوز شراء الوقوف» «1».

و يؤيّده ما ورد في وقوف أرباب العصمة، كقول أمير المؤمنين عليه السّلام في وقف ينبع، كما في صحيحة الحذّاء: «هي صدقة بتّة بتلا في حجيج بيت اللّه و عابر سبيل اللّه، لا تباع و لا توهب و لا تورث، فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين» الحديث [1].

و في رواية ربعي: «هذا ما تصدّق به علي بن أبي طالب و هو حيّ سوي، تصدّق بداره التي في بني زريق صدقة لا تباع و لا توهب حتى يرثها اللّه الذي يرث السموات و الأرض» «3».

و في صحيحة البجلي: «تصدّق

موسى بن جعفر بصدقته هذه و هو صحيح صدقة حبسا بتلا بتّا لا مشوبة فيها و لا ردّ أبدا، ابتغاء وجه اللّه تعالى و الدار الآخرة، لا يحلّ لمؤمن يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يبيعها أو شيئا منها، و لا يهبها و لا ينحلها، و لا يغيّر شيئا منها ممّا وصفته عليها، حتى يرث اللّه الأرض و ما عليها» «4».

و مقتضى تلك الأدلّة و إن كان عموم المنع- كما ذهب إليه الإسكافي

______________________________

[1] الكافي 7: 54- 9، التهذيب 9: 148- 609، الوسائل 19: 186 كتاب الوقوف و الصدقات ب 6 ح 2، بتفاوت يسير. و صدقة بتّة بتلة، أي مقطوعة عن صاحبها لا رجعة له فيها- مجمع البحرين 2: 190.

______________________________

(1) الكافي 7: 37- 35، الفقيه 4: 179- 629، التهذيب 9: 130- 556، الاستبصار 4: 97- 377، الوسائل 19: 185 كتاب الوقوف و الصدقات ب 6 ح 1.

(3) الفقيه 4: 183- 624، التهذيب 9: 131- 560، الاستبصار 4: 98- 380، الوسائل 19: 187 كتاب الوقوف و الصدقات ب 6 ح 4.

(4) الكافي 7: 53- 8، الفقيه 4: 184- 647، التهذيب 9: 149- 610، الوسائل 19: 202 كتاب الوقوف و الصدقات ب 10 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 309

و الحلّي مدّعيا عليه الإجماع «1»، و فخر المحقّقين على ما حكي عنه «2»- إلّا أنّ أكثر الأصحاب على اختلاف شديد بينهم استثنوا منه مواضع:

الأول: إذا خرب الوقف مطلقا و تعطّل، حكي عن المفيد و السيّد و الخلاف و الديلمي و ابن حمزة و المحقّق الشيخ علي في بيع شرح القواعد «3»، و استحسنه ثاني الشهيدين و صاحب المفاتيح «4»، إلّا أنّ المفيد قيّده بما إذا

لم يوجد له عامر.

الثاني: إذا ذهبت منافعه بالكلّية، استثناه الأولان و وقف التحرير «5».

و يمكن إرجاع ذلك أيضا إلى الأول، إلّا أنّ المفيد جعله قسيما له.

الثالث: مع حاجة الموقوف عليه الضروريّة إلى البيع، و هو منقول عن الأولين و الرابع و الخامس و السادس و نهاية الشيخ «6»، إلّا أنّ الثاني قيّد الحاجة بكونها إلى الثمن لشدة الفقر، و السادس بأن لم يكن لهم ما يكفيهم من غلّة، و الأخير بأن يكون معها البيع أصلح.

الرابع: إذا كان بيعه أصلح و أعود، استثناه الأول «7»، و ظاهر الكفاية

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي في الانتصار: 227، الحلي في السرائر 3: 153.

(2) الإيضاح 2: 392.

(3) المفيد في المقنعة: 652، السيد في الانتصار: 226، الخلاف 3: 551، الديلمي في المراسم: 197، ابن حمزة في الوسيلة: 370 المحقّق الشيخ علي في جامع المقاصد 4: 97.

(4) الشهيد الثاني في الروضة 3: 254. المفاتيح 3: 212.

(5) المفيد في المقنعة: 652، السيد في الانتصار: 226، التحرير 1: 290.

(6) المفيد في المقنعة: 652، السيد في الانتصار: 226، الديلمي في المراسم:

197، ابن حمزة في الوسيلة: 370، المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 98، نهاية الشيخ: 600.

(7) المفيد في المقنعة: 652.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 310

التردّد فيه «1».

الخامس: إذا علم أداء بقائه إلى خرابه بحيث يعطّل لأجل اختلاف الموقوف عليهم، قاله صاحب التنقيح «2».

السادس: الخامس بشرط كون البيع أعود، خصّه في بيع القواعد و الشرائع «3».

السابع: إذا خيف خرابه مطلقا، استثناه في المبسوط و النهاية «4»، و نسبه في المهذّب إلى المحقّق و العلّامة مقيّدا بعدم التمكّن من عمارته «5».

الثامن: إذا خيف الخراب لاختلاف أربابه خاصّة، ذكره في وقف التحرير و الشرائع «6».

التاسع: مع خلف

بين أربابه، استثناه صاحب الكفاية و المفاتيح و المحقّق الشيخ علي «7»، إلّا أنّ الأخير قيّده بما إذا كان مخوّفا لتلف الأموال، و نسبه المهذّب إلى المحقّق و العلّامة مقيّدا بكونه موجبا لفساد لا يمكن استدراكه.

العاشر: مع خوف الخلف، عن المبسوط و النهاية «8»، إلّا أنّ الأخير قيّده بما يؤدّي إلى فسادهم.

______________________________

(1) الكفاية: 142.

(2) التنقيح 2: 330.

(3) القواعد 1: 126، الشرائع 2: 220.

(4) المبسوط 3: 300، النهاية: 599.

(5) المهذب البارع 3: 66 و هو في المختصر: 158 و المختلف: 489.

(6) التحرير 1: 290، الشرائع 2: 220.

(7) الكفاية: 142، المفاتيح 3: 212، المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 97.

(8) المبسوط 3: 300، النهاية: 600.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 311

و منهم من فرّق بين المؤبّد و غيره، فلم يجوّز في الأول مطلقا، و في الثاني جوّز في الصور التي نقلناها عن النهاية، و هو المنقول عن الصدوق و القاضي و الحلبي [1]، و قد يجوّز في الثاني خاصّة مع الاتّفاق مع الواقف أو وارثه، ذهب إليه صاحب التنقيح «2».

و الذي وصل إليّ في هذا الباب من الأخبار صحيحة علي بن مهزيار:

قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام: أنّ فلانا ابتاع ضيعة فوقفها و جعل لك في الوقف الخمس، و يسأل عن رأيك في بيع حصّتك من الأرض، يقوّمها على نفسه بما اشتراها به، أو يدعها موقوفة؟ فكتب إليّ: «أعلم فلانا أنّي آمره ببيع حقّي من الضيعة و إيصال ثمن ذلك إليّ، و أنّ ذلك رأيي إن شاء اللّه، أو يقومها على نفسه إن كان ذلك أوفق له»، و كتبت إليه: أنّ الرجل ذكر أنّ بين من وقف هذه الضيعة عليهم اختلافا شديدا، و أنّه ليس

يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده، فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف و يدفع إلى كلّ إنسان منهم ما كان وقف له من ذلك أمرته، فكتب بخطّه إليّ: «و أعلمه أنّ رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن بيع الوقف أمثل، فإنّه ربّما جاء في الاختلاف ما فيه تلف الأموال و النفوس» «3».

و رواية جعفر بن حنّان الصحيحة عن ابن محبوب- الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه-: قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن

______________________________

[1] نقله عنهم في المختلف: 489 و هو في الفقيه 4: 179 و المهذب 2: 92 و الكافي: 325، و قال في مفتاح الكرامة 4: 258 ما نسبوه إلى الحلبي من موافقته للقاضي غير صحيح.

______________________________

(2) التنقيح 2: 329.

(3) التهذيب 9: 130- 557، الاستبصار 4: 98- 381، الوسائل 19: 187 كتاب الوقوف و الصدقات ب 6 ح 5، ص 188 ب 6 ح 6، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 312

الرجل أوقف غلّة له على قرابة من أبيه و قرابة من امّه، و أوصى لرجل و لعقبه من تلك الغلّة بثلاثمائة درهم- إلى أن قال عليه السّلام-: «جائز للذي أوصى له بذلك»- إلى أن قال- قلت: أرأيت إن مات الذي أوصى له؟

قال: «إن مات كانت الثلاثمائة درهم لورثته يتوارثونها ما بقي أحد منهم، فإذا انقطع ورثته كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميّت، يردّ ما يخرج من الوقف، ثمَّ يقسم بينهم يتوارثون ذلك ما بقوا و بقيت الغلّة» قلت: فللورثة من قرابة الميّت أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا و لم يكفهم ما يخرج من الغلّة؟ قال:

«نعم، إذا كانوا رضوا كلّهم و كان البيع خيرا

لهم باعوا» «1».

و ما رواه الطبرسي في الاحتجاج، عن عبد اللّه بن جعفر الحميري، عن صاحب الزمان عليه السّلام: أنّه كتب إليه: روي عن الصادق عليه السّلام خبر مأثور:

«إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم و أعقابهم فاجتمع أهل الوقف على بيعه و كان ذلك أصلح، لهم أن يبيعوه»، فهل يجوز أن يشترى من بعضهم إن لم يجتمعوا كلّهم على البيع، أم لا يجوز إلّا أن يجتمعوا كلّهم على ذلك؟

و عن الوقف الذي لا يجوز بيعه، فأجاب عليه السّلام: «إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه، و إذا كان على قوم من المسلمين فليبع كلّ قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين و متفرّقين إن شاء اللّه» «2».

و ليس محطّ الاستدلال بالأولى صدرها الدالّ على جواز بيع الحصّة الموقوفة على الإمام عليه السّلام، لجواز أن تكون غير مقبوضة، بل هو الظاهر من

______________________________

(1) الكافي 7: 35- 29، الفقيه 4: 179- 630، التهذيب 9: 133- 565، الوسائل 19: 190 كتاب الوقوف و الصدقات ب 6 ح 8، بتفاوت.

(2) الاحتجاج 2: 490 بتفاوت، الوسائل 19: 191 كتاب الوقوف و الصدقات ب 6 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 313

الخبر.

و لا يمكن الحكم بالعموم فيه لترك الاستفصال، لعلمه عليه السّلام بالحال في حقّه، مع أنّ غاية ما يستفاد من السؤال جعل الواقف شيئا له عليه السّلام، و هو أعمّ من الوقف، فلعلّ الرخصة في البيع لعدم الوقف.

و لا ينافيه قوله: أو يدعها موقوفة، لجواز أن يراد به معناه اللغوي- أي متروكة بحاله- حيث لم تثبت الحقيقة الشرعيّة في الوقف.

و من ذلك يظهر ضعف تضعيف الرواية أو ترجيح معارضها عليها بخروج صدرها عن الحجّية، حيث ليس ثمّة شي ء

من الأسباب المجوّزة للبيع.

بل الاستدلال بتجويز بيع حصّة الباقين و احتمال عدم القبض فيها و إن كان جاريا أيضا إلّا أنّ ترك الاستفصال يقتضي العموم و عدم الفرق.

و ترجيح الحمل على عدم القبض- باعتبار وقوع البيع في الخبر من الواقف، و هو ظاهر في بقائه في يده، و باعتبار ظهور عدم القبض في حصّته عليه السّلام، و الظاهر اتّحاد حال الجميع- ضعيف، لجواز كون الواقف ناظرا، و عدم استلزام عدم القبض في حقّه عدمه في حقهم.

كما أنّ ترجيح الحمل على الأعمّ أو القبض- بأنّه لولاه لكان الأنسب التعليل بعدم القبض دون تلف الأموال و النفوس و لولاه لم يقع الاختلاف في الوقف- ضعيف أيضا.

أمّا الأول، فبأنّه إنّما يصحّ لو كان التعليل لجواز البيع، و لكنّه تعليل لأمثليّته، و عدم القبض لا يصلح علّة لها.

و أمّا الثاني، فلعدم تصريح في الخبر بكون الاختلاف في الوقف، و على تسليمه لا يتوقّف على القبض، فيمكن أن يكون المراد: أنّ الواقف

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 314

لمّا رأى بينهم اختلافا شديدا في أمر تلك الضيعة قبل الدفع إليهم، أو في أمر آخر، و ليس يأمن أنّه إذا دفعها إليهم يتفاقم الأمر بينهم، فهل يدعها موقوفة، أو يرجع عن الوقف و يدفع إليهم ثمنها، و أيّهما أفضل؟

و على هذا، فمقتضى ترك الاستفصال جعل الرواية أعمّ من القبض و عدمه، و تخصّص بها أخبار المنع.

و لا يتوهّم أنّ تعارضها مع أخبار المنع المتقدّمة «1» بالعموم من وجه، حيث إنّ لأخبار المنع جهة خصوص، لكون المراد منها بعد القبض قطعا، كما أنّ الصحيحة أيضا مختصّة بحال الاختلاف، و لا مرجّح لأحدهما يمكن الاعتماد عليه، فالتعويل على تلك الرواية فقط في بيع

الوقف مشكل.

لأنّ المناط في التعارض هو ظاهر الخبر، دون ما يؤول إليه بعد الجمع بينه و بين سائر المعارضات، كما بيّنا في كتاب عوائد الأيّام «2»، و على هذا فتكون أخبار المنع أعمّ مطلقا، لأعمّيتها من القبض و عدمه، و الصحيحة مخصوصة بحال الاختلاف.

و منه يظهر جواز البيع في تلك الحال.

هذا هو المستفاد من الاولى.

و تدلّ الثانية على جواز بيعه مع احتياج الموقوف عليه، و كون البيع خيرا، و اتّفاق الكلّ مع التعدّد. و هي مختصّة بما بعد القبض، من جهة كون الحكم لورثة القرابة، و لأجل دلالة المفهوم على عدم الجواز مع عدم رضا الكلّ و عدم الخيريّة، و ليس قبل القبض كذلك.

و منه أيضا يظهر عدم جواز حمل الأرض على حصّة الرجل الذي

______________________________

(1) في ص: 308.

(2) عوائد الأيام: 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 315

أوصى له و انقطعت ورثته فينتقل إلى ورثة الميّت ملكا، أو حمل الورثة على ورثة الواقف و جعل الوقف منقطع الآخر باختصاصه بالقرابة دون عقبهم.

و على هذا، فتكون هذه أيضا أخصّ مطلقا من أخبار المنع، فبها تخصّص تلك الأخبار أيضا.

و مقتضاها جواز البيع مع كونه خيرا و اتّفاق الكلّ، إلّا أنّ الظاهر منها أنّ اشتراط رضا الكلّ إنّما هو في بيع تمام الأرض التي هي وقف على الجميع، لأنّه المسؤول عنه، و لا شكّ أنّه موقوف على رضا الكلّ، فلا يثبت منها اشتراط رضا الكلّ في بيع حصّة كلّ واحد.

و أمّا الثالثة فمحطّ الاستدلال فيها موضعان، أحدهما: «و إذا» الثالث.

و ليس موضع الاستدلال منه قول الصاحب، لأنّه لا يدلّ إلّا على أنّ ما يقدرون على بيعه يجوز لهم بيعه مجتمعين أو متفرّقين، فيكون بيانا لحكم الاجتماع و الافتراق،

و لا يظهر منه ما يجوز بيعه و ما لا يجوز، حيث إنّ ما لم يثبت جواز بيعه شرعا لا يقدر على بيعه، لأنّه نقل الملك، و لا يحصل النقل إلّا بإمضاء الشارع.

بل محطّ الاستدلال هو الخبر المأثور عن الصادق عليه السّلام، و هو أنّه إذا كان وقف على قوم بأعيانهم و أعقابهم يجوز بيعه مع اتّفاق الكلّ و كونه أصلح.

و التوضيح: أنّ المعلوم المستفاد من الرواية: أنّ الراوي الثقة كتب إلى الإمام: أنّه ورد خبر مأثور عن الصادق عليه السّلام: أنّه يجوز بيع الوقف مع كونه خيرا و اتّفاق الكلّ، و أنّ هذا معلوم لنا ظاهر عندنا، و لكن لا نعلم حكم بيع البعض و الشراء منه إذا لم يجتمع الكلّ، و لا نعلم أنّ الوقف الذي ورد عدم

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 316

جواز بيعه أيّ وقف، فقرّره الصاحب على صحّة ما ورد.

و أجاب عن الحكم الأول: بجواز بيع البعض ما يقدر شرعا على بيعه، أي وجد المشتري له و إذا كان أصلح، حيث إنّه ثبت معه جواز البيع بقول الصادق عليه السّلام.

و عن الثاني: بأنّه الوقف على إمام المسلمين، فيدلّ قول الصادق عليه السّلام- الذي رواه الثقة المعتضد بتقرير الإمام الموافق لرواية جعفر بن حنّان- على جواز بيع الوقف إذا كان أصلح، فيجب اتّباعه، و لإطلاقه بالنسبة إلى الاجتماع و الافتراق يحكم بالإطلاق.

و لا يتوهّم دلالة مفهوم الثانية على عدم جواز البيع بدون اجتماع الكلّ.

لما عرفت من أنّه في بيع الكلّ، مع أنّه لو سلّمنا دلالتها على كون بيع مطلق الوقف مقيّدا باجتماع الكلّ، و كان مفهومه عدم الجواز بدونه، و لكن لعموم المفهوم يخصّص بخصوص جواب الإمام- الذي هو الموضع

الثاني من موضعي الاستدلال بالثالثة- بل و كذا لو لا الخصوصيّة أيضا، لكون الثالثة أحدث، فيقدّم على الأقدم، كما هو القاعدة المنصوصة في الترجيح.

و لا يتوهّم أنّ قوله أيضا: «فليبع كلّ قوم ما يقدرون على بيعه» لا يفيد أزيد من جواز بيع ما يقدر على بيعه، و ما لم يثبت جواز بيعه شرعا لا يقدر على بيعه، لأنّه نقل الملك و لا ينقل إلّا بإمضاء الشارع، و لا يثبت منه ما يجوز و ما لا يجوز.

لأنّه ثبت ما يجوز بصدره، و هو ما كان البيع فيه أصلح، حيث صرّح فيه بالجواز.

و على هذا، فثبت من هذه الرواية جواز بيع الوقف إذا كان أصلح مع

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 317

الاجتماع و الافتراق.

و لا يتوهّم أنّه يخصّص بصورة الاحتياج، لمفهوم رواية ابن حنّان.

لأنّ قيد الاحتياج إنّما هو في كلام السائل دون الإمام، غاية ما في الباب أنّ تصديق الجواز يكون مقيّدا به، حيث إنّ السؤال كان عنه، و لا يعتبر المفهوم في مثل ذلك، إذ اعتباره إنّما هو إذا لم يظهر للتقييد سبب، و اختصاص السؤال هنا سبب ظاهر لاختصاص الجواب.

فالحكم بمضمون الرواية عندنا متعيّن، و هو بيع الوقف مع كون بيعه أصلح مجتمعين أم منفردين حصّته.

نعم، حيث لم يظهر قائل بهذا العموم سوى المفيد «1»، فالحكم بعمومه- كما هو الموضع الرابع من المواضع العشرة المتقدّمة- مشكل مخالف للاحتياط، و لكن لا إشكال في جواز البيع في سائر المواضع ظاهرا، فعليه الفتوى عندنا، بل على الموضع الرابع أيضا مع إشكال.

و لا يضرّ عندنا عدم كون الثالثة في الكتب الأربعة أو صحيحا باصطلاح المتأخّرين، مع أنّ رواية ابن حنّان المذكورة في الكافي و الفقيه و التهذيب

«2» موافقة لذلك في الجملة، صحيحة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، و مثله في حكم الصحيح عندهم.

فروع:
[الأول ]

أ: لا يخفى أنّ هذا الحكم مختصّ بالوقف الخاصّ، كما هو مورد الأخبار.

______________________________

(1) المقنعة: 652.

(2) راجع ص: 311 و 312.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 318

أمّا الثاني فظاهر.

و أمّا الأول فلقوله: و يدفع إلى كلّ إنسان ما وقف له، و يؤكّده وقوع الاختلاف بينهم.

و أمّا الثالث فلعطف قوله: «و أعقابهم»، و يؤكّده ذكر اجتماع الكلّ أيضا.

و من ذلك يحصل ضعف للمعارض أيضا، حيث إنّ أخبار وقوف الأئمّة واردة في الوقف للجهة العامّة، و ينفرد غيرها بالتعارض.

[الثاني ]

ب: ثمَّ المستفاد من الروايتين أنّ المتولّي للبيع هو الموقوف عليه، كما أنّ ظاهر قوله: إذا احتاجوا و لم تكفهم الغلّة، في رواية جعفر، أنّه يصرف الثمن في حوائجه، بل يصرّح به قوله في الرواية الاولى: و يدفع إلى كلّ إنسان منهم، فالقول بهما متعيّن.

و جعل المتولّي الناظر الخاصّ- إن كان- لا وجه له، إذ لم يثبت له إلّا جواز النظر إلى الوقف من حيث هو وقف، فلا يتخطّى عنه إلّا بدليل.

و كذا لا وجه للحكم بأن يشتري بثمنه ما يكون وقفا على ذلك الوجه إن أمكن مع تحصيل الأقرب إلى صفة الموقوف فالأقرب، مع أنّه لو لا استفادة الصرف إلى الموقوف عليه من الرواية لا يستفاد ذلك الحكم من حجّة أصلا.

و أمّا ما قيل من أنّه لعلّ المستند عدم العلم بجواز التصرّف و استصحاب المنع إلّا في ذلك.

ففيه: أنّ عدم العلم بالمنع من التصرّف كاف في جوازه، و لم يكن منع في التصرّف فيه حتى يستصحب، و المنع عن التصرّف في الوقف غير مفيد، لتغيّر الموضوع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 319

[الثالث ]

ج: ما ذكر- كما عرفت- إنّما هو الوقف الخاصّ، و أمّا العامّ فلا يجوز بيعه، إلّا إذا بطل عن الانتفاع به فيما وقف عليه، بحيث لا ينتفع به فيه بوجه من الوجوه مطلقا مع بقاء عينه، كجذع منكسر و حصر خلق و نحوهما.

أمّا عدم جواز البيع في غير ما استثني فلما مرّ.

و أمّا استثناء ما ذكر فهو المصرّح به في كلام جماعة.

و قد يستند فيه إلى أنّه إحسان محض.

و ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ «1».

و أنّ الأمر بعدم بيعه تضييع للمال و تجويز للعبث، و أنّه تحصيل لغرض الواقف.

و يرد على

الأول: منع كونه إحسانا شرعا بعد أصالة المنع، و منع استلزام نفي السبيل للزوم البيع و صحّته.

و على الثاني: أنّ تضييع المال و تجويز العبث إن كانا محرّمين فيلزمهما وجوب البيع، و لا قائل به، و إلّا فلا يثبتان شيئا.

و على الثالث: أنّ غرضه استيفاء المنفعة من نفس العين الموقوفة، و أمّا غير ذلك فلم يظهر كونه غرضا له.

و قد يوجّه بأنّ شاهد الحال يدلّ على رضا الواقف حين الوقف بالبيع مع سلب الانتفاع.

و فيه: أنّه لو سلمنا دلالته على ذلك فنقول: لا يكفي رضاه في ذلك.

و التوضيح: أنّ شاهد الحال إنّما يفيد فيما ثبت به ما علم ترتّب حكم

______________________________

(1) التوبة: 91.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 320

عليه، كما في الإذن في التصرّف في المال، فإنّه علم جواز التصرّف في مال شخص مع إذنه و رضاه، فإذا علم الإذن بشاهد الحال يجوز التصرّف فيه.

بخلاف ما إذا علم به رضاه ببيع ماله بثمن معيّن، فإنّه غير كاف في لزوم البيع، بل يتوقّف على التوكيل أو الإجازة بعد البيع، فلو بعنا متاع الغير- الذي نعلم أنّه يريد بيعه بثمن معيّن بأزيد منه من غير توكيل في البيع- لا يحكم بلزومه من غير إجازة. و ما نحن فيه من هذا القبيل، إذ رضا الواقف ببيع الوقف من غير ذكره و اشتراطه لا يكفي في لزومه، بل في صحّته، مع اقتضاء نفس الوقف عدم الجواز.

فالصواب الاستناد في الاستثناء إلى عدم كونه وقفا، لأنّ الوقف شرعا و عرفا تحبيس الأصل و تسبيل المنفعة، بل لا معنى للوقف على جهة إلّا صرف منفعته فيها، و لا يتحقّق إلّا فيما يمكن فيه تحقّق الوصفين، و لا يتحقّقان فيما لا يمكن الانتفاع

به مع بقاء عينه، فلا يكون وقفا، بل يختصّ بحال الانتفاع.

و أيضا يشترط في الموقوف: إمكان الانتفاع به مع بقاء عينه ابتداء إجماعا، فهذا ممّا لا يمكن وقفه في مدّة انتفاء المنفعة بخصوصها، فكذا في ضمن المدّة الشاملة لها.

و لو نوقش في ذلك و فرّق بين وقف لا منفعة فيه بخصوصه، و ما فيه منفعة في وقت، فنقول: يكفي لنا عدم العلم بكونه وقفا بعد بطلان المنفعة، فإنّ القدر المسلّم هو كون ذلك وقفا خارجا عن ملك الواقف ما دامت فيه منفعة، و أمّا بعده فغير معلوم و لا دليل عليه.

و أمّا استصحاب الوقفيّة فلا حجّية فيه، لمعارضته مع استصحاب عدمها الثابت قبل الوقف، كما بيّنا تحقيقه في كتبنا الأصولية، و بمثله صرح

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 321

في المسالك في بيان حكم ما لو وقف على مصلحة فبطل رسمها «1».

و على هذا، فتبقى العين بعد بطلان منفعتها رأسا على ملك مالكها الأول، فإن كان حيّا يجوز له بيعها و صرف ثمنها في حوائجه، و إلّا فتنتقل إلى وارثه حين انتفاء المنفعة، فإن كانوا معلومين لهم بيعها كذلك، و إلّا فيلحقها حكم مجهول المالك.

و يشترط في جواز بيعه كذلك: عدم رجاء عود المنفعة بوجه من الوجوه، فلو علم عود نفعه لا يجوز، إذ لا تشترط- في تسبيل المنفعة- الفعليّة، بل تكفي اللاحقة.

و كذا لو احتمل، لإمكان تسبيل المنفعة المحتملة بمعنى أنّها مسبّلة لو حصلت، و لذا يصحّ وقف الأشجار المثمرة للمارّة في بدو الغرس مع إمكان عدم بقائها إلى زمان حمل الثمر.

و لو توقّف عود منفعته إلى نفقة لا يرجى عودها بدونها لم يجز بيعه، لأنّ الانتفاع به بعد الإنفاق أيضا منفعة فعليّة، فتكون

مسبّلة، فلا يجوز بيع الدار التي كانت وقفا إذا خربت، و القنوة إذا هدمت، و القدر الوقف إذا انكسر، و أمثال ذلك.

و من هذا يظهر أنّ أخبار وقوف الأئمّة المقيّدة بقوله: «لا يباع» [1] و في بعضها: «لا ردّ فيه أبدا حتى يرث اللّه الأرض» [2] لا تنافي جواز البيع فيما ذكرنا، لأنّها فيما لا يمكن فيه بطلان المنفعة بحيث لا يرجى عودها و لو بعد العمارة، مع أنّها واردة في أعيان مخصوصة و وقوف خاصّة، و نحن

______________________________

[1] كما في صحيحة الحذّاء و رواية ربعي المتقدمتين في ص: 308.

[2] كما في صحيحة البجلي المتقدمة في 308.

______________________________

(1) المسالك 1: 351.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 322

لا ننكر عدم جواز بيع وقف بطلت منفعته رأسا إذا علم تصريح الواقف بذلك في ضمن عقد الوقف، لأنّه على ما ذكرنا يكون ملكا له، فله اشتراط ما يريد فيه من الشروط المجوّزة.

و في حكم بطلان المنفعة رأسا بطلان المنفعة التي سبّلها بخصوصها و إن بقيت في العين منافع اخرى يمكن استيفاؤها مع بقاء العين، و الوجه ظاهر ممّا مرّ.

و قد يجوز بيع الوقف على مصلحة إذا بطل رسمها، و تحقيقه يطلب من بحث الوقف.

و أمّا الرهن فلا يجوز للمالك بيعه إلّا بإذن المرتهن، و لا للمرتهن إلّا بإذن الراهن، أو الحاكم لو لم يمكن إذن الراهن، أو من باب المقاصّة لو لم يبنه أحدهما، و قال المحقّق الأردبيلي بجواز بيع الراهن مطلقا للاقتضاء «1».

و يجي ء تفصيل الكلام فيه في موضعه.

و أمّا أمّ الولد، فعدم جواز بيعها إجماعي إلّا فيما استثني، و يذكر في مواضعه.

و منها:

القدرة على تسليم كلّ من العوضين بلا خلاف، بل بالإجماع، كما هو المحقّق، و المحكيّ

في الغنية و التذكرة «2»، و هو الحجّة، مضافا إلى أنّه بيع غرر و قد نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن بيع الغرر، كما رواه الفريقان «3»، و المراد به: بيع موجب لحصول المال في معرض التلف.

______________________________

(1) انظر مجمع الفائدة 9: 164.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 585، التذكرة 1: 466.

(3) عوالي اللئالي 2: 248- 17، عيون أخبار الرضا «ع» 2: 45- 168، و قد رواه أحمد في مسنده 2: 144 و 376.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 323

و ضابط الغرر- كما يستفاد من كلام اللغويين «1» و الفقهاء، و صرّح به الشهيد في شرح الإرشاد- احتمال. مجتنب عنه عرفا لو تركه بحاله وبّخ عليه و استحقّ اللوم في العرف.

و في صحيحة البجلي: «لا بأس ببيع كلّ متاع كان تجده في الوقت الذي بعته فيه» «2».

قال صاحب الوافي: تجده، أي تقدر عليه «3».

دلالتها و إن كانت بمفهوم الوصف- و هو ليس بحجّة عندنا- إلّا أنّها صالحة للتأييد.

و الاستدلال بما دلّ على النهي عن بيع ما ليس عندك «4» كان حسنا لو لا معارضته مع ما دلّ على جوازه.

فلو باع الحمام الطائر، أو غيره من الطيور المملوكة، لم يصحّ، إلّا أن تقضي العادة بعوده فيصحّ وفاقا لجماعة «5»، لعموم الأدلّة، و انتفاء المانع من الإجماع، للخلاف مع شهرة الجواز، و الغرر، لانتفائه عرفا بتنزيل اعتبار العود فيه منزلة التحقّق.

خلافا للفاضل في النهاية «6»، فاحتمل بطلانه.

و كذا لا يصحّ بيع الآبق إجماعا، و تدلّ عليه صحيحة رفاعة: أ يصلح

______________________________

(1) انظر الصحاح 2: 768، مجمع البحرين 3: 423، لسان العرب 5: 14.

(2) الكافي 5: 200- 4، الوسائل 18: 47 أبواب أحكام العقود ب 7 ح 3.

(3) الوافي

18: 699.

(4) الوسائل 18: 35 أبواب عقد البيع و شروطه ب 1.

(5) منهم المحقق في الشرائع 2: 17 و الكركي في جامع المقاصد 4: 92 و قوّاه الشهيد الثاني في المسالك 1: 174 و الكاشاني في المفاتيح 3: 58.

(6) نهاية الإحكام 2: 481.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 324

لي أن اشتري من القوم الجارية الآبقة و أعطهم الثمن فأطلبها أنا؟ قال: «لا يصلح شراؤها إلّا أن تشتري منهم معها ثوبا أو متاعا، فتقول لهم: أشتري منكم جاريتكم فلانة و هذا المتاع بكذا و كذا، فإنّ ذلك جائز» «1».

و موثّقة سماعة: في الرجل يشتري العبد و هو آبق عن أهله، قال: «لا يصلح إلّا أن يشتري معه شيئا آخر و يقول: أشتري منك هذا الشي ء و عبدك بكذا و كذا، فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى معه» «2».

و صريح الروايتين جواز بيع الآبق مع الضميمة، و هو كذلك، لذلك، و عليه الإجماع في الانتصار و الغنية و التنقيح «3». فلو وجد الآبق، و إلّا كان الثمن بإزاء الضميمة طرّا، كما يستفاد من الموثّق، و عليه الأصحاب من غير خلاف يعرف.

و يشترط في الضميمة ما يشترط في غيرها من كونها ممّا يصحّ بيعه منفردا بالإجماع، كما يشترط في الآبق أيضا سائر الشرائط غير القدرة على التسليم من كونه معلوما موجودا عند العقد، لعموم الأدلّة، فلو ظهر كونه حين العقد تالفا، أو لغير البائع، أو مخالفا للوصف، بطل البيع فيما يقابله من الثمن في الأول، و تخيّر المشتري في الثانيين إن لم يجز مالكه في الثاني على صحّة الفضولي.

و لا يلحق بالآبق غيره ممّا في معناه، كالبعير الشارد و الفرس الغائر و المملوك

المتعذّر تسليمه بغير الإباق و غيرها، على الأشهر الأقوى،

______________________________

(1) الكافي 5: 194- 9، التهذيب 7: 124- 541، الوسائل 17: 353 أبواب عقد البيع و شروطه ب 11 ح 1.

(2) الكافي 5: 209- 3، الفقيه 3: 142- 622، التهذيب 7: 124- 540، الوسائل 17: 353 أبواب عقد البيع و شروطه ب 11 ح 2.

(3) الانتصار: 209، الغنية (الجوامع الفقهية): 586، التنقيح 2: 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 325

اقتصارا فيما خالف أصالة عدم جواز بيع الغرر على المنصوص، فلا يجوز بيعه منفردا و لا منضمّا، إلّا أن تكون الضميمة مقصودة بالذات، كما يأتي.

و هل يجوز بيع غير المقدور على التسليم مطلقا كما قيل؟.

أو خصوص البعير الشارد و الفرس الغائر كما في المسالك «1»؟.

أو الضالّ و المجحود كما في اللمعة «2»، منفردا أو منضمّا مراعى بالتسليم، أي مع شرط الخيار لو لم يقدر على التسليم، أم لا؟.

الظاهر في الآبق هو: الثاني، لعموم الروايتين، فإن ثبت عدم القول بالفصل يثبت الحكم في غيره أيضا، و إلّا- كما هو الواقع- فيصحّ في غيره إذا أمكن القدرة عادة، لعموم الأدلّة، و عدم المانع لانتفاء الغرر حينئذ، و عدم ثبوت الإجماع في غير البيع اللازم.

و هل يلحق ما يتعذّر تسليمه إلّا بعد مدّة معتدّ بها عرفا بالمقدور مطلقا، أم لا؟.

الظاهر: الثاني، لانتفاء المانع من الإجماع، لأنّ المشهور الجواز، و الغرر، لأنّه على ما مرّ كون أحد العوضين في معرض التلف و الخطر، و ليس كذلك هنا، للعلم بالقدرة على التسليم بعد مدّة.

نعم، لو لم يعلم المشتري بالحال كان له الخيار دفعا للضرر.

و على التقديرين، لو لم يتعيّن وقت الإمكان و احتمل طول الزمان بقدر لا يرضى به المشتري لو علمه،

اتّجه الفساد، لصدق الغرر.

و في لحوق ما إذا قدر المشتري على تحصيله دون البائع بغير

______________________________

(1) المسالك 1: 174.

(2) اللمعة (الروضة 3): 251.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 326

المقدور مطلقا قولان، المصرّح به في كلام بعضهم: الثاني «1»، فيصحّ البيع، و ربما ظهر من الانتصار أنّه ممّا انفردت به الإماميّة «2»، و هو كذلك، لما مرّ من عموم الأدلّة، و انتفاء الموانع من الإجماع أو الغرر.

خلافا للشيخ «3»، بل الشيخين كما في [المختلف ] [1] بل حكاه عن القاضي و الحلبي و الديلمي و ابن حمزة «5»، لإطلاق الروايتين «6».

و فيه نظر، لظهورهما- سيّما الموثّق- في عدم القدرة مطلقا، مع أنّهما مختصّان بالآبق، فالتعدّي غير لائق.

و منها:
اشاره

معلوميّة كلّ من العوضين، فلا يصحّ بيع المجهول و المبهم، و لا بالمجهول و المبهم.

و تحقيق المقام: أنّ جهل أحدهما و إبهامه إمّا يكون بحسب الواقع- بمعنى: أن لا يكون أمرا متعيّنا متميّزا في الواقع أيضا، كأحد الشيئين أو الأشياء- أو يكون بحسب الظاهر فقط، أي يكون مبهما عند أحد المتبايعين أو كليهما.

و على التقديرين: إمّا يكون الجهل و الإبهام في القدر، أو الجنس، أو الوصف.

______________________________

[1] في «ح» و «ق»: المهذّب، و الظاهر ما أثبتناه.

______________________________

(1) كما صرّح به صاحب الحدائق 18: 434.

(2) الانتصار: 209.

(3) الخلاف 3: 168.

(5) حكاه عنهم في المختلف: 379.

(6) الاولى في: الكافي 5: 194- 9، التهذيب 7: 124- 541، الوسائل 17: 353 أبواب عقد البيع و شروطه ب 11 ح 1.

الثانية في: الكافي 5: 209- 3، الفقيه 3: 142- 622، التهذيب 7:

124- 540، الوسائل 17: 353 أبواب عقد البيع و شروطه ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 327

و على التقادير: إمّا يكون الجهل

موجبا للغرر، أم لا.

فإن كان الجهل موجبا للغرر فبطلان البيع به محلّ الإجماع، و يدلّ عليه ما مرّ من الرواية المتّفق عليها بين الفريقين «1».

و كذا إن كان بحسب الواقع، لأنّ البيع إنّما هو لإثبات ملكيّة المشتري في المبيع و البائع في الثمن، و الملكيّة لكونها صفة وجوديّة معيّنة لا بد لها من موضع معيّن، لامتناع قيام المعيّن بغير المعيّن، و لأنّ غير المعيّن لا وجود له لا خارجا و لا ذهنا و لا واقعيّة له، و قيام الصفة الوجوديّة بمثل ذلك محال.

و إن كان بحسب الظاهر و لم يكن هناك غرر أصلا، فإن كان بحسب الكمّ و القدر و هو موجب لبطلان البيع مطلقا أيضا إذا كان مكيلا أو موزونا أو معدودا، فلا يجوز بيعه إلّا بما يقدّر به، فيشترط كيل المكيل و وزن الموزون و عدّ المعدود، و لو باعه جزافا بطل.

خلافا للمنقول عن المبسوط مطلقا «2»، و عن السيّد في مال السلم خاصّة «3»، و عن الإسكافي «4» فيما إذا كان المبيع صبرة مشاهدة، و كذا الثمن مع اختلافهما جنسا ليسلم عن الربا، و ربّما يظهر التردّد من بعض المتأخّرين «5».

لنا- بعد الإجماع المحقّق و المحكيّ في التذكرة «6» على بطلان ما

______________________________

(1) عوالي اللئالي 2: 248- 17. راجع ص: 322.

(2) نقله عنه في الدروس 3: 195، انظر المبسوط 2: 152.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 217.

(4) حكاه عنه في المختلف: 386.

(5) الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 176.

(6) التذكرة 1: 467.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 328

يوجب منه الغرر-: ما مرّ.

و على بطلانه مطلقا: رواية محمد بن حمران: قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اشترينا طعاما، فزعم صاحبه أنّه كاله فصدّقناه و أخذناه

بكيله، فقال: «لا بأس»، فقلت: أ يجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ فقال: «لا، أمّا أنت فلا تبعه حتى تكيله» «1».

و تخصيص السؤال ببيعه كما اشتراه- فيمكن أن يكون المراد بالوزن الذي اشتراه، فيخرج عن محلّ الكلام، لأنّه إنّما هو في البيع جزافا- لا يضرّ، لأنّ العبرة بعموم قوله: «فلا تبعه حتى تكيله».

و ما رواه الفاضل في التذكرة: من أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن بيع الطعام مجازفة «2».

و في السرائر: روي النهي عن الجزاف «3»، من غير تقييد بالطعام.

و في مجمع البحرين قوله عليه السّلام: «لا تشتر لي شيئا من مجازف» «4».

و ضعفها سندا- كاختصاص بعضها بالطعام- غير ضائر، لانجبار الأول بالشهرة العظيمة، بل الإجماع، و الثاني بالإجماع المركّب.

و صحيحة الحلبي: في رجل اشترى من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم، ثمَّ إنّ صاحبه قال للمشتري: ابتع منّي هذا العدل الآخر بغير كيل، فإنّ فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعته، قال: «لا يصلح إلّا أن يكيل»، و قال:

______________________________

(1) التهذيب 7: 37- 157، الوسائل 17: 345 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5 ح 4.

(2) التذكرة 1: 469.

(3) السرائر 2: 322.

(4) مجمع البحرين 5: 32.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 329

«ما كان من طعام سمّيت فيه كيلا فإنّه لا يصلح مجازفة، هذا ممّا يكره من بيع الطعام» «1».

و الإيراد- بعدم ظهور نفي الصلاح في الفساد- باطل، لأنّ نفي الصلاح: الفساد، صرّح به اللغويون، و بيّنّاه مستوفى في كتاب العوائد.

نعم، لا يتمّ الاستدلال بجزئها الأخير، و هو قوله: «ما كان من طعام» إلى آخره، لجواز أن يراد ممّا سمّي فيه الكيل ما بيع بوزن معيّن.

و قد يستدلّ أيضا بمرسلة ابن بكير:

عن رجل يشتري الجصّ فيكيل بعضه و يأخذ البقيّة بغير كيل، فقال: إمّا أن تأخذه كلّه بتصديقه، و إمّا أن تكيله كلّه» «2».

و موثّقة سماعة: عن شراء الطعام ممّا يكال أو يوزن هل يصلح شراؤه بغير كيل و لا وزن؟ فقال: «أما إن تأتي رجلا في طعام قد كيل أو وزن فتشتري منه مرابحة فلا بأس إن أنت اشتريته و لم تكله أو تزنه إذا كان المشتري الأول قد أخذه بكيل أو وزن فقلت عند البيع: إنّي أربحك كذا و كذا و قد رضيت بكيلك و وزنك فلا بأس به» «3»، دلّت بالمفهوم على البأس- الظاهر في التحريم- فيما إذا لم يكله المشتري الأول و لم يزنه.

و بالأخبار الناهية عن صاع غير صاع المصر «4».

______________________________

(1) الكافي 5: 179- 4، الفقيه 3: 131- 570، التهذيب 7: 36- 148، الوسائل 17: 342 أبواب عقد البيع و شروطه ب 4 ح 2، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 5: 195- 13، التهذيب 7: 125- 545، الوسائل 17: 344 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5 ح 3.

(3) الكافي 5: 178- 1، التهذيب 7: 37- 158، الوسائل 17: 345 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5 ح 7، بتفاوت يسير.

(4) الوسائل 17: 347 أبواب عقد البيع و شروطه ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 330

و بما ورد من الأمر بكيل الطعام، معلّلا بأنّه أعظم للبركة «1».

و في الكلّ نظر:

أمّا في الأول، فلكونه إخبارا في مقام الإنشاء، و دلالته على الوجوب غير ظاهرة.

و أمّا في الثاني، فلأنّ مفهومه إثبات البأس مع عدم كيل المشتري الأول إذا اشتراه الثاني مرابحة، و لا يدلّ على منع بيع التولية، فلا يثبت اشتراط الكيل و

الوزن مطلقا، بل ذلك حكم مخصوص ببيع ما اشترى مرابحة، كما فصّل في الأخبار المتكثّرة «2»، فحرّم في المرابحة و جوّز في التولية.

و بذلك يظهر النظر في الاستدلال بالأخبار الدالّة على المنع عن بيع ما لم يقبض قبل الكيل و الوزن «3».

و أمّا في الثالث، فلعدم الملازمة بين عدم جواز البيع بصاع غير صاع المصر و بين عدم جواز البيع بغير صاع مطلقا.

و أمّا في الرابع، فلعدم دلالته على رجحان الكيل حين البيع، بل يستفاد منه أنّ كيل الطعام موجب للبركة، و ظاهره- كما في بعض رواياته «4»- أنّه عند أخذه للحاجة يرجّح كيله.

و بما ذكر و إن ظهر قصور تلك الأدلّة عن صلاحيّة الاحتجاج، و لكن لا ريب في كونها مؤيّدة لما ذكرناه حجة جدّا.

______________________________

(1) الكافي 5: 160- 5، الفقيه 3: 123- 536، التهذيب 7: 110- 475، الوسائل 17: 392 أبواب آداب التجارة ب 7 ح 1.

(2) الوسائل 17: 343 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5.

(3) الوسائل 17: 343 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5.

(4) الوسائل 17: 392 أبواب آداب التجارة ب 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 331

ثمَّ إنّ أكثر ما ذكر و إن كان واردا في الكيل و الوزن و في المبيع، إلّا أنّه يثبت الحكم في المعدود و الثمن أيضا بالإجماع المركّب.

و قد صرّح جماعة بعدم الفصل بين المكيل و الموزون و بين المعدود «1»، كما صرّح الفاضل في التذكرة بعدم الفرق في فساد البيع بالجزاف بين الثمن و المثمن عندنا «2»، مع أنّ روايات التذكرة و السرائر و المجمع «3» شاملة للجزاف في المعدود و الثمن أيضا.

مضافا في الأول إلى ظاهر التقرير في صحيحة الحلبي: عن الجوز

لا نستطيع أن نعدّه فيكال بمكيال ثمَّ يعدّ ما فيه، ثمَّ يكال ما بقي على حساب ذلك العدد، فقال: «لا بأس به» [1].

و في الثاني إلى العلّة المنصوصة في رواية حمّاد بن ميسر، عن جعفر، عن أبيه عليهما السّلام: «أنّه كره أن يشترى الثوب بدينار غير درهم، لأنّه لا يدري كم الدرهم من الدينار» «5».

و أمّا صحيحة رفاعة: ساومت رجلا بجارية، فباعنيها بحكمي، فقبضتها منه على ذلك، ثمَّ بعثت إليه بألف درهم، فقلت: هذه الألف درهم حكمي عليك، فأبى أن يقبلها منّي، و قد كنت مسستها قبل أن أبعث

______________________________

[1] الكافي 5: 193- 3، الفقيه 3: 140- 617، التهذيب 7: 122- 533 و فيه:

عن الحلبي، عن هشام بن سالم و علي بن النعمان، عن ابن مسكان جميعا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، الوسائل 17: 348 أبواب عقد البيع و شروطه ب 7 ح 1.

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 175، الكاشاني في المفاتيح 3: 53، صاحب الرياض 1: 514.

(2) التذكرة 1: 469.

(3) المتقدمة في ص: 328.

(5) التهذيب 7: 116- 504، الوسائل 18: 81 أبواب أحكام العقود ب 23 ح 4، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 332

عليه بالألف درهم، قال: فقال: «أرى أن تقوّم الجارية قيمة عادلة، فإن كان قيمتها أكثر ممّا بعثت إليه كان عليك أن تردّ عليه ما نقص من القيمة، و إن كانت قيمتها أقلّ ممّا بعثت إليه فهو له»، قال: فقلت: أرأيت إن أصبت بها عيبا بعد ما مسستها؟ قال: «ليس لك أن تردّها، و لك أن تأخذ قيمة ما بين الصحّة و العيب» «1».

فهي غير ناهضة، لضعفها بمخالفتها لعمل الأصحاب- حيث تضمّنت البيع بحكم المشتري- بل الإجماع كما

في المختلف و التذكرة «2»، مع ما فيها من ضعف الدلالة.

و إن كان الجهل بغير ما ذكر، فليس البيع باطلا لأجله، للأصل.

سواء كان في القدر إذا كان يقدّر بالمساحة، أو في الجنس، أو الوصف.

و سواء كان الجهل في الجنس باعتبار عدم معرفة أحد المتبايعين [1] بالجنس مع كونه مشاهدا حاضرا وقت البيع، كأن يكون هناك جنس حاضر و لم يعرفه المشتري- أو مع البائع- أنّه الإهليلج [2] أو الأملج [3]، و كانت قيمتهما متساوية، و كان المشتري طالبا لهما، فيصحّ له أن يشتري هذا الجنس الموجود.

______________________________

[1] في «ق»: المتساومين.

[2] الإهليلج: ثمر منه أصفر و منه أسود و منه كابلي، له نفع، و يحفظ العقل- القاموس المحيط 1: 220.

[3] الأملج: نوع من الأدوية يتداوى به- مجمع البحرين 2: 330.

______________________________

(1) الكافي 5: 209- 4، الفقيه 3: 145- 640، التهذيب 7: 69- 297، الوسائل 17: 364 أبواب عقد البيع و شروطه ب 18 ح 1 بتفاوت.

(2) المختلف: 385، التذكرة 1: 469.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 333

أو كان مشاهدا قبل البيع مع معرفته، كأن يكون هناك إهليلج و أملج، و رآهما المشتري قبل وقت المبايعة، فسرق أحدهما و لم يعلم بالتعيين، فيجوز شراء الباقي إذا تساويا قيمة و وزنا.

أو لم يكن مشاهدا أصلا، بل كان مذكورا بالوصف، كما إذا كان لأحد إهليلج و أملج، و وصفه لغيره بما ينتفي به الغرر، و سرق أحدهما و لم يعلم بعينه، فيصحّ شراء الباقي أيضا مع تساوي الوزن و القيمة.

و لو اختلفا وزنا و تساويا قيمة- كأن يكون أحدهما رطلا و الآخر رطلين، و ساوى قيمة رطل من ذلك قيمة رطلين من هذا- لم يصحّ البيع، للجهل بوزن المبيع.

و قد

تلخّص ممّا ذكرنا أنّ الجهل الداخل في البيع إنّما يفسده إذا كان بأحد الوجوه الثلاثة:

الأول: أن يكون موجبا للغرر.

الثاني: أن يكون بحسب الواقع.

الثالث: أن يكون في القدر إذا كان مكيلا أو موزونا أو معدودا.

و أمّا ما سوى ذلك من أقسام الجهل المذكورة فلا دليل على كونه مبطلا.

ثمَّ إنّ ما ذكرنا هو الأصل الكلّي و القاعدة الكلّيّة، و قد يستفاد من الأخبار في الموارد الجزئيّة حكم آخر من الصحّة أو الفساد، فيجب اتّباعه، كما ورد في بعض الموارد: البيع مع الضميمة، مع كونه غررا، و هكذا.

فروع:
[الأول ]

أ: لا يكفي في الكيل و الوزن المكيال الغير المتعارف و الصنجة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 334

المجهول قدرها، سواء كان مشاهدا حاضرا- كهذه القصعة و هذه الصنجة- أو لا، كخمس قصعات، أو ما يساوي خمس صنجات، لعدم صدق الكيل و الوزن معه عرفا، و لصحيحة الحلبي «1» و روايته «2» المصرّحتين بعدم صلاحيّة البيع بغير صاع المصر، و في الأخيرة نفي الحلّيّة، و المستفاد منهما اشتراط اشتهار المكيال- كما هو المشهور- فلا يكفي الكيل النادر.

و الظاهر أنّ المراد: اشتراط اشتهاره و عدم حلّيّة غيره إذا أطلق، فلا يجوز قصد غيره من أحدهما، أو الإعطاء بغيره مع إطلاق الكيل، فإذا باع عشرة أكيال- مثلا- لا يجوز قصد غير الكيل المشهور من أحدهما أو إعطائه، و إلّا فالظاهر عدم الإشكال في جواز البيع بما يكال به في بعض الأمصار و لو نادرا مع التعيّن عند المتبايعين.

[الثاني ]

ب: الظاهر عدم الخلاف في جواز الاعتماد في الكيل و الوزن على قول البائع، و النصوص به مستفيضة «3»، و لكن يجب التقييد بكونه مؤتمنا مصدّقا، فلو لا كذلك لم يجز، كما هو المفهوم من الروايات «4».

[الثالث ]

ج: المحكيّ عن الأصحاب- على ما قيل «5»- اعتبار الكيل و الوزن فيما بيع بهما في زمان الشارع و لو لم يبع الآن كذلك. قيل: و إثباته من النصّ مشكل «6».

______________________________

(1) الكافي 5: 184- 1، الفقيه 3: 130- 565، التهذيب 7: 40- 169، الوسائل 17: 377 أبواب عقد البيع و شروطه ب 26 ح 1.

(2) الكافي 5: 184- 2، التهذيب 7: 40- 170، الوسائل 17: 377 أبواب عقد البيع و شروطه ب 26 ح 2.

(3) الوسائل 17: 343 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5.

(4) الوسائل 17: 343 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5.

(5) انظر الرياض 1: 515.

(6) انظر الرياض 1: 515.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 335

أقول: لا شكّ في أنّ ما يباع الآن كيلا أو وزنا يعدّ بيعه بدونهما جزافا عرفا، و قد ثبت نهي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عنه «1»، فيجب اعتباره فيه البتّة.

إنّما الإشكال فيما يباع كذلك في زمانه و لم يكن كذلك الآن، و الأمر فيه هيّن، لأنّ ما علم فيه ذلك في زمانه- مثل: الطعام و الزيت و الجصّ و أمثالهما- يباع الآن كذلك أيضا و إن غيّر الكيل بالوزن في بعضها و العكس في آخر، و لا بأس به بناء على ما يأتي من جواز التبديل مطلقا.

[الرابع ]

د: لبيع بعض الشي ء صور، لأنّ ذلك الشي ء إمّا متساوي الأجزاء، أو مختلفها.

و على التقديرين: إمّا معلوم بما يعتبر في صحّة بيعه، أو لا.

و على التقادير: إمّا يكون المبيع جزءا معلوما بالنسبة، كنصفه أو ثلثه مشاعا.

أو يكون جزءا مقدّرا منه غير معيّن، كذراع من ثوب، أو قفيز [1] من صبرة.

أو يكون جزءا مقدّرا من أجزائه المعيّنة المقدّرة

معيّنا، كهذه الذراع منه، أو هذا القفيز.

أو غير معيّن، كذراع واحدة لا على التعيين من هذه الذراع المعيّنة من هذا الثوب بعد تقسيمه إلى أذرع، أو صاع واحد من هذه الصيعان المعيّنة من الصبرة بعد تفريق الصيعان، و مرجعه إلى واحد مخصوص لا على التعيين من هذه الوحدات المخصوصة.

______________________________

[1] القفيز: مكيال يتواضع الناس عليه، و هو عند أهل العراق ثمانية مكاكيك.

و المكوك: المدّ، و قيل: الصاع- مجمع البحرين 4: 31 و ج 5: 289.

______________________________

(1) التذكرة 1: 469.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 336

فهذه ست عشرة صورة:

الاولى و الثانية: أن يباع الجزء المشاع بالنسبة من الشي ء المعلوم، سواء كان متساوي الأجزاء أو مختلفها، و هو صحيح، لعدم المانع.

الثالثة و الرابعة: أن يباع ذلك من الشي ء المجهول قدرا، و هو لا يصحّ، سواء تساوت أجزاء ذلك الشي ء أو اختلفت، لسريان جهل الكلّ في الجزء، و المفروض إيجابه لبطلان بيع الكلّ، فكذا الجزء.

و قال المحقّق الشيخ علي في حاشية الإرشاد بصحّته من المجهول إذا لم يكن مكيلا أو ما في حكمه. و لعلّه حمل الجهل على الجهل بالقدر، مع أنّ المراد الجهل الموجب لبطلان بيع الكلّ كيفما كان، و لا ريب أن معه يبطل بيع الجزء منه أيضا.

الخامسة و السادسة: أن يباع جزء مقدّر غير معيّن من متساوي الأجزاء معلوم أو مجهول علم اشتماله عليه، و هو يصحّ، لأنّه بيع شي ء معيّن، و هو الكلّي، فيتخيّر في التسليم، و لا مانع من الصحّة، و تدلّ عليه أيضا صحيحة [بريد بن معاوية] [1] الآتية «2».

السابعة و الثامنة: أن يباع ذلك من مختلف الأجزاء، و هو باطل، لاستلزامه الغرر، لأنّ التخيير في بيع الكلّي إن كان للبائع فالغرر على

المشتري، إذ لعلّ البائع يسلّم الردي ء. و إن كان للمشتري فعلى البائع، لمثل ذلك.

و القول بالصحّة- إذا لوحظ الجميع و حصل الرضا بأيّ جزء كان لانتفاء الغرر- غفلة عن معنى الغرر، و موجب للصحّة في كلّ ما يوجب

______________________________

[1] في «ح» و «ق»: معاوية بن وهب، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(2) في ص: 338.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 337

الغرر إذا تحقّقت الملاحظة و الرضا.

نعم، لو قدّر الجزء و قصد مع ذلك الإشاعة فلا شكّ في صحّته من المعلوم، و أمّا من المجهول فالظاهر من كلام جماعة- كالفاضل في القواعد و التذكرة و المحقّق الشيخ علي و المسالك «1»- البطلان.

و وجهه: أنّ الجزء المقدّر- كالقفيز و الذراع- حقيقة إمّا في الكلّي أو المعيّن باعتبار كون الكلّي في ضمنه، و لا يتحقّق شي ء منهما مع الإشاعة، أمّا المعيّن فظاهر، و أمّا الكلّي فلأنّ مقتضاه التخيير و عدم تلف شي ء من المشتري لو تلف بعض المبيع، و ليست الإشاعة كذلك، فيكون المراد معناه المجازي، و هو ما تكون نسبته إلى الكلّ كنسبة القفيز أو الذراع إليه، و هذا مجهول، فيلزم منه الغرر.

و ربّما يشعر كلام بعض المتأخّرين بالصحّة «2». و لعلّ وجهه: أنّ ذلك و إن كان مجهولا من حيث النسبة- أي لا يعلم أنّه النصف أو الثلث أو غيرهما- و لكن بعد تقديره بما قدّر لا يستلزم غررا عرفا، و لا دليل على اشتراط العلم بخصوص النسبة إذا لم يستلزم الجهل بالقدر. و هو قويّ جدّا.

و ما ذكر من حكم قصد الإشاعة في المقدّر جار في متساوي الأجزاء أيضا.

و أمّا الثمانية الباقية فيصحّ البيع في الأربعة الأولى منها بلا خلاف، كما لا يصحّ في الأربعة الأخيرة منها

كذلك.

[الخامس ]

ه: إذا كانت الصبرة معلومة يجوز بيعها بأجمعها كلّ قفيز منها

______________________________

(1) القواعد 1: 127، التذكرة 1: 467، المحقق الشيخ علي في جامع المقاصد 4:

105، المسالك 1: 186.

(2) انظر المختلف: 386.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 338

بكذا، لعدم المانع.

و لا يجوز بيع كلّ قفيز منها بكذا، للجهل الواقعي بالمبيع.

و أمّا مع الجهل فلا يصحّ شي ء منهما عند الأكثر.

و حكي عن الشيخ الحكم بالصحّة في الأول مطلقا و إن كان مجهولا «1»، و هو الأظهر، لعدم المانع من الجهل الواقعي أو الغرر.

[السادس ]

و: و لو باع الجزء المقدّر- كقفيز من الصبرة أو ذراع من الثوب- و أطلق، فهل ينزّل على الإشاعة، أو في الجملة؟

و تظهر الفائدة فيما لو تلف بعض الكلّ، فعلى الإشاعة يتلف من المبيع بالنسبة، و على الثاني يبقى المبيع ما بقي قدره.

لا شكّ أنّ مقتضى حقيقة اللفظ: الثاني، على ما مرّ.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة [بريد بن معاوية] [1]: رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طنّ [2] [قصب ] في أنبار بعضه على بعض من أجمة [3] واحدة، و الأنبار فيه ثلاثون ألف طنّ، فقال البائع: قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طنّ، فقال المشتري: قد قبلت و اشتريت و رضيت، فأعطاه من ثمنه ألف درهم و وكّل المشتري من يقبضه، فأصبحوا و قد وقع في القصب نار فاحترق منه عشرون ألف طنّ و بقي عشرة آلاف طنّ، فقال: «عشرة آلاف التي بقيت هي للمشتري، و العشرون التي احترقت من مال البائع» «5».

______________________________

[1] في «ح» و «ق»: معاوية بن وهب، و الصحيح ما أثبتناه.

[2] الطنّ: حزمة من حطب أو قصب- مجمع البحرين 6: 278.

[3] الأجمة: الشجر الملتف- مجمع البحرين 6: 6.

______________________________

(1) المبسوط 2:

119.

(5) التهذيب 7: 126- 549، الوسائل 17: 365 أبواب عقد البيع و شروطه ب 19 ح 1، و ما بين المعقوفين من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 339

و الظاهر من جمع من الأصحاب اختصاص ذلك بمتساوي الأجزاء «1»، كما هو مورد الصحيح.

و أمّا في مختلفها فيرجّحون الإشاعة مع دعوى قصدها إذا كان الكلّ معلوما، ترجيحا لجانب الصحّة، و هو حسن لو ثبت عموم حمل أفعال المسلمين على الصحّة، بحيث يجري في المورد و لم تعارضه أصالة الحقيقة.

و أمّا مع عدم العلم بالكلّ، فلو قلنا بصحّة الإشاعة- كما ذكرناه- فيكون كالعلم، و لو قلنا بعدمها- كما هو المشهور ظاهرا- فتبقى أصالة الحقيقة خالية عن المعارض و يبطل البيع.

و على هذا، فالفائدة التي ذكروها في متساوي الأجزاء مختصّة بصورة العلم بالكلّ، و أمّا مع الجهل فالفائدة صحّة البيع و بطلانه.

[السابع ]

ز: يجوز أن يعتبر المعدود بمكيال و يعدّ ما فيه، ثمَّ يؤخذ بحسابه، و كذا الموزون، للأصل، حيث إنّ دليل المنع غير جار ها هنا، لانتفاء الغرر و المجازفة المنهي عنهما عرفا- مع أنّ عدم العلم بثبوتهما كاف، و هو ممّا لا شكّ فيه- و لاختصاص عدم القول بالفصل بينهما و بين المكيل بغير ذلك.

و تدلّ على الأول صحيحة الحلبي الواردة في الجوز «2»، المتقدّمة، و تقيّدها بعدم الاستطاعة إنّما هو في كلام الراوي فلا يضرّ، و تقرير المعصوم لو أفاد لا يفيد أزيد من رجحان العدّ مع الاستطاعة، و هو غير بعيد، لكونه أضبط.

______________________________

(1) منهم صاحبي الحدائق 18: 478 و الرياض 1: 515.

(2) الكافي 5: 193- 3، الفقيه 3: 140- 617، التهذيب 7: 122- 533، الوسائل 17: 348 أبواب عقد البيع و شروطه ب

7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 340

فالجواز مطلقا هو الأقوى، كما عليه الشهيد الثاني «1» و المحقّق الأردبيلي، لا مع التعذّر كالمحقّق و العلّامة «2»، بل كثير من الأصحاب كما في الروضة «3»، و لا مع التعسّر كبعضهم «4».

و تدلّ على الثاني أيضا رواية عبد الملك بن عمرو: فيمن اشترى مائة راوية من زيت، فاعترض راوية أو اثنتين و وزنهما، ثمَّ أخذ سائره على قدر ذلك، قال: «لا بأس» «5».

و تعسّر وزن مائة راوية غير معلوم، كتخصيص الصور المتعارفة من العدول من العدّ و الوزن إلى الاعتبار بالمكيال الواحد بما إذا تعذّرا أو تعسّرا، إلّا أنّ مورد الرواية وزن راوية واحدة و أخذ البواقي بهذا القدر، و هو غير ما نحن فيه، لأنّه ما إذا وزن ما في راوية واحدة و أخذ البواقي بهذه الراوية على ذلك الوزن.

و يمكن أن يقال: إنّه إذا اغتفر التفاوت المحتمل مع اختلاف الروايات فيكون مغتفرا في الراوية الواحدة بالطريق الأولى، لأنّ الجهل في الأول باعتبارين، و في الثاني باعتبار واحد مندرج في الأول.

و أمّا جواز وزن المكيل فالظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه، لمكان أضبطيّته، فالنهي عن البيع قبل الكيل في رواية ابن حمران «6» المتقدّمة

______________________________

(1) الشهيد الثاني في الروضة 3: 262.

(2) المحقق في الشرائع 2: 18، العلامة في التذكرة 1: 469.

(3) الروضة 3: 266.

(4) كصاحبي الحدائق 18: 474 و الرياض 1: 515.

(5) الكافي 5: 194- 7، الفقيه 3: 142- 625، التهذيب 7: 122- 534، الوسائل 17: 343 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5 ح 1، بتفاوت يسير.

(6) التهذيب 7: 37- 157، الوسائل 17: 345 أبواب عقد البيع و شروطه ب 5 ح 4.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 341

مخصوص بما إذا لم يوزن أيضا، فالتبديل في الثلاثة جائز.

و أمّا صحيحة الحلبي- المتقدّمة «1» في العدل يؤخذ بمثل ما في العدل الآخر- فهي غير منافية لما ذكرنا، لعدم صراحتها في النهي، و عدم كونها من قبيل ما نحن فيه لمثل ما مرّ، فإنّ كلامنا في كيل الموزون أو وزن المكيل، و هي صريحة في الأخذ بغير كيل و وزن، فهي من قبيل أخذ روايا الزيت المتقدّمة، و الأولويّة المذكورة فيها غير جارية هنا كما لا يخفى.

نعم، يحصل حينئذ بين هذه الصحيحة و رواية الزيت نوع تعارض لو كانت الصحيحة صريحة في النهي، و لكن عرفت أنّها ليست كذلك، مع أنّ تعارضها لنا غير ضائر، لأنّ عدم الدليل على المنع كاف في التجويز.

[الثامن ]

ح: قالوا: لا يشترط العلم بالذراع فيما يذرع- كالكرباس [1] و نحوه- و بالمساحة فيما يمسح، بل تكفي المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة.

و في التذكرة: أنّه إجماعيّ «3»، و هو كذلك، للأصل، و عموم الأدلّة إلّا إذا توقّف ارتفاع الغرر به، فيجب.

و لا يبعد حمل إيجاب الخلاف «4» المساحة في بيعهما على صورة الغرر، جمعا بين الفتاوى، كما لا يبعد تنزيل كلمة الأصحاب المطلقة في جواز بيعهما من دون مساحة على صورة عدمه.

ثمَّ المشاهدة لا بدّ أن تكون بحيث ينتفي معها الغرر، فهي تختلف

______________________________

[1] الكرباس: القطن- مجمع البحرين 4: 100.

______________________________

(1) في ص: 328.

(3) التذكرة 1: 470.

(4) انظر الخلاف 3: 198، و حكاه عنه في الدروس 3: 198.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 342

باختلاف المبيع، فقد يحتاج الثوب إلى النشر و ملاحظة المجموع، و قد يكتفي بتقليبه على وجه يوجب معرفته المطلوبة.

[التاسع ]

ط: قد أشرنا فيما تقدّم إلى اشتراط معرفة الأوصاف في العوضين إذا أوجب الجهل بها الغرر، بأن تختلف القيمة بوجود الوصف و عدمه.

و يكون الوصف في كلّ شي ء بحسب ما يطلب في المعاملة به عادة، بحيث تكون المعاملة بدون معرفته فيه غررا و مجازفة، ففي الفرس بنحو الصغر و الكبر دون مقدار اللحم، و في الثوب أوصافه التي تتفاوت بتفاوتها القيمة، و هكذا.

و لو كان الوصف ممّا تتفاوت بتفاوته الأغراض دون القيمة، فهل تجب معرفته، أم لا؟

الظاهر: الثاني، للأصل.

نعم، لو كان ذلك المبيع بحيث لم يكن له طالب شراء، فلو انتفى فيه الوصف المقصود للمبتاع بقي عنده بلا فائدة، فالظاهر اشتراط التعيين، لتحقّق الغرر عرفا حينئذ.

[العاشر]

ي: معرفة الوصف اللازمة في البيع إمّا تكون بالمشاهدة و الحسّ، أو بالوصف الرافع للجهالة من المتبايعين أو أحدهما.

و المشاهدة السابقة كافية في الصحّة إذا لم يحتمل التغيّر عادة احتمالا ملتفتا إليه في العرف، إلّا إذا مضت مدّة يتغيّر فيها عادة.

و [لا] [1] يبنى على الاستصحاب مع الاحتمال، لتحقّق الغرر بالاحتمال العادي.

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 343

و الاستصحاب الشرعي لا يكفي في دفع الغرر العرفي، لأنّه يتحقّق مع احتمال تغيّر الوصف واقعا في العرف احتمالا لا يتسامح فيه أهل العرف، و الاستصحاب لا يجدي في دفع ذلك الاحتمال.

و الحاصل: أنّ الغرر هو احتمال عادي أو واقعي مجتنب عنه عرفا، و النهي متعلّق بذلك، و الاستصحاب يدفع الاحتمال شرعا لا عادة و واقعا، و لذا لو نذر أحد أن يجتنب عمّا احتمل عنده ملاقاته للبول لا يجوز له ملاقاة ما يحتمله بدفع الاحتمال بالأصل، و لو نذر أن يجتنب عمّا أخبر زيد

بنجاسته لا يجوز له ملاقاته لاستصحاب عدم نجاسته و عدم حجّية خبر زيد.

[الحادي عشر]

يا: إذا اكتفى بالمشاهدة السابقة فيما يجوز له الاكتفاء به فظهر الخلاف بما يوجب اختلاف الثمن نقصا أو زيادة بما لا يتسامح به عادة، فالمصرّح به في كلام الأكثر ثبوت الخيار للمشتري مع النقص في المثمن و للبائع منع الزيادة، و في الثمن بالعكس «1».

و استشكل المحقّق الأردبيلي في جميع ذلك بأنّ مقتضى القاعدة البطلان، فإنّ العقد إنّما وقع على الموصوف، و غير الموصوف لم يقع عليه العقد، فيكون باطلا «2».

و قد مرّ في بيع المملوك و غيره ما يدفع به ذلك، إلّا أنّ الكلام في دليل الخيار، قيل: و لعلّه ما يدلّ على خيار العيب و لزوم الضرر «3».

أقول: الأول إنّما يتمّ لو كان مطلق انتفاء الوصف عيبا، أو كان

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في الروضة 3: 267 و صاحب الحدائق 18: 478.

(2) مجمع الفائدة 8: 183.

(3) انظر الحدائق 18: 482.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 344

الوصف ممّا يكون انتفاؤه عيبا، و سيجي ء تحقيقه في بحث عيوب المبيع.

و أمّا الثاني، فهو حسن فيما يوجب لزوم البيع الضرر، و قد لا يكون كذلك، كما إذا تغيّر بنقص وصف و زيادة آخر، فالمتّجه الحكم بالخيار فيما تضمّن الضرر عرفا لا مطلقا، مع أنّ جبر الضرر لا ينحصر بالخيار، بل جبره بنقص ما يقابل الوصف ممكن، و الإجماع على انتفائه غير ثابت، فتعيين الخيار لأجله غير معلوم.

[الثاني عشر]

يب: لو اختلفا في التغيّر و عدمه فالمشهور- على ما قيل «1»- تقديم قول المشتري مع يمينه، فكونه منكرا في المعنى و إن كان مدّعيا في الصورة لأصالة عدم وصول حقّه إليه، و عدم انتقال الثمن منه، و عدم رضاه بالوصف الموجود، و عدم اطّلاعه عليه، و البائع يدّعي الجميع.

و

تردّد فيه المحقّق، لأصالة لزوم العقد، و عدم التغيّر «2».

و ردّ الأول: بمنع أصالة اللزوم، و إنّما هي إذا ثبت لزوم و شكّ في كون شي ء موجبا لتزلزله، و أمّا إذا ثبت كون بيع لازما و كون بيع متزلزلا، و شكّ في أنّ الواقع هل هو من أفراد اللازم أو المتزلزل، فليس أحدهما موافقا للأصل، و هذا البيع من ثبوت التغيّر متزلزل و مع عدمه مستقر، فالشك هنا بين كون الواقع من أيّ القسمين لا في كون عدم العلم موجبا للتزلزل أم لا، و الأحكام تابعة للأسماء، و الألفاظ أسامي للأمور النفس الأمريّة، فلا بدّ من بذل الجهد في تحصيل ما هو الواقع، فلمّا لم يثبت و كان اللزوم مخالفا للأصول المتقدّمة فيعمل بالأصل، و هو مع المشتري، كما أنّه مع البائع لو انعكست الدعوى و ادّعى البائع التغيّر الموجب للزيادة.

______________________________

(1) انظر الحدائق 18: 482.

(2) الشرائع 2: 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 345

و ردّ الثاني: بأنّ أصالة عدم التغيّر تنفع لو ثبت أنّ البيع الواقع من أفراد اللازم، فهذا الأصل يستصحب لزومه، و أمّا مع الشكّ في كونه لازما فأصالة عدم التغيّر لا تنفع في جعله لازما، فتكون خالية عن الفائدة.

و يرد على الردّ الأول: أنّ الألفاظ و إن كانت أسامي للواقع و لكنّها مقيّدة بالعلم أو ما يقوم مقامه في الأحكام التكليفية، و لا شكّ أنّ لزوم البيع هو وجوب العمل بمقتضاه، كما أنّ تزلزله عدم وجوبه، فيكون معنى قوله:

كلّ بيع لازم: أنّ كلّما علمتم كونه بيعا فاعملوا فيه بمقتضى اللزوم، و معنى قوله: كلّ بيع وقع على المتغيّر فهو متزلزل: أنّ كلّما علمتم تغيّره فاحكموا بتزلزله. و لا شكّ أنّ عموم

الأول يشمل ما علم تغيّره، و ما علم عدم تغيّره، و ما لم يعلم فيه شي ء منهما، خرج ما علم تغيّره بالثاني، فيبقى الباقي على اللزوم بعموم أدلّته.

و لو سلّم عدم أصالة اللزوم و الشكّ في كونه من أفراد اللازم أو المتزلزل و لزم بذل الجهد في تحصيل الواقع من أدلّته، فنقول: من الأدلّة:

أصالة عدم التغيّر، و هي معيّنة للفرد اللازم، فيجب القول به.

إلّا أنّ في صحة أصالة عدم التغيّر مطلقا كلاما، و هو أنّ المتبايعين إمّا متّفقان في حصول التغيّر و لكنّ البائع يدّعي حصوله وقت المشاهدة و المشتري يدّعي تأخّره، كما إذا رأى عبدا سابقا ثمَّ اشتراه، و كان في وجهه آثار الجدري، و ادّعى المشتري عدمها عند المشاهدة.

أو غير متّفقين، بل يدّعي المشتري التغيّر، و البائع ينكره و يقول: إنّه كان كذا عند وجوده في الخارج، و هذا أيضا على قسمين:

لأنّ التغيّر المدّعى إمّا أمر زائد على قول البائع، بمعنى: أنّ المشتري يدّعي وصفا زائدا على ما يقبله البائع، كما إذا اشترى فرسا بعد مشاهدته

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 346

سابقا، و ادّعى أنّه كان حين المشاهدة سريعا في مشيه و عدوه، و تغيّر عدوه و لا يعدو حينئذ، و قال البائع: لم يكن كذلك، بل كان سريعا في مشيه فقط.

أو ليس بأمر زائد عليه، بل القولان أمران متقابلان، كأن يدّعي المشتري: أنّ العبد المبتاع كان قبل المشاهدة حسن الوجه و صار قبيحا، و قال البائع: بل تولّد قبيحا.

فإن اتّفقا في التغيّر فالأصل مع المشتري، لأصالة تأخّر الحادث.

و إن اختلفا في أصل التغيّر، فإن كان من القسم الأول فالأصل مع البائع، لأصالة عدم الزائد. و قد يمكن أن يكون الأصل في

هذا القسم مع المشتري، بأن يكون الأمر الزائد موجبا لنقص في الثمن- كأن تكون في العبد المبتاع سلعة [1]، ادّعى المشتري حدوثها بعد المشاهدة، و البائع كونها معه من بدو الوجود- فالأصل مع المشتري، لأصالة عدمها.

و إن كان من القسم الثاني، فنسبة الأصل إليهما على السواء، بل يتعارض فيه الأصلان و لا مرجّح.

و على هذا، فالعمل بأصالة عدم التغيّر مطلقا غير صحيح، بل يكون الأصل في بعض الصور مع المشتري، و لكون الأصل دليلا شرعيّا يحكم لأجله بالتغيّر، فيكون كالمعلوم و يخرج البيع عن اللزوم، و في بعض آخر مع البائع، و هو يكون معاضدا لأصالة لزوم البيع، و لا يكون مع واحد منهما في بعض آخر فيعمل بمقتضى أصالة اللزوم.

و هذا هو الكلام في أصالة لزوم البيع و عدم التغير.

______________________________

[1] السلعة- بكسر السين-: زيادة في الجسد، كالغدّة، و تتحرك إذا حرّكت- مجمع البحرين 4: 346.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 347

و أمّا الأصول الأربعة السابقة «1» فالأولان منهما مرتفعان بلزوم البيع [1] في كلّ صورة كان فيها الأصل لزومه.

أمّا الثاني، فظاهر.

و أمّا الأول، فلثبوت كون هذا الموجود حقّا له بلزوم البيع و أصالة عدم حقّ آخر له.

و الثالث معارض بمثله.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 14    347     الثالث عشر ..... ص : 347

أمّا الأخير، فإن لم يشترط صحّة البيع على الاطلاع به أو بمقابلة فتغيّره غير مضرّ، و إن اشترط فتعارض أصالة عدم الاطلاع به عدم الاطلاع بمقابله، و تبقى أصالة لزوم البيع بلا معارض.

هذا، و قد يتفاوت بعض تلك الأصول إذا كان البائع مدّعي التغيّر أو المشتري في الثمن، و بعد الإحاطة بما ذكرنا يعلم الحال في الجميع.

ثمَّ لا يخفى

أنّ ما ذكر كلّه إنّما هو إذا لم يتحقّق العلم العادي بالتغيّر أو عدمه، و إلّا فالعمل على المعلوم، و لا أثر للأصول المعارضة له.

[الثالث عشر]

يج: إذا اتّفقا على التغيّر بعد المشاهدة، و اختلفا في تقدّمه على البيع و تأخّره، فالحقّ: تقديم مدّعي التأخّر، لأصالة تأخّر الحادث، إلّا إذا لم يعلم زمان البيع أيضا، فتتعارض أصالة التأخّر فيهما، و تبقى أصالة لزوم البيع، و لا تعارضها أصالة عدم الانتقال، لكون الأول رافعا له.

[الرابع عشر]

يد: يظهر من المسالك عدم الخلاف في بطلان شراء ما يراد طعمه و ريحه بدون المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة من غير جهة الطعم و الريح «3».

______________________________

[1] في «ق» زيادة: كما.

______________________________

(1) في ص: 344.

(3) المسالك 1: 175.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 348

و استشكله المحقّق الأردبيلي و احتمل البناء على الأصل و الغالب مطلقا، فلو علم أنّ الغالب في دبس بلد نوع خاصّ من الثخن و غيره، لا حاجة إلى المشاهدة أو الوصف «1».

و هو كذلك إذا بلغت الغلبة حدّا يوجب العلم أو الظنّ أيضا، لانتفاء الغرر عرفا، و عدم دليل آخر على الاشتراط في هذه الأوصاف.

يه: لا شكّ في رجحان اختبار ما يراد منه الطعم أو الريح بالذوق و الشمّ إذا لم يفسدا بالاختبار، كاللبن و العسل و نحوهما، قطعا للنزاع و تأكيدا للوضوح، و يجوز الشراء بوصف الطعم و الريح إجماعا كما في الغنية «2» و غيره كغيره «3»، للأصل، و اندفاع الغرر.

و هل يجوز الشراء بدون الاختبار ذوقا و شمّا و لا وصفهما، بل بمجرّد المشاهدة أو الوصف من غير جهة الطعم و الريح من الأوصاف التي يعتبر علمها من اللون و القوام و غيرهما ممّا تختلف القيمة باختلافه؟

المشهور: نعم، و ظاهر التنقيح أنّه قول جميع المتأخّرين «4»، احالة على مقتضى الطبع، فإنّه أمر مضبوط عرفا لا يتغيّر غالبا، و مع ذلك يندفع

الغرر.

و لما رواه الحلّي في سرائره و الحلبي، قالا: روي: أنّه لا يجوز بيعه بغير اختباره، فإن بيع من غير اختبار له كان البيع غير صحيح و المتبايعان فيه بالخيار، فإن تراضيا بذلك لم يكن به بأس [1]. بحمل عدم الجواز على

______________________________

[1] السرائر 2: 331، و لم نعثر على رواية الحلبي لها.

______________________________

(1) مجمع الفائدة 8: 180.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 587.

(3) كالرياض 1: 516.

(4) التنقيح 2: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 349

المرجوحيّة، و الصحّة على اللزوم بقرينة إثبات الخيار.

و حكى في المهذّب و التنقيح عن القاضي و الديلمي و الحلبي عدم الجواز «1»، و في الأول عن الشيخين و ابن حمزة أيضا «2».

و عبارات أكثرهم غير صريحة في المنع، بل بالجواز أشبه، فإنّ القاضي و الحلبي و الشيخين و إن صرّحوا بعدم الصحّة [1]، و لكنّهم عقّبوه بالخيار مع البيع، فإرادة اللزوم من الصحّة ممكنة و إن احتمل تجوّز في الخيار.

و ظاهر الحلّي عدم الجواز إذا كان حاضرا مشاهدا، و الجواز مع الغيبة «4».

دليل المنع: الغرر، و رواية محمّد بن العيص: عن رجل يشتري ما يذاق، أ يذوقه قبل أن يشتريه؟ قال: «نعم، فليذقه و لا يذوق ما لا يشتري» «5».

و ردّ: بمنع الغرر، و ضعف الخبر، و قصوره عن إفادة الوجوب، لورود الأمر فيه في محلّ توهّم الحظر، فلا يفيد سوى الإباحة، مع كونه معارضا بالرواية المتقدّمة «6».

______________________________

[1] لم نعثر عليه في المهذب و جواهر الفقه، نعم حكاه عنه في المختلف: 389، الحلبي في الكافي: 354، المفيد في المقنعة: 609، الطوسي في النهاية: 404.

______________________________

(1) التنقيح 2: 28، المهذب البارع 2: 358.

(2) المهذب البارع 2: 358.

(4) السرائر 2: 331.

(5) التهذيب 7: 230- 1004، المحاسن:

450- 361، الوسائل 17: 375 أبواب عقد البيع و شروطه ب 25 ح 1.

(6) في ص: 348.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 350

أقول: انتفاء الغرر مطلقا غير معلوم، فإنّ من المطعومات و المشمومات المتّفقة في كثير من الأوصاف ما يختلف الطعم و الرائحة فيه اختلافا موجبا لاختلاف القيمة و الرغبات، و الجميع من مقتضى طبعه، و ليس فيها طعم غالب، ففي مثله يلزم الغرر.

و أمّا ضعف خبر ابن العيص سندا فعندنا غير ضائر، و الأمر فيه و إن كان واردا في معرض توهّم الحظر، و لكنّ الحقّ عندي إفادته الوجوب أيضا.

و الرواية المتقدّمة للمعارضة غير صالحة، لعدم تعيّن كون ذكر الخيار قرينة للتجوّز في الصحّة، لجواز العكس، بل هو أولى، لإمكان إرادة الخيار في الاسترداد و في البقاء على مقتضى البيع على وجه التراضي المحض دون البيع، و عدم ثبوت حقيقة شرعيّة في الخيار في التخيير في إبقاء العقد و عدمه.

و على هذا، فتكون الرواية دليلا آخر على المنع أيضا، فهو أقوى، سيّما إذا كان المبيع ممّا تختلف أفراده أو أصنافه في الطعم أو الرائحة، كالبطّيخ و الخلّ و ماء الورد.

إلّا أنّ المعلوم من الشواهد الحاليّة أن الأمر بالذوق لمعرفة الطعم، سيّما مع ذكر الاختبار في الرواية فإنّه يكون لتحصيل المعرفة، و مع تجويز البيع بوصف الطعم بالإجماع و الأخبار المجوّزة للسلف في الطعام «1».

و على هذا، فيختصّ اشتراط الذوق بما لم تحصل معرفته من جهة معرفة سائر الأوصاف عادة، فلو حصلت لم يحتج إلى الذوق.

و يفترق ما قلنا مع المشهور في حصول المعرفة الظنّية لأجل الغلبة،

______________________________

(1) الوسائل 18: 18 أبواب الخيار ب 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 351

فالظاهر منهم اعتبارها، و

على ما ذكرنا لا بدّ من العلم العادي.

[الخامس عشر]

يو: إذا كان ما يراد طعمه أو ريحه ممّا يفسد بالاختبار و يخرج عمّا هو عليه- كالجوز و البيض- جاز بيعه بغير اختبار بعد تعيينه بوجه آخر، للأصل، و اختصاص الخبر بما يذاق، و هذا ليس منه، بل الجواز هنا أولى ممّا تقدّم، لاستلزام المنع منه العسر و الحرج.

و يدلّ عليه أيضا: أنّا نعلم قطعا من الصدر الأول إلى هذا الزمان تحقّق شراء مثل الجوز و البطّيخ و البيض من غير الاختبار في جميع الأمصار، حتى من العلماء، بل الأئمّة فعلا أو تقريرا، فهو يكون إجماعا.

نعم، وقع الخلاف في جوازه مطلقا كما هو الأشهر، أو مع اشتراط الصحّة كما عن بعض «1»، أو البراءة من العيب كما عن آخر «2»، أو أحدهما كما عن جماعة «3». و الأول أقوى، للأصل، و عموم الأدلّة.

و احتمال العيب فيلزم الغرر مدفوع بأنّ احتمال الخروج عن أصل الطبيعة ليس غررا، لأصالة بقائه، و عدم كون هذا الاحتمال ملتفتا إليه في العرف ما لم يكن له شاهد.

نعم، لو كان طعمه بحسب أصل الطبيعة مختلفا اختلافا موجبا لتفاوت القيمة اتّجه القول بالاختبار، للزوم الغرر.

[السادس عشر]

يز: لا يجوز بيع سمك الآجام و لبن الضرع و الحمل و أمثالها بدون ضميمة، للغرر، و عليه الإجماع في الروضة «4»، و قيل: لا خلاف فيه «5».

______________________________

(1) منهم المحقق في الشرائع 2: 19 و العلّامة في القواعد: 126.

(2) ابن حمزة في الوسيلة: 247.

(3) منهم الشيخ في النهاية: 404 و انظر المختلف: 389.

(4) الروضة 3: 282.

(5) كما في الرياض 1: 516.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 352

و قد يقال باحتمال الجواز لو حصل الظنّ بحصول ما يقابل الثمن، لانتفاء الغرر.

و يدفعه الإجماع المحقّق و المنقول في

كلام جماعة، منهم الفاضل في التذكرة «1»، مضافا إلى إطلاق النهي عن شراء اللبن في الضرع بدون الضميمة في موثّقة سماعة الآتية «2»، و نهي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن بيع الملاقيح- و هو ما في بطون الأمّهات- و المضامين- و هو ما في أصلاب الفحول «3»- رواه جماعة من الفريقين، و انجبر ضعفه بالشهرة العظيمة، بل الإجماع.

و أمّا مع الضميمة المعلومة ففيه أقوال:

الجواز مطلقا، ذهب إليه الشيخ في النهاية «4» و جماعة «5»، بل عليه في الأول الإجماع في الغنية «6»، و اختاره بعض المتأخّرين ظاهرا «7»، و نفى في الكفاية البعد عن الأول، و استحسن الثاني، و استوجه الثالث «8».

و عدمه كذلك، نسب إلى الأشهر «9».

و التفصيل بالجواز مع كون المقصود بالذات هو الضميمة و المجهول

______________________________

(1) التذكرة 1: 468.

(2) في ص: 353.

(3) معاني الأخبار: 277- 278، الوسائل 17: 352 أبواب عقد البيع و شروطه ب 10 ح 2، و انظر الموطأ 2: 654- 63.

(4) النهاية: 400.

(5) منهم ابن حمزة في الوسيلة: 246، و نقله عن ابن البراج في المختلف: 387.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 586.

(7) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 186، الفيض الكاشاني في المفاتيح 3: 56، صاحب الحدائق 18: 492.

(8) الكفاية: 91.

(9) كما في الرياض 1: 517.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 353

تابعا، و البطلان مع العكس و التساوي، و إليه ذهب أكثر المتأخّرين «1».

الحقّ هو: الأول، أمّا في الأول فلرواية أبي بصير: في شراء الأجمة و ليس فيها قصب، إنّما هي ماء، قال: «يصيد كفّا من سمك فيقول: أشتري منك هذا السمك و ما في هذه الأجمة بكذا و كذا» «2».

و رواية البزنطي: «إذا كانت أجمة ليس فيها قصب

أخرج شي ء من السمك فيباع و ما في الأجمة» «3».

و أمّا في الثاني فلموثّقة سماعة: عن اللبن يشترى و هو في الضرع، قال: «لا، إلّا أن يحلب لك سكرجة [1] فيقول: أشتري منك هذا اللبن الذي في السكرجة و ما بقي في ضروعها بثمن مسمّى، فإن لم يكن في الضرع شي ء كان ما في السكرجة» «5».

و أمّا في الثالث فلرواية الكرخي: ما تقول في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة و ما في بطونها من حمل بكذا و كذا درهما؟ فقال: «لا بأس بذلك، إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف» «6».

______________________________

[1] السكرجة: إناء صغير يؤكل فيه الشي ء القليل من الأدم- مجمع البحرين 2: 310.

______________________________

(1) منهم العلّامة في المختلف: 387، ابن فهد في المقتصر: 167، الشهيد الثاني في المسالك 1: 176.

(2) التهذيب 7: 126- 551، الوسائل 17: 355 أبواب عقد البيع و شروطه ب 12 ح 6، بتفاوت يسير.

(3) الكافي 5: 194- 11، التهذيب 7: 124- 543، الوسائل 17: 354 أبواب عقد البيع و شروطه ب 12 ح 2.

(5) الكافي 5: 194- 6، الفقيه 3: 141- 620، التهذيب 7: 123- 538، الاستبصار 3: 104- 364، الوسائل 17: 349 أبواب عقد البيع و شروطه ب 8 ح 2، بتفاوت.

(6) الكافي 5: 194- 8، الفقيه 3: 146- 642، التهذيب 7: 45- 196 و 123- 539، الوسائل 17: 351 أبواب عقد البيع و شروطه ب 10 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 354

و تضعيف الأخبار بالإرسال أو الإضمار أو جهالة الراوي عندنا ضعيف.

احتجّ المانع بأنّ الجهالة موجبة للغرر المنهيّ عنه، و تعيين البعض غير مفيد، لأنّ ما بعضه مجهول كلّه مجهول.

و

الجواب: أنّ فساد بيع الغرر لعموم النهي، و تخصيصه بالأخصّ لازم، و لو سلّم العموم من وجه بين ما دلّ على حرمة بيع الغرر و هذه الأخبار- كما قيل- فلو رجّحنا تلك الأخبار بمخالفة العامّة و موافقة عموم الكتاب فهو، و إلّا فيتكافآن و يرجع إلى عمومات البيع.

استدلّ المفصّل بأنّ مع عدم كون المجهول مقصودا بالذات فإمّا لا يكون مبيعا- بل يكون تابعا له- أو لا يكون في شرائه غرر.

و ذلك لأنّ دخول شي ء في المبيع مع عدم القصد إليه بالذات: تارة يكون بأن لا يكون مقصودا و لا مستشعرا به أصلا، كحجر في جوف أرض ابتاعها، و كلأ واقع في شاطئ النهر الواقع في ضيعة اشتراها.

و اخرى بأن يكون مقصودا بالبيع و لكن لم يكن مقصودا ذاتيّا، كمن أراد شراء دار قيمتها ألف دينار، فشراها مع السمك الذي في حوض بألف دينار و درهم.

و في الأول ليس المجهول مبيعا حقيقة و إن كان تابعا له شرعا، فلا تضرّ جهالته.

و في الثاني و إن كان مبيعا و لكنّه لا يعدّ غررا عرفا، فيكون البيع صحيحا، بخلاف ما إذا كان مقصودا بالذات، فإنّه يوجب الغرر.

و الجواب: أنّه و إن أوجبه و لكنّ الرواية خصّصته، فلا حرج في هذا الغرر، كما في العبد الآبق مع الضميمة.

على أنّه قد يتحقّق الغرر في القسم الثاني أيضا، كما إذا كان ما يقابل

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 355

المجهول الغير المقصود بالذات من الثمن كثيرا، كمن اشترى الدار التي قيمتها مائة دينار و يحتاج إليها مع سمك في أجمة لا يبيعها المالك إلّا معه بمائتي دينار.

هذا، و تنزيل الروايات «1» على التفصيل لا شاهد عليه، مع أنّه في الروايتين الأوليين

غير ممكن.

ثمَّ إنّ جواز بيع المجهول مع الضميمة هل عامّ في كلّ مجهول، أو يختصّ بما ذكر؟

رجّح بعض المتأخّرين العموم، و نسبه إلى الشيخ «2».

و ظاهر بعضهم الاختصاص بما ورد فيه النصّ- كما ذكر- و الثمار.

و هو الأظهر، اقتصارا على موضع النصّ في ارتكاب الغرر.

نعم، لو كان المقصود بالبيع هو الضميمة، و كان المجهول تابعا في البيع من غير قصد إليه- بأن يكون المبيع هو الضميمة و إن تبعه المجهول شرعا أو عرفا- فلا شكّ في العموم، إذ لا غرر في البيع.

و لو كانا مقصودين بالبيع و لكن كان المقصود بالذات هو الضميمة، و كان شراء المجهول أو بيعه مقصودا بالعرض، يجب البناء على قاعدة الغرر، كما أشير إليه.

و قد يستدلّ على العموم بروايتي الهاشمي.

إحداهما: في الرجل يتقبّل بجزية رؤوس الجبال و خراج النخل و الآجام و الطير، و هو لا يدري لعلّه لا يكون من هذا شي ء أبدا، أو يكون،

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 353.

(2) انظر مجمع الفائدة 8: 185 و 186.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 356

قال: «إذا علم من ذلك شيئا واحدا أنّه قد أدرك، اشتراه و تقبّل به» «1»، و زاد في الأخرى: و الشجر و المصائد و السمك «2».

و فيه: أنّ إرجاع الضمير في: «اشتراه» إلى ما أدرك ممكن، فلا يدلّ على المطلوب.

و هل يجب أن تكون الضميمة ما في النصّ من بعض السمك في الأول و ما يحلب منه في الثاني و الأصواف في الثالث، أو تصحّ كلّ ضميمة؟

مقتضى الأصل: الأول، إلّا أنّ ظاهر الجماعة: الثاني «3»، بل الظاهر عدم القول بالفصل، و في التذكرة الإجماع على جواز بيع الحمل مع امّه، آدميّا كان أو غيره «4».

[السابع عشر]

يح: يصحّ

بيع القصب في الأجمة و الصوف و الوبر و الشعر على الأظهر إذا كانت مشاهدة و إن كانت الثلاثة الأخيرة موزونا في الجملة، لاختصاص الوزن فيها بما بعد الجزّ عرفا دون ما إذا كانت على الظهر.

وفاقا للمفيد و الحلّي و الفاضل في التذكرة «5» و أكثر المتأخّرين «6»، للأصل، و فقد المانع.

و خلافا لجماعة، منهم: الشيخ و الحلبي و القاضي «7»، و في التذكرة:

______________________________

(1) الكافي 5: 195- 12، الفقيه 3: 141- 621، التهذيب 7: 124- 544، الوسائل 17: 355 أبواب عقد البيع و شروطه ب 12 ح 4، بتفاوت.

(2) الفقيه 3: 141- 621، الوسائل 17: 355 أبواب عقد البيع ب 12 ذ. ح 4.

(3) منهم العلّامة في الإرشاد 1: 362 و صاحب الرياض 1: 516.

(4) التذكرة 1: 468.

(5) المفيد في المقنعة: 609، الحلي في السرائر 2: 322، التذكرة 1: 468.

(6) منهم فخر المحققين في الإيضاح 1: 422، و انظر مجمع الفائدة 8: 188.

(7) الشيخ في المبسوط 2: 158، الحلبي في الكافي في الفقه: 356، نقله عن القاضي في المختلف: 386.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 357

أنّه الأشهر «1»، لما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه نهى أن يباع صوف على ظهر «2»، نقله في التذكرة.

و الرواية عاميّة مرسلة، و الشهرة الجابرة لها غير معلومة.

و قيّد الشهيد الجواز بشرط الجزّ أو كونها بالغة أوانه «3».

و لا وجه له، لأنّ ذلك لا مدخل له في الصحّة، بل غايته مع تأخّره الامتزاج بمال البائع، و هو لا يقتضي بطلان البيع، كما لو امتزجت لقطة الخضر بغيرها، فيرجع إلى الصلح.

و لو شرط تأخيرها عن وقت البيع مدّة معلومة و تبعيّة المتجدّد لها بني على الغرر،

فإن أوجبه بطل، و إلّا صحّ.

[الثامن عشر]

يط: قال في المسالك بعدم جواز بيع الجلد على الظهر منفردا «4»، و تأمّل فيه في الكفاية «5»، و استدلّ في التذكرة للمنع عن بيع الرأس و الجلد بالجهالة «6».

و هو حسن، لاختلاف الجلود في الثخانة و الرقّة، و لأنّ باطنها غير مشاهد، و قد يختلف بما تختلف به القيمة.

[التاسع عشر]

ك: إذا باع شيئا مكيلا أو موزونا بظرفه كالزيت في الزقاق [1] و السمن

______________________________

[1] الزّقّ: السقاء، أو جلد يجزّ و لا ينتف للشراب أو غيره، و جمعه: زقاق و زقّان- مجمع البحرين 5: 177.

______________________________

(1) التذكرة 1: 468.

(2) سنن الدارقطني 3: 14- 40.

(3) الدروس 3: 196.

(4) المسالك 1: 176.

(5) الكفاية: 91.

(6) التذكرة 1: 471.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 358

في الجلد معهما كلّ رطل بدرهم، فان عرف قدر كلّ منهما تفصيلا صحّ، لعدم المانع، و رضاء المشتري أن يشتري الظرف كلّ رطل بكذا.

و إن لم يعرف قدر كلّ منهما و لا المجموع بطل، لعدم العلم بالقدر.

و إن عرف وزن المجموع دون كلّ واحد فجوّزه في التذكرة و المسالك «1».

و الوجه: المنع، لا للغرر، بل لعدم تحقّق ما يشترط في بيع المكيل و الموزون من الكيل و الوزن، إذ المتبادر من اشتراطهما و الأمر بهما معرفة قدر المكيل و الموزون بخصوصه لا مع غيره، فلو وزن حنطة مع بطّيخ و كانا عشرة أرطال و لم يعلم وزن البطّيخ لم يصدق وزن الحنطة، إذ المراد بزنته ليس محض المقابلة مع شي ء، بل هي مع معرفة مقداره بخصوصه، كما يشهد به العرف. و لا يفيد كون المقصود بالذات بيع المظروف، لأنّه لو أفاد إنّما يفيد في دفع الغرر و الجهالة دون الكيل و الوزن.

نعم، لا يبعد الاكتفاء بوزن

المجموع إذا صار وزنهما معا معتادا، بحيث يكون الظرف و المظروف معا في العرف شيئا موزونا على حدة غير المظروف منفردا. و الأحوط وزن المظروف حينئذ أيضا.

و في حكم الظرف كلّ ما يجتمع مع المبيع في الكيل و الوزن من غير جنسه و لو كان مكيلا أو موزونا و كانا متّفقين قيمة، فلو وزن الإبريسم و الغزل معا من غير معرفة التفصيل لم يصحّ البيع، لعدم صدق وزن الإبريسم مع كونه موزونا. إلّا أن يكون في غاية القلّة، بحيث يتسامح به عادة في الكيل و الوزن، كالتراب القليل في الحنطة، أو حصلت من جمعهما حقيقة ثالثة مركّبة منهما، كالسكنجبين و سائر ما يتركّب من الموزونات.

______________________________

(1) التذكرة 1: 471، المسالك 1: 176.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 359

و لو تعارف وزنهما معا، بأن يكونا في العرف معا موزونا على حدة و إن لم يحصل التركيب الحقيقي، فلا يبعد الاكتفاء بزنة المجموع، كما مرّ في الظرف.

و التوضيح: أنّه كما قد يخرج الموزون عن كونه موزونا بتغيّر خاصّ فيه كبعض النبات، يمكن أن يخرج عن كونه موزونا منفردا بضمّ شي ء آخر معه، فحينئذ يكفي وزن المجموع، و إن كان الأحوط وزن كلّ منهما إذا كانا موزونين، سيّما إذا تعارف الأمران، أي وزن كلّ منهما و وزنهما معا.

[العشرين ]

كا: لو باعه في ظرفه لا معه و وزنه معه- بأن يزن الظرف بعده و أسقطه بحسابه- جاز قطعا.

و لو باعه كذلك و لكن لم يزن الظرف، بل يسقط شيئا بإزائه، فإن كان ممّا علم زيادته عن المسقط أو نقصه فلا يجوز الإسقاط إلّا مع التراضي، أي بالإسقاط. و الوجه ظاهر، و تدلّ عليه الروايتان الآتيتان.

و إن لم يعلم ذلك،

بل كان بالتخمين، و احتمل الزيادة و النقصان، فهو جائز، لموثّقة حنّان: إنّا نشتري الزيت في زقاقه، فيحسب لنا النقصان فيه لمكان الزقاق، فقال له: «إن كان يزيد و ينقص فلا بأس، و إن كان يزيد و لا ينقص فلا تقربه» «1».

و أمّا رواية علي بن أبي حمزة: يطرح ظروف السمن و الزيت لكلّ ظرف كذا و كذا رطلا، فربّما زاد و ربما نقص، فقال: «إذا كان ذلك عن تراض منكم فلا بأس» «2»- حيث دلّت بالمفهوم على عدم الجواز بدون

______________________________

(1) الكافي 5: 183- 4، التهذيب 7: 128- 559، الوسائل 17: 367 أبواب عقد البيع و شروطه ب 20 ح 4، بتفاوت يسير.

(2) التهذيب 7: 128- 558، الوسائل 17: 366 أبواب عقد البيع و شروطه ب 20 ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 360

التراضي- فإرادة التراضي بأصل البيع فيها ممكنة، بل يمكن أن يكون المراد بقوله: ربما زاد و ربما نقص: السؤال عن الزيادة و النقيصة المعلومتين دون المحتملتين، بل الأول مقتضى حقيقة اللفظ، و لا كلام في اشتراط التراضي حينئذ كما مرّ.

فإن قيل: ما وجه تقييد الجواز بالتراضي في صورة العلم بالزيادة أو النقصان دون صورة الاحتمال، مع أنّ فيها أيضا لا يتمّ الأمر بدون التراضي، سواء أريد التراضي قبل المبايعة أو بعدها؟! قلنا: المراد بالتراضي هنا مقابل البيع، و المعنى: أنّه لا يجوز أخذ المشتري الزيادة المعلومة في المظروف و لا البائع الزيادة المعلومة في الثمن بعنوان المبايعة، و إنّما يجوز الأخذ بعنوان المراضاة، بخلاف المحتملة، فإنّ أخذه بالمبايعة جائز.

و التوضيح: أنّه إذا وزن سمن مع جلوده فكان مائة رطل، فباع كلّ رطل منه بدرهم، و علم أنّ الجلد

ثمانية أرطال، فلو أسقط خمسة بإزائه كان المبتاع خمسة و تسعين رطلا من السمن، و كان ما بيده اثنين و تسعين، فيكون بعض الثمن- الذي هو ثلاثة دراهم- لا يكون بإزائه المثمن، أمّا لو أعطاه الثلاثة دراهم بعنوان التراضي- لا بعنوان بيع كلّ رطل من السمن بدرهم- يكون جائزا.

و كذا إذا أسقط في المثال بإزاء الجلد عشرة أرطال، فيبقى السمن المبتاع تسعون رطلا مع أنّه يزيد برطلين، فيبقى الرطلان عنده بلا ثمن، فلا يكون مبيعا. و أمّا لو أعطى المالك الرطلين بعنوان المراضاة و الإباحة فيكون جائزا.

و كذا إذا كان البيع قبل الوزن، كأن يبيعه تسعين رطلا من السمن،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 361

فوزن مع الجلد و كان مائة رطل، و علم أنّ الجلد ثمانية، فلا يصحّ حسابه عشرة و إعطاء اثنين و تسعين بعنوان البيع، لأنّ المبيع تسعون، و لا خمسة و أخذ ثمن [خمسة] [1] و تسعين بعنوان البيع، بل يجوز ذلك بعنوان الإباحة و التراضي. بخلاف ما إذا كان المسقط محتملا للزيادة و النقصان، فإنّه يجوز بناء البيع على ما يبقى بعد إسقاطه بحكم النصّ، و لعدم معلوميّة الزيادة أو النقصان.

و أمّا ما قيل من أنّ مرادهم: أنّ الجهالة بهذا المقدار لا تضرّ، و أنّه لو تراضى المتبايعان بأصل المبايعة مع الظرف بقصد الإندار [2] تخمينا، و لم يرض البائع بالفسخ أيضا، فلا يشترط رضاه بذلك «3».

فهو كذلك، إلّا أنّه لا يفيد في التفرقة بين الصورتين بالتقييد بالتراضي في إحداهما دون الأخرى.

ثمَّ لا يخفى أنّه كما ثبت ممّا ذكر أنّ الإندار مع التخمين غير مضرّ في البيع مع تضمّنه الجهالة في الجملة، كذلك ظهر حلّية المبيع و الثمن للمتبايعين و

لو كان المبيع زائدا عمّا ذكر من الوزن أو ناقصا في الواقع، و كذا لو ظهر التفاوت لأحدهما بعد الإندار فيجوز له التصرّف في الزائد.

و هل يحصل بذلك اللزوم- يعني: لو أندر تخمينا، فأراد أحدهما التحقيق بعده أو ظهر التفاوت بعد الإندار، بأن يزيد الظرف مثلا على ما أندر، فطلب المشتري الناقص، أو ينقص فطلب البائع الزائد، فلا يكون له ذلك- أو لا يحصل فيكون؟.

______________________________

[1] في النسخ: ثلاثة، و الظاهر ما أثبتناه.

[2] و أندره غيره، أي أسقطه. يقال أندر من الحساب كذا- الصحاح 2: 825.

______________________________

(3) انظر المسالك 1: 176.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 362

الحقّ هو: الثاني، للأصل، إلّا أن يكون الإندار مشروطا في العقد.

[الحادي و العشرين ]

كب: لا يختلف في حكم الإندار التخميني أو مع الاختلاف المعلوم فيما إذا جرت العادة بإندار قدر معيّن للظرف أو لم تجر، و الوجه ظاهر بعد التأمّل.

[الثاني و العشرين ]

كج: الظرف بعد إنداره يكون باقيا على ملك البائع، إلّا مع شرط كونه للمشتري، أو كونه متعارفا بين الناس بحيث يتبادر بتبعيّته للمبيع، فيكون مثل الحجارة في الأرض.

[الثالث و العشرين ]

كد: اعلم أنّ كلّ ما حكم فيه ببطلان البيع لأجل الغرر فإنّما هو في البيع اللازم، أمّا لو باع بشرط الخيار لو لا على النحو المقصود الرافع للضرر فلا يبطل من هذه الجهة، لعدم الغرر عرفا.

و منها:

أن يكون المبيع موجودا حال البيع، لما مرّ من اشتراط المالكيّة حين البيع، و ما لا وجود له لا يكون مملوكا.

نعم، ثبت بالأخبار و الإجماع الجواز في السلم و بيع المعدوم مع الضميمة في الجملة و نحوهما، فمثل ذلك خارج بالدليل.

و الحاصل: أنّ القاعدة عدم جواز بيع المعدوم حال البيع فيستثنى منه ما استثناه الدليل.

(و يأتي بعض أحكام أخر لكلّ من العوضين في المباحث الآتية، كبحث بيع الثمار، و بيع الزرع، و بيع الحيوان، و السلم، و غير ذلك) [1].

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ح».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 363

المقصد الثاني في الخيار

اشاره

و فيه فصلان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 365

الفصل الأول في أقسامه
اشاره

و هي ثمانية:

الأول: خيار المجلس.
اشاره

و المراد به خيار المتبايعين ما لم يفترقا، سواء جلسا في موضع، أو قاما، أو مشيا، أو غير ذلك.

و الأصل في ثبوته- بعد الإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضا في التذكرة «1» و غيره «2»- الأخبار المتضمّنة لقوله: «البيّعان بالخيار حتى يفترقا»، [كالصحاح الأربعة لزرارة «3» و محمّد «4» و ابن يزيد «5» و الفضيل «6»] [1] و في الأخيرة: «فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما».

أو: «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان، و فيما سوى ذلك من

______________________________

[1] بدل ما بين المعقوفين في «ح»: كصحيحة زرارة أن المتبايعان كذلك كالصحاح الأربعة لزرارة و محمد و الفضيل، و في «ق»: كصحيحة زرارة أو البيّعان كذلك، كالصحاح الأربعة لزرارة و محمّد و الفضيل، و الظاهر ما أثبتناه.

______________________________

(1) التذكرة 1: 515.

(2) كالمفاتيح 3: 68 و الحدائق 19: 5 و الرياض 1: 522.

(3) الكافي 5: 170- 4، الوسائل 18: 5 أبواب الخيار ب 1 ح 2.

(4) الكافي 5: 170- 5، الوسائل 18: 5 أبواب الخيار ب 1 ح 1.

(5) الكافي 5: 174- 2، التهذيب 7: 26- 110 الوسائل 18: 7 أبواب الخيار ب 1 ح 6.

(6) الكافي 5: 170- 6، التهذيب 7: 20- 85، الاستبصار 3: 72- 240، الوسائل 18: 6 أبواب الخيار ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 366

بيع حتى يفترقا» كصحيحة محمّد «1».

و في صحيحة الحلبي: «أيّما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار حتى يفترقا، فإذا افترقا فقد وجب البيع» «2».

و ما في بعض الأخبار- من اللزوم بعد الصفقة على الإطلاق أو إن لم يفترقا «3»- شاذّ مطروح، أو على التقيّة محمول- فإنّه فتوى أبي حنيفة «4»- أو بصورة انتفاء

الخيار مخصوص.

و هاهنا فروع:
[الفرع الأول ]

أ: لا إشكال في ثبوت الخيار إذا وقع البيع من المالكين.

و إن وقع من وكيليهما، فهل الخيار للمالكين، أو الوكيلين، أو لهما؟

و المستفاد من كلام بعضهم أنّه يبني على صدق «البيّعين» و «المتبايعين»، فإن قلنا بصدقهما على أحدهما فالخيار له، و إن قلنا بصدقهما عليهما فلهما.

ثمَّ إنّ الظاهر من بعضهم أنّهما لا يصدقان إلّا على المالكين «5»، و يظهر من آخر اختصاصهما بالوكيلين «6»، و من ثالث صدقهما عليهما «7».

______________________________

(1) التهذيب 7: 23- 99، الوسائل 18: 10 أبواب الخيار ب 3 ح 3.

(2) الكافي 5: 170- 7، التهذيب 7: 20- 86، الاستبصار 3: 72- 241، الوسائل 18: 9 أبواب الخيار ب 2 ح 4.

(3) كخبر غياث بن إبراهيم المروي في التهذيب 7: 20- 87، الاستبصار 3:

73- 242، الوسائل 18: 7 أبواب الخيار ب 1 ح 7.

(4) بداية المجتهد 2: 170، المحلّى 8: 354، المجموع 9: 184.

(5) انظر المسالك 1: 176.

(6) انظر الحدائق 19: 12.

(7) الرياض 1: 522.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 367

و لا يخفى أنّ البيع- كما عرفت- هو نقل الملك بنحو مخصوص، و هو أعمّ من أن يكون نقلا لملك نفسه أو غيره و قد صدر من الوكيل نقل الملك، فلا ينبغي الريب في صدقه عليه إذا كان التعيين و القبض و الإقباض بيده.

نعم، يشكل فيما إذا كانا وكيلين في خصوص إجراء الصيغة فقط، و لا يبعد الصدق حينئذ أيضا.

و أمّا المالكان، فالظاهر الصدق إذا كانا بنفسهما مباشرين لتعيين الثمن و المثمن و القبض و الإعطاء و إن وكّلا في إجراء الصيغة غيرهما.

و أمّا إذا لم يباشرا ذلك، و كان الجميع بيد الوكيلين، فالظاهر عدم الصدق.

و أما جواز القول: بأنّ

فلانا باع فرسه، فهو مجاز، لصحّة السلب، فيقال: لم يبعه هو بل باعه غيره، و لأنّه يجوز أن يقال: باع فلان فرس فلان، و لم يتحقّق إلّا بعمل واحد و هو من الوكيلين حقيقة قطعا، لعدم صحّة السلب.

فالظاهر صدق البائعين على الوكيلين، إلّا إذا كانا وكيلين في مجرّد الصيغة، ففيه إشكال.

ثمَّ إنّا لو قلنا بثبوته للمالكين مطلقا أو في بعض الصور يختصّ بما إذا كانا مجتمعين في محلّ البيع، لأنّ المستفاد من الروايات- بقرينة قولهم عليهم السّلام: «حتى يفترقا»- ثبوته للبائعين المجتمعين حال البيع، بل في محلّه.

و أمّا المتفرّقان حال البيع، أو المجتمعان لا في مجلس البيع، فلا

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 368

خيار لهما مطلقا، كما أنّ الوكيلين أيضا- على ما قيل «1»- لا خيار لهما مع صدق البائعين عليهما أيضا إلّا مع إذن المالك عموما أو صريحا في الخيار، إذ بدونه يحصل التعارض بين أخبار خيار البائع و أدلّة عدم جواز تصرّف الوكيل إلّا فيما وكّل فيه، و الترجيح للثاني، و لولاه فالأصل معه.

و هو عندي محلّ نظر، لأنّ الفسخ بالخيار ليس تصرّفا عرفا.

سلّمنا، و لكن بعد تسليم صدق البائع عليه يكون الإذن حاصلا له من قبل الشارع، فالأقوى جواز فسخه.

ثمَّ لو قلنا بعدم صدق البائع على الوكيلين، و عدم ثبوت الخيار لهما لأجل ذلك، فهل يثبت لهما مع التوكيل في الخيار أيضا على وجه يصحّ، أم لا؟

صرّح بعضهم بالأوّل «2»، لعمومات الوكالة، و هو إنّما يتمّ مع ثبوته للمالكين، و أمّا بدونه مطلقا أو مع عدم الاجتماع فلا، إذ لا يجوز التوكيل إلّا فيما يجوز فعله للموكّل.

بل في الثبوت بالتوكيل مع ثبوته للموكّل أيضا نظر، لعدم ثبوت جواز التوكيل في كلّ

ما يجوز للموكّل فعله، و الأصل يقتضي عدم ترتّب الأثر إلّا فيما ثبت فيه جواز التوكيل.

مع أنّ هاهنا كلاما آخر، و هو أنّ الثابت من الأخبار ثبوت الخيار للموكّلين إذا لم يفترقا، فلو جاز التوكيل فيه لجاز إذا كانا مجتمعين و لم يفترقا بعد، لا أن يجوز التوكيل في الخيار إذا لم يفترق الوكيلان، و هذا ظاهر جدّا، و ظاهر المجوّز إرادة الأخير.

______________________________

(1) انظر المسالك 1: 178.

(2) كصاحب الحدائق 19: 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 369

و حكم المتفرّقين- بأن يكون أحد المتبايعين وكيلا و الآخر مالكا- يظهر ممّا مرّ.

[الفرع الثاني ]

ب: هذا الخيار يثبت في جميع أقسام البيع، كالسلف و النسية و التولية و المرابحة، و بالجملة: جميع ما يصدق عليه البيع، لعموم الروايات.

[الفرع الثالث ]
اشاره

ج: يسقط هذا الخيار بأمور:

الأول:

مفارقتهما أو أحدهما عن صاحبه و لو بخطي، بلا خلاف، للأخبار المتقدّمة «1»، و صحيحة محمّد: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:

«بايعت رجلا، فلمّا بعته قمت فمشيت خطى ثمَّ رجعت إلى مجلسي ليجب البيع حين افترقنا» «2»، و قريب منها غيرها «3».

بل نفي الخلاف عن الخطوة أيضا «4»، فإن ثبت الإجماع عليها، و إلّا فسقوط الخيار بالافتراق بها- بل و بالخطوتين- مشكل، لعدم تبادر مثلهما عن الافتراق عرفا و عادة، بل و كذا الخطوات الثلاث، و لا يفيد لفظ الخطى في الصحيح، إذ لا يتعيّن فيه أقلّ الجمع، لأنّه إخبار عن فعله عليه السّلام.

فالمناط: حصول الافتراق عرفا، و الظاهر حصوله بنحو من خمسة أو ستة و ما زاد، سواء كان ذلك بالمشي، أو جذب نفسه إلى ورائه بهذا المقدار.

و لا يسقط بالتماشي و التقارب بخطي.

______________________________

(1) في ص: 366.

(2) الكافي 5: 171- 8، الوسائل 18: 8 أبواب الخيار ب 2 ح 3.

(3) الفقيه 3: 127- 557، التهذيب 7: 20- 84، الاستبصار 3: 72- 239، الوسائل 18: 8 أبواب الخيار ب 2 ح 2.

(4) الرياض 1: 523.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 370

و المستفاد من الصحيح: سقوط الخيار بالافتراق و لو قصد الرجوع أو السقوط، فالاستشكال في التباعد لا بقصد الافتراق لا وجه له، كما لا وجه للإسقاط بالأخذ في الافتراق بقصد المفارقة و لو لم تحصل المفارقة العرفيّة بعد. و كونه تسليما للّزوم ممنوع.

ثمَّ إنّ القدر الثابت من الأخبار و الظاهر من كلام الأصحاب- بل المصرّح به في عبارات جماعة «1»- اعتبار المباشرة و الاختيار في الافتراق، فلو أكرها أو أحدهما عليه لم يسقط، سواء منع من التخاير و الفسخ

أو لا.

و قيّده جماعة بالأول «2». و لا وجه له، لأنّ عدم الفسخ في حال يثبت معها الخيار لا يثبت الالتزام، فإذا زال الإكراه فلهما الخيار.

و هل هو فوريّ، أو يستمرّ باستمرار مجلس الزوال؟

قيل بالأول «3»، لرفع الضرورة به، فيقتصر على مخالفة مقتضي اللزوم عليه.

و فيه: أنّ المسلّم هو اللزوم بعد حصول الافتراق الظاهر في الاختياري، و أصالة اللزوم مطلقا ممنوعة.

و أيضا لو كان الأصل اللزوم، فأيّ ضرورة في القول بالخيار عند الإكراه على الافتراق؟! فإن كان سبب الضرورة هو إثبات الخيار في الأخبار قبل حصول الافتراق الظاهر في الاختياري فهو بعد موجود.

و هذا حجة القول الثاني، مضافا إلى الاستصحاب، مع أنّ السقوط

______________________________

(1) منهم صاحب الحدائق 19: 11 و صاحب الرياض 1: 523.

(2) منهم العلّامة في القواعد 1: 142، و الشهيد الثاني في الروضة 3: 449 و صاحب الرياض 1: 533.

(3) كما في التذكرة 1: 516.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 371

بزوال مجلس زوال الإكراه أيضا مشكل، أمّا إذا كان زواله بنحو التقارب فظاهر، و أمّا إن كان بالتباعد فلأنّ المفروض حصول الفرقة بالإكراه، فلا معنى لحصول الافتراق الموجب لزوال الخيار بعدها، إذ لا يكون افتراق إلّا من الاجتماع.

و المسألة محلّ الإشكال، و للتوقّف فيها مجال.

ثمَّ الإكراه الموجب لعدم السقوط هل هو ما يترفع معه القصد- كحمل البائعين و جرّهما عن المجلس- أو يشمل نحو التهديد على الجلوس و نحو الافتراق للخوف من الجلوس أيضا؟

يحتمل كلامهم الإطلاق، بل هو المصرّح به في كلام بعضهم «1»، و الظاهر من الأخبار: الثاني، لصدق الافتراق لعدم اعتبار الرضا فيه قطعا و إن احتمل اعتبار المباشرة فيه، و لذا يستصحب الخيار مع عدمها.

و لو فارق أحدهما مجلس العقد

و منع الآخر من مصاحبته كرها ففيه إشكال، لعدم ثبوت الافتراق منهما، سيّما مع منعه عن التكلّم.

الثاني:

اشتراط سقوط الخيار في ضمن العقد، بلا خلاف يعرف كما في كلام جماعة «2»، بل عليه الإجماع في الغنية «3» و غيره «4»، لوجوب الوفاء بالشرط، لعموم: «المؤمنون عند شروطهم» «5».

______________________________

(1) كصاحب الحدائق 19: 19.

(2) منهم السبزواري في الكفاية: 91 و صاحب الحدائق 19: 7 و صاحب الرياض 1:

522.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 587.

(4) كالتذكرة 1: 519 و الحدائق 19: 19.

(5) الكافي 5: 169- 1، التهذيب 7: 22- 94، الوسائل 18: 16 أبواب الخيار ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 372

و كون هذا الشرط مخالفا للسنّة المثبتة للخيار أو لمقتضى العقد ممنوع، لأنّه إنّما هو إذا شرط عدم ثبوت الخيار لا سقوطه المستلزم للثبوت أولا، فيشترط أنّه يسقط بمجرّد ثبوته، و هذا لا يخالف سنّة و لا مقتضى العقد.

نعم، لو شرط عدم ثبوت الخيار فالظاهر فساده، و لكن لا يبعد القول باستلزامه للإيجاب، لدلالته التزاما على الالتزام المسقط للخيار.

و لو شرط عدم الفسخ فيجب الوفاء به، و لو فسخ حينئذ لم ينفسخ، للنهي عن الفسخ الموجب لعدم ترتّب الأثر عليه.

و يدلّ على زوال الخيار بهذا الاشتراط أنّه التزام للعقد، و سيأتي أنّه موجب لسقوط الخيار.

و الظاهر عدم الفرق في السقوط فيما إذا كان الشرط في ضمن العقد أو قبله، وفاقا للشيخ «1»، لإطلاق بعض ما مرّ.

الثالث:

إسقاطهما أو أحدهما إيّاه بعد العقد بكلّ لفظ يدلّ عليه، بالإجماع المحقّق و المحكيّ مستفيضا «2»، و به يقيّد إطلاق المستفيضة المثبتة للخيار.

مضافا إلى العلّة المنبّهة عليه في صحيحة علي بن رئاب الواردة في خيار الحيوان، و فيه: «الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري اشترط أو لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة

فذلك رضا منه فلا شرط له»، قيل: و ما الحديث؟ قال: «إن لامس أو قبّل أو نظر إلى ما

______________________________

(1) الخلاف 1: 513.

(2) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 587 و التذكرة 1: 517 و الرياض 1: 523.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 373

كان محرّما عليه قبل الشراء» «1».

و لو اختار أحدهما الإمضاء و الآخر الفسخ تقدّم الفسخ، و الوجه ظاهر.

الرابع:

التصرّف، فإن كان من المشتري في المبيع فيسقط خياره، كما يسقط خيار البائع إن تصرّف في الثمن.

و إن كان من كلّ منهما أو أحدهما في ما كان له أولا فيسقط خيارهما، بمعنى انفساخ البيع الذي هو محلّ الخيار.

أمّا الثاني فظاهر.

و أمّا الأول فتدلّ عليه صحيحة علي بن رئاب المتقدّمة، و لكن لا يثبت منها أزيد من السقوط بالتصرّف المفهم للالتزام و عدم إرادة الفسخ، أو المفهم للفسخ و عدم الرضا بالبيع، و الإجماع المركّب غير ثابت، فالاقتصار على الأول لازم.

و على هذا، فهو أيضا التزام للبيع كالثالث، إلّا أنّه قوليّ و هذا فعليّ.

الخامس:

الأقوى عدم ثبوت هذا الخيار للعاقد عن اثنين ولاية أو وكالة، لعدم صدق المتبايعين حقيقة، و دليل ثبوته ضعيف.

الثاني: خيار الحيوان.
اشاره

و هو ثلاثة أيّام للمشتري، بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في التذكرة «2» و غيره «3»، و المستفيضة، كصحيحة علي بن رئاب المتقدّمة.

______________________________

(1) الكافي 5: 169- 2، التهذيب 7: 24- 102، الوسائل 18: 13 أبواب الخيار ب 4 ح 1.

(2) التذكرة 1: 519.

(3) كالسرائر 2: 244 و التحرير 1: 166 و كشف الرموز 1: 457 و التنقيح 2: 44.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 374

و صحيحة ابن سنان: عن الرجل يشتري الدابّة أو العبد، و يشترط إلى يوم أو يومين، فيموت العبد أو الدابّة، أو يحدث فيه حدث، على من ضمان ذلك؟ فقال: «على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام و يصير المبيع للمشتري، شرط له البائع أو لم يشترط» «1».

و صحيحتي زرارة «2» و محمّد «3»: «البيّعان بالخيار حتى يفترقا، و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام».

و صحيحة الفضيل: ما الشرط في الحيوان؟ فقال: «ثلاثة أيّام للمشتري» قلت: و ما الشرط في غير الحيوان؟ قال: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» «4».

و صحيحة الحلبي: «في الحيوان كلّه شرط ثلاثة أيّام للمشتري، و هو بالخيار فيها إن اشترط أو لم يشترط» «5».

و صحيحة ابن أسباط: «الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري، و في غير الحيوان أن يتفرّقا» «6».

______________________________

(1) الكافي 5: 169- 3، الفقيه 3: 126- 551، التهذيب 7: 24- 103، الوسائل 18: 14 أبواب الخيار ب 5 ح 2، بتفاوت.

(2) الكافي 5: 170- 4، الوسائل 18: 5 أبواب الخيار ب 1 ح 2.

(3) الكافي 5: 170- 5، الوسائل 18: 5 أبواب الخيار ب 1 ح 1.

(4) الكافي 5:

170- 6، التهذيب 7: 20- 85، الاستبصار 3: 72- 240، الخصال: 127- 128، الوسائل 18: 11 أبواب الخيار ب 3 ح 5 و أورد ذيلها في ص 346 ب 1 ح 3.

(5) الفقيه 3: 126- 549، التهذيب 7: 24- 101، الوسائل 18: 10 أبواب الخيار ب 3 ح 1.

(6) الكافي 5: 216- 16، التهذيب 7: 63- 274، الوسائل 18: 9 أبواب أحكام العيوب ب 2 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 375

و موثّقة ابن فضّال: «صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيّام» «1».

فروع:
[الفرع الأول ]

أ: هل هذا الخيار للمشتري خاصّة، أو له و للبائع؟

الأقوى هو: الأول، و هو الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر «2»، وفاقا للإسكافي و الصدوق و الشيخين و أبي علي و الديلمي و القاضي و الحلّي «3»، و عليه الإجماع عن الغنية و الدروس «4»، بل لا يبعد دعوى الإجماع المحقّق فيه، فهو- بعد الأصل- الحجّة في الاختصاص.

مضافا إلى ظهور «اللام» في الروايات كلّها في الاختصاص، و أظهر منه التفصيل في الصحاح الأربعة لزرارة و محمد و الفضيل و ابن أسباط، بل هي كالنصوص في ذلك، كما يشهد به العرف الذي هو الحجّة في المقام.

و المذكور في الأوليين و إن كان صاحب الحيوان إلّا أنّ المراد منه المشتري، للتفسير به في الموثّقة، و لأنّهما بحسب السياق- كما عرفت- ظاهران في اختصاص الخيار بأحدهما، و هو مخالف الإجماع إن أريد به البائع، لعدم الانحصار فيه، مع أنّ المشتق حقيقة في المتلبّس على التحقيق

______________________________

(1) التهذيب 7: 67- 287، الوسائل 18: 10 أبواب الخيار ب 3 ح 2.

(2) كالمحقق في الشرائع 2: 22، العلامة في التبصرة: 90 و الإرشاد 1: 374، السيوري في التنقيح

2: 45، الشهيد الأول في اللمعة (الروضة 3): 450، الكركي في جامع المقاصد 1: 243.

(3) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 350، الصدوق في المقنع: 123، المفيد في المقنعة: 592، الطوسي في المبسوط 2: 78، نقله عن أبي علي في المختلف:

350، الديلمي في المراسم: 173، القاضي في المهذب 1: 353، الحلّي في السرائر 2: 221.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 587، الدروس 3: 272.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 376

في مثله.

و يدلّ على الاختصاص أيضا الصحيح المرويّ في قرب الإسناد: عن رجل اشترى جارية لمن الخيار، للمشتري أو للبائع أو لهما كلاهما؟ فقال:

«الخيار لمن اشترى نظرة ثلاثة أيّام، فإذا مضت ثلاثة أيّام فقد وجب الشراء» «1».

خلافا للسيّد، فأثبته للبائع أيضا «2»، و تبعه بعض المتأخرين «3».

لصحيحة محمّد: «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان و فيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا» «4».

و هي ضعيفة، لمخالفتها لشهرة القدماء [1]، فلا تصلح حجّة، مع أنّها معارضة بما مرّ، فلو لم يرجّح ما مرّ بالأكثريّة و الأشهريّة فتوى لتعيّن العمل بالأصل، و هو مع الاختصاص. و قد توجّه بوجوه لا بأس بها في مقام التأويل.

نعم، لو باع حيوانا بحيوان فالظاهر المصرّح به في كلام جماعة «6» ثبوت الخيار لهما، لا لاتّحاد العلّة، لكونها مستنبطة، بل لإطلاق صحيحتي زرارة و محمّد «7»، بل عموم صحيحة محمّد الأخيرة، خرج ما خرج فيبقى

______________________________

[1] في «ح» و «ق» زيادة: بل عدم ثبوت قرب الإسناد. و لم نعرف لها معنى مناسبا للمورد.

______________________________

(1) قرب الإسناد: 78، الوسائل 18: 12 أبواب الخيار ب 3 ح 9.

(2) السيد في الانتصار: 207.

(3) انظر مفاتيح الشرائع 3: 68.

(4) التهذيب 7: 23- 99، الوسائل 18: 10 أبواب الخيار ب 3 ح

3.

(6) منهم الشهيد في الدروس 3: 272، الكركي في جامع المقاصد 1: 242، الشهيد الثاني في الروضة 3: 450، صاحب الرياض 1: 524.

(7) الكافي 5: 170- 4، التهذيب 7: 24- 100، الوسائل 18: 11 أبواب الخيار ب 3 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 377

الباقي.

و منه تظهر قوّة ثبوت الخيار للبائع لو كان الثمن حيوانا.

[الفرع الثاني ]

ب: هل ذلك الخيار يعمّ جميع الحيوانات، أم يختصّ بغير الإماء.

ذهب الأكثر إلى الأول «1»، و هو الحقّ، لإطلاق النصوص، و صحيحة ابن رئاب بالخصوص «2»، و خصوص صحيحة قرب الإسناد.

و تضعيف الإطلاق- باختصاص الحيوان بغير الإنسان عرفا- ضعيف، للعموم لغة، بل عرفا أيضا، كما تدلّ عليه هذه الصحيحة.

و خلافا للحلبي و ابن زهرة، فجعلا المدّة في الإماء مدّة الاستبراء «3»، و مستندهما غير واضح، سوى الإجماع الذي ادّعاه الثاني، و هو ممنوع.

[الفرع الثالث ]

ج: مبدأ هذا الخيار من حين العقد، لأنّه المتبادر من اللفظ، و الظاهر من الأخبار المفصّلة بأنّ الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام، و في غيره حتى يفترقا.

خلافا للشيخ و الحلّي، فجعلاه من حين التفرّق «4»، بناء على حصول الملك به عنده.

[الفرع الرابع ]

د: خيار المجلس ثابت في الحيوان لكلّ من المتبايعين، لعموم أدلّته.

______________________________

(1) منهم العلامة في القواعد 1: 142، الشهيد الثاني في المسالك 1: 178، صاحب الرياض 1: 524.

(2) الكافي 5: 169- 2، التهذيب 7: 24- 102، الوسائل 18: 13 أبواب الخيار ب 4 ح 1.

(3) الحلبي في الكافي في الفقه: 353، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):

587.

(4) الشيخ في المبسوط 2: 85، الحلي في السرائر 2: 247.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 378

[الفرع الخامس ]

ه: يسقط هذا الخيار بشرط سقوطه، أو إسقاط المشتري إيّاه بعد العقد، لما مرّ، و بتصرّف المشتري فيه في الجملة، بلا خلاف كما في المسالك «1»، بل عن التذكرة الإجماع عليه «2».

و تدلّ عليه صحيحة ابن رئاب المتقدّمة، و صحيحة الصفّار: في الرجل اشترى من رجل دابّة فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر أو نعلها أو ركب ظهرها فراسخ، إله أن يردّها في الثلاثة أيّام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي ركبها فراسخ؟ فوقّع عليه السّلام: «إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء» «3».

ثمَّ التصرّف إن كان مفهما للرضا و الالتزام يقينا أو ظهورا عرفا فلا إشكال في اللزوم به، و هو مجمع عليه، و قوله في الصحيحة الأولى:

«فذلك رضا منه فلا شرط له» يدلّ عليه، و كذلك ما فسّر به الحدث فيها، و هو من باب التمثيل بقرينة كون الكلام في صدر الحديث في جميع الحيوانات، فالمراد ما يماثل ذلك ممّا لا يليق إلّا بالمالك مستقرّا، أو يظهر منه الاستقرار و الرضا.

و إن لم يكن كذلك، فالظاهر من كلام الفاضلين «4» و جماعة «5» و المصرّح به في كلام بعضهم عدم إيجابه اللزوم «6»، للأصل،

و كون

______________________________

(1) المسالك 1: 179.

(2) التذكرة 1: 519.

(3) التهذيب 7: 75- 320، الوسائل 18: 13 أبواب الخيار ب 4 ح 2.

(4) المحقق في الشرائع 2: 22، العلامة في التذكرة 1: 519.

(5) منهم الشهيد في الدروس 3: 272 و المحقق الكركي في جامع المقاصد 4: 291 و الشهيد الثاني في الروضة 3: 452.

(6) كما في المسالك 1: 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 379

التصرّفات المذكورة في الصحيحين مفهمة للالتزام.

و يؤيّده توقّف تحقّق مقتضى حكمة وضع الخيار على نوع تصرّف.

و خالف فيه جماعة «1» و لعلّهم الأكثر، فقالوا باللزوم بمطلق التصرّف، لعموم الحدث في الحديثين.

و لا يخفى أنّ الحدث فيهما و إن كان عامّا إلّا أنّ صدقه على كلّ تصرّف ممنوع، كما يدلّ عليه جعله عليه السّلام إحداث الحدث رضا من المشتري في الحديث الأول، فإنّه لا شكّ في أنّ كلّ تصرّف ليس رضا، و كذا عطف الركوب على الحدث في الثاني، مع أنّ الظاهر من إحداث الحدث في شي ء تصرّف يوجب تغييرا فيه، كالنعل و أخذ الحافر و جزّ الشعر و أمثالها.

نعم، التمثيل للحدث في الأول باللمس و التقبيل و النظر و إن كان يفهم نوع تعميم فيه إلّا أنّه- لكونه خلاف المعنى الظاهر من إحداث الحدث في شي ء، و لما مرّ من جعله دالّا على الرضا، و عطف الركوب عليه- لا يثبت الإطلاق.

و التحقيق: أنّ الصحيحة الأولى مجملة من هذه الجهة، لجواز تقيّد الحدث فيها بالدالّ على الرضا و إبقاء قوله: «فذلك رضا منه» على حاله، [أو] [1] إرادة حكم الرضا من قوله «ذلك» و إبقاء الحدث على حاله، فاللازم الأخذ بالمتيقّن، و هو الدالّ على الرضا.

و لا ينافيه تفسير الحدث فيها، لأنّه تفسير

لأصل الحدث، فيكون

______________________________

[1] في النسخ: إذا، و الظاهر ما أثبتناه.

______________________________

(1) منهم ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 588 و الحلبي في الكافي في الفقه:

353 و صاحب الحدائق 19: 30.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 380

المعنى: و الحدث الذي دلّ على الرضا يوجب اللزوم ذلك، أو تكون هذه الأمور في الأمة موجبة للرضا.

و أمّا الصحيحة الثانية فجواب الإمام فيها عامّ، و لكن إطلاق الحدث على كلّ تصرّف غير معلوم كما ذكرنا، بل غاية ما يعلم منه أنّه ما أوجب إحداث أمر في شخص المبيع.

و أمّا التفسير المذكور في الأولى فلكونه خلاف المعنى الظاهر من الحدث لا يوجب التعدّي عنه، لجواز كونه ممّا يدلّ على الرضا، أو لأجل كونه ممّا يوجب حصول ارتباط بين المشتري و المبيع، فتأمّل.

و من ذلك يظهر أنّ الظاهر سقوط هذا الخيار بالتصرّف المفهم للرضا بدوام البيع و استمراره، أو بالتصرّف المعلوم صدق الحدث عليه ممّا يوجب تغييرا في شخص المبيع، [و] [1] لا يجوز التعدّي عمّا مثّل به في غير ما يعلم صدق الحدث عليه.

و ظهر من ذلك [أنّ ما يشكّ ] [2] في دخوله في ذلك فالأصل فيه بقاء الخيار.

و قد يستدلّ له أيضا بصحيحة الحلبي: عن رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيّام ثمَّ ردّها، قال: «إن كان تلك الثلاثة أيّام شرب لبنها ردّ معها ثلاثة أمداد، و إن لم يكن لها لبن فليس عليه شي ء» «3».

و فيه نظر، للتصريح فيها بأنّ الردّ بعد ثلاثة أيّام، فهو ليس ممّا نحن

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء المعنى.

[2] في «ح»: و ما يشك. و في «ق»: التصرّف الذي و ما يشك. و الظاهر ما أثبتناه.

______________________________

(3) الكافي 5: 173- 1، التهذيب 7: 25- 107،

الوسائل 18: 26 أبواب الخيار ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 381

فيه من خيار الثلاثة.

الثالث: خيار الشرط الثابت به.
اشاره

و هو بحسب ما يشترط لأحدهما، أو لكلّ منهما، أو لأجنبيّ عنهما، أو عن أحدهما، أو له مع أحدهما عنه، أو عن الآخر، أو عنهما، أو له كذلك معهما، بلا خلاف كما في كلام جماعة- منهم: الكفاية و الحدائق «1»- بل بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في الخلاف و الانتصار و الغنية و التذكرة «2»، و هو الحجّة.

مضافا إلى صحيحة ابن سنان، و فيها: «و إن كان بينهما شرط أيّاما معدودة، فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط، فهو من مال البائع» «3».

و رواية السكوني: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قضى في رجل اشترى ثوبا بشرط إلى نصف النهار، فعرض له ربح فأراد بيعه، قال: ليشهد أنّه قد رضيه و استوجبه ثمَّ ليبعه إن شاء، فإن أقامه في السوق و لم يبع فقد وجب عليه» «4».

و المستفيضة الآتية الواردة في اشتراط الفسخ بردّ الثمن «5».

______________________________

(1) الكفاية: 91، الحدائق 19: 38.

(2) الخلاف 3: 31، الانتصار: 208، الغنية (الجوامع الفقهية): 587، التذكرة 1:

521.

(3) التهذيب 7: 24- 103، الوسائل 18: 20 أبواب الخيار ب 8 ح 2.

(4) الكافي 5: 173- 17، التهذيب 7: 23- 98، الوسائل 18: 25 أبواب الخيار ب 12 ح 1.

(5) الآتية في ص 384.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 382

و بتلك الأدلّة تخصّص عمومات لزوم البيع، و عموم ما يدلّ على عدم وجوب الوفاء بشرط خالف السنّة، حيث إنّه مخالف لما يدلّ على لزوم البيع مطلقا، أو مع الافتراق مطلقا.

و من هذا يظهر ضعف الاستدلال بعمومات وجوب الوفاء بالشرط «1»، كما يظهر وجه اشتراط

ضرب المدّة للخيار و كونها مضبوطة غير محتملة للزيادة و النقيصة، لأنّه الثابت من الإجماع و الأخبار المذكورة.

فلو شرطا خيارا و أطلقا من دون بيان المدّة، أو معه مع احتمالها للزيادة و النقصان و لو بيوم، بطل الشرط قولا واحدا في الثاني، و على الأظهر في الأول، بل الأشهر بين من تأخّر «2»، لما مرّ، و لعدم انصرافها إلى واحد معيّن، لبطلان الترجيح بلا مرجّح، فيكون مجهولا واقعا فيبطل، بل يوجب جهل العوضين أو أحدهما أيضا واقعا، و هو مبطل للبيع.

خلافا للمفيد و الخلاف و الانتصار و القاضي و الحلبي و ابن زهرة، فقالوا بكون الخيار إلى ثلاثة أيّام «3»، و ظاهر الثانيين- كصريح الآخر- الإجماع عليه، بل ادّعى الثاني وجود النصّ فيه، و هو- كالإجماع- غير محقّق، فلا حجّية فيهما.

فروع:
[الفرع الأول ]

أ: إذا بطل الشرط بالجهل يبطل العقد على الأشهر الأظهر، لكون

______________________________

(1) الوسائل 18: 16 أبواب الخيار ب 6.

(2) كما في المسالك 1: 179 و الكفاية: 91 و الرياض 1: 524.

(3) المفيد في المقنعة: 592، الخلاف 3: 20، الانتصار: 201، القاضي في جواهر الفقه: 54، الحلبي في الكافي في الفقه: 353، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 587.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 383

العقود تابعة للقصود. و قد رفعنا النقاب عن وجه هذا المرام في كتابنا المسمّى بعوائد الأيّام «1».

[الفرع الثاني ]

ب: لا يشترط تعيين المدّة بالأيّام، فلو عيّنها بالشهر أو السنة أو إلى العيد الأضحى- مثلا- جاز و إن احتمل الزيادة و النقصان بحسب الأيّام من جهة نقصان الشهور، للأخبار الآتية في شرط خيار الفسخ بردّ الثمن، حيث إنّ المدّة المضروبة فيها سنة، و لا فصل بين السنة و الشهر.

و السرّ: أنّ اللازم تعيين المدّة بما يتعيّن به لا بخصوص عدد الأيّام، و هو يتعيّن بما ذكر أيضا، و لذا يصحّ لو عيّن بالأيّام مع أنّه قد لا يتعيّن حينئذ بحسب الشهور.

[الفرع الثالث ]

ج: إطلاق الشرط ينصرف إلى الخيار المتّصل بالعقد، بحكم التبادر، فقول الشيخ- بأنّ ابتداءه انقضاء المجلس «2»- ضعيف.

نعم، لو اشترطا الانفصال أو المجلس مع تحديد مدّة الانفصال [1] جاز، لإطلاق صحيحة ابن سنان «4».

[الفرع الرابع ]

د: اشتراط الخيار للأجنبي تحكيم لا توكيل عمّن جعله عنه، فلا خيار له معه، للأصل.

[الفرع الخامس ]

ه: قالوا: يجوز اشتراط مؤامرة الغير و الرجوع إلى أمره «5»، و في التذكرة الإجماع عليه «6»، و إطلاق صحيحة ابن سنان يدلّ عليه، و حينئذ

______________________________

[1] في «ق»: الانقضاء.

______________________________

(1) عوائد الأيام: 51.

(2) الخلاف 3: 33.

(4) راجع ص 381.

(5) كما في جامع المقاصد 4: 292 و الكفاية: 91 و الرياض 1: 524.

(6) التذكرة 1: 521.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 384

يلزم العقد من جهة المتبايعين و يتوقّف على أمر الغير، فإن أمر بالفسخ جاز للمشروط له الفسخ و لا يتعيّن عليه، و إن أمر بالالتزام فليس له الفسخ و إن كان أصلح، و الوجه ظاهر.

[الفرع السادس ]

و: يجوز اشتراط الخيار مدّة مضبوطة للبائع بشرط ردّ الثمن، بلا خلاف، و في المسالك عليه الإجماع «1»، و تدلّ عليه الروايتان المتقدّمتان.

و صحيحة سعيد بن يسار: إنّا نخالط أناسا من أهل السواد و غيرهم، فنبيعهم و نربح عليهم العشرة اثنى عشر و العشرة ثلاثة عشر، و نؤخّر ذلك فيما بيننا و بينهم السنة و نحوها، و يكتب لنا الرجل على داره أو أرضه بذلك المال الذي فيه الفضل الذي أخذ منّا شراء بأنّه قد باع و قبض الثمن منه، فبعده إن هو جاء بالمال إلى وقت بيننا و بينه أن نردّ عليه الشراء، و إن جاء الوقت و لم يأتنا بالدراهم فهو لنا، فما ترى في ذلك الشراء؟ قال: «أرى أنّه لك إن لم يفعل، و إن جاء بالمال للوقت فردّ عليه» «2».

و موثّقة إسحاق بن عمّار: رجل مسلم احتاج إلى بيع داره فمشى إلى أخيه، فقال له: أبيعك داري هذه على أن تشترط لي أنّي إذا جئتك بثمنها إلى سنة تردّها عليّ، قال: «لا بأس بهذا إن جاء

بثمنها إلى سنة ردّها عليه»، قلت: فإنّها كانت فيها غلّة كثيرة فأخذ الغلّة لمن تكون الغلّة؟ فقال:

«الغلّة للمشتري، ألا ترى أنّها لو احترقت لكانت من ماله» «3».

و رواية معاوية بن ميسرة: رجل باع دارا له من رجل، و كان بينه و بين

______________________________

(1) المسالك 1: 179.

(2) الكافي 5: 172- 14، التهذيب 7: 22- 95، الوسائل 18: 18 أبواب الخيار ب 7 ح 1، بتفاوت يسير.

(3) الكافي 5: 171- 10، التهذيب 7: 23- 96، الوسائل 18: 19 أبواب الخيار ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 385

الرجل الذي اشترى منه الدار حاصر، فشرط أنّك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك، فأتاه بماله، قال: «له شرطه»، قال له: فإنّ ذلك الرجل قد أصاب في ذلك المال في ثلاث سنين، فقال: «هو ماله»، و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «أرأيت لو أنّ الدار احترقت من مال من كانت؟ تكون الدار دار المشتري» «1».

و قال في المسالك: فإذا ردّ البائع الثمن أو مثله مع الإطلاق فسخ البيع، و لا يكفي مجرّد الردّ «2».

أقول: ما ذكره من عدم كفاية مجرّد الردّ هو ظاهر الأصحاب كما قيل «3»، فإن أرادوا عدم كفايته في انفساخ العقد فهو كذلك، و إن أرادوا في عدم عود المبيع إلى البائع فهو غير متّجه.

و التحقيق: أنّ المشروط تارة يكون ثبوت الخيار للبائع مع ردّ الثمن، و اخرى ردّ المشتري المبيع إليه معه أو كونه له، و كلّ منهما يصحّ و يلزم.

أمّا الأول- و هو من باب خيار الشرط- فلما مرّ من الإجماع و الروايتين «4»، و عليه لا يكفي الردّ في الفسخ، لأنّ الردّ لا يثبت سوى الخيار، فالفسخ يتوقّف

على اختياره. و لا يفيد قصد الفسخ بالردّ أو شهادة الحال له به، إذ تحقّق الخيار يتوقّف على الردّ، فحين الرد لا خيار له، إذ لا يعلم من الشرط إلّا تحقّق الخيار بعد الردّ لا حينه، فالخيار يحصل بعد الردّ، فلا يفيد الردّ و لو قصد به الفسخ، إذ لم يثبت الخيار له بعد.

______________________________

(1) التهذيب 7: 176- 780، الوسائل 18: 20 أبواب الخيار ب 8 ح 3.

(2) المسالك 1: 179.

(3) كما في الحدائق 19: 35.

(4) أي صحيحة ابن سنان و رواية السكوني المتقدّمتين في ص 381.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 386

نعم، لو شرط الانفساخ بالردّ و قلنا بجوازه ينفسخ بالردّ، و لكن جواز هذا الشرط محلّ نظر.

و أمّا الثاني، فلعمومات الوفاء بالشرط «1»، و خصوصات الروايات الثلاث المذكورة «2»، و هو ليس من باب خيار الشرط، بل المشروط هو ردّ المشتري المبيع، فيجب عليه- لما ذكر- من غير احتياج إلى فسخ، كما هو المستفاد من تلك الروايات.

و من ذلك يظهر أنّ الاستدلال بها على خيار الشرط- كبعض المتأخّرين «3»- في غير موقعه.

نعم، يشترط على الثاني كون ردّ الثمن لأجل ذلك، فلو ردّه بقصد آخر لم يجب الردّ.

ثمَّ في قوله: أو مثله مع الإطلاق، دلالة على عدم كفاية ردّ المثل مع التصريح بردّ خصوص الثمن المأخوذ، و هو كذلك، و الوجه فيه ظاهر، كما في كفاية المثل مع التصريح به أيضا. و أمّا كفايته مع الإطلاق فلعلها لأنّه المتبادر، و هو كذلك، سيّما مع ما هو الغالب من احتياج البائع إلى الثمن و التصرّف فيه، كما هو مورد الأخبار أيضا.

و كيف كان، فالمناط هو منظور المتعاقدين و ما يدلّ عليه من القرائن الحاليّة أو

المقاليّة.

و منه يظهر الحكم في اشتراط المشتري ارتجاع الثمن مع ردّ المبيع في مدّة مضبوطة، إلّا أنّ الغالب فيه إرادة ردّ شخصه عند الإطلاق.

______________________________

(1) الوسائل 18: 16 أبواب الخيار ب 6.

(2) راجع ص 384.

(3) و هو صاحب الحدائق 19: 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 387

و قال أيضا: و لو اشترط ارتجاع بعضه ببعض الثمن أو الخيار في البعض ففي صحّته نظر، من مخالفة النصوص، و عموم: «المسلمون عند شروطهم»، و هو أوجه «1».

أقول: و قد تنظّر فيه في الدروس أيضا «2».

و التحقيق: أنّه إن كان الشرط ردّ البعض دون ثبوت الخيار فالأوجه الصحّة، لعموم الوفاء بالشرط.

و إن كان ثبوت الخيار في البعض ففيه نظر، لما عرفت من أنّ دليله الإجماع- و تحقّقه في البعض غير ثابت- و الروايتان، و شمولهما له غير ظاهر، بل عدم الشمول أظهر، أمّا الأولى «3» فلحكمه عليه السّلام بأنّ جميع المبيع لو تلف إنّما هو من البائع، و أمّا الثانية «4» فلأنّها قضية في واقعة.

و منه يظهر فساد الشرط لو شرط خيار فسخ البعض في مدّة و فسخ البعض الآخر في مدّة أخرى، أو خيار فسخ الجميع بعضه في مدّة و بعضه في الأخرى.

[الفرع السابع ]

ز: يسقط هذا الخيار بالإسقاط في المدّة، إجماعا كما في الغنية «5»، و تدلّ عليه رواية السكوني المتقدّمة.

و يسقط أيضا بالتصرّف ممّن له الخيار في العوض المنتقل إليه، كما أنّ التصرّف في ماله المنتقل إلى صاحبه يفسخ العقد، إذا كان الأول مفهما للرضا و الثاني للفسخ لا مطلقا.

______________________________

(1) المسالك 1: 179.

(2) الدروس 3: 269.

(3) راجع صحيحة ابن سنان المتقدمة في ص: 381.

(4) راجع رواية السكوني المتقدمة في ص: 381.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 587.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 388

أمّا الفسخ بالثاني فظاهر.

و أمّا اللزوم بالأول فتدلّ عليه- مضافة إلى ما مرّ في خيار الحيوان من العلّة المذكورة- رواية السكوني المتقدّمة.

و أمّا عدم اللزوم بمطلق التصرّف، فللزوم الاقتصار فيما خالف ما دلّ على ثبوت الخيار على القدر الثابت من النصّ، و لم يظهر منه الأزيد من الدالّ على الرضا كما مرّ.

مضافا إلى الأخبار المتقدّمة المجوّزة للبيع الشرطي بشرط ردّ الثمن، فإنّ الثمن ممّا يتصرّف فيه البتّة.

و من هذا يظهر أنّ تصرّف البائع في الثمن الواقع في الأغلب في البيع الشرطي في أمثال زماننا لا يوجب سقوط خياره.

[الفرع الثامن ]

ح: ثبوت خيار الشرط في العقود اللازمة مخالف لمقتضى الأصل، لكونه مخالفا لما دلّ على اللزوم، فلا يثبت إلّا فيما دلّ دليل على ثبوته فيه، و قد ثبت في البيع كما مرّ، و يثبت في عقود أخر أيضا، كما يأتي في موضعه.

و قد يتوهّم أصالة ثبوته في كلّ عقد، لعموم أدلّة الوفاء بالشرط.

و فيه: أنّه أمر مخالف للسنّة، فلا تجري فيه العمومات كما مرّ.

الرابع: خيار الغبن.
اشاره

و ثبوته للمغبون هو المشهور بين الأصحاب، خصوصا المتأخّرين منهم «1»، بل عليه الإجماع في الغنية و التذكرة «2»، و كثير من المتقدّمين- بل

______________________________

(1) منهم ابن فهد في المهذب 2: 374 و الكركي في جامع المقاصد 1: 243 و الشهيد الثاني في الروضة 3: 463.

(2) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 588، التذكرة 1: 522.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 389

أكثرهم كما في الدروس «1»- لم يذكروه، و نقل في الدروس عن المحقّق في درسه القول بعدمه، و نسبه إلى ظاهر الإسكافي، و ظاهر الكفاية التردّد فيه «2».

و الحقّ: ثبوته، لا لقوله سبحانه إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ «3»، حيث إنّه لو علم المغبون لم يرض، لأنّ غاية ما يدلّ عليه جواز الأكل فيما كان تجارة عن تراض و عدم جوازه بالباطل، و أين هذا من الخيار؟! و من أين يثبت كون هذا بدون التراضي باطلا؟ مع أنّ ظاهر قوله:

تِجارَةً عَنْ تَراضٍ - كما صرّح به الأردبيلي في آيات الأحكام و نقله عن الكشّاف و مجمع البيان «4»- اشتراط التراضي حين العقد، فالآية على عدم الخيار أدلّ.

و لا لما روته العامّة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في تلقّي الركبان من أنّه إن تلقّاهم متلقّ فاشتراه فصاحبه بالخيار إذا قدم

السوق «5»، المنجبر ضعفه بالشهرة، لعدم دلالته على كون الخيار لأجل الغبن، بل هو مطلق كما صرّح به في المنتهى، و قال: لأجل إطلاقه أفتى بعض العامّة مختار المتلقّى و إن لم يغبن «6»، و إنّما خصّه فيه و في غيره بصورة الغبن من جهة استنباط العلّة

______________________________

(1) الدروس 3: 275.

(2) الكفاية: 92.

(3) النساء: 29.

(4) زبدة البيان: 427.

(5) عوالي اللئالي 3: 210- 56.

(6) المنتهى 2: 1006.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 390

و المناسبة، و هو عندنا غير صالح للاستناد.

و لا للنصوص المصرحة بحرمة غبن المسترسل، و المؤمن، و النهي عنه «1»، لعدم دلالتها على الخيار.

بل لنفي الضرر و الضرار في أحكام الإسلام، كما ورد في المتواترة من الأخبار «2».

و المراد منه- كما بيّناه في موضعه-: أن كلّ حكم مستلزم للضرر فهو ليس من أحكام الشرع، و لا شكّ أنّ لزوم البيع هنا مستلزم للضرر، فهو ليس حكما للشرع، بخلاف صحة البيع، فإنّها حكم آخر غير اللزوم و لا يستلزم ضررا، فهي ثابتة قطعا، و هذا معنى الخيار.

و لا تضرّ معارضة أدلّة لزوم البيع لأخبار نفي الضرر، إذ لو رجّحنا الثانية بالأكثريّة و الأشهريّة في المورد و معاضدتها للاعتبار فهو، و إلّا فيرجع إلى الأصل، و مقتضاه انتفاء اللزوم.

فإن قلت: الضرر كما يندفع بالخيار يندفع بالتسلّط على أخذ التفاوت أيضا، فاللازم من نفي الضرر عدم كون اللزوم و عدم التسلّط على التفاوت معا من حكم الشرع، بل يتعيّن انتفاء أحدهما، و لا دليل على كون المنفي هو الأول.

قلنا: يتعيّن الأول بالإجماع على بطلان الثاني، مع أنّه لو قطع النظر عن الإجماع تتعارض أدلّة لزوم البيع مع أدلّة تسلّط الغابن على ماله- الذي منه التفاوت- و الترجيح

مع الثاني، لموافقة الكتاب، على أنّه لو لا الترجيح لعمل بالأصل المقتضي لعدم اللزوم.

______________________________

(1) الوسائل 17: 395 أبواب آداب التجارة ب 9، و ج 18: 31 أبواب الخيار ب 17.

(2) الوسائل 18: 31 أبواب الخيار ب 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 391

نعم، يحصل الإشكال- كما في القواعد و التذكرة «1»- فيما إذا بذل الغابن التفاوت، و لذا قيل بعدم الخيار حينئذ، اقتصارا فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم العقد على المتيقّن المجمع عليه و المتحقّق به الضرر، و ليس منهما محلّ الفرض «2»، و احتمله بعض المتأخّرين «3»، و هو الأقوى، لذلك.

خلافا للمشهور، لاستصحاب الخيار الثابت بالإجماع في موضع النزاع.

و لأنّ دفع التفاوت لا يخرج المعاوضة المشتملة على الغبن على اشتمالها عليه، لأنّه هبة مستقلّة.

و فيهما نظر، أمّا الأول فلمنع ثبوت الخيار أولا حتى يستصحب، بل نقول: ثبت بالمبايعة المشتملة على الغبن أحد الأمرين: إمّا بذل الغابن التفاوت أو خيار المغبون، و الإجماع على ثبوته أولا مطلقا ممنوع.

و أمّا الثاني، فلمنع كونه هبة مستقلّة، بل هو من مقتضى المعاوضة، لا بمعنى أنّه مقتضاها معيّنا، بل بمعنى أنّه مقتضى أحد الأمرين، و مع ذلك فخروج المعاوضة عن اشتمالها على الغبن ظاهر.

فروع:
[الفرع الأول ]

أ: يشترط في ثبوت هذا الخيار أمران:

أحدهما: جهالة المغبون بالقيمة وقت العقد، فلو عرفها ثمَّ زاد أو نقص فلا خيار، و الظاهر عدم الخلاف فيه، و في المسالك الإجماع

______________________________

(1) القواعد 1: 143، التذكرة 1: 523.

(2) قال به في الرياض 1: 525.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 14    392     الفرع الأول ..... ص : 391

(3) الكاشاني في المفاتيح 3: 74.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 392

عليه «1»، و منه يظهر الوجه

فيه.

مضافا إلى خروج مثل ذلك عن عمومات نفي الضرر بالإجماع القطعي، بل الضرورة، فإنّ لكلّ أحد هبة ماله و إباحته و صلحه و بيعه بأقلّ من ثمن المثل، بل يدلّ عليه كلّ ما دلّ على لزوم ذلك، كأكثر الأخبار الدالّة على أنّ منجّزات المريض من الأصل أو الثلث «2»، و كذا يدلّ عليه عموم:

«الناس مسلّطون على أموالهم» و غير ذلك.

هذا إذا قلنا بكونه ضررا، و أمّا لو لم نقل به- كما هو المحتمل، لأنّ غير السفيه لا يفعل مثل ذلك إلّا لغرض فيجبر الضرر به- فالأمر أوضح.

و ثانيهما: الزيادة أو النقصان الفاحش الذي لا يتسامح بمثله عادة، فلو كان التفاوت يسيرا يتسامح بمثله في العادة فلا خيار، و لم أعثر فيه على خلاف أيضا.

و يدلّ عليه: أنّ المسامحة العاديّة تكون شاهد حال على الرضا بذلك التفاوت، و قد عرفت خروج الضرر مع الرضا عن عمومات نفيه.

بل نقول: إنّ ما يتسامح به عادة لا يوجب الزيادة أو النقصان في القيمة، لأنّ القيمة ليست شيئا معيّنا، بل هي ما يقابل به الشي ء عند أهل خبرته، فإذا تسامحوا بشي ء فيه لا يكون هذا تفاوتا في القيمة، بل القيمة تكون هي الواقع بين طرفي عدم التسامح، و لا يجب كونها أمرا معيّنا غير قابل للزيادة و النقصان، مع أنّ صدق الضرر على مثل ذلك عرفا ممنوع.

[الفرع الثاني ]

ب: الأقوى- كما في الدروس و المسالك «3»- فوريّة هذا الخيار،

______________________________

(1) المسالك 1: 179.

(2) الوسائل 19: 296 أبواب أحكام الوصايا ب 17.

(3) الدروس 3: 275، المسالك 1: 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 393

لأدلّة لزوم كلّ بيع، و معناه عدم جواز نقضه في شي ء من الأوقات، خرج قدر الضرورة بالدليل فيبقى الباقي.

و

ظاهر المحقّق في الشرائع أنّه على التراخي «1»، للاستصحاب. و هو غير صالح لمقاومة العموم.

نعم، لو جهل أصل الخيار أو الفوريّة عذر إلى حين العلم بها.

[الفرع الثالث ]

ج: إذا حصل التصرّف، فإمّا يكون من الغابن خاصّة، أو من المغبون كذلك، أو منهما.

فإن كان من الغابن، فإمّا أن تكون العين باقية في ملكه بلا مانع من الردّ و لا تغيير، فحكمه ظاهر.

أو تكون كذلك مع التغيّر بالزيادة، فللمغبون الفسخ، لنفي الضرر، و يشترك الغابن بالنسبة إن كانت الزيادة عينيّة من ماله، لأصالة بقاء ماله في ملكه، و يبيع العين إن كانت عينيّة من اللّه- كالنماء المتّصل- أو وصفيّة مطلقا.

نعم، إن كانت زيادة الوصفيّة بعمل الغابن يحتمل قويّا استحقاقه اجرة عمله، لنفي الضرر.

أو بالنقيصة، إذ ليس دليل على ضمان الغابن لها و إن كان النقص بعمله، لكونه مأذونا من الشرع بالتصرّف فيه بأي نحو كان، و الأصل عدم ضمانه و عدم حلّيّة ماله إلّا بطيب نفسه.

و إن كان النقص مساويا للتفاوت الحاصل بالغبن أو أكثر منه فليس للمغبون الفسخ، إذ كان دليله نفي الضرر و الفسخ لا يجبره، فنفي الضرر لا

______________________________

(1) الشرائع 2: 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 394

يثبته.

و إن كان أقلّ منه فيفسخ، و لا شي ء له بإزاء النقص، لما مرّ.

أو بالمزج، فإن كان بحيث يتميّز عمّا امتزج به عرفا، أو كان المزج مع المساوي من جنسه، فللمغبون الفسخ و يشترك الغابن بالنسبة، و إلّا فيكون حكمه حكم التالف، لأنّ الموجود طبيعة ثالثة.

أو تكون العين باقية في ملكه مع المانع من الردّ، فإن كان مانعا من ردّ الملكيّة- كالاستيلاد- فليس للمغبون الفسخ، لأنّه عبارة عن إرجاع الملك إلى المغبون و المفروض عدم إمكانه، و لا

شي ء آخر، للأصل. و إن كان مانعا من ردّ العين دون الملكيّة- كالإجارة- فله الفسخ و انتظار الانقضاء. و يحتمل عدم الخيار إن كان ضرر الانتظار مساويا لضرر الغبن أو أزيد، لما مرّ.

هذا على فرض ثبوت المانعيّة في الصورتين و ترجيح أدلّتها على دليل نفي الضرر، و إلّا فيتعارضان و تبقى أصالة عدم مانعيّة الاستيلاد و عدم لزوم الإجارة و عدم لزوم أصل البيع، فللمغبون الفسخ و الاسترداد.

أو تكون العين باقية لا في ملكه، بل إمّا ينقلب ملكها إلى الغير بأحد وجوه النقل أو بالعتق أو الوقف أو نحوهما، و الظاهر حينئذ أنّ للمغبون فسخ البيع الأول و العقد الطاري مطلقا، لتعارض أدلّة نفي الضرر و نفي ضمان المثل و القيمة مع أدلّة لزوم هذه العقود، و المرجع إلى الأصل، و مقتضاه ما ذكرنا.

مع أنّه إذا كان بنقل الملك إلى الغير فهو قد نقل الملك الثابت له و هو المتزلزل، و مقتضى لزوم هذا النقل عدم جواز نقضه من هذا الناقل لا عدم جوازه من الناقل الأول أيضا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 395

أو تكون العين تالفة، و الظاهر أنّه ليس له الفسخ، لما مرّ في النقيصة، سواء في ذلك تلف الكلّ أو البعض، إلّا إذا كان البعض التالف أقلّ من التفاوت الحاصل بالغبن.

و إن كان التصرّف من المغبون خاصّة، فإن كان بعد العلم بالغبن و الخيار فيسقط الخيار، لمنافاته الفوريّة، و لأنّه رضا منه، و هو للخيار مسقط كما يأتي.

و إن كان قبلهما فالحكم كما إذا كان المتصرّف الغابن، إلّا في صورة النقيصة فليس له الفسخ مطلقا، لإيجابه ضرر الغابن، فيتعارض الضرران و يبقى لزوم البيع بحاله، و هو الوجه، لعدم الخيار في

صورة التلف مطلقا.

و تضمينه المثل أو القيمة لا دليل عليه.

و ممّا ذكرنا يظهر الحكم فيما إذا كان المتصرّف كليهما.

هذا كلّه إنّما هو مقتضى الأصول و إن لم ينصّ الأكثر على فتوى في أكثرها أو جميعها، و خالف في كثير منها جماعة.

[الفرع الرابع ]

د: يسقط هذا الخيار باشتراط عدم الفسخ للغبن لو ظهر، لعموم:

«المؤمنون عند شروطهم» «1».

و بإسقاطه بعد العلم بالغبن و الخيار، لإيجابه التراضي، و لأنّه رضا منه، و هو موجب لسقوط الخيار، للعلّة المنبّهة عليه في صحيحة علي بن رئاب المتقدّمة «2»، و لأنّ الرضا بالضرر مسقط لحكم نفي الضرر، و لأجل ذلك يسقط بالإسقاط قبل العلم أيضا، إلّا أن يكون إسقاطه لاعتقاده عدم الغبن، فإنّه لا يسقط حينئذ بالإسقاط، لعدم دليل عليه، و عدم كونه رضا بالضرر.

______________________________

(1) الوسائل 18: 16 أبواب الخيار ب 6 ح 1 و 2 و 5.

(2) في ص 372.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 396

[الفرع الخامس ]

ه: ظاهر الأصحاب صحّة البيع المشتمل على الغبن مطلقا، سواء قصد الغابن الغبن و خدع المغبون أم لا.

و في رواية ميسر: «غبن المؤمن حرام» «1».

و في أخرى: «غبن المسترسل حرام» [1].

و في ثالثة: «لا تغبن المسترسل، فإنّ غبنه لا يحلّ» «3».

و في مجمع البحرين: الاسترسال: الاستئناس و الطمأنينة إلى الإنسان و الثقة فيما يحدّثه «4». انتهى.

و لا شكّ أنّ البيع أو الشراء الصادر عمّن قصد الغبن و الخديعة إمّا عين الغبن أو ملزومه، و أيّهما كان يبطل البيع، لمكان النهي، فإنّه يفسد المعاملة على الأقوى.

[الفرع السادس ]

و: لو علم المغبون مرتبة من الغبن، و لا يعلم الأزيد، و ثبت الأزيد، فالغبن في الزائد عمّا يعلم.

و لو أسقط الخيار في مرتبة و ثبت الأزيد كان الخيار له، لنفي الضرر.

الخامس: خيار تأخير إقباض الثمن و المثمن عن ثلاثة أيّام.
اشاره

فمن باع و لم يقبض الثمن و لا قبض المبيع فالبيع لازم ثلاثة أيّام، فإن جاء المشتري بالثمن و إلّا فللبائع الخيار، بالإجماع المحقّق، و المنقول

______________________________

[1] الكافي 5: 153- 14، الوسائل 18: 31 أبواب الخيار ب 17 ح 1، و فيهما: غبن المؤمن سحت.

______________________________

(1) الكافي 5: 153- 15، التهذيب 7: 8- 22، الوسائل 18: 32 أبواب الخيار ب 17 ح 2.

(3) الوسائل 17: 385 أبواب آداب التجارة ب 2 ح 7.

(4) مجمع البحرين 5: 383.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 397

مستفيضا في كلام جماعة، كالانتصار و الغنية و التنقيح و التذكرة و الدروس و المسالك «1»، و ظاهر السرائر و المهذب «2»، و مع ذلك فالنصوص به مستفيضة:

كصحيحة زرارة: الرجل يشتري من الرجل المتاع ثمَّ يدعه عنده، يقول: حتى آتيك بثمنه، قال: «إن جاء فيما بينه و بين ثلاثة أيّام و إلّا فلا بيع له» «3».

و صحيحة علي بن يقطين: عن الرجل يبيع البيع و لا يقبضه صاحبه و لا يقبض الثمن، قال: «الأجل بينهما ثلاثة أيّام، فإن قبض بيعه و إلّا فلا بيع بينهما» «4».

و موثّقة إسحاق بن عمّار: «من اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيّام و لم يجي ء فلا بيع بينهما» «5».

و في رواية: «من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة أيّام و إلّا فلا بيع له» «6».

______________________________

(1) الانتصار: 210، الغنية (الجوامع الفقهية): 587، التنقيح 2: 48، التذكرة 1:

523، الدروس 3: 273 و لم يدّع الإجماع صريحا، المسالك

1: 180.

(2) السرائر 2: 277، المهذب البارع 2: 379.

(3) الكافي 5: 171- 11، الفقيه 3: 127- 554، التهذيب 7: 21- 88، الاستبصار 3: 77- 258، الوسائل 18: 21 أبواب الخيار ب 9 ح 1.

(4) التهذيب 7: 22- 92، الاستبصار 3: 78- 259، الوسائل 18: 22 أبواب الخيار ب 9 ح 3.

(5) الفقيه 3: 126- 552، التهذيب 7: 22- 91، الاستبصار 3: 78- 260، الوسائل 18: 22 أبواب الخيار ب 9 ح 4، و في الجميع: فلا بيع له.

(6) الكافي 5: 172- 16، التهذيب 7: 21- 90، الوسائل 18: 21 أبواب الخيار ب 9 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 398

و أكثر تلك الأخبار و إن كانت مطلقة بالنسبة إلى إقباض المبيع و عدمه، إلّا أنّ ظاهر الأصحاب الاتّفاق على اشتراط عدمه، بل عبارات نقلة الإجماع مصرّحة به، فهو المقيّد للمطلقات.

مضافا إلى قوله: «فإن قبض بيعه» في الصحيحة الثانية، فإنّه يدلّ على عدم الخيار مع قبض المبيع، سواء كان بعد الثلاثة أو قبلها.

و في الغنية نسب ذلك إلى رواية الأصحاب، و لعلّه إشارة إلى هذه الصحيحة.

نعم، عن الشيخ القول بالخيار مع تعذّر قبض الثمن و إن قبض المبيع «1»، و قوّاه في الدروس «2»، لنفي الضرر.

و فيه: أنّ دفع الضرر بأخذ العين مقاصّة ممكن إن أمكن، و إلّا فليس للفسخ فائدة.

و ظاهر النصوص- كما ترى- بطلان البيع بعد الانقضاء لا ثبوت الخيار، كما هو المنقول عن الإسكافي «3» و أحد قولي الشيخ «4»، و مال إليه صاحب الكفاية «5».

و منع الظهور بورود النفي هنا مورد توهّم لزوم المعاملة فلا يفيد سوى نفيه لا وقع له، إذ لا دليل على كون المورد مورد توهّم اللزوم،

بل يمكن أن يكون مورد توهّم الصحة.

و كذا لا إشعار لتخصيص النفي في بعض تلك الأخبار بالمشتري

______________________________

(1) حكاه عنه في الدروس 3: 274 و انظر المبسوط 2: 148.

(2) الدروس 3: 274.

(3) نقله عنه في المختلف: 351.

(4) المبسوط 2: 87.

(5) الكفاية: 92.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 399

بقوله: «فلا بيع له» إلى الخيار، لعدم انتفاء البيع له بثبوت الخيار عليه.

و لكنّ الحق- مع ذلك كلّه- في ثبوت الخيار، لأنّ البيع هو فعل صادر من البائع، و نفيه حقيقة غير صادق، لتحقّق البيع في السابق، و نفيه بعد الثلاثة لا معنى له، إذ لا بيع حينئذ مطلقا، فالمراد معناه المجازي، و هو إمّا المبيع أو حكم البيع مطلقا أو استمراره أو صحّته حينئذ أو لزومه، و إذا تعدّدت المجازات فيؤخذ بالمتيقّن- الذي هو نفي اللزوم- و يعمل في الباقي بالأصل.

و الحمل على نفي الصحّة- لكونها أقرب المجازات- غير جيّد، إذ لا دليل على تعيّن الحمل على مثل ذلك الأقرب.

و يشترط في ثبوت هذا الخيار عدم اشتراط التأجيل في الثمن أو المثمن أو بعض كلّ واحد منهما و لو ساعة، فلا يثبت ذلك الخيار في السلف و النسية مطلقا، بالإجماع.

مضافا في الأول إلى عدم إطلاق البيع المطلق على السلف في الأخبار، و إلى ظهور الصحيحتين في غيره، لمكان قوله: ثمَّ يدعه، في أولاهما، و: «إن قبض بيعه» في الثانية.

و في الثاني إلى ظهور جميع الأخبار في غيره، حيث إنّ مبدأ الثلاثة أيّام فيها- بحكم التبادر- وقت البيع، فالحكم- بأنّه إن لم يجي ء بالثمن فيها يكون البائع ذا خيار- قرينة على إرادة غير النسية.

هذا كلّه، مع أنّه على القول بشمول تلك الأخبار للنسية و السلف تكون الأخبار الدالّة

على لزوم كلّ من النسية و السلف- المذكورة في ثانيهما- معارضة مع تلك الأخبار بالعموم من وجه، فلو لم ترجّح الأوليين فالمرجع إلى أصالة لزوم مطلق البيع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 400

فروع:
[الفرع الأول ]

أ: قبض البعض كلا قبض، لصدق عدم قبض الثمن و إقباض المثمن مجتمعا و منفردا.

[الفرع الثاني ]

ب: شرط القبض المانع كونه بإذن المالك، فلا أثر لما يقع بدونه، كما لو ظهر الثمن أو بعضه مستحقّا للغير.

[الفرع الثالث ]

ج: قال في المسالك: و لا يسقط هذا الخيار بمطالبة البائع بالثمن بعد الثلاثة و إن كان قرينة الرضا بالعقد، عملا بالاستصحاب «1».

و استشكل فيه بعضهم مع القرينة «2»، لمفهوم صحيحة علي بن رئاب المتقدّمة «3». و هو في محلّه، بل السقوط أظهر.

و منه يظهر الوجه في سقوطه بالإسقاط و نحوه ممّا يدلّ على الرضا.

[الفرع الرابع ]

د: لو بذل المشتري الثمن بعد الثلاثة قبل الفسخ، ففي سقوط الخيار وجهان، منشأهما زوال الضرر و الاستصحاب، و الثاني أظهر، لأنّ كون الضرر مناطا استنباطيّا لا عبرة به.

[الفرع الخامس ]

ه: لو تلف المبيع بعد الثلاثة و ثبوت الخيار، كان من مال البائع، إجماعا محقّقا و منقولا «4» متواترا.

و تدلّ عليه- مضافا إليه و إلى ما يأتي- صحيحة ابن سنان: «لا ضمان على المبتاع حتى ينقضي الشرط و يصير المبيع له» «5».

______________________________

(1) المسالك 1: 180.

(2) انظر الرياض 1: 526.

(3) راجع ص 372.

(4) كما في المهذب البارع 2: 380، المقتصر: 169، كشف الرموز 1: 459، المسالك 1: 180، الرياض 1: 526.

(5) الفقيه 3: 126- 551، الوسائل 18: 14 أبواب الخيار ب 5 ح 2، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 401

و كذا لو تلف قبل الثلاثة، على الأشهر الأقرب، بل في الخلاف الإجماع عليه «1».

للنبويّ: «كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال البائع» «2».

و رواية عقبة بن خالد: في رجل اشترى متاعا من رجل و أوجبه، غير أنّه ترك المتاع عنده و لم يقبضه، قال: آتيك غدا إن شاء اللّه، فسرق المتاع، من مال من يكون؟ قال: «من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع و يخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه حتى يردّ ماله إليه» «3».

و ذهب المفيد و السيّد و الديلمي «4» و من تبعهم- بل في الانتصار و الغنية الإجماع عليه «5»، و عن نكت الإرشاد الميل إليها أيضا- إلى أنّ تلفه من المشتري.

نظرا إلى ثبوت الناقل من غير خيار.

و لكون النماء له فيكون التلف عليه، لتلازم الأمرين، كما يستفاد من موثّقة إسحاق بن

عمّار و رواية معاوية بن ميسرة الواردتين في خيار الشرط «6».

______________________________

(1) الخلاف 3: 20.

(2) عوالي اللئالي 3: 212- 59، مستدرك الوسائل 13: 303 أبواب الخيار ب 9 ح 1.

(3) الكافي 5: 171- 12، التهذيب 7: 21- 89، الوسائل 18: 23 أبواب الخيار ب 10 ح 1.

(4) المفيد في المقنعة: 599، السيد في الانتصار: 210، الديلمي في المراسم:

172.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 587.

(6) راجع ص 384.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 402

و الأول مردود بما مرّ من الدليل.

و الثاني بأنّه لا يدلّ على التلازم من الجانبين، بل على أنّ كون التلف من ماله مستلزم لكون الغلّة له دون العكس. فلا يفيد.

و قد يستدلّ بالإجماعين المحكيّين، و ضعفه عندنا ظاهر.

و عن ابن حمزة و ظاهر الحلبي: أنّ البائع إن عرض تسليمه على المشتري فلم يقبله فالثاني، و إلّا فالأول «1». و نفي عنه البأس في المختلف «2». و لا مستند تامّا له.

السادس: خيار ما يفسد من يومه.
اشاره

فلو اشترى أحد ما يفسد من يومه يلزم البيع إلى الليل، فإن أتى المشتري بالثمن و إلّا فللبائع الخيار، لمرسلة محمّد بن أبي حمزة أو غيره:

في الرجل يشتري الشي ء الذي يفسد من يومه، و يتركه حتى يأتيه بالثمن، قال: «إن جاء فيما بينه و بين الليل بالثمن و إلّا فلا بيع له» «3». و إثبات الخيار بها مع ظهورها في البطلان قد مرّ وجهه.

و في رواية زرارة: «و العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول و البطيخ و الفواكه يوم إلى الليل» «4».

و المستفاد من هذا التمثيل أنّ المراد بالفساد هنا مطلق النقص و التنزّل و لو في الوصف و الطراوة، و تكون لفظة: «من» بمعنى: في، أي ما ينقص

______________________________

(1) ابن حمزة في الوسيلة: 239،

الحلبي في الكافي في الفقه: 353.

(2) المختلف: 351.

(3) الكافي 5: 172- 15، التهذيب 7: 25- 108، الاستبصار 3: 78- 262، الوسائل 18: 24 أبواب الخيار ب 11 ح 1.

(4) الفقيه 3: 127- 555، الوسائل 18: 25 أبواب الخيار ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 403

بحسب الوصف في يومه، أو تكون ابتدائية، أي ينقص وصفا مبتدئا من يومه، فإنّ ما مثّل به كذلك، فإنّ أحسن ما يكون هو عليه هو أول يومه، ثمَّ ينقص شيئا فشيئا إلى أن يفسد بالمرّة.

و إنّما قلنا: أنّ المستفاد منه ذلك، إذ لا شكّ أنّ ما مثّل به ليس ممّا يفسد بالمرّة في اليوم قطعا.

نعم، ينقص وصفه من الطراوة و نحوها.

و فساده في يومه نادرا غير مفيد، إذ ما من شي ء إلّا و هو كذلك.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّه لا وقع لما استشكله في المسالك و غيره من أنّ الغرض من إثبات هذا الخيار تلافي ضرر البائع قبل تلف المبيع بأن يفسخ البيع و يبيعه لغيره قبل تلفه، و هذا المعنى يقتضي أن يكون الفسخ قبل التلف، و إذا كان مبدأ الخيار دخول الليل فليس المبيع ممّا يفسد ليومه، و الحال أنّ المسألة مفروضة فيما يفسد ليومه، و الرواية أيضا دالّة عليه، و حينئذ فثبوت الخيار بعد فساده لا وجه له، و إنّما ينبغي ثبوته إذا خيف فساده بحيث يتلافى أمره قبله «1». انتهى.

و وجه الدفع: أنّ المراد بالفساد ليس التلف حتى لا يكون وجه للخيار، بل ضرب من النقص، و لمّا كان النقص الحاصل في ظرف اليوم لم يكن ممّا يوجب كثير تفاوت و إنّما يحصل ذلك بمضيّ الليل على المبيع فأثبت الخيار بعد مضيّ اليوم.

و

قد يستدلّ على ثبوت ذلك الخيار بخبر الضرار.

و هو غير جيّد، لأنّه إن أريد ضرر المشتري فهو ممّا أقدم نفسه عليه

______________________________

(1) المسالك 1: 180 و الروضة 3: 459.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 404

حيث تركه و لم يأخذه، مع أنّ البيع من قبله ممكن.

و إن أريد ضرر البائع فهو إنّما يكون لو جعلنا الفاسد من ماله، و لكن لو قلنا: إنّه من مال المشتري، فلا ضرر عليه.

و كون التلف قبل القبض من مال البائع مطلقا- حتى فيما كانت العين باقية و إن فسدت- غير ثابت.

و لو سلّم فالضرر إنّما هو من الحكم بكون التلف قبل القبض من البائع لا من الحكم باللزوم، إذ مقتضى اللزوم كون التلف من المشتري، فلا ضرر لأجله على البائع، فالحكم الموجب للضرر كون التلف من البائع، فلو أثّر نفي الضرر لأثّر في رفع هذا الحكم دون اللزوم.

هذا، و التحقيق: أنّ كون التلف قبل القبض على البائع نوع من الضرر، فدليله أخصّ مطلقا من أدلّة نفي الضرر، فيجب تخصيصها به، و لكون الضرر الحاصل في المقام من أفراد هذا النوع فلا يكون منفيّا في الشرع و لا داخلا تحت أدلّة نفي الضرر، فلا وجه للاستدلال بها في المقام.

و من ذلك يظهر ضعف ما ارتكبه جماعة من المتأخّرين من إثبات الخيار في كلّ ما يتسارع إليه الفساد عند خوف ذلك و عدم تقييده بالليل، و التأخير فيما يفسد في يومين إلى حين خوف الفساد «1»، و غير ذلك من التفريعات.

فرع:

يشترط في هذا الخيار ما اشترط في سابقة، من عدم قبض المثمن، و إقباض الثمن، و عدم التأجيل في أحدهما، أمّا الأولان فلأنّهما مورد النص، و أمّا الثالث فلما مرّ في

السابق.

______________________________

(1) كما في الدروس 3: 274 و جامع المقاصد 4: 299 و المسالك 1: 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 405

السابع: خيار الرؤية.
اشاره

و هو إنّما يثبت في بيع الأعيان الموجودة في الخارج من غير مشاهدة حال البيع إذا كان بالوصف و ظهر عدم المطابقة، أو برؤية قديمة إذا ظهر بخلافها، فإن ظهرت النقيصة كان الخيار للمشتري إن كان هو الموصوف له، و إن ظهرت الزيادة كان للبائع إن كان هو كذلك.

و كأنّه لا خلاف فيه كما في الكفاية «1»، بل بلا خلاف كما في شرح الإرشاد للأردبيلي و غيره «2»، بل بالاتّفاق كما في الحدائق «3»، بل بالإجماع كما في شرح المفاتيح، [بل ] [1] بالإجماع المحقّق، له.

و لصحيحة جميل: رجل اشترى ضيعة و قد كان يدخلها و يخرج منها، فلمّا أن نقد المال و صار إلى الضيعة فقلبها ثمَّ رجع فاستقال صاحبه فلم يقله، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إنّه لو قلب منها أو نظر إلى تسع و تسعين قطعة ثمَّ بقي منها قطعة و لم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية» «5».

و هي و إن كانت خالية عن ذكر التوصيف و المخالفة، إلّا أنّه لا بدّ من [تقييدها] [2]، للإجماع على اختصاص خيار الرؤية بتلك الصورة، أو لأنّ ذلك معنى خيار الرؤية.

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أثبتناه لاستقامة العبارة.

[2] في النسخ: تقديرها، و الأنسب ما أثبتناه.

______________________________

(1) الكفاية: 92.

(2) مجمع الفائدة 8: 410.

(3) الحدائق 19: 56.

(5) الفقيه 3: 171- 766 بتفاوت، التهذيب 7: 26- 112، الوسائل 18: 28 أبواب الخيار ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 406

مضافا إلى أنّ إطلاقها أيضا لو كان لكفى، لشموله المطلوب و خروج ما خرج

بالدليل، أو يتعدّى إلى المطلوب بالأولويّة، كما يتعدّى بها أو بعدم الفصل إلى غير مورد الصحيحة، و هو الذي لم ير شيئا من المبيع إن جعل المشار إليه بذلك تمام الضيعة لا خصوص القطعة الغير المرئيّة، و فيما إذا ظهرت الزيادة و كان الخيار للبائع.

و يدل على المطلوب أيضا النبويّ المنجبر بما ذكر: «من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار» «1».

و ما رواه في التذكرة عن طريق الخاصّة: أنّهم سألوا عن بيع الجرب [1] الهرويّة، فقال: «لا بأس به إذا كان لها بارنامج، فإن وجدها كما ذكرت و إلّا ردّها» «3»، أي يجوز له ردّها، مع أنّ الردّ ليس على الوجوب إجماعا، بل المعنى: إن شاء، و هو معنى الخيار.

و قد يستدلّ على المطلوب في جميع الصور بنفي الضرار و الضرر بضميمة عدم قول يجبره بنحو آخر.

و فيه نظر، لأنّه أخصّ من المدّعى، لاختصاصه بما تضمّن الغبن، و حينئذ فليس هو غير خيار الغبن، إلّا أن يقال بشموله لما لم يكن ذو الوصف المخالف مطلوبا للمشتري أصلا مع عدم المغبونيّة أيضا، و حينئذ فيمكن إتمام الاستدلال بضميمة الإجماع المركّب.

و قد يستدلّ أيضا بما ورد من كراهة شراء ما لم يره «4»، و من ثبوت

______________________________

[1] الجراب: وعاء من إهاب شاة يوعى فيه الحبّ و الدقيق و نحوهما و منه: الجراب الهروي، و الجمع: جرب- مجمع البحرين 2: 23.

[1] الجراب: وعاء من إهاب شاة يوعى فيه الحبّ و الدقيق و نحوهما و منه: الجراب الهروي، و الجمع: جرب- مجمع البحرين 2: 23.

______________________________

(1) سنن الدارقطني 3: 4- 8 و 10.

(3) التذكرة 1: 524.

(4) الوسائل 18: 33 أبواب الخيار ب 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 407

الخيار في

شراء سهام القصّابين.

و فيهما نظر، لعدم دلالة الأول على ثبوت الخيار، و خروج الثاني عن مورد المسألة.

فروع:
[الفرع الأول ]

أ: هل هذا الخيار على الفور، أو التراخي؟

فيه وجهان، أشهرهما- كما قيل «1»-: الأول، اقتصارا فيما خالف أدلّة لزوم العقد على أقلّ ما يندفع به الضرر.

و قد يقال: و هو كان حسنا لو كان المستند مجرّد أدلّة نفي الضرر، و لكنّك عرفت النصّ المطلق أيضا، فإطلاقه يثبت الثاني.

أقول: إنّه كان حسنا لو كان النصّ مطلقا، و لكنّه لا إطلاق فيه، إذ غايته إثبات خيار الرؤية، و يكفي في ثبوته و تحقّقه ثبوته في وقت واحد، فيقتصر فيه على القدر المعلوم، إلّا أن يتمسّك بالاستصحاب، و لكن يعارضه استصحاب حال العقل، حيث إنّ قبل ظهور المخالفة لم يكن خيار أصلا، و لم يعلم بالظهور أزيد من ثبوته في الوقت المتّصل بوقت الظهور، فالأصل عدم ثبوته بعده.

فإذن الأجود ما عليه الأكثر.

[الفرع الثاني ]

ب: لو كان التوصيف من ثالث و زاد و نقص باعتبارين، كان الخيار للمتبايعين، فإن فسخا فهو و إلّا يقدّم الفاسخ، و الوجه ظاهر.

[الفرع الثالث ]

ج: لو رأى البعض و وصف الباقي تخيّر في الجميع مع عدم

______________________________

(1) قال به في الرياض 1: 527.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 408

المطابقة، لصحيحة جميل المتقدّمة «1». و احتمال رجوع الإشارة إلى خصوص القطعة غير مضرّ، لإمكان الإتمام بدخول الضرر بتبعّض الصفقة في بعض الصور الغير المنجبر بما ذكر إجماعا، و التعدّي إلى البواقي بالإجماع المركّب.

و تدلّ عليه أيضا الرواية المنقولة عن التذكرة «2»، لشمول إطلاقها لما ذكر.

و لا فرق في ذلك بين ما إذا كان المجموع جنسا واحدا أو جنسين إذا بيع بعقد واحد.

[الفرع الرابع ]

د: لو نقص وصف و لكنّه زاد آخر- بحيث يجبر الناقص- ثبت خيار المشتري أيضا، لإطلاق النص.

[الفرع الخامس ]

ه: هل يجوز اشتراط إسقاط هذا الخيار حين العقد، أم لا؟

استشكل فيه الفاضل في التحرير «3».

و قطع الشهيد الثاني بعدم سقوطه «4».

و استقرب في الدروس بطلان العقد به «5». و هو الأقرب، لبطلان الشرط، لكونه مخالفا للسنّة.

نعم، لو شرط عدم الفسخ- لو ثبت له الخيار- جاز و لزم، و لم يؤثّر الفسخ لو فسخ.

[الفرع السادس ]

و: لو شرط البائع إبدال المبيع إن ظهرت المخالفة فاستقرب في

______________________________

(1) في ص 405.

(2) راجع ص 406.

(3) التحرير 1: 167.

(4) المسالك 1: 182.

(5) الدروس 3: 276.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 409

الدروس الفساد «1»، و قال في الحدائق بالصحّة مع عدم الظهور و الفساد معه «2».

و التحقيق: أنّه إن كان المشروط عدم الفسخ و تملّك البدل بهذا العقد فهو فاسد قطعا، لبطلان الشرط.

و إن كان الإبدال بعقد آخر بعد ردّ المبدل منه و فسخه فلا فساد فيه، لأنّه شرط سائغ و كان مرادا من الأول، فيكون صحيحا.

و أمّا ما في الحدائق فهو غير جيّد جدّا.

الثامن: خيار الاشتراط.
اشاره

و هو خيار مخالفة الشرط.

و توضيحه: أنّه إذا لم يف المشروط عليه بالشرط الواقع في متن العقد ففيه أقوال:

الأول: عدم عصيانه و عدم وجوب الوفاء بالشرط عليه، بل للمشروط له خيار الفسخ، و فائدة الشرط جعل العقد عرضة للزوال عند فقد الشرط، نسبه في شرح المفاتيح إلى المشهور.

الثاني: وجوب وفائه به و عصيانه بتركه و عدم ثبوت الخيار له إلّا مع تعذّر التوصّل إلى الشرط و لو بإجبار المشروط عليه و رفع أمره إلى الحاكم، فإن تعذّر ثبت له الخيار، ذهب إليه جماعة، منهم: المسالك و كفاية الأحكام «3»، و عن السرائر و الغنية الإجماع عليه «4».

______________________________

(1) الدروس 3: 276.

(2) الحدائق 19: 59.

(3) المسالك 1: 191، الكفاية: 97.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 587.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 410

الثالث: وجوب الوفاء، و لو لم يف فالمشروط له مخيّر بين الإجبار مع الإمكان و الفسخ، و إن لم يمكن فله الفسخ.

الرابع: وجوب الوفاء، فإن امتنع فله الفسخ، و هو ظاهر الدروس «1».

الخامس: إنّ الشرط إن كان ممّا يكفي العقد في

تحقّقه من دون احتياج إلى صيغة أخرى- كشرط الوكالة في عقد الرهن- فهو لازم، و لا خيار فيه إلّا مع تعذّر تحصيل الشرط، و إن احتاج إلى أمر آخر وراء ذكره في العقد- كشرط الرهن على الثمن، أو العتق- فلا يجب الوفاء به، بل يجعل العقد اللازم جائزا. نسب إلى الشهيد «2».

و لا أرى على هذا التقرير فرقا بين هذا التفصيل و القول الأول، إذ ما يكفي العقد في تحقّقه فيتحقّق الشرط بتحقّق العقد، فلا يكون الشرط منتفيا حتى يبقى خيار.

ثمَّ إنّهم استدلّوا للأول بأصالة عدم وجوب الوفاء.

و عدم لزوم العقد بدون الشرط.

و كون الانتقال معلّقا على الشرط، فلا يحصل الانتقال اللازم بدونه.

و يردّ الأصل الأول بأدلّة وجوب الوفاء بالشرط، سيّما في ضمن العقد، كما ذكرناها في كتاب عوائد الأيّام.

و الثاني بعمومات لزوم البيع.

و الثالث بمنع كون الانتقال معلّقا، و إنّما هو إذا كان الشرط بالمعنى الأصولي، و ليس كذلك، بل هو بالمعنى اللغوي، الذي هو الإلزام و الالتزام، مع أنّه لو أريد به المعنى الأصولي لاقتضى انتفاء البيع انتفاء الشرط من غير

______________________________

(1) انظر الدروس 3: 214.

(2) نسبه في المسالك 1: 191 و الروضة 3: 507 إلى بعض تحقيقاته.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 411

حاجة إلى الفسخ، بل يكون العقد من رأسه باطلا و لو وفى بالشرط، لإيجابه التعليق.

و دليل الثاني: أمّا على وجوب الوفاء فما مرّ.

و أمّا على التسلّط على الإجبار فلكونه تاركا للواجب.

و أمّا على التسلّط على الفسخ مع التعذّر فكأنّه الإجماع المنقول، و أدلّة نفي الضرر.

و الأولان صحيحان.

و أمّا الثالث، فيردّ بعدم حجّيّة الإجماع المنقول، و إمكان جبر الضرر بغير الخيار من تقاصّ و نحوه، مع أنّ كلّ شرط ليس ممّا

يتضمّن انتفاؤه الضرر.

و أدلّة سائر الأقوال تظهر ممّا مرّ.

أقول: و يمكن أن يستدلّ للمقام برواية أبي الجارود: «إن بعت رجلا على شرط، فإن أتاك بمالك و إلّا فالبيع لك» «1».

وجه الاستدلال: أنّ الشرط فيها مطلق يعمّ جميع الشروط، فإن جعلت لفظة «ما» في قوله: «مالك» موصولة، و «اللام» جارّة، يثبت المطلوب في جميع الموارد.

و إن جعلت لفظة «ما» جزءا للكلمة و كذلك «اللام»، فإمّا يراد بالمال المشروط مطلقا مجازا، أو يخصّ الشرط بالماليّة و يتعدّى إلى الغير بالإجماع المركّب و يثبت تمام المطلوب، و كذلك في الشروط التي للمشتري و خياره.

______________________________

(1) التهذيب 7: 23- 97، الوسائل 18: 18 أبواب الخيار ب 7 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 412

و أمّا إرادة الثمن من المال فهو- مع كونه تخصيصا بلا مخصّص- يوجب لغويّة قوله: «على شرط»، إلّا أن يخصّ بشرط إتيان الثمن في وقت معيّن خاصّة، و هو أيضا تخصيص بلا مخصّص، مع أنّه أيضا يثبت المطلوب بضميمة الإجماع المركّب.

و أمّا تخصيص الشرط بشرط خيار الفسخ مع عدم الإتيان بالثمن فهو تخصيص لا وجه له، بل إخراج للأكثر.

و أمّا إرادة الخيار من قوله: «فالبيع لك» فبمثل التقريب المتقدّم في قوله: «لا بيع له» «1»، و على هذا فيكون الخيار ثابتا له، و له الإجبار أيضا، لأدلّة عموم لزوم الوفاء بالشرط، و استحقاق المشروط له، و عدم منافاة ثبوت الخيار له أيضا.

فإذن الحقّ هو القول الثالث.

و لو تلف المبيع قبل الوفاء بالشرط انتفى الخيار بالتقريب المتقدّم، و بقي حقّ المطالبة و الإجبار.

و الظاهر فوريّة هذا الخيار أيضا، للاقتصار على القدر المتيقّن.

و التمسّك بإطلاق النصّ، فيه ما مرّ سابقا، و اللّه العالم.

مسألة:

إن مات من له

الخيار انتقل الخيار إلى الوارث، بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في موضعين من التذكرة و ظاهر السرائر «2»، و نفى عنه الشبهة في المسالك «3»، و قيل: بلا خلاف «4»، و قيل: و لا يعرف في ذلك

______________________________

(1) راجع ص: 397.

(2) التذكرة 1: 536 و 537، السرائر 2: 249.

(3) المسالك 1: 181.

(4) الرياض 1: 527.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 413

خلاف، و هو الحجّة في المقام.

و قد يستدلّ بالنبوي: «ما ترك الميّت من حقّ فهو لوارثه» «1».

و هو يتمّ لو ثبت كون الخيار ممّا ترك و بقاؤه بعد الموت.

و استصحابه غير صحيح، لتغيّر الموضوع.

و منه يظهر ضعف الاستدلال بعمومات الإرث «2».

و الاحتجاج باستصحاب تزلزل ملكيّة الطرف الآخر- الموجب لثبوت الخيار للوارث بالإجماع المركّب- يضعف بمعارضته بأصالة عدم حدوث خيار للوارث أو غيره المزيل للتزلزل، لأنّه ليس إلّا كون الملك بحيث يثبت فيه الخيار لأحد.

كما يضعف الاحتجاج بأنّ ملكيّة ذي الخيار لمّا انتقل إليه كانت متزلزلة فيجب كونها كذلك للوارث أيضا، بمنع الملازمة، فإنّ ملكيّة الوارث ثابتة بعمومات الإرث، و هي ظاهرة في المستقرّة، و لو منع الظهور فالأصل عدم تسلّطه على الطرف الآخر.

فروع:
[الفرع الأول ]

أ: قال في التحرير: لو جعل الخيار لأجنبي فمات، فالوجه عدم سقوط الخيار، بل ينتقل إلى الوارث لا إلى المتعاقدين «3». انتهى.

أقول: كان الوجه ما ذكره لو كان المناط في الانتقال النبوي المتقدّم أو آيات الإرث، و أمّا على ما ذكرنا- من أنّه الإجماع- فالوجه السقوط، حيث

______________________________

(1) سنن ابن ماجه 2: 914- 2738، مسند أحمد 2: 453، بتفاوت.

(2) الوسائل 26: 63 أبواب موجبات الإرث ب 1.

(3) التحرير 1: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 414

لم يثبت الإجماع هنا.

[الفرع الثاني ]

ب: لو شرط عدم انتقال الخيار إلى الوارث، فالوجه صحّته و عدم الانتقال، لأنّ الثابت من الإجماع انتقال ما ليس كذلك من الخيارات.

نعم، تشكل الصحّة لو تمّت دلالة الظواهر على الانتقال، لأنّ الشرط حينئذ يكون مخالفا للسنّة.

[الفرع الثالث ]

ج: إن كان الخيار خيار شرط ثبت للوارث في بقيّة المدّة المضروبة، فلو كان غائبا أو حاضرا و لم يبلغه الخبر حتى انقضت المدّة سقط خياره.

[الفرع الرابع ]

د: إن كان الخيار خيار غبن اعتبر فيه الفوريّة، لعدم ثبوت الزائد منها عن الإجماع. و الظاهر أنّ الفوريّة المعتبرة فيه من حين بلوغ الخبر و علمه بالفوريّة.

[الفرع الخامس ]

ه: لا يثبت من أدلّة انتقال الخيار إلى الوارث أزيد من أنّه كما كان للمورّث ينتقل إلى مجموع الورثة، لأنّ الخيار نفسه ليس ممّا يتخصّص بالحصص، و لا دليل على تخصيصه بالنسبة إلى ما فيه الخيار، بأن يكون لكلّ وارث فسخ حصّته منه، على أنّ مورّثهم لم يملك إلّا فسخ الجميع و المنتقل إليهم إنّما هو حقّه.

و على هذا، فليس للوارث مع التعدّد التفريق، بأن يفسخوا في البعض و يجيزوا في البعض، بل لهم إمّا فسخ الجميع أو قبوله.

و لو اختلفت الورثة في الفسخ و الإجازة، قيل: يقدّم الفسخ «1»، فبفسخه ينفسخ الجميع أو حصّته خاصّة مع تخيّر الآخر، لتبعّض الصفقة.

و تنظّر فيه جماعة «2»، و هو في موقعه، بل الحقّ تقديم الإجازة، فإذا

______________________________

(1) كما في المسالك 1: 181 و الحدائق 19: 71.

(2) منهم السبزواري في الكفاية: 93 و صاحب الرياض 1: 527.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 415

أجاز واحد لزم البيع في الجميع، إذ لم يثبت أثر إلّا لفسخ الجميع، الذي هو بمنزلة فسخ المورّث، فإذا أجاز واحد بقي خيار الآخر بلا أثر، بل لا خيار لهم، إذ لم يثبت إلّا خيار الجميع، و ينتفي الكلّ بانتفاء جزئه.

و كونه موجبا لإبطال حقّ من يريد الفسخ- مع معارضته بكون تقديم الفسخ أيضا مبطلا لحقّ إجازة الآخر- مردود بمنع كون الخيار حقّا للبعض، و إنّما هو أمر ثابت للجميع من حيث هو، على أن لا حجر في إبطال حقّ يستلزمه استيفاء حقّ.

[الفرع السادس ]

و: إذا كان الخيار في بيع الأرض أو شرائها، فهل للزوجة الخيار، أم لا؟ استشكل فيه في القواعد «1»، و استبعد في شرحه للشيخ علي في إرثها من الخيار في الأرض المشتراة «2».

و

إذ عرفت أنّ الخيار إنّما هو للجميع دون كلّ واحد تعلم دخولها في أهل الخيار، إذ لم يثبت من أدلّة الانتقال إلّا الانتقال إلى الجميع، الذين منهم الزوجة، فلم يعلم الانتقال إلى من سواها خاصّة.

نعم، لو انحصر الوارث فيها فالحقّ- على ما ذكرنا من انحصار الدليل بالإجماع- عدم انتقال الخيار إليها، و أمّا على الاستدلال بالظواهر يجب الحكم بالثبوت، لعدم مخرج لإرث الزوجة عن الخيار.

ثمَّ في صورة عدم الانحصار، فإن كان ذو الخيار المورّث بائعا، فإن لم تجوّز الزوجة الفسخ ترث حصّتها من الثمن، و إن اختارت الفسخ مع سائر الورثة لم ترث من الأرض و لا من ثمنها، لأنّ بعد الفسخ يستحقّ المشتري الثمن من مال البائع، إذ انتقاله إليه كان من جهة البيع و قد انفسخ،

______________________________

(1) القواعد 1: 143.

(2) جامع المقاصد 4: 306.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 416

و انتقال حصّتها من الثمن إليها قبل الفسخ كان انتقالا متزلزلا.

هذا إذا كان الشرط مطلقا.

و إن كان مقيّدا بردّ الثمن، فيتبع الحكم ما قرّرته الزوجة أولا، فإن اختارت الفسخ مع ردّ الثمن من مال الميت تنقص حصّتها من الثمن، و إن اختارته مع ردّه من مال سائر الورثة لم تنقص.

و إن كان ذو الخيار مشتريا، فإن اختارت الزوجة الإجازة لم ترث من الأرض، و إن اختارت الفسخ ورثت من الثمن.

[الفرع السابع ]

ز: لو أسقط بعض الورثة ماله من الخيار ليس له الرجوع بعده، لأنّ الثابت من الإجماع خيار غير مثل ذلك الشخص. و لا يفيد الاستصحاب، لأنّ الثابت له أولا لم يكن إلّا حقّه قبل الإسقاط- أي ما لم يسقط- فيتعارض الاستصحابان.

[الفرع الثامن ]

ح: لو كان الوارث صغيرا أو مجنونا قام وليّه مقامه، و كذا لو جنّ ذو الخيار.

مسألة: ذهب أكثر الأصحاب [إلى أنّ المبيع يملك بالعقد]

- بل عن ظاهر السرائر و صريح موضع من التذكرة الإجماع عليه- [إلى ] [1] أنّ المبيع يملك بالعقد «2».

و عن الإسكافي: أنّه يملك بانقضاء الخيار مع عدم الفسخ «3»، و هو المحكيّ عن الشيخ إذا كان الخيار لهما أو للبائع، و إلّا فكالأول على ما في الخلاف «4»، أو يخرج من ملك البائع و إن لم يدخل في ملك المشتري، كما

______________________________

[1] ما بين المعقوفين، أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(2) السرائر 2: 248، التذكرة 1: 533.

(3) حكاه عنه في الدروس 3: 270.

(4) الخلاف 3: 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 417

عن المبسوط «1».

و الحقّ هو: الأول، لصدق البيع المقتضي للملك شرعا بعموماته.

و فقد المانع المعلوم، إذ ليس إلّا ثبوت الخيار، و منافاته له غير معلومة، بل عدمها معلوم كما في خيار العيب.

و لإطلاق كثير من النصوص «2»، الدالّة على جواز بيع المبتاع قبل القبض مطلقا كما في بعض، و من البائع كما في آخر، و أنّ ربحه للمشتري البائع ثانيا، و في بعضها صرّح بعدم قبض شي ء من الثمن و المثمن.

وجه الاستدلال: أنّه يدلّ على جواز بيع المشتري لنفسه، و أنّ ربحه له، المستلزم لكونه ملكا له، سواء كان له خيار أو لا، إلّا أنّ دلالته إنّما هو فيما إذا كان الخيار للبائع، لمعارضته مع ما هو أخصّ منه مطلقا ممّا يدلّ على عدم جواز البيع فيما إذا كان الخيار للمشتري إلّا مع إسقاطه الخيار، كرواية السكوني المتقدّمة في خيار الشرط: في رجل اشترى ثوبا بشرط إلى نصف النهار، فعرض له ربح فأراد بيعه، قال: «ليشهد أنّه قد رضيه و استوجبه،

ثمَّ ليبعه إن شاء» «3».

و رواية الشحّام: عن رجل ابتاع ثوبا من أهل السوق لأهله و أخذه بشرط فيعطى به ربحا، قال: «إن رغب في الربح فليوجب على نفسه الثوب، و لا يجعل في نفسه إن ردّه عليه أن يردّه على صاحبه» «4».

و يؤيّد المطلوب- بل يدلّ عليه أيضا- إطلاق ما يدلّ على [أنّ ] [1]

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) المبسوط 2: 83.

(2) الوسائل 18: 65 أبواب أحكام العقود ب 16.

(3) تقدّمت في ص: 381.

(4) التهذيب 7: 26- 111، الوسائل 18: 25 أبواب الخيار ب 12 ح 2، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 418

مال العبد للمشتري مطلقا، أو مع علم البائع، أو مع الشرط «1».

و قد يستدلّ أيضا بمفهوم النصوص الآتية، الدالّة على أنّ كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه من دون تقييد بمضيّ زمان الخيار «2»، فإنّه يدلّ على أنّ التالف بعد القبض من مال المشتري و إن كان له خيار، و لو لا أنّه ملكه لم يكن كذلك.

و بخصوص موثّقة إسحاق بن عمّار و رواية معاوية بن ميسرة، المتقدّمتين «3» في خيار الشرط، المصرّحتين: بأنّ كلّا من النماء و التلف في مدّة الخيار من مال المشتري. و اختصاصهما بنوع من الخيار بعدم القول بالفصل منجبر.

و بتعليق إباحة التصرّف في الكتاب و السنّة على المراضاة و المبايعة، فلو لم تكن مفيدة للملك لما جاز التعليق عليه.

و بأنّ الصحّة هنا ترتّب الأثر، فإن وصف المبيع بها حال وقوعه ثبت المطلوب، و إلّا فلا معنى للخيار.

و بأنّه لو لا انتقال الملك إلى المشتري لكان موقوفا، فلم يكن فرق بين بيع المالك و الفضولي، و هو باطل «4».

و في الكلّ نظر:

أمّا

الأول، فلكون إطلاق مفهومه معارضا مع إطلاق المنطوق الذي هو أقوى، مضافا إلى معارضته مع ما هو أصحّ منها سندا، كصحيحة ابن

______________________________

(1) الوسائل 18: 252 أبواب بيع الحيوان ب 7.

(2) انظر ص: 418.

(3) في ص: 384.

(4) انظر الرياض 1: 527.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 419

سنان: عن الرجل يشتري الدابّة أو العبد، و يشترط إلى يوم أو يومين، فيموت العبد أو الدابّة أو يحدث فيه حدث، على من ضمان ذلك؟ فقال:

«على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام، و يصير المبيع للمشتري، شرط له البائع أو لم يشترط، و إن كان بينهما شرط أيّاما معدودة فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط فهو من مال البائع» «1»، و قريبة منها رواية البصري «2».

و اختصاصهما بخيار الحيوان أو الشرط غير ضائر، لما مرّ.

و أمّا الثاني، فلمعارضته من جهة التلف مع ما تقدّم، و من جهة النماء مع صحيحة الحلبي المتقدّمة في خيار الحيوان: في رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيّام ثمَّ ردّها، قال: «إن كان في تلك الثلاثة أيّام شرب لبنها ردّ معها ثلاثة أمداد، و إن لم يكن لها لبن فليس عليه شي ء» «3».

و ترجيح الموثّقة و أختها على الصحيحة و صاحبتها بالشهرة و مخالفة العامّة- كما وقع عن بعضهم «4»- غريب، لأنّ أصل الحكم في النوعين- و هو بكون التلف ممّن لا خيار له، و هو المشتري في النوع الأول، و البائع في الثاني- مشهور بين الأصحاب، بل- كما صرّحوا به- عليه إجماعهم، فلا يوجب كون ما يدّعى لزومه شرعا لأحدهما مشهورا مخالفا للعامّة ترجيحا من هاتين الحيثيّتين، كما هو ظاهر جدّا.

______________________________

(1) الكافي 5: 169- 3، التهذيب 7: 24- 103، الوسائل 18: 14،

15 أبواب الخيار ب 5 ح 2، 3 و أورد ذيله في ص 20 ب 8 ح 2.

(2) الكافي 5: 171- 9، التهذيب 7: 24- 104، الوسائل 18: 14 أبواب الخيار ب 5 ح 1.

(3) راجع ص: 380.

(4) انظر الرياض 1: 528.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 420

و أغرب منه الترجيح بصراحة الدلالة، فإنّها في النوعين على نسق واحد، بل دلالة الثاني أتمّ بواسطة مفهوم قوله: «و يصير المبيع للمشتري»، مضافا إلى ترجيحه بصحّة السند.

و التحقيق: انتفاء اللزوم بين الحكم بكون التلف من أحدهما و ثبوت الملكيّة له، لعدم دليل عليه من عقل أو شرع، و لذا يكون التلف من البائع قبل القبض و إن لم يكن خيار فيه أيضا، و كذا في زمن الخيار للمشتري عند القائلين بتملّكه. فالاستدلال بذلك ساقط رأسا، بل و كذلك في النماء أيضا، فإنّه لا دليل على استلزام كون النماء لشخص كون الملك له أيضا.

و أمّا الثالث، فلمنع الملازمة المذكورة بقوله: لو لم تكن مفيدة للملك لما جاز التعليق.

و أمّا الرابع، فلمنع قوله: ثبت المطلوب، إذ يكفي في الصحة كون الأثر هو الملكيّة الحاصلة بمضيّ مدّة الخيار.

و أمّا الخامس، فلمنع لزوم عدم الفرق إن أريد مطلقا، و منع بطلان اللازم إن أريد من وجه.

دليل الإسكافي: الأصل. المندفع بما مرّ.

و ما يدلّ على أنّ التّلف من البائع كما سبق. و ضعفه قد ظهر.

و مفهوم قوله: «و يصير المبيع للمشتري».

و جوابه- بعد كونه أخصّ من مدّعاه، حيث إنّه يختصّ بالخيار الثابت للمشتري خاصّة و بخيار الحيوان و عدم ثبوت الإجماع المركّب، و لذا أفتى بعض المتأخّرين بوضوح الحكم في خيار الشرط، و استشكل في

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص:

421

خيار الحيوان «1»-: أنّه لم يحكم بهذا الجزء من الحديث سوى الإسكافي، فهو مخالف لشهرة القدماء، بل الإجماع، فعن درجة الحجّية ساقطة.

و لم نقف على دليل للشيخ، سيّما على النقل الأخير.

ثمَّ إنّه تظهر ثمرة الخلاف في الأخذ بالشفعة، و في جريانه في حول الزكاة، و غير ذلك، و قالوا في النماء المتجدّد في زمان الخيار، و يأتي بيانه.

فروع:
[الفرع الأول ]

أ: يظهر منهم أنّ تبعيّة الملكيّة المستقرّة في النماء المتجدّد في زمن الخيار لملكيّة الأصل قاعدة كلّية ثابتة.

و لذا فرّع الأكثر على ملكيّة المشتري كون النماء المتجدّد له و إن فسخ البائع، و قالوا: ليس له مطالبة المشتري بالنماء و لا بمثله، أو قيمته مع تلفه.

و قال بعض المتأخّرين- بعد نقل صحيحة الحلبي المتقدّمة «2»، المصرّحة بوجوب ردّ ثلاثة أمداد للبن الشاة المردودة بعد ثلاثة أيّام- إنّ ما مرّ من أنّ الغلّة في زمن الخيار للمشتري فهو مختصّ بخيار الشرط.

و قال بعض آخر- بعد نقل موثّقة إسحاق بن عمّار، الدالّة على أنّ الغلّة للمشتري «3»، و نقل الروايات الواردة في خيار العيب، الدالّة على ما يخالف ذلك ظاهرا-: و يمكن الجمع بينهما بحمل الموثّقة و نظائرها- الدالّة على أنّ النماء في زمان الخيار إنّما هو للمشتري- على خيار الشرط و اختصاص الحكم به دون غيره من أنواع الخيار، و ورود تلك الأخبار في

______________________________

(1) كما في الكفاية: 93.

(2) في ص: 380.

(3) راجع ص: 384.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 422

خيار الشرط مؤيّد لذلك الحمل، انتهى.

و يظهر منهما عدم كلّية القاعدة.

و هو و إن كان مخالفا لما هو المشهور، و لمقتضى استصحاب ملكيّة النماء الثابتة حال الخيار قطعا بلا معارض، إلّا أنّ صحيحة الحلبي و المستفيضة الواردة في

خيار العيب «1» تساعده، و أظهر منها موثّقة إسحاق ابن عمّار و رواية معاوية بن ميسرة المتقدّمتان «2»- و مخالفة العلّيّة للشهرة بعد اشتهار الحكم الذي هو العلّة و استنادهم في الحكم إلى هذين الخبرين غير ضائر- الدالّتان على أنّ النماء لمن عليه التلف، فهو الأظهر إلّا أن يثبت الإجماع على الكلّية، و هو محلّ نظر.

و ظاهر الموثّقة و الرواية كون النماء لمن عليه التلف و إن لم يفسخ البيع بالخيار، و لعلّ الحكم به مستبعد.

[الفرع الثاني ]

ب: يجوز للمشتري التصرّف في المبيع، و للبائع في الثمن، و إن لم يوجبا البيع على نفسهما قبل التصرّف، لأنّ الناس مسلّطون على أموالهم.

و لا فرق في التصرّفات بين أنواعها إذا كان الخيار للمتصرّف خاصّة إذا لم يكن متلفا و لا ناقلا، و إن كان كذلك فإمّا يكون الخيار للمتصرّف، أو للآخر، أو لهما.

فإن كان الأول، فالظاهر جوازه و سقوط خياره مطلقا، ناقلا كان المتصرّف أو متلفا، لأنّ الفسخ عبارة عن إبطال البيع، الذي هو نقل الملكيّة المتحقّقة للمتصرّف، و وجود الملكيّة فرع بقاء المملوك أو عدم انتقال الملكيّة، و مع التلف أو النقل لا ملكيّة له حتى يبطلها، فلا يمكن

______________________________

(1) الوسائل 18: 14 و 19 أبواب الخيار ب 5 و 8.

(2) في ص: 384.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 423

استصحاب الخيار، لتغيّر الموضوع.

و لكونه (باعثا على) [1] إسقاط حقّ نفسه لا يعارض الخيار أدلّة لزوم النقل.

و إبطال ملكيّة الطرف الآخر بعض المشروط الثابت تحقّقه في ضمن الكلّ، فلا يمكن استصحابه.

و أمّا جواز الفسخ للبائع الشرطي مع تصرّفه في الثمن و إتلافه إيّاه فهو لأنّه معهود بين المتعاقدين، فالمشروط حقيقة خيار فسخ ملكيّة الطرف الآخر مع ردّ مثل

الثمن لا ملكيّة الطرفين و إن كان الخيار لهما أو للآخر خاصّة.

و أمّا إذا كان للآخر دونه أو لهما، فقيل: لا يجوز إذا كانت ناقلة- كالبيع و الوقف و الهبة- إلّا بإذن الآخر، لمنافاتها خياره «1».

و قال الفاضل في التذكرة: و لو باع أو وقف أو قبض- أي المشتري- في زمن خيار البائع أو خيارهما بغير إذن البائع فالأولى الوقوف على الإجازة «2». و هذا تصريح بالجواز و تزلزله في زمان خيار البائع.

و قال في القواعد: و لو باع أو وقف أو وهب في مدّة خيار البائع أو خيارهما لم ينفذ إلّا بإذن البائع «3». و هذا يحتمل الوجهين.

و صرّح في السرائر و التذكرة بجواز عتق المشتري العبد في زمان خيار البائع أو خيارهما «4».

______________________________

(1) ما بين القوسين ليس في «ق»، و في نسخة من «ح»: باعها على.

______________________________

(1) الرياض 1: 528.

(2) التذكرة 1: 538.

(3) القواعد 1: 144.

(4) السرائر 3: 249، التذكرة 1: 538.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 424

و تردّد في الثاني في كون خصوص العتق كالتلف فيرجع البائع بعد الفسخ إلى المثل أو القيمة، أو كون العتق على الإجازة موقوفا «1».

و قد يقال: الحقّ صحّة البيع و توقّفه على إجازة البائع، فإن فسخ يرجع المبيع إليه، و إن سقط خياره بأحد مسقطاته لزم.

أمّا الأول، فلكونه ملكا له، و الناس على أموالهم مسلّطون، و لعمومات حلّيّة البيع.

و أمّا الثاني، فلاستصحاب خيار البائع، فإنّ معنى خياره أو لازمه:

تسلّطه على إرجاع المبيع إلى ملكه، و استصحابه يقتضي جواز أخذه العين ما دامت باقية.

و أيضا ليس البيع إلّا نقل الملك الثابت للبائع، و ليس للمشتري في زمن الخيار إلّا الملك المتزلزل، فلا يترتّب على بيعه إلّا حصول

الملكيّة المتزلزلة الثابتة للمشتري لمن يشتريه ثانيا، و هي الملكيّة المنتفية بفسخ البائع الأول.

و لا تنافيه أصالة لزوم البيع، لأنّ مقتضاها لزوم نقل الملك الصادر من البائع، فيكون نقل الملك المتزلزل الصادر من المشتري لازما، و مقتضاه عدم تسلّطه على فسخ ذلك النقل حتى لو لم يفسخ البائع الأول لم يلزمه أمر أصلا، و هذا لا ينافي تزلزل الملك الحاصل ببيع آخر.

و لا يخفى أنّ ذلك لا يجري فيما لا يقبل التزلزل من التصرّفات الناقلة، كالوقف و العتق، و كذا في التلف، و مع ذلك يرد عليه ما مرّ من أنّ الفسخ بالخيار كان فسخ ملكيّة المتصرّف و بعد انتقالها لا وجه لبقاء خيار

______________________________

(1) التذكرة 1: 538.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 425

الفسخ.

فالحقّ: عدم جواز التصرّفات المتلفة و الناقلة مطلقا في هذه الصورة إلّا بإذن الآخر، لإيجابها إتلاف حقّ الغير الموجب للضرر و الضرار، و إذا لم يجز لم يترتّب عليها الأثر لو وقعت أيضا.

[الفرع الثالث ]

ج: يجوز للمشتري الانتفاع بالمبيع بنحو الركوب و استخدام العبد و سكنى الدار و زرع الأرض و نحوها، للأصل.

و هل للبائع أخذ الأجرة منه بعد الفسخ؟

لا شكّ في عدمه إذا كان الخيار للبائع، لأنّ النماء للمشتري حينئذ.

و إن كان الخيار للمشتري فالظاهر العدم أيضا، لأصل العدم، و عدم صدق العلّة التي جعلها في الموثّقة و صاحبتها «1» لمن عليه التلف.

نعم، لو آجره المشتري فحكم الأجرة حكم النماء، لصدق العلّة عليها.

[الفرع الرابع ]

د: يجوز للمشتري إجارة المبيع إلى تمام مدّة الخيار و الزائد عليها، و حكمها حكم البيع، و حكم وجه الإجارة حكم النماء.

نعم، لو آجره من البائع نفسه في زمن خيار البائع فالظاهر لزوم الإجارة، لوقوعها بإذنه.

مسألة:

إذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه، بالإجماع المحقّق، و المحكيّ عن الغنية و الروضة «2»، و في شرح القواعد للشيخ علي و في التذكرة: أنّه لا خلاف فيه عندنا «3»، و في الكفاية: لا أعرف فيه

______________________________

(1) المتقدّمتين في ص: 384.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 589، الروضة 3: 459.

(3) جامع المقاصد 4: 308، التذكرة 1: 473.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 426

خلافا «1»، و هو الحجّة فيه.

مضافا إلى النبويّ و رواية عقبة بن خالد المتقدّمتين في تلف المبيع في خيار التأخير «2»، و قصورهما سندا- لو كان- منجبر بالعمل، فهما- بعد الإجماع- مخرجان للحكم هنا عن مقتضى قاعدة حصول الملكيّة بمجرّد العقد المستلزم لكون التلف من المشتري.

و المراد بكونه من مال بائعه: أنّه ينفسخ العقد بتلفه من حينه، و يرجع الثمن إلى ملك المشتري، و ليس للمشتري مطالبة المثل أو القيمة، لأنّ هذا مقتضى كونه من ماله، و هو المستفاد من مفهوم الشرط في قوله في رواية عقبة: «فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه حتى يردّ إليه ماله»، فإنّه يدلّ على أنّه ما لم يخرجه ليس ضامنا لحقّه، الذي هو الثمن.

ثمَّ إنّه لا ريب في الحكم إذا كان التلف بآفة سماويّة.

و أمّا إذا لم يكن كذلك، بل كان من المشتري أو البائع أو الأجنبي، فقيل بالرجوع إلى مقتضى القاعدة، و هو كون التالف من مال المشتري و رجوعه إلى المتلف بالمثل أو القيمة لو لم يكن

نفسه، و قد ينسب ذلك إلى فتوى الجماعة «3».

و في الدروس و المسالك و شرح القواعد للشيخ علي: تخيّر المشتري بين الفسخ و الرجوع بالثمن، و بين مطالبة المتلف بالمثل أو القيمة في الأخيرين «4». و هو مذهب الشيخ- على ما في التذكرة- في الثالث، و أمّا في

______________________________

(1) الكفاية: 93.

(2) راجع ص: 401.

(3) انظر الرياض: 1: 528.

(4) الدروس 3: 212، المسالك 1: 182، جامع المقاصد 4: 309.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 427

الثاني فمذهبه- على ما في التذكرة- أنّه كالتلف بآفة سماويّة فيفسخ البيع، بل ذكر في التذكرة وجها في كون الأول أيضا كالتلف بآفة سماويّة، فعلى المشتري المتلف القيمة للبائع و يستردّ الثمن «1».

و أطلق الحلّي «2» و جماعة «3»: أنّه إذا تلف المبيع قبل القبض فهو من مال بائعه. و هو ظاهر في الإطلاق.

و كون المتبادر من التلف كونه بآفة سماويّة ممنوع.

و على هذا، فيكون الإطلاق هو مدلول الروايتين، مضافا إلى أنّ المفهوم في الأخيرة كاف في إثبات الإطلاق، فعليه الفتوى.

نعم، كون إتلاف المشتري من البائع إنّما هو إذا لم يصادف قبضه بل كان بتفريط منه، و أمّا إذا صادفه فمن المشتري، و الوجه ظاهر، و جعل مطلق إتلافه بمنزلة القبض لا وجه له.

ثمَّ البائع يعمل مع المتلف- إذا كان غيره- معاملة صاحب المال مع من أتلفه.

فروع:
[الفرع الأول ]

أ: النماء بعد العقد قبل التلف للبائع على ما اخترناه، لأنّ التلف منه.

و على المشهور فيه وجهان، مبنيّان على أنّ التلف هل هو أمارة الفسخ للعقد من أصله- كما قيل، و نسب إلى ظاهر النصّ و عبارة جماعة «4»

______________________________

(1) التذكرة 1: 474.

(2) السرائر 2: 241.

(3) منهم المحقق في الشرائع 2: 23 و العلامة في الإرشاد

1: 375 و الشهيد في اللمعة (الروضة 3): 459.

(4) انظر الرياض 1: 528.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 428

- أو من حين التلف- كما هو ظاهر المسالك «1» و غيره- فيقدّرون دخوله في ملك البائع آنا ما، و يكون التلف كاشفا عنه؟

و الحقّ هو: الثاني، استصحابا للحالة السابقة، و عدم ظهور النصّ في خلافه.

[الفرع الثاني ]

ب: قال في التذكرة: إتلاف الثمن المعيّن كالمثمن في الأحكام المذكورة «2». و يظهر ذلك في غيره أيضا. و هو كذلك، لصدق المبيع عليه لغة. و التفرقة في العرف المتأخّر غير ضائرة، لأصالة تأخّر الحادث، مع أنّ استفادة العموم من رواية عقبة ممكنة.

[الفرع الثالث ]

ج: صرّح في التذكرة و الدروس: بأنّه لو أبرأ المشتري البائع من الضمان لم يبرأ «3». و هو كذلك، للأصل. و كذا لو شرط البراءة، لكونها مخالفة للسنّة.

[الفرع الرابع ]

د: لو تلف بعض المبيع قبل قبضه، ففي الدروس: أنّه من مال البائع و للمشتري الفسخ أيضا، لتبعّض الصفقة «4».

و في التذكرة: أنّه إن كان للتالف قسط من الثمن- كعبد من عبدين- ينفسخ العقد فيه، و لا يبطل في الآخر، بل يتخيّر المشتري في الفسخ، للتبعّض.

و إن لم يكن له قسط من الثمن- كما لو سقطت يد العبد- فلعلمائنا فيه قولان:

______________________________

(1) المسالك 1: 181.

(2) التذكرة 1: 474.

(3) التذكرة 1: 473، الدروس 3: 212.

(4) الدروس 3: 213.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 429

أحدهما: تخيّر المشتري بين الفسخ و الإمضاء مجّانا.

و ثانيهما: تخيّره بين الفسخ و الإمضاء مع الأرش «1».

أقول: لا ريب في كون التلف من البائع فيما إذا كان للتالف قسط من الثمن، لصدق المبيع و المباع عليه. و أمّا في غيره، فمقتضى القاعدة كونه من المشتري، لأنّه ماله، و عدم معلوميّة صدق المبيع و المباع الواردين في الخبرين عليه، مع أنّ الأوّل ضعيف، و انجباره في مثل ذلك غير معلوم، و الثاني مخصوص بالمسروق، و التعدّي إلى غيره بعدم الفصل الغير الثابت هنا.

مسألة:

إذا تلف المبيع أو الثمن في زمن الخيار، فمقتضى القاعدة كونه من المشتري في المبيع و من البائع في الثمن مطلقا، سواء كان الخيار للمشتري، أو للبائع، أو للأجنبي، أو لاثنين منهما، أو للثلاثة.

و تدلّ عليه في صورة كون الخيار للبائع موثّقة إسحاق بن عمّار و معاوية بن ميسرة المتقدّمتين «2»، و في جميع الصور قوله: «فإذا أخرجه من بيته» المتقدّم في رواية عقبة «3»، إلّا أنّه خرج من هذه فيما إذا كان الخيار للمشتري خاصّة بلا خلاف يعرف، لصحيحة ابن سنان و رواية البصري المتقدّمتين «4»، و يبقى الباقي تحت

القاعدة.

و ظاهر الصحيحة و الروايتين كون التلف من اللّه، و على هذا فيكون غيره- من كون التلف من البائع أو المشتري أو من شخص معيّن- باقيا

______________________________

(1) التذكرة 1: 474.

(2) في ص: 384.

(3) راجع ص: 401.

(4) في ص: 419.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 430

على مقتضى القاعدة من كون التلف من مال المشتري، و يرجع على المتلف إذا كان غيره، [لقاعدة] [1] ضمان التالف.

و هل يبقى الخيار لمن له الخيار بعد التلف، أم لا؟

مقتضى القاعدة التي ذكرناها- من عدم إمكان استصحاب الخيار بعد انتفاء الملكيّة- انتفاؤه مطلقا.

______________________________

[1] في «ق» و «ح»: إلى قاعدة، و الظاهر ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 431

المقصد الثالث في النقد و النسيئة

اشاره

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 433

اعلم أنّ البيع بالنسبة إلى تعجيل الثمن و المثمن و تأخيرهما- و لو بساعة- و التفريق أربعة أقسام:

الأول: النقد.

و الثاني: الكالي بالكالي.

و الثالث: النسيئة.

و الرابع: السلف.

و ما بعض ثمنه نقد و بعضه نسيئة مركّب من النقد و النسيئة، و منه ما لو شرط أداء الثمن من حين العقد إلى عشرة أيّام مثلا بقسط الأيّام.

و لو لم يشترط التأخير، و لكن شرط جواز التأخير إمّا صريحا- نحو:

بعتك بشرط أن يكون لك التأخير إلى عشرة أيّام- أو التزاما، نحو بعتك:

بشرط أن لا تؤخّر الثمن عن عشرة أيّام، حيث إنّه يفهم منه عرفا أنّ له التأخير ما دون العشرة، و منه قوله: بعتك بشرط أن تؤدّي الثمن اليوم، أو أن تعجّله في اليوم، فإنّه يستلزم جواز التأخير ما لم يفت اليوم.

ففيه إشكال، سيّما إذا كان زمان تجويز التأخير قليلا بالنسبة إلى جعله نسيئة نحو ساعة، مع أنّ شرط التأخير ساعة نسيئة قطعا. أو كان الزمان طويلا بالنسبة

إلى احتمال كونه نقدا، نحو سنة، فإنّ الظاهر أنّ الأول نقد، سيّما إذا قال: بشرط أن تؤدّي الثمن اليوم أو الساعة، و الثاني نسيئة، سيّما إذا قال: بشرط أن يكون لك التأخير إلى سنة أو لا تؤخّر عن السنة، مع أنّ شرط التأجيل يكون نسيئة من غير فرق بين الزمان القليل و الكثير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 434

و يحتمل أن يشترط في التعجيل عدم شرط التأخير مطلقا و لا تجويزه إلّا في مدّة قليلة لا تنافي التعجيل عرفا، نحو ساعة أو يوم.

و يظهر من المسالك «1» و غيره: أنّ شرط التعجيل في هذا اليوم- مثلا- نقد، حيث عيّن مثل ذلك زمان التعجيل.

و تظهر الفائدة في مواضع كثيرة، منها: في خيار تأخير الثمن عن ثلاثة، فتأمّل.

و نذكر أحكامها في

مسائل:
المسألة الاولى:

من اشترى مطلقا- من غير ذكر تأخير الثمن- كان الثمن حالا من غير خلاف، كما صرّح به بعضهم «2».

و لأنّه المتبادر من الإطلاق.

و لأنّه لولاه فإمّا ينصرف إلى أجل معيّن- و هو تحكّم باطل- أو لا، فيلزم إبطال المبيع، و هو فاسد إجماعا و نصّا.

و لانتقاله إلى البائع بالعقد، لأنّه مقتضاه، و مقتضى الانتقال تسلّطه على المطالبة حال الانتقال.

و لموثّقة الساباطي: في رجل اشترى من رجل جارية بثمن مسمّى ثمَّ افترقا، قال: «وجب البيع و الثمن، إذا لم يكونا اشترطا فهو نقد» «3».

ثمَّ لو اشترطا التعجيل لأفاد التأكيد، و لو أخّر مع الشرط ففي إفادته التسلّط على الفسخ و عدمه أقوال مرّت في فصل أحكام الخيار. و كذا لو

______________________________

(1) المسالك 1: 182.

(2) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 589، الحدائق 19: 119، الرياض 1:

529.

(3) الوسائل 18: 36 أبواب العقود ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 14، ص: 435

شرط التأجيل إلى أجل معين و أخّر عنه.

المسألة الثانية:

بيع النسيئة جائز إجماعا محقّقا، و محكيّا في التذكرة «1» و غيره «2»، له، و للمستفيضة، بل المتواترة معنى، الآتي كثير منها في تلك المسألة و ما بعدها.

و لا فرق فيها بين المدّة القصيرة و الطويلة- حتى مثل ألف سنة- ممّا يسلّم المتعاقدان عدم بقائهما إليه عادة، بلا خلاف يعتدّ به، للأصل، و عمومات البيع و الشرط، و خصوص إطلاقات أخبار النسيئة.

و لا تنافيها رواية أحمد بن محمّد: إذا بعناهم بنسيئة كان أكثر للربح، فقال: «بعهم بتأخير سنة»، قلت: فبتأخير سنتين؟ قال: «نعم»، قلت:

بثلاث؟ قال: «لا» «3».

لعدم دلالتها على الحرمة، بل غايتها الكراهة، و يمكن أن يكون ذلك لطول الأمل، أو صعوبة تحصيل الثمن في هذه المدّة الطويلة، مع أنّها على فرض الدلالة مخالفة للشهرة العظيمة لو لا الإجماع، و مثلها ليس بحجّة، سيّما مع معارضتها من أخبار كثيرة، و موافقتها- كما قيل «4»- لرأي بعض العامّة.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي، فمنع من التأجيل على زيادة ثلاث سنين «5»، و لا مستند له، و الرواية المتقدّمة على مذهبه غير منطبقة، فهي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 14    436     المسألة الثالثة: ..... ص : 436

____________________________________________________________

(1) التذكرة 1: 546.

(2) الرياض 1: 529.

(3) الكافي 5: 207- 1، قرب الاسناد: 164، الوسائل 18: 35 أبواب أحكام العقود ب 1 ح 1.

(4) انظر الرياض 1: 529.

(5) حكاه عنه في المختلف: 364.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 436

لحجّته غير صالحة.

المسألة الثالثة:
اشاره

يشترط في صحّة بيع النسيئة تعيين المدّة، بلا خلاف يعرف.

و في الكفاية: الظاهر أنّه لا خلاف في أنّه يشترط أن تكون المدّة معلومة لا تتطرّق إليها الزيادة و النقيصة «1».

و في شرح الإرشاد للأردبيلي- في دليل اشتراط تعيين المدّة-:

و كأنّه الإجماع، فلو لم يعيّن المدّة أو عيّن أجلا محتملا للزيادة و النقيصة بطل البيع، و استدلّ له باستلزام عدم التعيين للغرر و الجهالة في الثمن، لأنّ للمدّة قسطا من الثمن عرفا و عادة «2».

أقول: أمّا الغرر فلزومه في جميع الموارد ممنوع، و كيف لا غرر في قولك: بعتك إلى آخر الشهر، مع احتمال تسعة و عشرين و ثلاثين؟! و يحصل الغرر بقولك: بعتك إلى تسعة و عشرين الشهر أو ثلاثين، و كذا في تفاوت عشرة أيّام و نحوها في نسيئة سنة.

نعم، لا مضايقة في قبول لزوم الغرر فيما يختلف الثمن به عرفا و عادة، فإنّ الزمان قيد و وصف للثمن يختلف باختلافه ما بإزائه البتّة، فأدلّة المنع عن بيع الغرر تمنع عن مثل ذلك، فلو ثبت الإجماع المركّب في جميع الموارد فهو، و إلّا فلا وجه للاستدلال ببطلانه بالغرر.

نعم، يصحّ الاستدلال بالجهل، بناء على الأصل الذي أصّلناه في كتاب العوائد من أصالة عدم صحّة جعل ما في الذمّة ثمنا إلّا ما ثبتت فيه الصحّة، و هو ما كان معلوما قدرا و جنسا و وصفا و قيدا.

______________________________

(1) الكفاية: 94.

(2) مجمع الفائدة 8: 327.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 437

و منه يظهر عدم صحّة جعل الأجل مجي ء الغراب أو إدراك الثمرات أو ما يشترك بين زمانين- كشهر ربيع أو الجمادى أو يوم جمعة أو يوم خميس- لعين ما ذكر.

و قيل بالصحّة في صورة الاشتراك، و يحمل على الأول، للتعليق على اسم معيّن متحقّق بالأول «1».

قيل: و لكن ذلك إذا علما بذلك قبل العقد، حتى يقصد أجلا مضبوطا، و لا يكفي ثبوت ذلك شرعا مع جهلهما أو أحدهما به، و مع القصد لا إشكال في

الصحّة و إن لم يكن الإطلاق محمولا عليه.

و تجويز الاكتفاء في الصحة بما يقتضيه الشرع فيه، قصده أم لا- نظرا إلى كون الأجل الذي عيّناه مضبوطا في نفسه شرعا، و إطلاق اللفظ منزّل على الحقيقة الشرعيّة- غير صحيح، لمنع تنزيل الإطلاق عليها مطلقا، بل إنّما هو بالنظر إلى إطلاق كلام الشارع خاصّة، لعدم دليل يدلّ على التعدّي أصلا «2».

أقول: لا يخفى أنّ مثل الربيع و الجمعة إمّا مشترك لفظي أو معنوي.

فإن كان الأول- كما هو الظاهر في الربيعين- و إن كان لا يحمل اللفظ على الأول إلّا مع القصد، و لكن ما ذكره- من اقتضاء الشرع ذلك، و انضباط الأجل في نفسه، و إثبات الحقيقة الشرعيّة فيها، و تنزيل كلام الشارع عليها- هنا غير صحيح، إذ لا اقتضاء من الشرع هنا، و لا انضباط، و لا حقيقة شرعيّة.

و إن كان الثاني- كما هو المستفاد من كلامه، حيث جعله من باب

______________________________

(1) الروضة 3: 514.

(2) انظر الروضة 3: 514، الرياض 1: 529.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 438

الإطلاق- فاللازم الحمل على الأول، لتحقّق المطلق به، إلّا إذا علم قصدهما عدمه، كما هو شأن سائر المطلقات، و لا دخل له أيضا باقتضاء الشرع و الحقيقة الشرعيّة.

فروع:
[الأول ]

أ: الاختلاف الموجب للبطلان هو الذي يوجب التفاوت العرفي و لا يتسامح به عرفا، فلا بأس بالتأجيل إلى آخر ساعة من اليوم الفلاني، مع أنّ الساعة أيضا لها أجزاء، بل و كذلك ساعات اليوم، بل اليوم بالنسبة إلى الشهر و السنة، و نحو ذلك، ما لم يصرّح بما يختلف به، و ذلك كما في الوزن، فإنّ وزن مائة منّ- مثلا- يختلف غالبا بمثاقيل عديدة و هو مغتفر إلّا أن يصرّح فيقال:

بعت مائة منّ أو مائة منّ إلّا عشرة مثاقيل بالترديد، و كذا في تراب الحنطة و نحوه.

و الدليل على اغتفار هذا القدر من الاختلاف في جميع ما ذكر:

الإجماع، بل الضرورة.

[الثاني ]

ب: اللازم- كما مرّ في خيار الشرط- تعيين المدّة بما يتعارف التعيين به من اليوم و الشهر و السنة، أو إلى الوقت الفلاني، و إذا عيّن بواحد من هذه الأمور لا يضرّ الاختلاف بالآخر، فلو عيّن باليوم لا تضرّ جهالة ساعاته، و لو عيّن بالشهر لم تضرّ جهالة أيّامه، و لو عيّن إلى عيد الأضحى لم تضرّ جهالة عدد الأيّام إليه، لما مرّ من اغتفار هذا الاختلاف، و للأخبار المتضمّنة لمثل السنة و السنتين مع اختلاف أيّامها، و للإجماع.

[الثالث ]

ج: لو أجّل بالغاية، بأن يقول: بعتك نسيئة إلى آخر الشهر، يحلّ الأجل بمجرّد تمام الشهر، و كذا لو قال: إلى أول الشهر الفلاني، أو: إلى يوم الجمعة، فيحلّ بمجرّد دخوله.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 439

و لو أجّل بالظرفيّة، كأن يقول: بعتك بمائة درهم تؤدّيها في يوم أول الشهر الفلاني، فلا يحلّ بمجرد دخول ذلك اليوم، بل الظاهر أنّه إن كان ممّا يكون اختلافه قليلا متسامحا به لم يضرّ، و إلّا بطل، فلو قال: بعتك بأن تؤدّي ثمنها في الشهر الآتي، بطل، و كذا لو قال: بعتك بأن تؤدّي ثمنها في السنة الآتية، و لو قال: بعتك بأن تؤدّي ثمنها في يوم أول الشهر أو يوم أول السنة الفلانية، صحّ، فتأمّل.

المسألة الرابعة:

لو باع بثمن حالّا و بآخر مؤجّلا، بطل على الأظهر الأشهر، كما صرّح به جماعة ممّن تأخّر «1»، و إليه ذهب الشيخ في المبسوط و الديلمي و الحلبي و الحلّي و ابن زهرة و الفاضلان و الشهيدان «2»، و نسبه بعض معاصرينا إلى المفيد و الإسكافي و السيّد و القاضي أيضا «3».

للجهل الواقعي المانع عن انتقال الثمن.

و للأصل المتقدّم مرارا.

و لموثّقة الساباطي: «فانههم عن بيع ما لم يقبض، و عن شرطين في بيع» «4».

و قد فسّر في رواية السكوني الآتية «5» الشرطين في بيع بذلك.

و في رواية سليمان: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن سلف و بيع، و عن

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 529.

(2) المبسوط 2: 159، الديلمي في المراسم: 174، الحلبي في الكافي: 357، الحلي في السرائر 2: 287، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 589، المحقّق في النافع: 122، العلامة في التبصرة: 92، الشهيدين في اللمعة و الروضة

3: 514.

(3) الرياض 1: 529.

(4) التهذيب 7: 231- 1006، الوسائل 18: 58 أبواب أحكام العقود ب 10 ح 6.

(5) في ص: 441.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 440

بيعين في بيع» «1»، و قد فسّره جماعة بذلك، منهم ابن الأثير في نهايته «2»، و إن فسّره بعض آخر بغير ذلك أيضا.

و لقوله عليه السّلام في ذيل صحيحة محمّد بن قيس الآتية: «من ساوم بثمنين أحدهما عاجلا و الآخر نظرة فليسمّ أحدهما قبل الصفقة» «3»، فإنّ الأمر بالتسمية نهي عن ضدّه- و هو الترديد- و النهي موجب للفساد.

و لكن يمكن الخدش في الروايتين الأوليين باشتمالهما على ما ليس مطلقا أو كلّيا بمنهيّ عنه تحريما، فيجب إمّا تجوّز في النهي أو في المنهيّ عنه، فيدخل الإجمال المسقط للاستدلال، مضافا في الثانية إلى عدم دليل على إرادة المطلوب من البيعين في بيع، بل لا يعلم شموله له بالإطلاق أيضا.

و في الثالثة: بعدم وجوب التعيين قبل الصفقة قطعا، فيمكن أن يستحبّ ذلك.

فلم تبق إلّا الأصول المتقدّمة، و هي كافية في إثبات المطلوب لو لا الدليل الدافع.

و لكن قد روى محمّد بن قيس في الصحيح: «من باع سلعة فقال: إنّ ثمنها كذا يدا بيد و كذا و كذا نظرة فخذها بأيّ ثمن شئت، و جعل صفقتهما واحدة، فليس له إلّا أقلّهما و إن كانت نظرة» «4».

______________________________

(1) التهذيب 7: 230- 1005، الوسائل 18: 37 أبواب أحكام العقود ب 2 ح 4.

(2) النهاية الأثيريّة 1: 173.

(3) الكافي 5: 206- 1، التهذيب 7: 47- 201، الوسائل 18: 36 أبواب أحكام العقود ب 2 ح 1.

(4) الكافي 5: 206- 1، الفقيه 3: 179- 812، التهذيب 7: 47- 201، الوسائل 18: 36 أبواب أحكام العقود

ب 2 ح 1، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 441

و السكوني في الضعيف: «قضى في رجل باع بيعا و اشترط شرطين، بالنقد كذا و بالنسيئة كذا، فأخذ المتاع على ذلك الشرط، فقال: هو بأقلّ الثمنين و أبعد الأجلين، يقول: ليس له إلّا أقلّ النقدين إلى الأجل الذي أجّله بنسيئة» «1».

و ظاهر الروايتين دالّ على الصحّة و الأخذ بثمن النقد بالأجل المذكور، و حكي العمل به عن نهاية الشيخ «2»، و حكاه في المهذّب البارع عن المفيد و السيّد و القاضي «3»، و بعض آخر عن الإسكافي أيضا «4»، و إن اختلفت الأقوال في الجواز و عدمه مطلقا أو بعد الإمضاء، و في المسالك نسبه إلى جمع من الأصحاب «5»، و في شرح الإرشاد للأردبيلي إلى جماعة «6»، و اختاره في الكفاية «7».

و يظهر من المحقّق الأردبيلي و صاحب الحدائق نوع تردّد في المسألة «8».

و هو في محله، لاعتبار الروايتين، و خلوّهما عن المعارض الصريح، إلّا أن تردّا بمخالفة شهرة القدماء، و هو أيضا- بعد نسبته إلى جمع و جماعة، و حكايته عن الأجلّاء المذكورين- فاسد.

______________________________

(1) التهذيب 7: 53- 230، الوسائل 18: 37 أبواب أحكام العقود ب 2 ح 2.

(2) النهاية: 388.

(3) المهذب البارع 2: 386.

(4) الرياض 1: 529.

(5) المسالك 1: 182.

(6) مجمع الفائدة 8: 327.

(7) الكفاية: 94.

(8) الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 329، صاحب الحدائق 19: 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 442

فالأقرب هو الصحّة و العمل بمقتضى الروايتين [1]، و الترك أحوط.

و لو كان البيع المتردّد ثمنه إلى أجلين- كشهر بدينار و شهرين بدينارين- يصير البطلان أقرب، لعدم المعارض للأصول، و إشكال ثبوت الإجماع المركّب.

المسألة الخامسة:

لو باع شيئا نسيئة جاز للبائع

أن يشتريه من المشتري قبل الأجل و بعده، بزيادة أو نقيصة، حالّا أو مؤجّلا، بغير جنس ثمنه مطلقا أو بجنس ثمنه، مساويا له، أو بزيادة أو نقيصة إذا لم يشترط ذلك حال البيع، بلا خلاف في غير ما إذا كان البيع بعد حلول الأجل بجنس الثمن بزيادة أو نقيصة، للإجماع، و عمومات البيع و الشراء «2».

و صحيحة بشّار: عن الرجل يبيع المتاع بنساء و يشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه، قال: «نعم، لا بأس به» «3».

و منصور: رجل كان له على رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه، فأتى الطالب المطلوب يتقاضاه، فقال له المطلوب: أبيعك هذه الغنم بدراهمك التي لك عندي، فرضي، قال: «لا بأس بذلك» «4».

و الأولى خاصّة بالنسيئة عامّة لجميع صور المسألة.

و الثانية عامّة للنقد و النسيئة. و تخصيص بعض مشايخنا إيّاها بالنسيئة

______________________________

[1] في «ق» و «ح» زيادة: كان العمل أقرب.

______________________________

(2) الوسائل 18: 40 أبواب أحكام العقود ب 5.

(3) الكافي 5: 208- 4، الفقيه 3: 134- 585، التهذيب 7: 47- 204، الوسائل 18: 41 أبواب أحكام العقود ب 5 ح 3.

(4) الفقيه 3: 165- 727، التهذيب 7: 43- 181، الوسائل 18: 40 أبواب أحكام العقود ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 443

غير موجّه «1». و تشمل أيضا أكثر صور المسألة.

و لا معارض لها إلّا صحيحة أخرى لمنصور في صورة الشراء نسيئة- على ما قيل «2»-: عن الرجل يكون له على الرجل طعام أو بقر أم غنم أو غير ذلك، فأتى الطالب المطلوب ليبتاع منه شيئا، قال: «لا يبيعه نسيئة، فأمّا نقدا فليبعه ما شاء» «3».

و لكنّها- مع خروجها عن مسألة اشتراء ما بيع بالنسيئة و عدم صراحتها في

اشتراء المبيع الأول- ليست صريحة في عدم الجواز، بل تحتمل الكراهة، لمقام الجملة الخبريّة.

و أمّا إذا كان البيع بعد حلول الأجل بجنس الثمن بزيادة أو نقيصة، ففيه خلاف، بل يظهر من كلام بعض مشايخنا الأخباريّين كون الخلاف في ذلك و لو كان قبل حلول الأجل أيضا «4».

و كيف كان، فالحقّ المشهور فيه أيضا الصحّة، و تدلّ عليه- بعد الأصل و العمومات- صحيحة بشّار المتقدّمة، و صحيحة يعقوب و عبيد: عن رجل باع طعاما بمائة درهم إلى أجل، فلمّا بلغ ذلك الأجل تقاضاه، فقال ليس لي دراهم خذ منّي طعاما، فقال: «لا بأس به، فإنّما له دراهمه يأخذ بها ما شاء» [1].

______________________________

[1] التهذيب 7: 33- 136، الاستبصار 3: 77- 256، الوسائل 18: 307 أبواب السلف ب 11 ح 10 و فيه: عن يعقوب بن شعيب فقط.

______________________________

(1) انظر الرياض 1: 529.

(2) الرياض 1: 529.

(3) التهذيب 7: 48- 207، الوسائل 18: 45 أبواب أحكام العقود ب 6 ح 8.

(4) الحدائق 19: 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 444

خلافا للمحكيّ عن الشيخ في النهاية و كتابي الحديث «1»، مستدلّا برواية خالد بن الحجّاج: عن رجل بعته طعاما بتأخير إلى أجل مسمّى، فلمّا جاء الأجل أخذته بدراهمي، فقال: ليس عندي دراهم و لكن عندي طعام فاشتره منّي، فقال: «لا تشتره منه، لأنّه لا خير فيه» «2».

و رواية عبد الصمد: أبيع الطعام من الرجل إلى أجل، فأجي ء و قد تغيّر الطعام من سعره، فيقول: ليس عندي دراهم، قال: «خذ منه بسعر يومه»، قال: أفهم- أصلحك اللّه- إنّه طعامي الذي اشتراه مني، قال: «لا تأخذ منه حتى يبيعه و يعطيك» «3».

و فيهما- مع المخالفة للشهرة العظيمة المخرجة للخبر عن الحجّيّة، و

اختصاصهما بالطعام، و قد جوّز بعضهم الاختصاص به «4»، فلا إجماع مركّبا، و أعمّية الأولى عن الطعام الذي اشتراه منه، و عن البيع بالزيادة أو النقيصة، و مطلوبه هما بخصوصهما-: أنّ أولاهما معارضة مع ما مرّ بالتساوي، فيجب إمّا الرجوع إلى العمومات، أو الحمل على الكراهة.

و الثانية و إن كانت أخصّ منه مطلقا- لاختصاصها بالطعام الذي اشتراه و أعمّيته منه- إلّا أنّ احتمال كون قوله: «لا تأخذ» جملة خبرية يمنع عن إثبات الزائد عن الكراهة عنه أيضا.

هذا إذا لم يشترط في متن العقد بيعه منه ثانيا.

______________________________

(1) التهذيب 7: 33، الاستبصار 3: 77.

(2) التهذيب 7: 33- 137، الاستبصار 3: 76- 255، الوسائل 18: 311 أبواب السلف ب 12 ح 3.

(3) الفقيه 3: 130- 566، التهذيب 7: 35- 145، الاستبصار 3: 77- 257، الوسائل 18: 312 أبواب السلف ب 12 ح 5.

(4) انظر الحدائق 19: 129.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 445

و أمّا لو شرط ذلك فيه، بطل بلا خلاف كما قيل «1»، و استدلّ له بتعليلات ضعيفة.

نعم، يدلّ عليه مفهوم الشرط في رواية الحسين بن المنذر: يجيئني الرجل، فيطلب العينة «2»، فأشتري له المتاع من أجله، ثمَّ أبيعه إيّاه، ثمَّ أشتريه منه مكاني، قال: فقال: «إذا كان بالخيار إن شاء باع و إن شاء لم يبع، و كنت أنت أيضا بالخيار، إن شئت اشتريت و إن شئت لم تشتر، فلا بأس» «3».

و المرويّ في قرب الإسناد: عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم، ثمَّ اشتراه بخمسة دراهم، أ يحل؟ قال: «إذا لم يشترط و رضيا فلا بأس» «4».

و مثله في كتاب عليّ بن جعفر، إلّا أنّه قال: بعشرة دراهم إلى أجل، ثمَّ اشتراه بخمسة دراهم بنقد

«5».

و لكنّها أخصّ من المدّعى، لاختصاصها بما إذا كان البيع الثاني بأقلّ من الثمن الأول، أمّا الأخيرتان فظاهرتان، و أمّا الأولى فلأنّه المأخوذ في مفهوم العينة.

و مع ذلك، فهاهنا كلام آخر، و هو أنّه لا يمكن أن يكون البيع الأول و شرطه صحيحا و خصوص الثاني فاسدا، إذ مع صحّة الأولين لا بدّ و أن يكون الوفاء بالشرط لازما، و كيف يجتمع ذلك مع فساد الثاني، و لا أن

______________________________

(1) الرياض 1: 530.

(2) العينة: السلف- لسان العرب 13: 306.

(3) الكافي 5: 202- 1، التهذيب 7: 51- 223، الوسائل 18: 41 أبواب أحكام العقود ب 5 ح 4، بتفاوت يسير.

(4) قرب الاسناد: 114، الوسائل 18: 42 أبواب أحكام العقود ب 5 ح 6.

(5) البحار 10: 259، الوسائل 18: 42 أبواب أحكام العقود ب 5 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 14، ص: 446

يكون مجرّد الشرط فاسدا؟! إذ مع فساده و صحّة البيع الأول يلزم صحّة الثاني أيضا، إذ يكون وجود الشرط كعدمه، لفساده، و يكون المشتري بالخيار، فلا بدّ و أن يكون أصل البيع الأوّل فاسدا.

و على هذا، فلا تكون هناك نسيئة، و لا يجوز بيعه من غير البائع الأول أيضا، و لا يكون هذا العنوان للمسألة جدّا، بل يكون من قبيل أن يعنون أيضا: أنّه لو باع نسيئة لم يجز للمشتري بيعه من البائع بالثمن المجهول- مثلا- بل يجب أن يعنون مسألة أخرى، و هو أنّه لا يجوز شرط البيع من البائع في عقد البيع، فتأمّل.

المسألة السادسة:

لا يجب على المشتري نسيئة دفع الثمن قبل حلول الأجل إجماعا، له، و للأصل، و مقتضى الشرط. و لا تسلّط للبائع على طلبه، للثلاثة المذكورة.

و لو تبرّع المشتري بالدفع لا

يجب على البائع الأخذ أيضا، إجماعا و أصلا. و تخيّل الوجوب- لبعض الاعتبارات العقليّة- ضعيف غايته.

و إذا حلّ الأجل وجب الدفع على المشتري مع المكنة و مطالبة البائع و لو بشاهد الحال، إجماعا أيضا، و وجهه ظاهر «1». و لو لم يدفع كان للبائع المطالبة كذلك.

______________________________

(1) في «ق» زيادة: و إذا دفعه المشتري.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة الجزء 15

اشاره

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

و به نستعين

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 7

كتاب المطاعم و المشارب و فيه أبواب:

اشاره

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 9

الباب الأول في بيان أصول عامّة شاملة للحيوانات و غيرها

اشاره

نذكرها في طي مسائل:

المسألة الأولى: الأصل الأولي في كلّ ما يمكن أكله و شربه: الحلّية،

و جواز الأكل و الشرب عقلا و شرعا إجماعا، و كتابا «1»، و سنّة «2»؛ لما ثبت في علم الأصول من أصالة حلّية الأعيان، و إباحة الأفعال ما لم تثبت حرمتها بدليل.

المسألة الثانية: الأصل في الخبائث: الحرمة؛

للإجماع، و قوله سبحانه وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ «3» و استدلّ له بمفهوم قوله سبحانه:

______________________________

(1) البقرة: 168.

(2) انظر الوسائل 25: 9 أبواب الأطعمة المباحة ب 1.

(3) الأعراف: 157.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 10

يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ «1» و هي المقابلة للخبائث.

و فيه: أنّه مفهوم لا حجّية فيه، مع أنّ في استلزام عدم التحليل للتحريم و كذا في مقابلة الطيّبات للخبائث نظرا.

ثمَّ المراد بالخبائث- على ما ذكرها جماعة «2»- ما تشمئزّ منه أكثر النفوس المستقيمة، و تتنفّر عنه غالب الطباع السليمة.

و الظاهر أنّه ليس مرادهم ما تتنفّر الطباع و تشمئزّ عن أكله؛ إذ كثير من العقاقير السبعة و الأدوية- كالإهليلجات [1] و نحوها- كذلك، مع أنّها ليست خبيثة عرفا و لا محرّمة شرعا. (بل كثير ممّا تتنفّر عنه الطباع إنّما يكون لحرمته، أو توهّم حرمته، أو عدم الاعتياد بأكله. و لذا ترى تنفّر طباع أكثر العجم عن أكل الجراد دون العرب، و تنفّر طباع أهل البلدان عن الحيّة و الفأرة و الضبّ دون أهل البادية من الأعراب، و كأنّ كثيرا ممّا تتنفّر عنه الطباع الآن كانت العرب تأكله قبل الإسلام، كالضبّ، و المسلمون يتنفّرون من الخنزير دون النصارى، إلى غير ذلك) [2].

بل ما تتنفّر الطباع عنه مطلقا، أكلا و لمسا و رؤية، كرجيع الإنسان و الكلب، بل رجيع كلّ ما لا يؤكل لحمه، و القي ء من الغير و قملته و بلغمه- سيّما المجتمع في موضع في مدّة-

و القيح، و الصديد، و الضفادع، و نحوها.

______________________________

[1] الإهليلج: عقير من الأدوية معروف و هو معرّب- انظر لسان العرب 2: 392.

(2) ما بين القوسين ليس في «س».

______________________________

(1) المائدة: 4.

(2) منهم المحقّق الأردبيلي في زبدة البيان: 631 و الفاضل الجواد في مسالك الافهام 4: 146.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 11

و لكن في كون المراد من الخبائث في الآية مطلق ذلك نظرا؛ إذ لا دليل عليه من شرع أو لغة بل و لا عرف، ألا ترى تنفّر الطباع عن ممضوغ الغير، و ما خرج من بين أسنانه، مع أنّ حرمته غير معلومة.

و لذا قال المحقّق الأردبيلي في شرح الإرشاد: معنى الخبيث غير ظاهر؛ إذ الشرع ما بيّنه، و اللغة غير مراد، و العرف غير منضبط، فيمكن أن يقال: المراد عرف أوساط الناس و أكثرهم- حال الاختيار- من أهل المدن و الدور، لا أهل البادية؛ لأنّه لا خبيث عندهم، بل يطيّبون جميع ما يمكن أكله، فلا اعتداد بهم «1». انتهى.

أقول: إنّ ما ذكره رحمه اللّه من إمكان الإحالة إلى عرف أوساط الناس و أكثرهم: إن أراد إحالة التنفّر و الاشمئزاز إلى عرفهم، فهو إنّما يتمّ لو علم أنّه معنى الخباثة، و هو بعد غير معلوم.

و إن أراد إحالة الخباثة، فلا عرف لها عند غير العرب؛ لأنّها ليست من لغتهم، و لا يتعيّن مرادفها في لغتهم.

هذا، مع أنّ طباع أكثر أهل المدن العظيمة أيضا مختلفة جدّا في التنفّر و عدمه، كما لا يخفى على من اطّلع على أحوال سكّان بلاد الهند و الترك و الإفرنج و العجم و العرب في مطاعمهم و مشاربهم.

و لذا خصّ بعض آخر بعرف بلاد العرب، و هو أيضا غير مفيد؛ لأنّ عرفهم

في هذا الزمان غير معلوم للأكثر- مع أنّه لو كان مخالفا للّغة لم يصلح مرجعا- و كذا عرفهم في زمان الشارع.

و بالجملة: لا يتحصّل لنا اليوم من الخبائث معنى منضبطا يرجع إليه،

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 11: 156.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 12

فيجب الاقتصار فيها على ما علم صدقها عليه قطعا- كفضلة الإنسان، بل فضلة كلّ ما لا يؤكل لحمه من الفضلات النجسة المنتنة، و كالميتات المتعفّنة و نحوها- و الرجوع في البواقي إلى الأصل الأول.

و لا يضرّ عدم حجّية بعض العمومات المبيحة للأشياء لتخصيصها بالمجمل؛ إذ الأصل العقليّ و الشرعي في حلّية ما لم يعلم حرمته كاف في المطلوب.

المسألة الثالثة: الأصل في الأعيان النجسة و المتنجّسة- ما دامت نجسة-: الحرمة

بلا خلاف، كما في المسالك و شرح الإرشاد و الكفاية و المفاتيح «1»، بل بالاتّفاق كما في شرح المفاتيح، بل بالإجماع كما عن الغنية «2» و غيرهما «3»، بل يمكن عدّه من الضروريّات كما قيل «4»، بل بالإجماع المحقّق؛ و هو الحجّة فيه، مع التعليل لتحريم لحم الخنزير بالرجسيّة في قوله تعالى فَإِنَّهُ رِجْسٌ «5»، و تعليل وجوب الاجتناب الشامل لترك الأكل في الخمر و الميسر و الأزلام و الأنصاب بالرجسيّة «6» [و] «7» الأخبار المستفيضة، بل كما قيل: المتواترة معنى «8»، (الواردة في موارد عديدة لا تحصى:

______________________________

(1) المسالك 2: 243، مجمع الفائدة 11: 213، المفاتيح 2: 217، كفاية الأحكام: 251.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(3) انظر كشف اللثام 2: 267.

(4) كما في الرياض 2: 289.

(5) الأنعام: 145.

(6) المائدة: 90.

(7) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

(8) انظر الرياض 2: 289.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 13

منها: الأخبار) «1» الواردة في تحريم أكثر الأعيان النجسة بخصوصها، كالدم و الميتة و الخمر و لحم الخنزير

«2»، بل لعلّ كلّها.

و منها: الأخبار المتضمّنة لوجوب إهراق بعض المائعات النجسة و النهي عن أكلها، و غسل بعض غير المائعات قبل الأكل أو طرحه، بضميمة الإجماع المركّب:

كصحيحة زرارة: «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه، فإن كان جامدا فألقها و ما يليها و كل ما بقي، و إن كان ذائبا فلا تأكله و استصبح به، و الزيت مثل ذلك» [1].

و الأعرج، و فيها: عن الفأرة تموت في السمن و العسل، فقال: «قال علي عليه السّلام: خذ ما حولها و كل بقيّته»، و عن الفأرة تموت في الزيت، فقال:

«لا تأكله و لكن أسرج به» «3».

و ابن وهب: جرذ مات في سمن أو زيت أو عسل، فقال: «أمّا السمن و العسل فيؤخذ الجرذ و ما حوله، و الزيت يستصبح به» «4».

و الحلبي: عن الفأرة و الدابة في الطعام و الشراب فتموت فيه، فقال:

«إن كان سمنا أو عسلا أو زيتا فإنّه ربما يكون بعض هذا، فإن كان الشتاء

______________________________

[1] الكافي 6: 261- 1، التهذيب 9: 85- 360، الوسائل 24: 194 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 43 ح 2. و استصبحت بالدهن: نوّرت به المصباح- المصباح المنير: 331.

______________________________

(1) ما بين القوسين ليس في «س».

(2) انظر الوسائل 24: 99 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1.

(3) التهذيب 9: 86- 362، الوسائل 24: 195 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 43 ح 4.

(4) الكافي 6: 261- 2، التهذيب 9: 85- 359، الوسائل 24: 194 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 43 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 14

فانزع ما حوله و كله، و إن كان الصيف فادفعه حتى تسرج به، و إن كان بردا فاطرح الذي كان عليه» [1].

و موثّقة الساباطي: عن الدقيق يصيب فيه خرء

الفأرة هل يجوز أكله؟

قال: «إذا بقي منه شي ء فلا بأس، يؤخذ أعلاه فيرمى به» «1».

و يونس: عن حنطة مجموعة ذاب عليها شحم الخنزير، قال: «إن قدروا على غسلها أكلت، و إن لم يقدروا على غسلها لم تؤكل» «2».

و مرسلة سماعة: عن السمن تقع فيه الميتة، قال: «إن كان جامدا فألق ما حوله و كل الباقي» قلت: الزيت؟ فقال: «أسرج به» «3».

و مرسلة ابن أبي عمير: في العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع به؟ قال: «يباع ممّن يستحلّ أكل الميتة» «4».

و اخرى: و هي مثلها، إلّا أنّ فيها: «يدفن و لا يباع» «5».

و رواية السكوني: عن قدر طبخت فإذا في القدر فأرة، قال: «يهراق مرقها، و يغسل اللحم و يؤكل» «6».

______________________________

[1] التهذيب 9: 86- 361 و فيه: ثردا، بدل: بردا. و الثرد ما صغر من الثريد- مجمع البحرين 3: 19، الوسائل 24: 195 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 43 ح 3.

______________________________

(1) التهذيب 1: 284- 832، الوسائل 24: 195 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 43 ح 6.

(2) الكافي 6: 262، الوسائل 24: 203 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 50 ح 1.

(3) التهذيب 9: 85- 358، الوسائل 24: 195 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 43 ح 5.

(4) التهذيب 1: 414- 1305، الاستبصار 1: 29- 76، الوسائل 1: 242 أبواب الأسآر ب 11 ح 1.

(5) التهذيب 1: 414- 1306، الاستبصار 1: 29- 77، الوسائل 1: 243 أبواب الأسآر ب 11 ح 2.

(6) الكافي 6: 261- 3، التهذيب 9: 86- 365، الوسائل 24: 196 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 44 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 15

و جابر: وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في أكله؟

قال: فقال له

أبو جعفر عليه السّلام: «لا تأكله» إلى أن قال: «إنّ اللّه حرّم من الميتة كلّ شي ء» [1] إلى غير ذلك.

و لا ينافي ذلك بعض الأخبار الدالّة على نفي البأس عن أكل خبز العجين الذي عجن بماء وقعت فيه ميتة لملامسة النار «1»؛ لأنّه مبني على تطهّره «2» بالنار، و قد مرّ الجواب عنه في كتاب الطهارة.

و لا بعض آخر دالّ على جواز أكل المرق الذي وقع فيه دم «3»؛ لما ذكر، و لشمول الدم فيه للحلال و الحرام، فيجب التخصيص بالأول.

و كذا لا ينافي الإجماع قول بعض علمائنا بجواز شرب المائع النجس بعد خلطه بالماء المطلق الطاهر الكرّ و إن لم يستهلك «4»، و نحو ذلك؛ لأنّه أيضا مبني على حصول الطهارة بذلك، و قد بيّنّا ضعفه في كتابها.

المسألة الرابعة: الأصل في الأشياء الضارّة بالبدن: الحرمة

، فإنّها محرّمة كلّها بجميع أصنافها- جامدها و مائعها قليلها و كثيرها- إذا كان القليل ضارّا؛ للإجماع المنقول «5»، و المحقّق.

و رواية المفضّل، و هي طويلة، و فيها: «علم تعالى ما تقوم به أبدانهم و ما يصلحهم، فأحلّه لهم و أباحه تفضّلا منه عليهم به لمصلحتهم، و علم

______________________________

[1] التهذيب 1: 420- 1327، الاستبصار 1: 24- 60، الوسائل 1: 206 أبواب الماء المضاف ب 5 ح 2. و الخابية: الحبّ- الصحاح 6: 2325.

______________________________

(1) انظر الوسائل 1: 175 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 17 و 18.

(2) في «ق» و «س»: تطهيره.

(3) انظر الوسائل 24: 196 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 44.

(4) كالشهيد الثاني في الروضة 7: 334.

(5) انظر الرياض 2: 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 16

ما يضرّهم، فنهاهم عنه و حرّمه عليهم، ثمَّ أباحه للمضطرّ، فأحلّه في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلّا به، فأمره أن

ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك» الحديث [1].

و مفهوم لفظ الكلّ في رواية محمّد بن سنان المرويّة في العلل: «إنّا وجدنا كلّ ما أحلّ اللّه تعالى ففيه صلاح العباد و بقاؤهم و لهم إليه الحاجة التي لا يستغنون عنها، و وجدنا المحرّم من الأشياء لا حاجة للعباد إليه، و وجدناه مفسدا داعيا إلى الفناء و الهلاك» «1».

و الرضويّ: «و لم يحرّم إلّا ما فيه الضرر و التلف و الفساد، فكلّ نافع مقوّ للجسم فيه قوّة للبدن فحلال، و كل مضرّ يذهب بالقوّة أو قاتل فحرام» الحديث «2».

و الاستدلال بحديث نفي الضرر و الإضرار عليل «3»؛ لأنّ في الإباحة و التخيير لا يصدق الضرر و الإضرار، مع أنّ غايته- لو تمَّ- عدم الإباحة الشرعيّة، و هو غير التحريم.

و قد يستدلّ أيضا بما ورد في المنع من الطين من التعليل بأنّ فيه إعانة على النفس في قتلها أو ضعفها.

و هو كان حسنا لو وجد ذلك التعليل في الأخبار «4»، و لكنّي

______________________________

[1] الكافي 6: 242- 1، المحاسن: 334- 104، الوسائل 24: 99 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1 ح 1. و البلغة: إذا اكتفى به و تجزّأ- المصباح المنير: 61.

______________________________

(1) علل الشرائع: 592- 43، الوسائل 25: 51 أبواب الأطعمة المباحة ب 19 ح 4.

(2) فقه الرضا «ع»: 254، المستدرك 16: 165 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1 ح 5.

(3) الكافي 5: 292- 2، الفقيه 3: 147- 648، التهذيب 7: 146- 651، الوسائل 25: 428 أبواب إحياء الموات ب 12 ح 3.

(4) انظر الوسائل 24: 220 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 17

ما وجدته.

نعم، ورد في بعض الأخبار: أنّه يورث السقم في الجسد و يهيّج

الداء «1»، من غير جعل ذلك تعليلا للتحريم. و فيه أيضا: أنّه من أكل الطين و ضعف عن العمل- الذي كان يعمله قبل أن يأكله- يعذّب عليه «2». ثمَّ كما أشرنا إليه يعمّ التحريم القليل منه و الكثير إذا كان قليله مضرّا أيضا.

و أمّا ما يضرّ كثيره دون قليله- كالأفيون [1] و السقمونيا [2] و شحم الحنظل و غيرها- فالمحرّم منه ما بلغ ذلك الحدّ دون غيره، و كذا ما يضرّ منفردا دون ما إذا أضيف إلى غيره و لو كان كثيرا لا يحرم الكثير المضاف إليه أيضا، و ما يضرّ تكريره دون أكله مرّة يحرم التكرير خاصّة.

و الضابط في التحريم: ما يحصل به الضرر. و الضرر الموجب للتحريم يعمّ الهلاكة و فساد المزاج و العقل و القوّة و حصول المرض أو الضرر في عضو.

و بالجملة: كلّ ما يعدّ ضررا عرفا؛ للإجماع، و إطلاق رواية المفضّل «3».

و هل يناط التحريم بالعلم العاري الحاصل بالتجربة و قول جمع من الحذّاق و نحوهما، أو يحرم بغلبة الظنّ أيضا؟

صرّح في الكفاية بالثاني «4». و هو الأحوط، و إن كان الأصل يقوّي الأول.

______________________________

[1] الأفيون: عصارة لبنيّة تستخرج من الخشخاش- انظر المنجد: 13.

[2] السّقمونيا: نبات يستخرج من تجاويفه رطوبة دبقة و تجفف و تدعى باسم نباتها، و له خواصّ- انظر القاموس 4: 130.

______________________________

(1) انظر الوسائل 24: 220 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58.

(2) انظر الوسائل 24: 220 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58.

(3) المتقدّمة في ص: 15، 16.

(4) كفاية الأحكام: 251.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 18

المسألة الخامسة: الأصل حرمة أكل مال الغير المحترم

- مسلما كان أو كافرا محفوظا في ماله- بدون إذنه؛ بالإجماع، بل الضرورة، و الكتاب، و السنّة.

قال اللّه سبحانه لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ

إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ «1».

و قال سبحانه فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً «2» دلّ بمفهوم الشرط على عدم جواز الأكل بدون الطيبة، و يتعدّى إلى غير الزوجة بالفحوى و الإجماع المركّب.

و في النبويّ المشهور: «المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه» «3».

و في آخر: «المسلم أخو المسلم، لا يحلّ له ماله إلّا عن طيب نفس منه» «4».

و في رواية الحسين المنقري عن خاله: «من أكل من طعام لم يدع إليه فكأنّما أكل قطعة من النار» «5».

و في أحاديث الخمس عن صاحب الزمان صلوات اللّه عليه: «لا يحلّ

______________________________

(1) النساء: 29.

(2) النساء: 4.

(3) صحيح مسلم 4: 1986- 2564، و رواه الشهيد الثاني مرسلا في المسالك 2:

247.

(4) غوالي اللئالي 3: 473- 1، الوسائل 29: 10 أبواب القصاص في النفس ب 1 ح 3، بتفاوت.

(5) الكافي 6: 270- 2، التهذيب 9: 92- 398، الوسائل 24: 234 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 63 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 19

لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه، فكيف يحلّ ذلك في مالنا؟!» «1»، إلى غير ذلك «2».

المسألة السادسة: يستثنى من هذه الأصول الأربعة و من سائر ما حرّم: ما يدعو الاضطرار إليه
اشاره

؛ لتوقّف سدّ الرمق و حفظ النفس عليه، فيختصّ التحريم بالمختار.

و أمّا المضطرّ فيجوز له- بل يجب- الأكل و الشرب من كلّ محرّم بلا خلاف- إلّا في الخمر و الطين كما يأتي- للإجماع.

و قوله سبحانه فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «3» و المخمصة: المجاعة، و المتجانف: المائل.

و قال عزّ شأنه إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «4»،

و قريب منه في آية أخرى «5».

و قال جلّ اسمه وَ ما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ «6».

و لأدلّة نفي العسر و الحرج «7»، و نفي الضرر و الضرار «8»؛ إذ لا حرج

______________________________

(1) كمال الدين: 521- 49، الاحتجاج: 480، الوسائل 24: 234 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 63 ح 3.

(2) انظر الوسائل 24: 234 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 63.

(3) المائدة: 3.

(4) النحل: 115.

(5) الأنعام: 145.

(6) الأنعام: 119.

(7) انظر عوائد الأيام: 57.

(8) انظر الفقيه 4:، 243- 777، الوسائل 26: 14 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 10، مسند أحمد بن حنبل 1: 313، سنن ابن ماجه 2: 784- 2340- 2341، عوائد الأيام: 16، القواعد الفقهية 1: 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 20

و لا ضرر أعظم من المنع حينئذ.

و لرواية المفضّل المتقدّمة في المسألة الرابعة «1».

و في مرسلة الصدوق: «من اضطرّ إلى الميتة و الدم و لحم الخنزير فلم يأكل شيئا من ذلك حتى يموت فهو كافر» «2»، و رواها أحمد بن محمّد بن يحيى في نوادر الحكمة.

و في الدعائم: قال علي صلوات اللّه عليه: «المضطرّ يأكل الميتة و كلّ محرّم إذا اضطرّ إليه» «3».

و في تفسير الإمام: قال: «قال اللّه سبحانه: فمن اضطرّ إلى شي ء من هذه المحرّمات فإنّ اللّه غفور رحيم ستّار لعيوبكم أيّها المؤمنون، رحيم بكم حين أباح لكم في الضرورة ما حرّمه في الرخاء» «4»، إلى غير ذلك من الروايات «5».

ثمَّ إنّه يحصل الاضطرار بخوف تلف النفس مع عدم التناول، أو خوف المرض الشاقّ الذي لا يتحمّل صاحبه عادة، أو خوف زيادة المرض، أو بطء برئه كذلك، أو

خوف لحوق الضعف المؤدّي إلى التلف أو المرض؛ كلّ ذلك لصدق العسر و الحرج و الضرر و الاضطرار معه عرفا.

______________________________

(1) انظر ص: 15، 16.

(2) الفقيه 3: 218- 1008، الوسائل 24: 216 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 56 ح 3.

(3) دعائم الإسلام 2: 125- 435.

(4) تفسير الإمام العسكري عليه السّلام: 585، مستدرك الوسائل 16: 201 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 40 ح 5.

(5) انظر الوسائل 24: 214 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 21

و الظاهر إلحاق خوف تلف العرض أو المال المحترم بترك تناوله بما ذكر أيضا؛ لما ذكر.

و عن الشيخ في النهاية و الفاضل في المختلف «1» و جماعة «2»:

التخصيص بخوف تلف النفس؛ استنادا إلى الآيات السابقة. و إفادتها للتخصيص ممنوعة.

ثمَّ الاضطرار- كما ذكر- يحصل بالخوف الحاصل من العلم بالضرر و الظنّ؛ لصدق العسر و الحرج بالترك مع الظنّ، و كذا الاضطرار و الضرورة.

و أمّا مجرّد الوهم و الاحتمال فهو غير كاف في التحليل.

فروع:
أ: الحقّ المشهور: عدم الفرق بين المحرّمات في ذلك،

سواء الخمر و الطين و غيرهما؛ لعموم أكثر الأخبار المتقدّمة.

و خصوص موثّقة الساباطي في الخمر: عن الرجل أصابه عطش حتى خاف على نفسه فأصاب خمرا، قال: «يشرب منه قوته» «3».

و المرويّ في الدعائم: «إذا اضطرّ المضطرّ إلى أكل الميتة أكل حتى يشبع، و إذا اضطرّ إلى الخمر شرب حتى يروى، و ليس له أن يعود إلى ذلك حتى يضطرّ إليه» «4».

______________________________

(1) النهاية: 591، المختلف: 687.

(2) منهم القاضي في المهذّب 2: 433 و يحيى بن سعيد في الجامع: 390.

(3) التهذيب 9: 116- 502، الوسائل 25: 378 أبواب الأشربة المحرّمة ب 36 ح 1.

(4) دعائم الإسلام 2: 125- 435، المستدرك 16: 201 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 40 ح 4.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 22

و مرسلة العلل: «و شرب الخمر جائز في الضرورة» «1».

و تؤيّده حلّية الميتة و الدم و لحم الخنزير- التي هي أشدّ حرمة و أغلظ من الخمر- عند الضرورة، و أهمّية حفظ النفس من سائر الواجبات.

خلافا للمحكي عن المبسوط و الخلاف، فقال: لا يجوز دفع ضرورة العطش و الجوع أو التداوي بشرب الخمر أصلا «2».

استنادا إلى ثبوت حرمتها في الكتاب، و عدم معارضة آيات الاضطرار لها؛ لتصدّرها بحرمة الميتة و الدم و لحم الخنزير، فهي المباحة للمضطرّ.

و لا مقاومة [1] أخبار الحلّية لها؛ لأنّ كلّ خبر يخالف الكتاب فهو مردود.

و لرواية أبي بصير المرويّة في العلل: «المضطرّ لا يشرب الخمر، فإنّه لا تزيده إلّا شرها، و لأنّه إن شربها قتلته، فلا يشرب منها قطرة» قال:

و روي: «لا تزيده إلّا عطشا» «3».

و الجواب أولا: بأنّ استثناء المضطرّ أيضا ثبت من الكتاب، فإنّ الآية الأخيرة مطلقة، و كذا آيات نفي العسر و الحرج.

و ثانيا: أنّ خاصّ السنّة لا يعدّ مخالفا لعامّ الكتاب، و لذا يخصّص الثاني بالأول إذا كان خاصّا مطلقا، كما في المقام؛ إذ الموثّقة و رواية الدعائم خاصّان مطلقان، و كذا مرسلة العلل. و لا تعارضها رواية العلل؛ لأنّها معلّلة بما إذا كان المفروض خلافه.

و للمحكيّ عن بعض الأصحاب، فقال بعدم جواز دفع الضرورة

______________________________

[1] في «ح»: و لا تقاومه، و لعل الأنسب: و لا مقاومة لأخبار الحلّية لها.

______________________________

(1) علل الشرائع: 478- 1، الوسائل 25: 379 أبواب الأشربة المحرّمة ب 36 ذيل الحديث 4.

(2) المبسوط 6: 288، الخلاف 2: 545.

(3) علل الشرائع: 478- 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 23

بالطين الأرمني، و الطين المختوم؛ لعموم أدلّة حرمة الطين «1». و جوابه

ظاهر.

ب: يحلّ للمضطرّ تناول قدر الضرورة من المحرّمات،

و هو ما يسدّ به الرمق إجماعا، و لا يجوز له تناول الزيادة على الشبع كذلك، و به فسّر بعضهم العادي في الآية المباركة، أي المتجاوز عن الحدّ، كما ذكره في المفاتيح «2». و الوجه في الحكمين ظاهر.

و كذا لو دعت الضرورة إلى الشبع، كما إذا كان في بادية و خاف أن لا يقوى على قطعها لو لم يشبع، أو احتاج إلى المشي، أو العدو و توقّف على الشبع.

و هل يجوز له أن يتجاوز عن سدّ الرمق إلى الشبع؟

ظاهر الأكثر: العدم. و هو مقتضى الأصل، و ظاهر رواية المفضّل المتقدّمة «3»، و فسّر بعضهم العادي به أيضا، كما نقله في الكفاية «4».

و الجواز مفاد رواية الدعائم المذكورة في الفرع الأول، حيث قال:

«حتى يروى» و لكنّها لا تصلح مقاومة للأولى المعتضدة بالأصل. و أمّا موثّقة الساباطي فتحتمل الأمران، فالحقّ هو الأول.

ج: قد أشرنا إلى أنّ التناول في محلّ الضرورة على وجه الوجوب؛

لأنّ تركه يوجب إعانته على نفسه و قد نهي عنه في الكتاب «5» و السنّة «6»،

______________________________

(1) انظر السرائر 3: 124.

(2) المفاتيح 2: 227.

(3) في ص: 15، 16.

(4) كفاية الأحكام: 254.

(5) البقرة: 195، النساء: 29.

(6) انظر الوسائل 29: 205 أبواب ديات النفس ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 24

و يدلّ عليه قوله: «فأمره» في رواية المفضّل، و كذا مرسلة الصدوق المتقدّمة.

د: لو لم يجد المضطرّ إلّا مال الغير

، فالغير إمّا مثله مضطرّ إليه، أو لا.

فعلى الأول: لا يجوز الأخذ منه ظلما إجماعا؛ لحرمة الظلم، و عدم مجوّز له إلّا الضرورة الحاصلة له أيضا، و هو أحد معاني الباغي المذكورة في الآية عند بعض المفسّرين «1».

و هل يجوز الأخذ منه بغير ظلم من التماس، أو دفع ثمن كثير و نحوهما؟

احتمل بعضهم: العدم؛ لأنّه إهلاك للغير لأجل إبقاء النفس «2».

و فيه نظر؛ لتعارض إهلاك أحد النفسين، فلا يحكم بتعيّن أحدهما إلّا بمعيّن، و ليس.

نعم، لو ارتكب لإبقاء أحدهما محرّما آخر- كظلم أو قتل- تعيّنت حرمته.

و هل يجوز لذلك الغير حينئذ الإيثار و اختيار الغير على النفس؟

قيل: لا؛ لأنّه إلقاء بيده إلى التهلكة «3».

و احتمل بعضهم: الجواز «4»؛ لقوله سبحانه وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ «5».

______________________________

(1) كالفخر الرّازي في التفسير الكبير 5: 14، الزمخشري في الكشّاف 1: 215.

(2) كما في كفاية الأحكام: 254.

(3) كفاية الأحكام: 254.

(4) كما في المسالك 2: 250.

(5) الحشر: 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 25

و يردّ بحمله على ما إذا لم تؤدّ الخصاصة إلى الهلاكة.

و فيه: أنّه أعمّ من ذلك، كرواية السكوني: «من سمع مناديا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم» «1».

كما أنّ الإلقاء إلى التهلكة أعمّ من إيجابه لإحياء الغير، فيتعارضان بالعموم من وجه، و يرجع

إلى أصل الجواز.

فالأظهر: الثاني، و الأظهر منه ما إذا استنقذ بالإيثار المتعدّد. كما أنّ الظاهر عدم جواز الإيثار لو لم يكن الغير مؤمنا؛ لما ورد في الأخبار من عدم مقابلة ألف من غير المؤمنين مع مؤمن واحد.

و على الثاني: فلا شكّ في وجوب البذل على ذلك الغير إجماعا؛ لأنّ في الامتناع منه إعانة على هلاك المحترم أو ضرره، و لرواية السكوني المتقدّمة.

و رواية فرات بن أحنف: «أيّما مؤمن منع مؤمنا شيئا ممّا يحتاج إليه، و هو قادر عليه من عنده أو من عند غيره، أقامه اللّه يوم القيامة مسودّا وجهه، مزرقّة عيناه، مغلولة يده إلى عنقه، فيقال: هذا الخائن الذي خان اللّه و رسوله، ثمَّ يؤمر به إلى النار» «2»، و غير ذلك من الروايات «3».

و بها يخصّص عموم مثل: «الناس مسلّطون على أموالهم» «4».

و الروايتان و إن اختصّتا بالمسلم و المؤمن، و لكنّ المعروف من

______________________________

(1) التهذيب 6: 175- 351، الوسائل 15: 141 أبواب جهاد العدو و ما يناسبه ب 59 ح 1.

(2) الكافي 2: 367- 1، المحاسن: 100- 71، الوسائل 16: 387 أبواب فعل المعروف ب 39 ح 1.

(3) انظر الوسائل 16: 387 أبواب فعل المعروف ب 39.

(4) غوالي اللئالي 1: 222- 99، و 2: 138- 383.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 26

كلامهم- كما في الكفاية «1»- ثبوت الحكم في الذمّي و المستأمن أيضا.

و هو حسن إن ثبت وجوب استنقاذهما من الهلاكة أيضا كما ثبت وجوب الاحتراز عن إهلاكهما، و إلّا ففي الحكم بالوجوب إشكال، و أشكل منه ما إذا أدّى الامتناع إلى ما دون الهلاكة.

و كما يجب على الغير البذل يجب على المضطرّ القبول، و الوجه ظاهر، بل له الأخذ قهرا لو

امتنع المالك و لو بالسرقة أو المقاتلة «2»؛ لأنّه مقدّمة الواجب الذي هو حفظ النفس، فيعارض دليل وجوبها دليل حرمته، و يرجع إلى الأصل، و لعموم المرويّ في تفسير الإمام المتقدّم في صدر المسألة «3». بل يجب؛ للنهي عن المنكر، و يجب على غيرهما مساعدة المضطرّ و معاونته فيه.

ثمَّ على جميع التقادير المذكورة إمّا لا يكون المضطرّ قادرا على الثمن عاجلا أو آجلا، أو يتمكّن منه.

فعلى الأول، يجب البذل على المالك و الأخذ على المضطرّ مجّانا.

و على الثاني، فإن بذله المالك مجّانا فلا كلام، و إلّا فلا يجب عليه البذل مجّانا و لا للمضطرّ الأخذ كذلك، بل يجب عليه بذل الثمن العاجل أو الآجل على حسب المقدور.

و لو بذله بثمن مؤجّل بأجل يعلم المضطرّ عدم القدرة في ذلك الأجل يجب عليه القبول، و إن لم يجب عليه الأداء في الأجل إلّا مع القدرة.

و هل الثمن الجائز للمالك أخذه و الواجب على المضطرّ بذله هو ثمن

______________________________

(1) كفاية الأحكام: 254.

(2) في «س»: المقابلة.

(3) راجع ص: 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 27

المثل، فلو أراد المالك الزائد عليه المقدور للمضطرّ لم يكن له ذلك و لم يجب على المضطرّ البذل؟

أو مطلقا، فللمالك مطالبة الزائد و يجب على المضطرّ بذله؟

الأقرب- كما في الكفاية «1» و غيره «2»، بل هو المشهور كما في شرح المفاتيح-: الثاني؛ لدفع الاضطرار بالتمكّن على الابتياع بثمن مقدور.

خلافا للمحكيّ عن المبسوط، فقال: لو طلب منه المالك ما زاد عن ثمن مثله كان ظالما و لم يجب على المحتاج بذل الزائد؛ لأنّه مضطرّ إلى دفع الزيادة، فهو كمن اجبر على بذل ماله لغيره، فعلى المالك بذله بثمن المثل، و للمحتاج أخذه منه جبرا إن امتنع

بثمن مثله «3».

و فيه: أنّ اضطراره مع التمكّن من بذله ممنوع، فظلم المالك بمطالبته الزائد مدفوع بتسلّط الناس على أموالهم.

و لو أعطى المالك الطعام من غير ذكر العوض و الثمن، فالظاهر أنّه بغير عوض؛ للأصل، و الظاهر من العادة في بذل الطعام و الماء للمضطرّ.

و ينبغي ملاحظة القرائن و الحال من الطرفين و الطعام، فإن لم يكن فالمرجع الأصل.

و لو ادّعى المالك ذكر العوض و أنكره المحتاج فعلى المالك الإثبات؛ لحصول الإباحة قطعا، و أصالة عدم الذكر.

و إن ادّعى أنّه قصده و لم يظهره لم يجب على المحتاج العوض؛ لتسليطه على الإتلاف، و عدم تحقّق ما يوجب لزوم العوض، فإنّ القدر

______________________________

(1) كفاية الأحكام: 254.

(2) كما في الشرائع 3: 330، الروضة البهية 7: 355.

(3) المبسوط 6: 286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 28

الثابت لزومه مع الإظهار دون القصد.

و منه يظهر عدم لزومه لو ثبت قصده بدون إظهاره، فإنّ إعطاء المالك مجوّز للإتلاف، و الأصل عدم توقّفه على شي ء آخر و لو قصده من غير إظهار، و معه فالأصل عدم الاشتغال بشي ء آخر.

و لو قدر المحتاج على الثمن و الزائد و لم يبذله المالك و أخذ منه قهرا أو خدعة أو سرقة لم يجب على المحتاج إلّا ثمن المثل، و الوجه ظاهر.

و يشعر كلام بعضهم بعدم لزوم ثمن المثل حينئذ؛ لأنّه ليس بغاصب و لا مشتر، بل أكل ما يجوز له أكله، بل يجب من غير تقويم، و الأصل عدم اشتغال الذمّة بالثمن.

و فيه نظر؛ إذ لا نصّ على إباحة الإتلاف حتى يعمل بأصالة عدم التقييد كما في الصورة السابقة، بل المبيح الإجماع و الضرورة، فيكتفى فيه بالقدر المتيقّن.

و لا يتوهّم أنّه على ذلك يجب عليه

ما يرضى به المالك أو يقدر عليه دون ثمن المثل؛ لأنّه ينافي أدلّة الضرر، كما يأتي في ذيل الفرع اللاحق.

ه: لو وجد المضطرّ مال الغير و لم يكن الغير حاضرا فلا شكّ في جواز أخذه.

و هل يشترط إذن الحاكم لو وجد، و العدول لو لم يوجد، أم لا؟

الظاهر أنّه إن كان الغائب ممّن ثبتت ولايته للحاكم و العدول وجب؛ لأنّ الضرورة تقدّر بقدرها، و إلّا فلا.

فإن كان ممّا يأخذه بإذن الحاكم أو العدول يأخذه على حسب إذنهم من التقويم و قدر القيمة، و إن كان ممّا يأخذه بنفسه يجب عليه التقويم بنفسه؛ لأنّه القدر الثابت جوازه من الشريعة، فإنّ الأصل عدم جواز

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 29

التصرّف في مال الغير بدون إذنه، و لم يثبت الجواز هنا بدون التقويم؛ إذ لا نصّ على إباحة الإتلاف هنا، بل المبيح الإجماع و الضرورة، فيكتفى فيه بالمتيقّن.

و منه تظهر التفرقة بين ذلك و بين ما مرّ في الفرع السابق.

ثمَّ التقويم الواجب هل هو بثمن المثل، أو بكلّ ما يعلم رضا المالك به و لو زاد عن الثمن بالقدر المقدور، أو كلّما يقدر عليه؟

مقتضى الأصل: أحد الأخيرين، و لكن أدلّة نفي الضرر و الإضرار تثبت الأول، و لا يعارضه حديث: «الناس مسلّطون على أموالهم» «1»؛ إذ ليس هناك صاحب مال حاضر.

و منه يظهر الفرق بين ذلك و بين ما إذا كان ذو المال حاضرا و طلب الزائد عن ثمن المثل.

و: لو وجد المضطرّ مال الغير و الميتة و نحوها من الدم و لحم الخنزير و المسكر

، فإن بذله المالك بغير عوض أو بعوض مقدور عاجلا أو آجلا تعيّن أكل مال الغير؛ لعدم الاضطرار و لو زاد الثمن عن ثمن المثل. إلّا إذا كان بقدر يضرّ بحاله فلا يتعيّن؛ لأدلّة نفي الضرر.

و إن لم يبذله المالك، أو من قام مقامه، أو كان غائبا، فالحقّ التخيير؛ لوجوب أحد الأمرين بالاضطرار، و عدم المعيّن.

و قد يرجّح أكل الميتة بل يعيّن؛ لأنّه أبيح للمضطرّ بنصّ القرآن «2» دون أكل مال

الغير، فهو إن كان مضطرّا تباح له الميتة كالمذكّى، فلا يكون مضطرّا إلى مال الغير، و إن لم يكن مضطرّا فلا يباح له شي ء منهما، و مع

______________________________

(1) غوالي اللئالي 1: 222- 99، و ج 2: 138- 383، البحار 2: 272- 7.

(2) النحل: 115.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 30

ذلك فليس في أكل الميتة إلّا حقّ اللّه الساقط بإباحته، و في أكل مال الغير حقّ اللّه و حقّ الناس و لزوم الثمن المخالف للأصل.

و فيه: أنّ مع إمكان أكل مال الغير لا نسلّم أنّه مضطرّ إلى الميتة، فلا يشمله نصّ القرآن، بل هو مضطرّ إلى أحد المحرّمين، فيباح أحدهما مخيّرا؛ بالإجماع و الضرورة، و يسقط حقّ الناس بلزوم الثمن، و مخالفة الأصل لازم على كلّ حال، و الأكثريّة في طرف لا يؤثّر في التعيين عندنا.

و قد يرجّح أكل مال الغير، بتضمّن أكل الميتة؛ لتنفّر الطبع الموجب للخباثة، و للضرر الذي هو علّة تحريمها، و لأكل النجس، و حرمتها بنفسها، بخلاف مال الغير، فإنّه لا يتضمّن إلّا الأخير.

و فيه: أنّ أكثريّة سبب الحرمة في طرف لا يوجب تعيين غيره إذا كان هو أيضا محرّما؛ مع أنّه أيضا قد يوجب الإضرار بالغير المنفيّ شرعا كما إذا لم يقدر على الثمن، أو بالمضطرّ كما إذا قدر عليه، و قد تكون الميتة ممّا لا تنفّر فيها، و الضرر فيها بمرّة واحدة احتمالي و في مال الغير قطعي.

ز: قد خصّ الكتاب العزيز إباحة المحرّم للمضطرّ بما إذا لم يكن باغيا و لا عاديا «1».

و قد اختلفوا في تفسيرهما، و قد عرفت تفسير بعضهم الأول بمن يأخذ من مضطرّ مثله، و الثاني بمن يأكل الزائد عن قدر الشبع، أو الزائد عن

قدر الضرورة.

و فسّر الأول في مرسلة البزنطي بالباغي على الإمام، و الثاني بقاطع

______________________________

(1) انظر النحل: 115.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 31

الطريق «1».

و في روايتي عبد العظيم «2» و حمّاد «3» فسّر الأول بالذي يبغي الصيد بطرا و لهوا، و الثاني بالسارق.

و المرويّ في المجمع الأول بالباغي، و الثاني بالعادي بالمعصية طريق المحقّين «4».

و في تفسير الإمام الأول بالباغي، و الثاني بالقول بالباطل في نبوّة من ليس بنبي و إمامة من ليس بإمام «5».

و في معاني الأخبار الأول بباغي الصيد، و الثاني باللّص «6».

و في المرويّ في تفسير العيّاشي الأول بالخارج على الإمام، و الثاني باللّص. و فيه أيضا الأول بالظالم، و الثاني بالغاصب «7».

و لا تنافي بين الروايات؛ لجواز كون المراد من اللفظين المعاني كلّا، فيحملان عليها جميعا، و لا يضرّ ضعف الروايات بعد وجودها في الأصول المعتبرة. و أمّا غير المعنيين الواردين في النصّ فلا اعتبار به.

و أمّا غير المتجانف لإثم فمعناه- كما أشير إليه-: غير مائل إلى إثم في

______________________________

(1) الكافي 6: 265- 1، معاني الأخبار: 213- 1، الوسائل 24: 216 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 56 ح 5.

(2) الفقيه 3: 216- 1007، التهذيب 9: 83- 354، الوسائل 24: 214 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 56 ح 1.

(3) التهذيب 9: 78- 334، الوسائل 24: 215 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 56 ح 2.

(4) مجمع البيان 1: 257، الوسائل 24: 216 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 56 ح 6.

(5) تفسير الإمام العسكري عليه السّلام: 585، مستدرك الوسائل 16: 201 أبواب الأطعمة المحرمة ب 40 ح 5.

(6) معاني الأخبار: 214.

(7) تفسير العياشي 1: 74- 154 و 151، المستدرك 16: 200، 201 أبواب الأطعمة المحرمة ب 40 ح 1،

2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 32

الأكل؛ بأن يأكل زيادة على الحاجة، أو للتلذّذ، أو يتعمّد في الأكل من غير حاجة. و يحتمل أن يكون المعنى: غير عاص بسفره.

ح: ظاهر الآيات المبيحة للمحرّمات للمضطرّ «1» و أكثر رواياتها «2» و إن اختصّ بإباحة أكل ما حرّم أكله

للمضطرّ، إلّا أنّ مقتضى عموم تفسير الإمام المتقدّم «3» و أدلّة نفي العسر و الحرج و الضرر: إباحة كلّ محرّم للمضطرّ في الأكل و الشرب من غير اختصاص بإباحة ما يحرم أكله و شربه، و لذا أبيح مال الغير، مع أن التصرّف فيه و الأخذ منه و إجباره محرّم أيضا.

و على هذا، فتباح بالاضطرار إلى الأكل و الشرب الأفعال المحرّمة لو توقّف عليها، كما لو وجدت امرأة دفع اضطرارها بالتمكين من بضعها، أو شرب خمر، أو ترك صلاة؛ بأن لا يبذل المالك قدر الضرورة إلّا بأحد هذه الأفعال، فتباح هذه الأفعال، لمعارضة أدلّة حرمتها مع أدلّة المضطرّ، فيرجع إلى الأصل.

و هل يجب ارتكاب المحرّم حينئذ؟

فيه نظر؛ إذ لا دليل عليه، إلّا إذا أدّى الاضطرار إلى هلاك النفس، فإنّ الظاهر انعقاد الإجماع على تقدّم حفظه على سائر الواجبات.

و منه يظهر جواز أكل الميّت الآدمي، و قتل الحيّ الحربي. و أمّا الذمّي و المستأمن فلا يجوز؛ لتعارض أدلّة نفي الضرر و الحرج من الطرفين، و عدم صلاحيّة المرويّ في التفسير خاصّة لإباحة المحرّمات.

و منه يظهر عدم جواز أخذ قطعة من لحم حيّ مسلم، كلحم فخذه.

______________________________

(1) انظر الأنعام: 119، المائدة: 3، النحل: 115.

(2) انظر الوسائل 24: 99، 214 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1، 56.

(3) في ص: 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 33

و بالجملة: المناط- في غير ما تجري فيه أدلّة إباحة ما حرم أكله أو شربه للمضطرّ- أدلّة نفي العسر و الحرج و الضرر، و جريانها

موقوف على عدم جريانها في الطرف الآخر أيضا، فتأمّل.

المسألة السابعة: يستثنى من الأصول الأربعة و من كلّ محرّم أيضا ما إذا دعت إلى تناوله التقيّة

؛ للإجماع، و أدلّة وجوب التقيّة «1». و يجب الاقتصار فيه على قدر التقيّة.

و أمّا ما ورد في مرسلة زرارة: في المسح على الخفّين تقيّة؟ قال:

«لا يتّقى في ثلاث» قلت: و ما هنّ؟ قال: «شرب الخمر» أو قال: شرب المسكر «و المسح على الخفّين، و متعة الحجّ» «2»، فإنّما يدلّ على عدم اتّقائهم عليهم السّلام، فلعلّه كان لعلمهم بأنّه لا يترتّب عليه ضرر في حقّهم، أو لأنّه كان اجتناب هذه الأمور منهم معروفا مشهورا عند الناس، بحيث لا تؤثّر فيها التقيّة، أو لا يطلب منهم.

و أمّا رواية سعيد: «ليس في شرب النبيذ تقيّة» «3» فلعلّ المراد منه:

النبيذ الحلال، أو المراد- بل هو الظاهر-: أنّ التقيّة إنّما تكون فيما يتّقى فيه عن المخالفة في المذهب، فيرتكب ما يوافق مذهبهم إخفاء لمذهبه و لو لم يكرهوه عليه، و شرب النبيذ حرام عند الكلّ، فلا معنى للتقيّة فيه؛ لأنّه موافق لمذهبهم «4».

______________________________

(1) انظر الوسائل 16: 214 أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما ب 25.

(2) الكافي 6: 415- 12، التهذيب 9: 114- 495، الوسائل 25: 350 أبواب الأشربة المحرّمة ب 22 ح 1.

(3) الكافي 6: 414- 11، التهذيب 9: 114- 494، الوسائل 25: 351 أبواب الأشربة المحرّمة ب 22 ح 2.

(4) كما في بداية المجتهد 1: 471.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 34

نعم، لو اكره عليه فهو أمر آخر غير التقيّة، و قد رفع عن أمّته ما استكرهوا عليه. و بذلك يمكن الجواب عن الرواية الاولى و ما بمعناهما أيضا.

المسألة الثامنة: و استثني من الأصول الثلاثة الاولى- بل من كلّ محرّم أيضا- ما اضطرّ إليه للتداوي
اشاره

و الخلاص من الأمراض، فاستثناه جماعة مطلقا إذا انحصر الدواء فيه و لم تكن مندوحة منه، اختاره القاضي و الحلّي و الدروس و الكفاية «1»، و إطلاق

كلام الثاني أيضا محمول على عدم المندوحة عنه.

و منع جماعة عن التداوي بالخمر، بل كلّ مسكر، و نسبه المحقّق الأردبيلي و في الكفاية و المفاتيح و شرحه إلى المشهور «2»، و عن الخلاف دعوى الإجماع عليه «3»، بل ذكر الأول الخلاف و المنع من التداوي بالنسبة إلى سائر المحرّمات أيضا.

و فصّل الفاضل في المختلف و الشهيد الثاني و صاحب المفاتيح و شارحه، فجوّزوا التناول و المعالجة مع خوف تلف النفس مطلقا، و منعوا فيما دونه عن المسكرات أو كلّ محرّم «4».

دليل الأول: صدق الاضطرار و الضرورة المجوّزين للتناول- كما مرّ- مع توقّف العلاج عليه، و أدلّة نفي العسر و الحرج و الضرر و الضرار، و رواية

______________________________

(1) القاضي في المهذب 2: 433، الحلّي في السرائر 3: 132 لكن ظاهر كلامه الاختصاص بخوف تلف النفس فراجع، الدروس 3: 25، كفاية الأحكام: 254.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 11: 319، كفاية الأحكام: 254، المفاتيح 2: 228.

(3) الخلاف 2: 545.

(4) المختلف: 687، الشهيد الثاني في المسالك 2: 251، المفاتيح 2: 227.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 35

المفضّل و الرضوي المتقدّمة «1»، و فحوى موثّقة الساباطي السابقة «2»، و رواية سماعة المرويّة في طبّ الأئمّة: عن رجل كان به داء فأمر بشرب البول، فقال: «لا يشربه» فقلت: إنّه مضطرّ إلى شربه، [قال: «إن كان مضطرّا إلى شربه ] و لم يجد دواء لدائه فليشرب بوله، و أمّا بول غيره فلا» «3».

و حجّة الثاني: عمومات حرمة المسكرات أو مع سائر المحرّمات كتابا «4» و سنّة «5»، و خصوص المستفيضة:

كصحيحة الحلبي: عن دواء عجن بالخمر، فقال: «لا و اللّه، ما أحبّ أن أنظر إليه، فكيف أتداوى به؟! إنّه بمنزلة شحم الخنزير» أو لحم

الخنزير «و إنّ أناسا ليتداوون به» «6»، و قريبة منها الأخرى «7».

و رواية أبي بصير، و فيها- بعد السؤال عمّا وصف للسائلة أطبّاء العراق لدفع قراقر بطنها من النبيذ بالسويق-: «لا و اللّه، لا آذن لك في قطرة منه، فلا تذوقي منه قطرة، فإنّما تندمين إذا بلغت نفسك هاهنا»، و أومأ بيده إلى حنجرته، يقولها ثلاثا: «أ فهمت؟» قالت: نعم «8».

______________________________

(1) في ص: 15 و 16.

(2) في ص: 21.

(3) طب الأئمّة: 61، الوسائل 25: 346 أبواب الأشربة المحرّمة ب 20 ح 8. و ما بين المعقوفين من المصدر.

(4) البقرة: 219، المائدة: 90 و 91.

(5) انظر الوسائل 24: 99 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1، و أيضا ج 25: 296 أبواب الأشربة المحرّمة ب 9.

(6) الكافي 6: 414- 4، التهذيب 9: 113- 490، الوسائل 25: 345 أبواب الأشربة المحرّمة ب 20 ح 4.

(7) طب الأئمّة: 62، الوسائل 25: 346 أبواب الأشربة المحرّمة ب 20 ح 10.

(8) الكافي 6: 413- 1، الوسائل 25: 344 أبواب الأشربة المحرّمة ب 20 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 36

و رواية ابن أسباط: إنّ بي- جعلت فداك- أرواح البواسير و ليس يوافقني إلّا شرب النبيذ، فقال له: «مالك و لما حرّم اللّه و رسوله» الحديث [1].

و صحيحة ابن أذينة: عن الرجل يبعث له الدواء من ريح البواسير و يشربه بقدر سكرّجة من نبيذ صلب ليس يريد به اللّذة و إنّما يريد به الدواء، فقال: «لا و لا جرعة» ثمَّ قال: «إن اللّه لم يجعل في شي ء ممّا حرّم شفاء و لا دواء» [2].

و رواية قائد بن طلحة: عن النبيذ يجعل في الدواء، قال: «ليس لأحد أن يستشفي بالحرام» «1».

و المرويّ

في رجال الكشّي عن ابن أبي يعفور: قال: إذا أصابته هذه الأوجاع، فإذا اشتدّت به شرب الحسو من النبيذ فسكن عنه، فدخل على أبي عبد اللّه عليه السّلام فأخبره بوجعه و أنّه إذا شرب الحسو من النبيذ سكن عنه، فقال له: «لا تشربه» فلمّا أن رجع إلى الكوفة هاج به وجعه، فأقبل أهله فلم يزالوا به حتى شرب، فساعة شرب عنه سكن، فعاد إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

[1] الكافي 6: 413- 3، التهذيب 9: 113- 489، الوسائل 25: 344 أبواب الأشربة المحرّمة ب 20 ح 3.

و الأرواح: جمع ريح و تجمع على أرياح قليلا و على رياح كثيرا- انظر النهاية 2:

272.

[1] الكافي 6: 413- 2، الوسائل 25: 343 أبواب الأشربة المحرّمة ب 20 ح 1.

و السكرّجة: إناء صغير يؤكل فيه الشي ء القليل من الأدم، و هي فارسية- انظر مجمع البحرين 2: 310.

______________________________

(1) الكافي 6: 414- 8، طب الأئمّة: 62، الوسائل 25: 345 أبواب الأشربة المحرّمة ب 20 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 37

فأخبره بوجعه و شربه، فقال: «يا ابن أبي يعفور، لا تشرب فإنّه حرام، إنّما هو الشيطان موكّل بك و لو قد يئس منك ذهب» فلمّا رجع إلى الكوفة هاج به وجعه أشدّ ممّا كان فأقبل أهله عليه، فقال لهم: و اللّه ما أذوق منه قطرة أبدا، فآيسوا منه أهله، و كان يهمّ «1» على شي ء و لا يحلف، فلمّا سمعوا آيسوا منه و اشتدّ به الوجع أيّاما ثمَّ أذهب اللّه به عنه، فما عاد إليه حتى مات رحمه اللّه [1].

و مستند الثالث: أدلّة الأول، مضافة إلى النهي عن إلقاء النفس إلى التهلكة و قتلها.

قال اللّه سبحانه وَ لا تَقْتُلُوا

أَنْفُسَكُمْ «2».

و قال وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِ «3».

و وجوب حفظها عقلا و نقلا، و كون محافظتها مقدّمة على أكثر الواجبات.

أقول: لا شكّ أنّ أخبار المنع- التي هي حجّة الثاني- كلّها عامّة بالنسبة إلى الاضطرار و العسر و الضرر و عدمها، بل بالنسبة إلى المندوحة عنه و عدمها.

و أدلّة الجواز منها أخصّ مطلقا من ذلك، من جهة اختصاصها بالضرورة و الخمر، كالموثّقة و رواية الدعائم و مرسلة العلل «4»، الموافقة لعمومات الكتاب من قوله سبحانه إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ «5» و ما نفى

______________________________

[1] رجال الكشي 2: 516- 459. و الحسوة: الجرعة من الشراب- مجمع البحرين 1: 99.

______________________________

(1) في النسخ: يتهم، و ما أثبتناه من المصدر.

(2) النساء: 29.

(3) الإسراء: 33.

(4) المتقدّمة في ص: 21 و 22.

(5) الأنعام: 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 38

العسر و الحرج. فيجب تخصيص أدلّة المنع بها.

و منها ما يختصّ بالمضطرّ و إن عمّ المسكر و غيره، فيتعارضان بالعموم من وجه، فلو لم ترجّح أدلّة الجواز بالأكثريّة و موافقة الاعتبار و الأصرحيّة يرجع إلى الأصل الأولي، و هو مع الجواز، فإذن الحقّ هو الأول.

و قد يجمع بين الأخبار بحمل المجوّزة على حال الضرورة و توقّف السلامة، و المانعة على جلب المنفعة و طلب التقوية و بقاء الصحّة و رفع الأمراض الجزئيّة، و هو راجع إلى ما ذكرنا أيضا.

بقي الكلام فيما صرّح بأن اللّه سبحانه لم يجعل فيما حرّم شفاء و لا دواء، فإنّه يدلّ على انتفاء حصول الاضطرار للتداوي بالمحرّمات، و يستلزم انتفاء موضوع أدلّة القولين الآخرين.

قلنا: هذا كلام في الموضوع دون المسألة، فإنّها فرضت فيما إذا أدّى الاضطرار إليه.

و لتحقيق الموضوع نقول: إنّه و إن ورد

في الأخبار ذلك، إلّا أنّه يخالف ما يشاهد بالتجربة من المنافع في بعض المحرّمات، و تطابقت عليه كلمات الأطبّاء الحذّاق.

و جمع بعضهم بينهما بأنّ التحريم مرتفع مع الضرورة، فيصدق أنّ اللّه سبحانه لم يجعل فيما حرم شفاء؛ لأنه حينئذ حلال «1».

و فساده ظاهر؛ لتوقّف نفي التحريم حال الضرورة على وجود الشفاء فيه، و النصّ يدلّ على انتفاء الشفاء فيه حتى يضطرّ إليه.

______________________________

(1) إيضاح الفوائد 4: 154.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 39

و قيل: إن الشفاء المنفيّ عن المحرّمات إنّما هو شفاء الأمرضة الروحانيّة «1».

و هو تأويل بعيد غايته؛ لورود الخبر مورد الأمراض الجسمانيّة.

و يمكن الجمع بأن يقال: لا شفاء في المحرّم، و ما نشاهده إنّما هو مستند إلى أمر آخر اتّفق مقارنته مع تناول المحرّم.

و لكنّه أيضا بعيد، سيّما مع أقوال الأطبّاء المستندة إلى آثار الطبائع و الخواصّ، و ظاهر قوله سبحانه وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما «2».

و الأولى في الجمع أن يقال: إنّ المراد- و اللّه أعلم- أن اللّه لم يجعل في الحرام شفاء و لا دواء، أي لم يجعله و لم يقرّره للشفاء حتى انحصر الأمر فيه و كان الشفاء و الدواء منحصرا به حتى يكون مجعولا و مقرّرا لذلك، بل لكلّ مرض يداوي بالمحرّم له علاج آخر أيضا، و لكنّه لا ينفي الاضطرار إلى المحرّم؛ لجواز أن لا نعلم ذلك الدواء الآخر و لا نهتدي إليه، فنضطرّ إلى الحرام.

ثمَّ إنّه- كما ذكرنا- لا بدّ في جواز التداوي بالمحرّم من أمور ثلاثة:

أحدها: العلم بحصول العلاج به.

و ثانيها: العلم بانحصار المعلوم من العلاج و الدواء فيه. و الظاهر كفاية الظنّ الغالب فيهما؛ لحصول العسر و الضرر بالترك. و المعتبر علم المريض أو ظنّه،

سواء حصل بالتجربة من حاله أو قول الأطبّاء، دون علم غيره أو ظنّه و لو كان طبيبا.

و ثالثها: كون المرض ممّا يعدّ ضررا و تحمّله كان شاقّا و حرجا، عرفا

______________________________

(1) كما في المفاتيح 2: 227.

(2) البقرة: 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 40

و عادة.

فرع: لو علم الطبيب بانحصار العلاج في المحرّم، و أخبر به المريض

و لم يحصل له ظنّ بقوله لعدم معرفته بحاله، فلا يجوز للمريض التناول بنفسه، و يجوز بل قد يجب على الطبيب إكراهه عليه لو تمكّن.

المسألة التاسعة: و ممّا يستثنى أيضا من الأصل الرابع: الأكل مع عدم العلم بالإذن من بيوت من تضمّنته الآية
اشاره

الشريفة في سورة النور:

وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً «1».

فإنّه يجوز الأكل من بيوت المذكورين مع حضورهم و غيبتهم و إن لم يعلم رضاهم و إذنهم به، و لا أعرف في ذلك الحكم خلافا؛ و تدلّ عليه الأخبار كما يأتي، و في المرويّ في محاسن البرقي في هذه الآية: بإذن و بغير إذن «2».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 15    41     المسألة التاسعة: و مما يستثنى أيضا من الأصل الرابع: الأكل مع عدم العلم بالإذن من بيوت من تضمنته الآية ..... ص : 40

اشترطوا في جواز الأكل منها: عدم العلم بكراهتهم، فلو علمت لا يجوز الأكل منها و لو كان العلم حاصلا بالقرائن الحاليّة، و لا أعرف في اشتراط ذلك خلافا، و ادّعى بعض مشايخنا المعاصرين الإجماع عليه ظاهرا «3»، إلّا أنّه نسبه في شرح المفاتيح إلى المشهور، و هو يشعر بوجود المخالف، أو عدم حصول العلم بالإجماع.

______________________________

(1) النور: 61.

(2) المحاسن: 415- 171، الوسائل 24: 283 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 7.

(3) كما في الرياض 2: 297.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 41

و استدلّ له بعضهم بالجمع بين الآية و بين سائر الأدلّة.

و هو غير جيّد؛ إذ لا دليل على ذلك الجمع، و لا ريب أنّه

أحوط.

و كيف كان، فلا يمنع ظنّ الكراهة من الأكل على الأقوى، وفاقا لتصريح جمع من المتأخّرين «1»، بل هو الأشهر كما صرّح به بعض من تأخّر، حيث قال: و قيّدت في المشهور بما إذا لم تعلم كراهتهم؛ لإطلاق الكتاب و السنّة المستفيضة، بل تصريح بعضها بجواز الأكل من غير إذن، الشامل لصورة الظنّ بعدمه «2».

و احتمل المحقّق الأردبيلي اشتراط عدم الظنّ القوي أيضا، بل جعله ظاهرا «3».

و لا أرى له دليلا، و إن كان بالاحتياط أوفق.

و لا فرق في الحكم بين كون دخول البيت بإذنهم و عدمه على الأقوى، وفاقا للأكثر؛ عملا بالإطلاقات.

خلافا للحلّي، فقيّد الدخول بالإذن، و حرّم الأكل مع الدخول بدونه «4». و مال إليه صاحب التنقيح «5».

لأنّ الأكل يستلزم الدخول، الذي هو بغير الإذن غير جائز، و النهي عن اللازم نهي عن ملزومه.

و للأصل، فيقتصر فيه على المتيقّن.

و لأنّ إذن الدخول قرينة على إذن الأكل، و حيث لا إذن لا قرينة

______________________________

(1) منهم المحقّق السبزواري في الكفاية: 253 و صاحب الرياض 2: 297.

(2) انظر الوسائل 24: 280 أبواب آداب المائدة ب 24.

(3) مجمع الفائدة 11: 305.

(4) كما في السرائر 3: 124.

(5) التنقيح 4: 60.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 42

فلا يجوز.

و يردّ الأول: بمنع الاستلزام أولا، و إنّما هو إذا كان يقول: في بيوتكم، الآية. و منع استلزام حرمة اللازم لحرمة الملزوم مطلقا، و إنّما هو فيما يكون التلازم جهة الترتّب دون التوقّف.

و الثاني: بأنّ الأصل بعد الدليل المزيل غير ملتفت إليه.

و الثالث: بأنّه مرجعه أيضا إلى أصالة عدم الجواز اللازم رفع اليد عنها بما ذكر.

و كذا لا فرق في المأكول بين ما يخشى فساده في يومه و بين غيره؛ لما ذكر،

مضافا إلى بعض المعتبرة:

كرواية زرارة: «هؤلاء الذين سمّى اللّه تعالى في هذه الآية تأكل بغير إذنهم من التمر و المأدوم، و كذلك تطعم المرأة من منزل زوجها بغير إذنه، فأمّا ما خلا ذلك من الطعام فلا» [1].

و المرويّ في المحاسن: ما يحلّ للرجل من بيت أخيه؟ قال:

«المأدوم و التمر» الحديث «1». و لا شكّ أنّ التمر ممّا لا يخشى فساده.

و الرضوي: «و لا بأس للرجل أن يأكل من بيت أخيه و أبيه و امّه و صديقه ما لا يخشى عليه الفساد من يومه، مثل: البقول و الفاكهة و أشباه ذلك» «2».

______________________________

[1] الكافي 6: 277- 2، التهذيب 9: 95- 413، المحاسن: 416- 175، الوسائل 24: 281 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 2.

و الإدام: ما يؤتدم به مائعا كان أو جامدا، و أدمت الخبز و أدمته باللغتين: إذا أصلحت إساغته بالإدام- مجمع البحرين 6: 6.

______________________________

(1) المحاسن: 416- 173، الوسائل 24: 282 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 6.

(2) فقه الرضا «ع»: 355، المستدرك 16: 242 أبواب آداب المائدة ب 21 ح 1 و فيهما: ما لا يخشى عليه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 43

خلافا للمحكيّ عن شاذ «1»؛ و مستنده غير واضح، سوى ما في تفسير علي: لمّا هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و آخى بين المسلمين من المهاجرين و الأنصار، قال: فكان بعد ذلك إذا بعث أحدا من أصحابه في غزاة أو سريّة يدفع الرجل مفتاح بيته إلى أخيه في الدين و يقول له: خذ ما شئت و كل ما شئت، فكانوا يمتنعون من ذلك حتى ربّما فسد الطعام في البيت، فأنزل اللّه سبحانه لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ

أَشْتاتاً يعني: إن حضر صاحبه أو لم يحضر «2».

و لا يخفى أنّه لا دلالة له على التخصيص، و مع ذلك لم يسنده إلى رواية.

فروع:
أ: مقتضى الإطلاقات كتابا و سنّة: جواز تناول كلّ مأكول من البيوت المذكورة

، و يظهر من بعضهم الميل إلى الاختصاص بما يعتاد أكله و شاع، دون نفائس الأطعمة التي تدّخر غالبا و لا يؤكل شائعا؛ لانصراف المطلق إلى ذلك. و هو أحوط لو لم يكن كذلك.

و كيف كان، لا يختصّ بما مرّ ذكره في الأحاديث المتقدّمة من التمر و المأدوم و البقول و الفواكه؛ لعدم صلاحيّتها للتخصيص.

أمّا رواية زرارة، فلاحتمال كون قوله: «ما خلا ذلك» إشارة إلى طعام بيوت المذكورين و منزل الزوج دون التمر و المأدوم، مع عدم صراحتها في حرمة المستثنى و احتمال المرجوحيّة؛ لعدم مصرّح بالتحريم.

______________________________

(1) انظر المقنع: 125، و حكاه في الروضة 7: 342 عن ابن إدريس.

(2) تفسير القمّي 2: 109، الوسائل 24: 283 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 44

و أمّا رواية المحاسن، فلعدم دلالتها على عدم حلّية غيرهما إلّا بمفهوم اللقب، و هو ليس بحجّة.

و أمّا الرضوي، فلاحتمال كون البقول و الفاكهة مثالا لما يخشى فساده، مضافا إلى عدم حجّيته، بل و كذلك رواية المحاسن.

ب: النصّ و إن اختصّ بالأكل لكنّهم عمّموه بالنسبة إلى الشرب أيضا

ممّا يتعارف شربه، سيّما مثل الماء؛ لفحوى ما دلّ على جواز الأكل.

و فيه تأمّل، و الاقتصار فيه على ما يعلم رضا صاحب البيت بشاهد الحال طريق النجاة.

ج: يختصّ الجواز بالأكل من بيوت المذكورين، فلا يتعدّى إلى ما في غيرها

من الأمكنة؛ للأصل. و بما إذا كان المأكول بنفسه في البيوت، فلا يتعدّى إلى شرائه من غير البيت بثمن يؤخذ من البيت؛ للاقتصار فيما يخالف الأصل على القدر المتيقّن، و يمكن استفادتهما من قوله: «ما خلا ذلك» في رواية زرارة أيضا.

د: المراد ب بُيُوتِكُمْ : بيت الآكل

؛ لأنّه حقيقة.

قيل: يمكن أن تكون النكتة في ذكرها- مع ظهور الإباحة- التنبيه على مساواة ما بعده له في الإباحة، و أنّه ينبغي جعل المذكورين كالنفس «1».

و قد يقال: إنّ النكتة بيان حلّية أكل ما يوجد فيها و إن لم يعرف مالكه.

و قيل: بيت الأزواج و العيال «2».

و قيل: بيت الأولاد «3»؛ لأنّهم لم يذكروا في الأقارب مع أنّهم أولى

______________________________

(1) كما في الروضة البهية 7: 343.

(2) كما في مجمع البيان 4: 156، التفسير الكبير 24: 36، الكشّاف 3: 257.

(3) كما في تفسير الصافي 3: 448، و حكاه في التفسير الكبير 24: 36 عن ابن قتيبة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 45

منهم، و لأنّ ولد الرجل بعضه و نسخته و حكمه حكمه، و هو و ماله لأبيه- كما في الحديث «1»- فجائز نسبته إليه، و في آخر: «أطيب ما يأكل الرجل من كسبه، و إنّ ولده من كسبه» «2».

و منه يظهر وجه آخر لإلحاق الأولاد بالأقارب فيما ذكر، و هو الأولويّة، و كذا يظهر وجه لصحّة إلحاق الأجداد و الجدّات؛ لأقربيّتهم من الأعمام و الأخوال، مع إمكان إدخالهم في الآباء و الأمّهات.

و المراد بما ملكتم مفاتحه: ما يكون وكيلا عليها و فيما يحفظها، كما صرّح به في مرسلة ابن أبي عمير: في قول اللّه عزّ و جلّ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ قال: «الرجل يكون له وكيل يقوم في ماله فيأكل بغير إذنه» «3»، و

يدلّ عليه ما مرّ من تفسير علي.

و قيل: هو بيت العبد؛ لأنّه و ماله لمولاه «4».

و قيل: من له عليه ولاية «5».

و لا بأس بهما؛ لصدق اللفظ، و عدم منافاة الروايتين، فيكون الجميع مرادا.

و قيل: ما يجد الإنسان في داره و لا يعلم به.

و قيل: بيت الولد «6».

و المرجع في الصديق إلى العرف.

______________________________

(1) التهذيب 5: 15- 44، الوسائل 11: 91 أبواب وجوب الحج و شرائطه ب 36 ح 1.

(2) مستدرك الوسائل 13: 9 أبواب مقدمات التجارة ب 1 ح 12، بتفاوت يسير.

(3) راجع ص: 43.

(4) كما في الروضة البهية 7: 344.

(5) كما في المسالك 2: 247، الرياض 2: 298.

(6) انظر المسالك 2: 247.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 46

ه: لا فرق في الإخوة و الأخوات بين كونهم للأبوين أو لأحدهما؛

للعموم، و كذلك الأعمام و الأخوال.

و هل يختصّ بالنسبي، أو يتعدّى إلى الرضاعي أيضا؟

الظاهر: الأول؛ للتبادر، و منع الصدق الحقيقي اللغوي، و منع حصول الحقيقة الشرعيّة.

و: الحلّية تختصّ بالأكل بنفسه

، فلا يجوز حمل شي ء منها، و لا الإذن للغير في الأكل؛ للأصل.

ز: اختلفت الروايتان في جواز تصدّق المرأة عن بيت زوجها بغير إذنه.

ففي رواية جميل: «للمرأة أن تأكل و أن تتصدّق، و للصديق أن يأكل من منزل أخيه و يتصدّق» «1».

و في رواية علي: عن المرأة لها أن تعطي من بيت زوجها بغير إذنه؟

قال: «لا، إلّا أن يحلّلها» «2».

و يمكن الجمع بوجوه. و الأولى في الجمع ما دلّت عليه موثّقة ابن بكير: عمّا يحلّ للمرأة أن تتصدّق به من مال زوجها بغير إذنه، قال:

«المأدوم» «3»، فيخصّص بالتصدّق و منه بالمأدوم، و عليه الفتوى. و الظاهر الاختصاص بما إذا لم يقارب صريح النهي، أو العلم بالكراهة.

______________________________

(1) الكافي 6: 277- 3، التهذيب 9: 96- 417، المحاسن: 416- 174، الوسائل 24: 281 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 3.

(2) التهذيب 6: 346- 974، مسائل علي بن جعفر: 158- 231، الوسائل 17:

270 أبواب ما يكتسب به ب 82 ح 1.

(3) الكافي 5: 137- 2، التهذيب 6: 346- 973، الوسائل 17: 270 أبواب ما يكتسب به ب 82 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 47

المسألة العاشرة: و ممّا يستثنى أيضا من الأصل الرابع: ما يمرّ به الإنسان من ثمر النخل و الشجر أو المباطخ أو الزرع،
اشاره

فيجوز الأكل منه، استثناه جماعة من المتقدّمين «1» و المتأخّرين «2»، و ادّعي الشهرة عليه مستفيضة.

و قيل: لم نقف على مخالف من قدماء الأصحاب إلّا ما يحكى عن السيّد «3». و قيل: كاد أن يكون من القدماء إجماعا «4». بل عن الخلاف و السرائر الإجماع عليه «5».

و مستنده: المستفيضة من الأخبار، كمرسلة ابن أبي عمير: عن الرجل يمرّ بالنخل و السنبل و الثمرة فيجوز له أن يأكل منها من غير إذن صاحبها من ضرورة أو غير ضرورة؟ قال: «لا بأس» «6».

و مرسلة الفقيه: «من مرّ ببساتين فلا بأس أن يأكل من ثمارها، و لا يحمل منها شيئا» «7».

و رواية ابن سنان: «لا بأس بالرجل يمرّ

على الثمرة و يأكل منها و لا يفسد، قد نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن تبنى الحيطان بالمدينة لمكان المارّة» قال: «و كان إذا بلغ نخله أمر بالحيطان فخرقت لمكان المارّة» «8».

______________________________

(1) منهم الصدوق في المقنع: 124، الشيخ في النهاية: 370 و المبسوط 6: 288، ابن إدريس في السرائر 3: 126.

(2) كما في الشرائع 2: 55، التذكرة 1: 510، كفاية الأحكام: 253.

(3) انظر الرياض 1: 558.

(4) كما في الرياض 1: 558.

(5) الخلاف 2: 546، السرائر 3: 126.

(6) التهذيب 7: 93- 393، الاستبصار 3: 90- 306، الوسائل 18: 226 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 3.

(7) الفقيه 3: 110- 464، الوسائل 18: 228 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 8.

(8) الكافي 3: 569- 1، الوسائل 9: 203 أبواب زكاة الغلات ب 17 ح 1، و ج 18: 229 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 48

و مثلها رواية أبي الربيع، إلّا أن زاد فيها: «و لا يحمل» بعد قوله:

«لا يفسد» «1».

و رواية محمّد بن مروان: أمرّ بالثمرة فآكل منها، قال: «كل و لا تحمل» قلت: فإنّهم قد اشتروها، قال: «كل و لا تحمل» قلت: جعلت فداك، إنّ التجّار اشتروها و نقدوا أموالهم، قال: «اشتروا ما ليس لهم» «2».

و مرسلة يونس: عن الرجل يمرّ بالبستان و قد حيط عليه أو لم يحط عليه، هل يجوز له أن يأكل من ثمره، ليس يحمله على الأكل من ثمره إلّا الشهوة و له ما يغنيه عن الأكل من ثمره؟ و هل له أن يأكل منه من جوع؟

قال: «لا بأس أن يأكل و لا يحمله و لا يفسده» «3».

و ذهب السيّد و

الفاضل في الإرشاد «4» و بعض آخر «5» إلى المنع.

و مستندهم: قبح التصرّف في ملك الغير بغير إذنه شرعا و عقلا، المعتضد بنصّ الكتاب على النهي عن أكل أموال الناس بالباطل بغير تراض «6».

و صحيحة ابن يقطين: عن الرجل يمرّ بالثمرة من الزرع و النخل و الكرم و الشجر و المباطخ و غير ذلك من الثمر، أ يحلّ له أن يتناول منه شيئا و يأكل من غير إذن من صاحبه؟ و كيف حاله إن نهاه صاحب الثمرة أو أمره

______________________________

(1) الكافي 3: 569- 1، الوسائل 9: 204 أبواب زكاة الغلات ب 17 ح 2.

(2) التهذيب 6: 383- 1134، الوسائل 18: 227 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 4.

(3) التهذيب 6: 383- 1135، الوسائل 18: 227 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 5.

(4) نقله عن المسائل الصيداويّة للسيّد المرتضى في المسالك 1: 207، الإرشاد 2: 113.

(5) منهم يحيى بن سعيد الحلي في نزهة الناظر: 71، العلّامة في المختلف 2: 343 و القواعد 1: 122، ولده في الإيضاح 4: 162.

(6) النساء: 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 49

القيّم فليس له؟ و كم الحدّ الذي يسعه أن يتناول منه؟ قال: «لا يحلّ له أن يأخذ منه شيئا» «1».

و مرسلة مروان: الرجل يمرّ على قراح الزرع يأخذ منه السنبلة، قال:

«لا» قلت: أيّ شي ء السنبلة؟! قال: «لو كان كلّ من يمرّ به يأخذ منه سنبلة كان لا يبقى شي ء» «2».

و صحيحة محمّد الحلبي: عن البستان يكون عليه المملوك أو أجير ليس له من البستان شي ء، أ يتناول الرجل من بستانه؟ فقال: «إن كان بهذه المنزلة لا يملك من البستان شيئا فما أحبّ أن يأخذ منه شيئا» «3».

و أجاب هؤلاء عن

الأخبار الأول تارة بضعف السند.

و اخرى بعدم صراحة الدلالة؛ لإمكان حملها على حال الضرورة، أو على من يجوز الأكل من بيوتهم، أو على الأكل اليسير جدّا للذوق و الامتحان، أو على ما علم الإذن فيه بالفحوى مطلقا، أو على البلاد التي يعرف من أرباب بساتينها و زروعها عدم المضايقة في مثله لوفورها عندهم.

و ثالثة بمعارضتها مع الأخبار الأخيرة، و رجحان الأخيرة بموافقة الكتاب و مطابقة الأصول العقليّة و النقليّة.

أقول: يردّ الجواب الأول بعدم ضير ضعف السند عندنا أولا.

و انجبار تلك الأخبار بالشهرة العظيمة القديمة و الجديدة المحكيّة و المحقّقة و الإجماعات المنقولة ثانيا.

______________________________

(1) التهذيب 7: 92- 392، الاستبصار 3: 90- 307، الوسائل 18: 228 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 7.

(2) التهذيب 6: 385- 1140، الوسائل 18: 227 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 6.

و في المصادر: مروك، بدل: مروان.

(3) التهذيب 6: 380- 1117، الوسائل 17: 271 أبواب ما يكتسب به ب 82 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 50

و كون مراسيل ابن أبي عمير في حكم المسانيد «1»، و صحّة المرسلة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه «2»، و كذا رواية أبي الربيع، ثالثا.

و الثاني بأنّها تأويلات بعيدة بلا مأوّل، و تخصيصات بلا مخصّص يمنع عنها العرف و اللغة؛ مع أنّ أكثرها خلاف صريح النصّ؛ للتصريح فيه بغير حال الضرورة و بغير الإذن، و بكون الأكل للجوع و الشهوة.

و أما الثالث فحسن، إلّا أنّ الأخيرتين من الروايات الأخيرة غير دالّتين على الحرمة، بل الأخيرة منهما ظاهرة في الكراهة، و مع ذلك هما أخصّان عن المدّعى؛ لاختصاص أولاهما بالسنبل و ثانيهما بالبستان.

فلم تبق إلّا الاولى، و هي لمخالفتها للشهرة العظيمة من

القدماء خارجة عن حيّز الحجّية جدّا، فلا تصلح لمعارضة ما مرّ قطعا؛ مع أنّ دلالتها على المطلوب غير واضحة؛ لاحتمال أن يكون قوله: «لا يحلّ أن يأخذ منه شيئا» جوابا عن السؤال الأخير، أي قوله: و كم الحدّ الذي يسعه أن يتناوله، فأجاب بأنّه لا يحل له الأخذ- أي الحمل- فيجوز غيره الذي هو الأكل، و يشعر بذلك عدوله عن لفظ الأكل الواقع في السؤال إلى الأخذ.

و يؤكّده اختصاص أخبار المنع طرّا بالأخذ، و أخبار الجواز كلّا بالأكل، و هذا مراد الشيخ «3» و أتباعه «4» من حمل أخبار المنع على الأخذ. و لو قطع النظر عن ذلك فلا شكّ في أنّ للأخذ أفرادا كثيرة يشملها من الأخذ للأكل

______________________________

(1) انظر عدّة الأصول: 387.

(2) كما في رجال الكشي 2: 830.

(3) كما في التهذيب 7: 92.

(4) انظر المختلف: 343.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 51

و للحمل و لإعطاء الغير و للبيع، فتكون تلك الأخبار أعمّ مطلقا من أخبار الجواز؛ لاختصاصها بالأكل، فيجب تخصيصها بها قطعا. و أيضا نفي البأس- الذي هو العذاب- في أخبار الجواز قرينة لحمل عدم الحلّيّة في رواية المنع على المرجوحيّة، فيتعيّن حملها عليها، سيّما مع شهادة قوله: «فما أحبّ» الظاهر عرفا فيها في الأخيرة.

و بجميع ما ذكر يجاب عن الأخيرتين أيضا على فرض الدلالة.

و يظهر منه الجواب عن الأصول و الآية، مع أنّ القبح العقلي ممنوع؛ لأنّ ما في الأرض كلّه للّه سبحانه، فله الرخصة لمن شاء و أراد من العباد، فيما شاء و أراد، و ملكيّة الغير أمر شرعيّ، فيثبت منها ما ثبت شرعا، و لا مدخليّة للعقل فيها، بل يدلّ قوله في رواية محمّد بن مروان: «اشتروا ما ليس لهم»

أنّ قدر حقّ المارّة ليس ملكا للصاحب.

و دلالة الآية أيضا ممنوع؛ إذ بعد دلالة الأخبار لا يكون ذلك باطلا، فالقول الأول هو الحقّ، و عليه المعوّل.

فروع:
أ: المذكور في أخبار الجواز هو النخل و السنبل و الثمرة،

فلا يجوز التعدّي إلى غير الثلاثة، نحو الخضراوات و الزروع التي ليس لها سنبل؛ اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع النصّ و اليقين.

و منه يظهر عدم جواز التعدّي إلى ما يشكّ في صدق الثمرة عليه من القثّاء و البطّيخ و نحوهما؛ لأنّ الظاهر أو المحتمل اختصاص الثمرة بما يحصل من الشجر، سواء كان من الفواكه، كالرمّان و التين و التفّاح و السفرجل و نحوها، أو كالجوز و اللوز و أمثالهما، بل في الصدق على

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 52

القسم الثاني أيضا تأمّل، فالاجتناب عنه أحوط، سيّما مثل السماق، و لذا خصّ بعضهم بثمرة النخل و الفواكه «1»، و بعض آخر بالنخل «2». و لم يذكر الأكثر المباطخ، إلّا أنّ ظاهر صحيحة ابن يقطين «3» صدق الثمرة على مثل البطّيخ أيضا، فالتجويز فيه أيضا قوي.

ب: الرخصة في الأكل في أخبار الجواز غير محدودة بحدّ معيّن،

بل هي مطلقة.

و إبقاؤها على الإطلاق- حتى يشمل كلّ قدر أكل و لو كان أكلا فاحشا، من كلّ ثمرة و لو كانت قليلة، كشجرة واحدة فيها ثمرة قليلة، من كلّ مالك حتى فقير لم يملك إلّا تلك الشجرة، من كلّ مارّ حتى من عسكر كثير مرّت ببستان صغير من رجل فقير- خلاف الإجماع، بل الضرورة القطعيّة، سيّما على ما في رواية محمّد بن مروان من قوله: «اشتروا ما ليس لهم» «4»، فإنّه على ذلك لا يكون ما لهم معيّنا، بل لا يكون مال؛ لاحتمال مرور جماعة تأكل الجميع.

و تخصيصها بحدّ خاصّ معيّن بلا دليل مجازفة غير جائزة.

و التحديد- بعدم التضرّر بالمالك لمعارضة أخبارها مع أدلّة نفي الضرر- غير جيّد؛ لتحقّق الضرر في جميع الحالات، فتكون تلك الأخبار أخصّ مطلقا من أدلّة نفي الضرر.

و بعدم الأكل كثيرا- بحيث يؤثّر فيها

أثرا بيّنا، و هو أمر يختلف بكثرة

______________________________

(1) كصاحب الرياض 1: 558.

(2) كالشيخ في المسائل الحائريات (الرسائل العشر): 330.

(3) المتقدمة في ص: 48.

(4) المتقدمة في ص: 48.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 53

الثمرة و المارّة و قلّتهما؛ لقوله: «لا يفسد» في روايتي ابن سنان و أبي الربيع و في مرسلة يونس «1»- كان حسنا لو صدق الإفساد على ذلك لغة أو عرفا، و هو بعد غير معلوم.

فيشكل الأمر في العمل بمدلول تلك الأخبار، إلّا أن يقال: إنّ تلك الأخبار و إن كانت مطلقة إلّا أنّها غير باقية على إطلاقها قطعا إجماعا، و الحدّ الذي يقطع بانتهاء التقييد و التخصيص إليه غير معيّن البتّة إذا تجاوز عمّا يؤثّر أثرا بيّنا، فيعلم تخصيصه و لا يعلم القدر المخصّص حينئذ، فيكون من باب التخصيص بالمجمل، فلا يكون حجّة في موضع الإجمال، و هو ما إذا تجاوز عن القدر الذي لا يستبين أثره و لا يعدّ في العرف ضررا بيّنا، فلا يجوز التجاوز عن ذلك الحدّ، فعليه الفتوى.

ج: يعتبر للجواز هنا أمور:

أحدها: ما سبق من عدم الإكثار فيه، بحيث يظهر أثره أثرا بيّنا فيه كما مرّ، و لو مرّ رجل و أكل ثمَّ مرّ الثاني ثمَّ الثالث فيعتبر ظهور الأثر في اللاحق، و يجوز الأكل للسابق ما لم يظهر و إن علم مرور غيره أيضا.

نعم، على اللاحق ترك الأكل إذا علم أكل السابق و أنّ الأكلين معا يوجبان الإفساد بذلك المعنى، و لو لم يعلم أكل [السابق ] «2» لا حرمة عليه؛ لأصالة عدم أكل الغير.

و ثانيها: كون المرور بالثمرة أو البستان اتّفاقيّا، بمعنى: أن لا يقصدها للأكل ابتداء، فلو قصدها كذلك لم يجز الأكل منها، و لعلّه إجماعي؛ و يدلّ عليه اختصاص

أخبار التجويز طرّا بالمرور، الذي هو العبور عن شي ء

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 47 و 48.

(2) في النسخ: اللاحق، و الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 54

لا يقصده أصالة و إن قصده تبعا، أي لم يقصده لشغل به و إن قصده لأن يمرّ عنه، فالشرط عدم قصدها لأن يأكل منها؛ إذ معه لا يعلم صدق المرور، و لا يضرّ قصدها لأن يمرّ منها.

و على ما ذكرنا من معنى المرور، يعلم عدم منافاة قوله في روايتي ابن سنان و أبي الربيع «1» لذلك الاشتراط، و لا حاجة إلى تضعيفهما و تفسيرهما بأن المعنى: أنّه لا بأس بالأكل بعد المرور اتّفاقا.

ثمَّ المراد بالمرور بها: عبوره عمّا يقرب منها عرفا و عادة بحيث يعدّ مرورا عرفا، لا أن يعبر ملاصقا بها قريبا عنها قربا حقيقيّا لا يحتاج إلى التخطّي إليها و لو بخطوات قلائل.

و ثالثها: أن لا يحمل معه شيئا، بل يأكل في موضعه، و الظاهر اتّفاقيّة ذلك أيضا؛ و تدلّ عليه جميع أخبار المنع بالتقريب الذي قدّمناه، و قوله:

«و لا يحمل منها» و «لا يحمله» في مرسلتي الفقيه و يونس «2»، فلا يجوز الحمل و لو لأجل الأكل بعد المضي.

و رابعها: أن لا يكون النخل أو السنبل أو الثمرة محاطا عليها بسور مبوّبة بباب، فلو كان كذلك لم يجز صعود السور أو خرقه، و لا فتح الباب أو كسره؛ لأنّه تصرّف في ملك الغير بغير إذنه، و لا إذن من الشارع.

و لا يدلّ نهي الرسول عن الحيطان- أو خرق حيطان نخله كما في رواية ابن سنان- على جواز التصرّف لو كان محاطا غير مخروق، مع أنّ النهي ليس للتحريم؛ لكون نخله محاطا عليه و يخرقه

إذا بلغ، و خرقه حيطان نخله صلّى اللّه عليه و آله لا يدلّ على وجوب ذلك على غيره أيضا.

______________________________

(1) المتقدمتين في ص: 47 و 48.

(2) المتقدمتين في ص: 47 و 48.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 55

و ممّا ذكرنا يظهر عدم جواز دخول ملك الغير أيضا لو كان الثمر في ملكه.

و لا يتوهّم أنّ الإذن في الأكل يستلزم الإذن في الدخول من الشارع أيضا حيث توقّف عليه؛ لأنّ هذا إنّما يتمّ لو كان الإذن في المرور أيضا، و ليس كذلك، بل عرفت أنّه تشترط اتّفاقيّة المرور، و لا يجوز المرور في ملك الغير بغير إذنه إجماعا.

و يمكن أن يقال: إنّ صدق المرور على الثمرة و السنبل إذا كان في ملكه لا يتوقّف على دخول الملك؛ لكفاية القرب العرفي في صدق المرور، فلو مرّ من قرب أرضه يصدق المرور على الثمرة، فإذا جاز أكلها جاز دخول الأرض أيضا؛ لتوقّفه عليه.

و لكن فيه: أنّ شرط المباح لا يلزم أن يكون مباحا أيضا.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّه لو خرج غصن من الشجرة عن السور أو سنبل من الزرع عن الملك يجوز أكل ثمره.

و قد يعتبر أمران آخران أيضا:

أحدهما: عدم علم كراهة المالك، بل قيل: عدم ظنّها أيضا «1».

و ثانيهما: كون الثمرة على الشجرة لا مقطوعة مجزوزة.

و الأخبار بالنسبة إليهما مطلقة، بل في نهي النبيّ عن الحيطان، و في قوله: «اشتروا ما ليس لهم» «2» دلالة على عدم اشتراط الأول، فالحقّ عدم اعتبارهما.

ثمَّ إنّه لو تخلّف عن أحد الأمور الأربعة المعتبرة، فإن كان الأول

______________________________

(1) كما في الرياض 1: 559.

(2) المتقدّم في ص: 48.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 56

يحرم الإكثار دون القدر المجوّز أكله، فلا ارتكاب لمحرّم

أولا و لو قصد الإكثار.

و إن كان الثاني حرم الأكل مطلقا؛ لأنّ المعلوم تجويزه إنّما هو في صورة المرور الاتّفاقي دون ما إذا قصد به الأكل، فيبقى تحت أصل المنع.

و لو كان الثالث فيحرم الأكل أيضا إذا أكله بعد الحمل و النقل، إذ لم يثبت إلّا جواز الأكل عند الثمرة، و لو أكل شيئا و حمل شيئا لم يحرم ما أكل و لو قصد الحمل بعده أيضا.

و لو كان الرابع لم يحرم الأكل إذا ارتكب المحرّم و مرّ بملك الغير لا بقصد الأكل، أو دخله بقصده بعد تحقّق المرور قبل الدخول.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 57

الباب الثاني فيما يحلّ من الحيوانات و لا يحلّ

اشاره

و هو إمّا بحري أو برّي، و كلّ منهما إمّا غير طير أو طير، فهاهنا فصول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 59

الفصل الأول في الحيوان البحري غير الطير
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: قالوا: لا يحلّ منه إلّا ما كان على صورة السمك،

و نسبه المحقّق الأردبيلي إلى المشهور «1»، و في الكفاية إلى المعروف من مذهب الأصحاب «2»، و في المسالك نفى الخلاف عنه «3»، و عن الخلاف و الغنية و السرائر و المعتبر و الذكرى «4» و شرح الشرائع للمحقّق الثاني الإجماع عليه.

فإن ثبت الإجماع و تحقّق فهو المتّبع، و إلّا فلا دليل عليه غيره، كما صرّح به جماعة من المتأخّرين «5»، سوى ما ذكره بعض متأخّريهم من عمومات ما دلّ على حرمة الميتة «6».

و فيه: أنّه مبنيّ على شمول الميتة لكلّ ما خرج روحه كيفما كان، و هو في محلّ المنع؛ لجواز اختصاصها لغة بما مات بنفسه، أو بدون التذكية الشرعيّة الشاملة أدلّتها لحيوان البحر أيضا.

و قد صرّح بذلك بعض شرّاح المفاتيح في بحث نجاسة الميتة، قال:

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 11: 187.

(2) كفاية الأحكام: 248.

(3) المسالك 2: 237.

(4) الخلاف 2: 524، الغنية: 618، السرائر 3: 99، المعتبر 2: 84، الذكرى: 144.

(5) منهم السبزواري في الكفاية: 248، الفيض الكاشاني في المفاتيح 2: 184.

(6) كصاحب الرياض 2: 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 60

مع أنّ المعلوم من أدلّة نجاسة الميتة ما يطلق عليه الميتة و يموت حتف أنفه دون ما ذكّي؛ لعدم إطلاق اسم الميتة عليه بحسب العرف، بل المستفاد من بعض الأخبار أنّها في مقابلة الذكاة، كقوله: «إنّ اللّه أحلّ الخزّ و جعل ذكاته موته، كما أحلّ الحيتان و جعل ذكاتها موتها» «1»، و في رواية: «الكيمخت:

جلود دواب، منه ما يكون ذكيّا و منه ما يكون ميتة» «2»، و في تفسير الإمام:

«قال اللّه تعالى: إنّما حرّم عليكم الميتة التي ماتت حتف أنفها بلا ذباحة من حيث أذن اللّه» «3». انتهى. و

هو جيّد.

و لا يلزم من شمول الموت لمطلق خروج الروح شمول الميتة أيضا؛ لجواز اقتضاء الهيئة الاشتقاقيّة لخصوصيّة أخرى، كما بيّنّاه في العوائد، و يشعر به جعلها في الأخبار قسيمة للمذكّى مقابلة لها، و في الكتاب «4» لما أهلّ لغير اللّه و للمنخنقة و ما بعدها.

و لو سلّمنا الشمول فيخصّص لا محالة بما لم يذكر اسم اللّه عليه، و يعارض بما يأتي من مقتضيات الحلّية، الموجب للرجوع إلى الأصل الأولي.

و يمكن أن يستدلّ له بموثّقة الساباطي: عن الربيثا، فقال: «لا تأكلها،

______________________________

(1) الكافي 3: 399- 11، التهذيب 2: 211- 828، الوسائل 4: 359 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 4. و الخزّ: دابّة من دواب الماء تمشي على أربع، تشبه الثعلب و ترعى من البرّ و تنزل البحر، لها وبر يعمل منه الثياب، تعيش بالماء و لا تعيش خارجه- مجمع البحرين 4: 18.

(2) التهذيب 2: 368- 1530، الوسائل 3: 491 أبواب النجاسات ب 50 ح 4، و ج 4: 356 أبواب لباس المصلي ب 55 ح 2.

(3) تفسير الإمام العسكري (عليه السّلام): 585- 349، مستدرك الوسائل 16: 141 أبواب الذبائح ب 17 ح 1.

(4) المائدة: 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 61

فإنّا لا نعرفها في السمك يا عمّار» «1».

دلّت بالعلّة المنصوصة على حرمة ما لا يعرف في السمك. و لكن يضعّفها عدم صراحة قوله: «لا تأكلها» في الحرمة أولا، و تعارضها مع ما يصرّح بحلّية الربيثا ثانيا «2»، و لذا يظهر من جماعة من المتأخّرين- منهم:

الأردبيلي و صاحب الكفاية و المفاتيح «3» و شرحه- التأمّل فيه، بل من بعضهم الميل إلى نفي الحرمة، و الظاهر أنّه مذهب الصدوق في الفقيه «4».

و يدلّ عليه الأصل، و

عمومات حلّ صيد البحر «5»، و إطلاقات الاسم.

و صحيحة زرارة: «و يكره كلّ شي ء من البحر ليس له قشر، مثل:

الورق، و ليس بحرام، إنّما هو مكروه» «6».

و مرسلة الفقيه: «كلّ ما كان في البحر ممّا يؤكل في البرّ مثله فجائز أكله، و كلّ ما كان في البحر ممّا لا يجوز أكله في البرّ لم يجز أكله» «7».

و رواية ابن أبي يعفور: عن أكل لحم الخزّ، قال: «كلب الماء إن كان له ناب فلا تقربه، و إلّا فاقربه» «8».

______________________________

(1) التهذيب 9: 80- 345، الاستبصار 4: 91- 348، الوسائل 24: 140 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 12 ح 4.

(2) انظر الوسائل 24: 139 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 12.

(3) انظر مجمع الفائدة و البرهان 11: 190، المفاتيح 2: 184، كفاية الأحكام:

248.

(4) الفقيه 3: 215- 998 و 999.

(5) المائدة: 96، النحل: 14.

(6) التهذيب 9: 5- 15، الاستبصار 4: 59- 207، الوسائل 24: 135 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 19.

(7) الفقيه 3: 214- 994، الوسائل 24: 159 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 22 ح 2.

(8) التهذيب 9: 49- 205، الوسائل 24: 191 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 39 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 62

و دفع الأصل بالإجماعات المنقولة ضعيف، لعدم حجّيتها.

و ردّ العمومات بمنع العموم، لوجوب حملها على السمك المتبادر، أو لأنّه لولاه لزم خروج الأكثر من أفراد العامّ الموجب لعدم حجّيّته، لأنّ أكثر حيوانات البحر محرّمة إمّا لاشتمالها على ضرر أو خباثة أو نحوهما من موجبات الحرمة.

أضعف، لمنع التبادر، و منع لزوم خروج الأكثر، إذ من الذي أحاط بحيوانات البحر جميعا حتى يحكم باشتمال أكثرها على موجب الحرمة؟! و منه تظهر قوّة أدلّة الحلّية، إلّا أنّ إخبارها- للمخالفة

القطعيّة للشهرة العظيمة لا أقلّ منها لو لم يكن إجماعا- لإثبات الحكم غير صالحة، فلم يبق إلّا الأصل، و هو و إن كان كافيا إلّا أنّ اتّباعه في المقام خلاف الاحتياط.

هذا هو الأصل، و إلّا فمن الحيوان البحري ما يحرم البتّة كما يأتي.

المسألة الثانية: يحلّ من السمك كلّ ما له فلس

، و يعبّر عن الفلس بالقشر و الورق أيضا، و يحرم منه بجميع أنواعه ما لا فلس به.

أمّا الأول، فبلا خلاف فيه بين الأمّة، كما صرّح به جمع من الأجلّة «1»، و يدلّ عليه الإجماع، و الأصل، و العمومات، و خصوص المستفيضة الآتية إلى بعضها الإشارة.

و لا فرق فيه بين ما بقي عليه فلسه، كالشبّوط- بفتح الشين المثلّثة و ضمّ الموحّدة التحتانيّة- و هو سمك دقيق الذنب عريض الوسط ليّن المسّ صغير الرأس.

أو سقط عنه و لم يبق عليه، كالكنعت، مثل: جعفر، و يقال له:

______________________________

(1) منهم الفيض الكاشاني في المفاتيح 2: 184، السبزواري في الكفاية: 248، صاحب الرياض 2: 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 63

الكنعد، بالدال المهملة، و هو ضرب منه له فلس ضعيف يحكّ نفسه على شي ء لحرارته فيذهب عنه فلسه ثمَّ يعود، و صرّح به في صحيحة حمّاد:

جعلت فداك الحيتان ما يؤكل منها؟ فقال: «ما كان له قشر» قلت: جعلت فداك ما تقول في الكنعت؟ فقال: «لا بأس بأكله» قال: قلت له: فإنّه ليس له قشر، فقال لي: «بلى، و لكنها سمكة سيّئة الخلق تحتكّ بكلّ شي ء، و إذا نظرت في أصل أذنها وجدت لها قشرا» «1».

و أمّا الثاني، فعلى الأقوى الأشهر بين المتقدّمين و المتأخّرين من الطائفة «2»، و عن الانتصار و الخلاف و السرائر الإجماع عليه «3»، للأخبار المستفيضة:

كرواية أبي سعيد الخدري الطويلة، و فيها: «ألا

فاتّقوا اللّه عزّ و جلّ و لا تأكلوا من السمك إلّا ما كان له قشر، و مع القشر فلوس» الحديث «4».

و مرسلة حريز: إنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه كان يكره الجرّيث و قال: «لا تأكلوا من السمك إلّا شيئا له فلوس» و كره المارماهي [1].

______________________________

[1] الكافي 6: 219- 3، التهذيب 9: 2- 2، الوسائل 24: 128 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 8 ح 3.

و الجرّيث: ضرب من السمك يشبه الحيّات. و عن ابن الأثير: يقال له بالفارسيّة: مارماهي، و عن ابن عبّاس: نوع من السمك يشبه المارماهي- مجمع البحرين 2: 243- 244.

______________________________

(1) الكافي 6: 219، الفقيه 3: 215- 1001، التهذيب 9: 3- 4، الوسائل 24:

137 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 10 ح 1.

(2) انظر الوسيلة: 355، المراسم: 207، الشرائع 3: 217، القواعد 1: 155.

(3) الانتصار: 187، الخلاف 2: 524، السرائر 3: 99.

(4) الكافي 6: 243- 1، علل الشرائع: 460- 1، الوسائل 24: 107 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 64

و صحيحة ابن سنان: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام بالكوفة يركب بغلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثمَّ يمرّ بسوق الحيتان فيقول: ألا لا تأكلوا و لا تبيعوا ما لم يكن له قشر من السمك» «1»، و مثلها رواية مسعدة «2».

و المرويّ في العيون فيما كتب الرضا عليه السّلام للمأمون: «يحرم الجرّي و السمك الطافي و المارماهي و الزمّير و كلّ سمك لا يكون له فلس» «3».

المؤيّدة بأخبار أخر، كصحيحة محمّد، و فيها: «كل ما له قشر من السمك، و ما ليس له قشر فلا تأكله» «4».

و مرسلة الفقيه: «كل من السمك ما له فلوس، و لا تأكل

منه ما ليس له فلس» «5».

و حسنة حنّان: عن الجرّي، فقال: «وجدنا في كتاب عليّ عليه السّلام أشياء محرّمة من السمك فلا تقربها»، ثمَّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ما لم يكن له قشر من السمك فلا تقربنّه» «6»، إلى غير ذلك «7».

و إنّما جعلناها مؤيّدة لاحتمال الجملة الخبريّة التي لا تفيد عندنا

______________________________

(1) الكافي 6: 220- 6، التهذيب 9: 3- 3، الوسائل 24: 128 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 8 ح 4.

(2) الكافي 6: 220- 9، التهذيب 9: 3- 5، المحاسن: 477- 492، الوسائل 24: 129 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 8 ح 6.

(3) عيون أخبار الرضا «ع» 2: 125، الوسائل 24: 132 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 9.

(4) الكافي 6: 219- 1، التهذيب 9: 2- 1، الوسائل 24: 127 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 8 ح 1.

(5) الفقيه 3: 206- 943، الوسائل 24: 129 أبواب الأطعمة المحرمة ب 8 ح 7.

(6) الكافي 6: 220- 7، الوسائل 24: 131، أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 4.

(7) انظر الوسائل 24: 127 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 65

الحرمة.

خلافا للشيخ في كتابي الأخبار فيما عدا الجرّي «1»، و نسبه في الكفاية إلى جماعة «2»، و ظاهر المحقّق و الشهيد الثاني في المسالك التردّد كالأردبيلي «3»، لأخبار ظاهرة في الحلّية، كصحيحة زرارة المتقدّمة في المسألة الأولى «4».

و صحيحة ابن مسكان: «لا يكره شي ء من الحيتان إلّا الجرّي» «5».

و رواية حكم، و هي مثل الأولى إلّا أنّ فيها الجرّيث مقام الجرّي «6».

و صحيحة محمّد: عن الجرّي و المارماهي و الزمّير و ما ليس له قشر من السمك حرام هو؟ فقال لي: «يا محمّد، اقرأ هذه

الآية التي في الأنعام:

قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً «7»» قال: فقرأتها حتى فرغت منها، فقال: «إنّما الحرام ما حرّم اللّه و رسوله في كتابه، و لكنّهم قد كانوا يعافون أشياء فنحن نعافها» «8».

و الجواب عن الكلّ بأعمّيتها ممّا مرّ مطلقا، أمّا الأولى فلشمولها

______________________________

(1) التهذيب 9: 5، الاستبصار 4: 59.

(2) الكفاية: 248.

(3) المحقق في الشرائع 3: 217، المسالك 2: 237، مجمع الفائدة و البرهان 11:

189.

(4) في ص: 61.

(5) التهذيب 9: 5- 13، الاستبصار 4: 59- 205، الوسائل 24: 134 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 17.

(6) التهذيب 9: 5- 14، الاستبصار 4: 59- 206، الوسائل 24: 135 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 18.

(7) الأنعام: 145.

(8) التهذيب 9: 6- 16، الاستبصار 4: 60- 208، الوسائل 24: 136 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 66

للحيتان و غيرها.

و أمّا الثانيتان، فلشمولهما لما له قشر و ما ليس له قشر.

و أمّا الرابعة، فظاهرة، إذ ليس جواب الإمام إلّا أنّ كلّما لم يحرّم في الكتاب فليس بحرام، و عموم ذلك ظاهر فيجب تخصيصها بما مرّ.

مضافا إلى أنّ الأخيرة موافقة للعامّة كما قالوا «1»، فهي مرجوحة بالنسبة إلى الاولى لو لا عمومها أيضا، و مع ذلك كلّه فمخالفة للشهرة العظيمة، خارجة عن حيّز الحجّية.

و أمّا الجمع- بحمل الاولى على الكراهة- فموقوف على المكافاة، و هي مفقودة بالمرّة.

المسألة الثالثة: يحرم أيضا من السمك بخصوصه الجرّي

- بالجيم المكسورة فالراء المهملة المشدّدة المكسورة، و يقال: الجرّيث، و هو كالجرّي إلّا أنّه مختوم بالثاء المثلّثة- و المارماهي- قيل: بفتح الراء «2»- و الزمّير- كسكّيت و يقال: الزمّار أيضا بكسر الزاء المعجمة و الميم المشدّدة و الراء المهملة أخيرا- و الزهو- بالزاء

المعجمة فالهاء الساكنة- على الأقوى الأشهر، سيّما في الأول، و دعوى الإجماع على حرمته مستفيضة «3»، بل احتمل بعضهم كونها من ضروريّات مذهب الإماميّة «4».

لكون الكلّ ممّا ليس له قشر كما قالوا، و صرّح به في الأخير في رواية الجعفري «5».

______________________________

(1) كالعلامة في المختلف: 677 و صاحب الوسائل 16: 404 و صاحب الرياض 2: 280.

(2) انظر الرياض 2: 280.

(3) انظر الانتصار: 186، الخلاف 2: 524.

(4) كما في الرياض 2: 280.

(5) الكافي 6: 221- 10، التهذيب 9: 3- 6، الوسائل 24: 138 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 67

مضافا في خصوص الجميع- غير الأخير- إلى كونها مسوخة، كما صرّح به في رواية الكلبي النسّابة «1»، فتشملها أدلّة حرمة المسوخات «2»، و إلى المرويّ في العيون المتقدّمة.

و إلى صحيحة محمّد: أقرأني أبو جعفر عليه السّلام شيئا من كتاب علي عليه السّلام، فإذا فيه: «أنهاكم عن الجرّي و الزمّير و المارماهي و الطافي و الطحال» «3».

و في الأولين خاصّة إلى موثّقة سماعة: «لا تأكل الجرّيث و لا المارماهي و لا طافيا و لا طحالا» «4».

و رواية سمرة: «لا تشتروا الجرّيث و لا المارماهي و لا الطافي على الماء و لا تبيعوه» «5».

و مرسلة ابن فضّال: «الجرّي و المارماهي و الطافي حرام في كتاب علي عليه السّلام» «6».

و في الأول خاصّة إلى حسنة حنّان السابقة، و صحيحة الحلبي:

______________________________

(1) الكافي 6: 221- 12، الوسائل 24: 131 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 5.

(2) انظر الوسائل 24: 104 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2.

(3) الكافي 6: 219- 1، التهذيب 9: 2- 1، الوسائل 24: 130 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 1.

(4) الكافي 6: 220-

4، التهذيب 9: 4- 8، الاستبصار 4: 58- 200، الوسائل 24: 130 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 2.

(5) التهذيب 9: 5- 11، الاستبصار 4: 59- 203، المحاسن: 477- 491، الوسائل 24: 133 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 14.

(6) التهذيب 9: 5- 12، الاستبصار 4: 59- 204، الوسائل 24: 134 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 68

«لا تأكلوا الجرّي و لا الطحال، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كرهه» و قال: «إنّ في كتاب علي عليه السّلام ينهى عن الجرّي» الحديث «1».

و أبي بصير: «أمّا في كتاب عليّ عليه السّلام فإنّه نهى عن الجرّيث» «2».

و عليّ: «لا يحل أكل الجرّي و لا السلحفاة و لا السرطان» الحديث «3».

إلى غير ذلك.

خلافا لشاذّ «4»، لبعض ما ذكر في المسألة السابقة بجوابه.

ثمَّ المستفاد من الروايات تغاير الجرّي و المارماهي، إلّا أنّه قال في حياة الحيوان: إن الجرّي يسمّى بالفارسيّة مارماهي «5». و كذا ظاهر الأخبار اتّحاد الجرّي و الجرّيث، و قال في حياة الحيوان: الجرّيث سمك يشبه الثعبان «6».

المسألة الرابعة: يحرم الطافي

- و هو السمك الذي يموت في الماء- بإجماعنا المحقّق و المحكيّ في كلام جماعة «7»، و المستفيضة من الصحاح

______________________________

(1) التهذيب 9: 6- 18، الوسائل 24: 134 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 16.

(2) التهذيب 9: 4- 10، الاستبصار 4: 59- 202، الوسائل 24: 133 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 13.

(3) الكافي 6: 221- 11، التهذيب 9: 12- 46، قرب الإسناد: 279- 1108، الوسائل 24: 146 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 16 ح 1، مسائل علي بن جعفر:

131- 191. و السرطان: حيوان معروف، و يسمّى: عقرب الماء، و كنيته:

أبو بحر، و هو من خلق الماء، و يعيش في البرّ أيضا، و هو جيّد المشي سريع العدو ذو فكّين و مخاليب و أظفار حداد، كثير الأسنان صلب الظهر، من رآه رأى حيوانا بلا رأس و لا ذنب، عيناه في كتفيه و فمه في صدره، له ثمان أرجل، و هو يمشي على جانب واحد، و يستنشق الماء و الهواء معا- حياة الحيوان 1: 553.

(4) كما في الكفاية: 248.

(5) حياة الحيوان 1: 274.

(6) حياة الحيوان 1: 274.

(7) منهم الشيخ في الخلاف 2: 525، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 618، الفيض الكاشاني في المفاتيح 2: 204.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 69

و غيرها المتقدّمة إلى جملة منها الإشارة، و عمومات الكتاب «1» و السنّة «2» في تحريم الميتة.

و الحرمة تعمّ ما مات في الشبكة و الحظيرة و نحوهما من الآلات المعدّة لصيد السمكة أيضا، كما ذكر في باب الصيد و الذبيحة.

المسألة الخامسة: مقتضى رواية ابن أبي يعفور- المتقدّمة في المسألة الاولى «3» و غيرها- إناطة حلّية كلب الماء و حرمته بكونه ذا ناب و غيره

، و لعلّه على قسمين، و نظر الإمام إلى التقسيم لا أنّه لا يعلم حاله، فيحرم منه ما كان ذا ناب دون غيره.

و لا يخالف ذلك مع ما دلّ على أنّ ما لا يؤكل في البرّ لا يؤكل مثله في البحر، لأنّ الكلب الذي لا ناب له ليس مماثلا للكلب البرّي، و إنّما الاشتراط في مجرّد التسمية.

المسألة السادسة: كلّ ما يحرم في البرّ يحرم مثله في البحر و الماء، لمرسلة الفقيه المتقدّمة في المسألة الاولى «4»، و لصدق الاسم، فتشمله أدلّة تحريمه، و تلزمه حرمة حشرات الماء، أي دوابّه الصغار كالعلق و الديدان و نحوها، لما يأتي من حرمة حشرات الأرض.

المسألة السابعة: يحرم السلحفاة

- بضمّ السين المهملة و فتح اللام فالحاء المهملة الساكنة فالفاء المفتوحة و الهاء بعد الألف- و السرطان- بفتح الثلاثة الاولى، و يسمّى عقرب البحر- و الضفادع- جمع ضفدع بكسر الأول

______________________________

(1) النحل: 114.

(2) انظر الوسائل 24: 99 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1.

(3) في ص: 61.

(4) في ص: 61.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 70

و فتحه و ضمّه، مع كسر ثالثة و فتحه في الأول، و كسره في الثاني، و فتحه في الثالث، كذا ذكره في المسالك «1»- بلا خلاف في شي ء منّا خاصّة يعرف.

لصحيحة علي المتقدّم بعضها في المسألة الثالثة، و تتمّتها: عن اللحم الذي يكون في أصداف البحر و الفرات أ يؤكل؟ فقال: «ذاك لحم الضفادع لا يحلّ أكله».

المسألة الثامنة: بيض السمك المحلّل حلال

إجماعا، له، و للأصل، و العمومات «2».

و منطوق رواية ابن أبي يعفور، و فيها: «إنّ البيض إذا كان ممّا يؤكل لحمه فلا بأس بأكله، فهو حلال» «3».

و رواية داود بن فرقد، و فيها: «كلّ شي ء يؤكل لحمه فجميع ما كان منه من لبن أو بيض أو إنفحة فكلّ هذا حلال طيّب» «4».

و بيض المحرّم حرام على الأظهر الأشهر، لمفهوم الشرط في الرواية الأولى، المثبت للبأس- الذي هو العذاب- في بيض ما لا يؤكل، المؤيّد بمفهوم الوصف في الثانية.

خلافا للحلّي و المختلف «5» و بعض المتأخّرين «6»، فحكموا بالحلّية أيضا، للأصل و العمومات اللازم دفعه و تخصيصها بما ذكر.

______________________________

(1) المسالك 2: 237.

(2) انظر المائدة: 88 و 96، الوسائل 25: 9 أبواب الأطعمة المباحة ب 1.

(3) الكافي 6: 325- 6، الوسائل 25: 81 أبواب الأطعمة المباحة ب 40 ح 1.

(4) الكافي 6: 325- 7، الوسائل 25: 81 أبواب الأطعمة المباحة ب 40 ح 2.

(5) الحلّي في

السرائر 3: 113، المختلف: 684.

(6) كالسبزواري في الكفاية: 248.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 71

و أمّا عمومات حلّية صيد البحر «1» المعارض لما ذكر بالعموم من وجه فلا تجري هنا، لأنّ المتبادر من الصيد نفس الحيوان دون بيضه.

و لو اشتبه المحلّل منه بالمحرّم، فقالوا بحلّية الخشن منه دون الأملس «2»، و ظاهرهم الاتّفاق عليه، فإن ثبت و إلّا فللتأمّل فيه مجال، و مقتضى: «كلّ شي ء فيه حلال و حرام» «3» الحلّية مطلقا، كما أنّ مقتضى الاحتياط الاجتناب كذلك.

و منهم من لم يقيّد التفصيل المذكور بصورة الاشتباه بل عمّمه «4»، و الروايتان تدفعانه.

______________________________

(1) المائدة: 96.

(2) كما في الشرائع 3: 218، التبصرة: 166، الروضة 7: 266.

(3) الكافي 5: 313- 39، الفقيه 3: 216- 1002، التهذيب 9: 79- 337، الوسائل 17: 87 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 1.

(4) انظر الكافي في الفقه: 277.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 72

الفصل الثاني في الطير مطلقا بحريّا كان أو برّيا
اشاره

اعلم أنّه قد عرفت أنّ الأصل في كلّ شي ء- سواء كان غير حيوان أو حيوانا، غير طير أو طيرا، بحريّا أو برّيا- الحلّية، و لكن خرج من تحت ذلك الأصل من الطيور أنواع، و قرّر على مطابق الأصل أيضا منها أنواع، و اختلف في أنواع نذكرها في ضمن مسائل:

المسألة الأولى: ممّا خرج من تحت الأصل و حرم: السبع من الطيور

، و هو ما كان ذا مخلب، أي ظفر يفترس و يعدو به على الطير، قويّا كان- كالبازي و الصقر و العقاب و الشاهين و الباشق- أو ضعيفا، كالنسر و الرخمة «1» و البغاث «2».

بلا خلاف فيه يعرف كما في الكفاية «3»، بل مطلقا كما في غيره «4»، بل هو عندنا موضع وفاق كما في المسالك «5»، بل إجماعي كما في المفاتيح و شرحه و عن الخلاف و الغنية «6»، بل هو إجماع محقّق، فهو الدليل عليه.

______________________________

(1) الرخمة: طائر أبقع يشبه النسر في الخلقة، و كنيتها: أم جعران و أم رسالة و أم عجيبة و أم قيس و أم كبير، و يقال لها الأنوق- حياة الحيوان 1: 524.

(2) البغاث: طائر أغبر دون الرخمة، بطي ء الطيران، و هو من شرار الطير و مما لا يصيد منها- حياة الحيوان 1: 194.

(3) كفاية الأحكام: 249.

(4) انظر الرياض 2: 284.

(5) مسالك الأفهام 2: 239.

(6) مفاتيح الشرائع 2: 185، الخلاف 2: 541، الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 73

مضافا إلى ما دلّ على حرمة السباع بقول مطلق، كمرسلة الكافي:

«لا تأكل من السباع شيئا» «1».

و صحيحة الحلبي: «لا يصلح أكل شي ء من السباع، إنّي لأكرهه و أقذره» «2».

و موثّقة سماعة: عن لحوم السباع و جلودها، فقال: «أمّا لحوم السباع و السباع من الطير [و الدواب ] فإنّا نكرهه، و

أمّا الجلود فاركبوا عليها و لا تلبسوا شيئا [منها] تصلّون فيه» «3»، و في النهي عن الصلاة فيه دلالة على إرادة الحرمة من الكراهة.

و في موثّقة أخرى لسماعة: «يا سماعة، السبع كلّه حرام و إن كان سبعا لا ناب له» «4».

أو حرمة كلّ ذي مخلب من الطير، كصحيحة ابن أبي عمير «5»، و مرسلة الفقيه: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «كلّ ذي ناب من السباع و مخلب من الطير حرام» «6»، و نحوها رواية داود بن فرقد «7».

و موثّقة سماعة المتقدّم بعضها: «حرّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كلّ ذي مخلب

______________________________

(1) الكافي 6: 245- 3، الوسائل 24: 114 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 3 ح 2.

(2) التهذيب 9: 43- 178، الوسائل 24: 115 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 3 ح 5.

(3) التهذيب 9: 79- 338، الوسائل 24: 114 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 3 ح 4، و ما بين المعقوفين من المصدر.

(4) الكافي 6: 247- 1، التهذيب 9: 16- 65، الوسائل 24: 114 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 3 ح 3.

(5) الكافي 6: 245- 3، التهذيب 9: 38- 162، الوسائل 24: 114 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 3 ح 2.

(6) الفقيه 3: 205- 938، الوسائل 24: 113 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 3 ح 1.

(7) الكافي 6: 244- 2، التهذيب 9: 38- 161، الوسائل 24: 113 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 74

من طير و كلّ ذي ناب من الوحش».

و قد وردت بخصوص بعضها نصوص أيضا، ففي موثّقة سماعة المتقدّم بعضها: «و كلّ ما صفّ و هو ذو مخلب فهو حرام، و الصفيف كما يطير البازي و الصقر

و الحدأة و ما أشبه ذلك».

و في رواية سليمان بن جعفر الهاشمي: قال: حدّثني أبو الحسن الرضا عليه السّلام قال: «طرقنا ابن أبي مريم ذات ليلة و هارون بالمدينة فقال: إنّ هارون وجد في خاصرته وجعا في هذه الليلة و قد طلبنا له لحم النسر فأرسل إلينا منه شيئا» فقال: «إنّ هذا شي ء لا نأكله و لا ندخله بيوتنا، و لو كان عندنا ما أعطيناه» «1».

و أمّا صحيحة محمّد-: عن سباع الطير و الوحش- حتى ذكر له القنافذ و الوطواط و الحمير و البغال و الخيل- فقال: «ليس الحرام إلّا ما حرّم اللّه في كتابه، و قد نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم خيبر عن أكل لحوم الحمير» الحديث «2»- فلا تدلّ على الحلّية، لاحتمال دخول السباع و القنافذ و الوطواط في الخبائث، و الوطواط في الميتة، لعدم قبوله التذكية.

المسألة الثانية: و ممّا خرج أيضا و حرم: المسوخ من الطيور،

بلا خلاف فيه كما صرّح به جماعة «3»، لمطلقات حرمة المسوخ، كموثّقة سماعة المتقدّم بعضها: «و حرّم اللّه و رسوله المسوخ جميعا»، و موثّقته الأخرى المتضمّنة لتعليل النهي عن أكل الدّبى «4» و المهرجل بأنّه مسخ «5».

______________________________

(1) التهذيب 9: 20- 83، الوسائل 24: 192 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 40 ح 1.

(2) التهذيب 9: 42- 176، الاستبصار 4: 74- 275، الوسائل 24: 123 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 5 ح 6.

(3) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 11: 174، صاحب الرياض 2: 285.

(4) الدّبى: الجراد قبل أن يطير- حياة الحيوان 1: 463.

(5) التهذيب 9: 82- 350، الوسائل 24: 89 أبواب الذبائح ب 37 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 75

و في رواية الحسين بن خالد: أ يحلّ أكل لحم الفيل؟ فقال: «لا» قلت:

و لم؟ قال: «لأنّه مثلة و قد حرّم اللّه الأمساخ و لحم ما مثّل به في صورها» «1».

و رواية الجعفري الآتية المعلّلة لحرمة الطاوس بأنّها مسخ.

و رواية المفضّل، و فيها: «و أمّا لحم الخنزير فإنّ اللّه تعالى مسخ قوما في صور شتّى شبه الخنزير و القردة و الدّبّ و ما كان من المسوخ، ثمَّ نهى عن أكله للمثلة، لكي لا ينتفع الناس بها و لا يستخفّ بعقوبتها» «2».

و المرويّ في العيون: «حرّم القرد لأنّه مسخ مثل الخنزير» الحديث «3».

و الرضوي: «و العلّة في تحريم الجرّي و ما يجري مجراه من سائر المسوخ البرّية و البحريّة ما فيها من الضرر للجسم، و لأنّ اللّه سبحانه تقدّست أسماؤه مثّل على صورها مسوخا فأراد أن لا يستخفّ بمثله» «4»، دلّت بالتعليل على حرمة كلّ مسوخ.

ثمَّ من مسوخات الطيور المحرّم أكله: الطاوس، لرواية الجعفري:

«الطاوس مسخ، كان رجلا جميلا فكابر امرأة رجل مؤمن تحبّه فوقع بها ثمَّ راسلته بعد فمسخهما اللّه طاووسين أنثى و ذكر، فلا يؤكل لحمه

______________________________

(1) الكافي 6: 245- 4، التهذيب 9: 39- 165، المحاسن: 335- 106، علل الشرائع 2: 485- 5، الوسائل 24: 104 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 2.

(2) الكافي 6: 242- 1، المحاسن: 334- 104، الوسائل 24: 100 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1 ح 1.

(3) عيون أخبار الرضا «ع» 2: 94، الوسائل 24: 102 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1 ح 3.

(4) فقه الرضا «ع»: 254، المستدرك 16: 166 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 76

و بيضه» «1».

و قد نصّ على تحريمه في رواية أخرى للجعفري: قال: «الطاوس لا يحلّ أكله و لا بيضه» «2».

و منها: الوطواط- و

يقال له الخشّاف و الخفّاش، صرّح به في القاموس و الصحاح «3»، كرمّان أيضا- لرواية الأشعري: «و الوطواط مسخ، كان يسرق تمور الناس» «4».

و في المرويّ في العلل: «المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفا» «5» و عدّ منها الخفّاش مكان الوطواط.

و عن الكنز: أنّ الوطواط الخطّاف، و نقله في الصحاح أيضا «6». و في القاموس: الوطواط: الخفّاش و ضرب من الخطاطيف «7».

و الأول أصحّ، لأنّ الخطّاف ليس مسوخا و لا حراما كما يأتي.

و منها: الزّنبور، لما في الرواية المذكورة: «و الزنبور كان لحّاما يسرق في الميزان».

و عدّ في الفقيه النعامة أيضا من المسوخات «8»، و لم يثبت عندي بعد.

______________________________

(1) الكافي 6: 247- 16، التهذيب 9: 18- 70، الوسائل 24: 106 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 6.

(2) الكافي 6: 245- 9، الوسائل 24: 106 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 5.

(3) القاموس 2: 406، الصحاح 3: 1168.

(4) الكافي 6: 246- 14، التهذيب 9: 39- 166، الوسائل 24: 106 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 7.

(5) علل الشرائع 2: 487- 4، الوسائل 24: 109 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 12.

(6) الصحاح 3: 1168.

(7) القاموس 2: 406.

(8) الفقيه 3: 213- 988.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 77

المسألة الثالثة: و ممّا خرج و حرم: ما صفّ حال طيرانه

- و هو أن يطير مبسوط الجناحين من غير أن يحرّكهما و لم يدف، بأن يحرّكهما حال الطيران و يضربهما كضرب الدفّ- نسبه في الكفاية إلى المعروف من مذهب الأصحاب «1»، و نفى عنه الخلاف في شرح المفاتيح، و بعض آخر «2».

و تدلّ عليه صحيحة زرارة: أصلحك اللّه ما يؤكل من الطير؟ فقال:

«كل ما دفّ و لا تأكل ما صفّ» إلى أن قال: قلت فطير الماء؟ قال:

«ما

كانت له قانصة فكل، و ما لم تكن له قانصة فلا تأكل» «3».

و رواية ابن أبي يعفور: إنّي أكون في الآجام فيختلف عليّ الطير فما آكل منه؟ فقال: «كل ما دفّ و لا تأكل ما صفّ» قلت: إنّي اؤتى به مذبوحا، فقال: «كل ما كانت له قانصة» «4».

و ليس المراد بكونه ممّا صفّ أو دفّ كونه كذلك دائما فيصفّ و لا يدفّ قطّ و بالعكس، إذ لا طير كذلك قطعا، بل كلّ ما يصفّ يدفّ أيضا و بالعكس، كما يعلم ذلك بالعيان و المشاهدة.

و لا ما صفّ في الجملة أو دفّ كذلك، و إلّا لغت الأخبار و تعارضت، إذ كلّما يصفّ في الجملة يدفّ كذلك.

بل المراد ما كان صفيفه أكثر من دفيفه أو بالعكس، كما تطابقت عليه

______________________________

(1) الكفاية: 249.

(2) كصاحب الرياض 2: 284.

(3) الكافي 6: 247- 3، الفقيه 3: 205- 936، التهذيب 9: 16- 63، الوسائل 24: 105 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 18 ح 2.

(4) الكافي 6: 248- 6، التهذيب 9: 16- 64، الوسائل 24: 153 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 19 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 78

كلمات علمائنا الأخيار.

و دلّت عليه من الأخبار مرسلة الفقيه: «إن كان الطير يصفّ و يدفّ فكان دفيفه أكثر من صفيفه أكل، و إن كان صفيفه أكثر من دفيفه فلم يؤكل» «1».

(و الرضوي: «يؤكل من الطير ما يدفّ بجناحيه و لا يؤكل ما يصفّ، و إن كان الطير يدفّ و يصفّ و كان دفيفه أكثر من صفيفه أكل، و إن كان صفيفه أكثر من دفيفه لم يؤكل» «2») «3».

و الضعف منجبر بعمل الأصحاب.

و لو تساوى الصفّ و الدفّ يرجع إلى سائر العلامات، و مع فقدها إلى أصل

الإباحة، و كذا لو اشتبهت الغلبة.

المسألة الرابعة: و ممّا خرج و حرم من الطير: ما لم تكن له قانصة و لا حوصلة

- بتشديد اللام و تخفيفها- و لا صيصيّة، بكسر أوله و ثالثة مخفّفا.

و القانصة للطير بمنزلة المعاء لغيره.

و الحوصلة: مكان المعدة لغيره يجتمع فيها الحبّ و غيره من المأكول عند الحلق.

و الصيصيّة: الإصبع الزائدة في باطن رجل الطائر بمنزلة الإبهام من بني آدم، سمّيت بها لأنّ الصيصيّة هي الشوكة، و هي شوكة رجله، أي

______________________________

(1) الفقيه 3: 205- 937، الوسائل 24: 153 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 19 ح 4.

(2) فقه الرضا «ع»: 295، المستدرك 16: 183 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 15 ح 1.

(3) ما بين القوسين ليس في «س».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 79

شوكة في رجله موضع العقب، و أصلها شوكة الحائك التي تسوّى بها السداة و اللحمة، و يقال لها بالفارسية: مهميز.

و قال في مهذّب اللغة: القانصة: سنگدان مرغ، و الحوصلة:

چينه دان مرغ، و الصيصيّة: خار پس پاى خروس.

فما لم تكن له إحدى الثلاث فهو محرّم، و ما كان له إحداها فهو حلال.

أمّا حرمة الفاقد لهذه الثلاثة فهو المعروف من مذهب الأصحاب كما في الكفاية «1»، بل لا خلاف فيه كما في غيره «2»، و نقل عن المحقّق الأردبيلي الإجماع عليه «3»، و كذا عن الغنية و لكن في القانصة و الحوصلة «4».

و تدلّ عليه من الأخبار في الثلاث رواية ابن بكير: «كل من الطير ما كانت له قانصة أو صيصيّة أو حوصلة» «5» دلّت بمفهوم لفظة: «ما» المتضمّنة لمعنى الشرط على عدم جواز أكل ما لم تكن له إحدى الثلاث.

و أمّا حلّية ما كانت له إحداها فيدلّ في الجميع منطوق رواية ابن بكير المتقدّمة.

و في القانصة خاصّة: صحيحة زرارة و رواية ابن أبي يعفور المتقدّمتين، و رواية

مسعدة: «كل من الطير ما كانت له قانصة و لا مخلب له» قال: و سألته عن طير الماء، فقال: «مثل ذلك» «6».

______________________________

(1) الكفاية: 249.

(2) انظر الرياض 2: 284.

(3) نقله عنه في الرياض 2: 284، و هو في مجمع الفائدة 11: 177.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(5) الكافي 6: 248- 5، التهذيب 9: 17- 68، الوسائل 24: 151 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 18 ح 5.

(6) الكافي 6: 248- 4، التهذيب 9: 17- 66، الوسائل 24: 151 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 18 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 80

و مفهوم صحيحة ابن سنان: الطير ما يؤكل منه؟ فقال: «لا يؤكل منه ما لم تكن له قانصة» «1».

و منطوق الأخرى: ما تقول في الحبارى؟ قال: «إن كانت له قانصة فكل» و سألته عن طير الماء، فقال: «مثل ذلك» «2».

و في القانصة و الصيصيّة: مرسلة الفقيه، و فيها: «و يؤكل من طير الماء ما كانت له قانصة أو صيصيّة، و لا يؤكل ما ليست له قانصة و لا صيصيّة» «3».

و في القانصة و الحوصلة: موثّقة سماعة، و فيها: «فكل الآن من طير البرّ ما كانت له حوصلة و من طير الماء ما كانت له قانصة كقانصة الحمام لا معدة كمعدة الإنسان»، إلى أن قال: «و الحوصلة و القانصة يمتحن بهما من الطير ما لا يعرف طيرانه و كلّ طير مجهول» «4».

و المستفاد من التفصيل القاطع للشركة في الأخيرة و إن كان اختصاص الحوصلة بالطير البرّي و القانصة بالبحري، إلّا أنّ صريح قوله فيها: «كقانصة الحمام» و رواية مسعدة و صحيحة ابن سنان و بعض العمومات السابقة عدم اختصاص القانصة بالبحري، فلعلّ انتفاء الشركة إنّما هو في الحوصلة خاصّة،

و انتفاءها للبحري، فتأمّل.

و به يمكن دفع التعارض بين ما دلّ على حلّية ما كانت له الحوصلة

______________________________

(1) الكافي 6: 247- 2، الوسائل 24: 149 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 18 ح 1.

(2) التهذيب 9: 15- 59، الوسائل 24: 158 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 21 ح 3.

و الحبارى: طائر طويل العنق، رمادي اللون، في منقاره بعض الطول- حياة الحيوان 1: 321.

(3) الفقيه 3: 205- 937، الوسائل 24: 153 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 19 ح 4.

(4) الكافي 6: 247- 1، التهذيب 9: 16- 65، الوسائل 24: 150 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 18 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 81

خاصّة، و بين مرسلة الفقيه المقتضية لحرمة ما لم تكن له قانصة و لا صيصيّة من طير الماء، فتأمّل.

نعم، يبقى التعارض ظاهرا بين ما دلّ على كفاية إحدى الثلاث في الحلّية كرواية ابن بكير، و ما دلّ على كفاية الحوصلة أو الصيصيّة فقط كموثّقة سماعة و مرسلة الفقيه، و بين ما دلّ منطوقا أو مفهوما على حرمة ما لم تكن له القانصة، و يجب تخصيص عموم الثاني بخصوص الأول، أو يتعارضان فيرجع إلى الأصل، و هو الإباحة، كما عليها فتوى الجماعة.

و أمّا الجمع بين أخبار هذه العلامات الثلاث و بين أخبار الصفّ و الدفّ و المخلب و المسخ فإنّما هو بما مرّ من موثّقة سماعة المصرّحة بأنّ الامتحان بهذه العلامات إنّما هو فيما لا يعرف طيرانه و كلّ طير مجهول، و أمّا ما عرف- كذوي المخالب و المسوخ و الصافّات- فلا يرجع فيه إلى تلك العلامات.

و أمّا بين أخبار الدفّ و أخبار المخلب و المسخ المتعارضين بالعموم من وجه فتخصّص المرجوحة منهما بالراجحة مع وجود المرجّح، و الرجوع

إلى الأصل بدونه، و لكن الإجماع على حرمة ذوي المخالب و المسوخ و الصافّات مطلقا يرجّح الثانية.

و حاصل الجميع: حرمة ذوي المخالب و المسوخ و الصافّات مطلقا، سواء كان لها سائر العلامات أولا، و حلّية الدافّات من غير ما ذكر كذلك، و حرمة ما انتفت فيه العلامات الثلاث إذا كان مجهولا من حيث الطيران و السبعيّة، و حلّية ما وجد فيه إحداها كذلك.

هذا مقتضى قاعدة الجمع بين الأخبار على فرض انفكاك العلامات بعضها عن بعض.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 82

و لكن صرّح بعض المتأخّرين بأنّ الظاهر عدم الانفكاك «1»، و قال الأردبيلي: بأنّ الانفكاك غير معلوم «2»، فلا طير ذا مخلب أو مسوخ أو صافّ تكون له إحدى علامات الحلّية، و لا طير ذا حوصلة أو قانصة أو صيصيّة تكون له إحدى علامات الحرمة، و هو المستفاد من كلام الحجج عليهم السّلام و لا ينبئك مثل خبير.

ثمَّ إنّ جميع ما ذكر إنّما هو القاعدة الكلّية.

و قد وردت بخصوص بعض الطيور أيضا نصوص خاصّة حلّا أو حرمة، يجب اتّباعها لو لم يكن منه مانع من إجماع أو غيره، سواء طابقت القاعدة أو خالفت أو اشتبه الأمر، لخصوصيّتها.

و منها ما وقع الإجماع على حلّيته و حرمته، و اختلفت في بعضها الأخبار و الأقوال، و ها هي نذكرها في طيّ بعض المسائل الآتية.

المسألة الخامسة: قد عرفت حرمة الطاوس بخصوصه و حرمة الوطواط و الزنابير

، لكونها من المسوخات. و كذا يحرم الذباب و البقّ و البرغوث، للإجماع، و قيل: لخباثتها «3». و فيه تأمّل.

المسألة السادسة: اختلفوا في الغراب على أقوال:

الحلّ مطلقا، و هو للتهذيبين و النهاية و القاضي و النافع و الكفاية و المحقّق الأردبيلي «4».

______________________________

(1) كما في الروضة البهية 7: 279.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 11: 178.

(3) كما في الرياض 2: 286.

(4) التهذيب 9: 18- 72 ذ. ح، الاستبصار 4: 66- 238 ذ. ح، النهاية: 577، القاضي في المهذّب 2: 249، المختصر النافع: 252، الكفاية: 249، الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11: 172، 173.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 83

و الحرمة كذلك، و هو للخلاف و المختلف و الإيضاح و الروضة «1»، و نسب إلى ظاهر المبسوط أيضا «2»، و عن الأول و ظاهر الأخير الإجماع عليه.

و التفصيل بجعل الغربان أربعة: غراب الزرع الذي يأكل الحبّ، و هو الصغير من الغربان السود، الذي يسمّى الزاغ، و في مصباح المنير: إنّه بقدر الحمامة، برأسه غبرة «3».

و الكبير من الغربان الذي يأكل الجيف و يفترس و يسكن الخرابات، و يسمّى بالغداف، بضمّ الغين المعجمة.

و الأغبر الكبير الذي يفرس و يصيد الدرّاج.

و الأبقع، أي الأبلق الذي له سواد و بياض طويل الذنب، و يسمّى بالعقعق.

فالحكم بالحلّ في الأول، و الحرمة في البواقي، و هو مذهب الحلّي «4»، و نسب ذلك إلى التحرير و الإرشاد و اللمعة «5» أيضا.

و بتقسيمها إلى الكبير الأسود الذي يسكن الجبال و يأكل الجيف، و الأبقع المذكور، و الزاغ المتقدّم، و نوع آخر أصغر من الزاغ أغبر اللون كالرماد، قيل: و يقال له: الغداف «6». فالحكم بالتحريم في الأولين و الحلّ

______________________________

(1) الخلاف 2: 541، المختلف: 678، الإيضاح 4: 147، الروضة

7: 277.

(2) المبسوط 6: 281.

(3) المصباح المنير: 260.

(4) السرائر 3: 103.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 15    84     المسألة السادسة: اختلفوا في الغراب على أقوال: ..... ص : 82

(5) تحرير الأحكام 2: 160، اللمعة (الروضة 7): 274- 275، الإرشاد 2: 110

(6) كما في المفاتيح 2: 186.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 84

في الأخيرين، نسب إلى المبسوط و بعض كتب الفاضل «1».

و بتقسيمها إلى ثلاثة: غراب الزرع، و الأبقع، و الأسود الكبير الذي يسكن الجبال. و الحكم بالحلّ في الأول، و الحرمة في الثاني.

دليل الأول: الأصل، و العمومات «2»، و خصوص موثّقة زرارة الصحيحة، عن أبان المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه: «إنّ أكل الغراب ليس بحرام إنّما الحرام ما حرّم اللّه في كتابه، و لكنّ الأنفس تتنزّه عن كثير من ذلك تقزّزا» «3».

و جعل هذه الموثقة شاذّة، لتضمّنها الحكم بحلّ كل ما لم يحرّمه القرآن و هو فاسد إجماعا.

فاسد جدّا، إذ كلّ ما يحكم بحرمته في غير القرآن لا بدّ و أن يكون في القرآن أيضا و إن لم نعرفه، لأنّ فيه تبيان كلّ شي ء، و ما فرّطنا فيه من شي ء، و لكن علمه عند الراسخين فيه، فإذا حكم الإمام بحلّية شي ء يعلم أنّه ليس في القرآن [تحريمه ] «4» سلّمنا غايته أن يكون عامّا مخصوصا بالسنّة، و مثله ليس بعزيز، و لا يلزم خروج الأكثر، لتصريح الكتاب بحرمة الخبائث «5» الغير المحصورة أو المعلومة أنواعها، و الرجس الشامل لجميع النجاسات المأمور باجتنابه الشامل للأكل «6»، و مال الغير بدون التراضي «7»،

______________________________

(1) المبسوط 6: 281، الفاضل في قواعد الأحكام 2: 156.

(2) انظر الوسائل 24: 125 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 7.

(3) التهذيب 9: 18-

72، الاستبصار 4: 66- 237، الوسائل 24: 125 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 7 ح 1.

(4) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(5) الأعراف: 157.

(6) المائدة: 90.

(7) النساء: 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 85

و مال اليتيم «1»، و الميتة و الدم و لحم الخنزير «2»، و الخمر «3»، و ما أهلّ لغير اللّه و ما لم يذكر اسم اللّه عليه و المنخنقة و ما تعقّبها «4»، و لم يعلم كون ما عدا ذلك من المحرّمات أكثر نوعا من هذه المذكورات، سلّمنا و لكن خروج جزء من الحديث عن الحجّية لا يوجب خروج غيره عنها.

و دليل الثاني: المستفيضة من الروايات:

كصحيحة علي: عن الغراب الأبقع و الأسود أ يحلّ أكلهما؟ قال:

«لا يحلّ أكل شي ء من الغربان زاغ و لا غيره» «5».

و النبويّ: إنّه صلّى اللّه عليه و آله اتي بغراب فسمّاه فاسقا فقال: «و اللّه ما هو من الطيّبات» «6».

و مرسلة الفقيه: «لا يؤكل من الغربان زاغ و لا غيره» «7».

و رواية أبي يحيى الواسطي: عن الغراب الأبقع، فقال: «إنّه لا يؤكل» و قال: «من أحلّ لك الأسود؟!» «8».

و رواية أبي إسماعيل: عن بيض الغراب فقال: «لا تأكله» «9».

______________________________

(1) الإسراء: 34.

(2) المائدة: 3.

(3) المائدة: 90.

(4) المائدة: 3.

(5) الكافي 6: 245- 8، مسائل علي بن جعفر: 174- 310، الوسائل 24: 126 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 7 ح 3.

(6) غوالي اللئالي 3: 468- 27.

(7) الفقيه 3: 221- 1027.

(8) الكافي 6: 246- 15، التهذيب 9: 18- 71، الاستبصار 4: 65- 235، الوسائل 24: 126 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 7 ح 4.

(9) الكافي 6: 252- 10، التهذيب 9: 16- 62، الوسائل 24: 126 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 7 ح 5.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 86

مع ما يدلّ على تبعيّة بيض الحيوان للحمه في الحلّ و الحرمة «1».

و دليل المفصّلين: إمّا الجمع بين الأخبار، أو عدّ قسميه اللذين يأكلان الجيف من الخبائث، أو جعل ما حكموا بحرمته من السباع.

أقول: أمّا الجمع بين الأخبار بذلك فهو كما صرّح به في المسالك «2» غير متّجه، لأنّه جمع بلا وجه و لا شاهد.

و أمّا العدّ من الخبائث فهو في حيّز المنع، و أكل الجيفة لا يوجبه، و مطلق تنفّر النفس لا يستلزمه، كما يستفاد من موثّقة زرارة المذكورة.

و أمّا جعل بعضها من السباع دون بعض و التفصيل لأجله فإنّما يتمّ لو لا تماميّة دليل أحد القولين الأولين، و إلّا فيكون دليله أخصّ مطلقا، فيجب الحكم إمّا بحلّية الجميع أو حرمته، مضافا إلى أنّه لو كان كذلك لما حسن الاقتصار على السبعيّة و عدمها، بل يجب الرجوع إلى جميع العلامات المتقدّمة.

و منه يظهر سقوط الأقوال المفصّلة و بقي الأولان، أمّا الثاني فغير الصحيحة من أدلّته و النبوي غير دالّة على الحرمة، لاحتمال الكلّ للجملة الخبريّة، و النبويّ- لكونه ضعيفا- ليس بحجّة، مع أنّه لا عموم فيه البتّة، لكونه قضية في واقعة، فلم تبق إلّا الصحيحة، و هي تعارض الموثّقة التي هي للأولين حجّة، فالمحرّمون رجّحوا الاولى بالأصحّية و الاعتضاد بالروايات المتأخّرة و الإجماعات المحكيّة و احتمال الثانية للحمل على التقيّة، و المحلّلون رجّحوا الثانية بالأصرحيّة، لأنّ عدم الحلّية في الأولى

______________________________

(1) الوسائل 25: 81 أبواب الأطعمة المباحة ب 40، و ج 24: 154 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 20.

(2) المسالك 2: 240.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 87

أعمّ من الحرمة، لصدقه أيضا مع الكراهة، و لو سلّم الاختصاص فالموثّقة قرينة

لها على إرادة الكراهة، سيّما مع اشتمالها على تنزّه الأنفس، و القرينة الأخرى موثّقة غياث: إنّه كره أكل الغراب لأنّه فاسق «1».

أقول: مرجّحات الأولين ضعيفة، لأنّ الأصحّية و المطابقة لحكاية الإجماع لم يثبت كونهما من المرجّحات، سيّما مع كون المعارض أيضا ممّا صحّ عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، و الروايات الأخر- بعد عدم دلالتها على الحرمة- لا تصلح للمعاضدة، و الحمل على التقيّة فرع ثبوت مذهب العامّة في المسألة، و هي بعد عندنا غير معلومة، بل و لا مظنونة، مع أنّ في المسالك نسب التفصيل إلى بعض العامّة «2».

و كذا المرجّح الأخير للطائفة الثانية، لأنّ الكراهة في الصدر الأول تصدق أيضا على الحرمة.

نعم، ما ذكروه- من صلاحيّة [الموثقة] «3» للقرينة على إرادة الكراهة لو قلنا بكون عدم الحلّية مساوقة للحرمة- في غاية الجودة.

فإذن الأجود: عموم الحلّية، و لكنّ الاحتياط رفع اليد عن تلك الأدلّة و متابعة العلامات المتقدّمة من المخلب و الطيران و الحوصلة و القانصة و الصيصيّة.

المسألة السابعة: اختلف الأصحاب في الخطّاف

- كرمّان- و هو الذي يقال له في الفارسية: پرستوك، فعن النهاية و القاضي و الحلّي القول

______________________________

(1) التهذيب 9: 19- 74، الاستبصار 4: 66- 238، علل الشرائع: 485- 1، الوسائل 24: 125 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 7 ح 2.

(2) المسالك 2: 240.

(3) في النسخ «الصحيحة» و الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 88

بالحرمة «1»، بل عن الأخير عليه دعوى الإجماع.

لرواية الرقّي: بينا نحن قعود عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ مرّ رجل بيده خطّاف مذبوح، فوثب إليه أبو عبد اللّه عليه السّلام حتى أخذه من يده، ثمَّ دحا به الأرض، ثمَّ قال عليه السّلام: «أ عالمكم أمركم بهذا أم فقيهكم؟

لقد أخبرني أبي عن جدّي: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن قتل الستّة، منها: الخطّاف» الحديث «2».

و نحوها الأخرى، إلّا أنّ فيها مكان قوله: «منها الخطّاف»: «النحلة و النملة و الضفدع و الصرد و الهدهد و الخطّاف» «3».

و صحيحة جميل الواردة في الخطّاف: «يا بنيّ لا تقتلهنّ و لا تؤذهنّ، فإنّهنّ لا يؤذين شيئا» «4».

و المرويّ في الخصال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: نهي عن أكل الصرد و الخطّاف» «5».

و عن المفيد و النافع «6» و عامّة المتأخّرين «7» بل أكثر الأصحاب مطلقا:

______________________________

(1) النهاية: 577، القاضي في المهذب 2: 429، الحلّي في السرائر 3: 104.

(2) الكافي 6: 223- 1، الوسائل 23: 392 أبواب الصيد ب 39 ح 2.

(3) التهذيب 9: 20- 78، الاستبصار 4: 66- 239، الوسائل 24: 147 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 17 ح 1.

(4) الكافي 6: 224- 3، الوسائل 23: 391 أبواب الصيد ب 39 ح 1.

(5) الرواية طويلة، و هي في الخصال: 208- 30 مقطوعة، و نقلها الصدوق كاملة في عيون أخبار الرضا «ع» 1: 188- 1، الوسائل 24: 148 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 17 ح 3.

(6) حكاه عن المفيد في المختلف 2: 678، المختصر النافع: 252.

(7) منهم المحقق في الشرائع 3: 221، العلّامة في المختلف 2: 678، الشهيد الأول في اللمعة 7: 282، الشهيد الثاني في الروضة البهية 7: 283، صاحب الرياض 2: 285.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 89

الحلّية.

للأصل، و العمومات «1»، و كونه من الدافّات غير ذي مخلب، كما يدلّ عليه قوله في صحيحة جميل: «فإنّهنّ لا يؤذين شيئا»، و كون ذرقه طاهرا «2»، و إلّا لحصل الإيذاء، لعموم البلوى بهنّ، و هو يستلزم

الحلّية عند جماعة.

و موثّقة الساباطي: عن الخطّاف قال: «لا بأس به، و هو ممّا يحلّ أكله، لكن كره لأنّه استجار بك و وافى منزلك، و كلّ طير يستجير بك فأجره» «3».

و الأخرى: عن الرجل يصيب خطّافا في الصحراء أو يصيده أ يأكله؟

فقال: «هو ممّا يؤكل»، و عن الوبر يؤكل؟ قال: «لا، هو حرام» «4».

و المرويّ في المختلف عن كتاب عمّار: «خرء الخطّاف لا بأس به، و هو ممّا يحلّ أكله، و لكن كره لأنّه استجار بك» «5».

و هو الأقوى، لما ذكر، و ضعف أدلّة الحرمة، لأنّ النهي عن القتل في الصحيحة إنّما هو في الحرم كما هو صريح صدرها، فيمكن أن يكون ذلك لأجل الحرم. و في الرواية للمرجوحيّة قطعا، لوروده على أشياء لا يحرم قتلها إجماعا، فالحمل على الحرمة يستلزم استعمال اللفظ الواحد في

______________________________

(1) الوسائل 25: 9 أبواب الأطعمة المباحة ب 1.

(2) كذا في النسخ، و الظاهر لزوم تقديم قوله: «و كون ذرقه طاهرا» على قوله: كما يدلّ عليه ..

(3) التهذيب 9: 80- 345، الوسائل 23: 393 أبواب الصيد ب 39 ذ. ح 5.

(4) التهذيب 9: 21- 84، الاستبصار 4: 66- 240، الوسائل 23: 394 أبواب الصيد ب 39 ح 6، و ج 24: 148 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 17 ح 2.

(5) المختلف: 679.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 90

الحقيقة و المجاز. و كذا في رواية الخصال، مع أنّ حرمة القتل لا تستلزم حرمة الأكل إلّا إذا قلنا بأنّ النهي في مطلق المعاملات يدلّ على الفساد.

نعم، قد تستفاد حرمة الأكل من صدر الرواية، حيث إنّه لولاها لما جاز أخذها من يد مالكها و إلقاؤها على الأرض، لأنّه إتلاف لمال محترم.

و لكن يمكن أن

يقال: مطلق الأخذ و الإلقاء ليس إتلافا و منعا عن الأكل، و لعلّه فعل ذلك ابتداء حتى ينبّهه على مرجوحيّة القتل و الأكل و إن أخذها مالكها بعد من الأرض و أكلها، فهذا القدر هو لأجل الكراهة.

و على هذا، فلا معارض لأخبار الحلّية، و على فرض التعارض يرجع إلى أصل الإباحة.

نعم، يكره وفاقا للجماعة، للتصريح بها في بعض الأخبار المتقدّمة.

المسألة الثامنة: قال جماعة من الأصحاب بكراهة الهدهد

«1»، بضمّ الهاءين و سكون الدال الاولى، و يقال له بالفارسيّة: شانه سر.

و القبّرة، بالباء الموحّدة المشدّدة المفتوحة بعد القاف المضمومة و قبل الراء المهملة المفتوحة، و ورد في رواية الجعفري «2»: قنبرة، بالنون الساكنة بعد القاف المضمومة و قبل الباء الموحّدة المفتوحة، فجعلها من لحن العامّة- كما في المسالك و الروضة «3»- غير جيّد، و هي بالفارسيّة:

چلو، و على رأسها خصلة شعر، كما في رواية الجعفري أيضا.

و الصرد- بالمهملات، كرطب- طائر ضخم الرأس و المنقار يصيد

______________________________

(1) منهم المحقق في الشرائع 3: 221، العلّامة في القواعد 2: 156، الشهيد الأول في اللمعة (الروضة 7): 281.

(2) الكافي 6: 225- 4، الوسائل 23: 396 أبواب الصيد ب 41 ح 4.

(3) المسالك 2: 241، الروضة 7: 283.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 91

العصافير، و يقال: إنّه نقّار للأشجار.

و الصوّام- بالمهملة، كرمّان- طائر أغبر اللون، طويل الرقبة، أكثر ما يبيت في النخل.

و الشقراق، بفتح الشين المعجمة و كسر القاف و تشديد الراء، و كقرطاس، ما يقال له بالفارسيّة: سبزمرغ.

و الفاختة، و هو ما يقال له في بعض بلاد الفرس: قوقو.

و الحبارى كسكارى، يقال له بالفارسيّة: هبرة.

أمّا إباحة الجميع فللإجماع، و العلامات، و الأصل، و العمومات.

مضافة في الفاختة إلى الاندراج تحت حدّ الحمام المنصوص على حلّيته.

و في الحبارى إلى

رواية مسمع: عن الحبارى، قال: «وددت أن يكون عندي منه فآكل حتى أتملّأ» «1».

و رواية نشيط: «لا أرى بأكل الحبارى بأسا» «2».

و أمّا الكراهة فلفتوى الجماعة و الشهرة.

مضافة في القبّرة إلى رواية الجعفري: «لا تأكلوا القبّرة و لا تسبّوها و لا تعطوها الصبيان يلعبون بها، فإنّها كثيرة التسبيح للّه سبحانه، و تسبيحها:

لعن اللّه مبغضي آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله» «3».

و في رواية أخرى: «لا تقتلوا القنبرة و لا تأكلوا لحمها» «4».

______________________________

(1) الفقيه 3: 206- 940، التهذيب 9: 17- 69، الوسائل 24: 158 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 21 ح 2.

(2) الكافي 6: 313- 6، الوسائل 24: 157 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 21 ح 1.

(3) الكافي 6: 225- 1، التهذيب 9: 19- 77، الوسائل 23: 395 أبواب الصيد ب 41 ح 1.

(4) الكافي 6: 225- 3، الوسائل 23: 396 أبواب الصيد ب 41 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 92

و في الصرد إلى رواية الخصال المتقدّمة، و في غير الأخيرين إلى النهي عن القتل «1».

و في ثبوت كراهة الأكل بعد القتل نظر، كما في إثبات كراهة أكل الفاختة بروايتي حفص «2» و أبي بصير «3» الدالّتين على شؤمها و دعائها على أرباب البيت.

المسألة التاسعة: يحلّ الحمام من غير كراهة إجماعا

، له، و لرواية الرقّي: «لا بأس بأكل الحمام المسرول» [1].

و في رواية أخرى: «أطيب اللحمان لحم فرخ حمام» «4».

ثمَّ الحمام جنس لكلّ مطوّق من الطيور، أو ما عبّ الماء، أي يشربه من غير مصّ كما تمصّ الدواب، بل يأخذه بمنقاره قطرة قطرة.

فيدخل فيه القمري- بضم القاف و سكون الميم و كسر الراء- و هو الحمام الأزرق، و لعلّه ما يقال له بالفارسيّة: كبوتر چاهي.

و الدبسي- بضمّ الدال- و هو

الحمام الأحمر.

و الورشان- بالتحريك- و هو الحمام الأبيض.

و تدخل فيه الفواخت أيضا، و الحبارى، و الحجل- بفتح الحاء المهملة ثمَّ الجيم- و في القاموس: إنّه الذكر من القبح، بسكون الباء

______________________________

[1] الكافي 6: 311- 2، الفقيه 3: 213- 990، التهذيب 9: 49- 204، الاستبصار 4: 79- 291، الوسائل 24: 189 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 38 ح 1.

و المسرولة: أي في رجليها ريش- مجمع البحرين 5: 396.

______________________________

(1) الوسائل 23: 394، 397 أبواب الصيد ب 40 و 43.

(2) الكافي 6: 551- 1، الوسائل 11: 528 أبواب أحكام الدواب ب 41 ح 1.

(3) الكافي 6: 551- 3، الوسائل 11: 528 أبواب أحكام الدواب ب 41 ح 2.

(4) الكافي 6: 312- 2، المحاسن: 475- 477، الوسائل 25: 46 أبواب الأطعمة المباحة ب 16 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 93

الموحّدة بعد القاف المفتوحة و قبل الجيم، معرّب: كبك «1»، و في المهذّب:

إنّ الحجل نوع من القبح.

و يدخل فيه أيضا الدرّاج كرمّان.

و القطاة، و هي بالفارسيّة: صفر، و فسّره في كنز اللغة ب: سنگخواره.

و الطيهوج، طائر من طيور الماء طويل الرجلين و العنق، كذا قاله الشهيد الثاني «2»، و في الكنز: إنّه تيهو.

و الدجاج- بتثليث الدال، و الفتح أشهر- و هو معروف.

و الكروان- بفتح الكاف و الراء- ما يقال له بالفارسيّة: ما هي خواره.

و الكركي- بضمّ الكاف- و هو بالفارسيّة: كلنگ.

و الصعوة- بفتح الصاد و سكون العين- و اشتهرت بالفارسيّة ب:

برف چين.

و يدلّ على حلّ بعض هذه بعض الأخبار أيضا، ففي رواية محمّد بن حكيم: «أطعموا المحموم لحم القباج، فإنّه يقوّي الساقين و يطرد الحمّى طردا» «3».

و في مرفوعة السيّاري: «من سرّ أن يقلّ غيظه فليأكل لحم الدرّاج» «4».

و في

رواية عليّ بن مهزيار: تغدّيت مع أبي جعفر عليه السّلام فأتي بقطاة، فقال: إنّه مبارك و كان أبي يعجبه، و كان يقول: أطعموه صاحب اليرقان

______________________________

(1) القاموس المحيط 3: 366.

(2) كما في الروضة البهية 7: 288.

(3) الكافي 6: 312- 4، الوسائل 25: 49 أبواب الأطعمة المباحة ب 18 ح 1.

(4) الكافي 6: 312- 3، المحاسن: 475- 478، الوسائل 25: 50 أبواب الأطعمة المباحة ب 18 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 94

يشوى له، فإنّه ينفعه» «1».

و روى الطبرسي في المجمع: أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يأكل الدجاج «2».

و ورد: أنّ الدجاج الجلّالة تربط ثلاثة أيّام ثمَّ تؤكل، و البطّة تربط خمسة أيّام ثمَّ تؤكل «3».

و صرّح الشهيد الثاني بورود النصّ على الحجل و الطيهوج و الكروان و الكركي و الصعوة أيضا «4»، إلّا أنّا لم نقف على نصّ فيها بعد.

المسألة العاشرة: لا خلاف بين أصحابنا في أنّ طير البحر- كالبطّ و الإوزّة و غيرهما- كطير البرّ

في اندراجه تحت القواعد الكلّية المتقدّمة، المثبتة للحلّ و الحرمة، و مساواته له فيما ينصّ عليه، لإطلاق أخبار العلامات، بل تنصيص بعضها بأنّ طير الماء مثل ذلك كما مرّ «5»، و لمرسلة الفقيه المتقدّمة في المسألة الاولى من الفصل الأول «6».

و في رواية زكريّا بن آدم: عن دجاج الماء، قال: «إذا كان يلتقط غير العذرة فلا بأس» «7».

و في حسنة [نجيّة] «8» بن الحارث: عن طير الماء و ما يأكل السمك منه يحلّ؟ قال: «لا بأس به كلّه» «9».

______________________________

(1) الكافي 6: 312- 5، الوسائل 25: 49 أبواب الأطعمة المباحة ب 18 ح 2.

(2) مجمع البيان 2: 236.

(3) الكافي 6: 251- 3، التهذيب 9: 46- 192، الاستبصار 4: 77- 285، الوسائل 24: 166 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 28 ح 1.

(4) المسالك 2:

241.

(5) في ص: 79 و 80.

(6) راجع ص: 61.

(7) الفقيه 3: 206- 941، الوسائل 24: 165 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 27 ح 5.

(8) في النسخ: جنّة، و الصحيح ما أثبتناه، كما في التهذيب و الوسائل.

(9) الفقيه 3: 206- 939، التهذيب 9: 17- 68، الوسائل 24: 158 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 22 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 95

و مقتضاها: حلّية مطلق طير الماء و إن كان مثله حراما في البرّ، إلّا أنّه يقيّد بما مرّ، و كذا مقتضاها حلّية ما يأكل منه السمك.

قيل: الظاهر أنّها محمولة على التقيّة، إذ لا قائل بمضمونها من الأصحاب «1».

فإن أراد به حكمها بحلّية مطلق الطير فلا بأس به.

و إن أراد حكمها بحلّية ما يأكل السمك، فإن كان نظره إلى أنّ ما يأكل اللحم من طيور البرّ حرام عند الأصحاب ففيه نظر، لما عرفت في الصرد و أنّه يصيد العصافير.

و إن كان أنّ الأصحاب صرّحوا بحرمة ما يأكل السمك فلم نقف على تصريح من الأصحاب به.

المسألة الحادية عشرة: البيض تابع للمبيض،

فيحلّ بيض ما يؤكل لحمه و يحرم ممّا لا يؤكل، بلا خلاف فيه يعرف، بل مطلقا كما قيل «2».

و ظاهر الكفاية و عن صريح الغنية الإجماع عليه «3»، و لعلّه محقّق أيضا، فهو الحجّة فيه، مضافا إلى الخبرين المتقدّمين في بيض السمك «4».

و أمّا ما في المستفيضة المعتبرة من حلّية ما اختلف طرفاه مطلقا و حرمة ما تساويا كذلك، كصحيحة محمّد: «إذا دخلت أجمة فوجدت بيضا فلا تأكل منه إلّا ما اختلف طرفاه» «5».

______________________________

(1) قال في المسالك 2: 241 .. و نبّه المصنّف بتخصيصه على خلاف بعض العامة حيث ذهب إلى حلّه كلّه كحيوانه.

(2) انظر الرياض 2: 286.

(3) الكفاية: 249، الغنية (الجوامع

الفقهية): 618.

(4) في ص: 70.

(5) الكافي 6: 248- 1، التهذيب 9: 15- 57، الوسائل 24: 154 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 20 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 96

و زرارة: البيض في الآجام، فقال: «ما استوى طرفاه فلا تأكل، و ما اختلف طرفاه فكل» «1».

و رواية مسعدة: «كل من البيض ما لم يستو رأساه» و قال: «ما كان من بيض طير الماء مثل بيض الدجاج و على خلقته أحد رأسيه مفرطح، و إلّا فلا تأكل منه» «2».

أقول: المفرطح ماله عرض في استدارة.

و صحيحة ابن سنان: عن بيض طير الماء، فقال: «ما كان منه مثل بيض الدجاج» يعني على خلقته «فكل» «3».

فهي و إن كانت بإطلاقها أو عمومها شاملة لبيض كلّ طير، إلّا أنّ الأصحاب حملوها على صورة اشتباه البيض أنّه من أيّ طير لا مطلقا، كما هو ظاهر مورد الصحيحين الأولين.

و صريح رواية أبي الخطّاب: عن رجل يدخل الأجمة فيجد فيها بيضا مختلفا لا يدري بيض ما هو، أبيض ما يكره من الطير أو يستحب؟ فقال:

«إنّ فيه علما لا يخفى، انظر إلى كلّ بيضة تعرف رأسها من أسفلها فكل، و ما سوى ذلك فدعه» «4».

______________________________

(1) الكافي 6: 249- 2، الفقيه 3: 205- 936، التهذيب 9: 16- 60، الوسائل 24: 155 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 20 ح 4.

(2) الكافي 6: 249- 4، التهذيب 9: 16- 61، قرب الإسناد: 49- 160، الوسائل 24: 155 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 20 ح 5.

(3) الفقيه 3: 206- 942، التهذيب 9: 15- 59، الوسائل 24: 154 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 20 ح 2.

(4) الكافي 6: 249- 3، التهذيب 9: 15- 58، الوسائل 24: 155 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 20 ح

3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 97

و ابن أبي يعفور: إنّي أكون في الآجام فيختلف عليّ البيض فما آكل منه؟ فقال: «كل منه ما اختلف طرفاه» «1».

و ظاهر الروايتين اعتقاد السائل الكلّية الأولى انتفاء و ثبوتا، و أنّ المشتبه له حكم البيض المشتبه، فهاتان الروايتان- مضافتين إلى ظاهر الإجماع المحقّق و المحكيّ- شواهد على الحمل المذكور، مضافا إلى كون الروايتين المثبتتين للكلّية الأولى أخصّ مطلقا من تلك الإطلاقات أو العمومات، لاختصاصهما بالبيض المعلوم حال مبيضة و عموم غيرهما له و للمشتبه، فمقتضى القاعدة التخصيص.

هذا على تقدير انفكاك الضابطين و إمكان تعارضهما، و أمّا على تقدير ثبوت التلازم بينهما- كما يستفاد من رواية أبي الخطّاب- فيرتفع الإشكال رأسا.

و ممّا ذكر ظهر حكم المشتبه من البيض أيضا، فيرجع إلى الكلّية الثانية من ملاحظة الطرفين، و الظاهر أنّه لا خلاف فيه أيضا كما صرّح به بعضهم «2»، و عليه الإجماع عن الغنية «3»، و تدلّ عليه الروايات المذكورة.

______________________________

(1) الكافي 6: 249- 5، الوسائل 24: 156 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 20 ح 6.

(2) كصاحب الرياض 2: 286.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 98

الفصل الثالث في غير الطير من الحيوانات البرّيّة من الأهليّة و الوحشيّة و فيه مسائل:
المسألة الأولى: السباع حرام مطلقا، سواء كانت قويّة أو ضعيفة،

بلا خلاف فيه يعرف، أو مطلقا كما في الكفاية «1» و شرح المفاتيح و غيرهما «2»، بل مجمع عليه كما في شرح الإرشاد للأردبيلي «3»، و عن الخلاف و الغنية «4» و غيرهما من كتب الجماعة «5»، بل بالإجماع المحقّق، فهو فيه الحجّة، مضافا إلى المستفيضة المعتبرة المتقدّمة في مسألة سباع الطير «6».

و أمّا بعض الأخبار الدالّة على انحصار الحرام فيما حرّمه اللّه في القرآن «7» فهي عامّة بالنسبة إلى الأخبار المتقدّمة، فبها مخصّصة، و على فرض التساوي فإمّا مؤوّلة،

أو محمولة على التقيّة لموافقتها في المورد للعامّة «8»، أو مطروحة لمخالفتها الجماعة.

______________________________

(1) الكفاية: 248.

(2) انظر الرياض 2: 283.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 11: 166.

(4) الخلاف 2: 538، الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(5) كما في كشف اللثام 2: 83.

(6) في ص: 73.

(7) انظر الوسائل 25: 9 أبواب الأطعمة المباحة ب 1.

(8) انظر المغني و الشرح الكبير 11: 67، صحيح مسلم بشرح النووي 13: 82.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 99

ثمَّ السبع هو المفترس من الحيوانات بطبعه أو للأكل كما في القاموس «1»، أو هي التي لها أنياب أو أظفار يعدو بها على الحيوان و يفترسه، و قد يوجدان معا في السبع، كما في الأسد و السنّور.

و الناب من الحيوان: السنّ الذي يفترس به، و من الإنسان ما يلي الرباعيّات.

و قد يقال: إنّ السبع هو الذي يأكل اللحم «2». و الكلّ متلازمة على الظاهر.

ثمَّ من السباع من غير الطيور: الأسد و النمر و الفهد و الذئب و الكلب و الدبّ، و هي من أقويائها، و الثعلب و الضبع و السنّور و ابن آوى، و هي من ضعفائها، و يصرّح بكون السنّور سبعا بعض الروايات: «إنّ في كتاب علي عليه السّلام أنّ الهرّ سبع» «3».

و منهم من عدّ منها الأرنب، و تدلّ عليه رواية العلل: «و حرّم الأرنب لأنّها بمنزلة السنّور، و لها مخالب كمخالب السنّور و سباع الوحش فجرت مجراها» إلى أن قال: «لأنّها مسخ أيضا» «4».

المسألة الثانية: يحرم من الحيوانات المسوخات

أيضا، بلا خلاف فيها يعرف كما في الكفاية «5». و في شرح المفاتيح: إنّ عليه عمل الأصحاب. بل بالإجماع، فهو الدليل عليه، مضافا إلى المستفيضة بل

______________________________

(1) القاموس المحيط 3: 37.

(2) كما في بداية المجتهد 1: 468.

(3) الكافي 3: 9-

4، التهذيب 1: 227- 655، الوسائل 1: 227 أبواب الأسآر ب 2 ح 2.

(4) علل الشرائع: 482- 1، الوسائل 24: 109 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 11.

(5) الكفاية: 248.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 100

المتواترة معنى المتقدّمة كثيرة منها في مسألة مسوخ الطير «1».

ثمَّ من المسوخات: الفيل و الذئب و الأرنب و الوطواط و القردة و الخنازير و الجرّيث و الضبّ و الفأرة و العقرب و الدبّ و الوزغ و الزنبور و الدبى- و هو شي ء يشبه الجراد- ذكرها كلّا سوى الأخير في رواية محمّد بن الحسن الأشعري «2».

و تدلّ عليه في الفيل رواية الحسين بن خالد، و في القردة و الخنزير و الدبّ رواية المفضّل، و في القرد رواية العيون المتقدّمة جميعا في مسألة مسخ الطير «3»، و في الأرنب رواية العلل المذكورة في المسألة السابقة، و في الضبّ و الفأرة و القردة و الخنازير حسنة الحلبي «4»، و في القردة و الخنازير و الوبر و الورل رواية الكلبي النسّابة «5».

و الوبر- بسكون الباء- دويبة على قدر السنّور، غبراء أو بيضاء، حسنة العينين، لا ذنب لها، شديدة الحياء، حجازيّة.

و الورل- محرّكة- دابّة كالضبّ أو العظيم من أشكال الوزغ، طويل الذنب، صغير الرأس.

و في الأخير: موثّقة الساباطي: في الذي يشبه الجراد و هو الذي يسمّى الدبى، ليس له جناح يطير به إلّا أنّه يقفز قفزا أ يحلّ أكله؟ قال:

«لا يؤكل ذلك، لأنّه مسخ» «6».

______________________________

(1) راجع ص: 74.

(2) المتقدمة في ص: 76.

(3) في ص: 75.

(4) الكافي 6: 245- 5، التهذيب 9: 39- 163، الوسائل 24: 104 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 1.

(5) المتقدمة في ص: 67.

(6) التهذيب 9: 82- 350، الوسائل 24: 89

أبواب الذبائح ب 37 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 101

و في رواية أبي سهل القرشي: عن لحم الكلب، قال: «هو مسخ» «1».

و بعض الروايات- المشعرة بحلّية بعض أفراد ما ذكر أو من السبع أو الحشار «2»- مطروحة أو على التقيّة محمولة.

و قد ظهر منها أنّ المسوخ من حيوانات البرّ- غير الطير- أربعة عشر:

الفيل و الذئب و الأرنب و الكلب و القردة و الخنازير و الضبّ و الفأرة و العقرب و الدبّ و الوزغ و الوبر و الورل و الدبى، و مع الطيور الثلاثة- الطاوس و الوطواط و الزنبور- تصير ستّة عشر، و مع الثلاثة البحريّة المصرّح بمسخها في رواية الكلبي «3» ترتقي إلى تسعة عشر، و جميعها أمساخ.

و زاد فيها في الفقيه سبعة اخرى: النعامة و الدعموص و السرطان و السلحفاة و الثعلب و اليربوع و القنفذ «4». و لجواز أن يكون ذلك من كلامه دون تتمّة رواية محمّد- كما صرّح به بعضهم «5»- لا حجّية فيه.

نعم، ذكر بعض المتأخّرين- بعد نقل ذلك عن الصدوق-: و يؤيّده بعض الأخبار. و لكن لم نعثر عليه، فلا يفيد.

و في ذيل رواية أبي سعيد الخدري الطويلة: «إنّ اللّه مسخ سبعمائة أمّة عصوا الأوصياء بعد الرسل، فأخذ أربعمائة منهم برّا و ثلاثمائة بحرا» «6».

______________________________

(1) الكافي 6: 245- 7، التهذيب 9: 39- 164، الوسائل 24: 105 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 4.

(2) انظر الوسائل 24: 104 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2.

(3) الكافي 6: 221- 12، الوسائل 24: 131 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 5.

(4) الفقيه 3: 213- 988.

(5) و هو الفيض الكاشاني في الوافي 19: 33.

(6) الكافي 6: 243- 1، علل الشرائع: 460- 1، الوسائل

24: 107 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 102

و يحتمل أن تكون تلك العدّة من أنواع العصاة دون المسوخ، فمسخت عدّة منهم على نوع واحد من الحيوانات.

و يحتمل أن تكون تلك العدّة من أنواع المسوخ و لكن لم يبق للجميع مثال، كما روى الصدوق في الفقيه: إنّ المسوخ لم تبق أكثر من ثلاثة أيّام و أنّ هذه مثل لها «1».

المسألة الثالثة: و من الحيوانات المحرّمة: حشرات الأرض

، جعله في الكفاية من المعروف «2»، و في المسالك: إنّه عندنا موضع وفاق «3». و في شرح الإرشاد للأردبيلي: لعلّه إجماعي «4».

و قيل- بعد ذكر حيوانات منها: الحشار كلّها، و الحكم بتحريمها-:

و لا خلاف في شي ء من ذلك «5».

بل عليه الإجماع في الخلاف و الغنية «6»، و غيرهما «7»، و الظاهر كون حرمتها إجماعا محقّقا، فهو الحجّة فيه.

مضافا إلى المرويّ في الدعائم- المنجبر ضعفه بما ذكر-: عن علي عليه السّلام: أنّه نهى عن الضبّ و القنفذ و غيره من حشرات الأرض «8».

______________________________

(1) الفقيه 3: 213- 989، الوسائل 24: 108 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 10.

(2) الكفاية: 249.

(3) المسالك 2: 239.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 11: 167.

(5) كما في المسالك 2: 239.

(6) الخلاف 2: 541، الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(7) كالمفاتيح 2: 183.

(8) دعائم الإسلام 2: 123، المستدرك 16: 170 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 103

مضافا في بعضها إلى أنّه من المسوخ، و بعضها من الخبائث، بل عدّ بعضهم جميعها منها «1»، و بعضها ذو سمّ مضرّ.

قال الشهيد الثاني في حاشية المسالك: الحشار صغار دواب الأرض «2».

أقول: حشرات الأرض هي الحيوانات التي تأوي ثقب الأرض، و هي كثيرة لا تكاد

تحصر، و منها: الفأرة، و الحيّة، و العقرب، و الجرذ و هي نوع من الفأرة.

و اليربوع، و هي أيضا نوع من الفأرة قصير اليدين جدّا، طويل الرجلين، لونه كلون الغزال.

و الخنفساء، بضمّ الأول و فتح الثالث أو ضمّه على لغة مع المدّ.

و الصراصر، و هي التي يقال لها بالفارسيّة: زنجرة.

و القنفذ، و يسمّى بالفارسيّة: خارپشت.

و سام أبرص، و يقال بها: سوسمار، و هو الضبّ.

و العظاية- بالظاء المعجمة بعد المهملة- دويبة أكبر من الوزغة، قاله الجوهري «3». و في القاموس: أنّها دويبة كسام أبرص «4».

و اللّحكة- كهمزة- دويبة زرقاء تشبه العظاية، و ليس لها ذنب طويل كذنبها، و في السرائر: إنّها دويبة كالسمك تسكن الرمل، فإذا رأت الإنسان

______________________________

(1) انظر المسالك 2: 239.

(2) الحاشية غير موجودة، لكن في متن المسالك 2: 232: المراد بالحشرات ما سكن باطن الأرض من الدواب.

(3) انظر الصحاح 6: 2431.

(4) القاموس المحيط 4: 366.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 104

غاصت و تغيّبت فيه، و هي صقيلة تشبه أنامل العذارى «1».

و بنات وردان- بفتح الواو مبنيّا على الفتح- و هي دويبة تتولّد في الأماكن النديّة، و أكثر ما تكون في الحمّامات و السقايات.

و الديدان بأنواعها، و العناكب، و الرّتيلاء، و ما يقال له بالفارسيّة:

هزارپا، و البرغوث، و غير ذلك.

و في كثير منها أيضا نصوص خاصّة محرّمة، كالحيّة و العقرب و الفأرة و اليربوع و القنفذ و الضبّ «2».

المسألة الرابعة: تحرم القمّل إجماعا

- لخباثتها، بل هي من أخبث الخبائث- و الدود الخارج من الإنسان، و الحيوانات الصغار التي تلصق بأبدان الحيوانات كما يقال لها بالفارسيّة: كنه و مله، للإجماع و الخباثة.

المسألة الخامسة: هل تحرم الديدان المتكوّنة في الفواكه كدود التفّاح و البطّيخ و نحوهما؟

فيه إشكال، و لا دليل على حرمتها إلّا الخباثة، و في تأمّل يعلم وجهه ممّا مرّ في بيان الخباثة.

المسألة السادسة: صرّح جمع من المتأخّرين بعدم الخلاف في تحريم الخزّ و السمّور و الفنك و السنجاب «3».

أمّا الخزّ، فقد مرّ تحقيقه في كتاب الطهارة.

و أمّا البواقي، فصرّح به في الرضوي بتحريمها «4»، و ضعفه غير

______________________________

(1) السرائر 3: 105.

(2) انظر الوسائل 24: 104 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2.

(3) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 240، الفيض في المفاتيح 2: 183.

(4) فقه الرضا «ع»: 302، المستدرك 16: 207 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 47 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 105

ضائر، لأنّ الاشتهار له جابر، فما ذكره بعض متأخّري المتأخّرين من انتفاء المستند لتحريم السمّور و الفنك «1» غير جيّد. و بعض الأخبار المشعرة بعدم تحريم السنجاب «2» مرجوحة، لمخالفة الطائفة و موافقة العامّة «3».

المسألة السابعة: حلّية النعم الثلاث الأهليّة-

الإبل و البقر و الغنم- من الضروريّات الدينيّة.

قال اللّه سبحانه وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ إلى أن قال سبحانه ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ إلى أن قال عزّ شأنه وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ «4».

في تفسير علي: فهذه التي أحلّها اللّه في كتابه- إلى أن قال-: فقال صلّى اللّه عليه و آله:

مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ عنى الأهلي و الجبلي وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ عنى الأهلي و الوحشي الجبلي وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ عنى الأهلي و الوحشي الجبلي وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ عنى البخاتي و العراب، فهذه أحلّها اللّه» «5».

و في معناه خبر آخر في الكافي، و فيه: «و من المعز اثنين زوج داجنة يربّيها الناس، و الزوج الآخر الظباء التي تكون في المفاوز» «6».

المسألة الثامنة: الحقّ المشهور بين الأصحاب حلّية الحمول الثلاثة

______________________________

(1) كما يستفاد من كلام المحقق السبزواري في الكفاية: 249.

(2) الوسائل 24: 192 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 41.

(3) المغني و الشرح الكبير 11: 72.

(4) الأنعام: 142، 143، 144.

(5) تفسير القمي 1: 219، المستدرك 16: 349 أبواب الأطعمة المباحة ب 17 ح 2.

(6) الكافي 8: 283- 427.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 106

الأهليّة التي تحمل الأثقال و تركب: الخيل و البغال و الحمير. و في الكفاية:

إنّه المعروف بين الأصحاب حتى كاد أن يكون اتّفاقيّا «1». و في شرح الأردبيلي: كاد أن يكون إجماعيّا «2». و عن الخلاف الإجماع عليه «3»، بل هو إجماع محقّق ظاهرا، فهو الدليل عليه، مضافا إلى الأصل، و العمومات «4»، و خصوص المستفيضة «5».

و الأخبار المعارضة لها «6» مرجوحة جدّا، لمخالفتها عموم الكتاب و عمل الأصحاب، و موافقتها لهؤلاء .. «7».

خلافا

للمحكيّ عن الحلبي في البغال، فحرّمها «8»، لبعض الأخبار المشار إليها، و هي- مع ما فيها ممّا ذكر- متضمّنة للخيل و الحمير أيضا، و هو لا يقول بحرمتهما، فالنهي فيها غير باق على ظاهره عنده أيضا.

نعم، تكره هذه الثلاثة، حملا للأخبار الناهية على الكراهة، و الظاهر عدم الخلاف فيها و إن اختلفوا فيما هو أشدّ كراهة من الحمير و البغال، و الأمر فيه سهل.

المسألة التاسعة: يحلّ من البهائم الوحشيّة: البقر، و الكباش الجبليّة

- جمع الكبش و المراد به: الضأن و المعز الجبليّين- و الغزلان- جمع الغزال

______________________________

(1) الكفاية: 248.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 11: 158.

(3) الخلاف 2: 540.

(4) الأنعام: 145.

(5) انظر الوسائل 24: 117، 121 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 4، 5.

(6) انظر الوسائل 24: 118، 120 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 4 ح 3 و 4 و 9، و ص 121، 122 ب 5 ح 1، 2، 5.

(7) انظر بداية المجتهد 1: 469، المغني و الشرح الكبير 11: 66 و 67.

(8) كما في الكافي في الفقه: 277.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 107

و هو الظبي- و الحمر، و اليحامير- جمع يحمور- قيل: هو حيوان شبيه بالإبل و ليس هو إيّاه «1». و في عجائب المخلوقات: إنّه دابّة وحشية نافرة لها قرنان طويلان كأنّهما منشاران ينشر بهما الشجر يلقيهما كلّ سنة «2». و في القاموس: اليحمور يقال لحمار الوحش، و لدابّة أخرى، و لطائر «3».

ثمَّ حلّية الخمسة ممّا لا خلاف فيه بين المسلمين، صرّح به جماعة «4»، و في المفاتيح و شرحه الإجماع عليه «5».

و يدلّ في الجميع: الأصل و العمومات الكتابيّة و السنّتية.

و في الثلاثة الأولى: ما يدلّ على حلّية الأزواج الثمانية، سيّما مع ما سبق في بيانها.

و في خصوص الأول أو الثاني: مرسلة

الفقيه: في إيّل اصطاده رجل فقطعه الناس و الذي اصطاده يمنعه ففيه نهي؟ فقال: «ليس فيه نهي و ليس به بأس» «6».

و الايّل- بكسر الهمزة و ضمّها- بقر الجبل، و قيل: هو- بالكسر فالفتح- ذكر الأوعال، و يقال: هو الذي يسمّى بالفارسيّة: گوزن «7»، و في كنز اللغة: إيل بز كوهي نر و گوزن.

______________________________

(1) قال في لسان العرب 4: 215 هو دابة تشبه العنز.

(2) لم نعثر عليه في عجائب المخلوقات و هو موجود في حياة الحيوان الكبرى للدميري 2: 434.

(3) القاموس المحيط 2: 14.

(4) كما في المسالك 2: 239، كشف اللثام 2: 83، رياض المسائل 2: 283.

(5) مفاتيح الشرائع 2: 182.

(6) الفقيه 3: 204- 930، الوسائل 23: 365 أبواب الصيد ب 17 ح 4.

(7) انظر لسان العرب 11: 35 و 36.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 108

و في الثالث و الرابع: موثّقة سماعة: عن رجل رمى حمار وحش أو ظبيا فأصابه ثمَّ كان في طلبه- إلى أن قال-: فقال عليه السّلام: «إن علم أنّه أصابه و أنّ سهمه هو الذي قتله فليأكل، و إلّا فلا يأكل» «1».

و في الرابع: رواية أبي بصير: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن لحوم الحمر الأهليّة، و ليس بالوحشيّة بأس» «2».

و في الخامس: المرويّ في محاسن البرقي: عن الآمص فقال عليه السّلام:

«و ما هو؟» فذهبت أصفه فقال: «أ ليس اليحامير؟» قلت: بلى، قال:

«أ ليس تأكلونه بالخلّ و الخردل و الأبزار «3»؟» قلت: بلى، قال: «لا بأس به» «4».

و قال الصدوق في الفقيه: و لا بأس بأكل الآمص، و هو اليحامير «5».

و كلامه هذا يحتمل أن يكون من تتمّة الحديث السابق عليه، المرويّ عن محمّد، و أن

يكون من كلامه، كذا قيل «6».

ثمَّ المستفاد من رواية أبي بصير بقرينة التفصيل: عدم الكراهة في الحمر الوحشيّة.

______________________________

(1) الكافي 6: 210- 4، التهذيب 9: 34- 136، الوسائل 23: 366 أبواب الصيد ب 18 ح 3.

(2) التهذيب 9: 42- 177، الوسائل 24: 124 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 5 ح 7.

(3) كذا في «ح» و المصدر، و أمّا في سائر النسخ: و الأرز.

(4) المحاسن: 472- 470. الآمص و الآميص طعام يتخذ من لحم عجل بجلده، انظر القاموس 2: 306.

و الأبزار جمع البزر و هو التابل يقال لها بالفارسية: ادويه جات، انظر لسان العرب 4: 56.

(5) الفقيه 3: 213.

(6) قاله الفيض في الوافي 19: 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 109

و عن الحلّي و التحرير و الدروس: كراهته «1». قيل: و له وجه، لإطلاق بعض أخبار كراهة الحمار «2»، و خصوص رواية نصر بن محمّد: في لحوم حمر الوحش أنّه: «يجوز أكله لوحشته، و تركه عندي أفضل» «3».

و لا بأس به و إن كان في الدليلين كلام.

ثمَّ تخصيص الفقهاء هذه الخمسة بالذكر إمّا لشيوع صيدها، أو لورودها في الأخبار المذكورة. و قال الأردبيلي: و كأنّه للتمثيل و التبيين في الجملة «4». و إلّا فلا تختصّ الحلّية بها، بل كلّ غير ما ذكرت حرمته داخل تحت أصل الإباحة و عمومات الحلّية.

______________________________

(1) الحلّي في السرائر 3: 101، تحرير الأحكام 2: 159، الدروس 3: 5.

(2) كما في الوسائل 24: 117 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 4.

(3) الكافي 6: 313- 1، الوسائل 25: 50 أبواب الأطعمة المباحة ب 19 ح 1.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 11: 165.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 110

الفصل الرابع في التحريم العارض للحيوانات المحلّلة و فيه مسائل:
المسألة الاولى: من موجبات عروض الحرمة: الجلل

، و هو موجب للحرمة على الأشهر، بل بلا

خلاف يذكر، إلّا من شاذّ ممّن تأخّر كما ستعرف، إذ لا ينسب الخلاف إلّا إلى الخلاف و المبسوط و الإسكافي، حيث تنسب إليهم الكراهة «1».

و حاول جماعة بإرجاع كلامهم إلى المشهور بإرادتهم كراهة ما تكون العذرة أكثر غذائه لا أن ينحصر فيها، و الجلل يختصّ بالأخير «2». و كلام الخلاف ظاهر في ذلك «3».

و كيف كان، فالأقوى هنا: الحرمة، للمستفيضة:

منها صحيحة أبي حمزة: «لا تأكلوا لحوم الجلّالات، و إن أصابك من عرقها فاغسله» «4».

و مفهوم الشرط في مرسلة ابن أسباط: في الجلّالات، قال: «لا بأس بأكلهنّ إذا كنّ يخلطن» «5».

______________________________

(1) نسبه إليهم الفاضل المقداد السيوري في التنقيح 4: 37 و المحقق السبزواري في الكفاية: 249.

(2) منهم فخر المحققين في الإيضاح 4: 149، صاحب الرياض 2: 282.

(3) الخلاف 2: 541.

(4) الكافي 6: 250- 1، الاستبصار 4: 76- 281، الوسائل 24: 164 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 27 ح 1.

(5) الكافي 6: 252- 7، الاستبصار 4: 78- 288، التهذيب 9: 47- 195، الوسائل 24: 164 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 27 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 111

و مفهوم الغاية في مرسلة النميري: في شاة شربت بولا ثمَّ ذبحت، قال: فقال: «يغسل ما في جوفها ثمَّ لا بأس به، و كذلك إذا اعتلفت العذرة ما لم تكن جلّالة، و الجلّالة: التي يكون ذلك غذاؤها» «1».

و في مرسلة الفقيه: نهى عليه السّلام عن ركوب الجلّالات و شرب ألبانها، و قال: «إن أصابك شي ء من عرقها فاغسله، و الناقة الجلّالة تربط أربعين يوما ثمَّ يجوز بعد ذلك نحرها و أكلها، و البقرة تربط ثلاثين يوما» «2».

المؤيّدة بأخبار أخر متضمّنة للجمل الخبريّة، كما يأتي بعضها.

و لا تنافيها صحيحة سعد: عن

أكل لحوم دجاج الدساكر و هم لا يمنعونها من شي ء تمرّ على العذرة مخلّى عنها، و عن أكل بيضهنّ، فقال:

«لا بأس به» [1]، إذ لم يصرّح السائل فيها بأكل العذرة، و الأصل يقتضي عدمه، و على تقدير الأكل لم تعلم الأكثريّة أو الدوام الموجب للجلل، فالقول بالكراهة- كما في الكفاية- «3» ضعيف جدّا.

ثمَّ إنّه يشترط في حصول الجلل أمور ثلاثة: الاغتذاء بعذرة الإنسان، محضا، في مدّة يحصل فيها الجلل.

أمّا الأول، فلمرسلة النميري المتقدّمة، حيث قال فيها: «التي يكون

______________________________

[1] الكافي 6: 252- 8، التهذيب 9: 46- 193، الاستبصار 4: 77- 286، الوسائل 24: 165 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 27 ح 4.

الدسكرة: القرية و الصومعة و الأرض المستوية و بيوت الأعاجم يكون فيها الشراب و الملاهي- القاموس 2: 30.

______________________________

(1) الكافي 6: 251- 5، التهذيب 9: 47- 194، الاستبصار 4: 78- 287، الوسائل 24: 160 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 24 ح 2.

(2) الفقيه 3: 214- 991، الوسائل 24: 165 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 27 ح 6.

(3) الكفاية: 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 112

ذلك غذاؤها»، فإنّ المشار إليه هو العذرة، مضافا إلى وجوب الاقتصار في التحريم على المعلوم، و لم يعلم صدق الجلل في الاغتذاء بغير العذرة.

خلافا للمحكيّ عن الحلبي، فألحق بالعذرة غيرها من النجاسات «1».

و هو شاذّ مندفع بما مرّ.

و أمّا الثاني، فللأصل المذكور أيضا، مضافا إلى مرسلتي النميري و ابن أسباط المتقدّمتين، المنجبرتين لو كان فيهما ضعف. خلافا للمحكيّ عن المبسوط، فلم يعتبر التمحّض «2». و هو أيضا شاذّ ضعيف و إن كان النزاع يرجع لفظيّا، لأنّه يقول فيه بالكراهة.

و أمّا الثالث، فظاهر، و لكنّهم اختلفوا في المدّة التي يحصل بها الجلل، فقدّرها بعضهم بأن

ينمو ذلك في بدنه و يصير جزءا «3»، و آخر بيوم و ليلة «4»، و ثالث بأن يظهر النتن، أي رائحة النجاسة التي اغتذت بها في لحمه و جلده «5»، و رابع بأن يسمّى في العرف جلّالا «6».

و غير الأخير خال عن المستند و الدليل، و الأخير و إن كان المحكّم فيما لم يرد به من الشرع تعيين إلّا أنّ العرف فيه غير منضبط جدّا، خصوصا عند أهل تلك الأزمنة، سيّما تلك البلاد العجميّة، فإنّه لا عرف لهم في لفظ الجلّال، إلّا أن يقال: إن معناه آكل العذرة المعبّر عنه بالفارسيّة: نجاست خوار، و هذا يحتمل معنيين:

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 278.

(2) المبسوط 6: 282.

(3) كالشهيد الثاني في الروضة 7: 290.

(4) كالمقداد السيوري في التنقيح 4: 36.

(5) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 238.

(6) كالمحقق السبزواري في الكفاية: 249 و صاحب الرياض 2: 283.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 113

أحدهما: أنّه لا يحترز و لا يتوقّى من أكل النجاسة، و لا شكّ أنّه يصدق بأكل مرّة و مرّتين، بل بميله إلى الأكل و إن منع عنه.

و ثانيهما: أنّ مأكوله العذرة من غير تقييد بوقت، و مرادفه في الفارسيّة: خوراك آن نجاست است، و لا شكّ أنّ هذا بالإطلاق لا يصدق إلّا إذا اغتذى بالنجاسة مدّة طويلة، كشهر أو نصف شهر أو نحوهما، و لا أقلّ من أسبوع أو ثلاثة أيّام، فصدق الجلّال في الأقلّ غير معلوم، و الأصل أقوى متّبع، و الإجماع المركّب في أمثال المقام غير معلوم، و لو أبيت عنه فخذ بأكثر ما قيل من ظهور النتن، و لو احتطت فخذ بيوم و ليلة، و هو طريق السلامة.

ثمَّ لو انتفى التمحّض، و لكن كان أكل

العذرة أكثر، كره على المشهور، فهو الحجّة فيه، لتحمّله المسامحة.

المسألة الثانية: تحريم الجلّال ليس بالذات
اشاره

حتى يستقرّ و لم يرتفع، بل هو لصدق الجلّال، فيرتفع بالاستبراء إجماعا، بأن يربط و يطعم العلف الطاهر في مدّة معيّنة، و هي في الإبل أربعون يوما اتّفاقا فتوى و نصّا، و ممّا ينصّ عليه مرسلة الفقيه المتقدّمة.

و رواية السكوني: «الدجاجة الجلّالة لا يؤكل لحمها حتى تقيّد ثلاثة أيّام، و البطّة الجلّالة خمسة أيّام، و الشاة الجلّالة عشرة أيّام، و البقرة الجلّالة عشرين يوما، و الناقة أربعين يوما» «1».

و مرفوعة يعقوب بن يزيد: «الإبل الجلّالة إذا أردت نحرها تحبس البعير أربعين يوما، و البقرة ثلاثين يوما، و الشاة عشرة أيام» «2».

______________________________

(1) الكافي 6: 251- 3، التهذيب 9: 46- 192، الاستبصار 4: 77- 285، الوسائل 24: 166 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 28 ح 1.

(2) الكافي 6: 252- 6، الوسائل 24: 167 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 28 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 114

و رواية يونس المرويّة في الكافي في الدجاج: «يحبس ثلاثة أيّام، و البطّة سبعة أيّام، و الشاة أربعة عشر يوما، و البقر ثلاثين يوما، و الإبل أربعين يوما ثمَّ يذبح» «1».

و بسّام: في الإبل الجلّالة، قال: «لا يؤكل لحمها و لا تركب أربعين يوما» «2».

و مسمع: «الناقة الجلّالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتى تغتذي أربعين يوما، و البقرة الجلّالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتى تغتذي ثلاثين يوما، و الشاة الجلّالة لا يؤكل لحمها و لا يشرب لبنها حتى تغتذي عشرة أيّام، و البطّة الجلّالة لا يؤكل لحمها حتى تربط خمسة أيّام، و الدجاجة ثلاثة أيّام» «3»، و في نسخ التهذيب و الاستبصار بدّلت ثلاثين البقرة في

هذه الرواية بأربعين، و عشرة الشاة بخمسة.

و في رواية الجوهري المرويّة في الفقيه: «إنّ البقرة تربط عشرين يوما، و الشاة تربط عشرة أيّام، و البطّة تربط ثلاثة أيّام» «4» قال: و روي ستّة أيّام، و الدجاجة تربط ثلاثة أيّام «5».

و المرويّ في الدعائم: «الناقة الجلّالة تحبس على العلف أربعين يوما، و البقرة عشرين يوما، و الشاة سبعة أيّام، و البطّ خمسة أيّام،

______________________________

(1) الكافي 6: 252- 9، الوسائل 24: 167 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 28 ح 5.

(2) الكافي 6: 253- 11، التهذيب 9: 46- 190، الاستبصار 4: 77- 283، الوسائل 24: 167 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 28 ح 3.

(3) الكافي 6: 253- 12، التهذيب 9: 45- 189، الاستبصار 4: 77- 282، الوسائل 24: 166 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 28 ح 2.

(4) الفقيه 3: 214- 992، الوسائل 24: 168 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 28 ح 6.

(5) الفقيه 3: 214- 993، الوسائل 24: 168 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 28 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 115

و الدجاجة ثلاثة أيّام، ثمَّ يؤكل بعد ذلك لحومها، و تشرب ألبان ذوات الألبان منها، و يؤكل بيض ما يبيض منها» «1».

ثمَّ أكثر أخبار الباب و إن كانت خالية عن الدالّ على وجوب تعيين هذه المدّة، إلّا أنّ مفهوم المرسلة الاولى يدلّ على انتفاء الجواز قبلها، مضافا إلى استصحاب التحريم حتى يعلم جواز الأكل.

فالقول بمتابعة زوال اسم الجلل «2» غير جيّد، لأنّه لا يستلزم الحلّ بعد عروض الحرمة، فيمكن أن يكون الجلّال حراما مؤيّدا و إن انتفى جلله، فالمتّبع دليل التحليل و رفع الحرمة في مدّة معيّنة، و هي- كما عرفت- في الإبل أربعون يوما.

و أمّا البقرة، فقد عرفت أنّ أقلّ

ما ورد في الروايات في مدّة استبرائها عشرون يوما، و عليه المشهور المدّعى عليه في الخلاف الإجماع «3»، و أوسطه الثلاثون، و هو المحكي عن الصدوق و الإسكافي «4»، و أكثره الأربعون، و هو المنقول عن المبسوط «5» و القاضي «6».

فالحقّ: هو الأول، لا لما قيل من ضعف جميع روايات الباب و اختصاص رواية العشرين بالانجبار «7»، لمنع الضعف عندنا.

بل لدلالة رواية العشرين على جواز الأكل بعدها، و عدم دلالة غيرها على عدم الجواز قبل ما ذكر فيها، غايتها الرجحان و الاستحباب.

______________________________

(1) دعائم الإسلام 2: 174، المستدرك 16: 187 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 19 ح 3.

(2) قاله في الروضة 7: 293.

(3) الخلاف 2: 542.

(4) المقنع: 141، حكاه عنهما في المختلف: 676.

(5) المبسوط 6: 282.

(6) حكاه عنه في الرياض 2: 283.

(7) الرياض 2: 283.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 116

و دليل القولين الآخرين بجوابه ظاهر ممّا ذكر، مع أنّ الأخبار- التي هي حجّة أربابهما- مشتملة على ما لا يقولون به في الشاة.

و أمّا الشاة، فأقلّ ما ورد فيها خمسة، و لا قائل بها، و أوسطه عشرة، و هو المشهور المدّعى عليه الإجماع «1»، و أكثره أربعة عشر، و هو المحكيّ عن الإسكافي «2»، و قيل فيها بسبعة، و هو المنقول عن المبسوط «3» و القاضي «4»، و عن الصدوق بعشرين «5»، و لا أعرف مستنده، فهو ساقط، و كذا السبعة و الخمسة، لضعف روايتهما، أمّا الأولى فلعدم ثبوتها عن الأصل المعتبر، و أمّا الثانية فلعدم العامل بها، مضافا إلى ما عرفت من اختلاف النسخة. فبقي القولان الآخران، و الترجيح للعشرة البتّة، لما مرّ في البقرة، مضافا الى أكثريّة الرواية.

و أقلّ مدّة البطّة في الروايات ثلاثة،

و هي المحكيّة عن الصدوق في المقنع «6»، و أوسطها الخمسة، و هي المشهورة فيها، بل عن الغنية الإجماع عليها «7»، و أكثرها السبعة، و هي مختار الخلاف مدّعيا عليها الإجماع «8»، و لو لا ضعف رواية الثلاثة- بمخالفة الشهرة العظيمة- لكنّا نقول بها، لما مرّ في البقرة، و لكنّه يمنعنا فنقول بأقلّ ما فوقها، و هو الخمسة، لما ذكر.

______________________________

(1) الرياض 2: 283.

(2) حكاه عنه في المختلف: 676.

(3) المبسوط 6: 282.

(4) نقله عنه في الرياض 2: 283.

(5) المقنع: 141.

(6) حكاه عنه في المختلف: 676.

(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(8) الخلاف 2: 542.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 117

و أمّا الدجاجة، فالروايات متفقة فيها على الثلاثة، فهي المدّة المعيّنة لها، و أمّا الخمسة- كما عن الحلبي «1»- أو السبعة- كما عن المبسوط «2»- فلا نعرف لهما حجّة.

ثمَّ طرح جميع الروايات- للضعف و الرجوع الى زوال الجلل عرفا، كما احتمله بعض المتأخّرين «3»- ضعيف غايته، لأنّه- مع عدم اعتبار ضعف السند بعد اعتبار الأصل عندنا- خرق للإجماع المركّب أولا، و طرح للضعيف المنجبر- الذي هو في حكم الصحيح- ثانيا، و رجوع إلى ما لا دليل على مرجعيّته ثالثا، إذ غاية ما علت مرجعيّته من الدليل استلزام الجلل للحرمة، و أمّا إيجاب رفعه للحرمة المستصحبة فمن أين يعلم؟! إلّا بتخريج عامّي ضعيف!! و منه يعلم ضعف ما قيل فيما لا تقدير له من الرجوع إلى زوال الجلل «4»، و قيل بالرجوع فيه الى ما يستنبط من المقدّرات بالفحوى «5»، و لا بأس به فيما أمكن فيه ذلك، و الرجوع الى أكثر ما يمكن أن يكون مدّة مقتضى الاستصحاب.

فروع:
أ: لا يحصل الجلل بغير أكل العذرة من النجاسات

، للأصل، و عدم الدليل. و التعدّي باستنباط العلّة قياس

مردود.

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 277.

(2) المبسوط 6: 282.

(3) كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11: 254.

(4) انظر إيضاح الفوائد 4: 150، مسالك الافهام 2: 239.

(5) انظر الرياض 2: 283.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 118

ب: الظاهر عدم اختصاص الجلل بالحيوانات المذكورة

، بل يحصل لكلّ حيوان يغتذي بالعذرة، لعموم صحيحة أبي حمزة «1». و الكلام في استبراء ما ليس له مقدّر كما مرّ.

ج: هل تقع على الجلّال الذكاة، أم لا؟

الظاهر: الأول، للاستصحاب، و الإطلاقات، و عدم توقّف التذكية على الحلّية كما في السباع.

د: هل يشترط في حصول الاستبراء الربط أو الحبس أو القيد

، كما في أكثر الروايات؟ أو يحصل بمطلق الاغتذاء بغير ما يوجب الجلل، كما هو ظاهر رواية مسمع «2»؟

الظاهر: الثاني، و الأحوط: الأول، بل لا يبعد أن يكون أظهر، لمفهوم قولهم «3»: «يجوز» في مرسلة الفقيه «4»، و التعدّي في غير موردها بعدم القول بالفصل.

ه: هل يشترط في حصوله العلف بالطاهر

، أو يحصل بالمتنجّس، بل بالنجس غير العذرة لو خصّصنا الجلل بالعذرة؟

مقتضى الاستصحاب و ظهور الطاهر من الإطلاقات: الأول، و هو- كما قيل «5»- الأشهر.

و المستفاد من إطلاقات النصوص: الثاني، و لا يبعد أن يكون هو الأظهر.

______________________________

(1) الكافي 6: 250- 1، الاستبصار 4: 76- 281، الوسائل 24: 164 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 27 ح 1.

(2) المتقدّمة في ص: 114.

(3) كذا في النسخ، و الظاهر: قوله ..

(4) المتقدّمة في ص: 111.

(5) انظر كشف اللثام 2: 262 و الرياض 2: 281.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 119

و: ظاهر الأصحاب و بعض الروايات المتقدّمة- بضميمة الإجماع المركّب- حرمة ألبان الجلّالات و بيضها

، فيجب الاجتناب عنها قبل الاستبراء.

ز: يستحبّ ربط الدجاجة التي يراد أكلها أيّاما ثمَّ ذبحها

و إن لم يعلم جللها، للمرويّ في حياة الحيوان: إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا أراد أن يأكل دجاجة أمر بها فربطت أيّاما ثمَّ أكلها «1».

المسألة الثالثة: و من موجبات عروض الحرمة: وطء الإنسان الحيوان المحلّل
اشاره

، بلا خلاف فيه يذكر كما في شرح الإرشاد للأردبيلي «2»، و بلا خلاف مطلقا كما في شرح المفاتيح و كلام بعض آخر «3»، بل هو فتوى الأصحاب المشعر بالإجماع كما في المفاتيح «4».

و الدليل عليه- بعد الإجماع المحقّق ظاهرا في الجملة- رواية مسمع المنجبر ضعفها- لو كان- بالعمل: سئل عن البهيمة التي تنكح، قال:

«حرام لحمها و كذلك لبنها» «5».

و موثّقة سماعة: عن الرجل يأتي بهيمة شاة أو بقرة أو ناقة، قال:

فقال: «عليه أن يجلد حدّا غير الحدّ، ثمَّ ينفى من بلاده إلى غيرها، و ذكروا أنّ لحم تلك البهيمة محرّم و لبنها» «6».

______________________________

(1) حياة الحيوان 1: 472.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 11: 261.

(3) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 85.

(4) المفاتيح 2: 189.

(5) الكافي 6: 259- 1، الوسائل 24: 170 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 30 ح 3.

(6) الكافي 7: 204- 2، التهذيب 10: 60- 219، الوسائل 24: 169 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 30 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 120

و روايات ابن سنان و الحسين بن خالد و إسحاق بن عمّار: في الرجل يأتي البهيمة، فقالوا جميعا: «إن كانت البهيمة للفاعل ذبحت، فإذا ماتت أحرقت بالنار فلم ينتفع بها، و إن لم تكن البهيمة له قوّمت و أخذ ثمنها منه و دفع الى صاحبها و ذبحت و أحرقت بالنار و لم ينتفع بها» الحديث «1»، دلّ النهي عن مطلق الانتفاع بها على حرمتها.

و حسنة سدير: في الرجل يأتي البهيمة، قال: «يحدّ دون الحدّ

و يغرم قيمة البهيمة لصاحبها، لأنّه أفسدها عليه، و تذبح و تحرق و تدفن إن كانت ممّا يؤكل لحمه، و إن كانت ممّا يركب ظهره أغرم قيمتها و جلد دون الحدّ [و أخرجها] «2» من المدينة التي فعل بها فيها إلى بلاد اخرى حيث لا تعرف، فيبيعها فيها كيلا يعيّر بها» «3»، دلّ التعليل بالإفساد على الحرمة و إلّا لم يكن فيه إفساد.

و يؤيّده أيضا ما دلّ على ذبحها و إحراقها:

كصحيحة محمّد بن عيسى: عن رجل نظر إلى راع نزا على شاة، قال: «إن عرفها ذبحها و أحرقها، و إن لم يعرفها قسّمها نصفين أبدا حتى يقع السهم بها، فتذبح و تحرق و قد نجت سائرها» «4».

و المرويّ في تحف العقول: سأل يحيى بن أكثم موسى المبرقع عن

______________________________

(1) الكافي 7: 204- 3، التهذيب 10: 60- 218، الاستبصار 4: 222- 831، الوسائل 28: 357 أبواب نكاح البهائم و وطء الأموات و الاستمناء ب 1 ح 1.

(2) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: و أخرجت، و ما أثبتناه من المصدر.

(3) الكافي 7: 204- 1، الفقيه 4: 33- 99، التهذيب 10: 61- 220، الاستبصار 4: 223- 833، علل الشرائع: 548- 3، المقنع: 147، الوسائل 28: 358 أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 4.

(4) التهذيب 9: 43- 182، الوسائل 24: 169 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 30 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 121

رجل أتى إلى قطيع غنم فرأى الراعي ينزو على شاة منها، فلمّا بصر بصاحبها خلّى سبيلها فدخلت في الغنم، كيف يذبح؟ و هل يجوز أكلها أم لا؟ فسأل موسى أخاه أبا الحسن الثالث عليه السّلام فقال: «إنّه إن عرفها ذبحها و أحرقها، و إن لم

يعرفها قسّم الغنم نصفين و ساهم بينهما، فإذا وقع على أحد النصفين فقد نجا النصف الآخر، فلا يزال كذلك حتى تبقى شاتان، فيقرع بينهما، فأيّهما وقع السهم بها ذبحت و أحرقت و نجا سائر الغنم» «1».

فروع:
أ: قالوا: كما يحرم لحمها و لبنها كذلك يحرم لحم نسلها المتجدّد بعد الوطء

. و نسبه في الكفاية و شرح المفاتيح الى المشهور «2»، و نفى بعض من تأخّر عنهما الخلاف فيه «3».

و ربّما يستفاد ذلك من النهي عن الانتفاع بها بقول مطلق شامل للاستنسال أيضا. و هو حسن، و يؤكده التعليل بإفسادها عليه، و يستأنس له بالأمر بالذبح و الإحراق.

و هل يختصّ تحريم النسل بنسل الموطوءة الأنثى، أو يحرم نسل الفحل الموطوء أيضا على تقدير التعدّي في الحكم إلى وطء دبر البهيمة أيضا؟

صرّح المحقّق الأردبيلي في كتاب الحدود من شرحه باحتمال التعدّي إلى الفحل أيضا، و لعلّه استند في ذلك إلى أنّ حلّية نسله أيضا نوع انتفاع.

______________________________

(1) تحف العقول: 359، الوسائل 24: 170 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 30 ح 4.

(2) الكفاية: 250، المفاتيح 2: 189.

(3) انظر الرياض 2: 498.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 122

و لا يخفى أنّه خلاف الظاهر المتبادر، و إن لم يكن في التعدّي إليه كثير بعد.

ب: صرّح الشهيد الثاني و المحقّق الأردبيلي «1» بشمول الواطئ- الموجب وطؤه للتحريم- للبالغ و غيره،

و الأول بشموله للمنزل و غيره، و الثاني بشموله للحرّ و العبد، و العاقل و المجنون، و الجاهل بالحكم و العالم.

و هو كذلك، لإطلاق رواية مسمع و صحيحة محمّد بن عيسى بالنسبة إلى الجميع، و إطلاق البواقي بالنسبة إلى غير التعميم الأول، لاختصاصها بالرجل، و لكنّه لا يخصّص الأوليين أيضا، لأنّ التخصيص إنّما هو في السؤال، بل و كذلك لو كان في الجواب أيضا، مع أنّه لو دلّت على الاختصاص أيضا لكان لأجل اشتمالها على أحكام لا تجري على غير البالغ من الحدّ و أخذ الثمن.

ج: صرّح الثاني بشمول الوطء للدبر و القبل و دبر الأنثى و الفحل «2».

و يمكن أن يستدلّ لها بإطلاق النكاح و الإتيان و النزو الشاملة لوطء الدبر أيضا، إلّا أنّ بعض الروايات المشتملة للّبن أيضا و ضميره الراجع إلى البهيمة يخصّصها بالمؤنّث، و لكن يكفي إطلاق الباقي بضميمة الإجماع المركّب في الأحكام الغير المذكورة فيه.

د: هل يعمّ الموطوءة كلّ حيوان من ذوات الأربع و غيرها

- كالطير- كما هو المشهور؟ أو يختصّ بالأولى كما حكي عن الفاضل «3»، و يميل إليه

______________________________

(1) الشهيد الثاني في المسالك 2: 239، الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11:

261.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 11: 261.

(3) القواعد 2: 157.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 123

كلام جمع ممّن تأخّر عنه «1»؟

حجّة الأكثر: صدق البهيمة على كلّ حيوان لغة، قال الزجّاج: هي كلّ ذات الروح التي لا تميّز، سمّيت بذلك لذلك «2».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 15    123     ه: الواطئ إما مالك البهيمة أو غيره ..... ص : 123

دليل الباقين: الأصل، و عدم انصراف الإطلاق إلى مثل الطيور، مع أنّه صرّح جماعة- منهم الشهيد الثاني في المسالك-: أنّ البهيمة لغة ذات الأربع من حيوان البرّ و البحر «3».

و هو الأقوى، لذلك، مضافا الى اشتمال بعض الأخبار المتقدّمة للّبن المخصوص بذوات الأربع، و اختصاص بعضها بالشاة.

ه: الواطئ إمّا مالك البهيمة أو غيره

، و على التقديرين إمّا تكون البهيمة ممّا يقصد منها لحمها و لبنها- كالشاة و البقرة و الغنم- أو ظهرها و ركوبها، كالخيل و البغال و الحمير.

فعلى الأول: تذبح و تحرق بالنار، كما هو مدلول روايات أبناء سنان و خالد و عمّار، و يدلّ عليه إطلاق صحيحة ابن عيسى أيضا، و لا معارض لها سوى موثّقة سماعة، حيث دلّت على النفي من البلد دون الإحراق، إلّا أنّه يمكن أن يكون المنفيّ عنها فيها هو الواطئ دون الموطوء، و عدم قائل به إن سلّم يجري في الموطوء المذكور أيضا.

و على الثاني: قالوا: تنفى الى غير بلد الوطء و تباع فيه. و في أخذ الثمن منه و عدمه- ثمَّ مصرف الثمن- خلاف، و لا دليل على شي ء من

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني

في المسالك 2: 239 و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:

85.

(2) نقله عنه في لسان العرب 12: 56.

(3) المسالك 2: 239.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 124

ذلك، إذ لا دليل على النفي سوى حسنة سدير، و هي ظاهرة في تغاير المالك و الواطئ، إلّا أنّ بعضهم نفى الخلاف فيه «1».

و قد يتوهّم شمول التعليل بعدم التعيير في الحسنة لصورة الاتّحاد أيضا.

و فيه نظر، لأنّ مثل ذلك يستحقّ التعيير، بل ظاهر التعليل التخصيص بصورة التغاير، حيث أراد الشارع أن لا يعيّر به عار بفعل غيره، فإن ثبت الإجماع و إلّا فالأصل يقتضي العدم، و هو الأقوم خصوصا في أخذ الثمن منه، سيّما في التصدّق به المخالف لاستصحاب ملكيّته.

و على الثالث: تذبح و تحرق بالنار، و يغرم الواطئ بثمنها يوم الوطء لمالكها، للروايات و الحسنة و الصحيحة و رواية تحف العقول، المتقدّمة جميعا من غير معارض.

و على الرابع: تخرج البهيمة من البلد و تغرم قيمتها، ثمَّ تباع في البلد المخرجة إليه، للحسنة المخصّصة للروايات بغير ما يركب ظهرها.

و لا يضرّ ورود تلك الأحكام بالجملة الخبرية الغير المثبتة للزائد عن الرجحان، لاستلزامه الوجوب في المقام بالإجماع المركّب، و كذا فيما يأتي من التقسيم و الإقراع.

ثمَّ القيمة- التي أغرمها الواطئ- للمالك، لأنّه معنى الإغرام.

و أمّا الثمن الحاصل بالبيع فقد قيل بتصدّقه «2»، و لا دليل عليه أصلا.

و قيل بالرجوع إلى المالك «3»، لأصالة بقاء ملكيّته، و عدم دلالة

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 498.

(2) المقنعة: 790.

(3) الرياض 2: 499.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 125

الإغرام على خروجها عنها.

و لزوم الجمع بين العوض و المعوّض باطل، لمنع التعويض، فإنّه إنّما هو إذا كان دليل على التعويض.

و احتمل بعضهم الرجوع إلى

الواطئ، لتملّكه لها بالإغرام «1».

و فيه منع ظاهر، قيل: لأنّ المالك لا يملكها لأخذه القيمة، و عدم جواز كون الملك بلا مالك «2».

قلنا: مجرّد الأخذ لا يدلّ على الخروج.

ثمَّ لو كانت الدابّة ممّا يقصد منها الأمران- كالناقة، سيّما عند العرب- يحتمل فيها التخيير، لعدم المرجّح، و يحتمل ملاحظة الغالب فيها.

و: لو اشتبه الموطوء بغيره يقسّم المجموع نصفين و يقرع عليه مرّة بعد اخرى حتى يبقى واحد فيذبح و يحرق

، و في تغاير الواطئ و المالك يغرم، على المعروف من مذهب الأصحاب، و في المسالك و شرح المفاتيح نسبته الى عمل الأصحاب «3»، و في المفاتيح إلى فتواهم «4»، معربين عن دعوى الإجماع عليه.

و تدلّ عليه صحيحة ابن عيسى و رواية تحف العقول المتقدّمتين، المنجبر ضعف سندهما- لو كان- بما ذكر، و ضعف دلالتهما لعدم صراحتهما في الوجوب بعدم الفصل.

ثمَّ إن كان العدد زوجا قسّم نصفين متساويين، كما هو مدلول

______________________________

(1) إيضاح الفوائد 4: 498.

(2) الرياض 2: 499.

(3) المسالك 2: 239.

(4) المفاتيح 2: 189.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 126

الروايتين، و إن كان فردا اغتفرت زيادة الواحدة في أحد النصفين، بل الظاهر أنّ المراد فيهما مطلقا القسمان المتقاربان.

هذا إذا كان الاشتباه في العدد، الذي كان ممكن الحصر و التقسيم، كما هو مورد الروايتين، و إلّا سقط الحكم و يرجع الى الأصل.

ثمَّ هذا الحكم و إن كان واردا في الروايتين بخصوص الشاة إلّا أنّه يتعدّى الى غيرها بالإجماع المركّب.

المسألة الرابعة: لو شرب الحيوان المحلّل لحمه خمرا فالمشهور أنّه لا يؤكل ما في بطنه

من الأمعاء و القلب و الكبد، بل يطرح، و يؤكل لحمه بعد غسله وجوبا.

و لو شرب بولا نجسا لم يحرم شي ء منه، بل يغسل ما في بطنه و يؤكل.

و مستند الأول: رواية زيد الشحّام: في شاة شربت الخمر حتى سكرت ثمَّ ذبحت على تلك الحال، [قال:] «لا يؤكل ما في بطنها» «1».

و مستند الثاني: مرسلة النميري المتقدّمة في المسألة الاولى «2».

و لا يخفى أنّ مورد الاولى ما إذا شربت بقدر سكرت، فلا يحرم ما في البطن بمطلق الشرب الخالي عن الإسكار.

و ما إذا ذبحت حال السكر، فلا يحرم ما إذا ذبحت بعدها، و لا دلالة لها على غسل اللحم، و البواطن لا تنجس بالملاقاة، مع أنّ

الملاقاة مع اللحم غير معلومة، و الأصل يقتضي عدمه.

______________________________

(1) الكافي 6: 251 ح 4، التهذيب 9: 43- 181، الوسائل 24: 160 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 24 ح 1، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(2) في ص: 111.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 127

و الاستناد إلى مرسلة النميري فاسد، لاختصاصها بالبول، و دلالتها على غسل ما في الجوف دون اللحم، و مع ذلك كلّه خالية عن الدالّ على الحرمة، و لذا ذهب الحلّي إلى كراهة ما في البطن «1»، و استقر به في الكفاية «2»، و حكي عن المسالك «3»، و مال إليه الأردبيلي «4». و هو الأقوى.

و أمّا الثانية، فهي أيضا على الوجوب غير دالّة، و الإجماع غير ثابت و إن لم يظهر المخالف.

نعم، يمكن أن يستند في وجوب الغسل بوجود عين البول مع ما في البطن إذا ذبحت في الحال، كما صرّح بالاختصاص به جماعة «5»، فلا يجوز الأكل قبل إزالته.

و منه يعلم أنّه لو دلّت الرواية على الوجوب أيضا لم يدلّ على نجاسة البواطن، مضافا الى احتمال كونه تعبّديّا.

المسألة الخامسة: لو أرضع جدي [1] أو عناق [2] أو عجل من لبن إنسان حتى فطم لم يحرم

، للأصل، و المستفيضة النافية للبأس عنه «6»، إلّا أنّ فيها: أنّه فعل مكروه. و يحتمل أن يكون المراد بالفعل المكروه هو الإرضاع، و أن يكون أكل لحمه و لبنه.

______________________________

[1] الجدي: من أولاد المعز، و هو ما بلغ ستة أشهر أو سبعة- مجمع البحرين 1:

81.

[2] العناق: الأنثى من ولد المعز قبل استكمالها الحول- مجمع البحرين 5: 219.

______________________________

(1) السرائر 3: 97.

(2) الكفاية: 250.

(3) المسالك 2: 239، حكاه عنه في الرياض 2: 286.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 11: 260.

(5) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 239، الأردبيلي في مجمع الفائدة 11:

261، صاحب الكفاية: 250.

(6)

انظر الوسائل 24: 163 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 128

الفصل الخامس في مسائل متفرّقة ممّا يتعلّق بالحيوانات و أجزائها
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: الميتات من الحيوانات

- أي الخارج روحه بغير التذكية المعتبرة شرعا، سواء كان ممّا لا تقع عليه التذكية و لا يقبلها شرعا كالكلب و الخنزير، أو كان يقبلها و تقع عليه في الشرع، و لكن لم تقع عليه و مات قبلها- محرّمة إجماعا، و الآيات «1» و السنّة المتواترة «2» ناطقتان بحرمتها، و في تفسير الإمام عليه السّلام: قال اللّه تعالى إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ «3» «التي ماتت حتف أنفها بلا ذباحة من حيث أذن اللّه فيها» «4».

و في حكم الميتة في الحرمة أجزاؤها المقطوعة منها أو من الحيّ إن كانت الأجزاء ممّا تحلّه الحياة بلا خلاف، كما صرّح به غير واحد «5»، لصدق الاسم عليها، و لنجاستها كما مرّ في كتاب الطهارة، و لخصوص رواية أبي بصير «6» و صحيحة الوشّاء «7» المتقدّمتين في حكم الميتة من كتاب

______________________________

(1) البقرة: 173، المائدة: 3، النحل: 115.

(2) انظر الوسائل 24: 99 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1.

(3) البقرة: 173.

(4) تفسير العسكري عليه السّلام: 585.

(5) منهم الفيض في المفاتيح 2: 191، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 86، صاحب الرياض 2: 287.

(6) الكافي 6: 255- 2، الوسائل 24: 72 أبواب الذبائح ب 30 ح 3.

(7) الكافي 6: 255- 3، الوسائل 24: 178 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 32 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 129

المكاسب.

و تدلّ عليه أخبار الحبالة، كرواية محمّد بن قيس: «ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فذروه فإنّه ميّت، و كلوا ما أدركتم حياته و ذكرتم اسم اللّه عليه» «1».

و رواية البصري: «ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميّت، و ما أدركت من سائر جسده حيّا فذكّه ثمَّ كل منه»

«2».

و أخبار القطع بالسيف، كمرسلة النضر بن سويد: في الظبي و حمار الوحش يعترضان بالسيف فيقدّان، فقال: «لا بأس بأكلهما ما لم يتحرّك أحد النصفين، فإن تحرّك أحدهما فلا يؤكل الآخر، لأنّه ميتة» «3»، و غير ذلك.

و كما يحرم أكل الميتة تحرم جميع وجوه الانتفاعات منها- كما مرّ في المكاسب- حتى الانتفاع بجلدها للاستقاء في غير مشروط الطهارة.

خلافا فيه لجماعة «4»، و هم محجوجون بما مرّ.

المسألة الثانية: قد مرّ في بحث الطهارة: طهارة ما لا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة و عددها
اشاره

، و هو و إن كان أكثر ممّا ذكر- لكون البول و الروث

______________________________

(1) الكافي 6: 214- 1، التهذيب 9: 37- 154، الوسائل 23: 376 أبواب الصيد ب 24 ح 1.

(2) الكافي 6: 214- 2 و 3، الفقيه 3: 202- 918، التهذيب 9: 37- 155 و 156، الوسائل 23: 376 أبواب الصيد ب 24 ح 2.

(3) الكافي 6: 255- 6، التهذيب 9: 77- 326، الوسائل 23: 387 أبواب الصيد ب 35 ح 3.

(4) منهم المحقق في المختصر النافع 2: 254 و المحقق السبزواري في الكفاية:

252.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 130

و الدم و البصاق و القيح أيضا ممّا لا تحلّه الحياة- إلّا أنّ الدم منها قد عدّوه في النجاسات إذا كان ممّا له نفس، و البواقي مائعات تنجس بملاقاة الميتة، فلا وجه لذكر طهارتها، و لم يدلّ دليل خارجي على [1] عدم تنجّسها كما في اللبن و الإنفحة، فلذا لم يذكروها.

نعم، كان عليهم ذكر مثل البعرة [2] القابلة للتطهير أيضا كما ذكروا العظم و السنّ و نحوهما «1». و يمكن أن يكون الوجه في عدم ذكرها: أنّ الكلام في الميتة مطلقا سواء كان ممّا يؤكل أو لا يؤكل، و البعرة إنّما تطهر ممّا يؤكل خاصّة و قد ذكروها، بل

ذكر طهارتها حال الحياة مع انفصالها يدلّ عليها بعد الموت أيضا و إن احتاجت إلى الغسل بالملاقاة.

ثمَّ ما ذكر في البحث المذكور إنّما هو طهارة تلك الأمور المعدودة، و أمّا حلّيتها فالظاهر- المقتضي للأصل المصرّح به في بعض العبارات، كالشرائع و النافع «2» و غيرهما «3»- الحلّية، و على هذا فهي حلال أيضا إذا لم تحرم من جهة أخرى، من إيجاب ضرر أو خباثة معلومة أو نصّ، كبيض ما لا يؤكل لحمه، و قد مرّ في البحث المذكور ما يدلّ على حلّ بعضها.

و تدلّ عليه أيضا روايتا ابن أبي يعفور و داود المتقدّمتين في المسألة الثامنة من الفصل الأول «4»، مضافا إلى الأصل و العمومات السليمة عن المعارض، لعدم صدق الميتة عليها، إذ لا روح لها حتى تصير بخروجه ميتة.

______________________________

[1] هنا زيادة لفظ: طهارة، في جميع النسخ، و لم نعرف له وجها.

[1] البعرة: و هي من البعير و الغنم بمنزلة العذرة من الإنسان- مجمع البحرين 3: 227.

______________________________

(1) انظر الروضة 7: 301، المسالك 2: 243، كشف اللثام 2: 85.

(2) الشرائع 3: 222، المختصر النافع: 253.

(3) انظر المسالك 2: 242، الكفاية: 250.

(4) في ص: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 131

و منها: اللبن، و حلّيته هي الأشهر، كما يظهر من صريح اللمعة «1»، و ظاهر الدروس، حيث نسب رواية الحرمة إلى الندرة «2»، و عن الخلاف الإجماع عليه «3»، و حكي عن الغنية أيضا «4»، و تدلّ عليه طائفة من الأخبار المشار إليها «5» المعتضدة بالشهرة العظيمة.

خلافا للحلّي و الديلمي و الصيمري و الشرائع و النافع و التنقيح و جملة من كتب الفاضل، فحرّموه «6»، لنجاسته بملاقاته للنجس بالرطوبة، و لرواية وهب بن وهب «7» المتقدّمة

في بحث الطهارة.

و الأول مدفوع بمنع النجاسة كما مرّ. و الثاني بمعارضته مع الأخبار المتكثرة و موافقته للعامّة «8».

و منها: البيض قبل اكتسائها القشر الأعلى الصلب، و لا يضرّ فيها رواية غياث «9» المتقدّمة في ذلك البحث المثبتة لبأس فيها قبله، لعدم معلوميّة البأس، و إجماله و إن كان مضرّا للعمومات و لكن لا يضرّ

______________________________

(1) اللمعة (الروضة البهية 7): 306.

(2) الدروس 3: 15.

(3) الخلاف 2: 533.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 619.

(5) انظر الوسائل 3: 513 أبواب النجاسات ب 68.

(6) الحلّي في السرائر 3: 112، الديلمي في المراسم: 211، حكاه الصيمري في الرياض 2: 288، الشرائع 3: 223، المختصر النافع 2: 253، التنقيح 4: 44، الفاضل في التحرير 2: 161 و القواعد 2: 157.

(7) التهذيب 9: 76- 325، الاستبصار 4: 89- 340، قرب الإسناد: 135- 474، الوسائل 24: 183 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 33 ح 11.

(8) المغني و الشرح الكبير 1: 90، مغني المحتاج 1: 80.

(9) الكافي 6: 258- 5، التهذيب 9: 76- 322، الوسائل 24: 181 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 33 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 132

الأصل.

فرع: البول و إن كان ممّا لا تحلّه الحياة و لكنّه إن كان ممّا يحلّ أكله يحرم من ميتته

، لتنجّسه بالملاقاة، لكونه مائعا لاقى نجسا. و أمّا اللبن فالحكم بطهارته من الميتة و عدم تنجّسه بالملاقاة لأدلّة خاصّة به.

المسألة الثالثة: تحرم من أجزاء الحيوان المحلّل- و إن ذكّي- أشياء
اشاره

بعضها متّفق على حرمته، و بعضها مختلف فيها.

فالأول خمسة: الدم، و الطحال- و هو الذي يقال له بالفارسيّة: سپرز- و القضيب و هو الذكر، و الأنثيان و هما البيضتان، و الروث. و دعوى الإجماع و نفي الخلاف فيها مستفيضة، و جعل بعضهم حرمة الطرفين من الضروريّات الدينيّة «1».

و تدلّ عليه في الجميع مرسلة ابن أبي عمير: «لا يؤكل من الشاة عشرة أشياء: الفرث، و الدم، و الطحال، و النخاع، و العلباء، و الغدد، و القضيب، و الأنثيان، و الحياء، و المرارة» «2».

و مرسلة الفقيه «3»، و هي كالأولى إلّا أنّ فيها بدل «العلباء و المرارة»:

«الأوداج و الرحم».

______________________________

(1) كصاحب الرياض 2: 287.

(2) الكافي 6: 254- 3، التهذيب 9: 74- 316، الوسائل 24: 172 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 4.

و الفرث: الكرش من السّرجين- مجمع البحرين 2: 261.

العلباء: هو عصب في العنق يأخذ إلى الكاهل، و هما علباوان يمينا و شمالا، و ما بينهما منبت عرف الفرس- انظر النهاية 3: 285.

الحياء: الفرج من ذوات الخفّ و الظلف- راجع النهاية 1: 472.

(3) الفقيه 3: 219- 1010، الوسائل 24: 174 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 133

و رواية الخصال «1»، و هي كالثانية إلّا أنّ الراوي قال بعد «الأوداج»: أو قال: العروق.

و المرويّ في محاسن البرقي: «حرّم من الذبيحة سبعة «2» أشياء» إلى أن قال: «فأمّا ما يحرم من الذبيحة: فالدم، و الفرث، و الغدد، و الطحال، و القضيب، و الأنثيان، و الرحم» الحديث «3».

مضافة في الأربعة الأولى إلى مرفوعة

الواسطي: مرّ أمير المؤمنين عليه السّلام بالقصّابين فنهاهم عن بيع سبعة أشياء من الشاة، نهاهم عن بيع الدم، و الغدد، و آذان الفؤاد، و الطحال، و النخاع، و الخصى، و القضيب. الحديث «4».

و رواية ابن مرّار: «لا يؤكل ممّا يكون في الإبل و البقر و الغنم و غير ذلك ممّا لحمه حلال الفرج بما فيه ظاهره و باطنه، و القضيب، و البيضتان، و المشيمة و هو موضع الولد، و الطحال لأنّه دم، و الغدد مع العروق، و المخّ الذي يكون في الصلب، و المرارة، و الحدق و الخرزة التي تكون في الدماغ، و الدم» «5».

و رواية إبراهيم بن عبد الحميد: «حرّم من الشاة سبعة أشياء: الدم، و الخصيتان، و القضيب، و المثانة، و الغدد، و الطحال، و المرارة» «6».

______________________________

(1) الخصال: 433- 18، الوسائل 24: 172 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 4.

(2) في المصدر: عشرة.

(3) المحاسن: 471- 464، الوسائل 24: 177 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 20.

(4) الكافي 6: 253- 2، التهذيب 9: 74- 315، الخصال: 341- 4، الوسائل 24: 171 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 2.

(5) الكافي 6: 254- 4، التهذيب 9: 74- 317، الوسائل 24: 172 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 3.

(6) الكافي 6: 253- 1، التهذيب 9: 74- 314، المحاسن: 471- 463، الوسائل 24: 171 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 134

و في الثلاثة الأولى إلى المرويّ في الخصال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يكره أكل خمسة: الطحال، و القضيب، و الأنثيين، و الحياء و آذان القلب «1».

و في الأولين موثّقة سماعة: «لا تأكل الجرّيث و [لا] المارماهي،

و لا طافيا، و لا طحالا لأنّه بيت الدم» «2».

و عمّار: عن الطحال أ يحلّ أكله؟ قال: «لا تأكله فهو دم» «3».

و المرويّ في العيون: «و حرّم الطحال لما فيه من الدم» «4»، دلّت بالتعليل على حرمة الدم أيضا.

و في الدم خاصّة إلى الآيات «5» و الأخبار الغير العديدة «6».

و في الطحال خاصّة إلى صحيحة محمّد: «أنهاكم عن الجرّي و الزمّير و المارماهي و الطافي و الطحال» «7».

و قصور بعض الأخبار عن إفادة الحرمة غير ضائر بعد تصريح بعض آخر بالتحريم، فهو قرينة على إرادة الحرمة من البواقي أيضا.

ثمَّ قول الإسكافي بكراهة الطحال «8» ليس صريحا في المخالفة، لأنّها

______________________________

(1) الخصال: 283- 32، الوسائل 24: 174 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 10.

(2) الكافي 6: 220- 4، التهذيب 9: 4- 8، الاستبصار 4: 58- 200، الوسائل 24: 130 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 2.

(3) التهذيب 9: 80- 345، الاستبصار 4: 91- 348، الوسائل 24: 202 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 49 ح 2.

(4) عيون أخبار الرضا عليه السّلام 2: 93، الوسائل 24: 201 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 48 ح 2.

(5) البقرة: 173، المائدة: 3، النحل: 115.

(6) الوسائل 24: 99 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1.

(7) الكافي 6: 219- 1، التهذيب 9: 2- 1، الوسائل 24: 130 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 9 ح 1.

(8) حكاه عنه في المختلف: 682.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 135

في عرف القدماء أعمّ من الحرمة.

و أمّا المختلف فيه فكثيرة:

منها: النخاع- مثلّثة النون- و هو: الخيط الأبيض الذي في وسط فقار الظهر، منظّم خرزة، و هو الوتين الذي لا قوام للحيوان بدونه.

و المثانة، و هو: مجمع البول.

و الغدد، و هي: كلّ عقدة في

الجسم يطاف بها شحم، و كلّ قطعة صلبة بين القضيب، و هي تكون في اللحم مدوّرة تشبه البندق في الأغلب.

و المرارة- بفتح الميم- و هي: التي تجمع المرّة الصفراء معلّقة مع الكبد كالكيس.

و المشيمة، و هي: موضع الولد يخرج معه.

و هي حرام على الأقوى الأشهر، كما صرّح به في المختلف و التحرير «1»، و بعض من تأخّر «2».

لمرفوعة الواسطي المتقدّمة، و المرويّ في العلل: قال: قلت له: كيف حرّم اللّه النخاع؟ قال: «لأنّه موضع الماء الدافق من كلّ ذكر و أنثى، و هو المخّ الطويل الذي يكون في فقار الظهر» «3» في الأول.

و ضعفهما- لو كان- ينجبر بما ذكر، و بضميمتهما يتمّ الاستدلال بالروايات الثلاث الأولى أيضا.

و لرواية إبراهيم بن عبد الحميد المتقدّمة في الثانية و الرابعة.

و للمرفوعة و رواية المحاسن المتقدّمتين و رواية مسمع: «إذا اشترى

______________________________

(1) المختلف 2: 682، التحرير 2: 161.

(2) كصاحب الرياض 2: 288، غير أنّ فيه أيضا كالمختلف ادعاء الشهرة العظيمة.

(3) العلل: 562- 1، الوسائل 24: 175 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 136

أحدكم لحما فليخرج منه الغدد» «1» في الثالث.

و لرواية المحاسن المنجبرة في الخامسة، فإنّ المراد بالرحم فيها كما ذكروا المشيمة.

خلافا للمحكيّ عن جماعة، فبين غير متعرّض لها، و بين مصرّح بالكراهة «2»، لأصالتي البراءة و الإباحة، و عمومات الكتاب و السنّة، اللازم رفع اليد عن الأوليين و تخصيص الثاني بما مرّ.

و منها: الفرج، و العلباء، بكسر العين المهملة، ثمَّ اللام الساكنة، ثمَّ الباء الموحّدة، عصبتان عريضتان ممدودتان من الرقبة إلى عجب الذنب.

و ذات الأشاجع، و هي: أصول الأصابع التي تتّصل بعصب ظهر الكف.

و خرزة الدماغ، و هي في المشهور: المخّ الكائن

في وسط الدماغ، شبه الدودة بقدر الحمّصة تقريبا، يخالف لونها لونه، و هي تميل إلى الغبرة.

و حبّة الحدق، و هو: الناظر من العين لا جسم العين كلّه.

حرّم هذه الخمسة جماعة «3»، بل نسب إلى الشهرة «4»، و كرهها آخرون «5»، و هو الأقوى فيها، لخلوّ الروايات الصريحة في التحريم عنها بالمرّة، و قصور ما يتضمّنها عن إفادة الحرمة جدّا.

______________________________

(1) الكافي 6: 254- 5، العلل: 561- 1، الوسائل 24: 173 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 6.

(2) كالمحقق السبزواري في الكفاية: 251.

(3) منهم العلّامة في التحرير 2: 141 و الشهيد في الدروس 3: 14.

(4) الرياض 2: 288.

(5) منهم المحقق في الشرائع 3: 223 و الشهيد الثاني في المسالك 2: 243.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 137

و قد ظهر ممّا ذكر أنّ الأقوى: أنّ المحرّم من أجزاء المذكّى عشرة:

الدم، و الفرث، و الطحال، و القضيب، و الأنثيان، و النخاع، و المثانة، و الغدد، و المرارة، و المشيمة.

و المكروه خمسة: الفرج، و العلباء، و ذات الأشاجع، و خرزة الدماغ، و حبّة الحدقة.

و تكره أيضا الكليتان- و تسمّى الكلوتين أيضا- لما في مقطوعة سهل: إنّه كره الكليتين، و قال: «لأنّهما مجمع البول» «1».

و في الصحيحة الرضويّة عن آبائه عليهم السّلام، قال: «كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يأكل الكليتين من غير أن يحرّمهما، لقربهما من البول» «2».

و كذا تكره إذنا القلب، و العروق، لبعض الروايات المتقدّمة. و تعلّق النهي ببيع آذان الفؤاد في بعضها غير مفيد لإثبات الحرمة، لعدم قول بها فيها.

و بضميمة هذه الثلاثة مع الخمسة المختلف في وجوبها «3» تصير المكروهات ثمانية.

فروع:
أ: اعلم أنّ ما ذكر من تحريم الأشياء المذكورة فإنّما هو إذا كانت من الذبيحة و المنحورة

، و أمّا ما لا يذبح و لا ينحر- كالسمك و الجراد-

______________________________

(1)

الكافي 6: 254- 6، التهذيب 9: 75- 318، الوسائل 24: 173 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 5.

(2) عيون أخبار الرضا عليه السّلام 2: 40- 131، الوسائل 24: 177 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 18.

(3) يعني وجوب الاجتناب عنها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 138

فلا يحرم منه غير الرجيع و الدم البتّة، للأصل، و عمومات الحلّ، سيّما مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، و اختصاص ما يثبت منه التحريم من الأخبار المتقدّمة بغيرهما. و أمّا رجيعهما، فالأصل يقتضي الحلّية، و الخباثة غير معلومة، و ما يتراءى من التنفّر ففي الأكثر لمظنّة الحرمة أو كون أكله خلاف العادة، و أمّا دم السمك فيأتي حكمه.

ب: إطلاق تحريم المذكورات في كثير من العبارات يشمل كبير الحيوان المذبوح

كالجزور و البقر و الشاة، و صغيره كالعصفور و فرخه، بل عن جماعة التصريح بالتعميم، و منهم الشهيد الثاني في الروضة، إلّا أنّه قال: و يشكل الحكم بتحريم جميع ما ذكر مع عدم تميّزه لاستلزامه تحريم جميعه أو أكثره للاشتباه، و الأجود اختصاص الحكم بالنعم من الحيوان و الوحشي دون مثل العصفور «1».

قيل بعد نقله: و هو جيّد فيما كان مستند تحريمه الإجماع، لعدم معلوميّة تحقّقه في العصفور و شبهه، مع اختصاص عبارات جماعة- كالصدوق و غيره، و جملة من النصوص- بالشاة و النعم، و عدم انصراف باقي الإطلاقات إليهما «2».

أقول: لا شكّ أنّ الدالّ على الحرمة من الأخبار الحجّة بنفسها أو بالانجبار لا يشمل مورد النزاع إلّا في الدم و الطحال، أو مع الرجيع على تسليم استخباثه، فالتعدّي إلى الغير مشكل، و تحليل الجميع من مورد النزاع أشكل، و الإجماع المركّب غير معلوم، فتخصيص المحرّم من هذه الحيوانات الصغار بالدم و الطحال أو مع الرجيع حسن، و الاحتياط أحسن.

______________________________

(1) الروضة

7: 311.

(2) الرياض 2: 288.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 139

ج: الأصل في الدم كلّه الحرمة

، كما صرّح به في المسالك «1»، لإطلاقات الكتاب و السنّة.

قال اللّه سبحانه في سورة المائدة حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ الآية «2».

و قال في سورة البقرة إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ «3».

و في مرسلة محمّد بن عبد اللّه، و روايتي المفضّل و عذافر- الواردة في علل تحريم الخمر و الميتة و الدم و لحم الخنزير-: «و أمّا الدم فإنّه يورث أكله الماء الأصفر» «4».

و في المرويّ في العيون: «حرّم اللّه الدم كتحريم الميتة» الحديث «5».

و قد مرّ مطلقات تعليل حرمة الطحال بأنّ فيه الدم. إلى غير ذلك.

و لكنّه خرج من تحت الأصل ما يتخلّف في لحم الحيوان المأكول ممّا لا يقذفه المذبوح، فإنّه حلال بالإجماع المحقّق، و المحكيّ في كلمات جماعة «6»، المعاضد بالاعتبار، لاستلزام تحريمه العسر و الحرج المنفيّين

______________________________

(1) المسالك 2: 245.

(2) المائدة: 3.

(3) البقرة: 173.

(4) الكافي 6: 242- 1، الفقيه 3: 218- 1009، المحاسن: 334- 104، العلل:

483- 1، أمالي الصدوق: 529- 1، الوسائل 24: 99 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1 ح 1.

(5) عيون أخبار الرضا عليه السّلام 2: 92، الوسائل 24: 102 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 1 ح 3.

(6) منهم العلّامة في المختلف: 59، الشهيد الثاني في المسالك 2: 245، صاحب الرياض 2: 293.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 140

شرعا و عقلا، لعدم خلوّ اللحم عنه و إن غسل مرّات.

و لانحصار دليله بالإجماع يجب الاقتصار في استثنائه على ما ثبت فيه الإجماع، و هو المتخلّف عن الذبيحة المأكول من غير الخلط بالمسفوح بجذب نفس أو علوّ رأس، كما مرّ في بحث الطهارة،

فلا يحلّ المخلوط به، و لا دم غير الذبيحة و إن كان ممّا لا نفس له و لو من السمك.

فيحرم ما عدا ما ذكر مطلقا، للأصل، لا للاستخباث، لمنعه جدّا، فإنّ الدم لو كان خبيثا لكان كلّه كذلك، مع أنّه لا يستخبث المتخلّف من الذبيحة.

نعم، تثبت حرمة بعض أفراد الغير المتخلّف بواسطة النجاسة أيضا.

و من الأصحاب من توقّف في حرمة الدم المتخلّف في غير المأكول، و منهم من حكم بحلّية ما عدا المسفوح من الدماء، كدم الضفادع و القراد و السمك ممّا لا نفس له «1»، و ظاهر المعتبر و الغنية و السرائر و المختلف و المنتهى و النهاية: حلّية دم السمك «2»، بل ظاهر الأول دعوى الإجماع عليها.

و لا أعرف لهم دليلا سوى الأصل، و العمومات، و قوله سبحانه في سورة الأنعام قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً «3» حيث قيّد الدم المحرّم بالمسفوح.

و الأولان بما ذكر مندفعان. و الثالث لا يدلّ إلّا على عدم الوجدان فيما اوحي إليه، أو فيما أوحي إليه حين نزول الآية، فلا ينافي تحريم المطلق

______________________________

(1) انظر السرائر 1: 174.

(2) المعتبر 1: 117، الغنية (الجوامع الفقهية): 550، السرائر 1: 175، المختلف: 59، المنتهى 1: 163، نهاية الإحكام 1: 268.

(3) الأنعام: 145.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 141

بعد ذلك، فإنّ آية الحلّ مكّية و آيتا الحرمة مدنيّتان، فهما نازلتان بعد الاولى، فلا تنافي بينهما أصلا، و حمل حرف التعريف في الآيتين على المعهود خلاف الأصل.

مع أنّه لو لم تحمل الآية الأولى على ما ذكرنا و حملت على نفي التحريم المطلق لزم الحكم إمّا بنسخها، فلا تكون حجّة، أو

تخصيصها إلى أن لا يبقى ما يقرب مدلول العام، و هو يخرج عن الحجّية.

ثمَّ ممّا ذكرنا ظهر حرمة العلقة و دم البيضة، لصدق الدم، مضافا إلى ما مرّ من نجاستهما في بحث الطهارة.

المسألة الرابعة: لا شكّ في حرمة أبوال ما لا يؤكل لحمه ممّا له نفس

، لنجاستها.

و أمّا ما يؤكل لحمه ففي حلّية بوله و حرمته قولان:

الأول: للسيّد و الإسكافي و الحلّي و النافع و المعتبر و الشرائع و الأردبيلي و الكفاية و إليه يميل كلام المسالك «1»، و عن الأول الإجماع عليه.

للأصل، و العمومات، و حصر المحرّمات، و رواية الجعفري: «أبوال الإبل خير من ألبانها» «2».

و الثاني: لظاهر الشيخ في النهاية و صريح ابن حمزة و مطاعم الشرائع و الإرشاد و التحرير و القواعد و المختلف و الدروس و ظاهر الروضة «3»،

______________________________

(1) السيّد في الانتصار: 201، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 686، الحلّي في السرائر 3: 125، المختصر النافع 2: 254، المعتبر 1: 411، الشرائع 1: 51، مجمع الفائدة و البرهان 11: 214، الكفاية: 252، المسالك 2: 247.

(2) الكافي 6: 338- 1، التهذيب 9: 100- 437، الوسائل 25: 114 أبواب الأطعمة المباحة ب 59 ح 3.

(3) النهاية: 590، ابن حمزة في الوسيلة (الجوامع الفقهية): 733، الشرائع 3: 227، الإرشاد 2: 111، التحرير 2: 161، القواعد 2: 158، المختلف:

686، الدروس 3: 17، الروضة 7: 324.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 142

و اختاره بعض مشايخنا المعاصرين عطّر اللّه مرقده «1».

للقطع بالاستخباث.

أو احتماله الموجب للتنزّه عنه من باب المقدّمة، فإنّ التكليف باجتناب الخبيث ليس تكليفا مشروطا بالعلم بخباثته، بل هو مطلق.

و الأولويّة المستفادة من أدلّة حرمة الفرث و المثانة التي هي مجمع البول.

و لمفهوم موثّقة عمّار: عن بول البقر يشربه الرجل، قال: «إن كان محتاجا إليه يتداوى به

شربه، و كذلك بول الإبل و الغنم» «2».

و في الكلّ نظر، أمّا الأول فلمنع الخباثة جدّا، و تنفّر بعض الطباع أو جلّها غير الخباثة المحرّمة، فإنّ تنفّرها عمّا تغسل فيه اليد الدنسة- أو يوطأ بالرّجل الدنسة، أو تمرس فيه اللحية الكثّة، أو تدخل فيه الذباب أو القمل الكثيرة ثمَّ تخرج- أكثر بكثير من ذلك، مع أنّه ليس بحرام قطعا و لا يعدّ من الخبائث شرعا، مع أنّه لو كان [لكان ] «3» لعدم الاعتياد أو مظنّة الحرمة، و لولاهما لم أر فرقا بين لبنها و بولها بالمرّة، كيف؟! و صرّح الإمام بكون بول الإبل خيرا من لبنها كما عرفت، و ما أظنّ فيها تنفّرا إلّا من إحدى الجهتين المذكورتين.

و أمّا الثاني، فلمنع عدم كون التكليف باجتناب الخبيث مشروطا بالعلم، و لولاه لزم التكليف بما لا يعلم، فإنّه يصير المفاد حينئذ: حرّمت

______________________________

(1) و هو صاحب الرياض 2: 295.

(2) الوسائل 25: 113 أبواب الأطعمة المباحة ب 59 ح 1.

(3) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 143

عليكم الخبائث، سواء علمتم خباثتها أو علمتم عدم خباثتها أو لم يعلم شي ء منهما، و هذا باطل قطعا، و يلزم الإثم بأكل ما ظنّ طيّبا و كان خبيثا واقعا و هو خلاف الإجماع.

سلّمنا أنّه ليس مشروطا بالعلم، و لكن لا يجب تحصيل العلم بالاجتناب عنه، إذ لا دليل على ذلك الوجوب و اجتناب المحتمل مقدّمة لذلك.

و أمّا الثالث، فلمنع الأولويّة، و كون المثانة مجمعا للبول لا يوجبها، و إلّا لزم حرمة الكليتين المصرّح في الرواية بأنّهما مجمع البول «1».

و أمّا الرابع، فلأنّ المفهوم لا يثبت أزيد من المرجوحيّة، مع أنّ الاحتياج للتداوي أعمّ من الضرورة المبيحة للأشياء

المحرّمة.

و قد يستدلّ بوجوه أخر ضعيفة.

المسألة الخامسة: المشهور بين الأصحاب تبعيّة لبن الحيوان للحمه

حلّا و كراهة و حرمة، و عليه الإجماع في الثالث عن الغنية «2»، و نفي الخلاف فيه و في الثاني في كلام بعض الأجلّة «3»، و الإجماع في الجميع في شرح المفاتيح.

و الإجماع في الأول محقّق، و مرسلة داود- المتقدّمة في المسألة الثامنة من الفصل الأول «4» المنجبرة بالعمل- عليه دالّة.

و الشهرة و الإجماع المنقول كافيان لإثبات الثاني، لتحمّله المسامحة.

______________________________

(1) تقدّمت في ص: 137.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(3) كصاحب الرياض 2: 295.

(4) في ص: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 144

و لا ينافيها ورود الرخصة في أكل شيراز الأتن [1] في بعض المعتبرة «1»، لأنّها تجتمع مع الكراهة.

و أمّا الثالث، فإن ثبت الإجماع عليه- كما هو المحتمل- فهو، و إلّا فلا دليل عليه، و الأصل يقتضي الحلّية.

و غاية ما استدلّ بعضهم «2» عليه الإجماع المنقول.

و مفهوم المرسلة المشار إليها.

و استصحاب الحرمة، حيث إنّ اللبن كان قبل الاستحالة دما محرّما.

و الجزئيّة لما يحرم كلّه، فبحرمة الكلّ يحرم هو أيضا، إذ لا وجود للكلّ إلّا بوجود أجزائه، فتحريمه في الحقيقة تحريم لها.

و الكلّ مردود جدّا:

أمّا الأول: فبعدم الحجّيّة.

و أمّا الثاني: فلأنّه مفهوم وصف و ليس بحجّة.

و أمّا الثالث: فلتغيّر الموضوع، مع أنّ حرمة ذلك الدم المستحيل لبنا غير معلومة أولا، فإنّ المعلوم حرمته هو الدم المسفوح.

و أمّا الرابع: فبمنع حرمة الكلّ، بل المحرّم لحمه و سائر أجزائه الثابتة حرمته.

نعم، لو ثبتت أولا حرمة الكل- الذي من أجزائه اللبن- يمكن استصحاب حرمته، و أين ذلك و أنّى؟! فالتأمّل في التبعيّة في الحرمة

______________________________

[1] الشيراز: اللبن الرائب يستخرج منه ماؤه، و قال بعضهم: لبن يغلي حتى يثخن ثمَّ ينشف حتى ينتقب و يميل

طعمه إلى الحموضة.

و الأتن: جمع أتان: الأنثى من الحمير- راجع المصباح المنير: 3: 309.

______________________________

(1) الوسائل 25: 115 أبواب الأطعمة المباحة ب 60.

(2) و هو صاحب الرياض 2: 295.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 145

- كالمقدّس الأردبيلي، و صاحب الكفاية «1»- في موقعه جدّا، و لو لا مظنّة الإجماع لحكمنا بالحليّة قطعا، و لكنّها تخوّفنا من الحكم الصريح.

المسألة السادسة: قد علم حكم الأجزاء التي عدّوها ممّا لا تحلّه الحياة ممّا يؤكل و ممّا لا يؤكل،

و كذا حكم البول و الفرث و الدم و اللبن و البيض، و بقيت أشياء أخر، كالقيح، و الوسخ، و البلغم، و النخامة، و البصاق، و العرق، و الرجيع ممّا لا يسمّى فرثا «2» و روثا.

أمّا الأربعة الأولى فالظاهر ظهور حرمتها مطلقا، لظهور خباثتها جدّا، بحيث لا يستراب فيها أبدا.

و أمّا الخامس و السادس، فنسب إلى المشهور حرمتهما أيضا «3»، و استدلّ بعضهم «4» لهما بالخباثة.

و فيه نظر، سيّما في البصاق، بل قد يستطاب بصاق المحبوب، و يمصّ فمه و لسانه، و يبلع بصاقه بميل و رغبة.

و التنفّر عن بصاق بعض الأشخاص- لتنفّره بنفسه- لا يوجب الحرمة، كيف؟! و ليس البصاق أظهر خباثة من اللقمة المزدردة «5»، و هي محلّلة قطعا، و قد ورد في الأخبار: أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أعطى لقمته من فيه إلى من طلبها «6»، مع أنّها ممزوجة بالبصاق قطعا.

______________________________

(1) الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11: 215، الكفاية: 252.

(2) في «ح»: بولا.

(3) الرياض 2: 295.

(4) الدروس 3: 17.

(5) في «ق» و «س» و «ح»: المردودة.

(6) الكافي 6: 271- 2، المحاسن: 457- 388، الوسائل 25: 218 أبواب الأطعمة المباحة ب 131 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 146

و قد وردت النصوص بمصّ الحسين عليه السّلام لسان النبيّ صلّى اللّه

عليه و آله و أنّه نشأ من لعاب فمه «1»، و أنّ الحسين عليه السّلام مصّ لسان عليّ بن الحسين عند غلبة العطش يوم الطف «2».

و وردت نصوص ظاهرة في حلّ بصاق المرأة و البنت «3»، فالحكم بحلّيّته- كما هو ظاهر الأردبيلي «4»، و صاحب الكفاية- قويّ جدّا، و كذا العرق.

و أمّا السابع- فيما كان ممّا لا يؤكل ممّا له نفس- فنجس محرّم قطعا، و أمّا في غيره فلا دليل فيه على الحرمة سوى الخباثة، و إثباتها بالكلّية مشكل غايته، سيّما في مثل فضلات الديدان الملصقة بأجواف الفواكه و البطائخ و نحوها، و لكن لا يبعد ظهورها في البعض، كذرق الدجاجة و السلحفاة و الضفادع، فالوجه الإناطة بها فيها، و الحكم بالحلّية فيما لم تعلم خباثته منها.

______________________________

(1) الكافي 1: 465 ذيل الحديث 4، البحار 44: 198- 14.

(2) البحار 45: 43.

(3) الوسائل 10: 102 أبواب ما يمسك عنه الصائم و وقت الإمساك ب 34.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 11: 214.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 147

الفصل السادس في حكم المشتبه من الحيوان و أجزائه و فيه مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنّ الاشتباه على أربعة أقسام:

الأول: أن يعلم أنّ هذا الجزء من أيّ حيوان، و يعلم أنّ هذا الحيوان مأكول أو قابل للتذكية، و لكن شكّ في أنّه هل ذكّي أم لا.

الثاني: أن يعلم أنّ هذا الحيوان مأكول أو قابل، و هذا ليس بمأكول و لا قابل، و لكن لم يعلم أنّ هذا الجزء من أيّ الحيوانين المعلوم حالهما.

الثالث: أن يعلم أنّ هذا الجزء من هذا الحيوان المشاهد أو المسمّى بالاسم الفلاني، و لكن لم يعلم أنّ هذا الحيوان هل هو مأكول أو قابل أم لا.

الرابع: أن يعلم أنّ هذا الجزء ليس من الحيوانات المعروفة له «1» حكما، و لم يعرف الحيوان الذي هو

منه مشاهدة و لا اسما، و لم يعلم أنّ الذي هو منه هل هو مأكول أو قابل أم لا.

و الفرق بين ذلك و سابقة في مجرّد تعيّن الحيوان، الذي هو منه شخصا أو اسما و عدمه.

و إن شئت جعلت الأقسام قسمين، لانّ الجهل إمّا يتعلّق بنفس التذكية و عدمها، و هو القسم الأول، أو بالحيوان الذي هذا الجزء منه، و له الأقسام الثلاثة الأخيرة.

______________________________

(1) كذا، و الظاهر زيادتها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 148

ثمَّ على التقادير المذكورة يكون البحث عنها إمّا للشكّ في الطهارة و النجاسة- و هذا إنّما يكون فيما تحلّه الحياة من أجزاء الحيوان خاصّة- أو للشكّ في جواز الصلاة و عدمه، أو للشكّ في حلّية الأكل و عدمها.

ثمَّ إنّه قد تقدّم الكلام في البحث في الأول عن القسم الأول في بحث الجلود من كتاب الطهارة، و هو و إن كان مخصوصا بالجلود إلّا أنّه يتعدّى إلى غيرها من الأجزاء الموقوفة طهارتها على التذكية بالإجماع المركّب، كما أشير إليه في البحث المذكور، مع أنّ كثيرا من أدلّتها شامل للّحم و غيره أيضا.

و ممّا ذكر هناك يعلم حقّ الكلام فيما يتعلّق بالبحث في الثاني عن القسم الأول، بل يعلم الحكم بما يتعلّق بالبحث في الثالث أيضا عن هذا القسم، و أنّه يحكم فيه بالتذكية و الحلّية في كلّ ما عرفت أنّه يحكم فيه بالطهارة، و أمّا فيما عداه فلا.

و الحكم بأصالة الحلّية هنا في جميع الموارد ما لم تعلم الحرمة، لعمومات أصالة الحلّية، مثل قوله: «كلّ شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه» «1» و نحوه، و مثل ما دلّ على جواز الصلاة في كلّ شي ء ما لم

يعلم أنّه ميتة، و غير ذلك.

غير مفيد، لأنّ دلالة جميع هذه الأدلّة من باب الأصل الذي يندفع و يزال البتّة باستصحاب عدم التذكية، الموجب للعلم الشرعيّ بكونه ميتة، فالمناط إنّما هو الأدلّة المذكورة المزيلة للاستصحاب في مواردها.

______________________________

(1) الفقيه 3: 216- 1002، التهذيب 9: 79- 337، مستطرفات السرائر:

84- 27، الوسائل 17: 87 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 1، و ج 24: 236 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 64 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 149

و كذا تقدّم الكلام فيما يتعلّق بالبحث في الأول و الثاني عن القسم الثاني في بحث اللباس من كتاب الصلاة، و قد عرفت أنّ الأصل فيه الطهارة و جواز الصلاة، و يلزم الثاني الحلّية و جواز الأكل أيضا، و تدلّ عليه جميع أدلّة الحلّية من الأصول و العمومات و الأخبار الواردة في الموارد الجزئيّة.

فلم يبق إلّا الكلام في القسم الثالث و الرابع، و هو أن يكون الجزء من حيوان معيّن، أو كان هناك حيوان معيّن و لم يعلم أنّه هل هو حلال قابل للتذكية أو لا، أو يكون الجزء من حيوان غير معيّن إلّا أنّه يعلم أنّه ليس من هذه الحيوانات المعروفة القابلة للتذكية و غير القابلة.

و الحقّ فيهما أيضا: الحلّية و الطهارة بالتذكية الواقعيّة أو الشرعيّة المحكوم بها شرعا من الموارد التي يحكم بها فيها في القسم الأول، و يلزمهما جواز الصلاة، لجميع الأدلّة المذكورة من الأصول و العمومات الخالية عن المعارض رأسا.

و لا يتوهّم معارضة أصالة عدم ورود التذكية عليها، حيث إنّها أمر توقيفي شرعي يقتصر فيه على ما علم، لأنّ عمومات حصول التذكية كافية في إثبات أصالة عموم ورود التذكية، مثل قوله سبحانه فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ

عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ «1».

و قوله وَ ما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ «2».

و ما في الأخبار من قولهم: «ما قتلت من الجوارح مكلّبين و ذكر اسم اللّه عليه فكلوا من صيدهنّ» «3».

______________________________

(1) المائدة: 4.

(2) الأنعام: 119.

(3) الكافي 6: 203- 5، التهذيب 9: 23- 90، الوسائل 23: 346 أبواب الصيد ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 150

و قوله في صحيحة البصري: «كل ما قتل الكلب إذا سمّيت عليه» «1».

و في صحيحة محمّد: «كل من الصيد ما قتل السيف و السهم و الرمح» «2»، إلى غير ذلك.

نعم، إن كان الحيوان المشتبه حاضرا، و أمكن الفحص عن حلّيته و حرمته بالعلامات المتقدّمة المحلّلة أو المحرّمة، لم يجز الحكم بالأصل و العمومات قبل الفحص الممكن، و الوجه ظاهر.

المسألة الثانية: المشهور أنّه إذا وجد لحم و لم يعلم هل هو ذكي أو ميّت يطرح على النار، فإن انقبض فهو ذكي

و إن انبسط فهو ميّت، و عن الدروس يكاد أن يكون إجماعا «3»، و نفى عن إجماعيّته البعد في المسالك، مؤيّدا لها بموافقة الحلّي- الذي لا يعمل بالآحاد- عليه «4»، و عن الغنية «5» و بعض آخر من الأصحاب «6» الإجماع عليه.

و تدلّ عليه رواية شعيب: في رجل دخل قرية فأصاب بها لحما لم يدر ذكي هو أم ميّت، قال: «يطرحه على النار، فكلّما انقبض فهو ذكي، و كلّما انبسط فهو ميّت» «7».

______________________________

(1) الكافي 6: 205- 13، التهذيب 9: 24- 97، الاستبصار 4: 68- 245، الوسائل 23: 335 أبواب الصيد ب 2 ح 8.

(2) الكافي 6: 209- 1، التهذيب 9: 34- 137، الوسائل 23: 362 أبواب الصيد ب 16 ح 2.

(3) الدروس 3: 14.

(4) المسالك 2: 247.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 619.

(6) حكاه في الكفاية: 252، و انظر كشف اللثام 2: 272.

(7)

الكافي 6: 261- 1، التهذيب 9: 48- 200، الوسائل 24: 188 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 37 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 151

و ضعفها- لو كان- غير مضرّ، لانجباره بما ذكر، مضافا إلى صحّتها عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه.

ثمَّ لا يخفى أنّ مقتضى الرواية حصول معرفة المذكّى و الميّت بذلك، و ذلك يعارض أصالة عدم التذكية المعمول عليها في مواردها، و أصالة الحلّية و عموماتها في مظانّها.

و العمل في الأولى على الرواية، لكونها للأصل دافعة.

خلافا للمحكيّ عن الإرشاد و القواعد و الإيضاح و التنقيح و الصيمري و أبي العبّاس و الروضة «1»، للأصل المذكور المندفع بالرواية.

و كأنّ في الثانية كذلك لو كان المناط هو الأصل خاصّة، و لكن يحصل التعارض بين الرواية و بين مثل ما دلّ على حلّية ما يؤخذ من سوق المسلمين أو يوجد في أرضهم «2» و نحو ذلك بالعموم من وجه، و المرجع أصل الإباحة.

بل يمكن أن يقال: إنّ موارد الحكم بالحلّية ممّا تعلم فيه التذكية لأجل أدلّة الحلّية، فلا تكون من مورد الرواية.

إلّا أن يقال: إنّ موارد الحلّية أيضا من باب الأصل، لأنّ بعض أدلّتها و إن كان عامّا إلّا أنّ بعضها مقيّد بمثل قوله: «حتى تعلم أنّه ميتة» «3» و به تقيّد المطلقة أيضا، فيجب تقديم الرواية، بل الفحص بمقتضى الرواية في

______________________________

(1) الإرشاد 2: 113، القواعد 2: 159، الإيضاح 4: 161، التنقيح 4: 57، حكاه عن الصيمري و أبي العبّاس في الرياض 2: 296، الروضة 7: 337.

(2) الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50.

(3) الكافي 3: 403 ح 28، التهذيب 2: 234- 920، الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50 ح 2.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 15، ص: 152

كلّ واقعة، لأنّ العمل بالأصل إنّما هو بعد الفحص.

و لكن يجاب عنه: بأنّ هذا من باب إجراء الأصل في الموضوعات و لا يجب الفحص فيه، مع أنّه صرّح في بعض الأخبار المعتبرة الواردة في موارد الحلّية أنّه: «ليس عليكم المسألة» «1» فالإشكال منتف بالمرّة، إلّا إذا امتحن شخص اتّفاقا بمقتضى الرواية و ظهرت المخالفة فيشكل الأمر حينئذ، و الإجماع على الحلّية أيضا غير معلوم، و لا يبعد الحكم بالحرمة حينئذ.

و لو تعدّد قطعات اللحم تختبر كلّ قطعة على حدة ما لم يعلم اتّحاد حكمها من جميع الوجوه، كما إذا أمكن أن تكون من حيوانات متعدّدة، أو من حيوان واحد و احتمل قطع بعض أجزائه قبل التذكية، و إلّا فتكفي الواحدة، إذ بها يعلم حكم الباقي، فلا يصدق عدم الدراية، كما في الرواية.

و هل الاختبار عند الاشتباه في الذبح و عدمه، أو يجري فيما إذا شكّ مثلا في التسمية أو الاستقبال أو كون الذابح مسلما مثلا، أم لا؟

ظاهر بعضهم: الثاني «2»، و هو مشكل جدّا، إذ الظاهر أنّ السؤال عن الميّت حتف أنفه.

المسألة الثالثة: إذا اختلط المذكّى من اللحم و شبهه بالميتة

و لا سبيل إلى التمييز، فإن كان الخلط خلط مزج- كاللحوم المتعدّدة المدقوقة مخلوطا- وجب الاجتناب عن الجميع، و الوجه ظاهر.

و إن كان من باب اشتباه الأفراد فالمشهور وجوب اجتناب الجميع إذا

______________________________

(1) الفقيه 1: 167- 787، التهذيب 2: 368- 1529، الوسائل 3: 491 أبواب النجاسات ب 50 ح 3.

(2) كصاحب الرياض 2: 296.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 153

كانا محصورين.

و لم أعثر على دليل له، سوى ما قيل من أنّ العلم بالاجتناب عن الميتة لازم، و هو موقوف على اجتناب الجميع، فيجب من باب المقدّمة «1».

و قد مرّ

جوابه و أنّ الثابت وجوب اجتناب ما علم أنّه ميتة دون العلم باجتنابها.

و ربّما يستأنس له بصحيحة الكناسي: عن السمن و الجبن نجده في أرض المشركين بالروم أ نأكله؟ فقال: «أمّا ما علمت أنّه قد خلطه الحرام فلا تأكله، و أمّا ما لا تعلم فكله حتى تعلم أنّه حرام» «2».

و فيه: أنّها ظاهرة في المزج، و لو شملت غيره أيضا فدالّة على خلاف مطلوبهم، لأنّ بعد إبقاء ما يساوي الميتة من الأفراد لا يعلم حرمة الباقي، فيجوز أكله.

و قد يستدلّ له أيضا بصحيحتي الحلبي، إحداهما: أنّ الميتة و المذكّى اختلطا فكيف يصنع؟ قال: «يبيعه ممّن يستحلّ الميتة و يأكل ثمنه، فإنّه لا بأس به» «3»، و قريبة منها الأخرى «4».

و فيه: أنّهما غير مفيدتين للوجوب، غايتهما الرجحان، و لا كلام فيه، مع أنّه لا يمكن أن يكون للوجوب، إذ لا شكّ في عدم وجوب بيعه، بل

______________________________

(1) كما في الرياض 2: 297.

(2) التهذيب 9: 79- 336، مستطرفات السرائر: 78- 4، الوسائل 24: 235 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 64 ح 1.

(3) الكافي 6: 260- 1، التهذيب 9: 47- 198، الوسائل 24: 187 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 36 ح 2.

(4) الكافي 6: 260- 2، التهذيب 9: 48- 199، الوسائل 24: 187 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 36 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 154

تجوز هبته و صلحه للكافر و دفنه و طرحه.

سلّمنا الوجوب، و لكن لا يدلّ وجوب بيعه على حرمة أكله لو لم يبع، فلعلّه لأجل الانتفاع بقدر ثمن الميتة و عدم تضييعه.

فالحقّ- وفاقا للأردبيلي و صاحب الكفاية «1»، و غيرهما من المتأخّرين «2»-: عدم وجوب اجتناب الجميع، بل يجب الاجتناب عن القدر المعلوم كون الميتة

بهذا القدر مخيّرا بين الأفراد، و يجوز تناول الباقي، كما مرّ في نظائره كثيرا، و الأصل و العمومات عليه دليل محكّم.

ثمَّ إنّ ما دلّت عليه الصحيحتان- من جواز البيع لمستحلّي الميتة- مذهب جماعة، منهم الشيخ في النهاية و ابن حمزة «3»، و هو الأقوى، للصحيحين المذكورين، المخصّصين للأخبار المانعة عن الانتفاع بالميتة مطلقا و عن بيعها «4»، لأخصّيّتهما المطلقة منها من وجوه.

خلافا للحلّي و القاضي «5» و جمع آخر «6»، فمنعوه، للأخبار المذكورة بجوابها، و لما دلّ على حرمة الإعانة على الإثم، بناء على كون الكفّار مكلّفين بالفروع كما هو المذهب.

و فيه: منع كونه إعانة، كما يظهر وجهه ممّا ذكرناه في بيان الإعانة

______________________________

(1) الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 11: 271، الكفاية: 251.

(2) كالعلّامة المجلسي في البحار 62: 144.

(3) النهاية: 586، ابن حمزة في الوسيلة: 362.

(4) الوسائل 3: 501 أبواب النجاسات ب 61، و ج 17: 92 أبواب ما يكتسب به ب 5، و ص 172 ب 38.

(5) الحلي في السرائر 3: 113، القاضي في المهذّب 2: 442.

(6) منهم الشهيد في المسالك 2: 242 و صاحب الرياض 2: 297.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 155

على الإثم في كتاب العوائد «1»، مع أنّها أيضا ليست إلّا قاعدة كلّية للتخصيص صالحة.

و قد يعتذر المانعون للصحّة عن الصحيحين ببعض الوجوه الغير التامّة، التي لا فائدة في ذكرها بعد العمل بظاهرهما.

______________________________

(1) عوائد الأيّام: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 157

الباب الثالث في بيان ما يحلّ من غير الحيوانات و ما يحرم

اشاره

و فيه فصلان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 159

الفصل الأول في الجوامد
و فيه مسائل:
المسألة الأولى: من الجوامد المحرّمات أو المحلّلات: أجزاء الحيوانات و فضلاتها

، و قد مرّ حكمها و بيان المحرّم منها و المحلّل مفصّلا.

المسألة الثانية: من الجوامد المحرّمة: الطين،
اشاره

و لا خلاف في تحريم عدا ما يستثنى منه، و نقل الإجماع عليه مستفيض «1»، بل هو إجماع محقّق، فهو الدليل.

مضافا إلى النصوص المستفيضة، كرواية سعد: «أكل الطين حرام مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير، إلّا طين قبر الحسين عليه السّلام، فإنّ فيه شفاء من كلّ داء و أمنا من كلّ خوف» «2».

و مرسلة الواسطي: «الطين حرام كلّه «3» كلحم الخنزير، و من أكله ثمَّ مات لم أصلّ عليه، إلّا طين القبر، فإنّ فيه شفاء من كلّ داء، و من أكله بشهوة لم يكن فيه شفاء» «4».

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 618، المختصر النافع: 253، المختلف: 686، الروضة 7: 326، الرياض 2: 289.

(2) الكافي 6: 266- 9، التهذيب 9: 89- 377، الوسائل 24: 226 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 59 ح 2.

(3) في «س» و «ح»: أكله ..

(4) الكافي 6: 265- 1، علل الشرائع: 532- 2، كامل الزيارات: 285- 1، الوسائل 24: 226 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 59 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 160

و صحيحة هشام بن سالم: «إنّ اللّه خلق آدم من الطين فحرّم أكل الطين على ذرّيّته» «1».

و رواية القدّاح: «قيل لأمير المؤمنين عليه السّلام في رجل يأكل الطين فنهاه، فقال: لا يأكله» الحديث «2».

و المرويّ في كامل الزيارة، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: قال:

«كلّ طين محرّم على بني آدم ما خلا طين قبر أبي عبد اللّه عليه السّلام، من أكله من وجع شفاه اللّه» «3».

و في العلل: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من أكل الطين فهو ملعون» «4»، إلى غير ذلك.

و لا

فرق في حرمته بين قليله و كثيره.

ثمَّ الطين- كما صرّحوا به-: هو التراب المخلوط بالماء، و قالوا: إنّه معناه لغة و عرفا. قال في القاموس: الطين معروف، و الطينة: قطعة منه، و تطين: تلطّخ به «5». و عن الراغب الأصفهاني في مفرداته: الطين: التراب و الماء المختلط به «6».

______________________________

(1) الكافي 6: 265- 4، التهذيب 9: 89- 380، المحاسن: 565- 973، علل الشرائع: 532- 1، الوسائل 24: 221 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58 ح 5.

(2) الكافي 6: 266- 5، التهذيب 9: 90- 381، المحاسن: 565- 977، الوسائل 24: 222 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58 ح 6.

(3) كامل الزيارات: 286- 4، الوسائل 24: 228 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 59 ح 4.

(4) علل الشرائع: 533- 4، الوسائل 24: 225 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58 ح 15.

(5) القاموس المحيط 4: 247.

(6) غريب القرآن: 312.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 161

و الظاهر- كما صرّح به جماعة «1»- عدم اشتراط بقاء الرطوبة بعد الامتزاج أولا، فيحرم رطبه و يابسه.

و تدلّ عليه صحيحة معمّر: ما يروي الناس في أكل الطين و كراهته؟

قال: «إنّما ذاك المبلول و ذاك المدر» «2» و المدر: هو الطين اليابس، كما صرّح به أهل اللّغة «3».

و منه تظهر حرمته بعد اليبوسة أيضا.

و يمكن إثباتها باستصحابها أيضا و إن أمكن الخدش فيه. فما لم يمتزج أولا بالماء أو لم يعلم فيه ذلك لم يكن حراما، كما صرّح به المحقّق الأردبيلي، ثمَّ قال: و المشهور بين المتفقهة أنّه يحرم التراب و الأرض كلّها حتى الرمل و الأحجار «4». انتهى.

و قد يستدلّ على حرمة التراب بما في الأخبار من استثناء طين قبر الحسين عليه السّلام، فإنّ المراد منه ترابه فكذا

المستثنى منه، و بأنّ التراب أيضا مضرّ بالبدن قطعا، فيكون لا محالة حراما.

و فيهما نظر، أمّا الأول فلأنّ في القبر المقدّس أيضا طينا كما نشاهد من التربة الشريفة المأخوذة، فإنّ ما رأيناه من المدر في الأغلب، فيمكن أن يكون هو المراد من المستثنى، مع أنّ في تقديرها بالحمّصة و رأس الأنامل إشعارا بالمدريّة أيضا.

______________________________

(1) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 11: 235، المحقق السبزواري في الكفاية: 251، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 87.

(2) الكافي 6: 266- 7، التهذيب 9: 89- 379، معاني الأخبار: 262- 1، الوسائل 24: 220 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58 ح 1.

(3) لسان العرب 5: 162، القاموس المحيط 2: 136.

(4) مجمع الفائدة 11: 235.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 162

و أمّا الثاني، فلأنّه يختصّ التحريم حينئذ بما يوجب الضرر، فلا يحرم نصف مثقال منه مرّة، بل في كل سنة مثقال، و المطلوب أعمّ من ذلك.

و بالجملة: القدر الثابت هو تحريم الطين و المدر، و أمّا التراب و الرمل و الحجارة و أنواع المعادن فلا دليل على حرمة الغير المضرّ منها، و الأصل مع الحلّية، و القياس باطل، فلا بأس في تراب الدبس و ما تستصحبه الحنطة و ما يقع على الثمار، مع أنّ هذه مستهلكة.

فائدة: قد عرفت استثناء طين قبر الحسين عليه السّلام

، و هو أيضا إجماعي، و الأخبار فيه بلغت حدّ التواتر، و قد روى في كامل الزيارة بإسناده المتّصل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «في طين قبر الحسين الشفاء من كلّ داء، و هو الدواء الأكبر» «1».

فلا شكّ في استثنائه، و لكن يشترط في استثنائه أمران:

الأول: أن يكون لأجل الاستشفاء، فلا يجوز لغيره بلا خلاف أجده- إلّا من شاذّ- للمرويّ في المصباح المنجبر

ضعفه بالاشتهار: «من أكل من طين قبر الحسين عليه السّلام غير مستشف به فكأنّه أكل لحومنا» الحديث «2».

المؤيّد بتعليل التحليل في أكثر الأخبار بأنّ فيه شفاء من كلّ داء و أمانا من كلّ خوف، و لا يصلح ذلك دليلا للاشتراط، كما أنّ قوله في مرسلة الواسطي: «و من أكله بشهوة لم يكن فيه شفاء» لا يدلّ عليه أيضا، لأخصّيّة الأكل بالشهوة عن الاشتراط، و عدم دلالته على الحرمة.

______________________________

(1) كامل الزيارات: 275- 4، مستدرك الوسائل 10: 330 أبواب المزار و ما يناسبه ب 53 ح 3.

(2) مصباح المتهجد: 676، الوسائل 24: 229 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 59 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 163

خلافا للمصباح، فجوّز الأكل منه تبرّكا «1»، و لكن رجع عنه في سائر كتبه.

و قد يستدلّ له برواية النوفلي المروية في الإقبال: إنّي أفطرت يوم الفطر بطين و تمر، فقال: «جمعت ببركة و سنّة» «2».

و فيه: أنّه قضيّة في واقعة، فلعلّه كان مستشفيا أيضا، إلّا أن يعمّم بترك الاستفصال، و لكن مع ذلك لا يفيد، لضعف الرواية.

كما لا تضرّ رواية الحسين بن أبي العلاء: «حنّكوا أولادكم بتربة الحسين عليه السّلام» «3»، لأنّ التحنيك لا يستلزم الأكل.

كذا لا يثبت جواز الأكل للأمان من الخوف بالتعليل به في كثير من الأخبار، إذ ليس فيها إلّا أنّه أمان، و أمّا أنّه في أكله أو استصحابه فلا، بل في رواية الحرث بن المغيرة- المرويّة في أمالي الشيخ- تصريح بالأخير، حيث قال فيها- بعد قوله عليه السّلام: «إنّ فيه شفاء من كلّ داء و أمنا من كلّ خوف» و بيان كيفيّة أخذه- قلت: قد عرفت جعلت فداك الشفاء من كلّ داء فكيف الأمن من كلّ خوف؟

فقال: «إذا خفت سلطانا أو غير سلطان فلا تخرجنّ من منزلك إلّا و معك من طين قبر الحسين عليه السّلام» الحديث «4».

الثاني: أن لا يتجاوز قدر الحمّصة المتوسّطة المعهودة، كما صرّح به المحقّق «5» و جماعة «6».

______________________________

(1) مصباح المتهجد: 713.

(2) الإقبال: 281، الوسائل 7: 445 أبواب صلاة العيد ب 13 ح 1.

(3) كامل الزيارات: 278- 2، الوسائل 14: 524 أبواب المزار و ما يناسبه ب 70 ح 8.

(4) أمالي الشيخ الطوسي: 325.

(5) الشرائع 3: 224.

(6) منهم الشهيد الثاني في الروضة 7: 326، المسالك 2: 244، صاحب الرياض 2: 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 164

للمرويّ في مكارم الأخلاق: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن كيفية تناوله، قال: «إذا تناول التربة أحدكم فليأخذ بأطراف أصابعه، و قدره مثل الحمّصة، فليقبّلها و ليضعها على عينيه و ليمرّها على سائر جسده و ليقل:

اللّهمّ بحقّ هذه التربة، و بحقّ من حلّ بها و ثوى فيها، و بحقّ أبيه و امّه و أخيه و الأئمّة من ولده، و بحقّ الملائكة الحافّين به إلّا جعلتها شفاء من كلّ داء، و برءا من كلّ مرض، و نجاة من كلّ آفة، و حرزا ممّا أخاف و أحذر.

ثمَّ ليستعملها» «1».

و في كامل الزيارة و مصباح المتهجّد: ما تقول في طين قبر الحسين عليه السّلام؟ فقال: «يحرم على الناس أكل لحومهم و يحلّ لهم أكل لحومنا، و لكنّ اليسير منه مثل الحمّصة» «2».

و في المرويّ في مصباح الزائر في رواية طويلة: «و يستعمل منها وقت الحاجة مثل الحمّصة» «3».

و المرويّ في مصباح المتهجّد: إنّي سمعتك تقول: «إنّ تربة الحسين عليه السّلام من الأدوية المفردة، و إنّها لا تمرّ بداء إلّا هضمته» فقال: «قد

كان ذلك أو قد قلت ذلك، فما بالك؟» قال: إنّي تناولتها فما انتفعت، قال: عليه السّلام:

«أما إنّ لها دعاء فمن تناولها و لم يدع به لم يكد ينتفع به» فقال له: ما أقول إذا تناولتها؟ قال: «تقبّلها قبل كلّ شي ء و تضعها على عينيك و لا تناول منها أكثر من حمّصة، فإنّ من تناول منها أكثر من ذلك فكأنّما أكل لحومنا

______________________________

(1) مكارم الأخلاق 1: 361- 1179.

(2) كامل الزيارة: 286، مصباح المتهجد: 676، التهذيب 6: 74- 145، الوسائل 14: 528 أبواب المزار و ما يناسبه ب 72 ح 1.

(3) مصباح الزائر: 97.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 165

و دماءنا، فإذا تناولت فقل: اللّهمّ إنّي أسألك بحقّ الملك الذي قبضها، و أسألك بحقّ النبيّ الذي خزنها، و أسألك بحقّ الوصيّ الذي حلّ فيها أن تصلّي على محمّد و آل محمّد و أن تجعله شفاء من كلّ داء و أمانا من كلّ خوف و حفظا من كلّ سوء. فإذا قلت ذلك فاشددها في شي ء و أقرأ عليها سورة إنّا أنزلناه، فإنّ الدعاء الذي تقدّم لأخذها هو الاستئذان عليها، و قراءة إنّا أنزلناه ختمها» «1».

إلّا أنّ في رواية أخرى مرويّة في كامل الزيارة بسنده المتّصل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لو أنّ مريضا من المؤمنين يعرف حقّ أبي عبد اللّه الحسين بن عليّ عليهما السّلام و حرمته و ولايته أخذ من طين قبر الحسين عليه السّلام مثل رأس أنملة كان له دواء» «2».

و لكنّه لا يدلّ على أكل قدر رأس الأنملة، فالأحوط- بل الأظهر- عدم التجاوز عن الحمّصة.

فروع:
أ: مقتضى الأصل- و لزوم الاقتصار على المتيقّن من ماهيّة التربة المقدّسة و المستفاد من مطلقات طين القبر- هو ما أخذه من قبره

أو ما جاوره عرفا، إلّا أنّ في رواية ابن عيسى المرويّة في الكافي «3» و مرسلة سليمان بن عمرو

المروية في كامل الزيارة و في مصباح المتهجّد و عن مصباح الزائر أنّه:

______________________________

(1) مصباح المتهجّد: 677، الوسائل 24: 229 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 59 ح 7.

(2) كامل الزيارات: 277- 278- 8، الوسائل 14: 530 أبواب المزار ب 72 ح 4.

(3) الكافي 4: 588- 5، مستدرك الوسائل 10: 333 أبواب المزار و ما يناسبه ب 53 ذيل الحديث 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 166

«يؤخذ طين قبر الحسين عليه السّلام من عند القبر على سبعين ذراعا» «1».

و في رواية أخرى مرويّة في الكامل أيضا أنّه: «يؤخذ على سبعين باعا» «2».

و في أخرى مرويّة فيه أيضا، و في المكارم: «إنّ طين قبر الحسين عليه السّلام فيه شفاء و إن أخذ على رأس ميل» «3».

و كذا أخرى في الكامل، قال: «لو أنّ مريضا من المؤمنين يعرف حقّ أبي عبد اللّه عليه السّلام و حرمته و ولايته أخذ من طينه على رأس ميل كان له دواء و شفاء» «4».

و في أخرى مرويّة فيه أيضا: «يستشفى بما بينه و بين القبر على رأس أربعة أميال» «5»، و قريبة منها مرسلة أخرى فيه أيضا، و فيه: و روي فرسخ في فرسخ «6».

و في بعض كتب الأصحاب: و روي إلى أربعة فراسخ، و روي ثمانية «7». و لم أعثر على حديث يدلّ عليهما.

______________________________

(1) مصباح المتهجد: 676، مصباح الزائر: 96، الوسائل 14: 511 أبواب المزار و ما يناسبه ب 67 ح 3، و لم نعثر عليها بهذا النص في كامل الزيارات.

(2) كامل الزيارات: 279- 2، و الباع: هو مسافة ما بين الكفّين إذا بسطهما يمينا و شمالا- المصباح المنير: 66.

(3) كامل الزيارات: 275- 5، مكارم الأخلاق 1: 360- 1175، الوسائل 14: 513

أبواب المزار ب 67 ح 9.

(4) كامل الزيارات: 279- 6، مستدرك الوسائل 10: 331 أبواب المزار و ما يناسبه ب 53 ح 7.

(5) كامل الزيارات: 280- 5، مستدرك الوسائل 10: 332 أبواب المزار و ما يناسبه ب 53 ح 9.

(6) كامل الزيارات: 271- 2، الوسائل 14: 510 أبواب المزار و ما يناسبه ب 67 ح 2.

(7) انظر الرياض 2: 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 167

نعم، ورد في الحائر الشريف أنّه خمس فراسخ «1».

و في إثبات الحلّية بهذه الأخبار الضعيفة الغير المنجبرة إشكال جدّا، و الاقتصار على المفهوم العرفي هو مقتضى الأصل، إلّا أنّه يشكل حينئذ أيضا بأنّه يوجب عدم بقاء شي ء من تلك البقعة المباركة، لكثرة ما يؤخذ منها في جميع الأزمنة و سيؤخذ إن شاء اللّه تعالى إلى يوم القيامة.

قيل: إلّا أن يؤخذ من المواضع المذكورة و يوضع على القبر أو الضريح، فيقوى احتمال جوازه «2».

و لكن في صدق طين القبر عليه مع ذلك نظر، و عليه يشكل الأمر، للعلم بتغيّر طين القبر في تلك الأزمنة المتطاولة التي تناوبت عليه أيدي العامرين له، و اللّه أعلم.

و روى في الكافي و كذا الكامل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنّ عند رأس الحسين بن عليّ عليهما السّلام لتربة حمراء فيها شفاء من كلّ داء إلّا السام» قال الراوي: فاحتفرنا عند رأس القبر فلمّا حفرنا قدر ذراع انحدرت علينا من عند رأس القبر شبه السهلة حمراء قدر درهم. الحديث «3».

ثمَّ إنّه يشكل أيضا الاكتفاء بما يأتون به كثير من الزوّار و أخذوه من بعض أهل تلك الديار، إلّا أن يقبل فيه قول ذي اليد إذا أخبر بكونه التربة المقدّسة. و لو احتاط من لم

يأخذه بنفسه أو بواسطة ثقة أخذه كذلك أو مطلقا فحلّه في ماء أو شربة اخرى بحيث يخرج عن صدق الطين و يشرب

______________________________

(1) انظر البحار 86: 89.

(2) الرياض 2: 290.

(3) الكافي 4: 588- 4، كامل الزيارات: 279- 1، مستدرك الوسائل 10: 331 أبواب المزار و ما يناسبه ب 53 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 168

كان أولى، فقد روي في الكامل عن محمّد بن مسلم حديثا طويلا، فيه إرسال أبي جعفر عليه السّلام له شربة لوجعه فشرب و برئ، و قال: «يا محمّد، إنّ الذي شربته فيه من طين قبور آبائي، و هو أفضل ما أستشفي به، فلا تعدلنّ به، فإنّا نسقيه صبياننا و نساءنا و نرى فيه كلّ خير» الحديث «1».

ب: هل يختصّ ذلك بالتربة الحسينيّة، أو يعمّ تربة سائر الأئمّة

أيضا؟

مقتضى الأصل: الأول، و به صرّح في المرويّ في العيون بسنده المتّصل عن موسى بن جعفر عليهما السّلام: «لا تأخذوا من ترتبتي شيئا لتتبرّكوا به، فإنّ كلّ تربة لنا محرّمة إلّا تربة جدّي الحسين عليه السّلام» الحديث «2».

و في المرويّ في العلل: «من أكل طين الكوفة فقد أكل لحوم الناس» «3».

نعم، في رواية الكامل المتقدّمة بعضها- بعد قوله: «على رأس أربعة أميال»-: «و كذلك طين قبر جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و كذلك طين قبر الحسين و عليّ و محمّد، فخذ منها، فإنّها شفاء من كلّ سقم، و جنّة ممّا يخاف» الحديث «4».

و حملها المحدّث المجلسي على مجرّد الأخذ و الاستصحاب دون الأكل «5»، و لا بأس به.

______________________________

(1) كامل الزيارات: 275- 7، و فيه: «من طين قبر الحسين عليه السّلام»، بدل: «من طين قبور آبائي».

(2) عيون أخبار الرضا عليه السّلام 1: 82- 6، الوسائل 14: 529 أبواب المزار ب

72 ح 2.

(3) علل الشرائع: 533- 4، الوسائل 24: 225 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58 ح 15.

(4) كامل الزيارات: 280- 5، الوسائل 24: 227 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 59 ح 3.

(5) البحار 57: 156 ذ. ح 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 169

و أمّا ما في رواية محمّد بن مسلم المتقدّمة من قوله: «من طين قبور آبائي» فمع أنّ آخرها يدلّ على أنّه من قبر أبي عبد اللّه عليه السّلام لا يضرّ لدخوله في التربة.

ج: قد وردت في الأخبار لأخذه و استعماله آداب و شرائط و أدعية،

و في بعضها: أنّه لا شفاء إلّا بها، و كذا في ضبطه و استصحابه إلى المنزل، و أنّه ينبغي أن يكتم به، و يكثر ذكر اللّه عليه، و لا يجعل في الخرج الجوالق و نحوها و في الأشياء الدنسة و الثياب الوسخة، و أنّه لو فعل به ذلك لذهب منه الشفاء و البركة «1».

د: هل يستثنى الطين الأرمني أيضا، أم لا؟

ظاهر بعضهم: العدم «2»، للأصل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 15    169     د: هل يستثنى الطين الأرمني أيضا، أم لا؟ ..... ص : 169

استثناه في الدروس و اللمعة و الروضة «3»، للمنفعة.

و تدلّ عليه المرسلة المرويّة في المصباح و المكارم: عن الطين الأرمني يؤخذ للكسير أ يحلّ أخذه؟ قال: «لا بأس به أما إنّه من طين قبر ذي القرنين» «4».

و المسندتين المرويّتين في طبّ الأئمّة، الدالّتين على جواز أكل سفوفه دواء «5».

______________________________

(1) كامل الزيارات: 281، الوسائل 14: 521 أبواب المزار و ما يناسبه ب 70 و ص:

530 ب 73، و ج 24: 227 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 59 ح 3 و 7، مستدرك الوسائل 10: 329، 338 أبواب المزار و ما يناسبه ب 53 و 56.

(2) كصاحب الرياض 2: 290.

(3) الدروس 3: 14، اللمعة (الروضة 7): 327.

(4) مصباح المتهجد: 676، مكارم الأخلاق 1: 362- 1182، الوسائل 24: 230 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 60 ح 3.

(5) طب الأئمّة عليهم السّلام: 65 و 66، الوسائل 24: 230 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 60 ح 1 و 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 170

و ردّت- بعد التضعيف- بالحمل على حال الاضطرار، مضافا إلى عدم صراحة الأول في الأكل، فلعلّه للضماد أو الطلاء.

نعم، يمكن أن يقال بعدم انصراف الإطلاق إلى مثل ذلك الطين،

سيّما مع كونه نافعا، و تعليل حرمة الطين في بعض الأخبار بالضرر «1».

و منه يظهر جواز استثناء الطين المختوم أيضا، مضافا فيهما إلى عدم تيقّن كونهما طينا و إن سمّيا به، كما يستفاد من آثارهما و خواصّهما، و لصوقهما باللسان، و قول الأطبّاء بأنّ الأول حارّ، مع أنّ كلّ طين بارد.

المسألة الثالثة: يحرم من الجوامد ما كان منه مسكرا

، كالبنج و نحوه من المعاجين المسكرة، لأنّ كلّ مسكر حرام إجماعا فتوى «2» و نصّا «3».

و ما كان منه نجس العين- كالخرء و العذرة- أو متنجّسا غير قابل للتطهير- كالعجين الذي عجن بالماء النجس، و بعض الحبوبات المنقوعة في المائع النجس، فإنّها غير قابلة للتطهير على الأقوى، كما مرّ في بحثه- أو متنجّسا قابلا له قبل تطهيره، أو مضرّا بالبدن، أو خبيثا، أو مغصوبا.

و الوجه في الكلّ ظاهر ممّا مرّ.

و ما عدا ذلك من الجوامد باق على أصل الإباحة، داخل في العمومات، و لا يحرم منها شي ء، فتحلّ النباتات من الحشائش و الأوراد و الأوراق و الأخشاب، حتى أصول العنب و الزبيب و الفحم ما لم يضرّ، و غير ذلك ممّا لا يعدّ و لا يحصى كثرة.

______________________________

(1) الوسائل 24: 220 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58.

(2) القواعد 2: 159، الروضة 7: 316، الرياض 2: 290.

(3) الوسائل 25: 325 أبواب الأشربة المحرّمة ب 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 171

الفصل الثاني في المائعات و فيه أيضا مسائل:
المسألة الاولى: من المائعات المحرّمة: ما مرّ من فضلات الحيوانات، من الدم و البول و اللبن

، على التفصيل المتقدّم.

و منها: المائعات النجسة الغير القابلة للتطهير، كغير الماء مطلقا على الأظهر، و القابلة له قبل التطهير، و جميع ما كان مضرّا بالذات أو بالعارض، أو مغصوبا، كما مرّ جميعا.

المسألة الثانية: من المائعات المحرّمة: الخمر

، و حرمته إجماعيّة، بل ضرورة دينيّة ثابتة بالكتاب و السنّة، و يلحق به كلّ مسكر في الحرمة، بالإجماع و النصوص المستفيضة، بل المتواترة:

كرواية الصيداوي، و فيها: «كلّ مسكر حرام» «1».

و رواية أبي الربيع الشامي: «إنّ اللّه حرّم الخمر بعينها، فقليلها و كثيرها حرام، كما حرّم الميتة و الدم و لحم الخنزير، و حرّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الشراب من كلّ مسكر، و ما حرّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقد حرّمه اللّه تعالى» «2».

و موثّقة سماعة: عن التمر و الزبيب يطبخان للنبيذ، قال: «لا» و قال:

______________________________

(1) الكافي 6: 407- 1، التهذيب 9: 111- 483، الوسائل 25: 325 أبواب الأشربة المحرّمة ب 15 ح 3.

(2) الكافي 6: 408- 2، التهذيب 9: 111- 480، الوسائل 25: 325 أبواب الأشربة المحرّمة ب 15 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 172

«كلّ مسكر حرام» و قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: كلّ ما أسكر كثيره فقليله حرام» «1».

و رواية عطاء: «كلّ مسكر حرام، و كلّ مسكر خمر» «2».

و في صحيحة ابن وهب: «كلّ مسكر حرام، فما أسكر كثيره فقليله حرام» قلت: فقليل الحرام يحلّه كثير الماء؟ فردّ عليه بكفّه مرّتين: لا، لا «3».

و رواية كليب: «ألا إنّ كلّ مسكر حرام، ألا و ما أسكر كثيره فقليله حرام» «4»، إلى غير ذلك.

و المدلول عليه من تلك الأخبار و غيرها ممّا يطول الكلام بذكره و المتّفق عليه بين

العلماء الأخيار أنّ المعتبر في التحريم إسكار كثيرة، فما أسكر كثيره حرم قليله و لو قطرة منه و إن مزجت بغيره و غلب الغير عليها، كما صرّحت به صحيحة ابن وهب.

و في صحيحة البجلي: «إنّ ما أسكر كثيره فقليله حرام»، فقال له الرجل: فأكسره بالماء، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا، و ما للماء يحلّ الحرام، اتّق اللّه و لا تشربه» «5».

و رواية عمر بن حنظلة: ما تقول في قدح من المسكر يغلب عليه

______________________________

(1) الكافي 6: 409- 8، الوسائل 25: 338 أبواب الأشربة المحرّمة ب 17 ح 5.

(2) الكافي 6: 408- 3، التهذيب 9: 111- 482، الوسائل 25: 326 أبواب الأشربة المحرّمة ب 15 ح 5.

(3) الكافي 6: 408- 4، التهذيب 9: 111- 481، الوسائل 25: 336 أبواب الأشربة المحرّمة ب 17 ح 1.

(4) الكافي 6: 408- 6، الوسائل 25: 337 أبواب الأشربة المحرّمة ب 17 ح 2.

(5) الكافي 6: 409- 11، الوسائل 25: 339 أبواب الأشربة المحرّمة ب 17 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 173

الماء حتى تذهب عاديته و يذهب سكره؟ فقال: «لا و اللّه و لا قطرة تقطر منه في حبّ إلّا أهريق ذلك الحبّ» «1».

و يلحق بالمسكر: الفقّاع قليله و كثيره مطلقا و إن لم يكن مسكرا، بلا خلاف بين الأصحاب، بل عليه الإجماع عن الغنية و السرائر و التحرير و القواعد و الدروس و المسالك «2»، و غيرها من كتب الجماعة «3»، بل هو إجماع محقّق، فهو الحجّة، مضافا إلى النصوص المستفيضة المطلقة من غير تقييد بالإسكار.

ففي صحيحة الوشّاء: «كلّ مسكر حرام، و كلّ مخمّر حرام، و الفقّاع حرام» «4».

و في المستفيضة: أنّه يقتل بائعه و يجلد

شاربه «5».

المسألة الثالثة: و من المائعات المحرّمة: العصير العنبي إذا غلى
اشاره

، بأن يصير أسفله أعلاه و أعلاه أسفله، و هذا هو المراد من القلب الوارد في بعض الروايات الآتية، بلا خلاف فيه، بل بالإجماع المحكيّ مستفيضا «6»، و المحقّق، و هو الحجّة فيه مع النصوص المتكثّرة الدالة منطوقا أو مفهوما.

______________________________

(1) الكافي 6: 410- 15، التهذيب 9: 112- 485، الوسائل 25: 341 أبواب الأشربة المحرّمة ب 18 ح 1.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 618، السرائر 3: 128، التحرير 2: 161، القواعد 2: 158، الدروس 3: 16، المسالك 2: 244.

(3) الرياض 2: 291، مفاتيح الشرائع 2: 219.

(4) الكافي 6: 424- 14، التهذيب 9: 124- 536، الاستبصار 4: 95- 365، الوسائل 25: 360 أبواب الأشربة المحرّمة ب 27 ح 3.

(5) الوسائل 25: 365 أبواب الأشربة المحرّمة ب 28.

(6) انظر المسالك 2: 244، كشف اللثام 2: 89، الرياض 2: 291.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 174

ففي صحيحة حمّاد: «لا يحرم العصير حتى يغلي» «1».

و في روايته: عن شرب العصير، فقال: «اشربه ما لم يغل، فإذا غلى فلا تشربه» قال: قلت: جعلت فداك فأيّ شي ء الغليان؟ قال: «القلب» «2».

و في موثّقة ذريح: «إذا نشّ العصير أو غلى حرم» «3».

أقول: النشّ: صوت الماء و غيره إذا غلى.

و في صحيحة ابن سنان: «كلّ عصير أصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» «4».

و رواية أبي بصير: عن الطّلاء، فقال: إن طبخ حتى يذهب منه اثنان و يبقى منه واحد فهو حلال، و ما كان دون ذلك فليس فيه خير» «5».

أقول: الطّلاء: ما طبخ من عصير العنب.

و صحيحة ابن سنان: «إنّ العصير إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه فهو حلال» «6».

و ابن أبي يعفور: «إذا زاد الطّلاء

على الثلث فهو حرام» «7».

______________________________

(1) الكافي 6: 419- 1، التهذيب 9: 119- 513، الوسائل 25: 287 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 3 ح 1.

(2) الكافي 6: 419- 3، التهذيب 9: 120- 514، الوسائل 25: 287 أبواب الأشربة المحرّمة ب 3 ح 3.

(3) الكافي 6: 419- 4، التهذيب 9: 120- 515، الوسائل 25: 287 أبواب الأشربة المحرّمة ب 3 ح 4.

(4) الكافي 6: 419- 1، التهذيب 9: 120- 516، الوسائل 25: 282 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 1.

(5) الكافي 6: 420- 1، الوسائل 25: 285 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 6.

(6) الكافي 6: 420- 2، الوسائل 25: 288 أبواب الأشربة المحرّمة ب 5 ح 1.

(7) الكافي 6: 420- 3، التهذيب 9: 120- 519، الوسائل 25: 285 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 175

و رواية عقبة: في رجل أخذ عشرة أرطال من عصير العنب فصبّ عليه عشرين رطلا من ماء، ثمَّ طبخها حتى ذهب منه عشرون رطلا و بقي عشرة أرطال، أ يصلح شرب ذلك أم لا؟ فقال: «ما طبخ على ثلثه فهو حلال» «1».

و رواية محمّد بن الهيثم: عن العصير يطبخ في النار حتى يغلي من ساعته فيشربه صاحبه؟ قال: «إذا تغيّر عن حاله و غلى فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» «2».

و مقتضى إطلاق أكثر هذه الأخبار و فتاوى الأصحاب و صريح جماعة- كالشرائع و التحرير و المسالك و الروضة «3» و غيرها «4»- عدم الفرق في الحكم بتحريمه بالغليان بين كونه بالنار أو غيرها.

و يدلّ عليه صريحا الرضوي: «اعلم أنّ أصل الخمر من الكرم، إذا أصابته النار أو غلى من غير أن تصيبه

النار فهو خمر، و لا يحلّ شربه حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» «5»، و ضعفه بالعمل مجبور.

و لا يضرّ عموم المفهوم في صحيحة ابن سنان الأولى، لأنّه مفهوم وصف لا حجّية فيه.

و كذا مقتضاه عدم الفرق في ذهاب الثلاثين بين الأمرين.

______________________________

(1) الكافي 6: 421- 11، التهذيب 9: 121- 521، الوسائل 25: 295 أبواب الأشربة المحرّمة ب 8 ح 1.

(2) الكافي 6: 419- 2، التهذيب 9: 120- 517، الوسائل 25: 285 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 7.

(3) الشرائع 3: 225، التحرير 2: 161، المسالك 2: 244، الروضة 7: 320.

(4) كالكفاية: 251 و المفاتيح 2: 220.

(5) فقه الرضا عليه السّلام: 280، مستدرك الوسائل 17: 39 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 176

و لا يعارضه مفهوم الشرط في رواية أبي بصير، لأنّ الطّلاء لا يكون إلّا مطبوخا.

نعم، يعارضه مفهوم صحيحة ابن سنان الأخيرة بالعموم من وجه، و مقتضاه الرجوع إلى استصحاب الحرمة.

و توهّم عدم اعتبار المفهوم- لأنّ التقييد من جهة أنّ الغالب أنّ ذهاب الثلاثين لا يكون إلّا بالنار، بل هو المتبادر منه- يوجب الخدش في الإطلاقات أيضا، لانصرافها إلى الذهاب بالنار.

فالقول بالتفرقة في التثليث- كما هو ظاهر التحرير، حيث قال بعد التصريح بعدم التفرقة في الغليان: فإن غلى بالنار و ذهب ثلثاه فهو حلال- «1» كان جيّدا لو لا مظنّة انعقاد الإجماع على خلافه لندرة القائل.

مع احتمال كون كلامه أيضا واردا مورد الغالب، بل احتمال كون ذهاب الثلاثين في كلامه مطلقا و يكون التقييد للغليان، يعني: إذا حصل الغليان الناري- الذي هو أحد سببي التحريم- و ذهب الثلثان بأيّ نحو كان فهو حلال.

و لكنّه بعيد. و الأحوط اعتبار

الذهاب الناري في الجملة.

و قد يتوهّم تصريح رواية ابن سنان بكفاية غير الناري، حيث قال:

«العصير إذا طبخ حتى يذهب منه ثلاثة دوانيق و نصف ثمَّ يترك حتى يبرد فقد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه» «2»، لأنّ تتمّة الثلاثين في الرواية قد ذهبت بعد الترك.

و فيه: أنّ الطبخ و إن ترك و لكنّ الحرارة النارية باقية، و هي أوجبت

______________________________

(1) التحرير 2: 161.

(2) التهذيب 9: 120- 518، الوسائل 25: 291 أبواب الأشربة المحرّمة ب 5 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 177

ذهاب تتمّة الثلاثين.

ثمَّ إنّ ما ذكر من التبادر و الغلبة جاريان في الغليان أيضا، إلّا أنّ عدم ظهور قائل بالفرق- بل تصريح بعضهم بعدم الخلاف فيه «1»، و كون الاحتياط فيه موافقا لعدم التفرقة- يوهن التفرقة فيه جدّا.

و أمّا ما ذكره بعضهم «2» من أنّ مقتضى انصراف المطلق إلى الغالب و إن كان تخصيص الغليان بالناري أيضا، إلّا أنّ تصريح موثّقة ذريح المتقدّمة و تنصيصها بالتحريم بغير الناري أيضا أوجب عدم الفرق فيه.

و ليت شعري من أين فهم تصريحها بذلك؟! مع أنّ كلّا من النشيش و الغليان مطلقان، بل قيل: إنّ النشيش هو الصوت الحاصل بالغليان «3». إلّا أن يستند إلى ما قيل من أنّ النشيش هو صوت الغليان الحاصل من طول المكث «4»، و لكنّه غير ثابت.

و كذا مقتضى الإطلاقات كفاية مجرّد الغليان في حصول التحريم من غير اعتبار أمر آخر، و هو ظاهر فتاوى الأكثر.

خلافا للفاضل في الإرشاد، فاشترط أيضا الاشتداد «5»، و هو الغلظة و الثخن و القوام الغير الحاصلة إلّا مع تكرار الغليان، فالقول بالتلازم- كما عن الشهيد «6»- غير سديد، كما أنّ اشتراط الإرشاد خال عن السداد، لعدم المقتضي

له.

و يمكن أن يستدلّ له بمرسلة محمّد بن الهيثم: عن العصير يطبخ في

______________________________

(1) الرياض 2: 291.

(2) الرياض 2: 291.

(3) المفاتيح 2: 220، الرياض 2: 292.

(4) الرياض 2: 293.

(5) الإرشاد 2: 111.

(6) الذكرى: 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 178

النار حتى يغلي من ساعته فيشربه صاحبه؟ قال: «إذا تغيّر عن حاله و غلى فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه»، فإنّه لا تغيّر في الحال بعد الغليان سوى الاشتداد مشروطا قطعا.

و فيه: أنّ الظاهر أنّ قوله: «و غلى» بيان لتغيّر الحال، فالمراد بالتغيّر:

تأثّره بحيث يصير أعلاه الأسفل و بالعكس، و لا أقلّ من الاحتمال المسقط للاستدلال.

و كذا مقتضى تعليق الحكم بالحرمة على العصير- وفاقا لظاهر الكفاية «1»- قصر التحريم على ما إذا صدق عليه العصير عرفا.

و أمّا بدون ذلك- كما إذا كان الماء في الحبّ و لم يعصر بعد- فلا وجه للحكم بتحريمه- كما هو ظاهر بعضهم «2»، بل ظاهر قول الأردبيلي أنّه قول كثير، حيث عبّر بلفظ: قالوا «3»- لعدم صدق العصير عليه، و إرادة ما يصلح أن يكون عصيرا خلاف الأصل، مع أنّ في صدق الغليان عليه أيضا نظرا، و لو سلّم صدقه فانصراف المطلق عليه بعيد غايته.

فالظاهر حلّية حبّة العنب الداخلة في الماء أو المرق و لو غلى الماء أو المرق و طبخت فيه، و كذا الزبيب الداخل فيه، على القول بحرمة العصير الزبيبي بالغليان أيضا، إلّا أن يعلم انشقاق الحبّة و خروج مائها و مزجها مع المرق مثلا و غليانه، بل في حصول التحريم حينئذ أيضا نظر، لأنّ باستهلاكه في المرق يخرج عن صدق غليان العصير، فتأمّل.

و دعوى الإجماع البسيط أو المركّب في أمثال المقام مجازفة جدّا.

______________________________

(1) الكفاية: 251.

(2)

حكاه في الحدائق 5: 153 عن بعض مشايخه و هو الشيخ سليمان البحراني.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 11: 200.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 179

بل قيل: إنّ في رواية رواها الحلّي في السرائر- عن كتاب مسائل محمّد بن علي بن عيسى: عندنا طبيخ يجعل فيه الحصرم، و ربما جعل فيه العصير من العنب و إنّما هو لحم يطبخ به، و قد روي عنهم عليهم السّلام في العصير أنّه إذا جعل على النار لم يشرب حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه، و أنّ الذي يجعل في القدر من العصير بتلك المنزلة، و قد اجتنبوا أكله إلى أن نستأذن مولانا في ذلك، فكتب بخطّه: «لا بأس بذلك» «1»- دلالة على أنّه إذا صبّ العصير في الماء و غلى الجميع حلّ أكله، و لا يشترط فيه ذهاب الثلاثين «2».

انتهى.

و هو حسن، إلّا أنّه تعارضها الأخبار العديدة المشترطة للذهاب، مع تضمّنها لمزج العصير بالماء من غير استهلاك، فتأمّل.

ثمَّ إنّه قد عرفت تصريح الأخبار بحصول الحلّية بذهاب الثلاثين، و هو أيضا إجماعي، بل ضروري.

و لو انقلب العصير المذكور دبسا أو خلّا قبل الذهاب فهل يحلّ، أم لا؟

قال المحقق الأردبيلي- بعد ذكر كلام-: فقد ظهر المناقشة في حصول الحلّ بصيرورة العصير دبسا أو بانقلابه خلّا، فإنّ الدليل كان مخصوصا بذهاب الثلاثين، إلّا أن يدّعى الاستلزام، أو الإجماع، أو أنّه إنّما يصير خلّا بعد أن يصير خمرا، و قد ثبت بالدليل أنّ الخمر يحلّ إذا صار خلّا، أو يقال: إنّ الدليل الدالّ على أنّ الدبس و الخلّ مطلقا حلال يدلّ

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 69- 16، الوسائل 25: 288 أبواب الأشربة المحرّمة ب 4 ح 1.

(2) البحار 63: 504.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 15، ص: 180

عليه «1». انتهى.

و ظاهر كلامه: كون عروض الحلّ بالخلّية أو الدبسيّة مظنّة الإجماع.

و صرّح بعض سادة مشايخنا المحقّقين بأنّه مذهب بعض الأصحاب، و لكنّه نسب عدم الحلّ إلى المشهور، قال في رسالته المعمولة في حكم العصير في طيّ بعض مطالبه: هذا إن اشتراطنا في حلّية العصير ذهاب ثلثيه مطلقا كما هو المشهور، فلو قلنا بالاكتفاء بصيرورته دبسا يخضب الإناء- كما ذهب إليه بعض الأصحاب- زال الإشكال من أصله. انتهى.

و كيف كان، فاحتمال الحلّية قويّ جدّا، لما أشير إليه من عمومات حلّية الخلّ المعارضة لعمومات حرمة العصير الذي غلى قبل ذهاب الثلاثين بالعموم من وجه، فيرجع إلى أصل الإباحة و عمومها.

و لا يتوهّم الرجوع إلى استصحاب النجاسة، لتغيّر موضوعها، فإنّ النجاسة ثابتة في الأخبار للعصير، فهذا من باب استحالة النجس الذاتي، التي لا تستصحب معها النجاسة، دون المتنجّس، الذي يستصحب على التحقيق، مع أنّه لعلّ في الأخبار ما يشعر بالحلّية أيضا.

فإنّ في رواية سفيان بن السمط: «عليك بخلّ الخمر فاغمس فيه الخبز فإنّه لا يبقى في جوفك دابّة إلّا قتلها» «2».

و في حسنة سدير: ذكر عنده خلّ الخمر، فقال: «إنّه ليقتل دوابّ البطن و يشدّ الفم» «3».

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 11: 201، و فيه: .. إلّا أن يدّعى الاستلزام لو لا الإجماع ..

(2) الكافي 6: 330- 11، المحاسن: 487- 551، الوسائل 25: 93 أبواب الأطعمة المباحة ب 45 ح 3.

(3) الكافي 6: 330- 8، المحاسن: 487- 549، الوسائل 25: 93 أبواب الأطعمة المباحة ب 45 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 181

قال في الوافي في بيان الحديث: خلّ الخمر: هو عصير العنب المصفّى الذي يجعل فيه مقدار من الخلّ و يوضع

في الشمس حتى يصير خلّا «1». فإنّه لا شكّ أنّ بالوضع في الشمس- خصوصا في الحجاز و نحوه- يحصل الغليان و صيرورته خلّا قبل ذهاب الثلاثين قطعا.

و يمكن أن يستدلّ على الحلّية أيضا بصحيحة عمر بن يزيد الواردة في البختج- و هو العصير المطبوخ-: «إذا كان يخضب الإناء فاشربه» «2».

و لا يعارضها مفهوم صحيحة ابن وهب: عن البختج، فقال: «إذا كان حلوا يخضب الإناء و قال صاحبه: قد ذهب ثلثاه و بقي الثلث، فاشربه» [1]، إذ ليس باقيا على ظاهره قطعا، إذ قول الصاحب إن كان مثبتا لذهاب الثلاثين فلا معنى لاشتراط الحلاوة و خضب الإناء إجماعا، و إن لم يكن مثبتا مطلقا أو بإطلاقه فلا وجه لاشتراطه، بل يثبت المطلوب، فلا بدّ إمّا من جعل الواو بمعنى: أو، فيثبت المطلوب، أو حمل الشرط الأخير على الأولويّة، فكذلك أيضا، أو حمل الأول عليها، فلا ينافي المطلوب.

فروع:
أ: يتحقّق ذهاب الثلاثين بنقصهما كيلا،

و لا يحتاج إلى ذهابهما وزنا،

______________________________

[1] الكافي 6: 420- 6، التهذيب 9: 121- 523، الوسائل 25: 293 أبواب الأشربة المحرّمة ب 7 ح 3، و البختج: العصير المطبوخ. و أصله بالفارسية ميبخته- النهاية (لابن الأثير) 1: 101.

______________________________

(1) الوافي 19: 325 ب 59 ذيل ح 9.

(2) الكافي 6: 420- 5، التهذيب 9: 122- 525، الوسائل 25: 293 أبواب الأشربة المحرّمة ب 7 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 182

لصدق نقص الثلاثين، و لأنّ الكيل كان هو المتعارف في ذلك الاعتبار، و للتصريح به في موثّقتي الساباطي و رواية الهاشمي، الآتية جميعا في المسألة الآتية في الدليل التاسع من أدلّة المحرّمين.

ب: لو صبّ قدر من العصير في القدر و غلى، ثمَّ صبّ عليه قدر آخر قبل ذهاب ثلثي الأول

، فهل يكفي ذهاب ثلثي مجموع ما صبّ أولا و صبّ ثانيا، أو يلزم ذهاب ثلثي مجموع ما صبّ ثانيا مع ما بقي من الأول، أو يجب العلم بذهاب ثلثي كلّ واحد ممّا صبّ أولا و ما صبّ ثانيا؟

مثلا: إذا صبّ في القدر تسعة أرطال و غلى حتى بقيت ستّة أرطال، ثمَّ صبّ فيه تسعة أرطال أخر.

فعلى الأول: يكفي الغليان حتى يبقى من المجموع ستّة أرطال- ثلث ثمانية عشر رطلا- كيل مجموع المصبوبين.

و على الثاني: يغلي حتى تبقى خمسة أرطال- ثلث خمسة عشر رطلا- كيل الباقي من الأول و المصبوب ثانيا.

و على الثالث: يجب الغلي حتى تعلم صيرورة الباقي من الأول ثلاثة أرطال، و من المصبوب بعده ثلاثة أرطال، و لا يكفي في ذلك بقاء مطلق الستّة، إذ لعلّه نقص من المصبوب ثانيا أقلّ من الستّة أو أكثر و من الباقي أكثر من الثلاثة أو أقل، و على هذا فلا يمكن الحكم بالحلّية حينئذ أصلا، لعدم سبيل إلى حصول ذلك العلم، بل يجب طبخ

كلّ على حدة.

الظاهر: هو الوسط، لأنّ الحاصل بعد الخلط عصير واحد، فبعد الغلي و ذهاب ثلثيه يصدق عنوانا الحرمة و الحلّية عليه، و لأنّ الاحتمال

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 183

الأول مدفوع باستصحاب الحرمة، و الثاني «1» بعدم إمكان تحقّق ذلك العلم، مع ما يعلم قطعا من صبّ الأعصرة بعضها على بعض، مع تفاوتها في اللطافة و الغلظة، الموجبتين لسرعة الذهاب و بطئه، فإنّ أنواع العنب متفاوتة في ذلك قطعا، بل قد يعصر بعضها في زمان غلي بعض آخر، و في مرّ الزمان مدخليّة في سرعة الذهاب و عدمه أيضا.

و تؤيّده موثّقتا الساباطي و رواية الهاشمي الآتية، الآمرة بإذهاب ثلثي المجتمع بعد غلي سابق للبعض، بل تدلّ عليه على القول بتحريم العصير الزبيبي بالغليان أيضا.

و تدلّ عليه أيضا رواية عقبة بن خالد المتقدّمة «2»، المتضمّنة لضمّ الماء مع العصير و كفاية ذهاب ثلثي المجتمع، مع اختلافهما في سرعة قبول الذهاب و عدمه.

ج: لو طرح في العصير قبل ذهاب الثلاثين جسم فجذب من العصير شيئا

و لم يعلم بعد ذهاب ثلثي العصير ذهاب ثلثي ما جذبه ذلك الجسم أيضا، يحرم ما فيه حتى يعلم الذهاب، و لا تكفي حلّية ما في القدر في حلّيّة ما في ذلك الجسم.

نعم، لو لم يدخل العصير في ذلك الجسم، بل اكتسب الجسم رطوبته حتى كبر- كالحنطة المنقوعة في العصير- ففي حرمته من بدو الأمر إشكال، لعدم صدق اسم العصير على ما فيه، فتأمّل.

المسألة الرابعة: الأقوى اختصاص التحريم بالغليان مطلقا
اشاره

- الناري و غيره- بالعصير العنبي، فلا يحرم الزبيبي أو التمري بالغليان مطلقا، وفاقا

______________________________

(1) كذا، و الأنسب: الثالث.

(2) في ص: 175.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 184

للفاضلين و الشهيدين و فخر المحقّقين و السيوري و الصيمري «1» و أكثر المتأخّرين «2».

و هو ظاهر المقنعة و المراسم «3» و كتب السيّد «4»، حيث لم يتعرّضوا لبيان تحريم العصير مطلقا.

بل هو الأشهر، كما صرّح به جماعة، كالأردبيلي و السبزواري و الصيمري «5».

و هو ظاهر المسالك «6»، لنسبته الخلاف في الزبيبي إلى بعض علمائنا، و لم ينقل في التمري خلافا أصلا، و لذا نسب إليه و الى الدروس القول بعدم وجود الخلاف في التمري «7».

و ربّما كان ذلك أيضا ظاهرا من اللمعتين «8»، حيث لم يشيرا إلى الحكم في التمري مطلقا، مع تصريحهما بأنّه لا يحرم العصير من الزبيب على الأقوى.

______________________________

(1) المحقق في الشرائع 1: 52، العلامة في القواعد 2: 158، الشهيد الأول في الدروس 3: 16، الشهيد الثاني في المسالك 2: 244، فخر المحققين في الإيضاح 4: 156، السيوري في التنقيح الرائع 4: 51، حكاه عن الصيمري في الرياض 2: 291.

(2) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 206، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 89.

(3) المقنعة: 581، المراسم: 55.

(4) الانتصار: 200،

الناصريات (الجوامع الفقهية): 181.

(5) الأردبيلي في مجمع الفائدة 11: 202، السبزواري في الكفاية: 251، حكاه عن الصيمري في الرياض 2: 291.

(6) المسالك 2: 245.

(7) راجع الرياض 2: 291.

(8) اللمعة و الروضة 7: 321.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 185

بل حكي عن بعض الفضلاء التصريح بعدم الخلاف فيه «1»، بل عن الشهيد الثاني في شرح الرسالة الإجماع على عدم إلحاق التمري.

دليلنا: أصل الإباحة، و استصحاب الحلّ، و العمومات الكتابيّة و السنّية الدالّة على حلّية الأشياء السليمة عن المعارض و المخصّص- إلّا ما يستدلّ به للتحريم، و هو غير دالّ كما يأتي- و ما قيل من تداول تناول الدبس الزبيبي في الأعصار و الأمصار بحيث انعقد الإجماع عليه، مع أنّه لا يكاد يتحقّق التثليث في العصير الزبيبي إلّا بانعقاده و احتراقه و خروجه عن الدبسيّة و تغيّر طعمه إلى المرارة، و لا يفيد في ذلك ازدياد الماء و تليين النار إذ الماء يحترق. إلّا أنّ فيه: أنّه مبنيّ على عدم حصول الحلّية بصيرورته دبسا قبل ذهاب الثلاثين و قد عرفت أنّ الأقوى حصولها.

هذا، مع ما صرّح به في رواية الهاشمي و موثّقتي الساباطي الآتية بإمكان التثليث مع كون الماء ضعف الزبيب أو متساويا له.

و تدلّ على المطلوب في التمري أيضا رواية محمّد بن الحسن [و علي ابن محمّد بن ] بندار جميعا، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد اللّه بن حمّاد، عن محمّد بن جعفر، عن أبيه، و هي طويلة، و فيها: فقالوا: يا رسول اللّه، إنّ القوم بعثوا بنا إليك يسألونك عن النبيذ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«و ما النبيذ؟ صفوه لي» فقالوا: يؤخذ من التمر فينبذ في إناء، ثمَّ يصبّ عليه الماء

حتى يمتلئ و يوقد تحته حتى ينطبخ، فإذا انطبخ أخذوه فألقوه في إناء آخر، ثمَّ صبّوا عليه ماء، ثمَّ يمرس، ثمَّ صفّوه بثوب، ثمَّ يلقى في إناء، ثمَّ يصبّ عليه من عكر ما كان قبله، ثمَّ يهدر و يغلي، ثمَّ يسكن على عكرة،

______________________________

(1) انظر الحدائق 5: 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 186

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «يا هذا، قد أكثرت، أ فيسكر؟» قال: نعم، قال:

«فكلّ مسكر حرام» الحديث «1».

وجه الدلالة واضح جدّا، فإنّه لو كان الهدر و الغلي كافيين في التحريم لم يسأل عن الإسكار و عدمه لذكرهما في الكلام، بل أهل العرف كلّا يفهم من هذا الكلام عدم التحريم بدون الإسكار.

و تؤيّد المطلوب أيضا النصوص الواردة في علّة تحريم العصير، فإنّها ظاهرة في أنّ العلّة إنّما هي شركة إبليس في شجرة الكرم و ثمرته بالثلثين، و أنّه إذا ذهب نصيبه منها حلّ الباقي «2»، و لا ريب أنّ الزبيب قد ذهب ثلثاه و زيادة بالشمس.

و ما قيل «3» من أنّ ذهاب الثلاثين بالشمس إنّما يفيد إذا كان قد غلى حتى يحرم ثمَّ يحلّ بعد ذلك بذهاب الثلاثين، و الغليان بالشمس غير معلوم، بل قد يجفّ الزبيب بغير الشمس أيضا و لا غليان فيه البتّة، فلا وجه لتحريمه حتى يحتاج إلى التحليل بذهاب الثلاثين.

فيأتي ما يردّه في مطاوي أدلّة المحرّمين، و ملخّصه: أنّه مبنيّ على دلالة تلك النصوص أو غيرها على اعتبار كون ذهاب الثلاثين بعد الغليان و حصول التحريم، و أنّه لو ذهبا قبله لا يعبأ به. و هي ممنوعة، إذ لا أثر له فيها، بل ظاهرها اعتبار ذهاب الثلاثين مطلقا، بعد الغلي كان أم لا.

و يؤيّد المطلوب أيضا

بعض الروايات الأخر، كرواية مولى حرّ بن

______________________________

(1) الكافي 6: 417- 7، الوسائل 25: 355 أبواب الأشربة المحرّمة ب 24 ح 6، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(2) الوسائل 25: 282 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2.

(3) رياض المسائل 2: 292.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 187

يزيد الآتية في الدليل الثاني من أدلّة المحرّمين، فإنّ ترك الاستفصال فيها عن أنواع الأشربة و طريق صنعتها يقتضي ثبوت الحلّية لكلّ نوع منه و إن غلى و لم يذهب ثلثاه، خرج العنبي فيبقى الباقي.

و رواية إسحاق بن عمّار الآتية في الدليل التاسع منها، فإنّ المستفاد من قوله عليه السّلام فيها: «أ ليس هو حلوا؟» «1» كون العلّة في إباحة الشراب المسؤول عنه كونه حلوا غير متغيّر بما يوجب الإسكار، فيطّرد فيما كان كذلك و إن لم يذهب منه الثلثان، لحجّية العلّة المنصوصة.

و كصحيحة أبي بصير: قال: كان أبو عبد اللّه عليه السّلام يعجبه الزبيبة «2».

و روى الراوندي في الخرائج و الجرائح عن صفوان أمر أبي عبد اللّه بإطعام امرأة غضارة مملوّة زبيبا مطبوخا «3».

و ظاهر أنّ طعام الزبيبة لا يذهب فيه ثلثا ماء الزبيب و لا ثلثا ماء طبخ فيه الزبيب و اكتسب منه الحلاوة.

و احتمال كون الزبيبة ما فيه قليل زبيب مخلوط مع أشياء أخر- يستهلك الزبيب و ماؤه فيها- فاسد، كما يستفاد من حديث الراوندي.

و تؤيّده بل تدلّ عليه أيضا المستفيضة الكثيرة الدالّة على دوران الحكم في النبيذ- حرمة و حلّا- مدار السكر و عدمه، كما تأتي جملة منها، و لو كان مجرّد الغليان يوجب التحريم و إن لم يبلغ حدّ الإسكار لجرى له ذكر أو إشارة و لو في بعضها، سيّما مع ورودها في مقام

الحاجة.

______________________________

(1) الكافي 6: 426- 4، الوسائل 15: 291 أبواب الأشربة المحرّمة ب 5 ح 5.

(2) الكافي 6: 316- 7، المحاسن: 401- 92، الوسائل 25: 62 أبواب الأطعمة المباحة ب 27 ح 1.

(3) الخرائج و الجرائح 2: 614- 13، البحار 47: 98- 116.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 188

و توهّم أنّ بمجرّد الغليان يحصل منه السكران ففاسد، يشهد بفساده العيان.

و لو سلّم فيخرج عن المفروض، لأنّه إنّما هو فيما لم يسكر.

و توهّم حصول الإسكار الخفي أو مبادئه أيضا كذلك، لمنعه.

و لو سلّم فغير مفيد، لأنّ الإسكار المعلّق عليه الحكم في الأخبار هو الظاهر منه، لأنّه الإسكار العرفي الذي يجب حمل اللفظ عليه.

احتجّ للقول بالتحريم بأدلّة
اشاره

بعضها يعمّ التمري و الزبيبي، و بعضها يختصّ بأحدهما:

فمنها: استصحاب الحالة التي كانت للعنب بعد الزبيبيّة

و للباقي من مائه فيه.

و الجواب: أنّ الموضوع قد تغيّر، لأنّه العنب و عصير العنب، أو العصير الذي يختصّ بمعتصر العنب كما يأتي، و قد تغيّر و ذهب فلا يمكن أن يستصحب.

و أمّا بعض المناقشات- الذي ذكره بعض سادة مشايخنا المحقّقين في ذلك المقام، في رسالته المعمولة لهذا المرام- فهو بطوله ناشئ عن عدم التحقيق في معنى عدم تغيّر الموضوع، كما يظهر لمن نظر إليه، و إلى ما ذكرناه في معناه في كتابي مناهج الأحكام و عوائد الأيّام «1».

و منها: العمومات المتقدّمة الدالّة على تحريم العصير عموما أو إطلاقا بالغليان،

و العصير هو الماء المستخرج من الشي ء عنبا كان أو غيره، أصليّا كان المستخرج أم عارضيّا، ابتدائيّا كان الاستخراج أم مسبوقا بعمل،

______________________________

(1) عوائد الأيام: 210.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 189

كالنقع و غيره.

و الجواب عنه: بمنع عموم العصير لغة بحيث يشمل المفروض أولا.

و بمنع إمكان حمله على ما يعمّه في تلك الأخبار ثانيا.

أمّا الأول: فليس لأجل ما قيل من أنّ المتبادر من العصير حيث يطلق المتّخذ من العنب دون العام «1».

أو أنّ العصير استعمل في اللغة و العرف و الأخبار في الخاصّ، و الأصل في الاستعمال الحقيقة «2».

أو أنّ إطلاق العصير حقيقة على الخاصّ ثابت و على غيره مشكوك فيه، فينفى بالأصل «3».

أو أنّ العصير إنّما يتحقّق في العنب، لأنّ العصير إنّما يطلق على المأخوذ من الأجسام التي فيها مائيّة لاستخراج الماء منها، كالعنب و الرمّان، و أمّا التمر و الزبيب و السماق- و نحوها من الأجسام الصلبة التي فيها حلاوة أو حموضة و يراد استخراج حلاوتها أو حموضتها- فالمتحقّق فيها هو النبيذ و النقيع، أو المرس، أو الغلي «4».

[لردّ الأول: بمنع التبادر] «5». نعم، لو قيل بعدم تبادر التمري و الزبيبي لكان صحيحا، [و

لكنّه غير مفيد] «6».

و أمّا تسليم المخالف تبادر العنبي و ردّه بتجويز كونه إطلاقيّا فلا يكون

______________________________

(1) انظر الذخيرة: 155.

(2) الحدائق 5: 127.

(3) الرياض 2: 293.

(4) الحدائق 5: 125.

(5) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

(6) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 190

علامة للحقيقة- كما وقع لبعضهم- فيرد عليه أنّ ذلك و إن أخدش في إثبات كونه حقيقة في العنبي و لكنّه يخدش في عمومه الذي عليه بناء الاستدلال أيضا فيبطل.

و القول- بأنّه إذا تعارض الاحتمالان يرجع إلى الأصل، الذي هو بقاء العموم- إنّما يصحّ لو كان مراد الرادّ: إثبات الحقيقة الطارئة بالتبادر، و لكن له أن يمنع أصالة العموم و أراد الحقيقة الأوليّة.

و دعوى أنّ مقتضى الوضع الاشتقاقي العموم- فلو ثبت حقيقة في الخصوص لكانت طارئة- يأتي جوابها.

كما أنّ تسليم الموافق لنا إطلاقيّة التبادر الحاصل بسبب الشيوع و جعله كافيا في إثبات المطلوب لأنّ المطلق يحمل على الأفراد الشائعة دون الخفيّة النادرة، يرد عليه: أنّ الحمل على الشائع إنّما يكون إذا كان غيره نادرا خفيّا، و هو في المقام غير ثابت، فإنّ انصراف المطلق يستدعي الظهور الذي يقابل الندرة، دون الأظهريّة و الأشهريّة، مع أنّ من أخبار المقام ما يشتمل على لفظ العموم الاستغراقي، و حمل مثله على الشائع ممنوع.

و ردّ الثاني: بمنع استعمال العصير في الخاصّ أولا و إن دلّت القرائن على إرادته في بعض المواضع، فإنّ إرادة الخاصّ لا تستلزم استعمال اللفظ فيه بعينه، لجواز فهم الخصوصيّة من الخارج دون اللفظ.

و منع كون الأصل في الاستعمال الحقيقة مطلقا، ثانيا، و إنّما هو إذا اتّحد المستعمل فيه، و المورد ليس كذلك، لاستعماله في الأعمّ في اللغة و العرف و

الأخبار أيضا، و على هذا فللخصم قلب الدليل و إثبات الحقيقة في الأعمّ بالاستعمال فيه.

و ردّ الثالث: بأنّه إن أريد بثبوت إطلاق العصير على الخاصّ حقيقة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 191

إطلاقه عليه لكونه موضوعا له بالخصوص فهو أول النزاع، و إن أريد ثبوت إطلاقه عليه حقيقة و لو لوضعه للمعنى العام فهو غير مفيد.

و ردّ الرابع: بأنّ النبيذ و النقيع و إن تحقّقا في التمر و الزبيب و لكن يحصل العصير بعدهما أيضا، و لأجل ذلك يطلق على عصيرهما النقيع و النبيذ.

و الحاصل: أنّه إن أريد اختصاص العصير بالعنب فنمنع، و إن أريد تحقّق النبيذ و النقيع في التمر و الزبيب فنسلّم، و لكن لا يلزمه انتفاء العصير فيهما، إلّا أن يخصّ العصير بما لم يتوقّف على نبذ و نفع، و حينئذ يكون الكلام متوجّها كما يأتي.

بل لأنّ لفظ العصير: فعيل، و هو إمّا بمعنى الفاعل، فهو بمعنى العاصر، أو بمعنى المفعول، و هو الشي ء الذي وقع عليه العصر دون ما خرج من العصر، و إنّما يسمّى ذلك عصارا و عصارة.

صرّح بذلك في القاموس، قال: و عصر العنب و نحوه يعصره فهو معصور و عصير، و اعتصره استخرج ما فيه، و عصره ولي ذلك بنفسه، و اعتصره عصر له و قد انعصر و تعصّر، و عصارته و عصارة ما يحلب منه «1».

انتهى.

صرّح بأنّ العصير هو نفس العنب و أنّ ماءه عصارة و عصار، و على هذا فإطلاق العصير على الماء المستخرج لا يكون مقتضى وضعه الاشتقاقي حتى يستدعي عموما، بل هو معنى مجازي له، فيمكن أن يكون ذلك المعنى المجازي هو خصوص ماء العنب، أو هو و نحوه ممّا لا يحتاج إلى

______________________________

(1) القاموس

المحيط 2: 93.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 192

ضمّ ماء خارجي، فلا يعلم العموم.

سلّمنا كون لفظ العصير حقيقة في الماء المستخرج، كما هو ظاهر كلام صاحب المصباح المنير، حيث قال: عصرت العنب و نحوه عصرا- من باب ضرب- استخرجت ماءه فانعصر، و اعتصرته كذلك، و اسم ذلك الماء العصير: فعيل، بمعنى: مفعول، و العصارة بالضمّ ما سيل عن العصر «1».

انتهى.

و لكنّه حقيقة طارئة، إذ حقيقة الاشتقاقيّة هو ما وقع عليه العصر- أي الجسم الذي استخرج ماؤه- كما صرّح به في القاموس، و تلك الحقيقة الطارئة يمكن أن تكون ما لا يصدق على مثل ما يستخرج من التمر و الزبيب، بل يختصّ بما كان ماء نفسه، و لذا لا يقال لما يخرج من الثوب و نحوه بعد العصر: عصير، و كذا ما يخرج من اليد الرطبة بعد عصرها.

و لا عموم في كلام المصباح، لأنّه قال: العنب و نحوه، فيمكن أن يكون مراده ب: نحوه: ما كان الماء من نفسه، بل هو الظاهر من قوله:

استخرجت ماءه، حيث أضاف الماء إلى الضمير الراجع إلى نفس الشي ء، و لم يقل: الماء الذي فيه.

و يؤكّد ذلك عدم وقوع تصريح في كلام لغوي باستعمال العصير في غير ما كان الماء المستخرج من نفسه، و إنّما استعملوه في ما كان الماء من نفسه، كالعنب و الرطب و النخيل و الأعناب، أو نحو العنب و غير ذلك.

و على هذا، فلا دلالة لتقييد بعض اللغويين و غيرهم العصير بالعنب على استعماله في التمري و الزبيبي أيضا.

______________________________

(1) المصباح المنير: 413.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 193

نعم، يدلّ على استعماله على غير ماء العنب أيضا كماء الرطب و الحصرم و الرمّان، و لكنّه غير

مفيد.

و الحاصل: أنّ مقتضى الوضع الاشتقاقي و المطابق لحقيقته الأصليّة كون العصير هو ما وقع عليه العصر، كنفس العنب و الثوب و غيرهما، دون ما خرج من العصر، فيكون استعماله في الخارج كلّا أو بعضا إمّا مجازا- كما هو ظاهر القاموس، و حينئذ فيتكثّر المجاز و يتّسع باب الاحتمال- أو حقيقة طارئة، كما هو ظاهر المصباح، و لا يعلم أنّ حقيقته الطارئة هل هي الماء الذاتي المستخرج، أو مطلقا فيبطل معه أيضا الاستدلال.

فإن قلت: قول صاحب المصباح: فعيل بمعنى مفعول، يدلّ على أنّه وضعه الاشتقاقي، فيكون عامّا لكلّ ما يصدق فيه مبدأ اشتقاقه.

قلنا: مع أنّه لا حجّية في قوله فقط أنّه لو كان حجّة لكان في تعيين المعاني، و أمّا في غير ذلك فلا، و كون ذلك فعيلا بمعنى المفعول ممّا نعلم انتفاءه، فإنّ المعصور- الذي هو المفعول- هو ما وقع عليه العصر، و ليس هو إلّا نفس العنب و نحوه دون ما استخرج منه، و أمّا إرادة المستخرج من شي ء آخر فهو حقيقة ليس مفعولا يكون الفعيل بمعناه، فإنّه ليس مفعولا للعصر أصلا.

سلّمنا، و لكن يحتمل أن يكون إطلاق العصير على الماء من باب الفعيل بمعنى المفعول إذا كان ذلك الماء أيضا جزءا من حقيقة المسمّى بالاسم حتى يصدق عليه المفعول من تلك الجهة، دون ما إذا ضمّ الماء مع شي ء آخر و ادخل فيه، كما في الثوب و نحوه.

و ممّا ذكرنا ظهر ما في كلام بعض سادة مشايخنا المحقّقين، حيث قال: عموم لفظ العصير باعتبار وضعه اللغوي الأصلي أمر بيّن يجب القطع

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 194

به، فإنّ العصير فعيل من العصر، فهو كغيره من المشتقّات موضوع بالوضع النوعيّ للذات المبهمة

المتّصفة بالمبدإ على وجه مخصوص، و من المعلوم أنّ ليس للفظ العصير من بين المشتقّات في أصل اللغة وضع يخصّصه ببعض الذوات كالعنب، فإذن العصير- بمقتضى وضعه الأصلي- عامّ صادق على كلّ شي ء معصور مطلقا، عنبا كان أو تمرا أو زبيبا أو غير ذلك.

انتهى.

فإنّا نقول: إنّا نسلّم عمومه باعتبار وضعه الأصلي، و مقتضاه صدق العصير على كلّ ما وقع عليه العصر من عنب و تمر و زبيب و ثوب و لبد و لحاف و غيرها، و أمّا صدقه على الماء المستخرج مطلقا فبأيّ وضع؟

نوعي أو شخصيّ أو اشتقاقي؟ و دلالته عليه ليس بالوضع الأصلي الاشتقاقي، و إنّما هو أمر طار عارضي، يجب الفحص عن معروضه عموما و خصوصا، و ليس في كلام أهل اللغة و نحوهم من الأدباء تصريحا أو استعمالا مطلقا ما يدلّ على التعميم، و إنّما هو محض استعمال في كلام الفقهاء لبيان المسألة، و لو كان ذلك مقتضى الوضع الاشتقاقي للزم صحّة استعماله في الماء المستخرج من عصر الثوب و اللبد و اليد و الشعر، فيقال:

عصير الثوب و اليد و الشعر إلى غير ذلك، و بطلانه ظاهر جدّا.

بل في كلام المصباح إشارة إلى أنّه ليس وضعا اشتقاقيّا، حيث قال:

و اسم ذلك الماء العصير، ثمَّ قال: و العصارة ما سيل من العصر.

فإنّه لا يقال للضارب: إنّه اسم ذلك الشخص، و لذا فرّق بين العصير و العصارة، فالأول ليس مقتضى الوضع الوصفي الاشتقاقي، و إنّما هو علميّ عارضي، و هذا ظاهر جدّا.

و تؤكّد بعض ما ذكرنا صحيحة البجلي: «الخمر من خمسة: العصير

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 195

من الكرم، و النقيع من الزبيب، و البتع من العسل، و المزر من الشعير، و النبيذ

من التمر» «1».

فإنّها دالّة على اختصاص العصير بماء العنب و عصارته إن جعلنا العصير بيانا للخمسة، يعني: أنّ الخمر يحصل من خمسة أشياء: من العصير و هو من الكرم، و من النقيع الذي هو من الزبيب، إلى آخره. أو اختصاصه بالخمر العنبيّة إن جعلناه بيانا لأقسام الخمر.

و أمّا الثاني: فلأنّ العصير في تلك الأخبار لو كان عامّا لزم تخصيص الأكثر، بل إلّا الأندر، و هو هذه الثلاثة، و خروج سائر أفراده التي لا تحصى من الكثرة، و ذلك غير جائز على التحقيق، فيكون العصير إمّا مخصوصا بالوضع، أو مستعملا في بعض الأفراد تجوّزا لا من باب تخصيص العامّ، و على التقديرين لا تكون إرادة الزائد عن العنبي عنه معلومة.

و أورد عليه بوجهين:

الوجه الأول: منع عدم جواز تخصيص الأكثر، لوقوعه في الكتاب العزيز، قال سبحانه إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ «2».

مع قوله تعالى وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ «3».

فإنّ المخلصين لو كانوا أقلّ كان الغاوون أكثر و قد استثنوا من الاولى، و إن كانوا أكثر فقد استثنوا من الثانية، و يلزم استثناء الأكثر.

______________________________

(1) الكافي 6: 392- 1، التهذيب 9: 101- 442، الوسائل 25: 279 أبواب الأشربة المحرّمة ب 1 ح 1.

(2) الحجر: 42.

(3) الحجر: 39 و 40.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 196

و لأنّ المقتضي له موجود و المانع مفقود.

أمّا الأول: فللوضع لما يصحّ منه الإخراج تجوّزا، و وجود علاقة مصحّحة، هي علاقة العموم و الخصوص، دون المشابهة المنتفية في المقام.

و أمّا الثاني: فإذ ليس إلّا قبح مثل قول القائل: أكلت كلّ رمّانة في البستان، و فيه آلاف و لم يأكل إلّا واحدة أو ثلاثة. و: كلّ

من جاءك فأكرمه، ثمَّ قال: أردت زيدا أو هو مع عمرو. و ذلك القبح ليس كلّيا حتى يكون مستندا إلى اشتراط الواضع بقاء الأكثر من العامّ، بل لأمر عارض يزول إذا روعيت فيه الجهات المحسّنة و الاعتبارات اللائقة و تصرّف المتكلّم فيه تصرّفا يخرجه عن الضعة و الابتذال، بل قد يلتحق به الكلام بالبليغ الذي يتنافس به الأعلام، و ذلك كما في: عليّ واحد و واحد و واحد إلى عشرة، فإنّه يستقبح مع كونه موافقا للّغة، و إذا كانت هناك نكتة يرتفع القبح كما في بنت سبع و أربع و ثلاث، و كما أنّ التكرار ممّا تستقبحه الطباع، و قد يستحسن بمراعاة بعض النكات كما في سورتي: الرحمن و المرسلات، و كتوجّه الخطاب الموضوع للموجود أو الحاضر أو ذوي العقول إلى المعدوم أو الغائب أو غير ذوي العقول أو عكس ذلك بملاحظة بعض اللطائف و الأحوال، و بهذا الاعتبار يحسن استعمال أدوات العموم في قليل من أفراد العامّ، كأن ينظر في المثالين المتقدّمين إلى أنّ ما عدا المراد بمنزلة المعدوم لنوع امتياز للمراد من بين الأفراد فكأنّه لا فرد لذلك العام سوى المراد.

أو إلى أنّه لمّا أكل أحسن الرمّانات و أراد أفضل الجائين فكأنّه أكل الكلّ و أكرم الجميع، فيطلق لفظ العموم نظرا إلى ما وقع عليه الفعل من

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 197

القليل بمنزلة الكثير، كقوله: زيد كلّ الرجل، يريد بذلك معادلته للجماعة. أو إلى أنّ القليل المأكول مثلا لمّا كان قدر كفايته فكأنّه أكل الكلّ، فيقصد المبالغة دون الحقيقة، و بمثل تلك الاعتبارات يزول القبح الثابت له قبل ذلك.

و من ذلك يعلم أنّ القبح لم يكن مستندا إلى مخالفة اللغة أو

الخروج عن قوانين العربيّة، و إلّا لاستمرّ مع اللفظ و لم يكن يزول أبدا و إن روعيت فيه أنواع اللطائف أو اختلفت الأحوال و المقامات.

و فيه أولا: أنّ الاستثناء في الآية الأولى منقطع، لأنّ من اتّبعه من الغاوين ليس داخلا في العباد، لأنّ العبد من أقرّ بالعبوديّة و تلبّس بآداب العبادة، قال اللّه سبحانه فَادْخُلِي فِي عِبادِي. وَ ادْخُلِي جَنَّتِي «1»، فلا تخصيص فيها. و المخرج في الآية الثانية قليل بالنسبة إلى الباقين.

و ثانيا: أنّه لا يعلم أنّ من اتّبع الشيطان من الغاوين- الذي عليه سلطانه- يكون أكثر من غيره من العباد أو مساويا له، لأنّهم بين تابع للّه و مستضعف من الدين لم تقرع إسماعهم شريعة أو لم يعلموا غير طريقتهم طريقة حقّة، و بين تابع للشيطان.

و بتقرير آخر: بين ذوي النفوس المطمئنّة و ذوي النفوس اللوّامة و ذوي النفوس الأمّارة و المستضعفين الخالين عن النفوس الثلاث الذين هم أكثر الناس، و من سلّط عليه الشيطان هو الثالث، و من أين علم أنّه أكثر العباد أو مساو لغيره؟! و من أحاط بعباد اللّه سبحانه من بدو خلقهم إلى انقراضهم في شرق الدنيا و غربها و برّها و بحرها؟!

______________________________

(1) الفجر: 29، 30.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 198

و أمّا الآية الثانية فمعناها: إنّي أكون بصدد إغواء الجميع إلّا العباد المخلصين الذين هم الأنبياء و أوصياؤهم- كما ورد في الأخبار- فإنّي لست بصدد إغوائهم. و لا يريد أنّي اغوي غير المخلصين، إذ ليس جميع غيرهم غاويا من جانب الشيطان، فإنّ منهم المؤمنين الأبرار، و المتوسّطين التابعين للشريعة التائبين بعد المعصية، و المستضعفين، و أمّا المخلصون فهم الذين جزاؤهم فوق أعمالهم و يصفون اللّه سبحانه بما

يليق بجلاله.

قال اللّه سبحانه وَ ما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ «1».

و قال سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ. إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ «2».

فليس كلّ غير المخلصين غاويا من إغواء الشيطان، فأراد: إنّي أكون بصدد إغواء غير المخلصين.

و على هذا، فلا يفيد ضمّ الآية الثانية مع الأولى لإثبات مطلوبه، لأنّا نقول: إنّ كلّا ممّن اتّبع الشيطان و له عليه السلطان و من المخلصين أقلّ أفراد العباد، و لا ضير، إذ ليس كلّ من أراد إغواءه ممّن اتّبعه.

و ثالثا: أنّا لا نسلّم وجود المقتضي، إذ هو- كما اعترف به- العلاقة المصحّحة، و هي هنا غير موجودة.

قوله: و هي العموم و الخصوص.

قلنا: نعم، و لكن لا كلّ خصوص، إذ لم تثبت لنا صلاحيّة كلّ خصوصيّة حتى الأكثر للعلاقة، كيف؟! و قد منعه أكثر المحقّقين و لم يدلّ عليه شاهد من الواضع، و العلاقات أيضا أمور توقيفيّة يجب ثبوتها من

______________________________

(1) الصافات: 39- 40.

(2) الصافات: 159- 160.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 199

الواضع، و هذا هو سبب القبح الذي يلاحظ في العرف و ادّعاه المحقّقون، و هو أمر مستمرّ لا ينفكّ أبدا، و ليس القبح لأجل أمر خارجي يزول بزواله و يعدّ من الموانع.

و أمّا ما ذكره- من زوال قبحه أحيانا بمراعاة بعض النكات و اللطائف- فهو خطأ محض و اشتباه بيّن يقضى منه العجب سيّما من هذا الجليل الشأن الذي ذكره، فإنّ الاستعمالات التي ذكرها مراعيا فيها النكات و اللطائف ليس من باب التخصيص و لا علاقة العموم و الخصوص، و إنّما هو تجوّز آخر و علاقة أخرى. و لذا لا يرتفع القبح لو صرّح بالتخصيص، فيقول: أكرم كلّ من جاء دارك إلّا غير زيد

العالم، أو: و لا تكرم غير زيد العالم، أو:

أكلت كلّ رمّانة إلّا غير الرمّانة الفلانيّة الحسنة. و لذا لو علم السامع بذلك، و لكن لم يعلم خصوص مراده عددا، لا يحمله على غير ما علم عدم إرادته، كما هو شأن التخصيص.

و لو تنزّلنا عن الحكم- الباتّ بكون ذلك تجوّزا آخر- فلا أقلّ من احتماله المسقط للاستدلال، لثبوت التوقيف و ارتفاع القبح عن التخصيص.

و رابعا: أنّا سلّمنا أنّ القبح يرتفع بمراعاة اللطائف و النكات، فما اللطيفة التي رفعته في تلك الأخبار و النكتة التي أزالته فيها؟! فإنّ قلت: النكتة هو شيوع هذه الثلاثة و تعارفها و تداولها.

قلنا: مع أنّ كفاية مجرّد ذلك لرفع القبح غير معلوم، إنّه إن أريد الشيوع وجودا- أي أنّ هذه العصيرات الثلاثة أكثر وجودا من غيرها- فهو ممنوع جدّا، كيف؟! مع أنّ عصارة الزيت و سائر الحبوبات التي يستضاء بعصارتها و عصير الحصرم و الرمّان و الأترج و الليمون و غير ذلك ليس بأقل من عصارة الزبيب قطعا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 200

و إن أريد شيوع إغلائها و أكثريّة غليانها فكذلك أيضا، فإنّ تحقّق الغليان في العصارات التي يستضاء بها و في ماء الحصرم و الرمّان و الأترج و السماق و الإجاص في الطبائخ و الرّبوب ليس أقل وقوعا من تحقّق الغليان في عصارة الزبيب و التمر أصلا، و قد وقع السؤال في الأخبار العديدة عن ربّ الرمّان و التفّاح و السفرجل و التوت و غيرها «1».

و إن أريد شيوع جعله دبسا فلا مدخليّة له في ذلك، كما أنّ لشيوع بعض الحالات الأخر لبعض العصارات الأخرى لا مدخليّة له في ذلك أيضا.

الوجه الثاني: عدم اقتضاء امتناع تخصيص الأكثر إرادة العصير

العنبي من اللفظ و لا وضعه له، لجواز إرادة الثلاثة بتوجّه الخطاب إلى الأفراد دون الأنواع، فإنّ أفراد هذه الثلاثة أكثر من أفراد غيرها.

و فيه: منع أكثريّة أفراد هذه الأنواع الثلاثة جدّا و لو سلّمت أكثريّة مقدارها، مع أنّها أيضا ممنوعة، مضافا إلى أنّ الإرجاع إلى الأفراد خلاف الظاهر.

قيل: سلّمنا وضعه للخاصّ أو استعماله تجوّزا فيه، و لكن الخاص الموضوع له أو المستعمل فيه لا يجب أن يكون خصوص ماء العنب، بل الظاهر أنّه ما يتّخذ منه الدبس، لقربه من المعنى الأصلي و مطابقته لما يقتضيه ظاهر كلام الفقهاء، حيث يطلقون العصير على العصارات الثلاث دون غيرها.

قلنا: الظهور ممنوع لا وجه له، بل و ليس مطلق الماء المستخرج

______________________________

(1) الوسائل 25: 366 أبواب الأشربة المحرّمة ب 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 201

معناه الأصلي كما عرفت، حتى تكون الثلاثة أقرب إليه من الواحدة، و إطلاق بعض الفقهاء لا يجدي نفعا، و نحن لا نقول،: إنّ العصير حقيقة في العنبي خاصّة وضعا أوليّا أو ثانويّا، و لا إنّه مستعمل فيه كذلك، بل نقول: إنّا نعلم أنّه موضوع أو مستعمل في معنى يصدق على العنبي قطعا، و لا نعلم غيره.

و ممّا ذكرنا يظهر دفع بعض ما قيل في ذلك المقام من أنّ اختصاصه بالعنبي يحتاج إلى هجر غيره و هو غير معلوم، أو إلى ارتجال و عدمه معلوم، و أنّه لو سلّم أحدهما فأصالة تأخّر الحادث تقتضي تأخّره عن صدور الروايات، و نحو ذلك ممّا لا يصلح للركون إليه بعد ما ذكرنا، و إن صلح بعضها لتأيّد بعض المطالب لو تمَّ أصلها و مبناها.

و منها: ما دلّ على حرمة كلّ شراب لم يذهب ثلثاه

، كصحيحة علي:

عن الرجل يصلّي إلى القبلة لا يوثق به أتى بشراب زعم

أنّه على الثلث فيحلّ شربه؟ قال: «لا يصدّق إلّا أن يكون مسلما عارفا» «1»، و روى مثله في قرب الإسناد «2».

و موثقة الساباطي: عن الرجل يأتي بالشراب فيقول: هذا مطبوخ على الثلث، فقال: «إن كان مسلما ورعا مأمونا فلا بأس أن يشرب» «3».

و الجواب عنه- مضافا إلى ما مرّ من إيجابه تخصيص الأكثر لو جعل من باب العموم و الخصوص- أنّ الأولى غير دالّة على عدم جواز التصديق،

______________________________

(1) التهذيب 9: 122- 528، الوسائل 25: 294 أبواب الأشربة المحرّمة ب 7 ح 7.

(2) قرب الإسناد: 271- 1078، الوسائل 25: 294 أبواب الأشربة المحرّمة ب 7 ح 7.

(3) التهذيب 9: 116- 502، الوسائل 25: 294 أبواب الأشربة المحرّمة ب 7 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 202

لمكان الجملة الخبريّة.

و لو سلّم فغايته عدم التصديق في الطبخ على الثلث، و هو لا يستلزم التحريم، إذ لعلّه للحكم بالكراهة- كما حكي عن جماعة- فلا يجوز الحكم بالإباحة بالمعنى الخاصّ.

و هما معارضتان مع الأخبار الكثيرة الدالّة على اعتبار قول ذي اليد، و ائتمان الصانع في عمله، و جواز الأخذ من سوق المسلمين، و عدم وجوب التفتيش و السؤال «1»، و نفي الحرج في الدين «2»، بل لإجماع المسلمين، حيث يأخذون الدبس في الأسواق خلفا و سلفا، مع أنّ صنّاعه غالبا ليسوا ورعين مأمونين، و لا يتفحّصون عن حال الصانع.

و أمّا ما حكي عن جماعة من أصحابنا- من عدم جواز أخذ العصير من المتّهم باستحلاله قبل التثليث- فهو مخصوص بالمتّهم بالاستحلال لا مطلقا، كما هو مورد الروايتين، و سائر الأخبار الواردة في الباب أيضا مخصوص بالمستحل، فالروايتان مطروحتان من هذه الجهة.

و كذا تعارضان بمثل رواية مولى حرّ بن يزيد:

إنّي أصنع الأشربة من العسل و غيره و أنّهم يكلّفونني صنعتها فأصنعها لهم، فقال: «اصنعها و ادفعها إليهم و هي حلال من قبل أن يصير مسكرا» «3».

هذا كلّه مع أنّ السؤال و الجواب في الروايتين مسوقان لحكم قبول قول مثل ذلك الشخص و عدمه، دون حكم اشتراط ذهاب الثلاثين و عدمه،

______________________________

(1) الوسائل 25: 292 أبواب الأشربة المحرّمة ب 7، و ص 381 ب 38 ح 3، الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50.

(2) الحجّ: 78.

(3) التهذيب 9: 127- 548، الوسائل 25: 381 أبواب الأشربة المحرّمة ب 38 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 203

و مثل ذلك لا يفيد في إطلاق حكم الشراب عند جمع من المحقّقين.

و أيضا إنّا نعلم قطعا أنّ علي بن جعفر و عمّار الساباطي كانا يعلمان أنّ الشراب على قسمين: قسم تتوقّف حلّيته على ذهاب الثلاثين، و قسم لا تتوقف، فسؤالهما إنّما هو عن القسم الأول قطعا، يعني: أنّ الشراب الذي تتوقف حلّيته على ذهاب الثلاثين هل يكفي قول ذي اليد فيه، أم لا؟

فلا عموم في الروايتين.

و منها: عموم مفهوم قوله: «ما طبخ على الثلث فهو حلال

» في رواية عقبة بن خالد: في رجل أخذ عشرة أرطال من عصير العنب فصبّ عليه عشرين رطلا من ماء، ثمَّ طبخها حتى ذهب منه و بقي عشرة أرطال، أ يصلح شرب ذلك أم لا؟ فقال: «ما طبخ على الثلث فهو حلال» «1».

و جوابه: ما مرّ من لزوم تخصيص الأكثر، بل هنا أشدّ، لعدم اختصاصه بالشراب و العصير.

هذا، مضافا إلى منع العموم في المنطوق، لظهوره في عصير العنب الذي هو مورد السؤال، و منع حجّية ذلك المفهوم، الذي هو مفهوم الوصف.

و منها: الأخبار الواردة في بيان ما يحلّ من النقيع و النبيذ و ما يحرم منهما

، و أنّ الذي يحلّ هو ما ينقع غدوة و يشرب عشيّة أو بالعكس.

كصحيحة الجمّال: أصف لك النبيذ، فقال عليه السّلام لي: «بل أنا أصفه لك، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: كلّ مسكر حرام، و ما أسكر كثيره فقليله حرام» فقلت: هذه نبيذ السقاية بفناء الكعبة، فقال عليه السّلام لي: «ليس هكذا كانت

______________________________

(1) الكافي 6: 421- 11، التهذيب 9: 121- 521، الوسائل 25: 295 أبواب الأشربة المحرّمة ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 204

السقاية، إنّما السقاية زمزم، أ فتدري من أول من غيّرها؟» قال: قلت: لا، قال: «العبّاس بن عبد المطّلب كانت له حبلة، أ فتدري ما الحبلة؟» قلت:

لا، قال: «الكرم، كان ينقع الزبيب غدوة و يشربونه بالعشي و ينقعه بالعشي و يشربونه من الغد، يريد أن يكسر غلظ الماء عن الناس، و إنّ هؤلاء قد تعدّوا فلا تشربه و لا تقربه» «1».

و حسنة حنّان: ما تقول في النبيذ؟ فإنّ أبا مريم يشربه و يزعم أنّك أمرته بشربه فقال: «صدق أبو مريم، سألني عن النبيذ فأخبرته أنّه حلال و لم يسألني عن المسكر» إلى أنّ قال: هذا

النبيذ الذي أذنت لأبي مريم أيّ شي ء هو؟ فقال: «أمّا أبي عليه السّلام فإنّه كان يأمر الخادم فيجي ء بقدح و يجعل فيه زبيبا و يغسله غسلا نقيّا ثمَّ يجعله في إناء ثمَّ يصبّ عليه ثلاثة مثله أو أربعة ماء ثمَّ يجعله بالليل و يشربه بالنهار و يجعله بالغداة و يشربه بالعشي، و كان يأمر الخادم بغسل الإناء في كلّ ثلاثة أيّام لئلّا يغتلم، فإن كنتم تريدون النبيذ فهذا النبيذ» «2».

و رواية أيّوب بن راشد: عن النبيذ، فقال: «لا بأس به» فقال: إنّه يوضع فيه العكر، فقال عليه السّلام: «بئس الشراب، و لكن انبذوه غدوة و اشربوه بالعشي» قال: فقال: جعلت فداك هذا يفسد بطوننا، قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

«أفسد لبطنك أن تشرب ما لا يحلّ لك» [1].

دلّت تلك الروايات على أنّ الذي يحلّ من النقيع و الزبيب هو ما ينقع

______________________________

[1] الكافي 6: 415- 2، الوسائل 25: 274 أبواب الأشربة المباحة ب 30 ح 1.

و العكر: درديّ الزيت و درديّ النبيذ و نحوه مما خثر و رسب- مجمع البحرين 3: 411.

______________________________

(1) الكافي 6: 408- 7، التهذيب 9: 111- 484، الوسائل 25: 337 أبواب الأشربة المحرّمة ب 17 ح 3.

(2) الكافي 6: 415- 1، الوسائل 25: 352 أبواب الأشربة المحرّمة ب 22 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 205

عشيّة و يشرب غدوة أو بالعكس، و أنّ ما عدا ذلك حرام، و ظاهر أنّ مضيّ هذه المدّة لا يقتضي تحريما، فهو إمّا لكونه مظنّة للنشيش و الغليان، أو لحصول الإسكار، و بمجرّد هذا المكث لا يحصل إسكار بيّن، فوجب كونه للنشيش، فإنّه كثيرا ما يحصل معه ذلك في البلاد الحارّة.

و الجواب عنه:

أولا: أنّ غاية

ما تدل عليه تلك الأخبار أنّ ما ينقع غدوة و يشرب عشيّة أو بالعكس فهو حلال، و أنّ ما عدا ذلك حرام مطلقا، فلا تدلّ عليه بوجه.

فإنّ الأولى تدلّ على أنّ ما تعدّوا فيه هؤلاء فهو حرام، و أمّا أنّ تعدّيهم في أيّ شي ء و بأيّ قدر فلا. قال في الوافي: إنّ الجبابرة تعدّوا و غيّروه بإكثار الزبيب و التمر فيه، و إطالة مدّة النقع، حتى صار نبيذا مسكرا «1».

فيمكن أن يكون تعدّيهم إلى حدّ الإسكار.

و أمّا ما ذكره بعض مشايخنا في رسالته المعمولة في هذه المسألة، من أنّه لا يمكن أن يكون ذلك التعدّي بالغا حدّ الإسكار، إذ من المستبعد جدّا- بل المستحيل عادة- تظاهر الناس بشراب النبيذ المسكر في زمن الصحابة و التابعين في المسجد الحرام بفناء الكعبة مع فتاوى الفقهاء و أحاديث الرسول صلّى اللّه عليه و آله على الحظر، و أنّ ما يسكر كثيره فقليله حرام.

ففيه- مع أنّه لم يكن في زمن الصحابة بل و لا التابعين إلّا ما شذّ منهم و ندر، و مع أنّهم قد تظاهروا على أمور كثيرة هي أشدّ ممّا ذكر و أشنع

______________________________

(1) الوافي 20: 626 أبواب المشارب ب 156.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 206

و أفضح-: أنّه يظهر من أخبارنا أنّهم كانوا متظاهرين بشرب النبيذ المسكر، ففي رواية عمرو بن مروان: إنّ هؤلاء ربّما حضرت معهم العشاء فيجيئون بالنبيذ بعد ذلك فإن أنا لم أشربه خفت أن يقولوا: فلانيّ، فكيف أصنع؟

قال: «اكسره بالماء» قلت: فإذا أنا كسرته بالماء أشربه؟ قال: «لا» «1».

و لعلّ معنى جزئه الأخير: إنّي إذا كسرته أشربه مطلقا و لو من غير ضرورة أيضا. و ظاهر أنّ المراد بكسره: كسر شدّته و

إسكاره، كما صرّح به في أخبار أخر، كرواية عمر بن حنظلة «2»، و رواية كليب الآتية.

و يظهر من قوله: خفت أن يقولوا: فلانيّ، أنّ فتاوى فقهائهم أيضا كانت على الحلّية.

بل يظهر من أخبارنا أنّ من أصحابنا أيضا من كان يزعم حلّية النبيذ المسكر إذا انكسر سكره بالماء، فيمكن أن يكون المتظاهر عليه في المسجد النبيذ المنكسر، ففي رواية كليب: كانوا أبو بصير و أصحابه يشربون النبيذ يكسرونه بالماء، فحدّثت بذلك أبا عبد اللّه عليه السّلام، فقال لي:

«و كيف صار الماء يحلّل المسكر؟! مرهم لا يشربوا منه قليلا و لا كثيرا» قلت: إنّهم يذكرون أنّ الرضا من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله يحلّه لهم، قال: «و كيف كان يحلّون آل محمّد المسكر؟!» الحديث «3».

و يظهر من بعض أخبارنا الأخر أنّهم كانوا يقولون بحلّية قليل ما يسكر كثيره، فلعلّهم كانوا متظاهرين بشرب القدر الذي لا يسكر، كما ورد

______________________________

(1) الكافي 6: 410- 13، الوسائل 25: 342 أبواب الأشربة المحرّمة ب 18 ح 3.

(2) الكافي 6: 410- 15، التهذيب 9: 112- 485، الوسائل 25: 341 أبواب الأشربة المحرّمة ب 18 ح 1.

(3) الكافي 6: 411- 17، الوسائل 25: 341 أبواب الأشربة المحرّمة ب 18 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 207

في رواية يزيد بن خليفة، المتضمّنة لحكاية دعوة جماعة كلّ جمعة و شربهم النبيذ مصلّيا على محمّد و آل محمّد، حتى بلغ ذلك أبا عبد اللّه عليه السّلام و نهاهم لأجل أنّ ما يسكر كثيره فقليله حرام «1».

و في صحيحة البجلي: إنّما سألتك عن النبيذ الذي يجعل فيه العكر فيغلي حتى يسكر، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و

آله: كلّ مسكر حرام» فقال الرجل: أصلحك اللّه، فإنّ من عندنا بالعراق يقولون: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّما عنى بذلك القدح الذي يسكر، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ ما أسكر كثيره فقليله حرام» «2».

و في رواية مسعدة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كان عند أبي قوم فاختلفوا في النبيذ، فقال بعضهم: القدح الذي يسكر فهو حرام، و قال قوم: قليل ما أسكر و كثيره حرام» الحديث «3».

و أمّا الثانية، فغاية ما تدلّ عليه أنّ أبا جعفر عليه السّلام كان يشرب نقيع الليل بالنهار و بالعكس، و لا دلالة لها على انحصار الحلال في ذلك، بل في العدول عن الجواب عمّا أذن فيه إلى بيان فعل أبيه عليهما السّلام دلالة واضحة على عدم الانحصار، فإنّه لو كان يقول: إنّ المأذون فيه هو ذلك، ربّما كان يوهم الانحصار.

و أمّا قوله: «فإن كنتم تريدون النبيذ» فلا يفيد الحصر، بل مثل ذلك الكلام متداول في العرف في مقام التنبيه على فساد النيّة، فإنّ من يريد

______________________________

(1) الكافي 6: 411- 16، الوسائل 25: 340 أبواب الأشربة المحرّمة ب 17 ح 9.

(2) الكافي 6: 409- 11، الوسائل 25: 339 أبواب الأشربة المحرّمة ب 17 ح 7.

(3) الكافي 6: 430- 6، ثواب الأعمال و عقاب الأعمال: 244، الوسائل 25: 338 أبواب الأشربة المحرّمة ب 17 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 208

ابتياع فرس و يردّ ما يعرض عليه فيؤتى له بفرس حسن، و يقال: إن كنت تريد الفرس الحسن فهذا الفرس الحسن، و إن كنت تريد أمرا آخر فأنت و شأنك، و لا دلالة لذلك على انحصار الفرس الحسن، و مقصود الإمام: أنّه

إن كنت تريد النبيذ الذي نحن نشربه أو ينفع بعد الطعام فهذا هو، و إن كنت تريد أمرا آخر من نشاط و إطراب أو متابعة الناس في أنبذتهم فهو أمر آخر.

و أمّا الثالثة، فغاية ما تدلّ عليه: أنّ في الأنبذة ما لا يحلّ شربه، و ظاهرها أنّ ما يوضع فيه العكر، و سيأتي أنّه مسكر، فلا يفيد.

و ثانيا: أنّا لو سلّمنا النهي عن غير ما ذكر و لكنّه لا يعلم كونه لأجل الغليان، فلعلّه كان لأجل الإسكار، بل هو الظاهر من صدر صحيحة الجمّال و حسنة حنّان، و أظهر منه قوله في حسنة أخرى لحنّان- بعد قوله: و يزعم أنّك أمرته بشربه- فقال: «معاذ اللّه أن أكون آمر بشرب مسكر» «1».

قول المستدلّ: مضيّ تلك المدّة لا يوجب إسكارا.

قلنا: إن أراد أنّه على سبيل الإطلاق لا يستلزم الإسكار فهو مسلّم، و لكن الغليان أيضا كذلك، فإنّ مجرّد مضيّ تلك المدّة لا يوجب الغليان، سيّما في الخريف و الشتاء، سيّما في البلاد الغير الحارّة، سيّما إذا كان الماء كثيرا و ما نبذه فيه قليلا، كما ذكر في حسنة حنّان «2»: أنّ الماء أربعة أمثال الزبيب.

بل في رواية الكلبي النسّابة أكثر من ذلك بكثير، و هي: عن النبيذ، فقال: «حلال» قلت: إنّا ننبذه فنطرح فيه العكر و ما سوى ذلك، فقال:

«شه شه تلك الخمرة المنتنة» قلت: جعلت فداك فأيّ نبيذ تعني؟ فقال:

«إنّ أهل المدينة شكوا إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله تغيّر الماء و فساد طبائعهم فأمرهم أن

______________________________

(1) الكافي 6: 410- 12، الوسائل 25: 351 أبواب الأشربة المحرّمة ب 22 ح 3.

(2) المتقدّمة في ص: 204.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 209

ينبذوا، فكان الرجل منهم يأمر

خادمه أن ينبذ له، فيعمد إلى كفّ من تمر، فيلقيه في الشنّ، فمنه شربه و منه طهوره» فقلت: و كم كان عدد التمرات التي كانت تلقى؟ قال: «ما يحمل الكفّ» قلت: واحدة و اثنتين؟ فقال:

«ربّما كانت واحدة و ربّما كانت اثنتين» فقلت: و كم كان يسع الشنّ ماء؟

قال: «ما بين الأربعين إلى الثلاثين إلى ما فوق ذلك» فقلت: بأيّ الأرطال؟

فقال: «أرطال بمكيال العراق» «1».

و إن أراد أنّه يمكن حصول الغليان بمضيّها، فلا شكّ أنّ مجرّد الإمكان أو الحصول في بعض الأحيان لا يوجب التحريم المطلق، مع أنّ الإسكار أيضا كذلك، فإنّه ربّما يحصل بذلك الإسكار سيّما في الهواء الحارّ و الإكثار في الزبيب أو التمر.

و الظاهر أنّ التخصيص بما نقع أو نبذ غدوة و عشيّا لأجل أنّه مع فتح باب الإنباذ و النقيع مطلقا يؤدّي إلى ما يحصل معه المحرّم من الغليان أو الإسكار بتكثير المنقوع و المنبوذ و تطويل المدّة، فلذا خصّ ذلك بالذكر، و لا يعلم أنّه مظنّة التعدّي حتى يحصل الغليان، بل لعلّه مظنّة التعدّي حتى يحصل الإسكار.

بل يظهر من بعض العامّة استلزام ذلك الغليان للإسكار، فإنّه روى مسلم في صحيحه عن عائشة: إنّا كنّا ننبذ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله غدوة فيشربه عشيّا، و ننبذه عشيّا فيشربه غدوة «2».

و روى فيه أيضا عن ابن عبّاس: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان ينقع له

______________________________

(1) الكافي 6: 416- 3 و فيه: «ما بين الأربعين إلى الثمانين»، الوسائل 1: 203 أبواب الماء المضاف ب 2 ح 2. و الشنّ: القربة الخلق- مجمع البحرين 6: 272.

(2) صحيح مسلم 3: 1590- 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 210

الزبيب، فيشربه اليوم

و الغد و بعد الغد إلى مساء الثالثة، ثمَّ يأمر به فيسقى أو يهراق «1».

قال ابن حجر بعد ذكر الروايتين: الشراب في المدّة التي ذكرتها عائشة يشرب حلوا، و أمّا القضيّة التي ذكرها ابن عبّاس فقد ينتهي إلى الشدّة و الغليان، لكن يحمل ما ورد من أمر الخدم بشربه على أنّه لم يبلغ ذلك و لكن قرب منه، لأنّه لو بلغ ذلك لأسكر، و لو أسكر لحرم تناوله مطلقا، و قد تمسّك بهذا الحديث من قال بجواز شرب قليل ما أسكر كثيره «2». انتهى.

و أمّا جعل سبب النهي عن شرب ما مضت عنه أزيد من تلك المدّة الإسكار الخفيّ الغير البيّن، و جعل كاشفة الغليان، فهو ممّا لا يصلح الإصغاء إليه في الأحكام الشرعيّة.

و منها: الأخبار المتضمّنة لحرمة النبيذ الذي يتحقق فيه الغليان مطلقا.

كمرسلة أبي البلاد: كنت عند أبي جعفر فقلت: يا جارية، اسقيني ماء، فقال لها: «اسقيه من نبيذي» فجائتني بنبيذ مريس [1] في قدح من صفر، قال: فقلت: إنّ أهل الكوفة لا يرضون بهذا، قال: «فما نبيذهم؟» قلت: يجعلون فيه القعوة، قال: «ما القعوة؟» قلت: اللاذي «3»، قال:

«فما اللاذي؟» فقلت: ثفل التمر يضرى به في الإناء حتى يهدر النبيذ و يغلي ثمَّ يسكن فيشرب، فقال: «هذا حرام» [2].

______________________________

[1] في الكافي: من بسر. و مرست التمر و غيره: دلكته بالماء حتى تتحلّل أجزاؤه- مجمع البحرين 4: 106.

[2] الكافي 6: 416- 4، الوسائل 25: 353 أبواب الأشربة المحرّمة ب 24 ح 1.

______________________________

(1) صحيح مسلم 3: 1589- 81.

(2) فتح الباري 10: 47 و فيه: و أمّا الصفة التي ذكرها ابن عبّاس ..

(3) كذا في النسخ، و في الكافي و الوسائل: الداذي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 211

و خبر إبراهيم بن أبي البلاد، و فيه:

فقال: «و ما نبيذهم؟» قال: قلت:

يؤخذ التمر فينقى و تلقى عليه القعوة، قال: «و ما القعوة؟» قلت:

اللاذي «1»، قال: «و ما اللاذي؟» قلت: حبّ يؤتى به من البصرة فيلقى في هذا النبيذ حتى يغلي و يسكن ثمَّ يشرب، فقال: «هذا حرام» «2».

و الجواب عنه: أنّ النسخ في الحديثين مختلفة، ففي طائفة منها:

«و يسكر» بدل: «يسكن» فيخرج عن محل النزاع، و مع الاختلاف لا يبقى الاعتماد على النسخة الأخرى، مع أنّ في بعض الأخبار تصريحا بكون ذلك مسكرا، كرواية عبد اللّه بن حمّاد المتقدّمة في أدلّة الحلّ «3»، و كصحيحة البجلي: عن النبيذ، فقال: «حلال» فقال: أصلحك اللّه إنّما سألت عن النبيذ الذي يجعل فيه العكر فيغلي حتى يسكن، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: كلّ مسكر حرام» «4».

و منها: الروايات الدالّة على أنّ ما يحصل من الكرم سواء كان عنبا أو زبيبا ثلثاه لإبليس

- لعنه اللّه- لمنازعته مع آدم و نوح على نبيّنا و عليهما السّلام، و أنّ ذلك علّة تحريم الثلاثين و تحريم الخمر.

كصحيحة زرارة «5»، و روايات سعيد بن يسار «6» و أبي الربيع «7» و خالد

______________________________

و الثفل: الدقيق و السويق و حثالة الشي ء- مجمع البحرين 5: 329.

و الضري: اللطخ- القاموس 4: 357.

______________________________

(1) كذا في النسخ، و في الكافي: الدازي، و في الوسائل: الدادي.

(2) الكافي 6: 416- 5، الوسائل 25: 354 أبواب الأشربة المحرّمة ب 24 ح 3.

(3) الكافي 6: 417- 7، الوسائل 25: 355 أبواب الأشربة المحرّمة ب 24 ح 6.

(4) الكافي 6: 417- 6، الوسائل 25: 355 أبواب الأشربة المحرّمة ب 24 ح 5.

(5) الكافي 6: 394- 3، الوسائل 25: 284 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 4.

(6) الكافي 6: 394- 4، الوسائل 25: 284 أبواب الأشربة المحرّمة

ب 2 ح 5، في النسخ: سعد بن يسار، و الصحيح ما أثبتناه.

(7) الكافي 6: 393- 1، الوسائل 25: 282 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 212

ابن نافع «1» و إبراهيم «2» المرويّة جميعا في الكافي، و روايات محمّد بن مسلم «3» و وهب بن منبّه «4» و أبي الربيع «5» المرويّة في العلل، و رواية سعيد ابن يسار المرويّة في تفسير العيّاشي «6».

وجه الاستدلال: أنّ المذكور في تلك الأخبار هو الحبلة و الكرم و ما في معناهما، و المراد منها: ما يحصل منها دون نفس الشجرة، كما يقتضيه تثليث الحاصل، و لا ريب أنّ الحاصل يعمّ الزبيب أيضا.

و الجواب عنه: أنّ الثلاثين اللذين هما نصيب الشيطان قد ذهبا في الزبيب بالجفاف فلا يبقى بعده.

و القول- بأنّ ذهاب الثلاثين المعتبر في حاصل الكرم إنّما هو بعد حصول الغليان المحرّم- فقد مرّ جوابه في طيّ أدلّة الحلّية.

و الحاصل: أنّه إن أريد أنّ ذهاب ثلثي الشيطان يعتبر فيه ذلك فلا دليل عليه و لا تصريح به في تلك الأخبار، بل [مطلقا] «7».

نعم، في رواية وهب بن منبّه: «فما كان فوق الثلث من طبخها فلإبليس و هو حظّه» و لكن الضمير في: «طبخها» لحبلة العنب أو لعصيرها، فإنّهما المذكوران في الكلام، و ظاهر أنّه ليس المراد طبخ الحبلة و لا عصير الحبلة، بل طبخ عنبها أو طبخ عصير عنبها، فلا يشمل الزّبيب.

و جعل المقدّر طبخ حاصلها أو عصير حاصلها لا دليل عليه، مع أنّ العصير

______________________________

(1) الكافي 6: 393- 1، الوسائل 25: 282 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 2.

(2) الكافي 6: 393- 2، الوسائل 25: 283 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2

ح 3.

(3) العلل: 477- 2، الوسائل 25: 286 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 10.

(4) العلل: 477- 3، الوسائل 25: 286 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 11.

(5) العلل: 476- 1، الوسائل 25: 282 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 2.

(6) تفسير العياشي 2: 262- 40.

(7) في النسخ: مطلق. و الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 213

المطلق أيضا لا يعلم صدقه على المستخرج من الزبيب كما عرفت.

و منه يظهر حال ما تضمّن لفظ العصير من تلك الأخبار، كصحيحة زرارة.

و الحاصل: أنّ تلك الأخبار بين أربعة أقسام:

قسم يصرّح بذهاب الثلاثين بنار روح القدس، و عدم فائدته للمخالف ظاهر.

و قسم يدلّ على أنّ الثلاثين مطلقا نصيب الشيطان، و عدم دلالته على حال الزبيب- لكونه أنقص من الثلث- أيضا واضح.

و قسم يدلّ على حرمة عصير الحبلة (أو عصير عنب الحبلة) «1» بعد الطبخ قبل ذهاب الثلاثين.

و قسم يدلّ على حرمة مطلق العصير كذلك.

و حالهما أيضا قد ظهر.

و قد عرفت استدلال بعض المحلّلين على الحلّية بتلك الأخبار كما مرّ.

و منها: الرضويّ المتقدّم في مسألة العصير العنبي،

الدالّ على أنّه إذا أصابت النار الكرم- أي حاصله- لا يحلّ شربه حتى يذهب ثلثاه «2».

و الجواب عنه- مضافا إلى عدم حجّيته- أنّه إذا لم يمكن إرادة نفس الكرم من ضمير أصابته فمن أين علم إرادة مطلق حاصله؟! بل لعلّه عنبه، مع أنّه يظهر من بعضهم أنّ الكرم هو نفس العنب «3»، و هو الظاهر من

______________________________

(1) ما بين القوسين ليس في «س».

(2) فقه الرضا عليه السّلام: 280، مستدرك الوسائل 17: 39 أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 5.

(3) الحدائق 5: 160.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 214

صحيحة البجلي المتضمّنة لخمسة أقسام الخمر «1».

و منها: رواية علي: عن الزبيب هل يصلح أن يطبخ حتى يخرج طعمه

، ثمَّ يؤخذ ذلك الماء فيطبخ حتى يذهب ثلثاه و يبقى الثلث، ثمَّ يرفع و يشرب منه السنة؟ قال: «لا بأس به» «2».

قد ذكرها بعض مشايخنا في طيّ أدلّته، و لا أرى لدلالتها وجها، فإنّها إمّا لتقييد السؤال بالطبخ على الثلاثين، أو لأجل نفي البأس في الجواب عن ذلك المقيّد فيثبت البأس فيما عداه بالمفهوم، و ضعف الوجهين في غاية الظهور.

أمّا الأول، فلأنّه لا يتعيّن أن يكون تقييد السائل لاعتقاده الحرمة بدونه و أنّه لرفع الحرمة الحاصلة بالغليان، فلعلّه لأجل حفظه في السنة ليصلح للمكث في تلك المدّة و لا يتسارع إليه الإسكار المستند إلى المائيّة المغيّرة، بل الظاهر أنّه لذلك و أنّ السؤال باعتبار الشرب منه في السنة.

و لو كان لأجل رفع الحرمة الحاصلة بالغليان لما احتاج إلى سؤال، إذ من يعلم أنّ العصير الزبيبي بالغليان يحرم حتى يذهب ثلثاه فيحلّ فمن أيّ شي ء يسأل؟! سيّما مثل عليّ بن جعفر، الذي هو بمكان رفيع من فقه الأحكام، و لو كان سمع الحرمة بالغليان و لم يسمع الحلّ بذهاب الثلاثين فمن

أين قيّده بذلك؟! بل كان عليه أن يسأل عن كيفيّة حلّه، و أيضا لو كان لذلك لما ذكر شرب السنة.

______________________________

(1) الكافي 6: 392- 1، التهذيب 9: 101- 442، الوسائل 25: 279 أبواب الأشربة المحرّمة ب 1 ح 1.

(2) الكافي 6: 421- 10، التهذيب 9: 121- 522، قرب الإسناد: 271- 1077، الوسائل 25: 295 أبواب الأشربة المحرّمة ب 8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 215

و التخصيص بذهاب الثلاثين في عدم التغيّر في السنة- مع أنّه يحصل ذلك المطلوب بذهاب الأقل من الثلاثين و الأكثر- فلعلّه لوقوع الطبخ على الثلاثين لأجل كراهته قبل ذلك.

و اتّصال هذه الرواية في قرب الإسناد «1» بما مرّ في صدر الدليل الثاني من أدلّة المحرّمين و كونه سؤالا عن الحلّية لا يدلّ على أنّ ذلك أيضا كذلك، لأنّ ذلك الاتّصال إنّما هو من الحميري دون علي، و لو كان منه أيضا لا يفيده، لأنّه مسألة أخرى.

و القول بأنّ مثل علي بن جعفر العارف بالأحكام لو لم يعلم أنّ هذا شرط في الحلّية لم يقيّده في سؤاله.

فيه: أنّه لو علم ذلك و علم حصوله فمن أيّ شي ء سؤاله؟! سلّمنا أنّ تقييد السائل إنّما هو لذلك، و لكنّه لا حجّيّة في اعتقاده، و تقرير الإمام له لا يفيد، إذ لا دليل على حجّية التقرير على مثل تلك الاعتقادات، كما بيّنّا في الأصول.

و أمّا الثاني، فظاهر جدّا، لأنّ إرجاع الضمير إلى المسؤول عنه المقيّد لا يدلّ بوجه على التقييد في الجواب أصلا، و قد وقع مثل ذلك السؤال و الجواب بعينه في ماء السفرجل الذي لا يحرم بالغليان قطعا في رواية خليلان بن هشام، فسأله عن ماء السفرجل يمزج بالعصير المثلّث فيطبخ

حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه أ يحلّ شربه؟ فكتب: «لا بأس به ما لم يتغيّر» «2».

______________________________

(1) قرب الإسناد: 271- 1077، الوسائل 25: 295 أبواب الأشربة المحرّمة ب 8 ح 2.

(2) الكافي 6: 427- 3، الوسائل 25: 367 أبواب الأشربة المحرّمة ب 29 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 216

و منها: الأخبار الواردة في بيان ما يحلّ من المعتصر من الزبيب بالخصوص

و ما لا يحلّ، كموثّقة الساباطي: عن الزبيب كيف طبخه حتى يشرب حلالا؟ فقال: «تأخذ ربعا من زبيب فتنقيه، ثمَّ تطرح عليه اثنى عشر رطلا من ماء، ثمَّ تنقعه ليلة، فإذا كان من الغد نزعت سلافته، ثمَّ تصبّ عليه من الماء بقدر ما يغمره، ثمَّ تغليه بالنار غلية، ثمَّ تنزع ماءه فتصبّه على الماء الأول، ثمَّ تطرحه في إناء واحد جميعا، ثمَّ توقد تحته النار حتى يذهب ثلثاه و يبقى الثلث و تحته النار، ثمَّ تأخذ رطلا من عسل فتغليه بالنار غلية و تنزع رغوته، ثمَّ تطرحه على المطبوخ، ثمَّ تضربه حتى يختلط به، و اطرح فيه إن شئت زعفرانا، و طيّبه إن شئت بزنجبيل قليل» قال: «فإذا أردت أن تقسّمه أثلاثا لتطبخه فكله بشي ء واحد حتى تعلم كم هو، ثمَّ اطرح عليه الأول في الإناء الذي تغليه فيه، ثمَّ تجعل فيه مقدارا و حدّه حيث يبلغ الماء، ثمَّ اطرح الثلث الآخر، ثمَّ حدّه حيث يبلغ الماء، ثمَّ تطرح الثلث الأخير، ثمَّ حدّه حيث يبلغ الآخر، ثمَّ توقد تحته بنار ليّنة حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» «1».

و قريبة منها الأخرى و صدرها: وصف لي أبو عبد اللّه عليه السّلام المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير حلالا، و في آخرها: «و إن أحببت أن يطول مكثه عندك فروّقه» [1].

و رواية الهاشمي: شكوت إلى أبي

عبد اللّه عليه السّلام قراقر تصيبني في معدتي و قلّة استمرائي الطعام، فقال لي: «لم لا تتّخذ نبيذا نشربه نحن و هو

______________________________

[1] الكافي 6: 424- 1، الوسائل 25: 289 أبواب الأشربة المحرّمة ب 5 ح 2.

روّقه: الترويق: التصفية- القاموس المحيط 3: 247.

______________________________

(1) الكافي 6: 425- 2، الوسائل 25: 290 أبواب الأشربة المحرّمة ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 217

يمرأ الطعام و يذهب بالقراقر و الرياح من البطن؟» قال: فقلت له: صفه لي جعلت فداك، فقال: «تأخذ صاعا من زبيب فتنقي حبّه و ما فيه، ثمَّ تغسل بالماء غسلا جيّدا، ثمَّ تنقعه في مثله من الماء أو ما يغمره، ثمَّ تتركه في الشتاء ثلاثة أيّام بلياليها و في الصيف يوما و ليلة، فإذا أتى عليه ذلك القدر صفّيته و أخذت صفوته و جعلته في إناء و أخذت مقداره بعود، ثمَّ طبخته طبخا رقيقا حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه، ثمَّ تجعل عليه نصف رطل عسل و تأخذ مقدار العسل، ثمَّ تطبخه حتى تذهب تلك الزيادة، ثمَّ تأخذ زنجبيلا و خولنجانا و دار صيني و الزعفران و قرنفلا و مصطكى تدقّه و تجعله في خرقة رقيقة و تطرحه فيه و تغليه معه غيلة، ثمَّ تنزله، فإذا برد صفّيته و أخذت منه على غذائك و عشائك» قال: ففعلت فذهب عنّي ما كنت أجد و هو شراب طيّب لا يتغير إذا بقي إن شاء اللّه «1».

و الجواب عنها- مع ما في الثانية من التعقيد و الإجمال في المتن، و في الأخيرة من عدم الدلالة على توقّف الحلّيّة على ذهاب الثلاثين و التحريم بدونه أصلا-: أنّه لا يلزم من الأمر بطبخه على الثلث أن يكون ذلك

لأجل حلّيّته بعد حرمته بالغليان، بل يجوز أن يكون لئلّا يصير مسكرا، كما يدلّ عليه قوله في آخر الرواية الأخيرة: و هو شراب لا يتغيّر إذا بقي.

و لا ينافيه قوله في آخر الثانية: «و إن أحببت أن يطول مكثه» إلى آخره، إذ يمكن أن يكون ذلك لعدم فساده بنحو آخر غير الإسكار، أو أن يكون المراد بطول المكث: المكث في المدّة الطويلة، و بقوله: إذا بقي، في

______________________________

(1) الكافي 6: 426- 3، الوسائل 25: 290 أبواب الأشربة المحرّمة ب 5 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 218

الأخيرة أقلّ من ذلك.

و يجوز أن يكون لأجل أنّ الخاصيّة و النفع المترتّب عليه لا يحصل إلّا بطبخه على الوجه المذكور، كما ورد مثله في رواية خليلان المتقدّمة، المتضمّنة لطبخ ماء السفرجل على الثلاثين، مع أنّه ليس للحلّيّة قطعا.

و يدلّ عليه الأمر بالطبخ حتى يذهب العسل الزائد في رواية الهاشمي المتقدّمة، مع أنّه غير محتاج إليه في الحلّية البتّة، بل يدلّ عليه أمر الأطبّاء بذلك، كما ورد في رواية إسحاق بن عمّار: شكوت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام بعض الوجع و قلت: إنّ الطبيب وصف لي شرابا آخذ الزبيب و أصبّ عليه الماء للواحد اثنين، ثمَّ أصبّ عليه العسل، ثمَّ أطبخه حتى يذهب ثلثاه و يبقى الثلث فقال: «أ ليس حلوا؟» قلت: بلى، فقال: «اشربه» و لم أخبره كم العسل «1».

و كذا يدلّ عليه ما ورد في النضوح- كما يأتي- مع أنّه للتطيّب لا للأكل.

و القول- بأنّ وظيفة الإمام بيان ما له مدخليّة في الأحكام دون غيرها- معارض بأنّ وظيفة الطبيب بيان ما له مدخليّة في الآثار دون غيرها، مع أنّ أكثر ما ورد في تلك الأخبار

الثلاثة ممّا ليس له تعلّق بالأحكام، بل الأخيرة مسوقة لبيان الفوائد.

فإن قيل: إنّ قوله: كيف يطبخ حتى يصير حلالا، في الثانية، أو:

حتى يشرب حلالا، في الأولى يدلّ على التحريم بدونه، و كذا قوله في الثانية: «و إذا كان في أيّام الصيف و خشيت أن ينشّ جعلته في تنوّر» إلى

______________________________

(1) الكافي 6: 426- 4، الوسائل 25: 291 أبواب الأشربة المحرّمة ب 5 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 219

آخره، فإنّ النشيش: هو صوت الغليان، و الظاهر من المحافظة عليه بأن لا ينشّ ليس إلّا لخوف تحريمه بالغليان.

قلنا: مع أنّ قوله: حتى يصير، أو: يشرب حلالا، من قول الراوي في سؤاله- و لا حجّيّة فيه إلّا من حيث تقرير المعصوم له على فهمه، و قد بيّنّا في موضعه أنّه ليس بحجّة- أكثر ما ذكر في الكيفيّة، بل كلّه- عدا الغلي حتى يذهب الثلثان- لا دخل له في الحلّية قطعا، فلا بدّ في الكلام من ارتكاب تجوّز إمّا في كلام السائل بمثل إرادة أنّه كيف يطبخ حتى يبقى على الحلّية و لا يصير مسكرا، أو حتى تحصل فيه فوائد النبيذ و خواصّه المطلوبة منه من دون عروض إسكار، أو غير ذلك من المعاني، بل الأول هو الظاهر من قوله: حتى يشرب حلالا.

و القول: بأنّ العدول عن الظاهر في غير ذهاب الثلاثين لوجود الصارف القطعي لا يقتضي العدول عنه في الذهاب أيضا مع انتفاء الصارف عنه، بل يجب إبقاؤه على ظاهره.

مردود بأنّ هذا ليس من باب تخصيص العامّ حتى يقتصر فيه على المتيقّن، بل من باب ارتكاب أحد التأويلين أو التجوّزين، و عدم وجود مرجّح لأحدهما، بل وجوده لما يخالف مطلوب المستدلّ.

و أمّا قوله: «حتى لا ينشّ»

فإنّ فيه: أنّ بعد ذلك أمر بغليانه حتى يذهب ثلثاه فهو و إن حرم بالنشيش فلا مانع منه، لتعقّبه بالغليان الموجب للتحليل بعد ذلك، و حينئذ فلعلّ المحافظة عليه من النشيش إنّما هو لغرض آخر، لا لأنّه يحرم بعد ذلك، فإنّه و إن حرم لكن لا منافاة فيه بعد غلية إلى ذهاب الثلاثين المأمور به ثانيا، و حينئذ فلا فرق في حصول التحريم فيه في وقت النشيش و لا وقت الغليان أخيرا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 220

و منها: ما رواه في البحار، عن كتاب زيد النرسي

أنّه قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الزبيب يدقّ و يلقى في القدر، ثمَّ يصبّ عليه الماء و يوقد تحته، فقال: «لا تأكله حتى يذهب الثلثان و يبقى الثلث، فإنّ النار قد أصابته» قلت: فالزبيب كما هو يلقى في القدر و يصبّ عليه، ثمَّ يطبخ و يصفّى منه الماء، فقال: «كذلك هو سواء إذا أدّت الحلاوة إلى الماء و صار حلوا بمنزلة العصير ثمَّ نشّ من غير أن تصيبه النار فقد حرم، و كذلك إذا أصابته النار فأغلاه فقد فسد» «1».

و الجواب عنه: أنّها لا تصلح لمقاومة ما ذكرنا من أدلّة الحلّية، فإنّ الكتاب المنسوب إلى زيد النرسي مطعون فيه، حكى الشيخ في الفهرست عن الصدوق أنّه لم يرو أصل زيد النرسي، و كذا حكى عن شيخه محمّد بن الحسن بن الوليد، بل كان يقول: إنّه موضوع وضعه محمّد بن موسى الهمداني المعروف بالسمّان «2».

مضافا إلى أنّ كتابه غير معروف بتواتر و نحوه في زمن صاحب البحار، و ليس إلّا مجرّد إسناد إليه من غير اتّصال السند في الكتاب المخصوص، فمن أين يعلم أنّه كتاب النرسي الذي روى عنه المتقدّمون على أرباب الكتب الأربعة؟!

فإنّه مهجور في تلك الأزمنة المتطاولة.

و من ذلك يندفع ما قيل من تضعيف حكاية الصدوق و شيخه و معارضتها بتغليط ابن الغضائري لابن بابويه «3».

و منها: ما ورد في النضوح، كموثّقتي الساباطي،

إحداهما: عن

______________________________

(1) البحار 76: 177- 8، و هو في كتاب زيد النرسي (الأصول الستة عشر): 58.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 15    221     و منها: ما ورد في النضوح، كموثقتي الساباطي، ..... ص : 220

(2) الفهرست: 71.

(3) انظر مجمع الرجال للقهپائي 3: 84.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 221

النّضوح قال: «يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه و يبقى الثلث ثمَّ يتمشّطن» «1».

و الأخرى: عن النّضوح المعتق كيف يصنع به حتى يحلّ؟ قال: «خذ ماء التمر فأغله حتى يذهب ثلثا ماء التمر» «2».

و الجواب: أنّه لا تصريح في الروايتين بحرمة الشرب قبل ذهاب الثلاثين من الإمام عليه السّلام أصلا، و إنّما غايتهما الأمر بغلية حتى يذهب ثلثاه، و هو أعمّ من تحريمه بالغلي قبله، و لعلّ الوجه فيه ما ذكره بعضهم من أنّ النضوح- على ما ذكره اللغويون-: ضرب من الطيب تفوح رائحته «3».

و في مجمع البحرين: إنّ في كلام بعض الأفاضل: أنّه طيب مائع، ينقعون التمر و السكر و القرنفل و التفّاح و الزعفران و أشباه ذلك في قارورة فيها قدر مخصوص من الماء، و يشدّ رأسها، و يصبر به أيّاما حتى ينشّ و يتخمّر، و هو شائع بين نساء الحرمين الشريفين «4».

و على هذا فتحمل الروايتان على أنّ الغرض من طبخه حتى يذهب ثلثاه إنّما هو لئلّا يصير خمرا ببقائه مدّة، لأنّ غلية هذا الحدّ الذي يصير به دبسا يذهب الأجزاء المائيّة التي يصير بها خمرا لو مكث مدّة كذلك، لأنّه يصير خمرا بسبب ما فيه من

تلك الأجزاء المائيّة، فإذا ذهب أمن من صيرورته خمرا.

و يؤيّد ذلك قوله: النّضوح المعتق، على صيغة اسم المفعول، أي

______________________________

(1) التهذيب 9: 123- 531، الوسائل 25: 379 أبواب الأشربة المحرّمة ب 37 ح 1، في المصدر: يمتشطن.

(2) التهذيب 9: 116- 502، الوسائل 25: 373 أبواب الأشربة المحرّمة ب 32 ح 2.

(3) الرياض 2: 291.

(4) مجمع البحرين 1: 419.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 222

الذي يراد جعله عتيقا بأن يحفظ زمانا حتى يصير عتيقا.

و يؤيّده أيضا قوله: «يتمشّطن» الظاهر في أنّ الغرض منه التمشّط، و هو: الوضع في الرأس، فالمراد من السؤال في الروايتين من كيفيّة عمله هو التحرّز عن صيرورته بزيادة المكث خمرا نجسا يمتنع الصلاة فيه و لا يحلّ إذا تمشّطن به، و إلّا فهو ليس بمأكول. و لا الغرض من السؤال عن كيفيّة عمله حلّ أكله، حتى يكون الأمر بغلية على ذلك الوجه لأجله، بل حلّ استعماله، فمعنى قوله: حتى يحلّ، أن يحلّ استعماله، مع أنّه في كلام الراوي، و قد عرفت مرارا ما فيه.

و منها: أنّه يطلق عليه اسم النبيذ، و يشابه العصير العنبي

، مع أنّ الزبيبي مشترك مع العنبي في أصل الحقيقة.

و الجواب: منع صدق النبيذ على مطلق العصير أولا، و منع حرمة مطلق النبيذ ثانيا، بل الأخبار مصرّحة بأنّ من النبيذ ما هو حلال «1».

و منع المشابهة، و بطلان القياس لو سلّمت.

و منع الشركة في أصل الحقيقة، و منع اقتضائها الشركة في الحكم لو سلّمت بعد اختصاص دليل الحكم، أي الحرمة بالعصير العنبي خاصّة، و اللّه العالم.

المسألة الخامسة: إذا انقلبت الخمر خلّا
اشاره

، فإمّا يكون بنفسه، أو بالعلاج.

فعلى الأول: يصير حلالا بلا خلاف بين الفقهاء كما عن التنقيح «2»، و في غيره «3»، و بين الأصحاب بل المسلمين كما في شرح الإرشاد للأردبيلي «4»،

______________________________

(1) الوسائل 25: 353 أبواب الأشربة المحرّمة ب 24 ح 1 و 3 و 5.

(2) التنقيح 4: 61.

(3) الرياض 2: 299.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 1: 354.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 223

بل بالإجماع المحقّق، فهو الحجّة فيه، مع القاعدة الثابتة من تبعيّة الأحكام للأسماء حلّا و حرمة و طهارة و نجاسة.

مضافا إلى المستفيضة من الصحاح و غيرها، كموثقتي عبيد.

إحداهما: في الرجل باع عصيرا، فحبسه السلطان حتى صار خمرا، فجعله صاحبه خلّا، فقال: «إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس به» «1».

و الأخرى: عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلّا، قال: «لا بأس» «2».

و صحيحتي زرارة و جميل، إحداهما: عن الخمر العتيقة تجعل خلّا، قال: «لا بأس» «3».

و الأخرى: يكون لي على الرجل دراهم فيعطيني بها خمرا، فقال:

«خذها ثمَّ أفسدها» قال عليّ: فاجعلها خلّا «4».

و روايتي عبد العزيز و أبي بصير، الاولى: العصير يصير خمرا، فيصبّ عليه الخلّ و شي ء يغيّره حتى يصير خلّا، قال: «لا بأس به» «5».

و الأخرى مرويّة في السرائر عن جامع البزنطي: عن الخمر

تعالج بالملح و غيره لتحول خلّا، قال: «لا بأس بمعالجتها» «6».

______________________________

(1) التهذيب 9: 117- 506، الاستبصار 4: 93- 357، الوسائل 25: 371 أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 5.

(2) الكافي 6: 428- 3، التهذيب 9: 117- 505، الاستبصار 4: 93- 356، الوسائل 25: 370 أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 3.

(3) الكافي 6: 428- 2، التهذيب 9: 117- 504، الوسائل 25: 370 أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 1، و في الكافي: العقيقة بدل العتيقة.

(4) التهذيب 9: 118- 508، الاستبصار 4: 93- 358، الوسائل 25: 371 أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 6.

(5) التهذيب 9: 118- 509، الاستبصار 4: 93- 359، الوسائل 25: 372 أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 8.

(6) مستطرفات السرائر: 60- 31، الوسائل 25: 372 أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 224

و موثّقتي أبي بصير، إحداهما: عن الخمر تصنع فيها الشي ء حتى تحمض، قال: «إذا كان الذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فيه فلا بأس» «1» و في بعض النسخ: يضع، و وضع من الوضع، و في بعض آخر بترك لفظة: «فيه».

ثمَّ تقريب الاستدلال: أن يراد بالغلبة: الغلبة في الكيفيّة، أي الشي ء القاهر على كيفيّتها، الجاعل لها خلّا، كالملح و غيره، دون الغلبة في الكمّيّة الموجبة لترك العمل بالرواية و شذوذها، كما يأتي.

و أمّا احتمال إرادة الخمر من الغالب كمّيّة- كما جوّزه بعض مشايخنا «2» حاكيا عن العلّامة المجلسي في بعض حواشيه- فبعيد غايته، بل لا تحتمله العبارة من حيث التركيب اللفظي.

و الأخرى: عن الخمر يجعل خلّا، قال: «لا بأس إذا لم يجعل فيها ما يغلبها» «3» بالغين المعجمة كما في نسخ الكافي،

بل التهذيب على ما يظهر من الوافي «4»، و إن نقل بعضهم عنه و عن الاستبصار بالقاف «5».

ثمَّ الإجماع و الأخبار كما يثبتان ارتفاع الحرمة الخمريّة و إثبات الحلّية الخلّية، كذلك يثبتان الحلّية المطلقة أيضا، حتى من جهة الطهارة أيضا،

______________________________

(1) الكافي 6: 428- 1، التهذيب 9: 119- 511، الوسائل 25: 370 أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 2.

(2) الرياض 2: 299.

(3) الكافي 6: 428- 4، التهذيب 9: 117- 506، الاستبصار 4: 94- 361، الوسائل 25: 371 أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 4، و في الاستبصار: عن عبيد ابن زرارة.

(4) الوافي 20: 677 ب 165.

(5) كالهندي في كشف اللثام 2: 89، و صاحب الرياض 2: 299.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 225

فلا ينجس ذلك الخلّ بنجاسة الآنية المشتملة عليه، إمّا لتطهّر الآنية تبعا أيضا كما ذكره جمع من الأصحاب «1»، أو لعدم سراية نجاستها إلى الخلّ، كما هو الحقّ عندي، إذ الثابت ليس إلّا طهارة الخلّ الحاصلة بأحد الأمرين، فتستصحب نجاسة الآنية، مضافا إلى منع وجود خصوص أو عموم دالّ على تنجس أحد المتلاقيين بنجاسة الأخرى مطلقا بحيث يشمل مثل المورد أيضا.

و المناقشة في دلالة الروايات- بأنّ غايتها انتفاء العذاب و الإثم في ذلك الجعل و المعالجة، دون حلّية الخلّ و طهارته من جميع الجهات- و إن أمكن في بعضها جدلا، إلّا أنّه بعيد عن الإنصاف، مخالف لفهم الأصحاب، مع أنّه غير جار في الجميع، كالموثّقة الاولى النافية لجميع أنواع البأس بما تحوّل عن اسم الخمر لا عن الجعل و العلاج، و الصحيحة الثانية المجوّزة لأخذ الخمر عوض الدراهم و جعلها خلّا و لو كان حراما و لو بسبب التنجّس الحاصل بملاقاة الآنية الغير

المنفكّ عنه البتّة لما تترتّب فائدة على جعلها خلّا، بل الموثّقتين الأخيرتين، فإنّه لو لا إرادة الحلّية للغا الاشتراط، إذ لا إثم حينئذ مع غلبة الخمر أيضا.

و على الثاني: فإمّا يكون العلاج بشي ء لا يدخل في الخمر- بل بنحو تدخين أو مجاورة شي ء و نحو ذلك- أو بجسم يدخل فيها و يلاقيها.

فعلى الأول: فالظاهر أيضا عدم الخلاف في الحلّية، فإنّ الشهيد الثاني المتوقّف في الحلّية بالعلاج خصّه بالعلاج بالأجسام «2»، فيحلّ أيضا،

______________________________

(1) منهم الشهيد في الروضة 7: 347، المحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 19، و الهندي في كشف اللثام 2: 89.

(2) المسالك 2: 248.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 226

لصدق الاسم، و عموم أكثر الأخبار المتقدّمة.

و على الثاني: فإمّا يكون العلاج بما يذهب عينه قبل صيرورة الخمر خلّا، كقليل خلّ أو ملح يدخل في الخمر فيستهلك و يضمحلّ، و بالجملة:

يكون بقدر يطلق على المجموع خمرا أيضا و ليس شي ء غير الخمر عرفا.

أو بما لا يذهب، بل تكون باقية إلى أن يصير الخمر خلّا، كحديدة محماة يدخل فيها أو سفرجلة أو تفّاحة أو نحوها.

فعلى الأول: يحلّ الخلّ و يطهر أيضا على الأقوى الأشهر، لعموم بعض ما تقدّم من الأخبار، و خصوص بعض آخر، حيث إنّ الخلّ و الملح المصبوبين في الخمر ينقلبان إلى الخمر أولا غالبا، من جهة اشتراط قلّة الخلّ أو الملح- كما يأتي- ثمَّ ينقلب المجموع خلّا.

مضافا إلى أنّ بعد انقلاب المصبوب خمرا و انقلاب تلك الخمر أيضا خلّا لا يبقى وجه للتشكيك في الحلّية لأجل بقاء النجاسة.

و التشكيك بأنّ القدر المعلوم ارتفاع النجاسة الخمريّة الذاتيّة بالانقلاب خلّا، و أمّا ارتفاع النجاسة العارضيّة و لو كانت خمريّة بالانقلاب خلّا فغير معلوم كما

قاله الأردبيلي «1»، فالخلّ و الملح و إن انقلبا خمرا ثمَّ خلّا إلّا أنّهما تنجّسا بنجاسة عارضيّة بملاقاة الخمر أولا، و لا دليل على ارتفاع تلك النجاسة.

غير جيّد، لأن الخلّ و الملح و إن تنجّسا بالخمريّة قبل الانقلاب خمرا إلّا أنّ بعد انقلابهما إليها ليسا بنجسين من جهتين، لأنّ النجاسة الخمريّة أمر واحد، فتأمّل.

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 11: 201.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 227

و على الثاني: فالمشهور- كما في الكفاية «1» و غيرها «2»- الحلّية أيضا.

و قد يناقش فيها حينئذ نظرا إلى تنجّس ما دخل فيه و عدم مطهّر له، و بنجاسته ينجس الخلّ أيضا.

و أجيب عنه: بإمكان اغتفار ذلك، نظرا إلى عموم الأدلّة المتقدّمة، أي بعضها، لأنّ الكل لا يعمّ مثل ذلك.

و يمكن المناقشة في تنجّس الخلّ حينئذ مع قطع النظر عن عموم الأدلّة أيضا، لما أشير إليه من منع ما يدلّ على تنجّس أحد المتلاقيين بنجاسة الأخرى مطلقا، حتى فيما إذا كانا نجسين فيتطهّر أحدهما، فتأمّل.

و ربّما يناقش في الحلّية بمطلق العلاج، لرواية أبي بصير: عن الخمر يجعل فيها الخلّ، فقال: «لا، إلّا ما جاء من قبل نفسه» «3».

و فيها: أنّها- لمقاومة ما يعارضها من الأخبار المتكثّرة الموافقة لعمل الطائفة- قاصرة، و مع ذلك لإرادة أنّ مجرّد جعل الخلّ في الخمر لا يكفي في الاستحالة أو الحلّية- بل لا بدّ أن يترك حتى ينقلب ذلك خلّا بنفسه ردّا على أبي حنيفة «4»- محتملة.

و للموثّقة الأخيرة على نسخة القاف.

و فيها: أنّ اختلاف النسخة يمنع عن الاستدلال.

______________________________

(1) الكفاية: 253.

(2) المسالك 2: 248.

(3) التهذيب 9: 118- 510، الاستبصار 4: 93- 360، الوسائل 25: 371 أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 7.

(4) راجع المغني

و الشرح الكبير 10: 338.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 228

فروع:
أ: لو القي في الخمر خلّ كثير حتى استهلكها

، أو القي قليل خمر في كثير خلّ كذلك، فلا يحلّ و لا يطهر و لو مضت مدّة انقلب الخمر خلّا.

لا للموثّقتين الأخيرتين كما قيل «1»، لاختلاف النسخ في إحداهما، و إجمال المعنى في الأخرى.

بل لتنجّس الخلّ بالملاقاة و عدم حصول مطهّر له أصلا، فتكون الخمر أيضا منقلبة إلى الخلّ النجس.

و لا ينتقض بصورة عدم استهلاك الخمر، بل استهلاك الخلّ، لأنّه و إن تنجّس الخلّ و لكن انقلب خمرا، ثمَّ انقلب المجموع خلّا، فيطهر المجموع، بخلاف المفروض.

و لا تفيد الأخبار المتقدّمة في ذلك، لأنّ ذلك ليس جعلا للخمر خلّا، بل هو استهلاكها و اضمحلالها، مع أنّه على فرض الجعل تدلّ على حلّيتها و انتفاء البأس عنها من حيث هي هي لا مطلقا، حتى إذا عرضت لنجاستها سبب آخر أيضا.

و لو لم يستهلك أحدهما في الآخر، بأن يدخل مساوي الخمر من الخلّ أو قريب منه فيها، فيحصل حينئذ لا محالة مزاج ثالث شبه السكنجبين بالنسبة إلى الخلّ و الدبس، فإذا انقلب المجموع خلّا ففي طهارته و حلّه و نجاسته و حرمته إشكال، من جهة عموم الأخبار المتقدّمة، و من جهة أنّ ما فيه من الخلّ متنجّس غير الخمر صار خلّا و لا دليل على

______________________________

(1) الرياض 2: 299.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 229

طهارة ذلك، و بملاقاته الأجزاء الخمريّة المنقلبة خلّا تنجس تلك الأجزاء أيضا، و عموم الأخبار لا يفيد عدم عروض التنجيس لهذه الأجزاء من جهة أصلا.

ب: لو عولجت الخمر بشي ء نجس

، فإن انقلب المعالج به خمرا ثمَّ انقلب المجموع خلّا، فالظاهر الحلّية و الطهارة و إلّا فالنجاسة، و الوجه يظهر ممّا مرّ.

و منه يظهر حكم ما إذا وقع نجس في الخمر ثمَّ انقلبت خلّا.

ج: لو وقع في الخمر جسم و كان فيها إلى أن انقلبت خلّا

، فلا يطهر ذلك الجسم، للأصل، و الاستصحاب، و مقتضاه تنجّس الخلّ، و لا تنصرف العمومات إلى مثل ذلك، إلّا أن يمنع عموم تنجّس كلّ ملاق للنجاسة، كما أشير إليه.

د: لا شكّ في تنجّس الظرف الذي فيه الخمر قبل انقلابها

، و أمّا بعده فإمّا طاهر بالتبعيّة كما قيل «1»، أو نجس لا تسري نجاسته إلى الخلّ، للعمومات، حيث إنّ الخمر لا ينفكّ عن ظرف أبدا.

و لو لاقى جزء من الظرف الخمر قبل الانقلاب، و كان حال الانقلاب خاليا عن الخمر، لا يطهر هذا الجزء، و تسري نجاسته إلى الخلّ لو لاقاه، فلو ملأت قارورة أو دنّ [1] خمرا، ثمَّ أخذ منها شي ء و خلا رأس القارورة أو الدّنّ، ثمَّ انقلب الباقي خلّا، يشترط في إخراج [الخلّ ] «2» عنه أن يكون بحيث لا يلاقي ذلك الجزء، و إلّا ينجس بملاقاته إيّاه، و اللّه العالم.

______________________________

[1] الدّنّ: كهيئة الحبّ. إلّا أنّه أطول منه و أوسع رأسا- المصباح المنير: 201.

______________________________

(1) انظر جامع المقاصد 1: 180.

(2) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: الخمر، و الظاهر الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 230

المسألة السادسة: ذهب جماعة- منهم: الشيخ في النهاية «1» و الحلّي و فخر المحقّقين «2» و الشهيد في الدروس «3» و صاحب التنقيح «4»- إلى حرمة استئمان من يستحلّ العصير

قبل ذهاب ثلثيه بعد الغليان في طبخه. و حكي عن الفاضل أيضا «5». و لازمه عدم جواز شربه.

و استدلّ لهم بموثّقة ابن عمّار: عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ يأتيني بالبختج و يقول: قد طبخ على الثلث، و أنا أعلم أنّه يشربه على النصف، أ فأشربه بقوله و هو يشربه على النصف؟ فقال: «لا تشربه» قلت:

فرجل من غير أهل المعرفة ممّن لا نعرفه يشربه على الثلث و لا يستحلّه على النصف، يخبرنا أنّ عنده بختجا قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه نشرب منه؟

قال: «نعم» [1].

و صحيحة عمر بن يزيد: الرجل يهدي إليّ البختج من غير أصحابنا، فقال: «إن كان ممّن يستحلّ المسكر فلا تشربه، و إن كان ممّن لا يستحلّ شربه فاقبله» أو قال: «اشربه» «6».

و لموثّقة الساباطي المتقدّمة في الدليل الثاني من أدلّة

المحرّمين

______________________________

[1] الكافي 6: 421- 7، التهذيب 9: 122- 526، الوسائل 25: 293 أبواب الأشربة المحرّمة ب 7 ح 4، و البختج: العصير المطبوخ. و أصله بالفارسية ميبخته- النهاية (لابن الأثير) 1: 101.

______________________________

(1) النهاية: 591.

(2) الحلي في السرائر 3: 129، فخر المحقّقين في الإيضاح 4: 159.

(3) الدروس 3: 17.

(4) التنقيح 4: 63.

(5) انظر القواعد 2: 159.

(6) الكافي 6: 420- 4، التهذيب 9: 122- 524، الوسائل 25: 292 أبواب الأشربة المحرّمة ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 231

للعصير الزبيبي و التمري «1».

و يرد على الأوليين: عدم الدلالة على الحرمة، لاحتمال الجملة الخبريّة، مع أنّ الثانية مخصوصة بمن يستحلّ المسكر دون مطلق ما لم يذهب ثلثاه.

و على الثالثة: أنّها أخصّ من المدّعى، إذ قد يكون الرجل مسلما ورعا مأمونا و لكن يستحلّ العصير قبل ذهاب الثلاثين لمسألة اجتهاديّة، كصيرورته دبسا، أو كونه ممّن لا يشترط الذهاب في غير العنبي و يطبخ لمن يشترطه فيه.

و على المجموع: بالمعارضة بعموم صحيحة علي المتقدّمة في الدليل الثاني المذكور أيضا «2»، و صحيحة ابن وهب المتقدّمة في المسألة الثالثة «3»، و بالأخبار الدالّة على أنّ كلّ ذي عمل مؤتمن في عمله، و أنّ قول ذي اليد مقبول مطلقا، و أنّ ما في أسواق المسلمين حلال لا يسأل عنه «4».

فإذن القول بالجواز و الحلّية- كما ذهب إليه جماعة، منهم: المحقّق في الشرائع و النافع و الفاضل في الإرشاد و صاحب الكفاية «5»- هو الأقوى و إن كان مكروها، لفتوى الجماعة.

______________________________

(1) في ص: 201.

(2) في ص: 201.

(3) في ص: 181.

(4) انظر الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50، و ج 25: 292 أبواب الأشربة المحرّمة ب 7، و ص 381

ب 38 ح 3.

(5) الشرائع 3: 228، المختصر النافع: 255، إرشاد الأذهان 2: 111، الكفاية: 253.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 233

الباب الرابع في أمور مرتبطة بالأطعمة و الأشربة

اشاره

و فيه فصلان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 234

الفصل الأول في بعض الأحكام المتعلّقة بالمطاعم و المشارب
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: يجوز سقي الدواب و إطعامهم المسكر و سائر المحرّمات و المنجّسات

على الأصحّ الأشهر، للأصل، و العمومات، و حصر المحرّمات، و عدم الدليل على التحريم.

نعم، يكره ذلك، لروايتي أبي بصير «1» و غياث «2» المصرّحتين بأنّه يكره ذلك.

و عن القاضي: تحريمه «3»، و لعلّه لحمل الكراهة في الخبرين على الحرمة. و لا وجه له بعد كونها أعمّ بحسب اللغة.

المسألة الثانية: المعروف في كلامهم- كما في الكفاية «4»- أنّه يحرم سقي الأطفال المسكر

، و تدلّ عليه روايتا عجلان.

إحداهما: «من سقى مولودا مسكرا سقاه اللّه من الحميم و إن غفر له» «5».

______________________________

(1) التهذيب 9: 114- 497، الوسائل 25: 309 أبواب الأشربة المحرّمة ب 10 ح 5.

(2) الكافي 6: 430- 7، التهذيب 9: 114- 496، الوسائل 25: 308 أبواب الأشربة المحرّمة ب 10 ح 4.

(3) المهذّب 2: 433.

(4) الكفاية: 253.

(5) الكافي 6: 397- 6، التهذيب 9: 103- 449، الوسائل 25: 307 أبواب الأشربة المحرّمة ب 10 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 235

و الثانية: «قال اللّه عزّ و جلّ: من شرب مسكرا أو سقاه صبيّا لا يعقل سقيته من ماء الحميم معذّبا أو مغفورا له» «1».

و رواية أبي الربيع الشامي، و فيها- بعد السؤال عن الخمر-:

«و لا يسقيها عبد لي صبيّا صغيرا أو مملوكا إلّا سقيته مثل ما سقاه من الحميم يوم القيامة معذّبا بعد أو مغفورا له» «2».

و هل يختصّ ذلك بالمسكر، أو يتعدّى إلى سائر المحرّمات؟

ظاهر المحقّق الأردبيلي: الثاني، حيث قال هنا: و الناس مكلّفون بإجراء أحكام المكلّفين عليهم «3». انتهى.

و في ثبوت ذلك التكليف للنّاس مطلقا نظر، و لا يحضرني الآن دليل على التعميم الموجب لتخصيص الأصل، و اللّه سبحانه هو العالم.

المسألة الثالثة: ذكر جماعة أنّه يكره أكل ما باشره الجنب أو الحائض

و شربه إذا كانا غير مأمونين، و كذا كلّ ما يعالجه من لا يتوقّى النجاسة، و المتّهم بعدم الاجتناب عنها، بل عن المحرّمات أيضا، كالعاشر [1] و نحوه «4».

قال في الكفاية بعد نقل ذلك: و لا أعلم عليه دليلا إلّا رواية مختصّة بالحائض «5». انتهى.

______________________________

[1] التعشير: و هو أخذ العشر من أموال الناس بأمر الظالم، و منه العاشر- مجمع البحرين 3: 404.

______________________________

(1) الكافي 6: 397- 7، الوسائل 25: 308 أبواب الأشربة المحرّمة

ب 10 ح 3.

(2) الكافي 6: 396- 1، الوسائل 25: 307 أبواب الأشربة المحرّمة ب 10 ح 1.

(3) مجمع الفائدة و البرهان: 283.

(4) منهم المحقّق في الشرائع 3: 228، العلامة في التحرير 2: 161، و الشهيد في الدروس 3: 17.

(5) الكفاية: 253.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 236

أقول: تكفي فتوى جمع من الفقهاء دليلا على الكراهة، و لا فرق بين غلبة الظن بالنجاسة و عدمها على الأصحّ.

المسألة الرابعة: من شرب خمرا أو شيئا نجسا أو أكله فبصاقه طاهر

ما لم يتغيّر بالنجاسة، بلا خلاف يوجد، للأصل، و عدم دليل على تنجّس ما في الباطن بالملاقاة أصلا، كما مرّ في كتاب الطهارة.

و قد يستدلّ له برواية أبي الديلم: رجل يشرب الخمر فيبزق، فأصاب ثوبي من بزاقه، فقال: «ليس بشي ء و لا يضرّ» «1».

و إن تغيّر و هو في الباطن لم يكن نجسا ما دام فيه على الأظهر، لما مرّ.

فإن خرج و زال تغيّره في الباطن كان طاهرا، و إن خرج متغيّرا فظاهر كلامهم نجاسته، و لا دليل عليه، إلّا علم بالتغيّر وجود أجزاء من النجس فيه.

و إن اشتبه التغيّر يحكم بالطهارة مطلقا، و إن اشتبه الزوال بعد التغيّر فيستصحب التغيّر حتى يعلم الزوال.

و حكم سائر ما يخرج من البواطن حكم البصاق، مثل: الدمعة مع الاكتحال بالكحل النجس، و النخامة مع التسعّط بالسعوط النجس، و غير ذلك.

المسألة الخامسة: يكره الاستشفاء بالمياه الحارّة

التي تشمّ منها رائحة الكبريت و يكون في الجبال، بلا خلاف يوجد، لرواية مسعدة بن صدقة: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الاستشفاء بالحميّات، و هي العيون

______________________________

(1) التهذيب 9: 115- 498، الوسائل 25: 377 أبواب الأشربة المحرّمة ب 35 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 237

الحارّة التي تكون في الجبال التي توجد فيها رائحة الكبريت، فإنّها تخرج من فوح جهنم» «1».

و الاستشفاء يعمّ الشرب و الجلوس و استعمال آخر لأجل الشفاء.

و قال المحقّق الأردبيلي «2» و صاحب الكفاية «3» باحتمال كراهة مطلق الجلوس، نظرا إلى العلّة المذكورة، بل تعدّى بعضهم «4» إلى مطلق الاستعمال، لذلك.

و يمكن أن يقال: إنّ الخروج من فيح جهنم يمكن أن يمنع عن حصول الشفاء و لا يقدح في أمر آخر، فلا يدلّ التعليل على التعميم، و لذا قال

في الفقيه: و أمّا ماء الحمات فإنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّما نهى أن يستشفى بها و لم ينه عن التوضّؤ بها «5».

______________________________

(1) الكافي 6: 389- 1، المحاسن: 579- 47، الوسائل 1: 221 أبواب الماء المضاف ب 12 ح 3.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 11: 289.

(3) الكفاية: 253.

(4) كصاحب الرياض 2: 300.

(5) الفقيه 1: 13- 24 ذ. ح.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 238

الفصل الثاني في بعض الآداب المتعلّقة بالأكل و الشرب و فيه مسائل:
المسألة الأولى: يستحبّ في الأكل أمور:

منها: غسل اليدين قبل الطعام و بعده، للمستفيضة من الصحاح و غيرها، المعلّلة لهما في بعضها: بأنّهما يوجبان السعة في الرزق و العافية في الجسد «1».

و في آخر: بأنّهما ينفيان الفقر و يذهبان به «2».

و في ثالث: بأنّهما زيادة في العمر و إماطة للغمر عن الثياب و يجلو البصر [1].

و في رابع: بأنّهما يزيدان في الرزق «3».

و في خامس: بأنّ أوله ينفي الفقر و آخره ينفي الهمّ «4».

و في سادس: بأنّ الأول يكثر خير البيت «5».

______________________________

[1] الكافي 6: 290- 3، المحاسن: 424- 220، الوسائل 24: 336 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 6. و الغمر: الدسم و الزهومة من اللحم كالوضر من السمن- مجمع البحرين 3: 428.

______________________________

(1) أمالي الطوسي: 601، الوسائل 24: 338 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 15.

(2) الفقيه 3: 226- 1060، الوسائل 24: 337 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 11.

(3) الكافي 6: 290- 5، المحاسن: 424- 221، الخصال 1: 23- 82، الوسائل 24: 335 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 2.

(4) الكافي 6: 290- 5، الوسائل 24: 335 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 4.

(5) الكافي 6: 290- 4، المحاسن: 424- 217، الوسائل 24: 335 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 3، و انظر

الحديثين 12، 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 239

و في سابع: بأنّهما يثبتان النعمة «1».

و في ثامن: بأنّهما شفاء في الجسد و يمن في الرزق «2».

و في تاسع: بأنّهما ينفيان الفقر و يزيدان في العمر «3».

و إطلاق النصوص و الفتاوى يقتضي عدم الفرق بين كون الطعام مائعا أو جامدا، و بين كونه ممّا يباشر باليد أو بآلة كالملعقة.

و يستحبّ أن يبدأ في الغسل الأول صاحب البيت يغسل يده، ثمَّ يبدأ بعده بمن على يمينه، ثمَّ على من يمينه، إلى أن يتمّ الدور بمن على يساره، و في الغسل الثاني يبدأ بمن على يسار صاحب البيت، ثمَّ بمن على يساره، و هكذا إلى أن يختم به.

و دليل ذلك: روايتان في الكافي، إحداهما مرسلة «4»، و الأخرى رواية محمّد بن عجلان «5»، و لكنّهما لا تفيان بتمام المطلوب، لأنّ الاولى و إن تضمّنت حكم البدأتين- كما مرّ- و حكم من بعدهما، إلّا أنّها لا تتضمّن حكم من بعد البعد، و لكنّ الظاهر منها أنّ المراد ما ذكر، و الثانية و إن تضمّنت حكم البدأة الاولى و لكنّها لا تتضمن غيرها، و قال في الغسل الثاني: «يبدأ بمن على يمين الباب»، و مقتضى الجمع التخيير في البدأة الثانية بين من على يسار صاحب المنزل و من عن يمين الباب.

و الظاهر أنّ المراد بيمين الباب: يمين الداخل، و المراد بالباب: باب

______________________________

(1) المحاسن: 424- 218، الوسائل 24: 336 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 7.

(2) المحاسن 424- 222، الوسائل 24: 337 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 8.

(3) المحاسن: 425- 225، الوسائل 24: 337 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 10.

(4) الكافي 6: 290- ذيل الحديث 1، الوسائل 24:

340 أبواب آداب المائدة ب 50 ح 3.

(5) الكافي 6: 290- 1، الوسائل 24: 339 أبواب آداب المائدة ب 50 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 240

المجلس الذي جلسوا فيه- أي طريقه- و إن لم يكن له باب، أو كانت له أبواب متعدّدة.

و هل المراد بصاحب البيت و المنزل هو صاحب الطعام كما فهمه الأصحاب، أو خصوص صاحب المنزل و إن كان الطعام من غيره؟

مقتضى وضع اللفظ: الثاني، إلّا أنّ ظاهر التعليل في الرواية الثانية بقول: «لئلّا يحتشم أحد» هو ما فهمه الأصحاب، فعليه العمل.

و أمّا رواية الفضل: لمّا تغدّى عندي أبو الحسن عليه السّلام و جي ء بالطست بدئ به عليه السّلام و كان في صدر المجلس، فقال عليه السّلام: «ابدأ بمن على يمينك» فلمّا أن توضّأ واحد و أراد الغلام أن يرفع الطست فقال له أبو الحسن عليه السّلام:

«دعها و اغسلوا أيديكم فيها» «1» فلا تنافي ما مرّ، لأنّ الظاهر أنّه الغسل الثاني، و معنى قوله: بدئ به: أراد أن يبدأ به، فأمر الغلام بالبدأة بمن على يمينه و هو يمين الباب.

و أمّا حملها على أنّ أبا الحسن عليه السّلام كان صاحب الطعام فبدأ به ثمَّ بمن على يساره الذي هو يمين الغلام فينافي ما مرّ- كما وقع للمحقّق الأردبيلي «2»- فلا وجه له، لأنّ الظاهر من قوله: تغدّى عندي، أنّه كان ضيفا للفضل، مع أنّه على فرض ذلك يمكن أن يكون المراد: أنّه أراد أن يبدأ به فأمر بالبدأة بمن على يساره، و هو يمين الغلام، فيوافق الفرد الآخر من فردي التخيير الذي ذكرناه.

و هل المستحبّ غسل اليدين معا في الغسلين، أو يكفي إحداهما المباشرة للطعام؟

______________________________

(1) الكافي 6: 291- 3، التهذيب

9: 98- 425، المحاسن: 425- 228، الوسائل 24: 341 أبواب آداب المائدة ب 51 ح 2.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 11: 341.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 241

قال المحقّق الأردبيلي قدّس سرّه باحتمال الأمرين «1».

و الظاهر كفاية غسل إحداهما في تحصيل الاستحباب، لورود الترغيب في أكثر الأخبار المتقدّمة بغسل اليد، الصادق على غسل إحداهما و إن كان غسلهما مستحبّا في مستحبّ.

لرواية أبي بصير المشار إليها، فإنّ فيها: «غسل اليدين قبل الطعام و بعده زيادة في العمر و إماطة للغمر عن الثياب و يجلو البصر» «2».

و لما في محاسن البرقي: إنّ أبا جعفر عليه السّلام يوم قدم المدينة تغدّى معه جماعة، فلمّا غسل يديه من الغمر مسح بهما رأسه و وجهه قبل أن يمسحهما بالمنديل، و قال: «اللّهمّ اجعلني ممّن لا يرهق وجهه قتر و لا ذلّة» «3».

و لا يتوهّم أنّ بتقييدهما تقيّد المطلقات، إذ لا منافاة بين الأمرين هنا.

و يستحبّ ترك المسح بالمنديل في الغسل الأول و المسح به في الثاني، لمرسلة أبي محمود: «إذا غسلت يدك للطعام فلا تمسح يدك بالمنديل، فإنّه لا تزال البركة في الطعام ما دامت النداوة في اليد» «4».

و رواية مرازم: رأيت أبا الحسن عليه السّلام إذا توضّأ قبل الطعام لم يمسّ المنديل، و إذا توضّأ بعد الطعام مسّ المنديل «5».

و يستحبّ مسح الوجه و العينين بعد الغسل الثاني قبل المسح بالمنديل،

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 11: 341.

(2) الكافي 6: 290- 3، المحاسن: 424- 220، الوسائل 24: 336 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 6.

(3) المحاسن: 426- 234، الوسائل 24: 345 أبواب آداب المائدة ب 54 ح 3.

(4) الكافي 6: 291- 1، المحاسن: 424- 216، الوسائل 24: 343 أبواب

آداب المائدة ب 52 ح 2.

(5) الكافي 6، 291- 2، التهذيب 9: 98- 426، المحاسن: 428- 244، الوسائل 24: 343 أبواب آداب المائدة ب 52 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 242

لما مرّ في المرويّ عن المحاسن، و فيه أيضا: «إذا غسلت يدك بعد الطعام فامسح وجهك و عينيك قبل أن تمسح بالمنديل، و تقول: اللّهمّ إنّي أسألك المحبّة و الزينة، و أعوذ بك من المقت و البغضة» «1».

و مسح الحاجبين بعد الغسل الثاني، داعيا بالمأثور لرفع الرّمد، لرواية المفضّل: شكوت إليه الرّمد، فقال لي: «أو تريد الطريف؟» ثمَّ قال لي: «إذا غسلت يدك بعد الطعام فامسح حاجبيك و قل ثلاث مرّات: «الحمد للّه المحسن المجمل المنعم المفضل» قال: ففعلت ذلك فما رمدت عيني بعد ذلك «2».

و غسل الجميع في إناء واحد، لرواية الفضل المتقدّمة، و رواية عمرو ابن ثابت: «اغسلوا أيديكم في إناء واحد يحسن أخلاقكم» «3».

و منها: غسل الفم بعد الطعام، سيّما بالسّعد، فإنّه قد ورد أنّ من غسل فمه بالسّعد بعد الطعام لم يصب علّة في فمه «4».

و منها: التسمية إذا وضعت المائدة، بأن يقول: بسم اللّه، لروايات السكوني «5»، و يونس بن ظبيان «6»، و أبي بصير «7»، و أبي خديجة «8»،

______________________________

(1) المحاسن: 426- ذ. ح 234، الوسائل 24: 346 أبواب آداب المائدة ب 54 ح 4.

(2) الكافي 6: 292- 5، الوسائل 24: 345 أبواب آداب المائدة ب 54 ح 2.

(3) الكافي 6: 291- 2، المحاسن: 426- 229، الوسائل 24: 341 أبواب آداب المائدة ب 51 ح 1.

(4) الكافي 6: 378- 3، الوسائل 24: 427 أبواب آداب المائدة ب 107 ح 2.

و السّعد: طيب معروف بين الناس- مجمع البحرين

3: 69.

(5) الكافي 6: 292- 1، الفقيه 3: 224- 1047، التهذيب 9: 98- 427، المحاسن: 431- 258، الوسائل 24: 351 أبواب آداب المائدة ب 57 ح 1.

(6) الكافي 6: 295- 21، المحاسن: 437- 284، الوسائل 24: 359 أبواب آداب المائدة ب 59 ح 8.

(7) الكافي 6: 292- 2، التهذيب 9: 99- 428، المحاسن: 433- 262، الوسائل 24: 352 أبواب آداب المائدة ب 57 ح 2.

(8) الكافي 6: 292- 3، المحاسن: 431- 255، الوسائل 24: 352 أبواب آداب المائدة ب 57 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 243

و محمّد بن مروان «1».

و لو كان حينئذ جماعة و سمّى واحد منهم أجزأت هذه التسمية للجميع، لصحيحة البجلي «2».

و إذا أراد الشروع في الأكل، للمستفيضة، بل المتواترة.

و لو قال حينئذ: «بسم اللّه على أوله و آخره» كما في رواية أبي بصير، أو: «في أوله و آخره» كما في مرسلة حسين بن عثمان «3»، كان أحسن.

بل تستحبّ التسمية عند إرادة أكل كلّ نوع من الطعام، لروايات غياث «4»، و العرزمي «5»، و كليب «6».

و مرسلة الفقيه، و فيها: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ضمنت لمن سمّى على طعامه أن لا يشتكي منه، فقال له ابن الكوّاء: يا أمير المؤمنين، لقد أكلت البارحة طعاما فسمّيت عليه و آذاني، قال: فلعلّك أكلت ألوانا فسمّيت على بعضها و لم تسمّ على بعض يا لكع» «7».

______________________________

(1) الكافي 6: 293- 4، المحاسن: 432- 260، الوسائل 24: 348 أبواب آداب المائدة ب 56 ح 2.

(2) الكافي 6: 293- 9، التهذيب 9: 99- 429، المحاسن: 439- 293، الوسائل 24: 356 أبواب آداب المائدة ب 58 ح 2.

(3) الكافي 6: 294- 11، المحاسن: 432- 259،

الوسائل 24: 349 أبواب آداب المائدة ب 56 ح 5.

(4) الكافي 6: 293- 5، المحاسن: 434- 265، الوسائل 24: 349 أبواب آداب المائدة ب 56 ح 3.

(5) الكافي 6: 294- 14، المحاسن: 434- 270، الوسائل 24: 353 أبواب آداب المائدة ب 57 ح 5.

(6) الكافي 6: 293- 7، المحاسن: 435- 273، الوسائل 24: 348 أبواب آداب المائدة ب 56 ح 1.

(7) الفقيه 3: 224- 1050، الوسائل 24: 362 أبواب آداب المائدة ب 61 ح 3. و لكع، صغير العلم- مجمع البحرين 4: 388.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 244

و في مرسلته الأخرى: قال الصادق عليه السّلام: «ما اتّخمت قطّ، و ذلك أنّي لم أبدأ بطعام إلّا قلت: بسم اللّه، و لم أفرغ من طعام إلّا قلت: الحمد للّه» «1».

بل عند الأكل من كلّ آنية و لو اتّحدت أطعمتها، لصحيحة داود بن فرقد «2».

و لو نسيها عند بعض الألوان أو بعض الأواني فليقل إذا ذكر: بسم اللّه على أوله و آخره، كما في صحيحة داود، و مرسلة الفقيه «3».

و لو تكلّم في أثناء طعام سمّي عليه أعاد التسمية، لرواية مسمع «4»، و صرّح فيها بأنّ إضرار الطعام إنّما هو إذا لم يعد التسمية بعد الكلام.

و منها: قول: الحمد للّه، بعد الفراغ من الطعام، لمرسلة الفقيه، و روايات مسمع «5»، و يونس بن ظبيان، و جرّاح «6»، و العرزمي، و السكوني.

و في بعضها: «قل: الحمد للّه الذي يطعم و لا يطعم».

و في آخر: «الحمد للّه هذا منك و من محمّد صلّى اللّه عليه و آله»، و زاد في بعض آخر عليهما.

______________________________

(1) الفقيه 3: 225- 1052، الوسائل 24: 354 أبواب آداب المائدة ب 57 ح 7.

(2) الكافي

6: 295- 20، التهذيب 9: 99- 431، الوسائل 24: 361 أبواب آداب المائدة ب 61 ح 1.

(3) الفقيه 3: 224- 1051، الوسائل 24: 357 أبواب آداب المائدة ب 58 ح 3.

(4) الكافي 6: 295- 19، المحاسن: 438- 287، الوسائل 24: 361 أبواب آداب المائدة ب 61 ح 2.

(5) الكافي 6: 296- 25، الوسائل 24: 353 أبواب آداب المائدة ب 57 ح 6.

(6) الكافي 6: 294- 13، المحاسن: 434- 268، الوسائل 24: 353 أبواب آداب المائدة ب 57 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 245

و بعد رفع المائدة، لروايات أبي خديجة، و أبي بصير، و الصنعاني «1»، و مرسلة إبراهيم بن مهزم «2»، و زاد فيها فقرات أخر.

و يستحبّ تكرار الحمد في الأثناء أيضا، كما في رواية سماعة:

«يا سماعة أكلا و حمدا، لا أكلا و صمتا» «3».

و يستحبّ رفع الصوت بالحمد بعد الفراغ، لما روي في تحف العقول: «يا كميل، إذا استوفيت طعامك فاحمد اللّه على ما رزقك، و ارفع بذلك صوتك يحمده سواك، فيعظم بذلك» «4».

و منها: الأكل باليد اليمنى، إلّا مع العذر، لما يأتي من كراهة الأكل باليسار.

و منها: الأكل من بين يديه من غير أن يتناول من عند غيره من هذا الظرف و هذا الظرف، لروايات أبي خديجة، و القدّاح «5».

و الكرخي، و فيها: «و أمّا التأديب فالأكل ممّا يليك، و تصغير اللقمة، و تجويد المضغ، و قلّة النظر في وجوه الناس» «6».

و المرويّ في الخصال، و فيها: «و أمّا السنّة فالجلوس على الرّجل

______________________________

(1) الكافي 6: 294- 12، المحاسن: 433- 263، الوسائل 24: 358 أبواب آداب المائدة ب 59 ح 4.

(2) الكافي 6: 294- 15، المحاسن: 436- 277، الوسائل 24: 358

أبواب آداب المائدة ب 59 ح 5.

(3) الفقيه 3: 224- 1049، الوسائل 24: 350 أبواب آداب المائدة ب 56 ح 8.

(4) تحف العقول: 115، و فيه زيادة: أجرك، في آخر الحديث.

(5) الكافي 6: 297- 3، المحاسن: 448- 348، الوسائل 24: 369 أبواب آداب المائدة ب 66 ح 1.

(6) الفقيه 3: 227- 1067، الوسائل 24: 431 أبواب آداب المائدة ب 112 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 246

اليسرى، و الأكل بثلاث أصابع، و أن يأكل ممّا يليه، و مصّ الأصابع» «1».

و المرويّ في مكارم الأخلاق: «كان صلّى اللّه عليه و آله إذا أكل سمّى و أكل بثلاث أصابع و ممّا يليه، و لا يتناول من بين يدي غيره، و يشرع قبل القوم» «2».

و منها: ابتداء صاحب الطعام بالأكل و تأخيره في الامتناع و رفع اليد، لرواية القدّاح «3».

و منها: أن يأكل بثلاث أصابع أو الأربع أو الخمس لا أقلّ منها.

ففي رواية الكرخي: «و أمّا السنّة: فالوضوء قبل الطعام، و الجلوس على الجانب الأيسر، و الأكل بثلاث أصابع، و لعق الأصابع».

و في رواية أبي خديجة: أنّه كان يجلس جلسة العبد و يضع يده على الأرض، و يأكل بثلاث أصابع، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يأكل هكذا، ليس كما يفعل الجبّارون، أحدهم يأكل بإصبعيه «4».

و في مكارم الأخلاق- بعد ما تقدّم ذكره-: «و يأكل بأصابعه الثلاث:

الإبهام و التي تليها و الوسطى، و ربما استعان بالرابعة، و كان صلّى اللّه عليه و آله يأكل بكفّه كلّها و لم يأكل بإصبعين، و يقول: هو أكلة الشيطان».

و في مرفوعة عليّ بن محمّد: كان أمير المؤمنين عليه السّلام يستاك عرضا و يأكل هرتا، و قال: الهرت:

أن يأكل بأصابعه أجمع «5».

______________________________

(1) الخصال: 485- 61، الوسائل 24: 432 أبواب آداب المائدة ب 112 ح 2.

(2) مكارم الأخلاق 1: 70- 88، الوسائل 24: 435 أبواب آداب المائدة ب 112 ح 12.

(3) الكافي 6: 285- 2، المحاسن: 448- 349 و 449- 354، الوسائل 24: 320 أبواب آداب المائدة ب 41 ح 1.

(4) الكافي 6: 297- 6، الوسائل 24: 372 أبواب آداب المائدة ب 68 ح 1.

(5) الكافي 6: 297- 5، الوسائل 24: 372 أبواب آداب المائدة ب 68 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 247

و منها: لعق الأصابع و مصّها.

و منها: تجويد المضغ.

و منها: تصغير اللقمة.

و منها: أن يعتمد على يساره بوضع يده اليسرى على الأرض عند الأكل، للمرويّ في المحاسن و فعل الصادق عليه السّلام الآتيين في المسألة الآتية.

و منها: لطع القصعة و لحسها.

كلّ ذلك للأخبار «1»، و ورد في الأول: «أنّ اللّه سبحانه يقول: بارك اللّه فيك» «2».

و أنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «إنّي ألحس أصابعي من الأدم حتى أخاف أن يراني خادمي فيرى أنّ ذلك من التجشّع و ليس ذلك كذلك» الحديث «3».

و في الأخير: أنّه كأنّما تصدّق بمثلها «4».

و منها: طول الجلوس على الموائد و طول الأكل، روي الأول في مكارم الأخلاق «5»، و الثاني في تحف العقول «6». و علّل الأول بأنّها ساعة لا تحسب من أعماركم، و الثاني: بأنه يستوفي من معك، و يظهر منه أنّ

______________________________

(1) الوسائل 24: 370 أبواب آداب المائدة ب 67.

(2) الكافي 6: 297- 7، المحاسن: 443- 315، الوسائل 24: 370 أبواب آداب المائدة ب 67 ح 2.

(3) الكافي 6: 301- 1، المحاسن: 586- 85، الوسائل 24: 382 أبواب آداب المائدة

ب 78 ح 1.

(4) الكافي 6: 297- 4، المحاسن: 443- 318، الوسائل 24: 370 أبواب آداب المائدة ب 67 ح 1.

(5) مكارم الأخلاق 1: 305- 968، مستدرك الوسائل 16: 233 أبواب آداب المائدة ب 13 ح 1.

(6) تحف العقول: 115.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 248

استحبابه إذا كان معه غيره.

و منها: الكفّ عن الطعام مع اشتهائه، ففي مكارم الأخلاق: «من أكل الطعام على النقاء و أجاد الطعام تمضّغا و ترك الطعام و هو يشتهيه و لم يحبس الغائط إذا أتى و لم يمرض إلّا مرض الموت» «1».

و في طبّ الأئمّة: «من أراد أن لا يضرّه طعام فلا يأكل حتى يجوع، فإذا أكل فليقل: بسم اللّه، و ليجد المضغ، و ليكفّ عن الطعام و هو يشتهيه، و ليدعه و هو يحتاج إليه» «2».

و زاد في رواية أخرى: «و يعرض النفس على الخلاء عند النوم» قال:

«فإذا استعملت هذا استغنيت عن الطبّ» «3».

و في تحف العقول: «يا كميل، لا توفّرنّ معدتك طعاما» إلى أن قال:

«و لا ترفع يدك عن طعام إلّا و أنت تشتهيه، فإن فعلت ذلك فأنت تستمرئه، فإنّ صحّة الجسم من قلّة الطعام و قلّة الماء» [1].

و منها: الاستلقاء بعد الطعام واضعا الرجل اليمنى على اليسرى، لرواية البزنطي «4»، و روايته الأخرى المرويّة في المحاسن «5»، و في دعوات

______________________________

[1] تحف العقول: 115، مستدرك الوسائل 16: 219 أبواب آداب المائدة ب 2 ح 14. و مرء الطعام مراء فهو مري ء: أي صار لذيذا. و أمرأني الطعام: إذا لم يثقل على المعدة و انحدر عليها طيبا- مجمع البحرين 5: 391.

______________________________

(1) مكارم الأخلاق 1: 314- 1003.

(2) طبّ الأئمّة عليهم السّلام: 29، الوسائل 24: 433 أبواب آداب المائدة ب

112 ح 4.

(3) الخصال: 228- 67، دعوات الراوندي: 74- 173، الوسائل 24: 245 أبواب آداب المائدة ب 2 ح 8، البحار 59: 267- 42.

(4) الكافي 6: 299- 21، التهذيب 9: 100- 435، الوسائل 24: 376 أبواب آداب المائدة ب 74 ح 1.

(5) المحاسن: 449- 352، الوسائل 24: 377 أبواب آداب المائدة ب 74 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 249

الراوندي: «الاستلقاء بعد الشبع يسمن البدن و يمرأ الطعام و يسلّ الداء» «1».

و منها: إحضار البقل و الخضر على المائدة، لرواية موفّق المدائني، عن أبيه، عن جدّه، و فيها: أنّه عليه السّلام قال: «إنّي لا آكل على مائدة ليس فيها خضرة» «2».

و في حسنة حنّان: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لم يؤت بطبق إلّا و عليه بقل» و قال: «لأنّ قلوب المؤمنين خضرة، و هي تحنّ إلى إشكالها» «3».

و منها: الخلال [1] بعد الطعام، للروايات المستفيضة، و في بعضها:

«إنّه يطيب الفم» «4».

و في آخر: «إنّه مصلحة للفم أو اللّثة، مجلبة للرزق» «5».

و في ثالث: «إنّه ينقي الفم و مصلحة للّثة» «6».

و يكره الخلال بعود الريحان و قضيب الرمّان، فإنّهما يهيّجان عرق

______________________________

[1] الخلال: العود يخلّل به الثوب و الأسنان و خلّل الشخص أسنانه تخليلا: إذا أخرج ما يبقى من المأكول بينها- المصباح المنير: 180.

______________________________

(1) الدعوات: 80- 200، المستدرك 16: 289 أبواب آداب المائدة ب 66 ح 1.

(2) الكافي 6: 362- 1، المحاسن: 507- 651، الوسائل 24: 419 أبواب آداب المائدة ب 103 ح 2.

(3) الكافي 6: 362- 2، المحاسن: 507- 652، الوسائل 24: 419 أبواب آداب المائدة ب 103 ح 1.

(4) الكافي 6: 376- 3، المحاسن: 559- 931، الوسائل 24: 420 أبواب آداب المائدة ب

104 ح 1.

(5) الكافي 6: 376- 4، المحاسن: 563- 962، الوسائل 24: 421 أبواب آداب المائدة ب 104 ح 7.

(6) الكافي 6: 376- 5، الوسائل 24: 421 أبواب آداب المائدة ب 104 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 250

الجذام «1».

و كذا بالخوص و القصب، ففي رواية ابن سنان: «كان النبي صلّى اللّه عليه و آله يتخلل بكلّ ما أصاب، ما خلا الخوص و القصب» «2».

أقول: الخوص: ورق النخل.

و يستحبّ تهيئة الخلال للضيف، كما في مرسلة الفقيه «3».

ثمَّ ما يخرج بالخلال فيكره أكله، لمرسلة الفقيه: «ما أدرت عليه لسانك فأخرجته فابلعه، و ما أخرجته بالخلال فارم به» «4».

و في مرفوعة أحمد: «لا يزدردنّ أحدكم ما يتخلّل به، فإنّه يكون من الدّبيلة» [1].

و في صحيحة ابن سنان: «ما يكون على اللّثة فكله، و ما يكون بين الأسنان فارم به» «5».

بل يكره أكل كلّ ما يخرج من بين الأسنان، سواء خرج بالخلال أو الإصبع أو غيرهما.

و أمّا قوله في المرسلة: «ما أدرت عليه لسانك» فالمراد ما ألصق باللّثة

______________________________

[1] الكافي 6: 378- 4، الوسائل 24: 426 أبواب آداب المائدة ب 106 ح 4، و الدّبيلة هي خراج و دمّل كبير، تظهر في الجوف فتقتل صاحبها غالبا: النهاية 2: 99.

______________________________

(1) الكافي 6: 377- 7، المحاسن: 564- 966، العلل: 533- 1، الوسائل 24:

423 أبواب آداب المائدة ب 105 ح 1.

(2) الكافي 6: 377- 10، المحاسن: 564- 965، الوسائل 24: 424 أبواب آداب المائدة ب 105 ح 4.

(3) الفقيه 3: 226- 1058، الوسائل 24: 319 أبواب آداب المائدة ب 40 ح 4.

(4) الفقيه 3: 226- 1059، الوسائل 24: 426 أبواب آداب المائدة ب 106 ح 5.

(5) الكافي 6: 377- 2،

المحاسن: 559- 936، الوسائل 24: 425 أبواب آداب المائدة ب 106 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 251

و نحوها، كما صرّح في الصحيحة، و لأنّه الذي يدار عليه اللسان و يخرج بإدارته، دون ما دخل بين الأسنان، و تدلّ عليه أيضا رواية الفضل الآتية، المصرّحة بأنّ ما بقي في الفم منها ما يدار عليه اللسان، و منها ما يستكن فيخرج بالخلال.

نعم، الظاهر: استثناء ما استكن في الثنايا- أي مقاديم الأسنان- فيؤكل و إن اخرج بالخلال، لرواية إسحاق بن جرير: عن اللحم الذي يكون في الأسنان، فقال: «أمّا ما كان في مقدّم الفم فكله و ما كان في الأضراس فاطرحه» «1».

فإنّ هذه الرواية أخصّ مطلقا من روايات الطرح، و لو خصّ ما يؤكل باللحم الداخل في المقاديم- كما في الرواية- كان أولى.

ثمَّ الأمر بالرمي و الطرح فيها محمول على الكراهة، للإجماع، و رواية الفضل بن يونس: «كلّ ما بقي في فمك، فما أدرت عليه لسانك فكله، و ما استكن فأخرجه بالخلال، و أنت فيه بالخيار إن شئت أكلته و إن شئت طرحته» «2».

و منها: الافتتاح بالملح و الاختتام به، للمستفيضة من الصّحاح و غيرها:

كصحيحة هشام معلّلة بأنّ فيهما المعافاة عن اثنين و سبعين نوعا من البلاء، منه: الجذام و الجنون و البرص «3».

______________________________

(1) الكافي 6: 377- 1، المحاسن: 559- 935، الوسائل 24: 425 أبواب آداب المائدة ب 106 ح 3.

(2) الكافي 6: 377- 3، المحاسن: 559- 934، الوسائل 24: 425 أبواب آداب المائدة ب 106 ح 2.

(3) الكافي 6: 326- 2، المحاسن: 593- 108، الوسائل 24: 403 أبواب آداب المائدة ب 95 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 252

و في موثّقة زرارة:

إنّ فيهما دفع سبعين نوعا من البلاء أيسرها الجذام «1».

و في مرسلة الفقيه: «ابدؤا بالملح في أول طعامكم، فلو يعلم الناس ما في الملح لاختاروه على الدرياق المجرّب» [1].

و في رواية الجعفري «لا يخصب خوان لا ملح عليها، و أصحّ للبدن أن يبدأ به في أول الطعام» [2].

و في رواية فروة: «أوحى اللّه تعالى إلى موسى بن عمران مر قومك أن يفتتحوا بالملح و يختموا به، و إلّا فلا يلوموا إلّا أنفسهم» «2».

و أمّا ما في رواية محمّد بن علي الهمداني، من افتتاح الرضا عليه السّلام بالخلّ، و قوله: إنّه مثل الملح «3».

و ما في رواية إسماعيل من قوله: «إنّا لنبدأ بالخلّ كما تبدؤن بالملح

______________________________

[1] الفقيه 3: 225- 1056، الوسائل 24: 403 أبواب آداب المائدة ب 95 ح 3، و في الفقيه: الترياق و هو أيضا بمعنى الدرياق، و المراد به: ما يستعمل لدفع السم من الأدوية و المعاجين- مجمع البحرين 5: 142.

[2] الكافي 6: 326- 5، المحاسن: 591- 101، الوسائل 24: 404 أبواب آداب المائدة ب 95 ح 4، و في النسخ: لا يحضر خوان .. و ما أثبتناه من المصدر، و المراد به: النماء و البركة- مجمع البحرين 2: 50، و الخوان: ما يؤكل عليه، معرّب- المصباح المنير: 184.

______________________________

(1) الكافي 6: 325- 1، المحاسن: 593- 109، الوسائل 24: 403 أبواب آداب المائدة ب 95 ح 2.

(2) الكافي 6: 326 ح 6، المحاسن: 592- 103، الوسائل 24: 404 أبواب آداب المائدة ب 59 ح 6.

(3) الكافي 6: 329- 4، المحاسن: 487- 554، الوسائل 24: 407 أبواب آداب المائدة ب 96 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 253

عندكم» «1».

فمعارض بما في رواية الديلمي:

«نحن نستفتح بالملح و نختم بالخلّ» «2».

و مرسلة الفقيه: «إنّ بني أميّة يبدءون بالخلّ في أول الطعام و يختمون بالملح، و إنّا نبدأ بالملح في أول الطعام و نختم بالخلّ» «3».

و الترجيح للأول، لموافقة الثاني لبني أميّة، مع أنّه على فرض التكافؤ لا يعلم ما كانوا يبدءون به للتعارض، فتبقى الأخبار السابقة خالية عن المعارض.

نعم، يعارض الخبران الأخيران للصحيح و الموثّق الأولين في الختم بالملح أو الخلّ، فالظاهر فيه التخيير.

و في مرفوعة يعقوب بن يزيد: «من ذرّ على أول لقمة من طعامه الملح ذهب عنه بنمش الوجه» [1].

و منها: التقاط ما يسقط من الخوان، للمتواترة معنى من الأخبار، كالأخبار التسعة التي بعضها من الصحاح لأبي بصير «4»، و داود بن كثير «5»،

______________________________

[1] الكافي 6: 326- 8، المحاسن: 593- 112، الوسائل 24: 404 أبواب آداب المائدة ب 95 ح 5، و النّمش محرّكة: نقط بيض و سود تقع في الجلد يخالف لونه لونه- مجمع البحرين 4: 156.

______________________________

(1) الكافي 6: 329- 5، المحاسن: 485- 539، الوسائل 24: 407 أبواب آداب المائدة ب 96 ح 1.

(2) الكافي 6: 330- 12، الوسائل 24: 408 أبواب آداب المائدة ب 96 ح 3.

(3) الفقيه 3: 225- 1055، الوسائل 24: 408 أبواب آداب المائدة ب 96 ح 4.

(4) الكافي 6: 299- 1، المحاسن: 444- 323، الوسائل 24: 378 أبواب آداب المائدة ب 76 ح 3.

(5) الكافي 6: 300- 2، المحاسن: 443- 319، الوسائل 24: 378 أبواب آداب المائدة ب 76 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 254

و وهب «1»، و عبد اللّه بن صالح «2»، و إبراهيم بن مهزم «3»، و عبد اللّه الأرجاني «4»، و معمّر «5»، و الكرماني

«6»، و عمر بن قيس «7».

و في بعضها: «إنّه شفاء من كلّ داء إذا قصد الاستشفاء به».

و في بعضها: «إنّه يدفع وجع الخاصرة».

و في ثالث: «إنّه ينفي الفقر و يكثر الولد».

و المستفاد من تلك الأخبار: أنّ المراد بما يسقط عن الخوان ما يقع خارج السفرة و الطبق و المائدة، لا ما يقع خارج الصّحفة [1] و القصعة على السفرة أو الطبق.

ثمَّ المستحبّ التقاط ما يسقط منه في البيت و نحوه، دون ما يسقط في الصحراء و نحوها، لروايتي معمّر و الكرماني، و في الاولى: إنّ في الصحراء يترك للطير و السبع. و في الثانية: «إنّ ما كان في الصحراء فدعه و لو فخذ شاة».

و منها: الأكل غداء و عشاء و عدم الأكل بينهما. و الغداء صدر النهار،

______________________________

[1] الصّحفة: كالقصعة الكبيرة، منبسطة تشبع الخمسة- مجمع البحرين 5: 77.

______________________________

(1) الكافي 6: 300- 4، المحاسن: 444- 326، الوسائل 24: 379 أبواب آداب المائدة ب 76 ح 4.

(2) الكافي 6: 300- 3، المحاسن: 444- 324، الوسائل 24: 378 أبواب آداب المائدة ب 67 ح 1.

(3) الكافي 6: 300- 7، المحاسن: 444- 325، الوسائل 24: 379 أبواب آداب المائدة ب 76 ح 5.

(4) الكافي 6: 301- 9، المحاسن: 444- 321، الوسائل 24: 379 أبواب آداب المائدة ب 76 ح 6، في النسخ: الأرمني، بدل: الأرجاني، و الصحيح ما أثبتناه.

(5) الكافي 6: 300- 8، المحاسن: 445- 327، الوسائل 24: 375 أبواب آداب المائدة ب 72 ح 1.

(6) الفقيه 3: 225- 1054، الوسائل 24: 376 أبواب آداب المائدة ب 72 ح 2.

(7) الفقيه 3: 225- 1053، الوسائل 25: 257 أبواب الأشربة المباحة ب 14 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص:

255

و العشاء أول الليل.

و يستحبّ أن يكون التعشّي بعد العتمة، فإنّ في رواية محمّد: «عشاء الأنبياء [بعد العتمة] فلا تدعوه» «1» و أولها عند سقوط نور الشفق.

و في رواية زياد بن أبي الحلال: «العشاء بعد العشاء الآخرة عشاء النبيّين» «2».

و في رواية اللهبي: «ما يقول أطبّاؤكم في عشاء الليل؟» قلت: إنّهم ينهونا عنه، قال: «و لكنّي آمركم به» «3».

و في مرسلة ثعلبة: «طعام الليل أنفع من طعام النهار» «4».

و منها: غسل الثمار بالماء قبل أكلها، لرواية فرات: «إنّ لكلّ ثمرة سمّا، فإذا أتيتم بها فمسّوها بالماء أو اغمسوها في الماء» يعني:

اغسلوها «5».

و منها: جمع العيال و الأكل معهم، لرواية مسمع: «ما من رجل جمع عياله و يضع مائدة و يسمّي و يسمّون في أول الطعام و يحمدون اللّه في آخره فترتفع المائدة حتى يغفر لهم» «6».

______________________________

(1) الكافي 6: 288- 1، المحاسن: 420- 197، الوسائل 24: 331 أبواب آداب المائدة ب 47 ح 1، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(2) الكافي 6: 289- 7، المحاسن: 421- 198، الوسائل 24: 332 أبواب آداب المائدة ب 47 ح 3.

(3) الكافي 6: 289- 10، الوسائل 24: 331 أبواب آداب المائدة ب 47 ح 2.

(4) الكافي 6: 289- 11، الوسائل 24: 332 أبواب آداب المائدة ب 47 ح 4.

(5) الكافي 6: 350- 4، المحاسن: 556- 913، الوسائل 25: 147 أبواب الأطعمة المباحة ب 80 ح 1.

(6) الكافي 6: 296- 25، الوسائل 24: 263 أبواب آداب المائدة ب 12 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 256

المسألة الثانية: يكره في الأكل أمور:

منها: أكل الشي ء فيما بين أكل الغداء و أكل العشاء، لرواية ابن أخي شهاب: شكوت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام ما

ألقى من الأوجاع و التخم، فقال لي: «تغدّ و تعشّ و لا تأكل بينهما شيئا، فإنّ فيه فساد البدن» «1».

و منها: الأكل متّكئا، للمستفيضة، كصحيحة الشحّام: «ما أكل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله متّكئا منذ بعثه اللّه إلى أن قبضه، و كان يأكل أكل العبد و يجلس جلسة العبد تواضعا للّه تعالى» «2».

و رواية أبي خديجة: «ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يأكل متّكئا على يمينه و على يساره، و لكن كان يجلس جلسة العبد» «3».

و رواية المعلّى: «ما أكل نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو متكئ منذ بعثه اللّه تعالى، و كان يكره أن يتشبّه بالملوك، و نحن لا نستطيع أن نفعل» «4».

و موثّقة سماعة: عن الرجل يأكل متّكئا، فقال: «لا، و لا منبطحا» «5».

أقول: الانبطاح: الاستلقاء على الوجه.

______________________________

(1) الكافي 6: 288- 2، المحاسن: 420- 196، الوسائل 24: 327 أبواب آداب المائدة ب 45 ح 1.

(2) الكافي 6: 270- 1، المحاسن: 457- 390، الوسائل 24: 251 أبواب آداب المائدة ب 6 ح 7.

(3) الكافي 6: 271- 7، المحاسن: 457- 389، الوسائل 24: 251 أبواب آداب المائدة ب 6 ح 6، بتفاوت يسير.

(4) الكافي 6: 272- 8، المحاسن: 458- 396، الوسائل 24: 249 أبواب آداب المائدة ب 6 ح 2.

(5) الكافي 6: 271- 4، المحاسن: 458- 393، الوسائل 24: 250 أبواب آداب المائدة ب 6 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 257

و المرويّ في المحاسن: «ما أكل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله متّكئا و لا نحن» «1» إلى غير ذلك.

و قد اختلفوا في المراد من الاتّكاء في هذا المقام، قال ابن الأثير: «لا

آكل متّكئا» المتّكي في العربيّة: كلّ من استوى قاعدا على وطاء متمكّنا، و العامّة لا تعرف المتّكي إلّا من مال في قعوده معتمدا على أحد شقّيه، و معنى الحديث: أنّي إذا أكلت لم أقعد متمكّنا فعل من يريد الاستكثار، و من حمل الاتّكاء على الميل إلى أحد الشقّين تأوله على مذهب الطب «2».

و في المصباح: اتّكأ: جلس متمكّنا «3».

و في فتح الباري لابن حجر: اختلف في صفة الاتّكاء، فقيل: أن يتمكّن في الجلوس للأكل على أيّ صفة كان. و قيل: أن يميل على أحد شقّيه. و قيل: أن يعتمد على يده اليسرى من الأرض. ثمَّ فسّر الحديث نحوا من النهاية. و عن أبي الجوزاء: الجزم في تفسير الاتّكاء أنّه الميل إلى أحد الشقّين «4».

أقول: المستفاد من كلماتهم أنّ للاتّكاء معاني:

أحدها: الجلوس على البساط متمكّنا، مسندا ظهره إلى الوسائد، من دون ميل إلى جانب.

و ثانيها: الاتّكاء باليد.

و ثالثها: الميل إلى أحد الشقّين كما هو المتعارف عند العامّة.

______________________________

(1) المحاسن: 458- 392، الوسائل 24: 252 أبواب آداب المائدة ب 6 ح 8.

(2) النهاية (لابن الأثير) 1: 193.

(3) المصباح المنير: 671.

(4) فتح الباري 9: 446. و فيه: ابن الجوزي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 258

ليس المراد- في ذلك المقام- الثاني قطعا، لأنّ المستفاد من أخباره:

أنّه صلّى اللّه عليه و آله يجتنب عنه لأنّه كان يجلس جلسة العبد، و الاتّكاء ينافيه و أنّه تشبّه بالملوك.

مع أنّه ورد في رواية أبي خديجة: أنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام كان يجلس جلسة العبد و يضع يده على الأرض و يأكل بثلاث أصابع، و أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يأكل هكذا «1»، فإنّها تدلّ على أنّ في وضع

اليد على الأرض تواضعا و انكسارا.

و أيضا صرّح في رواية أبي خديجة المتقدّمة أولا: أنّه لم يأكل متّكئا على يمينه و على يساره، و ظاهر أنّه في الأكل لا يتحقّق الاتّكاء على اليمين غالبا، لأنّ اليمين يد الأكل.

و أيضا في رواية المعلّى علّله بكراهة أن يتشبّه بالملوك، و الملوك يأكلون متّكئين على الوسائد. قال بعض المتأخّرين: الأكل كذلك من دأب الملوك «2».

و أيضا عطف الانبطاح عليه يؤكّد إرادة أحد المعنيين الآخرين.

و أيضا روى في المحاسن بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام يقول: «إذا أكلت فاعتمد على يسارك» «3».

و أيضا في رواية الفضيل الصحيحة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه وضع أبي عبد اللّه عليه السّلام يده على الأرض عند الأكل، و اعتراض عباد عليه و رفعها، ثمَّ وضعها، ثمَّ اعتراضه، ثمَّ رفعه إيّاها، ثمَ

______________________________

(1) المحاسن: 441- 307، الوسائل 24: 256 أبواب آداب المائدة ب 8 ح 6.

(2) انظر البحار 63: 391.

(3) المحاسن: 441- 306، الوسائل 24: 254 أبواب آداب المائدة ب 7 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 259

وضعها، ثمَّ اعتراضه، ثمَّ عوده عليه السّلام، و قوله بعد اعتراضه ثالثا: «و اللّه ما نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن هذا قطّ» «1».

مع أنّه قد مرّ عن المحاسن قوله: «ما أكل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله متّكئا و لا نحن». و التنافي بينهما ظاهر.

و قوله: «لا نستطيع أن نفعل» في رواية المعلّى لا يدلّ على أنّهم كانوا يتّكئون، لإجمال ما لا يستطيعون فعله، فلعلّه الاتّكاء دون تركه، بل هو الظاهر.

فتعيّن أحد المعنيين الأول أو الثالث، مع أنّه على فرض عدم التعيّن و احتمال ذلك المعنى أيضا

لا ينبغي ترك الرواية الآمرة بالاعتماد على اليسار- المعتضدة بفعل الإمام و يمينه عليه السّلام على عدم نهي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عنه- قطّ بمجرّد الاحتمال.

ثمَّ إنّ الاحتمال الأول يرجّح بتشبّهه بجلسة الملوك، و الثالث بقوله:

على يمينه و على يساره، في رواية أبي خديجة، و يمكن كراهته بالمعنيين و ترك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لهما معا، كما هو الظاهر.

و منها: الأكل على الشبع، للأخبار المستفيضة «2».

و منها: التملّي عن الطعام، فإنّه ورد في رواية أبي الجارود: «ما من شي ء أبغض إلى اللّه من بطن مملوء» «3».

و في رواية أبي بصير: «كثرة الأكل مكروه» «4».

______________________________

(1) الكافي 6: 271- 5، الوسائل 24: 253 أبواب آداب المائدة ب 7 ح 1.

(2) الوسائل 24: 243 أبواب آداب المائدة ب 2.

(3) الكافي 6: 270- 11، المحاسن: 447- 339، الوسائل 24: 248 أبواب آداب المائدة ب 4 ح 2.

(4) الكافي 6: 269- 2، التهذيب 9: 92- 394، الوسائل 24: 239 أبواب آداب المائدة ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 260

و في اخرى: «إنّ البطن ليطغى من أكله، و أقرب ما يكون البعد إلى اللّه إذا خفّ بطنه، و أبغض ما يكون العبد إلى اللّه إذا امتلأ بطنه» «1».

و في رواية السكوني: «أطولكم جشاء في الدنيا أطولكم جوعا في الآخرة» [1].

و في مرسلة ابن سنان: «كلّ داء من التخمة ما خلا الحمّى، فإنها ترد ورودا» «2».

و في المرويّ في المحاسن: «لو أنّ الناس قصدوا في المطعم لاستقامت أبدانهم» «3».

و ربّما كان الإفراط في الأكل حراما إذا أحسّ منه الضرر.

و منها: الأكل باليسار، للمستفيضة «4»، و في موثّقة سماعة: «لا يأكل بشماله، و

لا يشرب بشماله، و لا يتناول بها شيئا» «5».

و منها: أكل سؤر الفأر: لقوله عليه السّلام في حديث المناهي الطويل:

«و نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن أكل سؤر الفأر» «6».

______________________________

[1] الكافي 6: 269- 5، التهذيب 9: 92- 395، المحاسن: 447- 345، الوسائل 24: 246 أبواب آداب المائدة ب 3 ح 1، و الجشاء كغراب: صوت مع ريح يخرج من الفم عند شدة الامتلاء- مجمع البحرين 1: 87.

______________________________

(1) الكافي 6: 269- 4، المحاسن: 446- 337، الوسائل 24: 239 أبواب آداب المائدة ب 1 ح 1.

(2) الكافي 6: 269- 8، المحاسن: 447- 341، الوسائل 24: 247 أبواب آداب المائدة ب 4 ح 1.

(3) المحاسن: 439- 296، الوسائل 24: 241 أبواب آداب المائدة ب 1 ح 7.

(4) الوسائل 24: 258 أبواب آداب المائدة ب 10.

(5) الكافي 6: 272- 3، التهذيب 9: 93- 404، المحاسن: 455- 381، الوسائل 24: 258 أبواب آداب المائدة ب 10 ح 1.

(6) الفقيه 4: 2- 1، الوسائل 1: 240 أبواب الأسئار ب 9 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 261

و منها: النظر إلى وجوه الناس عند الأكل، لرواية الكرخي المتقدّمة «1».

و منها: تقشير الثمرة، لرواية القدّاح: إنّه كان يكره تقشير الثمرة» «2».

و منها: رمي بقيّة الثمرة قبل الاستقصاء في أكلها، لرواية ياسر: أكل الغلمان يوما فاكهة و لم يستقصوا أكلها و رموا بها، فقال أبو الحسن عليه السّلام:

«سبحان اللّه إن كنتم استغنيتم فإنّ أناسا لم يستغنوا، أطعموه من يحتاج إليه» «3».

و منها: المبالغة في أكل اللحم الذي على العظام، لرواية الفضيل:

صنع لنا أبو حمزة طعاما و نحن جماعة، فلمّا حضرنا رأى رجلا ينهك عظما، فصاح به: و قال: «لا

تفعل، فإنّي سمعت عليّ بن الحسين عليهما السّلام يقول: «لا تنهكوا العظام، فإنّ فيها للجنّ نصيبا، و إن فعلتم ذهب من البيت ما هو خير من ذلك» [1].

و منها: أكل طعام أو شراب حارّ، للمستفيضة:

فمنها: «أقرّوا الحارّ حتى يبرد» «4».

و منها: «الطعام الحارّ غير ذي بركة» «5».

______________________________

[1] الكافي 6: 322- 1، المحاسن: 472- 466، الوسائل 24: 402 أبواب آداب المائدة ب 94 ح 1. و المراد ب: «لا تنهكوا العظام» ألّا تبالغوا في أكلها من قولهم:

نهكت من الطعام أي بالغت في أكله- مجمع البحرين 5: 296.

______________________________

(1) في ص: 245.

(2) الكافي 6: 350- 3، المحاسن: 556- 912، الوسائل 25: 147 أبواب الأطعمة المباحة ب 80 ح 2.

(3) الكافي 6: 297- 8، المحاسن: 441- 304، الوسائل 24: 372 أبواب آداب المائدة ب 69 ح 1.

(4) الكافي 6: 321- 1، المحاسن: 406- 118، الوسائل 24: 399 أبواب آداب المائدة ب 91 ح 4.

(5) الكافي 6: 322- 3، المحاسن: 407- 119، الوسائل 24: 398 أبواب آداب المائدة ب 91 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 262

و منها: «أقرّوه حتى يبرد و يمكّن، فإنّه طعام ممحوق البركة و للشيطان فيه نصيب» «1».

و في المرويّ في العيون: «اتي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بطعام، فأدخل إصبعه فيه فإذا هو حارّ، قال: دعوه حتى يبرد، فإنّه أعظم بركة» «2».

و منها: النفخ على طعامه أو شرابه، للمرويّ في كتاب الخصال في حديث الأربعمائة: «لا ينفخ الرجل في موضع سجوده و لا في طعامه و لا في شرابه» «3».

و منها: القيام عن الطعام قبل الفراغ منه، لرواية ياسر و نادر: «إن قمت على رؤوسكم و أنتم تأكلون فلا تقوموا حتى تفرغوا»

الحديث «4».

و ظاهر الحديث عمومه لمطلق القيام حتى لتواضع الغير.

و منها: إظهار الصوت عند الأكل، لرواية محمّد: «اذكروا اللّه على الطعام و لا تلغطوا» الحديث «5».

و اللّغطة محرّكة: الصوت أو الأصوات المبهمة، فيمكن أن يكون المراد: صوت المضغ، و يمكن أن يراد: صوت الحلق حين البلع.

و منها: الأكل ماشيا، لصحيحة ابن سنان: «لا تأكل و أنت تمشي، إلّا

______________________________

(1) الكافي 6: 322- 2، المحاسن: 406- 116، الوسائل 24: 399 أبواب آداب المائدة ب 91 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 15    263     المسألة الثانية: يكره في الأكل أمور: ..... ص : 256

(2) عيون أخبار الرضا عليه السّلام 2: 39- 124، المستدرك 16: 308 أبواب آداب المائدة ب 81 ح 4.

(3) الخصال 2: 613- 10، الوسائل 6: 352 أبواب السجود ب 7 ح 9.

(4) الكافي 6: 298- 10، المحاسن: 423- 214، الوسائل 24: 266 أبواب آداب المائدة ب 14 ح 2، في النسخ: إن قمتم ..، و ما أثبتناه من المصادر.

(5) الكافي 6: 296- 23، المحاسن: 434- 266، الوسائل 24: 350 أبواب آداب المائدة ب 56 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 263

أن تضطرّ إليه» «1».

إلّا أنّ في رواية السكوني: «خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبل الغداة و معه كسرة قد غمسها في اللّبن، و هو يأكل و يمشي، و بلال يقيم الصلاة، فصلّى بالناس صلّى اللّه عليه و آله» «2».

و في رواية العرزمي: «لا بأس أن يأكل الرجل و هو يمشي، كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يفعل ذلك» «3».

و يمكن أن يكون فعل الرسول صلّى اللّه عليه و آله للضرورة- كخوف طلوع الصبح في يوم

الصوم- أو لبيان الجواز، و نفي البأس لا ينافي الكراهة.

و هل المشي يعمّ حال الركوب أيضا، أو يختصّ بالراجل؟

كلّ محتمل، و الأول أظهر.

و منها: تكليف أخيه المسلم على التكلّف له في الأكل، أو التكلّف له فيه و لو كان ضيفا، لما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «إنّي لا أحبّ المتكلّفين» «4».

و في صحيحة جميل: «المؤمن لا يحتشم من أخيه، و لا يدرى أيّهما أعجب: الذي يكلّف أخاه إذا دخل أن يتكلّف له، أو المتكلّف لأخيه» «5».

______________________________

(1) الفقيه 3: 223- 1044، المحاسن: 459- 400، الوسائل 24: 261 أبواب آداب المائدة ب 11 ح 1.

(2) الكافي 6: 273- 1، التهذيب 9: 94- 406، المحاسن: 458- 398، الوسائل 24: 261 أبواب آداب المائدة ب 11 ح 2.

(3) الكافي 6: 273- 2، التهذيب 9: 93- 405، المحاسن: 458- 397، الوسائل 24:

261 أبواب آداب المائدة ب 11 ح 3، و في المحاسن و الكافي: العزرمي بدل العرزمي.

(4) الكافي 6: 275- 1، المحاسن: 415- 168، الوسائل 24: 275 أبواب آداب المائدة ب 20 ح 2.

(5) الكافي 6: 276- 2، المحاسن: 414- 164، الوسائل 24: 275 أبواب آداب المائدة ب 20 ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 264

و في صحيحة صفوان: «هلك امرؤ احتقر لأخيه ما يحضره، و هلك امرؤ احتقر من أخيه ما قدّم إليه» «1».

و في صحيحة السرّاد: «هلك المرء المسلم أن يستقلّ ما عنده للضيف» «2».

و ينبغي تخصيص ذلك بالضيف الداخل بنفسه بلا دعوة، لصحيحة هشام: «إذا أتاك أخوك فأته ممّا عندك، و إذا دعوته فتكلّف له» «3».

و منها: أن يوضع الخبز تحت إناء و وضع الإناء عليه، للمستفيضة.

ففي

صحيحة أبان: «لا يوضع الرغيف تحت القصعة» «4».

و في موثّقة أبي بصير: كره أن يوضع الرغيف تحت القصعة «5».

و في رواية الفضل: تغدّى عندي أبو الحسن عليه السّلام فجي ء بقصعة و تحتها خبز، فقال: «أكرموا الخبز أن يكون تحتها» قال لي: «مر الغلام أن يخرج الرغيف من تحت القصعة» «6».

______________________________

(1) الكافي 6: 276- 3، المحاسن: 414- 166، الوسائل 24: 276 أبواب آداب المائدة 21 ح 2.

(2) الكافي 6: 276- 5، المحاسن: 415- 167، الوسائل 24: 276 أبواب آداب المائدة ب 21 ح 1، و في الجميع: عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان ..

(3) الكافي 6: 276- 6، الوسائل 24: 278 أبواب آداب المائدة ب 22 ح 2، و في المصدر: فأته بما عندك ..

(4) الكافي 6: 303- 3، المحاسن: 589- 90، الوسائل 24: 390 أبواب آداب المائدة ب 81 ح 1.

(5) الكافي 6: 304- 12، المحاسن: 589- 91، الوسائل 24: 390 أبواب آداب المائدة ب 81 ح 3.

(6) الكافي 6: 304- 11، المحاسن: 589- 89، الوسائل 24: 390 أبواب آداب المائدة ب 81 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 265

و منها: قطع الخبز بالسكّين، للروايات «1»، و فيها: أنّه يستحبّ إكرامه، و من إكرامه: أن لا يوطأ و لا يقطع و لا ينتظر به غيره إذا وضع.

و منها: انتظار غير الخبز إذا وضع، لما مرّ.

و منها: شمّ الخبز، ففي رواية السكوني: «إيّاكم أن تشمّوا الخبز كما تشمّه السباع، فإنّ الخبز مبارك» «2».

و يكره إحصاء الخبز في البيت أيضا، لرواية الكناني: «دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على عائشة و هي تحصي الخبز، فقال: يا عائشة، لا تحصي الخبز فيحصى

عليك» «3».

و يستحبّ تصغير الأرغفة، فإنّه ورد في الرواية المعتبرة: «صغّروا رغفانكم، فإنّ مع كلّ رغيف بركة» «4».

المسألة الثالثة: للشرب أيضا مستحبّات و مكروهات.
أمّا المستحبات:

فمنها: شرب الماء مصّا لا عبّا، فإنّ في رواية القدّاح: إنّ من عبّه يوجد وجع الكبد «5».

______________________________

(1) الوسائل 24: 392 أبواب آداب المائدة ب 84.

(2) الكافي 6: 303- 6، المحاسن: 585- 82، الوسائل 24: 393 أبواب آداب المائدة ب 85 ح 1.

(3) الفقيه 3: 171- 762 بتفاوت يسير، التهذيب 7: 163- 721، الوسائل 17:

446 أبواب آداب التجارة ب 39 ح 1.

(4) الكافي 6: 303- 8، الوسائل 24: 394 أبواب آداب المائدة ب 86 ح 1.

(5) الكافي 6: 381- 1، المحاسن: 575- 27، الوسائل 25: 235 أبواب الأشربة المباحة ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 266

و منها: الشرب قائما بالنهار، ففي رواية السكوني: «إنّ شرب الماء من قيام بالنهار أقوى و أصحّ للبدن» «1».

و في رواية أخرى له لم يقيّده بالنهار بل أطلقه «2»، و لكن ينبغي التقييد، لما يأتي من مرجوحيّة الشرب قائما في الليل، كما ينبغي تقييد ما نهى عن الشرب قائما بقول مطلق- كروايتي محمّد «3» و الجرّاح «4»- بالليل، كما فعله في الوافي «5».

و في مرفوعة أبي محمود: «أنّه يمرئ الطعام، و شربه من قيام بالليل يورث الماء الأصفر» «6».

و في مرسلة الفقيه: «أنّ شرب الماء بالنهار [من قيام ] أدرّ للعرق و أقوى للبدن، و بالليل [من قيام ] يورث الماء الأصفر» «7».

و منها: شربه ثلاثة أنفاس، لصحيحتي الحلبي «8» و سليمان «9»، و روايتي

______________________________

(1) الكافي 6: 382- 1، المحاسن: 581- 57، الوسائل 25: 239 أبواب الأشربة المباحة ب 7 ح 1.

(2) التهذيب 9: 94- 409، الاستبصار 4: 93- 354، الوسائل

25: 241 أبواب الأشربة المباحة ب 7 ح 5.

(3) الكافي 6: 534- 8، الوسائل 25: 240 أبواب الأشربة المباحة ب 7 ح 4.

(4) التهذيب 9: 95- 412، الاستبصار 4: 92- 353، الوسائل 25: 241 أبواب الأشربة المباحة ب 7 ح 6.

(5) الوافي 20: 569.

(6) الكافي 6: 383- 2، المحاسن: 572- 17، الوسائل 25: 240 أبواب الأشربة المباحة ب 7 ح 2.

(7) الفقيه 3: 223- 1037، 1038، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر، الوسائل 25: 241 أبواب الأشربة المباحة ب 7 ح 7 و 8.

(8) الكافي 6: 383- 7، الفقيه 3: 223- 1040، المحاسن: 576- 29، الوسائل 25: 248 أبواب الأشربة المباحة ب 9 ح 17.

(9) التهذيب 9: 94- 410، المحاسن: 576- 33، الوسائل 25: 245 أبواب الأشربة المباحة ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 267

المعلّى «1» و أبي بصير «2».

نعم، ورد في مرسلة الفقيه أنّه: «إذا ناولك الماء حرّ فاشربه بنفس واحد» «3»، فينبغي التخصيص به، لأخصّيته.

و منها: التسمية عند الشروع و الحمد عند الفراغ، لرواية الماصر «4».

و منها: أن يشرب ثلاثة أنفاس و يحمد اللّه بعد القطع في النفسين الأولين، لصحيحة ابن سنان «5».

بل في الأنفاس الثلاث مع التسمية عند الشروع في النفس الأول، لرواية أبي بصير «6».

بل مع التسمية في أول كلّ نفس، لرواية عمر بن يزيد «7».

و في الروايتين الأوليين: إنّ اللّه سبحانه يدخله بذلك الجنّة.

و في الأخيرة أن: «يسبّح ذلك الماء له ما دام في بطنه».

و منها: أنّه إذا شرب الماء بالليل حرّك الماء و يقول: يا ماء ماء زمزم و ماء فرات يقرءانك السّلام «8».

______________________________

(1) الكافي 6: 383- 8، المحاسن: 575- 28، الوسائل 25: 248

أبواب الأشربة المباحة ب 9 ح 18.

(2) التهذيب 9: 94- 411، الوسائل 25: 245 أبواب الأشربة المباحة ب 9 ح 2.

(3) الفقيه 3: 223- 1039، الوسائل 25: 245 أبواب الأشربة المباحة ب 9 ح 3.

(4) الفقيه 3: 225- 1053، الوسائل 25: 257 أبواب الأشربة المباحة ب 14 ح 3.

(5) الكافي 6: 384- 1، المحاسن: 578- 44، معاني الأخبار: 385- 17، الوسائل 25: 249 أبواب الأشربة المباحة ب 10 ح 1.

(6) المحاسن: 578- 44، الوسائل 25: 251 أبواب الأشربة المباحة 10 ح 3.

(7) الكافي 6: 384- 3، المحاسن: 578- 45، الوسائل 25: 251 أبواب الأشربة المباحة ب 10 ح 4.

(8) الكافي 6: 384- 4، المحاسن: 572- ذ. ح 17، الوسائل 25: 251 أبواب الأشربة المباحة ب 10 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 268

و منها: أن يذكر الحسين الشهيد عليه السّلام و أهل بيته بعد شرب الماء و لعن قاتله.

فإنّ في رواية الرقّي: «ما من عبد شرب الماء فذكر الحسين عليه السّلام و أهل بيته و لعن قاتله إلّا كتب اللّه له مائة ألف حسنة، و حطّ عنه مائة ألف سيّئة، و رفع له مائة ألف درجة، و كأنّما أعتق مائة ألف نسمة، و حشره اللّه تعالى يوم القيامة ثلج الفؤاد» «1».

و منها: أن يشرب ماء السماء، فإنّ في رواية أبي بصير: «أنّه يطهّر البدن و يدفع الأسقام» «2».

و منها: أن يشرب من اليد اليمنى، و قد مرّ ما يدلّ عليه.

و أمّا المكروهات:

فمنها: الشرب باليسار.

و منها: الشرب عبّا.

و منها: الشرب في الليل قائما.

و قد مرّ ما يدلّ على الجميع.

و منها: الإكثار في شرب الماء، ففي مرسلة موسى بن بكر: «لا تكثر من شرب الماء فإنّه

مادّة لكلّ داء» «3».

______________________________

(1) الكافي 6: 391- 6، كامل الزيارات: 106- 1، الأمالي: 122- 7، الوسائل 25: 272 أبواب الأشربة المباحة ب 27 ح 1.

(2) الكافي 6: 387- 2، المحاسن: 574- 25، الوسائل 25: 266 أبواب الأشربة المباحة ب 22 ح 2.

(3) الكافي 6: 382- 4، الوسائل 25: 238 أبواب الأشربة المباحة ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 269

و في رواية أحمد بن عمر الحلبي: «أقلل من شرب الماء فإنّه يمدّ كلّ داء» «1».

و في حسنة ياسر: «لا بأس بكثرة شرب الماء على الطعام، و لا تكثر منه على غيره» «2»، و يستفاد منها استثناء كراهة الإكثار عنه عند الأكل.

و ورد في الأخبار الأمر بشرب الماء عند الأكل و لو أكل قليلا، و فيها أنّ: «عجبا لمن أكل و لم يشرب عليه الماء كيف لا تنشقّ معدته» «3».

و منها: أن يشرب من عند كسر الكوز إن كان فيه كسر، و من عند عروته «4».

صلّى اللّه على عروته الوثقى و حبله المتين محمّد خاتم النبيين و آله الطاهرين.

تمَّ كتاب المطاعم و المشارب من كتاب مستند الشيعة في أحكام الشريعة، على يد مؤلّفه العاصي أحمد بن محمّد مهدي النراقي، في العشر الآخر من شهر جمادي الأول من شهور سنة 1242 من الهجرة النبويّة، على هاجرها ألف سلام و تحيّة.

______________________________

(1) الكافي 6: 382- 2، المحاسن: 571- 11، الوسائل 25: 238 أبواب الأشربة المباحة ب 6 ح 1.

(2) الكافي 6: 382- 3، المحاسن: 572- 16، الوسائل 25: 236 أبواب الأشربة المباحة ب 4 ح 1.

(3) الكافي 6: 382- 4، الوسائل 25: 236 أبواب الأشربة المباحة ب 4 ح 2.

(4) انظر الوسائل 25: 256 أبواب الأشربة

المباحة ب 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 271

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم و به نستعين

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 273

كتاب الصيد و الذباحة و فيه مقدّمة و أبواب:

اشاره

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 274

أمّا المقدّمة: ففي بيان أصول ثلاثة نذكرها في ثلاث مسائل، و نعقّبها بفائدة.

المسألة الأولى: الأصل في كلّ حيوان مأكول اللحم: حرمة أكله ما لم يذكّ تذكية شرعيّة،

للإجماع المحقّق، و لأنّه إمّا خرج روحه، أو لا.

و الأول: ميتة، لأنّها إمّا مطلق ما خرج روحه أو مقابل المذكّى، و كلّ ميتة حرام، كما مرّ في كتاب المطاعم.

و الثاني: لا يمكن أكله إلّا بقطع جزئه، و قد مرّ في الكتاب المذكور حرمة الأجزاء المبانة عن الحيّ.

نعم، ما يمكن بلعه حيّا- كالسمكة الصغيرة- لا يجري فيه ذلك الدليل، و في حرمته أيضا خلاف كما يأتي.

و يدلّ على ذلك الأصل أيضا قوله سبحانه وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ «1».

و موثّقة سماعة: عن صيد البزاة و الصقور و الطير الذي يصيد، فقال:

«ليس هذا في القرآن إلّا أن تدركه حيّا فتذكّيه و إن قتل فلا تأكل حتى تذكّيه» «2».

و في موثّقته الأخرى في صيد الفهد المعلّم: «إن أدركته حيّا فذكّه و كله» «3».

______________________________

(1) الأنعام: 121.

(2) التهذيب 9: 31- 124، الاستبصار 4: 71- 260، الوسائل 23: 353 أبواب الصيد ب 9 ح 14.

(3) التهذيب 9: 27- 110، الاستبصار 4: 69- 251، الوسائل 23: 344 أبواب الصيد ب 6 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 275

دلّ قوله: «إلّا أن تدركه حيّا فتذكّيه» على عدم كفاية درك الحياة في الحلّية مطلقا ما لم يذكّ و إن قتل. و قوله: «فلا تأكل حتى تذكّيه» صريح في المطلوب.

و خبر المرادي: عن الصقور و البزاة و عن صيدها، قال: «كل ما لم يقتلن إذا أدركت ذكاته» «1».

و صحيحة الحذّاء: ما تقول في البازي و الصقر و العقاب؟ فقال: «إن أدركت ذكاته فكل، و إن لم تدرك ذكاته فلا تأكل» «2»، إلى غير ذلك.

المسألة الثانية: التذكية أمر شرعيّ

يتوقّف ثبوتها- و كون فعل تذكية موجبة للحلّية- على دليل شرعي، فكلّ

عمل شكّ في أنّه هل هو تذكية أم لا، يحكم بالعدم حتى يثبت.

و الحاصل: أنّ الأصل في كلّ عمل عدم كونه تذكية شرعيّة، و هذا أحد معنيي أصالة عدم التذكية.

و الدليل عليه- بعد الإجماع المعلوم قطعا- استصحاب الحرمة الثابتة للمحلّ حتى يعلم المزيل، و لا يعلم إلّا إذا علم كونه تذكية بالدليل، و لكن اللّه جلّ اسمه قال وَ ما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ «3» يعني: من حيوان ذكر اسم اللّه عليه، و هو في قوّة قوله: كلوا كلّما ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ . و علم من الخارج أيضا أنّه يجب أن يكون الذكر عند إزهاق روحه بمدخليّة فيه من المكلّف، و لازمه كون ذلك

______________________________

(1) الكافي 6: 208- 10، التهذيب 9: 33- 131، الاستبصار 4: 73- 267، الوسائل 23: 350 أبواب الصيد ب 9 ح 4.

(2) الكافي 6: 208- 7، التهذيب 9: 32- 128، الاستبصار 4: 72- 264، الوسائل 23: 352 أبواب الصيد ب 9 ح 11.

(3) الأنعام: 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 276

تذكية شرعيّة.

و لا يتوهّم أنّه لمّا علم لزوم كون خروج روحه بمدخليّة من المكلّف، و علم أنّها أيضا مدخليّة خاصّة، فيحصل في تخصيص ما ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إجمال.

لأنّه قد علم بعض خصوصيّات المدخليّة بالأدلّة، كمعلومات شرائط الصيد و الذبح، و الأصل عدم الزائد.

و قد علم بذلك أنّ الأصل في كلّ عمل و إن كان عدم كونه موجبا للحلّية و عدم كونه تذكية شرعيّة، إلّا أنّ الأصل الثانوي الطارئ عليه كون ذكر اسم اللّه عليه حين إزهاق روحه- مع نوع مدخليّة للمكلّف فيه- سببا للحلّية و تذكية شرعيّة، فهذا أصل

ثابت من كلام اللّه سبحانه.

لا يقال: إنّه قال سبحانه وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ و ممّا فصّل: الميتة الشاملة لكلّ ما خرج روحه.

قلنا: شمول الميتة لكلّ ما خرج روحه ممنوع، كما مرّ في بحث المطاعم في المسألة الاولى من الفصل الأول من الباب الثاني «1».

سلّمنا، و لكن المراد مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ : عند خروج روحه إجماعا، فهو أخصّ مطلقا من الميتة، فيجب تخصيصها به.

هذا، و قد روى سماعة في الموثّق: سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال: «إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده، و أمّا الميتة فلا» «2».

و مقتضاها أيضا كون الرمي مع التسمية في الوحوش ذكاة، لتجويز الانتفاع، و مقابلتها بالميتة.

______________________________

(1) في ص: 59.

(2) التهذيب 9: 79- 339، الوسائل 24: 185 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 34 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 277

و يمكن أن تكون التذكية هي مجرّد التسمية، و ذكر الرمي لتوقّف قتل الصيد عليه.

و تدلّ عليه أيضا رواية عباد بن صهيب: عن رجل سمّى و رمى صيدا فأخطأ و أصاب آخر، فقال: «يأكل منه» «1» «2».

المسألة الثالثة: الأصل عدم وقوع التذكية الثابتة كونها تذكية،

فلا يحكم بها إلّا مع العلم بها، و هذا المعنى الآخر لأصالة عدم التذكية.

و الدليل عليه: أنّها موقوفة على أمور وجوديّة حادثة بعد عدمها، و الأصل عدم تحقّق كلّ منها، و به تعلم الحرمة، فلا تجري فيه عمومات الحلّية، و لا يجدي التعارض، لأنّ الأول- و هو عدم التذكية الثابت بالأصل- مزيل للحلّية و لا عكس، فإنّ الحلّية ليست مزيلة للإعدام الثابتة لكلّ فعل من أفعال التذكية، كما يعلم تحقيقه ممّا ذكرنا في بيان الاستصحاب المزيل و غير المزيل.

و تدلّ على ذلك الأصل أيضا أخبار معتبرة مستفيضة.

كصحيحة سليمان: عن الرميّة

يجدها صاحبها أ يأكلها؟ قال: «إن كان يعلم أنّ رميته هي التي قتلته فليأكل» «3».

و صحيحة حريز: عن الرميّة يجدها صاحبها في الغد أ يأكل منه؟

فقال: «إن علم أنّ رميته هي التي قتلته فليأكل من ذلك إن كان قد سمّى» «4».

______________________________

(1) الكافي 6: 215- 1، التهذيب 9: 38- 160، الوسائل 23: 380 أبواب الصيد ب 27 ح 1.

(2) ما بين القوسين ليس في «ح».

(3) الكافي 6: 210- 7، الوسائل 23: 365 أبواب الصيد ب 18 ح 1.

(4) الكافي 6: 210- 3، الفقيه 3: 202- 917، التهذيب 9: 34- 135، الوسائل 23: 365 أبواب الصيد ب 18 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 278

و موثّقة سماعة، و فيها: «إن علم أنّه أصابه و أنّ سهمه هو الذي قتله فليأكل منه، و إلّا فلا يأكل منه» «1».

و تدلّ عليه أيضا الأخبار الآتية المصرّحة بأنّه: إذا وجد الكلب الغير المعلّم مع المعلّم عند الصيد لا يؤكل منه «2».

اعلم أنّه قد مرّ في كتاب الطهارة: أنّ الميتة من كلّ حيوان له نفس نجس، و في كتاب المطاعم أيضا: أنّ الميتة من كلّ حيوان- و لو كان ممّا يؤكل لحمه- حرام، و الميتة في المقامين مقابل المذكّى شرعا، و لكون التذكية أمرا شرعيّا توقيفيّا فلا بدّ من معرفتها و معرفة أحكامها من الشرع.

و ممّا ذكرنا و إن ثبت كون مطلق ذكر اسم اللّه عليه تذكية، إلّا أنّه قد ثبتت من الشرع لذلك الإطلاق تقييدات في الاسم و الذاكر و حال الذكر و بعض خصوصيّات أخر لا بدّ من معرفة جميعها، فعقد ذلك الكتاب إنّما هو لمعرفة خصوصيّات التذكية الشرعيّة و ما يتعلّق بها.

و لمّا كانت الخصوصيّات المنضمّة مع

ذكر اللّه- المعبّر عن مجموعها بالتذكية- تحصل في ضمن أحد الأمور الستّة: الصيد، و الذبح، و النحر، و التبعيّة كما في ذكاة الجنين، و الإخراج من الماء، و القبض باليد، و كان الثالث شبيها بالذبح، و الرابع تابعا لأحد الأولين، لم يذكروهما في عقد عنوان الكتاب و أدرجوهما في الأولين، كما أدرجوا الأخيرين في الصيد و عنونوا الكتاب بكتاب الصيد و الذباحة، و لو كانوا عنونوه بكتاب التذكية

______________________________

(1) الكافي 6: 210- 4، التهذيب 9: 34- 136، الوسائل 23: 366 أبواب الصيد ب 18 ح 3.

(2) الوسائل 23: 342 أبواب الصيد ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 279

لكان أحسن و أولى.

(هذا على ما هو الظاهر من جعل المذكّى مقابل الميتة مطلقا، و قد يخصّ المذكّى بالمذبوح أيضا) «1».

و اعلم أيضا أنّ الصيد يطلق على معنيين.

أحدهما: إثبات اليد على الحيوان الوحشي بالأصالة و إن كان حيّا.

و تقييد الحيوان هنا بالمحلّل- كما في المسالك و الكفاية «2»- لا وجه له.

و ثانيهما: إزهاق روحه على الوجه المعتبر شرعا من غير ذبح أو نحر، بل بآلة الصيد المعتبرة شرعا.

و المقصود الأصليّ ذكره في ذلك الكتاب: الصيد بالمعنى الثاني، و أمّا المعنى الأول فيناسب ذكره في كتاب المكاسب كما فعله في المفاتيح «3»، لأنّ الكلام فيه إنّما هو من حيث التملّك و عدمه، و أمّا تذكيته فإنّما هي تكون بالذبح، و لكن منهم من يذكره هنا تبعا للصيد بالمعنى الثاني «4».

و قد علم بذلك أنّ المقصود من عقد هذا الكتاب بيان التذكية الشرعيّة بالمعنى الأعمّ و ما يتعلّق بها، و لأنّها إمّا بالصيد، أو الذبح الشامل للنحر أيضا، أو التبعيّة، أو الأخذ حيّا، نبيّن أحكامها في أربعة أبواب:

______________________________

(1) ما

بين القوسين ساقط عن «ق» و «س».

(2) المسالك 2: 217، الكفاية: 244.

(3) المفاتيح 3: 35.

(4) كصاحب الرياض 2: 264.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 281

الباب الأول في الصيد

اشاره

و المراد الصيد بالمعنى الثاني، أي إزهاق روح الحيوان الوحشي من غير ذبح، بل بمجرّد الاصطياد، الذي هو أحد أفراد التذكية.

و أمّا الصيد بمعنى إدراك المصيد حيّا ثمَّ ذبحه فهو و إن كان اصطيادا عرفا أيضا إلّا أنّه الصيد بالمعنى الأول مع التذكية الذبحيّة، فهو مركّب من الصيد بالمعنى الأول و الذبح، و الكلام فيه من جهة الصيد إنّما هو من حيث التملّك دون التذكية، و أمّا من حيث التذكية فبعينها أحكام الذبيحة.

ثمَّ الكلام في هذا الباب إمّا في آلة الصيد- أي فيما تحصل التذكية للحيوان مع إزهاق روحه به من دون ذبح- أو في المصيد- أي ما يقبل الاصطياد بهذا المعنى من الحيوانات- أو في الصائد، أو في شرائط الصيد، أو في أحكامه، فهاهنا خمسة فصول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 282

الفصل الأول في الآلة التي تتحقّق بها التذكية الاصطياديّة
اشاره

و يحلّ مقتولها من غير ذبح، و هي إمّا حيوان، أو جماد، فهاهنا بحثان:

البحث الأول في الآلة الحيوانيّة و فيه مسائل:
المسألة الأولى: الآلة الحيوانيّة التي يحلّ مقتولها و تحصل التذكية بها: الكلب المعلّم

مطلقا، سلوقيّا [1] كان أو غيره، أسود كان أم غير أسود، بمعنى: أنّ ما أخذه و جرحه و أدركه صاحبه ميّتا يحلّ أكله.

و يقوم جرح الكلب المذكور بعد إرساله- في أيّ موضع كان الجرح- مقام الذبح، بلا خلاف فيه كما في الكفاية «1» و غيره «2»، بل بالإجماع كما في المسالك «3» و شرح الإرشاد للأردبيلي «4»، و نقل عن جماعة أيضا «5»، و كأنّهم

______________________________

[1] السلوق: قرية باليمن ينسب إليها الدروع و الكلاب- مجمع البحرين 5: 187.

______________________________

(1) الكفاية: 244.

(2) كالرياض 2: 262.

(3) المسالك 2: 217.

(4) مجمع الفائدة 11: 6.

(5) نقله صاحب الرياض 2: 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 283

لم يلتفتوا إلى خلاف الإسكافي في الكلب الأسود «1»، لشذوذه، و هو كذلك، فهو إجماع محقّق حقيقة، فهو الدليل عليه.

مضافا إلى قوله سبحانه قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ «2».

و في صحيحة الحلبي: «في كتاب عليّ عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ:

وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ قال: هي الكلاب» «3».

و إلى السنّة المتواترة معنى «4»، منها: صحيحة محمّد و غير واحد (عنهما عليهما السّلام جميعا أنّهما قالا) «5» في الكلب يرسله الرجل و يسمّي، قالا: «إن أخذه فأدركت ذكاته فذكّه، و إن أدركته و قد قتله و أكل منه فكل ما بقي، و لا ترون ما ترون في الكلب» «6».

و صحيحة حكم بن حكيم: ما تقول في الكلب يصيد الصيد فيقتله؟

قال: «لا بأس بأكله» الحديث «7». و سيأتي تمامه.

______________________________

(1) حكاه عنه

في المختلف: 675.

(2) المائدة: 4.

(3) الكافي 6: 202- 1، التهذيب 9: 22- 88، الوسائل 23: 331 أبواب الصيد ب 1 ح 1.

(4) ليست في «ق».

(5) ما بين القوسين ليس في «ح».

(6) الكافي 6: 202- 2، التهذيب 9: 22- 89، الاستبصار 4: 67- 241، الوسائل 23: 341 أبواب الصيد ب 4 ح 2. و في بعض المصادر: و لا ترون ما يرون.

(7) الكافي 6: 203- 6، التهذيب 9: 23- 91، الاستبصار 4: 69- 253، الوسائل 23: 333 أبواب الصيد ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 284

و صحيحة جميل: عن الرجل يرسل الكلب على الصيد فيأخذه و لا يكون معه سكّين يذكّيه بها، أ يدعه حتى يقتله و يأكل منه؟ قال: «لا بأس، قال اللّه تعالى فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ و لا ينبغي أن يؤكل ممّا قتل الفهد» «1».

و رواية «2» عبد اللّه بن سليمان: عن رجل أرسل كلبه و صقره، فقال:

«أمّا الصقر فلا تأكل من صيده حتى تدرك ذكاته، و أمّا الكلب فكل منه إذا ذكرت اسم اللّه عليه، أكل الكلب منه أو لم يأكل» «3»، إلى غير ذلك ممّا يأتي في طيّ المسائل الآتية.

و إطلاق الآية و الأخبار- كفتاوى العلماء الأخيار- يقتضي عدم الفرق بين الكلب السلوقي و غيره، حتى الأسود، و هو كذلك.

خلافا للإسكافي، فخصّه بما عدا الأسود، تبعا لبعض الشافعيّة [1] و أحمد «4»، لخبر السكوني «5» الضعيف دلالة- لموضع ما يحتمل الجملة الخبريّة- و متنا- للشذوذ- و مقاومة للإطلاقات، لما ذكر و لموافقة العامّة.

المسألة الثانية: يشترط في حلّية صيد الكلب و مقتوله- كما أشرنا إليه-: أن يكون معلّما

، بالإجماع، و الكتاب، و السنّة المستفيضة:

______________________________

[1] نسبه ابن حجر العسقلاني في فتح الباري 9: 494 إلى إسحاق و الظاهر أنّه إسحاق بن إبراهيم

المعروف بابن راهويه أحد أئمّة الفقه و الحديث و من أصحاب الشافعي.

______________________________

(1) الكافي 6: 204- 8، التهذيب 9: 23- 93، الوسائل 23: 344 أبواب الصيد ب 6 ح 2.

(2) في «ح» و «س»: و صحيحة ..

(3) الكافي 6: 207- 3، الوسائل 23: 350 أبواب الصيد ب 9 ح 6.

(4) كما في بداية المجتهد 1: 456، و المغني و الشرح الكبير 11: 13.

(5) الكافي 6: 206- 20، التهذيب 9: 80- 340، الوسائل 23: 356 أبواب الصيد ب 10 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 285

منها: حسنة محمّد بن قيس: «ما قتلت من الجوارح مكلّبين و ذكر اسم اللّه عليه فكلوا من صيدهنّ، و ما قتلت الكلاب التي لم تعلّموها من قبل أن تدركوه فلا تطعموه» «1».

و صحيحة الحضرمي: عن صيد البزاة و الصقور و الكلب و الفهد، فقال: «لا تأكل صيد شي ء من هذه إلّا ما ذكّيتموه إلّا الكلب المكلّب» قلت:

فإن قتله؟ قال: «كل، لأنّ اللّه تعالى يقول وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ الآية «2».

و رواية زرارة في صيد الكلب، و فيها: «فإن كان غير معلّم فعلّمه في ساعته حين يرسله، و ليأكل منه» «3».

و رواية أبي بصير: عن قوم أرسلوا كلابهم، و هي معلّمة كلّها، و قد سمّوا عليها، فلمّا أن مضت الكلاب دخل فيها كلب غريب لم يعرفوا له صاحبا، فاشتركن جميعا في الصيد، فقال: «لا تأكل منه، لأنّك لا تدري أخذه معلّم أم لا» «4».

و صحيحة سليمان بن خالد: عن كلب المجوسي يأخذه الرجل المسلم، فيسمّي حين يرسله، أ يأكل ممّا أمسك عليه؟ قال: «نعم، لأنّه

______________________________

(1) الكافي 6: 203- 5، التهذيب 9: 23- 90، الوسائل 23: 346 أبواب الصيد ب 7

ح 1.

(2) الكافي 6: 204- 9، التهذيب 9: 24- 94، تفسير علي بن إبراهيم 1: 162، الوسائل 23: 348 أبواب الصيد ب 9 ح 1.

(3) الكافي 6: 205- 14، الفقيه 3: 201- 911، التهذيب 9: 24- 98، الاستبصار 4: 68- 246، الوسائل 23: 346 أبواب الصيد ب 7 ح 2، بتفاوت يسير.

(4) الكافي 6: 206- 19، التهذيب 9: 26- 105، الوسائل 23: 343 أبواب الصيد ب 5 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 286

مكلّب ذكر اسم اللّه عليه» «1»، دلّ التعليل على أنّ علّة الحلّية: التكليب، الذي هو التعليم.

و خبر عبد الرحمن بن سيابة: إنّي أستعير كلب المجوسي فأصيد به، فقال عليه السّلام: «لا تأكل من صيده إلّا أن يكون علّمه مسلم فتعلّمه» «2».

و رواية السكوني: كلب المجوسي لا تأكل صيده إلّا أن يأخذه المسلم فيعلّمه و يرسله» «3»، إلى غير ذلك.

و بهذه الأدلّة يقيّد إطلاق الكلب في الأخبار المتقدّمة في المسألة الاولى و سائر المطلقات التي لم تذكر.

المسألة الثالثة: اختلفوا فيما يعتبر في صيرورة الكلب معلّما
اشاره

، فمنهم من اعتبر ثلاثة أمور، و منهم من اعتبر أمرين. ثمَّ اختلفوا في أحد هذين الأمرين هل هو مطلق أو مقيّد على التفصيل الآتي.

و ليعلم أولا: أنّ شأن الفقيه في الألفاظ الواردة في كلامهم عليهم السّلام إذا لم يرد منهم بيان في معانيها- كما هو كذلك في مفروض المسألة- الرجوع إلى العرف إن كان، و إلّا فإلى اللغة، فاللازم في معرفة المعلّم و في تفسير قوله سبحانه ما عَلَّمْتُمْ الرجوع إليهما.

و معنى اللفظين- بحسب العرف و اللغة- واضح جدّا، فإنّ تعليم شي ء للغير: تكريره لمن لا يعلمه حتى يأخذه و يعلمه، و المعلّم: من كرّر غيره له

______________________________

(1) الكافي 6: 208- 1، الفقيه 3:

202- 913، التهذيب 9: 30- 118، الاستبصار 4: 70- 254، الوسائل 23: 360 أبواب الصيد ب 15 ح 1.

(2) الكافي 6: 209- 2، التهذيب 9: 30- 119، الاستبصار 4: 70- 255، الوسائل 23: 361 أبواب الصيد ب 15 ح 2.

(3) الكافي 6: 209- 3، التهذيب 9: 30- 120، الاستبصار 4: 71- 256، الوسائل 23: 361 أبواب الصيد ب 15 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 287

شيئا لا يعلمه حتى يعلمه و يأخذه، فلا إبهام في معنى التعليم و المعلّم.

نعم، لو كان الأمر الذي يطلب تعليمه معيّنا من جهة الطالب واقعا و لم يعلم أنّه أيّ شي ء، يحصل الإجمال من هذه الجهة. و أمّا لو لم يكن دليل على تعيينه من جهته فهو مطلق يتحقّق بكلّ ما يصلح للتعليم، كما في قولك: أكرم المعلّم، و ليس لفظ التعليم بالنسبة إلى ما علم إلّا كنسبة الأكل إلى المأكول، فلو قال: رأيت الآكل، أو: أكرم الآكل، لم يكن فيه إجمال، و ليس هناك دليل أو قرينة على أنّ مراد اللّه سبحانه من المعلّم بصيغة المفعول شي ء خاص لا نعلمه حتى يحصل الإجمال من تلك الجهة.

و لا يتوهّم أنّ قوله جلّ شأنه تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ يوجب إجمالا.

لأنّ المعنى: بعض ما علّم اللّه سبحانه للإنسان و لا يعلمه الكلب، و مصاديق ذلك المعنى واضحة لكلّ أحد، و مقتضى الإطلاق عدم تعيّن ذلك البعض.

نعم، حصل بالقرائن و الإجماع اعتبار بعض الأمور- التي هي أيضا من أفراد ما يعلم- فيجب الحكم باعتباره، و نفي غيره بالأصل.

و أمّا الأخبار فلا يثبت منها اعتبار شي ء مخصوص في التعليم، لأنّ غايتها ذكر أنّ الكلب الفلاني يؤكل صيده أو لا يؤكل، و هذا

لا يدلّ على أنّه لأجل اعتباره في التعليم و عدمه، كما أنّه ورد أكل صيد كلب المجوسي و الأسود و المغصوب، أو المنفرد و المشارك مع غيره أو عدم الأكل، و ليس ذلك إلّا كاعتبار التسمية و نحوها.

و ممّا ذكرنا ظهر لك ما في كلام المحقّق الأردبيلي، حيث قال: و ظاهر الآية أنّه لا بدّ من كون ما يصير به معلّما شيئا علّمنا اللّه إيّاه في تعليم الكلب

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 288

حتى يكون معلّما، و ما عرفنا أيّ شي ء ذلك من القرآن و لا من السنّة، إلّا ما في كلام العلماء، و لم يعلم إجماعهم أيضا، لما عرفت من الإجمال و الخلاف، فتأمّل حتى يفتح اللّه «1». انتهى.

فإنّ ظاهر الآية ليس أنّه شي ء خاصّ معيّن في تعليم الكلب، بل مطلق ما علّمنا اللّه، و لا بأس بزيادة شي ء له مدخليّة في تعليم الكلب للصيد بدلالة القرينة الحاليّة كما يأتي، و هو أيضا مطلق بين أمور معلومة لنا من الاسترسال و الانزجار و الإمساك و القتل و نحوها.

و ظهر ممّا ذكر صدق الكلب المعلّم على كلّ كلب علّم أمرا و أكثر ممّا لا يعلمه الكلب بنفسه و طبعه، و يتوقف تعلّمه على تعليم الإنسان، كما في سائر الحيوانات التي يتعلّمون عملا خاصّا، فيقال: القرد المعلّم، و الفرس المعلّم، و الشاة المعلّمة، و الهرّة المعلّمة، و غيرها.

نعم، المستفاد من القرائن الحاليّة- بل من العرف و العادة- أنّ من يطلب حيوانا معلّما على الإطلاق أو ترتّب عليه حكما نظره إلى تعليم بعض ما يتعلّق بما يطلب من ذلك الحيوان، إمّا مطلقا أو في موضع خاص، فإذا قال: ابتع لي فرسا معلّما، يطلب ما تعلّم أمرا

من الأمور المتعلّقة بالعدو و المشي و الركوب، و الوقوف عند سقوط راكبه، و أخذ شي ء سقط من يده على الأرض و إعطائه، و في القرد المعلّم ما يتعلّق باللعب، و في الكلب المعلّم في مقام الصيد ما يتعلّق بذلك، و في مقام الحفظ و الحراسة ما يتعلّق بهما زائدا على ما يعلمه بالطبع، و في مقام دفع العدوّ كذلك، و هكذا.

______________________________

(1) مجمع الفائدة 11: 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 289

فالظاهر من القرائن من الكلب المعلّم في مقام الصيد: ما له مدخليّة في الاصطياد، زائدا على ما يعلمه و تقتضيه خلقته و طبعه من الاسترسال و الانزجار و القتل و الإمساك، و أن لا يكون بحيث لا يطلب الصيد إلّا حال الجوع، و أن لا يجرحه و يتركه و يمضي منه، و نحو ذلك.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ غاية ما اعتبروه في معلّمية الكلب أمور ثلاثة:

أحدها: أن يسترسل و ينطلق بإرسال صاحبه، يعني: إذا أغرى بالصيد هاج و إن كان شبعانا.

و ثانيها: أن ينزجر و يقف عن الذهاب و الاسترسال إذا زجر عنه.

و ثالثها: أن يمسك الصيد و لا يأكله حتى يصل صاحبه.

و لا ريب في أنّ المعلّمية للكلب في مقام الاصطياد تتحقّق بتعليم هذه الثلاثة لغة و عرفا، و لا كلام في ذلك و الإجماع عليه منعقد.

و إنّما الكلام في أنّه هل يكفي بعضها كما هو كذلك بحسب اللغة و العرف، أو تعتبر الثلاثة؟

فنقول: لا شكّ في اعتبار الأمر الأول مطلقا، و لا في الثاني في الجملة، لانتفاء الخلاف في اعتبارهما، بل انعقاد الإجماع عليه، كما صرّح بهما بعض الأجلّة «1»، بل تحقّقا عند التحقيق و الدقّة، فهما الحجّة فيهما، مضافا إلى

عدم معلوميّة صدق المعلّم العرفي بدونهما لو لم ندّع معلوميّة العدم.

و هل اعتبار الثاني مطلق- كما هو المحكي عن الأكثر «2»- أي ينزجر

______________________________

(1) الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 72.

(2) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 218، و المحقق السبزواري في الكفاية: 245، و صاحب الرياض 2: 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 290

عن الذهاب مطلقا إذا زجر عنه و لو كان ذاهبا إلى الصيد مشاهدا له قريبا منه؟

أو يقيّد بما إذا لم يكن بعد إرساله إلى الصيد و رؤيته له، كما قيّده الشهيدان في الدروس و المسالك «1»، و الفاضل في التحرير «2»، و استحسنه بعض من تأخّر عنهم «3»، استنادا إلى أنّه لا يكاد يقف بعد ذلك كلب أصلا، فمع اشتراطه لا يتحقّق كلب معلّم إلّا نادرا، و قد أخبر بذلك جمع من الصائدين؟

و هو حسن، لما ذكر، و لصدق المعلّم عرفا بعد تحقّق الأمر الأول و الثاني في الجملة، و لا دليل على وجوب اعتبار الزائد.

و أمّا الأمر الثالث، فالمشهور اعتباره كما صرّح به جماعة «4»، بل عن الانتصار «5» و ظاهر المختلف و كنز العرفان «6» الإجماع عليه.

و ذهب الصدوقان «7» و العماني «8» و جمع آخر إلى عدم اعتبار ذلك الشرط، و اختاره من المتأخّرين المحقّق الأردبيلي «9» و صاحب الكفاية

______________________________

(1) الشهيد في الدروس 2: 393، الشهيد الثاني في المسالك 2: 218.

(2) التحرير 2: 154.

(3) كالفيض في المفاتيح 2: 210.

(4) منهم العلامة في المختلف: 675، و السيوري في التنقيح 4: 7، و المحقق السبزواري في الكفاية: 245، و كشف اللثام 2: 252.

(5) الانتصار: 183.

(6) المختلف: 675، كنز العرفان 2: 309.

(7) كما في المقنع و الهداية: 138، و قد حكاه عنهما

في المختلف: 689.

(8) حكاه عنه في المختلف: 689.

(9) مجمع الفائدة 11: 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 291

و المفاتيح «1» و شارحه و والدي المحقّق العلّامة قدّس سرّه في بعض حواشيه على المسالك، قال- طاب ثراه-:

إنّ أقرب المحامل و أمتنها هو حمل الأحاديث التي تدلّ على عدم الجواز على التقيّة، و الحمل الأول للشيخ لا تحمله صحيحة جميل بن درّاج كما أفاده الشارح، و كذا حمل ابن الجنيد لا يخلو عن شي ء، لأنّ ترك الاستفصال موضع الحاجة دليل العموم، و بالجملة: الحمل على التقيّة أقوى و أصحّ. انتهى.

و يحتمله كلام الشيخ في كتابي الأخبار أيضا «2» كما ذكره الأردبيلي «3».

حجّة الأولين: توقّف صدق المعلّمية على ذلك.

و قوله سبحانه مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ .

و صحيحة الحذّاء: عن الرجل يسرح كلبه المعلّم و يسمّي إذا سرحه، فقال: «يأكل ممّا أمسك عليه» «4».

دلّتا بالمفهوم على عدم الأكل ممّا لم يمسك عليه، و إذا اعتاد الأكل لا يكون ممسكا على صاحبه، كما ورد في الأخبار أيضا.

و المستفيضة من المعتبرة الدالّة على النهي عن أكل بقيّة ما أكله الكلب:

منها: صحيحة رفاعة: عن الكلب يقتل، فقال: «كل» فقلت: أكل منه، فقال: «إذا أكل منه فلم يمسك عليك، إنّما أمسك على نفسه» «5».

______________________________

(1) الكفاية: 245، المفاتيح 2: 211.

(2) التهذيب 9: 28، الاستبصار 4: 69.

(3) مجمع الفائدة 11: 35.

(4) الكافي 6: 203- 4، التهذيب 9: 26- 106، الوسائل 23: 340 أبواب الصيد ب 4 ح 1.

(5) التهذيب 9: 27- 111، الاستبصار 4: 69- 252، الوسائل 23: 338 أبواب الصيد ب 2 ح 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 292

و صحيحة أحمد: «الكلب و الفهد سواء، فإذا هو أخذه فأمسكه فمات و هو معه

فكل، فإنّه أمسك عليك، و إذا أمسكه و أكل منه فلا تأكل، فإنّما أمسك على نفسه» «1»، و نحوها صحيحة ابن المغيرة «2».

و موثّقة سماعة المضمرة، و فيها: «لا بأس أن تأكلوا ممّا أمسك الكلب ما لم يأكل الكلب منه، فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكل منه»، قال: و سألته عن صيد الفهد و هو معلّم للصيد، فقال: «إن أدركته حيّا فذكّه و كله و إن قتله فلا تأكل منه» «3».

و دليل الآخرين: أصالة عدم الاعتبار- كما يعلم وجهه ممّا ذكرنا في صدر المسألة- و الصحاح و غيرها من المستفيضة جدّا، بل المتواترة معنى، منها: صحيحة محمّد و غير واحد، و صحيحة جميل، و رواية عبد اللّه بن سليمان، المتقدّمة جميعا في المسألة الاولى «4»، و إن أمكن الخدش في دلالة الثانية بجعل قوله: و يأكل منه، عطفا على قوله: يدعه، دون: يقتله.

و صحيحة حكم بن حكيم المتقدّم صدرها هناك، و تمامها: قال:

قلت: فإنّهم يقولون: إنّه إذا قتله و أكل منه فإنّما أمسك على نفسه فلا تأكله، فقال: «كل، أو ليس قد جامعوكم على أنّ قتله ذكاته؟» قلت: بلى، قال: «فما يقولون في شاة ذبحها رجل أ ذكّاها؟» قال: قلت: نعم، قال:

«فإن السبع جاء بعد ما ذكّاها فأكل منها بعضها أتوكل منها البقيّة؟ فإذا

______________________________

(1) التهذيب 9: 28- 113، الوسائل 23: 338 أبواب الصيد ب 2 ح 18.

(2) التهذيب 9: 29- 116، الوسائل 23: 345 أبواب الصيد ب 6 ح 6.

(3) التهذيب 9: 27- 110، الاستبصار 4: 69- 251، الوسائل 23: 344 أبواب الصيد ب 6 ح 3.

(4) في ص: 283 و 284.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 293

أجابوك إلى هذا فقل

لهم: كيف تقولون: إذا ذكّى ذلك فأكل منها لم تأكلوا؟! و إذا ذكّاها هذا و أكل أكلتم؟!» «1».

و صحيحة الحلبي، و فيها: «أمّا ما قتلته الطير فلا تأكل إلّا أن تذكّيه، و أمّا ما قتله الكلب و قد ذكرت اسم اللّه عليه فكل و إن أكل منه» «2».

و صحيحة محمّد الحلبي: عن الكلب يصطاد فيأكل من صيده أ نأكل من بقيّته؟ قال: «نعم» «3».

و رواية سالم الأشلّ: عن الكلب يمسك على صيده و قد أكل منه، قال: «لا بأس بما أكل، و هو لك حلال» «4».

و اخرى: عن صيد كلب معلّم قد أكل من صيده، فقال: «كل منه» «5».

و رواية يونس بن يعقوب: عن رجل أرسل كلبه فأدركه و قد قتل، قال: «كل و إن أكل» «6».

و رواية أبي بصير: «إن أصبت كلبا معلّما أو فهدا بعد أن تسمّي فكل ممّا أمسك عليك، قتل أو لم يقتل، أكل أو لم يأكل، و إن أدركت صيده

______________________________

(1) الكافي 6: 203- 6، التهذيب 9: 23- 91، الاستبصار 4: 69- 253، الوسائل 23: 333 أبواب الصيد ب 2 ح 1.

(2) الكافي 6: 205- 15، التهذيب 9: 25- 99، الاستبصار 4: 68- 247، الوسائل 23: 336 أبواب الصيد ب 2 ح 9.

(3) التهذيب 9: 27- 109، الاستبصار 4: 69- 250، الوسائل 23: 337 أبواب الصيد ب 2 ح 15.

(4) الكافي 6: 203- 3، التهذيب 9: 27- 108، الاستبصار 4: 68- 249، الوسائل 23: 334 أبواب الصيد ب 2 ح 3.

(5) الكافي 6: 205- 12، التهذيب 9: 24- 96، الاستبصار 4: 67- 244، الوسائل 23: 335 أبواب الصيد ب 2 ح 6.

(6) الكافي 6: 204- 7، التهذيب 9: 23- 92، الاستبصار

4: 67- 242، الوسائل 23: 343 أبواب الصيد ب 2 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 294

و كان في يدك حيّا فذكّه، فإن عجّل عليك فمات قبل أن تذكّيه فكل» «1».

و رواية سعيد: «كل ممّا أمسك الكلب و إن أكل ثلثيه» «2».

و مرسلة الفقيه: «كل ما أكل الكلب و إن أكل ثلثيه، كل ما أكل الكلب و إن لم يبق منه إلّا بضعة واحدة» «3».

و موثّقة البصري: عن رجل أرسل كلبه فأخذ صيدا فأكل منه، آكل من فضله؟ قال: «كل ما قتل الكلب إذا سمّيت عليه، فإن كنت ناسيا فكل منه أيضا، و كل فضله» «4».

و حسنة زرارة: في صيد الكلب أرسله الرجل و سمّى «فليأكل كلّ ما أمسك عليه و إن قتل، و إن أكل فكل ما بقي» الحديث «5».

و المرويّ في قرب الإسناد: «إذا أخذ الكلب المعلّم الصيد فكله، أكل منه أو لم يأكل، قتل أو لم يقتل» «6».

و الرضوي: «و إن أدركته و قد قتله كلبك فكل منه و إن أكل بعضه، لقوله تعالى فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ «7».

و أجاب الأولون عن تلك الأخبار بالحمل على صورة الندرة، فإنّ

______________________________

(1) التهذيب 9: 28- 112، الوسائل 23: 341 أبواب الصيد ب 4 ح 3.

(2) الكافي 6: 204- 10، التهذيب 9: 24- 95، الاستبصار 4: 67- 243، الوسائل 23: 334 أبواب الصيد ب 2 ح 5.

(3) الفقيه 3: 202- 912، الوسائل 23: 336 أبواب الصيد ب 2 ح 10.

(4) الكافي 6: 205- 13، التهذيب 9: 24- 97، الاستبصار 4: 68- 245، الوسائل 23: 335 أبواب الصيد ب 2 ح 8.

(5) الكافي 6: 205- 14، الفقيه 3: 201- 911، التهذيب 9: 24- 98، الاستبصار

4: 68- 246، الوسائل 23: 335 أبواب الصيد ب 2 ح 7.

(6) قرب الإسناد: 106- 361، الوسائل 23: 336 أبواب الصيد ب 2 ح 12.

(7) فقه الرضا عليه السّلام: 296، مستدرك الوسائل 16: 104 أبواب الصيد ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 295

المراد بعدم الأكل: الاعتياد به، و لازمه ترك الأكل غالبا، و لا ينافيه الأكل النادر، جمعا بينها و بين أخبار المنع، مع أنّه لولاه أيضا لترجّحت أخبار المنع أيضا، لموافقتها ظاهر الكتاب من وجهين: من جهة التعليم و من جهة الإمساك، و معاضدتها بالإجماعات المنقولة و الشهرة العظيمة، التي هي من أعظم المرجّحات الاجتهاديّة، بل المنصوصة.

أقول: أمّا الحمل المذكور فحمل بلا شاهد، و مثله عندنا فاسد.

و أمّا ترجيح أخبار المنع بما رجّحوها به فغير صحيح.

أمّا الوجه الأول من وجهي موافقة الكتاب، فلأنّه موقوف على توقّف صدق المعلّمية على ذلك، و هو ممنوع جدّا، و قد ظهر سنده ممّا ذكرنا في صدر المسألة.

و أمّا الوجه الثاني، فلأنّه مبنيّ على أن يكون معنى قوله سبحانه:

مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ من الصيد الذي أمسكن تمامه عليكم، و هذا تخصيص لا دليل عليه من عرف أو لغة أصلا. بل المعنى: فكلوا ممّا أمسكن عليكم و حفظه لكم، سواء كان تمام الصيد أو بعضه، فإنّ ما أبقاه الكلب و لم يأكله يصدق عليه أنّه ما أمسك عليه، سواء كان كلّا أو بعضا.

و تدلّ على ذلك من الأحاديث صريحا روايات الأشلّ و سعيد و زرارة و الرضويّ، حيث اثبت فيها الإمساك مع تحقّق أكل البعض، و ظهر من ذلك أنّ موافقة إطلاق الكتاب إنّما هي لأخبار الحلّية.

و أمّا الإجماع المنقول فلا يصلح لترجيح بعض الأخبار على بعض،

كيف؟! و من يقول بحجّيته ينزّله منزلة خبر صحيح، و ضمّ خبر واحد لا يصير مرجّحا لما ضمّ معه أصلا.

و أمّا الشهرة، فالشهرة التي تصلح للترجيح هي الشهرة في الرواية

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 296

دون الفتوى، و شهرة الرواية إنّما هي مع الأخبار الأخيرة قطعا.

و قد ظهر من ذلك ترجيح روايات الجواز باعتبار الكثرة و الشهرة بين الرواة، التي هي من المرجّحات المنصوصة، فإنّها تكاد تبلغ حدّ التواتر.

بل تترجّح عليها بموافقة إطلاقات الكتاب من وجوه:

أحدها: كون الكلب الجامع للأمرين الأولين من أفراد ما علّم ممّا علّمنا اللّه.

و ثانيها: من جهة كون الباقي من الأكل من أفراد ما أمسك عليه.

و ثالثها: من جهة عمومات الحلّ.

و تترجّح أيضا بموافقة الأصل و عمومات السنّة بحلّية كلّ شي ء، و بمخالفة العامّة قطعا، التي هي أيضا من المرجّحات العظيمة، كما صرّح به في صحيحة حكم.

و أمّا ما قيل من أنّ في بعضها المنع من أكل صيد الفهد- كما في موثقة سماعة- و هو ينافي الحمل على التقيّة، لتحليل العامّة لصيد الفهد «1».

فضعيف غايته، أمّا أولا: فلأنّه إنّما يصحّ إذا كانت الفقرتان حديثا واحدا، و هو غير معلوم، بل خلافه ظاهر، حيث فصّل بين الجزئين بقوله:

و سألته.

و أمّا ثانيا: فلأنّ الترجيح بمخالفة العامّة لم يعلم أنّه لأجل الحمل على التقيّة.

هذا، مع ما في أخبار المنع من ضعف الدلالة، أمّا صحيحة رفاعة «2» فلعدم اشتمالها على المنع من الأكل، و إنّما غايتها أنّه إذا أكل لم يمسك،

______________________________

(1) رياض المسائل 2: 263.

(2) المتقدّمة في ص: 291.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 297

و أمّا أنّه حرام فلا، فيمكن أن يكون المراد أنّه ليس ممّا صرّح بحلّيته الكتاب و إن لم يكن

فيه منع أيضا، و تقييد الكتاب ليس صريحا في المنع كما يأتي. و يمكن أن يكون المراد أنّه حينئذ يكون ممّا يمنع عنه العامّة، حيث يقولون: إنّه ليس ممّا أمسك عليه، كما صرّح به في صحيحة حكم «1».

و أمّا البواقي «2»، فلعدم اشتمالها على النهي الصريح، بل يتضمّن الكلّ ما يحتمل الجملة الخبريّة.

و قد ظهر ممّا ذكرنا ضعف الاحتجاج للمنع بالأخبار جدّا.

و قد ظهر ممّا مرّ في مطاوي ما سبق ضعف الدليلين الأولين، من توقّف صدق المعلّمية على عدم الأكل، و من الآية و الخبر المشتملين على الإمساك.

مضافا إلى ما في الأخيرين من أنّ دلالتهما على عدم أكل ما لم يمسك- لو سلّم بالتقريب الذي توهّموه- إنّما يكون بمفهوم الوصف، هو ليس حجّة عند أهل التحقيق.

هذا كلّه، مع أنّه لو سلّمنا دلالة الآية و تماميّة الأخبار حجّية لعدم جواز الأكل من صيد أكله الكلب فلا دلالة لها على كون عدم الأكل معتبرا في المعلّمية أصلا، فيمكن أن يكون هذا شرطا آخر، كالتسمية و عدم كون الكلب من الكافر و مغصوبا على رأي.

و تظهر الفائدة في الاعتياد و عدمه، فعلى اعتباره في المعلّمية يعتبر اعتياده بذلك، و على عدمه لا يعتبر، فيحلّ صيد ما لم يأكل في بعض

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 292.

(2) راجع ص: 291 و 292.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 298

الأوقات حين لم يأكل و إن أكل في سائر الأوقات مساويا أو غالبا.

فالحقّ الحقيق بالاعتبار: عدم اعتبار ذلك في المعلّمية و لا في الحلّية مطلقا، و المسألة واضحة بحمد اللّه سبحانه.

كما يتّضح بطلان قول الإسكافي- بالفرق بين أكل الكلب من الصيد قبل موته و بعده، و جعل الأول قادحا في التعليم دون الثاني

«1»- لعدم الدليل عليه رأسا، إلّا الجمع بين الأخبار، و هو جمع مردود، لأنّ الشاهد عليه بالمرّة مفقود.

نعم، هنا أمر آخر لا يبعد اعتباره- بل الظاهر اعتباره- في المعلّمية، و هو أن لا يكون معتادا بأكل تمام الصيد، فيأكل تمامه دائما أو غالبا، فإنّه إن كان كذلك لا يكون معلّما للصيد قطعا و إن كان معلّما في الجملة.

و لعلّهم لم يذكروه لندرة مثل ذلك الفرد، بل عدم تحقّقه، لأنّه يستدعي زمانا طويلا حتى يأكله الكلب بتمامه و يشتهيه و لم يصل إليه الصاحب، أو لشمول اعتياد «2» عدم الأكل مطلقا لذلك أيضا.

فروع:
أ: لا بدّ من تكرّر الأمرين الأولين- بل الثالث على القول باعتباره في المعلّمية

- مرّة بعد اخرى، حتى يغلب على الظنّ تأدّب الكلب بها، و يصدق عليه في العرف كونه معلّما.

و الأولى أن لا تقدّر المرّات بعدد- كما فعله جماعة «3»- بل يرجع إلى

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 675.

(2) في «س»: اعتبار ..

(3) منهم العلامة في القواعد 2: 150، و الشهيد في المسالك 2: 218، و الفيض في المفاتيح 2: 211، و صاحب الرياض 2: 263.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 299

العرف و أهل الخبرة، فإنّه يمكن إتيانه بهذه الأمور- بالتعدّد الذي ذكروه- في أزمنة قليلة متقاربة و لم يفعلها بعده لعدم التعلّم. إلّا أن يقال: إنّه يكون في زمان الإتيان بها معلّما، و لو لم يأت بها بعده يخرج عن التعليم، و ذلك أوفق بما مرّ في المسألة الثانية من روايتي زرارة و السكوني «1» المتضمّنتين للتعليم ساعة الإرسال، فيتعلّمه حينئذ بالتكرار مرّات و إن لم يجعل له ملكة راسخة، فإنّ التعليم أمر و الصيرورة ملكة أمر آخر.

ب: لو كان الكلب بحيث يأتي بالأمرين أو الثلاث بمقتضى طبعه و خلقته، فهل يكفي ذلك في كونه معلّما، أم لا

، بل يشترط أن يكون ممّا علّمه الإنسان؟

ظاهر الآية و مقتضى لفظ المعلّم: الثاني.

ج: لو صدق كونه معلّما و لكن تعلّم غير الأمرين أو الثلاثة

- كبعض الكلاب الروسيّة الذي يأخذ الشمعة باليد، و يقوم في المجلس إلى الصبح، أو يدخل الماء و يخرج منه ما وقع فيه- فهل يحلّ صيده لو لم يعلم الأمرين المذكورين؟

الظاهر: لا، للإجماع على اعتبار الأمرين كما مرّ، و لدلالة القرينة الحاليّة على إرادة المعلّمية للصيد.

د: الظاهر اعتبار بقاء المعلّمية،

فلو صار معلّما في زمان و نسي ما علّم و خرج عن التعليم لم يحلّ صيده.

المسألة الرابعة: المشهور بين الأصحاب عدم تحقّق الصيد بالمعنى الثاني

- أي التذكية- بغير الكلب من جوارح البهائم و السباع، كالفهد و النمر

______________________________

(1) في ص: 285 و 286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 300

و غيرهما، و لا من جوارح الطير، كالصقر و الباز و العقاب و نحوها، معلّما كان أو غير معلّم. بل يتوقّف الحلّ في الجميع- غير الكلب في الاصطياد- بإدراك التذكية، و حكاية الشهرة عليه متكثّرة «1»، بل عن الخلاف و الانتصار و الغنية و السرائر «2» الإجماع عليه.

و استدلّ له بظاهر الآية الشريفة «3»، فإنّ المكلّب- بالكسر- هو معلّم الكلب لأجل الصيد، فالمعنى: أحلّ لكم الصيد حال كونكم معلّمين للكلب، فيكون الجارح- الذي هو آلة الصيد- مخصّصا بالكلب، فلا يحصل بغيره، و إلّا لكان تقييده سبحانه بذلك خاليا عن الفائدة.

و تدلّ صحيحة الحلبي المتقدّمة في المسألة الأولى أيضا على اختصاص الجوارح في الآية بالكلب «4».

و كذا موثّقة سماعة المتقدّمة في المقدّمة، حيث قال فيها: «و ليس هذا في القرآن» «5».

و كذا رواية زرارة، و فيها: «و ما خلا الكلب ممّا يصيد الفهد و الصقر و أشباه ذلك فلا تأكل من صيده إلّا ما أدركت ذكاته، لأنّ اللّه تعالى يقول:

مُكَلِّبِينَ فما كان خلاف الكلب فليس صيده ممّا يؤكل إلّا أن تدرك ذكاته» «6».

______________________________

(1) راجع المسالك 2: 217، مجمع الفائدة 11: 6، و الكفاية: 245.

(2) الخلاف 2: 515، الانتصار: 183، الغنية (الجوامع الفقهية): 617، السرائر 3: 82.

(3) المائدة: 4.

(4) راجع ص: 283.

(5) راجع ص: 274.

(6) تفسير العياشي 1: 295- 29، البرهان 1: 448- 11، الوسائل 23: 355 أبواب الصيد ب 9 ح 21.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 15، ص: 301

و يستدلّ عليه بالمستفيضة «1» أيضا- سوى ما مرّ من الروايات- كصحيحة الحذّاء و خبر المرادي و موثّقة سماعة، المتقدّمة جميعا في المقدّمة «2»، المانعة عن أكل صيد الصقور و البزاة و العقاب و الطير الذي يصيد.

و رواية عبد اللّه بن سليمان المتقدّمة في المسألة الأولى «3»، المانعة عن أكل صيد الصقر.

و صحيحة الحضرمي المتقدّمة في الثانية «4»، المانعة عن أكل صيد البزاة و الصقور و الفهد، بل المخصّصة ما يحلّ أكل صيده بالكلب المكلّب.

و موثّقة سماعة في الفهد و صحيحة الحلبي في الطير، المتقدّمتين في الثالثة «5».

و صحيحة الحذّاء، و فيها: قلت: فالفهد، قال: «إذا أدركت ذكاته فكل» قلت: أ ليس الفهد بمنزلة الكلب؟ فقال: «ليس شي ء مكلّب إلّا الكلب» «6».

و صحيحة أخرى للحلبي: «كان أبي يفتي و كان يتّقي، و كنّا نفتي نحن و نخاف في صيد البزاة و الصقور، و أمّا الآن فإنّا لا نخاف، لا يحلّ صيدها

______________________________

(1) ليست في «س».

(2) في ص: 274 و 275.

(3) في ص: 284.

(4) في ص: 285.

(5) في ص: 292 و 293.

(6) الكافي 6: 203- 4، التهذيب 9: 26- 106، الوسائل 23: 343 أبواب الصيد ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 302

إلّا أن تدرك ذكاته» «1».

و موثّقة البقباق: «لا تأكل ما قتلت سباع الطير» «2».

و رواية أبان: «كان أبي يفتي في زمن بني أميّة: أنّ ما قتل البازي و الصقر فهو حلال و كان يتّقيهم، و أنا لا أتّقيهم، و هو حرام ما قتل الصقر» «3».

و المرويّ في تفسير القمّي: عن صيد البزاة و الصقور و الفهود و الكلاب، قال: «لا تأكلوا إلّا ما ذكّيتم إلّا الكلاب» قلت: فإن قتله؟ قال:

«كل»

«4».

و المرويّ في تفسير العيّاشي: «ما خلا الكلاب ما يصيد الفهود و الصقور و أشباه ذلك فلا تأكلنّ من صيده إلّا ما أدركت ذكاته» الحديث «5»، إلى غير ذلك من الأخبار.

خلافا لمحتمل التهذيبين في الفهد المعلّم، فيحلّ مقتوله «6».

و اختاره والدي المحقّق العلّامة قدّس سرّه في حواشيه على المسالك، قال:

لا يخفى أنّ الأحاديث التي وردت في حلّية ما قتلته الصقور و البزاة محمولة على التقيّة، كما تدلّ عليه رواية أبان بن تغلب و صحيحة الحلبي. و ليس الكلام في هذا، إنّما الكلام في الأحاديث التي وردت في خصوص الفهد،

______________________________

(1) الكافي 6: 207- 1، التهذيب 9: 32- 130، الاستبصار 4: 72- 266، الوسائل 23: 349 أبواب الصيد ب 9 ح 3، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 6: 208- 11، الوسائل 23: 352 أبواب الصيد ب 9 ح 13.

(3) الكافي 6: 208- 8، التهذيب 9: 32- 129، الاستبصار 4: 72- 265، الوسائل 23: 352 أبواب الصيد ب 9 ح 12.

(4) تفسير القمي 1: 162.

(5) تفسير العيّاشي 1: 295- 29، الوسائل 23: 355 أبواب الصيد ب 9 ح 21.

(6) التهذيب 9: 28، الاستبصار 4: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 303

كصحيحة ابن أبي نصر «1» و رواية أبي بصير «2»، فإنّهما صريحتان في أنّ الفهد كالكلب، فإن لم يعمل بهما يلزم الطرح و هو غير جيّد، فالصحيح أن يقال: إنّ الفهد كالكلب، و الأحاديث الدالّة على خصوص الكلب لا تدلّ على عدم حلّية ما قتله الفهد، بل تدلّ على أنّ ما قتله الكلب حلال، و هذا لا ينافي حلّية ما قتله الفهد، و إذا سمّي الفهد في اللغة كلبا فلا إشكال في الآية أيضا، و ثبوت الإجماع مع مخالفة

الشيخ و ابن أبي عقيل محلّ كلام.

انتهى كلامه طاب ثراه.

و للعماني فيما يشبه الكلب، قال: يحلّ ما هو مقتول مثل الكلب قدرا و جثّة، كالفهد و النمر و غيرهما «3».

و لبعض المتأخّرين في كلّ جوارح السباع من ذوات الأربع، فأحلّ صيده مع التعليم.

دليل الشيخ و من يتبعه: كون الفهد كلبا لغة، فتشمله الآية و الأخبار، و صحيحة أحمد المتقدّمة في حجّة الأولين من المسألة الثالثة «4»، و رواية أبي بصير المتقدّمة في حجّة الآخرين منها «5».

و صحيحة زكريّا بن آدم: عن الفهد و الكلب يرسلان فيقتل، فقال:

«هما ممّا قال اللّه عزّ شأنه مُكَلِّبِينَ فلا بأس بأكله» «6».

و صحيحة البزنطي: عمّا قتل الكلب و الفهد، قال: فقال أبو جعفر عليه السّلام:

______________________________

(1) التهذيب 9: 28- 113، الوسائل 23: 338 أبواب الصيد ب 2 ح 18.

(2) التهذيب 9: 28- 112، الوسائل 23: 341 أبواب الصيد ب 4 ح 3.

(3) نقله عنه في المسالك 2: 217.

(4) في ص: 292.

(5) في ص: 293.

(6) التهذيب 9: 29- 114، الوسائل 23: 344 أبواب الصيد ب 6 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 304

«الكلب و الفهد سواء قدرا» «1».

و لعلّ هذه الأخيرة حجّة العماني، حيث علّل إباحة مقتول الفهد بمساواته للكلب قدرا.

و حجّة الثالث: أنّ الكلب في اللغة يطلق على كلّ سبع، قال في القاموس: الكلب: كلّ سبع عقور «2». و منه الحديث: إنّه صلّى اللّه عليه و آله دعا على رجل و قال: «اللهم سلّط عليه كلبا من كلابك» فقتله الأسد «3».

أقول: إنّ ما ذكروه من صدق الكلب على الفهد- أو كلّ سبع- فهو مردود، لمنع كون الفهد أو كلّ سبع كلبا لغة، كيف؟! و قال الجوهري:

الكلب معروف، و هو

النابح «4».

و أمّا قول صاحب القاموس فمع أنّه لا يفيد- لمعارضته مع كلام الجوهري، و هو أرجح عند التعارض- معقّب بقوله بعد ذلك: و غلب على هذا: النابح، و ظاهره أنّه منقول لغوي.

و لو سلّم قوله من كونه حقيقة لغة نقول: إنّه معارض بالحقيقة العرفيّة في زمان الشارع قطعا، لكون الكلب فيه حقيقة في النابح خاصّة، لوجود أماراتها فيه، و أمارات المجاز في غيره جدّا، و هو مقدّم على اللغويّة «5».

هذا: مضافا إلى تصريح صحيحة الحذّاء السابقة بأنّ الفهد ليس كلبا، و لا مكلّب إلّا الكلب.

______________________________

(1) التهذيب 9: 29- 115، الوسائل 23: 345 أبواب الصيد ب 6 ح 5.

(2) القاموس المحيط 1: 130.

(3) الخرائج و الجرائح 1: 56- 93، مناقب آل أبي طالب 1: 80، البحار 18:

57- 14.

(4) الصحاح 1: 213.

(5) في النسخ: العرفية. و الظاهر ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 305

و تدلّ عليه صحيحة الحضرمي و روايتا القمّي و العيّاشي المتقدّمة أيضا «1».

و منه يظهر فساد ما ادّعوه من شمول الآية و الأخبار الكلّية للفهد أو كلّ سبع، و لكنّ الإنصاف أنّها بنفسها لا تصير حجّة للأولين أيضا، لأنّ تخصيص الكلب بالذكر لا يدلّ على تخصيصه بالحكم إلّا بمفهوم ضعيف، فبقي الكلام في أخبار الطرفين.

و الحقّ أنّ في كلّ منهما ضعفا من جهة:

أمّا أخبار الحرمة، فمن جهة الدلالة، لأنّها بين ما يحتمل الجملة الخبريّة، و هو عن إفادة الحرمة قاصر، و مفهوم غايته نفي الإباحة بالمعنى الأخصّ، فيحتمل الكراهة، سوى رواية القمّي المشتملة على النهي، و لكنّه على سبيل العموم المتحمّل للتخصيص.

و أمّا أخبار الجواز، فلمخالفتها للشهرتين العظيمتين- لو لم ندّع الإجماع- الموجبة لشذوذها و عدم حجّيتها بالمرّة.

فاللازم على أصولنا و

قواعدنا رفع اليد عنهما و الرجوع إلى مقتضى الأصول الكلّية، و قد عرفت في المقدّمة أنّه مع التذكية و الحلّية بعد تحقّق ذكر اسم اللّه عليه، إلّا أنّ عموم رواية القمّي- المنجبر ضعفها بالإجماعات المنقولة و الشهرة العظيمة، الخالي عمّا يصلح للتخصيص، إذ ليس إلّا أخبار الجواز الخارجة عن حيّز الحجّية بمخالفة الشهرة و الشذوذ- [يمنع عن الرجوع إليه ] «2».

هذا في جوارح السباع ذوات الأربع.

______________________________

(1) في ص: 285 و 302.

(2) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 306

و أمّا جوارح الطير، فالحرمة في صيودها المقتولة واضحة، لإجماعيّتها، و انتفاء المخالف فيها بالمرّة، و صراحة بعض أخبارها في الحرمة و نفي الحلّية، كصحيحة الحلبي و رواية أبان «1»، و هما لمعارضة أخبار الجواز كافيتان، فتترجّحان عليها، لمخالفتها العامّة «2»، و ورود أخبار الجواز مورد التقيّة، كما هو في بعض أخبار الباب مصرّح به.

المسألة الخامسة: يجزي تعليم الكلب من أيّ معلّم كان

على الأظهر الأشهر- بل عن الخلاف الإجماع عليه «3»- للأصل و الإطلاق.

و منه يظهر عدم اشتراط الإسلام فيه أيضا، لما مرّ، مضافا إلى صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة في المسألة الثانية «4»، و رواية السكوني:

«و كلاب أهل الذمّة و بزاتهم حلال للمسلمين بأن يأكلوا من صيدها» «5».

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي «6» و المبسوط «7» و مال إليه في التهذيبين «8»- كما قيل «9»- فمنعا عن أكل صيد كلب علّمه المجوسي.

استنادا إلى ظاهر قوله سبحانه تُعَلِّمُونَهُنَ «10» فإنّ الخطاب إنّما

______________________________

(1) المتقدمتين في ص: 301 و 302.

(2) كما في بداية المجتهد 1: 456، المغني و الشرح الكبير 11: 11.

(3) الخلاف 2: 520.

(4) في ص: 285.

(5) الكافي 6: 209- 3، التهذيب 9: 30- 120، الاستبصار 4: 71- 256، الوسائل 23: 361

أبواب الصيد ب 15 ح 3.

(6) حكاه عنه في المختلف: 676.

(7) المبسوط 6: 262.

(8) التهذيب 9: 30، الاستبصار 4: 70.

(9) في المسالك 2: 220.

(10) المائدة: 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 307

هو للمسلمين.

و روايتي ابن سيابة و السكوني المتقدّمتين في المسألة المذكورة «1»، و بهما يقيّد إطلاق الصحيحة.

و يضعّف الأول بعدم دلالته على اشتراط الإسلام في المعلّم، غايته اختصاص الخطاب بالمسلم، و هو لا ينافي الثبوت في غيره بإطلاق آخر، سيّما مع وروده مورد الغالب، مع أنّه لو سلّم يقتضي حرمة مقتول ما علّمه الكافر مطلقا، و هو خلاف الإجماع، و التخصيص بالمجوسيّ إخراج للأكثر، و هو غير مجوّز.

و الثاني بالضعف، لمخالفة شهرة القدماء، و عدم صراحة الدلالة، لاحتمال الخبريّة، فلا يثبت منه إلّا الكراهة، و هي مسلّمة كما صرّح به جمع من الطائفة «2»، مع أنّ الثانية ظاهرة في غير المعلّم من المجوسي، لقوله: «فيعلّمه»، لامتناع تحصيل الحاصل و تعليم المعلوم.

______________________________

(1) في ص: 286.

(2) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4: 5، و الكاشاني في المفاتيح 2: 211.

و صاحب الرياض 2: 269.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 308

البحث الثاني في الآلة الجماديّة
اشاره

و هي إمّا مشتملة على نصل- أي زجّ من حديد- أو لا، و على الثاني إمّا محدّدة أو لا، فهذه أقسام ثلاثة نذكرها و ما يتعلّق بها في مسائل:

المسألة الأولى: السيف و الرمح و السهم مطلقا- صغيرا كان أم كبيرا، طويلا أم قصيرا- تحصل التذكية به

بشرائطها، و يحلّ مقتوله كيف ما قتل، و كذلك كلّ آلة مشتملة على نصل- أي حديد محدّد، كالخنجر و السكّين و الألماس و حديدة العصا و غير ذلك- بلا خلاف يعرف في المسألة، إلّا ما حكاه بعضهم «1» عن الديلمي من جعله حكم مقتول ما ذكر حكم مقتول الفهد و الصقر في الاحتياج إلى التذكية.

و لكن ناقش بعض مشايخنا- طاب ثراه- في النسبة و قال: إنّ عبارته المحكيّة كالصريحة في الموافقة للأصحاب من الإباحة بدون التذكية لكن مع الكراهة، و لذا أنّ جملة من الأصحاب نفوا الخلاف في المسألة، بل ادّعي الإجماع عليه «2». انتهى.

و في الكفاية: الظاهر أنّه لا خلاف فيه «3». و في شرح الإرشاد للأردبيلي: كأنّه إجماعي «4». و هو كذلك، بل الظاهر كونه إجماعيّا كما هو

______________________________

(1) كالعلامة في المختلف: 675، و الفاضل المقداد في التنقيح 4: 4.

(2) صاحب الرياض 2: 261.

(3) الكفاية: 245.

(4) مجمع الفائدة 11: 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 309

ظاهر المسالك «1»، حيث نسبه إلى أصحابنا، لعدم قدح مخالفة من ذكر لو كان مخالفا فيه، فهو الحجّة في المسألة.

مضافا في خصوص الثلاثة المذكورة أولا إلى المستفيضة:

كصحيحة محمّد بن عليّ الحلبي: عن الصيد يضربه الرجل بالسيف، أو يطعنه برمح، أو يرميه بسهم، فيقتله، و قد سمّى حين فعل ذلك، فقال:

«كل لا بأس به» «2».

و موثّقة محمّد: «كل من الصيد ما قتل السيف و السهم و الرمح» «3».

و صحيحة الحلبي: عن الصيد يصيبه السهم معترضا و لم يصبه بحديدة، و

قد سمّى حين يرمي، قال: «يأكله إذا أصابه و هو يراه» «4».

و الأخرى: عن الصيد يرميه الرجل بسهم فيصيبه معترضا فيقتله، و قد كان سمّى حين رمى و لم تصبه الحديدة، فقال: «إن كان السهم الذي أصابه هو الذي قتله فإن أراده فليأكل» «5».

و موثّقة سماعة: عن رجل رمى حمارا أو ظبيا فأصابه، ثمَّ كان في طلبه، فأصابه في الغد و سهمه فيه، فقال: «إن علم أنّه أصابه و إنّ سهمه هو

______________________________

(1) المسالك 2: 218.

(2) الكافي 6: 210- 6، الفقيه 3: 203- 920، التهذيب 9: 33- 133، الوسائل 23: 362 أبواب الصيد ب 16 ح 3.

(3) الكافي 6: 209- 1، التهذيب 9: 34- 137، الوسائل 23: 362 أبواب الصيد ب 16 ح 2.

(4) الكافي 6: 213- 5، التهذيب 9: 36- 146، الوسائل 23: 371 أبواب الصيد ب 22 ح 3، مع اختلاف يسير.

(5) الكافي 6: 212- 4، الفقيه 3: 203- 921، التهذيب 9: 33- 132، الوسائل 23: 371 أبواب الصيد ب 22 ح 2، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 310

الذي قتله فليأكل منه، و إلّا فلا يأكل منه» «1».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 15    310     المسألة الأولى: السيف و الرمح و السهم مطلقا - صغيرا كان أم كبيرا، طويلا أم قصيرا - تحصل التذكية به ..... ص : 308

الأخرى: عن الرجل يرمي الصيد و هو على الجبل فيخرقه السهم حتى يخرج من الجانب الآخر، قال: «كله» «2»، و قريبة منها روايته «3».

و مرسلة النضر بن سويد المرفوعة: في الظبي و حمار الوحش يعترضان بالسيف فيقدّان، فقال: «لا بأس بأكلهما ما لم يتحرّك أحد النصفين، فإن تحرّك أحدهما فلا يؤكل الآخر

لأنّه ميتة» «4».

و رواية غياث بن إبراهيم: في الرجل يضرب الصيد فيقدّه نصفين، قال: «فليأكلهما جميعا، فإن ضربه و بان منه عضو لم يؤكل منه ما أبانه و أكل سائره» «5».

و رواية زرارة: «إذا رميت فوجدته و ليس به أثر غير السهم و قد ترى أنّه لم يقتله غير سهمك فكل، غاب عنك أو لم يغب» «6».

و مرسلة الفقيه، و فيها: «فإن رميته و أصابه سهمك و وقع في الماء فكله إذا كان رأسه خارجا من الماء» «7».

______________________________

(1) الكافي 6: 210- 4، التهذيب 9: 34- 136، الوسائل 23: 366 أبواب الصيد ب 18 ح 3.

(2) الكافي 6: 211- 11، التهذيب 9: 34- 140، الوسائل 23: 369 أبواب الصيد ب 20 ح 1.

(3) الكافي 6: 215- 2، التهذيب 9: 38- 158، الوسائل 23: 369 أبواب الصيد ب 20 ح 2.

(4) الكافي 6: 255- 6، التهذيب 9: 77- 326، الوسائل 23: 387 أبواب الصيد ب 35 ح 3.

(5) الكافي 6: 255- 7، الوسائل 23: 386 أبواب الصيد ب 35 ح 1.

(6) الكافي 6: 211- 10، التهذيب 9: 34- 139، مستطرفات السرائر: 18- 5، الوسائل 23: 367 أبواب الصيد ب 18 ح 5.

(7) الفقيه 3: 205- 934، الوسائل 23: 379 أبواب الصيد ب 26 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 311

و رواية عيسى بن عبد اللّه: أرمي بسهمي فلا أدري سمّيت أم لم أسمّ، فقال: «كل لا بأس» قال: قلت: أرمي فيغيب عنّي فأجد سهمي فيه، فقال:

«كل ما لم يؤكل منه، و إن كان قد أكل منه فلا تأكل منه» «1»، إلى غير ذلك ممّا يأتي في طيّ المسائل.

و في الثلاثة و غيرها ممّا ذكر: إلى

عموم صحيحتي سليمان و حريز المتقدّمتين في المقدّمة «2».

و صحيحة محمّد بن قيس: «من جرح صيدا بسلاح و ذكر اسم اللّه عليه، ثمَّ بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع، و قد علم أنّ سلاحه هو الذي قتله، فليأكل منه إن شاء» «3».

و مرسلة الفقيه، و هي أيضا قريبة من سابقتها «4».

و موثّقة محمّد الحلبي: عن الرجل يرمي الصيد فيصرعه فيبتدره القوم فيقطّعونه، فقال: «كله» «5».

و مرسلته الأخرى: «إذا كان ذلك سلاحه الذي يرمي به فلا بأس» «6».

و في ثالثة: «إن كانت تلك مرماته فلا بأس» «7».

______________________________

(1) الكافي 6: 210- 5، الفقيه 3: 203- 919، التهذيب 9: 33- 134، الوسائل 23: 377 أبواب الصيد ب 25 ح 1.

(2) في ص: 277.

(3) الكافي 6: 210- 2، التهذيب 9: 34- 138، الوسائل 23: 362 أبواب الصيد ب 16 ح 1.

(4) الفقيه 3: 204- 930، الوسائل 23: 362 أبواب الصيد ب 16 ح 1.

(5) الكافي 6: 211- 9، الفقيه 3: 204- 931، الوسائل 23: 364 أبواب الصيد ب 17 ح 3.

(6) الفقيه 3: 203- 924، الوسائل 23: 372 أبواب الصيد ب 22 ح 7.

(7) الفقيه 3: 203- 925، الوسائل 23: 372 أبواب الصيد ب 22 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 312

و رواية عبّاد بن صهيب الصحيحة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه: عن رجل سمّى و رمى صيدا فأخطأ و أصاب آخر، فقال: «يأكل منه» «1».

ثمَّ إنّ مقتضى إطلاقات أكثر تلك الأخبار حلّ المقتول بالآلة المذكورة مطلقا، سواء جرحته و خرقته أم لا، بل قتلته معترضة، أي أصابته عرضا، و ظاهر المسالك و الكفاية «2» كونه إجماعيّا، و تدلّ عليه نصّا صحيحتا

الحلبي المتقدّمتان.

المسألة الثانية: كلّ آلة محدّدة غير مشتملة على حديد يحلّ مقتولها

إن قتلت بخرقها للصيد و دخولها فيه و لو قدرا يسيرا فمات به، و لو قتلت معترضة من دون خرق لم يحلّ، فالفرق بينها و بين الآلة المشتملة على الحديد المحدّد: أنّه إنّ ما فيه الحديد يحلّ مقتوله مطلقا خرقا كان أم عرضا، و ذلك يحلّ مقتوله الخرقي دون العرضي.

و أسند الحكمان في الآلة الغير الحديديّة إلى الأصحاب جميعا «3».

و استدلّ لهما بصحيحة الحذّاء: «إذا رميت بالمعراض فخرق فكل، و إن لم يخرق و اعترض فلا تأكل» «4».

و مرسلة الفقيه: أنّه «إن خرق أكل، و إن لم يخرق لم يؤكل» «5».

و في النبويّ في المعراض: «إن قتل بحدّه فكله، و إن قتل بثقله

______________________________

(1) الكافي 6: 215- 1، التهذيب 9: 38- 160، الوسائل 23: 380 أبواب الصيد ب 27 ح 1.

(2) المسالك 2: 218، الكفاية: 245.

(3) كما في الرياض 2: 261.

(4) الكافي 6: 212- 3، التهذيب 9: 35- 143، الوسائل 23: 370 أبواب الصيد ب 22 ح 1.

(5) الفقيه 3: 204- 926، الوسائل 23: 372 أبواب الصيد ب 22 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 313

فلا تأكل» «1».

و المعراض كمحراب: سهم بلا ريش و نصل، دقيق الطرفين، غليظ الوسط، يصيب بعرضه دون حدّه.

أقول: أمّا الحكم الأول: فلا ريب فيه في المعراض إذا لم يكن غيره و كان ذلك مرماته، لما ذكر، و لعموم صحيحتي محمّد الحلبي و حريز، و ما تأخّر عنهما من الأخبار المذكورة.

و صحيحة الحلبي: سئل عمّا صرع المعراض من الصيد، فقال: «إن لم يكن له نبل غير المعراض و ذكر اسم اللّه عزّ و جلّ عليه فليأكل ما قتل، و إن كان له نبل غيره فلا» «2».

و الأخرى، و

فيها: عن صيد المعراض، فقال: «إن لم يكن له نبل غيره و كان قد سمّى حين رمى فليأكل منه، و إن كان له نبل غيره فلا» «3».

و أمّا إذا وجد غيره و إن حصل الخدش في الحكم- للصحيحين الأخيرين المعارضين لما مرّ بالعموم من وجه- إلّا أنّ تعارضهما موجب للرجوع إلى أصالة الحلّية بعد ذكر اسم اللّه عليه، مع أنّه يمكن أن يقال بعدم حجّية الصحيحين، للشذوذ و مخالفة الشهرة، فتأمّل.

هذا في المعراض.

و أمّا التعدّي إلى غيره من الآلات المحدّدة الغير الحديديّة فإمّا

______________________________

(1) كما في صحيح البخاري 7: 111، و سنن أبي داود 3: 110- 2854، و الدارمي 2: 91، بتفاوت في الجميع.

(2) الكافي 6: 212- 2، الفقيه 3: 203- 923، التهذيب 9: 35- 145، الوسائل 23: 371 أبواب الصيد ب 22 ح 4.

(3) الكافي 6: 213- 5، التهذيب 9: 36- 146، الوسائل 23: 370 أبواب الصيد ب 22 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 314

بالإجماع المركّب أو القياس بالمعراض، و إثبات الأول مشكل، و الثاني باطل، إلّا أنّ الحكم للأصل موافق، و الخلاف فيه غير معروف، بل نفاه بعضهم «1».

و يمكن أن يستدلّ له أيضا بعموم صحيحتي سليمان و حريز و ما تأخّر عنهما من الأخبار المذكورة، و لكن في الحكم بالشمول للمورد إشكالا، فإنّ بعضها مسوقة لبيان حكم آخر، و إطلاق مثله و إن كان معتبرا في الجملة إلّا أنّه لا يخلو بعد عن نوع كلام عند بعضهم، و بعضها مشتملة على لفظ «السلاح» و «المرماة»، و صدقهما على جميع أفراد المورد غير معلوم، إلّا أنّ موافقة أصل الحلّية بعد التسمية كافية.

و أمّا الحكم الثاني: فهو مع مخالفته للأصل المذكور مخالف

أيضا للعمومات المذكورة، و الصحيحة و المرسلة عن الدالّ على النهي الصريح خاليتان، و مع ذلك يعارضهما إطلاق الصحيحين الأخيرين في خصوص المعراض عند عدم وجود غيره، فالحكم به أيضا مشكل، سيّما في صورة عدم الغير، و سلوك جادّة الاحتياط طريق النجاة، و اللّه العالم.

المسألة الثالثة: المعروف منهم حرمة مقتول كلّ آلة جماديّة غير ذي حديدة و لا محدّدة تقتل بثقله،

كالحجر و العمود و المقمعة [1]، و هو في الحجر منصوص عليه في صحاح عديدة، كصحيحة الحلبي: عمّا قتل الحجر و البندق أ يؤكل؟ قال: «لا» [2]، و كذا صحاح حريز «2»،

______________________________

[1] المقمعة: هي خشبة يضرب بها الإنسان ليذلّ و يهان- المصباح المنير: 516.

و في مجمع البحرين 4: 383: هي شي ء من حديد كالمحجن يضرب به.

[2] الكافي 6: 213- 1، التهذيب 9: 37- 152، الوسائل 23: 374 أبواب الصيد ب 23 ح 3. و البندق: الذي يرمى به عن الجلاهق، الواحدة: بندقة، و هي: طينة مدوّرة مجفّفة- مجمع البحرين 5: 141.

______________________________

(1) كصاحب الرياض 2: 262.

(2) الكافي 6: 213- 4، الفقيه 3: 204- 928، التهذيب 9: 36- 149، الوسائل 23: 375 أبواب الصيد ب 23 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 315

و محمّد «1»، و سليمان بن خالد «2» و ابن سنان «3».

و كذا البندق، فإنّه مرادف مع الحجر في تلك الأخبار.

و لا دليل على غيرهما، و قياسه عليهما باطل، سيّما فيما يكون داخلا في أفراد السلاح.

و في مرسلة الفقيه: في رجل له نبال ليس فيها حديد، و هي عيدان كلّها، فيرمي بالعود فيصيب وسط الطير معترضا، فيقتله و يذكر اسم اللّه و إن لم يخرج دم، و هي نبالة معلومة، فيأكل منه إذا ذكر اسم اللّه عليه «4».

و هي دالّة على الحلّية في بعض أفراد المسألة.

و بعض العمومات

المتقدّمة أيضا دالّ عليها في جميعها، فإن ثبت الإجماع البسيط أو المركّب فهو، و إلّا فالأصل يقتضي الحلّية في غير المنصوص عليه.

المسألة الرابعة: ما كان له حدّة و ثقل معا و لم يعلم أنّ القتل بأيّهما،

فمقتضى الأصل الثالث المتقدّم في المقدّمة «5»: حرمته على القول بحرمة المقتول بالثقل مطلقا.

و لو كان القتل بهما معا، فمقتضى الأصل الثاني «6»: حلّيته، و هو أولى

______________________________

(1) الكافي 6: 213- 5، التهذيب 9: 36- 150، الوسائل 23: 375 أبواب الصيد ب 23 ح 6.

(2) الكافي 6: 213- 3، التهذيب 9: 36- 151، الوسائل 23: 373 أبواب الصيد ب 23 ح 1.

(3) الكافي 6: 214- 7، التهذيب 9: 36- 147، الوسائل 23: 374 أبواب الصيد ب 23 ح 5.

(4) الفقيه 3: 204- 927، الوسائل 23: 373 أبواب الصيد ب 22 ح 10.

(5) في ص: 277.

(6) المتقدم في ص: 275.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 316

بالإشكال في الحرمة ممّا مرّ في المسألة السابقة. و أولى منهما به ما إذا كانت الآلة ذا حديدة أو حديديّة، كما يسمى بالفارسيّة: كلنگ، و كالمسحاة، فإنّه ليس مظنّة الإجماع و لا احتماله في مثلهما.

المسألة الخامسة:

قال بعض شرّاح المفاتيح- بعد نقل صحيحة الحلبي المتقدّمة في البندق و الحجر-: و في معناها أخبار متضمّنة لحرمة ما يقتل منها بالثقل خدش أم لا، ففي الآلة المستحدثة في عصرنا- المسمّاة بالفارسيّة: دورانداز- إشكال، و الحرمة أظهر، لاندراجه تحت البندقة و الحجر. انتهى.

أقول: هي الآلة المعروفة في الفارسيّة بالتفنگ.

و يظهر منه على الحرمة دليلان:

أحدهما: ما تضمّن حرمة ما يقتل بالثقل.

و ثانيهما: اندراجه تحت البندقة و الحجر.

و كلاهما ضعيفان غايته:

أمّا الأول: فبأنّا لم نعثر على خبر واحد- و لو ضعيف- متضمّن لذلك أصلا، فكيف عن الأخبار؟! نعم، ورد في نبويّ عامّي تقدّم ذكره «1»: أنّ المعراض إن قتل بثقله لا يؤكل، و أين ذلك من العموم أو الإطلاق؟! و إن كان نظره إلى أخبار البندق و

الحجر فهي برمّتها خالية عن ذكر الثقل، و احتمال كونه علّة فيهما باطل، لمنعه، و كونه استنباط علّة ممنوع عن ترتّب الحكم عليه في مذهبنا.

______________________________

(1) في ص: 312.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 317

هذا، مع أنّه لو سلّم لا يفيد، إذ هذه الآلة لا تقتل بالثقل أصلا- و لذا لا تقتل لو سقطت على شي ء و لم تنفذ فيه- و إنّما تقتل بالخرق و النفوذ، و هو أنفذ من السهم و أخرق من السيف.

و أمّا الثاني: فبمنع دخولها في البندقة جدّا، فإنّها شي ء غير تلك الآلة معروف في الأزمنة السالفة، و في الحديث- كما نقله صاحب الكفاية «1»-:

إنّها لا تصيد صيدا و لا تنكئ عدوّا، و لكنّها تكسر السنّ و تفقأ العين. و هذه الآلة تصيد الصيد، بل تقتل الفيل و البعير، و تتلف العدوّ الكبير، و كأنّها آلة تسمّى في هذا الزمان بالفارسية: پفك، بالپاء الفارسيّة و الفاء و الكاف.

و استدلّ بعض مشايخنا المعاصرين قدّس سرّه في شرحه على النافع «2» بأصالة الحرمة، الثابتة بالأخبار المتقدّمة في الأصل الثالث من الأصول الثلاثة المذكورة في المقدّمة «3»، الدالّة على توقف حلّ الصيد و الذبيحة على ثبوت التذكية، التي هي من قبيل الأحكام الشرعيّة المتوقّفة على ثبوت آلة و كيفيّة.

و هو فاسد جدّا، لأنّ الأخبار المتقدّمة إنّما تثبت أصالة عدم التذكية بالمعنى الثالث، أي عدم حصول الأمور المعيّنة التي علم كونها تذكية بعد معرفتها، لا بالمعنى الثاني الذي هو المفيد في ذلك المقام، و هو الذي أشار إليه أخيرا: المتوقّفة على ثبوت آلة و كيفية. و التذكية بذلك المعنى أيضا و إن كان خلاف الأصل إلّا أنّه زال بعد التسمية بقوله سبحانه وَ ما لَكُمْ

أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ «4» كما مرّ تحقيقه في المقدّمة.

______________________________

(1) الكفاية: 245. و أنكى و الاسم النكاية- بالكسر-: إذا قتلت و اثخنت- المصباح المنير: 625.

(2) و هو صاحب الرياض 2: 261.

(3) في ص: 277 و 278.

(4) الأنعام: 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 318

و بذلك ظهر أنّ الأقوى في مقتول هذه الآلة- بعد تحقق سائر الشرائط الآتية- الحلّية، لوجوه:

الأول: الأصل بالمعنى الثاني، الراجع إلى عموم قوله سبحانه مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ .

الثاني: العمومات المصرّحة بحلّية ما جرح و قتل بسلاح بعد ذكر اسم اللّه عليه، كصحيحة محمّد بن قيس و مرسلة الفقيه، المتقدّمتين في المسألة الاولى «1». و عدم تعارف هذا النوع من السلاح في زمان الشارع غير ضائر كما يأتي.

الثالث: الأخبار المتضمّنة لحلّية مقتول كلّ ما قرّره الصائد سلاحا و مرماة و آلة لرميه و صنعه لذلك، كمرسلتي الفقيه المتقدّمتين في الاولى «2».

و موثّقة زرارة و إسماعيل: عمّا قتل المعراض، قال: «لا بأس إذا كان هو مرماتك و صنعته لذلك» «3».

و رواية زرارة: فيما قتل المعراض: «لا بأس به إذا كان إنّما يصنع لذلك» «4».

الرابع: عمومات حلّية ما رماه شخص أو رميته، كصحيحتي سليمان و حريز المتقدّمتين في المقدّمة «5».

و موثّقة سماعة المتقدّمة في الأصل الثاني «6» من المقدّمة أيضا، حيث

______________________________

(1) في ص: 311.

(2) في ص: 311.

(3) الكافي 6: 212- 1، التهذيب 9: 35- 144، الوسائل 23: 372 أبواب الصيد ب 22 ح 5.

(4) الفقيه 3: 203- 922، الوسائل 23: 372 أبواب الصيد ب 22 ح 6.

(5) في ص: 277.

(6) في النسخ: الثالث، و الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 319

قال: «إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده،

و أمّا الميتة فلا» «1».

و موثّقة محمّد الحلبي و رواية عبّاد بن صهيب المتقدّمتين في المسألة الاولى «2».

و تخصيص الرمي بالرمي بالسهم- مع عمومه- لا وجه له، مع أنّه كان يرمى بغيره أيضا.

و لبعض ما ذكرنا استقرب صاحب الكفاية الحلّية بعد تردّده أولا، قال: و في مثل الآلة الموسومة بالتفنگ المستحدثة في قرب هذه الأعصار تردّد، و لو قيل بالحلّ لم يكن بعيدا، لعموم أدلّة الحلّ، و دخوله تحت عموم قول أبي جعفر عليه السّلام: «من قتل صيدا بسلاح» الحديث «3». انتهى «4».

قال بعض مشايخنا المعاصرين قدّس سرّه بعد نقل كلام الكفاية: و المناقشة فيها واضحة، لضعف العموم بتخصيصه بأصالة الحرمة المتقدّمة المدلول عليها بالنصوص المتقدّمة قبيل المسألة، بل أكثر نصوص هذا الكتاب الدالّة على توقّف حلّ الصيد و الذبيحة على التذكية، و هي من قبيل الأحكام الشرعيّة تتوقّف على الثبوت آلة و كيفيّة، مع معارضته بعمومات تحريم الميتة «5»، الصادقة في اللغة على الميّت حتف أنفه و المذبوح بكلّ آلة، خرج منها الآلة المعتبرة و بقي ما عداها.

و دعوى عدم صدق الميتة في اللغة على المذكّى بكلّ آلة مردودة بأنّ

______________________________

(1) راجع ص: 276.

(2) في ص: 311 و 312.

(3) الكافي 6: 210- 2، الفقيه 3: 204- 930، التهذيب 9: 34- 138، الوسائل 23: 362 أبواب الصيد ب 16 ح 1.

(4) كفاية الأحكام: 245.

(5) الوسائل 24: 184 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 320

التذكية حكم من الأحكام الشرعيّة المستحدثة، فلا يتصوّر توقّف صدق اللفظ فيها على عدمها مع كون اللغة سابقة، و منع عموم السلاح، فإنّه نكرة مثبتة لا عموم فيها لغة، و إنّما ينصرف إليه حيث لا يكون لها أفراد

متبادرة، و لا ريب أنّ المتبادر منه الغالب إنّما هو ما عدا التفنگ «1». انتهى.

و فيه نظر، أمّا أولا: فلأنّ قوله: لضعف العموم بتخصيصه، إلى آخره، يصحّ لو كان المراد بعموم الحلّ عمومات حلّية الأشياء مطلقا كما هو الظاهر، أمّا إذا أردنا منه عمومات حلّية ما ذكر اسم اللّه عليه أو ما رمي و سمّي به- كما مرّ في المقدّمة- لا يخصّصها الأصل الذي ذكره، كما مرّ وجهه.

و أمّا ثانيا: فلأنّ قوله: توقّف حلّ الصيد و الذبيحة على التذكية، مسلّم، و لكن نقول: إنّ هذا العمل أيضا تذكية.

قوله: هي من قبيل الأحكام، إلى آخره.

قلنا: نعم، و لكنّها تثبت بقوله سبحانه مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ .

فإن قال: نعم، و لكن ثبت التوقّف على بعض أمور أخر.

قلنا: إن أريد الأمور المبهمة المجملة فغير مسلّم، و إن أريد أمور مخصوصة فنسلّم منها ما ثبت، و ندفع الزائد بالأصل.

و أمّا ثالثا: فلأنّ قوله: مع معارضته بعمومات حرمة الميتة، مردود بمنع صدق الميتة على مفروض المسألة، لجواز اختصاصها بما يخرج روحه حتف أنفه أو غيره ممّا لا يصدق على المفروض.

و لو سلّم صدق الموت على مطلق خروج الروح لا يلزمه صدق

______________________________

(1) الرياض 2: 265.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 321

الميتة أيضا على مطلق ما خرج روحه، لاقتضاء الهيئة الاشتقاقيّة معنى، فلعلّه ما يقيّد المطلق، كما بيّنّاه مفصّلا في العوائد «1» و غيره، و يثبته عطف ما أهلّ لغير اللّه في آيتين من كتاب اللّه سبحانه على الميتة، و كذا المنخنقة و سائر أخواتها «2».

و أمّا رابعا: فلأنّ قوله: و دعوى عدم صدق الميتة، إلى آخره، فيه: أنّ عدم توقّف صدق لفظ الميتة على عدم التذكية لا يثبت صدقه على

كلّ ما خرج روحه، لاحتمال توقّف صدقه على حتف الأنف، أو عدم مدخليّة إنسان في فنائه، أو غير ذلك، مع أنّه يمكن أن يكون الميتة مقابل المذكّى، و التذكية أمر ثابت في كلّ شريعة من لدن آدم، كما نصّ عليه في بعض أسفار التوراة فيما يخبر عن خطابه سبحانه مع نوح النبيّ صلّى اللّه على نبيّنا و عليه.

و تقدّم سبق لغة الميتة على كلّ الشرائع ممنوع، و لو سلّم ذلك بحسب اللغة فنقول: إنّه يظهر للمتتبّع في أخبار الأطهار و كلمات الأبرار أنّ الميتة صارت حقيقة شرعيّة فيما يقابل المذكى، فندّعي الاختصاص شرعا أو عرفا عامّا.

و أمّا خامسا: فلأن ما ذكره- من عدم عموم السلاح لغة، لأنّه نكرة مثبتة- مردود بأنّه واقع موقع الشرط، و مثله يفيد العموم لغة، كما في قولك:

إذا جاءك رجل فأكرمه، و: من جاءني برجل أكرمه. مع أنّ هذا القول لا يجري في قوله: إذا كان ذلك سلاحه أو مرماته، و اللّه سبحانه هو العالم.

______________________________

(1) عوائد الأيام: 211.

(2) الاولى في البقرة: 173، النّحل: 115، الثانية في المائدة: 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 322

الفصل الثاني في المصيد
اشاره

أي الحيوان الذي يحلّ بالصيد الانتفاع منه أكلا أو غير أكل، كجلود السباع.

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: الصيد المحلّل لا يتحقّق إلّا فيما يقبل الذكاة

من الحيوانات، أمّا ما لا يقبلها- كالمسوخات و الحشرات و نجس العين- فلا يتحقّق فيه الصيد بذلك المعنى، و الوجه واضح.

المسألة الثانية: كلّ حيوان وحشيّ بالأصل، غير مستأنس بالعارض، غير مقدور عليه غالبا، يحلّ منه بالصيد ما يحلّ منه بالذبح

، بلا خلاف كما في الكفاية و شرح الإرشاد «1»، بل هو موضع وفاق بين المسلمين.

و هو بإطلاقه يشمل مأكول اللحم و غيره، و التقييد بالمحلّل في بعض العبارات «2» كأنّه أريد به المحلّل بالصيد ما يحلّل به من أكل أو انتفاع آخر.

و أخبار الباب و إن كان معظمها- بل غير نادر منها- مختصّة بالمأكول، لتضمّنه الأكل، إلّا أنّه يمكن أن يستدلّ لغير المأكول أيضا باستصحاب طهارة الجلد.

و بخصوص موثّقة سماعة: عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال: «إذا

______________________________

(1) كفاية الأحكام: 244، انظر مجمع الفائدة 11: 5، 40.

(2) كما في المسالك 2: 217.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 323

رميت و سمّيت فانتفع بجلده، و أمّا الميتة فلا» «1».

و عموم مرسلتي الفقيه المتقدّمتين في المسألة الاولى من البحث الثاني «2». و موثّقة زرارة و إسماعيل و رواية زرارة المتقدّمتين في الخامسة منه «3». و لكنّها مخصوصة بالآلات الجماديّة، فليس في الكلب إلّا أحد الإجماعين لو ثبت و الاستصحاب.

و يمكن أن يستدلّ له برواية زرارة: «إذا أرسل الرجل كلبه و نسي أن يسمّي فهو بمنزلة من ذبح و نسي أن يسمّي، و كذلك إذا رمى بالسهم و نسي أن يسمّي» «4»، فتأمّل.

المسألة الثالثة: كلّ حيوان مقدور عليه غالبا- كأطفال الحيوانات الوحشيّة الغير القادرة على العدو، و الفراخ الغير القادرة على الطيران- لا يحلّ بالصيد

ما لم يذكّى بالذبح و إن كان وحشيّا بالأصل، بلا خلاف فيه يعرف، بل بالإجماع، و هو الدليل عليه.

مع رواية الأفلح: «و لو أنّ رجلا رمى صيدا في وكره فأصاب الطير و الفراخ جميعا فإنّه يأكل الطير و لا يأكل الفراخ، و ذلك أنّ الفرخ ليس بصيد ما لم يطر، و إنّما يؤخذ باليد، و إنّما يكون صيدا إذا طار» «5».

و يظهر من التعليل حكم الكلب أيضا، بل و حكم صغار الحيوانات الغير الطير.

______________________________

(1) التهذيب

9: 79- 339، الوسائل 3: 489 أبواب النجاسات ب 49 ح 2.

(2) في ص: 311.

(3) في ص: 318.

(4) الكافي 6: 206- 18، الفقيه 3: 202- 915، التهذيب 9: 25- 102، الوسائل 23: 357 أبواب الصيد ب 12 ح 2.

(5) التهذيب 9: 20- 82، الوسائل 23: 383 أبواب الصيد ب 31 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 324

و ظهر ممّا ذكر أنّه لا تحلّ بدون التذكية الذبيحة الوحشيّة الغير القادرة على العدو، لانكسار رجليها أو عمى عينيها أو دخولها في حصار لا يمكن لها الفرار، أو طير لا يقدر على الطير لانكسار جناحيه أو دخوله بيتا يمكن أخذه بسهولة، و نحو ذلك.

المسألة الرابعة: كلّ حيوان مستأنس لا يحلّ بالصيد ما لم يذبح،

سواء كان استئناسه أصليّا- كالبعير و البقر و الشاة و الهرّة و نحوها- أو عارضيّا- كالظبي المستأنس و الطير كذلك- للإجماع، و عدم صدق الصيد، و العمومات المتضمّنة لوجوب التذكية فيما أدركت ذكاته، كرواية عبد اللّه بن سليمان: «إذا طرفت العين أو ركضت الرّجل أو تحرّك الذنب و أدركته فذكّه» «1».

المسألة الخامسة: كلّ وحشيّ بالعارض- كالشاة العاصية أو المتوحّشة، و البعير العاصي أو المتوحّش، و نحوهما- يحلّ بما يحلّ به الوحشيّ

الأصلي من الاصطياد بالآلة الجماديّة أو الحيوانية، و كذا الصائل من البهائم الإنسيّة، و المتردّي منها في بئر و نحوه إذا تعذّر ذبحه و نحره.

بلا خلاف يعرف بيننا كما في الكفاية «2»، بل مطلقا كما في غيرها «3»، بل هو موضع وفاق منّا و من أكثر العامّة كما في المسالك «4»، بل بالإجماع في المتوحّش و العاصي كما في شرح الإرشاد للأردبيلي «5».

و تدلّ عليه- في المتوحّش و العاصي و الصائل- رواية أبي بصير: «إذا

______________________________

(1) الكافي 6: 232- 1، الوسائل 24: 24 أبواب الذبائح ب 11 ح 7.

(2) الكفاية: 246.

(3) كما في المفاتيح 2: 194.

(4) المسالك 2: 221.

(5) مجمع الفائدة 11: 5، 40.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 325

امتنع عليك بعير و أنت تريد أن تنحره فانطلق منك، فإن خشيت أن يسبقك فضربته بسيف أو طعنته برمح بعد أن تسمّي فكل، إلّا أن تدركه و لم يمت بعد فذكّه» «1».

و صحيحة العيص: «إنّ ثورا ثار بالكوفة فبادر الناس إليه بأسيافهم فضربوه، فأتوا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فسألوه، فقال: ذكاة و حيّة و لحمه حلال» «2»، و قريبة منها صحيحة محمّد الحلبي «3»، و موثّقة البقباق و البصري «4».

و صحيحة الحلبي: في رجل ضرب بسيفه جزورا أو شاة في غير مذبحها و قد سمّى حين ضرب، فقال: «لا يصلح أكل ذبيحة لا تذبح

في مذبحها» يعني: إذا تعمّد لذلك و لم يكن حاله حال اضطرار، و أمّا إذا اضطرّ إليها و استصعب عليه ما يريد أن يذبح فلا بأس بذلك «5».

و الظاهر من الاضطرار فيها عدم التمكّن من الذبح، لا الاضطرار إلى الأكل.

______________________________

(1) الكافي 6: 231- 1، التهذيب 9: 54- 223، الوسائل 24: 21 أبواب الذبائح ب 10 ح 5.

(2) الكافي 6: 231- 2، الفقيه 3: 208- 957، التهذيب 9: 54- 224، الوسائل 24: 19 أبواب الذبائح ب 10 ح 2. و المراد بالوحيّة: السريعة- مجمع البحرين 1:

432.

(3) الكافي 6: 231- 3، التهذيب 9: 54- 225، الوسائل 24: 19 أبواب الذبائح ب 10 ح 1.

(4) الكافي 6: 231- 4، الفقيه 3: 208- 956، التهذيب 9: 54- 226، الوسائل 24: 20 أبواب الذبائح ب 10 ح 3.

(5) الكافي 6: 231- 1، التهذيب 9: 53- 221، الوسائل 24: 12 أبواب الذبائح ب 4 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 326

و المرويّ في قرب الإسناد: «إذا استصعبت عليكم الذبيحة فعرقبوها، فإن لم تقدروا أن تعرقبوها فإنّه يحلّها ما يحلّ الوحش» [1].

و النبويّ المشهور: «كلّ إنسيّة توحّشت فذكّها ذكاة الوحشيّة» «1».

و آخر: يا رسول اللّه، إنّ لي كلابا مكلّبة فأفتني في صيدها، قال:

«كل ما أمسكن عليك» قلت: ذكي و غير ذكي، قال: «ذكي و غير ذكي» «2».

و في المتردّي رواية إسماعيل الجعفي: بعير تردّى في بئر كيف ينحر؟ قال: «تدخل الحربة فتطعنه بها و تسمّي و تأكل» «3».

و موثّقة زرارة: عن بعير تردّى في بئر فذبح من قبل ذنبه، قال:

«لا بأس إذا ذكر اسم اللّه عليه» «4».

و المرويّ في قرب الإسناد: «أيّما إنسيّة تردّت في بئر فلم يقدر على منحرها

فلينحرها من حيث يقدر عليها و يسمّي اللّه عليها» «5».

و أكثر الأخبار المذكورة و إن اختصت من الآلات بالجماديّة، و من الحيوانات بالبعير و الثور و الشاة، إلّا أنّ رواية قرب الإسناد الاولى و النبويّين تشمل جميع الحيوانات و تمام الآلات، بل أحد النبويين مصرّح بالكلب.

و ضعفها- بعد ما عرفت من الاشتهار و حكايات الإجماع و نفي

______________________________

[1] قرب الإسناد: 145- 524، الوسائل 24: 22 أبواب الذبائح ب 10 ح 9.

و عرقبت الدابة: قطعت عرقوبها، و هو: عبارة عن الوتر خلف الكعبين بين مفصل الساق و القدم- مجمع البحرين 2: 120.

______________________________

(1) كنز العمّال 6: 261- 15600.

(2) سنن أبي داود 3: 110- 2857، مسند أحمد 2: 184.

(3) الكافي 6: 231- 5، التهذيب 9: 54- 222، الوسائل 24: 20 أبواب الذبائح ب 10 ح 4.

(4) الفقيه 3: 208- 958، الوسائل 24: 21 أبواب الذبائح ب 10 ح 6.

(5) قرب الإسناد: 106- 360، الوسائل 24: 21 أبواب الذبائح ب 10 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 327

الخلاف- لا يضرّ.

نعم، هي مخصوصة بغير المتردّي.

و أمّا المتردّي، فتعميم الحيوان فيه لعلّه بالإجماع المركّب، مع أنّ في صحيحة الحلبي ذكر الشاة أيضا، بل يمكن إثبات التعميم فيه بالنسبة إلى الحيوان برواية قرب الإسناد الثانية، فإنّ المراد بالنحر هو معناه اللغوي، كما يدلّ عليه قوله: فلينحرها من حيث شاء.

و بالنسبة إليه و إلى الآلة: بروايته الاولى و بالنبويّ الأخير، إلّا أنّ ضعفهما في تعميم الآلة غير معلوم الانجبار، إذ لم يعلم من كلام الأصحاب تعميمهم في ذلك بالكلاب أيضا، فإنّ إرسال الكلب إلى المتردّي غير متعارف، بل غير ميسّر غالبا، فالحكم به مشكل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 328

الفصل الثالث في الصائد و يشترط فيه أمور:

منها:

أن يكون مسلما، سواء كان مرسلا للكلب أو صائدا بالآلة الجماديّة، فلا يحلّ صيد الكافر مطلقا، سواء كان حربيّا أو ذميّا، إجماعا في الأول، و على الحقّ المشهور في الثاني، بل فيه أيضا الإجماع عن الانتصار «1».

لتعليل حرمة ذبيحة الكفّار في أخبار كثيرة، كروايتي قتيبة «2»، و رواية الحسين بن المنذر «3» الآتية في الذبيحة بأنّه لا يؤمن على الاسم إلّا مسلم.

و لصحيحة محمّد: عن نصارى العرب أتوكل ذبيحتهم؟ فقال: «كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام ينهى عن ذبائحهم و صيدهم و مناكحتهم» «4».

و صحيحة الحلبي: عن ذبائح نصارى العرب هل تؤكل؟ فقال: «كان عليّ عليه السّلام ينهاهم عن أكل ذبائحهم و صيدهم» «5».

______________________________

(1) الانتصار: 188.

(2) الاولى: الكافي 6: 241- 17، الوسائل 24: 50 أبواب الذبائح ب 26 ح 6، الثانية: الكافي 6: 240- 12، التهذيب 9: 63- 267، الاستبصار 4: 81- 300، الوسائل 24: 54 أبواب الذبائح ب 27 ح 8.

(3) التهذيب 9: 63- 268، الاستبصار 4: 81- 301، الوسائل 24: 51 أبواب الذبائح ب 26 ح 7.

(4) الكافي 6: 239- 4، التهذيب 9: 65- 278، الاستبصار 4: 83- 311، الوسائل 24: 54 أبواب الذبائح ب 27 ح 6.

(5) التهذيب 9: 64- 271، الاستبصار 4: 81- 304، الوسائل 24: 58 أبواب الذبائح ب 27 ح 19.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 329

و اختصاصهما بنصارى العرب غير ضائر، للإجماع المركّب، و مفهوم رواية عيسى بن عبد اللّه: عن صيد المجوسي، قال: «لا بأس إذا أعطوكه حيّا و السمك أيضا، و إلّا فلا تجز شهادتهم إلّا أن تشهده» «1».

و أمّا الأخبار الواردة في أكل ذبائحهم «2» فلا تضرّ هنا، لأنّ الذبيحة غير الصيد، مع أنّها

فيها أيضا غير مفيدة كما يأتي.

و منها: العقل، فلا يحلّ صيد المجنون، للإجماع، و عدم الائتمان على الاسم.

و منها: التمييز، فلا يحلّ صيد الصبي الغير المميّز، للدليلين المذكورين.

و منها: أن لا يكون غاليا، للإجماع، و عدم كونه مسلما فلا يؤتمن بالاسم.

و منها: أن لا يكون ناصبيّا، للإجماع، و العموم الناشئ عن ترك الاستفصال في رواية أبي بصير: عن الرجل يشتري اللحم من السوق و عنده من يذبح و يبيع من إخوانه فيتعمّد الشراء من النصّاب، فقال: «أيّ شي ء تسألني أن أقول؟! ما يأكل إلّا مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير»، قلت:

سبحان اللّه، مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير؟! فقال: «نعم و أعظم عند اللّه» «3».

______________________________

(1) الكافي 6: 217- 8، التهذيب 9: 10- 33، الاستبصار 4: 64- 229، الوسائل 23: 386 أبواب الصيد ب 34 ح 1.

(2) الوسائل 24: 52 أبواب الذبائح ب 27.

(3) التهذيب 9: 71- 303، الاستبصار 4: 87- 334، الوسائل 24: 67 أبواب الذبائح ب 28 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 330

و لا يشترط فيه البلوغ و لا الذكورة و لا الإيمان، بلا خلاف في الأولين، بل بالإجماع و هو الحجّة فيهما، مضافا إلى الأصل الذي ذكرنا مرارا، و إلى عمومات الحلّ بالصيد بالحيوان و بالآلة الشاملة لصيدهما، و إلى ما سيأتي من حلّ ذبيحتهما الموجب لحلّ صيدهما بالطريق الأولى، فتأمّل.

و على الأظهر الأشهر في الثالث، للثلاثة الأخيرة.

خلافا لظاهر من يحرّم ذبيحة المخالف، لما دلّ عليه، و سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 331

الفصل الرابع في سائر شرائط الصيد و هي أمور:
منها: أن يكون الصيد باستعمال الصائد للآلة
اشاره

، كالإرسال في الكلب، و كالرمي في السهم، و الطعن في الرمح، و الضرب بالسيف، و الرمي في

التفنگ، و نحو ذلك ممّا يصدر من الصائد بقصد.

فلو لم يستعمله هو- بأن يسترسل الكلب بنفسه، أو يخرج التفنگ من قبل نفسه، أو أخرج السيف و نحوه من غير اختيار و قصد- لم يفد الحلّ بلا خلاف يعرف، و في الكفاية في الأول: إنّه المعروف بينهم «1».

و عن الخلاف فيه الإجماع «2».

لا لأصالة الحرمة- كما قيل «3»- لما ذكرنا من الأصل الثاني المقتضي لأصالة الحلّية بعد التسمية، كما ذكره المحقّق الأردبيلي أيضا «4».

بل لمفهوم الشرط في النبويّ: «إذا أرسلت كلبك المعلّم فكل» «5».

و ضعفه بالعمل منجبر. و كون الشرط مورد الغالب لا يضرّ في حجّية المفهوم، خصوصا مثل تلك الغلبة التي لا توهن في تبادر المفهوم.

و لرواية القاسم بن سليمان: عن كلب أفلت و لم يرسله صاحبه،

______________________________

(1) الكفاية: 245.

(2) الخلاف 2: 519.

(3) في الرياض 2: 263.

(4) مجمع الفائدة 11: 27.

(5) صحيح البخاري 7: 111، صحيح مسلم 3: 1529- 1929.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 332

فصاد فأدركه صاحبه و قد قتله، أ يأكله؟ قال: «لا» «1».

و احتمال استناد المنع فيه عن الأكل إلى عدم التسمية لا إلى الاسترسال يمنعه ترك الاستفصال، و إن قلت بتلازم عدم التسمية و الاسترسال فهو بنفسه يكون دليلا على المطلوب.

و تقوية الاحتمال المذكور- بقول الراوي في ذيل الرواية: و قال عليه السّلام:

«إذا صاد و قد سمّى فليأكل و إن صاد و لم يسمّ فلا»- ضعيفة جدّا، لأنّ المراد من الذيل بيان ما يعتبر مع الإرسال، و لا أقلّ ذلك من الاحتمال، و هو كاف في بقاء العموم الناشئ من ترك الاستفصال.

و لمرسلة أبي بصير: «لا يجزي أن يسمّي إلّا الذي أرسل الكلب» «2».

و في رواية زرارة: «لا يسمّي إلّا صاحبه

الذي أرسله» «3».

وجه الدلالة: أنّه لو لم يرسله فلا تكون تسميته مجزية بدلالة الروايتين، إذ لا يكون مرسل حتى تكون التسمية ممّن أرسله، و إذا لم تكن تسمية لم يحلّ أصلا و إجماعا و كتابا و سنّة.

و لرواية السكوني المتقدّمة في كلب المجوسي: «لا تأكل صيده إلّا أن يأخذه المسلم فيعلّمه و يرسله» «4»، وجه الدلالة واضح.

و لمفهوم قوله في رواية سليمان بن خالد المتقدّمة: «إن كان يعلم أنّ

______________________________

(1) الكافي 6: 205- 16، الفقيه 3: 202- 914، التهذيب 9: 25- 100، الوسائل 23: 356 أبواب الصيد ب 11 ح 1.

(2) التهذيب 9: 26- 104، الوسائل 23: 359 أبواب الصيد ب 13 ح 2.

(3) التهذيب 9: 26- 103، الوسائل 23: 359 أبواب الصيد ب 13 ح 1.

(4) الكافي 6: 209- 3، التهذيب 9: 30- 120، الاستبصار 4: 71- 256، الوسائل 23: 361 أبواب الصيد ب 15 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 333

رميته هي التي قتلته فليأكل» «1».

و يدلّ عليه أيضا نهيه سبحانه في الكتاب و السنّة عن أكل ما لم يذكر اسم اللّه عليه، و التصريح باشتراط ذكر اسم اللّه عليه، فإنّ في تحقّق ذكر اسم اللّه على الصيد- الذي ليس في يد الذاكر بل قد يبعد عنه كثيرا- خفاء و إجمالا، و لا يعلم متى يتحقّق ذكر اسم اللّه عليه، و لازمه الأخذ بالمتيقّن، و هو إذا صادف الإرسال و الاستعمال، و أمّا بدونه فلا يعلم تحقّق ذكر اسم اللّه عليه.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ المسألة واضحة المأخذ بحمد اللّه سبحانه، فمناقشة جمع من المتأخرين- كالأردبيلي «2» و صاحب الكفاية «3» و شارح المفاتيح- في بعض أدلّتها غير ضائرة.

فرعان:
أ: لو استرسل الكلب بنفسه فزجره صاحبه، فإن لم ينزجر فلا يحلّ صيده

، لعدم صدق

الإرسال قطعا. و إن انزجر و وقف ثمَّ أغراه صاحبه حلّ، لصدق الإرسال.

ب: لو استرسل بنفسه ثمَّ أغراه صاحبه، فإن لم يزد في عدوه فلا يتحقّق الإرسال قطعا

، إذ لم يظهر أثر لإغرائه.

و احتمال كونه إرسالا- لجواز كون ذهابه بعد الإغراء بإذن المالك- ضعيف، لتوقّف الحلّ على العلم بذلك، مع أنّه خلاف الأصل.

______________________________

(1) الكافي 6: 210- 7، الوسائل 23: 365 أبواب الصيد ب 18 ح 1.

(2) مجمع الفائدة 11: 28.

(3) الكفاية: 245.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 334

و إن زاد في عدوه، فقال الأردبيلي: فيه وجهان: من حيث إنّ زيادة العدو و سرعته بمنزلة الإرسال، فيكفي. و من حيث إنّ هذا العدو مركّب من إرسال و استرسال و ليس هو إرسالا، فلا يكون محلّلا، كالقتل بالكلب المعلّم و غير المعلّم «1».

و التحقيق: أنّ زيادة العدو بالإغراء لا يسمّى في العرف إرسالا، و لا أقلّ من عدم معلوميّة ذلك، مع أنّه شرط في الحلّية.

و منها: أن يقصد بإرساله الكلب أو رميه السهم الصيد المحلّل

بلا خلاف فيه، فلو أرسل كلبه لينظر عدوه، أو رمى السهم إلى هدف، أو أرسل و رمى للامتحان أو اللعب أو المشق، فاتّفق أنّه أصاب صيدا و قتله، أو أرسل الأول و رمى الثاني إلى غير محلّل- كخنزير أو مسوخ- فصاد الأول أو أصاب الثاني ظبيا اتّفاقا، لم يحلّ، لما أشير إليه سابقا من دلالة الكتاب و السنّة المتواترة على اشتراط حلّية الحيوانات على ذكر اسم اللّه عليه، و لا يعلم ذكر اسم اللّه عليه، إلّا إذا قصده بخصوصه حين الإرسال و الرمي، فلا يحلّ إلّا معه.

و ممّا ذكرنا ظهر ضعف ما استظهره المحقّق الأردبيلي «2» من الحكم بالحلّ في هذه الصور، للعمومات، و خلوّ الأدلّة عن قصد الصيد، و تخصيص الحرمة بما هو الغالب في هذه الصور من ترك التسمية و جعل البحث مع فرضها.

ثمَّ إنّ مقتضى ما ذكرنا عدم الحلّية مع عدم قصد الصيد المعيّن مطلقا

و إن قصد جنسه أو صيدا آخر محلّلا أو أحد هذه الظباء، إلّا أنّ هذه الصور خارجة بالإجماع، و برواية عبّاد بن صهيب المتقدّمة في المسألة الاولى من

______________________________

(1) مجمع الفائدة 11: 28- 29.

(2) مجمع الفائدة 11: 27.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 335

البحث الثاني من الفصل الأول «1».

و لو سمّى بعد مشاهدته ميل الكلب أو السهم إلى المحلّل لم يفد، لعدم معلوميّة كون ذلك ذكر اسم اللّه عليه، فيقتصر على موضع الإجماع.

نعم، لو أرسله إلى غير محلّل، فزجره عنه و أوقفه، ثمَّ أغراه إلى المحلّل و سمّى، حلّ.

لا يقال: لا يتمّ ذلك لو نسي التسمية، حيث إنّه لا يشترط حينئذ.

قلنا: يثبت الحكم حينئذ بالإجماع المركّب، مضافا إلى أنّ الثابت من معذوريّة ناسي التسمية إنّما هي إذا قصد المعيّن بالإرسال أو الرمي و نسي التسمية لا مطلقا، لعدم شمول مطلقات معذوريّة الناسي لمثل ذلك و لو لأجل ندرته، فتأمّل.

و منها: أن يسمّي عند إرسال الآلة أو استعمالها
اشاره

مطلقا- حيوانا كانت أو جمادا- بلا خلاف فيه عندنا بل بالإجماع، له، و للأصل، و الآيات العديدة من الكتاب «2»، و المتواترة من الأخبار، كالصحاح الأربع لمحمّد بن قيس و سليمان بن خالد و الحلبي «3»، و الموثّقات الثلاث للبصري و سماعة و زرارة «4»، و حسنة محمّد بن قيس و مرسلة الفقيه «5»، و الروايات الثلاث لأبي بصير و عبد اللّه بن سليمان المتقدّمة «6» جميعا و غيرها.

فلو ترك التسمية لم يحلّ الصيد، لأصالة عدم التذكية بدونها، كما مرّ

______________________________

(1) في ص: 312.

(2) المائدة: 4، الأنعام: 119.

(3) المتقدّمة في ص: 311 و 285 و 309.

(4) المتقدّمة في ص: 294 و 276 و 326.

(5) المتقدمتين في ص: 285 و 315.

(6) في ص: 293 و 285 و 284.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 336

في الأصل الثاني من المقدّمات «1»، و لتقييد الحلّية منطوقا أو مفهوما بالتسمية، بل في مفهوم موثّقة زرارة إثبات البأس في الأكل بدون التسمية، و في إحدى صحيحتي الحلبي: «من أرسل كلبه و لم يسمّ فلا يأكله» «2».

ثمَّ إنّه لا خلاف نصّا و فتوى في إجزائها إذا وقعت عند الإرسال، أي ما يسمّى مقارنا له عرفا، مقدّما عليه أو مؤخّرا بما لا ينافي المقارنة العرفيّة، كما تدلّ عليه الصحاح الستّ المتقدّمة «3»- ثلاث منها لسليمان و الحذّاء و محمّد بن علي الحلبي، و ثلاث للحلبي-:

ففي الأولى: «فيسمّي حين يرسله».

و في الثانية: «و يسمي إذا سرحه».

و في الثالثة: «و قد سمّى حين فعل ذلك».

و في الرابعة: «و قد سمّى حين يرمي».

و في الخامسة: «و قد كان سمّى حين رمى».

و في السادسة: «و قد سمّى حين ضرب».

و هل يجزي إذا سمّى بعد الإرسال ما بينه و بين عضّ الكلب أو إصابة السهم؟

فيه خلاف، فالشهيدان «4» بل أكثر الأصحاب- كما في شرح المفاتيح- إلى الإجزاء، للعمومات، و أولويّته بالإجزاء من حال الإرسال لقربه من وقت التذكية.

و [مذهب ] «5» جماعة- و نسبه بعض مشايخنا «6» إلى ظاهر كثير- منّا

______________________________

(1) في ص: 275.

(2) التهذيب 9: 27- 109، الوسائل 23: 358 أبواب الصيد ب 12 ح 5.

(3) في ص: 285 و 291 و 309 و 325.

(4) الشهيد الأوّل في الدروس 2: 394، و الشهيد الثاني في الروضة 7: 199.

(5) في النسخ: ذهب، و الصحيح ما أثبتناه.

(6) كما في الرياض 2: 264.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 337

عدمه، و هو الأقوى، لأصالة عدم وقوع ذكر اسم اللّه على الصيد حتى يعلم وقوعه عليه، فإنّ في

معناه خفاء كما مرّ، فيقتصر على القدر الثابت، و لمفهوم قوله عليه السّلام في رواية أبي بصير السابقة في المسألة الثالثة من الفصل الأول من البحث الأول: «إن أصبت كلبا معلّما أو فهدا بعد ان تسمّي فكل» «1».

و عمومات التسمية إنّما كانت مفيدة لو لم تكن مقيّدة بكونها واقعة على الصيد، الموجب لإبهام معناه، المستلزم للاقتصار على القدر المعلوم.

و الأولويّة المدّعاة ممنوعة، لعدم معلوميّة العلّة.

فروع:
أ: ما ذكرنا من اشتراط التسمية و الحرمة بدونها إنّما هو إذا كان متذكّرا لوجوبها و تركها عمدا

، أمّا لو اعتقد وجوبها و نسيها و لم يتذكّر قبل إصابة الآلة إلى الصيد فيحلّ الصيد بلا خلاف كما في شرح الإرشاد و المفاتيح «2» و شرحه و غيرها «3»، لموثّقة البصري المتقدّمة في المسألة الثالثة من الفصل الأول «4»، و رواية زرارة المتقدّمة في الثانية من الثاني «5»، المعتضدتين بما ذكر و بثبوت الحكم في الذبيحة- كما يأتي- فهاهنا أولى، و بهما تقيّد إطلاقات النهي عمّا لم يسمّ عليه في الكتاب و السنّة.

ب: لو نسيها حال الإرسال و تذكّر قبل الإصابة

، فعلى القول باتّساع

______________________________

(1) مرّت في ص: 293.

(2) مجمع الفائدة 11: 19، المفاتيح 2: 210.

(3) كالرياض 2: 264.

(4) في ص: 294.

(5) في ص: 323.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 338

الوقت ما بين الإرسال و الإصابة تجب التسمية، و الوجه واضح، لبقاء وقت الوجوب. و لو تركها حينئذ فيكون كمتعمّد الترك عند الإرسال.

و كذا على المختار، كما صرّح به شيخنا الشهيد الثاني، حيث حصر محلّ الخلاف السابق في محل التسمية في المتذكّر عند الإرسال. و أمّا الذاهل عنها حينه المتفطّن لها قبل الإصابة فلم يجعل وجوب التسمية فيه محلّ الخلاف، بل كما قيل: قطع به في المسالك و الروضة «1»، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه حينئذ. و جعله في الكفاية قولا واحدا «2».

و يدلّ عليه ما أشرنا إليه من إبهام معنى ذكر اسم اللّه على الصيد، و كون التخصيص بحال الإرسال للأخذ بالمتيقّن، و هو يحصل حينئذ بالتسمية في الأثناء، فإذا تركها حينئذ لا يعلم أنّه ناسي التسمية المطلوبة، فيبقى على أصالة الحرمة.

ج: هل النسيان- الذي يعذر تارك التسمية معه- هو الذي كان مع اعتقاد الوجوب، أو لا؟

صرّح المحقّق في النافع و الشيخ- طاب ثراه- في النهاية «3» و الحلّي و القاضي «4» بالأول، حيث قيّدوا النسيان بذلك القيد.

و ظاهر الأكثر: الثاني، حيث لم يقيّدوه به. و ظاهر التنقيح التردّد «5».

دليل الثاني: إطلاق النسيان.

و حجّة الأول: تبادر معتقد الوجوب منه، و هو قريب، فإنّه لا يقال

______________________________

(1) المسالك 2: 219، الروضة 7: 198.

(2) الكفاية: 245.

(3) النافع: 248، النهاية: 581.

(4) الحلّي في السرائر 3: 93، القاضي في المهذّب 2: 438.

(5) التنقيح 4: 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 339

لتارك شي ء لا يعتقد وجوبه مع عدم تذكّره و عدم التفاته إليه: إنّه تركه نسيانا، فإنّ المتبادر منه أن يكون الترك لأجل النسيان

فقط.

د: لو تركها جهلا، ففي إلحاقه بالعامد أو الناسي وجهان

، أوجههما الأول، لأصالة الحرمة قبل ذكر اسم اللّه عليه الخالية عن الدافع، و لصدق عدم التسمية الذي صرّحت الأخبار منطوقا و مفهوما بعدم الحلّية معه، و عدم صدق النسيان الذي قام مقامها بالدليل.

و وجه الثاني: إلحاقه بالناسي، و هو قياس فاسد. و مثل قوله: الناس في سعة ممّا لم يعلموا «1». و ضعفه ظاهر.

ه: يشترط أن تكون التسمية من المرسل،

فلو أرسل واحد كلبه و لم يسمّ و سمّى غيره لم يحلّ الصيد بدون التذكية، لعدم معلوميّة كون ذلك ذكر اسم اللّه عليه، فيندرج تحت أصالة الحرمة، و للأخبار:

كصحيحة محمّد الحلبي: «من أرسل كلبه و لم يسمّ فلا يأكله» «2»، فإنّ إطلاقها يشمل ما لو سمّى غيره أيضا.

و مرسلة أبي بصير: «لا يجزي أن يسمّي إلّا الذي أرسل الكلب» «3».

و رواية محمّد: عن القوم يخرجون جماعتهم إلى الصيد، فيكون الكلب لرجل منهم، و يرسل صاحب الكلب كلبه و يسمّي غيره، أ يجزي عن ذلك؟ قال: «لا يسمّي إلّا صاحبه الذي أرسله» «4».

و منها: أن يستقلّ السبب المحلّل في إزهاق الروح.

______________________________

(1) الكافي 6: 297- 2، الوسائل 24: 90 أبواب الذبائح ب 38 ح 2.

(2) التهذيب 9: 27- 109، الاستبصار 4: 69- 250، الوسائل 23: 358 أبواب الصيد ب 12 ح 5.

(3) التهذيب 9: 26- 104، الوسائل 23: 359 أبواب الصيد ب 13: ح 2.

(4) التهذيب 9: 26- 103، الوسائل 23: 359 أبواب الصيد ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 340

و يتفرّع عليه: أنّه لو أرسل المسلم و الكافر آلتيهما و قتل الصيد بهما- بحيث علم أنّ لكل واحد دخلا في قتله- حرم، سواء اتّفقت آلتيهما- كالكلبين- أو اختلفت، كالكلب و السهم.

و أنّه لو أرسل كلبان- معلّم و غير معلّم- و قتلاه معا، أو قتله كلبان- مرسل و غير مرسل- لم يحلّ.

و أنّه لو رمى صيدا، فوقع في الماء، أو تردّى من جبل و قتل بهما معا، لم يحلّ أيضا.

و أنّه لو رمي سهمان، أو أرسل كلبان سمّي على أحدهما و لم يسمّ على الآخر، أو قصد الجنس المحلّل بأحدهما دون الآخر و قتل بهما معا، حرم أيضا.

و الدليل على

اشتراط ذلك- بعد ظاهر الوفاق- أنّ الثابت من أدلّة الشروط اشتراط الحلّية بوقوع القتل من السبب الجامع للشرائط، و هو في مفروض المسألة أحد السببين المختلفين و لم يحصل منه القتل، و ما حصل منه هو مجموع الأمرين، و هو غير جامع لها. و لو تنزّلنا لقلنا: لا نعلم كون الأمرين جامعا لها، فلا يعلم حصول الشرائط المعتبرة، فلا يحكم بحصول المشروط.

و تدلّ على المطلوب أيضا مرسلة الفقيه: «إذا أرسلت كلبك على صيد و شاركه كلب آخر فلا تأكل منه إلّا أن تدرك ذكاته» «1»، و نحوها الرضوي بعينه «2».

و استدلّ على المطلوب أيضا بالأخبار الكثيرة، الآتية بعضها في

______________________________

(1) الفقيه 3: 205- 934، الوسائل 23: 343 أبواب الصيد ب 5 ح 3.

(2) فقه الرضا «ع»: 297، مستدرك الوسائل 16: 107 أبواب الصيد ب 5 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 341

الشرط الآتي، و المتقدّم بعضها فيما سبق، المتضمّنة للنهي عن أكل ما وجد كلب غير معلّم مع المعلّم أو كلب غريب مع المعلّمات، أو أكل ما غاب و لم يعلم أنّ سلاحه أو سهمه هو الذي قتله أو رميته هي التي قتلته، أو أكل ما وقع في ماء أو تدهده من جبل.

و فيه: أنّه يحتمل أن يكون النهي عن الأكل في المذكورات لاحتمال استقلال غير الآلة المحلّلة في القتل و استناده إلى ما ليس بمحلّل، و هو غير مفروض المسألة. إلّا أن يقال بثبوت المطلوب من عموم تلك الأخبار أو إطلاقاتها، فإنّها شاملة لما إذا لم يعلم استقلال شي ء منهما و علم مدخليّتهما، أو شكّ في استناد الموت إلى السبب المحلّل خاصّة، أو إليهما معا، و حينئذ فيتمّ التقريب.

ثمَّ إنّه فرّع بعضهم «1»

على تلك المسألة ما إذا أثبت الصيد بآلة غير محلّلة، أي جعلته غير قادر على الامتناع و العدو، و صار مثل الأهلي، و صار أخذه سهلا، ثمَّ قتلته الآلة المحلّلة، فاجتمع فيه سببان: محلّل و محرّم.

و فرّع ذلك بعض آخر على اشتراط الحلّية بالصيد كونه وحشيّا غير مقدور عليه بالسهولة كما مرّ.

و ليس شي ء من التفريعين بجيّد.

أمّا الأول: فلأنّ السبب الأول ليس سببا لإزهاق الروح، و لا مدخليّة له فيه أصلا، و ليس هو إلّا مثل إعطاء الكافر سهمه أو كلبه للمسلم، أو تنفير أحد صيدا من مكان يصعب الاصطياد فيه إلى مكان يسهل فيه، أو كثرة عدو الصيد بحيث يعجز عن الفرار عن الكلب أو خوفه منه، مع أنّه

______________________________

(1) مجمع الفائدة 11: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 342

لا يعدّ شي ء منها من باب اجتماع السببين.

و أمّا الثاني: فلأنّ تعجيز أحد الآلتين للصيد لا يخرجه عن صدق الصيد عليه عرفا إذا كان ذلك مقارنا لأثر الآخر أو قريبا منه، و المنع عن المقدور عليه إنّما كان للخروج عن صدق الصيد، كما مرّ.

هذا، مع أنّه روي في قرب الإسناد عن عليّ، عن أخيه عليه السّلام: عن ظبي أو حمار وحش أو طير صرعه رجل، ثمَّ رماه بعد ما صرعه آخر، قال: «كله ما لم يتغيّب إذا سمّى و رماه» «1».

و منها: أن يعلم استناد موت الصيد إلى السبب المحلّل

، فلا يحلّ ما شكّ فيه و احتمل استناده إلى غيره أو إليهما معا، بلا خلاف فيه كما صرّح به غير واحد.

و يتفرّع على ذلك: أنّه لو أرسل كلبان أو كلاب أو سهمان أو سهام أو كلب و سهم، سمّي على أحدهما دون الآخر، و لم يعلم استقلال المسمّى عليه في الموت، لم يحلّ،

و كذا لو أرسل كلب و باز كذلك.

و أنّه لو غاب الصيد بعد عضّ الكلب أو إصابة السهم ثمَّ وجد مقتولا لم يحلّ، إلّا إذا علم استناد الموت إلى آلته المحلّلة.

و أنّه لو رماه بسهم، فتردّى من جبل أو حائط أو وقع في ماء و مات، لم يحلّ إذا احتمل استناد الموت إلى كلّ منهما أو كليهما.

و الدليل عليه: أصالة عدم التذكية، الثابتة بما مرّ في الأصل الثالث من الأصول المذكورة في المقدّمة.

مضافة إلى صحيحتي سليمان و حريز و موثّقة سماعة، المتقدّمة جميعا

______________________________

(1) قرب الإسناد 278- 1105، الوسائل 23: 367 أبواب الصيد ب 18 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 343

في المقدّمة «1»، و رواية أبي بصير المتقدّمة في المسألة الثانية من البحث الأول من الفصل الأول، المعلّلة بقوله: «لأنّك لا تدري أخذه معلّم لا «لا» «2»، و صحيحة محمّد بن قيس و مرسلتي الفقيه و روايتي زرارة و عيسى ابن عبد اللّه، المتقدّمة جميعا في المسألة الاولى من البحث الثاني من الفصل الأول «3»، و مرسلة الفقيه المتقدّمة في الشرط السابق «4».

و إلى صحيحة الحذّاء في من يسرح كلبه المعلّم، و فيها: «و إن وجد معه كلبا غير معلّم فلا يأكل منه» «5».

و صحيحة محمّد بن قيس: في صيد وجد فيه سهم و هو ميّت لا يدري من قتله، قال: «لا تطعمه» «6».

و رواية زرارة: «إذا رميت فوجدته و ليس به أثر غير السهم و قد ترى أنّه لم يقتله غير سهمك فكل، غاب عنك أو لم يغب» «7».

و موثّقة سماعة: عن الرجل يرمي الصيد و هو على الجبل- إلى أن قال-:

«فإن وقع في ماء أو تدهده من الجبل فمات فلا تأكله»

«8».

______________________________

(1) في ص: 277 و 278.

(2) تقدّمت في ص: 285.

(3) في ص: 310 و 311.

(4) في ص: 340.

(5) الكافي 6: 203- 4، التهذيب 9: 26- 106، الوسائل 23: 342 أبواب الصيد ب 5 ح 1.

(6) الكافي 6: 211- 8، الفقيه 3: 204- 929، التهذيب 9: 35- 141، الوسائل 23: 368 أبواب الصيد ب 19 ح 1.

(7) الكافي 6: 211- 10، التهذيب 9: 34- 139، مستطرفات السرائر: 18- 5، الوسائل 23: 367 أبواب الصيد ب 18 ح 5.

(8) الكافي 6: 211- 11، التهذيب 9: 34- 140، الوسائل 23: 369 أبواب الصيد ب 20 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 344

و روايته، و فيها: «فإن وقع في الماء من رميتك و مات فلا تأكل منه» «1».

ثمَّ بعض تلك الروايات و إن كانت مطلقة في النهي عن أكل الصيد بعد موته غائبا- كما حكي عن الشيخ في النهاية «2»- أو موته في الماء أو بعد السقوط عن مثل الجبل- كما حكي عنه أيضا «3»- إلّا أنّ بعد حمل المطلقات على المقيّدات يظهر أنّه إذا لم يعلم استناد الموت إلى السبب المحلّل، و لو علم ذلك حلّ، و يؤكّده أيضا ما دلّ على أكل الصيد الواقع في الماء إذا كان رأسه خارجا عنه، كمرسلة الفقيه المتقدّمة في المسألة الاولى من البحث الثاني «4»، و صحيحة زرارة: «إن ذبحت ذبيحة، فأجدت الذبح، فوقعت في النار أو في الماء أو من فوق بيتك أو جبل، إذا كنت قد أجدت الذبح فكل» «5».

و جعل من أسباب حصول العلم بالاستناد إلى الآلة المحلّلة:

صيرورتها باعث عدم استقرار حياة الصيد بعد إصابة الآلة ثمَّ وقوعه في الماء أو سقوطه عن الجبل.

و فيه نظر،

لإمكان تعجيل خروج الروح بالوقوع أو السقوط و إن كان لا يعيش لو لا ذلك أيضا.

______________________________

(1) الكافي 6: 215- 1، التهذيب 9: 38- 158، الوسائل 23: 369 أبواب الصيد ب 20 ح 2.

(2) النهاية: 581.

(3) النهاية: 581.

(4) في ص: 310.

(5) التهذيب 9: 58- 241، تفسير العياشي 1: 291- 16، الوسائل 24: 26 أبواب الذبائح ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 345

و ممّا ذكرنا يظهر ما في كلام جماعة- منهم: صاحب الكفاية «1» و المقدّس الأردبيلي «2»- من تقييد حرمة الغائب أو المتردّي أو الواقع في الماء بما إذا كانت حياته مستقرّة، و الحكم بالحلّ إذا لم يكن كذلك، مع حكمهم بأنّ المناط: العلم بالاستناد إلى الآلة المحلّلة و عدمه، فإنّه قد يحصل العلم مع الحياة المستقرّة، و قد لا يحصل مع عدمها.

و ممّا تدلّ على ما ذكرنا أيضا حسنة حمران في الذبيحة، و فيها: «فإن تردّى في جبّ أو وهدة من الأرض فلا تأكله و لا تطعمه، فإنّك لا تدري التردّي قتله أو الذبح» «3»، إذ ظاهر أنّ مع الذبح لا تبقى حياة مستقرّة، فالصواب ترك ذلك القيد الذي ليس في الأخبار أيضا عنه ذكر.

و هل يقوم الظنّ الغالب في المقام مقام العلم، أم لا؟

الحقّ: هو الثاني، للأصل، و التقييد في كثير من الأخبار- كصحيحتي سليمان و محمّد بن قيس و موثّقة سماعة و رواية أبي بصير و مرسلة الفقيه- بالعلم أو الدراية.

و حكي عن بعض الاكتفاء بالظنّ «4»، و لعلّه لقوله في رواية زرارة:

«و قد ترى أنّه لم يقتله غير سهمك»، و للاكتفاء بخروج الرأس عن الماء أو إجادة الذبح، و التفصيل بين الأكل منه و عدمه بعد الغيبوبة في

رواية عيسى ابن عبد اللّه السابقة «5»، فإنّ شيئا منها لا يفيد غير الظنّ.

و هو حسن، و يؤيّده عدم حصول غير الظنّ الغالب غالبا، لجواز

______________________________

(1) الكفاية: 245.

(2) مجمع الفائدة 11: 22.

(3) الكافي 6: 229- 4، الوسائل 24: 26 أبواب الذبائح ب 13 ح 2.

(4) كما في كشف اللثام 2: 72، و الكفاية: 245، و المفاتيح 2: 213.

(5) في ص: 311.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 346

استناد الموت إلى خوف حصل له عند وصول الآلة، أو سبب آخر من الأمراض يخرج به روحه، فتكون هذه الوجوه قرينة لإرادة الظنّ الغالب من العلم.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ المعتبر هو العلم العادي أو ما يقوم مقامه شرعا، و منه أصالة عدم حدوث أمر آخر صالح لإزهاق الروح، أو عدم تأثير الأمر الحادث في الإزهاق.

و لازمه الحلّية إذا صلحت الآلة المحلّلة الحادثة للإزهاق، كإجادة الذبح أو شقّ البطن و خروج الحشو و فتق القلب، و لم يعلم حدوث ما يصلح له، أو تأثير الحادث فيه، كالوقوع في الماء مع خروج الرأس.

و الحرمة إذا صلح الأمران الحادثان للتأثير، كما إذا دخل الرأس في الماء أو قطع بعضه و أكله، و الظاهر تلازم الأمرين غالبا، أي العمل بالظنّ و الأصل في المسألة، و الأحوط عدم التعدّي عن العلم أو ما يقوم مقامه.

و منها: عدم إدراك الصائد المتمكّن من التذكية و الذبح مع اتّساع الوقت لها للصيد حيّا
اشاره

، فإن أدركه كذلك لم يحلّ الصيد بدون التذكية الذبحيّة.

أمّا اشتراط التذكية- مع إدراكه حيّا و لو بحياة غير مستقرّة و إمكان التذكية و اتّساع الزمان لها- فلا يعرف فيه خلاف مع استقرار الحياة.

و يدلّ عليه قوله في صحيحة محمّد و غير واحد: «إن أخذه فأدركت ذكاته فذكّه، و إن أدركته و قد قتله و أكل منه

فكل» «1».

و في صحيحة الحذّاء: «فإذا أدركه قبل قتله ذكّاه» «2».

______________________________

(1) الكافي 6: 202- 2، التهذيب 9: 22- 89، الاستبصار 4: 67- 241، الوسائل 23: 341 أبواب الصيد ب 4 ح 2.

(2) الكافي 6: 203- 4، التهذيب 9: 26- 106، الوسائل 23: 340 أبواب الصيد ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 347

و في رواية أبي بصير: «و إن أدركت صيده و كان في يدك حيّا فذكّه، فإن عجّل عليك فمات قبل أن تذكّيه فكل» «1».

و في الأخرى في البعير الممتنع المضروب بالسيف أو الرمح: «فكل، إلّا أن تدركه و لم يمت بعد فذكّه» «2».

و في رواية عبد اللّه بن سليمان: «إذا طرفت العين أو ركضت الرّجل أو تحرّك الذنب و أدركته فذكّه» «3».

و الرضوي: «إذا أردت أن ترسل الكلب على الصيد فسمّ اللّه، فإن أدركته حيّا فاذبحه أنت، و إن أدركته و قتله كلبك فكل منه» «4».

و بهذه الأخبار يخصّ عموم الكتاب و السنّة، مع أنّ أكثرها معلّق للحلّ على القتل.

لا يقال: الأمر بالتذكية لا يدلّ إلّا على وجوبها أو رجحانها، لا على اشتراطها في الحلّية الثابتة لمقتول الكلب- مثلا- بالعمومات.

قلنا: تثبت الحرمة بدونها بالإجماع المركّب، بل تثبت بالمفهوم في بعض الأخبار المذكورة أيضا.

و أمّا عدم اشتراطها مع عدم إمكان التذكية- لعدم وسعة الوقت، أو لعدم حضور الآلة، أو امتناع الصيد ببقيّة قوّته حتى مات، أو نحو ذلك- فعلى الحقّ الموافق لجماعة، منهم: الصدوق و الإسكافي «5» و الشيخ في النهاية «6»

______________________________

(1) التهذيب 9: 28- 112، الوسائل 23: 341 أبواب الصيد ب 4 ح 3.

(2) الكافي 6: 231- 1، التهذيب 9: 54- 223، الوسائل 24: 21 أبواب الذبائح ب 10 ح

5.

(3) الكافي 6: 232- 1، الوسائل 24: 24 أبواب الذبائح ب 11 ح 7.

(4) فقه الرضا «ع»: 296، مستدرك الوسائل 16: 111 أبواب الصيد ب 11 ح 2.

(5) الصدوق في المقنع: 138، حكاه عن الإسكافي في المفاتيح 2: 215.

(6) النهاية: 581.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 348

و المختلف و الكفاية و المفاتيح «1» و جمع أخر من القدماء «2» و المتأخّرين «3».

و تدلّ عليه إطلاقات الكتاب و السنّة الخالية عن المقيّد سوى ما مرّ من أوامر التذكية، و هي غير مفيدة، لتقييد الأمر الشرعي المثبت للشرطي هنا بالإمكان قطعا.

مع أنّه على فرض الدلالة مطلقة يجب تقييدها بصحيحة جميل: عن الرجل يرسل الكلب إلى الصيد فيأخذه و ليس معه سكّين يذكّيه بها، أ يدعه حتى يقتله و يأكل منه؟ قال: «لا بأس» الحديث «4».

و روايته: أرسل الكلب و اسمّي عليه فيصيد و ما بيدي شي ء أذكّيه، فقال: «دعه حتى يقتله و كله» «5».

و مرسلة الفقيه: «إن أرسلت كلبك على صيد فأدركته و لم يكن معك حديدة تذبحه بها فدع الكلب يقتله ثمَّ كل منه» «6» و نحوها في الرضوي «7».

و المخالف في الأول فرقتان:

إحداهما: من استشكل في اعتبار التذكية مع إدراك الحياة مطلقا، و هو صاحب الكفاية، حيث قال: و إن بقيت فيه حياة مستقرّة فظاهرهم وجوب المبادرة بالمعتاد إلى تذكيته، و في إثباته إشكال «8». انتهى.

______________________________

(1) المختلف: 676، الكفاية: 246، المفاتيح 2: 214.

(2) منهم ابن حمزة في الوسيلة: 356.

(3) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 222، و صاحب الرياض 2: 267.

(4) الكافي 6: 204- 8، التهذيب 9: 23- 93، الوسائل 23: 344 أبواب الصيد ب 6 ح 2.

(5) الكافي 6: 206- 17، التهذيب 9:

25- 101، الوسائل 23: 348 أبواب الصيد ب 8 ح 2.

(6) الفقيه 3: 205- 934، الوسائل 23: 348 أبواب الصيد ب 8 ح 3.

(7) فقه الرضا «ع»: 296، مستدرك الوسائل 16: 108 أبواب الصيد ب 8 ح 1.

(8) كفاية الأحكام: 246.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 349

و لعلّه مبنيّ على قاعدته من الاستشكال في دلالة الأوامر الشرعيّة على الوجوب. و لا وجه له.

إلّا أن يقال: الوجوب الشرعي- الذي هو حقيقة الأوامر- منفيّ هنا، فيحمل على المجاز، و إذ لا يتعيّن فيحتمل مجرّد الرجحان.

و لكن يرد عليه: أنّ المدلول عليه بالقرائن الحاليّة في أمثال المقام كون التجوّز هو الوجوب الشرطي، و هو مراد الأصحاب أيضا من وجوب التذكية هنا، مع أنّ في انتفاء الوجوب الشرعي هنا أيضا نظرا، لكون ترك التذكية إتلافا للمال المحترم و تضييعا له، و هو الإسراف المحرّم بالكتاب و السنّة، فيكون فعل ضدّه واجبا، و قد صرّح بذلك المحقّق الأردبيلي قدّس سرّه في المسألة «1».

و ثانيتهما: من قال بعدم اعتبارها مع الحياة الغير المستقرّة، و تخصيص وجوبها بالحياة المستقرّة المعتبرة في بعض كلماتهم بما يمكن البقاء يوما أو يومين «2»، بل في بعضها: الأيّام «3»، و في بعض آخر: يوما أو بعض يوم. و هو المحكيّ عن المبسوط «4»، بل عن المشهور بين المتأخّرين كما في شرح المفاتيح و غيره «5»، بل مطلقا كما في المفاتيح «6»، و هو المصرّح به في كلام الفاضلين «7».

و استدلّ له بأنّ ما لا تستقرّ حياته قد صار بمنزلة المقتول، و هو

______________________________

(1) مجمع الفائدة 11: 49.

(2) التحرير 2: 156، الإيضاح 4: 120.

(3) كما في كشف اللثام 2: 75.

(4) المبسوط 6: 260.

(5) كالرياض 2: 268.

(6) المفاتيح

2: 214.

(7) المحقق في الشرائع 3: 207، و العلّامة في المختلف: 676، و التحرير 2: 156.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 350

اجتهاد فاسد في مقابلة النّص.

و قد يتوهّم أنّ القتل- الذي علّقت عليه الحلّية- يتحقّق عرفا مع انتفاء استقرار الحياة، فيقال لمن ضرب شخصا ضربا يقطع بموته بعد لحظة أو لحظتين: إنّه قتله.

و فيه- مع أنّ ذلك تجوّز يراد به أنّه أشرفه على القتل، و يراد أنّه يتحقّق قطعا-: أنّ ذلك لو سلّم فليس في عدم استقرار الحياة بالمعنى المتقدّم، فإنّه يقال لمن قطع بموته غدا أو بعد غد: إنّه لم يقتله بعد.

نعم، لو توهّم فإنّما هو إذا أريد منه أحد المعاني الأخر الذي ذكروه كما قيل: إنّ غير مستقر الحياة ما لم يتّسع الزمان للتذكية مع حضور الآلة، أو ما كانت حركته حركة المذبوح، أو ما لم تطرف عينه و لم تركض رجله و لم يتحرك ذنبه، ذكر هذه المعاني المحقّق الأردبيلي «1». أو ما قطع حلقومه أو فتق قلبه أو شقّ بطنه، ذكره بعض آخر «2». و مع ذلك أيضا لا يفيد، لتعليق الحكم في روايتي أبي بصير المتقدّمتين بالموت و عدم الموت، و عدم صدق الموت مع بقاء مطلق الحياة ظاهر.

و لو لا هاتان الروايتان لكنّا نفسّر الحياة المستقرّة بما هو ظاهر معناها، أي الحياة التي لم تشرع بعد في الخروج و لها استقرار في البدن، و غير المستقرّة بما تزلزل عن مستقرّه و شرع في النقصان و الانتفاء و الخروج و إن بقي منه شي ء بعد.

و هذا المعنى هو الراجع إلى أحد المعاني الأربعة الأخيرة، و نحكم باشتراط وجوب التذكية بالحياة المستقرّة، لصدق القتل عرفا بل لغة مع

______________________________

(1) مجمع الفائدة

11: 50- 51.

(2) انظر المسالك 2: 222، و الرياض 2: 266.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 351

جعل الحيوان بهذه المثابة، و لا دليل على توقّف صدق القتل لغة على خروج تمام الروح، مع عدم صحّة السلب عمّا خرج شي ء من روحه و يتدرّج في الخروج إلى أن يتمّ، و لبقاء هذه الحياة الغير المستقرّة للذبائح بعد التذكية و لا يحتاج إلى تذكية أخرى.

و لذا قالوا بعدم إبانة الرأس بعد التذكية و قبل خروج الروح، فيعلم منه أنّه تحصل التذكية بما يجعل الحياة غير مستقرّة بهذا المعنى، فتكون حاصلة في الصيد أيضا.

و لا تضرّ أخبار طرف العين أو ركض الرّجل أو حركة الذنب في ذلك أصلا، لأنّ أكثرها- كما يأتي- واردة في خصوص الذبيحة، و نادر منها يحتملها و يحتمل الإطلاق أيضا، و المراد منها بيان وقت إدراك ذكاة ما لم يذكّ بعد و يراد تذكيته، لا ما وردت عليه تذكية صيديّة أو ذبحيّة.

و بالجملة: واردة فيما لم يكن مسبوقا بتذكية، أو ما يحتمل كونه تذكية.

و منه يظهر حال رواية ليث المرادي الواردة في صيد الصقور و البزاة:

«كل ما لم يقتلن إذا أدركت ذكاته، [و آخر] الذكاة إذا كانت العين تطرف و الرّجل تركض و الذنب يتحرّك» «1» فإنّه هذه الذكاة أيضا غير مسبوقة بتذكية. فهو كالذبيحة و لا يشترط فيها حياة مستقرة إلّا أنّ الروايتين المذكورتين تصدّنا عن الحكم بذلك الأمر المناسب للاعتبار.

و لعلّ المتأخّرين- لبنائهم في العمل على تنويع الأخبار بأنواعها

______________________________

(1) الكافي 6: 208- 10، التهذيب 9: 33- 131، الاستبصار 4: 73- 267، الوسائل 23: 350 أبواب الصيد ب 9 ح 4، بدل ما بين المعقوفين في النسخ:

و خير، و ما أثبتناه من

المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 352

المعروفة، و عدم العمل بالضعيف- أطرحوا الخبرين من البين، و حكموا بالفرق بين الحياتين.

و أمّا القدماء، فلعدم معرفتهم في الأخبار بهذه التفرقة لم يذكروا ذلك، و علّقوا الحكم على الحياة و الموت بالإطلاق.

و ترك جماعة- منهم: الشهيدان «1»، و من تبعهما ممن تأخّر عنهما «2»، و ابن حمزة كما حكي عنه في المختلف و التنقيح «3»- اعتبار استقرار الحياة.

و لذا قال الشهيدان- كما حكي عنهما في شرح المفاتيح-: إنّه ليس في كلام قدمائنا حكاية استقرار الحياة.

و حكي عن الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد أنّ اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب «4».

و هو الظاهر- كما قيل- «5» من الشيخ و الحلّي أيضا، حيث نسبا مفاد الأخبار- الذي هو الإطلاق- إلى الأصحاب، أو إلى رواياتهم، فتأمّل.

و يحتمل أن يكون هذا الكلام منهم في الذبيحة دون الصيد، كما هو الظاهر، و خلط في المقامين من لم يفهم الفرق بين التذكيتين، فإنّ الظاهر أنّ بناء الأصحاب في غير الصيد عدم الاعتناء بالحياة المستقرّة و الاكتفاء بطرف العين و مثله لبقاء الحياة، و في الصيد اعتبار استقرار الحياة بالمعنى الذي ذكرناه في لزوم التذكية لئلّا ترد تذكية على تذكية، فإنّ بقاء الحياة الغير المستقرّة بعد الذبح كما لا يحتاج بعده إلى تذكية فيلزم أن يكون

______________________________

(1) الشهيد الأول في الدروس 2: 415، الشهيد الثاني في الروضة 7: 227.

(2) كالفيض في المفاتيح 2: 214، و صاحب الرياض 2: 268.

(3) المختلف: 676، التنقيح 4: 7، و هو في الوسيلة: 356.

(4) حكاه عنه في الدروس 2: 415.

(5) في الرياض 2: 268، و هو في المبسوط 6: 260.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 353

كذلك في الصيد.

و لذا اشترطوا في لزوم تذكيته بقاء الحياة المستقرّة، و لم يشترطوه في الذبيحة و مثلها، و منه صيد الصقور و البزاة، و غير الماهر في الفنّ قد يرى في كتب المحقّقين من العلماء اشتراط المستقرّة في الصيد دون غيره، فيحكم بالتنافي بين الموضعين، و لقد كنّا نحكم بالتفصيل أيضا لو لا الروايتان كما ذكرنا.

و أمّا المخالف في الثاني فهو أيضا بين طائفتين:

أولاهما: من يقول باشتراط التذكية في حلّية الصيد مع استقرار حياته و لو لم يتّسع الوقت لها، فلو تركها و الحال ذلك حتى مات حرم، حكي عن الخلاف و السرائر و المختلف «1»، لإطلاقات الأمر بالتذكية مع الحياة.

و أجيب بلزوم تقييد الأمر بها بالقدرة، و مع عدم اتّساع الوقت لا تكون مقدورة «2».

و فيه: أنّ لزوم التقييد بالقدرة إنّما هو في الأمر بمعنى الوجوب الشرعي دون الشرطي، إلّا أن يقال بالشرعيّة هنا بالتقريب الذي تقدّم منّا، فيقيّد بالقدرة، و يبقى حال عدمها تحت عمومات حلّية الصيد.

هذا، مع أنّ قوله-: «فإن عجّل عليك» في ذيل رواية أبي بصير- صريح في الحلّية مع عدم اتساع الوقت، منجبر بحكاية الشهرة في المسالك و الروضة «3» لو قيل بضعف الرواية، فبه تقيّد الأوامر لو كانت شرطيّة مطلقة.

و ثانيتهما: من يقول باشتراطها في الحلّية لو كان عدم إمكانها لعدم حضور الآلة، فلو لم يذكّها لعدم حضور الآلة لم تحلّ، ذهب إليه المحقّق

______________________________

(1) الخلاف 2: 518، السرائر 3: 85، المختلف: 676.

(2) كما في الرياض 2: 267.

(3) المسالك 2: 223، الروضة 7: 207.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 354

في كتابيه «1»، و حكي عن الحلّي و ابن حمزة «2»، بل نسب إلى المشهور «3»، لأصالة الحرمة، و الأخبار المتقدّمة

الدالّة على اعتبار الذبح بعد إدراكه مطلقا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 15    354     و منها: عدم إدراك الصائد المتمكن من التذكية و الذبح مع اتساع الوقت لها للصيد حيا ..... ص : 346

يردّه ما مرّ من إطلاقات الكتاب و السنّة، و من صحيحة جميل و ما تعقّبها من الروايات المتقدّمة «4».

و أجيب عن الأول: بمنع إطلاق الكتاب و السنّة استنادا إلى أنّه لو كان كذلك لجاز ترك التذكية مع وجود [آلة] «5» الذبح «6».

و هو مردود بأنّه نعم كان كذلك لو لا الإجماع و الأخبار الموجبة للتذكية مع إدراكها.

و القول بأنّ الأخبار المذكورة شاملة لمفروض المسألة أيضا، لأنّ غايتها التقييد بالإمكان و عدم العذر، و فقد الآلة ليس بعذر، كما في الحيوان الغير الممتنع الممكن فيه التذكية «7».

مردود بأنّه لم ليس فقد الآلة عذرا؟! مع أنّه لا يمكن الذبح بدونها البتّة، مع أنّه قد يكون فقدها لنسيان أخذها، أو عدم إرادة صيد أولا، أو افتقارها بعد الأخذ، أو انكسارها. و عدم كونه عذرا في غير الممتنع لأنّه لا يقبل العذر أصلا، و لذا لو مات قبل وصول المالك إليه- و لو عجّل في

______________________________

(1) المختصر النافع: 249، و الشرائع 3: 203.

(2) الحلي في السرائر 3: 93، و ابن حمزة في الوسيلة: 356، حكاه عنهما في المختلف: 674.

(3) في الرياض 2: 267.

(4) في ص: 348.

(5) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

(6) انظر الإيضاح 4: 122.

(7) الرياض 2: 267.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 355

الوصول غاية التعجيل- لم يحلّ، و كيف يكون عدم اتساع الزمان عذرا كما ذكره هذا القائل و لا يكون ذلك عذرا؟! و التفرقة بينهما- بصدق الإدراك مع فقد الآلة عرفا

و عدم صدقه مع عدم اتّساع الزمان- فاسدة، لأنّه إن أريد إدراك الذكاة فلم يدركها في شي ء من الحالين، و إن أريد إدراك الحياة فقد أدركها في الحالين، مع أنّه استدلّ للتقييد باتّساع الزمان بعدم المقدورية بدونه- و هو هنا يتحقّق قطعا- لا بعدم صدق الإدراك.

و عن الثاني: بمنع دلالة الروايات المتقدّمة، لأنّها لا تدلّ على الأزيد من أخذ الكلب للصيد، و هو غير صريح في إبطال امتناعه، بل يجوز أن يكون الصيد بعد باقيا على الامتناع و الكلب ممسك له، فإذا قتله حينئذ فقد قتل ما هو ممتنع، فيحلّ بالقتل «1».

و فيه: أنّ قوله: و لا يكون معه سكّين، و قوله: فيذكّيه بها، و قوله:

أ يدعه؟ و: «دعه» قرائن موجبة لصراحته في صورة إبطال الامتناع، سيّما أنّ الغالب بطلانه بمجرّد الأخذ، و تتضمن المرسلة لقوله: «فأدركته» الذي هو بعينه عبارة أدلّة الأمر بالتذكية.

و القول بأنّ غاية ما يفيد تلك القرائن الظهور، و هو لا ينافي الحمل على صورة بقاء الامتناع جمعا بين الأدلّة.

فاسد جدّا، إذ هل تكون الأدلّة الشرعيّة إلّا الظواهر؟! و بها تخصّص العمومات و تقيّد الإطلاقات، و لا يقول أحد بارتكاب خلاف الظاهر في الخاص أو المقيّد جمعا بينه و بين العام أو المطلق.

______________________________

(1) الإيضاح 4: 122.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 356

و أفسد منه ما قيل: إنّه على تقدير الصراحة أيضا يقوى القول باعتبار التذكية مع فقد الآلة، لاعتضاده بالشهرة العظيمة، التي هي من المرجّحات الشرعية «1».

فإنّه أين ثبتت الشهرة فضلا عن العظيمة؟! غايتها المحكيّة، و هي ليست بتلك المثابة، مع أنّ المرجّح ليس هذه الشهرة، بل هي الشهرة في الرواية، و هي هنا مفقودة.

و أيضا الاحتياج إلى المرجّح إنّما

هو مع التعارض المحتاج إليه، و بعد تسليم الصراحة تكون الصحيحة و ما بمضمونها خاصّة، فتكون مقدّمة البتّة، سيّما مع عمل فحول القدماء بها.

و لو سلّم التعارض فلا يكون مرجّح، فيرجع إلى أصل الإباحة و التذكية بعد التسمية.

فروع:
أ: المشهور- كما قيل «2»- وجوب المسارعة العرفيّة بالمعتاد إلى الصيد بعد إرسال الآلة أو بعد إصابتها الصيد

شرطا أو شرعا.

و تأمّل فيه جماعة من المتأخّرين، كالمحقّق الأردبيلي «3» و صاحب الكفاية «4» و شارح المفاتيح و بعض مشايخنا المعاصرين «5»، مصرّحين بعدم وجدانهم دليلا عليه.

______________________________

(1) الرياض 2: 267.

(2) الرياض 2: 268.

(3) مجمع الفائدة 11: 49.

(4) الكفاية: 246.

(5) صاحب الرياض 2: 268.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 357

إلّا ما ذكره الأول من أنّه لو لا المسارعة لاحتمل إصابة الآلة و مجرّد الجرح بها ثمَّ الموت بعده لا بذلك الجرح فقط فلا يكون مقتولا بالآلة فيحرم. أمّا مع المسارعة فإن أدركه حيّا يذكّيه، و إلّا فيعلم أنّه مقتول الآلة.

و ما ذكره الأخير من أصالة الحرمة، و عدم انصراف الإطلاقات إلى صيد لم تتحقّق إليه المسارعة المعتادة، لأنّ المتبادر منها ما تحقّقت فيه، و إلّا لحلّ الصيد مع عدمها و لو بقي غير ممتنع سنة ثمَّ مات بجرح الآلة، مع أنّ الثابت من استقراء النصوص دوران حلّ الصيد بالاصطياد و حرمته مدار حصول موته حال الامتناع به و عدمه مع القدرة عليه، فيحلّ في الأول دون الثاني إلّا مع تذكيته.

و عن الحلّي الإجماع عليه، حيث قال: و لا يحلّ مقتول الكلب إلّا مع الامتناع إجماعا، فلو أخذته الآلة و صيّرته غير ممتنع توقّف حلّها على التذكية، فيجب تحصيلها بالمسارعة المعتادة «1».

و يرد على الأول: أنّ الاحتمال المذكور جار مع المسارعة أيضا، و قد يعلم استناد الموت بدون المسارعة مع القرائن، و بالجملة: العلم باستناد الموت إلى

الاصطياد أمر آخر وراء المسارعة.

و على الثاني: منع أصالة الحرمة بعد إرسال الآلة و إجراء التسمية، و عدم تفاوت الإطلاقات بالنسبة إلى ما تحقّقت إليه المسارعة أو لم تتحقّق، و نسلّم حلّية ما مات بالجرح و لو بعد سنة و إن ادّعي الإجماع على خلافه فهو فيه الحجة، و منع دلالة الاستقراء على ما ذكره، و أيّ نصّ أو ظاهر فيه عليه الدلالة؟!

______________________________

(1) حكاه عنه في التنقيح 4: 14، و الرياض 2: 268، و هو في السرائر 3: 93.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 358

و مراد الحلّي بيان ما يحلّ بالصيد- أي الحيوان الممتنع، كما ذكرنا أيضا- لا وقوع الموت و القتل للممتنع حال الامتناع، فإنّه غير محقّق غالبا، إذ بعد الأخذ و الإصابة يضعف الصيد شيئا فشيئا حتى يموت.

و على هذا، فما ذكروه من خلوّ ذلك عن الدليل مطابق للواقع، و الأصل يقتضي العدم، إلّا أنّ بعد مشاهدة الصائد إصابة الآلة إلى الصيد و إيجابه عجزه و ضعفه و إبطال امتناعه يصدق إدراكه حيّا و تجب تذكيته، فتلزم المسارعة إليه، لئلّا يموت الصيد المدرك حياته، و لا يبعد أن يكون مرادهم ذلك أيضا.

ب: قال بعض شرّاح المفاتيح باختصاص أدلّة وجوب التذكية مع إدراك الصيد حيّا بما صيد بالآلة الحيوانيّة

، قال: و وجوب التذكية فيما صيد بالآلة الجماديّة مع إدراكه حيّا و وجوب المسارعة إليه بالمعتاد فمستنده غير واضح.

أقول: تدلّ عليه رواية أبي بصير الثابتة في البعير الممتنع، المتقدّمة في صدر هذا الشرط «1».

إلّا أن يقال: إنّها مخصوصة بما تجب ذكاته أصلا و رخّص في الضرب بالسيف و الرمح لمكان العذر، فإذا ارتفع و حياته باقية يعمل فيه بمقتضى أصله، بخلاف ما لم يكن أصله كذلك، و الإجماع المركّب غير ثابت.

و على هذا، فلا ينبغي الريب في حلّ مقتول

الآلة الجماديّة إذا أدركه مع الحياة الغير المستقرّة بالمعنى الذي ذكرناه من شروع الروح في

______________________________

(1) في ص: 347.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 359

الخروج، للإطلاقات و عدم المقيّد في المقام، و أمّا فيما أدركت حياته المستقرّة فالأحوط التذكية مع الإمكان و اتّساع الزمان و وجود الآلة، كما في المقتول بالآلة الحيوانيّة.

ج: اعلم أنّ ما ذكر إنّما هو إذا لم يقطع بعض أعضاء الحيوان بالآلة،

و أما إذا قطع و أبين منه فهو مسألة أخرى، لتعارض أخبار الأجزاء المبانة من الحيّ مع بعض الإطلاقات، فلها حكم آخر غير حكم هذه المسألة، و ما أصاب من جعل المسألتين من باب واحد، و لذا أشكل عليه المقام و أمّا على ما ذكرنا فلا إشكال كما يأتي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 360

الفصل الخامس في سائر أحكام الصيد و ما يتعلّق به و فيه مسائل:
المسألة الاولى: لا يشترط في حلّ الصيد اصطياده بآلة مباحة،

فلو غصب كلبا أو سهما أو غيرهما من الآلات فاصطاد به صيدا لم يحرم الصيد و إن فعل حراما، للأصل، و الإطلاقات، و عدم دلالة النهي في أمثال المقام من المعاملات على الفساد و إن دلّ عليه في العقود و الإيقاعات.

المسألة الثانية: الحقّ المشهور: أنّ موضع عضّ الكلب من الصيد نجس يجب غسله

، لما ثبت من نجاسة الملاقي للكلب بالرطوبة.

خلافا للمحكيّ عن المبسوط و الخلاف «1»، فقال بطهارة موضع العضّ، لظاهر قوله سبحانه فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ «2» من غير أمر بالغسل.

و فيه: أنّ الإذن في الأكل لا ينافي توقّفه على أمر آخر إذا ثبت بدليل آخر.

المسألة الثالثة: المشهور كراهة رمي الصيد بآلة أكبر منه

- كقتل العصفور بالسيف و الرمح- لمرفوعة محمّد بن يحيى: «لا يرمي الصيد بشي ء هو أكبر منه» «3».

______________________________

(1) المبسوط 6: 259، الخلاف 2: 517.

(2) المائدة: 4.

(3) الكافي 6: 211- 12، التهذيب 9: 35- 142، الوسائل 23: 370 أبواب الصيد ب 21 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 361

و عن الشيخ في النهاية «1» و ابن حمزة «2»: حرمته، استنادا إلى المرفوعة.

و هو ضعيف، لقصورها حجيّة و دلالة.

و أضعف منه قولهما بتحريم الصيد أيضا بذلك.

المسألة الرابعة: لو تقاطعت الكلاب أو السيوف مع اجتماع الشرائط- التي منها: التسمية على كلّ واحد- حلّ الصيد
اشاره

بشرط عدم إدراك الصائد إيّاه حيّا في متقاطع الكلاب، بلا خلاف- كما قيل «3»- لوجود شرائط الحلّ، و انتفاء المانع، إذ ليس إلّا تعدّد الآلة، و هو لا يصلح للمانعيّة، للأصل المشار إليه مرارا و الإطلاقات.

مضافا إلى مفهوم التعليل الوارد في رواية أبي بصير، المتقدّمة في المسألة الثانية من البحث الأول من الفصل الأول «4»، فإنّه يدلّ على حلّ الصيد بتعدّد الآلة.

و إلى موثّقة محمّد الحلبي المتقدّمة في الاولى من البحث الثاني من الفصل الأول «5».

و لا فرق بين تقاطع الكلاب إيّاه و حياته مستقرّة و عدمه.

نعم، لو تقاطع الصائدون المتعدّدون مقتول الكلب يشترط في حلّه وقوع فعلهم بعد موت الصيد على المختار، و بعد صيرورته في حكم المذبوح و انتفاء استقرار حياته عند من يشترط في وجوب التذكية بقاء

______________________________

(1) النهاية: 580.

(2) في الوسيلة: 357- 358.

(3) في الرياض 2: 265.

(4) في ص: 285.

(5) في ص: 311.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 362

الحياة المستقرّة، وفاقا لجماعة، منهم: السرائر و المسالك «1»، بل هو المشهور بين الأصحاب، و وجهه ظاهر، لمطابقته للقاعدة المقرّرة في المسألة.

و خلافا للمحكيّ عن الشيخ في النهاية «2»، فسوّى بين تقاطع الكلاب و الصائدين في الحلّية،

لموثّقة محمّد الحلبي المتقدّمة إليها الإشارة، و لصحيحة محمّد بن قيس «3» و مرسلة الفقيه «4» الواردتين في الإبل المصطاد.

و أجيب عنها: بقصورها عن مكافاة أصالة الحرمة و الأدلّة الدالّة على اعتبار التذكية في الحيوانات الغير الممتنعة، مع قصورها عن صراحة الدلالة، لتأتّي الاحتمالات العديدة، كعدم صيرورة الصيد بالأول غير ممتنع، و اجتماع الجميع للشرائط، فيكونون فيه شركاء، أو كون التقطيع بعد الموت أو بعد الحياة المستقرّة، أو حمل التقطيع على الذبح.

و يرد عليه: منع أصالة الحرمة في المقام، و منع مكافاتها للأخبار الصحيحة و الموثّقة لو سلّمت، و منع اشتراط التذكية في الحيوانات الممتنعة العاجزة عن الامتناع بالآلات الصيديّة، فإنّها بذلك غير خارجة عن صدق الصيد كما مرّ، و منع قصورها في الدلالة، غايتها أنّها بالعموم أو الإطلاق الذي هو في الألفاظ حجّة.

نعم، تتعارض تلك الأخبار بالعموم من وجه مع أخبار التذكية، و إذ لا مرجّح- سوى الشهرة المحكيّة التي هو للترجيح غير صالحة- فيرجع إلى

______________________________

(1) السرائر 3: 96، المسالك 2: 221.

(2) النهاية: 581.

(3) الكافي 6: 210- 2، التهذيب 9: 34- 138، الوسائل 23: 364 أبواب الصيد ب 17 ح 2.

(4) الفقيه 3: 204- 930، الوسائل 23: 362 أبواب الصيد ب 16 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 363

الأصل، و هو- على ما ذكرنا بعد اجتماع شرائط التذكية- مع الحلّية، فقول النهاية في غاية القوّة و المتانة، و الاحتياط أولى و أحسن.

فرع: لو رمى شخصان صيدا فوجداه ميّتا بالرميين

، فإن كان الجرح عن كلّ واحد مستقلّا في سببيّة الموت لو لا الآخر حلّ الصيد، و كذا إن جعلاه غير ممتنع و أدركا ذكاته، و يحكم بالشركة بينهما نصفين، و يحتمل القرعة.

و إن لم يكن كلّ واحد من الجرحين

مستقلّا في إزالة الحياة، قيل:

لم يحلّ، لاحتمال جعله أحدهما غير ممتنع خارج عن الصيديّة متوقّف حلّه على الذبح ثمَّ قتله الآخر فقتل آلة الصيد غير ممتنع فلا يحلّ، و بمجرّد الاحتمال تنفى الحلّية «1».

و فيه أولا: أنّ الأصل عدم انتفاء الامتناع قبل وصول الآلة الثانية.

و ثانيا: ما عرفت من عدم الخروج عن الصيديّة بمجرّد عدم «2» الامتناع الحاصل من الصيد، مع أنّه لو صحّ ذلك لما حلّ صيد إلّا نادرا، إذ يحتمل في مقتول الكلب الواحد أن يجعله أولا غير ممتنع بجرح أو كسر ثمَّ يقتله، فكان قتل غير الممتنع، و فساده ظاهر.

المسألة الخامسة: قد مرّ في كتاب المطاعم حرمة الأجزاء المبانة من الحيّ،

و سواء في ذلك إذا كانت الإبانة من آلات الصيد الحيوانيّة و الجماديّة أو من غيرهما، للإجماع، و إطلاق كثير من النصوص، و خصوص طائفة منها، و النصوص في ذلك عموما أو خصوصا كثيرة جدّا:

كرواية الكاهلي: عن قطع أليات الغنم- إلى أن قال-: «ما قطع منها

______________________________

(1) مجمع الفائدة 11: 57.

(2) في النسخ: ذلك الامتناع، و الظاهر ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 364

ميّت لا ينتفع به» «1».

و رواية أبي بصير: في أليات الضأن تقطع و هي أحياء «إنّها ميتة» «2».

و صحيحة الوشّاء: يثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها، فقال: «حرام هي «3»» «4».

و مرسلة النضر: في الظبي و حمار الوحش يعترضان بالسيف فيقدّان، فقال: «لا بأس بأكلهما ما لم يتحرّك أحد النصفين، فإن تحرّك أحدهما فلا يؤكل الآخر لأنّه ميّت» «5».

و رواية غياث بن إبراهيم: في الرجل يضرب الصيد فيقدّه نصفين، قال: «يأكلهما جميعا، فإن ضربه و بان منه عضو لم يأكل منه ما أبانه و أكل سائره» «6».

و مرسلة الفضل النوفلي: ربّما رميت بالمعراض فأقتل، فقال: «إذا قطعه جدلين فارم

بأصغرهما و كل الأكبر، و إن اعتدلا فكلهما» «7».

و رواية إسحاق بن عمّار: في رجل ضرب غزالا بسيفه حتى أبانه

______________________________

(1) الكافي 6: 254- 1، الفقيه 3: 209- 967، التهذيب 9: 78- 330، الوسائل 24: 71 أبواب الذبائح ب 30 ح 1.

(2) الكافي 6: 255- 2، الوسائل 24: 72 أبواب الذبائح ب 30 ح 3.

(3) في النسخ زيادة: ميت.

(4) الكافي 6: 255- 3، التهذيب 9: 77- 329، الوسائل 24: 71 أبواب الذبائح ب 30 ح 2.

(5) الكافي 6: 255- 6، التهذيب 9: 77- 326، الوسائل 23: 387 أبواب الصيد ب 35 ح 3.

(6) الكافي 6: 255- 7، الوسائل 23: 386 أبواب الصيد ب 35 ح 1.

(7) الكافي 6: 255- 5، التهذيب 9: 77- 327، الوسائل 23: 387 أبواب الصيد ب 35 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 365

أ يأكله؟ قال: «نعم يأكل ممّا يلي الرأس ثمَّ يدع الذنب» «1».

و صحيحة محمّد بن قيس: «ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فذروه فإنّه ميّت، و كلوا ما أدركتم حياته و ذكرتم اسم اللّه عليه» «2».

و صحيحة البصري: «ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميّت، و ما أدركت من سائر جسده حيّا فذكّه ثمَّ كل منه» «3».

و رواية عبد اللّه بن سليمان: «ما أخذت الحبالة فانقطع منه شي ء أو مات فهو ميتة» «4».

و تفصيل الكلام في هذه المسألة: أنّ القاطع للجزء إمّا آلة غير محلّلة- كالحبالة و الشبكة و آلات الصيد الغير الجامعة للشرائط- أو محلّلة، كالكلب و السيف و نحوهما الجامع للشرائط.

و على التقديرين: إمّا يقطع بجزأين ميّتين غير متحرّكين، أو جزأين حيّين بحياة غير مستقرّة، أو أحدهما ميّت و الآخر

حيّ بحياة مستقرّة أو غير مستقرّة، و أمّا الجزءان الحيّان بحياة مستقرّة فهو غير ممكن.

فعلى الأول- أي إذا كانت الآلة غير محلّلة-: فمع القطع بالميّتين يحرم الجزءان، و الوجه واضح.

______________________________

(1) الكافي 6: 255- 4، التهذيب 9: 77- 328، الوسائل 23: 387 أبواب الصيد ب 35 ح 2.

(2) الكافي 6: 214- 1، التهذيب 9: 37- 154، الوسائل 23: 376 أبواب الصيد ب 24 ح 1.

(3) الكافي 6: 214- 3، التهذيب 9: 37- 155، الوسائل 23: 376 أبواب الصيد ب 24 ح 2.

(4) الكافي 6: 214- 4، الوسائل 23: 377 أبواب الصيد ب 24 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 366

و كذا بالحيّين بالحياة الغير المستقرّة عند من يعتبر المستقرّة في تذكية الذبيحة.

و كذا عند من لا يعتبرها لو أدرك الصائد و الصيد ميّت، و يحلّ أحد الجزأين عنده بعد التذكية- و هو الجزء القابل لها- و يحرم الآخر، و لا يمكن تذكية الجزأين، لاختصاص أحدهما بمحلّها لا محالة، و أمّا التذكية الصيديّة الممكن ورودها على كلّ عضو فلم يثبت بدليل ورودها على بعض الحيوان المنفصل أصلا.

و كذا لو كان أحدهما خاصّة حيّا بحياة مستقرّة، فيحلّ بعد التذكية إجماعا.

و على الثاني- أي كون الآلة محلّلة-: فمع القطع بالميّتين يحلّ الجزءان بلا خلاف، لإطلاقات القتل بالآلات الصيديّة الخالية عن المعارض، و خصوص مرسلة النضر.

و بالحيّين بالحياة الغير المستقرّة، فإن لم يدركهما الصائد حتى ماتا معا حلّا بلا خلاف، لما مرّ أيضا.

و إن أدركهما حيّين فيحلّان أيضا عند من يعتبر الحياة المستقرّة في وجوب تذكية الصيد المدرك مطلقا، أو في إحدى الآلتين، أي الجماديّة كما اخترناه.

و أمّا من لا يعتبرها و يوجب التذكية فيلزمه توقّف حلّية الجزء

القابل للتذكية عليها، و أمّا الجزء الآخر فيحتمل الحلّية، لأحاديث الاصطياد و عدم قبوله التذكية، فهو ممّا لم تدرك ذكاته. و يحتمل الحرمة، لأنّه جزء مبان من الحيّ، و لعدم معهوديّة ورود تذكيتين ذبحيّة و صيديّة على صيد واحد باعتبار الجزأين، و الأحوط الاجتناب عنه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 367

و مع القطع بميّت و حيّ بالحياة المستقرّة مع إدراك الصائد التذكية، فيذكّي الحيّ وجوبا في صيد الكلب، و احتياطا في صيد الآلة، و يحرم الآخر إجماعا، لجميع الأخبار المتقدّمة.

و بالحياة الغير المستقرّة، فذهب الحلّي «1» و جماعة «2» بل كافّة المتأخّرين- كما قيل «3»- إلى حلّية الجزأين، لإطلاق أحاديث الاصطياد، سيّما صحيحة محمّد بن عليّ الحلبي، المتقدّمة في المسألة الاولى من البحث الثاني «4».

و عن النهاية «5» و القاضي و ابن حمزة «6» حرمة الجزء الميّت، لإطلاق مرسلة النضر و ما تأخّر عنها من الأخبار.

و التحقيق: تعارض الإطلاقين بالعموم من وجه في الجزء الميّت، و الترجيح للأول بموافقة الكتاب و أصل الحلّية الثابتة بعد ذكر اسم اللّه تعالى، فتأمّل.

و أمّا الجزء الحيّ، فحلال عند من يعتبر في وجوب التذكية الحياة المستقرّة، و كذا عند من يكتفي فيه بغير المستقرّة أيضا إن لم يدرك الصائد ذكاته، أو كان الجزء الحيّ غير محلّ التذكية، و إن أدركها مع كون المحلّ ممّا يقبلها فيتأتّى الإشكال من عدم معهوديّة حلّية جزأي حيوان واحد

______________________________

(1) السرائر 3: 95.

(2) منهم العلّامة في القواعد 2: 151، و الشهيد في الدروس 2: 399، و الفيض في المفاتيح 2: 315.

(3) في الرياض 2: 266.

(4) في ص: 309.

(5) النهاية: 581.

(6) القاضي في المهذّب 2: 436، و ابن حمزة في الوسيلة: 357.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 15، ص: 368

بتذكيتين مختلفتين، و من إطلاقات الحلّية بالتذكيتين، و الأحوط الاجتناب عن الجزئين.

المسألة السادسة: قد تقدّم أنّ للصيد و الاصطياد معنيين:
اشاره

أحدهما: إزهاق روح الحيوان الوحشي الممتنع بالأصالة و تذكيته قبل أخذه.

و الثاني: إثبات اليد عليه و أخذه حيّا لتملّكه.

و قد سبقت أحكام المعنى الأول و شرائطه.

و أمّا الثاني: فالكلام فيه تارة في ما يحلّ أكله و يحرم، و قد مرّ في كتاب المطاعم.

و اخرى في ما به يحلّ أكله من أنواع التذكية، و هو أيضا قد مرّ في ذلك الباب، و يجي ء في باب الذباحة.

و ثالثة في ما يقبل التذكية و ما لا يقبل، و هو أيضا يأتي في باب الذباحة.

و إنّما الكلام هنا فيه من حيث التملّك و عدمه، و هو أيضا إمّا في ما يقبل منه التملّك و يدخل في الملكيّة، أو في سبب تملّكه.

أمّا الأول: فقد ذكرنا و أثبتنا في كتاب عوائد الأيّام أصالة تحقّق الملكيّة بذلك المعنى لكلّ شي ء له جهة انتفاع مقصود للعقلاء «1»، و لازمه حصول التملّك لكلّ حيوان ممتنع أصالة له جهة نفع مقصود للعقلاء مع قصد جهة النفع بإحداث سببه. فلا يتحقّق الصيد بذلك المعنى في مثل الزنبور و الحيّة و الفأرة و نحوها، إلّا إذا فرض نفع لبعض أجزائها في دواء و نحوه و صيد لأجل ذلك.

______________________________

(1) عوائد الأيام: 40.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 369

و أمّا الثاني: فهو المقصود ذكره في ذلك المقام، فنقول:

يتحقّق الصيد المملّك بهذا المعنى بالأخذ الحقيقي و وضع اليد حقيقة عليه- كأن يأخذ رجله أو قرنه أو جناحه أو الحبل المشدود عليه بنفسه أو بوكيله- بالإجماع و أخبار الأخذ الآتية.

و كذا يتحقّق الصيد المملّك بأخذه و إثبات اليد عليه بكلّ آلة معتادة لذلك يتوصّل بها

إليه، كالكلب و الصقر و الباز و الشاهين و سائر الجوارح و الشبكة و الحبالة و الفخّ و نحوها، مع قصد الأخذ بها عند استعمالها، بمعنى تسلّط الآلة عليه أو وقوعه في الآلة، و أن يضع الصائد يده عليه بعد، بالإجماع و النصوص:

منها: الأخبار العديدة المتضمّنة لحلّية صيد الصقور و البزاة و الفهد و الحبالة بعد التذكية «1».

و منها: أخبار أخر، كصحيحة ابن سنان: «من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض قد كلّت و قامت و سيّبها صاحبها ممّا لم يتبعه، فأخذها غيره فأقام عليها و أنفق نفقة حتى أحياها من الكلال و من الموت فهي له و لا سبيل له عليها، و إنّما هي مثل الشي ء المباح» «2».

دلّ جزؤها الأخير على أنّ كلّ شي ء مباح أخذه فهو له.

و رواية السكوني: «في رجل أبصر طائرا فتبعه حتى سقط على شجرة فجاء رجل آخر فأخذه، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: للعين ما رأت و لليد ما أخذت» «3».

______________________________

(1) كما في الوسائل 23: 348، 376 أبواب الصيد ب 9 و 24.

(2) الكافي 5: 140- 13، التهذيب 6: 392- 1177، الوسائل 25: 458 أبواب اللقطة ب 13 ح 2.

(3) الكافي 6: 223- 6، التهذيب 9: 61- 257، الوسائل 23: 391 أبواب الصيد ب 38 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 370

و صحيحة البزنطي، و في آخرها: فإن هو صاد ما هو مالك لجناحيه لا يعرف له طالبا؟ قال: «هو له» «1».

و مرسلة ابن بكير: «إذا ملك الطائر جناحه فهو لمن أخذه» «2».

و رواية ابن الفضيل: عن صيد الحمامة تساوي نصف درهم أو درهما، فقال: «إذا عرفت صاحبه فردّه عليه، و إن لم تعرف صاحبه

و كان مستوي الجناحين يطير بهما فهو لك» «3».

و رواية إسماعيل بن جابر، و فيها: «المستوي جناحاه، المالك جناحيه يذهب حيث شاء، هو لمن أخذه حلال» «4».

و رواية السكوني: «الطير إذا ملك جناحيه فهو صيد، و هو حلال لمن أخذه» «5».

دلّت هذه الأخبار على تملّك الممتنع بالأصالة من الحيوانات بالأخذ كما في أكثرها، و بالصيد كما في صحيحة البزنطي و [رواية ابن الفضيل ] «6»، و لا شكّ بصدق الصيد عرفا بإثبات واحد من الآلات المذكورة عليه بعد

______________________________

(1) الكافي 6: 222- 1، التهذيب 9: 61- 258، الوسائل 23: 388 أبواب الصيد ب 36 ح 1.

(2) الكافي 6: 222- 2، و قد رواها في الوسائل 23: 389 أبواب الصيد ب 37 ح 1 عن الكافي مسندة عن ابن بكير، عن زرارة، و كذا في التهذيب 9: 61- 259.

(3) الكافي 6: 222- 3، التهذيب 9: 61- 260، الوسائل 23: 388 أبواب الصيد ب 36 ح 2.

(4) الكافي 6: 223- 4، التهذيب 9: 61- 261، الوسائل 23: 389 أبواب الصيد ب 37 ح 2.

(5) الكافي 6: 223- 5، التهذيب 9: 61- 256، الوسائل 23: 390 أبواب الصيد ب 37 ح 3.

(6) بدل ما بين المعقوفين، في النسخ: مرسلة ابن بكير، و الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 371

استعماله بقصد الصيد، و كذا الأخذ، إذ ليس المراد وضع الجارحة المسمّاة باليد بخصوصها عليه، بل المراد إدخاله تحت تصرّفه و اقتداره، و هو حاصل بأخذ الآلة له.

و منه يظهر أنّ الأقوى: تحقّق التملّك بكلّ آلة استعملها لذلك مع قصد ذلك، كوقوعه في حفيرة حفرها في طريق صيد، فوقع فيه و ضربه بالحجر حتى يقع، أو اتّخاذ أرض و

إجراء ماء عليها بحيث تصير موحلة ليتوحّل فيها الصيد فتوحّل، أو بناء دار للتعشيش، أو فتح باب بيت و إلقاء الحيوانات فيه لتدخل فيه العصافير، فتدخل فيه فيغلق عليها الباب.

لاتّحاد كل ذلك مع الآلات المعتادة في صدق الاصطياد و الأخذ، اللذين هما موجبان للحكم بالتملّك، فبعد الوقوع في تلك الآلات يصير ملكه و لا يجوز لغيره أخذه منه.

و لكن يشترط في مثل الأرض و الدار و البيت أن يخرج الصيد الواقع فيه عن الامتناع عرفا و صدق عليه الاصطياد كذلك، فلو كان بيت كبير تطير فيه العصافير و يصعب تصرّفه فلا، لعدم معلوميّة صدق الصيد و لا الأخذ عليه.

فروع:
أ: إنّما يملك الصيد بالاصطياد

إذا لم يعرف مالكه و إلّا يجب الردّ عليه بلا خلاف فيه، لعدم جواز التصرّف في ملك الغير مطلقا إلّا بإذنه.

و لصحيحة البزنطي المتقدّم ذيلها آنفا، و في صدرها: عن رجل يصيد الطير يساوي دراهم كثيرة، و هو مستوي الجناحين، و يعرف صاحبه، أو يجيئه فيطلبه من لا يتّهمه، قال: «لا يحلّ له إمساكه، يردّه عليه».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 372

و لرواية محمّد بن الفضيل المتقدّمة. و يشعر بذلك بعض أخبار أخر أيضا «1».

و يكفي في ثبوت ملكيّة الغير وجود أثر اليد فيه من قصّ الجناح، أو وجود طوق في عنقه، أو شدّ حبل على أحد قوائمه، و نحو ذلك.

لإفادة اليد الخالية عن المعارض للملكيّة.

و لأصالة عدم تحقّق ملكيّة الصائد، خرج ما إذا لم يكن عليه أثر يد بما ذكر، فيبقى الباقي.

و للأخبار المشترطة لتساوي الجناحين أو تملّك الجناح في ملكيّة الصائد، كما تقدّمت، و منها: رواية إسحاق بن عمّار: «لا بأس بصيد الطير إذا ملك جناحيه» «2».

ب: لو وقع صيد في آلة ثمَّ انفتل و خلص منها لا يخرج بذلك عن ملك صائده

، بل ملكه و نماؤه له، و كلّ من يجني عليه فهو له ضامن، للاستصحاب، و الأخبار المتقدّمة المشترطة لتملّكه بعدم معرفة الطالب له أو الصاحب.

ج: من أطلق صيده من يده و لم يعرض عنه بقصد إزالة ملكه عنه لم يخرج بذلك عن ملكه،

للاستصحاب، و الأخبار المذكورة الشاملة لمثل تلك الصورة بترك الاستفصال أيضا.

و إن أعرض عنه و نوى بإطلاقه قطع ملكيّته عنه فالأكثر- كما صرّح به بعض من تأخّر «3»- على بقاء ملكيّته له أيضا، لأنّ زوال الملكيّة يحتاج إلى

______________________________

(1) الوسائل 23: 388 أبواب الصيد ب 36.

(2) التهذيب 9: 15- 56، الوسائل 23: 390 أبواب الصيد ب 37 ح 4.

(3) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 232، و الكاشاني في المفاتيح 3: 36.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 373

دليل شرعي و لم يثبت كون الإعراض منه، و يدلّ عليه أيضا ترك الاستفصال المذكور.

نعم، غايته جواز تصرّف الغير فيه لإعراضه، بل تأمّل فيه بعضهم أيضا، سيّما إذا كان بالتصرّف الناقل.

و عن المبسوط: القطع بزوال ملكه عنه، لأنّ الأصل في الصيد هو الإباحة العامّة، و إنّما حصلت ملكيّته باليد، فإذا زالت اليد زالت الملكيّة «1».

و فيه- مع أنّ ذلك الأصل لا يختصّ بالصيد، بل يمكن إجراؤه في كلّ شي ء-: أنّ اليد سبب حصول الملكيّة لا بقائها، و إنّما تبقى بالاستصحاب و الإطلاقات.

د: لو أراد أحد أخذ صيد و تبعه لم يملكه بذلك،

للأصل، و عدم صدق الصيد «2» و لا الأخذ.

و تدلّ عليه أيضا رواية السكوني المتقدّمة «3»، و مقتضى عمومها الحاصل من ترك الاستفصال عدم التملّك أيضا لو عجز الصيد باتباعه و كثرة عدوه، أو من جهة الخوف عن الامتناع و صار سهل الأخذ، و لكن لم يقبضه بعد، و يدلّ عليه أيضا الأصل.

إلّا أنّ المذكور في كلام من ذكره التملّك بذلك «4»، إلّا أنّه قال المحقّق الأردبيلي: إنّه لا دليل عليه إلّا رفع الامتناع، و لا نعلم كونه دليلا «5». و قال

______________________________

(1) حكاه عنه في المفاتيح 3: 36.

(2) في «ق»: اليد.

(3) في ص: 369.

(4) كما في المفاتيح

3: 35.

(5) مجمع الفائدة 11: 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 374

في موضع آخر: و لعلّ دليله الإجماع «1».

ه: لو أرسل أحد كلبه إلى صيد، و أرسل آخر كلبه إليه أيضا، فهو لصاحب الأخذ منهما

، و وجهه ظاهر. و كذا لو كسر أحدهما سورة [1] عدوه باتباعه أو تخويفه و أخذه الآخر.

و لو جرحه أحدهما من غير أخذ و إمساك و أخذه الآخر، فالظاهر أنّه أيضا كذلك، و هو المشهور أيضا- كما في شرح المفاتيح- سواء وقع الفعلان دفعة واحدة أم كان الجرح مقدّما، و سواء كان الجرح معينا لأخذه و إثباته أو لا، لأنّ سبب الملك إنّما هو وضع اليد أو ما يجري مجراه من تصييره غير ممتنع، و ذلك حاصل للمثبت خاصّة، و الإعانة لا تقتضي الاشتراك.

و لا ضمان على الجارح، لأنّه لم يجرح حين ملكيّة الغير.

و كذا لو رمى أحد صيدا بسهمه و أخذه الآخر و لو جرحه.

نعم، لو زال امتناعه بجرح الكلب أو السهم فهو للجارح، لصدق الأخذ و الصيد.

و: لو اشترك اثنان في صيد فجرحاه معا أو أثبتاه كان الصيد بينهما نصفين،

لأنّ تساويهما في سبب الملكيّة يقتضي اشتراكهما في الملك.

و لو كان القتل بأحد الجرحين دون الآخر اختص جارحه بالملكيّة.

و لو جهل الجارح القاتل أقرع على احتمال و اشتركا على احتمال آخر.

و كذلك لو جرحه أحدهما و أثبته الآخر و جهل المثبت منهما.

______________________________

[1] السّورة: الحدّة و البطش- المصباح المنير: 294.

______________________________

(1) مجمع الفائدة 11: 56.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 375

ز: لو كان الصيد ممّا يمتنع بالطيران و المشي السريع كليهما

- كالدّراج و القبج و الحجل- فكسر أحدهما جناحه و الآخر رجله، قال الشيخ في المبسوط باشتراكهما فيه «1»، لأنّ سبب الملك حصل بفعلهما معا، إذ العلّة في زوال توحّشه و عدم امتناعه إنّما هي مجموع الفعلين من حيث هو مجموع، و ذلك يقتضي الاشتراك.

و قال المحقّق و الفاضل و الشهيد «2» و جماعة «3» باختصاصه بالأخير، و هو الأقوى، لأنّ بفعل الأول لا يزول امتناعه، و إنّما يتحقّق الإثبات بفعل الثاني، و فعله إنّما وقع عليه و هو ممتنع بعد و مباح، فهو كما إذا كسر رجل ما لا جناح له رأسا فأثر الأول كعدمه.

و لا يفيد أنّه لو كان فعل الثاني فقط لم يثبت إذا كان يمتنع بالجناح- كما هو المفروض- لأنّه و إن كان كذلك إلّا أنّه قبل فعل الثاني كان ممتنعا، فصدق عليه أنّه جعل الصيد الممتنع الغير المملوك قبل أن يصير غيره فيه أولى غير ممتنع فملكه، و اللّه العالم.

______________________________

(1) المبسوط 6: 271.

(2) المحقق في الشرائع 3: 213، الفاضل في التحرير 2: 157، الشهيد في الدروس 2: 401.

(3) كالمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة 11: 57، و الفيض في المفاتيح 3: 37.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 377

الباب الثاني في الذباحة

اشاره

و المراد منها ما يشمل النحر أيضا، و الكلام فيه إمّا في الذابح، أو آلة الذبح، أو محلّ الذبح و كيفيّته، أو شرائط الذبح، أو فيما يقع عليه الذبح، أو في بعض الأحكام المتعلّقة به، فهاهنا ستّة فصول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 378

الفصل الأول في الذابح و الناحر و فيه مسائل:
المسألة الأولى: يشترط في الذابح الإسلام أو حكمه

- كالمتولّد منه- فلا تحلّ ذبائح أصناف الكفّار، سواء كان من غير الكتابي- كالوثني و عابد النار و أصناف الهنود و المرتدّ و كافر المسلمين كالغلاة و غيرهم- أو من الكتابي.

بلا خلاف في الأول، بل عليه الإجماع، بل إجماع المسلمين في عبارات المتقدّمين و المتأخّرين «1»، بل هو إجماع محقّق، فهو الحجّة فيه.

مضافا إلى الأخبار، كصحيحة زكريّا بن آدم: «إنّي أنهاك عن ذبيحة كلّ من كان على خلاف الدين الذي أنت عليه و أصحابك، إلّا في حال الضرورة» «2».

و الأخبار المستفيضة المتضمّنة لقولهم عليهم السّلام: إنّ الذبيحة بالاسم، و لا يؤمن عليها إلّا أهل التوحيد، أو إلّا المسلم، أو إلّا أهلها «3».

و الأخبار الناهية عن أكل ذبائح الكتابيين «4»، فإنّها تدلّ على النهي عن

______________________________

(1) انظر المقنعة: 579، الانتصار: 188، الغنية (الجوامع الفقهية): 618، المسالك 2: 223، كفاية الأحكام: 246، و الرياض 2: 270.

(2) التهذيب 9: 70- 298، الاستبصار 4: 86- 330، الوسائل 24: 51 أبواب الذبائح ب 26 ح 9.

(3) الوسائل 24: 48 أبواب الذبائح ب 26.

(4) الوسائل 24: 52 أبواب الذبائح ب 27.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 379

ذبيحة غير الكتابي بطريق أولى، سيّما ما تضمّن منها تعليل النهي عن أكل ذبيحة بعض النصارى بأنّهم ليسوا من أهل الكتاب، أو بأنّهم مشركو العرب.

و أمّا الكتابي فقد اختلفوا فيه على أقوال ثلاثة:

الأول: حرمة ذبائحهم مطلقا، و هو مذهب المعظم-

كما صرّح به غير واحد من علماء الطائفة «1»- بل في المسالك: كاد أن يعدّ من المذهب «2».

و عن الخلاف و الانتصار أنّهما جعلاه من منفردات الإماميّة، مدّعين عليه الإجماع «3».

و الثاني: حلّيتها كذلك، حكي عن القديمين الإسكافي و العماني «4»، إلّا أنّ الثاني خصّ باليهودي و النصراني و قطع بتحريم ذبيحة المجوسي.

و الثالث: التفصيل بالحلّية مع سماع تسميتهم، و الحرمة مع عدمه، حكي عن الصدوق «5».

حجّة الأولين: الإجماعات المنقولة، و الشهرة العظيمة، و الروايات المستفيضة، و هي ما بين حقيقة في النهي و المنع عنها، و ظاهرة فيه بقرينة فهم الأصحاب و سائر الأخبار.

فمن الأولى صحيحة محمّد: عن نصارى العرب أتوكل ذبيحتهم؟

فقال: «كان عليّ بن الحسين عليه السّلام ينهى عن ذبائحهم و صيدهم

______________________________

(1) منهم الشهيد الأوّل في الدروس 2: 410، و المحقّق السبزواري في الكفاية:

246، و صاحب الرياض 2: 270.

(2) المسالك 2: 225.

(3) الخلاف 2: 522، الانتصار: 188.

(4) حكاه عنهما في المختلف: 679.

(5) المقنع: 140.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 380

و مناكحتهم» «1».

و صحيحة أبي المعزى المرويّة في التهذيب: عن ذبيحة اليهودي و النصراني، قال: «لا تقربوها» «2»، و رواها في الكافي عن سماعة مثلها، إلّا أنّه قال: «لا تقربها» «3».

و صحيحة الأحمسي: إنّ لنا جارا قصّابا يجي ء بيهودي فيذبح له حتى يشتري منه اليهود، فقال: «لا تأكل من ذبيحته و لا تشتر منه» «4»، فإنّ قوله:

«لا تشتر» نهي حقيقة في المنع.

و صحيحة الحلبي: عن ذبائح نصارى العرب هل تؤكل؟ فقال: «كان عليّ عليه السّلام ينهاهم عن أكل ذبائحهم و صيدهم» الحديث «5».

و صحيحة العقرقوفي: عن ذبائح أهل الكتاب، فقال لهم أبو عبد اللّه عليه السّلام:

«قد سمعتم ما قال اللّه في كتابه» فقالوا

له: نحبّ أن تخبرنا، فقال:

«لا تأكلوها؟» الحديث «6».

و حسنة حنّان: إنّ لنا خلطاء من النصارى، و إنّا نأتيهم فيذبحون لنا الدجاج و الفراخ و الجداء، أ فنأكلها؟ قال، فقال: «لا تأكلوها و لا تقربوها»

______________________________

(1) الكافي 6: 239- 4، التهذيب 9: 65- 278، الاستبصار 4: 83- 311، الوسائل 24: 54 أبواب الذبائح ب 27 ح 6.

(2) التهذيب 9: 67- 285، الوسائل 24: 61 أبواب الذبائح ب 27 ح 30.

(3) الكافي 6: 239- 5، الوسائل 24: 55 أبواب الذبائح ب 27 ح 9.

(4) الكافي 6: 240- 8، التهذيب 9: 67- 283، الوسائل 24: 52 أبواب الذبائح ب 27 ح 1.

(5) التهذيب 9: 64- 271، الاستبصار 4: 81- 304، الوسائل 24: 58 أبواب الذبائح ب 27 ح 19.

(6) التهذيب 9: 66- 282، الاستبصار 4: 83- 314، الوسائل 24: 59 أبواب الذبائح ب 27 ح 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 381

الحديث «1».

و مرسلة ابن أبي عمير: عن ذبيحة أهل الكتاب، قال: فقال: «و اللّه ما يأكلون ذبائحكم، فكيف تستحلّون أن تأكلوا ذبائحهم؟!» الحديث! «2».

دلّت بالاستفهام الإنكاري على عدم استحلال أكل ذبائحهم.

و من الثانية موثّقة سماعة المشار إليها آنفا، و الأخبار الكثيرة المتضمّنة ل: أنّ الذبيحة اسم و لا يؤمن عليه أو عليها إلّا أهل التوحيد أو إلّا مسلم، و هي قريبة من عشرة أخبار صحيحة و غير صحيحة «3».

و رواية الشحّام: عن ذبيحة الذمّي، فقال: «لا تأكله إن سمّى و إن لم يسمّ» «4».

و رواية إسماعيل بن جابر: «لا تأكل من ذبائح اليهود و النصارى، و لا تأكل في آنيتهم» «5».

و الأخرى: «لا تأكل ذبائحهم، و لا تأكل في آنيتهم» يعني أهل الكتاب «6».

و رواية محمّد بن

عذافر: رجل يجلب الغنم من الجبل، يكون فيها الأجير المجوسي و النصراني، فتقع العارضة، فيأتيه بها مملّحة، قال:

______________________________

(1) الكافي 6: 241- 15، التهذيب 9: 65- 277، الاستبصار 4: 82- 310، الوسائل 24: 53 أبواب الذبائح ب 27 ح 3.

(2) الكافي 6: 241- 16، الوسائل 24: 53 أبواب الذبائح ب 27 ح 4.

(3) راجع الوسائل 24: 48 أبواب الذبائح ب 26.

(4) الكافي 6: 238- 1، التهذيب 9: 65- 276، الاستبصار 4: 82- 309، الوسائل 24: 54 أبواب الذبائح ب 27 ح 5.

(5) الكافي 6: 240- 11، الوسائل 24: 54 أبواب الذبائح ب 27 ح 7.

(6) الكافي 6: 240- 13، التهذيب 9: 63- 269، الاستبصار 4: 81- 302، الوسائل 24: 55 أبواب الذبائح ب 27 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 382

«لا تأكلها» «1».

و صحيحة أبي بصير: «لا يذبح أضحيتك يهودي و لا نصراني و لا المجوسي» الحديث «2».

و غير ذلك من الروايات الكثيرة المتضمّنة للجمل المحتملة للخبريّة و الإنشائيّة و إن صارت ظاهرة في الحرمة بالقرائن المذكورة.

و حجّة الثاني: أصل الإباحة.

و عموم قوله سبحانه وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ «3».

و قوله وَ ما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ «4».

و قول أبي بصير في صحيحة العقرقوفي المتقدّمة- بعد نهي الإمام عليه السّلام كما تقدّم-: كلها في عنقي ما فيها فقد سمعته و سمعت أباه جميعا يأمران بأكلها.

و صحيحة محمّد الحلبي: عن ذبيحة أهل الكتاب و نسائهم، فقال:

«لا بأس به» «5».

و رواية عن إسماعيل بن عيسى: عن ذبائح اليهود و النصارى و طعامهم، قال: «نعم» «6».

______________________________

(1) التهذيب 3: 232- 603، الوسائل 24: 51 أبواب الذبائح ب 26 ح 8.

(2) التهذيب 9:

64- 273، الاستبصار 4: 82- 306، الوسائل 24: 52 أبواب الذبائح ب 26 ح 11.

(3) المائدة: 5.

(4) الأنعام: 119.

(5) التهذيب 9: 68- 290، الاستبصار 4: 85- 322، الوسائل 24: 62 أبواب الذبائح ب 27 ح 34.

(6) التهذيب 9: 70- 297، الاستبصار 4: 86- 329، الوسائل 24: 64 أبواب الذبائح ب 27 ح 41.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 383

و رواية يونس بن بهمن: أهدى إليّ قرابة لي نصراني دجاجا و فراخا و قد شواها و عمل لي فالوذجة، فآكله؟ قال: «لا بأس» [1].

و رواية عبد الملك بن عمرو: ما تقول في ذبائح النصارى؟ فقال:

«لا بأس بها» قلت: فإنّهم يذكرون عليها اسم المسيح!! فقال: «إنّما أرادوا بالمسيح اللّه» «1»، و قريبة منها رواية أبي بصير «2».

و صحيحة جميل و محمّد بن حمران: عن ذبائح اليهود و النصارى و المجوس، فقال: «كل» فقال بعضهم: إنّهم لا يسمّون!! فقال: «إن حضرتموهم فلم يسمّوا فلا تأكلوا» قال: «و إذا غاب فكل» «3».

و قد يستدلّ أيضا بصحيحة الأعشى الواردة في ذبيحة اليهودي:

«لا تدخل ثمنها مالك و لا تأكلها» إلى أن قال: فقال له الرجل: قال اللّه تعالى:

الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: «كان أبي يقول: إنّما هو الحبوب و أشباهها» «4» حيث أضاف الثمن فيها إلى الذبيحة، فيدلّ على حلّية بيعها، و إلّا لم يكن ثمنا.

______________________________

[1] التهذيب 9: 69- 296، الاستبصار 4: 86- 328، الوسائل 24: 64 أبواب الذبائح ب 27 ح 40.

و الفالوذج: تجعل السمن و العسل ثمَّ قسوطه حتى ينضج، فيأتي كما ترى- عن مكارم الأخلاق في مجمع البحرين 2: 325.

______________________________

(1) الفقيه 3: 210- 972،

التهذيب 9: 68- 291، الاستبصار 4: 85- 323، الوسائل 24: 62 أبواب الذبائح ب 27 ح 35.

(2) التهذيب 9: 69- 292، الاستبصار 4: 85- 324، الوسائل 24: 62 أبواب الذبائح ب 27 ح 36.

(3) التهذيب 9: 68- 289، الاستبصار 4: 85- 321، الوسائل 24: 62 أبواب الذبائح ب 27 ح 33.

(4) الكافي 6: 240- 10، التهذيب 9: 64- 270، الاستبصار 4: 81- 303، الوسائل 24: 48 أبواب الذبائح ب 26 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 384

و بالأخبار المخصّصة للحرمة بنصارى العرب، فإنّه لو لا إباحة ذبيحة غيرهم لما كانت للتخصيص فائدة، سيّما ما تضمّنت منها للتعليل: بأنّهم ليسوا من أهل الكتاب، أو أنّهم من مشركي العرب «1».

و بالأخبار الناهية عن ذبحهم الضحايا «2»، حيث دلّت بالمفهوم على جواز ذبح غير الضحايا، فالنهي عنها يكون من جهة أخرى، ككون الضحايا من متعلّقات العبادة.

و مستند الثالث: الأخبار المستفيضة أيضا:

كحسنة حمران: في ذبيحة الناصب و اليهودي و النصراني: «لا تأكل ذبيحته حتى تسمعه يذكر اسم اللّه عليه» إلى أن قال: قلت: المجوسي، فقال: «نعم، إذا سمعته يذكر اسم اللّه» الحديث «3».

و صحيحة حريز: في ذبائح أهل الكتاب: «فإذا شهدتموهم و قد سمّوا اسم اللّه فكلوا ذبائحهم، و إن لم تشهدوهم فلا تأكلوا، و إن أتاك رجل مسلم فأخبرك أنّهم سمّوا فكل» «4».

و روايته: عن ذبائح اليهود و النصارى و المجوس، فقال: «إذا سمعتهم يسمّون أو شهد لك من رآهم يسمّون فكل، و إن لم تسمعهم و لم يشهد عندك من رآهم يسمّون فلا تأكل ذبيحتهم» «5»، إلى غير ذلك.

______________________________

(1) الوسائل 24: 52 أبواب الذبائح ب 27.

(2) الوسائل 24: 58، 61 أبواب الذبائح ب 27 ح

20، 21، 29.

(3) التهذيب 9: 68- 287، الاستبصار 4: 84- 319، الوسائل 24: 61 أبواب الذبائح ب 27 ح 31.

(4) التهذيب 9: 69- 294، الاستبصار 4: 86- 326، الوسائل 24: 63 أبواب الذبائح ب 27 ح 38.

(5) التهذيب 9: 69- 295، الاستبصار 4: 86- 327، الوسائل 24: 63 أبواب الذبائح ب 27 ح 39.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 385

أقول: و إن اتّسعت دائرة الكلام في أدلّة القولين الأخيرين دلالة و سندا و تماميّة، إلّا أنّا لا نطوّل الكلام بذكر جميع وجوه الضعف و عدم التماميّة، و نقتصر على ما يكفي في ردّهما لعدم الاحتياج إليه.

و نقول: أمّا أدلّة القول الثاني، فأصل الإباحة إنّما هو مسلّم إذا علم ذكر اسم اللّه عليه، و هو لا يعلم إلّا بسماعه، اكتفي بفعل المسلم في ذبيحته إجماعا و ضرورة، و لا دليل عليه في غيره، فإطلاق حلّية ذبيحته مخالف للأصل.

و أمّا الآية الأولى، فالطعام فيها مفسّر في أحاديث سادتنا الكبراء بالحبوب، فلا دلالة لها أصلا، و جعله بعيدا اجتهاد في مقابلة النصّ يجب ردّه، لأنّهم الراسخون في العلم و لا ينبّئك مثل خبير.

و أمّا الثانية، فيظهر عدم دلالتها، بل دلالتها على خلاف مطلوبهم بما ذكرنا في ردّ الأصل.

فلم تبق إلّا تلك الأخبار، و هي لو قطع النظر عمّا يمكن في أكثرها من الخدش التامّ و النظر، بل ظهور ضعف دلالة بعضها جدّا، نقول: إنّها بإطلاقها مخالفة للكتاب بالتقريب الذي ذكرناه.

بل تدلّ على المخالفة صحيحة شعيب العقرقوفي المتقدّمة، حيث قال فيها: «قد سمعتم ما قال اللّه في كتابه»، و هو إشارة إلى ما ذكرنا.

و موافقة للعامّة، كما صرّح به علماؤنا الأخيار، قيل «1»: دلّت عليه رواية الشيباني: عن

ذبائح اليهود و النصارى و النصّاب فلوى شدقه و قال:

«كلها إلى يوم ما» «2».

______________________________

(1) في الاستبصار 4: 87.

(2) التهذيب 9: 70- 299، الاستبصار 4: 87- 331، الوسائل 24: 60 أبواب الذبائح ب 27 ح 28، و الشدق: بالفتح و الكسر، جانب الفم- المصباح المنير: 307.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 386

و مخالفة للشهرة العظيمة الجديدة و القديمة، بل على خلافها يمكن دعوى الإجماع المحقّق، سيّما ذبائح مطلق الكتابي، حيث إنّ العماني صرّح بحرمة ذبيحة المجوس.

فلم يبق إلّا الإسكافي، الذي هو شاذّ نادر معلوم النسب، و مثل هذه لا حجّية فيه أصلا، فيجب رفع اليد عن تلك الأخبار بالمرّة و طرح ذلك القول بلا شبهة.

و أمّا القول الثالث و إن كان موافقا لأصل الإباحة و لظاهر الآية إلّا بأن يقال باعتبار القصد في التسمية، و لكنّه لا دليل عليه و لا حجّة، و كانت أخباره أخصّ من أكثر أخبار الحرمة، بل من جميع ما تتمّ فيه الدلالة.

إلّا أن ما ذكرنا أخيرا لتضعيف القول الثاني- من مخالفة الشهرة بل الإجماع- هنا أيضا متحقّق، و لأجله تخرج تلك الأخبار أيضا عن حيّز الحجّيّة، فلا تصلح لمعارضة أخبار الحرمة.

مضافا إلى ما يخرجها عن الدلالة بالمرّة، و هو رواية ابن وهب المنجبرة: عن ذبائح أهل الكتاب، فقال: «لا بأس إذا ذكر اسم اللّه تعالى، و لكنّي أعني منهم من يكون على أمر موسى و عيسى عليهما السّلام» «1».

فإنّها صريحة على اختصاص ذلك بأهل الكتاب الذين كانوا من قبل بعثة نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله، أو بعدها قبل قيام الحجّة عليهم، لأنّ تهوّدهم و تنصّرهم اليوم مانع من كونهم على أمرهما، لأنّهم مأمورون من قبلهما باتّباع نبيّنا صلّى اللّه

عليه و آله، إلّا أن تكون لهم شبهة مانعة عن الاهتداء بالحقّ.

______________________________

(1) الكافي 6: 240- 14، الوسائل 24: 55 أبواب الذبائح ب 27 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 387

و صرّح بذلك الشيخ المفيد رحمه اللّه في رسالة الذبائح، قال بعد نقل الرواية: ثمَّ إنّه شرط فيه أيضا اتّباع موسى و عيسى، و ذلك لا يكون إلّا بمن آمن بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله، و اتّبع موسى و عيسى في القبول منه صلّى اللّه عليه و آله و الاعتقاد بنبوّته «1». انتهى.

و لعلّ ذلك الكلام من الإمام و العناية منه أيضا إشارة إلى التقيّة في الإطلاق، فأفهمهم أنّ مرادي من الإطلاق غير ما يفهم ظاهرا، كما أنّ التفصيل بين سماع التسمية منهم و عدمه أيضا نشأ من ذلك، حيث إنّ ذكر اسم اللّه لوقوعه في الكتاب العزيز ممّا لا يمكن للعامّة الكلام فيه.

هذا، مع أنّ- في أخصّية هذه الأخبار مطلقا عن جميع أخبار الحرمة التي تتمّ فيها الدلالة- نظرا، لأنّ منها صحيحة زكريّا بن آدم المتقدّمة في صدر المسألة «2»، المخصّصة للجواز بحال الضرورة، فهي أخصّ من وجه من تلك الأخبار.

و ممّا ذكرنا ظهر ضعف التشبّث بتلك الأخبار و بقاء أخبار الحرمة بلا معارض يصلح للمعارضة.

و منه يظهر الجواب عن أصل الإباحة و عن إطلاق الآية الكريمة، لوجوب تخصيص عامّ الكتاب بخاصّ الرواية.

و إذ ظهر ضعف القولين يظهر أنّ الحقّ ما عليه معظم الطائفة من الحرمة.

المسألة الثانية: و يشترط فيه أيضا أن لا يكون من النواصب،

أي معاديا لأهل البيت عليهم السّلام معلنا بعداوتهم، و منهم الخوارج، بلا خلاف فيه- كما

______________________________

(1) رسالة الذبائح (مصنفات الشيخ المفيد 9): 32.

(2) في ص: 378.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 388

قيل «1»- بل عن المهذّب

و غيره الإجماع عليه «2».

لموثّقتي أبي بصير، إحداهما: «ذبيحة الناصب لا تحلّ» «3».

و الأخرى: «لم تحلّ ذبائح الحرورية» «4».

و الحرورية: فرقة من الخوارج منسوبة إلى الحروراء- بالمدّ و القصر- قرية.

و روايته الواردة في من يتعمّد شراء اللحم من النصّاب، و فيها:

«ما يأكل إلّا مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير» الحديث «5».

و أمّا حسنة حمران: «لا تأكل ذبيحة الناصب إلّا أن تسمعه يسمّي» «6».

و صحيحة الحلبي: عن ذبيحة المرجئ و الحروري، قال: «كل و أقرّ و استقرّ حتى يكون ما يكون» «7».

فلمخالفتهما للإجماع ظاهرا و لا أقلّ من شهرة القدماء لا تصلحان للحجيّة و معارضة ما مرّ، مع أنّهما موافقتان للعامّة، كما تشعر به الصحيحة.

المسألة الثالثة: يشترط فيه أيضا التميّز،

أي كونه بحيث يصحّ منه

______________________________

(1) في الرياض 2: 272.

(2) حكاه عنه في الرياض 2: 272، و هو في المهذب 4: 163.

(3) التهذيب 9: 71- 301، الاستبصار 4: 87- 332، الوسائل 24: 67 أبواب الذبائح ب 28 ح 2.

(4) التهذيب 9: 71- 302، الاستبصار 4: 87- 333، الوسائل 24: 67 أبواب الذبائح ب 28 ح 3.

(5) التهذيب 9: 71- 303، الاستبصار 4: 87- 334، الوسائل 24: 67 أبواب الذبائح ب 28 ح 4.

(6) التهذيب 9: 72- 304، الاستبصار 4: 87- 335، الوسائل 24: 68 أبواب الذبائح ب 28 ح 7.

(7) الكافي 6: 236- 1، الفقيه 3: 210- 970، التهذيب 9: 72- 305، الاستبصار 4: 88- 337، الوسائل 24: 68 أبواب الذبائح ب 28 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 389

قصد التسمية و العلم بشرائط الذبح، فلا يصحّ من الطفل الغير المميّز و لا المجنون كذلك، و الوجه فيه ظاهر، فإنّ المتبادر من الذبح المحلّل هو الصادر من القاصد.

و يظهر

من المحقّق الأردبيلي التردّد في اشتراط التميّز أو لا «1»، حيث إنّه جعل دليله أولا: اشتراط كونه ذبيحة المسلم، و غير المميّز ليس مسلما، و ردّه: بأنّ الثابت حرمة ذبيحة الكافر دون اشتراط الإسلام.

و هو كان حسنا لو لا فهم اعتبار القصد عرفا.

المسألة الرابعة: لا يشترط فيه الإيمان

على الأقوى الأشهر- كما صرّح به جمع ممّن تأخّر «2»- للأصل المشار إليه غير مرّة، و الآية «3»، و صحيحة الحلبي المتقدّمة، فإنّ المرجئ يطلق على مقابل الشيعة، من الإرجاء، بمعنى: التأخير لتأخيرهم عليّا عليه السّلام عن درجته.

و صحيحة محمّد بن قيس: «ذبيحة من دان بكلمة الإسلام و صام و صلّى، لكم حلال، إذا ذكر اسم اللّه عليه» «4».

و الأخبار المحلّلة لذبيحة المرأة إذا كانت مسلمة «5».

و تعضده أيضا الروايات المتكثّرة، المعلّلة للنهي عن أكل ذبائح أهل الذمّة بأنّها اسم و لا يؤمن عليها إلّا المسلم، لظهورها في حصول الأمانة في

______________________________

(1) مجمع الفائدة 11: 86.

(2) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 225، و الكاشاني في المفاتيح 2: 197، و صاحب الرياض 2: 271.

(3) الأنعام: 119.

(4) التهذيب 9: 71- 300، الاستبصار 4: 88- 336، الوسائل 24: 66 أبواب الذبائح ب 28 ح 1.

(5) الوسائل 24: 43 أبواب الذبائح ب 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 390

التسمية إذا كانت الذبيحة من مسلم.

و كذا يعضده- بل يدلّ عليه- ما دلّ على حلّية ما يشترى من اللحوم و الجلود في أسواق المسلمين «1».

خلافا للمحكي عن القاضي و ابن حمزة «2»، فقالا باشتراط كون الذابح مؤمنا اثنى عشريّا.

و الحلبي «3»، فخصّ المنع بالجاحد للنصّ منهم، فجوّز ذبيحة المستضعف.

و دليلهم إن كان كفر المخالف مطلقا أو غير المستضعف منهم فالكلام معهم في ذلك، و قد مرّ في

بحث الطهارة.

و إن كان أصالة عدم الإباحة إلّا بعد ذكر اسم اللّه، و عدم حصول العلم به إلّا بالسماع أو ما يقوم مقامه من الدليل الشرعي، فجوابه: أنّ ما مرّ من الأدلّة أيضا دليل شرعي كما في المؤمن، سيّما مفاهيم الاستثناء في الأخبار الغير المحصورة، المتضمّنة لائتمان مطلق المسلم في التسمية، و سيّما أخبار حلّية ما يشترى في أسواق المسلمين.

و إن كان صحيحة زكريّا بن آدم المتقدّمة في صدر المسألة «4»، فجوابه: أنّه يمكن أن يكون المراد من الدين: الإسلام، مع أنّ ظاهر السياق- من حيث تخصيص زكريّا بالنهي و استثناء حال الضرورة- يشعر بالكراهة دون الحرمة.

______________________________

(1) الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50.

(2) القاضي في المهذّب 2: 439، ابن حمزة في الوسيلة: 361.

(3) الكافي في الفقه: 277.

(4) في ص: 378.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 391

و إرادة الإيمان من الدّين- و جعل هذه الصحيحة أخصّ مطلقا من صحيحة محمّد بن قيس و تخصيصها بها- غير جيّد، لعدم دليل على هذه الإرادة، مع أنّه يوجب تخصيص الأكثر، و هو غير جائز.

و إن كان المرويّ في العيون: «من زعم أنّ اللّه يجبر عباده على المعاصي أو يكلّفهم ما لا يطيقون فلا تأكلوا ذبيحته» «1»، فمع كونه أخصّ من المدّعى من وجه- لاختصاصه بالأشاعرة خاصّة- و أعمّ من وجه آخر- لشموله للمؤمن إذا قال بهذه المقالة- محمول على الكراهة، لمعارضة ما مرّ.

المسألة الخامسة: لا يشترط في الذابح بعد إسلامه كونه ممّن يعتقد وجوب التسمية

عند المعظم، للأصل، و الإطلاقات، سيّما إذا علم صدور التسمية منه تبرّكا أو استحبابا.

خلافا للمحكيّ عن المختلف، فاشترط فيه اعتقاده وجوبها «2»، و استدلّ له فيما إذا لم تعلم منه التسمية بأنّ مقتضى اشتراط التسمية حصول العلم بها، و مقتضى الأخبار المعلّلة بأنّه لا

يؤمن عليها إلّا مسلم اعتبار حصول الأمن بتحقّقها، و هو لا يحصل في ذبيحة من لا يعتقد وجوبها.

و هو حسن لو لا إطلاقات ائتمان المسلم بالاسم و حلّية ما في أسواق المسلمين. إلّا أن يقال: بأنّ إطلاق الأول لغلبة معتقدي وجوبها بل تبادره، و كذا الثاني، و الاحتياط في الأخذ عن خصوص يد من علم عدم اعتقاده الوجوب أولى.

المسألة السادسة: لا تشترط فيه الذكورة، و لا الفحولة، و لا البلوغ،

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا «ع» 1: 100- 16، الوسائل 24: 69 أبواب الذبائح ب 28 ح 9.

(2) المختلف: 680.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 392

و لا كمال العقل، و لا الحريّة، و لا الطهارة عن الحيض و الجنابة، و لا طهارة المولد، و لا البصر.

فتحلّ ذبيحة المرأة، و الخصيّ، و الطفل و المجنون المميّزين، و العبد، و الجنب، و الحائض، و ولد الزنا، و الأعمى، بلا خلاف في شي ء منها يعرف.

للأصل، و الإطلاقات، و الأخبار:

كصحيحة الحلبي: «كانت لعلي بن الحسين عليهما السّلام جارية تذبح له إذا أراد» «1».

و كصحيحتي سليمان بن خالد «2» و محمّد «3» و رواية مسعدة «4» في ذبيحة الصبي و المرأة، و كمرسلة أحمد «5» في ذبيحة الصبي و المرأة و الخصيّ، و رواية صفوان «6» في المرأة و الصبي و ولد الزنا، و مرسلة ابن أبي عمير «7» في الجنب، و مرسلة ابن أذينة «8» في المرأة و الصبي و الأعمى، و غير

______________________________

(1) الكافي 6: 238- 7، التهذيب 9: 74- 313، الوسائل 24: 45 أبواب الذبائح ب 23 ح 9.

(2) الكافي 6: 237- 3، الفقيه 3: 212- 983، التهذيب 9: 73- 308، الوسائل 24: 45 أبواب الذبائح ب 23 ح 7.

(3) الكافي 6: 237- 1، الفقيه 3: 212- 981، التهذيب

9: 73- 310، الوسائل 24: 44 أبواب الذبائح ب 23 ح 5.

(4) الكافي 6: 237- 2، التهذيب 9: 73- 309، الوسائل 24: 44 أبواب الذبائح ب 23 ح 6.

(5) الكافي 6: 238- 4، الوسائل 24: 46 أبواب الذبائح ب 23 ح 10.

(6) الفقيه 3: 210- 969، الوسائل 24: 47 أبواب الذبائح ب 25 ح 1.

(7) الكافي 6: 234- 6، الوسائل 24: 32 أبواب الذبائح ب 17 ح 1.

(8) الكافي 6: 238- 5، الفقيه 3: 212- 982، التهذيب 9: 73- 311، الوسائل 24: 45 أبواب الذبائح ب 23 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 393

ذلك.

و لا يضرّ تقييد الصبي في بعض الأخبار بقوله: «إذا قوي» أو: «إذا أحسن» و الأعمى بقوله: «إذا سدّد»، لأنّ الكلام في صورة تحقّق الشرط، و إلّا فلا كلام في عدم الصحّة.

نعم، قيّد الأول في بعضها ببلوغ خمسة أشبار، و المراد منه القوّة، لعدم اشتراطه بخصوصه إجماعا.

و أمّا اشتراط ذبيحة المرأة و الصبي و الخصيّ و ولد الزنا في بعضها بما إذا لم يوجد من يذبح أو بصورة الاضطرار، فإنّما هو مبنيّ على الرجحان دون الوجوب، للإجماع، و لأنّ الحرام لا يحلّ بعدم وجود ذابح آخر.

و كذا لا يضرّ اشتراط ذبيحة المرأة و الصبي بذكر اسم اللّه في بعض الأخبار، الموجب لاشتراط سماعه منهما و إلّا لما يعلم الذكر، لأنّ الكلام في عدم اعتبار الذكورة و البلوغ، و هو يثبت ممّا ذكر، و أمّا اشتراط ذكر اسم اللّه فلا كلام فيه، و أمّا الاكتفاء بفعل المسلم أو من بحكمه فهو أمر آخر يأتي بيانه.

نعم، شرط بعضهم «1» في ولد الزنا كونه بالغا مظهرا للشهادتين، إذ ليس له أبوان شرعا حتى

يكون بحكم المسلم. و لا بأس به

______________________________

(1) كالمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة 11: 82.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 394

الفصل الثاني في الآلة و فيه مسائل:
المسألة الاولى: لا تجوز التذكية إلّا بالحديد مع الاختيار،

فلا يجزئ غيره و لا تقع به الذكاة و إن كان من المعادن المنطبعة، كالنحاس و الرصاص و الذهب و الفضّة و غيرها، بلا خلاف بيننا- كما صرّح به جماعة- بل بالإجماع المحكيّ مستفيضا «1»، بل المحقّق عند التحقيق، و هو الحجّة فيه.

مضافا إلى المستفيضة الخالية عن المعارض بالمرّة.

منها صحيحة محمّد: عن الذبيحة بالليطة و المروة، فقال: «لا ذكاة إلّا بحديدة» «2».

و الليطة- بفتح اللام كما ذكره الشهيد الثاني «3»، و بكسرها كما في القاموس «4»-: قشر القصبة الأعلى. و المروة: الحجر مطلقا، أو حجر تقدح بها النار.

و صحيحة الحلبي: عن الذبيحة بالعود و الحجر و القصبة، قال: «فقال علي بن أبي طالب عليه السّلام: لا يصلح الذبح إلّا بالحديدة» «5».

______________________________

(1) كما في كفاية الأحكام: 246، و كشف اللثام 2: 78، و الرياض 2: 272.

(2) الكافي 6: 227- 1، التهذيب 9: 51- 211، الاستبصار 4: 79- 294، الوسائل 24: 7 أبواب الذبائح ب 1 ح 1.

(3) في المسالك 2: 226.

(4) القاموس المحيط 2: 398.

(5) الكافي 6: 227- 2، التهذيب 9: 51- 212، الاستبصار 4: 80- 295، الوسائل 24: 7 أبواب الذبائح ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 395

و رواية الحضرمي: «لا يؤكل ما لم يذبح بحديدة» «1».

و موثّقة سماعة: عن الذكاة، [فقال ]: «لا يذكّى إلّا بحديدة، نهى عن ذلك أمير المؤمنين عليه السّلام» «2».

و تدلّ عليه أيضا مفاهيم الأخبار المجوّزة لغير الحديد عند الضرورة كما يأتي. و قد يستدلّ له أيضا بأصالة الحرمة و حكم التبادر و الغلبة، و فيهما

نظر.

المسألة الثانية: تجوز التذكية في حال الاضطرار بغير الحديدة

، من مروة أو ليطة أو قصب أو زجاجة أو عود أو غير ذلك أو عظم، سوى السنّ و الظفر، إجماعا محكيّا «3» و محقّقا، له، و للمستفيضة:

كصحيحة البجلي: عن المروة و القصبة و العود أ يذبح بهنّ إذا لم يجدوا سكّينا؟ قال: «إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك» «4».

و صحيحة الشحّام: عن رجل لم يكن بحضرته سكّين أ يذبح بقصبة؟

قال: «اذبح بالقصبة و بالحجر و بالعظم و بالعود إذا لم تصب الحديدة، إذا قطع الحلقوم و خرج الدم فلا بأس به» «5».

______________________________

(1) الكافي 6: 227- 3، التهذيب 9: 51- 209، الاستبصار 4: 79- 292، الوسائل 24: 8 أبواب الذبائح ب 1 ح 3.

(2) الكافي 6: 227- 4، التهذيب 9: 51- 210، الاستبصار 4: 79- 293، الوسائل 24: 8 أبواب الذبائح ب 1 ح 4.

(3) المسالك 2: 226.

(4) الكافي 6: 228- 2، الفقيه 3: 208- 954، التهذيب 9: 52- 214، الاستبصار 4: 80- 297، الوسائل 24: 8 أبواب الذبائح ب 2 ح 1.

(5) الكافي 6: 228- 3، التهذيب 9: 51- 213، الاستبصار 4: 80- 296، الوسائل 24: 9 أبواب الذبائح ب 2 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 396

و صحيحة ابن سنان: «لا بأس أن تأكل ما ذبح بالحجر إذا لم تجد حديدة» «1».

و موثّقة محمّد: في الذبيحة بغير حديدة، قال: «إذا اضطررت إليها فإن لم تجد حديدة فاذبحها بحجر» «2».

و المستفاد من تلك الأخبار حصول الاضطرار بعدم وجود الحديدة و خوف فوات الذبيحة و إن لم يضطرّ إلى الأكل، و هو كذلك.

المسألة الثالثة: هل يجوز الذبح بالسنّ و الظفر

المتّصلين أو المنفصلين عند الاضطرار؟

الأكثر على الجواز، بل عن السرائر نفي الخلاف فيه «3».

و عن الإسكافي «4» و الشيخ في

الخلاف و المبسوط و الغنية «5»: المنع، و استقربه في الشرح، و تردّد فيه المحقّق «6»، و عن المبسوط و الغنية:

الإجماع عليه.

دليل الجواز: ظواهر النصوص المتقدّمة، حيث اعتبر فيها قطع الحلقوم و فري الأوداج و خروج الدم لا خصوصية القاطع، و كون السنّ عظما، و قد صرّح فيه بالجواز في الصحيحة المتقدّمة.

و دليل الثاني: رواية رافع بن خديج العاميّة: إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:

______________________________

(1) الفقيه 3: 208- 955، الوسائل 24: 9 أبواب الذبائح ب 2 ح 2.

(2) الكافي 6: 228- 1، التهذيب 9: 52- 215، الاستبصار 4: 80- 298، الوسائل 24: 9 أبواب الذبائح ب 2 ح 4.

(3) السرائر 3: 86.

(4) حكاه عنه في المختلف: 673.

(5) الخلاف 2: 521، المبسوط 6: 263، الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(6) في المختصر النافع: 249.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 397

«ما أنهر الدم و ذكر اسم اللّه عليه فكلوا ما لم يكن سنّا أو ظفرا» «1».

و المرويّ في المجازات النبويّة للسيّد: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الذبح بالسنّ و الظفر «2».

و المرويّ في قرب الإسناد للحميري: «لا بأس بذبيحة المروة و العود و أشباهها، ما خلا السنّ و العظم و الظفر» «3».

و يمكن جبر ضعف تلك الأخبار بالإجماعين المنقولين، فيخصّ بها إطلاق ظواهر النصوص المتقدّمة، مع أنّ في إطلاقها نظرا ظاهرا، كانصراف العظم إلى الظفر أيضا، فالمنع أقرب.

______________________________

(1) صحيح مسلم 3: 1558- 20، صحيح البخاري 7: 119.

(2) المجازات النبوية: 430- 348.

(3) قرب الإسناد: 106- 363، الوسائل 24: 10 أبواب الذبائح ب 2 ح 5، عبارة:

و الظفر، غير موجودة في المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 398

الفصل الثالث في محلّ التذكية الذبحيّة و النحريّة و كيفيّتهما و هاهنا مقامان:
المقام الأول: في محلّ التذكية الذبحيّة. و فيه مسائل:
المسألة الأولى: يجب في التذكية قطع الحلقوم

، و هو مجرى النفس

دخولا و خروجا، بلا خلاف فيه يعلم كما في الكفاية «1»، بل مطلقا كما في المسالك «2»، بل هو إجماع محقّق، فهو الدليل عليه.

مضافا إلى وجوب الذبح و توقّف الحلّية عليه، كما هو المجمع عليه و المدلول بالأخبار، كما في صحيحة محمّد: «و لا تأكل من ذبيحة ما لم تذبح من مذبحها» «3».

و في صحيحة الحلبي: «لا يصلح أكل ذبيحة لا تذبح من مذبحها» «4».

و في رواية أبان: «إذا شككت في حياة شاة» إلى أن قال: «فاذبحها فهو لك حلال» «5».

______________________________

(1) كفاية الأحكام: 246.

(2) المسالك 2: 226.

(3) الكافي 6: 229- 5، التهذيب 9: 53- 220، الوسائل 24: 12 أبواب الذبائح ب 4 ح 1.

(4) الكافي 6: 231- 1، التهذيب 9: 53- 221، الوسائل 24: 12 أبواب الذبائح ب 4 ح 3.

(5) الكافي 6: 232- 4، التهذيب 9: 57- 238، الوسائل 24: 23 أبواب الذبائح ب 11 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 399

و في رواية يونس: «لا تأكل إلّا ما ذبح» «1».

و قد مرّ في الفصل السابق أيضا ما يدلّ على اشتراط الذبح و توقّف صدق الذبح على قطع الحلقوم، إذ لا ذبح عرفا بدونه، و لا أقلّ من عدم معلوميّة تحقّقه بدونه، فيجب.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة ابن عمّار: «النحر في اللّبّة و الذبح في الحلق» «2».

و الحلق هو الحلقوم، مع أنّ في بعض النسخ: «و الذبح في الحلقوم».

و تدلّ عليه أيضا صحيحة الشحّام المتقدّمة في الفصل السابق.

و يؤكّده- بل يدلّ عليه أيضا- قوله في حسنة حمران الواردة في كيفيّة الذبح: «و لا تقلب السكين لتدخلها من تحت الحلقوم و تقطعه إلى فوق» «3» فإنّه لو لا اعتبار قطع الحلقوم لما ذكر

أدب قطعه و طريقته.

و هل يكتفى به و يجزي الاقتصار عليه؟ كما حكي عن الإسكافي «4»، و عن الخلاف أيضا «5»، و نسب في شرح الإرشاد ميل الفاضل إليه «6»، و كذا مال إليه المحقّق و الشهيد الثاني «7»، و هو ظاهر جمع من متأخّري

______________________________

(1) الكافي 6: 229- 3، التهذيب 9: 53- 219، الوسائل 24: 14 أبواب الذبائح ب 5 ح 2.

(2) الكافي 6: 228- 1، التهذيب 9: 53- 217، الوسائل 24: 12 أبواب الذبائح ب 4 ح 2، و اللبّة: المنحر و موضع القلادة- مجمع البحرين 2: 165.

(3) الكافي 6: 229- 4، التهذيب 9: 55- 227، الوسائل 24: 10 أبواب الذبائح ب 3 ح 2.

(4) حكاه عنه في المختلف: 690.

(5) الخلاف 2: 522.

(6) مجمع الفائدة 11: 96.

(7) المحقّق في الشرائع 3: 205، الشهيد الثاني في المسالك 2: 226.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 400

المتأخّرين، كالمحقّق الأردبيلي و صاحب الكفاية و المفاتيح «1» و شرحه.

أو لا يكتفى به، بل يجب معه قطع المري ء- بالهمز كأمين، و هو مجرى الطعام و الشراب المتّصل بالحلقوم من تحته- و الودجان- بفتح الواو و الدالّ، و هما عرقان محيطان بالحلقوم- على ما ذكره جماعة «2».

أو بالمري ء خاصّة على ما ذكره بعضهم «3»؟ كما هو مشهور بين الأصحاب، صرّح به جماعة، منهم: المحقّق في الشرائع و المسالك و المقدّس الأردبيلي و الكفاية و المفاتيح «4» و شرحه، بل عن المهذّب و الصيمري الإجماع عليه «5»، و حكي عن الغنية أيضا «6»، و لكنّه فيما عدا المري ء.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 15    400     المسألة الأولى: يجب في التذكية قطع الحلقوم ..... ص : 398

منه يستفاد وجود قول

ثالث أيضا، و هو اعتبار قطع الحلقوم و الودجين، و حكي ميل الفاضل في المختلف إليه أيضا «7».

و هنا قول رابع محكيّ عن العماني «8»، و هو التخيير بين قطع الحلقوم و شقّ الودجين.

دليل الأولين: الأصل، و لزوم الاقتصار على القدر المتيقّن فيما

______________________________

(1) مجمع الفائدة 11: 96.

(2) منهم الشيخ في الخلاف 2: 529، و العلّامة في المختلف: 690، و الشهيد الثاني في المسالك 2: 226.

(3) كما في المفاتيح 2: 201، و كشف اللثام 2: 78.

(4) الشرائع 3: 205، المسالك 2: 226، المقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة 11:

95، الكفاية: 246، المفاتيح 2: 201.

(5) حكاه عنهما في الرياض 2: 272.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(7) راجع المسالك 2: 226.

(8) حكاه عنه في الرياض 2: 273.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 401

يخالف الأصل، و صدق الذبح العرفي بقطع الحلقوم خاصّة، و إطلاق منطوق صحيحة الشحّام السالفة- التي هي أصحّ ما وصل إلينا في ذلك الباب- و إطلاق الكتاب و السنّة بحلّ ما تحقّق فيه التذكية.

و حجّة الثاني: أصالة الحرمة، و الإجماع المنقول، و الشهرة، و مفهوم صحيحة البجلي السابقة التي في صحّتها كلام لمكان إبراهيم بن هاشم و إن لم يلتفت إليه.

أقول: أمّا الأصل فالحقّ فيه مع الأولين، لأنّه ثبتت على ما ذكرنا أصالة حلّية ما ذكر اسم اللّه عليه، و لكن ثبت معه اشتراط شي ء آخر لتتحقّق التذكية الشرعيّة، و لمّا نقول باشتراط قطع الحلقوم فحيث لا نعلم الزائد عليه ننفيه بالأصل.

و إن قلت: هو الذبح كما هو مدلول الأخبار، فهو إمّا مجرّد قطع الحلقوم كما هو الظاهر، أو هو أيضا كالتذكية، فيقتصر فيه على المتيقّن.

و منه يظهر ضعف الدليل الأول للقول الثاني، و كذا الثاني و

الثالث، لعدم حجّيتهما أصلا، فبقي الأخير.

و أمّا القول الأول: فدليله الأخير مدخول، لأنّ الكلام بعد فيما تتحقّق به التذكية.

و أمّا الثلاثة الأول، فهي و إن كانت تامّة إلّا أنّها إمّا أصل أو إطلاق يدفع بحسنة البجلي إن كانت دالّة على المطلوب و فارغة عن مكاوحة صحيحة الشحّام، فاللازم حينئذ التكلّم أولا في دلالة الحسنة، ثمَّ في حالها مع المعارضة.

فنقول: مفهوم الحسنة ثبوت البأس- الذي هو العذاب المثبت للحرمة على الأصحّ- بدون فري الأوداج.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 402

و لكن قد يخدش في معنى الفري، فإنّه بمعنى: الشقّ، كما هو المحكيّ عن الهروي «1». و قال في القاموس: فرى يفريه شقّه «2».

و قد يخدش في معنى الأوداج، هل المراد منه الأربعة، أو الثلاثة غير الحلقوم، أو الاثنين غيره و غير المري ء؟.

و قد يذبّ عن الأول: بأنّ المستفاد من بعض كتب اللغة تفسيره بما هو ظاهر في القطع.

و يمكن ردّه: بأنّه غير ثابت، و لو سلّم فمع ما ذكر معارض، فدلالته على القطع- الذي هو المطلوب- غير واضحة.

و بأنّ المتبادر من الفري حين يطلق في التذكية هو ما يحصل به القطع بحكم التبادر و الغلبة.

و يردّه: أنّه كلام سخيف لا ينبغي الإصغاء إليه، فإنّه لا يعلم عرف العرب فيه و لا مرادفه من لغاتنا، و إنّما هو شي ء يسبق إلى بعض الأذهان باعتبار ما سمعوا من المتفقّهة من اشتراط القطع في التذكية، و لا يعلم حال زمان الشارع فيه أصلا.

و بأنّه إن أريد بالأوداج غير الحلقوم فيلزم اشتراط القطع في الحلقوم و كفاية الشقّ في غيره، و لم يقل به أحد. و إن أريد المجموع فالمراد به في الحلقوم القطع قطعا، ففي غيره أيضا كذلك،

لئلّا يلزم استعمال اللفظ في المعنيين. قلنا: للمعترض اختيار الثاني.

و بأنّ الأوداج تشمل المري ء أيضا، و شقّه بدون قطع الودجين غير ممكن، لأنّهما فوقه، فثبت اشتراط قطعهما من الحسنة و لو من باب

______________________________

(1) حكاه عنه في المسالك 2: 226.

(2) القاموس المحيط 4: 376.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 403

المقدّمة.

و منه يثبت اعتبار قطع الجميع، لعدم القول بهذه التفرقة.

و عن الثاني: بأنّ مقتضى الجمعيّة المعرّفة إرادة الجميع إلّا ما أخرجه الدليل.

أقول: و إن أمكن تخصيص الفري بالقطع ببعض القرائن المذكورة، إلّا أنّه ليس بعد بالظهور الذي يطلب في دلالة الألفاظ، و مع ذلك في صدق الودج على الحلقوم خفاء و منع، بل صرّح بعضهم بعدم صدقه عليه و لا على المري حقيقة «1».

و على هذا، فيتعارض مقتضى الجمعيّة مع مقتضى الحقيقة، و ليس أحد التجوّزين أولى، مع أنّ الجمعيّة تحصل بإدخال المري ء أيضا، فتتعارض الحسنة و الصحيحة فيما إذا قطع الحلقوم دون غيره بالعموم من وجه.

و مع ذلك يمكن أن يكون المراد من الحسنة إرادة الحدّة من المروة و إخوتها، يعني: إذا كانت بحيث تشقّ الودج لا بأس به، و لكنّه خلاف المعنى الحقيقي، إذ يصير المعنى: إن كان من شأنه ذلك، و هو معنى مجازي.

و بالجملة: إثبات المشهور من الحسنة مشكل، و مقتضى التعارض إمّا التخيير الذي ذكره العماني، أو الرجوع إلى الأصل، و لكنّ الظاهر أنّ الأول مخالف للإجماع، بل لمفهوم الصحيحة، فيتعيّن الثاني، فيقوى الاكتفاء بالحلقوم في الذبح، و لو تعدّى عنه إلى الودجين فلا دليل تامّا على إدخال المري ء أصلا.

و مع ذلك كلّه لا ينبغي ترك الاحتياط، و الأحوط اعتبار قطع الأربعة،

______________________________

(1) الرياض 2: 273.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص:

404

فتأمّل و احتط.

المسألة الثانية: قيل: محلّ الذبح الحلقوم تحت اللحيين

بلا خلاف يظهر، لأصالة التحريم في غيره، مع عدم انصراف الإطلاقات إلّا إلى الحلقوم تحت اللّحيين، لأنّه المعروف المتعارف، فيجب حملها عليه، و في الصحيح: «لا تأكل من ذبيحة ما لم تذبح من مذبحها» «1». انتهى «2».

و في الشرائع: الذبح في الحلق تحت اللحيين «3».

أقول: الظاهر أنّ تحت اللحيين بيان للحلق أو الحلقوم، و مقتضاه:

أنّه يجب أن يكون قطع الأوداج إنّما هو في الحلق، أي تحت اللحيين.

و هو كذلك و إن كانت الأدلّة التي ذكرها الأول كلّها مدخولة، لمنع أصالة الحرمة، و منع انصراف الإطلاق من جهة التعارف و العادة بحيث يكون حجّة، و عدم دلالة الصحيحة، لأنّ الكلام بعد في تعيين المذبح.

و لكن لقوله عليه السّلام في صحيحة ابن عمّار المتقدّمة: «الذبح في الحلق» «4»، و الحلق تحت اللحيين، و لا أقلّ من عدم معلوميّة صدقه على غيره.

و لأنّ المأمور به هو الذبح، و صدقه على قطع الأوداج في غير ما ذكر غير معلوم.

و المعلوم من الحلق أو الحلقوم لغة و عرفا هو العنق ما بين أصل الرأس و مبدأ الصدر، و هو الوهدة الكائنة تحت الحلق، و على هذا فلو قطع

______________________________

(1) الكافي 6: 229- 5، التهذيب 9: 53- 220، الوسائل 24: 12 أبواب الذبائح ب 4 ح 1.

(2) الرياض 2: 273.

(3) الشرائع 3: 205.

(4) في ص: 399.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 405

شي ء من الذقن أو من الوهدة لم يتحقّق الذبح و إن فرض قطع الأوداج.

المسألة الثالثة: المصرّح به في كلامهم وجوب قطع ما يجب قطعه من الحلقوم أو الأوداج الأربعة كلّا،

أي قطع تمام كلّ واحد منها، فلو ترك جلدة يسيرة من واحد منها و لم يقطعها حتى خرج روحه أو زالت حياته المستقرّة عند من يعتبرها حرمت الذبيحة.

و ظاهر المحقّق الأردبيلي «1» عدم اعتبار ذلك، و

كفاية قطع البعض الموجب لخروج الروح، و عدم اشتراط إتمامه بعده.

و لعلّه لصدق الذبح، و هو كذلك، إلّا أنّ صدق القطع المصرّح به في صحيحة الشحّام- و لو مع بقاء شي ء يسير- غير معلوم، فاعتباره هو الوجه، و لكنّه مخصوص بالحلقوم، و الإجماع المركّب في أمثال تلك المسائل غير واضح.

و احتمل المحقّق المذكور إرادة المصنّف أيضا اختصاصه بالحلقوم، و يختصّ أيضا بما إذا لم يتمّه قبل الموت، و أمّا إذا أتمّه قبله حلّ و لو قلنا باعتبار استقرار الحياة، كما يظهر وجهه ممّا يذكر في المسألة الآتية.

المسألة الرابعة: تجب متابعة الذبح حتى يستوفي الأعضاء الأربعة قبل خروج الحياة

مطلقا، أو الحياة المستقرّة على القول باعتبارها، فلو قطع بعض الأعضاء و أرسله، فانتهى إلى الموت أو إلى حركة المذبوح، ثمَّ استأنف قطع الباقي، حرم.

و قيل بالحلّية مع بقاء مطلق الحياة و لو قلنا باعتبار الاستقرار، لاستناد الإباحة إلى القطعين، و لأنّه لو أثّر في التحريم لم تحلّ ذبيحة أصلا و لو مع

______________________________

(1) مجمع الفائدة 11: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 406

التوالي، لانتفاء الحياة المستقرّة بعد قطع البعض لا محالة «1». و هو حسن.

المسألة الخامسة: لا يشترط أن يكون الذبح من القدّام

، للأصل، و الإطلاق، فلو ذبح ما يذبح من القفاء، فإذا سرع إلى قطع ما يعتبر قطعه من الأوداج قبل خروج الروح حلّت الذبيحة، و كذا قبل أن تنتفي حياتها المستقرّة على اعتبارها، للأصل الخالي عمّا يصلح للمعارضة.

و أمّا المرويّ في الدعائم: عن الذبيحة تذبح إن ذبحت من القفاء، قال: «إن لم يتعمّد ذلك فلا بأس، و إن تعمّده و هو يعرف سنّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم تؤكل ذبيحته و يحسن أدبه» «2».

فقاصر عن إثبات الحرمة سندا و دلالة.

و لو شكّ في أنّه هل كان قبل انتفاء الحياة أو تزلزلها يحكم بعدمهما، للأصل، و الاستصحاب.

المسألة السادسة: لو قطع الأوداج أو واحد منها محرّفا

، فإن كان التحريف بحيث لم يحصل القطع الطولي في عضو، بل كان بالعرض فقط، لم يحلّ، لعدم صدق القطع. و إلّا حلّ، للأصل، و عدم دليل على اشتراط الاستقامة.

المقام الثاني: في بيان محلّ التذكية النحريّة. و هاهنا مسائل:
المسألة الأولى: محلّ النحر: اللّبّة

- بفتح اللام و تشديد الموحّدة التحتانيّة-: أسفل العنق بين أصله و صدره، و وهدتها: الموضع المنخفض منها، و يسمّى بالثغرة.

______________________________

(1) المسالك 2: 231.

(2) دعائم الإسلام 2: 180- 654، مستدرك الوسائل 16: 159 أبواب الذبائح ب 38 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 407

و الدليل على أنّها محلّ النحر: الإجماع و صحيحة ابن عمّار المتقدّمة «1».

و النحر: أن يدخل السكّين و نحوها من الآلات الحديديّة في الثغرة من غير قطع الحلقوم.

و دليله: الإجماع، و المرويّ في الدعائم المنجبر ضعفه: البعير يذبح أو ينحر؟ قال: «السنّة أن ينحر» قيل: كيف ينحر؟ قال: «يقام قائما حيال القبلة، و تعقل يده الواحدة، و يقوم الذي ينحره حيال القبلة، فيضرب في لبّته بالشفرة حتى يقطع و يفري» [1].

المسألة الثانية: يشترط في الناحر و آلته ما يشترط في الذابح و آلته،

بالإجماع، و بعض الإطلاقات.

المسألة الثالثة: التذكية بالنحر مخصوصة بالإبل

، و ما عداها يذكّى بالذبح، بلا خلاف، بل عن الخلاف و الغنية و السرائر و الشهيد الثاني و غيرهم و في المفاتيح و شرحه: الإجماع عليه «2»، بل هو إجماع محقّق، فهو الدليل عليه.

مضافا إلى المستفيضة، المتضمّنة لإطلاق اسم النحر للإبل و الذبح لغيره، كالأخبار الواردة في الهدي «3»، و روايتي أبي بصير «4» و إسماعيل الجعفي «5»

______________________________

[1] الدعائم 2: 180- 652، و الشفرة بالفتح فالسكون: السكين العريض و ما عرض من الحديد و حدّد- مجمع البحرين 3: 352، مستدرك الوسائل 16: 132 أبواب الذبائح ب 2 ح 5.

______________________________

(1) في ص: 399.

(2) الخلاف 2: 522، الغنية (الجوامع الفقهية): 618، السرائر 3: 107، حكاه عن الشهيد الثاني في الرياض 2: 274، و انظر كشف اللثام 2: 259، المفاتيح 2: 201.

(3) الوسائل 14: 148 أبواب الذبح ب 35.

(4) الكافي 6: 231- 1، التهذيب 9: 54- 223، الوسائل 24: 21 أبواب الذبائح ب 10 ح 5.

(5) الكافي 6: 231- 5، التهذيب 9: 54- 222، الوسائل 24: 20 أبواب الذبائح ب 10 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 408

الواردتين في البعير الممتنع و المتردّي، و الصحيحة «1» و الموثّقة «2» الواردتين في ذبح البقر و إنّ منحوره ليس بذكي و لا يؤكل، و الصحيحتين الواردتين في ذبح الشاة و مطلق الطير.

بل نقول: إنّ إطلاقات الأمر بالذبح كثيرة شاملة لجميع الحيوانات، خرج منها البعير بما ذكر، فيبقى الباقي.

و الظاهر أنّ الإجماع و عمل الناس و سيرتهم في الأعصار و الأمصار- بحيث صار ضروريّا لكلّ أحد- يكفينا مئونة الاستدلال على ذلك التفصيل.

و ما يستفاد من بعض المتأخّرين- كالمقدّس الأردبيلي «3» و صاحب الكفاية «4»

و غيرهما «5» من عدم قيام دليل صالح على التفصيل- من التدقيقات الباردة التي لا ينظر إليها الفقيه.

و ممّا ذكرنا ظهر حال الخبر الدالّ على أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نحر الفرس «6»، فإنّه مخالف للإجماع، و مع ذلك محمول على التقيّة، و يشهد له كون بعض رواته من العامّة.

المسألة الرابعة: الواجب اختصاص كلّ حيوان بطريق تذكيته

، فتنحر الإبل و يذبح غيرها، فلو نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر حرم بالإجماع، و في مرسلة الفقيه: «كلّ منحور مذبوح حرام، و كل مذبوح منحور حرام» «7».

______________________________

(1) الكافي 6: 228- 2، التهذيب 9: 53- 218، الوسائل 24: 14 أبواب الذبائح ب 5 ح 1.

(2) الكافي 6: 229- 3، التهذيب 9: 53- 219، الوسائل 24: 14 أبواب الذبائح ب 5 ح 2.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 11: 98.

(4) كفاية الأحكام: 247.

(5) كالشهيد الثاني في بعض حواشيه على ما حكاه عنه في الرياض 2: 274.

(6) التهذيب 9: 48- 201، الوسائل 24: 122 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 5 ح 4.

(7) الفقيه 3: 210- 968، الوسائل 24: 14 أبواب الذبائح ب 5 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 409

الفصل الرابع في سائر شرائط الذبح و النحر و هي أمور تذكر في طيّ مسائل:
المسألة الاولى: من شرائط الذبح و النحر: استقبال القبلة،
اشاره

إجماعا محكيّا مستفيضا «1»، و محقّقا، و هو الحجّة فيه، مضافا إلى المستفيضة:

كصحيحة محمّد: «استقبل بذبيحتك القبلة» «2».

و الأخرى: عن رجل ذبح ذبيحة فجهل أن يوجّهها إلى القبلة، قال:

«كل منها»، قلت له: فإن لم يوجّهها، قال: «فلا تأكل، و لا تأكل من ذبيحة ما لم يذكر اسم اللّه عليها»، و قال عليه السّلام: «إذا أردت أن تذبح فاستقبل بذبيحتك القبلة» «3».

و الثالثة: عن ذبيحة ذبحت لغير القبلة، فقال: «كل و لا بأس بذلك ما لم يتعمّده» «4»، دلّت بالمفهوم على المطلوب.

و مفهوم صحيحة الحلبي: عن الذبيحة تذبح لغير القبلة، قال:

______________________________

(1) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 618، و المسالك 2: 226، و المفاتيح 2:

199.

(2) الكافي 6: 229- 5، التهذيب 9: 53- 220، الوسائل 24: 27 أبواب الذبائح ب 14 ح 1.

(3) الكافي 6: 233- 1، التهذيب 9: 60- 253، الوسائل 24: 27 أبواب الذبائح ب 14

ح 2.

(4) الكافي 6: 233- 4، التهذيب 9: 59- 250، الوسائل 24: 28 أبواب الذبائح ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 410

«لا بأس إذا لم يتعمّد» «1».

و المرويّ في الدعائم أنّهما قالا في من ذبح لغير القبلة: «إن كان أخطأ أو نسي أو جهل فلا شي ء عليه و تؤكل ذبيحته، و إن تعمّد ذلك فقد أساء و لا يجب أن تؤكل ذبيحته تلك إذا تعمّد خلاف السنّة» «2».

و الأمر في تلك الأخبار محمول على الوجوب الشرطي، و جعلوا الاستقبال شرطا للحلّية و هو إجماعي، و الإجماع عليه أيضا مصرّح به في كلامهم «3»، و هو الدليل عليه، و إلّا فإثباته من الأخبار مشكل، لأنّ المتبادر من الأمر الوجوب الشرعي، و هو غير مستلزم للحرمة مع ترك المأمور به.

و قوله: «فلا تأكل» في الصحيحة الثانية يحتمل الخبريّة.

نعم، لو كان المشار إليه- في قوله: «بذلك» في الثالثة- هو الأكل لدلّت بالمفهوم على ثبوت البأس- الذي هو العذاب- في أكل ما تعمّد فيه ذلك، و لكن يحتمل أن يكون إشارة إلى الذبح لغير القبلة.

و كذلك مفهوم جواز الأكل يمكن عدم الجواز بالمعنى الأخصّ.

و الظاهر من رواية الدعائم الكراهة، و لكنها خلاف الإجماع، فالدليل هو الإجماع المعتضد ببعض ما ذكر.

ثمَّ وجوب الاستقبال و الحرمة بدونه إنّما هو مع العلم بالوجوب و تعمّد تركه، فلا يحرم مع نسيانه إجماعا فتوى و نصّا، و كذا لو تركه جهلا بالحكم أو بالقبلة أو خطأ فيها، على المصرّح به في كلام كثير من

______________________________

(1) الكافي 6: 233- 3، التهذيب 9: 59- 251، الوسائل 24: 28 أبواب الذبائح ب 14 ح 3.

(2) الدعائم 2: 174- 626، مستدرك الوسائل 16: 138 أبواب

الذبائح ب 12 ح 2، و فيه: و لا نحب، بدل: و لا يجب.

(3) انظر كفاية الأحكام: 246، و كشف اللثام 2: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 411

الأصحاب، كالإرشاد و الدروس و الروضة و المفاتيح و الكفاية «1»، بل نسبه المحقّق الأردبيلي إلى كلام الأصحاب «2»، لدلالة رواية الدعائم المنجبرة على الجميع. بل تدلّ على الحلّ في صورة الترك مع اعتقاد عدم الوجوب، لصدق الخطأ و الجهل حينئذ أيضا.

و يستدلّون للحكم في صورة الجهل بالصحيحة الاولى.

و فيه نظر، لاحتمال أن يكون المعنى: أنّ ذبيحة الجاهل بوجوب التوجيه تؤكل إذا وجّه و لا تؤكل إذا علم عدم التوجيه، بل هو الظاهر من معناها، فلا دلالة لها.

فروع:
أ: هذه الأخبار و إن اختصّت بالذبيحة، إلّا أنّه يتعدّى إلى المنحورة

بالمركّب من الإجماع.

ب: هل اللازم استقبال جميع مقاديم الذبيحة القبلة، أو يكفي استقبال المذبح و المنحر خاصّة؟

ظاهر جماعة: الأول «3»، لظاهر الصحيحين الأولين، لأنّه المتبادر من استقبال الذبيحة، بل هو معناه.

و دليل الآخرين الأصل، و هو مدفوع بما مرّ.

ج: هل يشترط استقبال الذابح أو الناحر للقبلة أيضا، أم لا؟

______________________________

(1) إرشاد الأذهان 2: 108، الدروس 2: 413، الروضة 7: 215، المفاتيح 2:

200، كفاية الأحكام: 246.

(2) مجمع الفائدة 11: 114.

(3) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 226، و الكاشاني في المفاتيح 2: 199، و صاحب الرياض 2: 273.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 412

فيه قولان، أظهرهما: الثاني، للأصل.

و يستدلّ للأول بأنّ المتبادر من التعدية بالباء: المصاحبة، أي استقبل مع ذبيحتك.

و يردّ بمنع التبادر، بل الظاهر أنّها مثل التعدية بالهمزة، فإنّ المتبادر من: «ذهب به» أنّه أذهبه.

نعم روي في الدعائم عن أبي جعفر عليه السّلام: «إذا أردت أن تذبح ذبيحة فلا تعذّب البهيمة، أحدّ الشفرة و استقبل القبلة» «1».

و لكنه- لضعفه- لا يصلح لإثبات الزائد على الاستحباب. و تقدّمت أيضا روايته الدالّة على رجحان استقبال الناحر «2».

المسألة الثانية: و من شرائطهما: التسمية،
اشاره

بالإجماع المحقّق، و المحكيّ بالاستفاضة «3»، و الأصل، و صريح الكتاب.

قال اللّه سبحانه وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ «4».

و السنّة المتواترة معنى، منها: الأخبار المتكثّرة المتقدّمة كثير منها، المصرّحة بأنّ الذبيحة بالاسم و لا يؤمن عليها إلّا مسلم «5».

و منها: الأخبار المتقدّمة، المتضمّنة لحلّ بعض الذبائح بشرط سماع التسمية «6».

و منها: صحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة في المسألة الرابعة من

______________________________

(1) الدعائم 2: 174- 625، مستدرك الوسائل 16: 137 أبواب الذبائح ب 12 ح 1.

(2) في ص: 407.

(3) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 618، و المسالك 2: 227، و المفاتيح 2: 198.

(4) الأنعام: 121.

(5) الوسائل 24: 48 أبواب الذبائح ب 26.

(6) في ص: 384 و 385.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 413

الفصل الأول «1».

و صحيحة محمّد المتقدّمة في المسألة السابقة.

و الأخرى: عن الرجل يذبح و لا يسمّي، قال: «إن كان ناسيا فلا بأس عليه إن

كان مسلما و كان يحسن أن يذبح و لا ينخع و لا يقطع الرقبة بعد ما ذبح» [1].

و الثالثة: عن رجل ذبح و لم يسمّ، فقال: «إن كان ناسيا فليسمّ حين يذكر و يقول: بسم اللّه على أوله و على آخره» «2».

و الرابعة الواردة في ذبيحة المرأة، و فيها: «و لتذكر اسم اللّه عليها» «3».

و صحيحة سليمان: عن ذبيحة الغلام و المرأة، و فيها: «إذا كانت المرأة مسلمة و ذكرت اسم اللّه تعالى على ذبيحتها حلّت ذبيحتها و كذلك الغلام» «4».

و رواية محمّد الحلبي: «من لم يسمّ إذا ذبح فلا تأكله» «5».

و رواية مسعدة: عن ذبيحة الغلام، [قال:] «إذا قوي على الذبح و كان يحسن أن يذبح و ذكر اسم اللّه عليها فكل» «6»، إلى غير ذلك.

______________________________

[1] الكافي 6: 233- 2، التهذيب 9: 60- 252، الوسائل 24: 29 أبواب الذبائح ب 15 ح 2، و النخع للذبيحة أن يعجل الذابح فيبلغ القطع إلى النّخاع- لسان العرب 8: 348.

______________________________

(1) في ص: 389.

(2) الكافي 6: 233- 4، الفقيه 3: 211- 977، التهذيب 9: 59- 250، الوسائل 24: 30 أبواب الذبائح ب 15 ح 4.

(3) الكافي 6: 237- 1، الفقيه 3: 212- 981، التهذيب 9: 73- 310، الوسائل 24: 44 أبواب الذبائح ب 23 ح 5.

(4) الكافي 6: 237- 3، الفقيه 3: 212- 983، التهذيب 9: 73- 308، الوسائل 24: 45 أبواب الذبائح ب 23 ح 7.

(5) الفقيه 3: 211- 980، الوسائل 24: 30 أبواب الذبائح ب 15 ح 6.

(6) الكافي 6: 237- 2، التهذيب 9: 73- 309، الوسائل 24: 42 أبواب الذبائح ب 22 ح 2، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 15، ص: 414

ثمَّ التسمية أيضا كالاستقبال في اختصاص وجوبها و الحرمة بدونها بصورة التذكّر و تعمّد الترك، فلا يحرم لو تركها نسيانا، و بالإجماعين «1» و الصحيحين المتقدّمين.

و صحيحة الحلبي: عن الرجل يذبح فينسى أن يسمّي أتوكل ذبيحته؟

فقال: «نعم، إذا كان لا يتّهم و كان يحسن الذبح قبل ذلك و لا ينخع و لا يكسر الرقبة حتى تبرد الذبيحة» «2».

و المرويّ في تفسير العيّاشي: «إن كان الرجل مسلما فنسي أن يسمّي فلا بأس بأكله إذا لم تتّهمه» «3» يعني: أنّه ترك التسمية متعمّدا لاعتقاده جواز تركها.

و في إلحاق الجهل هنا أيضا بالنسيان و عدمه قولان، صريح المحقّق الأردبيلي: الأول «4»، و لم يذكر عليه دليلا.

نعم استدلّ له بعض آخر بكون الجهل كالنسيان في المعنى المسوّغ للأكل، و لذا تساويا في ترك الاستقبال «5»، و هو عين المصادرة.

و الثاني ظاهر الأكثر، حيث لم يذكروه، و قيل: لم أر من صرّح بالحلّ مع الترك جهلا «6». و دليله: الأصل، و إطلاق قوله سبحانه، و الأخبار المعصوميّة. و هو الأقرب.

______________________________

(1) الرياض 2: 273.

(2) الكافي 6: 233- 3، الفقيه 3: 211- 979، التهذيب 9: 59- 251، الوسائل 24: 29 أبواب الذبائح ب 15 ح 3.

(3) تفسير العياشي 1: 375- 86، الوسائل 24: 46 أبواب الذبائح ب 23 ح 11.

(4) مجمع الفائدة 11: 115.

(5) الرياض 2: 274.

(6) الرياض 2: 274.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 415

فروع:
أ: لا يشترط في التسمية كون الذابح ممّن يعتقد وجوبها

، وفاقا للأكثر، للإطلاقات، و العمومات، و الحكم بحلّ ذبيحة المخالف الذي لا يعتقد وجوبها «1»، بل حلّ شراء ما يوجد في أسواق المسلمين من الجلود و اللحوم من غير سؤال «2».

خلافا للفاضل في المختلف «3»، و لا دليل له سوى عدم قصده

بالتسمية بناء على اعتقاده.

و فيه: فقد الدليل على اعتبار القصد أيضا.

ب: لا يشترط في التسمية أن تكون في ضمن البسملة

، بل تتحقّق بذكر كلّ ما يشتمل على اسم اللّه سبحانه، كما صرّح به جماعة «4» من غير خلاف بينهم يوجد.

و تدلّ عليه صحيحة محمّد: عن رجل ذبح فسبّح أو كبّر أو هلّل أو حمد اللّه تعالى، قال: «هذا كلّه من أسماء اللّه تعالى و لا بأس به» «5».

و الظاهر أنّ المراد أنّ الكلّ متضمّن لاسمه سبحانه، و لا يثبت من الصحيحة أزيد من كفاية كلّ ما يتضمّن ذكر اسم اللّه، سواء كان بسملة أو

______________________________

(1) الوسائل 24: 66 أبواب الذبائح ب 28.

(2) انظر الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50، و ج 24: 70 أبواب الذبائح ب 29.

(3) المختلف: 680.

(4) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 227، و المحقق السبزواري في الكفاية:

247، و صاحب الرياض 2: 273.

(5) الكافي 6: 234- 5، الفقيه 3: 211- 978، التهذيب 9: 59- 249، الوسائل 24: 31 أبواب الذبائح ب 16 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 416

غيرها.

و لا يشترط ذكر لفظ الاسم، فيكفي مثل: استغفر اللّه، و غيره.

و أمّا كفاية غير ذلك ممّا لا يتضمّن اسم اللّه- كما أن يذكر صفاته العليا، نحو: من دان له أو خضع له جميع الخلق، و أمثال ذلك- فلا يثبت منها، بل و كذا غير لفظ اللّه من أسمائه الحسنى، نحو: الرحمن، و:

الرحيم، لجواز أن تكون الإضافة في اسم اللّه بيانيّة، بل يمكن الخدش في كون غير لفظ اللّه اسما حقيقيّا له.

و منه يظهر أنّ الأقرب اعتبار العربيّة أيضا، كما به صرّح طائفة «1».

ج: المستفاد من صحيحة محمّد الثالثة: أنّ الناسي للتسمية يذكرها عند الذكر

، بل ظاهرها الوجوب، و لكن صرّح جماعة بعدم قائل بوجوبه «2»، و لذا حملوه على الاستحباب، و هو جيّد.

و هل الاستحباب مخصوص بالتذكّر حال الاستقبال بالذبح،

أو يعمّ جميع حالات الاشتغال بالذبيحة، مثل سلخها و تقطيع لحمها؟

مقتضى إطلاق الصحيحة: الثاني، بل لعلّه يشمل حال الفراغ أيضا.

د: هل يجب أن تكون التسمية مع التذكّر مقارنة للشروع في الذبح،

أم يجوز مقدّمة عليه حين الشروع في مقدّماته، كأخذ الشاة، أو ربطها و شدّها، أو حين القيام للأخذ؟

الظاهر: الأول، لعدم معلوميّة صدق ذكر اسم اللّه عليه في غير المقارن للشروع، و لكن المقارنة العرفيّة كافية قطعا.

______________________________

(1) كما في الرياض 2: 273.

(2) منهم المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة 11: 117، و العلّامة المجلسي في البحار 62: 298، و صاحب الرياض 2: 273.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 417

ه: هل يجب أن تكون التسمية بقصد الذبح، أو لا؟

الظاهر: الأول، ليعلم تحقّق ذكر اسم اللّه عليه، فلو اتّفق مقارنة الشروع في الذبح لذكر اسم اللّه بقصد آخر لم يكف.

و: يشترط أن يكون المسمّى هو الذابح، فلا تكفي تسمية غيره

مقارنة لذبحه و لو بقصده، لوقوع الأمر به للذابح في كثير من الأخبار، مضافا إلى ما مرّ من نوع خفاء في معنى ذكر اسم اللّه عليه، فيقتصر على المتيقّن.

ز: صرّح في المسالك بأنّه يكتفي من الأخرس بالإشارة المفهمة للتسمية و قصدها

إن كان قادرا عليها، و إن لم يقدر على الإشارة فهو كغير القاصد لا تحلّ ذبيحته «1».

أقول: إن عمّم ذكر اسم اللّه بحيث يشمل التذكّر القلبي لكان ما ذكره حسنا، و لكن لازمه الاكتفاء به في الناطق أيضا و لم يقل به أحد.

و إن خصّ باللفظي- كما هو المستفاد من الأخبار، بل هو حقيقة التسمية المأمور بها في الأخبار، بل في بعضها: «و يقول: بسم اللّه على أوله و آخره» و في بعضها: «سمعته يقول»- فلا وجه للاكتفاء بإشارة الأخرس، و قيامها مقام اللفظ في بعض المواضع بدليل لا يثبت الكلّية، فالأقوى عدم حلّية ذبيحته، إلّا أن يثبت عليه إجماع، و لم يثبت بعد.

ح: لو اكره على الذبح، فإن بلغ حدّا يرفع القصد إلى الفعل لم تحلّ ذبيحته

- كأن يقبض يده و يمرّ مع السكّين على المذبح- و إلّا فتحلّ مع ذكر اسم اللّه، للإطلاقات.

______________________________

(1) المسالك 2: 225.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 418

المسألة الثالثة: و من الشرائط أيضا: حركة الذبيحة أو المنحورة
اشاره

حركة الحيّ خاصّة، عند الصدوق و الفاضل في المختلف «1»، و قوّاه ثاني الشهيدين «2».

و خروج الدم المعتدل خاصّة لا المتثاقل- أي المتقاطر قطرة قطرة مع التثاقل- عند الشهيد في الدروس على ما حكي عنه «3».

و مجموع الأمرين المذكورين عند جماعة، منهم: المفيد و الإسكافي و القاضي و الديلمي و الحلبي «4»، و ابن زهرة مدّعيا هو الإجماع عليه «5».

و أحد الأمرين عند طائفة أخرى، منهم: الشيخ في النهاية و الحلّي و الفاضلين «6» و أكثر المتأخّرين كما في المسالك «7»، بل الأكثر مطلقا كما في المفاتيح «8» و شرحه.

دليل الأولين: المستفيضة المعتبرة:

كموثّقة البصري: «إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحرّك الذنب فكل منه فقد أدركت ذكاته» «9».

______________________________

(1) الصدوق في المقنع: 139، المختلف: 681.

(2) في الروضة 7: 224.

(3) الدروس 2: 413.

(4) المفيد في المقنعة: 580، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 681، القاضي في المهذّب 2: 440، الديلمي في المراسم: 209، الحلبي في الكافي في الفقه:

320.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(6) النهاية: 584، الحلّي في السرائر 3: 110، المحقق في المختصر: 250، العلّامة في التحرير 2: 159.

(7) المسالك 2: 227.

(8) المفاتيح 2: 201.

(9) الكافي 6: 232- 3، التهذيب 9: 57- 237، الوسائل 24: 23 أبواب الذبائح ب 11 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 419

و رواية عبد اللّه بن سليمان: «إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحرّك الذنب و أدركته فذكّه» «1».

و رواية أبان: «إذا شككت في حياة شاة و رأيتها تطرف عينها أو تحرّك

أذنيها أو تمصع بذنبها فاذبحها فإنّها لك حلال» «2».

و صحيحة محمّد الحلبي: عن الذبيحة، فقال: «إذا تحرّك الذنب أو الطرف أو الاذن فهو ذكي» «3».

و رواية رفاعة: في الشاة «إذا طرفت عينها أو حرّكت ذنبها فهي ذكيّة» «4».

و صحيحة أبي بصير: عن الشاة تذبح فلا تتحرّك و يهراق منها دم كثير عبيط، فقال: «لا تأكل، إنّ عليّا عليه السّلام كان يقول: إذا ركضت الرجل أو طرفت العين فكل» «5».

و رواية ليث المرادي: «و خير الذكاة إذا كانت العين تطرف و الرجل تركض و الذنب يتحرّك» «6».

______________________________

(1) الكافي 6: 232- 1، الوسائل 24: 24 أبواب الذبائح ب 11 ح 7.

(2) الكافي 6: 232- 4، التهذيب 9: 57- 238، الوسائل 24: 23 أبواب الذبائح ب 11 ح 5، و المصع: الحركة و الضرب- النهاية الأثيرية 4: 337.

(3) الكافي 6: 233- 5، التهذيب 9: 56- 235، الوسائل 24: 23 أبواب الذبائح ب 11 ح 3.

(4) الكافي 6: 233- 6، التهذيب 9: 56- 234، الوسائل 24: 23 أبواب الذبائح ب 11 ح 4.

(5) الفقيه 3: 209- 962، التهذيب 9: 57- 240، الوسائل 24: 24 أبواب الذبائح ب 12 ح 1.

(6) الكافي 6: 208- 10، التهذيب 9: 33- 131، الاستبصار 3: 73- 267، الوسائل 23: 350 أبواب الصيد ب 9 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 420

دلّت غير الأخيرتين منطوقا على كفاية الحركة، و مفهوما على عدم كفاية غيره، و الأخيرة منطوقا على كفاية الحركة، و ما قبلها على عدم كفاية خروج الدم.

حجّة الثاني: صحيحتا محمّد: عن مسلم ذبح شاة فسبقه السكّين بحدّتها فأبان الرأس، قال: «إن خرج الدم فكل» «1».

و رواية سماعة، و فيها: «لا بأس إذا

سال الدم» «2».

و رواية الحسن بن مسلم الواردة في بقرة ضربها رجل بفأس فسقطت ثمَّ ذبحها، و فيها: «إن كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلا فكلوا و أطعموا، و إن كان خرج خروجا متثاقلا فلا تقربوه» «3».

دلّت بالمناطيق على كفاية خروج الدم، و بالمفاهيم على عدم كفاية غيره.

و مستند الثالث- بعد أصالة الحرمة، و لزوم الاقتصار فيما خالفها على المتيقّن المجمع عليه، و ليس إلّا ما اجتمع فيه الأمران، و الإجماع المنقول «4»، و الشهرة القديمة المحكيّة «5»- كون ذلك مقتضى تعارض أخبار الطرفين و العمل بقواعد التعارض، حيث إنّ منطوق كلّ منهما يعارض

______________________________

(1) الاولى: الكافي 6: 230- 2، الفقيه 3: 208- 960، التهذيب 9: 55- 230، الوسائل 24: 17 أبواب الذبائح ب 9 ح 2.

الثانية: التهذيب 9: 57- 239، الوسائل 24: 18 أبواب الذبائح ب 9 ذيل الحديث 2.

(2) الفقيه 3: 208- 961، الوسائل 24: 18 أبواب الذبائح ب 9 ح 4.

(3) الكافي 6: 232- 2، التهذيب 9: 56- 236، قرب الإسناد: 44- 143، و في التهذيب و الوسائل 24: 25 أبواب الذبائح ب 12 ح 2 عن الحسين بن مسلم.

(4) راجع ص: 418.

(5) حكاها صاحب الرياض 2: 274.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 421

مفهوم الآخر بالعموم من وجه، و المرجّح في البين مفقود، فيرجع في موضع التعارضين- و هما ما تحرّك و لم يخرج الدم، أو خرج الدم و لم يتحرّك- إلى أصالة الحرمة.

و مستمسك الرابع- بعد أصالة الحلّية الحاصلة بذكر اسم اللّه عليه، و الشهرة الجديدة أو المطلقة المحكيّة- تعارض أخبار الطرفين- كما مرّ- و عدم المرجّح، فيحكم في موضع التعارض بالتخيير، كما هي القاعدة.

أقول- و من

اللّه التوفيق-: لا ينبغي الريب في دلالة نصوص كلّ من الطرفين، إلّا أنّ الأخبار الأولى أصرح دلالة و أوضحها، و ذلك لما قيل «1» من أنّ الصحيحين و رواية سماعة- من الأخبار الثانية- واردة في غير المشتبه حياته و موته، بل المستقرّ حياته استقرارا يظنّ ببقائه زمانا يحتمله.

و إنّما إشكال السائل فيها من حيث قطع الرأس بسبق المدية «2»، و لا ريب أنّ الغالب في مثل هذه الذبيحة تحقّق الحركات المزبورة منها.

و الرواية الأخيرة فهي و إن كانت في المشتبه الذي هو مفروض المسألة- كما صرّح به جماعة «3»- إلّا أنّها مع قصور سندها غير صريحة بل ظاهرة، لاحتمالها الحمل على ما إذا حصلت الحركة بعد التذكية، سيّما مع كونه من الأفراد الغالبة للذبيحة المشتبه حالها الخارج دمها معتدلا، و ليس كذلك الذبيحة المشتبهة بعدها حركة ما جزئيّة، فإنّه غير معلوم خروج الدماء عنها معتدلة.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّه لا دليل على كون الصحيحين و رواية

______________________________

(1) في الرياض 2: 274.

(2) المدية: الشفرة- الصحاح 6: 2490.

(3) منهم الشهيد في الدروس 2: 414، و صاحب الرياض 2: 274.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 422

سماعة واردة في غير المشتبه.

نعم، هي مطلقة، و كثير من الأخبار الأولى أيضا كذلك، فتكون أخبار الطرفين من تلك الجهة في مرتبة واحدة من الوضوح و عدمه.

نعم، تترجّح الاولى بالخلوّ عن المعارض الأخصّ و لا كذلك الثانية، لأنّ صحيحة أبي بصير المذكورة الناصّة على عدم التحرّك أخصّ مطلقا من الثانية، فيخصّص عموم مناطيقها بما إذا حصل مع خروج الدم، كما هو الغالب، و لازمه اختصاص مفاهيمها، لأنّ المفهوم تابع للمنطوق. و حينئذ فتبقى الأخبار الأولى بلا معارض، إلّا أنّه يخدشها: أنّ اللفظ

الوارد في صحيحة أبي بصير ليس صريحا في النهي، لاحتمال الخبريّة، و حينئذ لا تكون الصحيحة معارضة للأخبار الثانية في الحكم.

و قد ظهر ممّا ذكر أنّ الصواب ترك الكلام في تضعيف ظهور دلالة تلك الأخبار أو تخصيصها، و الرجوع إلى ما يقتضيه تعارضهما، كما فعله أرباب القولين الأخيرين، فنقول:

إنّ ما ذكره أهل القول الثالث- من الرجوع إلى الأصل- تماميّته تتوقّف على فقد المرجّح لأحد الطرفين أولا، و صحّة أصل الحرمة ثانيا، و كلاهما ممنوعان.

أمّا الأول: فلأنّ من المرجّحات المنصوصة: الشهرة رواية، و هي مع الأخبار الاولى في الجملة و إن لم تكن بمرتبة توجب الحكم البتّة، فتأمّل.

و أمّا الثاني: فلما عرفت مرارا من أنّ الأصل- بعد ذكر اسم اللّه، سيّما مع الذبح أو النحر- مع الإباحة.

و ما ذكره أصحاب القول الرابع من الرجوع إلى القاعدة- التي هي التخيير- و إن كان صحيحا، إلّا أنّ في كون مقتضى التخيير- الذي هو القاعدة عند التعارض و فقد المرجّح- الاكتفاء بأحد الأمرين، خفاء، إلّا أنّه

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 423

إن كان كذلك ثبت مطلوبهم، و إلّا فيكون التخيير بالمعنى الآخر منفيّا هنا قطعا، للإجماع، فيبقى الرجوع إلى الأصل، و هو كما عرفت مع الإباحة.

فإذن الأقوى هو القول الرابع، و عليه الفتوى.

فروع:
أ: المستفاد من الأخبار المتقدّمة كفاية واحدة من الحركات الثلاث أو الأربع

، من طرف العين، أو حركة الاذن، أو الرجل، أو الذنب، فعليها العمل، و لا تنافيها رواية ليث المتضمّنة للفظة «الواو» المقتضية للجمع، لأنّ الموضوع فيها خير الذكاة دون مطلقها.

ب: اللازم في تلك الحركات حركة الحيّ،

فلا تفيد غيرها- كالتقلّص و نحوه- للإجماع، و لأنّها المتبادر من حركة الحيوان، سيّما إذا أضيفت الحركة إليه، كما في روايتي أبان و رفاعة.

ج: المصرّح به في كلام جماعة- منهم: المحقّق الأردبيلي «1»، و بعض مشايخنا عطّر اللّه مراقدهم- أنّ كون هذه الحركة أو الدم أو كليهما- على اختلاف الأقوال- علامة للحلّ إنّما هو فيما اشتبهت حياته و موته

، فلو علمت حياته قبل الذبح، فذبح و لم يوجد شي ء منها، يكون حلالا، لأنّه قد علمت حياته و ذبح على الوجه المقرّر، و إن علم موته و ذبح و وجد بعض هذه العلامات لم يحلّ، و هو كذلك.

و قد صرّح في رواية أبان بأنّ الرجوع إلى العلامات عند الشكّ في الحياة، و يشعر به أيضا قوله: فقد أدركته و أدركت ذكاته، في روايتي

______________________________

(1) مجمع الفائدة 11: 122.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 424

البصري و عبد اللّه بن سليمان.

و يدلّ على أنّ المعلوم حياته لا يحتاج إلى وجود العلامات: ما دلّ على كفاية الحياة في التذكية، كقوله في صحيحة محمّد بن قيس الواردة فيما أخذت بالحبالة: «و كلوا ما أدركتم حياته و ذكرتم اسم اللّه عليه» «1».

و في موثّقة البصري: «و ما أدركت من سائر جسده حيّا فذكّه ثمَّ كل منه» «2».

و على أنّ المعلوم موته لا يفيد فيه وجود العلامات: عمومات حرمة الميتة و إطلاقاتها «3».

و قوله في رواية أبي بصير الواردة في البعير الممتنع: «إلّا أن تدركه و لم يمت بعد فذكّه» «4».

هذا، مع أنّ الحكم في المقامين إجماعي، و مع ذلك، الفرض الذي ذكر فيهما فرض نادر إن لم نقل بأنّه محال عادي، و لا يلتفت إلى مثله في الاستدلال بالأخبار.

د: محلّ الحركة التي بها تعرف الحلّية هل هو قبل الذبح، أو بعده؟

صرّح في المسالك بالثاني «5»، و نسب بعضهم إلى الأصحاب كافّة «6»،

______________________________

(1) الكافي 6: 214- 1، التهذيب 9: 37- 154، الوسائل 23: 376 أبواب الصيد ب 24 ح 1.

(2) الكافي 6: 214- 3، التهذيب 9: 37- 155 و 156، الوسائل 23: 376 أبواب الصيد ب 24 ح 2.

(3) الوسائل 24: 99 أبواب الأطعمة المحرمة ب 1.

(4) الكافي 6: 231- 1،

التهذيب 9: 54- 223، الوسائل 24: 21 أبواب الذبائح ب 10 ح 5.

(5) المسالك 2: 227.

(6) الرياض 2: 274.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 425

و عن الغنية ادّعاء إجماع الإماميّة عليه «1»، و هو ظاهر صحيحة أبي بصير، حيث قال: تذبح فلا تتحرّك «2».

و يمكن استفادته من صحيحة محمّد الحلبي و رواية رفاعة أيضا، حيث قال: «إذا تحرّك .. فهو ذكي» «3».

و لو أراد الحركة القبليّة لكان يقول: يقبل الذكاة.

إلّا أنّ ظاهر روايتي أبان و عبد اللّه بن سليمان «4» كفاية القبليّة.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ غاية ما تدلّان عليه: أنّه إذا تحرّك قبل التذكية يقبلها، و أمّا توقّف الحلّية بعدها على حركة أخرى بدليل آخر فلا ينافي ذلك أصلا، فتأمّل.

المسألة الرابعة: اشتهر بين جماعة من المتأخّرين- منهم: المحقّق في الشرائع و الفاضل تبعا للشيخ- اشتراط استقرار حياة الذبيحة قبل الذبح

«5»، و فسّر في الشرائع الحياة المستقرّة- التي شرطها- بالتي يمكن أن يعيش مثلها اليوم و الأيّام.

و ظاهر عبارات القدماء عدم اعتباره، حيث لم يذكروه و لم يتعرّضوا له، و هو ظاهر المحقّق في النافع و الشهيدين و الصيمري «6» و معظم متأخّري

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(2) المتقدّمة في ص: 419.

(3) المتقدّمتين في ص: 419.

(4) المتقدّمتين في ص: 419.

(5) الشرائع 3: 207، الفاضل في القواعد 2: 155، و التحرير 2: 159، الشيخ في المبسوط 6: 275.

(6) النافع: 249، الشهيد في الدروس 2: 415، الشهيد الثاني في الروضة 7:

227، و حكاه عن الصيمري في الرياض 2: 275.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 426

المتأخّرين «1»، بل نقل عن نجيب الدين يحيى بن سعيد أنّه قال: إنّ اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب و لم ينقل للمشترطين له حجّة قابلة للتعويل عليها «2».

و استدلّ بعضهم له بأنّ ما لا تستقرّ حياته قد صار بمنزلة

الميتة.

و بأنّ إسناد موته إلى الذبح ليس بأولى من إسناده إلى السبب الموجب لعدم استقرارها، بل السابق أولى، فصار كأنّ هلاكه بذلك السبب، فيكون ميتة «3».

و زاد بعض آخر، فقال باعتضاد ما ذكر بأصالة الحرمة، و اختصاص الإطلاقات كتابا و سنّة بحلّ المذكّى- بحكم التبادر و الغلبة- بما له حياة مستقرّة «4».

و يردّ الأول: بمنع صيرورته بمنزلة الميتة في عدم قبول التذكية، و ليس هو غير المصادرة و الاجتهاد في مقابلة ظواهر الكتاب و السنّة.

و يردّ الثاني أيضا من جهة أنّ مقتضى النصوص سببيّة ذبح الحي لحلّيته و إن مات بعده بسبب آخر.

سلّمنا، غايته اشتراط عدم العلم باستناده إلى غير الذبح، و هو في المقام حاصل، مع أنّه قد يعلم استناده إلى خصوص الذبح، كما إذا كانت الحياة الغير المستقرّة ممّا يعلم معها بقاؤه و تعيّشه، أو يظنّ ذلك ساعة أو ساعتين، فيذبح بحيث يعلم أنّه عجّل في إزهاق روحه.

______________________________

(1) كالمحقق السبزواري في الكفاية: 248، و الكاشاني في المفاتيح 2: 201، و صاحب الرياض 2: 275.

(2) حكاه عنه في الدروس 2: 415، و المفاتيح 2: 202.

(3) كما في المسالك 2: 229.

(4) كصاحب الرياض 2: 275.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 427

و كأنّه إنّما دعاه إلى الاستدلال بهذا الدليل: النصوص الواردة في الصيد الذي سقط من جبل أو وقع في ماء قبل زهوق روحه فمات، حيث إنّها حكمت بعدم أكله «1».

و لقائل أن يقول: إنّ ثبوته في الاصطياد لا يستلزم ثبوته في الذبح أيضا، فإنّه يمكن أن تكون التذكية الصيديّة هي ما يخرج روحه بالاصطياد و ليس غيره اصطيادا مع الحياة، و لا كذلك التذكية الذبحيّة، بل المعتبر فيها قطع الأوداج مع الحياة بالشرائط من

أيّ سبب كان خروج الروح.

و لذا فرّق بينهما في الروايات أيضا، فحكمت بحرمة الصيد المذكور بخلاف الذبحيّة، بل حكمت فيها بالحلّية كما في صحيحة زرارة: «إن ذبحت ذبيحة فأجدت الذبح فوقعت في النار أو في الماء أو من فوق بيتك أو جبل إذا كنت قد أجدت الذبح فكل» «2».

و هل هذا من الشارع إلّا التفرقة بين الصيد و الذبح؟! و هذا ظاهر جدّا، و يؤكّد ذلك ما يأتي من اختلافهم في حلّية الذبيحة التي أبين رأسها قبل خروج روحها، فإنّ إبانة الرأس أقوى سبب في خروج الروح، مع أنّ من حكم فيها بالحرمة استند لها بالخبر الناهي عن أكله، لا باستناد الموت إلى الإبانة.

و يردّ الثالث: بمنع أصالة الحرمة، بل الأصل مع الحلّية، كما ذكرناه غير مرّة.

و الرابع: بمنع تبادر ما تستقرّ حياته و غلبته بحيث تنصرف الإطلاقات

______________________________

(1) كما في الوسائل 23: 378 أبواب الصيد ب 26.

(2) التهذيب 9: 58- 241، تفسير العياشي 1: 291- 16، الوسائل 24: 26 أبواب الذبائح ب 13 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 428

إليها، مع أنّ من نصوص الحلّية بالذبح ما هو ظاهر أو صريح في غير مستقرّ الحياة أو الغالب فيه ذلك.

منها: صحيحة زرارة المتقدّمة آنفا.

و منها: الأخبار المذكورة في المسألة الثالثة المكتفية بطرف العين أو ركض الرجل أو حركة الاذن أو الذنب، فإنّ الاعتبار بهذه الحركات الجزئيّة إنّما يكون غالبا فيما لا حياة مستقرّة له، سيّما بضميمة قوله: «فقد أدركت ذكاته».

مع أنّ رواية أبان وردت فيما شكّ في حياته «1»، و لا ريب أنّ الشكّ لا يكون مع الحياة المستقرّة، و إن كان فهو نادر شاذّ جدّا.

و رواية الحسن بن مسلم واردة في المضروبة بالفأس

بحيث سقطت و شكّ في قبولها الذبح «2»، و لا شكّ أنّ الحياة في مثلها غير مستقرّة دائما أو غالبا.

و منها: بعض الأخبار الواردة فيما أخذته الحبالة و أنّها إذا قطعت منه شيئا لا يؤكل، و ما يدرك من سائر جسده حيّا يذكّى و يؤكل «3»، فإنّه لو لم يكن الغالب في المأخوذ بالحبالة المنقطع بعض أجزائه الحياة الغير المستقرّة فلا شكّ في عدم غلبة المستقرّة و لا تبادرها.

و منها: الأخبار الواردة في وجوب ذبح ما يدرك حياته من الصيود، فإنّ الغالب فيها لو لم يكن عدم الاستقرار ليس الاستقرار قطعا، بل في بعضها إشعار بعدمه، كرواية أبي بصير المتضمّنة لقوله: «فإن عجّل عليك

______________________________

(1) تقدّمت في ص: 419.

(2) تقدّمت في ص: 420.

(3) الوسائل 23: 376 أبواب الصيد ب 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 429

فمات قبل أن تذكّيه فكل» «1»، فإنّ التعجيل مشعر بعدم كونه مستقرّ الحياة.

و منها: رواية أبي بصير الواردة في البعير الممتنع المضروب بالسيف أو الرمح بعد التسمية، و قوله: «فكل إلّا أن تدركه و لم يمت بعد فذكّه» «2»، فإنّ الظاهر فيه رفع استقرار الحياة بالضرب بالسيف أو الرمح.

و منها: الأخبار الواردة فيما قطع بالسيف أو المعراض قطعتين، المجوّزة لأكل الأكبر أو ما يلي الرأس أو المتحرّك من القطعتين، أي بعد التذكية الذبحيّة «3»، و ظاهر أنّ الغالب في مثل ذلك عدم استقرار الحياة.

و منها: الأخبار الواردة في النطيحة و المتردّية و ما أكل السبع و الموقوذة [1]، المصرّحة بأنّها لا تؤكل إلّا مع التذكية، مع أنّ الغالب فيها عدم استقرار الحياة.

بل منها ما هو ظاهر فيه، و هو صحيحة زرارة: «كل من كلّ شي ء من الحيوان، غير الخنزير و

النطيحة و المتردّية و ما أكل السبع، و هو قول اللّه عزّ و جلّ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ «4» فإن أدركت شيئا منها و عين تطرف أو قائمة تركض أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكله» «5».

و قوله: «و النطيحة» معطوف على الحيوان أو كلّ شي ء، فإنّ الحكم

______________________________

[1] الموقوذة: هي المضروبة حتى تشرف على الموت ثمَّ تترك حتى تموت و تؤكل بغير ذكاة- مجمع البحرين 3: 192.

______________________________

(1) التهذيب 9: 28- 112، الوسائل 23: 341 أبواب الصيد ب 4 ح 3.

(2) الكافي 6: 231- 1، التهذيب 9: 54- 223، الوسائل 24: 21 أبواب الذبائح ب 10 ح 5.

(3) انظر الوسائل 23: 386 أبواب الصيد ب 35.

(4) المائدة: 3.

(5) التهذيب 9: 58- 241، تفسير العياشي 1: 291- 16، الوسائل 24: 37 أبواب الذبائح ب 19 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 430

بإدراك ذكاة المذكورات بهذه الحركات الجزئيّة دالّ على عدم الحياة المستقرّة، بل ما ورد في تفسير هذه الألفاظ صريح في عدم اعتبار استقرار الحياة.

و منه تظهر دلالة الاستثناء بقوله عزّ شأنه إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ على ذلك أيضا، سيّما بضميمة ما في المجمع عن أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّ قوله:

إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ يرجع إلى جميع ما تقدّم ذكره من المحرّمات، سوى ما لا يقبل الذكاة من الخنزير و الدم «1».

و منه تظهر دلالة الكتاب و السنّة المتواترة معنى على عدم اشتراط استقرار الحياة، فالمسألة بحمد اللّه واضحة غاية الوضوح.

و الذي يختلج ببالي أنّه قد اختلط الأمر في ذلك المقام على بعضهم، و ذلك لما قد أشرنا إليه في مسألة تذكية الصيد المدرك ذكاته، من أنّ المراد بعدم استقرار الحياة: صيرورتها في شرف الزوال و شروعها في

الخروج.

و لا يبعد أن يكون ذلك مرادهم من قولهم: لا يمكن أن يعيش اليوم و الأيّام، فإنّه ما لم يشرع في الخروج لا يمكن الحكم بعدم الإمكان، و الصيد الذي صار كذلك بالاصطياد يصدق عليه أنّه مقتول الآلة، سيّما إذا ترك حتى خرج تمام روحه.

و من يحكم بلزوم الذبح حينئذ فليس نظره إلّا إلى بعض الأخبار كما مرّ، و من لم يعتبر هذه الأخبار حكم بعدم لزوم الذبح حينئذ، و اشترط في لزوم ذبح الصيد الحياة المستقرّة لما ذكرنا، فاختلط الأمر على غيره، و آل الأمر إلى أن تعدّى بعضهم إلى الذبيحة من غير استبصار، و اللّه العالم.

______________________________

(1) مجمع البيان 2: 158.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 431

المسألة الخامسة: هل يشترط في حلّية الذبيحة أو أجزائها- بعد وقوع الذبح عليها حيّا- خروج روحها بذلك الذبح

، فلو خرج روحها بعد الذبح بسبب آخر أو شكّ في ذلك لا يحلّ، أو لا يشترط فيحلّ؟

كلامهم في ذلك المقام لا يخلو عن اضطراب و اختلاف.

قال المحقّق في الشرائع في مسألة ما إذا قطع بعض الأعضاء و أرسله ثمَّ استأنف قطع الباقي: هل يحلّ أو يحرم؟ و يمكن أن يقال: يحلّ، لأنّ إزهاق الروح بالذبح لا غير «1».

ظاهر تعليله: أنّه يشترط في الحلّية كون إزهاق الروح بالذبح.

و قال الشهيد الثاني في مسألة ما إذا أخذ الذابح في الذبح و الآخر في انتزاع الحشو معا و بيان وجه حكم المصنّف بالحرمة و أنّه عدم العلم بسبب الموت: هذا إذا اعتبرنا استقرار الحياة، و إلّا كفى في حلّه الذبح أو ما يقوم مقامه و إن تعدّد سبب الإزهاق «2».

و ظاهر ذلك الكلام عدم اشتراط استقلال الذبح و لا العلم بكونه سببا للإزهاق.

و قال في مسألة إبانة الرأس قبل الموت بعد حكمه بتحريم الفعل و حلّية الذبيحة ردّا

على من حرّمها لأنّه كما إذا مات بقطع عضو من أعضائه: و يضعّف بأنّ قطع الأربعة قد حصل فحصل الحلّ به، و لا يلزم من تحريم فعل الزائد تحريم الذبيحة «3».

فإنّ مقتضى كلامه حصول الحلّ بقطع الأعضاء الأربعة مطلقا و لو كان

______________________________

(1) الشرائع 3: 209.

(2) المسالك 2: 231.

(3) المسالك 2: 227.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 432

الموت مستندا إلى إبانة الرأس، التي هي غير الذبح، بل فعل محرّم.

و قال المحقّق الأردبيلي في مسألة قطع بعض الأعضاء أولا ثمَّ قطع الباقي بعد نقل الحلّية عن الفاضل و الحرمة عن الشهيد: إن اعتبر إزالة الحياة المستقرّة بقطع الأعضاء الأربعة- كما هو الظاهر- ينبغي التحريم، و إن لم يعتبر، بل المعتبر قطع الجميع و إزالة الحياة، حلّ «1».

و ظاهر ذلك الترديد في لزوم استناد الموت إلى قطع الأعضاء الأربعة و كذا ظاهر كلّ من يقول بكراهة إبانة الرأس قبل الموت أو حرمتها مع حلّ الذبيحة عدم اشتراط الاستناد إلى الذبح، إذ لا شكّ أنّ تمام الروح يخرج بالإبانة.

و كذا كلامهم في كراهة العضو المقطوع قبل الموت، بل كلّ من يقول بعدم اشتراط استقرار الحياة ظاهره عدم الاشتراط، لأنّ بعد عدم استقرارها لا يعلم استناد خروج الروح إلى الذبح.

و كيف كان، فالظاهر عدم الاشتراط، للأصل، و الإطلاقات، و صحيحة زرارة المتقدّمة «2»، الواردة في الذبيحة الواقعة في النار أو الماء أو من البيت أو الجبل، و نحوها روى العيّاشي في تفسيره.

و المرويّ في الدعائم: عن ذبيحة تتردّى بعد أن تذبح من مكان عال، أو تقع في ماء، أو في نار، فقال: «إن كنت قد أجدت الذبح و بلغت الواجب فيه فكل» «3».

بل كثير من الأخبار المتقدّمة في المسألة

السابقة، من المتضمّنة

______________________________

(1) مجمع الفائدة 11: 110.

(2) في ص: 427.

(3) الدعائم 2: 179- 649، مستدرك الوسائل 16: 137 أبواب الذبائح ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 433

للمضروبة بالفأس و المشكوك حياته و النطيحة و أخواتها، فإنّ الغالب فيها عدم العلم بسبب خروج الروح من السبب السابق أو اللاحق أو الذبح.

نعم، في رواية حمران بن أعين الواردة في الذبيحة: «فإن تردّى في جبّ أو وهدة من الأرض فلا تأكله و لا تطعمه، فإنّك لا تدري التردّي قتله أو الذبح» «1».

و لكنّها- مع معارضتها لما هو أصحّ منها سندا، كما مرّ- قاصرة عن إفادة الحرمة، لمكان احتمال الجملة الخبريّة، و لذا احتمل المحقّق الأردبيلي حملها على الكراهة أو على ما إذا لم يقطع الأعضاء الأربعة.

و لعلّ الحمل الأخير- باعتبار المعارضة مع صحيحة زرارة، و أخصّيتها باعتبار قوله: «و أجدت الذبح»- أولى.

و بالجملة: الظاهر عندي عدم الإشكال في المسألة، و أنّ القدر الواجب هو ورود الذبح على الحيّ بأحد الحياتين، و معه تحلّ الذبيحة إمّا مطلقا، أو بعد خروج الروح عنه كيف كان.

نعم، يحصل الإشكال فيما لو ورد السببان المستقلّان لإزهاق الروح، أحدهما الذبح، و الآخر غيره، كإخراج ما في الحشو في زمان واحد.

ثمَّ ما ذكرناه إنّما هو على سبيل الأصل، فلا ينافيه ما لو ثبتت الحرمة في مورد خاصّ بدليل، كما يأتي في إبانة الرأس، أو سلخ الذبيحة، أو قطع جزء من الذبيحة قبل موتها.

المسألة السادسة: قد ظهر ممّا ذكر في المسألة السابقة و في مسألة عدم اشتراط استقرار الحياة: عدم اشتراط كون الذبح سببا مستقلّا

في إزهاق الروح.

______________________________

(1) الكافي 6: 229- 4، الوسائل 24: 26 أبواب الذبائح ب 13 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 434

المسألة السابعة: هل يشترط في حلّية الذبيحة خروج روحها، أم لا،

بل تحل بمجرد قطع الأوداج بالشرائط و لو لم يخرج روحها بعد، فيجوز قطع جزء منها و إبانة رأسها قبل موتها و أكلها؟

ذهب الشيخ في النهاية و القاضي و ابنا حمزة و زهرة إلى الاشتراط «1»، حيث حكموا بحرمة أكل ما قطع منها من الأجزاء و الرأس قبل الموت.

و ذهب الشيخ في الخلاف و الحلّي و الراوندي و الفاضلان و الشهيد الثاني في المسالك و صاحب الكفاية «2» و جمع آخر من المتأخّرين «3» إلى عدم الاشتراط، و نسبه الأخيران و شارح المفاتيح إلى الأكثر، بل عن الخلاف ادّعاء إجماع الصحابة عليه.

و هو الحق، لإطلاقات الكتاب و السنّة، و النصوص المجوّزة لأكل ما قطع رأسه قبل الموت، حيث إنّ الرأس أيضا جزء مقطوع قبل خروج الروح، فلو اشترط الموت في الحلّية لم يكن حلالا.

و من تلك النصوص: صحيحة الحلبي: عن رجل ذبح طيرا فيقطع رأسه، أ يؤكل منه؟ قال: «نعم، و لكن لا يتعمّد قطع رأسه» «4».

و صحيحة الفضيل: عن رجل ذبح فسبقه السكّين فقطع رأسه، فقال:

«هو ذكاة و حيّة لا بأس به و بأكله» «5».

______________________________

(1) النهاية: 584، القاضي في المهذب 2: 440، ابن حمزة في الوسيلة: 357، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(2) الخلاف 2: 531، الحلي في السرائر 3: 108، المحقق في الشرائع 3: 205، العلّامة في القواعد 2: 155، المسالك 2: 227، الكفاية: 247.

(3) كفخر المحققين في الإيضاح 4: 137، و الكاشاني في المفاتيح 2: 203.

(4) الفقيه 3: 209- 963، الوسائل 24: 18 أبواب الذبائح ب 9 ح

5.

(5) الكافي 6: 230- 1، الفقيه 3: 208- 959، التهذيب 9: 55- 229، الوسائل 24: 17 أبواب الذبائح ب 9 ح 1، و الوحيّ بتشديد الياء: السريع- مجمع البحرين 1: 432.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 435

و صحيحة محمّد: عن مسلم ذبح شاة فسبقه السكّين بحدّتها فأبان الرأس، فقال: «إن خرج الدم فكل» «1».

و رواية سماعة، و فيها: «لا بأس به إذا ذكر اسم اللّه عليه» و قال:

«لا بأس إذا سال الدم» «2».

و المرويّ في الدعائم عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام: عمّن نخع الذبيحة قبل أن تموت- يعني كسر عنقها- فقال: «قد أساء و لا بأس بأكلها» «3».

حجّة المشترطين: مرفوعة محمّد بن يحيى: «إذا ذبحت الشاة و سلخت أو سلخ شي ء منها قبل أن تموت لم يحلّ أكله» «4».

و رواية مسعدة: عن الرجل يذبح فيسرع السكّين فيبين الرأس، فقال: «الذكاة الوحيّة لا بأس بأكله إذا لم يتعمّد ذلك» «5».

و صحيحة محمّد: «و لا ينخع و لا يقطع الرقبة بعد ما ذبح» «6».

______________________________

(1) الكافي 6: 230- 2، الفقيه 3: 208- 960، التهذيب 9: 55- 230، الوسائل 24: 17 أبواب الذبائح ب 9 ح 2.

(2) الفقيه 3: 208- 961، الوسائل 24: 18 أبواب الذبائح ب 9 ح 4، صدر الرواية غير موجود في المصدر.

(3) الدعائم 2: 175- 632، مستدرك الوسائل 16: 134 أبواب الذبائح ب 5 ح 2.

(4) الكافي 6: 230- 8، التهذيب 9: 56- 233، الوسائل 24: 17 أبواب الذبائح ب 8 ح 1، بتفاوت يسير.

(5) الكافي 6: 230- 3. التهذيب 9: 56- 231، الوسائل 24: 18 أبواب الذبائح ب 9 ح 3.

(6) الكافي 6: 233- 2، التهذيب 9: 60- 252، الوسائل 24:

29 أبواب الذبائح ب 15 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 436

و الجواب عن الاولى: أنّ تماميّة دلالتها إنّما هي إذا كان السلخ بمعنى القطع، أو الضمير في: «أكله» راجعا إلى الجلد الذي انفصل بالسلخ، و إلّا لا يتم، إذ لا وجه لحرمة الشاة أو الجزء المسلوخ بمجرّد السلخ، الذي هو أعمّ ممّا يوجب موت الشاة أو الجزء.

هذا، مع معارضتها مع الأخبار السابقة المبيحة للرأس و الذبيحة بإبانة الرأس قبل الموت، فيرجع إلى الأصل.

و بذلك يجاب عن الرواية الثانية، فإنّها معارضة- سيّما مع رواية سماعة- بالعموم من وجه، فالمرجع الأصل.

و قد ظهر من ذلك عدم حرمة الذبيحة و لا الجزء المقطوع لو أبين الرأس، أو قطع الجزء قبل الموت.

و هل يجوز أصل الفعل أو يحرم؟

في كلّ واحد من الرأس و الجزء قولان:

فالأول في الأول: للخلاف و الحلّي و الفاضلين «1» و غيرهم «2»، و نفى الحلّي عنه الخلاف بين المحصّلين.

و الثاني فيه: للإسكافي و المفيد و ابن حمزة و القاضي و الشيخ في النهاية و الفاضل في المختلف و الشهيدان «3» و غيرهما «4».

______________________________

(1) الخلاف 2: 531، الحلي في السرائر 3: 108، المحقّق في الشرائع 3: 206، العلّامة في التحرير 2: 159.

(2) كالشهيد في الدروس 2: 415، و الفيض في المفاتيح 2: 203.

(3) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 680، المفيد في المقنعة: 580، ابن حمزة في الوسيلة: 360، القاضي في المهذّب 2: 440، النهاية: 584، المختلف:

680، الشهيد في الدروس 3: 415، الشهيد الثاني في المسالك 2: 227.

(4) كفخر المحققين في الإيضاح 4: 137.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 437

و الأول في الثاني: للحلّي و المحقّق «1» و عامّة من تأخّر «2»، بل

الأكثر.

و الثاني: للنهاية و القاضي و ابني حمزة و زهرة «3» و بعض آخر «4».

و الحقّ في كلّ منهما: الأول، للأصل الخالي عمّا يصلح للمعارضة، أمّا في الجزء فظاهر، و أمّا في الرأس فلأنّ ما يظنّ تعارضه منحصر في صحيحتي الحلبي و محمّد الأخيرة- و هما لمقام الجملة الخبريّة عن إفادة الحرمة قاصرتان- و رواية الدعائم المذكورة، و الأخرى: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن أن تسلخ الذبيحة أو يقطع رأسها حتى تموت «5». و هما- لمكان الضعف الخالي عن الجابر- عن صلاحيّة المعارضة عاجزتان.

______________________________

(1) الحلي في السرائر 3: 110، المحقق في الشرائع 3: 205.

(2) كالعلّامة في القواعد 2: 155، و الكاشاني في المفاتيح 2: 203، و صاحب الرياض 2: 276.

(3) النهاية: 584، القاضي في المهذّب 2: 440، ابن حمزة في الوسيلة: 360، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(4) كالشهيد في الدروس 2: 415.

(5) الدعائم 2: 175- 630، مستدرك الوسائل 16: 134 أبواب الذبائح ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 438

الفصل الخامس فيما تقع عليه الذكاة و فيه مقدّمة و مسائل.
المقدّمة:

اعلم أنّ الحيوانات على قسمين: مأكول اللحم و غيره، و غير مأكول اللحم على قسمين: نجس العين و غيره، و غير نجس العين على قسمين:

آدمي و غيره، و غير الآدمي على قسمين: مالا نفس سائلة له و ماله نفس، و الأخير باعتبار الخلاف في قبول التذكية و عدمه على أربعة أقسام: السباع و المسوخات و الحشرات و غيرها.

ثمَّ المراد بالتذكية في مأكول اللحم الذي لا نفس له- كالسمك و الجراد-: ما يصير به جائز الأكل بعد عدم جوازه، و في مأكول اللحم الذي له نفس: ما يصير به جائز الأكل و يبقى على طهارته الحاصلة

له في الحياة، و في غير المأكول الذي له نفس: ما يبقى معه على طهارته، و فيما لا نفس له منه لا يظهر لها أثر فيه، لأنّه طاهر ذكّي أم لم يذكّ.

ثمَّ الأصل في القسم الأول- و هو مأكول اللحم- وقوع التذكية عليه، لأنّه مقتضى كونه مأكول اللحم، و للإجماع، و لقوله سبحانه إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ «1» و قوله فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ «2»، و لإطلاقات الأخبار الواردة في الصيود و الذبائح، و هي غير محصورة جدّا.

______________________________

(1) المائدة: 3.

(2) الأنعام: 118.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 439

و القسم الأول من القسم الثاني- و هو نجس العين- لا يقبل الذكاة إجماعا، فهو الأصل فيه، و يدلّ عليه- مع الإجماع- استصحاب النجاسة.

و كذا القسم الأول من القسم الثالث- أيّ الآدمي- فإنّ عدم وقوع التذكية عليه إجماعي، بل ضروري.

و أمّا القسم الأول من الرابع- و هو ما لا نفس له من غير المأكول- فقد عرفت أنّه لا معنى للتذكية فيه.

فبقي الكلام في الأربعة الأخيرة من جهة الأصل.

فنقول: الأصل في بادئ النظر في الجميع قبول التذكية، إذ عرفت أنّ التذكية إنّما هي ما تبقى معه الطهارة، و مقتضى الأصل و الاستصحاب بقاؤها إلّا فيما علم فيه ارتفاعها، و ليس هو إلّا ما لم تقع عليه التذكية، أي الصيد أو الذبح مع شرائطهما المقرّرة، فكلّ حيوان ممّا ذكر صيد أو ذبح كذلك يكون طاهرا بالاستصحاب، فيكون مذكّى، و هو المراد بقبول التذكية.

فإن قيل: التذكية أمر توقيفيّ شرعيّ موقوف على توقيف الشارع في كيفيّته و أثره و مورده، فكلّما وقع فيه الشكّ من هذه الأمور فالأصل عدمه، و هذا الأصل و إن عارضه أصل الطهارة و لكن تعارضهما

من باب تعارض الاستصحابين، اللذين أحدهما مزيل للآخر و لا عكس، فإنّ عدم التذكية رافع للطهارة، بخلاف الطهارة، فإنّها ليست سببا للتذكية، كما بيّن تحقيقه في الأصول، و لازم ذلك تقديم أصالة عدم التذكية.

قلنا: أصالة عدم التذكية بذلك المعنى و إن كان مقدّما على أصالة الطهارة و لكن الكلام في كون عدم التذكية أصلا هنا، و هو ممنوع، و ذلك لأنّا لا نقول: إنّ الطهارة هنا أمر يتوقّف حصوله على تذكية جعليّة من الشارع. بل نقول: إنّ الطهارة الحاصلة أمر محكوم ببقائها، إلّا إذا علم

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 440

المزيل، و لم يعلم إلّا مع الموت حتف أنفه، أو الموت بدون الصيد أو الذبح المقرونين بالأمور المعهودة من الاستقبال و التسمية، و مع أحد الأمرين لا يعلم ارتفاع الطهارة، فيحكم ببقائها من غير حاجة إلى جعل من الشارع و تأثير من ذلك الجعل.

و الحاصل: أنّ مع هذه الأعمال المعيّنة المقطوع حصولها لا دليل على ارتفاع الطهارة.

فإن قيل: عمومات نجاسة الميتة تدلّ على ارتفاعها، خرج ما اقترن بما جعله الشارع مطهّرا، فيبقى الباقي.

قلنا: هذا إذا سلّمنا كون ذلك ميتة لم لا يجوز أن تكون الميتة هي ما خرج روحه حتف أنفه؟! هذا غاية ما يمكن أن يقال في ذلك المقام، و لكنّ الإنصاف أنّه لا يخلو عن جدل و اعتساف، لأنّ الظاهر أنّه انعقد الإجماع القطعيّ على أنّ التذكية المبقية للطهارة- المانعة عن حصول النجاسة، المخرجة للمذكّى عن مصداق الميتة- هي التي اعتبرها الشارع و رتّب عليها تلك الآثار، و أنّ إبقاءها و منعها موقوف على اعتبار الشارع إيّاها آثارا و أجزاء و شرائط و موردا و محلّا خصوصا أو عموما أو إطلاقا، و

ما لم يتحقّق فيه اعتباره و ملاحظته وجوده كعدمه، و مع عدمه يكون المورد ميتة، و معها يكون نجسا.

و يظهر من ذلك أنّ الأصل في جميع الموارد عدم قبول التذكية إلّا بدليل شرعي عامّ أو خاصّ- كما في مأكول اللحم- فيحكم في كلّ مورد بأصالة عدم قبوله التذكية إلّا بدليل.

و إذ عرفت أنّ الأقسام التي يراد معرفتها من جهة ورود التذكية و عدمه أربعة: السباع و المسوخات و الحشرات و غيرها، فنبيّن أحكامها في أربعة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 441

مسائل:

المسألة الأولى: الحقّ المشهور- كما في المسالك و الكفاية و المفاتيح «1» و شرحه، بل في الأخير و عن الشهيد أنّه لا يعلم في ذلك مخالف «2»، و في المفاتيح: أنّه مذهب الكلّ-: ورود التذكية على السباع

من الوحوش و الطيور، و هي ما يفترس الحيوان بنابه أو مخلبه للأكل، أو ما كان ذات مخلب أو ناب يفترس به الحيوان، أو ما يغتذي باللحم، كالأسد و النمر و الفهد و الذئب و الثعلب و السنّور و الضبع و ابن آوى و الصقر و البازي و العقاب و الباشق.

لا للأصل، لما عرفت.

و لا لما قيل من أنّ السبب في وقوعها على المأكول إنّما هو الانتفاع منه بلحمه و جلده، و هو متحقّق فيما نحن فيه بالنظر إلى جلده خاصّة «3»، لكونه علّة استنباطيّة لا يتحقّق تمامها في المورد أيضا.

بل لاستعمال المسلمين قاطبة من الصدر الأول إلى زماننا هذا لجلودها من غير نكير، بحيث يمكن فهم انعقاد الإجماع عليه.

و لموثّقتي سماعة المعتضدتين بعمل الجماعة:

إحداهما: عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال: «إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده، و أمّا الميتة فلا» «4».

و الثانية: عن لحوم السباع و جلودها، فقال: «أمّا لحوم السباع و السباع من

______________________________

(1) المسالك 2: 232، كفاية الأحكام: 247، المفاتيح 1: 69.

(2) نقله عنه في الروضة 7: 237.

(3) المفاتيح 1: 69.

(4) التهذيب 9: 79- 339، الوسائل 24: 185 أبواب الأطعمة المحرّمة

ب 34 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 442

الطير فإنّا نكرهه، و أمّا الجلود فاركبوا عليها و لا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه» «1».

و يؤيده ما ورد في جواز لبس جلود السمّور و الثعالب و نحوهما في غير الصلاة «2»، فإنّه دليل على وقوع الذكاة عليها، إذ لا يجوز استعمال شي ء من الميتة.

و تدلّ عليه أيضا رواية أبي مخلّد: إنّي رجل سرّاج أبيع جلود النمر، فقال: «مدبوغة هي؟» قال: نعم، قال: «ليس به بأس» «3».

و ظاهر المسالك الميل إلى عدم وقوع الذكاة عليها، لاستضعاف الموثّقتين بكون سماعة واقفيّا، و الروايتان موقوفتان مضمرتان «4».

و فيه: أنّ الوقف في الراوي غير مضرّ، سيّما بعد كونه ثقة، و الإضمار في الرواية غير ضائر، سيّما مع كونها في طريق آخر مسندة، فإنّ الثانية في الفقيه مسندة و إن كانت مضمرة في التهذيب، هذا مع كونهما منجبرتين بالاشتهار التامّ.

المسألة الثانية: الحقّ عدم وقوع الذكاة على المسوخات

- و قد مرّ عددها في كتاب المطاعم- وفاقا لكلّ من قال بنجاستها- كالشيخ و الديلمي و ابن حمزة «5»- و جماعة من القائلين بطهارتها- كالمحقق و الشهيد الثاني «6»-

______________________________

(1) التهذيب 9: 79- 338، الوسائل 24: 114 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 3 ح 4.

(2) الوسائل 4: 352، 355 أبواب لباس المصلّي ب 5 و 7.

(3) الكافي 5: 227- 9، التهذيب 6: 374- 1087، الوسائل 17: 172 أبواب ما يكتسب به ب 38 ح 1.

(4) المسالك 2: 232.

(5) الشيخ في الخلاف 2: 538، و المبسوط 6: 280، الديلمي في المراسم: 55، ابن حمزة في الوسيلة: 78.

(6) المحقق في الشرائع 1: 53، الشهيد الثاني في الروضة 7: 237.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 15    443     المسألة الثانية: الحق عدم

وقوع الذكاة على المسوخات ..... ص : 442

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 443

للأصل المتقدّم ذكره الخالي عن الدافع.

و خلافا للسيّد و الشهيد «1» و جماعة «2»، لما أشير إليه من الأصل، و وجود المقتضي.

و لورود روايات بحلّ الأرنب و القنفذ و الوطواط «3»، و هي مسوخ، و ليس ذلك في لحمها عندنا فيكون في جلدها.

و لدلالة رواية عبد الحميد بن سعد على حلّ بيع عظام الفيل و شرائها و اتّخاذ الأمشاط منها، بل اتّخاذ الإمام عنها مشطا أو أمشاطا «4».

و ضعف الكلّ ظاهر:

أمّا الأولان فلما مرّ.

و أمّا الثالث، فلأنّ الروايات إنّما تدلّ على حلّ الأكل، و هو عندنا- معاشر الإماميّة- باطل.

و أمّا الرابع، فلعدم توقّف استعمال العظم على التذكية، لعدم كونها ممّا تحلّ فيه الحياة.

نعم، استدلّوا على تلك الرواية بطهارة الفيل، و هو صحيح.

المسألة الثالثة: الحشرات، و المراد منها: ما يسكن باطن الأرض،

واحدها: الحشرة- بالتحريك- كاليربوع و الفأرة و الحيّة، و البحث في وقوع

______________________________

(1) حكاه عن السيد في المسالك 2: 231، الشهيد في الدروس 2: 410.

(2) منهم العلّامة في التحرير 2: 159، و فخر المحققين في الإيضاح 4: 130، و الهندي في كشف اللثام 2: 77.

(3) التهذيب 9: 42 و 43- 176 و 177 و 180، الوسائل 24: 112 و 123 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 2 و 5 ح 20 و 21 و 6.

(4) الكافي 5: 226- 1، التهذيب 6: 373- 1083، الوسائل 17: 171 أبواب ما يكتسب به ب 37 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 444

الذكاة عليها و عدمه كالبحث في المسوخ بعينها. إلّا أنّ أكثر الأصحاب هنا على عدم الوقوع- كما صرّح به جماعة «1»- للتقريب السابق.

المسألة الرابعة: غير الثلاثة من الحيوانات،

و هو على قسمين، لأنّه إمّا حرام عارضي- كالجلّال و الموطوءة- أو ذاتي، كبعض أنواع الغراب على القول بحرمته.

أمّا الأوّل: فالحقّ وقوع التذكية عليه، كما مرّ في مسألة الجلّال، لاستصحاب وقوعها عليها، و هو الرافع لأصالة عدم التذكية التي هي العمدة في ذلك المقام.

و أمّا الثاني: فالحقّ عدم وقوعها، لأصالة عدم ورودها عليه.

______________________________

(1) انظر الكفاية: 247.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 445

الفصل السادس في بعض الأحكام المتعلّقة بالذبائح و فيه مسائل:
المسألة الأولى: تستحبّ في التذكية أمور

، بعضها خاصّ ببعض، و بعضها عامّ في الكلّ.

أمّا الخاصّ: فالمستحبّ في ذبح الغنم: أن تربط يداه و إحدى رجليه و تطلق الأخرى، و أن يمسك صوفه أو شعره حتى يموت و يبرد من دون إمساك يده أو رجله.

و في ذبح البقر: أن تعقل يداه و رجلاه جميعا و يطلق ذنبه يتحرّك.

و في نحر الإبل: أن يشدّ خفّها إلى آباطها و تطلق رجلاها.

و في ذبح الطير: أن يرسل بعد ذبحه.

و أن تنحر الإبل قائمة من قبل يمينها.

و تدلّ على جميع ذلك فتوى الجماعة، و الاشتهار بين الطائفة.

مع رواية حمران بن أعين في الأكثر، و فيها: «إذا ذبحت فأرسل و لا تكتف، و لا تقلب السكّين لتدخلها من تحت الحلقوم و تقطعه إلى فوق، و الإرسال للطير خاصّة» إلى أن قال: «و إن كان شي ء من الغنم فأمسك صوفه أو شعره و لا تمسكنّ يدا و لا رجلا، و أمّا البقر فاعقلها و أطلق الذنب، و أمّا البعير فشدّ أخفافه إلى آباطه و أطلق رجليه» الحديث [1].

______________________________

[1] الكافي 6: 229- 4، الوسائل 24: 26 أبواب الذبائح ب 13 ح 2، و المراد بجملة:

و لا تكتف: عدم شدّ يد الحيوان إلى خلفه بحبل و نحوه- مجمع البحرين 5: 110.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15،

ص: 446

و رواية الدعائم المتقدّمة في نحر الإبل «1».

و رواية الكناني: كيف تنحر البدنة؟ قال: «تنحر و هي قائمة من قبل اليمين» «2».

و رواية ابن سنان: في قول اللّه سبحانه فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَ «3» قال: «ذلك حين تصفّ للنحر تربط يديها ما بين الخفّ إلى الركبة» «4».

و رواية أبي خديجة: أنّه رأى أبا عبد اللّه عليه السّلام و هو ينحر بدنته معقولة يدها اليسرى، ثمَّ يقوم به من جانب يدها اليمنى «5».

و ليس في شي ء من هذه الروايات حكاية ربط إحدى رجلي الغنم مع يديه، فالدليل فيه منحصر بفتوى الأصحاب، و كذا تقييد إمساك صوفه أو شعره إلى وقت الموت و البرد.

و يظهر من عطف الشعر على الصوف إرادة مطلق الشاة من الغنم.

و عقل البقر و إن كان مطلقا في الرواية، إلّا أنّ الظاهر من إطلاقها ما ذكروه من عقل اليدين و الرّجلين، و يشعر به تخصيص الإطلاق بالذنب.

و أمّا شدّ يد الإبل من الخفّ إلى الركبتين فالمراد به إمّا ما قيل من أن

______________________________

(1) في ص: 407.

(2) الكافي 4: 497- 2، الفقيه 2: 299- 1488، التهذيب 5: 221- 744، الوسائل 14: 149 أبواب الذبح ب 35 ح 2.

(3) الحجّ: 36.

(4) الكافي 4: 497- 1، الفقيه 2: 299- 1487، التهذيب 5: 220- 743، الوسائل 14: 148 أبواب الذبح ب 35 ح 1.

(5) الكافي 4: 498- 8، التهذيب 5: 221- 745، الوسائل 14: 149 أبواب الذبح ب 35 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 447

تجمع اليدان معا و تربطان من الخفّ إلى الركبة، أي تربط إحداهما بالأخرى و تلفّان بحبل من غير أن تردّ اليد إلى الإبط، و يلصق خفّه بإبطه، و يشدّ

ما بين الركبة و الخف «1».

أو تردّ إحدى اليدين إلى الإبط و تشدّ.

و الأول: هو محتمل روايتي حمران و ابن سنان، بل ظاهر المحقّق الأردبيلي: أنّه مصرّح به في رواية «2».

و الثاني: هو مدلول روايتي أبي خديجة و الدعائم.

و أمّا ردّ اليدين معا و شدّهما من الخفّ إلى الركبة فهو و إن كان أحد احتمالي روايتي حمران و ابن سنان، و لكنّه لا يلائم ما هو المشهور- كما صرّح به بعضهم «3»- من استحباب نحر الإبل قائمة، و دلّت عليه روايتي الدعائم و الكناني المتقدّمتين.

و لا ينافيه المرويّ في قرب الإسناد: عن البدنة كيف ينحرها قائمة أو باركة؟ قال: «يعقلها، فإن شاء قائمة و إن شاء باركة» «4».

لأنّ الاستحباب لا ينافي التخيير. و أمّا حمل القيام على مقابل الاضطجاع حتى يشمل البروك أيضا أو تخصيص ردّ اليدين بما إذا نحره باركا فلا دليل عليه، فالمستحبّ فيه أحد الأمرين إمّا جمع اليدين و شدّهما، أو ردّ إحداهما من الخفّ إلى الركبة بحيث يجتمع نصفها الأسفل مع الأعلى.

و أمّا العامّ، فمنها: تحديد الشفرة و سرعة الفعل، و أن يوارى الشفرة عن

______________________________

(1) المسالك 2: 228.

(2) مجمع الفائدة 11: 133.

(3) انظر المسالك 2: 228.

(4) قرب الإسناد: 235- 921، الوسائل 14: 150 أبواب الذبح ب 35 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 448

البهيمة، للمرويّ عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، و ليحدّ أحدكم شفرته، و ليرح ذبيحته» «1».

و الآخر: أنّه أمر أن يحدّ الشفار، و أن توارى عن البهائم، و قال: «إذا ذبح أحدكم فليجهز» «2».

و المرويّ في الدعائم: «من ذبح ذبيحة فليحدّ شفرته، و ليرح ذبيحته» «3».

و الآخر: «إذا أردت أن تذبح

ذبيحة فلا تعذّب البهيمة، أحدّ الشفرة و استقبل القبلة» «4».

و منها: استقبال الذابح للقبلة، للرواية الأخيرة في الذبيحة، و رواية الدعائم السابقة في المنحورة «5»، و قول الأصحاب فيهما معا.

و منها: ترك الذبيحة في مكانها إلى أن يفارقها الروح من غير تحريكها، و لا جرّها من مكان إلى آخر، و أن تساق إلى المذبح برفق بعد عرض الماء عليها، و أن يمرّ السكّين في مذبحها بقوّة، و يجدّ في الإسراع ليكون أسهل و أوحى، أي أسرع و أعجل.

كلّ ذلك لموافقته للإراحة و إحسان الذبح المأمور بهما فيما تقدّم، و لترك التعذيب المنهيّ عنه، و للرفق المأمور به في المرويّ في الدعائم:

«يرفق بالذبيحة و لا يعنف بها قبل الذبح و لا بعده» «6».

______________________________

(1) صحيح مسلم 5: 1548- 1955، سنن ابن ماجه 2: 1058- 3170.

(2) سنن ابن ماجه 2: 1059- 3172.

(3) الدعائم 2: 174- 624، مستدرك الوسائل 16: 131 أبواب الذبائح ب 2 ح 1.

(4) الدعائم 2: 174- 625، مستدرك الوسائل 16: 132 أبواب الذبائح ب 2 ح 2.

(5) في ص: 407.

(6) الدعائم 2: 179- 648، مستدرك الوسائل 16: 132 أبواب الذبائح ب 2 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 449

المسألة الثانية: يكره في الذباحة أيضا أمور:

منها: إبانة الرأس، و قطع الجزء، و سلخ الذبيحة، و قد مرّ ما يدلّ عليها و قول طائفة بالحرمة فيها و أنّ الأقوى الكراهة.

و منها: كسر الرقبة قبل البرد- و هو أعمّ من إبانة الرأس- لرواية الدعائم المتقدّمة «1»، و صحيحة الحلبي، و فيها: «و لا تنخع و لا تكسر الرقبة حتى تبرد الذبيحة» «2».

و منها: نخع الذبيحة قبل الموت، أي إبلاغ السكّين إلى أن يتجاوز منتهى الذبح، فيصيب النخاع- مثلث النون- و هو

الخيط الأبيض وسط الفقار- بالفتح- ممتدّا من الرقبة إلى عجز الذنب- بفتح العين المهملة و سكون الجيم- و هو أصله.

لصحيحتي محمّد و الحلبي «3» المتقدّمتين، و صحيحة محمد الحلبي:

«لا تنخع الذبيحة حتى تموت، فإذا ماتت فانخعها» «4».

و ذهب جماعة- منهم: الدروس «5» و المحقّق الأردبيلي «6»- إلى الحرمة، لظاهر النهي في تلك الصحاح.

______________________________

(1) الدعائم 2: 175- 632، مستدرك الوسائل 16: 134 أبواب الذبائح ب 5 ح 2.

(2) الكافي 6: 233- 3، الفقيه 3: 211- 979، التهذيب 9: 59- 251، الوسائل 24: 29 أبواب الذبائح ب 15 ح 3.

(3) الكافي 6: 229- 5، التهذيب 9: 53- 220، الوسائل 24: 15 أبواب الذبائح ب 6 ح 1. الكافي 6: 233- 3، التهذيب 9: 59- 251، الوسائل 24: 28 أبواب الذبائح ب 14 ح 3.

(4) الكافي 6: 229- 6، التهذيب 9: 55- 228، الوسائل 24: 16 أبواب الذبائح ب 6 ح 2.

(5) الدروس 2: 415.

(6) مجمع الفائدة 11: 130.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 450

و فيه: منع صراحة النهي فيها، لاحتمال الجملة الخبريّة.

و منها: قلب السكّين في الذبح ليدخلها تحت الحلقوم و يقطعه من خارج عكس المتعارف، فيقطع من التحت إلى الفوق، لقوله في رواية حمران: «و لا تقلب السكّين لتدخلها من تحت الحلقوم و تقطعه إلى فوق» «1»، و الحمل على الكراهة، لما مرّ غير مرّة من احتمال الخبريّة.

و عن النهاية و القاضي و الغنية: الحرمة «2»، للنهي المذكور. و جوابه ظاهر. بل عن الغنية: تحريم الذبيحة أيضا، مدّعيا عليه إجماع الإماميّة.

و لا دليل عليه ظاهرا، بل لم نعثر على موافق له في أصل الفتوى، و يحتمل إرجاعها في عبارته- كما قيل- إلى شي ء آخر غير

ما نحن فيه.

و منها: الذبح من القفاء، لرواية الدعائم المتقدّمة في بحث محلّ التذكية «3»، و هو غير تقليب السكّين المتقدّم ذكره أو أخصّ منه.

و منها: إيقاع الذباحة ليلا و يوم الجمعة قبل الصلاة، إلّا مع الضرورة، بلا خلاف فيها، له، و للنبويّ: نهى عن الذبح ليلا «4».

و العلوي: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يمرّ بالسمّاكين يوم الجمعة فينهاهم عن أن يتصيّدوا من السمك يوم الجمعة قبل الصلاة» «5».

و رواية أبان: «لا تذبحوا حتى يطلع الفجر، فإنّ اللّه جعل الليل سكنا لكلّ شي ء» قال: قلت: جعلت فداك و إن خفت؟ فقال: «إن خفت الموت

______________________________

(1) الكافي 6: 229- 4، الوسائل 24: 26 أبواب الذبائح ب 13 ح 2.

(2) النهاية: 584، القاضي في المهذّب 2: 440، الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(3) في ص: 406.

(4) السنن الكبرى للبيهقي 9: 290.

(5) الكافي 6: 219- 17، التهذيب 9: 13- 49، الوسائل 24: 383 أبواب الصيد ب 30 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 451

فاذبح» «1».

و رواية محمّد الحلبي: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يكره الذبح و إراقة الدماء يوم الجمعة قبل الصلاة إلّا من ضرورة» «2».

و منها: ذبح الذبيحة و حيوان آخر ينظر إليها من جنسه، لرواية غياث ابن إبراهيم: «لا تذبح الشاة عند الشاة و لا الجزور عن الجزور و هو ينظر إليه» «3».

و رواية طلحة: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان لا يذبح الشاة» إلى آخر الحديث «4».

و هما- لقصور دلالتهما على الحرمة- لا تثبتان الأزيد من الكراهة، كما عليه الأكثر.

خلافا للمحكيّ عن النهاية، فحرّمه «5».

و المستفاد من الروايتين: كراهة ذبح كل واحد من الإبل و الغنم إذا نظر إليه غيره من جنسه،

فلا يكره ذبح الشاة إذا نظر إليه الجزور و بالعكس، بل يحتمل التخصيص بالشاة و الجزور أيضا، إلّا أنّ فتوى الأصحاب بالتعميمين يكفي لإثبات الكراهة.

______________________________

(1) الكافي 6: 236- 3، التهذيب 9: 60- 254، الوسائل 24: 41 أبواب الذبائح ب 21 ح 2.

(2) الكافي 6: 236- 1، التهذيب 9: 60- 255، الوسائل 24: 40 أبواب الذبائح ب 20 ح 1.

(3) الكافي 6: 229- 7، التهذيب 9: 56- 232، الوسائل 24: 16 أبواب الذبائح ب 7 ح 1.

(4) التهذيب 9: 80- 341، الوسائل 24: 16 أبواب الذبائح ب 7 ذيل الحديث 1.

(5) النهاية: 584.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 452

و منها: أن يذبح بيده ما ربّاه من النعم، للنهي عنه في الخبر «1» المحمول على الكراهة إجماعا، و لعلّه لإيراثه قساوة القلب، و اللّه أعلم.

المسألة الثالثة: و إذ عرفت أنّ حلّ الذبائح و الصيود يتوقّف على أمور وجوديّة مسبوقة بالأعدام، تعلم أنّ الأصل في كلّ ذبيحة: عدم التذكية

، إلّا إذا علم تحقّقها بجميع شرائطها، و دلّت على ذلك الأصل أيضا أخبار معتبرة، مرّت في بحث الجلود من كتاب الطهارة.

و أمّا تأمّل المحقّق الأردبيلي في ذلك الأصل «2»- لمعارضته مع أصالة الحلّ و الطهارة في جميع الأشياء إلّا ما خرج بالدليل، و حصر المحرّمات في أمور- فغير سديد البتّة، لاندفاع الأصل الثاني بالأخبار المشار إليها و بالأصل الأول، لكونه مزيلا للثاني و لا عكس، و لدخول ما لم يعلم تذكيته بأدلّة الاستصحاب الواردة من أهل بيت العصمة و حكّام الشريعة فيما علم خروجه من الأصل الثاني بالدليل.

و لكن خرج من تحت الأصل الأول ما أخذ من يد مسلم لم يخبر عن عدم التذكية، و ما أخذ في سوق المسلمين و لو من يد مجهول الحال، أو في سوق مجهول الحال، بل الكفّار في بلد غالب أهله المسلمون، أو ما

وجد في أرض المسلمين، أو في أرض كان الغالب عليها المسلمين، أو من يد مجهول الحال إذا أخبر بالتذكية.

و مرّ دليل كلّ واحد من ذلك في البحث المذكور، فلا حاجة إلى التكرار.

______________________________

(1) الكافي 4: 544- 20، التهذيب 5: 452- 1578، الوسائل 14: 208 أبواب الذبح ب 61 ح 1.

(2) مجمع الفائدة 11: 87.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 453

و تدلّ على خروج الأول أيضا- مضافة إلى ما مرّ- المستفيضة المتقدّمة في بيان شرائط الذبيحة، المصرّحة بأنّه لا يؤمن على الذبيحة إلّا المسلم، كروايتي الحسين بن منذر «1»، و الحسين بن عبد اللّه «2»، و صحيحة قتيبة «3»، فإنّ مفهومها: أنّ المسلم مؤتمن عليها.

و يظهر من بعض الأخبار المتقدّمة الإشارة إليها عدم استحباب الاجتناب عن كثير ممّا ذكر أيضا، كما صرّح به في الدروس «4»، بل قال في شرح الشرائع بكراهة الفحص و السؤال حتى في المأخوذ عن مجهول الحال أو عن المسلم المستحل لذبيحة الكتابي «5».

و هو جيّد، سيّما نفي الاستحباب، لقوله عليه السّلام في بعض تلك الأخبار: «و لا تسأل عنه» «6»، و في بعض آخر: «ليس عليكم المسألة» «7»، و في البعض: «إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم و إنّ الدين أوسع من ذلك» «8».

و لا وجه لاستبعاد المحقّق الأردبيلي الناشئ عن كثرة تورّعه و وفور احتياطه، حيث قال بعد نقل ما ذكر: و ليت شعري كيف صار سوق الإسلام

______________________________

(1) الكافي 6: 239- 2، الوسائل 24: 48 أبواب الذبائح ب 26 ح 2.

(2) الكافي 6: 239- 6، الفقيه 3: 211- 975، التهذيب 9: 66- 280، الوسائل 24: 49 أبواب الذبائح ب 26 ح 4.

(3) الكافي 6: 241- 17، الوسائل 24: 50 أبواب

الذبائح ب 26 ح 6.

(4) الدروس 2: 416.

(5) المسالك 2: 228.

(6) الكافي 6: 237- 2، الفقيه 3: 211- 976، التهذيب 9: 72- 306، الوسائل 24: 70 أبواب الذبائح ب 29 ح 1.

(7) الفقيه 1: 167- 787، الوسائل 3: 491 أبواب النجاسات ب 50 ذيل الحديث 3.

(8) التهذيب 2: 368- 1529، الوسائل 3: 491 أبواب النجاسات ب 50 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 454

بهذه المثابة؟! مع العلم بأحوال الناس من عدم التقييد و المذاهب المشتبهة، و من أين سقط الاحتياط و الزهد و الورع و الملاحظة؟! حتى قالوا: يستحبّ الاجتناب عن الحائض المتّهمة و عدم الوضوء بسؤرها، بل قيل عن مطلق المتّهم و من كان ماله لا يخلو عن شبهة «1». انتهى.

فإنّ بعد أمر الشارع بعدم المسألة لا يبقى محلّ للتورّع و الاحتياط، فإنّ بعد تصريحه بحلّية ما ذكر و النهي عن السؤال يكون المأخوذ عن يد من ذكر بعينه كالمعلوم تذكيته.

فإنّ بعد حلّية الحيوان بعد قطع الأوداج مثلا بحكمه و انتفاء الاحتياط فيه و عدم اقتضاء التورّع لترك اللحم، لم لا يحلّ بحكمه بحلّية المأخوذ عن يد فلان فلا ينبغي الاحتياط، و أيّ تفرقة بين الحكمين؟! فإنّ من يحلّ مقطوع الأوداج مثلا بحكمه من غير اقتضاء الورع و الاحتياط تركه كذلك يحلّ المأخوذ عن يد المسلم أو في سوقهم بحكمه كذلك، و يكون ذلك قائما مقام مشاهدة قطع الأوداج و الاستقبال و التسمية إلى آخر الشرائط.

و ليت شعري لم ينفي الأول الاحتياط دون الثاني؟! و أين ترك قاعدة نفي العسر و الحرج و سهولة الملّة الحنيفيّة و نحو ذلك؟!

______________________________

(1) مجمع الفائدة 11: 126.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 455

الباب الثالث في التذكية التبعيّة

و هي

تحصل للجنين في بطن امّه بعد تذكية الامّ.

و تفصيل الكلام فيه: أنّ الجنين- الذي يكون في بطن الحيوان و يخرج- إمّا يخرج من بطن الحيّ، أو من بطن الميّت، أو من بطن المذكّى.

و الأخير: إمّا لم تتمّ خلقته بعد و لم يشعر و لم يؤبر، أو تمّت و أشعر و أوبر.

و على التقدير الثاني: إمّا لم يولج فيه الروح أو أولج.

و على الثاني: إمّا يخرج روحه قبل خروجه من البطن، أو لا يخرج.

فإن خرج من بطن الحيّ أو الميّت، فإن لم يكن حيّا لم يحلّ بلا خلاف، سواء لم يلج فيه الروح أو ولج و خرج.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 456

لا للأصل- كما قيل- لأنّه في صورة عدم ولوج الروح غير معلوم، بل مقتضي أصالة حلّية الأشياء: حلّيته، و استصحاب حرمته حال كونه نطفة أو علقة غير صحيح، لتغيّر الموضوع. نعم، هو يصحّ إن علم ولوج الروح فيه و خروجه، لصدق الميتة.

بل لأنّه إن لم تتمّ خلقته فيحرم مع ذكاة امّه- كما يأتي- فبدونها أولى، و إن تمّت فصرّح في الأخبار الآتية: أنّ ذكاته ذكاة أمّه، فإذا لم تذكّ امّه لم يكن مذكّى، مع دلالة قوله: «فذكاته» على توقّف حلّه على الذكاة، فيكون حراما.

و تدلّ على الحرمة مع خروجه عن الميّت الأخبار الكثيرة، المتضمّنة ل: أنّه لا ينتفع من الميتة بشي ء، و الحاصرة لما يحلّ من الميتة بأشياء مخصوصة «1» ليس ذلك منها، و مفهوم العلّة في رواية الثمالي الطويلة، المعلّلة لحلّية إنفحة الميتة: بأنّه «ليس لها عروق، و لا فيها دم، و لا لها عظم» «2».

و إن كان حيّا فيحلّ مع تذكيته بنفسه، و إلّا فيحرم، و الوجه فيهما واضح.

و إن خرج

من بطن المذكّى فقد عرفت أنّ أقسامه أربعة:

الأول: أن لم تتمّ خلقته و لم يشعر و لم يؤبر، و هو حرام لا يجوز أكله، بلا خلاف فيه بين الأصحاب يعرف- كما في الكفاية «3»- بل بلا خلاف مطلقا- كما في شرح الإرشاد للأردبيلي «4»- بل عن الانتصار «5»

______________________________

(1) الوسائل 24: 179 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 33.

(2) الكافي 6: 256- 1، الوسائل 24: 179 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 33 ح 1.

(3) كفاية الأحكام: 248.

(4) مجمع الفائدة 11: 151.

(5) الانتصار: 195.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 457

و غيره «1» الإجماع عليه.

و يستدلّ له بصحيحة الحلبي: «إذا ذبحت الذبيحة فوجدت في بطنها ولدا تامّا فكل، و إن لم يكن تاما فلا تأكل» «2».

و صحيحة يعقوب: عن الحوار تذكّى أمّه، أ يؤكل بذكاتها؟ فقال: «إذا كان تامّا و نبت عليه الشعر فكل» «3».

و صحيحة ابن مسكان: في الذبيحة تذبح و في بطنها ولد، قال: «إن كان تامّا فكله، فإنّ ذكاته ذكاة امّه، و إن لم يكن تامّا فلا تأكله» «4»، و نحوها خبر جرّاح المدائني «5».

و رواية مسعدة بن صدقة: في الجنين «إذا أشعر فكل، و إلّا فلا تأكل» يعني: إذا لم يشعر «6».

و لا يخفى أنّ هذه الروايات عن إفادة حرمة الجنين الغير التامّ قاصرة، لمكان الجملة الخبريّة أو ما يحتملها.

و لا يفيد مفهوم الشرط في صحيحة يعقوب، لجواز كون الحكم في المفهوم نفي الإباحة بالمعنى الأخصّ.

______________________________

(1) كالغنية (الجوامع الفقهية): 618، و التنقيح 4: 27.

(2) الكافي 6: 234- 2، التهذيب 9: 58- 242، الوسائل 24: 34 أبواب الذبائح ب 18 ح 4.

(3) الكافي 6: 234- 3، التهذيب 9: 59- 246، الوسائل 24: 33 أبواب الذبائح ب 18

ح 1، الحوار: بالضم و قد يكسر، ولد النّاقة ساعة تضعه- القاموس 2: 16.

(4) الفقيه 3: 209- 965، التهذيب 9: 58- 243، الوسائل 24: 34 أبواب الذبائح ب 18 ح 6.

(5) التهذيب 9: 59- 245، الوسائل 24: 35 أبواب الذبائح ب 18 ح 7.

(6) الكافي 6: 235- 5، قرب الإسناد: 76- 247، الوسائل 24: 34 أبواب الذبائح ب 18 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 458

و لذا قال المحقّق الأردبيلي مشيرا إلى هذا القسم: و أمّا الأول فإن كان إجماعيّا و إلّا ففيه تأمّل، للأصل، و العمومات، مع عدم ما يدلّ على التحريم «1». انتهى.

و هو جيّد، و الاجتناب أحوط.

و الثاني: أن تتمّ خلقته و أشعر و أوبر و لم يلجه الروح، و الظاهر عدم الخلاف في حلّيته و كون ذكاته ذكاة امّه، و تدلّ عليه جميع الروايات المتقدّمة.

مضافة إلى صحيحة محمّد: عن قول اللّه عزّ و جلّ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ «2» فقال: «الجنين في بطن امّه إذا أشعر و أوبر فذكاته ذكاة امّه» «3».

و موثّقة سماعة المضمرة: عن الشاة نذبحها و في بطنها ولد و قد أشعر، فقال عليه السّلام: «ذكاته ذكاة امّه» «4».

و لعلّ اختلاف تلك الروايات باعتبار اشتراط تمام الخلقة وحده في بعضها، و الإشعار وحده أو مع الإيبار في بعض آخر، أو ذكر الأمرين معا- كما في ثالث- إنّما هو لتلازم الأمرين، و كذا اختلاف كلمات الأصحاب.

و لو قلنا بعدم التلازم، كما هو ظاهر الجمع بينهما في صحيحة يعقوب، و هو أيضا ظاهر كلام الصدوق في المقنع «5».

فقيل بتعيّن اعتبار الأمرين معا، للأصل، و الجمع بين الأخبار بتقييد بعضها ببعض بشهادة الصحيح الجامع، أي صحيحة يعقوب «6».

______________________________

(1) مجمع

الفائدة 11: 151.

(2) المائدة: 1.

(3) الكافي 6: 234- 1، الوسائل 24: 33 أبواب الذبائح ب 18 ح 3.

(4) الكافي 6: 235- 4، الوسائل 24: 33 أبواب الذبائح ب 18 ح 2.

(5) المقنع: 139.

(6) الرياض 2: 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 459

و فيه نظر، لمنع الأصل، بل هو مع الحلّية كما مرّت إليه الإشارة، و الأخبار- مع كونها منطوقا و مفهوما متعارضة- عن إفادة الحرمة- كما مرّ- قاصرة، إلّا بضميمة الإجماع، الذي لو ثبت في صورة انتفاء الأمرين فعدمه مع تحقّق أحدهما واضح، فالحلّ من أحد الأمرين أقرب.

و الثالث: أن تتمّ خلقته أو أشعر و أوبر و أولجه الروح، و لكن لم يخرج من البطن حيّا، بل مات في بطنه، و هو أيضا كسابقه في الحلّية على الأقوى، وفاقا للمحكيّ عن الصدوق و العماني و السيّد و المحقّق «1»، و عليه كافة متأخّري أصحابنا «2».

لإطلاقات جميع النصوص السابقة الشاملة لصورة ولوج الروح، بل الظاهرة منها خاصّة، لأنّ الروح لا ينفكّ عن تمام الخلقة عادة، كما صرّح به جماعة، منهم: المختلف و الروضة «3».

و خصوص موثّقة الساباطي: عن الشاة تذبح و يموت ولدها في بطنها، قال: «كله فإنّه حلال، لأنّ ذكاته ذكاة امّه، فإن خرج و هو حيّ فاذبحه و كله، فإن مات قبل أن تذبحه فلا تأكله، و كذلك البقر و الإبل» «4».

خلافا للمحكيّ عن الشيخ و القاضي و ابن حمزة و الديلمي و الحلّي «5»،

______________________________

(1) الصدوق في المقنع: 139، حكاه عن العماني في المختلف: 681، السيد في الانتصار: 195، المحقق في النافع: 251.

(2) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 230، و الهندي في كشف اللثام 2: 78، و صاحب الرياض 2: 279.

(3) المختلف: 682،

الروضة 7: 254.

(4) التهذيب 9: 80- 345، الوسائل 24: 35 أبواب الذبائح ب 18 ح 8.

(5) الشيخ في النهاية: 584، القاضي في المهذّب 2: 440، ابن حمزة في الوسيلة:

361، الديلمي في المراسم: 210، الحلي في السرائر 3: 110.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 460

فاشترطوا في الحلّية- مع تمام الخلقة و الإشعار- عدم ولوج الروح فيه، لأدلّة اشتراط تذكية الحيّ مطلقا، فتعارض بها الإطلاقات المتقدّمة، و ترجّح الاولى بالأكثريّة و موافقة الكتاب و السنّة، حيث لم يذكر اسم اللّه على ذلك الجنين، بل من حيث إنّه ميتة أيضا، بل هو مقتضى الأصل الذي يرجع إليه لو لا الترجيح لصدق الميتة.

و هو كان حسنا لو لا الموثّقة الخاصّة، و لكن معها يجب تخصيص أدلّة التذكية، مع أنّ ذلك أيضا مذكّى، مضافا إلى إمكان الخدش في انصراف مطلقات الذبح و التذكية إلى مثل ذلك، لندرته جدّا.

و الرابع: أن يخرج حيّا، و هو إن كان حيّا مستقرّ الحياة يتّسع الزمان لتذكيته لم يحلّ إلّا بالتذكية إجماعا، لعدم دخول مثله في النصوص المتقدّمة، فيشمله عموم ما دلّ على حرمة الميتة و ما لم يذكر اسم اللّه عليه، مضافا إلى الموثّقة المتقدّمة.

و كذا إن كان غير مستقرّ الحياة و لا يتّسع الزمان للتذكية على الأظهر، لإطلاق الموثّقة، و معارضة العمومات المشار إليها مع إطلاقات الأخبار السابقة.

و هل تجب المبادرة إلى شقّ جوف الذبيحة لإخراج ما ولج فيه الروح زائدا على المعتاد، أم لا؟

الأقرب: الثاني، للأصل، و الأحوط: الأول.

هذا إذا علم الولوج.

و لو لم يعلم و احتمله فلا تجب المبادرة إلى الشقّ البتّة، لأصالة عدم الولوج.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 461

الباب الرابع في التذكية بالأخذ و القبض حيّا

اشاره

و هي إنّما تكون في السمك و الجراد.

فهاهنا

فصلان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 462

الفصل الأول في تذكية السمك و فيه مسائل:
المسألة الأولى: ذكاة السمك: إثبات اليد عليه حيّا خارج الماء

، فإذا أثبتت عليه اليد كذلك فهو ذكي حلال، و الحكم مجمع عليه بل ضروري، لإطلاق قوله سبحانه أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ «1»، و كون ذلك صيدا عرفا ظاهر.

و النصوص المتضمّنة لقولهم عليهم السّلام: «إنّما صيد الحيتان أخذها» «2» صريحة فيه، دالّة على المطلوب.

و يدلّ عليه أيضا قولهم عليهم السّلام: «الحيتان و الجراد ذكي» «3»، يدلّ على كونها ذكيّة مطلقا، خرج ما خرج بالدليل، فيبقى الباقي.

و رواية أبي حفص: «في صيد السمكة إذا أدركتها و هي تضطرب و تضرب بيدها و تحرّك ذنبها و تطرف بعينها فهي ذكاتها» «4».

و رواية مسعدة: «إنّ السمك و الجراد إذا خرج من الماء فهو ذكي» الحديث «5».

______________________________

(1) المائدة: 96.

(2) كما في الوسائل 24: 75 أبواب الذبائح ب 32.

(3) قرب الإسناد: 17- 58، الوسائل 24: 89 أبواب الذبائح ب 37 ح 9.

(4) الكافي 6: 217- 7، التهذيب 9: 7- 24، الاستبصار 4: 61- 214، الوسائل 24: 81 أبواب الذبائح ب 34 ح 2.

(5) الكافي 6: 221- 1، قرب الإسناد: 50- 162، الوسائل 24: 87 أبواب الذبائح ب 37 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 463

و صحيحة عليّ: عن سمكة و ثبت من نهر فوقعت على الجدّ من النهر فماتت، هل يصلح أكلها؟ فقال: «إن أخذتها قبل أن تموت ثمَّ ماتت فكلها، و إن ماتت من قبل أن تأخذها فلا تأكلها» «1».

المسألة الثانية: إثبات اليد أعمّ من أن يكون بأخذه من الماء باليد، أو بنصب شبكة، أو آلة أخرى

، أو تهيئة حظيرة و وقوعه فيها و إخراجه منها حيّا، لصدق الأخذ و الإدراك في الصورتين.

و خصوص موثّقة أبي بصير: عن صيد المجوسي للسمك حين يضربون بالشبكة و لا يسمّي و كذلك اليهودي، فقال: «لا بأس، إنّما صيد الحيتان أخذها» «2».

و صحيحتي الحلبي، إحداهما: عن صيد

المجوسي للحيتان حين يضربون عليها بالشباك و يسمّون بالشرك، فقال: «لا بأس بصيدهم، إنّما صيد الحيتان أخذه»، و عن الحظيرة من القصب تجعل في الماء تدخل فيها الحيتان فيموت بعضها فيها، قال: «لا بأس به، إنّما جعلت تلك الحظيرة ليصاد بها» «3».

و الأخرى: عن الحظيرة من القصب إلى آخر ما مرّ في السابقة «4».

______________________________

(1) الكافي 6: 218- 11، التهذيب 9: 7- 23، الاستبصار 4: 61- 213، قرب الإسناد: 277- 1102، الوسائل 24: 81 أبواب الذبائح ب 34 ح 1. و الجدّ:

بالضم، شاطئ البحر- النهاية لابن الأثير 1: 245.

(2) الكافي 6: 217- 5، التهذيب 9: 10- 36، الاستبصار 4: 63- 225، الوسائل 24: 76 أبواب الذبائح ب 32 ح 5.

(3) الكافي 6: 217- 9، التهذيب 9: 10- 34، الاستبصار 4: 63- 223، الوسائل 24: 78 أبواب الذبائح ب 32 ح 9.

(4) الكافي 6: 217- 9، التهذيب 9: 12- 43، الاستبصار 4: 61- 216، الوسائل 24: 84 أبواب الذبائح ب 35 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 464

و نحو الأخيرة صحيحة ابن سنان «1».

و صحيحة محمّد: في الرجل ينصب شبكة في الماء، ثمَّ يرجع إلى بيته و يتركها منصوبة، و يأتيها بعد ذلك و قد وقع فيها سمك فيمتن، فقال:

«ما عملت يده فلا بأس بأكل ما وقع فيها» «2».

و رواية مسعدة: «إذا ضرب صاحب الشبكة بالشبكة فما أصاب فيها من حيّ أو ميّت فهو حلال، ما خلا ما ليس له قشر، و لا يؤكل الطافي من السمك» «3».

المسألة الثالثة: لا ريب في حلّية ما مات في الشبكة و سائر الآلات بعد إخراجها عن الماء و حياة السمكة فيها.

و مقتضى أخبار الشبكة و الحظيرة المتقدّمة حلّية ما مات فيها و لو في الماء أيضا، كما هو المحكيّ عن العماني «4»، و نفى عنه البعد في

الكفاية «5»، و مال إليه المحقّق الأردبيلي «6».

خلافا للشيخ و ابن حمزة و الحلّي «7» و حكي عن أكثر المتأخّرين «8»،

______________________________

(1) الفقيه 3: 207- 950، الوسائل 24: 85 أبواب الذبائح ب 35 ح 5.

(2) الكافي 6: 217- 10، الفقيه 3: 206- 947، التهذيب 9: 11- 42، الاستبصار 4: 61- 215، الوسائل 24: 83 أبواب الذبائح ب 35 ح 2.

(3) الكافي 6: 218- 15، التهذيب 9: 12- 45، الاستبصار 4: 62- 218، المحاسن: 477- 493، الوسائل 24: 85 أبواب الذبائح ب 35 ح 4.

(4) حكاه عنه في المختلف: 674.

(5) كفاية الأحكام: 248.

(6) مجمع الفائدة 11: 144.

(7) الشيخ في النهاية: 579، ابن حمزة في الوسيلة: 355، الحلي في السرائر 3:

90.

(8) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 230، و الكاشاني في المفاتيح 2: 204، و صاحب الرياض 2: 278.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 465

فقالوا بحرمة ما مات في الماء و لو في الآلة.

للعلّة المنصوصة في رواية عبد الرحمن بن سيابة: عن السمك يصاد، ثمَّ يجعل في شي ء، ثمَّ يعاد إلى الماء فيموت فيه، فقال: «تأكله، لأنّه مات في الذي فيه حياته» «1».

و في رواية عبد المؤمن: أمرت رجلا يسأل لي أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صاد سمكا و هنّ أحياء ثمَّ أخرجهنّ بعد ما مات بعضهنّ، فقال:

«ما مات فلا تأكل، فإنّه مات فيما كان فيه حياته» «2».

و يدل عليه قوله: صاد، إلى آخره، في تلك الرواية أيضا نصّا.

و كذا يدلّ عليه فحوى ما دلّ على حرمة ما صيد ثمَّ في الماء أعيد، كصدر الرواية الاولى، و صحيحة الخزّاز: عن رجل اصطاد سمكة فربطها بخيط و أرسلها في الماء فماتت، أتوكل؟ قال: «لا» «3».

و يتأيّد أيضا

بإطلاق ما دلّ على حرمة ما مات من السمك في الماء، من دون تقييد بصورة عدم الأخذ و الإخراج.

و حمل بعض هؤلاء الأخبار الأولى على صورة الموت خارجا قطعا أو احتمالا، بناء على أصالة تأخّر الحادث، و لا يخفى بعد ذلك الحمل جدّا، بل عدم تحمّله في بعض ما مرّ، و ليس ذلك الحمل بأولى من الحمل في الأخيرة بالموت بعد الصيد ثمَّ الخروج عن التصرّف- يعني: صيد ثمَ

______________________________

(1) الكافي 6: 216- 3، الفقيه 3: 206- 945، التهذيب 9: 11- 40، الوسائل 24: 79 أبواب الذبائح ب 33 ح 2.

(2) التهذيب 9: 12- 44، الاستبصار 4: 62- 217، الوسائل 24: 83 أبواب الذبائح ب 35 ح 1.

(3) الكافي 6: 217- 4، الفقيه 3: 206- 944، الوسائل 24: 79 أبواب الذبائح ب 33 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 466

أطلق ثمَّ مات فاخرج ميّتا- و بالحمل على الكراهة.

و لو قطع النظر عن جميع ذلك فيرجع إلى أصالة الحلّية.

و القول بالرجوع إلى أصالة حرمة الميتة غير جيّد، لإمكان منع صدق الميتة على السمك مطلقا من جهة الأخبار المتضمّنة لقولهم عليهم السّلام: «الحيتان ذكي» بقول مطلق، كصحيحة سليمان بن خالد: عن الحيتان يصيدها المجوس، فقال: «إنّ عليا عليه السّلام كان يقول: الحيتان و الجراد ذكي» «1»، و قريبة منها موثّقة أبي مريم «2».

إلّا أن يقال: إنّها مقيّدة بصورة خروجه من الماء حيّا، لمفهوم الشرط في رواية مسعدة المتقدّمة، و لكنها غير مقيّدة بالخروج حيّا، فتأمّل.

و ترجيح أخبار الحرمة بموافقة الشهرة العظيمة- كما قيل «3»- لا يحسن، لأنّ الشهرة في الفتوى لا تصلح للترجيح، مع أنّ كونها عظيمة غير ثابتة عندي.

و ظهر ممّا ذكر أنّ الترجيح بقاعدة

الاستدلال لجانب الحلّية، و إن كان الاحتياط في جهة الحرمة.

المسألة الرابعة: ما مرّ في المسألة السابقة إنّما هو فيما إذا كان الواقع في الآلة هو الميّت في الماء خاصّة

، أو الميّت فيه و في خارج الماء، و تميّز كلّ منهما عن الآخر.

و لو اشتملت الآلة على الميّت في الماء و في خارجه و اشتبه، ففيه

______________________________

(1) الكافي 6: 217- 6، التهذيب 9: 10- 37، الاستبصار 4: 63- 226، الوسائل 24: 76 أبواب الذبائح ب 32 ح 4.

(2) التهذيب 9: 11- 38، الاستبصار 4: 64- 227، الوسائل 24: 77 أبواب الذبائح ب 32 ح 6.

(3) في الرياض 2: 278.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 467

أيضا خلاف، فكلّ من قال في الأول بالحلّية قال بها هنا أيضا، و كذا بعض من كان يقول في الأول بالحرمة، كالشيخ في النهاية و القاضي و المحقّق في الشرائع «1».

و مقتضى ما مرّ الحلّية هنا أيضا، بل بطريق أولى، لعدم تميّز الميّت في الماء، و أكثريّة الشركاء من القدماء.

و لو ترك من المجموع بقدر يتيقّن موته في الماء و أكل الباقي- كما هي طريقتنا في المحصور و غيره- كان احتياطا، و الأحوط ترك الجميع.

المسألة الخامسة: لو صيد حيّا، ثمَّ دخل في الماء مع الانطلاق أو مربوطا بشي ء و مات في الماء، حرم

، بلا خلاف فيه يوجد، كما صرّح به بعضهم «2»، و تدلّ عليه عمومات حرمة ما مات في الماء، و خصوص الخزّاز و رواية ابن سيابة المتقدّمتين، و بها يقيّد إطلاق ما مرّ من أنّ ذكاته أخذه، أو هو ذكي من دون تقييد له بعدم موته في الماء.

المسألة السادسة: لو وثب السمك من الماء على الجدّ أو السفينة و نحوهما أو نضب و انحسر عنه الماء و غار و بقي السمك، فإن أخذ حيّا حلّ

، و ميّتا لم يحلّ، بالإجماع المحقّق في الأول، و المحكيّ عن الخلاف «3» في الثاني.

لصحيحة عليّ المتقدّمة في المسألة الأولى، مضافا في الأول إلى ما مضى من أدلّة ذكاة السمك بالأخذ حيّا.

و بتلك الصحيحة الخاصّة تقيّد مطلقات المنع عن أكل المنبوذ

______________________________

(1) النهاية: 578، القاضي في المهذّب 2: 438، الشرائع 3: 208.

(2) كما في كفاية الأحكام: 248، و الرياض 2: 278.

(3) الخلاف 2: 525.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 468

و المنضوب عنه، كموثّقة الساباطي: عن الذي ينضب عنه الماء من سمك البحر، قال: «لا تأكله» «1».

و صحيحة محمّد: «لا تأكل ما نبذه الماء من الحيتان و ما نضب الماء عنه فذلك المتروك» «2».

خلافا للمحكيّ عن النهاية و نكت النهاية «3» و بعض كتب المحقّق في الثاني، فقالا بالحلّ إذا أدركه و هو يضطرب و إن مات قبل الأخذ، و لازمه- كما في المسالك «4»، و غيره «5»- أنّ ذكاة السمك خروجه من الماء حيّا من غير اشتراط إخراجه كذلك، و اشتراط إدراك الاضطراب للعلم بخروجه حيّا لا لكونه شرطا بخصوصه.

و ظاهر النافع و الكفاية «6» التردّد.

و استدلّوا بروايتي أبي حفص و مسعدة المتقدّمتين في المسألة الاولى، و موثّقة زرارة: سمكة ارتفعت فوقعت على الجدّ فاضطربت حتى ماتت آكلها؟ قال: «نعم» «7»، و قريبة منها روايته «8».

و يدلّ عليه العمومات المتقدّمة المصرّحة بأنّ الحيتان ذكية، و بأنّ

ذكاتها أخذها الشامل للأخذ ميتة و حيّا، خرج ما مات في الماء بما ذكر

______________________________

(1) التهذيب 9: 80- 345، الوسائل 24: 140 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 12 ح 4.

(2) الفقيه 3: 215- 1000، الوسائل 24: 82 أبواب الذبائح ب 34 ح 6.

(3) النهاية: 576، نكت النهاية 3: 80.

(4) المسالك 2: 230.

(5) كالإيضاح 4: 140، و المفاتيح 2: 204.

(6) النافع: 250، الكفاية: 248.

(7) الفقيه 3: 206- 946، الوسائل 24: 82 أبواب الذبائح ب 34 ح 5.

(8) التهذيب 9: 7- 22، الاستبصار 4: 61- 212، الوسائل 24: 82 أبواب الذبائح ب 34 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 469

فيبقى الباقي.

و الجواب عن الكل: أنّها أعمّ مطلقا من الصحيحة المتقدّمة، لشمول الإدراك في الاولى و الخروج في الثانية و الاضطراب حتى يموت في الثالثة و الرابعة لما إذا كان بعد الأخذ أو قبله، فيجب التخصيص.

مضافا إلى أنّ المسؤول عنه في الأولى صيد السمكة، و قبل الأخذ حيّا لا يصدق الصيد، إلّا أن تمنع دلالة الصحيحة و ما بمعناها على الحرمة، و غايتها المرجوحيّة.

فتبقى الروايات الأخيرة خالية عن المعارض في أصل الحلّ بالكلّية.

إلّا أنّ في رواية الشحّام: عن صيد الحيتان إن لم يسمّ عليه؟ قال:

«لا بأس به إن كان حيّا أن يأخذه» «1».

دلّت بالمفهوم على ثبوت البأس- الذي هو العذاب- على أخذه إن لم يكن حيّا، سواء كان موته في الماء أو خارجه.

و منه تظهر قوّة القول الأول.

المسألة السابعة: كلّ ما مات في الماء بلا أخذ و لا الوقوع في آلة، محرّم إجماعا

، و تدلّ عليه أخبار متكثّرة، كروايتي الثقفي و مسعدة المتقدّمتين «2»، و رواية الشحّام: عمّا يوجد من الحيتان طافيا على الماء و يلقيه البحر ميتا آكله؟ قال: «لا» «3».

المسألة الثامنة: لا يعتبر في صيد الحيتان

و أخذها و إخراجها من

______________________________

(1) الكافي 6: 216- 2، التهذيب 9: 9- 29، الاستبصار 4: 63- 221، الوسائل 24: 73 أبواب الذبائح ب 31 ح 3.

(2) في ص: 466.

(3) التهذيب 9: 7- 20، الاستبصار 4: 60- 210، الوسائل 24: 80 أبواب الذبائح ب 33 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 470

الماء: التسمية، و لا الاستقبال، و لا الإسلام، بلا خلاف أجده في الأولين، و على الأصحّ الأشهر في الثالث، و عن الحلّي الإجماع عليه «1».

لعموم أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ «2»، و عمومات حلّ السمك، و إطلاقات ذكاته في الجميع.

و يزاد في الأول: خصوص موثّقة أبي بصير المتقدّمة في المسألة الثانية، و رواية الشحّام السابقة في السادسة.

و صحيحة الحلبي: عن صيد الحيتان و إن لم يسمّ عليه، فقال:

«لا بأس به» «3».

و محمّد: عن صيد السمك و لا يسمّي، قال: «لا بأس» «4».

و بها يخصّص عموم قوله سبحانه وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ «5».

و أمّا صحيحة محمّد: عن مجوسيّ يصيد السمك أ يؤكل منه؟ فقال:

«ما كنت لآكله حتى أنظر إليه»، قال حمّاد: يعني: حتى أسمعه يسمّي «6».

فلا تضرّ، لأنّ التفسير من حمّاد، و هو ليس بحجّة، و لذا نفى صحته في التهذيبين.

______________________________

(1) حكاه عنه في الرياض 2: 277، و هو في السرائر 3: 88.

(2) المائدة: 96.

(3) الفقيه 3: 207- 951، التهذيب 9: 9- 31، الاستبصار 4: 62- 219، الوسائل 24: 75 أبواب الذبائح ب 32 ح 1.

(4) التهذيب 9: 9- 30،

الوسائل 24: 73 أبواب الذبائح ب 31 ح 2.

(5) الأنعام: 121.

(6) التهذيب 9: 9- 32، الاستبصار 4: 62- 220، الوسائل 24: 75 أبواب الذبائح ب 32 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 471

و في الثاني: الأصل.

و في الثالث: المستفيضة المعتبرة، كموثّقة أبي بصير و صحيحة الحلبي المتقدّمتين في الثانية «1»، و صحيحة سليمان و موثّقة أبي مريم المتقدّمتين في الثالثة «2»، و مرسلة الفقيه: عن الحيتان يصيدها المجوس، قال: «لا بأس، إنّما صيد الحيتان أخذها» «3».

و صحيحة ابن سنان: «لا بأس بالسمك الذي يصيده المجوسي» «4».

و الأخرى: «لا بأس بكواميخ المجوس، و لا بأس بصيدهم السمك» «5».

خلافا في الثالث للمفيد «6»، فاعتبر الإسلام، و احتاط به ابن زهرة «7».

لأصالة حرمة الميتة.

و كون صيد السمك أيضا من التذكية المعتبر فيها الإسلام.

و لصحيحتي محمّد و الحلبي، المتقدّمتين في بحث شرائط الصائد «8»، الناهية عن أكل صيد النصارى و كون أخذ السمك صيدا.

و رواية عيسى المتقدّمة فيه أيضا: عن صيد المجوس، قال: «لا بأس

______________________________

(1) في ص: 465.

(2) في ص: 468.

(3) الفقيه 3: 207- 948، الوسائل 24: 78 أبواب الذبائح ب 32 ح 11.

(4) الكافي 6: 218- 13، التهذيب 9: 10- 35، الوسائل 24: 78 أبواب الذبائح ب 32 ح 10.

(5) الفقيه 3: 207- 949، التهذيب 9: 11- 39، الاستبصار 4: 64- 228، المحاسن: 454- 378، الوسائل 24: 77 أبواب الذبائح ب 32 ح 7. و الكامخ:

الذي يؤتدم به، معرّب- مجمع البحرين 2: 441.

(6) المقنعة: 579.

(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.

(8) في ص: 379 و 380.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 472

إذا أعطوكه حيّا، و السمك أيضا، و إلّا فلا تجز شهادتهم إلّا أن تشهده» «1».

و يضعّف

الأول: بمنع ذلك الأصل في السمك، كما مرّت إليه الإشارة، و لو سلّمت فيندفع بحصول التذكية المحلّلة بمثل قوله: «صيد الحيتان أخذها» «2».

و الثاني: بأنّ المدلول عليه في الأخبار اشتراط الذبيحة بالإسلام دون التذكية، مع أنّ المستفاد من الأخبار كما مرّ أنّ الحيتان و الجراد ذكيّة، و مقتضاه عدم احتياجهما إلى التذكية، و لو سلّم فغايتها العموم اللازم تخصيصه بما ذكر.

و هو الجواب عن الصحيحتين.

و أمّا عن رواية عيسى: فبعدم الدلالة، أمّا بالمنطوق فظاهر.

و أمّا بالمفهوم فلأنّ المفهوم إنّما يعتبر لو لم يبيّن خلاف المنطوق في الكلام، و إلّا فالمعتبر هو المذكور، و قوله: «و إلّا فلا تجز شهادتهم» إلى آخره، هو بيان حكم خلاف المنطوق، فمفهومه: أنّه إن لم يعطوكه حيّا لا تجز شهادتهم بالأخذ حيّا إلّا أن تشهد ذلك- أي أخذهم حيّا- فهو كاف.

و على هذا، فهو على خلاف ما استدلّوا له به أدلّ، بل يمكن الخدش في الدلالة مع قطع النظر عن ذلك أيضا، إذ ليس في لفظ الإعطاء دلالة على التسليم و أخذ المسلم له صريحا، بل و لا ظاهرا، فغايتها: أنّه يشترط العلم بأخذهم حيّا، كما هو المعتبر في ذكاة السمك، و لمّا لم يكن الكافر مقبول الشهادة في ذلك اعتبر مشاهدة حياته في يده، كما ادعي عليه الإجماع

______________________________

(1) الكافي 6: 217- 8، التهذيب 9: 10- 33، الوسائل 23: 386 أبواب الصيد ب 34 ح 1.

(2) الفقيه 3: 207- 948، الوسائل 24: 78 أبواب الذبائح ب 32 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 473

أيضا «1».

و تدلّ عليه صحيحة محمّد المتقدّمة في صدر المسألة، و صحيحة الحلبي: عن صيد المجوس للسمك آكله؟ فقال: «ما كنت لآكله حتى أنظر إليه»

«2».

و فيهما أيضا دلالة على كفاية النظر و إن صاده الكافر، و ذلك و إن جرى في المسلم أيضا إلّا أنّه ثبت بالإجماع و الأدلّة المتقدّمة في الذبيحة كفاية كونه في يده أو سوقه.

المسألة التاسعة: لا يشترط في حلّية السمك و ذكاته موته

، بل يجوز أكله حيّا وفاقا للأكثر، كما صرّح به في المسالك و الكفاية و المفاتيح «3» و شرحه.

للأصل، و عموم قوله سبحانه أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ «4»، و عموم ما مرّ من أنّ صيد الحيتان أخذه، و أنّ الحيتان و الجراد ذكي، و المرويّ في محاسن البرقي: «الحوت ذكي حيّه و ميّته» «5».

و حمل الذكي على المعنى اللغوي- أي الظاهر- و إن أمكن في الأخير و لكنه لا يمكن فيما تقدّم عليه، لورود أكثره في جواب السؤال عن صيد اليهودي و المجوسي للسمك.

و قد يستدلّ أيضا بموثّقتي الساباطي: عن السمك يشوى و هو حيّ،

______________________________

(1) الرياض 2: 277.

(2) الفقيه 3: 207- 951، التهذيب 9: 9- 31، الاستبصار 4: 62- 219، الوسائل 24: 75 أبواب الذبائح ب 32 ح 1.

(3) المسالك 2: 230، الكفاية: 248، المفاتيح 2: 204.

(4) المائدة: 96.

(5) المحاسن: 475- 480، الوسائل 24: 74 أبواب الذبائح ب 31 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 474

قال: «نعم لا بأس» «1».

و في دلالتهما نظر، لأنّ الكلام في الأكل حيّا و لا حياة بعد الشواء، غاية الأمر أنّه نوع إماتة، و الظاهر أنّ السؤال إنّما هو لأجل ما فيه من تعذيب الحيّ.

خلافا للمحكيّ عن الشيخ في المبسوط، فحرّم الحيّ منه، استنادا إلى أنّ ذكاته إنّما هو إخراجه من الماء بشرط موته خارج الماء، إذ لو لم يكن الإخراج مشروطا بموته خارج الماء لزم منه حلّه لو مات في الماء بعد إخراجه

منه، و هو باطل «2».

و فيه: أنّ عدم حصول ذكاته إلّا بتحقّق الإخراج و الموت خارجه معا ممنوع، بل المعتبر فيها إنّما هو الإخراج بشرط عدم موته في الماء عائدا إليه.

نعم، تدلّ على ما قاله رواية ابن أبي يعفور الواردة في الخزّ، و فيها:

«فإنّ اللّه تبارك و تعالى أحلّه و جعل ذكاته موته، كما أحلّ الحيتان و جعل ذكاتها موتها» «3».

و لا شكّ أنّ هذه أخصّ مطلقا ممّا مرّ من أدلّة الحلّية التامّة دلالتها، و مقتضى القاعدة تخصيصها بها، فقول الشيخ قويّ جدّا.

و يؤيّده أيضا ظاهر ما رواه الطبرسي في الاحتجاج في حديث

______________________________

(1) الاولى: التهذيب 9: 62- 265، الوسائل 24: 88 أبواب الذبائح ب 37 ح 5.

الثانية: التهذيب 9: 80- 345، الوسائل 24: 140 أبواب الأطعمة المحرّمة ب 12 ح 4.

(2) المبسوط 6: 277.

(3) الكافي 3: 399- 11، التهذيب 2: 211- 828، الوسائل 4: 359 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 475

الزنديق، و فيه: «إنّ السمك ذكاته إخراجه حيّا من الماء، ثمَّ يترك حتى يموت من ذات نفسه، و ذلك أنّه ليس له دم، و كذلك الجراد» «1».

و جعله مؤيّدا لأنّه يمكن أن يقال: إنّه ليس فيه دلالة على لزوم الترك إلى الموت، و أنّه أيضا جزء التذكية، فلعل المراد أنّه يحسن ذلك.

و لا فرق في حلّيته حيّا على القول به بين ما إذا أكل بجميعه أو أبين منه جزء و أكل و لو كان باقيه حيّا، للأصل، و عدم شمول أخبار حرمة الأجزاء المبانة من الحيّ لمثل ذلك.

______________________________

(1) الاحتجاج: 347، الوسائل 24: 75 أبواب الذبائح ب 31 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 476

الفصل الثاني في تذكية الجراد

اعلم

أنّ الكلام في الجراد كالكلام في السمك في جميع الأحكام، من كون ذكاته إثبات اليد عليه حيّا خارج الماء، سواء كان باليد أو بغيرها، و من عدم حلّ ما مات قبل الأخذ أو بعده ثمَّ مات في الماء، و من عدم اشتراط التسمية و الاستقبال و الإسلام في الآخذ حتى عند المفيد أيضا «1»، و اشتراط مشاهدته حيّا إذا كان في يد الكافر، و جواز أكله حيّا.

بلا خلاف يوجد في شي ء ممّا ذكر، كما صرّح به بعضهم «2».

و يدلّ على الأول: إطلاق ما مرّ في صحيحة سليمان و موثّقة أبي مريم: «الحيتان و الجراد ذكي» «3».

و رواية الثقفي: «الجراد ذكي كلّه، فأمّا ما هلك في البحر فلا تأكله» «4».

دلّت على كون الجراد ذكيّا مطلقا، خرج ما مات بنفسه من غير أخذ بالإجماع.

و صحيحة عليّ: عن الجراد نصيبه ميّتا في الصحراء أو في الماء فيؤكل؟ فقال: «لا تأكله» «5».

______________________________

(1) المقنعة: 579.

(2) الرياض 2: 278.

(3) في ص: 468.

(4) المحاسن: 480- 505، الوسائل 24: 74 أبواب الذبائح ب 31 ح 7.

(5) الكافي 6: 222- 3، قرب الإسناد: 277- 1099، مسائل علي بن جعفر:

192- 396، الوسائل 24: 87 أبواب الذبائح ب 37 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 477

و المرويّ في كتاب عليّ: عمّا أصاب المجوس من الجراد و السمك أ يحلّ أكله؟ قال: «صيده ذكاته لا بأس به» «1».

دلّ على أنّ ذكاته تحصل بصيده- الذي هو إثبات اليد عليه- فلا ذكاة بدون الصيد.

و هما يدلّان على اشتراط الأخذ حيّا أيضا.

و تدلّ عليه أيضا موثّقة الساباطي، و فيها: عن الجراد إذا كان في قراح، فيحرق ذلك القراح، فيحترق ذلك الجراد و ينضج بتلك النار، هل يؤكل؟ قال:

«لا» [1].

و تدلّ على اشتراط كون الموت خارج الماء رواية الثقفي و صحيحة عليّ المذكورتين.

و على تعميم الأخذ بكونه باليد أو بالآلة الإطلاق المذكور، و صدق الصيد المذكور في رواية علي مع كلّ منهما.

و يدلّ على عدم اشتراط الشرائط المذكورة الأصل و العمومات و الإجماع و رواية عليّ فيما أخذه المجوس.

و لا يحلّ من الجراد ما لا يستقلّ بالطيران و يسمّى بالدّبى بفتح الدال المهملة على وزن العصا و هو الجراد إذا تحرّك قبل أن تنبت أجنحته بالإجماع.

لصحيحة عليّ: الدّبى من الجراد أ يؤكل؟ قال: «لا حتى يستقل

______________________________

[1] التهذيب 9: 62- 265، الوسائل 24: 88 أبواب الذبائح ب 37 ح 5، القراح:

المزرعة التي ليس عليها بناء و لا فيها شجر- مجمع البحرين 2: 403.

______________________________

(1) مسائل علي بن جعفر: 168- 279، الوسائل 24: 77 أبواب الذبائح ب 32 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 15، ص: 478

بالطيران» «1».

و في موثّقة الساباطي: في الذي يشبه الجراد و هو الذي يسمّى الدّبى ليس له جناح يطير به إلّا أنّه يقفز قفزا، أ يحلّ أكله؟ قال: «لا يؤكل ذلك، لأنّه مسخ» «2».

و يظهر من الموثقة مع الصحيحة: أنّ للدبى نوعين:

أحدهما: ليس من الجراد، إلّا أنّه يشبّه به، و ليس له جناح يطير به، و هو مسخ لا يحلّ أكله أبدا.

و الثاني: من الجراد، إلّا أنّه لا يستقلّ بالطيران، لصغره، فهو ما لم يستقلّ به لا يحلّ أكله. و هو الموافق لقول صاحب الصحاح «3» و المذكور في كتب الأصحاب.

تمَّ كتاب الصيد و الذباحة و الحمد للّه و الصلاة على رسول اللّه و آله.

______________________________

(1) الكافي 6: 222- 3، قرب الإسناد: 277- 1101، مسائل علي بن جعفر:

109- 18، الوسائل 24: 87

أبواب الذبائح ب 37 ح 1.

(2) التهذيب 9: 82- 350، الوسائل 24: 89 أبواب الذبائح ب 37 ح 7.

(3) الصحاح 6: 2333.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة الجزء 16

اشاره

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

و عليه توكّلي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 7

كتاب النكاح

[المقصد الاول]

اشاره

@@@مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 9

و هو في اللغة: عقد التزويج خاصّة على الأصحّ، لتبادره عرفا، و أصالة عدم النقل، و كون العقد مستحدثا ممنوع، بل لكلّ دين و ملّة عقد.

و قيل: حقيقة في الوطء خاصّة «1».

بل هو الأشهر كما قيل «2».

بل عليه الإجماع عن المختلف «3».

لظهور ذلك من جماعة من أهل اللغة، و منهم: الجوهري «4».

و يردّ بمعارضته مع تصريح جمع آخر بخلافه، منهم: الراغب «5» و الزجّاج «6».

و قيل: حقيقة بينهما، لاستعماله فيهما «7».

و يردّ بأعميّته لو سلّم.

و قيل: مجاز كذلك، لأخذهما من الضمّ و الاختلاط و الغلبة «8».

______________________________

(1) المختلف: 523.

(2) انظر كشف اللثام 2: 6، الرياض 2: 68.

(3) المختلف: 523.

(4) الصحاح 1: 413.

(5) مفردات الراغب: 505.

(6) معاني القرآن 1: 295.

(7) انظر المصباح المنير للفيّومي: 624.

(8) انظر المصباح المنير: 624.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 10

و يردّ بعدم ثبوت المأخذ.

نعم، لو ثبت لتمّ مطلوبه بضميمة أصالة عدم النقل، و لا يلزم منه حقيقية الوطء لوجود أحد المعاني فيه، لأنّها موقوفة على إرادته من حاقّ اللفظ و فهم الخصوصيّة من الخارج، و ليس الكلام فيه.

و ممّا ذكر- بضميمة أصالة عدم النقل- يظهر أنّه حقيقة في العقد أيضا خاصّة في الشرع، و تؤيّده غلبة استعماله فيه كذلك، لكونها مظنّة التبادر و اشتهاره، بل دعوى الإجماع عليه، كما عن الشيخ و الحلّي و الإيضاح «1».

و فيه أيضا قولان آخران: العكس، و الاشتراك، و دليلهما ضعيف.

و ها هنا فصول:

______________________________

(1) الشيخ في عدّة الأصول 1: 170، الحلّي في السرائر 2: 524، الإيضاح 3: 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 11

الأول في المقدّمات

اشاره

اعلم أنّ النكاح سنّة سنيّة من سنن المرسلين، و هو من عدوّ اللّه حصن

حصين، و هو مستحبّ لمن اشتاقت نفسه إليه من الرجال و النساء، بالكتاب «1»، و السنّة «2»، و الإجماع.

و القول بوجوبه- كما حكي عن بعضهم «3»- شاذّ، بل للإجماع مخالف، و به تخرج العمومات الظاهرة في الوجوب عن ظواهرها، مضافا إلى شمولها لغير السابق المنتفي في حقّه الوجوب قطعا، فيعارض التجوّز بإرادة الندب التخصيص، و أولويّة الثاني- كما اشتهر- غير معلومة.

و في استحبابه- لمن لم يشتق- قولان.

أشهرهما و أصحّهما ذلك، و إن لم يقدر على أهبه النكاح إذا قدر على إيقاعه و لم يكن مزاحما لواجب، لوجوه عديدة عمدتها: عموم أكثر النصوص.

خلافا للمبسوط «4» و ابن حمزة «5»، فقالا باستحباب تركه له، إمّا مطلقا

______________________________

(1) النساء: 3، النور: 32.

(2) الوسائل 20: 13 و 43 أبواب مقدمات النكاح و آدابه ب 1 و 11.

(3) حكاه في المغني و الشرح الكبير 7: 334 عن أبي بكر بن عبد العزيز، و نسبه الشيخ في الخلاف 4: 246 إلى داود.

(4) المبسوط 4: 160.

(5) الوسيلة: 289.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 12

كالأول، أو مع عدم القدرة على أهبه النكاح كالثاني، لوجوه غير تامّة.

لو تعارض مع الفراغة لسائر العبادات فهل هو أفضل، أم هي؟

فيه خلاف، و الأشهر الأقوى: الأول، لأنّه أيضا في نفسه عبادة، و ما يتبعه من أداء حقوق الزوجة- و هو المزاحم للتفرّغ- عبادات أخر شاقّة، و يزيد ذلك من سائر العبادات بمزيد التأكيدات و الترغيبات سيّما بما يدلّ على أفضليّته من غيره:

كرواية ابن ميمون: «ما استفاد امرؤ فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة» الحديث «1».

و ابن مهران: «ما من شي ء أحبّ إلى اللّه من بيت يعمر في الإسلام بالنكاح» «2».

و في رواية: «شرار موتاكم العزّاب» [1].

و لا

يعارضها ما ورد في فضيلة بعض العبادات، كالصلاة و الجهاد و نحوهما، لأنّ الكلام في أفضليّته عن نفس التفرّغ لا عن جميع سائر العبادات.

و يتأكّد رجحانه مع خوف الوقوع في المحرّم بتركه، بل صرّح جماعة بوجوبه حينئذ «4»، و الدليل لا يساعده.

______________________________

[1] الكافي 5: 329- 3، الفقيه 3: 242- 1148، التهذيب 7: 239- 1045، الوسائل 20: 19 أبواب مقدمات النكاح ب 2 ح 3، و في الجميع: «أرذال» بدل:

«شرار»، و في الفقيه: «أراذل»، و التعبير بالشرار موجود في المقنعة: 497.

______________________________

(1) الكافي 5: 327- 1، الفقيه 3: 246- 1168، التهذيب 7: 240- 1047، المقنعة: 497، الوسائل 20: 40 أبواب مقدمات النكاح ب 9 ح 10.

(2) الكافي 5: 328- 1، الوسائل 20: 16 أبواب مقدمات النكاح ب 1 ح 10.

(4) كالعلّامة في القواعد 2: 2، فخر المحققين في الإيضاح 3: 3، الشهيد الثاني في الروضة 5: 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 13

و الظاهر نقص الرجحان بما إذا صعبت معه المعيشة، روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «إذا أتى على أمّتي مائة و ثمانون سنة- أي من هجرتي- فقد حلّت لهم العزوبة و العزلة و الترهّب على رؤوس الجبال».

و في حديث آخر: «يأتي على الناس زمان لا تنال المعيشة فيه إلّا بالمعصية، فإذا كان ذلك الزّمان حلّت العزوبة» «1».

و له و للدخول بالزوجة آداب مستحبّة:

أمّا آداب النكاح:
فمنها: اختيار البكر من النساء

، الولود، العفيفة، الكريمة الأصل، بكونها من أهل بيت الإيمان أو الصلاح، أو غير الناشئة هي أو آباؤها أو أمّهاتها من زنى أو حيض و شبهة، أو البعيدة هي و أبواها عن الألسن.

كلّ ذلك للروايات «2» و الاعتبارات.

و منها: أن يقصد بالنكاح اتّباع السنّة

و الولد الصالح و المعونة على الطاعة و المحافظة عن المعصية كلّا أو بعضا- دون التلذّذ أو نحوه من الأمور الدنيوية- ليكون فعله موردا للثواب و إطاعة للّه سبحانه.

و لو قصد الأمرين من الدينيّة و الدنيويّة فمع استقلال أحدهما في

______________________________

(1) التحصين لابن فهد الحلّي: 4، مستدرك الوسائل 11: 387 أبواب جهاد النفس ب 51 ح 19، بتفاوت.

(2) الوسائل 20: 27 أبواب مقدمات النكاح ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 14

المطلوبية فالحكم له، و مع استقلال كلّ منهما فالظاهر كونه مؤدّيا للسنّة مستحقّا للثواب، و مع عدم استقلال شي ء منهما فلا يكون مثابا، لأنّ المركّب من الدينيّة و الدنيويّة ليس دينيّا.

و منها: أنّ بعد قصد السنّة بالنكاح يتبعها في تعيين الزوجة

أيضا، فيرجّح بالمرجّحات الواردة في السنّة من العفيفة الكريمة، لا بالمرجّحات الدنيويّة من الحسن و الجمال و الثروة و المال.

ففي حسنة هشام: «إذا تزوّج الرجل المرأة لجمالها أو مالها وكّل إلى ذلك، و إذا تزوّجها لدينها رزقه اللّه الجمال و المال» «1».

و في رواية العجلي: «من تزوّج امرأة لا يتزوّجها إلّا لجمالها لم ير فيها ما يحبّ، و من تزوّجها لمالها لا يتزوّجها إلّا له وكّله اللّه إليه، فعليكم بذات الدين» «2».

و مقتضى الروايتين: كراهة قصد المال و الجمال خاصّة، كأن يرجّح ذات المال أو الجمال الغير العفيفة على العفيفة مثلا، فلو قصدهما مع ما يترجح بالسنّة لم يكن مكروها، كأن يرجّح ذات المال أو الجمال العفيفة على العفيفة الكريهة إذا لم يكن المال أو الجمال مستقلّا في التعيين، إذ ليس قصد المركّب من العفّة و المال مثلا قصد المال فلا تشمله الحسنة و نحوها، مع أنّها لو شملته يجب التخصيص بمفهوم رواية العجلي.

______________________________

(1) الكافي 5: 333- 3، الفقيه 3: 248- 1180، التهذيب

7: 403- 1609، الوسائل 20: 49 أبواب مقدمات النكاح ب 14 ح 1.

(2) التهذيب 7: 399- 1592، الوسائل 20: 50 أبواب مقدمات النكاح ب 14 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 15

و لذا عبّر جماعة منهم الروضة بقوله: و لا يقتصر على الجمال أو الثروة من دون مراعاة الأصل و العفّة «1».

و منها: أن يصلّي قبل تعيين المرأة ركعتين

و يحمد اللّه تعالى.

ثمَّ يدعو بالمأثور في رواية أبي بصير: «إذا همّ بذلك فليصلّ ركعتين و يحمد اللّه تعالى و يقول: اللّهمّ إنّي أريد أن أتزوّج فقدّر لي من النساء أعفّهنّ فرجا، و أحفظهنّ لي في نفسها و في مالي، و أوسعهنّ رزقا، و أعظمهنّ بركة، و قدّر لي منها ولدا طيّبا تجعله خلفا صالحا في حياتي و بعد موتي» «2».

و منها: إيقاع العقد معلنا في حضور شاهدين.

لمكاتبة المهلب: «التزويج الدائم لا يكون إلّا بوليّ و شاهدين» «3».

و صحيحة زرارة: عن الرجل يتزوج المرأة بغير شهود، فقال:

«لا بأس بتزويج البتّة فيما بينه و بين اللّه، إنّما جعل الشهود في تزويج البتّة من أجل الولد، لو لا ذلك لم يكن به بأس» «4».

و رواية محمّد: «إنّما جعلت البيّنة في النكاح من أجل المواريث» «5».

______________________________

(1) الروضة 5: 87.

(2) الكافي 5: 501- 3، الفقيه 3: 249- 1187، التهذيب 7: 407- 1627، الوسائل 20: 113 أبواب مقدمات النكاح ب 53 ح 1.

(3) التهذيب 7: 255- 1101، الاستبصار 3: 146- 529، الوسائل 21: 34 أبواب المتعة ب 11 ح 11.

(4) الكافي 5: 387- 1، التهذيب 7: 249- 1077، الوسائل 20: 98 أبواب مقدمات النكاح ب 43 ح 3.

(5) التهذيب 7: 248- 1076 و 409- 1635، الوسائل 20: 99 أبواب مقدمات النكاح ب 43 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 16

و صحيحة محمّد: «إنّما جعلت البيّنات للنسب و المواريث» [1].

و لأنّه أنفى للتهمة و أبعد عن الخصومة.

و هل استحبابه مخصوص بالدائم؟ كما في الروضة و شرح القواعد «2»، و غيرهما «3»، للأصل، و اختصاص الروايتين الأوليين بل الأخيرتين أيضا، إذ لا ميراث لغير الدائم بالدائم، بل نفي مفهوم الأوليين عن غيره.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة

   ج 16    16     و منها: إيقاع العقد معلنا في حضور شاهدين. ..... ص : 15

مطلق؟ كما يقتضيه إطلاق النافع و القواعد و اللمعة «4»، و غيرها «5»- و إن أمكن حمله على الشائع الغالب- لإمكان التهمة و الخصومة في غير الدائم أيضا، بل لعموم الروايتين الأخيرتين، إذ الميراث لا يختصّ بإرث الزوجة، بل يرث ولد المتمتّعة أيضا، و بهما يندفع الأصل، و أمّا المفهومان فلا اعتبار بهما، لكونهما وصفين، فالتعميم أولى.

و لا يشترط الإشهاد في صحّة العقد إجماعا في غير الدائم، و على الأصحّ الأشهر فيه أيضا، بل بالإجماع أيضا، كما عن الانتصار و الناصريات و الخلاف و الغنية و السرائر و التذكرة و التنقيح و المسالك «6».

______________________________

[1] رواها في الكافي 5: 387- 2، و الوسائل 20: 97 أبواب مقدمات النكاح ب 43 ح 1، بإسناده عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام، و لا توجد روايتها عن محمد بن مسلم.

______________________________

(2) الروضة 5: 88، جامع المقاصد 12: 13، كشف اللثام 2: 7.

(3) كما في النهاية: 450، السرائر 2: 550، 603، 620، التحرير 2: 4.

(4) النافع: 171، القواعد 2: 2، اللمعة (الروضة البهية 5): 88.

(5) كما في الشرائع 2: 267 و الإرشاد 2: 4.

(6) حكاه عنهم في كشف اللثام 2: 7، الانتصار: 118، الناصريات (الجوامع الفقهية): 210، الخلاف 4: 261، 262، الغنية (الجوامع الفقهية): 610، السرائر 2: 550، 603، 620، التذكرة 2: 571، التنقيح 3: 12، المسالك 1: 432.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 17

للأصل، و عموم بعض الروايات، و خصوص الصحيحة المتقدّمة.

و رواية محمّد بن الفضيل: قال: قال أبو الحسن موسى عليه السلام لأبي يوسف

القاضي: «إنّ اللّه تبارك و تعالى أمر في كتابه بالطلاق و وكّده فيه بشاهدين و لم يرض بهما إلّا بعدلين، و أمر في كتابه بالتزويج فأهمله بلا شهود فأثبتّم شاهدين فيما أهمل و أبطلتم الشاهدين فيما أكّد» «1»، فإنّ النكاح الدائم هو الذي أثبتوهما فيه.

خلافا للمحكيّ عن العماني «2».

للمكاتبة المتقدّمة المردودة بالقصور دلالة على الوجوب، لمكان الجملة الخبريّة، و الضعف لأجل الشذوذ، و المعارضة مع ما ذكر، المرجوحة بالنسبة إليه، لموافقة العامّة «3»، كما صرّح به جمع الخاصّة «4»، و دلّت عليها الرواية الأخيرة.

و منها: أن يخطب الزوج أو وليّه أو وكيله أمام العقد

، للتأسّي، و استفاضة الأخبار في خطبة الأطهار أمام الأنكحة، و ليس بواجب إجماعا، و تصرّح به رواية عبيد بن زرارة «5».

و يتحقّق بالحمد و الصلاة و الاستغفار، بل الحمد خاصّة أيضا، كما صرّح به في رواية القدّاح: «إنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام كان يتزوّج و هو

______________________________

(1) الكافي 5: 387- 4، الوسائل 20: 98 أبواب مقدمات النكاح ب 43 ح 5.

(2) حكاه عنه في المختلف: 535.

(3) انظر بداية المجتهد 2: 17، المغني 7: 339، مغني المحتاج 3: 144.

(4) كالشيخ في الخلاف 4: 261، الشهيد الثاني في المسالك 1: 431، صاحب الحدائق 23: 33.

(5) الكافي 5: 368- 1، التهذيب 7: 249- 1078 و 408- 1629، الوسائل 20 96 أبواب مقدمات النكاح ب 41 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 18

يتعرّق عرقا يأكل فما يزيد على أن يقول: الحمد للّه و صلّى اللّه على محمّد و آله، و يستغفر اللّه، و قد زوّجناك على شرط اللّه، ثمَّ قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام: إذا حمد اللّه فقد خطب» [1].

و مقتضاها: حصولها بمطلق الحمد و لو بغير العربيّة.

و أكملها الخطب المرويّة

عنهم عليهم السّلام و هي كثيرة «2».

و هذه الخطبة غير الخطبة- بالكسر- و هي: التماس قبول المرأة التزويج قبل إرادة العقد، و يستحبّ فيها أيضا الخطبة- بضمّ الخاء- كما فعله الأئمّة و أبو طالب و غيره، فتكون قبل النكاح خطبتان.

و منها: إيقاعه ليلا.

كما في صحيحة الوشّاء: «إنّ من السنّة التزويج في الليل» «3»، و في رواية ميسر: «تزوّج بالليل» «4».

و التزويج هو النكاح.

و منها: أن يجتنب إيقاعه و القمر في برج العقرب.

لخبر حمران: «من تزوّج و القمر في العقرب لم ير الحسنى» «5».

______________________________

[1] الكافي 5: 368- 2، التهذيب 7: 408- 1630، الوسائل 20: 96 أبواب مقدمات النكاح ب 41 ح 2، و العرق، بالفتح فالسكون: العظم الذي أخذ عنه اللحم- مجمع البحرين 5: 213.

______________________________

(2) انظر الوسائل 20: 97 أبواب مقدمات النكاح ب 42.

(3) الكافي 5: 366- 1، التهذيب 7: 418- 1675، الوسائل 20: 91 أبواب مقدمات النكاح ب 37 ح 3.

(4) الكافي 5: 366- 3، الوسائل 20: 91 أبواب مقدمات النكاح ب 37 ح 1.

(5) الفقيه 3: 250- 1188، التهذيب 7: 407- 1628 و 461- 1844، المقنعة:

514، الوسائل 20: 114 أبواب مقدمات النكاح ب 54 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 19

و كذا في محاق الشهر، و هو زمان كون القمر تحت شعاع الشمس.

لمرسلة الفقيه: و روي أنّه يكره التزويج في محاق الشهر «1».

و كذا في ساعة حارّة من أنصاف النهار.

لرواية ضريس، و فيها: «ما أراهما يتّفقان» «2».

و أمّا آداب الدخول بالزوجة:
فمنها: أنّ يتوضّأ الزوج قبل وصول الزوجة إليه

و يصلّي ركعتين، و يأمر من مع الزوجة أن يأمروها بصلاة ركعتين بعد أن تتوضّأ قبل وصولها إليه، ثمَّ الزوج يمجّد اللّه و يصلّي على محمّد و آله، ثمَّ يدعو اللّه بالدعاء المأثور، و يأمر من معها أن يؤمّنوا على دعائه.

كما ورد كلّ ذلك في صحيحة أبي بصير «3»، فهي الحجة عليه.

و أمّا ما في الروضة و القواعد «4» و غيرهما «5»- من دعاء الزوجة أيضا بهذا الدعاء- فلا يستفاد من هذا الحديث و لا من غيره، و كذا ما في طائفة من الكتب من كون ذلك عند إرادة الدخول بالزوجة إن أريد به الوقاع، و أمّا إن أريد به الوصول و اللقاء- كما هو ظاهر

القواعد، حيث عبّر بقوله: عند الدخول- فهو كذلك.

______________________________

(1) الفقيه 3: 250- 1189، الوسائل 20: 115 أبواب مقدمات النكاح ب 54 ح 2.

(2) الكافي 5: 366- 1، الوسائل 20: 93 أبواب مقدمات النكاح ب 38 ح 1.

(3) الكافي 5: 500- 1، التهذيب 7: 409- 1636، الوسائل 20: 115 أبواب مقدمات النكاح ب 55 ح 1.

(4) الروضة 5: 92، القواعد 2: 2.

(5) كالنافع: 171، الكفاية: 152، الرياض 2: 71.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 20

أمّا في صلاة الزوج: فللتصريح به في الصحيح.

و أمّا في صلاة الزوجة: فبقرينة قوله: مرهم أن يأمروها فيه، إذ لو كانت واصلة إليه لم يحتج إلى أمر أهلها بأمرها.

و منها: أن يكون الزفاف ليلا.

لقول الصادق عليه السلام: «زفّوا عرائسكم ليلا» «1».

و منها: أن يضع يده على ناصيتها

مستقبل القبلة، و يدعو بالمأثور.

و منها: أن يسمّي اللّه تعالى عند الجماع

أبدا، و أن يدعو بالمأثور، و يسأل اللّه تعالى أن يرزقه ولدا ذكرا سويّا صالحا.

و منها: أن يؤلم عند التزويج يوما أو يومين

، و الأفضل أن يكون في الضحى، كما صرّح به الشيخ في النهاية «2»، و يكره ما زاد على اليومين.

كلّ ذلك للروايات «3».

و أمّا ما في بعض الروايات الواردة في كتاب المطاعم: إنّ أبا الحسن أو لم على بعض ولده ثلاثة أيّام «4»، فليس صريحا في كونه في التزويج، بل الظاهر كونه في الولادة أو الختان، مع أنّ الفعل لا يعارض القول.

و يستحبّ أن يكون بعد التزويج، لأنّ النبيّ أولم بعده كما في الروايات.

و الظاهر من الأخبار أنّها مستحبّة للتزويج، و أمّا استحبابها عند الزفاف

______________________________

(1) الكافي 5: 366- 2، الفقيه 3: 254- 1203، التهذيب 7: 418- 1675، الوسائل 20: 91 أبواب مقدمات النكاح ب 37 ح 2.

(2) النهاية: 481.

(3) الوسائل 20: 94 أبواب مقدمات النكاح ب 40.

(4) الكافي 6: 281- 1، الوسائل 24: 307 أبواب آداب المائدة ب 31 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 21

كما في كثير من العبارات «1»- فلا تساعده الأخبار.

و لا تجب الإجابة إلى الدعوة إلى وليمة العرس عند علمائنا أجمع- كما في شرح القواعد «2»- بل تستحبّ.

و منها: أن يجتنب المجامعة مطلقا بعد الظهر.

لمرسلة الفقيه: «يا علي، لا تجامع زوجتك بعد الظهر، فإنّه إن قضي بينكما ولد في ذلك الوقت يكون أحول، و الشيطان يفرح بالحول» «3».

و في النافع و القواعد و اللمعة «4» و غيرها «5»: عند الزوال.

و استند بعضهم له بذلك الحديث، و هو أعمّ، بل غير دالّ، لأنّ بعد الظهر عرفا مغاير لعند الزوال، و لم أعثر على مستند آخر إلّا أن يثبت الحكم بفتاواهم تسامحا في أدلّة السنن.

و حينئذ، فيستثنى منه عند زوال يوم الخميس، كما ذكره جماعة «6».

لتلك المرسلة أيضا، فقال: «و إن جامعتها يوم الخميس عند زوال الشمس

عند كبد السماء فقضي بينكما ولد، فإنّ الشيطان لا يقربه حتى يشيب، و يكون قيّما، و يرزقه اللّه عزّ و جلّ السلامة في الدين و الدنيا».

و عند الغروب حتى يغيب الشفق، و بعد الفجر حتى تطلع الشمس،

______________________________

(1) كما في الشرائع 2: 267 و القواعد 2: 2 و الكفاية: 153.

(2) جامع المقاصد 12: 19.

(3) الفقيه 3: 359- 1712، الوسائل 20: 251 أبواب مقدمات النكاح ب 149 ح 1.

(4) النافع: 171، القواعد 2: 2، اللمعة (الروضة البهيّة 5): 93.

(5) كالشرائع 2: 268.

(6) منهم الشهيد الثاني في الروضة 5: 93، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 8، صاحب الرياض 2: 71.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 22

و ليلة الخسوف، و يوم الكسوف، و في اليوم أو الليل اللذين تكون فيهما الريح السوداء أو الحمراء أو الصفراء أو الزلزلة.

كلّ ذلك لصحيحة سالم «1».

و مقتضى التخصيص و الأصل اختصاص الكراهة في الخسوف بالليل و في الكسوف بالنهار، فلا يكره في يوم الخسوف و ليلة الكسوف، كما إذا انكسفت الشمس ابتداء الغروب و غربت منكسفة.

و لا تختص الكراهة بما إذا وقعا، فلو علم أحد بوقوع أحدهما في ليلة أو يوم بحساب النجوم يكره قبل الوقوع أيضا.

و في أول ليلة من كلّ شهر- إلّا شهر رمضان- و وسطه و آخره.

لدلالة الروايات على كلّ ذلك «2».

و عاريا.

لمرسلة الفقيه: أجامع و أنا عريان؟ فقال: «لا، و لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها» «3».

و مقتضى الأصل: اختصاص الكراهة بكون الزوج عريانا، فلا كراهة في الزوجة.

و تؤيّده رواية إسحاق بن عمّار: في الرجل ينظر إلى امرأته و هي عريانة، قال: «لا بأس بذلك، و هل اللّذة إلّا ذاك» «4».

______________________________

(1) الكافي 5: 498- 1، المحاسن: 311-

26، طب الأئمة: 131، الوسائل 20:

125 أبواب مقدمات النكاح ب 62 ح 1.

(2) الوسائل 20: 128 أبواب مقدمات النكاح ب 64.

(3) التهذيب 7: 412- 1646، الوسائل 20: 119 أبواب مقدمات النكاح ب 58 ح 2.

(4) الكافي 5: 497- 6، التهذيب 7: 413- 1652، الوسائل 20: 120 أبواب مقدمات النكاح ب 59 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 23

و عقيب الاحتلام قبل الغسل.

لمرسلة الفقيه: «يكره أن يغشى الرجل المرأة و قد احتلم حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى» «1».

و مقتضاها: اختصاص ارتفاع الكراهة بالغسل خاصّة، كما عن الحلّي و في المفاتيح «2».

فالاجتزاء بالوضوء أيضا مطلقا- كما في النافع و القواعد و شرحه و اللمعة «3»، و عن النهاية و المهذّب و الوسيلة «4»- أو مع تعذّر الغسل- كما عن ابن سعيد «5»- خلاف مفهومها و لا يتّضح دليله، و فتوى الفقهاء إنّما تنفع في إثبات الاستحباب أو الكراهة دون رفعهما.

و لا تكره معاودة الجماع بغير غسل، للأصل.

و أمّا ما في الرسالة الذهبيّة لمولانا الرضا عليه السلام: «الجماع بعد الجماع من غير فصل بينهما بغسل يورث الولد الجنون» «6».

فليس صريحا فيه، لاحتمال فتح الغين، فغايته استحباب غسل الفرج، كما نفى عنه الخلاف في المبسوط مع ضمّ وضوء الصلاة «7».

و تدلّ على الوضوء رواية التميمي: في الجارية يأتيها ثمَّ يريد إتيان

______________________________

(1) الفقيه 3: 256- 1212، الوسائل 20: 139 أبواب مقدمات النكاح ب 70 ح 1.

(2) الحلي في السرائر 2: 606، المفاتيح 2: 286.

(3) النافع: 171، القواعد 2: 2، جامع المقاصد 12: 24، اللمعة (الروضة البهيّة 5): 94.

(4) النهاية: 482، المهذّب 2: 222، الوسيلة: 314.

(5) الجامع للشرائع: 453.

(6) الرسالة الذهبية: 28، البحار 59: 321.

(7) المبسوط 4: 243.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 24

أخرى توضّأ «1».

فيكره قبل غسل الفرج و الوضوء، لما ذكر.

و الحكم بالكراهة قبل الغسل للإلحاق بالاحتلام و احتمال الضمّ لا وجه له و إن احتملت المقام المسامحة، إذ لم يثبت هذا القدر من التسامح.

و المجامعة و في البيت صبيّ مستيقظ يراهما و يسمع كلامهما و نفسهما.

لرواية الحسين بن زيد «2».

بل يتعدّى إلى غير سامع الكلام و النفس إذا رأى أيضا.

للمرويّ في طبّ الأئمة: «إيّاك و الجماع حيث يراك صبيّ يحسن أن يصف حالك» «3».

و في بعض الكتب عن الصادق عليه السلام: «نهى أن توطأ المرأة و الصبيّ في المهد ينظر إليهما» «4».

بل يمكن التعدّي إلى مطلق الصبيّ و إن لم يكن يرى، كما هو مقتضى إطلاق كلام النهاية «5» و غيره «6».

______________________________

(1) التهذيب 7: 459- 1837، الوسائل 21: 200 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 84 ح 2.

(2) الكافي 5: 500- 2، الوسائل 20: 133 أبواب مقدمات النكاح ب 67 ح 8.

(3) طب الأئمّة «ع»: 133، الوسائل 20: 134 أبواب مقدمات النكاح ب 67 ح 8.

(4) دعائم الإسلام 2: 213- 784، 781، مستدرك الوسائل 14: 227 أبواب مقدمات النكاح ب 50 ح 1، بتفاوت يسير.

(5) النهاية: 482.

(6) المراسم: 151.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 25

لرواية راشد: «لا يجامع الرجل امرأته و لا جاريته و في البيت صبيّ» «1».

و مقتضى إطلاق بعض تلك الأخبار و تصريح بعضها: عدم اختصاص الحكم بالصبيّ المميّز، بل يتعدّى إلى غيره و لو كان رضيعا أيضا، كما عليه المحقّق «2» و جماعة «3»، بل هو مقتضى إطلاق أكثر الأصحاب.

فالتقييد بالمميّز- كما عن بعضهم «4»- لا وجه له، و التوصيف بقوله:

«يحسن أن يصف حالك» في

الثانية لا يوجب تقييد المطلق و طرح الصريح، لأنّه وصف لا يعتبر مفهومه، و كذا التوصيف بسماع الكلام و النفس في الأولى، إن جعلناه مشعرا بالتمييز كما في الروضة «5».

ثمَّ تلك الروايات و إن اختصّت بالصبي، إلّا أنّه يتعدّى إلى غيره بالفحوى و عدم الفصل، و لعلّ التخصيص لندرة المجامعة في حضور غير الصبي.

و مقتضى صريح الأخيرة و إطلاق الثانية بل الثالثة: عموم الكراهة لجماع الحرّة و الأمة، كما صرّح به بعضهم «6»، و يقتضيه إطلاق كلام

______________________________

(1) الكافي 5: 499- 1، المحاسن: 317- 42، الوسائل 20: 132 أبواب مقدمات النكاح ب 67 ح 1.

(2) المختصر النافع: 171.

(3) كالعلّامة في التحرير 2: 4، الشهيد في اللمعة (الروضة البهية 5): 94، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 8.

(4) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 435.

(5) الروضة 5: 95.

(6) انظر التنقيح الرائع 3: 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 26

جماعة، منهم: النافع و القواعد و اللمعة «1».

و عن المشهور: الاختصاص بالحرّة «2».

لصحيحة ابن أبي يعفور: عن الرجل ينكح الجارية من جواريه و معه في البيت من يرى ذلك و يسمعه، قال: «لا بأس» «3».

و فيه: أنّ نفي البأس لا ينفي الكراهة.

ثمَّ إنّ منهم من قيّد الكراهة بما إذا لم ير العورة، قال: و إلّا فيحرم «4».

و فيه نظر، لأنّ حرمة النظر إلى العورة أو كشفها لا يحرم الجماع.

و النظر إلى فرج المرأة عند المجامعة.

لموثّقة سماعة «5».

و مرسلة الفقيه في وصايا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «لا ينظرنّ أحد إلى فرج امرأته و ليغضّ بصره عند الجماع، لأنّ النظر إلى الفرج يورث العمى في الولد» «6».

بل مطلقا كما قال جماعة «7»- و إن جعلوا المقيّد أشد كراهة- لظهور

المرسلة في الإطلاق.

و لا يقيّده قوله: «عند الجماع»، لأنّ الأصل رجوع القيد إلى الأخير.

______________________________

(1) النافع 1: 171، القواعد 2: 2، اللمعة (الروضة البهيّة 5): 94.

(2) كما في المقنعة: 515، المراسم: 151، المفاتيح 2: 287، الحدائق 23: 137.

(3) التهذيب 8: 208- 735، الوسائل 21: 194 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 75 ح 1.

(4) الرياض 2: 72.

(5) التهذيب 7: 414- 1656، الوسائل 20: 121 أبواب مقدمات النكاح ب 59 ح 3.

(6) الفقيه 3: 359- 1712، الوسائل 20: 121 أبواب مقدمات النكاح ب 59 ح 5.

(7) كالشهيد الثاني في الروضة: 95 و صاحب الرياض 2: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 27

و لا التعليل، لاحتمال كونه لغضّ البصر، حيث إنّ فتحه معرض النظر، أو المراد بالغضّ: غضّه عن النظر إلى الفرج، و حينئذ يتّضح وجه الأشدّية، لأنّها مقتضى ذكر الخاصّ بعد العامّ.

و لا يحرم ذلك على الأشهر، بل بالإجماع كما عن الخلاف «1»، خلافا لابن حمزة «2»، و هي- مع عدم صراحتها- معارضة بنفي البأس عنه في الموثّقة و في رواية أبي حمزة «3».

و الجماع مستقبل القبلة و مستدبرها.

لما مرّ.

و للمرسلة: «نهى رسول الله صلّى اللّه عليه و آله عن الجماع مستقبل القبلة و مستدبرها» «4».

و الإجماع على عدم الحرمة أوجب صرف النهي إلى الكراهة.

و التكلّم عند الجماع.

لقوله: «اتّقوا الكلام عند ملتقى الختانين» «5».

و تشتد الكراهة مع تكثيره الكلام.

للمرسلة الواردة في الوصيّة لعليّ عليه السلام: «لا تتكلّم عند الجماع

______________________________

(1) الخلاف 4: 249.

(2) الوسيلة: 314.

(3) الكافي 5: 497- 5، التهذيب 7: 413- 1651، الوسائل 20: 120 أبواب مقدمات النكاح ب 59 ح 2، في النسخ: ابن حمزة، و ما أثبتناه من المصادر.

(4) الفقيه 1: 180- 851، الوسائل

4: 319 أبواب القبلة ب 12 ح 3.

(5) الكافي 5: 498- 7، التهذيب 7: 413- 1653، الوسائل 20: 123 أبواب مقدمات النكاح ب 60 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 28

كثيرا» «1».

و جعلها دليلا على أشدّية الكراهة في الرجل مطلقا أو مع الكثرة غير جيّد، لعدم دلالتها عليها.

و استثنى جماعة [1] من الكلام: ذكر اللّه سبحانه، و الروايتان مطلقتان.

و لعلّه لقوله عليه السلام: «ذكر اللّه حسن على كلّ حال» «3».

أو لما ورد من استحباب التسمية عند الجماع.

و للمرتضويّ: «إذا جامع أحدكم فليقل: اللّهم جنّبني الشيطان» إلى آخر الدعاء «4».

و لكن الأول عامّ ينبغي تخصيصه بما مرّ، و الثاني ظاهر في إرادة الجماع كما يستفاد من روايات أخر «5».

إلّا أن يقال: إنّ الأول أعمّ من وجه ممّا مرّ، فيرجع في محلّ التعارض إلى أصالة عدم الكراهة.

______________________________

[1] منهم ابن حمزة في الوسيلة: 314، الحلي في السرائر 2: 606، المحقق في النافع: 171، الشهيد في اللمعة (الروضة البهيّة 5): 96.

______________________________

(1) الفقيه 3: 359- 1712، الوسائل 20: 123 أبواب مقدمات النكاح ب 60 ح 3.

(3) الكافي 2: 497- 6، الوسائل 1: 310 أبواب أحكام الخلوة ب 7 ح 2.

(4) الكافي 5: 503- 3، الوسائل 20: 136 أبواب مقدمات النكاح ب 68 ح 3.

(5) الوسائل 20: 135 أبواب مقدمات النكاح ب 68.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 29

الفصل الثاني في بعض الأحكام و اللواحق لهذا الباب

اشاره

و فيه مسائل

المسألة الأولى: الأصل و إن كان جواز نظر كلّ أحد إلى كلّ شي ء

، إلّا أنّه خرج منه نظر الرجل إلى عورة غير الأهل، رجلا كان أو امرأة، حرّة أو أمة، محرما أو غير محرم.

بالإجماع، بل الضرورة الدينيّة، و الكتاب.

قال الله سبحانه قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ «1».

قال الصادق عليه السلام كما في مرسلة الفقيه: «كلّ ما كان في كتاب اللّه من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنى، إلّا في هذا الموضع، فإنّه الحفظ من أن ينظر إليه» «2».

و هو عامّ شامل لجميع الفروج و الناظرين.

و في مرسلة أخرى له طويلة مشتملة على جملة من مناهي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «و نهى أن ينظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم، و نهى أن تنظر المرأة إلى عورة المرأة» إلى أن قال: «و من نظر إلى عورة أخيه المسلم

______________________________

(1) النور: 30.

(2) الفقيه 1: 63- 235، الوسائل 1: 300 أبواب أحكام الخلوة ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 30

أو عورة غير أهله متعمّدا أدخله اللّه النار مع المنافقين» الحديث «1».

و في رواية جابر: «لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رجلا ينظر إلى فرج امرأة لا تحلّ له» «2».

و في مرسلة محمّد بن جعفر: «ليس للوالد أن ينظر إلى عورة الولد، و ليس للولد أن ينظر إلى عورة الوالد» «3».

و في المرويّ في عقاب الأعمال: «من اطلع في بيت جاره فنظر إلى عورة رجل أو شعر امرأة أو شي ء من جسدها كان حقّا على اللّه أن يدخله النار مع المنافقين» «4».

و يستفاد من الأخيرة: حرمة النظر إلى شعور النساء و جزء من أجسادهنّ مطلقا أيضا.

و يدلّ على ذلك أيضا- مضافا إلى الإجماع- المرويّ في العلل:

«حرّم النظر إلى

شعور النساء المحجوبات بالأزواج و إلى غيرهن، لما فيه من تهيّج الرجل و [ما] يدعو إليه التهييج من الفساد و الدخول فيما لا يحلّ، و كذلك ما أشبه الشعور» الحديث [1].

أي أشبهها في تهييج الشهوة، و لا شكّ أنّ العورة بل جميع أجسادهنّ

______________________________

[1] العلل: 564- 1، الوسائل 20: 193 أبواب مقدمات النكاح ب 104 ح 12، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

______________________________

(1) الفقيه 4: 5- 1، الوسائل 1: 299 أبواب أحكام الخلوة ب 1 ح 2.

(2) الكافي 5: 559- 14، الوسائل 20: 191 أبواب مقدمات النكاح ب 104 ح 3.

(3) الكافي 6: 503- 36، الوسائل 2: 56 أبواب آداب الحمام ب 21 ح 1.

(4) عقاب الأعمال: 282، الوسائل 20: 194 أبواب مقدمات النكاح ب 104 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 31

كذلك.

و صحيحة الحسن بن السريّ: «لا بأس بأن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوّجها ينظر إلى خلفها و وجهها» «1».

دلّت بمفهوم الشرط على حرمة النظر إليها إذا لم يرد تزوّجها، و النظر يتحقّق برؤية جزء من جسدها، فيكون حراما.

و احتمال أن يكون قوله: «ينظر إلى خلفها و وجهها» بيانا للنظر، فيكون النظر المحرّم إلى الخلف و الوجه لا يضرّ، للتعدّي إلى الباقي بالإجماع المركّب.

و يدلّ على حرمة النظر إلى غير الوجه و الكفين من النساء اللاتي لا يراد تزوّجها مفهوم الشرط في حسنة هشام و حمّاد و حفص: «لا بأس بأن ينظر إلى وجهها و معاصمها إذا أراد أن يتزوّجها» «2».

و المعصم: موضع السوار من اليد.

دلّت بالمفهوم على حرمة النظر بدون إرادة التزويج إلى الوجه و المعصم، فيحرم غيرهما أيضا بالطريق الأولى و الإجماع المركّب.

و إنّما قلنا: إنّها تحرم

النظر إلى غير الوجه و الكفين، لأنّ المفهوم حرمة النظر إلى مجموع الوجه و المعصم، و حرمة ذلك يستلزم حرمة غير الوجه و الكفّين منفردة بما مرّ، و لكن لا يستلزم حرمة النظر إلى الوجه أو الكفّين منفردا، لانتفاء الإجماع المركّب.

و لا يتوهّم أنّ المعصم جزء من الكفّ، لأنّه موضع السوار و هو غير

______________________________

(1) الكافي 5: 365- 3، الوسائل 20: 88 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 3.

(2) الكافي 5: 365- 2، الوسائل 20: 88 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 32

الكفّ، و لذا أفرد كلّا منهما بالذكر عن الآخر في صحيحة عليّ بن جعفر المرويّة في قرب الإسناد: عن الرجل ما يصلح أن ينظر من المرأة التي لا تحلّ له؟ قال: «الوجه و الكفّان و موضع السوار» «1».

و لذا قال بعضهم- بعد ذكر هذا الخبر دليلا على جواز النظر إلى وجوه الأجنبيات و أكفهنّ-: إنّه لا يقدح فيه زيادة موضع السوار مع عدم جواز النظر إليه، لكونه من باب العام المخصّص «2».

و الاستدلال على حرمة النظر إلى جزء من جسدهنّ مطلقا بقوله سبحانه قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ و في غير المحارم بقوله تعالى وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ الآية «3».

ليس بجيّد، لإجمال الأول من جهة موضع النظر، فلعلّه العورة، و حمله على العموم لا وجه له.

و القول- بأنّ الأمر بغضّ البصر مطلق لا يحتاج إلى تقدير، خرج منه ما خرج- باطل، لإيجابه خروج الأكثر.

و لاحتمال إرادة نفس الزينة من الثاني، فيكون المراد النهي عن إبداء مواضع الزينة حال كونها مزيّنة، حيث إنّه مهيّج للشهوة.

هذا حكم الرجل الناظر.

و منه يظهر حكم المرأة الناظرة، إذ لا فارق

بينهما عند الأصحاب ظاهرا، فيحرم نظرها إلى العورة مطلقا، و إلى كل ما يحرم من المرأة نظر

______________________________

(1) قرب الإسناد: 227- 890.

(2) انظر الرياض 2: 74.

(3) النور: 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 33

الرجل إليه.

للإجماع المركّب على الظاهر، مضافا في العورة إلى الآية، و حديث المناهي «1».

و في سائر الأجزاء إلى رواية البرقي: استأذن ابن أم مكتوم على النبي صلّى اللّه عليه و آله و عنده عائشة و حفصة، فقال لهما: «قوما فادخلا البيت» فقالتا:

إنّه أعمى، فقال: «إن لم يركما فإنّكما تريانه» «2».

و المرويّ في عقاب الأعمال: «اشتدّ غضب اللّه على امرأة ملأت عينها من غير زوجها أو غير ذي محرم معها» «3».

و إن كان في دلالة الأولى على الوجوب نظر، إذ القيام و الدخول في البيت ليس واجبا قطعا، و جعلها مجازا عن عدم الرؤية ليس بأولى من حملها على الاستحباب ترغيبا على غاية المباعدة.

بل في دلالة الثانية، لأنّ ملأ العين تجوّز يحتمل معناه المجازي وجوها كثيرة.

نعم، روي أنّ أمّ سلمة قالت: كنت أنا و ميمونة عند النبي صلّى اللّه عليه و آله فأقبل ابن أمّ مكتوم فقال: «احتجبا عنه» فقلنا: إنّه أعمى، فقال: «أ فعمياوان أنتما؟!» «4».

و هو يدلّ على الوجوب، و ضعفه بالعمل مجبور.

______________________________

(1) المتقدم في ص: 29.

(2) الكافي 5: 534- 2، الوسائل 20: 232 أبواب مقدمات النكاح ب 129 ح 1.

(3) عقاب الأعمال: 286، الوسائل 20: 232 أبواب مقدمات النكاح ب 129 ح 2.

(4) مكارم الأخلاق 1: 498، الوسائل 20: 232 أبواب مقدمات النكاح ب 129 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 34

و ممّا ذكر ظهرت حرمة نظر كلّ من الرجل و المرأة إلى جزء من أجزاء جسد الآخر،

و لكن هذا إنّما هو من باب الأصل، و قد استثنيت منه مواضع تأتي.

هذا حكم الرجال و النساء.

و أمّا الصبيان، فالظاهر جواز النظر إلى غير عوراتهم مطلقا، سواء كانوا مميّزين أو غير مميّزين.

للأصل الخالي عن الصارف، لاختصاص الموانع بالرجل و النساء و المرأة، التي هي حقائق في البالغ.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة البجلي: عن الجارية التي لم تدرك متى ينبغي لها أن تغطّي رأسها ممّن ليس بينها و بينه محرم- إلى أن قال-:

«لا تغطّي رأسها حتى تحرم عليها الصلاة» «1».

و أمّا بعض الأخبار المانعة عن تقبيل الصبيّة التي لها ستّ سنين أو وضعها على الحجر أو ضمّها، فلا يدلّ على منع النظر «2».

و أمّا العورات فلا يجوز النظر إليهم إن كانوا مميّزين، أي الحدّ الذي يعتاد فيه التميّز لأكثر الصبيان.

لإطلاق بعض الموانع.

و أمّا إن لم يكونوا مميّزين فالظاهر الجواز.

لإطباق الناس في الأعصار و الأمصار على عدم منع هؤلاء عن كشف

______________________________

(1) الكافي 5: 533- 2، العلل: 565- 2، الوسائل 20: 228 أبواب مقدمات النكاح ب 126 ح 2.

(2) انظر الوسائل 20: 228 أبواب مقدمات النكاح ب 127.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 35

العورات و نظرهم إليها.

و أمّا نظرهم إلى الغير فلا شك في جوازه مطلقا مع عدم تمييزهم.

و أمّا مع التميّز فلا يجوز نظرهم إلى العورة، للأمر باستئذان الذين لم يبلغوا الحلم في الآية عند العورات الثلاث التي كانوا يضعون فيها الساتر للعورة «1».

و تؤيّده الروايتان:

إحداهما: «و الغلام لا يقبّل المرأة إذا جاز سبع سنين» «2».

و الأخرى: في الصبيّ يحجم المرأة، قال: «إن كان يحسن أن يصف، لا» «3».

و هل المراد بعدم الجواز هنا: حرمته و وجوب الاستئذان على الصبيّ نفسه؟

أو الوجوب علي الوليّ أمره

و نهيه؟

أو وجوب تستّر المنظور إليه عنه؟

الظاهر هو: الأول، و لا بعد فيه، لأخصّية دليله عن أدلّة رفع القلم عن الصبيّ.

و أمّا غير العورة، فمقتضى الأصل الخالي عن المعارض جوازه، و بعض العمومات- إن كان- مخصّص بغير الصبي، لعمومات رفع القلم عنه.

______________________________

(1) النور: 58.

(2) الفقيه 3: 276- 1311، الوسائل 20: 230 أبواب مقدمات النكاح ب 127 ح 4.

(3) الكافي 5: 534- 1، الوسائل 20: 233 أبواب مقدمات النكاح ب 130 ح 2، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 36

و تدلّ عليه رواية البزنطي: «يؤخذ الغلام بالصلاة و هو ابن سبع سنين، و لا تغطّي المرأة شعرها عنه حتى يحتلم» «1».

و لا تعارضها رواية الحجامة، لعدم دلالتها على الحرمة.

و لا قوله سبحانه أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ «2»، حيث قيّد تعالى شأنه جواز الإبداء للطفل بقوله لَمْ يَظْهَرُوا أي لم يميّزوا.

لعدم صراحته في ذلك المعنى، لجواز أن يراد: لم يقووا على عوراتهنّ كما قيل «3»، مع أنّه على فرض الصراحة تكون دلالته على المنع بمفهوم الوصف الذي ليس بحجّة على الأظهر، إلّا أنّه صرّح في شرح القواعد بنفي الخلاف بين العلماء في أنّه كالبالغ «4»، فالأحوط: المنع أيضا.

المسألة الثانية: يستثنى ممّا مرّ من حرمة النظر مواضع:
منها: نظر الرجل إلى امرأة يريد نكاحها

، و لا خلاف في جواز النظر إلى وجهها و يديها إلى الزند، و استفاضت عليه حكاية الإجماع «5»، بل تحقّق، فهو الحجّة فيه مع ما مرّ من صحيحة ابن السريّ و حسنة هشام و حفص و حمّاد «6».

______________________________

(1) الفقيه 3: 276- 1308، الوسائل 20: 229 أبواب مقدمات النكاح ب 126 ح 3.

(2) النور: 31.

(3) انظر مجمع البيان 4: 137، جامع المقاصد 12: 36.

(4) جامع المقاصد 12: 38.

(5) كما في التذكرة 2: 573،

المسالك 1: 435، المفاتيح 2: 374، الرياض 2: 72.

(6) المتقدمة جميعا في ص: 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 37

و حسنة محمّد: عن الرجل يريد أن يتزوّج المرأة أ ينظر إليها؟ قال:

«نعم» «1».

و مرسلة الفضل: أ ينظر الرجل إلى المرأة يريد تزويجها فينظر إلى شعرها و محاسنها؟ قال: «لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذّذا» «2»، و الوجه و الكفّان من المحاسن.

و موثّقة غياث: في رجل ينظر إلى محاسن امرأة يريد أن يتزوّجها، قال: «لا بأس» «3».

و يظهر من الأخيرتين جواز النظر إلى شعرها و محاسنها أيضا، فهو الأقوى وفاقا للمشايخ الثلاثة «4»، مضافا في الشعر إلى صحيحة ابن سنان:

الرجل يريد أن يتزوّج المرأة أ فينظر إلى شعرها؟ قال: «نعم» «5».

لا يقال: إنّ في لفظ المحاسن إجمالا، ففسّره بعضهم بالمواضع الحسنة من الجسد «6»، فيشمل جميع ما عدا العورتين.

و آخر بمواضع الزينة «7»، فيشمل الوجه و الاذن و الرقبة و اليدين و القدمين.

______________________________

(1) الكافي 5: 365- 1، الوسائل 20: 87 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 1.

(2) الكافي 5: 365- 5، الوسائل 20: 88 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 5.

(3) التهذيب 7: 435- 1735، الوسائل 20: 89 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 8.

(4) الصدوق في الفقيه 3: 260- 1239، المفيد في المقنعة: 80، الطوسي في النهاية: 484.

(5) الفقيه 3: 260- 1239، التهذيب 7: 435- 1734، الوسائل 20: 89 أبواب مقدمات النكاح ب 36 ح 7.

(6) انظر جامع المقاصد 12: 28.

(7) انظر الروضة 5: 97.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 38

و في السرائر بالوجه و الكفّين و القدمين [1].

و يظهر من التذكرة: أنّه الوجه و الكفّان «2»، فلا يثبت الزائد ممّا وقع

عليه الإجماع و الشعر، و عدم الفصل بين الشعر و المحاسن غير ثابت.

لأنّا نقول: إنّه على ذلك تكون عمومات المنع مخصّصة بالمجمل، فلا تكون حجّة في موضع الإجمال، فيبقى ما عدا المجمع عليه- و هو العورة- تحت أصل جواز النظر.

و يشترط في الجواز: صلاحيّتها للنكاح (و تجويز إجابتها، لأنّه المتبادر من النصوص، و لتوقّف الإرادة المعلّق عليها الحكم عليه)، [2] فلا يجوز في ذات البعل أو المحرّمة مؤبّدا أو لنكاح أختها و نحوهما.

و قيل: في ذات العدّة البائنة أيضا «4».

و فيه نظر، لعدم تبادر غيره، و إمكان الإرادة في حقّها و إن لم يمكن بالفعل.

و لا يرد مثله في ذات البعل، لعدم تحقّق الإرادة فيها عرفا.

و في اشتراط الاستفادة بالنظر ما لا يعرفه قبله للجهل أو النسيان أو احتمال التغيّر، قول اختاره جماعة [3].

استنادا إلى أنّه المتبادر من النصوص، سيّما مع ملاحظة التعليل

______________________________

[1] السرائر 2: 609، و ليس فيه: و القدمين.

[2] ما بين القوسين ليس في «ق».

[3] منهم الشهيد الثاني في الروضة 5: 98، السبزواري في الكفاية: 153، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 8، صاحب الرياض 2: 72.

______________________________

(2) التذكرة 2: 572.

(4) انظر الروضة 5: 98.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 39

بالاستيام أو الأخذ بأغلى الثمن.

و أنّه المتيقّن الذي يجب الاقتصار عليه فيما خالف الأصل.

و يضعّف الأول: بمنع التبادر من اللفظ، و إنّما هو أمر يسبق إلى الذهن من استنباط العلّة أو الإشارة إليها، و مثله لا يقيّد إطلاق اللفظ.

و الثاني: بمنع تيقّن مقتضى الإطلاق أيضا.

و هل يشترط تعيّن الزوجة التي يريد نكاحها؟

أم لا، بل يجوز النظر إلى نسوة متعدّدة ليتزوّج من يختار منهن؟

الظاهر: الثاني، إذ يقصد نكاح كلّ واحدة لو أعجبته فهو مريد

نكاحها لو أعجبته كما في الواحدة.

و هل يلحق بالرجل المرأة في جواز نظرها إليه للتزوّج لو لم نقل بالجواز في الوجه و الكفّين مطلقا؟

صريح جماعة: نعم [1]، لاتّحاد العلّة، بل الأولويّة، حيث إنّ الرجل يمكنه الطلاق لو لم يستحسنها، بخلاف الزوجة.

و قيل: لا «2»، لكون العلّة مستنبطة، و هو الأقوى لذلك.

و جعل العلّة قطعيّة باطل، لجواز كونها إيجاب الصداق و الإنفاق، كما تومئ إليه الأخبار.

و منها: نظره إلى وجه أمة يريد شراءها

و كفّيها و شعرها و سائر جسدها و مسّها مع إذن المولى، و كذا النظر إلى الوجه و الكفّين و لو بدون

______________________________

[1] منهم العلّامة في القواعد 2: 2، المحقّق الثاني في جامع المقاصد 12: 29، الشهيد الثاني في المسالك 1: 435.

______________________________

(2) الرياض 2: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 40

إذنه، اتّفاقا كما حكاه جماعة [1].

له، و لرواية أبي بصير: الرجل يعترض الأمة ليشتريها، قال: «لا بأس بأن ينظر إلى محاسنها و يمسّها ما لم ينظر إلى ما لا ينبغي النظر إليه» «2».

و الأظهر: جواز نظره إلى شعرها أيضا، كما قال به جماعة «3»، بل إلى محاسنها، كما قال به جمع آخر «4»، بل هو الأشهر، بل إلى ما عدا عورتها، كما قاله بعض الأصحاب «5».

كلّ ذلك للرواية المتقدّمة، بضميمة ما مرّ من عدم حجّية العامّ المخصّص بالمجمل في موضع الإجمال و بقاء الأصل فيه خاليا عن المزيل.

مع تأيّده و اعتضاده في الأول بأنّ جوازه في المرأة يقتضيه هنا بالطريق الأولى.

و فيه و في الثاني بنقل الإجماع في المسالك و المفاتيح «6».

و فيه و في الثالث إلى رواية الخثعمي: إنّي اعترضت جواري المدينة فأمذيت، فقال: «أمّا لمن يريد الشراء فلا بأس، و أمّا لمن لا يريد أن يشتري فإنّي أكرهه»

«7».

و رواية الجعفري: «لا أحبّ للرجل أن يقلّب جارية إلّا جارية يريد

______________________________

[1] منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 435، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 8.

______________________________

(2) الفقيه 4: 12- 9، التهذيب 7: 75- 321، الوسائل 18: 273 أبواب بيع الحيوان ب 20 ح 1.

(3) كما في المقنعة: 520 و النهاية: 484 و الشرائع 2: 269.

(4) كما في السرائر 2: 610 و القواعد 2: 2 و الكفاية: 153.

(5) كالعلّامة في التذكرة 2: 573 و الكاشاني في المفاتيح 2: 373.

(6) المسالك 1: 435، المفاتيح 2: 373.

(7) التهذيب 7: 236- 1029، الوسائل 18: 273 أبواب بيع الحيوان ب 20 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 41

شراءها» «1».

و المرويّ عن قرب الإسناد- بضميمة الإجماع المركّب-: «إنّ عليّا عليه السلام كان إذا أراد أن يشتري الجارية يكشف عن ساقيها فينظر إليها» «2».

و في الجميع إلى إذن المولى بشاهد الحال، و بظهور انصراف إطلاق أخبار المنع إلى ما عداهنّ أو إليهنّ في غير محلّ البحث.

و إنّما جعلناها مؤيّدة لا أدلّة- كما فعله بعضهم- لضعف الأول بمنع الأولويّة.

و الثاني بمنع الحجّية.

و الثالث بمنع الدلالة، لتحقق الإمذاء بالنظر إلى الوجه أيضا.

و الرابع بمنع الصراحة، لعدم صراحة التقليب في المطلوب.

و الخامس بالضعف الخالي عن الجابر.

[و السادس ] «3» و السابع بالمنع.

و منها: النظر إلى وجوه أهل الذمّة و شعورهنّ و أيديهنّ

، على الحق الموافق للشيخين و القاضي و الفاضلين «4»، و أكثر المتأخّرين «5»، بل هو

______________________________

(1) التهذيب 7: 236- 1030، الوسائل 18: 274 أبواب بيع الحيوان ب 20 ح 3.

(2) قرب الإسناد: 103- 344 بتفاوت يسير، الوسائل 18: 274 أبواب بيع الحيوان ب 20 ح 4.

(3) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

(4) المفيد في المقنعة: 521، الطوسي في النهاية: 484، حكاه عن

القاضي في المختلف: 534، المحقق في الشرائع 2: 269، العلّامة في القواعد 2: 2.

(5) منهم المحقّق الثاني في جامع المقاصد 12: 31، الشهيد الثاني في الروضة 5:

98، السبزواري في الكفاية: 153، صاحب الرياض 2: 73.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 42

المشهور، كما صرّح به جماعة «1».

لرواية السكوني: «لا حرمة لنساء أهل الذمّة أن ينظر إلى شعورهنّ و أيديهنّ» «2».

و يتعدّى إلى الوجه بعدم الفصل.

و رواية ابن صهيب: «لا بأس بالنظر إلى أهل تهامة و الأعراب و أهل البوادي من أهل الذمّة و العلوج، لأنّهنّ لا ينتهين إذا نهين» «3».

و المتبادر من النظر إلى شخص: النظر إلى وجهه مع أنّه أقلّ ما يحتمل هنا.

و لفحوى مرسلة الفقيه: «إنّما كره النظر إلى عورة المسلم، و أمّا النظر إلى عورة الذمّي و من ليس بمسلم هو مثل النظر إلى عورة الحمار» «4».

و مرسلة ابن أبي عمير: «النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل نظرك إلى عورة الحمار» «5».

و ضعفهما غير ضائر مع أنّه بما مرّ منجبر، مضافا إلى أنّ الثانية ممّا صح عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه.

خلافا للحلّي و المختلف «6»، لإطلاق قوله تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ

______________________________

(1) كما في المسالك 1: 436، الكفاية: 153، الحدائق 23: 58.

(2) الكافي 5: 524- 1، الوسائل 20: 205 أبواب مقدمات النكاح ب 112 ح 1.

(3) الكافي 5: 524- 1، الفقيه 3: 300- 1438، العلل: 565- 1، الوسائل 20:

206 أبواب مقدمات النكاح ب 113 ح 1.

(4) الفقيه 1: 63- 236، الوسائل 2: 36 أبواب آداب الحمام ب 6 ح 2.

(5) الكافي 6: 501- 27، الوسائل 2: 35 أبواب آداب الحمام ب 6 ح 1.

(6) الحلي في السرائر 2: 610، المختلف:

534.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 43

يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ «1».

و يجاب عنه: بأنّه مجمل، و مع التسليم على الوجوب غير دالّ، و على التسليم غايته العموم الواجب تخصيصه بما مرّ، كغيره من العمومات.

و مقتضى المرسلتين: تجويز النظر إلى سائر جسدهنّ، بل عوراتهنّ و عورات رجال الكفّار، فتعارضان أدلّة المنع بالعموم المطلق أو من وجه، الموجب للرجوع إلى الأصل، مع اختصاص كثير منها (سيّما الآية) [1] بالمؤمن أو المسلم، إلّا أنّي لم أعثر على مصرّح بالتجويز فيه، فإن ثبت الإجماع و إلّا فالظاهر الجواز.

و منها: النظر إلى ما عدا العورة من المحارم اللاتي يحرم نكاحهنّ مؤبّدا

بنسب أو رضاع أو مصاهرة، و المراد بها: القبل و الدبر.

أمّا في وجوههنّ و أكفّهنّ و أقدامهنّ فبالإجماع.

و أمّا في ما عدا ذلك فعلى الحقّ المشهور، كما صرّح به جماعة [2]، بل قيل: إنّه مقطوع به في كلام الأصحاب، بل حكي عن بعضهم عليه الإجماع «4».

و قيل بالمنع، و هو ظاهر التنقيح. إلّا في الثدي حال الإرضاع «5».

و قال ثالث بالإباحة في المحاسن خاصّة «6»، و فسّرها بمواضع الزينة.

______________________________

[1] ما بين القوسين ليس في «ق».

[2] منهم صاحب الرياض 2: 73.

______________________________

(1) التوبة: 30.

(4) كما في المفاتيح 2: 373 و كشف اللثام 2: 9.

(5) التنقيح 3: 22.

(6) انظر الرياض 2: 73.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 44

لرواية السكوني: «لا بأس أن ينظر الرجل إلى شعر امّه أو أخته أو بنته» «1».

و يتعدّى إلى سائر المحارم بالإجماع المركّب و الأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة، إذ لم نعثر على مانع خاصّ أو عامّ يشمل مورد النزاع، سوى المرويّين في العلل و عقاب الأعمال المتقدّمين [1]، المعارض في الشعر مع رواية السكوني بالعموم المطلق، فيجب تخصيصهما بغير المحارم.

و من تخصيص النساء و المرأة- اللتين أضاف

إليهما الشعر فيهما- يلزم تخصيصهما (في المشهور) [2] في ما أشبه الشعور، لأنّه مقتضى التشبيه بقوله: «كذلك» و في الضمير للجسد، لأنّهما لمن تقدّم، و هو مخصوص بغير المحرم.

و سوى حسنة هشام و صحيحة ابن السريّ المتقدّمتين أيضا «4»، و مرجع الضمير في أولاهما غير معلوم، فلعلّه غير المحارم [3]، [و الثانية] [4] فيحتمل أن يكون المراد بالنظر فيها: النظر إلى الخلف و الوجه، و يكون قوله: «ينظر» بيانا للنظر، و يصلح ذلك قرينة لإرادة المقيّد من النظر.

و على هذا فيكون النظر المحرّم في من لا يراد تزوّجها النظر إلى الخلف و الوجه، و حرمته في المحارم منتفية قطعا، و إن احتمل إرادة المطلق أيضا، و لكن لصلاحيّة جزئه الأخير لكونه قرينة للتقييد لا يحمل على

______________________________

[1] في ص: 30.

[2] ما بين القوسين ليس في «ق».

[3] في بعض النسخ زيادة: و العموم مخصوص بغير المحارم.

[4] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

______________________________

(1) الفقيه 3: 304- 1461، الوسائل 20: 193 أبواب مقدمات النكاح ب 104 ح 7.

(4) في ص: 31.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 45

المطلق، لعدم جريان أصالة الحقيقة فيه و إن لم يحمل على المقيّد أيضا.

هذا، مضافا إلى احتمال آخر فيها، و هو كون قوله: «إذا أراد» إلى آخره شرطا لما تأخّر عنه، و هو قوله: «ينظر إلى خلفها و وجهها» و مفهومه حينئذ: أنّه إذا لم يرد لا ينظر، و هو عن إفادة الحرمة قاصر.

و تؤيّد المطلوب- بل تدلّ على جملة منه- الآية، و هي قوله تعالى:

وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ إلى آخر الآية.

و ما ورد في جواز تغسيل المحارم مجرّدات إلّا أنّه يلقي على عورتهنّ خرقة «1».

دليل المانع: كونهنّ عورة، خرج ما

وقع الاتّفاق عليه، فبقي الباقي، و عموم المرويّين المتقدّمين.

قلنا: أيّ دليل على حرمة النظر على العورة بذلك المعنى على كلّ شخص حتّى المحارم؟! و العموم مخصوص بغير المحارم كما مرّ.

حجّة الثالث: الجمع بين الآية المتقدّمة و بين قوله تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ .

و الخبر المرويّ في تفسير القمّي في تفسير الزينة في الآية: «فهو الثياب و الكحل و الخاتم و خضاب الكفّ و السوار، و الزينة ثلاث: زينة للناس و زينة للمحرم و زينة للزوج، فأمّا زينة الناس فقد ذكرناه، و أمّا زينة المحرم فموضع القلادة فما فوقها و الدملج و ما دونه و الخلخال و ما أسفل منه، و أمّا زينة الزوج فالجسد كلّه» [1].

______________________________

[1] تفسير القمي 2: 101، مستدرك الوسائل 14: 274 أبواب مقدمات النكاح ب 85 ح 3. و الدّملج: شي ء يشبه السوار تلبسه المرأة في عضدها- مجمع البحرين 2: 301.

______________________________

(1) الوسائل 2: 516 أبواب غسل الميت ب 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 46

و يردّ الأول بمنع دلالة الآية الثانية على وجوب [غضّ ] [1] النظر عن المحارم حتى يحتاج إلى الجمع.

و الثاني بأن الخبر لا يدلّ إلّا على أنّ موضع القلادة فما فوقها و الدملج و الخلخال و ما دونهما زينة المحارم، و أمّا أنّ ما عداها ليس زينة لهم فلا يدلّ عليه إلّا بمفهوم اللقب، الذي هو من أضعف المفاهيم.

نعم، يدلّ التفصيل القاطع للشركة بين الزوج و المحرم أنّ الجسد كلّه ليس زينة للمحرم و لا كلام فيه، لأنّ العورة من الجسد.

و منها: النظر إلى وجه سائر النساء الأجنبيّات و أكفّهنّ

، فإنّه يجوز و لو مكرّرا عند الشيخ في النهاية و التبيان و كتابي الحديث «2»، بل الكليني «3»، و جماعة من المتأخّرين [2].

للآية بضميمة الروايات،

كالمرويّ في تفسير القمّي المتقدّم.

و رواية زرارة: في قول اللّه تعالى إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها قال: «الزينة الظاهرة: الكحل و الخاتم» «5».

و أبي بصير: عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها قال: «الخاتم و المسكة و هي القلب» «6».

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

[2] منهم السبزواري في الكفاية: 153، الكاشاني في المفاتيح 2: 375.

______________________________

(2) النهاية: 484، التبيان 7: 428- 429.

(3) الكافي 5: 521.

(5) الكافي 5: 521- 3، الوسائل 20: 201 أبواب مقدمات النكاح ب 109 ح 3.

(6) الكافي 5: 521- 4، الوسائل 20: 201 أبواب مقدمات النكاح ب 109 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 47

و القلب بالضمّ: السوار.

و المرويّ في قرب الإسناد: سئل عمّا تظهر المرأة من زينتها، قال:

«الوجه و الكفّان» «1».

و لصحيحة علي المتقدّمة في صدر المسألة «2».

و رواية مروك: ما يحلّ للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن محرما؟ قال: «الوجه و الكفّان و القدمان» «3».

و رواية جابر عن أبي جعفر عليه السلام، عن جابر الأنصاري: «قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يريد فاطمة و أنا معه فلمّا انتهينا إلى الباب وضع يده عليه فدفعه ثمَّ قال: السلام عليكم، فقالت فاطمة: عليك السلام يا رسول اللّه، قال: أدخل؟ قالت: ادخل يا رسول اللّه، قال: أدخل و من معي؟ فقالت:

يا رسول اللّه ليس عليّ قناع، فقال: يا فاطمة خذي فضل ملحفتك فتقنّعي به رأسك، ففعلت، ثمَّ قال: السلام عليكم، قالت: و عليك السلام يا رسول اللّه، قال: أدخل؟ قالت: نعم يا رسول اللّه، قال: أنا و من معي؟ قالت:

و من معك، قال جابر: فدخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه

و آله و دخلت و إذا وجه فاطمة عليها السلام أصفر كأنّه بطن جرادة» إلى أن قال: «قال جابر: فو اللّه لنظرت إلى الدم ينحدر من قصاصها حتى عاد وجهها أحمر» «4».

______________________________

(1) قرب الاسناد: 82- 270، الوسائل 20: 202 أبواب مقدمات النكاح ب 109 ح 5.

(2) في ص: 32.

(3) الكافي 5: 521- 2، الخصال: 302- 78، الوسائل 20: 201 أبواب مقدمات النكاح ب 109 ح 2.

(4) الكافي 5: 528- 5، الوسائل 20: 215 أبواب مقدمات النكاح ب 120 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 48

و رواية داود بن فرقد: عن المرأة تموت مع رجال ليس فيهم ذو محرم هل يغسّلونها و عليها ثيابها؟ فقال: «إذا يدخل ذلك عليهم و لكن يغسّلون كفّيها» «1».

و نحوها رواية أبي سعيد: في المرأة إذا ماتت مع قوم ليس لها فيهم محرم- إلى أن قال-: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «بل يحلّ لهنّ أن يمسسن منه ما كان يحلّ لهنّ أن ينظرن منه إليه و هو حيّ» الحديث «2».

دلّت على حلّية النظر على بعض أعضائه، و لا أقلّ من الوجه و الكفّين إجماعا.

و رواية مفضّل: في المرأة تكون في السفر مع رجال ليس فيهم لها ذو محرم و لا فيهم امرأة، فتموت المرأة، ما يصنع بها؟ قال: «يغسّل منها ما أوجب اللّه عليه التيمّم و لا يمسّ و لا يكشف شي ء من محاسنها التي أمر اللّه بسترها»، فقلت: كيف يصنع بها؟ قال: «يغسّل بطن كفّيها ثمَّ يغسّل وجهها ثمَّ يغسّل ظهر كفّيها» «3».

و لا يعارض تلك الأخبار ما نطق بانتفاء الغسل عنها، لأنّ ما أمر به ليس غسلا و إنّما هو غسل بعض المواضع.

و اشتمال بعض تلك

على ما لا يجوز النظر إليه إجماعا- كالقدمين

______________________________

(1) الكافي 3: 157- 5، الفقيه 1: 93- 428، التهذيب 1: 442- 1428، الاستبصار 1: 202- 713، الوسائل 2: 523 أبواب غسل الميت ب 22 ح 2.

(2) التهذيب 1: 342- 1001، الاستبصار 1: 204- 721، الوسائل 2: 525 أبواب غسل الميت ب 22 ح 10.

(3) الكافي 3: 159- 13، الفقيه 1: 95- 438، التهذيب 1: 342- 1002، الوسائل 2: 522 أبواب غسل الميت ب 22 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 49

و موضع السوار- غير قادح، إذ خروج بعض خبر بدليل لا يوهن في غيره، كما أنّ ضعف بعض تلك الأخبار سندا لا يخرجها عن الحجيّة عندنا، سيّما مع انجبارها باشتهار الجواز و لو في الجملة، أي مرّة.

و تؤيّد المطلوب الأخبار المتضمّنة لرؤية سلمان يدي سيّدة النساء دامية عند إدارة الرحى «1».

و نحو ذلك فحاوي أخبار كثيرة واردة في أبواب النظر إلى النسوة، المتضمّنة لحكمه منعا و جوازا و سؤالا و جوابا، من جهة كون محطّ الحكم فيها بطرفيه هو الشعر و الرأس و الذراعان، و بالجملة ما عدا الوجه و الكفّين مع أنّها أولى ببيان الحكم، لشدّة الابتلاء به، فالسكوت عن حكمها مطلقا كاشف عن وضوح حكمها من الجواز، و إلّا لكان حكم المنع فيها أخفى.

و تؤيّده أيضا الأخبار الواردة في باب ما يجوز أن تلبسه المحرمة من كتاب الحجّ «2»، المصرّحة بكشف الوجه، المستلزم لرؤية غير المحارم لها، و في بعضها كشف الإمام بنفسه عن وجه امرأة ستره بمروحة، بل قد يجعل ذلك دليلا، و لكن فيه جواز كون المرأة محرما له عليه السلام، إذ لا عموم فيها و لا إطلاق.

فالاستدلال به ضعيف، كالاستدلال

بصحيحة ابن سويد: إنّي مبتلى بالنظر إلى المرأة الجميلة فيعجبني النظر إليها، فقال: «يا علي، لا بأس إذا عرف اللّه من نيّتك الصدق» «3».

______________________________

(1) بحار الأنوار 43: 28- 33.

(2) الوسائل 11: 493 أبواب تروك الإحرام ب 48.

(3) الكافي 5: 542- 6، الوسائل 20: 308 أبواب النكاح المحرم ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 50

فإنّ الظاهر من الابتلاء: الاضطرار إليه و عدم إمكان التحرّز، و قد يحمل على الاتّفاقي أيضا.

ثمَّ بما ذكرنا من الأدلّة تخصّص أصالة الحرمة المتقدّمة، لأنّ دليلها في غير العورة عام بالنسبة إليها، إذ ليس إلّا روايتي العلل و عقاب الأعمال «1»، و عمومهما ظاهر، و صحيحة ابن السريّ «2»، و النظر فيها أيضا يحتمل الإطلاق و إن احتمل إرادة النظر إلى الخلف و الوجه بقرينة ما بعده، و لكنّه ليس قرينة صارفة لا يتعيّن معها الحمل على الحقيقة. هذا، مع احتمال آخر فيها قد مرّ يسقط به الاحتجاج على الحرمة.

مع أنّ في دلالة الروايتين أيضا نظرا، لإمكان منع كون الوجه و الكفّين ممّا أشبه الشعور، و ظهور الجسد في غيرها.

مضافا إلى أنّه لو قطع النظر عن جميع ذلك و قلنا بالتعارض يجب تقديم أدلّتنا، لموافقة ظاهر الكتاب.

و على هذا، فيبقى الأصل الأول- و هو الإباحة- خاليا عن المعارض بالمرّة، فيكون هو دليلا مستقلّا على المطلوب، فالمسألة بحمد اللّه واضحة.

خلافا لمن حرّمه مطلقا، و هو المحكيّ عن التذكرة و الإيضاح «3»، و مال إليه الفاضل الهندي «4».

لخوف الفتنة.

______________________________

(1) المتقدمتين في ص: 30.

(2) المتقدمة في ص: 31.

(3) التذكرة 2: 573، الإيضاح 3: 6.

(4) كشف اللثام 2: 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 51

و إطلاق الأمر بالغضّ و النهي عن

إبداء الزينة إلّا للمحارم.

و الأخبار المانعة المتقدّمة.

و الإطباق في الأعصار على المنع من خروجهنّ سافرات، أو إنّما يخرجن مستترات.

و صرف النبيّ وجه الفضل عن الخثعميّة «1».

و بعض وجوه اعتباريّة ضعيفة أخر.

و ردّ الأول بالمنع على سبيل الإطلاق، و لو سلّم فلا يوجب الحرمة.

و الثاني بإجمال الآية، و لو سلّمت دلالته فهو- كالثالث- مقيّد بقوله:

إِلَّا ما ظَهَرَ.

و القول- بعدم تعيّن ما ظهر- مردود بما ظهر من الخبر الذي ضعفه- لو كان- قد انجبر، مع انّه على فرض عدم التعيّن يكون مجملا، فخصّ به الإطلاقان، و المخصّص بالمجمل ليس بحجّة.

و الرابع بما مرّ من عدم دلالة الأخبار و وجود المعارض الأقوى.

و الخامس بمخالفته الوجدان و العيان، لأنّ الناس في ذلك مختلفة في الأمكنة و الأزمان، مع احتمال استناده إلى الغيرة أو الاحتجاب عن الناظر بشهوة.

و السادس بعدم الدلالة لو لم يدلّ على الخلاف.

و لمن حرّم الزائد على النظر مرّة واحدة، أي في وقت واحد عرفا، و هو المحقّق و الفاضل في أكثر كتبه «2»، و جمع آخر «3».

______________________________

(1) كما في سنن النسائي 5: 118.

(2) المحقق في الشرائع 2: 269، الفاضل في القواعد 2: 3 و التحرير 2: 3.

(3) سنن أبي داود 2: 246- 2149، سنن الدارمي 2: 298، مسند أحمد 5:

357.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 52

للنبويّ: «لا تتبع النظرة النظرة، فإنّ الأولى لك و الثانية عليك» [1].

و مرسلة الفقيه: «لك أول نظرة و الثانية عليك و لا لك» «2».

و الأخرى: «النظرة لك و الثانية عليك و الثالثة فيها الهلاك» «3».

و حسنة الكاهلي: «النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة، و كفى بها لصاحبها فتنة» «4».

و الجواب عنها- مضافا إلى عدم صراحتها في التحريم-: إنّ النظرة

فيها مجملة، فلعل المراد من النظرة الأولى: الاتفاقية الواقعة على ما يحرم النظر إليه ممّا عدا الوجه و الكفين.

ثمَّ إنّ ما ذكر إنّما هو في الحرائر.

و أمّا الإماء، فالحكم فيهنّ أظهر.

لاختصاصهنّ ببعض الأخبار أيضا «5»، و لذا جوّز النظر إليهنّ بعض من لم يجوّزه في الحرائر، كالتذكرة «6».

و منها: نظر المملوك و لو كان فحلا إلى مالكته.

______________________________

[1] كالشهيدين في اللمعة و الروضة البهية 5: 99.

______________________________

(2) الفقيه 4: 11- 4، الوسائل 20: 194 أبواب مقدمات النكاح ب 104 ح 13.

(3) الفقيه 3: 304- 1460، الوسائل 20: 193 أبواب مقدمات النكاح ب 104 ح 8.

(4) الفقيه 4: 11- 3، الوسائل 20: 192 أبواب مقدمات النكاح ب 104 ح 6.

(5) الوسائل 20: 207 أبواب مقدمات النكاح ب 114.

(6) التذكرة 2: 574.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 53

لقوله سبحانه أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ «1».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 16    53     و منها: نظر المملوك و لو كان فحلا إلى مالكته. ..... ص : 52

قوله تعالى لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إلى قوله:

لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَ لا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ «2».

حكي عن المبسوط الميل إليه «3»، و يظهر من بعض المتأخّرين الميل إليه أيضا «4».

فإن كان الكلام فيه في نظره إلى الوجه و الكفّين فيظهر ممّا ذكر في غير المملوك وجه الجواز، بل هو أولى، لخصوص الروايات من الصحاح و غيرها، كروايات البصري و ابن عمّار و الهاشمي و مرسلة الكافي و رواية الفضيل، و أكثرها صحيحة.

إحداها: المملوك يرى شعر مولاته، قال: «لا بأس» «5».

و الأخرى: «لا بأس أن يرى المملوك الشعر و الساق» «6».

و الثالثة: المملوك يرى شعر مولاته و ساقها، قال: «لا بأس» «7».

و الرابعة في المملوك: «لا بأس أن ينظر إلى

شعرها إذا كان مأمونا» «8».

______________________________

(1) النور: 31.

(2) النور: 58.

(3) المبسوط 4: 161.

(4) كما في جامع المقاصد 12: 37، كشف اللثام 2: 9.

(5) الكافي 5: 531- 1، الوسائل 20: 224 أبواب مقدمات النكاح ب 124 ح 4.

(6) الكافي 5: 531- 2، الوسائل 20: 224 أبواب مقدمات النكاح ب 124 ح 5.

(7) الكافي 5: 531- 3، الوسائل 20: 223 أبواب مقدمات النكاح ب 124 ح 3.

(8) الكافي 5: 531- ذ. ح 4، الوسائل 20: 223 أبواب مقدمات النكاح ب 124 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 54

و الخامسة: عن المرأة هل يحلّ لزوجها التعرّي و الغسل بين يدي خادمها؟ قال: «لا بأس ما أحلّت له من ذلك ما لم يتعدّه» «1».

هذا إذا جعل: «لزوجها» متعلّقا ب «التعرّي» أي تعرّي الزوجة لزوجها و غسلها بين يدي خادمها، و لو جعل متعلّقا بقوله: «يحل» أي تعرّي الزوج و غسله، و يكون المراد بالخادم: الأمة، يخرج عن المسألة.

السادسة: في قول اللّه عزّ و جلّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ إلى أن قال: «هم المملوكون من الرجال و النساء» إلى أن قال: «يدخل مملوككم و غلمانكم من بعد هذه الثلاث عورات بغير إذن إن شاءوا» «2».

و روى الشيخ في المبسوط و غيره: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أتى فاطمة بعبد قد [وهبه لها] و على فاطمة ثوب إذا قنّعت رأسها لم يبلغ رجليها و إذا غطّت به رجليها لم يبلغ رأسها فلما رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما تلقى، قال: إنّه ليس عليك بأس إنّما هو أبوك و غلامك» [1].

و هي و إن لم تتضمّن الوجه و الكف، إلّا أنّها

تدلّ عليهما بالطريق الأولى و عدم الفصل.

و أمّا صحيحة ابني عمّار و يعقوب: «لا يحلّ للمرأة أن ينظر عبدها إلى شي ء من جسدها إلّا إلى شعرها غير متعمّد لذلك» «4».

فلا تمنع من النظر إلى الوجه و الكفّين، لأنّ الظاهر أنّ المراد من

______________________________

[1] المبسوط 4: 161، التذكرة 2: 574، سنن البيهقي 7: 95، و بدل ما بين المعقوفين في النسخ: وهبها، و الصحيح ما أثبتناه من المصادر.

______________________________

(1) التهذيب 1: 372- 1139، الوسائل 2: 36 أبواب آداب الحمام ب 7 ح 1.

(2) الكافي 5: 530- 4، الوسائل 20: 217 أبواب مقدمات النكاح ب 121 ح 2.

(4) الكافي 5: 531- 4، الوسائل 20: 223 أبواب مقدمات النكاح ب 124 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 55

الجسد غيرهما.

و إن كان الكلام في محرميّته، حتى يجوز له النظر إلى ما يجوز للمحارم، كما يستفاد كون الكلام فيها من الخلاف و المبسوط و السرائر و التذكرة «1»، حيث جعلوا الخلاف في محرميّته، ففي الخلاف: الإجماع على العدم، و في المبسوط: أنّه الأشبه بالمذهب، فإن ثبت الإجماع المدّعى فهو، و إلّا فالآيتان و الأخبار المتقدّمة بين صريحة و ظاهرة في الجواز.

و لا معارض لها سوى صحيحة ابني عمّار و يعقوب المتقدّمة، و رواية الصيقل: عن كشف الرأس بين يدي الخادم، و قالت له: إنّ شيعتك اختلفوا عليّ في ذلك، فقال بعضهم: لا بأس، و قال بعضهم: لا يحلّ، فكتب:

«سألت عن كشف الرأس بين يدي الخادم، لا تكشفي رأسك بين يديه، فإنّ ذلك مكروه» «2».

حيث إنّ الظاهر أنّ المراد بالخادم فيها: المملوك، إذ لا اختلاف في غيره. و لا ينافي قوله: «مكروه» الحرمة، لأنّ الكراهة في اللغة أعمّ من الحرمة، فلا

يخرج به النهي عن حقيقته.

و هما مرجوحان بالنسبة إلى ما تقدّم، لاستفاضته، و اشتماله على الصحاح، و موافقته لآيتين من الكتاب- و ما قيل من أنّ المراد بقوله أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ الإماء «3» لم يثبت- بل مخالفته لأكثر العامّة، لأنّ

______________________________

(1) الخلاف 4: 249، المبسوط 4: 161، السرائر 2: 609، التذكرة 2: 574.

(2) التهذيب 7: 457- 1828، الوسائل 20: 224 أبواب مقدمات النكاح ب 124 ح 7.

(3) كما في التبيان 7: 430، مجمع البيان 4: 138، الشرائع 2: 269.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 56

مذهب أبي حنيفة «1» و أحد قولي الشافعي «2» و أحمد «3» عدم المحرميّة.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ الترجيح بهذه الأمور إنّما ثبت بالعمومات، و المرجّح هنا خاصّ، و هو رواية الصيقل المصرّحة بتقديم رواية الحرمة، فلا مناص عن ترجيحها، مع أنّ الآيتين غير صريحتين في الجواز.

أمّا الأولى، فلما في الخلاف و المبسوط و السرائر أنّه روى أصحابنا أنّ المراد ب ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ : الإماء «4»، و مع ذلك لا يكون ظاهرا في العموم، لأنّ قولهم بمنزلة رواية مرسلة منجبر ضعفها بالشهرة و العمل.

و أمّا الثانية، فلعدم صراحتها في النظر، مع أنّ الظاهر انعقاد إجماعنا على عدم المحرميّة، فالقول بالمنع- سيّما في غير الشعر و الساق- أظهر.

و منها: نظر الخصيّ إلى غير محارمه

، فإنّ فيه خلافا بين أصحابنا:

فالإسكافي جوّزه مطلقا «5»، حرّا كان الخصيّ أو مملوكا، مالكته كانت المنظور إليه أو غيرها. و قوّاه طائفة من المتأخّرين، منهم: صاحب الكفاية «6».

و خصّ في المختلف «7» جواز نظر المملوك منه إلى مالكته، و قوّاه المحقّق الثاني «8».

______________________________

(1) انظر التفسير الكبير 23: 207 و تفسير روح المعاني 18: 143.

(2) كما في تفسير روح المعاني 18: 143.

(3)

انظر المغني و الشرح الكبير على متن المقنع 7: 457.

(4) الخلاف 4: 249، 250، المبسوط 4: 161، السرائر 2: 610.

(5) حكاه عنه في المختلف: 534.

(6) كفاية الأحكام: 154.

(7) المختلف: 534.

(8) جامع المقاصد 12: 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 57

و منع الشيخ في الخلاف «1» و الحلّي و المحقّق «2» و الفاضل في التذكرة «3» و الصيمري عن نظره مطلقا.

و استشكل في التحرير «4».

و الكلام هنا أيضا كما في المسألة السابقة:

فإن كان في النظر إلى الوجه و الكفّين فالجواز ظاهر، لما مرّ بلا معارض.

و إن كان فيما يجوز للمحارم النظر إليه فالحقّ المنع، لما أثبتنا من أصالة الحرمة، مضافا إلى الاستصحاب.

و في غير مالكته إلى رواية النخعي: عن أمّ الولد هل يصلح أن ينظر إليها خصيّ مولاها و هي تغتسل؟ قال: «لا يحلّ ذلك» «5».

محمّد بن إسحاق: يكون لرجل الخصيّ يدخل على نسائه فينا و لهنّ الوضوء فيرى شعورهن، قال: «لا» «6».

دليل الجواز: قوله تعالى غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ «7».

و عمومات الجواز في المملوك «8».

______________________________

(1) الخلاف 4: 249.

(2) الحلي في السرائر 2: 609، المحقق في الشرائع 2: 269.

(3) التذكرة 2: 574.

(4) التحرير 2: 3.

(5) الكافي 5: 532- 1، الوسائل 20: 225 أبواب مقدمات النكاح ب 25 ح 1.

(6) الكافي 5: 532- 2، الفقيه 3: 300- 1434، التهذيب 7: 480- 1925، الاستبصار 3: 252،- 902، الوسائل 20: 226 أبواب مقدمات النكاح ب 125 ح 2.

(7) النور: 31.

(8) الوسائل 20: 223 أبواب مقدمات النكاح ب 124.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 58

و خصوص صحيحة ابن بزيع: عن قناع الحرائر من الخصيان، فقال:

«كانوا يدخلون على بنات أبي الحسن و لا يتقنّعن» قلت: فكانوا أحرارا؟

قال: «لا»

قلت: فالأحرار يتقنّع منهم؟ قال: «لا» «1».

و الجواب عن الأول بعدم ثبوت كون أُولِي الْإِرْبَةِ شاملا لما نحن فيه، فإنّه فسّر بمعنى لا يشمله كما يأتي.

و عن الثاني بأخصّيته عن المدّعى، مضافا إلى ما مرّ من عدم انتهاضه لإثبات المطلوب في الخاصّ أيضا.

و عن الثالث بمعارضته مع ما مرّ، و ترجيح ما مرّ بمخالفته لما عليه سلاطين العامّة، و موافقته للتقيّة، كما يشعر به ما في حديث آخر: أنّه لمّا سئل عن هذه فقال: «أمسك عن هذا» «2» و في قوله: «كانوا يدخلون» إيماء إلى ذلك أيضا.

مع أنّ الخصيان في الصحيحة يحتمل الصغار منهم أيضا، و لا عموم فيها و لا إطلاق.

فروع:
أ: الظاهر عدم الخلاف في تحريم مسّ ما يحرم النظر إليه

من المرأة للرجل، و من الرجل للمرأة.

______________________________

(1) الكافي 5: 532- 3، التهذيب 7: 480- 1926، الاستبصار 3: 252- 903، عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 18، الوسائل 20: 226 أبواب مقدمات النكاح ب 3125.

(2) التهذيب 7: 480- 1927، الوسائل 20: 227 أبواب مقدمات النكاح ب 125 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 59

و تدلّ عليه أيضا العلّة المنصوصة المتقدّمة في رواية العلل «1».

بل التهيّج في المسّ أقوى منه في النظر.

و قوله عليه السلام في رواية أبي سعيد المتقدّمة صدرها، قال بعد ما مرّ:

«فإذا بلغن الموضع الذي لا يحلّ لهنّ النظر إليه و لا مسّه و هو حيّ صببن الماء عليه صبّا» «2».

فإنّ المستفاد منه مع صدرها: أنّ كلّما [لا] [1] يحل النظر إليه لا يحلّ مسه.

و يؤيّده قوله عليه السلام في رواية زيد بن عليّ في تغسيل النساء الغير المحارم للرجل: «و لا يلمسنه بأيديهنّ» «4».

و في رواية مفضّل في عكسه: «و لا يمسّ و لا يكشف شي ء من محاسنها التي

أمر اللّه بسترها» «5».

و أمّا ما يجوز النظر إليه، فإن كان من المحارم فيجوز مسّه، للأصل، و يومئ إليه بعض الأخبار أيضا «6». و إن كان من غيرهم فمقتضى العلّة المتقدّمة- الخالية عن المعارض فيه- الحرمة.

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 30.

(2) التهذيب 7: 342- 1001، الاستبصار 1: 204- 721، الوسائل 2: 525 أبواب غسل الميت ب 22 ح 10.

(4) التهذيب 1: 342- 1000، الاستبصار 1: 201- 711، الوسائل 2: 523 أبواب غسل الميت ب 22 ح 3.

(5) الفقيه 1: 95- 438، التهذيب 10: 342- 1002، الاستبصار 1: 200- 705، الوسائل 2: 522 أبواب غسل الميت ب 22 ح 1.

(6) الوسائل 20: 207 أبواب مقدمات النكاح ب 115.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 60

و يدلّ عليه أيضا النهي عن مصافحة غير المحارم:

ففي موثّقة سماعة: «لا يحلّ للرجل أن يصافح المرأة إلّا مرأة يحرم عليه أن يتزوّجها» «1».

و في حديث المناهي: «من صافح امرأة تحرم عليه فقد باء بغضب من اللّه عزّ و جلّ» «2».

و حمله في المفاتيح على المصافحة بشهوة، و لا حامل له، فإطلاق الحرمة أظهر.

ب: الظاهر جواز النظر إلى كلّ ما لا يجوز النظر إليه

في المرآة و الماء و نحوهما، لانصراف النظر إلى الشائع و المتعارف، و لعدم العلم بكونه نظرا إلى المرء و المرأة، لجواز كون الرؤية فيهما بالانطباع.

و كذا يجوز النظر إلى الصور المنقوشة و إلى عورات البهائم.

كلّ ذلك للأصل.

ج: يجوز النظر إلى وجوه البرزة اللاتي لا يتستّرن و لا ينتهين

إذا نهين.

للعلّة المنصوصة في رواية ابن صهيب المتقدّمة «3».

د: كلّ ما ذكر فيه جواز النظر فقد قيّده الأكثر بعدم التلذّذ و الريبة

. المفسّرة تارة: بما يخطر بالبال من المفاسد.

و اخرى: بخوف الوقوع في المحرّم.

______________________________

(1) الكافي 5: 525- 1، الوسائل 20: 208 أبواب مقدمات النكاح ب 115 ح 2.

(2) الفقيه 4: 8- 1، الوسائل 20: 195 أبواب مقدمات النكاح ب 105 ح 1.

(3) في ص: 42.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 61

و ثالثة: بخوف الفتنة و الفساد و الوقوع في موضع التهمة.

بل عليه حكاية الإجماع في بعض المواضع مستفيضة «1»، بل تحقّق عليه الإجماع في الحقيقة.

و يدلّ عليه مفهوم قوله: «إذا لم يكن متلذّذا» في مرسلة الفضل المتقدّمة «2».

و العلّة المنصوصة في رواية العلل السابقة، حيث إنّ النظر بالتلذّذ و الريبة مهيّج للشهوة داع إلى الفساد.

و قوله: «غير متعمّد لذلك» في صحيحة ابني عمّار و يعقوب المذكورة «3»، حيث إنّ المراد منه ليس غير قاصد للنظر، إذ لا اختصاص لذلك بالشعر، بل المراد قصد النظر إلى الشعر بخصوصه، و مثل ذلك لا ينفكّ عن قصد التلذّذ أو الريبة غالبا.

و قوله: «إذا كان مأمونا» في الرواية الرابعة من روايات نظر المملوك «4».

و حسنة ربعي: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يسلّم على النساء و يرددن عليه، و كان أمير المؤمنين عليه السلام يسلّم على النساء و كان يكره أن يسلّم على الشابّة منهنّ، و قال: أتخوّف أن يعجبني صوتها فيدخل من الإثم عليّ أكثر ممّا طلبت من الأجر» «5».

______________________________

(1) كما في الإيضاح 3: 6، المسالك 1: 436، كشف اللثام 2: 8.

(2) في ص: 37.

(3) في ص: 54.

(4) راجع ص: 53.

(5) الكافي 5: 535- 3، الفقيه 3: 300- 1436، الوسائل 20: 234 أبواب مقدمات النكاح ب 131

ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 62

دلّت على أنّ الإعجاب يوجب الإثم.

إلّا أنّ هذه الوجوه لا تثبت المطلوب بالكلّية.

أمّا الإجماع، فلأنّ المنقول منه غير حجّة، و المحقّق لم يثبت إلّا في الجملة، فإنّ تحقّقه في المراد تزوّجها و شراؤها، و الذمّيات و الصور الانعكاسيّة و المنقوشة و غير الإنسان من البهائم حين السفاد و الأجزاء المفصولة و نحو ذلك غير معلوم، و غاية ما ادّعينا تحقّق الإجماع فيه:

الإنسان المسلم غير المراد تزوّجه و شراؤها.

و لا يثبت من المفهوم المذكور أيضا الزائد عليه، بل الثابت منه أقلّ من ذلك، إذ مفاده البأس في النظر إلى مجموع شعر من يراد تزوّجها و محاسنها لا غير، و إنّما يتعدّى إلى غير ذلك بالأولويّة و عدم الفصل، و جريانهما في جميع المواضع ممنوع، بل لا يثبت منه- في غير الشعر و المحاسن و العورة من غير المراد تزوّجها من الأجنبيّات و المحارم- شي ء.

مع أنّه يعارض أدلّة جواز النظر فيما له دليل سوى الأصل بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل، فلا يثبت منه في مثل ذلك شي ء أصلا، و فيما كان الجواز فيه بالأصل لا أولويّة و لا إجماع مركّب.

و من ذلك يظهر ما في العلّة المنصوصة في رواية العلل أيضا، لأنّ دلالتها بالعموم أيضا، مضافا إلى أنّ العلّة فيه هو مجموع التهيّج و ما يدعو إليه من الفساد، و تحقق ذلك- في كلّ نظر بتلذّذ، أو النظر إلى كلّ شي ء، أو بالنسبة إلى كلّ شخص- غير معلوم.

و أمّا قوله: «غير متعمّد لذلك»، فدلالة مفهومه على المنع في التعمّد تابعة لجواز النظر إلى شعرها غير متعمّد، و قد عرفت انتفاءه، فينفي التابع

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص:

63

أيضا، مع أنّ في إرادة التلذّذ من التعمّد نظرا.

و منه يظهر ضعف دلالة مفهوم قوله: «إذا كان مأمونا».

و أمّا حسنة ربعي، فلو دلّت فإنّما هي باعتبار قوله: «من الإثم» و أكثر النسخ خال عنه، فلا دلالة فيها معتبرة.

و من ذلك ظهر أنّ تحريم النظر بتلذّذ مطلقا لا مستند له، بل اللازم الحكم به في موضع ثبت فيه الإجماع، و هو غير الزوجة و من يراد تزوّجها من النساء المسلمات مطلقا، سواء كان النظر إلى الوجه أو الكفّ أو غيرهما، و سواء كان إلى المحارم أو غيرهنّ، أو كان سببا للتهيّج و داعيا إلى الفساد و كذا الريبة.

ه: لا ريب في جواز النظر إلى ثياب النساء الأجنبيّات و جلابيبهنّ

و إن كانت عليهنّ بدون تلذّذ و ريبة، و أمّا معها فمحلّ إشكال، و الظاهر الحرمة إن كان مهيّجا للشهوة داعيا إلى الفساد و الفتنة، لما مرّ.

و كذا النظر خلف النساء، و لكنّه مكروه، لبعض الروايات «1».

و: كلّما ذكر فيه جواز نظر الرجل إلى المرأة يجوز فيه العكس.

بالإجماع المركّب في غير الزوجة التي يراد تزويجها أو الأمة التي يراد شراؤها.

و بالأصل فيهما و في البواقي أيضا، لفقد الصارف عنه، سوى الإجماع المركّب المنتفي في المقام، و الخبر الضعيف الغير المنجبر فيه «2».

ز: يجوز للرجل أن ينظر إلى مثله ما عدا العورة

، شيخا كان أو شابّا،

______________________________

(1) الوسائل 20: 199 أبواب مقدمات النكاح ب 108.

(2) الكافي 5: 534- 2، الوسائل 20: 232 أبواب مقدمات النكاح ب 129 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 64

قبيحا أو حسنا، بلا فرق بين الأمرد و غيره عندنا.

إلّا إذا كان بتلذّذ مهيّج للشهوة داع إلى الفتنة بل بتلذّذ مطلقا.

لظاهر الإجماع.

نعم، يستحبّ ترك النظر إلى الأمرد الحسن الوجه، للتأسّي بالنبيّ، كما ورد أنّه صلّى اللّه عليه و آله أجلسه من ورائه «1».

و كذا يجوز للمرأة نظرها إلى مثلها ما خلا العورة، من غير فرق بين المسلمة و الكافرة.

خلافا للمحكيّ عن الشيخين الطوسي و الطبرسي في تفسيريهما «2»، و الراوندي في فقه القرآن «3»، فمنعوا عن نظر الكافرة إلى المسلمة، قيل:

حتى الوجه و الكفّين «4»، و قوّاه بعض الأجلّة «5».

لقوله تعالى أَوْ نِسائِهِنَ «6» أي المؤمنات.

و لرواية البختري «7».

و الأول: تخصيص بلا دليل.

و الثاني: غير دالّ على الحرمة، لتضمّنه لفظة: «لا ينبغي». فبهما

______________________________

(1) رواه ابن قدامة في المغني 7: 463 عن أبي حفص.

(2) تفسير التبيان 7: 430، تفسير مجمع البيان 4: 138.

(3) فقه القرآن 2: 128.

(4) نقله في المسالك 1: 436 عن الشيخ في أحد قوليه.

(5) كما في كشف اللثام 2: 9.

(6) النور: 31.

(7) الكافي 5: 519- 5، الفقيه 3: 366- 1742، الوسائل 20: 184 أبواب مقدمات النكاح ب 98 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 65

لا يترك الأصل.

ح: يجوز نظر كلّ من المرء و المرأة إلى الآخر و مسّه له

حتى العورة في موضع الضرورة، أي موضع اضطرّ إليه أو أوجب تركه العسر و المشقّة، لانتفاء الضرر و الحرج في الشريعة.

و أمّا بدون الاضطرار أو العسر فلا يجوز و إن كان يدعو إليه نوع حاجة، كتحمّل الشهادة فيما لا اضطرار إليه،

أو علاج يمكن بغيره أيضا، و إن كان ذلك أفضل من الغير.

ط: الأجزاء المنفصلة- كالشعور

- حكمها حكم الأجزاء المتّصلة، فيحرم النظر إليها فيما يحرم متّصلا.

لا للاستصحاب، لمعارضته هنا مع استصحاب عدم الحرمة في المنفصل المعلوم قبل شرع الحرمة.

بل لإطلاق مثل قوله: «حرّم النظر إلى شعورهنّ» «1».

و القول بعدم ظهور النظر إلى المنفصل من الإطلاقات.

غير جيّد في الشعر، لعدم تبادر المتّصل من الشعر، و لا من شعر المرأة، و لا من النظر إلى الشعر، و لا من النظر إلى شعر المرأة، كما لا يتبادر ذلك من النهي عن النظر إلى شعر المعز.

نعم، لا ينصرف الإطلاق في غير الشعر من الأجزاء المنفصلة، لندرة وجودها منفصلة بحيث يتبادر منها المتّصل، فيحرم في الشعر دون غيره، و عدم الفصل غير ثابت.

______________________________

(1) راجع ص: 30.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 66

و لا بأس بالنظر إلى شعر المحارم و غير البالغة و الذمّية منفصلة و لو بالتلذّذ.

لعدم دليل على المنع، مع أنّ التلذّذ منه غالبا ليس لأجل الشعر خاصّة.

و يجوز النظر إلى شعر غير البالغة المنفصل قبل البلوغ بعده.

للاستصحاب.

و عدم صدق شعر المرأة.

و كذا إلى شعر الزوجة المنفصل قبل الطلاق بعده، و إلى شعر الزوجة المنفصل قبل التزويج بعده.

لصدق كونه شعر زوجته.

و لا يحرم المسّ في المنفصل.

للأصل.

المسألة الثالثة: ذهب جماعة إلى تحريم سماع صوت الأجنبيّات

من غير ضرورة مطلقا.

و هو ظاهر إطلاق القواعد و الشرائع و الإرشاد و التحرير «1» و التلخيص، و نسب إلى المشهور «2».

و الظاهر أنّ مرادهم: استماعه، و إلّا فالسماع بدونه لا يحرم قطعا.

______________________________

(1) القواعد 2: 3، الشرائع 2: 269، الإرشاد 2: 5، التحرير 2: 3.

(2) كما في الحدائق 23: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 67

ثمَّ حكمهم بالحرمة لأنّه عورة.

و لرواية الصدوق: «و نهى أن تتكلّم المرأة عند غير زوجها و غير ذي محرم منها أكثر

من خمس كلمات ممّا لا بدّ منه» «1».

و صحيحة هشام: «النساء عيّ و عورة، و استروا العورات بالبيوت، و استروا العيّ بالسكوت» «2».

و رواية غياث: «لا تسلّم على المرأة» «3».

و ما في بعض الأخبار من النهي عن الابتداء بالتسليم عليهنّ «4».

و يضعّف الأول بالمنع.

و البواقي بعدم الدلالة، لأنّ النهي عن تكلّمها و الأمر بسكوتها لعيّها و النهي عن التسليم عليها لو سلّم لم يدلّ على تحريم استماع الصوت بوجه.

مضافا إلى ما في الأخير من عدم الدلالة على الحرمة.

و في رواية الصدوق إلى ما قيل «5» من مخالفتها للإجماع من جواز سماع [1] صوتهنّ زائدا على خمس كلمات مع الضرورة، فمنعها عمّا زاد منها معها مخالف للبديهة، إلّا أنّه مبنيّ على جعل لفظة: «من» في قوله:

______________________________

[1] في «ق»: استماع.

______________________________

(1) الفقيه 4: 3- 1، الوسائل 20: 197 أبواب مقدمات النكاح ب 106 ح 2.

(2) الكافي 5: 535- 4، الفقيه 3: 247- 1172، الوسائل 20: 66 أبواب مقدمات النكاح ب 24 ح 4.

(3) الكافي 5: 535- 2، الوسائل 20: 234 أبواب مقدمات النكاح ب 131 ح 2.

(4) الوسائل 20: 234 أبواب مقدمات النكاح ب 131.

(5) الرياض 2: 75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 68

«ممّا لا بدّ منه» تبعيضيّة، و لو أخذت بيانيّة [لا يلزم ] [1] ذلك المحذور.

و إلى ما في الجميع من المعارضة بحسنة ربعي المتقدّمة «2».

و رواية أبي بصير: كنت جالسا عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ دخلت عليه أمّ خالد، فقال: «أ يسرّك أن تسمع كلامها؟» فقلت: نعم، قال: «فأذن لها» فأجلسني معه على الطّنفسة، قال: ثمَّ دخلت فتكلّمت فإذا هي امرأة بليغة [2].

و بما ثبت قطعا من تكلّم النساء مع النبيّ صلّى اللّه

عليه و آله و الأئمّة في محضر من الأصحاب، و سؤالهنّ عنهم، و تقريرهم إيّاهنّ عليه.

و ما تواتر من تكلّم سيدة النساء مع سلمان «4»، و إتيانها بالخطبة الطويلة المرويّة في الاحتجاج بمحضر من الخلق الكثير «5».

و تكلّم أخوات الحسين عليه السلام مع الأعادي في مواضع عديدة «6».

و لو كان السماع حراما لحرم تكلّمهنّ، لأنّ سبب الحرام حرام و معاونة على الإثم.

بل يعارضه الإجماع القطعي، حيث جرت على ذلك طريقة العلماء من الصدر الأول إلى زماننا هذا، بل أدلّة نفي العسر و الحرج.

______________________________

[1] بدل ما بين المعقوفين في النسخ: لا يدفع، و الظاهر ما أثبتناه.

[2] الكافي 8: 101- 71، الوسائل 20: 197 أبواب مقدمات النكاح ب 106 ح 1.

و الطّنفسة: البساط الذي له خمل رقيق، و هي ما تجعل تحت الرحل على كتفي البعير- مجمع البحرين 4: 82.

______________________________

(2) في ص: 61.

(4) البحار 28: 175 ب 4 و أيضا 43: 19 ب 3.

(5) الاحتجاج: 97.

(6) الاحتجاج: 307، البحار 45: 108 و 117 و 127 و 133.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 69

و لذا خالف فيه جماعة، فقيّدوا التحريم بالتلذّذ و الريبة، و به قطع في التذكرة «1»، و استجوده الشهيد الثاني و صاحب الكفاية و المفاتيح «2».

استنادا في الجواز بدون التلذّذ إلى الأصل و سائر ما مرّ.

و في المنع معه إلى الإجماع المنقول في كلام بعض المتأخّرين «3».

و الحسنة المتقدّمة.

و العلّة المنصوصة في رواية العلل.

و يردّ الإجماع المنقول بعدم الحجّية.

و الحسنة بعدم الدلالة على الحرمة. إلّا على النسخة المتضمنة للفظ «الإثم»، و ثبوتها غير معلوم.

و العلّة لا تفيد الكلّية، بل إذا كان مهيّجا للشهوة داعيا إلى الفساد فكلّما كان كذلك يحرم و إلّا فلا، نعم

يكره قطعا.

و أمّا استماع الأجنبيّة صوت الأجنبي فلا حرمة فيه أصلا.

و من الغرائب: فتوى اللمعة بحرمته «4»، مع أنّها تقرب ممّا يخالف الضرورة.

فإنّ تكلّم النبيّ و الأئمّة و أصحابهم مع النساء ممّا بلغ حدّا لا يكاد يشكّك فيه.

و من الضروريّات: استحباب صلاة الجماعة للنساء و صلاتهنّ مع

______________________________

(1) التذكرة 2: 573.

(2) الشهيد الثاني في المسالك 1: 438، الكفاية: 154، المفاتيح 2: 347.

(3) انظر الرياض 2: 75.

(4) اللمعة (الروضة البهيّة) 5: 99.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 70

النبيّ و الولي.

و قضيّة أمّ فروة- حيث دعاها الإمام لاستماع المراثي- مشهورة «1».

و سؤال السائلين في أبواب الدور و صياح الرجال في الأزقّة و نحوها متكثّرة.

المسألة الرابعة: يجوز الوطء في دبر الزوجة و الأمة

على الأظهر الأشهر بين من تقدّم و تأخّر، بل بالإجماع كما في الخلاف و التذكرة و عن الانتصار و السرائر و الغنية «2».

للأصل.

و المستفيضة المصرّحة بأنّ «ذلك له» كما في بعضها «3».

أو بأنّه «لا بأس به» كما في أخرى «4».

أو بأنّه «أحلّتها آية من كتاب اللّه، قول لوط هؤُلاءِ بَناتِي 11: 78 «5»» كما في ثالثة «6».

______________________________

(1) انظر كامل الزيارات: 104.

(2) الخلاف 4: 336- 338، التذكرة 2: 576، الانتصار: 125، السرائر 2:

606، الغنية (الجوامع الفقهية): 612.

(3) الكافي 5: 540- 2، التهذيب 7: 415- 1663، الوسائل 20: 145 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 1.

(4) التهذيب 7: 415- 1662، الاستبصار 3: 243- 871، الوسائل 20: 147 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 5.

(5) هود: 78.

(6) التهذيب 7: 414- 1659، الاستبصار 2: 243- 869، الوسائل 20: 146 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 71

أو بأنّه «لا بأس إذا رضيت» كما في رابعة «1».

أو بأنّه «ليس عليك شي ء ذلك

لك» كما في خامسة «2».

أو بأنّه «ليس به بأس و ما أحبّ أن يفعل» كما في سادسة «3».

أو بأنّه أصغى إليّ ثمَّ قال: «لا بأس به» كما في سابعة «4».

بل يدلّ عليه قوله سبحانه فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ «5» فإنّ كلمة أَنَّى إنّما وضعت للتعميم في المكان، و استعمالها في قوله سبحانه أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ «6» بمعنى: كيف، لا يضرّ، لأنّه أعمّ من الحقيقة.

مع أنّه استشهد به للحلّية أيضا في الرواية الرابعة، حيث إنّ السائل سأل- بعد قول الإمام: «إذا رضيت»-: فأين قول اللّه عزّ و جلّ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ «7» قال: «هذا في طلب الولد، فاطلبوا الولد من حيث أمركم اللّه، إنّ اللّه تعالى يقول نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ».

______________________________

(1) التهذيب 7: 414- 1657، الاستبصار 3: 242- 867، الوسائل 20: 146 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 2.

(2) التهذيب 7: 460- 1842، الاستبصار 3: 244- 873، الوسائل 20: 147 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 8.

(3) التهذيب 7: 416- 1666، الاستبصار 3: 244- 876، الوسائل 20: 147 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 6.

(4) التهذيب 7: 415- 1661، الاستبصار 3: 243- 870، الوسائل 20: 146 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 4.

(5) البقرة: 223.

(6) آل عمران: 47.

(7) البقرة: 222.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 72

و جعل الآية الأخيرة استشهادا على أنّ المراد بالآية الأولى: طلب الولد- كما في الوافي «1»- خلاف الظاهر.

و مع أنّ في تفسير العيّاشي عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

عن إتيان النساء في أعجازهنّ، قال: «لا بأس» ثمَّ تلا هذه الآية «2».

و فيه عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام في

قوله تعالى نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ قال: «حيث شاء» «3».

و لا ينافيه تعليل الحكم في الآية بأنّهنّ حرث، حيث إنّ مقتضى الحرث الإتيان من موضع ينبت فيه الزرع، لمنع اقتضاء الحرثيّة ذلك، إذ لا يتعيّن كون دخول الحرث دائما للحرث.

نعم، ظاهر صحيحة معمّر ينافي ذلك، قال أبو الحسن عليه السلام: «أيّ شي ء يقولون في إتيان النساء في أعجازهنّ؟» قلت له: بلغني أنّ أهل المدينة لا يرون به بأسا، فقال: «إنّ اليهود كانت تقول: إذا أتى الرجل المرأة من خلفها خرج ولده أحول فأنزل اللّه عزّ و جلّ نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ من خلف أو قدّام، خلافا لقول اليهود، و لم يعن في أدبارهنّ» «4».

______________________________

(1) الوافي 22: 697.

(2) تفسير العياشي 1: 110- 330، الوسائل 20: 147 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 10.

(3) تفسير العياشي 1: 111- 331، الوسائل 20: 148 أبواب مقدمات النكاح ب 73 ح 11.

(4) التهذيب 7: 460- 1841، الاستبصار 3: 244- 877، الوسائل 20: 141 أبواب مقدمات النكاح ب 72 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 73

و لكنّها مرجوحة بالنسبة إلى ما مرّ، لموافقتها العامّة «1».

و أمّا ما قيل من أنّها لا تنافي ثبوت الحكم من الآية بالعموم «2».

فإنّما يتمّ لو لا قوله: «و لم يعن في أدبارهنّ» ردّا على أهل المدينة.

خلافا للمحكيّ عن القمّيين «3» و ابن حمزة «4»، فحرّموه.

للاستصحاب.

و لقوله سبحانه فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ .

و صحيحة معمّر المتقدّمة.

و رواية هاشم و ابن بكير: قال هاشم: «لا تعرى و لا تفرث»، و ابن بكير قال: «لا تفرث» أي لا تؤتى من غير هذا الموضع «5».

و رواية سدير: «محاشّ النساء على أمّتي حرام»

«6».

و مرسلة الفقيه: «محاشّ نساء أمّتي على رجال أمّتي حرام» «7».

و مرسلة أبان: عن إتيان النساء في أعجازهنّ، قال: «هي لعبتك لا تؤذها» «8».

______________________________

(1) انظر المغني و الشرح الكبير على متن المقنع 8: 132.

(2) الرياض 2: 75.

(3) حكاه عنهم في المسالك 1: 438.

(4) الوسيلة: 313.

(5) التهذيب 7: 416- 1665 بتفاوت يسير، الاستبصار 3: 244- 875، الوسائل 20: 142 أبواب مقدمات النكاح ب 72 ح 3.

(6) التهذيب 7: 416- 1664، الاستبصار 3: 244- 874، الوسائل 20: 142 أبواب مقدمات النكاح ب 72 ح 2.

(7) الفقيه 3: 299- 1430، الوسائل 20: 143 أبواب مقدمات النكاح ب 72 ح 5.

(8) الكافي 5: 540- 1، الوسائل 20: 143 أبواب مقدمات النكاح ب 72 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 74

و يردّ الأول بما مرّ.

و الثاني بعدم تعيّن ما أمر اللّه به، فإنّه بمعنى: أباح، فيمكن شموله للدبر أيضا، مع أنّه لو كان المراد به القبل لا تثبت منه حرمة الغير، لأنّ صيغة الأمر للإباحة، و المطلوب رفع الحظر الحاصل بسبب الحيض، مضافا إلى تصريح الرواية الرابعة بعدم دلالته على التحريم كما مرّ.

و الثالث- مضافا إلى ما سبق- بأنّ عدم دلالته على الحلّية لا يثبت دلالته على الحرمة.

و الرابع بعدم الدلالة.

و البواقي بمرجوحيتها عمّا مرّ [1] بموافقته للأصل و الآية و الشهرة العظيمة و الإجماعات المنقولة، و مخالفته لأكثر العامّة.

نعم، تثبت منها الكراهة، بل الشديدة منها، كما صرّح به جماعة [2]، و يدلّ عليه قوله: «ما أحبّ أن يفعله» أيضا.

المسألة الخامسة: الظاهر عدم الخلاف في جواز العزل عن الأمة و الدائمة مع إذنها

، أو شرطه حين العقد و في صورة الاضطرار، أو الضرورة بلا كراهة، و كذا المتمتّع بها، و إن كان مقتضى إطلاق كلام بعضهم- كاللمعة «3» و غيره

[3]- وقوع الخلاف فيها أيضا.

______________________________

[1] في «ح» زيادة: لأكثريته و ..

[2] كالمحقق في الشرائع 2: 270، الشهيد الأول في اللمعة (الروضة البهية 5):

101، الشهيد الثاني في الروضة 5: 101، السبزواري في الكفاية: 154.

[3] كالشرائع 2: 270.

______________________________

(3) اللمعة (الروضة البهية 5): 102.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 75

و اختلفوا في العزل عن الحرّة الدائمة:

فالحقّ المشهور: الجواز.

للأصل.

و المستفيضة من الصحاح و الموثّقات و غيرها «1»، و في بعضها صرّح بالحرّة، و في آخر بما إذا أحبّت أو كرهت.

نعم، يكره ذلك.

لفتوى الجماعة [1].

و لصحيحة محمّد: عن العزل فقال: «أمّا الأمة فلا بأس، و أمّا الحرّة فإنّي أكره ذلك، إلّا أن يشترط عليها حين تزوّجها» «3».

و ظاهر الإطلاق شموله للمتمتّع بها أيضا، و لا بأس به.

و ذهب جماعة إلى التحريم، حكي عن ظاهر القواعد و عن المبسوط و الخلاف «4» مدّعيا فيه الإجماع، و به أفتى في اللمعة «5».

للإجماع المنقول.

و الصحيحة المتقدّمة.

و النبويّين العامّيين «6».

و مفهوم رواية الجعفي: «لا بأس بالعزل في ستة وجوه: المرأة التي

______________________________

[1] كما في السرائر 2: 607، الروضة 5: 102، المفاتيح 2: 288.

______________________________

(1) الوسائل 20: 149 أبواب مقدمات النكاح ب 75.

(3) التهذيب 7: 417- 1671، الوسائل 20: 151 أبواب مقدمات النكاح ب 76 ح 1.

(4) القواعد 2: 25، المبسوط 4: 267، الخلاف 4: 359.

(5) اللمعة (الروضة البهيّة) 5: 102.

(6) سنن ابن ماجه 1: 620- 1928، سنن البيهقي 7: 231.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 76

أيقنت أنّها لا تلد، و المسنّة، و المرأة السليطة، و البذية، و المرأة التي لا ترضع ولدها، و الأمة» «1».

و منافاته حكمة النكاح، و هي الاستيلاد.

و يردّ الأول بعدم الحجّية، سيّما مع مخالفته الشهرة، مضافا إلى أنّ ظاهر بعض

عباراته- كما قيل «2»- أنّ الإجماع إنّما هو على استحباب الترك دون التحريم.

و الثاني بأعميّة الكراهة عن الحرمة.

و الثالث بعدم الحجّية.

و الرابع بأنّ المفهوم إمّا عدديّ أو وصفيّ، و شي ء منهما ليس بحجّة.

و الخامس بمنع انحصار الحكمة، مع أنّه أخصّ من المدّعى، لعدم جريانه في الحامل و العقيم و اليائسة و نحوها، مع أنّه لو تمَّ لجرى مع الإذن و الشرط أيضا، إذ ليس للمرأة تفويت غرض الشارع، بل لا يكون الشرط صحيحا.

هذا، مع أنّ مقتضى الدليل اقتضاء النكاح لترك عزل في الجملة، و أمّا الجماع فليس الحكمة فيه مطلقا الاستيلاد.

و الجميع بالمعارضة مع ما مرّ من الأدلّة الراجحة بالصراحة، و موافقة الأصل و العمل.

ثمَّ على المنع تحريما أو كراهة، فهل تجب فيه دية، أم لا؟

______________________________

(1) الفقيه 3: 281- 1340، التهذيب 7: 491- 1972، الوسائل 20: 152 أبواب مقدمات النكاح ب 76 ح 4.

(2) انظر الرياض 2: 75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 77

الحقّ: الثاني، للأصل الخالي عن المعارض.

و قيل: نعم، فيه عشرة دنانير للمرأة «1»، بل عن الخلاف الإجماع عليه «2»، له، و لما في كتاب عليّ- كما في الصحيح- أنّه أفتى في منيّ الرجل يفرغ عن عرسه فيعزل عنها الماء و لم يرد ذلك: نصف خمس المائة دية الجنين عشرة دنانير «3».

و فيه: أنّه غير المتنازع فيه.

و دعوى ظهور أنّ العلّة هي التفويت المشترك.

مردودة بمنع الظهور أولا.

و منع اعتبار هذا الظهور ثانيا.

و ثبوت الفارق بين جناية الوالد و غيره ثالثا.

المسألة السادسة: لا يجوز ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر

على الحقّ المشهور.

بل على المعروف من مذهب الأصحاب، كما في الكفاية «4» و غيره «5».

______________________________

(1) اللمعة (الروضة البهيّة) 5: 103.

(2) الخلاف 4: 359.

(3) الكافي 7: 342- 1، الفقيه 4: 54- 194، التهذيب

10: 285- 1107، الوسائل 29: 312 أبواب ديات الأعضاء ب 19 ح 1.

(4) الكفاية: 154.

(5) كالرياض 2: 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 78

بل هو موضع وفاق، كما في المسالك «1».

بل إجماعيّ، كما في المفاتيح «2» و شرحه.

لصحيحة صفوان: عن الرجل يكون عنده المرأة الشابّة فيمسك عنها الأشهر و السنة لا يقربها ليس يريد الإضرار بها يكون لهمّ مصيبة، أ يكون في ذلك آثما؟ قال: «إذا تركها أربعة أشهر كان آثما بعد ذلك» «3».

و نحوها روايته الأخرى، و زاد في آخرها: «إلّا أن يكون بإذنها» «4».

و في صحيحة البختري: «إذا غاضب الرجل امرأته فلم يقربها من غير يمين أربعة أشهر استعدت عليه، فإمّا أن يفي ء أو يطلّق» «5».

و يؤيّده: كون هذه المدّة تربّص الزوجة في الإيلاء.

و الروايتان عامّتان للمتمتّعة و الدائمة، و المشهور اختصاصها بالأخيرة.

و ظاهر الكفاية التردّد «6»، و هو في موقعه، و التعميم أظهر، لما مرّ.

و يختصّ عدم الجواز بصورة عدم العذر، و أمّا معه فيجوز الترك مطلقا إجماعا.

لأنّ الضرورات تبيح المحظورات.

______________________________

(1) المسالك 1: 439.

(2) المفاتيح 2: 290.

(3) الفقيه 3: 256- 1215، التهذيب 7: 412- 1647، الوسائل 20: 140 أبواب مقدمات النكاح ب 71 ح 1.

(4) التهذيب 7: 419- 1678، الوسائل 20: 140 أبواب مقدمات النكاح ب 71 ح 1.

(5) الكافي 6: 133- 12، الوسائل 22: 343 أبواب الإيلاء ب 1 ح 2.

(6) الكفاية: 154.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 79

و من العذر: خوف الضرر، و عدم الميل المانع عن انتشار العضو، إذ مع عدمه لا يمكن الوطء، و أمّا ما دون الوطء ممّا يتمكّن منه فلم يثبت وجوبه.

و كذا يختصّ بصورة عدم إذنها، و أمّا معه فيجوز.

للرواية المذكورة.

و لا فرق

في أذنها بين أن يكون لعدم ميلها، أو لأخذ عوض له، أو لتخييرها بين التطليق و العفو.

و كذا يختصّ بالحاضر عند الزوجة.

لظاهر الإجماع.

و لأنّه من العذر.

بل هو مقتضى قوله في الصحيحة: «يكون عنده المرأة»، و المسافر ليست المرأة عنده.

و هل يشترط في الوجوب حضور الزوج في تمام الأربعة أشهر؟

أو تحسب أيّام السفر فيها أيضا، حتّى لو سافر شهرين و حضر شهرين وجب عليه؟

الظاهر: الأول.

لما مرّ من عدم ثبوت الوجوب من الصحيحة إلّا في حقّ المرأة التي كانت عنده في تمام المدّة.

و ظاهر الصحيحة اختصاص الحكم بالشابّة، كما مال إليه في المفاتيح

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 80

و شرحه و الكفاية «1»، فالتعدّي إلى مطلقهنّ لا دليل عليه.

و ورود الشابّة في السؤال غير ضائر، لنفي الحكم عن غيرها بالأصل.

و الإجماع على التعميم غير معلوم.

و الرواية الأخيرة و إن كانت مطلقة إلّا أنّها عن إفادة الحرمة قاصرة جدّا.

و الواجب هو الوطء دون الإنزال.

للأصل.

و عدم ثبوت الزائد من قوله: «لا يقربها».

بل لو لا الإجماع لجرى الكلام في الوطء أيضا.

المسألة السابعة: لا يجوز الدخول بالمرأة قبل إكمالها تسع سنين.

بالإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضا [1].

و المستفيضة من الأخبار «3»، و هي بكثرتها و إن كانت قاصرة عن إفادة الحرمة- لورود الجميع بالجملة المنفيّة أو المحتملة لها، فليست بأنفسها صريحة في الحرمة- إلّا أنّها تحمل عليها بقرينة الإجماع.

ثمَّ إنّها هل تحرم عليه مؤيّدا و لو بدون الإفضاء؟ كما عن النهاية

______________________________

[1] كما في التنقيح 3: 25، الكفاية: 154، الرياض 2: 76.

______________________________

(1) المفاتيح 2: 290، الكفاية: 154.

(3) الوسائل 20: 101 أبواب مقدمات النكاح ب 45.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 81

و التهذيب و السرائر مدّعيا فيه نفي الخلاف «1»، بل نقله بعضهم عن المفيد أيضا [1]، و نسبه في

الكفاية إلى جماعة «3»، و ظاهر المفاتيح «4» و شرحه نوع ميل إليه.

و يدلّ عليه إطلاق مرسلة يعقوب: «إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرّق بينهما و لم تحلّ له أبدا» [2].

و المشهور بين الأصحاب: عدم التحريم بدون الإفضاء.

للأصل.

و ضعف الخبر مع خلوّه عن الجابر في المورد.

و الأصل يدفع بالخبر.

و الضعف بدعوى نفي الخلاف يجبر، مع أنّه غير ضائر مع وجوده في الأصل المعتبر.

و لا تضرّ- للجبر بالدعوى المذكورة- مخالفة الأكثر ممّن تأخّر [3]، كما لا تضرّ نسبة بعضهم المشهور إلى الحلّي في النسبة الأولى أيضا «7»، و لا

______________________________

[1] و هو الفاضل المقداد في التنقيح 3: 26.

[2] الكافي 5: 429- 12، التهذيب 7: 311- 1292، الاستبصار 4: 295- 111، الوسائل 20: 494 أبواب ما يحرم بالمصاهرة و نحوها ب 34 ح 2.

[3] كالمحقق في الشرائع 2: 270، العلّامة في القواعد 2: 16، فخر المحققين في الإيضاح 3: 76، المحقق الثاني في جامع المقاصد 12: 330.

______________________________

(1) النهاية: 481، التهذيب 7: 311، السرائر 2: 530.

(3) الكفاية: 154.

(4) المفاتيح 2: 290.

(7) انظر التنقيح 3: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 82

فتوى الشيخ بخلاف ما في الكتابين في كتاب آخر «1».

المسألة الثامنة: يكره للمسافر أن يدخل إلى أهله من سفره ليلا.

لرواية ابن سنان: «يكره للرجل إذا قدم من سفره أن يطرق أهله ليلا حتى يصبح» «2».

و مقتضى إطلاقها: ثبوت الحكم مطلقا، سواء أعلمهم بالحال أم لا، و في تمام الليل.

و احتمل بعضهم تعلّقه بما بعد المبيت و غلق الأبواب [1]، لأنّ الطرق في كلام أهل اللغة يطلق على الأمرين.

و لا يخفى أنّه لو ثبت ذلك للزم الاقتصار على المتيقّن، و هو ما بعد المبيت.

للأصل.

و أمّا المسامحة في المكروهات فلا تصير مجوّز الحكم

بكراهة المحتمل.

إلّا أنّ في إطلاقه على الأمرين نظرا، إذ ظاهر كلام الصحاح و القاموس التعميم «4».

و ما يوهم إشعاره بالاختصاص من كلام ابن الأثير، حيث قال: قيل:

______________________________

[1] كالشهيد الثاني في الروضة 5: 106.

______________________________

(1) انظر الاستبصار 4: 294- 295.

(2) الكافي 5: 499- 4، التهذيب 7: 412- 1645، الوسائل 20: 131 أبواب مقدمات النكاح ب 65 ح 1.

(4) الصحاح 4: 1515، القاموس 3: 265.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 83

أصل الطروق من الطرق، و هو: الدقّ، سمّي الآتي بالليل طارقا لاحتياجه إلى دقّ الباب «1».

فلا إشعار فيه، لأنّ غلق الباب لا ينحصر بوقت المبيت، مع أنّه لا يلزم الاطّراد في علّة التسمية.

______________________________

(1) النهاية 3: 121.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 84

الفصل الثالث في النكاح الدائم

اشاره

و فيه فصول:

الفصل الأول في العقد
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: تجب في النكاح الصيغة
اشاره

، باتّفاق علماء الإسلام، بل الضرورة من دين خير الأنام، له، و لأصالة عدم ترتّب آثار الزوجيّة بدونها.

و لا بدّ فيها من إيجاب و قبول لفظيّين، بالإجماع، و أصالة الفساد في المعاملات، فلا يحكم بترتّب الأثر ما لم يعلم تحقّق التزويج و النكاح، و لا يعلم تحقّقهما بدون اللفظ.

و تؤيّده رواية العجلي: عن قول اللّه سبحانه وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً «1» قال: «الميثاق هو الكلمة التي عقد بها النكاح» «2».

ثمَّ إنّهم بعد الاتّفاق على ذلك اختلفوا في اللفظ المنعقد به النكاح من وجوه كثيرة،

لا بدّ في تحقيق المقام فيه من تقديم مقدّمات:
اشاره

______________________________

(1) النساء: 19.

(2) الكافي 5: 560- 19، الوسائل 20: 262 أبواب عقد النكاح ب 1 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 85

إحداها [ما دل دليل على التحقق النكاح به ]

ما مرّ في صدر كتاب البيع مفصّلا، و نقول هنا إجمالا: إنّ الشارع رتّب أحكاما على التزويج و النكاح، و أثبت أمورا لكلّ من الزوج و الزوجة و الناكح و المنكوحة، فلو كنّا نعلم لهذه الألفاظ معاني لغويّة أو عرفيّة للشارع يصحّ إرادتها لكان اللازم الحكم بثبوت هذه الأحكام لكلّ من صدق عليه تلك الألفاظ، كما في البيع.

و لكن معنى التزويج في اللغة أمر غير مراد هنا، و لا نعلم في عرف الشارع أو العامّ له معنى مضبوطا معيّنا بخصوصه و إن علمنا القدر المجمع عليه منه.

و أمّا النكاح، فقد عرفت أنّه العقد، و لكن المراد من العقد هنا غير معلوم لنا.

و كذا قد تترتّب الآثار على مثل قوله: امرأته أو حليلته، و الإضافة و إن أفادت الاختصاص لكن جهة الخصوصيّة لنا غير معلومة.

و على هذا، فيجب في الحكم بتحقّق الزوجيّة و النكاح الاقتصار على ما دلّ دليل على تحقّق النكاح به.

الثانية: اعلم أنّ ها هنا أخبارا يمكن أن يستفاد منها اللفظ المتحقّق به النكاح، و هي كثيرة:

الأولى: صحيحة زرارة الواردة في تزويج آدم و حوّاء، و فيها بعد أمر اللّه سبحانه آدم أن يخطب إليه جلّ شأنه حوّاء و قول آدم: «إنّي أخطبها إليك، فقال عزّ و جلّ: و قد شئت ذلك و قد زوّجتكها فضمّها إليك، فقال لها آدم: إليّ فأقبلي» الحديث «1».

______________________________

(1) الفقيه 3: 239- 1133، الوسائل 20: 261 أبواب عقد النكاح ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 86

الثانية:
اشاره

رواية الهاشمي في تزويج خديجة، و فيها- بعد أن خطب أبو طالب إلى عمّها و تلجلج العمّ-: قالت خديجة لعمّها: «فلست أولى بي من نفسي، قد زوّجتك يا محمّد

نفسي و المهر عليّ في مالي، فمر عمّك فلينحر ناقة فليولم بها، و ادخل على أهلك» «1».

الثالثة: مرفوعة البغدادي في جواب أبي عبد اللّه عليه السلام خطبة نكاح، قال عليه السلام بعد الخطبة: «أمّا بعد، فقد سمعنا مقالتكم و أنتم الأحبّة و الأقربون نرغب في مصاهرتكم و نسعفكم بحاجتكم و نضنّ بإخائكم، فقد شفّعنا شافعكم و أنكحنا خاطبكم، على أنّ لها من الصداق ما ذكرتم، فنسأل اللّه الذي أبرم الأمور بقدرته أن يجعل عاقبة مجلسنا إلى محابّة، إنّه وليّ ذلك و القادر عليه» [1].

الرابعة: مرسلة الفقيه الواردة في تزويج الجواد بنت المأمون، و فيها:

لمّا تزوّج أبو جعفر محمّد بن عليّ الرضا عليه السلام ابنة المأمون خطب لنفسه ثمَّ ذكر الخطبة إلى أن قال: «و هذا أمير المؤمنين زوّجني ابنته على ما فرض اللّه عزّ و جلّ للمسلمات» إلى أن قال: «و بذلت لها من الصداق ما بذله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» إلى أن قال بعد ذكر الصداق: «زوّجتني يا أمير المؤمنين؟» قال:

بلى، قال: «قبلت و رضيت» «3» الخامسة: رواية القدّاح: «إنّ عليّ بن الحسين عليه السلام كان يتزوّج و هو

______________________________

[1] الكافي 5: 372- 5.

و الضنّة: البخل و عدم الإعطاء، أي لا نعطي إخاءكم لغيرنا- انظر الوافي 3:

ج 12: 61.

______________________________

(1) الكافي 5: 374- 9، الوسائل 20: 263 أبواب عقد النكاح ب 1 ح 9.

(3) الفقيه 3: 252- 1199، الوسائل 20: 261 أبواب عقد النكاح ب 1 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 87

يتعرّق عرقا يأكل فما يزيد على أن يقول: الحمد للّه و صلّى اللّه على محمّد و آله و يستغفر اللّه و قد زوّجناك على شرط اللّه» «1».

السادسة: رواية عبيد

بن زرارة: عن التزويج بغير خطبة، فقال:

«أو ليس عامّة ما يتزوّج فتياننا، و نحن نتعرّق الطعام على الخوان نقول: يا فلان زوّج فلانا فلانة، يقول: نعم قد فعلت» «2».

السابعة: موثقة سماعة في عقد التمتّع: لا بدّ من أن يقول فيه هذه الشروط: أتزوّجك متعة كذا و كذا يوما بكذا و كذا درهما نكاحا غير سفاح على كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله الحديث «3».

الثامنة: رواية أبان بن تغلب: كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال:

تقول: أتزوّجك متعة على كتاب اللّه و سنّة نبيّه لا وارثة و لا مورثة كذا و كذا يوما» إلى أن قال: «فإذا قالت: نعم فقد رضيت، فهي امرأتك» و في بعض النسخ: فإذا قالت: نعم قد رضيت فهي امرأتك «و أنت أولى الناس بها» قلت: فإنّي أستحيي أن أذكر شرط الأيّام، قال: «هو أضرّ عليك» قلت:

و كيف؟ قال: «إنّك إن لم تشترط كان تزويج مقام، و لزمتك النفقة في العدّة، و كانت وارثة، و لم تقدر على أن تطلّقها إلّا طلاق السنّة» «4».

______________________________

(1) الكافي 5: 368- 2، التهذيب 7: 408- 1630، الوسائل 20: 263 أبواب عقد النكاح ب 1 ح 8.

(2) الكافي 5: 368- 1، التهذيب 7: 249- 1078، الوسائل 20: 96 أبواب مقدمات النكاح ب 41 ح 1.

(3) الكافي 5: 455- 2، التهذيب 7: 263- 1138، الوسائل 21: 44 أبواب المتعة ب 18 ح 4.

(4) الكافي 5: 455- 3، التهذيب 7: 265- 1145، الاستبصار 3: 150- 551، الوسائل 21: 43 أبواب المتعة ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 88

التاسعة: حسنة ثعلبة: تقول: أتزوّجك متعة على كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه

عليه و آله نكاحا غير سفاح، الحديث «1».

العاشرة: مرسلة الفقيه: عن مؤمن الطاق قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن أدنى ما يتزوّج به الرجل المتعة، قال: «كفّ من برّ، يقول لها:

زوّجيني نفسك متعة على كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله نكاحا غير سفاح» الحديث «2».

الحادية عشرة: صحيحة هشام: كيف يتزوّج المتعة؟ قال: «يقول: يا أمة اللّه أتزوّجك كذا و كذا يوما بكذا و كذا درهما» «3».

الثانية عشرة: روايته، و فيها: قلت: ما أقول لها؟ «تقول لها:

أتزوّجك على كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله، و اللّه وليّي و وليّك، كذا و كذا شهرا بكذا و كذا درهما». الحديث «4».

الثالثة عشرة: رواية أبي بصير: «لا بأس بأن تزيدك و تزيدها إذا انقطع الأجل فيما بينكما، تقول لها: استحللتك بأجل آخر، برضا منها» الحديث «5».

______________________________

(1) الكافي 5: 455- 4، التهذيب 7: 263- 1137، الوسائل 21: 43 أبواب المتعة ب 18 ح 2.

(2) الفقيه 3: 294- 1398، الوسائل 21: 44 أبواب المتعة ب 18 ح 5. و البرّ:

القمح الواحدة- المصباح المنير: 43.

(3) الكافي 5: 455- 5، الوسائل 21: 44 أبواب المتعة ب 18 ح 3.

(4) التهذيب 7: 267- 1151، الاستبصار 3: 152- 556، الوسائل 21: 45 أبواب المتعة ب 18 ح 6.

(5) الكافي 5: 458- 1، التهذيب 7: 268- 1152، الوسائل 21: 54 أبواب المتعة ب 23 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 89

الرابعة عشرة: رواية بكار: الرجل يلقى المرأة فيقول لها: زوّجيني نفسك شهرا، و لا يسمّي الشهر بعينه، ثمَّ يمضي فيلقاها بعد سنين، قال:

فقال: «له شهره إن كان سمّاه و إن لم يكن سمّاه فلا

سبيل له عليها» «1».

الخامسة عشرة: رواية الفتح بن يزيد: عن الشروط في المتعة، فقال:

«الشرط فيها بكذا و كذا إلى كذا و كذا، فإن قالت: نعم، فذاك له جائز» «2».

السادسة عشرة: موثّقة عبيد: «إذا قال الرجل لأمته: أعتقك و أتزوّجك و أجعل مهرك عتقك فهو جائز» «3».

السابعة عشرة: صحيحة علي: عن الرجل قال لأمته: أعتقتك و جعلت عتقك مهرك، قال: «أعتقت، و هي بالخيار إن شاءت تزوّجت و إن شاءت فلا، فإن تزوّجته فليعطها شيئا، فإن قال: قد تزوّجتك و جعلت مهرك عتقك، فإنّ النكاح واقع و لا يعطيها شيئا» [1].

و الثامنة عشرة: رواية السكوني: «جاءت امرأة إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقالت:

زوّجني فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من لهذه؟ فقام رجل» إلى أن قال: «قال: قد زوّجتكها على ما تحسن من القرآن، فعلّمها إيّاه» «5».

______________________________

[1] الفقيه 3: 261- 1244، التهذيب 8: 201- 710، الاستبصار 3: 210- 760، الوسائل 21: 98 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 12 ح 1، في النسخ تفاوت و اضطراب في الرواية، و الصحيح ما أثبتناه من المصادر.

______________________________

(1) الكافي 5: 466- 4، الفقيه 3: 297- 1410، التهذيب 7: 267- 1150، الوسائل 21: 72 أبواب المتعة ب 35 ح 1.

(2) الكافي 5: 464- 3، التهذيب 7: 269- 1156، الاستبصار 3: 153- 559، الوسائل 21: 70 أبواب المتعة ب 33 ح 6.

(3) الكافي 5: 476- 3، الوسائل 21: 96 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 11 ح 1.

(5) الكافي 5: 380- 5، التهذيب 7: 354- 1444، الوسائل 21: 242 أبواب المهور ب 2 ح 1، و في الجميع: عن محمد بن مسلم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص:

90

الثالثة: اعلم أنّهم قد يحكمون بكفاية بعض الألفاظ في النكاح الدائم

- مثلا- مستدلّين بأنّ اللفظ حقيقة فيه، و مستندين إلى دلالته على المقصود.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 16    90     الثالثة: اعلم أنهم قد يحكمون بكفاية بعض الألفاظ في النكاح الدائم ..... ص : 90

قد يحكمون بعدم كفاية بعض الألفاظ فيه، مستدلّين بكونه مجازا، أو بعدم دلالته على المقصود.

و يرد على الأول: أنّه إن أريد أنّ للحقيقيّة مدخليّة في الصحّة فهو ممّا لا دليل عليه، و يلزمه عدم صحّة الصيغ الإخباريّة، لمجازيّتها في الإنشاء.

و إن أريد [أنّ ] [1] الحقيقيّة توجب الدلالة على المقصود و المستفاد من الأخبار كفاية كلّما يدلّ على المقصود، فلا يحسن الاقتصار على لفظ خاصّ، بل تجب صحّة الإتيان بكلّ مجاز مع القرينة المقاليّة أو الحاليّة، نحو: استحللت فرجها دائما، أو: جعلتها حليلتي أو زوجتي، و نحو ذلك.

و الظاهر أنّهم لا يقولون به.

هذا كلّه، مضافا إلى ما يرد عليهم من مطالبة الدليل على كفاية كلّ لفظ حقيقي فيه، أو كلّ لفظ دالّ على المقصود.

و على الثاني: أنّه إن أريد أنّ للمجازيّة مدخليّة في عدم الصحّة فهو ممّا لا دليل عليه، و يلزمه عدم صحّة الصيغ الإخباريّة.

و إن أريد أنّ المجازيّة توجب عدم الصراحة في المقصود، فيلزم صحّة كلّ مجاز مقترن بالقرينة، فلا يصح نفي صحّة بعض الصيغ مطلقا، استنادا إلى مجازيّته، بل يلزم نفي صحّته بدون القرينة.

و بالجملة: كلامهم في المقام خال عن النظام.

إذا عرفت تلك المقدّمات فاعلم: أنّه لا خلاف في انعقاد إيجاب

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 91

النكاح الدائم بلفظي التزويج و النكاح العربيّين الماضيين المتقدّم إيجابهما على القبول المقارن له، بل هو إجماعيّ محقّقا و منقولا في كفاية «زوّجتك»

و «أنكحتك» عن الناصريّات و الانتصار و التذكرة و الروضة «1»، و عن ظاهر المسالك و الكفاية «2» و غيرهما [1].

فهو الدليل في كفايتهما، مضافا إلى استفادة الانعقاد بالأول من كثير من الأخبار المتقدّمة، و بالثاني من الثالثة.

و قد وقع الخلاف في الانعقاد بغير اللفظين، أو بغير العربي- أي الترجمة- أو بغير الماضي منهما، أو من غيرهما و مع تقديم القبول أو تراخيه.

فالحقّ في الأول: عدم الانعقاد، وفاقا للإسكافي و السيّد و الحلبي و الحلّي و ابن حمزة «4» و المختلف و التذكرة و الروضة «5»، بل الأكثر، كما صرّح به جمع ممّن تأخّر [2]، بل عن السيّد في المسائل الطبريّات: الإجماع عليه «7».

للأصل المستفاد من المقدّمة الأولى، الموجب للاقتصار على ما علم

______________________________

[1] كالتنقيح 3: 7.

[2] كالعلّامة في التذكرة 2: 581، المحقق الثاني في جامع المقاصد 12: 69، الشهيد الثاني في المسالك 1: 442.

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 210، الانتصار: 119، التذكرة 2: 581، الروضة 5: 108.

(2) المسالك 1: 442، الكفاية: 154.

(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 533، السيد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 210، الحلبي في الكافي: 293، الحلي في السرائر 2: 550، ابن حمزة في الوسيلة: 291.

(5) المختلف: 533، التذكرة 2: 581، الروضة 5: 108.

(7) حكاه عنه في الرياض 2: 68.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 92

الانعقاد به و لم يعلم الانعقاد بغير اللفظين.

و أمّا ما في الرواية الثالثة عشرة من كفاية قوله: «استحللت» فإنّما هو في المتعة، و عدم الفصل هنا غير ثابت، و لو سلّم فالرواية بالشذوذ مطروحة، مضافا إلى أنّها مرويّة عن أبي بصير غير مسندة إلى إمام، و قوله ليس بحجّة.

و من بعض ما ذكر يظهر الجواب عن رواية الهاشمي

أيضا: «جاءت امرأة إلى عمر فقالت: إنّي زنيت فطهّرني، فأمر بها أن ترجم، فأخبر بذلك أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: كيف زنيت؟ قالت: مررت بالبادية و أصابني عطش شديد، فاستسقيت أعرابيّا، فأبى أن يسقيني إلّا أن امكّنه من نفسي، فلمّا أجهدني العطش و خفت على نفسي سقاني فأمكنته من نفسي، فقال أمير المؤمنين: تزويج و ربّ الكعبة» «1».

فإنّها- مع أنّها لو دلّت لدلّت في المتعة، كما حملها عليها في الوافي «2»، و معارضته فيها أيضا مع الأخبار الكثيرة الدالّة على اشتراط تعيين الأجل باللفظ و عدم كفاية المرّة، سيّما مع استفادتها من الإطلاق- شاذّة، و لعمل الأصحاب مخالفة، فهي به مطروحة.

و مع ذلك و ردت الواقعة بسند آخر، و فيها بعد إخبارها عن التمكين، فقال له عليّ عليه السلام: «هذه ما قال اللّه تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ «3» هذه غير باغية و لا عادية» «4» فخلّى سبيلها، فدفع الحدّ بالاضطرار

______________________________

(1) الكافي 5: 467- 8، الوسائل 21: 50 أبواب المتعة ب 21 ح 8.

(2) الوافي 15: 528.

(3) البقرة: 173.

(4) الفقيه 4: 25- 60، التهذيب 10: 49- 186، الوسائل 28: 111 أبواب حد الزنا ب 18 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 93

دون التزويج.

و خلافا للنهاية و الشرائع و النافع و الإرشاد و القواعد و اللمعة «1»، فجوّز و الإيجاب بقوله: متّعتك، لبعض ما مرّ مع ضعفه في المقدّمة الثالثة، و لعدم دليل على الحصر في لفظ.

و فيه: أنّ المحتاج إلى الدليل هو الكفاية دون الحصر.

ثمَّ مرادنا من اللفظين ليس هما بخصوصهما، بل أعمّ منهما و ممّا يفيد مفادهما و يقيم مقامهما، أي إيجاد معنى التزويج أو النكاح مع الصورة الماضويّة،

نحو: بلى، أو: نعم، بعد قوله: زوّجتني، أو: نعم فعلت، بعده أو بعد الأمر بالتزويج، أو: أوقعت التزويج، و نحو ذلك، فيصحّ لو عقد كذلك، للروايات: الرابعة و السادسة و الثامنة. فإنّه ليس المراد بقوله:

«زوّجتني» أو «زوّج» التلفّظ بلفظ زوّجتك، بل المراد إيجاد هذا المعنى، و قوله: «بلى» و «فعلت» إيجاد له، فكلّ ما دلّ على إيجاده يكون كافيا.

و كذا في الثاني مع القدرة على العربيّة، وفاقا لغير من شذّ و ندر، بل بإجماعنا، كما في التذكرة «2» و عن المبسوط «3»، لما مرّ من الأصل.

و احتمال اقتصارهم في التوقيف على العربي- لكونه عرفهم، فلا يمنع عن جواز غيره- حسن مع وجود دليل على صحّة غير العربي عموما أو خصوصا، و هو مفقود.

______________________________

(1) النهاية: 450، الشرائع 2: 273، النافع: 169، الإرشاد 2: 6، القواعد 2:

4، اللمعة (الروضة البهية 5): 108.

(2) التذكرة 2: 582.

(3) حكاه عنه في التنقيح 3: 11، و هو في المبسوط 4: 194.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 94

خلافا للمحكيّ عن ابن حمزة «1»، فاستحبّ العربيّة، و اختاره في المفاتيح «2» و شرحه، و استقربه في الكفاية «3».

لأنّ الغرض إيصال المعنى المقصود إلى الغير، فيتأدّى ذلك بأيّ لغة اتّفقت، مع أنّ غير العربيّة من اللغات من قبيل المترادف الذي يصحّ أن يقوم مقام العربيّة.

و ردّ بمنع كون الغرض إيصال المعنى فقط، لجواز أن يكون للّفظ العربي مدخليّة، و كذا بمنع جواز قيام المترادف.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ المراد من قوله: «زوّجتني» في الرواية الرابعة، و من قوله: «زوّج» في السادسة استفهام إيقاع هذا المعنى و الأمر به، لا اللفظ قطعا، و معنى قوله: «بلى» و: «نعم قد فعلت» أنه أوقعت المعنى،

و المتبادر من وقوع المقصود بعده ترتّبه على إيقاع المعنى من غير مدخليّة لعربيّة قوله: «بلى» و: «قد فعلت»، فالظاهر كفاية ما يفيد إيقاع التزويج بغير العربيّة، إلّا أنّ الأحوط ما ذكرنا أولا.

و أمّا مع عدم القدرة على العربيّة- و لو بالتعلّم بلا مشقّة أو بالتوكيل- فالأكثر على الجواز، بل قيل: قطع به الأصحاب [1].

لدفع الحرج.

و فحوى الاجتزاء بإشارة الأخرس.

و يردّ بمنع لزوم الحرج، فإنّ تعلّم كلمة واحدة ليس بأشقّ من تعلّم

______________________________

[1] كما في كشف اللثام 2: 12.

______________________________

(1) الوسيلة: 291.

(2) المفاتيح 2: 260.

(3) الكفاية: 155.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 95

جميع أجزاء الصلاة بالعربيّة و عمدة مسائل النكاح.

و دلالة الفحوى عليه ممنوعة، فالظاهر- كما هو ظاهر بعض الأجلّة «1»- تساوي صورة العجز و غيرها.

و كذا الثالث، فلا يجزي الإيجاب بغير الماضي أو ما يفيد مفاده، نحو: بلى، و: نعم، بعد قوله: زوّجتني مستفهما، وفاقا لابني حمزة و سعيد «2»، بل الأشهر كما عن المسالك «3».

لما مرّ من الأصل.

و قيل: يجوز بلفظ المستقبل قاصدا به الإنشاء «4».

لصحّة قصده منه.

و فيه: عدم الملازمة بين الصحّتين.

و لوقوعه في كثير من الأخبار المتقدّمة.

و فيه: إنّ الواقع فيها إنّما هو في القبول دون الإيجاب، و الإجماع المركّب غير ثابت و إن ادّعاه بعضهم «5»، كيف؟! و ظاهر القواعد بل الشرائع و النافع «6» اختصاص القول بالجواز بالقبول، و لا أقلّ من احتمال اختصاصه به، بل هو الظاهر من الأكثر، حيث ذكروا المستقبل في القبول.

و أمّا الرابع، فإن كان المراد به المقارنة الحقيقيّة الحاصلة بعدم تخلّل

______________________________

(1) انظر كشف اللثام 2: 12.

(2) ابن حمزة في الوسيلة: 291، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 436.

(3) المسالك 1: 442.

(4) المفاتيح 2: 260.

(5) انظر الرياض

2: 69.

(6) القواعد 2: 4، الشرائع 2: 273، النافع: 169.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 96

أمر بين الإيجاب و القبول- و لو مثل: ابتلاع ريق، أو التكلّم بلفظ- فالحقّ:

عدم التوقّف عليه، للرواية الثالثة المتضمّنة لتخلّل الخطبة و كلمات أخر من متعلّقاتها بين الإيجاب و القبول المتقدّم، بل الثامنة المتضمّنة لتخلّل قوله:

«على كتاب اللّه» و ما تعقبّه بينهما.

بل المستفاد منهما جواز تخلّل كلام كثير، و هو كذلك إذا كان ذلك الكلام من متعلّقات ذلك الأمر، كالخطبة له و ذكر الصداق و الشروط و نحوها.

بل يمكن أن يستدلّ له بعموم قوله في الثامنة: «فإذا قالت: نعم» فإنّه يشمل التراخي أيضا.

و أمّا تخلّل غير ذلك- ممّا ينافي المقارنة العرفيّة- فلا يجوز، للأصل المذكور، و عدم ظهور تامّ في العموم المتقدّم.

و منهم من فرّق بين اتّحاد المجلس و تفريقه [1].

و أمّا الخامس، فالأظهر الأشهر كما قيل «2» بل بالإجماع كما عن المبسوط و السرائر «3»: عدم التوقّف عليه، فيجوز تقدّم القبول، سواء كان المراد به ما يكون من جانب الزوج أو ما يتضمّن معنى القبول، نحو:

قبلت، و: تزوجت، و نحوهما.

للروايات الثلاثة الأولى، حيث إنّ تعقيب الأمر بالضمّ في الأولى و بالنحر في الثانية و كونه جوابا في الثالثة يدلّ على تقدّم القبول، و كذا

______________________________

[1] كالعلامة في التذكرة 2: 583.

______________________________

(2) انظر الكفاية: 155.

(3) المبسوط 4: 194، السرائر 2: 574.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 97

الرواية الثامنة، و بهذه الروايات يخرج عن الأصل دون سائر ما قيل في المقام من الوجوه الضعيفة.

و أمّا ما قيل من أنّ القبول إنّما هو رضى بمضمون الإيجاب، فلا معنى له مع التقدّم [1].

ففيه- مع أنّه اجتهاد في مقابلة الرواية-: منع عدم معقوليّته مع

التقدّم، إذ المؤخّر هو لفظ الإيجاب، و أمّا الرضا بإيقاعه فقد وقع بالإذن في التزويج، و هذا القدر كاف في معقوليّة القبول، فيقبل القابل ما سيوجبه الموجب.

نعم، لو قيل بما لا يتمّ معناه بدون الإيجاب اتّجه تأخّره، نحو:

قبلت، و: رضيت، بدون ذكر التزويج أو النكاح، و أمّا لو قال: قبلت تزويج فلانة لفلان، أو: رضيت بتزويج فلانة بفلان، فلا بأس.

و منهم من منع من تقديم نحو لفظ: قبلت و رضيت مطلقا، لعدم صدق المعنى «2». و ضعفه ظاهر.

هذا كلّه في الإيجاب، و أمّا القبول فهو أيضا كالإيجاب في الأول، فيجب كونه قبولا للتزويج أو النكاح، نحو قوله: نكحت، أو: تزوّجت، أو: قبلت النكاح أو: التزويج، أو: رضيت به، أو: قبلت، أو: رضيت مطلقا، بعد تقدّم إيجاب التزويج أو النكاح، فلا يجوز: تمتّعت، أو:

قبلت التمتّع، أو نحو ذلك، للأصل المذكور.

و كذا يجب كونه عربيّا على الأحوط.

______________________________

[1] كما في جامع المقاصد 12: 74.

______________________________

(2) انظر الروضة 5: 110، الرياض 2: 69.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 98

و أمّا الماضويّة فالظاهر عدم اشتراطها، فيصحّ. أتزوّجك.

لا لجميع الروايات المتضمّنة له في عقد التمتّع، لاختصاصها به، و عدم الفصل غير ثابت، بل صرّح بعض شرّاح المفاتيح بذهاب جماعة من أصحابنا إلى جواز المستقبل في المتعة خاصّة.

بل لخصوص الرواية الثامنة، المصرّحة: بأنّه لو لم يذكر الأجل يصير تزويج مقام.

و كذا: زوّج نفسك، بصيغة الأمر، للرواية السادسة.

و أمّا غير المستقبل و الأمر- كالاستفهام بأن يقول: هل زوّجت؟ بدون ذكر قبول بعده- فلا دليل على كفايته.

فروع:

أ: يجب أن يكون الإيجاب من جانب الزوجة و القبول من جانب الزوج.

لأنّها التي تأخذ العوض.

و لأنّه الوارد في الأخبار، فيعمل في غيره بالأصل المتقدّم.

ب: يجب قصد

الإنشاء في كلّ من الإيجاب و القبول، بالإجماع.

و هو يحصل بمجرّد قصد أنّه يوقع النكاح أو قبوله بهذا اللفظ و إن لم يعلم معنى الإنشاء و الإخبار.

ج: الظاهر وجوب فهم كلّ من المتعاقدين معنى الصيغة التي يتلفّظ بها، و لو بالتلقين و التعليم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 99

د: لو لحن في الصيغة، فإن كان مغيّرا لمعناها لم يصحّ، و إلّا فكذلك على الاحتياط إن كان في نفس لفظ الإيجاب أو القبول، دون ما إذا كان في سائر ما يذكر، كذكر الصداق و الشروط و نحوها.

المسألة الثانية: يشترط في العاقد- سواء كان أحد الزوجين أو وكيله أو وليّه- الكمال بالبلوغ و العقل.

فلا يجوز عقد الصبي و لا المجنون في حال جنونه، للأصل المتقدّم، و فقد دليل خاصّ أو عامّ.

و لا يتوهّم إطلاق بعض الأخبار المتقدّمة المتضمّنة لكفاية قول:

أتزوّجك، لأنّها إمّا متضمّنة للرجل، أو خطاب إلى البالغ العاقل فلا يشمل غيره، مع أنّها في مقام بيان حكم آخر، و هو يوهن في الإطلاق.

و لا السكران، لما ذكر، إلّا السكرى إذا أجازت بعد الإفاقة، فيصحّ عقدها لنفسها لا للغير، وفاقا للصدوق و النهاية و القاضي و اختاره في الكفاية «1» و شرح المفاتيح.

لصحيحة ابن بزيع: عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ فسكرت فزوّجت نفسها رجلا في سكرها، ثمَّ أفاقت و أنكرت، ثمَّ ظنّت أنّه يلزمها ففزعت منه، فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج، إحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر و لا سبيل للزوج عليها؟ فقال عليه السلام: «إذا قامت معه بعد ما أفاقت فهو رضا منها» قلت: و يجوز ذلك التزويج عليها؟ قال:

«نعم» «2».

______________________________

(1) الصدوق في المقنع: 102، النهاية: 468، القاضي في المهذب 2: 196، الكفاية: 155.

(2) الفقيه 3: 259- 1230، التهذيب 7: 392- 1571، عيون أخبار الرضا عليه السلام

2: 18، الوسائل 20: 294 أبواب عقد النكاح ب 14 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 100

و حملها على سكر لم يبلغ حدّ عدم التحصيل- كما في المختلف «1»- بعيد.

و على صورة جهل الزوج بالسكر و إرادة الحلّية الظاهريّة له- كما قاله بعض الأجلّة «2»- أبعد، و يأباه لفظ: و يجوز ذلك التزويج عليها؟ و اشتمالها على الإنكار أولا، فلا يفيد الرضا بعده.

و الرضا لمظنّة اللزوم- و هو غير الرضا المعتبر- غير ضائر، لعدم كونه من قبيل الفضولي، الذي يجب فيه عدم مسبوقيّة الإجازة بالإنكار، مع أنّ العبرة بعموم الجواب، فلا يضرّ خروج هذا الفرد الذي في السؤال بدليل لو كان.

و احتمال أن يكون حكم الإمام بالجواز لمحض رضاها لا لأجل ما فعل في حال السكر، فيفيد عدم اشتراط لفظ، و يضعّف الخبر بالشذوذ.

مردود بأنّه و إن احتمل بعيدا و لكن شذوذه في صورة مسبوقيّته بنحو هذا التزويج أيضا غير معلوم.

خلافا للأكثر، للأصل، و ضعف الرواية بمخالفتها الأصول القطعيّة و الشهرة العظيمة.

و الأصل يندفع بالرواية، و الأصول إنّما تصير قطعيّة بالأدلّة الشرعيّة، فكيف يقبل الأصل مع مخالفته لها؟! و الشهرة إنّما توجب الضعف لو بلغت حدّا يكون مخالفها شاذّا، و هو

______________________________

(1) المختلف: 538.

(2) انظر كشف اللثام 2: 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 101

في المقام غير معلوم، كيف؟! و مذهب أكثر القدماء فيه غير محقّق.

هذا، ثمَّ إنّه عطف في النافع و الروضة «1» الدخول بالسكرى و إقرارها إيّاه بعد الإفاقة على التزويج و الإفاقة في النسبة إلى الرواية، و الرواية عنه خالية.

و لا يلحق بالسكرى السكران، للأصل.

و كذا يشترط في العاقد: الحريّة.

أو إذن المولى و لو بشاهد الحال.

للأصل المتقدّم.

و عدم وجود دليل

شامل لغير المأذون من المماليك.

و قد يقال: إنّ عقد المملوك تصرّف في ملك الغير بغير إذنه، فيكون منهيّا عنه، و النهي موجب لفساد المعاملة.

و فيه: منع دليل على حرمة مثل ذلك التصرّف بدون إذن المولى.

و لا تشترط فيه الذكوريّة، فيصحّ عقد الأنثى أصالة و وكالة، إيجابا و قبولا.

بالإجماع المحقّق، و المحكيّ [1].

و لرواية تزويج خديجة و كثير من الروايات المتقدّمة في المسألة الاولى «3»، و هي و إن دلّت على الجواز في الجملة، إلّا أنّه يتمّ المطلوب بعدم الفصل.

______________________________

[1] كما في المفاتيح 2: 260، كشف اللثام 2: 13.

______________________________

(1) النافع: 170، الروضة 5: 112.

(3) في ص: 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 102

المسألة الثالثة: يشترط في صحّة النكاح تعيين الزوج و الزوجة

بالإشارة الذهنيّة أو الخارجيّة، أو الاسم أو الوصف القاطعين للشركة.

و لا بدّ في الإشارة الذهنيّة من أمر خارجيّ دالّ على المعيّن الذهني، كإضافة، أو لام، أو تقديم ذكر، أو مثل: التي قصدناها، و أمّا بدون ذلك فلا يصحّ، كما لو قصد الوليّ الكبرى و اتّفق قصد الزّوجة لها أيضا بالإجماع، له، و للأصل المتقدّم.

فلو لم يتعيّن أحدهما عند أحد العاقدين بطل النكاح، فإن اختلفا:

فإمّا أن يكون الاختلاف في تعيين الزوجة أو الزوج.

و على التقديرين: إمّا يكون الاختلاف بين الزوجين.

أو بين وليّهما. أو بين الزوج و وليّ الزوجة.

أو بالعكس إذا كان الزوج صغيرا.

و الحكم في الجميع الرجوع إلى القواعد المقرّرة للمرافعات في أحكام المدّعي و المنكر، مثلا: إذا اختلف وليّ الزوجة و الزوج في تعيين الزوجة فله ثلاث صور:

إحداها: أن يتّفقا على التعيين عندهما و تنازعا في المعيّن مع اتّفاقهما على التعيين عندهما في الواقع، كأن يقول الزوج للأب: عيّنّا الصغرى و عقدنا عليها، و قال الولي: عيّنّا الكبرى و عقدنا عليها، فحينئذ

إن ادّعى الزوج نكاح الصغرى يكون الوليّ منكرا فيحلف و تتخلّص الصغرى، فإن لم يتكلّم الوليّ في حقّ الكبرى بدعوى فلا نزاع، و إن ادّعى في حقّها يكون الزوج منكرا فيحلف.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 103

و الثانية: أن يتّفقا على التعيين عندهما، و لكن اختلفا واقعا في المعيّن من غير نزاع، كأن يقصد الوليّ الكبرى و الزوج الصغرى، و صدّق كلّ منهما الآخر في ذلك القصد، و النكاح حينئذ. باطل، لعدم ورود الإيجاب و القبول على محلّ واحد.

و الثالثة: أن يتعيّن عند الوليّ دون الزوج، و لكن علم الزوج تعيّنها عند الوليّ و قبل ما عيّنه، ثمَّ اختلفا فيمن عيّنه، فقال الوليّ: إنّي قصدت الكبرى، و قال الزوج: بل أنت قصدت الصغرى، و الحكم حينئذ كما في الصورة الاولى.

و من ذلك تظهر كيفيّة الحكم و المرافعة في سائر الصور.

و قد خالف في صورة الاختلاف مع وليّ الزوجة في التعيين جماعة، منهم: النهاية و القاضي و الشرائع و النافع و الفاضل و اللمعة «1»، بل الأكثر كما في المسالك «2»، فقالوا بالتفصيل فيه، بأنّه: يقدّم قول الوليّ مع حلفه إن كان الزوج رآهنّ جميعا، و يبطل العقد إن لم يكن رآهنّ.

و استندوا فيه إلى صحيحة الحذّاء «3».

و هي مردودة لا بما قيل من أنّها مخالفة للقواعد المرعيّة من التفرقة بين صورة الرؤية و عدمها، لأنّ القواعد كما بالأدلّة الشرعيّة تؤسّس كذلك بها تخصّص.

______________________________

(1) النهاية: 468، القاضي في المهذب 2: 196، الشرائع 2: 247، النافع:

170، الفاضل في القواعد 2: 4، اللمعة (الروضة البهيّة 5): 113.

(2) المسالك 1: 445.

(3) الكافي 5: 412- 1، الفقيه 3: 267- 1268، التهذيب 7: 393- 1574، الوسائل 20: 294 أبواب عقد

النكاح ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 104

بل بالإجماع، لاحتمالها كلّا من الصور الثلاث، فيكون معنى قوله فيها: فقال الزوج: إنّما تزوّجت منك الصغيرة، على الاولى: أنّ قرارنا كان على الصغيرة و كان قصدك و قصدي الصغيرة، فهي التي صارت زوجتي و إن لم يسمّ حين التزويج حتى يسمعه الشهود.

و على الثانية: أنّ مقصودي كان الصغيرة و تزوّجتها و يظهر من إدخالك الكبرى أنّك قصدتها.

و على الثالثة: أنّ مقصودك هي الصغيرة فهي صارت زوجتي بقبولي تزوّج من قصدت دون الكبيرة.

و على هذا، فلا تكون الرواية حجّة في شي ء من الصور و إن كانت في أحد الوجهين الأولين أظهر، لمكان قوله: «و عليه فيما بينه و بين اللّه تعالى».

مسألة: المعتبر في التعيين: القصد

، فلا عبرة بالاسم لو أخطئ فيه و يرجع النكاح إلى المقصود.

لرواية محمّد بن شعيب: كتبت إليه: أنّ رجلا خطب إلى عمّ له ابنته، فأمر بعض إخوانه أن يزوّجه ابنته التي خطبها، و إنّ الرجل أخطأ باسم الجارية فسمّاها بغير اسمها، و كان اسمها فاطمة فسمّاها بغير اسمها، و ليس للرجل ابنة باسم التي ذكر المزوّج، فوقّع: «لا بأس به» «1».

المسألة الرابعة: اختلفوا في ثبوت ولاية الأب على البكر البالغة
اشاره

______________________________

(1) الكافي 5: 562- 24، الفقيه 3: 268- 1270، الوسائل 20: 297 أبواب عقد النكاح ب 20 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 105

الرشيدة في النكاح الدائم على ثلاثة أقوال:

الأول: سقوطها عنها و استقلالها.

و هو مذهب السيّد و الإسكافي و الحلّي و المفيد في أحكام النساء و الديلمي و المحقّق و الفاضل و الشهيدين «1» و شرح القواعد و التنقيح «2»، بل في الانتصار و الناصريّات «3» الإجماع عليه.

و نسب هذا القول إلى التبيان و الوسيلة «4»- و الحقّ: قصور كلامهما عن الدلالة عليه- و هو مذهب أبي حنيفة من العامّة «5».

الثاني: ثبوتها عليها و استقلال الأب.

و هو مختار الصدوق و المعاني و الصهرشتي «6» و النهاية و التهذيب و الاستبصار و الخلاف و المبسوط «7» و القاضي و الراوندي في فقه القرآن «8»، و هو ظاهر موضع من الوسيلة «9»- حيث جعل نكاح البكر الرشيدة على نفسها

______________________________

(1) السيد في الانتصار: 122، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 534، الحلي في السرائر 2: 561، أحكام النساء (مصنّفات الشيخ المفيد 9): 36، الديلمي في المراسم: 148، المحقق في النافع: 173، الفاضل في التحرير 2: 6، الشهيدين في اللمعة و الروضة 5: 116.

(2) جامع المقاصد 12: 83، 85، 123، 127، التنقيح 3: 31.

(3) الانتصار: 122،

الناصريات (الجوامع الفقهية): 210.

(4) التبيان 2: 250، 273، الوسيلة: 299.

(5) انظر بداية المجتهد 2: 8، و المغني و الشرح الكبير على متن المقنع 7: 337.

(6) الصدوق في الهداية: 68، حكاه عن العماني في المختلف: 534، حكاه عن الصهرشتي في الحدائق 23: 211.

(7) النهاية: 465، التهذيب 7: 379، الاستبصار 3: 234، الخلاف 4: 250، المبسوط 4: 162.

(8) القاضي في المهذب 2: 193، فقه القرآن 2: 138.

(9) الوسيلة: 300.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 106

مع حضور وليّها فضوليّا موقوفا على الإجازة- و الكفاية و شرح النافع لصاحب المدارك «1»، و جمع من علمائنا البحرانيين «2»، و المحدّث الكاشاني في رسالة أفردها للمسألة، و يميل إليه كلام الهندي في شرح القواعد «3»، و إليه ذهب مالك و الشافعي من العامّة «4».

الثالث: عدم استقلال واحد منهما، بل اشتراكهما.

و هو الذي ذهب إليه الشيخ المفيد في المقنعة و الحلبي و ابن زهرة «5»، و قد ينسب إلى التهذيبين أيضا «6»، و هو المحكيّ عن الحدائق «7»، بل عن المسالك: إنّه متين «8»، و قوّاه في شرح المفاتيح.

دليل الأول: الأصل.

و الآيات:

كقوله سبحانه فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ «9».

و قوله تعالى حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما

______________________________

(1) الكفاية: 155، حكاه عن شرح النافع في الحدائق 23: 211.

(2) انظر الحدائق 23: 211.

(3) كشف اللثام 2: 18.

(4) انظر الأم 5: 13، بداية المجتهد 2: 8.

(5) المقنعة: 510، الحلبي في الكافي: 292، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 609.

(6) نسبه إليهما في كشف اللثام 2: 18.

(7) راجع الحدائق 23: 226.

(8) المسالك 1: 452.

(9) البقرة: 234.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 107

أَنْ يَتَراجَعا «1».

فإنّ المراد: التراجع بالعقد، و

إلّا فالرجعة من عمل الزوج.

و قوله عزّ شأنه فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَ «2».

و الروايات و هي كثيرة:

منها: صحيحة الفضلاء: «المرأة التي قد ملكت نفسها غير السفيهة و المولّى عليها إنّ تزويجها بغير وليّ جائز» «3».

وجه الاستدلال: أنّ غير السفيهة- إلى آخره- إمّا بيان للتي ملكت نفسها بكونه صفة موضحة أو بدلا أو عطف بيان، أو يكون استثناء، و على التقديرين لا يمكن أن يكون المولّى عليها المولّى عليها في التزويج أو الأعمّ منه و من التصرّف في المال، لأنّ غير المولّى عليها حينئذ من جاز تزويجه بغير وليّ، فيصير المعنى: من يجوز تزويجها بغير وليّ يجوز تزويجها بغير وليّ، و حزازته معلومة، فالمراد: المولّى عليها في المال.

فالمعنى على الأول: التي ملكت نفسها- و هي غير السفيهة و المحجور عليها في المال- يجوز تزويجها بغير وليّ، سواء كانت باكرة أم لا.

و على الثاني: التي ملكت نفسها- أي كانت بالغة- يجوز تزويجها بغير وليّ. إلّا إذا كانت سفيهة أو مولّى عليها في المال.

______________________________

(1) البقرة: 230.

(2) البقرة: 232.

(3) الكافي 5: 391- 1، الفقيه 3: 251- 1197، التهذيب 7: 377- 1525، الاستبصار 3: 232- 837، الوسائل 20: 100 أبواب مقدمات النكاح ب 44 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 108

و منها: خبر زرارة: «إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع و تشتري و تعتق و تشهد و تعطي من مالها ما شاءت، فإنّ أمرها جائز، تزوّج إن شاءت بغير إذن وليّها، و إن لم يكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلّا بإذن وليّها» «1».

فإنّ الظاهر منها أنّ قوله: «تبيع» و ما عطف عليه جملة مفسّرة، و قوله: «فإنّ أمرها» جزاء الشرط، فدلالتها ظاهرة.

و منها: خبر أبي مريم: «الجارية

التي لها أب لا تتزوّج إلّا بإذن أبيها» و قال: «إذا كانت مالكة لأمرها تزوّجت من شاءت» «2».

و موثّقة البصري: «تتزوّج المرأة من شاءت إذا كانت مالكة لأمرها، فإن شاءت جعلت وليّا» «3».

فإنّ المراد ب: «المالكة أمرها» التي لا وليّ عليها في المال، بقرينة خبر زرارة المتقدّم.

و منها: صحيحة ابن حازم: «تستأمر البكر و غيرها و لا تنكح إلّا بأمرها» «4».

و منها: خبر سعدان: «لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن أبيها» «5».

و منها: العامّيان، أحدهما: «الأيّم أحقّ بنفسها من وليّها، و البكر

______________________________

(1) التهذيب 7: 378- 1530، الاستبصار 3: 234- 842، الوسائل 20: 285 أبواب عقد النكاح ب 9 ح 6.

(2) الكافي 5: 391- 2، الوسائل 20: 273 أبواب عقد النكاح ب 4 ح 2.

(3) الكافي 5: 392- 3، الوسائل 20: 270 أبواب عقد النكاح ب 3 ح 4.

(4) التهذيب 7: 380- 1535، الوسائل 20: 284 أبواب عقد النكاح ب 9 ح 1.

(5) التهذيب 7: 380- 1538، الاستبصار 3: 236- 850، الوسائل 20: 285 أبواب عقد النكاح ب 9 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 109

تستأذن في نفسها و إذنها صماتها» [1].

و الآخر: إنّ جارية بكرا جاءت إليه صلّى اللّه عليه و آله فقالت: إنّ أبي زوّجني من ابن أخ له ليرفع خسيسته و أنا له كارهة، فقال صلّى اللّه عليه و آله: «أجيزي ما صنع أبوك» فقالت: لا رغبة لي فيما صنع أبي، قال: «فاذهبي فانكحي من شئت» فقالت: لا رغبة لي عمّا صنع أبي، و لكن أردت أن اعلم النساء أن ليس للآباء في أمور بناتهم شي ء «2».

أقول: أمّا الأصل فيرد عليه المنع، لأنّ المراد: إمّا أصالة عدم اختيار

الأب، أو عدم ترتّب الأثر على فعله، أو أصالة جواز نكاح البنت، و الكلّ معارض بأصالة عدم ثبوت اختيار التزويج للبنت، لأنّه أمر شرعيّ يحتاج إلى مثبت، و أصالة عدم ترتّب الأثر على فعلها، و أصالة جواز نكاح الأب إن أريد من الجواز الإباحة، و رجوعه إلى ترتّب الأثر إن كان المراد الصحّة و أصالته ممنوعة، مع أنّ الأصل الاستصحابي مع ثبوت الولاية له و صحّة فعله و عدم اختيارها، بل أصل العدم أيضا، لأنّ الأصل عدم ثبوت الاختيار للبكر.

و أمّا الآيات فيرد عليها جميعا: أنّ النسبة كما تصحّ مع استقلالهنّ تصحّ بدونه أيضا، مع أنّ المعروف في الأولى يصرفها عن الإطلاق لو كان، إذ لا يعلم أنّ النكاح بدون إذن الوليّ معروف، مع أنّها واردة في المعتدّة، و هي لا تكون إلّا مدخولة.

و مفاد الثانية- على فرض التسليم-: أنّها لا تحلّ حتى تنكح بنفسها

______________________________

[1] صحيح مسلم 2: 1037- 1421، سنن أبي داود 2: 232- 2098. و الأيّم:

الذي لا زوج له من الرجال و النساء. الجمع: الأيامى- مجمع البحرين 6: 15.

______________________________

(2) سنن النسائي 6: 86، سنن ابن ماجه 1: 602- 1874، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 110

زوجا، لا أنّ لها نكاح نفسها مطلقا، فلو ثبتت الولاية عليها تكون حلّية الباكرة المطلّقة ثلاثا بعد تزويج الأب بدليل خارجي، و نمنع كون عقد نفسها نكاحا حينئذ، ثمَّ التراجع بعد هذا النكاح لا يكون إلّا للمدخولة.

و الأخيرة واردة في المعتدّة المطلّقة أيضا، و هي مدخولة.

و أمّا الروايات، فالأخيرتان منها عامّيتان، و عن حيّز الحجّية خارجتان و لو قلنا بأنّهما بنحو من الشهرة منجبرتان، لأنّ الجبر إنّما يفيد في رواياتنا و أمّا في العامّيات فلا، كيف؟!

و أمرنا بترك رواياتهم، بل ترك ما يوافق رواياتهم من رواياتنا.

و البواقي عامّة بالنسبة إلى صورة عضل الأب إيّاها و غيبته المضرّة لها، بل غير خبر سعدان عامّ بالنسبة إلى البكر و الثيّب، بل بالنسبة إلى فاقدة الأب و واجدته.

و الضمير في قوله: «إذا كانت» في خبر أبي مريم لا يجب أن يكون راجعا إلى الجارية التي لها أب، بل راجع إلى الجارية.

كما أنّ الولي في قوله: «بغير إذن وليّها» في خبر زرارة لا يتعيّن أن يكون أبا، لإطلاق الوليّ على أقرب الناس، كالأخ و العمّ و الخال أيضا كما يظهر من أولياء الصلاة على الميّت، مع أنّه لو كان المراد الأب ليس صريحا في وجود الأب لها و إن كان له نوع إشعار به، فيمكن أن يكون ذلك في مقام الردّ على ما ورد من أنّه لا نكاح إلّا بإذن الوليّ، فيصحّ أن يقال: من لا وليّ لها يجوز نكاحها بدون إذن الوليّ.

و منه يظهر ثبوت هذا العموم لخبر سعدان أيضا.

هذا، مع ما في صحيحة الفضلاء من عدم الدلالة، إذ لا دليل على اختصاص المولّى عليها في القيد بالمولّى عليها في المال، بل يمكن أن

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 111

يكون الأعمّ أو خصوص التزويج.

و لا يلزم حزازة أصلا، إذ ليس معنى غير المولّى عليها: من يجوز تزويجها بغير وليّ، بل: من لا وليّ لها، إمّا لسقوط الولاية عليها أو لفقد الوليّ، فيكون المعنى: التي ملكت نفسها- و هي غير السفيهة و غير من لها وليّ، أو البالغة سوى السفيهة و سوى من لها وليّ- يجوز تزويجها بغير وليّ.

و تكون الفائدة: الردّ على عموم قول من قال: لا نكاح إلّا بوليّ، أو دفع

توهّم أنّه لا يجوز نكاح غير المولّى عليها، لما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه: «لا نكاح إلّا بوليّ» «1».

هذا، مع احتمال أن يكون المراد ب «المولّى عليها» الباكرة، أو من [لها أب ] [1]، لجواز شيوع استعماله فيها، و هو ليس بأبعد من إرادة البالغة من: «التي ملكت نفسها»، و يتأكّد إرادة من لا أب لها منها بملاحظة رواية أبي مريم، حيث جعل المالكة لأمرها مقابلة للتي لها أب.

و منه يظهر الخدش في رواية زرارة أيضا، لمنع ظهور كون قوله:

«تبيع» و ما بعده مفسّرا، بل يجوز أن يكون خبرا ثانيا.

و القول- بأنّه لا داعي لذلك- مردود بأنّ الاحتمالين بالنسبة إليه متساويان، و ليس الأول موافقا لأصل حتى يحتاج الثاني إلى الداعي.

و المراد ب: «المالكة أمرها»: الخالية عن الولي في النكاح أو الثيّب، فلا حزازة في العبارة كما مرّ، و يناسبه قوله: «فإنّ أمرها جائز» حيث فسّره

______________________________

[1] بدل ما بين المعقوفين في النسخ: لا أب لها.

______________________________

(1) دعائم الإسلام 2: 218- 807، مستدرك الوسائل 14: 317 أبواب عقد النكاح ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 112

بقوله: «تزوّج إن شاءت»، دلّ على أنّ المراد بالأمر: التزويج، و فائدة:

«تبيع» و ما عطف عليه إخراج السفيهة، كما نصّ عليه في الصحيحة الاولى.

و من هذا يظهر الخدش في رواية أبي مريم و الموثّقة أيضا، مع أنّ التقابل في الرواية كالتصريح بأنّ المراد بالمالكة أمرها: من لا أب لها، و تخصيص البكر بالصغيرة خلاف الظاهر و تخصيص بلا موجب.

بل لا يخلو الاستدلال بصحيحة ابن حازم عن نظر، لأنّها لا تثبت أزيد من استحباب استئمارها و عدم نكاحها إلّا مع أمرها، لمكان الجملة الخبريّة، مع أنّه

لو سلّمت دلالتها على الوجوب لم يثبت منها استقلالها، لجواز التشريك.

و دعوى ظهور: «لا تنكح إلّا بأمرها» في استقلالها إنّما يتمّ لو كانت الباء سببيّة، و هي ممنوعة، بل الظاهر كونها للمصاحبة، و مقتضى الحصر ليس إلّا حصر النكاح الجائز أو المستحبّ بما كان مع أمرها، لا حصر الأمر في أمرها.

نعم، مقتضى إطلاق مفهوم الاستثناء جواز النكاح مع أمرها، سواء كان معه أمر آخر أو لا، و لكن في إطلاقه نظرا، و لو سلّم فغايته العموم الإطلاقي.

هذا كلّه، مع ما في كثير من هذه الروايات من اشتمالها للفظ المرأة و صدقها على الباكرة محلّ نظر، بل قيل: إنّها تختصّ بالثيّب، و يشعر به بعض الروايات الآتية.

ثمَّ على تقدير تسليم دلالة الجميع، فلا تدلّ إلّا على جواز نكاح البنت و كفاية إذنها، لا على عدم جواز نكاح الأب و عدم كفاية إذنه، كما هو

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 113

أحد جزئي مطلوبهم.

حجّة القول الثاني- بعد بعض الاعتبارات-: الاستصحاب.

و أصالة عدم اختيارها في التزويج.

و عموم قوله سبحانه وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ «1».

و قوله تعالى الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ «2».

و النصوص المستفيضة:

الأولى: صحيحة محمّد: «لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها ليس لها مع الأب أمر» و قال: «يستأمرها كلّ أحد عدا الأب» «3».

و المراد بالجارية: البالغة، بقرينة قوله: «مع الأب»، فإنّ الصغيرة ليس لها أمر سواء كانت مع الأب أم لا، و بقرينة قوله: «يستأمرها»، فإنّ الضمير للجارية المتقدّمة، و الصغيرة لا يستأمرها أحد، بل لا يزوّجها غير الأب، بل يدلّ ذلك على عدم كونها سفيهة، و لا تضرّ الجملة الخبريّة هنا أيضا، إذ جواز عدم استئمارها كاف لإثبات المطلوب.

و الثانية: موثّقة البقباق: «لا تستأمر الجارية

التي بين أبويها إذا أراد أن يزوّجها هو أنظر لها، و أمّا الثيّب فإنّها تستأذن و إن كانت بين أبويها» [1]، و المراد: الجارية الكبيرة الرشيدة بالتقريب المتقدّم.

______________________________

[1] الكافي 5: 394- 5، الوسائل 20: 269 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 3 ح 6. و الثيّب: يقال للإنسان إذا تزوّج، و إطلاقه على المرأة أكثر، لأنّها ترجع إلى أهلها بغير الأول- مجمع البحرين 2: 21.

______________________________

(1) النور: 32.

(2) البقرة: 237.

(3) الكافي 5: 393- 2، التهذيب 7: 380- 1537، الاستبصار 3: 235- 849، الوسائل 20: 273 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 4 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 114

و الثالثة: صحيحة ابن الصلت، و فيها: عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء إلها مع أبيها أمر؟ قال: «لا ما لم تثيّب» «1»، هذا على نسخ التهذيب.

و في بعض نسخ الكافي: «ما لم تكبر» مقام: «ما لم تثيّب».

و الظاهر أنّ الأول هو الأصحّ، لما في الثاني من فهاهة المعنى، و لذا اقتصر في الوافي على الأول «2» مع نقله من الكافي أيضا.

و الرابعة: حسنة الحلبي: في الجارية يزوّجها أبوها بغير رضاها، قال:

«ليس لها مع أبيها أمر إذا أنكحها جاز نكاحه و إن كانت كارهة» «3».

و ظاهر التقييد بقوله: «مع أبيها» و قوله: «و إن كانت كارهة» أنّها بالغة.

الخامسة: رواية عبيد: «لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها، فإذا كانت ثيّبا فهي أولى بنفسها» «4».

السادسة: رواية ابن ميمون: «إذا كانت الجارية بين أبويها فليس لها مع أبويها أمر، و إن كانت قد تزوّجت لم يزوّجها إلّا برضا منها» «5».

و المراد بها هنا و في السابقة: الكبيرة، بقرينة التقييد بقوله: «مع أبويها»، و الرشيدة بقرينة قوله:

«إلّا برضا منها» و قوله: «فهي أولى بنفسها».

السابعة: رواية أبان: «إذا زوّج الرجل ابنه كان ذلك إلى ابنه، و إذا

______________________________

(1) الكافي 5: 394- 6، التهذيب 7: 381- 1540، الاستبصار 3: 236- 851، الوسائل 20: 276 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 6 ح 3.

(2) الوافي 31: 406- 2.

(3) الكافي 5: 393- 4، التهذيب 7: 381- 1539، الوسائل 20: 285 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 9 ح 7.

(4) التهذيب 5: 385- 1547، الوسائل 20: 271 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 3 ح 13.

(5) التهذيب 7: 380- 1576، الاستبصار 3: 235- 848، الوسائل 20: 284 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 9 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 115

زوّج ابنته جاز ذلك» «1»، و المراد بالابن: الكبير قطعا، فكذا البنت.

و بمضمونها موثّقة البقباق، و فيها: «إذا زوّج الرجل ابنه فذلك إلى ابنه، و إذا زوّج الابنة جاز» «2».

الثامنة: صحيحة ابن أبي يعفور: «لا تنكح ذوات الآباء من الأبكار إلّا بإذن آبائهنّ» «3».

و هي بالمنطوق و إن لم يثبت سوى رجحان الإذن من الأب، إلّا أنّ مفهوم الاستثناء: أنهنّ ينكحن بإذن آبائهنّ و إن لم يكن معه إذنهنّ.

التاسعة: صدر رواية أبي مريم المتقدّمة «4»، و التقريب كما في السابقة.

العاشرة: الرواية المتقدّمة في تزويج الجواد عليه السلام «5»، بضميمة أصالة عدم توكيلها أبيها.

الحادية عشرة و الثانية عشرة: صحيحة زرارة «6» و موثّقة محمّد «7»:

«لا ينقض النكاح إلّا الأب».

الثالثة عشرة: المرويّ في كتاب عليّ: عن الرجل هل يصلح أن

______________________________

(1) التهذيب 7: 393- 1576، الوسائل 20: 293 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 13 ح 3.

(2) الكافي 5: 400- 1، الوسائل 20:

277 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 6 ح 4.

(3) الكافي 5: 393- 1، الفقيه 3: 250- 1190، التهذيب 7: 379- 1531، الاستبصار 3: 235- 845، الوسائل 20: 277 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 6 ح 5.

(4) في ص: 108.

(5) راجع ص: 86.

(6) الكافي 5: 392- 8، التهذيب 7: 379- 1532، الاستبصار 3: 235- 846، الوسائل 20: 272 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 4 ح 1.

(7) التهذيب 7: 379- 1533، الاستبصار 3: 235- 847، الوسائل 20: 273 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 4 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 116

يزوّج ابنته بغير إذنها؟ قال: «نعم، ليس يكون للولد أمر إلّا أن يكون امرأة قد دخلت بها قبل ذلك، فتلك لا يجوز نكاحها إلّا أن تستأمر» «1».

الرابعة عشرة: صحيحة الحذّاء المتقدّمة «2»، الحاكمة بتقديم قول الأب مع الاختلاف في التعيين، فإنّ الظاهر منها وقوع النكاح بدون إذن البنت كما لا يخفى.

الخامسة عشرة: مفهوم الشرط في مرسلة ابن بكير: «لا بأس أن تزوّج المرأة نفسها إذا كانت ثيّبا بغير إذن أبيها إذا كان لا بأس بما صنعت» «3» أي لم تكن سفيهة.

السادسة عشرة إلى العشرين: مفهوم صحيحتي الحلبي «4» و صحيحة ابن سنان «5» و موثّقة البصري «6» و روايتي عبد الخالق «7» و ابن زياد «8»: في

______________________________

(1) مسائل علي بن جعفر: 112- 31، الوسائل 20: 286 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 9 ح 8.

(2) في ص: 103.

(3) التهذيب 7: 386- 1549، الاستبصار 3: 235- 844، الوسائل 20: 272 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 3 ح 14.

(4) الاولى في: الكافي 5: 392- 5، التهذيب

7: 377- 1527، الوسائل 20:

269 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 3 ح 4.

الثانية في: الوسائل 20: 271 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 3 ح 11.

(5) التهذيب 7: 385- 1546، الوسائل 20: 269 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 3 ح 4.

(6) التهذيب 7: 384- 1545، الوسائل 20: 271 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 3 ح 12.

(7) الفقيه 3: 251- 1195، الوسائل 20: 268 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 3 ح 2.

(8) الكافي 5: 392- 6، التهذيب 7: 378- 1528، الاستبصار 3: 233- 840، الوسائل 20: 269 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 3 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 117

شاءت إذا كان كفوا بعد أن تكون قد نكحت رجلا قبله».

و يدلّ عليه أيضا عموم المستفيضة الواردة في نكاح الأب و الجدّ.

كرواية السكوني: «إذا زوّج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه، و لابنه أيضا أن يزوّجها» الحديث «1».

و صحيحة هشام: «إذا زوّج الأب و الجدّ كان التزويج للأول» «2».

و موثّقة عبيد: الجارية يريد أبوها أن يزوّجها من رجل و يريد جدّها أن يزوّجها من رجل آخر، فقال: «الجدّ أولى بذلك ما لم يكن مضارّا إن لم يكن الأب زوّجها قبله» «3» إلى غير ذلك.

و تؤيّده أيضا الأخبار الكثيرة الواردة في باب الكفاءة و غيرها، المتضمّنة لأمرهم عليهم السلام بعض الآباء بتزويج البنات «4».

و الجواب عن هذه الأخبار- بالحمل على الندب أو المتعارف، مع إباء بعضها عنهما- مردود بأنّه خلاف الأصل و الظاهر، مع أنّه يجري في كثير من أخبار القول الأول أيضا، فلا وجه لارتكابه في ذلك بخصوصه.

أقول: أمّا الاستصحاب و الأصل، فلا

يخلوان عن المعارض.

و أمّا الآيتان، فغير تامّتين، كما يظهر على المتأمّل.

و أمّا الروايات العشرون، فالخامسة عشرة إلى آخر الأخبار لا تثبت

______________________________

(1) الكافي 5: 395- 2، التهذيب 7: 390- 1561، الوسائل 20: 289 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 11 ح 1.

(2) الكافي 5: 395- 4، الفقيه 3: 250- 1193، التهذيب 7: 390- 1562، الوسائل 20: 289 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 11 ح 3.

(3) الكافي 5: 395- 1، الفقيه 3: 250- 1192، التهذيب 7: 390- 1560، الوسائل 20: 289 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 11 ح 2.

(4) الوسائل 20: 61 أبواب مقدمات النكاح و آدابه ب 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 118

استقلال الأب، و إن كان ظاهرها ينفي استقلال البنت.

و الرابعة عشرة محتملة لكون البنات المذكورة فيها صغارا.

و الثالثة عشرة ضعيفة غير صالحة للاستناد.

و المتقدّمتان عليها غير دالّتين إلّا على نقض الأب النكاح في الجملة، فيمكن أن يكون ذلك في الصغيرة أو السفيهة.

فلم تبق إلّا العشرة الاولى، و هي و إن كانت دالّة، إلّا أنّ الأخيرتين منها عامّتان بالنسبة إلى ضمّ إذن البنت و عدمه و الصغيرة و السفيهة.

بل الحقّ احتمال عموم الكلّ بالنسبة إلى السفيهة، و ما مرّ دليلا للاختصاص بالرشيدة لم يثبت أزيد من احتماله لدوران الأمر بين تخصيص الجارية بها أو تخصيص المستتر، فالكلّ محتمل، بل الكلّ- سوى صحيحة ابن الصلت- أعمّ من الصغيرة أيضا، و ما مرّ دليلا على التخصيص بالكبيرة فإنّما كان بمفهوم غير معتبر. و الصحيحة أيضا موهونة باختلاف النسخ كما مرّ.

و على هذا، فلو كان بين الفريقين من الأخبار تعارض فيعارض هذه الأخبار مع ما كان دالّا من أخبار القول الأول-

كخبر سعدان و صحيحة منصور- و لا مرجّح مقبولا لأحدهما، لأنّه لا موافق تامّا لأحدهما من الكتاب، و لا مخالفة تامّة لأحدهما للعامّة، بل كلّ يوافق فريقا منهم.

و الشهرة المحقّقة- سيّما من القدماء- على أحد الطرفين غير معلومة بحيث توجب الترجيح، و أمّا المحكيّة منها و من الإجماع فصلاحيّتهما للترجيح غير ثابتة، مع أنّ الظاهر أنّ الشهرة رواية- التي هي المرجّح حقيقة- مع القول الثاني، و كذا الأصحيّة، إلّا أنّ الحكم بالترجيح بهما مشكل جدّا.

و على هذا، فإمّا يجب الرجوع إلى أصالة عدم ترتّب الأثر على نكاح

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 119

واحد منهما، و مقتضاه القول بتشريكهما.

و تؤيّده أيضا موثّقة صفوان: استشار عبد الرحمن موسى بن جعفر عليه السلام في تزويج ابنته لابن أخيه، فقال: «افعل و يكون ذلك برضاها، فإنّ لها في نفسها نصيبا» قال: و استشار خالد بن داود موسى بن جعفر عليه السلام في تزويج ابنته عليّ بن جعفر، فقال: «افعل و يكون ذلك برضاها، فإنّ لها في نفسها حظّا» «1».

أو القول بالتخيير، بمعنى: صحّة عقد كلّ منهما و كفايته و إن لم يأذن الآخر.

و لكن المرجع عند اليأس عن الترجيح عند أهل التحقيق هو التخيير، فهو الحقّ عندي في المسألة، و لا يضرّ عدم قول أحد ممّن تقدّم به لو سلّم، لظنّهم ترجيح أحد الطرفين و حكم الإمام بالتخيير عند التعارض، مع أنّ قوله في الواقع ليس إلّا أحد المتعارضين.

مع أنّ ها هنا كلاما آخر، و هو: أنّه لا تعارض بين هذه الأخبار أصلا.

إذ أخبار الأول لم تدلّ إلّا على تجويز نكاح البنت و كفايته، من غير دلالة و لا إشعار بعدم تجويز نكاح الأب و كفايته.

و أخبار الثاني

لم تدلّ إلّا على تجويز نكاح الأب و كفايته، من غير دلالة على عدم جواز نكاح البنت.

و لا منافاة بين الحكمين أصلا، لجواز كفاية نكاح كلّ منهما، كما في الأب و الجدّ في نكاح الصغيرة.

و لا يتوهّم قوله: «ليس لها مع أبيها أمر»- في الروايات الاولى و الثالثة

______________________________

(1) التهذيب 7: 379- 1534، الوسائل 20: 284 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 9 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 120

و الرابعة و السادسة من روايات القول الثاني- يدلّ على نفي اختيارها، إذ المراد: أنّه ليس مع إذن أبيها أمر، و هو كذلك، ألا ترى أنّه إذا و كلّ أحد زيدا و عمروا مستقلّا في أمر يصحّ أن يقال: ليس لزيد مع إذن عمرو أمر و بالعكس.

أو المراد: أنّه ليس لها منضمّة مع أبيها أمر، و ليس المراد أنّه ليس لها مع وجود أبيها أمر، إذ قوله: «إذا كانت بين أبويها» كان دالّا على وجود الأب، فلا معنى لقوله: «مع الأب» بل يكون لغوا.

فالمراد: أنّه إذا كانت بين أبويها فليس مع إذن الأب أو تزويجه أو حضوره أو انضمامه أمر، و هو كذلك، و لا أقلّ من احتمال ذلك، فلا يدلّ على انتفاء الأمر لها مطلقا، و إنّما يدلّ على انتفائه مع الأب.

و كذا لا يتوهّم أنّ قوله: «لا تنكح إلّا بأمرها» «1» أو: «لا تنكح إلّا بإذن آبائهنّ» «2» [يدلّان ] [1] على انتفاء استقلال أحدهما، إذ غاية ما يدلّان عليه رجحان ذلك، و هو مسلّم.

و لا أنّ قوله في الرواية السادسة عشرة و ما بعدها: «هي أملك بنفسها بعد أن نكحت قبله» يدلّ على عدم اختيارها، إذ مفهومه أنّ قبل النكاح ليست بأملك،

و هو كذلك، لأنّ الأب أيضا مالك لها.

نعم، مفهوم قوله في الخامسة عشرة: «لا بأس أن تزوّج نفسها إذا كانت ثيّبا» أنّها إذا كانت بكرا يكون بأس في تزويجها، و إذا لوحظ ذلك مع

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

______________________________

(1) راجع ص: 108.

(2) راجع ص: 115.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 121

خبر سعدان «1» يصير قرينة على أنّ المراد بالبأس هو الكراهة.

و على هذا، فلا يكون تعارض بين الأخبار، و لا وجه لرفع اليد عن أحد القسمين، بل يجب العمل بكليهما، فيحكم باستقلال كلّ منهما.

لا يقال: إنّ بضمّ الإجماع المركّب مع كلّ منهما يصير معارضا مع الآخر، و حاصله: أنّ القول باستقلال أحدهما لا يجتمع مع استقلال الآخر بالإجماع المركّب.

قلنا: من أين نعلم الإجماع على ذلك و متى نسلّمه، كيف؟! و كلام الفقيه «2» لا يدلّ إلّا على جواز نكاح الأب و الجدّ على الباكرة و ثبوت و لا يتهما لها، و لا يدلّ على عدم جواز نكاحها أصلا، فإنّه في مقام تعداد الأولياء لا في مقام بيان حكم البنت، فلعلّه يرى استقلال البنت أيضا.

و كذا التهذيب «3»، بل و كلام كثير من الفقهاء الذين لم يذكروا إلّا أحد طرفي المسألة، فإنّه يمكن أن يكون قائلا باستقلال كلّ منهما و ذكر أحدهما ردّا على من لا يجوز نكاحه.

و يظهر من الوافي أيضا هذا القول «4»، حيث حمل روايات الطرفين على الرخصة.

و لا يتوهّم أنّ موثّقة صفوان المتقدّمة «5» تدلّ على التشريك فينفى استقلال كلّ منهما.

لأنّها لا تدلّ على أزيد من جواز نكاح الأب، لأنّ «أفعل» فيها ليس

______________________________

(1) المتقدم في ص: 108.

(2) الفقيه 3: 250- ذ. ح 4.

(3) التهذيب 7: 384.

(4) الوافي 21: 410.

(5) في

ص: 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 122

للوجوب قطعا، و رجحان كون ذلك برضا البنت، لأنّ الجملة الخبريّة لا تفيد أزيد منه، و قوله: «إنّ لها نصيبا أو حظّا» لا يدلّ على أزيد من إثبات حظّ لها، فيمكن أن يكون هو القدر الذي يقتضي رجحان الاستئذان منها، أو جواز نكاحها أيضا.

و من ذلك يظهر دليل القول بالتشريك و جوابه أيضا، و احتجّ له في الغنية بطريقة الاحتياط «1».

و جوابه: أنّه ليس بواجب.

ثمَّ بما ذكرنا يظهر الحكم في النكاح المنقطع و أنّه جواز نكاح كلّ منهما.

لما مرّ بعينه.

مضافا في جواز نكاحها فيه إلى مرسلة القمّاط «2» و حسنة الحلبي «3».

و في جواز نكاحه إلى مفهوم الاستثناء في رواية أبي مريم: «العذراء التي لها أب لا تتزوّج إلّا بإذن أبيها» «4».

و كذا يظهر حكم الجدّ، و هو جواز نكاحه أيضا.

لما مرّ من صحيحة هشام و موثّقة عبيد و رواية السكوني «5».

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 609.

(2) التهذيب 7: 254- 1097، الاستبصار 3: 145- 525، الوسائل 21: 33 أبواب المتعة ب 11 ح 6.

(3) التهذيب 7: 254- 1098، الاستبصار 3: 145- 526، الوسائل 21: 34 أبواب المتعة ب 11 ح 9.

(4) الفقيه 3: 293- 1394، التهذيب 7: 254- 1099، الاستبصار 3: 145- 527، الوسائل 21: 35 أبواب المتعة ب 11 ح 12، و في الجميع: لا تتزوج متعة.

(5) المتقدمة جميعا في ص: 117.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 123

فروع:

أ: لو ذهبت بكارتها بغير الوطء فحكمها حكم البكر.

للاستصحاب.

و لإمكان صدق الباكرة عليها، لأنّها من لم تمسّ.

و لعدم صدق الثيّب، لأنّها من تزوّجت.

و منه يظهر الحكم فيمن ذهبت بكارتها بالزنا أيضا، فتكون ولاية الأب باقية عليها.

لعدم معلوميّة صدق

الثيّب فيستصحب الحكم، مع أنّ في بعض الأخبار المتقدّمة تعليق الحكم بانتفاء الولاية على النكاح و التزويج.

و لو تزوّجت و مات زوجها أو طلّقها قبل الوطء لم تسقط الولاية.

للإجماع.

و صدق الباكرة و الجارية.

ب: لو عضلها الوليّ- أي منعها- فلم يزوّجها من الأكفّاء مع رغبتها، فالمعروف من مذهب الأصحاب استقلالها و سقوط ولايته على القول بانفراده بالاستقلال، بل في الخلاف و النافع و التذكرة و القواعد «1» و غيرها [1]:

الإجماع عليه، و الظاهر كونه إجماعيّا، و هو الحجّة عليه.

لا ما ذكره في شرح المفاتيح و غيره [2] من انتفاء العسر و الحرج و الضرر، لأخصّيّته من المدّعى، و لإمكان دفع العسر بمراجعة الحكم مع

______________________________

[1] كالغنية (الجوامع الفقهية): 609.

[2] كالرياض 2: 80.

______________________________

(1) الخلاف 4: 279، النافع: 173، التذكرة 2: 585، القواعد 2: 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 124

وجوده و عدول المسلمين مع عدمه.

و على هذا، فاللّازم الاقتصار على موضع الإجماع، و هو ما إذا لم يزوّجها و يدعها معطّلة، كما يستفاد من بعض العبارات، حيث عبّر بالمنع من الأكفّاء «1» لا مجرّد أن لا يزوّجها من كفو أو كفوين لأجل التزويج بعده بغيره.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّك قد عرفت أنّ غاية ما تدلّ عليه أخبار استقلال الأب هو: جواز نكاحه لا عدم جواز نكاحها، و لو قيل به لكان للإجماع المركّب، و هو في صورة العضل مطلقا غير ثابت، فلها التزويج معه مطلقا.

ج: ذكر الشيخ في الخلاف «2» و بعض آخر [1]: أنّ الغيبة المنقطعة للأب بحكم العضل، فيجوز لها تزويج نفسها.

و قد يستدلّ له بنفي العسر و الحرج.

و قد عرفت ما فيه.

فالأولى الاستدلال له بما ذكرنا من انتفاء الإجماع المركّب الدالّ على عدم

جواز نكاحها على القول باستقلاله.

المسألة الخامسة: لا ولاية في النكاح لأحد على أحد، سوى الأب و الجدّ له

و المولى و الحاكم و الوصي، إجماعا منّا محقّقا، و محكيّا مستفيضا في غير الامّ و الجدّ لها «4»، و وفاقا لغير الإسكافي فيهما أيضا «5».

______________________________

[1] كصاحب الرياض 2: 80.

______________________________

(1) انظر المهذب 2: 193، القواعد 2: 6.

(2) الخلاف 4: 278.

(4) انظر الرياض 2: 77.

(5) حكاه عنه في المختلف: 536.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 125

للأصل الخالي عمّا يصلح لدفعه جدّا، إذ ليس إلّا بعض الأخبار في بعض ذوي الأنساب، الذي إن سلمت دلالته و خلوّه عن المعارض يكون مردودا بالشذوذ و مخالفة الشهرة العظيمة، بل مهمل رواته.

المسألة السادسة: ولاية الأب و الجدّ [1] ثابتة على الصغيرة و الصغير
اشاره

، وفاقا للجميع في الأب، و لغير العماني في الجدّ «2».

أمّا دليل ولاية الأب على الصغيرة- فبعد الإجماع المحقّق-: عموم الأخبار المتقدّمة في ولايته على البكر أو إطلاقها، و خصوص المستفيضة:

كصحيحة ابن الصلت: عن الجارية الصغيرة يزوّجها أبوها، إلها أمر إذا بلغت؟ قال: «لا» «3».

و ابن بزيع: عن الصبيّة يزوّجها أبوها و هي صغيرة، فتكبر قبل أن يدخل بها زوجها، أ يجوز عليها التزويج أو الأمر إليها؟ قال: «يجوز عليها تزويج أبيها» «4»، و غير ذلك.

و أمّا دليل ولايته على الصغير- فبعد الإجماع-: موثّقة البقباق: عن الرجل يزوّج ابنه و هو صغير، قال: «لا بأس» «5».

و صحيحة محمّد: في الصبي يتزوّج الصبيّة يتوارثان؟ قال: «إذا كان

______________________________

[1] في «ح» زيادة: له.

______________________________

(2) حكاه عنه في المختلف: 535.

(3) الكافي 5: 394- 6، التهذيب 7: 381- 1540، الاستبصار 3: 236- 851، الوسائل 20: 276 أبواب عقد النكاح ب 6 ح 3.

(4) الكافي 5: 394- 9، الفقيه 3: 250- 1191، التهذيب 7: 381- 1541، الاستبصار 3: 236- 852، عيون أخبار الرضا «ع» 2: 17- 44، الوسائل 20:

275 أبواب عقد النكاح ب 6

ح 1.

(5) الكافي 5: 400- 1، التهذيب 7: 389- 1559، الوسائل 21: 287 أبواب المهور ب 28 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 126

أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم» «1».

و صحيحة الحذّاء الآتية.

و تؤيّده أيضا موثّقة عبيد «2» و صحيحة محمّد «3» المثبتتين للمهر على الأب مع تزويجه ابنه.

و صحيحة الحلبي: الغلام له عشر سنين فيزوّجه أبوه في صغره، أ يجوز طلاقه و هو ابن عشر سنين؟ قال: «أمّا التزويج فصحيح، و أمّا طلاقه فينبغي أن يحبس عليه امرأته حتى يدرك فيعلم أنّه كان قد طلّق، فإن أقرّ بذلك و أمضاه فهي واحدة بائنة و هو خاطب من الخطّاب، و إن أنكر ذلك و أبى أن يمضيه فهي امرأته» قلت: فإن ماتت أو مات؟ فقال: «يعزل الميراث حتى يدرك أيّهما بقي، ثمَّ يحلف باللّه ما دعاه إلى أخذ الميراث إلّا الرضا بالنكاح، ثمَّ يدفع إليه الميراث» «4».

و أمّا دليل ولاية الجدّ عليهما- فبعد ظاهر الإجماع أيضا، لعدم قدح مخالفة من ذكر فيه، و لذا ادّعى الإجماع عليه في الناصريّات و التذكرة «5» و نفى الخلاف عنه في السرائر «6»-:

صحيحة هشام: «إذا زوّج الأب و الجدّ كان التزويج للأول، فإن كانا

______________________________

(1) التهذيب 7: 388- 1556، الوسائل 20: 292 أبواب عقد النكاح ب 12 ح 1.

(2) الكافي 5: 400- 2، التهذيب 7: 389- 1558، الوسائل 21: 287 أبواب المهور ب 28 ح 1.

(3) الكافي 5: 400- 3، التهذيب 7: 389- 1557، نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى: 136- 354، الوسائل 21: 288 أبواب المهور ب 28 ح 3.

(4) الفقيه 4: 227- 722، الوسائل 26: 220 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 4.

(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 211، التذكرة

2: 587.

(6) السرائر 2: 561.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 127

جميعا في حالة واحدة فالجدّ أولى» «1».

و رواية أبي العبّاس: «إذا زوّج الرجل فأبى ذلك والده فإنّ تزويج الأب جائز، و إن كره الجدّ ليس هذا مثل الذي يفعله الجدّ ثمَّ يريد الأب أن يردّه» «2».

و موثّقة عبيد: الجارية يريد أبوها أن يزوّجها من رجل و يريد جدّها أن يزوّجها من رجل آخر، فقال: «الجدّ أولى بذلك» إلى أن قال: «و يجوز عليها تزويج الأب و الجدّ» «3».

و رواية السكوني: «إذا زوّج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه و لابنه أيضا أن يزوّجها» فقلنا: فإن هوى أبوها رجلا و جدّها رجلا آخر، قال:

«الجدّ أولى بنكاحها» «4».

و موثّقة البقباق: «إنّ الجدّ إذا زوّج ابنة ابنه و كان أبوها حيّا و كان الجدّ مرضيّا جاز» قلنا: فإن هوي أبو الجارية هوى و هوى الجدّ هوى، و هما سواء في العدل و الرضا، قال: «أحبّ إليّ أن ترضى بقول الجدّ» «5».

و التزويج في الأوليين مطلق شامل لتزويج الصغير و الصغيرة، و في

______________________________

(1) الكافي 5: 395- 4، التهذيب 7: 390- 1562، الوسائل 20: 289 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 11 ح 3.

(2) الكافي 5: 396- 6، التهذيب 7: 390- 1563، الوسائل 20: 291 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 11 ح 6.

(3) الكافي 5: 395- 1، الفقيه 3: 250- 1192، التهذيب 7: 390- 1560، الوسائل 20: 289 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 11 ح 2.

(4) الكافي 5: 395- 2، التهذيب 7: 390- 1561، الوسائل 20: 289 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 11 ح 3.

(5) الكافي 5: 396- 5، التهذيب 7:

391- 1564، الوسائل 20: 290 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 11 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 128

البواقي و إن اختصّ بالصغيرة إلّا أنّه لا قائل بالفصل.

ثمَّ بهذه الأخبار يخصّص عموم ما دلّ على عدم ولاية غير الأب، كقوله عليه السلام: «يستأمرها كلّ أحد عدا الأب» «1»، أو على أنهنّ لا يتزوّجن إلّا بإذن آبائهنّ «2»، مع أنّ إرادة ما يشمل الجدّ من الأب ممكنة.

ثمَّ الجدّ في بعض تلك الأخبار و إن كان مطلقا شاملا لأب الأمّ و أب أمّ الجدّ للأب، إلّا أنّه خرج الأول بالإجماع، بل- كما قيل- بعدم تبادر غير أب الأب منه «3»، و أمّا الثاني فلا دليل على خروجه، بل عن التذكرة النظر في حقّه مع عدم أب الأب «4»، بل و كذا معه أيضا، إلّا أنّ الاحتياط يقتضي الاقتصار على الأول.

فروع:
أ: ثبوت ولايتهما على الصغيرة عامّ للباكرة و الثيّبة بالزنا

أو غيره.

لظواهر الأخبار المثبتة لولايتهما عليها و على الجارية الشاملتين بإطلاقهما لهما، و لا دلالة فيما مرّ من الأخبار النافية لها عن الثيّب منافاة له بعد ما مرّ من عدم ظهور الثيّب في غير المتزوّجة، و نسبة التزويج و النكاح فيما تضمّنهما بقوله: ما لم تتزوّج و بعد أن نكحت إلى نفسها، الدالّة على عدم صغرها.

ب: الحقّ اشتراط بقاء الأب في ولاية الجدّ.

______________________________

(1) انظر ص: 113.

(2) تقدم في ص: 115.

(3) انظر المسالك 1: 462.

(4) التذكرة: 587.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 129

وفاقا للصدوق و الشيخ في الخلاف و النهاية بل مطلقا «1»، و الإسكافي و الحلبي و الديلمي- على ما حكي عنه- و الصهرشتي و الراوندي و ابني زهرة و حمزة «2»، و مال إليه الفاضل الهندي من المتأخّرين «3»، و في الخلاف الإجماع عليه.

للأصل.

و اختصاص أخبار ولايته طرّا بما إذا كان الأب حيّا.

و مفهوم الشرط في موثّقة البقباق المتقدّمة. و جعله تنبيها على الفرد الأخفى خلاف الأصل.

خلافا للمحكيّ عن المفيد و السيّد و الحلّي و صاحب الجامع و الفاضلين و الفخري «4»، و نسبه الأخير إلى الديلمي أيضا.

للاستصحاب.

و كونه أقوى من الأب عند التعارض، و لا يفوت الأقوى بفوت الأضعف.

و صحيحة ابن سنان: «الذي بيده عقدة النكاح هو وليّ أمرها» «5».

______________________________

(1) الصدوق في الهداية: 68، الخلاف 4: 265، النهاية: 466، المبسوط 4:

164، التهذيب 7: 390.

(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 535، الحلبي في الكافي في الفقه: 292، الديلمي في المراسم: 148، الراوندي في فقه القرآن 2: 138، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 609، ابن حمزة في الوسيلة: 299، 300.

(3) كشف اللثام 2: 15.

(4) المفيد في المقنعة: 511، السيد في الانتصار: 121، الحلي في السرائر 2:

561، الجامع للشرائع: 438،

المحقق في المختصر النافع: 173، العلّامة في التحرير 2: 6، فخر المحققين في الإيضاح 3: 17.

(5) التهذيب 7: 392- 1570، الوسائل 20: 282 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 130

و لا خلاف في أنّ الجدّ وليّ أمرها.

و الأول: مردود بمعارضته باستصحاب حال العقل، و مدفوع بالمفهوم المتقدم.

و الثاني: بأنّه اجتهاد ضعيف في مقابلة الأصل و النصّ.

و الثالث: بأنّه أعمّ مطلقا من المفهوم، فيجب تخصيصه به.

و قد يردّ بعدم الدلالة أيضا، لاحتمال أن تكون الرواية مسوقة لبيان وليّ الأمر دون الذي بيده عقدة النكاح أولا.

أو أن يكون المراد بوليّ الأمر: وليّ الأمر في النكاح، فتكون الرواية مسوقة لبيان من بيده عقدة النكاح، الذي له العفو عن الصداق ثانيا.

أو أن يكون المراد بالذي بيده عقدة النكاح: الذي له العفو لا من بيده التزويج، يعني: من له العفو هو وليّ الأمر.

و يدلّ على ذلك الأخبار المتكثّرة المصرّحة بأنّ من بيده النكاح الأخ و الوصيّ و الوكيل في المعاملات «1».

و فيه: أنّ الأول- مع كونه خلاف الظاهر من السياق و من الروايات المتكثّرة المشتملة على السؤال عمّن بيده عقدة النكاح- مثبت للمطلوب أيضا، إذ بعد ثبوت أنّ وليّ الأمر من بيده عقدة النكاح و ثبوت أنّ الجدّ وليّ الأمر يعلم أنّ بيده عقدته أيضا.

و الأخيرين مجازان مخالفان للأصل، فلا يصار إليهما من غير دليل.

ج: لا خيار للصبيّة مع البلوغ لو زوّجها الوليّ قبله

، بلا خلاف فيه

______________________________

(1) الوسائل 20: 282 أبواب عقد النكاح ب 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 131

كما قيل «1»، بل إجماعها كما حكاه جماعة «2».

للأصل.

و صحيحتي ابني الصلت و بزيع المتقدّمتين «3».

و في صحيحة ابن يقطين: إذا بلغت الجارية فلم ترض فما حالها؟

قال:

«لا بأس إذا رضي أبوها أو وليّها» «4».

و في صحيحة الحذّاء: فإن كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تدرك؟

قال: «يجوز عليها تزويج الأب و يجوز على الغلام، و المهر على الأب للجارية» «5».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 16    131     ج: لا خيار للصبية مع البلوغ لو زوجها الولي قبله ..... ص : 130

لا ينافيه صدرها المثبت لهما الخيار بعد الإدراك مع تزويج الوليّ لهما، لأنّ ذيلها هذا قرينة على أنّ المراد بالوليّ في الصدر: المعنى العرفي، و هو أقرب الناس بهما، دون الشرعي.

و أمّا ما في صحيحة محمّد: الصبي يزوّج الصبيّة، قال: «إن كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم جائز، و لكن لهما الخيار إذا أدركا» «6».

و حسنة الكناسي الطويلة، و فيها: «فإن زوّجها قبل بلوغ تسع سنين

______________________________

(1) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 609.

(2) منهم صاحب الرياض 2: 77.

(3) في ص: 125.

(4) التهذيب 7: 381- 1542، الاستبصار 3: 236- 853، الوسائل 20: 277 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 6 ح 7.

(5) الكافي 7: 131- 1، التهذيب 7: 388- 1555، الوسائل 26: 219 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 1.

(6) التهذيب 7: 382- 1543، الاستبصار 3: 236- 854، الوسائل 20: 277 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 6 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 132

كان الخيار لها إذا بلغت تسع سنين» إلى أن قال: «إنّ الغلام إذا زوّجه أبوه و لم يدرك كان له الخيار إذا بلغ خمس عشرة سنة أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته قبل ذلك» «1».

فلا يصلحان لمعارضة ما مرّ، لشذوذهما، بل مخالفتهما الإجماع، و أشهريّته رواية و أحدثيّته.

و كذا الصبي عند الأكثر، لأصالة

بقاء الصحّة، و صحيحة الحذّاء المتقدّمة، و صحيحة محمّد السابقة «2» المثبتة لتوارثهما، المنافي ذلك للإلحاق بالفضولي، و ما دلّ على أنّ التزويج للجدّ إذا تعارض مع الأب و لو كان له الخيار كان منوطا باختياره.

خلافا للمحكيّ عن النهاية و الحلّي و القاضي و ابن حمزة «3»، فأثبتوا التخيير له بعد البلوغ.

لعموم رواية أبان السالفة «4»، و نحوها رواية البقباق، و في آخرها:

«إذا زوّج الرجل ابنه فذلك إلى ابنه، و إذا زوّج الابنة جاز» «5».

و خصوص صحيحة محمّد و حسنة الكناسي السابقتين.

و الأولان عامّان بالنسبة إلى صحيحة الحذّاء، لشمولهما الكبير أيضا،

______________________________

(1) التهذيب 7: 382- 1544، الاستبصار 3: 237- 855، الوسائل 20: 278 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 6 ح 9.

(2) راجع ص: 125.

(3) النهاية: 467، الحلي في السرائر 2: 568، القاضي في المهذب 2: 197، ابن حمزة في الوسيلة: 300.

(4) في ص: 114.

(5) الكافي 5: 400- 1، التهذيب 7: 389- 1559، الوسائل 21: 287 أبواب المهور ب 28 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 133

فيخصّصان به.

و ردّ الثالث أيضا بأنّه لا قائل به في الصغيرة، فيجب ردّه، لعدم قبوله التخصيص، لأنّ إرادة المفرد من التثنية ليس تخصيصا.

و الرابع باشتماله أيضا على أحكام كثيرة مخالفة للإجماع.

أقول: الاشتمال على مثل ذلك لا يوجب خروج الباقي عن الحجّيّة، و عدم القول به في الصغيرة أيضا لا يوجب ردّ الخبر في الصغير، غاية الأمر أنّه لا يكون من باب التخصيص، بل يكون من قبيل ما لجزء منه معارض دون الآخر.

هذا، مع ما في أخبار اللزوم أيضا من ضعف الدلالة و خفائها.

فتتعارض أدلّة الطرفين، و التخيير بينهما في المقام غير ممكن، فيجب الرجوع إلى الأصل، و

هو مع القول الأول، لأنّ الأصل الصحّة، لصحيحة الحلبي المتقدّمة «1» المصرّحة بذلك، و الأصل ترتّب الأثر على فعل الأب و الجدّ، حيث إنّه التزويج الثابت شرعيّته، فتستصحب الصحّة إلى أن يعلم المزيل، و لم يعلم كون ردّ الولد مزيلا.

و أمّا جعل الأصل مع الثاني، حيث إنّ الأصل عدم اللزوم و عدم ترتّب الأثر.

ففيه: أنّ ثبوتهما في النكاح الثابت شرعا يقيني، فالذي للولد- على فرض ثبوته- هو خيار الفسخ، و ثبوته أمر خلاف الأصل، لا أن يكون رضاه جزء السبب، لعدم دليل عليه، فهو أيضا مخالف آخر للأصل.

هذا، مع أنّ صحيحة الحلبي دالّة على اللزوم أيضا.

______________________________

(1) في ص: 126.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 134

المسألة السابعة: لا يجوز تزويج فاسد العقل لسفه أو جنون
اشاره

، ذكرا كان أو أنثى، مع البلوغ بغير وليّ، إجماعا، بل ضرورة، بل بالأخبار التي تشير إليها.

و يجوز بإذن الوليّ كذلك أيضا.

لمفهوم صحيحة الفضلاء و منطوق خبر زرارة، المتقدّمتين في أدلّة القول الأول من المسألة الرابعة «1».

ثمَّ ولاية الأب و الجدّ مع وجودهما عليه مع اتصال الفساد بالصغر ثابتة عند الأصحاب، كما في بعض العبارات «2».

و بلا خلاف كما في بعض آخر «3».

و إجماعا كما في كلام جماعة [1].

بل هو إجماع محقّقا، و هو الدليل عليه.

مضافا إلى عمومات ولايتهما على الباكرة أو الجارية أو البنت «5»، الخالية عن معارضة ما تضمّن استقلالها «6»، لانتفاء الاستقلال في حقّ المجنون من جهة التفصيل بين التزويج و الطلاق، و إثبات الخيار في الثاني.

و خصوص مفهوم الرواية الخامسة عشرة من أخبار القول الثاني من

______________________________

[1] منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 452.

______________________________

(1) راجع ص: 107 و 108.

(2) انظر الكفاية: 156.

(3) كما في المفاتيح 2: 265.

(5) انظر الوسائل 20: 275 أبواب عقد النكاح ب 6.

(6)

راجع ص: 108.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 135

المسألة الرابعة «1»، دلّت على عدم البأس في تزويج البنت بإذن أبيها إذا كان بأس بما صنعت، أي كانت فاسدة العقل.

بل صحيحة الفضلاء و خبر زرارة السابقة لكون الأب و الجدّ وليّا عرفا، لأنّ اولي الأرحام بعضهم أولى ببعض.

و للإجماع على ولايتهما في ماله، كما في التذكرة «2» و غيره «3».

و لأنّ الأب بيده عقد النكاح، كما صرّح به في الأخبار الكثيرة «4»، و الذي بيده ذلك وليّ الأمر، لصحيحة ابن سنان المتقدّمة «5».

و يثبت الحكم في الابن بضميمة عدم القول بالفصل، مضافا إلى عموم الرواية الثالثة عشرة «6»، المنجبر ضعفها بما ذكر.

و كذا مع تجدّد الجنون، وفاقا لجماعة، منهم: النافع و القواعد و التحرير و التذكرة «7»، بل عن ظاهر [بعضهم ] [1] الإجماع عليه.

لا لبعض الاعتبارات الاستحسانيّة- التي ذكرها بعضهم- لعدم اعتبارها.

بل للعمومات المشار إليها.

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 116.

(2) التذكرة 2: 80.

(3) كالكفاية: 113.

(4) الوسائل 20: 272، أبواب عقد النكاح ب 4، و أيضا ج 21: 315 أبواب المهور ب 52.

(5) في ص: 129.

(6) المتقدمة في ص: 115 و 116.

(7) النافع: 173، القواعد 2: 5، التحرير 2: 8، التذكرة 2: 587.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 136

خلافا لمن قال: إنّ الولاية حينئذ للحاكم- و منهم: صاحب المدارك في شرح النافع- لأصالة عدم عود ولاية الأب و الجدّ.

و فيه: أنّ ولاية الحاكم أيضا خلاف الأصل، فهما بالنسبة إلى الأصل متساويان.

فرعان:

أ: لا خيار لفاسد العقل بعد الإفاقة، إجماعا كما في المسالك «1».

للأصل.

ب: لا شكّ في اشتراط جواز التزويج له بانتفاء المفسدة له.

و هل يشترط بوجود المصلحة له، كما في

التذكرة و عن المحقّق الثاني «2»؟

أو لا، كما يقتضيه إطلاق الأكثر؟

الظاهر: الثاني، لإطلاق ما مرّ.

المسألة الثامنة: ولاية الملك ثابتة للمولى على رقيقه

، ذكرا كان أو أنثى، صغيرا أو كبيرا، عاقلا أو مجنونا، دواما أو متعة، إجماعا محكيّا مستفيضا «3» و محقّقا، فتوى و دليلا، كتابا و سنّة.

قال عزّ شأنه وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ «4».

______________________________

(1) المسالك 1: 452.

(2) التذكرة 2: 609، المحقق الثاني في جامع المقاصد 12: 111.

(3) كما في المفاتيح 2: 268 و الرياض 2: 82.

(4) النور: 32.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 137

و قال جلّ جلاله فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ «1».

و قال سبحانه عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ «2».

و في صحيحة زرارة: «المملوك لا يجوز طلاقه و لا نكاحه إلّا بإذن سيّده» «3».

و رواية العقرقوفي في العبد، و فيها: «لا يقدر على طلاق و لا نكاح إلّا بإذن مولاه» «4».

و أبي بصير: «لا يصلح نكاح الأمة إلّا بإذن مولاها» «5».

و البقباق: عن الأمة تتزوّج بغير إذن أهلها؟ قال: «يحرم ذلك عليها و هو زنى» «6»، إلى غير ذلك.

و لأنّ بضعهما من المنافع المملوكة للمولى و الناس مسلّطون على أموالهم كما ورد «7»، فله أن يتصرّف فيه كيف شاء من دون اختيار له فيه.

و مقتضى إطلاق الأكثر: أنّ للمولى إجباره على النكاح، فليس له الامتناع.

______________________________

(1) النساء: 25.

(2) النحل: 75.

(3) الفقيه 3: 350- 1673، التهذيب 7: 347- 1419، الاستبصار 3:

214- 780، الوسائل 22: 101 أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه ب 45 ح 1.

(4) التهذيب 7: 347- 1421، الاستبصار 3: 215- 782، الوسائل 21: 184 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 66 ح 2.

(5) الكافي 5: 359- 3، التهذيب 7: 335- 1373، الاستبصار 3: 219- 793، الوسائل 21: 120 أبواب

نكاح العبيد و الإماء ب 29 ح 4.

(6) الكافي 5: 479- 2، التهذيب 7: 348- 1424، الاستبصار 3: 219- 794، الوسائل 21: 120 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 29 ح 2.

(7) غوالي اللئالي 3: 208- 49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 138

و يدلّ عليه أيضا قوله سبحانه لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ.

و للوليّ تزويج أمة المولّى عليه و عبده إذا كانت فيه مصلحة.

لعمومات جواز تصرّفه في ماله.

خلافا لبعض العامّة «1».

و لا يكون له فسخه بعد الكمال، كسائر تصرّفاته في أمواله.

و ليس له الولاية على المبعّض، بمعنى إجباره عليه، و إن ثبتت له بمعنى عدم استقلاله به بدون إذنه إجماعا، كما عن التذكرة «2».

المسألة التاسعة: في ولاية الوصيّ للأب أو الجدّ له في النكاح للصغير أو الصغيرة

أقوال:

الأول: نفي الولاية مطلقا.

اختاره في موضع من المبسوط و الشرائع و النافع و القواعد و التذكرة و اللمعة و الكفاية «3»، بل هو المشهور كما في المسالك و الروضة «4».

الثاني: ثبوتها كذلك.

و هو للمبسوط أيضا [1]، و عن المختلف و شرح الإرشاد للشهيد و الروضة «6».

______________________________

[1] لم نعثر عليه في المبسوط، و لكن حكاه عنه في المختلف: 540.

______________________________

(1) انظر المغني و الشرح الكبير على متن المقنع 7: 358- 5173.

(2) التذكرة 2: 590.

(3) المبسوط 4: 59، الشرائع 2: 277، النافع: 173، القواعد 2: 5، التذكرة 2:

592، اللمعة (الروضة البهية 5): 116، الكفاية: 156.

(4) المسالك 1: 453، الروضة 5: 118.

(6) المختلف: 541، الروضة 5: 118.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 139

الثالث: ثبوتها إذا نصّ الموصي على النكاح و عدمه بدونه.

و هو المحكيّ عن الخلاف و الجامع و المحقّق الثاني «1» و غيرهم «2».

حجّة الأول: أصالة عدم الولاية و عدم انتقالها من الموصي مع انقطاعها عنه بموته.

و مفهوم صحيحتي محمّد المتقدّمتين «3»، المتضمّنتين

لقوله: «إن كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم».

و منطوق صحيحته الأخرى المتقدّمة «4»: «و يستأمرها كلّ أحد عدا الأب».

و ما صرّح: بأنّهنّ لا ينكحن إلّا بإذن آبائهنّ «5».

و صحيحة ابن حازم: «تستأمر البكر و غيرها و لا تنكح إلّا بأمرها» «6».

و مقطوعة ابن بزيع الصحيحة: رجل مات و ترك أخوين و بنتا، و البنت صغيرة، فعمد أحد الأخوين الوصيّ فزوّج الابنة من ابنه، ثمَّ مات أبو الابن المزوّج، فلمّا أن مات قال الآخر: أخي لم يزوّج ابنه فزوّج الجارية من ابنه، فقيل للجارية: أيّ الزوجين أحبّ إليك: الأول أو الآخر؟

قالت: الآخر، ثمَّ إنّ الأخ الثاني مات و للأخ الأول ابن أكبر من الابن المزوّج، فقال للجارية: اختاري أيّهما أحبّ إليك: الزوج الأول أو الزوج

______________________________

(1) الخلاف 4: 254، الجامع للشرائع: 438، المحقق الثاني في جامع المقاصد 12: 99.

(2) كالتنقيح الرائع 3: 33.

(3) في ص: 125 و 131.

(4) في ص: 113.

(5) راجع ص: 115.

(6) التهذيب 7: 380- 1535، الوسائل 20: 284 أبواب عقد النكاح ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 140

الآخر؟ فقال: «الرواية فيها: أنّها للزوج الآخر، و ذلك أنّها قد كانت أدركت حين زوّجها، و ليس لها أن تنقض ما عقدته بعد إدراكها» «1».

و دليل الثاني: صحيحة ابن أبي عمير: في قول اللّه عزّ و جلّ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ «2» قال: «هو الأب و الأخ و الرجل يوصى إليه، و الرجل يجوز أمره في مال المرأة، فيبيع لها و يشتري، فإذا عفا جاز» «3».

و نحوها موثّقة سماعة «4» و رواية أبي بصير «5» و صحيحة محمّد «6»، إلّا أنّ فيها: «الموصى إليه».

و صحيحة ابن سنان المتقدّمة «7»: «الذي بيده عقدة

النكاح وليّ أمرها».

و دليل الثالث: ما مرّ، مضافا إلى أنّ مع التفويض ينتقل فلا ينقطع بالموت، و إلى أنّه تثبت الوصيّة بالمال و تنفذ فكذا في النكاح.

و لعموم قوله سبحانه فَمَنْ بَدَّلَهُ «8».

أقول: الآية مخصوصة بالوصيّة للوالدين و الأقربين بما ترك من

______________________________

(1) الكافي 5: 397- 3، التهذيب 7: 387- 1554، الوسائل 20: 282 أبواب عقد النكاح ب 8 ح 1.

(2) البقرة: 237.

(3) الكافي 6: 106- 3، التهذيب 8: 142- 493، الوسائل 21: 315 أبواب المهور ب 52 ح 1.

(4) الكافي 6: 106- 2، الوسائل 21: 315 أبواب المهور ب 52 ح 1.

(5) التهذيب 7: 393- 1573، الوسائل 20: 283 أبواب عقد النكاح ب 8 ح 4.

(6) التهذيب 7: 484- 1946، الوسائل 20: 283 أبواب عقد النكاح ب 8 ح 5.

(7) في ص: 129.

(8) البقرة: 181.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 141

الخير، و التلازم بين نفوذ الوصيّة بالمال و النكاح غير ثابت، و القياس باطل، و الانتقال مع الوصيّة ممنوع، لأنّ الأصل عدمه.

فلم يبق للقول الثالث إلّا الأخبار، و غير صحيحة ابن سنان منها مجملة، لاشتمالها على الوكيل في المال، و لا شكّ أنّه ليس بيده عقدة النكاح، و تخصيصه بالوكيل في النكاح أيضا ليس بأولى من إرادة من له العفو ممّن بيده عقدة النكاح، بل هو الظاهر، مع أنّها مشتملة على الأخ أيضا، و لا بدّ له من ارتكاب تجوّز أو تخصيص، فتصير الروايات مجملة، مع أنّ المراد بالرجل الذي يوصى إليه أيضا يمكن أن يكون وصيّ المرأة المطلّقة قبل المسّ، فإنّ له العفو أيضا بعد موتها.

و أمّا حمل هذه الأخبار على الاستحباب- فمع بعده عن السياق للسؤال عن المراد عن الذي بيده عقدة

النكاح في الآية- لا يلائم اشتمالها على الوكيل في المال، لعدم استحباب الاستئذان منه قطعا، و أبعد منه حمل الوصيّ على الإمام أو الجدّ كما قيل «1».

نعم، تتمّ دلالة صحيحة ابن سنان عليهما لو لا معارضتها بالعموم من وجه مع المفهومين، و بالعموم المطلق مع الصحيحة الأخيرة، و لكن معارضتها معها تمنع من العمل بها.

فلا يبقى لهذين القولين دليل يركن إليه.

فالحقّ هو: الأول: لأنّ غير المفهومين و الصحيحة و الأصل من أدلّته و إن كان محلّ الخدش، و المفهومين و إن يعارض صحيحة ابن سنان بالعموم من وجه، و لكن الصحيحة الأخيرة و الأصل كافيان في إثباته.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 81.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 142

المسألة العاشرة: الحقّ: ولاية الوصيّ في النكاح للبالغ فاسد العقل

، وفاقا لمن تثبت له الولاية على الصغير، و لجمع آخر غيرهم، منهم:

الفاضلان، بل الأكثر كما قيل.

لا لما قيل «1» من الضرورة مع عدم توقّع زوال العذر و خوف المرض أو الوقوع في الزنى، لإمكان اندفاعها بولاية الحاكم مع وجوده، أو عدول المسلمين مع عدمه.

بل لصحيحة ابن سنان الخالية هنا عن معارضة المفهومين و مكاوحة الصحيحة.

المسألة الحادية عشرة: لا ولاية للحاكم- و المراد به في زمان الغيبة: نائب الإمام العام- على من له أب أو جدّ

مطلقا، سواء كان صغيرا أو كبيرا، فاسد العقل المتّصل فساده بالبلوغ أو المتجدّد، ذكرا أو أنثى، إجماعا في الصغير، بل كما قيل في غير المتجدّد «2»، و إن نسب الخلاف في المتّصل جنونه إلى المحقّق «3»، و على المختار فيه.

للأصل الخالي عن المعارض، إذ ليس إلّا ما يدلّ على اختيار الوليّ، و الوليّ فيها الأب و الجدّ كما مرّ، مضافا في الصغير إلى المفهومين المتقدّمين.

و لا على الصغيرين الخاليين عن الأب و الجدّ على الحقّ المشهور.

______________________________

(1) كما في كشف اللثام 2: 15.

(2) انظر الرياض 2: 81.

(3) نسبه إليه في المسالك 1: 453.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 143

للمفهومين.

و لا على فاسد العقل المتّصل فساده مع الوصيّ أيضا.

لما مرّ من ولايته له.

و له ولاية النكاح على فاسد العقل الخالي عن الأب و الجدّ و الوصيّ مطلقا، و المتجدّد فساده مع الوصيّ أيضا، بلا خلاف بين علمائنا يعلم، كما في التذكرة «1»، بل بالإجماع كما قيل «2».

لصحيحة ابن سنان المتقدّمة الخالية عن المعارض.

و للنبويّ المرويّ في كتب أصحابنا- المنجبر ضعفه بالاشتهار-:

«السلطان وليّ من لا وليّ له» «3».

و المراد: من له السلطنة و النائب العام كذلك و إن لم ينفذ سلطانه على الفسّاق و الظلمة.

المسألة الثانية عشرة: يصحّ توكيل كلّ من الزوجين أو وليّهما أو أحدهما في عقد النكاح.

لظاهر الإجماع.

و في التذكرة في توكيل الوليّ: لا نعرف فيه خلافا «4».

و تدلّ عليه أيضا المستفيضة من الأخبار:

كموثّقة البصري: «تزوّج من شاءت إذا كانت مالكة لأمرها و إن

______________________________

(1) التذكرة 2: 592.

(2) انظر الرياض 2: 81.

(3) كما في التذكرة 2: 592، المسالك 1: 453، كشف اللثام 2: 15.

(4) التذكرة 2: 595.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 144

شاءت جعلت وكيلا» «1».

و في بعض النسخ «وليّا»، و هو أيضا يثبت المطلوب، إذ الوليّ الذي

تجعله ليس إلّا الوكيل.

و رواية البزنطي، و فيها: «و إن قالت: زوّجني فلانا، فليزوّجها ممّن ترضى» «2».

و موثّقة الساباطي، و فيها: فإن وكّلت غيره بتزويجها منه؟ قال: «نعم» «3».

و رواية محمّد بن شعيب المتقدّمة «4» في مسألة الخطأ في تعيين الزوجة.

و مرسلة ابن بكير: في رجل أرسل يخطب عليه امرأة و هو غائب، فانكحوا الغائب و فرض الصداق، ثمَّ جاء خبره بعد أنّه توفّي- إلى أن قال-: «و إن كان أملك قبل أن يتوفّى فلها نصف الصداق، و هي وارثة و عليها العدّة» «5».

و صحيحة أبي ولّاد: عن رجل أمر رجلا أن يزوّجه امرأة بالمدينة و سمّاها له و الذي أمره بالعراق، فخرج المأمور و زوّجها إيّاه، ثمَّ قدم العراق فوجد الذي أمره قد مات، قال: «ينظر في ذلك، فإن كان المأمور زوّجها

______________________________

(1) الكافي 5: 392- 3، الوسائل 20: 270 أبواب عقد النكاح ب 3 ح 8.

(2) الكافي 5: 393- 3، الفقيه 3: 251- 1196، التهذيب 7: 386- 1550، الاستبصار 3: 239- 856، الوسائل 20: 268 أبواب عقد النكاح ب 3 ح 3.

(3) التهذيب 7: 378- 1529، الاستبصار 3: 233- 841، الوسائل 20: 288 أبواب عقد النكاح ب 10 ح 4.

(4) في ص: 104.

(5) الكافي 5: 415- 1، التهذيب 7: 367- 1489، الوسائل 20: 305 أبواب عقد النكاح ب 28 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 145

إيّاه قبل أن يموت الآمر ثمَّ مات الآمر بعده فإنّ المهر في جميع ذلك الميراث بمنزلة الدين» الحديث «1». و غير ذلك.

و يدلّ عليه مثل ما تقدّم «2» من قولهم: «يستأمرها كلّ أحد عدا الأب».

و قولهم: «تستأمر البكر و لا تتزوّج إلّا بأمرها» «3».

و مثل مرسلة الكافي:

عن رجل يريد أن يزوّج أخته، قال: «يؤامرها، فإن سكتت فهو إقرارها» «4».

و قوله في مرسلة ابن بكير [1]- السابقة في أخبار استقلال الأب-:

«تولّي أمرها من شاءت» «6». و غير ذلك.

و تمام المطلوب يثبت بالإجماع المركّب.

و لا بدّ للوكيل حينئذ من الإيجاب أو القبول للموكّل، فلا يصحّ لو نسبه إلى نفسه، أو لم يذكر المنسوب إليه و إن نواه، للأصل المتقدّم ذكره، فلا يعلم ترتّب الأثر إلّا بما علم الأثر معه، و لم يعلم إلّا مع النسبة إلى الموكّل.

نعم، لو تأخّر القبول عن الإيجاب و ذكر المنسوب إليه في الإيجاب يكفي الاقتصار بنحو قوله: قبلت، لأنّ تقدّم ذكره يجعل القبول له أيضا.

______________________________

[1] لم يسبق عن ابن بكير رواية بهذا المضمون، و لعلّ الصحيح: رواية ابن زياد.

______________________________

(1) الفقيه 3: 271- 1290، الوسائل 20: 305 أبواب عقد النكاح ب 28 ح 1.

(2) في ص: 113.

(3) المتقدّم في ص: 139.

(4) الكافي 5: 393- 3، الوسائل 20: 268 أبواب عقد النكاح ب 3 ح 3.

(6) راجع ص: 116، 117.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 146

و هل يجوز للموجب أن يقول: زوّجت من موكّلك، ناويا كون التزويج لموكّله من غير ذكره؟

فيه نظر، و الأصل يعطي العدم.

المسألة الثالثة عشرة: لو وكّلت أحدا في التزويج للغير نصّا أو ما في حكمه لا يجوز للوكيل تزويجها لنفسه

إجماعا، له.

و للأصل.

و صحيحتي الحلبي و الكناني «1».

و لو وكّله لتزويجه من نفسه كذلك يجوز على الأظهر الأشهر، بل لظاهر الإجماع.

للأصل الثابت من عمومات التوكيل «2».

و قيل بالمنع «3».

لإيجابه كون واحد موجبا و قابلا.

و لأصالة بقاء الحرمة.

و لموثّقة عمّار: عن امرأة تكون في أهل بيت فتكره أن يعلم بها أهلها، يحلّ لها أن توكّل رجلا يريد أن يتزوّجها تقول له: قد وكّلتك فاشهد على تزويجي؟ قال: «لا»، قلت: و إن كانت أيّما؟ قال:

«و إن كانت أيّما» قلت: فإن وكّلت غيره بتزويجها منه؟ قال: «نعم» «4».

______________________________

(1) الكافي 5: 397- 1، الفقيه 3: 50- 171، التهذيب 7: 391- 1565، الوسائل 20: 287 أبواب عقد النكاح ب 10 ح 1.

(2) الوسائل 20: 287 أبواب عقد النكاح ب 10.

(3) انظر الحدائق 23: 252.

(4) التهذيب 7: 378- 1529، الاستبصار 3: 233- 841، الوسائل 20: 288 أبواب عقد النكاح ب 10 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 147

و يردّ الأول بمنع الإيجاب.

و الثاني باندفاعه بما مرّ.

و الثالث بمنع الدلالة، إذ لعلّ عدم الحلّية بتزويجها من نفسه لإطلاق قولها: «قد وكّلتك» من غير تصريح أو نصب قرينة على توكيله في التزويج لنفسه أيضا، و إرادته تزويجها لا يدلّ على علمها بها أيضا، و لو دلّت عليه و لو بالعموم لا يدل على إرادتها من قولها: «وكّلتك» أو نصبها قرينة، و زعم السائل- أنّ المنع لنفس توكيله لا للإطلاق حيث قال بعده: «فإن وكّلت غيره»- لا يثبت أنّ الأمر كذلك في الواقع، و إرجاع نفي الحلّية إلى التوكيل في الإشهاد خاصّة بعيد.

و لو وكّله مطلقا، فالأظهر الأشهر- كما قيل «1»- عدم جواز التزويج لنفسه.

لشيوع التوكيل في التزويج للغير، و تبادره منه، لكثرة وقوعه في ذلك. و لا أقلّ من صلاحيّة هذا قرينة لإرادة الغير، فلا يجري فيه أصل الإطلاق، و يصير محلّ الشكّ، فيصار إلى مقتضى الأصل.

و لموثّقة عمّار المتقدّمة.

و كذا لو وكّله عموما، نحو: زوّجني ممّن شئت، للدليل الأول.

و منه يظهر أنّه لو ظنّ شمول العموم له نفسه من خارج جاز.

لانتفاء صلاحيّة الحال حينئذ للقرينة.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 81.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 148

المسألة الرابعة عشرة: هل يجوز للوكيل تولّي طرفي العقد

أصالة أو ولاية في أحدهما، أو

وكالة فيهما، أو للوليّ ولاية فيهما؟

ذهب الفاضلان و فخر المحقّقين و الشهيدان إلى الجواز «1»، بل هو الأشهر كما قيل «2»، و عن المسالك: نفي الخلاف فيه [1].

و استدلّ له بعموم أدلّتي الولاية و الوكالة، فإنّ المستفاد من الاولى:

جواز تزويج الوليّ مطلقا، فيجوز تزويج شخص واحد كان وليّا للزوجين.

و من الثانية: جواز توكيل كلّ واحد و لو كان وكيلا للآخر أو وليّا عليه.

و لا يشترط تغاير المتعاقدين حقيقة.

لكفاية المغايرة الاعتباريّة.

و عدم دليل على اعتبار الحقيقيّة.

بل عن الخلاف: الاتّفاق على عدمه عندنا «4».

و يرد عليه أنّه: إنّ عموم أدلّة الولاية يفيد أنّ الوليّ و لو كان واحدا لهما إذا زوّج من له الولاية عليه يصحّ، و لكن لم يثبت أنّ العقد الذي يوقعه منهما بنفسه يكون تزويجا، إذ ثبوته فرع صحّته، و لم يثبت بعد.

______________________________

[1] المسالك 1: 342 و فيه: و جواز تولّي الواحد الطرفين عندنا.

______________________________

(1) المحقق في الشرائع 2: 278، العلّامة في القواعد 2: 7، فخر المحققين في الإيضاح 3: 26، الشهيد في اللمعة (الروضة البهيّة 5): 120، الشهيد الثاني في الروضة 5: 123.

(2) انظر الرياض 2: 81.

(4) حكاه عنه في كشف اللثام 2: 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 149

و كذا يستفاد من عموم أدلّة الوكالة: أنّ لهما توكيل كلّ أحد، و لو وكيل الآخر أو وليّه في التزويج، و لم يثبت كون العقد الصادر طرفاه من واحد تزويجا، مع أنّه لا دليل عامّا في توكيل الزوج، و إنّما هو بالإجماع المركّب الغير الثابت تحقّقه في المورد.

و لذا ذهب بعض علمائنا- كما صرّح به في الإيضاح «1»- إلى المنع.

و هو الأقوى.

لأصالة الفساد.

و عدم دليل على الصحّة.

و عدم الدليل على اعتبار المغايرة الحقيقيّة إنّما

يفيد لو كان هناك دليل على الجواز، و ليس.

المسألة الخامسة عشرة: لو ادّعى رجل زوجيّة امرأة:

فهي إمّا مالكة لأمرها.

أو مزوّجة للغير.

فعلى الأول:

إمّا تصدّقه.

أو تكذّبه.

أو تقول: لا أدري. و هو إنّما يكون إذا ادّعى الزوج تزويجها بإذن وليّها حين ولايته عليها.

______________________________

(1) الإيضاح 3: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 150

فإن صدّقته يحكم بالعقد ظاهرا.

لانحصار الحقّ فيهما.

و عموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز.

فليس لأحد مزاحمتهما، إلّا المدّعي الحسبي إذا ادّعى حرمة أحدهما على الآخر- لرضاع بينهما، أو نكاح في عدّة، أو جماع حين يزوّجها لغيره، و نحوها- فيسمع ادّعاؤه إن كانت له بيّنة و إلّا فلا، و لا يمين على المنكر، لعدم كونه حقّا للمدّعي.

و إن كذّبته يطلب منه البيّنة، فإن أقامها يحكم بزوجيّتها له، فيجب عليهما مراعاة حقوق الزوجيّة ظاهرا، و إلّا فله تحليفها.

لعموم: «البيّنة على المدّعي و اليمين على المنكر» «1».

قالوا: و يحكم قبل التحليف عليه بمقتضى اعترافه، و لها بمقتضى إنكارها، فيحكم عليه بكلّ ما يكفي فيه اعترافه، فيمنع من تزويج الخامسة، و من أختها و أمّها و بنت إخوتها بدون إذنها، و باشتغال ذمّته بالمهر، و لكن ليس لها مطالبته، لأنّه مقتضى إنكارها، و لا لغيرها و لو كان حاكما، لأنّه لو كان فهو حقّها و ليس للغير المطالبة بدون إذنها. و يلزمهم أنّ لوارثها المطالبة لو ماتت، لأنّهم لم ينكروه، و أنّ لهم نصيبها من إرثه لو ماتا معا.

و الحقّ: عدم ثبوت الاشتغال، إذ القدر الثابت أنّ الاعتراف بحقّ الغير يوجب الشغل به إذا لم يصادفه إنكارها، لأنّ الأول كما يوجب الثبوت، الثاني يوجب عدمه، لأنّه أمر بين اثنين، ففي الحقيقة أقرّت هي أيضا بعدم

______________________________

(1) الوسائل 27: 233 أبواب كيفية الحكم ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 16، ص: 151

اشتغاله بحقّها، و لأنّ الاشتغال لازمه وجوب الأداء، و تحقّقه يتوقّف على جواز الأخذ.

و لذا يعدّ قوله: أعط زيدا درهما، و لزيد: لا تأخذه، تناقضا، و لأجل ذلك ليس لوارثها المطالبة، و لا يرثون نصيبها أيضا، لذلك، إلّا إذا ادّعوا زوجيّتها له لا من جهة اعترافه السابق، بل ادّعوا علمهم بها و بكذبها في الإنكار، و اعترف الزوج بعد دعواهم أيضا، فيكون الترافع معهم حينئذ، و يحكم فيه بمقتضى أحكام المرافعة.

و من ذلك يظهر عدم ثبوت اشتغاله بالإنفاق و القسم و نحوهما مع قطع النظر عن عدم تمكينها أيضا.

و كذا يحكم لها بكلّ ما يلزم إنكارها، بخلوّها عن المانع، و جواز تزويجها بالغير، وفاقا للروضة «1».

للأصل.

و استصحاب الحكم السابق.

و إيجابه الحرج في الجملة.

و يظهر من الروضة وجود قول بمنعها.

لتعلّق حقّ الزوجيّة في الجملة.

و لمنع تزويجها من نفوذ إقرارها به على تقدير رجوعها، لأنّه إقرار في حقّ الزوج الثاني.

و يردّ الأول بمنع التعلّق.

______________________________

(1) الروضة 5: 124.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 152

و الثاني بمنع صلاحيّته للمنع، إذ لا مانع من عدم نفوذ الإقرار.

ثمَّ إن رجعت إلى الاعتراف فيؤخذ به، و إن استمرّت على الإنكار: فإن حلفت يحكم لها، و إن نكلت له و إن ردّته فله إن حلف و لها إن نكل.

لعموم أدلّتهما.

و في القواعد: عدم الالتفات إلى دعوى الزوج إلّا بالبيّنة «1».

و ظاهره عدم تسلّطه على تحليفها.

و لا وجه له، كما صرّح به المحقّق الثاني «2».

هذا كلّه إن كان قبل تزويجها للغير.

و إن كان بعده فيرجع إلى الدعوى على المزوّجة، و يأتي حكمه.

و إن قالت: لا أدري.

فإن ادّعى عليها العلم علما أو ظنّا، فله حلفها على نفي العلم.

لأنّه دعوى يستلزم تحقّق المدّعى

به لثبوت حقّ له، فيدخل في عموم: البيّنة على المدّعي و اليمين على من أنكر.

و لكن لا يسقط به أصل الدعوى، فتسمع بيّنته لو أقيمت بعد ذلك.

لأنّ الحلف على نفي العلم، و لازمه عدم سماع بيّنة العلم لا بيّنة الزوجيّة.

و إن لم يدّع عليها العلم، فلا تسلّط له عليها بالزوجيّة إلّا بعد قيام البيّنة.

للأصل الخالي عن المعارض بالمرّة.

______________________________

(1) القواعد 2: 8.

(2) جامع المقاصد 12: 91.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 153

و لا بالحلف.

للأدلّة المصرّحة بأنّ الحلف على البتّ:

كصحيحة هشام: «لا يحلف الرجل إلّا على علمه» «1».

و في مرسلة ابن مرّار: «لا يقع اليمين إلّا على العلم» «2».

و في رواية أبي بصير: «لا يستحلف الرجل إلّا على علمه» «3».

فلو لم تكن له بيّنة سقطت دعواه، بمعنى: عدم ترتّب أثر عليها في حقّه، إذ لم يثبت من الشارع في حقّ المدّعي سوى البيّنة أو التحليف، و هما منفيّان في المقام، و الأصل عدم تحقّق مقتضاها، فيحكم به.

و تدلّ عليه أيضا- في بعض موارد عدم علم المدّعى عليه- موثّقة سماعة: عن رجل تزوّج أمة أو تمتّع بها، فحدّثه ثقة أو غير ثقة، فقال: إنّ هذه امرأتي و ليست لي بيّنة، قال: «إن كان ثقة فلا يقربها، و إن كان غير ثقة فلا يقبل» «4».

و حسنة عبد العزيز: إنّ أخي مات و تزوّجت امرأته، فجاء عمّي فادّعى أنّه كان تزوّجها سرّا، فسألتها عن ذلك فأنكرت أشدّ الإنكار، فقالت:

ما كان بيني و بينه شي ء قطّ، فقال: «يلزمك إقرارها و يلزمه إنكارها» «5».

______________________________

(1) الكافي 7: 445- 1، التهذيب 8: 280- 1020، الوسائل 23: 246 أبواب الأيمان ب 22 ح 1.

(2) الكافي 7: 445- 4، التهذيب 8: 280- 1022، الوسائل 23:

247 أبواب الأيمان ب 22 ح 4.

(3) الكافي 7: 445- 2، التهذيب 8: 280- 1021، الوسائل 23: 247 أبواب الأيمان ب 22 ح 2.

(4) التهذيب 7: 461- 1845، الوسائل 20: 300 أبواب عقد النكاح ب 23 ح 2.

(5) الكافي 5: 563- 27، الوسائل 20: 229 أبواب عقد النكاح ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 154

و رواية يونس: عن رجل تزوّج امرأة في بلد من البلدان، فسألها أ لك زوج؟ فقالت: لا، فتزوّجها، ثمَّ إنّ رجلا أتاه فقال: هي امرأتي، فأنكرت المرأة ذلك، ما يلزم الزوج؟ فقال: «هي امرأته إلّا أن يقيم البيّنة» «1».

دلّت هذه الروايات على عدم قبول قول مدّعي الزوجيّة في سقوط حقّ الزوج الثاني مع أنّ الزوج الثاني غير عالم به، كما يدلّ عليه الفرق بين الثقة و غيره في الأول، و سؤاله عن حالها في الثانيين و أنّه لا حلف عليه.

و أمّا قوله في الأول: «إن كان ثقة فلا يقربها» فلا يفيد أزيد من الكراهة، و لذا خصّه بالمقاربة دون سائر الأمور و لم يحكم بزوجيّة الأول بمجرّده و اختصاصها بمورد آخر غير ضائر، إذ لا فرق بين الحقوق.

و أمّا ما قد يذكر في كتاب القضاء، فيما إذا كان جواب المدّعى عليه:

لا أعلم، من احتمال ردّ الحاكم أو المدّعى عليه الحلف إلى المدّعي.

فهو أمر مخالف للأصل، محتاج إلى التوقيف، و لم نجده، بل- كما عرفت- وجد غيره.

و لا يتوهّم عموم بعض روايات اليمين، لأنّها بين مجملة و مبيّنة بكون اليمين على المدّعى عليه، و المبيّن حاكم على المجمل.

مع أنّ في صحيحة العجلي: «الحقوق كلّها: البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه، إلّا في الدم خاصّة» الحديث «2».

و

في رواية أبي بصير: «لو أنّ رجلا ادّعى على رجل عشرة آلاف درهم أو أقلّ من ذلك أو أكثر لم يكن اليمين على المدّعي» الحديث.

______________________________

(1) التهذيب 7: 468- 1874، الوسائل 20: 300 أبواب كيفية الحكم ب 23 ح 3.

(2) الكافي 7: 361- 4، الوسائل 27: 233 أبواب كيفية الحكم ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 155

و في موثّقته: «إنّ اللّه حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم، حكم في أموالكم: أنّ البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه» الحديث «1».

فلو كان إطلاق يجب التقييد بهذه الأخبار.

و لا يتوهّم دلالة إطلاق أخبار ردّ اليمين، لأنّ الردّ إنّما يكون فيما تعلّق اليمين بالمدّعى عليه، فإذا لم يتعلّق لا يكون ردّ.

و أمّا ما قيل في وجهه من أنّه لولاه لزم عدم سماع دعوى مسموعة بلا جهة «2».

فواه، لأنّ طلب البيّنة أو التحليف على نفي العلم لو ادّعاه عين سماعها.

نعم، يلزم عدم ثبوت تسلّط منها في بعض الصور، و ما الضرر فيه كما في مورد الروايات الثلاث؟! حيث إنّ الظاهر عدم الخلاف فيها أيضا و فيما إذا كان المدّعى عليه وارثا.

مع أنّه ورد في الروايات: «إنّ أحكام المسلمين على ثلاثة: شهادة عادلة أو يمين قاطعة أو سنّة ماضية من أئمّة الهدى» «3».

و في الصحيح: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: إنّما أقضي بينكم بالبيّنات و الأيمان» «4».

______________________________

(1) الكافي 7: 415- 2، التهذيب 6: 229- 554، الوسائل 27: 234 أبواب كيفية الحكم ب 3 ح 3.

(2) انظر الإيضاح 3: 40.

(3) الكافي 7: 432- 20، التهذيب 6: 287- 796، الخصال: 155- 195، الوسائل 27: 231 أبواب كيفية الحكم ب 1 ح

6.

(4) الكافي 7: 414- 1، التهذيب 6: 229- 552، معاني الأخبار: 279، الوسائل 27: 232 أبواب كيفية الحكم ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 156

و في مرسلة يونس: «استخراج الحقوق بأربعة وجوه: بشهادة رجلين عدلين، فإن لم يكون رجلين فرجل و امرأتان، فإن لم يكن فرجل و يمين المدّعي، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه، فإن لم يحلف و ردّ اليمين على المدّعي فهي واجبة عليه أن يحلف و يأخذ حقّه، فإن أبى أن يحلف فلا شي ء عليه» «1».

و بيّن في سائر الروايات: أنّ اليمين على المدّعى عليه و أنّه على العلم، فإذا خصّ الشارع القضاء بذلك الأنحاء فمن أين يتعدّى إلى غيره بلا دليل؟! غاية الأمر صيرورة دعواه لاغية، فلتكن كذلك، و ما الضرر فيه بعد كونها مخالفة للأصل؟! و لا يتوهّم أنّه يمكن إلزام المدّعي عليه بلا يمين مردودة أيضا لعدم المعارض لقول المدّعي، لأنّ الأصل من أقوى المعارضات، و من أين ثبتت حجّيّة قول المدّعي و صلاحيّته لدفع الأصل الثابت من الشرع؟! فإن قيل: لأجل وجوب حمل أفعال المسلمين و أقوالهم على الصحّة و الصدق.

قلنا: من اين ثبت ذلك؟! سيّما حمل أقوالهم على الصدق إذا كانت مخالفة للأصل مثبتة للحقّ على الغير، و لم نعثر إلى الآن على دليل تامّ على ذلك، بل و لا على حمل الأفعال على الصحّة، كما بيّنّا في كتاب عوائد الأيّام و كتاب مناهج الأحكام «2».

______________________________

(1) الكافي 7: 416- 3، التهذيب 6: 231- 562، الوسائل 27: 241 أبواب كيفية الحكم ب 7 ح 4.

(2) عوائد الأيّام: 73.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 157

و لو سلّمنا، فغاية ما نسلّمه: أنّه لا

يكذّب في ادّعاء علمه، و لكن من أين ثبتت حجّيّة علمه علينا؟! فإن قيل: ورد في رواية البصري- المتضمّنة لحكم الدعوى على الميّت-: «فإن ادّعى و لا بيّنة له فلا حقّ له، لأنّ المدّعى عليه ليس بحيّ و لو كان حيّا لألزم اليمين أو الحقّ أو يردّ اليمين عليه» «1».

دلّت على أنّه لو كان حيّا لتعلّق به أحد الثلاثة، و لمّا لم يمكن اليمين أو ردّه هنا فتعيّن الإلزام بالحقّ.

قلنا: يجب إمّا تخصيص الحيّ بالعالم، أو تخصيص الإلزام و الردّ به، و لا مرجّح، فيحصل الإجمال المسقط للاستدلال.

و على الثاني- و هو أن تكون مزوّجة، سواء زوّجت قبل ادّعائه أو بعده و قبل طيّ الدعوى-: ففيه الصور الثلاث المتقدّمة أيضا.

أو لا.

فعلى الأول: فالحكم ظاهر.

و على الثاني: فلا مرافعة له مع الزوجة، بل يحكم عليها بمقتضى اعترافها، و هو ثبوت كلّ ما يتعلّق به ممّا يختصّ بنفسها، و لا مدخليّة للغير فيه، إذ لم يثبت إلّا نفوذ الاعتراف و تأثيره فيما يختصّ به، فلو طلّقها الثاني أو مات لم يجز لها التزويج بغير الأول، و ليس لها على الثاني مهر و لا نفقة،

______________________________

(1) الكافي 7: 415- 1، الفقيه 3: 38- 128، التهذيب 6: 229- 555، الوسائل 27: 236 أبواب كيفية الحكم ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 158

كما مرّ.

نعم، تبقى المرافعة مع الزوج الثاني، فإن كانت له بيّنة فيحكم بمقتضاها، و إلّا فللأول تحليفه، فإن حلف فيحكم له بكلّ ما تقتضيه زوجيّته لها ممّا لا ينافيه تصديقها الأول، فلا تجوز له الخامسة و لا نكاح أمّها و نحوها، و يسلّط على جماعها و منعها من الخروج، و يجوز إجبارها على التمكين و

الإطاعة، لأنّهما حقّان ثابتان له عليها، فلا يزولان إلّا بمزيل إجماعا.

و إن لم يحلف يقضى بالنكول.

و إن كذّبته:

فإن أقام البيّنة فيحكم له.

و المراد بالبيّنة المعتبرة هنا و في صورة تصديق الزوجة أيضا: من شهد على العقد للأول، أو اعترافها للثاني.

و إلّا فقيل: تنقطع دعواه عليها في الزوجيّة بلا خلاف «1».

للروايات الثلاث المتقدّمة.

و لا حلف عليها، لإطلاقها، بل للأصل، لأنّ المتبادر من عمومات الحلف و ردّه إنّما هو الموضع الذي لو لم يحلف المنكر ثبت الحقّ، و لا يثبت هنا حقّ له.

بل قيل: تنقطع دعواه فيما يترتّب على الزوجيّة أيضا «2».

للأصل.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 70.

(2) انظر الرياض 2: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 159

و إطلاق الروايات.

و خالف فيه جماعة [1]، فأوجبوا اليمين عليها بالإضافة إليه.

لعمومات اليمين.

و ردّ بعدم عموم فيها يشمل ما نحن فيه، نظرا إلى أنّ المتبادر منه لزوم الحلف لقطع أصل الدعوى لا لوازمه، و العمدة في التعدية إليه هو الإجماع، و لم يثبت هنا.

أقول: لمانع أن يمنع التبادر المذكور، بل لو سلّمنا اختصاص اليمين بما تنقطع به الدعوى فإنّما هو بالإجماع المنتفي في المقام، فتبقى العمومات بلا مخصّص.

فالحقّ: توجّه اليمين عليها بالنسبة إلى ما يترتّب على الزوجيّة إن كان، بل الظاهر توجّهها إليها بالنسبة إلى الزوجيّة أيضا، للعمومات المذكورة الدافعة للأصل، مع منع التبادر الذي ادّعوه فيها أيضا، بل الاختصاص الذي ذكروه إنّما هو بالإجماع، و هو هنا منفي.

و أمّا الروايات الثلاث، فلا تثبت إلّا أنّها امرأة الثاني و لو حلفت، لا أنّه ليس عليها الحلف و قد يريد الزوج المدّعي تحليفها تشفّيا له على إنكارها.

هذا، مع أنّ مورد الروايات ما لم يكن الزوج الثاني عالما و لم يدّع المدّعي علمه

و قد يدّعي عليه العلم علما أو ظنّا أيضا، فعلى هذا يلزم أن لا يكون للمدّعي تحليف واحد منهما، إذ لا تثبت بتصديق أحدهما الزوجيّة.

______________________________

[1] كفخر المحققين في الإيضاح 3: 40 و الشهيد الثاني في الروضة 5: 131.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 160

و التحقيق أن يقال: لو ادّعى على الزوجة فقط و اعترف بعدم علم الزوج فليس له تحليفها، إذ الحلف إنّما يكون في مورد يمكن إثبات الحقّ بالنكول أو الردّ، و هو منتف في المقام، و لو تركت الحلف لم يترتّب عليه أثر.

و لو لم يعترف بعدم علم الزوج فله تحليفها على نفي الزوجيّة أيضا، و ثمرته: أنّه مع النكول أو الردّ تثمر دعواه على الزوج و تثبت الزوجيّة له بنكوله أو ردّه أيضا.

ثمَّ إنّ للمسألة صورا كثيرة أخرى- كما إذا كانت الزوجة مولّى عليها، فادّعى على وليّها و غير ذلك- يستخرج حكمها ممّا يذكر في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

المسألة السادسة عشرة: لو ادّعت امرأة زوجيّة رجل

فتجري فيه الصور المتقدّمة في المسألة السابقة، و نظير ما إذا كانت الدعوى على الزوجة ما إذا كان الزوج مزوّجا بما لا يجتمع مع زوجته هذه، كأختها أو بنتها و كالأربع، و يظهر حكم الجميع ممّا ذكر.

المسألة السابعة عشرة: لو ادّعت امرأة مزوّجة زوجيّة رجل آخر:

فإن صدّقها ذلك الرجل يقضي عليهما بما يختصّ بكلّ منهما، و تبقى لها دعوى مع زوجها الأول:

فإن صدّقها فحكمه ظاهر.

و كذا إن قال: لا أدري.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 161

و إن كذّبها فيكون منكرا، لأنّ الزوجة حينئذ مدّعية لفساد نكاح هذا الزوج:

فإن أقامت الزوجة البيّنة التي شهدت بالتفصيل المتقدّم فيحكم لها.

و كذا إن حلفت اليمين المردودة.

و إلّا فيحلف الزوج الأول و يحكم له.

و إن كذّبها الثاني فعليها البيّنة، فإن إقامتها فيحكم لها، و إلّا فلها تحليفه، فإن حلف و إلّا فيحكم لها.

و ثمرته تظهر فيما يترتّب على الزوجيّة و في الدعوى على الزوج الأول، و على جميع التقادير يؤخذ بما يختصّ بها باعترافها بفساد نكاح الأول.

و منه يظهر الحكم لو ادّعى رجل له زوجة زوجيّة من لا يجتمع مع هذه الزوجة، كامّها أو أختها أو الخامسة.

المسألة الثامنة عشرة: لو اجتمعت دعويان غير ممكن الاجتماع صدقهما في الزوجيّة:

كأن تدّعي امرأة زوجيّة رجل و رجل آخر زوجيّتها.

أو ادّعى رجل زوجيّة امرأة و أختها أو بنتها أو خامستها أيضا زوجيّته.

و كان الرجل الأول في الدعوى الاولى و المرأة الاولى في الثانية منكرا، لأنّ مع تصديقه يرجع إلى المسألة السابقة، سواء كان التصديق مسبوقا بإنكار فرجع أو لا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 162

فتكون هناك دعويان، تكون المرأة و الرجل الثاني في المثال الأول و الرجل و المرأة الثانية في الثاني مدّعيين في إحدى الدعويين منكرين في الأخرى، فلا يخلو:

إمّا أن تكون للمدّعيين البيّنة.

أو لا تكون لشي ء منهما بيّنة، أو تكون لأحدهما خاصّة.

فعلى الأخير: تكون لذي البيّنة إقامة بيّنة و لفاقدها حلف المدّعى عليه على الأقوى.

فإن سبق الأول في إقامة البيّنة و حكم له، يكون الثاني من باب مسألة دعوى المزوّجة زوجا آخر، أو دعوى الرجل

زوجيّة المزوّجة، أو دعوى المرأة زوجيّة رجل له زوجة لا تجتمعان، أو الرجل زوجيّة امرأة لا تجتمع مع زوجته، و قد مرّ حكم الجميع، إلّا أنّه لا تطلب البيّنة هنا من ذي البيّنة الذي أقامها ثانيا فيما كان الحكم في السابق طلب البيّنة منه، لأنّه قد أقامها أولا.

و إن سبق الثاني في الحلف، فإن حلف المنكر فحكمه ظاهر، و إن نكل أو ردّ تثبت دعوى المدّعي.

و ترجع المسائل الأربع- الحاصلة باعتبار المثالين و المدّعيين- إلى بعض المسائل المتقدّمة التي ظهر حكمها أيضا ..

مثلا: لو نكل الرجل الذي تدّعي [المرأة] [1] زوجيّته قبل إقامة الرجل الآخر البيّنة على زوجيّتها، تصير من باب مسألة مدّعي زوجيّة المزوّجة، و هكذا، و لا يمين على ذي البيّنة حينئذ فيما شهدت له البيّنة، للأصل.

______________________________

[1] بدل ما بين المعقوفين في النسخ: الرجل، و الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 163

و توهّم شيخنا الشهيد الثاني في الروضة حكم المصنّف به «1»، فنسبه إليه و تبعه بعض آخر [1]، و لم يذكره أحد قبله كما صرّح به في الروضة، مع أنّ الظاهر أنّ مراد المصنّف: الحلف للدعوى الآخر، لا على ذي البيّنة، كما فهمه الشارح و حمل الآخر على ذي البيّنة، مع أنّ المراد منه الادّعاء الآخر.

و على الثاني- و هو إن لم يكن لهما بيّنة-: فلكلّ واحد منهما تحليف المدّعى عليه، و لا يخلو:

إمّا يحلفان.

أو يحلف أحدهما و الآخر يردّ أو ينكل.

أو هما معا يردّان أو ينكلان.

فإن حلفا فالحكم ظاهر.

و إن حلف أحدهما و ردّ الآخر أو نكل، فإمّا يسبق التحليف أو الردّ و النكول.

فإن سبق التحليف فترجع المسائل الأربع إلى أربع من المسائل المتقدّمة.

مثلا: [إن ] [2] حلفت المرأة

لمدّعي زوجيّتها أولا، ثمَّ حلفت هي اليمين المردودة من الرجل الآخر المنكر زوجيّتها، يرجع إلى ما إذا ادّعت المرأة التي ليس زوج لها زوجيّة رجل و حلفت يمينا مردودة. و إن حلف الرجل المدّعي لأخت من يدّعي زوجيّتها يرجع إلى ما إذا ادّعى الرجل زوجيّة امرأة لا مانع لها، و هكذا.

______________________________

[1] كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 14.

[2] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

______________________________

(1) الروضة 5: 130 و 132.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 164

و إن سبق الردّ و النكول التحليف يرجع إلى مسائل أربع أخرى من المسائل المتقدّمة.

مثلا: إن نكلت الزوجة أولا ثمَّ أرادت حلف الرجل المدّعى عليه يرجع إلى مسألة دعوى المرأة المزوّجة زوجيّة رجل آخر، و هكذا.

و إن ردّا أو نكلا معا فيرجع إلى أربع مسائل أخرى من المسائل المتقدّمة.

مثلا: لو نكل الرجل الذي يدّعي عليه أخت الزوجة التي يدّعي هو عليها بعد ردّه الحلف، تصير مسألة ما إذا ادّعى الرجل المزوّج زوجيّة من لا يجتمع مع زوجته، و هكذا.

و على الأول- و هو أن تكون لكلّ منهما بيّنة-:

فإمّا تكونان مؤرختين فيعمل بالسابق، و وجهه ظاهر، مضافا إلى قوله في ذيل رواية الزهري الآتية: «إلّا بوقت قبل وقتها».

أو أحدهما خاصّة، فيعمل بمقتضاه خاصّة.

لأصالة تأخّر الحادث.

و الرواية الزهري الشاملة بإطلاقها لما إذا كانت بيّنة الزوج مؤقّتة، بل ظهورها فيها من جهة قوله: «لأنّ الزوج قد استحقّ بضع هذه المرأة» و قوله: «قبل وقتها»، فإنّهما ظاهران في توقيت بيّنة الزوج.

أو ليس شي ء منهما مؤرخا، فتتعارضان.

و ظاهر أنّه لا يمكن العمل بالبيّنتين، للتناقض.

و لا بأحدهما من دون مرجّح، لبطلان الترجيح بلا مرجّح.

فمقتضى القاعدة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 165

إمّا طرحهما، فتصير مثل ما

إذا لم تكن لهما بيّنة أصلا، و قد عرفت حكمه.

أو يقرع بينهما إن جازت القرعة إذا تعارضت البيّنتان، لأنّها لكلّ أمر مشكل.

إلّا أنّه ورد في رواية الزهري: في رجل ادّعى على امرأة أنّه تزوّجها بوليّ و شهود، و أنكرت المرأة ذلك، و أقامت أخت هذه المرأة على هذا الرجل البيّنة أنّه تزوّجها بوليّ و شهود و لم توقّت وقتا: «إنّ البيّنة بيّنة الزوج و لا تقبل بيّنة المرأة، لأنّ الزوج قد استحقّ بضع هذه المرأة، و تريد أختها فساد هذا النكاح و لا تقبل بيّنتها إلّا بوقت قبل وقتها أو دخول بها» «1».

و ضعفها منجبر بالشهرة، بل دعوى عدم الخلاف و الإجماع «2»، و مقتضاها: استثناء صورة من توقيت إحدى البيّنتين و صورة من انتفاء التوقيت فيهما عن الحكم الذي ذكرنا، و هي ما إذا كان الزوج قد دخل بالمدّعية.

فإنّه حينئذ تقدّم بيّنة الزوجة، سواء وقّت بيّنة الزوج أم لا، لأنّ الظاهر كون الدخول لزوجته، فيقدّم الظاهر على الأصل في الصورة الأولى، و يقدّم المقارن للظاهر على الفاقد له في الثانية بالنصّ المذكور، لأنّه إمّا ظاهر في صورة توقيت بيّنة الزوج- كما مرّ- فيثبت الحكم في الأولى بالصراحة و في الثانية بالأولويّة، أو شامل لها فيثبته في الصورتين بالإطلاق.

______________________________

(1) الكافي 5: 562- 26، التهذيب 7: 433- 1729، الوسائل 20: 299 أبواب عقد النكاح ب 22 ح 1.

(2) كما في الرياض 2: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 166

و لا يرد الإشكال: بأنّ الزوج منكر فلا وجه لتقديم بيّنته، لأنّه مدّع بالنسبة إلى المرأة الأخرى و هي منكرة، كما صرّحت به الرواية، فاعتبار بيّنته إنّما هو بالإضافة إليها، لكونه مدّعيا في مقابلها.

و لكن الحكم مخصوص

بمورد الرواية- أي ما كان الرجل مدّعيا على امرأة و أختها عليه- و لا يتعدّى إلى غيره، حتى إلى ما إذا كانت المدّعية على الرجل بنتها أو أمّها، بل الحكم في سائر الشقوق بأجمعها ما ذكرنا من القواعد.

فالقول بالحكم للمدّعية في المثال الثاني مع يمينها في صورة انتفاء البيّنة و تحقّق الدخول بها ترجيحا للظاهر على الأصل مطلقا، و له مع البيّنتين مطلقا، لرجحان بيّنته على بيّنتها، لإنكارها فعله الذي لا يعلم إلّا من قبله، فلعلّه عقد على المنكرة قبل عقده على المدّعية.

غير صحيح، لمنع ترجيح الظاهر على الأصل بإطلاقه، و منع عدم إمكان العلم إلّا من قبله، مع أنّه غير جار في صورة توقيت البيّنتين بوقتين متساويين.

ثمَّ إنّ بعد تقديم بيّنة المنصوص هل عليه اليمين أيضا؟

الحقّ: لا، للأصل، فإنّ مشروعيّة اليمين توقيفيّة، و لم يوقف في المورد.

و قيل: نعم، لجواز وقوع لم يطلع عليه البيّنة «1».

قلنا: هذا القدر غير كاف في إثبات اليمين، بل اللازم في إثباتها الدليل الشرعي، و الجواز- بعد حكم الشارع بالتقديم- غير مضرّ، و إلّا فمع

______________________________

(1) انظر المسالك 1: 447.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 167

اليمين أيضا لا ينتفي الاحتمال.

نعم، لو ادّعى عليه سبق عقد حتى تتحقّق دعوى اخرى اتّجه الحكم باليمين.

مسألة: الظاهر وجوب مراعاة الوليّ عدم المفسدة في النكاح.

لظاهر الإجماع.

و عمومات نفي الضرر، المعارضة مع عمومات لزوم تزويج الوليّ، الراجحة عليها بموافقة الكتاب و السنّة و أصالة عدم ترتّب الأثر، فلا يجوز معها، و لو زوّج و الحال هذه بطل.

و هل تجب مراعاة المصلحة في النكاح؟

الظاهر: لا، للأصل، و العمومات.

نعم، لو قلنا بوجوب مراعاة المصلحة في التصرّفات الماليّة يجب على الزوج مراعاتها في المهر، بل يحتمل التعدّي إلى الإنفاق أيضا، و المصلحة المراعاة إنّما هي

بحسب وقت النكاح لا ما يتجدّد بعده.

مسألة: لا يشترط في تزويج المولّى عليها أن يكون بمهر المثل

أو أزيد، للأصل، و إطلاقات تزويج الوليّ.

و لا يتوهّم أنّ الأصل عدم تحقّق التزويج، إذ لا كلام في أنّ الاختلاف هنا ليس لعدم صدق التزويج. فلو زوّج بدونه صحّ العقد و لزم و إن لم تراع فيه مصلحتها ما لم تكن لها فيه مفسدة، للإطلاقات، و العمومات:

كصحيحة الحلبي: في الجارية يزوّجها أبوها بغير رضا منها، قال:

«ليس لها مع أبيها أمر إذا أنكحها جاز نكاحه و إن كانت كارهة» «1».

______________________________

(1) الكافي 5: 393- 4، التهذيب 7: 381- 1539، الوسائل 20: 285 أبواب عقد النكاح ب 9 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 168

و صحيحة ابن الصلت و صحيحة ابن بزيع و غيرها، المتقدّمة في بحث وليّ العقد «1».

و لا يعارضها ما دلّ على ثبوت الخيار- كصحيحة محمّد «2»- لما مرّ من مرجوحيّتها.

و ربّما قيل ببطلان العقد مع عدم رعاية المصلحة، لأنّه عقد جرى على خلاف المصلحة.

و فيه: أنّ وجوب عدم كون العقد مخالفا للمصلحة غير معلوم، بل هو أول النزاع، مع أنّ عدم رعاية المصلحة غير كونه خلاف المصلحة.

و قيل: بأنّ لها خيار فسخه، لفساد المهر الذي جرى عليه العقد، لعدم رضائها به.

و فيه أولا: منع اقتضاء فساد المهر للخيار في النكاح، للرجوع إلى مهر المثل.

و ثانيا: منع فساده المهر، بل الحقّ صحّة المهر المسمّى و لزومه أيضا، لمثل ما ذكر من الأصل، و العمومات، و عمومات لزوم المهر المسمّى كملا أو نصفا، المذكورة في أبواب ما يوجب المهر و ما إذا ماتت المرأة أو طلّقت قبل الدخول.

المعتضدة كلّها بقوله تعالى أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ «3»، فإذا ساغ له العفو فنقصه ابتداء أولى، وفاقا للمحكيّ

عن

______________________________

(1) راجع ص: 125.

(2) المتقدّمة في ص: 131.

(3) البقرة: 237.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 169

المبسوط و الخلاف «1».

و قيل بالبطلان- نقله في المبسوط «2»- لأنّ عليه مراعاة القيمة في مالها ففي بضعها أولى.

و هو ممنوع.

و عن المحقّق و في القواعد و التحرير «3»: إثبات الخيار لها فيه، سواء اعتبرت فيه المصلحة أم لا، لأنّه عوض لها في بضعها، فالنقص فيه ضرر منفيّ في الشرع، فينجبر بتخييرها في فسخ المسمّى و الرجوع إلى مهر المثل.

و فيه: أنّ النكاح ليس في الحقيقة معاوضة، و لذا لا يشترط فيه المهر أيضا، فإذا قبل الخلوّ عنه يقبل النقص بالطريق الأولى، و ليس المهر عوضا حتى يلزم من نقصه الضرر، بل المطلوب الأصليّ في النكاح بقاء النسل و تحصين الفرج، فلا ينظر إلى ما يقابله من العوض الواقع بالعرض.

و في الروضة قوّى اللزوم في المسمّى مع مراعاة المصلحة، و الخيار مع عدم مراعاتها «4»، و استوجهه في المفاتيح «5» و شرحه، لأنّ الأصل في تصرّف الوليّ: مراعاة مصلحة المولّى عليه، فحيث أوقعه على خلاف المصلحة كان لها الخيار.

و فيه: منع الأصل في المورد، للأصل.

______________________________

(1) المبسوط 4: 179، الخلاف 4: 392.

(2) المبسوط 4: 179.

(3) المحقق في الشرائع 2: 278، القواعد 2: 7، التحرير 2: 6.

(4) الروضة 5: 140.

(5) المفاتيح 2: 269.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 170

مسألة: لو زوّج الولي المولّى عليه بأكثر من مهر المثل:

فإن كان من مال الوليّ صحّ و لزم بلا خلاف- كما قيل- و إن دخل المهر حينئذ في ملك المولّى عليه ضمنا.

و كذا إن كان ذلك مقتضى مصلحة، لأنّها للضرر جابرة.

و إلّا فالحقّ ثبوت الخيار له، لأنّه إضاعة للمال، و ضرر منفيّ في الشرع و مفسدة، فيجب دفعه، و هو بالخيار

يدفع.

بل يمكن أن يقال: إنّه مناف للمصلحة التي يستفاد من الأخبار لزوم مراعاتها على قيّم الصغار، بل لم يثبت من دليل جواز مثل ذلك التصرّف في أموالهم، فيبطل أصل المهر.

و يحتمل ضمان الوليّ له إن كان أبا.

لإطلاق قوله في صحيحة الحذّاء: «و المهر على الأب للجارية» «1».

و في صحيحة محمّد: «فإنّ المهر على الأب» «2».

خرجت عنه الصور التي تتعلّق بذمّة المولّى عليه بالدليل، فيبقى الباقي، و منه المورد، سيّما إذا كان أطلق و لم يصرّح بتعلّقه بمال الصبي.

ثمَّ إن قلنا ببطلانه أو بثبوت الخيار له و لم يجزه بل أبطله، فهل يبطل العقد؟

أو لا يبطل و يكون لازما و يثبت لها مهر المثل؟

أو يثبت لها الخيار فيه؟

الأول: مقتضى تبعيّة العقود للقصود.

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 131.

(2) المتقدمة في ص: 126.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 171

و الثاني: مبنيّ على عدم فساد النكاح بفساد المهر أو الشرط.

و الثالث: لا وجه له، لأنّه إن ثبت عموم صحّة النكاح مع فساد المهر أو الشرط بحيث يشمل المورد فالثاني و إلّا فالأوّل، و يأتي تحقيقه في بحث المهور.

هذا إذا لم تعلم المرأة فساد المهر، أو تخيّر الزوج حين النكاح.

و أمّا لو علمته، فيصحّ النكاح و يلزم البتّة.

لعدم المقتضي للبطلان أو الخيار، فإنّ مع علمها لا يعلم قصدها النكاح بالمهر المخصوص البتّة، فلا يؤثّر فساد المهر، كما بيّنّا وجهه مفصّلا في عائدة: العقود تابعة للقصود من كتاب عوائد الأيّام «1».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 16    171     مسألة: لو زوج الولي الأنثى أو الذكر بمن فيه أحد العيوب الموجبة للفسخ ..... ص : 171

مسألة: لو زوّج الوليّ الأنثى أو الذكر بمن فيه أحد العيوب الموجبة للفسخ

، كان للمولّى عليه الفسخ بعد الاطّلاع و الكمال، سواء علم به الولي حين

العقد أو لا، و سواء كان العقد مقتضى المصلحة أم لا.

لأدلّة ثبوت الخيار مع أحد هذه الأوصاف و الجهل به:

كصحيحة الحلبي: «يردّ النكاح من البرص و الجذام و الجنون و العفل» [1].

و قريب منه في صحيحتيه الأخريين «3».

______________________________

[1] التهذيب 7: 424- 1693، الاستبصار 3: 246- 880، الوسائل 21: 210 أبواب العيوب و التدليس ب 1 ح 10.

العفل و العفلة: بالتحريك فيهما: شي ء يخرج من قبل النساء. الصحاح 5: 1769.

______________________________

(1) عوائد الأيّام: 52.

(3) الاولى في: الكافي 5: 406- 6، الفقيه 3: 273- 1299، التهذيب 7:

426- 1701، الاستبصار 3: 247- 886، الوسائل 21: 209 أبواب العيوب و التدليس ب 1 ح 6.

الثانية في: نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 80- 171، الوسائل 21: 216 أبواب العيوب و التلبيس ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 172

و غيرها من أخبار العنّين و المجنون الآتية في بحثها.

و قد يستشكل في خيار المولّى عليه مع علم الوليّ بالعيب، لأنّه إن راعى الغبطة مضى تصرّفه و إلّا كان باطلا أو فضوليّا.

و يضعّف بمنع الشرطيّتين، لإطلاق أدلّة التخيير بالعيوب، و عدم الدليل على اعتبار الغبطة زيادة على التزويج، و التضرّر بالعيب المنفيّ يجبر بالخيار و لا معارض غيره.

و عن ظاهر الخلاف: عدم الخيار «1».

و لا وجه له بعد ما عرفت.

و قد يوجّه: بأنّه مبنيّ على وجوب اعتبار المصلحة على الوليّ، فبعد رعايتها لزم العقد و رفع الاختيار.

و فيه: منع الوجوب أولا، و عدم إيجابه لتخصيص أدلّة الخيار ثانيا.

مسألة: لو زوّجها الوليّ بغير كفو:

فإن كان عدم الكفاءة مما يوجب الخيار- كالإعسار الذي لا يقدر معه على الإنفاق على القول بالخيار فيه- كان لها الخيار أيضا.

و إن كان ممّا يمنع عن التزويج- كالكفر و نحوه-

بطل العقد.

و الوجه فيهما ظاهر.

مسألة: الوكيل إن كان مقيّدا تجب عليه متابعة القيد

، فإن خالف وقع فضوليّا.

______________________________

(1) الخلاف 4: 284.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 173

و إن كان مطلقا يختار ما شاء و من أراد، إلّا أن تدلّ قرينة حاليّة على إرادة قيد فيجب اتّباعه، و إن خالفه فيكون كما إذا خالف المقيّد.

مسألة: النكاح الفضولي صحيح غير لازم
اشاره

، يلزم بالإجازة من وليّ العقد، فإن أجاز لزم و إلّا بطل في الحرّ و العبد.

وفاقا للمفيد و العماني و السيّد و النهاية و التهذيب و الاستبصار و الديلمي و القاضي «1» (و الحلبي و الحليّ و الفاضلين) [1]، و جميع من تأخّر عنهما، بل هو على الأشهر الأظهر، بل في الناصريات الإجماع عليه مطلقا «3»، و في السرائر في الأول، و عن الخلاف في الثاني «4».

للمستفيضة من النصوص، منها في الأول، كموثقة البقباق، و فيها:

«إذا زوّج الرجل ابنه فذلك إلى ابنه» «5».

و صحيحة الحذّاء، و فيها: عن غلام و جارية زوّجهما وليّان لهما و هما غير مدركين، فقال: «النكاح جائز، و أيّهما أدرك كان له الخيار» الحديث «6».

و في ذيلها ما يصرّح بأنّ المراد بالوليّ غير الأب.

______________________________

[1] الحلبي في الكافي في الفقه: 292، الحلّي في السرائر 2: 564، 565، المحقق في الشرائع 2: 278، العلّامة في القواعد 2: 7. و ما بين القوسين غير موجود في: «ق».

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 511، حكاه عن العماني في المختلف: 535، السيّد في الانتصار: 121، النهاية: 465، التهذيب 7: 351 و 386، الاستبصار 3: 239، الديلمي في المراسم: 148، القاضي في المهذّب 2: 195.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 211.

(4) حكاه عنه في كشف اللثام 2: 22، و هو في الخلاف 4: 266.

(5) الكافي 5: 400- 1، الوسائل 20: 277 أبواب عقد النكاح ب 6 ح 4.

(6) الكافي

5: 401- 4، التهذيب 9: 382- 1366، الوسائل 26: 219 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 174

و إثبات الخيار و إن لم يكن صريحا في الفضولي- لجواز إرادة خيار الفسخ- و لكنّه يثبت المطلوب بضميمة الأصل.

لأنّ خيار الفسخ مع الفضولي مشتركان في كثير من الأحكام، و يزيد الأول بأحكام مخالفة للأصل، فثبت المشترك، و ينفى الزائد بالأصل.

مع أن تتمّه الصحيحة، و هي قوله: «و إن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما و لا مهر إلّا أن يدركا و رضيا» قلت: فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟

قال: «يجوز ذلك عليه إن هو رضي» قلت: فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية و رضي بالنكاح ثمَّ مات قبل أن تدرك الجارية، أ ترثه؟ قال: «نعم يعزل ميراثها منه حتى تدرك فتحلف باللّه ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالتزويج» الحديث.

صريح في أنّ النكاح فضولي، إذ لو كان المراد خيار الفسخ لكان عدم الفسخ كافيا في التوريث من غير حلف، و لم يسقط التوارث بالموت قبل الإدراك.

و رواية محمّد: رجل زوّجته امّه و هو غائب، قال: «النكاح جائز، إن شاء المتزوّج قبل و إن شاء ترك، و إن ترك المتزوّج تزويجه فالمهر لازم لامّه» «1».

و صحيحة ابن بزيع المتقدّمة في تزويج الوصي «2». و غير ذلك.

و منها في الثاني، كحسنة زرارة: عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده، فقال: «ذاك إلى سيّده إن شاء أجازه و إن شاء فرّق بينهما»، فقلت: أصلحك

______________________________

(1) الكافي 5: 401- 2، التهذيب 7: 376- 1523، الوسائل 21: 305 أبواب المهور ب 47 ح 1.

(2) راجع ص: 139.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 175

اللّه، إنّ الحكم

بن عتيبة و إبراهيم النخعي و أصحابهما يقولون: إنّ أصل النكاح فاسد فلا تحلّ إجازة السيّد إليه، فقال أبو جعفر عليه السلام: «إنّه لم يعص اللّه، إنّما عصى سيّده، فإذا أجازه فهو له جائز» «1».

و روايته: عن رجل تزوّج عبده بغير إذنه، فدخل بها ثمَّ اطّلع على ذلك مولاه، فقال: «ذلك إلى مولاه، إن شاء فرّق بينهما و إن شاء أجاز نكاحهما» الحديث «2».

و تدلّ عليه أيضا صحيحة ابن وهب «3» المرويّة بطرق عديدة، و صحيحته الأخرى أيضا «4»، و روايتان عليّ بن جعفر «5» و عبيد بن زرارة «6»، و غيرها ممّا يظهر للمتتبّع في الموضعين.

خلافا لأحد قولي الشيخ في الخلاف و المبسوط، فأفسد الفضولي هنا من أصله «7».

و لفخر المحقّقين، فأفسده في جميع العقود التي منها النكاح «8».

______________________________

(1) الكافي 5: 478- 3، الفقيه 3: 350- 1675، التهذيب 7: 351- 1432، الوسائل 21: 114 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 24 ح 1.

(2) الكافي 5: 478- 2، الفقيه 3: 283- 1349، التهذيب 7: 351- 1431، الوسائل 21: 115 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 24 ح 2.

(3) الكافي 5: 478- 6، التهذيب 8: 269- 978، الوسائل 21: 117 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 26 ح 2.

(4) الكافي 5: 478- 4، التهذيب 8: 204- 719، الوسائل 21: 117 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 26 ح 1.

(5) التهذيب 7: 352- 1433، الوسائل 21: 118 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 27 ح 1.

(6) الفقيه 3: 289- 1374 بتفاوت يسير، التهذيب 8: 207- 732، الوسائل 21:

116 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 25 ح 1.

(7) الخلاف 4: 257، 258، المبسوط 4: 163.

(8) الإيضاح 3: 27.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 176

للأصل، و بعض الأخبار العامّية «1»، و الروايات الخاصّية:

منها: الروايات المتقدّمة المتضمّنة لقوله عليه السلام: «و لا تنكح إلّا بأمرها» «2».

و قوله: «لم يزوّجها إلّا برضا منها» «3».

و قوله: «لا تزوّج ذوات الآباء من الأبكار إلّا بإذن آبائهنّ» «4» و نحوها.

و منها: رواية البقباق: الأمة تتزوّج بغير إذن أهلها، قال: «يحرم ذلك عليها و هو الزنى» «5».

و الأخرى الرجل يتزوّج الأمة بغير علم أهلها، قال: «هو زنى، إنّ اللّه يقول فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ » «6».

و الأصل يندفع بما مرّ.

و العامّيات مردودة بعدم الحجّيّة.

و الخاصّيات المتقدّمة كلّها عن الدالّ على الحرمة خالية، مع أنّها أعمّ مطلقا من أدلّة الجواز- لاشتمالها الفضولي و غيره- فتخصّص بها.

و روايتا البقباق غير ناهضتين، إذ لا شكّ أنّ التزويج ليس زنى،

______________________________

(1) كما في سنن أبي داود 2: 299- 2083، سنن ابن ماجه 1: 605- 1879، سنن الترمذي 2: 280- 1108.

(2) راجع ص: 139.

(3) المتقدم في ص: 114.

(4) راجع ص: 115.

(5) الكافي 5: 479- 1، الوسائل 21: 120 أبواب عقد نكاح العبيد و الإماء ب 29 ح 2.

(6) الفقيه 3: 286- 1361، التهذيب 7: 348- 1424، الاستبصار 3:

219- 794، تفسير العياشي 1: 234- 91، الوسائل 21: 119 أبواب عقد نكاح العبيد و الإماء ب 29 ح 1، و الآية في: النساء: 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 177

فيكون المراد منه الوطء، و حمل الزنى على أنّه مثله مجازا ليس بأولى ممّا ذكرنا.

مع أنّهما معارضتان بصحيحة ابن حازم: في مملوك تزوّج بغير إذن مولاه، أ عاص للّه؟ قال: «عاص لمولاه»، قلت: حرام هو؟ قال: «ما أزعم أنّه حرام، قل له: أن لا يفعل إلّا بإذن مولاه» «1».

و

لا يتوهّم دلالة مفهوم صحيحة محمّد المتقدّمة- القائلة بأنّه: «إن كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم جائز و لكن لهما الخيار إذا أدركا» الحديث «2»- على عدم جواز الفضولي من غير الأبوين، لاحتمال كون المراد خيار الفسخ دون الردّ أو الإجازة في الفضولي.

و لمن أبطل الفضولي في المملوك خاصّة.

لرواية عامّية مردودة.

و لقبح التصرّف في ملك الغير بدون إذنه و كونه منهيّا عنه.

و يردّ بمنع النهي عن هذا بعد ما مرّ، بل منع كون ذلك تصرّفا فيه.

ثمَّ على المشهور المختار، فهل يصحّ الفضولي مطلقا، أي من كلّ من كان؟

أو يختصّ بالبعض؟

المشهور هو: الأول، لما مرّ.

و عن ابن حمزة «3»: اختصاصه بتسعة مواضع: عقد البكر الرشيدة

______________________________

(1) الكافي 5: 478- 5، الوسائل 21: 113 أبواب عقد نكاح العبيد و الإماء ب 23 ح 2.

(2) راجع ص: 131.

(3) الوسيلة: 300.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 178

على نفسها مع حضور وليّها، و عقد الأبوين على الابن الصغير، و عقد الجدّ مع عدم الأب، و عقد الأخ و الأمّ و العمّ على صبيته، و تزويج الرجل عبد غيره بغير إذن سيّده، و تزويجه من نفسه بغير إذن سيّده، لتوقيفية العقود، و اختصاص ما مرّ بهذه المواضع و لا دليل في غيرها.

و هو كذلك، فإنّي إلى الآن لم أعثر على خبر يتجاوز عنها، بل لا يبعد اختصاص قول [1] القدماء أيضا ببعض المواضع، لخلوّ كلام كثير منهم عمّا يفيد التعميم.

و لعلّ مستند المشهور في التعدّي: الإجماع المركّب أو تنقيح المناط.

و الثاني منظور فيه.

و أمّا الأول، فإن ثبت- كما هو المظنون- فهو، و إلّا فللتأمّل في التعميم مجال واسع، و أمر الاحتياط واضح.

بل في صحيحة الحذّاء: في رجل أمر رجلا أن يزوّجه امرأة

من أهل البصرة من بني تميم، فزوّجه امرأة من أهل الكوفة من بني تميم، قال:

«خالف أمره و على المأمور نصف الصداق لأهل المرأة و لا عدّة عليها و لا ميراث بينهما» «2».

و هي- بترك الاستفصال- تدلّ على بطلان التزويج و لو قبله الزوج.

نعم، في عموم روايتي عبّاد و عبيد الآتيتين «3»- الحاصل بترك الاستفصال- دلالة على جواز نكاح غير من ذكر مطلقا الصغيرة فضولا،

______________________________

[1] في «الأصل» و «ح» زيادة: بعض.

______________________________

(2) الفقيه 3: 264- 1259، التهذيب 7: 483- 1944، الوسائل 20: 302 أبواب عقد النكاح ب 26 ح 1.

(3) في ص: 190 و 192.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 179

و معه تقرب دعوى الإجماع المركّب في الجميع، إذ الظاهر- بعد التجاوز عن التسعة- عدم القول بالفصل.

و على الاختصاص تكون فضوليّة التسعة إنّما هو على القول بعدم استقلال البكر، و عدم ولاية الأب على الابن، و لا الجدّ مع عدم الأب.

و أمّا على الأقوال الأخر فتنقص مواضع الفضولي عن التسعة.

فروع:

أ: المراد بالعقد الفضولي: الصادر عمّن لا يملك أمر المعقود عليه أصالة أو ولاية أو وكالة، فالصادر عن أحد الثلاثة لا يكون فضوليّا.

و هل يجوز لأحد الأخيرين إيقاعه فضوليّا فيما له فيه الاختيار، بأن يقصد إيقاعه من جانب المعقود عليه، فإن شاء أجاز و إن شاء ردّ؟

الظاهر: لا، لعدم ثبوت جواز الفضولي عنه، و لأنّ قصده لا يؤثّر في سقوط اختياره للأصل، و مع الاختيار لا يكون في النكاح خيار.

نعم، لو أوقع أحدهما ما ليس له فيه الاختيار فضوليّا- كتجاوز الوكيل عمّا و كلّ فيه، أو الوليّ فيما له فيه الولاية، كالعقد بأزيد من مهر المثل- جاز و إن لم يجز ولاية.

ب: هل يشترط في صحّة

الفضولي قصد كونه فضوليّا، أو عدم قصد كونه بالاختيار، أم لا؟

و تظهر الفائدة فيما إذا ظنّ الفضولي- كالأمّ أو الأخ- كونه وليّا أو الوكيل عموم وكالته، أو الوليّ عموم ولايته لما يفعل أيضا، و لم يكن كذلك.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 180

الظاهر: الأخير، لإطلاقات أخبار الفضولي.

ج: الظاهر عدم الخلاف في عدم اشتراط التصريح بالفضوليّة في اللفظ، و لو قال الوكيل المتعدّي عمّا له الوكالة فيه فضولا: زوّجت موكّلتي، جاز، لصدق كونها موكّلة، و كذا الوليّ، و لو قال من ليس له وكالة أصلا كذلك لم يصحّ، إلّا إذا صحّ التجوّز و قصد المعيّن.

د: لو سبق العقد الفضولي بالإنكار أو إظهار الكراهة- كأن استأمر من يريد تزويجه فلم يأذن و أنكر- فهل [لا] [1] يؤثر الفضولي عنه بعده- إلّا بعد مضيّ زمان أو حدوث أمر جوّز معه الرضا- أم لا؟

ه: يشترط في تحقّق الإجازة علم المجيز بالخيار، فلو لم يعلمه و ظنّ اللزوم و لأجله رضي و مكّن لم يسقط خياره و لم يكن ذلك إجازة، لعدم الصدق، و استصحاب الخيار.

و: ليس الخيار في الفضوليّ فوريّا، فلو اطّلع و سكت، له الخيار كلّما أراد، للأصل، و الاستصحاب، بل الإطلاق.

ز: لو قبل العقد الفضولي و أجازه لزم من جهته.

و ليس له بعده ردّه إلّا بالطلاق إجماعا.

و لو ردّه لم تؤثّر بعده الإجازة، للبطلان بالردّ بالإجماع، فلم يبق شي ء تؤثّر معه الإجازة.

ح: الإجازة كاشفة لا استئناف للعقد.

كما تدلّ عليه صحيحة الحذّاء «2»، الحاكمة بالتوارث مع لحوق

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

______________________________

(2) المتقدمة في ص: 173 و 174.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 181

الإجازة الموت.

خلافا للمحكيّ عن النهاية «1»، و قد تأوّل بما يؤول معه

إلى الأول.

و المراد بكونها كاشفة: أنّها تكشف عن تحقّق الزوجيّة حال العقد، و لا ينافيه توقّفها على الإجازة، و ذلك إذ كما أنّه يجوز أن يكون الإيجاب المقارن للإجازة سببا للزوجيّة الحالية يمكن أن يجعل الشارع العقد المتعقّب للإجازة و لو بعد ذلك سببا للزوجيّة الحاليّة .. بمعنى: أنّه يكون السبب العقد المتّصف بهذا التعقيب، و لمّا كان في الواقع إمّا تعقّبها أم لا فهي في الواقع إمّا حاصلة أو لا، و تعلم الحقيقة بحصول التعقيب و عدمه.

مسألة: لا تنكح الأمة إلّا بإذن المولى

، رجلا كان المولى أو امرأة، دائما كان النكاح أو منقطعا.

إجماعا في الأول، و على الأشهر الأظهر في الثاني مطلقا، بل بلا خلاف كما عن الحلّي «2»، بل بالإجماع، لعدم قدح مخالفة الشيخ في النهاية فيه «3»، سيّما مع رجوعه عنه في المسائل الحائريات «4».

للأدلّة القطعية من العقل و الكتاب و السنّة، المانعة عن التصرّف في ملك الغير بغير إذنه، و الروايات المستفيضة، بل المتواترة في المقام، المانعة منطوقا أو مفهوما عن تزويج أمة الغير بدون إذنه «5».

و يؤيّده- بل يدلّ عليه أيضا- مثل رواية أبي هلال: عن الرجل هل

______________________________

(1) النهاية: 476.

(2) السرائر 2: 595.

(3) النهاية: 490.

(4) المسائل الحائريات (الرسائل العشر): 293.

(5) الوسائل 21: 119 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 182

تحلّ له جارية امرأته؟ قال: «لا، حتى تهبها له» «1».

و موثّقة الساباطي: في المرأة تقول لزوجها: جاريتي لك، قال:

«لا يحلّ فرجها إلّا أن تبيعه أو تهب له» «2».

دلّتا بالمفهوم على عدم حلّية فرجها بمثل ما نحن فيه.

و خالف فيه الشيخ في النهاية.

لصحيحة سيف بن عميرة المرويّة عن الصادق عليه السلام بلا واسطة تارة:

«لا بأس بأن يتمتّع الرجل بأمة المرأة،

و أمّا أمة الرجل فلا يتمتّع بها إلّا بأمره» «3».

و بواسطة داود بن فرقد اخرى: عن الرجل يتزوّج بأمة بغير إذن مواليها، فقال: «إن كانت لامرأة فنعم، و إن كانت لرجل فلا» «4».

و بواسطة عليّ بن المغيرة ثالثة: عن الرجل يتمتّع بأمة امرأة بغير إذنها، قال: «لا بأس به» «5».

و هي- مع اضطرابها لاختلافها سندا و متنا- مردودة بالشذوذ كما نصّ عليه جماعة [1].

______________________________

[1] منهم الشهيد الثاني في الروضة 5: 143، الكاشاني في المفاتيح 2: 268، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 12، صاحب الرياض 2: 82.

______________________________

(1) التهذيب 7: 463- 1857، الوسائل 21: 129 أبواب نكاح العبيد ب 32 ح 6.

(2) التهذيب 7: 243- 1061، الاستبصار 3: 137- 494، الوسائل 21: 129 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 32 ح 5.

(3) الكافي 5: 464- 4، التهذيب 7: 258- 1116، الاستبصار 3: 219- 797، الوسائل 21: 39 أبواب المتعة ب 14 ح 1.

(4) التهذيب 7: 258- 1115، الاستبصار 3: 219- 896، الوسائل 21: 39 أبواب المتعة ب 14 ح 3.

(5) التهذيب 7: 257- 1114، الاستبصار 3: 219- 795، الوسائل 21: 39 أبواب المتعة ب 14 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 183

مضافا إلى احتمال إرجاع ضمير: إذنها،- في الأخيرة- إلى الأمة، و ظهور التزويج في الثانية في الدائم المجمع على عدم جوازه بدون الإذن مطلقا، و عدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة للتمتّع في العقد المنقطع، فيحتمل أن يراد الوقاع بعد العقد مع الإذن، و يكون المطلوب جوازه من دون استبراء في أمة المرأة، دون الرجل، فيحتاج فيه إلى إذنه أو إخباره بعدم وقاعه.

مسألة: لو أذن المولى لعبده في التزويج:

فإن أطلق المرأة و المهر، تزوّج من شاء بمهر مثلها أو أقلّ.

لعدم

انصراف الإطلاق إلى غير مهر المثل، فقرينة الحال مقيّدة للإطلاق، بل لا يبعد تقييد المرأة بمن يليق بحاله، لما ذكر.

و إن عيّن المرأة خاصّة، و تزوّجها خاصّة بمهر المثل أو أقلّ.

و إن عيّن المهر، تزوّج به من شاء و إن تزوّج من مهر مثلها دونه.

و إن عيّنهما تعيّنا.

و ممّا ذكرنا- من تقييد الإطلاقين بمهر المثل و اللائق بالحال- يندفع الاستشكال في جواز الإطلاق لتفاوت المهر تفاوتا فاحشا، فيشكل التزامه على السيّد، مع أنّه لو لم نقل بالتقييدين فقد قدم السيّد بنفسه عليه، حيث أطلق له الإذن.

ثمَّ مع تعيين المهر صريحا أو بشاهد الحال لو زاد عنه، فقيل: النكاح صحيح، لصحّته مع عدم المهر أو فساده فهنا أولى، و الزائد على المأذون فيه في ذمّة العبد يتبع به بعد الحرّية. نسب إلى المبسوط «1»، و اختاره في

______________________________

(1) نسبه إليه في كشف اللثام 2: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 184

القواعد و اللمعة «1».

و فيه إشكال، إذ لم يثبت إذن المولى في مثل هذا النكاح، بل تعيين المهر أو شاهد الحال ممّا يصلح قرينة لتقييد إذنه بغير الزائد، فلم يعلم إذن المولى فيه، فيقع إمّا باطلا أو فضوليّا.

و هو الأظهر كما مرّ.

و أيضا إن أريد تعلّق الزائد بذمة العبد حينئذ فهو لكونه ملكا للغير يتوقّف على إذنه.

و إن أريد تعلّقه بعد الحرّية ففساده ظاهر، مع أنّ الزوجة أيضا إن جهلت بالحال أو الحكم فإنّما رضيت بالمسمّى على أن يكون معجّلا لها في ذمّة المولى أو في كسبه.

و لا يرد: أنّ التقصير على جهلها.

إذ لا مؤاخذة على الجهل بأحكام المعاملات.

و أمّا غير الزائد- و هو القدر المأذون فيه- فمع تصريح المولى بجعله على إحدى الذمّتين فيتعلّق به،

و كذا النفقة، و وجهه ظاهر.

و إن أطلق، فذهب الحلّي و ابن حمزة و الفاضلان و الشهيدان «2»- بل الأكثر «3»- إلى أنّهما يستقرّان في ذمّة المولى، لأنّ الإذن في العقد إذن في لوازمه، و منها المهر و النفقة، و حيث إنّ العبد لا يقدر على شي ء كان الإذن

______________________________

(1) القواعد 2: 7، اللمعة (الروضة البهيّة 5): 144.

(2) الحلي في السرائر 2: 595، ابن حمزة في الوسيلة: 306، المحقق في الشرائع 2: 309، العلّامة في التحرير 2: 22، الشهيدان في اللمعة و الروضة 5: 144.

(3) كالمحقق في الشرائع 2: 309، العلّامة في القواعد 2: 27، المحقق الثاني في جامع المقاصد 12: 164، الكاشاني في المفاتيح 2: 283.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 185

موجبا لالتزام ذلك في ذمّة المولى.

و الحاصل: أنّه يستحقّ بالعقد و لو لم يجب على المولى لم يمكن استحقاقه، فإنّ ذمّة العبد الآن مشغولة بتمامها بحقوق المولى فلا يتعلّق بها شي ء، و تجويز أن يتبع به بعد العتق يؤدّي إلى حرمانها رأسا إذا لم يعتق، و لم يقل به أحد.

و لرواية عليّ بن أبي حمزة الصحيحة ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه: في رجل يزوّج مملوكا له امرأة حرّة على مائة درهم، ثمَّ إنّه باعه قبل أن يدخل عليها، فقال: «يعطيها سيّده من ثمنه نصف ما فرض لها، إنّما هو بمنزلة دين استدانه بإذن سيّده» «1».

و الدين المستدان بإذن السيّد على ذمّته، كما في صحيحة أبي بصير:

رجل يأذن لمملوكه في التجارة فيصير عليه دين، قال: «إن كان أذن له أن يستدين فالدين على مولاه، و إن لم يكن أذن له أن يستدين فلا شي ء على المولى و يستسعى العبد في الدين»

«2».

و قد يستدلّ أيضا بموثّقة الساباطي: في رجل أذن لعبده في تزويج امرأة حرّة فتزوّجها، ثمَّ إنّ العبد أبق فجاءت امرأة العبد تطلب نفقتها من مولى العبد، فقال: «ليس لها على مولاه نفقة و قد بانت عصمتها منه، فإنّ إباق العبد طلاق امرأته» الحديث «3».

______________________________

(1) الفقيه 3: 289- 1375، التهذيب 8: 210- 745، الوسائل 21: 196 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 78 ح 1.

(2) الكافي 5: 303- 3، التهذيب 6: 200- 445، الاستبصار 3: 11- 31، الوسائل 18: 373 أبواب الدين و القرض ب 31 ح 1.

(3) الفقيه 3: 288- 1372، و في التهذيب 8: 207- 731، و الوسائل 21: 192 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 73 ح 1 بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 186

حيث إنّ قوله: «قد بانت» في حكم التعليل لنفي النفقة عن المولى، فيدلّ على ثبوتها مع عدم حصول مقتضاه، بل فيها إشعار من جهة أخرى أيضا، و هي ظهورها في شيوع مطالبة الموالي بنفقات زوجات العبيد.

و برواية زرارة: عن رجل تزوّج عبده بغير إذنه فدخل بها- إلى أن قال-: «و إن فرّق بينهما فللمرأة ما أصدقها، إلّا أن يكون اعتدى فأصدقها صداقا كثيرا» الخبر «1».

فإنّها ظاهرة في تعلّق الصداق بذمّة المولى، إذ لولاه لما كان لاشتراط عدم الزيادة و الكثرة وجه.

و تعضده أيضا رواية شريح: في عبد بيع و عليه دين، قال: «دينه على من أذن له في التجارة و أكل ثمنه» «2».

فإنّ الإذن في التجارة إذا كان موجبا لتعلّق الدين الحاصل منها بذمّة الآذن فكذا النكاح.

ثمَّ هذه الأخبار و إن اختصّت بالمهر أو النفقة، إلّا أنّ عدم الفصل يوجب التعدّي إلى الآخر أيضا.

خلافا للمحكي عن

المبسوط و القاضي و ابن سعيد «3» و قواه بعض المتأخّرين [1]، فقالوا: إنّه على كسب العبد:

______________________________

[1] كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 24.

______________________________

(1) الكافي 5: 478- 2، الفقيه 3: 283- 1349، التهذيب 7: 351- 1431، الوسائل 21: 115 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 24 ح 2.

(2) التهذيب 8: 248- 897، الاستبصار 4: 20- 63، الوسائل 23: 90 أبواب العتق ب 55 ح 2.

(3) المبسوط 4: 167، القاضي في المهذّب 2: 220، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 442.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 187

إن كان مكتسبا- أي في ما يتجدّد من كسبه بعد النكاح- و إن كان المهر إلى أجل ففي ما يتجدّد من كسبه بعد الأجل.

و إن لم يكن مكتسبا، فإمّا على المولى أو على ذمّته، فيقال لزوجته:

إنّ زوجك معسر بالمهر، فإن صبرت و إلّا فلك خيار الفسخ.

و على هذا، فيجب على المولى أن يخلّي عبده للتكسّب نهارا و الاستمتاع ليلا، و ليس له استخدامه إلّا أن يلتزم المولى أن ينفق عليه و على زوجته من ماله، فله أن يستخدمه بشرط أن لا يزيد اجرة خدمته عمّا أنفق عليهما، فلو زادت عليه وجب عليه بذل الزائد إليه ليصرفه في المهر، و له أيضا استخدامه بقدر الإنفاق خاصّة و إطلاقه في الزائد ليكتسب و تصرف في المهر.

و استدلّ له بأنّ الأصل براءة ذمّة المولى، و الإذن في النكاح لا يستلزم تعلّق لازمه بالذمّة، و إنّما يستلزم الإذن في لازمه، و هو الكسب للمهر و النفقة، و أيضا فغاية العبد المكتسب إذا اذن في النكاح أن يصير في المهر و النفقة بمنزلة الحرّ المكتسب.

و قيل: تتعلّق النفقة- أو مع المهر كما يظهر من البعض-

برقبة العبد، لأنّ الوطء كالجناية «1».

و اختاره الفاضل و قال: إنّه أليق بمذهبنا، فإن أمكن أن يباع منه كلّ يوم بقدر ما يجب عليه من النفقة فعل و إلّا بيع كلّه- كما في الجناية- و وقف ثمنه ينفق عليها «2».

______________________________

(1) انظر المبسوط 4: 168.

(2) المختلف: 581.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 188

أقول: القول الأخير ضعيف دليلا، إذ ليس له دليل سوى الحمل على الجناية، و هو قياس مردود.

و أمّا قوله في رواية عليّ بن أبي حمزة المتقدّمة: «يعطيها سيّده من ثمنه».

فلا يدلّ على تعيين ذلك، فيمكن أن يكون من باب ذكر أحد أفراد المخيّر المتيقّن حضوره، و لذلك ذكره.

و أما القول الثاني، فهو الموافق دليله للأصل، كما يظهر وجهه، إلّا أنّه كان حسنا لو لا أدلّة القول الأول.

و هي أيضا و إن كانت قاصرة غير رواية عليّ بن أبي حمزة، أمّا الأول فلأنّ الإذن في النكاح يستلزم الإذن في لازمه، و لكن لازمه حيث يطلق تعلّق المهر و النفقة على الزوج لا غيره، و هو الأصل الثابت من الأدلّة.

نعم، لكون ذمّة الزوج هنا مشغولة بحقّ المولى و غير قادر على شي ء يستلزم تخلية ذمّته عن حقّه بهذا القدر و قدرته عليه، لأنّه يقدر بعد إذن المولى.

و بهذا التقرير يندفع ما قيل في تتميم الدليل المذكور من أنّه حيث كان المهر و النفقة لازمين للنكاح، و العبد لا يملك شيئا، و كسبه من جملة أموال المولى، كان الإذن فيه موجبا لالتزام ذلك، من غير أن يتقيّد بنوع خاصّ من ماله- كباقي ديونه- فيتخيّر بين بذله من ماله و من كسب العبد إن و في به، و إلّا وجب عليه الإكمال «1». انتهى.

فإنّ اللازم للنكاح المهر

و النفقة على الزوج، فكان الإذن فيه موجبا لالتزام ذلك في هذا النوع الخاصّ من المال.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 119.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 189

و أمّا الموثّقة، فلجواز كون التعليل لسقوط النفقة مطلقا لا عن المولى خاصّة، فإنّ السقوط المطلق يوجب السقوط عن المولى لو كان عليه أيضا، و إشعاره بشيوع ذلك ممنوع، لجواز أن يكون ذلك المولى ينفق عليها لكسب العبد و خدمته أو تبرّعا، فلذلك طلبتها الزوجة.

و أمّا رواية زرارة، فظاهرة، لأنّ المفروض فيها غير المأذون و لا المخيّر، و لا مهر عليه إجماعا.

و أمّا رواية شريح، فلابتنائه على حمل النكاح على التجارة، و هو قياس باطل.

إلّا [1] أنّ دلالة رواية ابن أبي حمزة على هذا القول واضحة، سيّما بملاحظة صحيحة أبي بصير، و لا يضر قوله: «يعطيها سيّده من ثمنه»، لأنّه لا يدلّ على وجوب ذلك مع أنّ الثمن أيضا مال المولى.

و لذلك يترجّح ذلك القول على القولين الآخرين، فهو الراجح.

مسألة: إذا زوّج الوليّ المولّى عليه ثبت من جهته التوارث

بلا خلاف نعرفه- كما قيل «2»- حتى ممّن خيّر الصبيّ عند الإدراك.

قال المحقّق في نكت النهاية: إنّ الخيار عند البلوغ لا ينافي التوارث «3».

لأنّه عقد صحيح شرعا يصيران به زوجة و زوجا، فثبت لهما التوارث، لإطلاق أدلّة توارث المتزاوجين، و الأصل بقاء الصحّة إلى طروّ المعارض، و هو اختيار الفسخ عند البلوغ.

______________________________

[1] هذه تتمّة قوله في الصفحة السابقة: و هي أيضا و إن كانت قاصرة ..

______________________________

(2) انظر كشف اللثام 2: 22.

(3) النهاية و نكتها 2: 315.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 190

و ذلك بخلاف الفضولي، فإنّه لا تتحقّق الزوجيّة قبل الإجازة، و لذا لا يقال لردّه فسخا، و هو هنا ممتنع.

و يدلّ عليه- مع ذلك- الصحيحان: في الصبيّ

يتزوّج الصبيّة يتوارثان؟ قال: «إذا كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم» «1».

مسألة: التزويج الفضوليّ إمّا يكون من طرف واحد أو الطرفين.
اشاره

و على التقديرين: إمّا يكون في الكبيرين أو الصغيرين أو المختلفين.

فهذه ستّة أقسام.

و حكم الجميع- مع بقاء الطرفين حتى أجاز الفضوليّ منهما أو ردّ- واضح.

و لو مات المعقود عليه فضولا قبل الإجازة بطل العقد و المهر و الميراث و لو كان أحد الفضوليّين، سواء بقي الآخر الغير الفضوليّ أو الفضوليّ بعد الإجازة أو قبلها، و لا مهر و لا ميراث.

للأصل.

و لأنّ شرط الصحّة الإجازة، و لم يتحقّق، و بعبارة أخرى: لم تتحقّق العلّة التامّة للزوجيّة- و لو لفقد أحد جزئيها و هو الإجازة- أو لم تنكشف لنا الصحّة.

و لقوله في صحيحة الحذّاء: فإن ماتت الجارية و لم تكن أدركت أ يرثها الزوج المدرك؟ قال: «لا، لأنّ لها الخيار إذا أدركت» «2».

و رواية عبّاد بن كثير: عن رجل زوّج ابنا له مدركا من يتيمة في

______________________________

(1) المتقدمان في ص: 125 و 131.

(2) الكافي 7: 131- 1، الوسائل 21: 326 أبواب المهور ب 58 ح 2 و 26: 219 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 191

حجره، قال: «ترثه إن مات و لا يرثها، لأنّ لها الخيار و لا خيار عليها» «1».

و قريب منها في رواية عبيد الآتية.

و هي و إن اختصّت بموارد خاصّة، إلّا أنّ التعليل بقوله: «لأنّ لها الخيار» يثبت الحكم في جميع الموارد، و يبطل بموت ذي الخيار مطلقا.

و لو مات أحد الفضوليّين بعد الإجازة و قبل إجازة الآخر أو ردّه، أو مات غير الفضوليّ في صورة فضوليّة أحد الجانبين قبل إجازته أو ردّه، فمقتضى الأصل أيضا: بطلان العقد.

لأنّ الأصل عدم ترتّب الأثر على الإجازة بعد موت أحد

الطرفين، فإنّ جريان أدلّة صحّة الفضوليّ إلى مثل المقام غير معلوم.

مع أنّ بعد موت أحد الطرفين لا معنى لتأثيرها، إلّا على القول بكون الإجازة كاشفة، و هو أيضا أمر على خلاف الأصل غير معلوم إلّا من جهة دليل، لعدم قبول المحلّ حين الإجازة للزوجيّة، و عدم تحقق الزوجيّة قبل الإجازة.

إلّا أنّه ثبت بالنصّ الصحيح و غيره تأثير إجازة الحيّ الحاصلة بعد موت الآخر إذا كان لازما من طرف الميّت، بمعنى: أنّها تكشف عن تحقّق الزوجيّة أولا لا بمعنى تحقّقها حينئذ، و إلّا لما ثبت التوريث.

و هو صحيحة الحذّاء، و فيها: فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية و رضي بالنكاح ثمَّ مات قبل أن تدرك الجارية أ ترثه؟ قال: «نعم، يعزل ميراثها منه حتى تدرك، فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها

______________________________

(1) الكافي 7: 132- 2، التهذيب 9: 383- 1367، الوسائل 26: 219 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 192

بالتزويج، ثمَّ يدفع إليها الميراث و نصف المهر» «1».

و رواية عبيد بن زرارة: في الرجل يزوّج ابنه يتيمة في حجره و الابن مدرك و اليتيمة غير مدركة، قال: «نكاحه جائز على ابنه، فإن مات عزل ميراثها منه حتى تدرك، فإذا أدركت حلفت باللّه ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالنكاح، ثمَّ يدفع إليها الميراث و نصف المهر» قال: «و إن ماتت هي قبل أن تدرك و قبل أن يموت الزوج لا يرثها الزوج، لأنّ لها الخيار عليه إذا أدركت، و لا خيار له عليها» «2».

و تدلّ عليه أيضا رواية عبّاد المتقدّمة في صدر المسألة، و ذيل صحيحة الحلبي «3» المتقدّمة في مسألة ولاية الأب على الصغير،

و لا يضرّ كون صدرها في بيان حكم الطلاق الفضولي، إذ ظاهر أنّ قوله: «حتى يدرك أيّهما بقي فيحلف باللّه» و قوله: «إلّا الرضا بالنكاح» لا ربط له بالطلاق، فهو أيضا من أحكام النكاح الفضولي.

و هذه النصوص و إن كانت واردة في موارد خاصّة، إلّا أنّ منهم من خصّ الحكم بصورة كون المعقود عليهما صغيرين فضوليّين مع موت الزوج. و منهم من تعدّى إلى سائر الموارد بتنقيح المناط، حيث يعلم أنّه لا مدخليّة لشي ء من الخصوصيات في تأثير الإجازة.

نعم، مقتضى هذه النصوص بعد ردّ مطلقها إلى مقيّدها: أنّه يشترط أن يكون القبول لأجل الرضا بالنكاح، بل هو مقتضى الأصل أيضا، لأنّ المؤثّر هو إجازة النكاح لا غير.

______________________________

(1) الكافي 7: 131- 1، الوسائل 21: 326 أبواب المهور ب 58 ح 2 و 26: 219 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 1.

(2) الفقيه 4: 227- 721، الوسائل 21: 330 أبواب المهور ب 58 ح 14.

(3) الفقيه 4: 227- 722، الوسائل 26: 220 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 193

و أنّه لا يقبل قول المجيز في كون الإجازة للنكاح إلّا بعد الحلف، و الظاهر المتبادر أنّ الحلف إنّما هو في القبول ظاهرا، و أمّا بالنسبة إلى الواقع فلا يحتاج التأثير إلى الحلف، فلو أجازت الجارية واقعا و لم تحلف تحرم على ابنه و تجب عليها العدّة لو كان المقام مقام العدّة، و لو أجاز الزوج و لم يحلف تحرم عليه أمّها و عليه أداء مهرها.

و حينئذ، فهل توقف القبول على الحلف عامّ، أو يختصّ بموارد التهمة و ما احتمل فيه ابتناء القبول على غير الرضا بالنكاح؟

المتبادر هو: الأول [1]، لظهور أنّ

الحلف إنّما هو لبيان الواقع، فإذا كان الواقع معلوما فلا تترتّب على الحلف فائدة، و ذلك كما إذا أجاز أحدهما قبل اطلاعه على موت الآخر و قد مات واقعا، أو مع زعمه خلوّه عن الإرث أصلا ثمَّ ظهر له مال، أو إذا كان الحيّ زوجا و كان ما يجب عليه من المهر أضعاف ما يأخذه من الإرث و لم يتعلّق غرض بإثبات أعيان التركة.

و الحاصل: أنّ المناط القطع بعدم ابتناء الإجازة إلّا على الرضا بالنكاح.

و على هذا، فتعدّي الحكمين- أي ثبوت النكاح بالإجازة بعد موت من يلزم من جانبه، و توقّف الحكم به ظاهرا على الحلف مع ثبوت التهمة- إلى جميع موارد المسألة، من كون الزوجين صغيرين أو كبيرين، أو أحدهما صغيرا و الآخر كبيرا، مع كونهما فضوليّين، أو أحدهما فضوليّا و الآخر أصالة أو ولاية أو وكالة، و دليل التعدّي تنقيح المناط.

______________________________

[1] كذا و لعلّ الصحيح: الثاني.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 194

و منهم من خصّ بما إذا كان المعقود عليه فضولا الصغير، و عمّم الطرف الآخر بالنسبة إلى الصغير المعقود عليه فضولا أو ولاية أو الكبير المعقود عليه أصالة أو وكالة.

و الحاصل: أنّه خصّ أحد الطرفين بالصغير الفضولي، و هو مختار القواعد و المسالك و الروضة «1».

و استدل له بفحوى الخطاب، للزوم العقد هنا من الطرف الآخر، فهو أقرب إلى الثبوت و أولى منه ممّا هو جائز من الطرفين، كما في الصغيرين.

و منهم من خصّ بالصغيرين الفضوليّين مع تعميم الحكم بالنسبة إلى موت الزوج و الزوجة.

إذ من المعلوم أنّ الإرث هنا ليس إلّا للزوجيّة، و لا يعقل الفارق بين الزوج و الزوجة، و أيضا إذا ثبتت الزوجيّة لها بعد موته فأولى أن

تثبت له، للزوم المهر عليه «2».

و منهم من استشكل مع هذا التخصيص في صورة موت الزوجة أيضا.

لاختصاص النصّ- و هو صحيحة الحذّاء- بصورة موت الزوج.

و يناقش ذلك في جميع ما مرّ دليلا للتعميم مطلقا أو في بعض موارد المسألة بأنّ الحكم إنّما هو على خلاف الأصل، فيحكم فيما خرج عن المنصوص ببطلان العقد متى مات أحد المعقود عليهما بعد اللزوم من طرفه و قبل إجازة الأخر.

______________________________

(1) القواعد 2: 7، المسالك 1: 459، الروضة 5: 145.

(2) انظر كشف اللثام 2: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 195

و التعدّي إنّما يتمّ لو علمنا علّة الحكم المنصوص، و هي غير معلومة، لأنّها في غير منصوص العلّة أمّا تعلم بالعقل أو الإجماع، و الأول لا مدخليّة له في المقام، و الثاني مفقود.

و عدم تعقّل الفارق لا يدلّ على عدم تحقّقه.

و ثبوت الأولويّة المدّعاة أيضا موقوف على العلم بالعلّة، و هو غير متحقّق.

فينحصر الحكم بما إذا كان المعقود عليهما صغيرين و مات الزوج.

أقول: لا يخفى أنّه لو كان اللازم القصر على المنصوص لما اختصّ بهذه الصورة أيضا، لثبوت الحكم- فيما إذا كان الزوج كبيرا أيضا- من روايتي عبّاد و عبيد، و في صورة موت الزوجة بصحيحة الحلبي.

بل يثبت الحكم في جميع الموارد بالعلّة المنصوصة في رواية عبّاد بقوله: «لأنّ لها الخيار و لا خيار عليها».

فإنّها تدلّ على توريث كلّ من كان له الخيار بعد موت من لا خيار له، و ظاهر أنّه لا يكون إلّا بعد الإجازة.

مع أنّ في عدم جريان تنقيح المناط في الموارد أيضا نظرا.

و لا يلزم من عدم القطع بالعلّة بالدليل العقليّ و لا بالإجماع عدم القطع به أصلا.

إذ قد يعلم بالاستقراء أو عدم معهوديّة اعتبار

مثل ذلك الفرق في الأحكام الشرعيّة، و أكثر ما ينقّح فيه المناط من ذلك القبيل.

فالحقّ: تعميم الحكم بالنسبة إلى جميع الموارد و ثبوت الأحكام الواقعيّة المترتّبة على الزوجية فيما بينه و بين اللّه سبحانه، و لا يختصّ

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 196

الحكم بمجرّد التوريث و دفع المهر، إذ من الظاهر أنّ سببه ليس إلّا حصول الزوجيّة، إذ لا سبب آخر له، مع أنّه لا قائل بالفرق.

نعم، بقي الكلام في الاحتياج إلى الحلف في غير موارد النصّ بالحلف و عدمه.

و التحقيق: أنّ التعدّي إلى غير المنصوص إن كان لأجل العلّة المنصوصة لم يحتج إلى الحلف، لأنّها تدلّ على أنّ الخيار و عدم الخيار علّة للتوريث و عدمه، غاية الأمر أنّه ضمّ إليه الإجازة أيضا بالإجماع، و ضمّ الغير لا دليل عليه، إلّا فيما ثبت الحلف أيضا بالنصّ.

و إن كان لأجل تنقيح المناط خاصّة احتاج إليه، و الوجه ظاهر.

فروع:
اشاره

أ: الحلف مختصّ بصورة التهمة و الاحتمال كما مرّ.

لما مرّ من التبادر.

ب: الحلف إنّما هو لحكم الغير بالزوجيّة و التوارث.

و أمّا لو لم يحتج إلى حكم الغير- كأن تكون التركة بيد الباقي و لم يعلم به غيره- فلا حاجة في توريثه إلى حلفه بعد ما علم من نفسه أنّ الرضا إنّما هو بالنكاح.

لإطلاق قوله في رواية عبّاد: «ترثه إن مات».

و اختصاص صور الحلف بما إذا احتاج إلى دفع الغير.

لقوله: «ثمَّ يدفع إليها الميراث و نصف المهر».

ج: المحلوف عليه و إن كان أخذ الميراث- للتقييد في النصوص بقوله

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 197

«ما دعاها إلى أخذ الميراث»- و لكن دفع المهر أيضا يتوقّف عليه.

للحكم في النصوص بدفع نصف المهر بعد الحلف، للإتيان بلفظة:

«ثمَّ» الدالّة على

التعقيب.

د: و إذ عرفت أنّ مقتضى إطلاق العلّة: ثبوت التوريث الذي هو أمارة الزوجيّة بمجرّد الإجازة، و أنّ الحلف إنّما هو لحكم الغير في دفع الإرث و المهر.

تعلم أنّه لا حاجة إليه في غيرهما، فثبت المهر على الزوج إذا كان هو الباقي خاصّة بمجرّد الإجازة من دون الحلف، مع أنّ الإجازة كالإقرار في حقّ نفسه بالنسبة إلى ما يتعلّق به كالمهر، و إنّما كان يتوقّف دفع الإرث و المهر على اليمين لقيام التهمة و عود النفع إليه محضا، فثبت ما يعود عليه دون ماله.

و لا بعد في تبعّض الحكم و إن تنافى الأصلان الموجبان لهذين الحكمين- أي الزوجيّة و عدمها- و له نظائر كثيرة:

منها: ما مرّ فيما إذا اختلفا في تحقّق النكاح، فإنّ مدّعيه يحكم عليه بلوازم الزوجيّة دون المنكر، و إطلاق النصّ بتوقّف الإرث على حلفه لا ينافي ثبوت المهر عليه بدليل آخر.

فإن قيل: ليس هناك دليل آخر مثبت للمهر، إذ لا دليل على تأثير الإجازة في الزوجيّة بعد موت أحد الطرفين إلّا أخبار التوريث، من جهة أنّ التوريث لا يكون إلّا للزوجيّة، فثبوت الزوجيّة ليس إلّا بواسطة ثبوت التوريث، فهي موقوفة عليه، و التوريث فيما فيه الحلف موقوف على الحلف، فثبوت الزوجيّة الموجبة للمهر موقوف على الحلف.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 198

قلنا: لا نسلّم أنّ التوريث موقوف على الحلف في الواقع، بل الموقوف عليه هو دفع الميراث لأجل التهمة.

و الحاصل: أنّه إن كان صادقا في الرضا بالنكاح يرث، و لكن لمّا لم يعلم صدقه في موضع التهمة إلّا بتوسّط حلفه فالدفع إليه يتوقّف عليه، أمّا فيما ليس موضعا للتهمة- كدفعه المهر- فلا حاجة إليه، فهو زوج بإقراره و إن لم نعلمه

واقعا، فيترتّب عليه ما يكفي فيه إقراره لا ما يتوقّف على علمنا.

ثمَّ إنّه هل يرث من ذلك المهر حتى يكون اللازم عليه أداء نصف ما عليه من المهر، أو لا؟

الظاهر هو: الأول، كما عن فخر المحقّقين «1» و جماعة [1]، إذ إقراره لا يثبت إلّا ذلك.

و الحاصل: أنّ وجوب دفع المهر ليس إلّا للإقرار بالزوجيّة، و الزوجيّة سواء كانت إقراريّة أو واقعيّة لا تثبت إلّا نصف المهر، فالمدّعى أنّه لم يثبت إلّا النصف، لا أنّه ثبت الجميع و يرث نصفه بالزوجيّة، حتى يرد أنّ الإرث يتوقّف على اليمين، و كيف؟! مع أنّه لا يخلو إمّا أن يكون صادقا في الإجازة أو كاذبا، فإن كان صادقا فالمهر نصفه له، و إلّا فكلّه.

ه: لو مات الباقي بعد الإجازة و قبل اليمين، فيما فيه اليمين، فالظاهر عدم استحقاق وارثه شيئا من إرث الطرف الآخر.

لأنّ استحقاقه فرع استحقاق مورّثه، الموقوف على الحلف، الممتنع تحقّقه حينئذ، و عدم توقيف حلف وارثه و لو ادّعى العلم، و تمام الزوجيّة

______________________________

[1] كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 23 و صاحب الرياض 2: 83.

______________________________

(1) الإيضاح 3: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 199

بمجرّد الإجازة- بحسب علمنا- في مقام التهمة ممنوع.

و: لو جنّ الباقي قبل الأمرين أو أحدهما:

فمع اليأس عن الإفاقة فكالميّت.

و مع رجائه يعزل نصيبه إلى أن يفيق فيحلف.

لإطلاق الروايات بالعزل إلى الحلف.

ز: لو كانت تركة الطرف الميّت ما لا يمكن عزل نصيب الباقي خاصّة، بأن يكون ممّا لا يقبل القسمة، يتصرّف فيه وليّ الطرف الآخر مع سائر الورثة بما أمكن.

و التوضيح: أنّ المراد بالعزل ليس طرحه و إبقاؤه مهملا من جميع الوجوه، بل المراد: عزله عن القسمة، فلا يقسّم بين الورثة، و

يكون الحال فيه مشتبها في أنّه هل مال الوارث أو الطرف الآخر ليس إلّا، فينبغي أن يتصرّف فيه المأذون عنهما بما يصلح بأن يقوّم على أحدهما أو على ثالث أو نحو ذلك ممّا يجوز للوليّ.

و كذا إذا كان المال ممّا يضيّع بالإبقاء، و لو لم يتّفقا على أمر واحد يرجع إلى الحاكم الشرعي.

ح: النكاح إذا كان فضوليا من طرف واحد و بالمباشرة لنفسه أو لموكّله أو لمن يلي أمره من طرف آخر، يلزم من ذلك الطرف و لا خيار له.

لما مرّ في الأخبار المتكثّرة من قوله: «و لا خيار عليها» «1».

ط: إذا كان أحد طرفي العقد فضوليّا و الآخر لازما، صرّح جماعة

______________________________

(1) راجع: 192.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 200

منهم: الفاضل في القواعد و الهندي في شرحه «1»، و طائفة من معاصرينا «2»- بأنّه يثبت تحريم المصاهرة في حقّ اللّازم، بمعنى: أنّه في حكم المتزوّج بالعقد اللّازم من الطرفين، فيحرم عليه ما يحرم عليه.

فإن كان اللزوم من جانب الزوج يحرم عليه تزويج أخرى دائما إن كانت هذه رابعة و تزويج أخت هذه المرأة و بنتها و أمّها.

و إن كان من جانب الزوجة فلا يجوز لها التزويج بغيره.

كلّ ذلك لصدق التزويج و النكاح على ذلك و إن كان فضوليّا من الطرف الآخر، فإنّه نكاح صحيح، بل لازم من ذلك الطرف، بل صرّح في الروايات بأنّه نكاح صحيح، و أنّه نكاح جائز، و أنّه تزويج، و نحو ذلك، فتشمله أخبار حرمة نكاح أخت المنكوحة و أمّها و بنتها و خامستها و نكاح المتزوّجة و نحو ذلك.

فإن قيل: فعلى هذا يلزم ثبوت تحريم المصاهرة في حقّ غير اللّازم أيضا و كذا الفضوليان، لصدق النكاح.

قلنا: إتيان الفضوليّ بما

يحرم على اللّازم ردّ للعقد فلذا يجوز، مع أنّ لنا أن نسلّم اللّازم لو لا الدليل على خلافه، و لكنّه قائم، و هو الإجماع على عدم التحريم من جانب الفضولي، بل تدلّ عليه أيضا الأخبار المصرّحة بصحّة العقد الأخير أيضا إذا زوّج فضوليّان على واحد و بأنّه لو أجاز الأخير يلزم «3»، و لو كان يحرم على الفضوليّ ما يحرم على اللّازم لكان العقد الأخير باطلا لا تنفع فيه الإجازة.

______________________________

(1) القواعد 2: 7، كشف اللثام 2: 23.

(2) كصاحب الحدائق 23: 288 و صاحب الرياض 2: 83.

(3) الكافي 5: 397- 3، التهذيب 7: 387- 1554، الوسائل 20: 282 أبواب عقد النكاح ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 201

و أمّا توهّم أنّ سبب الفرق بين الجانب اللّازم و غير اللّازم في تحريم المصاهرة في الأول لزوم العقد بالنسبة إليه.

فليس بجيّد، إذ لو كان النظر إلى صدق التزويج و النكاح فنسبته إليهما سواء، و لو كان إلى تبادر التزويج اللّازم فلو سلّم فالمتبادر هو اللّازم من الطرفين، و أمّا من الطرف الواحد فكالمتزلزل من الطرفين، فالسبب في عدم التحريم في جانب غير اللّازم هو ما مرّ.

إلّا أنّه يمكن أن يقال أيضا: إنّ المتبادر من النكاح و التزويج و الزوجة و العقد هو ما كان لازما من الطرفين أو واقعا منهما أصالة أو وكالة دون نحو ذلك [1].

مع أنّه لو أفاد هذا الصدق لزم حرمة تزويج المعقودة فضولا على أب الزوج و ابنه و نحو ذلك ممّا هو باطل قطعا، و إلّا لأمكن لكلّ أحد تحريم كلّ امرأة على أبيه أو ابنه، و نحو ذلك لو أراد.

و قد يستدلّ على تحريم المصاهرة بأنّه قد صرّح

في الأخبار المتقدّمة بأنّه: «لا خيار عليها» و مقتضى جواز المصاهرة ثبوت الخيار، إذا لو جازت لجاز له نكاح بنتها و أمّها و وطؤهما، و لو وطئ إحداهما لم تؤثّر إجازة المعقودة، لحرمة بنت الموطوءة و أمّها، و هو عين ثبوت الخيار عليها، و يثبت تمام المطلوب بعدم الفصل.

و فيه: أنّ هذا يتمّ لو كان الوطء سابقا على العقد الفضولي، و أمّا بعده فلا نسلّم الحرمة.

______________________________

[1] في «ح» زيادة: سيّما على القول بالكشف مع أصالة عدم تحقّق الزوجية.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 202

و قد يستدلّ أيضا بأنّه يمكن أن يكون النكاح اللازم واقعا فكشفت عنه الإجازة.

و فيه: أنّ الأصل عدم وقوعه و عدم تحقّق الإجازة.

و بالجملة: لا دليل تامّا على تحريم المصاهرة، و أقرب الأدلّة إلى التمام هو: الأول من صدق الزوجيّة و النكاح، فينبغي أن يكون هو الدليل، و يمنع التبادر المذكور، سيّما مع أنّ الفضوليّ كثير، كما تشهد به الأخبار، و يستند فيما يقطع بعدم تحريمه من تزويج الأب و الابن و نحوهما بالإجماع.

ى: لو فسخ المعقود فضولا العقد، فلا شكّ في حليّة جميع ما مرّ من المصاهرات حتى تزويج البنت.

لكون الامّ غير مدخولة.

إلّا في الأمّ، فإنّ فيها إشكالا، يعني: إذا كانت المعقودة فضولا البنت ففي تحريم أمّها- بعد تحقّق الفسخ من البنت- إشكال.

نظرا إلى أنّ حرمة أمّ الزوجة ليست مشروطة بالدخول ببنتها على الأصحّ، و لا ببقاء زوجيّة البنت، بل هي محرّمة أبدا، و يصدق عليها أنّها أمّ زوجته بالعقد الصحيح.

و إلى أنّ الفسخ يرفع النكاح من أصله، فهو كاشف عن الفساد من أصله، سواء قلنا: إنّ الإجازة كاشفة أو ناقلة، فوجود النكاح كعدمه.

و أيضا تحريم الأمّ إنّما هو بالعقد

الصحيح، و هو موقوف على إيجاب و قبول صحيحين، و المفروض عدمه عن جانب الزوجة، فوجوده حينئذ كعدمه، و لا ينفع القبول وحده.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 203

و الأظهر هو: الأول.

لما مرّ من صدق أمّ الزوجة بالعقد الصحيح اللّازم بالنسبة إليه، و لا يضرّ كشف الفسخ عن الفساد من أصله، لأنّ المسلّم من الكشف أنّه ينكشف عدم تحقّق الزوجيّة اللّازمة من الطرفين، أو عدم تحقّق ما تترتّب عليه جميع الآثار أولا، لا أنّه لم يتحقّق نكاح و زوجيّة أصلا، كيف؟! و هو أمر مشاهد أنّه تحقّق العقد الفضوليّ من جانب اللّازم من آخر و كانت له آثار مترتّبة عليه قطعا، من تأثير الإجازة لو تعقّبته، و تحريم المصاهرة على الطرف اللّازم قبل الفسخ، و نحو ذلك.

و هذا القدر من صدق التزويج و النكاح كاف، و لو لا كفايته يلزم عدم تحريم المصاهرة مطلقا قبل الفسخ أيضا.

أمّا على كون الإجازة ناقلة، فلعدم تحقّق الجزء، و عدم تحقّق الإيجاب و القبول الصحيحين.

و أمّا على كونها كاشفة، فلعدم العلم بتحقّق الزوجيّة، فيستصحب عدم تحقّقها، و حلّية الأخت و البنت و غيرهما.

و العجب من بعض من يقول بتحريم المصاهرة قبل الفسخ [1]، مستدلا بأنّه نكاح صحيح لازم من جانبه، و عدم تحريم الامّ بعد الفسخ، تمسّكا بعدم حصول الإيجاب و القبول الصحيحين.

و من هذا يظهر عدم جواز نكاح الامّ لو ماتت الزوجة قبل الردّ أو الإجازة أيضا.

يا: إذا كان العقد لازما من جانب الزوج فضوليّا عن الزوجة، فهل

______________________________

[1] كالمحقّق الثاني في جامع المقاصد 12: 159، 160.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 204

يصحّ للزوج الطلاق قبل إجازة الزوجة أم لا؟

قيل: لا، لأنّ وضع الطلاق إنما هو لرفع

نكاح ثابت، و الفضولي ليس كذلك، إذ النكاح الثابت لا يحصل إلّا بإذن المرأة أولا أو إجازتها ثانيا، و لا معنى لثبوته من طرف واحد.

و أمّا ما قيل من أنّ النكاح لازم من جهة الزوج و له طريق إلى رفعه بالطلاق، لأنّه لا معنى لثبوت نكاح و لزومه مع عدم جواز الطلاق، و لم يرد مثله في الشرع.

ففيه: أنّ المسلّم ممّا ورد في الشرع جواز الطلاق على النكاح الثابت من الطرفين لا من طرف واحد، و عدم تصريح الشرع بعدم الجواز لا يستلزم التصريح بجوازه، و المحتاج إليه في التوقيفيّات هو الثاني.

و أمّا ما قد يقال من أنّا إن قلنا: إنّ الإجازة كاشفة، نقول: إنّ الطلاق حينئذ يكون مراعى، فإن أجازت فقد وقع الطلاق، و إن فسخت تبيّن بطلان النكاح و الطلاق معا.

ففيه: منع صحّة الطلاق مراعى بالإجازة، بل الظاهر أنّ بطلانه إجماعي.

أقول: المسلّم أنّ وضع الطلاق إنّما هو لرفع النكاح الصحيح، و أمّا أنّه رفع النكاح اللازم من الطرفين فلا، و أيّ دليل يدلّ عليه؟! فإن قيل: الجواز يحتاج إلى دليل.

قلنا: الدليل إطلاق مثل قوله: «إنّما الطلاق بعد النكاح»، و:

«لا يكون طلاق إلّا بعد نكاح» «1»، و نحو ذلك، فإن شككت في صدق

______________________________

(1) راجع الوسائل 22: 31 أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 205

النكاح على ذلك أو ظننت تبادر اللازم من الطرفين منه، فيلزم عليك مثله في تحريم المصاهرة قبل الفسخ، مع أنّ هذا القائل يحرّمها، لصدق النكاح و الزوجة و نحوهما.

و بالجملة: إنّي لا أفهم فرقا من حيث التوقّف على النكاح بين هذا الفرع و بين فرع تحريم المصاهرة.

نعم، يمكن التفرقة من وجه آخر، و هو

أنّ ثمرة الطلاق- بل معناه- هو جعل الزوجة خليّة مختارة لنفسها مطلقة عنانها، و هي هنا كذلك قبل الطلاق أيضا، فلا معنى لوقوع الطلاق عليها.

مضافا إلى ما في موثّقة سماعة: «و لا طلاق إلّا بعد ما يملك الرجل» «1».

و في رواية محمّد بن قيس: «لا يطلّق إلّا ما يملك» «2».

و لا ريب أنّه ما دامت الزوجة مختارة و لم يلزم النكاح من جانبها لا يصدق أنّه يملك، فلا يكون طلاق، و من هذا الطريق يقوى جانب عدم صحّة الطلاق.

يب: لو زوّج أحد امرأة فضولا، و لم تعلم به الامرأة، فتزوّجت بغيره لزوما، فلا ينبغي الريب في صحّة ذلك العقد كما مرّ.

ثمَّ إذا اطّلعت على أنّه عقد عليها فضولا أيضا، فهل يجوز لها إمضاء الفضوليّ و فسخ النكاح المتأخّر؟

أو لا، بل المتأخّر لازم؟

______________________________

(1) الكافي 6: 63- 2، الوسائل 22: 33 أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه ب 12 ح 5، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 6: 63- 5، الوسائل 22: 32 أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه ب 12 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 206

الظاهر هو: الثاني، إذ تأثير الإجازة في لزوم الفضوليّ إذا لم يمنع منه مانع، و هو هنا موجود، لاستلزامه إمّا تزويج زوجة واحدة بزوجين في زمان واحد، أو بطلان نكاح لازم، أو تحقّق خيار الفسخ فيه من غير دليل، و الكلّ باطل.

فإن قيل: عمومات تأثير الإجازة تصلح دليلا له.

قلنا: أين العموم الشامل لمثل ذلك المورد؟! غايته العموم بتوسّط ترك الاستفصال الغير الجاري في الفروض النادرة قطعا، سيّما مع قيام القرائن في أكثر تلك الموارد أو جميعها على عدم كونها ممّا نحن فيه، و لو كانت الإجازة مؤثّرة في المقام لأثّرت فيما إذا وقع

الفضولي بعد النكاح اللّازم أيضا، و بطلانه ظاهر.

و منه يظهر الحال فيما لو زوّج الفضوليّ رجلا بامرأة، و زوّج هو نفسه أمّها أو أختها جهلا.

مسألة: إذا كان هناك جدّ و أب و زوّجا من عليه الولاية لهما بشخصين:

فإن اختلفا زمانا فالعقد للسابق منهما و إن كان أبا، سواء علم كلّ منهما بعقد الآخر أم لا، بالإجماع كما عن السرائر و الغنية و التذكرة «1».

لصحيحة هشام و ابن حكيم: «إذا زوّج الأب و الجدّ كان التزويج للأول، فإن كانا جميعا في حال واحدة فالجدّ أولى» «2».

و موثّقة عبيد: الجارية يريد أبوها أن يزوّجها من رجل و يريد جدّها أن يزوّجها من رجل آخر، فقال: «الجدّ أولى بذلك ما لم يكن مضارّا إن لم

______________________________

(1) السرائر 2: 561، الغنية (الجوامع الفقهية): 409، التذكرة 2: 594.

(2) الكافي 5: 395- 4، الفقيه 3: 250- 1193، التهذيب 7: 390- 1562، الوسائل 20: 289 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 11 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 207

يكن الأب زوّجها قبله، و يجوز عليها تزويج الأب و الجدّ» «1».

و إن اقترنا ثبت عقد الجدّ إجماعا أيضا، كما عن الكتب الثلاثة، و في الروضة: لا نعلم فيه خلافا «2».

للروايتين المتقدّمتين، و المذكور فيهما و إن كان مجرّد الأولويّة- و هي غير صريحة في التعيين- إلّا أنّها مرجّحة لعقد الجدّ و دالّة على صحّته، و أمّا صحّة عقد الأب فغير معلومة.

و التوضيح: أنّ مع اقتران العقدين لا يمكن الحكم بصحّتهما:

فإمّا يبطلان معا.

أو يصحّ أحدهما لا على التعيين، بمعنى: تخيّر المعقود عليه في التعيين.

أو يصحّ أحدهما معيّنا.

و الأول خلاف الأصل- و إنّما كان يحكم به في عقدي الوكيلين المقترنين، لعدم المرجّح، و هو هنا موجود، و هو تصريح الشارع بأولويّة عقد الجدّ- بل خلاف

مدلول الأخبار أيضا.

و الثاني أيضا خلاف الأصل، لأنّ تأثير اختيار المعقود عليه في صحّة العقد أمر مخالف للأصل.

فتعيّن الثالث، و لا ضير فيه، و عدم إمكانه في عقد الوكيلين لاستلزامه الترجيح بلا مرجّح، و هو هنا غير لازم، فيجب ترجيح ما رجّحه الشارع،

______________________________

(1) الكافي 5: 395- 1، الفقيه 3: 250- 1192، التهذيب 7: 390- 1560، الوسائل 20: 289 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 11 ح 2.

(2) الروضة 5: 149.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 208

لمعلوميّة صحّته دون غيره.

و لو تشاحّا قبل العقد، قالوا: يقدّم اختيار الجدّ، بل عليه الإجماع عن الانتصار و الخلاف و المبسوط و السرائر و التذكرة «1».

و تدلّ عليه الموثّقة السابقة، و صحيحة محمّد: فقلت: فإن هوى أبوها رجلا و جدّها رجلا، فقال: «الجدّ أولى بنكاحها» «2».

و ليس مرادهم بتقديم اختياره سقوط ولاية الأب، للاتّفاق على صحّة عقده لو سبق على الجدّ و عقد.

فالمراد: إمّا وجوب تقديمه الجدّ، أو استحباب ذلك، و الأخبار قاصرة عن إفادة الأول، فالظاهر هو الثاني، أي يستحبّ للأب ترك التشاحّ و تفويض الأمر إلى الجدّ، و يشعر بذلك قوله في آخر الموثّقة: «و يجوز عليها تزويج الأب و الجدّ» بعد تصريحه بأولوية الجدّ.

بل تصرّح به موثّقة البقباق: فإن هوي أبو الجارية هوى و هوى الجدّ هوى و هما سواء في العدل و الرضا، قال: «أحبّ إليّ أن ترضى بقول الجدّ» «3».

مسألة: لو وكّلت رجلين و زوّجاها بشخصين:

فإن سبق أحدهما بالنكاح فالعقد له مطلقا و بطل المتأخّر كذلك،

______________________________

(1) الانتصار: 121، الخلاف 4: 269، المبسوط 4: 176، السرائر 2: 561، التذكرة 2: 594.

(2) الكافي 5: 395- 2، التهذيب 7: 390- 1561، الوسائل 20: 289 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب

11 ح 1.

(3) الكافي 5: 396- 5، التهذيب 7: 391- 1564، الوسائل 20: 290 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 11 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 209

دخل بها المتأخّر أم لا، لوقوع الأول صحيحا، و الثاني باطلا لوقوعه عليها و هي في عصمة الأول، و تعاد إلى الأول حينئذ مع عدم الدخول، و بعد انقضاء العدّة من الثاني لوطء الشبهة مع جهلهما أو جهل الواطئ خاصّة مع الدخول، و يكون المهر لها على الأول أو جهلها خاصّة دون الثاني، لكونها بغيّا لا مهر لها، و كذا مع علمهما.

و هل ما يكون لها هو مهر المثل، كما عن جماعة، منهم: المبسوط و التحرير «1»؟

أم المسمّى، كما عن محتمل التذكرة «2»؟

مقتضى الأصل: الأول، لعدم دليل على لزوم المسمّى، و إقدامها بالرضا به لا يفيد، للأصل، و إناطة الرضا بالصحّة لا مطلقا فهو الأظهر.

و أمّا ما في خبر محمّد بن قيس: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قضى في امرأة أنكحها أخوها رجلا، ثمَّ أنكحتها أمّها رجلا بعد ذلك، فدخل بها فحبلت فاحتقّا فيها، فأقام الأول الشهود فألحقها بالأول و جعل لها الصداقين جميعا، و منع زوجها الذي حقّت له أن يدخل بها حتى تضع حملها، ثمَّ ألحق بأبيه الولد» «3».

و المحمول على صورة وكالة العاقدين، و إن كان الظاهر منه المسمّى، إلّا أنّه- لكونه قضيّة في واقعة مخصوصة- يحتمل أن يكون المسمّى هو مهر المثل، كما هو الغالب أيضا، فلا يفيد شيئا.

______________________________

(1) المبسوط 4: 182، التحرير 2: 8.

(2) التذكرة 2: 597.

(3) الكافي 5: 396- 1، التهذيب 7: 386- 1552، الاستبصار 3: 240- 859، الوسائل 20: 280 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 7

ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 210

و إن اقترنا زمانا بطلا إجماعا- فيما عدا الأخوين- لامتناع الحكم بصحّتهما، و لا بصحّة أحدهما معيّنا، لاستلزامه الترجيح بلا مرجّح، و لا غير معيّن بأن يكون لها التخيير، لأصالة عدم تأثير التخيير في التعيين.

و لا مهر على أحد و لا ميراث لأحد منهما و لا منه.

و عن المختلف: نفي البعد عن أن يكون لها الخيار الذي يكون في الفضولي، لزوال ولاية كلّ منهما، لوقوع عقده حال عقد الآخر فيكونان فضوليّين «1».

و فيه: منع إيجاب ما ذكر لزوال الولاية.

و أمّا في الأخوين ففيه يأتي.

مسألة: لو زوّجها الأخوان برجلين:

فإن لم يكونا وكيلين فالعقدان فضوليّان، اختارت أيّهما شاءت و إن شاءت فسخهما، اقترنا زمانا أو اختلفا.

و لكن ينبغي لها اختيار من عقد عليه الأكبر منهما مع تساوي المعقود عليهما في الرجحان الشرعي، كما ذكره جماعة [1].

لخبر وليد: عن جارية كان لها أخوان زوّجها الأكبر بالكوفة و زوّجها الأصغر بأرض أخرى، قال: «الأول بها أولى، إلّا أن يكون الأخير قد دخل بها، فهي امرأته و نكاحه جائز» «3».

______________________________

[1] منهم العلّامة في التحرير 2: 7، الشهيد الثاني في الروضة 5: 151، صاحب الرياض 2: 83.

______________________________

(1) المختلف: 537.

(3) الكافي 5: 396- 2، التهذيب 7: 387- 1553، الاستبصار 3: 239- 858، الوسائل 20: 281 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 7 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 211

و في دلالته نظر، لاحتمال أن يكون الترجيح باعتبار الأوليّة دون الأكبريّة، إلّا أنّ فتوى جمع من الأصحاب- سيّما مع ما ورد من أنّ: «الأخ الأكبر بمنزلة الأب» «1»- [تقتضي أن يكون الاعتبار بالأكبريّة] [1].

ثمَّ إنّ كلّ ذلك إذا لم تدخل بأحدهما.

و أمّا معه قبل الإجازة

بلفظ و نحوه، ثبت عقد من دخلت به و بطل الآخر.

لأنّه أقوى الإجازات.

و لرواية الوليد المذكورة.

و إن كانا وكيلين فكالأجنبيّين الوكيلين على الأظهر الأشهر، و قد مرّ.

خلافا للمحكيّ عن النهاية و القاضي «3»، فالعقد عقد أكبرهما مطلقا، اقترنا زمانا أم اختلفا، إلّا مع دخول من عقد عليه الأصغر- لا مع سبق عقد الأكبر- فيقدّم عقد الأصغر.

و عن ابن حمزة «4»، فيقدّم عقد الأكبر مع الاقتران مطلقا.

و عن التهذيبين و المختلف و ابن سعيد «5»، فكذلك، إلّا مع دخول من عقد عليه الأصغر.

و لم أعثر على دليل لشي ء من هذه الأقوال، إلّا خبر وليد المذكور.

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

______________________________

(1) التهذيب 7: 393- 1576، الاستبصار 3: 240- 860، الوسائل 20: 283 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 8 ح 6.

(3) النهاية: 466، القاضي في المهذّب 2: 195.

(4) الوسيلة: 300.

(5) التهذيب 7: 387، الاستبصار 3: 240، المختلف: 537، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 437.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 212

و فيه- مع عدم انطباقه على شي ء من الأقوال- أنّ مبنى الاستدلال عليه على كون المراد من الأول الأخ الأكبر و كون الأخوين فيه وكيلين، و لا إشعار بشي ء من الأمرين فيه أصلا، فيحتمل كونهما فضوليّين، كما يقتضيه الأصل و الإطلاق و الظاهر و أصول المذهب، إذ يصحّ الحكم حينئذ بتقديم من حصل في حقّه الدخول، لكونه إجازة، و يرفع الإشكال في تقديم الأول مع عدم الدخول، لكونه على سبيل الاستحباب.

مسألة: لو زوّج الوكيلان أو الوليّان و جهل السبق و الاقتران

، أو علم السبق و جهل السابق منهما ابتداء أو نسيانا:

فعن المبسوط و التحرير: أنّه يوقف النكاح حتى يتبيّن، لأنّه إشكال يرجى زواله «1».

و ذهب جماعة إلى عدم الإيقاف، لأنّه ربما لا يزول، و

فيه إضرار بالمرأة عظيم [1].

و هو بالأدلّة القطعيّة منفي.

ثمَّ على القول بعدم الإيقاف:

ففي بطلان النكاح.

أو الرجوع إلى القرعة.

أو فسخ الحاكم للنكاحين.

أو جبرهما على الطلاق.

______________________________

[1] منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 25 و صاحب الرياض 2: 84.

______________________________

(1) المبسوط 4: 181، التحرير 2: 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 213

احتمالات أربعة، ذكرها في الكفاية «1» و غيره [1].

و الأول محكيّ عن المبسوط و التحرير «3».

و الثاني جوّزه في القواعد و التذكرة «4».

و الأخيران في القواعد «5»، و قوّى في التذكرة الأخير «6».

و الحقّ: أنّ المجهول إن كان السبق و الاقتران و كان العاقدان غير الأب و الجدّ معا لا يجب الإيقاف و يبطل النكاح.

لأصالة عدم سبق أحدهما فيقترنان فيبطلان.

و لأصالة عدم تحقّق الزوجيّة و عدم حلّية البضع إلى أن يتيقّن النكاح الصحيح.

و كون الاقتران مخالفا للظاهر لا يفيد، لترجيح الأصل على الظاهر.

و أصالة عدم صحّة نكاح آخر إذا وقع بعدهما لاحتمال صحّة أحد النكاحين غير نافعة، لأنّ الأصل الأول مزيل لذلك الأصل، فإنّ بعد جريان الأصل الأول لا يبقى شكّ في صحّة النكاح اللّاحق، و هذا من باب تعارض الأصلين اللذين يكون أحدهما مزيلا للآخر و لا عكس، فيجب تقديم المزيل.

و إن كان المجهول السبق و الاقتران في عقد الأب و الجدّ معا، أو كان

______________________________

[1] كالمسالك 1: 462.

______________________________

(1) الكفاية: 157.

(3) المبسوط 4: 181، التحرير 2: 8.

(4) القواعد 2: 8، التذكرة 2: 597.

(5) القواعد 2: 8.

(6) التذكرة 2: 597.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 214

المجهول السابق مع العلم بسبق أحدهما، فإن يرج زوال الاشتباه من غير ضرر و جرح يجب، لعدم الدليل على أمر آخر غيره حتى القرعة، لعدم كون مثل ذلك مشكلا بل و

لا مجهولا، فيستصحب كونها مزوّجة لأحدهما.

و إن لم يرج- إمّا مطلقا، أو إلّا مع ضرر، أو حرج و مشقّة- لا يوقف، لنفي هذه الأمور في الشريعة، بل تجب القرعة، لأنّها لكلّ أمر مشكل، و في رواية محمّد بن حكيم: «في كلّ أمر مجهول القرعة» «1»، فيحكم بزوجيّة من وقعت عليه و يردّ الآخر، و لا يصغى إلى من ينفيها، لكون المقام مقام الاحتياط، و لا يحصل العلم من القرعة، لأنّه اجتهاد في مقابلة الدليل، و لو صحّ ذلك لزم عدم الحكم باليمين و البيّنة في الأنكحة أيضا.

و أمّا الاحتمالان الآخران، فلا دليل عليهما مع كونهما مخالفين للأصل محتاجين إلى التوقيف.

و الاستدلال لثانيهما بتوقّف اندفاع الضرر عليه، و هو لا يمكن إلّا بالطلاق فيجبر عليه، و إذ لا مخصّص لأحدهما بالإجبار فيجبران، و إجبار الحاكم بمنزلة الاختيار، و لأولهما بدعاء الضرورة إليه و سلامته من الإجبار المنفيّ بالطلاق.

ضعيف، لمنع التوقّف، و منع كون إجبار الحاكم بدون دليل بمنزلة الاختيار، و منع دعاء الضرورة لما ذكر.

ثمَّ بعد القرعة، هل يؤمر من لم تقع له القرعة بالطلاق و من وقعت له بتجديد النكاح- كما في القواعد «2»- لما في أمر النكاح من الاحتياط؟

______________________________

(1) الفقيه 3: 52- 174، التهذيب 6: 240- 593، الوسائل 27: 259 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 13 ح 11.

(2) القواعد 2: 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 215

الحقّ: لا، للأصل.

مسألة: لو ادّعي السبق فلا يخلو: إمّا يدّعيه أحد الزوجين. أو كلاهما.

فإن ادّعاه أحدهما:

فإمّا يصدّقه الآخر.

أو يقول: لا أدري.

و على التقديرين:

فإمّا تصدّقه الزوجة.

أو تكذّبه.

أو تقول: لا أدري.

فإن صدّقاه فالحكم واضح.

و إن قال الآخر: لا أدري، و صدّقت الزوجة المدّعي، فالزوجة لمدّعي السبق، لاعتراف الزوج و الزوجة بالزوجيّة، و عدم معارض و لا مدّع

لخلافها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 16    215     مسألة: لو ادعي السبق فلا يخلو: إما يدعيه أحد الزوجين. أو كلاهما. ..... ص : 215

كذا عكسه إن قالت: لا أدري و صدّقه، لسقوط حقّ الآخر بالتصديق، فينحصر الحقّ في المدّعي.

و إن كذّبته يرجع إلى ما إذا ادّعى رجل زوجيّة امرأة و ادّعت هي زوجيّة الآخر، سواء صدّقه أو قال: لا أدري، و قد مرّ حكمه.

و إن قالا: لا أدري [1]، فالحكم القرعة، لما مرّ.

______________________________

[1] في بعض النسخ: أدري، بدل: لا أدري.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 216

و إن ادّعى كلّ منهما سبق عقده:

فإمّا تصدّق الزوجة أحدهما.

أو تنكر السبق مطلقا و تدّعي الاقتران.

أو تقول: لا علم لي.

و على الأخير:

إمّا يدّعيان عليها العلم.

أو يدّعيه أحدهما.

أو لا يدّعيه شي ء منهما.

فإن صدّقت أحدهما، فعن المبسوط «1»: أنّه يثبت نكاحه، لأنّ الزوجين إذا تصادقا على الزوجيّة تثبت، و لم يلتفت إلى دعوى الزوجيّة من الآخر إلى أن يقيم البيّنة، و أنّها بمنزلة من في يده عين تداعاها اثنان فاعترف لأحدهما.

و استشكل فيه في القواعد «2»، للفرق بينه و بين من ادّعى زوجيّة امرأة عقد عليها غيره أو تصادقا سابقا على الزوجيّة من غير معارض، من حيث إنّ التخاصم بينهما قد سبق اعترافها هنا، فيشكل قطع التداعي باعترافها مع تعلّقه بحقّ الغير و مساواته لحق المقرّ له.

و التحقيق: أنّه ليس لمن صدّقته الزوجة دعوى معها و له الدعوى مع الزوج الآخر، و كلّ منهما مدّع لسبق عقده و منكر لسبق الآخر، فإن كانت لأحدهما بيّنة تقبل، و إن كانت لهما يرجع إلى حكم تعارض البيّنتين.

______________________________

(1) المبسوط 4: 182.

(2) القواعد 2: 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 217

و إن

لم تكن بيّنة فلكلّ منهما حلف الآخر، فإن حلفا أو نكلا يشكل الأمر، فيرجع إلى القرعة، فإن وقعت على من صدّقته فتمّت الدعوى، و إن وقعت على الآخر يحتمل التمام أيضا، لعدم تأثير لتصديق الزوجة.

و إن حلف أحدهما و نكل الآخر، فإن كان الحالف من صدّقته الزوجة فتمّت الدعوى، و إن كان الآخر فيحتمله أيضا.

و إن أنكرت السبق مطلقا فهي امرأة يدّعي رجلان زوجيّتها و هي منكرة لهما، فإن كانت بيّنة و إلّا فتحلف لهما.

و إن قالت: لا أدري، فإن ادّعيا عليها العلم أحلفاها و سقطت دعواهما عنها و بقي التداعي بينهما، و إن لم يدّعيانه انحصر التداعي بينهما، و إن ادّعاه أحدهما أحلفها.

و يحتمل في جميع الصور انحصار التداعي بهما، لعدم ترتّب أثر على تصديق الزوجة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 219

المقصد الثاني في أسباب التحريم

اشاره

و هي أمور: النسب و الرضاع، فهاهنا فصول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 220

الفصل الأول في النسب

اشاره

و يحرم به كلّ قريب عدا أولاد العمومة و الخؤولة، و تفصيله أصول كلّ أحد و فصوله و فصول أول أصوله و أول فصل من كلّ أصل آخر.

فالأول: الآباء و الأمّهات و إن علوا.

و الثاني: البنون و البنات و إن سفلوا.

و الثالث: الإخوة و الأخوات و إن نزلوا.

و الرابع: الأعمام و العمّات و الأخوال و الخالات له أو لأحد أصوله، لا مطلق أعمام العمومة و أخوال الخؤولة.

و تحريم هؤلاء مجمع عليه بين الأمّة، بل عليه الضرورة الدينيّة، و مصرّح به في الجملة في الكتاب «1» و السنّة «2».

و ها هنا مسألتان:
المسألة الأولى: تحريم النكاح

بالنسب إنّما يثبت به مطلقا.

سواء كان نسبا شرعيّا، و هو اتّصال النسب بالوطء الصحيح الشرعيّ من نكاح أو تحليل أو ملك أو وطء شبهة، و لو عرضه التحريم بحيض أو صيام أو إحرام أو نحوها ما لم يخرج به عن أصل الحلّية.

______________________________

(1) النساء: 23.

(2) الوسائل 20: 361 أبواب ما يحرم بالنسب ب 1، 2، 3، 4، 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 221

و المراد بوطء الشبهة: الوطء الذي ليس بمستحقّ مع عدم العلم بالتحريم، فيدخل فيه وطء المجنون و النائم و شبههما، و لو اختصّت الشبهة بأحد الطرفين اختصّ به الولد، و وطء المنكوحة التي لم يعلم بكونها منكوحة يثبت النسب و إن أثم في الوطء.

أو نسبا غير شرعيّ، و هو اتّصاله بالزنا.

إجماعا قطعيّا- بل ضرورة دينيّة- في الأول.

و إجماعا محكيّا- حكاه الشيخ في الخلاف و الفاضل في التذكرة و المحقّق الثاني في شرح القواعد و الهندي فيه أيضا «1»، و في الكفاية:

لا أعرف فيه خلافا بين الأصحاب «2»، و في المفاتيح «3»: نسبه إلى ظاهر أصحابنا- في الثاني.

كلّ ذلك- بعد الإجماع فيما ثبت فيه الإجماع-

لصدق النسبة عرفا و لغة، و أصالة عدم النقل فتشمله الآية، و يتعدّى إلى غير من ذكر فيها- إن لم يشمل الجميع- بالإجماع المركّب.

و لا يضرّ عدم ثبوت سائر أحكام النسب بالنسب الحاصل من الزنى- كالتوارث، و إباحة النظر، و الانعتاق، و ارتفاع القصاص، و تحريم حليلة الابن، و الجمع بين الأختين، و نحوها- لأنّه إنّما هو بدليل خارجيّ دالّ على تعلّقها بالنسبة الشرعيّة خاصّة.

و منه يظهر ما في كلام بعض المتأخّرين من أنّ المعتبر في تحقّق

______________________________

(1) الخلاف 4: 305، 310، التذكرة 2: 632، جامع المقاصد 12: 190، الهندي في كشف اللثام 2: 26.

(2) الكفاية: 158.

(3) المفاتيح 2: 234.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 222

النسبة إن كان هو الصدق العرفيّ و اللغويّ للزم ثبوت سائر الأحكام النسبيّة المذكورة، لدخوله بسبب الصدق المعتبر تحت العمومات المفيدة لذلك.

و إن كان هو الصدق الشرعيّ خاصّة للزم انتفاء جميع الأحكام المترتّبة على النسبة، فتخصيص الحكم بتحريم النكاح ممّا لا وجه له، سوى ادّعاء بعضهم الإجماع عليه، و هو كما ترى «1». انتهى.

فإنّا نجيب: بأنّ المعتبر هو الأول، بل لا حقيقة شرعيّة للنسبة، و أمّا انتفاء الأحكام الأخر فإنّما هو بدليل آخر من إجماع و غيره مذكورة في مظانّها.

نعم، لو ثبتت الحقيقة الشرعيّة في النسب أو ألفاظ النسبة من الامّ و الأب و غيرهما لكان اللازم الاقتصار على النسب الحاصل من الوطء الصحيح، و يلزمه عدم ثبوت تحريم النكاح أيضا، لعدم دليل تامّ آخر عليه سوى الإجماع، و محكيّه غير حجّة، و محقّقه غير ثابت، لاستشكال جمع من المتأخّرين [1].

و أمّا ما ذكره الحليّ- بعد أن نقل قول الشيخ بتحريم النسب الحاصلة من الزنى، مستدلا بأنّه إذا زنى بامرأة

حرمت عليه بنتها و هذه بنتها، و بعموم قوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ «3» و هي بنته لغة، و ردّه بأنّ عرف الشرع طار على اللغة- أنّ وجه التحريم: أنّ البنت المذكورة كافرة، لأنّ ولد الزنى كافر، و الزاني إذا كان مؤمنا لا يجوز له نكاح الكافرة،

______________________________

[1] منهم المحقّق الثاني في جامع المقاصد 12: 191، الشهيد الثاني في المسالك 1: 463.

______________________________

(1) انظر المسالك 1: 463.

(3) النساء: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 223

فمن هذا الوجه تحرم، لا من الوجهين اللذين ذكرهما الشيخ «1».

فضعيف جدّا، لمنع كفر ولد الزنى.

ثمَّ على ما ذكرنا يثبت تحريم النكاح بالنسب من الزنى أيضا في جميع الأنسباء المذكورين، و إن كان كلام الأكثر مخصوصا بتحريم البنت الحاصلة من الزنى و الابن الحاصل منه، و لكن الظاهر أنّ مرادهم التعميم، و لذا زاد بعضهم بعد ذكر البنت قيد: مثلا.

المسألة الثانية: لو اجتمع سببان شرعيّان

، كالمطلّقة التي وطئها غير المطلّق بالشبهة أو النكاح بعد العدّة، فأتت بولد، يثبت النسب لمن أمكن في حقّه دون غيره.

فإن أتت به لأقلّ من ستة أشهر من حين الطلاق فهو للأول، و كذا لو أتت به لأقلّ منها من وطء الثاني، و لأقصى الحمل فما دون من الطلاق.

و إن أتت به لزيادة من أقصى مدّة الحمل من الطلاق، و لستّة أشهر فما زاد إلى أقصى الحمل من وطء الثاني فهو للثاني.

و إن أتت به لأقلّ من ستّة أشهر من وطء الثاني و لأكثر من أقصى الحمل من وطء الأول فهو منتف عنهما.

و الوجه في الكلّ ظاهر، و في الأخبار الآتية دلالة على بعضها.

و مع الإمكان فيهما- كما لو أتت به فيما بين الحدّين للأول و الثاني، بأن كانت الولادة

لستّة أشهر من وطء الثاني و لأقلّ من أقصى مدّة الحمل

______________________________

(1) السرائر 2: 526.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 224

من وطء الأول- فعن المبسوط «1»: الرجوع إلى القرعة، مشعرا بالإجماع عليه، لأنّ القرعة لكلّ أمر مجهول و هذا منه.

و لصحيحة ابن عمّار: «إذا وطئ رجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد فولدت فادّعوه جميعا، أقرع الوالي بينهم، فمن قرع كان الولد ولده» «2»، و قريبة منها أخبار أخر «3».

و ذهب جماعة- منهم: المحقّق و الفاضل في القواعد «4»، بل الأكثر كما في الكفاية «5» و غيره [1]- إلى أنّه للثاني، لأصالة التأخّر، و رجحانه بالفراش الثابت، و للمستفيضة من الأخبار من الصحاح و غيرها:

كصحيحة الحلبي: «إذا كان للرجل منكم الجارية يطأها فيعتقها فاعتدّت و نكحت، فإن وضعت لخمسة أشهر فإنّه من مولاها الذي أعتقها، و إن وضعت بعد ما تزوّجت لستّة أشهر فإنّه لزوجها الأخير» «7».

و رواية زرارة الصحيحة، عن ابن محبوب- الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه-: عن الرجل إذا طلّق امرأته ثمَّ نكحت و قد اعتدّت و وضعت لخمسة أشهر: «فهو للأول، و إن كان ولدا ينقص من ستّة فلأمّه و لأبيه الأول، و إن ولدت لستّة أشهر فهو للأخير» «8».

______________________________

[1] كالمسالك 1: 464.

______________________________

(1) المبسوط 5: 290.

(2) الفقيه 3: 52- 176، الوسائل 27: 261 أبواب كيفية الحكم ب 13 ح 14.

(3) الوسائل 27: 257 أبواب كيفية الحكم ب 13.

(4) المحقق في الشرائع 2: 281، القواعد 2: 9.

(5) الكفاية: 158.

(7) الكافي 5: 491- 1، الوسائل 21: 173 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 58 ح 1.

(8) التهذيب 8: 167- 581، الوسائل 21: 383 أبواب أحكام الأولاد ب 17 ح 11.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 225

و مرسلة جميل: في المرأة تزوّج في عدّتها، قال: «يفرّق بينهما و تعتدّ عدّة واحدة منهما جميعا، فإن جاءت بولد لستّة أشهر أو أكثر فهو للأخير، و إن جاءت بولد لأقلّ من ستّة أشهر فهو للأول» «1».

و هذا هو الأظهر، لما ذكر.

و أمّا أخبار القرعة فهي أعمّ مطلقا من تلك الأخبار، لشمولها لما يعلم تقدّم بعض أو لا يعلم.

______________________________

(1) الفقيه 3: 301- 1441، التهذيب 8: 168- 584، الوسائل 21: 383 أبواب أحكام الأولاد ب 17 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 226

الفصل الثاني في الرضاع

اشاره

و فيه مقدّمة و أبحاث.

المقدّمة

لا خلاف بين علماء الإسلام في حصول نظائر العلاقات و القرابات الحاصلة بالنسبة و القرابة بالرضاع أيضا، و نصّ به في الجملة الكتاب العزيز، إذ يقول عزّ قائلا وَ أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ «1».

و تضافرت الأخبار على إثبات النظائر النسبيّة بالرضاع، كما لا يخفى على المتتبّع.

و ورد في السنّة المقبولة عنه ص أنّه قال: «الرضاع لحمة كلحمة النسب» «2».

و قد تواتر عنه أنّه عليه السلام قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» «3»، و منه يعلم حصول التحريم بواسطة الإرضاع في الجملة، كما يأتي تفصيله.

______________________________

(1) النساء: 23.

(2) تفسير الصافي 1: 403.

(3) الوسائل 20: 271 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 227

و القرابات النسبيّة الإناثيّة تسع: الأمّهات.

و الجدّات.

و البنات.

و بنات الأولاد.

و الأخوات.

و بنات الإخوة.

و بنات الأخت.

و العمّات.

و الخالات.

فتحصل هذه التسع بسبب الرضاع أيضا.

فالقرابة الاولى: و هي الأمّ من الرضاعة امرأة أرضعته، و صاحب اللبن أبوه من الرضاعة.

و القرابة الثانية: و هي جدّاته الرضاعيّة، هنّ أمّهات امّه و أبيه بلا واسطة أو واسطة أو وسائط.

و لمّا كان كلّ من الامّ و الأب قسمين: نسبي و رضاعي، و الأمومة لكلّ من الأربعة أيضا على قسمين: نسبيّة و رضاعيّة، فتحصل للجدّات ثمان شعب.

و لمّا كان صدق الرضاعة موقوفا على توسّط رضاع تخرج شعبتان منهما، و هما اللتان لا يداخلهما الرضاع.

إحداهما: شعبة الأمّهات النسبيّة للامّ النسبيّة.

و ثانيتهما: شعبة الأمّهات النسبيّة للأب النسبي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 228

و بقيت ستّ شعب أخر:

الأولى: الأمّهات النسبيّة للامّ الرضاعيّة.

الثانية: الأمّهات الرضاعيّة للامّ الرضاعيّة بلا واسطة، أو بواسطة إحدى من أمّهاتها النسبيّة أو الرضاعيّة.

الثالثة: الأمّهات النسبيّة للأب الرضاعي.

الرابعة:

الأمّهات الرضاعيّة للأب الرضاعي بلا واسطة، أو بواسطة إحدى من أمّهاته النسبيّة أو الرضاعيّة.

الخامسة: الأمّهات الرضاعيّة للامّ النسبيّة بلا واسطة، أو بواسطة إحدى من أمّهاتها النسبيّة أو الرضاعيّة.

السادسة: الأمّهات الرضاعيّة للأب النسبي كذلك.

و القرابة الثالثة: و هي بناته الرضاعيّة امرأة ارتضعت من لبنه، و لو كان المرتضع رجلا فهو ابنه الرضاعي.

و الرابعة: و هي بنات الأولاد، هنّ بنات بناته أو بنات أبنائه بلا واسطة أو وسائط.

و لمّا كان كلّ من البنت و الابن قسمين: النسبي و الرضاعي، و البنتيّة لكلّ من الأربعة أيضا على قسمين: النسبيّة و الرضاعيّة، فتحصل لبنات الأولاد أيضا الشعب الثمان، و تخرج منها الشعبتان اللتان لا يداخلهما الرضاع، و تبقى الستّ الباقية على قياس ما مرّ في الجدّات.

الخامسة: و هي الأخوات الرضاعيّة، هنّ بنات أبويه أو أحدهما.

و لمّا كانت البنات على قسمين: نسبيّة و رضاعيّة، و كذلك الأبوان، فتحصل هنا أربع شعب، تخرج منها واحدة- و هي البنات النسبيّة للأبوين

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 229

النسبيّين- و تبقى ثلاثة أخرى داخلة بأجمعها في الأخوات الرضاعيّة.

و لو كان المرتضع رجلا فهو أخوه الرضاعي.

السادسة: بنات الأخ، و هي بنات أخيه من النسب أو الرضاع بلا واسطة، أو بواسطة أو وسائط.

و إذ عرفت أنّ الأخ قسمان و البنت على قسمين فتحصل لبنات الأخ أيضا أربع شعب، تخرج منها شعبة واحدة هي للآباء النسبيّة: البنت النسبيّة للأخ النسبي، و تبقى ثلاث شعب أخرى.

السابعة: بنات الأخت، و تعلم أقسامها و شعبها بالقياس إلى بنات الأخ.

الثامنة: العمّات، و هنّ أخوات أبيه.

و إذ عرفت أنّ الأخوات على قسمين و الأب أيضا على قسمين فتحصل للعمّات أربع شعب: واحدة نسبيّة و البواقي رضاعيّة.

و يدخل في هذه القرابة أيضا

التقسيمان المشار إليهما في الأخوات.

و تدخل في هذه القرابة أيضا أخوات أبي أبيه.

التاسعة: الخالات، و هنّ أخوات امّه، و لهنّ الشعب الأربع، تخرج منها واحدة و يبقى الباقي.

فهؤلاء النسوة هي القرابات الرضاعيّة من الإناث، و تعلم بالقياس إليهنّ القرابات الذكوريّة للرجال و للنساء أيضا.

فيحرم على كلّ رجل هؤلاء القرابات التسع، و على المرأة نظائرهنّ من الرجال مطلقا، سوى الأخوات أو الإخوة الرضاعيّة من جهة الأمّ خاصّة إذا انتسبوا إليها بالرضاع دون الولادة، و بناتهنّ فإنّهنّ لا يحرمن إلّا على قول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 230

الطبرسي «1»، و كذلك الخالات و الأخوال و العمّات و الأعمام إذا لم يكن لبنهنّ مع الامّ الرضاعيّة أو الفحل من فحل واحد، على ما سبق [1] تفصيله.

______________________________

[1] لم يسبق منه رحمه اللّه تفصيل في ذلك و لكنه سيجي ء في ص: 260- 262.

______________________________

(1) مجمع البيان 2: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 231

البحث الأول في شروط الرضاع الشرعي الموجب للتحريم
اشاره

و هي أمور:

الشرط الأول: أن يكون اللبن حاصلا من وطء مجوّز شرعا

، من نكاح دوام أو متعة أو تحليل أو ملك يمين.

فلا يحصل الرضاع المحرّم للنكاح باللبن الحادث من الزنى.

إجماعا محقّقا، و محكيّا في السرائر و التذكرة و شرحي القواعد للمحقّق الثاني و الهندي و شرح النافع للسيّد و المفاتيح «1» و شرحه، و ظاهر المسالك و الكفاية «2» و غير ذلك [1].

و لا يقدح فيه خلاف الإسكافي- حيث قال: لو أرضعت امرأة من لبن من زنى حرمت و أهلها على المرتضع و كان تجنّبه أهل الزاني أولى و أحوط «4».

انتهى- لشذوذه.

فهو الدليل عليه.

مضافا إلى إشعار به في صحيحة ابن سنان: عن لبن الفحل، قال:

______________________________

[1] كالحدائق 23: 323.

______________________________

(1) السرائر 2: 520، التذكرة 2: 615، جامع المقاصد 12: 204، كشف اللثام 2: 27، المفاتيح 2: 237.

(2) المسالك 1: 464، الكفاية: 158.

(4) حكاه عنه في المختلف 2: 520.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 232

«هو ما أرضعت امرأتك من لبنك و لبن ولدك [ولد] امرأة أخرى» «1».

حيث خصّت لبن الفحل بما يحصل من امرأته من لبنه و لبن ولده.

إلّا أنّه يقدحه أنّه لا يشترط كون المرضعة زوجة لصاحب اللبن، بل يكفي كونها مملوكة أو محلّلة أو متعة، مع عدم تبادرهنّ من لفظ:

«امرأتك»، فلا يكون حقيقيّا و مجازه متعدّد.

و يمكن أن يقال: إنّ غايته لزوم التخصيص في لبن الفحل، إذ تخرج منه المذكورات بالدليل، فيبقى الباقي حجّة. و احتمال التجوّز غير ضائر، لأنّه مرجوح عن التخصيص.

و ربّما تشعر به صحيحة العجلي أيضا، و فيها- بعد الاستفسار عن معنى قوله صلّى اللّه عليه و آله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»:- «كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام فذلك الرضاع

الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» الحديث «2».

و هل تنشر الحرمة باللبن الحاصل من وطء الشبهة، أم لا؟

المشهور: الأول، لصدق مسمّى الرضاع فتشمله العمومات، و يؤيّده إلحاق الشبهة بالعقد في النسب.

و عن الحلّي: التردّد فيه «3».

______________________________

(1) الكافي 5: 440- 1، التهذيب 7: 319- 1316، الاستبصار 3: 199- 719، الوسائل 20: 389 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 4.

(2) الكافي 5: 442- 9، الفقيه 3: 305- 1467، الوسائل 20: 388 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 1.

(3) السرائر 2: 552.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 233

و يظهر نوع ميل إليه من المسالك و الكفاية «1».

و كأنّه للأصل مع منع العموم، لانصرافه إلى غير الشبهة لندرتها.

و فيه: منع ندرة الشبهة بحيث يصرف عنها الإطلاق، فإنّها شاملة للأنكحة الفاسدة، و هي كثيرة جدّا.

و قد يجاب أيضا: بأنّ أصل الإباحة معارض بأصالة الحرمة السابقة على المناكحة، و لا يفيد ما دلّ على إباحة نكاح النسوة، لانصرافه إلى غير الشبهة، و بعد التعارض يرجع إلى أصالة الحرمة للشهرة، و بعد فرض التساقط تحتاج الإباحة إلى دليل.

و فيه: أنّه كانت في السابق على الرضاع جائزا نكاحها فيستصحب، فتأمّل.

الشرط الثاني: أن يكون اللبن من ذات ولد.
اشاره

فلو درّ اللبن من الخالية عنه [لا يحرّم ] [1] و إن كانت منكوحة نكاحا صحيحا.

إجماعا محقّقا، و محكيّا في التذكرة «2» و غيره [2]، له.

و لموثّقة يونس بن يعقوب: عن امرأة درّ لبنها من غير ولادة و أرضعت جارية و غلاما بذلك اللبن، هل يحرم بذلك اللبن ما يحرم من الرضاع؟ قال: «لا» «3».

______________________________

[1] المسالك 1: 464، الكفاية: 158.

[2] كما في المسالك 1: 464.

______________________________

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

(2) التذكرة 2: 615.

(3) الكافي 5: 446- 12،

الفقيه 3: 308- 1484، الوسائل 20: 398 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 234

و قريبة منها رواية يعقوب بن شعيب «1».

و هل يشترط انفصال الولد؟

أم يكتفى بالحمل؟

الحقّ: الأول، وفاقا للمحكيّ عن الخلاف و الغنية و السرائر و التحرير و التذكرة و النهاية «2»، و في شرح القواعد للمحقّق الثاني «3» و شرح النافع للسيّد، و صرّح بعضهم بأنّه الأشهر، بل عن الثلاثة الأول: الإجماع عليه.

و هو الحقّ، للأصل، من جهة عدم انصراف المطلق إليه للندرة.

و للموثّقة و الرواية المتقدّمتين.

و خلافا للمحكيّ عن المحقّق و موضع من المبسوط «4» و في القواعد و المسالك و الروضة «5»، فاختاروا الثاني، للعمومات.

و يجاب عنها- بعد التسليم- بوجوب تخصيصها، لما مرّ.

و لا يشترط البقاء على الحبالة، فلو طلّقها أو مات عنها و هي حامل منه أو مرضع فأرضعت من لبنه ولدا نشر الحرمة كما لو كانت في حبالته في العدّة أو بعدها، طال الزمان أم قصر، استمرّ اللبن أم انقطع، طال زمان الانقطاع أم قصر. إلّا إذا طال بقدر علم أنّه درّ بنفسه لا من الأول، تزوّجت

______________________________

(1) التهذيب 7: 325- 1339، الوسائل 20: 399 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 9 ح 2.

(2) الخلاف 2: 325، الغنية (الجوامع الفقهية): 609، السرائر 2: 520، التحرير 2: 9، التذكرة 2: 615، راجع النهاية: 461.

(3) جامع المقاصد 12: 204.

(4) المحقّق في الشرائع 2: 282، المبسوط 5: 310.

(5) القواعد 2: 9، المسالك 1: 464، الروضة 5: 156.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 235

بغيره أم لا، فتنشر الحرمة من الأول.

كلّ ذلك للعمومات المؤيّدة بدعوى الإجماع.

و كذا لو حملت من الثاني أيضا و إن زاد اللبن بعد

الحمل، لأنّ الأصل عدم حدوث اللبن من الثاني، و إمكان زيادته لا من جهة الحمل. إلّا إذا انقطع انقطاعا طويلا ثمَّ عاد في وقت يمكن أن يكون للثاني.

و قد يحدّ زمان الإمكان بمضيّ أربعين يوما من الحمل، فيكون اللبن حينئذ للثاني، فينشر الحرمة له على نشر الحرمة حال الحمل.

بل يمكن القدح في ذلك في صورة الانقطاع مطلقا، لأنّ الأصل حينئذ و إن كان بقاء الحالة المدرّة للّبن من الأول و عدم حدوثها من الثاني، و لكن لا شكّ أنّ الانقطاع أيضا يكون إمّا لزوال الحالة الأولى، أو حدوث حالة مانعة لها مع بقاء الحالة الاولى و الأصل عدمها أيضا، إلّا أن يتمسّك حينئذ باستصحاب الحكم، و هو نشر الحرمة بإرضاع هذه المرأة.

و منه يعلم القدح و دفعه في صورة زيادة اللبن أيضا.

و لو ولدت من الثاني و اتّصل لبنها من الأول إلى زمان الوضع، فما قبل الوضع للأول، لما مرّ، و ما بعده للثاني، بإجماع أهل العلم- كما قيل- فإن ثبت الإجماع، و إلّا فلا دليل تامّا عليه، سوى إضافة المسبّب إلى أقوى السببين- أي ولادة الثاني و استمرار الأول- و أنّ اللبن لبن الثاني عرفا فيحكم به.

و كلاهما ضعيفان، لمنع صلاحيّة قوّة ولادة الثاني في السببيّة أولا، و منع صلاحيّة مثل ذلك للترجيح ثانيا، و إمكان الاستناد إلى السببين ثالثا، و منع حكم العرف مع اطّلاعه بالاتّصال.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 236

و منه يعلم الحكم فيما لو درّ اللبن بنفسه و اتّصل إلى زمان الحمل و الولادة، فلو ثبت الإجماع في الأول ثبت الحكم في الثاني أيضا بالطريق الأولى، و إلّا فالإشكال جار هنا أيضا.

فرع: هل اللبن الموجود بعد السقط حكمه حكم الولادة، أم لا؟

الظاهر: أنّه- إن كان الساقط بحيث يصدق

عليه الولد، و على وضعه الولادة بأن تمّت خلقته مع ولوج الروح- يحرم.

و إن كان مضغة أو علقة- بل غير تامّ الخلقة- لم يحرم.

و فيما إذا تمّت الخلقة و لم يولجه الروح إشكال، و الأصل يقتضي عدم الحرمة.

الشرط الثالث: أن تكون المرضعة حيّة.

بالإجماع كما عن ظاهر التذكرة و الصيمري «1».

فلو ماتت في أثناء الرضاع و أكمل النصاب حال الموت باليسير و لو جرعة لم ينشر حرمة و إن صدق عليه اسم الرضاع.

حملا له على الأفراد المعهودة المتعارفة.

و لتعليق الحكم على الإرضاع [1] أو لبن الامرأة و نحوها في الأخبار.

و الأول في الميّتة منتف.

و صدق الثاني عليها مجاز.

و على هذا، فلا ينفع الاستصحاب أيضا، لتبدّل الموضوع.

______________________________

[1] في «ق»: الرضاع.

______________________________

(1) التذكرة 2: 615، حكاه عن الصيمري في الرياض 2: 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 237

الشرط الرابع: أن يبلغ مقدارا معيّنا.
اشاره

فإنّ مطلق الرضاع و مسمّاه غير كاف في نشر الحرمة، بل لا بدّ له من مقدار معيّن زائد على أصل المسمّى.

و هو مجمع عليه بين الطائفة إجماعا محقّقا، و محكيّا مستفيضا [1]، و الأخبار به مستفيضة بل متواترة، كما تأتي إلى بعضها الإشارة، و بها تقيّد مطلقات الرضاع و تخصّص عموماتها.

و أمّا المكاتبة الصحيحة: عمّا يحرم من الرضاع؟ فكتب ع: «قليله و كثيره حرام» «2».

فلا يعلم منافاتها لها، لما فيها من الإجمال في الدلالة، لأنّ المذكور فيها الرضاع الحرام، و كلامنا في الرضاع الموجب للحرمة، و هو ليس بحرام، فالمراد من السؤال و الجواب غير معلوم. و يمكن أن يكون السؤال عن الرضاع بعد الفطام.

مضافا إلى أنّها على فرض الدلالة غير حجّة، لمخالفتها لإجماع الطائفة، و معارضتها للأخبار المتواترة، و موافقتها لمذهب مالك و أبي حنيفة [2].

ثمَّ إنّ نصاب سبب التحريم مقدّر في الشرع بتقديرات ثلاثة: الأثر، و الزمان، و العدد.

أمّا الأول: فهو ما أنبت اللحم و شدّ العظم

، و اعتباره متّفق عليه، بل

______________________________

[1] كما في التذكرة 2: 619، المسالك 1: 465، الحدائق 23: 330.

[2] كما في المغني و الشرح الكبير 9: 193.

______________________________

(2) التهذيب 7: 316- 1308، الاستبصار 3: 196- 711، الوسائل 20: 377 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 238

صرّح جماعة بالإجماع عليه [1]، و في الإيضاح: إنّ عليه إجماع المسلمين «2».

و تدلّ عليه المستفيضة:

كصحيحة ابن سنان: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما أنبت اللحم و شدّ العظم» «3».

و روايته: قلت له: يحرم من الرضاع الرضعة و الرضعتان و الثلاث؟

فقال: «لا، إلّا ما اشتدّ عليه العظم و نبت اللحم» «4».

و رواية مسعدة: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما شدّ العظم و أنبت اللحم،

فأمّا الرضعة و الرضعتان و الثلاث حتى بلغ عشرا إذا كنّ متفرّقات فلا بأس» «5».

و صحيحة ابن رئاب: ما يحرم من الرضاع؟ قال: «ما أنبت اللحم و شدّ العظم»، قلت: فيحرم عشر رضعات؟ قال: «لا، لأنّه لا تنبت اللحم و لا تشدّ العظم عشر رضعات» «6».

و مقتضى تلك الأخبار: اعتبار الأثرين معا، كما هو الأظهر المحكيّ

______________________________

[1] منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 465، الفيض في المفاتيح 2: 237، صاحب الرياض 2: 86.

______________________________

(2) الإيضاح 3: 47.

(3) الكافي 5: 438- 1، التهذيب 7: 312- 1293، الاستبصار 3: 193- 698، الوسائل 20: 382 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 3 ح 2.

(4) الكافي 5: 438- 6، التهذيب 7: 312- 1295، الاستبصار 3: 193- 700، الوسائل 20: 381 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 20 ح 23.

(5) الكافي 5: 439- 10، التهذيب 7: 313- 1297، الاستبصار 3: 194- 702، الوسائل 20: 380 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 19.

(6) التهذيب 7: 313- 1298، الاستبصار 3: 195- 704، الوسائل 20: 374 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 239

عن الأكثر «1».

و في اللمعة: الاكتفاء بأحدهما «2»، و نسبه في شرح النافع إلى جمع من الأصحاب، و لعلّه للتلازم بين الأثرين كما قيل [1].

و لمفهوم الاستثناء في صحيحة حمّاد: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما أنبت اللحم و الدم» «4».

و منطوق رواية عبيد: عن الرضاع ما أدنى ما يحرم منه؟ قال: «ما أنبت اللحم و الدم»، ثمَّ قال: «ترى واحدة تنبته؟»، فقلت: اثنتان أصلحك اللّه، قال: «لا»، فلم أزل أعدّ عليه حتى بلغت عشر رضعات «5».

و صحيحته: فما الذي يحرم من الرضاع؟ فقال: «ما أنبت

اللحم و الدم»، فقلت: ما الذي ينبت اللحم و الدم؟ فقال: «كان يقال: عشر رضعات»، قلت: فهل يحرم عشر رضعات؟ فقال: «دع ذا» الحديث «6».

و جوابه: ثبوت [2] التلازم عندنا، و تخصيص الأخبار الثانية بالأولى و إن كان التعارض بين منطوق الاولى و مفهوم الثانية بالعموم من وجه، بمعنى: أنّ العرف يفهم من مثل ذلك الكلام التخصيص، فإنّه إذا قال

______________________________

[1] كما في نهاية المرام 1: 103.

[2] كذا في النسخ، و الظاهر: عدم ثبوت التلازم عندنا.

______________________________

(1) انظر المسالك 1: 466 و الرياض 2: 86.

(2) اللمعة (الروضة البهيّة 5): 156.

(4) الكافي 5: 438- 5، التهذيب 7: 312- 1294، الاستبصار 3: 193- 699، الوسائل 20: 382 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 3 ح 1.

(5) الكافي 5: 438- 3، الوسائل 20: 380 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 21.

(6) الكافي 5: 439- 9، التهذيب 7: 313- 1296، الاستبصار 3: 194- 701، الوسائل 20: 379 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 240

المولى لعبد: لا تشتر إلّا اللحم، ثمَّ قال: لا تشتر إلّا لحم البقر، يفهم إرادة لحم البقر، و يذمّ لو اشترى لحم الإبل.

و المرجع في حصول الأثرين إلى قول أهل الخبرة، لأنّه من الموضوعات.

و هل يشترط فيه التعدّد و العدالة، أم لا؟

ظاهر الأكثر: نعم، للأصل.

و قيل: لا، بل يكفي العدل الواحد «1»، و اختاره السيّد الداماد، لأنّه من باب الخبر دون الشهادة، و لحصول الظنّ.

و فيه: أنّه مطالب بالدليل على حجّيّة مطلق الخبر و على كفاية مطلق الظنّ، بل يقدح في كفاية العدلين أيضا لعدم ثبوت كفاية شهادة العدلين مطلقا، بل الأولى جعله منوطا بالعلم كما في السرائر و النهاية

«2».

و أمّا ما قيل من أنّ المستفاد من بعض الأخبار- سيّما صحيحة ابن رئاب- أنّ التقدير بالمدّة و العدد بيان للتقدير بالأثرين، فالأصل هو التقدير بالأثر، و العلم به يتحقّق بالتقديرين الأخيرين، فلا حاجة إلى الرجوع إلى أهل الخبرة «3».

ففيه: أنّه لا يستفاد ذلك من الأخبار أصلا، و حكم الشرع بحصول النشر برضاع يوم و ليلة أو خمس عشرة رضعة لا يدلّ على أنّه لأجل إيجابهما الأثرين، فلعلّهما بنفسهما أيضا علّتان مستقلّتان.

بل في صحيحة محمّد قال: «إذا رضع الغلام من نساء شتّى فكان

______________________________

(1) انظر المسالك 1: 465.

(2) السرائر 2: 551، النهاية: 461.

(3) انظر كشف اللثام 2: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 241

ذلك عدّة أو نبت لحمه و دمه عليه حرم عليه بناتهنّ كلّهنّ» «1» دلالة على المغايرة، حيث جعل أحدهما قسيم الآخر.

نعم، تدلّ الصحيحة على عدم حصول الأثرين بعشر رضعات فلا يحرم، لعدم كونها سببا لحصول الأثرين و لا علّة مستقلّة.

و على هذا، فيجب الرجوع إلى أهل الخبرة فيما زاد على العشر، فيحكم بالنشر به إذا علم تحقّق الأثرين به و إن لم يبلغ خمس عشرة و لا يوما و ليلة، و يحصل التعارض في العشر و ما دونها بين قول أهل الخبرة لو أخبروا بتحقّق الأثرين و بين الصحيحة، و قول المعصوم مقدّم.

فالحقّ: اشتراط التجاوز عن العشر في اعتبار الأثرين.

نعم، لو فرض حصول العلم بهما فيما دونها يحكم بالتحريم و يحمل قول الإمام على الغالب، و لكنّه فرض نادر.

و لا تعارض الصحيحة مرسلة ابن أبي عمير: «الرضاع الذي ينبت اللحم و الدم هو الذي يرضع حتى يمتلئ و يتضلّع و ينتهي نفسه» «2».

و خبر ابن أبي يعفور: عمّا يحرم من الرضاع؟ قال:

«إذا رضع حتى يمتلئ بطنه فإنّ ذلك ينبت اللحم و الدم و ذلك الذي يحرم» «3».

إذ مدلولهما ليس أزيد من أنّ الرضعة الكذائية تنبت اللحم، و أمّا إيجابها لشدّ العظم- الذي هو أثر الآخر أيضا- فلا يستفاد منهما، مع أنّه

______________________________

(1) الكافي 5: 446- 15، الوسائل 20: 403 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 15 ح 2.

(2) الكافي 5: 445- 7، التهذيب 7: 316- 1306، الاستبصار 3: 195- 707، الوسائل 20: 383 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 4 ح 2.

(3) التهذيب 7: 316- 1307، الاستبصار 3: 195- 708، الوسائل 20: 383 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 242

فيهما في مقام بيان الكميّة المقداريّة للرضاع المنبت للّحم، فلا يعتبر إطلاقه بالنسبة إلى الكمّية العدديّة.

و لا موثّقة عبيد المتقدّمة، لعدم تصريحها بإنبات اللحم بعشر رضعات من نفسه.

فرع: المعتبر الإنبات و الشدّ الفعليّان، فلا عبرة بما من شأنه ذلك و منعه مانع- كالمرض- بل يرجع فيه إلى العدد.

و أمّا الثاني- أي المدّة-: فهو إرضاع يوم و ليلة

، و ظاهر التذكرة الإجماع على التقدير به «1»، و في بعض شروح المفاتيح: و كونه ناشرا للحرمة أيضا ممّا لا خلاف فيه.

و استدلّوا له بموثّقة زياد بن سوقة: هل للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال:

«لا يحرم الرضاع أقلّ من رضاع يوم و ليلة، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة، من لبن فحل واحد، لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها» الحديث «2».

و يخدشها: أنّ دلالتها بمفهوم الوصف، الذي في اعتباره نظر.

فالمناط فيه: الإجماع إن ثبت، و إلّا كما يستفاد من بعض شروح النافع، حيث قال: و على القول بالاكتفاء باليوم و الليلة يعتبر إرضاعه فيه كلّما طلبه. انتهى.

فإنّ فيه دلالة على وجود القول

بعدم الاكتفاء. فلا يكون دليل على

______________________________

(1) التذكرة 2: 620.

(2) التهذيب 7: 315- 1304، الاستبصار 3: 192- 696، الوسائل 20: 374 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 243

التقدير به، بل مقتضى الأخبار المتقدّمة- المصرّحة بأنّه: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما أنبت اللحم و شدّ العظم»- انتفاؤه لو لم يعلم حصول الأثرين في إرضاع اليوم و الليلة، و بها تعارض الموثّقة على فرض دلالتها أيضا، و التعارض بالعموم من وجه.

إلّا أنّ بعد التعارض إمّا يرجّح مفهوم الموثّقة بالموافقة للشهرة و الإجماعات المنقولة، كما يرجّح مفهوم تلك الأخبار المعارض مع منطوق الموثّقة في التحريم مع حصول الأثرين بذلك أيضا.

أو يرجع إلى الأصل، و مقتضاه أيضا التحريم بكلّ منهما، لعمومات نشر مطلق الإرضاع الحرمة و مطلقاته، فيجب الحكم به ما لم يعلم الدليل على الانتفاء، فلو تمّت دلالتها لم يضرّها المعارض، و لكن في دلالتها ما عرفت.

فيبقى منطوق الأخبار المذكورة- في عدم التحريم ما لم يعلم الأثران- خاليا عن المعارض المعلوم في التحديد باليوم و الليلة، فالتقدير به مشكل جدّا و إن كان الأحوط غالبا اعتباره.

ثمَّ على القول باعتباره، هل يعتبر مطلقا، كما عن المشهور «1»؟

أو بشرط عدم انضباط العدد، كما عن المبسوط و في النهاية و التذكرة «2»؟

و تظهر الثمرة مع عدم حصول الأثرين و نقصان العدد في اليوم و الليلة:

______________________________

(1) الحدائق 23: 334.

(2) المبسوط 5: 292، النهاية: 461، التذكرة 2: 620.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 244

فإن جعلنا المستند الموثّق و اعتبرنا مفهوم الوصف فإطلاقه يقتضي الأول.

و إن جعلناه الإجماع خاصّة و قلنا بثبوته فوجوب الاقتصار على المجمع عليه يقتضي الثاني، و الاحتياط غالبا مع الأول.

و يشترط

في نشر الحرمة به- على القول به- ارتضاعه و شربه اللبن كلّما أراد حتى يروى و يصدر، لأنّه المتبادر من رضاع يوم و ليلة، بل هو معناه.

و لا فرق في اليوم أو الليلة بين الطويل و القصير، لانجباره بالآخر أبدا.

و في الاكتفاء بالملفّق إشكال، و الأصل يقتضي العدم.

و يشترط عدم الارتضاع في الأثناء من لبن آخر، لانتفاء صدق إرضاع اليوم و الليلة معه.

و أمّا الثالث- و هو العدد-: فاعتباره في التقدير إجماعي
اشاره

، و نقل الإجماع عليه مستفيض [1]، إلّا أنّهم اختلفوا في العدد المقدّر به على أقوال:

الأول: أنّه عشر رضعات.

و هو المحكيّ عن العماني و المفيد و السيّد و الحلبي و القاضي و الديلمي و الحلّي في أول كتاب النكاح «2»، و ابني زهرة و حمزة و المختلف

______________________________

[1] كما في المسالك 1: 465.

______________________________

(2) حكاه عن العماني في المختلف: 518، المفيد في المقنعة: 502، حكاه عن السيد في المختلف: 518، الحلبي في الكافي: 285، القاضي في المهذّب 2:

190، الديلمي في المراسم: 149، الحلي في السرائر 2: 520.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 245

و الإيضاح و اللمعة و السيّد الداماد و ابن فهد «1»، بل هو الأشهر كما صرّح به جماعة، منهم: الشهيد الثاني «2» و الصيمري و السيّد الداماد.

للاقتصار- في الخروج عن الأصل المستفاد عن مطلقات نشر الحرمة بمطلق الإرضاع- على المتيقّن، و هو ما عدا العشر، لضعف اعتبار ما دونها كما يأتي.

و لحصول الأثرين بالعشر، كما تدلّ عليه صحيحة عبيد المتقدّمة «3».

و لرواية الفضيل: «لا يحرم من الرضاع إلّا المجبورة أو خادم أو ظئر، ثمَّ ترضع عشر رضعات يروى الصبيّ و ينام» [1].

و لمفهوم الشرط في رواية مسعدة المذكورة «5».

و في موثّقة عمر بن يزيد: عن الغلام يرضع الرضعة و الرضعتين، فقال: «لا يحرم»، فعددت عليه حتى أكملت عشر رضعات، فقال: «إذا كانت متفرّقة فلا» «6».

و يمكن القدح في الجميع:

______________________________

[1] التهذيب 7: 315- 1305، الاستبصار 3: 196- 709، الوسائل 20: 377 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 11. سمّيت المرضعة ظئرا لأنّها تعطف على الرضيع- مجمع البحرين 3: 386.

______________________________

(1) ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 609، ابن حمزة في الوسيلة: 301، المختلف: 518، الإيضاح 3: 47،

اللمعة (الروضة البهيّة 5) 157، المهذّب البارع 3: 241.

(2) المسالك 1: 466.

(3) في ص: 239.

(5) في ص: 238.

(6) الكافي 5: 439- 8، التهذيب 7: 314- 1302، الاستبصار 3: 194- 703، الوسائل 20: 375 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 246

أمّا الأصل الحاصل من العمومات، فبوجوب تخصيصها بما يأتي، كما خصّ بما دون العشر.

و أمّا حصول الأثرين، فبالمنع منه.

و الصحيحة غير تامّة الدلالة عليه، لنسبته إلى القيل الغير الثابت حجّيته، بل المشعر بعدم الرضا به، مع ما في آخرها من قوله: «دع ذا»، فلو كان حكم العشر حقّا لما نسبه إلى غيره أولا، و لم يعرض عنه ثانيا، مجيبا بما لا دخل له بالمقام، فيفهم منه أنّ ما ورد في النشر بالعشر ورد تقيّة، أو لمصلحة أخرى.

هذا، مع معارضتها مع صحيحة ابن رئاب السالفة الناصّة على عدم الإنبات بالعشر، و مع الأخبار الأخر الآتية المصرّحة بعدم النشر به المستلزم لعدم الإنبات.

و أمّا البواقي، فبمعارضتها مع ما هو أكثر منها عددا و أصحّ سندا و أوضح دلالة: كصحيحة ابن رئاب و موثّقة زياد المتقدّمتين «1».

و موثّقة عبيد: «عشر رضعات لا يحرّمن شيئا» «2».

و ابن بكير: «عشر رضعات لا تحرّم» «3».

مضافا إلى ما في رواية الفضيل من اشتمالها على أمرين مخالفين للإجماع: اشتراط المجبورة، و اشتراط النوم، مع اضطرابها باختلاف

______________________________

(1) في ص: 238 و 242.

(2) التهذيب 7: 313- 1299، الاستبصار 3: 195- 706، الوسائل 20: 374 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 3.

(3) التهذيب 7: 313- 1300، الاستبصار 3: 195- 706، قرب الإسناد:

170- 622، الوسائل 20: 375 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 16، ص: 247

ألفاظها، لروايتها تارة كما تقدّم، و اخرى بغيره، و ثالثة بسند صحيح مع خلوّها عن ذكر العدد، رواها في الفقيه «1»، الذي هو أضبط.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ الحكمين داخلان في المنطوق، و أمّا مفهوم الاستثناء- الذي هو المفيد في المقام- فلا يتضمّن حكما مخالفا للإجماع، مع أنّ دخولهما في المنطوق أيضا غير ضائر، إذ غايته تخصيص بعض أفراد المنطوق بالإجماع، و هو أمر غير عزيز.

مضافا إلى أنّه يمكن أن يكون اشتراط الأول لأنّ التوالي- الذي هو أيضا من الشروط- لا يتحقّق غالبا إلّا في تلك النسوة، و الثاني لأنّه يكون مثل ذلك الإرضاع منوّما، أو المعنى يكون من شأنه ذلك.

و أمّا حديث الاضطراب، ففيه: أنّه و إن اختلف بعض عبارات الرواية، إلّا أنّه لا مدخل له في مقام الاستدلال، الذي هو قوله: «ثمَّ ترضع عشر رضعات»، كما لا يضرّ خلوّها على بعض أسنادها عن ذكر هذا العدد، لأنّ الزيادة مقدّمة على النقصان.

فلا قدح في هذه الرواية من هذه الجهات، كما لا قدح فيها و في الآخرين من حيث ضعف السند، لانجباره بالشهرة القديمة المحقّقة و المحكيّة مستفيضة، بل صحّة بعضها على بعض الطرق، كما فصّله السيّد الداماد في رسالته.

بل يمكن رفع القدح عنها من جهة المعارض أيضا، لكون الثلاثة أخصّ مطلقا من معارضاتها، لاختصاص الاولى بقوله: «حتى يروى الصبيّ»، و الثانيتين بغير المتفرّقات، و عموم المعارضات بالنسبة إليهما،

______________________________

(1) الفقيه 3: 307- 1474، الوسائل 20: 376 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 248

و الخاصّ المطلق مقدّم و لو كان موافقا للعامّة، و العامّ مخالفا له، مع أنّ العشر أيضا مخالف لجميع العامّة، فإنّهم بين

قائل بالنشر بالمسمّى «1» و قائل بالنشر بالخمس [1]. فيتساويان من هذه الجهة، فالترجيح للخاصّ، و لو لا الترجيح لكان الحكم النشر بالعشر أيضا، للأصل الثابت بالعمومات.

و من ذلك تظهر تماميّة أدلّة ذلك القول.

و الثاني: أنّه خمس عشرة رضعة.

اختاره الشيخ في النهاية و المبسوط و كتابي الأخبار و الحلّي في أول باب الرضاع و المحقّق و الفاضل في بعض كتبه و المحقّق الثاني في شرح القواعد و الشهيد الثاني «3»، و لعلّه المشهور بين المتأخّرين، بل نسبه في كنز العرفان إلى الأكثر مطلقا «4».

للأصل، فيقتصر على موضع الوفاق.

و موثّقة زياد «5».

و ثبوت التقدير بالعدد بالإجماع و انتفاؤه عن العشر بالأخبار، فلم تبق إلّا خمس عشرة رضعة.

و الأصل مردود بالعمومات و الخصوصات.

و الموثّقة بما مرّ من أعمّيتها مطلقا عمّا دلّ على حصول التحريم

______________________________

[1] كما في المغني و الشرح الكبير 9: 193.

______________________________

(1) انظر المغني و الشرح الكبير 9: 193.

(3) النهاية: 461، المبسوط 5: 292، التهذيب 7: 314، الاستبصار 3: 194، السرائر 2: 551، المحقق في الشرائع 2: 282، الفاضل في التحرير 2: 9، المحقق الثاني في جامع المقاصد 12: 217، الشهيد الثاني في المسالك 1: 466.

(4) كنز العرفان 2: 183.

(5) المتقدمة في ص: 242.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 249

بالعشر المتوالية.

و انتفاؤه عن العشر بما مرّ من ثبوته بها.

و الثالث: أنّه رضعة واحدة كاملة.

حكي عن الإسكافي «1».

للعمومات.

و للمكاتبة الصحيحة.

و مرسلة ابن أبي عمير.

و خبر ابن أبي يعفور.

المتقدّمة جميعا «2».

و رواية زيد بن عليّ: «الرضعة الواحدة كالمائة رضعة لا تحلّ له أبدا» «3».

و العمومات مخصصة بما مرّ.

و المكاتبة غير دالّة كما سبق.

بل و كذلك المرسلة و الخبر على ما مرّ، و الرواية محتملة لإرادة عدم حلّية الرضعة الواحدة بعد الفطام، فإنّ مرجع الضمير المجرور غير معلوم، فلعلّه الفطيم.

هذا، مع أنّ الكلّ على فرض الدلالة مخالفة للشهرة القديمة و الجديدة، بل الإجماع، فعن حيّز الحجيّة خارجة، و مع ذلك مع الروايات

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 518.

(2) في ص: 237 و

241.

(3) التهذيب 7: 317- 1309، الاستبصار 3: 197- 712، الوسائل 20: 378 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 250

الغير العديدة معارضة، و بموافقة العامّة مرجوحة.

و لا يتوهّم موافقتها للكتاب- حيث قال وَ أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ «1»- لعدم ثبوت حصول الأمومة و الاخوّة بالرضعة الواحدة.

و من بعض ما ذكر يظهر الجواب عن بعض أخبار أخر واردة في الباب، الدالّة على اعتبار رضاع حولين «2» أو سنة «3»، مع تحمّلهما لاحتمالات أخر أيضا.

الشرط الخامس: أن يكون المرتضع في أثناء الحولين و قبل استكمالهما.

فلا عبرة برضاعه بعدهما.

إجماعا محقّقا، و محكيّا عن الخلاف و الغنية «4»، و في التذكرة و المختلف و القواعد و شرحه و الإيضاح و نكت الشهيد و المسالك «5» و شرح الصيمري و غيرها، و في شرح المفاتيح: من غير خلاف، و هو الحجّة فيه.

دون ما ورد في المستفيضة من أنّه: «لا رضاع بعد فطام» «6»- و يفسّر الفطام في بعض الروايات بالحولين- و أنّ: «الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم»، و أنّه: «لا رضاع إلّا ما كان في الحولين»، و إن استدلّ به أكثر

______________________________

(1) النساء: 23.

(2) الوسائل 20: 379 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 16 و ب 5 ح 8 و 10.

(3) الوسائل 20: 378 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 13 و 17.

(4) الخلاف 2: 320، الغنية (الجوامع الفقهية): 609.

(5) التذكرة 2: 619، المختلف: 519، القواعد 2: 10، جامع المقاصد 12:

221، الإيضاح 3: 48، المسالك 1: 469.

(6) الوسائل 20: 384 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 251

الأصحاب.

لاحتماله من وجهين:

أحدهما: باعتبار الحولين، حيث يحتمل أن يكون بالنسبة إلى المرتضع و أن يكون

بالنسبة إلى ولد المرضعة.

و لا يفيد تفسيره بالأول في الكافي و الفقيه «1»، لعدم حجّية قولهما، مع احتمال غيره بحسب اللغة، سيّما مع معارضته بتفسيره بالثاني في كلام ابن بكير، كما نقله في التهذيبين بسند معتبر «2»، و يظهر منهما ارتضاؤه أيضا لذلك التفسير، و حمل جمع من الأصحاب على ذلك بعض الأخبار المشترط لعدم الفطام أيضا [1].

و ثانيهما: باعتبار الرضاع المنفيّ بعدهما أو المثبت قبلهما، إذ ظاهر أنّه ليس المراد الرضاع الحقيقيّ لغة، و الحقيقة الشرعيّة غير ثابتة، فيمكن أن يكون نفي الرضاع المجوّز، أو الوارد في الكتاب، أو غير ذلك من المجازات، و كذلك في الإثبات.

و لا فرق في التحريم الحاصل بالرضاع قبل الحولين بكونه بعد الفطام أو قبله، للأصل الثابت من العمومات.

خلافا للمحكيّ عن العماني «4»، فلم يحرّم بما كان قبلهما بعد الفطام، لبعض تلك الروايات المجملة.

كما لا فرق في عدمه بعدهما بينهما، للإجماع.

______________________________

[1] منهم ابن حمزة في الوسيلة: 301، الحلبي في الكافي: 285.

______________________________

(1) الكافي 5: 444، الفقيه 3: 306.

(2) التهذيب 7: 317- 1311، الاستبصار 3: 197- 714.

(4) حكاه عنه في المختلف: 519.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 252

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي «1»، فحرّم بما كان بعدهما متّصلا قبل الفطام، لبعض الروايات المذكورة المانع إجماله عن الاستدلال، مضافا إلى شذوذها لو كان دالّا.

و المراد بكون الرضاع قبل الحولين: عدم وقوع شي ء من القدر المعتبر بعد تمام الحولين.

و بالحولين: الهلاليّتان، لأنّها المتعارف المتبادر شرعا، و ابتداؤهما من حين انفصال تمام الولد، و لو كان في أثناء الشهر يتمّ المنكسر من الشهر الخامس و العشرين ثلاثين يوما، للأصل المتقدّم.

و الحقّ: عدم اعتبار الحولين في ولد المرضعة، فينشر الحرمة لو وقع الرضاع بعد حولية

إذا كان قبل حولي المرتضع، وفاقا للأكثر، بل ادّعى بعضهم عليه الإجماع [1].

لعموم أدلّة نشر الحرمة بالرضاع.

و للاستصحاب.

خلافا للمحكيّ عن الحلبي و ابني حمزة و زهرة «3»، بل عن الأخير الإجماع عليه، له.

و للأصل.

و ما نقل عن ابن بكير.

و ظهور الأخبار المتقدّمة في العموم.

______________________________

[1] كما في الرياض 2: 88.

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 519.

(3) الحلبي في الكافي: 285، ابن حمزة في الوسيلة: 301، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 609.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 253

و الأول ممنوع و بمثله معارض.

و الثاني بالعمومات مدفوع.

و الثالث ليس بحجّة، و مع ذلك يعارضه ما ذكره الكليني و الصدوق.

و الرابع مردود بالإجمال و انتفاء العموم.

مع أنّه لو حمل على العموم- بأن يراد الإرضاع بعد شي ء من الحولين أو شي ء من الفطام- يلزمه خروج الأكثر، إذ لا يبقى له مورد سوى حولي هذا المرتضع و ولد مرضعته و فطامه، و يخرج جميع سائر الأفراد، فتأمّل.

الشرط السادس: أن تكون الرضعة كاملة في الرضعات العدديّة و الزمانيّة.

أمّا في الأولى، فلأنّها المتبادر إذا أضيف مثلها إلى العدد، فلا يقال:

عشر رضعات، إلّا مع كون كلّ واحدة كاملة، و لو نقص بعضها يصحّ السلب و يقال: إنّها ليست بعشر.

و لتقييد عشر رضعات في رواية الفضيل السالفة «1» بالتي تروّي الصبي- أي كلّ واحدة منها- و لا يضرّ اشتمالها على اليوم أيضا، كما مرّ.

و أمّا في الثانية، فلما عرفت من عدم دليل تامّ على التقدير الزماني، سوى الإجماع إن ثبت، فيجب الاقتصار فيه على المجمع عليه، و هو ما إذا كانت الرضعات في اليوم و الليلة كاملة.

و أمّا في حصول الأثرين، فصرّح بعضهم بعدم اعتبار كمال الرضعة [1]، بل يحرم لو علم حصولهما بالرضعات الناقصة- كما إذا

______________________________

[1] كما في الرياض 2: 87.

______________________________

(1) في

ص: 245.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 254

انحصرت رضعاته في أيّام كثيرة بالناقصات- لصدق حصول الأثرين.

و لا تنافيه مرسلة ابن أبي عمير و خبر ابن أبي يعفور المتقدّمين «1»، لأنّ مدلولهما عدم حصول الإنبات بدون كمال الرضعة، فلو فرض حصول العلم به بدونه يجب حمل الرواية على الغالب أو محمل آخر، و إن لم يحصل العلم فلا تنافي.

و منهم من استدلّ على اعتبار الكمال في الرضعات العدديّة و الزمانيّة بهاتين الروايتين، مع تصريحه بعدم اعتباره في الوصفيّة «2».

و هو غير جيّد جدّا، لأنّ مفادهما اعتبار الكمال في حصول الوصف لا في العدد و الزمان، و الأصل عدم تعلّقه بهما، مع أنّه إذا لم يعتبر ذلك في الوصف- الذي هو صريح الروايتين- كيف يعتبر في غيره لأجلهما؟! و المراد بالرضعة الكاملة: ما عدّه العرف كاملا، و هو الذي يروّي الصبيّ و كان من شأنه إنامته كما في رواية الفضيل، و الذي يتضلّع معه الصبيّ و تنتهي نفسه، فهما مع ما يعدّه العرف متّحدان أو متقاربان.

ثمَّ إنّه تحسب الرضعات المتخلّلة بينها لفظ الثديين للتنفّس أو الملاعبة أو المنع من المرضعة مع المعاودة و حصول الكمال بعدها رضعة واحدة إن لم يطل الفصل، و إلّا احتسب الجميع كالآحاد رضعات ناقصات، فلا ينشر حرمة.

الشرط السابع: أن لا يفصل بين الرضعات رضاع من امرأة أخرى في الرضعات العدديّة.

فلو تخلّلت رضعة اخرى بينها- كأن يرتضع من امرأة تسع رضعات

______________________________

(1) في ص: 241.

(2) انظر الرياض 2: 87.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 255

و من أخرى رضعة، ثمَّ من الأولى رضعة اخرى- لم ينشر الحرمة.

إجماعا كما في التذكرة و عن الخلاف و الغنية «1».

للتصريح في روايتي مسعدة و عمر بن يزيد «2» ب: أنّ الرضعات المتفرّقات لا تحرّم، و اشتراط التوالي في موثّقة

زياد السابقة «3».

و أمّا تخلّل غير الرضاع من المأكول و المشروب فغير مانع عن نشر التحريم هنا، كما هو ظاهر المقنعة و النهاية و التذكرة و النافع و صريح السرائر و القواعد «4»، و شرح النافع لصاحب المدارك، و غيرها [1]، بل في الثاني الإجماع عليه، بل لعلّه إجماعي، فإن ثبت فهو، و إلّا فإثبات التحريم مع تخلّل الأكل و الشرب بدليل آخر مشكل.

إذ ليس إلّا موثّقة زياد، حيث خصّ الفصل بالرضعة.

و ما قالوا من عدم صدق التفرّق إلّا مع تخلّل الرضعة، كما يصدق صيام الأيّام المتتالية ما لم يتخلّل عدم صوم يوم آخر، و لا يضرّ تخلّل الليلة، فإنّ المتبادر من المتفرّقات ما تخلّل بينها من جنسها، و إلّا فتوقّف حصول التعدّد على تخلّل شي ء ظاهر.

و في الأول: أنّه لم يخصّ بالرضعة، بل ذكر أولا قوله: «متواليات».

و كون ما بعده تفسيرا لذلك غير معلوم.

______________________________

[1] كالمسالك 1: 468.

______________________________

(1) التذكرة 2: 620، الخلاف 2: 319، الغنية (الجوامع الفقهية): 609.

(2) المتقدمتين في ص: 238 و 245.

(3) في ص: 242.

(4) المقنعة: 502، النهاية: 461، التذكرة 2: 620، النافع: 175، السرائر 2:

520، القواعد 2: 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 256

و في الثاني: منع عدم صدق التفرّق و عدم التوالي مع تخلّل المأكول و المشروب، سيّما مع طول مدّة التخلّل.

و لا يرد: أنّه لو لم يعلم عدم صدق التفرّق فلا يعلم التفرّق أيضا، فيبقى تحت عمومات التحريم بمطلق الرضاع بلا معارض.

إذ على هذا تبقى [1] عمومات عدم التحريم ما لم ينبت اللحم و العظم أيضا بلا معارض، و هي أخصّ من الاولى، و المسألة مشكلة جدّا و الاحتياط لا يترك.

هذا في الرضعات العدديّة.

و أمّا الزمانيّة، فصرّح الأكثر بأنّه

يشترط فيها أن لا يفصل بين الرضعات رضعة و لا مأكول و لا مشروب آخر [2].

لعدم صدق رضاع اليوم و الليلة مع تخلّل رضعة أخرى أو أكل أو شرب، إذ معنى رضاع اليوم و الليلة من امرأة: أنّ الرضاع المتعارف في اليوم و الليلة يكون منها، و مع تخلّل أكل أو شرب لا يكون كذلك، مع أنّ الدليل التامّ على اعتباره الإجماع لو ثبت، و ما ثبت اعتباره بالإجماع ما لم يتخلّل شي ء أصلا.

و أمّا في حصول الأثرين، فلا يشترط عدم تخلّل أصلا، كما صرّح به في شرح النافع و المسالك «3»، بل ينشر مع حصول العلم بالإنبات من هذا اللبن الخاصّ و لو تخلّله رضعة أو مأكول أو مشروب، للأصل، و صدق الوصف.

______________________________

[1] في النسخ زيادة: و لا يضرّه، و قد أسقطناها لاستقامة المتن.

[2] كالشهيد الثاني في المسالك 1: 468، السبزواري في الكفاية: 159، صاحب الرياض 2: 87.

______________________________

(3) المسالك 1: 468.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 257

و لكن في حصول العلم بذلك مع التخلّل إشكالا، بل الظاهر- كما قيل «1»- عدم حصول الإنبات حينئذ باللبن الواحد وحده، و لذا صرّح بعضهم باشتراط عدم التخلّل في الرضعات الوصفيّة أيضا [1].

و هل يشترط في منع الرضعة المتخلّلة عن نشر الحرمة كونها كاملة كما في التذكرة «3»؟

أو لا، بل يحصل بأقلّ الرضعة أيضا، كما في القواعد و المسالك و الروضة «4»؟

الظاهر هو: الثاني، لصدق التفرّق مع غير الكاملة أيضا، و تبادر الكاملة- كما قيل «5»- ممنوع.

و هل يشترط في التوالي اتّحاد المرضعة؟

أم يكفي اتّحاد الفحل؟

الحقّ هو: الأول.

لظاهر موثّقة زياد.

و صدق التفرّق مع تخلّل لبن امرأة أخرى.

و للتصريح في بعض الأخبار بأنّه: «لا يحرم من الرضاع إلّا

ما ارتضع من ثدي واحد» «6».

و لا يضرّ زيادة حولين أو سنة بعد ما ذكر مع أنّه خلاف الإجماع، إذ

______________________________

[1] كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 29.

______________________________

(1) انظر كشف اللثام 2: 29.

(3) التذكرة 2: 620.

(4) القواعد 2: 10، المسالك 1: 468، الروضة 5: 163.

(5) انظر المسالك 1: 468، الرياض 2: 87.

(6) الفقيه 3: 307- 1476، التهذيب 7: 317- 1310، الاستبصار 3: 197- 713، الوسائل 20: 386 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 5 ح 8 و ب 2 ح 13 و 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 258

فساد جزء من الخبر لا يفسد غيره، مع أنّ فساده غير معلوم، لإمكان الحمل على محامل صحيحة.

فرع: لو أرضعت امرأة خمسا كاملة ثمَّ واحدة ناقصة ثمَّ خمسا كاملة، فهل ينشر، أو يستأنف النصاب؟

الظاهر: الأول، لعدم صدق التفرّق.

الشرط الثامن: أن يرتضع من الثدي.

فلو و جر في حلقه أو سعط به أو احتقن أو أكله جبنا لم ينشر الحرمة.

على المشهور بين الأصحاب، بل ظاهر التذكرة الإجماع عليه «1»، و في المسالك: لا نعلم فيه خلافا لأحد من أصحابنا إلّا ابن الجنيد «2».

لأنّه المتبادر من الإرضاع، بل لا يحصل مسمّى الرضاع و الإرضاع و الارتضاع إلّا بذلك، فإنّه لا يقال لمن شربه من غير الثدي: إنّه ارتضع، فكيف بمن احتقن به أو أكله جبنا؟! بل يقال للوجور: أشربه اللبن.

و لذا ورد في مرسلة الصدوق الآتية: أنّ الوجور بمنزلة الرضاع، فليس هو نفس الرضاع.

و لذا لم يستعمل في الصحيحين الآتيين- المتضمّنين لسقي الزوجة زوجها أو جاريته- الرضاع، بل استعمل السقي.

و يؤيّده أيضا ما ورد في الصحيحين:

______________________________

(1) التذكرة 2: 617.

(2) المسالك 1: 468.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 259

أحدهما: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما ارتضعا

من ثدي واحد حولين كاملين» «1».

و الآخر: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما ارتضع من ثدي واحد سنة» «2».

و في الآخرين، أحدهما: عن امرأة حلبت من لبنها فسقت زوجها لتحرم عليه، قال: «أمسكها و أوجع ظهرها» «3».

و الآخر: إنّ امرأتي حلبت من لبنها في مكوك فسقته جاريتي، فقال:

«أوجع امرأتك و عليك بجاريتك» [1].

و إنّما جعلناها مؤيّدة لا أدلّة- كما فعله بعضهم [2]- إذ لا دلالة في قوله:

«من ثدي» في الأولين على المصّ منه، لصدقه مع كون اللبن منه كيف ما شرب، و لأنّ الظاهر من الثانيين وقوع الشرب بعد الحولين و عدم وصوله أحد المقدّرات الثلاثة و إن أمكن التعميم بترك الاستفصال، و لكنّه بعيد جدّا.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي «6»، فاكتفى بالوجور، و هو مختار

______________________________

[1] الكافي 5: 445- 5، الوسائل 20: 393 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 7 ح 1.

و المكوك: المدّ، و قيل: الصاع، و الأول أشبه لما جاء مفسّرا بالمدّ- مجمع البحرين 5: 289.

[2] كالعلّامة في المختلف: 520.

______________________________

(1) المتقدّم في ص: 257.

(2) التهذيب 7: 318- 1315، الاستبصار 3: 198- 718، الوسائل 20: 378 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 16    259     الشرط الثامن: أن يرتضع من الثدي. ..... ص : 258

(3) الكافي 5: 443- 4، الوسائل 20: 385 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 5 ح 3.

(6) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 519.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 260

مواضع من المبسوط «1»، مدّعيا في بعضها ما يظهر منه الإجماع، و إن وافق المشهور في موضع آخر منه «2». و قوّاه في المفاتيح «3» و شرحه.

لأنّ الغاية المطلوبة- التي هي إنبات اللحم و شدّ العظم-

قد تحصل منه.

و لمرسلة الصدوق: «و جور الصبي اللبن بمنزلة الرضاع» «4».

و يردّ الأول: بمنع كون الغاية هو الإنبات من حيث هو هو خاصّة، لاحتمال كون الرضاع و المصّ من الثدي له مدخليّة في نشر الحرمة، كما أنّ للولادة أو الحمل مدخليّة فيه، و ليست العلّة بنفس الإنبات منصوصة، و تعليل عدم التحريم بعدم الإنبات في بعض الروايات «5» لا يدلّ على تعليل التحريم بالإنبات.

نعم، يستفاد من الأخبار نشر الحرمة من الرضاع الموجب للإنبات، و غاية ما يمكن أن يقال فيه العلّة المستنبطة، و هي عندنا غير حجّة.

و الثاني: بمنع الدلالة، لأنّها فرع ثبوت عموم المنزلة، و هو ممنوع، فيمكن أن يكون في حرمة الرضاع بعد الفطام.

الشرط التاسع: أن يرتضع المرتضع الحدّ المعتبر من لبن فحل واحد من مرضعة واحدة.

______________________________

(1) المبسوط 5: 294.

(2) المبسوط 5: 295.

(3) المفاتيح 2: 238.

(4) الفقيه 3: 308- 1485، الوسائل 20: 394 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 7 ح 3.

(5) التهذيب 7: 313- 1298، الاستبصار 3: 195- 704، الوسائل 20: 374 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 261

فلو حصل القدر المعتبر من لبن فحلين من مرضعة واحدة أو من لبن مرضعتين و لو من فحل واحد لم ينشر حرمة أصلا، لا بواسطة الأمومة و لا الأبوّة و لا ما يتفرّع عليهما.

فلو أرضعته امرأة واحدة الرضاع المعتبر من لبن فحلين، كأن أرضعته من لبن زوجها خمس رضعات، ثمَّ انقطع لبنها و عاد بعد مدّة طويلة من غير وطء، فأرضعته من اللبن الثاني خمسا أخر.

أو فارقها الزوج الأول فتزوّجت بغيره فأكملت الرضعات من الثاني، و يتصوّر ذلك بأن يستقلّ الولد بالمأكول أو شرب اللبن و جورا في المدّة المتخلّلة، و قلنا بأنّ ذلك غير ضائر في التفرّق.

لم

تصر المرضعة أمّا للمرتضع، و لا ينشر الحرمة بينهما و لا بينه و بين أولادها النسبيّة أو الرضاعيّة.

و كذا لو كان لفحل امرأتين مرضعتين، و ارتضع صبيّ بعض العدد المعتبر من لبن امرأة و أكمله من اخرى، لم يصر الفحل أبا له و لم ينشر الحرمة، مع أنّ الفحل متّحد.

فلا تحصل الأمومة لمرتضع من لبن فحلين و لو اتّحدت المرضعة، و لا الأبوّة من لبن مرضعتين له و لو اتّحد الفحل.

بالإجماع في الحكمين على ما حكي عن التذكرة «1»، و قيل: بلا خلاف فيه «2».

______________________________

(1) التذكرة 2: 620.

(2) انظر الرياض 2: 88.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 262

إلّا أنّ بعض شرّاح المفاتيح نسب الخلاف هنا إلى الطبرسي أيضا، و لم يثبت.

و الوجه فيه- بعد التأيّد بعدم تصوّر أمّ لشخص لا أب له، و لا أب لمن لا أمّ له، و لا أخ أو أخت بدون الأبوين، و لا أب في الأول، لعدم حصول العدد المعتبر من فحل واحد، و لا أمّ في الثاني، لعدم حصوله من امرأة واحدة:

موثّقة زياد بن سوقة المتقدّمة، حيث دلّت على أنّ كلّ رضاع أقلّ من رضاع يوم و ليلة أو خمس عشرة رضعة متوالية من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لا يوجب حرمة أصلا، خرج منها ما خرج من العشر و ما فوقها إذا كانت من امرأة واحدة من فحل واحد، فيبقى الباقي.

و يدلّ عليه أيضا ما صرّح بأنّ العشر المتفرقة لا تحرّم، فإنّ الرضعات في الصورتين متفرّقة فلا توجب تحريما، و يثبت الحكم في جميع الموارد بعدم الفصل.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة العلاء: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما ارتضع من ثدي واحد سنة» «1».

دلّت على اشتراط

اتّحاد المرضعة، فلا ينشر التحريم بالعشر، الحاصل من مرضعتين و لو من فحل، و أمّا الحاصل من مرضعة من فحلين فهو إمّا غير متصوّر على ما اخترنا من اشتراط عدم تخلّل الأكل و الشرب أيضا، أو نادر على القول الآخر لا اهتمام بشأنه، مع أنّ بعد الثبوت في أحد

______________________________

(1) الفقيه 3: 307- 1475، التهذيب 7: 318- 1315، الاستبصار 3: 198- 718، الوسائل 20: 378 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 2 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 263

الطرفين يثبت في الآخر بالإجماع المركّب.

الشرط العاشر- و هو شرط لحصول التحريم بالاخوّة الرضاعيّة بين المرتضعين.
اشاره

أن يكون رضاعهما معا إلى الحدّ المعتبر من لبن فحل واحد، و لا تكفي الاخوّة من جهة الأمّ خاصّة في ثبوت التحريم، فلو ارتضع أحد الصغيرين من امرأة من لبن فحل القدر المعتبر، و الآخر منها من لبن فحل آخر القدر المعتبر، لم يثبت التحريم بينهما.

و لا يشترط اتّحاد المرضعة بعد اتّحاد الفحل، بل تكفي الاخوّة الرضاعيّة من جهة الأب، فلو ارتضع مائة من لبن فحل واحد كلّ القدر المعتبر حرم بعضهم على بعض و لو تعدّدت المرضعات، كما لو كانت منكوحات فحل مائة أرضعت كلّ واحدة رضيعا واحدا، فيحرم بعضهم على بعض و الكلّ على الفحل.

و الحاصل- كما ذكرنا-: أنّه لا تكفي الاخوّة من جهة الأمّ خاصّة في التحريم و تكفي من جهة الأب.

أمّا المطلب الأول، فهو الحقّ المشهور بين الأصحاب، بل في التذكرة: إجماعنا عليه «1»، و كذلك في المسالك «2»، و في شرح القواعد: إنّه لا خلاف فيه بين أصحابنا «3»، بل قيل: ادّعى جمع من الأصحاب عليه الإجماع «4».

______________________________

(1) التذكرة 2: 621.

(2) المسالك 1: 469.

(3) جامع المقاصد 12: 223.

(4) انظر الكفاية: 159.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16،

ص: 264

للمستفيضة من الروايات:

منها صحيحة الحلبي: عن رجل يرضع من امرأة و هو غلام أ يحلّ له أن يتزوّج أختها لأمّها من الرضاعة؟ فقال: «إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد فلا يحلّ، و إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحلين فلا بأس بذلك» «1».

و موثّقة الساباطي: عن غلام رضع من امرأة أ يحلّ له أن يتزوّج أختها لأبيها من الرضاعة؟ قال: فقال: «لا، قد رضعتا جميعا من لبن فحل واحد من امرأة واحدة»، قال: قلت: فيتزوّج أختها لأمّها من الرضاعة؟ قال:

فقال: «لا بأس بذلك إنّ أختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل التي أرضعت الغلام فاختلف الفحلان فلا بأس» «2».

و صحيحة العجلي، و فيها: فقلت له: أرأيت قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» فسّر لي ذلك، قال: «كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام فذلك الرضاع الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحدا بعد واحد من جارية أو غلام، فإنّ ذلك رضاع ليس بالرضاع الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، و إنّما هو من نسب ناحية الصهر رضاع و لا يحرّم شيئا، و ليس هو سبب رضاع من ناحية الفحولة فيحرم» «3».

______________________________

(1) الكافي 5: 443- 11، التهذيب 7: 321- 1323، الاستبصار 3: 201- 726، الوسائل 20: 389 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 3.

(2) الكافي 5: 442- 10، الاستبصار 3: 200- 724، الوسائل 20: 388 أبواب ما يحرم بالرضاع

ب 6 ح 2.

(3) الكافي 5: 442- 9، الفقيه 3: 305- 1467، الوسائل 20: 388 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 265

قيل- في وجه الاستدلال بها-: إنّ الظاهر كون: «واحدا بعد واحد» مفعولا ل: «أرضعت» و: «من جارية أو غلام» بيانا لهما، و لا يحتمل الحاليّة عن الفحلين، لأنّه لا يستفاد منه شي ء زائد عمّا استفيد قبله، فيكون تأكيدا، و التأسيس أولى منه، و لأنّها توجب إمّا تقدير المفعول، أو جعل الجارّ زائدة، و كلاهما خلاف الأصل، أو جعله مجموع الجارّ و مدخولة، و هو خلاف الظاهر «1».

و فيه: أنّه على الأول: يكون قوله: «من جارية أو غلام» أيضا لا يفيد غير التأكيد، و التأسيس أولى منه، و كون تقدير المفعول، بعد تقدّمه خلاف الأصل غير ظاهر.

مع أنّه على الأول أيضا يحتاج إلى خلاف أصل في الحكم، إذ حينئذ و إن لم يثبت التحريم بين المرتضعين، و لكنّه يثبت بين أحدهما و بين المرضعة أو الفحل و ما يتفرّع عليهما، فلا بدّ من ارتكاب التخصيص في قوله: «و لا يحرّم شيئا و ليس هو سبب رضاع من ناحية الفحولة»، و هذان يخصّصان، مع أنّه تفسير للرضاع المحرّم، و هذا أيضا رضاع محرّم.

فلا تمَّ قوله: «فإنّ ذلك ليس بالرضاع الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».

و الحمل على تفسير الرضاع المحرّم كليا تحريما عاما حتى لأحد الرضيعين على الآخر لا أصل التحريم و لو كان جزئيّا.

بعيد جدّا، فالظاهر تساوي الاحتمالين و سقوط الاستدلال بأحدهما من البين.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 89.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 266

نعم، يتمّ الاستدلال بها من جهة التعليل المذكور في ذيل

الصحيحة بقوله: «و إنّما هو من نسب ناحية الصهر» إلى آخره، إذ مع تعدّد الفحل يصدق كون الاخوّة من ناحية الصهر لا من ناحية لبن الفحولة.

بل يمكن الاستدلال بها بأنّه على الاحتمال الثاني يدلّ من جهة فحوى الخطاب على المطلوب، إذ بعد دلالتها على [عدم ] «1» حصول البنوّة من جهة الأمومة خاصّة فلا تحصل الاخوّة من جهتها بطريق أولى.

و منه يظهر إمكان الاستدلال بما استدلّ به للشرط السابق أيضا، و يؤيّده أيضا ما دلّ على [عدم ] «2» اعتبار اللبن الخالي عن النكاح.

و قد يستدلّ لذلك القول بصحيحة مالك بن عطيّة: في الرجل يتزوّج المرأة فتلد منه، ثمَّ ترضع من لبنها جارية، أ يصلح لولده من غيرها أن يتزوّج بتلك الجارية التي أرضعتها؟ قال: «لا، هي بمنزلة الأخت من الرضاعة، لأنّ اللبن لفحل واحد» «3».

و صحيحة الحلبي، و فيها: عن امرأة رجل أرضعت جارية أ تصلح لولده من غيرها؟ قال: «لا»، قلت: فنزلت بمنزلة الأخت من الرضاعة؟ قال:

«نعم، من قبل الأب» «4»، و ما في معناهما من الأخبار.

و فيه نظر، لأنّ مقتضاها: أنّ الاشتراك في لبن الفحل الواحد يوجب

______________________________

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

(2) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

(3) الفقيه 3: 306- 1473، الوسائل 20: 393 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 13.

(4) الكافي 5: 444- 4، الوسائل 20: 403 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 267

التحريم، أي كفاية الاخوّة من جهة الأب- و هو المطلب الثاني- لا انحصار جهة التحريم فيه و عدم كفاية الاخوّة من جهة الأمّ فقط.

ثمَّ إنّه خالف في ذلك الشيخ أبو عليّ الطبرسي- صاحب التفسير- فاعتبر الاخوّة للرضاعة من جهة

الأمّ خاصّة أيضا «1»، و حكي عن الراوندي في فقه القرآن «2»، و قوّاه صاحب المفاتيح «3» و شارحه، و استجوده في المسالك «4»، و نسبه السيّد الداماد في رسالته إلى فقهاء العامّة كما نسبه جمع آخر على ما حكي «5».

لعموم وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ «6».

و نحو قوله صلّى اللّه عليه و آله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» «7».

و رواية محمّد بن عبيد الهمداني، و في آخرها: فقال لي أبو الحسن عليه السلام: «ما بال الرضاع يحرّم من قبل الفحل و لا يحرّم من قبل الأمّهات، و إنّما حرّم اللّه الرضاع من قبل الأمّهات و إن كان لبن الفحل أيضا يحرّم» «8».

و الجواب عن العمومات: أنّها مخصّصة بما مرّ.

______________________________

(1) مجمع البيان 2: 28.

(2) فقه القرآن 2: 90.

(3) المفاتيح 2: 235.

(4) المسالك 1: 470.

(5) انظر الرياض 2: 89.

(6) النساء: 23.

(7) الفقيه 3: 305- 1467، الوسائل 20: 271 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1 ح 1.

(8) الكافي 5: 441- 7، التهذيب 7: 320- 1322، الوسائل 20: 391 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 268

مع أنّه قيل: في كون المرتضعة بلبن هذه المرضعة من فحل آخر أختا رضاعيّة نظر، لأنّ الأخت الرضاعيّة أمر شرعي، و كون المذكورة مندرجة تحتها محلّ النزاع، فلا بدّ من دليل يدلّ عليه، فشمول الآية له غير معلوم، بل و كذلك كونها أختا أمّيا رضاعيّة، فلا يعلم شمول: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» أيضا «1».

و فيه نظر، لأنّا نعلم أنّ الأخت و الأخ الأمّيين هما المتّحدان في الأمّ، و هذه المرضعة امّه إجماعا، بل نصّا.

ففي صحيحة ابن سنان: عن امرأة أرضعت غلاما

مملوكا لها من لبنها حتى فطمته هل لها أن تبيعه؟ قال: فقال: «لا، هو ابنها من الرضاعة» «2».

مضافا إلى استعمال الأخت في الأمّية الرضاعيّة في صحيحة الحلبي و موثّقة الساباطي المتقدّمتين.

و عن الرواية: أنّها قاصرة مجملة، لأنّ محطّ الاستدلال قوله: «و إنّما حرّم اللّه الرضاع من قبل الأمّهات»، و ليس باقيا على معناه الظاهر، إذ لم يحرّم اللّه سبحانه الرضاع من قبل الأمّهات أصلا، بل المراد معنى آخر.

و أمّا أنّه يحرّم الرضاع من قبل الأمّهات فليس بمعلوم.

سلّمنا أنّ المراد ذلك، و لكن لا عموم فيه أصلا، إذ غايته أنّ الرضاع

______________________________

(1) كفاية الأحكام: 160.

(2) الكافي 5: 446- 16، الوسائل 20: 405 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 269

يحرّم شيئا من قبل الأمّهات أيضا، و هو مسلّم، لأنّه يحرّم المرضعة و كذا أولادها النسبيّة إجماعا كما في السرائر و في الكفاية «1»، و أمّا أنّه يحرّم كلّما يتصوّر تحريمه بسبب الرضاع فكلّا.

و بعبارة أخرى: الأمّهات حقيقة في النسبيّة، و معنى تحريم الرضاع من قبل الأمّهات: أنّه يحرّم من أرضعته أمّك النسبيّة.

سلّمنا عموم التحريم، و لكنّه يعارض ما مرّ، و هو راجح بكونه أشهر رواية و مخالفا للعامّة، و قد ورد في علاج التعارض: أنّه خذ بما اشتهر بين أصحابك و بما خالف العامّة «2».

و أمّا المطلب الثاني- و هو كفاية الاخوّة من جهة الأب خاصّة في ثبوت التحريم- فهو إجماعيّ بيننا، و تدلّ عليه المتواترة من الأخبار، منها:

رواية محمّد بن عبيد و صحيحتا مالك و الحلبي المتقدّمة جميعا «3»، و منها:

و صحيحة البزنطي «4» و موثّقة سماعة «5»، و غير ذلك.

فرعان:
أ: ما ذكرنا من عدم كفاية الاخوّة من جهة الأمّ خاصة

إنّما هو في المرتضعين، أي الإخوتين الرضاعيتين.

______________________________

(1) السرائر

2: 553، الكفاية: 160.

(2) كما في الوسائل 27: 106 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.

(3) في ص: 266 و 267.

(4) قرب الاسناد: 369- 1323، الوسائل 20: 390 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 7.

(5) الكافي 5: 440- 2، التهذيب 7: 319- 1317، الاستبصار 3: 199- 720، الوسائل 20: 390 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 270

أمّا إذا كان أحدهما نسبيا فيثبت التحريم بينهما إجماعا، كما في السرائر و الكفاية.

و تدلّ عليه رواية محمّد بن عبيد المتقدّمة.

و صحيحة محمّد: «إذا رضع الغلام من نساء شتّى فكان ذلك عدّة أو نبت لحمه و دمه عليه حرم عليه بناتهنّ كلّهنّ» «1».

و صحيحة جميل: «إذا أرضع الرجل من لبن امرأة حرم عليه كلّ شي ء من ولدها و إن كان الولد من غير الرجل الذي كان أرضعته بلبنه، و إذا أرضع من لبن الرجل حرم عليه كلّ شي ء من ولده و إن كان من غير المرأة التي أرضعته» «2».

ب: يحرم على المرتضع: أمّ المرضعة

و أختها و عمّتها و خالتها نسبيّة كانت أو رضاعية.

بالإجماع في النسبيّة.

و على الأظهر الأشهر في الرضاعية إذا كانت ارتضاعهنّ مع المرضعة من فحل واحد، بل نسب إلى إطلاقات كلام الأصحاب، بل صريحهم في المسألة «3».

لعموم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».

و خصوص صحيحة الحلبي و موثّقة عمّار المتقدّمتين في أختها

______________________________

(1) الكافي 5: 446- 15، الوسائل 20: 403 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 15 ح 2.

(2) التهذيب 7: 321- 1325، الاستبصار 3: 201- 728، الوسائل 20: 403 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 15 ح 3.

(3) انظر الرياض 2: 90.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 271

الرضاعيّة.

خلافا للقواعد و المحقّق الثاني،

فنفيا التحريم في المنتسبات إليها بالرضاع مطلقا «1»، سواء كان رضاعهنّ معها من فحل واحد أو فحلين، لعدم اتّحاد الفحل بين المرتضع و النسوة المزبورات.

قال في شرح القواعد ما خلاصته: قد حقّقنا أنّ حرمة الرضاع لا تثبت بين مرتضعين إلّا إذا كان اللبن لفحل واحد، و حكينا خلاف الطبرسي، فلو كانت لمن أرضعت صبيّا أمّ من الرضاع لم تحرم تلك الامّ على الصبي، لأنّها نسبتها إليه بالجدودة إنّما تتحصّل من رضاعه من مرضعة و رضاع مرضعته منها، و معلوم أنّ اللبن في الرضاعين ليس لفحل واحد، فلا تثبت الجدودة بين المرتضع و الامّ المذكورة.

و من هذا يعلم أنّ أختها من الرضاع و عمّتها منه و خالتها منه لا يحرمن و إن حرمن بالنسبيّة.

و لو كان المرتضع أنثى لا يحرم عليها أبو المرضعة من الرضاع و لا أخوها منه و لا عمّها منه و لا خالها منه، لمثل ما قلناه. انتهى.

و فساده واضح جدّا، إذ ما اعتمدا عليه- في تخصيص عمومات تحريم الرضاع من الموثّقة و الصحيحة المتقدّمتين- يتضمّن تحريم الخالة الرضاعيّة، و اشتراط اتّحاد الفحل إنّما هو في حصول البنوّة و الاخوّة لا مطلقا، و لو كان المراد ما ذكراه ما كان للتعليل- كالحكم بسببه- وجه، لعدم اتّحاد فحلي المرتضع و الخالة الرضاعيّة، بل لم تحرم العمّة و أمّ الأب

______________________________

(1) القواعد 2: 11، جامع المقاصد 12: 257، 258.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 272

الرضاعيّة، لعدم اتّحاد الفحل بهذا المعنى، بل اتّحاد الفحل في الخالة و الجدّة و نحوهما لا يكاد تعقل صحّته.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 273

البحث الثاني في بيان المحرّمات بالرضاع بعد استكمال الشرائط
اشاره

و فيه مقدّمة و مطلبان:

المقدّمة في بيان معنى قوله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»

أو: «من القرابة» «1».

و المراد منه: أنّ كلّ حرمة تنشأ من النسب فهي تنشأ من الرضاع أيضا، فاللبن له تأثير كتأثير المني، و لذلك ورد: «إنّ الرضاع لحمة كلحمة النسب» «2»، فكلّ عنوان له اسم في الأنساب و حكم في السنّة و الكتاب بتحريمه فاجعل في حذائه ما يشبهه ممّا حصل منه الرضاع، إلّا فيما استثني من اشتراط اتّحاد الفحل و غيره.

فالمراد: أنّه يحرم من جهة الارتباط الحاصل من الرضاع ما يحرم من جهة الارتباط الحاصل بالنسب، و مفاده: أنّ كلّ وصف نسبيّ يوجب التحريم يوجب نظيره من الوصف الرضاعي، كالولد و الأخ و الأخت و الامّ و الأب و غير ذلك.

______________________________

(1) التهذيب 7: 291- 1222، الوسائل 20: 271 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1 ح 2.

(2) راجع ص: 226.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 274

و أمّا الارتباط و الوصف الحاصلان بسبب المصاهرة فلم يثبت التحريم به بواسطة الرضاع، بل يثبت بثبوت أصل الارتباط و الوصف أيضا، فمرضعة الولد لا تصير زوجة رضاعيّة، و لا أمّها أمّ الزوجة الرضاعيّة.

فلا دلالة في الرواية على أنّ ما يحرم بالمصاهرة الحقيقيّة يحرم بالمصاهرة الرضاعيّة أيضا، و لا أنّ ما يحرم بالنسب و المصاهرة يحرم بالرضاع أيضا.

بل مدلولها: أنّ ما يحرم بالنسب يحرم نظيره بالرضاع، فلا بدّ في كلّ ما يراد الحكم بتحريمه بالرضاع بواسطة هذه الرواية أن ينظر إلى الوصف الحاصل منه بالرضاع، فإن كان المتّصف بهذا الوصف ممّا يحرم بسبب النسب و ثبتت حرمته بدليل يحرم بالتحريم بالرضاع أيضا، و إلّا فلا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 275

المطلب الأول في بيان من يحرم
اشاره

و من يحرم بكلّيتها ثلاثة أصناف:

الصنف الأول: من يحرم بسبب القرابة خالصة
اشاره

، و هنّ القرابات النسبيّة، فإنّ نظائرهنّ يحرمن بالرضاع، و القرابات النسبيّة الإناثيّة تسع، إلى آخر ما مرّ في المقدّمة في صدر المبحث.

أمّا دليل حرمة هؤلاء القرابات كلّا- بعد الإجماع- قوله في صحيحة ابن سنان: «يحرم من الرضاع ما يحرم من القرابة».

و في صحيحتي الكناني «1» و الحلبي «2» و روايتي داود «3» و أبي بصير «4»:

«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».

بل هذه العبارة واردة في روايات أخرى عديدة، بل ثابتة عن الحجّة

______________________________

(1) الكافي 5: 437- 2، التهذيب 7: 291- 1223، الوسائل 20: 271 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1 ح 3.

(2) التهذيب 7: 292- 1225، الوسائل 20: 273 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1 ح 8.

(3) الكافي 5: 437- 3، التهذيب 7: 292- 1224، الوسائل 20: 272 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1 ح 4.

(4) التهذيب 7: 292- 1226، الوسائل 20: 373 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 276

بإجماع الأمّة.

و في صحيحة عبيد بن زرارة: «ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع» «1».

و التشكيك في إفادته العموم، لكون لفظة «ما» موصوفة، بعد اتّفاق الفريقين على التمسّك بعمومه.

في غير موقعه.

مع أنّه لو لا عمومه لما صحّ الاستناد إليه في مورد.

مع أنّ الإمام استدلّ به في موارد مختلفة.

كما في رواية عثمان، عن أبي الحسن عليه السلام، و فيها- بعد السؤال عن حلّية تزوّج الجارية التي أرضعتها امرأة أخي-: قال: «لا، إنّه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب» «2».

و في مرسلة ابن سنان الواردة في السؤال عن امرأة أرضعت غلاما هل يحلّ بيعه- إلى أن قال-: «لا، أ ليس رسول

اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب؟!» «3».

مضافا إلى أنّ لفظة: «ما» في صحيحة عبيد متضمّنة لمعنى الشرط، و هي مفيدة للعموم.

______________________________

(1) الكافي 5: 439- 9، التهذيب 7: 313- 1296، الوسائل 20: 372 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1 ح 5.

(2) التهذيب 7: 323- 1332، الوسائل 20: 373 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1 ح 10.

(3) الكافي 5: 446- 16، الوسائل 20: 405 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 17 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 277

هذا، مع التصريح بحرمة بعض تلك القرابات بخصوصها، كالامّهات الشاملة للجدّات أيضا و الأخوات أيضا و الأخوات في الآية الشريفة «1» و المستفيضة من الروايات [1].

و بنات الاخوة و الأخوات في صحيحة ابن سنان: «لا يصلح للمرأة أن ينكحها عمّها و لا خالها من الرضاعة» «3».

و في رواية مسعدة الآتية.

و في روايات امتناع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن تزوّج ابنة حمزة، قائلا: أنّها ابنة أخي من الرضاعة [2]، و غير ذلك.

و البنات في صحيحة ابن سنان: «ما أرضعت امرأتك من لبنك و لبن ولدك ولد امرأة أخرى فهو حرام» «5».

و العمّة و الخالة في رواية مسمع: «ثمانية لا يحل نكاحهنّ» إلى أن قال: «أمتك و هي عمّتك من الرضاعة، و أمتك و هي خالتك من الرضاعة، و أمتك و هي أختك من الرضاعة» الحديث «6».

______________________________

[1] كما في الوسائل 20: 394 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 8.

[2] كما في الكافي 5: 437- 5، المقنع: 111، الوسائل 20: 394 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 8 ح 1، و الكافي 5: 445- 11، التهذيب 7: 292- 1229، الوسائل 20: 396 أبواب

ما يحرم بالرضاع ب 8 ح 6.

______________________________

(1) النساء: 23.

(3) الكافي 5: 445- 10، التهذيب 7: 292- 1228، الوسائل 20: 396 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 8 ح 5.

(5) الكافي 5: 440- 1، التهذيب 7: 319- 1316، الوسائل 20: 389 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 4.

(6) الكافي 5: 447- 1، التهذيب 7: 293- 1230، الوسائل 20: 396 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 8 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 278

و رواية مسعدة: «يحرم من الإماء عشر» إلى أن قال: «و لا أمتك و هي عمّتك من الرضاعة، و لا أمتك و هي خالتك من الرضاعة، و لا أمتك و هي أختك من الرضاعة، و لا أمتك و هي ابنة أختك من الرضاعة» «1».

فهذه هي القرابات التسع المتقدّمة، فتحرم كلّها.

فذلكة: ركن محلّ التحريم بهذه القرابات ثلاث:

المرتضع، و المرضعة، و الفحل.

فيحرم على الأول: المرضعة، و من يحرم بسببها من الأمّهات و الأخوات و العمّات و الخالات، و من يحرم بسبب الفحل ممّن ذكر أيضا و أولاد المرضعة و الفحل بالتفصيل المتقدّم.

و يحرم على الفحل و المرضعة: المرتضعة أو المرتضع و أولادهما، و لا يحرم غير ذلك بواسطة القرابة أصلا.

تكملة: اعلم أنّه- كما عرفت- يحرم من الرضاع كلّ ما يحرم من النسب

، و هنّ القرابات المذكورة، و لا يستثنى من هذه الكلّية شي ء.

و أمّا ما ذكره في التذكرة من أنّه يستثنى من قاعدة: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» صور أربع، الأولى: أمّ الأخ و الأخت، و الثانية: أمّ ولد

______________________________

(1) الفقيه 3: 286- 1360، الخصال: 438- 27، الوسائل 20: 397 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 8 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 279

الولد، و الثالثة: جدّة الولد، و الرابعة: أخت الولد «1».

ففيه: أنّ شيئا من هذه الأوصاف ليست مؤثّرة في التحريم بالنسب، و سبب التحريم أمر آخر مفقود في الرضاع، فلا حاجة إلى الاستثناء، بل هي خارجة عن القاعدة، و لكن الصورة الأخيرة منها محرّمة بدليل آخر، كما يأتي.

الصنف الثاني: من يحرم بواسطة القرابة المنضمّة مع المصاهرة.

و توضيحه: أنّهم قالوا: إنّه يحرم بعض القرابات النسبيّة المنضمّة مع الرضاعيّة، و هو إذا كانت القرابة رضاعيّة و المصاهرة حقيقيّة، بخلاف ما لو كانتا معا رضاعيّة أو المصاهرة خاصّة رضاعيّة، فلا يتعدّى التحريم إلى مثله.

كما قالوا: إنّ الأمّ الرضاعيّة للزوجة الحقيقيّة محرّمة، و الزوجة الحقيقيّة للابن الرضاعي محرّمة، بخلاف الأمّ الحقيقيّة للزوجة الرضاعيّة، أي أمّ مرضعة الولد أو الأمّ الرضاعية للزوجة الرضاعيّة.

و قالوا في وجه التفرقة ما أشير إليه من أنّه لم يثبت مشابه الارتباط بالمصاهرة بواسطة الرضاع و لا تحريمه، فلم تثبت زوجة رضاعيّة، فلا وجه لتحريم أمّها، بخلاف الامّ الرضاعيّة، فإنّها ثابتة، فإذا كانت الزوجة حقيقيّة تكون أمّها الرضاعيّة أمّ الزوجة فتحرم.

______________________________

(1) التذكرة 2: 614.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 280

ثمَّ إنّ الحكم بتحريم هذا الصنف مصرّح به في كلام الأصحاب، بل ظاهر الكفاية: اتّفاق الأصحاب عليه «1»، بل صرّح بعضهم باتّفاق الطائفة عليه [1]، و صرّح آخر بنفي الخلاف

فيه «3»، و في شرح المفاتيح الإجماع عليه، و قد دلّت النصوص المستفيضة عليه في خصوص أمّ الزوجة «4».

و يستدلّ عليه تارة بالإجماع.

و اخرى بالنصوص المذكورة.

و ثالثة: بقوله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».

و رابعة بأنّه بعد ضمّ القرابتين- الرضاعيّة و المصاهرة الحقيقيّة- يصدق عليه العنوان الذي ثبت تحريمه كتابا أو سنّة، كامّهات النساء و حلائل الأبناء و زوجة الأب إذا كانت الزوجة له حقيقيّة و إن كان الأب رضاعيّا.

أقول: أمّا الإجماع فمع ثبوته- كما هو الظاهر- فلا كلام فيه.

و أمّا سائر الأدلّة ففي تماميّتها نظر:

أمّا الأول، فلأنّ النصوص مخصوصة بأمّ الزوجة، فالتعدّي إلى سائر الموارد يتوقّف على الدليل، إلّا أن يتعدّى بالإجماع المركّب، و لا بأس به.

و أمّا الثاني، فلأنّ مدلول الرواية: أنّه يحرم بالرضاع ما يحرم من جهة النسب، و ظاهره كون النسب علّة تامّة، و في القرابات المنضمّة مع المصاهرة الحرمة ناشئة من النسب و المصاهرة معا، فلم يحرم من جهة

______________________________

[1] كما في الرياض 2: 91.

______________________________

(1) الكفاية: 161.

(3) انظر السرائر 2: 556.

(4) انظر الوسائل 20: 394 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 281

النسب خاصّة شي ء، فإنّ أمّ الزوجة تحرم بسبب زوجيّة البنت و أمومة الامّ معا، و لذا لا تحرم تلك الامّ لو لا مصاهرة الزوجة، فسبب تحريم أمّ الزوجة ليس هو النسب خاصّة.

و لذا استشكل في الكفاية في دلالته على تحريم هذا الصنف «1».

و أمّا الثالث، فلأنّ المتبادر من الابن و الامّ و الأب و نحوهم: الحقيقي، و انصرافهم عند الإطلاق إلى الرضاع أيضا غير معلوم.

فالمتّبع في هذا الصنف هو الإجماع، و اللّه العالم.

الصنف الثالث: أولاد صاحب اللبن و المرضعة.
اشاره

فإنّهم يحرمون على أب المرتضع مطلقا، سواء كان ولده أمّ

المرتضع أو غيرها على الأظهر الأشهر.

أمّا الأول، فلصحيح عليّ بن مهزيار: إنّ امرأة أرضعت لي صبيّا فهل يحلّ لي أن أتزوّج ابنة زوجها؟ فقال لي: «ما أجود ما سألت، من ها هنا يؤتى أن يقول الناس: حرّمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل، هذا هو لبن الفحل لا غيره»، فقلت له: إنّ الجارية ليست ابنة المرأة التي أرضعت لي، هي ابنة غيرها، قال: «لو كنّ عشرا متفرّقات ما حلّ لك منهنّ شي ء و كنّ في موضع بناتك» «2».

______________________________

(1) الكفاية: 162.

(2) الكافي 5: 441- 8، التهذيب 7: 320- 1320، الوسائل 20: 391 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 6 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 282

و أمّا الثاني، فلصحيحة عبد اللّه بن جعفر: امرأة أرضعت ولد الرجل، هل يحلّ لذلك الرجل أن يتزوّج ابنة هذه المرضعة، أم لا؟ فوقّع عليه السلام:

«لا، لا تحلّ له» «1».

و صحيحة أيّوب: امرأة أرضعت بعض ولدي، هل يجوز أن أتزوّج بعض ولدها؟ فكتب: «لا يجوز ذلك، لأنّ ولدها صار بمنزلة ولدك» «2».

خلافا لجمع، منهم: الشيخ في المبسوط و القاضي «3».

استنادا إلى أصالة الإباحة.

و إلى أنّ المحرّم بالرضاع ما يحرم بالنسب، و هذا ليس من المحرّمات بالنسب.

و فيه: أنّ الأصل مدفوع بما مرّ.

و أنّ عدم كون ذلك من المحرّمات بالنسب يقتضي عدم ثبوت حرمته من مثل قوله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»، و ذلك لا ينافي ثبوتها من غيره.

فرعان:
أ: قالوا: إنّ تحريم أولاد المرضعة مخصوص بأولادها ولادة.

______________________________

(1) الكافي 5: 447- 18، الفقيه 3: 306- 1471، الوسائل 20: 404 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 16 ح 2.

(2) الفقيه 3: 306- 1470، التهذيب 7: 321- 1324، الاستبصار 3:

201- 727، الوسائل 20: 404 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 16

ح 1.

(3) المبسوط 5: 293، القاضي في المهذب 2: 190.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 283

و أمّا تحريم أولاد صاحب اللبن فيعمّ أولاده ولادة و رضاعا.

أمّا الأول فهو مقتضى الأصل.

و أمّا الثاني ففي التذكرة إجماع علمائنا عليه «1».

و ظاهر الكفاية نوع تردّد، حيث تأمّل في شمول الصحيحة الأولى للأولاد الرضاعيّة «2».

و هو في موضعه، لعدم صدق الابنة حقيقة إلّا على الابنة النسبيّة، و احتمال كون المشار إليه في قوله: «هذا لبن الفحل لا غيره» هذا المورد الخاصّ.

و على هذا، فلو لم يثبت الإجماع لكانت المسألة مشكلة.

ب: لا يحرم على أبي المرتضع بواسطة الرضاع غير ذلك

، فتحلّ له المرضعة، لعدم المقتضي له.

و لا أمّها و لا أختها و لا أمّ صاحب اللبن و لا أخته.

كلّ ذلك للأصل، و قد صرّح به في أمّ المرضعة الشيخ في المبسوط و ابن حمزة «3» و أكثر المتأخّرين [1].

فإن قيل: إذا كان ولد المرضعة بمنزلة ولد أب المرتضع تكون أمّها بمنزلة جدّة ولده، و جدّة الولد محرّمة، و كذا أمّ صاحب اللبن، و أمّا أخته

______________________________

[1] منهم العلّامة في المختلف: 520 و السبزواري في الكفاية: 161.

______________________________

(1) التذكرة 2: 622.

(2) الكفاية: 161.

(3) المبسوط 5: 305، ابن حمزة في الوسيلة: 302.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 284

فهي عمّة ولده، و عمّة الولد حرام، لأنّها أخت الأب، فيلزم التحريم.

قلنا: حرمة جدّة الولد و عمّته ليست لأنّها جدّته و عمّته و لذا يحرمان قبل ولادة الولد أيضا، [بل ] [1] أنّها أمّ الزوجة أو أخت نفسه، و الأمران مفقودان في المورد، مع أنّ الوارد في النصّ: أنّ أولاد المرضعة و صاحب اللبن بمنزلة الولد، فتكون أمّ المرضعة جدّة من بمنزلة الولد لا جدّة الولد، و لا نسلّم حرمة جدّة من بمنزلة الولد،

و كذا العمّة و غيرها.

و قد حكي الخلاف في أمّ المرضعة عن الحلّي «2».

لعموم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»، حيث زعم أنّه من التحريم بالنسب نظرا إلى الأمومة.

و فساده ظاهر، لأنّها و إن كانت أمّ الزوجة و لكن حرمة أمّ الزوجة بسبب المصاهرة بين الزوج و الزوجة، [لا أنّها] [2] أمّ الزوجة.

و عن المختلف أيضا.

تمسّكا بأنّ المستفاد من التعليل بقوله: «بمنزلة ولدك» اعتبار المنزلة، و هذه أيضا بمنزلة جدّة الولد «4».

و فيه أولا: أنّ المعتبر من المنزلة لعلّ هي المنزلة الخاصّة التي ذكرها في النصّ.

و ثانيا: أنّ كونها بمنزلة جدّة الولد ممنوع كما مرّ.

______________________________

[1] ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

[2] في النسخ: لأنّهما، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(2) السرائر 2: 555.

(4) المختلف: 520.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 285

الصنف الرابع: الامّ الرضاعيّة للزوجة.
اشاره

فإنّها تحرم على الزوج، للروايات المستفيضة:

كصحيحة الحلبي: «لو أنّ رجلا تزوّج جارية رضيعا فأرضعتها امرأته فسد نكاحه» «1».

و الأخرى: في رجل تزوّج جارية صغيرة فأرضعتها امرأته أو أمّ ولده، قال: «تحرم عليه» «2».

و قريبة منهما صحيحتا ابن سنان «3» و محمّد «4».

و الفاسد نكاحه في هذه الروايات و إن كانت مجملة، إلّا أنّه يظهر مورده عن رواية ابن مهزيار: قيل له: إنّ رجلا تزوّج جارية صغيرة فأرضعتها امرأته ثمَّ أرضعته امرأة له اخرى، فقال ابن شبرمة: حرمت عليه الجارية و امرأتاه، فقال أبو جعفر عليه السلام: «أخطأ ابن شبرمة، حرمت عليه الجارية و امرأته التي أرضعتها أولا، فأمّا الأخيرة لم تحرم عليه، كأنّها أرضعت ابنته» «5».

ضابطة: ضابط من يحرم بالرضاع في الصنفين الأولين

أن يقال: إنّه

______________________________

(1) الكافي 5: 444- 4، الوسائل 20: 399 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 10 ح 1.

(2) الكافي 5: 445- 6، الوسائل 20: 399 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 10 ح 2.

(3) التهذيب 7: 293- 1231، الوسائل 20: 399 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 10 ح 1.

(4) الفقيه 3: 306- 1472، الوسائل 20: 399 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 10 ح 1.

(5) الكافي 5: 446- 13، الوسائل 20: 402 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 14 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 286

تحرم المحارم كلّهنّ من غير استثناء.

نعم، يجب أن يكون ما أشير إليه- من أنّه لا تحصل نظائر القرابات الصهريّة بواسطة الرضاع- نصب عينيك، و تحصل القرابات النسبيّة كلّها بواسطته، فلو اجتمع نظير القرابة بالرضاع يحصل التحريم، سواء كانت منفردة أو مع حصول القرابة الصهريّة الحقيقيّة.

و إذا ضمّ ما ذكر مع ما في الصنف الثالث يكون الضابط: المحارم مع تحريم أولاد المرضعة و الفحل على أبي

المرتضع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 287

المطلب الثاني في ذكر من اختلفوا في حرمته و ليس بمحرم
اشاره

و تحقيق المقال فيه: أنّه لا شكّ أنّ المتّبع هو أصل الإباحة، إلّا فيما دلّ دليل على التحريم، و مقتضى حصول التحريم بالرضاع- الذي هو ضروريّ الدين- ليس إلّا التحريم في الجملة، و أمّا ثبوته لخصوص المحالّ فيحتاج إلى الدليل.

و الدليل المعيّن لموارد التحريم منحصر فيما مرّ من الإجماع.

و قوله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».

و ما ورد في خصوصيّات تلك القرابات كما مرّ.

و ما سبق من الأخبار الدالّة على تحريم أولاد الفحل و المرضعة على أب المرتضع.

و ما سبق ممّا دلّ على تحريم الامّ الرضاعيّة للزوجة، لا غير ذلك.

فيجب على الفقيه الاقتصار على الموارد المذكورة.

إلّا أنّ منهم من تعدّى إلى غيرها.

إمّا لعدم تدبّره في قوله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» و رأى بعض المحرّمات، و توهّم أنّه بواسطة النسب فحكم بمثله في الرضاع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 288

أو لملاحظته التعليل المذكور في صحيحتي ابن مهزيار و أيّوب: أنّهم بمنزلة ولدك «1»، فأثبت المنزلة في غير ذلك أيضا لذلك و حكم فيه بالتحريم.

أو لعموم المنزلة المذكورة، فأثبت جميع أحكام الولد لمن هو بمنزلته.

و أمّا المتأمّل حقّ تأمّله فيما ثبت من هذه الأمور لم يتعدّ عمّا ذكر.

بيان ذلك: أنّ المراد بقوله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» أنّ ما يحرم من جهة النسب و بسببه، يحرم بحصول مثل ذلك النسب من الرضاع بالرضاع، و المحرّم من جهة النسب ليس إلّا القرابات التسع، فلا يتعدّى إلى غيرهنّ، و لا يشمل ما يحرم بواسطة النسب و المصاهرة معا كالجدّة الأمّية للولد، فإنّها ليست محرّمة بالنسب خاصّة، بل به و بالمصاهرة، فإنّ حرمتها لأجل أنّها

أمّ الزوجة، و الزوجة متقرّبة إلى الزوج بالمصاهرة، و أمّها إليها بالنسب، فإنّها تتقرّب إلى الزوج بهما معا لا بالنسب [1] خاصّة.

و كذا لا يثبت التحريم بواسطة وصف في بعض المنتسبات ليس ذلك الوصف سببا للتحريم، كأخت الأخ، فإنّها ليست محرّمة بواسطة أنّها أخت الأخ، بل بواسطة أنّها أخت، فلا تحرم الأخت الرضاعيّة للأخ، لأنّها ليست أختا للأخ الآخر.

و أمّا تعليل المنزلة فلا تثبت منه علّية مطلق المنزلة حتى منزلة غير الولد

______________________________

[1] في النسخ زيادة: بل لا يكون.

______________________________

(1) المتقدّمتين في ص: 281 و 282.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 289

أيضا، إلّا باستنباط علّة ليس عندنا حجّة، و أمّا عموم المنزلة فهي غير ثابتة، فلا يحرم غير ما ذكر ممّا اختلفوا فيه أصلا.

و نحن نذكر بعضها ليكون أنموذجا للباقي:

فمنها: أنّه يجوز لإخوة المرتضع نسبا و أخواته نكاح أخواته و اخوته رضاعا

، أي أولاد الفحل نسبا و رضاعا و أولاد المرضعة نسبا.

وفاقا للحلّي و القاضي و المحقّق و الفاضل في أكثر كتبه و الصيمري و فخر المحقّقين و الشهيدين «1»، بل الأكثر، كما صرّح به جماعة [1].

للأصل السالم عن المعارض.

و موثّقة إسحاق بن عمّار: في رجل تزوّج أخت أخيه من الرضاعة، فقال: «ما أحبّ أن أتزوّج أخت أخي من الرضاعة» «3».

و هو ظاهر في الكراهة، لعدم تأدية المحرّم بمثل هذه العبارة.

خلافا للمحكيّ عن الخلاف و النهاية و المبسوط و ابن حمزة و قوّاه في الكفاية «4»، فقالوا بالتحريم.

______________________________

[1] منهم السبزواري في الكفاية: 161، الكاشاني في المفاتيح 2: 236، صاحب الرياض 2: 91.

______________________________

(1) الحليّ في السرائر 2: 555، القاضي في المهذّب 2: 191، المحقق في الشرائع 2: 285، الفاضل في التحرير 2: 9 و القواعد 2: 11 و نفى عنه البأس في المختلف: 520. فخر المحقّقين في الإيضاح

3: 50، الشهيد في اللمعة (الروضة البهية 5): 171، الشهيد الثاني في الروضة 5: 171.

(3) الكافي 5: 444- 2، الوسائل 20: 368 أبواب ما يحرم بالنسب ب 6 ح 2.

(4) الخلاف 2: 318، النهاية: 462، المبسوط 5: 292، ابن حمزة في الوسيلة:

302، الكفاية: 161.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 290

استنادا إلى أنّ التعليل المتقدّم في صحيحتي ابن مهزيار و أيوب يقتضي كون أولاد الفحل و المرضعة بمنزلة أولاد أبي المرتضع، فيكونون اخوة، فيحرم بعضهم على بعض.

و لأنّ أخت الأخ من النسب محرّم فكذا من الرضاع، للعموم المتقدّم.

و لأنّ كونهم بمنزلة الولد يقتضي ثبوت جميع أحكام الولد لهم، لعموم المنزلة، و من جملة أحكام الولد: تحريم أولاد الأب عليه.

و يضعّف الأول: بأنّ مقتضى العلّة كونهم بمنزلة الولد، و هي في محلّ النزاع مفقود، غايته أنّهم يكونون بمنزلة الاخوة، و الثابت هو حرمة من بمنزلة الولد لا من بمنزلة الإخوة، مع أنّ كونهم بمنزلة الإخوة أيضا ممنوعة.

و الثاني: بمنع حرمة أخت الأخ مطلقا، كما إذا كان له أخ من أبيه و للأخ أخت من امّه، فإنّها غير محرّمة.

نعم، تحرم عليه إذا كانت أختا له، و هو في المقام مفقود.

و الثالث: بمنع عموم المنزلة كما بيّنّا في الأصول، مع أنّه لو سلّم فالمسلّم منه عمومها بالنسبة إلى أبي المرتضع، أي ثبوت جميع أحكام الولديّة بالنسبة إليه لا مطلقا، و لو سلّم مطلقا فيجب التخصيص بغير هذا المورد، للموثّقة المتقدّمة الظاهرة في نفي الحرمة.

و منها: أمّ المرضعة بالنسبة إلى أبي المرتضع

كما مرّ ذكره.

و منها: أخوات المرتضع النسبيّة بالنسبة إلى الفحل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 291

فيجوز له نكاحهنّ على الأشهر الأظهر، كما صرّح به بعضهم [1].

للأصل.

و حكي التحريم هنا عن الخلاف و النهاية و الحلّي «2».

لعموم التعليل بثبوت المنزلة، فقالوا: إنّهنّ بمنزلة أولاد الفحل أيضا، لأنّ أولاد الفحل بمنزلة أولاد أبي المرتضع بالنصّ.

و جوابه: منع التلازم.

و هذه الموارد الثلاثة هي عمدة ما وقع الخلاف فيه، و أمّا ما عداها فلا خلاف يعتدّ به فيه بين الأصحاب في عدم الحكم بالحرمة.

و منها: جدّات المرتضع بالنسبة إلى صاحب اللبن.

فإنّه يجوز له تزويجهنّ، صرّح به الشيخ في المبسوط و المحقّق الشيخ علي «3».

و حكى السيّد الداماد في رسالته الرضاعيّة التحريم عن الحلّي و الفاضل في المختلف و التذكرة و ولده في الإيضاح و الشهيد في غاية المراد و صاحب التنقيح «4»، و اختاره هو أيضا.

لكونهنّ بمنزلة جدّات الولد النسبي، فهي محرّمة إمّا بمدلول: «يحرم

______________________________

[1] كما في الرياض 2: 91.

______________________________

(2) الخلاف 2: 318، النهاية: 462، الحلّي في السرائر 2: 555.

(3) المبسوط 5: 305، المحقق الشيخ علي في جامع المقاصد 12: 243، 244، 246 و رسالته الرضاعيّة (رسائل المحقّق الكركي 1): 215.

(4) الرسالة الرضاعيّة (كلمات المحقّقين): 9، الحلّي في السرائر 2: 555، المختلف: 520، التذكرة 2: 622، الإيضاح 3: 53، التنقيح 3: 53.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 292

من الرضاع ما يحرم من النسب» أو لعموم التعليل.

و جوابهما يظهر ممّا سبق.

و منها: المرضعة بالنسبة إلى جدّ المرتضع.

فإنّه يجوز له نكاحها.

و ربّما يتوهّم التحريم، نظرا إلى أنّها تصير أمّ ولد الولد، و هي إمّا بنت جدّ المرتضع أو زوجة ولده، و كلتاهما محرّمتان.

و دفعه ظاهر ممّا مرّ.

و لو كانت تلك المرضعة زوجة لهذا الجدّ، كأن ترضع زوجتك ولد ولدها ذكرا كان أو أنثى تصير زوجتك جدّة ولدك، لأنّ الرضيع يصير ولدك.

و يلزم على ما توهّم تحريم زوجتك عليك، لأنّ جدّة الولد محرّمة، بل يلزم التحريم لو أرضعت ولد ولدها من غيرك، لذلك.

و فساده واضح.

و من هذا الباب أيضا: ما أن ترضع امرأتك بلبنك أخاك أو أختك أو أخاها أو أختها، فإنّها على الأول تصير أمّ أخيك، و على الثاني أخت ولدك.

أو أرضعت ولد أخيها، فتصير عمّة ولدك.

أو ولد أختها، فتصير خالة ولدك.

أو أرضعت عمّها أو عمّتها، فتصير بنت أخي ولدك.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 293

أو خالها أو خالتها، فتصير بنت أخته.

أو عمّك أو عمّتك فتصير أمّ عمك أو عمّتك.

إلى غير ذلك من الصور المتصوّرة.

و لا تحريم في شي ء منها، لما مرّ.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 294

البحث الثالث في سائر الأحكام المتعلّقة بالرضاع
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: الرضاع الذي يحرّم النكاح على تقدير سبقه عليه يبطله

على تقدير لحوقه.

بلا خلاف كما صرّح به بعضهم «1»، و اتّفاقا كما قاله بعض آخر «2»، بل هو إجماعيّ حقيقة، فهو الحجّة فيه.

مضافا إلى عموم النصوص و خصوص المستفيضة المتقدّمة «3» في تحريم الزوجتين المرتضعة إحداهما من الأخرى على الزوج بضميمة عدم الفصل.

و يترتّب على ذلك مسائل كثيرة:

منها: تحريم زوجة أبي المرتضع عليه لو أرضعته جدّته لامّه، سواء كان بلبن جدّه أو غيره، أو أرضعته بعض نساء جدّه لأمّه بلبنه و إن لم تكن جدّة للمرتضع.

و هو يترتّب على تحريم الصنف الثالث، لأنّ الزوجة على الأول

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 92.

(2) انظر كشف اللثام 2: 31.

(3) في ص: 285.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 295

تكون من أولاد المرضعة، و على الثاني من أولاد الفحل، و قد عرفت تحريمهما على أبي المرتضع.

و منها: ما لو تزوّج أحد صغيرة، و كانت له زوجة كبيرة، فأرضعت الكبيرة الصغيرة، قالوا:

فإن كان بلبنه حرمتا عليه مؤبّدا مطلقا، لصيرورة الكبيرة الامّ الرضاعيّة للزوجة الحقيقيّة، و الصغيرة بنتها، بل ولده.

و إن كان بلبن غيره حرمتا كذلك مع الدخول بالكبير، لصيرورة الكبيرة أمّ الزوجة و الصغيرة بنتها، و تحرم البنت مع الدخول بالأمّ، و حرمت الكبيرة خاصّة مع عدم الدخول، لعدم تحريم البنت بمجرّد العقد على الأمّ.

أقول: الوجه في تحريم الصغيرة مؤبّدا على الفرضين الأولين واضح، لصيرورتها بنتا له على الأول، و بنت الزوجة المدخولة على الثاني.

و كذا في تحريم الجمع بينهما على الثالث، لاستلزامه الجمع بين الامّ و البنت.

و أمّا الوجه الذي ذكروه في تحريم الكبيرة على الأولين و تحريم كلّ منهما منفردة أيضا على الثالث فغير معلوم عندي، أمّا الأولان فلأنّ صيرورة الكبيرة أمّ الزوجة موقوفة على كون

الصغيرة زوجة في آن صيرورة الكبيرة أمّا لها، و كون الصغيرة زوجة على عدم صيرورة الكبيرة أمّا، فيمتنع اجتماعهما في آن.

و الحاصل: أنّه ترتفع زوجيّة الصغيرة و تتحقّق أمومة الكبيرة في آن

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 296

واحد، فلم تكن الكبيرة أمّ الزوجة أصلا.

و منه يظهر وجه الخدش في الثالث أيضا.

و لذا حكم بعضهم بحرمة إحدى الزوجتين خاصّة في جميع الصور و احتمل القرعة، فمن أخرجتها صحّ نكاحها و فسد نكاح الأخرى.

و ردّ: بأنّ الروايات المتقدّمة في الصنف الثالث «1» تدلّ على حرمة نكاحهما من غير فرقة «2».

أقول: أكثر الروايات المتقدّمة الواردة في تلك المسألة غير ناهضة لإثبات تمام الحكم، لإجمال مرجع الضمير.

نعم، تدلّ رواية ابن مهزيار «3» على حرمتهما معا، إلّا أنّها مخصوصة بصورة الدخول بقرينة الحكم بتحريمهما معا، بل بصورة كون اللبن منه، لقوله أخيرا: «كأنّها أرضعت ابنته» كما في التهذيب، و هو الصحيح، لا:

«ابنتها» كما في بعض النسخ الأخر.

فلا شكّ في تحريمهما معا فيما إذا كان اللبن من هذا الزوج، لأجل الرواية، و لا في جمعهما مطلقا، و لا في تحريم الصغيرة مع الدخول و إن كان الرضاع بلبن غيره.

بقي الكلام في تحريم الكبيرة مع إرضاعها بلبن الغير مع الدخول، و في تحريم كلّ منهما منفردة حينئذ مع عدم الدخول، و لا دليل تامّا عليه، و القياس بصورة كون اللبن منه باطل، و ما يتوهّم تعليلا لحرمتهما في

______________________________

(1) راجع ص: 281 و 282.

(2) انظر الرياض 2: 92.

(3) المتقدّمة في ص: 285.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 297

موردها مستنبط، و الإجماع على الحكمين- كما عن الإيضاح «1»- غير ثابت.

فالحقّ: عدم تحريم الكبيرة مع كون اللبن عن الغير و إن دخل، و

لا كلّ منهما منفردة مع كون اللبن من الغير و عدم الدخول، فلا يفسد نكاح الكبيرة في الأول، و له تجديد نكاح كلّ منهما أراد في الثاني.

نعم، لا يمكن أخذ إحداهما حينئذ بالنكاح السابق، لاستلزامه الترجيح بلا مرجّح، إلّا أن يقال بالتخيير، و لا بأس به.

و منها: ما لو طلّق زوجته المرضعة و تزوّجت بصغير فأرضعته، فتحرم على الصغير، لصيرورته ولدها.

و قالوا: تحرم على الزوج الأول، فلا يجوز له نكاحها ثانيا، لأنّها زوجة ولده.

و يظهر الخدش فيه أيضا ممّا مرّ.

المسألة الثانية: لو شكّ في عدد الرضاع أو الإنبات أو إتمام اليوم و الليلة

، لا يحرم، للعمل بالأصل.

و لو شكّ في كونه في الحولين أو بعده:

فإن علم مبدأ ولادة الطفل يحكم بأصالة تأخّر الرضاع.

و إن علم وقت الرضاع يحكم بأصالة تأخّر حلول الحولين،

______________________________

(1) الإيضاح 3: 51 و 52.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 298

و لا تعارضها أصالة الإباحة و حرمة النظر، لأنّ الأصل الأول رافع لذلك الأصل مزيل له.

و إن لم يعلم شي ء منهما يحكم بعدم الحرمة، للأصل.

و لو شكّ في تخلّل الأكل أو رضعة اخرى فالأصل عدمه.

و لو شكّ في كمال الرضعة فيعارض استصحاب الارتضاع حتى يروى و استصحاب عدم المصّ الجديد و عدم حصول بقيّة الارتضاع، فيرجع إلى أصل الإباحة.

المسألة الثالثة: لا تقبل الشهادة بالرضاع إلّا مفصّلة،

للاختلاف الكثير في الشرائط المعتبرة فيه، إلّا مع العلم بالاتّفاق في الشرائط.

و هل يشترط أن يضيف إلى ذلك وصول اللبن إلى جوفه؟

فيه قولان، و الأقرب: العدم.

إذ لا طريق إلى العلم به إلّا بمشاهدة الامتصاص و حركة الحلق و قد شهد بهما.

نعم، لا بدّ مع ذلك من التصريح بحصول الرضاع، و لا تكفي حكاية القرائن.

و لا يشترط التفصيل في الإقرار.

لعموم: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز».

و كذا في الشهادة على إقرار المقرّ به.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 299

الفصل الثالث في المصاهرة

اشاره

و هي علاقة تحدث بين الزوجين و بين أقرباء كلّ منهما بسبب النكاح توجب الحرمة، و يلحق بالنكاح: الوطء و النظر و اللمس على وجه مخصوص.

فهاهنا فصول:

الفصل الأول في الحرمة الحاصلة بالمصاهرة الحقيقيّة
اشاره

أي النكاح الذي هو حقيقة في العقد.

و المحرّم بسببه على قسمين:

لأنّه إمّا يحرم به عينا، أي يحرم حراما مؤبّدا لا يحلّ أبدا.

أو جمعا، أي يحرم جمعه مع المعقود عليها أولا و إن جاز نكاحه منفردا. و هذا أيضا على قسمين:

لأنّه إمّا يحرم جمعا مطلقا.

أو يحرم الجمع بدون رضاء المعقود عليها أولا و يحلّ معه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 300

فهذه ثلاثة أقسام:

القسم الأول: في بيان من يحرم نكاحها بمجرّد العقد عينا.
اشاره

و فيه مسألتان:

المسألة الأولى: تحرم بمجرّد العقد تحريما مؤبّدا زوجة الأب و الجدّ

و إن علا من الأب و الامّ، و زوجة الابن فنازلا و إن كان ابن البنت و إن لم يدخل بها.

بالإجماع من المسلمين، و هو الحجّة المغنية عن مئونة تكثير الأدلّة.

مضافا إلى قوله سبحانه وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ «1».

و النكاح حقيقة في العقد، كما مرّ.

و قوله سبحانه وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ «2».

و الحليلة هي: المعقودة عليها لحلّية وطئها.

و في صحيحة محمّد: «و لا يصلح للرجل أن ينكح امرأة جدّه» «3».

المسألة الثانية: تحرم أمّ المعقودة عليها، سواء دخل ببنتها أم لا،
اشاره

______________________________

(1) النساء: 22.

(2) النساء: 23.

(3) الكافي 5: 420- 1، التهذيب 7: 281- 1190، الاستبصار 3: 155- 566، الوسائل 2: 412 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 301

فلا يجدي فراقها في استحلال الامّ.

على الأشهر الأصحّ، بل عليه الإجماع عن الناصريّات و الغنية «1»، بل يمكن أن يقال: إنّه إجماع محقّق، و هو الحجّة فيه، مضافا إلى الكتاب و السنّة.

أمّا الكتاب: عموم أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ في الآية الكريمة، كما هو مقتضى إضافة الجمع إلى الضمير من دون تقدّم معهود.

و أصالة تعلّق الاستثناء بقوله اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ إلى الجملة الأخيرة، بمقتضى القاعدة الأصوليّة على ما هو التحقيق.

مع تعيينه في هذه الآية من جهة.

أنّه إن جعل الوصف مجرّد قوله اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ لزم الفصل بين الصفة و موصوفها بأجنبيّات.

و إن جعل مجموع قوله مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ تكون لفظة مِنَ بيانيّة باعتبار الاولى، و ابتدائيّة باعتبار الثانية، فيلزم استعمال المشترك في معنييه، و هو غير جائز.

و جعلها اتّصاليّة من باب عموم المجاز و جعل المجموع حالا عن أمّهات النساء و الربائب أيضا مجاز مخالف للأصل، بل غير جائز عند جمهور الأدباء، لاستلزامه اختلاف العامل في الحال.

هذا، مع دلالة الأخبار المعتبرة

هنا على الرجوع إلى الأخيرة خاصّة، بل كون ذلك قاعدة كلّية جارية في أمثال الآية.

______________________________

(1) الناصريّات (الجوامع الفقهيّة): 209، الغنية (الجوامع الفقهيّة): 609.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 302

كالمرويّ في تفسير العيّاشي: عن رجل تزوّج امرأة و طلّقها قبل أن يدخل بها أ تحلّ له ابنتها؟ قال: فقال: «قد قضى في هذا أمير المؤمنين عليه السلام، لا بأس به، إنّ اللّه تعالى يقول وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ و لكنّه لو تزوّج الابنة ثمَّ طلّقها قبل أن يدخل بها لم تحلّ له أمّها» قال: قلت: أ ليس هما سواء؟ قال: فقال: «لا، ليس هذه مثل هذه، إنّ اللّه تعالى يقول وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ لم يستثن في هذه كما اشترط في تلك، هذه ها هنا مبهمة ليس فيها شرط، و تلك فيها شرط» «1».

و رواية إسحاق: «إنّ عليّا عليه السلام كان يقول: الربائب عليكم حرام مع الأمّهات اللّاتي قد دخل بهنّ، هنّ في الحجور و غير الحجور سواء، و الأمّهات مبهمات دخل بالبنات أم لم يدخل بهنّ، فحرّموا [ما حرّم اللّه ] و أبهموا ما أبهم اللّه» [1].

و صحيحة منصور: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوّج امرأة فماتت قبل أن يدخل بها، أ يتزوّج بأمّها؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «قد فعله رجل منّا فلم نر به بأسا» فقلت: جعلت فداك ما تفخر الشيعة إلّا بقضاء عليّ عليه السلام في الشمخيّة التي أفتاها ابن مسعود: أنّه لا بأس بذلك، ثمَّ أتى عليّا عليه السلام فسأله، فقال له عليّ عليه السلام: «من أين

______________________________

[1] التهذيب 7: 273- 1165، مجمع البيان 2: 27، تفسير العياشي 1:

231-

77، الوسائل 20: 458 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 18 ح 3، و ما بين المعقوفين أضفناه من تفسير العياشي.

______________________________

(1) تفسير العياشي 1: 230- 74، الوسائل 20: 465 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 20 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 303

أخذتها؟» فقال: من قول اللّه عزّ و جلّ وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ الآية، فقال عليّ عليه السلام: «إنّ هذه مستثناة و هذه مرسلة وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ » فقال أبو عبد اللّه عليه السلام [للرجل ]: «أما تسمع ما يروي هذا عن عليّ عليه السلام؟» فلمّا قمت ندمت و قلت: أيّ شي ء صنعت؟ يقول هو: «قد فعله رجل منّا فلم نر به بأسا» فأقول أنا: قضى عليّ عليه السلام فيها، فلقيته بعد ذلك فقلت: جعلت فداك، مسألة الرجل إنّما كان قلت يقول زلّة منّي فما تقول فيها؟ فقال: «يا شيخ، تخبرني أنّ عليّا عليه السلام قضى فيها و تسألني ما تقول فيها؟!» [1].

و ضعف بعض هذه الأحاديث منجبر بالشهرة العظيمة و الإجماعات المحكيّة، مع دلالة الصحيحة منها باشتهار الحكم بين الشيعة و افتخارهم به، لصدوره عن أمير المؤمنين عليه السلام، بل فيها إشعار، بل دلالة، لورود خلافه مورد التقيّة.

و أمّا السنّة: فالأخبار المذكورة.

مضافة إلى موثّقة غياث بن إبراهيم: «إذا تزوّج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالأمّ، فإذا لم يدخل بالأمّ فلا بأس أن يتزوّج بالابنة، فإذا تزوّج الابنة فدخل بها أو لم يدخل بها فقد حرمت عليه الامّ» و قال: «الربائب عليكم حرام، كنّ في الحجر أو لم يكن» «2».

______________________________

[1] الكافي 5: 422- 4، التهذيب 7: 274- 1169، الاستبصار 3: 157- 573، الوسائل 20: 462 أبواب ما يحرم

بالمصاهرة ب 20 ح 1، و ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

______________________________

(2) التهذيب 7: 273- 1166، الاستبصار 3: 157- 570، الوسائل 20: 459 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 18 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 304

و أبي بصير: عن رجل تزوّج امرأة ثمَّ طلّقها قبل أن يدخل بها، فقال:

«تحلّ له ابنتها و لا تحلّ له أمّها» «1».

خلافا للعماني و حكي عن الصدوق و الكليني أيضا «2»، و عن المختلف التوقّف «3» كشرح النافع للسيّد و آيات الأحكام للأردبيلي «4»، فجعلوا البنت للامّ متساوية في اشتراط الدخول بها للحرمة العينيّة.

لأصالة الإباحة.

و الآية الشريفة، بناء على إرجاع القيد إلى الجملتين.

و الأخبار المستفيضة، منها: الصحيحة المتقدّمة.

و صحيحة جميل و حمّاد: «الامّ و الابنة سواء إذا لم يدخل بها» يعني: إذا تزوّج المرأة ثمَّ طلّقها قبل أن يدخل بها فإنّه إن شاء تزوّج أمّها و إن شاء تزوّج ابنتها «5».

و مرسلة جميل: عن رجل تزوّج امرأة ثمَّ طلّقها قبل أن يدخل بها هل تحلّ له ابنتها؟ قال: «الامّ و الابنة في هذا سواء إذا لم يدخل بإحداهما

______________________________

(1) التهذيب 7: 273- 1167، الاستبصار 3: 157- 571، الوسائل 20: 459 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 18 ح 5.

(2) حكاه عن العماني في المختلف: 522، الصدوق في المقنع: 104، الكليني في الكافي 5: 421.

(3) المختلف: 522.

(4) راجع زبدة البيان: 526، نهاية المرام 1: 133.

(5) التهذيب 7: 273- 1168، الاستبصار 3: 157- 572، الوسائل 20: 463 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 20 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 305

حلّت له الأخرى» «1».

و صحيحة محمّد بن إسحاق المضمرة، و فيها: فرجل تزوّج امرأة فهلكت قبل أن يدخل بها، تحلّ له

أمّها؟ قال: «و ما الذي يحرم عليه منها و لم يدخل بها؟!» «2».

أقول: أمّا الأصل، فمردود بما مرّ.

و أمّا الآية، فغير دالّة كما سبق.

و أمّا الصحيحة الأولى، فعلى خلاف مطلوبهم أدلّ، بل هي دالّة على كون مطلوبهم موافقا للتقيّة، كما تؤكّده نسبته إلى جمع من العامّة، كمجاهد و أنس و بشر و داود و غيرهم «3».

و أمّا الثانية، فمجملة، لاحتمال أن يكون المعنى: إذا تزوّج الامّ و لم يدخل بها فالامّ و البنت سواء في الإباحة، إن شاء دخل بالأمّ و إن شاء فارقها و تزوّج بالبنت، و يؤيّده إفراد الضمير الراجع إلى الأمّ على ظاهر السياق. و التفسير المذكور فيه غير معلوم كونه من الإمام، و تفسير الراوي غير حجّة.

و أمّا المرسلة، فهي أعمّ مطلقا من أدلّة التحريم، لأنّ قوله: «إحداهما» أعمّ من الامّ و البنت، سواء حملت التسوية فيها على ما هو مطلوبهم

______________________________

(1) الفقيه 3: 262- 1247، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 100- 241، الوسائل 20: 464 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 20 ح 6.

(2) التهذيب 7: 275- 1170، الاستبصار 3: 158- 574، الوسائل 20: 464 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 20 ح 5.

(3) انظر التذكرة 2: 630، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5: 106.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 306

و جعل قوله: «إذا لم يدخل بها» إلى آخره، جملة مفسّرة للتسوية، أو حملت التسوية على ما ذكرنا من الإباحة، و جعلت الجملة الأخيرة تعليليّة.

و أمّا الصحيحة الأخيرة، فدلالتها إنّما هي على جعل الاستفهام إنكاريّا- كما هو الظاهر- و لكنّه ليس بمتعيّن، بل في ظهوره أيضا كلام، لأنّ الظاهر اتّحاد مرجعي الضميرين المجرورين و أنّه المرأة الهالكة، فيمكن أن يكون قد اتّقى

عليه السلام فعدل عن الجواب الصريح إلى الاستفهام، و قال: و ما الذي يحرم على الرجل من جهة نكاح المرأة حال عدم الدخول بها؟

أو يكون الاستفهام للإثبات و التقرير، فكأنّه قال: لو حلّت أمّها فما الذي يحرم عليه من جهة المرأة مع عدم الدخول، مع أنّ حصول الحرمة في الجملة لأجلها ظاهر؟! هذا، مع أنّه لو قطع النظر عن ذلك كلّه لكان الترجيح للأخبار المتقدّمة بموافقة عموم الكتاب و مخالفة طائفة من العامّة و المعاضدة للشهرة المحقّقة و الإجماعات المحكيّة، و كون الأخبار المخالفة في جانب العكس في الكلّ.

مع أنّها- كما صرّح به الشيخ- شاذّة، و فيها مضعّفات أخر في الجملة، من نوع اضطراب في سند، أو متن، أو إضمار، كما ذكره الشيخ في التهذيب و الاستبصار «1».

______________________________

(1) التهذيب 7: 275، الاستبصار 3: 158.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 307

فرعان:
أ: لا فرق في تحريم الامّ بتزويج البنت بين تزويجها دائما أو متعة.

للإطلاقات.

و لا في المتعة بين قصد الاستمتاع منها أو عدمه.

لعدم اشتراط ذلك في صحّة التمتّع.

نعم، يشترط قصد حصول حليّة التمتّع، فهو شرط.

و هل يشترط إمكان التمتّع، أم لا؟

سيأتي تحقيقه في بحث العقد المنقطع.

و بالجملة: المناط في تحريم الأمّ: صحّة عقد النكاح أو التمتّع لا غير.

و على هذا، فلو لم يقصد من العقد حصول الزوجيّة الدائميّة أو المنقطعة و لا التحليل، بل كان المقصود مجرّد محرميّة الأمّ- كما يتّفق كثيرا- لم يصحّ العقد.

و لكن قد يشتبه الأمر هنا، فيخلط بين المقصود من العقد و المقصود من الزوجيّة، فإنّه قد يقصد بالعقد الزوجيّة و لكن المطلوب من الزوجيّة ليس هي نفسها، بل لوازمها- كميراث أو كثرة أقوام- و هذا صحيح قطعا.

و قد لا يقصد الزوجيّة، بل يقصد من العقد نفس اللوازم من غير التفات

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 16، ص: 308

إلى الملزوم و قصد تحقّقه، و هذا باطل.

ب: صرّح الأكثر بأنّ الحكم ثابت لأمّ الأمّ و جدّاتها من الطرفين [1].

و الظاهر أنّ المستند فيه الإجماع المركّب، و إلّا فإثبات المطلوب من غير جهة الإجماع مشكل.

القسم الثاني: في بيان من يحرم نكاحها بمجرّد العقد خاصّة على غيرها
اشاره

جمعا لا عينا مطلقا.

و فيه أيضا مسألتان.

المسألة الأولى: تحرم بنت المعقود عليها بدون دخل بها جمعا معا لا عينا.

فيجوز نكاح البنت مع العقد على الامّ بعد مفارقتها قبل الدخل، إجماعا في الموضعين، و هو الحجّة فيهما.

مضافا في الثاني إلى صريح الآية الكريمة فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ «2».

و الأخبار المستفيضة التي قد تقدّم كثير منها.

و كذا تحلّ بنت البنت و بنت الابن مع عدم الدخول بالجدّة عينا لا جمعا.

______________________________

[1] منهم الشيخ في المبسوط 4: 196، المحقق في الشرائع 2: 287، الشهيدان في اللمعة و الروضة 5: 177.

______________________________

(2) النساء: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 309

للأصل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 16    309     المسألة الثانية: تحرم أخت المعقود عليها جمعا لا عينا ..... ص : 309

المسألة الثانية: تحرم أخت المعقود عليها جمعا لا عينا

، سواء كانت الأخت لأب أم لامّ أم لهما، و سواء دخل بالأخت الأولى أم لا.

بإجماع جميع المسلمين، له.

و لصريح الآية وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ «1».

و الأخبار المتواترة المتضمّنة لتحريم الأخت قبل انقضاء عدّة الأخت الأخرى.

و لا فرق في ذلك بين العقد الدائم و المنقطع، إجماعا محقّقا و محكيّا [1].

للإطلاقات.

و للمرويّ في قرب الإسناد: عن الرجل تكون عنده امرأة أ يحلّ له أن يتزوّج بأختها متعة؟ قال: «لا» «3».

و لصحيحة يونس: الرجل يتزوّج المرأة متعة إلى أجل مسمّى فيقضى الأجل بينهما، هل له أن ينكح أختها قبل أن تنقضي عدّتها؟ فكتب:

«لا يحلّ له أن يتزوّجها حتى تنقضي عدّتها» «4».

______________________________

[1] كما في كشف اللثام 2: 40.

______________________________

(1) النساء: 23.

(3) قرب الإسناد: 366- 1313، الوسائل 20: 477 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 24 ح 4.

(4) الكافي 5: 431- 5، التهذيب 7: 287- 1209، الاستبصار 3: 170- 622، الوسائل 20: 480 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 27 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص:

310

و أمّا رواية الصيقل: «لا بأس بالرجل أن يتمتّع بأختين» «1».

فالمراد أن يكون ذلك في وقتين واحدة بعد اخرى، دون الجمع.

و العدّة الرجعيّة في حكم الزوجيّة، فلو طلّق امرأة و أراد نكاح أختها فلا يجوز له تزوج الأخت حتى تخرج الاولى من العدّة، إلّا إذا كان الطلاق بائنا، فيجوز بمجرّد الطلاق.

و تدلّ على الحكمين- منطوقا و مفهوما- صحيحة ابن أبي عمير: في رجل طلّق امرأته أو اختلعت أو بارأت، إله أن يتزوّج بأختها؟ قال: فقال:

«إذا برئت عصمتها و لم يكن له عليها رجعة فله أن يخطب أختها» «2».

و صحيحة أبي بصير: عن رجل اختلعت منه امرأته أ يحلّ له أن يخطب أختها من قبل أن تنقضي عدّة المختلعة؟ قال: «نعم، قد برئت عصمتها منه و ليس له عليها رجعة» «3».

و على الأول: رواية علي بن أبي حمزة: عن رجل طلّق امرأته أ يتزوّج أختها؟ قال: «لا، حتى تنقضي عدّتها» «4».

______________________________

(1) التهذيب 7: 288- 1211، الاستبصار 3: 171- 624، الوسائل 20: 481 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 27 ح 2.

(2) الكافي 5: 432- 7، التهذيب 7: 286- 1206، الوسائل 22: 270 أبواب العدد ب 48 ح 2، و في الجميع: عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي.

(3) الكافي 6: 144- 9، التهذيب 8: 137- 477، الوسائل 22: 270 أبواب العدد ب 48 ح 1.

(4) الكافي 5: 432- 9، التهذيب 7: 287- 1210، الوسائل 22: 270 أبواب العدد ب 48 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 311

و رواية محمّد بن قيس: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في أختين نكح إحداهما رجل، ثمَّ طلّقها و هي حبلى، ثمَّ خطب أختها فجمعها قبل أن تضع أختها

المطلّقة ولدها، فأمره بأن يفارق الأخيرة حتى تضع أختها المطلّقة ولدها، ثمَّ يخطبها و يصدقها صداقها مرّتين» [1].

و موثّقة زرارة: في رجل طلّق امرأته و هي حبلى، أ يتزوّج أختها قبل أن تضع؟ قال: «لا يتزوّجها حتى يخلو أجلها» «2».

و بالصحيحتين الأولتين يخصّص إطلاق الثلاثة الأخيرة بالعدّة الرجعيّة.

و عدّة المتعة كالرجعيّة.

لصريح صحيحة يونس المتقدّمة.

و أمّا إذا فسخ نكاح الأخت- لعيب يوجبه، أو ظهر فساد نكاحها- فله تزويج الأخرى دفعة.

للأصل.

و عدم صدق الجمع.

و أمّا صحيحة زرارة: عن رجل تزوّج بالعراق امرأة، ثمَّ خرج إلى الشام فتزوّج امرأة أخرى، فإذا هي أخت امرأته التي بالعراق، قال: «يفرّق بينه و بين المرأة التي تزوّجها بالشام، و لا يقرب العراقيّة حتى تنقضي عدّة

______________________________

[1] الكافي 5: 430- 1، و في الفقيه 3: 269- 1277: «فنكحها»، بدل:

«فجمعها»، التهذيب 7: 284- 1202، الوسائل 20: 476 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 24 ح 1.

______________________________

(2) الكافي 5: 432- 8، التهذيب 7: 286- 1208، الاستبصار 3: 170- 621، الوسائل 20: 481 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 28 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 312

الشاميّة» «1».

فلا تفيد أزيد من الكراهة، كما أفتى به في القواعد «2».

و لو ماتت الأخت جاز نكاح الأخرى من ساعته.

للأصل.

و رواية عليّ بن أبي حمزة: عن رجل كانت له امرأة فهلكت أ يتزوّج أختها؟ فقال: «من ساعته إن أحبّ» «3».

و لو طلّقها رجعيّا و أسقط الزوج حقّ الرجوع بوجه لازم شرعي، و قلنا بعدم جواز الرجوع حينئذ، فهل يجوز تزويج الأخت قبل انقضاء العدّة، أم لا؟

مقتضى الاستصحاب و إطلاق الروايات الثلاث الأخيرة: عدم الجواز.

و مقتضى الصحيحتين: الجواز، و هو الأقرب لذلك، فإنّ بهما تخصّص الإطلاقات و يدفع الاستصحاب، سيّما الثانية،

التي هي أخصّ مطلقا من المطلقات، لاختصاصها بما قبل انقضاء العدّة.

إلّا أن يقال: إنّ المذكور في الصحيحتين براءة العصمة و انتفاء الرجعة، و المسلّم حينئذ الأخير دون الأول، و لذا يتوارثان و تكون لها النفقة و نحوها، فلا يعلم تحقّق براءة العصمة، فتكون المطلقات و الاستصحاب باقية على

______________________________

(1) الكافي 5: 431- 4، التهذيب 7: 285- 1204، الاستبصار 3: 169- 617، الوسائل 20: 478 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 26 ح 1.

(2) القواعد 2: 16.

(3) الكافي 5: 432- 9، التهذيب 7: 287- 1210، الوسائل 22: 270 أبواب العدد ب 48 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 313

حالها، فلا يجوز الجمع، و هو الأحوط، بل الأقرب.

القسم الثالث: في بيان من يحرم نكاحها بمجرّد العقد خاصّة جمعا لا عينا
اشاره

، إلّا مع رضاء المعقود عليها أولا، فيجوز جمعا أيضا.

و فيه مسائل.

المسألة الأولى: يحرم الجمع في النكاح بين امرأة عقد عليها أولا و بين بنت أختها
اشاره

أو بنت أخيها، إلّا مع إذن الخالة أو العمّة، يعني: إذا تزوّج أولا امرأة لا يجوز تزويج بنت أختها أو بنت أخيها بدون رضاء الزوجة.

أمّا عدم الجواز بدون الإذن فهو الأظهر الأشهر، كما في الكفاية «1»، بل بإجماع أصحابنا كما في الروضة «2».

للمستفيضة:

منها رواية عليّ: عن امرأة تزوّجت على عمّتها و خالتها، قال:

«لا بأس» و قال: «تزوّج العمّة و الخالة على ابنة الأخ و ابنة الأخت، و لا تزوّج بنت الأخ و الأخت على العمّة و الخالة إلّا برضاء منهما، فمن فعله فنكاحه باطل» «3».

______________________________

(1) الكفاية: 163.

(2) الروضة 5: 181.

(3) التهذيب 7: 333- 1368، الاستبصار 3: 177- 645، قرب الإسناد:

248- 979، الوسائل 20: 487 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 314

و رواية الكناني: «لا يحلّ للرجل أن يجمع بين المرأة و عمّتها و لا بين المرأة و خالتها» «1».

و رواية السكوني: «إنّ عليّا عليه السلام اتي برجل تزوّج امرأة على خالتها فجلده و فرّق بينهما» «2».

و المرويّ في علل الصدوق: «إنّما نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن تزويج المرأة على عمّتها و خالتها، إجلالا للعمّة و الخالة، فإذا أذنت في ذلك فلا بأس» «3».

و تؤيّدها مستفيضة أخرى، كموثّقة محمّد: «لا تزوّج ابنة الأخ و لا ابنة الأخت على العمّة و لا على الخالة إلّا بإذنهما، و تزوّج العمّة و الخالة على ابنة الأخ و ابنة الأخت بغير إذنهما» «4».

و قريبة منها موثّقته الأخرى «5».

و رواية الحذّاء: «لا تنكح المرأة على عمّتها و لا على خالتها إلّا بإذن العمّة و الخالة» «6».

______________________________

(1) التهذيب

7: 332- 1366، الاستبصار 3: 177- 643، الوسائل 20: 489 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 7.

(2) التهذيب 7: 332- 1367، الاستبصار 3: 177- 644، الوسائل 20: 488 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 4.

(3) العلل: 499- 1، الوسائل 20: 489 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 10.

(4) الكافي 5: 424- 1، الفقيه 3: 260- 1238، العلل: 499- 2، الوسائل 20:

487 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 1.

(5) التهذيب 7: 332- 1365، الاستبصار 3: 177- 642، الوسائل 20: 488 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 6.

(6) الكافي 5: 424- 2، الوسائل 20: 487 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 315

و في المرويّ في نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى: «لا تنكح المرأة على عمّتها و لا على خالتها إلّا بإذن العمّة و الخالة، و لا بأس أن تنكح العمّة و الخالة على بنت أخيها و بنت أختها» «1».

و أمّا الجواز معه فهو الحقّ المشهور أيضا، بل عن الانتصار و الناصريّات و الخلاف و الغنية و نهج الحقّ و التذكرة: الإجماع عليه «2».

لعموم قوله سبحانه وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ «3».

و خصوص أكثر الأخبار المتقدّمة.

خلافا في الأول للقديمين فجوّزا له مطلقا «4»، و نفى عنه البعد في الكفاية «5».

للأصل.

و عموم الآية.

و صدر رواية عليّ المتقدّمة.

و الأول مردود.

و الثانيان مخصّصان بما مرّ، و ضعف المخصّص سندا غير ضائر،

______________________________

(1) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 105- 257، الوسائل 20: 490 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 13.

(2) الانتصار: 116، الناصريات (الجوامع الفقهيّة): 210، الخلاف 4: 296، الغنية (الجوامع الفقهيّة): 609، نهج الحق: 522،

التذكرة 2: 638.

(3) النساء: 24.

(4) حكاه عنهما في المختلف: 527.

(5) الكفاية: 163.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 316

سيّما بعد الانجبار بالشهرة المحقّقة و الإجماع المحكيّ، مع أنّه- كما قيل «1»- تنزيل كلامهما على صورة الإذن ممكن.

و في الثاني للمقنع «2»، فحرّمه كذلك.

لإطلاق بعض الأخبار المتقدّمة و غيرها الواجب تقييده بما ذكر، حملا للمطلق على المقيّد، مع كون الإطلاق موافقا لمذهب العامّة [1].

فروع:
أ: الأقرب [اختصاص الحكم بتحريم الجمع بينهما بالزوجيّة]

- كما صرّح به في الكفاية و القواعد «4»، و غيرهما [2]، بل هو الأشهر كما صرّح به بعض من تأخّر [3]-، فلا يحرم الجمع في الوطء بملك اليمين.

للأصل.

و العمومات.

و اختصاص دليل المنع عن الجمع بالأول.

و أمّا قوله: «لا يحلّ أن يجمع» في رواية الكناني فهو ليس بعامّ و لا مطلق، إذ مثل ذلك ليس جمعا حقيقيّا، بل هو مجاز، فيقتصر على

______________________________

[1] كما في الإنصاف 8: 122.

[2] كالتحرير 2: 13.

[3] كصاحب الرياض 2: 94.

______________________________

(1) انظر كشف اللثام 2: 35.

(2) المقنع: 110.

(4) الكفاية: 163، القواعد 2: 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 317

المعلوم.

خلافا للمحكيّ عن فخر المحقّقين، فقال بالتعميم، لعموم قوله:

«لا تنكح المرأة على عمّتها و لا على خالتها»، و النكاح حقيقة في الوطء «1».

و جوابه: أنّ النكاح حقيقة في العقد، مع أنّه جملة خبريّة عن إفادة التحريم قاصرة.

ب: و في اعتبار استئذان العمّة و الخالة الحرّتين لو أدخل عليها بنت الأخ

أو بنت الأخت بالملك وجهان.

أقربهما: العدم.

لما مرّ من الأصل و العمومات.

و قد يقال بالاعتبار، لتوهّم الأولويّة هنا، و هي ممنوعة، لعدم استحقاقهما الاستمتاع.

و أولى من ذلك عدم اعتبار استئذانهما فيما إذا ملك العمّة و الخالة و أراد تزويج بنت الأخ أو بنت الأخت.

لا يقال: عمومات المنع من تزويج البنتين على المرأتين تشمل المورد.

لأنّا نمنع كون ذلك تزويجا عليهما، لأنّ المتبادر من التزويج عليهما كونهما زوجة أيضا.

ج: يجوز إدخال العمّة أو الخالة على بنت الأخ أو الأخت

و لو كره المدخول عليها مع علم العمّة أو الخالة بالحال على الأقوى الأشهر، بل

______________________________

(1) انظر الإيضاح 3: 81.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 318

عن التذكرة الإجماع عليه «1».

للأصل.

و العمومات.

و كثير من الروايات المتقدّمة و غيره.

خلافا للمحكيّ عن المقنع «2»، فأطلق المنع هنا أيضا.

و هو ضعيف جدّا، مدفوع بما مرّ صريحا.

د: يعمّ الحكم العمّة و الخالة الرضاعيّتين أيضا

، كما صرّح في القواعد و غيره «3»، و حكي التصريح به عن المبسوط و المهذّب «4»، و غيرهما [1].

لعموم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»، و الجمع بينهما بدون الإذن يحرم من النسب فكذا من الرضاع.

و صحيحة الحذّاء: «لا ينكح المرأة على عمّتها و لا على خالتها و لا على أختها من الرضاعة» «6».

و يمكن منع دلالة الأول بما مرّ في بحث الرضاع من عدم كون ذلك محرّما بالنسب خاصّة.

______________________________

[1] كالكفاية: 164.

______________________________

(1) التذكرة 2: 638.

(2) المقنع: 110.

(3) القواعد 2: 17، و انظر التحرير 2: 12.

(4) المبسوط 4: 206، المهذب 2: 188.

(6) الكافي 5: 445- 11، الفقيه 3: 260- 1236، التهذيب 7: 333- 1369، الاستبصار 3: 178- 646، الوسائل 20: 489 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 30 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 319

و الثاني باحتمال تعلّق قوله: «من الرضاعة» بالأخير مع قصورها عن إفادة الحرمة، إلّا أنّ الظاهر كون المسألة إجماعيّة.

ه: هل يختصّ الحكم بالبنتين؟

أو يتعدّى إلى بنتيهما أيضا، فلا يجوز نكاح بنت بنت الأخ أو بنت ابنه، و كذا الأخت بدون رضاء الزوجة؟

صرّح بالتعدّي في المبسوط.

للاحتياط.

و لأنّ الحكمة في المنع إجلال العمّة و الخالة.

فالمنع في النازلة أولى.

و لشمول بنت الأخ و بنت الأخت للنازلات أيضا «1».

و الاحتياط غير واجب.

و الحكمة يمكن أن تكون مختصّة ببنت الأخ و الأخت.

و التعدّي قياس باطل.

و الشمول المذكور ممنوع، بل لا تصدق بنت الأخ على بنت ولد الأخ إلّا مجازا.

و لذا استشكل في القواعد في التعدّي «2»، و ظاهر الكفاية التوقّف أيضا «3»، و هو في موضعه، بل مقتضى الأصل و العمومات: العدم، و هو الأقوم.

______________________________

(1) المبسوط 4: 205.

(2) القواعد 2: 17.

(3) الكفاية: 163.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 16، ص: 320

و: لو كانت عنده العمّة أو الخالة فبادر إلى العقد على بنت الأخ

أو الأخت بغير إذنهما:

فإن كان مع منع العمّة أو الخالة بطل العقد إجماعا.

و إن كان لا مع منهما و لا إذنهما فللأصحاب فيه أقوال:

الأول: بطلان عقد الداخلة من غير تأثير لرضاء العمّة أو الخالة، بل يستأنف العقد لو رضيت، و بقاء الأول على اللزوم.

اختاره المحقّق «1» و بعض آخر [1].

و الثاني: تزلزل عقد الداخلة خاصّة، فيقع موقوفا على رضاء العمّة أو الخالة، و تتخيّران بين الفسخ و الإمضاء.

حكي عن الفاضل في جملة من كتبه و اختاره في الروضة «3»، و ربّما نسب إلى المحقّق أيضا [2]، و الموجود في كتبه: الأول.

و الثالث: تزلزل العقدين السابق و الطارئ، أي عقد المدخول عليها و الداخلة، فللعمّة و الخالة فسخ كلّ من العقدين و إمضاء كلّ منهما و فسخ واحد و إمضاء الآخر.

حكي عن الشيخين «5» و أتباعهما [3].

______________________________

[1] كالحلّي في السرائر 2: 545.

[2] نسبه إليه المحقق الكركي في جامع المقاصد 12: 358.

[3] كالديلمي في المراسم: 150.

______________________________

(1) الشرائع 2: 288.

(3) انظر التذكرة 2: 638 و التحرير 2: 12، الروضة 5: 181.

(5) المفيد في المقنعة: 505، الطوسي في النهاية: 459.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 321

و الرابع: بطلان عقد الداخلة و تزلزل السابق.

نقل عن الحلّي «1».

و الخامس: تزلزل العقدين و عدم خيار المدخول عليها في فسخ عقد الداخلة، بل للزوج سلطنة فسخ عقدها من غير طلاق، فإن فسخ أو رضيت المدخول عليها و إلّا فللمدخول عليها الخيار بين الرضاء و بين فسخ عقد نفسها من دون طلاق.

حكاه في شرح المفاتيح عن القاضي و ابن حمزة «2».

و الحقّ هو: الأول.

للنهي المقتضي للفساد و لو في المعاملات و الأنكحة على الأقوى.

و للتصريح به في رواية عليّ المتقدّمة

«3»، و حملها على البطلان بدوام عدم الإذن تخصيص بلا مخصّص، و كونه الأغلب الذي ينصرف إليه المطلق ممنوع، و ورود مثله في بعض الأخبار بدليل لا يثبت الاطّراد.

و لتفريق أمير المؤمنين عليه السلام الظاهر في التفريق من غير طلاق، كما في رواية السكوني السابقة «4».

و ضعف الروايتين سندا عندنا غير ضائر.

هذا، مع أنّ الحكم بصحّة مثل هذا العقد المنهيّ عنه يحتاج إلى دليل من

______________________________

(1) نقله عنه المحقق الكركي في جامع المقاصد 12: 356.

(2) القاضي في المهذّب 2: 188، ابن حمزة في الوسيلة: 293.

(3) في ص: 313.

(4) في ص: 314.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 322

إجماع أو نصّ خاصّ أو عامّ، و بعض الأوامر المطلقة بالنكاح لا يشمل المورد، للتناقض بين الأمر و النهي، كما أنّ بعض المطلقات أيضا كذلك، لصراحته أو ظهوره في العقد اللازم المنفيّ هنا إجماعا.

و أمّا الأمر بالوفاء بالعقود فغير دالّ على أصالة اللزوم في جميع العقود، كما بيّنّا في موضعه، مع أنّ وجوب الوفاء منتف هنا قطعا، لأنّ هذا العقد إمّا باطل أو متزلزل.

دليل الثاني:

أمّا على تزلزل الطارئ: فلأنّه عقد صدر بدون إذن من يعتبر إذنه في صحّته، فكان موقوفا على إذنه كسائر العقود الموقوفة على إذن الغير.

و أمّا على لزوم السابق: فلأصالة البقاء الخالية عمّا يصلح للقدح فيها.

و فيه: أنّ بعد تسليم اعتبار الإذن في الصحّة فلا يقع العقد أولا صحيحا، لعدم مقارنته الإذن، و صيرورته صحيحا بالإذن اللّاحق محتاج إلى الدليل.

إلّا أن يقال: إنّ المسلّم هو اعتبار مطلق الإذن في صحّته لا الإذن المقارن، و يكون الدليل حينئذ صحيحا، و يكون مرجعه عمومات صحّة العقد، خرج منه ما لم يلحقه إذن أصلا، فيبقى الباقي.

و لكن يجاب عنه

حينئذ: أنّ مقتضى رواية عليّ أنّها إذا كرهت حين التزويج أو لم تعلم به لم يصحّ، لصدق كونه تزويجا بدون رضاء منها، و لا يفيد الرضاء اللّاحق في جعل ذلك تزويجا بالرضاء، بل يكون التزويج تزويجا بغير رضاء، فلو رضيت بعد ذلك يكون رضاها في الإبقاء، و هو غير مفيد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 323

نعم، لو علمت بالنكاح حين صدوره يصحّ أن يقال: إنّا لا نعلم أنّ النكاح بدون رضاء منها، لاحتمال رضاها، فيبقى مراعى إلى أن يعلم الحال، و المفيد حينئذ أيضا هو الرضاء حال العقد لا الطارئ بعده.

و دليل الثالث: صحّة العقدين، فيتدافعان، فيتزلزلان.

و فيه: منع صحّة العقدين، و هل الكلام إلّا في ذلك، و لو سلّم فالمسلّم من صحّة الطارئ هو مع التزلزل فلا يدافع الأول.

و دليل الأخيرين: غير واضح، بل ضعفهما واضح.

ز: لا فرق في بطلان العقد بدون الإذن بين علم الزوج و الزوجة

اللّاحقة بالتوقّف على الإذن، و بين جهلهما أو جهل أحدهما، فيبطل مطلقا، للإطلاقات.

و لو تحقّق الدخول مع الجهل يرجع إلى مهر المثل، و يكون الولد ولد شبهة، يلحقه حكم الأولاد.

ح: لو تزوّج رجل أحد البنتين المذكورتين، ثمَّ تنازع مع زوجته السابقة

، فادّعى الرجل الإذن و أنكرته الزوجة، فالزوج حينئذ يكون مدّعيا و الزوجة منكرة، لأنّه يدّعي الإذن و هي تنكره.

و أمّا ادّعاء الزوجة فساد العقد فلا يوجب صيرورتها مدّعية، لأنّ الفساد أمر مترتّب على عدم الإذن، فتكون البيّنة على الزوج، فإن أقامها ثبت العقد، و إلّا فعلى الزوجة اليمين.

و كذا على القول بالتخيير، فهي و إن طلبت خيارها و ادّعته إلّا أنّه أيضا أمر مترتّب على عدم الإذن، فهي في الحقيقة منكرة للإذن و إن كانت في

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 324

صورة المدّعي، حيث إنّها المطالبة و إنّها لو تركت تركت.

إلّا أنّ حقيقة دعواها مركّبة من ثلاثة أمور:

الأول: زوجيّتها للزوج و توقّف العقد الطارئ على إذنها.

و الثاني: عدم تحقّق الإذن.

و الثالث: فساد العقد.

و في الأول و إن كانت مدّعية صرفا، إلّا أنّه ثابت مفروغ عنه.

و في الثاني منكرة.

و الثالث من لوازم الأولين.

و أيضا كلّية دعواها: أنّ بنت الأخ مثلا ليست زوجته و هو يدّعي زوجيّتها الموقوفة على الإذن، و ذلك مثل ما إذا كان مال عن أحد في يد غيره فطلبه فادّعى البيع و أنكره ذلك، فإنّ اليمين على منكر البيع مع أنّه يطلب المال حقيقة.

فإن قيل: الحقّ منحصر بين الرجل و ابنة الأخت- مثلا- و كلاهما معترفان بالحقّ، فما فائدة إنكار الزوجة؟! و لا يكون يمين لنفي حق الغير عن الغير و لا إثباته له.

قلنا: كون ابنة الأخت ضرّة [1] نوع إهانة و إيذاء و في انتفائها إجلال كما صرّح به في

الرواية «2»، فباليمين تنفي المذلّة عن نفسها.

______________________________

[1] الضرائر- جمع ضرّة-: هنّ زوجات الرجل، لأنّ كل واحدة تضرّ بالأخرى بالغيرة و القسم- مجمع البحرين 3: 374.

______________________________

(2) المتقدّمة في ص: 314.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 325

مع أنّه على التخيير يثبت لها خيار الفسخ أيضا.

ط: القدر المعتبر في صحّة العقد هو رضاء العمّة أو الخالة

و إن لم تصرّحا بالإذن لفظا، فيكفي العلم برضاهما بشاهد الحال أو الفحوى.

لصدق الرضاء المصرّح به في رواية عليّ.

و أمّا مفهوم الشرط في رواية العلل «1»، المتضمّنة للفظ الإذن الظاهر في التصريح.

فهو وارد مورد الغالب، فلا حجيّة فيه.

مع أنّه على فرض الحجيّة يتعارض مع مفهوم الاستثناء في رواية عليّ بالعموم من وجه، و الترجيح لصحّة النكاح، للأصل.

ي: هل المعتبر الرضاء حال العقد واقعا؟

أو علم الزوج؟

أو مع بنت الأخ أو الأخت برضاها حال العقد؟

و تظهر الثمرة فيما لو تزوّجها من غير علم بالرضاء و عدمه ثمَّ ظهر رضاها حال العقد.

يحتمل: الأول، لأنّ الألفاظ للمعاني النفس الأمريّة.

و الثاني، لأنّها تقيّد بالعلم في مقام التكاليف، كما في المورد، حيث نهي عن التزويج بدون الرضاء أو الإذن، فيكون منهيّا عنه، فيكون فاسدا، و هو الأظهر.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 314.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 326

و لو انعكس فعقد بظنّ الرضاء ثمَّ تبيّن عدمه، بطل، لقوله: «فمن فعله فنكاحه باطل».

يا: رضاء العمّة أو الخالة أعمّ من أن يكون من تلقاء أنفسهما

أو من جهة خارجيّة توجب رضاها بذلك- كبذل مال أو نحوه- و منه رضاها لأجل عدم تطليقها، فلو رضيت خوفا من طلاقها صحّ، و كذا كلّ أمر مشروع يوجب وجوده أو عدمه رضاها.

يب: اعتبار رضاها يعمّ عقد الدوام و الانقطاع من الجانبين

أو من أحدهما.

للإطلاقات.

يج: لو طلّق العمّة أو الخالة بائنا يجوز تزويج البنتين بدون رضاهما

في العدّة قطعا.

لعدم المانع.

و لو طلّقها رجعيّا فهل يعتبر رضاها في أثناء العدّة؟

الظاهر: نعم.

لأنّ المعتدّة رجعيّة زوجة، كما يستفاد من الأخبار.

يد: قد عرفت جواز عقد العمّة أو الخالة على بنت الأخ و الأخت

- و إن كرهتا- لو علمت العمّة أو الخالة بالحال.

و لو جهلتا بالحال، ففي بطلان عقد الداخلة، أو تخييرها في فسخ عقدها أو في فسخ عقد المدخول عليها أو في فسخ أحد العقدين، أو بطلان عقد المدخول عليها، أو بطلان العقدين، أو صحّتهما و لزومهما من غير

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 327

خيار للفسخ. احتمالات.

نسب ثانيها إلى المشهور «1».

و ذهب جماعة من المتأخّرين إلى الأخير [1].

و هو الأظهر.

للأصل.

و الاستصحاب.

و الإطلاقات المتقدّمة.

و لا دلالة لإطلاق رواية الكناني «3» على بعض سائر الاحتمالات، لوجوب تخصيصها بنكاح البنتين على العمّة و الخالة، للتصريح في الروايات الأخر بجواز العكس من غير تقييد.

و لا لوجوب إجلال العمّة و الخالة، لأنّ المعلوم منافاته للإجلال هو نكاح البنتين عليهما دون العكس، فإنّه إذلال للبنتين.

______________________________

[1] منهم المحقق في الشرائع 2: 288 و النافع: 176، صاحب الرياض 2: 94.

______________________________

(1) نسبه إلى الأكثر في المختلف: 528.

(3) المتقدمة في ص: 314.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 328

الفصل [الثاني ] [1] في بيان من يحرم بالوطء
اشاره

و هو إمّا حلال أو حرام نبيّن أحكامه في مسائل:

المسألة الأولى [حرمة كل من كان يحرم بالعقد خاصة عينا بالوطء عينا]

إن كان الوطء حلالا- من تزويج أو ملك أو تحليل أو شبهة- يحرم به عينا كلّ من كان يحرم بالعقد خاصّة عينا.

و هنّ: أمّ الموطوءة و إن علت، و موطوءة الأب و إن علا، و الابن و إن سفل.

أمّا تحريمهنّ إن كان بالتزويج فوجهه ظاهر.

و أمّا إن كان بملك اليمين أو التحليل فبالإجماع، و المستفيضة من الأخبار.

أمّا في أمّ الموطوءة فمنها: ما مرّ من قوله في مرسلة جميل: «إذا لم يدخل بإحداهما حلّت له الأخرى» «2»، دلّ بالمفهوم على عدم الحليّة بعد الدخول.

و رواية إسحاق بن عمّار، و فيها: «سبحان اللّه كيف تحلّ له أمّها و قد دخل بها» «3» فتأمّل.

______________________________

[1] ما بين المعقوفين ليس في الأصل و «ق»، و في «ح»: الأوّل.

______________________________

(2) راجع ص: 304.

(3) التهذيب 7: 275- 1170، الاستبصار 3: 158- 574، الوسائل 20: 464 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 20 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 329

و رواية رزين: في رجل كانت له جارية فوطئها ثمَّ اشترى أمّها و ابنتها، قال: «لا تحلّ له الامّ و البنت سواء» «1».

و رواية أبي بصير: الرجل تكون عنده المملوكة و ابنتها فيطأ إحداهما فتموت و تبقى الأخرى، أ يصلح له أن يطأها؟ قال: «لا» «2».

و مكاتبة الحسين: رجل كانت له أمة يطأها فماتت أو باعها ثمَّ أصاب بعد ذلك أمّها، هل له أن ينكحها؟ فكتب: «لا يحلّ له» «3».

و مرسلة أخرى لجميل: الرجل كانت له جارية فوطئها ثمَّ اشترى أمّها أو ابنتها، قال: «لا تحلّ له» «4». إلى غير ذلك.

و أكثر هذه الروايات و إن اختصّت بمملوكته، إلّا أنّ رواية أبي بصير و

مرسلة جميل تشملان المحلّلة أيضا.

و أمّا في موطوءة الأب و الابن فمنها: مرسلة يونس: عن أدنى ما إذا فعله الرجل بالمرأة لم تحلّ لابنه و لا لأبيه، قال: «الحدّ في ذلك المباشرة ظاهرة أو باطنة ممّا يشبه مسّ الفرجين» «5».

______________________________

(1) التهذيب 7: 279- 1183، الاستبصار 3: 161- 586، الوسائل 20: 469 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 14.

(2) التهذيب 7: 276- 1172، الاستبصار 3: 159- 576، الوسائل 20: 468 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 11.

(3) التهذيب 7: 276- 1173، الاستبصار 3: 159- 577، الوسائل 20: 467 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 7.

(4) الكافي 5: 431- 3، الوسائل 20: 465 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 1.

(5) التهذيب 7: 468- 1877، الاستبصار 3: 155- 568، الوسائل 20: 421 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 4 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 330

و صحيحة البختري: عن الرجل تكون له جارية أ فتحلّ لابنه؟ قال:

«ما لم يكن من جماع أو مباشرة كالجماع فلا بأس» «1».

و حسنة زرارة: «إذا زنى رجل بامرأة ابنه أو بجارية ابنه فإنّ ذلك لا يحرّمها على زوجها و لا يحرّم الجارية على سيّدها، إنّما يحرّم ذلك منه إذا أتى الجارية و هي حلال، فلا تحلّ تلك الجارية أبدا لأبيه و لا لابنه» الحديث «2». إلى غير ذلك. مضافا في موطوءة [الابن ] [1] إلى قوله سبحانه:

وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ «4».

و هذه الأخبار و إن لم تشتمل على المرتفعين و المرتفعات و السافلين و السافلات حقيقة، إلّا أنّ الإجماع القطعي كاف في إثبات الحكم فيهم.

و أمّا إن كان بالشبهة فعلى الأظهر الأشهر، بل عن المبسوط: عدم الخلاف فيه «5»، و

عن التذكرة: الإجماع عليه «6».

و يدلّ عليه:

أمّا في أمّ الموطوءة: فإطلاق مرسلة جميل و رواية إسحاق و أبي بصير المتقدّمة.

______________________________

[1] بدل ما بين المعقوفين في النسخ: الأب، و الصحيح ما أثبتناه.

______________________________

(1) الفقيه 3: 287- 1364، التهذيب 7: 284- 1199، الوسائل 20: 423 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 5 ح 3.

(2) الكافي 5: 419- 7، الفقيه 3: 264- ذ. ح 1256، التهذيب 7: 281- 1189، الاستبصار 3: 155- 565، الوسائل 20: 419 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 4 ح 1.

(4) النساء: 23.

(5) المبسوط 4: 208.

(6) التذكرة 2: 631.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 331

و أمّا في موطوءة الأب و الابن: فإطلاق مرسلة يونس و حسنة زرارة.

خلافا للنافع و الحلّي «1»، و نسب إلى جماعة.

للأصل.

و العمومات.

و اختصاص المحرّم بالنكاح الصحيح.

و الأولان مدفوعان بما مرّ.

و الثالث ممنوع كما مرّ.

و الظاهر اختصاص التحريم بما إذا كان الوطء قبل العقد، فلا يحرم بوطء الشبهة العقد السابق.

لاستصحاب الحلّ.

و ظهور المطلقات في العقد اللّاحق.

و خصوص صحيحة زرارة: «و إن كان تحته امرأة فتزوّج أمّها أو بنتها أو أختها فدخل بها ثمَّ علم فارق الأخيرة و الأولى امرأته» «2».

و تدلّ على الحكم صحيحة أخرى لزرارة أيضا «3».

و يظهر من بعض وجود القول بتحريم السابق أيضا، حيث جعل

______________________________

(1) النافع: 177، الحلي في السرائر 2: 535.

(2) الفقيه 3: 263- 1256، الوسائل 20: 429 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 8 ح 6.

(3) الكافي 5: 416- 4، التهذيب 7: 330- 1359، الوسائل 20: 429 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 8 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 332

الأقوال في المسألة ثلاثة: التحريم المطلق، و عدمه، و التفصيل بين اللّاحق و السابق «1».

المسألة الثانية: و تحرم أيضا بالوطء إذا كان حلالا بنت الموطوءة.
اشاره

أمّا بالتزويج فبالإجماع

المحقّق.

و الآية.

و الأخبار المتكثّرة المتقدّمة كثير منها في المسألة الثانية من الفصل الأول.

و أمّا بالملك و التحليل فبالإجماع أيضا.

مضافا في الأول إلى مرسلة جميل الاولى، و الروايات الثلاث المتعقّبة لها، و مرسلة جميل الثانية، المتقدّمة جميعا في المسألة السابقة.

و صحيحة محمّد: رجل كانت له جارية فأعتقت و تزوّجت فولدت، أ يصلح لمولاها الأول أن يتزوّج ابنتها؟ قال: «لا، هي عليه حرام، هي ابنته، و الحرّة و المملوكة في هذا سواء» «2».

و صحيحته الأخرى، و هي مثل الاولى و في آخرها: ثمَّ قرأ هذه الآية:

وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ «3».

______________________________

(1) انظر الكفاية: 164.

(2) التهذيب 7: 277- 1176، الاستبصار 3: 160- 582، الوسائل 20: 467 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 6.

(3) تفسير العياشي 1: 230- 72، الوسائل 20: 467 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 333

و غير ذلك، كروايات الحسين بن بشر «1» و سعيد بن يسار «2» و عبيد بن زرارة «3».

و أمّا روايتا رزين «4» و خبر الفضيل «5»- المجوّزة لذلك- فمطروحة بالشذوذ، و مخالفة شهرة الرواية، بل الكتاب.

و في الثاني إلى بعض العمومات المتقدّمة.

و أمّا بالشبهة فعلى الأصحّ.

لبعض الإطلاقات المتقدّمة.

فروع:
أ: حكم بنت البنت و بنت الابن فنازلا حكم البنت،

بالإجماع، و إن لم يستنبط حكمهما من الأخبار.

ب: لا فرق في تحريم بنت الموطوءة بين كونها في حجر الواطئ

______________________________

(1) الكافي 5: 433- 11، الوسائل 20: 466 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 2.

(2) التهذيب 7: 277- 1177، الاستبصار 3: 160- 580، الوسائل 20: 468 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 12.

(3) الكافي 5: 433- 12، الوسائل 20: 466 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 3.

(4) الاولى في: التهذيب 7: 278- 1182، الاستبصار 3: 161- 585، الوسائل 20: 469 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 16.

الثانية في: التهذيب 7: 278- 1181، الاستبصار 3: 161- 586، الوسائل 20: 461 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 16.

(5) التهذيب 7: 279- 1184، الاستبصار 3: 161- 587، الوسائل 20: 469 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 21 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 334

و حضانته أم لا.

للإجماع.

و المستفيضة من الأخبار.

و التقييد في الآية خرج مخرج الغالب، مع أنّه لا حجّية في مفهوم الوصف.

ج: لا فرق في بنات الموطوءة بين الموجودات قبل الوطء أو المتولّدات بعده

إجماعا.

للإطلاقات.

المسألة الثالثة: إن كان الوطء بالزنا
اشاره

، ففي تحريم من كان يحرم بالوطء الحلال و عدمه قولان.

الأول: محكيّ عن النهاية و الخلاف و القاضي و الحلبي و الكليني و ابني زهرة و حمزة و المختلف و التذكرة و فخر المحقّقين و الفاضل المقداد و الصيمري و في اللمعة و الروضة «1» و السيّد في شرح النافع، و نسبه في المختلف إلى أكثر أصحابنا، و في التذكرة إلينا، الظاهر في الإجماع في الإكراه على الزنى، و في الغنية: الإجماع على تحريم موطوءة الرجل على

______________________________

(1) النهاية: 452، و انظر الخلاف 4: 306- 308، القاضي في المهذب 2: 183، الحلبي في الكافي في الفقيه: 286، الكليني في الكافي 5: 415، حكاه عن ابن زهرة في المختلف: 522، ابن حمزة في الوسيلة: 292، المختلف: 522، التذكرة 2: 632، فخر المحقّقين في الإيضاح 3: 68، الفاضل المقداد في التنقيح 3: 70، اللمعة و الروضة 5: 182.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 335

أبيه و ابنه.

و الثاني: مختار المقنع و المقنعة و الناصريات و الطبريّات و الديلمي و الإرشاد و النافع و الكفاية و الشيخ في التبيان في أمّ المزني بها و ابنتها، و نحوه الحلّي «1»، و ظاهر التذكرة: أشهريّته عندنا «2»، بل عن الطبريّات:

الإجماع عليه، و كذا في الناصريّات و السرائر في حليّة أمّ المزني بها و بنتها.

دليل الأولين: صدق أمّ النساء و الربائب على أمّها و ابنتها، لصدق الإضافة بأدنى ملابسة.

و المستفيضة من الأخبار:

كصحيحة منصور: في رجل كان بينه و بين امرأة فجور، هل يتزوّج ابنتها؟ فقال: «إن كان قبلة أو شبهها فليتزوّج ابنتها، و إن كان جماعا فلا يتزوّج ابنتها» «3».

و صحيحة محمّد: عن رجل فجر بامرأة، أ يتزوّج أمّها من الرضاعة

أو ابنتها؟ قال: «لا» «4».

و الأخرى: عن رجل نال من خالته في شبابه ثمَّ ارتدع، أ يتزوّج

______________________________

(1) المقنع: 108، المقنعة: 504، الناصريات (الجوامع الفقهيّة): 209، نقله عن الطبريات في الرياض 2: 96، الديلمي في المراسم: 149، الإرشاد 2: 21، النافع: 177، الكفاية: 163، التبيان 3: 160، الحلي في السرائر 2: 523.

(2) التذكرة 2: 632.

(3) التهذيب 7: 330- 1357، الاستبصار 3: 167- 608، الوسائل 20: 424 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 4.

(4) الكافي 5: 416- 8، التهذيب 7: 331- 1360، الاستبصار 3: 167- 611، الوسائل 20: 427 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 336

ابنتها؟ فقال: «لا» فقال: إنّما لم يكن أفضى إليها إنّما كان شي ء دون شي ء، فقال: «لا يصدّق و لا كرامة» «1».

و صحيحة عيص: عن رجل باشر امرأة و قبّل غير أنّه لم يفض إليها ثمَّ تزوّج ابنتها، فقال: «إذا لم يكن أفضل إلى الأمّ فلا بأس، و إن كان أفضى إليها فلا يتزوّج ابنتها» «2».

و حسنة الكاهلي: عن رجل اشترى جارية و لم يمسّها، فأمرت امرأته ابنه- و هو ابن عشرين سنة- أن يقع عليها فوقع عليها، فما ترى فيه؟

فقال: «أثم الغلام و أثمت امّه، و لا أرى للأب إذا قربها الابن أن يقع عليها» «3».

و صحيحة أخرى: عن رجل يفجر بامرأة أ يتزوّج ابنتها؟ قال: «لا، و لكن إن كانت عنده امرأته ثمَّ فجر بأمّها أو بنتها أو أختها لم تحرم عليه امرأته، إنّ الحرام لا يفسد الحلال» «4».

و صحيحة الكناسي: إنّ رجلا من أصحابنا تزوّج امرأة، فقال لي:

أحبّ أن تسأل أبا عبد اللّه عليه السلام و تقول له: إنّ رجلا من

أصحابنا تزوّج امرأة قد زعم أنّه كان يلاعب أمّها و يقبّلها من غير أن يكون أفضى إليها، قال:

______________________________

(1) الكافي 5: 417- 10، فقه الرضا «ع»: 67، الوسائل 20: 432 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 10 ح 1.

(2) الكافي 5: 415- 2، التهذيب 7: 330- 1356، الوسائل 20: 424 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 2.

(3) الكافي 5: 418- 4، فقه الرضا «ع»: 68، الوسائل 20: 419 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 4 ح 2.

(4) الكافي 5: 415- 1، الوسائل 20: 428 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 337

فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام فقال: «كذب، مره فليفارقها»، قال: فرجعت من سفري فأخبرت الرجل بما قال أبو عبد اللّه عليه السلام، فو اللّه ما دفع ذلك عن نفسه و خلّى سبيلها «1».

و صحيحة الكناني: «إذا فجر الرجل بالمرأة لم تحلّ له ابنتها» الحديث «2».

و رواية عليّ بن جعفر: عن رجل زنى بامرأة هل يحلّ لابنه أن يتزوّجها؟ قال: «لا» «3».

و رواية عمّار: في الرجل تكون له الجارية فيقع عليها ابن ابنه قبل أن يطأها الجدّ، أو الرجل يزني بالمرأة هل يحلّ لابنه أن يتزوّجها؟ قال: «لا، إنّما ذلك إذا تزوّجها الرجل فوطئها ثمَّ زنى بها ابنه لم يضرّه، لأنّ الحرام لا يفسد الحلال، و كذلك الجارية» «4».

و صحيحة أبي بصير: عن الرجل يفجر بالمرأة أ تحلّ لابنه؟ أو يفجر بها الابن أ تحلّ لأبيه؟ قال: «إن كان الأب أو الابن مسّها و أخذ منها فلا تحلّ» «5».

______________________________

(1) الكافي 5: 416- 9، الوسائل 20: 424 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 5.

(2) التهذيب 7: 329- 1353، الاستبصار

3: 166- 604، الوسائل 20: 430 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 8 ح 8.

(3) التهذيب 7: 282- 1195، الاستبصار 3: 163- 594، قرب الإسناد:

247- 974، الوسائل 20: 431 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 9 ح 2.

(4) الكافي 5: 420- 9، التهذيب 7: 282- 1196، الاستبصار 3: 164- 597، الوسائل 20: 420 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 4 ح 3.

(5) التهذيب 7: 282- 1194، الاستبصار 3: 163- 593، الوسائل 20: 430 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 338

و يمكن أن يجاب عن الآية: بمنع الصدق، و صحّة الاستعمال لو سلّمت لا تثبت الحقيقة، التي هي المفيدة في المقام.

و عن الثلاث الاولى من الروايات و حسنة الكاهلي: بعدم الدلالة على الحرمة، لعدم اشتمالها على النهي الدالّ عليها، بل ورد بلفظ النفي أو ما يحتمله، الغير المثبت للحرمة، بل غايته الكراهة و نفي الإباحة، التي هي تساوي الطرفين.

مضافا إلى أنّ صحيحة محمّد الأخيرة مخصوصة بالخالة، فلا يثبت الحكم في غيرها، لوجود القول بالفصل.

و أمّا صحيحة عيص، فهي و إن دلّت على الحرمة بواسطة التفصيل القاطع للشركة، إلّا أنّها أعمّ من الإفضاء حلالا أو حراما، فلا تعارض ما يأتي ممّا يختصّ بالثاني.

و قد يجاب عن صحيحة الكناسي أيضا: بأنّه يمكن أن يكون المراد بقوله: «كذب» تكذيبه فيما ذكره من أنّه يحبّ أن يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام، حيث علم الإمام أنّه من المخالفين الذين مذهبهم التحريم بذلك، فأجاب بما يوافق التقيّة من الأمر بالمفارقة، و يكون معنى: ما دفع ذلك عن نفسه، أي المخالفة و عدم كون سؤاله عن الإمام تعنّتا.

و لا يخفى بعده، بل هو مناف لقول الراوي: إنّ

رجلا من أصحابنا.

و الأخيرتان أيضا مختصّتان ببعض صور المسألة التي يتحقّق فيها القول بالتفصيل، [فهما أيضا لا تفيان ] [1] بتمام المطلوب.

______________________________

[1] بدل ما بين المعقوفين في النسخ: فهي أيضا لا تفي، و الظاهر ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 339

و صحيحة الكناني متنها مشتمل على ما يخالف الإجماع، و في سندها محمّد بن الفضيل المشترك بين الثقة و غيره.

و حجّة الآخرين: استصحاب حلّية العقد.

و أصالة عدم التحريم.

و عموم وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ «1».

و سائر العمومات القرآنيّة و الخبريّة.

و عموم قولهم عليه السلام في روايات كثيرة من الصحاح المستفيضة و غيرها: «إنّه لا يحرّم الحرام الحلال».

و لا يضرّ اختصاص مواردها، لكون العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحلّ.

و خصوص المستفيضة، كصحيحة ابن المثنّى: رجل فجر بامرأة أ تحلّ له ابنتها؟ قال: «نعم، إنّ الحرام لا يفسد الحلال» «2».

و روايته: عن الرجل يأتي المرأة حراما أ يتزوّجها؟ قال: «نعم، و أمّها و بنتها» «3».

و موثّقة حنّان: عن رجل تزوّج امرأة سفاحا، هل تحلّ له ابنتها؟

______________________________

(1) النساء: 23.

(2) التهذيب 7: 328- 1350، الاستبصار 3: 165- 601، الوسائل 20: 426 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 10.

(3) التهذيب 7: 326- 1343، الاستبصار 3: 165- 600، الوسائل 20: 425 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 340

قال: «نعم، إنّ الحرام لا يحرّم الحلال» «1».

و صحيحة سعيد: عن رجل فجر بامرأة أ يتزوّج ابنتها؟ قال: «نعم يا سعيد، إنّ الحرام لا يفسد الحلال» «2».

و رواية زرارة: رجل فجر بامرأة هل يجوز له أن يتزوّج بابنتها؟ قال:

«ما حرّم حرام حلالا قطّ» «3».

و صحيحة صفوان: عن الرجل يفجر بالمرأة و هي جارية

قوم آخرين ثمَّ اشترى ابنتها، أ يحلّ له ذلك؟ قال: «لا يحرّم الحرام الحلال»، و رجل فجر بامرأة حراما أ يتزوّج ابنتها؟ قال: «لا يحرّم الحرام الحلال» «4».

و صحيحة مرازم: عن امرأة أمرت ابنها أن يقع على جارية لأبيه فوقع، فقال: «أثمت و أثم ابنها، و قد سألني بعض هؤلاء عن هذه المسألة فقلت له: أمسكها إنّ الحلال لا يفسد الحرام» «5».

و حسنة زرارة المتقدّمة في المسألة الأولى «6»، المتضمّنة للتفصيل

______________________________

(1) التهذيب 7: 328- 1351، الاستبصار 3: 165- 602، الوسائل 20: 426 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 11.

(2) التهذيب 7: 329- 1354، الاستبصار 3: 166- 605، الوسائل 20: 425 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 6.

(3) التهذيب 7: 329- 1355، الاستبصار 3: 166- 606، الوسائل 20: 426 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 9.

(4) التهذيب 7: 471- 1889، الوسائل 20: 427 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 6 ح 12.

(5) التهذيب 7: 283- 1197، الاستبصار 3: 164- 598، الوسائل 20: 420 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 4 ح 4.

(6) راجع ص: 330.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 341

القاطع للاشتراك بين الحلال و الحرام، و غير ذلك.

و أجاب الأولون:

أمّا عن الأصل و العمومات: بالاندفاع و التخصيص بما مرّ.

و لا يخفى أنّه هو إنّما يتمّ لو تمّت دلالة ما مرّ على التحريم مطلقا و سلم عن معارضة أدلّة الآخرين أو يرجّح عليها، و الكلّ ممنوع.

و أمّا عن الروايات:

فتارة: بضعف السند.

و اخرى: بحمل الفجور و الإتيان فيها على نحو اللمس و القبلة، دون الدخول.

و ثالثة: بحمل المسؤول عن حلّيتهنّ على أنّهنّ زوجات له قبل الزنى.

و ردّ الأول: بالمنع، فإنّ فيها الموثّق و الصحيح، ثمَّ

لو سلّم ينجبر بما مرّ من الإجماعات المنقولة و غيرها.

و الأخيران: بمخالفتهما الظاهر جدّا، خصوصا الأول، و قد وقع مثله في أكثر أخبار القول الأول، و لم يفهموا منه شيئا غير الدخول، مع أنّ المذكور في حسنة زرارة لفظ الزنى، و مع منافاة الثاني لأكثرها المتضمّن للفظ: «يتزوّج» الموضوع للمستقبل، على أنّ في صحيحة صفوان أتى بلفظة: «ثمَّ» الدالّة على التعقيب، إلّا أنّها في الاشتراء، و هو غير الوطء.

و من ذلك تظهر تماميّة هذه الأدلّة، إلّا أنّ أكثرها يختص بحليّة بنت الموطوءة أو أمّها، الموجبة لحليّة الأخرى أيضا بالإجماع المركّب.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 342

و لا تدلّ على حليّة الموطوءة على أب الواطئ أو ابنه سوى الأخيرتين المثبتتين حليّة الأوليين أيضا، لعدم القول بالفصل.

فالكلّ دالّة على حليّة بنت الموطوءة و أمّها.

و الروايات الدالّة على الحرمة في الأمّ و البنت أربعة: صحيحة محمّد و العيص و الكناني و الكناسي.

و الأولى مخصوصة بصورة لحوق العقد، و من هذه الجهة و إن كانت أخصّ مطلقا من صحيحة المثنّى و موثّقة حنّان، و لكنّها تباين رواية المثنّى و صحيحة سعيد و رواية زرارة و ذيل صحيحة صفوان، و الترجيح لأخبار الحليّة بموافقة الكتاب، و مخالفة العامّة، و موافقة الأصل و الاستصحاب.

و الثانية لأعميّتها من المباشرة حلالا و حراما و اختصاصها بما إذا سبق الزنا العقد و بما إذا كان دخل، أعمّ من وجه من صحيحة المثنّى، لشمولها السبق و اللحوق، و لعدم صراحة الفجور في الزنى لغة و لا عرفا، بل في صحيحة منصور الاولى دلالة على أعميّتها، و فهمهم عنه الزنى في أخبار التحريم ليس لأنّه مدلوله، بل للشمول.

و كذا عن موثّقة حنّان، و كذا عن

صحيحة سعيد و صفوان و رواية زرارة، لعمومها باعتبار الفجور، و الترجيح لأخبار الحلّية، لما مرّ.

و الثالثة مباينة لصحيحة المثنّى، بل الموثّقة، و أعمّ مطلقا من البواقي، لأعمّيتها من اللحوق و السبق، و لكن لمّا لم يكن معنى لحملها على صورة سبق العقد فتكون مباينة للجميع، و الترجيح للحليّة.

و الرابعة أيضا أعمّ من الحلال و الحرام و السبق و اللحوق، فهي أيضا

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 343

أعمّ مطلقا من كثير من أخبار الحلّية، فيجب التخصيص.

فلا شي ء يعارضها في نفي التحريم فيهما، سوى صحيحة الكناني، و ظاهر أنّها لا تقاوم هذه الأخبار الكثيرة، بل الترجيح لهذه الأخبار بالأشهريّة رواية، و الأوفقيّة لعموم الكتاب، و للتقيّة، لكون التحريم هو المشهور بين العامّة- كما يفهم من التذكرة «1»- و منهم: أصحاب أبي حنيفة المشهور رأيه في الأزمنة السالفة «2».

و كلّ ذلك من المرجّحات المنصوصة المؤيّدة بمرجّحات أخر، كالشهرة القديمة، و الإجماع المنقول «3»، مع أنّه لو لا الترجيح لكان المرجّح الأصل و الاستصحاب، و هما مع الحلّية، فهي في بنت الموطوءة و أمّها واضحة بحمد اللّه.

و أمّا حليّة الموطوءة على أب الواطئ و ابنه فهي و إن كانت مدلولة للروايتين الأخيرتين، إلّا أنّهما تشملان حصول الزنى بعد وطء الأب أيضا، بل هما ظاهران في ذلك، سيّما الاولى، لقوله: «لا يفسد».

و الروايتان الأخيرتان للقول الأول خاصّتان بصورة سبق الزنى، فيجب تخصيص الأوليين بهما، سيّما مع تأيّدهما بالإجماع المنقول عن الغنية و خلوّ الأوليين عن ذلك التأيّد، لاختصاص الإجماعات المنقولة على الحلّية بأمّ الموطوءة و ابنتها.

بل و كذا تأيّدهما بالشهرة المحكيّة في السرائر «4»، فإنّ ظاهره: أنّ

______________________________

(1) التذكرة 2: 632.

(2) انظر بداية المجتهد 2: 34.

(3) راجع ص: 335.

(4)

انظر السرائر 2: 524، و حكاه عنه في الرياض 2: 96.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 344

حرمة المزني بها على أب الزاني و ابنه مذهب الأكثر، بل المحقّقة، لأنّ أكثر القدماء المصرّحين بالحلّية صرّحوا بها في الأمّ و البنت خاصّة، كالمقنعة و الناصريات و السرائر «1».

فالظاهر أنّ المذهب المشهور هو التفصيل، أي حرمة المزني بها على أب الزاني و ابنه، و حلّية أمّها و ابنتها على الزاني.

و هو الحقّ الحقيق بالاتّباع، فعليه الفتوى.

فرعان:
أ: الحقّ: عدم التفرقة في حلّية البنت

بين كون المزني بهما [1] عمّة أو خالة أو غيرهما، وفاقا للحلّي و الكفاية «3».

لعموم أدلّة الحلّية.

خلافا لكثير ممّن قال بالحلّية في غيرهما، فاستثنوا بنت الخالة و العمّة، بل عن الانتصار و التذكرة «4»: الإجماع عليه، و في شرح السيّد للنافع: أنّه مقطوع به بين الأصحاب.

للإجماعات المنقولة.

و صحيحة محمّد المتقدّمة «5».

______________________________

[1] كذا و الظاهر: بها.

______________________________

(1) المقنعة: 77، الناصريات (الجوامع الفقهية): 209، السرائر 2: 523.

(3) الحلي في السرائر 2: 523، الكفاية: 163.

(4) الانتصار: 108، التذكرة 2: 633.

(5) في ص: 335.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 345

و الأول مردود بعدم الحجّية. و الثاني: أولا: بعدم الدلالة على الحرمة.

و ثانيا: بخروجها عن المسألة، لتصريحها بعدم الإفضاء و المواقعة و عدم حصول الحرمة بما دونه، و أمّا قوله عليه السلام: «لا يصدّق» فلا يدلّ على حصول المواقعة، مع أنّ عدم التصديق مخالف لإجماع الأمّة.

ب: ما سبق من نشر التحريم بالزنا إنّما هو إذا كان سابقا على العقد.

و لو كان لاحقا:

فإن لحق العقد و الدخول لم ينشر حرمة إجماعا، للأصل.

و اختصاص أدلّة التحريم بصورة السبق.

و خصوص النصوص المستفيضة، كحسنة زرارة و صحيحة مرازم «1»، و صحاح محمّد «2» و الحلبي «3» و زرارة «4»، و روايتي زرارة «5».

و كذا إن لحق العقد خاصّة على الأظهر الأشهر، بل ادّعى جماعة عليه

______________________________

(1) المتقدمتين في ص: 330 و 340.

(2) المتقدمة في ص: 335.

(3) الكافي 5: 415- 3، التهذيب 7: 330- 1358، الوسائل 20: 428 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 8 ح 2.

(4) المتقدمة في ص: 331.

(5) الاولى: تقدمت في ص: 340.

الثانية في: الكافي 5: 416- 6، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 96- 229، الوسائل 20: 429 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 8 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 346

الإجماع [1].

لإطلاق أكثر

الأخبار المتقدّمة.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي، فخصّ عدم النشر بتحقّق الدخول «2»، لمفهوم الشرط في رواية عمّار السابقة «3».

و رواية الكناني المتقدّم صدرها «4»، فقال بعده: «و إن كان قد تزوّج ابنتها قبل ذلك و لم يدخل بها فقد بطل تزويجه، و إن هو تزوّج ابنتها و دخل بها ثمَّ فجر بأمّها بعد ما دخل بابنتها فليس يفسد فجوره بأمّها نكاح ابنتها إذا هو دخل بها».

و يردّان بالشذوذ المانع عن الحجيّة، و لولاه لكان القول بمقتضاهما حسنا، و الاحتياط أحسن.

المسألة الرابعة: تحرم أخت المزني بها جمعا

، أي لا يجوز له وطؤها إلّا بعد انقضاء عدّة المزني بها.

بلا خلاف ظاهر، بل بالإجماع، له.

و للنصوص، منها: صحيحة العجلي المتضمّنة لحكاية امرأة دلّست نفسها على زوج أختها حتى واقعها، قال: «و لا يقرب امرأته التي تزوّج

______________________________

[1] منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 480 و صاحب الحدائق 23: 479.

______________________________

(2) حكاه عنه في المختلف: 524.

(3) في ص: 337.

(4) في ص: 337.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 16، ص: 347

حتى تنقضي عدّة التي دلّست نفسها» «1».

المسألة الخامسة: لا تحرم المزنيّ بها على الزاني.

______________________________

(1) الكافي 5: 409- 19، الوسائل 21: 222 أبواب العيوب و التدليس ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة الجزء 17

اشاره

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه، و الصلاة على رسول اللّه، ثمَّ على أهل بيت رسول اللّه.

كتاب القضاء و الشهادات

اشاره

و فيه مقصدان

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 7

المقصد الأول في القضاء

اشاره

و هو: ولاية حكم خاص- أو حكم خاص- في واقعة مخصوصة و على شخص مخصوص، بإثبات ما يوجب عقوبة دنيويّة شرعا، أو حقّ من حقوق الناس بعد التنازع فيه، أو بنفي واحد منهما.

و في هذا المقصد مقدّمة و أربعة مطالب.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 17    7     أما المقدمة ففي بيان فضله، و شرفه، و عظم خطره، و وجوبه ..... ص : 7

أمّا المقدّمة ففي بيان فضله، و شرفه، و عظم خطره، و وجوبه
اشاره

. و فيها ستّ مسائل:

المسألة الأولى: القضاء منصب عال عظيم، و شرفه جسيم.

و لعلوّ مرتبته و سموّ شأنه جعل اللّه سبحانه تولية ذلك إلى الأنبياء و الأوصياء من بعدهم صلوات اللّه عليهم، ثمَّ إلى من يحذو حذوهم، و يقتدي بهم، و يسير بسيرهم، من العلماء الآخذين علومهم منهم، المأذونين من قبلهم بالحكم بين الناس بقضائهم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 8

و كفى بجلالة قدره تولية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إيّاه بنفسه الشريفة الزكيّة لأمّته، ثمَّ تفويضه إلى سيّد الأوصياء بعده، ثمَّ إلى أوصيائه القائمين مقامه، و خصّصهم بذلك دون سائر الناس، و كذلك من قبله من الأنبياء و خلفائهم.

و لعظم شأنه جعل اللّه يده فوق رأسه، و أهبط إليه الملك يسدّده. قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر السكوني: «يد اللّه فوق رأس الحاكم ترفرف بالرحمة، فإذا حاف وكله اللّه تعالى إلى نفسه» «1».

و في خبر آخر: «إذا جلس القاضي أو اجلس في مجلسه هبط إليه ملكان يسدّدانه و يرشدانه و يوفّقانه، فإذا جار عرجا و تركاه» «2».

المسألة الثانية: خطر القضاء عظيم، و أجره جسيم

، فإنّ القاضي لفي شفا جرف هار، فإن جار في الحكم أو حكم بغير علم انهار به في نار جهنّم، و إن عدل و حكم بما أنزل اللّه عالما به متّبعا لسنّته فقد فاز فوزا عظيما، و نال نيلا جسيما.

و لذا قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «من جعل قاضيا ذبح بغير سكّين» «3».

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام في رواية إسحاق بن عمّار: «يا شريح، قد جلست مجلسا لا يجلسه إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ أو شقيّ» «4».

و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام- كما في مرفوعة البرقي-: «القضاة أربعة، ثلاثة في النار و واحد في الجنة: رجل قضى بجور و هو يعلم

فهو في النار، و رجل

______________________________

(1) الكافي 7: 410- 1، الفقيه 3: 5- 13، التهذيب 6: 222- 528، الوسائل 27: 224 أبواب آداب القاضي ب 9 ح 1.

(2) كنز العمال 6: 99- 15015، غوالي اللئالي 3: 515- 1.

(3) المقنعة: 721، الوسائل 27: 19 أبواب صفات القاضي ب 3 ح 8.

(4) الكافي 7: 406- 2، الفقيه 3: 4- 8، المقنع: 2، التهذيب 6: 217- 509 الوسائل 27: 17 أبواب صفات القاضي ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 9

قضى بجور و هو لا يعلم أنّه قضى بجور فهو في النار، و رجل قضى بحقّ و هو لا يعلم فهو في النار، و رجل قضى بحقّ و هو يعلم فهو في الجنّة» «1».

و في مرسلة الفقيه: «من حكم في درهمين بغير ما أنزل اللّه عزّ و جلّ فقد كفر باللّه».

و في أخرى: «من حكم في درهمين فأخطأ كفر».

و في ثالثة: «إذا كان الحاكم يقول لمن عن يمينه و لمن عن يساره: ما ترى؟ ما تقول؟ فعلى ذلك لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين» «2».

و في صحيحة أبي بصير: «من حكم في درهمين بغير ما أنزل اللّه فهو كافر باللّه العظيم» «3».

و في رواية أنس بن مالك، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «لسان القاضي بين جمرتين من نار حتى يقضي بين الناس، فإمّا في الجنّة، و إمّا إلى النار» «4».

و في رواية سعيد بن أبي الخضيب: أنّه قال أبو عبد اللّه عليه السّلام لابن أبي ليلى القاضي: «ما تقول إذا جي ء بأرض من فضّة و سماء من فضّة، ثمَّ أخذ رسول اللّه بيدك فأوقفك بين يدي ربّك، فقال: يا ربّ إنّ هذا قضى

بغير ما قضيت؟» «5» الحديث، إلى غير ذلك.

______________________________

(1) الكافي 7: 407- 1، الفقيه 3: 3- 6، المقنعة: 722، التهذيب 6: 218- 513، الوسائل 27: 22 أبواب صفات القاضي ب 4 ح 6.

(2) الفقيه 3: 3- 6، و ص 5 ح 14، و ص 7 ح 20.

(3) الكافي 7: 408- 2، التهذيب 6: 221- 523، الوسائل 27: 31 أبواب صفات القاضي ب 5 ح 2.

(4) التهذيب 6: 292- 808، الوسائل 27: 214 أبواب آداب القاضي ب 2 ح 3.

(5) الكافي 7: 408- 5، التهذيب 6: 220- 521، الوسائل 27: 19 أبواب صفات القاضي ب 3 ح 9، بتفاوت يسير فيها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 10

المسألة الثالثة: القضاء واجب على أهله، بحقّ النيابة للإمام في زمان الغيبة

في الجملة بإجماع الأمّة، بل الضرورة الدينيّة.

لتوقّف نظام نوع الإنسان عليه.

و لأنّ الظلم من طبائع هذه الأشخاص و اختلاف نفوسهم المجبولة على محبّة الترفّع و التغلّب و إرادة العلوّ و الفساد في الأرض وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ «1» وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ «2»، فلا بدّ من حاكم بينهم ينتصف من الظالم للمظلوم و يردعه عن ظلمه.

و لما يترتّب من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و للأمر به في الكتاب و السنّة، قال اللّه سبحانه يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ «3».

و قال تعالى شأنه إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ «4».

و في رواية معلّى بن خنيس: «و أمرت الأئمّة أن يحكموا بالعدل، و أمر الناس أن يتبعوهم» «5».

و في مرسلة ابن أبي عمير: «ما تقدّست امّة لم يؤخذ لضعيفها من

______________________________

(1) البقرة: 251.

(2) سورة ص: 24.

(3) سورة ص: 26.

(4)

النساء: 105.

(5) الفقيه 3: 2- 2، التهذيب 6: 223- 533، الوسائل 27: 14 أبواب صفات القاضي ب 1 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 11

قويّها بحقّه غير متعتع» «1»، و غير ذلك من الأخبار.

المسألة الرابعة: إنّ القابل للحكومة و الأهل للقضاء

في البلد أو في مكان لم يتعسّر الوصول إليه إمّا واحد باعتقاد ذلك القابل و سائر أهل البلد بعد بذل جهدهم، أو متعدّد.

فعلى الأول: يكون القضاء واجبا عينيّا على ذلك القابل، و الوجه ظاهر.

و على الثاني: فإمّا يكون القابل متعدّدا باعتقاد الجميع، أو لا يكون كذلك.

فعلى الأول: يكون القضاء على كلّ من المتعدّدين واجبا كفائيّا، و وجهه أيضا ظاهر.

و على الثاني: فإمّا يكون الأهل- باعتقاد واحد ممّن له الأهليّة- متعدّدا، دون اعتقاد الرعيّة، بل هم لا يعتقدون الأهليّة إلّا لهذا الشخص.

أو يكون بالعكس، أي لا يعتقد ذلك الأهل أهليّة غير نفسه، و الرعيّة يعتقدون أهليّة غيره أيضا.

فعلى الأول: فإنّ علم ذلك الأهل أنّ عدم اعتقاد المعتقدين للغير ليس مستندا إلى تقصيرهم في الفحص، بل هو إمّا منبعث عن الفحص، أو هم قاصرون عن الفحص- أي غير متمكّنين من المعرفة، لعدم شياع و استفاضة مفيدين للعلم لكلّ أحد، و عدم دليل آخر لهم- فيكون القضاء

______________________________

(1) الكافي 5: 56- 2، التهذيب 6: 180- 371، الوسائل 16: 120 أبواب الأمر و النهي ب 1 ح 9، غير متعتع: أي من غير أن يصيبه أذى يقلقه أو يزعجه (مجمع البحرين 3: 309) و في التهذيب و نسخة من الوسائل: متضع، و في أخرى منها:

متصنّع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 12

عليه واجبا عينيّا، للانحصار فيه حقيقة، لأنّه لا يكفي في الأهل وجوده الواقعي، بل اللّازم وجوده بحسب علم المكلّف.

و إن علم أنّ عدم

اعتقادهم في الغير ناشئ عن التقصير في الفحص مع تمكّنهم منه، لا يجب عليه عينا، بل يكون واجبا كفائيّا عليه.

و على الثاني: فإن لم يعلم انبعاث اعتقادهم عن تقصير أو قصور، لا يجب عليه أيضا عينا، بل يكون كفائيا، و إن علم ذلك يجب عليه عينا.

و منه يظهر الحكم في الصورتين الأخيرتين إذا اختلفت الرعيّة في اعتقاد الغير و عدمه، فتكون العينيّة و الكفائيّة لذلك الأهل بالنسبة إلى القضاء لكلّ بعض كما ذكر.

و إن كان هناك أهل للقضاء باعتقاد نفسه دون اعتقاد الرعيّة كلّا أو بعضا، فيعتقدون عدم أهليّته إمّا علما أو عدالة، أو لا يعتقدون أهليّته:

فإنّ علم ذلك الأهل أنّ اعتقادهم العدم أو عدم اعتقادهم منبعث عن الفحص و السعي، لا يجب عليه قضاؤهم أصلا، لأنّ حكمه ليس نافذا عليهم شرعا، فلا يترتّب عليه أثر، بل ربّما يحرم عليه لو علم عملهم بحكمه لعدم المبالاة في الدين، لكونه إعانة عليهم في تأثيمهم، بل هو ليس أهلا شرعا، إذ عرفت أنّه من كان كذلك باعتقاد المكلّف.

بل و كذلك الحكم إذا لم يعلم ذلك، أو علم انبعاثه عن التقصير أو القصور، لأنّهم ما داموا كذلك لا يجب عليهم قبول حكمه، بل لا يجوز لهم، فتأمّل.

المسألة الخامسة: وجوب القضاء على من له الأهليّة

- عينا أو كفاية على التفصيل المتقدّم- إنّما هو بعد الترافع إليه، فلا يجب بدونه، للأصل، و عدم الدليل. فليس عليه الفحص عن وجود التخالف و التنازع بين

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 13

الناس، و لا عليه المحاكمة لو علمه و لم يترافع إليه.

نعم، لو علم وجود النزاع و التشاجر، و علم ظلم أحدهما على الآخر عدوانا أو جهلا بالمسألة، يجب عليه رفع النزاع بأيّ نحو كان من باب النهي

عن المنكر، و كذا لو علم ترتب منكر آخر على تنازعهم.

و إذا ترافعا إليه، أو طلبه المدّعي- مع اجتماع شرائط الوجوب كما تقدّم- يجب عليه عينا مع الانحصار، و كفاية مع التعدّد.

و لا يجب عينا عليه مع التعدّد باختيار المتداعيين أو المدعي إيّاه، للأصل، و عدم الدّليل.

نعم، لو لم يعلما أو أحدهما التعدّد، يجب عليه أحد الأمرين: إمّا القضاء، أو الإرشاد إلى التعدّد.

و لو لم يرضيا أو المدّعي منهما بالترافع إلى غيره:

فإن كان لادّعائه العلم بعدم أهليّة الغير، يجب عينا عليه إن لم يمكن ردعه عن اعتقاده، و إن جوّزه يجب عليه إمّا إثبات أهليّته له أو الحكم.

و إن كان لعدم علمه بالأهليّة، يجب عليه إمّا الحكم أو أمرهما بالفحص عن حاله مع إمكانه. بل يمكن أن يقال بعدم وجوب شي ء عليه إذا علم استناد عدم علمهما إلى تقصير.

و لو لم يرضيا بالفحص أو بالترافع إلى الغير مع العلم بالأهليّة ففيه إشكال، سواء لم يعلم ذلك الغير بالتنازع بينهما و مطالبة الحقّ و لم يمكن له إعلامه، أو علم به الغير أيضا، أو أمكن إعلامه و لكن لم يترافع إليه المدّعي، و الأصل يقتضي عدم العينيّة، و لا إثم على أحد، لتقصير المتداعيين.

المسألة السادسة: على العينيّة أو الكفائيّة، هل هو على الفور،

أم

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 14

يجوز التراخي؟

الظاهر: عدم الفوريّة، للأصل، و الإجماع، و ما ورد من بعض قضايا أمير المؤمنين عليه السّلام من تأخير الحكم و الدخول في الصلاة أو إلى الغد.

نعم، الظاهر عدم جواز التأخير بقدر يوجب تضييع حقّ لو كان.

و الأولى أنّه لو أراد التأخير بدون عذر يستمهل من المدّعي.

ثمَّ الوجوب عينا أو كفاية إنّما هو مع احتمال نفوذ حكمه و عدم مظنّة الضرر فيه، و إلّا لم

يجب، و الوجه ظاهر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 15

المطلب الأول في تعيين القاضي و ما يتعلّق به من الشرائط، و الآداب، و الأحكام
اشاره

و فيه ثلاثة أبحاث:

البحث الأول في تعيين القاضي و شرائطه
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: اعلم أنّ القاضي يغاير المفتي و المجتهد و الفقيه بالاعتبار.

فيسمّى الشخص قاضيا و حاكما: باعتبار إلزامه و حكمه على الأفراد الشخصيّة بالأحكام الشخصيّة.

و مفتيا: باعتبار مجرّد الإخبار عن حكم اللّه و لو كليّا.

و مجتهدا: باعتبار مجرّد الاستدلال، و ردّ الفروع إلى الأصول، و استخراج الأحكام من مئاخذها، و استفراغ وسعه فيه.

و فقيها: باعتبار علمه الحاصل بالأحكام من ذلك الاستخراج و الاستفراغ.

فهذه الألفاظ الأربعة متّحدة مصداقا، متغايرة حيثيّة و مفهوما.

المسألة الثانية [لما كان وجوب الحكم و القضاء و وجوب قبول حكمه أمر مخالف للأصل فلا بد من دليل مخرج له من الأصل و مثبت لمنصب القضاء له ]

لمّا كان وجوب الحكم و القضاء على شخص من الرعيّة، بل جوازه، و وجوب قبول حكمه و التزام إلزامه، أمرا مخالفا للأصل. أمّا وجوب الحكم و القبول فظاهر، و أمّا الجواز فللإجماع،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 16

و المستفيضة، كرواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة «1».

و صحيحة سليمان بن خالد: «اتّقوا الحكومة، فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين، لنبيّ أو وصيّ نبيّ» «2».

و المرويّ في مصباح الشريعة المنجبر بعمل الكلّ: «الحكم لا يصح إلّا بإذن اللّه» «3»، إلى غير ذلك.

فلا بدّ- في كون شخص قاضيا و جواز القضاء له و وجوب القبول منه- من دليل مخرج له من الأصل، و مثبت لمنصب القضاء له، و لهذا اجتمعت كلمتهم قاطبة على أنّ من شرائطه إذن الإمام.

و مرادنا من الدليل المخرج: هو الدالّ على ذلك الإذن.

ثمَّ الدليل إمّا يختصّ بواحد معيّن شخصا، فيسمّى ذلك الشخص بالنائب الخاص، أو وصفا، فيسمّى بالنائب العام.

و لمّا لم يكن تحقّق الأول إلّا في زمان الحضور، فلا فائدة في التعرّض لبيان شرائطه، و إن تكلّم الأكثر في أحواله أيضا. بل المهمّ لنا التكلّم في الثاني، و تحقيق أنّه من هو؟ و ما شرائطه و آدابه؟

و لمّا عرفت أنّه لا يكون واحد من الرعيّة قاضيا إلّا بعد إقامة الدليل

على ثبوت هذا المنصب و تحقّق الإذن له، فاللّازم أولا ذكر الأدلّة المرخّصة في القضاء لطائفة من الرعيّة، الآمرة بالتزام أحكامهم.

و إذ لا يمكن الإذن للموجودين في زمن الغيبة لشخص معيّن، بل

______________________________

(1) في ص: 8.

(2) الكافي 7: 406- 1، الفقيه 3: 4- 7، التهذيب 6: 217- 511، الوسائل 27:

17 أبواب صفات القاضي ب 3 ح 3.

(3) مصباح الشريعة: 352.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 17

يكون التعيين بالوصف، فلا محالة يكون في أدلّة الإذن إطلاق أو عموم.

و تلك العمومات أيضا ليست باقية على حالها من العموم أو الإطلاق، بل لاشتراط بعض الشرائط خرج منها بعض أفرادها بالأدلّة المقيّدة أو المخصّصة لها، فلذا يلزم علينا الفحص ثانيا عن المقيّد و المخصّص، و تخصيص المنصب بمن لم يخرج عن تحت العموم.

و بذلك يظهر أنّه يشترط في القاضي دخوله تحت أدلّة الإذن أولا، و عدم خروجه بسبب المخصّصات ثانيا.

المسألة الثالثة [الروايات الواردة في إذن القاضي للحكم ]

إذا عرفت أنّه لا بدّ في القاضي من ورود الإذن في شأنه، فنقول: إنّه قد ورد ذلك من سلاطين الأنام، و ولاة الأمر من جانب الملك العلّام، للعلماء بأحكام أهل البيت عليهم السّلام، بالإجماع القطعي، بل الضرورة، و المعتبرة المستفيضة:

كمرفوعة البرقي المصرّحة بأنّ: «من قضى بحقّ و هو يعلم فهو في الجنّة» «1».

و كصحيحة أبي خديجة: «انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا، فاجعلوه بينكم، فإنّي قد جعلته قاضيا، فتحاكموا إليه» «2».

و الأخرى: «اجعلوا بينكم رجلا ممّن عرف حلالنا و حرامنا، فإنّي قد جعلته قاضيا» «3».

و وصف الروايتين بعدم الصحة- مع أنّه غير ضائر عندنا مع

______________________________

(1) المتقدمة في ص 8 و 9.

(2) الكافي 7: 412- 4، الفقيه 3: 2- 1 و فيهما قضائنا بدل قضايانا، التهذيب 6:

219- 516،

الوسائل 27: 13 أبواب صفات القاضي ب 1 ح 5.

(3) التهذيب 6: 303- 846، الوسائل 27: 139 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 18

وجودهما في الأصول المعتبرة، و انجبارهما بالإجماع المحقّق و المحكيّ مستفيضا، و في المسالك: أنّهما و المقبولة الآتية مشتهران بين الأصحاب، متّفق على العمل بمضمونهما «1»- غير جيّد، لأنّ أولاهما رواها في الفقيه، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، و طريق الفقيه إلى أحمد صحيح، كما صرّح به في الروضة «2»، و أحمد نفسه موثّق إماميّ «3».

و أمّا أبو خديجة- و هو سالم بن مكرم- و إن ضعّفه الشيخ في موضع «4» و لكن وثّقه في موضع آخر «5»، و وثّقه النجاشي «6»، و قال أبو الحسن عليّ بن الحسن: كان صالحا «7»، و عدّ في المختلف في باب الخمس روايته من الصحاح «8»، و قال الأسترابادي في رجاله الكبير في حقّه: فالتوثيق أقوى.

و مقبولة بن حنظلة: «انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا، و نظر في حلالنا و حرامنا، و عرف أحكامنا، فارضوا به حكما، فإنّي قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما بحكم اللّه استخف، و علينا ردّ، و الرادّ علينا الرادّ على اللّه تعالى، و هو على حدّ الشرك باللّه» «9».

______________________________

(1) المسالك 2: 352.

(2) روضة المتقين 14: 45.

(3) راجع رجال النجاشي: 98- 246، و رجال الكشي 2: 653.

(4) الفهرست: 79.

(5) نقله عن العلامة في الخلاصة: 227.

(6) راجع رجال النجاشي: 188- 501.

(7) رجال الكشي 2: 641.

(8) المختلف: 207.

(9) الكافي 7: 412- 5، التهذيب 6: 218- 514، الوسائل 27: 136 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 1.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 19

و تضعيف هذه الرواية «1»- مع انجبارها بما مرّ حتّى اشتهرت بالمقبولة- غير جيّد أيضا، إذ ليس في سندها من يتوقّف في شأنه، سوى داود بن الحصين، و وثّقه النجاشي «2»، فلو ثبت ما ذكره الشيخ «3» و ابن عقدة «4» من وقفه فالرواية موثّقة لا ضعيفة، و عمر بن حنظلة، و قد حكي عنه توثيقه «5».

هذا، مع أنّ في السند قبلهما صفوان بن يحيى، و هو ممّن نقل إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه.

و التوقيع الرفيع المرويّ في إكمال الدين للصدوق، و كتاب الغيبة للشيخ، و الاحتجاج للطبرسي: «و أمّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواه حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم، و أنا حجّة اللّه عليهم» «6».

و مرسلة الفقيه المرويّة في معاني الأخبار و غيره أيضا: «اللّهمّ ارحم

______________________________

(1) كما في المسالك 2: 352.

(2) رجال النجاشي: 159- 421.

(3) رجال الشيخ: 348.

(4) نقله عنه العلّامة في الخلاصة: 221.

(5) يعود ضمير «عنه» إلى المضعّف و هو صاحب المسالك و قد وثّقه في شرح الدراية، و إن كان مقتضى السياق عوده إلى النجاشي أو الشيخ أو ابن عقدة إلّا أنه لم يرد عنهم التوثيق و لم ينسبه إليهم أحد. قال الشهيد الثاني في شرح الدراية: 44:

«و عمر بن حنظلة لم ينص الأصحاب بجرح و لا تعديل لكن امره عندي سهل لأني قد حقّقت توثيقه من محلّ آخر». قال صاحب الرياض 2: 388- بعد نقل كلام المسالك في تضعيف الرواية- «و عمر بن حنظلة و هو ممن حكى عنه بأنه وثقه.» أي الشهيد الثاني، و المظنون أن المصنّف أخذ العبارة من الرياض كما هو الملاحظ كثيرا في الكتاب.

(6) إكمال الدين: 484، كتاب الغيبة للشيخ:

177، الاحتجاج: 470، الوسائل 27: 140 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 20

خلفائي، قيل: يا رسول اللّه، من خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون بعدي، و يروون حديثي و سنّتي» «1».

و المرويّ في الفقه الرضوي: «منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل» «2».

و في كنز الكراجكي عن مولانا الصادق عليه السّلام: «الملوك حكّام على الناس، و العلماء حكّام على الملوك» «3».

و المرويّ في تحف العقول للشيخ الجليل محمّد بن الحسن بن عليّ بن شعبة، و فيه: «مجاري الأمور و الأحكام على أيدي العلماء باللّه، الامناء على حلاله و حرامه» «4».

و المرويّ في غوالي اللئالي: «الناس أربعة: رجل يعلم، و هو يعلم أنّه يعلم، فذاك مرشد حاكم فاتّبعوه» «5».

و تدلّ عليه أيضا الأخبار الآتي بعضها، الآمرة بالرجوع إلى الأعدل، أو الأعلم، أو الأفقه، عند الاختلاف.

و تدلّ عليه أيضا قاعدتان متّفقتان ذكرناهما في كتاب عوائد الأيّام «6».

و تؤيّده الأخبار المتواترة المتضمّنة ل: أنّ العلماء ورثة الأنبياء، و أنّهم

______________________________

(1) معاني الأخبار 1: 374- 1، الوسائل 27: 139 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 7.

(2) فقه الرضا «ع»: 338.

(3) كنز الفوائد: 195، مستدرك الوسائل 17: 316 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 17.

(4) تحف العقول: 238، مستدرك الوسائل 17: 315 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 16.

(5) غوالي اللئالي 4: 79- 74.

(6) عوائد الأيّام: 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 21

مثلهم، و أنّهم أمناء الإسلام، و أمناء الرسل، و المتكفّلون لرعيّتهم و لأيتامهم، و أمثال ذلك من الأوصاف «1».

و لا يعارض تلك الأخبار ما مرّ من الأخبار الحاصرة للحكومة في النبيّ و وصيّه، لأنّ الإذن الوارد في تلك الأخبار أيضا

توصية لغة.

و مع فرض التعارض فتلك الأخبار كلّها أو أكثرها أخصّ مطلقا ممّا مرّ فيجب تخصيصه بها.

ثمَّ إنّه قد ظهر من تلك الأخبار ثبوت الإذن للعلماء العارفين بأحكام اللّه في القضاء، و كونهم منصوبين من قبل الإمام نوّابا له في هذا الزمان.

لا يقال:

إنّ المذكور في الأخبار هو العالم، و العارف و الفقيه، اللذان هما أيضا يتضمّنان العلم، و حصوله في هذه الأزمنة غالبا غير ممكن، لأنّ طرق الأحكام ظنّية غالبا.

لأنّا نقول:

إنّ الظنّ لا يعمل به ما لم ينته دليل وجوب العمل به أو جوازه إلى قطعيّ، فإنّ إثبات الظنّي بالظنّي- مع اطباق العلماء على بطلانه- دور أو تسلسل. و إذا انتهى إلى القطع و العلم يكون الحكم الحاصل منه معلوما، فإنّا لو علمنا أنّه يجب علينا العمل بالمظنون يكون المظنون حكمنا قطعا، فنكون عالمين بحكمنا قطعا.

و هذا هو المراد من قولهم: ظنّية الطريق لا تنافي قطعيّة الحكم.

و ليس فيه ابتناء على التصويب كما ظنّ، فالمجتهد إذا علم حجّية الخبر أو الظنّ الحاصل منه بدليل علميّ و دلّ خبر أو ظنّ منه أنّ حكم اللّه في الواقعة الفلانية كذا، يعلم قطعا أنّ حكمه في حقّه كذا، فيصدق عليه أنّه

______________________________

(1) الوسائل 27: 77 أبواب صفات القاضي ب 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 22

عالم أو عارف بقضيّتهم و حلالهم و حرامهم.

لا يقال:

إنّ مرادهم عليهم السّلام من أحكامهم و قضاياهم هي الواقعيّة، لأنّها أحكامهم، و أمّا الحكم الظاهري فهو حكم المضطرّ.

لأنا نقول:

إنّ الأحكام الظاهريّة للمضطرّين حال اضطرارهم أيضا من الأحكام الواقعيّة لهم، إذ ليس المراد بحكمهم إلّا ما حكموا به، و هل حكموا للمضطرّ بغير ذلك الحكم، أو ليس هذا حكمهم في حقّه؟! و هل ليس ما

ظنّوا حلّيته مثلا بالدليل الشرعيّ حلالا من جانبهم له؟! و الحاصل: أنّ المظنون هو أنّ هذا مطابق لما حكموا به لغير المضطرّين، و أمّا أنّه حكمهم في حق المضطرّين فهو مقطوع به.

و على هذا، فيكون هذا الذي عرف الحكم بالدليل الشرعيّ و لو كان ظنّيا عالما بالحكم، فيكون قاضيا متولّيا لمنصب القضاء، و يكون من شأنه الحكم، و من شأن الرعيّة القبول منه، إلّا أن يكون فاقدا لأحد الشروط المعتبرة فيه الآتية.

ثمَّ إنه هل يختصّ هذا الإذن العامّ لذلك العالم بحال الغيبة، أو يشمل حال الحضور أيضا، إمّا مطلقا أو مع عدم التمكّن للإمام؟

فيه وجهان، و لا فائدة لنا في التعرّض لتحقيقه.

المسألة الرابعة: المصرّح به في كلام أكثر الأصحاب أنّه يشترط في هذا العالم المأذون فيه أن يكون مستقلّا بأهليّة الفتوى
اشاره

- أي يكون علمه حاصلا بالاجتهاد- فلا ينفذ قضاء غيره و لو كان مطّلعا على فتوى المجتهدين الأحياء و مقلّدا لهم.

و نفى عنه الشكّ المحقّق الأردبيلي مع وجود المجتهد، و في الكفاية

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 23

أنّه لا أعرف فيه خلافا «1»، بل في المسالك و المعتمد لوالدي- قدّس سرّه-:

الإجماع عليه «2»، و يشعر به كلام بعض الأجلّة في شرح القواعد، حيث قال: و لا يكتفى عندنا بفتوى العلماء و تقليدهم فيها، بل لا بدّ من اجتهاده فيما يقتضي به، خلافا لبعض العامّة «3»، انتهى.

و حكى في التنقيح عن المبسوط أنّه نقل قولا بجواز قضاء المقلّد، قال في المبسوط في هذه المسألة ثلاثة مذاهب: الأول: جواز كونه عاميّا و يستفتي العلماء و يقضي بقولهم، إلى آخر ما قال. ثمَّ قال في التنقيح: و لم يصرّح- أي الشيخ- باختيار شي ء من المذاهب «4».

و استدلّ للمشهور، بالإجماع المنقول، و الأصل، و اشتراط الإذن و لم يثبت لغيره، لظهور اختصاص الإجماع به، و تضمّن

أخبار الإذن المتقدّمة للعلم و المعرفة المجازين في الظنّ.

مضافا إلى المتواترة الناهية عن العمل أو القول به أو بغير العلم، و المعتبرة للعلم في الفتوى، و لا يحصل لغير المجتهد سوى الظنّ غالبا، قيل:

بل و كذلك المجتهد، إلّا أنّ حجّية ظنّه مقطوع بها، فهو ظنّ مخصوص في حكم القطع، كسائر الظنون المخصوصة، و لا كذلك غيره.

أقول:

إن كان مرادهم نفي قضاء غير المجتهد الذي لم يقلّد حيّا أو ميّتا بتقليد حيّ يجوّز تقليد الميّت، بل يرجع إلى ظواهر الأخبار و كتب الفقهاء من غير قوّة الاجتهاد- كما هو ظاهر كلام بعض متأخّري

______________________________

(1) الكفاية: 262.

(2) المسالك 2: 351.

(3) كشف اللثام 2: 142.

(4) التنقيح 4: 234.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 24

المتأخّرين، حيث قال: و غير المجتهد لا دليل على حجّية ظنّه، قاطعا و لا ظنيّا، و لو سلّم الأخير فغايته، إثبات الظنّ بمثله، و هو غير جائز بإطباق العلماء «1». انتهى- فهو كذلك، و لا ينبغي الريب فيه.

و إن كان مرادهم نفي قضاء غير المجتهد مطلقا، حتى العادل المقلّد للحيّ في جميع جزئيّات الواقعة، أو للميّت بتقليد الحيّ، فبعد ما علمت من عدم حجّية الإجماع المنقول، و أنّ الظنّ المنتهي إلى العلم علم، يعلم ضعف تلك الأدلّة، لأنّ المقلّد إذا علم فتوى مجتهد في جميع تفاصيل واقعة حادثة بين متنازعين من مقلّديه و جزئياتها، يعلم حكم اللّه في حقّهما، لأنّ حكمه و لو كان مظنونا، و لكنّه معلوم الاعتبار و الحجّية بالنسبة إليهما، فذلك المقلّد عالم عارف بحكم الشارع «2» في حقّهما، فيكون مأذونا بالأخبار المتقدّمة، عالما بالحكم خارجا من تحت الأصل.

إلّا أن يتحقّق الإجماع على خلافه، و هو غير متحقّق، كيف؟! و كلمات أكثر القدماء

خالية عن ذكر المجتهد أو ما يرادفه.

و عبّر كثير منهم بالفقيه المحتمل صدقه- سيّما في الصدر الأول- على من أخذ برهة من المسائل و لو تقليدا، كما صرّح به والدي العلّامة- قدس سرّه- في تجريد الأصول و أنيس المجتهدين، و لذا قوّى بعض علمائنا المعاصرين في أجوبة سؤالاته جواز المرافعة إلى العالم العادل المطّلع بجميع المسائل الدقيقة المتعلّقة بواقعة تقليدا، و نسب عدم الجواز إلى المشهور «3».

______________________________

(1) الرياض 2: 386.

(2) في «ق»، «س»: المتنازع.

(3) جامع الشتات: 676.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 25

و قد يوجّه جواز تقليد القاضي أيضا بحسنة هشام: «لمّا ولّى أمير المؤمنين عليه السّلام شريحا القضاء اشترط عليه أن لا ينفذ القضاء حتى يعرض عليه» «1».

و هو إنما يحسن لو لم تكن توليته إيّاه تقيّة كما هو الظاهر.

و بذلك و إن ظهر ضعف الأدلّة المذكورة لهم، إلّا أنّه يمكن أن يقال:

إنّ أكثر تلك الأخبار و إن كان مطلقا شاملا للمقلّد المذكور أيضا، إلّا أن قوله عليه السّلام في المقبولة: «انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا» إلى آخره، و في التوقيع: «فارجعوا إلى رواه أحاديثنا» مقيّد بالمجتهد، إذ الظاهر المتبادر منه: الراوي للحديث، المستنبط المستخرج منه الأحكام على الطريق الذي ارتضاه الشارع و أمر به، لا مطلقا.

و يعلم من ذلك احتمال اختصاص مرسلة الفقيه المتقدّمة بالمجتهدين في الأحكام أيضا، بل و كذا الرضوي، لعدم معلوميّة صدق الفقيه على مطلق العالم و لو تقليدا.

و يدلّ على التخصيص أيضا المرويّ في مصباح الشريعة، المنجبر ضعفه بما ذكر: أنّه قال أمير المؤمنين عليه السّلام لقاض: «هل تعرف الناسخ من المنسوخ؟» قال: لا، قال: «فهل أشرفت على مراد اللّه عزّ و جلّ في أمثال

القران؟» قال: لا، قال: «إذن هلكت و أهلكت. و المفتي محتاج إلى معرفة القرآن، و حقائق السنن، و بواطن الإشارات، و الآداب، و الإجماع، و الاختلاف، و الاطّلاع على أصول ما أجمعوا عليه و ما اختلفوا فيه، ثمَّ حسن الاختيار، ثمَّ العمل الصالح، ثمَّ الحكمة، ثمَّ التقوى، ثمَّ حينئذ إن

______________________________

(1) الكافي 7: 407- 3، التهذيب 6: 217- 510، الوسائل 27: 16 أبواب صفات القاضي ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 26

قدر» «1».

قال عليه السّلام: «لا تحلّ الفتيا لمن لا يستفتي من اللّه عزّ و جلّ بصفاء سرّه، و إخلاص عمله و علانيته، و برهان من ربّه في كلّ حال، لأنّ من أفتى فقد حكم، و الحكم لا يصحّ إلّا بإذن من اللّه» «2».

و بتلك الأخبار يجب تقييد إطلاق بعض آخر.

و علم من ذلك صحّة ما هو المشهور من عدم جواز تولّي القضاء لغير المجتهد.

و هل يجوز له التولّي من جانب المجتهد و بإذنه الخاص؟

ربّما يحكى عن بعض الفضلاء المعاصرين «3» جوازه، و لم أتحقّقه و لم أره في كتابه «4»، و لا أرى له وجها أصلا. و يمكن أن يكون ذلك لفتواه المتقدّمة بجواز المرافعة إلى المقلّد العادل العالم بمسائل الواقعة «5».

و توقيفه على الإذن لمعرفة العادل المطّلع.

و توهّم أنّ عموم الولاية فيما للإمام فيه الولاية ثابت للمجتهد، و منها:

الإذن الخاص في القضاء.

مدفوع بأنّ للإمام الإذن للأهل و القابل، فالجواز للمجتهد أيضا يكون مقصورا على من له الأهليّة، و هي لغير المجتهد غير ثابتة، و من ثبتت له لا يحتاج إلى النائب، لثبوت الإذن له عن المنوب عنه.

نعم، لا يبعد جواز حكم مقلّد عادل عالم بجميع أحكام الواقعة

______________________________

(1) مصباح الشريعة: 355،

بتفاوت يسير.

(2) مصباح الشريعة: 351.

(3) أراد به المحقّق القمي.

(4) كتاب القضاء المطبوع في ضمن غنائم الأيّام و جامع الشتات.

(5) تقدمت في ص: 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 27

الخاصّة فعلا، أو بعد السؤال في تلك الواقعة الخاصّة، بعد إذن المجتهد له في خصوص تلك الواقعة، بعد رجوع المدّعي أو المتخاصمين فيها إلى المجتهد، لأنّ التحاكم و الترافع و الرجوع في الواقعة إنّما وقع عند المجتهد- كما هو المأمور به في المقبولة و التوقيع- و المجتهد أمر بأن يفتش مقلّده عن حقيقة الواقعة و يحكم.

و التحذير الوارد في رواية مصباح الشريعة إنّما هو لقاض خاص، فلعلّه لم يكن مأذونا من أهل في خصوص الواقعة، كما هو الظاهر.

و كذا لا يشمله التحذير الوارد في رواية إسحاق بن عمّار و صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمتين، لأنّ الظاهر ورودهما في حقّ من اتّخذ ذلك منصبا، لا من يحكم في خصوص واقعة، بل يمكن أن نقول: الحكم حقيقة من المجتهد، و الواسطة كالآلة.

و الحاصل: أنّ هنا أمورا أربعة مخالفة للأصل:

الأول: التحاكم و الترافع و الرجوع من المتخاصمين بنفسهما.

الثاني: جواز حكم هذا المقلّد بما يعلم.

الثالث: نفوذ حكمه و وجوب اتّباعه.

الرابع: جواز أمر المجتهد هذا المقلّد بالحكم و بترافع المترافعين إليه.

و الأول: لم يقع بالنسبة إلى المقلّد، لأنّهما بنفسهما لم يرجعا إليه، و إنّما ترافعا عند المجتهد كما هو المأمور به لهما.

و الثاني: لا نهي فيه، بل صرّح بجوازه- بل ترتّب الأجر عليه- في مرفوعة البرقي المتقدّمة و رواية الغوالي.

و الثالث: يثبت بثبوت وجوب اتّباع كلّ ما حكم به المجتهد بعد الترافع إليه، فإنّه قد حكم بقبول حكم هذا المقلّد، فهو حقيقة نفوذ لحكم

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 28

المجتهد

و اتّباع له.

و تدلّ عليه أيضا رواية الغوالي، بل هي تدلّ على نفوذ الحكم و جواز المحاكمة عنده بدون إذن المجتهد أيضا، إلّا أنّها لضعفها الخالي عن الجابر المعلوم- مضافا إلى أعمّيتها من المقبولة و التوقيع- يمنع من العمل بمضمونها وحدها.

و الرابع: ظاهر بعد ثبوت جواز حكمه و عدم وجود نهي فيه.

و يمكن أن يكون بناء الأصحاب- في مسألة إحضار «1» الخصم، و قولهم كما يأتي في بعض الصور: يبعث الحاكم من يحكم بين الخصمين- على ذلك.

و يمكن أن يكون مرادهم: بعث مجتهد آخر، حيث إنّه لمّا ترافع الخصمان إليه يكون هو الأصل.

و يمكن ان يكون مرادهم: القاضي الخاصّ، المنصوب من الإمام، المأذون في الاستنابة، فتأمّل.

فرع:

قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ المحرّم لغير المجتهد هو الحكم بغير ما أنزل اللّه أو بما أنزل اللّه- أي بفتوى مجتهده- بدون إذن المجتهد مع إلزامه المترافعين بما حكم، لكونه إلزاما من غير لزوم، و لكونه إعانة على معصية المترافعين.

و أمّا قوله لهما- بدون إذن المجتهد بعد سماع حكايتهما، من غير قصدهما الترافع إليه، أو قصده جريان الحكم عليه «2»-: على فلان المدّعي البيّنة مثلا، أو على هذا المنكر اليمين- يعني: أنّ القاضي يحكم بذلك إذا ترافعتما إليه، من غير حكم لهما بذلك- فلا بأس به.

______________________________

(1) في «ق»، «س»: إجبار.

(2) يعني: أو من غير قصد المقلد جريان الحكم على المدعي أو المنكر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 29

بل و كذا لو قال: عليك البيّنة و عليك الحلف، من غير أن يقصد إلزامهما و إجراء حكمه، أو رفع تخاصمهما بذلك الحكم، أو سماع البيّنة، أو الإحلاف.

بل لو قيل له: أحلف أو استمع البيّنة، يقول: ليس هذا من شأني و

لا بدّ من الرّجوع إلى الحاكم، بل لو سمع البيّنة أيضا لا يقصد الحكم بل الاطلاع بالحال.

فإنّه لا دليل على حرمة شي ء من ذلك، و الأصل عدمها، فإنّ هذا ليس حكومة و جلوسا مجلس القضاء، و لا قضاء، و لا ترافعا إليه.

المسألة الخامسة: هل يشترط في المجتهد الذي ينفذ قضاؤه

أو قضاء مقلّده المأذون منه- لو قيل بجوازه- كونه مجتهدا مطلقا، أم يكفي المتجزّي؟

و هذا البحث ساقط على ما اخترناه من عدم إمكان التجزّي في الملكة، لأنّهم إن أرادوا التجزّي بذلك المعنى فهو غير ممكن، و إن أرادوا التجزّي الفعلي فبطلان اشتراط عدمه بديهيّ واضح، لعدم إمكان الاجتهاد الفعليّ المطلق، و عدم تحقّقه.

نعم، يتأتّى هذا الخلاف على القول بتجزّي الاجتهاد بمعنى الملكة، و قد وقع الخلاف فيه عليه. و صرّح بعضهم بكفاية التجزّي، و هو الظاهر من الفاضل في التحرير، حيث شرط في القاضي الاجتهاد، و ذكر شرائطه ثمَّ قال: و هل يتجزّى الاجتهاد أم لا؟ الأقرب: نعم، و احتجّ له برواية أبي خديجة «1» «2».

______________________________

(1) الكافي 7: 412- 4، الفقيه 3: 1- 1، الوسائل 27: 13 أبواب صفات القاضي ب 1 ح 5.

(2) التحرير 2: 180.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 30

و الحمل- على إرادة جواز التجزّي في الاجتهاد دون كفايته في القضاء- بعيد، بل يمنعه احتجاجه، و قوله بعد ذكر الرواية: نعم، يشترط أن يكون عارفا بجميع ما وليه.

و هذا هو الظاهر من القواعد و الدروس أيضا، بل هو ظاهر النافع و الشرائع أيضا «1».

و حمل قوله في الأخير: و لا بدّ أن يكون عالما بجميع ما وليه، على الاجتهاد المطلق، كما في المسالك «2»، لا وجه له.

و نسب في الكفاية إلى المشهور «3» و والدي إلى الأشهر: اشتراط المطلق،

و عدم كفاية التجزّي، و جزم الأول به مع تيسّر المطلق، و نفي البعد عن الاكتفاء بالمتجزّي مع فقده، و صرّح الثاني بالتفصيل، فجوّز مع فقد المطلق، و منع مع تيسّره.

و الحقّ هو: الأول، لأنّ المراد المتجزّي، من قدر على استنباط برهة من الأحكام، جامعا لجميع شرائط الاجتهاد فيها، من ردّها إلى مئاخذها المعلوم اعتبارها و حجّيتها عنده بالدليل القطعي، العالم بعدم توقّفها على غيرها، أو ظانّا له ظنّا ثبت عنده اعتباره، إذ لو لم يعلم اعتبار المأخذ و اكتفى فيه بالظنّ، أو ظنّ عدم التوقّف و لم تثبت عنده حجّية هذا الظنّ، لا يجوز عمله اتّفاقا، لامتناع إثبات الظنّ بالظنّ، فلا بدّ من كون ظنّه منتهيا إلى العلم الموجب لقطعه بالحكم كما مرّ، فيكون الحكم معلوما له، فتشمله صحيحتا أبي خديجة، و كذا يشمله التوقيع، و لا مخصّص لهما سوى بعض

______________________________

(1) القواعد 2: 201، الدروس 2: 66، النافع 2: 279، الشرائع 4: 67.

(2) المسالك 2: 351.

(3) الكفاية: 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 31

ما استدلّ به للقول الآخر، كما يأتي مع جوابه.

و جعله من باب إثبات الظنّ بالظنّ من الغرائب، لأنّ المتجزّي لا يثبت حجّية ظنّه به، بل يجعل ظنّه علما بما دلّ على حجّية الظنّ الفلاني- كالظنّ الخبريّ مثلا- له، ثمَّ بعد ذلك و بعد إثبات حجّية الأخبار- التي منها هذا الخبر- له بالدليل العلمي يستدلّ بهاتين الصحيحتين على حصول الإذن له في القضاء.

و لو فرض عدم ثبوت حجيّة ظنّ له علما فلا يقول أحد بحجّية ظنّه له، و كذا لو ثبت ذلك و لكن لم تثبت عنده حجّية هاتين الصحيحتين.

احتجّ لاشتراط المطلق مطلقا بوجوه:

منها:

ما ذكره في الكفاية من أنّ معرفة الأحكام

من الأحاديث يتوقّف في بعض الأحيان على العرض على القرآن، و على مذاهب العامّة و الخاصّة، و العلوم المعتبرة في الاجتهاد، فيقتضي الاجتهاد المطلق «1».

و فيه: أنّ كون هذا اجتهادا مطلقا ممنوع، مع أنّ المفروض إنّما هو إذا علم ما يتوقّف عليه الحكم جميعا، و علم عدم توقّفه على غير ذلك.

و منها:

المقبولة المتضمّنة للجمع المضاف، المفيد للعموم، و به تخصّص الصحيحتان أيضا، لكونها أخصّ مطلقا منهما.

و فيه: أنّ العلم حقيقة في المعرفة الفعليّة، و تحقّقها بالنسبة إلى جميع الأحكام غير ميسّر، و اشتراطها خلاف الإجماع. و الحمل على قوّة المعرفة مجاز، كما أنّ إرادة البعض من الجمع المضاف أيضا مجاز، و لا مرجّح لأحدهما، فلا يعلم المخصّص.

______________________________

(1) كفاية الأحكام: 261.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 32

و منها:

ما قيل من أنّ الدليل على حجّية ظنّ المجتهد هو الإجماع، و الدليل العقليّ المركّب من بقاء التكليف، و انسداد باب العلم، و انتفاء التكليف بما لا يطاق، المنتج لوجوب العمل بالظنّ.

و شي ء منهما لا يجري في المتجزّي، أمّا الإجماع فلاختصاصه بالمجتهد المطلق.

و أمّا الدليل العقلي، فلعدم صحّة دعواه انسداد باب العلم بالنسبة إليه، لاحتمال ظهور خلاف ظنّه، و كذا دعواه التكليف بما لا يطاق في حقّه، إذ في وسعه تحصيل المعرفة بكلّ المدارك «1».

أقول:

دعوى انحصار الدليل فيهما واهية، فإنّ لحجّية كلّ من الأدلة الظنّية- كالخبر و الاستصحاب و الكتاب و غيرها- أدلّة منتهية إلى القطع، بالواسطة أو بدونها، و لا ينحصر دليلها في أنّها تفيد الظنّ و الظنّ حجّة بالإجماع.

على أنّ الإجماع لو كان دليلا لم يثبت حجّية ظنّ المجتهد المطلق بما يفيد شيئا في هذا الباب، لأنّ القدر الثابت من الإجماع هو حجّية ظنّه في الجملة،

و أمّا أنّه أي قدر و على أيّ حال فلا، بل لا يوجد لظنّه المجمع على اعتباره مصداق، فإنّ من ظنونه ما يحصل من القياس أو الشهرة أو الإجماع المنقول أو الخبر أو غيرهما، و في كلّ منها خلاف.

و عدم تخطئتهم للعامل بها إذا قال بحجّيتها لا يجعله إجماعيّا، كما في سائر المسائل الخلافيّة.

و أمّا ما ذكره في عدم جريان الدليل العقليّ في ظنّ المتجزّي لما مرّ،

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 386.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 33

ففيه: أنّ درك انسداد باب العلم في مسألة لا يتوقّف على القدرة على استنباط جميع الأحكام من مئاخذها لو سلّمنا توقّفه على الإحاطة الإجماليّة بجميع المدارك.

و كذا لا مدخليّة لتلك القدرة في درك حكم كلّ مسألة حتى يمنع إمكان تحصيلها عن التكليف بما لا يطاق.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ المقدّمات الثلاث لا تنتج للمتجزّي وجوب العمل بالظنّ، لإمكان أن يكون حكمه تقليد المجتهد المطلق. و لكن مثل هذا وارد في المطلق أيضا، لإمكان أن يكون حكمه الاحتياط على أنّ الثابت منه- لو سلّم- حجّية الظنّ في الجملة، و هو لا يفيد له شيئا.

ثمَّ بما ذكرنا يظهر وجه التفصّي عن الإيراد بجواز قضاء المقلّد المأذون لو قيل بمثل ذلك. على أنّ الإجماع على حجّية ظنّ المقلّد الحاصل من فتوى مجتهده منعقد.

احتجّ من فصّل بين وجود المطلق و عدمه بما دلّ على تقديم الأعلم.

و فيه منع كلّ من الصغرى و الكبرى، كما يظهر وجهه ممّا يأتي في مسألة وجوب تقديم الأعلم.

ثمَّ لا يخفى أنّ مرادنا من المتجزّي الجائز قضاؤه ليس مطلق من يعلم قضيّة في واقعة و لو بإجماع أو ضرورة، بل من أخذ برهة جمّة من الأحكام من مأخذها،

لما يدلّ على التخصيص برواة أحاديثنا، و بمن نظر في حلالنا و حرامنا، بل قوله في إحدى الصحيحتين: «حلالنا و حرامنا» دالّ على ذلك، و بذلك يخصّص إطلاق الصحيحة الأخرى.

المسألة السادسة: تشترط فيه أيضا- مضافا إلى ما ذكر- أمور:
منها: التكليف، بالبلوغ و العقل

، بالإجماع و الاعتبار فيهما، مضافا في

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 34

الأول إلى التصريح بالرجل في الصحيحتين، المخصّص لغيرهما ممّا ظاهره العموم، مع أنّ المتبادر من الجميع البالغ العاقل.

و منها: الإيمان

، للإجماع أيضا، و قوله عليه السّلام «منكم» في إحدى الصحيحتين و في المقبولة، و ما ورد في بعض الأخبار من أخذ معالم الدين من الشيعة «1».

و قد يستدلّ أيضا له بوجوه مدخولة، و إن كانت للتأييد صالحة.

و منها: العدالة

، لما مرّ من الإجماع، و لآية النبإ، و للمرويّ في الخصال: «فاتّقوا الفاسق من العلماء» «2».

و المرويّين في مصباح الشريعة المتقدّمين في المسألة الرابعة «3».

و في تفسير الإمام عليه السّلام في حديث طويل: «و كذلك عوام أمّتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر، و العصبيّة الشديدة، و التكالب على حطام الدنيا و حرامها، و إهلاك من يتعصّبون عليه و إن كان لإصلاح أمره مستحقّا، و بالترفرف بالبرّ و الإحسان على من تعصّبوا له و إن كان للإذلال و الإهانة مستحقّا، فمن قلّد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء، فهم مثل اليهود الذين ذمّهم اللّه تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم. فأمّا من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه، و ذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم. فأمّا من ركب من القبائح و الفواحش مراكب فسقة فقهاء العامّة فلا تقبلوا منهم عنّا شيئا و لا كرامة» الحديث «4».

و المرويّ في التحرير عن عليّ عليه السّلام أنه قال: «لا ينبغي أن يكون القاضي قاضيا حتى تكون فيه خمس خصال: عفيف، حليم، عالم بما كان

______________________________

(1) رجال الكشي 1: 7- 4، الوسائل 27: 150 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 42.

(2) الخصال 1: 69- 103.

(3) في ص: 25.

(4) تفسير الحسن العسكري عليه السّلام: 299- 143، الوسائل 27: 131 أبواب صفات القاضي ب 10 ح 20.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص:

35

قبله، يستشير ذوي الألباب، لا يخاف في اللّه لومة لائم» «1»، و الضعف فيها غير ضائر، لما مرّ غير مرّة.

و تؤيّده آية الركون «2»، و صحيحة سليمان المتقدّمة في المسألة الثانية «3»، و عدم حصول الأمن بدونها في بذل الجهد و عدم الكذب، و اشتراطها في الشهادة التي هي من فروع القضاء، سيّما مع وجود العلّة الموجبة لاشتراطها فيه بطريق أولى.

و منها: العلم الفعلي بجميع أحكام الواقعة

، و الوجه فيه ظاهر.

و منها: الذكورة

، بالإجماع كما في المسالك و نهج الحقّ و معتمد الشيعة «4» و غيرها «5».

و استشكل بعضهم في اشتراطه، و هو ضعيف، لاختصاص الصحيحتين بالرجل، فيخصّص بهما غيرهما ممّا يعمّ.

و تدلّ عليه مرسلة الفقيه: «يا معاشر الناس، لا تطيعوا النساء على حال، و لا تأمنوهنّ على مال» «6».

و روايات أبناء نباتة «7» و أبي المقدام «8» و كثير «9»: «لا تملك المرأة من

______________________________

(1) التحرير 2: 180.

(2) هود: 113.

(3) في ص: 16.

(4) المسالك 2: 351، نهج الحق: 562.

(5) انظر المفاتيح 3: 246، و كشف اللثام 2: 322، و الرياض 2: 385.

(6) الفقيه 3: 361- 1713، الوسائل 20: 180 أبواب مقدمات النكاح ب 94 ح 7.

(7) الكافي 5: 510- 3، الوسائل 20: 169 أبواب مقدمات النكاح ب 87 ح 2.

(8) الكافي 5: 510- 3، نهج البلاغة (محمد عبده) 3: 63، الوسائل 20: 168 أبواب مقدمات النكاح ب 87 ح 1.

(9) الكافي 5: 510- 3، الوسائل 20: 168 أبواب مقدمات النكاح ب 87 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 36

الأمر ما يجاوز نفسها».

و رواية الحسين بن المختار: «اتّقوا شرار النساء، و كونوا من خيارهنّ على حذر، و إن أمرنكم فخالفوهنّ، كيلا يطمعن منكم في المنكر» «1»، و تقربها مرسلتا المطّلب بن زياد «2» و عمرو بن عثمان «3».

و رواية حمّاد بن عمرو الطويلة، و فيها: «يا عليّ، ليس على النساء جمعة و لا جماعة» إلى أن قال: «و لا تولّى القضاء» «4».

و رواية جابر عن الباقر عليه السّلام: «و لا تولى المرأة القضاء و لا تولّى الإمارة» «5».

و في خبر آخر: «لا يصلح قوم ولتهم امرأة» «6».

و منها: العلم بالكتابة قراءة و كتبة

، شرطه الشيخ و الحلّي «7»، و نسبه في

المسالك و الروضة «8» و غيرهما «9» إلى الأكثر، و جعله في السرائر من مقتضيات المذهب، و قيل: إنّه مذهب عامّة المتأخّرين «10».

______________________________

(1) الكافي 5: 517- 5، الوسائل 20: 179 أبواب مقدمات النكاح ب 94 ح 2، و فيها: و إن أمرنكم بالمعروف ..

(2) الكافي 5: 517- 7، نهج البلاغة 1: 125، الوسائل 20: 179 أبواب مقدمات النكاح ب 94 ح 3.

(3) الكافي 5: 518- 12، الوسائل 20: 179 أبواب مقدمات النكاح ب 94 ح 5.

(4) الفقيه 4: 263- 823، الوسائل 27: 16 أبواب صفات القاضي ب 2 ح 1.

(5) الخصال 2: 585- 12، الوسائل 20: 220 أبواب مقدمات النكاح ب 123 ح 1.

(6) مسند أحمد 5: 43، سنن البيهقي 10: 118.

(7) الشيخ في المبسوط 8: 120، و الحلي في السرائر 2: 166.

(8) المسالك 2: 351، الروضة 3: 68.

(9) كالرياض 2: 386.

(10) كما في الرياض 2: 386.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 37

و ظاهر النافع و القواعد الخلاف فيه «1»، بل نسبه في التنقيح إلى قوم «2».

و نقل في شرح المفاتيح عن الفاضل و جماعة احتمال العدم.

و صريح المحقّق الأردبيلي و الكفاية التردّد «3».

و نفى اشتراطه والدي العلّامة في معتمد الشيعة، و هو المعتمد، للأصل، و الإطلاق.

و دعوى اختصاص المرخّصات في القضاء بحكم التبادر بعارفي الكتابة ممنوعة.

و استدلّ المشترطون باعتبارات ضعيفة، عمدتها: توقّف الضبط عليها غالبا، و فيه المنع.

نعم، لا يبعد ادّعاء توقّف العلم بالأحكام في نحو هذه الأزمنة بالنسبة إلى قراءة الكتابة، فلو قيل باشتراطها فيه بالنسبة إلى غير المأذون بخصوصه من المجتهد- لو قلنا بجواز قضائه- لم يكن بعيدا.

و منها: البصر

، قال باشتراطه الشيخ و الإسكافي و ابن سعيد و القاضي و المحقّق

و الفاضل في القواعد و ولده «4»، و نسبه في الروضة و الكفاية إلى الأكثر و إن نفاه الثاني «5».

______________________________

(1) المختصر النافع: 279، القواعد 2: 201.

(2) التنقيح 4: 236.

(3) الكفاية: 262.

(4) الشيخ في المبسوط 8: 101، و ابن سعيد في الجامع للشرائع: 522، و القاضي في المهذب 2: 598، و المحقّق في الشرائع 4: 68، و الفاضل في القواعد 2:

201، و ولده في الإيضاح 4: 298.

(5) الروضة 3: 67، الكفاية: 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 38

و استشكل في التحرير «1». و نفاه في معتمد الشيعة، و هو الأصحّ، لما مرّ.

و منها: السمع و اللسان

، شرطهما جماعة «2»، و الحقّ: العدم، لما سبق.

و منها: الحرّية

، ذهب إلى الاشتراط الشيخ و القاضي و ابن سعيد و الكيدري و الفاضل و الشهيد «3»، و هو ظاهر ابن حمزة «4»، و نسبه في المسالك و الروضة إلى الأكثر «5».

و اختار المحقّق العدم «6»، و استقر به في الكفاية «7»، و هو الأظهر إذا أذن له المولى.

و منها: طهارة المولد و النطق و غلبة الذكر

، شرطها جماعة، بل في الروضة و معتمد الشيعة الإجماع على الأول، و نفى الخلاف في الثانيين «8»، و الأصل ينفي ما لم يثبت فيه إجماع.

المسألة السابعة: إذا فقد الجامع للشرائط
اشاره

، أو تعسّر الوصول إليه، أو لم ينفذ قضاؤه مطلقا، أو على خصوص المدّعى عليه، أو لم يمكن إثبات الحقّ عنده، فهل يجوز الترافع إلى غيره؟

______________________________

(1) التحرير 2: 179.

(2) كالعلّامة و ولده كما في الإيضاح 4: 299.

(3) الشيخ في المبسوط 8: 101، و القاضي في المهذب 2: 599، و الفاضل في القواعد 2: 201، و الشهيد في الدروس 2: 65.

(4) الوسيلة: 209.

(5) المسالك 2: 351، الروضة 3: 67.

(6) الشرائع 4: 68.

(7) الكفاية: 262.

(8) الروضة 3: 62.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 39

ظاهر الأكثر: العدم، و في الروضة الإجماع عليه «1».

و نقل الأردبيلي قولا منسوبا إلى ابن فهد بجوازه في الصورة الاولى، و قال: إنّه وجده في حاشية الدروس منقولا عن الشيخ حسين بن حسام.

و وجدت إنا أيضا في حاشية نسخة منه منسوبة إلى مسائل ابن طيّ نسبة هذا القول إلى ابن فهد، و إلى الشهيد في الحواشي، و اختاره نفسه.

و استقربه بعض المعاصرين «2»، و جوّزه الشهيد الثاني في المسالك «3»، و والدي في معتمد الشيعة لو توقّف حصول الحقّ عليه، و ظاهرهما الشمول للصور الأربع.

استدلّوا على الجواز بلزوم تعطيل الأحكام لولاه، و بنفي العسر و الحرج.

و في صورة توقّف وصول الحقّ مطلقا بمفهوم صحيحة أبي بصير:

«أيّما رجل كان بينه و بين أخ له مماراة في حقّ، فدعاه إلى رجل من إخوانه ليحكم بينه و بينه، فأبى إلّا أن يرافعه إلى هؤلاء، كان بمنزلة الذين قال اللّه عزّ و جلّ أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا

.. «4»» «5».

و إطلاق نفي الضرر، سيّما مع إطلاق رواية البرقي المتقدّمة «6».

و استشكل فيه: بأنّه إعانة على الإثم، و هي محرّمة.

______________________________

(1) الروضة 3: 68.

(2) المحقّق القمي في رسالة القضاء (غنائم الأيام: 674).

(3) المسالك 2: 352.

(4) النساء: 60.

(5) الكافي 7: 411- 2، الفقيه 3: 3- 5، التهذيب 6: 220- 519، الوسائل 27:

11 أبواب صفات القاضي ب 1 ح 2.

(6) في ص: 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 40

و ردّ بمعارضة أدلّة حرمة الإعانة مع أدلّة نفي الضرر، فتتساقطان، فيرجع إلى الأصل.

و قد يستدلّ للمنع أيضا بمنطوق الصحيحة المذكورة، و بالروايات الناهية عن الترافع إلى القضاة أو قضاة الجور و الظلم، كصحيحة ابن سنان:

«أيّما مؤمن قدّم مؤمنا في خصومة إلى قاض أو سلطان جائر فقضى عليه بغير حكم اللّه فقد شرّكه في الإثم» «1».

أقول:

لا يخفى ما في كتب الأصحاب في أصل المسألة و استدلالهم و جوابهم من الإجمال و المسامحة و القصور.

و بيان ذلك: أنّ الكلام إمّا في تكليف المترافعين و ما يجوز لهم أو لا يجوز.

أو تكليف من يترافعان أو أحدهما إليه من غير الأهل حينئذ.

أو تكليف سائر الناس- من الحكّام الذين يأتون بعدهم، أو أهل الاقتدار على إجراء الحكم و ردّه- في ردّ حكم غير الأهل و إجرائه حينئذ.

أو في حال الحقّ الذي حكم غير الأهل حينئذ لأحدهما إثباتا أو نفيا.

ثمَّ على التقادير الأربعة، إمّا يكون مفروض المسألة ما إذا لم يمكن الترافع إلى الأهل، لفقده، أو عسر الوصول إليه.

أو ما إذا لم يمكن التوصّل إلى الحقّ بالترافع إليه، إمّا لعدم نفوذ حكمه، أو لعدم إمكان إثبات الحقّ عنده.

و على التقادير، إمّا يكون نزاع المترافعين للجهل بحكم المسألة، كما إذا اجتمع جدّ و

أخ في الميراث، و طلب كلّ منهما الكلّ زعما منه أنّه

______________________________

(1) الكافي 7: 411- 1، الفقيه 3: 3- 4، التهذيب 6: 218- 515، الوسائل 27:

11 أبواب صفات القاضي ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 41

كذلك.

أو يكون لاختلاف العلماء في المسألة، كما إذا تنازع الولد الأكبر مع غيره في الحبوة مجّانا أو غير مجّان، أو الزوجة مع الولد في الإرث من الأراضي و عدمه، أو الأب مع البنت البالغة في ولاية العقد و نحوها.

أو يكون لأجل عدم علم المدّعى عليه بالحقّ المدّعى، كما إذا ادّعى أحد حقّا على مورّث الآخر و أجاب هو بعدم العلم، أو عليه بعينه و قال:

لا أدري، أو شيئا في يده بأنه مسروق منّي، و نحو ذلك، أو يكون لإنكار المدّعى عليه الحقّ.

و على جميع تلك التقادير: إمّا يكون عدم أهليّة غير الأهل الذي يترافعان إليه حينئذ لكونه جاهلا، أي لعدم اجتهاده و لا تقليده في المسألة.

أو يكون لعدم كونه مجتهدا مع علمه بحكم المسألة تقليدا لمجتهد حيّ يتعسّر الوصول إليه، أو لكونه فاسقا، أو لفقد شرط آخر من شرائط القضاء كالبلوغ أو الذكورة أو البصر- على القول باشتراطه- و نحو ذلك.

و على التقادير: إمّا يكون ذلك الذي لا يتأهّل للقضاء جالسا مجلس الحكم تغلّبا و جورا.

أو لا، بل يكون هناك شخص لا يتولّى القضاء فيريدون أن يترافعوا إليه.

و هذه صور كثيرة تتجاوز عن المائة بل المائتين، و الأدلّة التي ذكروها للجواز على فرض تماميّتها لا تجري إلّا في أقلّ قليل من تلك الصور، فلا تفيد لحكم الكلّية.

و التحقيق:

أنّ ما يجوز الاستناد إليه في ذلك المقام ليس إلّا دليل نفي الضرر، و جواز التوصّل إلى الحقّ بكلّ ما

أمكن لانتفاء الضرر أيضا. و هو

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 42

لا يجري في تلك الصور، إلّا في جواز ترافع من يعلم يقينا حقّه ثابتا، و لا يمكنه التوصّل إلّا بذلك، فيجوز له الترافع إلى غير الأهل لنفي الضرر الخالي عن المعارض بالمرّة.

إذ ليس سوى مثل صحيحة ابن سنان المتقدّمة «1». و هي مخصوصة بما إذا حكم بغير حكم اللّه، و المفروض أنّ المدّعي يعلم ثبوت حقّه.

و مثل المقبولة الناهية عن التحاكم إلى السلطان و القضاة، و أنّ ما يحكم به له سحت و لو كان حقّا، فإنّ فيها: عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان، أو إلى القضاة، أ يحلّ ذلك؟ قال: «من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت، و ما يحكم له فإنّما يأخذ سحتا و إن كان حقّا ثابتا له، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت، و قد أمر اللّه أن يكفر به، قال اللّه تعالى يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ » قلت: فكيف يصنعان؟ قال:

«ينظران من كان منكم» الحديث «2».

و هي- مع اختصاصها بمثل السلطان و المتولّين لمنصب القضاء بغير حقّ- ظاهرة في صورة إمكان الرجوع إلى الأهل و التوصّل به إلى الحقّ، فتبقى صورة العدم و الرجوع إلى غير السلطان و القضاة تحت إطلاق نفي الضرر بلا معارض، بل و كذلك الرجوع إلى السلطان و القضاة، كما يأتي.

و مثل الصحيحة و المقبولة الآمرة بالرجوع إلى الأهل. و اختصاصها أيضا بصورة الإمكان واضح.

فلا يكون لأدلّة نفي الضرر معارض، إلّا في صورة عدم علم المترافع

______________________________

(1) في ص: 40.

(2) الكافي 1: 67- 10، و ج 7: 412- 5، التهذيب

6: 218- 514 و 301- 845، الوسائل 27: 136 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 43

إليه بالحقّ للمدّعي، و حكم بالظنون التي لم يثبت اعتبارها في حقّه، كالبيّنة الغير المفيدة للعلم أو الإحلاف، أو ردّ الحلف، أو الاستصحاب، أو نحوها، فإنّه تعارضها حينئذ أدلّة حرمة المعاونة على الإثم، و لكنّهما يتساقطان، فيبقى أصل الجواز خاليا عن المعارض، و لكنّ الثابت منه ليس إلّا الجواز للمدّعي العالم بالحقّ.

و أمّا المترافع إليه، فلا يجوز له قبول المحاكمة أصلا، إلّا إذا علم هو أيضا ثبوت الحقّ له علما واقعيّا، لا بمثل البيّنة و الإحلاف، لأنّه ما لم يعلم واقعا ثبوت الحقّ له لا يعلم ضررا عليه، و لا منكرا من المدّعى عليه، حتى تجري في حقّه أدلّة نفي الضرر، أو وجوب النهي عن المنكر، فلا يجوز له الحكم بالظنون التي تجوز للأهل كالبيّنة و الاستصحاب و اليمين و نحوها.

نعم، لو علم ذلك يجوز له من باب النهي عن المنكر أيضا، كجواز ترافع المدّعي.

و يحلّ للمدّعي العالم بالحقّ أخذ ما أخذ بحكمه، و لكن لا يثبت حينئذ قضاء شرعيّا يجب على سائر الحكّام بعده إنفاذه، و لا على المقتدرين على الإجراء إجراءه، لأنّهم أيضا لو علموا بالحقّ كعلمه لكان واجبا على أنفسهم من باب النهي عن المنكر، و إن لم يعلموا فمن أين يعلمون حقّية حكمه، و جريان أدلّة نفي الضرر و النهي عن المنكر في حقّه حتى يجب عليهم إنفاذه؟! بل يكون مثل ما إذا كان مال من مورّث عند شخص و سمع ذلك الشخص وحده إقرار المورّث بأنّه مال زيد، فإنّه يجوز له إعطاؤه إيّاه، و لكن لو ادّعى الوارث

عليه تسمع دعواه، و لا يجب على الحكّام قبول قوله.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 44

و ظهر من ذلك أنّ الجائز من تلك الصور المتكثّرة هذه الصورة فقط، فإنّها جائزة حتى بالرجوع إلى السلاطين الجبابرة و قضاة الجور.

و المقبولة المتقدّمة و إن كانت من جهة التعليل المذكور فيها عامّة لصورة إمكان الأهل و عدمه، و لكن تعارضها أدلّة نفي الضرر بالعموم من وجه، فيرجع إلى أصل الجواز.

و يمكن إخراج صورة أخرى أيضا بأدلّة وجوب النهي عن المنكر، و هو: ما إذا كان مجتهد حيّ واحد تعذّر أو تعسّر الوصول إليه، أو مجتهدان أو أكثر كذلك، متّفقان في المسألة المتنازع فيها، و كانت المسألة ممّا يجب بناء الأمر على التقليد فيها، فيجوز للمقلّد العادل العالم برأي المجتهد الحيّ الحكم بمقتضى فتواه من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

كما إذا تحقّق عشرة أرضعه بين صبيّ و صبيّة، ثمَّ تزوّج الصبيّ بالصبيّة بعد البلوغ، ثمَّ تنازعا، و كان المجتهد أو المجتهدون الأحياء المتعسّر الوصول إليهم متّفقين في نشر الحرمة بالعشر و عدمه. و كذلك إذا وقع نكاح البالغة الباكرة بإذن الوليّ «1» و تنازع الزوجان، و أمثال ذلك، فتأمّل.

فرع: لو ترافعا إلى غير الأهل

حيث يحرم، فحكم، فهل يجوز قبول حكمه، أم يجب الرّد إن أمكن؟ فيه تفصيل.

و هو: أنّه إذا حكم، فإن كان المحكوم به ممّا يباح برضى المحكوم عليه، فلا بأس له في العمل بمقتضى حكمه إن رضي، للأصل، إلّا أنّ العمل ليس حينئذ بالحكم.

______________________________

(1) يعني بإذن الولي من دون إذنها و رضاها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 45

و إن لم يكن كذلك، بل كان منوطا بالشرع- كالحلف و النكاح و الطلاق و أمثالها- فلا يجوز.

نعم، إذا حكم

في مثله و علم المحكوم عليه مطابقته للواقع فيما هو من باب الفتوى، فيجب عليه العمل بمقتضاه، لأجل ذلك.

هذا بالنسبة إلى المحكوم عليه.

و أمّا المحكوم له، فإن كان المحكوم به من الثاني لم تجز متابعته أصلا.

و إن كان من الأول جاز عمله بمقتضاه إن رضي المحكوم عليه، و إلّا فلا، سواء كان حقّا أم لم يكن.

أمّا الثاني فظاهر. و أمّا الأول فللمقبولة، و قد ادّعى والدي العلّامة- طاب ثراه- في معتمد الشيعة الإجماع عليه.

و لا تنافيه موثّقة ابن فضّال- و فيها: ثمَّ كتب تحته: «هو أن يعلم الرجل أنّه ظالم فيحكم له القاضي، فهو غير معذور في أخذ ذلك الذي حكم له إذا كان قد علم أنّه ظالم» «1»، حيث دلّت بالمفهوم أنّه معذور إذا لم يعلم أنّه ظالم- لعموم القاضي فيها، فيجب حمله على أهله.

و لكنّ الحكم في المقبولة مختصّ بما إذا تحاكما إلى الطاغوت، و لدلالته على المبالغة يختصّ بغير الأهل الذي جعل الحكم منصبا له- كالسلاطين و القضاة و أمثالهم- فالتعدّي إلى من حكم نادرا و لم يجعل الحكم لنفسه منصبا غير معلوم، مع أنّ مقتضى الأصل حلّيّته لكونه حقّا له.

و التعدّي لاشتراك العلّة قياس باطل.

______________________________

(1) التهذيب 6: 219- 518، الوسائل 27: 15 أبواب صفات القاضي ب 1 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 46

و لا فرق في ذلك بين طواغيت المخالفين و الموافقين، للإطلاقات.

المسألة الثامنة: إذا كان مجتهدان متساويان، فالرعيّة بالخيار فيهما

في الترافع إليهما، لبطلان الترجيح بلا مرجّح.

و لو تفاوتا في العلم، فهل يتعيّن الأعلم، أم لا؟

قال في المسالك و المفاتيح: فيه قولان، مبنيّان على وجوب تقليد الأعلم و عدمه «1».

قال في التحرير: يكون الخيار للمدّعي مع التعدّد مطلقا.

ثمَّ قال: و لو تراضيا بالفقيهين و اختلف

الفقيهان نفذ حكم الأعلم الأزهد «2».

و ذهب جماعة إلى الأول، بل هو الأشهر كما في المسالك «3»، و بعضهم نفي الخلاف عنه عندنا، و نقل المحقّق الأردبيلي أنّه قد ادّعي الإجماع عليه، و نقل منع الإجماع أيضا، و قال: و يشعر بعدم الإجماع كلام الفاضل في نهاية الأصول.

و في المسالك: إجماع الصحابة على جواز تقليد المفضول مع وجود الأفضل، و اختاره المحقّق «4»، و ظاهر الأردبيلي الميل إليه، كما أنّ ظاهر المسالك التردّد «5».

و الحقّ هو:

الجواز و خيار الرعيّة مطلقا، للأصل، و الإطلاقات، و يؤيّده إفتاء الصحابة مع اشتهارهم بالاختلاف في الأفضليّة، و عدم الإنكار

______________________________

(1) المسالك 2: 353، المفاتيح 3: 247.

(2) التحرير 2: 181.

(3) المسالك 2: 353.

(4) الشرائع 4: 69.

(5) المسالك 2: 353.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 47

عليهم.

احتجّ القائلون بوجوب تقديم الأعلم بأنّ الظنّ بقوله أقوى، و الأقوى أحرى بالاتّباع.

لأنّ أقوال المفتي كالأدلّة للمقلّد، و يجب اتّباع أقواها.

و لأنّه أرجح، فاتّباعه أولى، بل متعيّن.

و لما بني عليه أصول مذهبنا من قبح تقديم المفضول على الأفضل.

و للأخبار، منها: المقبولة: قلت: فإن كان كلّ واحد منهما اختار رجلا و كلاهما اختلف في حديثنا؟ قال: «الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في الحديث و أورعهما، و لا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر» «1».

و رواية ابن الحصين: في رجلين اتّفقا على عدلين جعلاهما بينهما.

في حكم وقع بينهما فيه خلاف، فرضيا بالعدلين، و اختلف العدلان بينهما، عن قول أيّهما يمضي الحكم؟ فقال: «ينظر إلى أفقههما و أعلمهما بأحاديثنا و أورعهما فلينفذ حكمه، و لا يلتفت إلى الآخر» «2».

و رواية النميري: سئل عن رجل يكون بينه و بين أخ له منازعة في حقّ، فيتّفقان على

رجلين يكونان بينهما، فحكما فاختلفا فيما حكما، قال: «و كيف يختلفان؟» قلت: حكم كلّ واحد منهما للذي اختاره الخصمان، فقال: «ينظر إلى أعدلهما و أفقههما في دين اللّه فيمضي

______________________________

(1) الكافي 1: 67- 10، الفقيه 3: 5- 18، التهذيب 6: 301- 845، الاحتجاج 2: 356، الوسائل 27: 106 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.

(2) الفقيه 3: 5- 17، التهذيب 6: 301- 843، الوسائل 27: 113 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 48

حكمه» «1».

و الجواب عن الأول، أمّا أولا:

فبأنّه إنّما يتمّ على القول بأنّ متابعة المقلّد لقول مجتهده لأجل أنّه محصّل للظنّ بالواقع، و هو ممنوع، لجواز أن يكون هذا حكما آخر نائبا مناب الحكم الواقعي و إن لم يحصل الظنّ به، كالتقيّة و شهادة الشاهدين و اليمين.

و لو كان بناء القضاء على الظنون لزم عدم سماع دعوى كنّاس على مجتهد أنه آجره للكناسة، و دعوى شرّير متغلّب على مجتهد عادل في دراهم، و لزم أن يقضي بالشاهد الواحد إذا كان مفيدا للظنّ، سيّما إذا كان المدّعي معروفا بالصلاح و السداد، و المدّعى عليه بخلافه.

و حينئذ، فلا دليل على اعتبار الأقوى، بل لا معنى للأقوى و الأقرب و الأرجح.

و أمّا ثانيا:

فلمنع إطلاق كون الظنّ بقوله أقوى، إذ مع موافقة قول غير الأعلم لقول مجتهد آخر حيّ أو ميّت يزعمه الرعيّة أعلم- بل مع احتمالها- كيف يكون الظنّ من قول الأعلم أقوى؟! و أيضا قد يتمكّن غير الأعلم من الأسباب ما لا يتمكّن منها الأعلم، فيكون الظنّ الحاصل من قوله أقوى.

و أمّا ثالثا:

فلمنع وجوب تقديم الأقوى، غاية الأمر: الرجحان.

و من هذا يظهر جواب الثاني أيضا.

و عن الثالث:

بأنّه قياس للقضاء و

الفتوى على الإمامة، فإنّ قبح تقديم المفضول في أصول مذهبنا في الأخير، و القياس باطل.

______________________________

(1) التهذيب 6: 301- 844، الوسائل 27: 123 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 45.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 49

مع أنّه مع الفارق، كما صرّح به المحقّق الأردبيلي، قال: لأنّ الإمامة كالنبوّة في الاتّباع المحض له و التفويض إليه بالكلّية، و يحكم بالعلم البديهي و يحتاج إلى علم إلهي في جميع الأمور، و منشأ الفتوى و الحكم النصّ المستفاد عن بعض القرائن، و قد يفرض وصول مفضول إلى الحقّ دون الفاضل، و لا محذور فيه، و لا يمكن ذلك في أصل الإمامة و النبوّة، فإنّ المدار هنا على العلم الحقّ، و لهذا جوّز إمامة المفضول للفاضل في الصلاة، و جوّز للإمام نصب القاضي من غير اشتراط تعذّر الوصول إليه.

و عن الرابع:

بأنّ الأخبار مختصّة بما إذا اختار كلّ من المترافعين مجتهدا، أو ترافعا إلى مجتهدين فاختلفا، فلا يمنع من جواز اختيارهما غير الأعلم، أو من إمضاء حكمه بعد ترافعهما إليه و حكمه، لو رجع أحدهما، مع أنّها تدلّ على اشتراط الأورعيّة أو الأعدليّة في تقديم الأعلم أيضا، فلا يثبت مطلقا.

و القول: بأنّ أصل العدالة الحاجزة عن المسامحة أو الكذب حاصل لهما، فلا اعتبار بزيادة العدالة.

اجتهاد في مقابلة النّص، و معارض بأنّ أصل العلم الموجب لفهم الأحكام حاصل لهما، فلا وجه لاعتبار الزيادة إلّا تقوية الظنّ لقوّة فهمه، و هي أيضا متحقّقة في اعتبار الأعدليّة من جهة تقوية الظنّ في بذل غاية جهده، و استفراغ وسعه، و إخباره برأيه، و عدم الميل في الأحكام و لو مع البواعث القويّة.

مع أنّ الوارد في المقبولة الاختلاف في الحديث، و لا شكّ أنّ مدخليّة

الأعدليّة و الأصدقيّة في الترجيح حينئذ أكثر من الأعلميّة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 50

و ظهر ممّا ذكرنا: أنّ الحقّ اختصاص ترجيح الأعلم بمورد النصوص، و هو ما إذا اختلف المترافعان أولا في الاختيار كما في المقبولة، أو اتّفقا على رجلين فاختلفا كما في الروايتين- كما هو ظاهر الفاضل في التحرير «1»- و أنّ اللّازم ترجيحه حينئذ أيضا هو الأعلم و الأعدل معا، فلو فضل أحدهما في أحدهما و تساويا في الآخر أو رجح الآخر في الآخر فلا يجب الترجيح.

ثمَّ المراد بالأعلميّة و الأعدليّة: الزيادة الظاهرة الكثيرة، و لا اعتبار باليسير منها، لعدم اتّفاق التساوي الحقيقي غالبا.

و المراد بالأعلميّة: الأعلميّة في الأحاديث، و في دين اللّه- كما في الروايتين- فلا اعتبار بالأعلميّة في العلوم الأخر، كالطبيعي و الرياضي و الطبّ، بل الكلام، و لو باعتبار بعض مسائلها المعيّنة في الأحكام، لعدم إيجاب ذلك الأعلميّة في الأحاديث و في دين اللّه.

و الأعلميّة في الأحاديث تكون تارة: بأكثريّة الإحاطة بها، و الاطّلاع عليها.

و اخرى: بالأفهميّة لها، و أدقّية النظر، و أكثريّة الغور فيها.

و ثالثة: بزيادة المهارة في استخراج الفروع منها، و ردّ الجزئيّات إلى كلّياتها.

و رابعة: بزيادة المعرفة بصحيحها و سقيمها و أحوال رجالها، و فهم وجوه الخلل فيها.

و خامسة: بأكثريّة الاطّلاع على ما يتوقّف فهم الأخبار عليها من علم اللغة و قواعد العربيّة و النحو و الصرف و البديع و البيان و نحوها.

______________________________

(1) التحرير 2: 181.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 51

و سادسة: باستقامة السليقة، و وقادة الذهن، و حسن الفهم فيها، كما أشار إليه في بعض الأخبار المتقدّمة بقوله: «و حسن الاختيار».

و سابعة: بأكثريّة الاطّلاع على أقوال الفقهاء التي هي كالقرائن في فهم

الأخبار، و مواقع الإجماعات، و أقوال العامّة التي هي من المرجّحات عند التعارض، و في فهم القرآن الذي هو أيضا كذلك.

و الأعلم الذي يمكن الحكم الصريح بوجوب تقديمه هو: الأعلم بجميع تلك المراتب، أو في بعضها مع التساوي في البواقي. و إلّا فيشكل الحكم بالتقديم.

و من ذلك تظهر ندرة ما يحكم فيه بوجوب التقديم البتّة، و اللّه سبحانه العالم.

المسألة التاسعة: إذا كان هناك مجتهدان أو أكثر يتخيّر فيهما الرعيّة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 17    51     المسألة التاسعة: إذا كان هناك مجتهدان أو أكثر يتخير فيهما الرعية ..... ص : 51

فالحكم لمن اختاره المدّعي، و هو المتّبع إجماعا، له، و لأنّه المطالب بالحقّ و لا حقّ لغيره أولا، فمن طلب منه المدّعي استنقاذ حقّه يجب عليه الفحص، فيجب اتّباعه، و لا وجوب لغيره، و هذا ممّا لا إشكال فيه.

و إنّما الإشكال إذا كان كلّ منهما مدّعيا من وجه، كما إذا اختلف رجلان في امرأة باكرة رشيدة زوّجت نفسها لأحدهما، و زوّجها أبوها للآخر، و لم تكن تحت يد أحدهما.

و كما إذا اختلف أكبر الذكور مع غيره فيما ليس في يد أحدهما ممّا اختلف الفقهاء في أحبائه أم لا.

و كما إذا ادّعى مدّعيان شيئا في يد ثالث معترف بأنّه من أحدهما، و نحو ذلك.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 52

و إنّما قيّدنا في المثال الأول بقولنا: و لم تكن تحت يد أحدهما، و في المثال الثاني: بما ليس في يد أحدهما، و كذلك الثالث، لأنّه مع كونه في يد أحدهما يكون الآخر هو المدّعي، و يقدّم من قدّمه.

ثمَّ إنّا بيّنا المقدّم من الحاكمين في مثل ذلك في مسألة الاختلاف في الحبوة من كتاب الفرائض، و أنّه هو الأعلم و الأعدل مع اختلاف

الحاكمين في الوصفين، تبعا للحكم بتقديمه في الروايات المتقدّمة.

و أنّه يقدّم من سبق إليه أحد المدّعيين فحكم «1»، لأنّه حاكم حكم بحكم لمطالب ذي حقّ فيجب اتّباعه و إمضاؤه، و يحرم الردّ عليه و نقض حكمه، و الرادّ عليه كالرادّ على اللّه، و المستخفّ بحكمه كالمستخفّ بحكم الإمام، كما في المقبولة.

و لو استبق كلّ منهما إلى حاكم، فإن سبق أحدهما بالحكم فيقدّم حكمه.

و إن أحضر كلّ من الحاكمين غريم من ترافع إليه، فإن أجاب أحد الخصمين دعوة حاكم خصمه فالحكم حكمه.

و إن أبى كلّ إلّا حكم حاكمه، فإن سبق أحد الحاكمين على الحكم بالغائب فهو المتّبع.

و إن لم يسبق- إمّا لعدم كون رأيهما الحكم على الغائب، أو لاشتباه السابق منهما و عدم إمكان التعيين، أو لاتّفاق التقارن في الحكم- فيشكل الأمر.

و الظاهر في غير الأخير الرجوع إلى القرعة، لأنّها لكلّ أمر مجهول.

______________________________

(1) في «س»: ليحكم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 53

و في الأخير عدم نفوذ شي ء من الحكمين، لعدم ثبوت نفوذ مثل ذلك.

المسألة العاشرة: ثبوت الاجتهاد

- بالعلم الحاصل من الاستفاضة العلميّة، و القرائن المفيدة للعلم، و المخالطة الموجبة له لمن له رتبة فهمه- واضح.

و بالاستفاضة الظنّية- بل بمطلق الظنّ- محلّ الخلاف. و الأقوى عدم الثبوت، وفاقا للمعارج و الذّريعة و المعالم و الوافية و معتمد الشيعة و تجريد الأصول لوالدي «1»، بل الأكثر كما قيل: للأصل، و الظواهر الناهية عن اتّباع الظنّ.

و خلافا للفاضل في التهذيب، فقال بكفاية غلبة الظنّ، و حكي عن مبادئه و نهايته أيضا «2»، و عن شرح المبادي لفخر المحقّقين و المنية للعميدي و الذكرى و الروضة و الجعفريّة و المقاصد العليّة «3»، و بعض من عاصرناه.

لإطلاق آية السؤال «4».

و لعدم وسيلة

للمقلّد إلى تحصيل العلم بالاجتهاد.

و للزوم العسر و الحرج لولاه.

و لأصالة عدم لزوم تحصيل العلم و عدم وجوب الرجوع إلى المعلوم اجتهاده.

و لعدم ثبوت اشتغال الذمّة بالرجوع إلى من ظنّ اجتهاده.

______________________________

(1) معارج الأصول: 201، الذريعة 2: 801، معالم الأصول: 239.

(2) مبادي الوصول: 247.

(3) الذكرى: 3، الروضة 3: 67.

(4) النحل: 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 54

و يضعّف الأول: بمنع شمول إطلاق الآية لمن ظنّ اجتهاده، فإنّ كون من ظنّ أنّه من أهل الذكر من أهله غير ثابت.

و الثاني: بأنّ العامّي و إن لم يتمكّن بنفسه و اختباره «1» من تحصيل العلم، و لكنّه يتمكّن من تحصيله من الاستفاضة و الأخبار المحفوفة بالقرائن المفيدة للقطع، كيف؟! و إنّا نرى العوام و المقلّدين مع كثرتهم و عدم حصرهم جازمين قاطعين باجتهاد جمع من مجتهدي عصرنا من المشايخ بحيث لا يرتابون فيه أصلا، بل و كذا باجتهاد جمع من المجتهدين الماضين، و ذلك أقوى تضعيف لذلك الدليل.

و لو سلّمنا عدم إمكان تحصيله العلم، فهو أيضا غير ضائر بعد حجّية الظنّ المخصوص له، كشهادة العدلين.

و منه يعلم ضعف الثالث أيضا. مع أنّه إن فرض تعسّر تحصيل المجتهد المعلوم اجتهاده فنقول: إن حصّله يرجع إليه، و إلّا فعليه ما عليه لو لا المظنون اجتهاده أيضا.

و الرابع: بمعارضته مع أصول أخر أقوى ممّا ذكر و مزيله له.

و منه يعلم ضعف الخامس أيضا، فإنّ ذلك إنّما يفيد لو لم يعارضه أصل آخر و ثبت من أدلّة التقليد جواز الرجوع إلى القدر المشترك.

نعم، يستثنى من الظنّ المنهيّ عن اتّباعه هنا شهادة العدلين، بل من غير ملاحظة إفادة الظنّ أيضا لو لم يظنّ خلافها، وفاقا للمحكي عن المعالم و المقاصد العلّية و معتمد

الشيعة و التجريد «2»، لأصالة قبول شهادة العدلين

______________________________

(1) في «ح»: و اختياره.

(2) معالم الأصول: 239.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 55

و حجّيتها، كما بيّناها مفصّلا في كتاب عوائد الأيّام «1».

و يدلّ عليها قول الصادق عليه السّلام- في صحيحة حريز- لابنه إسماعيل:

«فإذا شهد عندك المؤمنون فصدّقهم» «2».

و إطلاق مثل رواية السكوني: «إنّ شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا كان مرضيّا و معه شاهد آخر» «3».

و صحيحة عمّار: «إذا كان خيّرا جازت شهادته لأبيه، و الأب لابنه، و الأخ لأخيه» «4»، و غير ذلك. و كونه في مقام بيان حكم آخر لا يضرّ، كما بينّاه في موضعه.

و مرسلة يونس: «استخراج الحقوق بأربعة وجوه: بشهادة رجلين عدلين» الحديث «5».

فإنّ ولاية الاجتهاد أيضا حقّ ثابت من اللّه و من حججه للمجتهد.

خلافا للمحكيّ عن الذريعة و المعارج و الجعفريّة و الوافية «6»، للأصل المندفع بما مرّ.

و هل يشترط كون العدلين مجتهدين، أم لا؟

الظاهر: نعم، بمعنى: كونهما مقتدرين على الترجيح في الجملة في

______________________________

(1) عوائد الأيام: 273.

(2) الكافي 5: 299- 1، الوسائل 19: 82 أبواب أحكام الوديعة ب 6 ح 1.

(3) التهذيب 6: 286- 790، الوسائل 27: 368 أبواب الشهادات ب 26 ح 5.

(4) الكافي 7: 393- 4، الفقيه 3: 26- 70، التهذيب 6: 248- 631، الوسائل 27: 367 أبواب الشهادات ب 26 ح 2.

(5) الكافي 7: 416- 3، التهذيب 6: 231- 562، الوسائل 27: 241 أبواب كيفية الحكم ب 7 ح 4.

(6) الذريعة 2: 801، معارج الأصول: 201.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 56

المسائل الشرعيّة، بناء على ما سيأتي في بحث الشهادات، و ذكرناه في العوائد «1»، من أنّ الشهادة المقبولة إنّما هي المستندة إلى الحسّ عرفا، و المحسوس فيما

نحن فيه هو مشاهدة ترجيحاته المطابقة للقواعد و ملاحظتها، و لا يتمكّن غير المجتهد من فهم المطابقة و الصحّة، إذ كلّ من يدرك ذلك فهو مجتهد. و قياس الاجتهاد على النظم- حيث إنّ لغير الشاعر درك موزونيّة الشعر- باطل.

نعم، يكفي للشاهد كونه متجزّيا، بل يكفي كونه مدركا لصحّة الترجيح الموقوف على تمكّنه من الترجيح، و إن لم يتكرّر ذلك منه بعد، بحيث تحصل له الملكة الحاصلة بتكرّر الترجيحات و القوّة القدسيّة، فتأمّل.

و إن شئت قلت باشتراط كونهما عالمين بمقدّمات الاجتهاد، مشرفين على حصول الاجتهاد بمعنى الملكة، و لكن فهم ذلك على العوام مشكل.

______________________________

(1) عوائد الأيام: 273.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 57

البحث الثاني في آداب القاضي و وظائفه
اشاره

اعلم أنّهم ذكروا آدابا كثيرة و وظائف عديدة للقاضي، بعضها يتعلق بالنائب الخاصّ، و بعضها مشترك بينه و بين العامّ، و لعدم ترتّب فائدة على الأول نقتصر ها هنا على الثاني.

ثمَّ الآداب المشتركة على قسمين:

أحدهما: ما هو أدب و وظيفة لمن اتّخذ القضاء شغلا و منصبا، و صار علما بذلك مرجعا للأنام، و جلس مجلس الحكومة، و تشمّر لتلك الرئاسة العامّة، فتولّى ذلك الشغل الخطير، و تكفّل لذلك المهمّ العظيم، و اتّخذه الرعيّة حاكما و قاضيا، و عرف بذلك، إمّا لأجل نصب الإمام له بخصوصه، أو للوجوب العينيّ أو الكفائيّ له في زمان الغيبة.

و الثاني: ما هو أدب و وظيفة لمطلق الحكم، و لو لمن لم يعرفه الناس، و اتّفق له أن يحكم حكما واحدا.

فما كان من الأول يكون آداب المنصب و الرئاسة، و الثاني آداب الحكم و لو كان واحدا.

و مثل الفريقين مثل أئمّة الجماعات، فإنّ منهم من اتّخذ الإمامة ديدنا، و فرّغ نفسه لها في جميع الأوقات أو أكثرها، و

منهم من ليس كذلك و إن ائتمّ به من يعرفه بالعدالة مرّة أو مرّات.

و يمكن أن يكون نظر كثير من الأصحاب- حيث قرّروا عنوانين،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 58

أحدهما لآداب القاضي، و الثاني لوظائف الحكم- إلى ذلك أيضا، و إن أدخل بعضهم بعضا من كلّ منهما في الآخر، و نحن أيضا نذكرهما في عنوانين و إن دخل بعض من الثاني في الأول، لأنّ الأمر فيه سهل.

فلنذكر ها هنا ما يتعلّق بالأول، و نذكر الباقي في بحث وظائف الحكم، و نورد ما يتعلّق بالأول في طيّ مسائل:

المسألة الأولى: ينبغي له أن يستحضر حكمه أهل العلم،

و يشاورهم، و يناظرهم، لا لتقليدهم، بل لينبّهوه على الخطأ إن وقع منه سهوا و غفلة، و يستوضح منهم ما عسى أن يشكل عليه.

و منه يظهر أنّه لا ينحصر من ينبغي إحضاره بالمجتهدين، إذ يجوز لغير المجتهد تنبيه المجتهد إذا نسي أو غفل، فإنّه قد يعرف المفضول ما لا يعرفه الفاضل، و يتنبّه التلميذ لما لا يتنبّه له الأستاذ. فما في المسالك- من أنّ المراد من أهل العلم المجتهد- ليس بجيّد.

و أن يجمع ما يتعلّق بكلّ يوم و أسبوع و شهر و سنة من القضايا و وثائقها و حججها، و يكتب عليها تأريخها و أسامي أهلها، فإن اجتمع كلّ شهر كتب عليه شهر كذا، أو سنة فسنة كذا، أو يوم فيوم كذا، ليكون أسهل عليه و على من بعده من الحكّام في استخراج المطلوب منها وقت الحاجة.

المسألة الثانية: ينبغي له أن يتّخذ كاتبا

، لمسيس الحاجة، و عمل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و خلفائه.

و يشترط كونه: بالغا، عاقلا، مسلما، عدلا، بصيرا، ليؤمن من خيانته و انخداعه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 59

و يستحبّ كونه: فقيها، جيّد الخطّ، عفيفا من الطمع، لئلّا ينخدع عن غيره بمال و مثله.

و ينبغي أن يجلس بين يديه ليملي عليه و يشاهد ما يكتب.

المسألة الثالثة: القضاء في المسجد مكروه مطلقا

، وفاقا للأكثر كما في معتمد الشيعة، لمرسلة ابن أسباط: «جنّبوا مساجدكم الشرى، و البيع، و المجانين، و الصبيان، و الأحكام، و الضالّة، و الحدود، و رفع الصوت» «1».

و مرسلة الفقيه: «جنّبوا مساجدكم صبيانكم، و مجانينكم، و رفع أصواتكم، و شراءكم، و بيعكم، و الضالّة، و الحدود، و الأحكام» «2».

و الاستدلال بالنبويّ: «جنّبوا مساجدكم صبيانكم، و مجانينكم، و خصوماتكم» «3» منظور فيه.

و قيل باستحبابه كذلك «4»، لأنّ المسجد للذكر، و منه القضاء، و لكونه أفضل الأعمال اللّائق بأشرف البقاع.

و قيل بالإباحة كذلك «5»، للأصل، و فعل عليّ عليه السّلام، حتى أنّ دكّة قضائه مشهورة.

و قيل بكراهة الدائم دون غيره، جمعا بين أدلّة المنع و الجواز «6».

و الجواب:

أمّا عن أول دليلي الاستحباب: فيمنع كون المسجد لمطلق

______________________________

(1) التهذيب 3: 249- 682، علل الشرائع: 319- 2، الخصال: 410- 13، الوسائل 5: 233 أبواب أحكام المساجد ب 27 ح 1.

(2) الفقيه 1: 154- 716، الوسائل 5: 234 أبواب أحكام المساجد ب 27 ح 4.

(3) سنن ابن ماجه 1: 247- 750.

(4) كما في المراسم: 656.

(5) كما في التنقيح 4: 241.

(6) كما في الدروس 2: 73.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 60

الذكر، بل في رواية جعفر بن إبراهيم: «إنّما نصبت المساجد للقرآن» «1».

سلّمنا، و لكن كون القضاء ذكرا ممنوع.

و أمّا عن ثانيهما:

فبأنّه اجتهاد في مقابلة النصّ.

و أمّا عن دليلي الإباحة: فباندفاع الأصل بما مرّ، و عدم ثبوت فعل عليّ عليه السّلام. و اشتهار الدكّة لا يثبته، لمنع ثبوتها أولا، و كونها دكّة قضاء علي عليه السّلام ثانيا، و كونها من المسجد في الصدر الأول ثالثا.

و أمّا عن دليل التفصيل: فبأنّ المراد بأدلّة الجواز إن كان أدلّة جواز القضاء في المسجد فلا دليل، و إن كان أدلّة جوازه مطلقا فالجمع بالتخصيص متعيّن كما هو القاعدة، مع أنّ هذا الجمع لا شاهد له.

فإن قيل:

وجوب القضاء فوريّ، و هو مناف لكراهيّته.

قلنا:

الثابت الفوريّة العرفيّة دون الحقيقيّة، فيخرج عن المسجد و يقضي.

المسألة الرابعة: قالوا: يكره له اتخاذ الحاجب

. و المراد به: ما يمنع من وصول المتخاصمين إليه مطلقا.

للنبويّ: «من ولي شيئا من أمور الناس فاحتجب دون حاجتهم و فاقتهم احتجب اللّه تعالى دون حاجته و فاقته و فقره» «2».

و لأنّ قضاء حاجتهم مطلوب، فتركه مكروه، و اتّخاذ الحاجب سببه، و سبب المكروه مكروه.

و ربّما نقل قول بتحريمه عن بعض الفقهاء، و قرّبه فخر المحقّقين إن كان على الدوام، و استحسنه الشهيد الثاني «3». و الأقرب: الكراهة.

______________________________

(1) الكافي 3: 369- 5، التهذيب 3: 259- 725، الوسائل 5: 213 أبواب أحكام المساجد ب 14 ح 1.

(2) مستدرك الحاكم 4: 93، سنن البيهقي 10: 101.

(3) كل ذلك في المسالك 2: 358.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 61

و لا بدّ من تقييده بما إذا لم يجب عليه القضاء مطلقا أو فورا، و إلّا يحرم، لأنّ سبب الحرام حرام.

و بما إذا كان في مكان غير مباح لمن لم يأذنه، و إلّا فلا يجوز له المنع.

فإن قيل:

فعلى هذا يتعارض دليل الاستئذان مع دليل الكراهة و الحرمة هنا.

قلنا:

لا تعارض، لأنّ مدلول الأول

لزوم استئذان الداخل، و مدلول الثاني رجحان إذن القاضي.

و بما إذا لم يكن له أمر مساو أو أهمّ، و إلّا فيجوز أو يستحبّ.

و لكنّ ذكر القيدين الأخيرين غير لازم، لأنّ الكلام في القاضي من حيث هو قاض، و لذا خصّصنا الممنوع بالمتخاصمين، فإنّ كراهة منعهما أوجب جعله من آداب القاضي.

و أمّا منع سائر المؤمنين من المتزاورين و المتردّدين فغير مخصوص به، و ليس هنا موقع تحقيقه، و لذا اقتصروا بذكر ما يدلّ على كراهة منع الوالي مع تكثّر أخبار المنع عن الاحتجاب.

المسألة الخامسة: يكره القضاء مع الغضب، و الجوع، و العطش، و الهمّ، و الحزن، و مدافعة الأخبثين.

للحسن: «من ابتلي بالقضاء فلا يقضي و هو غضبان» «1».

و مرفوعة البرقي: «لا تقضينّ و أنت غضبان» «2».

______________________________

(1) الكافي 7: 413- 2، الفقيه 3: 6- 19، التهذيب 6: 226- 542، الوسائل 27:

213 أبواب آداب القاضي ب 2 ح 1.

(2) الكافي 7: 413- 5، الفقيه 3: 7- 24، التهذيب 6: 227- 546، الوسائل 27:

213 أبواب آداب القاضي ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 62

و رواية سلمة: «و لا تقعدنّ في مجلس القضاء حتى تطعم» «1».

و في النبويّ: «لا يقضي إلّا و هو شبعان ريّان» «2».

و في آخر «لا يقضي و هو غضبان مهموم و لا مصاب محزون» «3».

و قد يستثنى الغضب للّه تعالى، لقضيّة الزبير و الأنصاري «4». و فيه نظر.

و المرويّ في أمالي الشيخ: إنّ رجلا سأل أمير المؤمنين عليه السّلام عن سؤال فبادر فدخل منزله، ثمَّ خرج فقال: «أين السائل؟» فقال الرجل: ها أنا يا أمير المؤمنين، قال: «ما مسألتك؟» قال: كيت و كيت، فأجابه عن سؤاله، فقيل: يا أمير المؤمنين كنّا عهدناك إذا سئلت عن المسألة كنت فيها كالسكّة المحماة جوابا، فما بالك أبطأت اليوم عن جواب

هذا الرجل حتى دخلت الحجرة؟ فقال: «كنت حاقنا، و لا رأي لثلاثة: لا لحاقن، و لا حاقب، و لا حازق» «5».

و قد صرّحوا بكراهة سائر ما يشبه المذكورات من شاغلات النفس و مشوبات الخاطر، و لا بأس به و إن لم أعثر على نصّ عامّ.

و يمكن استنباط الجميع من التعليل المذكور في المرويّ عن الأمالي.

المسألة السادسة: يكره له تولّي التجارة

، لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «ما عدل وال

______________________________

(1) الكافي 7: 412- 1، الفقيه 3: 8- 28، التهذيب 6: 225- 541، الوسائل 27:

211 أبواب آداب القاضي ب 1 ح 1.

(2) سنن البيهقي 10: 106.

(3) أورده في المسالك 2: 359 و الرياض 2: 389، و لم نعثر على مصدره.

(4) كما في سنن البيهقي 6: 153.

(5) أمالي الشيخ الطوسي: 525. قال في معاني الأخبار: 237، الحاقن الذي به البول، و الحاقب الذي به الغائط، و الحازق الذي به ضغطة الخف.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 63

اتّجر في رعيّته» «1».

و أمّا البيع و الشراء نادرا- بحيث لا تصدق التجارة- فلا يكره، و ينبغي تركه، لبعض الاعتبارات العقليّة.

و الانقباض المانع من اللحن بالحجّة.

و اللين الباعث على الجرأة، و تكلّمهم بما لا يعني.

و ارتكاب الحكومة بنفسه، أي أن يحضر مع خصمه في منازعة بين يدي قاض، قيل: لما روي: أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام و كلّ عقيلا في خصومة، و لما روي أنّ: «للخصومات قحما و إنّي لأكره أن أحضرها» «2».

و في دلالتهما نظر، و قد حضر أمير المؤمنين عليه السّلام المحاكمة في دعوى درع طلحة «3» و غيرها.

نعم، يدلّ على كراهته بعض الاعتبارات.

المسألة السابعة: يستحبّ أن يكون كاتبه- إن احتاج إليه- فقيها

، جيّد الخطّ- لئلّا يغلط في الكتابة، و لا يشتبه خطّه- بالغا، عاقلا، مسلما، عادلا، بصيرا بما هو موكول إليه. بل ربّما يجب بعض ذلك، لتؤمن خيانته و انخداعه بتزوير بعض الخصوم.

و أن يجلس كاتبه بين يديه ليملي عليه المطالب، فيكتبها و يشاهد ما يكتبه، ليأمن من الغلط.

و إذا افتقر القاضي إلى مترجم فلا بدّ من مترجمين عدلين.

______________________________

(1) الجامع الصغير للسيوطي 2: 500- 7941، المغني لابن قدامة 11: 440- 8269.

(2) شرح نهج البلاغة لابن

أبي الحديد 19: 107- 260، و القحمة: المهلكة- مجمع البحرين 6: 134.

(3) الكافي 7: 385- 5، الفقيه 3: 63- 213، التهذيب 6: 273- 747، الاستبصار 3: 34- 117، الوسائل 27: 265 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 64

البحث الثالث في بعض الأحكام المتعلّقة بالقاضي
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: اختلفت كلماتهم في جواز أخذ الأجرة و الجعل على القضاء

من المتخاصمين أو أحدهما أو غيرهما.

فقال في الكفاية: و لا أعرف خلافا بين الأصحاب في أنّه لا يجوز له أخذها من المتخاصمين مع وجود الكفاية من بيت المال، و مع وجود الحاجة إليه ففي جواز أخذه منهما أو من أحدهما قولان، أشهرهما:

المنع «1». انتهى.

و نقل والدي في معتمد الشيعة الإجماع على الحرمة صريحا مع عدم الحاجة.

و قال في التحرير: أمّا أخذ الأجرة عليه فإنّه حرام بالإجماع، سواء تعيّن عليه أو لم يتعيّن، و سواء كان ذا كفاية أو لا «2».

و في المسالك: فمع وجود الكفاية من بيت المال لا يجوز له أخذها من المتخاصمين مطلقا، و مع عدمها و وجود الحاجة إليها ففي جواز أخذه منهما أو من أحدهما قولان، أشهرهما: المنع «3». انتهى.

و ظاهره أيضا عدم الخلاف في المنع مع وجود الكفاية.

______________________________

(1) الكفاية: 262.

(2) التحرير 2: 180.

(3) المسالك 2: 354.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 65

و قال بعض الأجلّة: و لو أخذ الجعل من المتخاصمين، فإن لم يتعيّن للحكم و حصلت الضرورة قيل: جاز، و إن تعيّن للقضاء أو كان مكتفيا لم يجز له أخذ الجعل قولا واحدا «1». انتهى.

و عن المبسوط أنّه قال: عندنا لا يجوز بحال «2». و ظاهره الإجماع على المنع في الصورتين، و نقل الإجماع عليه عن الخلاف أيضا «3».

و قال في الشرائع: أمّا لو أخذ الجعل من المتحاكمين ففيه خلاف، و الوجه التفصيل، فمع عدم التعيين و حصول الضرورة قيل: يجوز، و الأولى المنع، و لو اختلّ أحد الشرطين لم يجز «4». انتهى.

و ظاهره وجود الخلاف مع عدم الضرورة أيضا.

و قال في المفاتيح: أمّا لو شرط على المتخاصمين أو أحدهما جعلا ليفصل الحكومة بينهما- من

غير اعتبار الحكم لأحدهما، بل من اتّفق الحكم له منهما على الوجه المعتبر- جاز عند بعضهم «5».

و ظاهره الجواز في الحالين أيضا.

و قال في شرحه: و المشهور أنّ القاضي لو شرط على المتخاصمين أو أحدهما بذله جعلا له- ليفصل المنازعة من غير اعتبار أن يحكم للباذل بخصوصه- جاز له أخذ ذلك، بل لو شرط الجعل على من اتّفق الحكم لأحدهما على الوجه الموافق للحقّ- بأن قال: من غلب منكما فلي عليه كذا- جاز أيضا عند الأكثر. انتهى.

______________________________

(1) كشف اللثام 2: 143.

(2) نقله عنه في كشف اللثام 2: 143، و قد يستفاد من المبسوط 8: 85.

(3) الخلاف 2: 598.

(4) الشرائع 4: 69.

(5) المفاتيح 3: 251.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 66

و ظاهره أيضا الجواز، بل شهرته في الحالين.

و نقل عن الحلبي و الحلّي و المحقّق الثاني «1» و جماعة «2»: المنع.

و عن المفيد و النهاية و القاضي: الجواز مع الكراهة «3».

و كيف كان، فالحقّ: عدم الجواز مطلقا مع الكفاية، لظاهر الإجماع، و لما مرّ في بحث التجارة من عدم جواز أخذ الأجرة على الواجب.

و لصحيحة ابن سنان: عن قاض بين فريقين يأخذ من السلطان على القضاء الرزق، فقال: «ذلك السحت» «4»، فإن الظاهر من الرزق على القضاء كونه بإزائه، فيكون أجرا، و هو غير ارتزاق القاضي كما يأتي. و بذلك يظهر ضعف تضعيف دلالتها، و احتمال حمل السحت فيها على الكراهة بالإجماع على حلّية الارتزاق.

و المرويّ في الخصال: «السحت أنواع كثيرة»، و عدّ منها أجور القضاة «5».

مضافا في صورة التعيين إلى عدم جواز توقيف أحد الواجب عليه على الشرط، لأنّه عمل لنفسه لا لأحد المتحاكمين. بل قد يضاف ذلك في صورة عدم التعيين أيضا، لما

ذكر.

و فيه: أنّ المسلّم عدم جواز التوقيف في الواجب العيني، و لذا قيل

______________________________

(1) الحلبي في الكافي في الفقه: 283، و الحلي في السرائر 2: 217، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 36.

(2) منهم المحقق في الشرائع 4: 69، و العلّامة في القواعد 2: 202، و الشهيد في الدروس 2: 69.

(3) المفيد في المقنعة: 588، النهاية: 367، و القاضي في المهذب 2: 586.

(4) الكافي 7: 409- 1، الفقيه 3: 4- 12، التهذيب 6: 222- 527، الوسائل 27:

221 أبواب آداب القاضي ب 8 ح 1.

(5) الخصال: 329- 26، الوسائل 17: 95 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 67

بجواز أخذ الأجرة فيما لا تشترط فيه القربة من الكفائيّات، غاية الأمر أنّ إيجاد ما تعلّق به الوجوب لا يكون من جهة امتثال أمر الشارع، و لا يكون الفاعل ممتثلا، و لا يلزم منه عقاب، أمّا على الفاعل فلعدم الوجوب عليه، و أمّا على الجميع فلسقوط الواجب عنهم، لأنّ الواجبات الكفائيّة الغير المشروطة بالقربة توصّليّة، و لازم الوجوب التوصّلي تقييده بعدم تحقّق التوصّل، فإذا حصل سقط.

و لكن الحقّ- كما سبق في كتاب التجارة- عدم جواز الأجرة على الواجب على الفاعل مطلقا، عينيّا أو كفائيّا، محتاجا إلى نيّة القربة أم لا.

و أمّا مع الضرورة و عدم الكفاية، فمع التعيين لا يجوز أيضا إجماعا كما صرّح به والدي في معتمد الشيعة، لأنّ اشتراط الجعل توقيف لامتثال أمر الشارع الواجب عليه على شرط و هو غير جائز.

و أمّا بدون التعيين، فقيل: يجوز، لانحصار الدليل على المنع حينئذ بإطلاق الصحيحة و الرواية، و هو معارض بأدلّة نفي الضرر، و هي راجحة بموافقة الكتاب و معاضدة

الاعتبار و أكثريّة الأخبار، و لو لا الرجحان أيضا لكان المرجع إلى أصالة الجواز.

و لا يرد انتفاء الضرر بتحصيل الكفاية من المعدّات لذوي الحاجات و المبرّات، لأنّ المفروض انتفاؤها أو تعسّر أخذها عليه.

و منعها والدي رحمه اللّه بإمكان دفع الضرر بترك القضاء و خروجه عن الاستحباب حينئذ.

و الحاصل: أنّ تعارض أدلّة نفي الضرر مع أدلّة حرمة الأجر إنّما هو إذا لم يجز ترك القضاء، و مع عدم التعيين يجوز، فلا تعارض، فيعمل

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 68

بالدليلين بترك القضاء الذي لا محذور فيه.

و هو كذلك، فالحرمة حينئذ هي الأقوى، لتعارض دليلي نفي الضرر و حرمة الأجرة مع دليل القضاء، فلا يعلم الإذن في القضاء هنا، فلا يجوز.

و منه يظهر فساد ما قد يقال من حصول ذلك التعارض مع التعيين أيضا بين دليل التعيين و أدلّة نفي الضرر، فيرجع إلى الأصل فيجوز.

لأنّ الرجوع إلى الأصل يوجب تحريم القضاء و وجوب التكسّب لدفع الضرر، فإنّ هذا إنّما يتمّ لو لم يمكن دفع الضرر إلّا بأخذ الأجرة، و المفروض إمكان دفعه بالتكسّب، و إلّا لم يكن القضاء موجبا للضرر.

المسألة الثانية: يجوز له الارتزاق من بيت المال

، و لو مع التعيين و عدم الحاجة، كما صرّح بهما والدي في معتمد الشيعة، و ادّعى بعضهم الإجماع عليه.

لمرسلة حمّاد الطويلة، و فيها: «و يؤخذ الباقي، فيكون ذلك أرزاق أعوانه على دين اللّه، و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد، و غير ذلك ممّا فيه مصلحة العامّة» «1» الحديث.

و قيّد في اللمعة الجواز بالحاجة «2». و لا وجه له بعد عموم الرواية المنجبرة.

و معنى الارتزاق منه: هو أخذ الرزق منه لأجل كونه قاضيا، لا لقضائه و عليه و بإزائه.

و إعطاء الوالي أيضا كذلك.

و الفرق بين المعنيين واضح، فإنّ الأخ يعطي أخاه لكونه أخا له،

______________________________

(1) الكافي 1: 539- 4، التهذيب 4: 128- 366، الوسائل 27: 221 أبواب آداب القاضي ب 8 ح 2.

(2) اللمعة (الروضة البهيّة 3): 71.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 69

لا لأجر الاخوّة و بإزائه. و كذا من وقف على المؤذّن مثلا أو نذر له شيئا فهو يعطيه لأجل كونه مؤذّنا، لا بإزاء أذانه. و لذا لو وقف أحد ضياعا على شيعة بلده أو صائميه يجوز لهم الارتزاق من نمائه، مع أنّه لا يجوز أخذ شي ء بإزاء التشيّع و الصوم.

و من هذا يظهر أنه لا تعارض بين المرسلة و بين الصحيحة و الرواية، لعدم كون المأخوذ حينئذ أجرا أو رزقا على القضاء، و إن كان رزقا لكونه قاضيا.

و هل يكره له ذلك مع اليسار؟.

صرّح والدي في معتمد الشيعة بالكراهة، ناسبا له إلى الأكثر، لصحيحة ابن سنان المتقدّمة.

و في دلالتها نظر يظهر ممّا مرّ.

نعم، لا بأس بالقول بالكراهة، لحكايتها عن الأكثر.

و لو لم يكن بيت المال، فهل يجوز له الارتزاق من سائر الوجوه التي مصرفها الخير أو سبيل اللّه؟

الظاهر: الجواز مع الضرورة و الحاجة، لتوقّف التوصّل إلى ذلك الخير العام بالارتزاق، و أمّا بدونها فيشكل، سيّما مع التعيين، بل لا يجوز حينئذ البتّة، كما لا يجوز صرفها إلى المصلّين و الصائمين لأجل صلاتهم و صيامهم.

المسألة الثالثة: يحرم على القاضي أخذ الرشوة
اشاره

- مثلّثة الراء- إجماعا من المسلمين، للمستفيضة من المعتبرة.

و في موثّقة سماعة: «إنّ الرشا في الحكم هو الكفر باللّه» «1».

______________________________

(1) الكافي 7: 409- 2، التهذيب 6: 222- 526، الوسائل 27: 222 أبواب آداب القاضي ب 8 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 70

و في

مضمرته: «فأمّا الرشا في الحكم فهو الكفر باللّه العظيم» «1».

و كذا في روايته «2»، و مرسلة الفقيه «3»، و رواية عمّار بن مروان «4».

و في رواية يزيد بن فرقد: عن السحت، فقال: «الرشا في الحكم» «5».

و في رواية السكوني: قال: «السحت ثمن الميتة» إلى أن قال:

«و الرشوة في الحكم» «6».

و كما يحرم عليه أخذها كذلك يحرم على باذلها دفعها، لأنّه إعانة على الإثم و العدوان، و لقوله عليه السّلام: «لعن اللّه الراشي و المرتشي في الحكم» «7».

و لا كلام في شي ء من ذلك، و إنّما الكلام في أمور ثلاثة:

أحدها: أنّ الرشوة المحرّمة ما هي؟

و ثانيها: أنّه هل خصّص من تحريم الإرشاء و الارتشاء صورة، أم لا؟

و ثالثها: في التفرقة بينها و بين الهديّة للقاضي، و أنّها هل هي أيضا رشوة، أو كالرشوة محرّمة، أم لا؟

أمّا الأول: فلا كلام في أنّ الرشوة للقاضي هي: المال المأخوذ من

______________________________

(1) الكافي 5: 127- 3، التهذيب 6: 352- 997، الوسائل 17: 92 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 2.

(2) تفسير العياشي 1: 321- 112، الوسائل 27: 223 أبواب آداب القاضي ب 8 ح 8.

(3) الفقيه 3: 105- 435، الوسائل 17: 94 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 8.

(4) الكافي 5: 126- 1، التهذيب 6: 368- 1062، الوسائل 17: 92 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 1.

(5) الكافي 5: 127- 4، الوسائل 17: 93 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 4.

(6) الكافي 5: 126- 2، التهذيب 6: 368- 1061، تفسير القمي 1: 170، الخصال: 329- 25، الوسائل 17: 93 أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 5.

(7) سنن الترمذي 2: 397- 1351، سنن ابن ماجه 2: 775-

2313، مسند أحمد 2: 387، مستدرك الحاكم 4: 103.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 71

أحد الخصمين أو منهما أو من غيرهما للحكم على الآخر، و إهدائه و إرشاده في الجملة.

إنّما الكلام في أنّ الحكم أو الإرشاد المأخوذين في مهيّته، هل هو مطلق شامل للحقّ و الباطل، أو يختصّ بالحكم بالباطل؟

مقتضى إطلاق الأكثر و تصريح والدي العلّامة في معتمد الشيعة و المتفاهم في العرف هو: الأول، و هو الظاهر من القاموس و الكنز و مجمع البحرين «1».

و يدلّ عليه استعمالها فيما اعطي للحقّ في الصحيح: عن الرجل يرشو الرجل على أن يتحوّل من منزله فيسكنه، قال: «لا بأس» «2».

فإنّ الأصل في الاستعمال إذا لم يعلم الاستعمال في غيره الحقيقة، كما حقّق في موضعه.

نعم، عن النهاية الأثيريّة ما ربّما يشعر بالتخصيص «3» ككلام بعض الفقهاء، و هو لمعارضة ما ذكر غير صالح، مع أنّ الظاهر أنّ مراد بعض الفقهاء تخصيص الحرمة دون الحقيقة.

و أمّا الثاني: فمقتضى إطلاق الأخبار التعميم.

و قد يخصّ الجواز للمرتشي إذا كان يحكم بالحقّ و إن لم يرتش.

و هو ضعيف غايته.

و قد يخصّ الجواز للراشي إذا كان محقّا و لا يمكن وصوله إلى حقّه بدونها، ذكره جمع كثير «4» منهم الوالد الماجد.

______________________________

(1) القاموس المحيط 4: 336، مجمع البحرين 1: 184.

(2) التهذيب 6: 375- 1095، الوسائل 17: 278 أبواب ما يكتسب به ب 85 ح 2.

(3) النهاية الأثيرية 2: 226، قال: فالراشي من يعطي الذي يعينه على الباطل.

(4) منهم المحقق في الشرائع 4: 78، و الشهيد الثاني في المسالك 2: 364، و الروضة 3: 75.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 72

و هو حسن، لمعارضة إطلاقات تحريمها مع أدلّة نفي الضرر، فيرجع إلى الأصل

لو لم يرجح الثاني، و لكن الجواز حينئذ مخصوص بالراشي دون المرتشي.

و قد يخصّ أيضا «1» بما إذا أرشى و ارتشى للحكم بالباطل، إمّا لاختصاص حقيقتها بذلك كما مرّ، و ضعفه قد ظهر. أو لتخصيص ذلك بالصحيحة المذكورة المجوّزة للإرشاء للتحوّل من منزله، و يضعّف بأنّ الكلام في الرشا في الحكم دون التحوّل من المنزل.

و أما الثالث: فالفرق بين الرشوة و الهديّة: أنّ الاولى- كما عرفت-:

هي المال المبذول للتوصّل به إلى الحكم ابتداء أو إرشادا. و الثانية: هي العطيّة المطلقة، أو لغرض آخر نحو التودّد أو التقرّب إليه أو إلى اللّه.

و الحاصل: أنّ كلّ مال مبذول لشخص للتوصّل به إلى فعل صادر منه و لو مجرّد الكف عن شرّه لسانا أو يدا أو نحوهما فهو رشوة.

و لا فرق في الفعل- الذي هو غاية البذل- أن يكون فعلا حاضرا، أو متوقّعا، كأن يبذل للقاضي لأجل أنّه لو حصل له خصم يحكم للباذل، و إن لم يكن له بالفعل خصم حاضر و لا خصومة حاضرة.

و كلّ مبذول لا لغرض يفعله المبذول له، بل لمجرّد التودّد أو التقرّب إلى اللّه أو إليه أو لصفة محمودة أو كمال فيه، فهو هديّة، و إن كان الغرض من التودّد و التقرّب إليه الاحتفاظ من شرّ شخص آخر أو التوصّل إلى فعل شخص آخر يوجبه التقرّب و التودّد إليه.

و قد يستعمل لفظ أحدهما في معنى الآخر تجوّزا.

______________________________

(1) يعني: الحكم بالحرمة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 73

فما كان من الأول، فإن كان الفعل المقصود الحكم فهو حرام مطلقا كما مرّ، سواء كان الحكم لخصومة حاضرة أو فرضيّة، و لذا حكموا بحرمة الهديّة الغير المعهودة قبل القضاء، لأنّه قرينة على أنّ المقصود منه

الحكم و لو فرضا.

و هو كذلك، لصدق الرشوة عرفا، فتشمله إطلاقاتها، و عليه يحمل إطلاق ما ورد في طريق العامّة و الخاصّة كما في أمالي الشيخ: «إنّ هدايا العمّال» كما في بعضها، أو: «هديّة الأمراء» كما في بعض آخر «غلول» أو «سحت» «1».

و تدلّ عليه أيضا رواية أبي حميد الساعدي: قال: استعمل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله رجلا- يقال له: اللثّة- على الصدقة، فلمّا قدم قال: هذا لكم و هذا أهدي لي، فقام النبي صلّى اللّه عليه و آله على المنبر فقال: «ما بال العامل نبعثه على أعمالنا يقول: هذا لكم و هذا أهدي لي، فهلّا جلس في قعب بيته أو في بيت امّه فينظر أ يهدى له أم لا، و الذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منها شيئا إلّا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته» الحديث «2».

و إن كان غير الحكم، فإن كان أمرا محرّما فهو أيضا كرشوة الحكم محرّم، لكونه إعانة على الإثم و اتّباعا للهوى.

و إن لم يكن محرّما فلا يحرم، للأصل، و اختصاص الأخبار المتقدّمة برشوة الحكم.

و ما كان من الثاني لا يحرم.

و قيل بحرمته للقاضي أيضا إن كان للباذل خصومة حاليّة أو مئاليّة،

______________________________

(1) أمالي الشيخ 1: 268، الوسائل 27: 223 أبواب آداب القاضي ب 8 ح 6.

(2) سنن البيهقي 4: 158.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 74

لإيجابه ميل قلبه، و انكسار قلب خصمه.

و فيه: أنّ إيجاب الميل القلبي لا يوجب التحريم، و حرمة كسر قلب الخصم إنّما تتأتّى في الخصومة الحاضرة أو الواقعة يقينا و لو بعد حين، و مع ذلك يوجب كسر قلبه إذا كان بحيث يطّلع عليه، فلو فرض إهداء شي ء علم أنّ غرضه ليس فعلا

أصلا و لم يطّلع خصمه عليه لا يكون حراما، و أمّا حصول ذلك العلم فهو أمر لا يكاد يحصل غالبا.

و لو لم يعلم مقصوده و أنّ المبذول هل هو من الأول أو الثاني، فمقتضى الأصل الحلّية، إلّا أن تدلّ على قصده القرينة، و منها: عدم الاعتياد قبل القضاء، و منها: حضور خصومة له أو عليه أو حصولها له بعد ذلك علما أو ظنّا.

و لو لم يعتبر ذلك في التميّز لزم عدم حرمة رشوة إلّا ما صرّح به الراشي أنّه للحكم، و هو خلاف الإجماع.

و لو تعارضت القرينتان- كأن يكون ذلك ممّن جرت عادته بذلك قبل حصول الخصومة، كالقريب و الصديق الملاطف، فبذل بعد حضورها أيضا- فالأحوط عدم القبول، بل الأحوط للقاضي سدّ باب الهدايا مطلقا، بل حكم جمع بكراهتها له، و لا بأس به، لفتواهم.

فرع: يجب على المرتشي ردّها على الراشي

- و إن بذلها برضى نفسه- مع بقاء عينها إجماعا، و الوجه فيه ظاهر.

و يجب عليه ردّ عوضها مع تلفها أيضا- و إن لم يكن التلف بتفريطه- وجوبا فوريّا، على المصرّح به في كلام الأصحاب، بل نفي الخلاف بيننا عنه «1»، و عن ظاهر المسالك «2» و غيره: إجماعنا عليه.

______________________________

(1) كما في غنائم الأيام: 675.

(2) المسالك 1: 167.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 75

و هو أيضا فيما إذا كان بذلها من غير رضى الباذل و طيب نفسه ظاهر، و أمّا لو بذلها بطيب نفسه- سيّما إذا حكم له بالحقّ- فإن ثبت الإجماع على ثبوت غرامتها عليه و ضمانه إيّاها مطلقا، و إلّا فللتأمّل فيه- للأصل- مجال واسع.

المسألة الرابعة [صرح جماعة بعدم نفوذ قضاء القاضي على من لا تقبل شهادته عليه، و لا لمن لا تقبل شهادته له ]
اشاره

صرّح جماعة- منهم: المحقق في الشرائع و الفاضل في القواعد و التحرير و الإرشاد و والدي العلّامة رحمه اللّه في معتمد الشيعة- بعدم نفوذ قضاء القاضي على من لا تقبل شهادته عليه، و لا لمن لا تقبل شهادته له «1».

و استدلّوا له بكونه شهادة و زيادة.

و فيه: منع ظاهر. و إطلاقات نفوذ حكم الحاكم يشمل الجميع، فلا مناص عن الحكم بالعموم إلّا أن يثبت الإجماع على ما ذكروه، و لكنّه غير ثابت، بل قال بعض الأجلّة في شرحه على القواعد: و خصّ بعضهم المنع بقاضي التحكيم «2».

و جوّزه المحقّق الأردبيلي، لعموم الأدلّة.

نعم، لا ينفذ حكم الحاكم لنفسه على خصمه إجماعا، لاختصاص النصوص بما يتضمّن الحكم للمتنازعين، أو ما يتبادر منه غير نفسه، بل لإطلاق الأوامر بالرجوع إلى الحاكم، و النظر في التنازع و الحوادث إلى من علم أو عرف، أو رواه الحديث، من غير تفصيل بين العالم و العارف و الراوي و غيرهم، و الرجوع و أمثاله

لا يكون إلّا إلى الغير.

و يدلّ عليه أيضا ما ورد في تنازع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مع الأعرابي في

______________________________

(1) الشرائع 4: 71، القواعد 2: 202، التحرير 2: 181.

(2) كشف اللثام 2: 143.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 76

ثمن الناقة «1» و الفرس «2»، و تنازع وليّ اللّه مع عقيل «3» و عبّاس «4». و يؤكّده تصريح الأصحاب بكراهة تولّيه للترافع مع خصمه عند حاكم آخر، و استحباب التوكيل له.

و منه يظهر عدم نفوذ حكمه فيما له الشركة فيه إذا كان هو أو وكيله الخصم، لأنّه حينئذ مأمور بالرجوع إلى الحاكم، و لا معنى لرجوع أحد إلى نفسه.

و أمّا لو كان الخصم شريكه- كأن يدّعي أخوه دارا في يد غيره بحقّ الإرث- ينفذ حكمه في حقّ أخيه، للإطلاقات. و لا يثبت منه حقّه حينئذ، لعدم حكمه لنفسه و عدم نفوذه لو حكم، فلو ترك المدّعى عليه الكلّ نفذ حكمه في النصف و لم يتنازع في نصف الحاكم أيضا فلا بحث، و إن نازع معه يتحاكمان إلى ثالث، و إن حكم بخلاف ما حكم هو لأخيه، كما إذا تحاكم كلّ من الشريكين مع خصمه إلى حاكم غير ما تحاكم به الآخر فحكما كذلك، كلّ بحكم غير حكم الآخر.

و كذا إن ادّعى أحد على أخيه حصّته من دار مورّثه ينفذ حكم الحاكم لأخيه فيه، و لا تسقط به دعوى المدّعي في حصّة الحاكم، فلو ادّعى يتحاكمان إلى ثالث.

فإن قيل:

ثبوت حقّ الشريك يستلزم ثبوت حقّ الحاكم أيضا، فثبوت

______________________________

(1) الفقيه 3: 60- 210، أمالي الصدوق: 90 مجلس 22، الانتصار: 238، الوسائل 27: 274 أبواب كيفية الحكم ب 18 ح 1.

(2) الكافي 7: 400- 1، الفقيه 3:

62- 213، الوسائل 27: 276 أبواب كيفية الحكم ب 18 ح 3.

(3) مناقب آل أبي طالب 2: 109.

(4) رجال الكشي 1: 279- 109، 110.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 77

المحكوم به لشريكه دون نفسه يستلزم تخلّف الملزوم عن اللّازم، و هو باطل البتّة، فيجب إمّا عدم نفوذ الحكم أصلا، أو ثبوت المحكوم به في حصّة الحاكم أيضا، بأن يثبت للشريك- لعمومات نفوذ حكم الحاكم للغير- و لنفسه لأجل الاستلزام، و لكن ثبوته فيما له شركة فيه خلاف الإجماع القطعي، فلا بدّ أن لا ينفذ في شي ء منهما.

قلنا:

ليست هذه اللوازم لوازم عقليّة لا يمكن تخلّفها عن الملزوم، بل أمور شرعيّة قابلة للتخصيص، فالعمومات توجب نفوذ الحكم في حقّ الشريك، و الإجماع يمنع نفوذه في حقّ الحاكم، لأنّ بالإجماع تنفى الملازمة هنا، و لا يمكن نفي ثبوت الملزوم، لعدم الإجماع فيه، و كون عمومات النفوذ خالية عن المعارض.

و هل ينفذ حكمه لمن له الولاية بالأبوة أو الجدودة أو الوصاية عليه، أم لا؟

قال في التحرير: و لو تولّى وصيّ اليتيم القضاء فهل يقضي له؟ فيه نظر ينشأ من كونه خصما في حقّه كما في حقّ نفسه، و من أنّ كلّ قاض هو وليّ الأيتام «1». انتهى.

و التحقيق: أنّه إن كان الخصم و المنازع هو الحاكم فلا ينفذ حكمه و لا بدّ من الرجوع إلى الغير، و إن كان غيره- كشريك لمن هو وليّه- فينفذ حكمه في حصّة الشريك و المولّى عليه له.

أمّا في حصّة الشريك فبعمومات نفوذ حكمه.

و أمّا في حصّة المولّى عليه فبأدلّة الملازمة بين ثبوت ذلك المال و بين

______________________________

(1) التحرير 2: 181.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 78

شركة المولى عليه، فإذا حكم أنّه مال

مورّث الشريك فثبت حقّ المولّى عليه بأدلة الإرث.

بل و كذا غير المولّى عليه و المدّعي، فلو ثبت بعد دعوى المدّعي كون الملك الفلاني مال مورّثه و حكم بحصّته له ثبتت حصّة سائر الكبار أيضا، فلهم المطالبة بذلك الإثبات من غير حاجة إلى إقامة الشاهد ثانيا.

نعم، لو اعترف ذلك بعدم حقّيّة نفسه يعارض ذلك دليل الاستلزام و يرجع إلى الأصل.

فإن قيل:

ما الفرق بين حصّة الحاكم نفسه، فكانت لا تثبت بالاستلزام و تثبت حصّة من له الولاية عليه؟

قلنا:

الفارق هو الإجماع المتقدّم، فإنّه معلوم في حصّة نفسه، و لولاه لقلنا بثبوتها أيضا، و لا إجماع هنا حتى من جهة ما يثبت للحاكم أيضا من التسلّط في التصرّف بحقّ الولاية، إذ لم يتحقّق الإجماع إلّا في حصّته الماليّة.

و كذا الحكم في سائر الأيتام و المجانين و الغيّب الذي له الولاية عليه عموما، فلا ينفذ حكمه لهم لو كان هو الخصم و المنازع، و ينفذ حكمه لو كان المنازع غيره، من قيّم من جانبه على أمورهم، أو من جانب حاكم آخر.

و ليس القيّم كالوكيل في المخاصمة و التنازع، حتى يكون هو بمنزلة الموكّل، بل هو بمنزلة الوكيل لمن هو قيّم له، جعله الحاكم وكيلا له بحقّ ولايته لا وكيلا لنفسه، و لذا يفترق مع الوكيل في أنّه لا يشرط في الوكيل الوثاقة و العدالة و يشترط في القيّم، و يجوز له إجراء العقود بقيد الاحتساب دون الوكالة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 79

و لو كان القيّم هو الحاكم، و وكّل أحدا في المنازعة، فلا ينفذ حكمه.

و كذا لا ينفذ حكمه لو وكّل أحدا من جانب نفسه لولايته على ولده الصغير أو ولد موصيه في منازعة.

و لو وكّله في جميع

أموره عموما من غير سبق نزاع فاتّفقت المنازعة، فهل ينفذ حكمه لوكيله؟ فيه إشكال.

كما أنّه يشكل الحكم بجواز جعل أحد قيّما لأحد هذين الصغيرين لا وكيلا لنفسه حتى ينفذ حكمه له.

و الأولى و الأحوط حينئذ الرجوع في المنازعة إلى حاكم آخر.

و لو لم يكن هناك غيره فالأولى التوصّل بالحيل الشرعيّة، فتنقل حصّة المولّى عليه إلى غيره مع خيار فسخ في مدّة معلومة، فيحكم للمنتقل إليه ثمَّ يفسخ.

فرع: لو باشر الحاكم بنفسه عقدا لغيره بوكالته كبيع أو نكاح، ثمَّ حصل النزاع فيه بين متنازعين، ينفذ حكم الحاكم فيه

، للإطلاقات.

و لا يضرّ كونه وكيلا، لأنّه كان وكيله في مجرّد إيقاع عقد، و تمّت الوكالة، و ليس مثل ذلك الوكيل ممّن يردّ قوله.

و لو باع عن بالغ غير رشيد لأحد ولاية، و باع أبوه أيضا لآخر كذلك، أو نكح غير رشيدة بظن الولاية، و نكحت نفسها لآخر، فتنازع المتبايعان أو الزوجان، ينفذ حكم ذلك الحاكم لمن حكم لهما، سواء كان النزاع في الرشد و عدمه، أو في إجراء العقد و عدمه، أو في صحّة عقد الحاكم عن الرشيد و الرشيدة و عدمه، للإطلاقات.

المسألة الخامسة: إذا حكم حاكم بحكم، لم يجب على حاكم آخر البحث عنه

، و جاز له إمضاؤه إذا اعتقده أهلا، بل يجب، للمقبولة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 80

لكن لو نظر فيه جاز، فإن ظهرت إصابته أو لم يظهر شي ء من الصواب و الخطأ وجب الإمضاء.

و كذا إن ظهرت مخالفته لما هو صواب في نظر الثاني من الأدلّة الظنّية المحتملة للمخالفة.

و إن ظهر خطوة في دليل قطعيّ غير متحمّل لقبول المخالفة من المجتهدين، لم يجز إمضاؤه، بل وجب عليه و على غير ذلك الحاكم نقضه، سواء خفي الدليل على الحاكم الأول أو لا، و سواء أنفذه الحاكم الأول أو لا، و سواء أنفذه الجاهل به أم لا، للإجماع- كما صرّح به بعض الأجلّة في شرحه على القواعد أيضا «1»- و للقطع بأنّه خلاف حكم اللّه، فإمضاؤه إدخال في الدين ما ليس منه و حكم بغير ما أنزل اللّه، فيدخل في نصوص من حكم به، أو لم يحكم بما أنزل اللّه.

و كذا إن ظهر خطوة في دليل ظنّي عنده لأجل تقصيره في القدر اللّازم من الاجتهاد عند الأول، بل ينقض مع التقصير و لو اتّفق مطابقته لطريقة اجتهاده.

و الحاصل: إنّ الموجب للنقض أحد

الأمرين: إمّا الخطأ في الدليل القطعي، أو التقصير في الاجتهاد، إذ ليس الحكم في الصورتين حكم اللّه في حقه قطعا.

و لكن فهم التقصير في الاجتهاد إذا لم يخالف دليلا قطعيّا ممّا لا يظهر لغير نفسه غالبا و إن أمكن أحيانا، فالفائدة في الأغلب تظهر في جواز نقض نفسه حكمه أو وجوبه.

______________________________

(1) كشف اللثام 2: 154.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 81

و الظاهر أنّ صورة التقصير مراد من أطلق جواز النقض مع المخالفة، كالشيخ و ابن حمزة و ابني سعيد و الفاضل في التحرير و الإرشاد «1».

و أمّا بدون التقصير بحسب اجتهاده فلا ينقض حكمه، لا من نفسه و لا من غيره، و إن ظهر له بعد الاجتهاد دليل ظنّي يكون حجّة عنده حال الحكم من غير وجود ما يصلح لمعارضته، لأنّ الأدلّة الظنّية ليست كاشفة عن الأحكام الواقعيّة، و إنّما هي أمارات للأحكام الظاهريّة، فإذا لم يقصّر في استفراغ وسعه و بذل جهده بقدر ما أدّى اجتهاده إلى كفايته من السعي يكون الحكم حكم اللّه في حقّه و حقّ من يحكم له و عليه، فلا وجه للنقض.

و ما ذكرنا هو الضابط في المقام، بل هو مراد من تعرّض للمسألة من الأصحاب، و إن اختلف عبارتهم في تأدية المرام.

المسألة السادسة: لا ينقض الحكم بتغيّر الاجتهاد

، لأنّ الحكم كان ذلك في حقّهم قبل التغيّر، إلّا إذا كان التغيّر لأحد الأمرين المتقدّمين.

و لو تغيّر قبل تمام الحكم وجب بناؤه على الرأي الثاني.

المسألة السابعة: لو ادّعى المحكوم عليه عدم أهليّة الحاكم لعدم اجتهاده أو لفسقه

- و هذا إنّما يتصوّر إذا كان المحكوم عليه غائبا حين الحكم، أو ادّعى ظهور عدم أهليّته حال الحكم بعده مع زعمه أولا أهلا- فالخصم في تلك الدعوى يكون هو المحكوم له، و قد يكون الحاكم أيضا إذا كانت الدعوى ممّا يوجب ضمانا أو تعزيرا عليه.

ثمَّ هل تسمع تلك الدعوى على المحكوم له، أم لا؟

______________________________

(1) الشيخ في المبسوط 8: 101، 102، و ابن حمزة في الوسيلة: 209، و ابن سعيد في الجامع للشرائع: 529، و المحقق في الشرائع 4: 75، التحرير 2: 184، الإرشاد 2: 141.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 82

استوجه في الشرائع و المسالك عدم السماع، و عدم تسلّطه على حلفه «1».

و صرّح في الدروس بعدم سماع الدعوى على المحكوم له بفسق الحاكم على سبيل الإطلاق «2».

و تردّد في التحرير في ذلك كذلك «3».

و استشكل فيه في القواعد، و لكن في صورة عدم البيّنة «4».

و كذا في الكفاية، إلّا أنّه حكم بعدم السماع مع عدم البيّنة «5».

و ظاهر الأخيرين- بل الأولين أيضا- سماع الدعوى مع البيّنة.

و أظهر منهما عبارة الشهيد في غاية المراد، قال: إذا ادّعى المنكر جرح الشهود أو الحاكم كلّف البيّنة، فإن فقدها و ادّعى علم المدّعي بذلك، ففي توجّه اليمين على المدّعي وجهان. و صرّح بعض فضلائنا المعاصرين بأنّ النزاع في السماع و عدمه إنّما هو في صورة فقد البيّنة، و أمّا معها فلا نزاع في السماع.

قال: فدعوى فسق الحاكم ممّا لا ينبغي النزاع في مسموعيّتها، إنّما النزاع في صورة تكون دعوى المنكر

علم المدّعي بالفسق حتى ينحصر دفع النزاع بالحلف على عدم العلم، فإذا ادّعى المحكوم عليه بعد الحكم فسق الحاكم فيسمع و يطالب منه البيّنة، فإن أقامها فيبطل الحكم و إن بقي أصل الدعوى، و إن فقدت البيّنة فالقاعدة توجّه اليمين على المنكر.

______________________________

(1) الشرائع 4: 107، المسالك 2: 387.

(2) الدروس 2: 85.

(3) التحرير 2: 189.

(4) القواعد 2: 208.

(5) الكفاية: 274.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 83

و لكن لما كان الفسق فعل الحاكم و لا يصحّ الحلف على نفي فعل الغير- بل إنّما يصحّ حلف نفي العلم، و هو موقوف على دعوى العلم، بأن ادّعى المنكر علم المدّعي بالفسق- فهذا هو الذي استشكلوا فيه و صار معركة للنزاع «1». انتهى.

و لكن صريح المحقّق الأردبيلي تحقّق النزاع في صورة وجود البيّنة أيضا، قال ما ملخّصه: و لو ادّعى المنكر بعد إقامة البيّنة فسق الشهود أو القاضي فيمكن أن يسمع و يطالب بالبيّنة، فإن أثبته بالبيّنة فلا يثبت الحكم، و يمكن أن لا يسمع.

و إن لم تكن بيّنة و ادّعى علم المدّعي، فإن أقرّ المدّعي به توقّف الحكم إن كان قبله و إن كان بعده أبطله، و إن أنكر المدّعي فهل له تحليفه على عدم العلم بذلك، أم لا؟ استشكله المصنّف و غيره انتهى.

و كيف كان، فالحقّ سماع الدعوى في صورة وجود البيّنة و عدمها إن كانت الدعوى على المحكوم له، لعمومات سماع الدعوى و القضاء و عدم المخصّص.

و هل المدّعي المكلّف على الإثبات: المحكوم له، أو المحكوم عليه؟

قال بعض الفضلاء المعاصرين: إن كان القاضي معروفا بالعدالة فعلى القادح إثبات الجرح، و إن كان خامل الذكر فعلى المعدّل إثباته «2».

أقول:

دعوى المحكوم عليه إمّا تكون عدم علمه بأهليّة الحاكم

فلا ينفذ حكمه عليه، أو علمه بعدم أهليّته و فسقه.

فإن كان الأول، فلا ينبغي الريب في كون الإثبات على المحكوم له،

______________________________

(1) انظر جامع الشتات: 677.

(2) انظر جامع الشتات: 677.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 84

و لو بالمعروفيّة و الاستفاضة.

و إن لم يكن له دليل مثبت فله تحليف المحكوم عليه لو ادّعى علمه بالأهليّة.

و لو لم يدّع علمه لم يسلّط على تحليفه، و يعمل فيه بالأصل، و هو عدم نفوذ حكمه عليه.

و إن كان الثاني، فمع عدم المعروفيّة لا ريب أيضا في كون الإثبات على المحكوم له، فإن أثبت، و إلّا فله تحليف المحكوم عليه، فإن حلف بطل الحكم، و إن نكل ثبت، و إن ردّ الحلف انعكس.

و أمّا مع المعروفيّة فالإثبات على المحكوم عليه، فإن أثبته بالبيّنة فهو، و إلّا فإن ادّعى علم المحكوم له فله تحليفه و إيقاف الحكم أو إبطاله، و إن لم يدّعه فتسقط دعواه.

احتجّ المحقّق الأردبيلي على عدم سماع البيّنة مطلقا بأنّه أمين الإمام، و فتح هذا الباب موجب لعدم إجراء الأحكام و الطعن في الحكّام، فلا يقبلون القضاء.

و فيه: أنّ كونه أمينه في زمن الغيبة فرع أهليّته، فإن ثبت الفسق فليس أمينا، و إلّا يمكن سدّ باب تفسيق سائر الحكّام بتعزير المدّعي، حيث أهان العلماء، مع أنّ العدول و الحاكم الآخر أيضا أمناء اللّه، فإن كان الحاكم الأول أمينا لا يقدحون فيه. و لا يضرّ القدح، بل ذلك موجب لسعي القضاة في الاجتناب عن العيوب أو سترها، و هو أيضا مصلحة تامّة.

و احتجّوا على عدم السماع بدون البيّنة بأمرين، أحدهما: لزوم الفساد.

و الثاني: أنّه ليس حقّا لازما يثبت بالنكول و لا بيمين الردّ.

و يضعّف الأول بالمنع أولا، فإنّه أيّ

فساد في دعوى ذلك؟! و قد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 85

يدّعى على الحاكم نفسه بدعاوي، و هي غالبا متضمّنة لتفسيقه من الكذب أو الخيانة.

و ثانيا بالمعارضة، فإنّ عدم سماعها قد يستلزم ضياع حقّ خطير سهل الإثبات، أو إتلاف دم، أو تحليل بضع محرّم، أو تحريم محلّل، و يستلزم جريان حكم شخص مجهول الحال أو معلوم الفسق لأحد عليه بدون لزوم شرعي.

نعم، لهذا الكلام وجه في القضاة المنصوبة من الإمام حال الحضور، و كأنّه ذكره العامّة و أخذه بعض أصحابنا و أجروه مطلقا، و إلّا فكيف يرضى أحد بأن يقول: إنّه إذا ورد أحد- مع مال خطير أو جارية جميلة- قرية أو بلدة و ادّعى عليه شخص مجهول أنّ المال ماله و الجارية جاريته، و حكم شخص في زيّ العلماء له بذلك، و أنّه يجب على ذلك الشخص تسليم المال و الجارية و إن لم يعرف ذلك الشخص أو عرف فسقه و دنوّ مرتبة علمه، و لم يسمع منه عذر و لا إرجاء «1»، سيّما في مثل تلك الأزمنة التي تصدّى فيها كلّ متغلّب في كلّ قرية أو بلدة للحكم؟! و يضعّف الثاني: بالمنع، و لم ليس حقّا لازما و لا غير ثابت بالنكول و ردّ اليمين إذا ادّعى على المحكوم له أنّ ما أخذه لم يكن بالاستحقاق لعدم أهليّة الحاكم واقعا أو عنده؟! هذا إذا كان التّداعي مع المحكوم له.

و لو ادّعى ما يوجب ضمانا أو تعزيرا على الحاكم فهو خصمه و عليه الإثبات، لادّعائه أمرا مخالفا للأصل، و لأنّه الذي لو ترك ترك، و عدم ثبوت

______________________________

(1) في «س»: ادعاء.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 86

دخوله تحت إطلاقات نفوذ حكمه بعد.

فإن أثبت

فهو، و إلّا فيحلف المحكوم عليه إمّا على عدم الأهليّة إن أنكرها، أو على عدم علمه بالأهليّة إن اكتفى بعدم العلم، الذي هو أيضا موجب لعدم نفوذ حكمه عليه بدون ثبوت الأهليّة.

فإن حلف بطل الحكم و ضمن الحاكم، و إلّا سقط حقّه، و إن ردّ الحلف فيحلف خصمه و يسقط عنه الضمان.

و لو ادّعى المحكوم عليه خطأ الحاكم بما لا يعذر فيه، أو تقصيره، أو جوره في الحكم، أو حكمه بشهادة الفاسقين عنده، و نحوه، فالخصم أيضا إمّا المحكوم له أو الحاكم كما مرّ، و يجب إحضار المدّعى عليه، وفاقا للشيخ و المحقّق و المسالك، بل نسبه فيه إلى الأكثر «1»، و كذا في شرح الإرشاد للأردبيلي في دعوى الحكم بشهادة الفاسقين، للعمومات المشار إليها.

إلّا أنّ الإثبات حينئذ على المحكوم عليه، و هو المدّعي، لأنّ مقتضى إطلاقات نفوذ حكم الحاكم قبول حكمه مطلقا، إلّا إذا ثبت خلافه، فإن لم يثبت فعلى المدّعى عليه اليمين.

ثمَّ في جميع الدعاوي المذكورة إن كان هناك حاكم يقبله الخصمان يتحاكمان إليه، و إلّا فيكون كسائر الدعاوي التي لا حاكم فيها، فلا تسلّط لمن عليه الإثبات على خصمه، بل يعمل بالأصل حتى يظهر الأمر.

و قد يستشكل في سماع هذه الدعاوي أيضا بإيجابه إهانة الحكّام و تزهّدهم في الحكم.

و إيجابه للعسر و الحرج.

______________________________

(1) الشيخ في المبسوط 8: 103، و المحقق في الشرائع 4: 83، 107. المسالك 2: 360.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 87

و إفضائه إلى التسلسل.

و يجاب عن الأول: بمعارضته بإيجاب عدم السماع لإبطال حقوق الناس، مع أنّه إن ثبت ما يدّعيه فلا بأس بالإهانة، بل ينبغي أن يستهان، و إلّا فلا إهانة، بل ربّما يوجب العزّة.

و الثاني: بمعارضته أيضا

بإيجاب العسر و الحرج على الناس في تضييع حقوقهم لو لم تسمع.

و الثالث: بمنع الإفضاء.

و لو ادّعى المحكوم عليه حكم الحاكم بالفاسقين «1»- مع عدم علمه بفسقهما و خطئه في التعديل من غير تقصير منه- فلا يسمع، لأنّ المناط في الحكم: العدالة عند الحاكم دون غيره.

نعم، لو أراد تبيين فسقهما عند الحاكم نفسه بعد حكمه فظاهرهم سماعه و نقض حكمه لو ثبت عنده. و يجي ء تحقيقه.

و لو ادّعى على الحاكم- القاضي بعلمه بالواقعة أو بعدالة الشهود أو نحوهما- كذبه لم يسمع منه، لأنّ قوله حجّة.

المسألة الثامنة: لو تبيّن خطإ القاضي في دم أو قطع عضو أو مال

، فإن لم يجر الحكم بعد في الأولين يمنع من إجرائه، أو كانت العين باقية في الثالث و لو عند المحكوم له فتستردّ.

و إن كان بعد جريان الحكم و تلف العين، فإن ثبت جور القاضي عمدا أو تقصيره في الاجتهاد ضمن، و الوجه واضح.

و إن كان مع ذلك خصومة المحكوم له عدوانا، فإن كان هو مباشرا

______________________________

(1) يعني بشهادة الفاسقين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 88

للقطع أو القتل أو الإتلاف فهو الضامن، لتقديم المباشر على السبب، و إن لم يكن مباشرا- كما إذا حكم القاضي بعد دعواه فقتل أو قطع وكيل المحكوم له- فيحتمل جواز رجوع المحكوم عليه إلى كلّ من القاضي و الخصم.

و إن كانت خصومته جهلا بالمسألة فالظاهر أنّ الضمان على القاضي.

و إن كان الحكم من القاضي بعد بذل جهده فلا ضمان عليه أصلا، للأصل و عدم الدليل. بل على بيت المال إن كان في دم أو قطع، لرواية الأصبغ بن نباتة: «ما أخطأت القضاة في دم أو قطع فعلى بيت مال المسلمين» «1».

و إن كان في مال، فمع بقاء عينه يستردّ، و إن كانت تالفة فالمصرّح به

في كلام جماعة أنّه أيضا على بيت المال، فإن ثبت إجماع مركّب فيه، و إلّا فالحكم به مشكل، لاختصاص النص بالدم و القطع.

و لا يبعد كونه على المحكوم له إن كانت خصومته عدوانا، و عدم ضمان أحد إن كان جهلا.

و كذا فيما على بيت المال إذا لم يكن هناك بيت مال، للأصل، و عدم دليل على تضمين شخص.

نعم، في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج: قال: كان أبو عبد اللّه عليه السّلام قاعدا في حلقة ربيعة الرأي، فجاء أعرابي سأل ربيعة الرأي، فأجابه، فلمّا سكت [قال له الأعرابي: أ هو في عنقك؟ فسكت ] «2» ربيعة و لم يردّ عليه شيئا، فأعاد المسألة عليه، فأجابه بمثل ذلك، فقال

______________________________

(1) الفقيه 3: 5- 16، التهذيب 6: 315- 872، الوسائل 27: 226 أبواب آداب القاضي ب 10 ح 1.

(2) أثبتناه من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 89

الأعرابي: أ هو في عنقك؟ فسكت عنه ربيعة، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «هو في عنقه» قال: «أو لم يقل، و كلّ مفت ضامن» «1».

و لكنّ الظاهر منها أنّ المراد بالضمان: كون إثمه و أجره في عنقه، و إلّا فمجرّد الإفتاء لا يوجب الضمان، أو المراد: الضمان مع التقصير و الخطأ، إذ لا ضمان بدونهما إجماعا، فتأمّل.

المسألة التاسعة: لو ترافعا عند مجتهد و تمَّ قضاؤه لا يجوز لهما الترافع عنده أو عند غيره ثانيا في هذه الواقعة بخصوصها

، و لو ترافعا لا يجوز للحاكم سماع الدعوى فيه إلّا إذا ادّعي خطأ و نحوه، و هي دعوى اخرى.

و لو لم يتمّ القضاء يجوز الترافع عند الغير، و لا يجب عليهما الإتمام عند الأول، فلو أقام مدّع شهوده عند مجتهد لم يعرفهم و طلب التزكية يجوز للمدّعي ترك المرافعة عنده و الترافع عند حاكم آخر يعرفهم، للأصل، و عدم دليل على التعيين بالشروع

في المرافعة أصلا.

المسألة العاشرة: إذا كان الحاكم عالما بالحقّ

، فإن كان إمام الأصل فيقضي بعلمه مطلقا إجماعا، و إن كان غيره فكذلك على الحقّ المشهور كما صرّح به جماعة، بل عن الانتصار و الغنية و الخلاف و نهج الحق و ظاهر السرائر: الإجماع عليه «2».

لأدلّة وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و القول باختصاصها بما إذا كانت الدعوى عدوانا و ظلما، فلا تجري

______________________________

(1) الكافي 7: 409- 1، الوسائل 27: 220 أبواب آداب القضاء ب 7 ح 2.

(2) الانتصار: 237، الغنية (الجوامع الفقهية): 624، الخلاف 2: 602، نهج الحق:

563، السرائر 2: 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 90

فيما إذا جهل المدّعي أو المنكر الحقّ.

غير صحيح، لأنّ الاختصاص إنّما هو في النهي عن المنكر، و أمّا الأمر بالمعروف فجار في جميع الصور.

و لعموم أدلّة الحكم مع وجود الوصف المعلّق عليه، كقوله تعالى:

وَ السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ «1» و الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي «2».

و قوله تعالى فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً «3».

و أدلة إعانة الضعيف و إغاثة الملهوف و دفع الظلم عن المظلوم، فإنّ كلّ ذلك يدلّ على المطلوب.

و يدلّ عليه أيضا قوله سبحانه وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ - فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ - فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ «4»، فإنّ العالم بالحقّ إن سكت فيكون ممّن لم يحكم بما أنزل اللّه، و إن حكم بغير ما يعلم فكذلك بزيادة الحكم بغير ما أنزل اللّه.

و قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ «5».

و ظاهر أنّ كلّا من السكوت و الحكم بغير ما يعلم حقّا ترك للحكم بالعدل الذي هو المأمور به.

و قوله عزّ و جلّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ «6».

______________________________

(1) المائدة:

38.

(2) النور: 2.

(3) النور: 4.

(4) المائدة: 44، 45، 47.

(5) النساء: 58.

(6) النساء: 135.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 91

و قوله عزّ و جلّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ «1».

فإنّ جميع ما ذكر يدلّ على وجوب الحكم بما يعلم أنّه حقّ، و أنه معروف، و أنّه ما أنزل اللّه، على كلّ أحد. إلّا أنّ نفوذه منه و وجوب اتّباعه و إمضائه يحتاج إلى الدليل، حيث إنّه خلاف الأصل، و الدليل في أهل الحكم موجود، فيجب عليه الحكم، و يجب على الناس اتّباعه.

و يدلّ عليه أيضا قوله في مرفوعة البرقي المتقدّمة: «رجل قضى بالحقّ و هو يعلم فهو في الجنّة» «2»، دلّت على جواز الحكم للعالم، و دلّت أدلّة نفوذ حكم الحاكم على وجوب اتّباعه.

و يمكن أن يستدلّ له أيضا برواية أبي ضمرة: «أحكام المسلمين على ثلاثة: شهادة عادلة، أو يمين قاطعة، أو سنّة ماضية من أئمّة الهدى» «3»، فإنّ سنّتهم كانت قضاءهم بما يعلمون كما دلّت عليه الأخبار.

و بصحيحة زرارة: في قوله تعالى يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ «4» «فالعدل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الإمام من بعده يحكم به فهو ذو عدل، فإذا علمت ما حكم به رسول صلّى اللّه عليه و آله و الإمام فحسبك و لا تسأل عنه» «5».

و تدلّ عليه أيضا رواية الحسين بن خالد: «الواجب على الإمام إذا نظر إلى الرجل يزني أو يشرب خمرا أن يقيم عليه الحدّ، و لا يحتاج إلى

______________________________

(1) المائدة: 8.

(2) في ص 8 و 9.

(3) الكافي 7: 432- 20، التهذيب 6: 287- 796، الخصال: 155- 195، الوسائل 27: 231 أبواب كيفية الحكم ب 1 ح 6.

(4) المائدة: 95.

(5) التهذيب 6:

314- 867، الوسائل 27: 70 أبواب صفات القاضي ب 7 ح 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 92

بيّنة مع نظره، لأنّه أمين اللّه في خلقه» «1» الحديث.

و لا يضرّ احتمال إرادة إمام الأصل، لعموم العلّة، فإنّ العالم أيضا أمين اللّه، كما في رواية إسماعيل بن جابر: «العلماء أمناء» «2».

و في رواية السكوني: «الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا» «3» الحديث.

و المرويّ في تحف العقول، و فيه: «مجاري الأمور و الأحكام على أيدي العلماء باللّه الامناء على حلاله و حرامه» «4».

و يدلّ عليه أيضا ما ذكره السيّد من إطباق الإماميّة على إنكارهم على أبي بكر في توقّفه على الحكم لفاطمة، مع علمه بعصمتها و طهارتها و أنّها لا تدّعي إلّا حقا «5».

و قد يستدلّ أيضا بوجوه أخر غير تامّة، كالإجماع المنقول.

و كون العلم أقوى من البيّنة.

و استلزام عدمه إمّا إيقاف الأحكام أو فسق الحكّام، لأنّهم إن حكموا بخلاف معلومهم يلزم الفسق، و إلّا الإيقاف.

فإنّ في الأول: عدم الحجّية.

و في الثاني: عدم معلوميّة العلّة في البيّنة حتى يقاس عليها العلم.

و في الثالث: منع الفسق إذا لم يدلّ دليل على جواز حكمه بعلمه.

______________________________

(1) الكافي 7: 262- 15، التهذيب 10: 44- 157، الاستبصار 4: 216- 809، الوسائل 28: 57 أبواب مقدمات الحدود ب 32 ح 3.

(2) الكافي 1: 33- 5.

(3) الكافي 1: 46- 5.

(4) تحف العقول: 169.

(5) الانتصار: 238.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 93

خلافا لما حكاه السيّد و جماعة عن الإسكافي، فلم يجوّز عمل غير الإمام بعلمه مطلقا «1»، بل ربّما ينسب إليه عدم تجويزه عمل الإمام أيضا.

و نسب في شرح المفاتيح القول بعدم جواز عمل غير الإمام إلى السيّد. و هو غريب، فإنّه

ادّعى إطباق الإماميّة على الجواز، و غلّط الإسكافي أشدّ التغليط و خطّأه.

و للمحكيّ عن ابن حمزة، فخصّ الجواز بحقوق الناس «2»، و حكي ذلك عن الحلّي أيضا «3»، و كلامه في قضاء السرائر عامّ «4».

و للمحكيّ عن الإسكافي في المختصر الأحمدي، فخصّه بحقوق اللّه «5».

و لا مستند لشي ء من هذه الأقوال، إلّا اعتبارات ضعيفة أو وجوه مرجوحة، لا تصلح لمعارضة ما مرّ.

كما أنّه يستدلّ للأول: بأنّه موضع التهمة و موجب لتزكية النفس.

و للثاني: بالنبويّ في قضية الملاعنة: «لو كنت راجما بغير بيّنة لرجمتها» «6».

و بمثل قوله في الروايات المستفيضة: «لا يرجم الزاني حتى يقرّ أربع مرّات بالزنا إذا لم يكن شهود» «7».

______________________________

(1) كما في الانتصار: 237، و حكاه أيضا الفاضل المقداد في التنقيح 4: 242.

(2) الوسيلة: 218.

(3) حكاه فخر المحققين في الإيضاح 4: 313، و السبزواري في الكفاية: 263.

(4) السرائر 2: 179.

(5) كما في المسالك 2: 355.

(6) سنن ابن ماجه 2: 855- 2560، مسند أحمد 1: 336.

(7) الوسائل 28: 103 أبواب حد الزنا ب 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 94

و قوله: «لا يرجم الرجل و المرأة حتى يشهد عليه أربعة شهود» «1».

و للثالث: بمثل رواية البصري: خبّرني عن الرجل يدّعي قبل الرجل الحقّ، فلا تكون له بيّنة بماله، قال: «فيمين المدّعى عليه» «2»، حيث ترك الاستفصال فيها.

و مرسلة يونس: «استخراج الحقوق بأربعة وجوه: بشهادة رجلين عدلين، فإن لم يكونا رجلين فرجل و امرأتان، فإن لم يكن امرأتان فرجل و يمين المدّعي، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه» «3» الحديث.

و بالأخبار القائلة بأنّ البيّنة على المدّعي و اليمين على من أنكر «4».

و في الأول: منع الكلّية.

و في الثاني: عدم ثبوت الرواية.

و في

البواقي: أنّها معارضة لما مرّ، و ما مرّ راجح بموافقة الكتاب و عمل الأصحاب و أصل الجواز. و به يجاب أيضا عن دليل اتقاء موضع التهمة فيما كان محلّا للتهمة، إلّا أن يوجب عسرا و حرجا أو ضررا، فيمكن حينئذ نفي الوجوب.

هذا، مع إمكان منع اختصاص البيّنة في عرفهم بالشاهد و عدم صدقه على علم الحاكم.

______________________________

(1) الكافي 7: 184- 4، التهذيب 10: 2- 1، الاستبصار 4: 217- 812، الوسائل 28: 95 أبواب حد الزنا ب 12 ح 4.

(2) الكافي 7: 415- 1، التهذيب 6: 229- 555، الفقيه 3: 38- 128، الوسائل 27: 236 أبواب كيفية الحكم ب 4 ح 1.

(3) الكافي 7: 416- 3، التهذيب 6: 231- 562، الوسائل 27: 241 أبواب كيفية الحكم ب 7 ح 4.

(4) الوسائل 27: 233 أبواب كيفية الحكم ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 17    95     المسألة العاشرة: إذا كان الحاكم عالما بالحق ..... ص : 89

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 95

و إمكان اختصاص الاستخراج بما يحتاج إليه، و المعلوم للحاكم لا يحتاج إلى استخراج.

مع أنّ مدلول أخبار البيّنة و اليمين أنّ كلّ بيّنة فهي على المدّعي، لا أنّ كلّ مدّع تجب عليه البيّنة.

مع أنّ الظاهر منها أنّها في صورة الجهل بالواقعة، فالبيّنة شأنها التبيين و لا تبيين في المبيّن.

هذا، ثمَّ إنّ المانع من القضاء بالعلم استثنى صورا:

منها: تزكية الشهود و جرحهم.

و منها: الإقرار في مجلس القضاء و إن لم يسمعه غيره.

و منها: إقرار الخصم مطلقا.

و منها: العلم بخطإ الشهود و كذبهم يقينا.

و منها: تعزير من أساء أدبه في مجلسه و إن لم يعلم غيره.

و منها: أن يشهد معه آخر، فإنّه لا يقصر عن

شاهد، و اللّه العالم.

المسألة الحادية عشرة: لو جنّ الفقيه أو أغمي عليه أو فسق ثمَّ عاد إلى الحالة الأولى، تعود نيابته و ولايته

من غير نزاع على الظاهر، كما قاله المحقّق الأردبيلي، لدخوله بعد العود تحت العمومات و الإطلاقات.

و أمّا ما ترى في كتب الأصحاب- من الخلاف في ذلك، و فتوى الأكثر بعدم العود- فإنّما هو في القاضي المنصوب من قبل الإمام الثابت قضاؤه بالتخصيص دون التعميم.

المسألة الثانية عشرة: إذا كان تنازع المتخاصمين عند حاكم في أمر لاختلاف المجتهدين فيه:
اشاره

كأن يتنازع الولد الأكبر مع غيره في أخذ الحبوة مجّانا أو بحساب

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 96

إرثه، أو فيما يحبى به.

أو ادّعى أحد الشركاء الثلاثة الشفعة و أنكرها الآخران.

أو تنازع المتبايعان في نجاسة المبيع و عدمها.

أو تنازعت البكر و وليها في الاستقلال في العقد و عدمه.

أو تنازعا في دية جناية اختلف العلماء في مقدارها. إلى غير ذلك.

يجب على الحاكم المترافع إليه الحكم في الواقعة بمقتضى رأيه و فتواه إجماعا، لأنّه حكم اللّه عنده و في حقّ كلّ من يقلّده أو يترافع إليه.

و لا يفيد تقليد أحدهما مجتهدا آخر يخالف رأيه رأي ذلك المجتهد، أو كونه مجتهدا مخالفا لذلك المجتهد، إذ لم يثبت- من أدلّة وجوب عمل المجتهد باجتهاده أو المقلّد باجتهاد مجتهده- الوجوب في ترتّب الأثر، حتى في موضع مزاحمة حقّ غيره، لو بنى ذلك الغير على اجتهاد مخالف لاجتهاده.

و الحاصل: أنّ الثابت ليس أزيد من ترتّب آثار اجتهاده أو تقليده فيما هو حقّ نفسه ممّا ليس له مزاحم من حقوق الغير، و إلّا فلا دليل.

ثمَّ المراد برأيه و فتواه ليس ما هو فتواه في جميع أجزاء الواقعة المتنازع فيها، فإنّه قد تكون فتواه فيها وجوب البناء على فتوى غيره في جزء منها فيجب اتّباعها، فإنّ فتوى كلّ مجتهد صحّة عمل مجتهد آخر أو مقلّده إذا بناه على رأي ذلك المجتهد الآخر و عمل به فيه، فيجب الحكم بمقتضاه

لو كان كذلك.

فإذا كانت الواقعة بحيث لم يتحقّق من أحد المتنازعين فيها بناء على أمر بتقليد مجتهد، فيجب فيها الحكم في أصل الواقعة بمقتضى فتوى الحاكم و رأيه فيها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 97

و إن تحقّق فيها بناء على أمر بتقليد غيره، فيجب الحكم بمقتضى ذلك البناء، لأنّ فتوى الحاكم أيضا على صحّة ذلك الأمر حينئذ و ترتّب الأثر عليه.

فإذا تنازع شخصان في أخذ الحبوة مجّانا أو بإزاء إرثه ابتداء قبل بنائهما فيها على تقليد مجتهد، يجب على الحاكم المفتي بالأخذ مجّانا الحكم به.

و لو كان المتنازعان مقلّدين لمجتهد يعطيها بإزاء الإرث فعملا بها في الواقعة، و أخذ الكبير بإزاء إرثه بتقليد مجتهده و أعطاه سائر الورثة بإزائه أيضا بتقليده، ثمَّ تنازعا فيها بعد ذلك عند الحاكم المذكور، يجب عليه الحكم بكونها بإزاء الإرث، لا لأجل أنّه فتواه مطلقا، بل لأجل أنّهما قلّدا المجتهد الآخر و عملا به، و انتقل المحبوّ بإزاء الإرث إلى المحبوّ له، و ما بإزائه إلى سائر الورثة، و فتوى الحاكم أيضا على الانتقال المذكور بالتقليد المذكور، و توقّف رفع حكم الانتقال إلى ناقل آخر، فيحكم بمقتضى هذه الفتوى بأنّها بإزاء الإرث.

و كذا لو كان المتنازعان في الشفعة مقلّدين لمن يرى الشفعة في الشركاء الثلاثة، فلو تنازعا قبل بنائهما على أخذ الشفيع المشفوع بتقليد مجتهده، و ترافعا عند من لا يرى ثبوت الشفعة حينئذ، يحكم ذلك بسقوط الشفعة.

و لو بنيا الأمر على تقليد الأول، و أخذ الشفيع المشفوع بتقليده، و رضى به الشريك تقليدا له أيضا، ثمَّ تنازعا عند نافي الشفعة، يجب عليه الحكم بكون المشفوع لآخذ الشفعة، لأنّه أخذه بتقليد من يقول بثبوتها و إعطاء الشريك الآخر أيضا

بتقليده، فصار المشفوع ملكا للشفيع بفتوى

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 98

ذلك المترافع إليه أيضا، فيحكم بمقتضاه.

و كذا لو باع شخص الصيد المقتول بالتّفنك «1» لأجل كونه مذكّى عنده بفتوى من يرى حلّيته، و اشتراه المشتري أيضا بتقليده، و أجريا العقد، ثمَّ وقع بينهما التنازع، و ترافعا عند من لا يرى حلّيته، يجب عليه الحكم بصحّة البيع، لأنّ فتواه صحّة بيعه للمجتهد المفتي بحلّيته و طهارته و لمقلّده، و قد وقع ذلك من المتبايعين الكذائيّين، فيكون صحيحا ممضى عنده أيضا. و هكذا في جميع الوقائع.

نعم، يشترط حينئذ في الحكم بالصحّة في تلك الموارد عمل المتنازعين معا بمقتضى فتوى المجتهد الآخر، و لا يكفي تقليد أحدهما، لما مرّ من عدم دليل على كفاية تقليد أحدهما فيما يكون الأمر بين اثنين.

نعم، لو لم تكن الواقعة ممّا يكون الأثر المترتّب على العمل بين المتنازعين، فيكفي تقليد أحدهما، كمسألة عقد البكر نفسها أو الوليّ، فلو عقدت البكر نفسها لزوج بتقليد مجتهد يرى استقلالها، و قبله الزوج بتقليده أيضا، ثمَّ تنازع الوليّ عند من يرى استقلاله، يجب الحكم بصحّة العقد، إذ لا تعلّق للوليّ في أثر العقد الذي هو حلّية البضع، و لا يحتاج تقليد البكر إلى رضى الوليّ.

و لو كان الحاكم في الأمثلة المذكورة في المعاملات ممّن لا يقول بلزوم التقليد في المعاملات، بل يكتفي بالمطابقة لرأي مجتهد، فبنى المتنازعان الأمر أولا على أحد الطرفين، يجب على هذا الحاكم الحكم بصحّته بناء على رأيه أيضا.

______________________________

(1) كلمة فارسية تعني: البندقية.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 99

و كذا لو اكتفى بالتقليد اللّاحق على العمل و قلّدا بعد العمل أيضا.

و هكذا.

و المحصّل: أنّه يجب على الحاكم المترافع إليه أن يستخرج

الأول فتواه في كلّ الواقعة المتنازع فيها و يحكم بمقتضاها، سواء كانت مطابقة لفتواه في جزء الواقعة أو لا، فيرى أنّه إذا سئل منه: ما رأيك في الحبوة إذا تنازع فيها الورثة؟ يفتي بأنّها للأكبر مجّانا، فيحكم به في الواقعة إذا تنازعا قبل رضاء الطرفين و بنائهما على تقليد، إذ ليس للواقعة جزء آخر.

و لو بنى المتنازعان فيها على تقليد من لا يرى مجّانا، فيزيد في الواقعة جزء آخر، لأنّ التنازع إنّما هو في الحبوة التي بنيا فيها الأمر على تقليد.

و يرى أنّه إذا سئل عنه: ما رأيك في الحبوة التي أخذها الأكبر مجّانا بتقليد من يراها كذلك و أعطاها سائر الورثة أيضا كذلك، فهل يصير مالا حلالا له؟ يفتي بأنّها ماله، فيجب الحكم به في الواقعة أيضا.

و لو سئل: أنّه لو أخذها الأكبر بتقليد من يراها مجّانا و لكن لم يرض به الباقون؟ فيفتي بأنّه لا يكفي تقليده فقط.

و يرى أنّه إذا سئل: ما فتواك في حقّ باكرة زوّجت نفسها بشخص بتقليدهما لمن يرى استقلالها؟ يفتي بالصحّة، فيجب عليه الحكم بها أيضا بعد وقوع العقد، و لو فرض أنّ فتواه على عدم الصحّة فيحكم به أيضا.

و لو تنازع الجاني و المجنيّ عليه في قدر الدّية المختلف فيها عند حاكم فيجب حكمه بمقتضى رأيه، و لا يفيد هنا بناء أحدهما أو كليهما على فتوى غيره، إلّا إذا عملا بها و أعطى الجاني الدية بمقتضاها و أخذها المجنيّ عليه كذلك.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 100

و بالجملة: اللّازم على الحاكم في جميع الوقائع تصوير فتواه في كلّ الواقعة إذا سئل عنها فيها و الحكم بها.

فرع: لو ترافع المتنازعان في أمر

قبل بنائهما على أحد الطرفين بالتراضي أو إجراء عقد فيه،

و حكم الحاكم بمقتضى رأيه، فهل يجوز للمتنازعين بعده البناء على تقليد الآخر في هذه الواقعة لو رضيا و يترتّب عليه أثره، أم لا؟

الظاهر: الثاني، لاستقرار الأمر على ما حكم به فلا ينقض، فلو حكم الحاكم بإحباء شي ء للولد الأكبر أو بكونه له مجانا بعد الترافع أو بسقوط الشفعة، فلو تراضيا بخلافه بعد ذلك لم يترتّب عليه أثر، فلا يصير الأخذ بالشفعة لازما، و لا الشي ء المحبوّ ملكا لغير الكبير، بل لو أرادوا اللزوم احتاج إلى عقد آخر ناقل شرعيّ، كبيع أو صلح أو هبة.

المسألة الثالثة عشرة: قد عرفت أنّه يجب على الحاكم إمضاء حكم حكم به حاكم آخر مقبول الحكم عنده

في واقعة خاصّة، و لا يجوز له نقضه. و الظاهر أنّه إجماعيّ، و نقل الإجماع عليه مستفيض، و الأخبار تدلّ عليه كما مرّ. و المراد بإمضائه: العمل بمقتضاه.

و لو أنكر المحكوم عليه حقّ المحكوم له فحضرا عند الحاكم الثاني و ادّعى المحكوم له الحقّ و أنكر غريمه و تمسّك المحكوم له بحكم الحاكم الأول، يجوز للثاني الحكم به له أيضا، كما يجوز له الحكم بالبيّنة و الحلف.

و الحاصل: أنّ الحكم السابق أيضا طريق لإثبات الحقّ كالبيّنة و اليمين و الإقرار.

و يمكن أن يكون قوله في بعض الروايات المتقدّمة: «أو سنّة قائمة»

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 101

إشارة إلى ذلك أيضا، فإذا سمع الدعوى و الإنكار و ظهر له الحكم السابق ظهورا علميّا يحكم له ثانيا لأجل ذلك الحكم، إذ بعد علمه و فتواه بوجوب اتّباعه و عدم جواز ردّه يكون ذلك حكم اللّه في حقّهما عنده، فيجب عليه الحكم بمقتضاه.

و قد يقال: إنّه و إن وجب إمضاؤه عليه، و لكن لا يجوز له الحكم، لجواز ابتناء الأول على فتوى مخالفة لرأيه.

و أنا لا أفهم وجوب الإمضاء و عدم وجوب

الحكم بمقتضاه، بل هما متلازمان، و لا مخالفة للرأي أبدا، إذ كون كلّ ما حكم به المجتهد على أحد الخصمين و له بعد الترافع حكم اللّه في حقّهما إجماعيّ، بل ضروريّ لا يحتمل المخالفة، فرأي كلّ مجتهد أنّ هذا حكم اللّه في حقّهما و فتواه على ذلك، و إن خالفه مع قطع النظر عن ذلك الحكم، و لكنّه غير المورد.

و كذا لا أتفهّم معنى ما قيل من أنّه يجب عليه الإمضاء و لا يجوز له الحكم بصحّته، لجواز مخالفته لنفس الأمر، لاحتمال كذب المدّعي و الشهود أو خطئهم.

و فيه: أنّ الصحّة هنا ليست إلّا ترتّب الأثر شرعا، و هو لازم وجوب الإمضاء، فلا معنى لوجوب أحدهما و عدم وجوب الآخر.

نعم، لو أراد بعدم جواز الحكم بالصحّة الحكم بمطابقة الواقع و نفس الأمر، فهو كذلك، و لكنّه كذلك بالنسبة إلى حكم نفسه أيضا.

و لا فرق في وجوب الإنفاذ بين ما إذا كان الحاكم الأول حيّا باقيا على شرائط القضاء، أو غير باق، بأن صار فاسقا بعد الحكم قبل الإنفاذ أو مجنونا أو كان ميّتا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 102

و تفرقة بعضهم «1» بين الموت و الفسق- بوجوب الإنفاذ على الأول دون الثاني و إن كان الثاني أيضا ماضيا لو طرأ الفسق بعد الإنفاذ- لا وجه لها، كما صرّح به المحقّق الأردبيلي.

ثمَّ إنّ ما ذكرنا من وجوب الإنفاذ و الحكم بمقتضاه إنّما هو إذا علم الحاكم الثاني بالحكم الأول، إمّا بحضوره مجلس الحكم و سماعه الدعوى و الإنكار و المرافعة و الحكم، أو ثبت ذلك عنده ثبوتا علميا بأخبار متواترة أو محفوفة بقرائن مفيدة للعلم.

و في حكم العلم إقرار المتخاصمين، لنفوذ إقرار العقلاء على أنفسهم.

و

الظاهر أنّه إجماعيّ، و لا كلام في شي ء من ذلك.

و إنّما الكلام فيما إذا لم يعلم الحاكم الثاني بالحكم الأول، بل ظنّه بإحدى الطرق المورثة للمظنّة، فهل يجب عليه الإمضاء، أم لا؟ و الطرق التي اختلفوا فيها ثلاثة:

الأول: مجرّد الكتابة، بأن يكتب قاض إمّا مطلقا أو إلى خصوص حاكم آخر: أنّ فلانا حضر مجلس الحكم و ادّعى على فلان و حكمت له أو عليه بالمدّعى. أو كتب: إنّي حكمت على فلان بكذا.

و لا خلاف في عدم اعتبارها لو كان المحكوم به من حقوق اللّه، بل ادّعي عليه الإجماع، لوجوب درئها بالشبهة.

و لو كان من حقوق الناس، فالمشهور فيها أيضا ذلك، بل قيل:

بلا خلاف يوجد إلّا من الإسكافي «2»، بل عن السرائر و المختلف و القواعد

______________________________

(1) كما في المسالك 2: 381.

(2) كما في رياض المسائل 2: 408.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 103

و في التحرير: الإجماع عليه «1».

للأصل، و روايتي طلحة «2» و السكوني «3»: «إنّ عليا عليه السّلام كان لا يجيز كتاب قاض في حد و لا في غيره، حتى وليت بنو أميّة فأجازوا بالبيّنات».

و ضعفهما- لو كان- منجبر بالشهرة العظيمة و الإجماعات المحكيّة و الأدلّة القاطعة من الكتاب و السنّة المانعة من العمل بالمظنّة، فإنّ مجرّد الكتاب لا يفيد أزيد منها، لاحتمال التزوير، أو عبث الكاتب و عدم قصد ما فيها، و غير ذلك من الاحتمالات.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي، فقال باعتبارها في حقوق الناس «4».

و ظاهر المحقّق الأردبيلي الميل إليه، بل في حقوق اللّه أيضا، قال- بعد نقل قول الإسكافي-: و ذلك غير بعيد، إذ قد يحصل الظنّ المتاخم للعلم أقوى من الذي حصل من الشاهدين بالعلم بالأمن من التزوير و أنّه كتب

قصدا لا غير، فإذا ثبت بأيّ وجه كان- مثل: الخبر المحفوف بالقرائن المفيدة للعلم- يجب إجراؤه من غير توقّف.

و يكون ذلك مقصود ابن الجنيد، و يمكن أن لا ينازعه فيه أحد، و يكون مقصود الباقي: المنع في غير تلك الصور، بل الصورة التي لم تكن مأمونة من التزوير و لا معلوما كونه مكتوبا قصدا، و لهذا يجوز العمل بالمكاتبة في الرواية و أخذ المسألة و الحديث.

و بالجملة: لا ينبغي النزاع في صورة العلم، و يمكن النزاع في صورة

______________________________

(1) السرائر 2: 162، المختلف: 691، القواعد 2: 216، التحرير 2: 188.

(2) التهذيب 6: 300- 841، الوسائل 27: 297 أبواب كيفية الحكم ب 28 ح 1.

(3) التهذيب 6: 300- 840، الوسائل 27: 297 أبواب كيفية الحكم ب 28 ح 1.

(4) حكاه عنه في المختلف: 706.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 104

الظنّ، و يمكن القول به هناك أيضا إذا كان أقوى من ظنّ الشاهدين، و يكون احتمال النقيض مجرّد التجويز العقلي، مثل: صيرورة أداني البيوت علماء عالمين بجميع العلوم، و القول بعدمه في غير ذلك.

هذا في حقوق الناس.

و أمّا في حقوق اللّه، فيحتمل ذلك أيضا، لما مرّ. و يحتمل العدم للدرء بالشبهات. انتهى.

و ردّ: بأنّ ذلك فرع قيام دليل قاطع على جواز العمل بالظنّ مطلقا، و لم نجده في نحو المورد ممّا يتعلّق بالموضوعات و لو كان الظنّ متاخما للعلم، و مجرّد كون ظن الكتابة أقوى من ظنّ الشهادة لا يوجب قطعيّته و لا حجّيته، إلّا أن تكون حجّية الأخيرة من حيث إفادتها المظنّة، و هو ممنوع، بل هي من جهة الأدلّة الأربعة و هي أدلّة قاطعة أو ظنون مخصوصة مجمع عليها.

فلا وجه لقياس الكتابة على الشهادة، و

لا على الرواية و أخذ المسألة، لقيام الأدلّة المخصوصة على حجّية الظنّ فيهما، و لذا يكتفى فيهما بظنّ ما و لو لم يفد الظنّ الأقوى.

أقول: ما ذكره الرادّ صحيح لا غبار عليه، إلّا أنّ مقتضى كلام الأردبيلي اعتبار الكتابة الموجبة للعلم، كما هو صريح صدر كلامه إلى قوله: و يمكن النزاع في صورة الظن. و المستفاد من ذيله أيضا، لأنّه اعتبر فيه ما كان احتمال خلافه مجرّد التجويز العقلي و مثل صيرورة الأداني علماء متبحّرين، و هذا و إن كان ظنّا عند الحكماء، و لكنّه علم عرفا و شرعا، لأنّه

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 105

العلم العاديّ المجمع على اعتباره شرعا، كما بيّناه في عوائد الأيّام «1»، و لا كلام في اعتبار ذلك.

نعم، يرد عليه حينئذ: أنّه لا وجه لقياسه على الشهادة و الرواية و أخذ المسألة، لأنّها ليست بهذه المثابة البتّة، و إن كانت حجّيتها معلومة من جهة الأدلّة.

و بالجملة: كلام الأردبيليّ لا يخلو عن اضطراب، و إن كان الظاهر أنّ مراده العلم العادي، فيرجع نزاعه مع القوم لفظيّا.

الثاني: إخبار الحاكم الأول مشافهة: إنّي حكمت بكذا.

و في إنفاذه و وجوب اعتباره و عدمهما خلاف:

الأول: للفاضل في القواعد و الإرشاد، و الشهيدين في الدروس و المسالك «2».

و الثاني: للخلاف و النافع «3».

و تردّد في الشرائع و التحرير «4».

دليل الأول: أنّه ثبت أنّ حكم الحاكم حكم الإمام و الردّ عليه حرام.

و أنّه أقوى من الشاهدين.

و يردّ الأول: بأنّه لا كلام في وجوب إنفاذ حكم الحاكم، و إنّما الكلام في أنّه هل يثبت بإخباره بعد الحكم، و لذا قال الأردبيليّ: و ليس إثباته بقول الحاكم أقوى من إثباته بعدلين، إذ هما عدلان و هو عدل واحد،

و قول

______________________________

(1) عوائد الأيّام: 153.

(2) القواعد 2: 217، الدروس 2: 92، المسالك 2: 380.

(3) الخلاف 2: 603، المختصر النافع 2: 283.

(4) الشرائع 4: 96، التحرير 2: 188.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 106

العدلين حجّة دون الواحد.

و منه يعلم ردّ الثاني أيضا، مع أنّه إنّما يفيد لو كان قبول العدلين لأجل المظنّة، و ليس كذلك.

و دليل الثاني: الأصل، و كون حكم الثاني بمجرّد أخبار الأول حكما بغير علم. و هو كذلك، فالثاني هو الأقوى.

نعم، لو ضمّت مع إخباره قرائن مفيدة للعلم بصدور الحكم يجب اعتباره.

الثالث: الشهادة على حكمه، بأن يشهد عدلان على صدور الحكم منه لفلان على فلان بعد الترافع بكذا و كذا.

و قد وقع الخلاف فيها، فقيل بعدم قبولها مطلقا «1»، و يظهر من المختلف أنّه قول جماعة، قال: و ربّما منع من ذلك جماعة من علمائنا «2».

للأصل المتقدّم ذكره مرارا.

و لذيل روايتي طلحة و السكوني المتقدّمتين «3»، حيث قال: «فأجازوا بالبيّنات».

و ردّ الأصل بما يأتي.

و الروايتان بضعفهما سندا الخالي عن الجابر هنا، و دلالة، لظهور سياقهما في أنّ البيّنة التي كان بنو أميّة يجيزونها إنّما هي على صحّة الكتابة لا على أصل الحكم.

و قيل بعدم القبول إن كانت البيّنة مجرّدة عن الإشهاد- أي

______________________________

(1) كما في المهذب 2: 587.

(2) المختلف: 706.

(3) في ص: 103.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 107

لم يشهدهما الحاكم الأول على حكمه في الواقعة- و القبول إن أشهدهما، و هو مذهب المحقّق في النافع «1» بل قيل بعدم خلاف فيه بين الأصحاب كافّة «2».

أمّا الأول: فلما مرّ من الأصل.

و أمّا الثاني: فلظاهر الإجماع.

و مسيس الحاجة إليه في إثبات الحقوق مع تباعد البلاد و تعذّر نقل الشهود أو تعسّره، و عدم

مساعدة شهود الفرع أيضا على التنقّل، و الشهادة الثالثة غير مسموعة.

و لأنّها لو لم تقبل لبطلت الحجج مع تطاول المدّة، و لأدّى إلى استمرار الخصومة في الواقعة الواحدة.

و لأنّ الغريمين لو تصادقا أنّ الحاكم الأول حكم بينهما ألزمهما الثاني ما حكم به الأول إجماعا، على الظاهر المصرّح به في بعض الكلمات، فكذا إذا قامت البيّنة، إذ يثبت بالشهود ما يثبت بالإقرار.

و مال المحقّق الأردبيليّ إلى القبول مطلقا، لأنّ حكم الحاكم حجّة متّبع يجب إنفاذه و العمل بمقتضاه على أيّ طريق ثبت عند حاكم آخر، سواء كان بإقرار الخصم أو البيّنة، و لعدم تعقّل مدخليّة للإشهاد في اعتبارها.

أقول:

إن كان هناك دليل على وجوب قبول شهادة العدلين مطلقا كما هو كذلك، أو في خصوص المورد، فالحقّ القبول مطلقا من غير مدخليّة للإشهاد فيه. و إن لم يكن فالحقّ عدم القبول كذلك.

______________________________

(1) المختصر النافع: 283.

(2) المسالك 2: 381 قال: إنّه موضع وفاق.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 108

و أمّا التفصيل المذكور فلا أرى له وجها مقبولا، إلّا ما قد يضمّ مع أصالة حجّية شهادة العدلين من ظاهر الإجماع على عدم القبول هنا مع عدم الإشهاد، أو ما قد يضمّ مع أصالة عدم الحجّية من ظاهر الإجماع على القبول مع الإشهاد.

و ما قد يقال من مسيس الحاجة و اقتضاء الضرورة للقبول، و للزوم تقدير الضرورة بقدرها و اندفاعها بالقبول مع الإشهاد يجب الاقتصار عليه.

و هما ضعيفان جدّا، لمنع الإجماعين، سيّما في جانب عدم القبول.

و منع مسيس الحاجة أولا، لإمكان حصول العلم بالحكم بواسطة القرائن المنضمّة مع العدل أو العدلين أو جماعة من غير العدول، سيّما مع الكتابة، و إمكان إشهاد الشاهدين على شهادة الأصل، و غير ذلك.

مع أنّه

قد لا ترتفع الضرورة بالشهادة مع إشهاد الحاكم أيضا، لعدم تمكّن الشاهدين من المسافرة.

و بالجملة: اللّازم في هذه المسألة البناء على حجّية مطلق شهادة العدلين و عدمها، و سيأتي تحقيقه في باب الشهادات.

و لكن ذلك إذا شهدا بالحكم، بأن يقولا: كنّا في مجلس المرافعة، فادعى فلان على فلان، و أنكر المدّعى عليه أو كان غائبا، فحكم عليه الحاكم بعد الإتيان بما كان عليه في الترافع.

و كذا لو علما بالدعوى و الترافع بالقرائن ثمَّ سمعا الحكم.

و لكن لو سمعا من الحاكم إخباره بالحكم- أي قال لهما: إنّي حكمت قبل ذلك- لا تقبل الشهادة، لما عرفت من عدم وجوب قبول إخبار الحاكم بنفسه بذلك عند الحاكم الآخر.

و كذا إذا حكم الأول- ثمَّ كتب حكمه في ورقة فقال للشهود أو

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 109

الحاكم الثاني: ما في هذه الورقة حكمي- لم يجز للشهود أن يشهدوا بالحكم بمجرّد ذلك، و لا للحاكم أن ينفذه لسماعة أو لشهادة هذه الشهود.

و هو ظاهر ممّا تقدّم و صرّح به جماعة، منهم: الفاضل في الإرشاد، و الأردبيليّ في شرحه «1»، و غيرهما.

نعم، لو كتب صورة حكمه قبل صدوره، ثمَّ قال بمحضر الحاكم الثاني أو الشهود: حكمت لفلان بما في هذه الورقة، و حفظت الورقة بحيث أمن من التغيّر، يحتمل جواز إنفاذه و قبول الشهادة بها، فتأمّل.

______________________________

(1) الإرشاد 2: 148، الأردبيلي في مجمع الفائدة 12: 214.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 110

المطلب الثاني في كيفية القضاء و الحكم
اشاره

و لاحتياجه إلى المدّعي و الدعوى و المدّعى عليه و جوابه، و لكلّ منها متعلّقات، فهاهنا سبعة فصول:

الفصل الأول في بيان شأن القاضي و وظيفته بالنسبة إلى كلّ من المتداعيين أو كليهما.
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لا خلاف في وجوب التسوية بين الخصوم في العدل في الحكم
اشاره

، فلا تجوز التفرقة فيه بين المسلم و الكافر، أو الشريف و الوضيع، أو العادل و الفاسق، أو غيرهم، و الإجماع منعقد عليه، و صريح الكتاب يرشد إليه:

قال اللّه سبحانه إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ «1».

و قال عزّ و جلّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ

______________________________

(1) النساء: 58.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 111

وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى «1».

و قال جلّ شأنه يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى «2»، إلى غير ذلك.

و الأخبار فيه مستفيضة.

و لو كان في العدل مظنّة الضرر بما لا يرضى به الشارع، يجب ترك الحكم دون الحكم بغير العدل، و مع ظنّه في الترك أيضا فالظاهر الجواز، و لا يبعد ترجيح أكثر الضررين و أشدّهما.

و هل تجب التسوية بينهما في غير ذلك من وجوه الإكرام، أم تستحبّ؟

ذهب الصدوقان إلى الأول «3»، و هو ظاهر النهاية «4» و صريح المحقّق و الفاضل في غير المختلف «5» و نسبه في المسالك و الروضة و المفاتيح و المعتمد إلى المشهور «6».

و ذهب الديلمي و الفاضل في المختلف إلى الثاني «7». و اختاره الحلّي، و جعل القول بالوجوب توهّم من لا بصيرة له بهذا الشأن «8».

و ظاهر الكفاية التردّد «9».

______________________________

(1) المائدة: 8.

(2) سورة ص: 26.

(3) نقله عنهما في المختلف: 700.

(4) النهاية: 338.

(5) المحقق في الشرائع 4: 80، و الفاضل في التحرير 2: 183.

(6) المسالك 2: 365، الروضة 3: 72، المفاتيح 3: 252.

(7) الديلمي في المراسم: 230، المختلف: 701.

(8) السرائر 2: 157.

(9)

الكفاية: 266.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 112

و الحقّ هو: الأول، لقول عليّ عليه السّلام لشريح في رواية سلمة: «ثمَّ واس بين المسلمين بوجهك، و منطقك، و مجلسك، حتى لا يطمع قريبك في حيفك، و لا ييأس عدوك من عدلك» «1».

و رواية السكوني عن الصادق عليه السّلام: قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

من ابتلي بالقضاء فليواس بينهم في الإشارة، و في النظر، و في المجلس» «2».

و مثلها مرسلة الفقيه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و فيها «فليساو» بدل «فليواس» «3».

و قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه و إشارته و مقعده، و لا يرفعنّ صوته على أحدهما ما لا يرفع على الآخر» «4».

و قول الرضا عليه السّلام في فقهه: «و اعلم أنّه يجب عليك أن تساوي بين الخصمين، حتى النظر إليهما، حتى لا يكون نظرك إلى أحدهما أكثر من نظرك إلى الثاني» «5».

و لأنّ تخصيص أحدهما يوجب كسر قلب الآخر و منعه عن إقامة حجّته.

و الإيراد على الروايات بأنّها ضعيفة سندا، فلا يثبت منها حكم مخالف للأصل.

______________________________

(1) الكافي 7: 412- 1، الفقيه 3: 8- 28، التهذيب 6: 225- 541، الوسائل 27:

211 أبواب آداب القاضي ب 1 ح 1.

(2) الكافي 7: 413- 3، التهذيب 6: 226- 543، الوسائل 27: 214 أبواب آداب القاضي ب 3 ح 1.

(3) الفقيه 3: 8- 27، الوسائل 27: 214 أبواب آداب القاضي ب 3 ح 1.

(4) سنن البيهقي 10: 135، المسالك 2: 365.

(5) فقه الرضا «ع»: 260، مستدرك الوسائل 17: 350 أبواب آداب القاضي ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 113

مردود بعدم ضير هذا الضعف

عندنا، سيّما مع صحّة الأولى عمّن أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنه، و انجبارها بالشهرتين.

نعم، غير الأخيرة لا يدلّ إلّا على وجوب التساوي في بعض وجوه الإكرام، فيبقى مثل: التعظيم و التكريم و القيام و الإذن في الدخول، باقيا تحت الأصل.

و الأخيرة و إن كانت عامّة إلّا أنّ الشهرة التي ادّعوها ليست إلّا في بعض الوجوه، لأنّه المصرّح به في كلام الأكثر، فلا يبعد تخصيص الوجوب بما في غير الأخيرة، إلّا أنّ المستفاد من التعليل في الأولى التعميم، فهو «1» الأقرب.

و احتجّ الآخرون أمّا على نفي الوجوب فبالأصل، و أمّا على الاستحباب فبالروايات المتقدّمة، حيث يسامح في أدلّة السنن. و جوابه قد ظهر.

فروع:
أ: الأمر بالمواساة في الوجه يشمل المواساة «2» في التوجّه و عدمه،

و طلاقة الوجه و عدمها، و إن كان الظاهر منها هو الأول.

و بالمواساة في المنطق يشمل المواساة في الكميّة و الكيفيّة، و يعمّ ما يتعلّق بالدعوى و غيره من أنواع التكلم.

و بالمواساة في المجلس يشمل المواساة «3» في القرب و كيفيّة الجلوس.

______________________________

(1) في «ح»: و هو.

(2) في «ق» و «س»: المساواة.

(3) في «ح»: المساواة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 114

ب: لو دخل الخصمان قبل إظهار الدعوى و جلس أحدهما أقرب إلى الحاكم،

يجب عليه أن يسوّي بينهما بعد الإظهار أيضا.

و إذا رضي الأدون مجلسا بما هو عليه فهل تسقط شرعيّة المساواة، أم لا؟

فيه وجهان، من: أنّ الحكمة في الأمر بالمساواة هو عدم طمع القريب و عدم كسر قلب البعيد.

و من: إطلاق الروايات و عدم المقيّد.

و الأوجه الثاني، لإمكان تعدّد العلّة، و إطلاق غير المعلّلة من الروايات.

ج: عدّوا من وجوه الإكرام: الإنصات،

و المراد به: الإصغاء إلى كلامه.

و الحكم بوجوبه أو استحبابه- لعموم الرضوي و التعليل- ظاهر.

د: و عدّوا منه: التسوية في السلام عليهما و الجواب لهما إن سلّما معا، و هو كذلك،

لما مرّ.

و لو سلّم أحدهما دون الآخر يجب الجواب لمن سلّم، و لا يجب شي ء للآخر.

و لو ابتدأ أحدهما بالسلام، فهل يجب أو يستحبّ تأخير الجواب رجاء لأن يسلّم الآخر، أم لا؟

اختار في المسالك: الأول، إذا لم يطل الفصل بحيث يخرج عن كونه جوابا للأول «1».

و الأظهر: الثاني، لأنّ البدأة بجواب سلام من ابتدأ بالسلام لا تنافي

______________________________

(1) المسالك 2: 365.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 115

التسوية عرفا، بل يمكن أن يقال: إنّ التأخير مناف لها، حيث بادر بجواب أحدهما و أخّر جواب الآخر.

بل لو قلنا بمنافاة المبادرة بجواب البادئ للتسوية لا يجب التأخير أيضا على القول بالوجوب، و لا يستحبّ على القول بالاستحباب، لأنّ وجوبها أو استحبابها إنّما هو فيما إذا علم بتسليمهما معا، و هو غير متيقّن بعد.

ه: وجوب التسوية أو استحبابها مختصّ بالأفعال الظاهريّة دون الميل القلبي،

بمعنى: محبّة أحدهما، أو الميل إلى التكلّم معه و القرب إليه في المجلس و التعظيم له، أو الميل إلى أن يكون حكم اللّه موافقا لهواه، للأصل، و لأنّ الحكم على القلب غير مستطاع.

و أمّا قضيّة قاضي بني إسرائيل المرويّة عن الباقر عليه السّلام في صحيحة الثمالي «1»، فلا تدلّ على أنّ المؤاخذة كانت على الأمر القلبي، بل كانت على ما قاله بقوله: «قلت: اللّهمّ» إلى آخره، حيث أظهر باللسان ما كان في قلبه و إن لم يظهره على الخصمين.

نعم، يستحبّ الاجتهاد في تطهير السرّ بحيث يتساوى عنده جميع عباد اللّه، و لكنّه لا يختصّ بالقاضي، و كلامنا فيما يجب أو يستحبّ على شخص من حيث هو قاض.

و: لا يختصّ وجوب التسوية فيما ذكر بحال حضور الخصمين معا،

بل يجب مع غياب أحدهما أيضا، لإطلاق الروايات، و إيجابه طمع من يزيد إكرامه، الذي هو أحد علّتي المنع في الرواية الأولى.

______________________________

(1) الكافي 7: 410- 2، التهذيب 6: 222- 529، الوسائل 27: 225 أبواب آداب القاضي ب 9 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 116

ز: الحكم بوجوب التسوية أو استحبابها مشروط بما إذا تساوى الخصوم في الكفر و الإسلام،

فلو كان أحدهما مسلما و الآخر كافرا جاز قيام الكافر مع جلوس المسلم، أو كون المسلم أعلى منزلا منه علوّا صوريّا أو معنويّا. لا أعرف فيه خلافا، و نقل عليه الإجماع أيضا «1».

و الدليل عليه- مضافا إلى اختصاص رواية سلمة و النبويّ بالمسلمين، و احتمال إرجاع الضمير في قوله: «بينهم» في رواية السكوني إلى المترافعين المسلمين، و ضعف الأخيرة و خلوّها عن الجابر في المقام- ما روي: أنّ عليّا عليه السّلام جلس بجنب شريح في حكومة له مع يهوديّ في درع و قال: «لو كان خصمي مسلما لجلست معه بين يديك، و لكنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: لا تساووهم في المجلس» «2»، و ضعفه منجبر (بالعمل) «3».

و هل يختصّ ذلك بالمجلس، أو يتعدّى إلى غيره أيضا؟

الظاهر: التعدّي، كما اختاره في الروضة «4»، و إليه ذهب والدي في المعتمد، و استقواه بعض المعاصرين «5»، للأصل، و اختصاص النصوص- بحكم التبادر و اختصاص المورد- بالمسلمين، و خلوّ ما ظاهره العموم عن الجابر عن ضعفه.

المسألة الثانية: قالوا: لا يجوز للحاكم أن يلقّن أحد الخصمين

ما يستظهر به على خصمه و يستنصره و يغلب عليه، و أن يهديه إلى وجوه الحجاج، و استدلّوا عليه بظاهر الوفاق، و بأنّه منصوب لسدّ باب المنازعة

______________________________

(1) الرياض 2: 294.

(2) المغني 11: 444.

(3) ليس في «ح».

(4) الروضة 3: 73.

(5) غنائم الأيام: 676.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 117

لا لفتح بابها، فتجويزه ينافي الحكمة الباعثة لتعيينه.

و تأمّل فيه السبزواري «1»، و مال الأردبيليّ إلى الجواز إن لم يرد بذلك تعليم ما ليس بحقّ، و جنح إليه بعض معاصرينا «2».

و الحقّ: الحرمة مطلقا، سواء كان تلقين أحد الخصمين ببيان ما يوجب استظهاره من غير أن يأمره بقوله أو فعله،

مثل أن يقول لمن لا يرضى بالحلف إذا ردّ عليه: كلّ من ادّعى بالظنّ لا يردّ عليه اليمين، أو إن ادّعيت بالظنّ لا يجوز لخصمك الردّ.

أو يقول لمن يريد الجواب بالأداء في مقابلة دعوى القرض: كلّ من يجيب بالأداء يجب عليه الإثبات و المنكر ليس له ذلك.

أو يأمره بالقول أو الفعل، مثل أن يقول: ادّع بالظنّ، أو أنكر القرض، أو انكل، أو ردّ اليمين.

و سواء كان ذلك مع علم الحاكم بأنّ ما يلقّنه مخالف للواقع، مثل أن يأمره بادّعاء الظنّ مع علمه بأنّه يدّعي العلم، أو بإنكار القرض مع علمه بتحقّقه، أو بتعيين المدّعى به مع علمه بكونه مجهولا للمدّعي.

أو يعلم أنّه مطابق للواقع.

أو لا يعلم فيه أحد الأمرين، مثل أن يلقّنه دعوى الظنّ فيما لم يعلم أنّه ظانّ أو عالم.

لكون الجميع منافيا للتسوية المأمور بها، و كون بعض صورها إعانة على الإثم، و بعض آخر أمرا بالمنكر.

و تجويز التلقين بما يوجب التوصّل إلى الحقّ و دفع الضرر- إذا علم

______________________________

(1) الكفاية: 266.

(2) المحقق القمّي في رسالة القضاء (غنائم الأيام: 676).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 118

أنّه لا يهدى إليه فيضيع حقّه- ضعيف، لأنّ مع علم الحاكم يحكم بعلمه، فلا يحصل ضرر.

و أمّا ما ذكروه دليلا على عدم الجواز مطلقا- من إيجابه فتح باب المنازعة- فضعيف، لمنع عدم جواز فتحها كلّية أولا، و عدم إيجابه له على الاطّراد ثانيا.

هذا حكم التلقين.

و أمّا الاستفسار المؤدّي إلى تصحيح الدعوى أو الجواب، فهو أيضا غير جائز، لما مرّ من منافاته التسوية، و إيجابه في بعض الصور إعانة على الإثم.

سواء كان قبل تكلّم من يستفسر منه، كأن يستفسر عن المدّعى عليه بعد دعوى القرض عليه: هل ما استقرضت أو

استقرضت و أدّيت؟ و قد يضمّ معه ما يوجب الجواب بما يستظهره، مثل أن يقول: هل ما استقرضت حتى تكون البيّنة على المدّعي، أو أدّيت حتى تكون البيّنة عليك؟

أو بعد التكلّم، مثل أن يستفسر عمّن يجيب بعدم اشتغال الذمّة أنّه:

هل أدّيت أو ما استقرضت؟ و اللّه العالم.

المسألة الثالثة: إذا دخل الخصمان، فإن بدر أحدهما بالدعوى سمع منه

، و إن لم يبدر و سكتا فلا يجب على الحاكم الأمر بالتكلّم، و وجهه ظاهر.

و قد ذكروا أنّه يستحبّ أن يقول هو أو من يأمره: تكلّما، أو ليتكلّم المدّعي منكما.

و لم أعثر على دليل على الاستحباب، و ظاهر الحلّي عدم الاستحباب،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 119

حيث قال: و لا ينبغي للحاكم أن يسأل الخصمين، و المستحبّ له تركهما حتى يبدءا بالكلام، فإن صمتا فله أن يقول لهما حينئذ: إن كنتما حضرتما بشي ء فاذكراه «1». انتهى.

و قال والدي- طاب ثراه- في المعتمد بالاستحباب لو عرف كون الحياء أو احتشامه مانعا لهما عن المبادرة. و ليس ببعيد.

ثمَّ إنّهم قالوا: إنّه إذا استحبّ التكلّم يكره تخصيص أحدهما بالخطاب «2»، لمخالفته للتسوية المتقدّمة.

و فيه منع، لعدم منافاته للتسوية عرفا، لأنّه ابتداء الكلام، و مجرّد تقديم الالتفات إلى أحدهما- سيّما إذا علم كونه مدّعيا- لا يخالف التسوية عرفا.

و بذلك يوجّه الحكم بالكراهة هنا ممّن حكم بوجوب التسوية في التكلّم. و فيه ما فيه.

و وجّهه في المعتمد بأنّ الحكم بالحرمة لأجل الانجبار، و هو فيما نحن فيه مفقود، فلا يثبت من عموم الأخبار سوى الكراهة. و هو أيضا غير جيّد.

المسألة الرابعة: إذا ازدحم جماعة من المدّعين، فإن جاءوا على التعاقب و عرف الترتيب، قالوا: يقدّم الأسبق فالأسبق
اشاره

. و إن جاءوا معا، أو لم يعرف الترتيب، أقرع بينهم، و قدّم من خرجت قرعته.

و قيل:

يكتب أسماء المدّعين و يجعلها تحت ساتر ثمَّ يخرج رقعة رقعة، ثمَّ يستدعي صاحبها فيحكم له «3». و هذا أيضا نوع من القرعة.

______________________________

(1) السرائر 2: 157.

(2) القواعد: 204، الدروس 2: 74، المفاتيح 3: 252.

(3) الوسيلة: 211، و الرياض 2: 395.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 120

و قيل بالأول، إلّا أن يكثروا و عسر الإقراع فبالثاني «1».

و قيل بجواز الأمرين مطلقا، و

نسبه في المسالك إلى الأشهر «2».

و أصل هذا الحكم مشهور بين الأصحاب، مصرّح به في كلماتهم، بل لم أعثر فيه على مخالف.

و إطلاق عباراتهم يشمل ما لو تزاحموا في مجرّد الورود و الحضور عند الحاكم و إن لم يتكلّموا بعد و لم يطلبوا الترافع بل كانوا ساكتين، و ما لو تزاحموا في بيان الدعوى و طلب الترافع أيضا، و ما لو بدر أحدهم بطلبه مع سكوت الباقين.

و الظاهر أنّ مرادهم إنّما هو غير الصورة الأخيرة، لأنّ الحكم بتقديم الأسبق ورودا فيها مشكل جدّا، لأنّ الحكم و القضاء في الوقائع الخاصّة و القضايا الجزئيّة لا يجب إلّا بطلب المدّعي و ترافعه، و معه يجب، فبطلب أحدهم يجب الاشتغال بقطع دعواه، و لم يجب الاشتغال بقطع سائر الدعاوي بعد.

فعلى القول بكون وجوب الاشتغال بعد الطلب فوريّا يكون بطلان إطلاق وجوب تقديم الأسبق ظاهرا، بل يجب تقديم البادئ بالطلب و إن لم يكن أسبق ورودا.

و على القول بعدم الفوريّة نقول: إنّ ما لم يجب الاشتغال به بعد لا يمكن أن يجب تقديمه على الواجب و لو لم يكن فوريّا، و إلّا لا نقلب غير الواجب واجبا.

بل لا يبعد أن يقال: إنّ الصورة الأولى أيضا خارجة عن مقصودهم،

______________________________

(1) كما في المهذب 2: 582 و كشف اللثام 2: 148.

(2) المسالك 2: 366.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 121

لأنّ قطع الدعوى مع سكوت المدّعي و عدم طلبه ليس بجائز، فكيف يحكم بوجوب تقديمه؟! إلّا أن يقال: إنّ المراد تقديم الأمر بالتكلّم، و استحباب أصله لا ينافي وجوب تقديم بعض أفراده. و لكنّه بعيد.

ثمَّ إنّ أكثر الأصحاب لم يذكروا على ما حكموا به- من وجوب تقديم الأسبق مع العلم بالسبق و

القرعة بدونه- دليلا. و يظهر من المسالك أنّه لمراعاة التسوية بين الخصوم «1».

و فيه: أنّ الثابت من التسوية هو وجوبه أو استحبابه بالنسبة إلى شخصين متخاصمين، و أمّا بالنسبة إلى خصمين آخرين فغير ثابت.

و استدلّ والدي- طاب ثراه- على الأول في المعتمد بالأولويّة، و على الثاني بأنّ القرعة لكلّ أمر مشكل.

و يرد على الأول: منع الأولويّة، و على تسليمها منع صلاحيّتها لإيجاب التقديم.

و على الثاني: منع الإشكال، لأنّه إنّما يكون إذا علم استحقاق أحدهما للتقديم و لم يتعيّن، و أمّا إذا لم يعلم الاستحقاق فالحكم التخيير.

نعم، يظهر من السرائر أنّه وردت بهذا الحكم رواية، حيث قال: فإذا جلس حكم للأول فالأول، فإن لم يعلم بالأول أو دخلوا دفعة روى أصحابنا أنّه: يتقدّم إلى من يأمر كلّ من حضر للتحاكم إليه أن يكتب اسمه و اسم أبيه و ما يعرف به من الصفات الغالبة عليه دون الألقاب المكروهة، فإذا فعلوا ذلك و كتب أسماءهم و أسماء خصومهم في الرقاع قبض ذلك كلّه

______________________________

(1) المسالك 2: 366.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 122

و خلط الرقاع و جعلها تحت شي ء يسترها به عن بصره، ثمَّ يأخذ منها رقعة ينظر فيها و يدعو باسم صاحبها و خصمه فينظر بينهما «1». انتهى.

و هذه الرواية و إن كانت ضعيفة، و لكن بملاحظة اشتهار الحكم عند الأصحاب اشتهارا قويّا كاد أن يكون إجماعا، لا يبعد القول بثبوت هذا الحكم وجوبا.

فروع:
أ: كلّما آل الأمر إلى الإقراع، فهل يقتصر على كتب اسم المدّعي، أو يكتب اسم خصمه أيضا؟

المشهور: الأول، لأنّه المستحقّ للتقديم أو التأخير واقعا، المجهول استحقاقه ظاهرا، و الخصم تابع له.

نعم، لو ثبت للخصوم أيضا استحقاق عند تعدّدهم يفتقر إلى قرعة أخرى، أو رقاع متعدّدة في القرعة الواحدة، و لكنّه لم يثبت، فللمدّعي الاختيار في التعيين مع التعدّد.

و

لا يخفى أنّ هذا الدليل إنّما يتمّ لو كان الموجب للإقراع هنا وضعه لكلّ أمر مشكل. و لو كان موجبه الرواية المتقدّمة فلا بدّ من كتب اسم الخصم أيضا تعبّدا، لذكره فيها.

ب: صرّح في المسالك و التحرير بأنّ المقدّم بالسبق أو القرعة إنّما يقدّم في دعوى واحدة،

فلو قال: لي دعوى اخرى مع هذا الخصم أو مع غيره لم يسمع إلى أن يفرغ القاضي من سماع دعوى سائر الحاضرين،

______________________________

(1) السرائر 2: 156.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 123

فحينئذ تسمع دعواه «1».

و مستند الحكم غير واضح، فالحكم بوجوب التأخير مشكل.

ج: يجوز لمن حقّه التقديم بالسبق أو القرعة إسقاط حقّه،

فيقدّم من له السبق بعده أو من خرجت القرعة له.

و لو وهب حقّه لغيره، فهل يجب تقديمه، أو يجوز، أو يقدّم من له السبق؟

قيل بالأول، لأنّ الحقّ صار له. و يخدشه أنّ الثابت ثبوته لنفسه، و حصول النقل بالانتقال موقوف على الدليل، و ليس، فالظاهر الثالث.

و هل تجوز للحاكم الشفاعة في الإسقاط أو الهبة؟

الظاهر: نعم، للأصل.

د: إذا حضر الخصمان فسبق أحدهما إلى الدعوى، ثمَّ قطع المدّعى عليه دعواه بدعوى أخرى،

أو قال: أنا المدّعي، لم تسمع منه دعواه بلا خلاف يعرف، بل يمنع حتى يجيب عن الدعوى و تنتهي الحكومة.

و يمكن أن يستدلّ عليه بحديث التسوية، و في فقه الرضا عليه السّلام: «و إذا تحاكم خصمان فادّعى كلّ واحد منهما على صاحبه دعوى فالذي بدأ بالدعوى أحقّ من صاحبه أن يسمع منه، فإذا ادّعيا جميعا فالدعوى للذي على يمين خصمه» «2»، و ضعفه بالعمل مجبور.

و استدلّ في المسالك على هذا الحكم بما سبق من وجوب تقديم السابق «3».

______________________________

(1) المسالك 2: 366، التحرير 2: 183.

(2) فقه الرضا «عليه السّلام»: 260، مستدرك الوسائل 17: 351 أبواب آداب القاضي ب 5 ح 1.

(3) المسالك 2: 366.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 124

و فيه: أنّ هذا إنّما يتمّ لو كان المراد بالسابق- فيما سبق- السابق بالدعوى، و هو خلاف ظاهر كلام الأصحاب، بل الظاهر منهم أنّ المراد منه: السابق بالورود، و على هذا فربّما يكون الخصمان دخلا معا أو دخل السابق بالدعوى متأخّرا.

و لو ابتدرا معا، فالمشهور بين الأصحاب- كما في المختلف «1» و غيره «2» و ادّعي الإجماع عليه «3»- أنّه تسمع الدعوى من الذي على يمين صاحبه، و هو المحكيّ عن عليّ بن بابويه في رسالته و المفيد في المقنعة و الشيخ في النهاية «4»، و ادّعى عليه الشيخ في

الخلاف الإجماع «5»، و قال السيّد: إنّه ممّا انفردت به الإماميّة، و ادّعى الإجماع عليه أيضا «6».

و الشيخ بعد أن ادّعى إجماع الطائفة مال إلى القرعة، و استوجهه في المسالك «7».

و ظاهر الكفاية و المفاتيح التوقف «8».

و الأصل فيه ما رواه محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام أنّه قال: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قضى أن يقدّم صاحب اليمين في المجلس بالكلام» «9».

______________________________

(1) المختلف: 698.

(2) كالكفاية: 266.

(3) كما في مفتاح الكرامة 10: 32.

(4) حكاه عن علي بن بابويه في المختلف: 698، المقنعة: 725، النهاية: 338.

(5) الخلاف 6: 234- 32.

(6) الانتصار: 243.

(7) المسالك 2: 366.

(8) الكفاية: 266، المفاتيح 3: 252.

(9) الفقيه 3: 7- 25، الوسائل 27: 218 أبواب آداب القاضي ب 5 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 125

و اعترض بجواز أن يكون المراد باليمين يمين القاضي، كما احتمله في المفاتيح «1»، أو الحلف كما احتمله الإسكافي «2»، لأنّه صاحب اليمين إن شاء أحلف خصمه و إن لم يشأ لم يحلف، بل يحتمل أن يكون المراد بالتقديم بالكلام: التقديم بتكلّم الحاكم معه.

و ردّ بالمخالفة للظاهر.

و بنقل الاتّفاق في المسالك على أنّ المراد منه يمين الخصم.

و بأنّ الأصحاب حملوه عليه، و فهمهم قرينة.

و بصحيحة ابن سنان عن الصادق عليه السّلام أنّه قال: «إذا تقدّمت مع خصم إلى وال أو إلى قاض فكن عن يمينه» يعني: يمين الخصم «3».

و في الأول: أنّا لو سلّمنا مخالفة الأول للظاهر فمخالفة الثاني و الثالث ممنوعة.

و الاتّفاق المدّعى غير ثابت.

و الصحيحة لا تفيد أزيد من رجحان التيامن المرغّب فيه في كلّ شي ء، إلّا أنّ الحلّي و الشيخ في الخلاف و المبسوط قالا: إنّه روى أصحابنا يقدّم

من على يمين صاحبه «4». و كذا يدلّ عليه الرضويّ المتقدّم «5»، و هما منجبران بالشهرة و الإجماع المنقول، فلا مناص عن العمل بهما.

ه: ما ذكر من تقديم الأسبق إنّما هو فيما إذا لم يستضرّ غيره

______________________________

(1) المفاتيح 3: 253.

(2) نقله عنه في المختلف: 699.

(3) الفقيه 3: 7- 26، التهذيب 6: 227- 548، الوسائل 27: 218 أبواب آداب القاضي ب 5 ح 1.

(4) الحلّي في السرائر 2: 156، الخلاف 6: 234- 32، و المبسوط 8: 154.

(5) في ص 123.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 126

بالتأخير، و لو استضرّ يقدّم، دفعا للضرر، و عدم الشهرة الجابرة.

و لا بعد في جواز تقديم المرأة أيضا مطلقا، لعدم الانجبار.

و: قد ذكروا أنّ المفتي و المدرّس أيضا كالقاضي

عند تزاحم المستفتين و الطلبة في وجوب تقديم الأسبق أو القرعة، و مأخذ الحكم غير معلوم.

المسألة الخامسة: قد صرّح كثير من الأصحاب- منهم الشيخ في المبسوط «1»- باستحباب ترغيب الخصمين إلى الصلح للقاضي.
اشارة

و يظهر من السرائر ذهاب جمع إلى عدم الجواز، حيث قال: و له أن يأمرهما بالصلح، و يشير بذلك، لقوله تعالى وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ «2» و ما هو خير فللإنسان فعله بغير خلاف من محصّل، و قد يشتبه هذا الموضع على كثير من المتفقّهة، فيظنّ أنّه لا يجوز للحاكم أن يأمر بالصلح و لا يشير به، و هذا خطأ من قائله «3». انتهى.

و تفصيل الكلام: إنّ ترغيب الحاكم في الصلح إمّا يكون بعد الحضور للمرافعة و قبل بيان الدعوى، أو يكون بعد البيان و قبل ثبوت الحقّ بالبيّنة أو اليمين أو الإقرار أو سقوطه بالحلف، أو يكون بعد الثبوت أو السقوط و قبل الحكم و إظهار الثبوت أو السقوط، أو يكون بعده.

و لا ينبغي الارتياب في استحباب الترغيب في الأولين.

و يدلّ عليه قوله تعالى وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ.

و قوله سبحانه إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ «4».

______________________________

(1) المبسوط 8: 170.

(2) النساء: 128.

(3) السرائر 2: 160.

(4) الحجرات: 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 127

و قوله جلّ شأنه فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ «1».

و قوله عزّ اسمه وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ «2».

و المرويّ في تفسير الإمام، و هو طويل يذكر فيه كيفيّة قضاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و في آخره: «فإذا ثبت عنده ذلك لم يهتك ستر الشاهدين، و لا عابهما و لا وبّخهما، و لكن يدعو الخصوم إلى الصلح، فلا يزال بهم حتى يصطلحوا» الحديث «3».

و صحيحة هشام بن سالم: «لأن أصلح بين اثنين أحبّ إليّ

من أن أتصدّق بدينارين» «4».

و رواية أبي حنيفة سائق الحاج: قال: مرّ بنا المفضّل و أنا و ختني «5».

نتشاجر في ميراث فوقف علينا ساعة، ثمَّ قال لنا: تعالوا إلى المنزل، فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم، فدفعها إلينا من عنده، حتى إذا استوثق كلّ منّا من صاحبه قال: أما أنّها ليست من مالي، و لكن أبو عبد اللّه عليه السّلام أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شي ء أن أصلح بينهما و أفتديهما من ماله «6».

و ظاهر أبي الصلاح أنّ المستحبّ للقاضي الترغيب في أصل الصلح،

______________________________

(1) الأنفال: 1.

(2) البقرة: 224.

(3) الوسائل 27: 239 أبواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 6 ح 1، بتفاوت يسير.

(4) الكافي 2: 209- 2، الوسائل 18: 439 أبواب أحكام الصلح ب 1 ح 1.

(5) الختن بالتحريك: كلّ من كان من قبل المرأة، مثل الأب و الأخ، و هم الأختان.

هكذا عند العرب، و أمّا عند العامّة فختن الرجل: زوج ابنته- الصحاح 5: 2107.

(6) الكافي 2: 209- 4 و فيه: و افتديها من ماله، التهذيب 6: 312- 863 الوسائل 18: 440 أبواب أحكام الصلح ب 1 ح 4، و فيه: و افتدى بها من ماله.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 128

و أمّا التوسّط فيما يصلحان به فيحوّله إلى ثالث «1»، و لعلّه مخافة أن يتحشّما أو أحدهما من القاضي فيقع الصلح من غير رضاء.

و أمّا في الثالث، فإن أعلم الحاكم المدّعي بالثبوت أو المنكر بالسقوط فكالأخير، و يأتي حكمه.

و إلّا، فإن طلب منه بتخيّر الحكم أو علم مطالبته بشاهد الحال فالظاهر عدم الجواز، لمنافاته للفوريّة الثابتة من مطالبة التخيّر.

و إلّا، فإن علم أنّه لو أظهر الحكم لم يرض من له الحكم بالصلح

فلا يجوز أيضا، لكونه تدليسا و خيانة. و إن لم يعلم بذلك فلا يبعد الجواز، للأصل. بل الاستحباب، للعمومات المتقدّمة، و يدلّ عليه أيضا حديث قضاء عليّ عليه السّلام بين صاحبي الأرغفة الثمانية المرويّ في الكافي و الفقيه و التهذيب «2».

و قال والدي العلّامة في المعتمد بعدم الجواز مع جهل صاحب الحقّ بعلم الحاكم بالحقّ مطلقا.

ثمَّ لو ارتكب القاضي المحرّم و أمر بالصلح أو رغّب فيه فيما يحرم و رضى به، فقال والدي العلّامة رحمه اللّه بصحّة الصلح، لعدم تعلّق النهي به، بل بأمر الحاكم. نعم، له خيار الفسخ بعد علمه به.

و أمّا في الأخير، فالاستحباب غير واضح، لأنّه حقيقة ليس ترغيبا في الصلح، لأنّ الظاهر منه هو ما يكون قبل ثبوت الحقّ لإسقاط اليمين أو رفع تجشّم الإثبات، بل هو ترغيب لأحدهما بإسقاط الحقّ أو بذل المال لغير

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 447.

(2) الكافي 7: 427- 10، الفقيه 3: 23- 64، التهذيب 6: 290- 805 الوسائل 27: 285 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 21 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 129

مستحقّه.

و الظاهر أنّ إضافة الأصحاب الترغيب إلى ضمير التثنية لتخصيصهم الاستحباب بغير هذه الصورة، إذ لا معنى لترغيب الخصمين حينئذ كما لا يخفى.

و قول المحقّق و الفاضل في الشرائع و القواعد بكراهة شفاعة الحاكم في إسقاط الحقّ «1» منزّل على ذلك أيضا، فلا تنافي بين قولهما باستحباب الترغيب في الصلح و الكراهة في هذه الشفاعة، و لا حاجة في الجمع بينهما الى جعل الصلح متوسّطا بين الإسقاط و عدمه، أو جعله مستثنى، أو حمله على بعث غيره على ترغيبهما في ذلك، كما في المسالك «2».

و ظاهر جماعة- كالمفيد و النهاية و

الكامل و المراسم و السرائر- عدم جواز الشفاعة «3».

و دليلهم رواية السكوني، و فيها: «و لا تشفع في حقّ امرئ مسلم و لا غيره إلّا بإذنه» «4».

و النبويّ: سأله أسامة حاجة لبعض من خاصم إليه، فقال له:

«يا أسامة، لا تسألني حاجة إذا جلست مجلس القضاء، فإنّ الحقوق ليس فيها شفاعة» «5».

______________________________

(1) الشرائع 4: 81، القواعد 2: 205.

(2) المسالك 2: 366.

(3) المقنعة: 724، النهاية: 341، المراسم: 231، السرائر 2: 160.

(4) الفقيه 3: 19- 45 الوسائل 27: 304 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 35 ح 1.

(5) دعائم الإسلام 2: 537- 1905، مستدرك الوسائل 17: 358 أبواب آداب القاضي ب 11 ح 2، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 130

و الأولى قاصرة الدلالة على الوجوب. و الثانية غير ثابتة الحجّية.

فالكراهة أولى.

فرع:

قال والدي العلّامة قدّس سرّه في المعتمد: ثمَّ من يؤدّي إليه شي ء بالصلح بالإعطاء أو الإسقاط بغير حقّ، فإن علم بعدم استحقاقه له حرم عليه و وجب أن يتخلّص منه، و إلّا لم يحرم عليه، لعلمه ظاهرا بكونه حقّا له، نظرا إلى فعل الحاكم. انتهى. ولي فيه تأمّل.

المسألة السادسة: قال جماعة بأنّه يكره للقاضي أن يضيّف أحد الخصمين إلّا و معه خصمه «1».

لرواية السكوني: «إنّ رجلا أتى أمير المؤمنين عليه السّلام فمكث عنده أيّاما ثمَّ تقدّم إليه في خصومة لم يذكرها لأمير المؤمنين عليه السّلام، فقال له: أخصم أنت؟

قال: نعم، قال: تحوّل عنّا، إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يضاف خصم إلّا و معه خصمه» «2»، و ظاهرها عدم الجواز، و به صرّح في المبسوط «3». و هو الأقوى.

و تدلّ عليه أيضا منافاته للتسوية الواجبة.

و صرّح في القواعد «4» و غيره «5» بكراهة حضوره و لائم الخصوم، و علّل بأنّه لئلّا يزيد أحدهم في إكرامه فيميل إليه. و يمكن القول بتحريمه إذا كان لأحد المتخاصمين، لمنافاته التسوية، بل لهما أيضا إذا دخل في الرشوة المحرّمة.

______________________________

(1) المبسوط 8: 151: القواعد 2: 205.

(2) الكافي 7: 413- 4، التهذيب 6: 226- 544، الفقيه 3: 7- 21 الوسائل 27:

214 أبواب آداب القاضي ب 3 ح 2، بتفاوت.

(3) المبسوط 8: 151.

(4) القواعد 2: 205.

(5) المسالك 2: 364.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 131

المسألة السابعة: يكره أن يسارّ القاضي أحدا في مجلسه

، لكونه مورثا للتهمة، و لمرفوعة البرقي «1»، و مرسلة الفقيه «2»: قال أمير المؤمنين عليه السّلام لشريح: «لا تسارّ أحدا في مجلسك».

و أمّا مسارّة أحد الخصمين فهي محرّمة، لمنافاتها التسوية.

المسألة الثامنة: يكره أن يعنّت الشهود

، أي يدخل عليهم المشقّة، و يكلّفهم ما يثقل عليهم من التفريق و المبالغات في مشخّصات القضية، إذا كانوا من ذوي البصائر و الأديان القويّة.

و لا يجوز للحاكم أن يتعتع الشاهد، و هو أن يداخله في التلفّظ بالشهادة، بأن يدخل في أثناء شهادته كلاما يجعله ذريعة إلى أن ينطق بما أدخله الحاكم، و يعدل عمّا كان يريد الشاهد، هداية له إلى شي ء ينفع فتصحّ شهادته، أو يضرّ فتردّ شهادته.

أو يتعقّبه عند فراغه بكلام ليجعله تتمّة للشهادة، بحيث تصير به الشهادة مسموعة أو مردودة.

بل الواجب أن يصبر عليه حتى ينتهي ما عنده، ثمَّ ينظر فيه و يحكم بمقتضاه من قبول أو ردّ.

و إذا تردّد الشاهد في شهادته لم يجز له ترغيبه في إقامتها، لجواز عروض أمر يوجب التردّد.

و لا يجوز له تزهيده في الإقامة، و لا أن يردّده فيها.

______________________________

(1) الكافي 7: 413- 5، التهذيب 6: 227- 546، الوسائل 27: 213 أبواب آداب القاضي ب 2 ح 2.

(2) الفقيه 3: 7- 24، بتفاوت يسير، الوسائل 27: 213 أبواب آداب القاضي ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 132

و لا يجوز له إيقاف عزم الغريم عن الإقرار، و يجوز ذلك في حقوق اللّه سبحانه، كما تنبّه عليه قضية ماعز «1».

و الوجه في الكلّ واضح.

المسألة التاسعة: قالوا: يستحبّ إجلاس الخصمين بين يدي الحاكم.

و هو كذلك، لأنّه أقرب إلى التسوية و أسهل للمخاطبة.

و لقول عليّ عليه السّلام حين ترافعه مع يهوديّ في الدرع عند شريح: «لو لا أنّه ذمّيّ لجلست معه بين يديك، غير أنّي سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول:

لا تساووهم في المجالس» «2».

و روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قضى أن يجلس الخصمان بين يدي القاضي «3».

و

لو قاما بين يديه جاز.

قيل: و لا تجوز الإقامة إن لم يرضيا «4».

و هو حسن إن كان القضاء في مكان مباح لهما أو مملوك لمن أذن بالجلوس لهما، و إلّا فتجوز إن لم يأذن المالك بالجلوس، بل تجب.

و إن اختار أحدهما القيام مع جلوس الآخر فقد أسقط نفسه حقّه بالتسوية، فيجوّزه من يرفع الأمر بالتسوية حين إسقاط أحدهما. و الحقّ عدم السقوط كما مرّ.

المسألة العاشرة: إذا تعدّى الغريمان أو أحدهما سنن الشرع

، فإن

______________________________

(1) سنن البيهقي 8: 226.

(2) المغني 11: 444- 445، بتفاوت.

(3) المغني 11: 445.

(4) انظر كشف اللثام 2: 149.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 133

كان بالإتيان بمحرّم- كفحش أو ضرب أو إيذاء للغريم أو معاونة أو للقاضي بنسبته إلى جور أو ميل أو مثل ذلك- فعلى القاضي العمل بمراتب النهي عن المنكر في ردعه عن التعدّي، و إجراء حكم ما صدر فيه من حدّ أو تعزير، إن كان ممّا له حكم.

و إن كان بغير المحرّم- كإساءة أدب و مثلها- فينبغي له وعظه و إرشاده برفق و مداراة.

المسألة الحادية عشرة: قالوا: من أتى القاضي مستعديا على خصمه و التمس من الحاكم إحضاره

، فإن كان خصمه في البلد و كان ظاهرا غير معذور يمكن إحضاره وجب على الحاكم إجابته و إحضاره مطلقا، سواء حرّر المستعدي دعواه أم لا، و سواء شقّ عليه الحضور في مجلس الحكم- لكونه من أهل الصيانات و المروّات- أم لا.

و نسبه في الكفاية إلى المعروف من مذهب الأصحاب «1»، و في المسالك و شرح المفاتيح و المعتمد و عن المبسوط: ادّعاء الإجماع عليه «2».

قيل:

لتوقّف الحكم الواجب بينهما على ذلك، و لأنّ الحاكم منصوب لاستيفاء الحقوق، و ترك الإحضار تضييع لها «3».

و احتاط في الكفاية في إحضاره قبل تحرير الدعوى، لأنّ في الإحضار في مجلس الحكم نوع إيذاء، فلعلّ دعواه كانت غير مسموعة «4».

______________________________

(1) الكفاية: 365.

(2) المسالك 2: 265، المبسوط 8: 154. و فيه: و هو الأقوى عندنا ..

(3) الرياض 2: 393.

(4) الكفاية: 265.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 134

و عن الإسكافي: التخصيص بمن لا يشقّ عليه الحضور من جهة الرفعة و الشرف، و أمّا هو فيوجّه الحاكم إليه من يعرّفه الحال ليحضر، أو وكيل له، أو أن ينصف خصمه و يغنيه عن معاودة الاستعداء

«1».

و في المبسوط عن بعضهم: إن كان من أهل الشرف فيستدعيه الحاكم إلى منزله دون مجلس الحكم، لما ذكر «2».

و ردّ بعدم منافاة ذلك للشرف، فإنّ عليا عليه السّلام حضر مع يهوديّ عند شريح، و حضر عمر مع ابيّ عند زيد بن ثابت ليحكم بينهما في داره، و حجّ المنصور فحضر مع جمّالين مجلس الحكم لحلف كان بينهما «3».

قالوا: و إن احتاج الإحضار إلى بعض الأشخاص المرتّبين على باب القاضي فالظاهر أنّ مئونتهم على الطالب إن لم يرزقوا من بيت المال.

و إذا ثبت عند القاضي امتناعه من غير عذر أو سوء أدب فللقاضي أن يستعين على إحضاره بأعوان السلطان، فإذا حضر عزّره بما يراه.

و في كون مئونة المحضر- و الحال هذه- على المدّعي أو على الخصم، وجهان، جزم بعضهم بالثاني «4» و لا وجه له.

قالوا: و متى كان للمطلوب عذر مانع من الحضور- كالمرض و الخوف من عدو و شبههما- فليس للقاضي أن يكلّفه الحضور، بل يكلّفه بعث وكيل ليخاصم عنه، أو يبعث القاضي من يحكم بين المتخاصمين، و إن دعت الحاجة إلى تحليفه يرسل إليه من يحلّفه.

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 702.

(2) المبسوط 8: 154.

(3) انظر المبسوط 8: 154.

(4) كما في المسالك 2: 365.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 135

قالوا: و إن كان المطلوب خارج البلد لا يحضره القاضي بمجرّد التماس المدّعي، بل يسأله أن يحرّر دعواه عليه، فإن حرّرها و كانت دعوى مسموعة أحضره و إن كان في بلدة بعيدة منه، و إن لم يحرّر دعواه و حرّرها و كانت غير مسموعة لم يكلّفه الحضور.

و الفرق بين المسألتين في اعتبار التحرير في الثانية دون الاولى لزوم المشقّة و الضرر و عدمهما، إذ

ليس في إحضار الحاضر مئونة و لا مشقّة، بخلاف الغائب.

و خالف في ذلك الإسكافي أيضا، و لم يوجب الإحضار حينئذ بمجرّد تحرير الدعوى أيضا، بل قال: لم يجب إلّا بعد أن يثبت المستعدي حقّه عند الحاكم «1». و مثله قال في الخلاف «2».

و فرّق في المبسوط بين كونه في بلد تحت ولاية القاضي و غيرها، فيحضر بالتحرير في الأول، و يقضي على الغائب في الثاني «3».

و فرّق في المختلف بين ما إذا لم يتمكّن المدّعي من الإثبات و طلب غريمه للإحلاف، أو لم يكن له مال، بل كان بيد الغريم، فلا يمكنه استيفاء الحقّ لو ثبت منه بدون حضوره. و بين ما إذا تمكّن و كان له مال يستوفي منه الحقّ إن ثبت. فيحضر في الأول دون الثاني «4».

و قد تلخّص ممّا ذكر: أنّ في صورة الحضور في البلد: ظاهر الأكثر الاتّفاق على الإحضار و لو قبل التحرير، لغير ذوي الأشراف و أرباب المعاذير.

نعم، ناقش بعض متأخّري المتأخّرين في ذلك، و احتمل اختصاص

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 702.

(2) الخلاف 6: 235- 236- 34.

(3) المبسوط 8: 155.

(4) المختلف: 703.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 136

وجوب الإحضار مع الحضور بصورة تحرير الدعوى «1». و هو ظاهر المحقّق الأردبيلي، بل تأمّل هو في جواز الإحضار بدون «2» التحرير أيضا.

و في صورة الغيبة: و لا يحضر قبل التحرير، و أمّا بعده فالأكثر على الإحضار، و الفاضل في المختلف على التفصيل المذكور، و المحقّق الأردبيليّ على التفصيل المنقول عن المبسوط.

هذا في الرجل.

و أمّا المرأة، فقالوا: إن كانت برزة كان حكمها حكم الرجل، فتحضر حيث يحضر الرجل و لو من غير البلد، و لكن يشترط هنا- زيادة على الرجل- أمن

الطريق من هتك عرض و وجود محرم و نحوه.

و في الكفاية: الأولى البعث إليها للإحضار أو التوكيل، إلّا بالنسبة إلى من لا تبالي بالإحضار أصلا «3».

قالوا: و إن كانت مخدّرة لم تكلّف الحضور بنفسها، بل يبعث إليها من يحكم أو يأمرها بالتوكيل.

و في الكفاية: لا يعتبر في المخدّرة لأن لا تخرج إلّا لضرورة، بل الظاهر أنّ التي قد تخرج إلى عزاء ذوي الأرحام أو زياراتهم أو إلى الحجّ و زيارة المشاهد أحيانا مخدّرة.

بل مع كثرة ذلك و خروجها إلى السوق للبيع و الشراء و نحوهما كثيرا- كالخروج لشراء الخبز و القطن و بيع الغزل و نحوها- بحيث لا تبالي بالخروج، فهي برزة، و المرجع فيها إلى العرف و العادة.

______________________________

(1) حكاه في الرياض 2: 393.

(2) في «ق» بذلك ..

(3) الكفاية: 265- 266.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 137

و عن الشيخ في المبسوط: إنّ البرزة هي التي تبرز لقضاء حوائجها بنفسها، و المخدّرة هي التي لا تخرج لذلك، و هو قريب «1». انتهى.

قال في القواعد و شرحه: فإن اختفى المدّعى عليه المحضر نادى منادي الحاكم على بابه ثلاثة أيّام إن لم يحضر سمر «2» بابه و ختم عليه و جمع أهل محلّته و أشهدهم على أعدائه.

فإن لم يحضر و سأل المدّعي ختم بابه ختمها، فإن لم يحضر بعد الختم بعث الحاكم من ينادي إن لم يحضر أقام الحاكم عنه وكيلا و حكم عليه.

فإن لم يحضر فعل ذلك و حكم عليه إن ثبت عليه شي ء و إن لم يحكم عليه حال الغيبة ابتداء «3». انتهى.

هذا ما ذكروه في هذا المقام، و لم أجد على أكثر ما ذكروه دليلا، و لا أرى له وجها، إلّا إذا قلنا بعدم

جواز الحكم على الغائب مطلقا.

و أمّا لو قلنا بجوازه كذلك أو على الغائب عن البلد، فلا وجه لوجوب الإحضار فيما يجوز فيه الحكم عليه، لعدم توقّف الحكم عليه، بل يحكم مع غيبته، فإن أدّى إلى الحلف، فإن جوّز الحلف في غير مجلس القضاء يبعث من يحلّفه، و إلّا يحضره حينئذ.

و إن أدّى إلى أخذ مال فيؤدّيه الحاكم من مال المدّعى عليه إن كان، و إن كان ماله عند نفسه يبعث من يأخذه منه أو يأتي بحجّته، بل يمكن أن يقال بعدم وجوب ذلك حينئذ على الحاكم عينا، بل يجب على كلّ مقتدر

______________________________

(1) الكفاية: 266.

(2) السّمر: شدّك شيئا بالمسمار. و سمرة يسمره و سمّره، جميعا: شدّه. لسان العرب 4: 378.

(3) القواعد 2: 207، كشف اللثام 2: 334.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 138

على إجراء حكمه كفاية.

و التمسّك بالإجماع ضعيف، لأن تحقّقه- بعد ما علمت- غير ثابت، و منقوله غير حجّة، و أضعف منه التمسّك بجريان الصدر السلف عليه، إذ لم يكن في السلف للفرقة الناجية قضاة علانية يحضرون و يعزّرون غالبا، بحيث تثبت منه السيرة أو الإجماع، و كان الحكم بيد المتغلّبة.

و بالجملة: لا وجه تامّا لوجوب الإحضار مع جواز الحكم على الغائب، فالأقرب: التخيير، و الأولى البعث إليه و إخباره بأنّه يحضر أو يحكم عليه.

ثمَّ إنّ بعض شرّاح المفاتيح- بعد بيان وجوب الإحضار كما تقدّم- قال في شرح مسألة الحكم على الغائب: كما يجب على القاضي إحضار الخصم مع سؤال المدّعي و إمكان حضوره، كذلك يجوز- على المشهور- أن لا يحضره، بل يحكم على من غاب عن مجلس القضاء، سواء كان مسافرا أو حاضرا في البلد. انتهى.

و لا يخفى ما فيه من التناقض ظاهرا.

و

أمّا بعث المنادي و ختم الدار فلم أظفر له على رواية، و يشبه أن يكون ذلك مستخرجا من الاعتبارات التي يستحسنها العامّة، و إن كان شأن مثل الفاضل أرفع من ذلك، و لو لا أنّه تصرّف في مال الغير بدون إذنه لقلنا باستحبابه، لفتوى ذلك الشيخ الجليل.

و اللّه هو الهادي إلى سواء السبيل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 139

الفصل الثاني فيما يتعلّق بالمدّعي و دعواه
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: لمّا كانت تتعلّق بالمدّعي أحكام- كتقديم مختاره من الحاكمين، و طلب البيّنة منه، و نحو ذلك- مسّت الحاجة إلى معرفته

، و عرّفه الفقهاء بثلاثة تعريفات:

أحدها:

أنّه الذي لو ترك الخصومة و النزاع لترك و حاله، و خلّي و نفسه. و بعبارة اخرى: أنّه الذي لو سكت و لم يخاصم سكت عنه، و لم يخاصم، و لم يتوجّه إليه كلام، و لم يطالب بشي ء.

و ثانيها:

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 17    139     المسألة الأولى: لما كانت تتعلق بالمدعي أحكام - كتقديم مختاره من الحاكمين، و طلب البينة منه، و نحو ذلك - مست الحاجة إلى معرفته ..... ص : 139

ّ المدّعي هو الذي يدّعي خلاف الأصل. و الظاهر أنّ المراد بالأصل هو القاعدة دون أصل العدم خاصّة، فيكون مدّعي ملكية عين في يد غيره مدّعيا.

و ثالثها:

إنّ المدّعي هو الذي يذكر أمرا خفيّا بحسب الظاهر، أي خلاف الظاهر بحسب المتعارف و المعتاد.

و المنكر خلاف المدّعي على كلّ من التعريفات.

و قد زيد رابع أيضا

، و هو الذي يدّعي الثاني أو الثالث، نقله في النافع و الشرائع و القواعد و الروضة قولا «1» .. و يحتمل أن يكون الترديد

______________________________

(1) المختصر النافع: 284، الشرائع 4: 106، القواعد 2: 208، الروضة 3: 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 140

لبيان تعدّد القول دون أقسام المدّعي، كما هو الظاهر من الشرائع.

و قد يزاد خامس

، و هو: أنّ المدّعي من يكون في مقام إثبات قضيّة على غيره، ذكره في مجمع البحرين قائلا: إنّه الظاهر من الحديث «1».

و حكي نسبته إلى الصدوق أيضا.

و ليس المراد بالترك في التعريف الأول تركه مطلقا و لو من غير جهة تلك الدعوى الخاصّة التي يدّعيها، بل المراد تركه من هذه الجهة و من تلك الحيثيّة، فإنّ قيد الحيثيّة في التعاريف مأخوذ، بل رجوعه

إلى ما تقتضيه الحالة السابقة شرعا لو لا تلك الدعوى، كما صرّح به والدي العلّامة قدّس سرّه في المعتمد، قال: المراد بالترك هو: عدم الإلزام بأمر متجدّد حادث، مع العمل بالحالة السابقة و الرجوع إلى ما ثبت شرعا قبل الدعوى. و بعدمه: الإلزام بمتجدّد حادث لإثبات واقع قبلها. انتهى.

و ذكر قريبا منه المحقّق الأردبيلي.

و المراد بالأصل في التعريف الثاني هو القاعدة الثابتة شرعا، اللّازم أخذها لو لا ثبوت خلافها، سواء كان أصل العدم أو غيره، لا خصوص أصل العدم و الاستصحاب.

و على هذا يظهر تساوق المعنيين الأولين و اتّحادهما و تلازمهما في جميع الموارد، إذ كلّ من يدّعي خلاف أصل بالمعنى الذي ذكرنا لو ترك دعواه يترك و يعمل بالأصل الذي ادّعى خلافه، و كلّ من يترك على الحالة السابقة و يعمل بمقتضاها شرعا لو ترك الدعوى يدّعي خلاف الأصل بالمعنى المذكور.

______________________________

(1) مجمع البحرين 1: 143.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 141

و ما يتوهّم فيه افتراقهما من دعوى المديون الردّ، حيث إنّه يدّعي خلاف الأصل و لا يترك لو ترك.

فاسد، لأنّه أيضا لو ترك هذه الدعوى يترك من هذه الحيثيّة، و يعمل بمقتضى الحالة السابقة، و هي وجوب الردّ عليه.

و كذا الكلام في دعوى المتصرّف في مال الغير- بنحو من الأنحاء- الردّ، فإنّ عدم ترك مدّعي الإيفاء و الردّ بعد الإقرار و مؤاخذته بهما إنّما هو مقتضى الحالة السابقة المستصحبة و رجوع إليها.

و قد يتوهّم الافتراق في مثل دعواه عدم كون بائع مال زيد وكيلا عنه مع إقرار زيد بالتوكيل ليردّ العين أو يستردّ الثمن أو لا يطالب به.

و هو أيضا فاسد، لأنّه ليس مدّعيا في تلك الدعوى، بل هو المدّعي للوكالة بعد الإقرار

بملكيّة الغير، لأنّه لو ترك يترك على ما تقتضيه الحالة السابقة شرعا من الردّ و الاسترداد.

نعم، لو ادّعى المشتري استحقاق الردّ أو الاسترداد مطلقا فيكون مدّعيا من تلك الجهة، فهاهنا دعويان، إحداهما: فساد البيع من غير تعرّض للتوكيل و عدمه، فالمشتري مدّع بالمعنيين. و الأخرى: فساده من جهة انتفاء التوكيل، و هو مدّعى عليه من هذه الجهة. و هكذا في أمثاله.

و ممّا ذكرنا ظهر أيضا اتّحاد المعنى الخامس مع الأولين أيضا.

و أمّا تفسيره بمعنى من يدّعي خلاف الظاهر فهو قد يفارق الأولين، كما في مثال إسلام الزوجين الذي ذكروه، إذا ادّعى أحدهما التقارن و الآخر التعاقب، حيث إنّ الأصل التعاقب، لأصالة تأخّر إسلام كلّ منهما إلى آخر ما يمكن التأخير إليه. و خلاف الظاهر العلم بالتقارن.

و يفارقهما أيضا في دعوى زيد مالا على عمرو، فإنّه مدّع على

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 142

الأولين دون التفسير بدعوى خلاف الظاهر.

و كيف كان، فالظاهر من المعاني المذكورة هو أحد الثلاثة، أو جميعها، من جهة أنّها تتّحد مواردها للعرف، الذي هو الحاكم في أمثال المقام، فإنّه المتبادر عرفا.

و لا يعارضه وضع لغوي، لعدم ثبوت وضع لغوي- مخالف لذلك- لمبدإ اشتقاق المدّعي، الذي هو: الدعوى أو الادّعاء. و لا يضرّ ثبوته لمثل الدعاء و الدعوة، لاختلاف اللفظين و لو من جهة الهيئة الاشتقاقيّة.

و يدلّ عليه أيضا استقراء موارد استعمال هذه الألفاظ في الأخبار، كما لا يخفى على المتتبّع.

و أمّا التفسير بدعوى خلاف الظاهر، فهو ممّا لا دليل عليه، و لا شاهد له من العرف أو اللغة، و يخالف ما يطلق عليه المدّعي في بعض الموارد قطعا كما أشرنا إليه.

و مع ذلك يخدشه: أنّ الظهور و الخفاء قد يحصل بأمارات

جزئيّة مختلفة بالنسبة إلى الأشخاص- كالعدالة و الأمانة و سائر القرائن- فيلزم أن يكون شخص واحد في دعوى واحدة مدّعيا عند حاكم يعرف ديانة المدّعي عليه، و منكرا عند آخر لا يعرفها، و يستبعد وضع لفظ المدّعي و المنكر لمثل ذلك.

و لذلك قد يقال: بأنّ المراد بالظاهر في ذلك التفسير هو الظاهر شرعا، أي لو لا دليل على خلافه ثبت أخذه شرعا ما لم يثبت خلافه، و يرجع حينئذ إلى المعنى الأول، بالمعنى الذي ذكرنا للأصل.

و قد يفسّر الظاهر بمقابل الخفي، و الأصل بأصل العدم و الاستصحاب،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 143

و يحمل الترديد في التعريف- كما في النافع و الشرائع «1» و غيرهما «2»- على الاختلاف في تقديم الأصل أو الظاهر عند تعارضهما.

[ففي ] «3» كلّ موضع يقدّم الأصل يجعل المدّعي من يدّعي خلافه.

و في كلّ موضع يقدّم الظاهر يجعل من يدّعي خلاف الظاهر.

و في كلّ موضع تساويا في الظهور و الخفاء و مخالفة الأصل و موافقته- كما لو ادّعى كلّ منهما عينا في يدهما جميعا- يرجع إلى التداعي، لكون كلّ منهما مدّع من جهة، و مدّعى عليه من اخرى.

و لا يخفى أنّ هذا أيضا يرجع إلى التفسير الأول، لأن الظاهر الثابت تقديمه شرعا على الأصل هو الأصل بالمعنى الذي ذكرناه، و مع ذلك لا يلائم تعريفه بمن يدّعي خلاف الظاهر خاصّة.

و قد يقوى تعريفه بمدّعي خلاف الظاهر بتعلّق اليمين في بعض الموارد على من معه الظاهر، فمقابله يكون مدّعيا.

و فيه: أنّه كلّ ما كان كذلك فإنّما هو في موضع يكون الظاهر حجّة شرعا، فيكون أصلا و لو سلّم عدم حجيّته في بعض المواضع، فيكون تعلّق اليمين ثابتا بدليل خارج، كما في اليمين

المردودة و جزء البيّنة و الاستظهاريّة. و ليس في مطلق تعلّق اليمين دلالة على كون مخالفه مدّعيا.

و قد يقوى أيضا بأنّ جعل البيّنة على المدّعي قرينة على أنّه الطرف الأضعف، و المنكر هو الطرف الأقوى، و لذا جعلت عليه اليمين، و من معه

______________________________

(1) المختصر النافع: 284، الشرائع 4: 106.

(2) كالمسالك 2: 387، الرياض 2: 410.

(3) في «ح» و «ق»: في، و الأنسب ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 144

الظاهر يقوى طرفه بالظهور، فيكون مخالفه مدّعيا.

و لا يخفى ما فيه، فإنّه علّة مستنبطة لا حجّية فيه، مع أنّ الظهور إن كان بدون لزوم أخذه شرعا تمنع تقويته، و إلّا فيرجع إلى الأصل بالمعنى الذي ذكرناه.

ثمَّ لا يخفى أنّ توجّه اليمين في بعض الموارد على المدّعي لا يوجب نقضا في تعريفه أصلا، إذ ليس عدم توجّه اليمين جزء من حقيقته و لا مأخوذا في تعريفه، و إنّما هو حكم شرعيّ ثابت له بالعمومات أو المطلقات القابلة للتخصيص و التقييد، فكلّما توجّه يمين على المدّعي العرفي فهو من ذلك الباب، مع أنّ في ما مثّلوا به للنقض من الودعيّ المدّعي للردّ كلاما مرّت الإشارة إليه.

و لا يخفى أيضا أنّه يمكن أن يكون شخص واحد مدّعيا و مدّعى عليه باعتبارين، و كلّ من المتداعيين مدّعيا و منكرا كذلك، كما مرّ بعض أمثلته في مسألة تقديم من يختاره المدّعي من الحاكمين، و منه ما إذا ادّعى البائع بيع عبده و ادّعى المدّعي شراء أمة البائع، إلى غير ذلك.

المسألة الثانية: يشترط في المدّعي أن يكون بالغا عاقلا

، فلا تسمع دعوى الصغير و لا المجنون، بلا خلاف يوجد، كما صرّح به طائفة «1»، بل بالإجماع كما في المعتمد، بل بالإجماع المحقّق.

قيل:

و للأصل، أي أصالة عدم ترتّب آثار

الدعوى من وجوب سماعها و قبول بيّنة المدّعي و سقوط دعواه بالحلف و ثبوتها بالنكول و نحوها عليها، لاختصاص ما دلّ على سماع الدعوى و أحكامها- بحكم التبادر-

______________________________

(1) منهم المحقّق في المختصر النافع: 284، العلّامة في القواعد 2: 208، السبزواري في الكفاية: 274، صاحب الرياض 2: 410.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 145

بما إذا صدرت ممّن اجتمعت فيه الشرائط، التي منها التكليف، مضافا إلى تضمّن الدعوى أمورا تتوقّف على التكليف، كإقامة البيّنة و نحوها «1».

و لا يخلو عن نظر، لمنع التبادر المذكور من مثل قوله كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ «2» و قوله فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ «3» و نحوهما «4»، بل مثل قوله عليه السّلام: «البيّنة على المدّعي» «5»، لأنّ ذلك حكم وضعيّ لا تكليفي. و منع توقّف ما ذكر على التكليف، و لو سلّم فينتقل الكلام في دعوى لا تتوقّف على ذلك، فالمناط: الإجماع.

مضافا إلى تضمّن الدعوى كثيرا تصرّفات ماليّة- كإحلاف أو إقرار- لا تجوز منهما، إلّا أنّ مقتضاهما الاقتصار في عدم السماع بما يثبت فيه الإجماع، أو ما أوجب تصرّفا ماليّا منه.

فلو جاء يتيم لا وليّ له إلى حاكم و ادّعى: أنّ فلانا فقأ عيني أو قتل أبي أو نزع ثوبي و يريد الفرار ولي بذلك شهود فاسمع شهودي و خذ بحقّي، و لا يمكن الأخذ بعد فراره، فليس فيه تصرّف ماليّ له، و تحقّق الإجماع على عدم السماع فيه غير معلوم.

نعم، يمكن القول بعدم جواز إحلافه و لا قبول حلفه لو ردّ إليه حينئذ، بل الحاكم يحلّف المنكر من جهة ولايته لو ظنّ صدق الصغير، فتأمّل.

و زاد المحقّق الأردبيليّ رحمه اللّه و والدي العلّامة- طاب ثراه- و بعض

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 410.

(2)

النساء: 135.

(3) سورة ص: 26.

(4) المائدة: 8، 42.

(5) الوسائل 27: 233 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 146

آخر «1»: الرشد أيضا، و ادّعى في المعتمد الإجماع عليه صريحا.

و لا أرى له دليلا، سيّما فيما لا يتضمّن دعوى ماليّة، كادّعاء القذف و الضرب و الجرح و نكاح الولي في حال الصغر و نحوها. و الإجماع مطلقا غير ثابت.

نعم، لا تسمع دعواه المتضمّنة للتصرّفات الماليّة، لعدم جوازها من السفيه، أو تسمع إلّا إذا انتهى إلى تصرّف مالي.

و أن يدّعي لنفسه أو لمن له الولاية عليه أبوّة أو حكومة أو قيمومة أو وصاية أو وكالة، بالإجماع مطلقا إثباتا، و في الجملة نفيا.

و قد يزاد دليلا للنفي: أنّ المدّعي من يطالب بحقّ ماليّ أو غيره، و لا حقّ لغير من ذكر، و حقّ الغير ليس له مطالبته.

و في كون المدّعي من ذكر مطلقا و عدم جواز مطالبة حقّ الغير كذلك و لو بمجرّد إثباته نظر.

و قد يزاد أيضا الأصل، فإنّ الأصل عدم وجوب السماع، و عدم جواز إجبار الغريم على الجواب، و عدم ترتّب سائر آثار الحكم.

و فيه: أنّه حسن لو لا عمومات الحكم، نحو قوله سبحانه وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ «2».

و لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ «3».

و فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ «4».

______________________________

(1) كالمحقق القمي في رسالة القضاء (غنائم الأيام): 677.

(2) المائدة: 49.

(3) النساء: 105.

(4) سورة ص: 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 147

و قد أنزل سبحانه و أراه أنّ البيّنة على المدّعي «1»، و الأصل عدم نزول غيره من ردّ الدعوى و عدم سماعها.

و مقتضى الأمر بالمحاكمة بينهم هو التحاكم و رفع النزاع مطلقا، فالمناط

في جانب النفي هو الإجماع، فيقتصر فيه على الثابت فيه الإجماع، و هو المدّعي عن الغير بلا ولاية و لا وكالة و لا إذن صريح أو بالفحوى أو شاهد الحال، فلو ادّعى بأحد هذه الوجوه تسمع الدعوى، و يحكم بما تقتضيه الشريعة.

و أمّا ما على الحاكم بعد السماع و ما يجوز للمدّعي بعد الدعوى فهو أمر آخر، إذ تختلف آثار الدعوى في الموارد، فإنّه ليس على الوكيل و الوصيّ الحلف و لا ردّ اليمين بدون التوكيل فيه للوكيل أو المصلحة للولي، و لا ينفذ إقرار الوكيل، و لا يجوز له الأخذ بدون التوكيل فيه.

و الحاصل: أنّ المراد هنا بيان شرائط صحّة الدعوى و سماعها، و أمّا لوازمها و آثارها فيذكر كلّ منهما في موضعه.

ثمَّ بما ذكرنا- من الاقتصار في النفي بموضع الإجماع- يعلم عدم توقّف سماع دعوى الوكيل على ثبوت وكالته، كما هو ظاهر التحرير في بحث جواب المدّعى عليه أنّ ما في يده ليس له و أنّه لغائب، قال: و لو أقام ذو اليد البيّنة للغائب لم يقض بها للغائب، و لو ادّعى وكالة الغائب كان له إقامة البيّنة عن الغائب «2».

و ظاهر المحقّق الأردبيليّ و بعض الفضلاء المعاصرين التوقّف، حيث قيّدا السماع بالثبوت «3».

______________________________

(1) الوسائل 27: 233 أبواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 3.

(2) التحرير 2: 190.

(3) غنائم الأيام: 677.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 148

و بما ذكرنا- من الاكتفاء بشاهد الحال- يصحّ سماع دعوى الأمين الذي بيده مال الغير و لا يمكنه إثبات وكالته في الدعوى، مع إيجاب تأخيرها ضياع حقّ مالكه، مع أنّ في مثله حقّا للأمين أيضا، و هو أنّه لو لا الادّعاء للزم التفريط المستلزم للضمان، بل

له حقّ الأخذ منه.

و كذا يصحّ سماع دعوى مثل الجار الذي ادّعى لجاره الغير الحاضر على شخص بأنّه سرق مال جاره و يريد الفرار.

و دعوى ردّ صديقه الغائب الدين الذي يدّعيه الدائن عند الحاكم ليأخذ من ماله.

أو إيفاء الميّت- الذي له صغار- دينا يدّعيه عليه غيره، و يعلمه شخص آخر، و يعلم شهوده عليه.

هذا إذا كانت الدعوى بشاهد الحال بقصد كونه من جانب المالك، و إلّا فقد يدخل في باب الشهادة.

المسألة الثالثة: يشترط في سماع الدعوى صحّتها و إمكان ما يدّعيه

- فلا عبرة بدعوى محال عقلا أو عادة أو شرعا- و لزومه، فلو ادّعى هبة أو وقفا لم تسمع إلّا مع دعوى الإقباض، و كذا الرهن عند مشترط الإقباض فيه، فإنّ الإنكار فيما لا يلزم رجوع، و لأنّه مع الإثبات لا يجوز الإجبار على التسليم، كذا ذكروا.

و فيه نظر، لأنّ أصل الملك شي ء، و لزومه أمر آخر، و لكلّ منهما فوائد، فيمكن دعوى أحدهما بدون الآخر، و إذا ثبت أحدهما يبقى الآخر، فإن سلّم المدّعى عليه ذلك، و إلّا لا بدّ من إثبات ذلك الأمر إن أراد اللزوم، فيمكن أن يثبت أو يحلف كما في سائر الدعاوي، و لولاه لزم عدم دعوى شراء حيوان إلّا مع ضمّ مضيّ زمان سقوط خيار الثلاثة و تفرّق المجالس.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 149

و الظاهر عدم القائل بذلك، و لذا تأمّل في أصل الاشتراط المحقّق الأردبيلي، معلّلا بما ذكرنا، فلا يبعد سماع الدعوى، و مع ثبوتها العمل بمقتضاها و لوازمها، إن متزلزلا فمتزلزلا، و إن لازما فلازما.

و لو قلنا: بأنّه إن ذكر فائدة للدعوى أو كانت الفائدة موافقة للأصل تسمع و إلّا فلا، كان أقرب، بل هو الأظهر، كما سيظهر وجهه.

المسألة الرابعة: يشترط أن يكون المدّعى به ممّا يصحّ تملّكه

، فلا تسمع دعوى ما لا يملك، كحشرات الأرض- إلّا مع التصرّف فيه لمنفعة مقصودة للعقلاء كدواء- و كالخمر و الخنزير إذا كان المدّعي مسلما و لو على ذميّ، و الوجه ظاهر.

المسألة الخامسة: ذهب المحقّق «1» و جماعة «2» إلى أنّه يشترط في الدعوى كونها بصيغة الجزم
اشاره

، فلو قال: أظنّ، أو: أتوهّم أنّ لي أو لأبي عليك دينارا، أو أنّك سرقت مالي، لم تسمع دعواه، حتى ادّعى اليقين فيما ادّعاه، و هو المحكيّ عن ابن زهرة و الكيدري و التنقيح «3»، و نسبه في الكفاية إلى المشهور «4»، و في المعتمد إلى الأكثر.

و حكي عن الشيخ نجيب الدين بن نما و فخر المحقّقين و الشهيدين في النكت و المسالك عدم الاشتراط «5»، و هو ظاهر المحقّق الأردبيلي،

______________________________

(1) الشرائع 4: 82.

(2) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 366، السبزواري في الكفاية: 266، صاحب الرياض 2: 410.

(3) الغنية: 625، حكاه عن الكيدري في الرياض 2: 410، التنقيح الرائع 4: 267.

(4) الكفاية: 266.

(5) حكاه عن ابن نما في الشرائع 4: 82 بقرينة ما في الإيضاح 4: 327- 328 و التنقيح 4: 267 و ..، و فخر المحققين في الإيضاح 4: 327، و حكاه عن نكت الإرشاد في الرياض 2: 410، المسالك 2: 366.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 150

و اختاره بعض فضلائنا المعاصرين «1».

و لكن المنقول عن الأول عدم الاشتراط في التهمة «2»، و عن المحقّق الثاني عدم الاشتراط فيما يخفى عادة و يعسر الاطّلاع عليه- كالقتل و السرقة و نحوهما- و الاشتراط في نحو المعاملات «3»، و هو ظاهر الدروس و الروضة «4».

و قيل: لعلّهم أرادوا بذلك ما ذكره ابن نما، فيتحدان، و هو ظاهر بعض مشايخنا المعاصرين، حيث نفي الخلاف في الاشتراط فيما لا يخفى، قال: و أمّا في غيره-

كالتهمة- فقولان، و نسب القول بعدم الاشتراط إلى الذين ذكرناهم «5».

و نقل في شرح المفاتيح عن الشهيد الثاني و ابن نما القول بعدم الاشتراط مطلقا، ثمَّ قال: و قوّى المحقّق الشيخ عليّ عدم الاشتراط فيما يخفى عادة. و ظاهره تغاير القولين.

و لعلّ من حكم بالاتّحاد فهم من التهمة ما يخفى، و من حكم بالتغاير حمل التهمة على مجرّد التوهّم، الذي هو أعمّ من الظنّ.

و تردّد الفاضل في القواعد و الإرشاد و التحرير «6»، و هو ظاهر الصيمري و المفاتيح و شرحه و الكفاية «7»، و إن كان كلام الأخير إلى عدم

______________________________

(1) المحقّق القمي في رسالة القضاء (غنائم الأيام): 678.

(2) انظر الشرائع 4: 82.

(3) حكاه عنه في مفتاح الكرامة 10: 69.

(4) الدروس 2: 84، الروضة 3: 80- 81.

(5) انظر الرياض 2: 410.

(6) القواعد 2: 208، الإرشاد 2: 144، التحرير 2: 186.

(7) المفاتيح 3: 259، الكفاية: 266.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 151

الاشتراط أميل.

و قال والدي المحقّق رحمه اللّه: و التحقيق عندي سماع الدعوى أولا، مع احتمال إقرار الخصم، أو شهادة بيّنة لها، أو ادّعاء المدّعي سماع أحدهما، حذرا من تأدّي عدمه إلى الإضاعة المنهيّ عنها. فإن تحقّق أحدهما حكم بمقتضاه، و إلّا سقطت الدعوى كسقوطها أولا إن قطع بعدم احتمال شي ء منها.

إلى أن قال: فالظاهر أنّ المشترط للجزم لا ينفي إصغاء الحاكم إلى الظانّ أولا مع تطرّق الاحتمالات المذكورة، و إنّما لم يتعرّض لذلك مسامحة، أو إحالة إلى الظهور. انتهى.

و الأقوى: عدم الاشتراط مطلقا، سواء كانت في المخفيّات و غيرها، كما صرّح به الفاضل المعاصر «1»، لأصالة عدم الاشتراط. مع صدق الدعوى على غير المجزومة أيضا، فيقال: دعوى ظنّية، أو احتماليّة، و يدلّ عليه عدم

صحّة السلب عرفا، فتشملها إطلاقات أحكام الدعوى و المدّعي.

و لعموم أدلّة الحكم، كقوله سبحانه وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ «2».

و قوله جلّ شأنه فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ «3».

و قوله عزّ جاره فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ «4»، و غير ذلك «5».

______________________________

(1) المحقق القمّي في رسالة القضاء (غنائم الأيام): 678.

(2) المائدة: 49.

(3) النساء: 65.

(4) سورة ص: 26.

(5) النساء: 135.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 152

قيل:

في دلالة عموم أدلّة الحكم نظر، إذ لعلّ الحكم و ما أنزل اللّه عدم السماع «1».

و فيه:

أنّه يتمّ لو لا مثل قوله: «البيّنة على المدّعي» فإنّه الحقّ و ممّا أنزل اللّه، و الأصل عدم إنزال غيره.

و للروايات المذكورة في باب ضمان الصائغ و الأجير و غير ذلك الباب «2».

و كرواية بكر بن حبيب: «لا يضمن القصّار إلّا ما جنت يداه، و إن اتّهمته أحلفته» «3».

و الأخرى: أعطيت جبّة إلى القصّار فذهبت بزعمه، قال: «إن اتّهمته فاستحلفه، و إن لم تتّهمه فليس عليه شي ء» «4».

و صحيحة أبي بصير: عن قصّار دفعت إليه ثوبا فزعم أنّه سرق من بين متاعه، فقال: «عليه أن يقيم البيّنة أنّه سرق من بين متاعه و ليس عليه شي ء» «5».

و الأخرى: «لا يضمن الصائغ و لا القصّار و لا الحائك، إلّا أن يكونوا متّهمين فيجيئون بالبيّنة، و يستحلف لعلّه يستخرج منه شي ء» «6».

______________________________

(1) الرياض 2: 411.

(2) الوسائل 19: 141 و 148 أبواب أحكام الإجارة ب 29 و 30.

(3) التهذيب 7: 221- 967، الاستبصار 3: 133- 481، الوسائل 19: 146 أبواب أحكام الإجارة ب 29 ح 17.

(4) التهذيب 7: 221- 966، الوسائل 19: 146 أبواب أحكام الإجارة ب 29 ح 16.

(5) الكافي

5: 242- 4، الفقيه 3: 162- 712، التهذيب 7: 128- 953، الوسائل 19: 142 أبواب أحكام الإجارة ب 29 ح 5.

(6) التهذيب 7: 218- 951، الفقيه 3: 163- 715، الوسائل 19: 144 أبواب أحكام الإجارة ب 29 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 153

و توهّم اختصاص تلك الروايات بالتهمة- فلا تنهض دليلا على العموم- فاسد، لأنّ التهمة تعمّ جميع المواضع التي ينكر فيها المدّعى عليه، فإنّها لا تختصّ بمثل القتل و السرقة، بل تشمل الكذب في الإنكار و جلب النفع و دفع الضرر أيضا. و لا ينفكّ المدّعى عليه المنكر عن اتّهامه بأحد هذه الأمور.

و لا يضرّ الاختصاص بالأشخاص المذكورين فيها، لأنّ الظاهر عدم الفرق، مع أنّ العلّة المذكورة في الأخيرة لعلّها عامّة.

و تؤيّد المطلوب أيضا روايتا أبي بصير «1» و الأصبغ «2» الواردتين في قضية الشابّ الذي ذهب [أبوه ] «3» مع جمع إلى سفر و لم يرجع، حيث قضى شريح فيها بالحلف، ثمَّ فرّق أمير المؤمنين عليه السّلام بين الشهود. فإنّ الظاهر كون دعوى الشابّ احتماليّة أو ظنّية.

و يؤيّد المطلوب أيضا سماع دعوى الورثة و حلفهم بنفي العلم ببراءة المديون.

احتجّ المشترطون بأنّ المتبادر من الدعوى ما كان بالجزم.

و بأنّ الدعوى توجب التسلّط على الغير بالالتزام بالإقرار، أو بالإنكار، أو التغريم، و هو ضرر عليه.

و بأنّ الدعوى في معرض أن يتعقّبها يمين المدّعي، أو القضاء بالنكول، و هما غير ممكنين، لاستحالة الحلف بدون الجزم، و امتناع ثمرة

______________________________

(1) الكافي 7: 371- 8، التهذيب 6: 316- 875، الفقيه 3: 15- 40، الوسائل 27: 279 أبواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 20 ح 1.

(2) الكافي 7: 373- 9، الوسائل 27: 208 أبواب كيفية الحكم و

احكام الدعوى ب 20 ح 1.

(3) ما بين المعقوفين ليس في النسخ، أضفناه من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 154

النكول، إذ لا يستحلّ للغريم أن يأخذ بمجرّد إنكار المدّعى عليه و نكوله، لاحتمال كونه للتعظيم أو غيره.

و بالأخبار المصرّحة: بأنّه إذا ردّ اليمين على المدّعي فلم يحلف فلا حقّ له، كصحيحتي محمّد «1» و جميل «2»، و مرسلتي أبان «3» و يونس «4»، و أخبار البصري «5» و البقباق «6» و يونس «7».

و الجواب عن الأول:

منع التبادر كما مرّ، و لا يثبته حكم الإمام [عليه السلام ] في بعض الأخبار «8» بردّ اليمين على المدّعي بالإطلاق، لأنّ غايته أنّه عامّ خصّ.

و عن الثاني:

منع كون الإنكار و الحلف ضررا، و لو سلّم فتخصيص عمومات نفي الضرر بالأدلّة الشرعيّة ليس بعزيز، مع أنّه قد يعارض بضرر المدّعي أيضا في عدم سماعه، كما إذا قطع بأنّ أحد هذين أخذ ماله و لم

______________________________

(1) الكافي 7: 416- 1، التهذيب 6: 230- 557، الوسائل 27: 241 أبواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 7 ح 1.

(2) الفقيه 3: 37- 127، الوسائل 27: 242 أبواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 7 ح 6.

(3) الكافي 7: 416- 4، التهذيب 6: 230- 561، الوسائل 27: 242 أبواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 7 ح 5.

(4) الكافي 7: 416- 3، التهذيب 6: 231- 562، الوسائل 27: 241 أبواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 7 ح 4.

(5) الكافي 7: 415- 1، التهذيب 6: 229- 555، الفقيه 3: 38- 128، الوسائل 27: 236 أبواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 4 ح 1.

(6) الكافي 7: 417- 2، التهذيب 6: 231- 563، الوسائل 27:

243 أبواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 8 ح 2.

(7) لم نعثر عليه.

(8) الوسائل 27: 241 أبواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 155

يعلم التعيين، فتكون دعواه على كلّ منهما غير مجزومة، و تخصيص السماع بمثل ذلك لعلّه فصل بلا قائل.

و عن الثالث:

منع امتناع ثمرة النكول، و منع عدم الحلّية بمجرّد النكول، فإنّ الشارع قد أحلّ المال للغريم في نظائره كثيرا، كما في صحيحة الحلبي: في الغسّال و الصبّاغ: «ما سرق منهما من شي ء فلم يخرج منه على أمر بيّن أنّه قد سرق و كلّ قليل له أو كثير فهو ضامن، فإن فعل فليس عليه شي ء، و إن لم يفعل و لم يقم البيّنة و زعم أنّه قد ذهب الذي قد ادّعى عليه فقد ضمنه إن لم تكن له بيّنة على قوله» «1».

و صحيحته الأخرى: عن رجل جمّال استكري منه إبل، و بعث معه بزيت إلى أرض، فزعم أنّ بعض الزقاق انخرق فأهراق ما فيه، فقال: «إنّه إن شاء أخذ الزيت» و قال: «إنّه انخرق، و لكنّه لا يصدّق إلّا ببيّنة عادلة» «2».

و الثالثة: في حمّال يحمل معه الزيت، فيقول: قد ذهب، أو أهرق، أو قطع عليه الطريق: «فإن جاء ببيّنة عادلة أنّه قطع عليه أو ذهب فليس عليه شي ء، و إلّا ضمن» «3».

إلى غير ذلك من الأخبار المتكثّرة «4».

و إذا استحلّ في هذه الموارد أخذ المال من الغريم إذا لم تكن له بيّنة مع احتمال صدقه و عدم علم المدّعي بكذبه، فلم لا يستحلّ فيما نحن فيه

______________________________

(1) الكافي 5: 242- 2، التهذيب 7: 218- 952، الفقيه 3: 161- 708، الوسائل 19: 141 أبواب أحكام الإجارة ب

29 ح 2، بتفاوت.

(2) الكافي 5: 243- 1، التهذيب 7: 217- 950، الفقيه 3: 162- 710، الوسائل 19: 148 أبواب أحكام الإجارة ب 30 ح 1، بتفاوت يسير.

(3) الفقيه 3: 161- 707، الوسائل 19: 153 أبواب أحكام الإجارة ب 30 ح 16.

(4) الوسائل 13: 276 أبواب أحكام الإجارة ب 30.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 156

بالنكول؟! و هل كان المدّعي عالما باشتغال ذمّته؟! بل هذه الأخبار أيضا أدلّة لنا، إذ ليس للمدّعي فيها أيضا إلّا دعوى الخيانة أو التفريط احتمالا، فحكم الإمام بالسماع و طلب البيّنة من المدّعى عليه و الضمان بدونه.

و قد يوجد ما يمكن فيه طلب البيّنة من المدّعى عليه في غير الدعوى المجزومة أيضا، كما إذا ادّعى عليه: إنّي أظنّ، أو أتوهّم عدم ردّك ما استقرضت منّي و بقاءه عليك.

و عن الرابع:

بأنّه مخصوص بما أمكن فيه الردّ قطعا، و هو هنا غير ممكن، لنهي الشارع عن الحلف بدون العلم.

و بأنّ الظاهر من قوله: «فلم يحلف» أنّه نكل عن الحلف، لا أنّ الشارع لم يجوّز له ذلك، بل نقول: إنّه صرّح في روايتي أبي بصير «1» و يونس «2» أنّه: «لا يستحلف الرجل إلّا على علمه» فتدلّان على عدم جواز الردّ في المورد، و الأخبار المتقدّمة مخصوصة بما يجوز فيه الردّ قطعا بل في بعضها: إنّ المدّعى عليه يستحلف المدّعي، و في آخر: إنّ الحلف واجب على المدّعي بعد الردّ إليه، فلا يشمل المورد قطعا، بل و كذا كلّ ما يتضمّن ردّ المدّعى عليه، فإنّه يدلّ على جوازه له.

فإن قيل:

فتح باب ذلك قد يوجب الضرر ببسط يد المتغلّبة، فإنّ كثيرا منهم يقطعون بعدم حلف الأشراف و ذوي الشؤون للشي ء اليسير،

______________________________

(1) الكافي 7:

445- 2، التهذيب 8: 280- 1021، الوسائل 23: 247 أبواب الأيمان ب 22 ح 2.

(2) الكافي 7: 445- 4، التهذيب 8: 280- 1022، الوسائل 23: 247 أبواب الأيمان ب 22 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 157

فيدّعون على هذا دينارا و على ذلك كذا، و هكذا.

قلنا أولا:

بالمعارضة بالمثل في الضرر- كما مرّ- لمن قطع بالأخذ و تردّد في الأخذ بين شخصين أو أكثر.

و ثانيا:

أنّه إن ظن المدّعى عليه أو احتمل كذب المدّعي في ادّعاء الظنّ أو الاحتمال فله أيضا حلفه على أنّه ظانّ أو مجوّز، و إلّا فلا يكون تغلّب و فتح لباب التغلّب.

ثمَّ إنّ مقتضى الأدلّة التي ذكرنا: عموم سماع الدعوى الغير المجزومة، سواء كانت ظنّية أو احتماليّة، بل وهميّة، كما يظهر من كلام جمع شمول محلّ النزاع له، كالشرائع و المفاتيح «1» و غيرهما «2»، حيث عنونوا محلّ النزاع بقولهم: أظنّ، أو: أتوهّم. بل ظاهر كلّ من قال بعدم الجزم في التهمة التعميم، إذ لا اختصاص للتهمة بالظنّ.

و قال في الدروس: و أمّا الجزم فالإطلاق محمول عليه، فلو صرّح بالظنّ أو الوهم فثالث الأوجه السماع فيما يعسر الاطّلاع عليه «3».

و هو صريح في شمول النزاع للوهم أيضا.

و اختصاص بعضهم بذكر الدعوى الظنّية في مورد الخلاف لا وجه له.

و من ذلك يظهر جواز تحليف كلّ من الجماعة التي يعلم عدم خروج الحقّ من بينهم.

فرع:

لو أنكر المنكر في هذه الدعوى ظنّ المدّعي عليه أو تجويزه فلا يخلو إمّا يدّعي علمه بعدم المدّعى به، أو علمه بتحقّقه من جهة اشتباه

______________________________

(1) الشرائع 4: 82، المفاتيح 3: 259.

(2) الروضة 3: 80، مفتاح الكرامة 10: 69.

(3) الدروس 2: 84.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 158

عليه

و ادّعى الظنّ لعدم التسلّط على ردّ الحلف.

و له تحليفه على عدم العلم في الصورة الأولى، لعموم الأدلّة، فيندفع تسلّط المدّعي إن نكل أو ردّ الحلف على مدّعي العلم، و يتسلّط على إحلاف المدّعى عليه ظنّا إن حلف على انتفاء العلم.

و أمّا على الثانية، فليس له حلف المدّعي على انتفاء العلم، لأنّ غايته أنّه يقول: إنّي لا أحلف و لا أريد ادّعاء العلم، و ردّ الحلف إنّما هو في صورة التشبّث بالعلم لا غيره، و بمجرّد النكول عليه لا يثبت تحقّقه و انتفاء الظنّ حتى تلغى الدعوى الظنّية، فتكون دعواه الظنّية باقية.

نعم، له أن يحلّف المدّعى عليه على انتفاء المدّعى به، فتتمّ الدعوى، و على انتفاء الظنّ تماما تسقط الدعوى أيضا إن لم يدّع بعده العلم. و له يمين المنكر، و للمنكر الردّ إن ادّعى العلم بعده.

و أمّا تسلّط المنكر على المدّعي بحلفه على أنّه ظانّ في أصل الدعوى الظنّية- كما ذكره بعض معاصرينا- فلا أرى له وجها.

المسألة السادسة: هل يشترط في سماع الدعوى كون المدّعى به معلوما معيّنا

بالوصف في المثلي، و القيمة في القيمي، و الجنس، و النوع، و القدر، أم تكفي معلوميّته في الجملة، كثوب، أو فرس، أو مال أو شي ء؟

الحقّ: الثاني، وفاقا للنافع و الإرشاد و القواعد و الإيضاح و المسالك و الروضة «1» و والدي العلّامة في المعتمد و أكثر متأخّري المتأخّرين «2»، بل

______________________________

(1) المختصر النافع: 284، الإرشاد 2: 143، القواعد 2: 208 الإيضاح 4: 328، المسالك 2: 367، الروضة 3: 79.

(2) كالسبزواري في الكفاية: 266، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 335، صاحب الرياض 1: 413.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 159

الأكثر مطلقا كما في شرح المفاتيح، لعمومات الدعوى و المدّعي و الحكم، و لأنّ عدم سماعه قد يوجب

الضرر المعلوم المنفي شرعا، لأنّه ربّما يعلم حقّه بوجه ما خاصّة و يمكنه إثباته، و لا يعلم شخصه أو صفته، فلو لم تسمع دعواه لبطل حقّه.

و يؤيّده سماع دعوى الوصيّة بالمجهول و الإقرار به.

خلافا للمحكيّ عن المبسوط و السرائر و الدروس «1»، و نسب إلى التحرير أيضا «2»، و ليس كذلك، لأنّه نقله عن الشيخ و تنظّر فيه «3».

و استدلّ على العدم بعدم فائدتها، و هو حكم الحاكم لو أقرّ به المدّعى عليه أو ثبت بالبيّنة.

و يضعّف: بمنع عدم الفائدة، لأنّه يلزم حينئذ ببيان الحقّ المقرّ به أو المثبت، و يقبل تفسيره بمسمّى الدعوى، و يحلف على نفي الزائد، أو العلم به إن ادّعى عليه أحدهما كما يأتي. كذا قالوا.

و هو حسن لو فسّره الخصم، أمّا لو لم يفسّر- إمّا لادّعائه الجهل أيضا، أو لإصراره على العدم الواقعي و إن ألزم به ظاهرا- فإن كان الجهل في القدر فيلزم بالقدر المشترك، و هو أقلّ قدر ثبت، و إن كان الجهل في النوع أو الوصف فالظاهر الرجوع إلى القيمة، لأنّ بعد ثبوت العين عليه و عدم إمكان استخلاصها يجوز للمدّعي أخذ القيمة من باب التقاصّ، كما بيّن في مسألة المقاصّة. و على هذا، فيرجع الجهل أيضا إلى القدر، فيؤخذ بأقلّ ما يمكن من الثمن.

______________________________

(1) المبسوط 8: 156، السرائر 2: 177، الدروس 2: 84.

(2) كما نسبه إليه في الرياض 2: 413.

(3) التحرير 2: 186.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 160

المسألة السابعة: لا يشترط عند كافّة أصحابنا- على ما صرّح به بعضهم «1»- ذكر سبب استحقاق المدّعي

، و لا كشف ما يلزمها و يتعلّق بها من الحقوق و اللوازم، بل يكفي فيها الإطلاق مجرّدا عن ذكر السبب و غيره، لأصالة عدم الاشتراط، و للعمومات المشار إليها، مع أنّ أسباب الاستحقاق كثيرة، و

ضبط جميعها و ذكر مقدارها ممّا يؤدّي إلى الحرج.

نعم، يشترط في دعوى القتل من ذكر سبب دعواه و كيفيّة قتله- بأنّه قتله بنفسه أو بأمره، عمدا أو شبه عمد، أو خطأ- للخلاف الواقع في أحكام القتل باختلاف أسبابه و كيفيّاته.

و من مخالفينا من اشترط في صحّة الدعوى ذكر السبب و تفصيل وجه لزومه في ذمّة الخصم، إلّا أنّه خصّ ذلك بالدعاوي المتعلّقة بالعقود، فاعتبر في دعوى البيع مثلا ذكر المبيع و وقوعه منه أو من وكيله، و تعيين ثمنه حالا أو مؤجّلا، و غير ذلك من المشخّصات، (و في دعوى الزوجيّة ادّعاء العقد بخصوصيّاته، و تعيين المهر، و مطالبة النفقة، و سائر حقوقها» «2» «3».

و منهم من اشترط ذلك في دعوى النكاح خاصّة «4».

المسألة الثامنة: يشترط في وجوب سماع الدعوى و الحكم عليها أن تكون متضمّنة لوقوع التخاصم و التنازع

، أو الإنكار، أو نحوه، صريحا أو ظاهرا، فلو قال أحد: إنّ لي عشرة دراهم على زيد، و هو معترف بها و يؤدّيها، و لكن أريد منك طلبه و سماع الإقرار منه و الحكم بمقتضاه، أو

______________________________

(1) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 335.

(2) ما بين القوسين ليس في «ق».

(3) المغني و الشرح الكبير 11: 449.

(4) حكاه عنهم في كشف اللثام 2: 335.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 161

أريد إقامة البيّنة و صدور الحكم. لم يجب السماع، و لو سمع و أقيمت البيّنة، أو أقرّ عنده، لم يجب الحكم، بل لا يجوز من باب القضاء، لظهور الدعوى فيما كان فيه مخاصمة، و لاختصاص أدلّة وجوب القضاء و نفوذه و ظهورها فيما كان كذلك، فلا يكون ذلك قضاء شرعيّا نافذا، و لا تترتّب عليه آثاره من عدم جواز النقض لو وقع التخاصم بعد ذلك.

نعم، يكون الحاكم شاهد أصل إن سمع الاعتراف، أو

فرع واحد إن أقيمت عنده البيّنة.

و لذا صرّح الفاضل في التحرير في بحث القضاء على الغائب بأنّه لا بدّ أن يدّعي جحود الغائب، فلو أقرّ أنّه معترف لم تسمع بيّنته إلّا لأخذ المال، و لو لم يتعرّض لجحوده احتمل السماع و عدمه «1». انتهى.

و قوله: لأخذ المال، يعني: أنّه إذا ادّعى عدم أدائه المال أو تأخيره و تضرّره بالتأخير و أراد أخذه جاز سماع دعواه و بيّنته لذلك، فإنّ ذلك خصومة و نزاع.

و احتمل السماع مع عدم التعرّض للجحود لظهور طلب الحكم و إرادة إقامة البيّنة في ذلك.

و على هذا، فلا يجوز القضاء فيما ليس فيه طرف دعوى موجود، كما إذا وقف أحد ضيعة بطريق مختلف فيه عند الفقهاء، و أراد سدّ دعوى سائر البطون بإصدار الحكم باللزوم و الصحّة عن فقيه دفعا لادّعاء بعض البطون اللّاحقة، لم يؤثّر الحكم في ذلك.

و كذا إذا أوصى إلى غير عادل، و أراد سدّ دعوى الورثة بطلب الحكم

______________________________

(1) التحرير 2: 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 162

بالصحّة و اللزوم عن مجتهد يرى ذلك، أو طلب الحكم في دين مؤجّل يعترف به الدائن احتياطا لإنكاره بعد حلول الأجل، إلى غير ذلك.

و لو كان الغريم معترفا و لكن ماطل في الأداء، فيجوز الترافع، و لكن الدعوى في المماطلة دون الإنكار.

و أمّا ما ذكروه- من أنّ جواب المدّعى عليه إمّا إقرار أو إنكار- فالمراد أنّه إذا ادّعى المدّعي إنكاره أو أطلق الدعوى الظاهرة في الإنكار تسمع الدعوى و يطلب الغريم، فإن أقرّ بعد الطلب فحكمه كذا.

المسألة التاسعة: يشترط في سماع الدعوى أن تكون صريحة في استحقاق المدّعي لما يدّعيه

، فلو ادّعى: أنّ هذه ابنة أمته، لم تسمع، لعدم فائدتها، لجواز ولادتها في غير ملكه. و كذا لو قال: هذه ابنة أمتي و

ولدتها في ملكي، لاحتمال كون الابنة حرّة، أو ملكا لغيره، فيما لم يصرّح باستحقاق الأخذ، لم تسمع.

و كذا لو ادّعى أنّه اشترى ضيعتي، أو غصب داري، أو أقرض منّي عشرة، لم تسمع ما لم يقيّدها بما يصرّح باستحقاقه الآن، لجواز أن يكون اشترى و أدّى الثمن، أو غصب ورد، أو ابتاع بعده، أو أقرض و أدّاه.

فمجرّد تلك الدعاوي لا توجب دعوى حقّ.

و لو ضمّ معه ما يصرّح بالحقّ تسمع، فإنّه بدون الضمّ لا يدّعي استحقاق شي ء و لا يطلبه، لأنّه المفروض.

أمّا لو ضمّ مع ذلك مطالبة المدّعي به فهي دعوى الاستحقاق، فتسمع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 163

و من ذلك يظهر أنّ ما ذيّله به جماعة «1» هذه المسألة- من حكم تصديق الخصم له في هذه الدعوى مطلقا، أو مع ضمّ ما ينافي ملكيّة المدّعي من كونه إقرارا أو لا، و الفرق بين تصديق ما ذكر و تصديق أنّ هذا الغزل من قطنه أو الدقيق من حنطته- ليس في موقعه أصلا، لأنّ فرض هذه المسألة: أنّ المدّعي لا يدّعي استحقاقا و لا يطالب شيئا، و لذا لا تسمع بيّنته على ما ادّعاه، فلا تترتّب فائدة على كونه إقرارا له أم لا من جهة هذه المسألة. و ليس من متمّماتها أو فروعها.

نعم، هذا من مسائل كتاب الإقرار، و تظهر فائدته فيما إذا ادّعى المدّعي الاستحقاق، فتأمّل.

هذا، ثمَّ إنّه قد يناقش في إطلاق حكمهم بعدم سماع الدعوى فيما لم تكن صريحة في الاستحقاق أيضا، بأن يقال: إن كان مرادهم أنّه لا تسمع إذا قال: اشترى منّي ذلك- مثلا- و لا أدّعي شيئا آخر، أو لا دعوى لي غيرها، فهو كذلك.

أمّا لو قال: هذه دعواي الآن، لوجود

بيّنتي عليها الآن، و أدّعي تمامها بعد ذلك، فلم لا تسمع؟! فلعلّه تكون له بيّنة اخرى غير حاضرة على إقرار خصمه: بأنّي ما أدّيت ثمن ذلك ممّن اشتريت، أو ثبت بعد ذلك فساد الشراء، أو نحو ذلك من الفوائد.

و من ذلك يعلم أنّه لو أطلق الدعوى المذكورة أيضا يجب سماعها، لاحتمال ترتّب الفوائد عليها.

و أولى منه بالسماع ما إذا ادّعي أنّ هذا زوجي، أو هذه زوجتي، من

______________________________

(1) منهم العلّامة في التحرير 2: 189، و الفخر في الإيضاح 4: 327، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 335، و الفيض في المفاتيح 3: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 164

غير ضمّ دعوى في حقّ آخر، لاستقلال الزوجيّة بترتّب أحكام عليها إذا ثبتت.

أقول:

السماع في دعوى الزوجيّة صحيح، لما ذكر، إلّا أنّ المناقشة المذكورة في عدم سماع الدعوى الغير الصريحة ليست بجيّدة، إذ على ذلك يكون لهذه الدعوى فردان أو أفراد، بعضها مسموعة و بعضها غير مسموعة فإذا أطلق فلا يعلم أنّه ادّعى المسموعة حتى يجب السماع و طلب الجواب، أو لا حتى لا يجب، و الأصل عدم الوجوب.

و كذا لو قيّد الدعوى ب: الآن، و بقوله: أدّعي تمامها بعد ذلك، لأنّ التمام غير معلوم، فلعلّه أيضا لم يوجب السماع.

بل لو عيّنه و قال: أدّعي مطالبة الثمن- مثلا- بعد ذلك، لم يجب، إذ لعلّه لم يدّع، أو لم يتمكّن من الادّعاء.

المسألة العاشرة [لو ادّعى أمرا آخرا متعلّقا بتلك الدعوى موجبا لنقض الحكم فهل تسمع تلك الدعوى، أم لا؟]

لا شكّ في عدم سماع دعوى بعينها ثانيا بعد رفعها إلى الحاكم و حكم فيها بحكم.

و أمّا لو ادّعى أمرا آخرا متعلّقا بتلك الدعوى موجبا لنقض الحكم- كفسق شهود المشهود له، أو إقرار الخصم بالحقّ، أو ردّ ما يدّعيه المدّعي و نسيانه حال الترافع- فهل تسمع

تلك الدعوى، أم لا؟

فيه خلاف، بل وقع الخلاف في الأولين قبل الحكم أيضا، فتردّد الفاضل في التحرير في سماعها «1»، و استشكل في الإرشاد فيهما «2»، و كذا في القواعد في فسق الشهود «3».

______________________________

(1) التحرير 2: 189.

(2) الإرشاد 2: 143.

(3) القواعد 2: 208.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 165

و جعل الشهيد في الدروس الأقرب عدم السماع فيها «1»، و لكن جعل في قواعده الأقرب السماع فيها «2».

و في الكفاية: عدم السماع في الأول، و التردّد في الثاني «3».

و قال والدي- طاب ثراه- في المعتمد في الثلاثة: إنّ فيها وجهين، و قوّى رحمه اللّه العدم.

و يظهر من القواعد- بل الدروس و غاية المراد- أنّ النزاع إنّما هو إذا أراد الإحلاف دون ما إذا كانت له بيّنة، فإنّها تسمع حينئذ. و صرّح بعض فضلائنا المعاصرين بذلك «4»، كما مرّ في مسألة الدعوى على الحاكم أيضا.

و كيف كان، فالحقّ السماع في غير ما إذا كان بعد الحكم لليمين، لعمومات سماع الدعوى و الحكم بالبيّنة و اليمين و النكول.

و قد يستدلّ في صورة كون الدعوى بعد الحكم بابتناء الحكم أولا على فاسد لم يعلم فساده.

و فيه: أنّ قبل السماع لا يعلم الفساد بعد.

و استدلّ الوالد قدّس سرّه بثبوت الحكم على الوجه المعتبر، و الأصل صحّته حتى يقطع ببطلانه، و مجرّد دعوى الخصم فساده لا توجب القطع به، فلا يلزم السماع و ترك ما ثبت في الشرع اعتباره لأجله.

و فيه أولا: أنّه لو تمَّ ذلك لجرى في كلّ دعوى مخالفة للأصل.

و ثانيا: إنّا لا نقول بفساد الحكم قبل القطع شرعا بالبطلان، و لا إفساده

______________________________

(1) الدروس 2: 85.

(2) القواعد و الفوائد 1: 412.

(3) الكفاية: 274.

(4) جامع الشتات: 677.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 17، ص: 166

بمجرّد دعوى الخصم، و لا ترك ما ثبت اعتباره بمجرّد السماع، بل تستصحب الصحّة و تسمع الدعوى، فإن وجد ما يوجب الفساد يحكم به، و إلّا فلا.

و ثالثا: إنّ العمومات المذكورة مخرجة عن الأصل.

و أمّا إذا كان الحكم باليمين فلا تسمع الدعوى بعده، للنصوص، إلّا إذا ادّعى إقرار الحالف بعد الحكم، كما يأتي.

المسألة الحادية عشرة: تسمع دعوى المؤجّل قبل حلول الأجل

، إجماعا كما صرّح به والدي رحمه اللّه في المعتمد، لعموم أدلّة الدعوى و الحكم، و لأنّها دعوى حقّ لازم.

و لا يصلح التأجيل، للمانعيّة، مع أنّ المنع قد يؤدّي إلى الإضاعة، لإمكان الإثبات قبل الحلول، و تعذّره بعده، لفقد الشهود، أو الحاكم، أو مثل ذلك.

المسألة الثانية عشرة: لو ادّعى المحكوم عليه فسق الشهود و لا بيّنة له، و ادّعى علم المشهود له

، فاستوجه جماعة عدم تسلّطه على حلفه «1».

و تحقيق الكلام- على نحو مفيد في كلّ ما كان من قبيل هذا المقام-:

إنّ من شرط سماع الدعوى على شخص أن تكون- بحيث لو ثبت بالبيّنة أو الإقرار أو النكول ثبت على المدّعى عليه نفسه- حقّا لازما، فلا تسمع الدعوى الغير المفيدة أصلا، كأن يدّعي على شخص أنّك ضحكت عليّ.

و من هذا الباب ما لو ادّعى على الشاهد: إنّك تعلم فسق نفسك، أو اعترفت بذلك، لأنّه لا يفيد لو ثبت، لأنّ المعتبر عدالته عند المتخاصمين،

______________________________

(1) الدروس 2: 85، المسالك 2: 388، الكفاية: 274.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 167

أو الحاكم، لا عند نفسه.

و كذا لا تسمع الدعوى التي لا توجب حقّا على المدّعى عليه، كأن يقول للحاكم في موضع لا ضمان عليه: إنّك غير قابل، أو خاطئ، أو جائر «1»، للأصل، و عدم شمول أدلّة سماع الدعوى لمثل ذلك أيضا.

مضافا في الأخير إلى أنّه يشترط كون الدعوى بحيث لو أقرّ المدّعى عليه أو حلف بعد الردّ أو النكول ثبت الحقّ، و لا يثبت بشي ء من ذلك حقّ على الحاكم أو الشاهد، و لا على المشهود له، إذ لا يثبت بإقرار الغير و لا نكوله أو ردّه الحلف حقّ على الغير.

و مثلها الدعوى على الشاهد: إنّك كاذب، أو خاطي، فيما لا ضمان عليه.

و أمّا لو كانت هذه الدعاوي في موضع أوجب ثبوتها ضمانا

على الحاكم أو الشاهد، فتسمع كما مرّ سابقا.

و لو كانت إحدى هذه الدعاوي من المحكوم له فتسمع، و لذا تقبل منه البيّنة.

و لكن يشترط في دعوى فسق الشاهد عليه بيانه لموجب الفسق، إذ ربّما يزعم غير ما يوجب الفسق فسقا.

و يشترط أيضا دعوى كونه فاسقا واقعا، أو عند الحاكم، لا عند المدّعي فقط، لأنّ المشروط هو عدالة الشاهد عند الحاكم لا عند المشهود له خاصّة.

بخلاف فسق الحاكم، فإنّ فسقه عند المحكوم له مانع من نفوذ حكمه له و عليه، فلو ادّعى عليه بما يوجب فسق الحاكم عنده لا عند الحاكم

______________________________

(1) في «ح»: خائن.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 168

- كالغيبة، إذا ظنّ الحاكم كونها صغيرة، و المحكوم له كونها كبيرة- تسمع.

و لو كان ما يوجب الفسق عند أحد المتخاصمين دون الآخر كان لكلّ منهما حكمه.

و لو ادّعى على المشهود له كذب الشهود، و أراد بالكذب ما هو المشهور في معناه من عدم المطابقة للواقع، فإن كانت له بيّنة على ذلك فهو يرجع إلى تعارض البيّنتين، و إن لم تكن له بيّنة لا تسمع الدعوى، و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «أنا أقضي بالبيّنات، فمن قطعت له مال أخيه فقد قطعت له قطعة من النار» «1».

و بالجملة: دعوى عدم المطابقة للواقع عين أصل الإنكار الساقط بالبيّنة بمقتضى الأخبار، فلا تسمع ثانيا.

بخلاف فسق الحاكم، فإنّ انتفاءه شرط في نفوذ حكمه دون عدم المطابقة للواقع، بل صرّحت الأخبار بعدم اشتراطه كما مرّ.

و إن أراد بالكذب عدم المطابقة لاعتقاد الشاهد فقط، فلا تسمع أيضا، لعدم ترتّب فائدة عليه. و كذا إن أراد عدم المطابقة للواقع و الاعتقاد معا.

و إن ادّعى مواضعة الشاهد و المشهود

له على شهادة الزور، فالظاهر سماع الدعوى، و جواز الإحلاف، و الحكم بالردّ و النكول.

و كذا لو ادّعى إقرار خصمه بالمدّعى به، فتردّد في الشرائع في إلزام

______________________________

(1) الكافي 7: 414- 1، التهذيب 6: 229- 552، الوسائل 27: 232 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 2 ح 1، و الرواية فيها هكذا: «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات و الأيمان، و بعضكم ألحن بحجّته من بعض، فأيّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنّما قطعت له به قطعة من النار».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 169

الخصم بالجواب و عدمه «1»، و استظهر في المسالك الإلزام و سماع الدعوى «2»، و هو الحقّ، إذ إقراره أمر يثبت به حقّه ظاهرا، و لا يجب أن يكون ممّا يوجب الثبوت واقعا، و إلّا لم يفد فيما إذا ادّعى عليه الحقّ أيضا. و على هذا، فيثبت حقّه بإقامة البيّنة على الإقرار، و بالنكول و اليمين المردودة.

المسألة الثالثة عشرة: إذا تمّت الدعوى يطلب الحاكم من المدّعى عليه الجواب

، إمّا بعد سؤال المدّعي- كما عن الشيخ و في الشرائع و القواعد «3»- لأنّه حقّ له، فيتوقّف على مطالبته.

أو من غير مسألته، كما قوّاه الشيخ أيضا في المبسوط «4»، و حكاه في المختلف عن الشيخين و الديلمي و الحلّي «5».

و حكي عن التحرير أيضا، لدلالة شاهد الحال على مطالبة المدّعي «6». و يظهر من تعليله أنّه أيضا يشترط طلب المدّعي.

و لكن الخلاف في اشتراط الإذن الصريح، أو يكفي المطلق، و الأظهر كفاية المطلق، لأنّه إن أريد بالإذن الصريح ما يدلّ عليه اللفظ مطابقة فلا دليل عليه، و إن كان مطلقا- و لو بالالتزام العرفي- فما طلب أولا يستلزم ذلك عرفا.

______________________________

(1) الشرائع 4: 107.

(2) المسالك 2: 388.

(3) الشيخ في المبسوط 8: 157، الشرائع

4: 82، القواعد 2: 208.

(4) المبسوط 8: 157.

(5) المختلف: 700.

(6) التحرير 2: 186.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 170

الفصل الثالث فيما يتعلّق بالمدّعى عليه، و جوابه، و ما يترتّب عليه
اشاره

و هو لا يخلو عن أقسام، لأنّه «1» إمّا يقرّ، أو ينكر، أو يسكت، أو يدّعي الردّ أو الإبراء أو نحوهما، أو يقول: لا أدري، أو: هذا ليس لي، و نحوه، أو يكون المدّعى عليه غائبا. فهاهنا ستّة أبحاث.

البحث الأول في الإقرار
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: متى تحقّق الإقرار بجميع المدّعى به، و كان المقرّ جامعا للشرائط المقرّرة في بابه
اشارة

- من البلوغ و العقل و عدم الحجر في الماليّات- لزم عليه ما أقرّ، سواء حكم الحاكم به أم لا، لأنّ إقرار العقلاء على أنفسهم جائز.

بخلاف ما إذا أقام المدّعي بيّنة، فإنّه لا يثبت بمجرّد إقامتها، لأنّها منوطة باجتهاد الحاكم في قبولها و ردّها.

و تظهر ثمرة الفرق بين المقامين بذلك في جواز مقاصّة المدّعي حقّه إذا ادّعاه ظنّا أو احتمالا، فيجوز بالإقرار و إن لم يحكم الحاكم بعد، دون البيّنة، فإنّه يتوقّف على الحكم.

______________________________

(1) في «ح»: لأنّ جوابه إمّا ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 171

و في جواز أخذ المقرّ به عنه لكلّ أحد من باب النهي عن المنكر.

و في جواز الحكم لقاض آخر بعد علمه بالإقرار، بخلاف البيّنة المعدّلة عند القاضي الأول، فإنّه لا يجوز الحكم للثاني بدون التعديل عند نفسه.

و الحاصل: أنّ الإقرار علّة تامّة لثبوت الحقّ عليه، بخلاف البيّنة، فإنّها مع الحكم علّة. أو يقال: إنّ الإقرار حجّة مطلقة لكلّ أحد، و البيّنة لم تثبت حجّيتها إلّا للحاكم.

فإن قيل:

كما أنّ ثبوت الحقّ بالبيّنة يتوقّف على ثبوت حجّية البيّنة أولا بأدلّتها، ثمَّ النظر في حالها من العدالة و الجرح و نحوهما، ثمَّ النظر في دلالة اللفظ المؤدّى به الشهادة. فكذلك الثبوت بالإقرار، فإنّه يتوقّف على جواز إقرار العقلاء بأنفسهم، و ثبوت الرواية، و فهم المراد من الجواز، ثمَّ النظر في حال المقرّ من كونه بالغا عاقلا رشيدا غير مكره، ثمَّ النظر في حال لفظ الإقرار، فإنّ في الألفاظ حقائق و مجازات، و لها قرائن، و لذا عنون الفقهاء مسائل كثيرة في تحقيق معاني الإقرارات.

و لا يمكن أن يقال: إنّ أدلّة حجّية البيّنة تختصّ بحجّيّتها للحاكم دون دليل ثبوت الإقرار،

لأنّه لا فرق بينهما من هذه الجهة، و إنّما يختصّ الحكم بالحاكم، لأدلّة اختصاص الحكم به و عدم جوازه لغيره.

قلنا:

فرق بينهما، أولا: في المقدّمة الأولى، فإنّ حجّيّة الإقرار لا تثبت بالحديث المذكور خاصّة، بل هي صارت ضروريّة لكلّ أحد- خاصّي و عامّي- فلا يحتاج إلى اجتهاد في حجّيّة الأخبار سندا و متنا و الفحص عن المخصّص و المعارض و نحوهما. بخلاف أدلّة البيّنة.

فإن قلت:

حجّيّة البيّنة العادلة أيضا صارت اليوم ضروريّة.

قلت:

نعم، و لكن للحاكم، يعني: ثبت على كلّ أحد أنّها حجّة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 172

للحاكم لا لكلّ أحد، بخلاف الإقرار.

و ثانيا: في المقدّمة الثانية، فإنّ ما يحتاج معرفته من حال البيّنة أمور شرعيّة توقيفيّة خلافيّة صعبة المأخذ، يحتاج إلى الاجتهاد في مأخذه من العدالة و التهمة و الإصرار على الشهادة، و من معرفة من لا تجوز شهادته و من تجوز و نحو ذلك .. بخلاف حال المقرّ غالبا، فإنّ معرفة أحواله بالنسبة إلى المجتهد و غيره متساوية.

نعم، لو كان المقرّ في حالة اختلافيّة شرعا، بحيث تحتاج معرفته إلى الاجتهاد و الفقاهة من علامات البلوغ أو الرشد أو نحوهما، فنقول: يتوقّف الثبوت بالإقرار على الحكم أيضا.

و ثالثا: في المقدّمة الثالثة، فإنّ فهم الإقرار إنّما هو كفهم سائر معاني الألفاظ العرفيّة التي يتساوى فيها العامّي و الخاصّي، و حجّة على كلّ أحد.

بخلاف ما تؤدى به الشهادات، فإنّ فيها اختلافات، كقبول الشهادة العلميّة و الاستصحابيّة و نحوهما.

نعم، لو فرض ثبوت الحقّ بالتواتر بألفاظ محكمة على نحو يظهر على كلّ أحد، فنقول: إنّه كالإقرار، و لكنّه فرد نادر، و مع ذلك ليس إثباتا بالبيّنة التي تقابل الإقرار.

فرع: إثبات الإقرار بالبيّنة كالإقرار في لزوم الحكم به

، إلّا أنّ في الإقرار لا تسمع دعوى عدم الاستحقاق

حينئذ، لأنّه إنكار بعد الإقرار، إلّا إذا أقرّ بالاشتغال سابقا. و تسمع في إثباته.

و المراد بسماعه في إثباته: أنّه يسمع لو ادّعى سبب عدم الاستحقاق، كردّ أو إبراء، و حينئذ ينقلب مدّعيا، و له إحلاف المدّعي على نفيه. و لعلّ ذلك مراد الفاضل في القواعد من حكمه بجواز إحلاف المنكر المدّعي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 173

- المثبت لإقراره بالبيّنة- على نفي الاستحقاق «1».

المسألة الثانية: و إذا أقرّ المدّعى عليه، فإن التمس المدّعي الحكم به له عليه فالظاهر عدم الخلاف بينهم في وجوبه حينئذ

، و إن اختلفوا فيه قبل سؤال المدّعي.

و فيه:

أنّ بعد ما تقرّر عندهم في المسألة الاولى- من عدم كون الحكم هنا جزءا لسبب ثبوت الحقّ، و جواز أخذ المدّعي بنفسه بدون الحكم قهرا أو تقاصّا، و جواز أخذ سائر المقتدرين- فلا وجه للحكم بوجوب الحكم بسؤال المدّعي مطلقا، لعدم دليل عليه.

نعم، يصحّ ذلك لو توقّف الوصول إلى الحقّ عليه، فالصحيح التقييد به.

لا يقال:

عمومات وجوب الحكم بما أنزل اللّه «2» تثبته هنا أيضا.

قلنا:

لا شكّ أنّها مقيّدة بصورة التوقّف، لأنّ الحكم من الواجبات المشروطة بالحاجة، فإنّه لو فرض أنّ بعد الترافع و قبل الحكم وقع الصلح بين المتداعيين أو أعطاه حقّه أو نحو ذلك، لا يجب الحكم على الحاكم.

ثمَّ على القول بوجوبه مطلقا أو في صورة التوقّف فهل يجب بعد سؤال المدّعي، أو قبله؟

فيه قولان، و الأولى و الأحوط: التوقّف بالسؤال و لو بشاهد الحال، بل مقتضى الأصل عدم الوجوب بدونه، بل يمكن القول بعدم الجواز أيضا و عدم ترتّب الأثر عليه، لأنّ الحكم إلزام مخالف للأصل.

المسألة الثالثة: و إذا وجب عليه الحكم فيحكم عليه بما يفيد إنشاء إلزامه من الألفاظ

، و لا يكفي مثل قوله: ثبت عندي في ترتّب الأثر، لأنّه

______________________________

(1) القواعد 2: 212.

(2) المائدة: 47- 49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 174

ليس حكما، بل إخبار.

و لو طلب المدّعي كتابة الحجّة على المدّعى عليه ليكون في يده، ففي وجوب إجابته و عدمه قولان، أشهرهما- كما صرّح به في المفاتيح «1».

و شرحه و غيرهما «2»- الوجوب.

و حكى في المبسوط قولا بعدمه «3» و اختاره بعض متأخّري المتأخّرين، للأصل. و هو الحقّ، لأنّه إن كان لإنشاء الحكم فقد حكم لفظا و لا يجب غيره، و إن كان لاستمراره و الدوام عليه بعد ذلك فأيّ دليل على وجوب ذلك؟! فإنّه قد

لا يحتاج إليه بعد ذلك، و لو احتاج فقد لا ينساه الحاكم أو الشهود على الحكم، و إن نسيه فقد لا يتذكّر بملاحظة الكتابة.

و لذا اقتصر جمع من المتأخّرين في إيجاب الكتابة بما إذا توقّف إيصال الحقّ المحكوم به عليها.

و هو أيضا غير سديد، لأنّه لا يختصّ بالكتابة و لا بالحاكم، بل يجب على كلّ أحد الإيصال بما أمكنه من باب الأمر بالمعروف، فلا وجه حينئذ للتخصيص بالكتابة، فإنّه قد يحصل الأثر بنصب أحد على الأخذ منه، أو إعلام مقتدر برسالة، أو برفع صوت و غلظة عليه، أو بتخويف، أو غير ذلك من الوجوه.

و قد يتوقّف على أحد هذه الأمور، فذكر الكتابة و إيجابها بخصوصها لا وجه له.

هذا، مع أنّ ترتب الأثر على الكتابة غالبا يكون بإراءتها لمقتدر على إجراء الحكم فيجريه، فهو إن أجراه بمجرّد الكتابة من غير ضمّ بيّنة معها- كما هو المتعارف في هذه الأزمنة- فهو غير جائز، و الكتابة- لأجل ذلك-

______________________________

(1) المفاتيح 3: 255.

(2) المسالك 2: 364.

(3) المبسوط 8: 118.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 175

تكون نوع إعانة على الإثم. و إن ضمّ معها البيّنة فهي بنفسها كافية، إلّا أن يفرض كون الكتاب قرينة موجبة لحصول العلم بضمّ خبر عدل أو فسّاق، أو [وقّف ] «1» المقتدر الإيصال بالكتاب.

ثمَّ إنّه إذا لم تجب الكتابة و طلبها المدّعي و أجابه الحاكم استحبابا فله أخذ الأجرة عليها و ثمن القرطاس و المداد، و متى وجبت لم يجز له أخذ الأجرة، لعدم جوازه في الواجبات العينيّة و لا الكفائيّة، كما مضى في كتاب التجارة، بل لا يجوز له طلب ثمن القرطاس و نحوه أيضا.

و من القائلين بوجوب الكتابة إذا توقّف أثر الحكم عليها من

لم يجوّز الأجرة على الكتابة، و جوّز أخذ نحو القرطاس.

و هو غير جيّد، لأن إعداد ما تتوقّف عليه الكتابة الواجبة أيضا يكون كأصل الكتابة ممّا يتوقّف عليه الواجب، فيكون إعداده واجبا عليه لو لم يؤدّه المدّعي، فإن أراد جواز الأخذ منه لو أعطاه فهو كذلك، لأنّه أيضا نوع إعداد، و إن أراد أنه يجوز إيقاف الكتابة على أخذه منه فلا.

ثمَّ إذا كتب الكتاب ينبغي- بل يلزم عليه- أن يكتبه على نحو يخصّص المدّعي و الغريم و يميّزهما عن غيرهما، بحيث لا يقبل الاشتباه، و يأمن عن التزوير، سواء حصل ذلك المقصود بكتابة النسب أو الحلية «2» أو هما معا.

و الخلاف في هذا المقام في أنّه هل يكفي الأول أو الثاني و نحو ذلك لا وجه له، إذ ليس ذلك منوطا بدليل شرعي، و إنّما المقصود رفع الاشتباه و الأمن من التزوير، و قد يحصل التزوير بالاكتفاء بالنسب، كما قد يحصل بالاكتفاء بالحلية، و لا بدّ في النسب أيضا إلى ذكره بقدر لا يقبل اللبس عادة، فقد يتعدّد زيد بن عمرو بن بكر الأصفهاني مثلا.

______________________________

(1) في «ح» و «ق»: توقّف، و الأنسب ما أثبتناه.

(2) الحلية: بمعنى الصفة- مجمع البحرين 1: 105.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 176

و قد يتواطئان على تشهير أحدهما بتلك النسبة في بلد آخر، بحيث يحصل العلم لكثير من أهل ذلك البلد، و تنتهي مسبّبيّته إلى كتابته باسمه و نسبه، أو قول المكاريين، أو نحوهما.

و لا بدّ من تمييز المدّعي أيضا كما ذكرنا، إذ قد يقع التزوير من جهته فيتواطآن على ادّعائه و حكم الحاكم له و أخذه المدّعى به بحضوره لدفع خصومة شخص آخر.

المسألة الرابعة: و إذ حكم الحاكم عليه، فإن أدّى المحكوم عليه الحقّ بنفسه فهو
اشاره

، و إلّا فإن كان ذا مال

فيكلّف بالأداء، فإن امتنع و مطل بلا عذر مقبول كان للمدّعي أخذه منه قهرا و لو بالملازمة له.

و إن لم يقدر فيجب على كلّ من يقدر كفاية، فإن احتاج الإيصال إلى عقوبة له- من حبس أو إغلاظ في القول و نحوهما- فيجب على الحاكم.

و الظاهر عدم جوازه للغير و لو نفس المدّعي.

أمّا جوازه للحاكم فلتوقّف إيصال الحقّ عليه و هو واجب.

و للخبر المشهور المنجبر: «ليّ الواجد يحلّ عقوبته و عرضه» «1».

و المستفيضة الواردة في حبس المماطل، كموثّقة عمّار: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه، ثمَّ يأمر فيقسّم ماله بينهم بالحصص، فإن أبى باعه فيقسّم بينهم» يعني: ماله «2». و نحوها ذيل رواية الأصبغ «3».

______________________________

(1) مجالس الطوسي: 532، الوسائل 18: 333 أبواب الدين و القرض ب 8 ح 4، و فيه: «ليّ الواجد بالدين يحلّ عرضه و عقوبته».

(2) الكافي 5: 102- 1، التهذيب 6: 191- 412، الاستبصار 3: 7- 15، الوسائل 18: 416 أبواب أحكام الحجر ب 6 ح 1، بتفاوت.

(3) الفقيه 3: 19- 43، التهذيب 6: 232- 568، الوسائل 27: 247 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 177

أقول:

الالتواء من الليّ، و هو سوء الأداء و المطل.

و روايتي غياث، الاولى: «إنّ عليّا عليه السّلام كان يفلّس الرجل إذا التوى على غرمائه، ثمَّ يأمر به فيقسّم ماله بينهم بالحصص، فإن أبى باعه فقسّمه بينهم» يعني: ماله «1».

و الثانية: «إنّ عليّا عليه السّلام كان يحبس في الدين، فإذا تبيّن له إفلاس و حاجة خلّى سبيله حتى يستفيد مالا «2»». و قريبة منها صدر رواية الأصبغ «3».

و رواية السكوني: «إنّ عليّا عليه السّلام كان

يحبس في الدين، ثمَّ ينظر، فإن كان له مال أعطى الغرماء، و إن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء، فيقول لهم: اصنعوا به ما شئتم، إن شئتم فآجروه، و إن شئتم فاستعملوه» «4».

و بهذه الأخبار- المعتضدة بلزوم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، مثل: رواية جابر الطويلة في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر: «فأنكروا بقلوبكم، و الفظوا بألسنتكم، و صكّوا بها جباههم» «5»، و مرسلة التهذيب:

«قد حقّ لي أن آخذ البري ء منكم بالسقيم، و كيف لا يحقّ لي ذلك؟! و أنتم

______________________________

(1) التهذيب 6: 299- 833، الوسائل 18: 416 أبواب أحكام الحجر ب 6 ح 1.

(2) التهذيب 6: 196- 433 و 299- 834، الاستبصار 3: 47- 156، الوسائل 18:

418 أبواب أحكام الحجر ب 7 ح 1.

(3) الفقيه 3: 19- 43، التهذيب 6: 232- 568، الوسائل 27: 247 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 11 ح 1.

(4) التهذيب 6: 300- 838، الاستبصار 3: 47- 155، الوسائل 18: 418 أبواب أحكام الحجر ب 7 ح 3.

(5) الكافي 5: 55- 1، التهذيب 6: 180- 372، الوسائل 16: 131، أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 178

يبلغكم عن الرجل منكم القبيح و لا تنكرون عليه و لا تهجرونه و لا تؤذونه حتى يتركه» «1»، و غير ذلك «2»- تخصّص أدلّة نفي الضرر و نحوها.

و أمّا صحيحة زرارة: «كان عليّ عليه السّلام لا يحبس في السجن إلّا ثلاثة:

الغاصب، و من أكل مال اليتيم ظلما، و من ائتمن على أمانة فذهب بها، و إن وجد له شيئا باعه، غائبا كان أو شاهدا» «3»- حيث دلّت من جهة إطلاق الجزء

المنفيّ من الحصر على عدم حبس غير الثلاثة- فهي أعمّ مطلقا ممّا مرّ، فيجب تخصيصها به.

و أمّا وجوبه على الحاكم فلكونه أمرا جائزا يتوقّف عليه واجب، هو إيصال الحقّ، و ما يتوقّف عليه الواجب واجب، بل تدلّ عليه الروايتان الأخيرتان و ما بمعناهما في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و أمّا اختصاص وجوبه بالحاكم فلا اختصاص غير الخبر الأول من أخبار الحبس بفعل الإمام عليه السّلام. و الأول مجمل، حيث إنّه حكم بحلّ العقوبة، و لم يبيّن أنّه على من يحلّ، فيقتصر فيه على المتيقّن.

و أمّا أخبار الأمر بالمعروف و إن كانت عامّة إلّا أنّها مخصّصة بمثل رواية مسعدة بن صدقة: سئل عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أ واجب هو على الأمّة جميعا؟ فقال: «لا» فقيل: و لم؟ قال: «إنّما هو على القويّ المطاع العالم بالمعروف من المنكر، لا على الضعفة الذين لا يهتدون سبيلا» إلى أن قال: «و الدليل على ذلك كتاب اللّه عزّ و جلّ: قول اللّه

______________________________

(1) التهذيب 6: 181- 375، الوسائل 16: 145 أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما ب 7 ح 4.

(2) الوسائل 16: 144 أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما ب 7.

(3) التهذيب 6: 299- 836، الاستبصار 3: 47- 154، الوسائل 27: 248 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 179

عزّ و جلّ وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ «1» فهذا خاصّ غير عام» الحديث «2».

و من ذلك يعلم أنّه إذا آل الأمر إلى العقوبة و الإيذاء لا يجوز لغير الحاكم، لأنّها أعمال غير جائزة في الأصل يجب الاقتصار

فيها على موضع الرخصة، و لأنّ غيره لا يعلم قدر الجائز منها فيتعدّى عن الحقّ.

فروع:
أ: هل يجوز للحاكم الإذن لغيره، و لغيره المباشرة بإذنه بقدر ما أذن فيه؟

الظاهر: نعم، لأنّه حينئذ يكون عالما، كما ورد في رواية مسعدة.

ب: هل يجوز لمباشر الإيصال مع العقوبة أو بدونها أخذ الأجرة عليها؟

الظاهر: لا، لما مرّ في كتاب التجارة، إلّا إذا لم تكن له كفاية لمعاشه لو اشتغل بالإيصال- أي تضرّر ضررا بيّنا- فيسقط عنه الوجوب، لمعارضة أدلّته مع أدلّة نفي الضرر، و الأجرة حينئذ على بيت المال إن كان، و إلّا على المدّعي إن طلب و أراد، و لا يجوز الأخذ من المدّعى عليه بوجه.

ج: إذا ماطل المحكوم عليه، و لم يقتدر الحاكم على الإيصال،

و طلب المدّعي من الحاكم كتابة الحكم أو شهادة الشاهدين عليه أو نحوهما حتى يوصله و يجري الحكم من يقدر عليه، يجب عليه- كما مرّ- إن لم

______________________________

(1) آل عمران: 104.

(2) الكافي 5: 59- 16، التهذيب 6: 177- 360، الوسائل 16: 126 أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 180

يعلم ترتّب محرّم عليه، كالتعدّي من الجائز في الإيذاء، من قذف أو ضرب أو أخذ مال أو مطالبة من أقربائه و نحوها.

و إن علم ذلك، فإن كان مقصود الحاكم أيضا أن يفعل المدّعي كذلك فهو معاونة على إثمين: إثم المدّعي- حيث إنّ أخذه ذلك ليؤدّيه إلى المقتدر الجائر المتعدّي عن الجائز معاونة للجائر «1» على إثمه- و إثم الجائر.

و إن لم يكن مقصوده ذلك، فإن علم أنّ المدّعي يفعل كذلك فلا معاونة منه على إثم الجائر- كما بيّنا في العوائد «2»- و لكنّه معاونة على إثم المدّعي، و لكن لا يحرم على الحاكم مع ذلك، لتعارض أدلّة حرمة المعاونة على الإثم مع أدلّة وجوب ردع المماطل و أخذ الحقّ منه، فيرجع إلى أصل الجواز. بل يمكن القول بذلك في حقّ المدّعي أيضا، لمعارضة أدلّة نفي الضرر في حقّه مع أدلّة حرمة المعاونة، فتأمّل.

د: العقوبة المجوّزة للحاكم في حقّ المماطل لا تختصّ بالحبس و الإغلاظ،

بل قد تنتهي إلى الأكثر منه- من ضرب- فيجوز أيضا، لإطلاق العقوبة و قوله: «صكّوا جباههم» و قوله: «لا يؤذونه». و يجب الاقتصار على الأقلّ.

و إنّما أطنبنا في ذلك المقام للاحتياج إليه في أمثال تلك الأزمنة.

ه: لو لم تفد العقوبة في أدائه، و لم يمكن بيع ماله،

يحبس حتى يؤدّي أو يموت أو يبرئه الغريم.

المسألة الخامسة: كما تجوز للحاكم عقوبة المماطل الغير المؤدّي للحقّ، فهل يجوز له إعطاء ماله للمحكوم له من غير إذنه

إذا أمكن و كان من

______________________________

(1) في «ح» و «ق»: على الجائر، و الصحيح ما أثبتناه.

(2) عوائد الأيام: 27.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 181

جنس الحقّ، و بيعه و إعطاؤه الثمن إن لم يكن من جنسه، أم لا؟

و إذا جاز فهل هو مقدّم على العقوبة- يعني: أنّ العقوبة إنّما تكون إذا لم يمكن إعطاء المال، أو بيعه- أو مخيّر بينهما، أو يتأخّر فيعاقب، فإن أبى مع العقوبة أيضا يعطي أو يبيع؟

لم يحضرني الآن تصريح بذلك من الأصحاب، إلّا ما ذكره بعض الأجلّة في شرحه على القواعد، حيث قال: و إن عرف كذبه في دعوى الإعسار حبس حتى يخرج من الحقّ بنفسه، أو يباع عليه ماله و يعطى صاحب الحق «1». انتهى.

فإن كان قوله: «يباع» عطفا على «حبس» يكون تخييرا بين الحبس و البيع، و إن كان عطفا على «يخرج» يكون حكما بتأخير البيع عن العقوبة.

و قال بعض الفضلاء المعاصرين: ثمَّ إن كان المقرّ واجدا للمال فيلزم بإعطائه و لو بحبس الحاكم و إغلاظ القول، أو بأن يبيع ماله في أداء دينه لو لم يمكن الاستيفاء إلّا بذلك «2». انتهى.

فإن كان قوله: «بذلك» إشارة إلى الحبس و البيع معا يكون قولا بالتخيير، و إن كان إشارة إلى البيع يكون قولا بتأخير البيع عن الحبس.

أقول:

كما أنّ العقوبة مخالفة للأصل لا ترتكب إلّا مع الدليل، فكذلك إعطاء ماله أو بيعه، لأنّ تمييز ما في ذمّة شخص من بين أمواله بيده و بيع غير المالك لا يجوز، و الدليل على حلّيّة العقوبة موجود كما مرّ، و لا دليل على الإعطاء و البيع إلّا كونه ممّا يتوقّف عليه إيصال الحقّ الواجب، و

هو- قبل اليأس بالعقوبة المنصوص جوازها- ممنوع، فلا يجوز

______________________________

(1) انظر كشف اللثام 2: 336.

(2) غنائم الأيام: 679.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 182

إلّا بعد عدم تأثير العقوبة.

و تدلّ عليه أيضا الروايات المتقدّمة المصرّحة بتأخير البيع عن الحبس «1».

نعم، إذا لم يمكن العقوبة لغيبة- بخفاء أو فرار- يجوز البيع و الإعطاء أولا، لكونه ممّا يتوقّف عليه الإيصال.

و هل يباع بغير الغريم، أو يجوز البيع به أيضا؟

الظاهر: الثاني، للأصل.

و لا يتوهّم أنّ الظاهر من الروايات البيع بالغير، حيث قال: «باعه، فيقسّم»، لأنّه يمكن أن تكون الفاء تفصيليّة، أي باعه بأن يقسّمه بين الغرماء، فيبيع كلّا منهم بقدر حصّته. بل هو الظاهر من قوله: يعني ماله، فإنّ الظاهر أنّ الغاية لبيان أنّ المقسوم بينهم نفس المال دفعا لتوهّم تقسيم الثمن، [لا أنّها] «2» لبيان أنّ المبيع نفس المال لدفع توهّم بيع المديون، لأنّه ليس محلّا للتوهّم.

هذا، مضافا إلى كون تقدير الثمن في قوله: «يقسّمه» خلاف الأصل.

المسألة السادسة: لو ادّعى المحكوم عليه بالإقرار أو بغيره الإعسار
اشاره

، فإن علمه الحاكم أو أقرّ به المحكوم له يثبت إعساره.

و إلّا فإمّا لا يعلم له مال أو لا، حتى ما أخذه من المحكوم له، و ذلك يكون بأن تكون الدعوى على نفقة زوجة أو صداقها أو دية جرح أو مال مصالحة دعوى غير ثابتة أو نحوها.

______________________________

(1) راجع ص 176 و 177.

(2) في «ح»: لأنّها، و في «ق»: إلّا أنّها، و الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 183

أو يعلم له مال و يعلم تلفه أيضا، كأن يعلم أنّ ما أخذه من المحكوم له أنفقه، أو أخذ منه قهرا، أو سرق، و نحو ذلك، و لا يعلم ما سواه.

أو يعلم له مال غير معلوم التلف، و لو كان هو

ما اقترضه من الغريم أو اشتراه منه.

فعلى الأولين، فإن ادّعى المحكوم له علمه بكذبه في الإعسار و كونه ذا مال تطلب منه البيّنة، لأنّه مدّع حينئذ، و البيّنة على المدّعي، فإن جاء بها و أثبت عليه مالا موجودا يؤخذ منه، و إن لم يؤدّه كان حكمه حكم الواجد للمال، و قد مرّ.

و إن أثبت عليه مالا قبل ذلك، و لم يعلم تلفه، يصير من القسم الأخير، و يأتي حكمه.

و إن لم تكن له بيّنة أحلف المحكوم عليه، لأنّه منكر حينئذ، و اليمين على من أنكر.

و إن لم يدّع علمه بكذبه بل ظنّ ذلك أو جوّزه لما مرّ سابقا من سماع الدعوى بالظنّ و الاحتمال، فيكون المحكوم له مدّعيا، و المحكوم عليه منكرا، فاليمين عليه.

و تأمّل فيه المحقّق الأردبيلي، بل قال بعد تأمّله: و عدم إحلافه أظهر، لظاهر آية النظرة، و لعدم الدليل على الإحلاف إلّا في الصورة الأخيرة.

و فيه: أنّ مدلول الآية إنظار ذي العسرة، و عسرته بعد غير معلومة لا واقعا و لا شرعا، فكيف يستدلّ لحكمه بالآية؟! و الدليل له- على ما اخترناه من سماع الدعوى المظنونة و الموهومة- ظاهر، لصدق المدّعي و المنكر.

نعم، يشكل ذلك على القول بعدم سماعها، لعدم الدليل،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 184

و تصريحهم بالإحلاف هنا أيضا مؤيّد لما اخترناه.

و هل له ردّ الحلف إذا كان غريمه جازما في دعواه يساره أم لا؟

فيه إشكال ينشأ من عمومات الردّ و عدم المانع، و من أنّ فائدة الردّ الخروج عن عهدة المدّعى به إذا حلف المدّعي، فإنّ قوله: «رددت عليك اليمين» متضمّن ل: أنّه إن حلفت اخرج عن عهدة دعواك، و هو يثبت هنا بعدم القدرة عليه، فكيف يردّ؟!

بل في شمول عمومات الردّ لمثل المقام تأمّل أيضا.

و لعلّ الأول أظهر، إذ تظهر الفائدة في نكول المدّعي فتسقط دعواه، و في حلفه، فإنّ إنكاره القدرة لا يثبت انتفاءها واقعا، فيثبت عليه اليسار بعد حلف المدّعي، و يعمل معه ما يعمل مع الواجد من الحبس و الغلاظ إلى أن يؤدّي أو يموت أو يبرئه المدّعي.

و إن لم يردّ الحلف- إمّا لعدم إمكانه، كما إذا كانت دعوى يساره غير مجزومة، أو لم يرد الردّ- فإن حلف على عدم اليسار حكم له بالإعسار، و إن نكل و لم يحلف فقال في القواعد و حكي عن التذكرة: إنّه يحلف مدّعي اليسار، فيحكم بيساره، و يعمل معه عمل الواجد من الحبس «1».

و قال بعض الفضلاء المعاصرين: إنّه يعمل به عمل الواجد، فيحبس من غير ذكر حلف المدّعي «2».

و لعلّه مبنيّ على الخلاف في أنّ مع نكول المنكر هل يثبت حقّ المدّعي، أو يردّ الحاكم اليمين على المدّعي. و يأتي تحقيقه.

و على الأخير- و هو أن يعلم له مال و ادّعى تلفه- فتؤول الدعوى إلى

______________________________

(1) القواعد 2: 209، التذكرة 2: 58.

(2) غنائم الأيام: 680.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 185

تلف المال، و الأصل بقاؤه، فيصير المدّعي عليه بالحقّ مدّعيا لتلف المال فتطلب منه البيّنة، فإن أقامها يحكم له بالإعسار، و يعمل معه عمل ذي العسرة، و يأتي.

و إن لم يقم البيّنة، فقال جماعة- منهم: الشرائع و القواعد و الكفاية «1» و غيرها «2»، بل قال بعض مشايخنا المعاصرين: إنّه المشهور «3»- إنّه يحبس حتى يعيّن إعساره، أو يقرّ، أو يخرجه صاحب الحقّ.

و عن التذكرة: أنّه يحلف مدّعي الحقّ على عدم التلف ثمَّ يحبس «4».

و هو ظاهر بعض متأخّري المتأخّرين

«5».

حجّة الأول:

رواية غياث الثانية، و صدر رواية الأصبغ، و رواية السكوني، المتقدّمة جميعا في المسألة الرابعة.

و دليل الثاني:

العمومات الآتية المصرّحة بأنّه إذا لم تكن للمدّعي بيّنة فيمين المدّعى عليه أو المنكر «6».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 17    185     المسألة السادسة: لو ادعى المحكوم عليه بالإقرار أو بغيره الإعسار ..... ص : 182

أقول:

مقتضى الأخبار الأولى الحبس مطلقا، سواء كان المدّعى عليه منكرا جازما بعدم التلف أو لا، بل كان يقول: لا أدري، كما هو الأكثر.

و لكنّها مخصوصة بالدين، بل من لم يثبت حاله من الإعسار و عدمه.

و مقتضى العمومات الثانية حلف المدّعى عليه في خصوص صورة الإنكار و دعوى عدم التلف، و لكنّها عامّة في الدين و العين و سائر الحقوق.

______________________________

(1) الشرائع 2: 95، القواعد 2: 209، الكفاية: 267.

(2) كالمسالك 2: 367.

(3) انظر الرياض 2: 396.

(4) التذكرة 2: 58.

(5) انظر كشف اللثام 2: 337.

(6) انظر الوسائل 27: 241 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 186

فتتعارضان بالعموم من وجه في صورة إنكار المدّعي، و لا أصل هنا، و كلّ من الحبس و الإحلاف مخالف للأصل محتاج إلى الإذن، فمقتضى القاعدة التخيير بين الحبس أو لا، أو الإحلاف ثمَّ الحبس، إلّا أنّي لم أجد به قائلا، و لكن إثبات الإجماع المركّب في أمثال المقام مشكل، و الأحوط الإحلاف ثمَّ الحبس، و دليل تجويز الإحلاف حينئذ أدلّة الاحتياط، كما بيّنا في موضعه.

و لكن يحصل الإشكال للحاكم حينئذ لو لم يحلف المنكر لعدم التلف، فهل يحكم بنكوله و يثبت به الإعسار، أو يحبس؟

و لندرة الفرض- من جهة أنّ الأغلب عدم علم المدّعي، و لو فرض أحيانا- فنكوله نادر، و

لو فرض النكول فتمكّن الحبس للحاكم في هذه الأزمنة مشكل، و جواز غيره من العقوبات هنا غير ثابت، فصرف الوقت في حاله حينئذ ليس بذلك المهم.

و كيف كان، فلو لم ينكر المدّعي عدم التلف يحبس، للروايات المتقدّمة الخالية عن المعارض.

هذا، و للمحقّق الأردبيلي هنا كلام آخر، حيث قال:

قد لا تكون له بيّنة و يكون معسرا لا مماطلا، و مجرّد وجود مال سابقا لا يستلزم بقاءه، و الرواية ضعيفة، و دلالتها غير ظاهرة. و قد يكون ظاهر حاله إتلافه، كأن يستقرض ليخرجه في مئونته مع حاجته، أو وجد عنده و كان يحتاج كلّ يوم إلى نفقة، و كيف يأتي بالبيّنة بإخراج كلّ درهم؟! فيمكن عدم الحبس، بل إحلافه على عدم بقائه عنده، و يخلّى سبيله إلى الميسرة و يؤيّده ظاهر الآية، فإنّ الظاهر منها كونه ذا عسرة بحسب الظاهر لا نفس الأمر، و هو حينئذ كذلك، فيمكن عدم اليمين أيضا

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 187

لذلك، إلّا أنّه لمّا ادّعي عليه المال، و علم وجوده، و لم يكن للمدّعي إثبات البقاء، و الاستصحاب يقتضي البقاء، و أنكر هو وجوده، احلف. انتهى.

أقول:

أمّا دعوى ضعف الرواية- بعد اشتهار العمل بمضمونها- فلا يضرّ. و أمّا عدم ظهور دلالتها فلا يتحقّق وجهه.

و أمّا ظهور إعساره، فإن بلغ ذلك إلى حدّ يعتبر شرعا فلا كلام، لحصول التبيين المذكور في الروايات. و أمّا إذا لم يبلغ ذلك فلا وجه لاعتباره و ترك النصّ لأجله، و لفظ «ذي العسرة» موضوع للمعنى الواقعي، غاية الأمر تقييده بالعلم أيضا، و أمّا بأمثال ذلك الظهور فلا، و إحلاف مدّعي التلف لا وجه له، و جعله منكرا للبقاء لا (وجه) «1» يجعله منكرا، و إلّا لجرى

ذلك في كلّ مدّع. فكلامه غير سديد.

فروع ثلاثة:
أ: البيّنة التي تقام على الإعسار يلزم أن تشهد بتلف المال علما أو حسّا على اختلاف القولين في مسألة الشهادة،

و حينئذ تقبل، لأنّها بيّنة الإثبات، أمّا لو شهد بمطلق الإعسار فهو راجع إلى النفي، فلا تقبل.

نعم، إذا كان مراقبا لأحوال المشهود له، مطّلعا على خفايا أمره، فله أن يشهد بما ضبط و اطّلع من أحواله و أعماله الكاشفة عن العسر، فإن علم الحاكم بها عسره يحكم به، و أمّا شهادته بأنّه ذو عسرة أو معسر فلا وجه لقبولها، إلّا إذا اكتفينا بالشهادة العلميّة، و قلنا بأنّ تلك شهادة إثباتيّة، و المقدّمتان ممنوعتان.

______________________________

(1) ليست في «ح».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 188

ب: مئونة المحبوس حال الحبس من ماله، و وجهه ظاهر.

و يشكل الأمر لو لم يكن له شي ء ظاهر، و كان ينفق كلّ يوم بقرض أو كسب قدر مئونته أو سؤال أو كلّ على غيره و نحوها، بل قد يغتنم المحبس لذلك.

و كذا الإشكال في مئونة الحبس، فإنّه يحتاج إلى مكان و مراقب ليلا و نهارا لئلّا يهرب، فإن كان هناك بيت مال فالمؤنتان عليه، و إلّا فإن بذله خصمه من ماله فلا إشكال أيضا، و إلّا فتحميله على الحاكم ضرر عليه منفيّ شرعا، فيعارض بأدلّته أدلّة الحبس، فيرجع إلى أصل عدم وجوب الحبس عليه، أو يقال بالتخيير، فله إطلاقه و لا يجب عليه شي ء.

ج: إذا لم يكن للحاكم محبس، و لا أعوان ينصبها للمراقبة،

و سائر ما يحتاج إليه للحبس- كما هو الغالب في تلك الأزمنة- فله بعثه إلى محبس السلطان و نحوه، و للسلطان و نحوه الحبس بإذن الحاكم، لأنّه يصير حينئذ محبسا للقاضي. و لو لم يتمكّن من ذلك أيضا سقط عنه.

المسألة السابعة: ثمَّ إذا حكم للمدّعى عليه بالإعسار بالبيّنة، أو علم الحاكم، أو اليمين، أو الإقرار
اشاره

، فذهب جماعة إلى أنّه ينظر و يمهل و يخلّى سبيله حتى يحصل له مال، و هو مذهب المفيد و الشيخ في الخلاف و الحلّي و المحقّق و القواعد و المسالك و المهذّب و الصيمري «1» و المعتمد و غيرهم «2»، بل هو المشهور كما في المسالك و الكفاية و شرح القواعد للهندي «3» و المعتمد، و غيرها «4».

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 723، الخلاف 1: 624، الحلّي في السرائر 2: 160، المحقّق في الشرائع 4: 84، القواعد 2: 209، المسالك 2: 367.

(2) كما في التبصرة: 187.

(3) المسالك 2: 367، الكفاية: 267، كشف اللثام 2: 336.

(4) كالروضة 3: 83، الرياض 2: 396.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 189

للأصل، و قوله تعالى وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ «1»، و روايتي غياث و الأصبغ المتقدّمتين «2»، و مفهوم الحصر في صحيحة زرارة السابقة «3».

و رواية السكوني: «إنّ امرأة استعدت على زوجها أنّه لا ينفق عليها و كان زوجها معسرا فأبى عليه السّلام أن يحبسه، و قال: إنّ مع العسر يسرا» «4».

و عن الشيخ في النهاية: أنّه يسلّم إلى الغرماء ليؤاجروه و يستعملوه و يستوفوا حقّهم من ما يفضل من قوته و قوت عياله «5»، لرواية السكوني المتقدّمة في المسألة الرابعة، و وصفها في المختلف بالمشهور «6».

و عن ابن حمزة قول ثالث، مفصّل بين ما إذا كان المعسر ذا حرفة يكتسب بها فالثاني، و ما

إذا لم يكن كذلك- و نفى عنه البعد في المختلف «7»- فالأول «8»، للرواية الأخيرة، كما في المختلف، أو جمعا بينها و بين الروايات السابقة «9» كما قيل، و لأنّه يتمكّن من أداء ما وجب عليه و إيفاء الحقّ صاحبه فيجب عليه كالسعي في المؤنة، و حيث يتمكّن من الكسب لا يكون معسرا، لتحقّق اليسار بالقدرة على تحصيل المال، و لهذا

______________________________

(1) البقرة: 280.

(2) في ص: 176 و 177.

(3) في ص 178.

(4) التهذيب 6: 299- 837 و ج 7: 454- 1817، الوسائل 18: 418 أبواب أحكام الحجر ب 7 ح 2.

(5) النهاية: 352.

(6) المختلف: 711.

(7) المختلف: 711.

(8) الوسيلة: 212.

(9) في ص: 176 و 177.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 190

الحق القادر على الكسب بالغنيّ في باب الزكاة.

أقول:

قد يخالجني- في التمسّك بهذه الأخبار في تخلية سبيله حتى يستفيد مالا، و في إيجاره و استعماله- شي ء، و هو أنّه قد استفاضت الأخبار على أنّ الإمام يقضي دين المديونين عن سهم الغارمين:

ففي مرسلة العبّاس: «الإمام يقضي عن المؤمنين الديون ما خلا مهور النساء» «1».

و في رواية أبي نجار: جعلت فداك، إنّ اللّه عزّ و جل يقول وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ أخبرني عن هذه النظرة التي ذكرها اللّه عزّ و جل في كتابه، لها حدّ يعرف إذا صار هذا المعسر إليه لا بدّ من أن ينظر، و قد أخذ مال هذا الرجل و أنفقه على عياله، و ليس له غلّة ينتظر إدراكها، و لا دين ينتظر محلّه، و لا مال غائب ينتظر قدومه؟ قال: «نعم، ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام، فيقضي ما عليه من الدين من سهم الغارمين» الحديث «2». و غير ذلك

من الأخبار «3».

و أخبار المسألة واردة في فعل عليّ عليه السّلام، و هو إمام مبسوط اليد، بيده بيت المال و الزكوات، فكان عليه الأداء، فما التوفيق بين هذه الأخبار؟! و هلّا يؤدّي الإمام ديونهم؟! و لا يمكن حمل أخبار المسألة على صورة عدم حضور سهم الغارمين عنده، لأنّه ليس قضية في واقعة، بل

______________________________

(1) الكافي 5: 94- 7، التهذيب 6: 184- 379، الوسائل 18: 337 أبواب الدين و القرض ب 9 ح 4.

(2) الكافي 5: 93- 5، و فيه بدل «أبي نجار»: «أبي محمّد» و كذا في التهذيب 6:

185- 385 و الوسائل 18: 336 أبواب الدين و القرض ب 9 ح 3، و في الوافي 18:

789- 15 عن الكافي: أبي نجاد.

(3) الوسائل 18: 335 أبواب الدين و القرض ب 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 191

يصرّح بأنّه عليه السّلام كان يفعل ذلك، و هو دالّ على التجدّد الاستمراري.

و الذي أراه أنّ أخبار قضاء الإمام مخصوصة بمن لم يكن له طريق إلى الوفاء، و لا يمكنه استفادة المال من استغلال أو تكسّب أو عمل، كما تشعر به رواية أبي نجار، و أخبار المسألة مخصوصة بمن أمكنه استفادة المال، كما يصرّح به قوله: حتى يستفيد المال، و قوله: ليستعملوه، أي يطلبوا منه العمل و تكون لفظة «حتى» تعليليّة، أي يخلّي سبيله ليستفيد المال و يؤدّي الدين.

و التوفيق بين رواية السكوني «1» و سائر روايات المسألة: أنّ مورد سائر الروايات إنّما هو ما إذا كان المديون بحيث يعلم من حاله أنّه يستفيد المال بنفسه من غير حاجة إلى استعماله فيها و إجباره عليها، كما هو المستفاد من قوله: حتى يستفيد. و مورد رواية السكوني إنّما هو ما إذا

لم يكن كذلك و لم يبال بعدم أداء الدين و عدم الاستفادة، إذ من الظاهر أنّ من يعلم من حاله أنّه يستفيد بنفسه لا حاجة فيه إلى المؤاجرة و الاستعمال.

و بما ذكرنا يرتفع التنافي بين الأخبار طرّا.

ثمَّ نقول: إنّ بما ذكرنا ظهر عدم صلاحيّة شي ء من الأخبار لمستند المشهور، لأنّ المشهور: أنّه يخلّى سبيله و يترك بحاله مطلقا، سواء كان قادرا على الاستفادة- و لو بالتكسّب- أم لا، و هو لا يلائم مع قوله: خلّى سبيله حتى يستفيد «2»، أي ليستفيد، فإنّ التخلية إنّما كانت لذلك، و لو منعت من إرادة هذا المعنى- لاحتمال كون حتى للغاية- فنقول: باحتمال التعليلية يسقط استدلالهم.

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 177.

(2) راجع ص: 177.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 192

و أمّا صحيحة زرارة «1»، فلا دلالة لها أصلا، لأنّ الظاهر المتبادر من الحبس إسجانه في سجن الإمام، و أمّا اشتغاله بالكسب فليس حبسا قطعا.

و منه يظهر حال رواية السكوني الأخيرة.

و أمّا الآية الشريفة، فكما مرّت إليه الإشارة لا تدلّ على مرادهم أصلا، لأنّ من يقدر على استفادة المال و لو بالتكسّب- الذي لم يكن شاقّا عليه، بل هو حرفته و عليه معاشه- لا يصدق عليه أنّه ذو عسرة أصلا، لا لغة و لا عرفا.

و لو سلّمنا صدقه عليه فنقول: إنّ الإنظار المأمور به هو ترك مطالبة أداء الدين حال العسرة، فإذا تركه و أخّره أنظره و لو أمره بالتكسّب و تحصيل اليسار ثمَّ الأداء، ألا ترى أنّه يصحّ أن يقال: أمهله حتى يشتغل ببيع ضياعه و يأخذ ثمنه و يعطيه، فيصدق الإنظار مع أنّه مشغول بطلب المشتري و المبايعة و أخذ الثمن.

و الحاصل: أنّ الإنظار هو الإمهال و التأخير،

و يمكن أن يكون المراد إمهاله في أداء الدين و تأخيره مطالبته. و أمّا الأصل فإنّما يفيد لو لم يكن دليل مخرج عنه، و لا شكّ أنّ قضاء الدين على كلّ متمكّن منه واجب، و القادر على العمل و التكسّب متمكّن فيجب عليه، و لازمه وجوب العمل و الكسب من باب المقدّمة، و لازمه جواز أمره به و حمله عليه، بل وجوب ذلك.

و ظهر ممّا ذكرنا خلوّ المشهور عن الدليل، و كذا قول النهاية إن أراد دفعه إلى الغرماء مطلقا، سواء أمكنه الاستفادة بعمل أم لا، و سواء أدّى ما

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 178.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 193

يجب عليه بنفسه مع الإمكان [أم لا «1»]، إذ ظاهر أنّ الرواية مخصوصة بصورة قدرته على عمل تحصل منه اجرة و شي ء و إلّا فلا فائدة فيه- كشيخ هرم أعمى و مفلوج و أعرج و أشل- و بصورة عدم اشتغاله بنفسه و وفائه الدين.

و منه يظهر خلوّ قول ابن حمزة «2» أيضا عن الدليل لو أراد الإطلاق.

فالحقّ- كما هو ظاهر المحقّق الأردبيلي، و صاحب الكفاية «3»، و بعض مشايخنا المعاصرين و فضلائهم «4»- أنّه و إن لم يتسلّط الغريم على استيفاء منافعه و إجارته ابتداء و لكن يجب على المديون المتمكّن من العمل و الكسب اللّائق بحاله الغير الشاقّ عليه الكسب.

و لو ترك هذا الواجب و توانى منه- بحيث يترتّب عليه ضرر الغرماء- على الحاكم إجباره أمرا بالمعروف و دفعا للضرر.

و لو رأى أنّه لا ينجح فيه أمره و جبره و إقامته على الفعل الواجب إلّا بالدفع إلى الغرماء أمكن الجواز، بل الوجوب، بل يجب إن أمكن.

فروع:
أ: إذا أمر بالتكسّب أو استعمل،

يوضع ممّا استفاده مئونته و مئونة عياله الواجب

نفقتهم بالمعروف، و يصرف الزائد في الدين.

ب: التكسّب يشمل جميع الصنائع و الحرف و الأشغال

- و لو مثل

______________________________

(1) أضفناه لاقتضاء السياق.

(2) الوسيلة: 212.

(3) الكفاية: 267.

(4) انظر الرياض 2: 396، غنائم الأيام: 679.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 194

الاحتطاب و الاحتشاش- إذا كان ممّن يتخشّى «1» منه ذلك، و يليق بشأنه و حاله، و لا يعدّ شاقّا عليه عرفا. و يقتصر في زمان التكسّب بما هو متعارف سائر الناس في حرفهم و صنائعهم.

ج: لو رضي الغريم بإمهاله حتى يحصل له مال و عفى عن تكسّبه فله ذلك.

و لو تعدّد الغرماء و رضي بعضهم دون بعض يأمره من لم يرض بالتكسّب، و يكون جميع فاضل مئونته ممّا استفاد لذلك.

د: لو ارتاب الحاكم بالمقرّ و شك في بلوغه،

أو عقله، أو رشده، أو اختياره، أو شبه ذلك ممّا هو شرط في صحّة إقراره، توقّف في الحكم حتى يستبين حاله، و وجهه واضح.

______________________________

(1) أي يترجّى منه ذلك- ففي مجمع البحرين 1: 124 و لسان العرب 14: 228:

خشيت بمعنى: رجوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 195

البحث الثاني في الإنكار
اشاره

اعلم أنّه إذا أنكر المدّعى عليه ما ادّعي عليه فلا يخلو إمّا أن يكون الحاكم عالما بالحال أو لا، و على الثاني فإمّا تكون للمدّعي بيّنة أم لا، فهاهنا مقامان:

المقام الأول فيما إذا كان الحاكم عالما
اشاره

و قد عرفت أنّ الحقّ أنّه يقضي حينئذ بعلمه مطلقا، و لكن بقيت هنا مسائل ينبغي التنبيه عليها:

المسألة الاولى: لو كان الحاكم حكم في الواقعة بحكم سابقا

- بعلمه أو بغيره من الإقرار أو البيّنة أو اليمين- و تذكّره، يقضي بمقتضاه، سواء تذكّر مستند الحكم السابق أم لا، لأنّ حكمه أيضا حجّة تامّة و مستند شرعي، فهو عالم بحكم الواقعة، فيشمله مثل قولهم عليهم السّلام: «رجل يقضي بالحقّ و هو يعلم» «1» و سائر عمومات الحكم.

و إن لم يتذكّر الحكم، فإن شهد عدلان بحكمه به فالأصحّ لزوم القضاء به، وفاقا لوالدي العلّامة رحمه اللّه، لعموم قبول شهادة العدلين كما يأتي.

______________________________

(1) الكافي 7: 407- 1، الفقيه 3: 3- 6، التهذيب 6: 218- 513، الوسائل 27:

22 أبواب صفات القاضي ب 4 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 196

و قيل بالمنع، لإمكان رجوعه إلى العلم «1».

و فيه: منع كلّية الإمكان أولا، و مع صلاحيّته للمنع ثانيا و إنّما هو إذا كان العمل بالشاهدين من باب الظنّ، و تختصّ حجّيّته هنا بصورة انسداد باب العلم.

و ظاهر التحرير التردّد في المسألة «2»، حيث نقل القولين من غير ترجيح.

و لو لم يكن شاهد، و كان هناك خطّه و خاتمه لم يحكم به و إن أمن التزوير، للأصل.

نعم، لو ضمّ معه قرائن اخرى موجبة للعلم بحكمه يلزم الحكم، و الوجه واضح.

المسألة الثانية: لا يختلف لزوم حكمه بما حكم أولا

مع تذكّر الواقعة أو شهادة العدلين أن يعلم عدم تبدّل رأيه في بعض جزئيّات الواقعة، أو كلّها، أو لم يعلم، أو علم التبدّل، لأنّه قد ثبت (الحقّ بالحكم السابق) «3»، فيجب استصحابه، و لا يصلح تبدّل الرأي لرفعه، كما إذا لم يحصل التنازع بعده، و كذا إن ظهر له طريان الفسق لشهود الحكم الأول بعده.

المسألة الثالثة: لو تذكّر ثبوت الحقّ عنده أولا من غير حكم به، أو شهد بذلك الشاهدان

. فإن تذكّر مستند الثبوت أو شهد به الشّاهدان بحيث ثبت، يحكم بمقتضاه.

______________________________

(1) الدروس 2: 78.

(2) التحرير 2: 185.

(3) بدل ما بين القوسين في «ح»: الحكم بالحقّ.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 197

لا لأجل الثبوت السابق، لعدم كون مجرّد الثبوت بدون الحكم ملزما للخصم.

بل لأجل المستند، لعدم دليل على وجوب مقارنة قيام المستند لحال الحكم.

و لكن يشترط حينئذ عدم تبدّل رأيه، فلو ثبت عنده أولا بشهادة النساء مثلا، أو بشهادة رجل و يمين المدّعي، و لم يحكم، و تبدّل رأيه قبل الحكم عن قبول ذلك في مثل تلك الواقعة، لا يحكم به، للأصل، لعدم تعلّق حقّ على الخصم حتى يستصحب، و الثبوت السابق بدون الحكم غير ملزم.

نعم، لو طرأ فسق الشهود لم يمنع من الحكم، و الفرق: أنّ المعتبر في عدالة الشاهد إنّما هو حال الأداء، و في فتوى المجتهد حال الحكم.

و إن لم يتذكّر المستند و لم يثبت بمثل العدلين أيضا فلا يحكم، للأصل، إذ لم يثبت أن مجرّد الثبوت عند الحاكم- من غير ظهور المستند الثابت اعتباره شرعا- من مستندات الحكم.

فإن قيل: الثبوت عند الحاكم قائم مقام علمه، فإذا جاز حكمه بعلمه جاز بالثبوت أيضا.

قلنا: لا نسلّم أنّ مطلق الثبوت عنده قائم مقام علمه، بل الثبوت مع الحكم، و أمّا بدونه فلا، و أمّا الحكم بعد الثبوت

بالمستند فليس لأجل الثبوت، بل لأجل المستند.

المسألة الرابعة: لو لم يتذكّر الواقعة و لكن شهد عدلان بشهادته فيها، فهل يجوز حكمه بمقتضى شهادته هذه، أم لا؟

قال والدي العلّامة رحمه اللّه في المعتمد: نعم. و لعلّه لأجل أنّه إذا جاز

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 198

حكم الحاكم بشهادة نفسه جاز بما ثبتت به شهادته أيضا، لأنّه حكم بشهادة نفسه أيضا.

و فيه: أنّه إنّما يصحّ لو كان حكمه بشهادة نفسه لأجل أنّها شهادة نفسيّته- كما في شهادة الشاهدين- و ليس كذلك، لعدم دليل عليه، و إنّما هو لأجل علمه حين الحكم، و هو منتف هنا. فالأصحّ عدم جواز الحكم بها، للأصل.

المسألة الخامسة: لا يجوز للحاكم العالم بالواقعة- فيما يجوز حكمه بعلمه- قطع النظر عن العلم

و إيقاف الحكم على غيره من البيّنة أو اليمين، لأنّ معنى الإيقاف: أنّه لو كان الغير مخالفا للعلم عمل به، و هو غير جائز، إذ قبول البيّنة إنّما هو إذا لم يعلم مخالفتها للواقع و إلّا فلا تقبل إجماعا، و لأنّه موجب للحكم بخلاف ما يعلم، بل بغير ما أنزل اللّه باعتقاده.

بل نقول: إنّ المتبادر من عمومات طلب البيّنة و اليمين إنّما هو في صورة اشتباه الواقعة، و على هذا فلا يكون بناء العمل على الغير مشروعا أيضا.

و منه يظهر عدم جواز طلب البيّنة أو اليمين، لأنّه إلزام للمطلوب منه بدون ملزم شرعي. بل لا يجوز الإحلاف و لو مع رضى الخصمين، لأنّه أمر شرعيّ يتوقّف على التوقيف.

و يجوز طلب البيّنة من غير أمر و إلزام، بأن يقول: إن كان لك بيّنة و أردت إقامتها فلك ذلك، لأصالة جواز الإتيان بها، و جواز إخبارها، و جواز استماع خبرها، بل قد يكون راجحا إذا أوجب البعد عن معرض التهمة، و اللّه العالم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 199

المقام الثاني فيما إذا لم يكن الحاكم عالما بالحال
اشاره

و الحكم حينئذ إمّا يكون باليمين، أو بالبيّنة، أو بهما. و تفصيل الكلام فيها في ثلاثة مواضع بعد ذكر مقدّمة.

المقدّمة:

اعلم أن من القواعد الثابتة المسلّمة بين الأمّة المدلول عليها بالأخبار «1»: أنّ الدعاوي تقطع بالبيّنة و اليمين.

قال اللّه سبحانه وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ «2».

و في رواية أبي ضمرة: «أحكام المسلمين على ثلاثة: شهادة عادلة، أو يمين قاطعة، أو سنّة ماضية من أئمّة الهدى» «3».

و في مرسلة أبان: «اقض بينهم بالبيّنات و أضفهم إلى اسمي يحلفون به» و فيها أيضا: «ثمَّ أوحى اللّه تعالى إليه» أي إلى داود «أن احكم بينهم بالبيّنات و أضفهم إلى اسمي يحلفون به» «4».

و في صحيحة سعد و هشام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّما أقضي بينكم بالبيّنات و الأيمان» الحديث «5».

______________________________

(1) انظر الوسائل 27: 229 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 1.

(2) البقرة: 140.

(3) الكافي 7: 432- 20، التهذيب 6: 287- 796، الخصال: 155- 195 و فيه:

بتفاوت يسير، الوسائل 27: 231 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 1 ح 6.

(4) الكافي 7: 414- 3، التهذيب 6: 228- 551، الوسائل 27: 229 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 1 ح 2 و فيه: اقض عليهم ..

(5) الكافي 7: 414- 1، التهذيب 6: 229- 552، الوسائل 27: 232 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 200

و في تفسير الإمام عليه السّلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يحكم بين الناس بالبيّنات و الأيمان في الدعاوي» «1»، إلى غير ذلك.

ثمَّ إنّ هذا حكم مجمل و قاعدة مبهمة.

و من القواعد المسلّمة

بين الأمّة الثابتة بالأخبار المستفيضة المفصّلة لذلك المجمل: أنّ البيّنة على المدّعي و اليمين على المنكر.

ففي صحيحة الحلبي و جميل و هشام: «البيّنة على من ادّعى و اليمين على من ادّعي عليه» «2».

و في صحيحة العجلي: «الحقوق كلّها: البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه، إلّا في الدم خاصّة» الحديث «3».

و في رواية أبي بصير: «إنّ اللّه [عزّ و جلّ ] حكم في الدماء ما لم يحكم في شي ء من حقوق الناس، لتعظيمه الدماء، لو أنّ رجلا ادّعى على رجل عشرة آلاف درهم أو أقلّ من ذلك أو أكثر لم يكن اليمين على المدّعي، و كانت اليمين على المدّعى عليه» الحديث «4».

و في صحيحته: «إن اللّه حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم، حكم في أموالكم أنّ البيّنة على المدّعي، و اليمين على المدّعى عليه» الحديث «5».

______________________________

(1) الوسائل 27: 233 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 2 ح 3.

(2) الكافي 7: 415- 1، التهذيب 6: 229- 553، الوسائل 27: 233 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 3 ح 1.

(3) الكافي 7: 361- 4، الوسائل 27: 233 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 3 ح 2.

(4) الكافي 7: 362- 8، الفقيه 4: 73- 223، التهذيب 10: 167- 663، الوسائل 29: 156 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 10 ح 5.

(5) الكافي 7: 361- 6 و 415- 2، الفقيه 4: 72- 219، التهذيب 6: 229- 554، الوسائل 27: 234 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 3 ح 3، و ج 29: 153.

أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 9 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 201

و

غير ذلك ممّا يأتي.

ثمَّ من القواعد المسلّمة كذلك أيضا الثابتة كذلك: أنّ البيّنة و اليمين ليستا بمجتمعتين، بل يمين المدّعي عليه إنّما هي إذا لم يقم المدّعي البيّنة، فالبيّنة مقدّمة على اليمين، و اليمين بعد عدم البيّنة.

ففي صحيحة سليمان بن خالد: «أحكم بينهم بكتابي، و أضفهم إلى اسمي تحلّفهم به» ثمَّ قال: «هذا لمن تقم له بيّنة» «1».

و مرسلة يونس: «استخراج الحقوق بأربعة وجوه: بشهادة رجلين عدلين، فإن لم يكونا رجلين فرجل و امرأتان، فإن لم تكن امرأتان فرجل و يمين المدّعي، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه، فإن لم يحلف و ردّ اليمين على المدّعي فهي واجبة عليه أن يحلف و يأخذ حقّه، فإن أبي أن يحلف فلا شي ء له» «2».

و في تفسير الإمام عليه السّلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا تخاصم إليه رجلان في حقّ قال للمدّعي: أ لك بيّنة؟ فإن أقام بيّنة يرضاها و يعرفها أنفذ الحكم على المدّعى عليه، و إن لم تكن له بيّنة حلف المدّعى عليه باللّه ما لهذا قبله ذلك الذي ادّعاه و لا شي ء منه» الحديث «3»، إلى غير ذلك ممّا يأتي.

ثمَّ إنّ ما ذكرنا من القواعد الثلاث مطّردة عند أصحابنا في جميع

______________________________

(1) الكافي 7: 415- 4، التهذيب 6: 228- 550، الوسائل 27: 229 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 1 ح 1.

(2) الكافي 7: 416- 3، التهذيب 6: 231- 562، الوسائل 27: 241 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 7 ح 4.

(3) الوسائل 27: 239 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 202

الدعاوي المسموعة، التي يتعيّن فيها جواب المدّعى

عليه، بحيث لو أقرّ ألزم بالحقّ، سواء كانت الدعوى ماليّة أو غير ماليّة، كالنكاح و الطلاق و الرجعة و العتق و النسب و الولاء و غيرها. و خالفنا في ذلك بعض العامّة، و لم يثبتوا اليمين على المنكر فيها سوى الدعاوي الماليّة غالبا «1». و عموم ما مرّ يردّه.

نعم، هذه القاعدة غير مطّردة في الحدود إذا كان حقّ اللّه المحض خاصّة، بلا خلاف يعرف كما في الكفاية «2» و غيره «3»، بل بالإجماع كما صرّح به المحقّق الأردبيلي.

للنبويّ: «لا يمين في حدّ» «4».

و في مرسلة الصدوق: «ادرؤا الحدود بالشبهات، و لا شفاعة و لا كفالة و لا يمين في حدّ» «5».

و مرسلة البزنطي: «أتى رجل أمير المؤمنين عليه السّلام برجل، فقال: هذا قذفني، و لم تكن له بيّنة، فقال: يا أمير المؤمنين، استحلفه، فقال: لا يمين في حدّ، و لا قصاص في عظم» «6»، و نحوها في مرسلة ابن أبي عمير «7».

______________________________

(1) انظر بداية المجتهد 2: 473.

(2) الكفاية: 271.

(3) كالرياض 2: 405.

(4) لم نعثر على كذا نص، نعم ورد مضمونه في دعائم الإسلام 2: 466- 1653، مستدرك الوسائل 18: 26 أبواب مقدمات الحدود ب 21 ح 1.

(5) الفقيه 4: 53- 190، الوسائل 28: 47 أبواب مقدمات الحدود و أحكامها العامّة ب 24 ح 4.

(6) الكافي 7: 255- 1، الوسائل 28: 46 أبواب مقدمات الحدود و أحكامها العامّة ب 24 ح 1.

(7) التهذيب 10: 79- 310، الوسائل 28: 46 أبواب مقدمات الحدود و أحكامها العامّة ب 24 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 203

و في رواية غياث بن إبراهيم: «لا يستحلف صاحب الحدّ» «1».

و رواية إسحاق بن عمّار: «إنّ رجلا استعدى عليّا عليه السّلام

على رجل، فقال له: إنّه افترى عليّ، فقال عليّ عليه السّلام للرجل: أ فعلت ما فعلت؟ فقال:

لا، ثمَّ قال عليّ عليه السّلام للمستعدي: أ لك بيّنة؟ قال: فقال: مالي بيّنة، فأحلفه لي، قال عليه السّلام: ما عليه يمين» «2».

و يدلّ عليه أيضا الأصل، و اختصاص ما دلّ من النصّ و الفتوى غالبا بالمنكر لما عدا الحدّ من الحقوق الماليّة و نحوها ممّا يستحقّها المدّعي، [مع أنّ الحد حقّ اللّه سبحانه، و إذن صاحب الحقّ ] «3» شرط في سماع الدعوى، و لم يأذن اللّه سبحانه فيها، بل ظاهره الأمر بالستر و الإخفاء، و الكفّ عن التتبع و كشفها، و درء الحدود بالشبهات.

و يستفاد من أكثرها أنّه إذا كانت الدعوى ممّا يشترك فيه حقّ اللّه و حقّ الناس- كالقذف و الزنا- و لا بيّنة للمدّعي، غلب حقّ اللّه على حقّ الناس، و لا يستحلف المدّعى عليه، كما عليه الأكثر. و يدلّ عليه أيضا قوله سبحانه:

وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ «4» دلّت على أنّه إذا لم يأت مدّعي الزنا بالمشهود يحدّ و لا يستحلف.

و عن الشيخ في المبسوط: ترجيح حقّ الآدمي، فيستحلف المدّعى

______________________________

(1) التهذيب 10: 150- 602، الوسائل 28: 46 أبواب مقدمات الحدود و أحكامها العامّة ب 24 ح 2.

(2) التهذيب 6: 314- 868، الوسائل 28: 46 أبواب مقدمات الحدود و أحكامها العامّة ب 24 ح 3.

(3) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: مع الحدّ إن اذن صاحب. و الصحيح ما أثبتناه.

(4) النور: 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 204

عليه الزنا، فإن حلف حدّ القاذف، و إن ردّ و حلف القاذف فيثبت الزنا في حقّه بالنسبة إلى حدّ القذف دون ثبوت حدّ

الزنا «1». و استحسنه في الدروس «2». و الأصل و الكتاب و السنّة يردّه.

نعم، إذا كانت الدعوى مركّبة من حقّين- كالسرقة المستلزمة للغرامة و للقطع- تسمع في حقّ الآدمي خاصّة، و يستحلف و تترتّب عليه آثاره بالنسبة إلى الغرامة، و سيأتي إن شاء اللّه تحقيقه في موضعه.

ثمَّ إنّ ما ذكرناه من القواعد إنّما هو على الأصل في المحاكمات، و قد يتخلّف في بعض الموارد بالدليل، كضمّ اليمين مع البيّنة في الدعوى على الميّت، و كالدعوى على قيّم الصغير، حيث لا يمين عليه، و يأتي كلّ في موضعه. و عليك بملاحظة الأصول «3» المذكورة إلى أن يأتيك الدليل.

و إذ علمت أنّ على المدّعي البيّنة أولا، فإذا تلقّى المدّعى عليه بالإنكار فيقول الحاكم للمدّعي: أ لك بيّنة، كما قاله النبي [صلّى اللّه عليه و آله ] في المروي عن تفسير الإمام المتقدّم و الولي [عليه السّلام ] في رواية إسحاق المتقدّمة، راجحا مطلقا، لإطلاق رواية التفسير، و وجوبا إن جهل المدّعي بأنّ عليه البيّنة لتوقّف الحكم عليه. فإن قال: ليس لي بيّنة، استحلفه على ما حكم به اللّه. [و إن ] «4» قال: نعم، استحضرها منه كذلك. و إن قال: لي بيّنة واحدة، استحضرها و استحلفه، و حكم في كلّ من الصور بما يقتضيه حكم اللّه، كما نبيّنه في المواضع الثلاثة:

______________________________

(1) المبسوط 8: 215.

(2) الدروس 2: 93.

(3) في «ق»: الأمور.

(4) ما بين المعقوفين ليس في «ح» و «ق»، أضفناه لاستقامة المعنى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 205

الموضع الأول في الحكم باليمين
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: إذا قال المدّعي: إنّه لا بيّنة لي، عرّفه الحاكم أنّ له اليمين على خصمه المنكر لحقّه، فإن التمس المدّعي منه إحلافه أحلفه.

و لا يجوز للحاكم تحليفه إلّا بعد سؤال المدّعي، بلا خلاف بينهم كما في المسالك و المفاتيح و شرحه «1»، و قولا واحدا كما ذكره بعضهم «2»، و اتّفاقا كما في شرح القواعد للهندي «3»، بل بالإجماع كما في المعتمد، بل هو إجماع محقّق، فهو الدليل عليه، مضافا إلى أنّه حقّ للمدّعي، فيتوقّف على مطالبته.

و ليس هنا شاهد حال دلّ على رضائه بإحلاف القاضي أو حلف المنكر بنفسه، إذ ربّما يتعلّق الغرض بأن لا يحلّفه لتبقى دعواه توقّعا لوجود شهود له، أو تذكّر، أو لردعه عن الإنكار، أو انتظار زمان آخر صالح للدعوى أو الإحلاف، أو طيّ الدعوى بالصلح ببعض «4» المدّعى به، أو أخذ ماله تقاصّا، أو غير ذلك.

و يمكن أن يستدلّ له بصحيحة ابن أبي يعفور: «إذا رضي صاحب

______________________________

(1) المسالك 2: 368، المفاتيح 3: 255.

(2) انظر الرياض 2: 397.

(3) كشف اللثام 2: 337.

(4) في «ق»: بنقص ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 206

الحقّ بيمين المنكر لحقّه فاستحلفه فحلف أن لا حقّ له قبله ذهبت اليمين بحقّ المدّعي فلا حقّ له» قلت: و إن كانت له بيّنة عادلة؟ قال: «نعم، فإن أقام بعد ما استحلفه باللّه خمسين قسامة ما كان له حقّ، و كانت اليمين قد أبطلت كل ما ادّعاه قبله ممّا قد استحلفه عليه» «1».

فإنّه عليه السّلام علّق إذهاب اليمين بالحقّ برضى صاحب الحقّ، و أيضا اشترط استحلافه- أي طلبه الحلف- فلا تذهب الدعوى بدون طلبه.

و على هذا، تدلّ على المطلوب أخبار أخر متضمّنة لقوله:

«استحلفه» كروايتي خضر بن عمرو: في الرجل يكون له على الرجل مال فيجحده، قال: «إن استحلفه فليس له أن يأخذ منه بعد اليمين شيئا» الحديث

«2»، حيث شرط عدم جواز الأخذ باستحلافه.

و الأخبار بهذا المضمون كثيرة، و بها تقيّد إطلاقات حلف المدّعى عليه.

و على هذا، فإن تبرّع المنكر بالحلف أو أحلفه الحاكم بدون إذنه لغي، و أعيد ثانيا مع التماس المدّعي.

المسألة الثانية: كما أنّه لا اعتداد بإحلاف الحاكم بدون إذن المدّعي كذلك لا اعتداد بإحلاف المدّعي بدون إذن الحاكم و حكمه به

، و لا يحلف المدّعى عليه بدونه، كما هو المصرّح به في كلام الأصحاب من دون ذكر خلاف و لا ظهور مخالف.

______________________________

(1) الكافي 7: 417- 1، الفقيه 3: 37- 125، التهذيب 6: 231- 565، الوسائل 27: 244 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 9 ح 1، بتفاوت.

(2) الكافي 5: 101- 3، و ج 7: 418- 2، الفقيه 3: 113- 481، التهذيب 6:

231- 566، و ج 8: 293- 1085، الوسائل 23: 285 أبواب الأيمان ب 48 ح 1، و ج 27: 246 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 10 ح 1، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 207

و قال بعض مشايخنا المعاصرين: من غير خلاف بينهم أجده، بل ظاهر الأردبيلي نسبته إلى الأصحاب كافّة. انتهى «1».

و قال في موضع آخر: بلا خلاف، بل ظاهرهم الإجماع عليه كما يستفاد من كثير «2». انتهى.

و قال بعض الفضلاء المعاصرين: و لم نعرف في ذلك خلافا «3».

و الظاهر أنّه كذلك.

و احتجّ له تارة بأنّه وظيفته.

و هو لا يخلو عن مصادرة.

و ثانية: بأنّه من تتمّة الحكم، و لا حكم بغيره.

و هو أيضا لا يخلو عن خدشة، إذ يمكن أن يقال: إنّه من مقدّمات الحكم لا من أجزائه- كإحضار البيّنة- فلا يثبت اختصاصه به من اختصاص الحكم به.

و ثالثة: بأنّه المتبادر إلى الفهم من الاستحلاف في الروايات.

و فيه: أنّ المذكور في الروايات استحلاف المدّعي دون الحاكم.

و رابعة: باستصحاب عدم لزوم ما يترتّب على

الحلف من سقوط الحقّ و نحوه إلّا بالمتيقّن.

و فيه: أنّه كان حسنا لو لا العمومات و الإطلاقات بالترتّب على حلف المدّعى عليه، مثل قوله في رواية البصري: «فإن حلف فلا حقّ له» «4» و في

______________________________

(1) الرياض 2: 397.

(2) الرياض 2: 403.

(3) غنائم الأيام: 690.

(4) الكافي 7: 415- 1، الفقيه 3: 38- 128، التهذيب 6: 229- 555، الوسائل 27: 236 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 208

مرسلة يونس: «فهي واجبة عليه أن يحلف و يأخذ حقّه» «1»، إلى غير ذلك.

و القول: بأنّ غاية ما في الأخبار الإطلاق، و هو منصرف إلى ما هو الغالب في الحلف في مقام الدعاوي، من كونه بإذن الحاكم، مع أنّها منساقة لبيان حكم آخر غير ما يراد إثباته.

قابل للخدش و المنع، فإنّ الاختصاص بالإطلاق- ثمَّ غلبة ما ذكر حين صدور الأخبار، ثمَّ ورودها مورد حكم آخر، ثمَّ عدم إفادة مثله لو سلّم للإطلاق و العموم- ممّا يقبل المنع.

فلم يبق دليل للمسألة إلّا ظاهر الإجماع، و هو حسن.

و تدلّ عليه أيضا رواية محمّد بن قيس: «إنّ نبيّا من الأنبياء شكا إلى ربّه كيف أقضي بأمور لم أخبر ببيانها؟ قال: فقال: ردّهم إليّ و أضفهم إلى اسمي يحلفون به» «2»، و نحوه في مرسلة أبان و في صحيحة سليمان بن خالد.

و يؤيّده أيضا المرويّ في تفسير الإمام المتقدّم في المقدّمة- حيث نسب التحليف إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «3»- و بعض الأخبار المتضمّنة لقضاء أمير المؤمنين عليه السّلام، فإنّ الثابت من تلك الأخبار: أنّ ذلك وظيفة الحاكم، و أنّه ما لم يأت بذلك لم يتمّ حكمه، فلا يجوز له الحكم.

و يتحقّق الإذن من الحاكم بمجرّد الأمر بالحلف، و لا يحتاج إلى تلقينه ألفاظها، للأصل.

المسألة الثالثة [صرّح جماعة بأنّه يجب أن يكون الحلف في مجلس القضاء و الحكم،]
اشاره

صرّح جماعة- منهم: الحلّي و المحقّق و الفاضل «4»

______________________________

(1) الكافي 7: 416- 3، التهذيب 6: 231- 562، الوسائل 27: 241 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 7 ح 4.

(2) الكافي 7: 414- 2، الوسائل 27: 230 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 1 ح 3.

(3) راجع ص: 201.

(4) الحلّي في السرائر 2: 183، المحقّق في الشرائع 4: 88، و المختصر: 282، الفاضل في القواعد 2: 211، و التبصرة: 188.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 209

و غيرهم «1»- بأنّه يجب أن يكون الحلف في مجلس القضاء و الحكم، و نفى عنه بعض مشايخنا المعاصرين الخلاف، بل قال: إنّ ظاهرهم الإجماع عليه «2».

إلّا أنّ ظاهر الفاضل في التحرير عدم اشتراط ذلك و لا وجوبه، حيث قال: و إن أمسك المدّعي عن إحلاف المنكر ثمَّ أراد إحلافه بالدعوى المتقدّمة جاز، لأنّه لم يسقط حقّه منها و إنّما أخّرها «3».

و أمّا قوله في باب الحلف-: لا ينبغي للحاكم أن يحلف أحدا إلّا في مجلس حكمه إلّا في حقّ المعذور «4»- فلا يدلّ على الحرمة و لا الاشتراط، بل لفظ «لا ينبغي» ظاهر في الكراهة.

و إلى ذلك مال بعض فضلائنا المعاصرين، قال: و أمّا لزوم كونه في مجلس الحكم- كما يظهر من بعض العبارات- فوجوبه غير معلوم و إن كان هو المنساق من ظاهر الروايات، لكنّها لا تفيد الاشتراط، بل ما يدلّ على استحباب تغليظ اليمين بالمكان يدلّ على جوازه في غيره أيضا، سيّما مع الكراهة في بعضها «5». انتهى.

و استدلّوا للوجوب ببعض ما مرّ دليلا على لزوم كونه بإذن الحاكم.

و قد

عرفت ما فيه.

و قد يستدلّ أيضا بما مرّ في الأخبار المستفيضة من أمر الحاكم بإضافة المدّعى عليه إلى الاسم فيحلف به، فإنّ المتبادر عن ذلك أنّه يلزم

______________________________

(1) كالسبزواري في الكفاية: 270، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 340.

(2) الرياض 2: 403.

(3) التحرير 2: 186.

(4) التحرير 2: 191.

(5) غنائم الأيام: 690.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 210

أن يكون في حضوره، و لا أقلّ من عدم العلم بالامتثال بدون ذلك.

و فيه منع ظاهر، لصدق الإضافة إلى الاسم بالأمر بالحلف به كيف ما كان.

و قد يقال: إنّ المتبادر من قوله: «أضفهم إلى اسمي يحلفون به» أنّ اللّازم الحلف لأجل طلب الحاكم، فلو حلف المدّعى عليه لا لذلك لم يكن معتدّا به.

و لا يعلم كونه لذلك إلّا بتصريح المدّعى عليه، أو بقرينة تدلّ عليه.

و التصريح لا يفيد، لكونه جالبا به النفع، دافعا للمضرّة، فلا بدّ من أن يستدلّ عليه بالقرائن، و ليست إلّا كونه في حضوره بعد طلبه، إذ المستفاد من ذلك أنّه أوقعه لأجله، بل لا يمكن تحقّق أزيد من ذلك، فلا بدّ من الإتيان به.

فإن قيل:

الإتيان بالحلف بعد طلب نائب الحاكم في الإحلاف أيضا كذلك.

قلنا:

نعم، لو قلنا بجواز الاستنابة فيه، و لكنّه غير معلوم، لأنّه أمر به الحاكم، و الأصل عدم جواز الاستنابة فيه و عدم كفايته.

و فيه: أنّه تتحقّق الإضافة بالأمر بالحلف، و وجوب كون حلفه بقصد أمر الحاكم به فلا دليل عليه، فإذا وكّل عليه أحدا ليأتي بالمأمور به يصدق عليه الحلف بأمر الحاكم، و ليس ذلك استنابة في الحلف، مع أنّه لو تمَّ ذلك لدلّ على لزوم كون الحلف في مجلس الحاكم دون مجلس الحكم، و هو غير مطلوبهم.

و منه يظهر أنّ

القول بعدم الوجوب و الاشتراط أظهر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 211

فروع:
أ: القائلون بوجوب كونه في مجلس الحكم استثنوا من ذلك المعذور،

كالمريض و الزمن «1»- اللذين لا يمكنهما أو يشقّ عليهما الحضور إلى الحاكم- و الخائف، و غير البرزة من النساء، و الحائض و النفساء، مع كون الحاكم في موضع لا يجوز لهما المكث فيه أو الدخول.

قالوا: فيستنيب الحاكم حينئذ من يحلّفه، لاستلزام الحضور مع ذلك العسر و الحرج، و إلزام الحاكم حينئذ بمباشرته الإحلاف بالمسير إليه مستلزم للنقص فيه، أو إلقائه في ضيق و شدّة و عسر، مع عدم كونه معهودا في الأزمنة السابقة. و احتمل بعض الأصحاب وجوب ذلك على الحاكم، إلّا إذا وجب النقص «2».

أقول:

لازم أدلّة نفي العسر و الحرج أحد الأمرين: إمّا جواز الاستنابة، أو جواز إيقاف الحكم إلى ارتفاع العذر، إلّا في عذر لم يرج زواله.

فالحكم بالأول مطلقا لا وجه له، إلّا أن يقال بالتخيير، و مرجعه إلى جواز الاستنابة أيضا.

و لكن هذا إنّما يتمّ على ما هو المشهور من عدم جواز إذن الحاكم لمقلّده العادل في الحكم في واقعة مخصوصة.

أمّا على ما اخترناه- من جوازه- فيرتفع العذر بالإذن لمن يقولون

______________________________

(1) الزمانة: العاهة، و آفة في الحيوان، يقال: زمن الشخص زمنا و زمانة فهو زمن من باب تعب، و هو مرض يدوم زمانا طويلا- مجمع البحرين 6: 260.

(2) حكاه عنه في الرياض 2: 403.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 212

باستنابته في الإحلاف أن يحكم و يستحلف.

نعم، لو فرض عدم إمكان ذلك لتمّ الحكم بالتخيير المذكور.

ب: قد ظهر من عدم اشتراط كون الحلف في مجلس الحكم جواز تأخير المدّعي إحلاف المنكر إلى وقت آخر،

كما نقل عن التحرير «1».

و لا يشترط اعادة الدعوى ثانيا، بل لا يلزم إحضاره عند الحاكم أيضا.

ج: قال في القواعد و التحرير «2»: لو قال: أبرأتك من هذه اليمين،

سقط حقّه منها في هذه الدعوى، و له أن يستأنف الدعوى، لأنّ حقّه لا يسقط بالإبراء من اليمين. فإن استأنف الدعوى و أنكر الخصم فله إحلافه، لأنّ هذه دعوى مغايرة للّتي أبرأه من اليمين فيها «3». انتهى.

و هو كذلك، لأنّا لو قلنا بسقوط حقّ هذه اليمين الحاصل بحكم الحاكم بسبب تلك الدعوى لا يوجب سقوط حقّه الذي كان يدّعيه، للأصل. و مع بقائه يجوز له دعواه ثانيا، و مع الدعوى يجب على الحاكم استماعها و الحكم بمقتضاها، فإذا حكم بالحلف يكون هذا حقّا ثابتا «4» ثبت بالدعوى الثانية. و إن شئت قلت: لم يثبت من الإسقاط إلّا سقوط اليمين الثابتة بذلك الحكم دون غيره.

المسألة الرابعة: ثمَّ المنكر- الذي وجّه الحاكم إليه الحلف- إمّا أن يحلف حلفا معتبرا شرعا
اشاره

- كما يأتي بيانه- أو يردّه على المدّعي، أو ينكل

______________________________

(1) التحرير 2: 186 و 191.

(2) ليست في «ح».

(3) التحرير 2: 186، و لم نجدها في القواعد.

(4) في «ح»: ثانيا ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 213

و يأبى عن أحد الأمرين.

فإن حلف سقطت الدعوى عنه في الدنيا، و لكن لا تبرأ ذمّته من الحقّ في نفس الأمر لو كان كاذبا، بل يجب عليه فيما بينه و بين اللّه تعالى التخلّص من حقّ المدّعي بلا خلاف، بل بالإجماع، له، و للاستصحاب- حيث لم يثبت من أدلّة سقوط الدعوى أزيد من سقوطها ظاهرا- و للمعتبرة من الأخبار:

كصحيحة سعد و هشام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّما أقضي بينكم بالبيّنات و الأيمان، و بعضكم ألحن بحجّته من بعض، و أيّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنّما قطعت له قطعة من النار» «1».

و المرويّ في تفسير الإمام عليه السّلام: «فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يا أيّها الناس،

إنّما أنا بشر و إنّكم تختصمون، و لعلّ بعضكم يكون ألحن بحجّته، و إنّما أقضي على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له من حقّ أخيه بشي ء فلا يأخذنّه، فإنّما أقطع له قطعة من النار» «2».

و يستفاد منها مثل ذلك في جانب المدّعي لو شهدت له البيّنة الكاذبة، و بخصوصه وردت أخبار كثيرة، منها: رواية المناهي المشهورة المرويّة في الفقيه، و فيها: «إنّه نهى عن أكل مال بشهادة الزور» «3».

ثمَّ بما ذكرنا تخصّص الأخبار المتضمّنة لنفي الحقّ للمدّعي عن المنكر بعد حلفه أو ثبوته له بعد بيّنته لحقوق الدنيا، فإنّها تسقط عن المنكر

______________________________

(1) الكافي 7: 414- 1، التهذيب 6: 229- 552، الوسائل 27: 232 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 2 ح 1.

(2) الوسائل 27: 233 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 2 ح 3، بتفاوت يسير.

(3) الفقيه 4: 2- 1، بتفاوت يسير، الوسائل 27: 232 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 214

بعد الحلف المعتبر، فلا تجوز له المطالبة و لا المقاصّة بماله كما كان له قبل الحلف، و لا العود في الدعوى، فلو عاد إليها لم تسمع منه، بلا خلاف فيه يوجد، بل باتّفاق المسلمين كما قيل «1».

للنصوص المستفيضة، كصحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة في المسألة الاولى، و في آخرها: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: و من حلف لكم باللّه فصدّقوه، و من سألكم باللّه فأعطوه، ذهبت اليمين بحقّ المدّعي و لا دعوى له» «2».

و روايتي خضر بن عمرو المتقدّمتين فيها أيضا «3»، و رواية البصري المرويّة في الفقيه: عن الرجل يدّعي قبل الرجل الحقّ فلا تكون له بيّنة

بماله، قال: «فيمين المدّعى عليه، فإن حلف فلا حقّ له، و إن ردّ اليمين على المدّعي فلم يحلف فلا حقّ له» «4».

و مرسلة إبراهيم بن عبد الحميد: في الرجل يكون له على الرجل المال فيجحده إيّاه فيحلف له يمين صبر «5»، إله عليه شي ء؟ قال: «لا، ليس له أن يطلب منه» «6».

و صحيحة سليمان بن خالد: عن رجل وقع لي عنده مال فكابرني

______________________________

(1) انظر كشف اللثام 2: 337.

(2) الفقيه 3: 37- 126، الوسائل 27: 245 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 9 ح 2، بتفاوت.

(3) راجع ص: 206.

(4) الفقيه 3: 38- 128، الوسائل 27: 236 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 4 ح 1.

(5) أي الزم بها و حبس عليها، و كانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم- النهاية لابن الأثير 3: 8.

(6) الكافي 7: 418- 3، التهذيب 8: 294- 1086، الوسائل 23: 286 أبواب الأيمان ب 48 ح 2، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 215

عليه و حلف، ثمَّ وقع له عندي مال، فآخذه لمكان مالي الذي أخذه و أجحده و أحلف عليه كما صنع؟ فقال: «إن خانك فلا تخنه، و لا تدخل فيما عبته عليه» «1».

و رواية عبد اللّه بن وضّاح: كانت بيني و بين رجل من اليهود معاملة فخانني بألف درهم، فقدّمته إلى الوالي فأحلفته فحلف، و قد علمت أنّه حلف يمينا فاجرة، فوقع له بعد ذلك عندي أرباح و دراهم كثيرة، فأردت أن أقتصّ الألف درهم التي كانت لي عنده فأحلف عليها، فكتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام فأخبرته أنّي قد أحلفته فحلف، و قد وقع له عندي مال، فإن أمرتني أن آخذ منه الألف درهم التي حلف عليها

فعلت، فكتب: «لا تأخذ منه شيئا، إن كان ظلمك فلا تظلمه، و لو لا أنّك رضيت بيمينه فحلّفته لأمرتك أن تأخذه من تحت يدك و لكنّك رضيت بيمينه، لقد مضت اليمين بما فيها» فلم آخذ منه شيئا «2».

و أمّا حسنة الحضرمي: رجل لي عليه دراهم فجحدني و حلف عليها، أ يجوز لي إن وقع له قبلي دراهم أن آخذ منه بقدر حقّي؟ فقال: «نعم» الحديث «3».

فهي أعمّ مطلقا ممّا مرّ، لشمولها للحلف قبل استحلاف المدّعي

______________________________

(1) الكافي 5: 98- 1، الفقيه 3: 113- 482، التهذيب 6: 197- 437 و 348- 980، الاستبصار 3: 52- 171، الوسائل 17: 274 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 7.

(2) الكافي 7: 430- 14، التهذيب 6: 289- 802، الاستبصار 3: 53- 175، الوسائل 27: 246 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 10 ح 2.

(3) التهذيب 6: 348- 982، الاستبصار 3: 52- 168، الوسائل 17: 273 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 216

و الحاكم أيضا، فيجب تخصيصها بما مرّ. مع أنّها لا تصلح لمعارضة ما مرّ، لأشهريّته رواية و شذوذها.

و مقتضى صريح الصحيحة الاولى و إطلاق البواقي أو عمومها عدم الفرق في ما ذكر بين ما لم يقم بعد الحلف بيّنة أو أقامها، كما هو الحقّ المشهور، و اختاره الشيخ في الخلاف و النهاية و موضع من المبسوط، و نسبه الإسكافي إلى الصادقين عليهما السّلام «1»، و عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه «2».

خلافا للمحكي عن موضع من المبسوط، فتسمع البيّنة مطلقا «3»، و لعلّه للإطلاقات سماع البيّنة.

و فيه: أنّها بما مرّ مقيّدة، سيّما مع شذوذ ذلك القول بالمرّة.

و للمحكيّ عن المفيد

و ابن حمزة و القاضي و الديلمي، فتسمع- إلّا إذا شرط الحالف سقوط الحقّ باليمين- إلحاقا لها بالإقرار، فكما يجب الحقّ به بعد الحلف- كما يأتي- يجب بها أيضا «4».

و هو قياس مع الفارق، فإنّ الإجماع في الإقرار موجود دون البيّنة، و أيضا الإقرار تمام العلّة في ثبوت الحقّ، بخلاف البيّنة، فإنّها لا تثبته إلّا بعد الحكم، و مع ذلك فهو اجتهاد في مقابلة النصّ.

و للمحكيّ عن موضع آخر من المبسوط و الحلبي و الحلّي «5»، و مال

______________________________

(1) الخلاف 2: 622، النهاية: 340، المبسوط 8: 210، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 699.

(2) الخلاف 2: 622، الغنية (الجوامع الفقهية): 625.

(3) المبسوط 8: 158.

(4) المفيد في المقنعة: 733، ابن حمزة في الوسيلة: 213، حكاه عن القاضي في المختلف: 699، الديلمي في المراسم (الجوامع الفقهيّة): 657.

(5) المبسوط 8: 210، الحلبي في الكافي في الفقه: 447، الحلّي في السرائر 2: 159، و فيه: و إن قال المدّعي: ليس معي بيّنة، و طلب من خصمه اليمين فحلّفه الحاكم، ثمَّ أقام بعد ذلك البيّنة على صحّة ما كان يدّعيه، لم يلتفت إلى بيّنته و أبطلت. و هو كما ترى مخالف لما نسب إليه، قال في مفتاح الكرامة 10: 77 أو وجدوا ذلك في السرائر و لم نعثر عليه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 217

إليه في المختلف «1»، فتسمع لو أحلف مع نسيان البيّنة أو عدم علمه بها، و لا تسمع مع العلم بها و الرضا به عنها، لأنّ طلب الإحلاف لظنّ عجزه من استخلاص حقّه بالبيّنة.

و جوابه ظاهر ممّا مرّ.

و مقتضى إطلاق أكثر الأخبار أو عمومها و كذا الفتاوى عدم الفرق في ذلك بين دعوى العين والدين، و لازمه أنّه

لو ظفر صاحب العين بها بعد الحلف لم يجز له أخذها، و لو أخذها كان فعل حراما، كما هو مقتضى قوله: «ذهبت اليمين بحقّ المدّعي» و قوله: «فلا حقّ له» «2».

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ المستفاد- من قوله: «قطعت له قطعة من النار» و: «لا يأخذنّه» في صحيحة سعد و هشام و تفسير الإمام و النهي عن الأكل «3»- أنّه لا يملكه الحالف و لا يملكه غيره أيضا، فالعين باقية على ملكيّة المالك البتّة، ضرورة عدم تملّك غيرهما.

بل يدلّ قوله: «لا يأخذنّه» أنّ للمالك التصرّف فيه، فيكون له فيه حقّ، و ليس جميع أنواع الحقّيّة الدنيويّة منفيّة عنه، و به يحصل نوع من الإجمال في الحقّ المنفي، فيقتصر فيه على المصرّح به في الأخبار من الادّعاء و المطالبة و التقاصّ، و يبقى غير ذلك، و هو مقتضى الاستصحاب

______________________________

(1) المختلف: 699.

(2) المتقدّمين في ص: 206 و 214.

(3) الوارد في رواية المناهي، و قد تقدّم الجميع في ص: 213.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 218

أيضا، فلا تخرج العين عن ملكيّة المالك، فله التصرّف فيها و أخذها لو أمكن بدون الدعوى و المطالبة و التقاصّ.

و لا يجوز لغيرهما العالم بالحقيقة ابتياعها عن الحالف و لا ردّها إليه لو وقعت في يده.

و يجب على وارث الحالف المطّلع ردّها، و على الغير أمر الحالف بالردّ من باب النهي عن المنكر، و كذا في الدين، فإنّه يجب على العالم بالواقع نهيه عن ذلك المنكر.

هذا، ثمَّ إنّهم قالوا: لو أكذب الحالف نفسه أو ادّعى سهوه أو نسيانه أو إثباته بالحلف- للعجز عن الأداء حين الترافع- و اعترف بالحقّ المدّعى كلّا أو بعضا جاز للمدّعي المطالبة و حلّت له المقاصّة.

قال المحقّق

الأردبيلي: و لعلّه لا خلاف فيه. و قيل: بل لا خلاف ظاهرا بينهم «1». و عن المهذّب و الصيمري دعوى الإجماع عليه «2»، و صرّح بالإجماع والدي العلّامة في المعتمد، فإن ثبت الإجماع فهو، و إلّا فالأخبار المتقدّمة تردّه، و دعوى انصرافها بحكم التبادر إلى غير محلّ الكلام واهية.

و الوجوه التي استدلّوا بها لتخصيص الأخبار غير تامّة.

منها: ما ذكره في المسالك بقوله: لتصادقهما حينئذ على بقاء الحقّ في ذمّة الخصم، فلا وجه للسقوط «3».

و ما ذكره المحقّق الأردبيلي من عموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز، و من عموم أدلّة جواز المقاصّة.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 398.

(2) لم نعثر عليه في المهذّب، و لكن نسبه إليه في الرياض 2: 398.

(3) المسالك 2: 368.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 219

و ما ذكره غيرهما «1» من خصوص الخبر: إنّي كنت استودعت رجلا مالا فجحدنيه فحلف لي، ثمَّ إنّه جاء بعد ذلك بسنتين بالمال الذي كنت استودعته إيّاه، فقال: هذا مالك فخذه و هذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك فهي لك مع مالك، و اجعلني في حلّ، فأخذت منه المال و أبيت أن أخذ الربح منه، و أوقفت المال الذي كنت استودعته حتى أستطلع رأيك، فما ترى؟ قال: فقال: «خذ نصف الربح و أعطه النصف و حلّله، لأنّ هذا رجل تائب» «2».

و الرضوي: «و إذا أعطيت رجلا مالا فجحدك و حلف عليه، ثمَّ أتاك بالمال بعد مدّة و بما ربح فيه و ندم على ما كان منه، فخذ منه رأس مالك و نصف الربح، و ردّ عليه نصف الربح، هذا رجل تائب» «3».

لضعف الكلّ غايته:

أمّا الأول، فلكونه اجتهادا في مقابلة النصّ، أو مصادرة على المطلوب.

و أمّا الثاني، فلأنّ

مقتضى جواز الإقرار الحكم بتعلّقه بما في ذمّته حينئذ واقعا، و لا دلالة على ذلك على جواز المطالبة أو التقاصّ أصلا، فإنّه ليس بأقوى من علم المدّعي نفسه بذلك، مع أنّهم صرّحوا بأنّه إذا لم يقرّ لا تجوز له المطالبة أو التقاصّ، و صرّحوا بأنّه لا تبرأ ذمّة الحالف في نفس الأمر.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 398.

(2) الفقيه 3: 194- 882، التهذيب 7: 180- 793، الوسائل 23: 286 أبواب الأيمان ب 48 ح 3.

(3) فقه الرضا عليه السّلام: 252، المقنع: 124.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 220

و مع ذلك قالوا: إنّ المحلوف له المطّلع على ذلك الأمر النفس الأمريّ ليس له المطالبة و التقاصّ، مع أنّ الثابت من الإقرار ليس إلّا تعلّقه في ذمّته قبل الحلف، و أمّا بعده و بعد تصريح الأخبار بأنّ اليمين أذهب حقّه فلا.

و من ذلك ظهر ضعف ما قيل من أنّ التعارض بين عموم الإقرار و ما مرّ من الأخبار بالعموم من وجه، و الترجيح للأخير «1».

فإن قيل: معنى جوازه أنّه يؤخذ به فيحصل التعارض.

قلنا: بل معناه أنّه مثبت للحقّ عليه، فكما أنّ الثبوت الواقعي المعلوم للمدّعي لم يكن مجوّزا للمطالبة و التقاصّ فكذا ذلك.

و أمّا الثالث، فلأنّ أدلّة التقاصّ أعمّ مطلقا من صحيحة سليمان بن خالد و رواية ابن وضّاح المتقدّمتين «2»، و القاعدة: تخصيصها بهما.

و أمّا الرابع، فلأنّ محلّ الكلام جواز الدعوى و المطالبة و التقاصّ، دون جواز الأخذ لو بذل الحالف المال، فإنّه جائز مع عدم الإقرار أيضا، كيف؟! و هم صرّحوا بأنّ على الحالف مطلقا إبراء ذمّته عن الحقّ المحلوف عليه، و نهى في الأخبار- كما مرّ- عن أخذ ما حلف به لو كان كاذبا.

و على

هذا فالحكم المذكور مشكل غاية الإشكال.

و لذا تردّد فيه صاحب الكفاية، بل يشعر منه الميل إلى خلافه، حيث قال: قالوا كذا، و ظاهر الروايات يدلّ على خلافه «3». انتهى.

و الأحوط أنّه إن بذله الحالف أخذه كما في غير الإقرار أيضا، و إلّا

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 398.

(2) في ص: 214 و 215.

(3) الكفاية: 267.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 221

فلا يقتص و لا يطالب و لا يدّعيه.

فرع:

على القول بجواز المطالبة مع إكذاب نفسه لو ادّعى صاحب الحقّ أنّ الحالف أكذب نفسه فأنكر كانت دعوى مسموعة، و طولب فيها بالبيّنة و المنكر باليمين، و الوجه ظاهر.

المسألة الخامسة: إذا لم يحلف المدّعى عليه، بل ردّ اليمين على المدّعي، جاز و صحّ بالإجماع
اشاره

محقّقا و محكيّا «1»، له، و للنصوص المستفيضة، كمرسلة يونس المتقدمة في المقدّمة «2»، و رواية البصري المتقدّمة في المسألة الرابعة، و قوله في آخر تلك الرواية: «و لو كان حيّا لألزم اليمين، أو الحقّ، أو يردّ اليمين عليه» «3».

و صحيحة محمّد: في الرجل يدّعي و لا بيّنة له، قال: «يستحلفه، فإن ردّ اليمين على صاحب الحقّ فلم يحلف فلا حقّ له» «4».

و رواية عبيد: في الرجل يدّعى عليه الحقّ و لا بيّنة للمدّعي، قال:

«يستحلف، أو يردّ اليمين على صاحب الحقّ، فإن لم يفعل فلا حقّ [له ]» «5».

و مرسلة أبان: في الرجل يدّعى عليه الحقّ و ليس لصاحب الحقّ بيّنة،

______________________________

(1) كما في الرياض 2: 398.

(2) راجع ص: 201.

(3) الفقيه 3: 38- 128، الوسائل 27: 236 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 4 ح 1.

(4) الكافي 7: 416- 1، التهذيب 6: 230- 557، الوسائل 27: 241 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 7 ح 1.

(5) الكافي 7: 416- 2، التهذيب 6: 230- 556، الوسائل 27: 241 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 7 ح 2، بدل ما بين المعقوفين في «ح» و «ق»: عليه، و ما أثبتناه من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 222

قال: «يستحلف المدّعى عليه، فإن أبى أن يحلف و قال: أنا أردّ اليمين عليك لصاحب الحقّ، فإنّ ذلك واجب على صاحب الحقّ أن يحلف و يأخذ ماله» «1».

و صحيحة هشام: «يردّ اليمين على المدّعي» «2».

و رواية أبي العباس: «إذا

أقام الرجل البيّنة على حقّه فليس عليه يمين، فإن لم يقم البيّنة فردّ عليه الذي ادّعى عليه اليمين، فإن أبى أن يحلف فلا حقّ له» «3»، و نحوها موثّقة جميل «4» و مرسلة أبان «5»، إلى غير ذلك.

ثمَّ بعد الردّ إن حلف المدّعي باليمين المردودة استحقّ و أخذ الحقّ بالإجماع، له، و لمرسلتي يونس، و أبان المتقدّمتين، المنجبرتين- لو كان فيهما ضعف- بالإرسال.

فروع:
أ: إذا ردّ المنكر اليمين على المدّعي فليس للمدّعي الردّ ثانيا،

بلا خلاف، لاستلزامه التسلسل، و لأنّ جواز الردّ أمر توقيفيّ و لا دليل عليه،

______________________________

(1) الكافي 7: 416- 4، التهذيب 6: 230- 561، الوسائل 27: 242 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 7 ح 5.

(2) الكافي 7: 417- 5، التهذيب 6: 230- 560، الوسائل 27: 241 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 7 ح 3.

(3) الكافي 7: 417- 2، التهذيب 6: 231- 563، الوسائل 27: 243 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 8 ح 2.

(4) المتقدمة الإشارة إليها في ص 154 و لكن بعنوان صحيحة جميل.

(5) الكافي 7: 417- 2، الوسائل 27: 243 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 223

و لتصريح المرسلتين المتقدّمتين بوجوب اليمين عليه.

و هل للمنكر استردادها و حلفه بنفسه؟

فإن كان بعد حلف المدّعي فليس ذلك له، بلا إشكال و خلاف، و عن المسالك الإجماع عليه «1»، و لثبوت الحقّ على المنكر بحلفه بمقتضى الأخبار المتقدّمة فيجب على الحاكم الحكم به، و لا يسقط الحقّ الثابت باليمين. و إن كان قبل حلفه، فعن الشيخ- كما في الدروس «2» و غيره «3»- أنّه أيضا كذلك إذا لم يرض به المدّعي، و هو الأصحّ، لأنّ كلّا من الحلف و الردّ

و الاسترداد أمور شرعيّة موقوفة على التوقيف، و لا توقيف هنا.

فإن قيل:

جاز للمنكر الحلف قبل الردّ فيستصحب.

قلنا:

يعارضه جوازه للمدّعي أيضا بعد الردّ فيستصحب، و لا يمكن استصحابهما معا، لعدم إمكان اجتماع الحلفين.

فإن قيل:

يمكن أن يكون جوازه للمدّعي مقيّدا بعدم الاسترداد.

قلنا:

يعارضه إمكان تقييد جوازه للمنكر أيضا بعدم الردّ، مع أنّ المصرّح به في الأخبار- كما مرّ- وجوبه على المدّعي، و ذلك يستلزم سقوطه عن المنكر حال وجوبه عليه، لعدم إمكان بقائهما معا، فلا يبقى شي ء يستصحب، بل يستصحب عدمه في حقّه.

و ظاهر الدروس أنّ له ذلك «4». و نفى بعض الفضلاء المعاصرين عنه البعد، محتجّا بأنّ الردّ في معنى الإباحة لا الإبراء، و الأصل بقاء الحقّ «5».

______________________________

(1) المسالك 2: 373.

(2) الدروس 2: 94.

(3) كالمسالك 2: 373.

(4) الدروس 2: 94.

(5) انظر غنائم الأيام: 681.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 224

و فيه: أنّه إن أريد أنّه إباحة لا إبراء فمع أنّه لا معنى محصّل له نقول:

إنّه ليس بشي ء منهما، بل أمر شرعي، كمطالبة المدّعي أولا عنه الحلف، فإنّه ليس إباحة و لا إبراء.

و إن أريد أنّه في معناها من جهة عدم اللزوم فهو مصادرة محضة.

و أمّا أصل بقاء الحقّ فقد عرفت حاله.

ثمَّ بما ذكرنا ظهر عدم جواز الاسترداد مع رضا المدّعي أيضا، لجريان الأدلّة فيه أيضا، و دعوى الإجماع في أمثال تلك المسائل مجازفة.

ب: إذا ردّ المنكر اليمين على المدّعي فهل للمدّعي إلزام المنكر بإحضار المال قبل اليمين؟

قال في المختلف: لا نصّ فيه «1». و عن الحلبي: القطع بأنّه له «2».

و عن الشهيد الثاني: العدم «3»، و هو مختار والدي، و هو الأظهر، للأصل، و عدم ثبوت حقّ عليه بعد .. و القدرة على الإثبات ليس ثبوتا.

ج: اختلفوا في أنّ حلف المدّعي باليمين المردودة،

فهل يمينه بمنزلة البيّنة، أو الإقرار؟ و فرّعوا على ذلك الخلاف فروعا كثيرة مذكورة في مواضعها.

و الحقّ- كما ذكره المحقّق الأردبيلي و صاحب الكفاية «4» و والدي العلّامة في المعتمد- عدم مستند مقبول يصحّ الاتّكاء عليه لشي ء من القولين، و اللّازم إرجاع كلّ فرع فرّع إلى الأصول و القواعد و اعتبار الأدلّة فيها.

______________________________

(1) المختلف: 700 و فيه: و لم يحضرني الآن قول لأصحابنا يوافقه على ذلك.

و الوجه المنع ..

(2) الكافي في الفقه: 447.

(3) الروضة 3: 86.

(4) الكفاية: 268.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 225

المسألة السادسة: مقتضى ما ذكرنا من توقيفيّة الردّ و أصالة عدم جوازه

- بل دلالة قوله: «و اليمين على المدّعى عليه» في الأخبار المتكثّرة «1» على عدم الردّ- اختصاصه بمورد الإجماع و النصوص، و كلاهما مخصوصان بما إذا كان المدّعي صاحب الحقّ و ادّعى لنفسه الحقّ، أمّا الأول فظاهر، و أمّا الثاني فللتصريح في جميع الأخبار المتقدّمة بقوله: «حقّه» أو:

«لا حقّ له» أو: «صاحب الحقّ» أو: «ماله» حتى آخر رواية البصري، كما يظهر ممّا تقدّم على ما نقلناه عنه و ما تأخّر «2».

نعم، ظاهر صحيحة هشام «3» إطلاق المدّعي، و لكن يضعّفه:

جواز انصرافه إلى الغالب، و هو المدّعي لنفسه، كما يستفاد من سائر الأخبار أيضا، بل تبادره منه.

و عدم ظهور قول بالإطلاق، بل ظهور إطباق الأصحاب على خلافه.

و إجمال قوله: «يردّ»، حيث إنّه ليس المراد منه الإخبار الذي هو حقيقته، و لا الطلب، و لا الرجحان، بل مجاز آخر، و هو يمكن أن يكون مطلق الجواز، و أن يكون الجواز المطلق. و الثاني غير معلوم، و الأول لا يفيد الإطلاق.

و معارضتها مع الأخبار المتكثّرة القائلة بأنّ اليمين على المدّعى عليه.

و على هذا، فلا دليل على جواز الردّ على من يدّعي لغيره حقّا،

حيث تجوز له الدعوى، و لذلك صرّح الأصحاب- من غير خلاف بينهم يوجد- باستثناء جواز الردّ فيما إذا كان المدّعي وصيّا ليتيم، أو قيّما له أو

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 201.

(2) المتقدمة إليها الإشارة جميعا في ص: 154 و 214 و 221 و 222.

(3) المتقدمة في ص: 222.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 226

لغائب، أو وليّا لأحدهما أو لمجنون أو سفيه، أو وصيّا لحجّ أو خمس أو زكاة أو نحو ذلك.

و على هذا، فيلزم على المنكر- على تقدير الإنكار- إمّا دفع الحقّ على المدّعي أو اليمين له، يعني: إذا لم يحلف يحكم عليه بوجوب الأداء، لما يأتي من الحكم على ثبوت الحقّ بالنكول، لعمومات: «البيّنة على المدّعي و اليمين على من أنكر» الخالية عن معارضات الردّ هنا.

و منهم من حكم في غير الأخير بالإيقاف حتى يبلغ الطفل و يفيق المجنون و يرجع الغائب فيحلف، و في الأخير يحبس المنكر حتى يحلف أو يقرّ.

و ليسا بوجه، أمّا الأول فلأنّه ترك لأدلّة الحكم بالنكول بل موجب، و أمّا الثاني فلذلك، مضافا إلى عدم دليل على جواز الحبس.

نعم، لو كان المدّعي وكيلا، يردّ اليمين، و يحلف الموكّل، لأنّه المدّعي حقيقة و الوكيل آلته، بخلاف الوصيّ و القيّم.

و كذا يشترط في جواز الردّ عدم مانع من يمين المدّعى عليه، فإن كان هناك مانع منه لا يكون ردّ، إذ جواز ردّ اليمين فرع جواز اليمين، فإذا لم يجز لم يجز، و لذا خصّ الأصحاب جواز الردّ أيضا بما إذا كانت الدعوى مجزومة.

و أمّا إذا كانت مظنونة أو موهومة- على القول بسماعهما- لا يكون ردّ، لأنّ اليمين لا يكون إلّا على البتّ و اليقين كما يأتي، فلو لم يحلف يحكم عليه،

لما مرّ.

المسألة السابعة: لو لم يحلف المدّعي بعد ردّ اليمين إليه، فإن كان عدم حلفه تركا له و امتناعا عنه

- بأن يقول: لا أحلف، أو: لا أريد أن

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 227

أحلف، لكون الحلف مكروها أو تركه مرغوبا إليه- سقط حقّه و بطلت دعواه في ذلك المجلس إجماعا، و في غيره أيضا على الأشهر الأظهر، بل عليه أكثر من تقدّم «1» و عامّة من تأخّر، للأخبار المتقدّمة جميعا، فليس له مطالبة الخصم بعد ذلك، و لا استئناف الدعوى في مجلس آخر، و لا مقاصّته.

و حكى بعض الأجلّة الخلاف فيه عن المبسوط و عن موضع من القواعد، فتسمع دعواه في مجلس آخر «2»، و الأخبار المذكورة تدفعه.

و لا فرق في سقوطه مطلقا بين ما إذا لم يقم بعده بيّنة أو أقامها، لإطلاق النصوص و الفتاوى.

و في التحرير و عن الشهيدين «3» و بعض من تبعهما «4»: سماع دعواه إذا أتى ببيّنة، و اختاره والدي رحمه اللّه في المعتمد، و لعلّه لأجل أنّ معنى قوله في الروايات المتقدّمة-: «إن لم يكن شاهدا و لا بيّنة له» أو: «ليس له بيّنة» و نحوها-: انتفاؤها في نفس الأمر و انحصار الحجّة المثبتة لحقّه في اليمين.

و فيه: أنّه لو سلّم ذلك فلا يجري في رواية أبي العبّاس و موثّقة جميل و مرسلة أبان «5»، فإنّها متضمّنة لقوله: «فإن لم يقم بيّنة» الشامل لجميع صور عدم إقامة البيّنة، سواء كان لعدمها، أو عدم تذكّرها، أو عدم إرادتها، أو غير ذلك.

______________________________

(1) كالصدوق في المقنع: 132، و الطوسي في النهاية: 340، و الحلّي في السرائر 2: 159.

(2) انظر كشف اللثام 2: 337، و هو في المبسوط 8: 209، و القواعد 2: 209.

(3) التحرير 2: 194، الشهيد الأول في الدروس: 177، و الشهيد الثاني في الروضة 3: 86.

(4)

كالفيض الكاشاني في المفاتيح 3: 257، و صاحب الرياض 2: 399.

(5) المتقدمة جميعا في ص: 222.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 228

و استدلّ والدي بانصراف إطلاق أخبار المسألة إلى صورة عدم البيّنة.

و فيه: منع ظاهر.

و إن لم يكن عدم حلفه امتناعا و تركا- بل كان استمهالا حتى ينظر في الحساب، أو يسأل الشركاء أو غيرهم، أو كان لأجل توقّع حضور بيّنته «1» أو قال: أحضر البيّنة- ترك و لم يبطل حقّه على الأصحّ كما في المسالك «2» و غيره «3»، لأصالة بقاء حقّه، و عدم فوريّة اليمين.

و ظاهر التحرير عدم السماع حينئذ أيضا «4».

و استشكل فيه المحقّق الأردبيلي و صاحب الكفاية «5»، لعموم الأدلّة.

و فيه: منع العموم، فإنّ معنى قوله: «أبى أن يحلف»- كما في طائفة من الأخبار المذكورة «6»-: ترك الحلف و الامتناع منه، و لا يقال للمستمهل المقتدر: إنّه أبى، بل هو الظاهر من قوله: «فلم يحلف» كما في طائفة أخرى «7»، لأنّ الظاهر من عدم الحلف الامتناع منه، سيّما بملاحظة الطائفة الأولى، فيبقى الأصل و الاستصحاب بحاله.

و حينئذ فهل يقدّر الإمهال بقدر أم لا؟

الظاهر: الثاني وفاقا للمسالك «8»، للأصل، و عدم الدليل، و أصالة

______________________________

(1) في «ق» زيادة: أو إحضاره.

(2) المسالك 2: 368.

(3) كالمفاتيح 3: 257: و الرياض 2: 399.

(4) التحرير 2: 194 و فيه: لا تسمع دعواه إلّا ببيّنة، و إن طلب الإمهال أخّر ..

(5) الكفاية: 268.

(6) في ص: 154 و 222.

(7) تقدّمت في ص: 214.

(8) المسالك 2: 368.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 229

عدم اللزوم بالتقدير، و لأنّ اليمين هنا لإثبات حقّه، و اليمين حقّه، فله تأخيره ما شاء، بخلاف المدّعى عليه.

المسألة الثامنة: لو لم يحلف المدّعى عليه و لم يردّ اليمين، بل أبى عن أحد الأمرين و نكل عن الحلف
اشاره

، قالوا: يقول له الحاكم: إن حلفت

و إلّا جعلتك ناكلا، أو قال: إن حلفت أو رددت اليمين أو جعلتك ناكلا.

و على القول بردّ الحاكم اليمين بعد النكول إلى المدّعي يقول: حلفت أو رددت و إلّا رددت و جعلتك ناكلا.

قالوا: و يستحبّ تثليث ذلك.

و عن المبسوط و الدروس وجوب المرّة الاولى «1».

و لم أعثر على دليل عليه- كما اعترف به بعض آخر أيضا «2»- و الأصل ينفيه، كما أنّه ينفي استحباب الثلاث بل المرّة أيضا، إلّا أن يثبت بفتوى الفقهاء، حيث يسامح في أدلّة السنن.

و لكن فيه أيضا في المقام إشكالا، إذ مقتضى الأخبار ثبوت الحقّ عليه، أو ثبوت الردّ على المدّعي بترك الحلف، فسقوطهما- بعد قول الحاكم ما ذكر و قبوله الحلف بنفسه- مناف لتلك الأخبار، محتاج إلى الدليل، و لذا قالوا بعدم قبول يمين المنكر بعد الحكم بالنكول، فإنّه لا فرق في ذلك بين قبل الحكم و بعده، لأنّ النكول يوجب الحكم، و الحكم أحد الثبوتين، فما يدلّ على عدم قبول الحلف في إسقاط ما ثبت على المنكر بالحكم بعده يدلّ على عدم قبوله في إسقاط ما ثبت على الحاكم من الحكم

______________________________

(1) المبسوط 8: 159 و فيه: يقول هذا له ثلاثا ..، نعم نسب إليه في مفتاح الكرامة 10: 80 وجوب المرة الأولى فقط، الدروس 2: 89.

(2) حكاه عن الأردبيلي في مفتاح الكرامة 10: 80.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 230

بالنكول قبله أيضا، و لو قاله قبل إظهار عدم الحلف لكان أولى.

و كيف كان، فإذا نكل و أصرّ عليه ففي حكمه خلاف، فذهب الصدوقان و المفيد و الشيخ في النهاية و الديلمي في المراسم و القاضي في الكامل و أبو الصلاح و المحقّق في الشرائع و النافع و المعتبر

و الفاضل في التلخيص و المحقّق الثاني إلى أنّه يقضى عليه بمجرّد نكوله «1».

و هو قول ابن زهرة في الغنية بعد ما ذكر في موضع منه ما يدلّ على القول الآخر- كما حكي عنه- حيث قال في موضع آخر بعده: و إن نكل المدّعى عليه عن اليمين ألزمه الخروج عن خصمه ممّا ادّعاه «2».

و اختاره من متأخّري المتأخّرين جماعة، كالكفاية و المفاتيح و شرحه و والدي العلّامة «3» و بعض الفضلاء المعاصرين «4»، و هو ظاهر الشهيد الثاني «5».

و ذهب الإسكافي و الشيخ في المبسوط و الخلاف و القاضي في المهذّب و الحلّي و ابن حمزة و الفاضل في أكثر كتبه و الشهيد إلى أنّه يردّ الحاكم اليمين على المدّعي، فإن حلف ثبت حقّه، و إن نكل بطل «6».

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 724، النهاية: 340، المراسم: 231، أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 447، الشرائع 4: 85، النافع: 282، و حكاه عن تعليق النافع للمحقق الثاني في مفتاح الكرامة 10: 83.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 626.

(3) الكفاية: 268، المفاتيح 3: 257.

(4) المحقق القمي في رسالة القضاء (غنائم الأيام): 685.

(5) الروضة 3: 369.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 17    230     المسألة الثامنة: لو لم يحلف المدعى عليه و لم يرد اليمين، بل أبى عن أحد الأمرين و نكل عن الحلف ..... ص : 229

(6) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 695، المبسوط 8: 117 و 159 و 160 و 212، الخلاف 2: 621، المهذّب 2: 585، الحلّي في السرائر 2: 165، ابن حمزة في الوسيلة: 217، الفاضل في المختلف: 695، التحرير 2: 186، التبصرة: 187، الشهيد في الدروس 2: 89.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص:

231

و اختاره بعض مشايخنا المعاصرين «1»، و نسبه بعضهم إلى أكثر المتأخّرين «2»، و عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه «3»، و في السرائر: أنّه مذهب أصحابنا عدا الشيخ في النهاية «4».

و الحقّ هو الأول، لاستصحاب عدم ثبوت الحلف على المدّعي، و عدم توقيفيّة الردّ من الحاكم، لصدر رواية البصري المرويّة في الكافي و التهذيب: عن الرجل يدّعي قبل الرجل الحقّ فلا تكون له بيّنة بماله، قال:

«فيمين المدّعى عليه، فإن حلف فلا حقّ له، و إن لم يحلف فعليه» «5».

و ذيلها المرويّ في الكافي و التهذيب و الفقيه، و فيه: «و لو كان حيّا لألزم اليمين، أو الحقّ، أو يردّ اليمين عليه» الحديث «6».

و في كلّ من صدرها و ذيلها دلالة على المطلوب، أمّا الصدر ففي قوله: «و إن لم يحلف فعليه» و أمّا الذيل ففي قوله: «لألزم اليمين، أو الحقّ، أو يردّ اليمين».

و الإيراد عليها تارة بضعف السند. و هو- بعد وجودها في الكتب الأربعة- عندنا باطل، مع أنّه بتلقّي الأصحاب لها منجبر. و القول- بأنّه جابر لخصوص ما تلقّوه لا جميعا- فاسد، لأنّه إنّما هو إذا كان الانجبار مخصوصا بالمدلول، و أمّا مع

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 400.

(2) كما في الرياض 2: 400.

(3) الخلاف 2: 621، الغنية (الجوامع الفقهية): 625.

(4) السرائر 2: 180.

(5) الكافي 7: 415- 1، التهذيب 6: 229- 555، الوسائل 27: 236 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 4 ح 1.

(6) الفقيه 3: 38- 128.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 232

الانجبار المتني فيكون حجّة في جميع ما يدلّ عليه الكلام، كما بيّنا في موضعه.

و اخرى: باختلاف النسخة، فإنّ الرواية على ما في الفقيه خالية عن قوله: «و إن لم يحلف

فعليه» بل بدله: «و إن ردّ اليمين على المدّعي فلم يحلف فلا حقّ له» و على هذا فلا دلالة فيها على الحكم.

و فيه: أنّ الاختلاف إنّما يوهن إذا كان في النسخ من الكتاب الواحد، أمّا من الكتب المتعدّدة فلا، لأنّ الأصل فيه تعدّد الرواية دون نسخ الرواية الواحدة، هذا مع أنّ ذيله- الذي هو أدلّ على المطلوب من صدره- اتّفقت عليه كتب المشايخ الثلاثة.

و ثالثة: بضعف الدلالة، إذ لا قائل بإطلاق ثبوت الحقّ عليه بعدم الحلف، بل لا بدّ إمّا من تقييده بالنكول عن الردّ، أو بما إذا ردّه على المدّعي و حلف، و الأول ليس بأرجح من الثاني.

و فيه: أنّ مقتضى الإطلاق ثبوت الحقّ بعدم الحلف على المنكر، سواء لم يردّ مع ذلك اليمين، أو ردّه و حلف المدّعي، أو ردّه و لم يحلف، خرج الأخير بالدليل فيبقى الباقي، و مثل ذلك الاستدلال جار في أكثر أبواب الفقه، و ليس من باب احتمال التقديرين أو التجويزين حتى يحتاج إلى الترجيح و يحصل الإجمال بدونه.

و رابعة: باحتمال كون المبتدأ المقدّر لقوله: «فعليه» الحلف، و الضمير المجرور للمدّعي، أي فالحلف على المدّعي، أو يكون المبتدأ المقدّر: الحقّ المالي- و هو الدعوى- و الضمير للمنكر.

و فيه: أنّه خلاف الظاهر، و فتح باب تلك الاحتمالات يسدّ باب الاستدلال غالبا.

و خامسة: باحتمال التقيّة فيه، لكون ذلك مذهب جمع من العامّة،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 233

و منهم أبو حنيفة «1».

و فيه: أنّه إنّما يفيد في موضع المعارضة و لا معارض للرواية.

هذا، مع أنّ غير الأخير من تلك الوجوه لا يضرّ في دلالة الذيل.

و تضعيف دلالته- باحتمال كون قوله: «أو يردّ اليمين عليه» بصيغة المجهول، فيراد ردّ الحاكم- سخيف

غايته، لأنّه لا يسبق إلى ذهن من له أدنى إنس بالكلام مثل ذلك، مع أنّ ردّ الحاكم على المدّعي ليس منوطا بالحياة، و أيضا لو كان كذلك للزم أن يقول: «و يردّ» بلفظة: الواو، دون: أو، على ما هو بصدده.

نعم، يكون الإلزام بالحقّ مع ردّ الحاكم، فلا معنى للتقسيم بالأقسام الثلاثة، و هذا ظاهر.

و تدلّ على المطلوب أيضا صحيحة محمّد: عن الأخرس كيف يحلف؟ قال: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كتب له اليمين و غسلها و أمره بشربها فامتنع فألزمه الدين» «2».

و ظاهر أنّه لم يردّ اليمين على المدّعي كما تدلّ عليه لفظة «الفاء»، فإنّها تدلّ على ترتّب الإلزام على الامتناع من غير حاجة في بيان عدم الردّ إلى توسيط قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة. و لا قائل بالفرق بين الأخرس و غيره.

و الإيراد عليها تارة بمثل ما مرّ من لزوم تقدير، لعدم جواز الإلزام بالامتناع عن اليمين إلّا مع الامتناع عن الردّ أيضا، و تقديره ليس بأولى من

______________________________

(1) انظر بداية المجتهد 2: 469.

(2) الفقيه 3: 65- 218، التهذيب 6: 319- 879، الوسائل 27: 302 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 33 ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 234

تقدير ردّ الحاكم على المدّعي.

و فيه: أنّ لزوم تقدير إنّما هو إذا قلنا: إنّ النكول و علّة الإلزام بالحقّ هما الامتناعان معا، و ليس كذلك، بل النكول و الموجب للإلزام هو الامتناع عن اليمين، إلّا إذا ردّها مع ذلك إلى المدّعي، فإذا امتنع نكل، و الزم ما لم يظهر ردّ، فلا يحتاج إلى تقدير عدم الردّ و ذكره، لأنّ الامتناع كاف في الإلزام ما لم يظهر منه الردّ.

و اخرى: بأنّه قضية

في واقعة، فلا تكون عامّة.

و فساده ظاهر، لأنّه إن أريد بعدم عمومها عمومها بالنسبة إلى ردّ اليمين بعد الامتناع و عدمه فقد عرفت أنّ لفظة «الفاء»- الدالّة على الترتيب المثبت لعلّيّة الامتناع فقط- تدلّ على أنّ الإلزام مترتّب على الامتناع.

و إن أريد عمومها بالنسبة إلى غير هذا الأخرس أو الشخص المخصوص، فعدم القول بالفصل كاف في التعميم.

و ثالثة: بأنّه فرع العمل به في كيفيّة إحلاف الأخرس، و لم يقل به غير نادر.

و فيه أولا: إنّا نقول بالعمل به فيها و إن لم يكن مشهورا.

و ثانيا: إنّ مخالفته المشهور إنّما هو إذا قلنا: إنّ العمل بهذه الكيفيّة لخصوصيّتها، و أمّا لو قلنا بكونه لأجل أنّها أحد أفراد الإشارة المفهمة، لم يخالف الشهرة كما يأتي.

و رابعة: بمنافاتها لما ذكر من نقل الجمهور خلافه في النكول عن عليّ عليه السّلام.

و فيه: أنّه أيّ اعتماد على نقل الجمهور؟! و كم من هذا القبيل- كما لا يخفى- على من لاحظ إسنادهم في الفرائض إليه؟!

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 235

و ممّا يدلّ على المطلوب أيضا رواية أبي بصير المتقدّمة في المقدّمة، حيث قال فيها: «لو أنّ رجلا ادّعى على رجل عشرة آلاف درهم أو أقلّ من ذلك أو أكثر، لم يكن اليمين على المدّعي، و كانت اليمين على المدّعى عليه» «1».

فإن قوله: «لم يكن اليمين» عامّ شامل لما إذا نكل المدّعى عليه عن اليمين أو لم ينكل، ردّ اليمين على المدّعي أو لم يردّ، خرجت صورة الردّ بالإجماع و النصوص، فيبقى الباقي.

و منه ما إذا نكل المدّعى عليه فلا يمين على المدّعي حينئذ بمقتضى الرواية، فلا يخلو إمّا يلزم المدّعى عليه بالحقّ، أو المدّعي بترك الدعوى، أو يوقّف الحكم،

و الأخيران باطلان بالإجماع، فيبقى الأول و هو المطلوب.

و بتقرير آخر: إذا نكل المدّعى عليه فليس إلّا يمين المدّعي، أو إلزام المدّعي عليه إجماعا، و الأول باطل بعموم الرواية، فبقي الثاني، و هو المطلوب.

و قد يستدلّ أيضا بقولهم عليهم السّلام: «البيّنة على المدّعي، و اليمين على من أنكر» «2»، و في إتمام دلالته إشكال.

احتجّ الآخرون «3» بالإجماع المنقول.

و استصحاب براءة ذمّة المنكر.

______________________________

(1) الكافي 7: 362- 8، الفقيه 4: 73- 223، التهذيب 10: 167- 663، الوسائل 29: 156 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 10 ح 5.

(2) انظر الوسائل 27: 233 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 3.

(3) كما في الرياض 2: 400.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 236

و النبوي العاميّ: أنّه صلّى اللّه عليه و آله ردّ اليمين على طالب الحقّ «1».

و رواية عبيد و صحيحة هشام، المتقدّمتين في المسألة الخامسة «2».

و بنقل الجمهور نسبة ذلك القول إلى أمير المؤمنين عليه السّلام.

و الأول: مردود بعدم الحجّية، سيّما مع مخالفة فحول الطائفة قبل الدعوى، بل مخالفة الناقل نفسه قبلها كالشيخ «3»، أو بعدها كابن زهرة «4»، و لذا جعل في المسالك و المعتمد هذا الاحتجاج من غرائب الاحتجاجات «5».

و الثاني: بمعارضته مع أزيد منه من الاستصحابات المتقدّمة، ثمَّ بمزايلته بما ذكرنا من الأدلّة.

و الثالث: بعدم الحجيّة، ثمَّ بعدم الدلالة، لكونه قضيّة في واقعة لا يعلم حالها أنّها في أي واقعة.

و الرابع: بعدم الدلالة، لأنّ الظاهر أنّ فاعل «يردّ» هو المدّعى عليه، لمناسبته لضمير: «يستحلف» المقارن له، و لا أقلّ من الاحتمال المسقط للاستدلال.

و الخامس: بذلك أيضا، لما مرّ من تعدّد مجازه و عدم تعيينه، و لعلّه أنّه قد يجوز الردّ.

و السادس: بعدم

حجّيّة نقلهم و إن أطبقوا عليه.

و قد استدلّ بوجوه أخر بيّنة الوهن، فلا فائدة في التعرّض لها.

______________________________

(1) سنن الدار قطني 4: 213- 24.

(2) راجع ص: 221 و 222.

(3) النهاية: 340.

(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 626.

(5) المسالك 2: 369.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 237

فرعان:
أ: لو سكت المدّعى عليه بعد عرض الحاكم عليه اليمين فهل هو نكول أم لا؟

قال في التحرير: نعم، بعد تعريف القاضي أنّه إذا عرض عليه اليمين ثلاثا و امتنع بسكوت أو غيره استوفى الحقّ بيمين المدّعي «1».

أقول:

الأولى الرجوع في ذلك إلى العرف، فإنّ سكوته قد يكون لتدبّر و تأمّل في الواقعة، أو لدهش، أو لتعظيم للحلف، فإن دلّت القرائن الحاليّة على أنّه تارك للحلف يصير ناكلا. و لعلّه لذلك جعل في التحرير تنكيله بعد التعريف ثلاثا، إذ مع ذلك يحكم العرف بترك الحلف.

ب: ظاهر عبارات الأصحاب- كما قيل «2»، و منهم الفاضلان «3»- عدم الالتفات إلى قول المنكر لو بذل بعد نكوله اليمين،

بأن حلف، أو يقول:

ندمت من النكول بل أحلف.

و خصّه المحقّق في النافع و الفاضل في التحرير بما إذا كان ذلك بعد الحكم عليه بالنكول «4».

و نفى بعضهم الخلاف فيه في هذه الصورة على القول المختار، و في صورة إحلاف الحاكم المدّعي على القول الآخر، مستدلّا بثبوت الحقّ على المدّعى عليه بذلك، فيستصحب إلى تيقّن المسقط، و اختصاص السقوط

______________________________

(1) في النسخ: المدعى عليه، و الصحيح ما أثبتناه كما في التحرير 2: 194.

(2) انظر الرياض 2: 401.

(3) المحقّق في الشرائع 4: 85، العلّامة في القواعد 2: 209.

(4) النافع: 282، التحرير 2: 194.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 238

بيمينه بحكم التبادر و غيره بيمينه قبل الحكم عليه بنكوله «1».

و استشكل بعض آخر في عدم الالتفات إذا كان ذلك قبل الحكم، و منهم من حمل إطلاقاتهم على ما في النافع أيضا «2».

أقول:

بل يمكن حمل كلام النافع على إطلاقاتهم، فإنّه قال: لو بذل المنكر اليمين بعد الحكم بالنكول لم يلتفت إليه. و كما يمكن أن تكون «الباء» سببية يمكن أن تكمن إلصاقيّة، أي بعد ثبوت النكول و تحقّقه.

و كيف كان، فالعلّة المذكورة لعدم الالتفات مشتركة، لأنّ كما أنّ الحكم بسبب النكول أو إحلاف المدّعي علّة لثبوت الحقّ عليه فيستصحب، فكذلك

أصل النكول سبب و علّة لثبوت حقّ الحكم و وجوبه، أو جوازه بالحقّ أو بالردّ على الحاكم، فيجب استصحابه. و الحاصل: أنّ بعد الحكم يستصحب ثبوت الحقّ على المدّعى عليه، و قبله على الحاكم، و لا فرق.

و أمّا ما ذكره الأردبيلي ردّا على إطلاقهم، من أنّه فرع ثبوت الحقّ بالنكول فورا و لا دليل عليه.

ففيه: أنّه و إن كان كذلك و لكن ثبت ما على الحاكم عليه فورا، إذ يمكن أن يقال في ثبوت الحقّ بتوقّفه على الحكم، و أمّا وظيفة الحاكم فلا يتوقّف ثبوتها على طول مدّة قطعا.

إلّا أن يقال: إنّه يمكن أن يكون ما على الحاكم مقيّدا بعدم الرجوع عن النكول فلا يمكن استصحابه، و لا يجري ذلك في ثبوت الحقّ في ذمّته، فإنّه لا يقبل التقييد.

و لكن ذلك يصحّ على القول بتوقّف ثبوت الحقّ على الردّ على

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 401.

(2) كما في غنائم الأيام: 685.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 239

المدّعي.

و أمّا على المختار، فالظاهر ثبوته بالنكول، و حكم الحاكم جزء لسبب ثبوته على الناس لا في الواقع، أو على الحاكم، فبالنكول يثبت الحقّ على الحاكم، فيحكم به لإثباته على الغير، فتأمّل.

و قد يقال أيضا: بأنّ عدم الالتفات قبل الحكم أو بعده إنّما هو إذا عرض حكم النكول على المدّعى عليه، أو كان عالما به، و أمّا لو لم يعرض عليه فادّعى الجهل بحكم النكول فيشكل نفوذ القضاء، لظهور عذره.

و فيه: أنّ ذلك ليس حكما تكليفيّا حتى يعذر فيه الجاهل أحيانا، بل وضعي، و ليس الاستشكال هنا إلّا كالاستشكال في ثبوت الدية على من كسر رأس غيره مع الجهل بثبوت الدية به.

و على القول بعدم الالتفات مطلقا أو بعد الحكم

فهل يتفاوت الحكم برضى المدّعي بيمينه أم لا؟

قيل: نعم «1»، و الأظهر: لا، لأنّه أمر شرعي لا ينوط برضى أحد الخصمين أو عدم رضاه.

______________________________

(1) كشف اللثام 2: 337.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 240

الموضع الثاني في الحكم بالبيّنة
اشاره

و فيه أيضا مسائل:

المسألة الاولى: و إن قال المدّعي: لي بيّنة، استحضرها الحاكم منه

وجوبا إن علم جهل المدّعي بانّ له الإحضار، و جوازا مطلقا كما عليه الأكثر، كما صرّح به جماعة، و منهم: الشيخان و الديلمي و الحلبي و القاضي في أحد قوليه «1»، للأصل.

و خلافا للمبسوط و المهذّب و السرائر، فلم يجوّزوه مطلقا، لأنّه حقّ له، فله أن يفعل ما يرى «2».

و فيه: أنّ الأمر هنا للإرشاد دون الإيجاب.

و منهم من فصّل بين علم الحاكم بمعرفة المدّعي بماله و جهله به «3»، و الظاهر أنّ ذلك أيضا مراد المبسوط و من تبعه، كما أنّ الظاهر أنّ مرادهم نفي جواز الأمر الإيجابي، و مراد المجوّزين الإرشادي، فيعود نزاع الكلّ إلى اللّفظي. ثمَّ- بعد حضور البيّنة- يجي ء الوجهان في سؤال الحاكم عنها قبل طلب المدّعي و عدمه، و لعلّ الأقرب: الجواز.

المسألة الثانية: لا يتعيّن على المدّعي إذا كانت له بيّنة

غائبة.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 723، الطوسي في النهاية: 339، الديلمي في المراسم:

231، الحلبي في الكافي في الفقه: 446، حكاه عن القاضي في المختلف:

690.

(2) المبسوط 8: 159، المهذّب 2: 585، السرائر 2: 158، 165.

(3) كالعلّامة في المختلف: 690، و القواعد 2: 210، و الشهيد في الدروس 2: 90.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 241

إحضارها و لا حاضرة إقامتها، بل يجوز له الإحلاف حينئذ أيضا، بمعنى:

أنّ المدّعي الذي له بيّنة مخيّر بين إقامة البيّنة و التحليف، و للحاكم تخييره بينهما. صرّح به في التحرير «1»، و نفى بعض مشايخنا المعاصرين عنه الخلاف في صورة عدم حضور البيّنة، ثمَّ قال: بل ذكر جماعة من دون خلاف بينهم ثبوت الخيار للمدّعي بين إحلافه و بين إقامة البيّنة و لو كانت حاضرة، لأنّ الحقّ له، فله أن يفعل ما يشاء منهما «2». انتهى.

و نسب بعض فضلائنا المعاصرين تخييره مطلقا إلى المستفاد من

الأدلّة، و قال: فلا يتوهّم أنّه مع إمكان إقامة البيّنة لا يجوز التحليف «3».

انتهى.

أقول: و تدلّ عليه صحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة في المسألة الاولى من الموضع الأول «4»، حيث حكم فيها بذهاب اليمين بحقّ المدّعي كلّما رضي بيمين المنكر، بل صرّح بأنّه كذلك و إن كانت له بيّنة عادلة.

و إطلاق رواية محمّد بن قيس المتقدّمة في المسألة الثانية منه «5».

و لا تنافيها صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة في المقدّمة «6»، حيث قال: «هذا لمن لم تقم له بيّنة»، لأنّ المشار إليه للفظ «هذا» هو ما تقدّم من الأمر بالإضافة إلى الاسم الدالّ على تعيينه لمن لم تقم له البيّنة، و هو كذلك، مع أنّ المذكور فيها عدم إقامة البيّنة لا عدم وجودها، و أمّا بعد قيام

______________________________

(1) التحرير 2: 191.

(2) انظر الرياض 2: 397.

(3) غنائم الأيام: 685.

(4) راجع ص: 205 و 206.

(5) راجع ص: 208.

(6) راجع ص: 201.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 242

البيّنة فلا شكّ في عدم الحلف.

و لا مرسلة يونس المتقدّمة فيها أيضا «1»، حيث قال: «فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه»، لأنّ جزاء الشرط هو كون اليمين متعيّنا و لازما على المدّعى عليه، كما تدلّ عليه لفظة «على»، و لا شكّ أنّه فرع عدم البيّنة، و أما معها فلا يتعيّن عليه، بل المدّعي بالخيار.

و لا المرويّ عن تفسير الإمام المتقدّم فيها أيضا «2»، حيث علّق تحليف الرسول صلّى اللّه عليه و آله للمدّعى عليه بقوله: «و إن لم تكن له بيّنة»، لأنّ المراد منه: و إن لم يقم البيّنة، بقرينة ما تقدّم عليه من قوله: «فإن أقام بيّنة»، و لأنّ المعلّق على عدم البيّنة هو تحليف الرسول صلّى اللّه

عليه و آله و هو لا ينافي اختيار المدّعي، فإنّ الحاكم ليس له خيار.

و على ما ذكر، فلو كانت للمدّعي بيّنة و أعرض عنها و التمس اليمين، أو قال: أسقطت البيّنة و اكتفيت باليمين، فهل يجوز الرجوع قبل الحلف؟

الأظهر الأشهر- كما صرّح به بعض من تأخّر «3»- نعم، لأصالة بقاء الخيار، و عدم دليل على اللزوم بذلك الاختيار، و أصالة عدم السقوط بذلك الإسقاط. و لا يعارضها استصحاب بقاء ما ثبت للحاكم بالتماسه من جواز تحليف المنكر أو وجوبه، لأن المسلّم ثبوته له هو ثبوته ما دام المدّعى عليه باق على ذلك الاختيار.

المسألة الثالثة: إن قال المدّعي: لي بيّنة غائبة، خيّره الحاكم بين الصبر إلى حضورها و بين الإحلاف

، لما عرفت من كونه مخيّرا بينهما، فإن

______________________________

(1) راجع ص: 201.

(2) راجع ص: 201.

(3) كالعلّامة في التحرير 2: 191.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 243

اختار الأول قبل منه، و قالوا: يؤجّل و يضرب له وقت بمقدار إحضارها، و منهم من لم يذكر التأجيل.

و تدلّ على الأول رواية سلمة بن كهيل المتضمّنة لما ذكره أمير المؤمنين عليه السّلام لشريح: «و اجعل لمن ادّعى شهودا غيّبا أمدا بينهما، فإن أحضرهم أخذت له بحقّه، و إن لم يحضرهم أوجبت عليه القضيّة» «1».

و القضيّة التي أمر بإيجابها عند عدم الحضور لا تخلو عن إجمال، فيمكن أن تكون حلف المنكر، و أن تكون إسقاط الحقّ، و أن تكون غيرهما، إلّا أنّ الظاهر أحد الأولين، لعدم معهوديّة غيرهما، بل عدم تصوّره.

و يدلّ على التأجيل أيضا أنّه ربّما أحضر المدّعي عليه من بلد بعيد، لعدم وجود أهل الترافع في بلدهما، و يتضرّر المدّعى عليه بالمكث حتى أراد المدّعي إحضار البيّنة، و بالرجوع و العود أيضا، و لا يمكنه التوكيل للحلف، فلا بدّ من تعيين الأمد، و هو الأظهر.

و

الحقّ أنّه ليس للمدّعي مطالبة غريمه بالكفيل حتى يحضر البيّنة، و لا ملازمته، و لا حبسه، وفاقا للمبسوط و الخلاف و الإسكافي و الحلّي و القاضي في أحد قوليه «2»، و عليه أكثر المتأخّرين بل عامّتهم كما قيل «3»، و نسبه بعضهم إلى المشهور مطلقا «4»، للأصل، فإنّ مطالبة الكفيل قبل ثبوت

______________________________

(1) الكافي 7: 412- 1، الفقيه 3: 8- 28، التهذيب 6: 225- 541، الوسائل 27: 211 أبواب آداب القاضي ب 1 ح 1.

(2) المبسوط 8: 159، الخلاف 2: 600، حكاه عن الإسكافي في المختلف:

690، الحلّي في السرائر 2: 158، القاضي في المهذّب 2: 586.

(3) انظر الرياض 2: 397.

(4) كما في الكفاية: 269.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 244

الحقّ أمر بلا دليل، سيّما مع جواز الحكم على الغائب، و ملازمته و حبسه عقوبة قبل حصول السبب لا دليل عليها.

و عن المقنعة و النهاية و القاضي- في قوله الآخر- و الوسيلة و الغنية:

جوازه له «1»، بل عن الأخير نفي الخلاف فيه، حفظا لحقّ المدّعي، حذرا عن ذهاب الغريم، و لزوم مراعاة حقّ المسلم في نفس الأمر، فيجب التكفيل من باب المقدّمة.

و فيه: أنّه لم يعلم ثبوت حقّ نفس أمريّ له، بل هو مجرّد احتمال، و هو لا يصلح دليلا، فأين الحقّ الواجب مراعاته حتى يكون التكفيل مقدّمته؟!

المسألة الرابعة: بعد حضور البيّنة لا يقول الحاكم لهما: اشهدا

، لأنّه إيجاب بلا دليل على الوجوب، بل يقول: من كان عنده كلام أو شهادة، أو: إن كان عند كما شهادة، فليذكر ما عنده إن شاء، فإن أجابا و شهدا فلينظر في أمر الشهادة:

فإن لم تكن الشهادة جامعة لشرائطها- الاتّفاقيّة، كالمطابقة للدعوى، أو الخلافية على الموافق للراجح في نظره، من الحسّيّة و العلميّة، أو الأصليّة و الفرعيّة، أو

الاستصحابيّة و الحاليّة، كما تأتي كلّها في باب الشهادات- فليطرحها.

و إن كانت جامعة لها فلينظر في حال الشاهدين:

فإن علم عدم كونهما جامعين للشرائط الآتية في باب الشهادة- من العدالة، و انتفاء الشركة، و التهمة، و العداوة، و كثرة النسيان، و البلوغ،

______________________________

(1) المقنعة: 733، النهاية: 339، حكاه عن القاضي في المختلف: 690، الوسيلة: 212، الغنية (الجوامع الفقهية): 626.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 245

و نحوها ممّا يأتي- فليطرح شهادتهما أيضا.

و إن علم اجتماعهما لجميع الشرائط قبل شهادتهما و حكم.

و إن جهل كلّ حالهما أو بعضها استكشف عنها بما هو طريق الاستكشاف، فإذا انكشف الحال فليعمل بمقتضاها من القبول و الردّ، و لو لم ينكشف فليعمل بمقتضى نظره (في كلّ حال) «1» من الشرائط، من أصالة وجوده أو عدمه، أو اشتراط العلم بالوجود أو عدم العلم بالخلاف، أو نحو ذلك ممّا يأتي، و يعمل بمقتضاه.

المسألة الخامسة: إن عرف الحاكم فسقهما لا يطلب التزكية من المدّعي

، لأنّ الجارح مقدّم، و له العمل بعلمه، إلّا أن تكون معرفته استصحابيّة، أو مستندة إلى ظاهر حال يمكن التخلّف.

فلو أراد المدّعي في الأول إثبات زوال الحالة الاستصحابيّة و توبته من الفسق المعلوم يسمع، و كذا لو أراد في الثاني إثبات ما يخالف الظاهر، كما إذا كان الشاهدان أو أحدهما من شركاء العاشر «2»، فإنّ ظاهر حاله حينئذ الفسق، و أراد المدّعي إثبات أنّه مجبور على ذلك، و عمله مقصور بما هو مجبور فيه، أو أنّ مقصوده من الشركة دفع الظلم عن المعشور من ماله و بذل حصّته، أو إخفاء ماله، أو نحو ذلك. و نحوه إثبات أنّ مدمن الخمر مجبور، أو أنّه- لمرض منحصر علاجه فيه- معذور.

و يمكن الاكتفاء باشتراط معرفة الحاكم في ذلك، لأنّ معرفته إنّما تكون إذا كان

باب تلك الاحتمالات مسدودا عنده عادة، و أمّا مع احتمال

______________________________

(1) بدل ما بين القوسين في «ق»: في احتمال كلّ ..

(2) التعشير: و هو أخذ العشر من أموال الناس بأمر الظالم، يقال: عشرت القوم عشرا بالضم: أخذت منهم عشر أموالهم، و منه العاشر- مجمع البحرين 3: 404.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 246

- و لو بعيدا- فلا يكون عالما.

و لو لم يحتمل الحاكم و لكن ادّعى المدّعي إثباته و خطأ الحاكم يسمع.

المسألة السادسة: قد أشرنا إلى أنّه إن عرف الحاكم عدالتهما و اجتماعهما للشرائط حكم بشهادتهما
اشاره

، و لا أعرف في ذلك خلافا، بل صرّح بانتفائه جماعة، منهم صاحب الكفاية «1».

و يدلّ عليه قوله في المرويّ في تفسير الإمام المتقدّم ذكره في المقدّمة: «فإن أقام بيّنة يرضاها و يعرفها أنفذ الحكم على المدّعى عليه» «2»، و لما مرّ من حكم الحاكم بعلمه مطلقا، بل قد عرفت أنّ من لم يجوّز عمله بعلمه استثنى هذه الصورة.

و لا يلزم عليه حينئذ سؤال المدّعي عليه أنّه: هل لك جرح فيه أو كلام، للأصل.

و هل يجوز له ذلك؟

الظاهر: نعم، لعدم دليل على المنع، فإن قال المدّعى عليه: لا كلام لي، أنفذ الحكم، و إن قال: نعم، سمع دعواه، لكونه دعوى، فيجب سماعها.

و كذا لو ادّعى عليه الجرح من غير سؤال الحاكم، فإن أثبت ما ادّعاه يطرح الشاهدان، و إلّا فيحكم بمقتضى علمه، إذ لم يرد عليه ما يزيله.

و لا حلف له حينئذ على أحد و لو على المدّعي لو أنكر ما ادّعاه من الجرح.

ثمَّ يعزّر المدّعى عليه أو يحدّ إن كان جرحه الذي لم يقدر على إثباته

______________________________

(1) الكفاية: 264.

(2) راجع ص: 201.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 247

ممّا يوجب أحدهما.

و هل يقبل حينئذ قول المدّعي فقط و لو لم يكن عادلا إذا

ذكر ما يوجب جرحه، لجهله بأنّه يوجب الجرح، أو لغير ذلك؟

يأتي تحقيقه في باب الشهادات عند بيان ما يثبت العدالة و الجرح.

و هل معرفة الحاكم الكافية في المقام: المعرفة العلميّة، أو تكفي الظنيّة بعد كونها معتبرة شرعا، كتزكية العدلين قبل ذلك؟

الظاهر: أنّه لا ينبغي الريب في الثاني، لأنّ الظنّ المعتبر شرعا قائم مقام العلم.

فرع:

لو بنى الحاكم فيهما بالعدالة الاستصحابيّة و حكم ثمَّ ظهر فسقهما حال الحكم ينقض الحكم كما صرّحوا به، لأنّ فقد الشرط يقتضي عدم المشروط، و وجوده العلميّ إنّما يفيد لوجوب الحكم حال العلم و قد حكم، لا لتأثير الحكم بعد الانكشاف.

المسألة السابعة: و إن جهل الحاكم حالهما- من اجتماع الشرائط و عدمه
اشاره

- استكشف عنه بما هو طريق الانكشاف في كلّ شرط، و قد يكون ممّا يعمل فيه بالأصل، كما يأتي في موضعه.

و هل يكون إقرار الخصم بالعدالة و باجتماع سائر الشرائط كافيا في الاستكشاف و مثبتا لوجود الشرط، أم لا؟

فيه خلاف يأتي تحقيقه في باب الشهادات.

و إن لم ينكشف من قول الخصم و كان محتاجا إلى الاستكشاف طلبه من المدّعي حتى تبين الحال بالبيّنة المقبولة أو نحوها.

و هل يتعيّن ذلك على كشف المدّعي و إقامته البيّنة، حتى لو قال:

لا بيّنة لي على تزكية الشهود- مثلا- أو: لا أعرف شاهدا عليها، أو قال

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 248

يتعسّر عليّ ذلك، أو قال: لا أفعل، سقطت الشهود و يطرح الحاكم شهادتهما؟

أو طلبه من المدّعي أحد طرق فحص الحاكم، فله الفحص من غير جهة المدّعي، بل عليه ذلك لو لم يفعل المدّعي؟

الظاهر: الثاني، كما يأتي في باب الشهادات، و يدلّ عليه فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المرويّ في تفسير الإمام عليه السّلام «1».

ثمَّ لو أقام المدّعي البيّنة على التزكية، أو استكشف الحاكم من جهة غيره، قالوا: يطلب الحاكم من المنكر الجرح، فإن أرادوا لزومه فلا أرى عليه دليلا، إلّا إذا علم جهله باستحقاقه الجرح لو كان، حيث إنّ إهمال ذكره يوجب بطلان حقّه، مع تأمّل فيه أيضا. و إن أرادوا جوازه فهو كذلك.

ثمَّ إن اعترف المنكر بعدمه حكم، و إن ادّعاه بعد طلب

الحاكم أو بنفسه قبل الطلب يؤمر بإحضار الجارح، فإن أحضره يعمل معه كما يعمل مع بيّنة المدّعي من الردّ و القبول و الاستكشاف.

و إن استنظر و استمهل قالوا: يمهل ثلاثة أيّام، أمّا الإمهال فقالوا: لأنّه مقتضى العدل، و لرواية سلمة المتقدّمة في المسألة الثالثة «2».

و فيهما نظر، أمّا الأول فلأنّ العدل يحصل بالحكم ثمَّ الاسترداد إن ثبت الجرح بعد ذلك أيضا، بل هو أقرب إلى العدل.

و أمّا الثاني، فلأنّ الظاهر من قوله في الرواية: «فإن أحضرهم أخذت له بحقّه» أنّ المراد شهود المدّعي المطالب للحقّ، فتأمّل.

______________________________

(1) الوسائل 27: 239 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 6 ح 1.

(2) راجع ص: 243.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 249

و أمّا تقديره بثلاثة أيّام فلم أقف على ما يدلّ عليه، و يستشمّ من كلام بعضهم احتمال الإجماع عليه «1»، و استشهد له بعضهم بالإمهال بذلك القدر في بعض الأمور الأخر «2».

و ضعفه ظاهر، و لذا قيل: لو ادّعى أنّ شهودي على الجرح على مسافة لا يصلون إلّا بعد الثلاثة، يمهل الأزيد «3».

و فيه إشكال، بل في الثلاثة أيضا، لثبوت العدالة بالبيّنة، و أصالة عدم الجرح، و إمكان التلافي لو أثبته بعد الحكم.

و لو قلنا بالإمهال و طلب المدّعي التكفيل فيما يحتمل الفرار أو الاختفاء أو نحوهما فقبوله هنا أولى منه في إمهال المدّعي لإحضار البيّنة.

و الظاهر أنّ له ذلك هنا، لثبوت حقّه.

فرع:

لا بأس بتفريق الشهود إذا ارتاب الحاكم بهم أو احتمل غلطهم، للأصل، بل ربّما يستحبّ تأسّيا بالحجج عليهم السّلام.

و قيل: محلّ التفريق قبل الاستزكاء «4». و لا بأس به، لوجوب الحكم فورا بعده إذا طلب المحكوم له.

المسألة الثامنة: إذا أقام المدّعي البيّنة المستجمعة للشرائط فلا يمين عليه

، بلا خلاف فيه كما في الكفاية «5» و غيره «6»، بل بالإجماع كما عن

______________________________

(1) كما في الرياض 2: 397.

(2) كما في مفتاح الكرامة 10: 88. قال: و هو مقدر في بعض المسائل الفقهيّة كما في خيار الحيوان و خيار التأخير و حبس الغريم على مختار الشيخ ..

(3) كما في الرياض 2: 397.

(4) المسالك 2: 363.

(5) الكفاية: 268.

(6) كالرياض 2: 401.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 250

الخلاف «1»، و به صرّح بعض فضلائنا المعاصرين «2».

و يدلّ عليه الأصل، و الأخبار المستفيضة المتضمّنة لقوله عليه السّلام: «البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه» «3» فإنّ التفصيل قاطع للشركة.

و صحيحة محمّد: عن الرجل يقيم البيّنة على حقّه، هل عليه أن يستحلف؟ قال: «لا» «4»، و نحوها روايته «5».

و كذا موثّقة أبي العبّاس «6»، و موثّقة جميل، و رواية أبي العبّاس، و مرسلة أبان، المتقدّمة جميعا في المسألة الخامسة من الموضع الأول «7».

و أمّا قول أمير المؤمنين عليه السّلام لشريح في رواية سلمة-: «و ردّ اليمين على المدّعي مع بيّنته، فإنّ ذلك أجلى للعمى و أثبت في القضاء» «8»- فلا يصلح لمعارضة ما ذكر، لشذوذه، مع أنّه إمّا يحمل على الاستحباب بقرينة نفي الوجوب في الأخبار الأخر، أو على البيّنة الواحدة، إمّا لعمومها و خصوصيّة ما مرّ، أو للجمع بينها و بين ما مرّ بشهادة ما يدلّ على ضمّ اليمين مع الشاهد الواحد.

______________________________

(1) الخلاف 2: 600.

(2) المحقق القمي في

رسالة القضاء (غنائم الأيام): 686.

(3) انظر الوسائل 27: 233 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 3.

(4) التهذيب 6: 230- 558، الوسائل 27: 243 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 8 ح 1.

(5) الكافي 7: 417- 1، التهذيب 6: 231- 564، الوسائل 27: 243 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 8 ح 1.

(6) التهذيب 6: 230- 559، الوسائل 27: 243 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 8 ح 1.

(7) راجع ص: 222.

(8) الكافي 7: 412- 1، الفقيه 3: 8- 28، التهذيب 6: 225- 541، الوسائل 27: 211 أبواب آداب القاضي ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 251

و أمّا مكاتبة الصفّار الصحيحة-: هل تقبل شهادة الوصيّ للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع عليه السّلام: «إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعي يمين» «1»- فلا تنافي ما مرّ، لأنّها محمولة على عدم قبول شهادة الوصيّ.

ثمَّ إنّ ما ذكرنا إنّما هو على الأصل، و قد يستثنى منه بعض المواضع بالدليل، و اللّه الهادي إلى سواء السبيل.

المسألة التاسعة: لو قال المدّعي بعد إقامة الشهود: كذبت شهودي، بطلت الشهود

، فلا تسمع شهادتهم في حقّه، و لكن لا تبطل دعواه، كذا قالوا.

و الوجه فيه: أنّ الكذب على المشهور و إن كان مخالفة الواقع- و عليه فيكون التكذيب إقرارا على انتفاء الحقّ- و لكنّ الظاهر المتفاهم منه في العرف أنّه مخالفة الاعتقاد، و لا أقل من احتمال ذلك، فلا تسقط الدعوى به.

و لا فرق في ذلك بين ما إذا كان التكذيب قبل الحكم أو بعده، إذ بعد الحكم ينكشف بطلان المستند، لأنّ إقرار صاحب الحقّ دليل شرعي.

______________________________

(1) الكافي 7: 394- 3، الفقيه 3: 43- 147، التهذيب 6: 247- 626، الوسائل 27:

371 أبواب الشهادات ب 28 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 252

الموضع الثالث فيما يحكم فيه بالبيّنة و اليمين معا
اشارة

و هو ما يستثنى من القاعدة المتقدّمة من عدم تعلّق اليمين بالمدّعي، و يخرج عن تحت ذلك الأصل بدليل.

و فيه مسألتان:

المسألة الأولى: ممّا استثني من القاعدة: الدعوى على الميّت
اشارة

، فإنّ المدّعي إذا أقام البيّنة يستحلف معها على بقاء الحقّ في ذمّة الميّت استظهارا، على المعروف من مذهب الأصحاب كما في الكفاية، بل لا مخالف يظهر منهم كما فيه أيضا «1»، بل بلا خلاف مطلقا كما في المفاتيح «2» و شرحه و غيرهما «3»، بل بالإجماع كما في المسالك و الروضة و شرح الشرائع للصيمري «4»، بل بالإجماع المحقّق.

له، و لرواية البصري المتقدّم صدرها: «و إن كان المطلوب بالحقّ قد مات، فأقيمت البيّنة عليه، فعلى المدّعي اليمين باللّه الذي لا إله إلّا هو: لقد مات فلان و أنّ حقّه لعليه، فإن حلف و إلّا فلا حقّ له، لأنّا لا ندري لعلّه قد أوفاه ببيّنة لا نعلم موضعها، أو بغير بيّنة قبل الموت، فمن ثمَّ صارت عليه

______________________________

(1) الكفاية: 268.

(2) المفاتيح 3: 258.

(3) كالرياض 2: 401.

(4) المسالك 2: 369 و 370، الروضة 3: 104.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 253

اليمين مع البيّنة، فإن ادّعى و لا بيّنة له فلا حقّ له، لأنّ المدّعى عليه ليس بحيّ، و لو كان حيّا لألزم اليمين، أو الحقّ، أو يردّ اليمين، فمن ثمَّ لم يثبت له حق» «1».

و تجويز إرادة البيّنة الواحدة و كون اليمين يمين جزء البيّنة خلاف الظاهر، بل يأباه التعليل.

و الإيراد بأنّ اليمين على الوجه المغلّظ المذكور فيها ليست بواجبة إجماعا، فلا يكون قوله: «فعلى المدّعي» للإيجاب، فلا يثبت المطلوب.

مردود بأنّه لا دلالة فيها على إرادة الإتيان باليمين على هذا الوجه، بل يجوز أن يكون توصيفه عليه السّلام تعظيما للّه لا لأجل ذكره في اليمين.

و

مكاتبة الصفّار الصحيحة المتقدّم صدرها أيضا: أو تقبل شهادة الوصيّ على الميت بدين مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع: «نعم، من بعد يمين» «2».

فروع:
أ: هل يختصّ ذلك الحكم بالميّت، أو يتعدّى إلى ما يشاركه في المعنى،

كالطفل و المجنون و الغائب؟

الأكثر- كما في المسالك و شرح الصيمري و الكفاية و شرح المفاتيح و المعتمد «3» و غيرها «4»- إلى التعدّي، و هو مذهب الفاضل في جملة من

______________________________

(1) الكافي 7: 415- 1، الفقيه 3: 38- 128، التهذيب 6: 229- 555، الوسائل 27: 236 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 4 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 7: 394- 3، الفقيه 3: 43- 147، التهذيب 6: 247- 626، الوسائل 27:

371 أبواب الشهادات ب 28 ح 1، و في غير الفقيه من المصادر لا توجد لفظة «بدين».

(3) المسالك 2: 370، الكفاية: 268.

(4) كمفتاح الكرامة 10: 93، و الرياض 2: 401.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 254

كتبه، منها التحرير «1»، و والدي العلّامة في المعتمد، للعلّة المنصوصة، أو اتّحاد طريق المسألتين، لا من باب القياس الممنوع.

و فيه: أنّ إحدى العلّتين المنصوصتين هي كون المدّعى عليه ليس بحيّ، و اختصاصها بالميّت ظاهر، مع أنّها علّة لانتفاء الحقّ مع عدم البيّنة لا لثبوت اليمين.

و الأخرى: «لأنّا لا ندري لعلّه قد أوفاه ببيّنة لا نعلم موضعها» و هي أيضا مختصّة به، لقوله بعد ذلك: «قبل الموت».

مع عدم إمكان تحقّق الإيفاء من الطفل، و معارضته في الغائب مع مرسلة جميل: «الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البيّنة، و يباع ماله و يقضى عنه دينه و هو غائب» «2».

و على هذا، فكما يحتمل كون العلّة عدم الوصول إلى العلم بالحال بالفعل، يمكن أن يكون عدم إمكان الوصول بعد ذلك، فيختصّ بالميّت، فلا يمكن الاعتماد بذلك التعليل

في غير مورد النصّ.

و بما ذكر يظهر حال اتّحاد الطريق، مع أنّ مورد النصّ- و هو الميّت- أقوى من الفرع.

و الاستدلال بصدر صحيحة الصفّار المتقدّمة قبل ذلك- بحمل الرجل على الغائب، أو تعميمه و إخراج غير المذكورين بالدليل- خلاف الظاهر، و موجب للتخصيص الغير الجائز، و هو إخراج الأكثر، مع احتمال كون ضمّ اليمين فيها لعدم قبول شهادة الوصيّ كما مرّ، و لذا ذهب المحقّق «3»

______________________________

(1) القواعد 2: 210، التحرير 2: 187.

(2) التهذيب 6: 296- 827، الوسائل 27: 294 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 26 ح 1.

(3) الشرائع 4: 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 255

و جماعة- و منهم أكثر متأخّري المتأخّرين «1»- إلى العدم، و هو الأقوى.

ب: لمّا كان الحكم المذكور- أي ضمّ اليمين مع البيّنة- مخالفا للأصل يجب الاقتصار فيه على المتيقّن،

و هو ما إذا كانت الدعوى على الميّت دينا، فلو كانت عينا في يده بعارية أو غصب أو نحوهما دفعت إليه مع البيّنة من غير يمين، كما صرّح به جماعة، منهم: القواعد و المسالك و التنقيح «2»، لاختصاص النصّ بالدين، أمّا الصحيحة فلتصريحها بلفظ: الدين، و أمّا الرواية فلظهورها فيه أيضا، لمكان لفظ: «الحقّ» و: «لعليه» و: «أوفاه».

نعم، صحيحة الصفّار مطلقة على ما نقلها في الكفاية، حيث لم يذكر فيه لفظ: بدين، و لذا استشكل في المسألة لذلك الإطلاق «3»، و لكنّ النسخ المصحّحة التي كانت عندنا كلّها مشتملة على لفظ: بدين، و على هذا فلا إشكال في المسألة و لو كان بمجرّد اختلاف النسخ.

و أمّا ما قيل من أنّ النصّ و إن كان مخصوصا بالدين إلّا أنّ مقتضى التعليل المنصوص- و هو الاستظهار- العموم «4».

ففيه: أنّ العلّة هي احتمال الإيفاء، و هو في العين التي بيده غير جار، بل الجاري فيها النقل بالبيع

و نحوه. و غير ذلك من التعليل مستنبط لا يعبأ به.

و لو لم توجد العين المدّعى بها في التركة و حكم بضمانها على الميّت للمالك ففي إلحاقها بالعين- نظرا إلى الأصل- أو بالدين- لانتقالها إلى الذمّة-

______________________________

(1) كالشهيد الثاني في الروضة 3: 105، و المسالك 2: 370، و الفاضل السبزواري في الكفاية: 269، و صاحب الرياض 2: 401.

(2) القواعد 2: 210، المسالك 2: 370، التنقيح 4: 256.

(3) الكفاية: 268.

(4) انظر الرياض 2: 401.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 256

وجهان، أظهرهما: الثاني، لصيرورتها دينا بعد الفقدان، فتشملها الأخبار.

نعم، لو فقدت بعد الموت أو لم يعلم أنّها فقدت حال الحياة أو بعدها فحكم المدّعى به حكم العين، لعدم معلوميّة الانتقال إلى ذمّة الميّت.

ج: لو أقرّ له قبل الموت بمدّة لا يمكن فيها الاستيفاء عادة،

بل قد يعلم عدمه- كما إذا أقرّ عند جماعة و مات بعد الإقرار بحضورهم من غير غيبة لهم- ففي وجوب ضمّ اليمين إلى البيّنة وجهان.

رجّح في المسالك و الكفاية و المعتمد العدم «1»، لعدم جريان التعليل المذكور في الخبر هنا.

و فيه: أنّ التعليل لا يوجب تخصيص الإطلاق، لأنّ العلل الشرعية معرّفات لا ينتفي المعلول بانتفائها، فإنّه قد يكون وجود العلّة في بعض الأفراد علّة للحكم في الجميع، مع أنّ التعليل- كما قيل «2»- يمكن أن يكون من باب إبداء النكتة و التمثيل، فإنّ احتمال الإبراء أيضا قائم، و كذا احتمال نسيان المقرّ للإيفاء و تذكّره لو كان حيّا حين الدعوى.

و لذا قوّى بعض فضلائنا المعاصرين «3» الضمّ، لإطلاق النصّ.

و هو حسن، إلّا أنّ فيه: أنّ النصّ معارض بأخبار أخر واردة في إقرار المريض، و في الوصيّة بالدين:

كصحيحة منصور: عن رجل أوصى لبعض ورثته أنّ له عليه دينا، فقال: «إن كان الميّت مرضيّا فأعطه الذي

أوصى له» «4».

______________________________

(1) المسالك 2: 370، الكفاية: 269.

(2) قاله في غنائم الأيام: 687.

(3) المحقق القمي في غنائم الأيام: 687.

(4) الكافي 7: 41- 2، الفقيه 4: 170- 594، التهذيب 9: 159- 656، الاستبصار 4: 111- 426، الوسائل 19: 291 أبواب أحكام الوصايا ب 16 ح 1 و ج 23:

183 أبواب الإقرار ب 1 ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 257

و صحيحة أبي ولّاد: عن رجل مريض أقرّ عند الموت لوارث بدين له عليه، قال: «يجوز ذلك» «1».

و رواية السكوني: في رجل أقرّ عند موته لفلان و فلان لأحدهما عندي ألف درهم، ثمَّ مات على تلك الحال، فقال: «أيّهما أقام البيّنة فله المال، و إن لم يقم واحد منهما البيّنة فالمال بينهما نصفان» «2».

و مكاتبة الصهباني: امرأة أوصت إلى رجل و أقرّت له بدين ثمانية آلاف درهم- إلى أن قال- فكتب عليه السّلام بخطّه: «إن كان الدين صحيحا معروفا مفهوما فيخرج الدين من رأس المال» «3» إلى غير ذلك «4».

فإنّ هذه الأخبار شاملة لصورة عدم حلف المقرّ له أيضا، فتعارض ما مرّ بالعموم من وجه، و إذ لا ترجيح فيرجع إلى القاعدة المتقدّمة المكتفية للمدّعي بالبيّنة، و هو الأصحّ، بل مقتضاها عدم اشتراط عدم إمكان الاستيفاء أيضا، بل يكون الحكم ذلك إذا أقرّ عند الموت أو أوصى بالوفاء عند الموت. إلّا أنّ الظاهر أنّ ذلك مختصّ بإقرار الميّت، فلو شهد شاهدان بانتقال شي ء إليه قبل موته بمدّة لا يمكن الاستيفاء يجب ضمّ اليمين، لاختصاص النصّ بالإقرار، و ألحقها والدي رحمه اللّه بالإقرار أيضا.

______________________________

(1) الكافي 7: 42- 5، التهذيب 9: 160- 660، الاستبصار 4: 112- 430، الوسائل 19: 292 أبواب أحكام الوصايا ب 16

ح 4.

(2) الكافي 7: 58- 5، الفقيه 4: 174- 610، التهذيب 9: 162- 666، الوسائل 23: 183 أبواب الإقرار ب 2 ح 1.

(3) التهذيب 9: 161- 664، الاستبصار 4: 113- 433، الوسائل 19: 294 أبواب أحكام الوصايا ب 16 ح 10.

(4) انظر الوسائل 19: 291 أبواب أحكام الوصايا ب 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 258

و هل تلحق به شهادة البيّنة ببقاء الحقّ إن قبلناها؟

قال والدي رحمه اللّه: نعم. و الأظهر العدم، لشمول دليل اليمين و علّتها له أيضا.

د: هل يختصّ ضمّ اليمين بما إذا كان الثبوت بالبيّنة- كما هو مورد النصّ

- أو يضمّ لو كان الثبوت بعلم الحاكم بالقضيّة أيضا و حكم بها؟

قيل: و لا يبعد ترجيح الضمّ «1». و هو كذلك، للعلّة المنصوصة.

و ليس ذلك من قبيل الدعوى على غير الميّت، لاختصاص العلّة بالميّت، و لكنّها غير مختصّة بالبيّنة و إن كان المعلول مخصوصا. و احتمال الإبراء أو مقاصّة الميّت لدين له أو غير ذلك قائم هنا أيضا.

و قيل: نعم، لو فرض انتفاء جميع الاحتمالات رأسا عند الحاكم لاتّجه عدم ضمّ اليمين «2».

أقول:

بل يكفي في عدم الضمّ حينئذ انتفاء احتمال الإيفاء خاصّة عن الحاكم، لأنّ المورد خاصّ بالإثبات بالبيّنة و التعليل باحتمال الإيفاء، فإذا انتفيا معا فلا وجه للضمّ حينئذ.

و جعل التعليل تمثيلا- أي جعله من باب ذكر فرد من أمثلة الاحتمالات و السكوت عن الباقي- إنّما يحسن مع شمول المورد، و أمّا بدونه فلا فائدة له.

و إن أريد من التمثيل ذكر فرد و إرادة كلّ ما هو مثله فلا وجه له أصلا، فعدم الضمّ حينئذ أقوى، فيختصّ عدم الضمّ بما إذا كان الإثبات بعلم الحاكم لا من جهة البيّنة خاصّة حتى لا يشمله إطلاق المورد و علم الحاكم

______________________________

(1) غنائم الأيام: 687.

(2) غنائم الأيام:

687.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 259

عدم الإيفاء حتى لا يشمله التعليل، و ذلك يتحقّق بإقرار الميّت عند الحاكم في زمان لا يحتمل الإيفاء بعده، و قد يعلم عدم الإيفاء بالقرائن الخارجيّة.

و الظاهر أنّ في حكم الحاكم أيضا غيره ممّن بيده مال للميّت و علم بالواقعة و بعدم الإيفاء فله تسليمه للمدّعي من غير يمين.

ه: لو علم المدّعي ببقاء حقّه على الميّت

له المقاصّة، و لا يمين عليه حينئذ.

و: اليمين المتوجّهة إلى المدّعي حينئذ يمين واحدة،

سواء كان الوارث واحدا أو متعدّدا، فلا يكلّف الحلف لكلّ وارث يمينا على حدة، قصرا للحكم المخالف للقاعدة على القدر المتيقّن، و لأنّه دعوى واحدة على مال الميّت.

ز: لو كان للمدّعي شاهد واحد و حلف يمينا لجزء البيّنة،

فهل يحتاج إلى يمين اخرى للاستظهار، أم لا؟

صرّح في الإرشاد بعدمه، و علّل بأنّ الشاهد و اليمين حجّة بنفسه، فلا يحتاج إلى ضمّ شي ء آخر.

و بأنّه غير مورد النصّ، لأنّه ما إذا ثبت الحكم بالبيّنة.

و بأنّه لا فائدة في تكرار اليمين.

و الأول معارض بالشاهدين.

و الثاني مردود بعموم التعليل.

و الثالث بالفرق بين اليمينين، فإنّ الأولى على حصول الاشتغال، و الثانية على بقاء الحقّ.

نعم، لو حلف أولا بما يفيد البقاء أيضا- أي على الوجه المذكور في

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 260

الرواية «1»- يمكن الاكتفاء بها، لعدم الفائدة، و عدم شمولها للعلّة المذكورة، و إفادتها لها حينئذ.

ح: لو أقام البيّنة ففقد الحاكم أو غاب قبل الحلف لا يثبت له حقّ.

و احتمال أن يكون له أن يأخذ حقّه و يقول: أنا باذل اليمين فاحلفني على الوجه الشرعي، لا وجه له.

ط: قال المحقّق الأردبيلي: لا يسقط اليمين بإسقاط بعض الحقّ،

فلا يمكن أن يسقط من مال الطفل شي ء لليمين، فيعطى الباقي بغير يمين، لأنّ الثبوت موقوف عليها، و قد صرّح في الرواية: بأنّه إذا لم يحلف لا حقّ له. كما لا يمكن إسقاط شاهد واحد بإسقاط البعض.

نعم، إذا كان الوارث ممّن يصحّ صلحه ينبغي المصالحة، و كذا مع الوليّ وصيّا أو حاكما بإسقاط البعض بإسقاط اليمين، فإنّه أصلح من الإحلاف و إعطاء جميع الحقّ، و الوليّ لا يترك مصلحته. انتهى.

أقول: ما ذكره- من عدم تبعيض الحقّ بتبعيض الحجّة، و عدم ثبوت شي ء إلّا بتمام الحجّة- صحيح ظاهر.

و كذا ما ذكره من جواز إسقاط الوليّ بعض الحقّ بإسقاط اليمين إذا رأى في ذلك المصلحة، و هو إنّما يكون إذا قطع- بل أو ظنّ- أنّ المدّعي يحلف و يأخذ الجميع، فإنّ له حينئذ إسقاط بعض الحقّ بإسقاط اليمين، أو المصالحة ببعض الحقّ، لأنّ له أن يفعل للمولّى عليه ما يرى مصلحة له.

كما تدلّ عليه صحيحة ابن رئاب، حيث قال في آخرها: «فليس لهم» أي للصغار «أن يرجعوا فيما صنع القيّم لهم، الناظر لهم فيما يصلحهم» «2».

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 252 و 253.

(2) الكافي 7: 67- 2، الفقيه 4: 161- 564، التهذيب 9: 239- 928، الوسائل 19: 421 أبواب أحكام الوصايا ب 88 ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 261

و صحيحة ابن سنان: في قول اللّه عزّ و جلّ فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ «1» قال: «المعروف هو القوت، و إنّما عنى الوصيّ أو القيّم في أموالهم و ما يصلحهم» «2».

و صحيحته الأخرى، و في آخرها: «فليأكل

بالمعروف الوصيّ لهم و القيّم في أموالهم ما يصلحهم» «3».

و لو علم عدم إتيان المدّعي بالحلف أو ظنّ ذلك- بل و لو احتمله- لا يجوز له إعطاء البعض، لعدم تحقّق المصلحة.

ي: قيل: لو ادّعى وارث زيد على وارث عمرو بشغل ذمّة عمرو بحقّ زيد و أقام البيّنة،

فهل يكون تحت النصّ، و حينئذ يحلف المدّعي على نفي العلم باستيفاء مورّثه أو الإبراء، أو على البتّ، إذ الاستيفاء و الإبراء من المدّعي أيضا متصوّر، لأنّه بعد مورّثه صاحب الحقّ؟

لم أجد فيه تصريحا، و الظاهر دخوله تحت الرواية، لكون الدعوى على الميّت، و وجود العلّة المنصوصة، بل هي هنا أغلظ.

و في كيفيّة الحلف هنا ظنّي أنّه لو قلنا بالحلف على نفي العلم ببراءة ذمّة عمرو من هذا الحقّ مطلقا لكان له وجه. انتهى.

قال والدي رحمه اللّه في المعتمد أيضا بضمّ يمين نفي العلم، إلّا مع اعتراف وارث الميّت بعدم علم المدّعي، فيسقط اليمين حينئذ. انتهى.

أقول:

و لا شكّ في دخول هذه الصورة أيضا تحت الرواية موضوعا

______________________________

(1) النساء: 6.

(2) الكافي 5: 130- 3، التهذيب 6: 340- 950، الوسائل 17: 250 أبواب ما يكتسب به ب 72 ح 1.

(3) التهذيب 9: 244- 949.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 262

و تعليلا، و لكن القول بيمين نفي العلم ليس له وجه أصلا، لأنّها ليست من اليمين التي ذكرها في الرواية، و لا يدلّ عليها دليل آخر، و إنّما هي تثبت في كلّ موضع ادّعى أحد على غيره علما مثبتا لحقّ عليه، أو نافيا لحقّ منه على غيره لو لا ذلك العلم لثبت، فتشمله أدلّة ثبوت اليمين على المدّعى عليه.

و لم يفرض هنا ادّعاء علم على وارث الطالب بالحقّ، و لو فرض لم يكن علمه على نفيه مثبتا لحقّ عليه، و لا نافيا من الغير له حقّا لو

لا ذلك العلم لثبت، إذ الكلام بعد في ذلك، و النزاع في اشتراط العلم ببقاء الحقّ و اليمين عليه، لا عدم العلم بعدم البقاء.

و التحقيق: أنّه- كما ذكره هذا القائل- صار صاحب الحقّ و طالبه حينئذ وارث زيد، فإن علم هو بالبقاء يحلف عليه على النحو المذكور في الرواية و يأخذ الحقّ، و إلّا فلا حقّ له- كما نصّ به في الرواية- كما كان مورّثه أيضا كذلك، و لم يتحقّق سبب لصيرورة الوارث أقوى من المورّث.

و لا يتوهّم أنّ الأحكام مشروطة بالإمكان، معلّقة عليه، فإذا لم يمكن منهم «1» ينتفي الحكم، و لمّا لم يمكن للوارث الحلف على البتّ فينفى عنه الحلف رأسا لا بالبتّ و لا بنفي العلم، و يكون ذلك خارجا عن تحت الرواية مندرجا في أصل القاعدة.

لأنّ ذلك إنّما يتمّ في التكليفيّات دون الوضعيّات، فلو كان إثبات الحلف في المورد من باب التكليف لكان ذلك، و لكن هو وضع لإثبات الحقّ، فهو سبب له، فغايته أنّ حال عدم الإمكان لا يتحقّق المسبّب، لا أن يخرج الموضوع عن تحت الرواية.

______________________________

(1) ليست في «ق».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 263

فإنّه إذا قال الشارع: كلّ من نجس ثوبه يجب عليه غسله، يحكم بخروج من لا يتمكّن من غسله لعدم الماء عن تحت الموضع، و ليس هذا الحكم له، لكونه تكليفيّا.

بخلاف ما لو قال: كلّ من نجس ثوبه فتطهيره إنّما هو بالغسل، فإذا لم يغسل لم يطهر، فإذا لم يمكن الغسل نقول بعدم تحقّق الطهارة، لا أنّ عدم الإمكان يصير سببا لخروج غير المتمكّن عن تحت العموم و تطهر ثوبه بعدم إمكان الغسل.

و لذا لو كان زيد حيّا و طلب الحقّ بنفسه و لكن ادّعى

ظنّ البقاء أو احتماله لا يثبت له الحقّ بدون الحلف، لأجل عدم إمكان الحلف له.

ثمَّ على ما ذكرنا لو تعدّد الوارث يحلف كلّ على بقاء قدر حصّته، و لو حلف بعضهم دون بعض ثبت سهم الأول و سقط سهم الثاني، و لو كان فيهم صغير أو مجنون أو غائب يظهر حكمه في الفرع الآتي.

يا: لو كان المدّعي على الميّت وليّا أو وصيّا تكفيه البيّنة،

و لا يتوقّف الثبوت على اليمين، للقاعدة المتقدّمة، و عدم اندراجه تحت موضوع الرواية، لاختصاصه بمدّعي حقّ نفسه، لقوله: «و أنّ حقّه» و قوله: «فلا حقّ له».

و لا يفيد عموم العلّة هنا، لأنّها تعليل لقوله: «فعلى المدّعي» إلى آخره، لا لقوله: «فلا حقّ له» خاصّة، بقرينة قوله: «فمن ثمَّ صارت عليه اليمين» فيكون المعنى: و إن كان المطلوب ميّتا فقبول بيّنة الطالب معلّق على اليمين، للعلّة المذكورة.

و لمّا لم يكن التعليق فيما إذا كان المدّعي وليّا أو وصيّا فيحتمل أمران، أحدهما: انتفاء التعليق، و الآخر: انتفاء المعلّق عليه، فلا يمكن تعيين

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 264

أحدهما و يجي ء الإجمال «1»، فيرجع إلى القاعدة، لعدم ثبوت المخرج عنها.

و لا يرد مثل ذلك في الوارث، لأنّه داخل في موضوع الرواية، و لأجله يثبت الحكم له لو لا العلّة أيضا، بخلاف ما هو خارج عنه، فإنّ ثبوت الحكم فيه إنّما هو لأجل عموم العلّة، و العلّة لمّا كانت للتعليق فلا يعلم أنّ مع عدم إمكان المعلّق هل ينتفي الحكم أو التعليق.

و لنوضّح ذلك بمثال: إذا قال الشارع: جواز شراء جلد الميتة مشروط بالدباغة، فإن دبغ و إلّا فلا يجوز. و علّة اشتراطه بالدباغة أنّه نجس، فيحكم في كلّ جلد ميتة بعدم الجواز بدون الدبغ و إن كان ممّا لا يمكن دبغه، لعموم

قوله:

و إلّا فلا يجوز. و لكن لا يمكن إثبات الحكم بعموم التعليل للدبس النجس، فإنّه غير قابل لذلك الاشتراط، فيمكن أن يكون الحكم فيه عدم الجواز أيضا، و أن يكون عدم الاشتراط. و لو كان يقول: و علّة عدم جواز البيع أنّه نجس، لعمّ الدبس أيضا.

بل يظهر ممّا ذكرنا أنّه يمكن منع عموم العلّة بالنسبة إلى مثل الوليّ أيضا، لأنّ بعد كون التعليل للاشتراط باليمين- كما هو في الرواية- يكون معنى التعليل هكذا: ثبوت الحقّ مشروط باليمين، لأنّا لا ندري لعلّه أوفاه ببيّنة، و كلّ ما لا ندري فيه ذلك يشترط ثبوت الحقّ فيه باليمين.

و المتبادر الظاهر من هذا الكلام أنّ كلّ ما يمكن فيه اليمين مشروط بذلك لا مطلقا، كما إذا علّل اشتراط دباغة الجلد بأنّه نجس، فإنّه في قوّة:

أنّ كلّ ما نجس يشترط جواز شرائه بالدباغة، فإنّه يفهم كلّ أحد فيه اختصاصه بما يقبل الدبغ.

بخلاف ما لو علّل عدم جواز الشراء مطلقا بالنجاسة، بل صرّح الفاضل في

______________________________

(1) في «ح»: الاحتمال ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 265

التحرير- في بحث الحكم على الغائب، حيث جعله كالميّت، و أوجب اليمين فيه أيضا- بأنّه: لو ادّعى وكيل شخص على الغائب فلا يمين و يسلّم الحقّ «1».

و الظاهر أنّ مراده: ما إذا لم يكن الموكّل حاضرا يمكن إحلافه.

فإن قيل:

صحيحة الصفّار «2» مطلقة شاملة للمورد أيضا.

قلنا

: نعم، و لكن دلالتها- على عدم قبول شهادة الوصيّ مع شاهد آخر بدون اليمين- إنّما هي بمفهوم لم تثبت حجّيته.

و إنّما أطنبنا الكلام في المقام لأنّ الفرع من الفروع المهمّة، و لم أعثر على من تعرّض له بنفي أو إثبات إلّا ما نقلناه عن التحرير.

المسألة الثانية: و ممّا استثني أيضا من القاعدة: ما إذا كان للمدّعي شاهد واحد
اشاره

، فإنّه يحلف لأجل الشاهد الآخر،

فيحكم له.

و الحكم بالشاهد الواحد و اليمين في الجملة ممّا لا خلاف فيه بين أصحابنا و أكثر العامّة، كما في الكفاية «3»، و نقل عليه الإجماع جماعة «4»، بل هو إجماع محقّق، فهو الدليل عليه، مضافا إلى المستفيضة من الصحاح و غيرها:

كصحيحة منصور: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقضي بشاهد واحد مع يمين صاحب الحقّ» «5»، و نحوها موثّقة البصري «6».

______________________________

(1) التحرير 2: 187.

(2) المتقدّمة في ص: 251 و 253.

(3) الكفاية: 272.

(4) منهم الحلّي في السرائر 2: 140، الشهيد الثاني في المسالك 2: 375، صاحب الرياض 2: 406.

(5) الكافي 7: 385- 4، التهذيب 6: 272- 741، الاستبصار 3: 33- 113، الوسائل 27: 264 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 2.

(6) التهذيب 6: 273- 743، الاستبصار 3: 33- 114، الوسائل 27: 267 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 266

و صحيحة حمّاد بن عيسى: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قضى بشاهد و يمين» «1».

و مرسلة الفقيه: قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بشهادة شاهد و يمين المدّعي، و قال صلّى اللّه عليه و آله: «نزل عليّ جبرئيل بشهادة شاهد و يمين صاحب الحقّ» و حكم به أمير المؤمنين عليه السّلام بالعراق «2».

و صحيحة البجلي: دخل الحكم بين عتيبة و سلمة بن كهيل على أبي جعفر عليه السّلام، فسألاه عن شاهد و يمين، فقال: قضي به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و قضى به عليّ عليه السّلام عندكم بالكوفة» «3».

و صحيحة محمّد: «لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل الواحد إذا علم منه خير مع

يمين الخصم في حقوق الناس، فأمّا ما كان من حقوق اللّه و رؤية الهلال فلا» «4».

و صحيحة حمّاد بن عثمان: «كان عليّ عليه السّلام يجيز في الدّين شهادة رجل و يمين المدّعي» «5».

و صحيحة أخرى لمحمّد: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يجيز في الدين

______________________________

(1) الكافي 7: 385- 2، التهذيب 6: 275- 748، الاستبصار 3: 33- 112، الوسائل 27: 265 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 4.

(2) الفقيه 3: 33- 103، الوسائل 27: 269 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 14، و فيه: بتفاوت يسير.

(3) الكافي 7: 385- 5، التهذيب 6: 273- 747، الاستبصار 3: 34- 117 و فيه:

دخل الحكم بن عيينة، الوسائل 27: 265 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 6.

(4) الفقيه 3: 33- 104، التهذيب 6: 273- 746، الاستبصار 3: 33- 116، الوسائل 27: 268 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 12، بتفاوت.

(5) الكافي 7: 385- 1، التهذيب 6: 275- 749، الاستبصار 3: 33- 111، الوسائل 27: 265 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 267

شهادة رجل واحد و يمين صاحب الدّين، و لم يكن يجيز في الهلال إلّا شاهدي عدل» «1».

و موثّقة أبي بصير: عن الرجل يكون له عند الرجل الحقّ و له شاهد واحد، قال: فقال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقضي بشاهد واحد و يمين صاحب الحقّ، و ذلك في الدين» «2».

و رواية القاسم بن سليمان: «قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بشهادة رجل مع يمين الطالب في الدين وحده» «3».

و رواية

داود بن الحصين، و هي طويلة، و في آخرها: «و لا يجيز في الطلاق إلّا شاهدين عدلين» قلت: [فأنّى ] ذكر اللّه تعالى قوله فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ «4»؟ قال: «ذلك في الدين، إذا لم يكن رجلان فرجل و امرأتان، و رجل واحد و يمين المدّعي إذا لم تكن امرأتان، قضى بذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام [بعده ] عندكم» «5».

و صحيحة الحلبي: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أجاز شهادة النساء مع يمين

______________________________

(1) الكافي 7: 386- 8، التهذيب 6: 272- 740، الاستبصار 3: 32- 108، الوسائل 27: 264 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) الكافي 7: 385- 3، التهذيب 6: 272- 742، الاستبصار 3: 32- 109، الوسائل 27: 265 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 5.

(3) التهذيب 6: 273- 745، الاستبصار 3: 32- 110، الوسائل 27: 268 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 10.

(4) البقرة: 282.

(5) التهذيب 6: 281- 774، الاستبصار 3: 26- 81، الوسائل 27: 360 أبواب الشهادات ب 24 ح 35، و في «ح» و «ق»: قلت: فان ... و أمير المؤمنين عليهم السّلام عندكم، و ما أثبتناه من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 268

الطالب في الدين، يحلف باللّه أنّ حقّه لحقّ» «1» و قريبة منها مرسلته «2».

و موثّقة منصور: «إذا شهد لطالب الحقّ امرأتان و يمينه فهو جائز» «3»، و غير ذلك من الأخبار «4».

ثمَّ مقتضى الأصل الثابت بالقاعدة المذكورة- و اختصاص النصوص كلّها بما يختصّ بحقوق الناس، لأنّها إمّا متضمّنة للفظ: «صاحب الحقّ» أو:

«الدين» أو ما يخلو عن مثله، كصحيحتي

حمّاد بن عيسى و البجلي، فوارد بلفظ: «قضى» و هو غير مفيد لعموم أو إطلاق، لأنّه قضية في واقعة- اختصاص الثبوت بها بحقوق الناس دون حقوق اللّه، كما عليه الإجماع انعقد أيضا.

و تدلّ عليه صريحا صحيحة محمّد المتقدّمة، فلا ريب في ذلك الاختصاص أصلا.

و هل يختصّ من حقوق الناس بالأموال، كالقرض و الغصب، و ما يقصد منه المال، كعقود المعاوضات و القراض و الوصيّة و الجنايات الموجبة للديات و نحوها؟

قال في الكفاية: المعروف من مذهب الأصحاب أنّه لا يثبت بهما غير الأموال من حقوق الناس، فلا يثبت الطلاق و النسب و الوكالة و الوصيّة

______________________________

(1) الكافي 7: 386- 7، الفقيه 3: 33- 106، التهذيب 6: 272- 739، الاستبصار 3: 32- 107، الوسائل 27: 271 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 15 ح 3.

(2) الكافي 7: 390- 2، التهذيب 6: 269- 723، الاستبصار 3: 29- 95، الوسائل 27: 351 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 24 ح 2.

(3) الفقيه 3: 33- 105، الوسائل 27: 271 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 15 ح 1.

(4) انظر الوسائل 27: 364 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14، و ص 271 ب 15، و ص 350 أبواب الشهادات ب 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 269

إليه و عيوب النساء «1». انتهى.

و قيل: و لا يقضى بهما في غير المال و ما يقصد منه المال بلا خلاف. و قيل أيضا: ظاهر الأصحاب الإطباق على تقييده بالمال «2».

انتهى.

و يظهر من الكفاية التردّد في ذلك التخصيص، حيث قال: فإن لم يثبت إجماع على التخصيص كان القول بالعموم غير بعيد «3». انتهى.

و ذهب الشيخ في النهاية و الحلبي و

ابن زهرة إلى التخصيص من بين الأموال أيضا بالدين «4»، و عن الأخير الإجماع عليه.

أقول: دليل التخصيص الأخير هو موثّقة أبي بصير، و رواية القاسم بن سليمان، و رواية داود بن الحصين، المؤيّدة بصحاح حمّاد بن عثمان و محمّد و الحلبي.

و الإيراد عليها بأنّه لا دلالة فيها إلّا على أنّ قضاءه بذلك كان في الدين، و لم يقض به في غيره، و هو أعمّ من عدم جواز القضاء به فيه، فقد يجوز و لكن لم يتّفق له صلّى اللّه عليه و آله.

ضعيف جدّا، لأنّ المتبادر من قوله في الموثّقة: «كان يقضي بذلك و ذلك في الدين» و كذا قوله في الرواية: «وحده» أنّ تجويزه القضاء به كان مختصّا به، مع أنّ رواية داود لم تتضمّن القضاء أولا، بل هي صريحة في التخصيص.

______________________________

(1) الكفاية: 272.

(2) انظر الرياض 2: 406- 407.

(3) الكفاية: 272.

(4) النهاية: 334، الحلبي في الكافي في الفقه: 438، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 624.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 270

و أمّا التخصيص الوسط فلا أرى في الأدلّة منه عينا و لا أثرا.

و قد يستدلّ له بأخبار الاختصاص بالدين منضمّة مع تتمّة صحيحة البجلي المتقدّم صدرها، المتضمّنة لادّعاء أمير المؤمنين عليه السّلام على عبد اللّه بن قفل التميمي عند شريح درع طلحة، حيث وجدها بيده، و قال: «إنّها أخذت غلولا» «1» فطلب شريح البيّنة، فشهد الحسن عليه السّلام، فقال شريح:

هذا شاهد، و لا أقضي بشهادة شاهد حتى يكون معه آخر، و ساق الكلام إلى أن قال: «فغضب عليّ عليه السّلام و قال: خذوها» أي الدرع «فإنّ هذا قضى بجور ثلاث مرّات» ثمَّ أخذ في عدّ تلك الثلاث، إلى أن قال: «ثمَّ أتيتك بالحسن

فشهد، فقلت: هذا واحد، و لا أقضي بشهادة واحد حتى يكون معه آخر، و قد قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بشهادة واحد و يمين» الحديث «2».

فإنّ الدرع كانت عينا موجودة لا دينا، فيعلم أنّ القضاء بذلك لا يختصّ بالدين المعهود، بل المراد من الدين مطلق المال، كما قد يحمل عليه كلام النهاية «3»، و يشعر كلام بعض اللغويين إلى أنّه مطلق الحقوق «4».

و فيه: أنّه يمكن أن تكون تخطئته في قوله: «و لا أقضي بشهادة شاهد حتى يكون معه آخر» حيث أتى بالنفي للماهيّة الدالّ على العموم، بل هو الظاهر، حيث ذكر عليه السّلام في مقام تعداد الخطأ ذلك القول لا عدم حكمه في الواقعة بالشهادة و اليمين.

و يدلّ عليه أيضا استشهاده بقضاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مطلقا من غير بيان

______________________________

(1) غلولا: أي سرقة من الغنيمة قبل القسمة- مجمع البحرين 5: 436.

(2) الكافي 7: 385- 5، التهذيب 6: 273- 747، الاستبصار 3: 34- 117، الوسائل 27: 265 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 6.

(3) حمله عليه في المختلف: 725.

(4) مجمع البحرين 6: 253.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 271

موضع قضائه.

ثمَّ لو سلّم ذلك، فمقتضى الجمع التخصيص بالدين و العين، و أمّا التعدّي إلى غيرهما من الحقوق المتعلّقة بالأموال- كالرهن و المساقاة و الإجارات و نحوها- فلا يكون عليه دليل.

و التمسّك بعدم القول بالفصل في المقام ضعيف.

و أمّا حمل الدين على مطلق المال فهو ممّا تأباه اللغة و العرف و كلام الأصحاب طرّا، حيث يقابلون الدين مع العين أو مع المال.

و بالجملة: إن كانت دلالة الموثّقة و الروايتين على الاختصاص بالدين تامّة- كما هو كذلك- يجب

القول بالتخصيص الأخير، لأخصّيتهما من سائر الأخبار، و إلّا فالتخصيص الأول، و هو الاختصاص بحقوق الناس، لما عرفت.

و أمّا الوسط فلا وجه له أصلا.

نعم، ظاهر الحلّي و الفاضل في المختلف دعوى الإجماع على كفاية الشاهد و اليمين في الأموال «1»، و نفي جماعة- على ما قيل «2»- الخلاف فيه.

و لكن قد عرفت مرارا عدم حجّية الإجماع المنقول و حكاية نفي الخلاف، سيّما أنّ كلام الحلّي ليس صريحا في الإجماع، فإنّه قال: و يحكم بالشاهد و اليمين في الأموال عندنا. و مثل ذلك ليس دعوى للإجماع، و مع ذلك مختصّ بالأموال، و شموله- لما يكون المقصود منه المال مطلقا، كالنكاح و الرهن و قتل الخطاء و نحوهما ممّا ذكروه- ليس بظاهر.

و كذا كلام المختلف، فإنّه ذكر الدين و العين مع عدم صراحته أيضا

______________________________

(1) الحلّي في السرائر 2: 116، المختلف: 716.

(2) الكفاية: 285، الرياض 2: 406.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 272

في دعواه، لأنّه قال: المال سواء كان دينا- كالقرض- أو عينا يثبت بشاهد و امرأتين إجماعا، و كذا بشاهد و يمين، فإنّ قوله: «و كذا» يمكن أن يكون إشارة إلى نفس الثبوت لا الثبوت مع الإجماع.

هذا، مع معارضتهما بدعوى إجماع ابن زهرة على الاختصاص بالدين «1»، و ظهور مخالفة طائفة من فحول القدماء «2».

و مع ذلك كيف تسمع دعوى نفي الخلاف؟! و مع أنّ أكثر ما ذكروه من دعوى نفي الخلاف أو المعروفيّة من مذهب الأصحاب و نحوهما إنّما هو على عدم ثبوت غير الأموال بالشاهد و اليمين، كما مرّ من عبارة الكفاية «3».

و قد يستدلّ لتخصيص الوسط برواية عاميّة رواها ابن عبّاس: إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «استشرت جبرئيل في القضاء

باليمين مع الشاهد فأشار بذلك في الأموال لا تعدو ذلك».

و هي رواية ضعيفة لا تصلح للاستناد و إن قلنا بموافقتها للشهرة، لأنّها لا تجبر الروايات العاميّة، مع أنّها عامّة يجب تخصيصها بما يدلّ على الاختصاص بالدين، و هو أولى من جعل الحصر في روايات الدين إضافيّا قطعا.

هذا، مع ما في التخصيص الوسط من الإجمال و الاختلاف في بيان المطلوب الذي لا يكاد يبين بيانا مستندا إلى دليل، فإنّ منهم من عبر بالأموال «4»، و منهم من قال: العين و الدين «5»، و قال القاضي: المال و ما كان

______________________________

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 624.

(2) كالطوسي في النهاية: 334.

(3) الكفاية: 272.

(4) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 376.

(5) كالحلّي في السرائر 2: 116.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 273

و صلة إليه «1»، و قال الحلّي «2» و أكثر المتأخّرين «3»: المال، أو ما يقصد منه المال.

ثمَّ اختلفوا في المراد ممّا يقصد منه المال أو يكون و صلة إليه، أنّه هل ما كان كذلك بأصل الشرع، أو كان الغرض من الدعوى ذلك، أو كان يستتبع المال، أو كان الغرض من فعله المال؟

و ذكروا أمثلة لا ينطبق بعضها على بعض، فذكروا منها: الجنايات الخطائيّة، مع أنّه ليس المقصود من فعله أو الغرض من وضعه مال، بل قد لا يكون الغرض من الدعوى أيضا ذلك، بل يتصوّر المدّعي جواز القصاص.

و ذكروا لما ليس ممّا يقصد منه المال: الوكالة و الوصاية و النسب، مع أنّ دعوى الوكالة كثيرا ما تكون بقصد المال، كأخذ حقّ الوكالة، أو تصحيح عمل الوكيل في المال ليأخذه، أو إفساده، كالبيع.

و دعوى الوصاية قد «4» تكون لأخذ حقّ السعي، و قد تكون لتصحيح بيع الوصي.

و دعوى النسب قد

تكون لأخذ الميراث أو النفقة و غير ذلك.

و لأجل ما ذكرنا من إجمال المراد و اختلافهم في تأديته قد وقعت للقائلين بهذا القول من فقهائنا الأطياب- من المتقدّمين و المتأخّرين في أبواب الاختلاف في دعوى العقود و الإيقاعات من الوقف و النكاح و الطلاق

______________________________

(1) المهذّب 2: 562.

(2) السرائر 2: 140.

(3) كالمحقّق في الشرائع 4: 92، و العلّامة في المختلف: 716، و الشهيد الثاني في الروضة 3: 142.

(4) في «ح» زيادة: لا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 274

و الخلع و العتق و التدبير و المكاتبة و السرقة و غيرها- اختلافات شديدة بينهم، بل بين كتب فقيه واحد، بل بين مباحث كتاب واحد، بحيث لا يكاد ينضبط و لا يرتفع، و ليس ذلك إلّا لعدم استناد تعيين الموضوع إلى مستند شرعيّ مضبوط.

فهذا القول ممّا لا ينبغي الركون إليه و السكون لديه، بل إمّا يعمّم الثبوت- كما في حقوق الناس، كما يميل إليه في الكفاية «1»، إن لم تتمّ أدلّة التخصيص بالدين، إمّا سندا أو دلالة- أو يخصّص بالدين إن قلنا بتماميّة أدلّتها، كما هو كذلك، لأنّها من الروايات المعتبرة، مع أنّ واحدة منها موثّقة، و هي في نفسها عندهم حجّة، و بأخبار صحيحة أخرى معتضدة، و دلالتها واضحة جدّا.

فالحقّ: اختصاص الثبوت بالشاهد الواحد و يمين المدّعي بالدين لا غير.

فروع:
أ: المراد بالدين الذي يثبت بشاهد و يمين: كلّ حقّ ماليّ للغير،

متعلّق بذمّة الآخر، بأيّ سبب تعلّق بالذمّة، فيشمل ما استقرضه، و ثمن المبيع، و مال الإجارة، و المهر، و دية الجنايات، و المغصوب، و المسروق، و النفقة، و الموصى به، و المضمون له، و المحوّل إليه، و غير ذلك.

و المراد بكون الدعوى دينا: أن يكون هو المقصود من الدعوى، و يكون مأخوذا فيه، و يكون هو المدّعى

به بالذات و المطلوب من الخصم

______________________________

(1) الكفاية: 272.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 275

و إن تعلّقت الدعوى أو الإنكار بالسبب، فلو تلفت منه مائة دينار لأجل شراء ملكه و هو أنكر الشراء يكون دعوى الدين، و كذا لو ادّعى مائة دينار لأجل الجناية أو السرقة أو الإجارة و نحوها، لصدق دعوى الدين في الكلّ.

بخلاف ما لو ادّعى نفس السبب من دون مطالبة ما يترتّب عليه، فإنّه لا تصدق عليه دعوى الدين.

و لذا لو ادّعت امرأة على رجل مائة دينار من جهة الصداق، فبذل المائة، يسقط تسلّطها عليه.

بخلاف ما لو ادّعي النكاح الذي جعل الصداق فيه مائة، إلّا إذا كان أثر السبب (و المطلوب) «1» منه منحصرا في ذلك الدين، فإنّه لو ادّعى أحد وصيّة مائة دينار يكون دعوى الدين، إذ لا يقصد من دعواها إلّا المائة دينار، أي لا يتبادر من دعواها إلّا طلب ذلك.

ب: قالوا: يشترط شهادة الشاهد أولا و ثبوت عدالته ثمَّ اليمين،

و لو بدأ باليمين وقعت لاغية، و افتقر إلى إعادتها بعد الإقامة، و لم يظهر في ذلك مخالف، بل نسبه في المفاتيح إلينا «2»، و نفى عنه الخلاف في شرحه، و استدلّ له بتعليل ضعيف غايته.

و قد يستدلّ أيضا بأنّ هذا حكم مخالف للأصل، فيقتصر في ثبوت الحقّ به على موضع اليقين، و هو ما إذا تأخّر اليمين.

و فيه: أنّ هذا إنّما يتمّ لو لا إطلاقات طائفة من النصوص بالثبوت بذلك، فإنّ أكثرها و إن كان خاليا عن الإطلاق- لتضمّنه الإخبار عن حكم النبيّ و الولي، فهو إخبار عن واقعة، و مثله لا إطلاق فيه- إلّا أنّ صحيحة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 17    275     ب: قالوا: يشترط شهادة الشاهد أولا و ثبوت عدالته ثم اليمين، .....

ص : 275

____________________________________________________________

(1) في «ق»: فيه المطلوب.

(2) المفاتيح 3: 264.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 276

محمّد الاولى و صحيحة منصور الأخيرة و رواية داود «1» مطلقة. و نفي إطلاقها- لكونها واردة في بيان حكم آخر غير ما نحن فيه، و لأنّ المتبادر منها تقديم اليمين- ضعيف، لعدم منافاة الورود مورد حكم آخر للإطلاق، و لظهور منع التبادر، و لذا تأمّل طائفة في ذلك الحكم، كصاحبي الكفاية و المفاتيح «2».

و اختار شارح المفاتيح عدم اشتراط الترتيب، و هو الأقوى.

ج: لا تثبت دعوى جماعة مع شاهد إلّا مع حلف كلّ منهم،

فلو حلف بعضهم دون بعض ثبت نصيب الحالف فقط، للأصل، فإنّ الأصل عدم ثبوت نصيب الغير، و لم تكن للممتنع معه شركة فيما يثبت، لأنّ الحلف جزء سبب الاستحقاق، و هو يختصّ بأحدهما، فيمكن إبراء شريكه أو استيفاؤه.

و ذلك بخلاف ما إذا ادّعى أحد الشريكين بسبب مشترك فأقرّ الغريم، فإنّ ما أقرّ به للمدّعي يشترك فيه الآخر أيضا، لأنّ نسبة الإقرار إليهما على السواء، و كذا البيّنة، فما يأخذه أحد الجماعة من نصيبه بسبب الحلف لا يشترك معه غيره ممّن لم يحلف، و ما يأخذه بسبب الإقرار أو البيّنة يشترك معه فيه الباقون، كذا قالوا.

أقول: ما ذكروه من اختصاص ما أخذه الحالف به و عدم اشتراك غيره معه إنّما هو فيما إذا كان المدّعى به دينا أو عينا و أخذ ما أخذ منها مشاعا، أي اشترك مع الغريم فيها بالإشاعة بقدر نصيبه.

أمّا لو كان المدّعى به عينا و أخذ نصيبه منها مفروزا فلا بدّ من القول

______________________________

(1) المتقدّمة جميعا في ص: 266 و 267 و 268.

(2) الكفاية: 272، المفاتيح 3: 264.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 277

بكونه مشتركا بينه و بين باقي الشركاء.

مثلا: إذا ادّعى أخوان

على زيد حنطة معيّنة مشاهدة بأنّها من مال مورثنا، و أقاما شاهدا واحدا، و حلف أحدهما دون الآخر، و أخذ الحالف نصف تلك الحنطة، يجب أن يكون مشتركا بين الأخوين.

و كذا إذا ادّعيا أرضا معيّنة و أخذ الحالف نصفها المعيّن بأن يقسّم مع الغريم، فلا بدّ من الشركة.

لا لأجل الحلف، حتى يرد أنّه لا يثبت بالحلف مال الغير.

بل لأجل اعترافه بأنّه مال المورث، و هو مأخوذ به، كيف و لو ادّعاه لنفسه و أخذه بالشاهد و اليمين أو اليمين المردودة، ثمَّ أقرّ بأنّه مال عمرو، يتسلّط عمرو على أخذه منه، فأثر الحلف رفع مانع تصرّفه، و حكم ظاهر الشرع باستحقاقه القبض و الشركة أثر الإقرار.

و لعلّ مراد القوم من نفي الاشتراك أيضا في غير تلك الصورة.

فإن قيل:

يلزم مثل ذلك في نصيبه من الدين المأخوذ بالحلف و العين المأخوذة بالإشاعة كذلك أيضا، لما ذكر.

قلنا:

لا يلزم ذلك أصلا، لأنّ المقرّ به في الدين ليس إلّا اشتغال ذمّة الغريم بحصّته و بحصّة الشركاء، و لا يثبت بذلك شي ء أصلا، و يثبت بالشاهد و اليمين اشتغال ذمّته بحصّة الحالف، أي بأمر كلّي يساوي حصّته من الدين، و هذا الكلّي ليس جزءا من الكلّي الأول، لعدم تعيينه، بل يساوي بعضه، و تعيّن ذلك الكلّي المحكوم عليه له بإقباض الغريم و قبض الحالف، و لا اعتراف من الحالف على شركة الشريك فيه، و إنّما اعترافه في أمر كلّي ثابت في الذمّة، و لم يقصد الغريم أنّه يعطيه من باب ذلك الكلّي، لعدم اعترافه بثبوته عليه، و لو قصد أيضا لم يفد، فهذا الشخص الخارجيّ

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 278

لا دليل على شركة الشركاء فيه أصلا، و أين الاعتراف باستحقاق

الشريك شيئا في ذمة الغريم عن الاعتراف بشركته في ذلك الشي ء المعيّن؟! فإن قيل:

فعلى هذا يلزم عدم شركة الشريك فيما يقبضه الآخر من الدين المشترك الذي يقرّ به الغريم، أو يثبت بالبيّنة أيضا- كما حكي عن الحلّي في باب الشركة من السرائر «1»، و إن وافق القوم في باب الدين و الصلح «2»- لأنّ شركة الشريك في أمر انتزاعيّ كلّي ثابت في الذمّة، و لا يلزم من ذلك شركته فيما أعطاه الغريم لأحدهما و يقصده، و هو أيضا قبضه لنفسه.

نعم، لو أقبضه الغريم لهما معا تمّت شركتهما، حيث إنّ التعيين بيد الغريم.

و القول بأنّ قصد الغريم إنّما يعتبر و يؤثّر في تعيين قدر الدين من ماله و إفرازه عن سائر ما بيده، لا في تعيين الشركاء في الدين، و إنّما هو بيد الشريك، فيما عيّنه الغريم يصير للدين بقصده، و يكون مراعى في حقّ الديّان حتى يعيّنوا المستحقّ.

فاسد جدّا، لأنّه إن أريد أنّ التعيين بيد جميع الشركاء من القابض و غيره فهم لا يقولون به، بل يقولون بشركة الشريك الآخر و لو لم يرض القابض.

و إن أريد أنّ التعيين بيد غير القابض فهو أيضا ليس كذلك.

و إن أريد أنّ للجميع التعيين بقدر الحّصة فهو أمر لا دليل عليه و لا سبيل، و أيضا يلزم أنّه لو كانت عليه ديونا متعدّدة لديّان عديدة من غير

______________________________

(1) السرائر 2: 402.

(2) السرائر 2: 45، 68.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 279

شركة يشترك الباقون فيما قبضه أحد الديّان لنفسه بقصده و قصد الغريم أيضا، و هو ممّا لا يقول به أحد.

و أيّ فرق بين الديون المتعدّدة لديّان متعدّدة و بين دين واحد لديّان؟! فإنّ التفرقة إنّما هي قبل التعلّق

بالذمّة، و أمّا بعده فالمتعلّق بالذمّة أمر كلّي متخصّص بحصص متعدّدة في الصورتين.

و بالجملة: جعل الدين في إحدى الصورتين كلّيّا واحدا مشتركا و في الأخرى كلّيات متعدّدة غير مشتركة ليس إلّا محض التصوير و الاعتبار، و إلّا فالدين و ما في الذمّة فيهما مائة درهم- مثلا- لشخصين، و ليس إناطة تعيين المستحقّ بيد الشريك في بعض الصور مستندا إلى دليل فقهيّ شرعيّ.

قلنا:

نعم، يلزم ما ذكر، و هو الموافق للأصل، إلّا أنّ الدليل الشرعيّ أوجب الشركة في الدين المشترك، و هو المستفيضة من الأخبار المعتبرة، كصحيحة سليمان بن خالد «1»، و موثّقة غياث بن إبراهيم «2»، و روايتي ابن سنان «3» و ابن حمزة «4»، و غيرها «5»، المؤيّدة بالشهرة العظيمة، و لولاها لكنّا نقول في الدين المشترك الثابت بالإقرار أو البيّنة أيضا باختصاص القابض بما قبضه، و لكنّ الدليل أوجب القول بالتشريك، بمعنى: أنّ الشريك الآخر له المطالبة و إن كانت له الإجازة في الاختصاص أيضا، و لذلك يقتصر فيه على موضع الدليل.

______________________________

(1) الفقيه 3: 23- 60، التهذيب 6: 207- 477، الوسائل 18: 370 أبواب الدين و القرض ب 29 ح 1.

(2) الفقيه 3: 55- 190، التهذيب 6: 195- 430، الوسائل 18: 435 أبواب أحكام الضمان ب 13 ح 1.

(3) التهذيب 7: 186- 821، الوسائل 19: 12 أبواب أحكام الشركة ب 6 ح 2.

(4) التهذيب 7: 185- 818، الوسائل 19: 12 أبواب أحكام الشركة ب 6 ح 1.

(5) انظر الوسائل 19: 12 أبواب أحكام الشركة ب 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 280

و بذلك تندفع بعض الإيرادات الواردة في المسألة و الإشكالات الموردة فيها.

و لتحقيق هذه المسألة موضع آخر تذكر فيه.

د: لو ادّعى قيّم المولّى عليه من الطفل و المجنون و الغائب،

و أقام شاهدا

واحدا، لا يحلف المدّعي، لاختصاص اليمين بصاحب الحقّ، بل توقف الدعوى- مع عدم مصلحة في طيّها بيمين الغريم أو الصلح أو غيرهما- إلى رفع الحجر عن صاحب الحقّ، فإن حلف أخذ، و إلّا سقط.

و لو كان المدّعي وصيّا على الثلث- مثلا- لا يحلف، بل تسقط دعواه، لأصالة عدم ثبوتها. و لو حلف سائر الورثة كلّا أو بعضا يأخذون نصيبهم و لا يخرج منه الثلث، لأنّ الحلف أثبت حصّته خاصّة.

ه: لو أقام المدّعي شاهدا واحدا، ثمَّ رضى بيمين المنكر،

كان له ذلك، للأصل. و يستحلفه، فإن حلف قبل عوده سقطت الدعوى، و إن عاد قبل حلفه و أراد بذل الحلف قال في التحرير: احتمل إجابته إلى ذلك و عدمها «1».

أقول:

بل تتعيّن الإجابة، للأصل، و عدم مشروعيّة اليمين بدون طلب المدّعي، و قياسها على اليمين المردودة- كما ذكره الشيخ «2»- غير صحيح، للفارق.

و قال في التحرير: لا تقبل في الأموال شهادة امرأتين و يمين المدّعي «3».

أقول:

صحيحتا الحلبي و منصور «4» تدلّان على القبول.

______________________________

(1) التحرير 2: 194.

(2) المبسوط 8: 190.

(3) التحرير 2: 193.

(4) المتقدمتان في ص: 267 و 268.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 281

البحث الثالث في السكوت

فإن سكت المدّعى عليه بعد طلب الجواب عنه، فإن كان لدهشة أزالها الحاكم بالرفق و الإمهال.

و إن كان لغباوة و سوء فهم توسّل إلى إزالته بالتعريف و البيان.

و إن كان لآفة من صمم أو خرس توسّل إلى معرفة جوابه بالإشارة المفهمة للمطلوب باليقين «1».

و إن كان لعدم فهم اللغة توسّل إلى إفهامه إلى مترجمين عدلين، و كذا لو احتاج الحاكم إلى فهم جوابه. و لا يكفي واحد، لأصالة عدم حجّية قوله، فيقتصر في محلّ الحاجة إلى المجمع عليه.

و إن كان سكوته تعنّتا و لجاجا ألزمه الجواب أولا باللطف و الرفق، ثمَّ الغلظة و الشدّة، متدرجا من الأدنى إلى الأعلى، على حسب مراتب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. فإن أجاب و إلّا حبسه (حتى يجيب) «2» إن سأله المدّعي إلى أن يجيب أو يعفو الخصم، أو يموت، عند المفيد و الشيخ في النهاية و المختلف و الديلمي و ابن حمزة «3»، و كافّة المتأخّرين كما في المسالك و الكفاية «4».

______________________________

(1) في «ق»: بالتعين ..

(2) كذا، و الأنسب بالسياق حذفه.

(3) المفيد

في المقنعة: 725، النهاية: 342، المختلف: 691، الديلمي في المراسم: 231، ابن حمزة في الوسيلة: 217.

(4) المسالك 2: 370، الكفاية: 269.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 282

و استدلّ عليه تارة بما ذكره في الشرائع و التحرير من أنّ به رواية «1»، و هي و إن كانت مرسلة إلّا أنّها منجبرة بما ذكر.

و اخرى: بحديث: «ليّ الواجد يحلّ عقوبته» «2» حيث إنّه واجد للجواب و يماطل فيه، بناء على تفسيرهم العقوبة بالحبس خاصّة.

و ثالثة: بما مرّ من حبس الأمير الغريم باللّي و المطل «3».

و قيل: يجبر حتى يجيب بالضرب و الإهانة «4». و لعلّه لإطلاق العقوبة، بناء على عدم ثبوت التفسير المذكور، و لأنّه طريق الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و عن المبسوط و السرائر «5» و بعض المتأخّرين «6»: أنّ الحاكم يقول له ثلاثا: إن أجبت و إلّا جعلتك ناكلا، و في المبسوط: أنّه قضية المذهب.

و استدلّ له بأنّ السكوت إمّا هو النكول أو هو أقوى، لأنّ الناكل منكر غير حالف و لا رادّ، و هذا إمّا مقرّ أو منكر كذلك.

و أدلّة الكلّ مدخولة:

أمّا أدلّة الأول، فلأنّ ضعف الرواية و إن انجبر بما مرّ إلّا أنّ متنها ليس معلوما، حتى في دلالته ينظر، و مثل ذلك ليس عند الأصحاب بمعتبر.

و تفسير العقوبة بخصوص الحبس غير ثابت. و حبس الأمير لا يفيد التخصيص، مع أنّ كونه في مثل المورد غير معلوم، و صدق الواجد على

______________________________

(1) الشرائع 4: 86، التحرير 2: 187.

(2) مجالس الشيخ: 532، الوسائل 18: 333 أبواب الدين و القرض ب 8 ح 4، بتفاوت.

(3) في ص: 176.

(4) حكاه في كشف اللثام 2: 338 و فيه: و لم نعرف القائل.

(5) المبسوط 8: 160، السرائر

2: 163.

(6) حكاه عنه في الرياض 2: 401.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 283

مثل ذلك غير ظاهر.

و منه يظهر ضعف دليل الثاني أيضا.

و أمّا أدلّة الثالث فلمنع كونه نكولا، مع أنّه ما ورد لفظ النكول في الروايات. ثمَّ منع كونه إمّا مقرّا أو منكرا، فقد يكون أدّى الحقّ و لم يكن منكرا يلزمه اليمين، و لا مقرّا يلزمه الحقّ، فيسكت عن الإنكار لعدم صحّته، و عن الإقرار لإلزامه بالمقرّ به مع عدم البيّنة على أدائه، و عدم تقصيره في فقد البيّنة حتى يرد: أنّه أدخل الضرر على نفسه، لإمكان موت الشهود. و إمكان التورية منه لا يفيد، إذ قد لا يعلم شرعيّتها، أو لا يهتدي إلى طريقها.

نعم، يمكن أن يستدلّ للقول الأخير بما ذكره بعضهم من جريان أدلّة النكول فيه، كقوله في رواية البصري- على طريق الفقيه- المتقدّمة:

«فيمين المدّعى عليه، فإن حلف فلا حقّ له»، فإنّه لا شكّ في صدق المدّعى عليه عليه، فيدلّ بالمفهوم على أنّه إن لم يحلف فللمدّعي حقّ عليه.

و أظهر منه منطوق قوله: «فإن لم يحلف فعليه» في هذه الرواية على طريقي الكافي و التهذيب.

و للثاني: بقوله في آخرها على الطرق الثلاثة: «و لو كان حيّا لألزم باليمين، أو الحقّ، أو يردّ اليمين عليه» «1»، حيث إنّه أمر بالإلزام بأحد الأمرين، و لا يتحقّق الإلزام إلّا بالأمر أولا، ثمَّ الإيذاء، ثمَّ الضرب و هكذا.

و للأول: بأنّ الإلزام ليس مطلقا، بل مجمل، فيقتصر فيه على المتيقّن، و هو الحبس.

______________________________

(1) الفقيه 3: 38- 128، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 284

و يمكن الجواب عن الاستدلالين الأخيرين بأخصّية الصدر عن الذيل، لمكان قوله: «فإن لم يحلف»، فيجب تخصيص الذيل به، و

يلزمه التخيير في مبدأ الأمر بين أحد الثلاثة، فإذا لم يحلف و لم يرد- كما في المورد- يبقى الإلزام بالحقّ كما هو القول الأخير، و لعلّه الأقوى، فتأمّل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 285

البحث الرابع فيما إذا أجاب المدّعى عليه بقوله: لا أدري، أو هذا ليس لي، أو لفلان، و نحوه، ليصرف الدعوى عن نفسه.
اشاره

و فيه مسألتان:

المسألة الأولى: إذا أجاب المدّعى عليه بنحو قوله: لا أدري
اشاره

، فقال صاحب الكفاية و قبله الأردبيلي: إنّ مقتضى ظاهر كلامهم أنّه لم يكف حلف المنكر على نفي العلم، و أنّه لا يجوز حينئذ الحلف بنفي الاستحقاق لعدم علمه، بل لا بدّ من ردّ اليمين، و إن لم يردّ يقضى عليه بالنكول مطلقا، أو بعد ردّ اليمين على المدّعي «1».

و قال بعض المعاصرين- بعد نقله عنهما-: و لم يحضرني ذكر ذلك في كلام غيرهما «2».

أقول:

التحقيق: أنّه إن ادّعى المدّعي العلم عليه علما أو ظنّا- بل أو احتمالا- فله حلفه على نفي العلم، كما صرّح به بعض مشايخنا المعاصرين أيضا «3»، لأنّه دعوى صحيحة مستلزمة- بعد تحقّق المدّعى به بالنكول- ثبوت الحقّ له، فيدخل في عموم اليمين على من أنكر. و بعد الحلف يسقط أصل الدعوى، لا لما ذكره أيضا من تركّب الدعوى من أمرين- فإذا سقط جزؤه سقط الكلّ، كما ذكروه في الحلف على نفي العلم

______________________________

(1) الكفاية: 270.

(2) غنائم الأيام: 692.

(3) انظر الرياض 2: 404.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 286

بفعل المورّث- بل لأنّ بعد ثبوت انتفاء علمه بالحلف لا تسلّط له عليه بدون البيّنة، كما يأتي.

نعم، لو أقام بعد ذلك بيّنة تقبل، لأنّ الحلف كان على نفي العلم، و لازمه عدم سماع بيّنة العلم.

و إن لم يدّع عليه العلم و لا بيّنة له فلا تسلّط له عليه أصلا بمطالبة الحقّ، للأصل الخالي عن المعارض بالمرّة. و لا بالحلف، للأدلّة المصرّحة بأنّ الحلف على البتّ كما يأتي.

فلو لم تكن بيّنة له سقطت دعواه، بمعنى: عدم ترتّب أثر عليها في حقّه، إذ لم يثبت من الشارع في حقّ المدّعي سوى البيّنة أو التحليف، و هما منفيّان في المقام قطعا، و الأصل عدم

تحقّق مقتضى الدعوى، فيحكم به.

و تدلّ عليه موثّقة سماعة: عن رجل تزوّج أمة أو تمتّع بها فحدّثه ثقة أو غير ثقة، فقال: إنّ هذه امرأتي و ليست لي بيّنة، قال: «إن كان ثقة فلا يقربها، و إن كان غير ثقة فلا يقبل [منه ]» «1».

و حسنة عبد العزيز: إنّ أخي مات و تزوّجت امرأته، فجاء عمّي فادّعى أنّه كان تزوّجها سرّا، فسألتها عن ذلك فأنكرت أشدّ الإنكار و قالت:

ما كان بيني و بينه شي ء قطّ، فقال: «يلزمك إقرارها و يلزمه إنكارها» «2».

و رواية يونس: عن رجل تزوّج امرأة في بلد من البلدان، فسألها:

______________________________

(1) التهذيب 7: 461- 1845، الوسائل 20: 300 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 23 ح 2، و فيهما: عن رجل تزوّج جارية .. فحدّثه رجل ثقة ..، و ما بين المعقوفين ليس في «ح» و «ق»، أثبتناه من المصدرين.

(2) الكافي 5: 563- 27، الفقيه 3: 303- 1452، الوسائل 20: 299 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 287

أ لك زوج؟ فقالت: لا، فتزوّجها، ثمَّ إنّ رجلا أتاه فقال: هي امرأتي، فأنكرت المرأة ذلك، ما يلزم الزوج؟ فقال: «هي امرأته، إلّا أن يقيم البيّنة» «1».

دلّت هذه الروايات على عدم قبول مدّعي الزوجيّة في سقوط حقّ الزوج الثاني، مع أنّ الثاني غير عالم به، كما يدلّ عليه الفرق بين الثقة و غيره في الاولى، و سؤاله عن حالها في الثانيتين، و أنّه لا حلف عليه.

و أمّا قوله في الاولى: «إن كان ثقة فلا يقربها» فلكونها جملة محتملة للإخباريّة لا يفيد أزيد من الكراهة، و لذا خصّه بالمقاربة دون سائر الأمور، و لم يحكم بزوجيّة الأول

بمجرّده.

و اختصاص الروايات بدعوى الزوجيّة غير ضائر، لعدم القول بالفصل بين الحقوق.

و ما نقل عن بعضهم في هذه المسألة- من أنّه يحلف على نفي العلم «2»، و احتمله الأردبيلي و نفى عنه البعد في الكفاية «3»- فمرجعه إلى ما ذكرنا، إذ ظاهر أنّ هذا الحلف إنّما هو إذا جوّز المدّعي علمه حتى تتحقّق دعواه و لو احتمالا. أمّا لو اعترف بعدم علمه فلا معنى ليمين نفي العلم.

و أمّا ما قيل من احتمال أن يقال بردّ الحاكم أو المدّعى عليه الحلف إلى المدّعي «4» فلا وجه له، لأنّه أمر مخالف للأصل، محتاج إلى التوقيف، و لا توقيف.

______________________________

(1) التهذيب 7: 468- 1874، الوسائل 20: 300 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 23 ح 3.

(2) حكاه عنه في الرياض 2: 404.

(3) الكفاية: 270.

(4) انظر الرياض 2: 404.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 288

و لا يتوهّم عموم بعض روايات اليمين، مثل قولهم: «أحكام المسلمين على ثلاثة: شهادة عادلة، أو يمين قاطعة، أو سنّة ماضية» «1» و قولهم: «اقض بينهم بالبيّنات، و أضفهم إلى اسمي» «2»، لأنّها بين مجملة و معيّنة لكون اليمين على المدّعى عليه، و المبيّن حاكم على المجمل، سيّما مع التصريح في صحيحتي العجلي و أبي بصير و روايته، المتقدّمة جميعا في مقدّمة المقام الثاني من البحث الثاني «3».

و كذا لا يتوهّم دلالة إطلاقات ردّ اليمين، لأنّ الردّ إنّما يكون مع تعلّق اليمين بالمدّعى عليه، فإذا لم يتعلّق لا يكون ردّ، مع أنّه لا إطلاق فيها يشمل المورد.

و القول- بأنّه لولاه [للزم ] «4» عدم سماع دعوى مسموعة بلا جهة- واه جدّا، لأنّ طلب الجواب من المدّعى عليه ثمَّ طلب البيّنة من المدّعي و تحليفه على

نفي العلم لو ادّعاه عين سماعها.

نعم، يلزم عدم ثبوت تسلّط للمدّعي في بعض الصور- و ما الضرر فيه؟!- كما في مورد الروايات الثلاث، الذي لا خلاف فيه أيضا ظاهرا، و كما فيما إذا كان المدّعى عليه وارثا، بل هو من أفراد موضوع المسألة، غاية الأمر صيرورة دعواه لاغية، فليكن كذلك، و ما الضرر فيه بعد كونها مخالفة للأصل؟! و القول بأنّ الأصل عدم انقطاع الدعوى المسموعة بلا بيّنة و لا يمين:

مردود بأنّ الأصل أيضا عدم توجّه اليمين على المدّعي، مع أنّ أصالة

______________________________

(1) راجع ص: 199.

(2) راجع ص: 199.

(3) راجع ص: 200.

(4) بدل ما بين المعقوفين في «ح» و «ق»: لزم، و الظاهر ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 289

عدم الاشتغال و عدم وجود دليل شرعي على الحكم به دليل على الانقطاع، مزيل للأصل.

و لا يتوهّم أنّه يمكن إلزام المدّعي عليه بلا يمين مردودة أيضا لعدم المعارض لقول المدّعي، لأنّ الأصل من أقوى المعارضات، و من أين ثبتت حجّية قول المدّعي الجالب للنفع لدفع الأصل الثابت من الشرع؟! فإن قيل:

بوجوب حمل أفعال المسلم و أقواله على الصحّة و الصدق.

قلنا:

من أين ثبت ذلك؟! سيّما إذا كان قوله مخالفا للأصل مثبتا للحقّ على الغير، و لم نعثر إلى الآن على دليل تامّ على ذلك، كما بيّناه في كتابي عوائد الأيّام و مناهج الأحكام.

سلّمنا، فغاية ما نسلّمه أنّه لا يكذب في ادّعاء علمه، و لكن من أين تثبت حجّية علمه علينا؟! فإن قيل:

ورد في رواية البصري المتقدّمة: «و لو كان حيّا لألزم اليمين، أو الحقّ، أو يردّ اليمين عليه» «1» دلّت على أنّه لو كان حيّا لتعلّق به أحد الثلاثة، و لمّا لم يكن اليمين أو ردّه

هنا فتعيّن الإلزام بالحقّ.

قلنا:

يجب إمّا تخصيص الحيّ بالعالم، أو تخصيص الإلزام و الردّ به، و لا مرجّح، فيحصل الإجمال المسقط للاستدلال. و اللّه الموفّق في كلّ حال.

و أمّا ما احتمله في الكفاية من كون عدم العلم بثبوت الحقّ كافيا في الحلف على عدم الاستحقاق، لأنّ وجوب إيفاء حقّه إنّما يكون عند العلم به «2».

______________________________

(1) راجع ص: 231.

(2) الكفاية: 270.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 290

ففاسد، لأنّ المدّعي أمّا يحتمل علمه أو لا، فإن احتمله فله حلفه على نفيه، و إن لم يحتمله فهو على ما ذكره معترف بعدم الاستحقاق أيضا، فكيف يحلّفه؟! ثمَّ بما اخترناه صرّح به بعض معاصرينا، حيث قال ما ملخّصه: إنّه إن ادّعى المدّعى عليه العلم فلا إشكال في جواز الحلف على نفي العلم، و به تسقط الدعوى، و إن لم يدّع عليه العلم فمقتضى الأصل و الأخبار أنّه لا يتوجّه عليه شي ء أصلا، إذ الأصل براءة ذمّته، و لم ينكر شيئا ممّا يدّعيه المدّعي حتى يصدق عليه المنكر، مع أنّها غير ممكنة حينئذ، فلا يكفي صدق المدّعى عليه عليه أيضا، و لا يجب عليه ردّ اليمين، بل الظاهر أنّ الحاكم أيضا لا يردّه، إذ لا معنى لردّ اليمين إلّا بعد ثبوته على المدّعى عليه، و لا يثبت شي ء باليمين على المدّعى عليه حينئذ، فلا يجوز للمدّعي أيضا الحلف حينئذ، و لا يثبت به شي ء لو حلف «1». انتهى.

هذا إذا كانت الدعوى على الدين و ما في الذمّة.

و أمّا إذا تعلّقت بالأعيان الخارجيّة فهو على قسمين:
أحدهما: أن تكون العين في يد المدّعى عليه

، لأجل انتقالها إليه من متصرّف لها غير ثابت اعترافه بما ينافي الملكيّة بأحد أنحاء الانتقال، كالإرث، أو الشراء، أو نحوهما، و لا خلاف حينئذ في أنّه إذا لم تكن للمدّعي بيّنة ليس

له على المدّعى عليه تسلّط، سوى اليمين على نفي العلم إن ادّعاه عليه، كما يأتي.

و ثانيهما: أن تكون العين بيده من غير ادّعائه الملكيّة لها
اشاره

، بل يعترف بأنّه لا يعرف صاحبها، لأجل نسيانه أو غيره، فله أقسام:

______________________________

(1) انظر غنائم الأيام: 692.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 291

الأول: أن يجيب المتصرّف بأنّي لا أدري هل هو منّي، أو من المدّعي

. فإن ادّعى عليه المدّعي الدراية علما أو ظنّا أو احتمالا فله إحلافه على نفي العلم، فإن نكل أو ردّ فيما يجوز فيه الردّ و حلف المدّعي يحكم به له و يأخذه، لا لكون النكول أو الردّ إقرارا، لمنعه، بل للأخبار النافية للحقّ عن الناكل و الرادّ مع حلف المردود إليه، فينحصر الحقّ في المدّعي.

و إن حلف، أو لم يدّع المدّعي العلم عليه، فالظاهر القرعة بينهما، لأنّها لكلّ أمر مجهول.

الثاني: أن يجيب بأنّي لا أدري أنّه هل هو منّي، أو منك، أو من ثالث حاضر يمكن الترافع معه.

فإن نفاه الثالث عن نفسه ينحصر بين المدّعي و المتصرّف، و يرجع إلى الأول.

و إن ادّعاه لنفسه فلكلّ منهما إحلاف المتصرّف على نفي العلم مع ادّعائه عليه، فإن نكل عنهما أو عن أحدهما يسقط حقّه و ينحصر بين المتداعيين، و يرجع إلى مسألة تنازع اثنين في عين في يد ثالث لم يصدق أحدهما إن لم يصدّق أحدهما، و إلى مسألة تنازعهما في يد ثالث صدّق أحدهما إن رجع إلى تصديقه، و ستأتي المسألتان.

و إن حلف المتصرّف لهما فالظاهر الإقراع بين الثلاثة.

و إن قال الثالث أيضا: لا أدري، و منع عن أخذ المدّعي، فله إحلافهما على نفي العلم إن ادّعاه عليهما، و إحلاف من يدّعيه عليه خاصّة، فمع نكولهما أو أحدهما يسقط حقّ الناكل، و مع حلفهما يقرع بين الثلاثة.

و إن أقرّ المتصرّف للمدّعي بعد الترديد يقبل منه، لأنّ قوله أولا بعدم العلم ليس إقرارا على أحد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 292

نعم، للثالث إحلافه لو ادّعى علمه، و تغريمه لو نكل أو ردّ.

الثالث: أن يكون الثالث من لا يمكن الترافع معه

- كالفقراء، أو غائب مفقود الخبر، أو صغير، أو مجنون- فمع ادّعائه العلم عليه يحلّفه، فإن لم يحلف يسقط حقّ نفسه و يقرع بين الباقين، و إن حلف يقرع بين الثلاثة. و يقبل قوله إن أقرّ بعد ذلك قبل الإقراع للمدّعي، لعدم تحقّق شي ء مقبول شرعا ينافيه.

نعم، للصغير أو المجنون بعد الكمال تغريمه لو ادّعى عليه العلم و نكل عن يمينه.

الرابع: أن يكون الثالث مسافرا

، و حكمه أيضا يظهر ممّا ذكرنا في الأقسام السابقة.

الخامس: أن يجيب بأنّي لا أدري أنّه منّي، أو من المدّعي، أو من غيرنا، من غير تعيين

، فمع عدم ادّعاء العلم على المتصرّف يقرع بين الثلاثة أيضا، فإن خرجت القرعة لأحدهما يردّ إليه، و إن خرجت للغير يدخل في مجهول المالك. و كذا مع ادّعاء العلم عليه و حلفه.

و مع نكوله أو ردّ اليمين و حلف المدّعي يسقط حقّ المتصرّف، و يقرع بين المدّعي و الغير، فإن خرجت للمدّعي يعطى العين، و إن خرجت للغير فللمدّعي إغرام المتصرّف، لتضييعه حقّه.

السادس: أن يجيب بأنّي لا أدري أنّه من المدّعي، أو الغير المعيّن،

أو غير المعيّن، مع اعترافه بأنّه ليس من نفسه، فهو يخرج عن تلك المسألة، و يدخل في المسألة الآتية إن شاء اللّه، (و إن كان له جهة مناسبة مع تلك المسألة لأجل قوله: لا أدري أنّه منك، و سيأتي حكمه إن شاء اللّه تعالى) «1».

______________________________

(1) ما بين القوسين ليس في «ح».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 293

المسألة الثانية: لو كان جواب المدّعى عليه: إنّه ليس لي
اشاره

، ليصرف الدعوى عن نفسه، و هو إنّما يكون إذا كانت الدعوى على عين في يد المدّعى عليه، و هو على أربعة أقسام:

أحدها: أن يقول: ليس لي، مقتصرا عليه

. أو يضمّ معه قوله: هو لرجل لا أعرّفه- من باب التفعيل- أي لا أسمّيه. أو يضمّ معهما أو مع أحدهما: و ليس لك، أو: لرجل غيره و غيرك.

و الوجه فيه- وفاقا للشرائع و القواعد و المسالك «1» و غيرها «2»- أنّه لا ينزع من يد المتصرّف، لأنّ انتفاء ملكيّته لا يفسد يده، لإمكان كونها بالإجارة، أو الوكالة، أو العارية، أو اللقطة، أو غيرها، و لا ترتفع الخصومة عنه، بل يخاصم بمطالبته البيان، توصّلا للمدّعي بحقّ ترافعه، فإنّ للمدّعي على من عيّنه حقّا إمّا الأخذ إن أقرّ، أو الحلف إن أنكر.

و لو كذب المقرّ ثبت لصاحب ما يجهل مالكه عليه الحقّ، فيكون تركه البيان تفويتا لحقّ الغير، و هو منكر يجب صرفه عنه على طريقة النهي عن المنكر، و أيضا يخاصم بمطالبة الحلف على نفي علمه بحقّية المدّعي، و يقبل إن أقرّ بعد ذلك، لما سيأتي في بحث التنازع في الأعيان من أنّ إقرار ذي اليد مطلقا يجعل المقرّ له ذا اليد، المقتضي للملكيّة له.

و الوجه الآخر: أنّه ينزع الحاكم المال من يد المتصرّف، و يحفظه إلى أن يظهر مالكه، و ترتفع الخصومة منه، و علّله في الإيضاح بأنّ بنفي المتصرّف عن نفسه و عدم البيان لمالكه صار مجهول المستحقّ «3».

و فيه: أنّ جهل الحاكم أو المدّعي بالمقرّ له لا يدخله في عنوان

______________________________

(1) الشرائع 4: 112، القواعد 2: 231، المسالك 2: 392.

(2) انظر كشف اللثام 2: 364.

(3) إيضاح الفوائد 4: 402.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 294

مجهول المالك، ثمَّ إنّ كلّ

ذلك إذا لم تكن للمدّعي بيّنة، و إلّا فيأخذه.

و قيل: تجري في ذلك القسم الأقوال الثلاثة المتقدّمة في السكوت، من الحبس، و الإجبار على البيان، و الإلزام بالحقّ.

و الأولان هما مثل المطالبة بالبيان، و أمّا الأخير فبعد نفيه عن نفسه لا وجه له.

و القول- بأنّ هذا الإقرار لا يثبت مال الغير- ممنوع، و لعلّ وجهه: أنّه يحتمل تفسيره بما لا يقبل، كأن يقول: إنّه للتهمة.

و فيه: أنّ عدم قبول كونه للتهمة لا يوجب عدم قبول نفيه عن نفسه.

و كذا ما ذكره في المسالك، من أنّ الظاهر أنّ ما في يده ملكه، و ما صدر عنه ليس بمزيل «1».

فإنّه إن أراد أنّه ليس بمزيل لمطلق اليد فهو مسلّم، و لكنّه غير مفيد.

و إن أراد أنّه ليس بمزيل لليد المقتضية «2» للملكيّة فهو ممنوع.

و إن أريد أنّه ليس بمزيل لأصل الملكيّة المتحقّقة أولا بظاهر اليد فقد عرفت ما فيه، فإنّ إقراره على نفسه مزيل له.

و ثانيها: أن يقول: ليس لي و لا أعرف مالكه

- من باب المعرفة- أي لا أدري من هو. و لم يحضرني من صرّح بحكمه.

و الوجه فيه: أنّه يخرج عن ملكيّة المتصرّف، و ترتفع عنه خصومة المدّعي، إلّا إذا ادّعى عليه العلم بحقّيّته فيحلّفه، فإن نكل أو ردّ و حلف المدّعي يأخذ الغرامة منه، لتضييعه حقّه باعترافه بأنّه مجهول المالك، الذي هو إمّا مال الإمام، أو الفقراء، أو لمن يعرفه بعد تعريف السنة، أو غير

______________________________

(1) المسالك 2: 392.

(2) في «ق»: المتضمّنة ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 295

ذلك من أقسام مجهول المالك، و ليس المدّعي أحدها.

و إن حلف ترتفع خصومة المدّعي عنه.

و على التقديرين ليس لأحد- حتى الحاكم- أخذه منه، للأصل، حيث «1» يحتمل أن يكون ممّا يبقى في يده للتعريف.

نعم،

لو عيّن وجه الجهل يعمل بمقتضاه.

الثالث: أن يضيفه إلى من تمتنع مخاصمته

، كالفقراء- بالوقف أو غيره- و الوقف لمسجد (أو مشهد) «2» أو مدرسة أو نحوها.

[و لا تنصرف ] «3» الخصومة عنه إلّا بيمين نفي العلم و حلفه، فإن لم يحلف يغرّم، و إن حلف و لا بيّنة للمدّعي يرتفع تسلّطه، و لا ينتزع من يد المتصرّف، لجواز توليته.

و من هذا القسم: ما لو أقرّ به لطفله، أو لطفل الغير، أو مجنون، أو غائب، أو مفقود الخبر. و لا تسلّط للمدّعي حينئذ على الوليّ بدون البيّنة إذا كان غير المتصرّف، و له عليه يمين نفي العلم إن كان هو المتصرّف و ادّعى علمه، لفائدة الغرامة.

و من هذا الباب: ما لو نقله المتصرّف إلى غيره- من طفل أو غيره- ممّن لا يدّعي المدّعي علمه قبل تمام الترافع، فإنّه لا تسلّط للمدّعي حينئذ سوى إحلاف المتصرّف إن ادّعى علمه، و إغرامه إن نكل أو ردّ.

الرابع: أن يضيفه إلى معيّن لا تمتنع مخاصمته

، و هو على قسمين، لأنّه إمّا يقول: هي لزيد البالغ الحاضر، أو يقول: هي لزيد البالغ المسافر، أو الحاضر في بلدة بعيدة، ليوقف الدعوى و يؤخّرها، مع صرفها عن

______________________________

(1) في «ح»: حتى ..

(2) ليست في «ح».

(3) بدل ما بين المعقوفين في «ح» و «ق»: و تنصرف، و الظاهر ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 296

نفسه.

أمّا الأول، فقال في الكفاية في ذيل مسألة سكوت المدّعى عليه:

و إذا قال المدّعى عليه: هذا لفلان، صرفت الدعوى عنه.

و إن ادّعى المدّعي العلم على المدّعى عليه بأنّ هذا له صحّت الدعوى.

فإن أقرّ به بعد الإنكار، قال بعضهم: إنّه يسلّم من غير حاجة إلى الإثبات، لأنّه مؤاخذ بإقراره، و المال في يده، و هو قادر على دفعه إلى أهله، و تلزمه الغرامة للمقرّ له أولا.

و فيه: أنّه

مؤاخذ بإقراره الأول، فلا يصحّ إقراره الثاني المخالف للأول، فالظاهر أنّه تلزمه الغرامة للمدّعي.

و إن أصرّ على الإنكار يلزمه الحلف على عدم علمه بذلك، فإن حلف أو نكل يترتّب على كلّ واحد حكمه، و يجوز له الردّ، لجواز علم المدّعي بعدم علم المنكر، فيستحبّ فيه حكم الحلف و الردّ و النكول على ما مرّ «1». انتهى.

أقول:

ما ذكره في ردّ قول البعض صحيح، و لكن إطلاقه لزوم الغرامة للمدّعي غير صحيح، بل لا يلائم قوله: صرفت الدعوى عنه، بإطلاقه، إذ لو تمكّن من الادّعاء على المقرّ له و إثبات دعواه بإقراره أو بالبيّنة فلا وجه لتغريم المدّعى عليه، بل لا وجه له قبل المرافعة مع المقرّ له مطلقا، إذ لعلّه يقرّ أو يردّ الحلف أو ينكل، فيأخذ المدّعي العين، فلا وجه لتغريمه، لأنّه لم يتلف العين عليه.

و منه يعلم عدم تسلّط يمين نفي العلم على المدّعى عليه أيضا قبل الترافع مع المقرّ له، بل الصحيح أن يقال: صرفت الدعوى عنه إلى المقرّ له

______________________________

(1) الكفاية: 269.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 297

إن أمكن، فيرافع معه.

فإن رجعت العين إليه بإقرار أو بيّنة أو نكول أو ردّ حلف تمّت الدعوى و لا شي ء على المدّعى عليه.

و إن لم ترجع و حكم بها للمقرّ له، أو كان ممّن لم يتمكّن المدّعي من الترافع معه، فيرجع إلى المدّعى عليه.

فإن لم يدّع العلم بصحّة دعواه- و لو ظنّا أو احتمالا- فلا تسلّط له عليه.

و إن ادّعاه، فإن أقرّ يغرّم، و إن أصرّ فله إحلافه على نفي العلم، فإن حلف تمّت الدعوى أيضا.

و إن لم يحلف- بل ردّ الحلف إن أمكن، بأن تكون دعواه جزما، و حلف المدّعي أو نكل- فعليه الغرامة

للمدّعي، لإتلافه ما كان يعلم أنّه ماله.

هذا إذا لم تكن للمدّعي بيّنة على إقرار المدّعى عليه له سابقا على إقراره للمقرّ له، و إن كانت له و أثبته فيأخذ العين عن المقرّ له مع الإمكان، و هو يرجع إلى المدّعي إن شاء، و يستغرم منه، لاعترافه بالإقرار الثاني تضييعه حقّه بالإقرار الأول، و مع عدم الإمكان يأخذ الغرامة من المدّعى عليه.

هذا كلّه إذا صدّق زيد الحاضر المقرّ له المقرّ في إقراره له، و لو كذّبه ففي المسالك: إنّ فيه أوجها:

أحدها: أنّه ينزع الحاكم منه، و يحفظه إلى أن يظهر مالكه، لخروجه عن ملك المتصرّف بإقراره، و عدم دخوله في ملك المقرّ له بإنكاره، و عدم ثبوت ملك المدّعي، و أصالة عدمه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 298

و الثاني: أنّه يترك في يد المدّعى عليه، إذ لا منازع له، و لعلّه يرجع و يدّعيه.

و الثالث: أنّه يسلّم للمدّعي، لعدم المنازع له فيه «1».

و احتمله في القواعد أيضا «2».

أقول: يرد على الأخير: إنّ عدم المنازع لا يكفي في دفع الأصل و حصول التسلّط له على المتصرّف، و عدم شمول أدلّة ما يسلّم للمدّعي لما لا يد عليه للمورد، و لذا تنظّر فيه في الإيضاح «3» بأنّه لا دليل عليه.

و على ما قبله: بمنع أنّه لا منازع له، بل على الحاكم منازعته، حيث إنّه يتصرّف في ملك ليس له ينفيه عن نفسه، و لا لغير المقرّ له حتى يحتمل جواز تصرّفه فيه لأجله، لإقراره بأنّه له، و لا للمقرّ له، لتكذيبه. فلا يبقى وجه لتصرّفه. و رجوعه بعد نفيه عن نفسه غير مفيد، لعدم ثبوت اقتضاء اليد الكذائيّة لأصالة الملكيّة.

فأوجه الأوجه هو: الأول، كما قطع به في

الشرائع «4» و اختاره في القواعد «5».

و أمّا الثاني- و هو أن يقول: إنّه لغائب معيّن- قال في المسالك ما ملخّصه: أنّه تنصرف الخصومة عنه إلى الغائب، فإن كانت للمدّعي بيّنة قضي على الغائب بشرطه، و إلّا أقرّ في يد المدّعى عليه. و لو طلب المدّعي إحلافه على نفي العلم بأنّ العين له فالأظهر أنّه له، فإن أقرّ أو نكل يغرّم القيمة، فإن

______________________________

(1) المسالك 2: 392.

(2) القواعد 2: 232.

(3) إيضاح الفوائد 4: 402.

(4) الشرائع 4: 112.

(5) القواعد 2: 232.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 299

سلّمت العين للمدّعي بعد حضور الغائب بالبيّنة أو إقراره يردّ القيمة «1». انتهى.

أقول:

كلّ ما ذكره صحيح لا خدشة فيه، إلّا حكمه بإغرام القيمة معجّلا للمدّعي مع الإقرار أو النكول، فإنّ قبل حضور المقرّ له و الترافع له لم يعلم تضييع حقّ له غرامة للمدّعي، إذ لعلّ المقرّ له يقرّ له أو ينكل، فلو قيل بتأخير الإغرام إلى طيّ الدعوى مع الغائب فلعلّه كان أظهر.

ثمَّ لو حضر الغائب و كذّب المقرّ فحكمه كما إذا كذّبه الحاضر، و قد مرّ.

فروع:
أ: قال في المسالك: لو أقام المقرّ له البيّنة على ملكه لم يكن للمدّعي تحليف المقرّ ليغرّمه «2».

أقول:

و الفرق بينه و بين استقرار الملك للمقرّ له بالحلف: أنّ حلفه مسبّب عن صيرورته ذا اليد الحاصلة بإقرار المدّعي، فهو السبب للحيلولة بينه و بين العين، بخلاف البيّنة. و لكن لا يخفى أنّ هذا إنّما يتمّ على قبول بيّنة الداخل، و اللّه العالم.

ب: قال في التحرير في صورة الإقرار للغائب: لو أقام ذو اليد بيّنة تشهد أنّها للغائب،

سمعها الحاكم، و لم يقض بها للغائب، لأنّه لم يدّع هو و لا وكيله، و إنّما الفائدة: سقوط اليمين عن المقرّ إذا ادّعي عليه العلم.

و لو ادّعى وكالة الغائب كان له إقامة البيّنة عن الغائب.

و لو ادّعى رهن الغائب أو إجارته فالأقرب سماع البيّنة على الغائب بالملك، لتعلّق المقرّ بحقّ «3». انتهى.

______________________________

(1) المسالك 2: 393.

(2) المسالك 2: 393.

(3) التحرير 2: 190.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 300

أقول:

الكلّ كذلك، أمّا سماع بيّنته للغائب فلأنّ بإقراره خرج عن كونه داخلا، و بادّعائه ملكيّة الغير الصارفة للدعوى عنه، فمن جهة حقّ صرف الدعوى عنه يصير مدّعيا لنفسه هذا الحقّ فتسمع بيّنته فيما يتعلّق بنفسه، و منه يظهر وجه سقوط اليمين عن المقرّ.

و أمّا إقامة البيّنة عن الغائب مع دعوى الوكالة، فلما سبق من كفاية الوكالة الادّعائيّة في سماع الدعوى و الحكم.

و أمّا قبول البيّنة بملك الغائب عند دعوى الرهن أو الإجارة، فلأنّ دعواه في الرهن و الإجارة الصحيحين، و صحّتهما موقوفة على ملكيّة الغائب، فدعوى ملكيّة الغائب أيضا جزء من الدعوى لنفسه، كما إذا ادّعى على الغائب بيع ملكه له حال بلوغه، فبيّنة البلوغ حقيقة بيّنة لحقّ المدّعي.

ثمَّ إنّ في صورة إقامة المقرّ البيّنة- لا بدعوى الوكالة، بل لإسقاط اليمين، أو تصحيح الرهن أو الإجارة، و حضر الغائب و طلب الحكم- افتقر إلى دعوى مجدّدة، فيحكم بمقتضاها، فإن أقام المدّعي بيّنة قضي بدون

بيّنة الغائب، لأنّه الداخل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 301

البحث الخامس فيما إذا أجاب المنكر بالإبراء أو الإقباض

و ينقلب حينئذ مدّعيا و المدّعي منكرا.

و لا فرق في هذه الدعوى بين أن كان المدّعي أقام البيّنة أوّلا أو لا، و ليس فيه تكذيب لبيّنته. ثمَّ جواب المدّعى عليه الثانوي أيضا إمّا إقرار، أو إنكار، أو سكوت، و حكم الكلّ كما مرّ.

نعم، لو أجاب ب: لا أدري، يكون الأصل حينئذ معه، و يعمل بمقتضى الأصل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 302

البحث السادس فيما إذا كان المدّعى عليه غائبا
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: إذا ادّعى المدّعي دعوى مسموعة، فإمّا يكون المدّعى عليه حاضرا في المجلس، أو غائبا عنه.

فعلى الأول، قال في الدروس باشتراط القضاء عليه بعلمه «1»، فلو لم يعلم- لعدم فهم، أو اختلاف لغة، أو عدم التفات- لم يقض عليه، أي قبل السؤال.

و هو كان حسنا- للأصل- لو لا إطلاقات الأمر بالحكم و القضاء المتقدّمة.

كصحيحة سليمان: «احكم بينهم بكتابي» «2».

و مرسلة يونس: «استخراج الحقوق بأربعة وجوه» «3».

و مرسلة أبان: «اقض بينهم بالبيّنات» «4»، و غير ذلك.

و توهّم تبادر كونه بعد السؤال عن الخصم، أو بعد علمه، فيقتصر في غيره على موضع النصّ، و هو الغائب.

______________________________

(1) الدروس 2: 91.

(2) الكافي 7: 415- 4، التهذيب 6: 228- 550، الوسائل 27: 229 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 1 ح 1.

(3) الكافي 7: 416- 3، التهذيب 6: 231- 562، الوسائل 27: 241 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 7 ح 4.

(4) الكافي 7: 414- 3، التهذيب 6: 228- 551، الوسائل 27: 229 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 1 ح 2 و فيه: اقض عليهم بالبيّنات.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 303

مردود بمنع التبادر، و جريان السيرة على ذلك- لو سلّم- فإنّما هو على الإعلام دون اشتراطه.

إلّا أنّه يرد على الأول: أنّ القضاء بكتاب اللّه لا يدلّ على القضاء قبل السؤال، إذ لعلّ حكم الكتاب هو السؤال عن المدّعى عليه.

و على الثاني: أنّه لا شكّ أنّ استخراج الحقّ يحصل بالإقرار أيضا، فإمّا يجعل الحصر إضافيّا، أو تخصّص الحقوق بما جحدت بعد السؤال و بالغائب، و ليس أحد المجازين أولى من الآخر.

و على الثالث: يتضمّن قولهم: «و أضفهم إلى اسمي يحلفون به» و ذلك يدلّ على وقوع الجحود أيضا.

أمّا ما في صحيحة سليمان من قوله: «هذا» أي الإضافة

إلى الاسم «لمن لم تقم له بيّنة» فلا يدلّ مفهومه إلّا على أنّ مع قيام البيّنة لا يحلف، و أمّا الحكم بها بدون وقوع النزاع و الجحد أو بعد الجحود خاصّة فلا.

و على هذا، فالأظهر عدم القضاء بالبيّنة فيما نحن فيه قبل السؤال، بل تدلّ عليه صريحا رواية محمّد بن مسلم: «إذا تقاضى إليك رجلان فلا تقض للأول حتى تسمع من الآخر» «1» فلو جعل الحاضر الغير العالم كالغائب لم يكن بعيدا.

و على الثاني: فإمّا أن يكون غائبا عن بلد الحكم أيضا، أو عن المجلس دون البلد.

فعلى الأول: يجوز الحكم عليه بعد قيام البيّنة أو علم الحاكم، بل يجب حيثما يجب الحكم، سواء كان بعيدا أو قريبا، بلا خلاف أجده، بل

______________________________

(1) الفقيه 3: 7- 23، التهذيب 6: 227- 549، الوسائل 27: 216 أبواب آداب القاضي ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 304

مطلقا كما قيل «1»، بل باتّفاق أصحابنا كما في المسالك «2»، بل بالإجماع كما صرّح به والدي العلّامة رحمه اللّه في المعتمد، بل بالإجماع المحقّق، له.

و لمرسلة جميل: «الغائب يقضى [عليه ] إذا قامت عليه البيّنة، و يباع ماله، و يقضى عنه دينه و هو غائب، و يكون الغائب على حجّته إذا قدم» قال: «و لا يدفع المال إلى الذي أقام البيّنة إلّا بكفلاء إذا لم يكن مليّا» «3»، و نحوها روايته عن محمّد «4».

و ضعفهما غير ضائر، سيّما مع الانجبار، و صحّة الأولى على الأصح عن ابن أبي عمير.

و يدلّ عليه أيضا عموم صحيحة زرارة المتقدّمة «5» في حكم المقرّ المماطل.

و أمّا الاستدلال بعمومات لزوم الحكم مطلقا (أو بالبيّنة) «6» فهو كان حسنا لو لا رواية محمّد المخصّصة هنا بصورة

السماع من الخصم.

و أمّا المرويّ في قرب الإسناد: «لا يقضى على غائب» «7» فحمله

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 414.

(2) المسالك 2: 370.

(3) التهذيب 6: 296- 827، الوسائل 27: 294 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 26 ح 1، بدل ما بين المعقوفين في «ح» و «ق»: عنه، و ما أثبتناه من المصدرين. و ليس فيهما: إذا لم يكن مليّا.

(4) الكافي 5: 102- 2، الوسائل 27: 294 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 26 ح 1.

(5) التهذيب 6: 299- 836، الاستبصار 3: 47- 154، الوسائل 27: 248 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 11 ح 2.

(6) ليست في «ق».

(7) قرب الإسناد: 141- 508، الوسائل 27: 296 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 26 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 305

بعضهم على التقيّة، و آخر على الغائب عن المجلس دون البلد، و في الوسائل على عدم الجزم بالحكم، لجواز قبول حجّة الغائب «1». و الأولى ردّه بالمخالفة للإجماع هنا، مع أنّه لا يفيد أزيد من المرجوحية.

و على الثاني: فإمّا يتعذّر حضوره، أو لا يتعذّر، و على الثاني: إمّا علم امتناعه من الحضور، أو لم يعلم.

فإن تعذّر فيجوز الحكم عليه أيضا بلا خلاف كما قيل «2»، بل عليه الوفاق في المسالك «3»، و الإجماع في المعتمد و غيره «4»، فإن ثبت الإجماع و إلّا فللكلام فيه مجال واسع، إذ لا يكون عليه دليل سوى عمومات الحكم، و قد عرفت تخصيصها، و عمومات الحكم على الغائب، و ستعرف ما فيها.

و إن لم يتعذّر، فإن امتنع فكذلك أيضا، و من معاصرينا من جعل ذلك أيضا محلّ الخلاف الآتي «5»، و هو غير صحيح، لتصريح الشيخ

في المبسوط بجواز الحكم في صورة الامتناع «6».

و إن لم يعلم امتناعه ففيه خلاف، فقال الشيخ في المبسوط: إنّ الصحيح أنّه لا يقضى عليه «7». و اختاره والدي العلّامة رحمه اللّه في المعتمد، و مال إليه المحقّق الأردبيلي في شرح الإرشاد، بل و كذلك في الصورتين

______________________________

(1) الوسائل 27: 296.

(2) انظر الرياض 2: 414.

(3) المسالك 2: 370.

(4) الخلاف 2: 601.

(5) غنائم الأيام: 688.

(6) المبسوط 8: 162.

(7) المبسوط 8: 162.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 306

الأوليين أيضا إن لم يثبت الإجماع على الجواز فيهما.

و ذهب الفاضلان و الشهيدان و فخر المحقّقين «1» و غيرهم من المتأخّرين و متأخّريهم «2»- بحيث يكاد أن يكون ذلك إجماعا منهم- إلى الجواز، و نسبه في المسالك «3» و غيره «4» إلى المشهور.

نعم، يستشمّ من الدروس التوقّف «5»، حيث ذكر المسألة و لم يبيّن الترجيح، و هو الظاهر من القواعد أيضا، حيث قال: و إن كان حاضرا على رأي «6».

و كيف كان، فدليل المشهور ما مرّ من العموم و الخصوص.

و استدلّ أيضا بالخبر المستفيض عنه صلّى اللّه عليه و آله- كما قيل «7»- الوارد في حكاية زوجة أبي سفيان «8».

و فيه: أنّ الظاهر منه أنّه من باب الاستفتاء و الإفتاء دون الحكم، لقولها: أ يجوز أن آخذ من ماله؟ و لعدم تحقّق طلب بيّنة عنها، و لا يمين، و لا غيرهما من لوازم القضاء.

______________________________

(1) المحقّق في الشرائع 4: 86، المختصر: 285، الفاضل في التحرير 2: 187، و التبصرة: 189، الشهيدان في اللمعة و الروضة 3: 103، و المسالك 2: 370، فخر المحقّقين في الإيضاح 4: 359.

(2) كالسبزواري في الكفاية: 269. و الكاشاني في المفاتيح 3: 253، و الفاضل الهندي في كشف

اللثام 2: 347.

(3) المسالك 2: 370.

(4) كالكفاية: 269.

(5) الدروس 2: 91.

(6) القواعد 2: 216.

(7) انظر المسالك 2: 370.

(8) صحيح مسلم 3: 1338.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 307

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «خذي ما يكفيك» و إن كان ظاهرا في الحكم إلّا أنّه يحمل على إرادة جواز الأخذ، بقرينة ما ذكر.

هذا، مع أنّه لا دليل على حضور أبي سفيان في البلد، أو عدم امتناعه، أو تعذّره من الحضور.

و لا إطلاق فيه، لكونه قضية في واقعة، فلا يتمّ الاستدلال به و لا بالعموم، لما مرّ من المخصّص، بل و لا خصوص مجوّزات الحكم على الغائب، لما يأتي.

احتجّ الشيخ بأنّ القضاء على الغائب ضرورة يقتصر فيها على موضع الحاجة «1».

و الأردبيلي: بأنّه إدخال الضرر على الغائب، إذ قد يتعذّر عليه إقامة الحجّة بعد الحكم، و على تقديرها قد يتعذّر عليه استيفاء الحقّ من الخصم، أو الكفيل، لموت أو فقر.

و مرجع الأول إلى الأصل، و الثاني إلى قاعدة نفي الضرر.

و الأول: يندفع بالدليل.

و الثاني: يخرج عنه أيضا به، مع أنّ ترك القضاء أيضا قد يكون ضررا على المدّعي. و أيضا لو كان إيجاب الحكم لتعذّر إقامة الحجّة لا وجه له و لو سلّم فهو نادر، و الضرر الحاصل من تعذّر الاستيفاء- لو كان- إنّما هو من جهة دفع المال دون القضاء.

و قد يستقرب العدم بضعف الخبرين «2» سندا و دلالة.

أمّا الأول فظاهر.

______________________________

(1) المبسوط 8: 162.

(2) أي مرسلة جميل و رواية محمد المتقدّمتان في ص: 304.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 308

و أمّا الثاني فلعدم ظهور الخبرين في الحاضر في البلد الغير المتعذّر حضوره، و لعلّه لأجل ظهور قوله: «قدم» في المسافر، و كذا الحاجة

إلى دفع المال و أخذ الكفيل، مع أنّ الغائب يحتاج إلى متعلّق مقدّر، فهو إمّا البلد أو المجلس، فيحصل فيه الإجمال الموجب للاقتصار على المتيقّن.

و لو منع احتياجه إلى المتعلّق و جعل لفظه مستعملا في الشخص الغير الحاضر لصار أشكل، لمنع صدقه عرفا على من في البلد.

و الجواب: أمّا عن ضعف السند فقد مرّ.

و أمّا عن ضعف الدلالة: فيمنع ظهور لفظ: «قدم» في المسافر لغة، بل يصدق على قدوم المجلس أيضا، و دفع المال و أخذ الكفيل يمكن تحقّقه كثيرا في الحاضر في البلد أيضا، و الغائب مطلق كالأكل، فلا يحتاج إلى متعلّق خاصّ، فيتحقّق كلما تحقّقت الغيبوبة. إلّا أنّه يمكن أن يقال:

إنّه ليس المراد مطلق الغيبوبة كالأكل، إذ كلّ شخص غائب عن غير موضع واحد، فالمراد: الغائب عن موضع خاصّ، و لا دليل على أنّه مجلس الحكم، فيدخله الإجمال المسقط للاستدلال. و لا يبقى دليل على جواز الحكم على مثل ذلك الغائب، و قد عرفت حال عمومات الحكم.

فإذن قول الشيخ هو الأظهر و عليه العمل، (و جانب العدم أحوط) «1».

المسألة الثانية: يكفي في جواز القضاء عليه إقامة البيّنة عليه، و لا يحتاج إلى يمين

. و ذهب جماعة «2»- منهم الوالد العلّامة- إلى إحلاف المدّعي، بل ادّعى عليه الشهرة، و قد مرّ دليلهم بجوابه في بحث الدعوى على الميّت.

______________________________

(1) بدل ما بين القوسين في «ح»: و إن كان مراعاة جانب العدم أحوط.

(2) كالسبزواري في الكفاية: 269.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 309

المسألة الثالثة: إذا حكم على الغائب فهل يدفع إلى المدّعي المدّعى به، أم لا؟

المعروف من مذهب الأصحاب: نعم، و يدلّ عليه الخبران «1».

و هل هو على الوجوب بعد طلب المدّعي، أم الجواز؟

الخبران لا يثبتان أزيد من الجواز، فهو الوجه.

و أمّا عمومات النهي عن المنكر و نحوها فلا تفيد هنا، إذ مع بقاء الغريم على الحجّة و عدم الإحاطة بما يحتجّ به لا يعلم منكر، و لا حقّ ثابت بلا كلام حتى يجب استيفاؤه.

و هل يتوقّف جواز الدفع على أخذ الكفيل، كما ذهب إليه الشيخ في النهاية و القاضي و الحلّي على ما حكي عنهم، و المحقّق في كتابيه «2»، و جمع من المتأخّرين «3»، منهم الوالد العلّامة؟

أم لا، كما حكي عن ابن حمزة «4»؟ بل هو مذهب كلّ من أوجب اليمين هنا، فاكتفوا بالتحليف عن التكفيل.

الحقّ هو: الأول، للخبرين المتقدّمين، و لكنّ التكفيل فيهما مقيّد بعدم كون المدّعي مليّا، فمع ملاءته لا تكفيل، و هو كذلك، لذلك.

و ظاهر أنّ علّة التكفيل و التقييد إنّما هي دفع الضرر عن الغريم لو ثبت استحقاقه الاسترداد، و على هذا فيجب أن يكون الكفيل من يسهل الاستيفاء عنه، و كذلك الملاءة، فلو كان مليّا و لكن كان المال المحكوم به له خطيرا

______________________________

(1) أي مرسلة جميل و رواية محمّد، المتقدّمتان في ص 304.

(2) النهاية: 352، و حكاه عن القاضي في الرياض 2: 414، الحلّي في السرائر 2:

34، المحقّق في الشرائع 4: 85، و النافع:

285.

(3) كابن سعيد في الجامع للشرائع: 527، و العلّامة في القواعد 2: 216.

(4) الوسيلة: 214.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 310

زائدا عن قدر ملاءته لا يكتفى بها.

و بالجملة: مقتضى العلّة المستفادة: تحصيل الوثوق بسهولة الاستيفاء و دفع الضرر عن الغريم لو تمّت حجّته.

المسألة الرابعة: جواز الحكم على الغائب يختصّ عندنا- كما قيل «1»- بحقوق الناس مطلقا

، مالا كانت أو عقدا أو غيرهما، دون حقوق اللّه المحضة، فلا يجوز الحكم فيها على الغائب، و قيل: الظاهر أنّه إجماعيّ «2»، و صرّح والدي في المعتمد بالإجماع عليه.

و يدلّ عليه- بعد ظاهر الإجماع- الأصل، و قوله: «ادرءوا الحدود بالشبهات» «3» فإنّ احتمال إقامة الغائب الحجّة شبهة و أيّ شبهة؟! و شمول العمومات لحقوق اللّه غير معلوم، سيّما ما تضمّن منه مثل قوله: «احكم بين الناس» و: «بينهم» و: «اقض لهم» «4».

و أمّا الخبران و إن كانا شاملين لها إلّا أنّهما يعارضان رواية قرب الإسناد «5» المنجبرة في المورد، فإمّا ترجّح- لمرجوحيّة الخبرين بمخالفة العمل فيه أو يتساقطان، فيرجع إلى الأصل، مع أنّ نفس مخالفتهما للعمل في المورد يسقط حجّيتهما فيه.

و إذا كانت الدعوى فيما يتضمّن الحقّين- كالسرقة- فالمشهور فيه أيضا أنّه يحكم على السارق بغرامة المال بعد الثبوت، بخلاف القطع،

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 415.

(2) غنائم الأيام: 688.

(3) الفقيه 4: 53- 190، الوسائل 28: 47 أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها العامّة ب 24 ح 4.

(4) انظر الوسائل 27: 229 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 1.

(5) المتقدّمة في ص: 304.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 311

فيصبر حتّى يحضر فيثبت عليه، و لا منافاة بين الحكمين، و هو كذلك، و يظهر وجهه ممّا مرّ.

و تردّد المحقّق في الشرائع «1»، و وجه العدم هو كونهما معلولين لعلّة واحدة، فلا ينفكّان.

و

يدفعه: أنّ كون السرقة علّة تامّة للقطع ممنوع، بل هو مع حضور المدّعى عليه.

و قد يعتذر بأنّ علل الشرع معرّفات، و لا مانع عن تخلّفها عن المعلول، كما لو أقرّ بالسرقة مرّة فتثبت الغرامة دون القطع، و كذا لو أقرّ المحجور عليه بالمال فيثبت الحكم في القطع دون المال.

و فيه: أنّ المعرّف معناه: أن يعرّف العالم بالأحكام المستأهل لمعرفتها ثبوت الحكم بسبب وجوده، فلا يتخلّف عنه. و اللّه العالم.

المسألة الخامسة: قد دلّ الخبران و صرّح الأصحاب: بأنّ الغائب المحكوم عليه على حجّته

، فإذا حضر فادّعى فسق الشهود، أو الردّ، أو الإبراء، أو تحقّق رضاع محرّم في دعوى النكاح، أو عدم أهليّة الحاكم، أو وجود بيّنة معارضة لبيّنة، أو غير ذلك من الحجج، يحكم له بمقتضاه.

و هل يشترط أن تكون إقامة الحجّة عند الحاكم الأول، أو يجوز له إقامتها عند حاكم آخر؟

الظاهر هو: الثاني، للأصل، إلّا في جرح الشهود و تعارض البيّنات، لأنّهما من تتمّة الحكم الأول، و لم يثبت جواز إتمام حكم واحد من حاكمين، و لا حجّية الجرح الثابت عند أحدهما، و لا الشهادة المؤدّاة عنده

______________________________

(1) الشرائع 4: 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 312

على الآخر.

و الحاصل: جواز الإقامة عند الغير إذا كانت الحجّة دعوى أخرى طارئة على الاولى، و عدمه إذا كانت نقضا في الدعوى الاولى.

نعم، الظاهر أنّه يجوز لهما بعد حضور الخصم إعادة الترافع عند الغير، فتقام الحجّة عنده بعد إقامة المدّعي حجّته، لأنّ القضاء الأول غير تامّ بعد، فيجوز تركه و الرجوع إلى الغير، و لذا يؤخذ الكفيل.

و على هذا، فلو مات الحاكم الأول أو سافر سفرا يتعسّر الوصول إليه قبل إقامة الغريم حجّته بجرح الشهود أو معارضة البيّنة يعيدان المرافعة عند حاكم آخر، فتأمّل. و اللّه العالم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 17، ص: 313

الفصل الرابع فيما إذا كان المدّعى عليه أو المدّعي أو كلاهما غير صاحب الحقّ
اشارة

و فيه بحثان:

البحث الأول فيما إذا كان المدّعى عليه المخاصم مع المدّعي غير الغريم الذي تعلّق الحقّ به لو كان
اشاره

و هو إمّا يكون وارثا للغريم، أو مملوكا، أو وكيلا له، أو وليّا بالأبوّة، أو الوصاية، أو الحكومة، أو القيمومة. فهاهنا مسائل:

المسألة الأولى: إذا كان المدّعى عليه وارثا للغريم
اشاره

، فيشترط في سماع دعواه أمران:

أحدهما: ثبوت موت المورّث.

و الثاني: تخلّف مال عنه تحت يده.

فإن اعترف المدّعي بانتفاء الأمرين لم تسمع الدعوى، لكونها لاغية.

و إن اعترف الوارث بهما سمعت الدعوى قطعا.

و إن اختلفا فيهما أو في أحدهما فتحصل حينئذ ثلاث دعاو أو دعويان: دعوى الأمرين، أو أحدهما، و دعوى المال. و يبدأ بأيّ من الثلاثة أراد، لعدم دليل على تقديم أحدها.

و قد يتراءى هاهنا إشكال، و هو أنّ هذه الثلاثة ليست بدعوى واحدة،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 314

لجواز تغاير أحكامها، فتثبت إحداها بالبيّنة، و الأخرى بالشاهد و اليمين، و الثالثة باليمين المردودة و بالشاهدين و اليمين، أو تثبت اثنين منها و يتصالحان في الأخيرة، فهي دعاو متعدّدة، و صحّة كلّ منها- أي صحّة سماعها- متوقّف على ثبوت الأخرى الموقوف على صحّتها، و كونها مسموعة أيضا يتوقّف على صحّة الأخرى.

و دفعه: أنّ سماع كلّ منها موقوف على احتمال تحقّق المدّعى به فيها و في الأخريين، و هو متحقّق غير متوقّف على شي ء، و فائدة كلّ منها التسلّط على أخذ المال بعد تمام الدعاوي الثلاث، أو رفع تسلّطه على الوارث. و بذلك تفترق الدعوى على الوارث عن الدعوى على المورّث بأنّ الأخيرة دعوى واحدة غير متوقّف مقتضاها على شي ء آخر، بخلاف الدعوى على الوارث. و قد تفترق أيضا بأنّ اليمين في الدعوى مع المورّث على البتّ في نفي المدّعى به، و هنا على نفي العلم.

و فيه: أنّ المورّث أيضا إن قال: لا أدري، و ادّعى المدّعي علمه يحلفه على نفي العلم، كما أنّ

الوارث أيضا إن ادّعى نفي المدّعى به.

و هو أمر ممكن، كما إذا ادّعى ثمن الضيعة الفلانيّة على المورّث، و علم الوارث أداءه في حضوره، أو قال: إنّي أقرضت مورّثك المبلغ الفلاني في اليوم الفلاني في المكان الفلاني، و علم هو انتفاءه، يحلف على البتّ في نفي المدّعى به، كما صرّح به بعض فضلائنا المعاصرين أيضا «1».

و لا دليل على أنّ يمين الوارث منحصر في يمين نفي العلم، فتأمّل.

______________________________

(1) المحقّق القمي في رسالة القضاء (غنائم الأيام): 692.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 315

فرعان:
أ: لو حلف الوارث على نفي العلم، فهل تسقط دعوى المدّعي في أصل الحقّ

و إن حصلت له بيّنة بعد و أراد إقامتها، أم لا؟

قال بعض المعاصرين: فيه نظر، و الحقّ: أنّ الأدلّة المتقدّمة لا دلالة فيها على ما نحن فيه، و لا يبعد سماع البيّنة حينئذ «1». انتهى.

أقول:

ما نفى البعد عنه قريب جدّا، بل هو كذلك، لأنّ المستفاد من الأدلّة الدالّة على سقوط الحقّ باليمين ليس إلّا سقوط ما حلف على نفيه، و هو العلم فيما نحن فيه، بل صرّح بذلك في صحيحة ابن أبي يعفور، و فيها: «و كانت اليمين قد أبطلت كلّ ما ادّعاه قبله ممّا قد استحلفه عليه» «2».

نعم، لو أراد إقامة البيّنة بعده على إثبات علمه بإثبات إقراره و نحوه لا تسمع.

ب: لو ردّ الوارث المدّعى عليه العلم باليمين، فهل يتعيّن عليه الحلف على علمه،

أو يكفي الحلف على ثبوت الحقّ، فقد يسهل على المدّعي الحلف عليه دون الحلف على علم الوارث؟

قال بعض المعاصرين: الظاهر أنّ الخيرة بيد الحالف لا المحلف، فيجوز له الحلف على ثبوت الحقّ «3».

______________________________

(1) غنائم الأيام: 692.

(2) الكافي 7: 417- 1، الفقيه 3: 37- 125، التهذيب 6: 231- 565، الوسائل 27: 244 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 9 ح 1.

(3) غنائم الأيام: 692.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 316

أقول:

فيه نظر، بل الحقّ تعيّن الحلف على العلم، لأنّ الحلف أمر توقيفي، و لم يثبت جواز حلف المدّعي إلّا مع الردّ، و الردّ لا يكون إلّا على إثبات ما توجّه على المنكر، فكما لا يجوز للمدّعي إحلاف الوارث النافي للعلم إلّا بنفي العلم، فبعد ردّه لا يجوز له الحلف إلّا بإثبات العلم، لأنّ مخيّرة ليس ما ردّه.

و منه يظهر أنّه ليست الخيرة بيد المحلف أيضا، بل تتعيّن شرعا.

و أمّا ما مرّ في بحث الحلف من جواز حلف المنكر على نفي الأعمّ مع

دعوى الأخصّ، فلكون الأخصّ مندرجا تحت الأعمّ و مستلزما له، و ليس كذلك المورد، فإنّ ثبوت الحقّ واقعا لا يستلزم علم الوارث.

المسألة الثانية: إذا كان المدّعى عليه مملوكا، فهل الغريم هو أو مولاه؟

اختلف كلام الأصحاب فيه، فقال المحقّق في الشرائع: الغريم مولاه، سواء كانت الدعوى في المال أو الجناية «1». بمعنى: أنّه إذا أقرّ المملوك لم يسمع، بل يترتّب الأثر على إقرار مولاه، فيؤخذ بإقراره المال المدّعى على المملوك أصالة أو بواسطة الجناية خطأ. و لو أنكر المملوك لا يترتّب عليه أثره من اليمين و ردّها و القضاء مع النكول أو مع ردّ اليمين، و أنّ ذلك كلّه إلى المولى.

و كذا القصاص، فإنّه لا يقتصّ منه بإقراره، بل يقتصّ منه بإقرار مولاه بالموجب. و كذا لو ثبت المدّعى بالبيّنة. و يتوجّه اليمين على المولى.

و بالجملة: المدّعى عليه في الدعوى على المملوك هو المولى

______________________________

(1) الشرائع 4: 90.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 317

لا المملوك مطلقا، و إليه ذهب الفاضل في التحرير و الإرشاد و القواعد «1».

إلّا أنّ في الأخير قرّب توجّه اليمين في موردها على العبد، و مع نكوله عنها تثبت الدعوى في ذمّته، يتبع بها إذا أعتق.

و في باب الإقرار منه حكم بعدم قبول إقرار العبد على نفسه مطلقا، لكن يتبع بالمال بعد العتق، و حكم بعدم قبول إقرار المولى عليه مطلقا، لكن في الإقرار عليه بالجناية يجب المال و يتعلّق برقبته «2».

و عن الشيخ في المبسوط: إنّ الغريم في الجناية الموجبة للقصاص العبد مطلقا، و في موجب المال المولى كذلك «3».

و قال في المسالك: إنّ الأقوى أنّ الغريم كلّ واحد من العبد و المولى، فإن وقع النزاع مع العبد لم ينفذ إقراره معجّلا مطلقا، و ثبت بعد العتق مطلقا، فيتبع بالمال و تستوفى

منه الجناية.

و إن أنكر و حلف انتفت عنه الدعوى مطلقا، و إن ردّها أو نكل اتبع بموجبها بعد العتق كما لو أقرّ.

و إن وقع النزاع بينه و بين المولى- سواء كان قد وقع بينه و بين العبد أم لا- فإن أقرّ بالمال لزم مقتضاه معجّلا في ذمّته، أو متعلّقا برقبة العبد على حسب موجب الدعوى.

و إن أقرّ بالجناية لم يسمع على العبد بالنسبة إلى القصاص، و لكن يتعلّق برقبة المجنيّ عليه بقدرها، فيملكه المقرّ له إن لم يفدها المولى «4».

______________________________

(1) التحرير 2: 190، القواعد 2: 211.

(2) القواعد 1: 278.

(3) المبسوط 8: 215.

(4) المسالك 2: 374.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 318

و استشكل في الكفاية- بعد نقل قوله- في قوله: بعدم نفوذ إقراره معجّلا مطلقا، على القول بأنّ العبد يملك شيئا، أو على بعض الوجوه.

و كذا في قوله: إن ردّها أو نكل اتبع بموجبها بعد العتق، على القول المذكور. و كذا في قوله: و إن وقع النزاع بينه و بين المولى، فإن أقرّ بالمال لزم مقتضاه معجّلا في ذمّته، أو متعلّقا برقبة العبد «1». انتهى.

و قال المحقّق الأردبيلي- بعد نقل القول الأول-: و فيه تأمّل ظاهر، إذ قد يمنع لزوم المال على السيّد بمجرّد إقرار أنّ مملوكه أتلف مال الغير أو أخذه، و أيضا قد يترتّب على إقراره أثر، بأن يتبع بعد العتق.

نعم، لو كان المدّعى مالا موجودا في يد المولى صحّ ذلك.

و كذا في القصاص، فإنّه قد يترتّب على إقراره أثر، بمعنى: أنّه إذا أقرّ بالموجب و أنكر السيّد يجب عليه القصاص بعد العتق.

و أيضا إثبات القصاص عليه بالفعل مع إنكاره و عدم البيّنة بمجرّد إقرار السيّد مشكل جدّا، فإنّ للعبد أيضا حقّا، كيف

و هو المتألّم؟! نعم، يمكن أن يتملّك المجنيّ عليه منه حينئذ بقدر الجناية.

و أيضا كيف يتوجّه اليمين إلى السيّد مع إنكاره و إقرار العبد، و يحلف على نفي فعل الغير مع إقرار الغير به؟! نعم، يمكن الإحلاف على نفي العلم، و كأنّه المراد. انتهى.

أقول:

إنّ ما استشكله في الكفاية على قول صاحب المسالك- على القول بتملّك العبد- فهو في موقعه جدّا، و كذا كثير ممّا أورده الأردبيلي على القول الأول.

______________________________

(1) الكفاية: 271.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 319

و كذا يشكل ما ذكروه من أخذ العبد بالإقرار حين الرقّية بعد العتق.

و تحقيق الكلام: إنّ الدعوى على العبد- سواء كان هو المخاطب بالدعوى أو المولى- إمّا ماليّة، أو بدنيّة، أو غيرهما.

فإن كانت ماليّة، فإمّا يتبعها إقرار أو لا، فإن تبعها الإقرار فإمّا يكون هو إقرار المولى، أو العبد، أو هما.

فإن أقرّ المولى خاصّة، فتتفرّع المسألة على أنّ الحقوق الماليّة المتعلّقة بالعبد هل تتعلّق بالمولى مطلقا، أو على القول بعدم تملّك العبد شيئا؟

فإن ثبت ذلك ينفذ الإقرار في حقّ المولى، لأنّه إقرار على نفسه، و إلّا فلا يثبت شي ء على المولى و لا على العبد مطلقا.

و إن أقرّ العبد خاصّة فلا ينفذ إقراره في حقّ المولى مطلقا، للأصل.

و لا في حقّ نفسه، على القول بعدم تملّكه و تعلّق ما يتعلّق بسببه بالمولى، لا في حال الرقّية و لا بعد العتق، أمّا حال الرقّية فظاهر، و أمّا بعدها فلأنّ على ذلك ليس إقرارا على نفسه حتى تكون الرقّية مانعة عن نفوذه فيؤثّر بعد رفع المانع، بل إقرار في حقّ الغير، و لذا لو أقرّ المولى حينئذ ثبت الحقّ عليه، و لا معنى لثبوت حقّ واحد على شخصين، و أيضا

تعلّقه على العبد بعد العتق فرع كونه إقرارا على نفسه، و كونه كذلك فرع تعلّقه عليه بعد العتق، و هذا دور.

و أمّا على القول بتملّكه و تعلّق الحقوق بنفسه فينفذ إقراره في حقّه.

فإن أقرّا معا فالنافذ إقرار المولى على نفسه إن قلنا بعدم تملّك العبد و تعلّق الحقوق بالمولى، و يلغى إقرار العبد، و إقرار العبد على القول الآخر و يلغى إقرار المولى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 320

و إن لم يتبع الدعوى إقرار أصلا، فإمّا تكون للمدّعي بيّنة أو لا.

فإن كانت له بيّنة يثبت الحكم المشهود به على المولى إن قلنا بتعلّق الحقوق الماليّة بسبب العبد على المولى و عدم تملّك العبد، و على العبد إن قلنا بتملّكه و تعلّق الحقوق بنفسه، و عليه بعد العتق إن لم يثبت تعلّقها بالمولى و قلنا بعدم تملّكه.

و إن لم تكن له بيّنة فالحلف على من ينفذ إقراره كما مرّ، و النكول كالإقرار.

و إن كانت الدعوى بدنيّة- حبسا، أو ضربا، أو جرحا، أو قتلا- فتثبت بالبيّنة، و بإقرارهما معا، و بإقرار أحدهما و نكول الآخر، أو ردّه الحلف و حلف المدّعي، و لا يثبت بإقرار أحدهما خاصّة شي ء، و لا بنكوله و لا بيمينه المردودة شي ء أصلا، حتى على العبد بعد عتقه، لأنّ حال الرقّية ليس إقرارها على نفسه محضا.

و إن كانت الدعوى غير الماليّة و البدنيّة- كالطلاق- فهو كسائر من يدّعى عليه إن لم يكن له تعلّق بالمولى. و اللّه العالم.

المسألة الثالثة: لو كان المدّعى عليه وكيلا لصاحب الحقّ

- و منه الأمين في المعاملات- أو وليّا له بأحد وجوه الولاية، فلو أثبت المدّعي حقّه بالبيّنة أو الشاهد و اليمين يحكم له، و إلّا فلا يفيد إقرار المدّعى عليه، لأنّه في حقّ الغير،

و لا يحلف، إذ لا حلف للغير، و لأنّ الحلف إنّما يكون فيما يثبت الحقّ بترك الحلف بالإقرار أو النكول، و ليس كذلك في حقّ الغير.

و ليس له ردّ الحلف إلّا في الوكيل إذا كان وكيلا في ذلك أيضا عموما أو خصوصا، لما مرّ في بحث يمين المنكر في المسألة السادسة، و لأنّه

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 321

ليس للوكيل و الوليّ إلّا الإتيان بمصلحة الموكّل و المولّى عليه، و لا مصلحة في ردّ الحلف.

و لا يترتّب أيضا على جوابه- بأنّه ليس لموكّلي، أو لمن لي الولاية عليه- ما يترتّب على جواب صاحب الحقّ بذلك، لأنّه إقرار على الغير.

فإن قيل: فعلى هذا فما فائدة مطالبة الجواب عن الوكيل و الولي؟ بل ما فائدة الدعوى عليهما؟! بل يحكم حينئذ للمدّعي كما يحكم على الغائب له.

قلنا: فائدته أنّه لعلّه يجيب بإبراء، أو ردّ، أو نقل و يثبته، أو يستحلف إن كان وكيلا فيه. و كذا يظهر في جرح الشهود و تعارض البيّنات و نحوها.

و يظهر من ذلك أنّه لو باع أمين شخص شيئا منه لزيد، فادّعى زيد بعده العين، أو اشتراط خيار في العقد، أو نحوهما، و لا بيّنة، لا تسلّط له على حلف الأمين. و كذا لو اشترى له.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 322

البحث الثاني فيما إذا كان المدّعي غير صاحب الحقّ
اشاره

و فيه أيضا مسائل:

المسألة الاولى: لو كان المدّعي وكيل صاحب الحقّ، و كان هو غائبا، و أقام الوكيل البيّنة له، و ثبتت دعواه
اشاره

، فقال الغريم: أبرأني صاحب الحقّ، أو: وفيته حقّه، و أراد التأخير إلى حضور الموكّل و استحلافه، ففي إلزامه على الحقّ أو تمكّنه وجهان:

الأول: مختار الشرائع و التحرير- و إن احتمل فيه التوقّف أخيرا- و القواعد و الإرشاد و الإيضاح «1» و غاية المراد و المحقّق الأردبيلي و المعتمد، و بعض المعاصرين «2»، و مال إليه في المسالك «3»، و حكي عن القفال من العامّة «4».

و هو الأقرب، لثبوت الحقّ على الغريم، و لا يبطل بالاحتمال المخالف للأصل.

قيل:

و لأنّ دعوى الغريم على الموكّل فلا تسقط دعوى آخر به، و لأنّ ذلك يوجب انتفاء فائدة التوكيل، لإمكان هذه الدعوى لكلّ خصم، و هو- مع أنّه خلاف المعلوم من المذهب- مستلزم للعسر و الحرج «5».

______________________________

(1) الشرائع 4: 86، التحرير 2: 187، القواعد 2: 216، الإيضاح 4: 358.

(2) غنائم الأيام: 689.

(3) المسالك 2: 371.

(4) حكاه عنه في المسالك 2: 371.

(5) غنائم الأيام: 689.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 323

و فيهما نظر، أمّا الأول فلرجوع الدعوى إلى الوكيل أيضا بعدم استحقاقه الأخذ لأجل إبراء موكّله أو أخذه، بل الدعوى معه حقيقة و ما تشبّث به مستند دعواه.

و أمّا الثاني، فلأنّ مجرّد الإثبات أيضا فأيده عظيمة، إذ لعلّ الموكّل لا يتمكّن منه بعد ذلك.

و لم أعثر على مصرّح بالوجه الثاني، نعم ظاهر الكفاية التوقّف «1»، و ليس لهذا الوجه دليل تامّ.

و هل يسلّم المال إلى الوكيل مع الكفيل، أو بدونه؟

استقرب الأردبيلي الأول، لأنّ فيه جمعا بين الحقّين.

و الوجه: الثاني، للأصل، و عدم ثبوت حقّ للغير يلزم جمعه.

هذا إذا لم يكن الوكيل وكيلا مطلقا، أو في خصوص دعوى الإبراء أو الدفع أيضا، و إلّا فاللازم عدم

إلزامه الغرامة حتى تتمّ الدعوى الثانية، كذا قيل «2».

و هو حسن إن لم يعزل نفسه بعد إثبات الدعوى الأولى، إلّا أنّه لو عزل لم يتسلّط على المطالبة أيضا، إلّا أن يقال بجواز عزله في بعض ما وكّل فيه.

هذا كلّه إذا لم يصبر الوكيل، و إلّا فيجوز له التأخير عن أصل الدعوى و عن المطالبة، لعدم لزوم فعل ما وكّل فيه عليه، إلّا أن يكون قد أوجب على نفسه بوجه من الوجوه، فتأمّل.

ثمَّ إنّ إلزام الغريم على دفع المال إنّما هو إذا كان الوكيل وكيلا في

______________________________

(1) الكفاية: 269.

(2) غنائم الأيام: 689.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 324

الأخذ أيضا، و إلّا فيكتفى بإلزامه الغريم على إيصال المال إلى مالكه.

فرع:

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 17    324     فرع: ..... ص : 324

مرّ سابقا سماع دعوى الوكيل بالوكالة الادّعائيّة، فإن أثبت دعواها بالبيّنة يحكم بها، و لكن لا يردّ إليه المال و لو ادّعى الوكالة في أخذه، لعدم الدليل. و إن لم يثبت بالبيّنة فله إحلاف الغريم، لعمومات اليمين على المنكر. فإذا جاء صاحب الحقّ، فإن قبل الوكالة فهو، و إلّا فإن اتّفق الثلاثة على عدم التوكيل لغي الحكم، و إن اختلفوا فهي دعوى اخرى يحكم فيها بمقتضى الشريعة.

فإن قيل:

اليمين حقّ لصاحب الحقّ، فلا يجوز لغيره مطالبته و إسقاطه بلا دليل- كالمال- سيّما إذا أنكر الغريم الوكالة.

قلنا:

هو يطلب حقّ نفسه، لأنّ الوكيل- و لو كان ادّعائيّا- حقّا على الغريم من جهة عمومات البيّنة و الحلف و الحكم، فهذا الحلف حقّ له من جهة كونه مدّعيا، فيطالبه، فإن قبله صاحب الحقّ فهو، و إلّا فله المطالبة أيضا، فتأمّل.

المسألة الثانية: لو كان صاحب الحقّ في زمن الغيبة الإمام الغائب عليه السّلام،

كأن يكون لميّت لا وارث له مناسبا دينا على غيره، أو اعترف أحد حال حياته بالاشتغال بالمظالم المجهول مالكها- على القول بكونها مالا للإمام، أو علم اشتغاله بها من جهة أخرى، أو علم ذلك على حيّ- فإن كان النائب العامّ عالما بالدين و المظالم و ببقائهما و كذّب المنكر فله الحكم بوجوب الأداء و مطالبته منه و أخذه، لا من باب القضاء و الترافع، بل من باب الأمر بالمعروف و نحوه ممّا مرّ في بحث حكم الحاكم بعلمه، و لكن حصول مثل ذلك العلم له نادر جدّا.

فإن أنكر الغريم و لم يتمكّن النائب العالم عن استيفاء الحقّ عن الإمام

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 325

بنفسه ترافع معه بنصب وكيل أو نائب آخر، فإن أقام البيّنة

حكم له، و إلّا فله حلفه إن رأى المصلحة للحقّ، و له ترك الدعوى مع المصلحة، و له المصالحة معها أيضا.

و إن لم يعلم به النائب، فإن كانت هناك بيّنة فللنائب الادّعاء الظنّي، فيترافعان عند حاكم آخر- لعدم دليل على نفوذ حكمه فيما ادّعاه بنفسه- أو يوكّل غيره من جانب الإمام لا من جانب نفسه، فيترافع ذلك الغير و المدّعى عليه عنه ذلك الحاكم، و يحكم بمقتضاه.

فإن ثبت بالبيّنة فيحكم، و إلّا فله إحلافه بالظنّ الحاصل من البيّنة الغير المقبولة، أو الشاهد الواحد، أو كونه في روزنامجته «1»، أو غير ذلك.

فإن حلف سقطت الدعوى، و إن نكل ثبت عليه الحقّ، و لا ردّ هنا.

و إن اعترف بالحقّ و ادّعى الأداء فعليه الإثبات، و إن لم يثبت فعليه الأداء، لأدلّة النكول، من دون يمين على المدّعي، للأصل. و كذا لا يمين على المدّعي إن كان هناك شاهد واحد، بل يتوجّه اليمين على المدّعى عليه، إمّا يحلف فيتخلّص، أو ينكل فيحكم عليه.

ثمَّ إنّ الإحلاف فيما له ذلك ليس واجبا مطلقا، بل قد يجب و قد لا يجب، بل قد لا يجوز، و إنّما يتبع ذلك مصلحة حقّ الإمام.

و قال الشيخ في المبسوط هنا بحبس المدّعى عليه حتى يعترف، أو يحلف «2». و هو مبني على عدم حكمه بالنكول، و كذا حكم في الدروس أيضا «3».

______________________________

(1) كلمة فارسية تعني: دفتر المذكّرات اليومية.

(2) المبسوط 8: 214.

(3) الدروس 2: 90.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 326

و استشكل المحقّق في الشرائع فيه بأنّ الحبس عقوبة لم يثبت موجبها «1».

و استوجه في المسالك القضاء بالنكول «2»، و لو لم يقل به في غير ذلك الموضع.

و إن كان المال المدّعى أنّه للإمام

عينا مجهولا مالكها، و ادّعى أحد أنّها له، فيحكم بها له، إذ كلّ عين ادّعاها أحد و لم يعرف مالكها فيحكم بها له، و لا يفيد علم الحاكم أو الشاهد، لأنّ غايته أنّهما لا يعرفان مالكها.

نعم، لو فرض علمهما بكذبه أنّه مالكها بوجه من الوجوه فيفيد، و لكن من أين يحصل ذلك العلم؟!

المسألة الثالثة: لو كان المدّعي وصيّا لميّت و ادّعى وصيّته للمساكين،

فإن أقام البيّنة فيحكم، و إلّا فله إحلاف الوارث، فإن حلف سقطت الدعوى، و إن نكل ثبت الحقّ- كما نقله في المسالك عن قوم «3»- لأدلّة ثبوت الحقّ بالنكول، و استوجهه في المسالك هنا أيضا و إن لم يقل بالحكم بالنكول في غيره.

و لا ردّ هنا، و لا يمين جزء البيّنة إذا كان هناك شاهد واحد.

و قيل: يحبسهم حتى يحلفوا أو يعترفوا «4». و إليه ذهب في المبسوط و الدروس «5». و لا دليل عليه، و لذا قال في القواعد في هذه المسألة و في

______________________________

(1) الشرائع 4: 92.

(2) المسالك 2: 375.

(3) المسالك 2: 375.

(4) حكاه في المبسوط 8: 214 بقوله: و قال آخرون يحبس الورثة حتى يحلفوا أو يعترفوا.

(5) المبسوط 8: 214، الدروس 2: 90.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 327

سابقتها: إنّ فيه نظرا «1».

و أمّا إحلاف الفقير فلم يقل به أحد، و لا وجه له أيضا، لعدم تعيّن الحقّ لفقير خاصّ.

و لو تعدّد الوارث و اعترف البعض ثبتت حصّته، و يعمل في الباقي بما مرّ.

و لو كان المدّعي وصيّا على الثلث و ادّعى دينا لميّت، فكذلك أيضا.

و لو كان وصيّا على طفل، فادّعى دينا على رجل و لا بيّنة له، يستحلف الرجل، فإن حلف يسقط، و إن نكل يثبت.

و قيل: إن لم يحلف توقّف الدعوى حتى يبلغ الطفل و يحلف

و يحكم له «2».

و لا وجه له، و إن قال في المسالك: إنّه الذي يقتضيه مذهبنا.

و يحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى مذهبهم في ردّ اليمين على المدّعي مع النكول، و حينئذ كان للإيقاف وجها، و كذا إذا كان له شاهد واحد كما مرّ.

المسألة الرابعة: قال في الشرائع و المسالك: إنّه لو كان للميّت دين على آخر
اشاره

، فالمحاكمة و المرافعة فيه للوارث و إن كان على الميّت دين يحيط بالتركة أو يزيد عليها، و ليست المحاكمة حينئذ للغرماء، و استدلّا بأنّ الوارث إما مالك أو قائم مقام المالك «3».

قال في المسالك: و على هذا، فلو توجّه اليمين مع الشاهد أو يردّ الغريم فالحالف هو الوارث و إن كان المنتفع بالمال هو المدين «4». انتهى.

______________________________

(1) القواعد 2: 212.

(2) انظر المسالك 2: 375.

(3) الشرائع 4: 92، المسالك 2: 375.

(4) المسالك 2: 375.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 328

و نسب في الكفاية ذلك إلى الأصحاب، مشعرا بدعوى الوفاق، بل تشعر به نسبة الخلاف إلى بعض العامّة خاصّة، قال: لا يحلف ليثبت مالا لغيره.

قالوا: فلو ادّعى غريم الميّت مالا له على آخر مع شاهد، فإن حلف الوارث ثبت، و إن امتنع الوارث من الحلف لم يكن للغريم الحلف عند الأصحاب، و علّل بأنّ التركة تنتقل إلى الوارث، أو تكون على حكم مال الميّت، و على التقديرين خارجة عن ملك الغريم. و فيه خلاف لبعض العامّة. و لا يجبر الوارث على الحلف «1». انتهى.

و يشعر أيضا كلام المسالك بدعوى الوفاق، حيث قال: و إن امتنع الوارث من الحلف لم يكن للغريم الحلف عندنا، لأنّه لا يثبت بيمينه مالا لغيره «2».

و قال بعض الفضلاء المعاصرين: الظاهر أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب.

قال في القواعد في هذه المسألة: المحاكمة للوارث على ما يدّعيه

لمورّثه و عليه، و لو أقام شاهدا حلف هو دون الديّان، فإن امتنع فللديّان إحلاف الغريم، فيبرأ منهم لا من الوارث، فإن حلف الوارث بعد ذلك كان للديّان الأخذ من الوارث إن أخذ. و هل يأخذون من الغريم؟ إشكال «3».

انتهى.

أقول:

ما ذكره- و كذا ذكره غيره «4» أيضا من ثبوت الإحلاف للغريم

______________________________

(1) الكفاية: 273.

(2) المسالك 2: 377.

(3) القواعد 2: 212.

(4) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 342.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 329

مع امتناع الوارث عن الحلف- ينافي نفي المحاكمة للغريم مطلقا، بل يثبت له حقّا فيها أيضا و إن قدّم الوارث و خصّ الغريم بالإحلاف دون الحلف.

بل تنظّر شيخنا الشهيد قدّس سرّه في الدروس في نفي الحلف عن الغريم أيضا، قال: و لا يمين لإثبات مال الغير، و فيما له به تعلّق نظر- كغريم الميّت إذا أقام له شاهدا بدين، و المرتهن إذا أقام شاهدا بملك الراهن، و امتنع من اليمين- من النفع، و من ثبوت الملك أولا للغير «1». انتهى.

ثمَّ أقول أولا: إنّهم- كما ذكر- فرّعوا اختصاص المحاكمة بالوارث و إثبات الحلف له دون الغريم بأنّه لا يمين لإثبات مال الغير، مع أنّه جار في الوارث أيضا على القول بعدم انتقال التركة إلى الوارث، كما هو الحقّ المشهور، فإنّه على ذلك القول إمّا يكون مال الديّان، أو في حكم مال الميّت، و على التقديرين ليس مالا للوارث.

و القول- بأنّه ينتقل أولا إلى الوارث ثمَّ منه إلى الغريم- قول بلا دليل، كيف؟! و قد قال اللّه سبحانه مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ «2».

و مخالفة ظاهر الآية ببعض الاعتبارات الوهمية لا وجه له.

و القياس على المفلس ضعيف، فإنّ المال ثابت كونه له، و

التفليس لم يخرجه من ماله، بخلاف المورد.

و كونه في حكم مال الميّت لا يجعله مال الوارث.

و كونه قائما مقام الميّت مطلقا ممنوع، سيّما فيما إذا لم ينتقل إليه شي ء، و لو سلّم فثبوت جميع أحكامه له ممنوع، و لو سلّم فحلف الميّت

______________________________

(1) الدروس 2: 95.

(2) النساء: 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 330

في إثبات ما في حكم ماله لو كان حيّا ممنوع، و إنّما هو لإثبات ماله، مع أنّ عدم الانتقال إلى الديّان أيضا محلّ كلام.

و غاية ما يستدلّون به له أنّهم لو أبرءوا الميّت عن الدين ينتقل المال إلى الوارث، و لا شي ء من مال الشخص ينتقل بالإبراء إلى غيره.

و هو استدلال ضعيف، إذ لأحد أن يقول: إنّ الإبراء ليس بناقل، بل هو سبب لبراءة ذمّة الميّت، فهي رافع للمانع عن الانتقال، و سبب الانتقال الإرث الخالي من المانع.

و ثانيا: إنّ المحاكمة و الحلف و الإحلاف لا تختصّ بإثبات المال، بل تجري في دعوى الحقوق و التعلّقات أيضا، و من البديهيّات أنّ هذا المال لو ثبت لكان للديّان فيه حقّ و تعلّق و لو كان هو الانتقال إليه بعد النقل إلى الوارث، و هذا أيضا نفع و حقّ يقع فيه النزاع و التحاكم، فتكون المحاكمة و الحلف من الغريم لإثبات حقّ الغريم بنفسه لا حقّ الغير. و إلى ذلك أشار في الدروس بقوله: من النفع «1».

و ثالثا: إنّ جميع أدلّة سماع الدعوى و إثبات حقّ المرافعة للمدّعي و أدلّة الحلف و الإحلاف و الردّ شاملة للغريم هنا، فلا وجه لرفع اليد عنها، بل في شمولها للوارث نظر ظاهر، إذ لا يعدّ عرفا في مثل ذلك المال أنّه حقّ الوارث.

و رابعا: إنّ في تخصيص

المحاكمة و الحلف و الإحلاف بالوارث و عدم اعتناء فيه بالغريم ضررا و إضرارا ظاهرين على الغريم، فإنّ الوارث ربّما لا يحلف و لا يستحلف، بل لا يقيم البيّنة أيضا إذا علم أنّه لا ينتفع

______________________________

(1) الدروس 2: 95.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 331

بها، و هو منفيّ في الشريعة المقدّسة، بل ربّما يكون الوارث غائبا مفقود الخبر، أو صغيرا، أو امرأة غير عالمة بالدين، و الغريم عالم به.

و منه يظهر أنّ الحقّ: أنّ المدّعي إذا كان الدين محيطا بالتركة هو الغريم، و له الترافع و الحلف و الإحلاف، و ما ذكره في الكفاية و المسالك «1» ليس صريحا في دعوى الإجماع، بل و لا ظاهرا فيه أيضا، و لو كان صريحا لم تكن فيه حجّية، سيّما مع مخالفة الفاضل و عدم موافقة الشهيد «2» بل عدم تعرّض كثير من الأصحاب له.

و هل للوارث المحاكمة و الحلف و الإحلاف أيضا، أم تختصّ بالغريم؟

الأول محتمل أيضا، لنوع تعلّق للوارث به و لو من جهة إيجاب استيفائه براءة مورّثه، (أو إيجاب إبراء) «3» من الغريم، للانتقال إليه و استخلاص المال له لو ظهر بعده مال آخر، و كونه في حكم مال مورّثه، و كون نماؤه- لو كان- زائدا عن الدين له، إلى غير ذلك.

و على هذا، فلو تحاكم الغريم و أخذ المال بالبيّنة أو الحلف لا تسلّط للوارث أصلا.

و لو تحاكم الوارث و أخذه كان الغريم أخذه منه، أو من الذي عليه المال، و ليس له المرافعة ثانيا.

و لو تحاكم الغريم و أسقط دعواه بالإحلاف كان للوارث التحاكم، فإن أخذ هو المال يكون للغريم الأخذ منه.

و لو تحاكم الوارث و أسقط دعواه بالإحلاف فللغريم التحاكم أيضا،

______________________________

(1) الكفاية:

273، المسالك 2: 377.

(2) الفاضل في القواعد 2: 212، الشهيد في الدروس 2: 95.

(3) بدل ما بين القوسين في «ق»: و إيجاب الإبراء.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 332

لأنّ إحلاف شخص لا يسقط إلّا ما يتعلّق بنفسه.

فرع:

لو أحاط دين جماعة بالتركة فادّعى آخر بأنّ له على الميّت دينا، فتشارك الغرماء بقدر نصيبه، فهل يتحاكم مع سائر الغرماء، أو مع الوارث؟

الظاهر: جواز محاكمة كلّ منهما معه، و يظهر حكمه بعد الترافع ممّا مرّ، فتأمّل. و اللّه العالم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 333

الفصل الخامس في نبذ من أحكام الدعاوي في الأعيان
اشارة

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: قيل: ظاهر اليد يقتضي الملكيّة ما لم تعارضه البيّنة
اشاره

، بلا خلاف فيه يوجد، و ربّما كان ذلك إجماعا، بل ضرورة، و النصوص به مع ذلك مستفيضة:

منها:- زيادة على ما تأتي إليه الإشارة في بحث تعارض البيّنة- الخبر المرويّ في الكتب الثلاثة، و فيه: أرأيت إذا رأيت [شيئا] في يد رجل أ يجوز [لي ] أن أشهد أنّه له؟ فقال: «نعم» قلت: فلعلّه لغيره، قال عليه السّلام:

«و من أين جاز لك أن تشتريه و يصير ملكا لك، ثمَّ تقول بعد الملك: هو لي، و تحلف عليه، و لا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه إليك من قبله؟» ثمَّ قال عليه السّلام: «و لو لم يجز هذا ما قام للمسلمين سوق» «1».

و قريب منه الخبر المرويّ في الوسائل عن تفسير عليّ بن إبراهيم صحيحا، و عن الاحتجاج مرسلا، عن مولانا الصادق عليه السّلام في حديث فدك: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال لأبي بكر: تحكم فينا بخلاف حكم اللّه

______________________________

(1) الفقيه 3: 31- 92، و في الكافي 7: 387- 1، و التهذيب 6: 261- 695، و الوسائل 27: 292 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 25 ح 2: ..؟ قال:

نعم، قال الرجل: أشهد أنّه في يده و لا أشهد أنّه له، فلعلّه لغيره، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: أ فيحلّ الشراء منه؟ قال: نعم، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: فلعلّه لغيره، فمن أين جاز لك أن ..، و ما بين المعقوفين ليسا في «ح» و «ق»، أضفناهما من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 334

تعالى في المسلمين؟ قال: لا، قال: فإن كان في يد المسلمين شي ء يملكونه ادّعيت أنا فيه من تسأل البيّنة؟ قال: إيّاك كنت أسأل البيّنة

على ما تدّعيه، قال: فإذا كان في يدي شي ء فادّعى فيه المسلمون، تسألني البيّنة على ما في يدي و قد ملكته في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بعده، و لم تسأل المؤمنين البيّنة على ما ادّعوا كما سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم؟!» الخبر «1». انتهى «2».

أقول:

في شرح المفاتيح أيضا ادّعاء الاتّفاق على أصل الاقتضاء.

ثمَّ أقول:

الرواية الأولى هي رواية حفص بن غياث، و هي و إن كانت ضعيفة إلّا أنّ الرواية معتبرة، لوجودها في الأصول المعتبرة، و مع ذلك بعمل الأصحاب منجبرة، و بالرواية الأخرى و غيرها معتضدة.

و تدلّ عليه أيضا موثّقة يونس بن يعقوب: في المرأة تموت قبل الرجل أو رجل قبل المرأة، قال: «ما كان من متاع النساء فهو للمرأة، و ما كان من متاع الرجل و النساء فهو بينهما، و من استولى على شي ء منه فهو له» «3».

و لا شكّ أنّ الاستيلاء على الشي ء يتحقّق بكونه في يده، و الاختصاص بمتاع البيت غير ضائر، لعدم الفاصل.

و يمكن أن يستدلّ على المطلوب أيضا برواية مسعدة: «كلّ شي ء هو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل ثوب

______________________________

(1) تفسير القمّي 2: 156، الاحتجاج: 92، الوسائل 27: 293 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 25 ح 3، بتفاوت.

(2) الرياض 2: 415.

(3) التهذيب 9: 302- 1079، الوسائل 26: 216 أبواب ميراث الأزواج ب 8 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 335

يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة، أو المملوك عندك لعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهر، أو امرأة تحتك و هي أختك أو رضيعتك، و الأشياء كلّها على هذا حتى

يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البيّنة» «1».

و تدلّ عليه أيضا رواية حمزة بن حمران: أدخل السوق فأريد أن أشتري جارية فتقول: إنّي حرّة، فقال: «اشترها، إلّا أن تكون لها بيّنة» «2».

و صحيحة العيص: عن مملوك ادّعى أنّه حرّ و لم يأت ببيّنة على ذلك، أشتريه؟ قال: «نعم» «3».

فلا كلام في أصل المسألة، و إنّما الكلام في مواضع:
الأول: في معنى اليد

، فإنّه قد يتصوّر أنّ معنى اليد في هذا الكلام ليس على حقيقته، بل المراد المعنى المجازي، و لعدم انحصاره في معنى خاصّ إمّا يدخله الإجمال، أو يحمل على أقرب المجازات، و هو أيضا لا يخلو عن إبهام و إجمال.

و فيه: أنّ اليد و إن كانت حقيقة في العضو المخصوص إلّا أنّها في هذا التركيب ليست مجازا، لأنّ هذا التركيب حقيقة في معنى خاصّ يعرفه أهل المحاورات بقرينة التبادر و عدم صحّة السلب، فيجب الحمل عليه.

و لا شكّ في صدق الكون في اليد عرفا فيما كان تحت اختياره و يتصرّف فيه التصرّفات الملكيّة- كالبيع، و الإجارة، و الإعارة، و نحوها-

______________________________

(1) الكافي 5: 313- 40، التهذيب 7: 226- 989، الوسائل 17: 89 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 4.

(2) الكافي 5: 211- 13، الفقيه 3: 140- 613، التهذيب 7: 74- 318، الوسائل 18: 250 أبواب بيع الحيوان ب 5 ح 2.

(3) الفقيه 3: 140- 614، التهذيب 7: 74- 317، الوسائل 18: 250 أبواب بيع الحيوان ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 336

و كذا فيما يستعمله و ينتفع به و يتصرّف فيه بالإفساد و الإصلاح، كالركوب و الحمل في الدابّة، و العمارة و التخريب في الدار، و الغرس و الزرع في الأرض، و هكذا. و من وجوه الاستعمال: وضع متاعه، أو جنس

آخر، بل مطلق ماله فيه، للصدق العرفي.

و هل تصدق اليد على شي ء بكونه في مكانه المختصّ به تملّكا أو استئجارا أو عارية، كغلّة في بيته، أو دابّة في مذوده «1»، أو متاع في دكّته؟

الظاهر: نعم، للصدق العرفي.

و أمّا في كون ماله فيه من غير وضعه فيه أو عدم ثبوت ذلك- كمذود فيه دابته، أو دار فيها متاعه- يدا نظر، الظاهر: العدم ما لم يعلم أنّه بنفسه وضعه، للشّك في صدق الاسم، فلو كانت هناك دابّة عليها حمله الذي حمله بنفسه عليها تصدق اليد على الدابّة، بخلاف ما إذا كان عليها حمله و لم يثبت أنّه حمله عليها، أو حمله غيره الذي يدّعي الدابّة و بيده لجامها.

و هل يكون إغلاق باب الدار و نحوها و كون مفتاحها في يده يدا؟

الظاهر: نعم، لو كان هو الذي أغلق الباب و أخذ المفتاح.

و قد تتعارض الأمور الموجبة لصدق اليد في مال، كما إذا كان متاع زيد في الدار و أغلق عمرو بابها، أو تكون دابّة في حصار و عليها حمل الغير، أو زمامها في يد الغير، و نحو ذلك. و يجب الرجوع إلى العرف في الصدق في أمثاله.

و من صور التعارض: ما إذا كان طريق في دار زيد و يسلكه عمرو فادّعى ملكيّته، و الظاهر حينئذ ترجيح السالك. و منه: الدابّة عليها حمل زيد

______________________________

(1) المذود: معلف الدابّة- مجمع البحرين 3: 46.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 337

و لجامها بيد عمرو.

و من باب التعارض: ما اتّفق في هذه الأيّام في قريتنا، فكانت فيها دار فيها طريق يعبر عنه عامّة الناس، فسدّ مالك الدار الطريق و لم ينازعه أحد من العابرين إلّا واحد، فزاحمه و ادّعى الملكيّة متشبّثا باليد الحاصلة

من العبور، فمنعنا صدق اليد له عليه، لعدم ثبوت ما كان ينتفع به منه أمرا مخصوصا به تصدق لأجله يده عليه.

و منه يعلم أنّه لو لم يكن ذلك الطريق في ملك شخص معلوم، و ادّعى أحد ملكيّته، و نازعه واحد من العابرين لأجل نفسه لا للعامّة، لأجل يد العبور، لا يصلح لمزاحمته، لعدم كون ذلك يدا، و إن جاز له مزاحمته لكونه طريقا مسلوكا له و لغيره.

ثمَّ لا يتوهّم أنّ ما ذكرنا- من عدم توقّف صدق اليد على التصرّفات الملكيّة- يخالف ما ذكره جماعة في بحث ما يصير به الشاهد شاهدا من الإشكال في جواز الشهادة بالملكيّة بدون مشاهدة التصرّفات، كصاحب الكفاية، بل المحقّق «1»، بل قد يستشكل مع التصرّفات أيضا، و نقل التردّد فيه عن المبسوط «2»، لأنّ اليد شي ء، و الشهادة على الملكيّة شي ء أخر.

و لذا تراهم جميعا يقولون: اليد المنفردة عن التصرّف هل تصحّح الشهادة على الملكيّة، أم لا؟ فيثبتون اليد، و يختلفون في الشهادة، بل قد يثبتون اليد و يضمّون معها التصرّف أيضا.

و كذا لا ينافي ما ذكروه مع ما سنذكره من اقتضاء مطلق اليد أصالة الملكيّة، كما أنّ استصحابها أيضا يقتضي أصالتها مع الاختلاف في جواز

______________________________

(1) الكفاية: 284، المحقّق في الشرائع 4: 134، المختصر: 289.

(2) المبسوط 8: 181- 182.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 338

الشهادة بالملكيّة الاستصحابيّة. و لذا اتّفقوا على أنّ ما كان في يد مورّث شخص و لم يعلم حاله يحكم بملكيّته له، و يجوز اشتراؤه منه و لو لم تجز الشهادة له بملكيّة مورّثه.

الثاني: المراد بكون اليد ظاهرة في الملكيّة و اقتضائها لها: أنّها الأصل فيها، لا أنّها الدليل عليها

، فلا يخرج عن مقتضاها بلا دليل مخرج، و لا يعارض دليلا أصلا، بل ترفع اليد عنه مع الدليل، كما هو الشأن

في الأصول، و لذا لو لا أنّه ورد من الشرع الحلف على المنكر لو لا البيّنة لما حكمنا به.

و الدليل على ذلك الإجماع، و أخبار سؤال البيّنة عن المنازع «1» و الحكم بها، و قوله في رواية مسعدة المتقدّمة: «حتى يستبين لك غير ذلك» «2»، و بها تقيّد الإطلاقات أيضا.

الثالث: لا شكّ في أنّه يشترط في اقتضاء اليد أصالة الملكيّة عدم انضمام اعترافه بعدم الملكيّة بالإجماع

، فإنّه دليل مخرج عنها.

و هل يشترط انضمام ادّعائه الملكيّة، أم لا؟

الظاهر: الثاني، لعموم صدر رواية حفص المتقدّمة «3»، الحاصل من ترك الاستفصال، و موثّقة يونس السابقة «4»، بل لظاهر الإجماع، و لذا يحكم بملكيّة ما في يد الغائب- و كان في يد المتوفّى- له، و يحكم بكونه ميراثا منه ما لم يعلم خلافه، و يجوز الانتفاع بما في يد أحد مع إذنه من دون

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 335.

(2) راجع ص: 334.

(3) في ص: 333.

(4) في ص: 334.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 339

سؤال ادّعائه الملكيّة و عدمه.

نعم، الظاهر اشتراط عدم انضمام ادّعاء عدم العلم بملكيّته أيضا، فلو قال ذو اليد: إنّي لا أعلم أنّه ملكي أم لا، لا يحكم بملكيّته، لأنّ الثابت من اقتضاء اليد الملكيّة غير ذلك المورد.

أمّا الإجماع فظاهر، و أمّا أخبار طلب البيّنة من مدّعيه فكذلك أيضا.

و أمّا الروايتان المتقدّمتان «1» فلظهورهما في ذلك، بل قوله في الثانية:

«يملكونه» صريح فيه، كما أنّ قوله في الأولى: «صار ملكه إليك من قبله» ظاهر فيه أيضا.

و أمّا الموثّقة «2» فلإمكان منع صدق الاستيلاء عليه في مثل ذلك الشي ء.

مضافا إلى رواية جميل بن صالح الصحيحة عن السرّاد: رجل وجد في بيته دينارا، قال: «يدخل منزله غيره»؟ قلت: نعم كثير، قال: «هذه لقطة» قلت: [فرجل وجد] في صندوقه دينارا، قال: «يدخل أحد يده في صندوقه

غيره أو يضع فيه شيئا؟» قلت: لا، قال: «فهو له» «3».

فإنّه حكم فيما هو في داره الذي لا يعلم أنّه له مع كونه في يده على ما مرّ، و مستوليا عليه أنّه ليس له، و أيضا علّل كون ما وجد في الصندوق له بما يفيد العلم بأنّه ليس لغيره.

و إلى موثّقة إسحاق بن عمّار: عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة

______________________________

(1) في ص: 333 و 334.

(2) المتقدمة في ص: 334.

(3) الكافي 5: 137- 3، الفقيه 3: 187- 841، التهذيب 6: 390- 1168، الوسائل 25: 446 أبواب اللقطة ب 3 ح 1، بدل ما بين المعقوفين في «ح» و «ق»:

فوجد، و ما أثبتناه من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 340

فوجد فيها نحوا من سبعين درهما مدفونة، فلم تزل معه و لم يذكرها حتى قدم الكوفة، كيف يصنع؟ قال: « [يسأل ] عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها» قلت: فإن لم يعرفوها؟ قال: «يتصدّق بها» «1».

فإنّه لا شكّ أنّ الدراهم كانت في تصرّف أهل المنزل على ما عرفت، و لو أنّهم قالوا: لا نعلم أنّها لنا أو لغيرنا، فيصدق أنّهم لا يعرفونها، فلا يحكم بملكيّتها لهم.

و من ذلك يعلم أنّ اليد لا تكفي في حكم ذي اليد لأجلها لنفسه إن لم يعلم ملكيّته، و لكنّ المراد بعدم علمه الملكيّة: عدم علمه بالملكيّة الشرعيّة لا الواقعيّة، فإنّ الغالب أنّ الوارث لا يعلم حال ما انتقل إليه من مال مورّثه، و المشتري في السوق لا يعلم أنّه من مال البائع، إذ ربّما سرقة أو غصبه، فإنّ اليد الخالية عن اعتراف المورّث و البائع بالعلم بعدم الملكيّة أو عدم العلم بالملكيّة الشرعيّة كافية في علم الوارث و المشتري بالملكيّة الشرعيّة.

فلو

كان متاع في دكّة أحد و لم يعلم أنّه ممّا ورثه أو اشتراه أو وضعه غيره، لا يجوز له التصرّف فيه.

و كذا إذا كان في ما خلّفه مورّثه شي ء اعترف المورّث بأنّي لا أعلم أنّه منّي أو لا.

و كذا لا يجوز شراء شي ء عن شخص كان في يده و يقول: إنّي لا أعلم أنّه من أموالي أو من الغير.

بل يلزم على ذي اليد الفحص، فإن لم يتعيّن مالكه يكون مجهول

______________________________

(1) التهذيب 6: 391- 1171، الوسائل 25: 448 أبواب اللقطة ب 5 ح 3، بدل ما بين المعقوفين في «ح» و «ق»: فاسأل، و ما أثبتناه من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 341

المالك، إمّا كونه مجهولا عند غير ذي اليد فظاهر، و إمّا عنده فكذلك أيضا، لأجل أنّه يعلم أنّه لا يعلم.

الرابع: كما أنّ مقتضى اليد أصالة الملكيّة فيما يملك كذلك مقتضاها أصالة الاختصاص بذي اليد فيما ليس ملكا

- كالوقف- فلو كان شي ء في يد أحد مدّعيا وقفيّته عليه فادّعاه غيره و لا بيّنة له يقدّم قول ذي اليد، لموثّقة يونس بن يعقوب المتقدّمة «1»، بل الظاهر الإجماع أيضا.

الخامس: ما ذكر من تقديم قول ذي اليد لدلالة اليد على الملكيّة أو الاختصاص إنّما هو إذا لم يعارضه أصل آخر

، و أمّا إذا عارضه أصل أو استصحاب آخر ففي بعض موارده الخلاف، و في بعض آخر يقدّم الاستصحاب كما يأتي.

فلو ادّعى مالك الأرض ملكيّتها و المتشبّث بها وقفيّتها عليه منه، أو المتشبّث: الإجارة، و المالك: عدمها، أو المتشبّث: التحجير، و غيره أثبت تحجيره السابق، لا يقدّم قول ذي اليد كلّيّا، و تحقيق كلّ مسألة مذكور في موضعها.

السادس: هل يختصّ اقتضاء اليد لأصالة الملكيّة أو الاختصاص بالأعيان، أم يجري في المنافع أيضا؟

لم أعثر بعد على مصرّح بأحد الطرفين، و الظاهر هو الأول، للأصل، و عدم ثبوت الإجماع في غير الأعيان، و اختصاص أكثر الأخبار بها.

أمّا أخبار تعارض البيّنات «2» و الروايتان الأخيرتان فظاهرة، لأنّ موردها في الأعيان.

______________________________

(1) في ص: 334.

(2) انظر الوسائل 27: 249 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 342

و أمّا رواية حفص «1»، فلأنّ لفظ: «شيئا» فيها و إن كان نكرة في سياق الشرط المفيدة للعموم إلّا أنّ رجوع الضمير في قوله: «الشراء منه» و: «أن تشتريه» يوجب إمّا تخصيصه بالأعيان، أو التوقّف، كما بيّن في الأصول، لعدم جواز الشراء في المنافع إجماعا.

و أمّا الموثّقة «2»، فلرجوع الضمير المجرور فيها إلى المتاع، الذي هو من الأعيان.

و أمّا رواية مسعدة «3»، فلأنّ الاستدلال بها إنّما هو بواسطة الأمثلة المذكورة فيها، و كلّها من الأعيان. و أمّا قوله: «و الأشياء كلّها على هذا» فإنّما يدلّ على الحلّية دون المطلوب.

نعم، ظاهر حديث فدك «4» العموم، إلّا أنّه يمكن دعوى اختصاص صدق اليد حقيقة بالأعيان، فإنّها المتبادر عرفا من لفظ: «ما في اليد»، بل الاستيلاء و صدقه على المنافع غير معلوم، بل نقول: إنّ الكون في اليد و الاستيلاء إنّما هو في الأشياء الموجودة في الخارج القارّة، و أمّا الأمور التدريجيّة الوجود

الغير القارّة- كالمنافع- فلو سلّم صدق اليد و الاستيلاء فيها فإنّما هو فيما تحقّق و مضى، لا في المنافع الآتية التي هي المراد هنا.

و لا يتوهّم أنّ ما ورد في خصوص الرحى الواقعة على نهر ماء الغير و المنع عن سدّ الماء عنه «5» يثبت اقتضاء اليد في المنافع الملكيّة أيضا، و كذا ما ذكره جماعة في الميراث، لأنّ عدم اقتضاء اليد الملكيّة لا ينافي

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 333.

(2) المتقدّمة في ص: 334.

(3) المتقدّمة في ص: 334.

(4) المتقدّم في ص: 333 و 334.

(5) الوسائل 25: 431 أبواب إحياء الموات ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 343

المنع عن سدّ منفعة مخصوصة بدليل آخر- كالخبر، أو الضرر- فيختصّ الحكم بمورده.

و أمّا ما قد يدّعى من ظهور اليد في الملكيّة، و هو حاصل في المنافع أيضا.

ففيه- بعد تسليم اليد-: منع حجّيّة ذلك الظهور أولا، و منع الظهور ثانيا، لأنّه لو سلّم فإنّما هو في الأعيان مع التصرّفات الملكيّة. و أمّا في المنافع التي أعيانها ملك الغير فلا، لشيوع مشاهدة تصرّفات الناس في كثير من المنافع من غير تحقّق جهة اللزوم و الملكيّة، فيحمل الجار على حائط جاره أو المشترك، و ينصب الميازيب على داره، و يطرح الثلج، و يضع خشب السقف على حائطه، و يجري الماء من داره إلى داره، أو ماءه إلى داره، و يستعمل المسلمون- بشاهد الحال- بعضهم ماء بعض، و يجرون مياههم في دورهم، و قد يغيّرون مواضع الجريان في كلّ عام، و يبنون الحياض الكبيرة المجدّدة، إلى غير ذلك.

بل يمكن ادّعاء ظهور عدم الملكيّة في أمثال ذلك، و ابتناء الأمر أولا على المسامحة، أو شاهد الحال.

السابع: ما ذكر- من أنّ الاستيلاء يدلّ على أصالة الاختصاص للمستولي- إنّما هو إذا لم يكن هناك مدّع ثبت له اختصاص آخر أيضا،

فلو كان كذلك لا

يفيد الاستيلاء شيئا، لأنّ جهة الاختصاص الثابتة بالاستيلاء غير معيّنة، و إرجاعها إلى ما يدّعيه المستولي لا دليل عليه بخصوصه حتى يحمل عليه، و الجهة الأخرى للغير ثابتة، فليس لها معارض معلوم، و لا رافع كذلك.

فلو ادّعى أحد استئجار شي ء في يد غيره، مدّعيا بأنّه استأجره،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 344

تطلب البيّنة من المدّعي، لأصالة الاختصاص بالمستولي، فإنّ جهة الاختصاص بينهما واحدة.

بخلاف ما لو ادّعى المالك عدم الإجارة، لأنّ ملكيّته مختصّة به، و المستأجر يدّعي الاختصاص الاستئجاري، و لا دليل عليه.

و كذا لو ادّعى أحد اختصاصه بشي ء في يده، و يستولي عليه من جهة استحقاق منفعته بصلح و نحوه، و ادّعى «1» المالك عدمه، فلا يقدّم قول المستولي، لثبوت جهة اختصاص للمالك، و عدم ثبوت الاختصاص النفعي للمستولي فاحتفظ بذلك، فإنّه مفيد في كثير من المواضع.

الثامن: يشترط في دلالة اليد على الملكيّة احتمال كونها ناشئة من السبب المملّك

، فلو علم مبدؤها و أنّه ليس سببا مملّكا لا حكم لها، كيد الغاصب و الودعي، و كما إذا كان شي ء لم يحتمل وجها شرعيّا مملّكا، و كما إذا أخذه المدّعي بحضورنا و أثبت يده عليه، للإجماع، و اختصاص الأدلّة بغير ذلك.

و المراد باحتمال الاستناد إلى السبب المملّك أيضا: الاحتمال المتحقّق بعد إعمال الأصول و القواعد الممهّدة الثابتة، فلو كانت هناك يد لم يعلم منشؤها، و لكن علم مسبوقيّتها بيد عارية أو غصب، و لم يعلم أنّ اليد الحاليّة هل هي تلك اليد، أو زالت الاولى و حصلت يد حاصلة من السبب المملّك، فمقتضى استصحاب اليد السابقة و أصالة عدم حدوث يد اخرى يجعلها هي اليد الاولى، فلا تفيد ملكيّته.

و ليس هذا من باب تعارض الاستصحاب و الأصل مع اليد المقتضية

______________________________

(1) في «ق»: و إن ادّعى ..

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 345

للملكيّة، بل تصير اليد بواسطة الأصل و الاستصحاب غير اليد المقتضية.

التاسع: لا يشترط في صدق اليد عرفا مباشرة ذي اليد بنفسه للتصرّف

، بل تكفي مباشرة الوكيل و المستعير و الأمين و المستأجر و الغاصب بعد ثبوت أحد هذه الأوصاف له في ذلك التصرّف، للصدق العرفي. و كذا يد المقرّ أنّها لزيد، فإنّه يقال عرفا: إنّها في يد زيد، فتأمّل.

العاشر: يمكن أن تكون يدان أو أزيد على شي ء واحد

، بمعنى: أن تكون يد كلّ منهما بحيث لو كانت منفردة لصدق كون ذيها ذا اليد بالنسبة إلى تمام الشي ء عرفا، كالدابّة يركبانها رديفين، أو السراج يستضيئان به، و اللحاف ينامان معا في كلّ ليلة فيه، و الإناء يأكلان منه دفعة، و حينئذ فيحكم بكونهما ذا اليد على ذلك الشي ء، لا أنّ يد كلّ منهما على بعضه المشاع، لإمكان كون شي ء واحد في يد اثنين، فلا ضرورة إلى التبعيض.

و ليست اليد كالملكيّة التي لا يمكن تعلّقها بتمام شي ء بالنسبة إلى كلّ من الشخصين، بل مثل القرابة لشخصين و التوطّن في بلدتين، و الجارية لدارين، و المصاحبة مع شخصين، و المؤانسة لهما، و هكذا.

الحادي عشر: اقتضاء اليد للملكيّة التامّة لذي اليد إنّما هو إذا لم تعارضها يد أخرى أيضا

، أي كانت يدا منفردة، فلو كان شي ء واحد في يد شخصين- بحيث لم تختصّ يد كلّ بالبعض عرفا- لا يدلّ على ملكيّته لواحد منهما، للمعارض، و لا لهما معا بأن يكون تمامه ملكا لهما، لعدم الإمكان.

و هل يحكم حينئذ بالاشتراك في الملكيّة حتى يكون بينهما بالسويّة؟

كما هي قاعدة الشركة، مع عدم دليل على الاختلاف، أم لا، بل يحكم بواسطة اليدين على نفي ملكيّة غيرهما و إن لم يحكم بملكيّتهما أو

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 346

أحدهما؟

ظاهر أكثر الأخبار المتقدّمة و إن كان خاليا عن الدلالة في ذلك، لأنّ الرواية الأولى «1» مختصّة باليد الواحدة، و العلّة المذكورة فيها بقوله: «و من أين جاز لك» إلى آخره، لا تدلّ على أنّه إذا اشتراه من اثنين يجوز له أن يشهد أنّه لهما، بل تدلّ على أنّه يجوز له أن يشهد أنّه ملك لهما أو لأحدهما.

و الثانية «2» و إن كانت أعمّ إلّا أنّها لا تدلّ على الأزيد من طلب البيّنة من الخارج

عنهما، المستلزم لاقتضاء نفي ملكيّة الغير و حصول الملكيّة في الجملة الشاملة لملك هذا و هما معا بالشركة، و أمّا الاشتراك بخصوصه فلا.

و كذا إطلاق الروايات الثلاث الأخيرة «3».

إلّا أنّ مقتضى قوله في الموثّقة: «و من استولى على شي ء منه فهو له» «4» أنّه لو استوليا معا عليه كان لهما، و بمقتضى قاعدة التساوي في الشركة المبهمة أنّه بينهما نصفين، و مرجعه إلى أنّ اليدين المشتركتين تقتضيان الملكيّة المشتركة.

و تعضده الروايات الكثيرة «5» الدالّة على تنصيف ما يدّعيه الاثنان و يدهما عليه بدون البيّنة لأحدهما، أو مع البيّنة لهما، بل الظاهر أنّه إجماعيّ أيضا، كما يظهر من حكمهم بالتنصيف في تداعي شخصين ما في

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 333.

(2) المتقدّمة في ص: 333 و 334.

(3) المتقدّمة في ص: 334 و 335.

(4) المتقدّمة في ص: 334.

(5) انظر الوسائل 18: 450 أبواب أحكام الصلح ب 9، و ج 27: 249 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 347

يدهما معا.

الثاني عشر: لو أقرّ ذو اليد بملكيّة زيد، ثمَّ أقرّ بعده لعمرو، يحكم باليد لزيد

، لثبوتها بالاعتراف الأول، و عدم صدق اليد عرفا للثاني بعد الأول، فلا يصلح الثاني لمعارضة الأول، فيبقى الأول بلا معارض و مستصحبا.

المسألة الثانية: لو تنازع اثنان في عين واحدة
اشاره

، بأن ادّعى كلّ منهما جميعها، فإمّا تكون في يدهما، أو يد أحدهما، أو يد ثالث، أو لا يد عليها، فهذه أربع صور.

الصورة الاولى: أن تكون في يدهما معا

، فترجع دعوى كلّ منهما إلى النصف الذي في يد الآخر، و يكون النصف الآخر خاليا له عن المعارض، لما مرّ في الموضع الحادي عشر من المسألة الاولى.

و على هذا، فإن كانت هناك بيّنة لأحدهما يحكم بالجميع له، لأنّ البيّنة حجّة شرعيّة.

و إن كانت لهما فيرجع إلى تعارض البيّنات، و يأتي حكمه.

و إن لم تكن بيّنة يحلف كلّ منهما على نفي ما يدّعيه صاحبه ممّا في يده، لأنّه منكر بالنسبة إليه، و لا يتعرّض في الحلف لإثبات ما في يده، إذ لا يمين على ما لا دعوى فيه. فإن حلفا أو نكلا قضي بينهما بالسويّة من غير ردّ يمين على المنكول له، على المختار.

و إن حلف أحدهما و نكل الآخر بعده قضي بالجميع للحالف من غير ردّ يمين اخرى عليه، على ما اخترناه من القضاء بالنكول.

و إن نكل الأول ثبتت دعوى صاحبه في نصف الناكل، فإن حلف الآخر لنفي النصف الّذي ادّعاه صاحبه عليه يخلص الكلّ له.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 348

و على القول بردّ يمين الناكل، تثبت على كلّ منهما اليمين المردودة مع نكولهما، و على الحالف يمين اخرى بعد نكول الثاني مع نكوله بعد حلف الأول، فيحلف مرّتين، و كذا إذا كان النكول قبل حلف صاحبه.

و هل يجمع اليمينين حينئذ في يمين واحدة، أم لا؟

الوجه: الأول، كما هو ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف كما قيل «1»، لما أثبتنا في موقعه من أصالة تداخل الأسباب.

ثمَّ إنّه هل يتخيّر الحاكم في البدأة بينهما بالإحلاف، أو يقرع بينهما؟

فيه وجهان، و

قيل: يبدأ بالسابق منهما بالدعوى، فيحلف صاحبه «2». و هو حسن، لما مرّ من تقديم حقّ من بدر بالدعوى.

و يمكن الاستدلال أيضا بأنّ كلّا منهما- لكون يد الآخر عليها- مدّعي، و لكون يده عليها منكر، فلكلّ منهما الحلف و الإحلاف، فيتحالفان، أو ينكلان، أو يحلف أحدهما و ينكل الآخر، لعموم الأدلّة، فالترجيح على الأخير ظاهر، و على الأولين لا يمكن الجمع بإعطاء جميع العين كلّا منهما و لا منع كليهما، لعدم خروج الملكيّة عنهما، و لا ترجيح أحدهما بزيادة، لعدم المرجّح، فلم يبق إلّا التنصيف، و لكن فيه كلام يأتي من عدم ظهور مثل ذلك من المدّعي و المنكر المتقابلين.

و يدلّ على المطلوب أيضا: أنّه ثبت تنصيف العين بينهما في المورد من الأخبار، كمرسلة ابن المغيرة الصحيحة عن ابن محبوب- مع كون الإرسال عن غير واحد من أصحابنا-: في رجلين كان معهما درهمان، فقال أحدهما: الدرهمان لي، و قال الآخر: هما بيني و بينك، فقال أبو

______________________________

(1) رياض المسائل 2: 416.

(2) انظر الكفاية: 275.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 349

عبد اللّه عليه السّلام: «أمّا الذي قال هما بيني و بينك فقد أقرّ بأنّ أحد الدرهمين ليس له فيه شي ء و أنّه لصاحبه، و يقسّم الدرهم الثاني بينهما نصفين» «1»، المعتضدة بموثّقة يونس المتقدّمة «2».

و رواية السكوني: في رجل استودع رجلا دينارين و استودعه آخر دينارا، فضاع دينار منهما، فقضى لصاحب الدينارين دينارا، و يقسّمان الدينار الباقي بينهما نصفين «3».

و ثبت أيضا بالعمومات المشار إليها توقّف القضاء بينهما على التحالف، فيعمل بالجميع، فيتحالفان و يقتسمان نصفين.

و لكن يبقى ها هنا شي ء يرد على ذلك و على ما تقدّم أيضا، و هو أنّ الظاهر المتبادر من الأخبار

الأخيرة- التي هي أخصّ مطلقا من العمومات- أنّ الاقتسام إنّما هو بلا حلف، بل هو من مقتضى إطلاقها أو عمومها، فإنّها حاكمة بالتقسيم مطلقا، سواء حلفا أو حلف أحدهما خاصّة.

فمقتضى الاستدلال تقديم الأخيرة و القضاء بينهما نصفين من دون حلف، كما هو مختار المحقّق في الشرائع صريحا «4»، و السيّد أبي المكارم في الغنية ظاهرا، مدّعيا عليه إجماع الطائفة، قال فيه: و إن كان لكلّ واحد منهما يد و لا بيّنة لأحدهما كان الشي ء بينهما نصفين، كلّ ذلك بدليل إجماع الطائفة «5». انتهى.

______________________________

(1) التهذيب 6: 208- 481، و في الفقيه 3: 22- 59، و الوسائل 18: 450 أبواب أحكام الصلح ب 9 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) في ص: 334.

(3) الفقيه 3: 23- 63، التهذيب 6: 208- 483 و ج 7: 181- 797، الوسائل 18:

452 أبواب أحكام الصلح ب 12 ح 1، بتفاوت.

(4) الشرائع 4: 110.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 625.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 350

و نقل القول به في التحرير أيضا، حيث قال في المسألة على ما حكي: إنّ فيها قولين «1». و ظاهر بعض فضلائنا المعاصرين التردّد «2»، حيث نقل القولين من غير ترجيح، و لكنّ المشهور بين الأصحاب- كما صرّح به الصيمري- هو الأول. و قال في المسالك: بل لم ينقل الأكثر فيه خلافا «3».

إلّا أنّ هذه الشهرة المحكيّة لا توجب و هنا فيما يقتضيه الاستدلال، سيّما مع معارضتها بالإجماع المحكيّ، و عدم تعرّض طائفة لأصل المسألة، منهم الشيخ في النهاية «4».

هذا، مع ما في دلالة العمومات على ثبوت الحلف في صورة التداعي كما يأتي بيانه، فالأقوى هو مختار الشرائع، و اللّه العالم.

الصورة الثانية: أن تكون في يد أحدهما

، فيقدّم قوله و تطلب البيّنة من الخارج، فإن

أقامها فيحكم بها له إجماعا، و إن أقاماها يرجع إلى التعارض الآتي حكمه.

و إن لم تكن بيّنة، فللخارج إحلاف ذي اليد المنكر، فإن حلف سقطت الدعوى عنه، و إن نكل يحكم بالعين للمدّعي الخارج بدون يمين على الأظهر، و معها على القول الآخر، و لا خلاف في شي ء ممّا ذكر غير ما أشير إلى الخلاف فيه.

و تدلّ عليه الأخبار المتواترة معنى المتقدّمة أكثرها، و في الرواية:

«فإن كانت له» أي للمدّعي الخارج «بيّنة، و إلّا فيمين الذي هو في يده،

______________________________

(1) التحرير 2: 195، قال: و هل يحلف كل واحد على النصف المحكوم له به أو يكون له من غير يمين؟ الأقوى عندي الأوّل مع احتمال الثاني.

(2) غنائم الأيام: 706.

(3) المسالك 2: 390.

(4) النهاية: 344.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 351

هكذا أمر اللّه عزّ و جلّ» «1».

الصورة الثالثة: أن تكون في يد ثالث و لا بيّنة

، و حينئذ فإمّا يصدّق أحدهما بخصوصه، أو يصدّقهما معا، أو يصدّق أحدهما لا بعينه- أي يقول: إنّها لأحدهما و لا أعرفه- أو يكذّبهما معا، أو يقول: لا أدري أنّها لهما أو لا.

فعلى الأول، قالوا: بأنّها للمصدّق له مع يمينه، فإنّه في حكم ذي اليد، و على الثالث المصدّق اليمين للآخر إن ادّعى عليه علمه بأنّها له، فإن امتنع يجب عليه إغرام القيمة له بلا يمين، أو مع اليمين المردودة، على اختلاف القولين، لأنّه لا يمكنه دفع العين، لاستحقاق المصدّق له إيّاها بإقراره، فلا يمكنه الارتجاع عنه، و تفويته العين على الآخر بإقراره، فيغرّم القيمة. و لم أعثر على مصرّح بخلاف ذلك، بل لعلّه إجماعي.

و يدلّ على كونه للمصدّق له أنّه حينئذ يكون ذا اليد، فإنّ ظاهر العرف أنّ من أسباب صدق اليد كونه الشي ء تحت تصرّف من ثبت

أنّه مباشرة، كالوكيل و الأمين و المستودع و المستأجر و المستعير، أو أقرّ بذلك. و لعلّ إلى ذلك يشير استدلالهم بأنّه في حكم ذي اليد، بل تصريح جماعة- منهم الشهيد في الدروس «2»- بأنّ ذا اليد من صدّقه الثالث.

و يدلّ عليه أيضا أنّه أقرّ الثالث بكونه له، و من أقرّ شيئا في يده لأحد فهو له.

لا لعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز، لأنّ الإقرار على النفس إنّما

______________________________

(1) التهذيب 6: 240- 594، الاستبصار 3: 43- 143، الوسائل 27: 234 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 3 ح 4، و المعترضة من المصنّف.

(2) الدروس 2: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 352

هو في نفيه عن نفسه لا في إثباته للغير، مع أنّ الثابت دلالته من العموم ليس إلّا نفوذه على نفسه لا على غيره.

بل للمستفيضة الدالّة على من أقرّ بعين لأحد فهو له، كمرسلة جميل: في رجل أقرّ أنّه غصب رجلا على جاريته، و قد ولدت الجارية من الغاصب، قال: «تردّ الجارية و ولدها على المغصوب إذا أقرّ بذلك، أو كانت له بيّنة» «1»، و عمومها الحاصل من ترك الاستفصال- بل من أداة الشرط- يشمل صورة ادّعاء الغير للجارية أيضا.

و صحيحة سعد بن سعد: عن رجل مسافر حضره الموت فدفع مالا إلى رجل من التجّار، فقال: إنّ هذا المال لفلان بن فلان ليس له فيه قليل و لا كثير، فادفعه إليه يصرفه حيث شاء، فمات و لم يأمر فيه صاحبه الذي جعله له بأمر، و لا يدري صاحبه ما الذي حمله على ذلك، كيف يصنع؟

قال: «يضعه حيث شاء» «2»، و مثلها صحيحة إسماعيل الأحوص «3».

دلّتا على ثبوت المال لصاحبه بمجرّد الإقرار، و لا يمكن أن

يكون ذلك لادّعائه ما لا يد لأحد عليه، لأنّه لم يكن مدّعيا له.

و صحيحة أبي بصير: عن رجل معه مال مضاربة، فمات و عليه دين، فأوصى أنّ هذا الذي ترك لأهل المضاربة، أ يجوز ذلك؟ قال: «نعم، إذا كان مصدّقا» «4»، أي لم يكن متّهما.

______________________________

(1) الكافي 5: 556- 9، الفقيه 3: 266- 1266، التهذيب 7: 482- 1936، الوسائل 21: 177 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 61 ح 1، بتفاوت.

(2) التهذيب 9: 160- 662، الوسائل 19: 293 أبواب أحكام الوصايا ب 16 ح 6.

(3) الكافي 7: 63- 23، الوسائل 19: 293 أبواب أحكام الوصايا ب 16 ح 6.

(4) التهذيب 9: 167- 679، الوسائل 19: 296 أبواب أحكام الوصايا ب 16 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 353

و تؤيّده أيضا رواية [المهتدي ] «1»: إنّ أخي مات و تزوّجت امرأته، فجاء عمّي فادّعى أنّه تزوّجها سرّا، فسألتها عن ذلك فأنكرت أشدّ الإنكار و قالت: ما كان بيني و بينه شي ء قط، فقال: «يلزمك إقرارها و يلزمه إنكارها» «2».

و تدلّ على سلطنة المدّعي على إحلاف المصدّق له عمومات البيّنة على المدّعي و اليمين على من أنكر.

و على تغريم المصدّق لو نكل أو ردّ اليمين: أنّ بالنكول أو اليمين المردودة ثبت عليه الحقّ، كما مرّ في الأخبار المتقدّمة في بحث النكول و ردّ اليمين «3».

و كلّ من ثبت عليه حقّ للغير و ضيّعه فعليه الغرامة، كما دلّت عليه العلّة المنصوصة في رواية عمر بن حنظلة: في رجل قال لآخر: اخطب لي فلانة، فما فعلت من شي ء ممّا قاولت من صداق أو ضمنت من شي ء [أو شرطت ] فذلك رضا لي، و هو لازم لي، و لم يشهد على

ذلك، فذهب فخطب له و بذل عنه الصداق و غير ذلك ممّا طالبوه و سألوه، فلمّا رجع إليه أنكر له ذلك كلّه، قال: «يغرّم لها نصف الصداق عنه، و ذلك أنّه هو الذي ضيّع حقّها» الحديث «4»، دلّت على أنّ من ضيّع حقّا لغيره فعليه الغرامة له.

و على الثاني قالوا: يقضى بها لهما بالسويّة، و لكلّ منهما إحلاف

______________________________

(1) في «ح» و «ق»: المهدي، و الصحيح ما أثبتناه.

(2) الكافي 5: 563- 27، الفقيه 3: 303- 1452، الوسائل 20: 299 أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 23 ح 1.

(3) انظر الوسائل 27: 241 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 7.

(4) الفقيه 3: 49- 169، التهذيب 6: 213- 504، الوسائل 19: 165 أبواب أحكام الوكالة ب 4 ح 1، ما بين المعقوفين ليس في «ح» و «ق»، أضفناه من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 354

الآخر كما لو كانت في يدهما، و لهما إحلاف المصدّق إن ادّعيا علمه، لفائدة الغرم، فإن حلف فهو، و إلّا فيغرّم القيمة تماما لهما، و يقتسمانها بينهما نصفين على القول بالحكم بالنكول. و على القول بردّ اليمين عليهما، فإن حلفا معا يغرّم التمام كذلك أيضا، و إلّا غرّم نصف القيمة للحالف منهما.

و يظهر الوجه في هذه الصورة أيضا ممّا ذكرنا في سابقتها بعينه.

و على الثالث، قيل: يحتمل القرعة، فيحلف من خرجت له، فإن نكل حلف الآخر، و إن نكلا قسّمت بينهما. و يحتمل القضاء بينهما نصفين ابتداء بعد حلفهما أو نكولهما كما لو كانت بيدهما «1».

أقول: بل الأوجه الثاني، لرواية السكوني: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل أقرّ عند موته لفلان و فلان لأحدهما عندي ألف درهم، ثمَّ مات

على تلك الحال، فقال: أيّهما أقام البيّنة فله المال، فإن لم يقم واحد منهما البيّنة فالمال بينهما نصفان» «2».

و لكنّ الظاهر من الرواية التنصيف بدون الإحلاف، بل هو مقتضى إطلاقها، فالقول به- كما فيما إذا كان في يديهما معا- أوجه.

و حكم الفاضل في القواعد بالقرعة بينهما من غير ذكر حلف «3»، و هو كان حسنا لو لا الرواية المذكورة.

و على الرابع، قالوا: حلف لهما و أقرّت العين في يده، سواء ادّعاها

______________________________

(1) انظر المسالك 2: 390، الرياض 2: 416.

(2) الكافي 7: 58- 5، الفقيه 4: 174- 610، التهذيب 9: 162- 666، الوسائل 23: 183 أبواب الإقرار ب 2 ح 1، بتفاوت.

(3) القواعد 2: 222.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 355

لنفسه أم لا، و لا يجب عليه نسبة الملك إلى نفسه أو إلى أحد معيّن، و هو كذلك، لثبوت يده عليها بالتصرّف، و بعدم الاعتراف بها للغير.

و على الخامس، فإن قال: لا أدري أنّها لهما أو لغيرهما- مع اعترافه بأنّها ليست لنفسه- أقرع بينهما وفاقا للقواعد «1»، لأنّها لكلّ أمر مجهول، و لا حلف، لما يأتي في الصورة الرابعة. و كذا إن قال: لا أدري أنّها لي أو لهما.

الصورة الرابعة: أن لا تكون يد عليها

، قال المحقّق الأردبيلي: فهي مثل ما كانت في يد ثالث، و لم يصدّق أحدهما، و لم يدّعيا علمه، فيحلفان أو ينكلان و يقتسمانها بالسويّة. و إن حلف أحدهما دون الآخر تكون للحالف بحكم العقل، و لرواية إسحاق بن عمّار، و فيها: «فلو لم تكن في يد واحد منهما و أقاما البيّنة؟ قال: أحلفهما، فأيّهما حلف و نكل الآخر جعلتها للحالف» «2». انتهى.

أقول:

الحلف أمر شرعيّ يتوقّف على التوقيف، و لا أرى دليلا على حلفهما هنا و الحكم

بنكولهما أو نكول الناكل، و الرواية مخصوصة بصورة إقامتهما البيّنة، و التعدّي يحتاج إلى الدليل، و القرعة لكلّ أمر مجهول، فالرجوع إليها أظهر، كما حكم به عليّ عليه السّلام في روايتي أبي بصير و ابن عمّار:

الاولى: «بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّا عليه السّلام إلى اليمن، فقال له حين قدم: حدّثني بأعجب ما ورد عليك، قال عليه السّلام: يا رسول اللّه، أتاني قوم قد

______________________________

(1) القواعد 2: 222.

(2) الكافي 7: 419- 2، التهذيب 6: 233- 570، الاستبصار 3: 38- 130، الوسائل 27: 250 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 356

تبايعوا جارية، فوطؤوها جميعا في طهر واحد، فولدت غلاما، فاختلفوا فيه، كلّهم يدّعيه، فأسهمت بينهم و جعلته للذي خرج سهمه، و ضمّنته نصيبهم» الحديث «1».

و الأخرى: «إذا وطئ رجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد، فولدت، فادّعوه جميعا، أقرع الوالي بينهم، فمن قرع كان الولد [ولده، و يردّ] قيمة الولد على صاحب الجارية» الحديث «2»، و عمل بها الأصحاب طرّأ في مورده من غير إحلاف.

فإن قيل:

عمومات البيّنة على المدّعي و اليمين على المنكر تشمل المورد.

قلنا:

العمومات غير ظاهرة في مثل ذلك، بل ظاهرة في غيره، حتى ما تتضمّن لفظ «المدّعى عليه» الغير المعلوم تحقّقه عرفا هنا، حيث إنّه لا يد لأحد عليها حتى يصدق الادّعاء عليه.

و قد يقال: إنّ الرواية الواردة في قضيّة فدك: «و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

البيّنة على من ادّعى و اليمين على من أنكر» «3» تشمل المورد، لصدق من أنكر عليه، و كذا رواية ابن أبي يعفور: «إذا رضي صاحب الحقّ بيمين

______________________________

(1) الفقيه 3: 54- 183، و

في الكافي 5: 491- 2، و التهذيب 8: 170- 592، و الاستبصار 3: 369- 1320، و الوسائل 27: 258 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 13 ح 5: و احتجّوا، بدل فاختلفوا.

(2) الفقيه 3: 52- 176، التهذيب 8: 169- 590، الاستبصار 3: 368- 1318، الوسائل 27: 261 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 13 ح 14، و بدل ما بين المعقوفين في «ح» و «ق»: له يردّ، و ما أثبتناه من المصادر.

(3) تفسير القمّي 2: 156، الاحتجاج: 92، الوسائل 27: 293 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 25 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 357

المنكر لحقّه فاستحلفه فحلف أن لا حقّ له قبله، ذهبت اليمين بحقّ المدّعي» الحديث «1».

و ردّ: بأنّ مدلولهما أنّ كلّ بيّنة على المدّعي و كلّ يمين على المنكر، لا أنّ كلّ مدّع و منكر عليه البيّنة و اليمين. و حاصله: منع عموم من أنكر و المنكر، بل نفي عموم المدّعي في جميع الروايات أيضا.

و فيه: أنّه لا وجه لمنع العموم حتى في قوله: «من أنكر»، لأنّ الموصولة المتضمّنة لمعنى الشرط- أي ما كان ما بعده علّة لما قبله- تفيد العموم، كما بيّن في الأصول.

نعم، يرد عليه أولا: معارضة العمومات مع روايتي أبي بصير و ابن عمّار.

و ثانيا: أنّ [أحد] «2» هذين المتخاصمين في مفروض المسألة لا يصدق عليه المدّعى عليه و لا المنكر- بأيّ معنى من المعاني المذكورة لهما- في مقابلة المدّعي، الذي هو من لو ترك ترك، إلى آخر التعاريف.

بل هما مدّعيان، فلا يتوجّه عليهما يمين و لو أبيت، إلّا أنّ المنكر عرفا من تشبّث بالإنكار، فلا يمكن أن يكون المراد الإنكار الالتزامي، إذ يكون

كلّ مدّع منكرا أيضا، و لا يقول به أحد، مع أنّ الإنكار الالتزامي لا يكفي في صدق المنكر العرفي قطعا، فلا بدّ من إرادة الصريح. و لا شكّ أنّ الإنكار الصريحي لا يكون في جميع صور مفروض المسألة، بل إنّما هو إذا قال كلّ من المدّعيين: إنّه ليس لك، منضمّا مع قوله: إنّه لي.

______________________________

(1) الكافي 7: 417- 1، الفقيه 3: 37- 125، التهذيب 6: 231- 565، الوسائل 27: 244 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 9 ح 1.

(2) ما بين المعقوفين ليس في «ح» و «ق»، أضفناه لاستقامة المعنى.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 358

و ثالثا: أنّ المتبادر من المدّعي و المنكر في صورة ذكرهما و مقابلتهما:

الذي لم يجتمع معه الآخر، فالمراد بالمدّعي: الذي لم يكن منكرا، و بالمنكر: الذي لم يكن مدّعيا، كما هو ظاهر.

و رابعا: أنّا لو سلّمنا الجميع فلا يحكم بعد حلفهما بالتنصيف، لجواز إسقاط حقّ كلّ منهما بحلف الآخر، فلا يحكم لواحد منهما، فتأمّل.

هذا إذا كانت دعواهما دفعة واحدة، عرفا أو حقيقة، و إلّا فيحكم بها للمتقدّم ادّعاء، و تطلب البيّنة من الآخر أو الإحلاف، كما مرّ.

ثمَّ إنّ كلّ ما ذكر في هذه الصور الأربع إذا لم تكن هناك بيّنة، و إلّا فإن كانت لأحدهما حكم بها له، لأنّ البيّنة حجّة شرعيّة. و إن كان لكلّ منهما و أمكن الجمع بينهما- كما لو شهدت إحداهما بملك زيد أمس، و الأخرى بانتقاله إلى عمرو الآن، أو أطلقت أحدهما و فصّلت الأخرى- جمع بينهما، لوجوب العمل بهما مع عدم التنافي، و لو لم يمكن الجمع فتتعارض البيّنات، و يأتي حكمه.

المسألة الثالثة: لو ادّعى أحد مالا لا يد لأحد عليه، ليس لأحد منعه من التصرّف فيه، و لا طلب البيّنة منه، و لا إحلافه
اشاره

، للأصل، و الإجماع، بل الضرورة كما قيل «1» و موثّقة

منصور، بل صحيحته: عشرة كانوا جلوسا و وسطهم كيس فيه ألف درهم، فسأل بعضهم بعضا: أ لكم هذا الكيس؟ فقالوا كلّهم: لا، فقال واحد منهم: هو لي، [فلمن هو؟] قال: «هو للذي ادّعاه» «2»،

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 413.

(2) الكافي 7: 422- 5، التهذيب 6: 292- 810، النهاية: 350- 7، الوسائل 27: 273 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 17 ح 1، و ما بين المعقوفين ليس في «ح» و «ق»، أضفناه من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 359

و مقتضى قوله: «هو للذي ادّعاه» أنّه يحكم به له، و أنّه يجوز ابتياعه منه و التصرّف فيه بإذنه. و نفي عنه الخلاف أيضا «1».

و قد يستدلّ له بصحيحة البزنطي أيضا: عن الرجل يصيد الطير الذي يسوى دراهم كثيرة، و هو مستوي الجناحين، و هو يعرف صاحبه، أ يحلّ له إمساكه؟ قال: «إذا عرف صاحبه ردّه عليه، و إن لم يكن يعرفه و ملك جناحه فهو له، و إن جاء طالب لا تتّهمه ردّه عليه» «2».

و فيه: أنّ الأمر بالردّ فيها مقيّد بعدم الاتّهام، الذي هو حقيقة في عدم تجويز كذبه، و إلّا فيكون منهما، و مع عدم تجويز الكذب يخرج عن الموضوع، لأنّه حينئذ يعلم ملكيّة الغير.

و الاحتجاج له بوجوب حمل أفعال المسلمين على الصحّة و الصدق موقوف على ثبوت القاعدة، و هو في حيّز المنع، مع أنّها مخصوصة بالمسلم، و المدّعى أعمّ منه.

فروع:
أ: لو ادّعاه ثان بعد تصرّف المدّعي الأول له، أو الحكم به له،

يكون الثاني مدّعيا، فتجري عليه أحكامه، و يقدّم قول الأول، للاستصحاب، و لأنّه مقتضى كونه له فهو كذي اليد، و لعدم دليل على قبول دعوى الثاني، لاختصاص الإجماع و النصّ بالأول.

و كذا إذا ادّعى الثاني بعد ادّعاء الأول بزمان لا

يعدّ ادّعاؤهما دفعة عرفا، إذ بالدعوى الاولى صار مالا للمدّعي بحكم النّص، و إن لم يضمّ بعد

______________________________

(1) كما في الرياض 2: 413.

(2) التهذيب 6: 394- 1186، الوسائل 25: 461 أبواب اللقطة ب 15 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 360

معه الحكم أو التصرّف فيستصحب.

نعم، لو كان ادّعاؤهما دفعة عرفية أو حقيقيّة يجي ء الإشكال، لعدم ثبوت إجماع، و الخروج عن النصّ، لظهوره فيما لا يدّعي معه في زمان واحد عرفا، و سيأتي حكمه في باب التنازع في الأعيان.

ب: لو لم تكن عليه يد و لا مدّع ظاهر، لا يحكم بكونه مجهول المالك،

و لا تجري عليه أحكامه إلّا بعد الفحص اللازم، و هو القدر الميسور منه، لعدم صدق عنوان مجهول المالك أو غير معروف المالك عرفا إلّا بعد هذا القدر من الفحص، فإذا تحقّق و تصرّف فيه النائب العام من جانب الإمام، أو تصدّق به فادّعاه مدّع، لا يسمع منه إلّا بعد الإثبات، للاستصحاب، و اختصاص النصّ و الإجماع بغير ذلك، فإن أثبته يردّ إليه مع بقاء العين، و لا ضمان مع التلف. بل و كذا على الظاهر لو ادّعاه بعد الفراغ عن الفحص و الحكم بصدق العنوان، لما مرّ.

ج: هل حكم ما في يد أحد و لا يدّعي ملكيّته- بل يجهل مالكه،

أو ما في ذمّة أحد كذلك- كحكم ما لا يد عليه، فيحكم به لمن يدّعيه، أو لا؟

مقتضى أصالة عدم براءة ذي اليد عن اشتغاله بإيصاله إلى صاحبه و أصالة عدم تسلّط المدّعي على أخذه و عدم شرعيّة الحكم به له: الثاني، و الموثّقة «1» مخصوصة بغير ذلك المورد.

و ممّا ذكرنا من الأصول و الخصوصيّة يظهر الفرق بينه و بين ما لا يد لأحد عليه.

و لهذا القسم أنواع كثيرة، منها: اللقطة، و الضالّة، و الكنز، و مال من لا يعرف

______________________________

(1) أي موثقة منصور المتقدّمة في ص: 358.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 361

له وارث إذا ادّعى أحد الوراثة، و المنهوب من بين جماعة غير محصورين، و المغصوب منهم، و الموروث ممّن اعترف المورّث بعدم ملكيّته، و المنسيّ صاحبه، و أحد المشتبهين اللذين كلّ منهما لشخص و تلف أحدهما، و غير ذلك.

و ما ذكرناه إنّما هو على سبيل الأصل المناسب لهذا المقام، و إلّا فلبعضها أو كلّها أحكام خاصّة، مذكورة كلّ منها في مورده إن شاء اللّه.

د: الظاهر اختصاص الحكم بما لا يد عليه أصلا لا على عينه و لا على منفعته،

فلو كان شي ء لم تكن يد على عينه، و لكن كانت منفعته في يد واحد أو جماعة محصورين أو غير محصورين، ينتفعون به و لا يدّعون ملكيّته، لا يحكم بملكيّة أحد بمجرّد ادّعائه، و لا يخلّى بينه و بينه إلّا ببرهان و بيّنة، للأصل، و عدم ثبوت الإجماع في مثل ذلك، بل ثبوت عدمه، و اختصاص النصّ بغير ذلك.

فلو كان هناك طريق مسلوك للعامّ أو الخاصّ- على القول بعدم كون الخاصّ ملكا لسالكيه- لا يملكه أحد بمجرّد دعوى الملكيّة، و كذا لو كان رباط ينزله الناس من غير ادّعاء ملكيّته و لا اشتهار وقفيّته، أو بركة كذلك يتروون منها.

بل يحكم في الأول بكونه طريقا، و يعمل فيه بما يعمل في الطرق، و في الأخيرين بمجهول المالكيّة، و اللّه العالم.

المسألة الرابعة: إذا ادّعى كلّ منهم أنّه اشترى العين من ذي اليد، و أقبض الثمن، و العين المبيعة في يد البائع

، فهو من مسألة تنازع المتداعيين ما في يد ثالث، و قد مرّت، و قد يذكر حكم ذلك منفردا لأجل بعض خصوصيّات البيع الذي يظهر حكمه بالتأمّل.

المسألة الخامسة: لو ادّعى اثنان أنّ ثالثا اشترى من كلّ منهما هذا المبيع، و كلّ يطالبه بالثمن

، فإن أقرّ لهما ألزم بالثمنين، لإمكان الصدق

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 362

و صحّة البيعين، بأن يشتري من أحدهما فباعه من الآخر ثمَّ اشترى منه.

و إن أقرّه لأحدهما لزمه الثمن له و حلف للآخر، و إن نكل اغرم له.

و إن أنكرهما و لا بيّنة حلف لهما.

و إن أقام كلّ منهما بيّنة ثبت البيعان و يلزم الثمنان، إلّا في صورة لم يمكن الاجتماع، فيرجع إلى المرجّحات المعتبرة الآتية في بحث تعارض البيّنات، من الأعدليّة و الأكثريّة إن كانت، و إلّا إلى الإقراع، فمن أخرجته القرعة قضي له بالثمن الذي شهدوا به بعد حلفه للآخر، فإن امتنع حلف الآخر و حكم له، فإن امتنع قسّم الثمن بينهما مع التشابه، و يحكم لكلّ واحد منهما بنصف ما ادّعاه من الثمن مع الاختلاف.

المسألة السادسة: لو ادّعى كلّ واحد من شخصين كلّ واحد من ثوبين

- مثلا- في يد كلّ واحد منهما أحدهما ما في يد الآخر، فإن لم تكن بيّنة يحلف كلّ منهما للآخر بنفي ما في يده لصاحبه، و يحكم له بما في يده.

و إن كانت لأحدهما بيّنة يحكم له بهما جميعا، الذي في يد صاحبه للبيّنة، و الذي في يده لأنّه في يده و لا بيّنة لصاحبه، إلّا أنّه يحلف لدفع صاحبه عمّا في يده.

و لو كانت لهما البيّنة يحكم لكلّ منهما بما في يد الآخر، لما يأتي من ترجيح بيّنة الخارج.

المسألة السابعة: إذا ادّعى زيد على عمرو عينا في يد عمرو، و أقام المدّعي بيّنة، حكم له قطعا

، و انتزعت من يد عمرو، و تسلّم إلى زيد، فإن ادّعى عمرو بعد أخذ زيد الملك السابق، و أقام البيّنة، و شهدت البيّنة على أنّها كانت له قبل الانتزاع، لم تقبل بيّنته (وفاقا للشرائع و الإرشاد «1» «2».)

______________________________

(1) الشرائع 4: 116

(2) الإرشاد 2: 151.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 363

لا لأنّه ذو اليد حينئذ أيضا نظرا إلى أنّه يدّعي أنّ الأخذ منه ظلم فكأنّها في يده، لأنّه الآن ليس ذا اليد قطعا، و النزع عنه بحكم الحاكم ليس ظلما، فلا يدخل تحت ما دلّ على عدم قبول بيّنة ذي اليد، بل يصدق عليه المدّعي.

و لا لأنّه على ذلك يصير جعل المدّعى عليه خارجا، و انتزاع العين من المدّعى عليه ثانيا سهلا بتأخير بيّنته إلى الحكم و الانتزاع، لأنّه لا فساد في ذلك، و كم من الحيل الشرعيّة التي تبنى عليها الأحكام.

و لا لأنّه نقض للحكم الأوّل، و هو غير جائز، لمنع كونه نقضا و إن عبّر به في الشرائع و القواعد «1»، لأنّ النقض إنّما هو إذا كان إبطالا لحكم الحاكم من جهة حكمه لا لدعوى اخرى.

بل لأنّه إمّا يقتصر على الشهادة بالملك

السابق، فيرجع إلى تعارض الملك القديم و اليد الحاليّة، و سيأتي أنّ اليد مقدّمة. أو يضمّ معها قوله:

لا أعلم لها مزيلا، أو: أعتقد ملكيّته الآن للاستصحاب، و نحوهما، بناء على قبولهما، فيردّ بالعلم بالمزيل، و هو حكم الحاكم، بل و كذا لو قال:

و هو إلى الآن ملكه، لأنّ غايته أنّه أمارة كحكم الحاكم بقطع الملكيّة.

فتبقى اليد الحاليّة بلا معارض.

و إن ادّعى ملكا لا حقا بعد الانتزاع منه، و أقام عليه البيّنة، فالوجه:

قبول البيّنة و استرداد العين، لعدم التعارض بين البيّنتين.

و إن أطلق الدعوى، و أقام البيّنة المطلقة و قبلناها، فالوجه: القبول و الاسترداد أيضا، لعدم المانع، و صدق المدّعي.

______________________________

(1) الشرائع 4: 116، القواعد 2: 233.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 364

و حكم في القواعد بنقض الحكم و استرداد العين على الإطلاق الشامل للصور الثلاث، و لكن قال: على إشكال «1». و يظهر وجه الحكم و الإشكال ممّا ذكرنا.

و بنى في المسالك الحكم في الصورة الأولى على أن المراد ببيّنة الخارج و الداخل هل الخروج و الدخول عند الملك المدّعى، أو حال التعارض «2»؟ و ستعلم أنّ المعتبر حال التعارض، للصدق العرفي.

المسألة الثامنة: لو كانت العين بيديهما معا، و ادّعى أحدهما الكلّ، و الآخر النصف، و لا بيّنة

، فعلى ما ذكرنا- في مسألة ما إذا كانت العين بيديهما، و ادّعى كلّ منهما الكلّ- من أنّ الكلّ بيد كلّ منهما يكون النصف لمدّعي الكلّ بلا معارض، و يكون النصف في يدهما معا، فيكون هو المتنازع فيه، و حكمه حكم العين التي تنازع فيها اثنان يدهما عليه، من غير فرق بين المشاع و المعيّن.

و كذا في صورة البيّنة لهما، يكون في النصف حكم الكلّ الذي تنازع فيه اثنان و أقاما البيّنة، و يأتي حكمه.

و كذا يظهر حكم ما إذا زاد ما يدّعيه

الآخر عن النصف، أو نقص، أو زاد المدّعون عن الاثنين. و بالجملة: جميع ما يتصوّر من الأقسام.

المسألة التاسعة: إذا تنازع الزوجان أو ورثتهما أو أحدهما مع ورثة الآخر في أمتعة البيت الذي في يدهما
اشارة

، فإن كانت هناك بيّنة لأحدهما كلّا أو بعضا قضي له بها بلا خلاف، و إن لم تكن بيّنة فاختلفوا فيها على خمسة أقوال:

______________________________

(1) القواعد 2: 233.

(2) المسالك 2: 396.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 365

الأوّل: أنّهما فيها سواء مطلقا

، سواء كان المتنازع فيه ممّا يصلح للرجال خاصّة أو النساء كذلك أو لهما، و سواء كانت الدار لهما أو لأحدهما أو لثالث، و سواء كانت الزوجيّة باقية أو زائلة، و سواء كانت يدهما عليه تحقيقا بالمشاهدة أو تقديرا، فيتحالفان، أو ينكلان، فيقسّم بينهما بالسويّة، و يختصّ الحالف بالجميع لو حلف أحدهما و نكل الآخر.

حكي عن المبسوط و ظاهر الإرشاد و صريح القواعد و الإيضاح و التنقيح «1»، و نسبه الأردبيلي في شرح الإرشاد إلى المتن و جماعة.

و لكن كلام المبسوط ليس صريحا في اختصاص الفتوى بذلك، لأنّه قال بعد القول المذكور: و روى أصحابنا أنّ ما يصلح للرجال فللرجل، و ما يصلح للنساء فللمرأة، و ما يصلح لهما يجعل بينهما «2»، و في بعض الروايات: أنّ الكلّ للمرأة و على الرجل البيّنة، لأنّ من المعلوم أنّ الجهاز ينتقل من بيت المرأة إلى بيت الرجل «3»، و الأوّل أحوط «4». انتهى.

فإنّ قوله: و الأوّل، يحتمل أن يراد به ما أفتى به أوّلا و حكي عنه، و أن يراد به ما رواه الأصحاب، لكونه أولا بالنسبة إلى الرواية الثانية، و يؤيّده ما في الخلاف من جعله الأحوط ذلك «5». و كيف كان، فلا تكون فتواه منحصرة بما حكي عنه أولا، بل هي إمّا تكون أحوط، فتجوز غيرها أيضا، أو تكون غيرها أحوط، فتجوز أيضا، بل تكون أولى.

______________________________

(1) المبسوط 8: 310، القواعد 2: 223، الإيضاح 4: 381، التنقيح 4: 278.

(2)

انظر الوسائل 26: 213 أبواب ميراث الأزواج ب 8.

(3) الكافي 7: 130- 1، التهذيب 6: 298- 831، الاستبصار 3: 45- 151، الوسائل 26: 213 أبواب ميراث الأزواج ب 8 ح 1.

(4) المبسوط 8: 310.

(5) الخلاف 2: 645.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 366

ثمَّ إنّ دليلهم على ذلك ما مرّ- في تنازع الشخصين في عين كانت في يدهما- من العمومات و غيرها، فإنّ هذه الدعوى أيضا فرد من سائر الدعاوي، فتشملها أدلّتها.

الثاني: إنّ ما يصلح للرجل خاصّة يحكم به للرجل، و ما يصلح للنساء كذلك يحكم به للمرأة، و ما يصلح لهما يقسّم بينهما بعد التحالف أو النكول.

حكي عن الشيخ في النهاية و الخلاف و الإسكافي و الحلّي في السرائر و ابن حمزة و الكيدري و النافع و ظاهر الشرائع و التحرير و المهذّب و الدروس «1»، و قرّبه القاضي و لكن في الدعوى بعد الطلاق، بل هو مذهب الأكثر كما في المسالك و شرح المفاتيح «2»، بل هو المشهور كما في الشرائع و صريح النكت، بل عن الخلاف و في السرائر الإجماع عليه، و نسبه في المبسوط- كما مرّ- إلى روايات الأصحاب «3».

لقضاء العادة بذلك، و صحيحة رفاعة: «إذا طلّق الرجل امرأته و في بيتها متاع فلها ما يكون للنساء، و ما يكون للرجال و النساء قسّم بينهما» قال: «و إذا طلّق الرجل المرأة فادّعت أنّ المتاع لها، و ادّعى الرجل أنّ المتاع له، كان له ما للرجال، و لها ما للنساء» «4».

______________________________

(1) النهاية: 350، الخلاف 2: 645، حكاه عن الإسكافي في المسالك 2: 398، السرائر 2: 194، ابن حمزة في الوسيلة: 227، النافع: 285، الشرائع 4: 119، التحرير 2: 200، المهذّب 2: 579، الدروس 2: 110.

(2) المسالك 2: 398.

(3) المبسوط 8: 310.

(4) الفقيه 3: 65- 215، التهذيب 6: 294- 818، الاستبصار 3: 46- 153، الوسائل 26: 216 أبواب

ميراث الأزواج ب 8 ح 4، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 367

و موثّقة يونس: في المرأة تموت قبل الرجل، أو رجل قبل المرأة، قال: «ما كان من متاع النساء فهو للمرأة، و ما كان من متاع الرجال و النساء فهو بينهما، و من استولى على شي ء [منه ] فهو له» «1».

و في موثّقة سماعة: عن رجل يموت، ماله من متاع البيت؟ قال:

«السيف و السلاح [و الرحل ] و ثياب جلده» «2».

و اختصاص الاولى بالطلاق و الثانية بالموت غير ضائر، للإجماع المركّب، و تتميم كلّ منهما بالأخرى، لعدم التنافي.

و كذلك لا يضرّ عدم تصريح صدر الصحيحة و الخبرين الآخرين بالتنازع، لشمولها له، مضافا إلى ظهورها فيه، سيّما مع ضمّ ذيل الصحيحة.

و كذا لا يضرّ عدم اشتمال كلّ من الصدر و الذيل و الخبرين على الأحكام الثلاثة بعد اشتمال الكلّ للكلّ، مضافا إلى ثبوت الحكم في صورة صلاحية المتاع لهما بما مرّ في القول الأول، و في الصورتين الأخريين بالظهور المستند إلى العادة.

و الثالث: إنّ القول قول المرأة مطلقا، فالمتاع المتنازع فيه كلّه لها، إلّا ما أقام الرجل عليه البيّنة.

و هو المحكيّ عن صريح الشيخ في الاستبصار و ظاهر الكليني في الكافي «3»، و رجّحه في شرح المفاتيح، و حكاه الأردبيلي عن التهذيب أيضا.

______________________________

(1) التهذيب 9: 302- 1079، الوسائل 26: 216 أبواب ميراث الأزواج ب 8 ح 3.

و ما بين المعقوفين من المصدرين.

(2) التهذيب 6: 298- 832، الاستبصار 3: 46- 152، الوسائل 26: 215 أبواب ميراث الأزواج ب 8 ح 2، ما بين المعقوفين ليس في «ح» و «ق»، أضفناه من المصادر.

(3) الاستبصار 3: 44، الكافي 7: 130- 1، التهذيب 6: 298، و ج 9: 301، و حكاه عنهما في الرياض 2: 418.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 368

لصحيحة البجلي: «هل قضى

ابن أبي ليلى بقضاء ثمَّ رجع عنه؟» فقلت له: بلغني أنّه قضى في متاع الرجل و المرأة- إذا مات أحدهما فادّعى [ورثة] الحيّ و ورثة الميت أو طلّقها الرجل فادّعاه الرجل و ادّعته المرأة- بأربع قضيات- فعدّها الراوي إلى أن قال في الرابعة:- ثمَّ قضى بعد ذلك بقضاء لو لا أنّي شاهدته لم أروه عليه، ماتت امرأة منّا و لها زوج و تركت متاعا فرفعته إليه، فقال: اكتبوا إليّ المتاع، فلمّا قرأه قال للزوج: هذا يكون للرجل و المرأة فقد جعلناه للمرأة، إلّا الميزان فإنّه من متاع الرجل فهو لك- إلى أن قال:- فقلت: ما تقول أنت فيه؟ فقال: «القول الذي أخبرتني أنّك شهدته و إن كان قد رجع عنه» فقلت: يكون المتاع للمرأة؟ فقال: «أرأيت إن أقامت بيّنة إلى كم كانت تحتاج؟» فقلت: شاهدين، فقال: «لو سألت من بينهما» يعني: الجبلين، و نحن يومئذ بمكة «لأخبروك أنّ الجهاز و المتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت زوجها، فهي التي جاءت به، و هذا المدّعي، فإن زعم أنّه أحدث فيه شيئا فليأت عليه بالبيّنة» «1».

و قريبة منها الصحيحة الأخرى له و لإسحاق بن عمّار، و فيها: «إلّا الميزان، فإنّه من متاع الرجل فللرجل» «2».

و صحيحته الثالثة، و هي أيضا قريبة منهما، إلّا أنّها لا تتضمّن استثناء الميزان، و في آخرها: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «القضاء الأخير و إن كان قد رجع عنه، المتاع متاع المرأة، إلّا أن يقيم الرجل البيّنة، قد علم من بين

______________________________

(1) الكافي 7: 130- 1، التهذيب 6: 298- 831 و ج 9: 301- 1078، الاستبصار 3: 45- 151، الوسائل 26: 213 أبواب ميراث الأزواج ب 8 ح 1، بتفاوت

يسير. ما بين المعقوفين ليس في «ح» و «ق»، أضفناه من المصادر.

(2) التهذيب 6: 297- 830، الاستبصار 3: 45- 150، الوسائل 26: 213 أبواب ميراث الأزواج ب 8 ذ ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 369

لابتيها» «1» يعني: بين جبلي منى «أنّ المرأة تزفّ إلى بيت زوجها بمتاع» «2».

الرابع: إنّ ما لا يصلح إلّا للرجال فهو للرجل، و ما يصلح لهما أو للنساء خاصّة فهو للمرأة

، و هو مذهب الصدوق في الفقيه «3»، و مستنده الصحيحتان الأوليان المتقدّمتان دليلا للثالث.

الخامس: الرجوع في ذلك إلى العرف العامّ أو الخاصّ

، الدالّ على اختصاص بعضه بأحدهما، فإن وجد عمل به، و إن فقد أو اضطرب كان بينهما نصفين.

اختاره الفاضل في المختلف و الشهيدان في النكت و الروضة و المحقّق الشيخ عليّ، و استقربه في الكفاية، و استحسنه في المهذّب، و نفى عنه البأس في شرح الشرائع للصيمري «4».

لأنّ عادة الشرع في باب الدعاوي- بعد الاعتبار و النظر- راجعة إلى ذلك، و لهذا حكم بقول المنكر مع اليمين، بناء على الأصل، و كون المتشبّث أولى من الخارج، لقضاء العادة بملكيّة ما في يد الإنسان غالبا، فحكم بإيجاب البيّنة على من يدّعي خلاف الظّاهر، و الرجوع إلى من يدّعي ظاهر العرف.

و يؤيّده استشهاده عليه السّلام بالعرف، حيث قال: «قد علم من بين

______________________________

(1) لابتا المدينة: حرّتان عظيمتان يكتنفانها. و اللابة: هي الحرّة ذات الحجارة السود قد ألبتها لكثرتها، و جمعها: لابات، و هي الحرار، و إن كثرت فهي اللّاب و اللّوب، مجمع البحرين 2: 168.

(2) التهذيب 6: 297- 829، الاستبصار 3: 44- 149، الوسائل 26: 213 أبواب ميراث الأزواج ب 8 ذ ح 1.

(3) الفقيه 3: 65.

(4) المختلف: 698، الروضة 3: 108، الكفاية: 278، المهذّب 2: 579.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 370

لابتيها» و قال: «لو سألت من بينهما».

أقول:

أمّا ما ذكروه دليلا للقول الأوّل فهو حسن على ما استثنوه في مسألة التداعي فيما كان بيد المتداعيين من أنّ يد كلّ منهما على النصف، و من أنّ كلا منهما مدّع و منكر. و لكن قد عرفت ما في الأساس الثاني.

و يمكن منع الأوّل هنا، لأنّه إنّما كان فيما إذا علم أنّ المدّعى به

بيديهما معا، و هو هنا غير معلوم، و ليس أيضا ممّا لم يكن يد أحدهما عليه.

و أمّا ما ذكرناه من الأخبار للمسألة المذكورة فهي غير مفيدة للمورد، لأنّها إمّا مخصوصة بأعيان خاصّة ليس المورد منها، أو مخصوصة بالمورد حاكمة فيه بغير ذلك.

مع أنّه لو سلّم الأساسان فهما عامّان، و أخبار المسألة خاصّة، يجب تخصيصهما بها، سيّما مع موافقة الخصوص للشهرة المحقّقة و المحكيّة «1» و الإجماعات المنقولة «2»، و ندرة القائل بحكم العموم للمورد، سيّما مع ما عرفت من عدم اقتصار فتوى المبسوط بذلك «3»، و رجوع الفاضل عنه في المختلف «4»، و عدم ظهور كلامه في الإرشاد على الحكم بذلك، فلا محيص عن قطع النظر عن ذلك القول و تركه.

و أمّا ما ذكروه دليلا للثاني، فأمّا أول دليليهم- و هو قضاء العادة- فإنّه إن أريد به قضاء العادة في المالكيّة، بمعنى: أنّ العرف و العادة يقضيان بأنّ

______________________________

(1) كما قد يستفاد من الشرائع 4: 119.

(2) كما في الخلاف 2: 645، السرائر 2: 194.

(3) المبسوط 8: 310.

(4) المختلف: 698.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 371

ما يصلح للرجال فهو من مال الرجال، و كان هو ملكه، و هو الذي جاء به، و ما كان للنساء فهو من مال النساء كذلك، و ما يصلح لهما فهو يحتمل الأمرين.

ففيه أولا: أنّه ليس كذلك كلّيا و لا غالبا، فكم من امرأة معسرة من بيت فقير يعلم أنّها لا تملك شيئا أو إلّا قليلا، يتزوّجها رجل من الأغنياء المتموّلين و يهيّئ لها من الألبسة النسائيّة و الحلي و الحلل ما لا يحصى كثرة، و قد يموت أحدهما في أسرع وقت، يعلم أنّه لم تتمكّن الزوجة من تحصيل هذه الأشياء بنفسها.

و

كم من أمة يعتقها مولاها و يتزوّجها و لا شي ء لها.

و كم من امرأة مات أخوها أو أبوها أو ولدها أو زوجها السابق، فترث منه ألبسه رجاليّة و أسلحة و سروجا.

و كم من رجل ماتت زوجته السابقة أو أمّها أو بنتها أو أختها، فيرث منها مقانع و حليّا و ثيابا نسائيّة.

و ثانيا: أنّه إن أريد بالعادة عرف زمان خاصّ و بلد مخصوص نادر، فظاهر أنّ مثل ذلك ممّا لا يعتني به الفقيه، و لا يجعله دليلا على حكم كلّي عامّ يشمل الأزمان و البلدان جميعا.

و إن أريد غير ذلك، فهو ليس كذلك، كما يشاهد في هذه الأزمان- بل يقطع به من قبل ذلك بكثير و في أكثر هذه البلدان- من أن الزوج يجي ء بأكثر الألبسة النسائيّة و حليّها، و الزوجة الموسرة بقدر حالها تجي ء بلباس لزوجها، و هذا أمر متعارف مشاهد، مع أنّ هذا أمر مختلف باختلاف الأزمان و الأشخاص و البلدان و القرى و الطوائف، اختلافا محسوسا مشاهدا.

و إن أريد بقضاء العادة قضاؤها في اليد، و كان المراد تعيين ذي اليد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 372

منهما، حيث إنّ الغالب اشتباه من بيده منهما في متاع البيت، حتى يحكم بمقتضى اليد.

ففيه: أنّه إن أريد القضاء العلميّ- كما يظهر من المحقّق الأردبيلي- فهو ممنوع، إمّا مطلقا، أو إلّا نادرا، في مثل اللباس الذي يلبس كلّ يوم أو غالبا.

و إن أريد الظنّي، فمع أنّه أيضا لا يحصل كلّيا- فإنّ من المشتركات ما يظنّ أنّه بيد المرأة، تتصرّف فيه في البيت كالأواني و السفرة و المكنسة و غيرها- لا حجّية فيه، و لا يعدّ مثل ذلك قضاء، مع أنّ المعتاد في بعض البلدان أنّ التصرّف في

الأدوات الرجاليّة أيضا مع النسوان.

و أمّا ثاني دليليهم- و هو الأخبار- فهو حسن، إلّا أنّه تعارضها الأخبار الثلاثة التي [بعدها] «1» للبجلي «2»، فلا بدّ أن ينظر في حال المتعارضين، و سيأتي.

و أمّا دليل القول الثالث- و هو الأخبار الثلاثة المشار إليها- فالأخيرة منها و إن طابقته و لكنّ الأوليين لا تطابقانه، لدلالتهما على اختصاص ما يختصّ بالرجال بالرجل، فإنّه الذي حكم به ابن أبي ليلى أخيرا و صحّحه الإمام عليه السّلام، و المتاع الذي كتبوه و حكم فيه بكونه للمرأة مصرّح به فيهما بكونه للرجل و المرأة، و هو المراد من قوله: فقلت: يكون المتاع للمرأة؟

فإنّ اللّام للعهد، بقرينة قوله: «القول الذي أخبرتني».

و لو أريد مطلق المتاع ليحصل التعارض بين القولين و التنافي- و لو

______________________________

(1) بدل ما بين المعقوفين في «ح»: يعدّها و في «ق» «يعد» و الظاهر ما أثبتناه، و الضمير عائد إلى الأخبار الأولى.

(2) المتقدمة في ص: 368.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 373

لم يجعل الأوّل قرينة للثاني أيضا- يحصل الإجمال في المراد، و يجب الأخذ بالمتيقّن، و هو متاع الرجال و النساء، و لم يعلم أيضا دخول ما يختصّ بالرجال في الجهاز الذي يجاء به من بيت الزوجة، بل الظاهر إمّا متاع النساء خاصّة، أو المشترك، إذ لا يرتاب أحد في أنّ للزوج أيضا في البيت شيئا، لأنّه لم يدخله عاريا فلا يحتاج فيما يختصّ بالرجال- و لو شيئا- إلى البيّنة.

بل نقول: إنّه يعلم كلّ من بين لابتيها- بل كلّ أحد- أنّ الزوج ليلة الزفاف لم يكن جالسا في بيته عاريا مكشوف الرأس و العورة، بلا فراش و لا وطاء و لا آنية و لا إبريق و لا كوزة و

لا سراج، منتظر لأن تجي ء الزوجة بهذه الأشياء، و الغالب أنّ لباسه غير منحصر بما لبسه حينئذ أيضا. و على هذا، فيكون للزوج أيضا شي ء في البيت قطعا، فيحصل الإجمال في المراد من التعليل المذكور، و لا يصلح قرينة لشي ء.

و لكون الأوليين أخصّ مطلقا من الأخيرة فيجب تخصيصها بهما، مع أنّ الواقعة في الجميع واحدة.

و على هذا، فلا تصلح تلك الأخبار دليلا لذلك القول أصلا، مع أنّ وجود القائل بهذا القول غير معلوم، فإنّ نسبته إلى الكليني ليست إلّا لمجرّد نقل هذه الأخبار، كما صرح به من نسبه إليه، و هو لم ينقل إلّا الخبرين الأولين، فلو صحّت النسبة من هذه الجهة لكان هو أيضا كالصدوق، و قائلا بالقول الرابع.

و ما ذكره الشيخ في كتابي الأخبار- سيّما الاستبصار- ليس صريحا و لا ظاهرا في الاختيار، و إنّما دأبه فيهما إبداء الاحتمالات للجمع بين الأخبار. و منه يظهر سقوط هذا القول أيضا من درجة الاعتبار.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 374

و أمّا دليل القول الرابع- و هو الخبران الأولان للبجلي، أو مع الثالث بعد الجمع- فهو كان حسنا لو لا معارضته مع أخبار القول الثاني، و ندرة القائل بمضمونهما، بل لا يعلم قائل به، فإنّ عبارة الصدوق ليست صريحة في اختيار «1» ذلك، و إنّما ذكر ذلك في بيان معنى الحديث، و سيأتي الكلام فيه.

و أمّا القول الخامس، فمراد القائل به إمّا الرجوع إلى العرف و العادة في الحكم بالملكيّة، يعني: أنّ ما يحكم العرف و العادة بكونه ملكا للزوج يحكم به له، و ما يحكمان فيه بكونه ملكا للزوجة يحكم به لها.

أو مراده: الرجوع إليهما في تعيين ذي اليد، أي ما جرت العادة فيه

بكونه في يد الزوجة يحكم بكونه في يدها، فيقدّم قولها بدون البيّنة مع اليمين، و ما جرت فيه بكونه في يد الزوج يحكم بكونه في يده كذلك.

و على الأوّل، إمّا يكون المراد: الملكيّة الحاليّة، أي يرجع إلى العرف و العادة، فيحكم بالملكيّة للزوج حال التنازع فيما يحكمان حينئذ بكونه ملكا له، و بالملكيّة للزوجة كذلك.

أو يكون المراد: الملكيّة السابقة، أي يرجع إلى بناء العرف و العادة فيما تجي ء به الزوجة إلى بيت الزوج من مالها، و يأخذه الزوج من ماله و يجي ء به، فيبنى الحكم عليه.

و على جميع التقادير، إمّا يكون المراد بالعرف و العادة: ما يفيد منهما العلم، أو الأعمّ منه و من الظنّ.

فإن كان المراد العلم، فلا حكم علميّا للعرف و العادة في الملكيّة

______________________________

(1) في «ق»: اعتبار ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 375

السابقة في أمتعة البيت من حيث هي كذلك أبدا، لا في الأزمنة السابقة و لا اللّاحقة، و من أين يحصل ذلك العلم لو لا الأمور الخارجة؟! و لو فرض حصول علم بذلك لأجل العادة المفيدة للعلم فنحن نسلّم الحكم فيه، و لكنّه ليس مخصوصا بأمتعة البيت، بل كلّ شي ء علم الحاكم أنّه من مال أحد المدّعيين بإحدى طرق العلم أو أنّه بيده يحكم له بمقتضاه.

و إن كان المراد الأعمّ، فحصول الظنّ بالملكيّة السابقة- سيّما إذا مضت من مبدأ النكاح مدّة متطاولة، كخمسين سنة أو ستين- مشكل غالبا.

و لو قطع النظر عن ذلك فلا تضايق بتسليم الظنّ العادي في بعض الأشياء بالنسبة إلى بعض الأشخاص أو الطوائف في بعض البلاد أو الأزمان، و إن منعه صاحب التنقيح أيضا و منع الرجحان «1».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 17    375

    الخامس: الرجوع في ذلك إلى العرف العام أو الخاص ..... ص : 369

لكن ما الدليل على اعتبار ذلك الظنّ؟ فإنّه لو كان المناط هو الظهور فالظنّ لم تكن له جهة اختصاص بمتاع البيت و الزوج و الزوجة، بل يلزم الأخذ به في غير ذلك المورد، كدعوى الرجل مع أخته، و يعتبر الظنّ الحاصل من الشاهد الواحد، بل من حال المدّعي و المدّعى عليه.

و لا يمكن أن يقال: إنّه خرج بالإجماع، إذ الإجماع لم يختصّ بموضع دون موضع، بل انعقد على عدم اعتبار الظهور الظنّي غير الظنون المخصوصة في هذا الباب.

و العجب كلّ العجب من الفاضل، حيث استشهد لاعتبار التنازع الظاهر في باب الدعاوي بقبول قول المنكر مع اليمين، باعتبار قضاء العادة بملكيّة الإنسان غالبا ما في يده «2»، و لم يستشهد لعدم اعتبار الظهور بعدم

______________________________

(1) التنقيح الرائع 4: 279.

(2) المختلف: 698.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 376

قبول دعوى المدّعي العادل المتديّن شيئا في ذمّة الفاسق المتغلّب، و لو ضمّ معه شهادة فاسقين مورثة لشدّة الظهور، و نحو ذلك، مع أنّ تقديم قول المنكر لا يختصّ بالأعيان الكائنة في اليد، بل يشمل ما في الذمّة أيضا، مع أنّ منشار النجّار و كتاب العالم إذا كان بيد شخص معروف بالسرقة و خرج من بيت النجّار و العالم لو ادّعاه النجّار و العالم يقدّم قول ذي اليد السارق، مع أنّ الظاهر خلافه، فيعلم أنّ ذلك ليس باعتبار الظهور و المظنّة.

هذا إذا كان المراد الملكيّة السابقة.

و لو أريد الملكيّة الحالية فلا وجه لحصول العلم أو الظنّ بها من حيث إنّه متاع البيت و أنّهما الزوجان أصلا، و كيف يعلم أو يظنّ بما وقع بينهما في زمان اجتماعهما؟!

و كذا الكلام إن كان المراد تعيين ذي اليد بالعرف و العادة.

فإن قيل:

التعليل المذكور الذي ذكره الإمام عليه السّلام في الأخبار الثلاثة «1» بقوله: «يعلم من بين لابتيها» إلى آخره، يدلّ على اعتبار العادة في ذلك.

قلنا:

العلّة المذكورة هي العلم كما في بعضها، و الإخبار العلميّ- الذي هو وظيفة البيّنة- كما في بعض آخر، و لا كلام فيه حينئذ، و إنّما الكلام في تحقّق العلم العادي كما هو المعلوم، و لعلّه كان عادة مخصوصة معلومة في بلده عليه السّلام في ذلك الزمان، مع أنّ في التعليل إجمالا لا يتمّ الاستدلال به، كما مرّت الإشارة إليه.

و من ذلك ظهر خلوّ هذا القول عن الدليل التامّ أيضا، فلا ينبغي الارتياب في سقوطه من البين. و ظهر بطلان الأقوال الثلاثة، التي هي غير

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 368- 369.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 377

الثاني و الرابع.

و بقي الكلام فيهما و في دليلهما، فنقول: لا شكّ في كون متاع النساء للنساء، للتصريح به في روايات القول الثاني، و عدم دلالة سائر الروايات على خلافه إن لم تدلّ عليه بالأولويّة أو العموم.

و لا في كون متاع الرجال للرجال، لتصريح صحيح رفاعة و موثّقة سماعة و صحيحتي البجلي الأوليين «1» من غير معارض أيضا، سوى عموم صحيحة البجلي الأخيرة، و تخصيصها بالخصوصيّات متعيّن، مع أنّ في عمومها نظرا، بل الظاهر أنّ المراد بمتاع المرأة فيها هو المتاع الذي حكم فيه أبو ليلى، و صرّح بأنّه يكون للرجل و المرأة.

نعم، يقع التعارض بين الأخبار في المتاع المشترك، فإنّ صريح صحيحة رفاعة و موثّقة يونس أنّه يقسّم بينهما، و صريح الصحاح الثلاثة للبجلي- التي هي صحيحة واحدة حقيقة، و إن كان بعض رجال

أسنادها مختلفة- أنّه للمرأة، فلا بدّ من الترجيح، و لا شكّ أنّه للأوليين، لمخالفة الأخيرة للشهرة العظيمة القديمة و الجديدة، بل عدم عامل بها صريحا البتّة، سوى المشايخ الثلاثة، و اثنان منهما و إن شاركا الآخر في ذلك الحكم و لكنّهما خالفاه في حكم متاع الرجال، و خالفا الصحاح أيضا، فليس عامل بها إلّا الصدوق خاصّة، و عمله أيضا غير معلوم كما مرّت إليه الإشارة، بل عمل الشيخين الأخيرين أيضا، فلا شكّ أنّ مثل ذلك الخبر ليس بحجّة و إن لم يكن له معارض، فكيف معه؟! هذا، مع ما في دلالة الصحاح على إطلاق الحكم و كلّيته من

______________________________

(1) المتقدّمة جميعا في ص: 366 و 367 و 368.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 378

المناقشة، لمكان التعليل المذكور فيها، فإنّ مقتضاه أنّ الحكم المذكور مخصوص بما توجد فيه العلّة، و هو العلم بأنّ الزوجة أهدت الجهاز و المتاع إلى بيت الزوج، و لم يعلم أنّ للزوج أيضا فيه شيئا، فلا يجري فيما علم أنّ الزوجة لم تهد الجهاز إليه، أو لم يعلم ذلك، أو علم أنّ الزوج أرسل أمتعته إلى بيت الزوجة، و هي أهدتها- أو مع شي ء آخر- إلى بيت الزوج، كما هو متعارف الآن في كثير من البلدان، أو علم أنّ للزوج أيضا في بيته أمتعة.

و بالجملة: لا يثبت الحكم في غير مورد تجري فيه العلّة، كما هو الآن في أكثر البلدان.

و ظهر من ذلك أنّ الترجيح للروايتين الأوليين، الحاكمتين بأنّ المتاع يقسّم بينهما، و أنّ الحقّ هو القول الثاني، فعليه العمل.

فروع:
أ: اعلم أنّ أخبار المسألة خالية عن ذكر اليمين رأسا،

بل الظاهر منها انتفاؤها، و لا دليل على ثبوت اليمين إلّا عمومات اليمين على من ادّعي عليه، بجعل المرأة مدّعى عليها فيما

يصلح لها، و الرجل فيما يصلح له، و كلّ منهما في النصف فيما يصلح لهما، و قد عرفت حالهما في مثل المورد.

إلّا أنّ ظاهر الأصحاب الاتّفاق على ثبوتها، و من لم يتعرّض لها فإنّما هو لأجل كون المقام مقام بيان من يقدّم «1» قوله فقط.

و يؤيّد ثبوتها الاعتبار أيضا، فإنّ ما يصلح للمرأة لو كان بيدها في غير

______________________________

(1) في «ح»: تقدّم ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 379

بيت زوجها، و ادّعى الزوج، لا يترك للمرأة بدون يمينها، فكيف إذا كان في بيت الزوج و لم تثبت يدها، و كذلك الرجل؟! و يمكن أن يجعل ذلك دليلا بالأولويّة، فالظاهر أنّ الأحكام الثلاثة إنّما هي بعد اليمين، فيحكم بمقتضاها، و مع النكول يحكم بمقتضاه.

و هذا ظاهر إذا كانت الدعوى بين الزوجين بنفسهما، و لو كانت بين أحدهما و وارث الآخر، فيحلف أحدهما فيما يتعلّق به على البتّ، و الوارث فيما يتعلّق به على نفي العلم بأنّه من مال المدّعي، لأنّ الأخبار مطلقة بأنّه من مال مورّثه، و لم يثبت الإجماع- لو كان هنا- على الأزيد من ذلك.

و يؤكّده أنّه يكتفى فيما في يد مورّثه بذلك الحلف لو ادّعي على الوارث، و هذا أقوى منه، لتصريح الأخبار بأنّه له «1».

و يجب أن يكون الحلف على الوارث بعد ادّعاء المدّعي العلم عليه، و إلّا فيعطى بلا يمين.

و يحتمل ثبوت اليمين عليه إلّا إذا أقرّ المدّعي بعدم علمه، بناء على أن يقول: إنّ هذا اليمين جزء الحكم، لا أنّه حقّ لغيره، كاليمين الاستظهاريّة و جزء البيّنة.

و منه يظهر الحكم لو كانت الدعوى بين الوارثين، فيحلف كلّ منهما على نفي العلم بالتفصيل المذكور.

و لو كان أحد الوارثين أو كلاهما صغيرا

أو مجنونا أو غائبا يدفع ما يتعلّق به إلى وليّه بدون يمين، كما إذا كان بيد مورّثه في بيت آخر، لإطلاق الأخبار بأنّه له، و لا يقصر ذلك من حكم الشارع باقتضاء اليد الملكيّة.

______________________________

(1) الوسائل 27: 249 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 380

ب: الحكم المذكور مخصوص بمتاع البيت الذي لم يعلم أنّه بيد أحدهما و تصرّفه بخصوصه،

و لو علم ذلك- كالثوب الذي على الرجل أو المرأة، أو الحليّ الذي عليها- فهو لذي اليد بعد اليمين، لقوله عليه السّلام في موثّقة يونس: «و من استولى على شي ء منه فهو له» «1».

و على هذا، فلو كان في الدار بيت أو في البيت مخزن كان بيد أحدهما- أي هو الذي يغلق بابه و يفتح، و مفتاحه بيده دون الآخر، و بالجملة يكون بيده خاصّة عرفا- فيحكم بما فيه له و إن كان ممّا يصلح للآخر أو مشتركا، إلّا إذا كان إغلاقه و فتحه بأمر الآخر أو بإذنه، أو لأجل مصلحته، أي لا يكون بحيث لا يقال عرفا: إنّه بيت ذلك أو مخزنة، و يده عليه دون الآخر.

و كذا لو كان في البيت صندوق، هو ملك أحدهما و مفتاحه بيده، و لا يدخل الآخر يده عليه بدون رضاه.

ج: و أيضا يختصّ الحكم بمتاع البيت أو الدار الذي هما يسكنانه و يتردّدان فيه لا غير ذلك،

كما يظهر من التعليل الوارد في صحيحة البجلي، حيث قال: «يهدى إلى بيت زوجها» «2»، و كذا يظهر من صحيحة رفاعة و موثّقة سماعة «3».

و أمّا قوله في موثّقة يونس: «ما كان من متاع النساء» و كذا قوله: «و ما كان من متاع الرجال و النساء» فلا بدّ له من قيد، مثل قوله: ما كان متعلّقا بهما، أو: بيدهما، أو: في بيتهما، أو نحو ذلك. و حيث لا يعلم القيد

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 367.

(2) المتقدمة في ص: 368.

(3) المتقدمتان في ص: 366 و 367.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 381

فيقدّر المتيقّن، و هو متاع البيت كما في سائر الأخبار.

و المراد من متاع البيت: ما يكون في بيتهما يتمتّعان به، أيّ شي ء كان، و لذا مثّل بعضهم لما يصلح للرجال منه بالأسلحة و المناطيق، و ما يصلح

لهما بالفرش و الحبوبات، و عدّ في موثّقة سماعة السيف و السلاح من متاع البيت، و ليس المراد ما يتعارف التمتّع به في البيت، كما في لفظ أثاث الدار.

و يشترط أن يكون البيت أو الدار ممّا يتعلّق بهما و يتصرّفان فيه، فلو كان للزوجة بيت معيّن في الدار، و لا مدخل لها في غيره، لا يجري الحكم في متاعه.

و منه بيت الضيافة للرجال، و بيت الحكم و التدريس، و الإصطبل، الذي يختصّ بالتصرّف فيه الرجل.

و لو كان لأحدهما شي ء خارج البيت يحكم فيه لذي اليد منهما، و لو كان بيد ثالث يصدّق قوله في حقّهما، كما مرّ بأقسامه.

د: لا فرق في الحكم المذكور

بين ما إذا كان التداعي في تمام متاع البيت أو بعضها، لإطلاق الأدلّة.

ه: اعلم أنّ الحكم في أكثر الأخبار المذكورة مخصوص بالزوجة الدائمة،

لتصريح صحيحة رفاعة بالطلاق المختصّ بها، و اشتمال الصحاح الثلاث على قوله: «طلّقها» المخصّص للمرأة- التي هي مرجع الضمير- بالدائمة، أو الموجب للتوقّف في التخصيص و العموم.

و لكن مقتضى إطلاق المرأة في موثّقة يونس ثبوت الحكم في المنقطعة أيضا، و هو مقتضى دليل القائلين بالقول الأوّل، لأنّ مرجعهم إلى العمومات الجارية في كلّ أحد و منه المنقطعة، و كذا دليل القائلين بالقول الأخير، و هو الرجوع إلى العرف إن تحقّق و إلّا فإلى العمومات. و لذا

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 382

أجري في القواعد الحكم في تداعي العطّار و النجّار في آلاتهما «1».

و منه يعلم عدم انعقاد إجماع على التخصيص بالدائمة، و حينئذ فالعمل بمقتضى إطلاق الموثّقة- مع عدم منافاة اختصاص البواقي له- أولى و أظهر.

و: لو ادّعى أحدهما اليد المستقلّة على بعض المتاع، فإن كان ممّا يختصّ به فلا تترتّب ثمرة على المتنازع،

لاتّحاد حكمه مع ثبوت اليد و عدمه.

و لو ادّعاها في المختصّ بالآخر أو المشترك يترافعان أولا في ذلك، فعلى مدّعي اليد الإثبات، فإن أثبتها يقدّم قوله، و إلّا فله إحلاف الآخر، فإن نكل فعليه حكمه، و إن حلف تنفى اليد المستقلّة، و يحكم بمقتضى حكم متاع البيت الذي لا يستولي عليه أحدهما.

ز: هل الحكم المذكور مخصوص بما لم تعلم فيه ملكيّته السابقة لأحدهما،

و أمّا فيما علم فيه فيستصحب حتى يظهر خلافه، أو لا، بل يجري فيه أيضا؟

مقتضى التعليل المذكور في الصحاح الثلاث: الأوّل، لأنّه صرّح بأنّ هذا الحكم لأجل ملكيّة الزوجة السابقة، و لو ادّعى الزوج أنّه أحدث في البيت شيئا فعليه البيّنة. و لا يضرّ ترك العمل بأصل الحكم فيها، لأنّ ترك جزء من الحديث- لمعارض- لا يوجب ترك الباقي.

و لكنّ مقتضى إطلاق سائر الأخبار: [الثاني ] «2»، فيتعارضان بالعموم من وجه، و يرجع إلى استصحاب الملكيّة، بل اليد السابقة أيضا.

فالحقّ هو: الأوّل، إلّا أن تعلم يد مستقلّة حاليّة فيه للآخر، فتقدّم على الملكيّة السابقة، و اللّه العالم بحقائق الأمور.

______________________________

(1) القواعد 2: 223.

(2) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: الأوّل، و هو غير صحيح.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 383

الفصل السادس في بيان نبذة من أحكام تعارض الملك السابق و اليد، و تعارض البيّنات و تصادقهما
اشاره

بحيث يستلزم العمل بكلّ منهما تكذيب الأخرى، و إلّا فيجب التوفيق بينهما، و العمل بكلّ منهما، لكونه حجّة شرعيّة، و هو غالبا يكون في تنازع الأعيان.

و قد يتحقّق في الديون إذا بيّن المدّعي السبب، كأن يقول: لي عليه عشرة ثمن الفرس الفلاني الذي بعته يوم كذا، و أقام عليه بيّنة، و أقام المدّعى عليه البيّنة على أنّ هذا الفرس بعينه مات بشهر قبل ذلك عند المدّعي.

و قد يتحقّق في سائر الحقوق أيضا، كأن يقيم المدّعي البيّنة على أنّه جرحه اليوم الفلاني في موضع كذا، و أقام المدّعى عليه البيّنة على أنّه كان في ذلك اليوم في بلدة اخرى بينهما مسافة عشرة أيّام.

ثمَّ العين التي تعارضت فيها البيّنتان إمّا تكون في يد أحد المتداعيين، أو يدهما معا، أو يد خارج عنهما، أو لا تكون عليها يد. و نبيّن أحكامها في مسائل:

المسألة الأولى: إذا كانت في يد أحدهما و أقام كلّ منهما بيّنة، فللأصحاب فيه أقوال:
الأوّل: ترجيح بيّنة الخارج مطلقا

، سواء شهدت البيّنة من الجانبين بالملك المطلق، أو المقيّد بالسبب، أو التفريق.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 384

و هو المحكيّ عن والد الصدوق و الشيخ في كتاب البيوع من الخلاف و الديلمي و ابن زهرة و الكيدري «1»، و عن الغنية دعوى إجماعنا عليه، و اختاره طائفة من المتأخّرين «2»، منهم بعض مشايخنا المعاصرين «3».

و دليلهم على ذلك: الإجماع المنقول، و المستفيضة المصرّحة: بأنّ البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه «4»، فإنّ التفصيل قاطع للشركة، و مقتضاها اختصاص قبول البيّنة من المدّعي، كما استدلّ به أكثر الأصحاب.

و يدلّ عليه صريحا خبر منصور- الذي لو كان فيه ضعف فبالشهرة مجبور-: رجل في يده شاة، فجاء رجل فادّعاها، فأقام البيّنة العدول أنّها ولدت عنده، و لم يهب و لم يبع، و جاء الذي

في يده بالبيّنة مثلهم عدول و أنّها ولدت عنده، و لم يهب و لم يبع، فقال: «حقّها للمدعي، و لا أقبل من الذي في يده بيّنة، لأنّ اللّه تعالى إنّما أمر ان تطلب البيّنة من المدّعي، فإن كانت له بيّنة و إلّا فيمين الذي هو في يده، هكذا أمر اللّه عزّ و جلّ» «5».

و هذه الرواية بنفسها أيضا حجّة مستقلّة على المطلوب، و ذكر السبب في السؤال غير ضائر، لعموم الجواب و العلّة.

______________________________

(1) حكاه عن والد الصدوق في المقنع: 133، الخلاف 3: 130، المراسم: 234، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 625.

(2) كالعلّامة في القواعد 2: 222، الشهيد الثاني في الروضة 3: 108 و 109، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 365.

(3) انظر الرياض 2: 419.

(4) انظر الوسائل 27: 233 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 3.

(5) التهذيب 6: 240- 594، الاستبصار 3: 43- 143، و فيهما بتفاوت يسير، و أورد ذيله في الوسائل 27: 234 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 3 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 385

و الرضويّ المنجبر ضعفه بما ذكر، قال عليه السلام: «فإذا ادّعى رجل على رجل عقارا أو حيوانا أو غيره، و أقام بذلك بيّنة، و أقام الذي في يده شاهدين، فإنّ الحكم فيه أن يخرج الشي ء من يد مالكه إلى المدّعي، لأنّ البيّنة عليه» «1».

و مبنى استدلالهم على أصالة عدم حجّية بيّنة الداخل، فلا يرد عليهم:

أنّه إن كان بناؤهم على عدم حجّيتها فهو مناف لقبولها في بعض الموارد، و إن كان على قوّة الظنّ فقد يكون الظنّ الحاصل من بيّنة الداخل أقوى من بيّنة الخارج. فإنّا نختار الأوّل، و الأصل لا ينافي الخروج

عنه بالدليل.

قيل:

ظاهر المستفيضة أنّ وجوب البيّنة على المدّعي لا عدم الحكم بها لو أقامها المنكر، أي تجب البيّنة على المدّعي، و لا يكلّف المنكر تجشّمها، و اليمين أيضا لا يجب إلّا على المنكر، فالتفصيل إنّما هو في الواجب لا في الجائز، فنقول بسماع بيّنة المنكر أيضا، كما صرّح به جماعة في موارد عديدة:

منها:

ما ذكروا في مقام تعارض البيّنات، بأنّهما تعارضتا فتساقطتا، و التساقط لا يكون إلّا مع حجّيتهما، و بأنّ لذي اليد دليلين: اليد و البيّنة، و بتقديم الأعدل و الأكثر منهما.

و منها:

ما ذكره الفاضل في القواعد و التحرير و الشهيد في الدروس من سماع بيّنة ذي اليد قبل المخاصمة للتسجيل، و بعدها لدفع اليمين.

و يدلّ على سماع بيّنة الداخل أيضا عموم قولهم: «أحكام المسلمين

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السّلام: 261، مستدرك الوسائل 17: 372 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 10 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 386

على ثلاثة: شهادة عادلة، أو يمين قاطعة، أو سنّة ماضية» «1».

و قوله سبحانه لنبيّ من الأنبياء: «اقض بينهم بالبيّنات، و أضفهم إلى اسمي» «2».

و كون قول العدلين دليلا شرعيّا غالبا.

و خصوص الأخبار، كصحيحة حمّاد الحاكية لأمر اللعين موسى بن عيسى في المسعى، إذ رأى أبا الحسن موسى عليه السّلام مقبلا [من المروة على بغلة، فأمر ابن هياج رجلا من همدان منقطعا إليه أن يتعلّق بلجامه و يدّعي ] البغلة، فأتاه و تعلّق باللجام، و ادّعى البلغة، فثنى أبو الحسن عليه السّلام رجله و نزل عنها، و قال لغلمانه: «خذوا سرجها و ادفعوها إليه» فقال: و السرج أيضا لي، فقال: «كذبت، عندنا البيّنة بأنّه سرج محمّد بن علي، و أمّا البغلة فإنّا اشتريناها منذ قريب، و أنت

أعلم بما قلت» «3».

و رواية فدك المتقدّمة «4»، فإنّه لو كانت إقامة البيّنة للمنكر بلا فائدة و غير مجوّزة لكان أولى بالمجادلة به مع أبي بكر.

و رواية حفص السابقة «5»، حيث قال فيها: أ يجوز لي أن أشهد أنّه له؟ إلى غير ذلك.

______________________________

(1) الكافي 7: 432- 20، التهذيب 6: 287- 796، الخصال: 155- 195، الوسائل 27: 231 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 1 ح 6.

(2) الكافي 7: 414- 3، التهذيب 6: 228- 551، الوسائل 27: 229 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 1 ح 2 و فيه: اقض عليهم ..

(3) الكافي 8: 86- 48، الوسائل 27- 291 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 24 ح 1، بدل ما بين المعقوفين في «ح» و «ق»: على بغلته رجلا أن يدّعي، و ما أثبتناه من المصدر.

(4) في ص: 333.

(5) في ص: 333.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 387

و أمّا رواية منصور «1» فيمكن أن يكون وجه التعليل فيها: أنّ اللّه حكم بإعمال بيّنة المدّعي و إحقاق حقّه بمجرّد البيّنة و إن ثبتت للمدّعى عليه أيضا بيّنة، إلّا أنّه لا يمكن ثبوت حقّ المدّعى عليه بالبيّنة إذا لم تكن للمدّعي بيّنة «2».

أقول أوّلا:

إنّ ما ذكره- من أنّ غاية ما يفيده، إلى آخره- فيه: إنّه لو سلّمنا أنّ معنى قولهم: البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه، ما ذكره من التفصيل بين الواجبين دون الجائزين معيّنا أو احتمالا، فمع منعه- كما يأتي- يرد عليه: أنّه يمكن للمستدلّ أن يقول: إنّه على التقديرين يثبت ترتّب الأثر على بيّنة المدّعي، و أمّا تأثير بيّنة المنكر فيكون احتماليّا، بل يكون مسكوتا عنه على ذلك الاحتمال أيضا،

و الأصل عدمه. و ما ذكره دليلا لتأثيره غير ناهض كما يأتي، فيمكن تتميم الاستدلال أيضا.

و ثانيا:

إنّه على ما ذكره يجوز للمنكر الحلف و تجوز إقامة البيّنة، و قد مرّ في بحث كيفيّة الحكم جواز ترك المدّعي لبيّنته الغائبة أو الحاضرة، و الاكتفاء بإحلاف الخصم، و قد عرفت نفيهم الخلاف فيه.

و إذا جاز للمدّعي ترك بيّنته و للمنكر رفع الحلف بالبيّنة، فأين الوجوب الثابت لهما من هذه الأخبار؟! هذا، مع أنّ سماع بيّنة المنكر دفعا لليمين في غير مقام التعارض ممنوع، كيف؟! و قال بعض مشايخنا المعاصرين: إنّ وظيفة ذي اليد اليمين دون البيّنة، فوجودها في حقّه كعدمه بلا شبهة، و لذا لو أقامها بدلا

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 384.

(2) غنائم الأيام: 702.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 388

عن يمينه لم تقبل منه إجماعا إن لم يقمها المدّعي «1». انتهى.

و ثالثا:

إنّ الإمام في هذه الأخبار ليس في مقام بيان التكليف حتى يفيد الوجوب أو الجواز، و إنّما هو في مقام التوقيف و بيان الحكم الوضعي، و هو المتبادر من هذا الكلام في ذلك المقام، فالمعنى: أنّ حكم اللّه (الموقف الذي وضعه) «2» هو إتيان المدّعي بالبيّنة و المدّعى عليه بالحلف، و التفصيل قاطع للشركة في التوقيف و الوضع، فلا يترتّب أثر على بيّنة المدّعى عليه إلّا بدليل آخر.

و رابعا:

إنّ ما ذكره- من قول جماعة بسماع بيّنة المدّعى عليه في موارد- فمع كون أكثرها من الأقوال النادرة الشاذّة لو سلّم غير مفيد، إذ نحن نقول بكون ذلك من باب القاعدة و يقبل التخصيص، كما خصّ جانب المدّعي بثبوت اليمين عليه مع الردّ، و مع الشاهد الواحد، و مع كون الدعوى على الميّت، و في الدماء، و

غير ذلك، فلا يصير ذلك دليلا على صرف اللفظ عن ظاهره، و لا موجبا لإثبات أثر بيّنة المنكر، الذي هو خلاف الأصل في غير تلك الموارد.

و خامسا:

إنّ استدلاله بسماع بيّنة المنكر بالعمومين اللذين ذكرهما باطل جدّا، إذ لا عموم في الحديث الأوّل أصلا، فإنّ المعنى: أنّ الحكم يتحقّق بأحد هذه الأمور، أمّا أنّ مواردها أين هي فلا يعلم من الخبر، و لذا لا يحكم في المدّعى باليمين، و ليست السنّة ماضية في جميع الموارد.

و أمّا الثاني، فلو كان عامّا لاقتضى الجمع بين البيّنة و اليمين في جميع الموارد، لا قبول البيّنة فقط، بل لا دلالة على قبولها في مورد أصلا،

______________________________

(1) الرياض 2: 420.

(2) بدل ما بين القوسين في «ح»: الموظف الذي وظفه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 389

فالمراد منه العمل بكلّ في مورده الثابت شرعا.

و سادسا:

إنّ كون قول العدلين دليلا مطلقا- حتى في موقع الترافع و عن المنكر- فأول الكلام، و الاستقراء المفيد غير ثابت.

و سابعا:

إنّ الاستدلال بصحيحة حمّاد غريب جدّا، لأنّه لم يكن في مقام إقامة البيّنة و الترافع، و إنّما ترك الإمام البغلة توقّيا لدينه، حيث كان يجوز صدقه فيها مع جواز ردّ قوله، كما صرّح به في رواية حفص المتقدّمة «1»، و لوجود البيّنة على أنّ السرج لمحمّد بن عليّ فكان يعلم أنّه كاذب فيه فلم يطعه.

و ثامنا:

أنّه لا دلالة لرواية فدك على ما رآه، إذ لعلّ المخالفين يجوّزون بيّنة الداخل، فلا يصير ما ذكره حجّة عليهم، مع أنّه تكفي للحاجة حجّة واحدة.

و تاسعا:

إنّ رواية حفص ليست صريحة في جواز الشهادة و قبولها عنه في جميع الموارد و موضع التنازع، فلعلّ المراد نسبته إليه- كما صرّح به الإمام بعد ذلك- أو

يشهد له بالملك الاستصحابي، أو ملكيّة الأمس، و نحو ذلك، مع أنّ جواز الشهادة لا يستلزم جواز القبول، ألا ترى أنّ الفاسق لو سأل الإمام: إنّي لو رأيت في يد أحد شيئا يملكه أ يجوز لي أن أشهد له؟ بحيث يقول: نعم، و لا يقول: إنّه غير مقبول الشهادة.

و عاشرا:

أنّ الإمام عليه السّلام قال: «و لا أقبل من الذي في يده بيّنة» في رواية منصور، و هو صريح في عدم قبول بيّنة المدّعى عليه، و عدم ثبوت حقّه به.

______________________________

(1) في ص: 333.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 390

ثمَّ إنّه ذكر بعض أمور أخر، لا فائدة في ذكرها سوى التطويل.

الثاني: أنّه ترجّح بيّنة الداخل مطلقا

، و هو المحكيّ عن كتاب الدعاوي من الخلاف «1».

و احتجّ له بالأصل. و الاستصحاب.

و بأنّ ذا اليد له حجّتان: اليد و البيّنة، و الآخر له حجّة واحدة، فيترجّحان عليه.

و بأنّ البيّنتين تعارضتا و تساقطتا، فبقيت العين في يد صاحب اليد بلا بيّنة للمدّعي.

و ببعض الأخبار العاميّة و الخاصّية، الآتية إليها الإشارة، المخصوصة بما ذكر فيه السبب، سوى رواية إسحاق على ما في التهذيب «2»، و لكن الظاهر اختصاصها أيضا بذلك، لإيرادها بعينها في الكافي مسبّبة «3»، كما يأتي.

و لو سلّم عمومها فلا بدّ من تخصيصها، لدلالة صدرها على الرواية الأخرى، على أنّ مع مسبّبية البيّنتين يحلفان، و بضميمة الإجماع المركّب و الأولويّة يثبت الحكم في الصورة الباقية أيضا.

مع أنّها معارضة مع رواية منصور المتقدّمة، المتضمّنة لقوله: «لا أقبل من الذي في يده بيّنة»، و أعمّيتها من صورة التعارض غير ضائرة، إذ عدم القبول مع عدم المعارض يستلزمه معه بالطريق الأولى.

______________________________

(1) الخلاف 2: 635.

(2) التهذيب 6: 233- 570، الوسائل 27: 250 أبواب كيفية الحكم و

أحكام الدعوى ب 12 ح 2.

(3) الكافي 7: 419- 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 391

و لو قطع النظر عن الجميع و فرض تماميّة الدلالة، تكون خارجة عن الحجيّة، للشذوذ الشديد.

الثالث: ترجيح الخارج مطلقا، إلّا إذا انفردت بيّنة الداخل بذكر السبب، فيرجّح.

حكي عن الشيخ في النهاية «1»، و قد ينسب إلى الصدوق أيضا «2»، و عن القاضي و الطبرسي و الشرائع و النافع و المختلف و التحرير و الإرشاد و القواعد و نكت الإرشاد و الروضة و المهذّب- ناسبا خلافه إلى الندرة- و التنقيح «3».

و حجّتهم على الجزء الأوّل ما مرّ دليلا للقول الأوّل.

و على الثاني- على ما قيل «4»- يستشعر من كلام الشيخ في الخلاف و المبسوط و من كلام ابن فهد من الإجماع على تقديم بيّنة الداخل مع ذكر السبب مطلقا، أو مع تفرّدها به، و تأييده بالسبب، و الأخبار الآتية المشار إليها، المتضمّنة لتقديم قول ذي اليد مع ذكر السبب.

الرابع: ترجيح الخارج مطلقا، إلّا إذا تضمّنت البيّنتان أو بيّنة الداخل فقط ذكر السبب، فيرجّح الداخل.

نسب إلى الشيخ في جملة من كتبه «5»، و قد ينسب إلى القاضي و جماعة، و من المتأخّرين من أنكر ظهور قائل بهذا القول عدا الشيخ في

______________________________

(1) النهاية: 344.

(2) الموجود في الفقيه 3: 39 غير مطابق للنسبة، فراجع.

(3) القاضي في المهذّب 2: 578، حكاه عن الطبرسي في الرياض 2: 420، الشرائع 4: 111، النافع: 286، المختلف: 692، التحرير 2: 195، القواعد 2:

232، الروضة 3: 109، التنقيح 4: 280- 281 و فيه نقل للقول دون الأخذ به.

(4) رياض المسائل 2: 420.

(5) كالاستبصار 2: 42، الخلاف 2: 636.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 392

طائفة من كتبه مع تأمّل في بعضها أيضا «1».

و استدلّوا بالخبر العامّي الذي رواه جابر: إنّ رجلين تداعيا دابّة، فأقام كلّ منهما البيّنة أنّها دابّته أنتجها، فقضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للذي في يديه «2».

و رواية إسحاق «إنّ رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين عليه السّلام في دابّة في أيديهما، فأقام كلّ واحد منهما البيّنة أنّها أنتجت عنده، فأحلفهما

عليّ عليه السّلام، فحلف أحدهما و أبى الآخر أن يحلف، فقضى بها للحالف، فقيل له: فلو لم تكن في يد واحد منهما و أقاما البيّنة؟ قال: أحلّفهما، فأيّهما حلف و نكل الآخر جعلتها للحالف، فإن حلفا جميعا جعلتها بينهما نصفين، قيل:

فإن كانت في يد أحدهما و أقاما جميعا البيّنة؟ قال: أقضي بها للحالف الذي في يده» «3».

و موثّقة غياث بن إبراهيم: «اختصم إليه رجلان في دابّة، و كلاهما أقاما البيّنة أنّه أنتجها، فقضى بها للذي في يده، و قال: لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين» «4».

الخامس: ترجيح الخارج مطلقا، إلّا مع أعدليّة بيّنة الداخل، ثمَّ أكثريّتها، فيترجّح

، و هو للمفيد «5».

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 421.

(2) سنن البيهقي 10: 256، بتفاوت يسير.

(3) الكافي 7: 419- 2، و في التهذيب 6: 233- 570، الاستبصار 3: 38- 130 لا توجد: في دابّة في أيديهما، فأقام كلّ واحد منهما البيّنة أنّها أنتجت عنده، فأحلفهما علي عليه السّلام، الوسائل 27: 250 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 2.

(4) الكافي 7: 419- 6، التهذيب 6: 234- 573، الاستبصار 3: 39- 133، الوسائل 27: 250 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 3.

(5) المقنعة: 730.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 393

السادس: ترجيح أكثرهما عددا، و مع التساوي فللحالف منهما، و مع حلفهما أو نكولهما فللداخل.

نقل عن الإسكافي «1»، و اختاره من متأخّري المتأخّرين صاحب المفاتيح و شارحة «2»، إلّا أنّهما اقتصرا على تقديم الأكثر، و مع التساوي في العدد يقدّمان بيّنة الخارج.

و تدلّ على اعتبار الأكثريّة صحيحة أبي بصير: عن الرجل يأتي القوم فيدّعي دارا في أيديهم، و يقيم الذي في يده الدار البيّنة أنّه ورثها من أبيه و لا يدري كيف أمرها، فقال: «أكثرهم بيّنة يستحلف و تدفع إليه» و ذكر:

«أنّ عليّا أتاه قوم يختصمون في بغلة، فقامت لهؤلاء البيّنة أنّهم أنتجوها على مذودهم «3» لم يبيعوا و لم يهبوا، و قامت لهؤلاء البيّنة بمثل ذلك، فقضى بها لأكثرهم بيّنة و استحلفهم» «4».

السابع: الفرق بين السبب المتكرّر- كالبيع- و غير المتكرّر- كالنتاج و نساجة الثوب

- نسب إلى ابن حمزة «5»، و فسّر في شرح المفاتيح قوله بأنّه إذا شهدت لذي اليد على سبيل التكرار- كأن يقول: كان يبيعه مرّة و يشتريه اخرى- ترجّح بيّنته، و إن قالت: اشتراها مرّة، و اقتصر على ذلك، أو قال قولا آخر، قدّمت بيّنة الخارج.

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 693.

(2) المفاتيح 3: 271.

(3) المذود: معلف الدابّة- مجمع البحرين 3: 46.

(4) الكافي 7: 418- 1، الفقيه 3: 38- 129- 130، التهذيب 6: 234- 575، الاستبصار 3: 40- 135، الوسائل 27: 249 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 1، بتفاوت.

(5) الوسيلة: 219، و نسبه إليه في المسالك 2: 391.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 394

الثامن: تقديم بيّنة الخارج، إلّا إذا شهدت بالملك، و شهدت بيّنة الداخل بالإرث، فيقدّم أكثرهم بيّنة و يستحلف

، هو ظاهر الصدوق في الفقيه «1»، و حكي عن الحلبي «2»، و تدلّ عليه صحيحة أبي بصير المتقدّمة.

التاسع: الرجوع إلى القرعة مطلقا

، حكي عن العماني «3»، مدّعيا تواتر الأخبار بقضاء النبي صلّى اللّه عليه و آله بذلك «4».

و ربّما توجد في المسألة أقوال أخر.

و قد تردّد جماعة في المسألة أيضا، كما في الدروس و اللمعة و المسالك و الكفاية «5»، و قد اختلف بعضهم مع بعض في نسبة الأقوال أيضا.

أقول:

لا ينبغي الريب في أنّ الأصل مع القول الأوّل، لما مرّ من الأدلّة المثبتة للقاعدة، و هي كون البيّنة حجّة للخارج، و أصالة عدم حجّيتها لغيره، و مع ذلك أفتى بمقتضى ذلك الأصل جماعة من فحول العلماء، من القدماء و غيرهم «6»، و ادّعي عليه الإجماع «7»، فلا يجوز رفع اليد عنه إلّا بمخرج، فاللّازم النظر في أدلّة سائر الأقوال.

______________________________

(1) الفقيه 3: 39.

(2) قال في الرياض 2: 420: .. و يحتمل فيه القول بمضمونه كما حكاه في المختلف عن الحلبي. إلّا أنّ المنقول في المختلف: 693 هو عين ما في الكافي:

440، و لم نر فيه ظهورا في ذلك.

(3) حكاه عنه في المختلف: 693.

(4) الوسائل 27: 257 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 13.

(5) الدروس 2: 101، اللمعة (الروضة 3): 107، المسالك 2: 390، الكفاية:

276.

(6) راجع ص: 383 و 384.

(7) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 625.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 395

فنقول: أمّا أدلّة الثاني فغير تامّة جدّا، أمّا الأصل و الاستصحاب فلاندفاعهما ببيّنة المدّعي، التي هي حجّة شرعيّة، بل برواية منصور المتقدّمة «1» أيضا.

و أمّا سقوط بيّنة المدّعي بالتعارض فلكونه فرع التعارض، الذي هو فرع كون بيّنة المنكر دليلا شرعيّا، و هو ممنوع غايته.

و أصالة حجيّة

قول العدلين غير ثابتة، و لو سلّمت فهي في مقام الترافع غير مسلّمة، لقطع الإمام الشركة، و قول نادر بسماعها غير مفيد، سيّما مع معارضته بدعوى الإجماع على خلافه كما مرّ.

و بعض الأخبار المشار إليها غير ناهضة، لما مرّ من اختصاصها بالمقيّد بالسبب، و لم نعثر على خبر غير مقيّد، و لم يدّعه أحد، بل صرّح بعضهم بعدم وضوحه «2».

فلا شكّ في سقوط هذا القول من البين بالمرّة، سيّما مع ما له من الشذوذ و الندرة، كما صرّح به بعض الأجلّة «3».

و أمّا أدلّة الجزء الثاني للثالث فيرد على أولها: عدم حجّية الإجماع المنقول أولا.

و منع ظهور كلمات من ذكر في الإجماع ثانيا.

و معارضته مع صريح نقل الإجماع في الغنية المؤيّد بموافقة أكثر القدماء ثالثا.

و على ثانيها: منع كون السبب مؤيّدا، كما صرح به بعض مشايخنا،

______________________________

(1) في ص: 384.

(2) كما في الرياض 2: 419.

(3) انظر الرياض 2: 419.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 396

حيث قال: مع أنّ في حصول التأيّد بالسبب نظرا، و لو سلّم فلا نسلّم كلّيته «1».

و على ثالثها: أنّ الأخبار موردها اشتمال البيّنتين على السبب، فلا ربط لها بمحلّ البحث من كون بيّنة الداخل مقيّدة خاصّة.

و التتميم بالأولويّة- كما في المسالك «2»- مردود بأنّ صحّته فرع قولهم بالأصل، و هو تقديم بيّنة الداخل في المسبّبين حتى يسري في الفرع بالأولويّة، و هم لا يقولون به، مع أنّ العمل بالأولويّة إنّما يتمّ مع مقطوعيّة العلّة، و هي ليست هنا بمقطوعة و لا مظنونة، لأنّ ذكر السبب إنّما وقع في كلام السائل.

و أمّا دليل الرابع- و هو الأخبار الثلاثة المتقدّمة- فمع كون أولها عامّيا ضعيفا غير منجبر، أنّ شيئا منها لا يدلّ على

المطلوب، إذ ليس فيها إلّا أنّ بعد شهادتهما بالنتاج عنده قضى لذي اليد بعد الحلف كما في الأولين، أو مطلقا كما في الأخير، الواجب حمله على المقيّد أيضا.

و هذا كما يمكن أن يكون لتعارض البيّنتين المسبّبتين و تقديم بيّنة ذي اليد منهما، يمكن أن يكون لطرح بيّنة الداخل، لعدم توقيفيّته، و عدم فائدة لبيّنة الخارج، لكونها شهادة على الملك القديم، و كونه مرجوحا بالنسبة إلى اليد الحاليّة كما هو المشهور.

بل الاحتمال الثاني هو الأظهر، لقضائه عليه السّلام بعد الحلف، الذي لا يقولون به القائلون بالقول الرابع، و إنّما هو على الاحتمال الثاني، فلا يكون لهذا القول و لا لسابقه دليل أصلا كالقول السابق عليهما.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 421.

(2) المسالك 2: 390.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 397

مع أنّه على فرض الدلالة- كما زعمه المستدلّ- يحصل التعارض بينهما و بين أخبار القول الأوّل، و الترجيح مع أخبار الأوّل، لموافقتها لأصالة عدم حجّية بيّنة الداخل و عدم وجوب الحلف، و للسنّة النبويّة الثابتة- التي هي كون إقامة البيّنة وظيفة المدّعي، و هي من المرجّحات المنصوصة- و للشهرة العظيمة سيّما القديمة، و مخالفتها لأكثر العامّة، كما صرّح به التقيّ المجلسي في حاشية الفقيه «1».

و تدلّ عليه رواية جابر، و نسبة القضاء في الخبرين إلى أمير المؤمنين عليه السّلام «2».

و أمّا ما في الخلاف- من سماع أبي حنيفة بيّنة الداخل «3»- فهو ليس صريحا في أنّه يقدّمها في مورد الروايات- كما ظنّ- حتى يكون مرجّحا لروايات القول الرابع.

فخلوّ هذا القول عن الدليل أيضا في غاية الظهور كالقول الخامس أيضا، فإنّه مع ندرته جدّا- كما صرّح به بعض الأجلّة، حيث ناقش مع المهذّب و الدروس في نسبة اعتبار الأعدليّة

قبل الأكثريّة إلى قدماء الأصحاب كما في الأوّل، أو أكثرهم كما في الثاني، و قال: لم أقف على قائل منهم بذلك عدا من ذكرنا، أي المفيد، و إن قالوا بذلك فيما إذا كانت العين بيد ثالثة «4». انتهى- لا شاهد له من الأخبار أصلا.

نعم، في رواية البصري: «كان عليّ عليه السّلام إذا أتاه خصمان يختصمان

______________________________

(1) انظر روضة المتقين 6: 175.

(2) المتقدّمة جميعا في ص: 392.

(3) الخلاف 2: 635.

(4) انظر الرياض 2: 420.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 398

بشهود، عدلهم سواء، و عددهم سواء، أقرع بينهم على أيّهم يصير اليمين» الحديث «1».

و لا دلالة له على هذا المطلب أصلا، إذ لا دلالة لها إلّا على أنّه إذا لم يكن عدلهم و عددهم سواء لم يقرع، و لا يعلم أنّه ما يصنع، مع أنّ إرادة الأعدليّة من تساوي عدلهم غير معلومة، و اعتبر معه التساوي في العدد أيضا، و مع ذلك لا دلالة لها على كون العين في يد واحد منهما.

و أمّا القول السادس، فمع ما ذكر من الشذوذ المخرج لدليله عن الحجّية، يرد على دليله- و هو الصحيحة- أنّ الاستدلال بها إن كان من جهة ذيلها المتضمّن لقضاء عليّ عليه السّلام في البغلة فلا تعرّض فيها لكونها في يد أحدهما كما هو محلّ النزاع، فيحتمل كونها في يد ثالث، و لا بأس بالقول به حينئذ كما يأتي.

و إن كان من جهة صدرها فهو أخصّ ممّا هو بصدده، لصراحتها في أنّ بيّنة ذي اليد إنّما هي على كون الدار بيده بالإرث، و هو القول الثامن، فلا يفيد له، مع عدم دلالتها على سائر مطالبة من الحلف مع التساوي و الحكم للداخل مع النكول.

و أمّا السابع، فلم

أعثر له على دليل.

و أمّا الثامن، فدليله- كما عرفت- هو الصحيحة المذكورة، و هي و إن كانت دالّة على ذلك القول إلّا أنّ شذوذها و مخالفتها لشهرة القدماء- حتى لم يذكر عامل بها سوى من ذكر، و كلام الصدوق أيضا ليس صريحا في

______________________________

(1) الكافي 7: 419- 3، الفقيه 3: 53- 181، التهذيب 6: 233- 571، الاستبصار 3: 39- 131، الوسائل 27: 251 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 5، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 399

الفتوى بمضمونها- يمنع من العمل بها.

و أمّا التاسع، فدليله الأخبار المتكثّرة كما ذكره، و هي- كما قال- كثيرة معتبرة يأتي ذكرها، إلّا أنّها برمّتها مطلقة، و أخبار القول الأوّل- بكون العين في يد أحدهما- مقيّدة، و الخاصّ مقدّم على العام البتّة، سيّما مع موافقة الخاصّ للشهرة، بل الإجماع، و مخالفه العامّ في عمومه لعمل الأصحاب.

و من ذلك ظهر أنّ أقوى الأقوال و أمتنها هو القول الأوّل، فعليه الفتوى و عليه المعوّل.

المسألة الثانية: لو كانت العين في يديهما معا، و أقام كلّ واحد منهما بيّنة على الجميع
اشاره

، قضى لهما نصفين، تساوت البيّنتان كثرة و عدالة و إطلاقا و تقييدا أم اختلفتا، بلا إشكال في أصل الحكم كما في المسالك «1»، و على المعروف بينهم كما في الكفاية «2»، و بلا خلاف كما في المفاتيح «3»، و على الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر إلّا من ندر كما قيل «4».

لمرسلة ابن المغيرة الصحيحة عن ابن محبوب، و رواية السكوني، المتقدّمتين في المسألة الثانية من بحث أحكام الدعاوي في الأعيان «5»، الممكن تعميمهما لمورد النزاع بترك الاستفصال عن إقامة البيّنة و عدمها.

و لقوله عليه السّلام في موثّقة غياث المتقدّمة: و قال: «لو لم تكن في يده

______________________________

(1) المسالك 2: 390.

(2) الكفاية: 276.

(3) المفاتيح 3:

271.

(4) انظر الرياض 2: 421.

(5) راجع ص: 348 و 349.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 400

جعلتها بينهما نصفين» «1» فإنّه أعمّ من أن تكون في يديهما.

بل صرّح بعضهم بأنّ المراد: أنّه لو لم تكن في يده فقط بل تكون في يديهما «2».

و رواية تميم بن طرفة: إنّ رجلين عرّفا بعيرا، فأقام كلّ واحد منهما بيّنة، فجعله أمير المؤمنين عليه السّلام بينهما «3». و معنى قوله: عرّفا- كما فسّر-:

أنّهما أحضراه عرفة، و كان في يديهما.

و توهّم كونها قضية في واقعة- فيحتمل اشتمالها على ما يخرج عن مفروض المسألة- ليس في موقعه، لأنّ غرض الإمام عليه السّلام عن حكاية قضاء الأمير عليه السّلام بيان الحكم، كما تدلّ عليه تتمّة الخبر و جرت عليه طريقة الأئمّة و أصحابهم و يتفاهم منه عرفا، فلا يكون شي ء له مدخليّة في الحكم عن الكلام خارجا، بل القرينة الحاليّة قائمة على أنّ مناط القضاء كان هو ما في الكلام خاصّة.

و يدلّ عليه أيضا ما مرّ في المسألة الاولى من بحث أحكام الدعاوي، من أنّ كلّا منهما مدّع و منكر، فيعمل ببيّنته و تنصّف، بالتقريب المتقدّم في المسألة المذكورة.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ إعمال البيّنة هو العمل بتمام مقتضاها، و لمّا لم يمكن ذلك في المتعارضتين فتكونان عن مدلول العمومات خارجتين.

______________________________

(1) راجع ص: 392.

(2) انظر الرياض 2: 420.

(3) الكافي 7: 419- 5، الفقيه 3: 23- 61 و فيه بدل «عرّفا»: ادّعيا، التهذيب 6:

234- 574، الاستبصار 3: 39- 134، الوسائل 27: 251 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 401

و هل يتعلّق الحلف بكلّ منهما أيضا، فيقتسمان بعد حلفهما أو نكولهما، و يختصّ

بالحالف مع نكول أحدهما؟ كما قوّاه الفاضل في التحرير، و جعل عدم اعتبار اليمين احتمالا «1»، و صرّح به أيضا في التنقيح «2»، بل قيل: المستفاد من التنقيح عدم الخلاف في الإحلاف «3».

و يدلّ عليه أيضا صريحا صدر رواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة «4»، و هي غير منافية، للروايات المتضمّنة للنصف بالإطلاق «5»، فيجب العمل بهما، مع أنّ هذه الرواية مخصوصة صريحا في المورد، و الروايات إمّا ظاهرة فيه أو عامّة له.

أو لا، كما هو المشهور؟

الظاهر: الأوّل، لما مرّ. و لا يضرّ كون ما في الرواية قضية في واقعة بالتقريب المتقدّم في رواية تميم.

ثمَّ الخلاف في المسألة في مقامات أربعة:
أحدهما: في إطلاق الحكم المذكور بالنسبة إلى البيّنات

، و المخالف فيه- على ما قيل «6»- جمع من القدماء و صاحب المهذّب من المتأخّرين، و بعض الفضلاء المعاصرين «7»، فخصّوا ذلك بما إذا تساوت البيّنتان في الأمور المرجّحة من الأعدلية و الأكثرية و ذكر السبب، و حكموا مع الاختلاف فيها لأرجحهما.

______________________________

(1) التحرير 2: 194.

(2) التنقيح 4: 281.

(3) انظر الرياض 2: 422.

(4) في ص: 392.

(5) الوسائل 27: 249 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12.

(6) انظر الرياض 2: 421.

(7) المهذب البارع 4: 492، المحقق القمي في رسالة القضاء (غنائم الأيام: 704).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 402

و اختلفوا في المرجّح أيضا، فعن المفيد: اعتبار الأعدلية هنا خاصّة «1»، و عن الإسكافي: اعتبار الأكثرية كذلك «2»، و عن المهذّب: اعتبار الأعدلية فالأكثرية «3»، و عن ابن حمزة: اعتبار الأعدلية أو الأكثرية أو التقييد بالسبب «4»، و عن الديلمي: اعتبار المرجّح من غير بيان له «5».

و لا دليل على شي ء منها، سوى ذيل صحيحة أبي بصير المتقدّمة «6»، المرجّحة للأكثرية فقط، و هو- لكونه قضية في واقعة- لا يصلح دليلا

لشي ء من تلك الأقوال، إلّا أن يضمّ معه التقريب المتقدّم، فيصير دليلا للإسكافي خاصّة.

و ظاهر أنّ قوله شاذّ نادر، فتكون الرواية الموافقة له- لمخالفة الشهرة القديمة العظيمة- عن حيّز الحجيّة خارجة، فتكون هي مرجوحة بالنسبة إلى دليلنا بمخالفة تلك الشهرة، بل السنّة الثابتة، و إن كانت بالنسبة إلى هذا الذيل عامّة، لأنّ مخالفة عمومها أيضا داخلة في أسباب المرجوحية المنصوصة.

و لو قطع النظر عن جميع ذلك فيعارض دليلنا بالعموم من وجه، و الأصل مع عدم قبول بيّنة الداخل و إن كان أكثر، بل مطلق البيّنة، سيّما في صورة التعارض، فيكون كما لا بيّنة له، و الحكم التنصيف أيضا.

و عدا ما قيل من أنّ حال البيّنتين حال الخبرين المتعارضين «7».

و هو قياس باطل، بل مع الفارق، للخلاف في مناط العمل بالخبر هل

______________________________

(1) المقنعة: 730.

(2) حكاه عنه في المختلف: 693.

(3) المهذّب 2: 578.

(4) الوسيلة: 218.

(5) المراسم: 234.

(6) في ص: 393.

(7) انظر غنائم الأيام: 704.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 403

هو من حيث إنّه خبر، أو من حيث إفادته المظنّة، و على الأخير يمكن لزوم متابعة أقوى الظنّين. بخلاف البيّنة، فإنّ مناط العمل بها خصوصيّتها- كاليد- كما صرّح به جماعة من الأصحاب، و لذا يعمل بها و لو لم تفد المظنّة، بل حصل من قول المدّعى عليه أو بشهادة الفاسق ظنّ أقوى منها.

و ثانيها: في أصل الحكم المذكور

، و المخالف فيه- كما حكي- العماني «1»، فإنّ إطلاق كلامه يقتضي لزوم القرعة هنا أيضا و تقديم من أخرجته، و دليله المستفيضة «2» المتقدّمة إليها الإشارة.

و جوابه: إنّ دليلنا أخصّ مطلقا منها، راجح عليها بما مرّ، فيجب التخصيص.

لا يقال: يلزم تخصيص الأكثر، إذ لم تبق إلّا صورة واحدة، هي كون العين في يد

ثالث، أو مع كونها ممّا لا يد عليها، و هو أيضا تخصيص المساوي، و فيه أيضا كلام.

لأنّا نقول: إنّ روايات القرعة ليست مخصوصة بالأعيان، فتشمل غيرها أيضا، مع أنّ أكثرها قضايا في وقائع.

و ثالثها: في سبب الحكم المذكور

، فقيل: هو تساقط البيّنتين، فيكون كما لا بيّنة فيه «3».

و قيل: لأنّ لكلّ واحد منها مرجّحا باليد على نصفها، فيبنى على ترجيح بيّنة الداخل «4».

و قيل: لترجيح بيّنة الخارج فيقضى لكلّ واحد منهما بما في يد

______________________________

(1) المختلف: 693.

(2) الوسائل 27: 257 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 13.

(3) نقلهما في المسالك 2: 390 من غير تعيين القائل و لم نعثر عليه.

(4) نقلهما في المسالك 2: 390 من غير تعيين القائل و لم نعثر عليه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 404

صاحبه «1».

و تظهر الثمرة في ثبوت اليمين، فتثبت عليهما على الأوّل، و لا يمين على الأخيرين.

و الحقّ: أنّ أكثرها تخريجات و استنباطات غير ملائمة لطريقة الإماميّة، بل السبب ما ذكرنا من العمومات و الأخبار الخاصّة.

و رابعها: في لزوم اليمين و عدمها

، فإنّ المشهور- كما قيل «2»- هنا عدم اليمين، لإطلاق الروايات المتقدّمة «3»، و عدم صراحة رواية إسحاق «4» في كون العين بيديهما.

و فيه: أنّ عدم صراحتها لعلّها على بعض الطرق، و أمّا على ما نقله في الوافي عن التهذيب و الكافي فهي صريحة في كونهما ذا اليد «5». و اللّه هو المعتمد.

المسألة الثالثة: لو كانت في يد ثالث، يقضى بأرجح البيّنتين عدالة،
اشاره

و مع التساوي في العدالة يقضى بأكثرهما عددا، و مع التساوي يقرع بين المتداعيين، فمن خرج اسمه احلف و قضي له، و لو امتنع حلف الآخر و قضي له. فإن نكلا قضي بينهم بالسويّة على المشهور بين الأصحاب خصوصا المتأخّرين، بل عليه عامّتهم كما قيل «6»، وفاقا لنهاية الشيخ و التهذيب و الاستبصار و موضع من الخلاف و الصدوقين و الحلبي و القاضي

______________________________

(1) الشرائع 4: 111.

(2) الرياض 2: 422.

(3) في ص: 391 و 392.

(4) المتقدّمة في ص: 392.

(5) الوافي 16: 931.

(6) انظر الرياض 2: 422.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 405

و الحلّي و ابن حمزة و يحيى بن سعيد و ابن زهرة مدّعيا عليه الإجماع «1».

و دليلهم: أمّا على اعتبار الرجحان بالأعدليّة فرواية البصري: «كان عليّ عليه السّلام إذا أتاه خصمان بشهود، عدلهم سواء، و عددهم سواء، أقرع بينهم على أيّهم يصير اليمين» قال: «و كان يقول: اللّهمّ ربّ السموات السبع أيّهم كان الحقّ له فأدّه إليه، ثمَّ يجعل الحقّ للذي يصير عليه اليمين إذا حلف» «2».

و أمّا على اعتبار الأكثرية فهي أيضا، مضافة إلى صحيحة أبي بصير المتقدّمة «3» دليلا للقول السادس من المسألة الاولى.

و موثّقة سماعة: «إنّ رجلين اختصما إلى عليّ عليه السّلام في دابّة، فزعم كلّ واحد منهما أنّها نتجت على مذوده، و أقام كلّ واحد منهما بيّنة

سواء في العدد، فأقرع بينهما سهمين، فعلّم السهمين كلّ واحد منهما بعلامة، ثمَّ قال: اللّهمّ ربّ السموات السبع و و ربّ الأرضين السبع و ربّ العرش العظيم عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم أيّهما كان صاحب الدابّة و هو أولى بها فأسألك أن تخرج سهمه، فخرج سهم أحدهما فقضى له بها» «4».

______________________________

(1) النهاية: 344، التهذيب 6: 237، الاستبصار 3: 42، الخلاف 2: 638، الصدوقين في الفقيه 3: 39، و المقنع: 133، الحلبي في الكافي في الفقه: 449، المهذب 2: 578، الحلّي في السرائر 2: 167، ابن حمزة في الوسيلة: 220، ابن سعيد في الجامع: 532، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 625.

(2) الكافي 7: 419- 3، الفقيه 3: 53- 181، التهذيب 6: 233- 571، الاستبصار 3: 39- 131، الوسائل 27: 251 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 5، بتفاوت.

(3) في ص: 393.

(4) الفقيه 3: 52- 177، التهذيب 6: 234- 576، الاستبصار 3: 40- 136، الوسائل 27: 254 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 12، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 406

و أمّا على الرجوع إلى القرعة فبالروايات المتقدّمة «1»، مضافة إلى صحيحة الحلبي «2»، و رواية داود بن سرحان: في شاهدين شهدا على أمر واحد، و جاء آخران فشهدا على غير الذي شهدا و اختلفوا، قال: «يقرع بينهم، فأيّهما قرع فعليه اليمين، و هو أولى بالقضاء» «3».

و أمّا على تأخّر القرعة عن الأكثريّة فباختصاص جميع روايات القرعة بصورة التساوي في العدد، كما هو ظاهر.

و أمّا على تأخّرها عن الأعدليّة فللرواية الأولى أيضا «4».

و أمّا على تأخّر الأكثريّة عن الأعدليّة فلم أعثر على دليل لهم.

نعم، استدلّ له بعض مشايخنا

بالإجماع المنقول عن الغنية «5».

و لا يخفى ضعفه، بل ضعف بعض أدلّتهم الأخر المذكورة أيضا، فإنّ دلالة رواية البصري و موثّقة سماعة على اعتبار الأعدليّة و الأكثريّة ليست إلّا بمفهوم الوصف، الذي هو عند المحقّقين غير حجّة.

و الأولى الاستدلال بالرضويّ المنجبر ضعفه بما مرّ، قال: «فإن لم يكن الملك في يد أحد، و ادّعى الخصمان فيه جميعا، فكلّ من أقام عليه شاهدين فهو أحقّ به، فإن أقام كلّ واحد منهما شاهدين فإنّ أحقّ المدّعيين

______________________________

(1) انظر الوسائل 27: 257 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 13.

(2) التهذيب 6: 235- 577، الاستبصار 3: 40- 137، الوسائل 27: 254 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 11.

(3) الكافي 7: 419- 4، الفقيه 3: 52- 178، التهذيب 6: 233- 572، الاستبصار 3: 39- 132، الوسائل 27: 251 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 6.

(4) أي رواية البصري المتقدّمة في ص: 405.

(5) انظر الرياض 2: 421.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 407

من عدل شاهداه، فإن استوى الشهود في العدالة فأكثرهم شهودا يحلف باللّه و يدفع إليه الشي ء، و كلّ مالا يتهيّأ فيه الإشهاد عليه فإنّ الحقّ فيه أن تستعمل فيه القرعة» «1».

لا يقال: إنّ قوله: «فإن لم يكن الملك في يد أحد»- الظاهر في أنّه لا يد عليه أصلا- يخرج الكلام عن مفروض المسألة، لأنّ المتبادر من اليد: اليد المقتضية «2» للملكيّة، و اليد المنضمّة مع اعتراف المتصرّف بعدم استحقاقه له- كما هو المفروض- ليست يدا كذلك، كما مرّ مفصّلا، فالمفروض أيضا ممّا لا يد عليه، مع أنّ الظاهر في قوله: «يد أحد»- بعد بيان حكم ما في يد أحدهما- إرادة عدم كونه

في يد أحد من المتداعيين.

بل يمكن أن يقال: إنّ الظاهر من قوله: «و يدفع إليه الشي ء» أيضا ذلك، فإنّ الظاهر من دفع الشي ء أنّه في يد أحد.

نعم، بقي أنّ الظاهر من قوله: «من عدل شاهداه» أنّ الترجيح بأصل العدالة دون الأعدليّة.

و قوله: «فإن استوى الشهود في العدالة» و إن احتمل الثاني إلّا أنّه ليس نصّا فيه، بل يحتمل الأوّل أيضا.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ الظاهر من التساوي في العدالة بالإطلاق من غير تقييد بأصلها يفيد التساوي في القدر أيضا، و لذا يصحّ سلب التساوي عرفا عن المختلفين في القدر، و يؤكّده قوله في الرواية الأولى:

«عدلهم سواء» فإنّه ظاهر في حدّ العدالة.

______________________________

(1) فقه الرضا عليه السّلام: 262، مستدرك الوسائل 17: 372 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 10 ح 3.

(2) في «ق»: المتضمّنة ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 408

و أمّا على حلف من خرجت القرعة باسمه و القضاء له بعدها فبرواية البصري و صحيحة الحلبي، و بهما يقيّد إطلاق الموثّقة و الرضوي.

و أمّا على التنصيف بعد نكولهما، فقيل: للإجماع المنقول المتقدّم «1»، و وهنه ظاهر.

و قيل: لتعارض البيّنتين و تساقطهما، مع عدم إمكان ترجيح إحداهما على الأخرى بالقرعة، فلم يبق إلّا النصف «2».

أقول:

و يمكن الاستدلال له بعمومات التنصيف المتقدّمة هنا و في بحث الدعوى في الأعيان، كموثّقة غياث «3»، و رواية تميم «4»، و مرسلة ابن مغيرة «5» و غيرها «6»، خرجت صورة اختلاف البيّنتين عدالة أو عددا، و قيل:

القرعة و الحلف بما مرّ «7»، فيبقى الباقي.

و ظهر بما ذكر أنّ سند المسألة واضح، و الحكم بها- كما قالوا- متعيّن.

و أمّا المخالف فيها من الفتاوى، فبين من اقتصر على اعتبار الأعدليّة خاصّة،

كالمفيد «8».

و من اقتصر على اعتبار الأكثريّة خاصّة، كالإسكافي و محتمل

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 423.

(2) كما في الإيضاح 4: 407.

(3) المتقدّمة في ص: 392.

(4) المتقدّمة في ص: 400.

(5) المتقدّمة في ص: 348.

(6) كرواية السكوني المتقدّمة في ص: 354.

(7) كما في المبسوط 8: 264.

(8) المقنعة: 730.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 409

الصدوقين «1»، و هو ظاهر المحقّق الأردبيلي، حيث قال: إنّ العدالة تكفي للشهادة، و أمّا أنّ زيادتها تفيد الترجيح فلا.

و من اقتصر على اعتبارهما خاصّة، من غير ذكر الترتيب بينهما و لا القرعة بعدهما، كموضع من الخلاف، قائلا: إنّه الظاهر من مذهب أصحابنا «2».

و من اقتصر على ذكر المرجّح مطلقا، من دون بيان له و لا ذكر قرعة، كالديلمي «3».

أو مع ذكر القرعة بعد العجز عن الترجيح، مدّعيا عليه إجماع الإماميّة، كموضع آخر من الخلاف «4».

و بين من قدّم الأكثريّة على الأعدليّة، كالحلّي «5»، معزيا له إلى ظاهر الأصحاب.

و بين من اقتصر على القرعة خاصّة، كالعماني «6».

و بين قائل بالقرعة مع الشهادة بالملك المطلق من الجانبين، و بالقسمة نصفين إن كانت الشهادتان مقيّدتين، و القضاء للمقيّد إن كانتا مختلفتين، كالشيخ في المبسوط «7».

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 693، حكاه عن والد الصدوق في المقنع:

134، الصدوق في المقنع: 134.

(2) الخلاف 2: 636.

(3) المراسم: 234.

(4) الخلاف 2: 638.

(5) السرائر 2: 169.

(6) المختلف: 693.

(7) المبسوط 8: 258.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 410

و الكلّ أقوال نادرة عن الدليل التامّ خالية كما لا يخفى على المتتبّع، سيّما بعد ما ذكرنا في هذه المسألة و المسألتين السابقتين.

و أمّا المخالف لها من الأخبار فبعض العمومات اللّازم تخصيصها بما مرّ، و رواية إسحاق المتقدّمة «1» المتضمّنة لقوله: «فلو لم

تكن في يد واحد منهما و أقاما البيّنة؟ قال: «أحلّفهما، فأيّهما حلف و نكل الآخر جعلتها للحالف، فإن حلفا جميعا جعلتها بينهما نصفين».

و لكن عدم قائل به يوجب رفع اليد عنه بالمرّة.

ثمَّ إنّه قد عرفت اعتبار اليمين مع القرعة، و ظاهر الصدوقين و الشيخ في النهاية و الخلاف و التهذيب و الاستبصار و القاضي و ابن زهرة اعتبارها مع الأكثريّة أيضا «2»، و ادّعى في الخلاف و الغنية إجماع الإماميّة عليه.

و تدلّ عليه صحيحة أبي بصير و الرضويّ المتقدّمان «3»، فالقول به متعيّن.

و أمّا مع الأعدليّة فلا دليل على اعتبارها، و لذا يظهر من جماعة- منهم: الشرائع و النافع و الإرشاد و التحرير و القواعد و اللّمعة- عدمه «4»، و عن الروضة اعتبارها معها «5»، و الأصل ينفيه. و اللّه العالم.

______________________________

(1) في ص: 392.

(2) حكاه عن والد الصدوق في المقنع: 134، الصدوق في المقنع: 134، النهاية:

343، الخلاف 2: 636، التهذيب 6: 237، الاستبصار 3: 42، القاضي في المهذّب 2: 578، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 625.

(3) في ص: 393 و 406.

(4) الشرائع 4: 111، النافع: 286، التحرير 2: 195، القواعد 2: 232، اللمعة (الروضة البهية 3): 107.

(5) الروضة 3: 107.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 411

فرع:

لم يتعرّض الأكثر لتصديق الثالث لأحد المتداعيين هنا، كما تعرّضوا له في صورة عدم البيّنة.

قيل: لعلّ إطلاقهم هنا مبنيّ على الإغماض عن حكم اليد و خلافها، و نظرهم إلى بيان سائر المرجّحات «1». انتهى.

و هو محتمل، و يحتمل أيضا أن يكون بناؤهم على عدم اعتبار تصديقه، نظرا إلى إطلاق الأدلّة، كما فهمه المحقّق الأردبيلي في شرح الإرشاد، حيث حكم بتفرقة المطلوب بين صورة عدم البيّنة و صورة

وجودها في سماع تصديق الثالث، و قال بأنّ الحكم بالتصديق و الحلف هنا أيضا ممكن.

و وجه عدم الاعتبار حينئذ- كما يظهر من الفاضل في التحرير «2»-: أنّ البيّنتين متطابقتان على عدم ملكيّة الثالث، فلا يكون إقرارا، لأنّه إنّما يكون في ملك الشخص واقعا أو ظاهرا، و مع البيّنتين لا يكون كذلك، و للتأمّل فيه مجال.

المسألة الرابعة: لو لم تكن العين في يد أحد

، فإن كانت لواحد منهما بيّنة يقضى له، و إن كانت البيّنة لهما فظاهر عبارة الصدوقين أنّ حكمه حكم يد الثالث «3»، و قال بعض فضلائنا المعاصرين: إنّه الأولى «4».

و هو كذلك، لإطلاق أكثر الأخبار المتقدّمة- إن لم نقل جميعا- بالنسبة إلى هذه الصورة أيضا.

______________________________

(1) غنائم الأيام: 708.

(2) التحرير 2: 195.

(3) الصدوق في المقنع: 133- 134، و حكاه عن والده.

(4) المحقق القمّي في رسالة القضاء (غنائم الأيام: 708).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 412

المسألة الخامسة: كلّ ما ذكر إنّما كان في تعارض البيّنات في الأعيان من الأموال، و قد يتحقّق في الديون

، كما إذا كانت دعوى الدين مقرونة بسبب خاصّ يقيم المنكر البيّنة على انتفاء السبب.

و كما إذا ادّعى أحد على آخر جناية فيها الدية خاصّة في وقت خاصّ، و أقام بيّنته، و أقامها الآخر على أنّه لم يكن حاضرا في هذا الوقت.

أو ادّعى أحد بالشهود وصيّة زيد له بثلث ماله، و ادّعاها آخر أيضا كذلك.

و قد يتحقّق في غير الأموال من الحقوق أيضا، كما إذا أقام أحد شهودا على زوجيّة زينب له، و أقامها الآخر كذلك.

أو أقام أحدهما على وصيّة زيد له بالولاية على الصغير، و أقام آخر أيضا كذلك. إلى غير ذلك.

و التحقيق في الجميع: أن يبنى على أصالة عدم قبول بيّنة المنكر، و على تعيين القرعة لكلّ أمر مشكل.

و على هذا، فنقول: إنّ جميع الأخبار المتضمّنة لسماع بيّنة المنكر أيضا و مزاحمتها لبيّنة المدّعي كانت مخصوصة بالأعيان من الأموال، فلا أثر لها في غيرها أصلا، و كلّ ما دلّ على سماع بيّنة المدّعي و قبولها فمخصوص بحكم العقل بما لا يعارضه مثلها.

فمورد التعارض الواقع في غير الأعيان إن كان ممّا يكون أحدهما مدّعيا و الآخر منكرا تطرح بيّنة المنكر و يعمل بمقتضى بيّنة المدّعي.

و إن كان ممّا يكون

كلاهما مدّعيين و لا دليل للحكم في خصوص المسألة، يقرع و يحكم بمقتضى القرعة، لعموم: «القرعة لكلّ أمر مجهول»

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 413

أو: «مشكل» «1» المستفيضة دعوى الإجماع على روايته و العمل به «2»، و لصحيحة الحلبي و رواية داود بن سرحان و رواية البصري و الرضوي، المتقدّمة جميعا «3».

و تدلّ عليه أيضا مرسلة داود بن أبي يزيد العطّار الآتية «4».

و رواية زرارة: رجل شهد له رجلان بأنّ له عند رجل خمسين درهما، و جاء آخران فشهدا بأنّ له عنده مائة درهم، كلّهم شهدوا في موقف، قال: «أقرع بينهم، ثمَّ استحلف الذين أصابهم القرع باللّه أنّهم يشهدون بالحقّ» «5».

و مقتضى هذه الرواية و روايتي البصري و داود بن سرحان و صحيحة الحلبي الإحلاف بعد القرعة أيضا، و عليه العمل.

و بهذه الأخبار تقيّد المطلقات في مقام تعارض البيّنات. و اللّه العالم.

المسألة السادسة: لو تعارضت اليد الحاليّة مع الملكيّة السابقة أو اليد السابقة
اشاره

، ففي تقديم الحاليّة أو السابقة قولان، كلّ منهما عن الشيخ في كلّ من المبسوط و الخلاف «6».

و تبعه على الأوّل جماعة «7»، و لعلّهم الأكثرون، و منهم من

______________________________

(1) الوسائل 17: 189 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 13 ح 11.

(2) انظر عوائد الأيام: 226.

(3) في ص: 405 و 406.

(4) في ص: 423.

(5) التهذيب 6: 235- 578، و في الكافي 7: 420- 1، الاستبصار 3: 41- 138، الوسائل 27: 252 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 7: يحلفون بالحقّ، بدل: يشهدون بالحقّ.

(6) المبسوط 8: 269 و 280، الخلاف 2: 641.

(7) كالعلّامة في القواعد 2: 232 و 234، يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع:

532، الشهيد الثاني في الروضة 3: 109.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 414

المتأخّرين: الكفاية و

المفاتيح و شرحه «1»، و بعض فضلائنا المعاصرين «2».

و على الثاني: الشرائع «3»، و يظهر من الإرشاد الميل إليه.

و يظهر من التحرير وجه ثالث هو التساوي، حيث قال: و لو كان السبق في جانب و اليد في جانب، ففي تقديم السبق أو اليد أو التساوي نظر «4». انتهى.

و احتجّ للأوّل بأنّ اليد ظاهرة في الملك الحالي، و لا تدفعها اليد السابقة، لاحتمال كونها بعارية و نحوها، و لا الملك السابق، لاحتمال انتقالها منه إلى الغير، و لعدم مطابقة الدعوى و الشهادة، إذ الدعوى بالملك الحالي، و الشهادة متعلّقة بالسابق.

و فيه- مضافا إلى أنّ احتمال العارية و نحوها متحقّق في اليد الحاليّة أيضا-: أنّ اليد و الملك السابقين و إن لم يصلحا لدفع الحالي و لم يطابقا الدعوى إلّا أنّ استصحاب مقتضى اليد السابقة و أصل الملك السابق صالح لدفعه، مطابق للدعوى.

و القول بأنّ الاستصحاب إنّما يعمل به لو لا المعارض له، و اليد الحاليّة هنا له معارض، خصوصا في اليد السابقة، لانقطاعها رأسا، كما ذكره بعضهم «5».

أو أنّ الاستصحاب و إن عارض اليد و لكنّ اليد أقوى، لأنّ اقتضاءها الملكيّة و إن كان ظنيّا لكن نفسها قطعي، بخلاف استصحاب مدلول الشهادة، فإنّ مقتضى الشهادة ظنّيّ و كذا استصحابه، فالأوّل ظنّ حاصل من

______________________________

(1) الكفاية: 277، المفاتيح 3: 273.

(2) المحقق القمي في رسالة القضاء (غنائم الأيّام: 710).

(3) الشرائع 4: 112.

(4) التحرير 2: 195.

(5) انظر المسالك 2: 393.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 415

القطع، و الثاني ظنّ حاصل من الظنّ، فيقدّم، كما قاله آخر.

أو أنّ الثابت حجّيته هو ما شهد به الشاهد بعلمه أو ظنّه الاستصحابي، و أمّا ظنّ الحاكم لاستصحاب المخبر به فلا دليل على حجّيته،

و لا يستلزم فعلية الظنّ للشاهد، و إنّما الثابت حجّية علمه القطعي في القضاء، لا مطلق الظنّ، كما ذكره ثالث.

فاسد، سيّما الأخير.

أمّا الأوّل: فلأنّ مقتضى التعارض رفع اليد عن المتعارضين عند عدم المرجّح، لا تقديم أحدهما.

نعم، لو كانت اليد دليلا على الملك يدفع بها الاستصحاب عند التعارض، و لكن قد عرفت أنّه أيضا كالاستصحاب من باب الأصل.

و أمّا الثاني: فلمنع كون اليد أقوى بعد ثبوت حجيّة الكلّ من الشارع، و ما ذكر في تقويتها من تخريجات العامّة العمياء، ثمَّ منع إيجاب مثل تلك القوّة- لو كانت- للتقديم.

و أمّا الثالث: فلأنّ أخبار عدم نقض اليقين بالشكّ أدلّة واضحة على حجّية ذلك الاستصحاب، و لو اختصّ جواز قضاء الحاكم بعمله لما جاز الحكم بالبيّنة أيضا، إذ لا تفيد العلم.

فإن قيل: هي أمارة ثبتت حجّيتها شرعا.

قلنا: و كذلك الاستصحاب، و لو سلّمنا أنّ حجّية الاستصحاب لأجل الظنّ فإنّما هو ظنّ ثابت الحجّية.

و استدلّ للثاني: بأنّ اليد الحاضرة إن كانت دليل الملك فالسابقة المستصحبة أو الملك السابق المستصحب أولى، لمشاركتهما في الدلالة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 416

على الملك الحالي، و انفرادهما بالزمن السابق «1».

و فيه: أنّ انفرادهما بالسابق لا يوجب ترجيحا إلّا من جهة الاستصحاب أيضا، و إذا سقط بالمعارضة لا يبقى وجه ترجيح.

و ذكر الحلّي في السرائر «2»- في مسألة تعارض بيّنتي ملك القديم و الأقدم- ما يمكن أن يستدلّ به للثاني هنا أيضا، بأن يقال بعد ثبوت الملكيّة السابقة: لا يمكن الملكيّة الحادثة إلّا بانتقال عن الأوّل إلى الثاني، و هو خلاف الأصل، و موجب بوجوب الدرك على الأوّل، و هو أيضا خلاف الأصل.

و فيه: أنّ هذا الأصل معارض بأصالة اقتضاء اليد الملكيّة، الموجبة للانتقال

و الدرك، فلا تأثير له، و لا يفيد تعدّد خلاف الأصل في جانب، كما بيّناه في محلّه. مع أنّ توقّف ملكيّة الثاني على الانتقال عن الأوّل ممنوع، لجواز بناء الشاهد على الملكيّة الظاهرة المستفادة من اليد أو نحوها، و كان واقعا ملكا للثاني، و كان بيده وكالة أو نحوها، فأخذ المال من غير انتقال.

ثمَّ بما ذكر يظهر دليل الوجه الثالث المذكور في التحرير أيضا «3».

و التحقيق: أنّ اقتضاء اليد للملكيّة يعارض استصحاب الملكيّة، فلا يبقى لشي ء منهما حكم، و لكنّ أصل اليد لا يعارضه شي ء، و هو باق بالمشاهدة و العيان، و الأصل عدم التسلّط على انتزاع العين من يده، و لا على منعه من التصرّفات التي كان له فيها، حتى بيعها و إجارتها، إذ غاية الأمر عدم دليل لنا على ملكيّته، و لكن لا دليل على عدم ملكيّته أيضا،

______________________________

(1) انظر المسالك 2: 393.

(2) السرائر 2: 169.

(3) التحرير 2: 195.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 417

و أصالة عدم الملكيّة بالنسبة إليه و إلى غيره سواء، مع ثبوت أصل الملكيّة، فلا يجري فيه ذلك الأصل أيضا.

مضافا إلى إمكان حصول جواز هذه التصرّفات كلّا أو بعضا بالتوكيل و الإجارة و الولاية و الإذن و غيرها، فتبقى أصالة عدم التسلّط و أصالة جواز تصرّفاته خالية عن المعارض.

و إلى هذا يشير كلام من قال: إنّ احتمال كون اليد الثانية بالعارية أو غيرها لا يلتفت إليه مع بقاء اليد على حالها، فإنّ المقصود الأصلي من إعمال اليد هو إبقاء تسلّطها على ما فيها و عدم جواز منعها من التصرّفات كيف شاء بسبب احتمال الغصب أو العارية أو غيرهما، فيحكم عليها بما يحكم على ملك الملّاك، و ليس هذا معنى

الحكم بأنّه ملك «1». انتهى كلامه رفع مقامه.

فإن قيل:

كما أنّ الملكيّة أو اليد السابقة تقتضي استصحاب الملكيّة، كذلك تقتضي استصحاب تسلّط المالك الأوّل و الحاكم على منع ذي اليد عن التصرّفات أيضا، و به تندفع أصالة عدم التسلّط.

قلنا:

ليس تسلّط الأوّل كالملكيّة التي إذا حدثت يحكم لها بالاستمرار حتى يثبت المزيل، بل هو ممّا يمكن تقييده بقيد، و المعلوم من التسلّط الأولي هو تسلّطه ما دام يحكم له بالملكيّة و تعلم له الملكيّة، فالمعلوم ثبوته أولا ليس إلّا ذلك المقيّد، فبعد انتفاء الحكم بالملكيّة و العلم بها ينتفي القيد، و يتغيّر الموضوع.

ثمَّ إنّه كما أنّ نفس اليد المشاهدة الحاليّة و مقتضياتها- سوى الملكيّة-

______________________________

(1) غنائم الأيّام: 710.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 418

لا معارض لها، فكذلك أيضا كون البيّنة على غير ذي اليد، و كون من يدّعيه مطالبا بالبيّنة، و ذي اليد باليمين، إذا لم يخرج خارج اليد عن صدق المدّعي عرفا، و لا صاحبها عن المنكر كذلك.

فيدلّ على كون وظيفة الأوّل البيّنة و الثاني اليمين قولهم: «البيّنة على المدّعي، و اليمين على من أنكر» و رواية فدك المتقدّمة «1»، فتكون البيّنة على المالك السابق و اليمين على ذي اليد، و لا يمنع ذو اليد من شي ء من التصرّفات، و ليس المطلوب من ترجيح اليد الحالية غير ذلك أيضا، مع أنّه يمكن جعل هذين الأمرين دليلا برأسه على الملكيّة أيضا بالإجماع المركّب يسقط به الاستصحاب بالمرّة لعدم صلاحيّته لمعارضة الدليل مطلقا.

فرعان:
أ: صرّح جماعة من الأصحاب

- منهم: المحقّق في الشرائع و الفاضل في جملة من كتبه و المحقّق الأردبيلي و في المسالك و الكفاية و المفاتيح «2» و غيرها «3»- بأنّه لو شهدت بيّنة المدّعي: أنّ صاحب اليد غصبها، أو

استأجرها، أو استعارها، أو نحو ذلك، سقط اعتبار اليد، و حكم بها للمدّعي. و نفى عنه الإشكال في المسالك، بل ظاهره بل صريحه نفي الخلاف عنه، و في الإيضاح: أنّه تقبل الشهادة حينئذ قولا واحدا «4»، و هو مؤذن بدعوى الإجماع عليه، و نفى عنه الريب في شرح

______________________________

(1) في ص: 333.

(2) الشرائع 4: 113، الفاضل في القواعد 2: 234، التحرير 2: 196، المسالك 2: 393، الكفاية: 277، المفاتيح 3: 273.

(3) كما في كشف اللثام 2: 367.

(4) إيضاح الفوائد 4: 414.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 419

المفاتيح.

و كيف كان، فلا ريب في الحكم، لأنّ استصحاب اليد السابقة الغصبيّة أو الاستيجاريّة مثلا و أصالة عدم حدوث يد اخرى يجعل اليد الحاليّة يد مباشرة لا المقتضية للملكيّة، فلا يبقى معارض للاستصحاب، بل ليس مقتض لملكيّة ذي اليد، إذ ليس إلّا اليد، و اقتضاؤها مخصوص بما إذا لم يدلّ على عدمه دليل، و ما ذكرنا دليل على عدم الاقتضاء.

ب: قال في الكفاية: و في كلامهم القطع بأنّ صاحب اليد لو أقرّ أمس بأنّ الملك له

- أي للمدّعي- أو شهدت البيّنة بإقراره أمس له، أو أقرّ بأنّ هذا له أمس، قضي به له، و في إطلاق الحكم بذلك إشكال «1». انتهى.

و كذا حكم في القواعد بثبوت الإقرار، و استصحاب موجبه لو شهدت البيّنة بإقراره له بالأمس، أو أقرّ المدّعى عليه بالأمس أنّه له، و بالانتزاع عن يده لو أقرّ بأنّه كان ملك المدّعي بالأمس «2».

و كذا في التحرير «3» و شرح الإرشاد للأردبيلي في صورة الشهادة بإقرار الأمس، و صورة إقرار المدّعي بأنّه كان له بالأمس، إلّا أنّه جعل الأقرب في الصورة الأخيرة الانتزاع من يده، مؤذنا بوقوع الخلاف فيه، إلّا أنّه قال في شرح الإرشاد: إنّه غير واضح الدليل إلّا أن يكون إجماعا.

و

قال في تمهيد القواعد: لو قال المدّعى عليه: كان ملكك بالأمس، أو قال المقرّ بذلك ابتداء، قيل: لا يؤخذ به، كما لو قامت بيّنة بأنّه كان ملكه بالأمس، و الأقوى أنّه يؤاخذ، كما لو شهدت البيّنة بأنّه أقرّ أمس.

______________________________

(1) الكفاية: 277.

(2) القواعد 2: 234.

(3) التحرير 2: 195.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 420

انتهى.

و قد يستدلّ على بعض هذه الصور- و يفرّق بينه و بين ما تقدّم- بأنّ الإقرار ينبئ عن التحقيق، و الشاهد قد يخمّن، و يقال فيما تقدّم: بأنّ اليد محسوسة، و الشهادة مظنونة، و بأنّ استصحاب المقرّ به ظنّ ناشئ من القطع، و استصحاب المشهود به ظنّ حاصل من الظنّ.

و لعمري أنّه لا يليق للفرقة الإماميّة أن تتشبّث بأمثال هذه التخريجات.

و التحقيق: أنّه إن أقرّ المدّعى عليه في الحال- أي بعد الادّعاء عليه- بأنّه كان له في السابق، أو ثبت هذا الإقرار بالبيّنة، يقدّم المدّعي، لأنّ ذلك الإقرار المسموع منه أو الثابت بالبيّنة يتضمّن أمرين، أحدهما: ملكيّة المدّعي في السابق، و ثانيهما: الانتقال منه إلى المدّعى عليه، و هو في الثاني مدّع و لا تفيده اليد لمعارضة الاستصحاب، فتكون عليه البيّنة و الإثبات، نظير الدعوى بالدين، فإنّه لو ادّعي عليه عن مبيع اشتراه بالذمّة فأقرّ بذلك البيع يصير مدّعيا، و ترفع اليد عن أصالة براءة الذمّة و نحوه و لو لم يصرّح بأنّي أدّيته.

و على هذا، فتشمله عمومات البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه.

و هذا مراد من قال بأنّ ذلك اعتراف من ذي اليد بكونه مدّعيا وظيفته الإثبات.

و أمّا لو كان المدّعى عليه أقرّ في السابق بملكيّته، أو ثبت إقراره السابق، فلا يوجب تقديم المدّعي، لأنّ ذلك لا يجعله مدّعيا

عرفا، سواء كان ذلك الإقرار سابقا على يده أو على الادّعاء عليه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 421

و في حكم الإقرار بالملكيّة السابقة للمدّعي الإقرار بالاشتراء و نحوه من وجوه الانتقالات، بل ذلك أولى بالقبول، لأظهريّته في جعله مدّعيا.

المسألة السابعة: كما يتحقّق التعارض بين الشاهدين و مثلهما، يتحقّق بينهما و بين شاهد و امرأتين

، و كذلك بينهم و بين مثلهم، و المعروف من مذهبهم عدم تحقّقه بين الشاهدين، أو شاهد و امرأتين، و بين شاهد و يمين.

قيل: لضعف الشاهد و اليمين، من جهة وقوع الخلاف في كونه مثبتا، و من جهة أنّ الحالف يصدّق نفسه، بخلاف الشاهدين، فإنّهما يصدّقان غيرهما «1».

و لا يخفى ضعف الوجهين، و أنّهما من الوجوه المستنبطة الموافقة لطريق العامّة، التي فتح بابها شيخ الطائفة في خلافه و مبسوطه «2»، حيث جرى فيهما على طريقة المخالفين و الترجيح بين أقوالهم بمذاقهم، لكونه مختلطا معهم كما ذكره الحلّي في السرائر «3» و غيره، فظنّ الداخل في فقه الإماميّة الغير السائر على بصيرة في دينه أنّ أمثال هذه الوجوه ممّا تعتبره الإماميّة أيضا، لحسن الظنّ بالشيخ و الغفلة عن مرامه.

و قد علّل المحقّق الأردبيلي عدم تعارضهما بأنّ الشاهد و اليمين ليسا بحجّة شرعيّة مستقلّة في جميع الأحكام، بل الشاهد حجّة مع انضمام يمين المدّعي في بعض الأحكام مع تعذّر الشاهدين.

و هو حسن، إلّا أنّ لقائل أن يقول: إنّ الكلام في الأحكام التي يكون

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 17    421     المسألة السابعة: كما يتحقق التعارض بين الشاهدين و مثلهما، يتحقق بينهما و بين شاهد و امرأتين ..... ص : 421

____________________________________________________________

(1) انظر المسالك 2: 391.

(2) الخلاف 2: 637، المبسوط 8: 210.

(3) السرائر 2: 171.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 422

الشاهد و اليمين حجّة فيها، كما

إذا كانا مدّعيين فيما كان بيديهما معا، أو بيد ثالث، أو لا يد عليه، و منه الوصيّة بالثلث إذا ادّعاها كلّ شخص لنفسه، و لازم الدليل حصول التعارض، لعموم أدلّة حجّية الشاهد و اليمين في تلك الموارد، و لكنّه إنّما يتمّ عند من يقبلهما في مطلق الأموال أو حقوق الناس.

و أمّا على اختصاصهما بالديون- كما هو الحقّ- فلا يمكن فيها التعارض، إلّا إذا ادّعى دينا بسبب خاصّ- كثمن مع فرس معيّن في زمان معيّن- و أتى بالشاهد الواحد و حلف معه، و أتى المدّعى عليه بشاهدين على موت ذلك الفرس قبل ذلك الزمان.

و يمكن أن يقال حينئذ أيضا: إنّ بيّنة المنكر لا دليل على قبولها إلّا مع التعارض مع البيّنة في موارد خاصّة لا مطلقا، فلا تعارض بيّنة الشاهد و اليمين أصلا.

هذا، ثمَّ إنّه نقل في الشرائع عن الشيخ قولا بالتعارض و القرعة بينهما «1»، و كذلك صرّح في الدروس بقوله بذلك «2»، و عن فخر المحقّقين نفي القول عنه «3»، بل نقول إنّه متردّد، و به صرّح في المسالك بعد نقل عبارته في المبسوط «4».

و لا يخفى أنّ عبارته المنقولة في المسالك ظاهرة في التعارض، إذ لولاه للزم الحكم بالثلث لزيد الذي له الشاهدان، و طرح قول عمرو الذي له الشاهد و اليمين، فلو لا حجية مستنده و تعارضه مع مستند زيد فما وجه

______________________________

(1) الشرائع 4: 111.

(2) الدروس 2: 102.

(3) إيضاح الفوائد 4: 409.

(4) المسالك 2: 391.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 423

القرعة؟! و ليس معنى التعارض إلّا تضادّ المدلولين و عدم العمل بهما.

و أمّا حمل مراده على أنّه على القول بالتعارض- كما هو أحد قولي المخالفين، فمقتضى مذهبنا الإقراع دون التنصيف- فخلاف

الظاهر.

و أمّا قوله: على مذهبنا يقرع، فنظره إلى أنّ القرعة لكلّ أمر مجهول، و هذا ظاهر، و اللّه العالم.

المسألة الثامنة: قد عرفت لزوم التنصيف بين المتداعيين في بعض الموارد

، فاعلم أنّه قال في الشرائع: و كلّ موضع قضينا فيه بالقسمة فإنّما هو في موضع يمكن فيه فرضها- كالأموال- دون ما يمتنع، كما إذا تداعى رجلان زوجة «1».

قال في المسالك: بل الطريق هنا الحكم لمن أخرجته القرعة، إذ لا سبيل إلى غيره، و تؤيّده مرسلة داود العطّار: في رجل كانت له امرأة، فجاء رجل بشهود شهدوا أنّ هذه المرأة امرأة فلان، و جاء آخرون فشهدوا أنّها امرأة فلان، فاعتدل الشهود و عدلوا، قال: «يقرع بين الشهود، فمن خرج اسمه فهو المحقّ، و هو أولى بها» «2»، و على هذا فلا فائدة في الإحلاف بعد القرعة، لأنّ فائدته القضاء للآخر مع نكوله، و هو منفيّ هنا «3». انتهى.

أقول: هذا الاستدراك إنّما يحسن عند من يحكم بالنصف بعلل مستنبطة، و أمّا على ما هو التحقيق من أنّه لدلالة الأخبار عليه فلا حاجة إلى

______________________________

(1) الشرائع 4: 112.

(2) الكافي 7: 420- 2، التهذيب 6: 235- 579، الاستبصار 3: 41- 139، الوسائل 27: 252 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12 ح 8، بتفاوت.

(3) المسالك 2: 391.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 424

الاستدراك، لأنّ أخبار النصف كلّها واردة في الأموال- كالبغلة و الدابّة و الدرهم و متاع البيت- و أمّا غيرها فلا، بل هي داخلة في عموم القرعة و خصوصيّاتها في تعارض البيّنات، كروايتي البصري و داود بن سرحان و صحيحة الحلبي «1»، فيعمل بها.

و أمّا ما ذكره أخيرا- من نفي فائدة الإحلاف بعد الإقراع- ففيه نظر، إذ مع حلفه يحكم بالزوجيّة له، و مع نكوله يعرض الحلف

على الآخر، فإن حلف يحكم له، و إن نكل هو أيضا يحكم لمن صدّقته الزوجة، لادّعائها و عدم معارض شرعي، فإن لم تصدّق أحدهما فتمنع عنهما و يخلّى سبيلها، و لا دليل على لزوم القضاء لأحدهما. إلّا أنّ مقتضى مرسلة داود عدم الإحلاف و العمل بمقتضى القرعة، لقوله: فهو المحقّ و الأولى. فهو متعيّن.

و لا يرد: أنّ مقتضى رواية البصري و ما بعدها الإحلاف.

لأنّها عامّة، و المرسلة خاصّة بالزوجة، فتخصّص بها، فإن لوحظت جهة عموم للمرسلة أيضا- لدلالتها على الأولويّة مطلقا، سواء كان بعد الحلف أو قبله- فيتساقطان، و يبقى حكم القرعة بلا معارض، فتأمّل.

و هل يفيد تصديق الزوجة لأحدهما قبل الإقراع للحكم له؟

قال الأردبيلي: نعم، و لا أرى له دليلا، فتأمّل. و اللّه العالم.

المسألة التاسعة: إذا تعارضت البيّنتان في الملك و اختلفتا في التاريخ

- بأن تكون أحدهما في الحال و الأخرى من سنة إلى الحال، أو تكون أحدهما من سنة إلى الحال و الأخرى من سنتين إلى الحال-

______________________________

(1) المتقدّمة جميعا في ص: 405 و 406.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 425

فالمشهور ترجيح الأقدم، لتعارض البيّنتين في الوقت المشترك بينهما فسقطتا، و المختصّة بالوقت المتقدّم سلمت عن المعارض فيستصحب حكمها.

و اعترض عليه: بأنّ مناط الحكم الملك في الحال، و قد استويا «1».

و فيه: أنّ لازمه عدم الحكم بمقتضى البيّنة الحاليّة، و ذلك لا ينافي الحكم بمقتضى الاستصحاب.

و توهّم أنّ استصحاب الشاهد قد سقط بالتعارض، و استصحاب الحاكم لا يفيد.

باطل كما يأتي في مسألة استصحاب الشاهد، و مرّت الإشارة إليه أيضا في مسألة تعارض الملك القديم و اليد الحادثة.

و في المسالك: إنّ المسألة مفروضة فيما إذا كان المدّعى به في يد ثالث. و أمّا إذا كان في يد أحدهما، فإن كانت بيّنة الداخل أسبق

تأريخا فهو المتقدّم لا محالة، لأنّ بعد التساقط تبقى للداخل اليد و الاستصحاب معا.

و إن كانت بيّنة الخارج أسبق، فإن لم يجعل السبق مرجّحا يقدّم الداخل أيضا، لبقاء اليد خالية عن المعارض.

و إن جعلناه مرجّحا يتعارض مع يد الداخل، فيمكن أنّ يقدّم الداخل، لأنّ اليد أقوى من الاستصحاب، و أن يقدّم الخارج، لأنّ جهة بيّنته أقوى، و إذا انضمّت هذه الجهة مع الاستصحاب يترجّح، و إن تعارضا فتساقطا «2».

______________________________

(1) انظر المسالك 2: 392، الكفاية: 277.

(2) المسالك 2: 392.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 426

قال في الكفاية- بعد نقل ذلك-: و الظاهر أنّ هذه التفاصيل إنّما تجري على القول بتقديم بيّنة الداخل لا مطلقا «1».

أقول:

مراده أنّا إذا قلنا بترجيح بيّنة الخارج لم يكن اعتبار لبيّنة الداخل، فتكون لاغية، بخلاف ما إذا قلنا بترجيح الداخل، فإنّه لا يكون إلّا لطرح البيّنتين و ملاحظة المرجّحات الأخرى، التي منها اليد، فقد تكون في الطرف الآخر أيضا.

و منه يظهر أنّ كلام المسالك ليس مبنيّا على مخالفته لما اختاره أوّلا من ترجيح بيّنة الخارج، بل نظره إلى أنّ فرض المسألة لا يمكن إلّا على اعتبار بيّنة الداخل و تقديمه.

و قد يقال: إنّ ما ذكره إنّما يتمّ لو بنى ترجيح بيّنة الخارج على حديث: «البيّنة على المدّعي»، أمّا لو بنى على المرجّح الخارجي- ككون التأسيس أولى من التأكيد- فيمكن إجراء الكلام على تقديم بيّنة الخارج أيضا، و لا بأس به، إلّا أنّ المبنى الثاني ممّا لم يعبأ به أحد من محقّقي الطائفة.

و اعلم أيضا أنّ مفروض المسألة- كما ذكرنا- إنّما هو إذا صرّحت بيّنة القديم أو الأقدم بالملكيّة الحاليّة أيضا، أو ضمّ مع الملكيّة القديمة قوله: و لا أعلم له مزيلا،

و نحوه، على كونه معتبرا مقبولا، كما سيأتي تحقيقه، أو يسكت عن الحال إن قلنا بكفايته في ثبوت الشهادة الحالية أيضا. و أمّا لو ضمّ مثل قوله: و لا أدري ما ذا حدث في الحال، و نحوه ممّا ينفي الشهادة الحاليّة، فهو خارج عن المسألة، فتأمّل.

______________________________

(1) الكفاية: 277.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 427

ثمَّ أقول: إنّ بعض ما ذكر إنّما هو إذا قلنا بأنّ تقديم بعض البيّنات المعارضة على البعض في مقام تعارضها إنّما هو بالمرجّحات الاعتباريّة الظنّية كما هو طريق العامّة و إن اقتفى أثرهم بعض الخاصّة غفلة عن الحقيقة.

و أمّا على ما ذكرنا- من أنّ المناط هو الأدلّة الشرعيّة من الأخبار و الإجماع- فلا وقع لأكثر هذه التفصيلات الضعيفة، بل الحكم هو المشهور، للاستصحاب المذكور إن كان في يد ثالث، و إلّا فيقدّم ذو اليد، كما مرّ وجهه في مسألة تعارض الملك القديم و اليد الجديدة.

هذا لو قطع النظر عن إطلاق أخبار المسألة، و إلّا- كما هو الحقّ- فهو المتّبع، و لا تساقط للبيّنات.

المسألة العاشرة: قالوا: لو تعارضت البيّنة بالملك المطلق و البيّنة باليد فالترجيح لبيّنة الملك

، لأنّ اقتضاء اليد للملكيّة إنّما هو بعنوان الأصل، فيزول بالدليل.

و استشكل فيه في الكفاية بجواز أن يكون مستند الشهادة بالملك أيضا هو اليد، فلا يزيد على الشهادة باليد «1».

و ضعّف: بأنّ بناء الشهادة على مجرّد اليد في غاية الندرة، مع الإشكال في جوازه «2».

و فيه: منع الندرة، بل لعلّه الغالب. و إشكال الفقهاء في جوازه لا يوجب تفطّن الشاهد أيضا.

و التحقيق: أنّا إن اكتفينا في قبول الشهادة بالملك المطلق فلا ينبغي

______________________________

(1) الكفاية: 277.

(2) غنائم الأيام: 712.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 428

الريب في دفعها لليد، لما مرّ، و ليس علينا الالتفات إلى المستند.

و إن قلنا بلزوم

ذكر المستند فاللّازم ملاحظة حال المستند مع اليد، فإن دفعها يقدّم المستند و إلّا اليد، فإذا شهد بأنّه اشتراه زيد عن مالكه، و أخذه ذو اليد غصبا أو عارية، تقدّم شهادة الملك، و إن قال: اشتراه و ملكه، و لا أعلم مزيله، يبنى على كفاية ذلك في الشهادة الحاليّة و عدمها.

المسألة الحادية عشرة: لو تعارضت البيّنة بسبب الملك- مثل قوله: اشتراه أو انتجه في ملكه- و البيّنة بالتصرّف تصرّف الملّاك

، قيل: قدّمت بيّنة الملك بالسبب، لكون التصرّف أعمّ من الملك المطلق «1».

أقول:

إن ضمّت كلّ من البيّنتين قوله: و اعلم أنّه ملكه الحال، فإن اعتبرنا هذه الشهادة فيرجع إلى ما تقدّم من تعارض البيّنتين، و لا تثمر زيادة السبب أو اليد شيئا، و إن لم نعتبرها فتكون الشهادة هي السبب و اليد، و يرجع إلى ما إذا لم تضمّ هذه الزيادة. فإن اكتفينا في قبول الشهادة للملكيّة الحالية بالملكيّة السابقة مع السكوت، أو: و لا أعلم له مزيلا، تندفع بها أصالة اليد، و إلّا فتقدّم اليد، لعدم معارض لها، سوى الاستصحاب المندفع باليد، كما يأتي. و اللّه العالم.

______________________________

(1) القواعد 2: 223، المسالك 2: 392.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 429

الفصل السابع في ذكر بعض المسائل التي يقع فيها التنازع
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأولى: قال في القواعد: لو كان في دكّان عطّار و نجّار فاختلفا في قماشه،

حكم لكلّ بآلة صناعته.

و قال أيضا: لو كان الخيّاط في دار غيره فتنازعا في الإبرة و المقصّ حكم بهما للخيّاط، لقضاء العادة بأنّ من دعى خيّاطا إلى منزله فإنّه يستصحب ذلك معه.

و لو تنازعا في القميص فهو لصاحب الدار، لأنّ العادة أنّ القميص لا يحمله الخيّاط إلى منزل غيره.

و راكب الدابّة أولى من قابض لجامها.

و صاحب الحمل أولى.

و السرج لصاحب الدابّة دون الراكب.

و الراكب أولى بالحمل من صاحب الدابّة.

و لو تنازع صاحب العبد و غيره في ثياب العبد فهي لصاحب العبد، لأنّ يد العبد عليها.

و لو تنازع صاحب الثياب و آخر في العبد تساويا، لأنّ نفع الثياب يعود إلى العبد لا إلى صاحبه.

و لو تنازع صاحب النهر و الأرض في حائط بينهما فهو لهما، لأنّه

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 430

حاجز بينهما فتساويا «1». انتهى.

أقول:

هذه المسائل كلّها متفرّعة على الحكم بشي ء لصاحب اليد مع يمينه، فالمرجع فيها إلى تعيين ذي اليد، و قد عرفت سابقا أنّه لا نصّ على تعيينه من الشارع و لا من أهل اللغة، فيجب الرجوع فيه إلى العرف، فمن حكم العرف بكونه ذا اليد و متصرّفا فيه يقدّم قوله مع يمينه.

و لا شكّ أنّ مناسبة شي ء لصناعة أحد و حرفته لا توجب صدق ذي اليد العرفي، و كذا ظنّ ملكيّته لا يكفي في ذلك الصدق، و لذا لو ادّعى نجّار منشارا- في يد خيّاط- أنّه ملكه، لا يقدّم قوله.

نعم، لو قلنا: إنّ حكم الشارع بتقديم قول ذي اليد إنّما هو لمظنّة ملكيّته، صحّ تقديم قول من ظنّ ملكيّته لشي ء، لا لصدق اليد، بل لذلك الظنّ، و هو غير معلوم.

و على هذا، فاللّازم في هذه المسائل الرجوع إلى

العرف، فنقول:

أمّا في الاولى، فلا نسلّم صدق ذي اليد عرفا على كلّ ذي صناعة من المتداعيين المذكورين في آلات صناعته، إلّا إذا علمنا مع ذلك باستعماله إيّاها مكرّرا، و تقلّباتها فيه، و أخذها، و وضعها، و العمل بها، و لو لا ذلك فالظاهر تساويهما.

و كذا الثانية، لأنّ كون خيّاط في دار غيره لا يدلّ على أنّه دعي إليها للخياطة.

و لو سلّم فلا يدلّ على أنّه حمل معه الإبرة و المقصّ.

و لا بعد في حمل خيّاط قميصا معه إلى دار دعي إليها.

______________________________

(1) القواعد 2: 223.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 431

فلو كانت الإبرة و المقص بيد الخيّاط مستعملا إيّاهما آخذا و واضعا لهما يحكم فيهما بيده.

و القميص لو كان في يد صاحب الدار أو موضوعا في داره فله.

و لو كان بيد الخيّاط أو في حجره أو منديله فله.

و لو كان يقصّه أو يخيطه في دار زيد ففيه إشكال، لعدم معلوميّة صدق اليد عرفا عليه مع ذلك، إلّا إذا علم أنّه لم يدع إلى الدار للخياطة، بل إلّا إذا لم يعلم أنّه دعي إليها لها.

و أمّا الثالثة فكما ذكره.

و الرابعة كذلك إذا علم أن صاحب الحمل هو الذي حمله على الدابّة بنفسه، و أمّا لو علم أنّ قابض اللجام هو الذي وضع عليها حمل ذلك الشخص و شدّها فلا نسلّم صدق ذي اليد على صاحب الحمل.

و كذا لو اختلفا في واضع الحمل.

و في الخامسة يحكم لصاحب الدابّة لو لم يعلم أن واضع السرج عليها ذلك الغير، و إلّا فالظاهر تقديم قول الغير، للصدق العرفي.

و السادسة محلّ إشكال، و الظاهر فيها التساوي.

و السابعة كما قال.

و الثامنة محلّ إشكال، بل الظاهر تقديم صاحب الثياب، لصدق اليد عرفا، و

لا مدخليّة لعود نفع الثوب في الصدق.

و أمّا التاسعة، فإن لم يعلم اختصاص أحدهما بمكان الحائط، و لم تكن الأرض ممّا يحكم في العرف بأنّ الحائط لها- كأن يكون الحائط مختصّا بحدّ واحد منها، و كانت سائر حدودها خالية عن الحائط- فالظاهر أنّه كما لا يد لأحد عليه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 432

و إن كان المكان مختصّا بأحدهما فالحائط له.

و لو كانت الأرض ممّا تقضي العادة بتعلّق الحائط بها- كما إذا كانت محوّطة من الجوانب الأربعة- فالحائط لصاحب الأرض.

المسألة الثانية: قال أيضا: و لو اختلف الموجر و المستأجر في شي ء في الدار

، فإن كان منقولا فهو للمستأجر، و إلّا فللموجر «1».

أقول:

هذه أيضا من متفرّعات اليد و التصرّف، و الظاهر أنّه قدّس سرّه بناها على مظنّة الملكيّة، و قد عرفت ما فيه، مع أنّ ما ذكره بإطلاقه في ذلك أيضا محلّ نظر، فإنّ في جريان الحكم في كلّ منقول و كلّ مثبّت غير ظاهر، فإنّ الحكم بكون مصراع الباب المقلوع الظاهر فيه آثار القلع و الخشبة الكبيرة المعلوم استخراجها من بناء من المستأجر مشكل، و الحكم بكون السلّم أو الباب المثبّتين أو المسمار المثبّت- سيّما إذا كانت الدار بيد المستأجر بالإجارة منذ سنين عديدة- للموجر أشكل.

و التحقيق: أنّه تتعارض هنا ملكيّة العين مع ملكيّة المنفعة في التأثير في صدق اليد عرفا، فإن كان لأحدهما فيها تصرّف السكنى- بأن يكون ساكنا فيها- فاليد في المنقولات له مطلقا، بل في غيرها أيضا على احتمال، و إن لم يسكن فيها أحدهما فالساكن فيها أخيرا هو صاحب السكنى، فتأمّل.

المسألة الثالثة: قال في التحرير: لو ادّعى أنّك مزّقت ثوبي فلي عليك الأرش، كفاه أن يقول: لا يلزمني الأرش

، لجواز التمزيق و عدم تعلّق الأرش. فلو أقرّ طولب بالبيّنة و يتعذّر عليه.

قال: و كذا لو ادّعى عليه دينا، فقال: لا تستحقّ عندي شيئا،

______________________________

(1) القواعد 2: 223.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 433

لم يكلّف الحلف على عدم الإقراض، لجواز الاستيفاء أو الإبراء.

و لو ادّعى عينا، فقال: ليس عندي ما يلزمني التسليم، كفى في الجواب، لجواز أن تكون رهنا أو مستأجرة. فلو أقام المالك البيّنة بالملك وجب التسليم «1». انتهى.

أقول:

ما ذكره في الجواب فهو كذلك، إذ لا شكّ أنّ مجرّد دعوى التمزيق أو الإقراض أو أخذ العين لا يوجب جوابا- كما مرّ في بحث الدعوى- بل الموجب للجواب هو المجموع المركّب من الأفعال المذكورة، و استحقاق الأرش أو استيفاء الدين أو

تسلّم العين. فبالجواب عن الجزء الأخير يحصل الجواب عن الدعوى المركّبة، و الأصل عدم وجوب الإلزام بالجواب عن الجزء الآخر الذي لا يلزم بدعواه منفردا جوابا.

و أمّا ما يستفاد من صدر كلامه و صريح ذيله- من أنّه لو أقام المدّعي البيّنة على الجزء الأوّل يطالب المدّعى عليه بالجواب، و الخروج عن الحقّ- فهو كذلك فيما كان بحيث لو ثبت ما ادّعاه كان مثبتا لحقّ على المدّعى عليه مطلقا، كالإقراض و أخذ العين.

و أما لو كان له فردان أحدهما لا يوجب حقّا عليه فلا يطالب المدّعى عليه بالجواب أو الخروج عن الحقّ ما لم يدّع الفرد الموجب و أقام البيّنة عليه.

فلو ادّعى عليه أنّه جنى عليه دابّته حين ركوبه، ولي عليه الدية، و أقام البيّنة على جناية الدابّة، لم تفد ما لم يقيّدها بكون الجناية من يده.

و كذا لو قال: مزّق ثوبي- و قلنا بعدم لزوم الأرش بالتمزيق لا عن

______________________________

(1) التحرير 2: 189.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 434

عمد- لم تفد إقامة البيّنة ما لم يقيّد التمزيق بالعمد. و لعلّ ذلك مراد الفاضل أيضا.

المسألة الرابعة: لو كتب الحاكم كتابا للمدّعي بالحكم، فاستوفى حقّه من المدّعى عليه، و طلب الكتاب من المدّعي

، قال في التحرير:

لا تجب إجابته «1».

و هو كذلك، للأصل، و لأنّه ملكه لسبق حقّه عليه، و لاحتمال ترتّب فائدة له عليه.

نعم، قال: لو قال للحاكم: اكتب لي محضرا بقبض الحقّ منّي، لئلّا يطالبني الخصم به ثانيا في موضع آخر، فالوجه: وجوب إجابته.

أقول:

لا ينبغي الريب في رجحانها، لأنّ فيها إجابة ملتمس مسلم، و لكن لا دليل على وجوبها، و الأصل ينفيه.

المسألة الخامسة: إذا اتّفقا على استئجار شي ء معيّن في مدّة معيّنة، و اختلفا في الأجرة

، فالاختلاف إن كان في قدرها، كأن يقول الموجر:

عشرة، و المستأجر: خمسة، فإن لم تكن لأحدهما بيّنة فالمشهور- كما في الكفاية «2»- بتقديم قول المستأجر مع يمينه، لأنّه منكر للزيادة التي يدّعيها الموجر، و لا بيّنة للمدّعي.

و فيها قول للشيخ «3» و بعض المتأخّرين «4» بالتحالف، لكون كلّ منهما مدّعيا لعقد ينكره الآخر، ثمَّ الرجوع إلى أجرة المثل.

______________________________

(1) التحرير 2: 186.

(2) الكفاية: 277.

(3) انظر المبسوط 8: 263.

(4) حكاه عنه في الكفاية: 277.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 435

و قول للشيخ أيضا بالقرعة مطلقا «1»، لأنّها لكلّ أمر مشكل.

و قول له أيضا بالتفصيل بالفرق بين النزاع قبل انقضاء الأجل فالتحالف، أو بعده فالقرعة أو تقديم قول المستأجر متردّدا بينهما «2».

و إن كانت لهما البيّنة فمع تقديم تأريخ إحداهما تبطل الأخرى، و مع الاتّحاد أو الجهل بالمتقدّم فالمشهور- كما في الكفاية «3»- تقديم بيّنة المؤجر، لأنّه المدّعي.

و فيه أيضا قول بالتحالف «4»، و بالقرعة «5»- فيحلف من أخرجته القرعة- و بتقديم بيّنة المستأجر على القول بتقديم بيّنة الداخل «6».

و إن كانت لأحدهما البيّنة، ففي الكفاية: أنّ الحكم فيه لذي البيّنة.

و استدلّ له الأردبيلي بأنّ كلّ واحد منهما مدّع في الجملة.

و إن كان الاختلاف في نوع الأجرة حتى لا يكون بينهما قدر مشترك، فظاهرهم انحصار القول

فيه بالتحالف، أو القرعة مع عدم البيّنة، أو إقامتهما البيّنة، و متابعة البيّنة إن أقامها واحد منهما.

أقول:

أمّا القول بتقديم قول المستأجر في صورة الاختلاف في القدر و عدم البيّنة لأنّه المنكر، و كذا القول بتقديم بيّنة المؤجر في صورة تعارض البيّنتين، لا يلائم ما ذكروه في صورة وجود البيّنة لأحدهما من الحكم لذي

______________________________

(1) حكاه عنه في المسالك 2: 394.

(2) حكاه عنه في المسالك 2: 394.

(3) الكفاية: 278.

(4) الكفاية: 278.

(5) المبسوط 8: 264. الكفاية: 278.

(6) الكفاية: 278.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 436

البيّنة مطلقا، لأنّ مقتضى دليلهم للأولين عدم اعتبار بيّنة المستأجر، فكيف يحكم له بها؟! و التحقيق: أنّه لا ينبغي الريب في كون المستأجر مدّعيا أيضا- كما مرّ في كلام الأردبيلي- و إن استلزمت دعواه نفي الزائد، للصدق الواضح العرفي.

و نظير ذلك دعوى المطالب بالدين للأداء، فإنّه مدّع مع استلزامه نفي ما يطالب به.

و كذا لو ادّعى زيد على عمرو مائة، ثمن فرسه المعيّن الذي باعه له أمس، و ادّعى عمرو موت ذلك الفرس بعينه شهرا قبل الأمس، و كانت له بيّنة، فإنّه تسمع بيّنته و إن استلزمت نفي ما يدّعيه زيد من الثمن عنه.

و الأمر كذلك هنا، لأنّ المستأجر يدّعي وقوع العقد على الخمسة، و هو ادّعاء و إن استلزم نفي الزائد، فتقديم قوله مطلقا- لأنّه منكر محض- لا وجه له.

نعم، هو منكر لوقوع العقد على العشرة المستلزمة لإثبات الزيادة، كما أنّ الموجر منكر لوقوعه على الخمسة المستلزمة لنفيها، فالقول الأوّل- في صورة عدم البيّنة و الاختلاف في القدر- غير جيّد.

و أمّا القول بالتحالف فيها فهو و إن كان موافقا للقاعدة، إلّا أنّ الرجوع إلى أجرة المثل بعده غير جيّد، لأنّها قد تكون

أنقص من الخمسة، مع اعتراف المستأجر باشتغال الذمّة بها، و قد تكون أزيد من العشرة، مع اعتراف الموجر بعدم استحقاق الزائد. بل هما معترفان بوقوع العقد على المعيّن، و أنّه ليس غير الخمسة أو العشرة، فالرجوع بعد التحالف إلى القرعة بين القدرين أجود، مع أنّ في التحالف هنا أيضا كلاما مرّ وجهه،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 437

و هو أنّ المتبادر من المدّعي و المنكر- في صورة التقابل و توظيف حكم لكلّ منهما- هو المدّعي و المنكر المحض في الدعوى الواحدة، مع أنّ بيمين أحدهما أولا و سقوط دعوى الآخر تثبت دعوى الحالف، لاعترافهما بعدم خروج العقد عن أحد الأمرين.

فأجود الأقوال هو القول الثالث، و هو الرجوع إلى القرعة، و أحوطهما الجمع بين التحالف و القرعة في القدر، كما مرّ.

هذا مع عدم البيّنة، و أمّا مع وجودها لهما فالرجوع إلى القرعة أظهر، لرواية البصري و صحيحة الحلبي المتقدّمتين في بحث تعارض البيّنات «1»، سيّما مع ما ذكرنا من عدم معلوميّة شمول البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه لمثل ذلك، خصوصا رواية منصور المتضمّنة للفظ: ذي اليد «2».

و مع وجودها لأحدهما فالحكم لذي البيّنة، لصدق المدّعى عليه، كما مرّ.

و كذا الحكم في صورة الاختلاف في النوع، فيقرع مع عدم البيّنة، أو وجودها لهما، و يحكم لذي البيّنة مع وجودها لأحدهما.

مسألة: إذا ادّعى استئجار دار بأجرة، و قال الموجر: بل بيت منها بتلك الأجرة، و لا بيّنة

، فقال الشيخ و المحقّق: يقرع «3». و قيل: يقدّم قول المؤجر، لأنّه المنكر للزيادة «4». و الأوّل أقرب، لما مرّ.

______________________________

(1) راجع ص: 405 و 406.

(2) التهذيب 6: 240- 594، الاستبصار 3: 43- 143، الوسائل 27: 255 أبواب كيفية الحكم ب 12 ح 14.

(3) الشيخ في المبسوط 8: 264، المحقق في الشرائع 4:

113.

(4) الكفاية: 278.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 438

و قيل بالتحالف حينئذ، فيحكم للحالف، و مع حلفهما أو نكولهما يحكم ببطلان الإجارة، و عدم استحقاق الأجرة، و مع استيفاء المنفعة بأجرة المثل، و وجهه كون كلّ منهما منكرا «1».

و قد مرّ ما يضعّفه، مع أنّه قد يوجب إسقاط ما يعترفان باستحقاقه من الأجرة المعيّنة و منفعة البيت.

و لو كانت لأحدهما بيّنة يقضى له.

و لو كانت لهما، فمع اتّحاد التاريخ أو الجهل يقرع.

و مع تقدّم تأريخ الدار تبطل إجارة البيت.

و مع تقدّم إجارة البيت حكم به بالأجرة المسمّاة، و بطل من إجارة الدار ما قابلها، و صحّ في الباقي، و يعلم ذلك بمعرفة أجرة المثل و مراعاة النسبة.

و لو ادّعى استئجار بيت بأجرة، و قال الموجر: بل آجرت ذلك البيت الآخر بها، و لا بيّنة، يقرع بينهما.

و توهّم كون ذلك دعويان متخالفتان- فيعمل في كلّ منهما بمقتضى القضاء- إنّما يصحّ إذا اقتصر كلّ منهما على دعوى إجارة ما يدّعيه، دون نفي الآخر.

و أمّا مع اعترافهما أو أحدهما بوحدة العقد و الموجر به فلا يتمّ ذلك، إذ قد يحلفان أو ينكلان، فيلزم الحكم بما يعترفان فيه بعدم الاستحقاق.

و لو كانت بيّنة لأحدهما يحكم له.

______________________________

(1) القواعد 2: 228.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 439

و لو كانت لهما يقرع أيضا إذا اتّفق المتنازعان على وحدة الموجر به، و عدم استحقاق الأجرتين و المنفعتين، و إلّا فيحكم لهما.

و كذا يقرع لو وقعت الدعوى المذكورة على اجرة عينيّة مخصوصة واحدة- كثوب معيّن- إلّا إذا أقاما البيّنة و تقدّم تأريخ أحدهما فيحكم بها، و يبطل الآخر. و اللّه العالم بحقائق أحكامه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 440

المطلب الثالث في بيان ما يحتاج إلى الرفع إلى الحاكم و الدعوى و الرجوع إلى حكمه، و ما لا يحتاج إليه و يجوز فيه التقاصّ بدون الترافع
اشاره

اعلم أنّ

منشأ التخالف بين الشخصين و التنازع في واقعة إمّا يكون لأجل جهل طالب الحقّ- الذي هو المدّعي- بحكم الواقعة، و لأجله يجوز ثبوت حقّ له على خصمه فينازعه.

أو جهله بنفس الواقعة، كالدعوى الظنّية أو الاحتماليّة، على القول بسماعهما.

أو لأجل اختلاف المجتهدين في حكم الواقعة، فطالب الحقّ يقلّد من يقول بثبوت الحقّ له، و خصمه يقلّد من ينفيه، أو الأول يقلّد من يثبت حقّا في واقعة- كالقصاص- و الثاني يقلّد من يثبت غيره، كالدية. و منه تنازع أحد الشركاء الثلاثة في الشفعة، و الولد الأكبر مع سائر الورثة في الحبوة، و المتبايعين في لزوم العقد و عدمه في الصيغة الفارسيّة، و غير ذلك.

أو لأجل إنكار المدّعى عليه الحقّ عدوانا، أو سهوا و نسيانا، أو عدم بقاء الحقّ و إن لم يكن منكرا.

و قد يكون الاحتياج إلى الرفع إلى الحاكم لمجرّد الاستيفاء، من غير سبق منازعة و إنكار- كطالب القصاص ممّن يقرّ بالقتل و هو تحت يد الولي، أو طالب الحقّ من صغير أو غائب ماله في يده، و نحو ذلك- و يكون النزاع حينئذ فرضيّا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 441

فإن كان منشأ النزاع المتحقّق أو الفرضي أحد الجهلين فلا مناص من الترافع، أو ترك الحقّ.

أمّا في الجهل الأول فلأنّ الطالب لا يعلم الحكم، فلعلّه لم يكن بذي حقّ، و الأصل عدم ثبوته له.

و أمّا في الثاني فلأنّه لا يعلم ثبوت حقّ له، و لا يثبت له حقّ إلّا بالحلف أو النكول الذي يختصّ الحكم به بالحاكم.

و كذا إن كان المنشأ اختلاف العلماء، فلا يجوز للطالب أخذ حقّ بدون الترافع و حكم الحاكم، لأنّ ثبوت الحقّ له إمّا يكون بتقليد الطرفين لمن يقول بثبوته- و

المفروض انتفاؤه، و إلّا لما كان بينهما نزاع- أو بحكم الحاكم.

و أمّا ثبوته بتقليد المدّعي خاصّة فلا، لأنّ القدر المسلّم ثبوته أنّ رأي المجتهد حكم له و لمقلّده ما لم يزاحمهما حقّ شخص آخر لا يقلّده في ذلك الأمر- كما مرّ في أوائل الباب- و لم يثبت من أدلّة التقليد أزيد من ذلك.

و أمّا كونه حكما ثابتا له إذا زاحمه حقّ غيره الذي لا يقلّد ذلك المجتهد فلا دليل عليه أصلا، فلا يصير السيف- مثلا- ملكا له بالحبوة بتقليد من يقول بدخوله في الحبوة ما لم يقلّده سائر الورثة أيضا، فلا يجوز له التقاصّ بسببه.

و إن كان منشأ النزاع الفرضي أو الواقعي مجرّد إنكار المدّعى عليه بأحد وجوهه المذكورة، أو عدم بقائه، أو عدم كون الإبقاء بيده- كالقصاص، أو الحقّ الذي على الصغير مثلا، و المال بيد ذي الحقّ- فقد وقع الخلاف في توقّف استيفاء الحقّ في بعض موارده على الترافع و عدمه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 442

و المراد توقّفه عليه شرعا، بمعنى: أنّه هل يجوز لطالب الحقّ الاستيفاء لو أمكن بدون الرفع و يحلّ له ما استوفاه شرعا؟ و إلّا فلا كلام في التوقّف في صورة عدم إمكان الاستيفاء لجحود الخصم و تغلّبه، بحيث لم يمكن الوصول إلى الحقّ و دفع تغلّب الخصم بدون التوصّل إلى الحاكم.

ثمَّ لبيان محلّ الخلاف و تحقيق الحقّ في المقام نقول: و المطلوب إمّا يكون عقوبة، أو حقّا غير مالي، أو مالا، فهاهنا ثلاثة أبحاث

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 443

البحث الأول في العقوبات

و هي إمّا قصاص، أو حدّ، أو دية، و الأخير داخل في الدعاوي المالية.

أمّا الأول:

ففيه قولان:

الأول:

عدم الاحتياج إلى الحاكم، و جواز استقلال الولي في القصاص،

اختاره في موضع من المبسوط و النافع «1»، و ظاهر الشرائع حيث جعل التوقيف أولى «2»، و الفاضل في أحد قوليه «3»، و أكثر المتأخّرين، بل عامّتهم- كما قيل «4»- و نسبه في كتاب قصاص المسالك إلى الأكثر «5».

و الثاني:

وجوب الرفع إلى الحاكم، ذهب إليه في موضع آخر من المبسوط و في الخلاف «6»، و عن المقنعة و المهذّب و الكافي و القواعد و الغنية و قضاء المسالك «7»، و في الكفاية: لا أعرف فيه خلافا «8». و عن الغنية:

بلا خلاف «9»، و عن ظاهر الخلاف: الإجماع عليه «10».

______________________________

(1) المبسوط 7: 54، النافع: 299.

(2) الشرائع 4: 228.

(3) التحرير 2: 255.

(4) الرياض 2: 521.

(5) المسالك 2: 477.

(6) المبسوط حكاه عنه في التنقيح 4: 444، الخلاف 2: 369.

(7) المقنعة: 760، المهذب 2: 485، الكافي: 383، الغنية (الجوامع الفقهية):

620، المسالك 2: 477.

(8) الكفاية: 275.

(9) الغنية (الجوامع الفقهية): 620.

(10) الخلاف 2: 369.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 444

و الأقوى هو الأول، لقوله سبحانه فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ «1»، و عموم أخبار جواز اقتصاص الولي من الجاني «2»، و هي كثيرة جدّا، و الأصل عدم التوقّف على شي ء.

و دليل الثاني: الإجماع المنقول.

و احتياج إثبات القصاص و استيفائه إلى الاجتهاد، للاختلاف.

و القياس على الحدود بالطريق الأولى.

و مفهوم رواية محمّد: «من قتله القصاص بأمر الإمام فلا دية له في قتل و لا جراحة» «3».

و بعض اعتبارات أخر ضعيفة.

و يردّ الأول: بعدم الحجيّة، سيّما مع مخالفته للشهرة المطلقة و المقيّدة المحكيّة.

و الثاني: بخروج موضع الاختلاف عن محلّ الخلاف، إذ هو تيقّن الولي بثبوت القصاص، و هو غير متوقّف على إذن الحاكم في كثير من الموارد، و منها:

ما إذا كان الولي من أهل الاجتهاد و النظر، أو عالما بمواقع الإجماع أو الضرورة، أو بفتوى المجتهد، و نحو ذلك.

و الثالث: ببطلان القياس، و بمنع الأولويّة، لعدم مقطوعيّة العلّة.

و الرابع:- مع كون مفهومه مفهوم وصف لا حجّية فيه- بأنّه لو اعتبر لكان مقتضاه ثبوت الدية على الولي القاتل إذا لم يكن بإذن الإمام، و القائلون بالتوقّف لا يقولون به.

______________________________

(1) البقرة: 194.

(2) الوسائل 29: 126 أبواب القصاص في النفس ب 62.

(3) التهذيب 10: 279- 1091، الوسائل 29: 183 أبواب قصاص الطرف ب 21 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 445

مضافا إلى أنّه لا يدلّ على اعتبار إذنه بالخصوص، فإنّ كلّ قصاص شرعي إنّما هو بأمر الإمام.

ثمَّ على القول الأخير، لو بادر الولي إلى القصاص لم يكن عليه قود و لا دية بلا خلاف، للأصل، و اختصاص أدلّتهما بغير ذلك. و في استحقاقه التعزير و عدمه قولان.

و هل قصاص الطرف كقصاص النفس- لأنّه قصاص، و للأصل، و العمومات- أو يجب فيه الرفع، لأنّه بمثابة الحدّ؟ الأقرب: الأول، لما ذكر.

و أمّا الثاني:

فلا تجوز المبادرة إليه بدون إذن الحاكم، لظاهر الإجماع، و رواية حفص بن غياث: من يقيم الحدود: السلطان أو القاضي؟

فقال: «إقامة الحدود إلى من إليه الحكم» «1». و اللّه العالم.

______________________________

(1) الفقيه 4: 51- 179، التهذيب 6: 314- 871 و ج 10: 155- 621، الوسائل 27: 299 أبواب كيفية الحكم ب 31 ح 1 و ج 28: 49 أبواب مقدمات الحدود ب 28 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 446

البحث الثاني في الحقوق الغير الماليّة، كالزوجيّة، و الوصاية، و الطلاق، و حقّ الشفعة، و الخيارات، و نحوها.

و الظاهر: الإجماع على عدم وجوب المرافعة و إذن الحاكم فيها، و استقلال ذي الحقّ في استيفائه مع الإمكان و علمه بحقّه- اجتهادا،

أو تقليدا، أو ضرورة و إجماعا- لظاهر الإجماع، و الأصل الخالي عن المعارض بالمرّة.

مضافا إلى رجوع بعض الحقوق إلى المال الثابت جواز أخذه بلا رفع، كما في الحقّ الثابت بخيار الفسخ، و نحوه، فتأمّل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 447

البحث الثالث فيما إذا كان المطلوب مالا، عينا أو دينا
اشاره

و في كلّ منهما: إمّا يكون المطلوب منه مقرّا به باذلا غير مماطل و لا معتذرا، أو لا يكون كذلك.

فإن كان الأول فلا كلام فيه، و لا دعوى، و لا يجوز الأخذ بدون إذن الغريم حينئذ، لأنّ الغريم مخيّر في جهة القضاء، فلا يتعيّن إلّا بتعيينه.

نعم، للحاكم أيضا تعيينه لو كان الغريم غائبا، لعموم النص المصرح بالقضاء عن الغائب.

و إن كان الثاني، فالظاهر الإجماع على عدم وجوب الرفع، و جواز مقاصّة الطالب عن مال المطلوب منه بنفسه في الجملة، و إنّما الخلاف في بعض موارده.

و لنذكر أولا طائفة من الآيات و الأخبار المجوّزة للمقاصّة، ثمَّ نتبعها بما يستنبط منها.

أمّا الآيات: فقوله سبحانه فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ «1».

و قوله فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ «2».

و أمّا الأخبار: فمنها صحيحة الحضرمي: رجل كان له على رجل مال، فجحده إيّاه، و ذهب به، ثمَّ صار إليه بعد ذلك للرجل الذي ذهب

______________________________

(1) البقرة: 194.

(2) النحل: 126.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 448

بماله مال قبله، أ يأخذه مكان ماله الذي ذهب به ذلك الرجل؟ قال: «نعم، لكن لهذا كلام يقول: اللّهمّ إنّي آخذ هذا المال مكان مالي الذي أخذه منّي، و إنّي لا آخذ ما أخذته خيانة و لا ظلما» «1».

و الأخرى، و هي أيضا قريبة من سابقتها «2».

و زاد في خبر آخر: «إن استحلفه على ما أخذ منه فجائز أن يحلف إذا قال هذه الكلمة»

«3».

و الأخرى: رجل لي عليه دراهم، فجحدني و حلف عليها، أ يجوز لي إن وقع له قبلي دراهم أن آخذ منه بقدر حقّي؟ فقال: «نعم، و لكن لهذا كلام» قلت: و ما هو؟ قال: «تقول: اللّهمّ لم آخذه ظلما و لا خيانة، و إنّما أخذته مكان مالي الذي أخذ منّي، لم أزدد شيئا عليه» «4».

و رواية ابن وضّاح: كانت بيني و بين رجل من اليهود معاملة، فخانني بألف درهم، فقدّمته إلى الوالي فأحلفته فحلف، و قد علمت بأنّه حلف يمينا فاجرة، فوقع له بعد ذلك عندي أرباح و دراهم كثيرة، فأردت أن أقبض الألف درهم التي كانت لي عنده فأحلف عليها، فكتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام، فأخبرته أنّي قد أحلفته فحلف، و قد وقع له عندي مال، فإن أمرتني أن آخذ منه الألف درهم التي حلف عليها فعلت؟ فكتب: «لا تأخذ منه شيئا، إن كان ظلمك فلا تظلمه، و لو لا أنّك رضيت بيمينه فحلّفته

______________________________

(1) الكافي 5: 98- 3، التهذيب 6: 197- 439، الاستبصار 3: 52- 169، الوسائل 17: 274 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 5، بتفاوت يسير.

(2) الفقيه 3: 114- 485، الوسائل 17: 274 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 5.

(3) الفقيه 3: 114- 487، الوسائل 17: 274 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 6.

(4) التهذيب 6: 348- 982، الاستبصار 3: 52- 168، الوسائل 17: 273 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 449

لأمرتك أن تأخذها من تحت يدك، و لكنك رضيت بيمينه، لقد مضت اليمين بما فيها» «1».

و صحيحة داود بن زربي: إنّي أخالط السلطان، فتكون عندي الجارية فيأخذونها، أو الدابّة

الفارهة فيأخذونها، ثمَّ يقع لهم عندي مال، فلي أن آخذه؟ فقال: «خذ مثل ذلك، و لا تزد عليه» «2»، و قريبة منها الأخرى «3».

و صحيحة البقباق: إنّ شهابا ماراه في رجل ذهب له ألف درهم، و استودعه بعد ذلك ألف درهم، قال أبو العبّاس: قلت له: خذها مكان الألف الذي أخذ منك، فأبى شهاب، قال: فدخل شهاب على أبي عبد اللّه عليه السّلام، فذكر له ذلك، فقال: «أمّا أنا فأحبّ أن تأخذ و تحلف» «4».

و رواية الأرمني، كان لي على رجل دراهم، فجحدني، فوقعت له عندي دراهم، فأقبض من تحت يدي مالي عليه؟ و إن استحلفني حلفت أنّ ليس له عليّ شي ء؟ قال: «نعم، فاقبض من تحت يدك، و إن استحلفك فاحلف له، إنّه ليس له عليك شي ء» «5».

و رواية إسحاق بن إبراهيم: إنّ موسى بن عبد الملك كتب إلى أبي جعفر عليه السّلام يسأله عن رجل دفع إليه مالا ليصرفه في بعض وجوه البرّ، فلم

______________________________

(1) الكافي 7: 430- 14، التهذيب 6: 289- 802، الاستبصار 3: 53- 175، الوسائل 27: 246 أبواب كيفية الحكم ب 10 ح 2، بتفاوت.

(2) التهذيب 6: 338- 939، الوسائل 17: 272 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 1، بتفاوت يسير. و فيهما: عن داود بن رزين.

(3) الفقيه 3: 115- 489، الوسائل 17: 272 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 1.

(4) التهذيب 6: 347- 979، الاستبصار 3: 53- 174، الوسائل 17: 272 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 2.

(5) التهذيب 8: 293- 1083، الوسائل 23: 285 أبواب الأيمان ب 47 ح 1، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 450

يمكنه صرف ذلك المال في الوجه الذي أمره به،

و قد كان له عليه مال بقدر هذا المال، فسأل هل يجوز لي أن أقبض مالي، أو أردّه عليه و أقتضيه؟

فكتب: «اقبض مالك ممّا في يدك» «1».

و رواية عليّ بن سليمان: رجل غصب رجلا مالا أو جارية، ثمَّ وقع عنده مال بسبب وديعة أو قرض مثل ما خانه أو غصبه، أ يحلّ له حبسه عليه أم لا؟ فكتب عليه السّلام: «نعم، يحلّ له ذلك إن كان بقدر حقّه، و إن كان أكثر فيأخذ منه ما كان عليه، و يسلّم الباقي إليه إن شاء اللّه» «2».

و رواية جميل: عن الرجل يكون له على الرجل الدين، فيجحده، فيظفر من ماله بقدر الذي جحده، أ يأخذه و إن لم يعلم الجاحد بذلك؟

قال: «نعم» «3».

ثمَّ نقول: إنّ تحقيق المقال في هذا المجال بذكر مسائل:
المسألة الأولى: المال المطلوب إن كان عينا

، فإن كان المالك قادرا على أخذه من دون فتنة أو مشقّة، و لا ارتكاب أمر غير مشروع- كدخول دار الغاصب بغير إذنه، أو ثقب «4» جداره، أو نحو ذلك- جاز له الأخذ من غير رفع إجماعا، للاستصحاب، و تسليط الناس على أموالهم، و للأصل.

و لا يجوز له الأخذ من مال الغاصب بقدره حينئذ، للأصل، و ظاهر

______________________________

(1) التهذيب 6: 348- 984، الاستبصار 3: 52- 170 الوسائل 17: 275 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 8، بتفاوت.

(2) التهذيب 6: 349- 985، الاستبصار 3: 53- 173، الوسائل 17: 275 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 9 و فيه: رجل غصب مالا ..

(3) التهذيب 6: 349- 986، الاستبصار 3: 51- 167، الوسائل 17: 275 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 10.

(4) في خ ل «ح»: نقب ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 451

الإجماع.

و أمّا إطلاق صحيحة داود الاولى و روايتي ابن وضّاح و

عليّ بن سليمان فشموله لمثل تلك الصورة غير معلوم، و لا ظاهر.

و إن توقّف أخذه على أمر غير مشروع- كتصرّف في داره، أو فتح بابه- من غير إضرار بالغاصب، و لم يمكن بغير ذلك جاز الأخذ أيضا، و يحلّ له ما لا يحلّ لغرض آخر، لنفي الضرر و الضرار المعارض لحرمة التصرّف في مال الغير مثلا، فتبقى الإباحة الأصليّة بحالها.

و كذا لو تضمّن ضررا لم يكن أزيد من ضرر المالك، لقوله سبحانه:

فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ ، و قوله فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ .

و لو نوى ضمان ضرره حينئذ صار جواز الأخذ أظهر، لعدم صدق الضرر.

و لو أمكن الأخذ حينئذ بالرجوع إلى الحاكم، فهل يتعيّن- تحرّزا عن ضرر الغاصب أو ارتكاب ما لا يحلّ- أو يجوز الأخذ، للآيتين؟

فيه احتمالان، و الأحوط الرفع.

و لو أمكن المقاصّة من مال آخر له جازت المقاصّة مع إمكان أحد الأمرين المتقدّمين- من أخذ العين بالتصرّف في ماله أو إضراره، و من الرفع- أو كليهما، لإطلاق الصحيح و الروايتين. و يجوز الرفع أيضا بلا ريب. و مقتضى الآيتين جواز الأمر الأول أيضا.

و الظاهر أنّ تأخير الغاصب في الردّ تأخيرا موجبا للضرر كنفس الغصب و عدم إرادة الردّ أيضا.

ثمَّ لو اقتصّ المالك من مال الغاصب، ثمَّ ردّ الغاصب العين، فللمالك الأخذ، للاستصحاب، و عليه ردّ المال المقاص- لعدم ثبوت جواز

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 452

التصرّف فيه- إليه حينئذ أيضا. و كذا لو ظفر المالك بعينه.

هذا إذا كانت العين المقاصّة باقية، و لو تلفت فلا يجب على المالك العوض من ماله، للأصل.

و هل يجوز له أخذ عين ماله من الغاصب- للاستصحاب- أو لا يجوز، لاستلزامه الجمع بين العوض و المعوّض؟

فيه إشكال، و إن كان

الأول أقرب، لما مرّ، و منع كونه ما أخذ عوضا عن ماله أولا، بل هو أمر جوّزه الشارع عقوبة، و منع عدم جواز الجمع بين العوض و المعوّض ثانيا.

المسألة الثانية: و إن كان المطلوب دينا، و الغريم جاحدا، و ليست له بيّنة

، أو كانت و لم يمكن التوصّل إلى الحاكم، أو أمكن و لم يكن حكمه نافذا عليه، أو احتاج الإثبات عند الحاكم إلى مدّة، أو تعب يوجب الضرر، أو كان مماطلا و لم يمكن الانتزاع بالحاكم، جازت المقاصّة من مال الغريم بلا خلاف يعرف، كما صرّح به في الكفاية أيضا «1»، و تدلّ عليه الآيتان، و الأخبار المتقدّمة جميعا مع الجحود، و طائفة منها مع المماطلة.

و لو أمكن الوصول إلى الحقّ بالرفع إلى الحاكم من غير تأخير و ضرر، كان مقرّا مماطلا أو جاحدا، ففي جواز التقاصّ حينئذ و عدمه قولان:

الأول: للأكثر- كما في المسالك و الكفاية «2» و عن الصيمري- و منهم:

الشيخ و الشرائع و المسالك و الدروس و الخلاف «3»، بل قيل: عامّة المتأخّرين «4».

______________________________

(1) الكفاية: 275.

(2) المسالك 2: 388، الكفاية: 275.

(3) الشيخ في المبسوط 8: 311، الشرائع 4: 109، المسالك 2: 389، الدروس 2: 85، الخلاف 2: 646.

(4) انظر الرياض 2: 411.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 453

للعمومات المتقدّمة، بل صريح بعضها، و هو رواية إسحاق، حيث قال فيها: أو أردّه عليه و أقتضيه. فإن الاقتضاء صريح في إمكان التوصّل.

و الثاني: للنافع «1»، للأصل، و بعض الاعتبارات اللّازم رفع اليد عنها بما مرّ.

و هل يحلّ التقاصّ مطلقا؟ كما هو مذهب المعظم.

أو يجب ذكر الكلام المذكور في الأخبار الأربعة الأولى؟ كما عن الصدوق في الفقيه و الشيخ في التهذيب «2».

الأظهر: الأول، للأصل، و عدم دلالة غير الثالثة على تعيين ذكره و التوقّف عليه،

بل غايته الاستحباب، كما عليه أكثر الأصحاب.

و أمّا الثالثة، فهي و إن دلّت بالمفهوم على اعتباره في الجواز إلّا أنّ مقتضاها اعتباره في جواز الحلف خاصّة، و هو ممّا لم يقل به أحد.

و يشترط جواز المقاصّة بعدم الترافع و التحالف، فإنّه لا يجوز التقاصّ بعده، كما مرّ.

و لا يشترط فيها إذن الحاكم، للأصل.

نعم، تشترط فتواه في محلّ الاختلاف.

المسألة الثالثة: مقتضى عموم أكثر الأخبار المتقدّمة و خصوص صحيحتي داود و رواية عليّ بن سليمان: جواز المقاصّة

من جنس الحقّ و من غيره، كما هو ظاهر الفتاوى، و صريح جماعة أيضا «3».

فما يظهر من بعضهم- من التأمّل في جواز الأخذ من غير جنس

______________________________

(1) النافع: 284.

(2) الفقيه 3: 115، التهذيب 6: 349.

(3) النافع: 284، الكفاية: 275، الرياض 2: 412.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 454

الحقّ- لا وجه له أصلا.

و هل يتوقّف الأخذ من غير الجنس على تعذّر الأخذ من الجنس أم لا؟

عن جماعة- منهم الشهيدان «1»-: الأول، و الأقرب- الموافق لظاهر جمع آخر «2»-: الثاني، للعمومات، و عدم دليل على تعيين الجنس حين إمكانه.

فإن قيل:

الأخذ من غير الجنس يتوقّف على تقويم و تفويض، بقبول أو بيع، و كلّ ذلك مخالف للأصل، لا يصار إليه إلّا مع التوقّف، و لا توقّف مع إمكان الأخذ من الجنس.

قلنا:

التقويم لا مخالفة للأصل فيه، و التفويض يتحقّق في الجنس أيضا، مع أنّه لو سلّم يجوز ارتكابه مع الدليل، و هو هنا موجود، لأنّ ما يدلّ بعمومه على أخذ غير الجنس يدلّ على ذلك أيضا، للتوقّف.

ثمَّ إن كان المأخوذ منه من جنس الحقّ، فإن كان ما ظفر به بقدر الحقّ أو كان زائدا عليه و أمكن أخذ القدر بدون التصرّف في الزائد فلا كلام.

و كذا إن وقع القدر و الزائد في يده بإذن الغريم بقرض أو وديعة- على القول بجواز

التقاصّ منها- فيأخذ القدر، و يردّ الزائد.

و إن لم يكن بيده و توقّف أخذ القدر بالتصرّف في الزائد أيضا- كما لو كان المجحود ألف درهم، و ظفر بكيس أو صندوق فيه ألفان،

______________________________

(1) الشهيد الأول في الدروس 2: 85، الشهيد الثاني في المسالك 2: 389.

(2) منهم المحقّق في الشرائع 4: 109، و العلّامة في التحرير 2: 188، و السبزواري في الكفاية: 275.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 455

و لم يمكن أخذ الألف إلّا بنقله إلى مكان آخر و فتحه- فهل يجوز هذا التصرّف في الزائد أم لا؟

الظاهر: نعم، لأدلّة نفي الضرر المعارضة مع أدلّة النهي عن تصرّف مال الغير، و لأنّه لو لم يجز التصرّف في الزائد لما جاز التصرّف في قدر الحقّ حينئذ أيضا، لأنّ سبب الحرام حرام، مع أنّه جائز لإطلاق الآيتين، و بعض العمومات المتقدّمة.

و من ذلك ظهر جواز التصرّف في الزائد من غير الجنس أيضا، و يكون الزائد في الصورتين أمانة في يده، و لا ضمان عليه لو تلفت بدون تقصيره و تفريطه- كما صرّح به في التحرير «1»- إذا لم يمكن الأخذ بدون الزيادة، للأصل.

و لو أخذ الجنس الذي لم يكن بيده و تلف كان من ماله، لأنّه إن أخذه بقصد التقاصّ صار ماله، و إن أخذه متردّدا بين التقاصّ و عدمه كان تصرّفا غير جائز، فيضمن.

و لو كان المأخوذ من غير الجنس، فظاهر الكفاية الإجماع على تخييره بين أخذه بالقيمة و بين بيعه و قبض ثمنه لحقّه، و حيث قال: و يتخيّر عند الأصحاب «2».

و ظاهر الدروس الخلاف فيه، حيث قال: و الأقرب تخيّره بين تملّكه بالبيع و بالقيمة «3».

و كيف كان، فالظاهر التخيير، لتجويز الاعتداء، و أخذ الحقّ

منه

______________________________

(1) التحرير 2: 188.

(2) الكفاية: 275.

(3) الدروس 2: 85.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 456

و قبضه، و أخذ مثل المال منه على سبيل الإطلاق في العمومات، و هو يحصل بكلّ من الوجهين، و الأصل عدم تعيّن نوع خاصّ منه.

و ليس له الانتفاع بما أخذ قبل القبول أو البيع، و عليه المبادرة إلى أحدهما، فلو أخّر مع الإمكان فنقصت الثمن ضمن النقصان، و لا يضمن ما نقص قبل التقصير، كذا قال في التحرير «1».

و لا أدري دليلا تامّا على تضمين نقصان الثمن بالتأخير، مع كون أصل التصرّف جائزا، و الأصل عدم الضمان، سيّما إذا كان التأخير لطلب زيادة في القيمة، أو مصلحة أخرى للمالك أو نفسه.

و أولى بعدم الضمان ما إذا لم يحصل لأجله ضرر على المالك، كما إذا كان المال ممّا لم يرد مالكه بيعه.

و لو تلف المساوي للحقّ من غير الجنس قبل القبول أو البيع من غير تقصير منه، فقال الشيخ: الأليق بالمذهب عدم الضمان «2». و هو كذلك، للأصل.

و احتمل الفاضلان الضمان، لأنّه قبض بدون إذن المالك «3».

و فيه: أنّ إذن الشارع أعظم من إذن المالك.

المسألة الرابعة: في جواز المقاصّة من الوديعة و عدمه قولان:
الأول:

للتهذيبين و السرائر و الشرائع و النافع و المختلف و الإرشاد و التحرير و شرح الشرائع للصيمري و التنقيح و النكت و المسالك «4»، و فيه

______________________________

(1) التحرير 2: 188.

(2) المبسوط 8: 311.

(3) المحقّق في الشرائع 4: 109، العلّامة في التحرير 2: 188.

(4) التهذيب 6: 349، الاستبصار 3: 53، السرائر 2: 36، الشرائع 4: 109، النافع: 284، المختلف: 412، التحرير 2: 188، التنقيح 4: 268، المسالك 2: 389.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 457

و في الكفاية: أنّ عليه أكثر المتأخّرين «1»، و قيل: بل لعلّه عليه

عامّتهم «2».

و هو الأقوى، لعموم الآية، و إطلاق أكثر الأخبار المتقدّمة، بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال، و خصوص رواية إسحاق بن إبراهيم السابقة، و أظهر منها صحيحة البقباق، و رواية عليّ بن سليمان.

و دلالة الصحيحة على الرجحان- المخالف لظاهر الاتّفاق كما قيل «3».

حيث إنّهم حكموا بالكراهة- غير قادح في الحجّية، لاحتمال خصوصيّة في واقعة شهاب- من جهته، أو من جهة الرجل، أو من جهة ماله- أوجبت ذلك الرجحان.

و القول بأصالة عدم الخصوصيّة واه جدا، إذ قد تكون جهات الرجحان موافقة للأصل أو مساوية مع خلافها بالنسبة إلى الأصل.

و الثاني:

للصدوق في أكثر كتبه و التقيّ الحلبي و الكيدري و الطبرسي و ابن زهرة «4» مدّعيا عليه إجماع الإماميّة، و نسب إلى بعض متأخّري المتأخّرين، و لعلّه صاحب الوافي «5»، و نسبه في التحرير إلى الشيخ أيضا «6».

للإجماع المنقول، و للكتاب، و السنّة المستفيضة الآمرة بردّ الوديعة «7».

______________________________

(1) المسالك 2: 389، الكفاية: 275.

(2) الرياض 2: 412.

(3) الرياض 2: 412.

(4) الصدوق في الفقيه 3: 185، التقي في الكافي في الفقه: 331، الطبرسي في مجمع البيان 1: 288، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 592.

(5) انظر الرياض 2: 412، الوافي 18: 815.

(6) التحرير 2: 188.

(7) الوسائل 19: 71 أبواب أحكام الوديعة ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 458

و خصوص صحيحة ابن عمّار: الرجل يكون لي عليه الحقّ، فيجحدنيه، ثمَّ يستودعني مالا، ألي أن آخذ مالي عنده؟ فقال: «لا، هذه خيانة» «1».

و رواية ابن أخي الفضيل الصحيحة عن ابن أبي عمير: إنّ ابني مات و ترك مالا في يد أخي، فأتلفه، ثمَّ أفاد مالا فأودعنيه، فلي أن آخذ منه بقدر ما أتلف من شي ء؟ فأخبرته بذلك، فقال:

«لا، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، و لا تخن من خانك» «2».

و الأول ليس بحجّة، سيّما مع مخالفة أجلّاء الطائفة و الشهرة العظيمة المتأخّرة.

و الثاني بالمعارضة بالمثل من الكتاب و السنّة المجوّزة للتقاص «3»، الراجحة على ما ذكروه بالشهرة، و باتّفاقهم على رجحانها على عمومات حرمة التصرّف في مال الغير بغير إذنه، مع أنّ ما ذكروه ليس بأقوى من تلك العمومات.

و الروايتان محمولتان على الكراهة بقرينة الأخبار المجوّزة للتقاصّ عن الوديعة، مع كونهما أعمّ من اجتماع شروط المقاصّة من إمكان الأخذ منه، و عدم الإحلاف سابقا، و غير ذلك. و احتمال كون الإتلاف في الأخيرة ممّا لا يوجب الضمان المجوّزة للتقاص.

المسألة الخامسة: لو اقتصّ حقّه، ثمَّ أتى الغريم بالمال المجحود

أو

______________________________

(1) الكافي 5: 98- 2، الفقيه 3: 114- 483، التهذيب 6: 197- 438، الوسائل 17: 275 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 11.

(2) التهذيب 6: 348- 981، الاستبصار 3: 52- 172، الوسائل 17: 273 أبواب ما يكتسب به ب 83 ح 3.

(3) راجع ص: 447 و 448.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 459

المماطل فيه، فإن كانت عين ما اقتصّه باقية جاز لمن اقتصّ أخذ حقّه، و ردّ المقتصّ، لأصالة عدم اللزوم. و كذا لو تمكّن من انتزاع حقّه بعد التقاصّ بالبيّنة و الإثبات و الأخذ، و ردّ المقتصّ مع بقاء عينه، لما ذكر.

و هل يجب عليه ذلك، أم لا؟

الظاهر: الثاني، للأصل، و الاستصحاب.

و يمكن أن يقال: إنّ الثابت من أدلّة التقاصّ ليس أزيد من جواز أخذه و التصرّف فيه ما دام غريمه جاحدا أو مماطلا، و أمّا بعد الإقرار و البذل فيستصحب عدم جواز التصرّف، فإنّه قبل التقاصّ لم يكن جائز التصرّف، و بعده لم

يثبت الزائد عن الجواز ما لم يبذل، فيستصحب العدم بعد البذل، إلّا أنّه يتعارض الاستصحابان حينئذ، و يرجع إلى التخيير أيضا.

و كذا الحكم لو كانت العين تالفة، إلّا أنّ عدم الوجوب حينئذ أظهر، لأصالة عدم لزوم التغريم من ماله، و استصحاب الأول.

و هل يجوز له مع عدم ردّ المقتصّ به قبول ما بذل له الغريم أيضا؟

الظاهر: لا، لسقوط حقّه بعد التقاصّ في نفس الأمر، و إن لم يعلمه الغريم و كان غاصبا بحسب علمه.

المسألة السادسة: هل يختصّ التقاصّ بما إذا علم حقّه على الغريم واقعا

، أو يجوز مع العلم الشرعيّ الحاصل بالأصول الشرعيّة أيضا؟

الظاهر: الثاني، لقيام مقتضى الأصول الشرعيّة مقام الواقع، فلو جوّز كون جحود الغريم لأجل علمه بحقّ له عليه أو على مورّثه، و لكن لم يعلمه، يجوز التقاص.

و كذا لو علم حقّ لمورّثه على زيد، و ادّعى هو الإيفاء، و لكن لم يعلم به ذلك الوارث، فلا يجب عليه الترافع، و الأخذ بعد يمين نفي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 460

العلم، بل يجوز له التقاص، لأصالة عدم الحقّ في الأول، و عدم الإيفاء في الثاني.

المسألة السابعة: يجوز التقاصّ من مال الغريم المشترك بينه و بين غيره

، و عليه أداء مال الغير و إيصاله إليه، للعمومات، و أدلّة نفي الضرر، و لأنّ حرمة مال الشريك ليس بأزيد من حرمة الزائد على الحقّ من مال الغريم.

المسألة الثامنة: لو كان الغريم غائبا، و لم يعلم جحوده أو عدم بذله

، يجوز التقاصّ من ماله الحاضر، للعمومات، و لإطلاق صحيحة البقباق، و رواية إسحاق، بل صحيحة زربي «1»، و عدم ثبوت الإجماع الثابت في الحاضر المقرّ الباذل في ذلك.

المسألة التاسعة: لو كان حقّه مظنونا لا يجوز له التقاص

، لعدم علمه بحقّ ثابت، و عدم شمول العمومات له.

و تسلّطه على إحلاف الغريم، أو أخذ الحقّ بعد نكوله على سماع الدعوى الظنيّة لا يدلّ على ثبوت الحقّ له.

نعم، لو نكل و حكم الحاكم به تجوز له المقاصّة حينئذ لو لم يبذل.

المسألة العاشرة: لو كان له على شخص حقّ، و لم يعلم به الغريم أو نسيه

يجوز له التقاص، من غير وجوب الإعلام و المطالبة، للعمومات.

و كذا لو كان حقّ عليه، و لم يعلم تذكّره و عدمه و إقراره.

و كذا لو كان له حقّ، و منعه الحياء أو الخوف أو مصلحة أخرى عن المطالبة.

______________________________

(1) المتقدّمة جميعا في ص: 449.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 461

المسألة الحادية عشرة: يجوز تقاصّ ما أعطاه لغيره رشوة محرّمة أو ربا

، إذا كان مضطرّا في الإعطاء، بل غير مضطرّا أيضا، إذا علم الآخذ كونه رشوة أو ربا.

المسألة الثانية عشرة: لو كان لزيد مال على عمرو، و لعمرو على بكر، يجوز لزيد المواطاة مع بكر

، و أخذ حقّه منه، للعمومات. و يجوز لبكر إعطاؤه، لأنّ جواز أخذ الغريم يستلزم ذلك. و يجوز حلف بكر على البراءة.

المسألة الثالثة عشرة: لو كان الحقّ مختلفا فيه بين العلماء

لا يجوز لطالب الحقّ التقاصّ قبل الترافع بتقليد مجتهد يفتي بثبوته، كما مرّ في صدر الفصل، فلو جنى عليه أحد بجناية، ديتها عند بعض المجتهدين عشرة، و عند بعض آخر عشرون، لا يجوز له تقاصّ العشرة الزائدة المختلف فيها بتقليد الثاني.

المسألة الرابعة عشرة: لو كان له حقّ على من لا يفي ماله بديونه، يجوز له التقاصّ من ماله ما لم يحجر عليه الحاكم.

و لو حجر عليه فهل يجوز له تقاصّ تمام حقّه من مال الغريم أم لا؟

فيه إشكال، و الأحوط: لا.

و لو كان له حقّ على ميّت عليه دين زائد على التركة لا يجوز له تقاصّ الزائد عن حصّته بعد التوزيع، لانتقال ماله بموته إلى الديّان.

المسألة الخامسة عشرة: يجوز التقاصّ من مال الغريم المتزلزل

- كما ابتاعه ببيع الخيار- لصدق ماله عليه، فيعمل المشتري لو فسخه البائع ما يعمله في صورة التلف.

المسألة السادسة عشرة: يجوز التوكيل في التقاص

، لأنّه أمر يقبل

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 462

الوكالة، لعموماتها.

و هل يجوز لغير ذي الحقّ التقاصّ له من غير توكيل، إذا علم مطالبة الغير لحقّه؟

الظاهر: نعم، لأنّه دفع ظلم عن الغير، و هو جائز، بل واجب.

المسألة السابعة عشرة: الحقّ الذي يجوز تقاصّه أعمّ من أن يكون ذو الحقّ معيّنا أو أحد الأفراد

، فلو أوصى أحد بشي ء لواحد من أولاد زيد، يجوز لأحدهم مقاصّته بعد الجحود أو المماطلة، لصدق كون حقّه عليه، لأنّ ذلك أيضا نوع حقّ.

و على هذا، فيجوز للفقير تقاصّ الزكاة و الخمس و ردّ المظالم عن الغنيّ المماطل.

و هل يجوز للحاكم ذلك للإيصال إلى أهله؟

الظاهر: نعم، بل يجب، لما مرّ من وجوب دفع الظلم عن المظلوم.

المسألة الثامنة عشرة: هل يشترط في التقاصّ عن غير الجنس التقويم

، أم يجوز بدونه إذا كان غير زائد على الحقّ قطعا، كأن يقاصّ من له ألف دينار على شخص فرسا له غاية قيمته من العشرين إلى الأربعين؟

الظاهر: الجواز، للأصل.

المسألة التاسعة عشرة: يجوز التقاصّ من المنافع كما يجوز من الأعيان

، فيجوز له إجارة دار الغريم و كراية دابّته، لصدق الظفر بالمال.

المسألة العشرون: هل يجوز تقاصّ مستثنيات الدين- كفرس ركوبه، و ثياب بدنه، و نحوهما- أم لا؟

الظاهر: أنّه إن لم يتملّك ما يفي به الدين غير هذه الأمور لا يجوز، و وجهه ظاهر، و إلّا فيجوز، لأنّ المستثنى ليس عين هذه الأمور، بل أعمّ

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 463

منها و من أثمانها.

المسألة الإحدى و العشرون: الظاهر عدم حصول التقاصّ بدون التصرّف

، للأصل، و عدم شمول العمومات، فلا يجوز قبول أمة الغريم التي في بيته أو عبده مقاصّة، و عتقه من كفّارة، و لا قبول داره التي يسكن فيها الغريم، أو ضيعته التي في تصرّفه، و وقفها أو بيعها للغير، من غير أن يتصرّف الغير فيها.

و لو كان لزيد حقّ على عمرو، و لبكر حقّ لا يعلمه على زيد، و غصب بكر مال عمرو، لا يجوز له مقاصّة ذلك المال، و جعله عوضا عن حقّ بكر عند نفسه، و لا تبرأ ذمّته بذلك، فتأمّل. و اللّه العالم.

المسألة الثانية و العشرون: قال في القواعد: و لو نقب جداره ليأخذه لم يكن له «1» أرش النقب «2».

أقول:

لا ينبغي الريب في جواز النقب، لأدلّة نفي الضرر، و لقوله سبحانه فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ «3».

و يلزمه عدم ضمان الأرش، لأنّه تصرّف جائز، و الأصل عدم الضمان. و لو ضمن الأرش كان الجواز أظهر- كما مرّ- كما إذا لم يكن الأرش زائدا على حقّه.

المسألة الثالثة و العشرون: و لو جحد من عليه مثله جاز أن يجحد أيضا

، و يكون صادقا بعد قصده التقاص، فيحلف على نفي ما جحده.

و اللّه العالم بحقائق أحكامه.

______________________________

(1) في خ ل «ح» و «ق»: عليه ..

(2) القواعد 2: 231.

(3) البقرة: 194.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 464

المطلب الرابع فيما يتعلّق بالاستحلاف و الحلف
اشاره

و قد مرّ بعض ما يتعلّق بذلك في المطلب الثاني- من اشتراط كون الحلف بإذن الحاكم و المدّعي، و عدم سماع الدعوى بعدها، و غير ذلك- و بقيت أحكام أخر متعلّقة إمّا بنفس الحلف، أو الحالف، أو المحلوف عليه، لا بدّ من ذكرها، فهاهنا ثلاثة أبحاث.

البحث الأول في أحكام تتعلّق بنفس اليمين
اشاره

و فيه أربع مسائل:

المسألة الاولى: لا يصحّ الإحلاف إلّا باللّه سبحانه
اشاره

، أي لا يترتّب الأثر المقصود من الإحلاف إلّا إذا كان به بلا خلاف، بل عليه الإجماع في كتاب الأيمان عن الشيخين في المقنعة و النهاية، و الغنية و المقداد و السيّد في شرح النافع «1» و نسبه في الكفاية إلى ظاهر الأصحاب «2»، بل لعلّه إجماع محقّق، فهو الدليل عليه، مضافا إلى الأصل، و النصوص المستفيضة:

منها صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة، و فيها- بعد سؤال بعض

______________________________

(1) المقنعة: 554، النهاية: 555، الغنية (الجوامع الفقهية): 617. و المقداد في التنقيح 3: 503، حكاه عن السيد في الرياض 2: 248.

(2) الكفاية: 226.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 465

الأنبياء عن اللّه سبحانه عن كيفية الحكم بين الناس-: «احكم بينهم بكتابي، و أضفهم إلى اسمي تحلفهم به» ثمَّ قال: «هذا لمن لم تقم له بيّنة» «1».

و رواية محمّد بن قيس: «إنّ نبيّا من الأنبياء شكى إلى ربّه كيف أقضي في أمور لم أخبر ببيانها؟ فقال: ردّهم إليّ، و أضفهم إلى اسمي يحلفون به» «2».

و مرسلة أبان، و فيها: «احكم بينهم بالبيّنات، و أضفهم إلى اسمي يحلفون به» «3».

دلّت هذه الأخبار على وجوب الحلف باسم اللّه في قطع الدعوى.

و في المرويّ في تفسير الإمام الوارد في كيفيّة قضاء رسول اللّه المتقدّم بعضها: «و إن لم تكن له بيّنة حلف المدّعى عليه باللّه» «4».

و في رواية البصري المتقدّمة: «فعلى المدّعي اليمين باللّه الذي لا إله إلّا هو» «5».

و في صحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة: «فإن أقام بعد ما استحلفه باللّه خمسين قسامة ما كان له حقّ» «6».

______________________________

(1) الكافي 7: 415- 4، التهذيب 6: 228- 550، الوسائل 27: 229 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 1

ح 1، بتفاوت.

(2) الكافي 7: 414- 2، الوسائل 27: 230 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 1 ح 3، بتفاوت يسير.

(3) الكافي 7: 414- 3، التهذيب 6: 228- 551، الوسائل 27: 229 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 1 ح 2.

(4) الوسائل 27: 239 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 6 ح 1.

(5) الكافي 7: 415- 1، الفقيه 3: 38- 128، التهذيب 6: 229- 555، الوسائل 27: 236 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 4 ح 1.

(6) الكافي 7: 417- 1، التهذيب 6: 231- 565، الوسائل 27: 244 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 9 ح 1، و في الجميع لا توجد لفظة: حقّ.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 466

دلّت بالمفهوم على أنّه لو أقام البيّنة قبل الاستحلاف باللّه و لو حلف بغيره كان له حقّ، فلا تسقط الدعوى.

و رواية أبي حمزة: «لا تحلفوا إلّا باللّه، و من حلف باللّه فليصدق، و من حلف له باللّه فليرض» «1».

دلّت بالمفهوم على عدم وجوب التصديق و الرضا بمن لم يحلف باللّه و إن حلف بغيره، و كذا حرّم الحلف بغير اللّه، فيكون فاسدا.

و يظهر من الوجه الأول دلالة صحيحة الخزّاز: «من حلف باللّه فليصدق، و من لم يصدق فليس من اللّه، و من حلف له باللّه فليرض، و من لم يرض فليس من اللّه» «2».

و من الوجه الثاني دلالة صحيحة محمّد: قول اللّه تعالى وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى «3»، وَ النَّجْمِ إِذا هَوى «4» و ما أشبه ذلك، فقال: «إنّ للّه تعالى أن يقسم من خلقه بما شاء، و ليس لخلقه أن يقسموا إلّا به» «5»، و قريبة منها صحيحة عليّ

بن مهزيار «6».

و صحيحة الحلبي: «لا أرى أن يحلف الرجل إلّا باللّه» «7»، و نحوها

______________________________

(1) الكافي 7: 438- 1، التهذيب 8: 283- 1040، الوسائل 23: 211 أبواب الأيمان ب 6 ح 1.

(2) الكافي 7: 438- 2، الفقيه 3: 229- 1079، الأمالي: 391- 7، المحاسن:

120- 133، الوسائل 23: 211 أبواب الأيمان ب 6 ح 3، بتفاوت.

(3) الليل: 1.

(4) النجم: 1.

(5) الكافي 7: 449- 1، التهذيب 8: 277- 1009، الوسائل 23: 259 أبواب الأيمان ب 30 ح 3.

(6) الفقيه 3: 236- 1120، الوسائل 23: 259 أبواب الأيمان ب 30 ح 1.

(7) الكافي 7: 449- 2، الفقيه 3: 230- 1085، التهذيب 8: 278- 1010، الوسائل 23: 260 أبواب الأيمان ب 30 ح 4، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 467

رواية سماعة «1».

و موثّقة سماعة: هل يصلح لأحد أن يحلّف من اليهود و النصارى و المجوس بآلهتهم؟ قال: «لا يصلح لأحد أن يحلّف أحدا إلّا باللّه» «2».

و ظاهر أنّه إذا لم يصلح يكون فاسدا، لأنّ نفي الصلاح الفساد.

و رواية المدائني: «لا يحلف بغير اللّه» و قال: «اليهودي و النصراني و المجوسي لا تحلّفوهم إلّا باللّه» «3».

و يستفاد من خصوص الأخيرتين و عموم ما تقدّم عليهما عموم الحكم للمسلم و الكافر، كما هو الحقّ المشهور، و تدلّ عليه أيضا صحيحتا الحلبي و ابن أبي عمير: عن أهل الملل كيف يستحلفون؟ فقال:

«لا تحلّفوهم إلّا باللّه» «4».

و صحيحة سليمان بن خالد: «لا يحلف اليهودي و لا النصراني و لا المجوسي بغير اللّه، إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ «5».

خلافا للمحكيّ عن المبسوط و الإيضاح و الدروس في المجوسي، فأوجبوا عليه الحلف بغير لفظ اللّه ممّا

يرفع احتمال إرادة غيره منضمّا مع

______________________________

(1) الكافي 7: 450- 3، التهذيب 8: 278- 1011، الوسائل 23: 261 أبواب الأيمان ب 30 ح 5.

(2) الكافي 7: 451- 2، التهذيب 8: 279- 1015، الاستبصار 4: 39- 133 الوسائل 23: 267 أبواب الأيمان ب 32 ح 5.

(3) الكافي 7: 451- 5، التهذيب 8: 278- 1014، الاستبصار 4: 39- 132، الوسائل 23: 266 أبواب الأيمان ب 32 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 17    467     المسألة الاولى: لا يصح الإحلاف إلا بالله سبحانه ..... ص : 464

(4) الكافي 7: 450- 1، التهذيب 8: 279- 1016، الاستبصار 4: 40- 134، الوسائل 23: 267 و 269 أبواب الأيمان ب 32 ح 6 و 14.

(5) الكافي 7: 451- 4، التهذيب 8: 278- 1013، الاستبصار 4: 39- 131، الوسائل 23: 265 أبواب الأيمان ب 32 ح 1، بتفاوت يسير، و الآية في المائدة: 48.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 468

اللّه، لرفع احتمال إرادة النور أو الظلمة الذي هو إله باعتقاده «1».

و فيه- مع شذوذه- أنّه اجتهاد في مقابلة النصوص.

و قد يستدلّ له أيضا بأنّ بدون ذلك لا يحصل الجزم بأنّه حلف.

و فيه: أنّ المعتبر من الحلف هو كونها باللّه، و هو قد وقع، و أمّا مطابقة قصده للفظه فلا دليل عليها، مع أنّ العبرة في الحلف إنّما هي على نيّة المستحلف إذا كان محقّا لا الحالف، كما نقل بعض متأخّري المتأخّرين الاتّفاق عليه «2».

و تدلّ عليه رواية إسماعيل بن سعد الأشعري: عن الرجل يحلف، و ضميره على غير ما حلف عليه، قال: «اليمين على الضمير» يعني: على ضمير المظلوم «3».

و رواية مسعدة، و فيها: «و أمّا إذا كان ظالما

فاليمين على نيّة المظلوم» «4».

هذا، مع أنّ دليلهم لو تمَّ لا طرد في غير المجوسي من أهل الملل الباطلة، فلا وجه للتخصيص به.

و للمحكي عن الشيخ في النهاية و الفاضلين «5» و جماعة «6»، فجوّزوا

______________________________

(1) المبسوط 6: 194، الإيضاح 4: 13، الدروس 2: 96.

(2) انظر الرياض 2: 402.

(3) الفقيه 3: 233- 1099، و في الكافي 7: 444- 2، و الوسائل 23: 245 أبواب الأيمان ب 21 ح 1 لا توجد: يعني على ضمير المظلوم.

(4) الكافي 7: 444- 1، التهذيب 8: 280- 1025، قرب الاسناد: 9- 28، الوسائل 23: 245 أبواب الأيمان ب 20 ح 1.

(5) النهاية: 347، المحقق في الشرائع 4: 87 و الفاضل في التحرير 2: 191.

(6) كالفاضل السبزواري في الكفاية: 270، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2:

339، و صاحب الرياض 2: 402.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 469

إحلاف الذمّي، بل مطلق الكافر- كما قيل «1»- بما يقتضيه دينه إذا رآه الحاكم أردع له من الباطل، و أوفق لإثبات الحقّ.

لرواية السكوني: «أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام استحلف يهوديا بالتوراة التي أنزلت على موسى» «2».

و صحيحة محمّد بن قيس: «قضى عليّ عليه السّلام فيمن استحلف أهل الكتاب بيمين صبر أن يستحلفه بكتابه و ملّته» «3».

و صحيحة محمّد: عن الأحكام، فقال: «في كلّ دين ما يستحلفون به» «4» و في بعض النسخ: «ما يستحلّون به».

و أجيب «5» عن الأول تارة: بضعف الرواية.

و اخرى: بكونها قضية في واقعة لا عموم لها.

و ثالثة: بجواز اختصاصه بالإمام.

و رابعة: باحتمال كون الحلف بالتوراة منضمّة مع الحلف باللّه.

و عن الثاني: بالأخيرين، و باحتمال كون المجرورين في «كتابه و ملّته» راجعين إلى من استحلف، و يؤيّده أفرادهما.

و عن الثالث: بجواز

كون المراد أنّه يمضي عليهم حكمه إذا حلّفهم عند

______________________________

(1) المسالك 2: 371.

(2) الكافي 7: 451- 3، التهذيب 8: 279- 1019، الاستبصار 4: 40- 135، الوسائل 23: 266 أبواب الأيمان ب 32 ح 4.

(3) الفقيه 3: 236- 1117، التهذيب 8: 279- 1018، الاستبصار 4: 40- 137، الوسائل 23: 267 أبواب الأيمان ب 32 ح 8.

(4) الفقيه 3: 236- 1116، التهذيب 8: 279- 1017، الاستبصار 4: 40- 136، الوسائل 23: 267 أبواب الأيمان ب 32 ح 7.

(5) الكفاية: 270، الرياض 2: 402.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 470

حاكمهم، كما أنّه تجري عليه أحكام عقودهم، و يلزم عليهم ما التزموا به.

و يرد على الأول: بعدم ضير في ضعف الرواية سندا بعد وجودها في الأصول المعتبرة، مع أنّ ضعفها ليس إلّا للنوفلي و السكوني، و في ضعفهما كلام.

و على الثاني: أنّ القضيّة في واقعة كافية في إبطال العموم المطلوب، مع أنّ القضيّة الواقعة غير معلومة، فيلزم تخصيص العامّ بالمجمل، فتخرج العمومات المتقدّمة بأسرها عن الحجّية.

و على الثالث: أنّ أمثال تلك التجويزات لا يلتفت إليها في بيان الأخبار، و إلّا بطل الاستدلال بها بالمرّة، مع أنّ ذلك الاحتمال أيضا مناف للعموم المطلوب، و موجب للإجمال في المخصّص، فتأمّل.

و على الرابع: بأنّ الانضمام أيضا مناف للمطلوب من عدم جواز الاستحلاف بغير اللّه.

و على الخامس: بأنّه خلاف الظاهر المتبادر، مع أنّه أيضا مناف للمطلوب من جهة أعميّة المستحلف من المسلم، و من جهة أنّ استحلاف المسلم بكتابه أيضا غير المطلوب. إلّا أن يقال: المراد بطريق ما أنزل في كتابه، و يقرّ في ملّته، و هو أيضا خلاف ظاهر آخر.

و على السادس: أنّه تخصيص للحديث بلا مخصّص.

فالصواب أن يجاب عن الجميع بأنّها

معارضة للأخبار المتقدّمة، و هي راجحة بالأشهريّة رواية و فتوى، و الأصرحيّة دلالة.

و بموافقة الكتاب، التي هي من المرجّحات المنصوصة، حيث قال

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 471

سبحانه في آية الوصيّة في السفر فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ «1» يعني: الأخيرين من غير المسلمين.

و بموافقة الاحتياط و الأصل.

و بالمخالفة لمذاهب العامّة، كما صرّح به في الوافي «2» و شرح المفاتيح و غيرهما «3».

و بالأحدثيّة، التي هي أيضا من المرجّحات المنصوصة، لكون بعض الأخبار المتقدّمة مرويّا عن أبي جعفر الثاني عليه السّلام، و الأخيرة لم تتجاوز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.

فروع:
أ: هل المراد بالحلف باللّه الحلف بهذا اللفظ المقدّس،

أو به و بمثله من الأسماء المختصّة به- كالرحمن و الرحيم- أو بهما و بمثلهما من الأوصاف الدالّة على تلك الذات المقدّسة- مثل: بالذي لا إله إلّا هو، و بالذي خلق كلّ شي ء- أو بذات اللّه؟

الظاهر: الأخير، لأنّ المعنى الحقيقي للفظ اللّه هو الذات المقدّسة، فالمراد الحلف بتلك الذات المتعالية، فيصحّ الحلف بكلّ ما أفاده.

و يدلّ عليه أيضا قوله في صحيحة الحلبي- بعد النهي عن الحلف إلّا باللّه-: «فأمّا قوله: لعمر اللّه، و قوله لاهاه فذلك باللّه» «4».

______________________________

(1) المائدة: 107.

(2) الوافي 16: 1059- 1060.

(3) كالكفاية: 149.

(4) الكافي 7: 449- 2، الفقيه 3: 230- 1085، التهذيب 8: 278- 1010، قرب الاسناد: 292- 1151، الوسائل 23: 260 أبواب الأيمان ب 30 ح 4، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 472

و كذا قوله في صحيحة محمّد المتقدّمة: «و ليس لخلقه أن يقسموا إلّا به» «1»، فإنّ الضمير راجع إلى الذات دون اللفظ.

و الظاهر أنّه لا خلاف فيه أيضا إلّا عن بعض المتأخّرين في شرحه على النافع، و لذا جعل بعض من تأخّر عنه قوله مخالفا لظاهر الإجماع المحقّق

و المحكيّ عن الشيخين «2».

ب: كما لا يصحّ الحلف إلّا باللّه سبحانه، و لا يترتّب الأثر إلّا عليه،

و لا ينعقد في باب الأيمان إلّا به، كذلك لا يجوز الحلف إلّا به سبحانه.

فيأثم الحالف بغيره من المخلوقات- كالأنبياء، و الأئمّة، و الملائكة، و الكتب المعظّمة، و الكعبة، و الحرم، و المشاهد المشرّفة، و الآباء، و الأصدقاء، و نحوها- على الأشهر بين الطائفة، بل قيل: إنّه مقتضى الإجماعات المنقولة «3». و صرّح به جماعة، منهم: المحقّق الأردبيلي و صاحب المفاتيح «4» و شارحه و بعض مشايخنا المعاصرين «5».

لروايتي أبي حمزة و سماعة، و صحاح محمّد و عليّ بن مهزيار و الحلبي، المتقدّمة جميعا «6».

فإنّ الأولى متضمّنة للنهي الصريح في الحرمة.

و الثانية و الأخيرة متضمّنة لقوله: «لا أرى» و الظاهر منه نفي الجواز.

و الثالثة و الرابعة متضمّنة لقوله: «ليس لخلقه أن يقسموا إلّا به»

______________________________

(1) راجع ص: 466.

(2) انظر الرياض 2: 248.

(3) الرياض 2: 402.

(4) المفاتيح 2: 39.

(5) الرياض 2: 248 و 402.

(6) في ص: 466 و 467.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 473

و المتبادر منه نفي الجواز أيضا.

و حملها على الحلف الذي يترتّب عليه الأثر الشرعي لا وجه له.

مضافا إلى ما علّله بعضهم من أنّ القسم بشي ء يستلزم تعظيما له، و لا مستحقّ للتعظيم المطلق و بالذات سوى اللّه تعالى «1».

و ربّما يشعر بذلك قوله في صحيحة الحلبي «2» و رواية سماعة «3»:

«و لو حلف الناس بهذا و أشباهه لترك الحلف باللّه».

و تدلّ على الحرمة أيضا مرسلة يونس المرويّة في الكافي: عن قول اللّه تعالى فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ قال: «أعظم إثم من يحلف بها» الحديث «4».

و رواية الحسين بن زيد الطويلة، المرويّة في الفقيه، المشتملة على جملة المناهي، و فيها: «و نهى أن يقول الرجل للرجل: لا و

حياتك و حياة فلان» «5».

و رواية صفوان الواردة في حكاية أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام مع أبي جعفر المنصور الكاذب، حيث إنّه بعد ما قال له عليه السّلام: إنّ مولاك يدعو الناس إليك، فقال: «و اللّه ما كان» فقال: لست أرضى منك إلّا بالطلاق

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 248.

(2) الكافي 7: 449- 2، الفقيه 3: 230- 1085، التهذيب 8: 278- 1010، قرب الاسناد: 292- 1151، الوسائل 23: 260 أبواب الأيمان ب 30 ح 4.

(3) الكافي 7: 450- 3، التهذيب 8: 278- 1011، الوسائل 23: 261 أبواب الأيمان ب 30 ح 5، بتفاوت يسير.

(4) الكافي 7: 450- 5، الوسائل 23: 265 أبواب الأيمان ب 31 ح 2، و الآية في الواقعة: 75.

(5) الفقيه 4: 2- 1، الوسائل 23: 259 أبواب الأيمان ب 30 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 474

و العتاق و الهدي و المشي، فقال: «أ بالأنداد دون اللّه تأمرني أن أحلف؟!» الحديث «1».

فإنّه يشعر بأنّ الحلف بغيره سبحانه جعل للأنداد له.

و ذهب بعضهم إلى الكراهة، لضعف الأوليين سندا، و الثانية دلالة «2».

و هما ممنوعان، سيّما و أنّ الضعف منجبر بالشهرة.

و قد يقال باختصاص النهي عن الحلف بغير اللّه بما إذا أقسم العبد على فعل نفسه، و من هو مثله من الخلق، فأمّا إذا أنشد اللّه في حاجة فلعلّه يجوز له أن يذكر من خلق اللّه ما يشاء، كما ورد في الأدعية المأثورة.

و لا يخفى أنّه لا حاجة إلى الاستثناء و التخصيص، لأنّ المنهيّ عنه هو الحلف و الاستحلاف، و أمّا مثل قولك: أنشدك بكذا، و أسألك بحقّ كذا، فليس هو شيئا منهما، فهو خارج عن موضوع المسألة.

و على هذا، فيجوز في سؤال

المخلوق عن المخلوق أيضا نحو ذلك، فيقول له: أنشدك بالقرآن العظيم، أو بحقّ أبيك عليك أن تفعل كذا، للأصل الخالي عن المعارض، لأنّه ليس حلفا و لا استحلافا.

ج: لا شكّ في مرجوحيّة الحلف باللّه، و كراهتها،

و استحباب تركها لو كان صادقا.

لقوله سبحانه وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ «3».

و قوله سبحانه إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا «4».

______________________________

(1) الكافي 6: 445- 3، الوسائل 23: 230 أبواب الأيمان ب 14 ح 3، بتفاوت.

(2) المسالك 2: 371، الكفاية: 270.

(3) البقرة: 224.

(4) آل عمران: 77.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 475

و في صحيحة الخزّاز: «لا تحلفوا باللّه صادقين و لا كاذبين» «1».

و في مرسلة سلام بن سهم: «من حلف باللّه كاذبا كفر، و من حلف باللّه صادقا أثم» «2».

و في رواية السكوني: «من أجلّ اللّه أن يحلف به أعطاه اللّه خيرا ممّا ذهب منه» «3».

و في رواية أبي بصير الواردة في قضية سيّد الساجدين عليه السّلام، و ادّعاء مطلّقته أربعمائة دينار لأجل الصداق، و إعطائه إيّاه: «فقلت: يا أبت جعلت فداك أ لست محقّا؟ قال: بلى، و لكنّي أجللت اللّه أن أحلف به يمين صبر» «4».

و مقتضى هذه الروايات كراهية الحلف و استحباب تركها مطلقا.

إلّا أنّ في مرسلة علي بن الحكم: «إذا ادّعي عليك مال و لم يكن له عليك، فأراد أن يحلفك، فإن بلغ مقدار ثلاثين درهما فأعطه و لا تحلف، و إن كان أكثر من ذلك فاحلف و لا تعطه» «5».

و مقتضى الجمع تخصيص العمومات بهذه الرواية، إلّا أنّ ظاهر رواية أبي بصير استحباب الترك في أربعمائة دينار أيضا، و يمكن أن يكون ذلك

______________________________

(1) الكافي 7: 434- 1، الفقيه 3: 229- 1078، التهذيب 8: 282- 1033، الوسائل 23: 198

أبواب الأيمان ب 1 ح 5.

(2) الفقيه 3: 234- 1108، الوسائل 23: 198 أبواب الأيمان ب 1 ح 6.

(3) الكافي 7: 434- 2، الفقيه 3: 233- 1096، التهذيب 8: 282- 1034، الوسائل 23: 198 أبواب الأيمان ب 1 ح 3.

(4) الكافي 7: 435- 5، التهذيب 8: 283- 1036، الوسائل 23: 200 أبواب الأيمان ب 2 ح 1.

(5) الكافي 7: 435- 6، التهذيب 8: 283- 1037، الوسائل 23: 201 أبواب الأيمان ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 476

لاختلاف الحال بالنسبة إلى الأشخاص، سيّما الإمام عليه السّلام. و يمكن حمل المرسلة على خفّة الكراهة في أكثر من ثلاثين درهما.

و كما يستحبّ ترك الحلف يستحبّ ترك الاستحلاف أيضا، لرواية عبد الحميد الطائي: «من قدّم غريما إلى السلطان يستحلفه و هو يعلم أنّه يحلف، ثمَّ تركه تعظيما للّه تعالى لم يرض اللّه له بمنزلة يوم القيامة إلّا بمنزلة خليل الرحمن عليه السّلام» «1».

ثمَّ ما ذكرنا من كراهة الحلف إنّما هو إذا كان صادقا، و أمّا إن كان كاذبا فهو من المحرّمات الشديدة، بل من الكبائر الموبقة، بل عدّها في بعض الروايات المتقدّمة كفرا باللّه سبحانه، و وردت فيها تهديدات شديدة في أخبار عديدة:

كقوله عليه السّلام: «من حلف على يمين و هو يعلم أنّه كاذب فقد بارز اللّه تعالى» «2» أي: حاربه.

و قوله: «اليمين الصبر الفاجرة تدع الديار بلاقع» «3».

أقول: البلاقع جمع بلقع، و هي: الأرض القفر التي لا شي ء بها. يريد أنّ الحالف بها يفتقر، و يذهب ما في بيته من الرزق. و قيل: هو أن يفرّق اللّه شمله، و يقتّر عليه ما أولاه من نعمه «4».

______________________________

(1) التهذيب 6: 193- 419، ثواب الأعمال: 130- 1،

الوسائل 23: 289 أبواب الأيمان ب 52 ح 1.

(2) الكافي 7: 435- 1، ثواب الأعمال: 226- 1، المحاسن: 119- 131، الوسائل 23: 203 أبواب الأيمان ب 4 ح 4.

(3) الكافي 7: 435- 2، ثواب الأعمال: 226- 3، الوسائل 23: 204 أبواب الأيمان ب 4 ح 5.

(4) قال في النهاية 1: 153 البلاقع جمع بلقع و بلقعة: و هي الأرض القفر التي لا شي ء بها، يريدون أن الحالف بها يفتقر و يذهب ما في بيته من الرزق. و قيل:

هو أن يفرّق اللّه شمله و يغيّر عليه ما أولاه من نعمه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 477

و في رواية أخرى: «إيّاكم و اليمين الفاجرة، فإنّها تدع الديار من أهلها بلاقع» «1»، و الأخبار بذلك المضمون كثيرة.

و في أخبار اخرى: إنّها تورث عقر الرحم و انقطاع النسل «2».

و في آخر: إنّها «تورث العقب العقر» «3» و في بعض النسخ: «العقب الفقر» «4».

و في رواية اخرى: «إنّه ينتظر بها أربعين ليلة» «5» أي لا يتجاوزها بهلاك صاحبها.

هذا في الحلف.

و أمّا الإحلاف، فلا يحرم إذا كان المستحلف محقّا إجماعا، و لذا استحلف مولانا الصادق عليه السّلام من سعى به عند منصور الدوانيقي، فحلف و مات «6».

و كذا إذا كان مبطلا، لأنّ الحالف لم يحلف إلّا صادقا، فلا وجه لكون المستحلف به آثما و إن أثم بالكذب في أصل الدعوى.

______________________________

(1) الكافي 7: 435- 3، ثواب الأعمال: 226- 2، الوسائل 23: 204 أبواب الأيمان ب 4 ح 6.

(2) الوسائل 23: 202 أبواب الأيمان ب 4.

(3) الكافي 7: 436- 4، الوسائل 23: 204 أبواب الأيمان ب 4 ح 7.

(4) الكافي 7: 436- 4، ثواب الأعمال: 226- 4، الوسائل 23: 204 أبواب الأيمان

ب 4 ح 7.

(5) الكافي 7: 436- 7، المحاسن: 119- 130، ثواب الأعمال: 226- 5، الوسائل 23: 205 أبواب الأيمان ب 4 ح 9.

(6) راجع ص: 473- 474.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 478

المسألة الثانية: يستحبّ للحاكم تقديم الوعظ على اليمين لمن توجّهت إليه

، لأنّها إمّا مكروهة أو محرّمة، و الترغيب في ترك المكروه و التحذير عن فعل المحرّم مطلوب قطعا، فيعظ الحالف بذكر الآيات و الأخبار الواردة في ثواب ترك الحلف مع الصدق و عقاب فعلها مع الكذب.

و كذا يستحبّ وعظ المستحلف أيضا، لما عرفت من استحباب تركه.

المسألة الثالثة: يجزي للحالف أن يقول في يمينه: و اللّه ماله قبلي كذا، و ترجمة ذلك بلغته- أيّ لغة كانت

- بلا خلاف فيه كما قيل «1»، لصدق اليمين، و عدم دليل على لزوم الزائد، و لإطلاقات الحلف باللّه.

و لرواية أبي حمزة و صحيحة الخزّاز، المتقدّمتين في المسألة الأولى «2»، المتضمّنتين لقوله: «من حلف باللّه فليصدق، و من حلف له باللّه فليرض».

و لمرسلة الفقيه: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من حلف لكم باللّه فصدّقوه» «3».

إلّا أنّهم قالوا: إنّه يستحبّ للحاكم تغليظ اليمين عليه قولا، ك: و اللّه الذي لا إله إلّا هو، عالم الغيب و الشهادة، الرحمن الرحيم، الطالب الغالب، الضارّ النافع، المهلك المدرك، الذي يعلم من السرّ ما يعلمه من العلانيّة،

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 402.

(2) راجع ص: 466.

(3) الفقيه 3: 37- 126 و فيه: من حلف لكم باللّه على حقّ فصدّقوه، الوسائل 27:

245 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 9 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 479

كما في الصحيحة المتضمّنة لإحلاف الأخرس «1».

أو زمانا، كالجمعة، و العيد، و بعد الزوال، و بعد العصر، كما في الآية «2».

و مكانا، كالكعبة، و المقام، و المسجد الحرام، و الحرم، و المشاهد المكرّمة، و المسجد الجامع، ثمَّ سائر المساجد، و المحراب منها.

و بغير ذلك، كإحضار المصحف.

و استدلّوا له بأنّه مظنّة رجوع الحالف إلى الحقّ، و مظنّة تعجيل المؤاخذة إن أقدم عليها، و بصحيحة الأخرس، و بالآية الواردة في الوصيّة تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ أي صلاة العصر

فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ «3».

و رواية زرارة و محمّد: «لا يحلف أحد عند قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على أقلّ ما يجب فيه القطع» «4».

و المرويّ في قرب الإسناد: «إنّ عليّا عليه السّلام كان يستحلف اليهود و النصارى في بيعهم و كنائسهم، و المجوس في بيوت نيرانهم، و يقول:

شدّدوا عليهم احتياطا للمسلمين» «5».

و لمرسلة البرقي «6» المتضمّنة لإحلاف الصادق عليه السّلام الساعي له عند

______________________________

(1) الفقيه 3: 65- 218، التهذيب 6: 319- 879، الوسائل 27: 302 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 33 ح 1.

(2) المائدة: 106.

(3) المائدة: 106.

(4) التهذيب 6: 310- 855، الوسائل 27: 298 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 29 ح 1، بتفاوت يسير.

(5) قرب الاسناد: 86- 284، الوسائل 27: 298 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 29 ح 2.

(6) الكافي 6: 445- 3، الوسائل 23: 269 أبواب الأيمان ب 33 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 480

المنصور بالبراءة بعد حلفه باللّه الذي لا إله إلّا هو عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم.

و في الكلّ نظر، لعدم نهوضها لإثبات العموم، و ورودها في موارد خاصّة.

نعم، لا بأس بالقول به، لاشتهاره بين الأصحاب، بل نفى بعضهم الخلاف فيه «1».

و هذا القدر كاف في مقام الاستحباب، و لذا يخصّ ذلك بالحاكم دون الغريم، لاختصاص فتاويهم به.

و لو امتنع الحالف عن التغليظ لم يجبر عليه، للأصل. و لا يصير بامتناعه ناكلا لو حلف باللّه، لعدم تركه الحلف، و لوجوب تصديق من حلف باللّه، كما مرّ.

قالوا: و استحباب التغليظ ثابت في جميع الحقوق الماليّة و غيرها، إلّا في الماليّة إذا كانت أقلّ من نصاب القطع ربع الدينار، لرواية زرارة و محمّد

المتقدّمة.

و فيه: أنّه يمنع فيه عن تغليظ خاصّ، و لكن لعدم ثبوت الاشتهار- بل الفتوى في ذلك- و انحصار الدليل التامّ فيه يكون الاستثناء صحيحا.

المسألة الرابعة: يحلف الأخرس بالإشارة المفهمة على المشهور

- كما صرّح به جماعة «2»- لأنّ الشارع أقام إشارته مقام تلفّظه في سائر أموره.

و قال الشيخ في النهاية: يحلفه الحاكم بالإشارة و الإيماء إلى اسم اللّه

______________________________

(1) الرياض 2: 402.

(2) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 372، السبزواري في الكفاية: 270، صاحب الرياض 2: 403.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 481

سبحانه، و توضع يده مع ذلك على اسم اللّه المكتوب في المصحف، و إن لم يحضر المصحف يكتب اسم اللّه سبحانه، و توضع يده عليه «1».

و لعلّ دليله: أنّ حصول الإفهام بالإشارة و العلم بمرادها يحصل من ذلك الوجه.

و نسب جماعة إلى النهاية وضع اليد على الاسم خاصّة «2».

و قال ابن حمزة في وسيلته: إذا توجّه الحلف على الأخرس وضع يده على المصحف، و عرّفه حكمها- أي حكم اليمين- و حلّفه بالأسماء- أي أسماء اللّه تعالى- فإن كتب اليمين على لوح، ثمَّ غسلها، و جمع الماء في شي ء، و أمره بشربه، جاز، فإن شرب فقد حلف، و إن أبي ألزمه «3».

و دليله على الجزء الأول لعلّه حصول الإشارة المفهمة بذلك.

و على الجزء الثاني صحيحة محمّد: عن الأخرس كيف يحلف إذا ادّعي عليه دين فأنكر، و لم تكن للمدّعي بيّنة؟ فقال: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام اتي بأخرس، و ادّعي عليه دين، فأنكر، و لم تكن للمدّعي بيّنة، فقال: أمير المؤمنين عليه السّلام: الحمد للّه الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بيّنت للأمّة جميع ما تحتاج إليه، ثمَّ قال: ائتوني بمصحف، فاتي به، فقال للأخرس: ما هذا؟ فرفع رأسه إلى

السماء، و أشار إلى أنّه كتاب اللّه عزّ و جلّ» إلى أن قال: «ثمَّ كتب أمير المؤمنين عليه السّلام: و اللّه الذي لا إله إلّا هو» إلى آخر ما مرّ في المسألة السابقة «إنّ فلان بن فلان المدّعي ليس له قبل فلان بن فلان الأخرس حقّ، و لا طلبة بوجه من الوجوه، و لا سبب من

______________________________

(1) النهاية: 347.

(2) منهم فخر المحققين في الإيضاح 4: 336، الفاضل المقداد في التنقيح 4: 257.

(3) الوسيلة: 228، و فيه: .. و حلّفه بالإيماء إلى أسماء اللّه تعالى ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 482

الأسباب، ثمَّ غسله، و أمر الأخرس أن يشربه، فامتنع فألزمه الدين» «1».

و نسب جماعة إلى ابن حمزة الطريق المرويّ خاصّة «2»، و نفى عنه البعد الفاضل المقداد «3»، و رجّحه المحقّق الأردبيلي، و اختاره الإرشاد و شرح المفاتيح، للرواية الصحيحة الخالية عن المعارض، و ضعف دليل المشهور، كما ذكره الأردبيلي، قال: و مجرّد كون الإشارة معتبرة في مواضع لا يوجب كونها كلّية و عدم جواز العمل بالرواية. انتهى.

و تضعيف دلالة الصحيحة بكونها قضيّة في واقعة ضعيف غايته، إذ ذكر أبي عبد اللّه عليه السّلام ذلك بعد السؤال عنه عن كيفيّة حلف الأخرس مطلقا أوضح شاهد على عدم اختصاصه بواقعة خاصّة، و كذا قول أمير المؤمنين عليه السّلام: «الحمد للّه الذي» إلى آخره.

و منه يظهر ضعف ما قيل أيضا من جواز كون حلفه بهذا الطريق بعد الحلف بالإشارة، و يكون ذلك من باب التغليظ «4».

بل ذلك أضعف جدّا، لأنّه لو كان كذلك لما كان وجه للإلزام بالدين بعد الامتناع من ذلك الحلف.

و احتمال امتناعه عن الإشارة أيضا أسخف بكثير، لأنّ معه لم يكن وجه لذلك لو

كان المقصود بالذات الأول. فهذا القول أتقن و أظهر.

______________________________

(1) الفقيه 3: 65- 218، التهذيب 6: 319- 879، الوسائل 27: 302 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 33 ح 1، بتفاوت.

(2) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4: 257، و الشهيد الثاني في المسالك 2: 372، و صاحب الرياض 2: 403.

(3) التنقيح الرائع 4: 259.

(4) الرياض 2: 403.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 483

البحث الثاني فيما يتعلّق بالحالف
اشاره

و فيه أيضا أربع مسائل:

المسألة الأولى: الأصل في الحالف هو المنكر دون المدّعي

- كما مرّ في صدر المقام الثاني من البحث الثاني من الفصل الثالث- إلّا في مواضع دلّ الدليل على يمين المدّعي، و قد مرّ بعض صورة، كصورة ردّ المنكر، و مع نكوله على أحد القولين، و مع الشاهد الواحد، و مع البيّنة في الدعوى على الميّت. و له صور أخرى أيضا تأتي في مواقعها.

المسألة الثانية: يتسلّط المدّعي على المنكر حلفه في كلّ دعوى صحيحة

يتعيّن فيها الجواب على المنكر، و يطالب به، بحيث لو أقرّ أو أتى بما يقوم مقام الإقرار- من النكول، أو الردّ إلى المدّعي و حلفه- الزم بالحقّ، سواء كانت الدعوى متعلّقة بفعل المدّعى عليه نفسه، أو بفعل الغير ممّا يوجب الإقرار به إلزامه بالحقّ:

بالإجماع، و النصوص، كما في رواية البصري المتقدّمة: «فإن حلف فلا حقّ له، و إن لم يحلف فعليه»، و قوله في آخرها: «و لو كان حيّا لألزم اليمين أو الحقّ أو يردّ اليمين عليه» «1».

نعم، هذه القاعدة غير مطّردة في الحدود، كما مرّ، و سيجي ء أيضا.

المسألة الثالثة [يجب أن يكون الحالف باتّا عالما بما يحلف عليه ]

يجب أن يكون الحالف- سواء كان المدّعى عليه،

______________________________

(1) الكافي 7: 415- 1، الفقيه 3: 38- 128، التهذيب 6: 229- 555، الوسائل 27: 236 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 484

أو المدّعي الذي ردّت عليه اليمين- باتّا عالما بما يحلف عليه، بالإجماع و المستفيضة:

كصحيحة هشام بن سالم: «لا يحلف الرجل إلّا على علمه» «1».

و مرسلة ابن مرار: «لا يستحلف العبد إلّا على علمه، و لا يقع اليمين إلّا على العلم، استحلف أو لم يستحلف» «2».

و قد يقال: إنّ ذلك إنّما هو إن كانت الحلف على فعل نفسه- سواء كان إثباتا أو نفيا- و إن كانت على فعل الغير فكذلك إن كان في إثبات، و إن كانت على النفي حلف على نفي العلم إن ادّعي عليه العلم.

و قد يعبّر بأنّ الحلف على العلم إن كان في الإثبات مطلقا، و كذا إن كان في نفي فعل نفسه، و إن كان في نفي فعل الغير حلف على نفي العلم.

و قد يختصر و يقال: الحلف على البتّ أبدا، إلّا إذا حلف

على نفي فعل الغير.

أقول: الحلف على نفي العلم- كما صرّحوا به- إنّما هو إذا ادّعي عليه العلم، و لمّا كان علم كلّ أحد و عدمه معلوما لنفسه أبدا، فيكون حلفه على نفسه حلفا على البتّ و القطع أيضا، فلا حاجة إلى التفصيل و لا إلى الاستثناء، بل الحلف على الإثبات و النفي على البتّ مطلقا أبدا، و يكفي أن يقال: الحلف على البتّ أبدا.

______________________________

(1) الكافي 7: 445- 3، التهذيب 8: 280- 1020، الوسائل 23: 246 أبواب الأيمان ب 22 ح 1.

(2) الكافي 7: 445- 4، الوسائل 23: 247 أبواب الأيمان ب 22 ح 4، و فيهما: ..

عن إسماعيل بن مرار، عن يونس، عن بعض أصحابه، و في التهذيب 8:

280- 1022: و عنه (محمد بن يعقوب) عن بعض أصحابه ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 485

و على هذا، فلو ادّعى حقّا على أحد، و أنكره، يحلف بتّا على عدم الاستحقاق، أو نفي ما يدّعيه، كما يأتي.

و إن ادّعى على غيره ممّن يوجب ثبوته ثبوت الحقّ على ذلك المدّعى عليه- كالمورث و الوكيل و الولي- فإن لم يدّع العلم عليه لم تسمع دعواه، و إن ادّعى العلم سمعت، و يحلف أيضا على نفي ما يدّعيه من العلم بتّا.

و لو ردّ اليمين على المدّعي يحلف أيضا على البتّ، سواء كانت يمينا متعلّقة بفعله أو فعل الغير الذي يحلف على نفي العلم به.

ثمَّ إنّه قد ذكرنا سابقا أنّ من ادّعى على أحد حقّا، و أجاب هو بقوله:

لا أدري، فإن لم يدّع عليه العلم لا حقّ له عليه، و إن ادّعاه له أن يحلّفه على نفي العلم.

و اعلم أيضا: كما أنّه يمكن العلم لكلّ أحد بانتفاء فعل نفسه، كذلك

يمكن علمه بانتفاء فعل غيره، من إقرار المدّعي، أو كون الفعل مقيّدا بزمان أو مكان أو حالة خاصّة يعلم انتفاءه فيه، أو يحصل له العلم بالانتفاء بأمور خارجيّة و قرائن منضمّة.

و تحصّل من هاتين المقدّمتين و ممّا مرّ من أنّه على البتّ أبدا أنّ الضابط الكلّي: أنّه يجب أن يكون حلف الحالف بنيّة منطبقة على جوابه، فإن أجاب بالنفي أو الثبوت قطعا حلف عليه، سواء كان في فعل نفسه أو غيره ممّا يوجب خلاف ما أجابه ضمانه، و إن أجاب بعدم العلم حلف عليه كذلك إذا ادّعي العلم عليه.

و تنشعب من ذلك الضابط جميع الفروع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 486

و قد يستشكل في مواضع لا إشكال فيها بعد ما ذكرنا، فإنّه إن كان المورد ممّا لا يلزم على المدّعى عليه شي ء بالإقرار فلا تسمع الدعوى.

و إن كان ممّا يلزم، فإن أجاب بانتفاء الفعل بتّا يحلف عليه، و إن أجاب بنفي العلم يحلف عليه إن ادّعي علمه.

المسألة الرابعة: المدّعى أمّا يطلق الدعوى

- كقوله: لي عليك عشرة، أو: ما في يدك من العين الفلانيّة مالي- أو يقيّدها بسبب خاصّ، كقوله: لي عليك عشرة بسبب الاقتراض، أو ثمن المبيع الفلاني، أو: ما في يدك من العين الفلانيّة سرقتها منّي.

و على كلّ من التقديرين إمّا يجيب المدّعى عليه بالإطلاق، أو بالتقييد.

فإن أطلقا فيكفي الحلف على نفي الاستحقاق المطلق بلا خلاف، لمطابقة المحلوف عليه مع الدعوى، فتسقط بالحلف على نفيها بمقتضى الإجماع و الأخبار.

و لو قيّدها المدّعي بعد حلف المدّعى عليه على نفي المطلق، فادّعى ثانيا: أنّ لي عليه عشرة ثمن المبيع، لا يسمع أيضا، لأنّ نفي المطلق بالحلف يستلزم نفي المقيّد، إلّا بعد مضيّ زمان أمكن أن تكون تلك دعوى ثانية

ثابتة على المدّعى عليه بعد المرافعة الاولى.

و إن قيّدا يكفي الحلف على نفي المقيّد أيضا في سقوط تلك الدعوى إجماعا.

و لو ادّعى بعد الحلف الاستحقاق بسبب آخر يسمع منه، و يطلب من المدّعى عليه الجواب، و له حلفه، لأنّ سقوط شي ء خاصّ لا يستلزم سقوط خاصّ آخر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 487

و كذا لو ادّعى بعدها الاستحقاق المطلق، لأنّ سقوط الخاصّ لا يستلزم سقوط العام.

و إن أطلق المدّعي و قيّد المدّعى عليه- كأن يدّعي عليه عشرة، و أجاب بأنّه ليس عليّ عشرة ثمن المبيع- و حلف عليه، لم يفد في سقوط الدعوى أصلا، و تكون الدعوى باقية، و الوجه واضح.

و إن انعكس، فادّعى المقيّد، و أجاب بنفي المطلق- فيدّعي: أنّ لي عليك عشرة ثمن المبيع، فأجاب بأنّه ليس لك عليّ شي ء أصلا- و حلف عليه، فلا شكّ في سقوط الدعوى، لأنّ انتفاء المطلق و العامّ يستلزم انتفاء المقيّد و الخاصّ، و لصدق الحلف المسقطة للدعوى.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة محمّد «1» الواردة في كيفيّة حلف الأخرس، حيث ادّعي عليه الدين، و كتب في الحلف ما هو عامّ. و لازمه أنّه لو طلب المدّعي منه الحلف بعد ذلك على نفي المقيّد لم يكن له ذلك، إذ لا حلف بعد حلف، و لا حلف بعد سقوط الدعوى.

و لو طلب منه أولا الحلف على نفي المقيّد، فهل يجب عليه ذلك، و للمدّعي تلك المطالبة؟

الظاهر: لا، إذ لم يثبت من الشرع إلّا تسلّطه على إحلافه، و أمّا تسلّطه عليه في كلّ جزء جزء من متعلّقات الحلف فلا، و الأصل يقتضي عدم التسلّط.

و لا يصير بتركه ما أراد ناكلا بعد إثباته بأصل الحلف على المدّعى به، و لو

بما يشمله بالعموم.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص: 481.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 488

و ليس ذلك إلّا من قبيل أن يدّعي عليه العشرة، ثمن المبيع الذي باعه منه في يوم كذا، بلفظ كذا، في مكان كذا، و هكذا، و يريد بها الإحلاف على نفي جميع تلك الجزئيّات، فإن أبى المدّعي إلّا بأن يحلّفه كذلك، و لم يرض بالحلف المطلق، فللمدّعي عليه الإباء عنه أيضا، فيتوقّف حتى يرضى المدّعي بالمطلق.

و الحاصل: أنّه لا يجب عليه الحلف بالمقيّد، و ليس للمدّعي إجباره عليه، للأصل السالم عن المعارض.

و قد عبّر الأكثر عن هذا القسم بأنّ المدّعى عليه لو أراد الحلف على نفي الاستحقاق المطلق ففي إجابته قولان، أشهرهما: نعم. و المعنى واحد.

ثمَّ إنّهم قد يستدلّون على الإجابة و على عدم التسلّط على إجباره بالمقيّد بأنّه قد يكون للعدول من المطلق إلى المقيّد غرض صحيح، بأن كان قد غصب أو استأجر أو سرق أو اشترى، و لكن برئ من الحقّ بوجه من وجوه الإبراء، و تكليفه بنفي المقيّد يوجب إما الكذب في الحلف، أو وقوعه في مضيق طلب الإثبات.

و هو كان جيّدا لو كان المخالف- و هو الشيخ على ما حكي عنه «1»- يقول: بأنّ للمدّعي الإحلاف على نفي سبب التقييد، كأن يحلف على أنّه ما اشتريت منك، أو ما استأجرت، أو ما سرقت.

و لكنّ الظاهر أنّ الخلاف إنّما هو في الإحلاف على نفي المقيّد، كأن يحلف على أنّه ليس في ذمّتي ثمن المبيع، أو وجه الإجارة، أو ليس في يدي مغصوب منك.

______________________________

(1) انظر المبسوط 8: 207، و حكاه عنه في المسالك 2: 373.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 489

و لا يخفى أنّ ذلك لا يوجب كذبا في

الحلف لو صدق في الواقع و إن تحقّق الشراء أو الاستئجار أو الغصب أولا.

و أمّا الإحلاف على نفي السبب منفردا، أو مع نفي المسبّب- من الاشتغال بثمن المبيع، أو نحوه- فلا تسلّط عليه أصلا، إذ قد ذكرنا في بحث الدعوى أنّه يشترط في سماعها كونها صريحة في ادّعاء الاستحقاق، و دعوى السبب منفردا لا توجب دعوى استحقاق، فتكون غير مسموعة، فلا يترتّب عليها تسلّط إحلاف. و دعواه منضمّة مع المسبّب و إن كانت مسموعة إلّا أنّه باعتبار جزئها الأخير، فهو ما به الدعوى حقيقة، فيكون تسلّط الحلف عليه خاصّة، فتأمّل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 490

البحث الثالث في المحلوف عليه
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى: لو ادّعي عليه دين و هو معسر جاز له أن يحلف أنّه لا حقّ له

، و يوري إن علم صدق دعواه- صرّح بذلك في التحرير «1»- لصدقه في دعواه.

المسألة الثانية: الحلف ينصرف إلى ما حلّفه الحاكم عليه

، فلا تنفع تورية الظالم من الخصمين، لرواية مسعدة بن صدقة: «فإذا كان مظلوما فيما حلف عليه و نوى اليمين فعلى نيّته، و أمّا إذا كان ظالما فاليمين على نيّة المظلوم» «2».

و لو كان أحد الخصمين معتقدا لحقّية ما يحلف عليه اجتهادا أو تقليدا مخالفا لاجتهاد الحاكم، لم يفد في تأويل الحلف اعتقاد نفسه، لأنّه في الترافع محكوم بمتابعة الحاكم، و ليس ما اجتهده أو قلّده حكم اللّه في حقّه حينئذ.

المسألة الثالثة: قالوا: لا يجوز أن يحلف أحد ليثبت مالا لغيره، أو يسقط حقّا عن غيره.

و هو كذلك للإجماع، و الأصل و اختصاص الروايات صريحا أو

______________________________

(1) التحرير 2: 192.

(2) الكافي 7: 444- 1، التهذيب 8: 280- 1025، قرب الإسناد: 9- 28، الوسائل 23: 245 أبواب الأيمان ب 20 ح 1، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 491

ظهورا فيما يراد به حقّ الحالف نفسه، و لأنّ الحلف إنّما يكون فيما إذا نكل عن الحلف أو أقرّ بالحقّ يثبت، و لا يتحقّق شي ء منهما في حقّ الغير.

قال في التحرير: فلو ادّعى رهنا و أقام شاهدا أنّه للراهن لم يكن له أن يحلف، بل إن حلف الراهن تعلّق حقّ الرهانة به، و إلّا فلا، انتهى «1».

أقول: سماع الشاهد الواحد من المرتهن أيضا محلّ نظر، بل على الراهن اليمين، فلو حلف تعلّق حقّ الرهانة.

و أمّا قوله: و إلّا فلا، ففيه إشكال، لأنّ في نكوله تضييعا لحقّ المرتهن، فلعلّ المدّعي و الراهن اتّفقا على ذلك لتضييع حقّه، سيّما مع عدم تمكّن الراهن من أداء حقّه من غيره.

و كذلك في دعوى الملك الذي آجره غيره إذا ادّعاه ثالث.

و التحقيق: إنّ الدعوى إمّا تكون مع الراهن أو المرتهن.

فعلى الأول: تختصّ الدعوى على ملكيّة الراهن، فإن حلف الراهن سقطت الدعوى منه و من المرتهن، و

إلّا تثبت الدعوى على ملكيّة المدّعي، و لكن لا يبطل الرهن، لعدم منافاة بين ملكيّته و صحّة الرهن، لجواز أن يكون بإذنه، فللمرتهن العمل بمقتضى المراهنة.

فإن ادّعى على الراهن بعد ذلك فساد المراهنة، فإن أجاب المرتهن بأنّه رهن بإذنه، يصير مدّعيا، و عليه الإثبات، و يقبل الشاهد الواحد مع اليمين لو أجزناه في المراهنة أيضا، و هو ليس حلفا لإثبات مال الغير، بل لحقّ نفسه.

و إن أجاب بعدم فساد المراهنة يكون منكرا، و عليه الحلف، فإن

______________________________

(1) التحرير 2: 192.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 17، ص: 492

حلف تثبت المراهنة الصحيحة، و لا ينافيها عدم ملكيّة الراهن.

و على الثاني: فإن ادّعى عليه ملكيّة المرهون فقط لم تسمع دعواه، لما عرفت في بحث شرائط سماع الدعوى من عدم سماع دعوى غير صريحة في الاستحقاق و إن ضمّ معها فساد المراهنة، فيكفي جواب المرتهن بعدم الفساد، و عليه الحلف، و تبقى دعواه مع الراهن.

و كذلك في الإجارة و الإصداق و نحوهما. و اللّه العالم.

تمَّ مقصد القضاء.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة الجزء 18

[تتمة كتاب القضاء و الشهادات ]

المقصد الثاني في الشهادات

اشاره

و فيه مقدّمةٌ و فصول.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 7

المقدّمة

الشهادة مأخوذةٌ من شهد، و فسّره في المحيط و النهاية الأثيريّة و الصحاح و القاموس و المجمع بمعنى حضر «1»، و منه: الشاهد يرى ما لا يراه الغائب، و قوله سبحانه وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «2» و قوله تعالى وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ «3» و المشهد: المحضر و المجمع.

و نقل بعض المتأخّرين من فقهائنا أنّه في اللّغة يجي ء بمعنى: علم أيضاً «4»، و ذكره في القاموس أيضاً في تفسير: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، و في تفسير شَهِدَ اللَّهُ «5» و منه الشهيد من أسمائه سبحانه، و منه قوله سبحانه نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ «6».

و فسّر بمعنى عاين أيضاً، قال في المجمع: و شهدت على الشي ء: أي اطّلعت عليه و عاينته فأنا شاهد، و شهدت العيد: أدركته، و شاهدته مثل عاينته «7». و في القاموس: شاهده: عاينه «8». و ذكروا: أنّ المشاهدة: المعاينة.

و فسّره في المجمع بمعنى أخبر أيضاً، قال: و شهد بكذا يتعدّى بالباء؛

______________________________

(1) النهاية الأثيرية 2: 513، الصحاح 2: 494، القاموس المحيط 1: 316، المجمع 3: 80 81.

(2) النور: 2.

(3) الطلاق: 2.

(4) انظر التنقيح 4: 283، و الرياض 2: 423.

(5) القاموس 1: 317. و الآية: آل عمران: 18.

(6) المنافقون: 1.

(7) مجمع البحرين 3: 81.

(8) القاموس 1: 316.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 8

لأنّه بمعنى أخبر «1». و منه قوله سبحانه وَ ما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا «2».

و في الثاني: الشهادة في الأصل: الإخبار عمّا شاهده و عاينه «3». و يمكن أن يكون منه وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها «4».

و فسّر في المسالك الشهادة لغةً بأنّها الإخبار

عن اليقين «5». و يمكن أن يكون منه قوله سبحانه قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ .

و أمّا تفسيرها بالخبر القاطع كما في الثلاثة الأخيرة «6» فهو ليس بياناً للمعنى المصدري.

و يحصل من ذلك أنّ الشهادة المصدريّة تفسّر في اللغة بالحضور، و العلم، و المعاينة، و الإخبار عن اليقين، و الإخبار عمّا شاهده و عاينه.

و صرّح مولانا الرضا في صحيحة صفوان: إنّ الحضور شهادة، و فيها: سُئل عن رجلٍ طهرت امرأته من حيضها، فقال: فلانة طالق، و قومٌ يسمعون كلامه، و لم يقل لهم: اشهدوا، أ يقع الطلاق عليها؟ قال: «نعم، هذه شهادة» «7»، و به فسّر قوله تعالى وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا «8» في بعض الأخبار «9».

______________________________

(1) مجمع البحرين 3: 82.

(2) يوسف: 81.

(3) النهاية لابن الأثير 2: 514 و فيه: و أصل الشهادة الإخبار بما شاهده و شهده.

(4) يوسف: 26.

(5) المسالك 2: 400.

(6) الصحاح 2: 494، القاموس المحيط 1: 316، مجمع البحرين 3: 82.

(7) الكافي 6: 72/ 4، التهذيب 8: 49/ 155، الوسائل 22: 50 أبواب مقدّمات الطلاق و شرائطه ب 21 ح 2.

(8) البقرة: 282.

(9) الوسائل 27: 309 أبواب الشهادات ب 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 9

و يحتمل أن تكون جميع تلك المعاني حقائق لغويّة، و أن يكون بعضها مجازاً مأخوذاً من بعضٍ آخر. و أمّا تخصيص الحقيقة بواحدٍ منها فلا دليل عليه.

نعم، الظاهر أنّ المعنى الأول من المعاني الحقيقيّة، و كذا الإخبار عمّا شاهده و عاينه.

هذا بحسب اللغة.

و أمّا شرعاً، فعرّف في المسالك الشهادة بأنّها إخبارٌ جازم عن حقٍّ لازم لغيره، واقعٌ من غير حاكم «1». أي من حيث إنّه حاكم لا مطلقاً.

و لا يخلو التعريف عن نقض طرداً

و عكساً؛ لصدقه على الإخبار عن ثبوت حقّ الغير على نفسه للغير، و عدم صدقه على الشهادة بالجرح و التعديل، و رؤية الهلال، و الطلاق، و الموت، و غير ذلك.

و قد يختلف الأمر باعتبار الموارد في صدق الشهادة عليه و عدمه، كالإخبار عن مجي ء الحاج، فإنّه ليس شهادة، فلو نوزع فيه لحقٍّ مترتّب عليه يقال: إنّه شهادة.

هذا، مع أنّ الظاهر من قوله:" شرعاً" إرادة الحقيقة الشرعيّة، و إثباتها هنا مشكل؛ لعدم دليل على الوضع التعييني.

و أما التعيّني، فحصوله يتوقّف على كثرة استعمال في المعنى الشرعيّ خاصّة، بحيث يحصل التبادر فيه، و تحقّقه فيما نحن فيه غير معلوم، سيّما مع ملاحظة لفظ الشهود و الشهادة و ما يشتقّ منهما في غير هذا المعنى في كلمات الحجج كثيراً، و لو سلّم فتحقّقها في معنى خاصّ مضبوط يصلح

______________________________

(1) المسالك 2: 400.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 10

لإناطة الحكم عليه غير معلوم لنا.

فاللازم حملها في كلام الشارع على الحقيقة اللغويّة؛ و لعدم تعيينها من بين معاني معلومة و احتمال تعدّدها يجب الأخذ بالمتيقّن، و هو الحضور، فيما لم يعلم تضمّنه لمعنى الإخبار، نحو قوله سبحانه وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ «1» وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما «2» و نحو ذلك.

و الإخبار عمّا شاهده و عاينه، أو الإخبار عن اليقين بما شاهده و عاينه فيما تضمّنه، نحو قوله عزّ جاره شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها «3»، و قولهم (عليهم السّلام): «تقبل شهادة الأخ لأخيه، و تقبل شهادة الضيف، و تقبل شهادة المسلم» إلى غير ذلك «4»؛ لأنّه المترتّب عليه الحكم يقيناً و غيره مشكوكٌ فيه، و لذا ذكر الفقهاء أنّ مستند الشاهد المشاهدة، أو السماع، أو هما معاً.

فإن قيل: فليحمل على الحقيقة العرفيّة.

قلنا:

إن أُريد العرفيّة في زمان الشارع فتحقّقها غير معلوم، و إن أُريد في الزمان المتأخّر عنه فاللغويّة متقدمةٌ عليها؛ مع أنّ تحقّقها أيضاً غير واضح، و لو سلّم فالمتحقّق منها غير منضبط جدّاً.

______________________________

(1) الطلاق: 2.

(2) النور: 2.

(3) يوسف: 26.

(4) انظر الوسائل 27: أبواب الشهادات ب 26 و 29 و 38 و 41.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 11

الفصل الأول في بيان شرائط الشاهد و صفاته المعتبرة في قبول شهادته
اشاره

و هي أُمور:

الأول: البلوغ.
اشاره

فلا تقبل شهادة غير البالغ، بلا خلافٍ فيه في الجملة- كما قيل «1» بل عن الغنية مطلقاً «2»، و لكن يجب تقييده أيضاً؛ لتصريحه بعد ذلك في الشجاج و الجراح مدّعياً إجماع الطائفة عليه.

و تفصيل الكلام فيه في مسائل:

المسألة الأُولى : غير البالغ إمّا غير مميّز أو مميّز،

و الثاني إمّا لم يبلغ عشر سنين أو بلغ، و على التقديرين إمّا يشهد في غير الجراح و القتل أو يشهد فيهما.

و الأصل الأولي في الكلّ: عدم قبول شهادته، و عدم نفوذه، و عدم ترتّب الأثر عليه كما في سائر الشهادات.

و كذا الأصل الثانوي؛ لمفهوم الحصر في مرسلة يونس: «استخراج الحقوق بأربعة [وجوه ]: بشهادة رجلين عدلين» الحديث «3».

و مفهوم الشرط في رواية السكوني: «إنّ شهادة الصبيان إذا أشهدوهم

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 424.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 624.

(3) الكافي 7: 416/ 3، التهذيب 6: 231/ 562، الوسائل 27: 241 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 7 ح 4؛ ما بين المعقوفين من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 12

و هم صغار جازت إذا كبروا ما لم ينسوها» «1»، و قريبةٌ منها الأُخرى «2».

و صحيحة محمّد: في الصبي يشهد على الشهادة، فقال: «إن عقله حين يدرك أنّه حقٌّ جازت شهادته» «3».

و صحيحة جميل: تجوز شهادة الصبيان؟ قال: «نعم، في القتل يؤخذ بأول كلامه، و لا يؤخذ بالثاني منه» «4»، فإنّ الجواب المقيّد بعد السؤال عن المطلق بمنزلة التفصيل القاطع للشركة.

و رواية محمّد بن حمران: عن شهادة الصبي، فقال: «لا، إلّا في القتل يؤخذ بأول كلامه، و لا يؤخذ بالثاني» «5».

و يمكن أن يستدل له أيضاً بمفهوم مرسلة الفقيه: «و إن شهد رجلان عدلان على شهادة رجلٍ فقد ثبتت شهادة رجلٍ واحد» «6».

و بمثل رواية المثنّى «تجوز شهادة

النساء في الرجم إذا كان ثلاثة رجال و امرأتان» «7».

______________________________

(1) الكافي 7: 389/ 5، التهذيب 6: 251/ 648، الوسائل 27: 342 أبواب الشهادات ب 21 ح 2.

(2) الفقيه 3: 28/ 80، التهذيب 6: 250/ 643، الوسائل 27: 343 أبواب الشهادات ب 21 ح 4.

(3) الكافي 7: 389/ 4، التهذيب 6: 251/ 647، الوسائل 27: 342 أبواب الشهادات ب 21 ح 1.

(4) الكافي 7: 389/ 2، التهذيب 6: 251/ 645، الوسائل 27: 343 أبواب الشهادات ب 22 ح 1.

(5) الكافي 7: 389/ 3، التهذيب 6: 251/ 646، الوسائل 27: 343 أبواب الشهادات ب 22 ح 2.

(6) الفقيه 3: 41/ 135، الوسائل 27: 404 أبواب الشهادات ب 44 ح 5.

(7) الكافي 7: 391/ 9، التهذيب 6: 265/ 706، الإستبصار 3: 24/ 74، الوسائل 27: 354 أبواب الشهادات ب 24 ح 11؛ و في الجميع: عن مثنّى الحنّاط، عن زرارة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 13

و رواية الهمداني: امرأةٌ شهدت على وصيّة، فكتب (عليه السّلام): «لا، إلّا أن يكون رجلٌ و امرأتان» «1».

بضميمة الإجماع المركّب في الثلاثة.

و بالتعليل الوارد في موثّقة محمّد، الواردة في ردّ شهادة السائل بكفّه، بقوله: «لأنّه لا يؤمن على الشهادة» «2».

و أمّا رواية إسماعيل بن جعفر: «إذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره و جازت شهادته» «3».

و رواية طلحة بن زيد: «شهادة الصبيان جائزةٌ بينهم ما لم يتفرّقوا و يرجعوا إلى أهلهم» «4».

فمع اختصاصهما ببعض الصور لا تصلحان لمعارضة ما مرّ؛ أمّا الأُولى فلكونها مقطوعة غير مسندة إلى إمام، و أمّا الثانية فلشذوذها المخرج لها عن الحجّية.

ثم إنّ بما ذكر تُخصَّص إطلاقات الكتاب و السنّة، الشاملة لغير البالغين أيضاً:

كقوله فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ

فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَ

______________________________

(1) التهذيب 6: 268/ 719، الإستبصار 3: 28/ 90، الوسائل 27: 360 أبواب الشهادات ب 24 ح 34؛ و في الجميع هكذا: امرأةٌ شهدت على وصيّة رجلٍ لم يشهدها غيرها، و في الورثة من يصدّقها، و فيهم من يتّهمها، فكتب عليه السلام ..

(2) الكافي 7: 396/ 13، التهذيب 6: 243/ 608، الوسائل 23: 382 أبواب الشهادات ب 35 ح 2.

(3) الكافي 3: 388/ 1، التهذيب 6: 251/ 644، الوسائل 23: 344 أبواب الشهادات ب 22 ح 3.

(4) الفقيه 3: 27/ 79، الوسائل 27: 345 أبواب الشهادات ب 22 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 14

فِي الْبُيُوتِ «1».

و قوله عزّ شأنه ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ «2».

و قوله (عليه السّلام) في صحيحة الحلبي: «و تجوز شهادة الولد لوالده، و الوالد لولده، و الأخ لأخيه» «3».

و بمضمونها أخبارٌ كثيرة، كموثّقتي أبي بصير «4» و سماعة «5»، و رواية السكوني «6».

و قوله في صحيحة الحلبي أيضاً: «حدّ الرجم أن يشهد أربعةٌ أنّهم رأوه يدخل و يخرج» «7»، و بمضمونها أيضاً أخبارٌ متكثّرة «8».

مع أنّ في عموم الآيتين بل الأخبار الأخيرة، بعد التقييد المستفاد من روايتي المثنّى و الهمداني نظراً، سيّما مع تقييد الآية بقوله مِنْكُمْ ، فإنّ المراد من ضمير الجمع هو المراد من الضمير في نِسائِكُمْ و في أمسكوهن، و هو من الرجال قطعاً، و لو منع الظهور في الرجال يحصل لا أقلّ فيه الإجمال المسقط للاستدلال بالعامّ، و منه يسري الإجمال إلى الآية الثانية أيضاً.

______________________________

(1) النساء: 15.

(2) النور: 4.

(3) الكافي 7: 393/ 3، الوسائل 27: 367 أبواب الشهادات ب 26 ح 1.

(4) الكافي 7: 393/ 1، التهذيب 6: 248/ 632، الوسائل 27: 368

أبواب الشهادات ب 26 ح 3.

(5) التهذيب 6: 247/ 629، الوسائل 27: 368 أبواب الشهادات ب 26 ح 4.

(6) التهذيب 6: 286/ 790، الوسائل 27: 368 أبواب الشهادات ب 26 ح 5.

(7) الكافي 7: 183/ 1، التهذيب 10: 2/ 4، الإستبصار 4: 217/ 815، الوسائل 28: 94 أبواب حد الزنا ب 12 ح 1.

(8) انظر الوسائل 28: 94 أبواب حد الزنا ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 15

و قد تضعّف دلالة الإطلاقات باختصاصها بالبالغ من الرجال بحكم التبادر و غيره، و بمعارضتها بالنصوص الدالّة على اعتبار أُمور في الشاهد، مع القطع بعدم وجود شي ءٍ منها في الصبي.

و في الأول: منع الاختصاص في الجميع و إن اختصّ بعض الموارد بذكر الرجل، أو تحقّق الأمر المخصوص بالمكلّفين، و أمّا في الجميع فممنوع، و إن أُريد التبادر من نفس الشاهد و ما بمعناه فإنّ المنع فيه أظهر.

و في الثاني: أنّ ما وجدناه من النصوص متضمّنٌ لاعتبار كونه مرضيّاً، كرواية السكوني، و فيها: «شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا كان مرضيّاً» «1».

أو كونه عفيفاً صائناً، كموثّقة أبي بصير: «لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفاً صائناً» «2».

أو لكونه صالحاً، كصحيحة العلاء في شهادة المكاري و الجمّال و الملّاح: «تُقبَل شهادتهم إذا كانوا صلحاء» «3».

أو لكونه مسلماً غير معروفٍ بشهادة الزور و لا بالفسق، كصحيحة حريز: «إذا كانوا أربعةً من المسلمين ليس يُعرَفون بشهادة الزور أُجيزت شهادتهم جميعاً» إلى أن قال: «و على الوالي أن يجيز شهادتهم، إلّا أن يكونوا معروفين بالفسق» «4».

______________________________

(1) التهذيب 6: 286/ 790، الوسائل 27: 368 أبواب الشهادات ب 26 ح 5.

(2) الفقيه 3: 27/ 77، التهذيب 6: 258/ 676، الإستبصار 3: 21/ 64، الوسائل

27: 372 أبواب الشهادات ب 29 ح 3.

(3) الكافي 7: 396/ 10، الفقيه 3: 28/ 82، التهذيب 6: 243/ 605، الوسائل 27: 381 أبواب الشهادات ب 34 ح 1.

(4) الكافي 7: 403/ 5، التهذيب 6: 277/ 759، الإستبصار 3: 14/ 36، الوسائل 27: 397 أبواب الشهادات ب 41 ح 18.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 16

أو لولادته على الفطرة و المعروفيّة بالصلاح، كرواية ابن المغيرة: «كلّ من ولد على الفطرة و عرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته» «1».

أو للولادة على الفطرة فقط، كالمرويّ في مجالس الصدوق: «كلّ من ولد على فطرة الإسلام تقبل شهادته» «2».

أو لكونه ممّن عُلِمَ منه خير، كما في صحيحة محمّد في العبد يشهد بعد عتقه «3».

و لا شكّ أنّ شيئاً من هذه الأُمور ليس ما يقطع بعدم وجوده في الصبيان، بل يوجد كلّ منها فيهم كثيراً، و يصدق عليهم لغةً و شرعاً و عرفاً، و على هذا فتكون هذه النصوص أيضاً من العمومات المثبتة لقبول شهادتهم، الواجب تخصيصها بما ذكر.

فإن قيل: تتعارض هذه مع أدلّة عدم القبول بالعموم من وجه، و إذ لا مرجّح يجب الرجوع إلى عمومات القبول، و يكون هو الأصل الثانوي.

قلنا أولًا: إنّ ذلك إنّما يتمّ لو خلت العمومات عن المعارض المخرج لها عن الحجّية في محل النزاع، و ليست كذلك؛ لأنّ مفهوم مرسلة يونس أعمّ من وجه من العمومات، لشموله لغير الشهادة أيضاً من اليمين و القرعة و غيرها، فالعمومات لا تكون حجّة في محلّ الاجتماع، و يجب الرجوع إلى الأصل الأولي، الذي هو عدم القبول.

و ثانياً: أنّ بقاء العمومات على عمومها الموجب لثبوت الأصل

______________________________

(1) الفقيه 3: 28/ 83، التهذيب 6: 283/ 778، الإستبصار 3: 14/

37، الوسائل 27: 393 أبواب الشهادات ب 41 ح 5.

(2) أمالي الصدوق: 91/ 3، الوسائل 27: 395 أبواب الشهادات ب 41 ح 13، بتفاوت.

(3) الفقيه 3: 41/ 139، الوسائل 27: 387 أبواب الشهادات ب 39 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 17

مخالفٌ للإجماع.

نعم، اعتُبرت العدالة في جملةٍ من الأخبار، كصحيحة البجلي: «لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلًا» «1».

و رواية محمّد: في شهادة المملوك: «إذا كان عدلًا فهو جائز الشهادة» «2».

و في مكاتبة الصفّار: «إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعى يمين» «3» إلى غير ذلك.

و العدالة ممّا يظنّ أنّها تختصّ بالمدركين، فإن ثبت ذلك فموجبات اشتراط العدالة أيضاً تكون من أدلّة عدم القبول، و لكونها أخصّ من العمومات يجب تخصيصها بمفهومها، و يثبت الأصل الثانوي في عدم القبول.

و إن لم يثبت كما هو المحتمل، بل الظاهر فيعارض منطوق هذه أيضاً مع أدلّة عدم القبول بالعموم من وجه، و لا يفيد الرجوع إلى العمومات كما مرّ، و يكون الأصل مع عدم القبول أيضاً؛ للرجوع إلى الأصل الأول.

و على هذا، فاللّازم في شهادة الصبي العمل بالأصل، إلّا فيما أخرجه الدليل.

المسألة الثانية: لا تُقبَل شهادة الصبي الغير المميّز

إجماعاً محقّقاً

______________________________

(1) الكافي 7: 389/ 1، التهذيب 6: 248/ 634، الإستبصار 3: 15/ 42، الوسائل 27: 345 أبواب الشهادات ب 23 ح 1.

(2) الكافي 7: 389/ 2، التهذيب 6: 248/ 633، الإستبصار 3: 15/ 41، الوسائل 27: 345 أبواب الشهادات ب 23 ح 3.

(3) الكافي 7: 394/ 3، الفقيه 3: 43/ 147، التهذيب 6: 247/ 626، الوسائل 27: 371 أبواب الشهادات ب 28 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 18

و منقولًا مستفيضاً «1»؛ للإجماع، و الأصل المتقدّم، و ما مرّ من الأخبار

المعتبرة للأوصاف المنتفية في غير المميّز قطعاً، و الخبر المتقدّم المعتبر لبلوغ عشر سنين «2».

المسألة الثالثة: الصبي المميّز و الغير البالغ عشراً لا تقبل شهادته في غير الجنايات

إجماعاً، كما عن الإيضاح و المهذّب و الصيمري «3»، بل محقّقاً؛ و يدلّ عليه الأصل المتقدّم، و روايتا محمّد بن حمران و جميل المتقدّمتان «4»، و رواية إسماعيل، بلا معارض لشي ءٍ منها، سوى العمومات المتقدّمة المخصّصة، و رواية طلحة «5» في بعض الصور الشاذّة.

و في الجنايات خلاف، فمعظم الأصحاب كما في المهذّب-: عدم القبول، و هو مذهب الشيخ في النهاية و الحلّي «6» و جمع آخر «7»؛ للأصل، و مفهوم رواية إسماعيل المتقدّمة، و بعض العمومات السابقة، و الشهرة المحكيّة.

و ظاهر المسالك: ادّعاء الإيضاح الإجماع على عدم قبول شهادة من له دون العشر مطلقاً «8». و ليس كذلك، بل صرّح في الإيضاح بالخلاف

______________________________

(1) كما في الإيضاح 4: 417، الدروس 2: 123، المسالك 2: 400، الرياض 2: 424.

(2) أي خبر إسماعيل بن جعفر المتقدّم في ص 11.

(3) حكاه عنهم في الرياض 2: 424، و هو في الإيضاح 4: 417، و في المهذّب البارع 4: 507.

(4) في ص 10.

(5) المتقدّمة في ص 11.

(6) النهاية: 331، الحلّي في السرائر 2: 136.

(7) كالمحقّق في الشرائع 3: 125، و ابن سعيد في الجامع: 540، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 369.

(8) المسالك 2: 400.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 19

فيمن له دون العشر في الجراح و القصاص، و نسب الخلاف إلى الإسكافي و الخلاف «1».

و كذا ما ذكره بعض مشايخنا المعاصرين من نسبة ظهور عدم الخلاف في المسألة من التنقيح «2»، فإنّه ليس كذلك، بل ظاهره ادّعاء عدم القول بقبول شهادة الصبي مطلقاً «3».

و عن الإسكافي و الخلاف: القبول «4»، و هو ظاهر

السيّد في الانتصار و ابن زهرة في الغنية، حيث حكما بقبول شهادة الصبيان في الشجاج و الجراح بالإطلاق، مدّعيين عليه إجماع الطائفة «5»؛ لصحيحة جميل و رواية ابن حمران المتقدّمتين، الخاصّتين بالنسبة إلى أدلّة المنع، المعتضدتين بنقل الإجماع من العدلين. و هو الحقّ؛ لما ذكر.

و حمل قبول الشهادة فيهما على ما إذا بلغت حدّ الاستفاضة أو إرادة حصول اللوث منها خلاف الظاهر و الحقيقة.

و قد يستدلّ أيضاً بما اشتهر عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) «6»، و حكى في الانتصار روايته عن الخاصّة و العامّة في حكم ستّة غلمان «7».

و فيه: أنّه قضيّة في واقعة؛ مع أنّ استعمال الغلام في البالغ شائع،

______________________________

(1) الإيضاح 4: 417.

(2) انظر الرياض 2: 424.

(3) التنقيح 4: 285.

(4) حكاه عن الإسكافي في الإيضاح 4: 417، الخلاف 2: 613.

(5) الانتصار: 250، الغنية (الجوامع الفقهية): 625.

(6) الكافي 7: 284/ 6، الفقيه 4: 86/ 277، التهذيب 10: 239/ 953، المقنعة: 750، الوسائل 29: 235 أبواب موجبات الضمان ب 2 ح 1.

(7) الانتصار: 251.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 20

و ضرب الدية في الواقعة المذكورة على الغلامين و الثلاثة على إرادته شاهد. ثم بما ذكر يدفع الأصل و يخصّ العام.

و أمّا رواية إسماعيل فغير حجّة؛ لكونها موقوفة، و الشهرة ليست بحجّة، سيّما مع معارضتها بدعوى الإجماع، و مظنّة الإجماع هنا باطلة، و لذا استبعده في المسالك «1»، و منعه في المهذّب، و على هذا فتردّد جماعة من متأخّري المتأخّرين في غير موقعه «2».

بقي هنا شي ء، و هو أنّ المذكور في الروايتين: القتل، و في كلمات القائلين بالقبول: الشجاج و الجراح، فالأخذ بالقتل خروجٌ عن قول الأصحاب و بقولهم عن الرواية.

قلنا: لا نسلّم أنّ الأخذ بالرواية

خروجٌ عن قول الأصحاب؛ لأنّ الظاهر منهم إرادة القتل أيضاً، أ لا ترى أنّ السيّد مع أنّه عنون المسألة بالشجاج و الجراح- استدلّ بقبول أمير المؤمنين (عليه السّلام) شهادة الغلمان في الغرق، و كذا ابن زهرة؟! و أ لا ترى كلام المهذّب؟! حيث قال: إذا ميّز الصبي و له دون العشر لا تقبل شهادته في غير الجراح و القصاص إجماعاً. و هل تقبل في ذلك؟ معظم الأصحاب على المنع، و قال في الخلاف: تقبل، و به قال أبو علي «3». انتهى .

و قال في المسالك: و لعلّه أي المقتصر على الجراح ما يشمل البالغة إلى القتل «4». فذكر القصاص أيضاً.

______________________________

(1) المسالك 2: 400.

(2) كالفيض الكاشاني في المفاتيح 3: 276.

(3) المهذب البارع 4: 507.

(4) المسالك 2: 400.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 21

و يمكن أن يكون تعبيرهم بالشجاج و الجراح أنّه هو العمل الصادر المشهود به و المحسوس غالباً، و أمّا زهوق الروح المتحقّق به القتل فهو مسبّبٌ به، لا يدركه الصبي غالباً.

و بالجملة: بعد ما ذكرنا تعلم وقوع الخلاف في القتل أيضاً، فلا مناص عن الأخذ بالرواية الدالّة عليه.

نعم، يشكل الأمر في الشجاج و الجراح اللذين لم يترتّب عليهما القتل. و الحقّ عدم القبول فيهما؛ اقتصاراً فيما يخالف الأصل على موضع النصّ، و عدم ثبوت الإجماع المركّب، و لا يفيد الاستدلال بإطلاق رواية طلحة المنجبر ضعفها لو كان في المقام بالإجماع المنقول، خرج غير الشجاج و الجراح بالدليل فيبقى الباقي؛ لخروجهما أيضاً بروايتي ابن حمران و جميل غاية الأمر تعارضهما بالعموم من وجه و الرجوع إلى الأصل.

المسألة الرابعة: الصبي البالغ عشراً إلى أن يبلغ كالمميّز

الذي له دون العشر على الأقوى ، فلا تقبل شهادته في غير الجنايات، و تقبل فيها.

أمّا الأول: فهو الأشهر،

بل عليه غير من شذّ و ندر، و يستفاد من جماعةٍ الإجماع عليه «1».

و يدلّ عليه الأصل، و الإجماع، و الأخبار المتقدّمة الخالية عن المعارض، سوى روايتي إسماعيل و طلحة «2»، المعارضتين لها بالعموم من وجه، المرجوحتين بالشذوذ و غيره، مضافاً إلى عدم حجّية أُوليهما كما مرّ، بل الثانية أيضاً؛ للشذوذ.

______________________________

(1) كما في الإيضاح 4: 417، الرياض 2: 424.

(2) المتقدمتين في ص: 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 22

خلافاً لشاذّ نَقَله جماعةٌ من الأصحاب قائلًا أكثرهم بشذوذه «1»، بل عن عميد الرؤساء أنّه قال: إلى الآن لم نظفر بهذا القول «2».

و أمّا الثاني: فهو في الجملة إجماعي، كما يظهر من الانتصار و المهذّب و الغنية و شرح الشرائع للصيمري و التنقيح و كلام التقي و المسالك و الروضة «3»، و غيرها «4».

و الخلاف إنّما هو فيما يقبل فيه منها، فمنهم من صرّح بقبوله في الجراح و القصاص، كالمفيد و الشيخ في النهاية و الحلّي «5» و جمعٍ آخر «6»، بل الأكثر كما في المسالك «7» و غيره «8».

و منهم من ذكر الجراح خاصّة، كالفاضلين و ابن زهرة و الخلاف و الشهيد «9»، و في الدروس خصّ الجراح بما لم يبلغ النفس «10».

فإن قلنا بإرادتهم من الجراح ما يشمل القتل أيضاً كما هو المستفاد

______________________________

(1) كما في المختصر: 286، الرياض 2: 424.

(2) حكاه عنه في الرياض 2: 426.

(3) الانتصار: 250، المهذب البارع 4: 508، الغنية (الجوامع الفقهية): 625، التنقيح 4: 285، نقله عن التقي في التنقيح 4: 286، المسالك 2: 400، الروضة 3: 125.

(4) كالخلاف 2: 613.

(5) المفيد في المقنعة: 727، النهاية: 331، الحلّي في السرائر 2: 136.

(6) كالسيّد في الانتصار: 250، و العلّامة في التحرير

2: 207.

(7) المسالك 2: 400.

(8) كالرياض 2: 424.

(9) المحقّق في الشرائع 4: 125، العلّامة في القواعد 2: 236، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 625، الخلاف 2: 613، الشهيد في اللمعة (الروضة البهية 3): 125.

(10) الدروس 2: 123.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 23

من سياق كلام السيّدين، حيث استندا بحديث الغلمان «1»، و هو ظاهر المهذّب، و احتمله في المسالك كما مرّ فيكون الاختلاف في مجرّد التعبير، كما يستفاد من كلام بعضهم، و جُعِلَ ذلك وجه نسبة المحقّق الاختلاف إلى عبارات الأصحاب «2»، و لكنه لا يتمّ في كلام الدروس.

و إن قلنا بإرادتهم ما يقابل القتل فيكون الاختلاف في ما تقبل به الشهادة.

و نقل في شرح المفاتيح التعبير بالقتل خاصّة أيضاً، و نسبه إلى المشهور بين الأصحاب، و إنّا لم نظفر به.

و كيف كان، فلا ينبغي الريب في قبول شهادته في القتل؛ للخبرين المتقدّمين «3»، المعتضدين بالخبرين الآخرين، و بفتوى جمعٍ من عظماء الطائفة.

و القول بضعف الروايتين ضعيف؛ لأنّ رواية جميل صحيحةٌ على المختار- و إن كان فيها إبراهيم بن هاشم، و حسنته حجّةٌ كالصحيحة عند جماعة «4»؛ مع أنّ القبول في القتل مذهب الأكثر كما ذكره في المسالك و جمعٌ ممّن تأخّر عنه «5».

و من القائلين بقبوله الحلّي «6» الذي لا يعمل بالآحاد، إلّا بعد احتفافها بالقرائن القطعيّة.

و أمّا الجراح الغير البالغ حدّا القتل فالقول فيه و إن لم يكن مستفاداً من

______________________________

(1) انظر الانتصار: 251، و الغنية (الجوامع الفقهية): 625.

(2) الشرائع 4: 125.

(3) و هما رواية جميل و رواية محمّد بن حمران، المتقدمتين في ص 10.

(4) منهم صاحب الرياض 2: 425.

(5) انظر الرياض 2: 424.

(6) السرائر 2: 136.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18،

ص: 24

النصوص، إلّا أنّ ظاهرهم الإجماع عليه، فالظاهر أنّه أيضاً كالقتل.

و خالف فيه فخر المحقّقين، فاختار عدم القبول فيه «1»، و نسبه المحقّق الأردبيلي إلى غيره أيضاً.

لقوله سبحانه وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ «2».

و لحديث رفع القلم «3» الدالّ على أنّه لا عبرة بأقواله و عدم الوثوق به؛ لعلمه بعدم المؤاخذة، و عدم قبول إقراره على نفسه.

و اشتراط العدالة الغير المتحقّقة في الصبي.

و الكلّ ضعيف؛ لاختصاص الأول بغير الجنايات، مع كون الأمر في الآية للإرشاد، فلا يثبت الاختصاص.

و عدم دلالة رفع القلم على عدم العبرة، و عدم توقّف حصول الاطمئنان بعلمه بالمؤاخذة، و كون الأخير قياساً.

و منع عدم تحقّق العدالة في الصبي كما ذكره المحقّق الأردبيلي و منع «عموم اشتراطها لو لم يتحقّق فيه.

و هل يشترط في القبول عدم تفرّقهم إذا كانوا مجتمعين حذراً أن يُلَقَّنوا؟ كما نقله في المهذّب عن الخلاف و في التنقيح عن التقي و المحقّق في الشرائع و حكي [عن «4»] الفاضل في جملة من كتبه و عن الدروس و اللّمعتين «5».

______________________________

(1) الإيضاح 4: 417.

(2) البقرة: 282.

(3) الخصال: 93/ 40، الوسائل 8: 249 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 2.

(4) ما بين المعقوفين ليس في «ح» و «ق»، أضفناه لاستقامة المعنى .

(5) الخلاف 2: 613، التنقيح 4: 286، الشرائع 4: 125، الفاضل في التحرير 2: 207، القواعد 2: 236، الدروس 2: 123، اللمعة و الروضة البهية 3: 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 25

الظاهر: نعم؛ لمفهوم رواية طلحة «1»، و هو و إن كان معارضاً لإطلاق الخبرين بالعموم من وجه، إلّا أنّه يوجب الرجوع إلى الأصل المانع عن القبول.

و أمّا اشتراط كونهم مجتمعين على أمرٍ مباح إذا كانوا مجتمعين

كما ذكره جماعةٌ أيضاً «2» فلا دليل له في القتل، و أمّا الجراح فلمّا كان دليله الإجماع المخصوص بما تحقّق فيه ذلك الشرط يكون الموافق للدليل فيه الاشتراط، إلّا أنّ ثبوت الإطلاق في القتل و عدم الفصل بينه و بين الجراح في ذلك يرجّح العدم.

و لو اختلف كلامهم في الشهادة يؤخذ بالأول دون الآخر كما صرّح به الأكثر، منهم: المفيد و السيّد و الشيخ و التقي و المحقّق «3»؛ لخبري جميل و محمّد بن حمران «4»، بلا معارضٍ لهما.

و هل يشترط في قبول شهادته تحقّق غير البلوغ من الشرائط الممكنة تحقّقها في غير البالغ، أم لا؟

صرّح في المهذّب بالاشتراط.

أقول: الوجه: الرجوع في كلّ شرطٍ إلى دليله، فيلاحظ أنّه هل يشمل الصبي أم لا، و يفتى بمقتضاه.

و لا تلحق الصبيّة بالصبي كما صرّح به جماعة، كالحلّي في السرائر

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 18    25     المسألة الرابعة: الصبي البالغ عشرا إلى أن يبلغ كالمميز ..... ص : 21

(2) منهم المحقّق في الشرائع 4: 125، العلّامة في القواعد 2: 236، الشهيد في اللمعة (الروضة البهية 3): 125.

(3) المفيد في المقنعة: 727، السيد في الانتصار: 250، الشيخ في النهاية: 331، التقي في الكافي في الفقه: 436، المحقق في النافع: 286.

(4) المتقدمين في ص 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 26

و الفاضل في التحرير و شيخنا الشهيد الثاني في الروضة «1» اقتصاراً فيما يخالف الأصل على موضع الدليل.

الثاني من الشرائط: كمال العقل.

فلا تقبل شهادة المجنون بلا خلاف كما صرّح به كثير «2»، بل إجماعاً محقّقاً و منقولًا «3»؛ و هو الحجّة فيه.

مضافاً إلى ما يدلّ على اشتراط العدالة كتاباً و سنّة، و تحقّقها في غير

العاقل غير معقول، و تعارضه مع بعض العمومات لا يفيد؛ إذ يرجع حينئذٍ إلى الأصل، و إلى ما سيأتي في عدم قبول شهادة المغفّل و نحوه.

و قد يستدلّ «4» بقوله تعالى مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ «5»، و المجنون ليس منه.

مع أنّ في تفسير الإمام: عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السّلام) في قوله تعالى مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ قال: «ممّن ترضون دينه، و أمانته، و صلاحه، و عفّته، و تيقّظه فيما يشهد به، و تحصيله، و تمييزه، فما كلّ صالحٍ مميّزاً و لا محصّلًا، و لا كلّ محصّلٍ مميّزٍ صالح» «6».

و فيه: أنّه إنّما يفيد لو كانت في الآية دلالةٌ، على عدم قبول شهادة

______________________________

(1) السرائر 2: 136، التحرير 2: 207، الروضة 3: 125.

(2) منهم السبزواري في الكفاية: 279، الكاشاني في المفاتيح 3: 277.

(3) كما في الشرائع 4: 126، و كشف اللثام 2: 189، و الرياض 2: 425.

(4) كما في المسالك 2: 401، و الرياض 2: 425.

(5) البقرة: 282.

(6) تفسير الإمام العسكري (عليه السّلام): 672/ 375، الوسائل 27: 399 أبواب الشهادات ب 41 ح 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 27

غير من ترضون، و لا دلالة لها عليه؛ إذ قد عرفت أنّ قوله فَاسْتَشْهِدُوا مقدّماً عليه للإرشاد.

و قد يستدلّ «1» أيضاً بقوله في صحيحة محمّد المتقدّمة: «إن عَقَلَه حين يدرك أنّه حقّ» «2». و فيه تأمّل.

و مقتضى اشتراط العدالة في المجنون عدم القبول و لو وثق الحاكم بكونه معتاداً بالصدق و مطابقة الواقع في خبره كوثوقه بالعاقل.

و إن كان في بعض أفعاله كالمجانين دون بعض كالخائف بلا سبب، أو الضاحك بلا عجب، أو المتحرّك بلا داع فهو ليس مجنوناً، و لكنّه مريض.

و ذو الأدوار تقبل شهادته

حال إفاقته مع الوثوق باستكمال فطنة، بلا خلافٍ فيه أيضاً يوجد؛ لزوال المانع، و عموم الأدلّة.

و صرّح المتأخّرون من غير خلافٍ بينهم يعلم كما صرّح به بعضهم «3» أنّ في حكم المجنون: المُغَفَّل كالمُعَطَّل و هو الذي لا يحفظ و لا يضبط، و يدخل فيه التزوير و الغلط. و هو البله كما صرّح به جماعة «4» و كذا من يكثر غلطه و نسيانه، و من لم يتنبّه لمزايا الأُمور و تفاصيلها، إلّا أن يظهر إلى الحاكم عدم غفلته في خصوص ما يشهد به.

و تدلّ عليه العلّة المذكورة في موثّقة محمّد المتقدّمة «5».

______________________________

(1) كما في الرياض 2: 10.

(2) راجع ص 11.

(3) انظر الرياض 2: 425.

(4) منهم المحقّق في الشرائع 4: 126، الشهيد في الدروس 2: 124، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 369.

(5) في ص 2235.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 28

و قوله (عليه السّلام) في مرسلة يونس: «فإذا كان ظاهره ظاهراً مأموناً جازت شهادته و لا يسأل عن باطنه» «1»، فإنّ المراد بالمأمون إمّا المأمون من جميع الحيثيّات، أو من جهة الشهادة، و على التقديرين لا يشمل مثل المُغَفَّل.

و لو قيل باحتمال كونه مأموناً من الكذب، قلنا: لا شكّ أنّه لا يتعيّن ذلك المعنى ، فلو احتمل يدخل الإجمال، و يبطل بالعمومات الاستدلال، و يبقى أصل عدم القبول.

و موثّقة سماعة: عمّا يردّ من الشهود، فقال: «المريب، و الخصم، و الشريك» «2»، و لا شكّ أنّ المغفّل و نحوه مريب أي مُوقِع في الريب أو شكيك، أي مورث للشكّ.

و رواية السكوني: «إنّ شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا كان مرضيّاً و معه شاهدٌ آخر» «3».

و المرويّ في تفسير الإمام (عليه السّلام) عند تفسير قوله تعالى مِمَّنْ تَرْضَوْنَ

مِنَ الشُّهَداءِ قال: «كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) يحكم بين الناس بالبيّنات و الايمان» إلى أن قال: «فإن أقام بيّنةً يرضاها و يعرفها أنفذ الحكم» الحديث «4».

فإنّ المراد بالمرضيّ أو يرضاها إمّا المختار في الشهادة، أو من جميع

______________________________

(1) الكافي 7: 431/ 15، الفقيه 3: 9/ 29، التهذيب 6: 283/ 781، الإستبصار 3: 13/ 35، الوسائل 27: 392 أبواب الشهادات ب 41 ح 3 و فيه بتفاوتٍ يسير.

(2) التهذيب 6: 242/ 599، الإستبصار 3: 14/ 38، الوسائل 27: 378 أبواب الشهادات ب 32 ح 3.

(3) التهذيب 6: 286/ 790، الوسائل 27: 368 أبواب الشهادات ب 26 ح 5.

(4) تفسير الإمام العسكري (عليه السّلام): 673/ 375 376، الوسائل 27: 239 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 29

الوجوه، أو ما فسّره الإمام في تفسيره في الخبر الأول، و على كلّ تقدير لا يشمل نحو المغفّل. و احتمال المعنى الآخر لو كان أيضاً يوجب الإجمال المسقط للاستدلال بالعمومات.

الثالث: الإسلام.
اشاره

فلا تقبل شهادة الكافر مطلقاً.

لا لصدق الفاسق و الظالم المنهيّ عن الركون إليه؛ لاحتمال المناقشة فيهما بمنع الصدق في الأول، و كونه ركوناً في الثاني.

و لا للإجماع؛ لأنّه لا يثبت إلّا في الجملة، فلا يفيد في المطلق.

بل للأصل المتقدّم، و الأخبار، كروايتي السكوني:

أُولاهما: «إنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) كان لا يقبل شهادة فحّاش، و لا ذي مخزيةٍ في الدين» «1».

و الأُخرى: «لا تُقبَلُ شهادة ذي شحناء، أو ذي مخزيةٍ في الدين» «2».

و المرويّ في مجالس الصدوق: أخبِرني عمّن تقبل شهادته و من لم تقبل، فقال: «يا علقمة، كلّ من كان على فطرة الإسلام جازت شهادته» الحديث «3».

و الأخبار

الدالّة على أنّ مقبول الشهادة إنّما هو من ولد على الفطرة «4».

بضميمة صحيحة ابن سنان: عن قول اللَّه تعالى فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي

______________________________

(1) الكافي 7: 396/ 7، التهذيب 6: 243/ 603، الوسائل 27: 377 أبواب الشهادات ب 32 ح 1.

(2) الفقيه 3: 27/ 73، الوسائل 27: 378 أبواب الشهادات ب 32 ح 5.

(3) الأمالي: 91/ 3، الوسائل 27: 395 أبواب الشهادات ب 41 ح 13.

(4) الوسائل 27: 391 أبواب الشهادات ب 41.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 30

فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها «1» ما تلك الفطرة؟ قال: «هي الإسلام، فطرهم حين أخذ ميثاقهم على التوحيد، قال أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ «2» و فيهم المؤمن و الكافر» «3».

و مفهوم الشرط في رواية السكوني، و فيها: «و كذلك اليهود و النصارى إذا أسلموا جازت شهادتهم» «4».

و الأُخرى: «قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): اليهودي و النصراني إذا شهدوا ثم أسلموا جازت شهادتهم» «5».

و أخبار اشتراط العدالة و الصلاح «6» إن قلنا بعدم تحقّقهما في غير المسلم.

و لكن التحقيق: أنّ هذه الأخبار تعارض أخباراً أُخر مطلقة أو عامّة- مرّ شطرٌ منها، و منها ما يتضمّن قبول شهادة الضيف و الأجير و نحوها «7»، و منها ما يتضمّن قبول شهادة العدول «8» إن قلنا بتحقّق العدالة في غير المسلم بالعموم من وجه، الموجب للرجوع إلى الأصل أيضاً، فهو الدليل على عدم القبول مطلقاً دون غيره.

مضافاً في عدم قبول شهادة الكافر على المسلم إلى الإجماع المحقّق، و صحيحة الحذّاء: «تجوز شهادة المسلمين على جميع أهل

______________________________

(1) الروم: 30.

(2) الأعراف: 172.

(3) الكافي 2: 12/ 2.

(4) الفقيه 3: 28/ 80، التهذيب 6: 250/ 643، الوسائل 27: 389 أبواب الشهادات ب 39 ح 8.

(5) الكافي 7: 398/ 3،

التهذيب 6: 253/ 658، الوسائل 27: 388 أبواب الشهادات ب 39 ح 5.

(6) الوسائل 27: 391 أبواب الشهادات ب 41.

(7) الوسائل 27: 371 أبواب الشهادات ب 29.

(8) الوسائل 27: 391 أبواب الشهادات ب 41.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 31

الملل، و لا تجوز شهادة أهل الملل على المسلمين» «1».

و موثّقة سماعة: عن شهادة أهل الملّة، قال: «لا تجوز إلّا على أهل ملّتهم، فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم على الوصيّة؛ لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد» «2».

و صحيحة ضريس: عن شهادة أهل ملّةٍ هل تجوز على رجلٍ من غير أهل ملّتهم؟ فقال: «لا، إلّا أن لا يوجد في تلك الحال غيرهم، فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصيّة؛ لأنّه لا يصلح ذهاب حق امرئٍ مسلم، و لا تبطل وصيّته» «3».

و أمّا غير هذه الصورة فلا دليل عليه سوى الأصل المذكور، حتى في الشهادة للمسلمين؛ لاختصاص الأخبار المخصوصة بالشهادة عليهم، و كذا الإجماع؛ لأنّ المذكور في عبارات الأصحاب هو ذلك، و لا يعلم أنّ مرادهم المطلق؛ لاحتمال الاختصاص، بل يظهر من بعض كلماتهم ذلك، قال في السرائر: لا يجوز قبول شهادة من خالف الإسلام على المسلمين إلى أن قال-: و تجوز شهادة المسلمين عليهم و لهم «4». انتهى .

فإنّ ذكر القسمين في الأخير و أحدهما في الأول ظاهرٌ في الاختصاص، فالمناط فيه هو الأصل أيضاً.

______________________________

(1) الكافي 7: 398، 1، التهذيب 6: 252، 651، الوسائل 27: 386 أبواب الشهادات ب 38 ح 1.

(2) الكافي 7: 398، 2، التهذيب 6: 252، 652، الوسائل 27: 386 أبواب الشهادات ب 38 ح 2 و فيه صدر الحديث.

(3) الكافي 7: 399، 7، التهذيب 6: 253، 654، الوسائل 19: 309 أبواب

أحكام الوصايا ب 20 ح 1، بتفاوت.

(4) السرائر 2: 139.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 32

و على هذا، فيجب ترك الأصل فيما كان على خلافه دليل، كما في شهادة الكافر على أهل ملّته، كما اختاره الإسكافي و الشيخ في النهاية و الخلاف «1»، و نسبه في الأخير إلى بعض أصحابنا، و هو ظاهر الفاضل في المختلف بل صريحه «2»، و مال إليه في التنقيح و الكفاية «3».

و قد جعل بعض مشايخنا المعاصرين قول الخلاف و المختلف و التنقيح قولًا آخر غير ذلك، بل جعله رجوعاً من الشيخ عن ذلك «4»، حيث قال بعد اختياره ذلك القول-: و الوجه فيه إذا اختاروا الترافع إلينا، فأمّا إذا لم يختاروا فلا يلزمهم ذلك «5».

و الظاهر أنّه ليس قولًا آخر، بل هو بيانٌ لذلك القول، يعني: أنّ عدم القبول مع اختلاف الملّة إذا ترافعوا إلينا، فلا تقبل شهادة غير ملّتهم أو المسلم. و أمّا إذا لم يختاروا الترافع إلينا فلا يلزمهم إشهاد الموافق أو المسلم، و لا يشترط في إجراء أحكامهم عليه ذلك، بل يحكم بإجراء أحكامهم عليهم، كسائر الأحكام من الحلف و الطلاق و غيره.

و ليس هذا التفصيل مختصّاً بالخلاف، بل حكمه في النهاية أيضاً كذلك، و كذا كلّ من يجوّز شهادة بعضهم لبعضٍ من أهل ملّتهم، و لا يجوز مع الاختلاف.

و زاد في المختلف و التنقيح على قوله: إذا ترافعوا إلينا، قوله: و عدّلوا

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 722، النهاية: 334، الخلاف 2: 614.

(2) المختلف: 722.

(3) التنقيح 4: 288، الكفاية: 279.

(4) الرياض 2: 427.

(5) الخلاف 2: 614.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 33

الشهود عندهم «1».

و غرضه بيان اشتراط العدالة في دينهم في قبول الشهادة

أي كونه عادلًا بحسب دينهم كما ذكره أصحابنا في الشهادة على الوصيّة أيضاً. و ليس قيداً زائداً في ذلك القول، كما توهّمه في التنقيح «2»، و حمله على أنّ المراد تعديل الشهود عليه أيضاً، كما يظهر من استدلاله له بموثّقة سماعة المتقدّمة، الخالية عن المعارض رأساً.

و استدلّ في التنقيح أيضاً: بأنّ بعد تعديل الشهود عندهم يكون قضاءً بالإقرار؛ لما تقدّم من أنّه إذا أقرّ الخصم بعدالة الشاهدين حكم عليه «3».

و فيه أولًا: أنّ المراد من تعديل الشهود عندهم: كونهم عدولًا في ملّتهم، لا عدولًا بإقرار الخصم.

و ثانياً: أنّ الحكم على المشهود عليه بإقراره بالعدالة لأجل تحقّق تمام السبب من الشاهد العادل، لا لأجل إقراره بالحقّ، و إلّا لزم الحكم لو أقرّ بعدالة الشاهد الواحد أيضاً، و تمام السبب هنا فرع قبوله شهادة الكافر لمثله.

و ثالثاً: أنّ حكم الحاكم بالشاهد العادل باعتراف الخصم إنّما هو إذا لم يعرف الحاكم فسقه، و المفروض هنا عنده أنّ الحاكم يعلم فسقه.

نعم، قيّد في الكفاية بقوله: و كونه مقبول الشهادة باعتقاد المدّعى عليه «4».

و يمكن أن يكون مراده أيضاً أن يكون كذلك بحسب دينه و ما يعتقده

______________________________

(1) المختلف: 722، التنقيح 4: 288.

(2) التنقيح 4: 288.

(3) التنقيح 4: 288.

(4) الكفاية: 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 34

من الدين.

و زاد الإسكافي جواز شهادته على أهل سائر الملل غير المسلمين «1»، و ظاهر الخلاف أنّه أيضاً مذهب جماعة «2».

و لعلّ دليله: صحيحة الحلبي و محمّد: و هل تجوز شهادة أهل ملّةٍ على غير أهل ملّتهم؟ قال: «نعم، إذا لم يجد من أهل ملّتهم جازت شهادة غيرهم، إنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد» «3».

و جوابها: أنّها معارضةٌ مع صحيحة ضريس و موثّقة سماعة

«4»، فيرجع إلى الأصل؛ مع أنّهما أخصّ مطلقاً منها؛ لدلالتها على قبول الشهادة مع عدم الغير مطلقاً، و دلالتهما بمعونة قطع الشركة بالتفصيل على اختصاص ذلك بالوصيّة.

هذا، مع أنّه إن جعل مرجع ضمير: «ملّتهم» الثانية و ضمير: «غيرهم» أهل الذمّة يفسد المعنى إن أُريدت ملّةٌ خاصّة؛ إذ يصير المعنى : أنّه تجوز شهادة اليهودي- مثلًا على النصراني إن لم يوجد اليهودي.

و كذا إن ارجع ضمير «ملّتهم» إلى ما ذكر، و ضمير: «غيرهم» إلى غير أهل ملّتهم مع كونه خلاف الظاهر؛ إذ يصير المعنى : أنّه إن لم يوجد اليهودي تجوز شهادة النصراني على النصراني.

و إن أُريد مطلق الذمّي يكون المعنى : إن لم يوجد الذمّي تقبل شهادة غير الذمّي، أي الحربي أو المسلم.

و الأول خلاف الإجماع منطوقاً.

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 722.

(2) الخلاف 2: 614.

(3) الكافي 7: 4، 2، الفقيه 3: 29، 84 و فيه: عن عبيد اللَّه بن علي الحلبي، التهذيب 9: 180، 724، الوسائل 19: 310 أبواب أحكام الوصايا ب 20 ح 3، بتفاوت.

(4) المتقدّمتين في ص 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 35

و الثاني مفهوماً؛ إذ يدلّ على عدم قبول شهادة المسلم إن وجد اليهودي.

و إن جُعِلَ المرجعان: الغير، حتى يكون المعنى : تجوز شهادة اليهودي- مثلا على النصراني إذا لم يوجد نصراني، يصير مخالفاً للإجماع؛ إذ لم يقل أحدٌ بذلك.

و ظهر ممّا ذكرنا أنّه لم تخرج من الأصل إلا صورة واحدة، و هي شهادة أهل كلّ ملّةٍ على أهل ملّته خاصّة.

و هل تقبل له؟

الظاهر: لا؛ للأصل، إلّا إذا كانت عليه أيضاً فتسمع؛ لأنّ قبول الشهادة عليه بالدليل، و عدم قبولها له بالأصل، و الدليل مقدّمٌ على الأصل. و منه يعلم قبول شهادة الكافر للمسلم

و غيره على أهل ملّته أيضاً؛ لما ذكر.

فروع:

أ: لا يختصّ قبول شهادة الكافر على أهل ملّته بالذمّي، بل يعمّ جميع الكفّار، كما هو ظاهر كلام الإسكافي و القاضي و السرائر و المسالك «1» و غيرها «2»، حيث عبّر بعضهم بأهل الملّة، و بعضهم بالكافر، و بعضهم بمن خالف الإسلام.

نعم، عبّر بعضهم بأهل الذمّة، و صرّح أيضاً في الإيضاح بالإجماع على عدم قبول شهادة الحربي مطلقاً «3»، و لكنّه إجماعٌ منقول ليس بحجّة.

______________________________

(1) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 722، القاضي في المهذّب 2: 557، و انظر السرائر 2: 139، المسالك 2: 401.

(2) كالنهاية: 334.

(3) الإيضاح 4: 418.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 36

نعم، لو قلنا باختصاص أهل الملّة الواردة في الأخبار المتقدّمة «1» بغير الحربي يختصّ بالذمّي، و لكن فيه تأمّل.

ب: الكافر المنتحل إلى الإسلام كالمنكر لضروريّ الدين و كالمجبّرة و المجسّمة على القول بكفرهم، لا تقبل شهادتهم؛ للأصل المذكور، و لكونهم ذوي مخزيةٍ في الدين. و لا تقبل لمثلهم أيضاً؛ لعدم صدق الملّة عرفاً على طريقتهم.

ج: قد خرج من الأصل المذكور أيضاً: شهادة الذمّي للمسلم و عليه في الوصيّة بشروطٍ خاصّة تذكر، بلا خلافٍ يظهر، بل بالإجماع المحقّق و المنقول، نقله ابن زهرة و فخر المحقّقين و الصيمري «2»؛ لذلك، و لقوله سبحانه أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ الآية «3»، على بعض تفاسيرها.

و قال في الخلاف مِنْكُمْ أي من أقاربكم، و مِنْ غَيْرِكُمْ من الأجانب إن وقع الموت في السفر و لم يكن معكم أحدٌ من عشيرتكم فاستشهدوا أجنبيين على الوصيّة «4».

و الأول: هو المدلول عليه بالأخبار.

و الثاني:

مخالف للأصل و الظاهر، مع أنّه يثبت المطلوب بالإطلاق.

و للنصوص المستفيضة التي مرّ بعضها، و يأتي بعضٌ آخر.

______________________________

(1) راجع ص: 29 و 32.

(2) ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 625، فخر المحققين في الإيضاح 2: 635.

(3) المائدة: 106.

(4) الخلاف 2: 614، و فيه .. ذوا عدلٍ منكم» يعني من المسلمين «أو آخران من غيركم» يعني من أهل الذمّة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 37

لا يقال: ليست هذه الأخبار مخصوصة بالمسلم، بل هي عامّة، فتعارض ما يدلّ على عدم قبول شهادة الكافر على المسلم كصحيحة الحذّاء «1» بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل.

و لا يتوهّم خصوصيّة صحيحة ضريس لقوله: «لا يصلح ذهاب حقّ امرئٍ مسلم» «2»؛ لأنّ هذا المسلم إمّا الموصي أو الموصى له، و المشهود عليه هو الوارث، و لم يصرّح بكونه مسلماً. و منه يظهر عدم خصوصيّة رواية حمزة الآتية المتضمّنة لقوله: «إذا مات الرجل المسلم».

لأنّا نقول: بعد كون الموصي مسلماً يكون وارثه أيضاً كذلك؛ لعدم إرث الكافر من المسلم، فتكون رواية حمزة أخصّ مطلقاً.

و لو سلّم العموم من وجه لكان الترجيح أيضاً لأخبار القبول؛ للموافقة لعموم الكتاب، بل خصوصه بالتقريب المذكور؛ حيث إنّ الموصي فيه مسلمٌ قطعاً، كما هو مقتضى الخطاب فيه.

و يشترط في قبولها أُمور:

منها: عدم وجود مسلم، و الظاهر كونه إجماعيّاً أيضاً؛ و تدلّ عليه صحيحة ضريس و موثّقة سماعة المتقدّمتين «3»، و صحيحة هشام: في قول اللَّه تعالى أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ قال: «إذا كان الرجل في أرض غربة لا يوجد فيها مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم على الوصيّة» «4».

و لرواية يحيى بن محمّد: عن قول اللَّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 28.

(2) راجع ص 29.

(3)

في ص 29.

(4) الكافي 7: 398، 6، التهذيب 6: 252، 653، الوسائل 27: 390 أبواب الشهادات ب 40 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 38

آمَنُوا الآية، قال: «اللذان منكم مسلمان، و اللذان من غيركم من أهل الكتاب، فإن لم تجدوا من أهل الكتاب فمن المجوس» إلى أن قال: «و ذلك إذا مات الرجل في أرض غربة فلم يجد مسلمَين أشهدَ رجلين من أهل الكتاب يحبسان بعد العصر، فيقسمان باللَّه» إلى أن قال: «و ذلك إن ارتاب وليّ الميّت في شهادتهما» الحديث «1».

و رواية حمزة بن حمران: عن قول اللَّه عزّ و جلّ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ قال: فقال: «اللذان منكم مسلمان، و اللذان من غيركم من أهل الكتاب» فقال: «إنّما ذلك إذا مات الرجل المسلم في أرض غربة، و طلب رجلين مسلمين ليشهدهما على وصيّته، فلم يجد مسلمين، فليشهد على وصيّته رجلين ذمّيّين من أهل الكتاب، مرضيّين عند أصحابهما» «2».

و صحيحة أحمد بن عمر، و فيها: «اللذان منكم مسلمان و اللذان من غيركم من أهل الكتاب، فإن لم يجد من أهل الكتاب فمن المجوس» إلى أن قال: «و ذلك إذا مات الرجل بأرض غربة فلم يجد مسلمَين يشهدهما فرجلان من أهل الكتاب» «3».

و مرفوعة عليّ بن إبراهيم، و هي طويلة، و فيها: «فأطلق اللَّه تعالى شهادة أهل الكتاب على الوصيّة فقط إذا كان في سفرٍ و لم يجد المسلمَين» «4»، و بها يقيّد إطلاق الآية.

______________________________

(1) الكافي 7: 4، 6، الفقيه 4: 142، 487، التهذيب 9: 178، 715، الوسائل 19: 311 أبواب أحكام الوصايا ب 20 ح 6.

(2) الكافي 7: 399، 8، التهذيب 6: 253، 655، الوسائل 19: 312 أبواب أحكام الوصايا ب 20 ح

7.

(3) الفقيه 3: 29، 85، الوسائل 27: 390 أبواب الشهادات ب 40 ح 2.

(4) الكافي 7: 5، 7، تفسير القمي 1: 189، المحكم و المتشابه: 76، الوسائل 19: 314 أبواب أحكام الوصايا ب 21 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 39

و هل الشرط عدم وجود مسلم عدل مطلقاً و لو امرأة، أو عدم رجل مسلم كذلك، أو عدم رجلين مسلمين كذلك، أو عدم عدلين مسلمين؟

اختلفت في التعبير في هذا المقام كلمات الأصحاب، فبين مشترطٍ لعدم المسلم الشامل للواحد و المتعدّد الفاسق و العادل، كالنافع و المبسوط «1».

و أظهر منه كلام الشيخ في النهاية في باب الوصايا، قال: و لا تجوز شهادة من ليس على ظاهر الإسلام في الوصيّة، إلّا عند الضرورة و فقد المسلم، بأن يكون الموصي في موضعٍ لا يجد فيه أحداً من المسلمين ليشهده على وصيّته، فإنّه يجوز و الحال هذه أن يشهد نفسين من أهل الذمّة ممّن ظاهره الأمانة عند أهل ملّته، و لا تجوز شهادة غير أهل الذمّة على حال «2». انتهى .

و هو الظاهر ممّا نقل في المختلف عن المقنعة و العماني و الديلمي و الحلّي و القاضي «3».

و لعدم المسلمَين كالإسكافي «4».

و الحلبي يشملُ العدلَ المسلم «5» كالشرائع، قال: إذا لم يوجد من عدول المسلمين من يشهد بها «6».

و لعدم عدول المسلمين، كما في القواعد و الإيضاح و المسالك «7».

و لعدم المسلمَين العدلَين، كبعض شرّاح المفاتيح.

______________________________

(1) النافع: 287، المبسوط 8: 187.

(2) النهاية: 612.

(3) المختلف: 722.

(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 722.

(5) الكافي في الفقه: 436.

(6) الشرائع 4: 126.

(7) القواعد 2: 236، الإيضاح 4: 418، المسالك 2: 401.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 40

و لا يخفى أن مقتضى

إطلاق الروايتين الأُوليين «1» أنّ الشرط فقد المسلم مطلقاً و لو كان واحداً أُنثى، إلّا أنّ مقتضى ما بعدهما من الأخبار المعبّرة بالمسلم الذي هو حقيقة في الذكر فتخرج الأُنثى .

و المستفاد من الأربعة الأخيرة اشتراط فقد رجلين مسلمين، و لكونها أخصّ مطلقاً من الطائفة الأُولى يجب تخصيصها بها، فتقبل مع وجود رجلٍ مسلمٍ و لو عدل.

و أمّا اشتراط فقد العدلين من المسلمين، فتقبل مع وجود المسلمين الفاسقين أيضاً، أم لا فلا تقبل مع وجودهما؟

ظاهر إطلاق أكثر الأخبار: عدم الاشتراط، و ليست في الآية دلالةٌ على الاشتراط، إلّا أنّ ظاهر قوله: «ليشهدهما» في رواية حمزة، و: «يشهدهما» في صحيحة أحمد بن عمر الاشتراط؛ لأنّ العدلَين هما اللذان يشهدان فتؤثّر شهادتهما.

و حمل الإشهاد على الإحضار و سماع الشهادة سواء قُبِلَت أم لا خلاف الظاهر المتبادر، و كذلك ظاهر التعليل في الروايتين الأُوليين؛ إذ لو لم تقبل شهادة الكافر مع وجود مسلمَين فاسقَين و المفروض عدم كفاية شهادة الفاسقين أيضاً يذهب الحقّ.

فإن قيل: فلتقبل حينئذٍ شهادة الفاسقَين دون الكافرَين.

قلنا: الظاهر أنّه خلاف الإجماع، و لكن المنقول عن التذكرة تقديم المسلمَين المجهولَين، بل الفاسقان المتحرّزان عن الكذب «2». و احتمله الأردبيلي «3».

______________________________

(1) أي موثقة سماعة و صحيحة ضريس المتقدّم نصّهما في ص 29.

(2) التذكرة 2: 522.

(3) زبدة البيان: 474.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 41

و على هذا يمكن منع الإجماع، و لكنّه خلاف الأصل. و دفعه بالتعليل عليل؛ لما يأتي من إجماله.

و من ذلك يظهر أنّه يتّجه اشتراط فقد العدلَين من المسلمين، اللذَين يعرف الوارث أو الحاكم عدالتهما، أو يمكن إثباتها، و كذا العدلَين اللذَين يمكنهما تحمّل الشهادة و الأداء، فلا يكفي في عدم القبول وجود الأصمّين اللذَين

لا يسمعان الشهادة، أو الأخرسَين الغير المتمكّنين من الأداء، و البعيدين اللذَين لا يمكنهما أداء الشهادة على الوارث.

و منه ظهر أيضاً أنّه لا يكفي في عدم القبول كون أحد المسلمَين العدلَين الموصى له، أو من لا تقبل شهادته في حقّه.

و هل يكفي المسلمان اللذان أحدهما عدل، على القول بقبول شاهدٍ واحدٍ مع اليمين في عدم قبول شهادة الذمّيين؟

مقتضى قوله: «يشهدهما» «1»: لا، و إن لم يجر التعليل هنا، بل يمكن إثبات الحكم بكلٍّ من الذمّيين و الشاهد و اليمين.

و لو كان هناك مسلمان عدلان و ذمّيّان كذلك، فسمع الجميع الشهادة، و مات المسلمان أو أحدهما قبل الأداء، أو فسق، أو جن، لم تقبل شهادة الذمّيين؛ للأصل، و عدم شمول الإطلاقات لمثل ذلك.

و لو كان حاكمٌ من المسلمين غير نافذ الحكم على الوارث تقبل شهادة الكافر؛ للتعليل، بل الإطلاق.

و لو كان نافذ الحكم متمكّناً منه، ففي قبول شهادة الكافر عند حاكمٍ آخر إشكال، و كذا في قبولها مع وجود أربع مسلمات، و الظاهر القبول و إن أمكن الإثبات بنوعٍ آخر.

______________________________

(1) في صحيحة أحمد بن عمر، المتقدّمة في ص 36.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 42

و منها: أن يكون فقد المسلم حال تحمّل الشهادة و الاستشهاد؛ للأصل، و للأخبار المتقدّمة، فلا تقبل مع وجوده حينئذٍ و إن فُقِدَ حال الأداء.

و منها: الضرورة، فإنّه قيّد الشيخ في النهاية القبول بالضرورة، و كذلك صاحب المفاتيح «1» و بعض المعاصرين من مشايخنا «2».

و قيّد في شرح المفاتيح بالضرورة و فقد العدلَين المسلمَين.

فإن كان المراد بالضرورة: عدم إمكان إشهاد الغير ممّن تقبل شهادته، فهو كذلك، و لكن قيد فقد المسلم يغني عنه.

و إن كان لزوم الوصيّة كأن يوصي بحقٍّ لازم

فلا دليل على اشتراطه.

و لا يتوهّم أنّ التعليل المتقدّم يثبته، فإنّ مقتضاه الاختصاص بالحقوق اللّازمة الأداء؛ لأنّ في التعليل إجمالًا لا يصلح بانفراده للاستناد- كما يأتي و إن ذكرناه مع غيره تأييداً؛ مع أنّ للموصي أيضاً حقّا في ماله، كما ورد في الأخبار: إنّ الإنسان أحقّ بماله ما دام حيّاً «3»، فيجري التعليل في غير الحقوق اللّازمة أيضاً.

و منها: أن يكون الكافران من أهل الكتاب أو شبهه؛ للإجماع، و لصحيحة أحمد، و روايتي يحيى و حمزة «4»، الدالّة كلّها على الحصر، و بها تقيّد إطلاقات الآية «5» و الأخبار «6».

______________________________

(1) النهاية: 612، المفاتيح 3: 230.

(2) كصاحب الرياض 2: 64.

(3) انظر الوسائل 19: 296 أبواب أحكام الوصايا ب 17.

(4) المتقدمة جميعاً في ص 35 و 36.

(5) المائدة: 106.

(6) انظر الوسائل 27: 389 أبواب الشهادات ب 40.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 43

و منها: أن يكونا اثنين فصاعداً؛ لصريح الآية، و الأخبار الثلاثة المذكورة «1»، و الظاهر أنّه أيضاً إجماعي.

و هل تقبل شهادة مسلمٍ عدل و ذمّي كذلك، أم يشترط الذمّيّان؟

الظاهر الأخير؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد النصّ. و دعوى الأولويّة ممنوعة؛ لعدم معلوميّة العلّة.

فإن قيل: العلّة بالنصّ معلومة، و هي عدم صلاحيّة ذهاب حقّ أحد.

قلنا: هذا على فرض ثبوت حقّ لأحد، و الكلام بعدُ فيه، و أيضاً للوارث حقّ، فلعلّ في القبول ذهاب.

و منها: أن يكونا ذكرين؛ للآية، و الأخبار، و الأصل، فلا تقبل شهادة أربع ذمّيّات.

و منها: أن يكونا عدلَين في مذهبهما، ذكره أكثر الأصحاب «2»، بل قيل: لا خلاف فيه أجده «3».

و استدلّ له بالآية، حيث فسّرت بأنّ معنى أَوْ آخَرانِ أي اثنان ذوا عدلٍ من غيركم «4». و فيه نظر.

و يستدلّ

«5» أيضاً برواية حمزة المتقدّمة، و هي دالّةٌ على اشتراط كونهما مرضيّين. و الظاهر أنّ المرضيّ أعمّ من العادل.

______________________________

(1) في ص 36.

(2) منهم المفيد في المقنعة: 727، و الحلبي في الكافي في الفقه: 436، و الشهيد الثاني في المسالك 2: 401، و الكاشاني في المفاتيح 3: 277، و السبزواري في الكفاية: 279.

(3) انظر الرياض 2: 64.

(4) كما في المسالك 2: 401.

(5) كما في كشف اللثام 2: 370.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 44

و التحقيق: أنّه إن قلنا بتحقّق العدالة في غير المسلم- كما هو الظاهر فيثبت المطلوب بأخبار اشتراط العدالة في الشاهد «1»، و إلّا فالمراد ليس إلّا كونهما مرضيّين عند أصحابنا، فيثبت المطلوب بالرواية المذكورة.

و منها: أن يكون الموصي في السفر عرفاً أي في أرض غربة اعتبره جماعة، كصريح المحكيّ عن الإسكافي و الحلبي «2»، و ظاهر المبسوط و الغنية «3»، بل قيل: ربّما يفهم من الأخيرين كونه إجماعيّاً «4».

لمفهوم الشرط في الآية، و غير الأُوليين من الأخبار المتقدّمة، بل دلالة روايتي يحيى و حمزة و صحيحة أحمد على الحصر.

خلافاً للمحكيّ عن أكثر المتأخّرين «5»، بل عامّتهم كما قيل «6»، بل الأكثر مطلقاً، و ظاهر كثير من القدماء، كالشيخين في المقنعة و النهاية و العماني و الديلمي و القاضي و الحلّي «7»، بل قيل: و ربّما ظهر من الشرائع و التحرير انعقاد الإجماع عليه، حيث قالا: و باشتراط الغربة رواية مطرحة «8».

لظاهر التعليل المتقدّم، أي مراعاة الحقّ عن الذهاب، الموجودة في

______________________________

(1) الوسائل 27: 391 أبواب الشهادات ب 41.

(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 722، الحلبي في الكافي: 436.

(3) المبسوط 8: 187، الغنية (الجوامع الفقهية): 625.

(4) الرياض 2: 426.

(5) كالعلّامة في التحرير 2: 208،

و الشهيد في الدروس 2: 124، و الشهيد الثاني في الروضة 3: 128.

(6) في الرياض 2: 426.

(7) المقنعة: 727، النهاية: 334، حكاه عن العماني في المختلف: 722، الديلمي في المراسم: 202، القاضي في المهذّب 2: 120، الحلّي في السرائر 2: 139.

(8) انظر الرياض 2: 426.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 45

غير السفر أيضاً.

و إطلاق صحيحة ضريس و موثّقة سماعة، الخاليتين عن المخصّص و المقيّد، سوى مفهومي الحصر و الشرط المتقدّمين، و هما ضعيفان؛ لورودهما مورد الغالب.

و يردّ الأول بما مرّ من الإجمال؛ لأنّه إن أُريد من الحقّ الحقّ المعلوم فهو ليس بمعلوم؛ إذ ليس محلّ النزاع ما إذا حصل العلم من قول الشاهدين؛ لأنّ اعتباره حينئذٍ لا يشترط بشي ءٍ من العدد و العدالة و الذمّيّة و الوصيّة، بل هو في صورة عدمه، فمن أين يعلم الحقّ؟! و لو تمّ ذلك لجرى في كلّ دعوى لا شاهد عليها أصلًا أن يقال: يسمع قول المدّعى لئلّا يذهب حقّه.

و إن أُريد الحقّ المحتمل فيحتمل عدم تحقّق الوصيّة و ذهاب حقّ الوارث بالقبول أيضاً.

و الثاني بالتقييد بما استدلّ به الأولون، و ردّه بوروده مورد الغالب يَرِدُ على الإطلاق أيضاً، فلينصرف هو أيضاً إلى الغالب، و يرجع إلى الأصل.

مع أنّ الغلبة المدّعاة في زمان صدور نزول الآية بل صدور الأخبار ممنوعة؛ لجواز كون مسلمين كثيرين متوطّنين في مواضع يقلّ فيه المسلم.

مع أنّ هذا الحكم لا يختصّ بالمسلم حتى تُدّعى الغلبة، بل تقبل شهادة الذمّيين في الوصيّة على مثله و غيره من أصناف الكفّار.

و منها: أن يحلف الذمّيان الشاهدان بالصورة المذكورة في الآية، اعتبره الفاضل في التذكرة «1»، و جعله في المسالك أولى «2»؛ لدلالة الآية

______________________________

(1) التذكرة 2: 521.

(2) المسالك

2: 401.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 46

عليه، و عدم منافاة عمومات النصوص له.

و أُورد عليه بأنّ الآية مخصوصةٌ بصورة الارتياب، فلا تدلّ على الإطلاق كما ذكروه.

و يمكن أن يقال: إنّه ما لم يحصل العلم فالارتياب متحقّق، و حصول العلم من شهادتهما إمّا غير متحقّق أو نادر.

و منها: أن تكون في الوصيّة إجماعاً؛ و وجهه ظاهر، فلا تقبل في غيرها و لو استشهد به حال حضور موت المستشهد.

فلو أقرّ حينئذٍ بدينٍ أو حقٍّ لازمٍ و أوصى بأدائه لا يثبت الحقّ بشهادة الكافرين، بل تثبت وصيّته بالأداء، و يجب على من اوصي إليه بأدائه الأداء بعد ثبوت الحقّ بشهادة المسلم.

و لو قال: لفلان عليّ حقّ كذا فأدّوه، يتوقّف وجوب الأداء على الوصيّ بعد ثبوت الحقّ.

و منها: أن تكون في الوصيّة بالمال خاصّة، فلا تثبت بشهادتهما الولاية على الصغير المعبّر عنها بالوصاية، اعتبره جماعة «3»؛ وقوفاً فيما خالف الأصل على مورده، قال المحقّق الأردبيلي: و تشعر به بعض الروايات.

أقول: لم أظفر على تلك الرواية المشعرة بذلك، و يمكن أن يكون نظره إلى الروايات المتضمّنة للتعليل المتقدّم؛ حيث إنّ ذهاب الحقّ يكون في الوصيّة بالمال.

و فيه: أنّ الولاية أيضاً حقٌّ للوصي، بل تسليط الوصيّ على الصبيّ

______________________________

(3) كما في السرائر 2: 139، و التحرير 2: 208، و التنقيح 4: 287، و الرياض 2: 426.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 47

أيضاً حقٌّ للموصي.

و بالجملة: الوصيّة في النصوص مطلقة، و للقسمين شاملة، و تفرقة بعض المتشرّعة بينهما بتسمية أحدهما وصيّة و الآخر وصاية لا يوجب حصول حقيقة شرعيّة لها.

الرابع: الإيمان بالمعنى الأخص.

أي كونه من الفرقة الناجية الاثني عشرية، و اشتراطه هو المعروف من مذهب الأصحاب، بل عن جماعة منهم: صاحب المهذّب

و التنقيح و المسالك و الصيمري و الأردبيلي الإجماع عليه «1» و يدلّ عليه الأصل المتقدّم.

و لا تفيد عمومات قبول شهادة المسلم أو من ولد على الفطرة أو العادل «2» إن قلنا بتحقّق العدالة في المخالف أيضاً؛ لمعارضتها مع روايتي السكوني «3» المنجبرتين، المتضمّنتين لعدم قبول شهادة كلّ ذي مخزيةٍ في الدين، المعتضدتين بما في الأخبار من أنّهم شرٌّ من اليهود و النصارى و من الكلاب، و باشتراط كون الشاهد مرضيّاً كما مرّ في المغفّل بل هو بنفسه دليلٌ بالتقريب المتقدّم فيه.

و قد يقال أيضاً بعدم شمول الإطلاقات و العمومات لغير المؤمن بحكم التبادر و غيره «4».

______________________________

(1) التنقيح 4: 287، المسالك 2: 401، و حكاه عنهم في الرياض 2: 426.

(2) كما في الوسائل 27: 391 أبواب الشهادات ب 41.

(3) المتقدّمتين في ص 27.

(4) كما في الرياض 2: 426.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 48

و فيه منعٌ ظاهر.

و بخروج غير المؤمن من نحو" رجالكم" و" ترضون" من الخطابات الشفاهيّة المختصّة بالموجودين في زمن الخطاب، و لم يكن المخالف موجوداً فيه.

و فيه ما فيه، فإن الموافق أيضاً كذلك، إلّا قليل من أرباب السرّ.

و قد تخصّص الإطلاقات أيضاً بقوله سبحانه مِمَّنْ تَرْضَوْنَ «1» بضميمة ما ورد في تفسير الإمام في تفسيره «2».

و قد عرفت ما فيه أيضاً.

و قد يستدلّ «3» لعدم قبول شهادة المخالفين بالأخبار المتكثّرة المصرّحة بكفرهم، فلا تشملهم عمومات قبول شهادة المسلم.

و بتعميمهم ما دلّ على ردّ شهادة الكافر؛ لأنّ بها يثبت إمّا كفرهم حقيقةً كما هو رأي كثير من قدماء الأصحاب فيخرجون عن عنوان المسلم، أو مشاركتهم للكفّار في الأحكام، التي منها عدم قبول الشهادة.

و فيه: منع ثبوت الكفر الحقيقي لهم، كما ثبت في

موضعه.

و منع دلالة إطلاق الكافر عليهم على مشاركتهم لهم في جميع الأحكام؛ لما بيّن في الأُصول من أنّ الشركة المبهمة لا تفيد العموم.

و قد يستدلّ «4» أيضاً بآية النبإ «5»، و سائر ما يدلّ على ردّ شهادة الفاسق؛ و لا شكّ في فسقهم؛ لحكمهم بالباطل و بغير ما أنزل اللَّه، وَ مَنْ

______________________________

(1) البقرة: 282.

(2) راجع ص 24 و 26.

(3) كما في الرياض 2: 426.

(4) كما في الشرائع 4: 126.

(5) الحجرات: 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 49

لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ «1»، و قد ورد في أخبار العترة: أنّهم الفسّاق «2»، و أيّ فسقٍ أعظم من اعتقادهم الفاسد، الذي هو من أكبر الكبائر؟! و فيه ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني من أنّ الفسق إنّما يتحقّق بفعل المعصية مع عدم اعتقاد كونه طاعة «3».

و رُدّ تارةً: بأنّ مع ذلك الاعتقاد و إن لم يكن فاسقاً حقيقةً و لكنّه يصدق عليه عرفاً «4».

و أُخرى: بأنّ معه و إن لم يكن فاسقاً عرفاً حيث إنّ المتبادر منه مدخليّة الاعتقاد في مفهومه و لكنّه فاسقٌ لغةً و شرعاً؛ لعدم مدخليّة الاعتقاد فيه عليهما «5».

و يرد على الأول: بأنّ ألفاظ الكتاب و السنّة تحمل على المعاني الحقيقيّة دون عرفيّة ذلك الزمان، و إن أراد عرف زمان الشارع فممنوع جدّاً.

و على الثاني: أنّ الفسق في اللغة و الشرع ليس موضوعاً للأعمال المخصوصة مطلقاً و لذا لا يقال بفسق شارب الخمر دواءً أو جبراً، و كذا مفطر الصيام و نحوه بل للخروج عن طاعة اللَّه، و هو لا يتحقّق إلّا بالعلم بالنهي، فكيف مع اعتقاد الأمر؟! و لو لم يكن كذلك لزم فسق جميع المجتهدين و مقلّديهم، إلّا

واحداً غير معيّن؛ لأنّ حكم اللَّه الحقيقي ليس إلّا واحداً، و المخالفة في الفروع أيضاً تجاوزٌ عن الحدّ، و كون كلّ مجتهدٍ

______________________________

(1) المائدة: 47.

(2) انظر الوسائل 27: 373 أبواب الشهادات ب 30.

(3) المسالك 2: 401.

(4) انظر كفاية الأحكام: 279.

(5) انظر الرياض 2: 426.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 50

مكلّفاً بما أدّى إليه نظره يجري في الأُصول أيضاً؛ لمشاركة الدليل.

فالمناط في ردّ شهادة المخالف هو الإجماع و الأصل.

و لا تعارضهما صحيحة ابن المغيرة: رجل طلّق امرأة و أشهد شاهدين ناصبيّين، قال: «كلّ من ولد على الفطرة و عرف بالصلاح من نفسه جازت شهادته» «1».

إذ لم يصرّح فيها بقبول شهادة الناصبي، بل عدل عنه إلى ما عدل، و لا يعلم أنّ الناصبي مولودٌ على الفطرة؛ لأنّه كافرٌ بالإجماع بالكفر المقابل للإسلام، و ليس معروفاً بالصلاح؛ لأنّه ضدّ الفساد، و أيّ فسادٍ أكبر من عداوة من صرّح الكتاب العزيز بوجوب مودّته؟! و لو سلّم فغاية الجواب: العموم المعارض مع ما مرّ، اللّازم رفع اليد عنه و الرجوع إلى الأصل.

ثم إنّ في حكم المخالف كلّ ما خالف الشيعة في العقائد الحقّة الثابتة بالضرورة من أئمّتهم الأطياب، ممّا يوجب الخزي في الدين، و اللَّه الموفّق و المعين.

الخامس: العدالة.
اشاره

و الكلام فيها إمّا في اشتراطها في الشاهد، أو بيان حقيقتها و ما تتحقّق به و ما تعرف به، أو فيما يسقطها من خصوص المعاصي، أو في كيفيّة البحث عنها في الشاهد، فهاهنا أربعة أبحاث

______________________________

(1) الفقيه 3: 28، 83، التهذيب 6: 283، 778، الإستبصار 3: 14، 37، الوسائل 27: 393 أبواب الشهادات ب 41 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 51

البحث الأول في بيان اشتراطها في الشاهد
اشاره

و هو ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب كما في الكفاية «1» بل هو مجمعٌ عليه، و صرّح بالإجماع أيضاً جماعة، منهم: المحقّق الأردبيلي و الشهيد الثاني و صاحب المفاتيح و شارحه «2»، بل ادّعى الأخيران و بعض مشايخنا المعاصرين الضرورة الدينيّة عليه «3»؛ و يدلّ على الإجماع تطابق كلمات القدماء و المتأخّرين على اعتبارها فيه من غير نقل خلاف.

و أمّا ما في كلام بعض القدماء من كفاية ظاهر الإسلام مع عدم ظهور الفسق «4» فليس مراده نفي اشتراط العدالة، و لا أنّه هو العدالة كما قد يتوهّم، بل مراده أنّ الأصل فيه العدالة، لا بمعنى أنّ العدالة أصلٌ بالنسبة إلى الفسق، بل بمعنى أنّ القاعدة الثابتة من الشرع الحكم بثبوت العدالة فيه، نظير الذبائح في سوق المسلمين و الجلود في أيديهم، فإنّ التذكية فيها و إن كانت شرطاً ضرورة، و كانت على خلاف الأصل أيضاً، إلّا أنّ القاعدة الشرعيّة: الحكم فيما يؤخذ عن المسلم بالتذكية.

و يكشف عمّا ذكرنا من أنّ مرادهم ليس نفي اشتراط العدالة أنّ ممّن ينسب إليه كفاية ظاهر الإسلام: الإسكافي و المفيد و الشيخ في الخلاف، و صرّح كلٌّ منهم باشتراطها.

______________________________

(1) الكفاية: 279.

(2) الشهيد الثاني في المسالك 2: 401، المفاتيح 3: 278.

(3) كما في الرياض 2: 427.

(4) كما

في الاستبصار 3: 14، و المبسوط 8: 104، و حكاه في المختلف: 704 705.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 52

قال الأول: لو كانت بيّنة المدّعى من لا يعرف الحاكم عدالتها، فرّق بينهم، و يسمع من غير محضر المدّعى عليه، ثم سأله عنهما، فإن زكّاهما عليه أنفذ القاضي الشهادة عليه، و إن جرح المطلوب الشاهدين سأل القاضي في السرّ و العلانية، و قال لمدّعي الجرح: ثبّت جرحك، و أنفذ القاضي نفسين بالمسألة، فإن عدلت البيّنة و لم يثبت المدّعى عليه جرحه أنفذ الحاكم عليه، و إن رجع مَن وجّه الحاكم لا بجرحٍ و لا تعديل كانت الشهادة ساقطة «1». انتهى .

و قال الثاني: إذا شهد عند الحاكم من لا يخبر حاله و لم تتقدّم معرفته، و كان الشاهد على ظاهر العدالة، كتب شهادته ثم ختم عليها، و لم ينفذ الحكم بها حتى يثبت أمره و يتعرّف أحواله، فإن عرف له ما يوجب جرحه أو التوقّف في شهادته لم يمض الحكم بها، و إن لم يعرف شيئاً ينافي عدالته و إيجاب الحكم لم يتوقّف «2». انتهى.

و قال الثالث: إذا شهد عند الحاكم شاهدان يعرف إسلامهما و لا يُعرَف منهما جرحٌ حكم بشهادتهما، و لا يقف على البحث، إلّا أن يجرح المحكوم عليه، فحينئذٍ يجب عليه البحث، و به قال أبو حنيفة في الأموال و النكاح و الطلاق و النسب، و إن كانت في قصاصٍ أو حدٍّ لا يحكم حتى يبحث عن عدالتهما، و منع الشافعي و أبو يوسف و محمّد من الحكم حتى يبحث عنهما.

دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم، و أيضاً الأصل في المسلم العدالة، و الفسق طارٍ عليه، و أيضاً يعلم أنّه ما كان البحث في

أيّام النبيّ (صلّى اللَّه عليه و آله)،

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 705 و فيه: .. و إن رجع اللذان وجّه بهما الحاكم بجرحٍ و تعديل كانت الشهادة ساقطة.

(2) المقنعة: 730.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 53

و لا أيام الصحابة، و لا التابعين، و إنّما هو شي ء أحدثه شريك بن عبد اللَّه القاضي، فلو كان شرطاً ما أجمع أهل الأعصار على تركه «1». انتهى .

فإنّ كلام الأولَين صريحٌ في اشتراط العدالة، و يظهر من قول الثالث: و أيضاً الأصل في المسلم العدالة ذلك أيضاً، و إلّا لم يكن لذلك الاستدلال وجه.

و أمّا ما ذكرنا من أنّ مرادهم ليس أنّ العدالة هو ظاهر الإسلام مع عدم ظهور الفسق فيأتي بيانه، و إن كان يستفاد من ظاهر كلام بعضهم أنّه حَمَلَ كلامهم أنّ مجرد ذلك هو العدالة «2».

و ربّما يشعر بما ذكرنا من الأمرين أنّ جماعة من الفقهاء عنونوا عنوانين:

أحدهما: مسألة وجوب البحث عن العدالة و عدمها.

و الثاني: اعتبار العدالة في الشاهد و بيان معناها.

و ذكروا الأول في كتاب القضاء، و جعلوه من آداب القاضي، و نسبوا الخلاف فيه إلى من يحكى عنه كفاية ظاهر الإسلام.

و ذكروا الثاني في كتاب الشهادات، و ادّعوا عليه الإجماع، و لم ينسبوا الخلاف فيه إلى أحد.

و يدلّ على الأمرين أيضاً ما ذكره الشيخ في الاستبصار، حيث إنّه- بعد نقل رواية ابن أبي يعفور نقل مرسلة يونس المتضمّنة للأمر بالأخذ بظاهر الحال في خمسة أشياء، ثم ذكر أنّه لا منافاة بينهما؛ لأنّ المراد من الثانية: عدم وجوب الفحص و التفتيش، و من الاولى : بيان ما تتحقّق به

______________________________

(1) الخلاف 2: 591.

(2) المسالك 2: 361.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 54

العدالة و ما يقدح

فيها واقعاً و إن لم يلزم التفتيش عنها «1».

نعم، ظاهر كلام الفاضل في المختلف يفيد أنّه فهم منهم عدم اشتراط العدالة، حيث إنّه بعد ما نقل عبارات الأصحاب ممّن يكتفي بظاهر الحال و من لا يكتفي به قال: و المعتمد اشتراط العدالة؛ لنا: إلى آخر ما قال «2».

و ظاهر ما استدلّ به أيضاً إثبات اشتراط العدالة، و الظاهر أنّ مراده أيضاً ما ذكرنا، و أراد من اشتراط العدالة اشتراط العلم بها بنفسها، و عدم كفاية ظاهر الإسلام في الحكم.

و كيف كان، فيظهر للمتتبّع اتّفاق الأصحاب كلّاً على اشتراطها و تحقّق الإجماع عليه، فهو الأصل فيه، مع الكتاب، و السنّة.

أمّا الأول: فقوله سبحانه اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ «3».

و قوله تعالى شأنه يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ «4».

و قوله عزّ جاره وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ «5».

و يتمّ المطلوب بالإجماع المركّب.

و أمّا الثانية: فكثيرةٌ جدّاً، بل متواترة، منها: صحيحة ابن أبي يعفور، و فيها: بِمَ تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم و عليهم «6»؟ دلّت بالمفهوم على عدم القبول بدون معرفة العدالة.

______________________________

(1) الاستبصار 3: 13 14.

(2) المختلف: 705.

(3) المائدة: 106.

(4) المائدة: 95.

(5) الطلاق: 2.

(6) الفقيه 3: 24، 65، التهذيب 6: 241، 596، الإستبصار 3: 12، 33، الوسائل 27: 391 أبواب الشهادات ب 41 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 55

و مرسلة يونس: «استخراج الحقوق بأربعة وجوه: شهادة رجلين عدلين» الحديث «1».

و رواية أبي حمزة: «أحكام المسلمين على ثلاثة: شهادة عادلة» «2» الخبر.

و صحيحة البجلي: «لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلًا» «3».

و في صحيحته الأُخرى الطويلة الواردة في قضاء شريح في درع طلحة-: «و ما بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلًا» «4».

و رواية محمّد

في شهادة المملوك: «إذا كان عدلًا فهو جائز الشهادة» «5».

و رواية جابر: «شهادة القابلة جائزة على أنّه استهلَّ أو برز ميّتاً إذا سُئِلَ عنها فعدلت» «6».

______________________________

(1) الكافي 7: 416، 3، التهذيب 6: 231، 562، الوسائل 27: 241 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 7 ح 4.

(2) الكافي 7: 432، 20، التهذيب 6: 287، 796، و فيهما: عن الحسين بن ضمرة، عن أبيه، عن جدّه؛ و في الخصال: 155، 195، و الوسائل 27: 231 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 1 ح 6: عن ضمرة بن أبي ضمرة، عن أبيه، عن جدّه.

(3) الكافي 7: 389، 1، التهذيب 6: 248، 634، الإستبصار 3: 15، 42، الوسائل 27: 345 أبواب الشهادات ب 23 ح 1.

(4) الكافي 7: 385، 5، الفقيه 3: 63، 213 و فيه: و روى محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام ..، التهذيب 6: 273، 747، الإستبصار 3: 34، 117، الوسائل 27: 265 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 6.

(5) الكافي 7: 389، 2، التهذيب 6: 248، 633، الإستبصار 3: 15، 41، الوسائل 27: 345 أبواب الشهادات ب 23 ح 3.

(6) التهذيب 6: 271، 737، الوسائل 27: 362 أبواب الشهادات ب 24 ح 38.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 56

و في صحيحة حمّاد بن عثمان: «و لا يقبل في الهلال إلّا رجلان عدلان» «1».

و في صحيحة محمّد: «و لم يجز في الهلال إلّا شاهدَي عدل» «2».

و في رواية داود الطويلة: «لا تجوز شهادة النساء في الفطر إلّا شهادة رجلين عدلين» «3».

و مكاتبة الصفّار الصحيحة، و فيها: «إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعى يمين» «4».

و مرسلة الفقيه، و

فيها: «و إن شهد رجلان عدلان على شهادة رجل فقد ثبتت شهادة رجلٍ واحد» «5».

و في صحيحة الحلبي الواردة في جمّالٍ استكري لحمل زيت، فادّعى أنّه انخرق بعض الزقاق و أُهرق ما فيه-: «لا يصدّق إلّا ببيّنة عادلة» «6».

و رواية مسمع بن عبد الملك: «إنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) كان يحكم في

______________________________

(1) التهذيب 6: 269، 724، الإستبصار 3: 30، 96، الوسائل 27: 355 أبواب الشهادات ب 24 ح 17.

(2) الكافي 7: 386، 8، التهذيب 6: 272، 740، الإستبصار 3: 32، 108، الوسائل 27: 264 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 1.

(3) التهذيب 6: 269، 726، الإستبصار 3: 30، 98، الوسائل 27: 361 أبواب الشهادات ب 24 ح 36.

(4) الكافي 7: 394، 3، الفقيه 3: 43، 147، التهذيب 6: 247، 626، الوسائل 27: 371 أبواب الشهادات ب 28 ح 1.

(5) الفقيه 3: 41، 135، الوسائل 27: 404 أبواب الشهادات ب 44 ح 5.

(6) الكافي 5: 243، 1، الفقيه 3: 162، 710، التهذيب 7: 217، 950، الوسائل 19: 148 في أحكام الإجارة ب 30 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 57

زنديق إذا شهد عليه رجلان عدلان مرضيّان و شهد له ألف بالبراءة جازت شهادة الرجلين و أبطل شهادة الألف؛ لأنّه دين مكتوم» «1».

و رواية الشحّام الواردة في مثل الواقعة أيضاً و فيها: «فلا يقبل إلّا ببيّنة عادلة» «2».

إلى غير ذلك من الأخبار المتكثّرة الواردة في الموارد المتشتّتة. و اختصاص بعضها ببعض الشهود كالمملوك أو القابلة و بعض آخر ببعض الموارد- كالاستهلال أو الهلال أو الوصيّة أو نحوها غير ضائر؛ لعدم القول بالفصل قطعاً.

و قد يستدلّ أيضاً بالأخبار المتقدّمة المتضمّنة لاشتراط الصلاح، أو

المعروفيّة به، أو كونه عفيفاً صائناً، أو مأموناً، أو خيّراً، أو مرضيّاً، سيّما بضميمة ما مرّ في تفسيره نقلًا عن تفسير الإمام «3».

و بالأخبار المتضمّنة لاشتراط التوبة في القبول إذا صدر منه ذنب «4».

و بالأخبار المتقدّمة في كتاب القضاء، المتضمّنة لاعتبار الأعدليّة «5»، و الرجوع إلى القرعة مع التساوي.

و بالأخبار المتضمّنة لردّ شهادة الفاسق «6»، المثبتة لاشتراط عدمه، المستلزم لاشتراط العدالة، و عليه فتكون آية النبإ «7» أيضاً دليلًا.

______________________________

(1) الكافي 7: 404، 9، التهذيب 6: 278، 762، الوسائل 27: 410 أبواب الشهادات ب 51 ح 1، بتفاوتٍ يسير.

(2) التهذيب 7: 129، 564، الوسائل 19: 148 أبواب أحكام الإجارة ب 30 ذ ح 1.

(3) راجع ص 24 و 26.

(4) انظر الوسائل 27: 383 و 385 أبواب الشهادات ب 36 و 37.

(5) انظر الوسائل 27: 391 أبواب الشهادات ب 41.

(6) انظر الوسائل 27: 373 أبواب الشهادات ب 30.

(7) الحجرات: 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 58

و يمكن المناقشة في الأولَين: بعدم معلوميّة اتّحاد الصلاح اللغوي و العدالة و استلزامه لها و إن أمكن القول باتّحاد العرفي و استلزامه لها، و إرادة العرفي غير معلومة.

و في الأربعة المتعقّبة لهما: باحتمال أعميّة الأوصاف المذكورة من العفّة و الصيانة و الائتمان و الخيريّة و كونه مرضيّاً من العدالة، و إن احتمل إرادة ما يساوق العدالة أيضاً، كالعفيف من محارم اللَّه، و الصائن نفسه معها، و المأمون في تديّنه، و المرضيّ كذلك.

و في أخبار قبول شهادة التائب: بمثل ذلك أيضاً؛ إذ ليس كلّ تائبٍ عن الذنب بعادل، سيّما إذا لم يسبق ذنبه بالعدالة.

و في أخبار الأعدليّة: بعدم الدلالة.

و في أخبار الفسق: بأنّها إنّما تتمّ على انتفاء الواسطة بين العلم بالفسق

و العدالة، و هو محلّ نظرٍ و مناقشة، كما بيّنا في المناهج.

فالأولى الاكتفاء في الاستدلال بما ذكرنا و أمثالها، و هي كافية في المطلوب، سيّما مع مطابقة الكتاب، و موافقة الإجماع، و المعاضدة بالعقل و الاعتبار.

و لا تعارض هذه الأخبار الأخبار المشار إليها المتضمّنة للصلاح و العفّة و الائتمان و الارتضاء، و كفاية تلك الأوصاف في قبول الشهادة لما عرفت من احتمال أن يكون المراد منها ما يساوق العدالة.

نعم، الظاهر أنّه تعارضها بعض الأخبار المتضمّنة للفظ" الخير" كصحيحة محمّد: عن الذمّي و العبد يشهدان على شهادة، ثم يسلم الذمّي و يعتق العبد، أ تجوز شهادتهما على ما كانا أشهدا عليه؟ قال: «نعم، إذا

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 59

عُلِمَ منهما بعد ذلك خيرٌ جازت شهادتهما» «1».

و في المرويّ في تفسير الإمام (عليه السّلام) في بيان كيفيّة حكم رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله): «أقبل على المدعى عليه و قال: ما تقول فيهما؟ فإن قال: ما عرفت إلّا خيراً، غير أنّهما قد غلطا فيما شهدا عليّ، أنفذ عليه شهادتهما» «2»، فإنّ معلوميّة خير منهما لا ينافي عدم عدالتهما.

و كذا تعارضها أخبار قبول شهادة التائب، كرواية السكوني: «ليس يصيب أحدٌ حدّا فيقام عليه ثم يتوب إلّا جازت شهادته» «3».

و صحيحة القاسم بن سليمان: عن الرجل يقذف الرجل، فيجلد حدّا، ثم يتوب، و لا يعلم منه إلّا خير، أ تجوز شهادته؟ قال: «نعم» إلى أن قال: «كان أبي يقول: إذا تاب و لا يعلم منه إلّا خيرٌ جازت شهادته» «4».

و صحيحة الكناني: عن القاذف إذا أكذب نفسه و تاب، أتقبل شهادته؟ قال: «نعم» «5».

و الأخبار المتضمّنة لقبول شهادة من لا يعرف بفسق، كرواية العلاء: عن شهادة

من يلعب بالحمام، قال: «لا بأس إذا لم يعرف بفسق» «6».

______________________________

(1) الفقيه 3: 41، 139، الوسائل 27: 387 أبواب الشهادات ب 39 ح 1.

(2) تفسير الإمام العسكري (ع): 674، الوسائل 27: 239 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 6 ح 1، بتفاوتٍ يسير.

(3) الكافي 7: 397، 4، التهذيب 6: 245، 619، الإستبصار 3: 37، 124، الوسائل 27: 384 أبواب الشهادات ب 36 ح 3.

(4) الكافي 7: 397، 2، التهذيب 6: 246، 620، الإستبصار 3: 37، 125، الوسائل 27: 383 أبواب الشهادات ب 36 ح 2.

(5) التهذيب 6: 246، 621، الإستبصار 3: 37، 126، الوسائل 27: 384 أبواب الشهادات ب 36 ح 5.

(6) الفقيه 3: 30، 88، التهذيب 6: 284، 784، الوسائل 27: 394 أبواب الشهادات ب 41 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 60

و صحيحة حريز: في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا، فعدل منهم اثنان و لم يعدل الآخران، قال: فقال: «إذا كان أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور أُجيزت شهاداتهم جميعاً» إلى أن قال: «و على الوالي أن يجيز شهادتهم، إلّا أن يكونوا معروفين بالفسق» «1».

و الجواب عنها مضافاً إلى أنّ القسم الأول أعمّ مطلقاً من روايات اشتراط العدالة؛ لاختصاصها أيضاً بالمسلم بالإجماع و الأخبار، و كون الخير في القسم الأول أعمّ من العدالة، بل و كذا القسم الثاني؛ لأنّ موضوعه الذي هو التائب لا مدخليّة في الحكم إجماعاً، بمعنى: أنّه لا يشترط أن يكون تائباً بالإجماع، بل اللّازم عدم ظهور ذنب منه؛ إذ رفع الذنب الظاهر منه بالتوبة، فكونه تائباً من حيث هو هو ليس موضوعاً للحكم قطعاً، فيكون الموضوع بضميمة الإجماع المركّب من لم يُعلَم كونه مذنباً؛

إمّا لعدم العلم بالذنب، أو لرفعه بالتوبة-: أنّ معارضة هذه الأخبار لأخبار العدالة إنّما هي إذا لم يكن الموضوع فيها معرِّفاً شرعيّاً للعدالة كاشفاً عنها، و إلّا لم تكن معارضة لها:

و لذا لا تعدّ أخبار الاستصحاب «2» معارضة لأخبار اشتراط طهارة الثوب في الصلاة «3»، و لا اخبار جواز أخذ اللحم و الجلد من المسلمين «4» معارضة لأخبار اشتراط التذكية «5»؛ لأنّ مدلول أخبار الاستصحاب ليس أنّ

______________________________

(1) الكافي 7: 403، 5، التهذيب 6: 277، 759 و 286، 793، الاستبصار 3: 14، 36، الوسائل 27: 397 أبواب الشهادات ب 41 ح 18، بتفاوتٍ يسير.

(2) الوسائل 3: 466 أبواب النجاسات ب 37.

(3) الوسائل 3: 428 أبواب النجاسات ب 19.

(4) الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50.

(5) الوسائل 3: 489 أبواب النجاسات ب 49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 61

الطهارة السابقة كافية عن الطهارة الحاليّة و قسيم لها، و لا مدلول أخبار سوق المسلم و يده أنّهما قسيمان يدلّان على التذكية و كافيان عنها، حتى لو علم انتفاء الطهارة الحاليّة و التذكية يكفيان عنهما. بل مدلولهما: أنّ ما لم يعلم رفع طهارته السابقة فهو محكوم بالطهارة الحاليّة شرعاً، و المأخوذ عن يد المسلم محكوم بكونه مذكّى. فلا تنافي بين هذه الأخبار و أخبار شرطيّة طهارة الثوب و تذكية الجلد.

و الموضوعات في تلك الأخبار ليست أُموراً قسيمة للعدالة بدلًا عنها في ترتّب قبول الشهادة، بل هي معرِّفات لها و كاشفات عنها، فإنّ الأصل في مثل ذلك و إن كانت البدليّة و القسيميّة كما بيّناه في عوائد الأيّام إلّا أنّا بيّنا أيضاً أنّه قد يحكم بالمعرفة الشرعيّة بالدليل أيضاً؛ و الدليل عليه إمّا نصّ، أو إجماع، أو قرينة.

و من

القرائن الدالّة عليها: اشتراط عدم ظهور خلاف الأمر الأول مع الثاني أيضاً، فإنّ العرف يفهم حينئذٍ أنّ الأمر الثاني بدل عن العلم بالأول لا عنه نفسه، و أنّ مع الأمر الثاني يحكم شرعاً بتحقّق الأول أيضاً.

و من القرائن أيضاً: أن يستند ترتّب الحكم على الثاني إلى الأخذ بظاهر الحال، فإنّه يدلّ على أنّ العلّة للحكم ليس الأمر الثاني فقط، و إلّا لكان الاستناد إلى ظاهر الحال لغواً، بل هي أمر يظهر من الأمر الثاني بشهادة الحال.

و قد دلّ النصّ و الإجماع و القرائن فيما نحن فيه على أنّ كفاية موضوعات تلك الأخبار إنّما هي لأجل أنّها معرِّفة للعدالة شرعاً.

أمّا النصّ، فهو رواية سلمة بن كهيل، الواردة في مخاطبة شريح في آداب القضاء: «و اعلم أنّ المسلمين عدولٌ بعضهم على بعض، إلّا مجلوداً

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 62

في حدٍّ لم يتب منه، أو معروفاً بشهادة زور، أو ظنيناً» «1» الحديث.

و المرويّ في عرض المجالس للصدوق، عن الصادق (عليه السّلام): يا بن رسول اللَّه، أخبرني، عمّن تقبل شهادته و من لم تقبل، فقال: «يا علقمة، كلّ من كان على فطرة الإسلام جازت شهادته» إلى أن قال: «فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً، أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان، فهو من أهل العدالة و السرّ، و شهادته مقبولة و إن كان في نفسه مذنباً» «2».

فإنّ هذين الخبرين ظاهران في أنّ ظاهر الإسلام و التوبة مع عدم معروفية الفسق معرِّف للعدالة، و أنّ كفايته لأجل كشفه عن العدالة الشرعيّة، و كون المتّصف به عدلًا شرعاً.

و أمّا الإجماع، فلأنّ كلّ من اكتفى في الشهادة بظاهر الإسلام مع عدم ظهور الفسق صرّح باشتراط العدالة، و بأنّ الأصل في المسلم

العدالة كما مرّ.

و أمّا القرائن، فللتصريح في صحيحة حريز و رواية العلاء «3» بانضمام عدم معرفة الفسق منه. و قد عرفت أنّه قرينة على المعرّفيّة.

و لمرسلة يونس: عن البيّنة إذا أُقيمت على الحقّ، أ يحلّ للقاضي أن يقضي بقول البيّنة من غير مسألة إذا لم يعرفهم؟ فقال: «خمسة أشياء يجب أن يأخذوا فيها بظاهر الحال: الولايات، و المناكح، و المواريث، و الذبائح، و الشهادات، فإذا كان ظاهره ظاهراً مأموناً جازت شهادته، و لا يُسأل عن باطنه» «4».

______________________________

(1) الكافي 7: 412، 1، الفقيه 3: 8، 10، التهذيب 6: 225، 541، الوسائل 27: 211 أبواب آداب القضاء ب 1 ح 1.

(2) أمالي الصدوق: 91، 3، الوسائل 27: 395 أبواب الشهادات ب 41 ح 13؛ و فيهما: و الستر، بدل: و السرّ.

(3) المتقدّمتين في ص 57.

(4) الفقيه 3: 9، 29، الوسائل 27: 392 أبواب الشهادات ب 41 ح 3، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 63

و قد عرفت أنّ ذكر ظاهر الحال قرينة على إرادة المعرّفيّة، سيّما مع ذكر الذبائح أيضاً، فإنّ الأمر فيها على المعرّفيّة قطعاً.

هذا، مع أنّه على فرض التعارض أيضاً يكون الترجيح لأخبار العدالة؛ لموافقة الكتاب، و مطابقة عمل الأصحاب.

فرع: اشتراط العدالة في قبول الشهادة يشمل النساء أيضاً

فيما تقبل فيه شهادتهن؛ لرواية جابر المتقدّمة «1»، مع عدم القول بالفصل.

و لا ينافيه ما يأتي من رواية عبد الكريم بن أبي يعفور «2» المعلّقة قبول شهادتهن على أوصافٍ مخصوصة؛ لاحتمال كون هذه الأوصاف عدالة النساء كما ذكره جماعة «3»، و لولاه لكانت الرواية أعمّ مطلقاً من حديث العدالة، فلتخصّص به.

و هل يشمل الصبيان فيما تقبل فيه شهادتهم إن قلنا بتحقّق العدالة؟.

قيل: لا دليل على الاشتراط، و إطلاق روايات قبول شهادة المملوك إذا كان

عدلًا «4» ممنوع؛ لكونه في مقام بيان حكم آخر.

و قد يقال بالاشتراط؛ لإطلاق بعض الروايات، و حيث نقول بعدم تحقّق العدالة المعتبرة في الشهادة في الصبي كما يأتي يسقط هذا البحث عنّا.

نعم، يمكن اشتراط الائتمان من الكذب فيهم؛ للتعليل الوارد في موثّقة محمّد، المتقدّمة في مسألة اشتراط البلوغ «5».

______________________________

(1) في ص 53.

(2) التهذيب 6: 242، 597، الإستبصار 3: 13، 34، الوسائل 27: 398 أبواب الشهادات ب 41 ح 20.

(3) منهم الشيخ في النهاية: 325، العلّامة في المختلف: 704، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 379.

(4) انظر الوسائل 27: 345 أبواب الشهادات ب 23.

(5) راجع ص 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 64

البحث الثاني في بيان حقيقتها و كيفيّة معرفتها
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأُولى : قيل: اختلفوا في معنى العدالة،
اشاره

هل هي ظاهر الإسلام مع عدم ظهور فسق، أو حسن الظاهر، أو الملكة، أي الهيئة الراسخة في النفس الباعثة لها على ملازمة التقوى و المرّوة «1»؟ انتهى .

و قد يقال: إنّ ذلك خطأ من قائله، فإنّ من قال بحسن الظاهر أو ظاهر الإسلام قال: إنّه طريق معرفتها لا أنّه نفسها، و هو الظاهر من البيان و الدروس و الذكرى .

حيث قال في الأول في بحث صلاة الجماعة-: و جوّز بعض الأصحاب التعويل في العدالة على حسن الظاهر، و قال ابن الجنيد: كلّ المسلمين على العدالة حتى يظهر خلافها، و لو قيل باشتراط المعرفة الباطنة أو شهادة عدلين كان قوّياً «2».

و قال في الثاني في بحث الجماعة أيضاً: و تُعلَم العدالة بالشياع، و المعاشرة الباطنة، و صلاة عدلين خلفه، و لا يكفي الإسلام في معرفة العدالة خلافاً لابن الجنيد، و لا التعويل على حسن الظاهر على الأقوى «3».

و قريبٌ ممّا ذكر في الذكرى، و فيها علّل اكتفاء من يكتفي بحسن

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 390.

(2) البيان: 131.

(3) الدروس 1: 218.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 65

الظاهر بعسر الاطّلاع على البواطن «1».

و كذا هو الظاهر من صاحب الكفاية، حيث قال: الحكم بالعدالة هل يحتاج إلى التفتيش و الخبرة و البحث عن البواطن، أم يكفي الإسلام و حسن الظاهر ما لم يثبت خلافه؟

الأقوى : الثاني «2».

و أصرح منها كلام الكركي في الجعفريّة، حيث قال: و طريق معرفة العدالة ما مرّ، و صلاة عدلين خلفه، و لا يكفي الإسلام، و لا التعويل على حسن الظاهر على الأصحّ «3».

و قال والدي العلّامة قدّس سرّه في المعتمد: لم نعثر على مصرّحٍ من المشاهير بكون العدالة في عرف الشرع أحدهما. انتهى.

و كلام

العاملي في بحث [شهادات «4»] المسالك كالصريح في ذلك أيضاً، حيث قال: و الكلام في العدالة يتوقّف على أمرين، أحدهما: ما به تثبت، و الثاني: ما به تزول، فالأول قد تقدّم البحث فيه في القضاء، و أنّه هل يحكم بها للمسلم من دون أن يعلم منه الاتّصاف بملكتها، أم لا بدّ من اختباره أو تزكيته «5»؟

أقول: قد نسبوا القول بكون العدالة ظاهر الإسلام إلى الشيخ في المبسوط و الخلاف و الإسكافي و المفيد «6».

______________________________

(1) الذكرى: 267.

(2) كفاية الأحكام: 279.

(3) الرسالة الجعفريّة (رسائل المحقق الكركي 1): 126.

(4) في «ح» و «ق»: قضاء و الصحيح ما أثبتناه.

(5) المسالك 2: 401.

(6) نسبه إليهم في الحدائق 10: 18، و الرياض 2: 390.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 66

أمّا كلام المبسوط فهو أنّه قال: العدالة في اللغة: أن يكون الإنسان متعادل الأحوال متساوياً.

و في الشريعة: هو من كان عدلًا في دينه، عدلًا في مروّته، عدلًا في أحكامه.

و العدل في الدين: أن يكون مسلماً، لا يُعرَف منه شي ءٌ من أسباب الفسق.

و في المروّة: أن يكون مجتنباً للأُمور التي تسقط المروّة، مثل: الأكل في الطرقات، و مدّ الرجلين بين الناس، و لبس الثياب المصبّغة.

و في الأحكام: أن يكون بالغاً عاقلًا.

فمن كان عدلًا في جميع ذلك قبلت شهادته.

ثم قال ما ملخّصه: فإن ارتكب شيئاً من الكبائر سقطت شهادته، فأمّا إن كان مجتنباً للكبائر و مواقعاً للصغائر فإنّه يعتبر الأغلب من حاله «1». انتهى.

و قال فيه أيضاً: إن عرف عدالتهما حكم بشهادتهما، و إن عرفهما فاسقين ظاهراً أو باطناً لم يحكم، و إن لم يعرفهما، بل جهل حالهما- فالجهل على ضربين، أحدهما: لا يعرفهما أصلًا، و الثاني: أن يعرف إسلامهما دون عدالتهما لم

يحكم بشهادتهما حتى يبحث عن عدالتهما.

إلى أن قال ما ملخّصه: و به قال قومٌ إن كان في قصاصٍ أو حدّ، و إن كان غير ذلك حكم بشهادتهما بظاهر الحال، و لم يبحث عن عدالتهما بعد أن يعرف إسلامهما، إلّا أن يقول المحكوم عليه: هما فاسقان، فحينئذٍ

______________________________

(1) المبسوط 8: 217.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 67

لا يحكم حتى يبحث، فإذا عرف العدالة حكم، و إذا حكم بشهادتهما بظاهر العدالة عنده بعد حكمه فلو ثبت أنّهما كانا فاسقين حين الحكم بشهادتهما لم ينقض الحكم، و الأول أحوط عندنا «1». انتهى .

قال في المختلف بعد حكايته: و هو يعطي ترجيح ما قاله المفيد «2». أي وجوب الاستزكاء، كما مرّ في البحث الأول.

و أمّا كلامه في الخلاف فقد مرّ في صدر البحث الأول «3».

و أمّا المفيد فقال: العدل من كان معروفاً بالدين، و الورع عن محارم اللَّه تعالى «4».

و قال أيضاً ما سبق كما حكاه عنه في المختلف ما ملخّصه: إنّه إذا شهد عند الحاكم من لا يخبر حاله، و كان على ظاهر العدالة، يكتب شهادته، و لم ينفذ الحكم بها حتى يثبت أمره، فإن عرف له ما يوجب جرحه أو التوقّف في شهادته لم يمض الحكم بها، و إن لم يعرف شيئاً ينافي عدالته و إيجاب الحكم لم يتوقّف «5». انتهى .

قال في المختلف بعد نقله: و هو يعطي وجوب الاستزكاء في جميع الأحكام «6».

و أمّا الإسكافي فقد سبق كلامه في البحث الأول، و قال أيضاً: إذا كان الشاهد حرّاً، بالغاً، مؤمناً، بصيراً، معروف النسب، مرضيّاً، غير مشهور

______________________________

(1) المبسوط 8: 104.

(2) المختلف: 704.

(3) الخلاف 2: 591.

(4) المقنعة: 725.

(5) المقنعة: 730.

(6) المختلف: 704.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 68

بكذب

في شهادة، و لا بارتكاب كبيرة، و لا مقام على صغيرة، حسن التيقّظ، عالماً بمعاني الأقوال، عارفاً بأحكام الشهادة، غير معروف بحيف على معامل، و لا متهاون بواجب من علم أو عمل، و لا معروف بمعاشرة أهل الباطل، و لا الدخول في جملتهم، و لا بالحرص على الدنيا، و لا بساقط المروّة، بريئاً من أهواء أهل البدع التي توجب على المؤمنين البراءة من أهلها، فهو من أهل العدالة المقبول شهادتهم «1». انتهى .

قال في المختلف بعد حكايته: و ظاهر كلامه موافقة الشيخ في المبسوط «2».

ثم أقول: أمّا كلام المبسوط فما حكي عنه أولًا و إن أفاد أنّ العدل في الدين هو أن يكون مسلماً لا يُعرَف منه فسق، و لكن صرّح بأنّ العدالة المعتبرة في الشاهد ليست ذلك فقط، بل أن يكون مع ذلك بالغاً عاقلًا، مجتنباً عن منافيات المروّة.

و ظاهر ذلك و إن أفاد أنّ نفس العدالة ذلك إلّا أنّ ما نقل عنه بعد ذلك صريح في أنّ العدالة غير ذلك، و إن كان يكتفى في الحكم بها بذلك.

فإنّ قوله: و الثاني: أن يعرف إسلامهما دون عدالتهما لم يحكم بشهادتهما حتى يبحث عن عدالتهما.

و قوله: و إن كان غير ذلك حكم بشهادتهما بظاهر الحال و لم يبحث عن عدالتهما بعد أن يعرف إسلامهما.

و قوله: إلّا أن يقول المحكوم عليه هما فاسقان.

و قوله: فلو ثبت أنّهما كانا فاسقين حين الحكم.

______________________________

(1) نقله عنه في المختلف: 717.

(2) المختلف: 718.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 69

صريحةٌ في مغايرة العدالة مع ظاهر الإسلام و عدم ظهور الفسق.

و لذا صرّح الفاضل بعد نقله عنه: أنّه يعطي ترجيح ما قاله المفيد، أي ما نقله عنه قبل ذلك، و قال: إنّه يعطي

وجوب الاستزكاء.

و ممّا ذكرنا يظهر ظهور المحكيّ عن الخلاف أيضاً في المغايرة «1»، و يدلّ عليه أيضاً قوله: و أيضاً الأصل في المسلم العدالة «2». فإنّها لو كانت نفس ظاهر الإسلام لم يصحّ جعل العدالة أصلًا فيه، بل يكون نفسه.

و أمّا كلام المفيد، فأول ما نقلنا عنه صريح في المغايرة و إن العدالة هي المعروفيّة بالدين و الورع عن محارم اللَّه.

و كلامه الثاني و إن تضمّن قوله: و إن لم يعرف شيئاً ينافي عدالته لم يتوقّف، و لكن مع ذلك متضمّن لما يصرّح بالمغايرة، حيث حكم بوجوب البحث مع كونه على ظاهر العدالة، و لذا قال الفاضل بعد نقله: إنّه يعطي وجوب الاستزكاء.

و أمّا كلام الإسكافي، فكلامه الأول المتقدّم في المسألة الاولى لا يدلّ على كون العدالة ظاهر الإسلام مع عدم ظهور الفسق أصلًا، بل هو إلى الدلالة إلى المغايرة أظهر.

و كلامه الثاني: على أنّ من كان حرّا، بالغاً، مؤمناً، بصيراً مرضيّاً، غير معروف بفسق، بريئاً من أهواء أهل البدع، فهو من أهل العدالة. و أين ذلك من ظاهر الإسلام؟! فإنّه يتضمّن اشتراط الإيمان و كونه مرضيّاً و بريئاً من أهواء أهل البدع.

______________________________

(1) الخلاف 2: 591.

(2) الخلاف 2: 592.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 70

و قد عرفت ما ذكره الإمام في تفسيره في معنى الرضاء «1».

و ظهر ممّا ذكرنا أنّ القول بكون العدالة هي ظاهر الإسلام مع عدم ظهور الفسق ممّا لم يظهر قائل به، و نسبته إلى من نسب إليه غير جيّدة.

و أمّا حسن الظاهر، فالظاهر أنّه هنا في قبال حسن الباطن، و المراد من حسن الباطن: هو ملكة الإتيان بالأفعال الحسنة و الاجتناب عن القبيحة حتى تكون سريرته حسنة، فحسن الظاهر: كون

ظاهره ظاهراً حسناً، فتظهر منه الأفعال الحسنة، و يجتنب القبائح ظاهراً من غير معرفة بباطنه و سريرته. فيتّحد حسن الظاهر مع العدالة، بمعنى الملكة في الآثار الظاهرة، و يختلفان بالحقيقة، فيكون ظهور هذه الآثار أو نفسها عدالةً على القول بحسن الظاهر، و مبدؤها و منشأها يكون هي العدالة على القول بالملكة.

ثم إنّا لم نعثر من المتقدّمين على الفاضلين من ذكر ذلك بهذا العنوان، أي عنوان حسن الظاهر.

نعم، ذكره المحقّق في الشرائع «2» و الفاضل في بعض كتبه كالإرشاد و غيره «3» من غير ارتضائهما به، و ذكره جمع ممّن تأخّر [عنهما «4»] أيضاً «5».

إلّا أنّه يوجد في كلمات جمع من الأوائل ما لا يأبى عن حمله عليه ظاهراً، كما سبق في كلام المفيد، و قول الشيخ في النهاية، قال: العدل

______________________________

(1) راجع ص 24 و 26.

(2) الشرائع 4: 76.

(3) الإرشاد 2: 141، القواعد 2: 205.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 18    70     المسألة الأولى: قيل: اختلفوا في معنى العدالة، ..... ص : 64

(4) في «ح» و «ق»: عنده، و الأنسب ما أثبتناه.

(5) كصاحب المدارك 4: 66، و الذخيرة: 305، و الحدائق 10: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 71

الذي يجوز قبول شهادته للمسلمين و عليهم هو أن يكون ظاهره ظاهر الإيمان، ثم يعرف بالستر و الصلاح و العفاف و الكفّ عن البطن و الفرج و اليد و اللسان، و يعرف باجتناب الكبائر التي أوعد اللَّه عليها النار.

إلى أن قال: الساتر لجميع عيوبه، و يكون متعاهداً للصلوات الخمس، مواظباً عليهن، حافظاً لمواقيتهن، متوافراً على حضور جماعة المسلمين، غير متخلّف عنهم إلّا لمرض أو علّة أو عذر «1».

و الحلبي قال: يثبت حكم العدالة بالبلوغ و

كمال العقل، و الإيمان، و اجتناب القبائح أجمع و الظنّة و العداوة و الحسد و المناقشة «2».

و القاضي قال: العدالة معتبرة في صحّة الشهادة على المسلم، و تثبت في الإنسان بشروط، و هي: البلوغ، و كمال العقل، و الحصول على ظاهر الإيمان، و الستر، و العفاف، و اجتناب القبائح، و نفي التهمة و الظنّة و الحسد و العداوة «3».

و ابن حمزة قال: فالعدالة في الدين: الاجتناب عن الكبائر، و عن الإصرار على الصغائر «4».

و الحلّي قال: فالعدل في الدين أن لا يخلّ بواجب، و لا يرتكب قبيحاً، و قيل: لا يعرف بشي ء من أسباب الفسق، و هذا قريب أيضاً «5». انتهى .

______________________________

(1) النهاية: 325.

(2) الكافي في الفقه: 435، و في «ق» و ما نقله عنه في المختلف: 717: المنافسة، بدل: المناقشة.

(3) المهذّب 2: 556.

(4) الوسيلة: 230.

(5) السرائر 2: 117.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 72

فإنّه يمكن أن يراد من هذه الكلمات أنّه إذا كان كذلك ظاهراً يكون عادلًا، و تكون هذه الأفعال الظاهرة هي العدالة.

و لكن الظاهر من المعروفيّة بذلك كما في كلام المفيد [و من ] «1» قوله: و يعرف بذلك كما في كلام النهاية أن يُعلَمَ ذلك منه، و حسن الظاهر لا يكفي في العلم و المعرفة، و كذا الورع عن المحارم، أو اجتناب القبائح أو الكبائر. و نحوها ممّا وقع في كلمات الباقين حقائق في تحقّق هذه الأُمور واقعاً، و مجرّد الحصول في الظاهر لا يكفي فيه، فالمستفاد من هذه الكلمات أيضاً أمر زائد على حسن الظاهر، فهو أيضاً كظاهر الإسلام ممّا لم يُعلَمْ قائل بكفايته بخصوصه من القدماء، بل المتوسّطين، فكيف عن كونه نفس العدالة؟! و يمكن أن يكون المراد من الظاهر:

المحسوس مقابل غير المحسوس الذي هو الملكة، فيكون المراد: أنّ العدالة هي هذه الأفعال المحسوسة و إن لم يكن منشؤها الملكة. و لا ينافي اشتراط العلم و المعرفة بها؛ لعدّها عدالة، فيكون المراد: أنّه يجب أن تعرف منه هذه الأعمال حتى يحكم بعدالته؛ لأنّها هي العدالة.

نعم، ورد هذا العنوان في عبارات جمع من المتأخّرين «2» مضطرباً بين عدّه دليل العدالة و طريق معرفته كما هو ظاهر الأكثر أو نفسها.

و يمكن أن يكون المراد منه أيضاً: الظاهر المقابل للواقع و نفس الأمر، و أن يراد منه المحسوس؛ و كيف كان لم يظهر من أحد القول بأنّه هو العدالة.

______________________________

(1) في «ح» و «ق»: من، و الأنسب ما أثبتناه.

(2) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 361.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 73

و قال والدي العلّامة (قدّس سرّه) في المعتمد بعد ما قال أولًا: إنّ حسن الظاهر أو ظاهر الإسلام لا يكفي لطريق معرفة العدالة؛ لعدم استلزامهما لدليل العدالة حتى يعلم ثبوته بثبوتهما و نعْمَ ما قال-: إنّ هذا الاكتفاء إما لكونهما دليل العدالة كما يومئ إليه بعض الظواهر فقد ظهر فساده.

أو نفسهما، فهو خلاف ما ثبت في عرف الشريعة و الحكمة، بل الظاهر مخالفته للإجماع؛ إذ لم نعثر على مصرّح من المشاهير بكون العدالة في عرف الشرع أحدهما.

أو لعدم اشتراطهما في الشاهد و مثله، و كفاية أحدهما في قبول الشهادة و إن لم يكن عدالة و لا دليلًا لها، فهو خلاف النصّ القرآن و الإجماع القطعي، بل الضرورة. انتهى ملخّصاً.

و أمّا الملكة التي تبعث على ملازمة التقوى و المروّة، و اجتناب الكبائر و الأفعال الرذيلة فهي الراجعة إلى العدالة في عرف علماء الأخلاق، حيث عرّفوها: بأنّها هيئة

نفسانيّة يقتدر بها على تعديل جميع الصفات و الأفعال، و ردّ الزائد و الناقص إلى الوسط، و انكسار سورة التخالف بين القوى المتخالفة.

و بتقرير آخر: ملكة يقتدر بها العقل العملي على ضبط جميع القوى تحت إشارة العقل النظري.

و وجه الرجوع: أنّ ارتكاب المعاصي أو مخالفة المروّة إنّما ينشأ عن مخالفة القوّة العمليّة أوامر العقل النظري، و إلّا لما ارتكب إلّا ما يشير إليه، و هو لا يشير إلّا إلى ملازمة التقوى و المروّة، فجميع الفضائل النفسانيّة و الأعمال الظاهريّة مرتّبة على العدالة.

و لذا قال أفلاطون: العدالة إذا حصلت للإنسان أشرق بها كلّ واحد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 74

من أجزاء نفسه، و يستضي ء بعضها من بعض، فينتهض حينئذٍ لفعلها الخاصّ على أفضل ما يكون، فيحصل لها غاية القرب إلى مبدئها سبحانه. انتهى .

ثم كلام القدماء من فقهاء أصحابنا في تفسير العدالة الشرعيّة خالٍ عن ذكر الملكة، كما سمعت شطراً منها.

نعم، هو المشهور بين المتأخّرين من زمان المحقّق إلى زماننا هذا، و بها فسّرت في أكثر كتبهم، كما في المختلف و القواعد و الإرشاد و التحرير و تهذيب الاصول و نهاية الأُصول و الإيضاح و منية المريد و الدروس و الذكرى و التنقيح و الروضة و روض الجنان و جامع المقاصد و المعالم و تجريد الأُصول و أنيس المجتهدين و المعتمد و رياض المسائل «1»، و غيرها.

و في مجمع الفائدة: إنّه هو المشهور في الفروع و الأُصول «2».

و في كشف الرموز: إنّ تعريفها بذلك مشهور بين العامّة و الخاصّة في الفروع و الأُصول.

و عزاه في التنقيح إلى الفقهاء «3». و به عرّفها الغزالي و العضدي و الآمدي «4». بل الظاهر أنّ القدماء أيضاً و إن لم

يصرّحوا بلفظ الملكة و لكنّهم أرادوها من نحو قولهم: الورع عن محارم اللَّه، و الستر و العفاف،

______________________________

(1) المختلف: 718، القواعد 2: 236، الإرشاد 2: 156، التحرير 2: 208، الإيضاح 4: 420، الدروس 2: 125، الذكرى: 230، التنقيح 4: 289، الروضة 1: 378، روض الجنان: 289، جامع المقاصد 2: 372، معالم الأُصول: 201، الرياض 2: 391.

(2) مجمع الفائدة 2: 351.

(3) لم نعثر عليه في التنقيح، و لكنه موجود في كنز العرفان 2: 384.

(4) الغزالي في المستصفى 1: 157، العضدي في شرح المختصر: 167، الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 1: 308.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 75

و الكفّ و الاجتناب عن الكبائر و القبائح، و عدم الإخلال بالواجب، فإنّ المتفاهم عرفاً من هذه العبارات إرادة ملكة هذه الأُمور.

فإنّ من قال: اشتر عبداً كاتباً قارئاً بشّاشاً، لا يفهم منه إلّا صاحب ملكات هذه الصفات لا نفس الفعل.

بل و كذا لو قال: اشتر عبداً ورعاً عفيفاً مجتنباً عن مخالطة الأراذل، أو قال: لا تجالس إلّا غير مخلّ بالواجب، و نحو ذلك، لا يفهم منه عرفاً غير ذي الملكات، بل لولاه لكان المراد إمّا المتلبّس بهذه الآثار دائماً، أو أغلبيّاً؛ ضرورة عدم إرادة مجرّد التلبّس حال الشهادة.

و المتلبّس بها دائماً أو غالباً لا ينفكّ عن الملكة؛ لأنّها مسبّبة عن تكرّر الآثار، مع أنّا نعلم قطعاً أنّهم لا يعدّون مطلق الملبس بها و لو دائماً، حتى الذي كان تلبّسه لأجل مانع من الترك، كعدم التمكّن من شرب الخمر أو الزنا؛ لعدم الانفكاك عمّن يراقبه، أو عدم تركه الصلاة لأجل مخالطة الناس، و لولاه لترك عادلًا قطعاً، ما لم يكن ذلك من جهة نفسانيّة، فيكون مرادهم ملكة هذه الآثار قطعاً.

نعم،

تختلف كلماتهم فيما تضاف إليه الملكة، فمنهم من عبّر بملكة الورع «1»، و منهم من عبّر بملكة الاجتناب عن الكبائر و الإصرار على الصغائر «2»، و منهم من عبّر بملكة عدم الإخلال بالواجب و عدم ارتكاب القبائح «3»، و منهم من عبّر بملكة التقوى «4»، إلى غير ذلك. و مرجع الكلّ إلى أمر واحد.

______________________________

(1) قال المفيد في المقنعة: 725، و العدل من كان معروفاً بالدين و الورع عن محارم اللَّه عزّ و جلّ.

(2) كالشيخ حسن في معالم الأُصول: 201.

(3) كالقاضي في المهذّب 2: 556، و ابن إدريس في السرائر 2: 117.

(4) كالعلّامة في القواعد 2: 236، و المقداد في التنقيح 4: 289 و الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 351.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 76

و على هذا، فيكون تفسير العدالة بالملكة هو المشهور بين القدماء و المتأخّرين، بل هو المجمع عليه بين الأُصوليين و الفروعيين كافّة، حتى من جعل ظاهر الإسلام دليلًا عليها.

و لو أبيت عن اتّفاقه أيضاً فلا شكّ أنّه لا يقدح في الإجماع؛ لندرة القائل به، فيكون كون العدالة الشرعيّة هي ملكة الآثار المذكورة ممّا انعقد عليه الإجماع أي أنّها هي إجماعاً و إن اختلفت كلماتهم في الجملة فيما تضاف إليه الملكة كما عرفت.

و لو أبيت عن ذلك أيضاً فنقول: لا شكّ و لا ريب في الإجماع على كونها عدالة، بمعنى: أنّ ذا الملكة عادل إجماعاً أي تتحقّق له العدالة بأيّ معنى فُسّرت- فتكون هي القدر المشترك المجمع عليه قطعاً، و يكون الكلام في غيرها أنّه هل تتحقّق العدالة الشرعيّة بدونها أيضاً أم لا؟

و لتحقيق المقام في ذلك المرام نقول: إنّ العدالة في اللغة: الاستواء و الاستقامة، و التوسّط بين طرفي الإفراط

و التفريط. و قد تُطلَق على مقابل الجور.

و ظاهرٌ أنّ معناها اللغوي لا يمكن أن يراد منها في المواضع التي جعلها الشارع شرطاً، و لا خلاف في ذلك أيضاً، فاللّازم أن يمعن النظر في أنّه هل تثبت لها حقيقة شرعيّة أم لا؟

فإن ثبتت فهي المراد في كلام الشارع، و لا حاجة إلى البحث عن المعنى الآخر، إلّا أن تقام قرينة في موضع أنّ المراد هنا غير الشرعي.

و إن لم تثبت فيجب البحث و الفحص ثانياً في أنّه هل نصَّ الشارع أو أقام قرينة على أنّ المراد من العدالة فيما جعلها شرطاً أيّ شي ء هو، أم لا؟

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 77

فإن ظهر نصّ أو قرينة منه على مراده يجب الحمل عليه أيضاً.

و إن لم يظهر فيجب الحمل على المعنى المجازي إن اتّحد، و على الأقرب الثابت وجوب الحمل عليه إن تعدّد، سواء ثبتت لها حقيقة عرفيّة عامّة أو خاصّة أم لا؛ لأنّ العرفيّة العامّة إنّما يحمل اللفظ عليها إذا علم تحقّقها في زمان الشارع أيضاً، و إلّا فتُدفَع بأصالة تأخّر الحادث.

و إن لم يكن له أقرب كذلك، فإن كان في تلك المعاني المتعدّدة قدر مشترك فيحكم بإرادته قطعاً، و يُنفى الباقي بالأصل إن أمكن، و إلّا فيدخل الإجمال في اللفظ.

و بعد ذلك نقول: إن إثبات الحقيقة الشرعيّة في لفظ العدالة مشكل، سيّما في زمان نزول الآية و ما يقرب منه.

و تعريف الفقهاء لا يفيد النقل في زمن الخطاب.

و طريق معرفة الحقيقة الشرعيّة إمّا النصّ، أو الإجماع، أو إثبات علامات الحقيقة في زمان الشارع.

و الأخير غير متحقّق فيه و إن تحقّق في كثير من الألفاظ المتداولة.

و الإجماع على الحقيقة الشرعيّة غير ثابت.

و النصوص خالية

عن بيان الحقيقة فيها.

و على هذا، فاللازم أولًا: الرجوع إلى الأخبار، حتى ينظر أنّه هل بيّن الشارع مراده من العدالة، أو أقام قرينة عليه، أم لا؟ فإن وجد فيعمل بمقتضاه، و إلّا- فلتعدّد المجاز، و عدم وجود ما يعيّن أحد المجازات يؤخذ بالقدر المشترك، أو يعمل فيه بمقتضى الأُصول المقرّرة.

و الأخبار التي ذكروها في هذا المقام كثيرة، و لكن أكثرها ممّا يدلّ على اشتراط صفات في قبول الشهادة، و لا دلالة لها على تعيين معنى

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 78

العدالة أو المراد منها.

و تعليق قبول الشهادة عليها لا دلالة له على كونها عدالة، [كأخبار «1» قبول شهادة التائب المشار إليها في البحث الأول.

أو قبول شهادة من لا يعرف بفسق، كصحيحة حريز و رواية العلاء المتقدّمتين فيه أيضاً.

أو شهادة من عُلِمَ منه خير، كبعض الروايات المتقدّمة فيه أيضاً.

أو شهادة المرضيّ أو العفيف أو الصائن أو الصالح أو المأمون، [كبعض «2»] الأخبار المتقدّمة في صدر مسألة اشتراط البلوغ.

مع أنّ في المراد من أكثرها إجمالًا لا يتعيّن فيه معنى خاصّ، و لو تعيّن أيضاً فليس إلّا بعض ما اشتمل عليه الصحيح الآتي، فيجب اعتبار الباقي أيضاً حملًا للمطلق على المقيّد.

و الأخبار التي تتضمّن بيان معنى العدالة منحصرة في أربعة: روايتا سلمة بن كهيل و عرض المجالس المتقدّمتين «3».

و موثّقة سماعة: «من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدّثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم، كان ممّن حرمت غيبته، و ظهر عدله، و وجبت اخوّته» «4».

و صحيحة ابن أبي يعفور: بِمَ تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم و عليهم؟ فقال: «أن تعرفوه بالستر و العفاف و كفّ البطن

______________________________

(1)] في «ح»: فأخبار، و هي ساقطة عن

«ق»، و الأنسب ما أثبتناه.

(2) في «ح» و «ق»: لبعض، و الأنسب ما أثبتناه.

(3) في ص 59.

(4) الكافي 2: 239، 28، الوسائل 8: 315 أبواب صلاة الجماعة ب 11 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 79

و الفرج و اليد و اللسان، و يعرف باجتناب الكبائر التي أوعد اللَّه عليها النار، من شرب الخمر، و الزنا، و عقوق الوالدين، و الفرار من الزحف، و غير ذلك، و الدلالة على ذلك كلّه أن يكون ساتراً لجميع عيوبه، حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه، و يجب عليهم تزكيته و إظهار عدالته في الناس، و يكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهنّ و حفظ مواقيتهنّ بحضور جماعة من المسلمين، و أن لا يتخلّف عن جماعتهم في مصلّاهم إلّا من علّة، فإذا كان كذلك لازماً لمصلّاه عند حضور الصلوات الخمس، فإذا سُئل عنه في قبيلته و محلّته قالوا: ما رأينا منه إلّا خيراً، مواظباً على الصلوات، متعاهداً لأوقاتها في مصلّاه، فإنّ ذلك يجيز شهادته و عدالته بين المسلمين، و ذلك أنّ الصلاة ستر و كفّارة للذنوب، و ليس يمكن الشهادة على رجل بأنّه يصلي إذا كان لا يحضر مصلّاه و يتعاهد جماعة المسلمين، و إنّما جعل الجماعة و الاجتماع إلى الصلاة لكي يُعرَفَ من يصلّي ممّن لا يصلّي، و من يحفظ مواقيت الصلاة ممّن يضيع، و لو لا ذلك لم يمكن أحد أن يشهد على آخر بصلاح؛ لأنّ من لا يصلّي لإصلاح له بين المسلمين، فإنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) همّ بأن يحرق قوماً في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة المسلمين، و قد كان فيهم من يصلّي في بيته

فلم يقبل منه ذلك، و كيف تقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممّن جرى الحكم من اللَّه عزّ و جلّ و من رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) فيه الحرق في جوف بيته بالنار؟!» إلى أن قال: «و من رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته، و سقطت بينهم عدالته» إلى أن قال

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 80

«و من لزم جماعتهم حرمت عليهم غيبته، و ثبتت عدالته بينهم» «1».

و بيان معنى الحديث: أنّه لمّا سُئل عمّا تعرف به عدالة الرجل، فأجاب (عليه السّلام) بمعرفة كونه أهل الستر و العفاف، و كفّ الجوارح الأربع، و مجتنباً عن الكبائر. و لمّا كان في معرفة ذلك خفاء لكونها في غاية الصعوبة فبيّن ثانياً أنّ الدليل على ذلك و السبيل إلى معرفته كونه ساتراً لجميع عيوبه، متعاهداً للصلوات الخمس و حفظ مواقيتهن، و حضور جماعة المسلمين، غير متخلّف عن جماعتهم.

ثم بقي شيئان:

أحدهما: أنّ ستر العيوب و الاجتناب المشترط في العدالة إلى أيّ حدّ يلزم؟ فإنّه هل يلزم أن يكون ساتراً لمن له معاشرة و مصاحبة و خلطة، أو كلّ من لم يكن عالماً بعيوبه لأجل ستره و لو في مدّة قليلة؟ و كذا مواظبته و تعاهده للصلاة، فإنّه هل يكفي مجرّد رؤيته لازماً لمصلّاه في مدّة قليلة و زمان يسير، أو يستدعي الحكم بالعدالة أكثر من ذلك؟ فبيّن (عليه السّلام): بأنّ مجرّد الرؤية لا يكفي في ذلك، بل ينبغي أن يكون لازماً للمصلّي، و مع ذلك إذا سُئل في قبيلته و أهل محلّته- الذين عاشروه في مدّة طويلة و اطّلعوا على بعض من خفايا أمره يشهدوا بهذين الأمرين.

و ثانيهما: أنّه (عليه السّلام) حكم أولًا بأنّ

العدالة تعرف بالستر و الكفّ و اجتناب الذنوب، ثم جعل دليل ذلك التعاهد للصلوات، و كان وجه ذلك خفيّاً، فبيّنه (عليه السّلام) بقوله: «و ذلك أنّ الصلاة ستر» أي دافع و حاجز و كفّارة

______________________________

(1) الفقيه 3: 24، 65، التهذيب 6: 241، 596، الإستبصار 3: 12، 33، الوسائل 27: 391 أبواب الشهادات ب 41 ح 1 و 2، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 81

للذنوب، كما قال سبحانه إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ «1».

ثم بقي شي ء آخر، هو أنّ الصلاة إذا كانت كفّارة للذنوب فهي تكفي في الحكم بالعدالة، و لم تكن حاجة لحضور جماعة المسلمين، و كيف جعل ترك ذلك المستحبّ قادحاً في العدالة؟ فأوضَحَه بأنّ اشتراط حضور جماعتهم ليس لكونه في نفسه دليلًا على الاجتناب من الذنوب و كفّارة لها، بل لأنّه لمّا لم تكن معرفة كون أحد ساعياً في صلاته و حافظاً لمواقيتهن، و لم يمكن الشهادة بأنّه يصلّي إلّا مع التعاهد للجماعة و حضور المصلّى، فلذلك جعل التعاهد لها من متمّمات الحكم بالعدالة.

ثم لمّا كان لأحد أن يقول: إذا كان اشتراط التعاهد لذلك، فلو علمنا أنّ أحداً يصلّي في بيته لكان كافياً، و لا يحتاج إلى تعاهد للجماعة. استأنف كلاماً آخر و قال: «إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) همّ» إلى آخره، يعني: أنّ ما ذكر كان سبباً لشرع الجماعة، و لمّا كان تركها في أوائل الإسلام مؤدّياً إلى ترك الصلاة همَّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) بأن يحرق قوماً في منازلهم و إن كان فيهم من يصلّي في بيته؛ لاستقرار ذلك الأمر المستحبّ الموجب لاستقرار الواجب، فلأجل ذلك لا يحكم بالعدالة و إن علمنا

بكون الرجل مصلّياً في بيته.

ثم المفيد فيما نحن فيه هو ما ذكره أولًا من قوله: «أن تعرفوه» إلى قوله «و غير ذلك» و أمّا ما بعده فلا يفيد ها هنا، و إن أفاد في طريق معرفة العدالة.

نعم، يستفاد من جملة ما ذكره اشتراط التعاهد للصلاة و حفظ

______________________________

(1) العنكبوت: 45.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 82

مواقيتهنّ و حضور جماعة المسلمين في ثبوت أصل العدالة.

ثم إنّ حاصل ما يدلّ عليه «1» الستر و العفاف و كفّ الجوارح الأربع و اجتناب الكبائر، و إذا ضمّ إليه ما يستفاد من بعده أيضاً [يزيد «2»]: حفظُ مواقيت الصلاة و حضور جماعة المسلمين.

هذا على جعل قوله: «أن تعرفوه» إعادةً لقوله: بِمَ تُعرَف، و يكون قوله: «و يعرف باجتناب الكبائر» عطفاً على قوله: «تعرفوه» و يكون الفعل منصوباً بلفظ أن، يعني: أنّه لمّا سُئل أنّه بِمَ تعرف بين المسلمين عدالة الرجل؟ أجاب: بأن تعرفوه بالستر و العفاف و اجتناب الكبائر، أي يعرف بهذه الصفات.

و يمكن أن يكون: «يعرف» مضموماً، و يكون عطفاً على مجموع: «أن تعرفوه»، يعني: أنّ العدالة تعرف بالستر و العفاف و الكفّ، و تعرف باجتناب الكبائر أيضاً.

فعلى الأوّل يكون المجموع معرِّفاً واحداً، و على الثاني يكون كلّ منهما معرِّفاً برأسه.

و يمكن أن لا يكون قوله: «أن تعرفوه» إعادةً لقوله: «تعرف» بل يكون: «يعرف» مقدّراً، و يكون المعنى : و يعرف بأن تعرفوه بالستر، أي يعرف بالمعروفية بهذه الصفات، و يكون لقوله: «و يعرف» حينئذٍ الاحتمالان المذكوران ان أيضاً، و لكن لا يختلف المطلوب بذانك الاحتمالان كما لا يخفى .

و هاهنا احتمال آخر، و هو أن يكون قوله: «و يعرف» ابتداءً للكلام،

______________________________

(1) في «ح» و «ق»: زيادة: أنّ.

(2) في «ح» و

«ق»: بزيد، و الأنسب ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 83

و يكون المستتر فيه راجعاً إلى الستر و العفاف و الكفّ، يعني: العدالة: الستر و العفاف و الكفّ، و يعرف الستر و العفاف و الكفّ الذي هو العدالة باجتناب الكبائر، و لا يحتاج إلى معرفة الكفّ عن جميع المعاصي.

و هذا هو ظاهر الأكثر، حيث اقتصروا بالأخذ في تعريف العدالة باجتناب الكبائر، فيكون هو معرّفاً للستر و العفاف و الكفّ، و يكون ما بعده معرّفاً إمّا للمجموع أو للحكم باجتناب الكبائر.

ثم إنّ ما ذكر في الصحيحة على جميع احتمالاتها من الأوصاف هي الأوصاف الظاهرة التي ذكرها القدماء، و جعلوها أو ملكتها هي العدالة.

فإن قلنا: إنّ المتبادر من ذلك الكلام إرادة ملكة هذه الأوصاف كما أشرنا إليه سابقاً فيكون مدلول الصحيحة هو كون العدالة ملكة، و إلّا فيتردّد الأمر بينها و بين هذه الأوصاف؛ لأنّ ما علم منها هو أنّ العدالة تعرف بكذا و كذا، و لا شكّ أنّ معرفتها بها يحتمل أن تكون لأجل كونها هي هي، و كلّ وصفٍ جزءٌ لها كما يقال: يعرف الكتاب الفلاني بالمسائل الفلانيّة و أن تكون لأجل كونها علائم لها أو لوازم، كما يقال: يعرف وجود النار بوجود الدخان.

و على هذا، فمدلول الصحيحة: أنّ هذه الأوصاف ممّا يعلم بحصولها العدالة. و أمّا أنّ العدالة هل هي هي، أو الملكة؟ فلا يعلم منه حينئذٍ.

هذا معنى الصحيحة.

و أما مدلول رواية سلمة «1» فهو: أنّ المسلم الذي لم يكن مجلوداً في حدّ، أو معروفاً بشهادة: زور، أو ظنيناً و المراد ما يشمل الفاسق كما صرّح في الأحاديث المعتبرة [فهو «2»] عدل.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 59.

(2) ما بين المعقوفين ليس في «ح»

و «ق»، أضفناه لاستقامة العبارة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 84

و مفاد رواية المجالس «1»: أنّ من ولد على فطرة الإسلام و لم تر بعينك أنّه يذنب و لم يشهد به عدلان فهو من أهل العدالة.

و معنى رواية سماعة «2»: أنّ من اجتمعت خصالٌ ثلاث فيه و هي: عدم الظلم عند المعاملة، و عدم الكذب عند المحادثة، و عدم الخلف عند المواعدة فهو ممّن ظهرت عدالته.

و قد يقال: إنّه إن كان المراد من هذه المفاداة أنّ بتوسّط تلك الأُمور تعرف العدالة إمّا لكونها هي هي أو لوازمها و خواصّها، فيحصل التعارض بين تلك الأخبار الثلاثة و بين الصحيحة بالعموم و الخصوص المطلق؛ إذ مفاد الصحيحة: أنّ العدالة ملكة الستر و العفاف و الكفّ و اجتناب الكبائر و مواظبة الصلوات الحاصلة للمسلم.

أو تعرف بهذه الأُمور، إمّا من جهة أنّها هي، أو أنّها من لوازمها الغير المتخلّفة عنه.

و مفاد الثلاثة: أنّها الإسلام و عدم العلم بارتكاب الفسق؛ أو: الإسلام و العلم بعدم الظلم و الكذب و الخلف بشي ء.

و لا شكّ أنّ الأخيرين أعمّ مطلقاً من الأول، فيجب تخصيصهما به، سيّما مع ضعف أسناد الثلاثة و صحّة هذه، و معاضدة الصحيحة بالشهرة القويمة القديمة و الجديدة، بل بالإجماع، و مخالفة الثلاثة لعمل المتقدّمين و المتأخّرين بحيث صارت شاذّة، كما صرّح به في الشرائع «3» و موافقة الصحيحة لأصالة عدم ثبوت العدالة لغير من اتّصف بهذه الأوصاف.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 59.

(2) المتقدّمة في ص 76.

(3) الشرائع 4: 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 85

أقول: إن كان المراد في هذه الأخبار: أنّ هذه الأُمور نفس العدالة، لأمكن القول بتعارضها، و يكون بالتباين لا بالعموم و الخصوص المطلقين.

أمّا لو

كان المراد التعريف باللوازم و الآثار فلا تعارض أصلًا، كما لا تعارض بين قولك: يعرف الإنسان بالنطق و الضحك، و قولك بالكتابة و استقامة القامة؛ و لا بين قولك: تعرف النار بالإحراق، و قولك: تعرف بالإحراق و الدخان.

نعم، يعارض مفهوم الشرط في الصحيحة في قوله: «فإذا كان كذلك لازماً» إلى آخره، و قوله: «و من رغب عن جماعة المسلمين» و قوله: «من لزم جماعتهم» إلى آخره الأخبار الثلاثة بالعموم من وجه، و كذا قوله فيها: «و كيف تقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين».

و على هذا، فإن رجّحنا الصحيحة بالمرجّحات المتقدّمة، و إلّا فيرجع إلى الأصل، و هو أيضاً مع الصحيحة، بل لنا أن نقول: إنّه قد عرفت أنّ ما يستفاد من الأخبار الثلاثة من كون العدالة هي ما ذكر فيها أو ملزوماً له إمّا لا قائل به منّا أصلًا، أو شاذٌّ نادرٌ لا يُعبأ به، و ثبت على خلافه الإجماع، و مثل ذلك الخبر لا يكون حجّة البتّة، فلا يكون للصحيحة معارض صالح للمعارضة، فتكون هي المرجع في معرفة العدالة.

و لكن لو لم نقل أنّها ظاهرة في إرادة الملكة يكون مدلول الصحيحة في معنى العدالة مردّداً بين معنيين:

أحدهما: الهيئة النفسانيّة التي ذكرها المتأخّرون.

و ثانيهما: الأوصاف الظاهرية، كما هو أحد احتمالي كلمات القدماء. و تلك الأوصاف و إن كانت مختلفة في عباراتهم إلّا أنّ مرجع الجميع الى أُمور متقاربة، بل أمر واحد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 86

و لكن ذلك التردّد غير ضائر في ترتّب الثمرة في هذا المقام؛ لأنّه لو جعل الشارع أو غيره وجود شي ء مناطاً لحكم من الأحكام و لذلك احتجنا إلى معرفة ذلك الشي ء و العلم بحقيقته لنحكم عند وجوده بترتّب

الحكم و عند عدمه بعدمه فكما يفيدنا العلم بحقيقة ذلك الشي ء كذلك تفيدنا معرفة علائمه و لوازمه المساوية، و كلّ واحد من هاتين المعرفتين يغنينا عن الأُخرى ؛ لأنّ مفاد الحكم هو العلم بوجود هذا الشي ء، و هو كما يحصل بمعرفة ذلك الشي ء نفسه، كذلك يحصل بالعلم بوجود ما لا ينفكّ ذلك الشي ء عنه.

فمراد الشارع من العدالة على هذا و إن لم يكن متعيّناً عندنا و لكن بيّن لنا أُموراً، أو حكم بعدم انفكاك العدالة عنها، سواء كان عدم الانفكاك لأجل أنّ تلك الامور أجزاء لها أو لجهة أُخرى، و هذا القدر يكفينا في الأحكام.

فإن قيل: ربّما يتخلّف العلم بوجود هذه الآثار عن العلم بوجود الملكة، كما إذا رأينا شخصاً في مدّة قليلة كشهر أو شهرين أو ثلاثة كانت جوارحه مجتنبة عن الكبائر، فإنّه يعلم وجود الآثار دون الملكة، سيّما إذا كان اجتنابه عن البعض لعدم المقتضي أو وجود المانع، كالعنّين الذي يجتنب عن الزنا و اللواط، و الأخرس أو الأصمّ أو الأعمى بالنسبة إلى معاصي هذه الجوارح، أو عدم حياة والديه بالنسبة إلى العقوق و عدمه، و كمن كان في موضع لم يتمكّن فيه من آلات بعض المعاصي.

بل ربّما يتخلّف عن الملكة أيضاً، كالصبي المعترف فيما يحرم على الرجال إذا بلغ و اجتنب المعاصي بعده، و رأيناه كذلك في شهر أو شهرين، و ربّما يعلم أنّه يحمّل نفسه على ترك المعاصي بالمشقّة الشديدة، و ربّما

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 87

يكون تركه لخوف الناس، و يعلم أنّه يطلب خلوة عن الناس لارتكاب المعاصي.

و على هذا، فتترتّب الثمرة على تعيين المراد ممّا في الصحيحة أيضاً، فإنّه إن كانت هذه الأُمور نفس العدالة يكون الأشخاص المذكورون

عدولًا، و إن كانت من آثار الملكة فلا يمكن الحكم بعدالة هذه الأشخاص، بل قد يمكن أن يستدلّ بما ذكر الى أنّ العدالة نفس هذه الأوصاف دون الملكة؛ لعدم استلزامها لها، للتخلّف في الأشخاص المذكورين.

و على هذا، فيلزم تعيين ما هو المراد في الصحيحة، و بيان الحكم في حقّ هذه الأشخاص في الحكم بالعدالة.

قلنا أولًا: إنّ هذا السؤال لا يختصّ وروده بجعل العدالة ملكة، بل يرد عليه و على من يفسّرها بالأوصاف الظاهريّة و حسن الظاهر أيضاً.

أمّا الأول فيقال له: إنّ من علمنا أنّه ليست له ملكة العدالة، و لكن يحمّل نفسه على ترك محارم اللَّه بالجهد و المشقّة طول الشهر و السنة، هل تقبل شهادته مع أنّه ليس بعادل بمعنى ذي الملكة أم لا؟ مع أنّه قد يعدّ أعلى مرتبة من العادل، و أكثر ثواباً منه، و أفضل درجة منه.

و أمّا الثاني فيقال له: من ترك المعاصي لأجل عدم الآلة، أو عدم المقتضي، أو وجود المانع الخارجي، سيّما إذا علم منه أنّ تركه إنّما هو لعدم التمكّن، و لو تمكّن أو ارتفع المانع لم يترك المعاصي.

و ثانياً: إنّ الملكة الباعثة على التقوى و تعديل القوى على قسمين:

أحدهما: نفس ملكة العدالة، و هي ملكة يقتدر بها على ترك المعاصي و اجتنابها عن الإفراط و التفريط بسهولة، و هي العدالة في عرف

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 88

علماء الأخلاق، و هي التي عدّها في رواية سماعة «1» المشتملة على تعداد خمسة و سبعين من جنود العلم و الجهل من جند العلم، و هي التي عرّفوها في بيان الحديث بأنّها ملكة لزوم الاقتصاد في كلّ شي ء من الأخلاق و الأعمال و معاملات الناس، من غير ميل

إلى طرفي الإفراط و التفريط. و هذه الملكة لا تحصل إلّا بمجاهدة، و تكرار أعمال، و مزاولة الأُمور، و لا تزول بفعل خلافها مرّة أو مرّات.

و ثانيهما: صفة نفسانيّة أُخرى غير ملكة العدالة، بحمل النفس على ترك محارم اللَّه و التقوى ، كخوف من اللَّه ديناً أو دنيا، أو طمع في ثوابه، أو إجلال له جلّ جلاله، أو نحو ذلك.

و ذلك مثل الشجاعة و السخاوة، فإنّ الشجاعة بنفسها ملكة يقتدر بها على خوض الأهوال، و معاركة الأبطال، و تلزمها جرأة و قوّة قلب، و قد لا تكون لأحد هذه الملكة، فلا جرأة له و لا قوّة قلب، و لكن يخوض المعارك لصفة نفسانيّة اخرى ، كغيرة، أو حميّة، أو حبّ شخص، أو بغضه، أو حفظ مال، و نحو ذلك؛ و كذا السخاوة.

و الملكة بهذا المعنى لا يحتاج حصولها إلى مزاولة (و تكرار فاعل) «2»، بل قد تحصل دفعة، كما إذا حصل خوف من اللَّه يوجب ترك جميع المحرّمات.

نعم، لا يكون إلّا من صفة أُخرى كامنة في النفس، كالغيرة بالنسبة إلى الشجاعة، فإنّه قد يشّجّع الجبان بملاحظة أمر ينافي الغيرة، فيخاصم الشجعان، و هذا هو الذي يزول بفعل خلافه و لو مرّة.

و لكن العدالة حينئذٍ ليست مجرّد الصفة المذكورة، بل هي إمّا هذه

______________________________

(1) الكافي 1: 20، 14.

(2) في «ق»: و تكرّر أفاعيل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 89

الصفة من جهة بعثها على التورّع عن المحارم و اجتناب الكبائر أو هي التورّع و الاجتناب المسبّبان عن تلك الصفة، و يكون تعريفها بالملكة حينئذٍ إمّا لجزئيّتها لها أو سببيّتها.

و ما ذكر إنّما يرد على القائلين بالملكة لو أرادوا بها المعنى الأول، أمّا لو أرادوا الثاني فيكون من ذكر نقضاً

داخلًا في العدول؛ لأنّ تركه لا محالة مسبّبه عن هيئة و صفة نفسانيّة.

نعم، يشترط أن تكون هذه الصفة حسنة، كما يشعر به قولهم: «عن محارم اللَّه أو الكبائر» يعني: أن تكون لأجل كونه محارم اللَّه أو معصية كبيرة، لا أن تكون هذه الصفة رياءً أو خوفاً من الناس مثلًا فإنّه بنفسه معصية، و ليس تركاً لمحارم اللَّه، بل ترك للزنا مثلًا.

و كذا نقول: إنّ من (يفسّر) «1» العدالة بالأوصاف المذكورة لا يريد منها نفس عدم وجود المعاصي، فإنّه لا يقال في العرف لمن ليس له الآلة أو لم يتمكّن أو وجد له المانع: إنّه كافّ، أو مجتنب، أو متورّع، أو تارك، بل لا تصدق عليه هذه العنوانات إلّا مع كونه كذلك مع وجود الآلة و التمكّن، أو فرضهما؛ و أن يكون بنفسه تاركاً مجتنباً في مدّة يحكم فيه العرف بحصول صفة الكفّ و الترك و الاجتناب، كما يشعر به عنوان حسن الظاهر، و لا يتحقّق ذلك إلّا إذا استند الاجتناب إلى جهة في النفس.

و على هذا، فيحصل التلازم بين الهيئة النفسانيّة و بين الاجتناب و الترك بالمعنى الذي ذكرنا لهما، بل يمكن أن يقال: إنّهما يتّحدان.

ثم لو اختلج لك إباء في بعض ما ذكرنا، فنقول: لا شكّ في أنّ

______________________________

(1) في «ق»: يعتبر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 90

الصحيحة تحتمل الأمرين اللذين ذكرنا، و حيث لا يتعيّن أحدهما فيجب الأخذ في معنى العدالة بالمجمع عليه، و هو الملكة المتكرّر ذكرها، و الحكم باشتراطها فيما علّق عليها.

و حاصلها: صفة نفسانيّة باعثة على الستر و العفاف، و كفّ الجوارح و اجتناب الكبائر.

أو هي الستر و العفاف، و الكفّ، و الاجتناب المذكور، المنبعثة عن صفة نفسانيّة.

و لك الاقتصار

على الاجتناب عن الكبائر و عن الإصرار على الصغائر، المنبعثة عنها؛ لاستلزامه البواقي، بل على الاجتناب المذكور أيضاً؛ إذ لا صغيرة مع الإصرار.

فروع:

أ: يشترط في الأُمور التي تتحقّق العدالة باجتنابها و الكفّ عنها أن تكون معصية في حقّ الفاعل، فلو ارتكب بعضها سهواً، أو جهلًا من غير تقصير، أو مع عذر مجوّز و لو مكرّراً، لم يقدح في العدالة إجماعاً.

و يلزمه أنّه لو ارتكب أحد أمراً بتقليد من لا يحرّمه كالنظر إلى وجه الأجنبيّة من غير ريبة، أو سماع الغناء فيما يستثنيه جماعة «1»، و نحو ذلك لم يقدح في عدالته، و لو عند مجتهد يقول بحرمته.

و لو ارتكب أحد ما يحرّمه باعتقاده يخرج عن العدالة حتى عند من لا يقول بحرمته.

______________________________

(1) كالمحقّق في الشرائع 4: 128، العلّامة في القواعد 2: 236، الشهيد في الدروس 2: 126، صاحب الرياض 2: 430.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 91

و كذا يشترط أن يكون تركها و اجتنابها من حيث إنّها معصية، فلو تركها لا من هذه الجهة بل لعدم القدرة، أو وجود المانع أو نحو ذلك لم تكن عدالة إجماعاً.

و لو لم يعلم أنّ الكفّ و الترك هل هو من جهة أنّه معصية أو لغيرها و لم تكن قرينة و لو مفيدة للظنّ أيضاً، فالظاهر عدم الحكم بالعدالة.

ب: اعلم أنّ المستفاد من تتبّع كلمات الأصحاب: أنّ مقابل العدالة و ضدّها الفسق، بل الظاهر أنّه إجماعي.

و منه يظهر أيضاً أنّ ملكة العدالة التي يقولون بها هنا غير الملكة التي هي العدالة عند أهل الحكمة النظريّة و علماء الأخلاق، و هي أحد جنود العلم؛ لأنّ ضدّها الجور، كما صرّح به في رواية سماعة المتقدّمة «1».

و المراد به الميل

إلى أحد طرفي الإفراط و التفريط، و لذا يعدّ المُفرِط في بعض الصفات كالتواضع و التحمّل و نحوهما غير عادل بهذا المعنى ، و لا يعدّ فاسقاً شرعاً.

ثم الفسق الذي هو ضدّ العدالة الشرعيّة إمّا يكون هو ارتكاب بعض ما يكون اجتنابه و الكفّ عنه عدالةً فعلًا، أو يكون ملكة الارتكاب بالمعنى المذكور في العدالة الشرعيّة، أي صفة نفسانيّة باعثة على الارتكاب.

و بعبارة اخرى : كون الشخص بحيث لم يستنكف نفسه عن ارتكاب المعاصي، و لا متوطّناً نفسه عن الاجتناب و إن لم يرتكب بالاختيار بعد.

فإن كان المراد منه الأول كما هو ظاهر بعض كلماتهم، سيّما في

______________________________

(1) في ص 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 92

مقام بيان أصالة الفسق تحصل الواسطة بين العدالة و الفسق في الواقع و نفس الأمر قطعاً؛ لأنّ من كان في قرية لا تحصل فيها الخمر، و كان تاركاً لشربها، و علمنا أو ظننا أنّه إن وجدها يشربها، ليس عادلًا إجماعاً، و لا فاسقاً على هذا؛ لعدم ارتكابه للشرب بالفعل.

و الحاصل: أنّ الاجتناب الغير المسبّب عن الصفة النفسانيّة لا يكون عدالةً و لا فسقاً.

و إن كان المراد الثاني، كما هو ظاهر كلّ من عرّف العدالة بالملكة؛ إذ لا يصحّ جعل مقابل الملكة و ضدّها الفعل، و إن لم تكن واسطة بين الصفتين واقعاً و لكن تتحقّق الواسطة بينهما بحيث عُلِمَتا قطعاً؛ إذ تكون حينئذٍ نسبتهما إلى الأصل على السواء، فليس كلّ من لم يعلم اتّصافه بأحدهما متّصفاً بالأُخرى شرعاً حتى تنتفي الواسطة، بل يمكن أن يعلم أنّ فلاناً عادل أو فاسق شرعاً، فتتحقّق الواسطة في العلم.

فإن قيل: العدالة على ما ذكرت هي الصفة الباعثة على اجتناب المحارم من حيث بعثها عليه، أو

الاجتناب المنبعث عن الصفة النفسانيّة، و مآلهما واحد، فضدّها عدم ذلك أي ما لم يكن كذلك بأن لا يكون مجتنباً، أو كان و لم يكن اجتناباً منبعثاً عن صفة النفس، فأيّهما يكون يحصل الفسق و تنتفي الواسطة.

قلنا: الاجتناب الغير المنبعث عن الصفة النفسيّة على قسمين:

لأنّه إمّا تكون معه صفة باعثة على الارتكاب، و لكن تمنعه الموانع الخارجيّة.

أو لا يكون كذلك، بل تكون النفس خالية عن الصفتين، الباعثة على الاجتناب عنه من حيث إنّه من محارم اللَّه، و الباعثة على الارتكاب، و كثيراً

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 93

ما يتحقّق ذلك في حقّ من لم يتصوّر نوعاً من المعصية و لم يلتفت إليه، كمن نشأ في موضع لم تذكر فيه الخمر و شربها، و الشطرنج و النرد و اللعب بهما، و الغناء و سماعه، و نحو ذلك.

و لا نسلّم انّ المجتنب الذي كان من القسم الأخير يكون فاسقاً، بل لعلّه ليس كذلك إجماعاً، و لا يكون عادلًا أيضاً؛ لانتفاء الملكة الباعثة.

نعم، لو جعلت العدالة مجرّد الاجتناب و الآثار الظاهرية سواء كانت مستندة إلى صفة حسنة أو لا، و الفسق مجرّد الارتكاب تنتفي الواسطة بينهما، و لكنّه غير صحيح البتّة؛ و كذا لا واسطة بين ملكة العدالة بالمعنى المعروف عند أهل الحكمة النظريّة و علماء الأخلاق و بين ضدّها، الذي هو الجور و الميل.

ج: اعلم أنّ الناظر في كلام الأُصوليين و الفقهاء يرى وقوع الخلاف بينهم في أصالة العدالة أو الفسق، فمنهم من يقول بأصالة العدالة، كما سمعت من كلام شيخ الطائفة في الخلاف «1»، و مراد القائل أنّها الأصل في المسلم بمقتضى الأدلّة الشرعيّة.

و منهم من يقول بأصالة الفسق؛ نظراً إلى توقّف العدالة على أُمور

وجوديّة حادثة علماً و عملًا، و عليه جريتُ في كتاب أساس الأحكام.

و منهم من يقول: بتساويهما بالنسبة إلى الأصل، إمّا لكون كلّ منهما ملكة حادثة، أو لتوقّف كلّ منهما على أُمور حادثة، و عليه جريتُ في كتاب مناهج الأحكام، و بيّنتُ الوجه فيه.

و التحقيق: أنّ الكلام إمّا فيمن يجتنب عمّا يشترط في انتفاء الفسق

______________________________

(1) الخلاف 2: 592.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 94

اجتنابه من المحرّمات و ترك الواجبات، و لا يعلم أنّ اجتنابه عن الجميع هل هو منبعث عن صفة نفسيّة مقتضية له حتى يكون عادلًا، أو منضمّة مع صفة مقتضية لخلافه و إن اتّفق الاجتناب بسبب خارجي حتى يكون فاسقاً، أو لا يقارن شيئاً من الصفتين حتى لا يكون عادلًا و لا فاسقاً، فنسبة الأصل إليهما على السواء، و كلاهما خلاف الأصل.

أو فيمن لا يعلم أنّه هل هو مجتنب عمّا يشترط اجتنابه في تحقّق العدالة، أم لا؟

و ظاهر كلام أكثر من تعرّض للمقام أنّ الأصل فيه الفسق «1»؛ لأنّ الأصل و إن كان عدم ارتكاب الأفعال المحرّمة، و لكنّ الأصل عدم الإتيان بالواجبات العلميّة و العمليّة، و هو كافٍ في تحقّق الفسق.

و منهم من قال بتساوي نسبتهما إلى الأصل؛ لأنّ الأصل و إن كان عدم الإتيان بالواجبات إلّا أنّ الأصل عدم وجوبها أولًا «2».

أمّا المشروطات الغير المتيقنة حصول شرطها كغسل الجنابة، و المسّ، و حجّ البيت، و الزكاة، و الخمس، و الكفّارات، و النذورات، و نحوها، و هي أكثر الواجبات فظاهر.

و أمّا المطلقات، فلأنّ وجوبها إنّما هو مع انتفاء الجهل الساذج، أو السهو، أو النسيان، أو الخطأ، أو العذر، و مع ثبوت وجوبها فالأصل و إن كان عدم الإتيان بها و لكن يعلم

كلّ أحد أنّ المكلّف ليس باقياً على حالٍ كانت عليه قبل التكليف و قبل تعلّق وجوب الفعل عليه، بل تبدّلت حالاته و انتقل من حال إلى حال، و من فعل إلى فعل، بل يعلم قطعاً أنّه في كلّ

______________________________

(1) انظر التنقيح 4: 289، المسالك 2: 361، كشف اللثام 2: 370.

(2) انظر الحدائق 10: 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 95

يوم ليس باقياً على فعل يومه السابق، بل تركه و نام، ثم استيقظ و تجدّدت أفعاله، فكما أنّ الأصل عدم تلبّسه بالفعل الواجب عليه «1»، الأصل عدم تلبّسه بأحد أضداده الخاصّة الوجوديّة أيضاً؛ و مع ذلك ففي كثير من الواجبات يجب البناء على الفعل و التحقّق، كالتطهّر من الأخباث، و التذكية، و أداء الزكاة و الخمس، بل أكثر الاعتقادات.

و على هذا، فنسبة الأصل إليهما على السواء.

و فيه: أنّ هذا كان حسناً لو كان أحد أفراد الفسق هو الإتيان بأحد الأضداد الوجوديّة للواجب، كما أنّ العدالة موقوفة على الإتيان بالواجب، فيصحّ أن يقال: إنّ الأصل بالنسبة إليهما على السواء، و لكنّ الفسق يتحقّق بعدم الإتيان بالواجب، و العدالة موقوفة على الإتيان به، و الأصل عدم الإتيان، و لا دخل لأصالة عدم الإتيان بالأضداد بالمقام، و إن كان هو من مقارنات عدم الإتيان بالواجب في الخارج؛ لعدم خلوّ الإنسان عن الأكوان.

و لكن ها هنا كلاماً آخر أتقن، و هو أنّ الثابت بالاستصحاب و الأصل هو إبقاء الأحكام التوقيفيّة من الشارع من الشرعيّات و الوضعيّات للمستصحب بعد حصول الشكّ في بقائه.

و أمّا الأحكام العقليّة و العرفيّة و الآثار و الخواصّ المترتبة عليه بالتجربة و أمثالها فلا تترتّب عليه قطعاً، و لا يجب إبقاؤها أبداً.

فإنّا نحكم بعدم جواز تقسيم إرث

الغائب في موضع لا يوجد فيه مأكول إلّا أمداد معيّنة من خبز، و عدم جواز نكاح زوجته، و وجوب نفقتها على ماله، و نحو ذلك من الأحكام الشرعيّة. و لكن لا نحكم بنقص شي ء

______________________________

(1) في «ق»: علمه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 96

من ذلك الخبز لأجل أكله إيّاه البتّة.

و نحكم في جُنُب شكّ في غسله بعدم جواز الصلاة و المكث في المساجد و قراءة العزائم و نحوها، و لكن لو كان زرع تفسد ثمرته بعبور الجنب عليه لا نحكم بفساد ثمرته، بل نقول: لا نعلم أنّه هل يُفسِدُ أم لا، و لو قال الشارع بفساد بيع ثمرته لا يحكم بفساد بيعه.

و لا شكّ [في سببيّة ترك الواجب للفسق، و أنّ «1»] تركه خروج عن طاعة اللَّه عقلًا و عرفاً؛ لأنّ الحاكم بالإطاعة و المخالفة بعد تحقّق الأمر و النهي هو العقل و العرف، و الخروج عن طاعة اللَّه هو معنى الفسق لغةً.

نعم، رتّب الشارع على هذا اللفظ بحسب معناه أحكاماً، و أمّا تحقّق معناه و عدمه ليس من الأحكام الشرعيّة، فلا يترتّب هو على استصحاب شي ء.

و الحاصل: أنّ الفسق هو الخروج عن طاعة اللَّه لغةً، و الخروج عنها إنّما يترتّب على عدم الإتيان بالواجب واقعاً عقلًا و عرفاً، و لا يترتّب على استصحاب عدم إتيانه؛ لأنّه ليس حكماً شرعيّاً أو وضعيّاً من الشارع يتبع الاستصحاب، فكما لا يمكن أن يحكم على من يستصحب عدم إتيانه لواجب أنّه مخالف لأمر اللَّه خارج عن طاعة اللَّه، كذلك لا يحكم أنّه فاسق، و اللَّه هو الموفّق.

د: لا فرق في صفة العدالة الشرعيّة بين الرجال و النسوان؛ لظاهر الإجماع المركّب.

و أمّا رواية عبد الكريم: «تقبل شهادة المرأة و

النسوة إذا كنّ مستورات

______________________________

(1) بدل ما بين المعقوفين في «ق»: أنّ ترك الواجب للفسق ..، و في «ح»: أنّ سببية ترك الواجب للفسق أنّ ..؛ و الظاهر ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 97

من أهل البيوتات، معروفات بالستر و العفاف، مطيعات للأزواج، تاركات للبذاء و التبرّج إلى الرجال في أنديتهم» «1».

فلا تدل على أنّ هذه الأوصاف هي العدالة فيهن، فلعلّ المراد بمعرفة هذه الصفات فيهنّ يحصل الظنّ بحصول صفة العدالة الشرعيّة، كما أنّ بمعرفة ما ذكر في الصحيحة من ستر العيوب، و ملازمة الصلاة، و قول أهل القبيلة: إنّا لا نعلم منه إلّا خيراً يحصل الظنّ بعدالة الرجل، و هذا القدر كافٍ في قبول الشهادة.

و على هذا يحمل أيضاً كلام الشيخ في النهاية، حيث إنّه بعد ما فسّر العدل بما في صحيحة ابن أبي يعفور «2» قال: و يعتبر في قبول شهادة النساء: الإيمان، و الستر، و العفاف، إلى آخر ما في هذه الرواية «3».

ه: قال الفاضل في المختلف في بحث الإمامة في الصلاة: العدالة غير متحقّقة في الصبي؛ لأنّها هيئة قائمة بالنفس تقتضي البعث على ملازمة الطاعات و الانتهاء عن المحرّمات، و كلّ ذلك فرع التكليف «4».

و قال مثل ذلك فخر المحقّقين في الإيضاح «5».

و صريحهما عدم تحقّق العدالة في الصبي، و هو مقتضى الأصل؛ لأنّ الأصل عدم تحقّق العدالة الشرعيّة فيه، حيث إنّ الأخبار المثبتة لها ظاهرة في المكلّفين، بل الصحيحة صريحة فيهم؛ لقوله: بِمَ تعرف عدالة الرجل؟

______________________________

(1) التهذيب 6: 242، 597، الإستبصار 3: 13، 34، الوسائل 27: 394 أبواب الشهادات ب 41 ح 20.

(2) المتقدمة في ص 76 78.

(3) النهاية: 325.

(4) المختلف: 153.

(5) الإيضاح 4: 149.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة،

ج 18، ص: 98

إلى آخره، مع أنّها مع قطع النظر عن الاختصاص لا يتحقّق ما تضمّنته في غير المكلّف؛ لأنّ العدالة المذكورة فيه إمّا هي الأفعال المذكورة في الصحيحة، أو صفة باعثة عليها.

و المراد من البعث و المتبادر منه هو البعث فعلًا، و هو في حقّ الصبي غير ممكن؛ إذ لا كبيرة عليه و لا صغيرة، و لا كفّ عليه و لا ستر.

و إرادة ما هو كبيرة في حقّ المكلّفين باطلة قطعاً، فلا يمكن البعث الفعلي.

و كفاية الفرضي منه في تحقّق العدالة بمعنى: أنّه كان بحيث لو تعلّق به الأمر و النهي ائتمر و انتهى غير معلومة، و إن كان مثله في حقّ الصبي ممكناً، و لأجله يمكن اتّصاف من كان أول عهده بالبلوغ و لو بنحو يوم بالعدالة.

هذا في العدالة الشرعيّة المعتبرة في الشهادة و نحوها.

أمّا صفة العدالة عند علماء الأخلاق فالظاهر أنّ تحقّقها في الصبي ممكن، كصفة الشجاعة، و الحلم، و الصبر، و نحوها، فتأمّل.

و: هل يشترط في تحقّق العدالة الإسلام، فلا يتحقّق العادل في غير المسلمين، أم لا، فيتحقّق؟

صريح الشهيد الثاني و ظاهر بعض آخر عدم اشتراط العدالة بالإسلام، كما يأتي في الفروع اللّاحقة «1»، و صريح الفاضل و الشيخ حسن و جمع آخر الاشتراط، كما يأتي أيضاً «2».

و التحقيق: أنّه إن أُريد بالعدالة العدالة في عرف علماء الأخلاق

______________________________

(1) انظر ص 99.

(2) انظر ص 99.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 99

- و هي المعبّر عنها بملكة العدالة، التي هي تعديل القوى النفسانيّة و إقامتها بين طرفي الإفراط و التفريط فلا منع في تحقّقها في غير المسلم، كسائر الصفات النفسانيّة.

و إن أُريد العدالة الشرعيّة أي ما اعتبرها الشارع و جعلها شرطاً لأُمور فلا

دليل على ثبوتها لغير المسلم و كونها صفة ممكنة التحقّق فيه، بل الظاهر من الصحيحة كونها أفعالًا أو ملزومة لأفعال لا تكون في غير المسلم، من كفّ الجوارح الأربع أي ممّا حرّمه اللَّه تعالى في دين الإسلام و الاجتناب عن الكبائر التي أوعد اللَّه عليها النار في القرآن، و ملازمة الصلوات الخمس، و حفظ مواقيتهن، و لزوم جماعتهنّ و جماعة المسلمين.

فإن قيل: الكفّ عن المعاصي و الاجتناب عن الكبائر كم يكون للمسلمين يكون لغيرهم أيضاً بعد بذل جهده و إتعاب نفسه في تحقيق الحقّ.

قلنا: الظاهر المتبادر أنّ المراد بما يكفّ عنه و الكبائر التي يلزم الاجتناب عنها هي المحرّمات في دين الإسلام و ما هي كبيرة فيه مطلقاً، و عدم كون بعضها محرّماً أو كبيرة في غير دين الإسلام أو حرمة غيرها فيه إنّما يوجب عدم ترتّب المعصية على ارتكابه و ترتّبها على ارتكاب غيره لو كان ممّن بذل جهده على تحقّق العدالة بمحض اجتناب ما هو محرّم في دينه.

و إن توهّم عموم الرجل في الصحيحة «1»، فيحمل ما يكفّ عنه و يجتنب على ما هو محرّم عنده.

______________________________

(1) أي صحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة في ص 76 77.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 100

يدفع بأنّ قوله فيها: حتى تقبل شهادته لهم و عليهم، يخصّصه بالمسلم؛ لعدم قبول شهادة غير المسلم على المسلم، و كذا شرط التعاهد للصلوات الخمس، و لزوم مواقيتها، و حضور جماعة المسلمين.

فإن قيل: قوله في موثّقة سماعة المتقدّمة «1»: «من عامل الناس» و قوله في رواية علقمة: «فمن لم تره بعينك» «2» عامّ.

قلنا: «وجبت أُخوّته» في الاولى ، و: «شهادته مقبولة» في الثانية، يخصّصه، سيّما مع مسبوقيّة قوله في الثانية بقوله: «من

ولد على الفطرة» أولًا، و تعقّبه بقوله: «من اغتاب مؤمناً» آخراً.

و المحصّل: أنّ العدالة التي هي مصطلح أهل الأخلاق في غير المسلم ممكنة التحقّق؛ و كذا عدالة أهل كلّ دين عند أهله، إذا أرادوا من العدالة: اجتناب المحرّمات و الإتيان بالواجب بحسب دينهم، و نحن لا نعلم أنّ لهم أيضاً عدالة أو اصطلاحاً فيها أم لا؛ و كذا إن أُريد إثبات العدالة بهذا المعنى لهم عندنا.

أمّا كون العدالة التي اعتبرها شارعنا المقدّس و هي كون اجتناب أهل كلّ دين عمّا هو محرّم عندهم فلم تثبت عندنا، فلا يمكن الحكم بعد التهم بهذا المعنى ، و إن لم يمكن الحكم بالفسق أيضاً إذا كان مطيعاً للَّه بحسب دينه، باذلًا جهده في تحقيق الدين.

فإن قيل: قال اللَّه سبحانه وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ «3»، فيكون كلّ كافر فاسقاً.

______________________________

(1) في ص 76.

(2) أمالي الصدوق: 91، 3، الوسائل 27: 395 أبواب الشهادات ب 41 ح 13.

(3) المائدة: 47.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 101

قلنا: من لم يحكم بما أنزل اللَّه في حقّه و بحسب علمه، و أيضاً الفسق هو الخروج عن طاعة اللَّه، و مثل ذلك الشخص ليس خارجاً عن طاعة اللَّه.

ز: اختلفوا في اشتراط الإيمان في العدالة و عدمه، فصرّح بعضهم بالأول، منهم الفاضل، قال: و أيّ فسق أعظم من عدم الإيمان «1»؟! و منهم الشيخ حسن، قال في منتقى الجمان: قيد العدالة مغنٍ عن التقييد بالإيمان؛ لأنّ فاسد المذهب لا يتّصف بالعدالة حقيقةً، كيف؟! و العدالة حقيقة عرفيّة في معنى معروف لا يجامع فساد العقيدة قطعاً. قال: و ادّعاء والدي (رحمه اللَّه) في بعض كتبه توقّف صدق وصف الفسق بفعل المعاصي المخصوصة

على اعتقاد الفاعل كونها معصية، عجيب «2». انتهى .

و صرّح جماعة بالثاني، قال في المسالك: و الحق أنّ العدالة تتحقّق في جميع أهل الملل مع قيامهم بمقتضاها بحسب اعتقادهم «3».

و قال شيخنا البهائي في الزبدة: و ليس في آية التثبّت «4» حجّة عليه؛ لمنع صدق الفاسق على المخطئ في بعض الأُصول بعد بذل مجهوده «5».

و قال المحدّث الكاشاني في نقد الأُصول في بيان العمل بأخبار غير أهل الإيمان: لكنّ العمل بأخبارهم غير بعيد؛ لحصول الظنّ بها بعد توثيق الأصحاب لهم، فإنّ المانع من الكذب في الرواية إنّما هو العدالة، و هي حاصلة فيهم، و لا يقدح فيه عدم إيمانهم كما لا يخفى . انتهى .

______________________________

(1) حكاه عنه في مجمع الفائدة و البرهان 2: 350.

(2) منتقى الجمان 1: 5.

(3) المسالك 2: 401.

(4) الحجرات: 6.

(5) زبدة الأُصول: 59.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 102

بل هو ظاهر كلّ من قال: إنّ العدالة هي ظاهر الإسلام مع عدم ظهور الفسق.

أقول: لا ينبغي الريب في تحقّق ملكة العدالة في غير المؤمن أيضاً، و لكن هي غير ما نحن نتكلّم فيه.

و أمّا العدالة الشرعيّة التي كلامنا فيها فالأصل عدم تحقّقها فيه، و الأخبار المتقدّمة و إن كان ظاهرها الإطلاق، إلّا أنّ وجوب الاخوّة و قبول الشهادة يوجب الاختصاص بالمؤمن، و لو لا ذلك لأمكن القول بثبوتها له إذا كان مصداقاً لما في الصحيحة.

فإن قيل: كيف يمكن كونه مصداقاً له مع كونه مرتكباً لأكبر الكبائر؟! و هو متابعة الإمام الجائر، و الردّ على المنصوب من قبل اللَّه سبحانه و عدم قبوله، كما في رواية أبي الصامت المرويّة في التهذيب: «أكبر الكبائر سبع» فعدّها و عدّ السابع: «إنكار ما أنزل اللَّه عزّ و جلّ» إلى

أن قال: «و أمّا إنكار ما أنزل اللَّه عزّ و جلّ فقد أنكروا حقّنا و جحدوا له» الحديث «1».

و في رواية عبد الرحمن بن كثير الهاشمي المرويّة في الفقيه: «الكبائر سبع فينا أُنزلت» فعدّها إلى أن قال: «و إنكار حقّنا» الحديث «2».

قلنا: كون ذلك معصية كبيرة إنّما هو على فرض التقصير في التحقيق و عدم حصول العلم، و إلّا فلا يكلّف اللَّه نفساً فوق معلومها.

كذا ذكره جماعة من المتأخّرين «3»، و لكنّ التحقيق خلاف ذلك، بل

______________________________

(1) التهذيب 4: 149، 417، الوسائل 15: 325 أبواب جهاد النفس ب 46 ح 20 و فيه صدر الحديث.

(2) الفقيه 3: 366، 1745، الوسائل 15: 326 أبواب جهاد النفس ب 46 ح 22.

(3) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 401، و الفيض الكاشاني في المفاتيح 3: 278.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 103

هو أنّ الإمام (عليه السّلام) حكم بثبوت العدالة بوجود أُمور خاصّة، من الستر و العفاف عن أشياء معيّنة، و كفّ الجوارح عنها، و اجتناب أُمور خاصّة متعيّنة عنده (عليه السّلام)، و الإتيان بأُمور وجوديّة علماً و عملًا قلباً و جارحة، فلازمه الحكم بثبوتها عند تحقّق هذه الأُمور و نفيها عند انتفائها كلّاً أو بعضاً و لو واحداً، سواء كان الانتفاء لأجل عدم ثبوت وجوب ذلك الأمر عند المكلّف، بل و ثبوت عدم وجوبه عنده، أو كان عمداً و عصياناً و إن اختصّ ترتّب الإثم و العقاب بحكم العقل بصورة العمد و العصيان.

نعم، تلك الأُمور على قسمين:

أحدهما: ما يعلم الواقع منه و كونه داخلًا في مراد الإمام بإجماع، أو ضرورة دينيّة أو مذهبيّة، أو كتاب محكم، أو سنّة مقطوعة، كالكفّ عن شرب الخمر، و الزنا، و الربا، و الشرك،

و التجسّم، و إنكار النبوّة، و جحد إمامة الأئمّة، و نحو ذلك، بل جميع ما يتعلّق بأُصول العقائد.

و ثانيهما: ما لا يعلم الواقع منه و خصوص مراد الإمام، بل قد يظنّ ظنّاً، و إن كان ذلك الظن حجّة للظانّ، كبعض أقسام الغناء، و بعض أفراد الغيبة، و النظر إلى الأجنبيّة بلا ريبة، و ترك غسل الجنابة بالوطء في الدبر من غير إنزال، و ترك الصلاة في أوقاتٍ اختُلف في تضيّقها فيها، و نحو ذلك من مسائل الفروع المختلف فيها.

فما كان من الأول يحكم بانتفاء العدالة بانتفاء تلك الأُمور اجتناباً أو ارتكاباً قطعاً.

و ما كان من الثاني فلمّا لم يعلم الواقع فلا يعلم أنّ المكلّف ترك واجباً واقعياً أو اجتنب محرّماً كذلك، و الوجوب و الحرمة بحسب ظنّ مجتهد لا يجعله كذلك واقعاً، و إن كان كذلك في حقّ من ظنّه كذلك

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 104

بالإجماع.

و احتمال كونه كذلك أو ظنّه لا يجعله كذلك في حقّ غير الظان، سيّما مع انعقاد الإجماع على عدم كون ما ظنّ حكماً في حقّه. فتأمّل.

و لعمري أنّ هذا الخلاف و الخلاف السابق عليه قليل الجدوى جدّاً؛ لأنّه لا يقول أحدٌ بعدالة غير المؤمن أو الكافر، الذي لم يعلم في حقّه بذل الجهد في تحقيق الدين، بحيث لم يمكن له فوق ذلك.

و حصول العلم لنا في حقّ المخالف أو الكافر أنّه باذلٌ جهده و سعيه، و حصل له العلم بحقّية دينه إمّا غير ممكن أو نادر جدّاً، و أندر منه ما لو كان مع عدم التقصير جامعاً لغير ذلك من شرائط العدالة.

المسألة الثانية: إذا عرفت معنى العدالة،
اشاره

و أنّها الستر و العفاف، و الكفّ عن المحارم، و الاجتناب عن الكبائر المنبعثة عن صفة

راسخة نفسانيّة.

فلكونها أُموراً خفيّة تصعب معرفتها؛ لعدم محصوريّة المحارم؛ لكونها مبثوثة على القلب و الجوارح من جهة الاعتقادات و الأفعال، و لها كبائر و صغائر، و الصغائر أيضاً تصير كبيرةً بالإصرار، و العلم بالاجتناب عن الجميع في جميع الأحوال صعب مستصعب، سيّما مع اشتراط كونها منبعثة عن صفة نفسانيّة.

فلذلك وقع الخلاف في طريق معرفتها بعد اتّفاقهم على حصولها بالمعاشرة الباطنيّة، و الصحبة المتأكّدة التامّة، الموجبة للاختبار «1»، المميّز بين الخلق و التخلّق، و الطبع و التكلّف، و بالشياع الموجب للعلم، و بشهادة

______________________________

(1) في «ق»: للاجتناب.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 105

العدلين في أنّه هل ينحصر الطريق بذلك؟ كما هو مختار أكثر المتأخّرين، منهم: الشرائع و الذكرى و الدروس و البيان و المسالك و الروضة الجعفريّة و حاشية الشرائع للكركي و والدي (رحمه اللَّه) في كتبه الأُصولية «1»، و غيرهم «2»، و نسبه في المسالك إلى المشهور «3»، و قيل: إنّه القريب من الإجماع «4».

[أو «5»] يعرف بأقلّ من ذلك أيضاً، كما قال به جماعة.

و هم بين قائلٍ بأنّه يعرف بظاهر الإسلام مع عدم ظهور ما يوجب الفسق، كما حكي عن الإسكافي و الإشراف و الخلاف و المبسوط و الاستبصار «6»، و اختاره بعض المتأخّرين، و جعله في المسالك أمتن دليلًا و أكثر روايةً، و جعل حال السلف شاهداً عليه، و إن جعل المشهور الآن بل المذهب خلافه «7».

و قائلٍ بأنّه يعرف بحسن الظاهر، نسبه في الذكرى إلى بعض الأصحاب «8»، و نسب إلى الشيخ أيضاً «9»، و عليه جماعة من متأخّري المتأخّرين «10».

______________________________

(1) الشرائع 4: 126، الذكرى: 267، الدروس 1: 218، البيان: 131. المسالك 2: 362، الروضة 1: 379، الجعفرية (رسائل المحقق الكركي 1):

80.

(2) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 370.

(3) المسالك 2: 362.

(4) كما في الرياض 2: 391.

(5) في «ح» و «ق»: و، و الصحيح ما أثبتناه.

(6) حكاه عن الإسكافي و الإشراف في المختلف: 717، الخلاف 1: 550، المبسوط 8: 217، الاستبصار 3: 14.

(7) المسالك 2: 362.

(8) الذكرى: 267.

(9) النهاية: 327.

(10) منهم صاحب المدارك 4: 69، صاحب الحدائق 10: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 106

و الفرق بين ذلك و بين القول الأول: أنّه يحتاج على الأول إلى المعاشرة الباطنيّة مدّة مديدة، يحصل فيها الاطّلاع على السريرة و لو في الجملة. و على هذا القول يكتفي في المعاشرة الظاهرة، مثل: رؤيته مواظباً على الصلوات الخمس، أو معاملته مع الناس من غير ظلم، و إخبارهم من غير كذب، و وعدهم من غير خلف.

و قد ينسب هذا القول إلى جمع من القدماء «1» المعبّرين في تعريف العدالة بالورع عن محارم اللَّه، أو بالصلاح، أو بالاجتناب عن المحرّمات، و نحو ذلك- و هو غير سديد؛ لأنّ التعبير بهذه الأُمور يستدعي العلم بكونه كذلك كما مرّ، و هو لا يحصل بمجرّد حسن الظاهر.

و هنا قول رابع، اختاره والدي العلّامة (رحمه اللَّه) في كتاب القضاء من المعتمد، و هو أنّ حسن الظاهر إن بلغ حدّا يفيد غلبة الظنّ بثبوت علائم الملكة جاز الاكتفاء، و إلّا فلا اعتماد عليه.

دليل الأولين: الأصل، فيؤخذ بالمجمع عليه، و اشتراط العدالة و نحوها من الصلاح أو اجتناب الكبائر و الكفّ واقعاً، غاية الأمر التقييد في مقام التكاليف بالمعلوم، فيشترط العلم بها، و هو لا يحصل إلّا بالمعاشرة الباطنية، أو الشياع، أو ما يقوم مقام العلم شرعاً، و هو شهادة عدلين.

و لو منعت من حصول العلم بالمعاشرة

الباطنيّة أيضاً، كما هو ظاهر الكركي في حاشية الشرائع، حيث قال: إذا غلبت على ظنّه عدالته بالطريق المعتبر في معرفة العدالة، و هي المعاشرة الباطنيّة، أو شهادة عدلين، أو الشياع. خلافاً للشهيد في الذكرى، حيث قال: الأقرب اشتراط العلم

______________________________

(1) نسبه إليهم في المسالك 2: 361.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 107

بالعدالة بالمعاشرة الباطنيّة «1».

نقول: إنّ الإجماع واقع على كفاية المعرفة بها و قيامها مقام العلم، فهي كافية قطعاً.

و تدلّ على ذلك القول أيضاً رواية محمّد بن هارون الجلّاب: «إذا كان الجور أغلب من الحقّ لا يحلّ لأحد أن يظنّ بأحد خيراً حتى يعرف ذلك منه» «2».

و حجّة من يكتفي في معرفتها بظاهر الإسلام: الإجماع المحكيّ في الخلاف «3»، و الروايات المتكثّرة، كروايتي سلمة و المجالس المتقدّمتين «4».

و صحيحة حريز: «إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يُعرَفون بشهادة الزور اجيزت شهادتهم جميعاً، و أُقيم الحدُّ على الذي شهدوا عليه، إنّما عليهم أن يشهدوا بما أبصروا و علموا، و على الوالي أن يجيز شهادتهم، إلّا أن يكونوا معروفين بالفسق» «5».

و حسنة العلاء: عن شهادة من يلعب بالحمام، قال: «لا بأس إذا كان لا يُعرَف بفسق» «6».

______________________________

(1) الذكرى: 267.

(2) الكافي 5: 298، 2.

(3) الخلاف 2: 592.

(4) في ص 59.

(5) الكافي 7: 403، 5، التهذيب 6: 277، 759، الإستبصار 3: 14، 36، الوسائل 27: 397 أبواب الشهادات ب 41 ح 18.

(6) الفقيه 3: 30، 88، التهذيب 6: 284، 784، الوسائل 27: 394 أبواب الشهادات ب 41 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 108

و قد يستدلّ أيضاً بمرسلة ابن أبي عمير: في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال، و كان يؤمّهم رجل، فلمّا صاروا إلى الكوفة

علموا أنّه يهودي، قال: «لا يعيدون» «1».

و بمرسلة يونس: «خمسة أشياء يجب على الناس أن يأخذوا فيها بظاهر الحال: الولايات، و المناكح، و المواريث، و الذبائح، و الشهادات، فإذا كان ظاهره ظاهراً مأموناً جازت شهادته، و لا يُسأل عن باطنه» «2».

و صحيحة ابن المغيرة: «كلّ من ولد على الفطرة و عرف بصلاح في نفسه جازت شهادته» «3».

و بالأخبار المتضمّنة لوضع أمر أخيك على أحسنه، و عدم اتّهام أخيك، و هي كثيرة.

و يرد على المرسلة الاولى : أنّه يحتمل أن يكون مَن أمّ القوم حسن الظاهر، أو كان شهد عدلان بعدالته.

و على المرسلة الأُخرى و الصحيحة: بأنّهما متضمّنتان لقيدٍ آخر غير ظاهر الإسلام أيضاً، و هو مأمونيّة الظاهر، أو المعروفيّة بالصلاح في نفسه، فهما يصلحان دليلًا للقول بحسن الظاهر.

و على الأخبار الأخيرة: أنّه مع ضعف دلالتها على المطلوب و معارضتها مع ما يدلّ على خلافها، أنّ الظاهر من الأخبار اختصاص الأخ

______________________________

(1) الكافي 3: 378، 4، التهذيب 3: 40، 141، الوسائل 8: 374 أبواب صلاة الجماعة ب 37 ح 1.

(2) الكافي 7: 431، 15، الفقيه 3: 9، 29، التهذيب 6: 283، 781، الإستبصار 3: 13، 35، الوسائل 27: 392 أبواب الشهادات ب 41 ح 3، بتفاوت.

(3) الفقيه 3: 28، 83، التهذيب 6: 284، 783، قرب الاسناد: 365، 1309، الوسائل 27: 398 أبواب الشهادات ب 41 ح 21.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 109

المستحقّ لذلك بأشخاص لا يخلون عن حسن الظاهر.

و دليل من يكتفي بحسن الظاهر: مرسلة يونس و صحيحة ابن المغيرة المذكورتين «1»، و موثّقة سماعة و رواية عبد الكريم المتقدّمتين «2»، و صحيحة ابن أبي يعفور السابقة «3».

و صحيحة محمّد: «لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة

الرجل الواحد إذا عُلِمَ منه خيرٌ مع يمين الخصم في حقوق الناس» «4».

و الأُخرى: يسلم الذمّي و يعتق العبد، أ تجوز شهادتهما على ما كانا أشهدا عليه؟ قال: «نعم، إذا عُلمَ منهما بعد ذلك خيرٌ جازت شهادتهما» «5».

و صحيحة عمّار بن مروان: عن الرجل يشهد لامرأته، قال: «إذا كان خيراً جازت شهادته» «6».

و عن الرجل يشهد لأبيه، أو الأب لابنه، أو الأخ لأخيه، قال: «لا بأس بذلك، إذا كان خيراً جازت شهادته» «7».

______________________________

(1) في ص: 106.

(2) في ص 76 و 94.

(3) راجع ص 76.

(4) الفقيه 3: 33، 104، التهذيب 6: 273، 746، الإستبصار 3: 33، 104، الوسائل 27: 394 أبواب الشهادات ب 41 ح 8.

(5) الفقيه 3: 41، 139، الوسائل 27: 387 أبواب الشهادات ب 39 ح 1.

(6) الكافي 7: 393، 2، الفقيه 3: 26، 70، التهذيب 6: 247، 628، الوسائل 27: 366 أبواب الشهادات ب 25 ح 2.

(7) الكافي 7: 393، 4، الفقيه 3: 26، 70، التهذيب 6: 248، 631، الوسائل 27: 367 أبواب الشهادات ب 26 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 110

و موثّقة أبي بصير: «لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفاً صائناً» «1».

و رواية العلاء بن سيّابة: قلت: فالمكاري و الجمّال و الملّاح؟ قال: «و ما بأس بهم، تقبل شهادتهم إذا كانوا صلحاء» «2».

و رواية القاسم بن سليمان في القاذف و التائب: «إذا تاب و لم يعلم منه إلّا خيرٌ جازت شهادته» «3».

و المرويّ في تفسير الإمام و هو بعد حذف بعض الزوائد-: «أنّه كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) إذا تخاصم إليه رجلان في حقّ، قال للمدّعي: أ لَكَ بيّنة؟ فإن أقام بيّنة يرضاها و يعرفها

أنفذ الحكم على المدّعى عليه، فإذا جاء بشهود لا يعرفهم بخير و لا شرّ قال للشهود: أين قبائلكما؟ ثم يقيم الخصوم و الشهود بين يديه، ثم يأمر فيكتب أسامي المدّعى و المدّعى عليه و الشهود، ثم يدفع ذلك إلى رجل من أصحابه الخيار، ثم مثل ذلك إلى رجل آخر من خيار أصحابه، و يقول: ليذهب كلّ واحد منكما فليسأل عنهما، فيذهبان و يسألان، فإن أتوا خيراً و ذكروا فضلًا رجعا الى رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) فأخبراه به، فأحضر القوم الذين أثنوا عليهما، فيقول: إنّ فلاناً و فلاناً جاءني عنكم بنبإ جميل و ذكر صالح، أ فكما قالا؟ فإذا قالوا: نعم، قضى حينئذٍ بشهادتهما على المدّعى عليه، و إن رجعا بخبر سيّئ و نبأ قبيح، لم يهتك ستر الشاهدين، و لا عابهما و لا وبّخهما، و لكن يدعو الخصوم إلى

______________________________

(1) الفقيه 3: 27، 77، التهذيب 6: 258، 676، الإستبصار 3: 21، 64، الوسائل 27: 372 أبواب الشهادات ب 29 ح 3.

(2) الكافي 7: 396، 10، الفقيه 3: 28، 82، التهذيب 6: 243، 605، الوسائل 27: 381 أبواب الشهادات ب 34 ح 1.

(3) الكافي 7: 397، 2، التهذيب 6: 246، 620، الإستبصار 3: 37، 125، الوسائل 27: 383 أبواب الشهادات ب 36 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 111

الصلح، لئلّا يفتضح الشهود، و يستر عليهم، و كان رؤوفاً رحيماً عطوفاً متحنّناً على أُمّته (صلّى اللَّه عليه و آله)، فإذا كان الشهود من أخلاط الناس غرباء لا يُعرَفون، و لا قبيلة لهما و لا سوق و لا دار، أقبل على المدّعى عليه و قال: ما تقول فيهما؟ فإن قال: ما عرفت إلّا خيراً،

غير أنّهما قد غلطا فيما شهدا عليّ، أنفذ عليه شهادتهما، و إن جرحهما و طعن عليهما أصلح بين الخصم و خصمه، أو أحلف المدّعى عليه، و قطع الخصومة بينهما» «1».

احتجّ الوالد العلّامة (رحمه اللَّه) لما اختاره: بأنّ غلبة الظنّ كافية في معرفة العدالة لنفي الجرح؛ إذ اشتراط القطع بها يؤدّي إليه غالباً، فحسن الظاهر إن بلغ حدّاً يفيد غلبة الظنّ يجوز الاكتفاء به.

أقول: حقّ المحاكمة بين هؤلاء الفرق أن يقال: أمّا أخبار ظاهر الإسلام التي هي مستند القول الثاني فقد عرفت أنّ ما يمكن القول بدلالته منحصر في أربعة.

فلو أغمضنا عن البحث في دلالة الأول منها حيث إنّها تتضمّن استثناء الظنين الذي يشمل الفاسق كما دلّت عليه الأخبار، فيكون المعنى : المسلم الغير الفاسق عدل، يعني: أنّ من عُلِمَ أنّه مسلم غير فاسق، و هذا غير مفيد للتمسّك به- نقول: إنّها معارضة مع رواية محمّد بن هارون المتقدّمة و هو ظاهر و المروي في تفسير الإمام؛ حيث إنّه ظاهرٌ في كون الشهود مسلمين كما قيل «2» بحكم التبادر، و غلبة الإسلام في المتخاصمين عنده، و شهودهم في زمانه (صلّى اللَّه عليه و آله)، بل صريح في ذلك؛ لقوله

______________________________

(1) تفسير العسكري (عليه السّلام): 673، 376، الوسائل 27: 239 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 6 ح 1.

(2) انظر الرياض 2: 390.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 112

«متحنّناً على أُمّته»، و مع ذلك بعث للفحص عن أحوال الشهود، و أخّر القضاء الذي هو واجب فوراً، و كان ديدنه ذلك، و قصر في الحكم على صورة الإتيان بالنبإ و ذكر الفضل عنهم، و لم يحكم في صورة الإتيان بالنبإ القبيح، و لا في صورة عدم المعرفة، بل

رغب في الصلح و أحلف؛ مع أنّه لو كان عدم المعرفة في الصورة الأخيرة لعدم معرفة الإسلام لم يتوقّف على معرفة القبيلة و المحلّة، بل يكفي إقرار الشاهد بأحد الطرفين، و لا يفيد جرح المدّعى، فكان عليه التفتيش.

و مع مفهوم قوله: «فإذا كان كذلك» إلى قوله: «فإنّ ذلك يجيز شهادته و عدالته بين المسلمين» في صحيحة ابن أبي يعفور «1».

و كذا سائر الأخبار المشترطة للصلاح أو المعروفيّة به، و للخيريّة و المعروفيّة بها، و غير ذلك ممّا مرّ.

و التعارض بالعموم من وجه.

فلو لم نقل بعدم حجّية أخبار ظاهر الإسلام لمخالفتها الشهرة العظيمة الجديدة و القديمة، حتى جعلها المحقّق في الشرائع شاذّة نادرة «2» تكون مرجوحة البتّة؛ لندرة القائل، و قلّة العدد، و ضعف السند في الأكثر، و قصور الدلالة، و موافقة العامّة، و كون كثير من معارضاتها أحدث، فهي راجحة قطعاً.

و لو سلّمنا عدم الترجيح فليرجع إلى الأصل، و هو مع المعارضات.

و منه يظهر ضعف القول الثاني جدّاً، و وجوب رفع اليد عنه.

و أمّا القول الثالث و هو حسن الظاهر فلا شكّ أنّ لحسن الظاهر عرضاً عريضاً، و مراتب شتّى ، فيتّصل في أحد جانبيه بمجهول الحال،

______________________________

(1) المذكورة في ص 76.

(2) الشرائع 4: 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 113

و بمجرّد الترقّي عنه يدخل في حسن الظاهر، و يتّصل في جانبه الآخر بمرتبة العصمة و منزلة النبوّة و الولاية، و بمحض التنزّل عنها يدخل فيه، و أدنى ما ثبتت كفايته من الأخبار ما دلّت عليه صحيحتا محمّد المتقدّمتين «1»، من قبول الشهادة إذا عُلِمَ منه خير.

و لا يتوهّم أنّ العلم بالخيريّة لا يحصل إلّا بالمعاشرة أو الشياع؛ لأنّه إذا شاهده متردّداً إلى المسجد في مواقيت

الصلاة و يصلّي فقد علم منه خيراً.

و منها ما يدلّ على اشتراط كونه خيراً، و هو أعلى من السابق.

و منها ما يدلّ على اشتراط العفّة و الصيانة، أو مأمونيّة الظاهر.

و منها ما يدلّ على اشتراط عدم الخلف في الوعد، و عدم الكذب في الحديث، و عدم الظلم في المعاملة. و لكنّها لا تدلّ على اشتراط جميع ذلك في ثبوت العدالة، فلعلّها لثبوت مجموع كمال المروّة، و وجوب الاخوّة، و ثبوت العدالة.

و منها ما يتضمّن الثناء الجميل و الفضل.

و المتضمّن للجميع صحيحة ابن أبي يعفور «2»، المتضمّنة ل: أنّ الدليل على العدالة كونه ساتراً لجميع عيوبه، معاهداً لصلواته، حافظاً لمواقيتها، غير متخلّف بدون علّة من جماعتها، مشهوداً له في قبيلته و محلّته إنّا ما رأينا منه إلّا خيراً، مواظباً على الصلوات، متعاهداً لأوقاتها؛ لأنّ بكونه ساتراً للعيوب عُلِمَ الخير- لأنّه خيرٌ و العفّة، و الصيانة، و مأمونيّة الظاهر، و بشهادة القبيلة يحصل الثناء الجميل، و بهما و بالتعاهد للصلوات و حفظ مواقيتها يعلم الصلاح عرفاً و الخيريّة.

______________________________

(1) في ص 107.

(2) المتقدّمة في ص 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 114

بل يمكن أن يقال: إنّه لا يعلم صدق الصلاح و الخيريّة بأدنى من ذلك، فيتحقّق ما تتضمّنه الصحيحة بتحقّق معرفة العدالة بمقتضى جميع تلك الأخبار و لا عكس، و يحصل التعارض بالعموم من وجه، و لو لم يكن مرجّح لزم الاقتصار على ما يجمع جميع ما تضمّنته الأخبار، و هو مدلول الصحيحة؛ لأصالة عدم تحقّق العدالة و عدم ثبوت المشروط بها إلّا مع تيقّنها، أو ما علم معرفته به.

و لا تتعارض رواية الجلّاب «1» مع هذه الصحيحة؛ لأنّ مقتضى الاولى : عدم ظنّ الخير إلّا بعد أن

يُعرَف منه ذلك، و مدلول الثانية: أنّ بهذه العلامات تُعرَف العدالة.

و على هذا فنقول: إن كان مراد القائلين بهذا القول أنّ بمطلق حسن الظاهر تُعرَف العدالة و يُحكم بها، فلا دليل تامّاً عليه بحيث يمكن الركون إليه.

و إن كان مرادهم أنّها تُعرَف به في الجملة كما هو الظاهر منهم فهو صحيح، و مدلول للخبر الصحيح، و به ترفع اليد عن الأصل المتقدّم، المقتضي لإيجاب المعاشرة الباطنيّة.

و الظاهر أنّ بهذا القدر من حسن الظاهر يحصل الظنّ بوجود الصفة الباعثة على اجتناب الكبائر أيضاً، كيف؟! و معرفة كونه ساتراً لجميع عيوبه أي متّصفاً بصفة الستر و الصيانة لا تحصل بدون نوع اختيار و معاشرة.

و على هذا، فيتّحد ذلك القول على ما ذكرنا مع ما اختاره الوالد العلّامة أيضاً، و يكون الفرق في المستند؛ فنحن نقول به لدلالة الأخبار، و هو لإيجابه الظنّ بالملكة، و كون الظنّ فيه مناط الاعتبار.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 105.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 115

بل يظهر من بعض مشايخنا عدم المنافاة بين القول بالمعرفة بحسن الظاهر و بين القول بالمعرفة بالمعاشرة «1»؛ إذ لا يُعرَف كونه ساتراً مواظباً إلّا بعد نوع معاشرة.

بل نقول: إنّا لو قلنا: إنّ مراد القائل بحسن الظاهر أنّه نفس العدالة أيضاً، لا تكون منافاة بينه و بين القول بالملكة؛ إذ المراد بحسن الظاهر حينئذٍ كونه مجتنباً ورعاً كافّاً نفسه عن المحارم، و لا يراد مجرّد رؤيته كذلك، بل يراد معرفته بهذه الأوصاف، و هي لا تنفكّ عن الملكة، كما مرّ بيان ذلك أيضاً.

و ظهر من ذلك أنّ الحقّ بين الأقوال هو القول بالحسن الظاهر بالمعنى الذي ذكرنا، و الظاهر أنّه أيضاً مراد القائلين به، و إليه يرجع مختار

الوالد أيضاً، بل يتّحد مع القول بالمعرفة بالمعاشرة الباطنيّة في الجملة أيضاً، فإنّه على ما ذكرنا و إن احتاج إلى نوع اختبار و معاشرة لكن لا يحتاج إلى المعاشرة الباطنيّة التامّة المتأكّدة المخبرة عن السريرة.

و أمّا حمل حسن الظاهر على مجرّد عدم رؤية خلل منه و لو مع عدم العلم بتمكّنه من الخلل و عدمه، و لا معرفة أوصاف حسنة منه فهو ليس حسناً ظاهريّا، بل مثله غير سيّ ء الظاهر، و لا يكون فرق بينه و بين ظاهر الإسلام.

فروع:

أ: المراد بكونه ساتراً لجميع عيوبه أن لا يكون معلناً بمعصية لا يبالي من ظهورها، بل كان بحيث لا يرضى بظهور معصية منه، و كان متّصفاً بصفة الحياء، و الساتريّة للعيوب، و الاستنكاف عن نسبة المعصية إليه.

______________________________

(1) كما في الرياض 2: 392.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 116

و هل تشمل العيوب الكبائر و الصغائر، أم تختصّ بما ينافي العدالة من الكبائر و الإصرار على الصغائر؟

الظاهر: العموم، و لا يستلزم عدم نقض فعل الصغيرة للعدالة عدم نقض الإعلان بها و عدم المبالاة عن ظهورها لصفة الساتريّة، التي هي معرّفة العدالة، ففعلها إن كان مع المبالاة عن ظهورها لا ينقض العدالة، و كذا مع عدم المبالاة عنه إن علمت العدالة بالمعاشرة أو الشياع أو شهادة العدلين، و أمّا إذا لم تعلم العدالة و توقّفت معرفته على صفة الساتريّة فيكون عدم المبالاة لذلك منافياً لوجود المعرّف.

ب: الظاهر من سياق الصحيحة «1» أنّ المراد من التعاهد للصلوات بحضور الجماعة و عدم التخلّف عن جماعتهم ليس مجرّد صلاة الجماعة و درك هذه الفضيلة حتى يتحقّق بصلاة شخص مع أهل بيته في بيته جماعةً أو مع واحد في منزله، حيث قال:

«و أن لا يتخلّف عن جماعتهم في مصلّاهم» و قال: «لتركهم الحضور لجماعة المسلمين» و قال: «و قد كان فيهم من يصلّي في بيته» و هو أعمّ من الصلاة فيه منفرداً و جماعة، و قال: «لا صلاة لمن لا يصلّي في المسجد مع المسلمين» و قال: «و من رغب عن جماعة المسلمين».

بل المراد: الصلاة مع المسلمين في المواضع المعدّة للصلاة جماعةً، بمحضر أهل الإسلام.

بل يمكن أن يقال: لا صراحة فيها في كون الصلاة بالجماعة و الاقتداء أيضاً، فيمكن أن يكون المراد: الصلاة في مصلّاه في محضر المسلمين

______________________________

(1) أي صحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة في ص 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 117

بجماعة أو فرادى، و إن كان الظاهر إرادة الجماعة.

و كيف كان، فالظاهر من سياقها أيضاً أنّ ذلك إنّما هو لمعرفة كونه مصلّياً، كما يدلّ عليه قوله: «و ليس يمكن الشهادة على الرجل بأنّه يصلّي» و قوله: «و إنّما جعل الجماعة و الاجتماع» و قوله: «و لو لا ذلك لم يمكن أحد» إلى آخره.

و أنّ ذلك إنّما هو كان في تلك الأعصار التي كانت مبادئ الإسلام، و كانت الصلاة مع النبيّ أو خلفائه، و كان الظاهر ممّن تخلّف عن جماعتهم أي كان بحيث صدق عليه التخلّف، أي القعود عن الجماعة متكرّراً أنّه راغب عن الجماعة و من الصلاة، و كان عدم الاهتمام بذلك موجباً لترك آثار الشريعة، و لذلك لم تقبل عن بعض من يصلّي في بيته أيضاً.

و على هذا، فيكون المراد: العلم بتعاهد الصلوات في مواقيتهنّ و إن لم يحضر الجماعة؛ و ذلك لأنّ ذلك لا يمكن أن يكون لأجل درك فضيلة الجماعة؛ لأنّه- كما عرفت يتحقّق بدون حضور المسجد و جماعة المسلمين

في مصلّاهم، فليس إلّا معرفة كونه مصلّياً، كما يظهر من سياق الصحيحة أيضاً.

فإذا عُلِمَ من حال شخص أنّه يصلّي في بيته و يحفظ مواقيتهنّ يكون ذلك كافياً في المعرّفيّة، و لو اعتبر مع ذلك عدم ترك الجماعة و لو مع أهله أو بعض آخر إلا من علّة كان أحوط.

و العلّة هل تختصّ بالمرض، أو تشمل سائر الأعذار أيضاً، كشغل مهم، أو مطر، أو حرارة، أو نحوها؟ الظاهر: التعميم.

و لا تشترط المداومة على ذلك، بل يكفي قدر يصدق عليه عدم التخلّف، و هو يتحقّق بكونه كذلك في الأغلب أو كثير من الأوقات،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 118

فتأمّل.

ج: هل اللّازم في المعرفة السؤال عن قبيلته و محلّته معاً إذا اختلف الفريقان في المحل، أو يكفي السؤال عن إحدى الطائفتين؟

الأظهر: السؤال عن الفريقين.

و هل يشترط السؤال عن جميع القبيلة أو المحلّة، أو يشترط السؤال عن جمع، أو يكفي مطلق السؤال؟

ظاهر قوله: «في قبيلته و محلّته» كفاية مطلق السؤال، و لكنّ الظاهر من قوله: «قالوا: ما رأينا منه إلّا خيراً» اشتراط كون المسئولين جماعة، بل الظاهر أنّ السؤال في القبيلة و المحلّة لا يتحقّق عرفاً إلّا بالسؤال عن جماعة منهم.

و هل تشترط عدالتهم أم لا؟

الظاهر: الثاني، و إلّا لما اشترطت الجمعيّة، و للإطلاق.

المسألة الثالثة: هل يشترط في العدالة اجتناب ما يسقط المروّة أيضاً، أم لا؟ صرّح جماعة و لعلّهم الأكثر بالاشتراط،

و منهم: المبسوط و السرائر و الوسيلة و المختلف و التحرير و القواعد و الإرشاد و تهذيب الأُصول و النهاية و المنية و الدروس و الذكرى و المفاتيح و جامع المقاصد و اللّمعة و الروضة و كشف الرموز «1»، و حكاه في الكنز عن الفقهاء «2»، و في المفاتيح و البحار

______________________________

(1) المبسوط 8: 217، السرائر 2: 117، الوسيلة: 230، المختلف: 718، التحرير 2: 208،

القواعد 2: 237، الدروس 2: 125، الذكرى: 267، المفاتيح 1: 20، جامع المقاصد 2: 372، اللمعة و الروضة 3: 130.

(2) كنز العرفان 2: 384.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 119

أنّه المشهور «1»، و في الكشف: أنّه المشهور بين الخاصّة و العامة، و نقله في المدارك و الذخيرة عن المتأخّرين «2»، و اعتبره والدي العلّامة (رحمه اللَّه).

و المحكيّ عن المفيد و العدّة و نهاية الشيخ و الحلبي و القاضي و موضع من الشرائع و روض الجنان و الأردبيلي و المدارك و الذخيرة و البحار: عدم الاشتراط «3»، و اختاره بعض مشايخنا المعاصرين «4».

ثم المروّة، فقيل: إنّها في اللغة: الإنسانيّة كما في الصحاح، أو الرجوليّة و الكمال فيها كما عن العين و محيط اللغة، و أنّها اصطلاحاً: هيئة نفسانيّة تحمل الإنسان على الوقوف على محاسن الأخلاق و جميل العادات «5».

و أمّا عبارات فقهائنا فقد اختلفت في التعبير عن المراد منها، و عمّا يسقطها بكلمات متقاربة مدلولًا، كالتجنّب عن الأُمور الدَّنيّة، أو عمّا لا يليق بأمثاله من المباحات، أو عمّا يسقط العزّة عن القلوب و يدلّ على عدم الحياء و عدم المبالاة بالانتقاص، أو عمّا يؤذن بخباثة النفس و دناءة الهمّة من المباحات و الصغائر و المكروهات، أو عمّا يُستسخَر و يُستهزَأ به لأجله، أو هي التخلّق بخلق أمثاله في زمانه و مكانه، و نحو ذلك.

و قد يعدّ من مخالفات المروّة: الأكل و الشرب في السوق لغير سوقي إلّا مع غلبة العطش و في الطرقات، و المشي مكشوف الرأس بين الناس،

______________________________

(1) المفاتيح 1: 20، البحار 85: 30.

(2) المدارك 4: 67، الذخيرة: 303.

(3) المفيد في المقنعة: 725، النهاية: 325، الحلبي في الكافي: 435، القاضي في المهذّب 2: 556،

الشرائع 4: 127، الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 352، المدارك 4: 68، الذخيرة: 305، البحار 85: 30.

(4) كما في الرياض 2: 429.

(5) كشف اللثام 2: 374.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 120

و مدّ الرجلين في المجالس، و البول في الشوارع عند سلوك الخلائق، و كثرة السخريّة، و الحكايات المضحكة، و لبس الفقيه لباس الجندي، و بالعكس.

و استدلّ من قال باعتبارها بالأصل.

و الشهرة.

و دلالة انتفائها على نوع جنون و خبل في العقل.

أو قلّة مبالاة في الدين.

و عدم الوثوق بمن لا مروّة له؛ لأنّه كاشف عن قلّة حيائه، و من لإحياء له يصنع ما شاء كما ورد في الخبر.

و عدم إطلاق العرف العادل على من لا مروّة له.

و المرويّ عن مولانا الكاظم (عليه السّلام): «لا دين لمن لا مروّة له، و لا مروّة لمن لا عقل له» «1».

و يردّ الأول: بإطلاق الأخبار المتقدّمة.

و الثاني: بعدم الحجيّة.

و الثالث: بمنع الكلّية، و لو سلّمت الدلالة في موضعٍ فالشرط هو عدم الجنون أو الخبل، و هو مسلّم، و اشتراط التكليف و العقل يغني عنه. و إن أُريد النقصان الغير المخرج عن دائرة التكليف فلا نسلّم منافاته للعدالة.

و الرابع: بأنّ المراد إن كان: أنّ كونه كذلك منافٍ لفهم كونه ساتراً للعيوب و مناقض له و يسقط مرتبة الساتريّة، فإن كان كذلك و بلغ إلى هذا الحدّ فنسلّم منافاته للعدالة، و لكن لا نسلّم ذلك في كلّ من لا مروّة له بالمعنى المذكور.

______________________________

(1) الكافي 1: 13، 12، تحف العقول: 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 121

و إن كان المراد: أنّ نفس انتفاء المروّة مطلقاً يدلّ على عدم المبالاة في الدين، فلا نسلّمه.

و الخامس: بمنع انتفاء الوثوق بانتفاء المروّة مطلقاً، و

لو سلّم فغايته عدم قبول الشهادة، و هو غير انتفاء العدالة.

و السادس: بالمنع على الإطلاق أولًا، و عدم اعتبار هذا العرف بعد ما عرفت من خفاء المعنى المراد من العدالة شرعاً من غير جهة الاختبار ثانياً.

و السابع: بالضعف أولًا، و عدم الدلالة ثانياً؛ إذ لا نعلم أنّ المراد من المروّة في الحديث هو المعنى المذكور، بل ورد في الأخبار تفسيرها بغير هذا المعنى .

ففي مرسلة الفقيه: «عن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله): إنّ المروّة استصلاح المال» «1».

و في خبر آخر: أنّها إصلاح المعيشة «2».

و في ثالث: أنّها ستّة، ثلاثة في الحضر: تلاوة القرآن، و عمارة المسجد، و اتّخاذ الإخوان، و مثلها في السفر، هي: بذل الزاد، و حسن الخلق، و المزاح في غير معاصي اللَّه سبحانه «3».

و في رابعٍ أنّها: «أن يضع الرجل خوانه بفناء داره» «4» إلى غير ذلك «5».

______________________________

(1) الفقيه 3: 102، 403، الوسائل 17: 64 أبواب مقدمات التجارة ب 21 ح 4، بتفاوتٍ يسير.

(2) الكافي 8: 241، 331.

(3) الخصال: 324، 11، عيون اخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 26، 13، الوسائل 11: 436 أبواب آداب السفر ب 49 ح 14.

(4) معاني الأخبار: 258، 9، الوسائل 11: 436 أبواب آداب السفر ب 49 ح 13؛ و الخوان: الذي يؤكل عليه مجمع البحرين 6: 245.

(5) انظر الوسائل 11: 432 أبواب آداب السفر ب 49.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 122

و ليس في شي ء من هذه المعاني المرويّة ما يوافق ما ذكره الأصحاب في معنى المروّة، و لا على كونها معتبرة في العدالة، و لا إشعار لموثّقة سماعة المتقدّمة «1»؛ لدلالتها بالمفهوم على أنّ من لم يجمع الثلاثة فلا يجمع الأربعة، و منها: كمال

المروّة، و أين ذلك من اشتراطها في العدالة، أو قبول الشهادة؟! و إذ ظهر ضعف تلك الأدلّة تعلم أنّ القول الثاني في غاية المتانة و القوّة، و عدم اعتبار المروّة في العدالة ما لم يبلغ انتفاؤها حدّا يوجب ارتكاب ما هو مخالف للشريعة، أو ينبئ عن جنون، أو يقدح في معرفة صفة الستر و العفّة.

و كما أنّ اجتناب ما يخالف المروّة ليس شطراً للعدالة فكذلك ليس شرطاً لقبول الشهادة؛ للأصل، و عدم ذكره في الأدلّة.

و نقل الأردبيلي عن بعضهم: أنّه اعتبره شرطاً لقبول الشهادة و إن لم يكن شطراً للعدالة.

و ظاهر القواعد: أنّه جعله شرطاً له و شطراً لها معاً «2».

و لا دليل تامّاً على شي ء منهما.

المسألة الرابعة: قد عرفت أنّ اجتناب الكبائر إمّا جزء العدالة أو جزء لازمها،

فارتكاب واحد منها يقدح في العدالة كما يأتي.

و قد اختلفوا أولًا في تقسيم الذنوب إلى الكبائر و الصغائر، فحكي عن جماعة- منهم: المفيد و الطبرسي و الشيخ في العدّة و القاضي و الحلبي إلى عدم التقسيم، بل الذنوب كلّها كبائر «3».

______________________________

(1) في ص 76.

(2) القواعد 2: 236.

(3) حكاه عن المفيد و الطبرسي و القاضي و الحلبي في المسالك 2: 402، الشيخ في العدّة 1: 359.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 123

و نسبه الثاني في تفسيره إلى أصحابنا «1»، مؤذناً بدعوى الاتّفاق، و كذلك الحلّي، حيث قال بعد نقل القول بالتقسيم إلى الكبائر و الصغائر و عدم قدح الثاني نادراً في قبول الشهادة عن المبسوط-: و لا ذهب إليه أحد من أصحابنا؛ لأنّه لا صغائر عندنا في المعاصي إلّا بالإضافة إلى غيرها «2». انتهى .

و الحاصل: أنّ الوصف بالكبر و الصغر إضافي.

و منهم «3» من جعل الإضافة على ثلاثة أقسام:

أحدهما: بالإضافة إلى الطاعة، و هو أنّ المعصية إن زاد

عقابها على ثواب تلك الطاعة فهي كبيرة بالنسبة إليها، و إن نقص فهي صغيرة.

و ثانيها: بالإضافة إلى معصية أُخرى، و هو أنّ عقابها إن زاد على عقاب تلك المعصية فهي كبيرة بالنسبة إليها، و إن نقص فهي صغيرة.

و ثالثها: بالإضافة إلى فاعلها، و هو أنّها إن صدرت من شريفٍ له مزيدُ علمٍ و زهدٍ فهي كبيرة، و إن صدرت ممّن هو دون ذلك فهي صغيرة.

ثم إنّه استدلّ على كون الجميع كبائر باشتراك الجميع في مخالفة أمره تعالى و نهيه «4»، و لذلك جاء في الحديث: «لا تنظر إلى ما فعلت و لكن انظر إلى ما عصيت» «5».

______________________________

(1) مجمع البيان 2: 38.

(2) السرائر 2: 118.

(3) كالسيوري في التنقيح 4: 290.

(4) انظر الذخيرة: 303.

(5) أمالي الطوسي: 538، مستدرك الوسائل 11: 349 أبواب جهاد النفس ب 43 ح 8 و فيه: «لا تنظر إلى صغر الخطيئة، و لكن انظر إلى من عصيت» و عن دعوات الراوندي في البحار 14: 379، 25، مستدرك الوسائل 11: 351 أبواب جهاد النفس ب 43 ح 14: «إذا وقعت في معصيةٍ فلا تنظر إلى صغرها، و لكن انظر إلى من عصيت».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 124

و لما ورد في بعض الأخبار من أنّ كلّ معصية شديدة، و أنّها قد توجب لصاحبها النار «1».

و ما ورد من التحذير على استحقار الذنب و استصغاره «2».

و في الأول: أنّ كون الجميع مخالفة له لا يمنع من كون بعضها كبيرة و بعضها صغيرة، فإنّ الذنوب المتحقّقة بين العباد من بعضهم بالنسبة إلى بعض توصف بالكبر و الصغر، فيقال: فلان عصى السلطان عصياناً عظيماً و أذنب ذنباً كبيراً، و يقال: الذنب الفلاني كبير، و الفلاني سهل

صغير. فاشتراك الجميع في مخالفة اللَّه سبحانه لا ينافي وصف بعضها بالكبر و بعضها بالصغر.

بل و كذلك عرفاً في معاصي اللَّه سبحانه، فيصدق على قتل النبيّ أو هدم الكعبة أنّه ذنب عظيم و إثم كبير، و على ترك ردّ السلام مثلًا أنّه ذنب صغير.

و في الثاني: أنّه لا تلازم بين كون كلّ معصية شديدة و بين كونها كبائر، بمعنى ما يوعد عليه بالنار، أو غير مكفّر بالأعمال الصالحة، أو قادحاً في العدالة.

و منه يظهر ما في الثالث أيضاً.

و ذهب طائفة منهم: الشيخ في النهاية و المبسوط و ابن حمزة و الفاضلان و الشهيدان «3»، بل أكثر المتأخّرين كما في المسالك «4»، بل

______________________________

(1) الكافي 2: 269، 7، الوسائل 15: 299 أبواب جهاد النفس ب 40 ح 3.

(2) الوسائل 15: 310 أبواب جهاد النفس ب 43.

(3) النهاية: 325، المبسوط 8: 217، ابن حمزة في الوسيلة: 230، المحقق في الشرائع 4: 127، و النافع: 287، العلّامة في القواعد 2: 236، الشهيدان في اللمعة و الروضة 3: 129، 130.

(4) المسالك 2: 402.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 125

عامّتهم كما قيل «1»، و نسب إلى الإسكافي و الديلمي أيضاً «2» إلى انقسام المعاصي إلى الكبائر و الصغائر، بل يستفاد من كلام الصيمري و شيخنا البهائي في الحبل المتين على ما حكي عنهما «3» الإجماع عليه.

و هو الحقّ؛ لظاهر قوله سبحانه إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ «4».

و قوله الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ «5».

و لقول عليّ (عليه السّلام): «من كبير أوعد عليه نيرانه، أو صغير أرصد له غفرانه» «6».

و رواية ابن سنان: «لا صغيرة مع الإصرار و لا كبيرة مع الاستغفار» «7».

و مرسلة الفقيه: «من

اجتنب الكبائر كفّر اللَّه عنه جميع ذنوبه» «8».

و في خبر آخر: «إنّ الأعمال الصالحة تكفّر الصغائر».

و في آخر: هل تدخل الكبائر في مشيئة اللَّه؟ قال: «نعم» «9».

و تشهد له الأخبار الواردة في ثواب بعض الأعمال: أنّه يكفّر الذنوب إلّا الكبائر.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 428.

(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 717.

(3) حكاه عنهما في الرياض 2: 427 و 429.

(4) النساء: 31.

(5) الشورى: 37.

(6) نهج البلاغة (محمد عبده) 1: 20.

(7) الكافي 2: 288، 1، الوسائل 15: 337 أبواب جهاد النفس ب 48 ح 3.

(8) الفقيه 3: 376، 1781، الوسائل 15: 316 أبواب جهاد النفس ب 45 ح 4 و فيه بتفاوتٍ يسير.

(9) الفقيه 3: 376، 1780، الوسائل 15: 334 أبواب جهاد النفس ب 47 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 126

و للمستفيضة من النصوص الآتية، المتضمّنة للكبائر و الصغائر، و بيان الكبائر. و تخصيصها بطائفة خاصّة من الذنوب و إبطال الانقسام يوجب طرح تلك الأخبار.

ثم اختلف القائلون بالتقسيم في تفسير الكبائر و تحديدها.

فمنهم من قال: إنّ كلّ ما وجب فيه حدّ فهو كبيرة، و ما لم يقرّر فيه حدّ فهو الصغيرة «1».

و منهم من قال: ما ثبت تحريمه بقاطع فهو كبيرة «2».

و منهم من قال: كلّما آذن بقلّة الاكتراث في الدين فهو كبيرة «3».

و منهم من قال: ما يلحق صاحبه العقاب الشديد من كتاب أو سنّة «4».

و قيل: إنّها ما نهى اللَّه عنه في سورة النساء من أولها إلى قوله سبحانه إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ الآية «5».

و قيل: إنّها سبع «6». و قيل: إنّها تسع «7». و قيل: عشرون. و قيل: أزيد.

و عن ابن عبّاس: أنّها إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبعة «8»،

و به صرّح في الروضة «9».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 18    126     المسألة الرابعة: قد عرفت أن اجتناب الكبائر إما جزء العدالة أو جزء لازمها، ..... ص : 122

في الدروس: أنّها إلى السبعين أقرب منها إلى السبعة «10».

و المشهور بين أصحابنا: أنّها ما توعّد عليها إيعاداً خاصّاً، و لكن اختلفت

______________________________

(1) انظر القواعد و الفوائد 1: 225 مع هوامشه، و بدائع الصنائع 6: 268.

(2) انظر القواعد و الفوائد 1: 225 مع هوامشه، و بدائع الصنائع 6: 268.

(3) انظر القواعد و الفوائد 1: 225 مع هوامشه، و بدائع الصنائع 6: 268.

(4) انظر القواعد و الفوائد 1: 225 مع هوامشه، و بدائع الصنائع 6: 268.

(5) حكاه عن ابن مسعود في مجمع البيان 2: 38، و التفسير الكبير 10: 74.

(6) انظر الخصال: 610.

(7) انظر الجامع لأحكام القرآن 5: 160.

(8) حكاه عنه في مجمع البيان 2: 39، و الجامع لأحكام القرآن 5: 159.

(9) الروضة 3: 129.

(10) الدروس 2: 125.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 127

كلماتهم في بيان الإيعاد الخاصّ.

ففي نهاية الشيخ و القواعد و الإرشاد و المنقول في المسالك: أنّها ما أوعد اللَّه سبحانه عليها بالنار «1».

و في التنقيح نقلًا عن الأكثر-: أنّها ما توعّد عليه بعينه و خصوصه «2».

و في الدروس: كلّ ذنب توعّد عليه بخصوصه بالعقاب «3».

و في قواعد الشهيد: كلّما توعّد الشرع عليه بخصوصه «4».

و مثله في الروضة، فإنّ فيها: أنّها ما توعّد عليها بخصوصها في كتاب أو سنّة «5».

و عن الذخيرة و في الكفاية: أنّها كلّ ذنب توعّد اللَّه عليه عزّ و جلّ بالعقاب في الكتاب العزيز «6» و قال في الأخير: إنّه المعروف بين أصحابنا، قال: و لم أجد في كلامهم

اختيار قول آخر.

و ربّما يستفاد من كلام بعض مشايخنا المعاصرين اتّحاد المراد من كلماتهم المختلفة في الإيعاد، حيث ذكر ما ذكره في الكفاية، و حكى عن التنقيح نسبته إلى الأكثر، و جعل صحيحة ابن أبي يعفور «7» مشعراً به «8».

و هذا التفسير أي ما توعّد عليه للكبائر يحتمل وجوهاً؛ لأنّه إمّا

______________________________

(1) النهاية: 325، القواعد 2: 236، الإرشاد 2: 156، المسالك 2: 402.

(2) التنقيح 4: 291.

(3) الدروس 2: 125.

(4) القواعد و الفوائد 1: 224.

(5) الروضة 3: 129.

(6) الذخيرة: 304، الكفاية: 279.

(7) المتقدّمة في ص 76.

(8) انظر الرياض 2: 427.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 128

توعّد عليه بخصوصه النار، أو بالعقاب مطلقاً.

و على التقديرين، إمّا توعّد عليه بعينه و خصوصه، نحو: أنّ الذنب الفلاني يترتّب عليه ذلك.

أو بالعموم، نحو وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ «1».

و على التقادير الأربع، إمّا يكون ما توعّد اللَّه سبحانه عليه، أو يكون أعمّ ممّا يوعد اللَّه أو حججه.

و على التخصيص بإيعاد اللَّه، إمّا يختصّ بإيعاده في الكتاب العزيز، أو يكون أعمّ منه و من الإيعاد الحاصل في الحديث القدسي و في أخبار الحجج بأنّ اللَّه سبحانه أوعد كذا و كذا.

و على تقدير تخصيص الإيعاد بالنار، إمّا يختصّ بالإيعاد بلا واسطة، كأن يقول: من فعل كذا فهو يدخل النار. أو أعمّ منه و ممّا يكون بواسطة، كأن يقول: من فعل كذا فهو كافر أو شقي، و أوعد الكافر أو الشقي بالنار.

و كذا على التخصيص بالكتاب، يحتمل التخصيص و التعميم باعتبار حصول الواسطة و عدمه، فإنّه قد يوعد في الكتاب بوصفٍ رتّب في السنّة النار على المتّصف به، و قد يعكس.

و اللّازم في المقام الرجوع إلى دليل تعريف الكبائر، و هو

موقوف على ذكر الأخبار الواردة في المقام، فمنها: صحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة «2».

و رواية الحلبي: في قوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ

______________________________

(1) الزلزلة: 8.

(2) في ص 76.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 129

الآية «1»، قال: «الكبائر التي أوجب اللَّه عليها النار» «2».

و صحيحة أبي بصير في بيان وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً «3» قال: «معرفة الإمام، و اجتناب الكبائر التي أوعد اللَّه عليها النار» «4».

و صحيحة السرّاد: عن الكبائر كم هي و ما هي؟ فكتب: «الكبائر من اجتنب ما وعد اللَّه عليه النار كفّر عنه سيّئاته إذا كان مؤمناً، و السبع الموجبات: قتل النفس الحرام، و عقوق الوالدين، و أكل الربا، و التعرّب بعد الهجرة، و قذف المحصنة، و أكل مال اليتيم، و الفرار من الزحف» «5».

و صحيحة محمّد: «الكبائر سبع: قتل المؤمن متعمّداً، و قذف المحصنة، و الفرار من الزحف، و التعرّب بعد الهجرة، و أكل مال اليتيم ظلماً، و أكل الربا بعد البيّنة، و كلّ ما أوجب اللَّه عليه النار» «6».

و رواية عبّاد بن كثير: عن الكبائر، قال: «كلّ ما أوعد اللَّه عليه النار» «7».

و المدلول من تلك الأخبار أنّ الكبائر ما أوعد اللَّه عليه النار، و الثلاثة الاولى و إن لم تكن صريحة لاحتمال كون الوصف فيها احترازيّاً و لكن

______________________________

(1) النساء: 31.

(2) الكافي 2: 276، 1، الوسائل 15: 315 أبواب جهاد النفس ب 45 ح 2.

(3) البقرة: 269.

(4) الكافي 2: 284، 20، الوسائل 15: 315 أبواب جهاد النفس ب 45 ح 1؛ و فيهما: أوجب، بدل: أوعد.

(5) الكافي 2: 276، 2، الوسائل 15: 318 أبواب جهاد النفس ب 46 ح 1.

(6) الكافي 2: 277، 3،

الوسائل 15: 322 أبواب جهاد النفس ب 46 ح 6.

(7) الفقيه 3: 373، 1758، عقاب الأعمال: 233، 2، الوسائل 15: 327 أبواب جهاد النفس ب 46 ح 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 130

البواقي صريحة في أنّ الكبائر هي ذلك العنوان.

و لا تضرّ معارضة مفهوم الحصر فيما يختصّ بما أوعد اللَّه بها مع ما يشتمل على السبع أيضاً؛ لأنّ الأخير أخصّ مطلقاً من الأول، فيجب تخصيصه به، و يحكم بكون المجموع كبيرة.

و منها صحيحة عبيد: عن الكبائر، فقال: «هنّ في كتاب علي (عليه السّلام) سبع: الكفر باللَّه، و قتل النفس، و عقوق الوالدين، و أكل الربا بعد البيّنة، و أكل مال اليتيم ظلماً، و الفرار من الزحف، و التعرّب بعد الهجرة» قال: قلت: فهذا أكبر المعاصي؟ قال: «نعم» قلت: فأكل درهم من مال اليتيم ظلماً أكبر، أم ترك الصلاة؟ قال: «ترك الصلاة» قلت: فما عددتَ ترك الصلاة في الكبائر؟ قال: «أيّ شي ءٍ أول ما قلت لك؟» قال: قلت: الكفر، قال: «فإنّ تارك الصلاة كافر، يعني من غير علّة» «1».

و رواية عبد الرحمن بن كثير: «الكبائر سبعٌ فينا أُنزلت و منّا استُحلّت، فأولها الشرك باللَّه العظيم، و قتل النفس التي حرّم اللَّه، و أكل مال اليتيم، و عقوق الوالدين، و قذف المحصنة، و الفرار من الزحف، و إنكار حقّنا» الحديث «2».

و موثّقة أبي بصير: «الكبائر سبعة: منها قتل النفس متعمّداً، و الشرك باللَّه العظيم، و قذف المحصنة، و أكل الربا بعد البيّنة، و الفرار من الزحف، و التعرّب بعد الهجرة، و عقوق الوالدين، و أكل مال اليتيم [ظلماً]» قال

______________________________

(1) الكافي 2: 278، 8، الوسائل 15: 321 أبواب جهاد النفس ب 46 ح 4.

(2) الفقيه 3:

366، 1745، الخصال: 363، 56، العلل: 474، 1، الوسائل 15: 326 أبواب جهاد النفس ب 46 ح 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 131

«و التعرّب و الشرك واحد» «1».

و رواية مسعدة، قال: «الكبائر: القنوط من رحمة اللَّه، و اليأس من رَوح اللَّه، و الأمن من مكر اللَّه، و قتل النفس التي حرّم اللَّه، و عقوق الوالدين، و أكل مال اليتيم ظلماً، و أكل الربا بعد البيّنة، و التعرّب بعد الهجرة، و قذف المحصنة، و الفرار من الزحف» «2».

و هذه الأخبار الأربعة و إن اختلف بعضها مع بعض في العدد أو في المعدود إلّا أنّه لا تعارض بينها منطوقاً.

نعم، يعارض بعضها بحسب المفهوم مع بعض، و لكن يقدّم المثبت من المتعارضين؛ لكون التعارض بالعموم و الخصوص المطلقين، فيحكم بتخصيص عموم مفهوم الحصر بخصوص المنطوق، و يكون كلّ ما في هذه الأحاديث كبيرة.

و أمّا مع الأخبار المتقدّمة فلا تعارض أيضاً بحسب المنطوق، و أمّا مفهوم الحصر في تلك الأخبار فهو و إن تعارض مع ما يختصّ بما أوعد اللَّه من الأخبار الاولى بالعموم من وجه، و لكن يعارض مع ما يشتمل على السبع أيضاً بالعموم المطلق، فيخصّص به، و يثبت الحكم للمجموع.

هذا، مع أنّه يمكن اختلاف مراتب الكبائر و حمل ما يتضمّن الحصر في عدد مخصوص على إرادة أكبرها، و يعضده ما في بعض الصحاح المتقدّمة من الحكم بأنّها ما أوعد اللَّه عليه النار، بعد ذكر السبع كما في بعض، أو قبله كما في بعض آخر.

______________________________

(1) الكافي 2: 281، 14، الوسائل 15: 324 أبواب جهاد النفس ب 46 ح 16؛ و ما بين المعقوفين من المصدر.

(2) الكافي 2: 280، 10، الوسائل 15: 324 أبواب جهاد النفس

ب 46 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 132

بل تدلّ عليه رواية أبي الصامت: «أكبر الكبائر سبع: الشرك باللَّه العظيم، و قتل النفس التي حرّم اللَّه عزّ و جلّ إلّا بالحقّ، و أكل مال اليتيم، و عقوق الوالدين، و قذف المحصنات، و الفرار من الزحف، و إنكار ما أنزل اللَّه عزّ و جلّ» «1».

ثم بما ذكر يظهر حال رواية الصدوق عن الفضل بن شاذان، فيما كتب به مولانا الرضا (عليه السّلام) للمأمون، المرويّة في عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) بأسانيد متعددة كما في الذخيرة «2»: «إنّ الكبائر هي: قتل النفس التي حرّم اللَّه تعالى ، و الزنا، و السرقة، و شرب الخمر، و عقوق الوالدين، و الفرار من الزحف، و أكل مال اليتيم ظلماً، و أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أُهلّ لغير اللَّه به من غير ضرورة، و أكل الربا بعد البيّنة، و السحت، و الميسر و هو القمار، و البخس في المكيال و الميزان، و قذف المحصنات، و اللواط، و شهادة الزور، و اليأس من رَوح اللَّه، و الأمن من مكر اللَّه، و القنوط من رحمة اللَّه، و معونة الظالمين، و الركون إليهم، و اليمين الغموس، و حبس الحقوق من غير عسر، و الكذب، و الكبر، و الإسراف، و التبذير، و الخيانة، و الاستخفاف بالحجّ، و المحاربة لأولياء اللَّه، و الاشتغال بالملاهي، و الإصرار على الذنوب» «3» و في بعض النسخ: «و الإصرار على الصغائر من الذنوب».

فإنّها تعارض مفاهيم الحصر المتقدّمة بالخصوص المطلق، يعني: أنّ هذه أخصّ منها فيجب تقديمها و الحكم بكون الجميع كبيرة؛ مع أنّه

______________________________

(1) التهذيب 4: 149، 417، الوسائل 15: 325 أبواب جهاد النفس ب 46

ح 20.

(2) الذخيرة: 304.

(3) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 121، تحف العقول: 422، بتفاوت، الوسائل 15: 329 أبواب جهاد النفس ب 46 ح 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 133

لا نعلم تعارضها مع ما يتضمّن أنّ الكبائر ما أوعد اللَّه عليه النار؛ لجواز الإيعاد بها في جميع ما تضمّنته الرواية، سيّما مع بعض احتمالات ذلك العنوان كما مرّ.

و كذا يعلم ممّا ذكر حال سائر ما تضمّن ذكر كبيرة أو كبائر من الأخبار، و يحكم بكون الجميع كبيرة، كمرسلة الفقيه: «إنّ الحيف في الوصيّة من الكبائر» «1».

و رواية أبي خديجة: «الكذب على اللَّه و على رسوله و على الأوصياء (عليهم السّلام) من الكبائر» «2».

و قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله): «من قال عَليَّ ما لم أقل فليتبوّأ مقعده من النار» «3».

و رواية عبد العظيم: «أُحبّ أن أعرف الكبائر من كتاب اللَّه تعالى ، فقال: نعم يا عمرو، أكبر الكبائر: الإشراك باللَّه، يقول اللَّه تعالى مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ «4» و بعده اليأس من رَوح اللَّه؛ لأنّ اللَّه تعالى يقول إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ «5» ثم الأمن من مكر اللَّه؛ لأنّ اللَّه تعالى يقول فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ «6» و منها عقوق الوالدين؛ لأنّ اللَّه تعالى

______________________________

(1) الفقيه 3: 369، 1747، الوسائل 15: 327 أبواب جهاد النفس ب 46 ح 23.

(2) الفقيه 3: 373، 1755، المحاسن 1: 118، 127، عقاب الأعمال: 268، 1، الوسائل 15: 327 أبواب جهاد النفس ب 46 ح 25.

(3) الفقيه 3: 373، 1756، المحاسن 1: 118، 127، عقاب الأعمال: 268، 1، الوسائل 15: 327 أبواب جهاد النفس ب 46

ح 26.

(4) المائدة: 72 و هي هكذا: «إنَّه مَن يُشرك باللَّه ..».

(5) يوسف: 87.

(6) الأعراف: 99.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 134

جعل العاقّ جبّاراً شقيّاً «1»؛ و قتل النفس التي حرّم اللَّه إلّا بالحقّ؛ لأنّ اللَّه تعالى يقول فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها «2» الآية، و قذف المحصنة؛ لأنّ اللَّه تعالى يقول لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ «3» و أكل مال اليتيم؛ لأنّ اللَّه تعالى يقول إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً «4» و الفرار من الزحف؛ لأنّ اللَّه تعالى يقول وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلى قوله وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ «5» و أكل الربا؛ لأنّ اللَّه تعالى يقول الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ «6» و السحر؛ لأنّ اللَّه تعالى يقول وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ «7» و الزنا؛ لأنّ اللَّه تعالى يقول وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً «8» و اليمين الغموس الفاجرة؛ لأنّ اللَّه تعالى يقول الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ «9» و الغلول؛ لأنّ اللَّه تعالى يقول وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ «10» و منع الزكاة المفروضة؛ لأنّ اللَّه

______________________________

(1) إشارة إلى قوله سبحانه في سورة مريم «وَ بَرًّا بِوالِدَتِي وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا».

(2) النّساء: 93.

(3) النّور: 23.

(4) النّساء: 10.

(5) الأنفال: 16.

(6) البقرة: 275.

(7) البقرة: 102.

(8) الفرقان: 68.

(9) آل عمران: 77.

(10) آل عمران: 161.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 135

تعالى يقول فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ

ظُهُورُهُمْ «1» و شهادة الزور و كتمان الشهادة؛ لأنّ اللَّه تعالى يقول وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ «2» و شرب الخمر؛ لأن اللَّه تعالى نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان «3»، و ترك الصلاة متعمّداً أو شيئاً ممّا فرض اللَّه؛ لأنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) قال: من ترك الصلاة متعمّداً فقد برئ من ذمّة اللَّه و ذمّة رسوله (صلّى اللَّه عليه و آله). و نقض العهد و قطيعة الرحم؛ لأنّ اللَّه تعالى يقول أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ «4»» الحديث «5».

و ظهر من جميع ما ذكر أنّ الكبائر: كلّ ما أوعد اللَّه تعالى عليه النار، و أنّ جميع ما في تلك الأخبار بخصوصه من الكبائر أيضاً.

بقي الكلام في بيان المراد ممّا أوعد اللَّه عليه من الاحتمالات المتقدّمة.

فنقول: إنّه بعد ما عرفت أنّ الثابت من الأخبار في القسم الأول من الكبائر هو عنوان ما أوعد اللَّه عليه النار، فيلزم متابعة ما يدلّ عليه ذلك العنوان، و هو صريحٌ في أنّه يلزم أن يكون الإيعاد بالنار، فلا يصحّ تعميم العنوان بالعقاب، أو مطلق الوعيد، إلّا أن يثبت أنّ عقابه و وعيده منحصرٌ بذلك.

و هو غير ثابت، بل الظاهر خلافه، و ظاهرٌ في كون الإيعاد على الذنب

______________________________

(1) التوبة: 35.

(2) البقرة: 283.

(3) إشارة إلى قوله تعالى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ المائدة: 90.

(4) الرعد: 25.

(5) الكافي 2: 285، 24، الوسائل 15: 318 أبواب جهاد النفس ب 46 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 136

المخصوص بعينه؛ لأنّه الظاهر المتبادر من قوله: «أوعد اللَّه عليه» فلا يشمل ما أوعد عليه عموماً، نحو قوله فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ

«1» و قوله وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها «2».

مع أنّ الأول إيعادٌ بالأعمّ من النار؛ للتصريح بالفتنة أيضاً.

و الثاني مخصوصٌ بعصيان الكفر بقرينة الخلود، و كذا الظاهر المتبادر منه الإيعاد الصريحي، فلا يشمل الضمني الحاصل في ضمن مجرّد النهي.

و مطلقٌ بالنسبة إلى كونه في الكتاب العزيز أم لا، فيشمل ما أوعد بالنار في الحديث القدسي، أو بلسان الرسول، أو الإمام حاكياً عن اللَّه، بمثل: قال اللَّه كذا، أو: أوجب كذا؛ لصدق إيعاده سبحانه عرفاً، و لا يشمل إيعاد الرسول و الإمام من غير نسبته إلى اللَّه تعالى و إن احتمل في الأول؛ لقوله تعالى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى «3».

و نقل المحدّث المجلسي في حقّ اليقين عن بعضهم: الإيعاد في السنّة المتواترة أيضاً موجبٌ للكون كبيرة مطلقاً، و عن بعض آخر: أنّ الإيعاد بالأحاديث الصحيحة أيضاً كذلك.

و الظاهر عدم اشتراط كونه بلا واسطة، بل يشمل ما كان بالواسطة، مثل أن يقول: تارك الصلاة منافق، و قال: المنافق في النار؛ لصدق الإيعاد بالنار، و مثل أن يقول: المضيع ماله مسرف، و قال: إنّ الإسراف يوجب دخول النار.

______________________________

(1) النور: 63.

(2) الجن: 23.

(3) النجم: 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 137

و من ذلك يظهر سرّ ما سبق من أنّ الكبائر إلى سبعمائة أقرب، بل على هذا يصعب حصر الكبائر، و اللَّه هو العالم بالسرائر.

فرع: قد مرّ رواية الفضل: أنّ من الكبائر الإصرار على الصغائر «1»، و تدلّ عليه أيضاً رواية الحسين بن زيد الطويلة، المرويّة في الفقيه في ذكر المناهي، و في آخرها: «لا كبيرة مع الاستغفار و لا صغيرة مع الإصرار» «2»، و رواية ابن سنان المتقدّمة «3»، و

نفى بعض مشايخنا المعاصرين عنه الريب بل الخلاف «4»، و هو كذلك، بل هو إجماعي.

و بما ذكر يجبر ما لو كان في الأخبار من الضعف، و بهما تخصّص الأخبار الظاهرة في الحصر فيما لا يدخل فيه ذلك؛ مع أنّ عدم كونه ممّا أوعد اللَّه عليه النار و لو بالواسطة غير معلوم.

ثم إنّهم اختلفوا في حدّ الإصرار الموجب لدخول الصغيرة في الكبائر.

فقيل: هو المداومة على نوع واحد منها، و المواظبة و الملازمة له «5».

و قيل: هو الإكثار منها، سواء كان من نوع واحد أو من أنواع مختلفة، ذكره في المسالك و الروضة و كشف الرموز «6» و غيرها «7».

و قيل: يحصل بكلّ واحد منها «8».

______________________________

(1) راجع ص 130.

(2) الفقيه 4: 2، 1، الوسائل 15: 312 أبواب جهاد النفس ب 43 ح 8.

(3) في ص 123.

(4) كما في الرياض 2: 428.

(5) كما في الرياض 2: 428.

(6) المسالك 2: 402، الروضة 3: 130.

(7) كما في كنز العرفان 2: 385، الذخيرة: 305.

(8) انظر كفاية الأحكام: 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 138

و قيل: هو فعل الصغيرة مع العزم على معاودتها «1».

و نقل عن بعضهم قولٌ بأنّ المراد فعل الصغيرة مع عدم التوبة «2».

و استدلّ للأخير برواية جابر: في قول اللَّه عزّ و جلّ وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ «3» قال: «الإصرار: أن يذنب الذنب فلا يستغفر [اللَّه ] و لا يحدّث نفسه بتوبة» «4».

و دليل الأول: كلام أهل اللغة، قال الجوهري: أصررت على الشي ء: أي أقمت و دمت عليه «5». و قال ابن الأثير: أصرّ على الشي ء يصرّ إصراراً: إذا لزمه و داومه و ثبت عليه «6». و في القاموس: أصرّ على الأمر: لزم «7».

و قريب منه كلام ابن فارس في المجمل «8».

و دليل الثاني و الثالث: إمّا صدق المداومة و اللزوم مع الإكثار، أو صدق الإصرار عرفاً معه.

و حجّة الرابع: فحوى رواية جابر، و هو الإصرار عرفاً.

قال في البحار: و في العرف يقال: فلان مصرّ على هذا الأمر إذا كان عازماً على العود إليه «9».

______________________________

(1) انظر البحار 85: 29.

(2) انظر البحار 85: 29.

(3) آل عمران: 135.

(4) الكافي 2: 288، 2، الوسائل 15: 338 أبواب جهاد النفس ب 48 ح 4؛ و ما بين المعقوفين من المصدرين.

(5) الصحاح 2: 711.

(6) النهاية 3: 22.

(7) القاموس المحيط 2: 71 و فيه: و أصرّ يعدو: أسرع، و على الأمر: عزم.

(8) مجمل اللغة 3: 223.

(9) البحار 85: 30.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 139

و لا ينبغي الريب في ضعف الأخير كما عن الذخيرة و البحار أيضاً «1»؛ لعدم مساعدة اللغة و لا العرف، و عدم دلالة الخبر على أنّه المراد من الإصرار مطلقاً، فلعلّه في تفسير الآية بخصوصه و لا في صدق الإصرار بالأول لغةً و عرفاً.

و إنّما الكلام في البواقي، و الظاهر لزوم اعتبار صدق الملازمة و المداومة في الإكثار أيضاً، فلا يُكتفى بمجرّد ارتكابها مرّات عديدة في يوم أو يومين أو ثلاثة مثلًا، و إن صدق الإكثار، فلو تركها بعد الثلاث لا يحكم بكونه إصراراً و لو لم تُعلَم التوبة، و هو الظاهر من التحرير، حيث قال: و عن الإصرار على الصغائر أو الإكثار منها «2». بل من الإرشاد و القواعد أيضاً «3»، كما صرّح بالظهور منهما في الذخيرة «4».

نعم، يظهر منهم كون الإكثار أيضاً قادحاً في العدالة أو في قبول الشهادة، و لكنّ الظاهر أنّ مرادهم من الإكثار: أغلبيّة

ارتكابه عن الاجتناب إذا عنّ له من غير توبة.

و أمّا مع العزم على العود بدون الإكثار كما هو القول الرابع فصدق الإصرار غير معلوم عرفاً، و لو علم في هذا الزمان فلا يفيد للأخبار.

فالمناط في صدق المداومة، ثم المناط صدق المداومة و الملازمة العرفيّتين.

و هل يشترط كون الإصرار على نوع واحد، أو لا؟

______________________________

(1) الذخيرة: 305، البحار 85: 29.

(2) التحرير 2: 208.

(3) القواعد 2: 236.

(4) الذخيرة: 305.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 140

الظاهر: الثاني؛ لصدق الإصرار على الصغائر بالمداومة على جنسها، كالإصرار على قتل الحيوانات بالمداومة على الجنس، و من الإصرار على الجنس: الإكثار من الذنوب بحسب ارتكابه أغلب عن اجتنابه إذا عنّ له من غير توبة؛ لصدق المداومة عرفاً.

ثم إنّ الشهيد قسّم الإصرار إلى فعلي و حكمي، فالفعلي هو الدوام على نوع واحد بلا توبة، أو الإكثار من جنس الصغائر كذلك؛ و الحكمي هو العزم على فعل تلك الصغيرة بعد الفراغ منها «1». و ارتضاه جماعة من المتأخّرين «2».

و لعلّ مستنده اللغة و العرف و حديث جابر، فبالأولين يثبت الأولان- و هما الإصرار و بالثالث يثبت حكم الإصرار للثالث، و فيه تأمّل.

فرع: كما يتحقّق الإصرار على الصغيرة بالإتيان بأفراد نوع واحد منها بقدر تصدق معه الملازمة عرفاً، كذلك يتحقّق باستمرار فرد واحد من نوعٍ بقدر تصدق الملازمة. و لا يتوقّف على تكرّر الفعل، فلو لبس ثوباً حريراً مدّة مديدة، أو اقتنى آنية ذهب على القول بحرمة اقتنائها أيضاً أو تختّم بخاتم ذهب كذلك، يخرج عن العدالة؛ لصدق الإصرار على الصغيرة.

و على هذا يقدح في العدالة فعل صغيرة مع العزم بالمعاودة لو علم منه ذلك، أو ترك التوبة مع التذكّر في مدّة مديدة، لا لأجل

كون ذلك إصراراً على الصغيرة المذكورة، بل لأجل الإصرار على ترك التوبة، و هو أيضاً من الصغائر؛ لوجوب التوبة، فإذا استمرّ تركها يكون مصرّاً على هذه

______________________________

(1) القواعد و الفوائد 1: 277.

(2) كالسيوري في كنز العرفان 2: 385، الشهيد الثاني في الروضة 3: 130.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 141

الصغيرة، و لأجله يخرج عن العدالة.

المسألة الخامسة: اعلم أنّه لا خلاف في زوال العدالة بارتكاب كبيرة

من الكبائر و لو كان إصراراً على الصغيرة، بل هو إجماعي؛ و يدلّ عليه الإجماع، و رواية علقمة «1»، و صحيحة ابن أبي يعفور «2»، و بعض الروايات الأُخر «3».

و هل يقدح فيها فعل صغيرة من دون إصرار، أم لا؟

المشهور سيّما بين المتأخّرين «4»: الثاني إن لم يبلغ حدّ الإكثار، على القول بعدم كونه إصراراً، بل قيل: إنّه اتّفاقيّ بين القائلين بتقسيم المعاصي إلى الكبائر و الصغائر، و ادّعي عليه الشهرة العظيمة «5».

و هو الأقوى؛ لتعريف العدالة في الصحيحة باجتناب الكبائر، فمن اجتنبها يكون عادلًا و لا ارتكب الصغيرة، بل مقتضاها اختصاص القدح بالكبيرة التي أوعد اللَّه عليها النار دون غيرها لو قلنا بأعميّة الكبيرة عنه و عمّا في الأخبار، و لو لا الإجماع على قدح الكبيرة مطلقاً لأمكن القول بالاختصاص.

و يؤيّده أيضاً استلزام قدح مطلق الصغيرة في العدالة الحرج العظيم، كما ذكره الشيخ في المبسوط «6»، و تشعر به رواية علقمة. و إمكان الرفع بالتوبة كما ذكره الحلّي «7» غير مفيد غالباً؛ لأنّ العلم بالتوبة مشكل.

______________________________

(1) أمالي الصدوق: 91، 3، الوسائل 27: 395 أبواب الشهادات ب 41 ح 13.

(2) الفقيه 3: 24، 65، الوسائل 27: 391 أبواب الشهادات ب 41 ح 1.

(3) الوسائل 27: 391 أبواب الشهادات ب 41.

(4) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 402، السبزواري في الكفاية: 279،

الكاشاني في المفاتيح 1: 19.

(5) كما في الرياض 2: 428.

(6) المبسوط 8: 217.

(7) السرائر 2: 118.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 142

و كذا يؤيّده قوله سبحانه وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا «1» و قوله إِلَّا اللَّمَمَ «2» و قد فسّره الجوهري بصغار الذنوب «3»، و كذا ابن الأثير في حديث أبي العالية، و نقله عن بعضهم أيضاً «4»، و فسّره أيضاً في الصافي بما صغر «5».

و حكي عن جماعة من القدماء الأُول «6»، و هم بين من أطلق في اشتراط العدالة أو قبول الشهادة بالاجتناب عن المحارم أو القبائح أو نحوهما ممّا يشمل الصغيرة أيضاً، و هو أكثرهم، و من صرّح بقدح جميع الذنوب و نفى الصغيرة من الذنوب، و هو الحلّي «7».

و استدلّ لهم بوجوه كثيرة بيّنة الضعف.

و يمكن أن يستدلّ لذلك القول بوجوه ثلاثة أُخرى.

أحدها: التصريح في صحيحة ابن أبي يعفور باشتراط كفّ الجوارح الأربع، الشامل للكفّ عن الصغائر أيضاً.

و ثانيهما: تصريح الأخبار بعدم قبول شهادة الفاسق، و كونه مناقضاً للعادل، و الفسق هو الخروج عن طاعة اللَّه، و هو يصدق مع فعل الصغيرة أيضاً.

______________________________

(1) آل عمران: 135.

(2) النجم: 32.

(3) الصحاح 5: 2032.

(4) النهاية الأثيرية 4: 273.

(5) الصافي 5: 94.

(6) حكاه عن ابن الجنيد في المختلف: 717، و القاضي في المهذّب 2: 556، و الحلبي في الكافي في الفقه: 435.

(7) السرائر 2: 118.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 143

و ثالثها: مفهوم الشرط في قوله: «فمن لم تره بعينك» إلى آخره، في رواية علقمة المتقدّمة.

و يمكن الجواب عن الأول: بأنّ ما يكفّ عنه غير مذكور، و للكلام مقتضى، و المقتضى غير معلوم، و عمومه كما قيل ممنوع، فلعلّه الكبائر، بل هو

القدر المتيقّن، و يؤكد إرادتها تخصيص المجتنَب عنه بها، و لو كان الأول عامّاً لما كان وجه لتخصيص الثاني، سيّما إذا جعل قوله في الصحيحة: «و يعرف» بياناً للستر و الكفّ، كما مرّ؛ مع أنّ منافاة فعل شي ء يسير نادراً للكفّ غير معلوم، فإنّ من يجتنب عن الأغذية المضرّة له دائماً يصدق عليه المحتمي و لو تناول شيئاً يسيراً منها نادراً- كتفّاحة مثلًا بعد الكفّ عن غيرها.

و عن الثاني: بمنع صدق الخروج عن طاعة اللَّه عرفاً بفعل صغيرة نادراً بعد تركه جميع الكبائر و الصغائر، و هذا ظاهر جدّاً.

و عن الثالث: بأنّه لو سلّم كونه مفهوم شرط، و كون: «مَن» فيه مفيدة للعموم، يكون مفهومه: أنّ كلّ من تراه بعينك أنّه يرتكب ذنباً فهو ليس بأهل العدالة، و هذا لا ينافي كون بعض المرتكبين من أهل العدالة؛ لتحقّق المفهوم بانتفاء العدالة عن المرتكبين للكبائر.

ثم إنّ هذا إذا لم يكن مصرّاً على الصغائر لإيجابه الكبر، و لا مكثراً فيها.

ثم لو كان مكثراً في فعل الصغائر بحيث يصدق الإكثار عرفاً، أو يكون ارتكابه للذنب أغلب من اجتنابه عنه إذا عنّ له من غير توبة، و قلنا بعدم دخوله في الإصرار فهل يقدح في العدالة، أم لا؟

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 144

و قد نفى غير واحد الخلاف في قدح الثاني «1»، و عن التحرير الإجماع عليه أيضاً «2».

و لا ينبغي الريب في قدحه بالمعنيين في معرفة العدالة بكونه ساتراً لعيوبه، إلى آخر المعرّف كما مرّ.

و إنّما الإشكال فيمن عرف اجتنابه للكبائر بالخبرة الباطنيّة و المعاشرة التامّة ثم ظهر منه الإكثار بأحد المعنيين، و لا شكّ أنّ القول بالقدح أحوط؛ لنفي الخلاف و الإجماع المنقول المتقدّمين، و

دلالة رواية جابر «3» على كون ذلك إصراراً في الجملة، بل شهادة العرف المتأخّر به أيضاً، و عدم صدق الكفّ معه، و احتمال إرادة العموم من الكفّ، فالمجتنب عن ذلك عادل قطعاً دون غيره، و صدق الخروج عن طاعة اللَّه معه، بل مقتضى الأخيرين كون ذلك أظهر أيضاً.

المسألة السادسة: صرّحوا بأنّ المرتكب للذنب القادح في العدالة إذا تاب عمّا فعل و عُلِمت توبته تُقبَل شهادته «4»، بل صرّح جماعة منهم والدي العلّامة قدّس سرّه بأنّه تعود عدالته.

فإن كان مرادهم العود الحكمي فلا إشكال، و كذا إن أُريد العود الحقيقي و قلنا بكون العدالة حسن الظاهر، أو الاجتناب المنبعث عن صفة نفسانيّة، أو صفة باعثة على الاجتناب الفعلي؛ إذ ليس المراد من حسن الظاهر أو الاجتناب المذكور كونه كذلك دائماً، بل المراد أنّه حين

______________________________

(1) كما في الكفاية: 279، و الذخيرة: 305، و الرياض 2: 428.

(2) التحرير 2: 208.

(3) المتقدّمة في ص 136.

(4) انظر البحار 85: 30، و الكفاية: 279.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 145

يتّصف بذلك فهو عادل و إن لم يكن قبله عادلًا. و لا شكّ أنّ بعد العلم بالتوبة يُعلَم لأجلها حسن ظاهره، و يكون حينئذٍ مجتنباً اجتناباً منبعثاً عن صفة نفسانيّة بعثته على التوبة.

نعم، يشكل على القول بكون العدالة ملكة راسخة كالشجاعة و السخاوة كما هو ظاهر أكثر المتأخّرين «1»، فإنّ في زوالها بفعل كبيرة إشكالًا؛ لأنّ فعل كبيرة لا ينافي تلك الملكة، كما اشتهر أنّ الصدوق قد يكذب، ثم في عودها بمجرّد التوبة أيضاً إشكالًا.

و يمكن التفصّي عن الأول: بأنّهم لا يقولون إنّ العدالة المعتبرة شرعاً هي تلك الملكة فقط، بل هي مقارنة مع عدم فعل الكبيرة أي مع الاجتناب عنها

فبمجرّد الارتكاب تزول العدالة الشرعيّة عنه؛ ضرورة انتفاء الكلّ بانتفاء جزئه.

و بذلك يحصل التفصّي عن الثاني أيضاً؛ فإنّ التوبة لمّا كانت مزيلة لأثر الارتكاب، أو كانت التوبة محصّلة للاجتناب المطلوب كما أُشير إليه أو كانت قائمة شرعاً مقام الاجتناب، تعود العدالة الشرعيّة.

فالمراد: زوال العدالة الشرعيّة و عودها دون نفس الملكة، أو المراد بالزوال و العود المذكورين: أنّ غاية ما يحصل من معرفة الملكة و لو بالمعاشرة التامّة الباطنيّة هي المعرفة الظنيّة، و هي ترتفع مع ارتكاب كبيرة، فإنّه كما يمكن أن يكون ذلك الارتكاب مع بقاء الملكة و بعث الأُمور الخارجيّة على الارتكاب يمكن أن يكون لانتفاء الملكة أولًا.

فالمراد زوال معرفة العدالة، ثم بعد ندامته و توبته يحصل الظنّ بكون

______________________________

(1) منهم السيوري في كنز العرفان 2: 384، الشهيد الثاني في الروضة 1: 378، الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 351.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 146

الاجتناب لأجل الملكة، و أنّ الارتكاب إنما هو لأجل غلبة الأُمور الخارجيّة.

ثم إنّ عود العدالة بالتوبة في الجملة ممّا لا خلاف فيه أجده، و في شرح الإرشاد للأردبيلي: لا يبعد كونه إجماعيّاً، قال: و ما يدلّ عليه من الآيات و الأخبار كثير «1».

أقول: لا يحضرني من الآيات و الأخبار الدالّة على عود العدالة بالتوبة شي ء.

و يحتمل أن يكون مراده ما يدلّ على قبول شهادة التائب.

و لكن الأخبار الدالّة على ذلك يختصّ أكثرها بخصوص القاذف، و الآيات أيضاً منحصرة بآية واحدة.

و أن يكون مراده آيات قبول التوبة، كما يظهر من كلامه بعد ذلك، حيث قال: بل لا يبعد العود بمحض التوبة إلى أن قال: لعموم قبول التوبة في الآيات و الأخبار الكثيرة.

و لكن يرد عليه: أنّها و إن كانت كثيرة إلّا

أنّها لا تدلّ على عود العدالة.

و يمكن أن يكون مراده الآيات المادحة للتائب بمدائح يبعد مدح اللَّه سبحانه الفسّاق بها، نحو إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ «2».

و قوله سبحانه وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَ الضَّرَّاءِ «3» الآية.

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 12: 321.

(2) البقرة: 222.

(3) آل عمران: 133 134.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 147

وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ إلى أن قال أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ «1».

و أمّا الأخبار المصرّحة بقبول شهادة التائب فكثيرة جدّاً، و لكنّ أكثرها واردة في القاذف كما يأتي.

و منها ما ورد في السارق، كرواية السكوني: «أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) شهد عنده رجل و قد قطعت يده و رجله شهادة، فأجاز شهادته، و قد كان تاب و عرفت توبته» «2» و قريبة منها الأُخرى «3».

و منها ما ورد في مطلق المحدود، كرواية اخرى للسكوني: «ليس يصيب أحد حدّا فيقام عليه ثم يتوب إلّا جازت شهادته» «4»، و قريبة منها الأُخرى «5».

و يؤكّد المطلوب رواية جابر: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» «6».

و لا يضرّ اختصاصها بالقاذف أو السارق أو المحدود؛ لعدم القول بالفصل، بل يظهر من المحقّق الأردبيلي إمكان التعميم بتنقيح المناط،

______________________________

(1) آل عمران: 135 136.

(2) الكافي 7: 397، 3، التهذيب 6: 245، 618، الإستبصار 3: 37، 123، الوسائل 27: 385 أبواب الشهادات ب 37 ح 2.

(3) الفقيه 3: 31، 93، الوسائل 27: 385 أبواب الشهادات ب 37 ح 2.

(4) الكافي 7: 397، 4، التهذيب

6: 245، 619، الإستبصار 3: 37، 124، الوسائل 27: 384 أبواب الشهادات ب 36 ح 3.

(5) التهذيب 6: 284، 786، الإستبصار 3: 37، 127، الوسائل 27: 384 أبواب الشهادات ب 36 ح 6.

(6) الكافي 2: 435، 10، الوسائل 16: 74 أبواب جهاد النفس ب 86 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 148

حيث قال: إنّ التخصيص بالقاذف بعيد من غير علّة موجبة لذلك، بل ظهور العلّة «1». انتهى .

و لكن يخدش الاستدلال بها أنّها مخصوصة ببَعد قيام الحدّ، و التعدّي إلى التائب الذي يجب عليه الحدّ قبل حدّه يحتاج إلى دليل، و مع ذلك فالتعدّي إلى ما لا حدّ فيه أو حدّه القتل أو لا تقبل توبته ظاهراً أشكل.

و دعوى الإجماع المركّب أو البسيط بحيث يطمئنّ القلب أيضاً مشكل.

فالأولى الاستدلال للعموم بأنّ بعد العلم بالتوبة يصدق عليه أنّه مجتنب عن الكبائر اجتناباً منبعثاً عن صفة نفسانيّة، فيصدق عليه أنّه العادل المستفاد من الصحيحة.

و بذلك صرّح المحقّق الأردبيلي أيضاً، قال: و الدليل على القبول و العود بمطلق التوبة أنّ المفهوم من العدالة عدم ارتكاب الكبيرة على الوجه الذي فُهمَ من رواية ابن أبي يعفور، و ذلك يحصل بعدم ذلك ابتداءً، و تنعدم بفعلها، فتعود بالترك مع الندامة و العزم على عدم العود و إن لم يتحقّق [بالترك ] فقط، و لأنّه حينئذٍ يتحقّق ما يفهم اعتباره في قبول الشهادة «2». انتهى .

بل يظهر من المحقّق المذكور عدم احتياج حصول العدالة بالتوبة لسبق العدالة على المعصية التي تاب عنها، حيث قال ما ملخّصه:

إنّه إذا ثبت قبول شهادة الفاسق بعد التوبة كما هو مقتضى الأدلّة السابقة يفهم عدم اعتبار الملكة في تعريف العدالة، بل في اشتراط قبول

______________________________

(1) مجمع الفائدة و

البرهان 12: 325.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 12: 322، و ما بين المعقوفين من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 149

الشهادة؛ إذ لم توجد الملكة في ساعة واحدة، بل الساعات المتعدّدة.

و أنّه لا يحتاج في إثبات العدالة إلى المعاشرة الباطنيّة أو الاستفاضة.

بل لا يشترط العدالة قبل الشهادة؛ إذ يتوب الشاهد فيأتي بها، بل يأتي بها بعد ردّه بالفسق أيضاً كما هو رأي الأكثر و الأصحّ فإنّ الفسق في وقتٍ ما ليس بمانع عن الشهادة مطلقاً، فإنّه يقبل مع حصول العدالة.

بل و إنّه لا يحتاج إلى الجرح و التعديل.

فاعتبار ذلك كلّه عبث و لغو بلا فائدة؛ مع أنّه معركة للآراء، و محلّ البحث بين الفحول من العلماء، فيصير معظم هذه المباحث قليل الجدوى.

و احتمال أن لا يتوب قليلٌ في الناس ممّن يستشهد به، فيُقبَل مجهول الحال بعد التوبة أيضاً و إن لم يقبل قبلها بالطريق الأولى؛ لأنّ الفاسق إذا تاب قُبِل، فهو بالطريق الأولى، و هو ظاهر «1». انتهى .

و بالجملة: نقول بحصول العلم بالعدالة الشرعيّة بعد العلم بالتوبة، من غير حاجة إلى إثبات عود العدالة بالتوبة.

نعم، يشترط هنا تحصيل العلم بالتوبة، بل مع استمرارٍ ما لها و لو كان في ساعة كما اعتبره المحقّق في الشرائع «2» كما كان يشترط أولًا تحصيل العلم بالعدالة.

و لا يكفي في العلم بالتوبة مجرّد قول الشاهد: تبت و ندمت و استغفر اللَّه؛ لأنّ مجرّد ذلك القول ليس توبة، و قبول إخباره لا دليل عليه، كما لا يقبل خبره عن عدالة نفسه أو اجتنابه الكبائر.

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 12: 325 326.

(2) الشرائع 4: 128.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 150

بل تحتاج معرفة ذلك إلى معاشرة باطنيّة أو استفاضة،

بحيث يحصل العلم بكونها توبة و ندامة، و بمضيّ زمان يمكن العود، و لم يكن له مانع من الذنوب، و ما ينقض التوبة و ما فعل.

و من ذلك يظهر عدم كون معارك الآراء و بحث فحول العلماء بلا فائدة.

فرع: عود العدالة أو العلم بتحققها بالتوبة إنّما يكون مع السعي في تلافي و تدارك ما يمكن تداركه، مثل: قضاء حقوق الناس، أو الخلاص من ذلك بإبراء أو إسقاط، و قضاء العبادات التي يجب قضاؤها، كذا ذكره المحقّق المذكور «1».

و وجهه: أنّ هذه الأُمور واجبة، فتركها معصية محرّمة كبيرة أو صغيرة، تصير كبيرة بالاستمرار عليه، إلّا أنّه يجب التقييد بما كان تلافيه واجباً فوريّاً، كأداء حقوق الناس.

و أمّا الموسّعات كقضاء الصلوات على الحقّ المشهور فاللّازم العلم بعزمه على القضاء، و لا يكفي عدم العلم بعدم العزم على القضاء؛ لأنّ مرجعه إلى عدم العلم بكونه تاركاً للمعصية، و المعتبر في العدالة العلم بالتاركيّة.

نعم، يكفي الظنّ المعتبر شرعاً هنا، الحاصل من المعاشرة و الأمارات، و اللَّه الموفّق للصواب.

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 2: 322.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 151

البحث الثالث في ذكر خصوص بعض المعاصي التي ذكروا منافاتها للعدالة أو عدمها
اشاره

و قد مرّ شطر من المعاصي في بحث المكاسب، و هاهنا مسائل:

المسألة الاولى : لا يقدح في العدالة و لا يحرم اتّخاذ الحمام

للاستئناس بها و إنفاذ الكتب بلا خلاف ظاهر؛ للأصل، و العمومات، و خصوص المستفيضة المعتبرة:

كصحيحة ابن وهب: «الحمام من طيور الأنبياء» «1».

و صحيحة حفص: «أصل حمام الحرم كانت لإسماعيل بن إبراهيم (عليهما السّلام) اتخذها كان يأنس بها» فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): «يستحبّ أن يتّخذ طيراً مقصوصاً يأنس بها مخافة الهوام» «2».

و رواية ابن سنان: «شكى رجل إلى النبيّ (صلّى اللَّه عليه و آله) الوحشة، فأمره أن يتّخذ في بيته زوج حمام» «3».

و رواية الشحّام: ذكرت الحمام عند أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، فقال: «اتّخذوها في منازلكم، فإنّها محبوبة، لحقتها دعوة نوح (عليه السّلام)، و هي آنس شي ء في البيوت» «4».

______________________________

(1) الكافي 6: 546، 1، الوسائل 11: 514 أبواب أحكام الدواب ب 31 ح 1.

(2) الكافي 6: 546، 3، الوسائل 11: 514 أبواب أحكام الدواب ب 31 ح 2 و 3 بتفاوتٍ يسير.

(3) الكافي 6: 546، 6، الوسائل 11: 516 أبواب أحكام الدواب ب 31 ح 10 و فيه بتفاوت.

(4) الكافي 6: 546، 7، الوسائل 11: 517 أبواب أحكام الدواب ب 31 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 152

و رواية أبي سلمة: «الحمام طير من طيور الأنبياء (عليهم السّلام) التي كانوا يمسكون في بيوتهم، و ليس من بيت فيه حمام إلّا لم تصب أهل ذلك البيت آفة من الجنّ» إلى أنّ قال: «فرأيت في بيت أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) حماماً لابنه إسماعيل» «1».

و رواية داود بن فرقد: كنت جالساً في بيت أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فبصرت إلى حمام راعبيّ «2» يقرقر طويلًا، فنظر إليّ أبو عبد اللَّه، فقال:

«يا داود، تدري ما يقول هذا الطير؟» قلت: لا و اللَّه جعلت فداك، قال: «يدعو على قتلة الحسين (عليه السّلام)، فاتّخذوا في منازلكم» «3».

و رواية السكوني: «اتّخذوا الحمام الراعبيّة في بيوتكم، فإنّها تلعن قتلة الحسين بن عليّ صلوات اللَّه عليهما» «4».

و رواية عثمان الأصبهاني، و فيها: فقال يعني أبا عبد اللَّه-: «اجعلوا هذا الطير الراعبي معي في البيت يؤنسني» «5».

و رواية عبد الكريم بن صالح، و فيها: هؤلاء الحمام تقذر الفراش، فقال: «لا، إنّه يستحبّ أن يمسكن في البيت» «6».

و مرسلة أبان: «كان في منزل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) زوج حمام أحمر» «7».

______________________________

(1) الكافي 6: 547، 8، الوسائل 11: 515 أبواب أحكام الدواب ب 31 ح 7، بتفاوتٍ يسير.

(2) حمامةٌ راعِبيَّة: تُرَعّبُ في صوتها ترعيباً، و هو شدّة الصوت، و قيل: هو نَسَبٌ إلى موضعٍ لسان العرب 1: 421.

(3) الكافي 6: 547، 10، الوسائل 11: 518 أبواب أحكام الدواب ب 33 ح 1.

(4) الكافي 6: 547، 13، الوسائل 11: 519 أبواب أحكام الدواب ب 33 ح 3.

(5) الكافي 6: 548، 14، الوسائل 11: 519 أبواب أحكام الدواب ب 33 ح 2.

(6) الكافي 6: 548، 15، الوسائل 11: 520 أبواب أحكام الدواب ب 34 ح 1.

(7) الكافي 6: 548، 16، الوسائل 11: 520 أبواب أحكام الدواب ب 34 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 153

إلى غير ذلك من الأخبار المتكثّرة، و صريح كثير منها: استحباب الاتّخاذ للأُنس، كما صرّح به جماعة أيضاً «1».

و كذا لا يحرم اقتناؤها للّعب بها، بإطارتها و التفرّج بطيرانها، وفاقاً للمحكيّ عن النهاية و المبسوط و القاضي «2».

و كافّة متأخّري أصحابنا مع الكراهة، و ظاهر المبسوط كونه

إجماعيّاً عندنا، حيث قال: فإنّ اقتناءها للّعب بها و هو أنّ يطيّرها و تنقلب في السماء و نحو هذا فإنّه مكروه عندنا.

و يدلّ عليه الأصل، و رواية العلاء بن سيّابة: عن شهادة من يلعب بالحمام، قال: «لا بأس إذا لم يُعرَف بفسق» قلت: فإنّ مَن قبلنا يقولون: قال عمر: هو شيطان، فقال: «سبحان اللَّه، أما علمت أنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) قال: إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه، ما خلا الحافر و الخفّ و الريش و النصل، فإنّها تحضره الملائكة، و قد سابق رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) أُسامة بن زيد و أجرى الخيل؟!» «3».

و الأُخرى: «لا بأس بشهادة الذي يلعب بالحمام، و لا بأس بشهادة صاحب السباق المراهن عليه، فإنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) قد أجرى الخيل و سابق، و كان يقول: إنّ الملائكة تحضر الرهان في الخفّ و الحافر و الريش، و ما عدا ذلك قمارٌ حرام» «4».

و ضعف سند الروايتين عندنا غير ضائر، مع أنّ الاولى مرويّة في الفقيه

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 429.

(2) النهاية: 327، المبسوط 8: 221، القاضي في المهذب 2: 557.

(3) الفقيه 3: 30، 88، الوسائل 27: 413 أبواب الشهادات ب 54 ح 3.

(4) التهذيب 6: 284، 785، الوسائل 27: 413 أبواب الشهادات ب 54 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 154

بطريق معتبر، مع أنّ العمل بهما جائز.

و التأمّل في دلالتهما لأجل ما ذكره بعض متأخّري المتأخّرين من أنّ لعب الحمام عند أهل مكّة هو لعب الخيل، فيحتمل ورود الخبر على مصطلحهم؛ و يشعر به ردّ الإمام في الأول على عمر بقول النبيّ (صلّى اللَّه عليه و آله)

الوارد في الرهان، و ذكر سباقه مع أُسامة في الخيل «1» مردودٌ بأنّه خلاف الظاهر المتبادر؛ مع أنّ ما نقله غير ثابت.

و على التسليم، فلا داعي على الحمل على مصطلح أهل مكّة، و لم يكن المتكلّم منهم و لا المخاطب.

و لا إشعار في ردّ الإمام بقول النبيّ؛ لتضمّنه الريش الظاهر في الطير أيضاً.

و لا ينافي ذكر سباقه؛ لأنّه لعلّه لأجل بيان جواز أصل السباق.

بل في مرسلة إبراهيم بن هاشم ما يشعر بخلافه، قال: ذكر الحمام عند أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، فقال له رجل: بلغني أنّ عمر رأى حماماً يطير و رجل تحته يعدو، فقال عمر: شيطان يعدو تحته شيطان، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): «ما كان إسماعيل عندكم؟» فقيل: صدّيق، فقال: «بقيّة حمام الحرم من حمام إسماعيل» «2».

و الاستشكال في الروايتين بتضمّنهما جواز المسابقة بالريش، المتبادر منه الطيور، و لم يقولوا به مدفوعٌ بأنّ الذي لا يقولون به هو المسابقة مع العوض، وأمّا بدونه ففيه خلاف، بل قيل: إنّ المشهور فيه

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 429.

(2) الكافي 6: 548، 18، الوسائل 11: 515 أبواب أحكام الدواب ب 31 ح 5 و فيه بتفاوتٍ يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 155

الجواز «1»، كما يأتي.

خلافاً للمحكيّ عن الحلّي، فحكم بقدح اللعب بها في العدالة؛ لقبح اللعب «2».

و فيه المنع «3» بحيث يثبت منه النهي، مع أنّ الروايتين تدفعانه.

ثم إنّ ما ذكر إنّما هو في اللعب الخالي عن المسابقة و المغالبة، و أمّا معها فإن كان بدون عوض للسابق ففيه خلاف، فظاهر التذكرة و القواعد و المسالك و الكفاية و المفاتيح و شرحه الجواز «4»، بل ربّما يستفاد من بعضهم أنّه الأشهر «5»؛ و يدلّ عليه

الأصل، و روايتا العلاء المتقدّمتين.

و حكي عن جماعة المنع، منهم: ظاهر المهذّب و المحقّق الثاني «6»، و نسب إلى التذكرة أيضاً «7» و هو في غير الطيور من أنواع المسابقات، بل ربّما نسب إلى الشهرة أيضاً «8»، بل حكى بعض مشايخنا المعاصرين- في بحث السبق و الرماية- عن ظاهر الأولين و صرح الثالث الإجماع عليه «9».

و لا تصريح و لا ظهور في الثالث أصلًا. نعم، قال في الأول بعد ذكر مسائل، منها المسابقة بالطيور بغير عوض-: إنّ الكلّ عندنا حرام.

______________________________

(1) التذكرة 2: 354.

(2) السرائر 2: 124.

(3) يعني: منع القبح.

(4) التذكرة 2: 354، القواعد 2: 236، المسالك 2: 404، الكفاية: 281، المفاتيح 3: 9.

(5) كما في الكفاية: 281.

(6) المهذّب 1: 331، المحقّق الثاني في جامع المقاصد 8: 326.

(7) التذكرة 2: 354.

(8) كما في الرياض 2: 41.

(9) انظر الرياض 2: 41.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 156

و كون ذلك دعوى الإجماع غير ظاهر.

و استدلّ على المنع بهذا الإجماع المنقول.

و بما دلّ على حرمة اللهو و اللعب.

و على تنفّر الملائكة عند الرهان و لعنهم صاحبها، خلا الثلاثة: الخفّ و الحافر و النصل.

و على أنّ ما عداها قمارٌ حرام.

و بسائر ما دلّ على حرمة القمار بقول مطلق.

و بالصحيح المصرّح بأنّه: «لا سبق إلّا في نصل، أو خفّ، أو حافر» «1» على أن تكون الباء في السبق ساكنة.

و أجاب هؤلاء عن دليل الأولين، أمّا عن الأصل فباندفاعه بما ذكر.

و أمّا عن الروايتين فبمنع إرادة الطير من الريش، أو لاحتمال أن يراد به السهام المثبت ذلك فيها، و بالحمل على التقيّة ثانياً.

كما يؤيّده ما ذكره في المسالك أنّه قيل: إنّ حفص بن غياث وضع للمهديّ العبّاسي في حديث: «لا سبق

إلّا في نصل، أو خفّ، أو حافر» قوله: أو ريش؛ ليدخل فيه الحمام تقرّباً إلى الخليفة، حيث رآه يحبّ الحمام، فلمّا خرج من عنده قال: أشهد أنّ قفاه قفاءٌ كذّاب، ما قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله): أو ريش، و لكنّه أراد التقرّب إلينا بذلك، ثم أمر بذبح الحمام «2».

أقول: أمّا اندفاع الأصل بما ذكر فيتوقّف على تماميّته، و فيه نظر.

أمّا الإجماع المنقول فلعدم حجّيته أولًا، و لعدم صراحة ما حكي، بل

______________________________

(1) سنن أبي داود 3: 29، 2574، غوالي اللئلئ 3: 265، 1.

(2) المسالك 2: 404.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 157

و لا ظهور في دعوى الإجماع ثانياً.

و أمّا حرمة اللهو و اللعب فلعدم دليل على حرمة مطلقهما.

و أمّا تنفّر الملائكة عند الرهان فلعدم معلوميّة صدق الرهان على ما لا عوض له فيه.

قال في الصحاح: راهنتُ على كذا مراهنةً: خاطرته «1».

و في القاموس: و المراهنة و الرهان: المخاطرة و المسابقة على الخيل «2».

و في مجمع البحرين: و أكثرهم على أنّ الرهان ما يوضع في الأخطار، و يراهن القوم: أخرج كلّ واحد منهم رهناً ليفوز بالجميع إذا غلب «3».

و ظاهر هذه الكلمات أنّ الرهان يكون في موضع يكون فيه عوض في معرض الخطر.

و لو سلّمنا، فقد تضمّنت الرواية استثناء الريش المتبادر منه الطير أيضاً كما صرّحوا به؛ و تدلّ عليه حكاية حفص مع الخليفة، و يؤكّده عطف النصل على الريش. و جعله من باب عطف المرادف أو الخاصّ على العامّ خلاف الظاهر.

و منه يظهر وجه النظر في الاستدلال بقوله: «و ما عدا ذلك قمارٌ حرام»؛ لأنّ الريش مذكور في الرواية، و صدق السباق المراهن عليه بدون العوض غير معلوم؛ مع أنّ في صدق

القمار على ما لا عوض فيه نظر، بل خصّصه بعضهم بالقمار بالآلات المعدّة له من أشياء مخصوصة، كما صرّح به في مجمع البحرين «4».

______________________________

(1) الصحاح 5: 2129.

(2) القاموس 4: 232.

(3) مجمع البحرين 6: 258.

(4) مجمع البحرين 3: 463.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 158

و منه يظهر أيضاً وجه النظر في عمومات حرمة القمار.

و أمّا الصحيح المذكور أخيراً فلعدم تعيّن كون الباء فيه ساكنة؛ لاحتمال الفتح فيها، فيراد منه العوض.

و عدم دلالته على الحرمة أصلًا على السكون أيضاً، كما صرّح به الأردبيلي و صاحب الكفاية «1»؛ لجواز إرادة نفي شرعيّة السبق دون جوازه. و الحمل على العموم لا دليل عليه.

و منه يظهر عدم وجود دافع للأصل أصلًا.

و أمّا ما أجابوا به عن الروايتين من احتمال إرادة النصل من الريش كما ذكره في السرائر «2»، و بالحمل على التقيّة ففي الأول: أنّه خلاف الظاهر المتبادر كما مرّ.

و الثاني: خلاف الأصل، و لا داعي عليه؛ مع أنّ الرواية متضمّنة للردّ على عُمَرهم، فكيف تحتمل التقيّة؟! بل في حكاية حفص مع الخليفة- و قول الخليفة:" أنّه كذب" و أمره بذبح الحمام دلالة على أنّهم لا يقولون بالجواز في الريش، و أنّ التقيّة تقتضي خلاف ذلك؛ مع أنّه على فرض عدم دلالة الروايتين يكفي الأصل الخالي عن الدافع للحكم بالجواز، فهو الحقّ.

و إن كان مع عوض، فالمذكور في كلام الأصحاب حرمته، بل عن المهذّب و التنقيح و المسالك و التذكرة الإجماع عليها «3»، و جعل بعض مشايخنا قدحه في العدالة قولًا واحداً «4»، و صرّح بعدم الخلاف بعضٌ

______________________________

(1) الكفاية: 281.

(2) السرائر 2: 124.

(3) المهذّب 1: 331، التنقيح 2: 350، المسالك 1: 381، التذكرة 2: 354.

(4) كما في الرياض 2:

430.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 159

آخر أيضاً «1»، و لم أجد تصريحاً بل و لا إشعاراً بالخلاف، فالظاهر أنّه إجماعيّ محقّق؛ فهو الدليل على حرمته.

مضافاً إلى قوّة احتمال صدق القمار عليه، بل ظهوره من الأخبار، حيث لم تخصّصه بآلة مخصوصة معدّة له.

و قال: «حتى الكعاب و الجوز» «2».

و في الصحيح: «كانت قريش تقامر الرجل بأهله و ماله» «3».

و بذلك يوهن الاستدلال بالروايتين المتضمّنتين لاستثناء الريش في صورة العوض؛ لإمكان القول بعدم حجّيتهما في هذه الصورة؛ لمخالفتهما لظاهر الإجماع، أو الشهرة العظيمة المخرجة للخبر عن الحجّية.

فالقول بالحرمة في هذه الصورة في غاية القوّة، و اللَّه العالم.

المسألة الثانية: يحرم الاشتغال بالملاهي و استعمال آلات اللهو،
اشاره

و حرمته مصرّح بها في أكثر كتب الأصحاب، ذكره في النهاية و السرائر و الشرائع و النافع و القواعد و الإرشاد و التحرير و التذكرة و الدروس و المسالك و الكفاية «4» و غيرها «5»، و في الأخير: لا أعرف في حرمته خلافاً بين الأصحاب.

و نفى المحدّث المجلسي في حقّ اليقين الخلاف فيها بين الشيعة، و في

______________________________

(1) كما في التنقيح 2: 350.

(2) في الكافي 5: 122، 2، الوسائل 17: 165 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 4.

(3) الكافي 5: 122، 1، الوسائل 17: 164 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 1.

(4) النهاية: 325، السرائر 2: 215، الشرائع 4: 128، النافع: 287، القواعد 2: 236، التحرير 2: 209، التذكرة 2: 354، الدروس 2: 126، المسالك 2: 404، الكفاية: 281.

(5) انظر الرياض 2: 430.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 160

شرح الإرشاد للأردبيلي: أنّه إجماع عندنا. و حكى بعض مشايخنا المعاصرين الإجماع على ظاهر عبارات جمع «1»، بل الظاهر أنّه إجماع محقّق.

و تدلّ عليه المستفيضة من الأخبار، كرواية

الفضل المتقدّمة، المصرّحة بكون الاشتغال بالملاهي من الكبائر «2».

و مرسلة الفقيه الطويلة، المشتملة على المناهي: «و نهى عن اللّعب بالشطرنج و النرد «3» و الكوبة و العرطبة و هي الطنبور و العود» «4».

و رواية السكوني: «قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله): أنهاكم عن الزفن و المزمار و الكوبات و الكبرات» «5».

و رواية عمران الزعفراني: «من أنعم اللَّه عليه بنعمة فجاء عند تلك النعمة بمزمار فقد كفرها» «6».

و رواية أبي الربيع الشامي، و فيها: «إنّ اللَّه بعثني رحمة للعالمين، لأمحق المعازف و المزامير» «7».

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 430.

(2) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 125، 1، تحف العقول: 423، الوسائل 15: 329 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 46 ح 33.

(3) النَّرْدُ: هو النردشير، الذي هو من موضوعات سابور بن أردشير بن بابك، أردشير أول ملوك الساسانية، شبّه رقعته بوجه الأرض، و التقسيم الرباعي بالكعاب الأربعة، و الرقوم المجعولة ثلاثين بثلاثين يوماً، و السواد و البياض بالليل و النهار، و البيوت الاثني عشرية بالشهور، و الكعاب بالأقضية السماوية، للّعب بها و الكسب. و" نَرْدشير": معرّب، و شير معناه حلو مجمع البحرين 3: 150.

(4) الفقيه 4: 2، 1، الوسائل 17: 325 أبواب ما يكتسب به ب 104 ح 6.

(5) الكافي 6: 432، 7، الوسائل 17: 313 أبواب ما يكتسب به ب 100 ح 6.

(6) الكافي 6: 432، 11، الوسائل 17: 314 أبواب ما يكتسب به ب 100 ح 7.

(7) مسند أحمد 5: 275، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 161

و الرضوي: «من بقي في بيته طنبور أو عود أو شي ء من الملاهي من المِعْزَفَة و الشطرنج و أشباهه أربعين يوماً فقد باء بغضب

من اللَّه، فإن مات في أربعين مات فاجراً فاسقاً، مأواه جهنّم و بئس المصير» «1».

و فيه أيضاً: «و إيّاك و الضربة بالصوالج «2»، فإنّ الشيطان يركض معك، و الملائكة تنفر عنك» «3».

و ما رواه الشيخ الحرّ في الفصول المهمّة: «إنّما حرّم اللَّه الصناعة التي هي حرام كلّها، التي يجي ء منها أنواع الفساد محضاً، نظير البرابط و المزامير و الشطرنج، و كلّ ملهوٍّ به، و الصلبان، و الأصنام، و ما أشبه ذلك من صناعات الأشربة الحرام، و ما يكون منه و فيه الفساد محضاً و لا يكون منه و لا فيه شي ء من وجوه الصلاح فحرام تعليمه، و تعلّمه، و العمل به، و أخذ الأُجرة عليه، و جميع التقليب فيه من جميع الحركات كلّها، إلّا أن تكون صناعة قد تنصرف إلى بعض وجوه المنافع» «4».

و ما رواه فيه أيضاً: «كلّ ما ألهى عن ذكر اللَّه فهو ميسر» «5».

و رواية: «إنّ اللَّه يغفر لكلّ مذنب إلّا لصاحب عرطبة أو كوبة» «6».

______________________________

(1) فقه الرضا (عليه السّلام): 282، مستدرك الوسائل 13: 218 أبواب ما يكتسب به ب 79 ح 10، بتفاوتٍ يسير.

(2) الصَّوْلَج و الصولجان و الصولجانة: العود المعوج .. عصا يعطف طرفها يضرب بها الكرة على الدواب لسان العرب 2: 310.

(3) فقه الرضا (عليه السّلام): 284، الفقيه 4: 41، 135 و فيه: الصوانَج.

(4) وجدناه في تحف العقول: 335، الوسائل 17: 83 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1، و فيهما: الصنائع، بدل: المنافع.

(5) وجدناه في مجالس ابن الشيخ: 345، الوسائل 17: 315 أبواب ما يكتسب به ب 100 ح 15.

(6) انظر الفائق للزمخشري 2: 412، غريب الحديث (لابن الجوزي) 2: 87، النهاية الأثيرية 3: 216.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 18، ص: 162

و الرواية الواردة في بيان آخر الزمان: «و رأيت الملاهي قد ظهرت لا يمنعها أحدٌ أحداً، و لا يجترئ أحد على منعها، و رأيت المعازف ظاهرة في الحرمين» «1».

و المرويّ في جامع الأخبار: «يحشر صاحب الطنبور يوم القيامة أسود الوجه، و بيده طنبور من نار، و فوق رأسه سبعون ألف ملك، و بيد كلٍّ مقمعة من نار يضربون وجهه و رأسه» إلى أن قال: «و صاحب المزمار مثل ذلك، و صاحب الدفّ مثل ذلك» «2».

و النبويّ: «إنّ اللَّه حرّم على أُمّتي الخمر و الميسر و المزمر و الكوبة» «3».

و في رواية محمّد بن الحنفيّة في تهديد أقوام، و فيها: «و اشتروا المغنّيات و المعازف».

و ضعف هذه الأخبار كلّاً أو بعضاً غير ضائر؛ لانجبارها بما مرّ من فتاوى الأصحاب، و حكايات نفي الخلاف، و الإجماع.

و تعضده أيضاً روايات كثيرة أُخرى، كرواية سماعة: «لمّا مات آدم شَمَتَ به إبليس و قابيل، و اجتمعا في الأرض، فجعل إبليس و قابيل المعازف و الملاهي شماتةً بآدم، فكلّ ما كان في الأرض من هذا الضرب الذي يتلذّذ به الناس فإنّما هو من ذلك» «4».

و رواية عنبسة: «الغناء و اللهو ينبت النفاق في القلب» «5».

______________________________

(1) الكافي 8: 36، 7، الوسائل 16: 275 أبواب الأمر و النهي ب 41 ح 6، بتفاوت.

(2) جامع الأخبار: 433، 1211، مستدرك الوسائل 13: 219 أبواب ما يكتسب به ب 79 ح 17.

(3) مسند أحمد 1: 274 و 289 و ج 2: 165 و 171.

(4) الكافي 6: 431، 3، الوسائل 17: 313 أبواب ما يكتسب به ب 100 ح 5.

(5) الكافي 6: 434، 23، الوسائل 17: 316 أبواب ما يكتسب به ب 101

ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 163

و رواية إسحاق بن جرير: «إنّ شيطاناً يقال له: القفندر، إذا ضُرِبَ في منزل رجل أربعين يوماً بالبَرْبَط، و دخل عليه الرجال، وضع ذلك الشيطان كلّ عضو منه على مثله من صاحب البيت، ثم ينفخ فيه نفخة فلا يغار بعدها، حتى يؤتى بنسائه فلا يغار» «1»، و قريبة منها رواية أبي داود المسترقّ «2».

و رواية كليب الصيداوي: «ضرب العيدان ينبت النفاق في القلب» «3».

و رواية موسى بن حبيب: «لا يقدّس اللَّه امّة فيها بَرْبَط. [يقعقع ]» «4» إلى غير ذلك.

و جعل هذه الأخبار الأخيرة معاضدة لعدم صراحتها في التحريم.

و الملاهي: جمع الملهاة، و هي آلة اللهو.

و الكوبة فُسّرت بالنرد و الشطرنج، و بالطنبور و بمطلق الطبل، و بالطبل الصغير المختصر، و بالبربط «5».

و العرطبة فُسّرت في المرسلة بالطنبور، و قيل: هي الطبل «6».

و العود: آلة لهو يضرب به.

______________________________

(1) الكافي 6: 433، 14، الوسائل 17: 312 أبواب ما يكتسب به ب 100 ح 1، بتفاوتٍ يسير.

(2) الكافي 6: 434، 17، الوسائل 17: 313 أبواب ما يكتسب به ب 100 ح 2.

(3) الكافي 6: 434، 20، الوسائل 17: 313 أبواب ما يكتسب به ب 100 ح 3.

(4) الكافي 6: 434، 21، الوسائل 17: 313 أبواب ما يكتسب به ب 100 ح 4؛ بدل ما بين المعقوفين في «ح» و «ق»: يفقع، و ما أثبتناه من المصدرين؛ و القَعْقَعَة: حكاية صوت السلاح و نحوه مجمع البحرين 4: 382.

(5) انظر الصحاح 1: 215، و القاموس 1: 131، و النهاية الأثيرية 4: 207، و لسان العرب 1: 729، و أقرب الموارد 1: 473.

(6) انظر القاموس 1: 107.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص:

164

و الزفن فُسّر باللعب، [و بالدفع «1»]، و بالرقص «2».

و المزمار: ما يزمر به. و الزمر: التغنّي في القصب و نحوه، و مزامير داود: ما كان يتغنّى به من الزبور. و قيل: المزمار: قصبة يُزمَّر بها «3».

و الكَبَر بالفتحتين الطبل، و في الصحاح: طبل له وجه واحد «4».

و المعازف: هي آلات اللهو يضرب بها، و قيل: المعزف: نوع من الطنبور يتّخذه أهل اليمن، حكي عن المغرب «5»، و في النهاية الأثيريّة: المعازف: هي الدفوف و غيرها ممّا يضرب بها «6».

و البَرْبَط كجعفر ملهاة يشبه العود، و يشبه صدر الإوز أي البطّ فهو فارسيّ معرّب، أي صدر بطّ.

ثم المستفاد حرمته من هذه الأخبار على قسمين:

أحدهما: ما صرّح بحرمته خصوصاً، و هو الطنبور و العود و المزمار و الطبل و البربط و الدفّ، و لا خفاء في تحريمه.

و ثانيهما: ما يدخل في عموم الملاهي المذكورة في بعض تلك الأخبار- أي آلات اللهو أو عموم المعازف على تفسيرها بآلات اللهو، أو عموم قوله «كلّ ملهوٍّ به».

______________________________

(1) بدل ما بين المعقوفين في «ح»: و بالدفاف، و في «ق»: و بالدف؛ و الصحيح ما أثبتناه انظر المصادر أدناه.

(2) كما في مجمع البحرين 6: 260، نهاية ابن الأثير 2: 305، لسان العرب 13: 197.

(3) انظر نهاية ابن الأثير 2: 312، أقرب الموارد 1: 473.

(4) لم نعثر عليه في الصحاح، و لعلّه تصحيف المصباح انظر المصباح المنير: 524.

(5) المغرب 2: 42.

(6) النهاية 3: 230.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 165

و المراد بها: ما يتّخذ للّهو و يعدّ له و يصدق عليه عرفاً أنّه آلة اللّهو، لا كل ما يلهى به و إن لم يكن معدّاً له و لم يصدق عليه آلته

عرفاً، بل كان متّخذاً لأمر آخر- كالطشت و الجوز كما يستفاد من قوله في رواية الفصول المهمّة، المشتملة على قوله: «كلّ ملهوٍّ به» «التي يجي ء منها أنواع الفساد محضاً» و قوله في آخرها: «و لا فيه شي ء من وجوه الصلاح».

و لعلّه لذلك قيّد جماعة كما في المسالك و شرح الإرشاد و الكفاية «1» الدفّ بالمشتمل على الجلاجل «2»؛ ليمتاز المتّخذ للّهو منه عن غيره، و إن اشتهر في هذه الأزمان كون جميع أفراده آلة اللّهو.

ثم في المراد باللّهو الذي تتّخذ له الآلة أيضاً إجمال؛ إذ اللّهو في اللغة: الاشتغال و التشاغل و السهو. و قد يستعمل بمعنى اللعب؛ و لا يُعلَم أيّهما المراد، و لو أُريد الأول فلا بدّ من التخصيص بالشغل عن ذكر اللَّه، و واضح أنّ كلّ ما يشغل عن ذكر اللَّه ليس بمحرّم إجماعاً، و لا يُتَّخذ آلة للشغل عن ذكر اللَّه، بل كلّ ما يُتَّخذ من أموال الدنيا ملهاة عن ذكر اللَّه.

و أيضاً ظاهر رواية سماعة الاختصاص بما يضرب ضرباً يتلذّذ به الإنسان.

و ظاهر الرضوي اختصاص الملاهي بالمعزفة و الشطرنج و أشباهه.

و ظاهر رواية الفصول المهمّة اختصاصها بما يجي ء منه أنواع الفساد محضاً، و أيضاً إرادة العموم غير ممكنة، و الاقتصار بما ثبت تخصيصه يوجب خروج غير نادر؛ مع أنّ الجابر في جميع ما يشغل عن ذكر اللَّه غير معلوم.

______________________________

(1) المسالك 2: 404، الكفاية: 281.

(2) الجُلْجُل: الجرس الصغير يعلّق في أعناق الدواب و غيرها مجمع البحرين 5: 341.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 166

و على هذا، فلا محيص عن الأخذ بما يتيقّن إرادته من الملاهي، و ليس هو إلّا صنف مخصوص يعبّر عنه بالفارسيّة ب: «أنواع سازها» فيجب الاقتصار في

الحكم بالتحريم بذلك، سواء كان من الآلات المسمّاة في الأخبار المتعارفة في أزمنة الشارع، أو المستحدثة في هذه الأزمان، بشرط صدق العنوان، و هو بالفارسيّة: «ساز» و يكون آلة له و متّخذة لأجله، و يحكم في غيره بمقتضى الأصل.

و منه ما يشكّ في دخوله فيه، كالصور، و ما يتّخذه السلاطين لإعلام العساكر و علامة الجلال، و يقال له بالفارسيّة: كُرْنا.

و كذا الصنج بالمعنى الذي فسّره به في القاموس «1»، و هو: دفّتان من رصاص و نحوه، يضرب بأحدهما على الآخر لاجتماع الناس.

و أمّا ما روي من قولهم: «إيّاك و الصوانج، فإنّ الشيطان يركض معك، و الملائكة تنفر عنك» «2» فلا يصلح لإثبات الحرمة؛ لاختلاف النسخة، فإنّ في الأكثر: «الصوالج» فتأمّل.

و كذا الصولجان و الكرة و نحو ذلك.

فروع:

أ: هل تختصّ حرمة استعمال آلات الملاهي باستعمالٍ خاصّ؟ كالإلهاء بها بما أُعدّت له مع قصد الإلهاء، فلا يحرم استعمالها بهذا النحو لا بقصد اللهو، كضرب الطبل أو الدفّ، أو الطنبور للإعلام بدخول وقت أو خروجه، أو طرد الحيوانات المؤذية من الزرع و نحو ذلك، و كذا لا يحرم

______________________________

(1) القاموس 1: 204.

(2) فقه الرضا (عليه السّلام): 284، الفقيه 4: 41، 135.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 167

استعمالها بغير النحو الخاص، كجعل الدفّ مكيالًا، و المزمار عصا، و نحو ذلك.

أو تعمّ الحرمة جميع أنواع الاستعمالات؟

الظاهر: الثاني، بل كأنّه لا خلاف فيه أيضاً، و في المنتهى : و كما يحرم بيع هذه الأشياء يحرم عملها مطلقاً، بلا خلاف بين علمائنا في ذلك «1».

و تدلّ عليه روايتا الفصول المهمّة و أبي الربيع الشامي المتقدّمتين «2».

و المرويّ في تحف العقول، و رسالة المحكم و المتشابه للسيّد، و الفصول المهمّة أيضاً، عن الصادق

(عليه السّلام): «كلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا هو منهيّ عنه من جهة أكله و شربه، أو كسبه، أو نكاحه، أو ملكه، أو هبته، أو عاريته، أو إمساكه، أو يكون فيه شي ء من وجوه الفساد، نظير: البيع بالربا، و البيع للميتة و الدم و لحم الخنزير، أو لحوم السباع من جميع صنوف سباع الوحش، أو الطير، أو جلودها، أو الخمر، أو شي ء من وجوه النجس، فهذا كلّه حرام محرّم؛ لأنّ ذلك كلّه منهيّ عن أكله، و شربه، و لبسه، و ملكه، و إمساكه، و التقلّب فيه، فجميع تقلّبه في ذلك حرام» الحديث «3».

و فيه أيضاً: «و كذا كلّ ملهوٍّ به، و كلّ منهيّ عنه ممّا يتقرّب به لغير اللَّه، و يقوى به الكفر و الشرك من جميع وجوه المعاصي، أو باب يوهن به

______________________________

(1) المنتهى 2: 1011.

(2) في ص 158 159.

(3) تحف العقول: 333، المحكم و المتشابه: 46، الوسائل 17: 83 أبواب ما يكتسب به ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 168

الحقّ فهو حرام بيعه، و شراؤه، و إمساكه، و ملكه، وهبته، و عاريته، و جميع التقلّب فيه، إلّا في حال تدعو الضرورة إلى ذلك».

و تؤيّده أيضاً الروايات المتقدّمة، المتضمّنة لصاحب العرطبة و الكوبة و الطنبور و المزمار و الدفّ، و الرضوي المتقدّم «1».

و المرويّ في تفسير القمي: «فأمّا الميسر فالنرد و الشطرنج، و كلّ قمار ميسر، و أمّا الأنصاب فالأوثان التي كان يعبدها المشركون؛ و أمّا الأزلام فالأقداح التي كانت تستقسم بها مشركو العرب في الأُمور في الجاهليّة؛ كلّ هذا بيعه و شراؤه و الانتفاع بشي ء من هذا حرام من اللَّه محرّم» «2».

بل يمكن جعل ذلك دليلًا بضميمة الإجماع المركّب.

و ظهر

ممّا ذكر حرمة جميع التصرّفات في آلات اللهو و إمساكها و اقتنائها، و وجوب كسرها على المتمكّن منه؛ دفعاً لمنكر الإمساك.

نعم، لو كان ممّا يتّخذ للمنافع المحلّلة أيضاً أي لم ينحصر اتّخاذها للّهو خاصّة، بل قد ينصرف إلى وجوه المنافع المحلّلة، بحيث كان ذلك متعارفاً فيه- يمكن الحكم بجواز الانتفاع منه بهذا الوجه، كما ذكر في رواية الفصول المهمّة.

و لكن مثل ذلك نادر في آلات اللهو؛ مع أنّ الرواية ضعيفة، و الجابر لها في ذلك غير معلوم.

إلّا أن يقال: إنّ دليل حرمة جميع الانتفاعات أيضاً ضعيف، و الجابر له غير معلوم.

______________________________

(1) في ص 159.

(2) تفسير القمّي 1: 181، الوسائل 17: 321 أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 12، بتفاوتٍ يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 169

و لكن يمكن أن يمنع ضعف الجميع، فإنّ رواية أبي الربيع حجّة، و محق النبيّ للمعازف إنّما هو على الوجوب؛ لأنّه جعله غاية البعث، و التأسّي به فيما لم يعلم كونه من خواصّه واجب، و وجوب المحق ينافي جواز شي ء من الاستعمالات.

ب: هل يحرم اللّهو بغير آلات اللّهو الثابتة حرمتها المتقدّمة، كالطشت يضرب به كالدفّ، و الصور ينفخ فيه لعباً و لهواً، و نحو ذلك؟

الظاهر: لا؛ للأصل، و اختصاص ثبوت الحرمة باستعمالات اللّهو.

نعم، لو ثبتت حرمة مطلق اللّهو أيضاً لأمكن القول بالحرمة لذلك، و لكنّها غير ثابتة، فإنّ اللّهو ما يتشاغل به، و المراد به هنا عن ذكر اللَّه، أو خصوص اللعب، و هو أيضاً فسّر بعمل لا يجدي نفعاً، و حرمة مطلق الأمرين غير ثابتة.

و ظاهر التذكرة حرمة مطلق اللّهو؛ احتجاجاً بذمّ اللَّه سبحانه اللّهو و اللعب «1». و في ثبوت ذلك الذمّ المثبت للتحريم نظر.

و قد

يستدلّ للتحريم برواية عنبسة المتقدّمة «2».

و قوله: «كلّ ملهوٍّ به» في رواية الفصول المهمة السابقة.

و رواية اخرى : «كل ما ألهى عن ذكر اللَّه فهو ميسر» «3».

و رواية الوشّاء: عن شراء المغنّية، قال: «قد تكون للرجل الجارية تلهيه، و ما ثمنها إلّا ثمن كلب، و ثمن الكلب سحت، و السحت في

______________________________

(1) التذكرة 2: 581.

(2) في ص 161.

(3) مجالس الحسن بن محمد الطوسي 1: 345، الوسائل 17: 315 أبواب ما يكتسب به ب 100 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 170

النار» «1».

و رواية اخرى ذكرها في مجمع البحرين: عن قول اللَّه تعالى فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ «2» قال: «هو الغناء و سائر الأقوال الملهية» «3».

و رواية أبي عمرو الزبيري، و هي طويلة، و فيها «و فرض على السمع أن يتنزّه عن الاستماع إلى ما حرّمه اللَّه، و أن يعرض عمّا لا يحلّ له ممّا نهى اللَّه تعالى عنه، و الإصغاء إلى ما أسخط اللَّه تعالى ، فقال في ذلك وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ «4»» إلى أن قال: «و قال فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ «5» و قال تعالى قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ «6» و قال وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ «7» و قال وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً «8» فهذا ما فرض اللَّه على السمع من الإيمان أن لا يصغي إلى ما لا يحلّ له» الحديث «9». و لا شكّ أنّ كلّ لهوٍ لغو.

______________________________

(1)

الكافي 5: 120، 4، التهذيب 6: 357، 1019، الإستبصار 3: 61، 202، الوسائل 17: 124 أبواب ما يكتسب به ب 16 ح 6.

(2) الحج: 30.

(3) مجمع البحرين 3: 319، بتفاوت.

(4) النساء: 139.

(5) الزمر: 17 18.

(6) المؤمنون: 1 3.

(7) القصص: 55.

(8) الفرقان: 72.

(9) الكافي 2: 33، 1، الوسائل 15: 164 أبواب جهاد النفس ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 171

و يمكن أن يجاب عن الأول: بمنع دلالته على التحريم، بل مثل ذلك يستعمل في أكثر المكروهات.

و عن الثاني: أنّه ذكره في بيان ما فيه الفساد محضاً و ليس فيه شي ء من وجوه الصلاح، و ليس غير آلات اللهو كذلك، فالمراد به هي الملاهي؛ مع أنّ الرواية ضعيفة، و انجبارها في غير الملاهي و آلات القمار غير معلوم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 18    171     فروع: ..... ص : 166

عن الثالث: بمعارضته مع رواية الوشّاء: «الميسر هو القمار» «1»، و رواية جابر، و فيها: ما الميسر؟ قال: «ما تقومر به حتى الكعاب و الجوز» «2».

و عن الرابع: أنّ مطلق الإلهاء ليس بمحرّم إجماعاً، و الحمل على الإلهاء عن ذكر اللَّه ليس بأولى من حمله على الإلهاء عن الواجبات كالصلاة و نحوها، فلا يدلّ على حرمة مطلق اللهو؛ مع أنّ الظاهر أنّ المراد الجارية المغنّية الملهية بغنائها، بأن تكون اللّام في: «الجارية» للعهد الذكري، و لا شكّ في تحريم ذلك الإلهاء.

و عن الخامس: بالمعارضة مع ما فسّر قول الزور بالغناء خاصّة، كرواية أبي بصير، ففيها: «إنّه هو الغناء» «3».

و عن السادس: أنّه لا يدلّ إلّا على حرمة الإصغاء إلى ما لا يحلّ له، و لا يدلّ على أنّ اللّغو منه و ذكر

الآيات إنّما هو لبيان كون السمع أيضاً

______________________________

(1) الكافي 5: 124، 9، الوسائل 17: 165 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 3.

(2) الكافي 5: 122، 2، الفقيه 3: 97، 374، التهذيب 6: 371، 1075، الوسائل 17: 165 أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 4.

(3) الكافي 6: 431، 1، الوسائل 17: 305 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 9، بتفاوتٍ يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 172

مكلّفاً، بقرينة أنّه لا دلالة في الآيات المذكورة على الفرضيّة، و أيضاً ذكر اتّباع الأحسن، و هو غير مفروض قطعاً إذ المراد باللّغو: ما ثبت عدم حلّية إصغائه، كالغناء و الهجاء و الغيبة.

ج: قُيّد الدفّ المحرّم في طائفة من كلمات الأصحاب كالمسالك و شرح الإرشاد للأردبيلي و الكفاية «1» بالمشتمل على الجلاجل؛ و أطلقه جماعة «2»، و هو المستفاد من رواية جامع الأخبار «3» و الأخبار المتضمّنة للملاهي و آلات اللهو «4»، فهو الأظهر.

د: صرّح في القواعد و الشرائع و التحرير و الإرشاد و الدروس بحرمة استماع أصوات آلات اللهو «5»؛ و كأنّه لصدق الاشتغال المصرّح به في رواية الفضل «6»، و لعلّه لا خلاف فيه أيضاً، و هو كذلك.

و منع صدق الاشتغال بمجرّد مطلق الاستماع، و توقّفه على نوع مواظبة غير جيّد، و لو سلّم يمكن أن يقال: إنّ تحريم المواظبة على الاستماع بحيث يصدق الاشتغال قطعاً يثبت تحريم مطلقه؛ للإجماع المركّب، و أمّا سماعها فلا؛ للأصل، و عدم صدق الاشتغال و إن وجب المنع نهياً عن المنكر.

______________________________

(1) المسالك 2: 404، الكفاية: 281.

(2) منهم ابن إدريس في السرائر 2: 215 و العلّامة في التذكرة 2: 581، و صاحب الحدائق 18: 200.

(3) المتقدّمة في ص 160.

(4) الوسائل

17: 312 أبواب ما يكتسب به ب 100.

(5) القواعد 2: 236، الشرائع 4: 128، التحرير 2: 209، الدروس: 190.

(6) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 121، الوسائل 15: 329 أبواب جهاد النفس ب 46 ح 33.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 173

و تظهر الثمرة فيما إذا لم يمكن المنع و أمكن التباعد بحيث لا يسمع أو سدّ السمع بخرقة فلا يجب ذلك، و فيما إذا مرّ على طريق يوجب السماع مع إمكان العبور عن غيره فيجوز المرور.

نعم، لا يجوز الجلوس في مجلس الاشتغال بالملاهي مع عدم إمكان المنع و إمكان الخروج؛ لحرمة الجلوس في مجلس المعصية.

ه: يجب على كلّ متمكّن كسر آلات اللهو أو إتلافها؛ نهياً عن المنكر، الذي هو إمساكه و اقتناؤه، و لا يضمن به لصاحبه.

نعم، يجب عليه في صورة الكسر ردّ المكسور إلى المالك إن تصوّر فيه نفع.

و: قد استثنى جماعة من أصحابنا منهم: الشيخ في المبسوط و الخلاف كما حكي، و المحقّق في الشرائع و النافع، و الفاضل في القواعد و الإرشاد و التحرير، و الشهيد في الدروس، و حكي عن المحقّق الثاني أيضاً «1» الدفّ في العرائس، و ادّعى بعض مشايخنا المعاصرين الإجماع عليه بفتوى و عملًا «2»، بل عن الخلاف دعوى الوفاق عليه «3».

للنبويّين، أحدهما: «أعلنوا بالنكاح، و أضربوا عليه بالغربال» يعني الدفّ «4».

و في الثاني: «فَصلُ ما بين الحلال و الحرام الضرب بالدفّ عند

______________________________

(1) المبسوط 8: 214، الخلاف 2: 626، الشرائع 4: 128، النافع: 287، القواعد 2: 236، التحرير 2: 209، الدروس 2: 126، المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 24.

(2) انظر الرياض 2: 430.

(3) الخلاف 2: 627.

(4) سنن ابن ماجة 1: 611، 1895.

مستند الشيعة في أحكام

الشريعة، ج 18، ص: 174

النكاح» «1».

و المرسل المرويّ في التذكرة، حيث قال: و روى جواز ذلك في الختان و العرس «2».

خلافاً للمحكيّ عن الحلّي و في التذكرة «3»، فمنعا عنه فيه و فيما يأتي من الختان أيضاً، و نفى عنه البعد في الكفاية «4»، و استبعد الاستثناء في شرح الإرشاد؛ عملًا بالعمومات المتقدّمة.

و لا ريب أنّه أحوط و إن كان في الفتوى بالمنع نظر؛ لإمكان تخصيص العمومات بالروايات الثلاث المتقدّمة، المنجبر ضعفها بما مرّ من حكاية الشهرة و الإجماع، مع اعتضادها كما قيل «5» بفحوى المعتبرة، المبيحة لأجر المغنّية في العرائس.

و يظهر من الرواية الثالثة وجه ما ألحقوه بالنكاح أعني الختان مضافاً إلى ما قيل من عدم القائل بالفرق بينهما «6»؛ مع ما في مجمع البحرين من قوله: و فيه أي في الحديث يقولون: إنّ إبراهيم (عليه السّلام) ختن نفسه بقَدُوم على دفّ؛ لكنّه فسّره: ب: على جنب «7».

قيل: و هو أنسب بعصمته (عليه السّلام)، المانعة عن ارتكاب نحو هذا المكروه الشديد الكراهة «8».

______________________________

(1) سنن النسائي 6: 127، بتفاوت.

(2) التذكرة 2: 581، و ليس فيه: الختان.

(3) السرائر 2: 215، التذكرة 2: 581؛ و حكاه عنهما في الرياض 2: 430.

(4) الكفاية: 281.

(5) انظر الرياض 2: 431.

(6) انظر الرياض 2: 431.

(7) مجمع البحرين 5: 59.

(8) انظر الرياض 2: 431.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 175

و فيه نظر؛ لعدم وضوح مأخذ الكراهة في تلك الأزمنة.

و إطلاق الأخبار كأكثر عبارات الأصحاب، ككتب الفاضلين عدم الفرق في المستثنى بين ذات الصنج و غيره، و قيّده الشهيد و المحقّق الثاني بالثاني «1»، و لا وجه له.

و المراد بالصنج هنا كما عن المطرزي-: ما يجعل في أطراف الدفّ من النحاس، أو الصفر

المدوّرة صغاراً شبيه الفلوس «2». و أمّا أصله فهو ما سبق تفسيره.

ثم إنّ المذكور في الروايتين الأُوليين الاستثناء على النكاح و عنده، و الخلاف في معناه مشهور و إن كان الأقرب أنّه العقد، و هو الأنسب بقوله: «أعلنوا بالنكاح»، فإنّه الذي ورد في الأخبار استحباب الإشهاد عليه و الإعلان به «3».

و في الأخيرة «4» في العرس، و هو قد يفسّر بالزفاف.

و أمّا الأصحاب، فذكر جمع منهم بلفظ النكاح كما في المسالك و الكفاية و شرح الإرشاد «5» و بعضهم بلفظ العرس كما في القواعد و التذكرة «6» و ذكر الأكثر كالشرائع و النافع و التحرير و الإرشاد و الدروس «7» بلفظ الإملاك، المفسّر في كلام الأكثر بالنكاح، و قد يفسّر بالتزويج.

______________________________

(1) الشهيد في الدروس 2: 126، المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 24.

(2) المغرب 1: 309 و فيه بتفاوت.

(3) كما في الوسائل 20: 97 أبواب مقدّمات النكاح و آدابه ب 43.

(4) أي المرسل المروي في التذكرة 2: 581.

(5) المسالك 2: 404، الكفاية: 281، مجمع الفائدة 12: 341.

(6) القواعد 2: 236، التذكرة 2: 582.

(7) الشرائع 4: 128، النافع: 287، التحرير 2: 209، الإرشاد 2: 157، الدروس 2: 126.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 176

و على هذا فيشكل مورد الاستثناء عند الفصل بين العقد و الزفاف، أي زمان دخول أحد الزوجين على الآخر للوطء و إن لم يتّفق الوطء. و كذا يشكل تعيين قدر زمان الاستثناء.

و اللّازم الاقتصار على صورة مقارنة العقد و الزفاف أي وقوعهما في يوم واحد، أو ليلة واحدة لأنّ الظاهر أنّ النكاح في عرف الشرع هو العقد.

و أمّا إرادته في كلمات الأصحاب التي هي الجابرة للأخبار فغير معلومة، فالعقد المجرّد عن الزفاف

لا يُعلَم له جابر، و الزفاف المنفصل عن العقد لا تُعلَم به رواية.

و لا يبعد الحكم بالجواز إذا وقعا في يوم و ليلة، و جواز الدفّ في ذلك اليوم و الليلة خلاف الاحتياط جدّاً، فالأحوط الاقتصار على وقوعهما في يوم واحد، أو ليلة واحدة، و على ذلك اليوم أو الليلة، بل على بعض منه، الذي يقع فيه الأمران عرفاً، و الأحوط من الجميع تركه بالمرّة.

ز: هل الاشتغال بالملاهي من الكبائر فتزول به العدالة و لو بمرّة أو لا، فلا تزول إلّا بالإصرار؟

ظاهر كلمات أكثر من حكي عنه التحريم: الأول «1»، حيث أطلقوا ردّ الشهادة له و حصول الفسق به.

و استشكل فيه بعض مشايخنا «2»، بل صرّح في المسالك بعدم كونه من الكبائر «3»، و استحسنه في الكفاية «4»؛ لأنّ المستفاد من النصوص مجرّد

______________________________

(1) راجع ص 157 158.

(2) انظر الرياض 2: 430.

(3) المسالك 2: 402.

(4) الكفاية: 281.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 177

النهي عنه، و تحريمه من دون توعيد النار عليه.

أقول: كان ذلك حسناً لو خُصّت الكبائر بما عُلِمَ أنّه ممّا أوعد اللَّه عليه النار، و أمّا على ما ذكرنا من جعلها قسمين أحدهما: ما ذكر، و الثاني ما صرّح بكونه كبيرة في الأخبار فيدخل ذلك فيها؛ للتصريح به في رواية الفضل «1»، التي هي في نفسها حجّة؛ مع كونها بالإطلاق المذكور في كلام الأكثر منجبرة.

المسألة الثالثة: لا تقبل شهادة القاذف

مع عدم اللعان أو البيّنة قبل التوبة بلا خلاف، بل بالإجماع المحقّق و المحكيّ «2»؛ له، و للآية الكريمة وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً «3».

و تقبل شهادته بعد التوبة بلا خلاف أيضاً، بل عليه الإجماع عن التحرير و التنقيح «4».

لقوله سبحانه إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ

أَصْلَحُوا «5».

و للنصوص المستفيضة، كصحيحة ابن سنان: عن المحدود إذا تاب، تقبل شهادته؟ فقال: «إذا تاب، و توبته أن يرجع ممّا قال، و يكذّب نفسه عند الإمام و عند المسلمين، فإذا فعل فإنّ على الإمام أن يقبل شهادته بعد ذلك» «6».

و مرسلة يونس: عن الذي يقذف المحصنات، تقبل شهادته بعد الحدّ إذا تاب؟ قال: «نعم» قلت: و ما توبته؟ قال: «يجي ء فيكذّب نفسه عند

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 130.

(2) كما في الرياض 2: 431.

(3) النور: 4.

(4) التحرير 2: 208، التنقيح 4: 293.

(5) النور: 5.

(6) الكافي 7: 397، 6، التهذيب 6: 245، 616، الإستبصار 3: 36، 121، الوسائل 27: 385 أبواب الشهادات ب 37 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 178

الإمام، و يقول: قد افتريت على فلانة، و يتوب ممّا قال» «1».

و رواية الكناني: عن القاذف إذا أكذب نفسه و تاب، أتقبل شهادته؟ قال: «نعم» «2».

و الأُخرى: عن القاذف بعد ما يقام عليه الحدّ ما توبته؟ قال: «يكذّب نفسه» قلت: أ رأيت إن أكذب نفسه و تاب أتقبل شهادته؟ قال: «نعم» «3».

و رواية القاسم بن سليمان، الصحيحة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه: عن الرجل يقذف الرجل فيُجلَد حدّا، ثم يتوب و لا يعلم منه إلّا خيراً، أ تجوز شهادته؟ قال: «نعم، ما يقال عندكم؟» قلت: يقولون: توبته فيما بينه و بين اللَّه، و لا تقبل شهادته أبداً، فقال: «بئس ما قالوا، كان أبي يقول: إذا تاب و لم يعلم منه إلّا خيراً جازت شهادته» «4» إلى غير ذلك.

و أمّا رواية السكوني: «ليس يصيب أحداً حدٌّ فيقام عليه ثم يتوب إلّا جازت شهادته، إلّا القاذف، فإنّه لا تقبل شهادته، إنّ توبته فيما بينه

و بين اللَّه» «5».

______________________________

(1) الكافي 7: 397، 5، التهذيب 6: 245، 617، الإستبصار 3: 36، 122، الوسائل 27: 384 أبواب الشهادات ب 36 ح 4.

(2) التهذيب 6: 246، 621، الإستبصار 3: 37، 126، الوسائل 27: 384 أبواب الشهادات ب 36 ح 5.

(3) الكافي 7: 397، 1، التهذيب 6: 245، 615، الإستبصار 3: 36، 120، الوسائل 27: 382 أبواب الشهادات ب 36 ح 1.

(4) الكافي 7: 397، 2، التهذيب 6: 246، 620، الإستبصار 3: 37، 125، الوسائل 27: 382 أبواب الشهادات ب 36 ح 2.

(5) التهذيب 6: 284، 786، الإستبصار 3: 37، 127، الوسائل 27: 384 أبواب الشهادات ب 36 ح 6، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 179

فمع مخالفتها لعمل الأصحاب و موافقتها للعامّة كما يستفاد من رواية القاسم، مع كون راويها من قضاة العامّة لا حجّية فيها، سيّما مع خلو الرواية عن الاستثناء على نسخة الكافي، بل على بعض نسخ التهذيب أيضاً كما قيل «1».

ثم إنّه يشترط في توبته إكذاب نفسه، بلا خلاف بين الفرقة كما في الخلاف «2»، بل بالاتّفاق عن الغنية «3»؛ للأخبار المتقدّمة المصرّحة بذلك.

و يشترط أن يكون الإكذاب بما هو حقيقة فيه عرفاً، نحو: كذبت على فلانة، أو افتريت، سواء كان كاذباً في القذف واقعاً أو صادقاً، وفاقاً للمحكيّ عن الصدوقين و العماني و الشيخ في النهاية و الشرائع و النافع و الدروس و المسالك و التنقيح «4» و غيرها «5»، بل قيل: إنّ الظاهر أنّه المشهور بين المتأخّرين، بل المتقدّمين أيضاً «6».

لظاهر النصوص؛ حيث إنّ المتبادر من الإكذاب هو معناه الحقيقي، بل هو صريح مرسلة يونس، بل صحيحة ابن سنان؛ حيث إنّ الرجوع لا يتحقّق بدون الإكذاب الحقيقي.

و

خلافاً لظاهر المبسوط، فقال: إنّ كيفيّة إكذابه أن يقول: القذف

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 431.

(2) الخلاف 2: 610.

(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 625.

(4) الصدوق في المقنع: 133، حكاه عن والده و عن العماني في المختلف: 717، النهاية: 326، الشرائع 4: 128، النافع: 287، الدروس 2: 126، المسالك 2: 403، التنقيح 4: 294.

(5) كالجامع للشرائع: 540.

(6) انظر الرياض 2: 432.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 180

باطل حرام، و لا أعود إلى ما قلت «1».

و للمحكيّ عن ابن حمزة و عن السرائر و الإرشاد و القواعد و التحرير و المختلف و الإيضاح «2»، فقالوا: إن كان في قذفه كاذباً فتوبته إكذاب نفسه حقيقة، و إن كان صادقاً فحدّها أن يقول: الكذب حرام و لا أعود إلى مثل ما قلت، كما قال ابن حمزة، أو يقول: أخطأت، كما قاله الآخرون؛ معلّلين بحرمة الكذب.

و فيه: أنّها لولا النصوص المجوّزة له، مع أنّ التورية عنه ممكنة، بل وجه التورية ظاهر بإرادة كونه كاذباً بحكم اللَّه؛ حيث قال فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ «3».

و هل تعرف التوبة بمجرّد الإكذاب، أم تحتاج بعده إلى معرفة الندامة أيضاً؟

الظاهر كما حكي عن بعض المحقّقين «4»: الثاني؛ لقوله في مرسلة يونس: «و يتوب ممّا قال» بعد الإكذاب.

و موثّقة سماعة، و فيها: و أمّا قول اللَّه وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً .. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا قال: قلت: كيف تُعرَف توبته؟ قال: «يكذّب نفسه على رؤوس الناس حين يُضرَب، و يستغفر ربّه، فإذا فعل ذلك فقد ظهرت توبته» «5».

______________________________

(1) المبسوط 8: 179.

(2) ابن حمزة في الوسيلة: 231، السرائر 2: 116، القواعد 2: 236، التحرير 2: 208، المختلف: 717، الإيضاح 4: 423.

(3) النور: 13.

(4)

الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 372.

(5) الفقيه 3: 36، 121، التهذيب 6: 263، 699، الوسائل 27: 334 أبواب الشهادات ب 15 ح 2، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 181

و بهما تقيّد المطلقات، بل يمكن حملها عليه «1» أيضاً بدعوى ورودها مورد الغالب، من أنّ المكذب نفسه يكون تائباً غالباً.

ثم ظاهر الصحيح و المرسل المتقدّمين اعتبار كون الإكذاب عند الحاكم، كما عن العماني «2» و جماعة «3»، بل يظهر من الإيضاح و التنقيح و الصيمري عدم الخلاف في اعتبار ذلك «4»، و هو الصحيح؛ لما ذكر.

بل يعتبر كونه عند جماعة من المسلمين أيضاً كما صرّح به العماني؛ للصحيح المذكور، و موثّقة سماعة المتقدّمة.

و هل يُشتَرط في القبول بعد الإكذاب و التوبة أمر آخر، أم لا؟

ظاهر الإيضاح: الاتّفاق على اشتراط الاستمرار على التوبة و لو ساعة، قال: و إنّما الخلاف في الزائد عليه، و هو إصلاح العمل «5».

و يظهر من بعضهم: أنّ الأكثر اكتفوا بالاستمرار؛ لتفسيرهم إصلاح العمل به «6».

و منهم من اعتبر إصلاح العمل في الكاذب دون الصادق «7».

و الظاهر اعتباره مطلقاً؛ للآية المقيّدة للإطلاقات، و قوله في رواية القاسم: «و لا يعلم منه إلّا خيراً». و اللَّه العالم.

المسألة الرابعة: يحرم الغناء، و تزول به العدالة.

______________________________

(1) أي: على الإكذاب.

(2) حكاه عنه في المختلف: 717.

(3) انظر الرياض 2: 432.

(4) الإيضاح 4: 424، التنقيح 4: 294.

(5) الإيضاح 4: 424.

(6) انظر الرياض 2: 432.

(7) انظر المبسوط 8: 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 182

و الكلام فيه تارةً في بيان ماهيّته، و أُخرى في إثبات حرمته و مواردها.

أمّا الأول: فبيانه أنّ كلمات العلماء من اللغويين و الأُدباء و الفقهاء مختلفة في تفسير الغناء.

ففسّره بعضهم بالصوت المطرب.

و آخر بالصوت المشتمل على الترجيع.

و ثالث

بالصوت المشتمل على الترجيع و الإطراب معاً «1».

و رابع بالترجيع.

و خامس بالتطريب.

و سادس بالترجيع مع التطريب.

و سابع برفع الصوت مع الترجيع.

و ثامن بمدّ الصوت.

و تاسع بمدّه مع أحد الوصفين أو كليهما «2».

و عاشر بتحسين الصوت.

و حادي عشر بمدّ الصوت و موالاته.

و ثاني عشر و هو الغزالي بالصوت الموزون المفهم المحرّك للقلب «3».

و لا دليل تامّاً على تعيين أحد هذه المعاني أصلًا.

نعم، يكون القدر المتيقّن من الجميع المتّفق عليه في الصدق و هو مدّ الصوت، المشتمل على الترجيع المطرب، الأعمّ من السارّ و المحزن،

______________________________

(1) كما في الحدائق 18: 101.

(2) انظر الشرائع 4: 128، و التحرير 2: 209.

(3) احياء علوم الدين 2: 270.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 183

المفهم لمعنى غناءً قطعاً عند جميع أرباب هذه الأقوال، فلو لم يكن هناك قول آخر يكون هذا القدر المتّفق عليه غناءً قطعاً.

إلّا أنّ بعض أهل اللغة فسّره بما يقال له بالفارسيّة: سرود أيضاً.

و حكي عن صاحب الصحاح: أنّه قال: الغناء ما يسمّيه العجم" دو بيتى".

و قال بعض الفقهاء: إنّه يجب الرجوع في تعيين معناه إلى العرف «1».

و لا يخفى ما في المعنيين الأولين من الخفاء، فإنّ" سرود" و" دو بيتى" ليسا بذلك الاشتهار في هذه الأعصار بحيث يتّضح المراد منهما، و يمكن أن يكونا متّحدين مع أحد المعاني المتقدّمة.

و يحتمل قريباً أن يكون للّحن و كيفيّة الترجيع مدخليّة في صدقهما، و يشعر به ما في رواية ابن سنان الآتية، الفارقة بين لحن العرب و لحن أرباب الفسوق و الكبائر.

و يؤيّده أيضاً ما قد يفسّر به" سرود" من أنّه ما يقال له بالفارسيّة:" خوانندگى" و قد يفسّر الغناء بذلك أيضاً، فإنّ التعبير ب:" خوانندگى" في الأغلب إنّما يكون بواسطة

الألحان و النغمات.

و كذا الثالث، فإنّ فيه خفاءً أيضاً، فإنّه لا عرف لأهل العجم في لفظ الغناء، و مرادفه من لغة الفرس غير معلوم، و عرف العرب فيه غير منضبط.

و قد يعبّر عنه أيضاً ب:" خوانندگى"، و هو غير ثابت أيضاً.

و لأجل هذه الاختلافات يحصل الإجمال، غايته في معنى الغناء، و لكن الظاهر أنّ القدر المتيقّن المذكور من المعاني الاثني عشريّة سيّما إذا

______________________________

(1) كما في التنقيح 2: 11، و المسالك 2: 403، الحدائق 18: 101.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 184

ضمّ معه: أن يكون معه اللحن الخاصّ المعهود، الذي يستعمله أرباب الملاهي و يتداول عندهم، و يعبّر عنه الآن عند العوامّ ب" خوانندگى" يكون غناء قطعاً، سواء كان في القرآن و الدعاء و المراثي و غيرها.

و لعلّ لاعتبار هذا اللحن في مفهومه قال صاحب الوافي: لا وجه لتخصيص الجواز بزفّ العرائس، و لا سيّما و قد وردت الرخصة في غيره، إلّا أن يقال: إنّ هذه الأفعال لا تليق بذوي المروّات و إن كانت مباحة «1». انتهى .

فإنّ غير اللّائق للمروّة هو هذه الألحان المعهودة.

و أمّا الثاني: فلا خلاف في حرمة ما ذكرنا أنّه غناء قطعاً في الجملة- و هو مدّ الصوت المفهم، المشتمل على الترجيع و الإطراب، سيّما مع الضميمة المذكورة- و نقل عدم الخلاف بل الإجماع عليه مستفيض «2»، بل هو إجماع محقّق قطعاً، بل ضرورة دينيّة.

و إنّما الكلام في أنّه هل هو حرام مطلقاً من غير استثناء فرد منه، أو يحرم في الجملة؟ يعني: أنّه يحرم بعض أفراده، إمّا لاستثناء بعض آخر بدليل، أو لاختصاص تحريم الغناء ببعض أفراده.

و المستفاد من كلام الشيخ في الاستبصار: الثاني، حيث قال بعد نقل أخبار حرمة الغناء

و كسب المغنيّة-: الوجه في هذه الأخبار الرخصة فيمن لا تتكلّم بالأباطيل، و لا تلعب بالملاهي و العيدان و أشباهها، و لا بالقصب و غيره، بل كانت ممّن تزفّ العروس و تتكلّم عندها بإنشاء الشعر و القول البعيد عن الفحش و الأباطيل، و أمّا ما عدا هؤلاء ممّن يتغنين

______________________________

(1) الوافي 17: 220.

(2) انظر الخلاف 2: 626، و الكفاية: 280.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 185

بسائر أنواع الملاهي فلا يجوز على حال، سواء كان في العرائس أو غيرها «1». انتهى .

و هو ظاهر الكليني، حيث ذكر كثيراً من أخبار الغناء في أبواب الأشربة؛ لاشتماله على الملاهي و شرب المسكر «2».

و يظهر من كلام صاحب الكفاية أيضاً أنّ صاحب الكافي لا يحرّم الغناء في القرآن «3».

و هو أيضاً محتمل الصدوق كما يظهر من تفسيره للمرسلة الآتية «4» بل والده في الرسالة، حيث عبّر فيها بما عبّر في الرضوي الآتي «5».

بل ذكر صاحب الكفاية في كتاب التجارة بعد نقل كلام عن الشيخ أبي علي الطبرسي في مجمع البيان-: أنّ هذا يدلّ على أنّ تحسين الصوت بالقرآن و التغنّي به مستحبّ عنده، و أنّ خلاف ذلك لم يكن معروفاً عند القدماء «6».

أقول: و توهّم أنّ الطبرسي لم يذكر إلّا تحسين اللفظ و تزيين الصوت و تحزينه و هو غير الغناء، مردودٌ بأنّه بعد ذكر الرواية الآمرة بالتغنّي بالقرآن «7» ذكر تأويل بعضهم بأنّ المراد منه الاستغناء بالقرآن، ثم قال

______________________________

(1) الاستبصار 3: 62.

(2) الكافي 6: 431.

(3) الكفاية: 86.

(4) في ص 189.

(5) في ص 187.

(6) الكفاية: 86.

(7) سنن ابن ماجه 1: 424 ح 1337، جامع الأخبار: 131، 265، 16، مستدرك الوسائل 4: 273 أبواب قراءة القرآن ب 20 ح 7.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 186

و أكثر العلماء على أنّه تزيين الصوت و تحسينه «1». يعني: أنّ المراد بالغناء هو ما يحصل به تزيين الصوت و تحزينه، فهو في بيان معنى التغنّي، و أنّه ليس المراد منه إلّا ما يحصل به الغناء في الصوت.

ثم قال صاحب الكفاية: و كلام السيّد المرتضى في الغرر و الدرر لا يخلو عن إشعار «2» واضح بذلك.

أقول: و يشعر به كلام الفاضل في المنتهى أيضاً، حيث يذكر في أثناء ذكر المسألة عبارة الإستبصار المتقدّمة الظاهرة في التخصيص شاهداً لحكمه بحرمة الغناء «3».

و كذا هو المستفاد من كلام طائفة من متأخّري أصحابنا، منهم: المحقّق الأردبيلي (رحمه اللَّه) حيث جعل في باب الشهادات من شرح الإرشاد الاجتناب عن الغناء في مراثي الحسين أحوط «4».

و منهم: صاحب الكفاية، حيث قال في كتاب التجارة: و في عدّة من الأخبار الدالّة على حرمة الغناء إشعار بكونه لهواً باطلًا، و صدق ذلك في القرآن و الدعوات و الأذكار المقروءة بالأصوات الطيّبة المذكّرة للآخرة المهيّجة للأشواق إلى العالم الأعلى محلّ تأمّل.

إلى أن قال: فإذن لا ريب في تحريم الغناء على سبيل اللهو و الاقتران بالملاهي و نحوها، ثم إن ثبت إجماع في غيره كان متّبعاً، و إلّا بقي حكمه على أصل الإباحة «5».

______________________________

(1) مجمع البيان 1: 16، و فيه: و تحزينه، بدل: و تحسينه.

(2) في المصدر: إشكال ..

(3) المنتهى 2: 1012.

(4) مجمع الفائدة 12: 338.

(5) الكفاية: 86.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 187

و قال في كتاب الشهادات: و استثنى بعضهم مراثي الحسين إلى أن قال: و هو غير بعيد «1».

و منهم: صاحب الوافي، قال في باب ترتيل القرآن: و لعلّه كان نحواً من التغنّي مذموماً في

شرعنا «2».

و قال في باب كسب المغنّية و شرائها: لا بأس بسماع التغنّي بالأشعار المتضمّنة ذكر الجنّة و النار، و التشويق إلى دار القرار، و وصف نِعم اللَّه الملك الجبّار، و ذكر العبادات، و الترغيب في الخيرات و الزهد في الفانيات، و نحو ذلك «3».

و قال في المفاتيح ما ملخّصه: و الذي يظهر لي من مجموع الأخبار الواردة في الغناء و يقتضيه التوفيق بينها اختصاص حرمته و حرمة ما يتعلّق به بما كان على النحو المتعارف في زمن بني أُميّة، من دخول الرجال عليهنّ و استماعهم لقولهن، و تكلّمهنّ بالأباطيل و لعبهنّ بالملاهي؛ و بالجملة: ما اشتمل على فعل محرّم، دون ما سوى ذلك «4». انتهى .

و المشهور بين المتأخّرين كما في الكفاية الأول «5».

و لا بدّ أولًا من بيان أدلّة حرمة الغناء، ثم بيان ما يستفاد من المجموع، ثم ملاحظة أنّه هل استثني من ذلك شي ء ثبتت من أدلّة الغناء حرمته؟

فنقول: الدليل عليها هو الإجماع القطعي، بل هي ضرورة دينيّة،

______________________________

(1) الكفاية: 281.

(2) الوافي 9: 1743.

(3) الوافي 17: 221.

(4) المفاتيح 2: 21.

(5) الكفاية: 281.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 188

و يدلّ عليها الكتاب و السنّة.

أمّا الإجماع فظاهر.

و أمّا الكتاب: فأربع آيات، بضميمة الأخبار المفسّرة لها.

الاولى : قوله سبحانه فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ «1».

بضميمة رواية أبي بصير: عن قول اللَّه سبحانه و تعالى وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ قال: «هو الغناء» «2».

و رواية الشحّام «3»، و مرسلة ابن ابي عمير «4»، و فيهما بعد السؤال عن الآية: «و قول الزور: الغناء».

و الثانية: قوله عزّ شأنه وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ

مُهِينٌ «5».

بضميمة ما في تفسير القمّي عن الباقر (عليه السّلام) أنّه: «الغناء و شرب الخمر و جميع الملاهي» «6».

و المرويّ في معاني الأخبار عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام): عن قول اللَّه عزّ و جلّ وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ قال: «الغناء» «7».

______________________________

(1) الحج: 30.

(2) الكافي 6: 431، 1، الوسائل 17: 305 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 9.

(3) الكافي 6: 435، 2، الوسائل 17: 303 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 2.

(4) الكافي 6: 436، 7، الوسائل 17: 305 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 8.

(5) لقمان: 6.

(6) تفسير القمّي 2: 161.

(7) معاني الأخبار: 349، 1، الوسائل 17: 308 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 20، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 189

و في صحيحة محمّد: «الغناء ممّا قال اللَّه تعالى وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي » الحديث «1»، و قريبة منها رواية مهران بن محمّد «2».

و رواية الوشّاء: عن الغناء، قال: «هو قول اللَّه عزّ و جلّ وَ مِنَ النَّاسِ » الآية «3».

و رواية الحسن بن هارون: «الغناء مجلسٌ لا ينظر اللَّه إلى أهله، و هو ممّا قال اللَّه عزّ و جلّ وَ مِنَ النَّاسِ » الآية «4».

و في الصافي عن الكافي، عن الباقر (عليه السّلام): «الغناء ممّا أوعد اللَّه عليه النار» و تلا هذه الآية «5».

و في الرضوي: «الغناء ممّا أوعد اللَّه عليه النار في قوله وَ مِنَ النَّاسِ » الآية «6».

الثالثة: قوله سبحانه وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ «7».

بضميمة ما في تفسير القمّي عن الصادق (عليه السّلام): «وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ : الغناء و الملاهي» «8».

و الرابعة: قوله عزّ جاره وَ الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ «9».

______________________________

(1)

الكافي 6: 431، 4، الوسائل 17: 304 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 6، بتفاوت.

(2) الكافي 6: 431، 5، الوسائل 17: 305 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 7.

(3) الكافي 6: 432، 8، الوسائل 17: 306 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 11.

(4) الكافي 6: 433، 16، الوسائل 17: 307 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 16.

(5) تفسير الصافي 4: 140.

(6) فقه الرضا (عليه السّلام): 281، مستدرك الوسائل 13: 213 أبواب ما يكتسب به ب 78 ح 9.

(7) المؤمنون: 3.

(8) تفسير القمّي 2: 88.

(9) الفرقان: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 190

بضميمة صحيحة محمّد و الكناني: في قول اللَّه عزّ و جلّ وَ الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ قال: «هو الغناء» «1».

و أمّا السنّة فكثيرة جدّاً، كصحيحة الشحّام: «بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة، و لا تجاب فيه الدعوة، و لا يدخله الملك» «2».

و روايته: «الغناء عشّ النفاق» «3».

و رواية يونس: إنّ العباسي ذكر أنّك ترخّص في الغناء، فقال: «كذب الزنديق، ما هكذا قلت له، سألني عن الغناء، فقلت له: إنّ رجلًا أتى أبا جعفر (عليه السّلام)، فسأله عن الغناء، فقال: يا فلان، إذا ميّز اللَّه بين الحقّ و الباطل فأين يكون الغناء؟ فقال: مع الباطل، فقال: قد حكمت» «4».

و في جامع الأخبار عن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله): «يحشر صاحب الغناء من قبره أعمى و أخرس و أبكم» و فيه عنه (عليه السّلام): «ما رفع أحد صوته بغناء إلّا بعث اللَّه شيطانين على منكبه، يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك» «5».

و في الخصال عن الصادق (عليه السّلام): «الغناء يورث النفاق، و يعقّب الفقر» «6».

______________________________

(1) الكافي 6: 431، 6،

الوسائل 17: 304 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 5.

(2) الكافي 6: 433، 15، الوسائل 17: 303 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 1.

(3) الكافي 6: 431، 2، الوسائل 17: 305 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 10.

(4) الكافي 6: 435، 25، عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 14، 32، الوسائل 17: 306 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 13.

(5) جامع الأخبار: 433، 1211 و 1213، مستدرك الوسائل 13: 219 أبواب ما يكتسب به ب 79 ح 17 وص: 214 ب 78 ح 15.

(6) الخصال 1: 24، 84، الوسائل 17: 309 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 191

و مرسلة الفقيه: سأل رجلٌ عليَّ بن الحسين (عليهما السّلام) عن شراء جارية لها صوت؟ فقال: «ما عليك لو اشتريتها فذكّرَتك الجنّة يعني بقراءة القرآن و الزهد و الفضائل التي ليست بغناء، و أمّا الغناء فمحظور» «1».

و تدلّ عليه المستفيضة، المانعة عن بيع المغنّيات و شرائهنّ و تعليمهن، كرواية الطاطري: عن بيع الجواري المغنّيات، فقال: «بيعُهنّ و شراؤهنّ حرام، و تعليمهنّ كفر، و استماعهنّ نفاق» «2»، و قريبة منها رواية ابن أبي البلاد «3».

و يستفاد من الأخيرتين حرمة استماع الغناء أيضاً، كما هو مجمع عليه قطعاً.

و إطلاق المنع عن الاستماع منهنّ حتى من المحارم يأبى عن كون المنع لحرمة استماع صوت الأجانب، مضافاً إلى ظهور العطف على «تعليمهن» و التعليق على الوصف في إرادة استماع الغناء؛ و تدلّ على حرمة استماعه الآية الأُولى أيضاً.

و يدلّ على حرمة الغناء و استماعه أيضاً المرويّ في المجمع عن طريق العامّة، عن النبيّ (صلّى اللَّه عليه و آله): «من مَلأ

مسامعه من غناء لم يؤذن له أن يسمع صوت الروحانيّين يوم القيامة» قيل: و ما الروحانيّون يا رسول اللَّه؟ قال: «قرّاء أهل الجنّة» «4».

______________________________

(1) الفقيه 4: 42، 139، الوسائل 17: 122 أبواب ما يكتسب به ب 16 ح 2.

(2) الكافي 5: 120، 5، التهذيب 6: 356، 1018، الإستبصار 3: 61، 201، الوسائل 17: 124 أبواب ما يكتسب به ب 16 ح 7.

(3) الكافي 5: 120، 7، التهذيب 6: 357، 1021، الإستبصار 3: 61، 204، الوسائل 17: 123 أبواب ما يكتسب به ب 16 ح 5.

(4) مجمع البيان 4: 314.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 192

و رواية عنبسة: «استماع الغناء و اللهو ينبت النفاق في القلب» «1».

و مرسلة المدني: سُئل عن الغناء و أنا حاضر، فقال: «لا تدخلوا بيوتاً اللَّه معرض عن أهلها» «2».

و قد يستدلّ عليهما برواية مسعدة بن زياد: إنّني أدخل كنيفاً لي، و لي جيران عندهم جوارٍ يتغنين و يضربن بالعود، فربّما أطلت الجلوس استماعاً منّي لهن؟ فقال: «لا تفعل» فقال الرجل: و اللَّه ما أتيتهن، و إنّما هو سماع أسمعه بأُذني، فقال (عليه السّلام): «للَّه أنت، أما سمعت اللَّه يقول إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا «3»»؟.

فقال: بلى و اللَّه، كأنّي لم أسمع بهذه الآية إلى أن قال: «قم فاغتسل و صلّ ما بدا لك، فإنّك كنت مقيماً على أمر عظيم، ما كان أسوأ حالك لو متّ على ذلك؟!» الحديث «4».

أقول: هذه أدلّة حرمة الغناء، و ظاهر أنّ الإجماع منها لا يثبت منه إلّا حرمة الغناء في الجملة، و لا يفيد شيئاً في موضع الخلاف.

و أمّا الكتاب، فظاهر أنّه لا دلالة للآيتين الأخيرتين على الحرمة أصلًا،

مضافاً إلى ما يظهر من بعض الأخبار المعتبرة من تفسير اللغو بغير الغناء ممّا يباينه أو يعمّه.

و أمّا الآية الثانية، فلا شكّ أنّه لا دلالة للأخبار المفسّرة لها بنفسها

______________________________

(1) الكافي 6: 434، 23، الوسائل 17: 316 أبواب ما يكتسب به ب 101 ح 1، بتفاوت.

(2) الكافي 6: 434، 18، الوسائل 17: 306 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 12.

(3) الإسراء: 36.

(4) الفقيه 1: 45، 177، التهذيب 1: 116، 304، الوسائل 3: 331 أبواب الأغسال المندوبة ب 18 ح 1، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 193

على الحرمة، بل الدالّ عليها إنّما هو الآية بضميمة التفسير، فيكون معنى الآية: و من الناس من يشتري الغناء ليضلّ عن سبيل اللَّه و يتّخذها هُزُواً أُولئك لهم عذابٌ مهين، فيدلّ على حرمة الغناء الذي يُشترى ؛ لما في الآية، و هو ممّا لا شكّ فيه، و لا يدلّ على حرمة غير ذلك ممّا يتّخذ لترقيق القلب لتذكّر الجنّة، و تهييج الشوق إلى العالم الأعلى، و لتأثير القرآن و الدعاء في القلوب، بل في قوله لَهْوَ الْحَدِيثِ إشعار بذلك أيضاً.

مع أنّ رواية الوشّاء محتملة لأن يكون تفسيراً للغناء بلهو الحديث لا بياناً لحكمه، فلا يكون شاملًا لما لا يصدق عليه لهو الحديث لغةً و عرفاً.

مضافاً إلى معارضة هذه الأخبار مع ما روي في مجمع البيان عن الصادق (عليه السّلام): «إنّ لهو الحديث في هذه الآية الطعن في الحقّ و الاستهزاء به» «1».

و رواية أبي بصير: عن كسب المغنّيات، فقال: «التي يدخل عليها الرجال حرام، و التي تُدعى إلى الأعراس ليس به بأس، و هو قول اللَّه عزّ و جلّ وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي الآية «2»، فإنّها تدلّ على

أنّ لهو الحديث هو غناء المغنّيات اللّاتي يدخل عليهنّ الرجال لا مطلقاً.

و إلى أنّ الظاهر من رواية الحسن بن هارون «3»: أنّ الغناء الذي أُريد من لهو الحديث مجلس، و هو ظاهر في محافل المغنّيات.

و إلى أنّ مدلول سائر الأخبار المعتبرة أنّ الغناء هو فرد من لهو

______________________________

(1) مجمع البيان 4: 313.

(2) الكافي 5: 119، 1، التهذيب 6: 358، 1024، الإستبصار 3: 62، 207، الوسائل 17: 120 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 1.

(3) الكافي 6: 433، 16، الوسائل 17: 307 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 194

الحديث، و أنّه بعض ما قال اللَّه سبحانه، فيشعر بأنّ المراد من لهو الحديث معناه اللغوي و العرفي الذي فرد منه الغناء، و هو لا يصدق إلّا على الأقوال الباطلة و الملهية لا مطلقاً.

فلم يبق من الآيات الكريمة إلّا الأُولى ، و سيجي ء الكلام فيها.

و أمّا الأخبار، فظاهر أنّ الروايات المانعة عن بيع المغنّيات و شرائهنّ و الاستماع منهنّ «1» لا دلالة لها على حرمة المطلق؛ إذ لا شكّ أنّ المراد منهنّ ليس مَن من شأنها أنّ تتغنّى و تقدر على الغناء؛ لعدم حرمة بيعها و شرائها قطعاً، بل المراد الجواري اللّاتي أخذن ذلك كسباً و حرفة، كما هو ظاهر الاخبار المانعة عن كسبهنّ و أجرهن «2».

و على هذا، فتكون إرادتهنّ من المغنّيات الموضوعة لغةً لمن تغنّي مطلقاً، إمّا مع بقاء المبدأ أو مطلقاً مجازاً، فيمكن أن يكون المراد بهنّ اللّاتي كنّ في تلك الأزمنة و هنّ اللّاتي أخذنه كسباً و حرفة في محافل الرجال و الأعراس بل الظاهر أنّه لم تكن تكسب بغيرهما؛ و في رواية أبي بصير المتقدّمة المقسّمة

لهنّ إلى اللّاتي يدخل عليهنّ الرجال، و اللّاتي تزفّ العرائس دلالة على ذلك.

و أمّا سائر الروايات، فبكثرتها و تعدّدها خالية عن الدلالة على الحرمة جدّاً؛ إذ لا دلالة لعدم الأمن من الفجيعة، و عدم إجابة الدعوة، و عدم دخول الملك، و كونه عشّ النفاق، أو مورثه، أو منبته، أو كونه من الباطل، أو الحشر أعمى و أصمّ و أبكم، أو بعث الشيطان للضرب على الصدر، أو تعقيب الفقر، أو عدم سماع صوت الروحانيّين، أو أعراض اللَّه عن أهله

______________________________

(1) كما في الوسائل 17: 122 أبواب ما يكتسب به ب 16.

(2) انظر الوسائل 17: 120 أبواب ما يكتسب به ب 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 195

على إثبات الحرمة؛ لورود أمثال ذلك في المكروهات كثيراً. مع أنّه لا حجّية في روايتي المجمع و الجامع «1» عن طريق العامّة أصلًا.

و أمّا مرسلة الفقيه «2»، فإنّما تفيد الحرمة لو كان التفسير عن الإمام، و هو غير معلوم، بل خلاف الظاهر؛ لأنّ الظاهر أنّه من الصدوق. مع أنّه لو كان من الإمام أيضاً إنّما يفيد حرمة المطلق لو كان قوله: «التي ليست بغناء» وصفاً احترازيّاً للقراءة، و هو أيضاً غير معلوم.

و أمّا رواية مسعدة «3»، فمع اختصاصها بغناء الجواري المغنّية، مشتملة على ضرب العود أيضاً، فلعلّ المعصية كانت لأجله.

فإن قيل: إنّ تكذيبه (عليه السّلام) لمن نسب إليه الرخصة في الغناء «4» يدلّ على انتفاء الرخصة، فيكون حراماً.

قلنا: التكذيب في نسبة الرخصة لا يستلزم المنع، فإنّ عدم ترخيص الإمام أعمّ من المنع، بل كلامه (عليه السّلام): ما هكذا قلت بل قلت كذا، صريح في أنّ التكذيب ليس للمنع، بل لذكره خلاف الواقع؛ مع أنّه يمكن أن يكون التكذيب لأجل أنّه

نسب الرخصة في المطلق.

و لا يتوهّم دلالة كونه مع الباطل على الحرمة؛ لعدم معلوميّة أنّ المراد بالباطل ما يختصّ بالحرام، و لذا يصحّ أن يقال: التكلّم بما لا يعني يكون من الباطل.

______________________________

(1) المتقدّمتين في ص 188 و 189.

(2) المتقدّمة في ص 189.

(3) المتقدّمة في ص 190.

(4) انظر رواية يونس المتقدّمة في ص 188.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 196

مضافاً إلى أنّ في تصريح السائل ب:" كونه مع الباطل" بحيث يدلّ على شدّة ظهور كونه معه عنده إشعاراً ظاهراً بأنّ المراد منه ما كان مع التكلّم بالأباطيل.

فإن قيل: هذه الأخبار و إن لم تثبت التحريم إلّا أنّ الروايتين المذكورتين في تفسير الآية الثانية المتضمّنتين لقوله: «إنّ الغناء ممّا أوعد اللَّه عليه النار» «1» تدلّان على حرمته، بل كونه من الكبائر.

قلنا: لا دلالة لهما إلّا على حرمة بعض أفراد الغناء، و هو الذي يُشترى به ليضلّ به عن سبيل اللَّه و يتّخذها هُزُواً، أ لا ترى أنّه لو قال أحد: أمَرَ الأمير بضرب البصري، قال: اضرب زيداً البصري. أو في قوله: اضرب زيداً البصري، يفهم أنّه مراده من البصري دون المطلق.

و لو أبيت الفهم فلا شكّ أنّه ممّا يصلح قرينة لإرادة هذا الفرد من المطلق، و معه لا تجري فيه أصالة إرادة الحقيقة، التي هي الإطلاق.

فلم يبق دليل على حرمة مطلق الغناء، سوى قوله سبحانه وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ «2» بضميمة تفسيره في الأخبار المتقدّمة بالغناء.

إلّا أنّه يخدشه أنّه يعارض تلك الأخبار المفسّرة ما رواه الصدوق في معاني الأخبار عن الصادق (عليه السّلام): قال: سألته عن قول الزور، قال: «منه قول الرجل للّذي يغنّي: أحسنت» «3».

فإنّ الأخبار المتقدّمة باعتبار الحمل تدلّ على أنّ معناه الغناء، و

ذلك يدلّ على أنّه غيره، أو ما هو أعمّ منه، بل فيه إشعار بأنّ المراد من

______________________________

(1) راجع ص 187.

(2) الحج: 30.

(3) معاني الأخبار: 349، 2، الوسائل 17: 309 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 21.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 197

الزور هو معناه اللغوي و العرفي، أي الباطل و الكذب و التهمة، كما في النهاية الأثيريّة «1». و عدم صدق شي ء من ذلك على مثل القرآن و الأدعية و المواعظ و المراثي واضحٌ و إن ضمّ معه نوع ترجيع.

بل يعارضها ما رواه في الصافي عن المجمع، قال: و عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) أنّه عدلت شهادة الزور بالشرك باللَّه، ثم قرأ هذه الآية «2»، فإنّه يدلّ على أنّ المراد بقول الزور شهادة الزور.

و بملاحظة هذين المعارضين المعتبرين المعتضدين بظاهر اللفظ، و باشتهار تفسيره بين المفسّرين بشهادة الزور، أو مطلق القول الباطل توهن دلالة تلك الآية أيضاً جدّاً على حرمة المطلق.

مضافاً إلى معارضتها مع ما يدلّ على أنّ الغناء على قسمين: حرام و حلال، كالمرويّ في قرب الإسناد للحميري بإسناد لا يبعد إلحاقه بالصحاح كما في الكفاية عن عليّ بن جعفر، عن أخيه (عليه السّلام): قال: سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر و الأضحى و الفرح؟ قال: «لا بأس، ما لم يعص به» «3».

و المرويّ في تفسير الإمام عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) في حديث طويل، فيه ذكر شجرة طوبى و شجرة الزقّوم، و المتعلّقين بأغصان كلّ واحدة منهما-: «و من تغنّى بغناء حرام يبعث فيه على المعاصي فقد تعلّق بغصن منه» أي من الزقّوم.

______________________________

(1) النهاية الأثيرية 2: 318.

(2) مجمع البيان 4: 82.

(3) قرب الاسناد: 294، 1158، الوسائل 17:

122 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 198

فإنّ الأول صريح في أنّ من الغناء ما لا يعصى به.

و الثاني ظاهر في أنّ الغناء على قسمين: حلال و حرام.

و صحيحة أبي بصير: «أجر المغنّية التي تزف العرائس ليس به بأس، ليست بالتي يدخل عليها الرجال» «1».

فإنّها ظاهرة في أنّه لا حرمة في غناء المغنيّة التي لا يدخل عليها الرجال، المؤيّدة بروايته الأُخرى المتقدّمة «2»، المقسّمة للمغنّيات على قسمين: ما يدخل عليهنّ الرجال، و ما تزفّ العرائس. و الحكم بحرمة الاولى، و نفي البأس عن الثانية.

و يتعدّى الحكم إلى المغنّي بالإجماع المركّب، و بأنّ الظاهر اشتهار هذا التقسيم عند أهل الصدر الأول، كما يظهر من كلام الطبرسي «3».

و على هذا، فنقول: إنّ المراد بالغناء المحرّم أو الذي يعصى به إمّا هو ما يُتكلّم بالباطل و يقترن بالملاهي و نحوهما، و حينئذٍ فعدم حرمة المطلق واضح.

أو يكون غيره، و يكون المراد غناءٌ نهى عنه الشارع، و لعدم كونه معلوماً يحصل فيه الإجمال، و تكون الآية مخصَّصة بالمجمل، و المخصَّص بالمجمل ليس بحجّة.

و يؤكّد اختصاص الغناء المحرّم بنوع خاصّ ما يتضمّنه كثير من الأخبار المذكورة من نحو قوله: «الغناء مجلس» أو: «بيت الغناء» أو

______________________________

(1) الكافي 5: 120، 3، الفقيه 3: 98، 376، التهذيب 6: 357، 1022، الإستبصار 3: 62، 205، الوسائل 17: 121 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 3، بتفاوتٍ يسير.

(2) في ص 191.

(3) راجع ص 183 و 184، و هو في مجمع البيان 1: 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 199

«صاحب الغناء» أو: «لا تدخلوا بيوتاً» بعد السؤال عن مطلق الغناء «1».

و من جميع ذلك يظهر الحال

في رواية نصر بن قابوس و مرسلة الفقيه، الآتيتين في آخر المسألة «2»، المتضمّنتين للعن المغنّية و كسبها مطلقاً، و كون أجر المغنّي و المغنّية سحتاً كذلك.

و قد ظهر من جميع ذلك أنّ القدر الثابت من الأدلّة هو حرمة الغناء بالمعنى المتيقّن كونه غناءً لغويّاً، و هو ترجيع الصوت المفهم مع الإطراب في الجملة، و لا دليل على حرمته كلّية، فاللّازم فيه هو الاقتصار على القدر المعلوم حرمته بالإجماع.

و منه يظهر عدم حرمة ما استثنوه، و هو أُمور:

منها: غناء المغنّية في زفّ العرائس، استثناه في النهاية و النافع و المختلف و التحرير و القاضي «3» و جمع آخر «4».

و لكنّه ليس لما ذكر من عدم الدليل؛ لوجوده في غناء المغنّيات كما مرّ.

بل للأخبار المقيّدة لهذه المطلقات المتقدّمة، كصحيحة أبي بصير و روايته، و روايته الأُخرى : «المغنيّة التي تزفّ العرائس لا بأس بكسبها» «5».

خلافاً للمفيد و الحلبي و الحلّي و الديلمي و التذكرة و الإرشاد، فلم يستثنوه «6».

______________________________

(1) راجع ص: 187 190.

(2) انظر ص 204.

(3) النهاية: 367، النافع: 116، المختلف: 342، التحرير 1: 160، القاضي في المهذّب 1: 346.

(4) كالسبزواري في الكفاية: 86، و صاحب الحدائق 18: 116.

(5) الكافي 5: 120، 2، التهذيب 6: 357، 1023، الإستبصار 3: 62، 206، الوسائل 17: 121 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 2.

(6) المفيد في المقنعة: 588، الحلبي في الكافي: 435، الحلي في السرائر 2: 120، الديلمي في المراسم: 170، التذكرة 2: 581 إرشاد الأذهان 1: 357.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 200

إمّا لمعارضة هذه الأخبار مع الروايات المحرّمة للغناء و كسبه، أو لشراء المغنيّات و بيعهن؛ حيث إنّه لو كانت له جهة إباحة لم يحرم البيع

و الشراء.

أو لضعف سندها.

أو دلالتها؛ إذ غايتها نفي البأس عن الأُجرة، و هو غير ملازم لنفي الحرمة.

و يمكن الجواب: بأنّ المعارض بقسميه مطلق، فيحمل على المقيّد.

و ضعف السند غير ضائر، مع أنّ فيها الصحيح.

و الملازمة ثابتة؛ لعدم القول بالفرق، مع أنّ المنفيّ عنه البأس في روايتي أبي بصير هو نفس الكسب، و حمله على المكتسب يجوز.

هذا، ثم إنّه يشترط في الحلّيّة عدم دخول الرجال عليهن، و إلّا يحرم و إن كانوا محارم، كما احتمله المحقّق الثاني «1»؛ للإطلاق.

و قد يقال باشتراط عدم التكلّم بالأباطيل، و عدم استماع الرجال الأجانب، و عدم العمل بالملاهي.

و فيه: أنّ هذه الأُمور و إن كانت محرّمة و لكن تحريمها من حيث هي هي غير ما نحن فيه من تحريم الغناء، فيؤاخذ بهذه الأُمور دون الغناء.

و هل يتعدّى إلى غير المغنّي و إلى غير الزفاف؟

الظاهر: نعم؛ لعموم العلّة المنصوصة بقوله: «ليست بالتي يدخل عليها الرجال».

و لا يضرّ في العلّية عدم الجواز في بعض صور عدم الدخول أيضاً؛

______________________________

(1) جامع المقاصد 4: 24.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 201

لأنّ غايته تخصيص عموم العلّة، و هو لا يخرجه عن الحجّية في غير موضع التخصيص.

و منها: الحداء و هو سَوق الإبل بالغناء و اشتهر فيه الاستثناء، و توقّف فيه جماعة «2»، بل صرّح جمع بعدم الحلّية «3»؛ لعدم العثور على دليل عليها، سوى نبوي عامّي «4» لا يصلح للحجّية، و هو كذلك، إلّا أنّ الأصل و عدم ثبوت الحرمة كلّيةً يكفي للحلّية.

و منها: الغناء في مراثي الحسين (عليه السّلام) و غيره من الحجج و أصحابهم؛ للأصل المذكور المعتمد، و لأنّه معين على البكاء، فهو إعانة على البرّ.

فإن قيل: كون الغناء معيناً على البكاء ممنوع،

و إن سلّم إعانة الصوت عليه و لكنّه غير الغناء.

و لو سلّم فكونه معيناً على البكاء على شخص معيّن غير مسلّم، فإنّه إنّما يكون باعتبار تذكّر أحواله، و لا دخل للغناء فيه.

و لو سلّم فعموم رجحان الإعانة على البرّ و لو بالحرام غير ثابت.

و لو سلّم فتعارض أدلّته أدلّة حرمة الغناء، و الترجيح للثانية؛ لأظهريّة العموم أو الأكثريّة، أو لأجل ترجيح الحرمة على الجواز مع التعارض.

قلنا: أمّا منع كون الغناء معيناً فيخالف الوجد ان؛ لأنّ من البيّن أنّ لنفس الترجيع أيضاً أثراً في القلب، كما يدلّ عليه ما في كلماتهم من توصيف الترجيع بالطرب؛ مع تفسيرهم للإطراب بما يشمل الأحزان أيضاً، فإنّ حزن القلب من معدّات البكاء؛ مع أنّه لو قيل: إنّ الغناء هو الصوت

______________________________

(2) منهم صاحب الحدائق 18: 116.

(3) منهم صاحب الرياض 1: 502.

(4) صحيح مسلم 3: 1427، 123، صحيح البخاري 5: 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 202

المشتمل على الترجيع دون نفس الترجيع، فيكون هو أيضاً من أفراد الصوت.

و أمّا منع كونه معيناً على البكاء على شخص و إنّما هو يحصل بتذكّر أحواله، فهو أيضاً ممّا يخالف الوجدان، فإنّا نشاهد من أنفسنا تأثير الألفاظ و الأصوات و الألحان، فنرى أنّه يعبَّر عن واقعة واحدة بألفاظ مختلفة، يحصل من بعضها البكاء الشديد، و لا يؤثّر بعضها أصلًا؛ و نرى أنّه يذكر بعضهم واقعة و لا يؤثّر في قلب، و يذكر غيره بل هذا الشخص بلحن آخر هذه الواقعة بعينها و تحصل منه غاية الرقّة و البكاء، بل ربّما يبقى التأثير بعد تمام تعزيته، بحيث تسيل الدموع بتذكّر ما ذكره في مدّة طويلة.

و التحقيق: أنّ الصوت و اللفظ و اللحن من الأُمور المرقّقة للقلب

المعدّة للتأثير، و بترقيقها و إعدادها يحصل البكاء بتذكّر الأحوال.

و أمّا منع رجحان هذه الإعانة لكونها بالحرام، ففيه: أنّ المستدِلّ لا يجوّز إعانة البرّ بالحرام، بل يمنع الحرمة حين كون الغناء معيناً على البكاء؛ استناداً إلى تعارض عمومات الحرمة مع عمومات الإعانة.

و أمّا ترجيح عمومات الحرمة، فبعد ما ذكرنا من حال أدلّتها، فيظهر لك فساده، كيف؟! مع أنّ عموم رجحان الإعانة بالبرّ مطلقاً أمر ثابت كتاباً و سنّة، و رجحانها مجمع عليه.

و مع ذلك، فالأحاديث الواردة في أنّ من أبكى أحداً على الحسين (عليه السّلام) كان له كذا و كذا بلغت حدّ الاستفاضة، بل التواتر، و كثيرة منها مذكورة في ثواب الأعمال «1».

و أمّا ترجيح جانب الحرمة على الجواز بعد التعارض فهو عندنا غير

______________________________

(1) ثواب الأعمال: 83، الوسائل 14: 500 أبواب المزار و ما يناسبه ب 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 203

ثابت إلّا على وجه الأولويّة، و هو أمر آخر.

و منها: في قراءة القرآن؛ و يدلّ على جواز الغناء (بعد التعارض) «1» فيها ما مرّ من الأصل، المعتضد بالمعتبرة الآمرة بقراءة القرآن بالحزن و بالصوت الحسن، منها مرسلة ابن أبي عمير، و فيها: «إنّ القرآن نزل بالحزن فاقرءوه بالحزن» «2».

و المستفيضة الدالّة على حُسن الصوت الحَسن مطلقاً، كالروايات الأربع لابن سنان «3»، و السبع: لأبي بصير «4» و حفص «5» و عبد اللَّه التميمي «6» و دارم بن قبيصة «7» و سماعة و النميري و صحيحة ابن عمّار «8»، و غيرها «9».

بل لو قلنا بتماميّة روايات حرمة الغناء دلالةً تُعارَضُ مع هذه الروايات بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل أيضاً.

و مَنعُ التعارض؛ لأنّ الغناء هو الترجيع، و هو وصف عارض للصوت الحسن، يوجد

بإيجادٍ آخر مغاير للصوت.

يردّه منع كون الغناء هو الترجيع، بل هو الصوت المشتمل على

______________________________

(1) ما بين القوسين ليس في «ق».

(2) الكافي 2: 614، 2، الوسائل 6: 208 أبواب قراءة القرآن ب 22 ح 1.

(3) الاولى : الكافي 2: 615، 9، الوسائل 6: 211 أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 3.

الثانية: الكافي 2: 615، 6، الوسائل 6: 208 أبواب قراءة القرآن ب 22 ح 2.

الثالثة: الكافي 2: 615، 7.

الرابعة: الكافي 2: 614، 3، الوسائل 6: 210 أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 1.

(4) الكافي 2: 616، 13، الوسائل 6: 211 أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 5.

(5) الكافي 2: 606، 10، الوسائل 6: 208 أبواب قراءة القرآن ب 22 ح 3.

(6) الوسائل 6: 212 أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 6.

(7) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 69، 322، الوسائل 6: 212 أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 7.

(8) مستطرفات السرائر: 97، 17، الوسائل 6: 209 أبواب قراءة القرآن ب 23 ح 2.

(9) انظر الوسائل 17: 303 أبواب ما يكتسب به ب 99.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 204

الترجيع؛ مع أنّ الوارد في بعض الأخبار المذكورة الأمر بالقراءة بالحزن أو بصوت حزين، و في بعضها تحسين الصوت، و لا شكّ أنّ الترجيع أحد أفراد القراءة بالحزن، و التحسين أيضاً.

و تدلّ على الجواز أيضاً رواية أبي بصير الصحيحة عن السرّاد- المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه و فيها: «و رجّع بالقرآن صوتك؛ فإنّ اللَّه يحبّ الصوت الحسن يرجَّع به ترجيعاً» «1».

و العامّي المرويّ في المجمع: «فإذا قرأتموه» أي القرآن «فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا و تغنّوا به، فمن لم يتغنّ بالقرآن فليس منّا» «2».

و رُدّا بمعارضتهما مع

رواية ابن سنان: «اقرءوا القرآن بألحان العرب و أصواتها، و إيّاكم و لحون أهل الفسق و الكبائر، فإنّه سيجي ء بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانيّة، لا يجوز تراقيهم، قلوبهم مقلوبة، و قلوب من يعجبه شأنهم» «3».

مضافاً إلى ما في الاولى من منع كون مطلق الترجيع غناء، و لا يفيد انضمام الحزن المأمور به معه أيضاً في حصول الغناء؛ لأنّ المأمور به هو حزن القارئ، و المعتبر في الغناء هو حزن السامع.

و ما في الثانية من احتمال كون المراد طلب الغناء و دفع الفقر.

و فيه: أنّ الرواية ليست معارضة لما ذكر، بل معاضدة له؛ للأمر بالقراءة بألحان العرب، و اللحن هو التطريب و الترجيع.

______________________________

(1) الكافي 2: 616، 13، الوسائل 6: 211 أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 5.

(2) مجمع البيان 1: 16، مستدرك الوسائل 4: 273 أبواب القراءة في غير الصلاة ب 20 ح 7، إلّا أنّه نقله عن جامع الأخبار.

(3) الكافي 2: 614، 3، مجمع البيان 1: 16، الوسائل 6: 210 أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 205

قال في النهاية الأثيريّة: اللحون و الألحان: جمع اللحن، و هو التطريب و ترجيع الصوت و تحسين القراءة و الشعر و الغناء «1».

و قال في الصحاح: و منه الحديث: «اقرءوا القرآن بلحون العرب»، و قد لحن في القراءة: إذا طرّب و غرّد؛ و هو ألحن الناس إذا كان أحسنهم قراءةً و غناءً «2».

و قال أيضاً: الغرد بالتحريك: التطريب في الصوت و الغناء «3».

و أمّا ما في الرواية من النهي عن لحون أهل الفسق و الكبائر و ذمّ أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانيّة فلا

يدلّ إلّا على ذمّ نوع خاصّ من الترجيع؛ و لعدم معلوميّته يجب العمل في كلّ ما لم يعلم بالأصل.

و ليس فيها تخصيص بالمجمل، بل دلّت على أنّ المجوّز هو ترجيع العرب، و المنهيّ عنه هو ترجيع أهل الفسوق و الكبائر، و لا يعلم تعيين أحدهما، و ليس ذلك تخصيصاً بالمجمل، فتأمّل.

و أمّا منع كون مطلق الترجيع غناءً، ففيه: أنّ بعد ضمّ تحسين الصوت المرغّب فيه و تحزينه لا يمكن الخلوّ عن نوع من الإطراب، فيكون غناءً، و تحزين القارئ سيّما مع تحسين الصوت و الترجيع يستلزم تحزين السامع غالباً.

و أمّا تأويل قوله: «تغنّوا» بطلب الغناء فهو ممّا يستبعد عن سياق الكلام غاية الاستبعاد.

______________________________

(1) النهاية الأثيرية 4: 242.

(2) الصحاح 6: 2193.

(3) الصحاح 2: 516.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 206

و منها: الغناء في الأدعية، و ذكر الفضائل، و الثناء، و المناجاة، و أمثالها؛ و يدلّ على جواز الغناء فيها ما ذكر من الأصل السالم عن المعارض بالمرّة، مضافاً إلى مرسلة الفقيه المتقدّمة «1»، المتضمّنة لتجويز شراء المغنّية لأن يتذكّر بصوتها الجنّة، فإنّ إطلاقها يشمل الغناء أيضاً؛ مع أنّ الظاهر أنّ السؤال كان عن غنائها، إذ كان عدم حرمة غيره ظاهراً.

هذا، ثم إنّه كلّما يحرم الغناء يحرم استماعه أيضاً؛ بالإجماع و الروايات المتقدّمة كما مرّ.

و كذا يحرم التكسّب بالمحرّم منه و الأُجرة عليه، بلا خلاف أجده، و ظاهر المفيد أنّه إجماع المسلمين «2»، و في المنتهى : تعلّم الغناء و الأجر عليه حرام عندنا بلا خلاف «3».

و تدلّ عليه روايات أبي بصير و الطاطري و ابن أبي البلاد، المتقدّمة جميعاً «4».

و رواية نصر بن قابوس: «المغنيّة ملعونة، ملعون من أكل كسبها» «5».

و مرسلة الفقيه: «أجر المغنّي و

المغنّية سحت» «6».

و قد يستدلّ عليه أيضاً بالأصل؛ إذ الأصل عدم صحّة المعاملة، و هو ضعيفٌ غايته؛ لأنّ غايته عدم اللزوم دون الحرمة إن رضي به المالك، و اللَّه الموفّق.

______________________________

(1) في ص 189.

(2) المقنعة: 588.

(3) المنتهى 2: 1012.

(4) في ص 189 و 191.

(5) الكافي 5: 120، 6، التهذيب 6: 357، 1020، الإستبصار 3: 61، 203، الوسائل 17: 121 أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 4.

(6) الفقيه 3: 105، 436، الوسائل 17: 307 أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 207

البحث الرابع في بعض ما يتعلّق بالبحث عن عدالة الشاهد
اشاره

و قد ثبت فيما تقدّم اشتراط عدالة الشاهد في الحكم بشهادته، و اشتراط معرفتها.

و أنّه لا يكتفى في ثبوتها بظاهر الإسلام، و لا بجميع مراتب حسن الظاهر.

و أنّه إذا عرف الحاكم عدالتهما يحكم بشهادتهما، و إن عرف فسقهما يسقط شهادتهما، إلّا أن يثبت الخصم الفسق في الأول و العدالة في الثاني.

و أنّه إذا جهل حالهما يبحث عنها.

فالمقصود هنا بيان حال البحث و كيفيّته، و فيه مسائل:

المسألة الأُولى : بحث الحاكم و فحصه عن حال الشاهد المجهول حاله واجبٌ عليه؛

للإجماع المركّب، فإنّ كلّ من يقول بعدم كفاية ظاهر الإسلام في الشاهد يقول بوجوب الفحص؛ و لأنّه لولا الفحص فإمّا يترك الحكم، أو يحكم للمشهود له بدون ثبوت عدالة الشاهد أو عليه بدون الفحص، و الكلّ باطل.

و يدلّ عليه عمل النبيّ المرويّ في تفسير الإمام أيضاً «1»؛ حيث إنّه كان يبحث عن حال الشهود، و مع عدم الظهور يصلح أو يحلف.

المسألة الثانية: تثبت عدالة الشاهدين الغير المعروفين للحاكم

______________________________

(1) تفسير العسكري ( (عليه السّلام)): 673، 376، الوسائل 27: 239 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 208

بالشياع المفيد للعلم، و بشهادة العدلين إجماعاً.

و يدلّ على الأخير أيضاً ما أشرنا إليه و أثبتناه في موضعه من أصالة حجّية شهادة العدلين، و الرواية الطويلة المروية في تفسير الإمام، المتضمّنة لمحاكمة رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله)، و أنّه إذا كان لا يعرف الشهود بخير و لا شرّ أرسل رجلين من خيار أصحابه إلى قبائل الشهود لتفتيش أحوالهم من قومهم، فإذا أتيا بخير أنفذ شهادتهم، و إذا أتيا بخبر سيّ ء لم ينفذ.

و لا ينافيه ما في الرواية من أنّ بعد رجوع الرجلين و إخبارهما كان يحضر قوم الشهود و يسأل عنهم.

لأنّ السؤال إنّما هو عن معرفة أشخاص الشهود، هل أنّهم هذه الأشخاص أم لا؟ المعرفة عدالة الشهود، و إلّا لم يحتج إلى إنفاذ رجلين و لا من الخيار، و لذا اكتفى في صورة رجوعهما بخبر سيّئ بقوله (صلّى اللَّه عليه و آله): «أ هما هما»؟

و مرسلة يونس المصرّحة بأنّ استخراج الحقوق بأربعة وجوه، و عدّ منها شهادة رجلين عدلين «1». فإنّ الاستخراج أعمّ ممّا كان بواسطة أو بلا واسطة.

و عمومات: «البيّنة على المدّعى» «2» إذا

ادّعى المشهود له عدالة الشاهدين.

و هل تثبت بشهادة العدل الواحد، أم لا؟

الأكثر على الثاني، بل عن الإيضاح الإجماع عليه «3»، و هو الحقّ؛

______________________________

(1) الكافي 7: 416، 3، التهذيب 6: 231، 562، الوسائل 27: 241 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 7 ح 4.

(2) الوسائل 27: 233 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 3.

(3) الإيضاح 4: 431.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 209

للأصل.

و صرّح بعض مشايخنا المعاصرين بوجود القول بثبوتها بشهادة الواحد أيضاً، و ربّما يشعر بالثبوت بها كلام المحقّق الأردبيلي «1». و لا أرى عليه دليلًا، إلّا بعض ما يذكرونه دليلًا على حجّية مطلق خبر العدل، و قد ذكرناه في العوائد مع ضعفه «2».

و قد يستدلّ له أيضاً بأنّ حصول العلم بالعدالة إمّا متعذّر أو متعسّر- و لو بالمعاشرة و الشياع فلا مناص فيه عن العمل بالظنّ، و شهادة العدل الواحد مفيدة له أيضاً.

و فيه: أنّ الثابت منه لو سلّم كفاية الظنّ في الجملة لا مطلق الظنّ، فيجب الاقتصار فيه على القدر المجمع عليه، فإنّ الضرورة تقدّر بقدرها.

و منه يظهر عدم كفاية الشياع المفيد للظنّ، و لا المعاشرة المفيدة له، بل لا بدّ من إفادتهما العلم.

و بعد ما ذكرنا في بيان العدالة و تحقيقها و وصولك إلى حقيقته، لا يختلج ببالك أنّ حصول العلم بوجود العدالة لشخص بالمعاشرة أو الشياع متعذّر، فلا بدّ من الاكتفاء بالظنّ؛ إذ قد عرفت أنّ المناط في الحكم بعدالة شخص شرعاً هو كونه حسن الظاهر، و متّصفاً بأوصاف يسهل تحصيل العلم بها بالمعاشرة أو الشياع، بل قد يحصل العلم بها بإخبار العدل الواحد المحفوف بالقرائن المفيدة للعلم، فتثبت به حينئذٍ أيضاً.

و الحاصل: أنّ العدالة و إن كانت

ملكة نفسانيّة أو صفات و حالات منبعثة عن الملكة النفسانيّة، و العلم بها في غاية الصعوبة إلّا أنّه قد عرفت

______________________________

(1) مجمع الفائدة 12: 325.

(2) عوائد الأيام: 277.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 210

أنّ الشارع قد جعل حسن الظاهر على الوجه المتقدّم ذكره معرِّفاً لها، قائماً مقام العلم، فالمناط: العلم بحسن الظاهر المذكور، و هو ليس متعذّراً، بل سهل غالباً، فالمراد المعاشرة المخبرة عن ذلك الحسن، أو الشياع المخبر عنه.

نعم، لو لم تثبت دلالة حسن الظاهر عليها و معرّفيّته لها، فمعرفتها بالمعاشرة و الشياع علماً كان صعباً، و للإجماع على المعرفة بهما يتمّ أن يقال: تكفي المعرفة الظنيّة، و لكن يشكل معرّفية المناط حينئذٍ؛ لسعة دائرة المعاشرة و الشياع، و كثرة مراتب الظنّ، و عدم تعيين المجمع عليه منها.

المسألة الثالثة: لو صرّح المشهود عليه بعدالة الشاهدين تقبل شهادتهما عليه و يحكم بها،

وفاقاً للتحرير و الدروس و القواعد «1» مع الاستشكال في الأخير- و للمحكيّ عن الإسكافي و التنقيح و الإرشاد و الإيضاح «2»، و قوّاه بعض مشايخنا المعاصرين «3».

لا لما ذكره في الإيضاح من أنّه أقرّ بوجود شرط الحكم، و كل من أقرّ على نفسه بشي ء نفذ عليه.

لمنع كون الإقرار بوجود الشرط إقراراً على نفسه؛ لأنّه لا يلزم من وجوده الوجود؛ و لأنّ كونه إقراراً على نفسه موقوف على كونه مقبولًا عند الحاكم، و قبوله موقوف على كونه إقراراً على نفسه، و هو دور.

بل للمرويّ في تفسير الإمام المشار إليه متكرّراً، و فيه: «فإذا كان

______________________________

(1) التحرير 2: 184، الدروس 2: 79، القواعد 2: 206.

(2) حكاه عن الإسكافي في الرياض 2: 390، التنقيح 4: 243، الإرشاد 2: 165، الإيضاح 4: 315.

(3) انظر الرياض 2: 390.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 211

الشهود من أخلاط الناس لا يُعرَفون، و

لا قبيلة لهما و لا سوق و لا دار، أقبل على المدّعى عليه و قال: ما تقول فيهما؟ فإن قال: ما عرفت إلّا خيراً غير أنّهما قد غلطا فيما شهدا عليّ، أنفذ عليه شهادتهما، و إن جرح عليهما و طعن في شهادتهما أصلح بين الخصم و خصمه، أو حلّف المدّعى عليه، و قطع الخصومة بينهما (صلّى اللَّه عليه و آله)» «1».

و كون قوله: «ما عرفت إلّا خيراً» أعمّ من التعديل لشموله لصورة عدم معاشرة معهما إلّا في أيّام قلائل جدّاً، و مثله لا يفيد إجماعاً غير ضائر؛ لأنّ خروج بعض صور المطلق بدليل لا يضرّ في الباقي، و يختصّ القبول حينئذٍ بحقّ ذلك الشخص المعدِّل، فلا يثبت تعديله في حقّ غيره.

و هل يختصّ في حقّ ذلك الشخص بهذه الواقعة المخصوصة، أو يتعدّى إلى غيرها أيضاً؟

الظاهر: الثاني «2»؛ اقتصاراً فيما يخالف الأصل على مورد النصّ.

و لا يشترط في بيان المدّعى عليه لفظ الرواية أي «ما عرفت إلّا خيراً» بل يكفي: ما عرفته إلّا عدلًا، أو هو عادل بعد كونه عارفاً بمعنى العدالة أو ذكر ما يفيد معنى العدالة؛ للإجماع المركّب.

و كذا لو ضمّ معه ذنباً لا ينافي العدالة، كأن يقول: ما عرفت إلّا خيراً إلّا أنّه قد لا يردّ السلام، أو: لم يردّ سلامي، أو: رأيته يسمع الغيبة نادراً؛ لما ذكر من الإجماع المركّب.

______________________________

(1) تفسير العسكري ( (عليه السّلام)): 673، 376، الوسائل 27: 239 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 6 ح 1، بتفاوت يسير.

(2) كذا، و لعلّ الصحيح: الأول. أو أنّ في الكلام سقطاً من قبيل: و الأحوط الأول اقتصاراً ..

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 212

و لو قال: ما عرفته إلّا صدوقاً،

أو: هو صادق، أو: ثقة، أو: خير، إلّا أنّه قد غلط هنا أو نحوه ممّا لا يفيد العدالة و لا يطابق الرواية لا يفيد؛ لعدم ثبوت الإجماع المركّب فيه.

و لا يقبل اعتراف وكيل المدّعى عليه أو وليّه بالعدالة؛ للأصل، و ظهور المدّعى عليه في الرواية في الخصم نفسه. و لا يوجب عدم سماع الدعوى منهما أيضاً؛ لما ذكر.

نعم، يكون كلّ منهما شاهداً واحداً على التعديل إن كان مقبول الشهادة.

ثم إنّ قبول تعديل المدّعى عليه إنّما هو إذا لم يعرفهما الحاكم بالفسق كما هو مورد الرواية و إلّا فيردّ شهادتهما البتّة؛ للأصل.

و لو جرحهما المدّعى عليه بما هو فسق عنده لا عند الحاكم؛ لاختلاف مذهبهما فيه فلا يضرّ أيضاً؛ لما ذكر، و لخروجه عن مورد الرواية.

و لو جرح المدّعى شاهدي نفسه إمّا للجهل بأنّه جرح، أو بأنّ الجرح يردّ الشهادة، أو لبيان الواقع، كأن يقول: لي شاهدان ان فلان و فلان و إن كانا فاسقين، أو غير مقبولي الشهادة فعلى تماميّة الاستدلال بكونه إقراراً على نفسه تردّ شهادتهما، و على عدم تماميّته كما هو الوجه فلا؛ لخروجه عن مورد الرواية، و عدم ثبوت الجرح بقوله فقط، فلو عرف الحاكم عدالتهما له الحكمُ بها.

المسألة الرابعة: يعتبر في كلّ من المعدِّل و الجارح مع ما يعتبر في الشاهدين من العدالة و التعدّد و عدم التهمة-

أن يعرف شرائط الجرح و التعديل و أسبابهما، و وجهه ظاهر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 213

و قالوا: يعتبر في المزكّي المعاشرة الباطنيّة المتقادمة «1»، المخبرة عن باطن حاله، بحيث يعلم وجود العدالة «2».

قيل: و الظاهر كفاية الظنّ.

و قد عرفت جليّة الحال في ذلك، و أنّ المناط: علم المزكّي بحسن الظاهر الذي جعله الشارع مناطاً، و هو يحصل بالمعاشرة و الاستفاضة من غير صعوبة، و لا دليل على الاكتفاء بالظنّ، و لا

على اشتراط المعاشرة المخبرة عن الباطن، و لا العلم الواقعي بوجود صفة العدالة.

نعم، لو أردنا معرفة نفس العدالة من غير توسيط حسن الظاهر ينبغي اعتبار المعاشرة المخبرة عن الباطن، و الاكتفاء فيها بمرتبة من الظنّ لصعوبة العلم بالباطن.

و على أيّ حال، فلا تعتبر المعاشرة في الجارح، إذ الجارح يكفيه الاطّلاع على موجب للفسق بالرؤية أو السماع على وجه يوجب العلم بالفسق.

المسألة الخامسة: المشهور بين الأصحاب كما صرّح به جماعة «3» كفاية الإطلاق في شهادة التعديل،

دون الجرح، فيشترط في سماعه التفصيل.

استناداً إلى أنّ التعديل بذكر السبب يتوقّف على ذكر جميع أسبابه، و هي كثيرة يعسر ضبطها و عدّها، فلو توقّف على التفصيل لانسدّ باب

______________________________

(1) في «ق»: المتقاربة ..

(2) انظر القواعد 2: 205، و التحرير 2: 184، و الدروس 2: 80.

(3) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 363، و السبزواري في الكفاية: 264، و صاحب الرياض 2: 392.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 214

التعديل إلّا نادراً، و هو خلاف المعلوم من سيرة الأصحاب؛ لكثرة وقوع التعديل منهم و عندهم، بل أصل التفصيل فيه خلاف المعلوم من سيرتهم.

بخلاف الجرح، فإنّه يثبت بسبب واحد.

و الحاصل: أنّ مقتضى الأصل التوقّف على التفصيل فيهما؛ لما في أسبابهما من الاختلاف، خرج عنه في التعديل بالدليل، و بقي في الجرح. و هذا مراد من استدلّ في الأول بالتعسّر، و في الثاني بأنّ الخطأ في مبنى الجرح لوقوع الاختلاف في أسبابه محتمل.

و ممّا ذكرنا ظهر ضعف ما يردّ به الثاني من اشتراك سبب الاختلاف؛ لوجوب التفصيل.

و أمّا جعل احتمال الخطأ سنداً ثانياً للتفصيل كبعضهم «1» فظاهر الوهن جدّاً؛ لظهور الاشتراك.

ثم إنّه يرد عليهم: أنّه إن أُريد أنّ نفس التعسّر يوجب رفع اليد عن التفصيل.

ففساده ظاهر؛ إذ بتعسّر وجود الشرط لا يجوز الحكم بوجود المشروط بدونه.

و إن

أُريد أنّ سيرة الأصحاب و إجماعهم دلّا على كفاية الإطلاق على النحو الذي أشرنا إليه.

ففيه: أنّه إن أُريد أنّ الثابت من تعسّر التفصيل في التعديل و ندرته جريان سيرتهم على قبول الإطلاق فيه مطلقاً يعني حتى من الجاهل بالأسباب، أو من لم يعلم حاله، و حتى من غير من يعلم موافقته مع

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 392.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 215

المعدّل له فممنوع.

و إن أُريد في الجملة فغير مفيد.

و أيضاً إن أُريد جريانها على الاكتفاء بمطلق التعديل من غير تفصيل أصلًا- فممنوع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 18    215     المسألة الخامسة: المشهور بين الأصحاب كما صرح به جماعة كفاية الإطلاق في شهادة التعديل، ..... ص : 213

إن أُريد جريانها على عدم التوقّف على ذكر جميع تفاصيل الأسباب، فغير مفيد لهم، فلعلّهم يكتفون بالميسور من التفصيل، كقول المعدِّل: فلان مجتنب عن الكبائر غير مصرّ على الصغائر، أو أزيد من ذلك ممّا يخبر عن حسن الظاهر، و إن لم يفصّلوا في تعداد الكبائر و الصغائر و معنى الإصرار و نحو ذلك.

و عن الفاضل القول بعكس المشهور «1»، فيوجب التفصيل في التعديل دون الجرح؛ و لعلّه لكون العلم بالفسق سهلًا لكلّ أحد؛ لحصوله بفعل واحد، فالخطأ فيه نادر لا يلتفت إليه، بخلاف التعديل.

و فيه: أنّ العلم بالفسق و إن كان أسهل من التعديل و لكنّه أيضاً محلّ اختلاف كثير؛ للاختلاف في عدد الكبائر و في معنى الإصرار، و لإمكان الخطأ في سبب ارتكاب ما يزعمه فسقاً؛ لجواز وجود عذر فيه.

و عن بعضهم: كفاية الإطلاق فيهما «2»؛ لأجل أنّ العادل لا يخبر عن وجود أمر منوط بأسباب مختلف فيها إلّا مع العلم بوجود المتّفق عليه،

أو ما هو مناط عند المخبر له.

و فيه: أنّه يصحّ بالنسبة إلى العالم بالاختلاف في جميع الأسباب، و البعيد عن الخطأ و الاشتباه في درك المناط.

______________________________

(1) انظر المختلف: 706.

(2) حكاه عن الخلاف في الشرائع 4: 77.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 216

و عن آخر التفصيل بكفاية الإطلاق عن العالم بالأسباب دون غيره «1»؛ و وجهه ظاهر.

و فيه: أنّ مجرّد العلم بالأسباب دون العلم بالاختلاف فيها غير كاف؛ لجواز بنائه على ما علمه أسباباً من غير اطّلاع على الخلاف فيه.

و ذهب جماعة منهم: والدي العلّامة طاب ثراه في المعتمد، و بعض مشايخنا المعاصرين «2» إلى كفاية الإطلاق إن علم المزكّي و الجارح بالأسباب و موافقة مذهبه للحاكم في أسبابهما تقليداً له أو اجتهاداً و عدم الكفاية في غيره؛ لأنّ مثله لا يشهد على الإطلاق إلّا مع ثبوت الموجب عند الحاكم، و إلّا لم يكن عادلًا.

و فيه: أنّ العدالة إن كانت مانعة عن الشهادة على الإطلاق إلّا مع ثبوت الموجب لكانت كذلك مع العلم بالأسباب و الخلاف فيها أيضاً، و إن لم يكن مذهبه موافقاً لمذهب الحاكم، و إلّا لم يفد مع الموافقة أيضاً.

و بالجملة: لا يظهر لاشتراط الموافقة وجه.

نعم، لو قيل: يشترط في كفاية الإطلاق علمه بالأسباب و الاختلاف، أو موافقته للحاكم في العدالة و الجرح، لكان صحيحاً.

و منه يظهر ضعف قول آخر محكيّ عن الإسكافي من اعتبار التفصيل فيهما «3»؛ للاختلاف المذكور، فإنّ الكلام فيمن يعرف طريقتهما، فإن لم يقبل قوله بعدالته كيف يقبل قوله في التفصيل؟! فالأقوى كفاية الإطلاق من العالم بالأسباب و بالاختلاف فيها، أو من

______________________________

(1) حكاه عن العلّامة في كشف اللثام 2: 332.

(2) انظر الرياض 2: 392.

(3) حكاه عنه في المختلف:

706.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 217

الموافق للحاكم و لو بالتقليد، و عدم كفايته من غيرهما.

ثم في الأخير أيضاً يختلف القدر المحتاج إليه من التفصيل بالنسبة إلى الأشخاص، فمنهم من يعلم أنّه يعرف الواجبات و المحرمات، و إن لم يعلم أنّه يعرف الكبائر من الصغائر، و الإصرار من عدمه، فلو قال: عاشرت معه مدّة طويلة و اطّلعت على بواطنه، و رأيته مواظباً على جميع الواجبات تاركاً للمحرّمات، لكفى.

و مثل ذلك لو قال: رأيته مجتنباً عن الكبائر غير مصرّ على الصغائر، لم يكف.

و من علم معرفته الكبائر و الإصرار، و الاختلاف فيها، أو علم موافقته للحاكم فيها، يكفي ذلك عنه، و هكذا في غير ذلك.

هذا، و اعلم أنّه لا فرق فيما ذكر بين القول بكفاية الشهادة العلميّة أو اشتراط كونها مستندة إلى الحسّ، إلّا أنّه على الأخير يزاد الاستناد إلى الحسّ، فعلى كفاية الإطلاق يقول: عاشرت معه مدّة كذا فرأيته عدلًا، أو حسن الظاهر. و على كفاية العلميّة يقول: هو عدل، أو حسن الظاهر.

ثم إنّه حيث يكتفى في التعديل بالإطلاق إمّا مطلقاً كما هو المشهور، أو على أحد التفاصيل المتقدّمة فهو يحصل بكلّ ما يفيد التعديل، كقوله: هو عدل، أو: مقبول الشهادة، أو نحوهما، و لا يحتاج إلى ضمّ غيره، وفاقاً لوالدي العلّامة (رحمه اللَّه) و المحقّق الأردبيلي؛ للأصل.

و ظاهر بعضهم كالشيخ في المبسوط «1» اعتبار لفظ" عدل".

و يحتمل أن يكون المراد ما يفيد معناه، فيتّحد مع الأول.

______________________________

(1) المبسوط 8: 110.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 218

و في التحرير: اعتبار ضمّ أحد الأمرين من قوله: لي و عليّ، أو: مقبول الشهادة، إلى قوله: هو عدل «1».

و حكاه في المسالك عن أكثر المتأخّرين؛ و احتجّ

له بأنّ العدل قد لا تقبل شهادته لغفلته «2».

و فيه: أنّ المقام مقام التعديل دون قبول الشهادة، فقد يكون شريكاً للمدّعي أو عدوّاً له، و على هذا فقد يكون ضمّ" لي و عليّ" مخلّاً؛ إذ قد يكون عدلًا و لا تقبل شهادته للمزكّي لشركة أو عداوة.

و من ذلك تظهر سائر الأقوال في المقام أيضاً من غير اعتبار ضمّ" لي و عليّ" خاصّة أو «مقبول الشهادة» كذلك.

ثم إنّه لو بيّن سبب الجرح بما يكون قذفاً في غير محلّ التزكية لا يكون قاذفاً هنا، كما صرّح به في التحرير و القواعد و الدروس «3»؛ لمحلّ الحاجة و إذن الشريعة.

المسألة السادسة: إذا تعارض الجرح و التعديل،

فإن لم يتكاذبا- كأن شهد المزكّي بالعدالة مطلقاً أو مفصّلًا، لكن من غير ضبط وقت معيّن، و شهد الجارح بأنّة فعل ما يوجب الجرح في وقت معيّن قدّم الجرح؛ لحصول الشهادتين من غير تعارض بينهما أصلًا.

و منه ما إذا كانا مطلقين.

و إن تكاذبا بأن شهد المعدِّل: بأنّه كان في ذلك الوقت الذي شهد الجارح بفعل المعصية فيه في غير المكان الذي عيّنه للمعصية فالوجه التوقّف،

______________________________

(1) التحرير 2: 184.

(2) المسالك 2: 363.

(3) التحرير 2: 184، القواعد 2: 206، الدروس 2: 80.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 219

كما ذهب إليه الشيخ في الخلاف «1»، و مرجعه إلى التساقط. و رجوع الدعوى إلى الخلوّ عن البيّنة فدليله ظاهر.

و قد يصار إلى الترجيح بالأكثريّة و الأعدليّة و الأضبطيّة. و لا أرى عليه دليلًا.

و القول بالقرعة كان ممكناً لو كان بها قائل؛ لكونها لكلّ أمر مشكل، و لبعض أخبار تعارض الشهود المتضمّن للقرعة، إلّا أنّه متضمّن لليمين المنتفية هنا إجماعاً.

و قد يرجّح التعديل فيما إذا شهد المعدِّل بالتوبة عن الجرح الذي شهد

به الجارح.

و في المسألة أقوال أُخر موهونة، ذكرناها في مناهج الأحكام.

المسألة السابعة: لا تجوز شهادة المزكّي و الجارح بهما على سبيل الإطلاق بشهادة العدلين عندهما

و إن كانت حجّة؛ لأنّها ظاهرة في العلم الواقعي، و هو لا يحصل بقول العدلين.

و على اشتراط كون الشهادة حسّية يكون الوجه أظهر.

و عليه يظهر عدم جواز الإطلاق باستصحاب العدالة، بل يشترط بيان حقيقة الحال.

المسألة الثامنة: قالوا: ينبغي أن يكون السؤال عن التزكية سرّاً؛

لأنّه أقرب إلى صدق المعدِّل و الجارح، و أبعد من التهمة.

قال في التحرير: لجواز أن يتوسّل الشاهد إلى الاستمالة و التعرّف إلى المزكّي بحسن الحال «2».

______________________________

(1) الخلاف 2: 592.

(2) التحرير 2: 184.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 220

مضافاً إلى إمكان حياء المزكّي عن بيان ما عنده من الجرح.

أقول: هذا إنّما يفيد إذا كان المراد من السرّ خفاء الشاهدين، و قال والدي العلّامة (رحمه اللَّه): لا بمحضر من الناس. و مقتضاه الخفاء عن الناس؛ و يدلّ عليه أنّه ربّما كان عند المزكّي الجرح، و لا دليل على جواز إظهاره عند غير الحاكم؛ لأنّه من الغيبة المحرّمة.

و أمّا الاستخفاء عن المتداعيين فلم أقف على مصرّح به، و لا دليل على رجحانه، بل قد يرجّح خلافه؛ لأنّه أبعد من اتّهام الحاكم.

و قد يحمل على ذلك ما قال في التحرير من قوله: و إذا عدّله المزّكون فللقاضي التوقف إذا انفرد بتسامع الفسق، لانه محل الريبة «1» بحمل التعديل على بيان الحال و لو كان فسقاً، و حمل التوقف على التوقف حين «2» يسمعه المتداعيان.

و هو خلاف الظاهر جدّاً، بل الظاهر أن مراده: أنّه إذا شهد المزكّون بعدالته، و علم الحاكم بالفسق، فله ان يتوقف عن الحكم احترازا عن الريبة.

و فيه: انّ التوقّف حينئذٍ أيضاً محلّ الريبة، فلا يفيد، بل له الحكم بمقتضى علمه كما في سائر معلوماته إذا لم تكن مفسدة في الريبة.

المسألة التاسعة: قيل: ينبغي للقاضي أن يعرّف المزكّي الخصمين

لتجويز معرفته بعداوة بينهما أو شركة «3».

و فيه: أنّ الكلام في الجرح و التعديل دون غيرهما.

______________________________

(1) التحرير 2: 184.

(2) في «ح»: حتى ..

(3) انظر التحرير 2: 184.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 221

و منه يعلم عدم الحاجة الى تعريفه نسب الشاهدين أيضاً، كما ذكره

في الدروس «1» و غيره «2».

المسألة العاشرة: إذا ثبتت عدالة الشاهد عند الحاكم يحكم بالاستمرار عليها إلى أن يظهر المنافي؛

للاستصحاب الذي هو كالشاهدين حجة شرعية.

و منه يظهر أنه لو علم العدالة السابقة و لم يظهر لها مزيل يستصحبها من غير حاجة إلى المزكي، و كذا الجرح، إلّا إذا ادعى الخصم خلافه، و حينئذٍ فإن أثبته فهو، و إلّا فيعمل بمقتضى الاستصحاب، و لو ادّعى حينئذٍ على خصمه العلم بالخلاف فله إحلافه كما مرّ.

و قيل: إنّما يعمل بالاستصحاب إذا لم تمض مدّة يمكن تغيّر حاله فيها، و إلّا جدّد البحث، و لا تقدير لتلك المدّة، بل بحسب ما يراه الحاكم «3». و ليس بجيّد.

المسألة الحادية عشرة:

قال في التحرير و القواعد: لو أقام المدّعى عليه بيّنة أنّ هذين الشاهدين شهدا بهذا الحقّ عند حاكم فردّ شهادتهما بفسقهما، بطلت شهادتهما «4».

أقول: إنّ ردّ الشهادة إمّا يكون مع الحكم للمشهود عليه أو بدونه، بل تردّ الشهادة و يكتفى به، و لا يحكم في الواقعة.

و على الأخير: إمّا يكون الردّ للفسق بعد دعوى المشهود عليه فسقهما

______________________________

(1) الدروس 2: 79.

(2) انظر كشف اللثام 2: 332.

(3) حكاه عن بعضٍ في المبسوط 8: 112.

(4) التحرير 2: 184، القواعد 2: 206.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 222

و حكم الحاكم به لعلمه أو شهادة العدلين أو الاستفاضة العلميّة، أو بدون سبق دعوى.

فعلى الأول: فلا شكّ في بطلان الشهادة، بل عدم جواز سماع الشهادة للترافع؛ إذ لا يجوز سماع دعوى حَكَمَ فيها حاكم آخر.

و على الثاني: فكذلك أيضاً؛ لأنّ دعوى المشهود عليه فسق الشاهدين لهذه الواقعة دعوى شرعيّة رفعها إلى الحاكم و إن كانت لأجل أمر آخر و حكم الحاكم بثبوت دعواه؛ لأنّ ردّ الشهادة هو الحكم بالثبوت، فيجب إمضاؤه.

و على الثالث: فلا وجه لبطلان الشهادة.

و جعل إنكار المدّعى عليه دعوى لفسق الشهود ممنوع؛ إذ

قد يصرّح بعدالتهما و لا يقبله الحاكم؛ لعلمه بالفسق، أو عدم قبوله تعديل المدّعى عليه، و قد يصرّح بعدم العلم بحالهما.

و لا يحضرني حينئذٍ وجه آخر لبطلان الشهادة؛ لأنّ الثابت عند مجتهد إن كان من قبيل الفتاوى ليس حجّة على غيره و غير مقلّديه، و إن كان من غيرها فليس حجّة على أحد إلّا ما كان حكماً بعد التنازع و الترافع، فيكون حجّة في تلك الواقعة خاصّة.

و على هذا، فلو حكم بالفسق في الصورتين الأُوليين أيضاً يكون مخصوصاً بهذا الحقّ من هذا المدّعى على ذلك المدّعى عليه خاصّة، و لا يتعدّى إلى غير ذلك المورد.

و كذا التعديل عند حاكم آخر.

المسألة الثانية عشرة: لو رضي الخصم بأن يحكم عليه بشهادة فاسق أو فاسقين لم يصحّ؛

و الوجه ظاهر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 223

و كذا إن رضي بالحكم بالتعديل بخطّ المزكّي؛ لأنّه ليس بمقبول و لو شهد عدلان بأنّه خطّه أو عرفه الحاكم.

السادس من شروط الشاهد: أن لا يكون متّهماً
اشاره

«1».

بلا خلاف يوجد كما قيل «2» بل بالإجماع كما في المسالك و المفاتيح و شرحه «3» و غيرها «4»؛ للنصوص المستفيضة المعتضدة بالاعتبار، كالصحاح الأربع.

أحدها لابن سنان: ما يردّ من الشهود؟ قال: فقال: «الظنين و المتّهم» قال: قلت: فالفاسق و الخائن؟ قال: «ذلك يدخل في الظنين» «5».

و ثانيهما لسليمان بن خالد «6»، و هي كالأُولى ، إلّا أنّ فيها: «و الخصم» مكان: «و المتّهم».

و ثالثها و رابعها لأبي بصير «7» و عبيد اللَّه الحلبي «8»، و هما أيضاً كالأُولى ، إلّا أن زاد فيهما: «و الخصم» بعد: «المتّهم».

و موثّقة سماعة: عمّا يردّ من الشهود، فقال: «المريب، و الخصم،

______________________________

(1) و قد تقدّمت خمسةٌ منها، و هي: البلوغ، كمال العقل، الإسلام، الإيمان، العدالة.

(2) انظر الرياض 2: 432.

(3) المسالك 2: 405، المفاتيح 3: 278.

(4) انظر الكفاية: 281.

(5) الكافي 7: 395، 1، التهذيب 6: 242، 601، الوسائل 27: 373 أبواب الشهادات ب 30 ح 1.

(6) الكافي 7: 395، 2، التهذيب 6: 242، 602، الوسائل 27: 373 أبواب الشهادات ب 30 ح 2.

(7) الكافي 7: 395، 3، التهذيب 6: 242، 598، الوسائل 27: 373 أبواب الشهادات ب 30 ح 3.

(8) الفقيه 3: 25، 66، الوسائل 27: 374 أبواب الشهادات ب 30 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 224

و الشريك، و دافع مغرم، و الأجير، و العبد، و التابع و المتّهم، كلّ هؤلاء تردّ شهادتهم» «1»، و قريبة منها مرسلة الفقيه «2».

و رواية يحيى بن خالد الصيرفي: في رجل مات و له

أُمّ ولد قد جعل لها سيّدها شيئاً في حياته، ثم مات، فكتب (عليه السّلام): «لها ما أثابها به سيّدها في حياته معروف ذلك لها، تقبل على ذلك شهادة الرجل و المرأة و الخدم غير المتّهمين» «3».

و رواية سلمة، و فيها: «إنّ المسلمين عدول بعضهم على بعض، إلّا مجلوداً في حدّ لم يتب منه، أو معروفاً بشهادة زور، أو ظنيناً» «4».

و المرويّ في معاني الأخبار: «لا تجوز شهادة خائن و لا خائنة، و لا ذي غمز على أخيه، و لا ظنين في ولاء، و لا قرابة، و لا القانع مع أهل البيت» «5».

و الرضويّ: «و اعلم أنّه لا تجوز شهادة شارب الخمر، و لا اللّاعب بالشطرنج و النرد، و لا مقامر، و لا تابع لمتبوع، و لا أجير لصاحبه، و لا مرأة لزوجها» «6».

و موثّقة محمّد: «ردّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) شهادة السائل الذي يسأل في

______________________________

(1) التهذيب 6: 242، 599، الإستبصار 3: 14، 38، الوسائل 27: 378 أبواب الشهادات ب 32 ح 3.

(2) الفقيه 3: 25، 67، الوسائل 27: 379 أبواب الشهادات ب 32 ح 7.

(3) الفقيه 3: 32، 99، الوسائل 27: 364 أبواب الشهادات ب 24 ح 47.

(4) الكافي 7: 412، 1، التهذيب 6: 225، 541، الوسائل 27: 211 أبواب آداب القاضي ب 1 ح 1.

(5) معاني الأخبار: 208، 3، الوسائل 27: 379 أبواب الشهادات ب 32 ح 8.

(6) فقه الرضا «ع»: 260، مستدرك الوسائل 17: 435 أبواب الشهادات ب 27 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 225

كفّه»؛ قال أبو جعفر (عليه السّلام): «لأنّه لا يؤمن على الشهادة، و ذلك لأنّه إن اعطي رضي، و إن مُنعَ سخط» «1».

دلّت بعموم

العلّة على عدم قبول شهادة المتّهم مطلقاً.

ثم معنى الظنين: هو المتّهم، من الظنّة، بمعنى التهمة. قال في الصحاح: الظنين: الرجل المتّهم «2». فيكون عطف المتّهم عليه في بعض ما مرّ من الروايات عطفاً تفسيريّاً.

و لا ينافيه تصريح الإمام بدخول الفاسق و الخائن في الظنين؛ لدخولهما في المتّهم أيضاً.

و قد يقال: إنّ المراد بالظنين المتّهم في دينه، ذكره في الوافي «3».

و على هذا، فإن أُريد بالمتّهم الإطلاق يكون من باب عطف العامّ على الخاصّ.

و إن كان المراد منه المتّهم في هذه الشهادة بخصوصها يكون عطفاً متعارفيّاً.

و يمكن أن يكون المراد بالظنين: المتّهم مطلقاً، و بالمتّهم: المتّهم في هذه الشهادة، فيكون من باب عطف الخاصّ على العام.

و كيف كان، فلا ريب في دلالة هذه الأخبار على ردّ شهادة المتّهم في هذه الشهادة، كما هو المقصود عن المسألة.

و المراد في المسألة بالمتّهم: من تكون معه حالة موهمة لكذبه أي

______________________________

(1) الكافي 7: 396، 13، التهذيب 6: 243، 608، الوسائل 27: 382 أبواب الشهادات ب 35 ح 2.

(2) الصحاح 6: 2160.

(3) الوافي 16: 995.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 226

توجب ظنّ ميله في الشهادة و كذبه فيها سواء كانت هذه الحالة موجبة لظنّ الكذب مطلقاً ككونه معروفاً بالكذب، أو بشهادة الزور، أو بالارتشاء للشهادة، أو بالرضا بالعطاء و السخط بالمنع، كما ذكره في السائل بالكفّ أو لظنّ كذبه لشخص خاصّ، أو على شخص خاصّ؛ لصداقة أو عداوة، أو في واقعة خاصّة؛ لرجوع النفع أو الضرر فيها عليه.

و ليس المراد كون الحالة صالحة لإيجاب ظنّ الميل و لو لم توجبه بالفعل لمعارضة حالة اخرى ، كصديق له المرتبة العليا من التديّن و العدالة، فإنّ الصداقة و إن كانت معرضاً لذلك الظنّ

و لكنّ عدالته و ديانته مانعة عن هذا التوهّم و الظنّ؛ إذ مع ذلك ليس متّهماً لغةً و لا عرفاً. بل المراد كونها موجبة لذلك الظنّ بالفعل.

ثم لا يتوهّم أنّ كون الشخص كذلك ينافي كونه عادلًا؛ لأنّ شهادة الزور و الميل في الشهادة من المعاصي الكبيرة، فلا يجتمع ظنّها في حقّ شخص مع معرفة عدالته، التي هي العلم باجتناب الكبائر، أو الظنّ به لا أقلّ.

إذ لو كان ذلك منافياً له لزم ردّ شهادة عادل جَرَحه فاسق، أو عادل واحد لو حصل الظنّ بقوله، أو عدلان بالمظنّة أي أخبرا بظنّ جرح فيه إذا أوجب ذلك ظنّ الجرح، أو مضت مدّة و حصلت أُمور لم يعلم انتفاء العدالة أم لا؛ مع أنّ كلّ ذلك مخالف للإجماع المقطوع به.

و الحلّ: أنّ ذلك الظنّ و إن كان منافياً لمعرفة العدالة الواقعيّة و لكنّه غير منافٍ لمعرفة العدالة الشرعيّة، التي هي مناط قبول الشهادة؛ لأنّ الشارع أقام استصحاب العدالة مقام العلم بها واقعاً، و أمر بعدم نقض العلم بها بالشكّ و لا بالظنّ، فمثل ذلك الشخص عادل شرعاً.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 227

فإن قيل: لو عرف أولًا أنّه بحيث لو كان في مقام جرّ نفع أو دفع ضرّ أو عداوة أو صداقة أو نحو ذلك لا يميل في الشهادة فكيف اتّهَمَه بذلك حينئذٍ و ظنّ الميل؟! و إن لم يعرفه كذلك، أو عرفه أنّه لو كان كذلك يظنّ به الميل فلم يعرفه بالعدالة أولًا، فكيف يستصحب؟! كما إذا لم يعرفه أولًا بأنّه إذا خلى مع أجنبيّة حسناء لا يزني بها، أو عرفه أنّه لو حصلت له تلك الخلوة يظنّ به الزنا.

قلنا: نقول: إنّه عرفه أنّه لو كان في

مقام النفع أو دفع الضرّ أو نحوهما لا يشهد لو كان مخالفاً للواقع، و اتّفق أنّه شهد و ظنّ به مخالفة الواقع، كما أنّ من عرفناه بالعدالة نعرفه أنّه لا يزني و لا يرتكبه البتّة، فاتّفق إنا رأيناه في خلوة مع أجنبيّة ذات جمال و بهاء، معروفة بعدم العفّة، محلول الإزار، فنحن نظنّ به الزنا، و لا ينافي ذلك علمنا بعدالته أولًا. فكذا هنا، قد نعرفه أولًا أنّه لا يشهد بخلاف الواقع، فاتّفق أنّه شهد و ظننّا به خلاف الواقع، و ذلك لا ينافي معرفة العدالة أولًا، كما لا ينافيها في المثال المذكور.

و لا يقال: إنّه إن عرفته أنّه لو خلا مع المرأة الكذائيّة و حلّا إزارهما يظنّ أنّه يزني فلم تَعرِف عدالته، و إن لم يُظَنّ فكيف ظننته بعد المشاهدة؟! و ظهر من ذلك معارضة تلك الأخبار الواردة لشهادة المتّهم مع أخبار قبول شهادة العادل بالعموم و الخصوص من وجه، و حيث لا مرجّح لأحدهما على الآخر فيجب الرجوع إلى حكم الأُصول، و هو هنا مع عدم القبول مطلقاً.

لا يقال: بعد تعارض الفريقين تبقى عمومات قبول شهادة المسلم،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 228

و من ولد على الفطرة، و الرجل الواحد مع اليمين، و نحوها، بلا معارض، فيكون الأصل مع القبول.

قلنا: تعارض أخبار ردّ شهادة المتّهم مع هذه الأخبار أيضاً، و تعارضهما مع التعارض الأول في مرتبة واحدة، فيرجع إلى الأصل الأولي، كما بيّناه مفصّلًا في العوائد.

إلّا أنّه يمكن منع عدم المرجّح، بل الترجيح لعمومات قبول شهادة العدل؛ لموافقة الكتاب، نحو قوله سبحانه وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ «1».

بل شهادة مطلق المسلم؛ لقوله سبحانه وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ «2».

و قوله عزّ شأنه فَاسْتَشْهِدُوا

عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ «3»، و غير ذلك.

و هي من أعظم المرجّحات المنصوصة.

بل بالأحدثيّة، التي هي أيضاً من المرجّحات المنصوصة المعتنى بها عند القدماء أيضاً، فإنّ من أخبار القبول ما روي عن العسكري (عليه السّلام) «4».

و بالأكثريّة عدداً، التي مرجعها إلى الأشهريّة روايةً، و هي أيضاً من المرجّحات المنصوصة، فإنّ روايات قبول خبر العدل و الخير و الصالح و المرضيّ و المسلم و نحوها ممّا تجاوز حدّ الحصر، و ليست روايات ردّ شهادة المتّهم بالنسبة إليها إلّا أقلّ من نصف عشر، بل أقلّ.

______________________________

(1) الطلاق: 2.

(2) البقرة: 282.

(3) النساء: 15.

(4) انظر تفسير العسكري ( (عليه السّلام)): 656، 374.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 229

و بالأصرحيّة دلالةً، فإنّ صراحة روايات القبول واضحة غاية الوضوح، و ليست روايات الردّ بتلك المثابة، فإنّ منها ما اقتصر فيه على الظنين، و فسّره الصدوق في معاني الأخبار بالمتّهم في دينه «1»، و كذا صاحب الوافي «2»، و هذا المعنى غير مراد في هذه المسألة، و خصّه في رواية معاني الأخبار بالظنين في الولاء و القرابة «3»، و فسّره الصدوق بالمتّهم بالدعاء إلى غير أبيه و المتولّي لغير مواليه «4»، و هو أيضاً غير المطلوب هنا.

و منها ما صرّح فيه بالمتّهم، و فيه إجمال من وجوه:

الأول: من جهة المعنى ، فإنّ المراد منه يمكن أن يكون من أُوهِم في حقّه بشي ء قبيح و إن لم يظنّ، كما هو مقتضى مبدأ الاشتقاق.

و أن يكون من نسب إليه بشي ء قبيح و هو محلّ استعماله في الأكثر عرفاً و إن لم يقطع، بل و لم يظنّ في حقّه.

و أن يكون ما ذكرنا سابقاً من أنّه من كانت له حالة يظنّ لأجلها

قبيح.

و الثاني: من جهة ما اتُّهِمَ به و فيه، فإنّه يمكن أن يكون الدين و الفسق و المعاصي الخاصّة و الكذب و الشهادة و خصوص هذه الشهادة.

و قيل: المراد هنا من اتُّهم لجرّ نفع لنفسه أو دفع ضرر منه.

و الثالث: من جهة من اتُّهم عنده، فإنّ شخصاً قد يكون متّهماً عند شخص دون غيره، و يصدق عليه المتّهم، و ليس المراد هنا إلّا المتّهم عند الحاكم بشهادة الزور، أي المظنون كونه مائلًا عن الحقّ في الشهادة.

______________________________

(1) معاني الأخبار: 209.

(2) راجع ص 223.

(3) الوافي 16: 995.

(4) معاني الأخبار: 209.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 230

و الحمل على ذلك المعنى لا دليل عليه، بل قد يوجب إخراج الأكثر.

و كذا الحمل على جميع معانيه بجميع احتمالاته يوجب خروج الأكثر.

و مع ذلك جُعِلَ في الموثّقة «1» معطوفاً على المريب الذي هو ظاهر فيما يريدونه هنا و ظاهر العطف التغاير.

هذا، مضافاً إلى ما يوهن دلالتها و يوجب إجمالها من جهة عمل الأصحاب أيضاً؛ حيث إنّهم ذكروا أشياء كثيرة في موجبات التهمة، و لم يردّوا بها الشهادة، كشهادة الرجل لزوجته و المرأة لزوجها، و الوالد لولده و الولد لوالده، و شهادة الأخ و الصديق و الأجير و الضيف و الوارث، و شهادة رجلين شهدا هما أيضاً لهما، مع تصريحهم بأنّ هذه الأُمور موارد للتهمة.

و اختلفوا في أشياء كثيرة أيضاً كشهادة الوصيّ و الوكيل و رفقاء القافلة و غرماء المديون و نحوهما حتى قال المحقّق الأردبيلي: و الظاهر أنّه ليس كلّ متّهم مردوداً، بل أفراد من المتّهم، و ليس لهم في ردّ شهادة المتّهم ضابطة.

و عدّ مواضع كثيرة تقبل فيها الشهادة، فقال: و لا شكّ أنّ التهمة هنا أيضاً موجودة، فقال:

و بالجملة: العدالة مانعة من ردّ الشهادة و سبب لقبولها، و مجرّد التهمة و أيّة تهمة كانت ليست سبباً للردّ؛ فإنّ العدالة تمنع الخيانة و إن كان له فيها نفع «2». انتهى .

و قال بعض مشايخنا المعاصرين في بيان وجه الاستشكال في غير محلّ الإجماع: ينشأ من الاتّفاق على كلّ من ردّها بها يعني ردّ الشهادة

______________________________

(1) أي موثقة سماعة المتقدّمة في ص 221 و 222.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 12: 382، 383.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 231

بالتهمة و قبولها معها مع عدم وضوح الفرق بين المقامين مع اشتراكهما في أصل التهمة، و لم يذكروا لها ضابطة يرجع إليها في تمييز المانع منها عن قبول الشهادة و المجامع منها معه «1». انتهى .

و قال شيخنا الشهيد الثاني في الروضة: و لا يقدح مطلق التهمة «2».

و نحوه قال الشهيد في الدروس بزيادة دعوى الإجماع عليه، قال: و ليس كلّ تهمة تُدفَع بها الشهادة بالإجماع «3». انتهى .

و يظهر من جميع ذلك أنّه لا يثبت إجماع بل و لا شهرة على جعلهم التهمة من حيث هي هي مانعة من قبول الشهادة، و أنّ بناءهم في الردّ و القبول على أمر آخر وراءها.

و يؤكّد ذلك ما نرى من أنّ في كثير من المواقع التي يقولون بالردّ للتهمة في جميع أفرادها لا تتحقّق التهمة في الجميع، فإنّ من مواقعها جارّ النفع و الشريك.

فإنّا لو رأينا عادلًا متديّناً دخلنا معه في حسابها أنّه يقرّ بالمئات و الأُلوف لمحاسبها مع ذهول المحاسب عنها و شاهدناه مراراً كثيرة أنّه يشهد على نفسه بالألف، فشهد لشريك له بدينار أو مَنّ من الحنطة فيما له أيضاً فيه الشركة، لا يتّهم عندنا بجرّ النفع أصلًا، مع أنّهم

لا يقبلون شهادته، و يذكرونه في أفراد الجارّ للنفع و الشريك المردود شهادتهما؛ للتهمة.

و كذا الوصيّ العادل الذي شاهدناه مراراً عديدة أنّه ردّ الوصيّة إذا اطّلع

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 433.

(2) الروضة 3: 132.

(3) الدروس 2: 127.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 232

عليها في حياة الموصي و لم يتعرّض لها مهما جاز له، و ابتلي في موضع بوصية استئجار صلاة و صيام لميّت مع إذنه في التوكيل، فقال الورثة: أنّه عشرون سنة مثلًا، و أعطوا ما بإزائها، فوكّل الوصيّ غيره في استئجارها و أعطى اجرة له من مالها، ثم شهد الوصيّ بأنّ الموصى به اثنا و عشرون سنة مثلًا، كيف يكون محلّاً للتهمة؟! و كذا فيما لو شهد شريك ببيع شريكه الآخر الشِّقص «1»، فيقال بردّه مطلقاً؛ لأنّه لأجل استحقاقه الشفعة محلُّ للتهمة، مع أنّه يمكن أن نعلم أنّه كان يباع هذا الشقص لهذا الشريك أمس بأقلّ من ذلك الثمن و لم يرغب فيه، و نعلم أنّه ليس له ثمنه بحيث لا يحتمل في حقّه إرادة الأخذ بالشفعة.

و عدّوا من مواضع التهمة: التبرّع بالأداء، و الحرص على الشهادة.

مع أنّا شاهدنا غير مرّة أنّ الأول كان لشغل له يستعجل فيه، أو جهل بالتوقّف على السؤال، أو تعجّب في إنكار الخصم.

و كذا الثاني كان لمحض التديّن، و إرادة دفع الظلم، و نحو ذلك.

و يظهر من ذلك أيضاً أنّ التهمة ليست أمراً مضبوطاً من حيث المورد، فإنّها تختلف باختلاف مراتب عدالة الشاهد و شرفه، و ملاحظة أحواله، و قدر النفع، و بالأُمور الخارجيّة، و باطّلاع الحاكم عن حال الشاهد و عدمه، فربّ مورد يُوهِم الناس و لا يتوهّمه الحاكم لمعرفته ببواطن الشاهد و أحواله، و يستبعد جعل الشارع

مثل ذلك مناطاً للحكم.

و أيضاً من أسباب التهمة: إخبار عادل أو فاسقين بكذب الشاهد في الواقعة، أو بأخذه الجُعل للشهادة، فإنّه يتّهم حينئذٍ غالباً و لا تردّ شهادته لذلك.

______________________________

(1) الشِّقْص: النصيب، و في العين المشتركة من كلّ شي ء، و الجمع أشقاص مجمع البحرين 4: 173.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 233

و يظهر من جميع ذلك أنّ مبنى عمل الأصحاب في ردّ الشهادة بالتهمة و عدمها غير معلوم و لا مضبوط، و الظاهر أنّهم يردّونها غالباً في مواضع يكون فيها دليل آخر أيضاً، بل شذّ ما لم يوجد فيه دليل آخر و ردّوا بها الشهادة، و هذا يوهن أخبار الردّ بها و دلالتها.

و يظهر من الجميع مرجوحيّة أخبار الردّ عن أخبار قبول خبر العدل بمراتب كثيرة، بل لنا أن نقول: إنّه يمكن أن يكون المراد بالمتّهم في تلك الأخبار: مجهول الحال، حيث إنّ الغالب أنّ مع ثبوت العدالة لا تحصل التهمة.

و يمكن أن يكون المراد و لعلّه الظاهر أن المتّهم أولًا بفعل المعاصي أو بمعصية مخصوصة أو بالكذب أو بشهادة الزور غير مقبول الشهادة؛ لأنّه ليس بعادل معروف؛ لأنّه لا يعرف مع ذلك الوصف أولًا بالعدالة، فيكون المراد بيان عدم عدالة المتّهم أولًا، لا أن يكون يُعرف أولًا بالعدالة ثم يتّهم حتى تستصحب عدالته.

و الحاصل: أنّ المراد بيان أنّ من كان متّهماً ابتداءً ليس مقبول الشهادة أي ليس عادلًا كما أنّ المظنون فسقه أو المشكوك أولًا ليس بعادل و إن حكم بعدالته لو حصل الشكّ بعدُ بالمعرفة.

فإن قيل: في صحيحة العجلي: «إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) بينما هو بخيبر إذ فقدت الأنصار رجلًا منهم، فوجدوه قتيلًا، فقالت الأنصار: إنّ فلان اليهودي قتل

صاحبنا، فقال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) للطالبين: أقيموا رجلين عدلين من غيركم أقده برمّته» الحديث «1».

______________________________

(1) الكافي 7: 361، 4، التهذيب 10: 166، 661، علل الشرائع: 541، 1، الوسائل 29: 152 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 9 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 234

و في صحيحة زرارة: «إنّ رجلًا من الأنصار وُجِدَ قتيلًا في قَلِيب «1» من قُلُب اليهود، فأتوا رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله)، فقالوا: يا رسول اللَّه، إنّا وجدنا رجلًا منّا قتيلًا في قَلِيب من قُلُب اليهود، فقال: ائتوني بشاهدين من غيركم» الحديث «2».

فإنّ المراد بالشاهدين في الثانية أيضاً العدلان، فدلّتا على عدم قبول العدلين منهم. و ظاهر أنّ جميعهم لم يكونوا أولياء الدم، و مع ذلك طلب العدلين من الغير، و ما هو إلّا لأجل التهمة، فلم تقبل شهادة العدلين في مواضع التهمة. و الصحيحان لاختصاصهما بالعدلين يكونان أخصّين مطلقاً من جميع عمومات القبول و إطلاقاتها، فيجب تخصيصها بهما كما هي القاعدة.

قلنا أولًا: إنّهما لم يدلّا على عدم قبول العدلين منهم، و طلب العدلين من غيرهم لا يستلزم ردّ عدليهم.

و ثانياً: أنّه لو كان الردّ هنا للتهمة لكانت لأجل الصداقة أو العداوة الدينيّة أو القرابة أو اتّحاد القبيلة، و ليس شي ء منها تُرَدّ به الشهادة إجماعاً و نصّاً، كما يأتي.

و ثالثاً: أنّه يمكن أن يكون ذلك لأجل كون كلّهم أولياء الدم أو كلّهم مدّعين، كما يصرّح به قوله: «فقال رسول اللَّه للطالبين» غاية الأمر يكون ادّعاء بعضهم ولايةً، و بعض آخر وكالةً أو تبرّعاً.

______________________________

(1) القَلِيب: بئر تحفر فينقلب ترابها قبل أن تُطوى ؛ أو: البئر العاديّة القديمة مطويّة كانت أو غير مطويّة مجمع

البحرين 2: 149.

(2) الكافي 7: 361، 5، التهذيب 10: 166، 662، الوسائل 29: 155 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 10 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 235

و تلخّص ممّا ذكرنا: أنّه لا دليل تامّاً على اشتراط ذلك الشرط، و الإجماعات المنقولة غير ثابتة، و إرادته في الجملة منها ممكنة، بل كما عرفت متعيّنة، و لو سلّم الإطلاق فهو غير حجّة، فالصواب رفع اليد عنه، و الرجوع في الموارد التي ذكروها إلى دليل آخر، فإن وُجِدَ سبب موجب للردّ غير التهمة من إجماع أو دليل غيره فيجعل عنوان الشرط هو ذلك المورد بخصوصه، و تردّ به، و ما ليس له سبب آخر و المورد هو سبب التهمة خاصّة قبلت الشهادة، و نُفي الاشتراط.

و صرّح بذلك المحقّق الأردبيلي، قال في مسألة اختفاء الشاهد للتحمّل: ليس مطلق التهمة رادّاً، و إنّما يردّ بالتهمة إذا ثبت كونها رادّة بالنصّ أو الإجماع «1».

إلّا أنّ المتأخّرين لمّا ذكروا جميع تلك الموارد في مطاوي ذلك العنوان فنحن أيضاً نذكرها فيه، و نتكلّم فيها في مسائل:

المسألة الاولى : لا تُقبَل شهادة يُجَرّ بها نفع إلى الشاهد

بالإجماع «2»؛ للأصل الخالي عن المعارض بالمرّة؛ لاختصاص إطلاقات قبول الشاهد و عموماته- بحكم الإجماع القطعي و التبادر و الظهور، بل النصّيّة في كثير من الأخبار بالشاهد للغير، حتى في صحيحة ابن أبي يعفور، حيث قال: حتى تقبل شهادته لهم و عليهم «3»، فتبقى الشهادة للنفس تحت الأصل.

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 12: 402.

(2) في نسخة «ق» زيادة: في الجملة.

(3) الفقيه 3: 24، 65، الإستبصار 3: 12، 33، الوسائل 27: 391 أبواب الشهادات ب 41 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 236

و يدلّ عليه أيضاً نحو قوله في الروايات الكثيرة:

عن الرجل يدّعي قِبَلَ الرجل الحقّ فلا تكون له بيّنة بماله، قال: «فيمين المدّعى عليه، فإن حلف فلا حقّ له» «1».

و لو كانت شهادته لحقّه مقبولة لما توجّه الحلف إلى المدّعى عليه و لم يسقط حقّه بحلفه، بل يحلف نفسه.

و أصرح من الجميع مرسلة يونس المصرّحة بأنّ: «استخراج الحقوق بأربعة وجوه» إلى أن قال: «فإن لم تكن امرأتان فرجل و يمين المدّعى، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه» «2» حيث نفى كون نفسه شاهداً.

و على هذا، فتدلّ على عدم قبولها في كلّ موضع من موارد الشركة حصلت فيه التهمة أو الريبة أيضاً الروايات المتقدّمة؛ لفراغها عن معارضة عمومات قبول الشهادة.

بل تدلّ عليه أيضاً الروايات المتقدّمة، المصرّحة بعدم قبول رواية الخصم؛ لأنّه حينئذٍ يكون خصماً إذا كان طالباً لنفعه.

بل تدلّ عليه أيضاً في خصوص العادل مرسلة أبان: عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه، قال: «تجوز شهادته إلّا في شي ء له فيه نصيب» «3».

فإنّ قوله: «تجوز شهادته» يخصّصه بالعادل، فهي تعارض جميع عمومات القبول لو سلّم بالعموم و الخصوص المطلقين، فتخصّصها «4»؛

______________________________

(1) الوسائل 27: 241 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 7.

(2) الكافي 7: 416، 3، التهذيب 6: 231، 562، الوسائل 27: 241 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 7 ح 4.

(3) الفقيه 3: 27، 78، التهذيب 6: 246، 623، الإستبصار 3: 15، 40، الوسائل 27: 370 أبواب الشهادات ب 27 ح 3.

(4) في «ح»: فيخصّصهما.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 237

و هو يمنع عن كون قبول الشهادة المشتركة بين النفس و الغير مطلقاً أيضاً، بمعنى أنّ أصل شهادته و لو في حصّة الغير أيضاً مردودة.

و آخرها يدلّ على ردّ كلّ شهادة فيما

للشاهد فيه نصيب.

و لا يضرّ اختصاص السؤال بالشريك؛ إذ بعد ردّ شهادة شريك شخص في كلّ ماله فيه نصيب تردّ شهادة غير الشريك أيضاً بالإجماع المركّب، بل يمكن دعوى ظهور العمومات أيضاً فيما كان مخصوصاً بالغير، فلا يشمل الشهادة المشتركة.

و الرضوي: «و لا تجوز شهادة الرجل لشريكه إلّا فيما لا يعود نفعه إليه» «1».

و أمّا موثّقة البصري: عن ثلاثة شركاء ادّعى واحد و شهد الاثنان، قال: «تجوز» «2».

فمعارضةٌ مع موثّقته الأُخرى : عن ثلاثة شركاء شهد اثنان على واحد، قال: «لا تجوز شهادتهما» «3».

مع أنّه يجب الجمع بينهما، بحمل الاولى على ما لم يكن له فيه نصيب، بشهادة المرسلة المذكورة.

و قد ظهر ممّا ذكر أنّ المانع عن القبول هو كونها شهادة لنفسه أيضاً، و وجود نصيب له فيه، و يحصل حقّ له، دون مجرّد الاتّهام، فلا تقبل و لو لم تكن ريبة و لا تهمة و لا خصومة للشاهد في حقّه أيضاً.

______________________________

(1) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 261، مستدرك الوسائل 17: 430 أبواب الشهادات ب 22 ح 5 ذ ح.

(2) التهذيب 6: 246، 622، الإستبصار 3: 15، 39، الوسائل 27: 370 أبواب الشهادات ب 27 ح 4.

(3) الكافي 7: 394، 1، الوسائل 27: 369 أبواب الشهادات ب 27 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 238

ثم الشهادة الجارّة للنفع المردودة أعمّ من أن يكون النفع ثبوت عين له، أو منفعة، أو حقّ، أو سلطنة بولاية، أو وكالة، أو نحو ذلك؛ لصدق الشهادة للنفس في الجميع، و صدق المدّعى و الخصم لو كان في مقام مطالبة حقّه، و صدق أنّه شي ء له فيه نصيب، و أنّه يعود إليه نفعه مطلقاً و لو لم يدّعه و لم

يطلبه.

و كذا يعمّ ما كان دلالة الشهادة على نصيبه بالمطابقة، بأن يشهد على حقّه فقط.

أو بالتضمّن، بأن يشهد على ما هو شريك فيه: أنّه مغصوب في يد فلان.

أو بالالتزام، بأن يشهد على شي ء لشخص آخر يستلزم ذلك ثبوت حقّ له أيضاً، كأن يشهد الوصيّ على دين للموصي، أو أحد الشريكين على بيع أحدهما شقصه المستلزم لثبوت حقّ الشفعة له؛ لصدق العنوان في الكلّ، أو يشهد أحد الشريكين للآخر بثبوت ما يدّعيه من المال المشترك، فإنّه و إن كان يشهد للغير و لكنّه يستلزم ثبوت حق له أيضاً.

لا يقال: إنّه ثبت حينئذٍ ما شهد به لغيره دون ما يتعلّق بنفسه.

قلنا: يلزم وجود الملزوم بدون اللّازم من غير دليل رافع للملازمة.

و الحاصل: أنّه لو قبلت شهادته فإمّا تقبل في اللّازم و الملزوم معاً، أو في الملزوم أي حقّ الغير خاصّة، أو لا تقبل في شي ء منهما. و الأول باطل؛ لما مرّ، و الثاني كذلك؛ لعدم تخلّف اللّازم عن الملزوم، فتعيّن الثالث.

فإن قيل: لِمَ لا يحكم بانتفاء الملازمة هنا؛ لعمومات قبول الشهادة للغير، كما قبلت في حكم الحاكم لشريكه؟

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 239

قلنا: لأنّ دليل نفوذ حكم الحاكم على الغير كان يوجب ثبوت الحقّ للشريك، و الإجماع كان [على «1»] انتفاء ثبوت حقّه، و بالأول ثبت الحقّ للشريك، و بالثاني تخصّص عمومات الملازمة.

و لا دليل هنا على قبول الشهادة للشريك؛ إذ عرفت ظهور العمومات في الشهادة المخصوصة بالغير، بل تصريح المرسلة و الرضويّ بعدم قبول شهادة العادل فيما له نصيب فيه أو له نفع.

فإن قلت: لِمَ (ما) «2» قلتَ: إنّ عمومات الحكم ظاهرة في الحكم للغير أيضاً خاصّة؟

قلنا: هي كذلك، و الحكم في المورد أيضاً

مخصوص بالغير؛ إذ لا يتحقّق حكم إلّا مع سبق الدعوى ، و المفروض اختصاص الغير بالدعوى و الحكم به. بخلاف الشهادة، فإنّها لا تتوقّف على سبق الدعوى ، بل هي مشتركة إذا كان المشهود به مشتركاً؛ مع أنّ النصّ على عدم قبول شهادة العادل فيما له نصيب موجود، و ليس كذلك الحكم.

ثم إنّه تتفرّع على تلك المسألة فروع:

منها: ردّ شهادة الشريك لشريكه فيما هو شريك فيه إذا لم يكن مقسوماً؛ و تدلّ عليه مضافاً إلى ما ذكرنا المرسلة و الموثّقة المتقدّمتان «3»، و كذا موثّقة سماعة المتقدّمة «4»، الخالية جميعاً عن معارضة عمومات قبول الشهادة و الإطلاقات بالتقريب المتقدّم.

______________________________

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة السياق.

(2) ليست في «ح».

(3) في ص 234 و 235.

(4) في ص 221.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 240

و منها: ردّ شهادة صاحب الدين للمعسر المحجور عليه بفلس؛ إذ لو قلنا بانتقال المال إلى الغرماء فهو يكون شريكاً، و إلّا فيكون له حقّ التسلّط على استيفاء نصيبه منه.

و قال المحقّق الأردبيلي فيه و في سابقه: لعلّه لا خلاف فيهما «1».

و منها: شهادة الشريك لبيع الشقص الذي فيه الشفعة؛ إذ فيه نصيب حقّ الشفعة للشاهد و يعود نفعها إليه، و يستلزم ثبوت البيع لثبوت الحقّ له، و هو شهادة للنفس و الغير؛ إذ صدق الشهادة لا يتوقّف على قصد ذلك بخصوصه، بل يكفي في صدقها قصد ما يتضمّنه أو يستلزمه.

و منها: شهادة المولى لمملوكه المأذون؛ لأنّ ماله للمولى .

و منها: شهادة الغريم للميّت المستوعب دينه تركته؛ لانتقالها إلى الغرماء، و أمّا في غير المستوعب فلا تردّ؛ لعدم نصيب و لا تسلّط له فيه.

و منها: شهادة الوصيّ في محلّ تصرّفه و ولايته، و الوكيل لموكِّله فيما

هو وكيل فيه؛ لاستلزامها ثبوت حقّ التسلّط بالوصاية و الوكالة له، و ادّعى في الكفاية شهرة الردّ فيهما «2»، بل قيل في الأول: كادت أن تكون إجماعاً «3».

و يدلّ عليه صدر مكاتبة الصفّار الصحيحة: هل تقبل شهادة الوصيّ للميّت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع (عليه السّلام): «إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعى يمين» «4».

فإنّه لو كانت شهادة الوصيّ مقبولة ما احتاج إلى يمين؛ و الحكم في

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 12: 384.

(2) كفاية الأحكام: 281.

(3) انظر الرياض 2: 433.

(4) الكافي 7: 394، 3، الفقيه 3: 43، 147، التهذيب 6: 247، 626، الوسائل 27: 371 أبواب الشهادات ب 28 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 241

صورة الردّ أيضاً كذلك.

و جعلها المحقّق الأردبيلي مؤيّدة للقبول «1». و لا وجه له.

و أمّا ما فيها بعد ما ذكر-: أ يجوز للوصيّ أن يشهد لوارث الميّت صغير أو كبير بحقّ له على الميّت أو غيره، و هو القابض للوارث الصغير، و ليس للكبير بقابض؟ فوقّع (عليه السّلام): «نعم، ينبغي للوصي أن يشهد بالحقّ و لا يكتم الشهادة» «2».

فلا يدلّ إلّا على جواز شهادته و لا شكّ فيه لا على قبولها، و لذا قال: «ينبغي أن يشهد و لا يكتم».

فإن قلت: لِمَ قلت بالقبول في الحكومة و لا تقول به في الشهادة؟

قلنا: لأنّ دليل نفوذ الحكم على الغير مطلقاً يثبت حقّ المولّى عليه، و الملازمة تثبت تسلّط الولي، حيث لا إجماع على عدم سريان الحكم إليه و عدم حصول التسلّط له.

و أمّا في الشهادة و إن لم يثبت إجماع على عدم السراية و لكن لا دليل على قبول الشهادة المتضمّنة لحقّ لشاهد أيضاً، بل

قد عرفت الدليل على عدمه، فلا يثبت الملزوم حتى تنفع الملازمة.

و حكي عن الإسكافي القبول فيهما «3» و يظهر من التحرير قول الشيخ به أيضاً «4».

و تنظّر فيهما في اللمعة و الدروس «5» و إن كان ظاهره بعد النظر-

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 12: 385.

(2) بتفاوت بين المصادر المذكورة أعلاه.

(3) حكاه عنه في الكفاية: 281، و الرياض 2: 433.

(4) التحرير 2: 211.

(5) اللمعة (الروضة البهية 3): 131، الدروس 2: 128.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 242

الفتوى بالردّ.

و مال إلى القبول فيهما المحقّق الأردبيلي؛ استناداً إلى عمومات قبول شهادة العدل و منع التهمة، و أيّده بالمكاتبة المتقدّمة «1».

و ظهر حال الجميع ممّا ذكرنا.

و منها: شهادة الوارث لجرح مورّثه عند الجرح و إمكان السراية، فإنّ الدية تجب له عند الموت، ذكره في التحرير و القواعد و شرح الإرشاد و الدروس و المسالك و الكفاية «2»؛ و دليلهم في ردّها هو وجود التهمة، و قد عرفت حالها، و لا نصيب للشاهد حين الشهادة، فلا تشمله سائر أدلّة المنع.

و العجب أنّ أكثرهم صرّحوا بقبول شهادة شخص لثبوت مال لمورّثه لو كان ميّتاً، و كان وقت الشهادة مجروحاً أو مريضاً قبل شهادته، بل زاد في شرح الإرشاد للأردبيلي: و إن كان تيقّن بموته بعد شهادته «3».

و استندوا في القبول إلى أنّه إثبات مال لمورّثه لا لنفسه، و جرّ النفع إليه غير معلوم؛ لاحتمال أن يموت قبله.

و لا يخفى أنّه إن كان المناط التهمة فإن وجدت فيوجد فيهما، و إن كان غيرها فلا يوجد فيهما، و احتمال تقدّم موت الوارث فيهما متحقّق.

و ما ذكره في شرح الإرشاد في وجه الفرق بأنّ الموجب لانتقال المال إلى الوارث في الأول الجراحة، و

هي تثبت بالشهادة فلا تقبل، و في

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 12: 385.

(2) التحرير 2: 209، القواعد 2: 237، مجمع الفائدة 12: 386، الدروس 2: 128، المسالك 2: 405، كفاية الأحكام: 281.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 12: 387.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 243

الثاني الموت، و هو غير ثابت بالشهادة فتقبل «1».

فهو غريب؛ لأنّ سبب الانتقال في الأول أيضاً هو الموت دون الجرح، و إن كان هو سبباً للموت، فالأقوى فيهما القبول.

ثم بما ذكرنا تظهر جليّة الحال في سائر الفروع التي ترد عليك.

المسألة الثانية: لا تقبل شهادة يُدفَع بها ضرر عن الشاهد

كشهادة العاقلة بجرح شهود قتل الخطأ، و شهادة الوصيّ و الوكيل بجرح شهود ردّ المال الذي للوكيل و الوصيّ أخذه بلا خلاف فيه، و إن وقع الخلاف في الأخيرين أنّه هل هو دفع ضرر أم لا؟ و الظاهر أنّ فيهما أيضاً دفع ضرر، فتُرَدّ شهادة الجميع، لأنّها أيضاً شهادة للنفس عرفاً، و يجرّ بها نفعاً لنفسه، فلا تشملها عمومات القبول، فتبقى تحت الأصل.

و تدلّ على ردّها مرسلة أبان «2»؛ من حيث إنّ فيه نصيباً للشاهد أيضاً، و موثّقة سماعة «3»؛ من حيث إنّ في الشهادة دفع مغرم عن نفسه. و لا تعارضهما العمومات؛ لعدم شمولها و لا أقلّ من عدم العلم بشمولها لها.

المسألة الثالثة: قالوا: لا تقبل شهادة ذي العداوة الدنيويّة على عدوّه،

و تقبل له و لغيره و عليه إذا كانت لا تتضمّن فسقاً، بلا خلاف فيهما كما قيل «4»، بل عليهما الإجماع في شرح الإرشاد للمحقّق الأردبيلي «5»، و ظاهر الكفاية الإجماع في الأول «6»، و المسالك في الثاني «7».

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 12: 388.

(2) المتقدّمة في ص 234.

(3) المتقدّمة في ص 221.

(4) انظر الرياض 2: 433.

(5) مجمع الفائدة و البرهان 12: 389، 390.

(6) كفاية الأحكام: 282.

(7) المسالك 2: 405.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 244

دليل الثاني واضح.

و أمّا الأول: فيستدلّ له بأنّها من أسباب التهمة.

و بالروايات المتقدّمة الرادّة لشهادة الخصم الصادق على العدو حقيقةً، بل هو معناه المطابقي.

و برواية معاني الأخبار المتقدّمة، حيث قال: «و لا ذي غمز على أخيه» «1»، قال الصدوق: الغمز: الشحناء و العداوة «2». و رواية السكوني: «لا تقبل شهادة ذي شحناء، أو ذي مخزية في الدين» «3» و الشحناء: العداوة.

و يرد على الأول ما مرّ، مضافاً إلى منع كونها من أسباب التهمة مطلقاً، فإنّ العداوة

إذا كانت ناشئة عن سبب مقتضٍ لها كفِرْيَة عظيمة، أو قتل ولد أو والد و نحوه، و كان العدو في غاية العدالة، بل قد يعفو عن قوده، و يحوّل أمره إلى اللَّه، و لا يرتضي بغيبته و إن فرح قلباً بمساءته فلا نسلّم حصول التهمة، سيّما إذا كانت الدعوى عليه شيئاً قليلًا في غاية القلّة.

و على الثاني أيضاً: ما سبق في روايات التهمة، و مرجوحيّتها عن معارضاتها، فإنّ الخصم أيضاً كالمتّهم أعمّ من وجه من العدل و نحوه.

مضافاً إلى عدم معلوميّة صدق الخصم على من لم يظهر العداوة و لم يرد المكافأة و المخاصمة.

و على الثالث أيضاً: المعارضة المذكورة مع المرجوحيّة.

______________________________

(1) معاني الأخبار: 208، 3، الوسائل 27: 379 أبواب الشهادات ب 32 ح 8.

(2) معاني الأخبار: 209.

(3) الفقيه 3: 27، 73، الوسائل 27: 378 أبواب الشهادات ب 32 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 245

فإن ثبت إجماع على الردّ فهو و إلّا فالقبول أظهر، إلّا أن تخرجه العداوة عن العدالة بإفضائها إلى ارتكاب كبيرة من قذف و نحوه أو إلى إصرار على صغيرة، من غيبة أو إهانة أو نحوهما.

و قد يقال: بأنّ مع العداوة الدنيويّة يشكل فرض حصول العدالة؛ لأنّ عداوة المؤمن و بغضه لا لأمر ديني معصية، مع أنّهم ذكروا في تفسير العداوة: أن يسرّ بمساءته و يغتمّ بمسرّته «1». و زاد بعضهم: أن يتمنّى زوال نعمته «2». و الكلّ معاصي عظيمة، و الإصرار عليها كبيرة لو لم نقل بكون كلّ منها بنفسه من الكبائر.

و على هذا، فكيف تجتمع تلك العداوة مع قبول الشهادة حتى يحتاج إلى اشتراط انتفائها فيه؟! و التحقيق: أنّ العداوة القلبيّة ليست أمراً اختياريّاً تترتّب عليها معصية، و

كذا السرور بالمساءة و المساءة بالسرور، فإنّ من قتل ولد شخص، أو هتك عرضه بفرية عظيمة، أو زنى بامرأته، أو لاط بولده، يسرّ بمساءته و يغتمّ بسروره و لو لا من جهة كون تلك الأُمور معصية، و ليس ذلك السرور و المساءة أمراً يكون تحت اختياره حتى يكلّف بعدمه، بل ربّما لا يرضى بتلك المسرّة و المساءة لنفسه و يجاهد في دفعهما، و لكنّه يحتاج إلى زمان طويل و مجاهدة عظيمة.

و ما ورد في ذمّ العداوة و البغض فالمراد: أنّهما صفتان ذميمتان- كالجبن و حبّ الدنيا تجب المجاهدة في دفعهما. و جعلهما من المعاصي إنّما هو إذا أظهر آثارهما و فعل ما يوجب ضرر العدو لا مطلقاً،

______________________________

(1) المسالك 2: 405.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 12: 389.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 246

و حينئذٍ فلا شكّ في الخروج عن العدالة إن أظهرها بكبيرة أو فعل صغيرة، فلا يلزم إشكال أصلًا، و لا يحتاج إلى الوجوه التي ذكروها لدفع الإشكال، من الحمل على عداوة غير المؤمن، أو العداوة بغير موجب، و عدم حرمة ما كانت لموجب، أو عدّها من الصغائر، مع تفسير الإصرار بالإكثار دون الاستمرار، و فرض الشهادة في بدو الأمر من غير حصول استمرار، أو نحو ذلك.

المسألة الرابعة: النسب و القرابة لا يمنعان من قبول الشهادة-
اشاره

إلّا ما يجي ء استثناؤه بإجماع الطائفة المحقّق، و المحكي عن الانتصار و الغنية «1» و غيرهما «2»، فتقبل من الوالد لولده و عليه، و من الولد لوالده، و الأخ لأخيه و عليه؛ للعمومات، و خصوص المستفيضة، كالصحاح الثلاث للحلبي «3» و ابن أبي عمير «4» و عمّار بن مروان «5»، و الموثّقين لسماعة «6»، و رواية السكوني «7».

و لا يشترط في قبول شهادة القريب ضمّ شاهد آخر

عدل أجنبيّ

______________________________

(1) الانتصار: 245، الغنية (الجوامع الفقهية): 624.

(2) كفاية الأحكام: 281.

(3) الكافي 7: 393، 3، الوسائل 27: 367 أبواب الشهادات ب 26 ح 1.

(4) الكافي 7: 393، 2، الوسائل 27: 368 أبواب الشهادات ب 26 ح 3.

(5) الكافي 7: 393، 4، التهذيب 6: 248، 631، الوسائل 27: 367 أبواب الشهادات ب 26 ح 2.

(6) الأُولى : التهذيب 6: 247، 629، الوسائل 27: 368 أبواب الشهادات ب 26 ح 4.

الثانية: التهذيب 6: 247، 629، الوسائل 27: 367 أبواب الشهادات ب 25 ح 3.

(7) التهذيب 6: 286، 790، الوسائل 27: 368 أبواب الشهادات ب 26 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 247

لكمال العدد، فيكفي ضمّ قريب آخر مماثله أو غير مماثله للكمال، و يكتفى به لضمّ اليمين؛ للعمومات.

خلافاً للمحكّي عن نهاية الشيخ «1»؛ للرواية الأخيرة: «إنّ شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا كان مرضيّاً و معه شاهد آخر».

و هي مع ضعفها بالشذوذ، و أخصّيتها عن المدّعى غير دالّة على المطلوب؛ إذ ليس فيها تصريح بالأجنبي، فيمكن أن يكون المطلوب إكمال العدد، بل يمكن ذلك التوجيه في كلام المخالف أيضاً.

و استثني من الأنسباء: الولد إذا شهد على أبيه، فلا يقبل على الأصحّ، وفاقاً لأكثر القدماء و المتأخّرين، كالصدوقين و الشيخين و القاضي و الديلمي و ابن حمزة و الحلّي و المحقّق و الفاضل في أكثر كتبه و ولده في الإيضاح و الشهيد في النكت «2» و غيرهم «3»، و عليه دعوى الشهرة في المختلف و التحرير و الدروس و المسالك و الكفاية «4» و غيرها «5»، بل دعوى الإجماع عن الخلاف و الموصليّات للسيّد و السرائر و الغنية «6»، و لكن خصّ في

______________________________

(1) النهاية: 330.

(2) الصدوقان في المقنع:

133، المفيد في المقنعة: 726، الطوسي في النهاية: 330، الديلمي في المراسم: 232، ابن حمزة في الوسيلة: 231، الحلي في السرائر 2: 134، المحقّق في الشرائع 4: 130، الفاضل في التحرير 2: 209، و القواعد 2: 237 و التبصرة: 190، و المختلف: 720، و ولده في الإيضاح 4: 427.

(3) انظر الرياض 2: 434.

(4) المختلف: 720، التحرير 2: 209، الدروس 2: 132، المسالك 2: 405، الكفاية: 282.

(5) انظر الرياض 2: 434.

(6) الخلاف 2: 623، السرائر 2: 134، الغنية (الجوامع الفقهية): 624.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 248

الأخير الإجماع بصورة حياة الأب.

لمرسلة الفقيه المنجبر إرسالها بما مرّ: «لا تقبل شهادة الولد على والده» «1».

و في الانتصار: و ممّا انفردت به الإماميّة القول بجواز شهادة ذوي الأرحام و القرابات بعضهم لبعض إذا كانوا عدولًا من غير استثناء لأحد، إلّا ما يذهب إليه بعض أصحابنا معتمداً على خبر يروونه من أنّه: «لا تجوز شهادة الولد على الوالد و إن جازت شهادته له» «2». انتهى .

و هذا أيضاً خبر آخر مرسل، معاضد للأول، منجبر بما هو به انجبر.

و لا يرد عليهما بما أوردناه على أخبار المتّهم من المعارضة لما ذكرنا بالعموم من وجه.

لأنّ تخصيص عدم القبول فيهما بما إذا كان على الوالد مشعر بإرادة العدل؛ لأنّ غيره لا تقبل شهادته لا له و لا عليه و لا لغيره و عليه، بل في الرواية الأخيرة تصريح بالاختصاص، حيث قال: «و إن جازت شهادته له» فإنّه لا تجوز له إلّا في صورة كونه عادلًا.

و قد يستدلّ أيضاً بقوله سبحانه وَ قُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً «3».

و قوله عزّ جاره وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً «4».

و في دلالتهما نظر.

خلافاً للمحكيّ عن السيّد، فقبله عليه

كما يقبله له «5»، و قوّاه في

______________________________

(1) الفقيه 3: 26، 71، الوسائل 27: 369 أبواب الشهادات ب 26 ح 6.

(2) الانتصار: 244.

(3) الإسراء: 23.

(4) لقمان: 15.

(5) الانتصار: 244.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 249

الدروس «1»، و استقربه في الكفاية «2»، و جعله في المفاتيح و شرحه الأصحّ «3»، و ظاهر التحرير و المسالك و شرح الإرشاد للأردبيلي التردّد «4»، بل حكي التردّد عن المقتصر و التنقيح و الصيمري أيضاً «5».

لعمومات قبول شهادة العدل.

و خصوص قوله سبحانه كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَ لَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ «6».

و الجواب عن العمومات بلزوم التخصيص بما مرّ، و ضعف سند الرواية غير ضائر، و لو سلّم فبما مرّ منجبر.

و الآية غير صريحة في القبول و لا ظاهرة.

قيل: لولا وجوب القبول لزم العبث في إقامتها المأمور بها «7».

قلنا: ليست الآية صريحة و لا ظاهرة في الأمر بالإقامة، فلعلّ المراد التحمّل، و فائدة التحمّل لا تنحصر في الإقامة، بل قد يتحمّل لتذكير المشهود عليه و تنبيهه لو نسي أو غفل، أو لمنعه عن الإنكار و حيائه عنه «8».

مع أنّه لو سلّم الأمر بالإقامة فهو كما صرّح به في المختلف و السرائر و المبسوط «9» لا يستلزم وجوب القبول.

______________________________

(1) الدروس 2: 132.

(2) الكفاية: 282.

(3) مفاتيح الشرائع 3: 279.

(4) التحرير 2: 209، المسالك 2: 406.

(5) التنقيح 4: 295.

(6) النساء: 135.

(7) انظر الرياض 2: 435.

(8) في «ق»: .. أو لمنعه عن الإنكار، أو إرادة الشروط، أو لعدم اجترائه على الإنكار و حيائه عنه.

(9) المختلف: 720، السرائر 2: 130، 135، المبسوط 8: 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 250

بل نفى عنه الخلاف في السرائر، قال: فإن تحمّلها فالواجب عليه

أداؤها و إقامتها إذا دعي إلى ذلك عند من دعا إقامتها عنده، سواء ردّها أو لم يردّها، قبلها أو لم يقبلها، بغير خلاف؛ لقوله تعالى وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ «1». انتهى «2».

و قال أيضاً: يجب على الولد أن يقيم الشهادة على والده، و لا يجوز للحاكم أن يعمل بها. كما أنّ الفاسق إذا دعي إلى شهادة يشهد بها فإنّه يجب عليه أن يقيمها، و يجب على الحاكم أن لا يعمل بها «3». انتهى .

قوله: لزم العبث.

قلنا: ممنوع؛ لأنّه يمكن أن يصير جزءاً لعدد الاستفاضة العلميّة، أو قرينة لإفادة العلم فيما إذا حصلت أُمور أُخر؛ بل نقول: إنّ الفائدة غير منحصرة في القبول، فإنّ الوصول إلى ثواب اللَّه سبحانه و إظهار الحقّ فائدة جليلة من أعظم الفوائد.

روى أبو بصير في الموثّق: في قول اللَّه عزّ و جلّ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً «4» قلت: كيف أقيهم؟ قال: «تأمرهم بما أمر اللَّه عزّ و جلّ، و تنهاهم بما نهاهم اللَّه عزّ و جلّ، فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم، و إن عصوك كنت قضيت ما عليك» «5».

فهكذا حال إقامة الشهادة الغير المقبولة أيضاً.

______________________________

(1) البقرة: 283.

(2) السرائر 2: 130.

(3) السرائر 2: 135.

(4) التحريم: 6.

(5) الكافي 5: 62، 2، التهذيب 6: 179، 365، تفسير القمي 2: 377، الوسائل 16: 148 أبواب الأمر و النّهي و ما يناسبهما ب 9 ح 2، بتفاوتٍ يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 251

و في رواية يحيى الطويل: «حسب المؤمن عزّاً إذا رأى منكراً أن يعلم اللَّه عزّ و جلّ من قلبه إنكاره» «1».

فالفائدة التي تترتّب على الإنكار القلبي فقط هي المترتّبة على إقامة شهادة الحقّ التي لا تقبل.

لا يقال: سُئل أبو عبد

اللَّه (عليه السّلام) عن الحديث الذي جاء عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله): «إنّ أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر» ما معناه؟ قال: «هذا على أن يأمره بعد معرفته، و هو مع ذلك يقبل منه و إلّا فلا» «2».

لأنّا نقول: إنّ النهي عن ذلك حينئذٍ لما فيه من مظنّة الضرر، حيث كان الكلام مع الإمام الجائر، كما صرّح به في رواية مفضّل: «من تعرّض لسلطان جائر فأصابته بليّة لم يؤجر عليها، و لم يرزق الصبر عليها» «3».

و في رواية اخرى : «إنّما يُؤمَر بالمعروف و يُنهى عن المنكر مؤمن فيتّعظ، أو جاهل فيتعلّم، و أمّا صاحب سوط أو سيف فلا» «4».

هذا، مع أنّه لو كان الأمر في الآية و نحوها للقبول لزم وجوب تخصيص الأمر فيها و كذا في كلّ آية و حديث حثّ بأداء شهادة الحقّ، و كذا النهي عن كتمان الشهادة و التحذير عليه بالمؤمنين المعروفين عند

______________________________

(1) الكافي 5: 60، 1، التهذيب 6: 178، 361، الوسائل 16: 137 أبواب الأمر و النّهي و ما يناسبهما ب 5 ح 1، بتفاوت.

(2) الكافي 5: 59، 16، التهذيب 6: 177، 360، الخصال: 6، 16، الوسائل 16: 126 أبواب الأمر و النّهي و ما يناسبهما ب 2 ح 1.

(3) الكافي 5: 60، 3، التهذيب 6: 178، 363، الوسائل 16: 127 أبواب الأمر و النّهي و ما يناسبهما ب 2 ح 3.

(4) الكافي 5: 60، 2، التهذيب 6: 178، 362، الخصال: 35، 9، الوسائل 16: 127 أبواب الأمر و النّهي و ما يناسبهما ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 252

الحاكم بالعدالة دون غيرهم من الفسّاق و المجهول حالهم و منهم بالذين يعلمون أنّ

معهم عادلًا آخر مثلهم دون الآحاد و منهم بمن اجتمع فيه سائر شروط القبول و انتفاء المعارض له.

و لا دليل على ذلك التخصيص؛ مع أنّه إخراج للأكثر، و هو غير مجوّز عند المحقّقين.

فإن قيل: يمكن أن يكون أمر كلّ أحد بذلك من قبيل خطاب الكفّار بالفروع، فأُمروا بها بأن يسلموا و يمتثلوا، فكذا هنا، أُمروا بأن يتّصفوا بالعدالة ثم يشهدوا.

قلنا: ليس شرط القبول العدالة فقط، بل معرفة الحاكم عدالته.

فلو سلّمنا أنّهم أُمروا بالاتّصاف بالعدالة، فهل أُمروا بتعريف عدالتهم عدالتهم عند كلّ حاكم و ضمّ عادل آخر مع نفسه و نفى المعارض و جميع سائر الشروط؟! قيل: قال الصادق (عليه السّلام) لمن قال له: إنّ شريكاً يردّ شهادتنا، قال: فقال: «لا تذلّوا أنفسكم» «1».

قلنا: الذلّة إنّما هي إذا كانت عند المخالفين أو للفسق لا مطلقا؛ مع أنّهم حملوها على التحمّل دون الإقامة.

و قيل أيضاً كما نقله في المسالك إنّ الشهادة على الوالدين معطوفة على الشهادة على الأنفس، و عطفت عليها الشهادة على الأقربين، و هما مقبولتان، فلو لم يقبل ذلك لزم عدم انتظام الكلام «2».

قلنا: لا يلزم تطابق المعطوف و المعطوف عليه في جميع الأحوال و الأوصاف، أ لا ترى أنّه تقبل الشهادة على النفس مطلقاً، و لا كذلك الشهادة

______________________________

(1) الفقيه 3: 44، 151، الوسائل 27: 412 أبواب الشهادات ب 53 ح 2.

(2) المسالك 2: 406.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 253

على الوالدين و الأقربين، فتشترط فيها العدالة و ضمّ عدل آخر أو اليمين.

قيل: الأمر في الآية يستلزم القبول بالإضافة إلى الوالدة، فكذا بالنسبة إلى الوالد أيضاً؛ لأنّهما ذُكِرا في كلمة واحدة «1».

قلنا: القبول في الوالدة ليس ملزوماً للأمر في الآية، بل إنّما هو أمر

عُلِمَ من الخارج.

و ممّا ذكرنا ظهر حال الاستدلال بروايتي علي بن سويد السائي «2» و داود بن الحصين «3»، الآمرتين بإقامة الشهادة على النفس أو الوالدين أو الأقربين كما في الاولى ، أو على الوالدين و الولد كما في الثانية. و العجب أنّ بعضهم جعلهما من النصوص على القبول «4».

هذا، مع ما في ذلك القول من المخالفة للشهرة العظيمة؛ إذ لم يثبت الخلاف فيها من القدماء إلّا السيّد «5»، و كلامه غير صريح، بل و لا ظاهر في المخالفة كمااعترف به جماعة، منهم: الفاضل في المختلف و المحقّق الأردبيلي «6».

و أمّا المتأخّرون فأكثرهم وافقوا المشهور، و مَن ظاهره المخالفة فغير النادر منهم لم يجترئوا عليها صريحاً بل و لا ظاهراً، و إنما تكلّموا في أدلّة الطرفين، و شيّدوا دليل القبول، و اقتصروا عليه.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 435.

(2) الفقيه 3: 42، 144، الوسائل 27: 340 أبواب الشهادة ب 19 ح 2.

(3) الفقيه 3: 30، 89، التهذيب 6: 257، 675، الوسائل 27: 340 أبواب الشهادات ب 19 ح 3.

(4) كما في المسالك 2: 405.

(5) الانتصار: 245.

(6) المختلف: 720.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 254

فروع:

أ: لا ينسحب الحكم إلى الوالد من الرضاع؛ لعدم صدق الوالد حقيقةً. و يحتمل الانسحاب؛ لقولهم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» «1».

ب: في انسحاب الحكم إلى الجدّ و عدمه قولان، الأول للدروس «2»، و الثاني للإيضاح و الكفاية «3»، و القولان كما صرّح به في الإيضاح مبنيّان على صدق الوالد على الجدّ و عدمه، و قد مرّ تحقيقه في كتاب المواريث «4».

ج: لو شهد الولد على الوالد و غيره معاً، قال في القواعد: قبلت على الغير دون الوالد على إشكال «5».

و قال في الإيضاح ببطلانهما معاً «6».

و التحقيق: أنّه إن لم تكن بين الحقّين ملازمة شرعيّة و لا عقليّة فتقبل في حقّ الغير، و تردّ في حقّ الوالد. و إن كانت بينهما ملازمة فيشكل؛ لأنّه يجب إمّا ردّهما معاً أو قبولهما كذلك، و الأصل الذي هو المرجع بعد تكافؤ الاحتمالين- يقتضي الأول.

د: مقتضى إطلاق الروايتين عدم الفرق في ردّ شهادة الولد بين حياة الأب و موته حين الشهادة، كما هو ظاهر إطلاق أكثر الأصحاب هنا، و إن صرّح بعضهم بالاختصاص بصورة الحياة في موضع آخر «7»، و هو حسن لو

______________________________

(1) الوسائل 20: 371 أبواب ما يحرم بالرضاع ب 1.

(2) الدروس 2: 132.

(3) الإيضاح 4: 428، كفاية الأحكام: 282.

(4) سيأتي كتاب المواريث بعد كتاب الشهادات.

(5) القواعد 2: 237.

(6) الإيضاح 4: 428.

(7) انظر الرياض 2: 434.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 255

استدلّ بالآيتين.

ه: لا فرق في الولد بين الابن و البنت؛ للإطلاق.

المسألة الخامسة: الزوجيّة لا تمنع من قبول الشهادة

إجماعاً؛ له، و للعمومات، و خصوص صحيحتي عمّار بن مروان و الحلبي المشار إليهما في المسألة السابقة.

في أُوليهما: عن الرجل يشهد لامرأته؟ قال: «إذا كان خيراً جازت شهادته» «1».

و في الثانية: «تجوز شهادة الرجل لامرأته، و المرأة لزوجها إذا كان معها غيرها» «2».

و مقتضى الأخيرة اشتراط القبول في الزوجة بانضمام غيرها من أهل الشهادة معها، كما هو مختار جماعة من أصحابنا «3».

بل نسبه في التحرير إلى الأصحاب، قال: و لكن شرط أصحابنا في قبول شهادة الزوجة لزوجها انضمام غيرها معها من أهل العدالة، و شرط آخرون في الزوج أيضاً، و ليس بجيّد «4». انتهى .

و تدلّ عليه أيضاً موثّقة سماعة المتقدّمة إليها الإشارة و فيها: و عن شهادة الرجل لامرأته، قال: «نعم»، و المرأة لزوجها،

قال: «لا، إلّا أن يكون معها غيرها» «5».

______________________________

(1) الكافي 7: 393، 2، التهذيب 6: 247، 628، الوسائل 27: 366 أبواب الشهادات ب 25 ح 2.

(2) الكافي 7: 392، 1، التهذيب 6: 247، 627، الوسائل 27: 366 أبواب الشهادات ب 25 ح 1.

(3) كالشيخ في النهاية: 330، و المحقّق في النافع: 287.

(4) التحرير 2: 209 210.

(5) التهذيب 6: 247، 629، الوسائل 27: 367 أبواب الشهادات ب 25 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 256

خلافاً للمحكيّ عن المتأخّرين كافّة، فقالوا بعدم الاشتراط فيها «1»، بل عن ظاهر كثير من القدماء، كالمفيد و الشيخ في المبسوط و الخلاف و العماني و الحلّي و الحلبي «2»، بل المشهور كما عن الصيمري.

لقصور الروايتين عن اشتراط الضميمة بالمعنى المتنازع فيها من جهة الدلالة؛ لاحتمال ورود الشرط فيهما مورد الغالب، كما صرّح به جماعة من أصحابنا، منهم: الشهيد الثاني، قال:

و وجه التقييد في الرواية: أنّ المرأة لا يثبت بها الحقّ منفردة و لا منضمّة إلى اليمين، بل يشترط أن يكون معها غيرها، إلّا ما استثني نادراً- و هو الوصيّة بخلاف الزوج، فإنّه يثبت بشهادته الحقّ مع اليمين، و الرواية باشتراط الضميمة معها مبنيّة على الغالب في الحقوق، و هي ما عدا الوصيّة «3». انتهى .

و هو حسن، بل يمكن منع الثبوت في النادر؛ إذ لا يثبت فيه المشهود به، بل ربعه.

و ما ذكره أمتن ممّا أجاب به الفاضل في المختلف من أن المراد بذلك كمال البيّنة من غير يمين «4»؛ إذ لو كان المراد ذلك لما كان مختصّاً بالزوجة، بل ينبغي طرد الشرط في الزوج أيضاً؛ مع أنّ الروايتين خصّتاه بالزوجة، بل ظاهر الأخيرة تخصيصه بها دونه.

______________________________

(1) حكاه في الرياض 2:

435.

(2) حكاه عنهم في الرياض 2: 435، و انظر المقنعة: 726، و المبسوط 8: 220، و الخلاف 2: 624، حكاه عن العماني في المختلف 2: 720، الحلي في السرائر 2: 134، الحلبي في الكافي في الفقه: 436.

(3) المسالك 2: 406.

(4) المختلف: 720.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 257

و لا يخفى أنّه يمكن إجراء الجوابين في كلام القائلين بالاشتراط أيضاً، كالشيخ في النهاية و من يحذو حذوه «1»، و حينئذٍ يرتفع الخلاف في المسألة.

ثم على تقدير المخالفة تظهر الثمرة فيما لو شهدت لذي الوصيّة، فتقبل على القول بعدم الاشتراط، و لا تقبل على القول بالاشتراط.

و الأقوى هو الأول؛ لما عرفت من ضعف دليل الثاني، و أضعف منه القول بالاشتراط في الزوج أيضاً كما نقله في التحرير، و حكي عن النهاية و القاضي و ابن حمزة «2» لعدم دليل عليه أصلًا، بل الأخير يدل على العدم؛ لقطعها الشركة بالتفصيل.

ثم على تقدير الاشتراط في الزوجة، قيل: يكفي انضمام امرأة أُخرى و لو كانت زوجة اخرى للزوج أيضاً فيما يكتفي فيه بشهادة الامرأتين، كنصف الوصيّة «3».

و هو حسن؛ لإطلاق الغير المشترط انضمامه، و اللَّه العالم.

المسألة السادسة: الصحبة و لو كانت مؤكّدة و الصداقة و إن كانت مؤكّدة و الضيافة لا تمنع من قبول الشهادة

بلا خلاف، بل بالإجماع؛ له، و للأصل، و ورود النصّ في الأخير أيضاً «4».

المسألة السابعة: تقبل شهادة الأجير لمن استأجره،

وفاقاً للحلّي

______________________________

(1) النهاية: 330.

(2) التحرير 2: 210، النهاية: 330، القاضي في المهذّب 2: 557، ابن حمزة في الوسيلة: 231.

(3) انظر المسالك 2: 406.

(4) الوسائل 27: 371 أبواب الشهادات ب 29.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 258

و المحقّق و الفاضل «1»، و أكثر المتأخرين كما صرّح به جماعة «2» بل ظاهر بعضهم إطباقهم عليه «3»؛ للعمومات كتاباً و سنّة.

خلافاً للمحكيّ عن أكثر المتقدّمين كالشيخ في النهاية و الصدوقين و الحلبي و القاضي و ابني حمزة و زهرة «4» بل قيل: ربّما يشعر سياق عباراته بكون المنع مجمعاً عليه بين الخاصّة «5».

لموثّقة سماعة و مرسلة الفقيه المتقدّمتين في صدر الشرط السادس، و رواية معاني الأخبار المتقدّمة فيه أيضاً.

بضميمة تفسير الصدوق القانع من أهل البيت بالرجل يكون مع قوم في حاشيتهم كالخادم لهم و التابع و الأجير «6».

و رواية العلاء: «كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) لا يجيز شهادة الأجير» «7».

و ظاهر صحيحة صفوان: عن رجل أشهد أجيره على شهادة ثم فارقه، أ تجوز شهادته له بعد أن يفارقه؟ قال: «نعم، و كذلك إذا أُعتق العبد

______________________________

(1) الحلي في السرائر 2: 121، المحقق في الشرائع 4: 130، الفاضل في التحرير 2: 210.

(2) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 406، و السبزواري في الكفاية: 283، و صاحب الرياض 2: 435.

(3) كما في الرياض 2: 436.

(4) النهاية: 325، الصدوقان في المقنع: 133، الحلبي في الكافي: 436، القاضي في المهذّب 2: 558، ابن حمزة في الوسيلة: 230، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 625.

(5) انظر الرياض 2: 436.

(6) معاني الأخبار: 209.

(7) الكافي 7: 394، 4، التهذيب 6: 246،

624، الإستبصار 3: 21، 62، الوسائل 27: 372 أبواب الشهادات ب 29 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 259

جازت شهادته» «1».

و موثّقة أبي بصير: «و تكره شهادة الأجير لصاحبه، و لا بأس بشهادته لغيره، و لا بأس به له بعد مفارقته» «2».

و الرضويّ: «لا تجوز شهادة شارب الخمر» إلى أن قال: «و لا أجير لصاحبه، و لامرأة لزوجها» «3».

و وجه ظهور الصحيحة كما قيل «4» التقرير و التشبيه.

و وجه ظهور الثاني أنّ الظاهر أنّ المراد من الكراهة الحرمة؛ إذ لو قبلت الشهادة لزم أداؤها، فلا معنى للكراهة، و الحمل على الإشهاد لا يلائمه ما بعده.

و الجواب عن الجميع: بالمعارضة مع عمومات قبول الشهادة بالعموم و الخصوص من وجه، و ترجيح العمومات كما مرّ في المتّهم.

نعم، لو تمّت دلالة الصحيحة لأمكن أن يقال باختصاصها بالعادل، حيث صرّح فيها بالقبول بعد المفارقة.

و لكن في تماميّتها نظر؛ لوقوع التقييد في السؤال، و عدم حجّية ذلك التقرير كما بيّن في محلّه، و عدم ظهور للتشبيه في تقييد المشبّه أيضاً.

فإن قيل: الموثّقة أيضاً بالعادل مخصوصة؛ لنفي البأس عن شهادته لغيره و بعد المفارقة، و مفهومها أيضاً يدلّ على ثبوت البأس الذي هو

______________________________

(1) التهذيب 6: 257، 674، الإستبصار 3: 21، 63، الوسائل 27: 371 أبواب الشهادات ب 19 ح 1.

(2) التهذيب 6: 258، 676، الإستبصار 3: 21، 64، الوسائل 27: 372 أبواب الشهادات ب 29 ح 3.

(3) فقه الرضا «ع»: 260، مستدرك الوسائل 17: 434 أبواب الشهادات ب 27 ح 1.

(4) انظر الرياض 2: 436.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 260

العذاب في الشهادة لمن هو أجيره قبل المفارقة، و هذا أيضاً يدلّ على أنّ المراد بالكراهة الحرمة.

قلنا: لا

معنى للحرمة أيضاً؛ إذ لا إثم على أداء الشهادة الغير المقبولة قطعاً، فالحمل على المجاز متعيّن، و لعلّه الكراهة في صورة احتمال التهمة و عدم وجوب الشهادة عيناً لوجود الغير.

ثم على القول بالردّ يختصّ ذلك بما إذا شهد حال كونه أجيراً، و أمّا إذا خلص عنه تقبل و إن تحمّلها حال الإجارة؛ للصحيحة و الموثّقة، و لأنّه لا يصدق عليه الأجير حينئذ.

المسألة الثامنة: لا تقبل شهادة السائل بكفّه،

على الحقّ المشهور بين أكثر الأصحاب، كما صرّح به جماعة «1».

و المراد به: الذي يسأل في نحو أبواب الدور و الأسواق و الدكاكين و الحجرات، و اتّخذ ذلك ديدناً له؛ لأنّه المتبادر من هذا التركيب؛ لا من يسأل أحياناً لحاجة دعته إليه.

و على هذا، فهو مراد من أطلق المنع كما في النافع، و حكي عن الشيخ و القاضي «2» كما هو صريح من قيّد كما عن الحلّي و التحرير و الشرائع و الإرشاد و التنقيح و الدروس و المسالك «3»، و غيرها «4» بل هو المشهور كما قيل «5».

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 406، و صاحب الرياض 2: 436.

(2) النافع: 287، الشيخ في النهاية: 326، القاضي في المهذّب 2: 558.

(3) الحلّي في السرائر 2: 122، التحرير 2: 210، الشرائع 4: 130، الإرشاد 2: 158، التنقيح 4: 299، الدروس 2: 131، المسالك 2: 406.

(4) كالرياض 2: 436.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 18    261     المسألة الثامنة: لا تقبل شهادة السائل بكفه، ..... ص : 260

(5) انظر الرياض 2: 436.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 261

و الدليل عليه: صحيحة عليّ: عن السائل الذي يسأل في كفّه، هل تقبل شهادته؟ فقال: «كان أبي (عليه السّلام) لا يقبل شهادته إذا سأل في

كفّه» «1».

و موثّقة محمّد: «ردّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) شهادة السائل الذي يسأل في كفّه»؛ قال أبو جعفر (عليه السّلام): «لأنّه لا يؤمن على الشهادة، و ذلك لأنّه إن اعطي رضي، و إن مُنِعَ سخط» «2».

دلّ التعليل على أنّ صاحب ذلك الوصف ليس مأموناً عن شهادة الزور و الكذب ما دام كذلك، فلا تعرف عدالته؛ لأنّ من لا يظنّ عدم ارتكابه الكذب و شهادة الزور كيف يُعرَف بالعدالة؟! فلا يكون ذلك عادلًا، و يكون هذا الوصف مانعاً عن الحكم بالعدالة بمعرّفاته أولًا، فلا تعارض بين الروايتين و عمومات قبول شهادة العدل.

نعم، لو عرف أولًا بالعدالة ثم صار سائلًا بالكفّ يلزم استصحاب عدالته و قبول شهادته؛ إذ غايته عدم الأمن من كذبه، الذي مرجعه إلى الشكّ أو الظنّ، و لا عجب فيه إن لم يثبت الإجماع المركّب، فتأمّل جدّاً «3».

______________________________

(1) الكافي 7: 397، 14، التهذيب 6: 244، 609، الوسائل 27: 382، أبواب الشهادات ب 35 ح 1.

(2) الكافي 7: 397، 13، التهذيب 6: 243، 608، الوسائل 27: 382 أبواب الشهادات ب 35 ح 2.

(3) في «ح»: لا يقال: حكم الشارع بعدم كونه مأموناً حكمٌ بوجود الشكّ أو الظنّ بالخلاف، و هو منافٍ للاستصحاب الذي هو عدم نقض اليقين السابق فيجب رفع اليد عن الاستصحاب هنا؛ لأعمّيته.

قلنا: هذا إذا كان معناه أنّه ليس مأموناً شرعاً.

و يمكن أن يكون المراد أنّه غير مأمون واقعاً و إن كان مأموماً ظاهراً؛ للاستصحاب.

و فيه: أن لا بدّ في صحّة الحكم من كلّيّة الكبرى، فلو كان المراد أنّه غير مأمون واقعاً لم تصحّ كلّية الكبرى، و هي: أنّ كل غير مأمون واقعاً لا تقبل شهادته؛ إذ ليس كذلك، فإنّ

المأمون الاستصحابي تقبل شهادته، فيجب أن يكون المراد أنّه غير مأمون شرعاً، فيكون هذا منافياً لاستصحابه، فلا يكون عادلًا بالاستصحاب أيضاً، فلا تقبل العدالة الأولية أيضاً؛ لعدم صحّة استصحابهما هنا. و هذا هو وجه التأمّل منه رحمه اللَّه تعالى .

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 262

المسألة التاسعة: قالوا: التبرّع بأداء الشهادة قبل الاستنطاق بها يمنع القبول،
اشاره

سواء كان قبل دعوى المدّعى أم بعدها، بلا خلاف فيه كما في الكفاية، بل قال: إنّه المعروف من مذهب الأصحاب «1». قيل: و يظهر من المسالك «2». و قيل: و لم يظهر لي ذلك من المسالك.

قال في الكفاية: و مستنده بعض الروايات، و كون ذلك موضع تهمة.

و مراده من الرواية ما روي عن النبيّ (صلّى اللَّه عليه و آله)، أنّه قال في معرض الذمّ: «ثم يجي ء قوم يعطون الشهادة قبل أن يُسألوها» «3».

و في آخر: «ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يُستشهَد» «4».

قال: في الكلّ نظر.

أقول: أمّا وجه النظر في الرواية فواضح.

أمّا أولًا: فلضعف الرواية؛ لأنّها غير مذكورة في أصل معتبر، بل الظاهر كما صرّح به الأردبيلي أنّها عامّية، و دعوى انجبارها فاسدة؛ لأنّها إنّما تدلّ على الذمّ و الجرح، و الفتوى به غير مشهورة، بل في المسالك: أنّه ليس جرحاً عندنا «5».

______________________________

(1) كفاية الأحكام: 282.

(2) انظر الرياض 2: 440.

(3) مسند أحمد 4: 426.

(4) سنن ابن ماجة 2: 791.

(5) المسالك 2: 408.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 263

نعم، ذهب إليه بعض أصحابنا كما يأتي.

و أمّا ثانياً: فلأنّها لو صحّت لدلّت على عدم الجواز دون الردّ، كما ذهب إليه في السرائر «1».

و أمّا ثالثاً: فلمعارضتها مع مثلها، حيث روي عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) أنّه قال «خير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يُسألَها» «2».

و

أمّا وجه النظر في كونه موضع التهمة فيظهر ممّا ذكره الأردبيلي، قال: و أنت خبير أنّ التهمة غير ظاهرة، خصوصاً إذا كان جاهلًا، فإنّا نجد كثيراً مَن يشهد قبل الاستشهاد من غير ميل إلى إثبات المشهود، بل قد يكون إلى عدمه أميل؛ لغرض مثل: فقر المشهود عليه، أو مصاحبته، أو عداوة المشهود له؛ اعتقاداً لوجوب الشهادة و تحريم كتمانها، كيف؟! و العدالة تمنع من الشهادة على الكذب مع العلم بقبحه و الوعيد في الكتاب و السنّة و تحريمه بإجماع المسلمين «3». انتهى .

بل نحن شاهدنا شهادات تبرّعية غير محصورة كثرةً لم يكن لشاهدها ميل أصلًا، سيّما مع تخصيص التبرّع بما كان قبل استنطاق الحاكم كما في كلام بعضهم «4» و لو كان أحضره المدّعى للشهادة، أو طلبه الحاكم لذلك.

بل كان تبرّعه لأحد الوجوه التي ذكرها الأردبيلي، أو لزعمه كفاية الإحضار لأجل الشهادة في ذلك، أو لأجل شغل له يريد أداء الشهادة و الذهاب، أو لأجل أنّه مائل إلى إحقاق الحقّ و يزعم أنّ المدّعى أو الحاكم

______________________________

(1) السرائر 2: 133.

(2) صحيح مسلم 3: 1344، 1719.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 12: 399 400.

(4) انظر الرياض 2: 440.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 264

لا يعلم بكونه شاهداً، أو لتعجّبه في الإنكار، أو نحو ذلك.

بل من احتمل في حقّه التهمة لم نشاهده إلّا نادراً، و التهمة فيه أيضاً حصلت من امور أُخر زائدة على التبرّع.

و من هذا يظهر ما في كلام بعض مشايخنا المعاصرين من عدّ صورة عدم التهمة من الأفراد النادرة «1».

و من أقوى الشواهد على عدم إيجابه للتهمة و أنّ مَن منعها من القدماء ليس لأجلها تفرقتهم فيه بين حقوق الآدميّين و غيرها؛ إذ لو كان التبرّع

موجباً لها لما كان فيه فرق بين الحقّين، و كان الردّ في حقّ اللَّه أظهر؛ لوجوب درء الحدود بالشبهات، و لذا تردّ شهادة سائر المتّهمين في حقّ اللَّه عند من يعتبر عدم التهمة.

و عمدة ما جعلوه دليلًا للتفرقة جارٍ في الموضعين كما يأتي.

و على هذا، فالحقّ هو القبول كما هو ظاهر المحقّق الأردبيلي «2»، و يظهر من الكفاية الميل إليه «3»، و هو صريح الحلّي في السرائر، و إن قال بعدم جواز التبرّع و كونه مذموماً كما هو مذهب العامّة، قال:

لا يجوز للشاهد أن يشهد قبل أن يُسأل عن الشهادة، كما لا يجوز له كتمانها و قد دعي إلى إقامتها، إلّا أن تكون إقامتها تؤدّي إلى ضرر على المشهود عليه لا يستحقّه على ما قدّمناه، فإنّه لا يجوز حينئذٍ إقامة الشهادة و إن دعي إليها.

أو يكون فيما قلنا إنّه لا يجوز للشاهد أن يشهد قبل أن يُسأل

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 440.

(2) مجمع الفائدة 12: 400.

(3) كفاية الأحكام: 282.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 265

الشهادة ترك شهادته يبطل حقّا قد علمه فيما بينه و بين اللَّه تعالى، فيجوز له- بل يجب عليه أن يشهد به قبل أن يُسأل عن الشهادة «1». انتهى .

و نسب فيه هذا القول إلى الشيخ في النهاية، و قال: إنّ في كلامه التباساً و إيهاماً.

أقول: قال في النهاية: و لا يجوز للشاهد أن يشهد قبل أن يُسأل عن الشهادة، كما لا يجوز كتمانها و قد دعي إلى إقامتها، إلّا أن تكون شهادته تبطل حقّا قد علمه فيما بينه و بين اللَّه تعالى ، أو تؤدّي إلى ضرر على المشهود عليه لا يستحقّه، فإنّه لا يجوز له حينئذٍ إقامة الشهادة و إن دعي إليها

«2». انتهى.

قال في السرائر: و شيخنا في نهايته قد أورد المسألتين، و استثنى استثناءين عقيبهما، فيهما التباس و إيهام؛ لأنّ استثناء المسألة الأولة عقيب المسألة الثانية، و استثناء المسألة الثانية عقيب المسألة الأولة، فلا يفهم بأول خاطر، بل يحتاج إلى تأمّل، و ردّ الاستثناء الأول إلى المسألة الأولة، و ردّ الاستثناء الأخير إلى المسألة الثانية، و قد زال الالتباس و الإيهام، فكم من معنى ضاع لقصور العبارة و لسوء الإشارة «3». انتهى .

أقول: مراده من المسألة الأولة ما ذكره بقوله: و لا يجوز للشاهد، إلى آخره.

و من المسألة الثانية ما ذكره بقوله: كما لا يجوز كتمانها و قد دعي إلى إقامتها.

______________________________

(1) السرائر 2: 133.

(2) النهاية: 330.

(3) السرائر 2: 133.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 266

و من استثناء المسألة الأولة ما ذكره بقوله: إلّا أن تكون شهادته.

و من استثناء المسألة الثانية ما ذكره بقوله: أو تؤدّي الى ضرر، إلى آخره، (على ما هو ظاهره أيضاً) «1».

ثم إنّ ما ذكرنا من قبول شهادة المتبرّع إنّما هو من جهة كونه شهادة التبرّع.

و للتبرّع صورة توجب ردّها لأجل أنّه ادّعاء.

بيان ذلك: أنّ للمتبرع بالشهادة صوراً كثيرة:

منها: ما إذا ادّعى زيد على عمرو عند الحاكم، يطلب الحاكم منه البينة، و أحضر هو خالداً للشهادة، أو أحضره الحاكم و هو يحضر، و يشهد قبل استنطاق الحاكم، أو قبل استنطاق المدّعى، أو غيرهما، بعد تكرار المدّعى الدعوى بحضوره.

و منها: ما ذكر أيضاً، إلّا أنّه يشهد قبل التكرار.

و منها: ما يكون حاضراً بنفسه من غير إحضار لذلك في مجلس المرافعة، و يشهد بعد الدعوى من غير سؤال عنه.

و منها: ما إذا أشهده زيد على حقّه ليشهد لو وقع التنازع، و لم يحضر وقت

الأداء، أو سافر زيد، و يريد خالد المسافرة، و يجي ء عند الحاكم و يقول: عندي هذه الشهادة، فإن ادّعى زيد و أنكر عمرو فأنا شاهد بالحقّ، ربّما لم أرجع من السفر حين الحاجة.

و منها: ما إذا جاء خالد عند الحاكم بعد دعوى زيد، و يقول: عندي شهادة لزيد و هو لا يعلمها، أو يقول ذلك لزيد.

______________________________

(1) ما بين القوسين ليس في «ح».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 267

و منها: ما إذا لم تسبق دعوى عن زيد و لا إنكار عن عمرو، فيجي ء عند الحاكم و يقول: لزيد كذا و كذا على عمرو، أو يجي ء مع زيد و يشترك معه في ذكر استحقاق زيد، و نحو ذلك.

و هذه الصورة الأخيرة هي التي يجب أن لا تسمع فيها الشهادة؛ لأنّها ليست شهادة عرفاً، بل هي دعوى فضوليّة أو تبرّعية.

و لعلّ لذلك طلب رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) شاهدَين من غير الأنصار في القتل المتقدّم ذكره «1»؛ حيث إنّ جميع الحاضرين من الأنصار كانوا من ذلك القبيل.

و لا يبعد أن تكون هذه الصورة أيضاً مراد كثير من القوم، و هو المناسب لاستثناء حقّ اللَّه، و استدلالهم بأنّه لا مدّعي بخصوصه، و أنّه واجب و نهي عن المنكر، و نحو ذلك.

ثم إنّ الأكثر كما أُشير إليه خصّوا الردّ بما إذا كان من حقوق الآدميين «2»، و اختلفوا في حقوق اللَّه المحضة و المشتركة «3»، و استدلّوا بالسماع فيها و استثنائها بوجوه بين موهونة أو مشتركة بينها و بين حقوق الآدميين. و بعد ما عرفت من عدم دليل على الردّ في حقّ الآدمي أيضاً فيكون السماع هنا أظهر، و لا حاجة إلى ذكر أدلّتهم الموهونة.

نعم، يصحّ الاستثناء

في الصورة الأخيرة التي ذكرنا عدم القبول فيها في حقّ الآدمي من جهة أنّه يكون حينئذٍ مدّعياً، و لا تقبل شهادة المدّعى؛ حيث إنّ عدم قبول شهادة المدّعى مخصوص بحقّ الآدمي؛ إذ نسبة حقّ اللَّه سبحانه إلى الجميع واحد، فليس له مدّع بل الكلّ شاهد؛ و لعلّ إلى ذلك يشير استدلالهم للاستثناء بأنّه لا مدّعي لها.

______________________________

(1) راجع صحيحتي العجلي و زرارة المتقدّمتين في ص 231 و 232.

(2) كما في الروضة 3: 134، و الرياض 2: 440.

(3) انظر المفاتيح 3: 281.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 268

أو يقال: إنّها لو لم تقبل في حق اللَّه لزم سقوطه؛ إذ كلّ شاهد مدّع و متبرّع، و السقوط باطل. و فيه تأمّل.

فروع:

أ: يظهر من بعضهم: أنّ الحرص على الشهادة مانع عن قبولها و لو كان من جهة اخرى غير الشهادة قبل الاستنطاق أيضاً؛ لإيجابه التهمة «1».

و بعد ما ذكرنا من عدم دليل تامّ على الردّ بالتهمة مطلقاً تعلم ضعف ذلك القول.

مع أنّ كون مطلق الحرص موجباً للتهمة ممنوع؛ بل قد يعلم أنّه من غاية التديّن و عدم تحمّله لخلاف الواقع، أو لكونه غضوباً في دفع المنكر، أو لجهات اخرى غير الميل، كما شاهدناه مراراً.

ب: قالوا: الردّ بالتبرّع ليس لكونه جرحاً، بل لأنّه تهمة، فلو شهد في غير ذلك أو بعد ذلك إذا سُئل عنه تقبل. و ظاهر المسالك الإجماع على عدم كونه جرحاً «2».

أقول: قد عرفت تصريح الشيخ و الحلّي بعدم جوازه، و أنّه كالكتمان «3».

ثم لو كان موجباً للتهمة فلا يوجب السؤال بعده لانتفائها، بل هي باقية، فيجب عدم قبولها أيضاً.

نعم، على ما ذكرنا في الصورة الأخيرة: أنّه لأجل كونه مدّعياً، فيصحّ

______________________________

(1) قال به في القواعد

2: 238.

(2) المسالك 2: 408.

(3) راجع ص 263.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 269

ذلك؛ لأنّ بعد السؤال يخرج عن كونه كذلك.

ج: قد عرفت أنّ شهادة المتبرّع تقبل في حقّ اللَّه مطلقاً، و قد وقع الخلاف في الحقوق المشتركة، و مقتضى الدليل قبولها في حقّ اللَّه؛ إذ لا مدّعي له، دون حقّ الآدمي في الصورة التي لا تقبل فيه.

و من حقوق اللَّه: الوقف للمصالح العامّة، و الوصيّة لها، و ليس المتولّي الخاصّ أو العامّ فيها مدّعياً في الوقفيّة؛ إذ لا حقّ له مخصوصاً به.

نعم، له ادّعاء التولية، و لا تسمع شهادته فيها، فتأمّل.

المسألة العاشرة: إذا شهد اثنان لشخصين بوصيّة مثلًا، أو حقّ على شخص، و شهد الشخصان للشاهدين بمثله، تقبل شهادتهم جميعاً؛

للعمومات.

قال المحقّق الأردبيلي: لحصول الشهادة، و عدم المانع من التهمة المتوهّمة، فإنّه قد يتوهّم إنّما شهد الأولان لتواطئهما مع الآخرَين أنّهما إن شهدا لهما يشهدان لهما أيضاً، و ذلك توهّم باطل؛ لبعد العدل بل المسلم عن مثل هذه الخديعة «1». انتهى .

و نفيه التهمة هنا و إثباته في بعض موارد أُخر كالعداوة، أو التبرّع، أو نحوهما- عجيب.

و كذا لا تردّ باختفاء الشاهد عن المشهود عليه؛ للتحمّل كما صرّحوا به، بل ظاهر الشهيد الإجماع عليه «2»؛ لما مرّ من العمومات، و دعاء الحاجة إليه.

المسألة الحادية عشرة: اختلفوا في شهادة بعض الرفقة

في الطريق

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 12: 388.

(2) نقله عن غاية المراد في الجواهر 41: 100.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 270

لبعض على قاطع الطريق.

فردّها بعضهم مطلقاً «1».

و فرّق بعضهم بين ما إذا أُخذ منه شي ء و تعرّض لذكر المأخوذ منه، و ما لم يؤخذ منه، أو لم يتعرّض؛ و بين ما إذا ظهرت العداوة بينه و بين اللصوص، و ما لم تظهر «2».

و منهم من قبلها مطلقاً «3».

و مستند الردّ: ظهور التهمة إمّا مطلقاً أو في بعض الصور، و إطلاق رواية محمَّد بن الصلت «4».

و مستند الثاني: العمومات، و منع التهمة أو عدم إيجابها للردّ مطلقاً، و ضعف الرواية، أو معارضتها مع العمومات بالعموم من وجه، و ترجيح العموم.

و بعد ما عرفت ما تقدّم هنا تعلم قوّة الثاني.

السابع من شروط الشاهد: طهارة المولد.

أي عدم كونه ولد الزنا المعلوم كونه كذلك.

فلا تقبل شهادته على الحقّ المشهور بين المتقدّمين و المتأخّرين، و عن السيّد و الشيخ و ابن زهرة الإجماع عليه «5»؛ للنصوص المستفيضة،

______________________________

(1) كالعلّامة في القواعد 2: 237.

(2) كالسبزواري في الكفاية: 282.

(3) كالشهيد في الدروس 2: 127.

(4) الكافي 7: 394، 2، التهذيب 6: 246، 625، الوسائل 27: 369 أبواب الشهادات ب 27 ح 2.

(5) السيد في الانتصار: 247، الشيخ في الخلاف 2: 627، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 625.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 271

كصحيحة الحلبي «1»، و محمّد «2»، و موثّقة زرارة «3»، و رواية أبي بصير «4»، و صحيحة عليّ المرويّة في كتابه «5»، المؤيّدة جميعاً بروايات أُخر مصرّحة بأنّ ولد الزنا شرّ الثلاثة، و أنّه لا ينجب «6».

و قيل: تقبل إذا كان عدلًا مطلقاً، حكاه في الكفاية «7». و لعلّه لعمومات قبول شهادة

العدل الراجحة بما ذكرنا سابقاً على الروايات المانعة.

و عن الشيخ و ابن حمزة أنّها تقبل في الشي ء اليسير دون الكثير «8»؛ لموثّقة عيسى بن عبد اللَّه: عن شهادة ولد الزنا، فقال: «لا تجوز إلّا في الشي ء اليسير إذا رأيت منه صلاحاً» «9».

و يجاب عن دليل المخالف الأول: بمنع رجحان العمومات هنا؛ لمخالفة روايات المنع لمذهب أكثر العامّة كما في المسالك «10»، و تشعر بها رواية أبي بصير.

______________________________

(1) التهذيب 6: 244، 612، الوسائل 27: 376 أبواب الشهادات ب 31 ح 6.

(2) الكافي 7: 395، 6، التهذيب 6: 244، 613، الوسائل 27: 375 أبواب الشهادات ب 31 ح 3.

(3) الكافي 7: 396، 8، التهذيب 6: 244، 614، الوسائل 27: 376 أبواب الشهادات ب 31 ح 4.

(4) الكافي 7: 395، 4، بصائر الدرجات: 9، 3، الوسائل 27: 374 أبواب الشهادات ب 31 ح 1.

(5) الوسائل 27: 377 أبواب الشهادة ب 31 ح 8، البحار 10: 287.

(6) غوالي اللئلئ 3: 533، 22، مسند أحمد 2: 311.

(7) الكفاية: 283.

(8) الشيخ في النهاية: 326، ابن حمزة في الوسيلة: 230.

(9) التهذيب 6: 244، 611، الوسائل 27: 376 أبواب الشهادات ب 31 ح 5.

(10) المسالك 2: 409.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 272

مع إشعار رواية عدم نجابته و كونه شرّ الثلاثة «1»، و عدم جواز إمامته «2»، و النهي عن الاغتسال بغسالته، و أنّه لا يطهر إلى سبعة آباء، كما في رواية ابن أبي يعفور «3» بعدم عدالته، بل يمكن إثباته بذلك، فلا تدخل في العمومات.

و عن دليل الثاني: بضعفه؛ لشذوذه و ندرته، كما صرّح به جماعة «4».

و المسألة قليلة الجدوى جدّاً؛ لندرة من علم كونه ولد الزنا، ثم كونه عادلًا ظاهراً.

الثامن من شرائط الشاهد: الذكورة
اشاره

في الجملة، بمعنى أنّها تشترط في بعض الحقوق دون بعض.

و الأول أيضاً على قسمين؛ لأنّه إمّا تشترط فيه الذكورة المحضة، فلا تقبل فيه شهادة النساء أصلًا، لا منضمّة مع الذكور و لا منفردة؛ أو يشترط فيه وجود الذكر و إن كان مع النساء، فلا تقبل فيه شهادتهنّ منفردات و إن قبلت منضمّة مع الذكور. فهذه ثلاثة أقسام.

القسم الأول: ما تشترط فيه الذكورة المحضة،
اشاره

فلا تقبل فيه شهادة النساء أصلًا، و فيه مسائل:

المسألة الأُولى : يشترط في ثبوت الهلال الذكورة المحضة،

فلا تقبل فيه شهادة النساء منفردات، و لا منضمّات مع الرجال، بلا خلاف

______________________________

(1) المتقدّمة جميعاً في ص 269.

(2) الوسائل 8: 322 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 4.

(3) الكافي 3: 14، 1، الوسائل 1: 219 أبواب الطهارة ب 11 ح 4.

(4) منهم المحقق في الشرائع 4: 132، و صاحب الرياض 2: 439.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 273

يوجد في الأول.

و كذا إلّا عن العماني في الثاني، حيث قال: شهادة النساء مع الرجال جائزة في كلّ شي ء إذا كنّ ثقات «1».

و هو شاذ، بل عن الغنية الإجماع على خلافه «2»، بل هو إجماع محقّق حقيقةً؛ فهو الدليل عليه، مضافاً إلى الصحاح الثمان:

لابن سنان: «لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال» الحديث «3».

و صحيحة الحلبي: «كان عليّ (عليه السّلام) يقول: لا أُجيز في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين» «4».

و الأُخرى له أيضاً: «قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال، و لا تجوز إلّا شهادة رجلين عدلين» «5».

و صحيحة حمّاد «6» و هي كسابقتها و الأُخرى «7» و هي قريبة منها.

و صحيحة محمّد: «لا تجوز شهادة النساء في الهلال» «8».

______________________________

(1) نقله عنه في المختلف 2: 712.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 624.

(3) الكافي 7: 391، 8، التهذيب 6: 264، 702، الإستبصار 3: 23، 70، الوسائل 27: 353 أبواب الشهادات ب 24 ح 10.

(4) الكافي 4: 76، 2، الفقيه 2: 77، 338، الوسائل 10: 288 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 8.

(5) التهذيب 4: 180، 498، الوسائل 10: 288 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 7، بتفاوتٍ يسير.

(6) الكافي 4: 77، 4، الفقيه

2: 77، 340، الوسائل 10: 287 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 3.

(7) التهذيب 6: 269، 724، الإستبصار 3: 30، 96، الوسائل 27: 355 أبواب الشهادات ب 24 ح 17.

(8) الكافي 4: 77، 3، الوسائل 10: 286 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 274

و الأُخرى: «لا تجوز شهادة النساء في الهلال و لا في الطلاق» «1».

و العلاء: «لا تجوز شهادة النساء في الهلال» «2».

و رواية شعيب: «لا أُجيز في الطلاق و لا في الهلال إلّا رجلين» «3».

و بهذه الأخبار المعاضدة بعمل الأصحاب بل بظواهر الكتاب و الأصل- يخصّص إن كان هناك عموم يشمل النساء ثم الهلال.

و أمّا رواية داود بن الحصين: «لا تجوز شهادة النساء في الفطر إلّا شهادة رجلين عدلين، و لا بأس بالصوم بشهادة النساء و لو امرأة واحدة» «4».

فلا تنافي ما مرّ؛ لجواز الصوم احتياطاً من دون شهادة أيضاً، و مع التنافي لا تعارضه، سيّما مع مخالفتها الإجماع القطعي من الاكتفاء بالمرأة الواحدة.

المسألة الثانية: تشترط في ثبوت الطلاق الذكورة المحضة

أيضاً، و لا تقبل فيه شهادة النساء مطلقاً، على الأظهر الأشهر بين من تقدّم و تأخّر.

للصحاح الثلاث: لمحمّد و قد تقدّمت و الحلبي، و فيها: عن شهادة النساء في النكاح، قال: «تجوز إذا كان معهنّ رجل، و كان علي (عليه السّلام) يقول: لا أُجيزها في الطلاق» قلت: تجوز شهادة النساء مع الرجل في الدين؟ قال: «نعم» الحديث «5».

______________________________

(1) الكافي 7: 391، 6، الوسائل 27: 353 أبواب الشهادات ب 24 ح 8.

(2) التهذيب 6: 269، 725، الإستبصار 3: 30، 97، الوسائل 27: 356 أبواب الشهادات ب 24 ح 18.

(3) التهذيب 4: 316، 962، الوسائل 10: 289 أبواب أحكام شهر رمضان ب

11 ح 9.

(4) التهذيب 6: 269، 726، الإستبصار 3: 30، 98، الوسائل 10: 291 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 15.

(5) الكافي 7: 390، 2، التهذيب 6: 269، 723، الإستبصار 3: 29، 95، الوسائل 27: 351 أبواب الشهادات ب 24 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 275

و بكير و غيره، و في آخرها: «و لا تجوز فيه» أي في الطلاق «شهادة النساء» «1».

و الروايات التسع: لشعيب، و قد تقدّمت، و محمّد بن الفضيل «2»، و الأُخرى له «3»، و أبي بصير «4».

و إبراهيم الخارقي، و فيها: «تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه و يشهدوا عليه، و تجوز شهادتهنّ في النكاح إذا كان معهنّ رجل» إلى أن قال: «و لا تجوز شهادتهنّ في الطلاق، و لا في الدم» «5».

و داود بن الحصين: «و كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يجيز شهادة امرأتين في النكاح عند الإنكار، و لا يجيز في الطلاق إلّا شاهدين عدلين» قلت: فأنّى ذكر اللَّه تعالى فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ «6»؟ قال: «ذلك في الدين إذا لم يكن رجلان» الحديث «7».

______________________________

(1) الكافي 6: 61، 17، التهذيب 8: 48، 148، الوسائل 22: 26 أبواب الطلاق مقدماته و شرائطه ب 10 ح 2.

(2) الكافي 7: 391، 5، التهذيب 6: 264، 705، الإستبصار 3: 23، 73، الوسائل 27: 352 أبواب الشهادات ب 24 ح 7.

(3) الفقيه 3: 31، 94، الوسائل 27: 353 أبواب الشهادات ب 24 ح 7.

(4) الكافي 7: 391، 4، التهذيب 6: 264، 704، الإستبصار 3: 23، 72، الوسائل 27: 351 أبواب الشهادات ب 24 ح 4.

(5) الكافي 7: 392، 11 و فيه: عن إبراهيم الحارثي، التهذيب 6: 265،

707، الإستبصار 3: 24، 75، الوسائل 27: 352 أبواب الشهادات ب 24 ح 5؛ و في الجميع لا يوجد: إذا كان معهنّ رجل.

(6) البقرة: 282.

(7) التهذيب 6: 281، 774، الإستبصار 3: 26، 81، الوسائل 27: 360 أبواب الشهادات ب 24 ح 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 276

و زرارة: عن شهادة النساء تجوز في النكاح؟ قال: «نعم، و لا تجوز في الطلاق» الحديث «1».

و السكوني: «شهادة النساء لا تجوز في طلاق و لا نكاح و لا في حدود اللَّه، إلّا في الديون، و ما لا يستطيع الرجل النظر إليه» «2».

و الكناني: «شهادة النساء تجوز في النكاح، و لا تجوز في الطلاق» «3».

الى غير ذلك من النصوص المتكثّرة التي لا معارض لها.

خلافاً للمحكيّ عن العماني كما مرّ و عن المبسوط و الإسكافي، فقبلاها «4».

و لم أعثر على دليل لهم سوى عامّ واحد «5»، يعارض ما مرّ بالعموم من وجه؛ لظهور سائر العمومات من الكتاب و السنّة في غير النساء أو الطلاق، و لو لا ترجيح ما مرّ بالكثرة و الأشهريّة، و شذوذ المخالف، بل موافقة الكتاب لوجب الرجوع إلى الأصل، و هو مع ما مرّ.

و سوى ما حكي عن المبسوط من قوله: و روى قبول شهادتهنّ في الطلاق مع الرجال «6».

______________________________

(1) الكافي 7: 391، 9، التهذيب 6: 265، 706، الإستبصار 3: 24، 74، الوسائل 27: 354 أبواب الشهادات ب 24 ح 11.

(2) التهذيب 6: 281، 773، الإستبصار 3: 25، 80، الوسائل 27: 362 أبواب الشهادات ب 24 ح 42.

(3) التهذيب 6: 667، 713، الإستبصار 3: 27، 84، الوسائل 27: 357 أبواب الشهادات ب 24 ح 25.

(4) حكاه عن العماني و الإسكافي في المختلف: 712، المبسوط

8: 172.

(5) التهذيب 6: 242، 597، الإستبصار 3: 13، 34، الوسائل 27: 398 أبواب الشهادات ب 41 ح 20.

(6) حكاه عنه في الرياض 2: 441.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 277

و هو أيضاً بالشذوذ مردود، و بالنسبة إلى ما مرّ مرجوح.

و لا يتوهّم أخصّيته من جميع ما مرّ لاختصاصه بما كان معه رجل؛ لخصوصيّة رواية داود بذلك أيضاً.

و الظاهر عدم الإشكال في تعدّي الحكم إلى الطلاق بالعوض إن قلنا بجوازه- أيضاً؛ لكونه طلاقاً قطعاً.

و هل يتعدّى إلى الخلع و المباراة أيضاً، أم لا؟

المشهور كما في كلام جماعة «1»: التعدّي، بل عن الغنية عليه الإجماع البسيط «2»، و عن المختلف المركّب «3».

و استدلّ له بهما، و في ثبوتهما إشكال، و منقولهما غير حجة.

و بالأصل، و هو بما أُشير إليه من بعض العمومات مندفع.

و بكونهما من أفراد الطلاق و بمعناه، و قبوله مشكل.

إلّا أنّه يمكن إثباته بقولهم (عليهم السّلام) في الروايات المتكثّرة من الصحاح و غيرها: «و كان الخلع تطليقة» و: «خلعها طلاقها» «4».

و كذا في المبارأة أيضاً.

و لكن في بعض الروايات الجاعلة لهما قسمين للطلاق إشعارٌ بالتباين، مضافاً إلى أنّ عدّهما تطليقة ليس صريحاً في كونهما طلاقاً، إلّا أنّه يمكن التعدّي بالأصل، و ردّ العامّ المذكور بالشذوذ في المورد.

و حكي هنا قول آخر بالتفصيل، فتردّ لو كان المدّعى المرأة، و تقبل

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 413، و صاحب الرياض 2: 441.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 624.

(3) المختلف: 714.

(4) الوسائل 15: 490 أبواب الخلع و المباراة ب 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 278

لو كان الرجل؛ لتضمّنه دعوى المال و الدين المستلزمة للبينونة، و تقبل شهادتهنّ على المال و الدين مطلقاً «1».

و هو حسن

لو ثبتت الكلّية الأخيرة بحيث تشمل المورد، و أمّا قبولها و تخصيصها بغير المورد فيتوقّف على ثبوت مخصّصٍ غير الأصل، فتأمّل.

و المسألة لا تخلو عن الإشكال.

المسألة الثالثة: تشترط في الحدود الذكورة المحضة-

إلّا ما استثني، و ما تجي ء الإشارة إلى الخلاف فيه بلا خلاف فيه يوجد كما عن الغنيّة «2» و في غيره «3»، و صرّح بعض متأخّري المتأخّرين بالاتّفاق عليه.

لرواية السكوني المتقدّمة «4»، و رواية غياث بن إبراهيم: «لا تجوز شهادة النساء في الحدود، و لا في القود» «5»، و نحوها رواية إسماعيل «6».

و صحيحة جميل و ابن حمران: تجوز شهادة النساء في الحدود؟ قال: «في القتل وحده» «7».

و أمّا رواية البصري: «تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجل» «8».

______________________________

(1) انظر المسالك 2: 413.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 624.

(3) كالرياض 2: 443.

(4) التهذيب 6: 281، 773، الإستبصار 3: 25، 80، الوسائل 27: 362 أبواب الشهادات ب 24 ح 42.

(5) التهذيب 6: 265، 709، الإستبصار 3: 24، 77، الوسائل 27: 358 أبواب الشهادات ب 24 ح 29.

(6) التهذيب 6: 265، 710، الإستبصار 3: 24، 78، الوسائل 29: 140 أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ب 2 ح 8.

(7) الكافي 7: 390، 1، التهذيب 6: 226، 711، الإستبصار 3: 26، 82، الوسائل 27: 350 أبواب الشهادات ب 24 ح 1.

(8) التهذيب 6: 270، 728، الإستبصار 3: 30، 100، الوسائل 27: 356 أبواب الشهادات ب 24 ح 21.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 279

و الرضوي: «و تقبل» أي شهادة النساء «في الحدود» «1».

فبالشذوذ خارجان عن الحجّية، فلا يصلحان لمعارضة ما مرّ.

ثم هذه الأخبار كما ترى مختصّة بالحدود، و قد ألحقوا بها جميع حقوق اللَّه حتى الماليّة أيضاً، كالزكاة و الخمس و النذر

الكفّارة، و صرّح بعضهم بعدم الخلاف فيه «2»، و ادّعى بعضهم الاتّفاق على انحصار قبول شهادة النساء في الحقوق الماليّة الإنسانيّة.

و لكن الظاهر من الروضة عدم كونه اتّفاقياً، حيث نسب الإلحاق إلى المصنّف، فقال: و هذه الأربعة ألحقها المصنّف بحقوق اللَّه سبحانه و إن كان للآدمي فيها حظّ، بل هو المقصود منها لعدم تعيّن المستحقّ على الخصوص «3». انتهى.

و منه يظهر إمكان القدح في شمول دعوى الاتّفاق المتقدّمة على الحصر للمنع في الأربعة أيضاً.

بل يظهر إمكان إرادة الشهيد في الدروس عدم الإلحاق؛ حيث صرّح بالقبول في الحقوق الماليّة مطلقاً، و لم يتعرّض لذكر الأربعة «4».

بل يمكن مثل ذلك في كلام جمع من القدماء كالنهاية و السرائر حيث لا تعرّض فيهما للإلحاق «5».

و على هذا، فلا يمكن إثبات الإلحاق بالإجماع.

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 262، مستدرك الوسائل 17: 426 أبواب الشهادات ب 19 ح 8.

(2) كما في الرياض 2: 443.

(3) الروضة 3: 141.

(4) الدروس 2: 137.

(5) النهاية: 333، السرائر 2: 137 139.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 280

و لذا اقتصر في المسالك في الاستدلال للإلحاق بالأصل «1».

و هو أيضاً مخدوش، لأنّه إنّما كان صحيحاً لولا عموم أو إطلاق دالّ على قبول شهادة النساء.

مع أنّ رواية عبد الكريم بن أبي يعفور دالّة على قبولها مطلقاً: «تقبل شهادة المرأة و النسوة إذا كنّ مستورات من أهل البيوتات، معروفات بالستر و العفاف، مطيعات للأزواج، تاركات للبذاء و التبرّج إلى الرجال في أنديتهم» «2».

بل يمكن دفع الأصل بالروايات المصرّحة بقبول شهادة النساء في الدين «3» كما يأتي، و هذه أيضاً من الديون حقيقةً كما صرح به (بعضهم «4»، و صرّحوا به) «5» في بيان إخراج هذه الأُمور من أصل التركة

قبل الوصيّة.

و استدلّوا له بقوله سبحانه مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ «6». و دعوى تبادر غير ذلك من الديون ممنوعة.

و بما دلّ على قبول شهادة المرأة لزوجها إذا كان زوجها هو المنذور له «7».

و قد يستأنس للإلحاق بالأخبار المتضمّنة لقبول شهادتهنّ في أُمور

______________________________

(1) المسالك 2: 413.

(2) التهذيب 6: 242، 597، الإستبصار 3: 13، 34، الوسائل 27: 398 أبواب الشهادات ب 41 ح 20.

(3) الوسائل 27: 350 أبواب الشهادات ب 24.

(4) كصاحب الرياض 2: 443.

(5) ما بين القوسين ليس في «ح».

(6) النساء: 11.

(7) الوسائل 27: 366 أبواب الشهادات ب 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 281

خاصّة «1»، من جهة ظهورها في الاختصاص.

و فيه مع أنّ منها الدين الشامل للمورد؛ و أنّ أكثرها مقيّدة بالنساء وحدهن، فلا يشمل شهادة النساء و الرجال-: أنّ هذا ليس في الأكثر إلّا اعتباراً لمفهوم اللقب، و هو باطل.

و على هذا، فالأظهر عدم الإلحاق.

ثم الحدود المشترطة فيها الذكورة المحضة تشمل الرجم و الجلد، و حدّ اللواط و السحق، و إتيان البهيمة، و شرب الخمر، و السرقة، و الردّة، و القذف، و قصاص النفس و الطرف، و غيرها من أنواع الحدود.

و هل تشمل التعزيرات؟

ظاهر الأخبار: العدم؛ للتصريح فيها بعدم كونها حدّا، فورد فيها: أنّ ليس في ذلك حدّ، و لكن فيه تعزير «2».

و عبّر جمع من الأصحاب بحقوق اللَّه الشاملة لها أيضاً «3».

و لكن لم أعثر بذلك على نصّ، فإن ثبت الإجماع كما هو المظنون و إلّا فالإطلاق المتقدّم يقتضي القبول «4»، إلّا أنّه يمكن الاستدلال بالحصر المذكور في رواية السكوني المتقدّمة «5»، و به يقيّد الإطلاق المذكور، فالأظهر فيها عدم القبول.

ثم إنّه استثني من الحدود: الرجم، فقبلت فيه شهادة

النساء مع الرجال، على التفصيل الآتي في كتاب الحدود إن شاء اللَّه.

______________________________

(1) الوسائل 27: 350 أبواب الشهادات ب 24.

(2) الوسائل 18: 571 أبواب نكاح البهائم و وطء الأموات و الاستمناء ب 1 ح 3 و 5.

(3) انظر المبسوط 8: 215.

(4) أي رواية عبد الكريم بن أبي يعفور المتقدّمة في ص 278.

(5) في ص 274.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 282

و عن الإسكافي: إلحاق اللواط و السحق به أيضاً «1».

و هو ضعيف غايته كما يأتي.

و ممّا وقع الخلاف فيه: القتل و الجرح الموجبين للقود دون ما تجب فيه الدّية- فإنّه خلافٌ في ثبوته بها.

فمنع الحلّي عن الثبوت بها مطلقاً «2»، و هو مذهب الشيخ في الخلاف و الفاضل في التحرير و القواعد «3».

و عن العماني: القبول كذلك، فيقتصّ من الجاني بشهادتهنّ مع الرجال «4». و نسب إلى موضع من الشرائع و الإرشاد و القواعد «5»، و احتمله في التحرير «6».

و ذهب الشيخ في المبسوط و النهاية و الإسكافي و الحلبي و القاضي و الشرائع و النافع و المختلف و الإيضاح إلى القبول في الدية دون القصاص «7»، بمعنى أنّه تثبت من شهادتهنّ في الجناية الموجبة للقود أيضاً الدية، و لا يقتصّ بشهادتهن. و حاصله: قبول شهادتهن، إلّا أنّه لا يحكم بواسطتها بالقصاص.

و هذا أو القبول في الجملة، و لو بالنسبة إلى الدية هو الذي نسبه

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 715.

(2) السرائر 2: 138.

(3) الخلاف 2: 606، التحرير 2: 212، القواعد 2: 238.

(4) حكاه عنه في المختلف: 714.

(5) الشرائع 4: 137، القواعد 2: 239.

(6) التحرير 2: 212.

(7) المبسوط 8: 172، النهاية: 333، و حكاه عن الإسكافي في المختلف: 714، الحلبي في الكافي في الفقه: 436، حكاه

عن القاضي في المختلف: 714، الشرائع 4: 137، المختصر النافع: 288، المختلف: 714، الإيضاح 4: 434.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 283

في المسالك إلى أكثر الأصحاب «1».

و هذا هو تحرير الخلاف في المسألة.

و قال صاحب الكفاية: أمّا القصاص يعني الجناية الموجبة له فاختلف الأصحاب فيه، أولها: القبول مطلقاً، و ثانيها: عدم القبول مطلقاً، و ثالثها: القبول فيما يوجب الدية حسب «2». انتهى .

و لا يخفى ما في كلامه؛ حيث جعل محلّ الخلاف الجناية الموجبة للقصاص، ثم جعل أحد الأقوال القبول فيما يوجب الدية.

ثم إنّ دليل الأولين: الروايات الأربع من التسع المتقدّمة في المسألة الثانية «3»، و روايتا غياث و إسماعيل المتقدّمتان في صدر المسألة «4».

و رواية زرارة: قلت: تجوز شهادة النساء مع الرجال في الدم؟ قال: «لا» «5».

و صحيحة محمّد، و في آخرها: «و لا تجوز شهادة النساء في القتل» «6».

و صحيحة ربعي: «لا تجوز شهادة النساء في القتل» «7».

______________________________

(1) المسالك 2: 414.

(2) الكفاية: 285.

(3) راجع ص 273.

(4) راجع ص 276.

(5) الكافي 7: 391، 9، التهذيب 6: 265، 706، الإستبصار 3: 24، 74، الوسائل 27: 354 أبواب الشهادات ب 24 ح 11.

(6) التهذيب 6: 265، 708، الإستبصار 3: 24، 76، الوسائل 27: 358 أبواب الشهادات ب 24 ح 28.

(7) التهذيب 6: 267، 716، الإستبصار 3: 27، 87، الوسائل 27: 358 أبواب الشهادات ب 24 ح 27.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 284

مضافة إلى الحصر المصرّح به في رواية السكوني المتقدّمة «1»، و الروايات المانعة عن شهادتهنّ في الحدود «2».

و دليل الثاني: صحيحة جميل و حمران المتقدّمة «3»، و روايتا الكناني و الشحّام:

في الأُولى : و قال: «تجوز شهادة النساء في الدم مع الرجال» «4».

و في

الثانية: فقلت: أ تجوز شهادة النساء مع الرجال في الدم؟ فقال: «نعم» «5».

و حجّة الثالث: الجمع بين أخبار القولين الأولين، بحمل أخبار الأول على المنع في القود، و أخبار الثاني على القبول في الدية.

مستأنساً لهذا الجمع بقوله في روايتي غياث و إسماعيل: «و لا في القود».

و بما يشعر به كلام الإسكافي من الإجماع، حيث قال: و إن لم تتمّ الشهادة على القتل بالرجال و شاركتهم النساء أوجبنا بها الدية «6».

أقول: أُجيب عن الحجّة الأخيرة تارةً: بأنّ الجمع فرع التكافؤ، و لا تكافئ أخبار القبول روايات المنع.

______________________________

(1) في ص 274.

(2) انظر الوسائل 27: 350 أبواب الشهادات ب 24.

(3) في ص 276.

(4) التهذيب 6: 267، 713، الإستبصار 3: 27، 84، الوسائل 27: 357 أبواب الشهادات ب 24 ح 25.

(5) التهذيب 6: 266، 712، الإستبصار 3: 27، 83، الوسائل 27: 359 أبواب الشهادات ب 24 ح 32.

(6) حكاه عنه في المختلف: 712.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 285

و فيه منع ظاهر؛ إذ لا ترجيح لروايات المنع إلّا الأكثريّة، و مجرّد ذلك لا يدفع التكافؤ.

و أمّا عمل الأصحاب، فليس العامل بالأول أكثر من الثاني كثرة موجبة للترجيح.

و يعارض اعتضاد الأول بروايات منع القبول في الحدود، و الحصر المذكور- باعتضاد الثاني أيضاً بعموم رواية عبد الكريم «1»، و تصريح رواية البصري «2» و الرضوي «3» بالقبول في الحدود.

و قد يُدفَع التكافؤ ببعض التقريبات الموهونة جدّاً أيضاً.

و أُخرى: بإمكان الجمع بحمل المانعة على صورة انفرادهن، و مخالفها على صورة اجتماعهنّ مع الرجال.

و فيه: تصريح بعض أخبار المنع به في صورة الاجتماع أيضاً، فلا جمع.

و الصواب أن يجاب: بأنّ هذا هو جمع بلا شاهد، و مثله فاسد. و ليس في قوله:

«و لا في القود» شهادة على ذلك أصلًا، فهذا القول ضعيف جدّاً.

و الأخبار من الطرفين و إن كانت معارضة إلّا أنّ بعد تعارضهما حتى أخبار المنع و الجواز في الحدود لا يُعلَم مخصِّص للحصر المتقدّم، و به

______________________________

(1) التهذيب 6: 242، 597، الإستبصار 3: 13، 34، الوسائل 27: 398 أبواب الشهادات ب 41 ح 20.

(2) التهذيب 6: 270، 728، الإستبصار 3: 30، 100، الوسائل 27: 356 أبواب الشهادات ب 24 ح 21.

(3) فقه الامام الرضا «ع»: 262، مستدرك الوسائل 17: 426 أبواب الشهادات ب 19 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 286

يخصَّص عموم رواية عبد الكريم.

و تظهر قوّة القول الأول، فعليه الفتوى و العمل.

و ممّا ذكر ظهر وجه القبول في موجبات الدية من القتل و الجرح أيضاً؛ لموافقة الحصر و العموم له، مع أنّ الظاهر عدم الخلاف فيه.

ثم إنّ ما ذكرنا من الخلاف إنّما هو في شهادتهنّ مع الرجال، بأن يشهد رجل و امرأتان أو أكثر.

و أمّا المنفردات، فلا خلاف في عدم قبول شهادتهنّ في القتل و الجراح الموجبين للقود مطلقاً، إلّا ما حكي عن الحلبي، حيث قال بقبول شهادة امرأتين في نصف الدية، و الواحدة في الربع «1»؛ مستدلّاً بصحيحة «2» و ضعيفة «3» شاذّتين خارجتين عن حيّز الحجّية بشذوذهما.

مع إمكان الخدش في دلالة الصحيحة بحملها على الدفع خطأ، و إرادة قبول شهادة المرأة بحسبها أي بنصف شهادة الرجل و طلب امرأة أُخرى مع رجل آخر، فتأمّل.

المسألة الرابعة: اختلفوا في قبول شهادتهنّ في الرضاع المحرّم،

فعن الخلاف و موضع من المبسوط و السرائر و الجامع: المنع «4»، و عن السرائر و التحرير و المسالك أنّه مذهب الأكثر «5»، و عن ظاهر المبسوط دعوى

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 349، و حكاه عنه في

المختلف: 714.

(2) الفقيه 3: 31، 96، التهذيب 6: 267، 714، الإستبصار 3: 27، 85، الوسائل 27: 357 أبواب الشهادات ب 24 ح 26.

(3) الفقيه 3: 32، 98، التهذيب 6: 267، 715، الإستبصار 3: 27، 86، الوسائل 27: 359 أبواب الشهادات ب 24 ح 33.

(4) الخلاف 2: 608، المبسوط 8: 175، السرائر 2: 137، الجامع للشرائع: 543.

(5) السرائر 2: 115، التحرير 2: 212، المسالك 2: 414.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 287

الإجماع عليه، حيث قال: و شهادة النساء لا تقبل في الرضاع عندنا «1». و نسبه فيه إلى روايات الأصحاب، بل عن الخلاف دعوى الإجماع عليه صريحاً «2».

و عن العماني و الإسكافي و المفيد و الديلمي و ابن حمزة و موضع من المبسوط و الفاضلين و الشهيدين و الفخري و الصيمري و سائر المتأخّرين: القبول «3»، و عن السيّد الإجماع عليه «4».

دليل الأول: الحصران المتقدّمان.

و حجّة الثاني: عموم رواية عبد الكريم.

و خصوص النصوص المصرّحة بجواز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه كما في بعضها «5» أو لا يجوز للرجل أن ينظر إليه، أو لا ينظر إليه الرجل «6».

و لأنّه أمر لا يطّلع عليه الرجل غالباً، فمسّت الحاجة إلى قبول شهادتهنّ فيه.

______________________________

(1) المبسوط 5: 411، و ج 8: 175.

(2) الخلاف 2: 609.

(3) حكاه عن العماني و الإسكافي في المختلف 2: 716، المفيد في المقنعة: 727، الديلمي في المراسم (الجوامع الفقهية): 657، ابن حمزة في الوسيلة: 222. المبسوط 8: 175، المحقّق في النافع: 288، العلّامة في التحرير 2: 212، الشهيدان في الدروس 2: 138، و اللمعة و الروضة 3: 144، الفخري في الإيضاح 4: 435.

(4) السيد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 212.

(5) الكافي 7: 392،

11، التهذيب 6: 365، 707، الوسائل 27: 352 أبواب الشهادات ب 24 ح 5.

(6) التهذيب 6: 281، 773، الإستبصار 3: 25، 80، الوسائل 27: 362 أبواب الشهادات ب 24 ح 42.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 288

و لمرسلة ابن بكير: امرأة أرضعت غلاماً و جارية، قال: «يعلم ذلك غيرها؟» قلت: لا، قال: «لا تصدّق إن لم يكن غيرها» «1». و تدلّ بمفهوم الشرط على تصديقها إذا كان معها غيرها و لو كان ذكراً واحداً و أُنثى واحدة. و خروج بعض الأفراد بالدليل غير ضائر.

أقول: أمّا المرسلة ففيها: أنّ المرضعة فيها إمّا مدّعية أو متبرعة، و مع ذلك لها نصيب في الشهادة و هو محرميّة الغلام لها، و الولديّة الرضاعيّة و مثل تلك الشهادة غير مقبولة؛ لأحد الوجوه الثلاثة، بل ظاهر قوله: «لا تصدّق» أنّ عدم القبول لأجل كونها مدّعية.

و أمّا ما تقدّمها ففيه: أنّه أمر لا يطّلع عليه الرجال الأجانب غالباً، و أما غيرهم- كزوج المرضعة و أبيها، و آبائهما، و أب الام، و أولادها، و إخوانها، و أولادهم، و أولاد الأُخت، و أعمامها و أخوالها فلِمَ لا يطّلع عليه؟! و أيّ فرق بينهم و بين النساء؟! و لو كان فرق بشي ء يسير لا اعتناء به، مع أنّه أيّ حاجة إلى ثبوت الرضاع و حصول التحريم؟!.

و ممّا ذكر يظهر ما في سابقه أيضاً، من أنّ الثدي ليس شي ء لا يستطيع أن ينظر إليه الرجال، أو لا يجوز، أو لا ينظر:

نعم، لا يجوز للرجال الأجانب، و لم تقيّد الأخبار بالأجانب، و لو خُصّ بذلك لكانت الشهادة على ما يتعلّق بالمرأة مطلقاً كذلك، سيّما على القول بحرمة استماع الأجانب أصواتهن.

فلم يبق إلّا العموم المذكور، و تخصيصه

بالحصر المتقدّم لازم.

فالحقّ هو القول الأول.

______________________________

(1) التهذيب 7: 323، 1330، الوسائل 20: 4012 أبواب عقد النكاح ب 12 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 289

المسألة الخامسة: اختلفوا في قبول شهادتهنّ مع الرجال في النكاح:

فعن المفيد و الخلاف و الديلمي و ابن حمزة و الحلّي و ظاهر التحرير: المنع «1»، و عن الصيمري نسبته إلى المشهور؛ لرواية السكوني المتقدّمة «2».

و عن العماني و الإسكافي و الصدوقين و الحلبي و التهذيبين و المبسوط و ابن زهرة و الشرائع و الإرشاد و القواعد و الإيضاح و الدروس و غيرهم من المتأخّرين «3» بل الأكثر كما عن المسالك «4»: القبول، و عليه الإجماع عن الغنية «5».

لصحيحة الحلبي «6»، و الروايات السبع لمحمّد بن الفضيل، و أبي بصير، و الخارقي، و ابن الحصين، و زرارة، و الكناني، المتقدّمة كلّاً في المسألة الثانية «7».

و الرضوي: «و تقبل شهادة النساء في النكاح و الدين، و كلّ ما لا يتهيّأ للرجال أن ينظروا إليه، و لا تقبل في الطلاق، و لا في رؤية الهلال» «8».

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 727، الخلاف 2: 606، الديلمي في المراسم (الجوامع الفقهية): 656، ابن حمزة في الوسيلة: 222، الحلّي في السرائر 2: 139، التحرير 2: 212.

(2) في ص 274.

(3) حكاه عن العماني و الإسكافي في المختلف: 712 و 713، الصدوق في المقنع: 135، و حكاه عنه و عن والده في المختلف: 713، الحلبي في الكافي في الفقه: 439، التهذيب 6: 280، الاستبصار 3: 25، المبسوط 8: 172، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 624، الشرائع 4: 136، القواعد 2: 239، الإيضاح 4: 432، الدروس 2: 137.

(4) المسالك 2: 413.

(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 624.

(6) المتقدّمة في 272.

(7) راجع ص 273 و 274.

(8) فقه الرضا «

(عليه السّلام)»: 262، مستدرك الوسائل 17: 426 أبواب الشهادات ب 19 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 290

أقول: بعض تلك الأخبار الثمانية و إن كانت مطلقة، و لكنّ أكثرها مقيّدة بما إذا كان معهنّ رجل، و بعد حمل مطلقها على المقيّد يختصّ الجميع بذلك، و يلزم تخصيص رواية السكوني التي هي دليل المنع بذلك؛ لكونها أعمّ مطلقاً.

و لا ينافيه استثناء الديون المثبت لقبول شهادتهنّ فيها مع أنّه أيضاً لا يكون مع انفرادهنّ عن الرجال لمنع عدم قبول شهادتهنّ فيها على الانفراد مطلقاً؛ لقبولها مع اليمين كما يأتي فلعلّه المراد من القبول في صورة الاستثناء.

مع أنّه لو قطع النظر عن ذلك لكان الترجيح لهذه الروايات البتّة؛ للأشهريّة روايةً، و مخالفة العامّة، كما صرّح به شيخ الطائفة «1»، و دلّت عليها تتمّة رواية داود بن الحصين السالف بعضها «2».

و أمّا الجمع بينهما بحمل المنع على ما إذا كان المدّعى الزوج؛ لأنّه لا يدّعي مالًا، و حمل القبول على ما إذا كانت المدّعية الزوجة؛ لأنّ دعواها متضمّنة للمهر و النفقة، كما استوجهه في المسالك «3» فضعيف غايته؛ لفقد التكافؤ، و انتفاء الشاهد عليه.

و ظهر من ذلك أنّ الحقّ هو القول بالقبول، لكن مقيّداً بما إذا كان معهنّ رجل، كما هو مذهب الأصحاب، و قيّده به في الصحيحة، و الروايات الأربع الأُولى «4».

______________________________

(1) الاستبصار 3: 25.

(2) في ص 273.

(3) المسالك 2: 413.

(4) المتقدّمة جميعاً في ص 273.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 291

و صرّح به في رواية إسماعيل بن عيسى : هل تجوز شهادة النساء في التزويج من غير أن يكون معهنّ رجل؟ قال: «لا، هذا لا يستقيم» «1»، و بها تقيّد المطلقات.

المسألة السادسة: صرّح جماعة بعدم قبول شهادة النساء لا منفردات و لا منضمّات في أُمور،

كالرجعة، و العدّة، و

الوكالة، و الوصاية، و الجناية الموجبة للقود، و العتق، و الولاء، و التدبير، و الكتابة، و البلوغ، و الجرح، و التعديل، و العفو عن القصاص، و الإسلام.

و ضبطها في الدروس و المسالك «2» و غيرهما «3» بما كان من حقوق الآدمي غير الماليّة و لا المقصود منه المال.

و نسب ذلك الضبط في الأول إلى الأصحاب، مؤذناً بدعوى الإجماع.

و لكن خدش في الإجماع فيه الأردبيلي في شرح الإرشاد، و قال: لا أعرفه، و لا دليلًا لثبوت القاعدة، و الأصل قبول الشهادة «4».

أقول: الخدش في الإجماع في خصوص تلك الأُمور و في تأسيس القاعدة- في محلّه؛ مع أنّ ما مثّلوا به للقاعدة و ما لخلافها قد لا ينطبق على ما مثّلوا به له.

و قد يراد ببعض أمثلة القاعدة: المال، و قد يقصد ببعض أمثلة خلافها: غير المال، و لذا وقع الخلاف في بعض أمثلة كلّ منهما.

إلّا أنّه يمكن إثبات الحكم و هو عدم القبول في جميع ما مثّلوا به

______________________________

(1) التهذيب 6: 280، 769، الإستبصار 3: 25، 79، الوسائل 27: 362 أبواب الشهادات ب 24 ح 39.

(2) الدروس 2: 137، المسالك 2: 413.

(3) كالخلاف 2: 606، الروضة 3: 141.

(4) انظر مجمع الفائدة و البرهان 12: 422 و ما يليها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 292

للقاعدة، و ما يشابهه من أمثلة خلافها، و اختلفوا فيها، مع عدم نصّ مخصوص على القبول فيه بما ذكرنا من الحصر المذكور في رواية السكوني «1»، المخصّص به عموم رواية عبد الكريم «2» و نحوه لو وجد.

بل يمكن إثبات أصل القاعدة به أيضاً؛ لعدم كون كلّ ما كان مصداقاً لها ديناً لغةً و لا عرفاً، فعدم القبول فيما يندرج تحتها هو الصحيح.

لا يقال:

تعارض الحصر المذكور مرسلة يونس، المصرّحة بأنّ استخراج الحقوق بأربعة، و عدّ منها الرجل و امرأتين «3»، و الحقوق أعمّ من الماليّة و غيرها.

قلنا: إنّه عدّ منها الرجل الواحد و اليمين، و قد عرفت اختصاصه بالديون بالنصوص، و لازمه تخصيص الحقوق بها أيضاً، أو التوقّف، فلا يثبت في مطلق الحقوق، و اللَّه العالم.

المسألة السابعة: و من ذلك القسم: كلّ أمر غير الديون-

لم يثبت فيه قبول شهادة النساء منفردات أو منضمّات فيه بدليل خاصّ به؛ للحصر المتقدّم، و ستأتي الإشارة إلى بعض أمثلتها في ذيل الأقسام الثلاثة.

القسم الثاني: ما تشترط فيه الذكورة في الجملة

لا المحضة، فتقبل فيه شهادة النساء و لكن مع الرجل، و من ذلك القسم: النكاح على الأشهر الأظهر، كما مرّ.

و قد عرفت الاختلاف في بعض آخر أيضاً، كالجناية الموجبة للقود

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 274.

(2) المتقدّمة في ص 278.

(3) الكافي 7: 416، 3، التهذيب 6: 231، 562، الوسائل 27: 241 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 7 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 293

و الطلاق و غيرهما، و علمت الحقّ فيها.

و منه: الديون عند جماعة «1»، و الأظهر خلافه، كما يأتي.

و ظهر من ذلك أنّ هذا القسم منحصر على المختار في النكاح.

القسم الثالث: ما لا تشترط فيه الذكورة،
اشاره

بل تقبل فيه شهادة النساء منضمّات مع الرجال و منفردات، مع اليمين أو بدونها. و هاهنا مسائل:

المسألة الأُولى : تقبل شهادة النساء في الديون في الجملة،
اشاره

بلا خلاف كما صرّح به جماعة «2»، بل بالإجماع كما عن السرائر و الغنية و المختلف «3» و غيرها «4»، بل بالإجماع المحقّق، فهو الحجّة فيه.

مع الآية الكريمة فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ «5».

و النصوص المستفيضة، كمرسلة يونس المتكرّر ذكرها، و صحيحة الحلبي، و روايتي داود بن الحصين و السكوني، المتقدّمة جميعاً في المسألة الثانية من القسم الأول «6»، و الرضوي المتقدّم في الخامسة منه «7».

و صحيحة أُخرى للحلبي: «إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في الدين، يحلف باللَّه أنّ حقّه لحقّ» «8».

______________________________

(1) منهم ابن سعيد في الجامع للشرائع: 542، صاحب الرياض 2: 444.

(2) منهم ابن إدريس في السرائر 2: 138، السبزواري في الكفاية: 285، صاحب الرياض 2: 444.

(3) السرائر 2: 138، الغنية (الجوامع الفقهية): 624، المختلف: 713.

(4) كالمسالك 2: 414.

(5) البقرة: 282.

(6) راجع ص 272 274.

(7) راجع ص 287.

(8) الكافي 7: 386، 7، الفقيه 3: 33، 106، التهذيب 6: 272، 739، الإستبصار 3: 32، 107، الوسائل 27: 271 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 15 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 294

و ثالثة: «إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) أجاز شهادة النساء في الدين و ليس معهنّ رجل» «1».

و مرسلة الحلبي: «إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) أجاز شهادة النساء في الدين مع يمين الطالب، يحلف باللَّه أنّ حقّه لحقّ» «2».

و موثّقة منصور بن حازم المرويّة في الفقيه: «إذا شهد لطالب الحقّ امرأتان و يمينه فهو جائز» «3»، و رواها

في التهذيب بواسطة واحد ثقة «4».

ثم مقتضى إطلاق غير الاولى من الروايات المذكورة بل صريح الثلاثة الأخيرة سيّما الصحيحة الثالثة قبول شهادتهنّ و لو انفردن عن الرجل، كما هو الحقّ المحكيّ عن الخلاف و المبسوط و النهاية و الإسكافي و القاضي و ابن حمزة و الشرائع و الإرشاد و القواعد و المختلف و شهادات التحرير و الشهيدين «5»، بل كما قيل: الكليني و الصدوق أيضاً «6»، و عن الخلاف: الإجماع عليه «7».

______________________________

(1) الفقيه 3: 32، 100، التهذيب 6: 263، 701، الإستبصار 3: 22، 69، الوسائل 27: 356 أبواب الشهادات ب 24 ح 20.

(2) الكافي 7: 390، 2، التهذيب 6: 269، 723، الإستبصار 3: 29، 95، الوسائل 27: 351 أبواب الشهادات ب 24 ح 2.

(3) الفقيه 3: 33، 105، الوسائل 27: 271 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 15 ح 1.

(4) التهذيب 6: 272، 738، الوسائل 27: 359 أبواب الشهادات ب 24 ح 31.

(5) الخلاف 2: 607، المبسوط 8: 174، النهاية: 333، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 712، القاضي في المهذّب 2: 558، ابن حمزة في الوسيلة: 222، الشرائع 4: 137، القواعد 2: 239، المختلف: 713، التحرير 2: 212، الشهيد في الدروس 2: 137، 138، الشهيد الثاني في الروضة 3: 147.

(6) انظر الرياض 2: 444.

(7) الخلاف 2: 607.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 295

لما ذكر من الإطلاقات و العمومات الخالية عن المعارض بالمرّة.

خلافاً للسرائر و النافع و عن قضاء التحرير و التنقيح «1».

للاقتصار على موضع الإجماع و منصوص الكتاب.

و مفهوم الصحيحة الأُولى .

و ظاهر مرسلة يونس: «استخراج الحقوق بأربعة [وجوه ]: بشهادة رجلين عدلين، فإن لم يكونا رجلين فرجل و امرأتان، فإن لم تكن امرأتان فرجل

و يمين المدّعى، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه» «2».

حيث حصر الاستحقاق بالأربعة، و ليس منها النساء المنفردة؛ مضافاً إلى تصريحها بأنّه إن لم يكن رجل فيرجع إلى يمين المدّعى عليه.

و صحيحة إبراهيم بن محمّد الهمداني: امرأة شهدت على وصيّة رجل لم يشهدها غيرها، و في الورثة من يصدّقها، و منهم من يتّهمها، فكتب (عليه السّلام): «لا، إلّا أن يكون رجل و امرأتان، و ليس بواجب أن تنفذ شهادتها» «3».

و يرد على الأول: أنّ الاقتصار على المجمع عليه و المنصوص إذا لم يكن دليل على غيرهما.

و على الثاني: أنّ التقييد في كلام الراوي، و لا اعتبار بمفهومه؛ مع أنّ مفهومه أيضاً ليس من المفاهيم المعتبرة.

و على الثالث: أنّ مفهوم الحصر عامّ يجب تخصيصه بالدليل، كما

______________________________

(1) السرائر 2: 116، 138، النافع: 288، التحرير 2: 193، التنقيح 4: 307.

(2) الكافي 7: 416، 3، التهذيب 6: 231، 562، الوسائل 27: 271 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 15 ح 2؛ و ما بين المعقوفين من المصادر.

(3) التهذيب 6: 268، 719، الإستبصار 3: 28، 90، الوسائل 27: 360 أبواب الشهادات ب 24 ح 34.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 296

خصّصه في نفس المرسلة أيضاً، حيث صرّحت بالثبوت باليمين المردودة أيضاً.

و كذا مفهوم: إن لم يكن رجل؛ مع أنّ المذكور فيها: «فإن لم يكن شاهد»، و إطلاق الشاهد على المؤنّث شائع.

و على الرابع: أنّه مخالف لعمل الأصحاب، و معارض بالأخبار الكثيرة من ثبوت الوصيّة بالمال، كما يأتي.

فروع:

أ: يشترط في الحكم بشهادتهنّ هنا منفردات عن الرجال ضمّ اليمين و إن كنّ أربع نسوة، بلا خلاف فيه يوجد، بل جعله بعض مشايخنا المعاصرين قطعيّاً «1».

و يدلّ عليه

مفهوم الحصر في المرسلة، حيث جعلت استخراج الحقوق الذي هو الحكم بالأربعة، خرج منها: النساء مع الرجل بالإجماع و الكتاب و السنّة، و مع اليمين بصحيحة الحلبي الثانية و مرسلته و الموثّقة، حيث إنّه لا يمين مع الرجال إجماعاً، فبقي الباقي.

و لا تخرجه رواية السكوني، و لا الرضوي، و لا الصحيحة الثالثة، من جهة عدم اشتمالها على ذكر اليمين، لان قبول الشهادة و إجازتها غير الحكم، و استخراج الحق بها غير مستلزم له، و لذا ورد قبول شهادة الزوج و الولد و الأخ و غيرهم؛ مع أنّه لا يحكم بها الا مع شاهد أو يمين.

مع ان الرضوي ضعيف غير منجبر في المقام، و الصحيحة قضيّة في

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 444.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 297

واقعة أو وقائع.

ب: قد سبق في بحث الحكم بالشاهد و اليمين من بحث القضاء المراد من الدين، و انه مال متعلق بالذمة لغةً و عرفاً، بأي سبب كان، و هو الدين بالمعنى العام، الشامل للدين بالمعنى الأخص الذي هو القرض.

و كذا المراد من كون الدعوى في الدين ان يكون هو المقصود من المخاصمة و لو تعلّقت بسببه، و أنّه يثبت السبب لو كان المقصود من الدعوى هو الدين، كما لو ادّعى الاشتراء منه بمائة لمطالبة المائة، فلو ادّعى المؤجر إجارة البيت لأخذ مال الإجارة يكون دعوى الدين، و لو ادّعى المستأجر الإجارة لم يكن كذلك.

و على هذا، فيشمل الدين للقرض، و النسية، و السلف، و ثمن المبيع، و الضمان، و غرامة التالف، و دية الجنايات، و غير ذلك ممّا يتعلّق فيه المال بالذمّة، و يكون هو المقصود بالدعوى ، سواء تعلّقت به ذاتاً أو بسببه تبعاً.

ج: قد ألحقوا بالدين جميع

الدعاوي الماليّة، أو ما يكون المقصود منه المال؛ و لأجله حكموا بالقبول في دعوى الرهن و الإجارة مطلقاً، و القراض، و الشفعة، و المزارعة، و المساقاة، و الهبة، و الإبراء، و الوصيّة بالمال، و الصداق، و الإقالة، و الردّ بالعيب، و الغصب، و السرقة من جهة المال، و الخيار، و غير ذلك.

و إلحاقهم يشمل ما لو لم يكن هناك دين أيضاً، كما إذا توافقا في أصل الدين و اختلفا في الرهن أو في تعيّنه، و كما إذا أدّى المستأجر الإجارة، و كما إذا كانت الوصيّة بالعين، أو الصداق، و الغصب بها.

و لا أرى لذلك الإلحاق دليلًا، و لم يثبت لي فيه إجماع، و إن نقله في

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 298

المختلف على الدين و العين «1»، و الحصر في رواية السكوني و المرسلة ينفيه، و قد أشار بذلك المحقّق الأردبيلي، حيث قال بعد حكاية القاعدة و احتمال الإجماع عليها-: إنّي لا أعرفهما «2».

و بالجملة: الدليل خير متّبع، و هو مع عدم الإلحاق، و الاقتصار على موضع الدليل و محلّ الوفاق، كما فعله الشيخ في النهاية و الحلّي في السرائر و المحقّق في النافع «3».

نعم، تقبل شهادتهنّ في الوصيّة بالمال كما يأتي.

المسألة الثانية: يثبت بشهادة النساء

منضمّات و منفردات كلّ ما يعسر اطّلاع الرجال عليه غالباً كالولادة، و البكارة، و الثيبوبة، و الحيض، و عيوب النساء الباطنة، كالقَرْن «4» و الرَّتَق «5» و القرحة في الفرج بلا خلاف يوجد، كما صرّح به جماعة منهم ابن زهرة «6» لمسيس الحاجة، و المعتبرة المستفيضة.

منها: الروايات الأربع لمحمّد بن الفضيل، و أبي بصير، و الخارقي، و رواية السكوني، المتقدّمة في المسألة الثانية من القسم الأول «7».

و منها: صحيحة الحلبي: عن شهادة

القابلة في الولادة، قال: «تجوز

______________________________

(1) المختلف: 713.

(2) انظر مجمع الفائدة 12: 423.

(3) النهاية: 333، السرائر 2: 116، المختصر النافع: 288.

(4) القَرْن: العفلة، و هو لحم ينبت في الفرج، و في مدخل الذكر، كالغدّة الغليظة، و قد تكون عظماً مجمع البحرين 6: 299.

(5) الرَّتَق: هو أن يكون الفرج ملتحماً ليس فيه للذكر مدخل مجمع البحرين 5: 167.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 624.

(7) راجع ص 273 274.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 299

شهادة الواحدة» و قال: «تجوز شهادة النساء في المنفوس و العذرة» «1»، و نحوها صحيحة عبيد اللَّه الحلبي «2».

و صحيحة ابن سنان: «تجوز شهادة النساء وحدهنّ بلا رجال في كلّ ما لا يجوز للرجال النظر إليه، و تجوز شهادة القابلة وحدها في المنفوس» «3».

أقول: المنفوس: الولد.

و موثّقة ابن بكير: «تجوز شهادة النساء في العذرة، و كلّ عيب لا يراه الرجال» «4».

و رواية داود بن سرحان: «أُجيز شهادة النساء في الصبي صاح أو لم يصح، و في كلّ شي ء لا ينظر إليه الرجل تجوز شهادة النساء فيه» «5».

و رواية السكوني الواردة في امرأة شهدت النساء المأمورات بالنظر إليها بالبكارة-: «و كان يجيز شهادة النساء في مثل ذلك» «6»، و بمضمونها رواية زرارة «7».

______________________________

(1) الكافي 7: 390، 2، التهذيب 6: 269، 723، الإستبصار 3: 29، 95، الوسائل 27: 351 أبواب الشهادات ب 24 ح 2.

(2) الفقيه 3: 31، 95، الوسائل 27: 364 أبواب الشهادات ب 24 ح 46.

(3) الكافي 7: 391، 8، التهذيب 6: 264، 702، الإستبصار 3: 23، 70، الوسائل 27: 353 أبواب الشهادات ب 24 ح 10.

(4) الكافي 7: 391، 7، التهذيب 6: 271، 732، الوسائل 27: 353 أبواب الشهادات ب 24 ح 9.

(5) الكافي

7: 392، 13، التهذيب 6: 268، 721، الإستبصار 3: 29، 93، الوسائل 27: 354 أبواب الشهادات ب 24 ح 12.

(6) الكافي 7: 404، 10، التهذيب 6: 278، 761، الوسائل 27: 354 أبواب الشهادات ب 24 ح 13.

(7) الفقيه 3: 32، 97، التهذيب 6: 271، 735، الوسائل 27: 363 أبواب الشهادات ب 24 ح 44.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 300

و الصحاح الثلاث لمحمّد «1»، و العلاء «2»: هل تجوز شهادتهنّ وحدهنّ؟ قال: «نعم في العذرة و النفساء»، إلّا أنّه ليس في إحدى صحيحتي محمّد لفظ: وحدهن.

و موثّقة البصري «3»، و روايته: «تجوز شهادة النساء في المنفوس و العذرة» «4».

و يشترط حيث كنّ منفردات كونهنّ أربعاً على الأصحّ الأشهر، بل عليه- كما قيل «5» عامّة من تأخّر؛ لأنّ قبول شهادتهنّ مخالف للأصل بالحصرين المتقدّمين، فيقتصر فيه على موضع اليقين، و ليس إلّا الأربع؛ لورود المجوّزات كلّا بلفظ: النساء، الذي هو صيغة الجمع، الغير الصادق حقيقةً إلّا على ما زاد على الاثنين، و بضميمة الإجماع المركّب يتعيّن الأربع فما زاد.

و احتمال كون الجمعيّة باعتبار القضايا فلا ينافي اعتبار الوحدة في بعضها- غير مفيد؛ إذ لا يصار إلى خلاف الأصل بمجرّد الاحتمال.

______________________________

(1) صحيحة محمد الأُولى : الكافي 7: 391، 6، الوسائل 27: 353 أبواب الشهادات ب 24 ح 8.

الثانية: التهذيب 6: 270، 727، الإستبصار 3: 30، 99، الوسائل 27: 356 أبواب الشهادات ب 24 ح 19.

(2) التهذيب 6: 269، 725، الإستبصار 3: 30، 97، الوسائل 27: 356 أبواب الشهادات ب 24 ح 18.

(3) الكافي 7: 392، 10، التهذيب 6: 269، 722، الإستبصار 3: 29، 94، الوسائل 27: 355 أبواب الشهادات ب 24 ح 14.

(4) التهذيب 6: 270، 728،

الإستبصار 3: 30، 100، الوسائل 27: 356 أبواب الشهادات ب 24 ح 21.

(5) انظر الرياض 2: 445.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 301

مع أنّ الاكتفاء بالواحدة للولادة و الإتيان بالجمع لغيرها في صحيحتي الحلبي و ابن سنان مشعر بالفرق.

و الأمر بنظر النساء في رواية السكوني يدلّ على عدم الاكتفاء بالواحدة و الاثنتين؛ إذ مع الاكتفاء لم يجز الأمر بنظر الزائدة على القدر المحتاج إليه إلى العورة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 18    301     المسألة الثانية: يثبت بشهادة النساء ..... ص : 298

قد يؤيَّد ذلك أيضاً ببعض الروايات الدالّة على أنّ شهادة امرأتين عند اللَّه تعالى شهادة رجل «1»، و فيه تأمّل.

نعم، يمكن تأييد ذلك بل الاستدلال بما يأتي من قوله (عليه السّلام) بعد حكمه بنفوذ شهادة المرأة في ربع الوصيّة أنّه: «بحساب شهادتها» «2»؛ حيث يدلّ على أنّ شهادتها المعتبرة تامّة مطلقاً هي الأربع.

و في موثّقة سماعة: «القابلة تجوز شهادتها في الولد على قدر شهادة امرأة واحدة» «3»، و في صحيحة ابن سنان الآتية «4» أيضاً مثله.

خلافاً للمحكيّ عن المفيد و الديلمي، فقالا بقبول شهادة امرأتين في عيوب النساء، و الولادة، و الاستهلال، و الحيض، و النفاس «5»؛ للصحيحتين المصرّحتين بالاكتفاء بالقابلة في الولادة.

و هما غير دالّتين على التعميم الذي ذكراه أولًا، و لا على الترتيب الذي ذكراه ثانياً مطلقاً.

______________________________

(1) الوسائل 27: 271 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 15.

(2) انظر ص 303.

(3) التهذيب 6: 270، 730، الإستبصار 3: 31، 103، الوسائل 27: 357 أبواب الشهادات ب 24 ح 23.

(4) انظر ص 301.

(5) المفيد في المقنعة: 727، الديلمي في المراسم: 233.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 302

و التمسّك فيه بالجمع

بينهما و بين ما يدلّ على جواز شهادة الامرأتين في الاستهلال غير جيّد؛ لأنّ جوازها لا يدلّ على عدم جواز الأقلّ مع أنّ هذا جمع بلا شاهد و لا على ثبوت تمام المشهود به؛ لعدم إطلاقهما، و وجود المقيّد بالربع كما يأتي ثالثاً.

و للمحكيّ عن الإسكافي، فقبل شهادة الواحدة في الأُمور المذكورة بحسابها «1»؛ و لعلّ مستنده القياس على الاستهلال و الوصيّة، و فساده عندنا ظاهر.

و هل تثبت الأُمور المذكورة بشهادة الرجلين و رجل و امرأتين حيث جاز نظر الرجل، أو نظر و تاب أم لا؟

ظاهر كلام الأصحاب: نعم، و هو كذلك؛ لعمومات قبول شهادة العدلين و العدل و الامرأتين، كمرسلة يونس و غيرها «2»، بل لولا الدليل على اختصاص الثبوت بالرجل و اليمين بالدين لقلنا به أيضاً.

خلافاً للمحكيّ عن القاضي «3»؛ معلّلًا بحرمة نظر الرجال إليه.

و جوابه يظهر ممّا ذكرنا، مع أنّ المرأة أيضاً كذلك؛ لحرمة نظرها إلى عورة المرأة، و الضرورة المجوّزة قد تحصل في الرجال أيضاً.

المسألة الثالثة: قد عرفت أنّ ممّا يثبت بشهادة النساء منفردات و منضمّات ولادة الطفل حيّاً؛
اشاره

و دلّت عليه المستفيضة المتقدّمة.

و تمتاز هذه عن غيرها بأنّها تقبل فيها شهادة امرأة واحدة أيضاً، و لكن في ربع ميراثه، و شهادة امرأتين في نصفه، و شهادة ثلاث في ثلاثة

______________________________

(1) نقله عنه في المختلف: 716.

(2) المتقدّمة في ص 291 293.

(3) المهذّب 2: 559.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 303

أرباعه، و إذا كملن الأربع يثبت تمام الميراث؛ بالإجماع كما صرّح به في السرائر «1» و بعض المتأخّرين أيضاً «2».

و تدلّ على أصل الثبوت بالواحدة صحيحتا الحلبي و صحيحة ابن سنان المتقدّمة «3»، و رواية جابر: «شهادة القابلة جائزة على أنّه استهلّ أو برز ميّتاً إذا سُئل عنها فعدلت» «4».

و على ثبوت الربع بالواحدة موثّقة سماعة

المتقدّمة، و صحيحة عمر بن يزيد: عن رجل مات و ترك امرأته و هي حامل، فوضعت بعد موته غلاماً، ثم مات الغلام بعد ما وقع على الأرض، فشهدت المرأة التي قبلتها به أنّه استهلّ، و صاح حين وقع على الأرض، ثم مات، قال: «على الإمام أن يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام» «5».

و على ثبوت الربع بها و النصف بالاثنتين: صحيحة ابن سنان: «تجوز شهادة القابلة في المولود إذا استهلّ و صاح في الميراث، و يورث الربع من الميراث بقدر شهادة امرأة»، قلت: فإن كانتا امرأتين؟ قال: «تجوز شهادتهما في النصف من الميراث» «6».

و على ثبوت ثلاثة أرباع بالثلاث و الكلّ بالأربع: مرسلة الفقيه، قال بعد

______________________________

(1) السرائر 2: 138.

(2) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 380.

(3) في ص 297.

(4) التهذيب 6: 271، 737، الوسائل 27: 362 أبواب الشهادات ب 24 ح 38.

(5) الكافي 7: 392، 12، الفقيه 3: 32، 101، التهذيب 6: 268، 720، الإستبصار 3: 29، 92، الوسائل 27: 352 أبواب الشهادات ب 24 ح 6، بتفاوت يسير.

(6) الكافي 7: 156، 4، التهذيب 6: 271، 736، الإستبصار 3: 31، 104، الوسائل 27: 364 أبواب الشهادات ب 24 ح 45، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 304

نقل صحيحة عمر بن يزيد-: و في رواية اخرى : «إن كانت امرأتين تجوز شهادتهما في نصف الميراث، و إن كنّ ثلاث نسوة جازت شهادتهنّ في ثلاثة أرباع الميراث، و إن كنّ أربعاً جازت شهادتهنّ في الميراث كلّه» «5».

و يمكن إثبات الربعين و الثلاث و الأربع مضافاً إلى الإجماع المركّب بقوله (عليه السّلام) في الصحيحة الثانية: «بقدر شهادة امرأة» فإنّها تدلّ على أنّ شهادة كلّ امرأة تثبت الربع.

و

أمّا ما قيل من أنّ رواية الواحدة تكفي الأربع؛ إذ يصدق على كلّ واحدة منها أنّها شهدت للربع «1».

فكان حسناً لو تضمّنت لثبوت الربع بشهادة كلّ مرأة، و ليست كذلك، بل حكمت بثبوت الربع بعد السؤال عن شهادة القابلة، فيمكن أن يكون السبب للثبوت هو شهادة المرأة، واحدة كانت أو أكثر.

ثم هذه الأخبار كما ترى مخصوصة بالقابلة، أمّا الأُوليان فظاهرتان، و أمّا الأُخريان فلرجوع الضمائر في قوله: «فإن كانتا» و «إن كانت» و: «إن كنّ» إلى المرأة التي قبلتها و إلى القابلة، و لا أقلّ من احتمال ذلك.

و لا يمكن التمسّك بعدم القول بالفصل؛ لتخصيص الشيخ في النهاية و الحلّي في السرائر و المحقّق في النافع القابلة بالذكر «2».

إلّا أنّه يمكن إثبات الحكم في غيرها بقوله: «على قدر شهادة امرأة واحدة» و قوله: «بقدر شهادة امرأة» في الموثّقة و الصحيحة، فتأمّل.

______________________________

(5) الفقيه 3: 32، 102، الوسائل 27: 365 أبواب الشهادات ب 24 ح 48.

(1) انظر الرياض 2: 446.

(2) النهاية: 333، السرائر 2: 138، النافع: 288.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 305

فرعان:

أ: لو وضعت الحامل توأمين تقبل شهادة المرأة الواحدة في ثبوت الربع لكلّ منهما؛ لصدق الغلام على كلّ منهما.

ب: فإن قيل: يثبت بشهادة المرأة الواحدة التولّد حيّاً و ميّتاً كما صُرّح به في رواية جابر و إذا ثبتت الحياة يثبت تمام الميراث.

قلنا: لم يصرّح في رواية جابر بثبوت الحياة بشهادة الواحدة، بل قال بنفوذ شهادتها، و لازمه ترتّب تمام الأثر عليها. و على هذا، فيختصّ الحكم بالميراث، و لا يتعدّى إلى غيره إن كان.

المسألة الرابعة: و ممّا يثبت بشهادة المرأة: الوصيّة بالمال،
اشاره

و هي أيضاً كسابقتها، يثبت الربع بالواحدة، و النصف بالاثنتين، و ثلاثة أرباع بالثلاث، و الكلّ بالأربع؛ بالإجماع، كما في السرائر «1» و غيره «2».

أمّا أصل ثبوت الوصيّة بالمرأة فتدلّ عليه رواية يحيى بن خالد: رجل مات و له امّ ولد، و قد جعل لها سيّدها شيئاً في حياته، ثم مات، قال: فكتب (عليه السّلام): «لها ما أثابها به سيّدها في حياته معروف ذلك لها، تُقبَل على ذلك شهادة الرجل و المرأة و الخدم غير المتّهمين» «3».

و أمّا التفصيل المذكور فلصحيحة ربعي: في شهادة امرأة حضرت رجلًا يوصي ليس معها رجل؟ فقال: «يجاز ربع ما أوصى بحساب شهادتها» «4».

______________________________

(1) السرائر 2: 138.

(2) كالخلاف 2: 609، كشف اللثام 2: 380.

(3) الفقيه 3: 32، 99، الوسائل 27: 364 أبواب الشهادات ب 24 ح 47.

(4) الكافي 7: 4، 4، الفقيه 4: 142، 486، التهذيب 6: 268، 718، الإستبصار 3: 28، 89، الوسائل 27: 355 أبواب الشهادات ب 24 ح 16، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 306

و صحيحة محمّد بن قيس: «قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في وصيّة لم يشهدها إلّا امرأة، فقضى أن تجاز شهادة المرأة في ربع الوصيّة» «1».

و موثّقة أبان:

في وصيّة لم يشهدها إلّا امرأة، فأجاز شهادة المرأة في الربع من الوصيّة بحساب شهادتها «2».

و التعدّي إلى الربعين فما زاد بالإجماع المركّب، و قوله: بحساب شهادتها.

و أمّا بعض الأخبار الدالّة على عدم قبول شهادتهنّ منفردات في الوصيّة مطلقاً- كصحيحة إبراهيم بن محمّد «3» و ابن بزيع «4» فلا تصلح لمعارضة ما مرّ؛ لشذوذها المخرج لها عن الحجّية، مضافاً إلى موافقتها للعامّة كما صرّح به شيخ الطائفة «5»، و يشعر به بعض المعتبرة.

فروع:

أ: هل يشترط قبول شهادة المرأة في هذه المسألة و السابقة عليها بتعذّر الرجال كما في نهاية الشيخ و السرائر و عن القاضي و ابن حمزة «6»

______________________________

(1) التهذيب 6: 267، 717 و ج 9: 180، 720، الإستبصار 3: 28، 88، الوسائل 27: 355 أبواب الشهادات ب 24 ح 15.

(2) الكافي 7: 4، 5، التهذيب 9: 180، 722، الوسائل 19: 317 أبواب أحكام الوصايا ب 22 ح 2، بتفاوت يسير.

(3) المتقدّمة في ص 293.

(4) التهذيب 6: 280، 771، الإستبصار 3: 28، 91، الوسائل 27: 362 أبواب الشهادات ب 24 ح 40.

(5) الاستبصار 3: 29.

(6) النهاية: 333، السرائر 2: 138، القاضي في المهذّب 2: 559، ابن حمزة في الوسيلة: 222.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 307

أو لا، كما هو مقتضى إطلاق كلام الأكثر؟

قيل: مقتضى إطلاق النصوص: الثاني «1».

أقول: أين إطلاق النصوص؟! أمّا أخبار المسألة الأُولى فالشائع الغالب المتبادر فيها يوجب انصرافها إلى صورة التعذّر، و أمّا الثانية فغير واحدة من أخبارها مخصوصة بصورة التعذّر.

نعم، ظاهر إطلاق رواية يحيى القبول مطلقاً، و لعلّه يكفي في إثباته، و اللَّه العالم.

ب: في ثبوت النصف بالرجل في المسألتين؛ لمساواته الامرأتين في المعنى ، أو الربع؛ للفحوى ، أو سقوط

شهادته رأساً؛ لخروجه عن مورد النصوص. أوجه، أوجهها الأخير، وفاقاً للإيضاح «2» و غيره؛ للأصل.

و اختار في القواعد و الروضة و المسالك الوسط «3»؛ لما مرّ.

و يضعّف بعدم معلوميّة العلّة في الأصل، فمن أين الأولويّة؟! ج: لا يختصّ قبول الوصيّة على التفصيل المذكور بالوصيّة لشخص معيّن، بل يجري في الوصيّة للفقراء، و وجوه البرّ، و سائر المصارف العامّة، و العبادات العالميّة و البدنيّة، و العتق، و الوقف، و غيرها؛ لإطلاق النصوص.

د: لو أقرّ الميّت حال حياته بشي ء لشخص من دين أو عين، و اكتفى بالإقرار، فهو ليس وصيّة، فلا يثبت بما تثبت به الوصيّة. و لو ضمّ معه قوله: أعطوه بعد مماتي، كان وصيّة.

______________________________

(1) كما في الرياض 2: 446.

(2) الإيضاح 4: 435.

(3) القواعد 2: 239، الروضة 3: 146، المسالك 2: 414.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 308

ه: لو أوصى بالزائد عن الثلث اعتبر الربع و الربعان و الثلاثة أرباع ممّا أوصى به، لا من الثلث، فيحكم بثبوت ربع ما أوصى به مثلًا، و يعمل فيه ما يعمل في الوصيّة، من الرجوع إلى الثلث، و طرح ما زاد.

و: لو أوصى بعين لا يمكن تقسيمه إلّا بضرر كزوج خفّ، أو فرد صندوق- يشترك فيه الموصى له بقدر ما ثبت له من الربع و غيره.

ز: لو أوصى بما لا ربع له كنقل نعشه إلى أحد المشاهد لم يثبت فيه شي ء؛ إذ لا ربع له.

و لا يرجع إلى الأُجرة؛ لعدم كونها موصى بها، و يحتمل الرجوع إليها؛ لأنّ الوصيّة بالنقل تستلزم الوصيّة بها، فيعمل في الربع و نحوه بما يعمل به في الوصيّة بما لا يفي بعمل أوصى به، فيرجع إلى الورثة على الأظهر.

و نحوه لو أوصى ببناء

قنطرة أو رباط أو مسجد على نحو معيّن، و احتمال الرجوع إلى الأُجرة هنا أظهر.

ج: هل يجوز للمرأة الواحدة و نحوها تضعيف ما أوصى به في الشهادة حتى يثبت تمام الوصيّة فتشهد فيما أوصى بواحد بأربعة، و لو كانتا اثنتين فباثنين حتى يثبت الواحد أم لا؟

الظاهر: العدم؛ لكونه كذباً، و لا دليل على تجويزه هنا.

نعم، لو كذبت لم تضمن قدر الوصيّة؛ للأصل.

و لو كذبت، فإن علم به الحاكم ردّ شهادتها في الزائد على الوصيّة، و حكم بربع ما أوصى ؛ و إن لم يعلم يحكم بالربع.

ط: كلّ ما ذكر فيه ردّ شهادة المرأة و عدم قبولها إنّما هو إذا لم يبلغ حدّ الشياع المفيد للعلم للحاكم، و إن بلغ فيعمل بمقتضاها؛ لوجوب عمل

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 309

الحاكم بعلمه. و كذا لو ضمّت مع شهادتها القرائن المفيدة للعلم.

و لنختم ذلك الفصل بمسائل أربع:
المسألة الأُولى : اختلف الأصحاب في اشتراط الحرّية في قبول الشهادة و عدمه على سبعة أقوال:

الأول: عدمه، فتقبل شهادة المملوك مطلقاً، حكي عن الجامع و الشهيد الثاني «1» (رحمه اللَّه) و تبعهما جمع من متأخّري المتأخّرين، منهم: صاحب الكفاية و المفاتيح و شارحه «2» و غيرها «3»، و يظهر من المحقّق الأردبيلي الميل إليه «4».

لعمومات قبول شهادة العدل كتاباً و سنّة، و خصوص المعتبرة المستفيضة:

كصحيحة البجلي المتضمّنة لحكاية درع طلحة، و فيها حكاية عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) في ردّ شريح: «فقلتَ: هذا مملوك، و لا أقضي بشهادة المملوك، و ما بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلًا» «5».

و صحيحة اخرى له: «لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلًا» «6».

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 540، الشهيد الثاني في المسالك 2: 407.

(2) الكفاية: 283، المفاتيح 3: 281.

(3) كالرياض 2: 436.

(4) زبدة البيان: 692، مجمع الفائدة 12: 410 412.

(5) الكافي 7: 385، 5، الفقيه 3: 63،

213، التهذيب 6: 273، 747، الإستبصار 3: 34، 117، الوسائل 27: 265 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 14 ح 6، بتفاوت.

(6) الكافي 7: 389، 1، التهذيب 6: 248، 634، الإستبصار 3: 15، 42، الوسائل 27: 345 أبواب الشهادات ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 310

و حسنة العجلي: عن المملوك تجوز شهادته؟ قال: «نعم، و إنّ أول من ردّ شهادة المملوك لَفلان» «1».

و حسنة محمّد: في شهادة المملوك، قال: «إذا كان عدلًا فهو جائز الشهادة، إنّ أول من ردّ شهادة المملوك عمر بن الخطّاب» «2».

و صحيحة محمّد: «تجوز شهادة العبد المسلم على الحرّ المسلم» «3».

و هي تدلّ على جواز شهادته على غير الحرّ و غير المسلم بالطريق الأولى ، و عدم القول بالفصل.

الثاني: عدم القبول مطلقاً، و هو مذهب العماني «4»، و نسبه في المسالك إلى أكثر العامّة «5»، و يظهر من الشيخ أنّه مذهب عامّتهم «6»، و نسبه في كنز العرفان إلى فقهائهم الأربعة «7».

لصحيحة الحلبي: عن شهادة ولد الزنا، فقال: «لا، و لا عبد» «8».

و صحيحة محمّد: تجوز شهادة المملوك من أهل القبلة على أهل الكتاب»، و قال: «العبد المملوك لا تجوز شهادته» «9».

______________________________

(1) الكافي 7: 390، 3، التهذيب 6: 248، 635، الإستبصار 3: 16، 43، الوسائل 27: 345 أبواب الشهادات ب 23 ح 2.

(2) الكافي 7: 389، 2، التهذيب 6: 248، 633، الإستبصار 3: 15، 41، الوسائل 27: 345 أبواب الشهادات ب 23 ح 3، بتفاوت يسير.

(3) الفقيه 3: 26، 69، التهذيب 6: 249، 636، الإستبصار 3: 16، 44، الوسائل 27: 346 أبواب الشهادات ب 23 ح 5.

(4) حكاه عنه في المختلف: 720.

(5) المسالك 2: 407.

(6) الخلاف 2:

613.

(7) كنز العرفان 2: 53.

(8) التهذيب 6: 244، 612، الوسائل 27: 376 أبواب الشهادات ب 31 ح 6.

(9) التهذيب 6: 249، 638، الإستبصار 3: 16، 46، الوسائل 27: 348 أبواب الشهادات ب 23 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 311

و موثّقة سماعة: عمّا يردّ من الشهود؟ فقال: «المريب، و الخصم، و الشريك، و دافع مغرم، و الأجير، و العبد، و التابع، و المتّهم؛ كلّ هؤلاء تُردّ شهادتهم» «1».

و رواية السكوني، و فيها: «و العبد إذا شهد شهادة ثم أُعتق جازت شهادته إذا لم يردّها الحاكم قبل أن يُعتَق» «2».

دلّت بالمفهوم على عدم الجواز قبل العتق.

الثالث: عدم القبول على الحرّ المسلم، و القبول على غيره، و هو مذهب الإسكافي، و المحكيّ عنه في المختلف و الإيضاح و المسالك «3» و غيرها «4» في جانبي الردّ و القبول هو ما كان عليه، و لم يتعرّضوا لما كان له، و الظاهر أنّ المعنى على أمره، سواء كان له أو عليه.

و كيف كان، فدليله في جانب القبول العمومات، و منطوق صدر صحيحة محمّد الثانية المتقدّمة، و مفهوم صحيحته الأُخرى الآتية.

و في جانب الردّ فصحيحته الأُخرى : «لا تجوز شهادة العبد المسلم على الحرّ المسلم» «5»، و مفهوم صدر صحيحته الثانية.

و في الجانبين الجمع بين الأخبار، و المرويّ في الخلاف عن

______________________________

(1) التهذيب 6: 242، 599، الإستبصار 3: 14، 38، الوسائل 27: 378 أبواب الشهادات ب 32 ح 3.

(2) الفقيه 3: 28، 80، التهذيب 6: 250، 643، الإستبصار 3: 18، 51، الوسائل 27: 349 أبواب الشهادات ب 23 ح 13.

(3) المختلف: 720، الإيضاح 4: 429، المسالك 2: 407.

(4) كالكفاية: 283.

(5) التهذيب 6: 249، 637، الإستبصار 3: 16، 45، الوسائل 27:

348 أبواب الشهادات ب 23 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 312

أمير المؤمنين (عليه السّلام): «أنّه كان يقبل شهادة بعضهم على بعض، و لا يقبل شهادتهم على الأحرار» «1».

الرابع: القبول في الشهادة مطلقاً، إلّا على مولاه خاصّة، فلا تُقبَل و تُقبَل له أيضاً، ذهب إليه الشيخان و السيّدان و الديلمي و القاضي و ابن حمزة و الحلّي و الفاضلان و الفخري و الصيمري «2»، بل الأكثر كما في الشرائع و الدروس و المسالك و الكفاية و شرح الإرشاد للأردبيلي «3»، بل عليه الإجماع في السرائر و عن الانتصار و الغنية «4».

أمّا في الجزء الأول: فلما مرّ في دليل الأول.

و أمّا الثاني: فللجمع بينه و بين ما مرّ دليلًا للقول الثاني، و للإجماع المنقول، و الشهرة المحقّقة، و قياسه على الولد في شهادته على الوالد؛ لاشتراكهما في تحريم العقوق.

و لصحيحة الحلبي: في رجل مات و ترك جارية و مملوكين، فورثهما أخ له، فأعتق العيدين، و ولدت الجارية غلاماً، فشهدا بعد العتق أنّ مولاهما كان أشهدهما أنّه كان يقع على الجارية، و أنّ الحمل منه، قال: «تجوز شهادتهما، و يردّان عبدين كما كانا» «5»، و لو لم تكن شهادتهما

______________________________

(1) الخلاف 2: 613.

(2) المفيد في المقنعة: 726، الطوسي في الخلاف 2: 613، المرتضى في الانتصار: 246، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 624، الديلمي في المراسم: 232، القاضي في المهذب 2: 557، ابن حمزة في الوسيلة: 230، الحلّي في السرائر 2: 135، المحقّق في الشرائع 4: 131، العلامة في المختلف: 721، الفخري في الإيضاح 4: 430.

(3) الشرائع 4: 131، الدروس 2: 132، المسالك 2: 407، الكفاية: 283.

(4) السرائر 2: 135، الانتصار: 246، الغنية (الجوامع الفقهية): 624.

(5)

التهذيب 6: 250، 642، الإستبصار 3: 17، 50، الوسائل 27: 347 أبواب الشهادات ب 23 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 313

مردودة على السيّد لم يكن لعتقهما فائدة.

و ما في كنز العرفان، حيث قال: و اختُلِفَ في شهادة العبد إلى أن قال و عن أهل البيت روايات أشهرها و أقواها القبول إلّا على سيّده خاصّة «1».

الخامس: عدم القبول للمولى، و القبول عليه و على غيره و له، نقله في المختلف و الإيضاح عن الصدوقين «2»؛ لمكان التهمة، و صحيحة ابن أبي يعفور: عن الرجل المملوك المسلم تجوز شهادته لغير مواليه؟ فقال: «تجوز في الدَّين و الشي ء اليسير» «3»، دلّت بالمفهوم على عدم القبول للموالي.

السادس: القبول في غير المولى، و عدمه فيه لا له و لا عليه، نقله في السرائر و المختلف و الإيضاح عن الإستبصار «4»، و في الثاني عنه و عن التهذيب، و في الجميع عن الحلبي؛ لمكان التهمة في المولى طمعاً و خوفاً، و للجمع بين الأخبار.

السابع: القبول على المولى، و عدم القبول له و لا لغيره أو عليه، نقله في الشرائع و القواعد «5»، و قال في المسالك و الكفاية: إنّ قائله غير معلوم «6». و لعلّ مستنده التوفيق بين الأخبار.

______________________________

(1) كنز العرفان 2: 53.

(2) المختلف: 720، الإيضاح 4: 430.

(3) التهذيب 6: 250، 640، الإستبصار 3: 17، 48، الوسائل 27: 347 أبواب الشهادات ب 23 ح 8.

(4) السرائر 2: 135، المختلف: 720، الإيضاح 4: 430.

(5) الشرائع 4: 131، القواعد 2: 238.

(6) المسالك 2: 407، الكفاية: 283.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 314

أقول: أمّا دليل القول الأول فلا شي ء فيه، إلّا معارضة بعض الأخبار المذكورة دليلًا لبعض الأقوال المخالفة، و

يأتي حالها.

و أمّا دليل الثاني فيضعف بمعارضة أخباره مع خصوصات أخبار دليل الأول، و أعمّيتها مطلقاً من بعض تلك الأخبار؛ لاختصاصه بالمملوك العدل، فتخصيصها به لازم.

ثم بمعارضتها مع بعضٍ آخر من خصوصاتها بالمساواة، فيجب الرجوع إلى المرجّحات، و هي مع ذلك البعض؛ لموافقته الكتاب، و مخالفته العامّة، و موافقة هذه الأخبار لهم، و هما من المرجّحات القويّة.

ثم بمعارضتها لصدر صحيحة محمّد الثانية، و المرويّ في الخلاف، و صحيحتي الحلبي و ابن أبي يعفور، المتقدّمة جميعاً؛ مع كونها أخصّ مطلقاً من تلك الأخبار المانعة.

هذا، مع ما في تلك الأخبار من الشذوذ، و المخالفة لفتوى القدماء- إلّا نادراً- الموجبين لخروجها عن الحجّية، بل كونها مخالفة للإجماع في الجملة؛ حيث إنّ مخالفة العماني في انعقاده غير ضائرة.

و من ذلك يظهر سقوط ذلك القول عن درجة الاعتبار.

و يظهر أيضاً ضعف دليل الثالث؛ لأنّه ما كان من جانب القبول و إن كان مطابقاً لأدلّة القول الأول و لكن ما في جانب الردّ يعارض هذه الأدلّة.

فمع بعضها بالعموم المطلق، و هو صحيحة البجلي الأُولى ، المتضمّنة لشهادة قنبر على من هو مسلم ظاهراً و حرّ.

و مع الباقي بالعموم و الخصوص المطلقين، الراجح معارضه بموافقة الكتاب، و مخالفة العامّة، و الأشهريّة رواية، و الأحدثيّة، التي كلّها من المرجّحات المنصوصة المقبولة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 315

مضافاً إلى ما قيل من عدم صراحة الصحيحة الأُولى «1»، لاحتمال إرادة عدم الجواز على معناه و هو النهي؛ لكونه بدون إذن مولاه. و إن كان ذلك خلاف الظاهر؛ لأنّه لو كان ذلك لما كان وجه للتخصيص بالعبد المسلم و لا بالحرّ المسلم؛ مع أنّها تشمل صورة الإذن أيضاً.

و إلى كون دلالة الصحيحة الثانية بمفهوم اللقب، الذي

هو ليس بحجّة.

و كون رواية الخلاف ضعيفة غير منجبرة.

هذا كلّه، مع ما في الجميع من الشذوذ المخرج عن الحجّية.

و أمّا حديث الجمع بين الأخبار ففيه: أنّ الجمع إنّما هو فرع التكافؤ و حجّية الطرفين، و هو هنا مفقود؛ مع أنّ الجمع غير منحصر بذلك.

فهذا القول أيضاً كسابقه ضعيف غايته.

و كذا القول الرابع؛ لضعف ما استدلّ به لجانب الردّ غاية الضعف.

أمّا الجمع بين الأخبار فلما عرفت في سابقه.

و أمّا الإجماع المنقول و الشهرة فلعدم حجّيتهما أصلًا، سيّما في مقابلة الكتاب و السنّة المتواترة معنى .

و توهّم تحقّق الإجماع مع مخالفة القديمين و الصدوقين و الشيخ في التهذيبين و الحلبي و صاحب الجامع «2»، و هم من أركان القدماء، و جماعة

______________________________

(1) أي صحيحة محمّد المتقدّمة في ص 308.

(2) حكاه عن القديمين و هما الإسكافي و العماني في المختلف: 720، و عن الصدوقين في المختلف: 720، و الإيضاح 4: 430، التهذيب 6: 249 251، الإستبصار 3: 17، الحلبي في الكافي في الفقه: 435، يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 540.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 316

من المتأخّرين «1» و تردّد الفاضل في القواعد «2» توهّم فاسد جدّاً.

و أمّا قياسه على الوالد و الولد فهو أفسد.

و أمّا صحيحة الحلبي فهي عن الدلالة خالية بالمرّة؛ إذ ليس العتق إلّا في كلام السائل، و مع ذلك هو عتق فاسد، فدلالتها على الجواز أشبه، و لو دلّت فبمفهوم الوصف، و هو ضعيف.

و أمّا عبارة الكنز فكونها رواية غير معلومة، كما اعترف به المستدلّ به، قال- بعد ذكر شواهد على عدم رواية فيه-: و كلّ هذا ظاهر في عدم رواية عليه بالخصوص، و أمّا ما ذكره في الكنز من الرواية لعلّه اشتباه، و

يشبه أن يكون مراده بها إمّا الروايات المانعة مطلقاً بعد الحمل على المنع هنا خاصّة جمعاً، أو خصوص الصحيحة الآتية «3». انتهى .

و مراده من الصحيحة صحيحة الحلبي التي قدّمناها.

و أمّا أدلّة سائر الأقوال فضعفها ممّا مرّ في اشتراط انتفاء التهمة، و ما مرّ في عدم انحصار وجه الجمع، بل دلالة الأخبار بانحصاره في الحمل على التقيّة ظاهر، سيّما الاستدلال بصحيحة ابن أبي يعفور، فإنّ التقييد فيها إنّما هو في السؤال، و لو دلّ فبمفهوم الوصف، و ينافي ذيلها مذهب المستدلّ.

و من جميع ما ذكر ظهر أنّ الأول هو أصحّ الأقوال، و من اللَّه التوفيق

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 407، السبزواري في الكفاية: 283، الكاشاني في المفاتيح 3: 281.

(2) القواعد 2: 238.

(3) انظر الرياض 2: 437.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 317

في كلّ حال.

المسألة الثانية: ليس شي ء من البصر و السمع شرطاً في القبول،

فتقبل شهادة الأعمى و الأصمّ إذا جمعا سائر الشرائط، و تحمّلاها حال الصحّة، أو لم يفتقر المشهود به في الأول إلى الرؤية، و في الثاني إلى السماع.

بلا خلاف في الأول مطلقاً، بل عن الانتصار و الخلاف و الغنية الإجماع عليه «1»؛ و تدلّ عليه العمومات، و خصوص روايتي محمّد بن قيس و ثعلبة بن ميمون «2»، و المرويّ في الاحتجاج عن محمّد بن عبد اللَّه الحميري، عن صاحب الزمان (عليه السّلام) «3».

و كذا في الثاني في الجملة؛ للعمومات المذكورة، بلا معارض لها، سوى رواية جميل: عن شهادة الأصمّ في القتل؟ قال: «يؤخذ بأول قوله، و لا يؤخذ بالثاني» «4».

و حكي عن النهاية و القاضي و ابن حمزة الفتوى بمضمونها «5».

و ردّها الأكثر بضعف السند، و المخالفة للأُصول، لأنّ القول الثاني إن كان منافياً للأول كان رجوعاً عنه، فيجب ردّ

الأول، كما هي القاعدة في رجوع الشاهد. و إن كان موافقاً له يكون مؤكّداً له، فلا ردّ. و إن كان غير مرتبط به فهو كلام مستقلّ لا دخل له بالأول.

______________________________

(1) الانتصار: 249، الخلاف 2: 612، الغنية (الجوامع الفقهية): 624.

(2) الكافي 7: 400، 1 و 2، التهذيب 6: 254، 662 و 663، الوسائل 27: 400 أبواب الشهادات ب 42 ح 1، 2.

(3) الاحتجاج: 490، الوسائل 27: 400 أبواب الشهادات ب 42 ح 4.

(4) الكافي 7: 400، 3، التهذيب 6: 255، 664، الوسائل 27: 400 أبواب الشهادات ب 42 ح 3.

(5) النهاية: 327، القاضي في المهذّب 2: 556، ابن حمزة في الوسيلة: 230.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 318

و يمكن أن يختار الأول، و يخصّ ردّ الشهادة الأُولى بغير مورد الرواية؛ لأنّ ما دلّ على طرح الشهادة الأُولى بالرجوع و هو أيضاً مرسلة جميل «1» عامّ، و تخصيصه بالخاصّ ليس بعزيز،، سيّما إذا كان الخاصّ معمولًا به عند جماعة من الأعيان.

فإذن المختار هو قول الشيخ، و لكن يلزم تخصيصه بالقتل؛ لأنّه مورد الرواية، و عدم ثبوت الإجماع المركّب.

المسألة الثالثة: المعتبر في الشرائط وجودها في الشاهد عند أداء الشهادة،

فلو تحمّلها فاقداً لبعضها و أدّاها حال الاستجماع قبلت؛ للعمومات، و أصالة عدم الاشتراط حين التحمّل؛ و تدلّ عليه الروايات الواردة في موارد مخصوصة، كالصبي إذا بلغ، و الكافر إذا أسلم، و الأجير إذا فارق، و العبد إذا أُعتق، و الفاسق إذا تاب، و قد مرّ شطر منها في طيّ بيان تلك الشرائط.

المسألة الرابعة: لا تُردّ شهادة أرباب الصنائع المكروهة-

كالصياغة و بيع الرقيق و لا الدنيئة عادةً كالحياكة و الحجامة و لو بلغت غايتها- كالزبّال و الوقّاد- و لا ذوي العاهات و الأمراض الخبيثة كالأجذم و الأبرص بعد استجماع الجميع شرائط قبول الشهادة، بلا خلاف يوجد كما قيل «2»، بل مطلقاً كما في الكفاية «3»، بل عن ظاهر السرائر و المسالك الإجماع عليه «4».

______________________________

(1) الكافي 7: 383، 1، الفقيه 3: 37، 124، التهذيب 6: 259، 685، الوسائل 27: 326 أبواب الشهادات ب 10 ح 1.

(2) انظر الرياض 2: 446.

(3) الكفاية: 281.

(4) السرائر 2: 118، المسالك 2: 404.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 319

و تدلّ عليه عمومات قبول الشهادة من الكتاب و السنّة، مع خلوّها عن المعارض بالمرّة، عدا ما توهّمه بعض العامّة من أنّ اشتغالهم بهذه الحرف و رضاهم يشعر بالخسّة و قلّة المروّة «1».

و هو ضعيف غايته، سيّما على القول بعدم اعتبار المروّة في قبول الشهادة، و كذا على اعتبارها، إذا لم تكن في ارتكاب هذه الصناعات منافاة للمروّة من غير جهة نفس الصنعة من حيث هي، كما إذا كان من أهلها، أو لم يُلَم مثله في مثلها بحسب العادة.

و أمّا مع الملامة له فيها بأن كان من أهل بيت العزّ و الشرف، الذي لا تناسب حاله تلك الصنعة، فارتكبها بحيث يلام فيتأتّى عدم قبول شهادته حينئذ، على القول

باعتبار المروّة، و عدم القبول من هذه الجهة غير عدم القبول من حيث ارتكاب الصنعة من حيث إنّها هي، فإنّ الحيثيّات في جميع الأُمور معتبرة.

______________________________

(1) انظر المغني و الشرح الكبير 12: 35 و 48.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 320

الفصل الثاني في بيان مستند الشاهد و ما يتعلّق به
اشاره

و فيه مقدّمة و مسائل:

أمّا المقدّمة: ففيها ثلاث فوائد:
الفائدة الأُولى

اعلم أنّ من يخبر عن شي ء إمّا يخبر به عن علم، أو ظنّ؛ و كلّ منهما إمّا شرعي، أو عقلي، أو عادي؛ و من الأخير: المعلوم أو المظنون بأحد الحواسّ الخمس الظاهريّة؛ و قد يحصلان من الحدس أو التجارب أيضاً، و منه: إخبار الطبيب، و الرمّال، و المنجّم، و القيّاف، و نحوهم.

الفائدة الثانية: اعلم انّ المخبر عن واقعة على ثلاثة أقسام:

الأول: أن يخبر بتفاصيل أسباب علمه أو ظنّه بالمخبَر به جزءاً جزءاً، حتى ينتهي إلى آخر الواقعة، فيقول: رأيت المُلك الفلاني في يد زيد منذ مدّة كذا، يتصرّف فيه كيف شاء، مدّعياً ملكيّته من غير معارض له إلى الآن.

أو يقول: سمعت ذلك من جمع يمتنع عادةً تواطؤهم على الكذب، أو من عدلين.

أو: شاهدت زيداً استقرض من عمرو المبلغ الفلاني، و هو أقرضه و أقبضه إيّاه بحضوري.

أو يقول: شاهدت المُلك في يده في السنة السابقة و يده عليه مستصحبة عندي إلى اليوم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 321

أو: يشبه بالقيافة هذا الابن فلاناً، و نحو ذلك.

الثاني: أن يخبر بالعلم أو الظنّ بالمخبَر به من غير تفصيل أسباب العلم أو الظنّ و موجباته، فيقول: إنّي أعلم أنّ هذا الملك ملك زيد، أو أظنّه.

أو: أعلم أنّ زيداً تشتغل ذمّته لعمرو بالمبلغ الفلاني، أو أظنّه.

أو: أعلم أنّ زيداً ابن عمرو، أو أظنّه، و غير ذلك.

الثالث: أن يخبر بالمخبَر به مطلقاً، مجرّداً عن العلم أو الظنّ، و عن تفصيل موجباتهما، كأن يقول: هذا ملك زيد، أو: زيد مشغول الذمّة لعمرو بمبلغ كذا، أو: زيد ابن عمرو، و أمثال ذلك.

الفائدة الثالثة: اعلم أنّ كلام الفقهاء في هذا المقام إمّا يكون في بيان وظيفة الشاهد و تكليفه، أو في وظيفة الحاكم و شأنه.

أمّا على الأول: فيكون المراد أنّه في مقام الشهادة بأي مستند تجوز له الشهادة بالمشهود به، من العلم أو الظنّ، ثم العلم بمطلقه، أو الحاصل بأحد الحواسّ الظاهرة، أو الشرع، أو العقل، أو التجارب، أو الحدس، و كذا الظنّ بمطلقه، أو بالمتاخم للعلم.

و على هذا لا يكون لهم كلام في القسم الأول؛ لأنّ المشهود به فيه نفس المستند و الدليل و الأسباب، دون المدلول و المسبّب، و هي لا تحتاج إلى مستند و دليل، و جواز الشهادة على ذلك النحو

بديهي، و على الحاكم الحكم بمقتضاه من النتائج و المدلولات.

إلّا أن يقال: إنّه يجب أن يكون عالماً بذلك المستند، فإذا قال: رأيت، أو سمعت، كان عالماً برؤية فلان، أو سماع الكلام الفلاني، أو نحوهما.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 322

بل و كذا الظاهر أنّه ليس كلامهم في القسم الثاني؛ لأنّهم يقولون: ضابط مستند الشهادة العلم، و لا معنى لكون العلم مستند العلم.

إلّا أن يتكلّم فيه في أنواع العلوم، أي في أنّ أيّ علم يعتبر شرعاً، حتى يجوز للشاهد أن يجعله مبنى الشهادة، و يشهد شهادة علميّة بسببه؟ فيقولون: إنّه يجب أن يكون المستند في المبصرات حسن البصر مثلًا، و لا تجوز الشهادة العلميّة فيها بالعلم الحاصل من السماع.

أو يتكلّم فيه فيما يفيد العلم و لا يفيده، حتى يجوز بواسطته الإخبار بالعلم بالمشهود به، أو لا يجوز.

و لكنّهما خلاف الظاهر من مرادهم.

فكلامهم على هذا إنّما هو في القسم الثالث، يعني: أنّ مستند الشهادة بالملك المطلق مثلًا، أو اشتغال الذمّة المطلق، أو غيرهما ما هو، و في أيّ مقام تصحّ و تجوز له الشهادة بالمطلق، و في أيّة لا تصحّ؟

و أمّا على الثاني، فيكون المراد: أنّ الحاكم بأيّ شهادة يجوز له الحكم أو يجب؟ أ بالمستند إلى العلم، أو يجوز العمل بالمستند إلى الظنّ أيضاً؟

و على الأول: فبالمستند بأيّ علم؟ فهل يختصّ بالعلم الحاصل من حسن البصر في المبصرات، و حسن السمع في المسموعات، و هكذا؛ أو يحكم بالمستند إلى العلم مطلقاً و لو بالحاصل من السماع في المبصرات؟

و على هذا، لا يكون كلامهم إلّا في القسم الأول؛ إذ في القسمين الأخيرين لم يُذكَر مستند و لا سبب حتى يقال: إنّه هل يجوز للحاكم الحكم به

أم لا؟

نعم، يمكن أن يكون هناك كلام آخر، و هو: أنّه هل يجوز للحاكم

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 323

الحكم بالشهادة المطلقة من غير بيان العلم أو الظنّ، أو بالشهادة العلميّة من غير ذكر مستند العلم، أنّه هل هو الحسّ، أو السماع، أو التجربة، أو الشرع، أو غير ذلك؟

المسألة الأُولى : قالوا: إنّ ضابط المستند و ما يصير به الشاهد شاهداً: العلم القطعي

العادي بلا خلاف فيه، في غير ما يجي ء الخلاف فيه.

لمرسلة الفقيه: «لا تكون الشهادة إلّا بعلم، من شاء كتب كتاباً و نقش خاتماً» «1».

و روايتي عليّ بن غياث «2» و عليّ بن غراب «3»: «لا تشهدنَّ بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفّك».

و في النبويّ: و قد سُئل عن الشهادة، [قال ]: «هل ترى الشمس؟» فقال: نعم، فقال: «على مثلها فاشهد، أو دع» «4».

قال في السرائر: و ما روي عن الأئمّة الأطهار في مثل هذا المعنى أكثر من أن يحصى «5».

و يدلّ عليه أيضاً: أنّه لولاه للزم الكذب؛ لأنّ من يخبر عن شي ءٍ ظاهرٌ في أنّه يخبر عن الواقع عالماً به، و لو قيّده بالعلم أيضاً يصير صريحاً فيه، فلو لم يكن عالماً كان كاذباً.

______________________________

(1) الفقيه 3: 43، 146، الوسائل 27: 341 أبواب الشهادات ب 20 ح 2.

(2) الكافي 7: 383، 3، التهذيب 6: 259، 682، الوسائل 27: 341 أبواب الشهادات ب 20 ح 1.

(3) الفقيه 3: 42، 143، الوسائل 27: 341 أبواب الشهادات ب 20 ح 1.

(4) الشرائع 4: 132، الوسائل 27: 342 أبواب الشهادات ب 20 ح 3؛ و ما بين المعقوفين من المصدرين.

(5) السرائر 2: 131.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 324

نعم، لو كان ظانّاً و أخبر عن ظنّه به، و قال أظنّ كذا، لم يكن كذباً و جاز أيضاً، كما صرّح به

في الكفاية «1»؛ للأصل، فإنّه ليس بشهادة حتى يدخل تحت النهي، و لو سلّم فالمشهود به هو ظنّه و ليس كاذباً فيه، إلّا أنّه غير معتبر إجماعاً.

المسألة الثانية: ثم إنّهم زادوا على ذلك و قالوا: يعتبر أن يكون ذلك العلم حاصلًا إمّا بالرؤية أو بالسماع.

فالأول في الأفعال.

و الثاني في الأقوال، كالأقارير و العقود و نحوها.

و قد يقال: أو بالسماع و الرؤية؛ إذ تفتقر الشهادة على القول لرؤية القائل.

و هو أيضاً مراد من لم يضمّ معه الرؤية، قالوا: إلّا فيما تتعذّر أو تتعسّر فيه الرؤية أو السماع كالنسب و الوقف و نحوهما ممّا يأتي فإنّه يكفي فيه التسامع و الاشتهار.

و السماع المأخوذ في ذلك غير السماع المتقدّم، فإنّ المراد فيما تقدّم هو أن يكون المسموع هو عين المشهود به، و هنا أن يكون إخباراً عنه.

فالعلم في الأول حسّيّ حاصل عن الحسّ، و في الثاني مستفاد من قرينة امتناع تواطئهم على الكذب.

و أيضاً الحاصل من الأول هو العلم البتّة إذا كانت الحاسّة صحيحة و القول واضحاً، و أمّا الثاني فقد لا يحصل منه إلّا الظنّ.

و لا يخفى أنّه تخرج من ذلك الشهادة على اللمس أو الذوق أو الشمّ

______________________________

(1) الكفاية: 283.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 325

فيما يحتاج إليه.

و منهم من قال: بالرؤية كالأفعال أو السماع كالوقف و النسب أو بهما، كالعقود و الأقارير «1».

و لا يخفى ما فيه، فإنّ السماع الأول أيضاً يحتاج إلى رؤية المسموع منه.

و القول: بأنّ المرئيّ هنا غير المشهود له أو عليه.

قلنا: المسموع أيضاً كذلك كما مرّ؛ مع أنّ ذكر السماعين يدلّ على اتّحاد المراد منهما، و ليس كذلك.

و منهم من بدّل الرؤية بالمشاهدة كما في الشرائع فقال بالمشاهدة أو السماع «2»، و أراد من السماع هو المعنى الثاني، أي التسامع.

و فسّر بعضهم المشاهدة في كلامه بالمعنى الشامل للذوق

و الشمّ و اللمس أيضاً «3».

و فيه أيضاً: أنّه كان حسناً لولا حصره المشاهدة في الأفعال. و أيضاً المشاهدة بهذا المعنى تشمل السماع بالمعنى الأول أيضاً.

و بالجملة: لم أعثر على كلام منقّح في التعبير في ذلك المقام.

و الصواب أن يقال: إنّه يجب أن يكون مستنده: المشاهدة الشاملة للشهود بكلّ من الحواسّ الخمس الظاهريّة، التي هي مبادئ اقتناص العلوم في المحسوسات.

ثم نتكلّم في السماع بالمعنى الثاني، في أنّه هل يكفي ذلك في شي ء

______________________________

(1) انظر الروضة 3: 135.

(2) الشرائع 4: 132.

(3) انظر الرياض 2: 446.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 326

أم لا؟ و على الأول ففي أيّ موضع يكفي، و أي قدر يُكتفى فيه؟ فهل يشترط أن يفيد العلم أو الظنّ المتاخم له، أو يكفي مطلق الظنّ؟

فنحن نتكلّم في هذه المسألة في الأول، و نتبعها في الثالثة بالثاني.

فنقول: قد صرّحوا بأنّه يجب أن يكون مستند الشهادة هو أحد الحواسّ الظاهرة.

بل قال بعضهم: الأصل في الشهادة عندهم القطع المستند إلى الحسّ الظاهر؛ اعتباراً منهم للمعنى اللغوي مهما أمكنهم «1». انتهى .

و قوله: مهما أمكنهم، إشارة إلى الاعتذار للشهادة بالتسامع و الاشتهار في بعض الامور، كما يظهر ممّا ذكره قبل الكلام المذكور.

و لا يتوهّم أنّ العلم الحاصل بالتسامع أيضاً مستند إلى حاسّة السمع.

فإنّه علم حاصل بواسطة مقدّمات أُخر من بُعد تواطئهم على الكذب، و لذا يختلف باختلاف السامع في سبق الشبهة و عدمه، و سهولة القبول و عدمها، و اختلاف المخبَر عنه جلاءً و خفاءً، و اختلاف المخبرين وثوقاً و عدمه، و لو كان مجرّد التوقّف على مبدئيّة الحسّ لم يكن علم غير حسّي، فإنّ العلم بالصانع من المصنوعات يتوقّف على مشاهدتها، و العلم بحدوث العالم بالتغيّر يحتاج إلى

إحساس التغيّر.

ثم الدليل على اعتبار العلم المستند إلى المشاهدة الحسّية هو ما ذكره بعضهم من أنّ المفروض أنّ الشاهد في مقام الشهادة، و الشهادة كما مرّ في صدر المقصد هي الحضور أو الإخبار عمّا شاهده و عاينه، و هما- بالنسبة إلى العالم الغير المستند علمه إلى الحسّ مفقودان؛ إذ يقال له

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 447.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 327

عرفاً و لغةً: أنّه غير حاضر و غير مخبر عمّا شاهده.

و إلى هذا يشير كلام الشهيد في الدروس حاكياً عن بعض الأصحاب، حيث قال: و لا بدّ عند الإقامة من إتيان الشاهد بلفظ الشهادة، فيقول: أشهد بكذا، و أنا شاهد عليه الآن بكذا، أو: شهدت عليه، و لو قال: أعلم، أو أتيقّن، أو أُخبر عن علم أو حقّ، لم يُسمَع، قاله بعض الأصحاب «1». انتهى .

و لا يعارضه ما قيل من إطلاق الفتاوى و النصوص المتقدّمة، المتضمّنة للفظ العلم و المعرفة «2»، المتقدّمة في المسألة الأُولى .

لأنّ الفتاوى و إن كانت في العنوان مطلقة، و لكن الأكثر قيّدوها بعده بالمشاهدة أو الرويّة، و ما أرادوا المطلق، و إلّا لم يجعلوا الشهادة في النسب و الوقف و أشباههما ممّا يكتفون فيها بالاستفاضة مستثناة، سيّما عند الأكثر المشترطين للاستفاضة العلميّة. و لو سلّم إطلاق البعض لم يصلح للمعارضة.

و أمّا النصوص فلا عموم فيها أصلًا؛ لتضمّنها لفظ الشهادة أيضاً، فمدلولها أنّه لا بدّ مع الحضور من العلم و المعرفة، و لا يكفي مطلق الحضور حتى الذي لم يفد غير الظنّ؛ مع أنّ العلم في المرسلة «3» ليس عامّاً، بل معناها: أنّه لا يكون الإخبار عمّا شاهده إلّا مع علم به، و الأخبار المتعقّبة لها مخصوصة بعلم خاصّ، هو العلم

بالكفّ و بالشمس المرئيّة، و اختصاصهما بالعلم الحاصل عن المشاهدة ظاهر، فهي أيضاً أدلّة على

______________________________

(1) الدروس 2: 135.

(2) انظر الرياض 2: 447.

(3) أي مرسلة الفقيه المتقدّمة في ص 321.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 328

المطلوب.

و تدلّ عليه أيضاً المستفيضة من الصحاح و غيرها، الواردة في شهود الزنا، المتضمّنة لمثل قولهم: «حتى تقوم البيّنة الأربعة أنّهم رأوه يجامعها» أو «أنّهم رأوه يدخل و يخرج» «1».

بل يمكن دعوى الإجماع عليه أيضاً؛ لتصريح الكلّ بذلك، و لم يذكروا علماً آخر سوى العلم الحاصل من التسامع في موارد خاصّة، و جعلوه مستثنى من القاعدة بالدليل.

و ممّا ذكرنا ظهر ما في كلام المحقّق الأردبيلي، حيث قال بعد ما نقل عنهم: إنّه لا يجوز كون مستند الشهادة في الأفعال السماع من الغير: و فيه تأمّل؛ إذ يجوز أن يعلم هذه الأُمور بالسماع من الجماعة الكثيرة بقرائن أو غيرها، بحيث يتيقّن و لم يبق عنده شبهة أصلًا، كسائر المتواترات و المحفوفات بالقرائن، فلا مانع من الشهادة حينئذٍ، لحصول العلم «2». انتهى .

فإنّه لا كلام في جواز حصول العلم بما ذكر، بل بغيره أيضاً من التجارب و القرائن، كما يعلم كون الليلة ثاني الشهر فصاعداً برؤية ظلّ الشاخص و نحوها.

و إنّما الكلام في أنّه هل يجوز جعل كلّ علم مناط الشهادة؟ مع أنّه خلاف مقتضاها اللغوي و العرفي، و خلاف مدلول النصّ المصرّح بأنّه على مثل رؤية الشمس و على معرفة كما يعرف الكفّ يشهد «3»، كيف؟! و لو

______________________________

(1) انظر الوسائل 28: 94 أبواب حد الزنا ب 12.

(2) مجمع الفائدة 12: 444.

(3) راجع ص 321.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 329

كان المناط العلم مطلقاً لم ينحصر بالعلم الحاصل من التسامع، بل يحصل

كثيراً ما من التجارب و الحدسيّات و الاستقراء، بل عن قول ثلاثة أو اثنين أو واحد، كما ذكروه في الأُصول. و اختلفوا في أنّه هل يحصل العلم من الخبر الواحد، أم لا؟ و على الأول هل يطرد، أم لا؟

فإن قيل: عدم اعتبار هذه العلوم لاختلافها شدّةً و ضعفاً و تخلّفها كثيراً.

قلنا: تحقّق هذا التخلّف و الاختلاف في العلم الحاصل من التسامع أكثر بكثير.

و لا تنافي ما ذكرنا رواية حفص بن غياث: أ رأيت إذا رأيتُ شيئاً في يدي رجل، أ يجوز لي ان اشهد أنّه له؟ قال: «نعم» قال الرجل: أشهد أنّه في يده و لا أشهد أنّه له فلعلّه لغيره، فقال له أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): «أ فيحلّ الشراء منه؟» قال: نعم، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): «فلعلّه لغيره، فمن أين جاز لك أن تشتريه و يصير ملكاً لك ثم تقول بعد الملك: هو لي، و تحلف عليه، و لا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك؟!» الحديث «1».

لأنّ ذلك أيضاً شهادة مستندة إلى حسّ البصر، و هو الرؤية في يد زيد، و اليد معرِّف شرعيّ للملكيّة الظاهريّة، أي كونه محكوماً له بالملكية ما لم يعلم خلافها.

بل اليد التي لم يعلم فيها عدم الملكيّة هي نفس الملكيّة الظاهريّة، فإنّ الملكيّة ارتباط جعليّ من الشارع، إمّا واقعاً و هي ما كان كذلك في نفس الأمر، و هي لا يظهر خلافها أو ظاهراً، و هي كونها كذلك على

______________________________

(1) الكافي 7: 387، 1، الفقيه 3: 31، 92، التهذيب 6: 261، 695، الوسائل 27: 292 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 25 ح 2، بتفاوتٍ يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص:

330

الظاهر.

و للواقعيّة أسباب، و للظاهريّة معرِّفات، هي أيضاً أسبابها، و أحد معرِّفاتها اليد. كما أنّه تجوز الشهادة على الزوجيّة بمشاهدة الزوج و الزوجة و سماع عقد النكاح بينهما، و بتطهير الثوب برؤية غسله على ما هو المقرّر في الشرع، و بنجاسته برؤية وصول بول الإنسان إليه، و بالطلاق بالحضور في مجلسه، و هكذا. فإنّ نفس الزوجيّة و التطهير و التنجيس و زوال عقد النكاح ليست اموراً محسوسة، و لا ترتّبها على الأسباب المذكورة محسوساً، و لا ترتّباً عقليّاً و لا عاديّاً، بل ترتّب شرعيّ بجعل الشارع، فبمشاهدة الموجبات الشرعية يشهد بالموجَب، بالفتح.

و كذلك الغصب، و اشتغال الذمّة بالقرض، و الشهادة بالوقف بسماع الصيغة و رؤية الإقباض، و نحوها، بل كذلك في جميع الشهادات الحسّية.

فإنّه إذا سمع قول زيد: إنّ عليَّ ألفاً لعمرو، يشهد عليه بالإقرار، و هي شهادة حسّية؛ مع أنّ اللفظ المذكور محتمل للتجوّز و التخصيص و الحذف و نحوها، بدون قرينة، أو بقرينة مخفيّة عليه، و سببه أنّ اللفظ المذكور مفيد للاعتراف وضعاً ما لم تُعلَم القرينة.

و كذلك إذا قال: أعرف فلان بن فلان، فإنّ ابنيّته له أمر شرعيّ مترتّب على اشتهار نسبه، أو إقرار والده، أو تحقّق الفراش و نحوه، فالمحسوس شي ء، و المشهود به شي ء آخر مترتّب على المحسوس إمّا بحكم الشرع، أو الوضع، أو العقل، أو العرف؛ فكذلك الملكيّة بعينها بالنسبة إلى اليد.

و قد ثبت ممّا ذكر أنّ الأصل في الشهادة هو الاستناد إلى العلم الحضوري، و عدم كفاية الحصولي على سبيل الإطلاق.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 331

المسألة الثالثة: قد استثنوا من الأصل المذكور أُموراً

مخصوصة، فاكتفوا في جواز الشهادة فيها بالعلم الحصولي لا مطلقاً، بل بالتسامع و الاستفاضة.

ثم إنّهم اختلفوا في تعداد تلك الأُمور،

فمنهم من خصّها بالنسب وحده، و هو الإسكافي «1».

و عدّها في النافع أربعة، بزيادة: الملك المطلق، و الوقف، و الزوجيّة «2».

و في الخلاف جعلها ستّة، بزيادة: الولاء، و العتق «3». و كذلك في الكفاية، و لكنه نقص: الولاء و الزوجيّة، و زاد: الموت و الولاية «4».

و في القواعد سبعةً بزيادة: الموت، و الولاية للقاضي، و نقص: الولاء «5».

و في التحرير ثمانيةً بزيادة: الولاء «6».

و بعضهم تسعةً بزيادة: الرقّ، و العدالة، و نقص: الولاية «7».

و من متأخّري المتأخّرين من لم يحصرها في أُمور مخصوصة، بل جوّزها في كلّ ما تتعذّر فيه المشاهدة في الأغلب «8».

و عدّها في الشرائع في باب الشهادات ثلاثة: النسبة، و الموت،

______________________________

(1) نقله عنه في التنقيح الرائع 4: 310.

(2) النافع: 289.

(3) الخلاف 2: 611.

(4) الكفاية: 283.

(5) القواعد 2: 240.

(6) التحرير 2: 211.

(7) كما في الرياض 2: 447.

(8) كما في كشف اللثام 2: 381.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 332

و الملك المطلق «1»، و في باب القضاء سبعة، بزيادة: ولاية القاضي، و النكاح، و الوقف، و العتق «2».

و ظنّي أنّ المسألتين مختلفتان، فإنّ الكلام تارةً في مستند الشهادة و ما تجوز الشهادة بسببه.

و أُخرى فيما يثبت به الشي ء و إن لم تجز الشهادة بذلك الثبوت، بل يكون مناطاً لحكم من ثبت عنده و تكليفه، كشهادة العدلين، فإنّه يثبت بها المشهود به عند من شهدا عنده، و يثبت ما هو تكليفه بها، و لا تجوز الشهادة بها عند الأكثر. و كذا العدل الواحد لو قلنا بإفادته العلم في بعض الموارد و أفاده. و كذا الخبر الواحد المحفوف بالقرينة العلميّة، فإنّه يحكم به الحاكم؛ لوجوب قضائه بعلمه، و ليس للشاهد أن يشهد به. إلى غير

ذلك.

فمراد المحقّق في الأول بيان مستند الشاهد، و في الثاني بيان مستند كلّ شخص في حقّه، و على هذا يمكن أن يكون قول المحقّق بعد عدّ الثلاثة و ذكر مسائل اخرى -: و الوقف و النكاح يثبت بالاستفاضة «3»، زيادة الأمرين على الثلاثة؛ حيث إنّه ذكرهما في باب الشهادة و يمكن أن يكون المراد: الثبوت الذي ذكرناه، بل الظاهر أنّه ليس غير ذلك؛ حيث إنّه أدرج النكاح بعد ذلك في القسم الثالث من مستند الشاهد، قال: الثالث: ما يفتقر إلى السماع و المشاهدة، كالنكاح «4»، إلى آخره.

______________________________

(1) الشرائع 4: 133.

(2) الشرائع 4: 70.

(3) الشرائع 4: 134.

(4) الشرائع 4: 135.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 333

و نحوه في الكفاية، و لكنّه بعد عدّه الستّة المتقدّمة ممّا يشهد فيه بالاستفاضة، و ذكر مسائل أُخرى قال: و الوقف و النكاح يثبت بالاستفاضة عند جماعة «1». انتهى .

و هذا أظهر في تغاير المسألتين؛ لذكر الوقف في الموضعين.

ثم إنّهم استدلّوا على استثناء ما ذكروه بوجوه:

منها: ما قيل من عدم وجدانه الخلاف فيه بعد عدّ التسعة المذكورة إلّا عن الإسكافي «2».

و وهنه بعد ما ذكرنا من أقوالهم ظاهر؛ إذ لم يذكر التسعة إلّا الشاذّ النادر، و لعلّه رأى بعض ذلك مذكوراً في مقام الثبوت فأدرجه في مقام مستند الشاهد.

و مع ذلك صرّح الشهيد الثاني «3» و بعض من تبعه «4» بمنع الجواز في الموت، و ذكر أوجهاً بالمنع في النسبة إلى الأُمّ.

و نسب في التنقيح الجواز في الموت و الملك المطلق إلى الأكثر، و في الوقف و الولاء و العتق و النكاح إلى الخلاف و الفاضلين «5»، و ظهور ذلك في الخلاف ظاهر، و كذا عبارة الكفاية المتقدّمة.

هذا، مع أنّه لا حجّية

في عدم وجدان الخلاف أصلًا، سيّما محكيّة.

و أمّا دعوى الإجماع في مثل هذه المعركة فجزاف، منشؤه ضيق الفطن.

______________________________

(1) الكفاية: 284.

(2) انظر الرياض 2: 447.

(3) المسالك 2: 410.

(4) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 381.

(5) التنقيح الرائع 4: 310.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 334

و منها: ما قيل في النسب من أنّه أمر لا مدخل فيه للرؤية، و غاية الممكن رؤية الولادة على فراش الإنسان، لكن النسب إلى الأجداد المتوفّين و القبائل القديمة لا تتحقّق فيه الرؤية و معرفة الفراش، فدعت الحاجة إلى اعتماد التسامع و الاستفاضة «1».

و فيه أولًا: أنّ الاستفاضة إن لم تكن مثبتة لشي ء و معتمداً عليها فكيف تصلح مستندة للشاهدين؟! و إن كانت مثبتة و معتمداً عليها فيثبت بها النسب عند الحاكم، الذي عليه أن يحكم بعلمه، و كذا كلّ من اطّلع على الاستفاضة، فإنّ كلّ أحد مكلّف بعلمه، فلا حاجة غالباً إلى شهادة الشاهدين، التي يجب أن تكون مستندة إلى الحسّ، فثبت النسب بالاستفاضة عند الحاكم و غيره.

و إن لم تجز الشهادة لأجلها و الحاجة أحياناً إلى إثباته عند حاكم بشاهدين كما لم يمكن الإثبات بالاستفاضة عند الحاكم و وقع تنازع لا تصير دليلًا لإثبات أمر مخالف للنصّ و الأصل، و إلّا لثبت بالاستفاضة كلّ شي ء؛ إذ ليس شي ء إلّا و قد يتعذّر إثباته بشاهدين مشاهدين للمشهود به، بل يمكن التعدّي إلى غير الاستفاضة أيضاً.

و ثانياً: إنّا نسلّم جواز الشهادة في النسب بالاستفاضة، و لكن لا لكونه مستثنى، و لا لدعاء الحاجة و عدم الاطّلاع على الفراش و الولادة.

بل لأنّا نقول: إنّ النسب الشرعي هو ما اشتهر و استفاض، فابن الشخص مَن شاع و ذاع بين الناس ببنوَّته له من

غير معارض.

فإنّا لا نقول: إنّ ابن شخص شرعاً مثلًا منحصر بمن انعقد من

______________________________

(1) انظر المسالك 2: 410، الرياض 2: 447.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 335

نطفته، بل هو بحكم العقل.

و من ولد على فراشه بحكم الشرع بقوله: «الولد للفراش» «1».

و من أخرجته القرعة في المشتبه، كما نطقت به الأخبار «2» و أطبقت عليه الفتاوى .

و من أقرّ به الأب و لم يعارضه الابن بالأخبار المستفيضة و الإجماع.

و من شاع و اشتهر و استفاض بين الناس أنّه ابنه من غير معارض بالإجماع القطعي، بل الضرورة الدينيّة، بل ضرورة كلّ دين.

فبناؤهم كلّاً من لدن آدم إلى ذلك الزمان أنّهم ينسبون الأولاد إلى الآباء بذلك، فكون من اشتهر في حقّه ذلك ابناً شرعيّاً مجمع عليه، بل بناء المواريث و غيرها من الأحكام الشرعيّة على مجرّد الاشتهار.

و كذا غير الابن من الأنسباء، بل لولا ذلك لم يثبت نسب غالباً، كما يأتي في المسألة الآتية.

فشهرة النسب من غير معارض كشهرة كونه زيداً.

فكما يشهد: أنّي رأيت زيداً، بمجرّد ثبوت كونه زيداً بالاشتهار من غير استثناء و عدم منافاة لاستناد الشهادة إلى الحسّ.

فكذا النسب، فالمشهود به هو الابنيّة مثلًا كالزيديّة في شخص زيد و مستنده إحساس الاشتهار الذي هو موجبها شرعاً بحاسّة السمع، يعني: أنّ المشهود به مسموع كسماع الاعتراف و صيغ العقود، فإنّك إذا سمعت: بعت، من البائع، تشهد بالبيع؛ لأنّ ذكر هذا القول في مقام الإنشاء بيعٌ لا أنّه إخبار عن البيع و مثبت له.

______________________________

(1) التهذيب 8: 183، 640، الوسائل 22: 430 أبواب اللعان ب 9 ح 3.

(2) الوسائل 27: 257 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 336

فكذا الاشتهار، فإنّ المشتهر بذلك

من غير معارضٍ ابنٌ شرعاً، لا أنّ الشهرة إخبار عن أمر آخر هو الابنيّة.

و كذلك في سائر النسب.

و منها: ما ذكروه في بعض سائر الأُمور المذكورة، فقيل: يثبت الموت بالاستفاضة؛ لتعذّر مشاهدة الميّت في أكثر الأوقات للشهود، و الملك المطلق لا يمكن الشهادة عليه بالقطع، و الوقف لو لم تسمع فيه الاستفاضة لبطلت الوقوف على تطاول الأزمنة؛ لتعذّر بقاء الشهود، و الشهادة الثالثة عندنا غير مسموعة، و الوقوف للتأبيد «1».

و كذا العتق و الزوجيّة و الرقّية و الولاية و غيرها، فقيل: لو لم يجز في الشهادة فيها الاكتفاء بالسماع للزم بطلان أكثر تلك الحقوق بتطاول الأزمان و الدهور «2».

و يظهر ما فيها ممّا ذكرنا أولًا في الوجه السابق.

مضافاً إلى أنّ تعذّر مشاهدة الميّت و سائر ما استندوا فيه إلى التعذّر أو التعسّر ليس بأكثر من تعذّر مشاهدة كثير ممّا صرّحوا فيه باشتراط المشاهدة، كالرضاع سيّما مع شرائط التحريم به و الغصب، و السرقة، و الاصطياد، و الإتلاف، و الولادة، و غيرها. و لا أرى فرقاً بين البيع أو الهبة أو الإجارة و بين العتق و النكاح و نحوهما.

و إلى أنّ إثبات تلك الحقوق في الأزمنة المتطاولة لا تنحصر جهته بشهادة الشاهدين بها بالاستفاضة، بل يمكن الإثبات بنفس الاستفاضة عند الحاكم و بيد الموقوف عليه أو المتولّي على الموقوف، و بالأخبار المحفوفة

______________________________

(1) انظر التحرير 2: 211.

(2) انظر المسالك 2: 410، كشف اللثام 2: 381.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 337

بالقرائن العلميّة، و بتصرف المولى أو ورثته في الرقيق.

و قد ظهر من ذلك أنّ الحقّ عدم جواز الشهادة بشي ء بمجرّد الاستفاضة سوى النسب، لا لأجل كونه مستثنى؛ بل لما ذكرنا.

و أمّا غير الشهادة، فيثبت كلّ شي ء

بالاستفاضة إذا أفاد العلم عند من حصلت له الاستفاضة.

المسألة الرابعة: اختلف الأصحاب في الاستفاضة-

التي هي مستند الشهادة عند من يجوّز استنادها إليها و دليل النسب الشرعي، أو مستند الحاكم و غيره لا لأجل الشهادة بل لأجل الثبوت عنده على ما ذكرنا هل يشترط إيراثها العلم القطعي، أو الظنّ المتاخم للعلم خاصّة، أو يكفي مطلق الظنّ؟ على أقوال ثلاثة:

الأول: لجماعة، منهم: المحقّق في الشرائع و النافع و الفاضل في جملة من كتبه و صاحب التنقيح «1» و غيرهم «2»، و هو ظاهر كلّ من جعل ضابط الشهادة العلم، من غير استثناء الاستفاضة الظنّية.

اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن، و للأخبار المتقدّمة المعتبرة للعلم في الشهادة «3»، و الظواهر من الكتاب «4» و السنّة «5» الناهية عن اتّباع الظنّ و العمل به.

______________________________

(1) الشرائع 4: 132، النافع: 289، الفاضل في القواعد 2: 239، و التحرير 2: 211، التنقيح 4: 311.

(2) كالسبزواري في الكفاية: 284.

(3) الوسائل 27: 341 أبواب الشهادات ب 20.

(4) يونس: 36، النجم: 28.

(5) الوسائل 27: 40 أبواب صفات القاضي ب 6 ح 8، وص 58 ح 40، 42.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 338

و الثاني: محكيّ عن الإرشاد و اللمعتين و الدروس و المسالك «1».

و استدلّ له بأنّ الظنّ المتاخم للعلم أقوى من الحاصل من قول الشاهدين، فيستفاد من مفهوم الموافقة بالنسبة إلى الحاصل من الشاهدين الذي هو حجّة منصوصة حجّيته أيضاً.

و بأنّه لو لم يعتبر هذا القدر من الظنّ فقد يحصل الضرر العظيم في أمثال ما ذكر من اعتبار الاستفاضة فيه؛ لأنّ حصول العلم بها نادر جدّاً.

و الثالث: منقول عن المبسوط و الخلاف «2».

محتجّاً «3» بأنّه يجوز لنا الشهادة بأنّ خديجة زوجة رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و

آله)، كما نقضي بأنّها أُمّ فاطمة (سلام اللَّه عليها)، و يجوز لنا الشهادة لها بزوجيّته، مع أنّ العلم فيها غير حاصل؛ لأنّه لو كان حاصلًا لكان بالتواتر، و هو هنا مفقود؛ لأنّ شرطه الاستناد إلى الحسّ، و الظاهر أنّ المخبرين في الطبقة الأُولى لم يخبروا عن المشاهدة، بل عن السماع.

و بأنّه لو لم يعتبر الظنّ الحاصل من الاستفاضة لزم عدم الثبوت في أكثر ما ذكر، سيّما فيما يطلب فيه التأبيد؛ حيث إنّ شهادة الفرع الثالثة غير مسموعة عندنا.

أقول: أُورد «4» على الدليل الأول للقول الثالث: بمنع فقد شرط التواتر في تزويج خديجة؛ لأنّ الطبقة الأُولى بالغون حدّ التواتر؛ لأنّ النبيّ (صلّى اللَّه عليه و آله) كان أعلى قريش حينئذ، و كان أبو طالب المتولّي لتزويجه رئيس بني

______________________________

(1) الإرشاد 2: 160، اللمعة و الروضة 3: 136، الدروس 2: 134، المسالك 2: 410.

(2) المبسوط 8: 183، الخلاف 2: 611.

(3) نقل الاحتجاج في التحرير 2: 211.

(4) أورده في المسالك 2: 411 412.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 339

هاشم، و خديجة من أجلّاء بيوتات قريش، و خطب في المسجد الحرام بمجمع من قريش، فيمكن بلوغ المشاهدين حدّ التواتر، و كذا يمكن بلوغ المخبرين عن طبقتهم السابقة في كلّ طبقة، فبعد حصول العلم يحكم بحصول الشرط- كما قالوا في عدد التواتر.

و على الثاني «1»: بأنّ كما أنّ الشهادة الثالثة الفرعيّة غير مسموعة فكذلك الظنّية، فتخصيص الثاني ليس بأولى من الأول «2»، بل [الأول «3»] أولى ؛ لعدم استلزامه مخالفة الكتاب و العقل.

و القول بأنّ عدم قبول الثالثة إجماعيّ دون عدم قبول الظنّية.

مردودٌ بعدم معلوميّة الإجماع حتى في المورد في الأول، كيف؟! و جوّزه الفاضل في المختلف في ردّ ذلك الدليل

«4»، و هو و إن كان واحداً إلّا أنّ الشيخ أيضاً مثله.

ثم أقول: إنّه يرد على الأول أيضاً أولًا: أنّه لو سلّم عدم إمكان التواتر فحصول العلم بالخبر المحفوف بالقرينة ممكن، فلِمَ ليس كذلك هنا؟! كيف؟! و لو لم تكن زوجيّة خديجة معلومة لسرت الظنيّة إلى أعقاب خديجة أيضاً، و صار الكلّ ظنّياً. و فساده ظاهر.

و الظاهر أنّ الاستدلال بذلك الدليل لإثبات جواز الشهادة بالاستفاضة لا لأجل إثبات اعتبار الاستفاضة الظنّية، و حينئذٍ يرد عليه أيضاً ما مرّ من أنّ الثبوت بالاستفاضة و لو كانت علميّة لا يستلزم جواز الشهادة بها، غايته

______________________________

(1) أورده في المختلف: 729، و حكاه في المسالك 2: 411.

(2) أي أنّ تخصيص النهي عن الشهادة الظنّية بالوقف مثلًا تحصيلًا لمصلحة ثبوته ليس بأولى من تخصيص النهي عن الشهادة الثالثة بذلك.

(3) في «ح» و «ق»: الثاني، و الصحيح ما أثبتناه.

(4) المختلف: 729.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 340

أنّه لم يجز لنا الشهادة في مقام التنازع و المرافعة في تلك الواقعة، و أيّ محذور فيه؟! و لا نزاع و لا منازع.

و يرد على الثاني أيضاً ما مرّ من أنّه لا يستلزم عدم جواز الشهادة بالاستفاضة عدم إمكان الثبوت بها عند الحاكم و غيره، فإنّ الثبوت لا يستلزم جواز الشهادة، كما في شهادة العدلين، بل المرأة الواحدة في ربع الوصيّة.

و بذلك ظهر ضعف القول الأخير بالنسبة إلى الشهادة، و كذا بالنسبة إلى نفس الثبوت عند الحاكم و غيره، بأن يجعل الاستفاضة الظنّية موجبة للثبوت، فإنّ الأصل عدم الثبوت بها، و عمومات النهي عن العمل بالظنّ و عدم إعبائه عن الشي ء تمنع اعتباره.

ثم أضعف من ذلك بالنسبة إلى الشهادة ما حكي عن الشيخ أيضاً، من

كفاية السماع عن العدلين فصاعداً، فيصير بسماعه شاهد أصل و متحمّلًا للشهادة؛ لأنّ ثمرة الاستفاضة هي الظنّ، و هو حاصل بهما «1».

و فيه أولًا: منع اعتبار الاستفاضة المثمرة للمظنّة.

و ثانياً: أنّه لو سلّم ينبغي الاقتصار عليه؛ لعدم دليل على العموم.

و ثالثاً: أنّه لو كان سبباً لاعتبار مطلق الظنّ لزم اعتباره و لو حصل من واحد- و لو أُنثى أو فاسق.

و الجواب بالاختصاص بما ثبت اعتباره شرعاً، أو ما أفاد الظنّ القوي.

مردودٌ بأنّه إن أُريد اعتباره مطلقاً أو في مقام الشهادة فلم يثبت ها هنا أيضاً.

______________________________

(1) المبسوط 8: 181، و حكاه عنه في الرياض 2: 448.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 341

و إن أُريد اعتباره في الجملة فأيّ ملازمة بينه و بين اعتباره في مورد خاصّ غير ما ثبت اعتباره فيه؟! و أمّا الظنّ القوي، فقد يحصل من شهادة فاسقَين، أو عدل و فاسقَين، أو عدل واحد ظنّ أقوى من شهادة عدلَين آخرَين.

نعم، تعتبر شهادة العدلين في مقام الثبوت مطلقاً، إلّا ما أخرجه الدليل، كالزنا.

نعم، يمكن أن يستدلّ للشيخ بمكاتبة الصفّار الصحيحة، و فيها: هل يجوز للشاهد الذي أشهده بجميع هذه القرية أن يشهد بحدود قطاع الأرضين التي [له ] فيها إذا تُعرَف حدود هذه القطاع بقوم من أهل هذه القرية إذا كانوا عدولًا؟ فوقّع (عليه السّلام): «نعم، يشهدون على شي ء مفهوم معروف إن شاء اللَّه تعالى » «1».

و لكنّها مصرّحة بحصول التعرّف، الذي هو حقيقة في العلم للشاهد، و مع ذلك متضمّنة للقوم الذي ظاهره الأكثريّة من العدلين، و يشعر به الإتيان بضمير الجمع له، فيحتمل الشياع المفيد للعلم.

فهي تصلح دليلًا لمن يعتبر الاستفاضة العلميّة، و مع ذلك إرادة الإشهاد و تحمّل الشهادة منها محتملة، فيتحمّل

و يؤدّي بما تحمل من شهادة القوم، فيكون شاهد فرع، فلا تصلح دليلًا له أيضاً، فتأمّل.

و القول الثاني أيضاً كالأخير في فساد المستند.

أمّا أول مستندهم، فلأنّ الأولويّة إنّما تنهض حجّة لو كانت العلّة في حجّية شهادة العدلين إفادتها المظنّة، و ليست كذلك، بل هي من الأسباب

______________________________

(1) التهذيب 6: 276، 758، و في الكافي 7: 402، 4، و الوسائل 27: 407 أبواب الشهادات ب 48 ح 1؛ بتفاوت يسير. و ما بين المعقوفين من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 342

الشرعيّة كاليد حتى أنّها لو لم تفد مظنّة أصلًا لكانت حجّة أيضاً.

مع أنّه لو كان ذلك المناط في حجّيتها وجب أن يدار مدار الظنّ الأقوى ، حتى لو فرض حصوله من شهادة الفاسقين أو الصبي أو القرائن دون شهادة العدلين كان حجّة دون شهادتهما، و هو باطل.

مع أنّ الظنّ الأقوى أعمّ من المتاخم للعلم، و أيضاً الظنّ الحاصل من العدلين له مراتب مختلفة جدّاً، و لا يُعلَم أن أيّتها المراد هنا، و كذلك المتاخم للعلم.

هذا كلّه، مع أنّ الأصل أيضاً محلّ المنع حتى عندهم، فإنّهم لا يجوّزون الشهادة بشهادة العدلين فكيف يجعلونها أصلًا للإثبات؟! نعم، لو كان الكلام بالنسبة إلى أصل الثبوت لم يرد عليه ذلك، بل يردّ بما ذكر أولًا.

و أمّا ثانيهما، فلمنع ندرة حصول العلم من الاستفاضة، بل هو كثير غاية الكثرة، و ما لم يحصل فيه العلم بها لا تعتبر استفاضته، و لا حرج فيه و لا ضرر، بل قد يوجب الضرر في الطرف الآخر بمجرّد الظنّ الغير المعتبر.

فهذا القول أيضاً كالأخير في غاية الضعف، فلم يبق إلّا الأول، و هو الصحيح فيما اعتبرنا فيه الاستفاضة من الشهادة أو الثبوت.

و لكن لي ها

هنا كلاماً آخر، و هو أنّ من يقول باعتبار الاستفاضة العلميّة في النسب ما أراد من متعلّق العلم الذي هو المعلوم بالاستفاضة؟

فهل مراده التولّد من النطفة؟ فالعلم به محال غالباً.

أو التولّد على فراش الشخص؟ فلا يشاهده غالباً إلّا اثنتان من النسوان و ثلاثة أو نحوها، فكيف يحصل العلم؟! سيّما إذا لم نقل بكون

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 343

الأمة و المنقطعة فراشاً، و كذلك إقرار الوالد.

بل المشاهد المحسوس أنّ بتقاليب الدهر و تصاريف الزمان يجي ء هذا من خراسان إلى العراق و بالعكس، و من فارس إلى أحدهما و بالعكس، و من العرب إلى العجم و بالعكس، و من الترك إليهما و بالعكس، و هكذا، فيتوطّن في المقام الثاني، و ينسب فيه إلى أبيه أو قبيلته بقول أربعة أو ثلاثة، بل بقول نفسه، و يبقى في ذلك البلد، و يشتهر فيه بتلك النسبة بعد مدّة، سيّما إذا ماتت الطبقة الأُولى ، بحيث ينسبه بها جميع أهل البلد أو المملكة، و أكثر الأنسباء إلى الطبقات التي فوق الأُولى أو الثانية كذلك.

نعم، يحصل العلم من الاستفاضة في النسبة، و ذلك أيضاً من أقوى الشواهد على ما قلنا من أنّ نفس الاستفاضة هو سبب تحقّق النسبة، و نَسَبُ شخص مَن اشتهر بنسبته إليه من غير معارض.

و مرادنا من الاستفاضة العلميّة: أن يعلم أن كلّ أحد يعرف المنتسبين بنسبتهما إلى الآخر، و نقول: هذا نفس النسبة المخصوصة، كالأبنية مثلًا.

فلو نذر أحد لشخص لبني تميم يبرأ بالإعطاء إلى من ينسبه كلّ من يعرفه [في هذا البلد إليهم «1»] و إن لم يعلم سبب نسبتهم.

بل و كذا نقول في مثل الوقف، فإنّ المعلوم فيه بالاستفاضة لا بدّ و أن يكون هو صيغة

الوقف و الإقباض، و نحن نجد من أنفسنا أن ما استفاضت وقفيّته و لا نشكّ فيها كالمساجد العظيمة الجامعة في المدن الكبيرة و المدارس و الرباطات و القناطر و القباب و القنوات الوقفيّة لا نظنّ من أغلبها صدور صيغة الوقف، فكيف من العلم به؟! و هذا أيضاً من أقوى الشواهد على ما ذكرنا من أنّ مناط ثبوت الوقفيّة

______________________________

(1) في «ق» و «ح»: إلى هذا البلد إليه، و الظاهر ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 344

في الأغلب يد الموقوف عليهم أو المتولّي الخاصّ أو العامّ، و الاستفاضة المفيدة استفاضة تلك اليد، و هذه اليد ممكنة الشهود غالباً؛ و كذا الكلام في أمثالهما.

المسألة الخامسة: المشهور بين الأصحاب كما صرّح به جماعة «1» جواز الشهادة بالملك المطلق لشخص بمشاهدة الشي ء في يده

مع تصرّفه فيه مكرّراً- بنحو البناء و الهدم و الإجارة و الصبغ و القصّ و الخياطة و غيرها بلا منازع له، و عن الخلاف الإجماع عليه «2»، و في الشرائع نفي الريب عنه «3»، و عن المبسوط نسبته إلى روايات الأصحاب «4»، و حكي القول به عن الصدوق و الكليني و الخلاف و الحلبي و القاضي و الحلّي و عامّة المتأخّرين «5» و نسب الخلاف فيه إلى النافع «6».

و فيه تأمّل؛ لأنّه جعل الأولى الشهادة بالتصرّف دون الملك، و هو على الجواز أدلّ منه على المنع، فلا يكون في المسألة مخالف معلوم و إن حكاه في المبسوط «7» و غيره «8» قولًا.

لا لما قيل من قضاء العادة بأنّ ذلك لا يكون إلّا بالملك، و جواز شرائه منه، و أنّه متى حصل عند المشتري جاز له دعوى الملكيّة، و لو ادّعى

______________________________

(1) منهم السيوري في التنقيح 4: 310، السبزواري في الكفاية: 284.

(2) الخلاف 2: 611.

(3) الشرائع 4: 134.

(4) المبسوط 8: 182.

(5) الصدوق في الفقيه

3: 31، الكليني في الكافي 7: 387، الخلاف 2: 611، الحلبي في الكافي في الفقه: 437، القاضي في المهذّب 2: 561، الحلّي في السرائر 2: 130؛ و حكاه عنهم و عن عامّة المتأخّرين في الرياض 2: 451.

(6) المختصر النافع: 289.

(7) المبسوط 8: 182.

(8) كما في إيضاح الفوائد 4: 440، الكفاية: 284.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 345

عليه فأنكر جاز له الحلف «1».

حتى يرد عليه بعض ما ذكره الأردبيلي و صاحب الكفاية «2».

و يحتمل إمكان منع قضاء العادة، و لو سلّم فلا يفيد إلّا المظنّة، و الشهادة بها غير جائزة، بل و كذلك العلم كما عرفته.

و منع استلزام جواز الشراء و دعوى الملكيّة و الحلف لجواز الشهادة.

بل لرواية حفص بن غياث المتقدّمة في المسألة الثانية «3»، المنجبر ضعفها لو كان برواية المشايخ الثلاثة لها، و موافقتها الشهرة العظيمة المحقّقة و المحكيّة و الإجماع المحكي، المعتضدة بأخبار أُخر مرّت في باب القضاء، الدالّة على كون الأصل في اليد الملكيّة، سيّما موثّقة يونس المصرّحة بأنّ: «من استولى على شي ء فهو له» «4».

و لا ينافيها ما مرّ من اشتراط العلم الحسّي في جواز الشهادة؛ لأنّ الملكيّة الظاهريّة الشرعيّة التي هي المشهود بها، بل لا ملكيّة إلّا الشرعيّة معلومة قطعاً؛ لحكم الشارع بها مع اليد المذكورة، كما مرّ بيانه في المسألة المذكورة.

احتجّ في النافع لما ذكره: بأنّ اليد و التصرّف دلالة الملك و ليس بملك «5».

و فيه: أنّه إن أراد بالدلالة أنّها مخبرة عن الملك كالاستفاضة و العدلين- فكونها دلالة ممنوع.

______________________________

(1) انظر المسالك 2: 411.

(2) مجمع الفائدة 12: 459 460، الكفاية: 284.

(3) راجع ص 327.

(4) التهذيب 9: 302، 1079، الوسائل 26: 216 أبواب ميراث الأزواج ب 8 ح 3.

(5)

النافع: 289.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 346

و إن أراد أنّها سبب للملك الظاهري و مولّد له كقوله: عليَّ كذا لزيد، فإنّه دلالة الاعتراف و سبب و مولّد له فكذلك، و هو نفس الملكيّة الظاهريّة.

و إلى هذا يشير قول من قال: إنّه يمكن دعوى الضرورة في إفادة اليد المتصرّفة بل مطلقاً الملكيّة، و عليه بناء الفقهاء، بل و المسلمين كافّة «1». انتهى .

فإنّ المراد من إفادتهما: سببيتهما لها.

و أمّا ما أُورد عليه أيضاً من أنّ بعد تسليم الدلالة على الملكيّة لا وجه للمنع عن الشهادة عليها، و إن هو حينئذٍ إلّا كالاستفاضة، فكما تجوز الشهادة على الملكيّة بها من غير لزوم إقامة الشهادة على الاستفاضة فكذا هنا «2».

فمردودٌ بأنّ كونه كالاستفاضة لا يوجب جواز الشهادة به؛ لأنّ الاستفاضة عنده مستثناة من قاعدة لزوم الاستناد إلى الحسّ بالإجماع أو الضرورة، و لا يلزم منه استثناء ما هو مثلها في الإفادة.

ثم بما ذكرنا تظهر الشهادة باليد خاصّة أيضاً، كما نقله في الكفاية عن أكثر المتأخّرين «3»، و ادّعى بعضهم إطباق جمهور المتأخّرين عليه «4».

و أمّا ما قيل من أنّ اليد أو هي مع التصرّف لو أوجبت الملك لم تسمع دعوى من يقول: الدار التي في يد زيد، أو في يده و يتصرّف فيها

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 452.

(2) انظر الرياض 2: 452.

(3) الكفاية: 284.

(4) كما في الرياض 2: 452.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 347

لي، كما لا تسمع لو قال: ملك زيد لي «1».

ففيه: أنّ هذا إنّما كان يصحّ لو قلنا إنّهما يفيدان الملكيّة الواقعيّة، و أمّا الظاهريّة فلا؛ إذ معناه: أنّ الدار التي ملك زيد ظاهراً لي واقعاً.

المسألة السادسة: لا تجوز الشهادة برؤية الشاهد خطّه و خاتمه

إذا لم يتذكّر الواقعة و إن أمن التزوير

بلا خلاف إذا لم يكن معه عدل آخر و لا المدّعى ثقة؛ للإجماع، و الأصل، و عمومات اشتراط العلم، و أدلّة اعتبار الحسّ كما مرّت- و خصوص المعتبرة، كمرسلة الفقيه المتقدّمة في المسألة الأُولى «2».

و حسنة الحسين بن سعيد: جاءني جيران لنا بكتاب زعموا أنّهم أشهدوني على ما فيه، و في الكتاب اسمي بخطّي قد عرفته، و لستُ أذكر الشهادة، و قد دعوني إليها، فأشهد لهم على معرفتي أنّ اسمي في الكتاب و لستُ أذكر الشهادة؟ أو لا تجب لهم الشهادة عليَّ حتى أذكرها، كان اسمي في الكتاب [بخطي ] أم لم يكن؟ فكتب: «لا تشهد» «3».

و رواية السكوني: «لا تشهد بشهادة لا تذكرها، فإنّه من شاء كتب كتاباً و نقش خاتماً» «4».

و إن عرف خطّه و خاتمه، و علم أنّه خطّه، و كان معه عدل آخر، و كان المدّعى ثقة، ففي جواز الشهادة مع عدم التذكّر خلاف.

______________________________

(1) انظر الشرائع 4: 134.

(2) راجع ص 321.

(3) الكافي 7: 382، 2، التهذيب 6: 259، 684، الإستبصار 3: 22، 67، الوسائل 27: 322 أبواب الشهادات ب 8 ح 2؛ و ما بين المعقوفين من المصادر.

(4) الكافي 7: 383، 4، التهذيب 6: 259، 683، الإستبصار 3: 22، 66، الوسائل 27: 323 أبواب الشهادات ب 8 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 348

فعن الشيخ في النهاية و المفيد و الإسكافي و القاضي و الديلمي و والد الصدوق «1»، بل كما قيل «2» الصدوق و الكليني أيضاً: جواز الشهادة، و به أفتى بعض متأخّري المتأخّرين «3»، و يظهر من بعضهم دعوى شهرة القدماء عليه «4».

لصحيحة عمر بن يزيد: الرجل يشهدني على الشهادة، فأعرف خطّي و خاتمي، و لا أذكر من

الباقي قليلًا و لا كثيراً، قال: فقال لي: «إذا كان صاحبك ثقة و معك رجل ثقة فاشهد له» «5».

و الرضوي: «و إذا أتى الرجل بكتاب فيه خطّه و علامته و لم يذكر الشهادة فلا يشهد؛ لأنّ الخطّ يتشابه، إلّا أن يكون صاحبه ثقة و معه شاهد آخر ثقة، فيشهد حينئذ» «6».

و ذهب الشيخ في الاستبصار و الفاضل و والده و ولده و أكثر المتأخّرين إلى عدم الجواز «7»؛ للعمومات، و أدلّة اعتبار الحسّ، و المعتبرة المتقدّمة، و ترجيح هذه على الصحيحة و الرضويّ لأكثريّتها و أوفقيّتها للأُصول.

______________________________

(1) النهاية: 330، المفيد في المقنعة: 728، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 724، القاضي في المهذّب 2: 561، الديلمي في المراسم (الجوامع الفقهية): 657، حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 724.

(2) انظر الرياض 2: 453، و هو في الفقيه 3: 43، الكافي 7: 382.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 18    349     المسألة السادسة: لا تجوز الشهادة برؤية الشاهد خطه و خاتمه ..... ص : 347

(3) في «ح»: صاحب الوافي و شارح المفاتيح منه رحمه اللَّه تعالى . انظر الوافي 16: 1031 1033.

(4) كما في الرياض 2: 453.

(5) الكافي 7: 382، 1، الفقيه 3: 43، 145، التهذيب 6: 258، 681، الإستبصار 3: 22، 68، الوسائل 27: 321 أبواب الشهادات ب 8 ح 1؛ بتفاوت يسير.

(6) فقه الرضا «ع»: 261، مستدرك الوسائل 17: 413 أبواب الشهادات ب 5 ح 3.

(7) الاستبصار 3: 22، الفاضل في المختلف: 725، والده و ولده في الإيضاح 4: 443.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 349

و صريح المحقّق و ظاهر الدروس التردّد «1»؛ لمعارضة جهة الترجيح المذكورة مع جهة خصوصيّة الصحيحة.

و التحقيق: أنّ الصحيحة و

إن كانت أخصّ مطلقاً من المعتبرة و لكنّها أعمّ من وجه من عمومات اشتراط العلم؛ لأعمّيتها من مفروض الصحيحة، و اختصاصها بالعلم، و عموم الصحيحة بالنسبة إلى صورة حصول العلم و عدمه، فإنّ حصوله بمعرفة الخطّ و الخاتم و ضمّ الثقة و الوثوق بالمستشهد ليس بعزيز، بل هو الغالب، سيّما مع تذكّر أصل إشهاده له، كما يدلّ عليه قوله: يشهدني، فيكون التعارض بالعموم من وجه، فيعمل بهما في صورة العلم؛ لعدم الاختلاف، و في صورة عدم العلم يعمل بالعمومات؛ لرجحانها بما مرّ، و بموافقة الأصل، كما عن المختلف «2» و ظاهر بعض آخر «3».

و لا ينافي ذلك أدلّة اعتبار استناد الشهادة إلى الحسّ، لأنّ المعلوم هنا ليس مجرّد المشهود به كما في الاستفاضة العلميّة بل يعلم بما ذكر إحساس الشاهد و حضوره، فهو أيضاً مستند إلى الحسّ، غاية الأمر أنّه لا يتذكّر الإحساس، و علمه من الخارج.

مع أنّه لو لم يكن استناداً إليه لم يضرّ؛ لأنّ تخصيص العامّ بمخصّص صحيح صريح موافق لعمل أساطين القدماء ليس بعزيز، و لكنّه يجب التخصيص بمورد الصحيحة، من تذكر الإشهاد، و كون صاحبه رجلًا لا امرأة.

المسألة السابعة: لا شكّ في جواز شهادة الشاهد الاستصحابي

______________________________

(1) المحقّق في المختصر النافع: 290، الدروس 2: 134.

(2) المختلف: 725.

(3) كالتنقيح الرائع 4: 316.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 350

بما شهده في السابق مقيّداً به، من غير ضمّ الاستصحاب، كأن يشهد بأنّه: كان ملكه بالأمس، أو: كان في يده كذلك، أو: اعترف بالأمس بملكيّته، أو: أخذ منه المبلغ الفلاني بالأمس قرضاً، أو: غصب بالأمس، و نحو ذلك.

و كذا مع ضمّ الاستصحاب، كقوله: كان ملكه بالأمس، و هو إلى الآن مستصحب.

أو ضمّ ما يؤدّي مؤدّاه، نحو قوله: و لا أعلم له مزيلًا،

و: لا أدري أزال ملكه عنه أم لا؛ لأنّ جميع ذلك هو مشهوده و معلومه.

و هل تجوز له الشهادة بالملك المطلق أو الشغل المطلق أو نحوهما بالاستصحاب كما تجوز له الشهادة بالملك المطلق باليد أم لا؟

الظاهر: نعم، بل قال بعض فضلائنا المعاصرين: إنّ جواز اعتماد الشاهد على الظنّ الحاصل له من جهة الاستصحاب ممّا لا خلاف فيه، و لا إشكال يدانيه «1». انتهى .

و يدلّ عليه: أنّه لولا جواز ذلك لم تجز الشهادة بالملك المطلق أصلًا، إذ حصول العلم بالملك في آن الشهادة من المحالات العاديّة غالباً؛ إذ نقل الملك قد يحصل من نفس المالك بنفسه، بحيث لا يطّلع عليه أحد غيره بنذر أو وقف أو غيره من الأُمور أو مع عدم اطّلاع الشاهد، كأن يكون مالكاً لداره اليوم، و نقلها في الليلة إلى زوجته أو ولده.

و أيضاً الاستصحاب سبب شرعي، و مولّد للمستصحب كاليد، فكما تجوز له الشهادة فكذا به.

______________________________

(1) انظر رسالة في القضاء (غنائم الأيام): 710.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 351

فإن قيل: الاستصحاب سبب لولا المزيل واقعاً، فلعلّه تحقّق المزيل و لم يعلم به الشاهد.

قلنا: كذلك اليد، سببٌ لولا المعارض أو اعتراف ذي اليد بخلافه، فلعلّه تحقّق من دون اطّلاع الشاهد.

و الحلّ: أنّ كلّاً منهما دليل شرعيّ للشاهد، و هو يشهد عن معلومه و لو بواسطة الشرع، لا عن معلوم غيره.

و أيضاً يجوز للشاهد الاستصحابي شراء الملك ممّن كان يعلم أنّه له أمس، ثم ادّعاء ملكيّته و الحلف عليه، فله أن يشهد بملكيّة من كان ملكه سابقاً، بالعلّة المنصوصة في رواية حفص المتقدّمة «1».

هذا، مضافاً إلى خصوص المعتبرة المجوّزة للشهادة بالاستصحاب:

كصحيحة ابن وهب: إنّ ابن أبي ليلى يشهدني الشهادة على أنّ هذه

الدار مات فلان و تركها ميراثاً، و أنّه ليس له وارث غير الذي شهدنا له، فقال: «اشهد، فإنّما هو على علمك» قلت: إن ابن أبي ليلى يحلفني الغموس «2»، قال: «احلف، إنّما هو على علمك» «3».

فإنّ ترك الميّت للدار ميراثاً، و انتفاء وارث آخر له، ليس إلّا

______________________________

(1) في 327.

(2) في الحديث: «اليمين الغموس هي التي تذر الديار بلاقع» اليمين الغَمُوس: هي اليمين الكاذبة الفاجرة التي يقطع بها الحالف ما لغيره، مع علمه أنّ الأمر بخلافه، و ليس فيها كفّارة لشدّة الذنب فيها، سمّيت بذلك لأنّها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار. و في الحديث: «اليمين الغموس هي التي عقوبتها دخول النار» و هي أن يحلف الرجل على مال امرئ مسلم أو على حقه ظلماً مجمع البحرين 4: 90.

(3) الكافي 7: 387، 2، التهذيب 6: 262، 696، الوسائل 27: 336 أبواب الشهادات ب 17 ح 1، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 352

باستصحاب الوجود في الأول، و العدم في الثاني.

و موثّقته: الرجل يكون له العبد و الأمة، قد عرف ذلك، فيقول: أبَقَ غلامي أو أمتي، فيكلّفونه القضاة شاهدين بأن هذا غلامه أو أمته، لم يبع و لم يهب، فنشهد على هذا إذا كُلِّفناه؟ قال: «نعم» «1».

و الأُخرى: الرجل يكون في داره، ثم يغيب عنها ثلاثين سنة، و يدع فيها عياله، ثم يأتينا هلاكه، و نحن لا ندري ما أحدث في داره، و لا ندري ما حدث له من الولد، إلّا أنّا لا نعلم نحن أنّه أحدث في داره شيئاً و لا حدث له ولد، و لا تقسّم هذه الدار بين ورثته الذين ترك في الدار، حتى يشهد شاهدا عدل أنّ هذه الدار دار فلان

بن فلان، مات و تركها ميراثاً بين فلان و فلان، أ فنشهد على هذا؟ قال: «نعم»، و نحوها روايته «2».

و أمّا ما في ذيل تلك الرواية: الرجل يكون له العبد و الأمة، فيقول: أبَقَ غلامي و أبِقَت أمتي، فيؤخذ في البلد، فيكلّفه القاضي البيّنة أنّ هذا غلام فلان لم يبعه و لم يهبه، أ فنشهد على هذا إذا كُلِّفناه، و نحن لا نعلم أنّه أحدث شيئاً؟ قال: «فكلّما غاب عن يد المرء المسلم غلامه أو أمته أو غاب عنك لم تشهد عليه».

فلا يثبت سوى مرجوحيّة الشهادة، و لا بأس بها.

فإن قيل: الشهادة إن كانت جائزة كانت واجبة، فلا معنى لمرجوحيّتها.

______________________________

(1) الوسائل 27: 337 أبواب الشهادات ب 17 ح 3، الوافي 16: 1034 أبواب القضاء و الشهادات ب 140 ح 10.

(2) الكافي 7: 387، 4، التهذيب 6: 262، 698، الوسائل 27: 336 أبواب الشهادات ب 17 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 353

قلنا: الواجب هو الشهادة بما هو عنده، لا بالملك المطلق و الشي ء المستصحب مطلقاً، فالمعنى : أنّه لم يشهد أنّه كذا و كذا، و إن وجبت الشهادة بأنّه كان كذا و كذا، و لم يعلم حدوث شي ء.

و بذلك جمع في الوافي بين تلك الرواية و بين الموثّقة الأُولى ، فقال في بيانها: و إنّما تجوز الشهادة على أنّه كان له، لا على أنّه الآن له، و بهذا يجمع بينه و بين الخبر الآتي، حيث حكم بعدم جواز الشهادة في مثله «1». انتهى .

هذا، ثم إنّه يظهر من بعض الفضلاء المعاصرين: أنّ جواز شهادة الشاهد بالاستصحاب إنّما هو إذا كان البقاء معلوماً له أو مظنوناً، و لم يكن اتّكاله على مجرّد الاستصحاب و إن كان شاكّاً

أو ظانّاً خلافه.

قال: فكما أنّ المجتهد قد يرجّح الظاهر على الأصل، و يقطع الاستصحاب بسبب ظهور خلافه و أظهريّته، و يسقط عنده عن درجة الحجّية، فكذلك الشاهد في إخباره، قد يكون على ظنٍّ بما علمه سابقاً، و بأنّه باقٍ لعدم سنوح سانحة، و وجود أمارات تفيد الظنّ بالبقاء، و قد تسنحه سوانح تزلزله عن ذلك الظنّ، و يصير شكّاً أو وهماً، فحينئذٍ لا يمكنه الإخبار، لا بالعلم و لا بالظنّ «2». انتهى .

و فيه: أنّه مبنيّ على ما تقرّر عنده، من أنّ حجّية الاستصحاب من جهة إفادته الظنّ، و أمّا على التحقيق المستفاد من أدلّته من أنّه حجّة بنفسه و لو لم يفد الظنّ فلا وقع لذلك الكلام.

المسألة الثامنة: كلّ ما ذكر إنّما هو في بيان تكليف الشاهد

و وظيفته

______________________________

(1) الوافي 16: 1034.

(2) انظر رسالة في القضاء (غنائم الأيام): 710.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 354

في أداء الشهادة و مستندها.

و أمّا الحاكم و تكليفه في القبول و استنتاج الحكم منها فهو أمر آخر، غير لازم لذلك، فإنّ جواز الشهادة للشاهد لا يستلزم جواز الحكم بكلّ ما تجوز له الشهادة، كما في شهادة الجرح و التعديل، فإنّه لا شكّ في جواز الشهادة بالتعديل المطلق، و الجرح كذلك للعالم به، و لكن لا يجب على الحاكم عند الأكثر، بل لا يجوز له الحكم به إلّا مع بيان السبب، أو اتّفاق الشاهد مع الحاكم في أسبابهما.

و على هذا، فالأهمّ هنا بيان تكليف الحاكم، و أنّه بأيّ شهادة يحكم. و المحصّل: أنّ فيما سبق كان الكلام في مستند الشهادة، و بقي الكلام في مستند الحكم أي الشهادة التي تصلح مستنداً للحكم أنّه هل يكفي الإطلاق في الشهادة، بأن يقول: هذا ملك زيد، أو: له على عمرو كذا، أو: باع

زيد داره لعمرو، أو: غصب، و نحو ذلك، أو: أعلم أنّه كذا؟

أو لا يكفي، بل يشترط فيه بيان المستند، و ذكر السبب من الحسّ، أو الاستفاضة، أو اليد، أو الاستصحاب، أو نحوها ممّا هو مستند الشاهد؟

و بعبارة اخرى : هل يشترط أن تكون الشهادة حسّية بأن تذكر محسوساته- أو تكفي العلميّة؟

الحقّ: هو الأول؛ لوجهين:

أحدهما: أنّه قد عرفت الاختلاف الشديد فيما يصلح أن يكون مستنداً للشهادة، فإنّ الأكثر قالوا بوجوب الاستناد إلى الحسّ و عدم كفاية مطلق العلم.

و منهم من استثنى العلم الحاصل بالاستفاضة في موارد خاصّة، و لهم اختلاف كثير في تلك الموارد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 355

ثم اختلفوا في الاستفاضة المثمرة لجواز الشهادة، أنّها هل هي العلميّة أو الظنّية؟

ثم اختلف المكتفون بالظنيّة، هل هي الظنّ المتاخم للعلم، أو يكفي مطلق الظنّ؟

و منهم من اكتفى بالظنّ الحاصل من شهادة العدلين.

و منهم من اكتفى برؤية الخطّ و الخاتم مع ضمّ الثقة.

و زاد جمع شرط كون المدّعى أيضاً ثقة.

و منهم من اكتفى في الشهادة بالملك بالاستفاضة مع اليد و التصرّف.

ثم اختلفوا في التصرّف أنّه هل يكفي مطلقه أو تشترط تصرّفات خاصّة؟ و هل تشترط فيه المدّة الطويلة أم لا؟

و منهم من اكتفى باليد و التصرّف.

و منهم من اكتفى باليد.

ثم في تشخيص اليد الدالّة على الملكيّة اختلاف شديد مرّ في مقصد القضاء- من جهة فهم ما هو يد، و تعارض أسباب صدق اليد، و شرائطه، و موارد اكتفاء اليد.

ثم اختلفوا في الشهادة بالاستصحاب، و في أنّه هل يشترط معه الظنّ بالبقاء، أو يكفي عدم الشكّ في خلافه، أو عدم الظنّ به، أو لا يُشترَط شي ء من ذلك؟ إلى غير ذلك من وجوه الاختلافات.

و مع ذلك الاختلاف و

تشتّت الآراء و المذاهب كيف يعلم الحاكم بتحقّق ما هو الشهادة الصحيحة عنده بمجرّد الشهادة المطلقة؟ حتى يجوز له الحكم بها أو يجب، و الأصل عدمهما، و عدم تحقّق الشهادة المقبولة.

و إلى هذا ينظر كلام الحلّي في السرائر، بعد نفيه تحمّل شاهد الفرع

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 356

لشهادة شاهد الأصل، بدون الاسترعاء، و سماع الشهادة عند الحاكم، و بدون ذكر السبب.

قال: مثل أن سمعه يقول: أشهد أنّ لفلان بن فلان على فلان بن فلان درهماً، فإنّه لا يصير بهذا متحمّلًا للشهادة على شهادته؛ لأنّ قوله: أشهد بذلك، ينقسم إلى الشهادة بالحقّ، و يحتمل العلم به على وجه لا يشهد به، و هو أن يسمع الناس يقولون: على فلان كذا و كذا «1». انتهى .

و بمثل ذلك صرّح الشيخ في المبسوط «2»، على ما حكي عنه.

هذا كلّه، مع ما في اشتباه العلم و الظنّ على كثير كثيرا، و اختلاف الناس في سهولة القبول و صعوبته، و اختلاف الأسباب في إفادة العلم و عدمها بالنسبة إلى الأشخاص، و حصول العلم القطعيّ لبعضهم بما لا يفيده عند الأكثر، فإنّي شاهدت ذلك كثيراً.

فمن العدول من شهد بشهادة قطعيّة، فعلمت أنّه لم يشاهد المشهود عليه، فسألته عن ذلك، فقال: علمت بالتواتر و الشياع، فقلت: كم شهد عندك من الأشخاص؟ فانتهى إلى ثلاثة أو أربعة من أوساط الناس و مجاهيلهم.

و كثير منهم كانوا ممّن شهدوا قطعاً على شخص غير حاضر في البلد، فاستفسرت منهم، قالوا: علمنا ذلك بمكاتيب شركائنا من البلدة الفلانيّة، مع أنّ مكاتيبهم لم تكن مستندة إلى حسّ أيضاً.

و منهم من قال: كتب إليّ ولدي، و أعرف خطّه، و هو غير كاذب.

و منهم من قال بعد الشهادة العلميّة

و الاستفسار منه-: أنّه مكتوب

______________________________

(1) السرائر 2: 129.

(2) المبسوط 8: 232.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 357

بخطّي و خاتمي، و أقطع بأنّي لا أكتب إلّا عن علم.

و شهد في بعض الوقائع عندي نحو من أربعين نفراً، كان جمع منهم من العدول، و حصلت لي ريبة من جهة مضيّ مدّة طويلة من الواقعة، و قصور سنيّ الشهود عن درك هذه المدّة، فاستفسرت من جمع من عدولهم، فاستندوا إلى شهادة جمع كثير من هؤلاء الأربعين، فتفحّصت منهم، فاستند كثير منهم إلى طائفة اخرى منهم، إلى أن انتهت شهادة الباقين إلى حكم بعض المنصوبين لمنصب الحكم و المدّعي لمرتبته، من غير تعمّق في علمه أو عدالته.

فإن قيل: العدالة مانعة عن الشهادة بالمطلق مع الاختلاف في المستند، فمع الإطلاق يعلم أنّه أراد ما هو المجمع عليه، أو المقبول عند الحاكم.

و أيضاً تمنع العدالة عن الشهادة بالعلم بالأسباب الضعيفة الغير المفيدة للعلم غالباً.

قلنا في الجواب عن الأول بمثل ما أجابوا عمّن اكتفى بالإطلاق في التعديل لمثل ذلك، فإنّ العدالة لا تستلزم الاطّلاع على هذه الاختلافات، و لا تنافي البناء على مذهب مجتهده.

مع أنّه قد لا يفيد الموافقة لرأي الحاكم أيضاً، فإنّ الشاهدين قد يشهدان بالاستصحاب مع ظنّ البقاء، و علمهما بجوازها عند الحاكم، و يشهد آخران بخلافه؛ لأجل اليد الحاليّة، و علمهما باعتبارها عند الحاكم، فلو لم يستفسر الحاكم، و حكم بمقتضى التعارض، كان حاكماً بمقتضى الاستصحاب مع وجود المزيل، إذا كان الحاكم يقدّم اليد الحاليّة على الملكيّة السابقة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 358

و عن الثاني: بأنّ حصول العلم و سهولة القبول ليس أمراً اختياريّاً تمنعه العدالة، و بعد حصوله لم يكذب الشاهد في شهادته بالعلم، أو

لا حرج عليه، سيّما إذا لم يسمع الاختلاف في وجوه الشهادات، أو لم يسمع إلّا اشتراط العلم فيها.

و ثانيهما: أنّه قد عرفت و صرّح به جماعة «1» أنّ الشهادة هي الأخبار عمّا شاهده و عاينه، و لم يعلم شمولها لغير ذلك، فلا تدلّ عمومات قبول الشهادة إلّا على وجوب قبول الخبر الكذائي في ترتيب الحكم عليها، و الأصل عدمه في غير ذلك.

و إلى هذا ينظر كلام الشهيد في الدروس كما تقدّم في المسألة الثانية ناقلًا عن بعض الأصحاب، حيث قال بلابدّيّة الإتيان بلفظ الشهادة، و عدم سماع قول الشاهد: إنّي أعلم أو أتيقّن أو أخبر عن علم أو حقّ «2».

و ذلك لأنّ هذه الأقوال لا تفيد الاستناد إلى الحسّ، بخلاف قوله: أشهد، فإنّ معناه الإخبار عن الحضور و المشاهدة.

و لكن هذا لا يفيد في الأكثر أيضاً؛ لأنّ غالب الشهود في هذه الأزمنة لا يعرفون معنى الشهادة، سيّما في البلاد العجميّة، فلا يفرّقون بين الشاهد و المخبِر.

و لعلّ هذا وجه عدم اكتفاء الحلّي و المبسوط كما مرّ بالإتيان بلفظ الشهادة أيضاً.

فإن قيل: قد ذكرت أنّ الشهادة بالملك المطلق و الاستصحاب أيضاً شهادة عن المحسوس؛ حيث إنّ اليد الحاضرة و السابقة كانتا محسوستين،

______________________________

(1) كصاحب الرياض 2: 446.

(2) الدروس 2: 135.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 359

و الشارع جعل اليد و الاستصحاب سبباً لحصول الملكيّة الظاهرة بذلك المحسوس، فهما أيضاً شهادتان حسّيّتان.

قلنا: الشهادة: الإخبار عن الحسّ و المشاهدة، لا عن المحسوس و المشاهَد.

المسألة التاسعة: إذا شهد الشاهد عند الحاكم لزيد باليد ثبت عنده اليد،

و مقتضاها الملكيّة، فيحكم له بها؛ لأنّ اليد مستلزمة لها، سواء علمت بالمشاهدة أو ثبتت بالبيّنة، فيكون حينئذٍ الثابت بالبيّنة: اليد، و بها و بالقاعدة الشرعيّة: الملكيّة، و إن شئت نسبت الثانية إلى الشهادة

أيضاً.

و إذا شهد بملكيّة الأمس، فإمّا يكتفي بها، أو يضمّ معها ما يفيد استصحابه أيضاً.

فعلى الأول: تثبت ملكيّة الأمس بالبيّنة، و ملكيّة اليوم باستصحاب الحاكم؛ لأنّه أمر شرعيّ يجب عليه اتّباعه.

و به صرّح في القواعد، قال-: أمّا أنّه لو شهد بأنّه أقرّ له بالأمس ثبت الإقرار، و استصحب موجبه، و إن لم يتعرّض الشاهد «1» للملك الحالي «2». انتهى .

و حكي عن بعض آخر أيضاً «3»، و جعله الشهيد الثاني مقتضى إطلاق كلام المحقّق «4»، بل الظاهر عندي أنّه مقتضى كلام القوم، و إن رجّحوا اليد عليه لكونها مزيلة للاستصحاب.

______________________________

(1) في المصدر: المالك.

(2) القواعد 2: 234.

(3) انظر كشف اللثام 2: 187.

(4) المسالك 2: 392.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 360

و أمّا ما ربّما يظهر من بعض معاصرينا، من الإشكال في جواز عمل الحاكم هنا بالاستصحاب؛ استناداً إلى أنّ الثابت جواز العمل بعلمه، أمّا عمله بظنّه فلا دليل عليه.

فممّا لا ينبغي الإصغاء إليه؛ فإنّه لا يعمل بظنّه من حيث هو ظنّ، بل هو يعمل بمقتضى الدليل الشرعيّ الذي هو الاستصحاب.

و أيّ فرق بين قاعدة الاستصحاب و قاعدة العمل بالبيّنة؟! فإنّ شيئاً منهما لا يفيد العلم.

و جعل الثاني تعبّديّاً و الأول عملًا بالظنّ شططٌ من الكلام.

مع أنّه تجوز شهادة الشاهد بالاستصحاب، و حكم الحاكم باستصحاب الشاهد لو صرّح به.

و ليت شعري كيف صار الاستصحاب حجّة للشاهد مع النهي عن الشهادة بدون العلم؟! و صار استصحابه حجّة للحاكم دون استصحاب نفسه؟! نعم، لو قال: بأنّ هذا ليس إثباتاً للحقّ بالبيّنة الآن كما صرّح به قبل ذلك في مسألة اخرى لا اعتراض لنا عليه.

و على الثاني: فإمّا تكون الضميمة صريح الاستصحاب، فيقول: كان ملكه بالأمس، و اعتقد أنّه ملكه

حينئذٍ بالاستصحاب.

أو ما يفيد مفاده، فيقول: و لا أعلم له مزيلًا.

أو تكون الضميمة ما يفيد شكّه، فيقول: و لا أدري أزال ملكه عنه أم لا؟

و ممّا ذكرنا ظهر الحكم في جميع تلك الصور أيضاً، لعدم منافاة شي ء من هذه الأقوال لاستصحاب الحاكم الملكيّة السابقة، فيستصحبها،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 361

فيكون الحكم بالبيّنة و الاستصحاب معاً.

و أمّا الحكم بالبيّنة فقط فلا يتحقّق في شي ء من هذه الصور؛ لأنّ استصحاب الشاهد أو عدم علمه بالمزيل أو نحوهما ليس حجّة للحاكم، و لا يطلق عليه الشهادة.

و ذلك غرض الفاضل في القواعد، حيث قال في الصورة الاولى : إنّ في قبول الشهادة إشكالًا «1».

فإنّ غرضه الإشكال في إثبات الملكيّة الحاليّة بالبيّنة، لا بنفس استصحاب الحاكم، و هو في محلّه؛ لأن الحاكم مأمور بعلمه باستصحاب نفسه، و أمّا استصحاب الشاهد فهو وظيفته، و لا يفيد للحاكم شيئاً، و لكنّه لا يثمر ثمرة بعد جواز استصحاب الحاكم.

نعم، لو كان الحاكم ممّن لا يقول بحجّية الاستصحاب و الشاهد قائلًا بها تظهر الفائدة.

و التحقيق: عدم السماع حينئذ، لأنّ القدر الثابت جواز الشهادة له بالاستصحاب، و أمّا جواز العمل بالشهادة الاستصحابيّة فلا دليل عليه أصلًا.

و قد يفرّق بين الصورتين الأُوليين و بين الأخيرة، فتُسمَع في الأُوليين دون الأخيرة، بل يُنسَب إلى المشهور.

و استُدلّ عليه: بأنّ الأُوليين تفيدان أنّه يعلم البقاء أو يظنّه، و علم الشاهد و ظنّه المستند إلى دليل شرعيّ حجّة شرعيّة. و أمّا الثانية فإنّما تفيد الشكّ، و عدم بقاء الظنّ.

و فساده أظهر من أن يخفى .

______________________________

(1) القواعد 2: 234.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 362

أمّا أولًا: فلأنّه أيّ دلالة للأُوليين على بقاء العلم أو الظنّ؟! بل هما أعمّان منهما و

من الشكّ و من ظنّ الخلاف، فإنّه لا ينافي الاستصحاب.

و إن كان مراده الظنّ الاستصحابي فهو متحقّق في الأخيرة أيضاً.

و أمّا ثانياً: فلأنّ قوله: لا أدري، أعمّ من بقاء الظنّ ايضاً، فلا ينفيه.

و أمّا ثالثاً: فلأنّ أيّ دليل على حجّية ظنّ الشاهد من حيث هو ظنّه؟! و أمّا الاستصحاب فهو حجّة في صورة الشكّ أيضاً إجماعاً، بل هو حجّة مع ظنّ الخلاف أيضاً، إلّا إذا كان مستنداً إلى دليل شرعي، و هو في حكم العلم.

مع أنّ ظنّ الشاهد لو كان حجّة فإنّما هو حجّة لنفسه، دون غيره.

و اللَّه الموفّق و المعين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 363

الفصل الثالث فيما يتعلّق بتحمّل الشهادة و أدائها
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأُولى : يحصل التحمّل للشهادة بالمشاهدة

لما تكفي هي فيه، و بالسماع لما يكفي هو فيه، و لو لم يستدع أحد طرفي الشهادة أو كلاهما عليه، بل لو قالا له: لا تشهد و لا تتحمّل.

بلا خلاف يوجد، إلّا ما حكي عن الإسكافي في السماع «1».

و هو شاذّ لا يُعبأ به؛ لعدم دليل على اشتراط الاستدعاء في صيرورته شاهداً مع حصولها بأحد الأمرين عرفاً و لغةً، و فرض حصول العلم اللازم فيها المأمور بالشهادة معه كتاباً و سنّةً.

مضافاً إلى خصوص المعتبرة المصرّحة لخيار الشاهد بين إقامة الشهادة و عدمها في صورة عدم الاستدعاء «2»، و لو لا كونه متحمّلًا لما كان وجه لجواز الشهادة.

و منه يظهر حصول التحمّل بالخباء، و سماع كلام المشهود عليه.

و لا يصير متحمّلًا بشهادة العدلين عنده إلّا [لشهادتهما «3»].

و لا بقول المشهود له و سكوت المشهود عليه؛ لأنّه أعمّ من الرضا.

و لا بإشارة الأخرس إلّا [لطريق «4»] إشارته؛ لجواز خطائه في فهمها،

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 729.

(2) انظر الوسائل 27: 317 أبواب الشهادات ب 5.

(3) في «ح» و «ق»: بشهادتهما، و الظاهر ما أثبتناه.

(4) في «ح» و «ق»: بطريق، و الظاهر ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 364

و لعدم كون الفهم مستنداً الى حسّ، و اللَّه العالم.

المسألة الثانية: المشهور كما في المسالك و الكفاية و شرح الإرشاد للأردبيلي «1» و غيرها «2» وجوب تحمّل الشهادة
اشاره

إذا دعي إليه، و هو مذهب الشيخ في النهاية و المفيد و الإسكافي و الحلبي و القاضي و الديلمي و ابن زهرة و الفاضلين و الفخري و الشهيدين و الصيمري «3»، و غيرهم من المتأخّرين «4».

لقوله سبحانه وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا «5».

فإنّ ظاهر سياق الآية أنّها للدعاء إلى التحمّل؛ لأنّها منساقة في معرض الإرشاد للأمر بالكتابة، و نهي الكاتب عن الإباء، ثم الأمر بالإشهاد، و نهي

الشاهد عن الإباء.

مع أنّ هذا المعنى للآية مستفاد من المستفيضة، كصحيحة هشام في قول اللَّه تعالى وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ قال: «قبل الشهادة» و في قول اللَّه تعالى وَ مَنْ يَكْتُمْها «6».

______________________________

(1) المسالك 2: 415، الكفاية: 286، مجمع الفائدة 12: 517.

(2) كالمفاتيح 3: 284.

(3) النهاية: 328، المفيد في المقنعة: 728، نقله عن الإسكافي في المختلف: 722، الحلبي في الكافي في الفقه: 436، القاضي في المهذب 2: 560، الديلمي في المراسم (الجوامع الفقهية): 657، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 625، المحقق في الشرائع 4: 137، العلّامة في القواعد 2: 240، الفخري في الإيضاح 4: 442، الشهيد الأوّل في اللمعة (الروضة البهية 3): 137، و الدروس 2: 123، الشهيد الثاني في المسالك 2: 415 و الروضة 3: 137.

(4) منهم ابن فهد الحلّي في المقتصر: 392، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 382.

(5) البقرة: 282.

(6) البقرة: 283.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 365

قال: «بعد الشهادة» «1».

و صحيحة الحلبي: في قول اللَّه عزّ و جلّ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ فقال: «لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى شهادة يشهد عليها أن يقول: لا أشهد لكم» و قال: «ذلك قبل الكتاب» «2».

و مثلها موثّقة سماعة «3» و رواية الكناني «4» إلى قوله: «لا أشهد لكم».

و رواية محمّد بن الفضيل: في قول اللَّه عزّ و جلّ وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ فقال: «إذا دعاك الرجل لتشهد له على دَين أو حقّ لم ينبغ لك أن تقاعس عنه» «5».

و ما في تفسير الإمام (عليه السّلام) بعد ذكر التفسير الآتي-: و في خبر آخر: قال: «نزلت فيمن دعي لسماع الشهادة فأبى ، و نزلت فيمن امتنع عن أداء الشهادة إذا كانت عنده وَ لا تَكْتُمُوا

الشَّهادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ » «6».

و لرواية داود بن سرحان: «لا يأب الشاهد أن يجيب حين يدعى قبل الكتاب» «7».

______________________________

(1) الكافي 7: 380، 4، الفقيه 3: 34، 112، التهذيب 6: 275، 750، الوسائل 27: 309 أبواب الشهادات ب 1 ح 1.

(2) الكافي 7: 380، 2، الوسائل 27: 310 أبواب الشهادات ب 1 ح 4.

(3) الكافي 7: 379، 1، التهذيب 6: 275، 753، الوسائل 27: 310 أبواب الشهادات ب 1 ح 5.

(4) الكافي 7: 379، 2، التهذيب 6: 275، 751، الوسائل 27: 309 أبواب الشهادات ب 1 ح 2.

(5) الكافي 7: 380، 3، التهذيب 6: 276، 754، الوسائل 27: 310 أبواب الشهادات ب 1 ح 7.

(6) تفسير العسكري «ع»: 676، 379، الوسائل 27: 314 أبواب الشهادات ب 2 ح 8.

(7) الكافي 7: 380، 6، التهذيب 6: 276، 755، الوسائل 27: 310 أبواب الشهادات ب 1 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 366

و المدائني: «إذا دُعيتَ إلى الشهادة فأجب» «1».

مضافاً إلى دعاء الضرورة إليه غالباً في المعاملات و المناكحات، فوجب بمقتضى الحكمة إيجابه رفعاً لحسم مادة النزاع.

خلافاً للحلّي حاكياً له عن المبسوط أيضاً قال: و الذي يقوى في نفسي أنّه لا يجب التحمّل، و للإنسان أن يمتنع من الشهادة إذا دعي إليها ليتحمّلها؛ إذ لا دليل على وجوب ذلك عليه، و ما ورد في ذلك فهو أخبار آحاد.

فأمّا الاستشهاد بالآية، و الاستدلال بها على وجوب التحمّل، فهو ضعيف جدّاً؛ لأنّه تعالى سمّاهم شهداء، و نهاهم عن الإباء إذا دعوا إليها، و إنّما يسمّى شاهداً بعد تحمّلها، فالآية بالأداء أشبه. و إلى هذا القول يذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي في مبسوطه «2». انتهى .

و لكن

نسب في المختلف و الإيضاح إلى المبسوط القول الأول «3».

و يدلّ على ما ذكره الحلّي من كون الآية بالأداء أشبه المرويّ عن تفسير الإمام في تفسير هذه الآية: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) في تفسيرها: «من كانت في عنقه شهادة فلا يأب إذا دعي لإقامتها، و ليقمها» «4».

أقول: في تماميّة الدليل الأخير للقول المشهور نظر؛ لرفع الضرورة بالأمر بعدم الإنكار، و الاستقامة على الحقّ، ثم بتوقّف اليمين.

و كذا في دلالة رواية المدائني؛ لاحتمال إرادة الأداء.

______________________________

(1) الكافي 7: 380، 5، التهذيب 6: 275، 752، الوسائل 27: 309 أبواب الشهادات ب 1 ح 3.

(2) السرائر 2: 126، و انظر المبسوط 8: 186.

(3) المختلف: 722، الإيضاح 4: 441.

(4) تفسير العسكري « (عليه السّلام)»: 676، 378، الوسائل 27: 314 أبواب الشهادات ب 2 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 367

بل و كذا رواية داود، و ليس قوله: «قبل الكتاب» نصّاً و لا ظاهراً في التحمّل.

و منه يظهر ضعف دلالة غير صحيحة هشام، و خبر الإمام على تفسير الآية بالتحمّل أيضاً.

نعم، هما تدلّان عليه، و لكن يعارضهما الخبر الأخير عن التفسير، إلّا أنّه لا يصلح لمعارضتهما؛ لوجوه، أقواها: مخالفته لفهم معظم الأصحاب من المتقدّمين و المتأخّرين، مع ما يمكن من الكلام في ثبوت التفسير عن الإمام.

فلا ينبغي الريب في حمل الآية على التحمّل، و معه تثبت حرمة الإباء، و بها يثبت وجوب التحمّل عند الدعاء.

و يدلّ على هذا القول أيضاً أمر اللَّه سبحانه بالإشهاد في الآية «1»، و أُخبر عنه في الأخبار، كما في روايتي عمر و عمران ابني أبي عاصم: «إنّ أربعة لا تستجاب لهم دعوة، أحدهم: رجل كان له مال فأدانه بغير بيّنة، فيقول اللَّه عزّ

و جلّ: أ لم آمرك بالشهادة؟!» «2».

و هو لا يستقيم بدون إيجاب التحمّل أيضاً، بل الأول مفهم للثاني، و الثاني قرينة عليه عرفاً، كما يظهر من أمر العبد بأخذ المال من عبد آخر، أو أخذ دراهم من شخص، أو نحو ذلك.

فالحقّ هو المشهور.

______________________________

(1) البقرة: 282.

(2) الكافي 5: 298، 2، 1 و فيه: عمّار و عمر [ان ]، و في التهذيب 7: 232، 1014 عن عمران، و أورده في الوسائل 18: 338 أبواب القرض و الدين ب 10 ح 1 عن الكافي و التهذيب. و الظاهر اختلاف نسخ الكافي انظر هامش الوافي 9: 1536.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 368

و أمّا صحيحة القدّاح: «جاء رجل من الأنصار إلى النبي (صلّى اللَّه عليه و آله)، فقال: يا رسول اللَّه، أُحبّ أن تشهد لي على نحل «1» نحلتها ابني، قال: ما لك ولد ساه؟ قال: نعم، فقال: نحلتهم كما نحلته؟ قال: لا، قال: فإنّا معاشر الأنبياء لا نشهد على حَيْف «2»» «3».

حيث إنّ المراد بالحيف ليس الحرام، و إلّا حكم رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) ببطلان نحلته، بل خلاف الاولى ، و لا يجوز ترك الواجب لذلك، و ليس ذلك ايضاً من الخصائص.

فلا تنافي المختار؛ لأنّه ما دعا الرسول (صلّى اللَّه عليه و آله)، بل قال: «أُحبّ».

مع أنّه يمكن أن يعلم رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) تحمّل غيره، فإنّه قضيّة في واقعة.

و معنى قوله: «فإنّا معاشر الأنبياء» إلى آخره، يمكن أن يكون: إنّا لا نترك الحائف على حيفه، بل ننصحه حتى يتركه. فلم يشهد «4» عليه.

فروع:

أ: هل الوجوب على الكفاية؟ كما عن الشيخ في المبسوط و النهاية و الإسكافي و الفاضلين و الفخري و

الشهيدين و الصيمري «5» و غيرهم من

______________________________

(1) أي هبة مجمع البحرين 5: 478، و في روضة المتقين 6: 183: نخل ..

(2) يعني على الظلم و الجور مجمع البحرين 5: 42. و في الفقيه: الجَنَف، و هو الميل و العدول عن الحق مجمع البحرين 5: 33.

(3) الفقيه 3: 40، 134، الوسائل 27: 414 أبواب الشهادات ب 55 ح 1.

(4) في «ق»: نشهد ..

(5) المبسوط 8: 186، النهاية: 328، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 725، المحقّق في الشرائع 4: 138، العلّامة في القواعد 2: 240، الفخري في الإيضاح 4: 442، الشهيد الأوّل في اللمعة (الروضة البهية 3): 137، و الدروس 2: 123، و الشهيد الثاني في الروضة 3: 137، و المسالك 2: 415.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 369

المتأخّرين «1».

أو على العينيّة؟ كما حكي في الإيضاح عن ظاهر المفيد و الحلبي و القاضي و الديلمي و ابن زهرة «2».

قيل: ظاهر الآية و الأخبار: الثاني، إلّا أنّ إطباق المتأخّرين على الأول يرجّحه، مضافاً إلى فحوى الخطاب المستفاد من الحكم بكفائيّة الأداء، و إلى إشعار جعل وجوبه مقابلًا لوجوب الأداء «3».

و لا يخفى ما في هذه الوجوه من الضعف البيّن، فإنّ بعد تسليم ظهور الآية و الأخبار في أمر، و فتوى كثير من أساطين القدماء عليه أيّ وقعٍ لإطباق المتأخرين؟! و أيّ أولويّة للتحمّل في الكفائيّة من الأداء؟! مع أنّه يحصل المطلوب الذي هو ثبوت الحقّ بأداء الشاهدين، و لا تبقى فائدة للشهادة بعده، بخلاف التحمّل، فإنّ موت بعض الشهداء حين الحاجة محتمل، و كذا نسيانه أو فسقه أو غيبته أو جهل حاله عند الحاكم، ففائدة غير الشاهدين كثيرة.

و لا إشعار للمقابلة المذكورة أصلًا.

فالصواب: الاستدلال بظاهر الآية على

الكفائية؛ لأنّ اللَّه سبحانه أمر أولًا باستشهاد الرجلين، و إن لم يكونا فرجل و امرأتان، ثم قال عزّ شأنه

______________________________

(1) كالسبزواري في الكفاية: 286.

(2) الإيضاح 4: 441، و هو في المقنعة: 728، الكافي في الفقه: 436، المهذب 2: 561، المراسم (الجوامع الفقهية): 657، الغنية (الجوامع الفقهية): 625.

(3) انظر الرياض 2: 450.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 370

وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ، اللام في ذلك للعهد الذكري، فالمعنى : و لا يأب الرجلان و الرجل و المرأتان من الإجابة، فالنهي للرجلين أو الرجل و الامرأتين المستشهد عنهما، لا كل أحد، فبعد إجابتهما لا أمر بالشهادة و لا نهي عن الإجابة، كما هو شأن الواجب على الكفاية. و الأصل عدم الوجوب على الغير.

و منه يظهر عدم ثبوت غير الكفائي ممّا ذكرنا دليلًا أيضاً من الأمر بالإشهاد، و أما سائر الأخبار فقد عرفت عدم ثبوت دلالتها على وجوب التحمّل.

ب: قيّد الشيخ في النهاية «1» و جماعة «2» الوجوب بأنّه إنّما هو على من له أهليّة الشهادة، و أطلق جمع آخر «3».

و التقييد بالنسبة إلى من لا تتصوّر في حقّه الأهليّة، كالولد على والده، و المرأة في الطلاق، و نحوه واضح.

و أمّا من تمكن في حقّه الأهليّة فالظاهر فيه أيضاً ذلك؛ لأنّ الشاهد المأمور باستشهاده في الكتاب الكريم إنّما هو ممّن ترضون من الشهداء، فالمنهيّ عن الإجابة أيضاً يكون هو ذلك، كما يظهر وجهه ممّا مرّ.

ج: هل يجب في التحمّل حفظ المشهود به عن النسيان بكتابة و نحوها؟

الظاهر: لا؛ للأصل، و أصالة عدم النسيان، و احتماله مع الكتابة

______________________________

(1) النهاية: 328.

(2) منهم المحقّق في الشرائع 4: 137، العلّامة في القواعد 2: 240، الشهيد الأول في اللمعة (الروضة البهية 3): 137، الفاضل الهندي

في كشف اللثام 2: 382.

(3) منهم المحقّق في النافع: 289، الشهيد الثاني في المسالك 2: 415، السبزواري في الكفاية: 286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 371

أيضاً.

د: يجب في تحمّل الشهادة لشخص أو عليه أن يعرفه إمّا بعينه، بأن ينظر إليه، و يثبته في خاطره، بحيث يمتاز عن غيره عنده عند الأداء، أو يعيّن وصفه و حليته، بحيث لا يشاركه غيره فيهما عادةً، و يثبته إلى وقت الأداء.

أو يعرفه باسمه و نسبه، بحيث يمتاز عن غيره، بأن يكون معروفاً عنده ابتداءً.

أو يعرفه حين التحمّل معرفة علميّة حاصلة من الشياع، حيث عرفت أنّ الشياع معرِّف للأنساب «1» أو يعرفه بشهادة رجلين عدلين، بالإجماع كما قيل؛ و يدلّ عليه كلام الحلّي في السرائر أيضاً «2»، كما يشعر به كلام الكفاية «3».

لأصالة حجّية شهادة العدلين، كما بيّنا في موضعه.

و لرواية ابن يقطين: «لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة و ليست بمسفرة إذا عُرِفت بعينها أو حضر من يعرفها، فأمّا إن لا تُعرَف بعينها و لا يحضر من يعرفها، فلا يجوز للشهود أن يشهدوا عليها و على إقرارها دون أن تسفر» «4».

و قوله: «أو حضر من يعرفها» و إن شمل الواحد أيضاً و المرأة، إلّا أنّ الأقلّ من العدلين خارج بالإجماع.

______________________________

(1) في «ق»: للإنسان.

(2) السرائر 2: 126.

(3) الكفاية: 284.

(4) الكافي 7: 400، 1، الفقيه 3: 40، 131، التهذيب 6: 255، 665، الإستبصار 3: 19، 57، الوسائل 27: 402 أبواب الشهادات ب 43 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 372

و مكاتبة الصفّار الصحيحة: فهل يجوز للشاهد الذي أشهده بجميع هذه القرية أن يشهد بحدود قطاع الأرضين التي له فيها، إذا تُعرَف حدود هذه القطاع بقوم من أهل هذه

القرية إذا كانوا عدولًا؟ فوقّع (عليه السّلام): «نعم، يشهدون على شي ء مفهوم معروف إن شاء اللَّه تعالى » «1».

و هي و إن كانت في معرفة حدود القطاع، إلّا أنّه لا فرق بين معرفة الشخص و الحدّ.

و قريبة منها مكاتبته الأُخرى «2».

و أمّا مكاتبته الصحيحة الثالثة: في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم، هل يجوز له أن يشهد عليها و هي من وراء الستر و يسمع كلامها، إذا شهد رجلان عدلان أنّها فلانة بنت فلان التي تشهدك، و هذا كلامها، أو لا تجوز له الشهادة حتى تبرز و يثبتها بعينها؟ فوقّع (عليه السّلام): «تتنقّب و تظهر للشهود» «3».

فحملها بعضهم على التقيّة، و لأجلها جعلها مرجوحة بالنسبة إلى الرواية المتقدّمة؛ حيث إنّه لا تجوز عند العامّة الشهادة على إقرار المرأة دون أن تسفر فينظر إليها الشهود و لو عرفت بعينها، كما ورد في روايةٍ صحيحة «4».

و الظاهر أنّها لا تنافي الرواية؛ لأنّ الظاهر أنّ المراد بالشهود: الذين يعرفونها أنّها فلانة، دون الرجل الذي أراد أن يشهد عليها، كما حملها عليه

______________________________

(1) التهذيب 6: 276، 758، و في الكافي 7: 402، 4، و الوسائل 27: 407 أبواب الشهادات ب 48 ح 1.

(2) الفقيه 3: 153، 676، الوسائل 27: 407 أبواب الشهادات ب 48 ح 1.

(3) الفقيه 3: 40، 132، الاستبصار 3: 19، 58.

(4) انظر الرياض 2: 451.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 373

الشيخ في الاستبصار «1»؛ و يدلّ عليه جمع الشهود، و قوله: «تتنقّب»؛ لأنّ الظاهر أن التنقّب لهذا الرجل و الظهور للشهود؛ حيث إنّه يجب أن يكون الظهور لهم في حضوره، حتى يشهدوا على عينها.

و إن كان المراد بالشهود: الرجل، لم يحتج إلى التنقّب.

و لا

يتوهّم أنّ ذلك ينافي ما مرّ من لزوم استناد الشهادة إلى الحسّ، و إبطال قول الشيخ بجواز الشهادة الأصليّة بشهادة العدلين «2».

لأنّ المشهود به هنا أيضاً و هو إقرار المرأة مستند إلى الحسّ.

و المعلوم بالعدلين هو بعض متعلّقات المشهود به دون نفسه.

و ليس ذلك إلّا كالشهادة على حضور مشاهدة بيع وكيل زيد أو وصيّ الصغير- الثابتة وكالته و وصايته بالعدلين ملكاً لغيره، فإنّ المشهود به مستند إلى الحسّ.

و كذا إذا شهد بملكيّة عمرو الملك الفلاني الذي ابتاعه من أُمّ الغلام، التي ورثت هذا الملك منه بشهادة امرأة واحدة ليست شهادته مستندة إلى قول امرأة.

فإنّ المفروض عدم التنازع في كون المشهود لها أو عليها الامرأة الفلانيّة و عدمه، أو في وكالة الوكيل المذكور، أو في وصاية الوصي، أو حياة الغلام، بل في أمر آخر محسوس للشاهد.

نعم، لو أنكر حينئذٍ المشهود عليه كونها تلك الامرأة أو الوكالة أو الوصاية أو الحياة لم تجز الشهادة بالعدلين و الامرأة الواحدة بكونها امرأة فلانيّة و وكيلًا و وصيّاً و الغلام حيّاً.

______________________________

(1) الاستبصار 3: 19.

(2) المبسوط 8: 181.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 374

ثم إنّه على ما ذكرنا من جواز الشهادة على إقرارها بتعريف العدلين لها هل يجب استناد شهادته إلى شهادتهما بمعرفتها؟ كما عن الحلّي في السرائر و الفاضل في التحرير «1» و غيره، أم يجوز ذكر الشهادة مطلقة؟

الظاهر: الثاني، إن كان مذهب الحاكم كفاية معرفة العدلين في هذه الشهادة، و يعلمه الشاهدان، و إلّا فلا؛ و الوجه واضح.

ه: يجوز أن تسفر المرأة و تكشف عن وجهها ليعرفها الشاهدان لها أو عليها، إذا لم يمكنهما معرفتها بشهادة العدلين العارفين لها شخصاً أو نسباً، بلا خلاف يوجد، كذا قيل «2».

أقول:

إن قلنا بجواز نظر الأجنبي إلى وجه الأجنبيّة من غير ريبة فلا حاجة إلى قيد عدم إمكان المعرفة بالعدلين، و إن لم نقل به يجب التقييد به، و بضرورة الشهادة أيضاً، فتأمّل.

المسألة الثالثة: من تحمّل شهادةً فإمّا يكون بالاستدعاء أي التماس صاحب الحقّ للتحمّل أو بدونه.
اشاره

فإن كان بالاستدعاء يجب عليه الأداء حين طلبه، إجماعاً قطعيّاً، بل ضرورة، و حكاية الإجماع عليه مستفيضة «3»، و الآيات عليه دالّة، و الأخبار عليه متواترة.

و إن كان بدونه، فالمشهور بين المتأخّرين بل نُسب إلى جمهورهم «4» الوجوب أيضاً، و هو مختار الحلّي «5»؛ لما مرّ.

______________________________

(1) السرائر 2: 126، التحرير 2: 211.

(2) انظر الرياض 2: 451.

(3) القواعد 2: 240، المسالك 2: 415، الروضة 3: 138، الرياض 2: 449.

(4) كما في الرياض 2: 449.

(5) السرائر 2: 132.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 375

و ذهب جماعة من القدماء منهم: الإسكافي و الشيخ في النهاية و ظاهر الحلبي و القاضي و ابنا حمزة و زهرة، بل الكليني و الصدوق «1»، بل نسبه بعضهم إلى المشهور بين القدماء «2» إلى عدم الوجوب حينئذ، بل هو بالخيار، إن شاء شهد، و إن لم يشأ لم يشهد؛ للصحاح الأربع لمحمّد و هشام:

الأُولى : «إذا سمع الرجل الشهادة و لم يشهد عليها، إن شاء شهد، و إن شاء سكت» «3».

و الثانية: في الرجل يشهد حساب الرجلين، ثم يدعى إلى الشهادة، [قال:] «إنشاء شهد، و إن شاء لم يشهد» «4».

و الثالثة: «إذا سمع الرجل الشهادة و لم يشهد عليها، فهو بالخيار، إن شاء شهد، و إن شاء لم يشهد» «5».

و مثلها الرابعة، و زاد فيها: و قال: «إنّه إذا أُشهد لم يكن له إلّا أن يشهد» «6».

______________________________

(1) نقله عن الإسكافي في المختلف: 729، النهاية: 330، الحلبي في الكافي في الفقه: 436،

القاضي في المهذب 2: 561، ابن حمزة في الوسيلة: 233، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 625، الكليني في الكافي 7: 381، الصدوق في الفقيه 3: 33.

(2) كما في الرياض 2: 449.

(3) الكافي 7: 381، 2، التهذيب 6: 258، 678، الوسائل 27: 318 أبواب الشهادات ب 5 ح 3، بتفاوت.

(4) الفقيه 3: 33، 107، الوسائل 27: 319 أبواب الشهادات ب 5 ح 6؛ و ما بين المعقوفين من المصدرين.

(5) الكافي 7: 382، 5، الوسائل 27: 317 أبواب الشهادات ب 5 ح 1؛ و فيهما: و إن شاء سكت.

(6) الكافي 7: 381، 1، التهذيب 6: 258، 679، الوسائل 27: 318 أبواب الشهادات ب 5 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 376

و الروايتين، إحداهما لمحمّد: عن الرجل يحضر حساب الرجلين، فيطلبان منه الشهادة على ما سمع منهما، قال: «ذلك إليه، إن شاء شهد، و إن شاء لم يشهد، فإن شهد شهد بحقّ قد سمعه، و إن لم يشهد فلا شي ء عليه؛ لأنّهما لم يشهداه» «1».

و الثانية ليونس مرسلة: «إذا سمع الرجل الشهادة و لم يشهد عليها، فهو بالخيار، إن شاء شهد، و إن شاء أمسك، إلّا إذا علم مَن الظالم فيشهد، و لا يحلّ له إلّا أن يشهد» «2».

و أمّا رواية محمّد: في الرجل يشهد حساب الرجلين، ثم يدعى إلى الشهادة، قال: «يشهد» «3».

فغير منافية لما مرّ؛ لأنّ قوله: «يشهد» لا يفيد الوجوب، و لو سلّم فيخصّص عندهم بما إذا حضر بالاستدعاء.

و صريح النافع و الكفاية «4» و بعض مشايخنا المعاصرين «5» و ظاهر المسالك «6» و بعض آخر ممّن تأخّر عنه «7»: التردّد؛ لمعارضة تلك الأخبار مع إطلاقات الكتاب و السنّة بوجوب أداء الشهادة،

المعتضدة بالشهرة المتأخّرة.

______________________________

(1) الكافي 7: 382، 6، التهذيب 6: 258، 677، الوسائل 27: 318 أبواب الشهادات ب 5 ح 5.

(2) الكافي 7: 382، 4، التهذيب 6: 258، 680، الوسائل 27: 320 أبواب الشهادات ب 5 ح 10، بتفاوت.

(3) الفقيه 3: 33، 108، الوسائل 27: 319 أبواب الشهادات ب 5 ح 7.

(4) النافع: 290، الكفاية: 286.

(5) كصاحب الرياض 2: 449.

(6) المسالك 2: 415.

(7) كالكاشاني في المفاتيح 3: 285.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 377

و لا يخفى ما فيه، فإنّ الإطلاق لا يعارض التقييد الصريح المنصوص، الموافق لعمل أعيان القدماء، بل كما قيل «1» شهرتهم، فلا مناص عن ترجيح القول الثاني، و عليه الفتوى .

ثم عدم الوجوب عند عدم الاستدعاء على المختار إنّما هو إذا لم يعلم الشاهد ذهاب حقّ المحقّ بسكوته، و إن علم ذلك تجب عليه الشهادة، كما صرّح به الصدوق في الفقيه و الشيخ في النهاية «2»، كما نطقت به المرسلة المتقدّمة.

و تدلّ عليه رواية إبراهيم عن أبي الحسن (عليه السّلام): عن رجل طهرت امرأته من حيضها، فقال: فلانة طالق، و قوم يسمعون كلامه، و لم يقل لهم: اشهدوا، أ يقع الطلاق عليها؟ قال: «نعم، هذه شهادة، أ فيتركها معلّقة؟!» «3».

قال: و قال الصادق (عليه السّلام): «العلم شهادة إذا كان صاحبه مظلوماً» «4».

يعني: أنّ العلم شهادة و إن لم يشهد عليه مع الظلم. و ذلك يشعر بأنّه إذا لم يكن صاحبه مظلوماً ليس مطلق العلم بدون الإشهاد شهادة.

و منه يظهر جواب آخر عن العمومات و الإطلاقات للشيخ و تابعيه.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 449.

(2) الفقيه 3: 34، النهاية: 330.

(3) الفقيه 3: 34، 109، الوسائل 27: 319 أبواب الشهادات ب 5 ح 8، و فيهما: عن

علي بن أحمد بن أشيَم، عن أبي الحسن (عليه السّلام)، و لم نعثر على رواية عن إبراهيم بهذا المتن. نعم، وردت بدون قوله: «أ فيتركها معلّقة» عن إبراهيم بن هاشم، عن صفوان، عن أبي الحسن (عليه السّلام) انظر: الكافي 6: 72، 4، التهذيب 8: 49، 155، الوسائل 22: 50 أبواب الطلاق ب 21 ح 2.

(4) الفقيه 3: 34، 110، الوسائل 27: 319 أبواب الشهادات ب 5 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 378

و هل الوجوب مطلقاً على القول الأول، و مع الاستدعاء على الثاني عيني أو كفائي؟

الظاهر إطباق الأولين و اتّفاقهم على الثاني، بل حكايات إجماعهم عليه مستفيضة؛ لأنّ المطلوب من أداء الشهادة إحقاق الحقّ، فمع حصوله حصل المطلوب، و لا يتحصّل الحاصل.

و الحاصل: أنّ الفرق بين الكفائي و العيني أنّه:

إن عُلِمَ بتصريح الشارع أو بدليل آخر أنّ مطلوب الشارع نفس الفعل، دون الفاعل، و أمكن تحقّقه من بعض، فهو الكفائي.

و إن احتمل مدخليّة الفاعل أيضاً، و شمل دليل الحكم الفاعل، فهو العيني.

و يعلم هناك بضرورة العقل أنّ المطلوب ليس إلّا إحقاق الحقّ، فبعد تحقّقه لا يبقى طلب، و هو معنى الكفائي.

و ربّما يشعر بذلك ما في رواية جابر، من قوله: «من كتم شهادة أو شهد بها ليهدر دم امرئ مسلم، أو ليزوي بها مال امرئ مسلم، أتى يوم القيامة و لوجهه ظلمة مدّ البصر» «1».

حيث دلّت بالمفهوم على أنّه من كتم لا لغير ذلك و منه: عدم الحاجة إلى شهادته لم يكن كذلك.

و ممّا ذكرنا تظهر الكفائيّة على القول الثاني أيضاً، و الظاهر أنّه أيضاً مراد القائلين به.

و أمّا جعل الوجوب مع الاستدعاء عينيّاً؛ لأنّه المستفاد من الروايات

______________________________

(1) الكافي 7: 380، 1،

الفقيه 3: 35، 114، التهذيب 6: 276، 756، ثواب الأعمال: 225، 3، الوسائل 27: 312 أبواب الشهادات ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 379

المفصّلة، و جعله فارقاً بين النزاعين، و ردّ كلام المختلف الجاعل نزاعهم لفظيّاً بذلك «1»، كما في الكفاية تبعاً للمسالك «2».

فغير جيّد جدّاً؛ لأن عموم الروايات و إطلاقها إن أفاد العينيّة لاشترك بين القولين، و إن كان النظر إلى حصول إحقاق الحقّ فكذلك.

فإن قلت: فما الفرق بين القولين على هذا؟ حيث إنّ أرباب القول الثاني مع عدم الإشهاد أيضاً يقولون بالوجوب مع توقّف إحقاق الحقّ عليه.

قلت: الفرق ظاهر غاية الظهور، فإنّ شأن الكفائي الوجوب على كلّ أحد، إلّا مع العلم بأداء الواجب عن غيره، فمع عدم العلم يكون واجباً عليه، و لا يسقط باحتمال الأداء.

فأهل القول الأول يقولون بوجوب أداء الشهادة على كلّ أحد، إلّا إذا علم نهوض غيره لأدائه مطلقاً.

و أهل الثاني يقولون بذلك أيضاً مع الاستدعاء، و أمّا بدونه فيقولون بالوجوب مع العلم بعدم إحقاق الحقّ، و أمّا ما لم يعلم ذلك و احتمل الإحقاق بغيره فلا يجب.

يصرّح بذلك قول الصدوق: فمتى علم أنّ صاحب الحقّ المظلومُ وجبت عليه الشهادة «3».

و كذا الشيخ في النهاية، حيث قال: إلّا أن يعلم أنّه إن لم يقمها بطل حقّ مؤمن «4».

هكذا ينبغي أن يُحقَّق المقام.

______________________________

(1) المختلف: 725.

(2) الكفاية: 286، المسالك 2: 415.

(3) الفقيه 3: 34.

(4) النهاية: 330.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 380

فروع:

أ: ما ذُكر هنا من وجوب الأداء و فيما تقدّم من وجوب التحمّل إنّما هو إذا لم يخف الشاهد على ضرر عليه، أو على غيره من المؤمنين و لو كان المشهود عليه، كما إذا كان

المشهود عليه فقيراً غير متمكّن من الأداء، و لا من الإثبات، و يقع بالشهادة عليه في حبس أو نحوه، فإنّه لا تجب الشهادة حينئذٍ إجماعاً، بل تحرم.

لنفي الضرر و الضرار في الآيات و الأخبار عموماً.

و خصوص رواية عليّ بن سويد: «فأقم الشهادة للَّه» إلى أن قال: «فإن خفت على أخيك ضيماً فلا» «1». و الضيم: الظلم.

و رواية داود بن الحصين: «أقيموا الشهادة على الوالدين و الولد، و لا تقيموها على الأخ في الدين الضير» قلت: و ما الضير؟ قال: «إذا تعدّى فيه صاحب الحقّ الذي يدّعيه قبله خلاف ما أمر اللَّه به و رسوله، و مثل ذلك: أن يكون لرجل على آخر دين، و هو معسر، و قد أمر اللَّه بإنظاره حتى ييسر، قال فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ «2» و يسألك أن تقيم الشهادة، و أنت تعرفه بالعسر، فلا يحلّ لك أن تقيم الشهادة حال العسر» «3».

و في رواية محمّد بن القاسم الواردة في المعسر المديون: و إن كان عليه الشهود من مواليك قد عرفوا أنّه لا يقدر، هل يجوز أن يشهدوا عليه؟

______________________________

(1) الكافي 7: 381، 3، التهذيب 6: 276، 757، الوسائل 27: 315 أبواب الشهادات ب 3 ح 1.

(2) البقرة: 280.

(3) الفقيه 3: 30، 89، التهذيب 6: 257، 675، الوسائل 27: 340 أبواب الشهادات ب 19 ح 3، بتفاوتٍ يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 381

قال: «لا يجوز أن يشهدوا عليه» «1».

و يشترط في السقوط بالضرر أن يكون الضرر غير مستحقّ، فلو كان للمشهود عليه حقٌّ على الشاهد لا يطالبه، و توجب شهادته المطالبة، فلا يكفي ذلك في سقوط الوجوب؛ لأنّه ضرر مستحقّ.

نعم، لو لم يقدر على الأداء، و لم يمكنه إثبات الإعسار، و

وقع بشهادته في المشقّة، كان عذراً.

و لا يسقط أيضاً بمنع نفع متوقّع عنه كما إذا كان عنده للمشهود عليه مالُ مضاربة ينتفع بربحه، فاستردّه بالشهادة لأنّه ليس ضرراً، إلّا إذا توقّفت معيشته عليه.

و من الحرج المسقط للوجوب: سفر البحر لمن يخافه، و السفر الطويل الموجب للتضرّر في الحضر، أو تحمّل البرد أو الحرّ الشديد، أو نحوها.

ب: لو احتاج الأداء أو التحمّل إلى مؤنة سفر يسقط الوجوب؛ لأنّه ضرر، إلّا أن يتحمّلها المشهود له فيجب.

ج: لو أنفذ الشاهد شاهدي فرع مقبولي الشهادة على شهادته فيما تسمع فيه شهادة الفرع لا يجب عليه أداؤها بنفسه؛ لصدق الأداء، و عدم الكتمان.

و لا يسقط بالكتابة و لو مع ضمّ قرينة موجبة للعلم بشهادته؛ لأنّها ليست أداء و لا مقبولة.

د: لو كان هناك شاهد واحد فقط، و كان الحقّ ممّا يثبت بالشاهد

______________________________

(1) الكافي 7: 388، 2، التهذيب 6: 261، 693، الوسائل 27: 339 أبواب الشهادات ب 19 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 382

و اليمين، و كانت اليمين ممكنة و لو بعد حين كما في الغائب و الصغير وجب الأداء؛ للعموم.

و لو لم يثبت بالشاهد و اليمين، أو لم يمكن اليمين، فالمصرّح به في كلام جماعة: عدم الوجوب «1»؛ لعدم الفائدة، إلّا مع احتمال تمام العدد.

و هل يجب لو احتمل حينئذٍ وصول بعض الحقّ بشهادته بصلح و نحوه؟

الظاهر: نعم، للعموم.

و لو شهد أحد العدلين لا يجوز للآخر ترك الشهادة من جهة إمكان إثبات الحقّ بضمّ اليمين؛ لأنّ في اليمين مشقّة، و للعموم.

ه: لو كان الشاهد فاسقاً، فإن جوّز تأثير شهادته في الحقّ و لو بصيرورته عدد الشياع، أو قرينة، أو سبباً لردع المشهود عليه عن الإنكار، أو موجباً

لوصول شي ء من الحقّ بصلح وجب عليه الأداء، و كذلك إن أمكن له جعل نفسه مقبول الشهادة حينئذٍ بالتوبة؛ للعمومات، و إلّا لم يجب؛ لعدم الفائدة.

و لو أمكن للفسّاق بأداء الشهادة عند حاكم الجور إيصال الحقّ إلى مستحقّه، فصرّح بعضهم بالوجوب «2».

و لعلّه لأجل أدلّة إعانة المظلوم، و النهي عن المنكر، أو لعموم وجوب أداء الشهادة.

و لكن هذا إذا لم يمكن التوصّل إلى الحقّ بنوع آخر، و لم يكن الحاكم من الطواغيت الذين يحرم أخذ الحقّ بحكمهم.

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في الروضة 3: 139، صاحب الرياض 2: 450.

(2) انظر الرياض 2: 450.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 383

و: لو كان هناك شاهد أو شاهدان لم يعلمه المشهود له:

فإن علم ثبوت الحقّ بعدلين آخرين لم يجب عليه شي ء.

و لو لم يعلم ثبوته وجب عليه الإعلام و الأداء؛ للعمومات.

و كذا في الشاهد الواحد الممكن ثبوت الحقّ به مع اليمين.

و اللَّه الموفّق و المعين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 384

الفصل الرابع في الشهادة على الشهادة
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأُولى: تقبل الشهادة على الشهادة،

لا بمعنى أنّها تقبل في حقّ شاهد الأصل من حيث إنّه قال كذا و كذا؛ لأنّها ليست شهادة على الشهادة، بل هي شهادة، و ثبت حكمها، و دلّ على قبولها جميع العمومات المتقدّمة، و ليست عنواناً على حدة.

بل بمعنى أنّها تقبل في حقّ الأصل من حيث إنّه شاهد بكذا و كذا.

و الحاصل: أنّه ليس المراد أنّها تقبل في شهادة الأصل، بل تقبل فيما شهد به الأصل، أ لا ترى أنّهم يقولون: إنّها لا تقبل مع إمكان حضور شاهد الأصل و لا في الحدود، فإنّه لا شكّ في أنّه يثبت بها قول شاهد الأصل بما قال، و لو مع الإمكان، و لو في الحدود. بل لا يقبل حينئذٍ ما شهد به الأصل، و لا يترتّب عليه أثره فيه.

ثم الدليل على قبولها بالمعنى المراد: الإجماع القطعي في الجملة، بل الضرورة.

و تدلّ عليه مرسلة الفقيه: «إذا شهد رجل على شهادة رجل فإنّ شهادته تقبل، و هي نصف شهادة، و إن شهد رجلان عدلان على شهادة رجل فقد ثبتت شهادة رجل واحد» «1».

______________________________

(1) الفقيه 3: 41، 135، الوسائل 27: 404 أبواب الشهادات ب 44 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 385

أي ثبتت شهادة واحد من حيث إنّها شهادة، و يترتّب عليها حكم شاهد واحد فيما شهد به الأصل، و بقي شاهد آخر في حقّه.

و أمّا أصل قول الأصل فهو قد ثبت تامّاً بشهادة الفرعين، و لم تكن فائدة للتقييد بالواحد، و ذلك تصريح من الإمام بما ذكرنا من المراد.

و أيضاً يصرّح به قوله (عليه السّلام): «و هي نصف شهادة»، أي لما شهد به الأصل، و نصفها الآخر شهادة الفرع الآخر، و هذه شهادة واحد

لما شهد به الأصل، و يحتاج إلى شهادة آخر ليتحقّق الشاهدان على ما شهد به الأصل، المحتاج ثبوته إلى أربعة أنصاف.

و تدلّ عليه أيضاً رواية غياث بن إبراهيم: «إن عليّاً (عليه السّلام) كان لا يجيز شهادة رجل على شهادة رجل واحد، إلّا شهادة رجلين على شهادة رجل» «1».

دلّت بمفهوم الاستثناء على إجازة شهادة رجلين على شهادة رجل، أي من حيث إنّها شهادة، فيتحقّق بها شاهد واحد على ما شهد به الأصل.

و أمّا مجرّد شهادة الأصل من حيث إنّها قوله فلا شكّ في إجازة شهادة رجل واحد فيها، بمعنى: أنّها تقبل بواحد من الشاهدين، كما هو المعهود من الشارع في القبول و الإجازة.

يدلّ عليه جميع ما مرّ من الأخبار المجيزة لشهادة الزوج و الوالد و الولد و الأخ «2».

و تدلّ عليه أيضاً صحيحة محمّد على ما في الفقيه-: في الشهادة

______________________________

(1) الفقيه 3: 41، 136، الوسائل 27: 403 أبواب الشهادات ب 44 ح 4.

(2) راجع ص 244 و 253. و أُنظر الوسائل 27: 366، 367 كتاب الشهادات ب 25، 26.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 386

على شهادة الرجل، و هو بالحضرة في البلد، قال: «نعم، و لو كان خلف سارية، يجوز ذلك إذا كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلّة تمنعه من أن يحضر و يقيمها، فلا بأس بإقامة الشهادة على الشهادة» «1».

و هذا أيضاً نصّ في أنّ المراد إثبات المشهود به الذي شهد به الأصل، دون مجرّد شهادة الأصل.

و الرضوي: «فإذا شهد رجل على شهادة رجل فإنّ شهادته تقبل، و هي نصف شهادة، و إذا شهد رجلان على شهادة رجل فقد ثبتت شهادة رجل واحد، و إن كان الذي شهد عليه في مصره» «2».

و ضعف

بعض هذه الأخبار لو كان مجبور بعمل الأصحاب.

و أمّا الاستدلال بعمومات قبول الشهادة كما وقع عن جمع من المتأخّرين «3» فغير جيّد؛ لأنّها إنّما تفيد لو كان المراد إثبات نفس ما شهد به الأصل، و أمّا إثبات ما شهد هو به فلا؛ إذ لا ملازمة بين ثبوت شهادة الأصل و ثبوت ما شهد به، كما في صورة إمكان الأصل، و في الحدود، و في الفرعيّة الثالثة.

ثم ها هنا أُمور ثلاثة: ما شهد به الأصل من الحقّ، و شاهد الأصل، و شاهد الفرع.

و مقتضى إطلاق الأخبار المذكورة بل عموم بعضها أصالة قبول الشهادة على الشهادة في الأول مطلقاً، سواء كان ما شهد به الأصل من

______________________________

(1) الفقيه 3: 42، 141، الوسائل 27: 402 أبواب الشهادات ب 44 ح 1.

(2) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 261، مستدرك الوسائل 17: 442 أبواب الشهادات ب 37 ح 1.

(3) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 415، السبزواري في الكفاية: 286، صاحب الرياض 2: 454.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 387

حقوق اللَّه عزّ جاره، أو من حقوق الآدميّين.

و سواء كانت الاولى من الحدود، أو رؤية الأهلّة، أو الماليّة من الأوقاف العامّة، و الزكوات، و الكفّارات، و النذور إن قلنا إنّها حقّ اللَّه.

و سواء كانت الثانية من الأموال كالقرض، و القراض، و الديون، و الغصب، و الإتلاف، و الوصيّة، و غيرها أو من غير الأموال كالعقود، و الإيقاعات، و الأنكحة، و الفسوخ، و العقوبات كالقصاص و غيره، و الطلاق، و النسب، و العتق، و عيوب النساء، و الولادة، و الوكالة، و الوصاية، و غير ذلك بل الحكم في غير الحدود ممّا لا خلاف فيه، كما صرّح به غير واحد «1»، بل إجماعيّ

كما ذكره جماعة «2».

و كذا الحكم في الثاني، فتقبل الشهادة على الشهادة، سواء كان شاهد الأصل رجلًا، أو امرأة، أو رجلًا و امرأة فيما تقبل فيه شهادة الامرأة، أو صبيّاً أو ذميّاً فيما تقبل فيه شهادتهما. و الظاهر أنّه إجماعيّ و إن قصرت الأخبار المذكورة عن إفادة الحكم في المرأة.

و أمّا الثالث أي شاهد الفرع فالأخبار مقصورة على الرجل، بل مقتضى رواية غياث اختصاص شاهد الفرع المقبول شهادته بالرجال أيضاً، و سيأتي الكلام فيه إنشاء اللَّه سبحانه.

المسألة الثانية: يشترط أن يشهد على شهادة كلّ من الأصلين فرعان

عدلان إجماعاً؛ له، و للنصوص المتقدّمة.

______________________________

(1) كالسبزواري في الكفاية: 286، صاحب الرياض 2: 454.

(2) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 415، الروضة 3: 149، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 384.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 388

و لا يشترط تغاير فرعي كلّ أصل لفرعي الآخر؛ للإطلاق، فتجوز شهادة اثنين على كلّ واحد من الأصلين، و شهادة فرع مع أحد الأصلين على الآخر، و بالعكس، و نحو ذلك، بلا خلاف أيضاً كما قيل «1» للإطلاق.

المسألة الثالثة: قد استثني من الأصل المذكور: الحدود،

فلا تقبل فيها شهادة الفرع إذا كانت من حقوق اللَّه المحضة، إجماعاً محكيّاً مستفيضاً «2» و محقّقاً.

له، و لروايتي طلحة بن زيد و غياث بن إبراهيم:

الأُولى : عن عليّ (عليه السّلام) أنّه كان لا يجيز شهادة على شهادة في حدّ «3».

و الثانية: «لا تجوز شهادة على شهادة في حدّ، و لا كفالة في حدّ» «4».

و كذا في الحدود المشتركة بينه تعالى و بين الآدميّين كحدّ القذف و السرقة- عند الأكثر، كما في الإيضاح و المسالك و الكفاية «5»، و عن التنقيح و الروضة «6»، و هو مختار الفاضل في التحرير و القواعد و ولده في الإيضاح «7»، و هو الأظهر؛ لعموم الخبرين، و درء الحدود بالشبهة الحاصلة منهما.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 455.

(2) كما في الإرشاد 2: 165، الإيضاح 4: 444، المسالك 2: 416، الرياض 2: 454.

(3) التهذيب 6: 255، 667، الوسائل 27: 404 أبواب الشهادات ب 45 ح 1.

(4) الفقيه 3: 41، 140، التهذيب 6: 256، 671، الوسائل 27: 404 أبواب الشهادات ب 45 ح 2.

(5) الإيضاح 4: 444، المسالك 2: 416، الكفاية: 286.

(6) التنقيح 4: 317، الروضة 3: 150.

(7) التحرير 2: 215، القواعد 2: 241، الإيضاح 4: 444.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 18، ص: 389

خلافاً للمحكيّ عن المبسوط و ابن حمزة و النكت و المسالك «1»، و نسب إلى الإيضاح أيضاً «2» و هو خطأ للأصل المذكور، و ضعف الخبرين، و قاعدة ترجيح حقّ الآدمي.

و الأصل مخصَّص بما مرّ، و الضعف بما ذكر منجبر، و القاعدة غير ثابتة؛ مع أنّها إنّما تفيد لو ثبت القبول في مطلق حقوق الآدميّين.

ثم المصرّح به في كلام الأكثر: القبول في القصاص مع كونه حدّا؛ لكونه حقّ الآدمي، و ظاهر المسالك إجماعنا عليه «3».

و لكن قال الشيخ في النهاية: و يجوز أن يشهد رجل على شهادة رجل إلى أن قال: و ذلك أيضاً لا يكون إلّا في الديون و الأملاك و العقود، فأمّا الحدود فلا يجوز أن تقبل شهادة على شهادة «4».

و قال الحلّي أيضاً في السرائر: فذلك لا يكون أيضاً إلّا في حقوق الآدميّين من الديون و الأملاك و العقود، فأمّا الحدود فلا يجوز أن تقبل فيها شهادة على شهادة «5».

و ظاهرهما كما ترى عدم القبول في القصاص أيضاً، كما هو مقتضى عموم الخبرين، فإن ثبت إجماع على القبول فيه، و إلّا فلا يمكن القول به، إلّا عند من ردّ الخبرين بالضعف، و عدم الجابر في المقام.

و لو اشتمل المشهود به على حدّ و غيره من الأحكام كاللواط

______________________________

(1) المبسوط 8: 231، ابن حمزة في الوسيلة: 233، حكاه عن نكت الشهيد في الرياض 2: 454، المسالك 2: 416.

(2) نسبه إليه صاحب الرياض 2: 454.

(3) المسالك 2: 416.

(4) النهاية: 328.

(5) السرائر 2: 127.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 390

المترتّب عليه نشر حرمة أُمّ المفعول و أُخته و بنته أيضاً، و الزنا بالعمّة و الخالة المستلزم لتحريم بنتهما، و وطء البهيمة

المثبت لتحريم لحمها، و نحو ذلك فلا شك في عدم ثبوت الحدّ.

و في عدم قبولها في سائر الأحكام أيضاً لتلازم الأمرين، و كونهما معلولي علّة واحدة و قبولها فيها للعموم المذكور، خرج منه الحدّ بالنصّ و الإجماع، فيبقى الباقي وجهان، أظهرهما: الثاني؛ لما ذكر، كما اختاره في الشرائع و التحرير و القواعد و الإرشاد و الدروس و المسالك و اللمعة و الروضة «1».

و التلازم المدّعى ليس بعقليّ لا يتخلّف، بل ملازمة شرعيّة بالعموم، فيقبل التخصيص، كعلّيّة المعلول للأمرين، أي جعَلَ الشارع المشهود به علّة للأمرين بالعموم، فيجوز التخصيص فيما وجد مخصِّص.

و هذا مرادهم من قولهم: علل الشرع معرِّفات يجوز انفكاك معلولاتها عنها بالدليل.

و المحصَّل: أنّه تقبل الشهادة في ثبوت الملزوم و العلّة، الذي هو سبب الأمرين، و لكن يتخلّف عنه اللزوم و العلّيّة لأحد الأمرين هنا بالدليل.

المسألة الرابعة: و قد استثني أيضاً من الأصل المذكور: ما إذا تمكّن الأصل من إقامة الشهادة حين طلبها بنفسه،
اشاره

بأن كان حاضراً في البلد، أو في موضع يمكنه الحضور من غير مشقّة لا تتحمّل غالباً، و لم يكن له عذر من حضور مجلس الأداء، من مرض أو زمانة «2» أو خوف عدوّ أو نحو ذلك.

______________________________

(1) الشرائع 4: 140، التحرير 2: 216، القواعد 2: 241، الدروس 2: 141، المسالك 2: 418، اللمعة و الروضة 3: 150.

(2) يقال: زَمِنَ الشخص زَمناً و زَمَانَةً فهو زَمِنٌ من باب تعب و هو مرض يدوم زماناً طويلًا مجمع البحرين 6: 260.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 391

فإنّه مع ذلك التمكّن لا تسمع شهادة الفرع، على الحقّ المشهور بين الأصحاب كما صرّح به جماعة «1» بل عن الخلاف الإجماع عليه «2»، لصحيحة محمَّد المتقدّمة «3».

خلافاً للمحكيّ عن بعض الأصحاب، كما ذكره في الخلاف «4»، و لم يعيّن القائل، و قال في الدروس:

إنّه جنح إليه في الخلاف «5». و لعلّه لنقله دليل عدم الاشتراط، و السكوت عنه. و في دلالته على الميل تأمّل.

و قال في الدروس بعد حكاية قول الإسكافي: إنّه لو أنكر شاهد الأصل بعد ما شهد عليه اثنان لم يلتفت إلى جحوده-: إنّ فيه إشارة إلى أنّ تعذّر الحضور غير معتبر «6».

و فيه نظر؛ لأنّ الجحود لا ينحصر بالحضور، بل يمكن حصول العلم به بالشياع، أو القرينة المفيدة للعلم.

مع أنّه يمكن أن يكون الشرط عندهم التعذّر أولًا، و يكون حكم مسألة جحود الأصل غير ما نحن فيه، كيف؟! و قد صرّح الإسكافي بالاشتراط، قال: و لا بأس بإقامتها و إن كان المشهود على شهادته حاضرَ البلد أو غائباً، إذا كانت له علّة تمنعه من الحضور للقيام بها «7».

______________________________

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 417، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 385، صاحب الرياض 2: 456.

(2) الخلاف 2: 629.

(3) في ص 383 و 384.

(4) الخلاف 2: 630.

(5) الدروس 2: 141.

(6) الدروس 2: 141.

(7) حكاه عنه في المختلف: 723.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 392

و من ذلك يظهر ما في كلام بعض آخر كالمحقّق الأردبيلي «1» حيث نسب الخلاف إلى والد الصدوق، فإنّه أيضاً لم يذكر إلّا قبول شهادة الثاني بعد إنكار الأول.

و كيف كان، فالمخالف شاذّ نادر، يمكن دعوى الإجماع على خلافه، و مع ذلك فالصحيحة تردّه.

ثم مقتضى الصحيحة اشتراط عدم إمكان حضور الأصل، و الأصحاب اكتفوا بالمشقّة التي لا تتحمّل غالباً كجماعة «2» أو مطلق المشقّة، كبعض آخر «3».

و يمكن الاستدلال لجواز القبول مع المشقّة الشديدة التي تسمّى حرجاً بأنّه لا يجب على الأصل حينئذٍ أداؤها بنفسه؛ لنفي الضرر و الحرج، فبقي إمّا

إبطال حقّ المشهود له، أو قبول شهادة الفرع، و الأول باطل إجماعاً، فلم يبق إلّا الثاني.

فرعان:

أ: هل يشترط في القبول تعذّر الأصل مطلقاً، أو يكفي تعذّر الأصلين اللذين يشهد على شهادتهما؟

الظاهر: الثاني؛ للأصل، و عدم دلالة الصحيحة على الأزيد من تعذّرهما، فلو تعذّر حضور عدلين أصلين، و لكن كان للمشهود له عدلان أصلان آخران أيضاً، فيجوز له إقامة الفرعين على الأصلين الأولين، و تقبل

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 12: 486.

(2) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 417، صاحب الرياض 2: 456.

(3) منهم الشيخ في النهاية: 329، الخلاف 2: 629، المبسوط 8: 233، العلّامة في التحرير 2: 215، القواعد 2: 242.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 393

شهادتهما، و يجوز للحاكم الاكتفاء بها.

ب: هل الشرط تعذّر الأصل عن الإقامة حال إشهاد للفرع أو حال طلب الأداء و المرافعة؟

الوجه هو: الثاني؛ لأنّه المستفاد من الصحيحة، فلو أشهده مع إمكان الإقامة تقبل، لو لم يمكن له الإقامة حين طلبها، و لو انعكس الأمر لم تقبل.

و لو تعذّر حال إقامة الفرع، ثم رفع العذر قبل الحكم، فظاهر الصحيحة عدم قبول الفرعيّة. و حملُها على عدم صحّة أداء الفرع دون سماع شهادته كما عن النكت- احتمالٌ بعيد، مع أنّه لا معنى لصحّتها إلّا قبولها.

المسألة الخامسة: قد عرفت أنّ مقتضى رواية غياث بن إبراهيم «1» عدم قبول شهادة النساء في الفرع،

و هو فيما إذا كان المشهود به في الأصل ممّا لا تقبل فيه شهادة النساء موضع وفاق.

و أمّا فيما كان ممّا تقبل فيه شهادتهنّ منفردات أو منضمّات ففيه خلاف، فذهب في السرائر و الشرائع و القواعد و التحرير و الإيضاح و النكت و المسالك و التنقيح «2» و غيرهم من المتأخّرين «3» بل قيل: لم أجد فيه مخالفاً «4» إلى المنع، بل نسب القول بالجواز إلى الندرة «5».

______________________________

(1) المتقدمة في ص 383.

(2) السرائر 2: 128، الشرائع 4: 140، القواعد 2: 242،

التحرير 2: 216، الإيضاح 4: 448، و نقله عن النكت في الرياض 2: 455، المسالك 2: 418، التنقيح 4: 319.

(3) انظر كفاية الأحكام: 287، و المفاتيح 3: 293.

(4) انظر الرياض 2: 455.

(5) انظر الرياض 2: 455.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 394

للرواية المذكورة، مضافة إلى الحصر المستفاد من رواية السكوني: «شهادة النساء لا تجوز في طلاق و لا نكاح و لا حدود، إلّا الديون و ما لا يستطيع إليه النظر للرجال» «1».

و لا شكّ أنّ شهادتهنّ الفرعيّة إنّما هي على الشهادة، و هي ليست من الديون و لا مالا يستطيع إليه النظر للرجال.

فإن قيل: المراد من ذلك ليس أن يكون خصوص المشهود به الديون، بل تكون هي مقصود المستشهد من طلب الإقامة، و إلّا تثبت الحدود أيضاً بشهادة الفرع؛ لأنّ المشهود به فيها أيضاً الشهادة دون الحدّ.

قلنا: معنى قوله: «إلّا الديون» أنّه تسمع شهادتهنّ في الديون، و شهادة الفرع ليست منها حقيقة، و الخروج عن الحقيقة في الحدّ بالقرينة- حيث إنّه لا يمكن أن يكون المراد شهادة الفرع على نفس الحدّ لا يوجب الخروج عنها فيما لا قرينة فيه.

مع أنّ المذكور في روايتي الحدود: أنّه لا تقبل شهادة على شهادة في حدّ «2»، و قوله: «في حدّ» متعلّق بالشهادة الثانية.

خلافاً للمحكيّ عن الإسكافي و الخلاف و موضع من المبسوط «3»، و اختاره في المختلف «4»، و عن الخلاف: الإجماع عليه و وردت الأخبار به «5».

للإجماع المنقول.

______________________________

(1) التهذيب 6: 281، 773، الإستبصار 3: 25، 80، الوسائل 27: 362 أبواب الشهادات ب 24 ح 42.

(2) راجع ص 386.

(3) نقله عن الإسكافي في المختلف: 724، الخلاف 2: 630، المبسوط 8: 234.

(4) المختلف: 724.

(5) الخلاف 2: 630.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 395

و الأخبار المشار إليها في الخلاف.

و للأصل.

و عموم قوله سبحانه فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ «1».

و خبر السكوني المذكور.

و فحوى ما دلّ على قبول شهادة الأصل فيما تقبل فيه.

و الكلّ مردود:

أمّا الأول: فبعدم الحجّية، سيّما فيما كان مخالفاً للشهرة المحقّقة.

و أمّا الثاني: فبعدم وجود خبر، فضلًا عن الأخبار إن أُريد منها ما يدلّ على خصوص المورد، و إن أُريد منها مثل رواية السكوني فقد عرفت أنّها على الخلاف دالّة.

و أمّا الثالث: فبأنّ الأصل بما مرّ مندفع، مع أنّه لا أصل له، بل الأصل خلافه.

و أمّا الرابع: فبأنّ الآية واردة في الدَّين، و المورد ليس منه، بل في رواية داود بن الحصين أنّها مخصوصة به، ففيها بعد قول القائل: فأنّى ذكر اللَّه تعالى قوله فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ ؟ قال: «ذلك في الدَّين، إذا لم يكن رجلان فرجل و امرأتان» «2».

و جعل ذلك أيضاً دَيناً لو كان هو المشهود به للأصل، فقد عرفت ما فيه.

و به ظهر ردّ الخامس أيضاً.

______________________________

(1) البقرة: 282.

(2) التهذيب 6: 281، 774، الإستبصار 3: 26، 81، الوسائل 27: 360 أبواب الشهادات ب 24 ح 35.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 396

و أمّا السادس: فبأنّ العلّة في الأصل غير معلومة، ثم الأولويّة ممنوعة.

فهذا القول ضعيف كتردّد النافع و الإرشاد و الدروس و الروضة «1»، كما حكي عنها.

المسألة السادسة: قال الشيخ في المبسوط و تبعه سائر الأصحاب-: إنّ شاهد الفرع يصير متحمّلًا لشهادة شاهد الأصل

بأحد أسباب ثلاثة:

أحدها: الاسترعاء، و هو أن يقول شاهد الأصل لشاهد الفرع: أشهدُ أنّ لفلان بن فلان على فلان بن فلان درهماً، فاشهد على شهادتي، أو نحو ذلك.

سمّي استرعاءً لالتماس شاهد الأصل رعاية شهادته. و ألحق به جماعة: أن يسمع أنّه يسترعي آخر «2».

و الثاني: أن يسمع شاهد الفرع شاهد

الأصل يشهد بالحقّ عند الحاكم، فإذا سمعه يشهد به عنده صار متحمّلًا لشهادته.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 18    397     المسألة السادسة: قال الشيخ في المبسوط و تبعه سائر الأصحاب -: إن شاهد الفرع يصير متحملا لشهادة شاهد الأصل ..... ص : 396

ثالث: أن يشهد الأصل بالحقّ، و يعزيه إلى سبب وجوبه، فيقول: أشهد أنّ لفلان بن فلان على فلان بن فلان ألف درهم من ثمن ثوب أو عبد أو دار أو ضمان «3».

قالوا: و الأول هو أعلى المراتب، و حصول التحمّل به ممّا لا خلاف فيه، كما صرّح به في الكفاية «4» و غيره «5»، بل عن الإيضاح و التنقيح

______________________________

(1) النافع 2: 290، الإرشاد 2: 165، الدروس 2: 141، الروضة 3: 152.

(2) منهم العلّامة في المختلف: 729.

(3) المبسوط 8: 231.

(4) الكفاية: 287.

(5) كالرياض 2: 455.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 397

و المسالك الإجماع عليه «1».

و دونه الثاني، و دونه الثالث؛ لوقوع الخلاف فيهما عن الإسكافي، فإنّه قال بالتحمّل في صورة الاسترعاء خاصّة «2»، و ظاهره المنع فيما عداها. و في الأخيرة عن الفاضلين «3» و غيرهما «4»، فتردّدوا فيها.

و لكن قال الكلّ بعدم التحمّل في غير تلك الصور، و هو الصورة الرابعة، و هي أن يقول: أشهد أنّ عليه كذا، من دون استرعاء، و لا في مجلس الحكم، و لا ذكر سبب.

قال في السرائر: فأمّا إن لم يكن هناك استرعاء، و لا سمعه يشهد عند الحاكم، و لا عزاه إلى سبب وجوبه مثل أن سمعه يقول: أشهدُ أنّ لفلان ابن فلان على فلان بن فلان درهماً فإنّه لا يصير بهذا متحمّلًا للشهادة على شهادته. انتهى «5».

إلّا أنّ في الشرائع استشكل فيها

«6».

قيل: لاشتمالها على الجزم الذي لا يناسب العدل أن يتسامح به، فالواجب إمّا القبول فيها كما في الثالثة أو الردّ كذلك، لكن الأول بعيد، بل لم يقل به أحد، فيتعيّن الثاني «7».

قيل بعد ذكر هذه المراتب-: أنّها خالية عن النصّ، فينبغي الرجوع

______________________________

(1) الإيضاح 4: 445، التنقيح 4: 319، المسالك 2: 416.

(2) نقله عنه في المختلف 729.

(3) المحقّق في الشرائع 4: 139، الفاضل في القواعد 2: 241.

(4) كالشهيد في الدروس 2: 142.

(5) السرائر 2: 129.

(6) الشرائع 4: 139.

(7) انظر مفاتيح الشرائع 3: 294.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 398

إلى مقتضى الأُصول، و هو اعتبار علم الفرع بشهادة الأصل، من دون فرق بين الصور، فلو فرض أن لم يحصل العلم في صورة الاسترعاء لم يجز أداء الشهادة على شهادته، و لو فرض حصوله في الرابعة جاز، بل وجب «1».

و إلى هذا أشار في التنقيح، حيث قال: و الأجود أنّه إن حصلت قرينة دالّة على الجزم و عدم التسامح قبلت، و إن حصلت قرينة على خلافه- كمزاح و خصومة- لم تقبل «2».

و كذا المحقّق الأردبيلي، قال: و الأقوى أنّه إن تيقّن عدم التسامح صار متحمّلًا، و إلّا فلا «3».

أقول: لا يخفى أنّ نظر الشيخ و من تبعه إلى القاعدة المتقدّمة، المدلول عليها بالنصوص، و بمقتضى معنى الشهادة من أنّ مستند الشاهد يجب أن يكون العلم الحاصل من الحسّ، أو الاستفاضة في موارد مخصوصة، أو ظنّ خاصّ على بعض الأقوال كما مرّ، و لا يفيد في قبول الشهادة أو في تحقّقها كلّ علم و لا كلّ ظنّ- فإنّه على هذا لا يصير الفرع متحمّلًا لشهادة الأصل إلّا إذا علم أنّه شهادة، أي مستند إلى ما ذكر.

و يعلم ذلك

بكلّ من المراتب الثلاث:

أمّا الأُولى : فلأنّه يأمر الأصل برعاية شهادته، و الشهادة بها لا تكون إلّا للإقامة، و لمّا لم تجز الإقامة إلّا مع استناد شهادة الأصل إلى العلم المعتبر في الشهادة، و لا يكفي كلّ علم، يعلم أنّ ما شهد به شهادة شرعيّة، فيكون متحمّلًا للشهادة.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 455.

(2) التنقيح 4: 320.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 12: 478.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 399

و أمّا الثانية: فلأنّ على ما ذكر لا يجوز للأصل الشهادة عند الحاكم إلّا مع استنادها إلى ما ذكر، فبعد سماعها حينئذٍ يعلم الشهادة الشرعيّة، و يصير متحمّلًا.

و أمّا الثالثة: فلأنّ ذكر السبب قرينة على مشاهدة السبب؛ لأنّه ظاهر فيها، فيصدق تحمّل الشهادة.

بخلاف المرتبة الرابعة، فإنّ الفرع لمّا لم يكن في مقام الإشهاد، و لا في مقام الشهادة، و لم يذكر أيضاً قرينة ظاهرة في المشاهدة و كثيراً ما يطلق لفظ الشهادة في الأخبار على الجازم مطلقاً، بأيّ نوع حصل الجزم، حتى عرّفها به بعض الفقهاء «1»، و تداول استعمالها فيه عرفاً عند أهل العرف، بل المتشرّعة لا يعلم أن شهادته هل هي بالعلم الحاصل من المشاهدة، أو مطلق العلم، فلا تقبل.

و قد صرّح بذلك الحلّي في السرائر، حيث إنّه بعد ما نقلنا عنه، و ذكر عدم التحمّل بالمرتبة الرابعة قال: لأنّ قوله: أشهد بذلك، ينقسم إلى الشهادة بالحقّ، و يحتمل العلم به على وجه لا يشهد به، و هو أن يسمع الناس يقولون كذا و كذا، فلذا وقف التحمّل لهذا الاحتمال، فإذا حقّق ما قلنا زال الإشكال «2». انتهى .

و بما ذكرنا ظهر أنّ ما قيل كما نقلنا عنه: إنّه ينبغي الرجوع إلى مقتضى الأُصول- ناشئ عن الغفلة عن

فهم مراد الشيخ، بل مراده هو مقتضى الأُصول، و اعتبار مطلق العلم ليس بمقتضاه.

و كذا ظهر ما في كلام صاحب التنقيح و المحقّق الأردبيلي.

______________________________

(1) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 400.

(2) السرائر 2: 129.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 400

و كذا ما في كلام الشرائع من الاستشكال في الفرق بين المرتبتين الأخيرتين، من جهة أنّ الأخيرة أيضاً مشتملة على الجزم، و لا يناسب العدل التسامح به فإنّ مراد الشيخ ليس التسامح بالجزم، بل التسامح في الجزم، أي في سبب الجزم، و ليس فيه عدم مناسبته للعدالة؛ إذ ليس في الأخيرة في مقام إشهاد و لا إقامة شهادة حتى يجب عليه البناء على الجزم بالسبب المعيّن.

هكذا ينبغي أن يحقّق المقام.

و مع ذلك ففي حصول التحمّل بالمرتبة الثالثة كلام؛ لاحتمال بنائه في ذكر السبب على مطلق العلم، دون المشاهدة؛ إذ ليس هو فيها في مقام الشهادة أو الإشهاد، فتردّد الفاضلين و من لحقهما فيها في موقعه.

و كذا ينبغي أن يخصّص التحمّل في الأولين أيضاً بما إذا كان الأصل عالماً بأحكام الشهادة، كما هو مفروضهم هنا و في مقام بيان مستند الشاهد.

المسألة السابعة: تسمع شهادة الفرع لو مات الأصل بعد إشهاده الفرع أو جنّ؛ إذ ليست شهادة الفرع إثباتاً للمشهود به، بل إثباتٌ لأنّ الأصل كان شاهداً، و لإطلاق الأخبار.

و كذا لا يضرّ عمى الأصل، و إن كان المشهود به ممّا يحتاج إلى البصر، بعد ما كان الأصل بصيراً حين التحمّل.

و لو طرأ فسق أو ردّة أو نحو ذلك ممّا يمنع عن قبول شهادته، فإن كان بعد الحكم فلا يضرّ إجماعاً، و وجهه ظاهر.

و إن كان قبله، فإن كان قبل الإشهاد فلا شكّ في منعه عن القبول.

و إن

كان بعده، فإن كان بعد شهادة الفرع عند الحاكم، فهو مثل طريان الفسق للشاهد بعد الشهادة و قبل الحكم، و يأتي أنّ الظاهر أنّه

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 401

لا يمنع من القبول.

و إن كان قبلها، فقال المحقّق الأردبيلي ما ملخّصه: إنّه قيل: تبطل و تطرح؛ لأنّ شهادة الفرع فرع الأصل، و هي ليست مقبولة حينئذ، و لأنّ قبولها يوجب الحكم بشهادة الفاسق و الكافر، و لأنّ شهادة الفرع شهادة ناشئة عن فاسق حين الشهادة.

و فيه تأمّل؛ إذ ما ذُكر وجوهٌ و مناسبات، فلو وُجِدَ دليل آخر من عقل أو نقل على ذلك، و إلّا فليس بتامّ؛ لأنّ الفرعيّة لا يستلزم بطلانها بفسق الأصل، فإنّا لا نجد مانعاً لسماع شهادة الفرع على أصل كان عند إشهاده عدلًا، فإنّ المدار في قبول الشهادة عند الأداء.

و لا نسلّم أنّ الحكم بشهادة الأصل، بالفرع، على التسليم فإنّه وقت الإشهاد كان عدلًا، فهو بمنزلة من شهد عند الحاكم ثم صار فاسقاً، و قد مرّ أنّ قبول شهادته قويّ، مع أنّ ذلك منقوض بما إذا جنّ الأصل، بل مات أو عمي.

و بالجملة: لو كان لهم دليل على ذلك من نصّ أو إجماع فهو متّبع، و إلّا فالحكم محلّ التأمّل «1». انتهى.

و هو جيّد جدّاً، بل الظاهر أنّه لا تأمّل في عدم المانعيّة.

المسألة الثامنة: لو شهد الفرع فأنكر الأصل ما شهد به فمقتضى القواعد أنّه إن كان بعد الحكم لم يلتفت إلى الأصل؛

لمضيّ الحكم، و استصحابه.

و إن كان قبله، فإن كان إنكاره بحضوره عند الحاكم و التلقّي بالإنكار

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 12: 482 483.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 402

لم يلتفت إلى شهادة الفرع؛ لما مرّ من أنّ سماعها مشروط بتعذّر حضور الأصل.

و إن كان مع تعذّر حضوره بإنفاذ خبر محفوف بالقرينة، أو إشهاد عدلين آخرين، أُجيزت

شهادة الفرع أيضاً؛ لثبوت الأصل بشهادتهما بمقتضى الأخبار المتقدّمة، و عدم دليل على قبول الإنكار.

إلّا أنّ ها هنا صحيحتين منافيتين لبعض ما ذكر:

إحداهما للبصري: في رجل شهد على شهادة رجل، فجاء الرجل فقال: لم أشهد، فقال: «تجوز شهادة أعدلهما، و إن كانت عدالتهما واحدة لم تجز شهادته» «1».

و الأُخرى لابن سنان «2»، و هي أيضاً كالأُولى .

و بمضمونهما أفتى الصدوقان و الشيخ في النهاية و القاضي ابن البرّاج «3»، و كذا ابن حمزة، و لكنّه فيما إذا أنكر بعد الحكم، و أمّا قبله فيطرح الفرع «4»، و قريب منه الفاضل في المختلف «5»، و إن كان صريح الإيضاح أنّه موافق للمتأخّرين «6».

أقول: أمّا الأولون فكلامهم مطلق، فإن أرادوا قبل الحكم كما هو

______________________________

(1) الفقيه 3: 41، 137، الوسائل 27: 405 أبواب الشهادات ب 46 ح 1.

(2) الكافي 7: 399، 1، التهذيب 6: 256، 670، الوسائل 27: 405 أبواب الشهادات ب 46 ح 3.

(3) حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 723، الصدوق في المقنع: 133، النهاية: 329، القاضي في المهذّب 2: 561.

(4) الوسيلة: 234.

(5) المختلف: 723.

(6) الإيضاح 4: 449.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 403

الظاهر ففتواهم موافقة لقواعد الاستدلال؛ لأنّ الصحيحين واردان في حضور الأصل، فحكمهم بعدم سماع الفرع مع التساوي في العدالة و مع أعدليّة الأصل يوافق الصحيحين و صحيحة محمّد «1» المتضمّنة لاشتراط سماع الفرع بعدم حضور الأصل. و أمّا سماع الفرع مع أعدليّته، فلتعارض الصحيحين مع مفهوم الصحيحة، و كون الصحيحين أخصّين مطلقاً فيقدّمان على الصحيحة.

و كذا إن أرادوا قبل الحكم و بعده؛ لأنّ نفوذ حكمه إنّما هو بالاستصحاب المندفع بالصحيحين.

و أمّا الآخران فلا يوافق قولهما في صورة أعدليّة الفرع لقواعد الاستدلال؛ لإيجابه طرح

الصحيحين الخاصّين بلا موجب.

إلّا ما قيل من اشتمالهما على شهادة الفرع الواحد و سماعها، و هو مخالف للإجماع «2» أو من مخالفتهما للشهرة المتأخّرة، و أكثريّة أدلّة ردّ الفرع مع الحضور.

و يضعّف الأول: بوضوح أنّ المراد سماع الواحد بقدر الواحد، و هو هنا نصف شهادة، أو ذكر الرجل على سبيل التمثيل و المراد شاهد الفرع.

و الثاني: بعدم تأثير الشهرة المتأخّرة في حجّية الصحيحين، مع عمل جمع من القدماء الذين هو بنو عذرة الحديث بهما. و لا أكثريّة لأدلّة رد الفرع مع حضور الأصل و من ذلك يظهر أنّ الترجيح لقول الصدوقين و النهاية، و لا حاجة إلى

______________________________

(1) المتقدمة في ص 383 و 384.

(2) انظر الرياض 2: 456.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 404

ارتكاب بعض المحامل البعيدة، كما ارتكب كلّاً منها طائفة «1».

المسألة التاسعة: يشترط في سماع شهادة الفرع أن يسمّي الأصل،

و يعرّفه شخصه حين شهادته عند الحاكم.

و لا يكفي أن يقول: أشهدني شخص أو عدل؛ لأنّه قد يكون الذي أشهده معلوم الفسق عند الحاكم أو المدّعى عليه، أو كان فيه موجب لردّ الشهادة.

و لا يشترط فيه تعديل الفرع للأصل، و لا اعترافه بصدقه في الشهادة؛ للأصل.

المسألة العاشرة: لا تُقبَل شهادة على شهادة على شهادة-

و هي الشهادة الثالثة مطلقاً، بالإجماع المحقّق، و المحكيّ مستفيضاً «2»؛ له، و للأصل، و لرواية عمرو بن جميع، المنجبر ضعفها لو كان بما ذكر، و فيها: «و لا تجوز شهادة على شهادة على شهادة» «3».

______________________________

(1) انظر المختلف: 723، الإيضاح 4: 449، الرياض 2: 456.

(2) كما في المسالك 2: 415، مفاتيح الشرائع 3: 292، الرياض 2: 456.

(3) الفقيه 3: 42، 142، الوسائل 27: 404 أبواب الشهادات ب 44 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 405

الفصل الخامس في توافق الدعوى و الشهادة و توارد الشهود
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأُولى : يشترط في قبول الشهادة مطابقتها للدعوى ،

فإن خالفت الشهادة للدعوى كلّاً أو بعضاً طرحهما، كأن يدّعي عشرة ثمن المبيع، و شهدا بعشرة اجرة الدار.

و لا تضرّ الزيادة أو النقصان ما لم يخالف الدعوى ، فلو ادّعى عشرة ثمن المبيع، و شهدا بالعشرة أو بالعكس، لم يطرح.

المسألة الثانية: يشترط توارد الشاهدين على معنى واحد

و لو اختلف اللفظان، و لو اختلفا لم يضرّ ما لم يختلف المعنى . فلو شهد أحدهما: أنّه غصب، و الآخر: أنّه أخذ ظلماً، ثبت الغصب. و كذا لو شهد أحدهما بالعربيّة، و الآخر بالعجميّة.

المسألة الثالثة: لا يشترط في قبول الشهادة بيان جميع مشخّصاته-

من الزمان و المكان و الأوصاف إجماعاً، فلو شهدا بمشاهدتهما بيعه الدار الفلانيّة بالثمن الفلاني يكفي، و لو لم يعيّنا زماناً و لا مكاناً، و لا كيفيّة الصيغة، و لا النقد أو النسيئة، أو غير ذلك ما لم تتضمّن الدعوى قيداً يحتاج إلى بيان لثبوته للإجماع، و الأصل، و إطلاق الأخبار.

و كذا لو شهدا بإقراره بشي ء أو وصيّة أو وصايته أو توكيله أو نحو ذلك، فلا يشترط بيان وقته، و لا زمانه، و لا لغته، و لا لفظه.

و كذا لو شهدا بمشاهدة موت زيد، أو تزويجه امرأة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 406

نعم، قد يحتاج إلى ذلك في تفريق الشهود.

و لو شهدا بطلاق امرأته بعد إنكار الزوج فهل يحتاج إلى ذكر العدلين و بيانهما، أم لا؟

الظاهر: نعم؛ إذ لا يتحقّق الطلاق ما لم يكن في محضر العدلين، و قد يكون من يعلمه الشاهد عدلًا فاسقاً عند الحاكم.

و يمكن أن يقال: إنّ الدعوى و الإنكار إن كانا على أصل الطلاق لا يحتاج في ثبوته إلى ضمّ العدلين، و إن كانا على صحّته و فساده احتاج، و على هذا فلو ادّعت الزوجة الطلاق، و أنكره الزوج، و شهدا بمجرّد الطلاق يثبت، و لكن لا يحكم الحاكم بالبينونة؛ لعدم ثبوت صحّته. و يحتمل الحكم بها أيضاً؛ إذ لم يدّع الزوج الفساد، و الظاهر الصحّة.

و الوجه: أنّه لا دليل تامّاً على الظهور، و لا على حجّيته لو سلّم، فلا يحكم إلّا بنفس الطلاق، و

لكن ليس على الحاكم تتبّع الصحّة و الفساد ما لم يكن مدّع له؛ للأصل، فيحكم بالطلاق فقط، و يخلّيهما و نفسهما، إلّا إذا ادّعى أحدهما الفساد.

المسألة الرابعة: يشترط في قبول الشهادتين عدم تكاذبهما-

أي لم يناقض أحدهما الآخر، و أمكن اجتماعهما فلو تكاذبا لم تقبل الشهادتان، فلو شهد أحدهما: أنّه قتل زيداً يوم الخميس أو في السوق، و الآخر: أنّه قتله يوم الجمعة أو في البيت، لم تقبل.

إلّا أن يدّعي المدّعى أحدهما معيّناً، و شهد آخر موافقاً لدعواه أيضاً، أو ضمّ اليمين مع أحد شاهديه، إذا كان ممّا يثبت بالشاهد و اليمين.

و يتحقّق التكاذب فيما لم يحتمل التكرّر، فلو احتمله لم يتكاذبا، و لكن يتوقّف ثبوت ما ادّعاه المدّعى على ضمّ شاهد آخر أو يمين مع

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 407

أحدهما، كأن يشهد أحدهما: أنّه سرق الشي ء الفلاني يوم الخميس، و الآخر: أنّه سرقه يوم الجمعة، مع إمكان السرقة أولًا و إعادته ثم السرقة ثانياً.

و كذا لو شهد أحدهما ببيعه بدينار، و الآخر بدينارين، مع إمكان إقالة الأول، ثم البيع ثانياً.

المسألة الخامسة: يشترط في قبولهما ورودهما على فعل واحد،

فلو ورد كلّ منهما على فعل غير الآخر لم يثبت شي ء، إلّا مع إحدى الضميمتين مع واحد من الشاهدين.

و فرّعوا عليه فروعاً كثيرة:

منها: أن يشهد أحدهما بالبيع، و الآخر بالإقرار بالبيع، فقالوا: لم تتمّ الشهادة.

و منها: أن يشهد على فعل، و اختلفا في زمانه أو مكانه أو وصفه الذي يدلّ على تغاير الفعلين، كأن يشهد أحدهما: أنّه غصبه ديناراً يوم السبت أو في الدار، و الآخر: أنّه غصبه يوم الجمعة أو في السوق، أو يشهد أحدهما: أنّه غصبه ديناراً مصريّاً، و الآخر: بغداديّاً، فلا تتمّ؛ لأنّ الفعلين متغايران، و لم يشهد بكلّ منهما إلّا شاهد واحد.

و منها: أن يشهد أحدهما: أنّه سرق ديناراً، و الآخر: أنّه سرق درهماً.

و منها: أن يشهد أحدهما: أنّه باع هذا الثوب منه أمس، و الآخر: أنّه باعه اليوم، أو أحدهما:

أنّه طلّقها أو تزوّجها أمس، و الآخر: أنّه طلّقها أو تزوّجها اليوم، فلا يثبت شي ء من البيع أو الطلاق و التزويج.

و قال في التحرير: و يحتمل القبول؛ لأنّ المشهود به شي ء واحد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 408

يجوز أن يعاد مرّة بعد اخرى ، فيكون واحداً، و اختلافهما في الوقت ليس باختلاف فيه. قال: و الأول أقرب «1».

و منها: أن يشهد أحدهما: أنّه أقرّ أنّه غصب ثوباً، و الآخر: أنّه أقرّ أنّه غصب ديناراً.

و منها: أن يشهد أحدهما: أنّه قذف غدوة، و الآخر: أنّه قذف عشية أو قال أحدهما: إنّه قذفه بالعربيّة، و الآخر: إنّه قذفه بالعجميّة.

إلى غير ذلك من الفروع.

ثم قالوا: لو شهد أحدهما: أنّه أقرّ بقتل أو دين أو غصب ببغداد أو يوم الخميس أو بالعربيّة، و الآخر: أنّه أقرّ بذلك بعينه بالكوفة أو يوم السبت أو بالعجميّة، ثبت المقرّبة؛ لأنّه إخبار عن شي ء واحد، و المقرّ به واحد شهد اثنان بالإقرار به، فإنّ جمع الشهود لسماع الشهادة متعذّر.

و لو شهد أحدهما بالإقرار بألف، و الآخر بألفين، ثبت الألف بهما، و الآخر بانضمام اليمين.

و لو شهد أحدهما: أنّه سرق ثوباً قيمته دينار، و الآخر: أنّه سرق ثوباً قيمته ديناران، ثبت الدينار بشهادتهما.

أقول: لو شهد أحدهما: أنّه أوصى لزيد بمائة يوم الخميس أو في المرض الفلاني أو في مكان كذا و بوصايته على صغيره كذا، و الآخر: بأنّه أوصى به يوم الجمعة أو في المرض الآخر أو في مكان كذا، لم أعثر فيه على تصريح منهم على أنّه من قبيل الأول أو الثاني، إلّا أنّ ظاهرهم أنّهم بعده يقبلونه.

______________________________

(1) التحرير 2: 214.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 409

ثم أقول: إنّه قد يستشكل في

الفرق بين كثير من فروع الأول و فروع الثاني، فإنّ المعتبر عندهم إن كان اتّحاد نفس الفعل المدلول عليه بالشهادة مطابقةً المشهود به، فظاهرٌ أنّه لم يتحقّق فيما ذكروه للفروع الثانية؛ لظهور تغاير الإقرارين و المسروقين و الوصيّتين.

و إن كفى اتّحاد لوازمه و متضمّناته فهو أيضاً يتحقّق في كثير من فروع الأول، فإنّ لازم كلّ من البيع و الإقرار به كون المبيع ملكاً للمشهود له.

و يستلزم أو يتضمّن كلّ من غصب الأمس ديناراً و في الدار و اليوم و في البيت لغصب الدينار، و كذا البيع.

و يستلزم أو يتضمّن كلّ من قذف الغداة و العشي و بالعربيّة و العجميّة للقذف.

فيتحقّق في هذه الفروع أيضاً المشهود به الواحد.

و حلّه أن يقال: إنّه يكفي اتّحاد الأجزاء و اللوازم أيضاً، لأنّها أيضاً مشهود بها؛ لأنّ الإخبار عن الملزوم و الكلّ إخبار عن اللازم و الجزء، فتصدق شهادة العدلين على هذا الشي ء الواحد، و لكن لما يشترط في سماع الشهادة و الحكم بها كون المشهود به أمراً موجوداً واحداً في الشهادتين، فلا تسمع الشهادة على أمر غير ممكن الوجود كالجنس بلا فصل، أو النوع بلا تشخّص أو على أمر موجود في كلّ شهادة بوجود غير وجوده في الأُخرى ، كما إذا كان في إحداهما هو الحيوان الناطق، و في الأُخرى الصاهل.

و على هذا، فلو شهد أحدهما بالفرس و الآخر بالإبل، لا يحكم بالحيوان المطلق؛ لعدم إمكان وجوده الخارجي، و لا بأحدهما؛ لأنّه غير الآخر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 410

و على هذا، فإن كان التغاير المفروض في الملزوم أو الكلّ المشهود به مسرياً و متعدّياً إلى اللازم و الجزء، و بدونه لم يتحقّق أحدهما، لم تسمع الشهادة على أحدهما؛

لأنّه إمّا غير متحقّق الوجود أو غير متّحدين كمثال الغصب و القذف و البيع، المذكورات في فروع الأول لأنّه إن أُخذ المشهود به جنس هذه الامور بلا فصل لم يمكن وجوده خارجاً و إن اتّحد في الشهادتين. و إن أُخذ الجنس مع الفصل و إن أمكن وجوده و لكن فصله المشهود به ليس أمراً واحداً، و غير المشهود به لا وجه لإثباته.

و إن كان التغاير في الملزوم خاصّة من غير التعدّي إلى اللازم، و كان اللازم ممكن التحقّق في الخارج، تسمع الشهادة عليه و يثبت، كمثال الإقرار و الوصيّة في الفروع الثانية، فإنّ الملزوم الذي هو الإقرار و إن تغاير في الشهادتين وقتاً أو قدراً، و لكن لازمهما الذي هو تعلّق حقّ المقرّ له بالمقرّ به، أو القدر الناقص، أو استحقاق الموصى له للموصى به بعد موته أمر واحد ممكن الوجود في الخارج، و المشخّصان المذكوران في الشهادة ليسا مشخّصين للّازم أصلًا، فيكون اللازم مشهوداً به، غاية الأمر عدم بيان بعض مشخّصاته، و هو غير مضرّ- كما مرّ في المسألة الثالثة و ليس من قبيل الشهادة بالفرس و الإبل المتعدّي فيها تغاير المشخّصين إلى اللازم أيضاً.

نعم، يشترط في ثبوت المقرّ به في الشهادة على الإقرارين: العلم باتّحاد المقرّبة فيهما، فلو احتمل التغاير لم يثبت، كما إذا شهد أحدهما: أنّه أقرّ لزيد بدينار في العام الماضي، و الآخر: أنّه أقرّ له به أمس، و لم يعلم من الخارج اتّحاد المقرّ به.

و لا يفيد ضمّ الاستصحاب بالأُولى إلى الأمس حتى يتّحدا؛ لأنّ

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 411

الاستصحاب فرع الثبوت، و لذا لا تثبت بشهادة واحد بملكيّة زيد في شي ء في العام الماضي، و أُخرى بملكيّته

اليوم ملكيّة اليوميّة، بخلاف ما لو شهدا معاً بالملكيّة في الماضي، فإنّها تثبت على ما ذكرنا في موضعه من جواز استصحاب الحاكم.

فإن قيل: فعلى هذا يلزم ثبوت ملكيّة المشهود له للمشهود به في الفرع الأول من الفروع الاولى و هو ما إذا شهد أحدهما بالبيع و الآخر بالإقرار به لأنّ لازم كلّ منهما ملكيّة المشهود له للمبيع، و هو أمر واحد ممكن الوجود.

قلنا: نعم، يلزم ذلك، و لو قلنا به ما أتينا بمنكر من القول و زوراً؛ إذ لم يدلّ دليل عقليّ و لا نقليّ على خلافه، و لم يثبت إجماع على بطلانه و إن ذكره الفاضلان «1» و غيرهما «2»، و تبعهم جمع ممّن لحقهم «3».

______________________________

(1) المحقق في الشرائع 4: 141، العلّامة في التحرير 2: 213.

(2) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 418.

(3) كالسبزواري في الكفاية: 287.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 412

الفصل السادس في الطوارئ
اشاره

من موت الشهود و فسقهم و رجوعهم عن الشهادة في العقوبات، أو البضع، أو الأموال، و حكم شهادة الزور.

و فيه مسائل:

المسألة الاولى : لو شهد عدلان على أمر عند الحاكم،

فطرأ فسقهما بعده، فإن كان بعد الحكم لم يضرّ، و لا ينقض إجماعاً؛ له، و للاستصحاب.

و إن كان قبله، فإن كان المشهود به من حقوق اللَّه فيطرح الشهادة إجماعاً محقّقاً و محكيّاً «1»؛ له، و لدرء الحدود بالشبهة، و لا شكّ أنّ مثل ذلك يسمّى شبهة.

و إن كان من حقوق الناس ففيه خلاف، فذهب الشيخ في الخلاف و موضع من المبسوط و الحلّي و المحقّق و الفاضل في التحرير و القواعد و موضع من الإرشاد إلى عدم القدح «2»؛ لأنّ المعتبر فيهما هو العدالة حال الأداء.

و في موضع آخر من المبسوط و الفاضل في المختلف و موضع من الإرشاد و الشهيد في الدروس إلى القدح «3».

لكونهما فاسقين حال الحكم، فيلزم الحكم بشهادة الفاسقين.

______________________________

(1) كما في الكفاية: 287، الرياض 2: 457.

(2) الخلاف 2: 632، المبسوط 8: 244، الحلّي في السرائر 2: 179، المحقق في الشرائع 4: 142، التحرير 2: 213، القواعد 2: 247، الإرشاد 2: 168.

(3) المبسوط 8: 233، المختلف: 728، الإرشاد 2: 165، الدروس 2: 132.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 413

و للقياس على رجوعهما قبل الحكم، و موت المشهود له قبله، و لأنّ طروّ الفسق يضعف ظنّ العدالة.

و أمّا جعل المدار على العدالة حال الأداء كما هو دليل القول الأول فهو عين النزاع، و مصادرة على المطلوب.

و يضعّف الأوّل: بأنّ المسلّم أنّ الممنوع هو الحكم بشهادة الفاسق إنّما هو مع الفسق وقت الأداء لا مطلقاً.

و الثاني: بأنّ القياس باطل، مع أنّه مع الفارق؛ لأنّ الرجوع دلّ على عدم جزمهم، و استناد الحكم

يكون إليه.

و موت المشهود له يوجب فقد طالب الحكم و صاحبه؛ مع أنّه ينازع فيه لو لم يكن مجمعاً عليه، و معه لا يقاس.

و حصول الضعف في ظنّ العدالة ممنوع جدّاً.

و أمّا جعل دليل الأولين مصادرة فدفعه: أنّ المراد أنّه لم يثبت تخصيص عمومات قبول الشهادة بأزيد من اشتراط عدالة الشاهد حال الأداء؛ لأنّه المجمع عليه، و الزائد ممنوع.

و من ذلك ظهر أنّ الحقّ هو القول الأول.

المسألة الثانية: لو مات الشاهدان قبل الحكم أو قبل تزكيتهما، أو جنّا، أو عميا، أو أُغمي عليهما، لم تبطل الشهادة،

فيحكم بها؛ لاستناده إلى الشهادة المستجمعة للشرائط حين الأداء، و لم يعلم توقّفه على شي ء آخر، و الأصل عدمه على ما مرّ في المسألة الأُولى .

المسألة الثالثة: لو شهدا لمن يرثانه، فمات قبل الحكم، فانتقل المشهود به إليهما، قالوا: لم يحكم بشهادتهما،

و عن الشهيد الثاني إسناده

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 414

إلى الجميع «1»، و نفى عنه الخلاف في المفاتيح «2» و شرحه؛ لاستلزامه اتّحاد المدّعى و الشاهد حال الحكم.

و استشكل فيه في الكفاية «3»، و خدش فيه المحقّق الأردبيلي «4»؛ لأنّ المال ينتقل إلى المورّث فهو المدّعى، و الشاهد إنّما هو شاهد حال الأداء دون الحكم.

و هما في محلّهما، إلّا أن يثبت الإجماع على القدح.

و لو كان لهما في الميراث المشهود به شريك، فهل تثبت حصّة الشريك بشهادتهما، أم لا؟

اختار في الدروس: الأول؛ لأنّ المانع المذكور في حقّهما مفقود.

و رجّح في القواعد: الثاني «5»؛ لأنّ الشهادة لا تتبعّض.

و التحقيق: أنّه إن كان شهادة في حقّ نفسه في حصّته لا تقبل في الجميع؛ لما سبق من عدم قبول شهادة من له في المشهود به نفع و نصيب، و إلّا فتقبل. و الحقّ هو الثاني؛ لما مرّ من عدم ثبوت كونه شهادة لنفسه، و كان سبب الإشكال في حصّته خوف الإجماع، و هو هنا مفقود.

و منه يظهر الحال فيما إذا كانت هناك وصية أو دين، سيّما المستوعب منه.

المسألة الرابعة:

لو شهد عدلان بأنّه أوصى خالد لزيد بمال، ثم عدلان وارثان بأنّه رجع عن تلك الوصيّة إلى الوصيّة لعمرو، فقال في

______________________________

(1) المسالك 2: 419.

(2) المفاتيح 3: 296.

(3) الكفاية: 287.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 12: 524.

(5) القواعد 2: 247.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 415

الإرشاد بعدم قبول شهادة الوارثين «1»؛ لأنّ المال يؤخذ من يدهم، فهما بمنزلة المدّعى عليه. و تنظّر فيه في القواعد «2»، و استشكله في الشرائع «3».

و نقل عن المبسوط قبولها «4»، و رجّحه المحقّق الأردبيلي «5»، و هو الظاهر؛ لعموم أدلّة قبول الشهادة، و

منع كونهما بمنزلة المدعى عليه.

و منه يظهر قبول شهادة العدلين من الورثة بدَين أو وصيّة مطلقاً، و لا يختصّ بقدر حصّتهم من المشهود به.

المسألة الخامسة: لو رجع الشهود عن شهادتهم

على ما توجب عقوبة من قصاص نفس، أو طرف، أو قطع، أو حدّ للَّه، أو لآدمي فإمّا يكون الرجوع قبل الحكم أو بعده، قبل الاستيفاء أو بعده، و على التقادير: إمّا يكون الرجوع بالإقرار بالتعمّد، أو الخطأ، أو بالتشكيك.

فإن كان قبل الحكم فتلغو الشهادة، و يوقف الحكم مطلقاً بالإجماع.

له، و لمرسلة جميل الصحيحة عن ابن أبي عمير: في الشهود إذا شهدوا على رجل، ثم رجعوا عن شهادتهم، و قد قضي على الرجل «ضمنوا ما شهدوا به، و غرموا، و إن لم يكن قضي طرحت شهادتهم، و لم [يغرم ] الشهود شيئاً» «6».

______________________________

(1) الإرشاد 2: 168.

(2) القواعد 2: 230.

(3) الشرائع 4: 145.

(4) المبسوط 8: 253.

(5) مجمع الفائدة و البرهان 12: 526.

(6) الكافي 7: 383، 1، الفقيه 3: 37، 124، التهذيب 6: 259، 685، الوسائل 27: 326 أبواب الشهادات ب 10 ح 1؛ بدل ما بين المعقوفين في «ح» و «ق»: يغرموا، و ما أثبتناه من المصادر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 416

مضافاً إلى الأصل؛ لاختصاص ما دلّ على وجوب الحكم بالبيّنة- بحكم التبادر بصورة عدم الرجوع قطعاً.

و أمّا رواية السكوني: «من شهد عندنا، ثم غيّر، أخذنا بالأُولى ، و طرحنا الأُخرى » «1».

فهي غير ظاهرة في الرجوع، و لو سلّم فلا تقاوم المرسلة التي هي كالصحيحة، و لعمل كلّ الأصحاب مطابقة، و لو سلّم فيرجع إلى الأصل الذي هو مع المرسلة.

و حينئذ، فإن كان المشهود به الزنا جرى على الراجع حكم القذف، فيجب عليه الحدّ إن كان موجباً له، أو التعزير إن كان موجباً

له، إن اعترف بالتعمّد و إن قال: أخطأت أو تردّدت، ففي وجوب الحدّ وجهان.

و إن كان بعد الحكم قبل الاستيفاء، نقض الحكم، و تبطل الشهادة، سواء كان المشهود به حقّا للَّه تعالى مثل: الزنا و اللواط أو لآدمي كقطع السارق و حدّ القاذف بلا خلاف ظاهر، إلّا ما حكي عن المحقّق و الفاضل في بعض كتبه و ولده من التردّد «2». و ليس في موقعه؛ لوجوب درء الحدود بالشبهات، و هذا شبهة و أيّ شبهة؟! و به يدفع استصحاب مقتضى الحكم.

و إن كان بعد الاستيفاء، فعليهم مثل ما على المباشر للقتل أو الجرح أو الضرب بعينه، فإن قالوا: تعمّدنا، ثبت لأولياء المقتول أو المجروح أو المضروب المشهود عليه القصاص في موضع القصاص على المباشر،

______________________________

(1) الفقيه 3: 27، 74، التهذيب 6: 282، 775، الوسائل 27: 328 أبواب الشهادات ب 11 ح 4، بتفاوت يسير.

(2) المحقق في الشرائع 4: 143، و الفاضل في القواعد 2: 243، و ولده في الإيضاح 4: 451.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 417

و الدية في موضع الدية على المتعمّد، على التفصيل المبيّن في أحكام القصاص و الديات، على المقطوع في كلام الأصحاب، كما في الكفاية «1».

فإن شاء في الرجم قتل واحداً من الأربعة، و ادّى الثلاثة الأُخر ثلاثة أرباع الدية [إلى «2»] ورثة الشاهد المقتول، و إن شاء قتل الجميع و ادّى نفسه ثلاث ديات إلى ورثة الأربعة.

و في القتل إن شاء قتل الاثنين، و ادّى دية واحد إلى وارثهما، و إن شاء قتل واحداً، و ردّ الآخر نصف الدية إلى وارثه.

و كذا الحكم في الجراحات.

و يظهر الحكم أيضاً فيما إذا أراد وليّ المرجوم قتل اثنين أو ثلاثة منهم.

و إن قالوا:

قد أخطأنا في الشهادة، أو شككنا فيها، فعليهم الدية خاصّة، كما في القاتل و الجارح خطأً.

و إن قال بعض الشهود: تعمّدنا، و بعضهم: أخطأنا، فعلى العامد القود، و على الخاطئ الدية، بعد اعتبار التوزيع المفصّل في باب الاشتراك.

و بالجملة: يفعل بالشهود ما يفعل بالمباشر من غير فرق، بلا خلاف في شي ء من ذلك كما صرّح به جماعة «3» بل الظاهر أنّه إجماعي؛ و الأصل فيه معه و مع حديث: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» «4» الروايات المستفيضة:

______________________________

(1) الكفاية: 288.

(2) أضفناها لاقتضاء السياق.

(3) منهم صاحب الرياض 2: 457.

(4) الوسائل 23: 184 كتاب الإقرار ب 3 ح 2؛ و رواه ابن أبي جمهور في غوالي اللئالئ 3: 442، 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 418

كرواية الجرجاني: في أربعة شهدوا على رجل أنّه زنى فرجم، ثم رجعوا و قالوا: قد وهمنا، «يلزمون الدية، فإن قالوا: تعمّدنا، قتل أيّ الأربعة شاء وليُّ المقتول، و ردّ الثلاثة ثلاثة أرباع الدية إلى أولياء المقتول الثاني، و يجلد الثلاثة كلّ واحد منهم ثمانين جلدة، و إن شاء وليّ المقتول أن يقتلهم ردّ ثلاث ديات على أولياء الشهود الأربعة، و يجلدون ثمانين كلّ واحد منهم، ثم يقتلهم الإمام» و قال في رجلين شهدا على رجل أنّه سرق فقطع، ثم رجع واحد منهما، و قال: و همت في هذا و لكن كان غيره: «يلزمه نصف دية اليد، [و لا تقبل شهادته في الآخر، فإن رجعا جميعاً و قالا: وهمنا، بل كان السارق فلاناً، يلزمان دية اليد،] و لا تقبل شهادتهما في الآخر، و إن قالا: تعمّدنا، قطع يد أحدهما بيد المقطوع، و يردّ «1» الذي لم يقطع ربع دية الرِّجل على أولياء المقطوع

اليد، فإن قال المقطوع الأول: لا أرضى أو تقطع أيديهما معاً، ردّ دية يد، فتقسم بينهما، و تقطع أيديهما» «2».

و صحيحة الأزدي: عن أربعة شهدوا على رجل بالزنا، فلما قتل رجع أحدهم عن شهادته، قال: «يقتل الراجع، و يؤدّي الثلاثة إلى أهله ثلاثة أرباع الدية» «3».

و رواية مسمع: في أربعة شهدوا على رجل بالزنا، ثم رجم، فرجع أحدهم، فقال: شككت في شهادتي، قال: «عليه الدية» قال: قلت: فإنّه

______________________________

(1) في «ق» و الكافي: و يؤدّي ..

(2) الكافي 7: 366، 4، التهذيب 10: 311، 1161، و أورد ذيلها في الوسائل 29: 181 أبواب قصاص الطرف ب 18 ح 1؛ و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.

(3) الكافي 7: 384، 5، التهذيب 6: 260، 690، الوسائل 27: 329 أبواب الشهادات ب 12 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 419

قال: شهدت عليه متعمّداً، قال: «يقتل» «1».

و مرسلة السرّاد: في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا، ثم رجع أحدهم بعد ما قتل الرجل، قال: «إن قال الرابع: أوهمت، ضرب الحدّ و غرم الدية، و إن قال: تعمّدت، قتل» «2».

و رواية اخرى لمسمع: قضى في أربعة شهدوا على رجل أنّهم رأوه مع امرأة يجامعها، فرجم، ثم رجع واحد منهم، قال: «يغرم ربع الدية إذا قال: شبّه عليَّ، فإن رجع اثنان و قالا: شبّه علينا، غرما نصف الدية، و إن رجعوا جميعاً و قالوا: شبّه علينا، غرموا الدية، و إن قالوا: شهدنا بالزور، قتلوا جميعاً» «3».

و رواية السكوني: في رجلين شهدا على رجل أنّه سرق، فقطعت يده، ثم رجع أحدهما و قال: شبّه علينا: «غرما دية اليد من أموالهما خاصّة» «4».

و روايته الأُخرى : «أنّ رجلين شهدا على رجل عند عليّ

(عليه السّلام) أنّه سرق، فقطع يده، ثم جاءا برجل آخر فقالا: أخطأنا، هو هذا، فلم يقبل شهادتهما، و غرمهما دية الأول» «5» و قريبة منها رواية محمّد بن قيس «6».

______________________________

(1) الفقيه 3: 30، 90، الوسائل 27: 329 أبواب الشهادات ب 12 ح 3.

(2) الكافي 7: 384، 4، التهذيب 6: 260، 691، الوسائل 27: 328 أبواب الشهادات ب 12 ح 1.

(3) الكافي 7: 366، 1، التهذيب 10: 312، 1163، الوسائل 29: 129 أبواب القصاص في النفس ب 64 ح 1.

(4) التهذيب 6: 285، 788، الوسائل 27: 332 أبواب الشهادات ب 14 ح 2.

(5) التهذيب 10: 153، 613، الوسائل 27: 332 أبواب الشهادات ب 14 ح 3.

(6) الكافي 7: 384، 8، التهذيب 6: 261، 692، الوسائل 27: 332 أبواب الشهادات ب 14 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 420

و الرضوي: فإن شهد أربعة عدول على رجل بالزنا، أو شهد رجلان على رجل بقتل رجل أو سرقة، فرجم الذي شهدا عليه بالزنا، و قتل الذي شهدوا عليه بالقتل، و قطع الذي شهدوا عليه بالسرقة، ثم رجعا عن شهادتهما و قالا: غلطنا في هذا الذي شهدنا، و أتيا برجل و قالا: هذا الذي قتل، و هذا الذي سرق، و هذا الذي زنى، قال: «تجب عليهما دية المقتول الذي قتل، و دية يد الذي قطع بشهادتهما، و لم تقبل لشهادتهما على الثاني الذي شهدوا عليه، و إن قالوا: تعمّدنا، قُطعا في السرقة، و كلّ من شهد شهادة الزور في مال أو قتل لزمه دية المقتول بشهادتهما، و لم تقبل شهادتهما بعد ذلك» الحديث «1».

و لو رجع بعض الشهود خاصّة بعد القتل أو القطع أو الجرح لم يمض إقرار

من رجع إلّا على نفسه؛ لاختصاص حكم الإقرار بالمقِرّ، و عدم إلزام أحد بإقرار غيره، فإن كانت الشهادة على القتل فَلِوليّ المقتول قتل الراجع في موضع القصاص بعد أن يردّ عليه نصف ديته، و إن أخذ الدية في موضعها فليس له إلّا أخذ نصف الدية.

و إن كان القتل في الرجم يردّ الوليّ ثلاثة أرباع دية المقتول إن قتله، و أخذ منه ربع الدية إن أراد الدية. و على هذا لو رجع منهم اثنان أو ثلاثة.

و أمّا رواية السكوني الأُولى «2» الدالّة على تغريم الشاهدين دية اليد مع رجوع أحدهما فمع مخالفتها للأُصول و فتوى الأصحاب كلّاً، معارضة مع ذيل رواية الجرجاني «3» الموافقة لعلم الأصحاب، فطرحها لازم.

______________________________

(1) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 263 بتفاوت، مستدرك الوسائل 17: 420 أبواب الشهادات ب 11 ح 4.

(2) المتقدّمة في ص 417.

(3) المقدمة في ص 415.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 421

ثم إنّ الحكم المذكور لرجوع البعض في غير الرجم موضع وفاق، و أمّا فيه فهو المشهور بين الأصحاب، و خالف فيه الشيخ في النهاية، و الإسكافي و القاضي على ما حكي عنهما، فقالوا: لو شهد أربعة بالزنا، فرجم، ثم رجع أحدهم عمداً قتل و ادّى الثلاثة على ورثته ثلاثة أرباع الدية، و إن أخطأ الزم الراجع ربع الدية «1».

و تدلّ على قولهم صحيحة الأزدي المتقدّمة «2»، و هي في ذلك صريحة، و بالنسبة إلى ما يخالفها من الأُصول خاصّة، و شهرة خلافها بين المتأخّرين- مع عمل طائفة من فحول القدماء و احتمال عمل جمع آخر منهم لا تخرجها عن الحجّية.

و رواية مسمع الثانية «3» ليست لها معارضة كما توهّم؛ إذ تعلّق ربع الدية عليه مع الخطأ لا

ينافي ذلك الحكم، فالعمل بها ليس ببعيد.

ثم برواية مسمع هذه يجب تقييد روايته الأُخرى «4»، و مرسلة السرّاد «5»، بحمل الدية فيهما على قدر الحصّة، حملًا للمجمل على المبيّن.

المسألة السادسة: لو رجع الشهود فيما يتعلّق بالبضع كأن شهد شاهدان مقبولان بالطلاق فإن ثبت أنّهما شاهدا زور لم يحصل الفراق،
اشاره

و إن لم يثبت و لكن رجعا أو أحدهما، فقالوا: إن كان قبل حكم الحاكم

______________________________

(1) النهاية:: 335، نقله عن الإسكافي في المختلف: 726، القاضي في المهذب 2: 563.

(2) المتقدّمة في 416.

(3) المتقدّمة في 417.

(4) المتقدّمة في 416.

(5) المتقدّمة في 416.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 422

فكذلك و لا يلزمهما شي ء إلّا التعزير إن لم يكن لهما عذر مقبول، و إن رجعا بعد حكمه بالمفارقة فلا ينتقض الحكم، بل يثبت الطلاق؛ لأنّه ثبت بالبيّنة المقبولة، و قضى به الحاكم بالقضاء المبرم، فلا يبطل بمجرّد رجوع الشهود المحتمل للصحّة و الفساد، فإنّ الثابت بدليل شرعيّ لا ينتقض إلّا بدليل شرعيّ آخر.

و هل يغرمان الصداق برجوعهما؟

قال جماعة: ينظر، فإن كان ذلك قبل دخول الزوج الأول غرما نصف المهر المسمّى للزوج الأول، و إن كان بعده لم يغرما شيئاً، قاله الشيخ في الخلاف و الحلّي و الفاضل في القواعد و التحرير و الإرشاد «1» و أكثر المتأخّرين عنه «2».

أمّا الأول: فلإتلافهما عليه نصف المهر المسمّى اللازم بالطلاق فيضمنانه، و أمّا الثاني: فلأصالة البراءة و عدم تحقّق إتلاف؛ لاستقرار تمام المهر بالدخول، و البضع لا يضمن بالتفويت كما بيّن في موضعه.

و خالف في ذلك الشيخ في النهاية و الاستبصار و القاضي «3» و الحلبي على ما حكي عنه في المختلف «4»، بل الظاهر أنّه مذهب الصدوق و الكليني «5»، فقالوا: لو شهدا بطلاق امرأة، فتزوّجت، ثم رجعا، ردّت الزوجة إلى الزوج الأول بعد الاعتداد من الثاني، و غرم الشاهدان المهر

كلّاً

______________________________

(1) الخلاف 2: 633، الحلّي في السرائر 2: 145، القواعد 2: 245، التحرير 2: 216، الإرشاد 2: 166.

(2) منهم يحيى بن سعيد في الجامع: 546، الشهيد في الدروس 2: 144.

(3) النهاية: 336، الاستبصار 3: 38، القاضي في المهذّب 2: 563.

(4) المختلف: 726.

(5) الصدوق في الفقيه 3: 36، الكليني في الكافي 7: 384.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 423

أو بعضاً للثاني.

لصحيحة محمّد: عن رجلين شهدا على رجل غائب عن امرأته أنّه طلّقها، فاعتدّت المرأة و تزوّجت، ثم إنّ الزوج الغائب قدم فزعم أنّه لم يطلّقها و أكذب نفسه أحد الشاهدين، فقال: «لا سبيل للأخير عليها، و يؤخذ الصداق من الذي شهد و رجع، فيردّ على الأخير، و يفرّق بينهما، و تعتدّ من الأخير، و لا يقربها الأول حتى تنقضي عدّتها» «1».

و موثّقة إبراهيم بن عبد الحميد: في شاهدين شهدا على امرأة بأنّ زوجها طلّقها، فتزوّجت، ثم جاء زوجها فأنكر الطلاق، قال: «يضربان الحدّ و يضمنان الصداق للزوج، ثم تعتدّ، و ترجع إلى زوجها الأول» «2».

بحملها على صورة تكذيب الشاهدين نفسيهما، أو ثبوت كونهما شاهدي زور؛ للاتّفاق على أنّ مجرّد إنكار الزوج لا يوجب ذلك الحكم.

و كلام الشيخ في المبسوط لا يخلو عن إبهام في فتواه «3»، و نُقِل في المسألة أقوال أُخر شاذّة «4»؟ و صرّح في المختلف بالتوقّف في المسألة «5»، و هو ظاهر الشهيد في اللمعة و المحقّق الأردبيلي و صاحب الكفاية «6».

و ردّ الأولون قول الشيخ و تابعيه: بأنّه مخالف للقاعدة القطعيّة

______________________________

(1) التهذيب 6: 285، 789، الوسائل 27: 330 أبواب الشهادات ب 13 ح 3.

(2) الكافي 7: 384، 7، التهذيب 6: 260، 689، الإستبصار 3: 38، 128، الوسائل 27: 330 أبواب الشهادات

ب 13 ح 1.

(3) المبسوط 8: 247.

(4) انظر المسالك 2: 420، الكفاية: 288.

(5) المختلف: 726.

(6) اللمعة (الروضة البهيّة 3): 155 157، المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة 12: 498 502، الكفاية: 288.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 424

المجمع عليها، من عدم جواز نقض الحكم المبرم الثابت بالدليل الشرعيّ و رفع اليد عنه بمجرّد الاحتمال من غير استناد إلى دليل شرعيّ آخر.

و به أجابوا عن الصحيحة و الموثّقة، و لذلك أوجبوا طرحهما أو تأويلهما.

مضافاً إلى ما في الموثّقة من مخالفة أُخرى للقواعد المقطوع بها، و هي قبول مجرّد إنكار الزوج و إن لم يكن معه رجوع الشاهد، و إيجاب الحدّ عليه و ضمانه.

هذا، مع ما في الصحيحة و الموثّقة من الشذوذ.

أقول: كلّ ذلك مبنيّ على حملهم كلام الشيخ و تابعيه و الروايتين على ما عنونوا به مسألتهم من رجوع الشاهدين بعد حكم الحاكم بشهادتهما بثبوت الطلاق.

مع أنّه ليس في كلامهما من الحكم عين و لا أثر، و لا في الروايتين، بل عنوان كلامهما هو تزوّج المرأة بشهادة الشاهدين من غير ذكر حكم و لا حاكم، و كذلك الروايتان، و هو ظاهر في شهادتهما عندها، بل الصحيحة على بعض نسخها صريحة في ذلك؛ حيث إنّ صدرها فيه هكذا: عن رجلين شهدا على رجل غائب عند امرأته أنّه طلّقها «1».

و يؤيّده ما في موثّقة أُخرى لإبراهيم المذكور، حيث صدرها هكذا: في امرأة شهد عندها شاهدان بأنّ زوجها مات، فتزوّجت، ثم جاء زوجها، الحديث «2».

______________________________

(1) انظر الكافي 6: 149، 2، الفقيه 3: 36، 120، الاستبصار 3: 38، 129.

(2) الفقيه 3: 36، 119، التهذيب 6: 286، 791، الوسائل 27: 303 أبواب الشهادات ب 13 ح 2؛ و فيها: عن إبراهيم

بن عبد الحميد، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 425

و على هذا، فلا باعث لهم على ذلك الحمل و جعل فتواهم و روايتهم مخالفة للقاعدة المقطوع بها، فإنّه قد تقرّر عندهم أنّ شهادة الشاهدين حجّة لكلّ أحد شهدا عنده لنفسه و إن لم يكن ثبوته عنده مفيداً للغير، إلّا إذا كان حاكماً، و هو أيضاً حين الترافع إليه، و لذا تصوم المرأة و تفطر بشهادة الشاهدين عندها بالهلال، و كذا في التنجّس و التطهّر و غصبيّة الماء، من غير حكم حاكم.

و حينئذٍ إذا شهد الشاهدان ثم رجعا لا يكون ما شهدا به ثابتاً عنده؛ لأنّ القدر الثابت هو حجّيتها لكلّ أحد ما لم يرجعا، و ما دلّ على حجّيتها يدلّ على حجيّة رجوعهما أيضاً، فبعد الرجوع يكون وجود الشهادة كالعدم، فترجع المرأة إلى الزوج الأول، بل و كذا لو كان معها حكم حاكم بدون منازعة و اختلاف و ترافع إليه، فإنّ القدر المسلّم هو نفوذ حكمه و عدم جواز نقضه بعد الاختلاف و الترافع، و أمّا بدون ذلك فلا، كما بيّنا مفصّلًا في عوائد الأيّام «1»، و لذا ذهب الأكثر إلى عدم قبول حكمه بثبوت الهلال عنده، و كذا أمثاله.

نعم، يجب إنفاذ حكمه و لا يجوز نقضه مع النزاع و الترافع، و أين ذلك في كلام الشيخ و تابعيه و روايتهم؟! بل الظاهر خلاف ذلك كما ذكرنا.

فأقول: إن كان مراد الأولين ما هو ظاهر الشيخ و أتباعه و الروايتين، فأين القاعدة القطعية بل الظنيّة التي يخالفها؟! و أين القضاء المبرم أو غير المبرم؟! و إن أرادوا ما كان بعد الحكم الصادر بعد الترافع فأين ذلك في

كلام

______________________________

(1) عوائد الأيام: 280.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 426

الشيخ و أتباعه و أخبارهم؟! و ظهر من ذلك: أنّ عنوان المسألة إن كان مجرّد الشهادة كما هو محطّ كلام الشيخ فلا مستند للأولين فيما ذهبوا إليه من عدم جواز النقض، و الحقّ مع الشيخ و تابعيه.

و إن كانت الشهادة بعد الترافع فالحقّ معهم و لا يجوز النقض؛ بل ظنّي أنّه لا مخالف لهم في ذلك.

و إن كان الأعمّ فالحقّ التفصيل.

بل لو أغمضنا عمّا ذكرنا و جعلنا العنوان للفريقين هو ما كان بعد الحكم النافذ و القضاء المبرم، و قلنا بدلالة الروايتين عليه أيضاً كما هو ظاهر الأولين، و لذا عدّوهما مخالفتين للقاعدة فنقول: أيّ ضرر في ذلك الحكم؟! قولهم: يلزم نقض الحكم الثابت بالدليل الشرعيّ من غير دليل شرعيّ آخر.

قلنا: أيّ دليل شرعيّ أقوى من الصحيح «1» و الموثّق «2» الموافقين لفتوى جمع من أساطين القدماء و غير المخالفين لفتوى جمع من المتأخّرين حيث تردّدوا في المسألة «3»، مع نقل أقوال أُخر فيها أيضاً عن جماعة؟! و هل يطلق على مثل ذلك الحديث: الشاذّ النادر؟! و هل ذلك الدليل أضعف من حديث درء الحدود بالشبهات، الذي

______________________________

(1) المتقدّم في ص 420 و 421.

(2) المتقدّم في ص 421.

(3) كما في المختلف: 726، الروضة 3: 157.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 427

نقضوا به الحكم المبرم في الحدود كما مرّ؟! مع أنّه يمكن الكلام في تعيين الشبهة و صدقها في المورد. و لعلّه لذلك مال المحقّق الأردبيلي إلى جواز نقض الحكم في المسألة مطلقاً «1».

و لكن الصواب أنّ الروايتين غير ظاهرتين في ذلك المعنى .

و الحقّ في المسألة هو ما ذكرنا من متابعة الشيخ في صورة عدم صدور

حكم بعد التنازع و الترافع، و القول بعدم جواز النقض مع صدوره كذلك، كما حمل به كلام الشيخ و روايته جماعة من الأصحاب، إلّا أنّهم عدّوه حملًا و تأويلًا، و أنا أقول: إنّه ظاهر الكلام و الرواية.

و إذ عرفت أنّ الحقّ هو رجوع المرأة إلى الزوج الأول مع عدم الترافع، و بقاؤها على زوجيّة الثاني بدونه، فعلى الأول يكون على الشاهد الراجع ما على الزوج الثاني من الصداق كما صرّح به في الصحيح «2» و الموثّق «3»، و على الثاني لا يكون عليه شي ء مع دخول الأول؛ للإجماع، و الأصل، و عدم تفويته مالًا عليه.

و أمّا مع عدم الدخول فهل يكون نصف المهر أو لا؟

ظاهر الأكثر: الأول؛ لما مرّ، و ظاهر بعض المتأخّرين التردّد فيه «4»، و هو في موقعه جدّاً؛ للزوم النصف بمجرد العقد و تلفه به، سواء كانت باقية على التزويج أو حصل موت أو طلاق، فلم تتضمّن الشهادة إتلافاً، للزومه على أيّ تقدير، فلا وجه لغرمه له.

______________________________

(1) انظر مجمع الفائدة 12: 498.

(2) المتقدّم في ص 420 و 421.

(3) المتقدّم في ص 421.

(4) انظر التحرير 2: 217، المختلف 2: 726.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 428

و توجيه الإتلاف بأنّه كان معرض السقوط بالردّة و الفسخ من قبلها، فكأنّه لم يكن لازماً و لزم بإقرارهما نادرٌ جدّاً؛ لأنّ مجرّد ذلك الاحتمال العقلي الذي لا يلتفت إليه عقل سليم لا يصدق [عليه «1»] الإتلاف الموجب للضمان عرفاً، بل غايته احتمال إتلافٍ ضعيفٌ غايته. و هل يترك أصل البراءة الذي هو القاعدة المجمع عليها، المدلول عليها كتاباً و سنّة بمثل ذلك الاحتمال؟! فإن قلت: إلزام ما هو محتمل السقوط و لو بالاحتمال الضعيف أيضاً ضرر

عليه.

قلنا: لو سلّم ذلك فاللّازم ضمان ما يصلح أن يكون بإزاء ذلك الضرر عرفاً و قيمةً له لا نصف الصداق؛ مع أنّها قد تكون أبرأته عن النصف، أو تصالحه بشي ء قليل بعد الصداق، فالقول بضمان نصف الصداق مشكل.

و توهّم الإجماع المركّب فيه بعد وجود أقوال شتّى في المسألة، و لو كان بعضها ضعيف المأخذ فاسد، و الأصل يحتاج رفعه إلى دليل ثابت، و إلّا فهو أقوى دليل، و اللَّه الموفِّق.

فروع:

أ: لو شهدا بالطلاق، ففرّق، فرجعا، فقامت بيّنة أنّه كان بينهما رضاع محرّم مثلا فلا غرم على القول به؛ إذ لا تفويت أصلًا.

ب: لو شهدا بالرضاع المحرّم، و حكم به الحاكم بعد الترافع، ففرّق، ثم رجعا، لم ينقض الحكم، و لا غرم، كما صرّح به في القواعد «2»؛ لعدم

______________________________

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(2) قال في القواعد 2: 245 و لو شهدا برضاع محرّم ثم رجعا ضمنا على القول بضمان البضع و إلا فلا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 429

تفويت أصلًا؛ إذ ليس على الزوج صداق.

و قيل بغرامة الصداق كلّه؛ إذ التنصيف إنّما هو في الطلاق. و لا أدري وجهه.

ج: لو شهدا للزوج بالنكاح و قد دخل، غرما لها ما زاد من مهر المثل عن المسمّى إن كان، و لو طلّق قبل الدخول فلا غرم. و لو كانت الشهادة للزوجة، غرما للزوج ما قبضته إن لم يدخل، و إلّا فالزائد من المسمّى إن كان. كذا قال في الدروس «1».

و ينبغي تقييد المسألتين بما إذا لم يكن الزوج مدّعياً للزوجيّة في الأُولى ، و الزوجة لها في الثانية، فتأمّل جدّاً.

المسألة السابعة: لو رجع الشهود فيما يتعلّق بالمال،

فإن كان قبل القضاء من الحاكم بعد الترافع إليه، لم يحكم بلا خلاف، بل بالإجماع؛ له، و للمرسلة المتقدّمة في صدر المسألة الخامسة «2».

و إن كان بعده، فإن كان بعد استيفاء المحكوم له و تلف العين عنده، لم ينقض الحكم، و غرم الشهود الراجعون ما غرم به المشهود عليه، بلا خلاف كما صرّح به جماعة «3»، بل بالإجماع كما في السرائر و القواعد «4»، بل محقّقاً؛ له، و للمرسلة المتقدّمة المذكورة، و رواية السكوني المتعقّبة لها «5».

و كذا إن كان قبل التلف و لو مع

الاستيفاء أيضاً، على الأشهر الأقوى ،

______________________________

(1) الدروس 2: 144.

(2) راجع ص 413.

(3) منهم السبزواري في الكفاية: 288.

(4) السرائر 2: 147، 148، القواعد 2: 245.

(5) راجع ص 413.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 430

بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا، بل قدمائهم في صورة الاستيفاء، كما يظهر من المبسوط و السرائر «1»؛ للمرسلة، و الرواية التي لها متعقّبة، مضافة إلى استصحاب الحكم الواجب إنفاذه.

خلافاً للمحكيّ عن النهاية و القاضي و ابن حمزة، فقالوا: إن كانت العين قائمة و لو عند المحكوم له ارتجعت منه و لم يغرم الشاهد شيئاً «2».

و استدلّ لهم بأنّ الحقّ ثبت بشهادتهما، فإذا رجعا سقط، كما لو كان قصاصاً «3».

و لأنّ حكم دوامه يكون بدوام شهادتهما، كما أنّ حدوثه كان بحدوثها.

و الأول عين النزاع، و القياس على القصاص مع الفارق؛ لأنّ الشبهة في القصاص مؤثّرة.

و الأخير يصحّ لو قلنا بأنّ العلّة المبقية هي العلّة الموجدة، و هو غير لازم.

و استدلّ له في الكفاية «4» بصحيحة جميل: في شاهد الزور، قال: «إن كان الشي ء قائماً بعينه ردّ على صاحبه، و إن لم يكن قائماً ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل» «5».

و هو كما قاله بعض مشايخنا المعاصرين «6» غفلة واضحة؛ لوضوح

______________________________

(1) المبسوط 8: 246، السرائر 2: 148.

(2) النهاية: 336، القاضي في المهذب 2: 564، ابن حمزة في الوسيلة: 234.

(3) انظر المختلف: 727.

(4) الكفاية: 288.

(5) الكافي 7: 384، 3، الفقيه 3: 35، 116، التهذيب 6: 259، 686، الوسائل 27: 327 أبواب الشهادات ب 11 ح 2.

(6) و هو صاحب الرياض 2: 457.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 431

الفرق بين شهادة الزور و الرجوع عن الشهادة، فإنّه لا يثبت من الرجوع كون شهادتهما زوراً مخالفة

للواقع، بل يتردّد بين صدق الاولى و الثانية، و معه كيف يقطع بكون الاولى زوراً كما هو مورد الصحيحة؟! و نحن نقول بحكمها في موردها.

و حكي عن بعض من تأخّر من أصحابنا الفرق بين الرجوع قبل الاستيفاء و بعده، فجزم بنقض الحكم في الأول خاصّة دون الثاني «1»؛ و مستنده غير واضح.

المسألة الثامنة: إذا ثبت أنّ الشاهدين شهدا بالزور و الكذب، نقض الحكم
اشاره

و استعيدت العين مع بقائها، و مع تلفها أو تعذّر ارتجاعها يضمن الشهود، بغير خلاف ظاهر كما عن السرائر «2»؛ لمرسلة جميل و صحيحته المتقدّمتين «3».

و صحيحته الأُخرى في شهادة الزور: «إن كان الشي ء قائماً، و إلّا ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل» «4».

و صحيحة محمّد: في شاهد الزور ما توبته؟ قال: «يؤدّي من المال الذي شهد عليه بقدر ما ذهب من ماله إن كان النصف أو الثلث إن كان شهد هذا و آخر معه» «5».

______________________________

(1) حكاه عنه في الرياض 2: 457.

(2) حكاه عنه في الرياض 2: 457 و انظر السرائر 2: 149.

(3) تقدّمت المرسلة في 413، و الصحيحة عن قريب.

(4) الكافي 7: 384، 6، التهذيب 6: 260، 688، الوسائل 27: 328 أبواب الشهادات ب 11 ح 3.

(5) الكافي 7: 383، 2، التهذيب 6: 260، 687، الوسائل 27: 327 أبواب الشهادات ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 432

و بالصحيحين الأولين يقيّد إطلاق المرسلة و الصحيحة الأخيرة بضمان الشهود بالنسبة إلى بقاء العين و عدمه.

و هل يقيّد الضمان في صورة التلف بعدم إمكان الرجوع إلى المحكوم له، أم لا؟

الظاهر: لا؛ لعدم المقيّد، و لكن الظاهر أنّ المراد أنّه ضامن، كما أنّ المحكوم له أيضاً كذلك إذا علم أنّه يعلم أنّ لا حقّ له، فللمحكوم عليه الرجوع إلى أيّهما شاء.

و

إذا رجع إلى الشاهد فهل له الرجوع إلى المحكوم له؟

فيه إشكال، و الأصل يقتضي العدم.

ثم إنّه يجب تشهير شاهد الزور في بلده و ما حولها؛ ليجتنب شهادتهم و يرتدع غيرهم، و تعزيرهم بما يراه الحاكم؛ للموثّقات الثلاث لسماعة «1».

فروع للمسائل المتقدّمة:

أ: لو شهد في واقعة أكثر من العدد المعتبر في شهود تلك الواقعة- كالستّة في الزنا، و الثلاثة في القتل و المال فرجع الزائد المستغنى عنه خاصّة، فعن المحقّق: عدم توجّه غرم «2»؛ لثبوت الحقّ بالقدر المعتبر،

______________________________

(1) الاولى : الفقيه 3: 35، 117، ثواب الأعمال: 225، 4، الوسائل 27: 333 أبواب الشهادات ب 15 ح 1.

الثانية: التهذيب 6: 263، 699، الوسائل 27: 334 أبواب الشهادات ب 15 ح 2.

الثالثة: الكافي 7: 241، 7.

(2) قال في الشرائع 4: 144 و ربما خطر أنّه لا يضمن.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 433

و قيام الحجّة و عدم نقضها، و عدم ثبوت إتلاف، فوجود من رجع كعدمه.

و استوجه جماعة منهم: الشيخ و الفاضل و ولده «1» توجّه الغرم على الراجع بالنسبة؛ لثبوت الحقّ بالمجموع من غير ترجيح، و لأنّه لو رجع الجميع كان على كلّ واحد الغرم بحصّته.

و فيه: منع استلزام المقدّمتين للمطلوب أصلًا، و لو استدلّ هؤلاء بإطلاق الأخبار نمنع؛ لأنّ ما يتضمّن الرجوع بين ما يشتمل على حكم رجوع الجميع أو مخصوص بما لم يزد الشاهد عن العدد المعتبر.

و يظهر من بعض متأخّري المتأخّرين الفرق بين الشهادة دفعة و بالتعاقب، فعلى الأول يغرم، و كذا على الثاني إن كان الراجع هو السابق، و لا يغرم إن كان هو الشاهد بعد الثبوت.

و فيه: أنّه كان حسناً لو كان موجب الثبوت هو الشهادة، و ليس كذلك، بل هو الحكم الواقع

بعد شهادة الجميع.

و الحاصل: أنّ الغرم إنّما هو لثبوت الإتلاف و لو بإقرار الراجع بعد أن كان الإتلاف مستنداً إليه، و ليس هنا كذلك؛ إذ الإتلاف بعد رجوعه يمكن بالاثنين الآخرين.

و لو فرض أنّ الاثنين شهدا، فحكم، ثم رجعا، و شهد آخران، فما أتلف الراجع شيئاً؛ إذ بعد رجوعه أتلفه عليه غيره، فالمال متلف رجع أم لا.

فلو أخذ المحكوم عليه من الراجع ثلث ما شهدوا به يلزم بقاء الحقّ و عدم أخذه منه مع ثبوت الكلّ في ذمّته بشهادة العدلين و حكم الحاكم

______________________________

(1) الشيخ في الخلاف 2: 634، الفاضل في القواعد 2: 246، ولده في الإيضاح 4: 457.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 434

بشهادتهما، و الأصل أيضاً براءة ذمّة الراجع هنا.

نعم، لو رجع الكلّ يغرم الجميع بالنسبة؛ لعدم المرجّح، و لو رجع اثنان من الثالثة يغرمان النصف بالسويّة، و هكذا.

ب: إذا رجع مجموع الشهود المعتبرون يغرمون بالسويّة، و الواحد يغرم النصف.

و إذا رجع الرجل و الامرأتان فيما ثبت بهم فالنصف على الرجل و النصف على الامرأتين؛ لأنّ كلّ امرأة نصف الرجل، كما صرّح به في تفسير الإمام، راوياً عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّه قال: «عند اللَّه تعالى شهادة امرأتين بشهادة رجل؛ لنقصان عقولهنّ و دينهن» «1».

و إذا رجع الواحد في الشاهد و اليمين فعلى الراجع النصف.

و قيل: الكل «2»؛ لأنّ اليمين شرط قبول الشهادة و تأثير السبب لا جزء السبب.

و فيه نظر، و الأصل ينفى الزائد عن النصف.

ج: قال في القواعد: لو رجع الشاهدان فأقام المشهود له غيرهما مقامهما، ففي الضمان إشكال «3».

و وجه الإشكال: إطلاق الأخبار الشامل للمورد، و لا تفيد إقامة الغير في تقييده، و كون المال متلفاً بشهادة الغير.

و لعلّ الأول أظهر؛ فإنّ كون شخص مستحقّاً للقتل لا يوجب رفع القصاص عمّن قتله من غير جهة

______________________________

(1) تفسير الإمام العسكري « (عليه السّلام)»: 675، 377 و فيه: عدل اللَّه ..، الوسائل 27: 335 أبواب الشهادات ب 16 ح 1.

(2) كما في التحرير 2: 218.

(3) القواعد 2: 247 248.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 18، ص: 435

الاستحقاق.

د: لو رجع شهد العتق ضمنوا القيمة؛ لإطلاق المرسلة «1».

ه: لو رجع شهود التزكية، قالوا: عليهم الضمان و الدية دون القصاص، و هو حسن.

و: لو رجع شاهد الفرع، فإن كذّبه الأصل في الرجوع فلا ضمان، و إلّا فالضمان على شاهد الفرع.

و لو رجع الأصل بعد الحكم بشهادة الفرع ضمنا.

و لو كذّبا شهود الفرع لم يلتفت إلى تكذيبهما، و لم يغرما شيئاً، و لا شهود الفرع لو لم يرجعا.

و الحمد للَّه و الصلاة على رسوله و آله.

تمّ كتاب القضاء و الشهادات في ليلة الأحد، الخامس عشر من شهر ربيع المولود، سنة 1245.

______________________________

(1) المتقدّمة في 413.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة الجزء 19

اشاره

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ و به نستعين

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 5

كتاب الفرائض و المواريث

اشاره

و فيه خمس مقدّمات، و ثلاثة مقاصد

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 7

[المقدمات الخمسة]

المقدّمة الاولى في بيان معناهما، و الأصل في ثبوتهما

أما المعنى : فالفرائض جمع فريضة، من الفرض، و هو لغةً: التوقيت، و التقدير، و القطع، و البيان، و الوجوب، و الثبوت، و العطيّة الموسومة «1».

و في العرف العام لفقهائنا مرادفٌ للواجب. و في الخاص: ما يستحقّه الإنسان من السهام المقدّرة في كتاب اللَّه بموت آخر بينهما نسب أو سبب.

و المواريث جمع ميراث، من الإرث، و هو في اللغة: الأصل، و البقية، و الأمر القديم، و الرماد «2».

و في الاصطلاح: حقّ منتقل من ميّت حقيقة أو حكماً إلى حيّ كذلك ابتداءً.

فدخل في الحدّ الحقّ المالي و غيره كالحدّ. و دخل بقولنا «حكماً» في الموضعين: المرتدّ الفطري و إن لم يقتل، و المفقود، و الحمل، و الغريق،

______________________________

(1) لاحظ النهاية. لابن الأثير 3: 432، و القاموس 2: 352، و الصحاح 3: 1097 و قال: و يسمى العلم بقسمة المواريث فرائض، و المصباح المنير: 469، و المغرب 2: 92، و قال: قيل لانصباء المواريث: الفرائض لأنها مقدرة لأصحابها، ثم قيل للعلم بمسائل الميراث علم الفرائض، و لسان العرب 7: 202، مجمع البحرين 4: 220، و زاد بعضهم معاني أُخرى منها: ما أعطيت من غير قرض، و الحزّ في الشي ء، و السنة، و التُّرس، و ما فرضته على نفسك فوهبته أو جُدت به لغير ثواب، و الهبة.

(2) كما في لسان العرب 2: 111.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 8

و نحوه. و بالابتداء خرج الوقف المرتب و الوصايا.

و لو أُبدل الأخير بقولنا: «بنسب أو سبب» لأفاد ما يفيد.

و هو أعم من الفريضة، لشموله للحقوق المالية و غيرها و اختصاصها بالأُولى ، و لاعتبار التقدير فيها و عدم

اعتباره فيه.

و قد يقال بتساويهما بإرادة ما يشمل غير المقدّر من الفرائض و لو بالتغليب. و هذا إنّما يفيد لو أُريد منها ما يشمل غير المالية أيضاً، و إطلاقها عليه غير متعارف.

و أما الأصل في ثبوتهما سوى الضرورة الدينية و الإجماع القطعي الآيات المتكاثرة:

قال اللَّه سبحانه لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ «1».

و قال سبحانه يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ «2» الآيتين.

و قال إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ «3» الآية.

و الأخبار المتضافرة التي يأتي ذكرها في طيّ بيان تفاصيل الأحكام.

و روى في المبسوط، عن ابن مسعود، عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) أنّه قال: «تعلّموا الفرائض، و علّموها الناس، فإنّي امرؤ مقبوض، و العلم سيقبض، و تظهر الفتن حتّى يختلف اثنان في الفريضة، فلا يجدان من يفصل بينهما» «4».

______________________________

(1) النساء: 7.

(2) النساء: 11.

(3) النساء: 176.

(4) المبسوط 4: 67.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 9

قيل: و ذلك لابتناء مسائل الفرائض على أُصول غير عقلية و عدم اشتمال القرآن على جميعها «1».

و روى فيه أيضاً عنه (صلّى اللَّه عليه و آله) أنّه قال: «تعلّموا الفرائض، فإنّها من دينكم، و إنّه نصف العلم، و إنه أوّل ما ينتزع من أُمتي» «2».

و مصداق ما ذكره بقوله: «و إنّه أوّل ما ينتزع» ما شاع و ذاع من قصة غصب فدك، و خيبر، و وضع حديث لا نورث.

و يمكن إرجاع الضمير إلى العلم. و كونه أوّل ما ينتزع، لكونه الخلافة التي يوجب انتزاعها انتزاع العلم و التعليم.

و توجيه كون العلم بالفرائض نصف العلم باختصاصه بإحدى حالتي الإنسان من الحياة و الممات، أو بكونه أحد سببي الملك من الاضطراري و الأعمّ، أو أحد قسمي

العلم مما يكون المقصود بالذات فيه التعليم و التعلم و العمل تابع و عكسه، أو باعتبار ثوابه، أو لإيجابه وضع الإمامة «3» في موضعها الموجب لتمامية العلم، أو لتوقّفه على مشقّة عظيمة.

تكلّف «4» لا تقبله الأذهان السليمة، و إن كان أخيرها أولاها.

و يمكن أن يراد بالفرائض ما يجب فعله، فيكون إشارة إلى الحكمة العملية التي هي أحد قسمي العلم، و التخصيص بالفرائض لكونها أهم.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 334.

(2) المبسوط 4: 67، بتفاوت.

(3) في «ق»: الأمانة.

(4) قوله «تكلف» خبرٌ لقوله «و توجيه» المتقدم.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 10

المقدّمة الثانية في موجبات الإرث و أسبابه
اشاره

و هي اثنان بالاستقراء و الضرورة من الدين: النسب و السبب.

و المراد بالنسب عرفاً: اتّصال بين شخصين عرفاً بالولادة شرعاً.

فخرج بقولنا عرفاً من يتّصل بالآخر اتّصالًا بعيداً عرفاً «1»، كاتّصالهما بالولادة من آدم أو النبي أو غيرهما. و بقولنا بالولادة اتّصال أحدهما بالآخر بزوجيّة أو إخاء أو ولاء أو نحوها. و بقولنا شرعاً ولد الزنا، و دخل به من ألحقه الشارع و لو لم تعلم الولادة.

و بالسبب: اتّصال أحدهما بالآخر بزوجية أو ولاء مخصوص.

و لا يلزم خروج المطلّقة رجعية مع ارتفاع الزوجيّة و ثبوت التوارث؛ لأنّ الزوجيّة و إن كانت مرتفعة إلّا أنّها سبب لنوع اتّصال بينهما يمكن معه الرجوع، فالاتّصال الحاصل بينهما إنّما هو بسببها.

ثم للنسب عمود و حاشية؛ و عموده الآباء و إن صعدوا، و الأبناء و إن نزلوا، و البواقي حاشيته.

و الفقهاء جعلوه على طبقات و مراتب، باعتبار الاجتماع و الافتراق في الإرث، و التباين و التناسب في جهة النسبة.

و بيان ذلك: أنّهم لمّا تتّبعوا تفاصيل الأدلّة رأوا أنّ جميع الأنسباء لا يجتمعون في الإرث بل يمنع بعضهم بعضاً.

ثم رأوا أنّ بعض من

يمنع بعضاً يجامع آخر أيضاً، و أنّ البعض الذي

______________________________

(1) في «ق»: عادةً.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 11

يمنعه هذا البعض على قسمين «1»: قسم لا يمنعه البعض الذي يجامع الأوّل و يمنع سائر من يمنعه، و قسم يمنعه أيضاً.

و أيضاً رأوا أنّهم إمّا متحدون في جهة النسبة، أو متباينون؛ و الأوّل إمّا لا يجامع بعضه من يمنعه البعض الآخر، أو يجامع.

فجعلوا كل نسيبين متباينين في جهة النسبة يجامعان في الإرث منضمّاً مع من يجامع أحدهما و يمنع سائر من يمنعانه و إن لم يجامع الآخر، أو متّحدين فيها غير مجتمع «2» أحدهما مع من يمنعه الآخر و إن لم يجتمعا في الإرث في طبقة واحدة.

و بتقرير آخر: الأنسباء إمّا متناسبون في جهة النسبة، أو متباينون؛ و الأوّلون إمّا يجامع بعضهم بعض من لا يجامع الآخر أو لا؛ و الآخرون إمّا يجتمعون في الإرث أولا.

فجعلوا كل نسيبين متناسبين لا يجتمع أحدهما مع من يمنعه الآخر، أو متباينين مجتمعين في الإرث في طبقة واحدة.

و لأجل ذلك حصل للنسب طبقات ثلاث.

الأُولى : الأبوان من غير ارتفاع، و الأولاد و إن نزلوا.

الثانية: الإخوة و الأخوات لأب أو لُام أو لهما، و أولادهم و إن نزلوا، و الأجداد و الجدات لأب أو لُام أو لهما و إن علوا.

الثالثة: الأخوال و الخالات و الأعمام و العمات و إن علوا، و أولادهم

______________________________

(1) فالقسم الأول كأولاد الأولاد الذين يمنعهم الأولاد، فإنه لا يمنعهم الأبوين اللذين يجامعان الأولاد، و يمنعون سائر من يمنعه الأولاد، و القسم الثاني كالأجداد «منه قدس سره».

(2) هذا القيد لتصحيح جعلهم الجد و الأب في طبقتين مع اتحادهما في جهة النسبة (منه قدس سره).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص:

12

و إن سفلوا.

ثمّ لمّا كان في كلّ طبقة أنسباء متفرقين باعتبار النسبة جعلوا كل طائفة متحدة فيها صنفاً واحداً، و باعتبار ذلك حصل له خمسة أصناف. تشتمل الاولى على صنفين: أصل محصور و هو الأبوان، و فرع غير محصور و هو الأولاد. و كذلك الثانية، و صنفاها غير محصورين عروجاً و نزولًا، و هما الإخوة و الأجداد. و لا تشمل الثالثة إلّا على واحد غير محصور.

و لمّا كان أنسباء كل صنف متفاوتة باعتبار القرب و البعد إلى الميت جعلوا كلّ طائفة متساوية قرباً و بعداً درجة واحدة، فحصل له درجات، و هي غير محصورة إلّا أنّ للصنف الأوّل من الأُولى درجة واحدة.

و قد تجعل «1» الطبقات أكثر بجعل الأعمام و الأخوال و أولادهم طبقة ثالثة، و أعمام كل من الأبوين و أخواله و أولادهم رابعة، و أعمام كل من الجدين و أخواله و أولادهم خامسة، و هكذا فتتصاعد طبقات إلى غير النهاية. و لا بأس به.

و هذه الطبقات مترتّبة في الإرث، فلا يرث أحد من اللاحقة مع وجود واحد من سابقتها خالٍ من الموانع و إن كان أُنثى. كما أنّ درجات كل طبقة كذلك أيضاً، فلا ترث الثانية مع وجود واحدٍ من الاولى و هكذا. و لكن لا يمنع أحدٌ من صنفٍ و إن كان أقرب أحداً من صنف آخر في طبقته و إن كان أبعد.

و أمّا السبب فقسمان: زوجيّة و ولاء «2».

و للولاء ثلاث مراتب: ولاء العتق، و ولاء تضمّن الجريرة، و ولاء الإمامة.

و أوّل قسميه يجامع النسب، فيرث من له الزوجيّة مع كل من

______________________________

(1) جعلها صاحب المفاتيح أكثر (منه رحمه اللَّه).

(2) الولاء بالفتح و المد و هو في اللغة القرب (منه رحمه اللَّه).

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 13

الأنسباء، و إن كان في أوّل الدرجات من الطبقة الأُولى . دون ثانيهما، فلا يرث أحدٌمنه و إن كان في أوّل المراتب مع واحدٍ منه و إن كان في آخر الطبقات.

و لا ممانعة بين قسمي السبب، فيجامع من له الولاء من له الزوجيّة، إلّا من كان له ولاء الإمامة ففيه خلاف يأتي.

و مراتب الولاء مرتّبة، فيقدّم العتق على ضمان الجريرة المقدّم على الإمامة.

فوائد:
الأُولى :

كل وارث مناسب أو مسابب إمّا سمّى اللَّه تعالى له في كتابه سهماً معيناً أو لا، و الأوّل يسمّى ذا فرض، و الثاني قرابة. و الأوّل إمّا سمّى له في جميع حالاته، أو في حالة دون اخرى . فالوارث ثلاثة:

الأوّل: ذو فرض لا غير إلّا على الردّ، و هو ثلاثة أصناف:

الأُم، قال اللَّه تعالى وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ «1».

سمّى لها في جميع حالاتها سهماً معيناً.

و الزوجان، قال اللَّه سبحانه وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ «2».

و قال وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ «3».

و كلالة الام، اتّحدت أم تعدّدت، قال عزّ شأنه وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ

______________________________

(1) النساء: 11.

(2) النساء: 12.

(3) النساء: 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 14

يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ «1».

الثاني: ذو فرض تارة و قرابة اخرى ، و هو أيضاً ثلاثة أصناف:

الأب، فيرث

بالفرض إذا اجتمع مع الولد، قال تعالى وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ «2».

و بالقرابة إذا انفرد، قال فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ «3».

فرض للُام على تقديري وجود الولد و عدمه، و لم يجعل للأب على الأخير فرضاً فيرث حينئذٍ بالقرابة.

و البنت و البنات، فيرثن بالقرابة إذا دخل عليهن الذكر، قال عزّ من قائل يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ «4».

فلم يجعل لهن حينئذٍ فرضاً.

و بالفرض إذا انفردن، قال سبحانه فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ . «5»

و الأُخت من قبل الأبوين أو الأب، اتّحدث أم تعدّدت، فيرثن بالقرابة إذا دخل عليهن ذكر من الأب، قال سبحانه وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ «6».

و بالفرض إذا انفردن أو دخلت عليهن كلالة الأُم، قال عزّ شأنه إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ «7».

______________________________

(1) النساء: 12.

(2) النساء: 11.

(3) النساء: 11.

(4) النساء: 11.

(5) النساء: 11.

(6) النساء: 176.

(7) النساء: 176.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 15

الثالث: ذو قرابة لا غير، و هم الباقون.

ثم إنّ ما ذكرنا من التقسيم هو الموافق للدروس «1»، و هو أحسن ما ذكر في هذا المقام، و لكنّه يصحّ إذا لم يجعل الردّ داخلًا في القرابة، أو قطع النظر عنه، و هو بعيد، بل خلاف مدلول كلمات القوم.

و لذا قسّمه «2» بعضهم بأنّه إمّا ذو فرض أو قرابة، و الأوّل إمّا ذو فرض دائماً، أو في حالة دون

أُخرى، أو ذو فرض و قرابة معاً كما في صورة الرد.

و هذا و إن كان أتم من الأوّل إلّا أنّه يخرج منه قسم رابع: و هو من يرث بالفرض في حالة، و بالقرابة في أُخرى، و بهما معاً في ثالثة، كالأب يرث بالفرض مع مجامعة الذكر من الولد، و بالقرابة إذا انفرد أو جامع الام، و بهما معاً مع مجامعة البنت أو البنات.

و بالجملة ما عثرت في عباراتهم في هذا المقام على كلام خالٍ عن القصور و الخلل، إما استقصاءً، أو تعبيراً، أو تمثيلًا، أو معنى. و أكثرها خللًا كلام المسالك «3»، كما لا يخفى على المتدبر فيه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 19    16     الأولى: ..... ص : 13

الأولى في التقسيم أن يقال: الوارث إمّا يرث بالفرض أو بالقرابة؛ و على الأوّل إمّا يكون كذلك دائماً، أو في حال دون حال؛ و على الأوّل إمّا لا يرث إلّا بالفرض، أو لا يرث إلّا به و بالقرابة معاً، أو يرث به في حال و بهما في أُخرى، و كذلك على الثاني فيما يرث به.

و هذه الأقسام و إن جرت فيمن يرث بالقرابة أيضاً، إلّا أنّ غير واحد من أقسامها يرجع إلى أقسام ذي الفرض.

______________________________

(1) الدروس 2: 333، 334.

(2) أي الوارث (منه قدس سره).

(3) المسالك 2: 309.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 16

أو يقال: إنّ الوارث إما ذو فرض دائماً أو قرابة كذلك، أو ذو فرض في حالة و قرابة في أُخرى؛ فالأوّل إمّا ذو فرض محض دائماً، أو مع القرابة كذلك، أو محض في حال و معها في أُخرى؛ و الثاني أيضاً إمّا قرابة محضة دائماً أو مع الفرض كذلك، أو محضة

في حال و معه في أُخرى.

و إن شئت أمثلة هذه الأقسام فارجع إلى هذين الجدولين «1».

الثانية:

الوارث إن لم يكن ذا فرض فالمال له، اتّحد أم تعدّد، و إن كان ذا فرض أخذ فرضه كذلك، فإن فضل شي ء يردّ عليه على التفصيل الآتي. و في الردّ على الزوجين خلاف يأتي.

و لو نقصت الفريضة عن ذوي الفروض دخل النقص على بعضهم على ما سيجي ء.

و لا تعصيب عندنا في الأوّل، كما لا عول كذلك في الثاني، كما يأتي.

الثالثة:

إذا اجتمع لوارث موجبان نسبيان أو سببيان، أو نسبي و سببي أو أكثر يرث بالجميع إذا لم يكن هناك من هو أقرب منه فيهما أو في أحدهما، و لم يكن أحدهما مانعاً من الآخر، فإن كان هناك أقرب منه فيهما فلا يرث بشي ء منهما، أو في أحدهما فلا يرث به وحده، أو كان أحدهما مانعاً فلا يرث بالممنوع.

ثم الموجبان إما يوجبان بالفرض، أو بالقرابة، أو بعض بالفرض و بعض بالقرابة، و في جميع الصور لكلٍّ حكمه. و لا يمنع ذو الموجبين من هو في طبقته من ذوي الموجب الواحد.

و لمّا كانت الصور المتصورة ثمانية و أربعين، الحاصلة بضرب ثمانية صور اجتماع الموجبين أو أكثر، في اثنين المانع أحدهما عن الآخر و غيره، ثمّ

______________________________

(1) الجدولان غير مثبتين في النسخ التي بأيدينا، و ذكر في هامش النسخة الحجرية أن هذين الجدولين غير مرقومين في نسخة الأصل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 17

ضرب الستّة عشر في الثلاثة كونهما موجبين بالفرض أو بالقرابة أو بعض بالفرض و بعض بالقرابة، و كان بعض هذه الصور ممكن الوقوع و بعضها ممتنع الوقوع، فرسمنا هذا الجدول لبيان ما يمكن وقوعه و مثالهُ و ما يمتنع:

ثمّ الصور و إن تصاعدت بضربها في الثلاثة: وجود من هو أقرب فيهما، أو في أحدهما، و

عدم الأقرب مطلقاً، و لكن تركنا بيانها لوضوحها عند من أحاط بالصور الثمانية و الأربعين.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 18

المقدّمة الثالثة في بيان موانع الإرث و لواحقها
اشاره

و هي أُمور:

الأوّل: الكفر.
اشاره

و المراد به كل ما يُخرج معتقده عن الإسلام، سواء كان حربياً أو ذميّاً أو مرتدّا أو منتحلًا للإسلام كالخوارج و الغلاة.

و فيه مسائل:

المسألة الأُولى : الكافر بأنواعه لا يرث المسلم و لا من في حكمه و إن قرب

، كافراً كان المسلم في الأصل أو لا، خلّف وارثاً غيره أم لا.

للإجماع المحقّق و المحكي في المسالك و التنقيح و ظاهر الكفاية و المفاتيح «1».

و الروايات المستفيضة المعتضدة بعمل الأصحاب، كصحيحة أبي بصير و في آخرها: «و إن لم يسلم من قرابته أحد فإنّ ميراثه للإمام» «2».

و صحيحة أبي ولّاد «3»: «المسلم يرث امرأته الذمّية و لا ترثه» «4».

______________________________

(1) المسالك 2: 311، التنقيح 4: 132، كفاية الأحكام: 289، المفاتيح 3: 311.

(2) الكافي 7: 144، 2، الفقيه 4: 244، 787، التهذيب 9: 369، 1316، الوسائل 26: 20 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 1.

(3) و كون رواية أبي ولّاد صحيحة إنما هو على طريق الفقيه، حيث إنه روى عن السّراد، و طريقه إليه صحيح (منه قدس سره).

(4) الكافي 7: 143، 6، الفقيه 4: 244، 784، التهذيب 9: 366، 1306، الإستبصار 4: 190، 710، الوسائل 26: 11 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 19

و موثّقة سماعة: عن المسلم هل يرث المشرك؟ فقال: «نعم، فأما المشرك فلا يرث المسلم» «1» و قريبة منها موثقته الأُخرى «2».

و حسنة جميل و هشام: فيما روى الناس عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) أنّه قال: «لا يتوارث أهل ملتين» فقال: «نرثهم و لا يرثونا، إنّ الإسلام لم يزده إلّا عزّاً في حقه» «3».

و في الكافي: «لم يزده في حقه إلّا شدة» «4».

و حسنة محمد بن قيس قال سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول: «لا يرث اليهودي و النصراني المسلم،

و يرث المسلم اليهودي و النصراني» «5».

و رواية الحسن بن صالح: «المسلم يحجب الكافر و يرثه، و الكافر لا يحجب المؤمن و لا يرثه» «6».

و رواية أبي العباس: «لا يتوارث أهل ملتين، يرث هذا هذا، و هذا هذا، إلّا أنّ المسلم يرث الكافر، و الكافر لا يرث المسلم» «7».

______________________________

(1) الفقيه 4: 244، 781، الوسائل 26: 13 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 5.

(2) الكافي 7: 143، 3، التهذيب 9: 366، 1304، الإستبصار 4: 190، 708، الوسائل 26: 13 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 5.

(3) التهذيب 9: 365، 1302، الإستبصار 4: 189، 706، الوسائل 26: 15 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 14.

(4) الكافي 7: 142، 1.

(5) الكافي 7: 143، 2، الفقيه 4: 244، 786، التهذيب 9: 366، 1303، الإستبصار 4: 190، 707، الوسائل 26: 13 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 7.

(6) الكافي 7: 143، 5، الفقيه 4: 244، 783، التهذيب 9: 366، 1307، الإستبصار 4: 190، 711، الوسائل 26: 11 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 2.

(7) التهذيب 9: 367، 1313، الإستبصار 4: 191، 717، الوسائل 26: 15 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 20

و قول الباقر و الصادق (عليهما السّلام) في روايتي ابني أعين «1» بعد سؤالهما عن النصراني يموت و له ابن مسلم، أ يرثه؟: «نعم، إنّ اللَّه لم يزده بالإسلام إلّا عزّاً، فنحن نرثهم و لا يرثونا» «2».

و قريب منه قول الأوّل في رواية أُخرى «3» لأحدهما «4».

و روايته عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «لا يتوارث أهل ملّتين، نحن نرثهم و لا يرثونا، إنّ الإسلام لم يزده في ميراثه إلّا شدة»

«5».

و قريب منه روايته الأُخرى «6».

و رواية أبي خديجة «7»: «لا يرث الكافر المسلم، و للمسلم أن يرث الكافر» «8».

______________________________

(1) عبد اللَّه بن أعين و عبد الرحمن بن أعين، و الأول روى عن الباقر و الثاني عن الصادق (عليهما السّلام) (منه قدس سره).

(2) الموجود في المصادر قول الباقر (عليه السّلام) فقط في كلتي الروايتين: رواية عبد اللَّه بن أعين في الكافي 7: 143، 4، و التهذيب 9: 366، 1305، رواية عبد الرحمن بن أعين في الفقيه 4: 243، 780، و الاستبصار 4: 190، 709، و رواهما في الوسائل 26: 12 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 4.

(3) و هو قول أبي جعفر (عليه السّلام) لعبد الرحمن بن أعين، التهذيب 9: 370، 1321، الإستبصار 4: 192، 719، الوسائل 26: 16 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 19.

(4) أي أحد ابني أعين و هو عبد الرحمن (منه قدس سره).

(5) الفقيه 4: 244، 782، الوسائل 26: 13 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 6. و فيهما «عزّاً» بدل «شدّة».

(6) التهذيب 9: 367، 1312، الإستبصار 4: 191، 716، الوسائل 26: 15 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 17.

(7) أبي خديجة هذا هو سالم بن مكرم، و لا يبعد توثيقه فتكون الرواية صحيحة، إذ ليس في رجاله من يتوقف في شأنه دونه (منه قدس سره).

(8) الفقيه 4: 244، 785، التهذيب 9: 372، 1329، الوسائل 26: 12 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 21

و الرضوي: «و اعلم أنّه لا يتوارثان أهل الملّتين، نحن نرثهم و لا يرثونا، و لو أنّ رجلًا مسلماً أو ذميّاً ترك ابناً مسلماً و ابناً ذميّاً لكان الميراث من الرجل

المسلم و الذمي للابن المسلم» «1».

و فيه أيضاً: «و لو مات مسلم و ترك امرأة يهوديّة أو نصرانيّة لم يكن لها ميراث، و إن ماتت هي ورثها الزوج المسلم» «2» إلى غير ذلك من الأخبار المتكثرة «3».

و عدم شمول الجميع لجميع أصناف الكفّار لا يضرّ؛ لعدم القول بالفصل. مع كون كثير منها عاما شاملًا للجميع. و ضعفها بعد الانجبار بالعمل و الاعتضاد بالإجماعين غير ضائر.

و يدلّ على المطلوب أيضاً الأخبار الآتية «4» الدالّة على أنّ من أسلم على ميراث قبل أن يقسّم فهو له، كما لا يخفى .

و قد يستدلّ عليه أيضاً بوجوه ضعيفة أُخرى لا فائدة في ذكرها.

المسألة الثانية: المسلم يرث الكافر أصليّاً كان أم لا

. خلافاً لأكثر العامّة فنفوا التوارث من الجانبين، و نسبوه إلى علي (عليه السّلام) و زيد و عامة الصحابة «5»، و هو فِرية بلا مِرية.

لنا

: إجماع أصحابنا الكاشف عن قول الحجّة المحقّق، و المحكيّ في الاستبصار و الانتصار و التحرير و المسالك و التنقيح و ظاهر الكفاية «6».

______________________________

(1) فقه الرضا (عليه السّلام): 290، مستدرك الوسائل 17: 141 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 1.

(2) فقه الرضا (عليه السّلام): 290، مستدرك الوسائل 17: 141 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 1.

(3) الوسائل 26: 11 أبواب موانع الإرث ب 1.

(4) في ص 28.

(5) بداية المجتهد 2: 352، المغني و الشرح الكبير 7: 166.

(6) الاستبصار 3: 191، الانتصار: 302، التحرير 2: 171، المسالك 2: 311، التنقيح 4: 132، كفاية الأحكام: 289.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 22

و ما عدا الاولى من الروايات المتقدّمة. و لعموم آيات الإرث و رواياته، خرج إرث الكافر من المسلم بالإجماع فيبقى الباقي.

و يؤكّده الاعتبار، كما قال في الفقيه قال: فإنّ اللَّه عزّ و جلّ

حرّم على الكفّار الميراث عقوبة لهم بكفرهم، كما حرّم على القاتل عقوبة لقتله، و أمّا المسلم فلأيّ جرم و عقوبة يُحْرَم الميراث «1»؟! و أشار إلى ذلك الاعتبار في بعض ما تقدّم من الأخبار بمثل قوله (عليه السّلام): «لم يزده الإسلام إلّا عزّاً».

احتجّوا

بما رووه عن أُسامة عنه (صلّى اللَّه عليه و آله): «لا يرث المسلم الكافر، و لا الكافر المسلم» «2».

و عنه (صلّى اللَّه عليه و آله): «لا يتوارث أهل ملّتين» «3».

قلنا

: ثبوت الرواية عنه ممنوع، على أنّه يمكن حمل الأخيرة على نفي التوارث من الجانبين كما هو مقتضى التفاعل، و هو لا ينافي ثبوته من طرف، و قد فسّر التوارث بهذا المعنى في كثير من الروايات المتقدّمة، و بهذا يحمل ما ورد في روايات أصحابنا أيضاً من نفي التوارث بين أهل ملّتين على الإطلاق، كموثقتي ابن سدير «4» و جميل «5»، و رواية ابن حمران «6».

______________________________

(1) الفقيه 4: 243.

(2) صحيح مسلم 3: 1233، 1614.

(3) سنن البيهقي 6: 218.

(4) التهذيب 9: 366، 1308، الإستبصار 4: 190، 712، الوسائل 26: 16 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 20.

(5) التهذيب 9: 367، 1309، الإستبصار 4: 190، 713، الوسائل 26: 17 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 21.

(6) التهذيب 9: 367، 1310، الإستبصار 4: 190، 714، الوسائل 26: 17 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 21.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 23

و يمكن حملها على التقية أيضاً، كما تحمل عليها موثّقة البصري قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): «قضى أمير المؤمنين في نصراني اختارت زوجته الإسلام و دار الهجرة، أنّها في دار الإسلام لا تخرج منها، و أنّ بضعها في يد زوجها النصراني، و أنّها لا

ترثه و لا يرثها» «1».

و رواية عبد الملك بن عمير القبطي، عن أمير المؤمنين (عليه السّلام): أنّه قال للنصراني الذي أسلمت زوجته: «بضعها في يدك، و لا ميراث بينكما» «2».

و يؤكد هذا الحمل في الأخير كون بعض رجاله من العامّة، فإن منهم أُميّ الصيرفي أبو ربيعة المرادي، و هو منهم، و وثّقه ابن حجر في تقريبه، و منهم عبد الملك المذكور، و هو أيضاً منهم، ذكره فيه أيضاً و طعن في حفظه، و ظهر منه مفاسد كثيرة «3».

المسألة الثالثة [ميراث الكافر للمسلم و إن بعد دون الكافر و إن قرب ]:

المعروف من مذهب الأصحاب أنّه لو مات كافر و له ورثة كافر و مسلم كان ميراثه للمسلم و إن بَعُد كمولى نعمة أو ضامن

______________________________

(1) التهذيب 9: 368، 1314، الإستبصار 4: 191، 718، الوسائل 26: 17 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 23.

(2) التهذيب 9: 367، 1311، الإستبصار 4: 191، 715، الوسائل 26: 17 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 22.

(3) فإنّه هو الذي روى حديث ما طلعت الشمس و لا غربت على أحد بعد النبيين أفضل من أبي بكر، و كان مع عسكر الشام في حرب الحسين (عليه السّلام)، و كلّما وصل إلى واحد من عسكر الحسين (عليه السّلام) و قد رمي من فرسه إلى الأرض قطع رأسه من بدنه، و هو الذي روى عن أُسيد بن صفوان راوي الزيارة المعروفة بزيارة الخضر لأمير المؤمنين أنّ أمير المؤمنين لمّا مات أبو بكر زاره بتلك الزيارة، و هو أيضاً قال عبد اللَّه بن يقطر رضيع الحسين (عليه السّلام) و رسوله إلى ابن زياد بالكوفة فأمر به ابن زياد فرمي من فوق القصر مكشوفاً فوقع على الأرض و به رمق فذبحه عبد الملك، و روى عنه البخاري حديث كفر

أبي طالب في آخر باب صفة أهل الجنة و النّار بواسطتين، و مع ذلك كلّه كان مشهوراً بسوء الولادة أيضاً (منه قدس سره).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 24

جريرة دون الكافر و إن قرب كالولد. و ادّعى عليه الإجماع في المفاتيح «1»، و نفى عنه الخلاف في السرائر و المسالك «2» و غيرهما «3».

و تدلّ عليه رواية الحسن بن صالح المتقدّمة «4».

و رواية مالك بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن نصراني مات و له ابن أخ مسلم و ابن أُخت مسلم، و للنصراني أولاد و زوجة نصارى قال، فقال: «أرى أن يعطى ابن أخيه المسلم ثلثي ما ترك، و يعطى ابن اخته المسلم ثلث ما ترك إن لم يكن له ولد صغار، فإن كان له ولد صغار فإنّ على الوارثين أن ينفقا على الصغار ممّا ورثا من أبيهم حتّى يدركوا» قيل له: كيف ينفقان؟ قال، فقال: «يخرج وارث الثلثين ثلثي النفقة، و يخرج وارث الثلث ثلث النفقة، فإذا أدركوا قطعا النفقة عنهم» قيل له: فإن أسلم الأولاد و هم صغار؟ قال، فقال: «يدفع ما ترك أبوهم إلى الإمام حتّى يدركوا، فإن بقوا على الإسلام دفع الإمام ميراثهم إليهم، و إن لم يبقوا على الإسلام دفع الإمام ميراثه إلى ابن أخيه و ابن أُخته المسلمَين، يدفع إلى ابن أخيه ثلثي ما ترك، و يدفع إلى ابن أُخته ثلث ما ترك» «5».

و حكم في الدروس بكون الرواية صحيحة «6».

و مرفوعة ابن رباط، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): «لو أنّ رجلًا ذمّيا

______________________________

(1) المفاتيح 3: 312.

(2) السرائر 3: 266، المسالك 2: 311.

(3) الرياض 2: 335.

(4) في ص: 17.

(5) الكافي 7: 143، 1، الفقيه

4: 245، 788، التهذيب 9: 368، 1315، الوسائل 26: 18 أبواب موانع الإرث ب 2 ح 1.

(6) الدروس 2: 345.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 25

أسلم و أبوه حي و لأبيه ولد غيره ثمّ مات الأب ورثه المسلم جميع ماله، و لم يرثه ولده و لا امرأته مع المسلم شيئاً» «1».

و ما تقدّم من قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه «2». و فيه أيضاً: «و كذلك من ترك ذا قرابة مسلمة و ذا قرابة من أهل ذمّة ممّن قرب نسبه أو بعد لكان المسلم أولى بالميراث من الذمّي، و لو كان الذمّي ولداً و كان المسلم أخاً أو عمّاً أو ابن أخ أو ابن عم، أو أبعد من ذلك، لكان المسلم أولى بالميراث من الذمّي، كان الميت مسلماً أو ذمّيا» «3».

و يدلّ عليه أيضاً ما سيأتي من أخبار من أسلم على الميراث قبل قسمته «4»، كما لا يخفى .

و بما ذكرنا ظهر ضعف ما في المسالك من حصر المستند في خبر ابن صالح «5».

ثمّ بعد تحقّق الشهرة العظيمة الّتي كادت أن تكون إجماعاً لا يضرّ ضعف المستند، مع أنّ في روايات من أسلم على الميراث ما ليس بضعيف، هذا.

و أمّا ما رواه التميمي مرسلًا عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): في يهودي أو نصراني يموت و له أولاد مسلمون و أولاد غير مسلمين، فقال: «هم على

______________________________

(1) الكافي 7: 146، 1، التهذيب 9: 371، 1326، الإستبصار 4: 193، 723، الوسائل 26: 24 أبواب موانع الإرث ب 5 ح 1.

(2) راجع ص: 19.

(3) فقه الرضا (عليه السّلام): 290، بتفاوت يسير، مستدرك الوسائل 17: 141 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 1.

(4) انظر ص 18.

(5) المسالك 2: 311.

مستند

الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 26

مواريثهم» «1». فمع ما فيه من الإرسال لا دلالة له، إذ معنى كونهم على مواريثهم أنّهم على ما استحقّوا من المواريث، و استحقاق غير المسلمين محل الكلام. و جوّز في التهذيبين حمله على التقية أيضاً «2».

المسألة الرابعة [ميراث المرتد للمسلم مطلقا و للإمام إن مات و لم يرثه سوى الكافر]:

إذا مات المرتد فإن كان له وارث مسلم كان الميراث له، كان معه كافر أو لا، قرب أم بعد. و يدلّ عليه بعد الإجماع، ما مرّ من اختصاص الوارث المسلم بإرث الكافر.

و إن لم يكن له وارث غير الكافر، فالمشهور أنّه يرثه الإمام و لا شي ء للكافر، فطرياً كان المرتد أم ملّيّاً، بل نفي عنه الخلاف في الأوّل «3».

و صريح المقنع كظاهر الفقيه و الاستبصار: أنّ ميراثه للكافر إن ارتدّ عن ملّة «4»، و رواه ابن الجنيد في الأحمدي، عن ابن فضّال و ابن يحيى، عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و قال: لنا في ذلك نظر «5».

للمشهور: تنزيله منزلة المسلم في كثير من الأحكام، كقضاء عبادته الفائتة من الردّة.

و كونه في حكمه حيث لا يقبل منه إلّا الإسلام أو القتل.

و موثّقة أبان على ما في الفقيه «6» عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): في الرجل

______________________________

(1) الكافي 7: 146، 2، التهذيب 9: 371، 1327، الإستبصار 4: 192، 722، الوسائل 26: 24 أبواب موانع الإرث ب 5 ح 2.

(2) التهذيب 9: 371، الإستبصار 4: 192.

(3) كما في الرياض 2: 339.

(4) المقنع 1: 179، الفقيه 4: 245، الاستبصار 4: 189.

(5) المختلف: 751.

(6) حيث روى فيه أبان عن الصادق (عليه السّلام) بلا واسطة، و أما على طريق الكافي و التهذيب فمرسل لتوسيط عمن ذكره (منه قدس سره).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 27

يموت مرتداً عن

الإسلام و له أولاد و مال فقال: «ماله لولده المسلمين» «1».

حيث إنّ تقييد الولد بالمسلمين يدلّ بمفهوم القيد على عدم كون إرثه لأولاده الكافرين، فلا يكون لغيرهم من الورثة الكفار بالإجماع أو فحوى الخطاب، فانحصر الميراث للإمام.

و يضعّف الأوّل: بالمعارضة بالنجاسة، و الدعوة أو القتل، و عدم توريثه من المسلم، و غيرها. و بعدم ثبوت حجّية مثل هذا التنزيل.

و الثاني: بأنّ هذه الحيثيّة لا توجب كونه في حكمه.

و الثالث: بأنّ الكلام فيمن لم يكن له ولد مسلم، و المفهوم مفهوم وصف لا حجيّة فيه، سيّما مع احتمال كونه وارداً مورد الغالب كما قيل «2».

للمقنع: موثقة إبراهيم بن عبد الحميد على ما في الفقيه «3»، قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): نصراني أسلم ثمّ رجع إلى النصرانيّة ثمّ مات، قال: «ميراثه لولده النصارى» و مسلم تنصّر ثمّ مات، قال: «ميراثه لولده المسلمين» «4».

و صحيحة محمّد، قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن المرتد فقال: «يقسّم ما ترك على ولده» «5».

______________________________

(1) الفقيه 3: 92، 342، الوسائل 26: 28 أبواب موانع الإرث ب 6 ح 6.

(2) انظر رياض المسائل 2: 339.

(3) فإن في الفقيه روى عن ابن أبي عمير و طريقه إليه صحيح عن إبراهيم، عن الصادق (عليه السّلام)، و أما على ما في التهذيب حيث روى فيه عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم، عن رجل فيكون الحديث مرسلًا (منه قدس سره).

(4) الفقيه 4: 245، 789، التهذيب 9: 377، 1346، الإستبصار 4: 193، 724، الوسائل 26: 25 أبواب موانع الإرث ب 6 ح 1.

(5) الكافي 7: 153، 4، التهذيب 9: 373، 1333، الوسائل 26: 27 أبواب موانع الإرث ب 6 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19،

ص: 28

و موثقة الساباطي، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول: «كل مسلم بين مسلمين ارتدّ عن دين الإسلام» إلى أن قال: «و يقسّم ماله على ورثته» «1».

و صحيحة الحنّاط عنه (عليه السّلام)، قال: سألته عن رجل ارتدّ عن دين الإسلام، لمن يكون ميراثه؟ قال: «يقسم ميراثه على ورثته على كتاب اللَّه» «2».

و عموم آيات الإرث و رواياته، خرج ما خرج بالدليل، فيبقى الباقي.

و أُجيب «3» عن الموثّقة: بالحمل على الصغير من الولد تارة.

و لا يخفى ما فيه.

و على التقية أُخرى «4»، لموافقته لمذهب العامّة.

و فيه: أنّها غير ثابتة، مع أنه لا موجب للحمل.

و عن الصحاح: بكونها مبنيّة على الغالب، من كون ورثة المرتد عن الإسلام مسلمين «5».

و فيه: أنّه لو سلّم فإنّما هو في الفطري دون الملي.

و المسألة محلّ إشكال، حيث إنّ الحدس «6» يأبى عن ذهاب فحول العلماء و معظم الفقهاء إلى قول بلا مستند، مع دلالة الأخبار على خلافه.

______________________________

(1) الكافي 7: 257، 11، الفقيه 3: 89، 333، التهذيب 10: 136، 541، الإستبصار 4: 253، 957، الوسائل 28: 324 أبواب حد المرتد ب 1 ح 3.

(2) الكافي 7: 152، 2، الفقيه 4: 242، 771، التهذيب 9: 374، 1334، الوسائل 26: 27 أبواب موانع الإرث ب 6 ح 3.

(3) انظر الرياض 2: 339.

(4) كما في النهاية: 667.

(5) انظر الرياض 2: 339.

(6) في «س»: العقل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 29

و إنّ جواز الخروج عن مقتضى الأخبار الصحيحة و الموثقة و العمومات الكثيرة بمجرد هذا الاستبعاد و عدم ثبوت الإجماع و فقد المخرج غير معلوم.

و قول المقنع لا يخلو عندي من قوّة. و اللَّه العالم.

و لو رفعنا اليد من هذه الأخبار الخاصّة بمخالفة

الشهرة العظيمة للقدماء و الشذوذ فلا يمكن رفعها عن عمومات الكتاب و السنّة، و مع ذلك مظنة انعقاد الإجماع على ما ذهبوا إليه متحقّقة. و اللَّه العالم.

المسألة الخامسة [الإمام يرث المسلم إذا لم يكن له ورثة غير الكفار]:

إذ عرفت أنّ الكافر لا يرث المسلم، فلو مات و كان له ورثة كفّار لا غير لم يرثوه و ورثه الإمام. أمّا الأوّل فلما مرّ. أمّا الثاني فلأنّ الإمام وارث من لا وارث له كما يأتي. و تدلّ عليه خصوص صحيحة أبي بصير المتقدّمة «1».

و قد يستدلّ أيضاً بصحيحة سليمان بن خالد: في رجل مسلم قتل و له أب نصراني لمن تكون ديته؟ قال: «تؤخذ ديته فتجعل في بيت مال المسلمين، لأنّ جنايته على بيت مال المسلمين» «2».

و لا خلاف فيه أيضاً بين الأصحاب كما صرّح به غير واحد «3».

المسألة السادسة [إسلام الكافر على الميراث قبل القسمة و بعدها]:

لو أسلم الكافر على ميراث كافر أو مسلم قبل قسمته شارك أهله مع المساواة مرتبة و إسلاماً. و اختص به مع التقدّم فيهما أو في أحدهما. و لو أسلم بعدها فلا شي ء له.

للإجماع، و المستفيضة من الصحاح و غيرها.

منها: صحيحة أبي بصير: عن رجل مسلم مات و له أُمّ نصرانيّة و له

______________________________

(1) في ص 16.

(2) الفقيه 4: 243، 775، التهذيب 9: 370، 1322، الوسائل 26: 22 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 6.

(3) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 278، و صاحب الرياض 2: 335.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 30

زوجة و ولد مسلمون قال: فقال: «إن أسلمت أُمّه قبل أن يُقسَّم ميراثه اعطيت السدس» قلت: فإن لم يكن له امرأة و لا ولد و لا وارث له سهم في الكتاب من المسلمين و له أُمّ نصرانيّة و له قرابة نصارى ممّن له سهم في الكتاب لو كانوا مسلمين، لمن يكون ميراثه؟ قال: «إن أسلمت امّه فإنّ جميع ميراثه لها، و إن لم تسلم امّه و أسلم بعض قرابته ممّن له سهم في الكتاب

فإنّ ميراثه له، و إن لم يسلم من قرابته أحدٌ فإنّ ميراثه للإمام» «1».

و حسنة ابن مسكان: «من أسلم على ميراث قبل أن يقسّم فله ميراثه، و إن أسلم بعد ما قسّم فلا ميراث له» «2».

و في حسنة ابن مسلم: «من أسلم على ميراث قبل أن يقسّم الميراث فهو له، و من أسلم بعد ما قسّم فلا ميراث له» «3».

و موثقة البقباق: «من أسلم على ميراث قبل أن يقسّم فهو له» «4».

و موثقة ابن مسلم: في رجل يسلم على الميراث قال: «إن كان قسّم فلا حقّ له، و إن كان لم يقسّم فله الميراث» «5». إلى غير ذلك.

و كذا لو كان الوارث واحداً سوى الإمام أو أحد الزوجين فالمال له، و لا ينتقل إلى من أسلم بعد الموت. و لا أعرف فيه أيضاً خلافاً، و في

______________________________

(1) الكافي 7: 144، 2، الفقيه 4: 244، 787، التهذيب 9: 369، 1316، الوسائل 26: 20 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 1.

(2) الكافي 7: 144، 3، التهذيب 9: 369، 1317، الوسائل 26: 21 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 2.

(3) الكافي 7: 144، 4، التهذيب 9: 369، 1318، الوسائل 26: 21 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 3.

(4) التهذيب 9: 370، 1320، الوسائل 26: 22 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 5.

(5) الفقيه 4: 237، 758، التهذيب 9: 336، 1211، الوسائل 26: 21 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 31

السرائر و التنقيح ادّعى الإجماع عليه «1».

و وجهه أنّه قد استحقّ المال عند الموت و انتقل إليه و حصل في ملكه، فالانتقال منه يحتاج إلى دليل. و أخبار من أسلم قبل القسمة لا

توجب الانتقال، لأنّ القسمة إنّما تتصوّر إذا كان بين نفسين فصاعداً، و لا تتأتى في الواحد على حال، فلا قبليّة مع الوحدة و لا بعديّة، إذ القبليّة من الأُمور الإضافيّة فهي لا تتحقق إلّا فيما أمكن له البعديّة و هي منتفية هنا، فهي ظاهرة في صورة إمكان القسمة.

و لو كان الواحد هو الإمام فالمسلم أولى وفاقاً للأكثر؛ لصحيحة أبي بصير المتقدّمة الخاصّة الناصّة.

و تدلّ عليه أيضاً صحيحة أبي ولّاد، قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل مسلم قتل مسلماً عمداً فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلّا أولياء من أهل ذمّته من قرابته فقال: «على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل بيته الإسلام، فمن أسلم منهم فهو وليّه، يدفع القاتل إليه، فإن شاء قتل و إن شاء عفا و إن شاء أخذ الدّية، فإن لم يسلم أحد كان الإمام وليّ أمره» الحديث «2».

و قيل: الإمام أولى ؛ لأنّه واحد فلا قسمة. و نسب إلى النهاية «3»، و لم أجده فيها، و إلى المبسوط «4»، و الحلي «5»، و ظاهر النافع أيضاً «6».

______________________________

(1) السرائر 3: 268، التنقيح 4: 133.

(2) الكافي 7: 359، 1، الفقيه 4: 79، 248، التهذيب 10: 178، 697، علل الشرائع: 581، 15، الوسائل 29: 124 أبواب القصاص في النفس ب 60 ح 1.

(3) كما في التنقيح 4: 133.

(4) المبسوط 4: 79.

(5) حكاه عنه في التنقيح 4: 133. و الموجود في السرائر 3: 268، إذا كان الوارث المسلم واحداً استحق بنفس الموت الميراث و لا يرد على من أسلم بعد الموت من الميراث شي ء على حال لأن هاهنا لا تتقدر القسمة.

(6) المختصر النافع: 264.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 32

و قيل:

المسلم أولى إن كان إسلامه قبل النقل إلى بيت المال، و الإمام أولى إن كان بعده. و هو مختار المبسوط و الوسيلة و الإيجاز و الإرشاد «1» و الإيضاح «2».

و الكل ضعيف، بعد ورود النصّ الصحيح المنجبر «3» بخلافه.

و لو كان أحد الزوجين فيبنى على الأقوى على أنّ الزوجين إذا لم يكن وارث غيرهما هل يردّ الفاضل عليهما، أم لا يردّ على أحدهما أصلًا، أم يردّ على الزوج دون الزوجة؟

فعلى الأوّل لا يؤثّر الإسلام أصلًا، للوحدة المنافية للقسمة الموجبة لتوريث المسلم قبلها.

و على الثاني اعتبرت المقاسمة مع أحدهما و الإمام قبل الإسلام و بعده فيهما، لإمكانها.

و على الثالث اعتبرت فيمن يردّ عليه دون الآخر.

و الشيخ في النهاية كالقاضي شارك المسلم مع الزوج مع اختيار الردّ عليه «4».

و نصره في النكت محتجّاً بأنّ الردّ إنّما يستحقّه الزوج إذا لم يوجد وارث محقّق أو مقدر أي من يصلح أن يكون وارثاً و المقدر هنا موجود.

و بأن استحقاق الزوج الفاضل ليس أصليّاً، بل لفقد الوارث و كونه أقوى من الإمام، فيجري في الفاضل مجراه، و هو ممنوع إذا أسلم «5».

______________________________

(1) المبسوط 4: 79، الوسيلة: 394.

(2) الإيضاح 4: 175، الموجود فيه اختيار القول الأول، و لكن الذي نسبه إليه هو الصيمري في غاية المرام كما في مفتاح الكرامة 8: 29.

(3) كذا في جميع النسخ، و الصحيح لا يحتاج إلى الانجبار.

(4) النهاية: 664. و القاضي في المهذب 2: 157.

(5) نكت النهاية 3: 235.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 33

و يضعّف الأول أولًا: بمنع وجود المقدّر هنا، فإنّه عين المتنازع فيه.

و ثانياً: بأن استحقاق الزوج للتركة و انتقالها إليه إنّما هو بعد الموت كلّها فرضها و ردّها إذا لم يكن

وارث و الوارث حقيقة في المحقق، و اعتبار المقدّر لا دليل عليه. مع أنّ في اعتباره إيقاف الفاضل إلى موت الكافر أو إسلامه، لوجود التقدير و عدم دليل على زواله في حال، و بعد الانتقال إليه لا ينتقل منه إلّا بناقل، و هو غير متحقق، لتحقق الوحدة المذكورة.

و الثاني: بأنّ الفرق بين الاستحقاق الأصلي و غيره لا دخل له في الحكم، بعد ثبوته في الجملة عند عدم الوارث حين انتقال الإرث.

المسألة السابعة [ارتداد أحد الورثة بعد الموت أو قبل القسمة]:

لو ارتدّ أحد الورثة بعد الموت فسهمه في حكم مال المرتد، و هو لوارثه كما يأتي و لو كان الارتداد قبل القسمة؛ لحصول الانتقال إليه، فيكون في حكم ماله.

المسألة الثامنة [تبعية الطفل في الإسلام لأحد أبويه ]:

إذ عرفت أنّ الكافر لا يرث المسلم و هو محجوب به، فإن كان الوارث بالغاً فالحكم بكفره أو إسلامه واضح.

و إن كان طفلًا فهو في الإسلام تابع لأحد أبويه، فلو كان الأبوان أو أحدهما مسلماً وقت العلوق يحكم بإسلام الطفل، و كذا لو أسلما أو أحدهما بعده قبل البلوغ. و لا أعرف في ذلك خلافاً بين الأصحاب، و قال في المسالك: و الحكم في ذلك موضع وفاق «1»، و نفى الخلاف في أصل التبعيّة في الكفاية و المفاتيح «2».

و كذا لا خلاف في التبعيّة في الكفر إذا كان أبواه معاً كافرين، و في التنقيح الإجماع عليها بالخصوص «3».

______________________________

(1) المسالك 2: 312.

(2) الكفاية: 289، المفاتيح 3: 312.

(3) التنقيح 4: 135.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 34

و قيل «1»: و لعلّ التبعيّة في الإسلام و الكفر للأبوين من الضروريّات، يمكن استنباطها من الأخبار المتواترة معنى ، المتشتتة في مواضع كثيرة كأبواب المواريث، و الحدود، و الجهاد، و الوصية.

و تدلّ على التبعيّة في الجملة رواية زيد بن علي: «إذا أسلم الأب جرّ الولد إلى الإسلام، فمن أدرك من ولده دعي إلى الإسلام، فإن أبى قتل» «2».

و موثقة أبان على ما في الفقيه: في الصبي إذا شبَّ فاختار النصرانيّة و أحد أبويه نصراني أو جميعاً مسلمين، قال: «لا يترك، و لكن يضرب على الإسلام» «3».

و رواية عبيد: في الصبيّ يختار الشرك و هو بين أبويه، قال: «لا يترك، و ذاك إذا كان أحد أبويه نصرانيّاً» «4».

وجه الاستدلال بالأخيرتين أنّه لا

شكّ في أنّه لا يجبر غير المرتد على الإسلام من أهل الذمّة بل يترك، و حكم فيهما بجبر صبيّ اختار الكفر بعد البلوغ إذا أسلم أحد أبويه على الإسلام، فيكون مرتداً، و لا ارتداد إلّا بسبق الإسلام.

و لو ارتد الأبوان و هو طفل لم يرتدد، لسبق إسلامه فيستصحب، و إيجاب ارتدادهما لارتداده غير ثابت.

و في إلحاق إسلام أحد الأجداد أو الجدات بالأبوين وجهان، و الظاهر الإلحاق إن لم يكن الواسطة حيّاً، و أمّا إذا كان حيّاً ففيه إشكال. و قوّى

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 337.

(2) التهذيب 8: 236، 852، الوسائل 23: 107 أبواب العتق ب 70 ح 1.

(3) الفقيه 3: 91، 341، الوسائل 28: 326 أبواب حد المرتد ب 2 ح 2.

(4) الكافي 7: 256، 4، التهذيب 10: 140، 553، الوسائل 28: 326 أبواب حد المرتد ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 35

الشيخ «1» كالشهيد في المسالك «2» الإلحاق، و ظاهر التحرير كالكفاية التردد «3».

و على هذا فلو مات مسلم أو كافر و له أولاد كفّار و أطفال أخ مسلم أو أُخت مسلمة، يرثه الأطفال دون الأولاد.

و لو مات مسلم و له أطفال أخ كافر و كانت أُمّهم أيضاً كافرة لم يرثوه.

و لو مات كافر و له ابن كافر و طفل ابن مسلم، ورثه الطفل دون الابن.

و لو مات مسلم و له ابن كافر يرثه طفل ابنه إن مات أبوه، و إلّا ففيه وجهان.

و لو مات الكافر و خلّف أباً و ابناً صغيراً كافرين، فأسلم الأب يرثان معاً.

و لو مات كافر و له جدّ كافر و ابن صغير فأسلم الجدّ قبل القسمة اختصّ الابن بالإرث.

المسألة التاسعة [حكم إنفاق الورثة على أولاد الكافر من تركته حتى يبلغوا]:

روى مالك بن أعين، عن أبي جعفر

(عليه السّلام) كما سبق أنّه لو خلّف نصراني أولاداً صغاراً و ابن أخ و ابن أُخت مسلمَين كان لابن الأخ ثلثا التركة، و لابن الأُخت ثلثها، و ينفقان على الصغار بنسبة حقهما، و إن أسلموا و هم صغار دفعت التركة إلى الإمام، فإن بلغ الأولاد مسلمين فهم أحقّ بها، و إلّا فتعطى الوارثين «4».

و أفتى بمضمونها معظم القدماء و جمع من المتأخّرين، منهم الشيخان و الصدوق و القاضي و ابن زهرة و الحلبي و الكيدري و نجيب الدين

______________________________

(1) حكاه عنه في التحرير 2: 171.

(2) المسالك 2: 312.

(3) التحرير 2: 171، كفاية الأحكام: 289.

(4) راجع ص: 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 36

و الدروس «1»، و نسبه جماعة إلى أكثر المتقدمين أيضاً «2»، و في النكت و الدروس و المسالك نسبته إلى الأكثر و المعظم مطلقاً «3».

و كثير منهم طردوا الحكم إلى ذي القرابة المسلم مع الأولاد مطلقاً، كما طردوه إلى الكافر كذلك، و قالوا: إنّ المسلمين ينفقون على الأولاد إلى أن يبلغوا، فان أسلموا دفعت إليهم التركة، و إلّا استقرّ ملك المسلمين عليها.

و ردّها الحلّي و المحقق و العلّامة و التنقيح و المسالك «4» و سائر المتأخرين، و أقرّوا الإرث على المسلمين، و أنكروا وجوب الإنفاق، محتجّين بوقوع الإجماع على تبعيّة الولد لأبويه في الكفر، و اختصاص المسلم بالإرث إلّا أن يسلم الكافر قبل القسمة، و حرمانه لو لم يسلم قبلها، صغيراً كان أو كبيراً كما ثبت.

و أجاب في الدروس بأن الخروج عن الأُصول جائز إذا قام عليه دليل «5». قيل «6»: إنّ قيام الدليل ممنوع، كيف؟! و هو يتوقّف على صحة الرواية، و هي ممنوعة، و إن قال بها في المختلف و التحرير

و الدروس

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 701، الطوسي في النهاية: 665، الصدوق في المقنع: 176، القاضي في جواهر الفقه: 167، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 608، الحلبي في الكافي في الفقه: 375، نجيب الدين في الجامع للشرائع: 502، الدروس 2: 345، 346.

(2) كما في تحرير الأحكام 2: 171، و التنقيح 4: 135.

(3) حكاه عن نكت الإرشاد في الرياض 2: 337، الدروس 2: 346، المسالك 2: 312.

(4) الحلي في السرائر 3: 269، المحقق في الشرائع 4: 13، العلّامة في تحرير الأحكام 2: 172، التنقيح 4: 135، المسالك 2: 312.

(5) الدروس 2: 346.

(6) انظر رياض المسائل 2: 337.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 37

و الغاية و المهذب «1»، و تحقّق الشهرة الجابرة غير معلوم.

و فيه أوّلًا: عدم ضير ضعف السند بعد اعتبار الرواية.

و ثانياً: أنّه لو سلّم ينجبر بشهرة القدماء المحققة قطعاً، حتى قيل: إنّه لا يرى منهم مخالف عدا الحليّ «2»، أو بالشهرة المحكية مستفيضة، و هي كافية في الجبر، مع أنّها صحيحة عن السراد المجمع على تصحيح ما يصح عنه، و مثلها في قوّة الصحيحة، و مع ذلك وصفها كثير من الأصحاب بل أكثرهم كما عن التقي المجلسي «3» بالصحة، كما هي مقتضى بعض نسخ الفقيه، حيث أسندها إلى عبد الملك و مالك ابني أعين معاً، فالرواية معتبرة، و للخروج بها عن مقتضى الاصول صالحة، و مثله ليس بعزيز، فعليه الفتوى .

و أمّا القول بأنّها لا تخالف الأُصول، من حيث إنّ الولادة على الفطرة، فهم بحكم المسلمين إلّا أن يبلغوا و يعرفوا الكفر.

ففيه: أنّه خلاف الإجماع، لجواز استرقاقهم كما يسترقّ أبواهم، بل يخالف الرواية حيث حكم فيها بعدم استحقاقهم إلّا أن يسلموا و هم صغار.

ثمّ

إنّ الرواية لما كانت مشهورة بالاعتبار تصدّى العاملين بها و الرادّين لها لتوجيهها بوجوه لا فائدة في ذكرها.

و هل يختصّ الحكم بالمورد كما عن ظاهر الأكثر، أم يطرد بالاطرادين المتقدمين، أو أحدهما كما عن بعضهم «4»؟ الحق هو الأوّل.

المسألة العاشرة [توارث المسلمين بعضهم بعضا و إن اختلفوا في المذاهب ]:

المسلمون يتوارثون، بمعنى أنّ بعضهم يرث

______________________________

(1) المختلف: 740، تحرير الأحكام 2: 172، الدروس 2: 345.

(2) انظر رياض المسائل 2: 337.

(3) روضة المتقين 11: 387.

(4) انظر: المقنعة: 701، و النهاية: 665، و الكافي في الفقه: 375.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 38

بعضاً و إن اختلفوا في المذاهب، ما لم يخرجوا به عن سمة الإسلام، و لم يدخلوا في عنوان الكافر، وفاقاً للمشهور.

و خلافاً للمفيد في أكثر نسخ المقنعة، فيرث المؤمن أهل البدع من المعتزلة و المرجئة «1» و الخوارج من الحشوية، و لا يرثوه «2».

و للحلبي، فيرث المسلم المجبّر و المشبّه و جاحد الإمامة، و لا عكس «3».

لنا

: عموم أدلّة التوارث، و عدم ما يصلح للتخصيص. و لم أعثر للمخالف على دليل، و يمكن أن يكون بناؤه على تكفيرهم، و هو صحيح إن ثبت المبنى، لعمومات منع الكافر عن إرث المسلم، و لكن الكلام في المبنى .

و منه يظهر حكم المنكر لضروري الدين، فإنّه لو لزم من إنكاره إنكار صاحب الدين و رجع إليه بأن لم تحتمل الشبهة في حقّه يمنع من إرثه و إن أظهر الشهادتين، لأن إيجابهما للإسلام إنّما هو إذا لم يقارنه ما ينافيهما قولًا أو فعلًا و يدلّ على اعتقاد خلافهما.

و كذا الكفّار يتوارثون على اختلاف مللهم كما يأتي.

و خالف فيه الثاني أيضاً فيرث كفّار ملتنا غيرهم و لا عكس «4»،

______________________________

(1) المرجئة بالهمزة و المرجية بالياء مخففة: من الإرجاء، أرجأت الأمر أي آخرته،

و هم فرقة من فرق الإسلام يزعمون أنّ أهل القبلة كلّهم مؤمنون و يعتقدون أن اللَّه تعالى أرجأ تعذيبهم عن المعاصي، أي أخّره عنهم الصحاح 1: 52، القاموس 1: 16؛ راجع كتاب المقالات و الفرق: 5 فرقة 14، و مجمع البحرين 1: 177.

(2) انظر المقنعة: 701.

(3) الكافي في الفقه: 375، قال: لا يرث الكافر المسلم .. و يرث المسلم الكافر و إن بعد، كابن خال مسلم لموروث مسلم، أو كافر له ولد كافر بيهودية أو نصرانية أو جبر أو تشبيه أو جحد نبوة أو إمامة ميراثه لابن خاله المسلم.

(4) الكافي في الفقه: 375.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 39

و اختاره في التنقيح إن كان المراد كفر من أظهر كلمة الشهادة، محتجّاً بأنّ لهم خصوصية بذلك على غيرهم «1».

و فيه: أنّها لو سلّمت فإيجابها لمنع التوارث ممنوع، و قوله: «الإسلام يَعلو و لا يُعلى عليه» «2» لا يفيد، لكون الصغرى ممنوعة.

و أمّا ما في موثقة حنان من أنّه لا يتوارث أهل ملتين «3»، فمحمول على ملتي الإسلام و الكفر، كما يشعر به كثير من الأخبار المتقدّمة، و صرّح به غير واحد من الأصحاب «4». و لو سلّم عمومها فلا يفيد أيضاً، لجواز إرادة نفي التوارث من الجانبين، و لمّا لم يتعين الجانب الممنوع فيكون كلّ منهما باقياً على مقتضى الأصل.

و قد يقال: بكون الكفر كلّه ملة واحدة فليس فيه ملّتان. و هو خلاف الظاهر، و ما ذكروا في بيانه ضعيف.

المسألة الحادية عشرة [توارث الكفار بعضهم بعضا ما لم يكن هناك وارث مسلم خاص ]:

الكفار يتوارثون بعضهم من بعض إذا لم يكن هناك وارث مسلم خاص، بلا خلاف فيه ظاهر كما صرّح به غير واحد منّا «5».

لعموم أدلّة الإرث، و سلامتها عن المعارض في محلّ البحث، لاختصاصه بما إذا

كان هناك وارث خاص مسلم.

و لمرسلة ابن أبي عمير: في يهودي أو نصراني يموت و له أولاد غير

______________________________

(1) التنقيح 4: 138.

(2) الفقيه 4: 243، 778، الوسائل 26: 14 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 11.

(3) التهذيب 9: 366، 1308، الإستبصار 4: 190، 712، الوسائل 26: 16 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 20.

(4) كالطوسي في النهاية: 666، الشهيد الثاني في المسالك 2: 312.

(5) منهم السبزواري في الكفاية: 289.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 40

مسلمين، فقال: «هم على ميراثهم» «1».

و لما مرّ من النصوص في ميراث المجوسي «2».

و المستفاد من المرسلة أنّ طريق توريثهم إنّما هو على ملّتهم، و أنّه تجري على أهل الذّمة أحكام مواريثهم على دينهم، و ليست كغيره من الأحكام بأن يكون مخيراً في الحكم أو الردّ على أهل ملتهم.

و يمكن أن يكون المراد بميراثهم ميراث الأولاد على طريقة الإسلام. أو أنّ لهم إرثهم على التخيير المذكور، فلا يمكن الاستدلال به لشي ء من الطرفين، فيجري فيه على قاعدة سائر الأحكام من التخيير.

و في صحيحة أبي حمزة: «إنّ علياً (عليه السّلام) كان يقضي في المواريث فيما أدرك الإسلام من مال مشرك تركه لم يكن قسّم قبل الإسلام أنّه كان يجعل للنساء و الرجال حظوظهم منه على كتاب اللَّه و سنّة نبيّه» «3».

و قريبة منها صحيحة محمد بن قيس «4».

و قد يستدل بها على أصل الحكم من توارث الكفّار.

و فيه نظر، لكونها مجملة ذات احتمالات ثلاثة، فلا يمكن الاستدلال بها على شي ء منها.

المسألة الثانية عشرة [كيفية تقسيم تركة المرتد]:

المرتد إمّا فطري أو ملّي، فالأوّل إن كان

______________________________

(1) التهذيب 9: 372، 1330، الوسائل 26: 25 أبواب موانع الإرث ب 5 ح 3.

(2) لم يتقدّم البحث عن ميراث المجوسي. انظر: الوسائل 26:

317 أبواب ميراث المجوس ب 1.

(3) الكافي 7: 144، 1، التهذيب 9: 370، 1324، الإستبصار 4: 192، 720، الوسائل 26: 23 أبواب موانع الإرث ب 4 ح 1.

(4) الكافي 7: 145، 2، التهذيب 9: 371، 1325، الإستبصار 4: 192، 721، الوسائل 26: 23 أبواب موانع الإرث ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 41

رجلًا تُقسّم تركته من حين ارتداده بين ورثته و إن كان حيّاً، بالإجماع.

لصحيحة محمد، عن الباقر (عليه السّلام): «من رغب عن دين الإسلام و كفر بما أنزل اللَّه على محمّد (صلّى اللَّه عليه و آله) بعد إسلامه فلا توبة، و وجب قتله، و بانت امرأته، و يقسّم ما ترك على ولده» «1».

و موثّقة الساباطي، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول: «كل مسلم بين مسلمين ارتدّ عن دين الإسلام و جحد محمداً (صلّى اللَّه عليه و آله) نبوته و كذّبه فإنّ دمه مباح لكل من سمع ذلك منه، و امرأته بائنة منه يوم ارتدّ فلا تقربه، و يقسّم ماله على ورثته» الحديث «2»، و غيرهما «3».

و غيره لا تقسّم تركته ما دام حيّاً؛ للأصل، و عدم الدليل.

ثمّ لو مات المرتد فإن كان له وارث مسلم فالمال له، و لا شي ء لوارثه الكافر إن كان، فطريّاً كان المرتد أو مليّاً؛ للإجماع، و لما مرّ.

و إن لم يكن له وارث مسلم فالمشهور سيّما بين المتأخّرين أنّ تركته للإمام، و في بعض العبارات نسبة خلافه إلى الشذوذ «4».

لظاهر الاتّفاق. و لمرسلة أبان: في الرجل يموت مرتداً عن الإسلام و له أولاد و مال، قال: «ماله لولده المسلمين» «5».

______________________________

(1) الكافي 7: 153، 4، التهذيب 9: 373، 1333، الوسائل 26: 27 أبواب موانع

الإرث ب 6 ح 5.

(2) الكافي 7: 257، 11، الفقيه 3: 89، 333، التهذيب 10: 136، 541، الإستبصار 4: 253، 957، الوسائل 28: 324 أبواب حدّ المرتد ب 1 ح 3.

(3) الوسائل 28: 323 أبواب حد المرتد ب 1.

(4) كما في المفاتيح 3: 312.

(5) الكافي 7: 152، 1، الفقيه 3: 92، 342، التهذيب 9: 374، 1335، الوسائل 26: 28 أبواب موانع الإرث ب 6 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 42

و الاتّفاق غير ثابت كما يأتي، و المرسلة غير دالّة، لظهورها بل صراحتها في وجود الأولاد المسلمين.

خلافاً للمحكي عن صريح المقنع و ظاهري الفقيه و الاستبصار في الملّي فميراثه لورثته الكفّار «1».

لعمومات الإرث مطلقاً، و عمومات ميراث ورثة المرتد و أنّه لورثته على كتاب اللَّه «2»، و خصوص موثقة إبراهيم عن عبد الحميد: في نصراني أسلم ثمّ رجع إلى النصرانيّة ثم مات قال: «ميراثه لولده النصارى» الحديث «3».

و ردّ تارة: بالحمل على التقية، و أُخرى: بالطرح للشذوذ، و ثالثة: بالضعف بالإرسال، و رابعة: بالمخالفة للقاعدة الثابتة من أنّ المرتد بحكم المسلم، و خامسة: بعدم المقاومة للمرسلة المتقدّمة.

و الأوّل مردود: بأنّه فرع وجود المعارض، و الثاني: بكفاية العمومات الكتابيّة و الخبريّة، و الثالث: بأنّها في الفقيه مسندة، مع أنّها عن ابن أبي عمير صحيحة، و الرابع: بأنّ القاعدة كليّة غير ثابتة، و الخامس: بأنّ المرسلة كما مرّ غير دالّة.

فإذاً قول الصدوق هو الأقرب، بل مقتضى الإطلاقات ذلك في الفطري أيضاً، إلّا أنّ ظاهر الإجماع فيه يمنع عن القول به، بل ميراثه مع عدم المسلم للإمام.

______________________________

(1) المقنع: 179، الفقيه 4: 242، الاستبصار 4: 193.

(2) الوسائل 26: 25 أبواب موانع الإرث ب 6.

(3) الفقيه 4: 245،

789، التهذيب 9: 372، 1328، الاستبصار 4: 193، 724، التهذيب 9: 377، 1346، الوسائل 26: 25 أبواب موانع الإرث ب 6 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 43

و الثاني من الموانع: القتل.
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأُولى : القاتل إذا كان متعمّداً بغير حقّ لا يرث

، قريباً كان أو بعيداً، بلا خلاف يعرف، و نقل الإجماع عليه متكرر «1»، و اقتضاء الحكمة له يرشد إليه، إذ لولاه لم يأمن مستعجل الإرث أن يقتل مورثه.

و الدليل الشرعي عليه الأخبار المستفيضة، كصحيحة هشام عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله): لا ميراث للقاتل» «2».

و رواية أبي بصير عنه (عليه السّلام) قال: «لا يتوارث رجلان قتل أحدهما صاحبه» «3».

و رواية القاسم بن سليمان: عن رجل قتل امّه أ يرثها؟ قال: «سمعت أبي يقول: أيّما رجل ذي رحم قتل قريبه لم يرثه» «4».

و صحيحة الحذاء: في رجل قتل امّه قال: «لا يرثها» «5».

و صحيحة الحلبي: عن الرجل يقتل ابنه، أ يقتل به؟ قال: «لا، و لا يرث أحدهما الآخر إذا قتله» «6».

______________________________

(1) انظر الخلاف 4: 28 30، و الروضة البهية 8: 31، و الرياض 2: 340.

(2) الكافي 7: 141، 5، التهذيب 9: 378، 1352، الوسائل 26: 30 أبواب موانع الإرث ب 7 ح 1.

(3) الكافي 7: 140، 1، التهذيب 9: 377، 1348، الوسائل 26: 31 أبواب موانع الإرث ب 7 ح 5.

(4) الكافي 7: 140، 2، التهذيب 9: 377، 1349، الوسائل 26: 31 أبواب موانع الإرث ب 7 ح 6.

(5) الكافي 7: 140، 4، التهذيب 9: 378، 1351، الوسائل 26: 30 أبواب موانع الإرث ب 7 ح 2.

(6) التهذيب 10: 238، 948، الوسائل 26: 31 أبواب موانع الإرث ب 7 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 44

و حسنته: «إذا قتل الرجل أباه قُتل به، و إن قتله أبوه لم يُقتل به و لم يرثه» «1».

و صحيحتي عبد اللَّه بن سنان و

جميل، و روايتي جميل و محمّد بن قيس الآتية «2».

و لو تعدّد القاتل مُنعوا جميعاً لو كانوا ورثة، و الوارث إن اختلفوا؛ للإطلاقات.

و لو كان بحقّ كحدّ أو قصاص أو نحوهما يرث كذلك، سواء جاز للقاتل تركه أم لا.

و يدلّ عليه مضافاً إلى عمومات الإرث رواية حفص بن غياث: عن طائفتين من المؤمنين إحداهما باغية و الأُخرى عادلة اقتتلوا، فقتل رجل من أهل العراق أباه أو ابنه أو أخاه أو حميمه و هو من أهل البغي و هو وارثه، أ يرثه؟ قال: «نعم، لأنّه قتله بحقّ» «3».

و ضعفها غير ضائر؛ لانجبارها بالعمل، و اعتضادها بنقل الإجماع. كاختصاصها بالباغي؛ لإيجاب التعليل التعدّي إلى ما سواه.

و بها تقيّد إطلاقات القاتل المتقدمة. و دعوى اختصاصها بحكم التبادر بالقاتل بغير حقّ دعوى موهونة جدّاً.

و إن كان خطأً ففي إرثه و منعه أقوال:

الأوّل للمفيد على نقل و الديلمي و المحقّق و ظاهر المسالك «4»،

______________________________

(1) الكافي 7: 141، 10، التهذيب 9: 378، 1355، الوسائل 26: 30 أبواب موانع الإرث ب 7 ح 4.

(2) في ص 44 و 45 و 50.

(3) الفقيه 4: 233، 748، التهذيب 9: 381، 1364، الوسائل 26: 41 أبواب موانع الإرث ب 13 ح 1.

(4) المفيد في المقنعة: 703، و الديلمي في المراسم: 218، و المحقق في الشرائع 4: 14، المسالك 2: 313.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 45

و اختاره بعض الثالثة «1» و نسبه المحقّق في الشرائع و الفاضل في التحرير و غيرهما في غيرهما إلى الأشهر «2»، و اختاره الشيخ في النهاية و إن عمل بالتفصيل لكونه أحوط «3».

و الثاني للعماني «4».

و الثالث و هو أنّه يرث مما عدا الدية للشيخ و المفيد على نقل

و الإسكافي و السيد و القاضي و الكيدري و الحلبي و ابني حمزة و زهرة و الحلّي و المختلف «5»، و استجوده في القواعد و شرحه «6»، كما استحسنه في التحرير «7»، و قرّبه في الإرشاد، و نسبه في المسالك و النكت و الكفاية إلى أكثر الأصحاب «8» و عن السيد و الشيخ و الحلبيين و الحلّي الإجماع عليه «9».

و ظاهر الدروس و التنقيح التردد مطلقاً «10»، كصريح الكفاية في

______________________________

(1) كالفيض الكاشاني في المفاتيح 3: 314.

(2) الشرائع 4: 14، التحرير 2: 172، و أُنظر المفاتيح 3: 314.

(3) النهاية: 672.

(4) حكاه عنه في المختلف 2: 742.

(5) الشيخ في النهاية: 672، و حكاه عن المفيد في التهذيب 9: 380، و نقله عن الإسكافي في المختلف 2: 742، و السيد في الانتصار: 307، و القاضي في المهذب 2: 162، و الحلبي في الكافي في الفقه: 375، و ابن حمزة في الوسيلة: 296، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 608، و الحلّي في السرائر 3: 274، المختلف 2: 743.

(6) القواعد 2: 163، و أُنظر الإيضاح 4: 179، و كشف اللثام 2: 280.

(7) التحرير 2: 172.

(8) المسالك 2: 313، كفاية الأحكام: 290.

(9) السيد في الانتصار: 308، الشيخ في الخلاف 4: 28 30، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 375 و ابن زهرة الحلبي في الغنية (الجوامع الفقهية): 608، الحلّي في السرائر 3: 274.

(10) الدروس 2: 347، التنقيح 4: 140.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 46

الدية «1».

للأوّل: عمومات الإرث كتاباً و سنة، و رفع المؤاخذة عن الخطاء.

و صحيحة ابن سنان: «عن رجل قتل امّه، أ يرثها؟ قال: «إن كان خطأً يرثها، و إن كان عمداً لم يرثها»

«2».

و صحيحة محمد بن قيس، قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل قتل امّه قال: «إن كان خطأً فإنّ له ميراثه، و إن كان قتلها متعمّداً فلا يرثها» «3».

و حسنته عنه (عليه السّلام) قال: «إذا قتل الرجل امّه خطأً ورثها، و إن قتلها عمداً لم يرثها» «4».

و يؤيّد المطلوب انتفاء الحكمة الموجبة لنفي الإرث.

قيل: هذه الروايات قاصرة عن الدلالة على إرثه من الدية المأخوذة منه أو من العصبة، لاختصاصها بحكم التبادر بإرث ما عداها من التركة، على أنّ ما يرث منه غير مذكور، و القرينة على إرادة ما يشمل الدية مفقودة، فلا دلالة لها على إرث القاتل من الدية «5».

قلنا، لو سلّمنا ذلك نقول: إنّ استدلالنا بهذه الأخبار على الإرث من الدية أيضاً ليس باعتبار دلالتها وحدها على ذلك، بل ثبت بها كون القاتل

______________________________

(1) كفاية الأحكام: 290.

(2) التهذيب 9: 379، 1358، الإستبصار 4: 193، 726، الوسائل 26: 34 أبواب موانع الإرث ب 9 ح 2.

(3) التهذيب 9: 379، 1357، الإستبصار 4: 193، 725، الوسائل 26: 33 أبواب موانع الإرث ب 9 ح 1. و لكن الرواية فيها إما موثقة بعلي بن الحسن بن فضال أو ضعيفة بابن أبي المفضل أو ابن بطة.

(4) الفقيه 4: 232، 742، الوسائل 26: 33 أبواب موانع الإرث ب 9 ح 1.

(5) الرياض 2: 340.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 47

وارثاً مطلقاً، أو وارثاً لسائر الأموال، ثمّ بانضمام الأحاديث المستفيضة من الصحاح و غيرها الآتية في المسألة السابعة «1»، الدالة على أنّ الدية كسائر الأموال، أو يأخذها من يأخذ سائر الأموال، أو يأخذها الورثة على كتاب اللَّه- أي ورثة سائر الأموال يتمّ المطلوب.

و الحاصل أنّه ليس المراد بالاستدلال بتلك

الأخبار إثبات تمام المطلوب بها وحدها، بل يثبت بعضه بها، و بعضه بها و بغيرها، هذا.

على أنّ هذه الروايات توجب تخصيص القاتل في روايات نفي الإرث للقاتل مطلقاً بالعامد، فيبقى الخاطئ تحت عمومات الإرث بلا مخصص.

للثاني: العمومات، و خصوص رواية الفضيل: «لا يرث الرجل الرجل إذا قتله و إن كان خطأً» «2».

و أُجيب: بأنّ العمومات مخصصة. و الرواية مع كونها ضعيفة فإنّها رويت بطرق ثلاثة، اثنان منها يشتمل على محمد بن سنان و الآخر مرسلة «3»

______________________________

(1) في ص 53 و 54.

(2) الكافي 7: 141، 7 و فيه: لا يرث الرجل أباه، التهذيب 9: 379، 1359، الاستبصار 4: 193، 727، و قد وردت فيهما بسندين مرسلين في أحدهما محمَّد بن سنان، الوسائل 26: 34 أبواب موانع الإرث ب 10 ح 3، و فيه مثل ما في الكافي.

(3) الرواية مروية بخمسة طرق: ثلاثة منها عن الفضيل بن يسار و جميعها مرسلة و في أحدها محمد بن سنان تقدمت الإشارة إليها، و طريقان عن العلاء بن الفضيل و فيهما محمد بن سنان كما في التهذيب و الوسائل أو ابن سنان كما في الكافي. لاحظ الكافي 7: 298، 5، التهذيب 10: 237، 946، الوسائل 26: 35 أبواب موانع الإرث ب 9 ح 4. فيمكن أن يكون مراده من الطريقين اللذين فيهما محمد بن سنان هو طريقي رواية العلاء بن الفضيل، و من الآخر المرسل هو طرق رواية الفضيل بن يسار الثلاثة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 48

موافقة لمذهب أبي حنيفة و أصحابه، كما صرّح به في الانتصار، و التهذيبين «1»، فحملها على التقية ممكن؛ و مع ذلك حكم الشيخ في النهاية بشذوذها «2».

و للثالث: الجمع بين الدليلين.

و قوله

تعالى وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ «3» و لا يعقل تسليمه أو عاقلته إلى نفسه.

و ما روي عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) أنّه قال: «ترث المرأة من مال زوجها و من ديته، و يرث الرجل من مالها و من ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه، فإن قتل أحدهما صاحبه عمداً فلا يرثه من ماله و لا من ديته، و إن قتله خطأ ورّث من ماله و لا يرث من ديته» «4».

و الأخبار الآتية في أواخر المسألة السابعة «5»، الدالّة بإطلاقها على عدم إرث الزوج أو الزوجة القاتل من الدية شيئاً، سواء كان خطأً أو عمداً؛ و الاختصاص بالزوجين لا يضرّ، لعدم قائل بالفصل.

و ما روي في الصحيح: عن امرأة شربت دواءً و هي حامل و لم يعلم بذلك زوجها فألقت ولدها، قال: فقال: «إن كان له عظم و قد نبت عليه اللحم عليها دية تسلّمها إلى أبيه، و إن كان حين طرحته علقة أو مضغة فإنّ عليها أربعين ديناراً، أو غرّة تؤدّيها إلى أبيه» قلت: فهي لا ترث ولدها من ديته مع أبيه؟ قال: «لا لأنّها قتلته» «6».

______________________________

(1) الانتصار: 307، التهذيب 9: 380، الاستبصار 4: 194.

(2) النهاية: 672.

(3) النساء: 92.

(4) سنن البيهقي 6: 221.

(5) في ص 56.

(6) الكافي 7: 141، 6، الفقيه 4: 233، 746، التهذيب 9: 379، 1356، الإستبصار 4: 301، 1130، الوسائل 26: 31 أبواب موانع الإرث ب 8 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 49

و الإجماع المنقول عن السيد و الشيخ و الحلبيين «1».

و يردّ الأوّل: بأنّه لا جمع إلّا مع وجود الدليلين، و هو ممنوع.

و الثاني: بأنّ عدم تعقل التسليم إلى القاتل محض استبعاد.

و الثالث: بأنّ الرواية

ضعيفة غايته، فإنّها و إن كانت خاصة بالنسبة إلى الأخبار الأُول حيث إنّها توجب ثبوت الإرث في الدية و غيرها، و هذه مخصصة بالغير، و لكنّها لضعفها غير صالحة للتخصيص.

و أمّا الأخبار الآتية، فبالنسبة إلى دليلنا «2» عامّة أو مطلقة، فتخصّص أو تقيّد بقتل العمد.

و أمّا الصحيح فهو ظاهر بل صريح في العمد، حيث قال: «عليها دية» و لو كان خطأ لم يكن الدية عليها، و أيضاً «طرحته» مشعر بذلك، و على فرض العموم فالتخصيص لازم.

و أمّا الإجماع المنقول فلا حجّية فيه، سيّما في مثل هذا المقام الذي ادّعى جمع كثير الشهرة على خلافه. بل يمكن أن يقال: نقل الشهرة معارض لنقل الإجماع فيتساقطان، و لو لم يعارضه لإمكان اجتماعهما فلا أقلّ من تضعيفهما. على أنّ كلام السيّد الذي رأيناه ليس بصريح في نقل الإجماع، بل ظاهره أنّ الإجماع إنّما هو على أصل توريث القاتل خطأ، لا على مجموع الحكم الذي ذكره من توريثه من أمواله و عدم توريثه من الدية، كما لا يخفى على من لاحظ كلامه في الانتصار.

أقول

: كلّ ما ذكر للأقوال الثلاثة دليلًا و جواباً و رداً له وجه، إلّا

______________________________

(1) السيّد في الانتصار: 308، الشيخ في الخلاف 4: 28 30، أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 375 و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 608.

(2) في «س»: أخبارنا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 50

ما قيل في ردّ الرواية النبويّة من أنّها لضعفها غير صالحة للتخصيص، فإنّها و إن كانت ضعيفة و لكنها مرويّة في كتب أصحابنا الفقهية، منجبرة بدعوى الشهرة العديدة، و حكاية الإجماع المستفيضة، و مثل ذلك لا يقصر عن الصحاح في الحجّية.

و كذا ما ذكر في ردّ الأخبار

الآتية من كونها أعمّ مطلقاً من جميع ما تقدّم، فإنّها ليست كذلك، بل النسبة بينها و بين أخبار القول الأوّل بالعموم من وجه فيتعارضان، و يصلح النبوي للجمع بما تضمنه، بل هو أخص مطلقاً من الجميع فتخصص به.

فالحقّ هو القول الثالث.

و هل يلحق شبه العمد بالعمد أو الخطأ؟

قال في القواعد بالأوّل «1»، و حكي عن أبي علي «2». و بالثاني في التحرير و المختلف «3»، و حكي عن الديلمي «4».

و الأوّل هو الأظهر، لعمومات منع القاتل. و دعوى ظهورها في العامد المحض ممنوعة، و الاحتمال غير ضائر.

و الاستشكال في جواز تخصيص عمومات الإرث مع ذلك الاحتمال- كالأردبيلي لعدم جواز تخصيص القطعي بالظني غير جيد؛ لأنّ شمول عمومات الإرث للقاتل أيضاً ظنّي، بل المتبادر غيره.

و هل يختص المنع بالقتل بالمباشرة، أو يعمّ التسبيب أيضاً فعمدة يمنع و خطؤه لا يمنع؟

______________________________

(1) القواعد 2: 163.

(2) حكاه عنه في المختلف: 743.

(3) التحرير 2: 172، المختلف: 743.

(4) المراسم: 218.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 51

الأوّل محكيّ عن الفضل بن شاذان و العماني «1»، لعدم صدق القاتل على المسبب. و الثاني للقواعد «2».

و لعل الأوّل أظهر، إذ يقال: إنّه صار سبباً للقتل، لا أنّه قتل، و لا أقلّ من الشك فيعمل بالعمومات.

المسألة الثانية:

لا فرق في ذلك بين مراتب النسب و السبب، لعموم الأدلّة.

المسألة الثالثة: لو لم يكن وارث سوى القاتل كان الميراث للإمام (ع)

لأنّه وارث من لا وارث له. و ظاهر الشرائع أنّه لبيت مال المسلمين «3»، و به صرّح في صحيحتي الحنّاط في خصوص الدية «4»، و سيأتي تحقيقه و مصرفه حال الغيبة، كما يظهر.

المسألة الرابعة: لا يُمنع من كان تقرّبه بواسطة القاتل

بلا خلاف يعرف، فلو كان له ولد يرث لولا من يحجبه، و كذا ابن الأخ القاتل، لموثقة جميل: في رجل قتل أباه، قال: «لا يرثه، فإن كان للقاتل ابن ورث الجد المقتول» «5». و رواها في الفقيه بطريق حسن.

و روايته، قال: «لا يرث الرجل إذا قتل ولده أو والده، و لكن يكون الميراث لورثة القاتل» «6».

______________________________

(1) حكاه عن الفضل بن شاذان في الفقيه 4: 234، و حكاه عن العماني في المختلف: 742.

(2) القواعد 2: 163.

(3) الشرائع 4: 14.

(4) الآتية في ص 51.

(5) الفقيه 4: 232، 741، التهذيب 9: 380، 1361، الوسائل 26: 39 أبواب موانع الإرث ب 12 ح 1.

(6) الكافي 7: 140، 3، التهذيب 9: 378، 1350، الوسائل 26: 40 أبواب موانع الإرث ب 12 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 52

و لأنّ القرب الموجب متحقق و المانع منتف، و وجوده في الواسطة غير صالح للمانعية.

فإن قيل: نفس وجودها مانع، لأنّه موجب لأمرين انتقال الإرث إليها، و حجبها لمن يرث بواسطة، و انتفاء أحدهما لا يستلزم انتفاء الآخر.

قلنا: يستلزمه، لأنّ أحدهما معلول للآخر، فينتفي بانتفاء علته. و بتقرير آخر: لانسلّم أنّ المانع نفس وجودها بل توريثها، و يدلّ عليه توريث غير من يتقرب به من الوارث إجماعاً.

المسألة الخامسة: لو كان للقاتل أو معه وارثٌ كافر

مُنعا، و كان الميراث للإمام لولا وارث غيرهما، لوجود المانع في كلّ منهما.

المسألة السادسة: إذا لم يكن للمقتول وارث سوى الإمام (عليه السّلام)

فله المطالبة بالقود أو الدية مع التراضي، و ليس له العفو، وفاقاً للمشهور؛ و خلافاً للحلّي فأثبت له الثلاثة «1».

لنا: صحيحة أبي ولّاد، قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يقتل و ليس له ولي إلّا الإمام: «إنّه ليس للإمام أن يعفو، و له أن يقتل أو يأخذ الدية» «2».

و صحيحته الأُخرى : قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل مسلم قتل رجلًا مسلماً عمداً إلى أن قال-: قلت له: فإن عفا عنه الإمام؟ قال، فقال: «إنّما هو حقّ جميع المسلمين، و إنّما على الإمام أن يقتل أو يأخذ الدية، و ليس له أن يعفو» «3».

و هما بإطلاقهما يتناولان الخطإ أيضاً.

______________________________

(1) السرائر 3: 336.

(2) التهذيب 10: 178، 696، الوسائل 29: 125 أبواب القصاص في النفس ب 60 ح 2.

(3) الكافي 7: 359 ح 1، الفقيه 4: 79، 248، التهذيب 10: 178، 697، علل الشرائع: 581، 15، الوسائل 29: 124 أبواب القصاص في النفس ب 60 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 53

للمخالف: أولويّة الإمام (عليه السّلام) بالعفو.

قلنا: لو كان حقّ الإمام دون جميع المسلمين، على أنّه اجتهاد في مقابلة النص.

المسألة السابعة [الأقوال في وارث الدية]:
اشاره

اختلفوا في وارث الدية على أقوال:

الأوّل:

أنّه يرثها من يرث غيرها. و هو مختار الشيخ في المبسوط و موضع من الخلاف «1»، و حكي عن ابن حمزة «2» و الفاضل في جنايات القواعد «3»، و نسب أيضاً إلى الحلّي في السرائر و الفاضل في المختلف «4» و أنكرها بعض مشايخنا، و أرجع قولهما إلى أمر آخر «5».

و هو قريب، بل صرّح في السرائر في هذه المسألة بعدم توريث كلالة الأُم من الدية و نفى الخلاف فيه.

و الثاني:

أنّه يرثها من عدا المتقرب بالأُم. ذهب إليه المفيد «6» و الشيخ في النهاية و جنايات الخلاف «7»، و الحلّي في ميراث السرائر «8»، و القاضي و الحلبي و ابن زهرة و الكيدري «9»، و المحقق في جنايات الشرائع و النافع «10»،

______________________________

(1) المبسوط 4: 80، الخلاف 4: 114.

(2) حكاه عنه في الإيضاح 4: 180.

(3) القواعد 2: 163.

(4) نسبه إلى الحلي في الدروس 2: 348، و انظر السرائر 3: 328، المختلف: 742.

(5) انظر رياض المسائل 2: 341.

(6) المقنعة: 702.

(7) النهاية: 673، و حكاه عن جنايات الخلاف في كشف اللثام 2: 280، و انظر الخلاف 2: 356.

(8) السرائر 3: 274، 336.

(9) القاضي في جواهر الفقه: 168، الحلبي في الكافي في الفقه: 376، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 608.

(10) الشرائع 4: 288، المختصر النافع: 265.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 54

و استقربه في الدروس «1»، كما استجوده في المسالك «2»، و قال في الكفاية: و لعلّه قول الأكثر «3»، و ادّعى عليه الإجماع في الخلاف و السرائر «4».

و الثالث:

أنّه يرثها غير المتقرب بالأُم و بالأب وحده، و هو قول الشيخ في موضع من الخلاف «5».

للأوّل: عموم آيات الإرث و أخباره، و خصوص رواية إسحاق بن عمّار: «إذا قبلت دية العمد فصارت مالًا فهي ميراث كسائر الأموال» «6».

و رواية العبدي: «الدية تقسّم على من أحرز الميراث» «7».

و للثاني: صحيحة سليمان بن خالد: «قضى أمير المؤمنين في دية المقتول أنّه يرثها الورثة على كتاب اللَّه و سهامهم إذا لم يكن على المقتول دين، إلّا الإخوة و الأخوات من الأُمّ، فإنّهم لا يرثون من ديته شيئاً» «8».

و صحيحة ابن سنان: «قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّ الدية يرثها الورثة،

إلّا الإخوة و الأخوات [من الأُم «9»]، فإنّهم لا يرثون من الدية شيئاً» «10».

و صحيحة محمد بن قيس: «الدية يرثها الورثة على فرائض

______________________________

(1) الدروس 2: 348.

(2) المسالك 2: 314.

(3) كفاية الأحكام: 291.

(4) انظر الخلاف 2: 356، السرائر 3: 336.

(5) الخلاف 2: 356.

(6) التهذيب 9: 377، 1347، الوسائل 26: 41 أبواب موانع الإرث ب 14 ح 1.

(7) الفقيه 4: 188، 657، التهذيب 9: 249، 964، علل الشرائع: 569، 4، الوسائل 26: 81 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 12.

(8) الكافي 7: 139، 2، الفقيه 4: 232، 744، التهذيب 9: 375، 1338، الوسائل 26: 35 أبواب موانع الإرث ب 10 ح 1.

(9) أثبتناه من المصدر.

(10) الكافي 7: 139، 4، التهذيب 9: 375، 1339، الوسائل 26: 36 أبواب موانع الإرث ب 10 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 55

المواريث، إلّا الإخوة من الأُم، فإنّهم لا يرثون من الدية شيئاً» «1».

و موثقة عبيد بن زرارة: «لا يرث الإخوة من الامّ من الدية شيئاً» «2».

و رواية البقباق: هل للإخوة من الام من الدية شي ء؟ قال: «لا» «3».

و قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه قال: «و اعلم أنّ الدية يرثها الورثة على كتاب اللَّه، ما خلا الإخوة و الأخوات من الأُم، فإنّهم لا يرثون من الدية شيئاً» «4».

و هذه الروايات و إن كانت مخصوصة إلّا أنّهم عمّموا الحكم، لمفهوم الموافقة، و عدم القول بالفصل.

و مستند الثالث غير معلوم، نعم يظهر من الصيمري أنّ فيه رواية «5»، و لم أقف عليها و لا نقله غيره.

أقول

: إنّ عموم آيات الإرث و أخباره و شمولها للدّية غير ظاهر، فإنّ الحكم فيها إمّا متعلق بالإرث و الميراث، أو بغيرهما نحو المال و ما

ترك و ما خلّف و غيرها، و عدم شمول الثاني للدّية حقيقة واضح. و أمّا الأوّل، فإمّا نقول بثبوت الحقيقة الشرعية فيه أو لا، فإن قلنا به فنقول بثبوتها فيما كان مالًا للميت حين حياته، و أما في غيره فغير ثابت، فلا نقول به. و إلّا فيكون مجازاً، فيجب الحمل على الأقرب إن كان، و إلّا فعلى المتيقن، و اختصاصهما بغير الدية من أموال الميت ظاهر، على أنّه لو سلم العموم

______________________________

(1) الكافي 7: 139، 5، التهذيب 9: 375، 1340، الوسائل 26: 37 أبواب موانع الإرث ب 10 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 19    56     و الثالث: ..... ص : 54

(2) الكافي 7: 139، 6، التهذيب 9: 376، 1343، الوسائل 26: 37 أبواب موانع الإرث ب 10 ح 5.

(3) الكافي 7: 140، 8، التهذيب 9: 375، 1342، الوسائل 26: 37 أبواب موانع الإرث ب 10 ح 6.

(4) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 290، مستدرك الوسائل 17: 147 أبواب موانع الإرث ب 7 ح 2.

(5) حكاه عنه في الرياض 2: 341.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 56

فيجب التخصيص، لوجود المخصص الشرعي، و هو ما تمسك به الأكثر من الأحاديث الصحيحة.

و كذا روايتا ابن عمار «1» و العبدي فلا وجه للحكم بالعموم.

و لكن المخصص لا يشمل غير الإخوة و الأخوات، و لذا حكم في الدروس بالقصر على موضع النص و إن قال بعده: و الأقرب منع قرابة الأُم مطلقاً «2»، و استوجهه في المسالك أيضاً «3»، و قال في الكفاية: فالوجه الاقتصار عليهما في الحكم «4».

فعدم التعدّي و الاقتصار على ما خصصه المخصص أولى و أظهر، إلّا أن يثبت عدم القول بالفصل و

هو غير معلوم، و الأولويّة المدعاة بل المساواة ممنوعتان. و دعوى أنّ العرف يفهم من هذه الأحاديث أنّ المراد كل من يتقرب بالامّ دعوى عجيبة.

و أمّا قسمتها على غيرهما من الورثة فليست لعموم آيات الإرث و أخباره، لما عرفت، بل للتصريح بها في صحاح أبناء خالد و سنان و قيس المتقدمة.

و أمّا رواية السكوني: «إنّ عليّاً (عليه السّلام) كان لا يورث المرأة من دية زوجها شيئاً، و لا يورث الرجل من دية امرأته شيئاً، و لا الإخوة من الام من الدية شيئاً» «5».

______________________________

(1) و قد يقالُ بعدم دلالة رواية ابن عمّار، فإنّ الثابت منها أنّها تصير مالًا فيحتمل أن يكون لمن يرث الدية. و فيه أنّ الظاهر من قوله «فهي ميراث» أنه يصير مالًا للميت فتأمل. (منه قدس سرّه).

(2) الدروس 2: 348.

(3) المسالك 2: 314.

(4) كفاية الأحكام: 291.

(5) التهذيب 9: 380، 1360، الإستبصار 4: 195، 731، الوسائل 26: 39 أبواب موانع الإرث ب 11 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 57

فمع ضعفها بالنوفلي و السكوني و عدم العامل بها و احتمال حملها على التقية كما ذكره الشيخ «1» معارضة بما هو أقوى منها، كحسنة محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «المرأة ترث من دية زوجها و يرث من ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه» «2».

و حسنة ابن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): هل للمرأة من دية زوجها شي ء؟ و هل للرجل من دية امرأته شي ء؟ قال: «نعم ما لم يقتل أحدهما الآخر» «3».

و رواية عبيد بن زرارة عنه (عليه السّلام) قال: «للمرأة من دية زوجها، و للرجل من دية امرأته، ما لم يقتل أحدهما صاحبه» «4».

و

غيرها من الأخبار الدالّة على أنّ المرأة المطلّقة إذا كانت في العدة الرجعيّة ترث من زوجها و يرث منها من الدية و غيرها، كموثقتي محمد بن مسلم، و محمد بن قيس، و رواية عبد اللَّه بن سنان الآتية في بحث ميراث الأزواج في مسألة ميراث المطلّقة «5».

فيجب اطراحها، على أنّ حملها على التقية ممكن، لموافقتها لمذهب العامّة، كما صرّح به في التهذيب.

و حملها على ما إذا قتل أحدهما صاحبه كما فيه أيضاً بعيد جدّاً.

______________________________

(1) التهذيب 9: 380، الإستبصار 4: 195.

(2) الكافي 7: 141، 8، التهذيب 9: 378، 1353، الإستبصار 4: 194، 728، الوسائل 26: 32 أبواب موانع الإرث ب 8 ح 2.

(3) الكافي 7: 141، 9، التهذيب 9: 378، 1354، الإستبصار 4: 194، 729، الوسائل 26: 32 أبواب موانع الإرث ب 8 ح 3.

(4) الفقيه 4: 232، 743، الوسائل 26: 38 أبواب موانع الإرث ب 11 ح 1.

(5) ستأتي موثقتا محمد بن مسلم و محمد بن قيس في ص 347، و أمّا رواية عبد اللَّه بن سنان فلم نعثر عليها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 58

ثمّ إنّه لا فرق فيما ذكر بين دية العمد و الخطأ، لعموم الأدلة.

المسألة الثامنة [هل الدية في حكم مال المقتول ]:

قالوا: إنّ الدية في حكم مال المقتول، و يتفرّع عليه أنّه تُقضى منها ديونه، و تخرج منها وصاياه.

و الأوّل «1» مع كونه موضع الوفاق ظاهراً، تدلّ عليه رواية ابن عمار و صحيحة سليمان المتقدمتان.

و صحيحة يحيى الأزرق «2»: في رجل قتل و عليه دين، و لم يترك مالًا، و أخذ أهله الدية من قاتله، عليهم أن يقضوا الدين؟ قال: «نعم» قال، قلت: و هو لم يترك شيئاً؟! قال: «إنّما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا دينه» «3».

و

قريب منها صحيحته الأُخرى «4».

و صحيحته الأُخرى : عن رجل قتل و عليه دين، و أخذ أولياؤه الدية، أ يقضى دينه؟ قال: «نعم إنّما أخذوا ديته» «5».

و رواية أبي بصير: رجل قتل رجلًا متعمّداً أو خطأ و عليه دين و [ليس له «6»] مال، فأراد أولياؤه أن يهبوا دمه للقاتل، فقال: «إن وهبوا دمه ضمنوا الدين» قلت: فإنّهم أرادوا قتله، فقال: «إن قتل عمداً قتل قاتله و ادّى عنه الإمام الدين من سهم الغارمين» قلت: فإن هو قتل عمداً و صالح أولياؤه

______________________________

(1) أي قضاء ديونه عنها (منه قدس سره).

(2) ذكرها الثلاثة المتوالية في الوافي في باب قضاء الدين (منه قدس سره).

(3) الكافي 7: 25، 6، الفقيه 4: 167، 584، التهذيب 9: 167، 681، و ج 9: 245، 952.

(4) الكافي 7: 139، 7، التهذيب 9: 375، 1341.

(5) التهذيب 6: 312، 862، و كل ذلك في الوسائل 18: 364 أبواب الدين و القرض ب 24 ح 1.

(6) أثبتناه من المصدر.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 59

قاتلَه على الدية، فعلى من الدين، على أوليائه من الدية؟ أو على إمام المسلمين؟ فقال: «بل يؤدّوا دينه من ديته الّتي صالح عليها أولياؤه، فإنه أحقّ بديته من غيره» «1».

و رواية عبد الحميد بن سعيد: عن رجل قتل و عليه دين، و لم يترك مالًا، و أخذ أهله الدية من قاتله، أ عليهم أن يقضوا الدين؟ قال: «نعم» قلت: و هو لم يترك شيئاً؟! قال: «أما إنّه إذا أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا عنه الدين» «2» و غيرها.

و قد يستدلّ عليه أيضاً بأنّه لو أتلف متلف ماله أو جنى عليه في بعض أطرافه فأخذ العوض أو الدية بعد الموت أو قتله يصرف

في ديونه وفاقاً، فصرف ما هو عوض نفسه فيها أولى .

و لمانع أن يمنع الأولويّة، متمسكاً بأنّ عوض المال و الأطراف قد انتقل إليه حال حياته و صار مالكاً له، فهو حقّ ثابت له بخلاف عوض النفس، فإنّه لا يجب على القاتل إلّا بعد الموت.

و ربّما قيل بعدم صرفها في ديونه، لأنّ الدين كان متعلقاً بالمديون في حال حياته و بماله بعدها، و الميت لا يملك بعد وفاته.

قلنا: اجتهاد في مقابلة النص. و الحاصل أنّ اختصاص تعلق الدين بالمديون أو ماله ممنوع، بل يتعلق بديته أيضاً.

______________________________

(1) لم نعثر على رواية بهذا النص عن أبي بصير، و لكن هناك رواية عنه بلفظ آخر في الفقيه 4: 119، 411، التهذيب 10: 180، 703. و هناك رواية بهذا النص مروية عن علي بن أبي حمزة في الفقيه 4: 83، 264، الوسائل 29: 122، 123 أبواب القصاص في النفس ب 59 ح 1، 2.

(2) التهذيب 6: 192، 416، الوسائل 18: 364 أبواب الدين و القرض ب 24 ذيل الحديث 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 60

أو نقول: إنّ الدية أيضاً في حكم ماله و لذا تقسّم كتقسيم سائر الأموال.

و لا فرق في الدية المأخوذة على المشهور بين قتل العمد و الخطأ.

و ربما قيل باختصاصه بالأخير، لأنّ العمد إنّما يوجب القود الذي هو حقّ للوارث، فإذا رضي بالدية فقد باذل حقه بغيره، فكان أبعد عن استحقاقها المقتول من الخطأ الذي يوجب الدية.

و يدفعه إطلاق النصوص، بل صريح روايتي ابن عمار «1»، و أبي بصير.

ثمّ لو أراد الوارث في العمد الاقتصاص لم يكن للديان منعه و إن لم يكن للميت مال آخر، وفاقاً للمشهور، و خلافاً للشيخ و الإسكافي و الحلبي

و القاضي و ابن زهرة مدعياً عليه الإجماع «2»، و يأتي تفصيله في كتاب القصاص «3».

و الثاني «4» يدلّ عليه بعد ظاهر الوفاق إطلاق رواية ابن عمار «5» «6»، و صحيحة محمّد بن قيس: «قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل أوصى

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 53.

(2) الشيخ في النهاية: 309، و حكاه عن الإسكافي في الرياض 2: 341، الحلبي في الكافي في الفقه: 376، القاضي في المهذب 2: 163 قال: فإن كان على المقتول دين قضي عنه من ديته كما يقضى عنه من ميراثه سواء كان المقتول مقتولًا عمداً أو خطأ. و نقله عنه في المختلف: 413. و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 608.

(3) لا يوجد كتاب القصاص في النسخ المتوفرة.

(4) يعني: إخراج وصايا الميت من الدية.

(5) المتقدمة في ص 53.

(6) هذه الروايات الخمس المتوالية نقلها في الوافي في باب أن ثلث الدية داخل في وصيته (منه رحمه اللَّه).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 61

لرجل بوصيّة مقطوعة غير مسمّاة من ماله، ثلثاً أو ربعاً أو أقل من ذلك أو أكثر، ثمّ قتل بعد ذلك الموصي فودي، فقضى في وصيته أنّها تنفذ من ماله و ديته كما أوصى» «1».

و روايته: رجل أوصى لرجل بوصية من ماله، ثلث أو ربع، فقتل الرجل خطأ يعني الموصي فقال: «تُجاز لهذا الوصية من ميراثه و من ديته» «2».

و مثلها رواية محمد بن مسلم «3».

و رواية السكوني: «قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): من أوصى بثلثه ثمّ قتل خطأً فثلث ديته داخل في وصيته» «4».

و مرسلة الفقيه: عن رجل أوصى بثلث ماله ثم قتل خطأ، فقال: «ثلث ديته داخل في وصيته» «5».

المسألة التاسعة: لو قتل أحدٌ مورّثه و قتله وارثهما

فهو يرث عنهما. أمّا عن المقتول فلانتفاء المانع،

و أمّا عن القاتل فلكون قتْلِهِ حقاً.

المسألة العاشرة: لو قتل الصبي أو المجنون مورّثه عمداً

، فهل يلحق بالعمد أو الخطأ؟

صرّح في القواعد بالأوّل، لصدق القاتل «6». و عن الفضل بن شاذان و العماني الثاني، لأنّ عمدهما خطأ «7». و فيه: أنّه في حكم الخطأ و ليس

______________________________

(1) التهذيب 9: 207، 823، الوسائل 19: 286 أحكام الوصايا ب 14 ح 3.

(2) الكافي 7: 63، 21، الفقيه 4: 168، 588، الوسائل 19: 285 أحكام الوصايا ب 14 ح 1.

(3) التهذيب 9: 207، 822، الوسائل 19: 285 أحكام الوصايا ب 14 ح 1.

(4) الكافي 7: 11، 7، التهذيب 9: 193، 774، التهذيب 9: 207، 821، الوسائل 19: 285 أحكام الوصايا ب 14 ح 2.

(5) الفقيه 4: 169، 589، الوسائل 19: 285 أحكام الوصايا ب 14 ح 2.

(6) القواعد 2: 163.

(7) نقله عن الفضل في الفقيه 4: 234، و حكاه عنهما في المختلف: 742.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 62

خطأً حقيقة، فالأقرب الأوّل.

و النائم كالعامد في القواعد «1». و كالخاطئ عند بعض آخر «2». و صدق القاتل عليه يقرّب الأوّل. فهو المعوّل.

و الضارب تأديباً إذا قتله يلاحَظ الحال، فإن كان له ذلك شرعاً و لم يتعدّ يرث، و إلّا لم يرث.

و الثالث من الموانع: الرق.
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأُولى : الرقّ يمنع الإرث من الجانبين

، فلا يرث المملوكَ مملوكٌ و لا حرٌّ بل ماله لمولاه، و لا يرث المملوكُ مملوكاً و لا حرّا، و لا أعرف في شي ء منهما خلافاً، و نقل عليهما الإجماع في المفاتيح «3» و غيره، و قال في الكفاية: لا أعرف خلافاً في شي ء من الحكمين «4».

و هما على القول بأنّ الرقّ لا يملك شيئاً واضحان، و إن كان [عدّ «5» الرق مانعاً في الأوّل حينئذٍ خلاف الظاهر.

و تدلّ عليه مطلقاً في الأوّل أيضاً صحيحة ابن رئاب: «العبد لا يورث» «6». و قدسها صاحب الوافي حيث أورد: لا يرث «7».

______________________________

(1) القواعد 2: 163.

(2) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 313، صاحب الرياض 2: 340.

(3) المفاتيح 3: 313.

(4) كفاية الأحكام: 289.

(5)] () في جميع النسخ: عدا، أصلحناه لاستقامة العبارة.

(6) الفقيه 4: 247، 796، الوسائل 26: 44 أبواب موانع الإرث ب 16 ح 7.

(7) الوافي 3: 133. و أورده كذلك في الوسائل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 63

و صحيحة ابن عطية: عن رجل مكاتب مات و لم يؤدّ مكاتبته و ترك مالًا و ولداً، من يرثه؟ قال: «إنّ كان سيّده حين كاتبه اشترط عليه إن عجز عن نجم من نجومه فهو ردّ في الرق و كان قد عجز عن نجم فما ترك من شي ء فهو لسيده» الحديث «1».

وجه الاستدلال أنّه لولا منع الرقيّة المعادة لما كان ما ترك لسيّده بل كان لوارثه من ذي قرابةٍ أو مولى و إن لم يكن سوى الإمام.

و ما رواه العامّة عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله): قال في العبد يعتق بعضه: «يرث و يورث على قدر ما عتق منه» «2».

و تدلّ عليه أيضاً الأخبار المتكثرة من الصحاح

و غيرها الدالّة على أنّه يورث من المكاتب بقدر ما عتق منه «3».

و اختصاص المورد في أكثر الروايات بالعبد لا يضرّ، لعدم القول بالفصل.

و الاستدلال على المطلوب بأنّه على القول بأنّ العبد يملك يكون الملك غير مستقر، يعود إلى السيّد إذا زال الملك عن رقبته لا يخلو عن مصادرة، كما لا يخفى. هذا و أما انتقال ماله إلى مولاه على القول بأنه يملك فليس من باب التوريث المتنازع فيه.

و في الثاني رواية الفضيل بن يسار: «العبد لا يرث» «4».

و صحيحة محمد و هي طويلة و فيها: «لا يرث عبد حراً» «5».

______________________________

(1) الكافي 7: 151، 5، التهذيب 9: 350، 1257، الإستبصار 4: 38، 128، الوسائل 26: 57 أبواب موانع الإرث ب 23 ح 1.

(2) سنن النسائي 8: 46.

(3) انظر الوسائل 26: 47 أبواب موانع الإرث ب 19.

(4) الكافي 7: 150، 4، التهذيب 9: 336، 1209، الإستبصار 4: 178، 671، الوسائل 26: 44 أبواب موانع الإرث ب 16 ح 3.

(5) ستأتي في ص: 72.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 64

و رواية مهزم الآتية.

و الأخبار المستفيضة من الصحاح و غيرها الدالّة على أنّ المملوك لا يرث إن اعتق بعد القسمة «1» كما هو المطلوب.

و الدالّة على اشتراء الوارث و عتقه ثمّ إعطائه الإرث «2»، كما يأتي.

و الاستدلال على الحكمين بصحيحة محمد عن أحدهما «3» (عليه السّلام)، و موثقتي جميل «4»، و ابن جبلة «5»، و رواية محمّد بن حمران، عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «لا يتوارث الحر و المملوك» «6».

لا يخلو عن مناقشة؛ لصدق انتفاء التوارث بانتفائه من جانب واحد؛ و لعدم تعيّنه و احتمال كونه كلا منهما تتطرق المناقشة في الاستدلال.

المسألة الثانية: لو تقرب الوارث بالمملوك

لم يمنع و

إن مُنع الواسطة، بلا خلاف يُعرف، و قال في الكفاية: لا أعلم فيه خلافاً بين الأصحاب «7».

لما مرّ من وجود المقتضي و انتفاء المانع؛ و احتمال كونه وجودها مدفوع بتوريث غير من يتقرب بها معه من الممنوعين بها عند توريثها.

و لرواية مهزم: في عبد مسلم و له أُمّ نصرانيّة، و للعبد ابن حرّ، قيل

______________________________

(1) انظر الوسائل 26: 46 أبواب موانع الإرث ب 18.

(2) الوسائل 26: 49 أبواب موانع الإرث ب 20.

(3) الكافي 7: 150، 3، التهذيب 9: 335، 1206، الإستبصار 4: 177، 668، الوسائل 26: 43 أبواب موانع الإرث ب 16 ح 1.

(4) الكافي 7: 149، 1، الوسائل 26: 44 أبواب موانع الإرث ب 16 ح 4.

(5) التهذيب 9: 336، 1207، الإستبصار 4: 177، 669، الوسائل 26: 44 أبواب موانع الإرث ب 16 ح 5.

(6) الكافي 7: 150، 2، التهذيب 9: 336، 1208، الإستبصار 4: 177، 670، الوسائل 26: 43 أبواب موانع الإرث ب 16 ح 2.

(7) كفاية الأحكام: 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 65

أ رأيت إن ماتت أُمُّ العبد و تركت مالًا؟ قال: «يرثها ابن ابنها الحر» «1».

و ضعفها لانجبارها بالعمل، و اشتمال سندها على السراد الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه غير ضائر.

و صحيحة محمد: عن المملوك و المشرك يحجبان إذا لم يرثا؟ قال: «لا» «2».

و موثقة البقباق: عن المملوك و المملوكة، هل يحجبان إذا لم يرثا؟ قال: «لا» «3».

و مثلها موثقة الفضل «4».

المسألة الثالثة: لو أُعتق بعد موت مورثه

، فإن كان الوارث الحرّ متعدداً شاركهم مع التساوي، و اختص به مع التقدم، إن تقدم العتق القسمة، بلا خلاف يعرف.

لصحيحة ابن سنان: «قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) فيمن ادّعى عبد إنسان أنّه ابنه: أنه

يعتق من مال الذي ادّعاه، فإن توفّي المدّعى و قسم ماله قبل أن يعتق العبد فقد سبقه المال، و إن أُعتق قبل أن يقسّم ماله فله نصيبه منه» «5».

و موثقة محمّد: في رجل يسلم على ميراث قال: «إن كان قُسّم

______________________________

(1) الكافي 7: 150، 1، التهذيب 9: 337، 1214، الوسائل 26: 45 أبواب موانع الإرث ب 17 ح 1.

(2) التهذيب 9: 284، 1027، الوسائل 26: 124 أبواب ميراث الأبوين ب 14 ح 1.

(3) الفقيه 4: 247، 798، الوسائل 26: 45 أبواب موانع الإرث ب 16 ح 9، وص 124 أبواب ميراث الأبوين ب 14 ح 3.

(4) التهذيب 9: 282، 1021، الوسائل 26: 124 أبواب ميراث الأبوين ب 14 ح 2.

(5) الفقيه 4: 246، 794، التهذيب 9: 337، 1212، الوسائل 26: 46 أبواب موانع الإرث ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 66

فلا حقّ له، و إن كان لم يُقسّم فله الميراث» قال: قلت: العبد يعتق على ميراث؟ قال: «هو بمنزلته» «1».

و حسنته و فيها: «و من أُعتق على ميراث قبل أن يُقسّم الميراث فهو له، و إن اعتق بعد ما قسّم فلا ميراث له» «2».

و رواية ابن مسكان: «من أُعتق على ميراث قبل أن يقسّم فله ميراثه، و إن اعتق بعد ما يقسّم فلا ميراث له» «3».

و إن تأخّر عنها لم يرث، لما مرّ.

و لو قُسِّم بعض التركة ثمّ أُعتق، ففي إرثه من الجميع أو الباقي خاصّة أو عدمه مطلقاً أوجه.

أظهرها الأوّل، وفاقاً للفاضل في الإرشاد «4» و غيره «5»؛ لأنّ المتبادر من قسمة الميراث قسمة جميعه.

و كذا لا يرث إذا كان الوارث الحر واحداً غير الإمام؛ لما سبق في الكفر. و الظاهر

أنّه إجماعيّ، و قال في الكفاية: لا أعرف فيه خلافاً «6».

و أمّا إذا كان إماماً فإن كان الرقّ ممّن يفكّ فلا عبرة بعتقه قبلها أو بعدها، و إلّا فالظاهر إلحاقه بغيره، لانتقال المال إليه أولًا و عدم ما يدل على

______________________________

(1) الفقيه 4: 237، 758، التهذيب 9: 336، 1211، الوسائل 26: 21 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 4.

(2) الكافي 7: 144، 4، التهذيب 9: 369، 1318، الوسائل 26: 21 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 3.

(3) التهذيب 9: 336، 1210، الوسائل 26: 47 أبواب موانع الإرث ب 18 ح 2.

(4) الإرشاد 2: 127.

(5) انظر القواعد 2: 162، و التحرير 2: 171، و مجمع الفائدة و البرهان 11: 488، و الرياض 2: 342.

(6) كفاية الأحكام: 290.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 67

الانتقال منه. و التفرقة في صورة كفر الوارث و إسلامه للنص، فلا يتعدّى عنه.

المسألة الرابعة: إذا مات و لم يكن له وارث حرّ سوى الإمام
اشاره

و إن كان بعيداً و كان له وارث مملوك، فإن كان أحد الأبوين أو كليهما اشتريا من التركة و أُعتقا و أُعطيا البقية إرثاً، بالإجماع، و ادّعى الإجماع عليه في الانتصار و السرائر و الشرائع و القواعد و التنقيح و الروضة و المسالك و المفاتيح «1».

و المستند فيه الأخبار. أمّا في الأُم فكثيرة، كصحيحة سليمان: «كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يقول في الرجل الحرّ يموت و له أُمّ مملوكة: تشترى من مال ابنها، ثم تعتق، ثمّ يورثها» «2».

و صحيحة ابن سنان: في رجل توفّي و ترك مالًا و له أُم مملوكة، قال: «تشترى امّه، و تعتق، ثمّ تدفع إليها بقية المال» «3».

و حسنته: «قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في الرجل يموت و له أُم مملوكة و له مال: أن تشترى

امه من ماله، و تدفع إليها بقية المال إذا لم يكن له ذوو قرابة لهم سهم في كتاب اللَّه» «4».

______________________________

(1) الانتصار: 308، السرائر 3: 273، الشرائع 4: 14، القواعد 2: 164، التنقيح 4: 143، الروضة البهية 8: 41، المسالك 2: 314، المفاتيح 3: 313.

(2) الكافي 7: 146، 1، التهذيب 9: 334، 1199، الإستبصار 4: 175، 661، الوسائل 26: 49 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 1.

(3) الكافي 7: 147، 2، التهذيب 9: 334، 1200، الإستبصار 4: 176، 662، الوسائل 26: 50 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 2.

(4) الكافي 7: 147، 7، التهذيب 9: 333، 1196، الإستبصار 4: 175، 658، الوسائل 26: 51 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 68

و قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه: «و إذا مات رجل حرّ فترك أمّاً مملوكة، فإنّ أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه أمر أن تشترى الأُمّ من مال ابنها و تعتق و يورثها» «1».

و رواية ابن طلحة الآتية «2».

و ورودها بالجمل الخبريّة هنا غير ضائر في إثبات الوجوب، لأنّ الجواز هنا يستلزمه بالإجماع المركب، على انّ في رواية ابن طلحة الآتية في الفرع الرابع «3» دلالة على الوجوب، حيث قال: «ليس لهم ذلك».

و أمّا في الأب فمرسلة ابن بكير: قال: «إذا مات الرجل و ترك أباه و هو مملوك أو أُمّه و هي مملوكة و الميت حرّ، اشتري ممّا ترك أبوه أو قرابته و ورث ما بقي من المال» «4».

و قريب منها مرسلته الأُخرى ، و زاد بعد قوله: «أو امّه و هي مملوكة»: «أو أخاه أو أُخته و ترك مالًا» «5».

و إرسالهما غير ضائر، لانجبارهما بعمل الأصحاب، و اعتضادهما بالإجماعات

المنقولة، على أنّ ابن بكير ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه.

______________________________

(1) فقه الرضا «ع»: 291، بتفاوت يسير، مستدرك الوسائل 17: 149 أبواب موانع الإرث ب 11 ح 3.

(2) في ص 70.

(3) انظر ص 74.

(4) الكافي 7: 147، 3، التهذيب 9: 334، 1202، الإستبصار 4: 176، 664، الوسائل 26: 50 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 3.

(5) التهذيب 9: 334، 1203، الإستبصار 4: 176، 665، الوسائل 26: 53 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 69

و يدلّ عليه أيضاً الإجماع المركب، فإنّه لا قائل بالفصل بين الأب و الأُم.

و قد يؤيّد أيضاً باستبعاد الفرق بين الامّ و الأب، بل بأولويّته منها.

و أمّا غيرهما فقد وقع الخلاف فيه على أقوال:

الأوّل: المنع من الاشتراء و العتق، و دفع التركة إلى الإمام. و هو مختار الديلمي «1» و ظاهر الصدوقين في المقنع و الرسالة «2»، بل كلامهما فيهما مخصوص بالامّ.

و الثاني: إضافة الأولاد للصلب إليهما خاصّة. ذهب إليه المفيد. و الحلّي و ابن حمزة و المحقّق «3» و جماعة «4»، و نسبه الحلي إلى الأكثر «5»، و في التحرير إلى السيّد «6»، و كلامه في الانتصار لا يفيده و إن لم ينفيه «7».

و الثالث: إضافة الأقارب النَّسبيّة إليهم مطلقاً دون السببيّة، و ذهب إليه الإسكافي و القاضي و الحلبي و صاحب التنقيح «8»، و قال في القواعد بعد ذكر الأبوين و الأولاد: و كذا الأقارب على إشكال «9».

______________________________

(1) الديلمي في المراسم: 219.

(2) المقنع: 178 و حكاه عن الرسالة أيضاً.

(3) المفيد في المقنعة: 695، الحلي في السرائر 3: 272، ابن حمزة في الوسيلة: 396، المحقق في الشرائع 4: 14، و النافع: 265.

(4)

منهم: الشهيد الثاني في الروضة 8: 41.

(5) الحلّي في السرائر 3: 272.

(6) التحرير: 172.

(7) قال في الانتصار: 308 من مات و خلف مالًا و أباً مملوكاً و أمّا مملوكة، فإن الواجب أن يشترى أبوه و أُمه من تركته و يعتق عليه و يورثا باقي التركة.

(8) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 741، القاضي في جواهر الفقه: 167، الحلبي في الكافي في الفقه: 375، السيوري في التنقيح 4: 145.

(9) القواعد 2: 164.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 70

و الرابع: تعميم الحكم إلى كل وارث قريب، نَسبّياً كان أو زوجاً و زوجة، و هو قول الشيخ في النهاية و الكيدري و ابن زهرة و الإرشاد و المحقّق الثاني و اللمعة و الدروس و المسالك و المفاتيح «1»، و احتمل في الكفاية إلحاق الزوج و تأمل في الزوجة «2»، و ظاهر المختلف و التحرير التوقّف «3».

و الأقوى هو الثالث.

لنا على ثبوت الحكم في الأولاد بعد ظاهر الإجماع كما ادّعاه في الروضة أيضاً «4»: صحيحة جميل: الرجل يموت و له ابن مملوك قال: «يشترى و يعتق و يدفع إليه ما بقي» «5».

و رواية سليمان، الصحيحة عن ابن أبي عمير: في رجل مات و ترك ابناً له مملوكاً، و لم يترك وارثاً غيره، و ترك مالًا فقال: «يشترى الابن و يعتق و يورث ما بقي من المال» «6».

و هما و إن اختصتا بالابن و لكن يلحق به البنت بالإجماع المركب، و لإطلاق القرابة في مرسلتي ابن بكير المتقدمتين.

______________________________

(1) النهاية: 668، و حكاه عن الكيدري في المختلف: 741، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 607، الإرشاد 2: 128 و حكاه عن المحقّق الثاني في الرياض 2: 344، اللمعة (الروضة البهية 8):

41، الدروس 2: 343، المسالك 2: 315، المفاتيح 3: 313.

(2) كفاية الأحكام: 290.

(3) المختلف: 741، التحرير 2: 172.

(4) الروضة البهيّة 8: 41.

(5) الكافي 7: 147، 4، الفقيه 4: 246، 792، التهذيب 9: 334، 1221، الإستبصار 4: 176، 663، الوسائل 26: 50 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 4.

(6) التهذيب 9: 335، 1205، الوسائل 26: 53 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 71

و تؤيّده موثقة إسحاق بن عمار قال: مات مولى لعلي (عليه السّلام) فقال: «انظروا هل تجدون له وارثاً؟» فقيل: له ابنتان باليمامة مملوكتان، فاشتراهما من مال مولاه الميت ثمّ دفع إليهما بقية المال «1».

و تدلّ عليه أيضاً صحيحة وهب بن عبد ربه، عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): قال: سألته عن رجل كان له أُمّ ولد إلى أن قال قلت: فولدها من الزوج قال: «إن كان ترك مالًا اشتري بالقيمة منه فأُعتق و ورث» «2».

فإنّ الولد يشمل الذكر و الأُنثى.

و على ثبوته في سائر الأقارب النَّسبية: مرسلتا ابن بكير، و رواية عبد اللَّه بن طلحة: عن رجل مات و ترك مالًا كثيراً، أو ترك امّاً مملوكة و أُختاً مملوكة قال: «يشتريان من مال الميت و يعتقان و يورثان» «3».

و ضعف الروايات الثلاثة بعد صحّة المرسلتين عن ابن بكير الّذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه و الانجبار بالعمل لا يضرّ.

و الجمع بين الامّ و الأُخت في الأخيرة لا يقدح، إذ يلزم أن يراد بلفظ الواو معنى «أو» تجوّزاً، لوجود القرينة، و هي الإجماع و الأخبار الناصّة بحرمان الاخت بالامّ.

و لنا على نفيه في الزوجين: الأصل، و عدم ما يصلح دليلًا للإثبات كما يأتي.

______________________________

(1) الكافي 7: 148،

8، التهذيب 9: 333، 1197، الإستبصار 4: 175، 659، الوسائل 26: 52 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 8.

(2) الفقيه 4: 246، 795، التهذيب 8: 153، 531، الوسائل 26: 54 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 12.

(3) الكافي 7: 147، 6، التهذيب 9: 333، 1198، الإستبصار 4: 175، 660، الوسائل 26: 50 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 72

للديلمي: الأصل.

قلنا: العمل به بعد فقد الدليل، و هو موجود.

للمفيد و تابعيه، أمّا في الأولاد فما مرّ، و أمّا في النفي في غيرهم فالأصل و ضعف المرسلتين و الرواية.

قلنا: ضعفهما سنداً غير ضائر.

و استدل من ضمّ الزوجين بصحيحة سليمان بن خالد: «كان علي (عليه السّلام) إذا مات الرجل و له امرأة مملوكة اشتراها من ماله فأعتقها ثمّ ورّثها» «1».

دلّت على ثبوت الحكم في الزوجة، و يثبت في الزوج بالأولويّة، لأنّه أكثر نصيباً و أقوى سبباً منها.

قلنا: الثابت منه فعل عليّ (عليه السّلام) و يحتمل أن يكون تبرّعاً منه، لكون التركة ماله فيكون ممّا لم يعلم جهته، و حكمه لنا الاستحباب على الأقوى كما بيّن في موضعه، على أنّ ثبوته أيضاً هنا محل نظر.

و قوّى الشيخ هذا الاحتمال بتوريثها مطلقاً، مع أنّه ليس لها أكثر من الربع «2».

و ردّه في المختلف باحتمال أن يكون ثمنها أقلّ من الربع، فتشترى ثم تعطى بقية الربع «3».

______________________________

(1) الفقيه 4: 246، 793، التهذيب 9: 337، 1213، الإستبصار 4: 178، 674، الوسائل 23: 89 أبواب العتق ب 53 ح 1.

(2) انظر الاستبصار 4: 179. قال بعد نقل صحيحة سليمان: فالوجه في هذا الخبر أن أمير المؤمنين (عليه السّلام) كان يفعل على طريق التطوع، لأنا قد بينا

أن الزوجة إذا كانت حرة و لم يكن هناك وارث لم يكن لها أكثر من الربع و الباقي يكون للإمام، و إذا كان المستحق للمال أمير المؤمنين (عليه السّلام) جاز أن يشتري الزوجة و يعتقها و يعطيها بقية المال تبرعاً و ندباً دون أن يكون فعل ذلك واجباً لازماً.

(3) المختلف: 742.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 73

قال في التنقيح بعد نقل قول المختلف: و فيه نظر، لأنّ الشيخ لا ينفي هذا الاحتمال، و إنّما ذكر احتمال التبرع، لأنّ مع وجوده لا يلزم المطلوب «1».

أقول: غرض الفاضل ليس أنّ الشيخ ينفي هذا الاحتمال، بل يريد أنّ مع قيامه لا يصحّ التعليل للتبرع بما ذكر، فكلامه في التعليل دون الاحتمال كما صرّح به. نعم إن كان المراد نفي تعليل الشيخ بذلك لكان له وجه، و الظاهر من كلام الشيخ إرادة التعليل، هذا.

ثمّ إنّ إجراء الحكم في الزوج لو ثبت مشكل، لمنع الأولويّة، بل ظاهر صحيحة محمّد ينفي الحكم في الزوج، حيث قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن مملوك لرجل أبق منه فأتى أرضاً فذكر لهم أنّه حرّ من رهط بني فلان، و أنّه تزوّج امرأة من أهل تلك الأرض فأولدها أولاداً، ثمّ إن المرأة ماتت و تركت في يده مالًا وضيعة و ولدها، ثمّ إنّ سيده بعدُ أتى تلك الأرض فأخذ العبد و جميع ما في يديه و أذعن له العبد بالرقّ فقال: «أمّا العبد فعبده، و أمّا المال و الضيعة فإنّه لولد المرأة الميّتة، لا يرث عبد حراً» قلت: جعلت فداك فإن لم يكن للمرأة يوم ماتت ولد و لا وارث، لمن يكون المال و الضيعة التي تركتها في يد العبد؟ فقال: «جميع ما

تركت لإمام المسلمين خاصّة» «2».

فإنّ هذه الصحيحة دلّت على خروج الزوج عن هذا الحكم.

و حملها على أنّ ذلك لخدعته المرأة كما في الوافي «3» مردود بأنه لا معارض لها ظاهراً حتّى تحمل عليه و يخرج عن ظاهرها، مع أنّ القائلين

______________________________

(1) التنقيح الرائع 4: 147.

(2) الفقيه 3: 288، 1371، الوسائل 21: 224 أبواب العيوب و التدليس ب 11 ح 3.

(3) الوافي 3 (الجزء 13): 134.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 74

بوجوب فك الزوجين لا يقولون باشتراطه بعدم الخدعة.

و احتمال استناد عدم الفكّ في هذه الصحيحة إلى عدم وقوع التزويج لوقوعه بدون إذن المولى، لا يلائم قوله: «لا يرث عبد حراً» حيث يظهر منه أنّ المانع من عدم الإرث هو العبوديّة لا عدم الزوجيّة.

بل لا يبعد أن يقال: إنّ ظاهر حسنة محمد بن حكيم نفي الحكم في الزوجة أيضاً و هي: أنّه قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السّلام) عن رجل زوّج أمته من رجل حرّ ثم قال لها: إذا مات زوجك فأنت حرّة، فمات الزوج. قال، فقال: «إذا مات الزوج فهي حرّة تعتدّ منه عدّة الحرة المتوفّى عنها زوجها، و لا ميراث لها منه لأنّها صارت حرّة بعد موت الزوج» «1».

حيث دلّت بالتعليل على أنّ حريتها بعد موت الزوج مانعة عن التوريث، فتكون كذلك الحرّية المتعقبة للشراء، فتأمل.

فروع:
أ: الأقوى عدم كفاية الشراء عن العتق

، للأمر به بعده في الصحاح الأربع و روايتي ابني خالد و طلحة و الرضوي. و عدم ذكر العتق في بعض الروايات بعد الأمر به في عدة اخرى لا يضر، لوجوب تقييده بها.

ب: قالوا: إنّ المباشر للشراء و العتق هو الإمام أو نائبه الخاص أو العام

، و لا يبعد كونهما من الواجبات الكفائيّة، فتجوز المباشرة لكل أحدٍ و إن لم يكن عدلًا، لإطلاق الأخبار و فقد المقيد.

ج: إذا قلنا بعدم تعيّن الإمام

، فهل يجب وقوع الشراء و العتق من

______________________________

(1) الفقيه 3: 302، 1445، التهذيب 8: 213، 760، الوسائل 21: 183 أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 65 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 75

واحد أو يجوز التعدد؟

الأظهر الثاني، للأصل، و فقد الدليل على وجوب الإعتاق على من يشتري بخصوصه.

د: لو أبى المالك من بيع المملوك

يقهر عليه و تدفع إليه القيمة العادلة، و لم أجد في ذلك مخالفاً من الأصحاب، و ظاهر المسالك كصريح المفاتيح ادّعاء الإجماع عليه «1»؛ لوجوب البيع على المالك، لتوقف الشراء الواجب عليه، فيجب من باب المقدمة. فإذا امتنع يجب قهره، لوجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و تدلّ عليه أيضاً رواية عبد اللَّه بن طلحة، عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و فيها: قلت: أ رأيت إنْ أبى أهل الجارية كيف يصنع؟ قال: «ليس لهم ذلك، يقوّمان قيمة عدل ثمّ يُعطى ما لهم على قدر القيمة» «2».

و المستفاد من هذه الرواية أنّ القدر اللازم إعطاؤه للمالك هو القيمة العادلة السوقيّة، فلا يلزم بل لا يجوز إعطاء الزائد و لو رضي بالزائد دون العادلة، و يدلّ عليه أيضاً قوله في صحيحة وهب المتقدمة «3» «اشتري بالقيمة» بل هو المتبادر من جميع الأخبار المتضمنة للشراء.

ه: لو اتّحد الوارث المملوك

، و قصرت التركة عن ثمنه، لا يشترى البعض، و كان المال للإمام، وفاقاً للمشهور، و نفى عنه الخلاف في السرائر «4».

______________________________

(1) المسالك 2: 314، المفاتيح 3: 313.

(2) تقدّم مصدرها في ص: 70، الرقم (2).

(3) في ص 70.

(4) السرائر 3: 272.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 76

لأنّ وجوب الشراء بل أصل فك الرقبة مخالف للأصل «1» فيقتصر على موضع اليقين؛ و الأخبار الموجبة له لا توجبه في موضع النزاع، لظهورها فيما إذا وَفَت بالقيمة بل زادت عنها. و لأنّ لفظ الام و الأب و الابن و أمثالها حقيقة في الكل مجاز في البعض، فلا يفهم منه البعض إلّا مع قرينة، و هي منتفية ها هنا.

و نقل الشيخ و الإسكافي و القاضي عن بعض أصحابنا قولًا بأنّه يفك بما وجد و يستسعى

في الباقي «2»، و نفى عنه البعد في المختلف «3»، و استوجهه في المسالك مطلقاً أوّلًا ثمّ قوّاه في الأبوين و استضعفه في غيرهما «4»، و اختاره في المفاتيح «5».

و استدلّ عليه: بأنّ هذا الجزء المملوك الممكن شراؤه لو كان حراً لكان وارثاً بالفعل بالإجماع في المبعّض، و كل مملوك لو كان حراً لكان وارثاً يشترى و يعتق، للنصّ، فهذا الجزء يشترى و يعتق.

و بأنّ عتق الجزء يشارك عتق الجميع في الأُمور المطلوبة شرعاً، فيساويه في الحكم.

______________________________

(1) كون فكّ الرقبة مخالفاً للأصل إنّما هو من وجوه، أحدها: أنّ لازم الفكّ حصول نوع تسلط على ملك الغير و الأصل عدمه، و ثانيها: أنّ كل ملك لأحد يستصحب إلى أن يثبت المزيل و الفك إزالته، فهو خلاف الأصل، و ثالثها: أنّ فكّه يوجب انتقال المملوك إلى غير مالكه الأوّل من نفسه أو غيره فهو خلاف الأصل، و رابعها: أنّ من لوازم هذا الفك التوريث و الإعتاق و هما في الرقّ خلاف الأصل. (منه رحمه اللَّه).

(2) الشيخ في النهاية: 668، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 742، القاضي في المهذب 2: 155.

(3) المختلف: 742.

(4) المسالك 2: 314.

(5) المفاتيح 3: 313.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 77

و بقوله (صلّى اللَّه عليه و آله): «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» «1».

و بأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور.

و الجواب أمّا عن الأوّل: فبمنع كلية الكبرى، لأنّا نقول باختصاص النص بغير الجزء.

و أمّا عن الثاني: فبأنّ مشاركة عتق الجزء لعتق الجميع في بعض الأُمور لا تقتضي مساواته له في وجوب الشراء، و إنّما هو قياس لا نقول به.

و أمّا عن الثالث: فبأنّ اللازم منه هو الإتيان بما استطاع من المأمور به لا

من غيره، و شراء الجزء ليس مأموراً به و إنّما هو شراء الكل، و لا يستطاع منه شي ء.

و بهذا يظهر الجواب عن الرابع أيضاً، فإنّ المراد بالميسور الميسور من المأمور به، على أنّه كسابقه معارض بعموم ما دلّ على أنّه لا ضرر و لا ضرار في الإسلام، و إجبار المالك على بيع مملوكه نوع ضرر، هذا.

و قال الفضل بن شاذان: يفكّ من قصرت التركة عن ثمنه، إلّا أن يقصر المال عن جزء من ثلاثين جزء من قيمته فلا يفكّ «2». و لم يظهر لي وجهه.

و: لو كان الوارث الرقيق متعدداً

، فإن كانوا متساوي المرتبة و النصيب كابنين و وفت التركة بشرائهم جميعاً وجب، لشمول النص المتعدد و المنفرد، و يؤيّده خصوص موثقة ابن عمار المتقدّمة «3».

______________________________

(1) صحيح مسلم 2: 975، 412، و ج 4: 1830، 130، سنن النسائي 5: 110، 1. و في الجميع: «بشي ء» بدل «بأمر».

(2) حكاه عنه في الكافي 7: 148.

(3) في ص: 69.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 78

و لو قصرت عن شراء الكل و وَفَت ببعضهم، ففي عدم فكّه أو التخيير أو فكه بالقرعة أوجه، أشهرها أوّلها، و خيرها أوسطها، للأمر بشراء الوارث و إمكانه فيجب امتثاله. و بتقرير آخر: للأمر بشراء كلّ منهم مع الإمكان، و يمكن في بعضها فيجب شراؤه، و عدم إمكان شراء البعض لا ينفي وجوب شراء غيره ممّا ثبت وجوب شرائه. و لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور. و لقوله (صلّى اللَّه عليه و آله): «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» ثمّ انتفاء المرجح يوجب التخيير.

و لا يبعد الأخير أيضاً، لأنّ القرعة لرفع الاشتباه الحاصل بين المتعدد.

للمشهور: أنّ الوارث هو المجموع و لم تَفِ التركة بقيمته الذي هو شرط

وجوب الفك، لا كلّ واحد.

قلنا أوّلًا: إنّ الوارث ليس هو المجموع من حيث هو بل كل واحد.

و ثانياً: إنّ الحكم في النصوص ليس معلقاً بالوارث، بل بالأُم و الأب و الابن و أمثالها، و ليس شي ء منها هو المجموع.

هذا إذا لم يكن البعض الذي تفي التركة بقيمته معيناً، و أمّا إذا تعيّن، كأن تفي بقيمة أحد الابنين دون الآخر تعيّن شراؤه، لوجود المقتضي فيه و انتفاء المانع و وجوده في الآخر.

و لو اختلفوا في النصيب، فإن و في نصيب كل بقيمته فالحكم واضح.

و لو قصر نصيب بعضهم عنها، فإن وَفَت التركة بشراء الجميع فيجب شراؤهم أجمع، إجماعاً، كما ادّعاه في الإيضاح «1»، سواء بقي منها شي ء أو لا، لتساويهم في أصل سبب الشراء؛ و أكثرية نصيب الأكثر نصيباً إنّما هي

______________________________

(1) إيضاح الفوائد 4: 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 79

فيما بقي بعد الشراء.

و إن لم يف به و وفى بالبعض المعيّن يجب شراؤه دون غيره و إن كان أقلّ نصيباً، لما مرّ.

و إن وَفى بالبعض الغير المعيّن فقيل بعدم فكّه «1»، و قيل بتقديم الأكثر نصيباً «2».

و الأقوى وجوب الفكّ، لما سبق، و عدم وجوب تقديمه، للأصل. و أكثرية نصيبه بعد شرائه و عتقه لا توجب وجوب تقديمه، و لا يقتضي نفي المانع فيه و إثباته في غيره. و يحتمل الرجوع إلى القرعة أيضاً.

ز [هل يجب الشراء إذا كان هناك وارث بعيد؟]:

لا يخفى أنّ هذا الحكم كما عرفت مختصّ بما إذا لم يكن له وارث حرّ، و أمّا إذا كان و لو بعيداً فلا يجب الشراء بالإجماع، كما صرّح به في التهذيبين «3».

و تدلّ عليه روايات العتق قبل القسمة أو بعدها «4»، فإنّه لو وجب الشراء مع جود الحرّ أيضاً فلا

تجوز القسمة قبل الشراء بل يجب الشراء، و لا يترتب التوريث و عدمه على العتق قبل القسمة و بعدها.

و الاحتجاج بحسنة ابن سنان المتقدمة «5» لا يخلو عن نظر، لأنّ الظاهر شرعاً رجوع القيد إلى الأخير إذا تعقّب جُملًا متعاطفة كما بيّنا في الأُصول، و على هذا فلا يتمّ الاستدلال، لأنّ اشتراط انتفاء ذي القرابة حينئذ يكون لدفع تمام بقية المال لا للشراء.

______________________________

(1) كما في القواعد 2: 164، و كشف اللثام 2: 282.

(2) كما في المسالك 2: 314.

(3) التهذيب 9: 335، الاستبصار 4: 177.

(4) انظر الوسائل 26: 46 أبواب موانع الإرث ب 18.

(5) في ص: 66.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 80

و أمّا ما رواه السائي، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول في رجل توفي و ترك مالًا و له أُمّ مملوكة قال: «تشترى و تعتق و يدفع إليها بعدُ ماله إن لم تكن له عصبة، فإن كانت له عصبة قسم المال بينها و بين العصبة» «1».

فضعيف، على أنّه غير معمول به، لأنّه متى دخلت الام لا ترث العصبة، فجزؤه الذي يدلّ على خلاف المطلوب متروك بالإجماع، و لذا قال في الاستبصار: اللّهم إلّا أن نحمله على ضرب من التقية إذ ثبتت حرّية الأُم، لأنّ العامّة يورّثونها الثلث و الباقي يعطون العصبة «2».

و يظهر من بعض المتأخّرين الميل إلى وجوب الاشتراء و العتق لو كان له حرّ وارث بالولاء كمنعم أو ضامن جريرة. و هو مردود بما ذكرنا.

ح: لو اشتري و أعتق ثمّ ظهر الوارث

، فالأقرب بطلانهما. و الوجه واضح.

المسألة الخامسة: المشقّص يرث من نصيبه بقدر حرّيته، و كذا يورث منه
اشاره

، بلا خلاف يعرف، و في المفاتيح: بلا خلاف منّا «3»، و قيل: ظاهر جماعة أنّ عليه إجماع الإماميّة «4».

و خالف فيه جماعة من العامّة، فنفى بعضهم الحكمين، و الآخر الأخير «5».

لنا على الحكمين بعد ظاهر الإجماع: ما روي عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) المنجبر ضعفه بما ذكر-: أنّه قال في العبد يعتق بعضه: «يرث و يورث

______________________________

(1) التهذيب 9: 335، 1204، الإستبصار 4: 176، 666، الوسائل 26: 53 أبواب موانع الإرث ب 20 ح 11.

(2) الاستبصار 4: 177.

(3) المفاتيح 3: 313.

(4) انظر رياض المسائل 2: 344.

(5) انظر المُغني و الشرح الكبير 7: 135.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 81

بقدر ما عتق منه» «1».

و صحيحة ابن حازم: «المكاتب يرث و يورث على قدر ما أدّى» «2».

و على الأوّل أيضاً بخصوصه: ما روي عن علي (عليه السّلام) قال: «إنّه يُحجب بقدر ما فيه من الرقيّة» «3».

و حسنة محمد بن قيس: في رجل مكاتب كانت تحته امرأة حرّة، فأوصت عند موتها بوصيّة فقال أهل الميراث: لا يرث، و لا نجيز وصيتها له، لأنّه مكاتب لم يعتق و لا يرث، فقضى (عليه السّلام): أنّه يرث بحساب ما أُعتق منه «4».

و على الثاني أيضاً بخصوصه: صحيحة محمد بن قيس: قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في مكاتب توفي و له مال، قال: «يحسب ميراثه على قدر ما أُعتق منه لورثته، و ما لم يعتق منه لأربابه الذين كاتبوه من ماله» «5».

و موثقة محمد: في مكاتب مات و قد أدّى من مكاتبته شيئاً و ترك مالًا و له ولدان أحرار فقال: «إنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يقول: يجعل ماله بينهم و بين

مواليه بالحصص» «6».

و صحيحة العجلي: عن رجل كاتب عبداً له على ألف درهم

______________________________

(1) جواهر الكلام 39: 56، المغني 7: 136.

(2) الكافي 7: 151، 1، الفقيه 4: 248، 802، التهذيب 9: 349، 1255، الوسائل 26: 48 أبواب موانع الإرث ب 19 ح 3.

(3) المسالك 2: 315.

(4) الكافي 7: 151، 3، الوسائل 26: 47 أبواب موانع الإرث ب 19 ح 1.

(5) الكافي 7: 151، 4، الفقيه 4: 248، 801، التهذيب 9: 349، 1254، الوسائل 26: 48 أبواب موانع الإرث ب 19 ح 2.

(6) الكافي 7: 152، 7، التهذيب 9: 352، 1262، الوسائل 26: 58 أبواب موانع الإرث ب 23 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 82

و لم يشترط عليه حين كاتبه إن هو عجز عن مكاتبته فهو ردّ في الرقّ، و أنّ المكاتب أدّى إلى مولاه خمسمائة درهم، ثمّ مات المكاتب و ترك مالًا و ترك ابناً له مدركاً، قال: «نصف ما ترك المكاتب من شي ء فإنّه لمولاه الذي كاتبه، و النصف الباقي لابن المكاتب، لأنّ المكاتب مات و نصفه حرّ و نصفه عبد للذي كاتبه، فابن المكاتب كهيئة أبيه نصفه حرّ و نصفه عبد للذي كاتب أباه، فإن أدّى إلى الذي كاتب أباه ما بقي على أبيه فهو حرّ لا سبيل لأحد من الناس عليه» «1».

و هذه الأخبار و إن كانت مخصوصة بالمكاتب الا أنه غير ضائر، لأن العلة هي عتق البعض، كما صرح به في الأخيرة، و يشعر به حسنة ابن قيس أيضاً.

و أما ما في بعض الاخبار الصحيحة و غيرها، من ان ولد المكاتب إذا أدّى ما بقي على أبيه كان ما يبقى له «2» فلإطلاقه و احتمال ان يكون المراد ما

بقي من نصيبه يقيد و يحمل على انه إذا أدّى ما بقي على أبيه ممّا يخصّه ثم بقي بعد ذلك شي ء كان له، لوجود المقيّد، و بهذا صرّح في التهذيب «3».

فائدة: المراد بإرثه بقدر حرّيته:

ان تقدر حرّيته كلّه و ينظر الى ما يستحقّه على هذا التقدير فينسب شقصه الحرّ الى الجميع، و يرث ممّا يستحقّه حرّا بهذه النسبة، فلو كان للميت ابنان نصف أحدهما حرّ فله الربع، و لو لم يكن غيره فله النصف، و لو تحرّر ثلث أحدهما فله السدس، و لو لم يكن غيره فله الثلث، و لو كان له ابنان نصفهما حرّ فلكل واحد منهما الربع، و احتمال التكميل فلكل منهما النصف كاحتمال التنزيل أو الخطاب فلكل منهما ثلاثة أثمان خروج عن ظاهر النص. و كذا في سائر

______________________________

(1) التهذيب 9: 350، 1259، الوسائل 26: 59 أبواب موانع الإرث ب 23 ح 5.

(2) الوسائل 26: 57 أبواب موانع الإرث ب 23.

(3) التهذيب 9: 351.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 83

الفروض.

و الحاصل أنّ التوريث بقدر ما حرّر ظاهر في النسبة، و الرجوع الى التكميل أو التنزيل أو الخطاب خلاف الظاهر المتبادر فلا يصار إليه «1».

______________________________

(1) المراد بالنسبة أن يورث المشقّص بنسبة ما فيه من الحرّية من نصيبه و يعطى الزائد لمن بعد.

و بالتكميل أن يضم مقدار الحرّية من المشقّص إلى الحرّية ممن في طبقته، فإن كمل منهما حرّ واحد لا أزيد ورثا جميعاً المال و ميراث حرّ كامل، ثم يقسّم المال بينهما على قدر ما فيهما من الحرّية، فلذي النصف النصف، و لذي الثلثين الثلثان و هكذا، فإن زاد ما فيهما عن حرّ عيل الفريضة و وزع المال على مفاد الحرّية، فللكامل الثلثان، و لذي النصف

الثلث، و إن نقص ما فيهما عن حرّ كامل ورثا بقدر ما فيهما من الحرّية و يكون الباقي لمن بعدُ.

و بالتنزيل و يسمّى تنزيل الأحوال أيضاً ضبط جميع الأحوال المتصورة للمشقص و تعيين سهمه على كل من تلك الأحوال، ثمّ أخذ سهم منتزع من مجموع تلك السهام على السواء، فلذي الحالين نصف ما حصل له فيهما، و لذي الأربع ربع ما حصل له فيها، و إذا زاد المشقص على اثنين لوحظ كل من الورثة مع كل منهم و يجمع ما حصل له في الأربعين أو الأربعات.

و بالخطاب أن يخاطب المشقص بحالاته و ينظر إلى ما يصل إليه.

و حاصله أنّ حرية بعض الوراث المشاركين تمنع البعض الآخر الذي لو انفرد لأخذ الكل عن قدر نصيبه المانع، فتمنع حرّية المشقّص جزء النسبة إلى ما يمنعه الكل كنسبة الجزء إلى الكل.

و توضيحه أنّه يخاطب من ثلثاه حرّ بأنّه: لو كنت وحدك و كنت حراً كاملًا أخذت المال كله، و لو كنتما حرين كاملين كان لكل منكما النصف فقد حجبك أخوك بحريته الكاملة عن النصف فثلثه يحجبك عن ثلث النصف و هو السدس فيبقى لك خمسة أسداس لو كنت حراً، فلك بثلثي الحرية ثلثا الخمسة أسداس و هما خمسة أتساع و هي عشرة من ثمانية عشر، و يقال لمن ثلثه حرّ: حجبك أخوك بثلثي حريته عن ثلثي النصف و هو ثلث الكل، يبقى لك ثلثاه لو كنت حراً، و لكن لك الآن بثلث حريتك ثلث ذلك و هو تُسعان أربعة من ثمانية عشر، و يبقى تسعان و هو الأربعة الباقية لمن بعد. (منه رحمه اللَّه).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 84

ثم بعد النسبة و التوريث يكون الزائد لمن

بعده من الطبقات إن اتفق، لوجود المقتضي و عدم المانع على ما سبق. و لو لم يتفق فلو اتفق وارث مملوك اشتري و ورث أن يفي الزائد بقيمته، و إلّا ففي شراء الجزء من المشقص أو توريث الامام وجهان، خيرهما أخيرهما.

و أمّا الإرث منه بنسبة الحريّة فذكروا في كيفيته وجهين:

أحدهما: أن يقسّط جميع ما كسبه بجزئه الحرّ بين مولاه و وارثه بالنسبة، فاذا كان نصفه حرا و نصفه رقاً فنصف ما ملكه بكسبه في أيّامه للمولى و نصفه للوارث.

و ثانيهما: أن يكون جميع ما كسبه بجزئه الحرّ ملكاً لوارثه من غير نصيب لمولاه فيه، لأنّه قد استوفى نصيبه بحقّ ملكيته، فما كسبه في أيّام رقيته فهو ملك لمولاه و لا سبيل له على ما كسبه في زمان حرّيته، فعلى هذا فالتقسيط بينهما بالنسبة إنّما هو مخصوص بما إذا كانت تركته مكتسبة بكل السعاية من دون مهاياة.

و الظاهر هو الوجه الأوّل، لأنّ ما اكتسبه في أيّام مولاه ملك لمولاه، و ملكه منحصر فيما اكتسبه في أيّامه، فلو اختص الوارث بذلك لم يصدق التوريث بالنسبة.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ الوجهين إنّما هو في غير المكاتب المشقّص، لانتفاء التقسيط و المهاياة فيه و اختصاص جميع أيامه به.

المسألة السادسة: عدم توريث أُمّ الولد و المدبّر و المكاتب المشروط و المطلق

الّذي لم يؤدّ شيئاً عن غير المولى ما داموا رقيقاً واضح، لتحقق الوصف المانع.

و أمّا عنه إذا كان لأحدهم جهة وراثة فكذلك في الطرفين، أمّا في

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 85

الأخير فلما مرّ. و أمّا في الأوّل، لأنّ الولد المفروض بقاؤه حجاب لها لا محالة. و أمّا المدبّر فإن تعدد الوارث الحرّ فيرث جميع التركة إن تقدّمهم مرتبة، و شاركهم إن ساواهم، لانعتاقه بمجرد موت المولى فتتأخر القسمة عن عتقه.

و إن اتّحد فلا يرث، لعدم صدق العتق قبل القسمة، لانتفائها مع الاتّحاد كما سبق، فيبقى على الأصل الثابت و هو عدم توريث المملوك، و لمقارنة انتقال التركة إلى الحرّ لانعتاقه، لكونهما معلولين لعلة واحدة هي موت المولى، و الانتقال منه ثانياً يحتاج إلى ناقل شرعي، و هو مفقود. و الاستدلال بمسبوقية الانعتاق بالانتقال- كما في المسالك «1» خطأ.

الرابع من الموانع: اللعان.

و هو يقطع إرث الزوجين و الولد المنفي من جانب الأب و الابن، فيرث الابن امّه و ترثه، و كذا يرثه ولده و قرابة الامّ و الزوج و الزوجة، فإن اعترف به بعد اللعان يرثه الولد دون العكس، لورود النص بذلك.

[اللواحق ]
اشاره

و يلحق بهذا المقام مسائل:

المسألة الأُولى [الأقوال في تقسيم تركة المفقود الغائب غيبة منقطعة]:
اشاره

اختلفوا في تقسيم تركة المفقود الغائب غيبة منقطعة على أقوال:

الأوّل: أنّه يحبس ماله و يتربّص به حتّى يتحقّق موته أو تنقضي مدة لا يعيش مثله إليها عادة

. و هو مذهب الشيخ في الخلاف و المبسوط، و القاضي و ابن حمزة و الحلّي و المحقّق و الفاضل في أكثر كتبه و الشهيدين

______________________________

(1) المسالك 2: 325.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 86

في اللمعة و المسالك «1»، و جعله في التنقيح أولى و أحوط «2»، و به كان يحكم والدي العلّامة طاب ثراه، بل هو المشهور كما في المسالك و الروضة و المفاتيح و الكفاية «3».

و الثاني: أنّه يحبس ماله أربع سنين، و يطلب فيها في (كل) «4» الأرض

، فإن لم يوجد قسّم ماله بين ورثته. و إليه ذهب الصدوق و السيد و الحلبي و ابن زهرة «5»، و نفى البأس عنه في المختلف «6»، و قوّاه في الدروس و الروضة «7»، و استوجهه في المسالك «8»، و قال في المفاتيح و شرحه: إنّه سيّد الأقوال «9»، و اختاره في الكفاية «10»، و ادّعى عليه الإجماع في الإنتصار و الغنية «11».

و الثالث: أنّه يحبس إلى عشر سنين، ثمّ يقسّم من غير طلب

إن كان

______________________________

(1) الخلاف 4: 119، المبسوط 4: 125، القاضي في المهذب 2: 166، ابن حمزة في الوسيلة: 400، الحلّي في السرائر 3: 298، المحقّق في الشرائع 4: 16، الفاضل في القواعد 2: 167، و التحرير 2: 173، و المختلف: 749، اللمعة (الروضة 8): 49، المسالك 2: 315.

(2) التنقيح 4: 207.

(3) المسالك 2: 315، الروضة البهية 8: 49، المفاتيح 3: 218، كفاية الأحكام: 291.

(4) ليس في «ق» و «س».

(5) الصدوق في المقنع: 119، السيّد في الانتصار: 307، الحلبي في الكافي في الفقه: 378، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 608.

(6) المختلف: 749.

(7) الدروس 2: 352، الروضة البهية 8: 50.

(8) المسالك 2: 315.

(9) المفاتيح 3: 319.

(10) كفاية الأحكام: 292.

(11) الانتصار: 307، الغنية (الجوامع الفقهية): 608.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 87

خبره منقطعاً لغيبة أو لكونه مأسوراً، و لو كان فقده في عسكر قد شهرت هزيمته و قتل من كان فيهم أو أكثره كفى مضيّ أربع سنين. ذهب إليه الإسكافي «1».

و الرابع: أنّه يقسّم بعد مضيّ عشر سنين مطلقاً

. نقله في القواعد و النافع و الشرائع و الروضة «2»، و لم أعثر على قائله، و الظاهر أنّه قول الإسكافي «3»، و لكنّه سامحوا في نقل قوله، لاستلزامه التقسيم بعد العشر مطلقاً، أو لأنّ المفقود في العسكر المذكور خارج عن محل المسألة من جهة مظنة قتله.

الخامس: أنّه يدفع المال إلى وارثه المَلي ء

. نقله جماعة من غير تعيين قائله «4»، و نسبه في المفاتيح «5» و غيره «6» إلى المفيد، و كلامه مخالف لذلك من وجوه، فإنّه قال: و لو مات إنسان و له ولد مفقود لا يعرف له موت و لا حياة عزل ميراثه حتّى يعرف خبره، فإن تطاولت المدّة في ذلك و كان للميّت ورثة سوى الولد ملأ بحقه لم يكن بأس باقتسامه، و هم ضامنون له إن عرف للولد خبر بعد ذلك، و لا بأس أن يبتاع الإنسان عقار المفقود بعد عشر سنين من غيبته و فقده و انقطاع خبره، و يكون البائع ضامناً للثمن و الدرك «7».

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 748.

(2) القواعد 2: 167، النافع 2: 274، الشرائع 4: 16، الروضة البهية 8: 50.

(3) انظر المختلف: 749.

(4) انظر الشرائع 4: 16، القواعد 2: 167.

(5) المفاتيح 3: 319.

(6) كالمسالك 2: 315.

(7) المقنعة: 706.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 88

و حاصله أنّه يجوز أن يدفع إلى وارث مورث المفقود الملي ء ميراثه مع ضمانهم بعد تطاول المدّة، و يجوز بيع العقار بعد عشر سنين مع كون الثمن للمفقود، فإنّ مقتضى ذلك وجوب العزل حتّى يجي ء خبره، و بعد طول المدة يجوز إقراضه لورثة مورث المفقود، و ذلك غير التقسيم لوارث المفقود، و مع ذلك مقيد بطول المدّة، و المحكوم به نفي البأس عن ذلك العمل لا تعيينه؛

و مع ذلك قول المفيد مخصوص بميراث المفقود من مورّثه دون سائر أمواله لو كان له مال آخر.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّه لو كان مراده الإقراض أو الإيداع الذي يجوز للحاكم لم يكن وجه للتخصيص بورثة الميت ثمّ للاقتسام، فالظاهر أنّ مراده نقل ملكه إليهم و إن ضمنوا لو انكشفت حياته، كما هو المحتمل على القولين الأولين أيضاً لو قسّم بعد المدة التي لا يعيش، أو بعد أربع سنين ثمّ جاء المفقود، بل هو الأظهر كما يأتي. و على هذا يتّحد قول المفيد مع ذلك القول في التقسيم.

و يمكن أن يكون تخصيصه بورثة الميت، لفرض أنّهم ورثة المفقود أيضاً، كما هو مقتضى الأصل. و حينئذ فيتحد القولان إلّا في التقييد بطول المدة و عدمه، و لا بُعد أن يكون القيد أيضاً مراد القائل بذلك القول فيتحدان رأساً.

و كذا يتحدان مع القول الثاني، إلّا في تعيين طول المدة و الطلب- حيث إنّهما مذكوران في الثاني دون ذلك القول و في اشتراط الملاءة في الوارث.

دليل الأوّل: أصالة عدم الانتقال إلى الوارث، إلّا بناقلٍ قطعي. و أصالة بقاء الحياة إلى أن يقطع بالموت. و أصالة عصمة مال الغير عن التصرف

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 89

حتى يثبت المبيح له. و توقف العلم بالمشروط على العلم بالشرط. و العمومات الدالّة على عدم جواز التصرف في مال الغير.

و حسنة هشام: كان لأبي أجير، و كان له عندي شي ء، فهلك الأجير فلم يدع وارثاً و لا قرابة، و قد ضقت بذلك فكيف أصنع إلى أن قال-: إنّي قد ضقت بذلك فكيف أصنع؟ فقال: «هو كسبيل مالك، و إن جاء طالب أعطيته» «1».

و رواية الهيثم أبي روح: إنّي أتقبّل الفنادق،

فينزل عندي الرجل فيموت فجأة لا أعرفه و لا أعرف بلاده و لا ورثته، فيبقى المال عندي، كيف أصنع به؟ و لمن ذلك المال؟ فكتب: «اتركه على حاله» «2».

أقول: الأُصول إنّما يعمل بها لولا الدليل المخرج عنها، و أمّا معه كما يدّعيه المخالف فلا أثر لها.

و أمّا الروايتان فهما خارجتان عن محل النزاع، لأنّ النزاع في مال عرف صاحبه و فقد، و موردهما إنّما هو فيما علم موت صاحبه و لم يعرف له صاحب آخر.

و القول بأنّه يمكن أن يثبت حكمه في المطلوب بالأولويّة، بأن يقال: إذا وجب الانتظار في مال لم تعلم حياة صاحبه و لا وجوده أوّلًا لوجب فيما

______________________________

(1) الفقيه 4: 241، 767، الوسائل 26: 301 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 6 ح 10. و الرواية كاملةً هي: كان لأبي أجير و كان له عنده شي ء، فهلك الأجير فلم يدع وارثاً و لا قرابة، قد ضقت بذلك كيف أصنع؟ فقال: رأيك المساكين رأيك المساكين، فقلت: جعلت فداك إني قد ضقت ..

(2) الكافي 7: 154، 4، التهذيب 9: 389، 1390، الاستبصار 4: 197، 738 و فيه هيثم بن روح صاحب الخان، الوسائل 26: 298 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 6 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 90

لم تعلم حياته مع العلم بوجوده أوّلًا بطريق أولى ، إذ ليست علته إلّا احتمال مجيئه أو حياته مطلقاً، و أيّهما كان يكون تحققه في الأخير أولى من الأوّل.

مردود، بمنع العلم بانحصار العلّة فيما ذكر و إنّما هي علّة مستنبطة لا عبرة بها.

هذا مع أنّ الاولى ليست واردة في مجهول المالك أيضاً، بل هي صريحة في أنّه مال من لا وارث له، حيث

قال: لم يدع وارثاً و لا قرابة، فهو مال الإمام قطعاً و ليس له مالك معروف و لا مجهول غيره.

و الظاهر أنّ المراد بالطالب فيها أيضاً الإمام نفسه أو من يوكّله في المطالبة، و ليس في الرواية دلالة على الحبس بالمال أيضاً.

و الثانية أيضاً كذلك، فإنّها واردة فيما لا يُعرف أنّه هل له مالك أو لا، و سبيل مثل ذلك أيضاً سبيل مال من لا وارث له، مع أنّ المأمور به فيها الترك على حاله، و لم يذكر فيها منتهى الترك هل هو حتّى يطلب الإمام أو أربع سنين أو عشر أو غير ذلك، غايته أنّها تكون عامّة تُخصَّص بالمخصصات الآتية.

هذا مع أنّهما و ما بمعناهما معارضة بأخبار أُخر، كمرسلة الفقيه و فيها: «إن لم تجد له وارثاً و علم اللَّه منك الجهد فتصدّق به» «1».

و رواية نصر بن حبيب: قد وقعت عندي مائتا درهم و أربعة دراهم و أنا صاحب فندق و مات صاحبها و لم أعرف له ورثة فرأيك إلى أن قال-: «أعمل فيها وأُخرجها صدقة قليلًا قليلًا حتّى تخرج» «2».

______________________________

(1) الفقيه 4: 241، 770، الوسائل 26: 301 أبواب ميراث الخنثى ب 6 ح 11.

(2) الكافي 7: 153، 3، التهذيب 9: 389، 1389، الإستبصار 4: 197، 740، إلّا أنفيه فيض بن حبيب صاحب الخان، الوسائل 26: 297 أبواب ميراث الخنثى ب 6 ح 3. و في «ق»، «ح»: نضر بن حبيب، و هو المنقول عن بعض نسخ الكافي.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 91

و صحيحة يونس: كنّا مرافقين لقوم بمكة و ارتحلنا عنهم و حملنا بعض متاعهم بغير علم و قد ذهب القوم و لا نعرفهم و لا نعرف أوطانهم- إلى أن

قال فقال: «بعه و أعط ثمنه أصحابك» قال، فقال: جعلت فداك أهل الولاية؟ فقال: «نعم» «1».

و رواية هشام: كان لأبي أجير كان يقوم في رحاه و له عندنا دراهم و ليس له وارث، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): «تدفع إلى المساكين» إلى أن قال بعد المسألة ثالثة: «تطلب له وارثاً، فإن وجدت له وارثاً و إلّا فهو كسبيل مالك» إلى أن قال: «توصي بها فإن جاء لها طالب و إلّا فهي كسبيل مالك» «2» إلى غير ذلك.

و قد يستدل عليه أيضاً بصحيحة ابن وهب عن الصادق (عليه السّلام): في رجل كان له على رجل حق، ففقده و لا يدرى اين يطلبه و لا يدري أ حيّ هو أم ميّت، و لا يعرف له وارثاً و لا نسباً و لا ولداً، قال: «اطلب» قال: إنّ ذلك قد طال فأتصدّق به؟ قال: «اطلبه» «3».

و صحيحة هشام، قال: سأل خطّاب الأعور أبا إبراهيم (عليه السّلام) و أنا جالس فقال: إنّه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالأجر، ففقدناه و بقي له من أجره شي ء و لا نعرف له وارثاً، قال: «فاطلبه» قال: قد طلبناه و لم نجده

______________________________

(1) التهذيب 6: 395، 1189، الوسائل 25: 450 أبواب اللقطة ب 7 ح 2.

(2) التهذيب 7: 177، 781، الوسائل 26: 254 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 4 ح 7.

(3) الكافي 7: 153، 2، الفقيه 4: 241، 769، التهذيب 9: 389، 1388، الإستبصار 4: 196، 737، الوسائل 26: 297 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 92

قال، فقال: «مساكين» و حرّك يديه، قال: فأعاد عليه قال: «اطلب و أجهد، فإن قدرت

عليه، و إلّا كسبيل مالك حتى يجي ء له طالب، فإن حدث بك حدث فأوص به إن جاء له طالب أن يدفع إليه» «1».

و فيهما مضافاً إلى ما مرّ من الخروج عن محل النزاع: أنّهما لا تدلان على مطلوبه، لأنّه أمر بالطلب، و لم يحكم في الأُولى على قدر الطلب، و على ما بعد اليأس و في الثانية حكم بأنّه كسبيل ماله بعد اليأس حتّى يجي ء طالب- أي من الإمام و لا أقلّ من احتماله.

هذا مع أنّه لو قطع النظر عن جميع ذلك فدلالتهما موقوفة على ان يكون المستتر في اطلب و البارز في اطلبه راجعين إلى المفقود دون الوارث، و لكنه يحتمل أن يكونا راجعين إليه دونه، و حينئذ فلا دلالة لهما على المطلوب، بل تكونان دالّتين على خلافه.

نعم يمكن أن يستدلّ لذلك القول بموثقتي إسحاق الآتيتين في دليل القول الخامس «2»، الآمرتين بعزل نصيب الغائب المفقود حتى يجي ء؛ و لا ينافيه حكمه فيهما بالاقتسام بين ورثة مورثه مع ضمانهم له، لأنّه نوع اقتراض لا ينكره أرباب هذا القول مع المصلحة.

إلّا أن فيه ما مرّ و يأتي من أنّه لو كان المراد الاقتراض لما كان وجه للتخصيص و التقسيم.

احتج الثاني «3» بالإجماع المنقول. و بأنّ التفحّص على هذا الوجه

______________________________

(1) التهذيب 9: 389، 1387، الإستبصار 4: 197، 739، الوسائل 26: 296 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 6 ح 1.

(2) انظر ص: 94 و 95.

(3) كما في الانتصار: 307، الغنية (الجوامع الفقهية): 608.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 93

مقتضٍ لاعتداد زوجته عدّة الوفاء بالإجماع، و عصمة الفروج أهمّ من عصمة الأموال، فإذا جاز لزوجته أن تنكح غيره بعد انقضاء تلك المدّة مضافاً إلى العدّة

فلتجز قسمة أمواله بطريق أولى .

و بموثقة إسحاق بن عمار: «المفقود يُتربّص بماله أربع سنين ثمّ يقسّم» «1».

و موثّقة سماعة: «المفقود يحبس ماله عن الورثة قدر ما يطلب في الأرض أربع سنين، فإن لم يقدر عليه قسّم ماله بين الورثة» «2».

أقول: الدليلان الأوّلان و إن كانا ضعيفين: أمّا الأوّل فلأنّ الإجماع المنقول لا حجّية فيه عندنا أصلًا كما بيّنا في الأُصول، سيّما مع مخالفة أكثر الأصحاب، و معارضته بدعوى الشهرة من جمع أكثر من المدّعين للإجماع.

و أمّا الثاني فلأنّه إن أُريد به أنّه يدلّ على الحكم بموته فيجب تقسيم أمواله فهو ظاهر الفساد، لأنّه لو دلّ على ذلك لما احتاج إلى طلاق من الولي أو الوالي، مع أنّ المذكور في أكثر الأخبار «3» و المشهور بين الأصحاب الاحتياج إليه، و الاعتداد بعدّة الوفاة يمكن أن يكون بعيداً، بل هو كذلك.

و إن أُريد أنّ جواز فسخ نكاح زوجته و إن لم يكن للحكم بالموت يدلّ على جواز قسمة أمواله بطريق أولى فالأولويّة بل المساواة ممنوعة، لجواز أن يكونَ لجواز الفسخ داعٍ و ضرورة لم يكن للقسمة، كتضرر الزوجة لاحتياجها إلى النفقة و أمثالها، أ لا ترى أنه ينفسخ النكاح أو يجوز

______________________________

(1) الكافي 7: 154، 5، الفقيه 4: 240، 766، الوسائل 26: 298 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 6 ح 5.

(2) الكافي 7: 155، 9، التهذيب 9: 388، 1386، الوسائل 36: 300 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 6 ح 9.

(3) الوسائل 22: 156، أبواب أقسام الطلاق و أحكامه ب 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 94

فسخه بأُمور لا يوجب شي ء منها قسمة الأموال.

و لكن الخبرين معتبران حجتان، لوجودهما في الأُصول المعتبرة، و كونهما

من الموثق الّذي هو بنفسه حجة، بل وصف الأوّل بعض الأجلّة بالصحة «1»، و مع ذلك منجبران بالإجماعين المنقولين و بعمل طائفة من أجلّة القدماء «2». و لا خفاء في دلالتهما أيضاً، و الجملة الخبرية فيها للإرشاد و إراءة الحكم، أي الحكم كذلك.

و احتج الثالث و الرابع بصحيحة علي بن مهزيار: عن دار كانت لامرأة و كان لها ابن و بنت، فغاب الابن بالبحر و ماتت المرأة، فادّعت ابنتها أنّ أُمّها كانت صيّرت هذه الدار لها، و باعت أشقاصاً منها، و بقيت في الدار قطعة إلى جنب دار رجل من أصحابنا، و هو يكره أن يشتريه لغيبة الابن و ما يتخوّف من أنّ لا يحلّ له شراؤها، و ليس يُعرف للابن خبر، فقال لي: «و منذ كم غاب؟» فقلت: منذ سنين كثيرة، فقال: «ينتظر به غيبة عشر سنين ثمّ يشتري» فقلت: فإن انتظر به غيبة عشر سنين يحلّ شراؤها؟ قال: «نعم» «3».

و الرواية و إن لم تدلّ على التفصيل الّذي ذكره، إلّا أنّه يمكن أن يكون وجهه الجمع بينها و بين روايتي سماعة و إسحاق.

و فيه: أنّه لا يلزم من جواز بيع حصّته من الدار بعد العشر جواز تقسيم تركته بعده، لجواز أن يكون تجويز بيعها لادّعاء البنت لها، مع عدم ظهور منازع في عشر سنين، فيمكن أن يكون تسويغ البيع لذلك و إن بقي الغائب على حجته.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 373 و 374.

(2) راجع ص: 84 86.

(3) الكافي 7: 154، 6، التهذيب 9: 390، 1391، الوسائل 26: 299 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 6 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 95

و لا ينافيه الحكم بالتأخير إلى تلك المدّة، لاحتمال كونه

من باب الاحتياط كما قيل «1»، أو لأنّ الأرض التي تركها صاحبها في هذه المدّة يزول حقّه عنها و إن لم يكن مفقوداً. و يؤيد ذلك ما ورد في أخبار متكثرة من أنّ من ترك أرضاً في ثلاث سنين فلا حقّ له «2». أو يكون بيعها لصونها من البوار فيكون ثمنها للمفقود، كما قاله المفيد «3». فإنّه ليس فيها ما يدلّ على انتقالها إلى البنت، و للحاكم بيع مال الغائب للمصلحة، فكيف بالإمام (عليه السّلام).

على أنّه لو تمّ لم يثبت منه إلّا جواز بيع الدار بعد العشر دون التفصيل الذي ذكره، و لا دليل عليه. و الجمع لا يفيده.

و لو قطع النظر عن جميع ذلك و قلنا بدلالة الرواية تكون شاذّة غير صالحة للحجيّة.

حجة الخامس على ما ذكروه «4»: موثّقة إسحاق بن عمار: عن رجل كان له ولد فغاب بعض ولده فلم يدر أين هو و مات الرجل، كيف يُصنع بميراث الغائب عن أبيه؟ قال: «يعزل حتّى يجي ء»، قلت: فُقد الرجل و لم يجي ء، فقال: «إن كان ورثة الرجل ملأ بماله اقتسموه بينهم، فإذا هو جاء ردّوه عليه» «5».

و قريبة منها موثقته الأُخرى «6».

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 374.

(2) الوسائل 25: 433 أبواب إحياء الموات ب 17.

(3) المقنعة: 706.

(4) كما في التنقيح 4: 206، المفاتيح 3: 319، كشف اللثام 2: 286.

(5) الكافي 7: 154، 7، التهذيب 9: 388، 1384، الوسائل 26: 298 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 6 ح 6.

(6) الكافي 7: 155، 8، الفقيه 4: 241، 768، التهذيب 9: 388، 1385، الوسائل 26: 300 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 6 ح 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 96

و فيه: أنّها

لا تدلّ على مطلوبه من تقسيمه بين وارث المفقود أصلًا، نعم تدلّ على جواز الاقتسام بين ورثة مورثه مع ضمانهم له، و مرجعه إلى الإقراض أو الإيداع. و من يقول بوجوب التربّص إلى زمان لا يعيش مثله فيه لا يشك في جواز إقراض ماله أو إيداعه للحاكم مع كون المستقرض و المستودع مليئاً، سيّما مع طول المدّة و خوف الضياع، و هذا أيضاً نوع إقراض أو إيداع فيكون جائزاً، و على هذا فيكون قوله «اقتسموا» في الروايات محمولًا على الإباحة أو الإرشاد.

إلّا أن يقال: إنّه لو كان الغرض الإقراض و نحوه لم يكن وجه للتخصيص بالورثة و لا للاقتسام، سيّما قد يكون المال من الضياع و العقار و الحيوان التي لها إجارة و غلة و منفعة و لم يحكم بردّها أيضاً، و هو خلاف مصلحة الغائب قطعاً، فالمراد التمليك و التقسيم لهم. و أمّا التخصيص بورثة المورث فيمكن أن يكون لأجل عدم وجود وارث آخر للابن أو يكون المراد بالرجل هو الابن. و أمّا الردّ حين مجي ء خبره فلا ينافي التمليك حينئذ كما يأتي.

و لكن بعض ما ذكر مجرد احتمال لا يكفي في مقام الاستدلال، فتأمّل.

ثمّ أقول: هذا غاية ما ذكر في المسألة من الاستدلال، و لتحقيق الحال فيها نقول: إنّه قد ظهر أنّ الأقوال فيها خمسة أو ستة بجعل قول المفيد قولًا سادساً، و أنّ الثالث و الرابع و الخامس منها ليس لها دليل أصلًا، و مع ذلك هي شاذة مخالفة لظاهر الإجماع، فالثلاثة ساقطة من البين قطعاً. و كذا السادس لما ذكر أخيراً، فالخبر الدالّ عليه لشذوذه ليس بحجّة، مع أنّه قد عرفت ما فيه من ضعف الدلالة للاحتمالات المذكورة، مضافاً إلى أنّه

غير

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 97

مقيّد بطول المدّة، و لم يقل بإطلاقه أحد، و مخصوص بحصّته من ميراثه، فلا يفيد في غيرها، فبطلان هذا القول أيضاً ظاهر.

فبقي منها اثنان:

الأوّل: التربّص حتى يعلم موته عادة، و دليله التام كما صرّح به في الروضة أيضاً «1» منحصر في الأُصول المذكورة «2»، لما عرفت من حال الأخبار التي ذكروها دليلًا له. و الأُصول يجب رفع اليد عنها مع الدليل المخرج، و هو موجود، و هو موثقتا إسحاق و سماعة المذكورتان دليلًا للقول الثاني «3»، و جعلهما من الأخبار الموهونة المرجوحة كما في النافع «4» ممّا لا وجه له، كيف؟! و هما معتبرتان سنداً، واضحتان دلالة، معتضدتان بعمل أجلّاء الأصحاب، و بالإجماعين المنقولين «5»، و بما دلّ على حكم الزوجة، و ليست في الأدلّة التي يدفع بها الأُصول الكلية في كثير من الموارد أقوى منهما.

و الشهرة المدّعاة في كلام جماعة «6» ليست إلّا شهرة متأخرة، كما صرّح به جماعة منهم صاحب الكفاية «7»، و مثلها لا يوجب المرجوحيّة، سيّما إذا كان في مقابلها الإجماعات المحكيّة و عمل الأجلّة.

و أمّا موثقتا إسحاق اللتان أشرنا إليهما فقد عرفت ما فيهما من

______________________________

(1) الروضة البهية 8: 49.

(2) انظر ص 88.

(3) انظر ص: 92.

(4) المختصر النافع: 274.

(5) انظر ص: 93.

(6) انظر ص: 84 و 85.

(7) كفاية الأحكام: 291.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 98

الاحتمالات المنافية للاستدلال، مع أنّه لو قطع النظر عنها تدلّان بالمفهوم على أنّه إذا لم يجي ء حتّى مضت المدّة التي يعيش فيها عادة لم يردّ المال و إن علمت حياته بعد موت مورّثه و كان له وارث آخر، و لا يقول به أرباب القول بالتربّص. و مع قطع

النظر عن ذلك أيضاً تكونان أعمّين مطلقاً من الموثقتين اللتين هما دليلان للقول الثاني، لأنّ مفاد الأُوليين الإبقاء حتّى يجي ء، سواء مضت أربع سنين مع الطلب أو بدونه، و مقتضى الأخيرتين الإبقاء إلى أربع سنين ثمّ التقسيم، فيجب تخصيصهما بهما.

الثاني: التربّص أربع سنين ثمّ التقسيم، و دليله الموثقتان المذكورتان فيه، و لا معارض لهما يكافئهما، فيتعين العمل بهما، و بهما تندفع الأُصول المذكورة، و يخصّص ما يحتمل عمومه.

و منه يظهر أنّ الأقوى هو القول الثاني بلا إشكال.

فروع:
أ [مقتضى الموثقتين:]

مقتضى إطلاق إحدى الموثقتين «1» جواز التقسيم بعد الأربع سنين مطلقاً من غير تقييد بالطلب و الفحص عن المفقود، و الأُخرى «2» و إن كانت مقيّدة بالطلب و لكنها لتضمنها للجملة الخبريّة القاصرة عن إفادة اللزوم و الوجوب لا توجب تقييد الاولى بعنوان اللزوم، بل غايتها الرجحان.

بل فيها كلام آخر، لأنّ المذكور فيها أنّه يحبس ماله قدر ما يطلب في الأرض أربع سنين، و هو كما يمكن أن يكون قوله: «أربع سنين» متعلقاً بقوله: «يطلب» و ظرفاً له، يحتمل أن يكون بدلًا للقدر و يكون المعنى : أنّه

______________________________

(1) انظر ص: 92.

(2) انظر ص: 92.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 99

يحبس ماله قدر ما يطلب المفقود في الأرض فيما هو المعهود لأمر زوجته و هو أربع سنين، فيرجع المعنى إلى الحبس أربع سنين من غير تقييده.

و هذا معنى واضح مناسب لذكر لفظ القدر، و يكون التعبير بذلك لبيان التقدير بهذا القدر، لأنّه الذي قرر لطلبه لخلاص زوجته، و أنّه مظنة لوصول خبر منه فيما يطلب لأمر الزوجة، و على هذا فتكون هذه أيضاً مطلقة.

إلّا أنّ الظاهر من القائلين بذلك القول انعقاد إجماعهم على التقييد. فبه يقيّد الإطلاق، و لكن

مقتضاه الاقتصار في التقييد على ما علم الإجماع فيه.

ب [بيان المراد من الأمر بالطلب ]:

الظاهر من الأمر بطلب شي ء اختصاصه بما إذا كان ذلك الأمر محتمل الحصول بل مظنونه لو طلب، بل هذا مقتضى معنى الطلب عرفاً بل لغة و المتبادر منه، فلا طلب فيما يكون مأيوساً عن الوصول إليه و يعلم عدم حصوله، و لازم ذلك اختصاص التقييد بالطلب بما إذا كان مظنون الوصول إليه و لا أقل من احتماله.

و ذلك أيضاً مقتضى ما ذكرنا من لزوم الاقتصار في التقييد بما علم الإجماع فيه، و لا يعلم ذلك في صورة اليأس، فلا حاجة فيها إلى الطلب. نعم يحبس الأربع حينئذ امتثالًا لظاهر النصّ و اتّباعاً للأصل، و لا حاجة حينئذ إلى جعل مبدأ التربّص من حين طلب الوارث أو تأجيل الحاكم، بل يكفي مضي هذه المدّة من حين الفقد، لصدق الحبس سنين.

و كذا لا يحتاج إلى الطلب فيما لم يمكن الطلب، كما إذا فقد في صقع لم يمكن الوصول إلى ذلك الصقع لمانع، لعدم العلم بالإجماع على التقييد «1»

______________________________

(1) في «ح»: التعبد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 100

حينئذ أيضاً؛ بل لو قلنا برجوع الضمير المجرور في قوله في الموثقة الثانية «فإن لم يقدر عليه» «1» إلى الطلب دون المفقود يثبت ذلك من الموثقة أيضاً، و لكنّه لكونه احتماليّاً بل مرجوحاً لا يصلح للاستدلال به.

و لو أمكن الطلب في بعض النواحي دون بعض يجب الطلب فيما يمكن، و لا يحتاج إلى الطلب في غيره. و لو حصل الفراغ منه في ما دون الأربع يتربّص في الباقي منها من غير طلب، و كذا لو حصل اليأس في أثناء الأربع؛ بل للكلام في لزوم الطلب فيما دون الأربع إذا علم أوّلًا

عدم إمكان الإكمال أو حصول اليأس قبل الإكمال مجالٌ، إلّا أنّ الاحتياط في الطلب.

ج [لو احتمل الوصول إليه في ناحية مخصوصة دون غيرها]:

مقتضى ما ذكرنا من معنى الطلب أنّه لو احتمل الوصول إليه في ناحية مخصوصة دون غيرها يكفي الاقتصار على الطلب فيها من غير حاجة إلى الطلب في سائر الأصقاع و النواحي.

و يستأنس لذلك بالأخبار الواردة في طلبه لخلاص زوجته، كصحيحة الحلبي: «المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي أو يكتب إلى الناحية التي هو غائب فيها، فإن لم يجد له أثرٌ أمر الوالي وليّه» الحديث «2».

و صحيحة العجلي: عن المفقود كيف يصنع بامرأته إلى أن قال-: «فإن رفعت أمرها إلى الوالي أجّلها أربع سنين، ثمّ يكتب إلى الصقع الذي فقد فيه فيسأل عنه، فإن خبّر عنه بحياة صبرت، و إن لم يخبر عنه بشي ء حتى تمضي الأربع سنين دعا وليّ الزوج المفقود» الحديث «3».

______________________________

(1) انظر ص: 92.

(2) الكافي 6: 147، 1، الوسائل 22: 158 أبواب أقسام الطلاق و أحكامه ب 23 ح 4.

(3) الكافي 6: 147، 2، الفقيه 3: 354، 1696، التهذيب 7: 479، 1922، الوسائل 22: 156 أبواب أقسام الطلاق و أحكامه ب 23 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 101

د: اللازم في الطلب ما يسمّى طلباً عرفاً

، و هو كما يحصل بإنفاذ شخص أو أشخاص إلى تلك الناحية أو النواحي ليستخبر عنه، كذلك يحصل بإنفاذ الكتب إليها أو أمر من فيها بالفحص، و بالجملة لا يلزم نصب شخص بخصوصه أو أشخاص كذلك لذلك الأمر بل يحصل بكل ما يسمّى طلباً، و كذا لا يلزم السؤال في تلك الناحية عن كل بيت بيت فيها و كل زاوية و جبل و قرية، بل يكفي ما يصدق عليه الطلب في تلك الناحية.

ه [هل يشترط رفع الأمر إلى الحاكم ]

الحقّ عدم اشتراط رفع الأمر هنا إلى الحاكم و حصول ضرب الأجل و الفحص و الطلب منه، بل يكفي حصوله من كل شخص؛ للأصل. و الرجوع إلى الحاكم في أمر زوجته لتوقف التطليق أو الأمر بالإنفاق عليه، و ليس هنا كذلك؛ نعم الأولى و الأحوط الرجوع إليه مع الإمكان، و بدونه إلى العدول أو العدل، و حصول ذلك باطلاعه.

و: مبدأ الأربع حين الفقد مطلقاً إن لم يكن هناك طلب

، للإطلاق، و حين الشروع في صُورة لزوم الطلب، ليصدق الطلب في الأربع.

ز: لو احتاج الطلب إلى مئونة

لا يجوز أخذها من مال المفقود، للأصل، بل هو على طالبه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 19    102     ح: لو قسمت التركة بعد الأربع مع الطلب أو بدونه فيما لا يحتاج إليه ثم جاء المفقود ..... ص : 101

ح: لو قسّمت التركة بعد الأربع مع الطلب أو بدونه فيما لا يحتاج إليه ثمّ جاء المفقود

، فإن لم تكن عين المال باقية بل أتلفتها الورثة فلا تسلّط له عليهم، لأنّه إتلاف بإذن من الشرع، و الأصل عدم الضمان؛ و كذا إن بدّلوا العين بأعيان اخر باقية، لأصالة عدم تسلّطه على تلك الأعيان الباقية.

و إن كانت العين باقية كلا أو بعضاً، فمقتضى التقسيم و إن كان تمليكها للوارث، حيث إنّه المتبادر من التقسيم للورثة دون الإيداع أو

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 102

الإقراض الغير المتوقفين على الطلب و لا المقصورين على الوارث، بل الظاهر كونه إجماعياً، و الأصل عدم الانتقال عنه إلّا بناقلٍ شرعيّ، إلّا أنّ مقتضى عموم موثقتي إسحاق الأخيرتين «1» الشاملتين لما إذا كانت ورثة الميت ورثة المفقود أيضاً و لما إذا كان بعد الفحص أيضاً: لزوم الردّ الذي هو الظاهر في ردّ خصوص العين الباقية لرجاء المفقود بنفسه، فيجب العمل بهما.

و لا يتوهّم أنّه على ذلك يشترط ملاءة الوارث لاشتراطها فيهما؛ لاحتمال كون اشتراطها لأجل الإطلاقين، فيكون التقسيم قبل الفحص لورثة الميت مطلقاً مشروطاً بالملاءة، فتأمّل.

ط: المقسوم بينهم بعد الأربع الواقعة بعد الطلب أو مطلقاً ورثته حين انقضاء الأربع

، لأنّهم الوارث حينئذ دون الوارث حين الفقد أو قبل الأربع.

ي: لو لم ينهض أحد للطلب مع إمكانه لا تجوز القسمة

إلى أن تمضي مدّة لا يعيش مثلها عادة كما يقوله أرباب القول الأوّل «2»، و الوجه واضح. و يقسّم حينئذ بين ورثته في ذلك الزمان كما يأتي.

يا: المرجع في انقضاء زمان لا يعيش مثله فيه [إلى العادة]

على القول بالتربص إلى انقضائه أو إذا لزم التربّص لعدم النهوض للطلب مع الإمكان إلى العادة، و هو يختلف باختلاف الأزمان و الأصقاع، و قد قدّره الجمهور بمائة و عشرين سنة «3»، و قال في المسالك: و الظاهر الاكتفاء في زماننا بما دونها، فإنّ بلوغ العمر مائة سنة الآن على خلاف العادة «4».

______________________________

(1) انظر ص: 94 و 95.

(2) انظر ص: 84.

(3) انظر المغني و الشرح الكبير 7: 208، مغني المحتاج 3: 26.

(4) المسالك 2: 315.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 103

أقول: الاكتفاء بما قدّره الجمهور ممّا لا شكّ فيه، و أمّا بالمائة فلا يخلو عن إشكال، و ذلك لأنّ الظاهر و إن منع من العيش إلى المائة، و لكنّ الظاهر لا يرجح عندي على الأصل إذا تعارضا إلّا إذا أفاد العلم العادي بخلافه، و إفادته له هنا فيها غير ظاهرة، لكنّه يفيده في المائة و العشرين قطعاً، بل فيما دونها أيضاً كالمائة و العشر و ما فوقها. نعم من يرجّح الظاهر على الأصل مطلقاً أو فيما إذا أفاد ظنا مساويا لما يفيده الأصل أو أقوى منه يجب أن يكتفي بالمائة بل بما دونها بقليل.

يب: مبدأ هذا التقدير وقت التولّد دون الغيبة

، و الوجه ظاهر. و لو اشتبه وقته يؤخذ بالمتيقن، لأصالة تأخّر الحادث.

يج: إذا انقضت هذه المدّة يرثه من يرثه من الموجودين حين الانقضاء دون الغيبة

، إذ لا ميراث إلّا للوارثين الموجودين بعد الموت، و انقضاء المدّة قائم مقامه. و لأنّ انتقال الإرث إلى الوارث موقوف على العلم بموت المورث و حياة الوارث، و الأوّل منتف قبل الانقضاء، و الثاني بعده بالنسبة إلى من فرض موته من الورثة الموجودين قبله.

يد: لو مات من يرثه غائب عزل نصيبه

، فإن بان حياً أخذه، أو ميتاً بعد موت مورّثه دفع إلى ورثته، أو قبله ردّ إلى ورثة مورّثه.

و إن مضت المدّة و لم ينكشف حاله فقال في التحرير: يردّ إلى ورثة مورّثه «1»، لاشتراط انتقال التركة إليه بحياته بعد موت المورث، و العلم بالمشروط مشروط بالعلم بوجود الشرط، و هو منتف، للشكّ في حياته حين موت مورّثه.

و يعارض بأنّ الانتقال إلى غيره مشروط بموته قبله، للعلم بحياته

______________________________

(1) التحرير 2: 173.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 104

أوّلًا، و العلم بالمشروط مشروط بالعلم بوجود الشرط، و هو منتف، للشك في موته قبله، على أنّ الشرط في الأول مستصحب، فيترتّب عليه مشروطه.

فإن قيل: استصحاب الشي ء لا يوجب العلم بوجوده.

قلنا: إن أُريد وجوده الواقعي فعدم إيجاب الاستصحاب للعلم به مسلّم، و إن اريد وجوده الشرعي أي ما كان في حكم الموجود شرعاً فغير مسلّم، و الأحكام مترتبة على الوجود الشرعي دون الواقعي.

و أيضاً: معنى الاستصحاب الذي هو حجّة شرعيّة إمّا الحكم بوجود ما علم وجوده سابقاً بعد الشك في وجوده، أو الحكم بترتب الأحكام الشرعيّة المعلّقة عليه عليه و إن كان وجوده مشكوكاً فيه، و كلّ ما كان يستلزم ترتّب المشروط الشرعي عليه، أمّا الثاني فظاهر، و أمّا الأوّل فلأنّ الأحكام المعلّقة على الشي ء من لوازمه، و الحكم بوجود الملزوم يستلزم الحكم بوجود اللازم.

و أيضاً: لو كان هذا الشك معتبراً لزم نقض

اليقين بالشك، مع أنّه لا ينقض اليقين بالشك أبداً.

و أيضاً: لو لم يوجب الاستصحاب طرد هذا الشك و دفعه و عدم الاعتناء به لزم عدم حجّيته في موضع أصلًا، إذ لو لم يوجبه لكان لأجل أنّه لا يوجب الحكم بالوجود و لا يترتّب الحكم، فإنّه لو استلزم أحدهما لما بقي للشك مجال، و إذا لم يوجب شيئاً منهما لما كان حجّة:

أمّا في الموضوعات، فلأنّ كلّ حكم معلّق على شي ء فإنّما هو معلّق على وجوده، فإذا لم يفد الاستصحاب الحكم بوجوده و لا ترتّب الحكم عليه لما أفاد فائدة أصلًا. و أمّا الحكم بعدم تحقّق ما اشترط على عدمه فإنّما

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 105

هو ليس لاستصحابه بل لعدم العلم بالشرط.

و أمّا في نفس الأحكام، فلأنّ معنى استصحابها الحكم بوجودها بعد الشك فيه، فإذا لم يفد الاستصحاب في ذلك فكيف يستصحب.

و أيضاً أصالة تأخّر الحادث تؤيّد تأخر موته عن موت مورّثه.

و يعلم ممّا ذكر أنّ القول بالانتقال إلى ورثة المفقود أقرب إلى الحقّ.

قال في التحرير: و كذا لو علمنا موته قبل الانقضاء و لم نعلم هل مات قبل المورّث أو بعده «1». و يعلم ضعفه ممّا ذكرنا.

المسألة الثانية [حكم الحمل إذا انفصل حيا أو ميتا]
اشاره

الحمل يرث حيث يحكم بإلحاقه بالميّت قطعاً أو شرعاً إن انفصل حيّاً، و لو ولد ميّتاً لم يرث.

أمّا الأوّل فتدلّ عليه بعد ظاهر الإجماع: عمومات الإرث، و المستفيضة من الأخبار كصحيحة ربعي: في المنفوس: «إذا تحرّك ورث، إنّه ربّما كان أخرس» «2».

و المنفوس هو المولود الذي لم يستهلّ و لم يصِحْ.

و الأُخرى: في السقط إذا سقط من بطن امّه فتحرّك تحرّكاً بيّناً: «يرث و يورث، فإنّه ربّما كان أخرس» «3».

و موثقة أبي بصير: «إذا تحرّك المولود تحرّكاً

بيّناً فإنّه يرث و يورث، فإنّه ربّما كان أخرس» «4».

______________________________

(1) التحرير 2: 173.

(2) الكافي 7: 155، 1، الوسائل 26: 302 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 7 ح 3.

(3) الكافي 7: 155، 2، التهذيب 9: 391، 1394، الإستبصار 4: 198، 742، الوسائل 26: 303 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 7 ح 4.

(4) التهذيب 9: 392، 1398، الإستبصار 4: 198، 743، الوسائل 26: 304 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 7 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 106

و صحيحة الفضيل: قال: سأل الحكم بن عتيبة أبا جعفر (عليه السّلام) عن الصبي يسقط عن امّه غير مستهلّ، أ يورث؟ فأعرض عنه فأعاد عليه، فقال: «إذا تحرّك تحرّكاً بيّناً ورث، فإنّه ربّما كان أخرس» «1».

و الروايات الآتية الدالّة على أنّ المستهلّ يرث و يورث.

و أمّا ما ورد في بعض الأخبار من اشتراط إرثه باستهلاله كصحيحة ابن سنان: «لا يصلّى على المنفوس، و هو المولود الذي لم يستهلّ و لم يصِحْ، و لم يورث من الدية و لا من غيرها، و إذا استهلّ فصلّ عليه و ورّثه» «2».

و روايته: في المنفوس قال: «لا يرث من الدية شيئاً حتّى يصيح و يسمع صوته» «3».

و رواية السكوني: «يورث الصبي و يصلّى عليه إذا سقط من بطن امّه فاستهلّ صارخاً، فإذا لم يستهلّ صارخاً لم يورث» «4».

و مضمرة ابن عون يقول: «إنّ المنفوس لا يرث من الدية شيئاً حتّى يستهلّ و يسمع صوته» «5».

فلا تصلح لمعارضة ما مرّ، لشذوذها المخرج لها عن الحجيّة

______________________________

(1) التهذيب 9: 392، 1399، الإستبصار 4: 198، 744، الوسائل 26: 304 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 7 ح 8.

(2) التهذيب 3:

199، 459، الوسائل 26: 303 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 7 ح 5.

(3) الكافي 7: 156، 5، التهذيب 9: 391، 1397، الإستبصار 4: 198، 745، الوسائل 26: 302 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 7 ح 1.

(4) التهذيب 3: 331، 1035، الوسائل 3: 97 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 3.

(5) الكافي 7: 156، 6، الوسائل 26: 302 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 7 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 107

بالمرّة، حتّى قيل: إنّه أطبق الأصحاب على ترك العمل بها «1»، و هو كذلك، و مع ذلك فهي مرجوحة عند المعارضة، لموافقتها العامّة كما صرّح به الشيخ «2»، و كثير من الطائفة «3»، و يومئ إليه إعراضه «4» عن ابن عتيبة أوّلًا كما في صحيحة الفضيل المتقدّمة.

و يدلّ عليه أيضاً الأمر بالصلاة عليه في صحيحة ابن سنان و رواية السكوني المتقدّمتين، و كذا التعليل في الأخبار المتقدّمة بقوله «فإنّه ربّما كان أخرس» فإنّ المتبادر منه أنّه ردّ على جماعة يقولون باشتراط الصياح و الاستهلال.

و الجمع بين الأخبار بالتخيير ينافي ما يستفاد من الأخبار الأخيرة من عدم التوريث قبل الاستهلال. و بحمل الأخيرة على الإرث من الدية كما في الوافي «5» كان حسناً لولا صحيحة ابن سنان المصرّحة بعدم إرثه من الدية و لا من غيرها قبل الاستهلال، حيث إنّ روايته و المضمرة خاصتان بالنسبة إلى سائر أخبار الطرفين، و أمّا الصحيحة فلصراحتها في الدية و غيرها لا تلائم ذلك الجمع، و لعلّه لم يلتفت إليها، لما ذكره من اختلاف النسخ فيها، و أنّها في بعض النسخ و لم يورث من الدية و لا من غيرها، و لكن مع

ذلك أيضاً لا يمكن المصير إلى ذلك الجمع، لما عرفت من شذوذ تلك الأخبار، و عدم وجود قائل بذلك التفصيل.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 372.

(2) التهذيب 3: 199، الاستبصار 1: 480.

(3) منهم العلّامة في المختلف: 119، و الشهيد الأول في الدروس 2: 355، و صاحب الرياض 2: 372.

(4) و إنّما اعرض عليه السلام أوّلًا عن الحكم، لأنّه كان منافقاً مخالفاً غير مصدق له عليه السلام (منه قدس سرّه).

(5) الوافي 3 ج 13: 141.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 108

و أمّا الثاني فيدلّ عليه بعد ظاهر الإجماع أيضاً: مفاهيم الأخبار المتقدمة، و ما روي عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) أنّه قال: «السقط لا يرث و لا يورث» «1» خرج المتحرّك بالدليل فبقي غيره.

و قد يستدلّ عليه أيضاً بعدم صلاحية الميّت للمالكية، و فيه كلام «2».

فروع:
أ: لا يشترط استقرار حياته بحيث يمكن أن يعيش

، فلو سقط بجناية و تحرّك حكرة المذبوح ورث بلا خلاف يعرف؛ لإطلاق الروايات بل عمومها، و لتصريح صحيحة الفضيل المتقدمة بأن السقط إذا تحرّك تحرّكاً بيّناً يرث، و الغالب في السقط عدم استقرار الحياة.

و قد ينسب الخلاف إلى ظاهر الشرائع «3»، و هو غير ظاهر.

ب [بيان المراد من حركة الحمل الموجبة للإرث ]:

الحكم في الأخبار وجوداً و عدماً و منطوقاً و مفهوماً و إن كان معلّقاً على الحركة، و لكنّهم صرّحوا بأنّ المعتبر في الحركة الموجبة للإرث هي الحركة الدالّة على الحياة المعبّر عنها بالحركات الإراديّة دون غيرها كالتقلّص و الاختلاج، و ادّعوا الإجماع على ذلك «4»؛ و يدلّ عليه تقييد الحركة في أكثرها بالبيّنة، فإنّ الحركات الغير الدالّة على الحياة لا تكون بيّنة، و يدلّ عليه أيضاً قوله فيها: «ربّما كان أخرس» فإنّه لولا إناطة الحكم

______________________________

(1) كنز العمّال 11: 6، 30383، نقله عن سنن الترمذي 2: 248، 1037.

(2) و هو أنّه إنّما يصح إذا تولد و لم تلج الحياة فيه أوّلًا أيضاً، أمّا لو كان حياً أوّلًا ثمّ مات فتولد فلا يصح ذلك، إلّا أن يقال: إنّه لا سبيل إلى العلم بحياته أوّلًا أيضاً و الأصل عدمه (منه قدس سره).

(3) الشرائع 4: 16.

(4) كما في الخلاف 4: 112، الرياض 2: 372.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 109

بالحياة لكان قوله هذا لغواً.

ج: لو لم تعلم حركته الدالّة على الحياة

لم يرث و إن لم يعلم عدم التحرّك أيضاً، لاشتراط الإرث بها في الأخبار المذكورة، و العلم بالمشروط يتوقّف على العلم بالشرط.

د: لا يشترط حياته و ولوج الروح فيه عند موت المورّث

، بل لو كان نطفة ورث بشرطه بلا خلاف يعرف، لإطلاق الروايات، و أصالة عدم الاشتراط.

ه: تحرّكه في البطن لا يوجب إرثه إذا انفصل ميّتاً

؛ لإناطة الإرث بحركة المولود أو السقط، و ما دام في البطن لا يصدق عليه ذلك، فينفى إرثه حينئذ، لعموم المفهوم.

و: لا فرق في الحكم وجوداً و عدماً [بين الموارد الآتية]

بين ما إذا كان التولّد في أقصى مدّة الحمل أو ما دونها، و ما إذا تولّد تامّاً سويّاً كامل الخلقة أو لا، و ما إذا كان خروجه بنفسه أو بسبب خارجي، كضرب أو سقط؛ للإطلاق.

ز [اشتراط حياته عند تمام الانفصال ]:

صرّح جمع من الأصحاب باشتراط حياته عند تمام الانفصال، فلو خرج بعضه حيّاً و مات قبله لم يرث «1».

و لعلّ وجهه عدم صدق المنفوس و المولود و السقط و الصبي إلّا على المنفصل تماماً، فمن مات قبل تمام الانفصال يكون داخلًا تحت المفاهيم فيمنع. و أيضاً: انتقال المال من الميت إلى غيره يحتاج إلى دليل، خرج من انفصل تمامه حيّاً بالإجماع و الأخبار فبقي الباقي، و خروج المبعّض بالأخبار يتوقّف على صدق الألفاظ المذكورة عليها و هو غير ثابت، كصدق الولد و الابن و البنت الثابت إرثهم بالآيات «2».

______________________________

(1) كما في التحرير 2: 174، و الدروس 2: 355، و الرياض 2: 373.

(2) انظر سورة النساء: 11، 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 110

ح: لو مات عقيب انفصاله حيّاً

كان نصيبه لورثته؛ و الوجه ظاهر.

ط [جريان طرفي الحجب في حق الحمل ]:

الحمل كما يُحجب عن الإرث إلى أن ينفصل و ينكشف الأمر، كذلك يَحجب غيره من الوارث على قدر حجب ذكرين موجودين إلى ان ينكشف و يستبين أمره؛ فلو كان الوارث ممّن لا يرث مع الولد حجب مطلقاً كالأخ، و لو كان ممّن ينقص نصيبه معه يمنع عن الزائد كالأبوين و الزوجين، و لو كان ولداً واحداً أو متعدداً منع عن نصيب ولدين ذكرين، و لو كان مع الولد الواحد أحد الزوجين أو الأبوين أو كلاهما لم يكن حجب مطلقاً كما لا يخفى .

أمّا أصل الحجب، فلأنّ انتقال ما يرثه الحمل على تقدير انفصاله حيّاً إلى غيره إذا كان هناك حمل مشروط بانفصاله ميّتاً، إذ لولاه لم ينتقل إليه. و انفصاله ميّتاً غير معلوم، فكذلك انتقال ما يرثه إلى غيره، لأنّ العلم بالمشروط يتوقّف على العلم بالشرط؛ ثمّ انتقاله إلى الحمل أيضاً لما كان مشروطاً بانفصاله حيّاً و هو أيضاً غير معلوم، فيجب تركه إلى أن يستبين الأمر.

فإن قيل: المسلّم هو اشتراط الانتقال بعدم الانفصال حيّاً لا بالانفصال ميّتاً.

قلنا: لو كان كذلك لكان الانتقال إلى الحمل لو انفصل حيّاً انتقالًا من الوارث إليه لا توريثاً، مع أنّ الأخبار مصرّحة بالتوريث، فانفصاله حيّاً كاشف عن سبق الانتقال.

فإن قيل: وجود الوارث و هو غير الحمل يقيني، و تحقّق المانع و هو انفصاله حيّاً مشكوك فيه، فيجب الحكم بانتقاله إليه إلى أن يعلم المانع.

قلنا: تيقن وجود الوارث ممنوع، لتوقفه على العلم بعدم انفصاله

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 111

حيّاً.

فإن قيل: أدلّة إثبات وارثيّته مطلقة بالنسبة إلى ما نحن فيه.

قلنا: أخبار إرث الحمل قيّدتها.

فإن قيل: المخرج بالتقييد هو صورة الانفصال حيّاً لا غير، و

هو غير معلوم فيما نحن فيه، فلا يحكم بخروجه حتّى يثبت المخرج.

قلنا: نسلّم أن المخرج إنّما هو صورة الانفصال حيّاً، و لكن خروج هذه الصورة لا يختص بهذه الحالة أيضاً، بمعنى أن يكون غير الحمل وارثاً قبل الانفصال و خرج عن الوارثية بعده، بل في هذه الصورة ينكشف الخروج السابق، فقبل الكشف لا يعلم أنّ هذا هل هو من الفرد المخرج أم لا.

فإن قيل: الأصل عدم خروجه.

قلنا: هذا إنّما يصحّ فيما إذا شكّ في عروضه لفرد معيّن، و أمّا إذا علم عروضه لفرد معيّن و لم يعلم أنّ هذا الفرد هل هو الفرد المخرج أم لا فلا يصحّ بإطلاقه، بل يجب الرجوع إلى ما نيط به الخروج، فإن كان مخالفاً للأصل و الاستصحاب غير ثابتٍ بدليل آخر من ظاهر أو غيره يصحّ إجراء أصل العدم فيه و إلّا فلا، و الانفصال حيّاً لا يخالف الأصل كما لا يخفى .

و أمّا الحجب عن نصيب الذكرين فلاحتمال وجودهما، فلا يعلم انتقال قدر نصيبهما إلى وارث آخر؛ و أمّا الزائد عنهما و إن كان محتملًا عقلًا إلّا أنّ العادة تأبى عنه.

و لو اتّفق الزائد على الذكرين يستردّ من سائر الورثة على حسب ما يقتضيه الحال.

ثمّ بعد عزل نصيب الذكرين لا يخلو من احتمالات عشرة: لأنّه إمّا

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 112

يولد ذكراً، أو أُنثى، أو خنثى ، أو ذكرين، أو أُنثيين، أو خنثيين، أو ذكراً و أُنثى ، أو ذكراً و خنثى ، أو أُنثى و خنثى ، أو يسقط ميّتاً؛ فلو اجتمع مع الحمل ذكراً اعطي الثلث و عزل الثلثان، و لو اجتمعت معه الأُنثى أُعطيت الخمس إن ولد حيّاً كما فرض، و إلّا وزّعت التركة بينهم كما يقتضيه حال

الحمل.

المسألة الثالثة: من مات و عليه دين يستغرق التركة
اشاره

فذهب الشيخ في الخلاف و المحقق في الشرائع و الحلّي في السرائر و الشهيد و أكثر الأصحاب كما في المسالك و الكفاية إلى أنّها لا تنتقل إلى الورثة، بل هي باقية على حكم مال الميّت سواء كان الدين مساوياً لها أو زائداً عليها «1».

و ذهب الفاضل في ميراث القواعد و ثاني الشهيدين في المسالك «2» و جماعة «3» إلى انتقالها إليهم مطلقاً، لكنّهم يُمنعون من التصرّف فيه إلى أن يوفّى الدين منها أو من غيرها، أو ضمانهم مع رضا الديّان. و استقربه في التحرير «4»، و حكي عن المبسوط و الجامع «5».

و الأقوى هو الأوّل.

لنا بعد أصالة عدم الانتقال: أنّ انتقالها إليهم ليس إلّا بالإرث، و لا توريث هنا، لأنّه لا يكون إلّا بعد الدين، و إذا كان الدين مساوياً لها أو

______________________________

(1) الخلاف 2: 144، الشرائع 4: 16، السرائر 3: 219، و الشهيد في الدروس 2: 352، المسالك 2: 316، الكفاية: 292.

(2) القواعد 2: 167، المسالك 2: 316.

(3) كفخر المحققين في الإيضاح 2: 62، و ج 4: 205، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 286.

(4) التحرير 2: 173.

(5) كما في كشف اللثام 2: 286.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 113

أكثر لم يبق منها شي ء بعده حتّى يورث.

أمّا أنّه لا توريث إلّا بعد الدين، فبالكتاب و السنة، أمّا الكتاب فقوله تعالى في مواضع مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ «1».

و أمّا السنّة فكثيرة، منها صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة في وارث الدية «2»، حيث دلّت بمفهوم الشرط على أنّه إذا كان على المقتول دين لا ترث الورثة الدية، فلا تنتقل إليهم، إذ لا ناقل سوى التوريث.

و حسنة محمّد بن قيس: «إنّ الدين قبل

الوصيّة، ثم الوصية على أثر الدين، ثمّ الميراث بعد الوصية، فإنّ أوّل القضاء كتاب اللَّه تعالى » «3».

و خبر السكوني: «أول شي ء يبدأ به من المال: الكفن، ثمّ الدين، ثمّ الوصية، ثمّ الميراث» «4».

و قريب منه خبره الآخر «5».

احتجّ المخالف بأنّ بقاء الملك بلا مالك مستحيل، و الميّت غير مالك، و الديّان لا يملكه إجماعاً، فتعيّن الوارث. و حملوا الآية و الروايات على أنّ الملك المستقر الغير الممنوع معه من التصرف فيه بعد الدين و الوصية.

و الجواب: إنّ هذا اجتهاد في مقابلة النص، و استحالة بقاء الملك

______________________________

(1) النساء 11: 12.

(2) في ص: 53.

(3) الكافي 7: 23، 1، الفقيه 4: 143، 489، التهذيب 9: 165، 675، الإستبصار 4: 116، 441، الوسائل 19: 330 في أحكام الوصايا ب 28 ح 2.

(4) الكافي 7: 23، 3، الفقيه 4: 143، 488، التهذيب 9: 171، 698، الوسائل 19: 329 في أحكام الوصايا ب 28 ح 1.

(5) الفقيه 4: 143، 491، التهذيب 9: 171، 699، الوسائل 19: 329 في أحكام الوصايا ب 27 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 114

بلا مالك مطلقاً ممنوعة، نعم يستحيل لو لم يكن في حكم مال الميت، و أمّا معه فلا، كيف؟! و قد جوّزه جمع كثير من الأصحاب.

و الحاصل أنّ الملك يستحيل أن لا يكون لمالك و لا في حكم مال الميت، بل يجب تحقّق أحدهما، و الثاني فيما نحن فيه متحقّق.

و بعبارة اخرى لا ريب في أنّ المراد باستحالة بقاء الملك بلا مالك ليس استحالته عقلًا، إذ لا يترتّب عليه محال، و لا ينكره العقل أصلًا، فيكون المراد استحالته شرعاً، و الاستحالة الشرعيّة لا تثبت إلّا بدليل شرعي، و لا دليل من نصّ

أو إجماع على الاستحالة المطلقة.

و حمل الآية على الملك المستقر إنّما يصحّ لو ثبت ناقل موجب للملك المتزلزل، و هو غير ثابت. و ظهور اللام في المستقر لو سلّم لا يفيد أيضاً؛ لانتفاء ما يدلّ على المتزلزل حينئذ، لإمكان القول بهذا الظهور في جميع ما يدلّ على ثبوت الإرث، فيبقى المال على أصله، أي يكون في حكم مال الميّت.

و تظهر فائدة الخلاف في النماء المتجدّد بين الموت و أداء الدين، فعلى ما اخترناه يتبع العين في تعلّق الدين به، و تقديمه على حقّ الوارث لو لم تف التركة به، لأنّ النماء تابع للعين. و على القول الآخر يكون للوارث مطلقاً.

و قيل: إنّ الفائدة تظهر أيضاً فيما إذا أراد الوارث أخذ التركة و أداء الدين من غيرها، فعلى الأوّل ليس لهم ذلك بل يتعيّن عليه تسليمها إلى الديّان، و على الثاني له الخيار بين تسليمها و بين أداء الدين من غيرها «1».

______________________________

(1) انظر المسالك 2: 316.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 115

و هو حسن لو لم يثبت الإجماع على خيار الورثة.

و قد يقال بظهورها أيضاً فيما إذا كانت التركة داراً و لم يكن للوارث دار اخرى غيرها و لا شي ء آخر، فعلى الأوّل يكون الديّان مسلّطين على أخذها، و على الثاني ليس لهم ذلك، إذ بعد انتقالها إلى الوارث تكون سكناهم و لا تؤخذ السكنى بالدين.

و فيه أوّلًا: أنّ هذا إنّما يصحّ لو قيل بالملك المستقر، و أمّا المتزلزل فلا يمنع من الأخذ. و ثانياً: أنّ الإجماع متحقّق هنا على جواز الأخذ مطلقاً.

و لو كان الدين غير مستغرق للتركة فلا ريب في انتقال ما فضل عن الدين إلى الوارث.

و في منعه من التصرف مطلقاً، أو

فيما قابل الدين خاصّة وجهان، الأوّل للقواعد و الدروس «1» و بعض آخر «2» حيث جعلوا جميع التركة كالرهن. و الثاني للمسالك و الكفاية «3»، و هو الأجود، لثبوت الانتقال المقتضي لجواز التصرف و عدم المانع منه. و شركة الديّان كاحتمال تلف ما قابل الدين لا يصلح للمانعية، لأنّ إفراز حقّهم إنّما هو بيد الورثة إجماعاً، و احتمال التلف يجبر بالاسترداد عنهم لو تلف، و ليس المراد من كون الإرث بعد الدين و الوصية أنّه بعد ادائه و العمل بها، و لذا يجوز التصرف قبل العمل بالوصية، بل المراد أنّ أوّل ما يتعلق بالتركة هو الدين ثمّ الوصية ثمّ الميراث.

______________________________

(1) القواعد 2: 167، الدروس 2: 352.

(2) كما في إيضاح الفوائد 2: 63.

(3) المسالك 2: 316، الكفاية: 292.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 116

فروع:
أ: لو تصرّف الوارث في الزائد ثمّ قصر الباقي

لتلفٍ أو نقصٍ لزم الوارث الإكمال بحسب الزائد، للإجماع، و وجوب أداء الدين عليه من التركة، و أداؤه يتوقّف عليه.

ب: لو تعذّر استيفاء الدين ممّا قابلة

فالظاهر تسلط المُدين أو الحاكم على نقض التصرّف في الزائد أو مطالبة الدين، لوجوب أدائه و توقّفه على أحدهما، فيجب من باب المقدمة.

ج: لو كان المُدين غائباً و أراد الوارث التصرّف في التركة

في صورة الاستيعاب أو فيما قابل الدين في صورة عدمه، فيجب على الحاكم أو المؤمنين عند فقده منعه، لأنّه تصرّف فيما ليس له، فيجب المنع من باب النهي عن المنكر.

د: يجب أن يكون ما قابل الدين الممنوع من التصرّف فيه ممّا يعلم وفاؤه بالدين

إذا كان من غير جنسه، فكفّ اليد عمّا يحتمل وفاؤه به غير كاف، لأنّ انتقال قدر المحصّل لليقين بالوفاء إلى الوارث غير معلوم، فتصرّفه فيه غير جائز.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 117

المقدمة الرابعة في الحجب
اشاره

و هو لغةً: المنع «1»، و المراد منه هنا منع من له سبب الإرث عنه بالكليّة أو من بعضه، و الأوّل يسمّى : حجب حرمان، و الثاني: حجب نقصان.

و التوضيح: أنّه قد عرفت أنّ الورثة إمّا نسبيّات أو سببيّات، و لكل منهما مراتب و طبقات، و لكل منها أصناف و درجات. و قد عرفت أيضاً و ستعرف أنّ جميع هذه الطبقات و الدرجات لا يجتمعون في الإرث، بل يمنع بعضهم بعضاً من الإرث بالكليّة، و منعه إيّاه منه يسمّى حجب حرمان.

ثمّ إنّ الذين يجتمعون منهم قد يصير الاجتماع مع بعضٍ موجباً لنقص ما يرثه الآخر عند عدمه، فيمنعه عن الزائد و إن لم يمنعه بالكليّة، و منعه هذا يسمّى حجب نقصان.

و علم من ذلك أنّ الحجب قسمان، و تفصيل كل منهما مع أدلّة تفاصيله و إن يأتي في المقاصد، إلّا أنّه نذكره هنا إجمالًا، لأوقعيّة التفصيل بعد الإجمال.

فنقول: أمّا القسم الأوّل، فكلّ قريب من الأنسباء يحجب البعيد منهم، و لا خلاف فيه إلّا في مسألة إجماعيّة، و إن وقع الخلاف في أقربيّة

______________________________

(1) مجمع البحرين 2: 34، الصحاح 1: 107، نهاية ابن الأثير 1: 340، المغرب 1: 107.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 118

بعض بالنسبة إلى آخر.

و يدلّ على أصل الحكم مضافاً إلى الإجماع و الروايات الآتية الواردة في تفاصيل المواريث موثقة زرارة، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ «1» قال:

«إنّما عنى بذلك اولي الأرحام في المواريث، و لم يعن أولياء النعمة، فأولاهم بالميّت أقربهم إليه من الرحم التي تجرّه إليها» «2».

و صحيحة الخزاز في كتاب علي (عليه السّلام): «أنّ كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، إلّا أن يكون وارث أقرب إلى الميّت» «3».

و موثقته، و فيها: «و كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، إلّا أن يكون وارث أقرب إلى الميّت منه» «4».

و مرسلة يونس: «إذا التفّت القرابات فالسابق أحقّ بميراث قريبه، فإن استوت قام كلّ واحد منهم مقام قريبه» «5».

و رواية البزاز: «المال للأقرب، و العصبة في فيه التراب» «6».

و رواية حمّاد بن عثمان: عن رجل ترك امّه و أخاه، فقال: «يا شيخ تريد على الكتاب؟» قال، قلت: نعم. قال: « [كان ] عليٌّ (عليه السّلام) يعطي

______________________________

(1) النساء: 33.

(2) الكافي 7: 76، 2، التهذيب 9: 268، 975، الوسائل 26: 63 أبواب موجبات الإرث ب 1 ح 1.

(3) الكافي 7: 77، 1، التهذيب 9: 269، 976، الإستبصار 4: 169، 640، الوسائل 26: 68 أبواب موجبات الإرث ب 2 ح 1.

(4) الكافي 7: 77، 1، التهذيب 9: 269، 976، الإستبصار 4: 169، 640، الوسائل 26: 68 أبواب موجبات الإرث ب 2 ح 1.

(5) الكافي 7: 77، 3، التهذيب 9: 269، 978 و فيه: إذا التقت، الوسائل 26: 69 أبواب موجبات الإرث ب 2 ح 3.

(6) الكافي 7: 75، 1، التهذيب 9: 267، 972، الوسائل 26: 64 أبواب موجبات الإرث ب 1 ح 3 إلّا أنّ الراوي فيه و في الكافي: حسين الرزّاز.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 119

المال الأقرب: فالأقرب» قال، قلت: فالأخ لا يرث شيئاً؟! قال: «قد أخبرتك أنّ عليّاً (عليه

السّلام) كان يعطي المال الأقرب فالأقرب» «1».

و صحيحة البزنطي: عن ابن بنت و بنت ابن، قال: «إنّ عليّاً (عليه السّلام) كان لا يألو أن يعطي الميراث الأقرب» «2».

ثمّ إنّ كثيراً منهم «3» فرّعوا على ذلك أنّ الولد للصلب يحجب أولاد الأولاد مطلقاً و يمنع الأقرب منهم الأبعد، كما يحجب من يتقرّب بالأبوين أو أحدهما، و لا يشاركه سوى الأبوين و الزوجين.

و الأبوين أو أحدهما يحجب من يتقرّب بهما أو به.

و إذا عدم الأولاد و الآباء فالميراث للإخوة و الأجداد، يحجب الأقرب منهم الأبعد، فالأخ و الأُخت يحجبان أولادهما و الأقرب منهم الأبعد، كما يحجبان من يتقرّب بالأجداد، و الجدّ يحجب أباه كما يحجب أبوه أباه، و هكذا.

و إذا عدم الإخوة و الأجداد فينتقل الإرث إلى الأعمام و الأخوال، يحجب الأقرب منهم الأبعد، فيحجب كل منهما الأبعد صعوداً و نزولًا، فيحجب أولادَه (و أولاد) «4» الآخر، كما يحجب أولاد كلّ منهما أولادهم، و هكذا، و يحجب أعمامُ أحدهما و أخوالُه أولادَهم، كما يحجبون أعمام

______________________________

(1) الكافي 7: 91، 2، التهذيب 9: 270، 981، الوسائل 26: 105 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 5 ح 6.

(2) التهذيب 9: 318، 1144، الاستبصار 4: 168، 636، قرب الإسناد: 389، 1365، الوسائل 26: 113 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7 ح 9.

(3) كالعلامة في القواعد 2: 168، و الشهيد الثاني في المسالك 2: 309، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 287.

(4) في «س»: و أولاده، و في «ح»: أولاد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 120

الجدّ و أخواله و أولادهم، و هكذا إلّا في مسألة إجماعيّة.

و يحجب في الطبقتين الأخيرتين المتقرّب بالأبوين المتقرب بالأب مع التساوي في الدَّرَج.

و كلّ

من هؤلاء يحجب الوارث بالسبب سوى الزوجين، فيحجب النسب مطلقاً مولى النعمة، و هو ضامن الجريرة و الإمام (عليه السّلام).

أقول

: إنّ ما ذكروه من تفاصيل الحجب كثبوت حجب الأقرب للأبعد و إن كان صحيحاً كما يأتي بأدلّتها، و لكن في تفريع هذا التفصيل على حجب الأقرب للأبعد نظر.

بيانه: أنّ المراد بالأقرب إمّا ما كان أقرب عرفاً، فكون مثل ولد ولد ولد العم أقرب من عمّ الأب غير معلوم، و كذلك أقربيّة المتقرّب بالأبوين عن المتقرب بالأب دون الأُمّ.

أو ما كانت واسطته إلى الميّت أقلّ كما صرّح به بعضهم، فينتقض بحجب ولد ولد الولد للأخ و عدم حجب الأب له، و كذلك حجب ولد ولد ولد العمّ لعمّ الأب، و بالفرق بين المتقرّب بالأب و بالأُمّ و غيرها.

أو تكون الأقربيّة ملحوظة بالنسبة إلى الصنف الواحد دون صنفين مختلفين، كما ذهب إليه آخر، فلا يكون لتفريع حجب أحد الصنفين للآخر عليها وجه.

أو بالنسبة إلى صنفين مختلفين دون صنف واحد، بجعل درجات كلّ صنف متساوية في القرب بالنسبة إلى غيرهم، لكون كل منهم بمنزلة الرحم الذي يجرّه إليه، فلا يكون تفريع حجب الأقرب من صنف للأبعد منه عليها صحيحاً.

و القول بأنّ المراد منه الأقرب شرعاً و هو ما قدّمه الشارع في الإرث

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 121

من قبيل جعل الضابط عين المطلوب، و فساده ظاهر، على أنّ في كون من قدّمه أقرب من غيره مطلقاً نظر، فإنّ الثابت من الأخبار و الإجماع هو أنّ كل أقرب حاجب للأبعد، و أمّا أنّ كل من هو حاجب لغيره فهو أبعد منه فلا، فالصواب في الضبط هو الرجوع إلى الطبقات و الدرجات، كما مرّ.

و أمّا القسم الثاني: فهو من

حيث المفهوم و إن لم يختصّ بمواضع معيّنة، لثبوته في حقّ كلّ وارث لولاه لورث الآخر أزيد ممّا يرث معه، كحجب الزوج للأولاد عمّا زاد عن ثلاثة أرباع، و الأب لهم عمّا زاد عن خمسة أسداس، و للأُمّ عمّا زاد عن الثلثين، و هكذا.

و تخصيصه بالحجب عن بعض الفرض كما في الشرائع «1» خطأٌ، لأنّ حجب الولد للأب عمّا زاد عن السدس ليس حجباً عن بعض الفرض، مع أنّه عدّه من أقسامه.

و لكنّهم خصّوا استعماله بمواضع مخصوصة، تنقسم أوّلًا إلى قسمين: حجب الولد، و حجب الإخوة.

و الأوّل على قسمين: حجب الأبوين، و حجب الزوجين. أمّا الأوّل: فالولد و إن نزل يحجبهما عمّا زاد عن السدسين و أحدهما عمّا زاد عن السدس، كما يأتي، إلّا مع بنت واحدة الخالية عن الإخوة الحاجبة للُامّ مطلقاً، أو أكثر من الواحدة مع أحدهما، فإنّ نصيبهما أو نصيبه يزيد على السدس بسبب الردّ على المشهور، و فيه خلاف للإسكافي يأتي «2». و أمّا الثاني: فالولد أيضاً يحجب الزوجين عن النصيب الأعلى إلى الأخفض، فإنّ الزوج يرث لا معه النصف و معه الربع، و الزوجة لا معه الربع و معه

______________________________

(1) الشرائع 4: 18.

(2) في ص: 177.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 122

الثمن.

و الثاني فالإخوة يحجبون الامّ عمّا زاد عن السدس مطلقاً، سواء كان بالفرض أو الردّ، و حجبهم إيّاها عنه في الجملة ثابت بالإجماع و الكتاب و السنة،

[شروط حجب الإخوة]
اشاره

و لكنّه مشروط بأُمور:

الأول: أن لا يكونوا أقلّ من ذكرين

، أو ذكر و أُنثيين، أو أربع إناث، فلو كانوا أقلّ لا يحجبون.

أمّا الحجب مع الشرط فبالثلاثة: أمّا الإجماع فظاهر، و ادّعاه جماعة من الطائفة أيضاً «1».

و أمّا الكتاب فقوله سبحانه فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ «2».

و لفظ الإخوة و إن كان حقيقة في ثلاثة ذكور فصاعداً دون غيرهم، إلّا أنّه محمول على ما زاد عن الواحد مجازاً، لوجود القرينة من الإجماع و الأخبار.

و أمّا الأخبار فكثيرة جدّاً، كصحيحة محمد: «لا يحجب الامّ من الثلث إذا لم يكن ولد إلّا أخوان أو أربع أخوات» «3».

و مثله موثقة البقباق، و زاد في آخرها: «لأب و أُم، أو لأب» «4».

و صحيحته: «إذا ترك الميّت أخوين فهم إخوة مع الميّت حجبا الامّ عن الثلث، و إن كان واحداً لم يحجب الامّ، قال: و إذا كنّ أربع أخوات

______________________________

(1) كالسيد في الانتصار: 298، و الشيخ في الخلاف 4: 39، و ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 605.

(2) النساء: 11.

(3) الكافي 7: 92، 4، التهذيب 9: 282، 1019، الإستبصار 4: 141، 527، الوسائل 26: 121، أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 11 ح 4.

(4) الكافي 7: 92، 5، التهذيب 9: 281، 1017، الإستبصار 4: 141، 526، الوسائل 26: 120، ميراث الأبوين و الأولاد ب 11 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 123

حجبن الامّ من الثلث، لأنّهنّ بمنزلة الأخوين، و إن كنَّ ثلاثاً فلا يحجبن» «1».

و روايته عنه (عليه السّلام): قال: سألته عن أبوين و أُختين لأب و أُم هل يحجبان الامّ من الثلث؟ قال: «لا» قلت: فثلاث؟ قال: «لا» قلت: فأربع؟ قال: «نعم» «2».

و قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه: «فإن ترك أبوين و

أخوين أو أربع أخوات أو أخاً و أُختين، فللأُم السدس، و ما بقي فللأب» «3».

و الخبر المروي في الفقيه: «و لا يحجبها إلّا أخوان، أو أخ و أُختان، أو أربع أخوات لأب، أو لأب و أُم، و أكثر من ذلك؛ و المملوك لا يحجب و لا يرث» «4».

و رواية العياشي في تفسيره: «لا يحجب عن الثلث الأخ و الأُخت حتى يكونا أخوين أو أخاً و أُختين» الحديث «5».

و يظهر من الروايات الأخيرة و المنزلة المستفادة من الصحيحة الثانية أنّ الحصر في الروايات إضافيّ، و يدلّ عليه الإجماع أيضاً.

______________________________

(1) الكافي 7: 92، 2، التهذيب 9: 281، 1015، الإستبصار 4: 141، 524، الوسائل 26: 120 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 11 ح 1، مع تفاوتٍ يسير.

(2) الكافي 7: 92، 3، التهذيب 9: 281، 1016، الإستبصار 4: 141، 525، الوسائل 26: 120 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 11 ح 2.

(3) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 288، مستدرك الوسائل 17: 170 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10 ح 2.

(4) الفقيه 4: 198، 674، الوسائل 26: 123 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 13 ح 1.

(5) تفسير العياشي 1: 226، 52، الوسائل 26: 122 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 11 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 124

و أمّا عدم حجب الأقلّ، فللأصل، و عدم الدليل، و الأخبار المتقدّمة.

الثاني: أن لا يكونوا كفَرَةَ و لا أرِقّاء

، فلا يحجب الكافر و الرقّ إجماعاً محقّقاً و محكيّاً في الخلاف و المسالك و المفاتيح «1» و غيرها «2»، و هو الحجة مع المستفيضة، كصحيحة محمّد: عن المملوك و المشرك يحجبان إذا لم يرثا؟ قال: «لا» «3».

و موثقة البقباق: عن المملوك و المملوكة هل يحجبان

إذا لم يرثا؟ قال: «لا» «4».

و خبر حسن بن صالح: «المسلم يحجب الكافر و يرثه، و الكافر لا يحجب المؤمن و لا يرثه» «5».

و رواية الفقيه المتقدمة.

و في خبر آخر: «الكفّار بمنزلة الموتى لا يحجبون و لا يرثون» «6».

و القول باحتمال كون المراد فيها عدم حجب الكافر القريب المسلم البعيد حتى يكون المراد من الحجب حجب الحرمان لا حجب النقصان.

مردود بأنّ الحجب مطلق، و نفي المطلق إنّما هو نفي جميع أفراده،

______________________________

(1) الخلاف 4: 32، المسالك 2: 318، المفاتيح 3: 327.

(2) كالرياض 2: 353.

(3) التهذيب 9: 284، 1027، الوسائل 26: 124 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 14 ح 1.

(4) التهذيب 9: 282، 1021، الوسائل 26: 124 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 14 ح 3.

(5) الكافي 7: 143، 5، الفقيه 4: 244، 783، الوسائل 26: 124 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 15 ح 1، مع تفاوت يسير.

(6) الفقيه 4: 243، 778، الوسائل 26: 125 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 15 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 125

و منها حجب الإخوة، لصدقه عليه لغة، و إطلاقه عليه شرعاً، فالتقييد يحتاج إلى الدليل. و دعوى شيوعه في غيره ممنوعة، و لو سلّم فيجري مثله في الإخوة الحاجبة، بل فيها أولى ، لأنّها مطلقة و ليست بعامّة.

و يؤيّده في الرقّ ما في بعض الأخبار من أنّ الحجب لحصول التوفير على الأب، لأجل إنفاقه عليهم «1»، و الرقيق لا تجب نفقته عليه.

ثمّ المشهور اشتراط عدم كونهم قتلة، و الشيخ في النهاية و الديلمي لم يتعرضا له، و الصدوقان و العماني قالوا بعدم اشتراطه «2»، و هو الظاهر من الشيخ في النهاية «3»، و من الديلمي «4»،

و هو الظاهر من المسالك «5»، و استقربه في الكفاية «6»، و نفى عنه البأس في المختلف «7»، و تردد في الشرائع و المفاتيح «8»، و إن قال في الأوّل بظهور الأوّل ثانياً.

و الحق عدم الاشتراط، لإطلاق الإخوة في الآية «9»، و الرواية «10»، و عدم المعارض.

قيل: لا عموم في الإخوة في الآية و الرواية، لكونه جمع منكّر في

______________________________

(1) الوسائل 26: 116 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10.

(2) حكاه عنهم في المسالك 2: 318، و حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف: 743.

(3) النهاية: 629.

(4) المراسم (الجوامع الفقهية): 654.

(5) المسالك 2: 318.

(6) كفاية الأحكام: 293.

(7) المختلف: 743.

(8) الشرائع 4: 19، المفاتيح 3: 327.

(9) انظر ص: 121.

(10) انظر ص: 121 و 122.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 126

سياق الإثبات، فهو مطلق، و شموله لمثل الاخوة القتلة غير معلوم «1».

قلنا، أوّلًا: إنّه قد عبّر في رواية بكير الآتية في الشرط الثالث بالجمع المعرّف «2»، و هو يفيد العموم. و ثانياً: إنّه لا حاجة إلى عموم الإخوة، بل إطلاقه كافٍ. نعم يحتاج إلى ثبوت عموم تعليق الحكم بالمهية المطلقة، بأن يثبت أنّ هذا الحكم يترتّب على هذا المطلق في جميع أوقات وجوده؛ و هو هنا ثابت، لمكان أداة الشرط، سيّما في حسنة البقباق المتقدمة التي عبّر بلفظة «إذا» الظاهرة في العموم.

و دعوى عدم شمول الإخوة للإخوة القتلة بإطلاقه، بمعنى عدم صدقه عليه دعوى غريبة.

و يؤيّد [عدم «3»] الاشتراط أيضاً وجود العلّة المنصوصة، فإنّ الأخ لا يخرج بقتل أخيه عن عيال الأب.

للمشهور: نقل الإجماع في الخلاف «4»، و مشاركته لهما «5» في العلّة المقتضية، و هو وجود المانع من الإرث لو كان وارثاً.

قلنا: تحقّق الإجماع ممنوع، و

المنقول لا يفيد، لعدم كونه حجّة عندنا، كالشهرة؛ و العلّة غير صالحة للعلّية، و لو سلّم فمستنبطة لا يحكم بها من لا يقيس.

الثالث: حياة الأب

، وفاقاً للمعظم، و ظاهر المجمع ادّعاء الإجماع

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 354.

(2) انظر ص: 126.

(3) أضفناه لتصحيح المتن.

(4) الخلاف 4: 32.

(5) أي: للكافر و الرق.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 127

عليه «1».

و نَسَب المسالك القول بعدم الاشتراط إلى بعض الأصحاب «2» و إلى ظاهر الصدوق، حيث قال: لو خلّفت زوجها و أُمّها و إخوة فللأُمّ السدس و الباقي يردّ عليها «3». حيث أثبت لها الزائد بالردّ دون الفرض، و هو مذهب العامّة.

لنا بعد الأصل: رواية بكير عن الصادق (عليه السّلام)، قال: «الام لا تنقص من الثلث أبداً إلّا مع الولد و الإخوة إذا كان الأب حيّاً» «4».

و موقوفة زرارة المتصلة به بطريق صحيح، قال: «و إن مات رجل و ترك امّه و إخوة و أخوات لأب و أُم، و إخوة و أخوات لأب، و إخوة و أخوات لُام، و ليس الأب حيّاً، فإنّهم لا يرثون و لا يحجبونها» «5».

و يؤيّده أنّ علّة هذا الحجب توفير نصيب الأب، لأجل وجوب إنفاقه عليهم كما في الموقوفة: «و إنّما وفّر للأب من أجل عياله».

و في اخرى : «و حجَبها الإخوة للأب و الأُم و الإخوة من الأب، لأنّ الأب ينفق عليهم فوفّر نصيبه» «6».

و ضعف الروايتين غير ضائر، على أنّ الحكم لموافقته للأصل يستعني عن الدليل، و إنّما يحتاج إليه المخالف.

______________________________

(1) مجمع البيان 2: 15.

(2) المسالك 2: 318.

(3) الفقيه 4: 198.

(4) التهذيب 9: 282، 1020، الوسائل 26: 122 أبواب ميراث الأبوين ب 12 ح 1.

(5) الكافي 7: 91، 1، التهذيب 9: 280، 1013، الإستبصار 4:

145، 545، الوسائل 26: 123 أبواب ميراث الأبوين ب 12 ح 3.

(6) الكافي 7: 103، 6، الوسائل 26: 117 أبواب ميراث الأبوين ب 10 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 128

و قد يستدلّ له بالآية. و فيه نظر؛ لأنّ غاية ما يستفاد منها هو الحكم في صورة وجود الأب، و أمّا اشتراط وجوده فلا.

و يحتجّ لعدم الاشتراط بإطلاق أدلّة الحجب، و برواية زرارة: امرأة تركت امّها و أخواتها لأبيها و أُمّها، و إخوة لُام، و أخوات لأب، قال: «لأخواتها لأبيها و أُمّها الثلثان، و لأُمّها السدس و لإخوتها من أُمّها السدس» «1».

و روايته الأُخرى : «امرأة تركت زوجها و أُمّها، و إخوتها لُامّها، و إخوتها لأبيها و أُمّها، فقال: «لزوجها النصف، و لأُمّها السدس، و للإخوة من الامّ الثلث، و سقط الاخوة من الامّ و الأب» «2».

و الجواب أمّا عن الأوّل، فبأنّ الإطلاق في الجميع ممنوع، فإنّ الآية سياقها ظاهر في ثبوت الحجب فيما لو ورثه أبواه، المستلزم لوجود الأب.

سلّمنا عدم الظهور، و لكن نقول: إنّ لفظة الفاء في الجملة الشرطيّة إمّا رابطة الجزاء بالشرط، على أن يكون مجموع جملتي الشرط و الجزاء جزاءً للشرط المحذوف الّذي يدلّ عليه الشرط الأوّل، أو عاطفة.

فعلى الأوّل يحتمل اشتراطها بانتفاء الولد فقط و به مع أن يرثه أبواه، فلا يثبت الإطلاق.

و على الثاني فإمّا أن يكون مدخولها معطوفاً على الجملة الجزائية المحذوفة، شرطيّة كانت أو معطوفة، فتكون مخصوصة بما لو ورثه أبواه،

______________________________

(1) التهذيب 9: 320، 1149، الإستبصار 4: 146، 550، الوسائل 26: 150 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 1 ح 12.

(2) التهذيب 6: 321، 1152، الإستبصار 4: 146، 549، الوسائل 26: 150 أبواب ميراث الإخوة و

الأجداد ب 1 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 129

أو على الشرطيّة المذكورة، و حينئذ فيحتمل أن يكون تقديرها: فإن كان له إخوة و ورثه أبواه، فتكون مخصوصة أيضاً، و يحتمل عدم تقدير المعطوف فتكون مطلقة و إن كان الظاهر هو الأخير. و التخصيص بالأوّل كما في المجمع «1» لا وجه له؛ و لكن ظهوره في هذه الصورة مع جريان الاحتمالات المذكورة غير كافٍ في الاستدلال.

و أما الروايات «2» فالأخيرتان منها خاصّتان، و البواقي و إن كانت مطلقة إلّا أنّها مقيدة، لوجود المقيِّد.

و أمّا عن الروايتين، فبأنّهما لاشتمالهما على الحكم بتوريث الإخوة مع الامّ صريحتان في كونهما واردتين مورد التقية، فيلزم حمل الحكم بحجب الإخوة فيهما أيضاً عليها، لاتّفاق العامّة على عدم اشتراط وجود الأب، كما صرّح به في المجمع.

و أمّا حملهما على إلزام الأُم على معتقدها، فإنّما يصحّ لو كان السؤال فيهما عن واقعة محقّقة، و الظاهر أنّ السؤال عن المقدرة، فلا معنى للإلزام على المعتقد، مع عدم كون السائل منهم.

هذا، و لا يخفى أنّه لا يترتب على هذا الخلاف ثمرة، لأنّ المخالف يخصّص الحجب حينئذ بالفرض دون الردّ، فعلى القولين ترث الامّ السدس مع الولد، و يردّ عليهما إذا كان هناك ردّ، و ترث الجميع مع عدمه؛ نعم يتفاوت الفرض في الأخير على القولين، فتظهر الفائدة فيما لو صالحت

______________________________

(1) قال في المجمع: قال أصحابنا إنما يكون لها السدس إذا كان هناك أب، و يدلُّ عليه ما تقدمه من قوله: و ورثه أبواه، فإنّ هذه الجملة معطوفة على قوله: فإن لم يكن له ولد و ورثه أبواه فلأُمه الثلث، و تقديره فإن كان له إخوة و ورثه أبواه فلأُمه السدس (منه رحمه

اللَّه). راجع مجمع البيان 2: 15.

(2) عنى بها الروايات المتقدمة في ص 121 و 122.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 130

فرضها لغيرها أو نذرته، إلّا أن يقال: إنّ تخصيص المخالف الحجب بالفرض عند انتفاء الولد، و أمّا معه فتُحجب عنهما، لمكان من يُردّ عليه.

الرابع: كونهم من الأب و الأُمّ، أو من الأب

، فلا تَحجب كلالة الأُم، و لا أعرف فيه خلافاً بين الأصحاب، و الإجماع عليه منقول في الانتصار و المسالك و المفاتيح «1»، و خالفنا العامّة في ذلك «2».

لنا: انتفاء العلّة المنصوصة، و موثقة البقباق: «لا يَحجب الامَّ عن الثلث إلّا أخوان أو أربع أخوات، لأب و أُم، أو لأب» «3».

و موثقة عبيد بن زرارة: «إنّ الإخوة من الام لا يحجبون الامّ عن الثلث» «4».

و في رواية زرارة: «و يحك يا زرارة، أُولئك الإخوة من الأب، فإذا كان الإخوة من الام لم يحجبوا الامّ عن الثلث» «5».

و في رواية إسحاق بن عمار بعد سؤاله عن رجل مات و ترك أبويه و إخوة لُام: «اللَّه سبحانه أكرم من أن يزيدها في العيال، و ينقصها من الميراث الثلث» «6».

______________________________

(1) الانتصار: 298، المسالك 2: 318، المفاتيح 3: 327.

(2) انظر المغني و الشرح الكبير 7: 22.

(3) الكافي 7: 92، 5، التهذيب 9: 281، 1017، الإستبصار 4: 141، 526، الوسائل 26: 120 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 11 ح 3.

(4) الكافي 7: 93، 6، التهذيب 9: 281، 1018، الوسائل 26: 116 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10 ح 1.

(5) الكافي 7: 93، 7، التهذيب 9: 280، 1014، الوسائل 26: 117 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10 ح 2.

(6) التهذيب 9: 284، 1026، الوسائل 26: 118 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10

ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 131

و قول زرارة في موقوفته: «و أمّا الإخوة لأُم ليسوا للأب فإنّهم لا يحجبون الامّ عن الثلث» «1».

و في أُخرى: «فأمّا الإخوة من الامّ فليسوا من هذا في شي ء، فلا يحجبون امّهم من الثلث» «2» إلى غير ذلك.

الخامس: انفصالهم

، فلا يَحجب الحمل و لو بكونه متمّماً للعدد، وفاقاً للمشهور كما في المسالك و الروضة و الكفاية «3».

و ظاهر الدروس عدم الاشتراط «4»، حيث جعل عدم حجبه قولًا مؤذناً بتمريضه، و تردّد في الشرائع أوّلًا و إن جعل المشهور الأظهر ثانياً «5».

لنا: أصالة عدم الحجب، فيقتصر فيه على موضع اليقين، و هو فيما وجد مَن يُطلق عليه اسم الإخوة حقيقة يقيناً، و إطلاقه على الحمل غير معلوم و لو كان ذكراً، بل نفى الإطلاق في الروضة «6»، فيكون باقياً على الأصل.

فإن قيل: ثبوت السدس للُامّ مطلقاً يقينيّ، و الأصل عدم الزيادة، خرج ما إذا لم يكن هناك ولد و لا حمل و لا إخوة بالدليل فيبقى الباقي، و أصالة عدم الحجب إنّما هي فيما علم ثبوته لها.

______________________________

(1) الكافي 7: 92، ذ. ح 1، التهذيب 9: 280، 1013، الوسائل 26: 117 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10 ح 4.

(2) الكافي 7: 104، ذ. ح 6، الوسائل 26: 117 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10 ح 3.

(3) المسالك 2: 318، الروضة 8: 63، الكفاية: 293.

(4) الدروس 2: 357.

(5) الشرائع 4: 19.

(6) الروضة 8: 63.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 132

قلنا: المخرج «1» مطلق، فلا يقيّد إلّا بمقيّد معلوم.

و قد يستدلّ له أيضاً: بالشك في وجود الإخوة، لاحتمال كونه أُنثى. و بانتفاء العلّة، و هي وجوب الإنفاق. و

بقول الصادق (عليه السّلام) في رواية العلاء: «إنّ الطفل و الوليد لا يَحجب و لا يرث إلّا من اذن بالصراخ» «2».

و يضعّف الأوّل: بإمكان حصول اليقين بحصول العدد المعتبر كثيراً «3»، و بالانكشاف بعد الانفصال.

و الثاني: بمنع العلّية أوّلًا، و إلّا لما حجب الإخوة الأغنياء و حجب أولاد الإخوة الفقراء، و إنّما يتمسّك بها في مقام التأييد. و بمنع انتفائها ثانياً، كيف؟! و قد أفتى الشيخ بثبوت النفقة للحمل «4».

و الثالث: بأنّ القيد المتعقب للجمل المتعاطفة و إن كان راجعاً إلى الأخير على الأظهر، إلّا أنّ القرينة قائمة هنا على رجوع الاستثناء إلى الجملتين، و إلّا للزم عدم حجب الصبي ما لم يبلغ حدّ الكمال، و لم يقل به أحد؛ و إذا رجع إليهما يلزم ثبوت الحجب للحمل بعد انفصاله حيّاً، بمعنى أن يجعل الحجب مراعي إلى أن يظهر الحال، كما في إرثه، إلّا أن يقال: إنّ الثبوت في الإرث مستفاد من دليل آخر، فتأمل.

للمخالف: أصالة عدم اشتراط الانفصال. و عموم أدلّة الحجب.

قلنا: أصالة عدم الاشتراط إنّما تكون بعد ثبوت المقتضي، و ثبوته

______________________________

(1) أي مُخرج ما إذا لم يكن هناك ولد و لا حمل و لا إخوة. (منه رحمه اللَّه).

(2) الفقيه 4: 198، 674، التهذيب 9: 282، 1022، الوسائل 26: 123 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 13 ح 1.

(3) كما إذا كان هناك أربع نسوان حاملات، أو ثلاث نسوة مع وجود بنت، أو اثنتين مع وجود ابن أو بنتين، أو واحدة مع وجود ثلاث بنات (منه رحمه اللَّه).

(4) المبسوط 6: 21.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 133

غير ثابت. و عموم الأدلّة ممنوع.

السادس: كونهم أحياءً عند موت المورّث

، فلو كان بعضهم ميّتاً عنده أو كلّهم، لم يحجب، و

وجهه ظاهر.

فروع:
أ: أولاد الإخوة لا يقومون مقام آبائهم

في هذا الحكم، فهم لا يحجبون؛ للأصل، و عدم صدق الاخوة عليهم.

ب: الحكم في الخنثى الواضح واضح، و في المشكل مشكل

. فقيل بالقرعة؛ لأنّها لكلّ أمر مشكل «1». و قيل كالأُنثى ، فيعتبر عددها؛ لاحتمال أن يكون أُنثى، فلا يخرج عن الأصل إلّا مع القطع بالحاجب، و هو لا يحصل هنا إلّا باعتبار عدد الانثى «2»، و هو الأقوى .

ج [هل الغائب يحجب ما لم يقض بموته؟]

قال في الدروس: و الأقرب أنّ الغائب يحجب ما لم يقض بموته «3».

و هو كذلك: لأنّه مقتضى استصحاب الحياة؛ و لأنّ ثبوت الحجب قبل الغيبة لو مات أخوه يقينيّ فيستصحب؛ و لأنّ انتقال الزائد عن السدس إلى الأُم مشروط بموت الغائب حين موت أخيه، للعلم بحياته أوّلًا، و العلم بالمشروط مشروط بالعلم بالشرط، و هو منتف. و المعارضة باشتراط الحجب بالعلم بالحياة و هو غير معلوم قد مرّ دفعها.

ثمّ إنّه إذا بان موته قبل موت الأخ يردّ الزائد عن السدس إلى الأب؛

______________________________

(1) انظر الدروس 2: 357.

(2) انظر المسالك 2: 318.

(3) الدروس 2: 357.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 134

لانكشاف عدم الشرط.

د: لو مات أخوان و لهما أبوان و أخ، و لم يعلم المتقدم

، فقال في الدروس: الظاهر عدم الحجب «1». و به حكم في الروضة «2»؛ و وجهه أنّ حجب كلّ منهما مشروط بتأخر موته، و هو غير معلوم، و استصحاب حياته كأصالة تأخر الحادث معارض بالمثل في الآخر. و هو حسن، إلّا أنّه يشكل فيما إذا كان لهما مال مشترك بينهما، فإنّ الامّ محجوبة عن نصف سدسه قطعاً، لأنّ موت أحدهما متأخر لا محالة فيحجب.

ه: لو مات أخوان غرقاً و معهما أبوان و أخ

، فتوقّف في الدروس، من حيث إنّ فرض موت كل منهما يستدعي كون الآخر حيّاً فيتحقّق الحجب، و من عدم القطع بوجوده، و الإرث حكم شرعيّ، فلا يلزم منه اطّراد الحكم الحياة «3». و الحقّ عدم الحجب، كما في الروضة «4»؛ للشكّ، و الوقوف فيما خالف الأصل على مورده.

و: [ثبوت حجب الإخوة عن الردّ أيضاً]

لا أعرف خلافاً بين الأصحاب في ثبوت حجب الإخوة عن الردّ أيضاً، كحجبهم عن الفرض، كما في أبوين و ابنة. و الأدلّة قاصرة عن إفادته، و سيأتي تحقيقه.

______________________________

(1) الدروس 2: 357.

(2) الروضة 8: 64.

(3) الدروس 2: 357.

(4) الروضة البهية 8: 64.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 135

المقدمة الخامسة في تفصيل السهام المنصوصة، و بيان أهلها، و ما يلحق به
اشاره

اعلم أنّ السهام المنصوصة ستة: النصف، و الربع، و الثمن، و الثلثان، و الثلث، و السدس. و بعبارة اخرى : النصف و نصفه و نصف نصفه، و الثلثان و نصفهما و نصف نصفهما. و بثالثة: الربع و الثلث و ضعف كلّ و نصفه. و بيان موضع كل منها و إن يأتي بدليله، إلّا أنّا نذكر هنا إجمالًا لبيان بعض متفرعاتها.

ثمّ أهل هذه السهام ثلاثة عشر:

فالنصف لثلاثة

: لزوج مع عدم الولد للزوجة و إن نزل، قال اللَّه سبحانه وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ «1».

و البنت المنفردة، قال تعالى وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ «2».

و الأُخت المنفردة لأب و أُم، أو للأب مع عدمها، قال عزّ من قائل وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ «3».

و تقييد البنت و الأُخت بالانفراد كالأخيرة بكونها لأب و أُم أو لأب مستفاد من الخارج كما يأتي.

و الربع لاثنين

: الزوج مع الولد للزوجة و إن نزل، سواء كان منه أو من

______________________________

(1) النساء: 12.

(2) النساء: 11.

(3) النساء: 176.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 136

غيره، قال تعالى فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ «1».

و الزوجة لا مع الولد للزوج كذلك، قال تعالى وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ «2».

و الثمن لواحد

: الزوجة معه، قال سبحانه فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ «3».

و

لا فرق في الزوجة في المقامين بين الواحدة و المتعددة، فالمتعددة مطلقاً يرثن الربع أو الثمن، و تقسيمه بينهن على عددهن سواء.

و الثلثان لاثنين

: البنتين فصاعداً إذا انفردن من الإخوة. و هذا إما بناءً على ما ذهب إليه الأكثر «4»، من استفادة حكم البنتين من الآية على ما يأتي، أو على عدم تخصيص السهام بالمنصوصة في الكتاب، و إلّا فالصواب جعل الثلثين سهم ثلاث بنات فصاعداً.

و الأُختين فصاعداً لأب و أُم، أو لأب مع عدمهما، قال سبحانه فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ «5».

و هذا أيضاً بناءً على أنّ المراد في الآية اثنتان فأكثر، أو عدم تخصيص السهام بالمنصوصة في الكتاب، و إلّا فالصواب التخصيص بالأُختين.

و الثلث لاثنين

: الامّ مع عدم الحاجب و الولد و إن نزل، قال تعالى شأنه فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ

______________________________

(1) النساء: 12.

(2) النساء: 12.

(3) النساء: 12.

(4) كما في الشرائع 4: 20، و القواعد 2: 168، و الدروس 2: 338، و المسالك 2: 319.

(5) النساء: 17.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 137

فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ «1».

و الأكثر من واحد من ولدها، قال سبحانه فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ «2» و التخصيص للمخصّص.

و السدس لثلاثة

: الأب مع الولد.

و الأُمّ معه أو بدونه مع الإخوة الحاجبة، قال تعالى وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ «3».

و الواحد من كلالة الأُم مطلقاً، قال عزّ شأنه وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ «4».

و قد يجعل مواضع السهام خمسة عشر، بجعل كلّ من الأُخت و الأُختين قسمين: ما يتقرب بالأبوين و ما يتقرّب بالأُم خاصة

مع عدم المتقرّب بالأبوين.

ثمّ إنّ هذه الفروض منها ما يجتمع شرعاً، و منها ما لا يجتمع، إمّا لامتناع الوقوع، أو لاستلزامه العول. و الاجتماع يكون ثنائيّاً، أو ثلاثيّاً، أو رباعيّاً، و أمّا الأزيد فلا يمكن. ثمّ الثلاثة ليست بحيث يمكن بجميع أقسامها بل منها ما يمتنع و منها ما يجتمع.

و القانون الكلّي في معرفة الممكن و الممتنع هو أنّه إذا كانت السهام سهاماً لجماعة يمتنع اجتماعهم إرثاً أو وجوداً أو سهماً مخصوصاً، أو لزم من اجتماعها زيادة السهام على الفريضة يعني لو رفعت كسور السهام

______________________________

(1) النساء: 11.

(2) النساء: 12.

(3) النساء: 11.

(4) النساء: 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 138

حصل الزائد عن الواحد امتنع الاجتماع، و إلّا جاز.

و أمّا الجائز من أقسام الثنائي و هي واحد و عشرون بعد حذف المكرّرات من الستّة و الثلاثين التي هي حاصل ضرب الستّة في نفسها، و هي خمسة عشر ثلاثة عشر، و الممتنع منها ثمانية. و المتكفل لبيانها هذا الجدول:

النصف النصف الثلثان الثلث الربع السدس الثمن النصف زوج و أُخت للأب مكرّر مكرّر مكرّر مكرّر مكرّر الثلثان ممتنع ممتنع مكرّر مكرّر مكرّر مكرّر الثلث زوج و أُم مع عدم الحاجب اختان للأب و أُختان للُام ممتنع مكرّر مكرّر مكرّر الربع زوج و بنت زوج و بنتان زوجة و أُم مع عدم الحاجب ممتنع مكرّر مكرّر السدس زوج و واحدة من ولد الأُم أُم و بنتان ممتنع زوج و أُم و ولد ذكر أب و أُم مع ولد مكرّر الثمن زوجة و بنت زوجة و بنتان ممتنع ممتنع زوجة و أُم و ولد ممتنع

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 139

و أمّا الجائز من أقسام الثلاثي و هي خمسة

و خمسون بعد حذف المكرّرات من مائتين و ستة عشر التي هي حاصل ضرب الستة في الستة و الثلاثين سبعة:

1 اجتماع النصف و الربع و السدس، كزوجة و أُخت لأب و أُخت لُام.

2 النصف و السدس و السدس، كبنت و أُم و أب.

3 النصف و السدس و الثمن، كبنت و أحد الأبوين و زوجة.

4 الثلثين و السدس و السدس، كبنتين و أب و أُم.

5 الثلثين و السدس و الثمن، كبنتين و أحد الأبوين و زوجة.

6 الربع و السدس و السدس، كزوج و أب و أُم مع الولد.

7 السدس و السدس و الثمن، كأب و أُم و زوجة مع الولد.

و الممتنع منها ثمانية و أربعون.

و أمّا الجائز من أقسام الرباعي و هي ألف و مائتان و ستة و تسعون مع المكررات، التي هي حاصل ضرب الستة في مائتين و ستة عشر واحد، و هو اجتماع النصف و السدس و السدس و الثمن، كبنت، و أب، و أُم، و زوجة. و البواقي إمّا مكررة أو ممتنعة.

و لا يخفى أنّ المراد اجتماع هذه السهام فرضاً لا قرابة، و إلّا فكثير من الأقسام الممتنعة ممكنة في القرابة.

هذا، و اعلم أنّه إذا وجد وارث ذو فرض أو أكثر، فإمّا يكون معه مساوٍ لا فرض له، أو لا يكون، و على التقديرين فإمّا تكون التركة مساوية للفروض أو أزيد أو أنقص فهذه ستة أقسام: اثنان منها ممتنعان وقوعاً، و هما: أن يكون مع ذوي الفروض مساوٍ لا فرض له و نقصت التركة عن فروضهم، أو ساوتها.

و حكم اثنين منها واضح، و هما: أن تزيد التركة عن الفروض و كان هنا مساوٍ لا فرض له فإنّ الزائد له بالقرابة بلا خلاف؛ أو

ساوتها و لم يكن

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 140

هناك مساوٍ، فيعطى كلّ ذي فرض فرضه.

بقي اثنان آخران، أحدهما: أن تزيد التركة عن الفروض و لم يكن مساوٍ لا فرض له: و ثانيهما: أن تنقص التركة عنها. و قد وقع الخلاف في حكمهما بين الفريقين و نحن نشير إلى حكمهما في مسألتين:

المسألة الأُولى : إذا زادت التركة عن السهام و لم يكن مساوٍ

لا فرض له ردّ الزائد إلى ذوي الفروض على التفصيل الآتي عندنا، و العامّة ذهبوا فيه إلى التعصيب، أي يعطون الزائد العَصَبة «1».

و اعلم أوّلًا أنّه لمّا كان بناؤهم في مطلق التوريث على التعصيب و كان ذلك- أي إعطاء الزائد عن الفرض للعصبة أيضاً من شعبه خلط جمع من فقهائنا في مقام الردّ عليهم بين أدلّة بطلان أصل التعصيب و بين أدلّة بطلان ردّ الزائد إلى العصبة، لاشتراكهما في كثير من الأدلّة، و لذلك تحصل كثيراً ما شُبه لغير المتعمقين. و قد أحسن في الانتصار، حيث عنونهما بعنوانين «2».

و نحن نبيّن أوّلًا طريقة توريثهم و قسمتهم إجمالًا، ثمّ نبيّن موضع مخالفتهم معنا، ثمّ نورد ما يقتضيه المقام من الأدلّة.

فنقول: إنّ طريقهم في التوريث أنّهم يقسّمون الورثة أوّلًا إلى قسمين: الرجال و النساء.

فالوارث من الرجال عندهم عشرة: الأب، و أبوه و إن علا، و الابن، و ابن الابن و إن نزل، و الأخ، و ابن الأخ لا من الام، و العمّ لا من الام، و ابنه، و الزوج، و المعتق. و لا يرث عندهم غير هؤلاء من الرجال، فلا يرث ابن البنت، و أب الام، و ابن الاخت، و ابن الأخ من الام، و الخال، و ابن الخالة، و العمّ من الام.

______________________________

(1) انظر المغني و الشرح الكبير 7: 20.

(2) الانتصار: 277.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 19، ص: 141

و من النساء سبعة: الأُمّ، و البنت، و بنت الابن و إن سفلت، و الجدّة، و الأُخت، و الزوجة، و المعتقة. و لا يرث عندهم غيرهنّ من النساء، فلا ترث بنت بنت، و بنت أخ، و بنت أُخت، و بنت عمّ، و عمّة، و خالة.

ثمّ يقسّمون هؤلاء إلى قسمين: أصحاب الفروض، و العَصَبات. فمن كان له سهم مقدّر من السهام الستّة فهو من أصحاب الفروض، و من لم يكن له سهم مقدّر فهو من العصبات، و من كان له سهم في حالة و لم يكن له في أُخرى فهو ذو الحالتين.

و الرجال كلّهم عندهم من العصبات، إلّا الأب و الجد، فإنّهما ذوا الحالتين؛ و الأخ من الام و الزوج، فإنّهما ذوا فرض دائماً.

و أمّا النساء فثلاثة منهنّ عندهم ذوات فرض دائماً، الام و الزوجة و الأُخت من الام؛ و واحدة عَصَبة كذلك و هي المعتقة؛ و البواقي ذوات فرض تارة و عصبات اخرى ، فالبنت عَصَبة إن كان لها أخ و ذات فرض إن لم يكن، و كذا بنت الابن و الجدّة عَصَبة مع الجد أو الأخ و ذات فرض منفردة، و الأُخت لا من الام عصبة مع البنت أو الأخ و ذات فرض بدونهما. و يقولون: إنّ هؤلاء النساء لسن بعصبة، بل يُعصَبن بغيرهنّ، فالابن يَعصب البنت، و ابن البنت بنت الابن، و الجد أو الأخ الجدّة، و البنت أو الأخ الأُخت.

فالعصبات عندهم ثلاثة أقسام: العصبات بأنفسهم، و هم الذكور من العصبات. و العصبة بواسطة عصبة، و يسمّونه العصبة بغيره، و هي أربعة من النساء: البنت، و بنت الابن، و الأُخت من الأبوين، و الأُخت من الأب. و العصبة بواسطة غير

عصبة و يسمّونه العصبة مع غيره، و هي اثنتان منهنّ: الأُخت من الأبوين، و الأُخت من الأب.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 142

و أمّا طريق توريثهم هؤلاء: فهو أنّه إن لم يكن ذو فرض فيعطون التركة العصبات الأقرب فالأقرب، فيبدؤون بالابن أو هو و البنت، ثمّ ابن الابن أو هو و أُخته، ثمّ أبوه أو هو و الجدّة و الإخوة بدون الأخوات أو معها، ثمّ الأخ من الأبوين، ثمّ الأخ من الأب كلاهما مع الأُخت العصبة أو بدونها، ثمّ ابن الأخ من الأبوين، ثمّ ابن الأخ من الأب، ثمّ العمّ من الأبوين، ثم العمّ من الأب، ثمّ ابن العمّ من الأبوين، ثمّ ابن العمّ من الأب و إن سفل، ثمّ عمّ الأب من الأبوين، ثمّ من الأب، و هكذا، ثمّ المعتق أو المعتقة، ثمّ بيت المال إن انتظم، و إلّا فأُولو الأرحام، الذين ليسوا بذوي فرض و لا عصوبة.

و إن كان ذو فرض فيقدّم الأقرب منه على الأبعد و على جميع العصبات، و يأخذ فرضه. فإن ساوى فرضه التركة أو زاد عليها فهو، و إن نقص فيعطون الزائد على العصبة ذكراً كان أم أُنثى الأقرب فالأقرب، و لا يعطونه ذا فرض آخر إذا لم يكن عصبة، فإن لم يكن عصبة نقل إلى بيت المال إن انتظم، و إلّا فردّ إلى ذوي الفروض على نسبة فروضهم غير الزوجين.

هذه خلاصة طريقتهم في الفرائض، و ظهر منها أنّ مخالفتهم مع الإماميّة في التوريث كلية في أمرين:

أحدهما: إعطاء الميراث للعصبة و أصحاب الفروض مع مراعاة الأقربيّة بينهم، و حرمان جمع من الأقربين مع أقربيّتهم ذكوراً و أُناثاً من التركة مطلقاً، و يسمّى بالتعصيب، و الإماميّة لا يحرمون شيئاً

من الأقرباء، بل يقولون بكون الجميع وارثاً و إن كان بعضهم حاجباً لبعض، و الأقربيّة ملحوظة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 143

و ثانيهما: إعطاء الزائد من الفروض للعصبة، دون أصحاب الفروض. و الإمامية يذهبون إلى الردّ إليهم. و به قال: جمع من العامّة أيضاً «1»، و رووها عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) و ابن عباس و ابن مسعود «2».

و قد ذكر أصحابنا لبطلان كلّ من الأمرين وجوهاً كثيرة لا فائدة في ذكرها، و كثير منها ممّا يتطرّق الخدش فيها، و اعتمادنا في بطلانهما على الإجماع القطعي الكاشف عن قول الحجّة، بل الضرورة المذهبيّة، و الأخبار المستفيضة، بل المتواترة معنى عن أئمتنا الطاهرين، مضافة إلى أخبار مرويّة في طرقهم. و منها الأخبار المتكثرة الدالّة على لزوم تقديم الأقرب فالأقرب، و أنّ العصبة في فيه التراب. و خصوص الأخبار الواردة في جزئيّات المسائل، كما يأتي.

و قد يستدلّ عليه أيضاً بقوله تعالى لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ «3» الآية. و بقوله (صلّى اللَّه عليه و آله): «من ترك مالًا فلأهله» «4» «5».

و هاهنا إشكال: و هو أنّ أخبار توريث الأقرب و إن أبطلت التعصيب، لدلالتها على توريث الأقرب مطلقاً و إن لم يكن عصبة، و لكنّها غير ملائمة لما ذهب إليه أصحابنا، و ذلك لأنّ المراد بالأقرب إن كان ما كان أقلّ واسطة كما قال بعضهم، يلزم أن لا يرث أولاد الابن مع الأب، و لا أولاد الإخوة مع الجدّ، و لا ابن ابن الأخ مع العمّ. و إن كان ما كان عرفاً يلزم حجب العمّ

______________________________

(1) كما في بداية المجتهد 2: 344.

(2) المغني و الشرح الكبير 7: 7.

(3) النساء: 7.

(4) مسند أحمد 2: 287، سنن

أبي داود 3: 137، 2954، سنن ابن ماجة 1: 17، 45.

(5) في «س» زيادة: و احتج الخصم بروايات العصبة الآتية، و يأتي جوابها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 144

لابن ابن ابن الأخ، و عمّ الأب لابن ابن ابن العمّ، و كذلك في أقربيّة المتقرّب بالأبوين عن المتقرّب بالأب دون الام. و لا يمكن أن يكون المراد الأقرب شرعاً، لفقد الحقيقة الشرعيّة، و إرادة من قدّمه الشارع في الإرث لا معنى محصل له، سيّما في بعض الأحاديث التي سأل فيه عمّن يرث، على أنّه لو كان المراد لما بطل التعصيب بها، إذ للخصم أن يقول: إنّ العصبة هي الأقرب، لتقديم الشارع إيّاها في الإرث.

و يمكن دفعه بوجهين، الأوّل: أنّ المراد بالأقرب أحد الأوّلين، و لكنّ العام يخصّ مع وجود المخصّص، فخصّت هذه الأخبار بما دلّ على حجب من ليس أقرب للأقرب. و الثاني: أنّه ثبت بنص الشارع أنّ أولاد كلّ صنف قائمون مقام آبائهم و بمنزلتهم، و لا شكّ أن آباء من ذكر أنّه أبعد ممّن حُجب به أقرب من المحجوب، و أولادهم بمنزلتهم، فيجب توريث الأولاد لا محالة.

و قد يوجّه أيضاً بأنّ أولاد كلّ صنف إنّما يرثون سهم آبائهم، فهم ورثة لآبائهم لا للميّت، و لا شكّ أنّهم أقرب إلى آبائهم من غيرهم.

و قد نقل في الكافي عن يونس وجهاً آخر «1» ما حصل لي منه معنى محصلًا، إلّا أن يرجع إلى الأخير.

و احتج الخصم «2»: بأنّه لو شرّع توريث ذوي الفروض أكثر من فرضهم و جاز إعطاء الجميع عند الانحصار و عدم القصر على الفرض لكانوا مثل غيرهم، فوجب بيان إرثهم على نحو يدلّ على ذلك دون القصر و الفرض كما في غيرهم،

و لمّا قصر و فرض دلّ على أنّه لا يجوز التعدّي عنه.

______________________________

(1) الكافي 7: 115.

(2) كما في الانتصار: 291، الخلاف 4: 64، المسالك 2: 321.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 145

و بأنّه لو ورث ذوو الفروض زيادة عن فروضهم لبيّنه اللَّه سبحانه.

و بأنّه لو لم يكن نصيبهم مقصوراً لما كان في القصر فائدة.

و بقوله تعالى إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ الآية «1»، حيث حكم بتوريث الاخت النصف، و الأخ الجميع، فلو ورثت الأُخت الجميع لم تكن للتفرقة ثمرة.

و بقوله تعالى فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا. يَرِثُنِي «2» حيث سأل الولي الذي هو الذكر مخافة توريث العصبة، فلو كانت الأُنثى تمنعها لما كان في التخصيص فائدة.

و ببعض روايات يروونها عن طريقهم.

و أُجيب عن الأوّل «3»: بأنّ الفرض لو دلّ على أنّه لا يجوز التعدّي عنه بالزيادة لدلّ على عدم جواز التعدّي عنه بالنقصان، لاشتراكهما في مخالفة الفرض، بل النقصان أولى ، لمنافاته الفرض، بخلاف الزيادة، لتحقق الفرض معها، ففيها إعمال الدليلين، و فيه طرح دليل الفرض، و لكن يجوز النقص باعتراف الخصم كما في العول، فما المانع من الزيادة؟

و بأنّ آيات الفرض معارضة بآية اولي الأرحام، فيجب الجمع، و هو يحصل بالردّ بالأقرب، لأنّ الاولى لا تدلّ صريحاً على المنع من الردّ، و إنّما تدلّ عليه بمفهوم اللقب، الذي هو من أضعف المفاهيم، و الثانية تدلّ على الردّ صريحاً، فيجمع بالأخذ بصريحتهما.

و بأنّه لا بد من ردّ الفاضل على شخص بدليل، و دليل الردّ على

______________________________

(1) النّساء: 176.

(2) مريم: 5 و 6.

(3) كما في كنز العرفان 2: 336، المسالك 2: 321.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 146

العَصَبة باطل، فتعيّن الردّ إلى ذوي الفروض بالإجماع المركب.

و

يرد على الأوّل: أنّ النقص إنّما هو ممّا لا بد منه، لأنّه لا يكون إلّا فيما لا تفي التركة بالفروض و حينئذ لا مفرّ منه، و الأمر بعدم النقص حينئذ أمر بما لا يطاق، فيعلم أنّ النقص جائز و لم يُردّ الفرض حينئذ، بخلاف الزيادة، فإنّها ليست كذلك.

و على الثاني: أنّه إنّما يتمّ لو سلّم الخصم أنّ المراد بآية اولي الأرحام الأقرب فالأقرب مطلقاً، و هو غير معلوم، فإنّ له أن يقول: إنّ المراد بالبعضين إمّا مطلق البعض، أي بعض اولي الأرحام أيُّ بعض كان أولى ببعض من غيرهم، كما في قوله تعالى وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً «1» و قول القائل: قتل الحِزبان بعضهم بعضاً، أو بعضاً خاصّاً. و على التقديرين لا تدلّ على أولويّة كلّ أقرب على الوجه المخصوص. و قول الخصم بمنع الأقرب من العصبة للأبعد لا يدلّ على قوله بمنع كلّ أقرب و لو لم يكن عصبة كالبنت و الأُخت له.

و القول بأنّهم يقولون في الوارث بآية اولي الأرحام إنّ الأقرب منهم يمنع الأبعد، إن أُريد أنّهم يقولون بمنع الأقرب من اولي الأرحام مطلقاً فهو ظاهر البطلان، لتصريحهم بخلاف ذلك في التعصيب، و إن أُريد أنّهم يقولون بمنع الأقرب منهم على وجه مخصوص عندهم فلا يفيد.

و على الثالث: أنّ بطلان دليل الردّ على العصبة إنّما يوجب عدم تعيين الردّ عليهم و لا يوجب الردّ على ذوي الفروض. على أنّ هذا لو تمّ لكان بالدليل على الردّ على ذوي الفروض أشبه من الجواب عن دليل

______________________________

(1) الحجرات: 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 147

الخصم كما لا يخفى .

فالصواب أن يجاب: بأنّ شرعية توريث ذوي الفروض أكثر من فرضهم لا توجب كونهم مثل غيرهم

مطلقاً، لوجود الفرق في جانب النقص، فإنّهم لا ينقص عن نصيبهم شي ء بازدياد الورثة مهما أمكن، إلّا إذا خرج عن كونه ذا فرض، كالبنت و الأُخت، بخلاف غيرهم. و كونهم مثله في جانب الزيادة في بعض الصور لا يقتضي بيان الفرض و الزيادة بكلام واحد، فإنّهما حكمان يجوز بيان كلّ منهما منفرداً، فبيّن الفرض بآياته و الزيادة بغيرها كآية اولي الأرحام أو السنّة. و ذكر الفرض لا دلالة له على عدم جواز الزيادة إلّا بمفهوم اللقب الذي لا حجّية فيه أصلًا، نعم يدل على عدم جواز النقص مهما أمكن، و هو كذلك.

و بأنّه إذا كان لأمر أسباب متعددة تجتمع و تتفارق لا يلزم عند بيان سبب ذكر الآخر أيضاً، و لا من عدم ذكره عدم تأثيره إذا اجتمع مع الأوّل. و للإرث أسباب من التسمية و القرابة أو العصوبة، و منها الرد عندنا، و لا يلزم من ذكر التسمية في موضع دون الردّ مثلًا عدم تأثيره إذا اجتمع، كما تؤثّر القرابة أو العصوبة إذا اجتمعت مع التسمية، كما في زوج هو ابن عمّ.

و عن الثاني «1»: بأنّ اللَّه سبحانه بيّنه بآية اولي الأرحام، على أنّ بيانه سبحانه جميع الأحكام على نحو يظهر لنا من الكتاب غير لازم.

و عن الثالث: بأنّ الفائدة لا تنحصر في عدم جواز الزيادة، بل تظهر في عدم جواز النقص مهما أمكن، و في حصول النقص على نسبة الفروض

______________________________

(1) عطف على قوله: و أُجيب عن الأول.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 148

كما هو مذهب الخصم، فإنّ غير ذوي الفروض لا ينقص عن نصيبهم على نسبة فروضهم عندهم، بل يقع تمام النقص عليه، كما في زوج و أُختين من أُم و أخ

من الأبوين فيقع النقص على الأخ. و أيضاً تظهر الفائدة في الرد إذا اجتمع مع ذي فرض آخر و لم يكن هناك مساوٍ لا فرض له، فإنه يزيد نصيب غيره من ذوي الفروض حينئذ بسبب الردّ، و لو لا كونه ذا فرض لم يردّ على غيره.

و عن الرابع: بأنّه و إن لم يكن للتفرقة ثمرة في صورة الزيادة، و لكنّها تظهر في صورة النقصان على ما سبق، و كذا في الردّ على غيرها من ذوي الفروض المجتمع معها عندنا. و بأنّه قد عرفت أنّ للإرث أسباباً متعددة: التسمية و القرابة أو العصوبة و الردّ عندنا، و لكلٍّ تأثير خاص، فتكون فائدة التفرقة بيان أثر التسمية الحاصلة للبنت.

و قد يجاب أيضاً عنه بالوجوه الثلاثة المذكورة في الجواب عن الأوّل، و قد عرفت ضعفها، على أنّ الخصم استدلّ على مطلوبه بانتفاء فائدة التفرقة لولاه، فاللازم في الجواب إبداء الفائدة و لم يُبدَ بشي ء منها فائدة.

و عن الخامس: بالمنع من كون المسئول هو الذَّكَر، و الولاية لا تدلّ عليه، لاحتمال أن يكون المراد منها غير المعنى الذي علم اختصاصه بالذكَر شرعاً، و تذكير الوصف لا يثبته، لاحتمال أن يكون بمعنى المفعول، فيستوي فيه المذكّر و المؤنث، أو كان من باب التغليب و هو باب شائع.

سلّمنا، و لكنّه أيّ مانع من أن تكون إرادة الذَّكَر لأنّه أحبّ إلى طباع البشر، أو إنّما طلبه لأن يرث منه العلم و النبوة دون المال، بل لا بدّ و أن يكون هذا هو المراد من قوله يَرِثُنِي عندهم، كيف؟! و هم الذين

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 149

يروون عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) أنّه قال: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث

ديناراً و لا درهماً و ما تركناه صدقة» «1» فكيف يمكن لهم حمل الإرث في الآية على إرث المال؟! و لذا ترى مفسّريهم بأجمعهم فسّروها بإرث العلم و النبوة «2»، و يشهد لذلك قوله وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ «3» فإنّه لو كان طلبه للولد لخوف توريث العصبة كيف لا يخافه على آل يعقوب.

و أيضاً: الأنبياء أعظم شأناً من أن يبخلوا على مواليهم من إرثه المال، و لأجل ذلك يطلبون من يمنعهم.

و عن السادس: بعدم حجّية الروايات العاميّة عندنا أوّلًا، و عدم دلالتها على مطلوبهم ثانياً، كما لا يخفى على الناظر المتأمّل فيها.

المسألة الثانية: إذا انعكس الأمر فزادت السهام عن التركة

، كزوج و أبوين و بنتين، فلا يدخل النقص على الجميع عندنا، بل على بعض معيّن على التفصيل الآتي، و به قال ابن عباس من الصحابة «4» و عطاء «5» و داود بن علي الأصفهاني «6» من فقهاء العامّة، و نقله مخالفونا عن الصادقين (عليهما السّلام) «7».

و ذهب باقي العامّة إلى دخوله على الجميع بنسبة سهامهم، فيأخذون المخرج المشترك، و يجمعون كسور السهام أو يزيدون السهم الزائد عليه،

______________________________

(1) الموطأ 2: 993، 27، صحيح مسلم 3: 1379، 51، سنن أبي داود 3: 139، 2963.

(2) انظر تفسير الطبري 16: 31، تفسير البيضاوي 4: 3، روح المعاني 16: 62، البحر المحيط 6: 171، تفسير أبي السعود 5: 254.

(3) مريم: 6.

(4) انظر الخلاف 4: 73، الجامع لأحكام القرآن 5: 79، الدر المنثور 2: 127.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 19    150     المسألة الثانية: إذا انعكس الأمر فزادت السهام عن التركة ..... ص : 149

(5) انظر المغني و الشرح الكبير 7: 70، الدر المنثور 2: 127.

(6) حكاه عنه في الخلاف 4: 73، المغني و الشرح

الكبير 7: 70.

(7) انظر المغني و الشرح الكبير 7: 70.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 150

و يقسّمون التركة على الحاصل، و يعطون كلّ ذي فرض فرضه منسوباً إلى المخرج من الحاصل، ففي المثال المتقدّم يأخذون اثنى عشر، و يجمعون ربعه و سدسيه و ثلثيه يحصل خمسة عشر، فيقسّمون التركة عليها، فيعطون الزوج ربع اثني عشر من خمسة عشر أي ثلاثة من خمسة عشر، و كلا من الأبوين سدسه منها أي اثنين منها، و البنتين ثلثيه منها أي ثمانية، و المجموع خمسة عشر فدخل النقص على الجميع بنسبة سهامهم.

و يسمّون هذا بالعول، و هو من لغات الأضداد جاء بمعنى الزيادة و النقصان و هو يتعدّى و لا يتعدّى ، كما صرّح به الجوهري «1»، سمّي به لأنّ العائل يزيد التركة عن المخرج، أو لأنّه ينقص سهم كل ذي سهم بعمله هذا، أو لأنّ السهام زادت على التركة، أو لأنّ التركة نقصت عن السهام، فعلى الأوّلين يكون فعلًا للعائل، و على الثانيين وصفاً للسهام، أو التركة.

لنا

: إجماع الطائفة المحقّة، بل هذا من ضروريات مذهبهم أيضاً. و أنّه لو صحّ العول لسمّى اللَّه تعالى هذه السهام المفروضة في صورة الاجتماع أيضاً، فإن كان مراده تعالى عدم جواز النقص لزم المحال، و إن كان جوازه لزم التناقض و الإغراء بالجهل.

و القول بورود الإيراد على النافي أيضاً مردود، فإنّه يقول بعدم عموم التسمية بجميع أفرادها لصورة الاجتماع الموجب للنقص، بل إمّا لا تسمية حينئذ أصلًا، أو يختصّ ببعض معيّن، فيرجع فيها إلى دليل آخر، و قد دلّ الدليل على الاختصاص بالبعض، كما يأتي.

و أنّ الظاهر من آيات التسمية شمولها لجميع الصور «2»، و لكن لضيق

______________________________

(1) انظر الصحاح 5: 1778.

(2) في

«س»: التركة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 151

التركة في بعضها لا مفرّ من ارتكاب تخصيص فيها، إمّا في التسمية، بأن يقال: إنّها مخصوصة بغير صورة الاجتماع، أو في نفس المسمّى، بأن يقال: إنّ المسمّى في صورة الاجتماع مخصوص ببعضه، فالمراد بالنصف تمام النصف إلّا الخمس مثلًا، و إثبات العول يقتضي ارتكاب التخصيص في جميع الآيات و نفيه يقتضيه في البعض، و لا شكّ أنّ التخصيص خلاف الأصل لا يصار إلى أكثره مع إمكان أقلّه.

و الأخبار المستفيضة بل المتواترة معنىً عن أئمّتنا المعصومين (عليهم السّلام)، و إنكارهم على ذلك أشدّ الإنكار «1»، و احتجاجهم على بطلانه كما ورد في الأخبار، و لا حاجة إلى ذكرها بعد وضوح المسألة عندنا.

و يدلّ عليه أيضاً بعض الأخبار الواردة في طرقهم، و منها ما يصرّح بأنّ أوّل من عال الفرائض عمرهم «2». و قد يستدلّ أيضاً بوجوه أُخر كثيرة لا فائدة في ذكرها.

احتجّ المخالفون «3»: بأنّه لا بدّ من النقص، و إدخاله على البعض ترجيح بلا مرجّح، فيجب الإدخال على الجميع.

و بالقياس على الوصيّة لجماعة بما قصرت التركة عنها، حيث لا يجوز التقديم، لتصريح الموصي بجامع استحقاق الجميع، فإنّ منكري العول في الميراث يعولون «4» فيها.

و على الدين إذا كان لجماعة و لم يف المال به، فإنّهم يقسّمونه

______________________________

(1) الوسائل 26: 72 أبواب موجبات الإرث ب 6.

(2) كما في المغني و الشرح الكبير 7: 70.

(3) كما في المغني و الشرح الكبير 7: 71.

(4) في «ح»: يقولون.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 152

بالحصص.

و بما رووه: إنّ عليّاً (عليه السّلام) كان على المنبر فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين رجل مات و ترك ابنتيه و أبويه و زوجته؟ فقال عليّ

(عليه السّلام): «صار ثمن المرأة تسعاً» «1».

و بأنّ عمر حكم بالعول و لم ينكر عليه أحد.

و الجواب عن الأوّل: أنّ المرجح موجود، و هو ما قدّمنا من الأدلّة. سلّمنا و لكن بطلان الترجيح بلا مرجّح ينفي دخول النقص على البعض المعيّن، و أمّا المبهم «2» على سبيل التخيير فلا.

و عن الثاني: بأنّه قياس و لا نقول به، و لو سلّمنا فمع الفارق، لأنّ العول في الوصية عندنا لا يكون إلّا مع تصريح الموصي به، فيجب اتّباعه و لا محذور، لأنّ تصريحه به دَفَعَ المحال أو الإغراء بالجهل، و لا تصريح في الفرائض، و لو كان فيها لاتّبعناه؛ أو مع تصريحه بعدم الترتيب من غير ذكر العول، كما قيل «3»، فإن دلّ هذا التصريح على إرادته العول فكسابقه، و إن لم يدلّ عليها باحتمال جهله بالاستحالة أو أمره بالمحال فيجب الأخذ بالمقدور، لأنّ متابعة الموصي مهما أمكن واجبة، و لما صرّح بعدم الترتيب فلا يجوز تقديم البعض، و لما كانت السهام مفروضة لهم في هذه التركة فيجب النقص بنسبتها و لا يلزم محذور، لعدم قبح الجهل أو الإغراء به أو الأمر بالمحال في حقّه، بخلافه سبحانه تعالى شأنه عن ذلك علوّاً كبيراً.

و عن الثالث أيضاً: بأنّه قياس، و لو سلّمنا فمع الفارق، لأنّك قد

______________________________

(1) المغني و الشرح الكبير 7: 36.

(2) في «ح» و «ق»: السهم.

(3) انظر التهذيب 9: 258، المسالك 2: 323.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 153

عرفت أنّ ثبوت العول يتوقّف على اجتماع هذه الفروض في المال تسمية، و كان هذا محالًا، بخلاف الديون، فإنّها مجتمعة في الذمة دون المال، و اجتماع كلّ ما يتصوّر من الدين في الذمة ليس محالًا و إنّما عرض

تعلّقها بعين المال، و العارض هو القدر الذي يفي به دون الزائد، فإنّه تعلّق استحقاقٍ لا تعلّق انحصارٍ، و لهذا لا يعدّ أخذ أحد من الديان قسطه استيفاءً لجميع حقّه.

و لو فرض قدرة المديون على إيفاء الدين بعد تقسيط ماله يجب عليه، و مع موته يبقى الباقي في ذمّته، و يصحّ احتسابه عليه و إبراؤه منه بخلاف الإرث. و لو سلّمنا تعلّقها بأجمعها بالمال، فنقول: إنّ الباعث له إنّما هو المديون، حيث استدان ما لم يكن عنده به وفاء، و أمّا الباعث لتعلق سهام الفرائض بالتركة إنّما هو اللَّه سبحانه، و لا يجوز عليه أن يوجب على مالٍ ما لا وفاء له به.

و عن الرابع: بعدم ثبوت الرواية، لضعف سندها، مع أنّها معارضة بخلافها مما رواه راويها كما في التهذيب «1» و الأئمة المعصومون، مع أنّ أهل البيت أدرى بما فيه، و مع ذلك فاحتمال التقيّة كإرادة التهجين أو الاستفهام الإنكاري قائم.

و عن الخامس: بأنّ حكم عمرهم ليس بحجّة، مع أنّه أيضاً لم يحكم به بل اعترف بالجهل، و عدم إنكار أحد غير مسلّم. و لو سلّم فلا يدلّ على الرضا.

______________________________

(1) التهذيب 9: 259، 971، الوسائل 26: 82 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 154

فوائد:
أ:

لا يحصل النقص إلّا بمزاحمة أحد الزوجين مع البنات أو الأخوات من الأبوين «1»؛ و حينئذٍ فيحصل النقص على البنات أو الأخوات من الأبوين، دون الزوجين أو الأبوين أو كلالة الأُم، و يأتي دليله.

ب:

من أصحابنا من ضبط إدخال النقص بأنّه يدخل على من لم يهبطه اللَّه عزّ و جل من فريضة إلى دونها دون من أهبطه، و قد عرفت ما فيه، فإنّ كلالة الأُمّ غير هابطة مع أنّه لا يدخل عليها النقص.

ج:

إذا قلنا بالعول فلمخارج أُصول الفرائض الثلاثة «2» حدّ خاص لا تتجاوز عنه، فتُعال الستة و هي المخرج إذا لم يكن ربع أو ثمن إلى العشرة شفعاً وتراً و لا يزيد، و اثنا عشر و هو المخرج إذا دخل الربع وتراً إلى سبعة عشر، و أربعة و عشرون و هي المخرج إذا دخل الثمن إلى سبعة و عشرين لا غير، و بهذا صرّح جمع من القائلين به أيضاً؛ و الوجه فيه ظاهر.

______________________________

(1) أي يشترط أن يكون أحد الزوجين مع البنات و الأخوات و إن كان معهم غيرهم أيضاً، و ليس المراد كون أحد الزوجين مع البنات أو الأخوات و لم يكن غيرهم (منه رحمه اللَّه).

(2) وصفٌ لمخارج الأُصول لا الفرائض (منه رحمه اللَّه).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 155

و أمّا المقاصد فثلاثة:

اشاره

@@@

المقصد الأوّل في مواريث ذوي الأنساب
اشاره

و فيه فصول:

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 157

الفصل الأوّل في ميراث الأبوين و الأولاد
اشاره

و فيه ستّة أبحاث «1»:

البحث الأوّل: في ميراث الأبوين إذا لم يكن معهما ولد
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأُولى [هلا يرث مع الأبوين أو أحدهما غير الولد و ولده و إن نزل من الأنسباء]:

لا يرث مع الأبوين أو أحدهما غير الولد و ولده و إن نزل من الأنسباء، بالإجماع في غير الجدّ، فإنّ فيه خلافاً يأتي في البحث السادس «2»، و غير الزوج و الزوجة من ذوي الأسباب.

للأصل، و المستفيضة من الأخبار، كصحيحة محمد: «لا يرث مع الام، و لا مع الأب، و لا مع الابن، و لا مع الابنة، إلّا زوج أو زوجة» «3».

و صحيحة زرارة: «و لا يرث مع الام، و لا مع الأب، و لا مع الابن،

______________________________

(1) الأول في ميراث الأبوين، و الثاني في ميراث الأولاد، و الثالث في الأبوين و الأولاد إذا اجتمعا، الرابع ميراث أولاد الأولاد، الخامس في ميراث الحبوة، السادس في حكم الجدّ إذا اجتمع مع الأولاد و الأبوين (منه قدس سره).

(2) انظر ص 237.

(3) الكافي 7: 82، 1، التهذيب 9: 251، 969، الوسائل 26: 91 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 158

و لا مع الابنة أحد خلقه اللَّه، غير زوج أو زوجة» «1».

و رواية أبي بصير: عن رجل مات و ترك أباه و عمّه و جدّه قال، فقال: «حجب الأب الجدّ، الميراث للأب، و ليس للعمّ و لا للجدّ شي ء» «2».

و صحيحة زرارة الموقوفة المتقدمة في الشرط الثالث من شرائط حجب الإخوة «3».

و رواية أبي بصير: في امرأة توفيت و تركت زوجها و أُمّها و أباها و إخوتها قال: «هي من ستة أسهم، للزوج النصف ثلاثة أسهم، و للأب الثلث سهمان، و للأُم السدس، و ليس للإخوة شي ء» «4».

و الأُخرى: في رجل ترك أبويه و إخوته، قال: «للامُّ السدس، و للأب خمسة أسهم، و سقط الإخوة» «5».

و رواية الحسن

بن صالح: قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن امرأة مملّكة لم يدخل بها زوجها ماتت و تركت أُمّها و أخوين لها من أبيها و أُمّها وجداً لأُمّها و زوجها؟ قال: «يعطى الزوج النصف، و تعطى الأُمّ الباقي، و لا يعطى

______________________________

(1) الكافي 7: 83، 2، التهذيب 9: 251، 970، الوسائل 26: 80 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 8.

(2) الكافي 7: 114، 9، التهذيب 9: 310، 1112، الاستبصار 4: 161، 609، مستطرفات السرائر: 85، 33، الوسائل 26: 135 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 19 ح 3.

(3) المتقدمة في ص 126 و 127.

(4) التهذيب 9: 283، 1023، الإستبصار 4: 145، 546، الوسائل 26: 119 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10 ح 6.

(5) التهذيب 9: 283، 1024، الإستبصار 4: 146، 547، الوسائل 26: 119 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 159

الجدّ شيئاً، لأنّ ابنته أُم الميتة حجبته عن الميراث، و لا تعطى الإخوة شيئاً» «1».

و صحيحة عبد اللَّه بن جعفر: امرأة ماتت و تركت زوجها و أبويها و جدّها و جدّتها، فكيف يقسّم ميراثها؟ فوقع (عليه السّلام): «للزوج النصف، و ما بقي فللأبوين» «2».

ثمّ إنّ في شي ء منها و إن لم يكن تصريحاً بمنع أولاد الجدّ و أولاد الإخوة، إلّا أنّ عموم الأُوليين يكفي له، بل تدلّ عليه البواقي أيضاً، فإنّه إذا منع الجدّ و الأخ بالأبوين يمنع أولادهما بهما بطريق أولى ، لكونهما أقرب منهم.

و يدلّ على المطلوب أيضاً أنّ الأقرب يمنع الأبعد كما مرّ، و لا شكّ أنّ الأبوين أقرب من سائر الانسباء غير الولد، بأيّ معنى أُخذ.

و تدلّ عليه أيضاً الأخبار الآتية الواردة

فيمن مات و ترك أبويه «3»، حيث حكم فيها بأنّ للأُمّ الثلث و للأب ما بقي أو الثلثان، و الواردة في ميراث الأبوين أو أحدهما و أحد الزوجين «4»، فإنّ إطلاقها أو عمومها الحاصل من ترك الاستفصال يشمل ما إذا كان معهما قريب آخر أيضاً.

و أمّا رواية زرارة: قلت: امرأة تركت أُمّها و أخواتها لأبيها و أُمّها و إخوة لُام و أخوات لأب قال: «لأخواتها لأبيها و أُمّها الثلثان، و لأُمّها السدس،

______________________________

(1) الكافي 7: 113، 8، التهذيب 9: 310، 1111، الإستبصار 4: 161، 608، الوسائل 26: 134 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 19 ح 2. و كلمة «أُم الميتة» غير موجودة في المصادر.

(2) التهذيب 9: 310، 1113، الإستبصار 4: 161، 610، الوسائل 26: 135 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 19 ح 4.

(3) انظر ص 161 و 162.

(4) الوسائل 26: 125 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 160

و لإخوتها من أُمّها السدس» «1».

و الأُخرى: امرأة تركت زوجها، و أُمّها، و إخوتها لُامّها، و إخوتها لأبيها و أُمّها فقال: «لزوجها النصف، و لأُمّها السدس، و للإخوة من الامّ الثلث، و سقط الإخوة من الامّ و الأب» «2».

و موثقة فضيل بن يسار: في رجل مات و ترك امّه و زوجته و أُخته و جدّه قال: «للُامّ الثلث، و للمرأة الربع، و ما بقي بين الجدّ و الأُخت، للجدّ سهمان، و للأُخت سهم» «3».

و رواية أبي بصير: عن رجل مات و ترك امّه و زوجته و أُختين له و جدّه، فقال: «للُامّ السدس، و للمرأة الربع، و ما بقي نصفه للجدّ، و نصفه للأُختين» «4».

فهي لموافقتها لمذهب العامّة «5» و

مخالفتها لإجماع الطائفة المحقّة مردودة مطروحة؛ على أنّ بعضها يناقض بعضاً، حيث حكم في الأُولى بتوريث الإخوة من الأبوين، و في الثانية بسقوطهم. و حكم في الثالثة بأنّ للأُمّ الثلث، و في الرابعة بأنّ لها السدس، و هذا يوجب وهنها. و يجوز أن يكون إلزاماً للعامّة بما ألزموا به أنفسهم.

المسألة الثانية [الوالدان لا يمنعهما أحد و إن دنت فريضتهم ]:

لا يمنعهما أحد و إن دنت فريضتهم بالإجماع،

______________________________

(1) التهذيب 9: 320، 1149، الإستبصار 4: 146، 550، الوسائل 26: 150 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 1 ح 12.

(2) التهذيب 9: 321، 1152، الإستبصار 4: 146، 549، الوسائل 26: 150 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 1 ح 13.

(3) التهذيب 9: 315، 1133، الإستبصار 4: 161، 611، الوسائل 26: 149 أبواب ميراث الأخوة و الأجداد ب 1 ح 10.

(4) التهذيب 9: 315، 1134، الإستبصار 4: 161، 612، الوسائل 26: 149 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 1 ح 11.

(5) انظر المغني و الشرح الكبير 7: 78.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 161

و المستفيضة، كموثقتي زرارة «1» و بكير «2»، و روايتي سالم «3» و أبي المغراء «4»، و حسنة أبي بصير «5». و لأنّه لا أحد أقرب منهما، لتساويهما مع الولد في القرب حيث يجتمعان معه.

المسألة الثالثة [كل المال للأب و الأم إذا انفردا به ]

الأب إذا انفرد كان له المال كلّه بالإجماع؛ و الوجه ظاهر، فإنّه لا وارث غيره يمنعه إيّاه.

و الأُمّ إذا انفردت كان لها المال كلّه كذلك، ثلثه بالفرض، و الباقي بالردّ.

أمّا الأوّل: فبالإجماع و الكتاب و السنة، أما الأوّلان فظاهران، و أما الثالث، فالروايات المتقدمة في بحث حجب الإخوة «6».

و أمّا الثاني: فبالإجماع و السنة، أمّا الأوّل فظاهر، و أمّا الثاني فالروايات المتقدمة، الدالّة على أنّ الأقرب يمنع الأبعد، و أنّ السابق أحقّ بميراث قريبه.

و رواية سليمان بن خالد: «إذا كان وارث ممّن له فريضة فهو أحق بالمال» «7».

______________________________

(1) التهذيب 9: 273، 987، الوسائل 26: 81 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 11.

(2) التهذيب 9: 292، 1046، الوسائل 26: 134 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 19 ح 1.

(3) الكافي

7: 82، 2، التهذيب 9: 250، 966، الوسائل 26: 77 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 2.

(4) الكافي 7: 82، 4، التهذيب 9: 251، 968، الوسائل 26: 77 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 4.

(5) الكافي 7: 82، 3، التهذيب 9: 250، 967، الوسائل 26: 77 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 3.

(6) راجع ص 121 و 122.

(7) الكافي 7: 77، 2، التهذيب 9: 269، 977، الوسائل 26: 68 أبواب موجبات الإرث ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 162

و الأحقيّة أعمّ من تقديم فريضته و ردّ ما يبقى بعد فريضته عليه.

و قول الباقر (عليه السّلام) في رواية بكير: «لأنّ اللَّه قد سمّى لهما، و من سمّى لهما فيردّ عليهما بقدر سهامهما» «1».

حيث علّل أحقيّة الباقي بالتسمية، و العلّة هنا متحقّقة.

و قد يستدلّ عليه، و على أمثاله من جزئيّات الردّ بآية اولي الأرحام أيضاً «2»، حيث تدلّ على أنّ بعض اولي الأرحام و هو الأقرب أولى ببعض من الأبعد، كما ورد في الروايات.

و هو إنّما يصحّ إذا كان المراد بقوله سبحانه بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ أنّ بعضاً منهم أي بعضاً خاصّاً أولى ببعض من بعض آخر منهم.

و يمكن أن يكون المراد مطلق البعض، أي بعض اولي الأرحام أيّ بعضٍ كان- أولى ببعض من غيرهم، و حينئذٍ فلا دلالة لها على الردّ.

و يمكن ترجيح إرادة الأوّل، بل تعيّنها، برواية الفضيل بن يسار، عن الصادق (عليه السّلام) أنّه قال بعد ذكر أنّ عباسا و عليّاً (عليه السّلام) ما ورثا رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله)، و لا ورثه إلّا فاطمة (سلام اللَّه عليها) وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ 8: 75

«3».

فيشعر بأنّ المراد أولويّة بعض اولي الأرحام من بعضهم، لأنّ عبّاساً و عليّاً لم يكونا من غيرهم.

______________________________

(1) التهذيب 9: 273، 988، الوسائل 26: 130 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17 ح 6.

(2) الأنفال: 75.

(3) الفقيه 4: 190، 660، الوسائل 26: 101 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 4 ح 4، و الآية في الأنفال: 75، و الأحزاب: 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 163

و رواية العياشي في تفسيره: في قول اللَّه سبحانه وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ 33: 6 «إنّ بعضهم أولى بالميراث من بعض، لأنّ أقربهم إليه رحماً أولى به» «1». و هذا نصّ.

و أمّا المروي في العيون: عن قول اللَّه عزّ و جلّ النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ الآية «2»، فيمن نزلت؟ قال: «نزلت في الإمرة، إنّ هذه الآية جرت في الحسين بن علي، و في ولد الحسين من بعده، فنحن أولى بالأمر و برسوله» «3».

و في كتاب ابن الحجام عن الصادق (عليه السّلام): إنّه سئل عن قول اللَّه عزّ و جلّ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ قال: «نزلت في ولد الحسين» قال، قلت: جعلت فداك نزلت في الفرائض؟ قال: «لا» قلت: في المواريث؟ فقال: «لا» قال: «نزلت في الإمرة» «4».

فهما واردتان في التأويل و البطون، مع أنّ الأخيرة غير مذكورة في كتاب معتبر، و معارضة بأخبار معتبرة أُخر، دالّة على نزولها في الميراث، كما يأتي شطر منها.

المسألة الرابعة: لو اجتمع الأبوان

، فللأُمّ الثلث مع عدم الإخوة الحاجبة و الباقي للأب، و لها السدس مع الإخوة و له الباقي، بلا خلاف

______________________________

(1) تفسير العياشي 2: 72، 86، الوسائل 26: 89 أبواب موجبات الإرث

ب 8 ح 11.

(2) و الأحزاب: 6.

(3) لم نعثر عليها في العيون، و هي موجودة في علل الشرائع: 206، 4.

(4) تأويل الآيات الظاهرة 2: 447، 4، و نقله عنه و عن كنز جامع الفوائد في البحار 23: 257، 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 164

فيهما.

و يدلّ على حكم الأُم في الصورتين صريح الكتاب «1»، و عليه و على حكم الأب فيهما المستفيضة من الروايات، أمّا الدالّة على حكمهما في الصورة الاولى ، فصحيحة زرارة: في رجل مات و ترك أبويه، قال: «للأب سهمان، و للأُمّ سهم» «2».

و الأُخرى: في رجل ترك أبويه، قال: هي من ثلاثة أسهم، للأُمّ سهم، و للأب سهمان» «3».

و رواية أبان بن تغلب: في رجل مات و ترك أبويه، قال: «للُامّ الثلث، و ما بقي فللأب» «4».

و رواية أبي بصير: في رجل ترك أبويه، قال: «هي من ثلاثة أسهم، للأُمّ سهم، و للأب سهمان» «5» إلى غير ذلك.

و هذه الروايات و إن كانت مطلقة، إلّا أنّها قيّدت بصورة عدم الإخوة بالثلاثة «6».

و على حكم الأُمّ في الثانية روايات حجب الإخوة المتقدمة «7».

______________________________

(1) انظر النساء: 11.

(2) الكافي 7: 91، 1، التهذيب 9: 270، 980، الوسائل 26: 115 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 9 ح 1.

(3) الكافي 7: 91، 3، التهذيب 9: 269، 979، الوسائل 26: 115 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 9 ح 2.

(4) التهذيب 9: 273، 989، الوسائل 26: 116 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 9 ح 4.

(5) الكافي 7: 91، 3، التهذيب 9: 269، 979، الوسائل 26: 115 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 9 ح 2.

(6) أي: بالإجماع و الكتاب و السنّة.

(7) في ص 121 و

122.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 165

و على حكمهما فيها رواية أبي بصير: في رجل ترك أبويه و إخوته، قال: «للُامّ السدس، و للأب خمسة أسهم، و سقط الإخوة، و هي من ستة أسهم» «1».

و قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه، المتقدم في مسألة حجب الإخوة.

و على حكمهما فيهما، صحيحة زرارة الموقوفة، و فيها: «إنّ الرجل إذا ترك أبويه فللأُمّ الثلث، و للأب الثلثان، في كتاب اللَّه، فإن كان له إخوة» يعني للميّت، يعني إخوة لأب و أُمّ، أو إخوة لأب «فلأُمّه السدس، و للأب خمسة أسداس» «2».

و ضعف بعضها سنداً بعد اعتضادها بعمل الكلّ غير ضائر.

المسألة الخامسة: لو كان معهما أحد الزوجين

فلا يخلو إمّا أن يكون معهما، أو معه، أو معها.

فعلى الأوّل: فلأحد الزوجين نصيبه الأعلى: النصف أو الربع، و للأُم الثلث مع عدم الإخوة، و السدس معهم، و الباقي للأب، للإجماع و المستفيضة من الأخبار.

كموثقة الجعفي: في زوج و أبوين، قال: «للزوج النصف، و للأُمّ الثلث، و للأب ما بقي» و قال في امرأة و أبوين، قال: «للمرأة الربع، و للأُم الثلث، و ما بقي فللأب» «3».

و صحيحته: في زوج و أبوين قال: «للزوج النصف، و للأُم الثلث،

______________________________

(1) التهذيب 9: 283، 1024، الإستبصار 4: 146، 547، الوسائل 26: 119 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10 ح 7.

(2) الكافي 7: 92، ذ. ح 1، التهذيب 9: 280، 1013، الإستبصار 4: 145، 545، الوسائل 26: 117 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 10 ح 4.

(3) الكافي 7: 98، 1، الإستبصار 4: 142، 529، التهذيب 9: 284، 1028، الوسائل 26: 126 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 16 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 166

و ما بقي

فللأب» «1».

و الأُخرى: رجل مات و ترك امرأة و أبويه، قال: «لامرأته الربع، و للأُمّ الثلث، و ما بقي فللأب» «2».

و رواية عقبة بن [بشير «3»]: في رجل مات و ترك زوجته و أبويه، قال: «للمرأة الربع، و للأُم الثلث، و ما بقي فللأب» و عن امرأة ماتت و تركت زوجها و أبويها، قال: «للزوج النصف، و للأُم الثلث مع جميع المال، و ما بقي فللأب» «4».

و صحيحة محمد: إنّ أبا جعفر (عليه السّلام) أقرأني صحيفة الفرائض التي هي إملاء رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) و خطّ علي (عليه السّلام) بيده، فقرأت فيها: «امرأة ماتت و تركت زوجها و أبويها فللزوج النصف ثلاثة أسهم، و للأُمّ الثلث تاماً سهمان، و للأب السدس سهم» «5».

و موثقة أبي بصير: في امرأة توفّيت و تركت زوجها و أُمّها و أباها، قال: «هي من ستّة أسهم، للزوج النصف ثلاثة أسهم، و للأُمّ الثلث سهمان، و للأب السدس سهم» «6».

______________________________

(1) الكافي 7: 98، 2، التهذيب 9: 284، 1029، الإستبصار 4: 142، 530، الوسائل 26: 126 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 16 ح 2.

(2) الفقيه 4: 195، 671، الوسائل 26: 126 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 16 ح 2.

(3) في «ح»: كثير، و في «ق» و «س»: بشر، و الصحيح ما أثبتناه موافقاً للمصادر، حيث إنّ عقبة بن كثير، و عقبة بن بشر غير مذكورين في كتب الرجال.

(4) التهذيب 9: 286، 1039، الإستبصار 4: 143، 536، الوسائل 26: 127 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 16 ح 8.

(5) الكافي 7: 93، 1، الفقيه 4: 192، 668، التهذيب 9: 270، 982، الوسائل 26: 128 أبواب ميراث الأبوين و

الأولاد ب 17 ح 1.

(6) الكافي 7: 98، 5، التهذيب 9: 285، 1032، الوسائل 26: 126 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 16 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 167

و رواية زرارة: عن امرأة تركت زوجها و أبويها، فقال: «للزوج النصف، و للأُمّ الثلث، و للأب السدس» «1».

و صحيحة صفوان: في زوج و أبوين: «أنّ للزوج النصف، و للأُم الثلث كاملًا، و ما بقي فللأب» «2» إلى غير ذلك.

و هذه الروايات و إن كانت مطلقة إلّا أنّها مقيدة بصورة عدم الإخوة، للإجماع، و روايتي أبي بصير المتقدمتين في المسألة الاولى «3»، و عموم قوله تعالى فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ «4» و عموم روايات الحجب.

كما أنّ رواية أبان بن تغلب: في امرأة ماتت و تركت أبويها و زوجها، قال: «للزوج النصف، و للأُمّ السدس، و للأب ما بقي» «5» مقيدة بصورة وجودهم. و حملها في التهذيبين على التقية «6»، لموافقتها للعامّة «7».

و على الثاني: فلأحدهما نصيبه الأعلى، و للأب الباقي. أمّا الأوّل، فبالإجماع، و الكتاب و السنّة، أمّا الأوّلان فظاهران، و أمّا الثالث فصحيحة الجعفي، و فيها: «فإن تركت زوجها و أباها فللزوج النصف، و ما بقي فللأب» «8».

______________________________

(1) التهذيب 9: 286، 1034، الإستبصار 4: 143، 533، الوسائل 26: 127 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 16 ح 5.

(2) التهذيب 9: 286، 1035، الإستبصار 4: 143، 534، الوسائل 26: 127 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 16 ح 7.

(3) في ص: 155 و 156.

(4) النّساء: 11.

(5) التهذيب 9: 287، 1040، الإستبصار 4: 143، 537، الوسائل 26: 128 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 16 ح 9.

(6) التهذيب 9: 287، الإستبصار 4: 144.

(7) انظر المغني

و الشرح الكبير 7: 21.

(8) الفقيه 4: 195، 671.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 168

و أمّا الثاني، فبها أيضاً، أمّا الأوّل فظاهر، و أمّا الثاني، فقوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ «1» وجه الاستدلال: أنّه يدلّ على أنّ اولي الأرحام بعضهم أولى ببعض من غيرهم في الميراث، كما يظهر من الروايات، كصحيحة ابن سنان: «كان علي (عليه السّلام) إذا مات مولى له و ترك قرابته لم يأخذ من ميراثه شيئاً، و يقول أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ 8: 75 «2»».

و صحيحته الأُخرى : «اختلف أمير المؤمنين (عليه السّلام) و عثمان بن عفّان في الرجل يموت و ليس له عصبة يرثونه و له ذو قرابة لا يرثون، فقال علي (عليه السّلام): ميراثه لهم، يقول اللَّه تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ 8: 75 و كان عثمان يقول: يجعل في بيت مال المسلمين» «3».

و حسنة محمد بن قيس: «قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في خالة جاءت تخاصم في مولى رجل مات فقرأ هذه الآية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ 8: 75 فدفع الميراث إلى الخالة و لم يعط المولى» «4» إلى غير ذلك.

و إذا ثبت أنّ اولي الأرحام أولى من غيره فلا يرث غيره معه شيئاً، فيجب أن لا يرث مع الأب زوج و لا زوجة شيئاً، خرج النصف أو الربع

______________________________

(1) الأنفال: 75.

(2) الكافي 7: 135، 5، التهذيب 9: 328، 1181، الإستبصار 4: 171، 647، الوسائل 26: 234 أبواب ميراث ولاء العتق ب 1 ح 5.

(3) التهذيب 9: 396، 1416، الوسائل 26: 191 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 5 ح 1.

(4) الكافي 7: 135، 2، التهذيب 9: 329، 1183،

الإستبصار 4: 172، 649، الوسائل 26: 190 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 169

بالدليل، فيبقى الباقي.

و أمّا الثالث فصحيحة الجعفي المتقدمة.

و على الثالث: فلأحدهما النصيب الأعلى أيضاً، و للأُمّ الباقي، الثلث بالفرض، و الباقي بالردّ. أمّا الأوّلان فظاهران. و أما الثالث «1»، فللإجماع، و قضيّة الأقربيّة، و آية اولي الأرحام على ما مرّ، و قول الصادق (عليه السّلام) في صحيحة الجعفي: «فإن تركت امرأة زوجها و أُمّها فللزوج النصف، و ما بقي فللأُم» «2» و رواية الحسن بن صالح المتقدمة في المسألة الاولى «3»، و موثقة جميل عنه (عليه السّلام)، قال: «لا يكون الردّ على زوج و لا على زوجة» «4».

و أمّا عموم علّية التسمية للردّ الواردة في رواية بكير «5» فمخصّص.

______________________________

(1) أي أنّ الباقي بالردّ. منه رحمه اللَّه.

(2) الفقيه 4: 195، 671.

(3) في ص: 156.

(4) التهذيب 9: 296، 1061، الإستبصار 4: 149، 563، الوسائل 26: 204 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 10.

(5) المتقدّمة في ص: 159.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 170

البحث الثاني في ميراث الأولاد من الصلب إذا لم يكن معهم واحد من الأبوين
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى : لا يرث مع الولد مطلقاً «1» غير الوالدين من الأنسباء

، بالإجماع في غير الجدّ، فإنّ فيه خلافاً يأتي.

للأصل، و كونه أقرب من غيره، و صريح الأخبار، كصحيحتي محمّد و زرارة المتقدمتين في المسألة الاولى «2»، و المروي في الكافي و التهذيب عن كتاب موسى بن بكر عن زرارة عن الصادقين (عليهما السّلام) و الحديث طويل و فيه: «و لا يرث أحد من خلق اللَّه مع الولد، إلّا الأبوان و الزوج و الزوجة» «3».

و رواية العبدي العاميّة عن علي (عليه السّلام)، و فيها: «و لا يرث مع الولد، إلّا الأبوان و الزوجة» «4».

و روايات ميراث الرسول (صلّى اللَّه عليه و آله) «5»، و سائر الأخبار الواردة في جزئيات المسائل.

______________________________

(1) أي ذكراً كان أو أُنثى، واحداً أو متعدداً. منه رحمه اللَّه.

(2) في ص: 155.

(3) الكافي 7: 97، 3، التهذيب 9: 288، 1043، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 3.

(4) الفقيه 4: 188، 657، التهذيب 9: 249، 964، الوسائل 26: 196 أبواب ميراث الأزواج ب 2 ح 1.

(5) انظر الوسائل 26: 100 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 171

المسألة الثانية: لا يمنعهم أحد

بالإجماع؛ إذ لا أحد أقرب منهم، و لمنعهم غيرهم.

المسألة الثالثة: الابن المنفرد من الأبوين و الزوجين له المال كلّه

بالإجماع؛ لقضيّة الأقربيّة، و لاستفاضة الروايات بأنّ الابنة المنفردة لها المال كلّه «1»، كما يأتي، فلو نقص عن الابن المنفرد شي ء لزم نقص الرجل عن المرأة لو كان مكانها، و هو باطل، لما في كتاب موسى المتقدم و فيه: «و لا تزاد المرأة أبداً على نصيب الرجل لو كان مكانها».

و ما في صحيحة ابن أُذينة المتقدمة و هي طويلة و فيها: «لأنّها لو كانت ذكراً لم يكن لها غير خمسة من اثني عشر» و فيها أيضاً: «لأنّهما لو كانا ذكرين لم يكن لهما غير ما بقي» «2».

و إن تعدّد الأبناء فالمال كلّه لهم، يقسّم بينهم بالسويّة، بالإجماع بل الضرورة. و يدلّ على التسوية أيضاً استواء النسبة، و صحيحة محمد و بكير، و فيها: «فإن تركت المرأة زوجها و أبويها و ابناً أو ابنين أو أكثر، فللزوج الربع، و للأبوين السدسان، و ما بقي فللبنين بينهم بالسوية» «3».

المسألة الرابعة: البنت المنفردة لها المال كلّه

، نصفه بالفرض و الباقي بالردّ.

أمّا الأوّل: فبالثلاثة.

و أمّا الثاني: فبالإجماع و السنّة، كروايات ميراث الرسول (صلّى اللَّه عليه و آله)،

______________________________

(1) انظر الوسائل 26: 100 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 4.

(2) الكافي 7: 96، 1، الفقيه 4: 193، 669 بتفاوت، التهذيب 9: 288، 1041، الوسائل 26: 131 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 1.

(3) الفقيه 4: 194، ذكرها في ذيل الرواية السابقة، و الظاهر أنّها من كلام الصدوق (رحمه اللَّه)، و لذا لم تُنقل في الوسائل.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 172

و صحيحتي زرارة «1» و البزنطي «2»، و روايات العجلي «3»، و ابن خداش «4»، و عبد اللَّه بن محرز «5»، و سلمة بن محرز «6».

و إن تعدّدت البنات فالمال كله لهنّ، يقسم

بينهنّ بالسوية، الثلثان بالفرض و الثلث بالردّ.

أمّا الدليل على كون المال كله لهنّ بعد الإجماع بل الضرورة فحديث الأقربيّة، و موثقة إسحاق بن عمّار المتقدمة في ميراث المملوك «7».

و رواية ابن أبي حمزة: عن جار لي هلك و ترك بنات، فقال: «المال لهنّ» «8».

و رواية أبي بصير: «إنّ رجلًا مات على عهد النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) و كان يبيع التمر، فأخذ أخوه التمر، و كان له بنات، فأتت امرأته النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) فأعلمته، فأنزل اللَّه تعالى عليه، فأخذ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) التمر من العمّ، فدفعه إلى البنات» «9».

______________________________

(1) الكافي 7: 86، 1، الفقيه 4: 190، 659، التهذيب 9: 277، 1003، بصائر الدرجات: 294، 6، الوسائل 26: 100 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 4 ح 1.

(2) الفقيه 4: 191، 661، الوسائل 26: 107 ميراث الأبوين و الأولاد ب 5 ح 11.

(3) الكافي 7: 87، 6، التهذيب 9: 278، 1007، الوسائل 26: 104 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 5 ح 3.

(4) الكافي 7: 87، 4، التهذيب 9: 278، 1006، الوسائل 26: 104 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 5 ح 2.

(5) الكافي 7: 87، 8، التهذيب 9: 278، 1009، الوسائل 26: 105 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 5 ح 5.

(6) الكافي 7: 86، 3، التهذيب 9: 277، 1004، الوسائل 26: 101 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 4 ح 3.

(7) راجع ص: 69.

(8) الفقيه 4: 191، 662، الوسائل 26: 102 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 4 ح 5.

(9) التهذيب 9: 279، 1011، الوسائل 26: 106 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 5 ح 8.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 173

و أمّا على كون ثلثيه بالفرض فصريح الكتاب «1»، و لكنّه يختصّ بما إذا كنّ فوق اثنتين، و أمّا فيهما فينحصر المستند بالإجماع، و النقل الذي ادّعاه في المسالك «2» ما عثرت عليه.

و استدلّ عليه جمع من الأقدمين «3» بقوله تعالى لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ «4».

وجه الدلالة: أنّه ليس المراد منه أنّ للذّكر حالة الانفراد مثل حظّهما، لأنّ له تمام المال ان اتّحد و لهم جميعه بالسوية إن تعدّد، بل المراد حالة اجتماعه مع الأُنثى ؛ و كذا ليس المراد أنّ له حظّهما حالة اجتماعهما مع الذكر، لأنّ لهما في أول صوره النصف، و ليس نصيب الابن النصف في أوّل صور اجتماعه مع الأُنثى ، و هو أن يخلّف ابناً و بنتاً، فيكون المراد أنّ نصيب الابن في حالة الاجتماع مثل نصيب البنتين في حالة الانفراد (و نصيب الابن في أوّل صور الاجتماع الثلثان، فكذا نصيب البنتين في حالة الانفراد) «5».

و ردّه والدي العلّامة طاب ثراه في مشكلات العلوم: بأنّ قوله سبحانه لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ بيان لإرث الذكور و الإناث مع اجتماعهما، و المراد أنّهم إذا اجتمعوا يقسّم المال بينهم على هذا النحو، أي يأخذ كلّ ذكر ضعف كلّ أُنثى و كلّ انثى نصف كلّ ذكر، سواء كان الوارث ذكراً و أُنثى ، أو ذكراً و أُنثيين أو أناثي، أو ذكوراً و إناثاً كثيرة، فالآية بيان

______________________________

(1) النساء: 11.

(2) المسالك 2: 319.

(3) انظر الخلاف 4: 44، و السرائر 3: 233.

(4) النّساء: 11.

(5) ما بين القوسين ليس في «ق» و «س».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 174

لكيفيّة القسمة، و ليس فيها بيان لتعيين سهم الذكر أو سهم الأُنثيين، فإنّ الذكر ليس من ذوي

السهام و لم يقدّر له سهم، بل المعيّن بالآية أنّه في الإرث ضعف الانثى و هو يختلف باختلاف أعداد الورثة، فربّما كان نصيبه العُشر، و ربما كان نصف العشر، و ربّما كان أقلّ أو أكثر، و ليس فيها دلالة على أنّ حظّه ثلثان حتّى يفهم منه أنّ حظّ الأُنثيين أيضاً كذلك، غاية الأمر أنّه يستفاد من عموم الآية أنّ الورثة إذا انحصرت في ذكر و أُنثى ، يكون حظّ الذكر ثلثين و حظّ الأُنثى ثلثاً، كما يستفاد منه أنّ الذكور لو كانوا ثلاثة و الإناث أربعاً كان حظّ كلّ ذكر خُمساً و حظّ كلّ أُنثى عُشراً و هكذا في سائر فروض الاجتماع، فمجرّد استفادة كون سهم الذكر ثلثين إذا اجتمع مع أُنثى واحدة لا يفيد في المطلوب.

نعم لو كان المراد من الآية أنّ الذكر الواحد لو اجتمع مع أُنثى واحدة فحظّ الذكر كالحظّ المقرّر المعلوم بدليل آخر للُانثيين إذا لم يكن معهما ذكر ظهر كون سهمهما ثلثين، إلّا أنّه لا يعلم ذلك من هذه الآية، بل لا بدّ أن يكون ثابتاً بدليل آخر.

المسألة الخامسة: إذا اجتمع الذكور و الإناث فالمال كلّه لهم، لكلّ ذكر مثل حظّ الأُنثيين

. أمّا الأوّل فظاهر ممّا مرّ.

و أمّا الثاني فبالضرورة الدينيّة، و الكتاب، و السنّة.

أمّا الكتاب فقوله تعالى يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ «1».

______________________________

(1) النّساء: 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 175

فإنّ المعنى أنّ لكلّ ذكر مثل حظّ الأُنثيين لا جنس الذكر، بإجماع المفسّرين «1».

و أمّا السنة فكثيرة، كموثقة أبي بصير، و فيها: فإن ترك بنات و بنين و أُماً، قال: «للُام السدس، و الباقي يقسّم لهم، للذّكر مثل حظّ الأُنثيين» «2».

و صحيحة محمد و بكير، و في آخرها: «فإن تركت زوجها و أبويها و ابنة و ابناً أو بنين

و بنات، فللزوج الربع، و للأبوين السدسان، و ما بقي فللبنين و البنات، للذّكر مثل حظّ الأُنثيين» «3».

و الروايات الواردة في علّة تفضيل الرجال، كرواية ابن سنان: لأيّ علّة صار الميراث للذّكر مثل حظّ الأُنثيين؟ قال: «لما يجعل لها من الصداق» «4».

و رواية يونس: كيف صار الرجل إذا مات و ولده من القرابة سواء ترث النساء نصف ميراث الرجال و هنّ أضعف من الرجال و أقلّ حيلة؟ فقال: «لأنّ اللَّه تعالى فضّل الرجال على النساء بدرجة، و لأنّ النساء يرجعن عيالًا على الرجال» «5» و غيرها.

______________________________

(1) انظر مجمع البيان 2: 14، التفسير الكبير 9: 404، مجالس التأويل 5: 50، الكشاف 1: 480، التبيان 3: 129، تفسير أبي السعود 2: 148.

(2) التهذيب 9: 274، 990، الوسائل 26: 130 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17 ح 7.

(3) الكافي 7: 96، 1، التهذيب 9: 288، 1041، و في الفقيه 4: 193، 669 ذيله، الوسائل 26: 131 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 1.

(4) الفقيه 4: 253، 815، التهذيب 9: 398، 1421، الوسائل 26: 95 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 2 ح 5.

(5) الكافي 7: 84، 1، التهذيب 9: 274، 991، الوسائل 26: 94 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 176

المسألة السادسة: لو اجتمع مع الولد أحد الزوجين كان له نصيبه الأدنى الربع أو الثمن، و الباقي للولد

، ذكراً كان أو أُنثى، واحداً أو متعدداً، فيختصّ الردّ مع البنت أو البنات بها.

و الدليل بعد الإجماع، أمّا على الأوّل: فنصّ الكتاب «1»، و صريح الأخبار كصحيحة محمد و فيها: «فإذا كان معهما ولد فللزوج الربع، و للزوجة الثمن» «2» و غيرها.

و أمّا على الثاني: فآية اولي الأرحام «3»، و قول الصادق (عليه السّلام)

في موثقة جميل المتقدمة: «لا يكون الردّ على زوج و لا على زوجة» «4».

و رواية سويد بن غفلة، قال: اتي علي بن أبي طالب (عليه السّلام) في ابنة و امرأة و موالي، فاعطى البنت النصف، و أعطى المرأة الثمن، و ما بقي ردّه على البنت، و لم يعط الموالي شيئاً «5».

______________________________

(1) النّساء: 12.

(2) الكافي 7: 82، 1، الوسائل 26: 195 أبواب ميراث الأزواج ب 1 ح 1.

(3) الأنفال: 75.

(4) راجع ص: 168.

(5) التهذيب 9: 332، 1193، الوسائل 26: 237 أبواب ميراث ولاء العتق ب 1 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 177

البحث الثالث في ميراث الأولاد و الأبوين إذا اجتمعوا
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأُولى : إذا اجتمع أحد الأبوين أو كلاهما مع الولد الذكر

واحداً كان أم متعدداً، كان لكلّ منهما نصيبه الأدنى السدس، و الباقي للولد.

و الدليل بعد الإجماع، أمّا على الأوّل: فصريح الكتاب «1».

و أمّا على الثاني: فإنّه لو كان مكان الذكر أُنثى كان لها الباقي، كما يأتي، فلو نقص عن الذكر شي ء لزم [نقص الرجل عن «2»] المرأة لو كان مكانها و هو باطل كما مرّ.

و قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه: «فإن ترك أبوين و ابناً أو أكثر من ذلك، فللأبوين السدسان، و ما بقي فللابن» «3».

المسألة الثانية: إذا اجتمع أحد الأبوين مع بنت

فله السدس و لها النصف، و الباقي يردّ عليهما أرباعاً، فتكون التركة مقسومة على أربعة و عشرين، الحاصلة من ضرب الأربعة في الستّة، ربعها له و ثلاثة أرباع لها.

و الدليل على ذلك بعد الإجماع، الأخبار المستفيضة، كصحيحة محمد: «رجل ترك ابنته و أُمّه: للابنة النصف ثلاثة أسهم و للأُمّ السدس

______________________________

(1) النساء: 11.

(2) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: أن يزاد الرجل على ..، و هو سهو، راجع ص 169 المسألة الثالثة.

(3) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 287، مستدرك الوسائل 17: 172 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 13 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 178

سهم، يقسّم المال على أربعة أسهم فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة و ما أصاب سهماً فهو للُامّ» قال: و قرأت فيها: «رجل ترك ابنته و أباه فللابنة النصف ثلاثة أسهم و للأب السدس سهم، يقسّم المال على أربعة أسهم فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة و ما أصاب سهماً فللأب» «1».

و صحيحته الأُخرى و هي قريبة منها «2».

و رواية سلمة بن محرز: في بنت و أب، قال: «للبنت النصف و للأب السدس، و بقي سهمان، فما أصاب ثلاثة أسهم منها فللبنت، و ما

أصاب سهماً فللأب، و الفريضة من أربعة أسهم: للبنت ثلاثة أرباع و للأب الربع» «3».

و روايتي بكير و حمران الآتيتين.

المسألة الثالثة: إذا اجتمع أحدهما مع بنتين فصاعداً

فله السدس و لهما أو لهنّ الثلثان، بقي سدس فيردّ أخماساً على الحقّ المشهور، كما في المختلف و المسالك و الكفاية «4»، بل نسب في الروضة القول المخالف إلى الندور و قال: و هو متروك «5» و عن التحرير الإجماع عليه «6»، فخمسه له و أربعة أخماسه لهما أو لهنّ، فتكون التركة من ثلاثين.

لرواية بكير: في رجل ترك ابنته و أُمّه: «أنّ الفريضة من أربعة، للبنت

______________________________

(1) الكافي 7: 93، 1، الفقيه 4: 192، 668، التهذيب 9: 270، 982، الوسائل 26: 128 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17 ح 1.

(2) الكافي 7: 96، 2، التهذيب 9: 288، 1042، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 2.

(3) التهذيب 9: 328، 1179، الوسائل 26: 130 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17 ح 4.

(4) المختلف: 750، المسالك 2: 316، الكفاية: 295.

(5) الروضة 8: 61.

(6) التحرير 2: 163.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 179

ثلاثة أسهم، و للأُم السدس سهم و بقي سهمان، فهما أحقّ بهما من العمّ و الأخ و العصبة، لأن اللَّه تعالى قد سمّى لهما، و من سمّي لهم فيردّ عليهما بقدر سهامهما» «1».

و قريبة منها رواية حمران «2»، و رواية اخرى لبكير و فيها: «ثمّ المال بعد ذلك لأهل السهام الذين ذكروا في الكتاب» «3».

و هذه العلة موجودة في الابنتين و أحد الأبوين.

و قد يستدلّ «4» أيضاً: بأنّ الفاضل لا بدّ له من مستحقّ، و لا يمكن استحقاق غير هؤلاء، لمنع الأقرب للأبعد، و لا بعضهم، لاستواء النسبة و عدم

الأولويّة، فتعيّن الجميع على النسبة، كما في الفاضل في غيرهم.

و فيه نظر: فإنّ عدم الأولويّة لا يعيّن الجميع و لا التقسيم بالنسبة، لإمكان التخيير أو التقسيم بنحو آخر، إلّا أن يتمّ بالإجماع المركب.

مع أنّ ادّعاء الإجماع البسيط المحقّق أيضاً ممكن؛ لعدم قدح مخالفة النادر و هو الإسكافي «5»، حيث خصّ الفاضل بالبنتين أو البنات، لدخول النقص عليهما بدخول الزوجين، و لموثّقة أبي بصير: في رجل مات و ترك ابنتيه و أباه، قال: «للأب السدس، و للابنتين الباقي» «6».

______________________________

(1) التهذيب 9: 273، 988، الوسائل 26: 130 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17 ح 6.

(2) التهذيب 9: 272، 985، الوسائل 26: 129 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17 ح 3.

(3) الكافي 7: 81، 7، الوسائل 26: 73 أبواب موجبات الإرث ب 6 ح 8.

(4) كما في المختلف: 750.

(5) حكاه عنه في المختلف: 750.

(6) التهذيب 9: 274، 990، الوسائل 26: 130 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 180

و يردّ الأوّل: بأنّه نوع قياس لا نقول به، على أنّه إنّما يجب جبر النقص بذلك إذا لم يكن جبر بشي ء آخر غيره، مع أنّه قد جبره الشارع به حيث جعل لهنّ فريضة عُليا خاصّة لا دنيا، فيكون النقص لهما بمنزلة الدنيا للأبوين، فيتساويان من جميع الوجوه.

و الثاني: بأنّها لمخالفتها عمل المعظم عن حيّز الحجيّة خارجة بالمرّة، فلا تصلح لمعارضة ما مرّ، مضافاً إلى ما يخدشها من كلام صاحب الوافي، حيث قال: و الصواب «ابنيه» بدل «ابنتيه» كما يظهر من بعض النسخ أنّه كان كذلك فغُيّر، و كذا قوله «و للابنتين» الصواب: «و للابنين» «1».

المسألة الرابعة: إذا اجتمع الأبوان مع البنتين أو أكثر

فلكلّ منهما السدس و لهما

أو لهنّ الثلثان، يقسّم بينهم بالسويّة، و الوجه في الكلّ ظاهر.

و إذا اجتمعا مع بنت فلكلّ منهما السدس و لها النصف، بقي سدس، يردّ عليهم أخماساً على نسبة سهامهم، لكلّ منهما خُمسه، و لها ثلاثة أخماسه، فتقسّم التركة على ثلاثين.

و الدليل بعد الإجماع الأخبار المستفيضة، كصحيحة محمد: «رجل ترك أبويه و ابنته فلابنته النصف ثلاثة أسهم، و للأبوين لكلّ واحد منهما السدس، لكلّ واحد منهما سهم، يقسّم المال على خمسة أسهم فما أصاب ثلاثة فللبنت، و ما أصاب سهمين فللأبوين» «2».

و قريبة منها صحيحته الأُخرى «3».

______________________________

(1) الوافي 25: 753.

(2) الكافي 7: 93، 1، الفقيه 4: 192، 668، التهذيب 9: 270، 982، الوسائل 26: 128 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17 ح 1.

(3) الكافي 7: 96، 2، التهذيب 9: 288، 1042، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 181

و رواية زرارة: «رجل مات و ترك ابنته و أبويه: للابنة ثلاثة أسهم، و للأبوين لكلّ واحد منهما سهم، يقسّم المال على خمسة أجزاء، فما أصاب ثلاثة أجزاء فللابنة، و ما أصاب جزأين فللأبوين» «1».

و في فقه الرضا (عليه السّلام): «فإن ترك أبوين و ابنةً فللابنة النصف و للأبوين السدسان، يقسّم المال على خمسة، فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة و ما أصاب سهمين فللأبوين» «2».

و لكن هذا الحكم مختصّ بما إذا لم يكن معهم إخوة حاجبة. و أمّا مع وجودهم فالامّ محجوبة عن الردّ، و هو مخصوص بالبنت و الأب.

و المخصِّص الإجماع المحقق و به أيضاً صرّح في المسالك «3»، و قال في الكفاية: لا أعرف خلافاً بين الأصحاب «4».

و قد يعلّل ذلك بقوله تعالى فَإِنْ

كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ «5».

و في دلالته نظر؛ لأنّ سياقها يقتضي الاختصاص بصورة عدم الولد، و لا أقلّ من احتمالها، فلا يصحّ الاستدلال.

نعم يمكن أن يستدلّ له بقوله تعالى وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ «6».

______________________________

(1) الكافي 7: 94، 2، التهذيب 9: 272، 984، الوسائل 26: 129 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17 ح 2.

(2) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 287، مستدرك الوسائل 17: 172 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 13 ح 3.

(3) المسالك 2: 324.

(4) الكفاية: 295.

(5) النّساء: 11.

(6) النّساء: 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 182

حيث يدلّ على أنّ لكلّ منهما مع الولد ليس إلّا السدس، خرج ما خرج بالدليل، فيبقى الباقي.

و أمّا الاستدلال عليه بالقياس بطريق الأولى، بأن يقال: إنّ وجود الإخوة يوجب حرمانها عن أصل الفريضة العليا فيوجب حرمانها عن الردّ بطريق أولى .

فلا يخفى ما فيه؛ لمنع الأولويّة، لأنّها إنّما تُعلم لو كانت العلّة معلومة و كانت في الفرع أولى ، و هي غير معلومة هنا، على أنّه صرّح في الأخبار بأنّ التوفير لكون الإخوة عيال الأب، و ذلك في الأصل و الفرع سواء من غير أولويّة، نعم يمكن تأييد المطلوب بوجود العلّة المنصوصة فيما نحن فيه أيضاً.

ثمّ إنّهم اختلفوا في أنّ ما حجب منه الام من نصيبه من الردّ هل يقسّم بين الأب و البنت على نسبة سهامهم أو يخصّ بالأب؟

المشهور هو الأوّل، فيقسّم الزائد أرباعاً. و ذهب الشيخ معين الدين المصري إلى الثاني، فيقسّمه أخماساً خمساه له و ثلاثة أخماسه لها «1»، و ما عثرت لشي ء من القولين له على دليل يمكن الركون إليه.

نعم لا يبعد دعوى الإجماع على أوّلهما،

بل التشبث بقوله (عليه السّلام): «فيردّ عليهما بقدر سهامهما» بعد قوله: «فهما أحقّ بهما» في رواية بكير المتقدمة «2»، حيث رتّب الردّ بقدر السهام على الأحقيّة، فتدل على علّيتها له، و أحقيّة الأب و البنت هنا متحقّقة، فيترتّب عليها الردّ بالنسبة.

______________________________

(1) حكاه عنه في المسالك 2: 324.

(2) في ص: 179.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 183

المسألة الخامسة: إذا دخل عليهم أحد الزوجين

فلا يخلو إمّا أن يكون في الأولاد ذكر منفرداً أو مع أُنثى أو لا، فإن كان فلكلّ من الأبوين و أحد الزوجين النصيب الأدنى، بالإجماع، و الآية، و الأخبار، و الباقي للأولاد، للإجماع، و صحيحة محمد و بكير و فيها: «فإن تركت المرأة زوجها و أبويها و ابناً أو ابنين أو أكثر فللزوج الربع، و للأبوين السدسان، و ما بقي فللبنين بينهم بالسوية، فإن تركت زوجها و أبويها و ابنة و ابناً أو بنين و بنات فللزوج الربع، و للأبوين السدسان، و ما بقي فللبنين و البنات للذّكر مثل حظّ الأُنثيين» «1».

و إن لم يكن و يكون الجميع حينئذ ذوي فروض، فإمّا أن تكون التركة زائدة على الفروض و يكون ذلك باجتماع أحد الأبوين و الزوجة مع البنتين فصاعداً، أو باجتماعه مع الزوج و البنت أو اجتماع الأبوين أو أحدهما و الزوجة معها، أو ناقصة، و ذلك في سائر الصور.

فعلى الأوّل يأخذ كلّ ذي فرض فرضه و يردّ الزائد في المثال الأوّل على البنتين و أحد الأبوين أخماساً، فتكون التركة مقسومة على مائة و عشرين و في الثاني على البنت و أحدهما أرباعاً، فتكون مقسومة على ثمانية و أربعين. و في الثالث عليها و عليهما أخماساً، و تكون مقسومة على مائة و عشرين إلّا مع الإخوة الحاجبة فيرد

عليها و على الأب خاصّة أرباعاً، و تكون مقسومة على ستة و تسعين. و في الرابع عليها و على أحدهما أرباعاً، فيقسّم أيضاً على ستة و تسعين، و لا يكون ردّ على أحد الزوجين.

______________________________

(1) الكافي 7: 96، 1، الفقيه 4: 193، 669، التهذيب 9: 288، 1041، الوسائل 26: 131 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 1، بتفاوت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 184

و الدليل على ذلك كلّه بعد الإجماع، و عدم الردّ على الزوج الزوجة بالنصّ، رواية زرارة و فيها: «و إن ترك الميت امّاً أو أباً و امرأة و بنتاً، فإنّ الفريضة من أربعة و عشرين سهماً: للمرأة الثمن ثلاثة من أربعة و عشرين، و لأحد الأبوين السدس أربعة أسهم و للابنة النصف اثنا عشر سهماً، و بقي خمسة أسهم هي مردودة على سهام الابنة و أحد الأبوين على قدر سهامهم، و لا يردُّ على المرأة شي ء. و إن ترك أبوين و امرأة و بنتاً فهي أيضاً من أربعة و عشرين سهماً: للأبوين السدسان ثمانية أسهم لكلّ واحد أربعة أسهم، و للمرأة الثمن ثلاثة أسهم، و للبنت النصف اثنا عشر سهماً، و بقي سهم واحد مردودٌ على الابنة و الأبوين على قدر سهامهم، و لا يردّ على المرأة شي ء. و إن ترك أباً و زوجاً و ابنة فللأب سهمان من اثني عشر و هو السدس، و للزوج الربع ثلاثة أسهم من اثني عشر سهماً، و للابنة النصف ستّة أسهم من اثني عشر، و بقي سهم واحد مردودٌ على الابنة و الأب على قدر سهامهما، و لا يردُّ على الزوج شي ء» الحديث «1».

و على الثاني «2» يأخذ أحد الزوجين و الأبوان أو

أحدهما النصيب الأدنى بلا نقص، و الباقي للبنت أو البنتين؛ للإجماع، و بطلان العول، و الأخبار المصرّحة بأنّ الأبوين لا ينقصان من السدس أبداً و الزوج و الزوجة من الربع و الثمن كذلك «3»، فيختصّ النقص بالبنت أو البنتين.

و رواية زرارة و فيها: عن امرأة تركت زوجها و أُمّها و ابنتيها، فقال: «للزوج الربع، و للأُم السدس و للابنتين ما بقي» «4».

______________________________

(1) الكافي 7: 97، 3، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 3.

(2) أي: إذا كانت التركة ناقصة عن الفروض.

(3) الوسائل 26: 128 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17.

(4) الكافي 7: 97، 3، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 185

و صحيحة محمد: في امرأة ماتت و تركت زوجها و أبويها و ابنتها، قال: «للزوج الربع ثلاثة أسهم من اثني عشر سهماً، و للأبوين لكلّ واحد منهما السدس سهمان من اثني عشر سهماً، و بقي خمسة أسهم فهي للابنة» إلى أن قال: «لأنّ الأبوين لا ينقصان كلّ واحد منهما من السدس شيئاً، و أن الزوج لا ينقص من الربع شيئاً» «1».

و صحيحة محمد و بكير: في زوج و أبوين و ابنة: «للزوج الربع ثلاثة أسهم من اثني عشر سهماً، و للأبوين السدسان أربعة أسهم من اثني عشر سهماً، و بقي خمسة أسهم فهي للابنة» إلى أن قال: «و إن كانتا ابنتين فلهما خمسة من اثني عشر سهماً» الحديث «2».

______________________________

(1) الكافي 7: 96، 2، التهذيب 9: 288، 1042، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 2.

(2) الكافي 7: 96، 1، الفقيه 4: 193، 669، التهذيب

9: 288، 1041، الوسائل 26: 131 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 186

البحث الرابع في ميراث أولاد الأولاد
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأُولى [أولاد الأولاد و إن نزلوا يرثون مع الأبوين أو أحدهما كآبائهم ]:

الحقّ المشهور أنّ أولاد الأولاد و إن نزلوا يرثون مع الأبوين أو أحدهما كآبائهم، ذهب إلى ذلك الفضل و الكليني «1»، و الشيخان و السيدان «2»، و العماني و الديلمي و الحلبي و الحلّي و القاضي و الكراجكي «3»، و عامّة من تأخر عنهم «4».

و ذهب الصدوق في المقنع و الفقيه إلى أنّهم يمنعون بالأبوين أو أحدهما، و لا يرثون إلّا مع فقدهما «5»، و يظهر من الوافي الميل إليه «6».

لنا بعد الإجماع المحقّق، و المنقول في الخلاف و الكافي في أوّل كتاب الفرائض و الانتصار و السرائر و الغنية و الكنز و التنقيح «7»، رواية

______________________________

(1) حكاه عن الفضل في الكافي 7: 88، ذح 4، الكليني في الكافي 7: 70.

(2) المفيد في المقنعة: 688، الطوسي في النهاية: 634، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 605، المرتضى في الناصريات (الجوامع الفقهية): 222.

(3) حكاه عن العماني في المختلف: 729، الديلمي في المراسم: 216، الحلبي في الكافي في الفقه: 368، الحلي في السرائر 3: 257، القاضي في المهذب 2: 132.

(4) كالمحقق في الشرائع 4: 24، و العلّامة في القواعد 2: 170، و الشهيد في اللمعة (الروضة البهية 8): 102.

(5) المقنع: 169، الفقيه 4: 196.

(6) الوافي 25: 791 792.

(7) الخلاف 4: 50، الكافي 7: 70، الانتصار: 298، السرائر 3: 240، 248، الغنية (الجوامع الفقهية): 607، كنز العرفان 2: 329، التنقيح 4: 164.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 187

زرارة: «فإن لم يكن له ولد و كان ولد الولد ذكوراً كانوا أو إناثاً فإنّهم بمنزلة الولد، و ولد البنين بمنزلة البنين يرثون ميراث البنين، و ولد البنات بمنزلة البنات يرثون ميراث البنات، و يحجبون الأبوين و الزوج

و الزوجة عن سهامهم الأكثر و إن سفلوا ببطنين و ثلاثة و أكثر، يرثون ما يرث ولد الصلب، و يحجبون ما يحجب ولد الصلب» «1».

و صحيحة البجلي: «بنات الابنة يرثن، إذا لم تكن بنات كنّ مكان البنات» «2».

و روايته، قال: «ابن الابن إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قام مقام الابن» قال: «و ابنة البنت إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قامت مقام البنت» «3».

دلّتا بعموم الشرط على أنّ ابن الابن و ابنة البنت يقومان مقام الابن و البنت عند عدمهما دائماً، فيشمل حال وجود الأبوين أيضاً، و التخصيص يحتاج إلى المخصّص، و القول بعدم توريثهما مع وجودهما يستلزم عدم قيامهما مقامهما حينئذ كما لا يخفى . و أيضاً لو كان قيامهما مقامهما مشروطاً بعدم الأبوين لزم قيام غير الشرط مقامه، لأنّ عدم الولد حينئذٍ يكون جزءاً للشرط و هو غيره.

فإن قيل: الشرط ما يلزم من عدمه العدم و لا يلزم من وجوده الوجود، و جزء الشرط أيضاً كذلك، فهو أيضاً شرط فلا محذور في جعله

______________________________

(1) الكافي 7: 97، 3، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 3.

(2) الكافي 7: 88، 3، التهذيب 9: 317، 1138، الإستبصار 4: 166، 630، الوسائل 26: 110 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7 ح 1.

(3) التهذيب 9: 317، 1141، الوسائل 26: 112 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 188

شرطاً، و لا يلزم قيام غير الشرط مقامه.

قلنا: هذا إنّما هو فيما إذا جعل شي ء شرطاً لوجود شي ء آخر فلا يلزم من وجوده الوجود، و أمّا إذا حكم بوجود شي ء بشرط شي ء آخر فيلزم في صدقه

من استلزام وجوده الوجود، و إلّا لزم الكذب، و ما نحن فيه كذلك.

و تؤيّده أيضاً رواية إسحاق بن عمّار: «ابن الابن يقوم مقام الابن» «1».

و قد يستدلّ أيضاً: بأنّ الآية و الأخبار مصرّحة بإرث الولد مع الأبوين «2»، و هو يصدق على ولد الولد حقيقة.

و فيه: أنّ الصدق ممنوع كما يأتي.

للصدوق: صحيحة البجلي عن الصادق (عليه السّلام): قال: «بنات الابنة يقمن مقام الابنة إذا لم يكن للميّت بنات و لا وارث غيرهنّ، و بنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميّت ولد و لا وارث غيرهنّ» «3».

دلّت بعموم النكرة على اشتراط قيامهنّ مقام الابنة و الابن على انتفاء الوارث مطلقاً، خرج غير الأبوين و الأولاد بالإجماع.

و صحيحة الخزّاز: «كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به إلّا أن يكون وارث للميّت أقرب منه» «4».

______________________________

(1) الكافي 7: 88، 2، التهذيب 9: 317، 1139، الاستبصار 4: 167، 631 و فيها: مقام أبيه، الوسائل 26: 110 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7 ح 2.

(2) الوسائل 26: 110 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7.

(3) الكافي 7: 88، 4، التهذيب 9: 316، 1136، الإستبصار 4: 166، 628، الوسائل 26: 111 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7 ح 4.

(4) الكافي 7: 77، 1، التهذيب 9: 269، 976، الوسائل 26: 68 أبواب موجبات الإرث ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 189

و كون الأبوين أقرب منه.

و كون نسبته كنسبة الجد، و هو لا يرث مع أحدهما، فكذلك ذلك.

و كونهما متساويي النسبة مع الولد، و هو يحجب ولد الولد، فهما أيضاً كذلك.

و الجواب أمّا عن الأوّل: بعدم الدلالة أوّلًا، لاحتمال أن يكون المراد: و لا يرث

معهن غيرهن، كما لا يرث مع الابن و الابنة غيرهما، فيكون قوله: «و لا وارث غيرهن» معطوفاً على بنات الابنة «1». و بعدم الحجيّة ثانياً، لشذوذه بمخالفته للشهرتين القديمة و الجديدة، بل الإجماع في الحقيقة. و بلزوم التخصيص، للإجماع و لكون رواية زرارة خاصّة مع اعتضادها بالعمل ثالثاً.

و بالأخيرتين يجاب عن الثاني أيضاً.

و أمّا عن الثالث: فبالمعارضة بأولاد الأخ و الجدّ و أمثالهما. و الحلّ بأنّ عموم تقديم الأقرب مخصّص. و أجاب في الكفاية بمنع الأقربيّة «2»، و لعلّه لم يلاحظ فيها قلّة الوسائط، أو لكون ولد الولد بمنزلة الولد الذي ليس أحد الأبوين أقرب منها.

و أمّا عن الرابع: فبأنّه [قياس «3»] و هو باطل عندنا.

و أمّا عن الخامس: فبأنّه إن أُريد التساوي من جميع الوجوه فممنوع، و إن أُريد ببعض الوجوه جازت المخالفة بوجه آخر.

______________________________

(1) بأن يخصّ قوله «لا وارث غيرهنّ» المذكور أوّلًا بالذكور، و المذكور ثانياً بالإناث. (منه (رحمه اللَّه)).

(2) الكفاية: 296.

(3) في النسخ: مناسب، و هو تصحيف.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 190

المسألة الثانية [أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم ]:

الحقّ المشهور أنّ أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم، و لكلّ منهم نصيب من يتقرّب به، فلأولاد الابن نصيبه و إن كان أُنثى، و لأولاد البنت نصيبها و إن كان ذكراً، فلبنت الابن المنفردة جميع المال، و لابن البنت و إن تعدّد النصف بالفرض و الباقي بالردّ، إلى غير ذلك من الأحكام.

و هو مذهب الصدوق و الشيخين «1»، و العماني في أحد قوليه «2»، و الحلبي و القاضي و ابن حمزة «3»، و عامة من تأخر عنهم «4»، و في كنز العرفان: انعقاد الإجماع عليه بعد السيّد «5»، و في الغنية: إنّ عليه إجماع الطائفة «6».

و ذهب جماعة منهم

العماني في قوله الآخر «7»، و السيد و المصري «8»، و الحلّي إلى أنّهم يقتسمون تقاسم الأولاد من غير اعتبار من تقربوا به، فللذكر منهم مثل حظ الأُنثيين و إن كان الذكر من الأُنثى و الأُنثى من الذكر «9»،

______________________________

(1) الصدوق في المقنع: 171، المفيد في المقنعة: 688، الطوسي في النهاية: 634.

(2) حكاه عنه في المختلف: 729.

(3) الحلبي في الكافي في الفقه: 368، القاضي في المهذب 2: 132، ابن حمزة في الوسيلة: 387.

(4) كالمحقق في الشرائع 4: 24، و العلّامة في القواعد 2: 170، و الشهيد الثاني في الروضة 8: 102.

(5) كنز العرفان 2: 328.

(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 607.

(7) حكاه عنه في السرائر 3: 240.

(8) السيد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 222، حكاه عن المصري في كشف الرموز 2: 448 و المختلف: 732.

(9) السرائر 3: 232 240.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 191

و قال في المفاتيح: و لا يخلو من قوّة «1»، و في الكفاية: و لا يبعد ترجيحه «2»، و جعله الأردبيلي قريباً.

لنا: رواية زرارة المتقدمة «3»، و هي نص في المطلوب، و ضعفها سنداً غير ضائر من وجوه.

و صحيحة سليمان بن خالد: قال: «كان علي (عليه السّلام) يجعل العمّة بمنزلة الأب في الميراث، و يجعل الخالة بمنزلة الأُم، و ابن الأخ بمنزلة الأخ» قال: «و كلّ ذي رحم لم يستحقّ له فريضة فهو على هذا النحو» «4».

و صحيحة الخزّاز عنه (عليه السّلام): قال: «إنّ في كتاب علي (عليه السّلام) أنّ العمّة بمنزلة الأب، و الخالة بمنزلة الأُم، و بنت الأخ بمنزلة الأخ، و كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، إلّا أن يكون وارث أقرب إلى الميّت منه فيحجبه» «5».

وجه الاستدلال: أنّ المراد

بكون العمّة و الخالة و كلّ ذي رحم بمنزلة من ذكر في الميراث ليس كونهم بمنزلته في مطلق التوريث، و إلّا لم يكن لهذا التفصيل وجه، و لا في الحاجبيّة و المحجوبيّة، لانتفاء التنزيل فيهما، فبقي أن يكون المراد في قدر الميراث، أو في جميع الأحكام إلّا ما خرج بالدليل، إذ ليس شي ء آخر يصلح للتقدير سواهما.

______________________________

(1) المفاتيح 3: 322.

(2) الكفاية: 296.

(3) في ص: 185.

(4) التهذيب 9: 326، 1171، الوسائل 26: 188 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 7.

(5) التهذيب 9: 325، 1170، الوسائل 26: 188 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 192

و قد يستدل أيضاً بصحيحتي البجلي و روايته المتقدمة «1».

و ردّ باحتمال أن يكون المراد بقيامهنّ مقام الابن و البنت قيامهنّ مقامهما في الإرث، أو في حجب الأبوين و الزوجين عن أعلى فروضهم، لا في قدر النصيب.

و هو و إن كان محتملًا إلّا أنّه بعيد، لمكان التفصيل.

احتج المخالف «2»: بقوله تعالى يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ «3» و سائر عمومات قسمة الأولاد «4»، قال: إنّ ولد الولد ولد حقيقة، فيكون للذّكر مثل حظّ الأُنثيين.

و الجواب أولًا: أنّه لو سلّم الصدق تكون الآية و ما بمعناها عامّة فتخصّص بما ذكر.

و ثانياً: أنّه إن أُريد صدقه عليه لغةً فممنوع، فإنّ ولد الشي ء في اللغة ما يتولّد عنه «5»، و لا يصدق على ولد ولد الشخص أنّه تولّد عنه، و أمّا الاستعمال فلا يفيد، لكونه أعمّ من الحقيقة.

و إن أُريد الصدق الشرعيّ، فيتوقّف على ثبوت الحقيقة الشرعيّة فيه؛ و ثبوتها إمّا بتصريح الشارع بالوضع، أو بكثرة الاستعمال و غلبته بحيث يهجر المعنى الأوّل؛ و شي ء منهما

لم يتحقّق، فإنّه لم ينقل من كتاب و لا سنّة، و لم يثبت إجماع على الوضع، و الاستعمال لا يفيد، و الغلبة هنا ممنوعة، كيف؟! مع أنّهم يستعملون الولد في الولد للصلب أكثر من

______________________________

(1) في ص 185 و 186.

(2) انظر السرائر 3: 232 240.

(3) النساء: 11.

(4) الوسائل 26: 110 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7.

(5) انظر لسان العرب 3: 467، المصباح المنير: 671.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 193

استعماله في ولد الولد أو في القدر المشترك. و أمّا ذِكر الولد أحياناً و التصريح بإرادة ولد الولد منه فلا يثبت الحقيقة الشرعيّة، على أنّ في بعض الأخبار دلالة على خلافه كما يأتي.

و إن أُريد العرفيّ، فثبوته فرع حصول التبادر عند أهل العرف، و هو ممنوع، كيف؟! و قد ذهب الأكثر إلى خلافه، و هم من أهل العرف. و أمّا التبادر في بعض المواضع فإنّما هو لأجل القرينة.

و يدلّ على عدم الصدق أيضاً الأخبار النافية لصدق الولد على ولد الولد و سلبه عنه، و الأخبار الجاعلة ولد الولد بمنزلة الولد، كرواية زرارة «1»، و صحيحتي البجلي «2»، و روايته المتقدمة «3»، حيث إنّ فيها قوله: «إذا لم يكن ولد» «و لم يكن بنات» فسُلب الولد و البنات، و لو كان الولد صادقاً على ولد الولد لما جاز السلب، و لما كان بمنزلته، بل كان هو هو.

و استدلّوا على الصدق بوجوه:

منها: الآيات، كقوله تعالى وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ «4».

فإنّه لا خلاف في أنّه تحرم بهذه الآية زوجة الجدّ، فتدلّ على أنّ أب الأب و الأُم أبٌ حقيقة، فيكون ولد الابن و البنت ولداً حقيقة للتّضايف.

و قوله سبحانه وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ «5».

فإنّه لا خلاف في

أنّ بهذه الآية يحرم نكاح زوجة ولد الولد، لصدق الابنيّة و البنتيّة.

______________________________

(1) في ص: 185.

(2) في ص: 185 و 186.

(3) في ص: 185.

(4) النساء: 22.

(5) النساء: 23.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 194

و قوله تعالى أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَ «1».

فإنّه يحلّ بهذه الآية لابن الولد النظر إلى زينة جدّته، أو زوجة جدّه.

و قوله تعالى فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ و فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ «2» و لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ «3».

فإنّ الولد في جميع هذه المواضع شامل بإطلاقه لولد الولد، و الأحكام المذكورة مترتّبة عليه بلا خلاف، و من الظاهر أنّه لولا الصدق حقيقة لما ترتّب.

و يجاب عنه: بأنّ غاية ما ثبت منه الاستعمال و هو أعمّ من الحقيقة.

و منها: الأخبار المجرية أحكام الأولاد على أولادهم بالاستدلال بهذه الآيات، كالأخبار التي استدلّ فيها على حرمة زوجات النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) على الحسنين (عليهما السّلام) بقوله تعالى وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ و غيرها «4».

و الجواب: أنّ الاستدلال بها لا يدلّ على كونها حقائق، لجواز الاستدلال بالألفاظ المستعملة في المجازات عند وجود القرينة، أو تسليم الخصم، و الخصم يدّعي أنّ القرينة في هذه الآيات موجودة و إن لم يكن غير الإجماع.

و منها: الأخبار الواردة في تسمية الحسنين (عليهما السّلام) و أولادهما أولاد الرسول (صلّى اللَّه عليه و آله)، و هي كثيرة «5».

______________________________

(1) النور: 31.

(2) النساء: 12.

(3) النساء: 11.

(4) انظر الوسائل 26: 110 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7.

(5) الاحتجاج: 324، الوسائل 20: 416 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 2 ح

12، و قد وردت رواية أُخرى في الدعائم 2: 367، 1332.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 195

و الجواب ظاهر بعد ما مرّ.

و منها: مدحهما بأنّهما ابنا رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله)، و هما يفضّلان بذلك، و لا فضيلة و لا مدح في وصف مجاز مستعار.

و الجواب: أنّه كيف لا مدح في المجاز، مع أنّ أكثر مدائح الأئمة الواردة في الزيارات و الأدعية من باب المجاز، و إنّ المدح بالوصف المجازي باعتبار العلاقة الكائنة في الممدوح.

و منها: أنّ لفظ الولد استعمل في ولد الولد، و الأصل في الاستعمال الحقيقة.

و الجواب: أنّ أصالته في مثل ذلك ممنوعة، و إنّما هي مسلّمة فيما لم يعلم له معنى حقيقي آخر.

و منها: الإجماع، ادّعاه السيّد و الحلّي «1».

و الجواب: أنّه ممنوع، و المنقول منه غير حجّة.

و منها: اقتسام المال بين أولاد الأنثى «2» للذكر مثل حظ الأنثيين، مستدلًا بقوله تعالى يُوصِيكُمُ اللَّهُ فلولا الصدق لما صحّ الاستدلال.

قلنا: انحصار الدليل فيه ممنوع، بل المناط الإجماع و غيره، و لو انحصر فلا نقول به، على أنّه لا يرد على من قال بالتسوية بينهم.

و ممّا يمكن أنّ يستدلّ به على أنّ أولاد الأولاد يتقاسمون تقاسم الأولاد، الأخبار الواردة في علّة تفضيل الرجال، كما رواه الفقيه في الصحيح، عن هشام: إنّ ابن أبي العوجاء قال لمحمد بن النعمان الأحول: ما بال المرأة الضعيفة لها سهم واحد و للرجل القوي الموسر سهمان؟ قال

______________________________

(1) رسائل الشريف المرتضى 3: 257 265، الحلي في السرائر 3: 240، 257.

(2) في «ق»: الأولاد.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 196

فذكرت ذلك لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، قال: «إنّ المرأة ليس لها عاقلة، و لا عليها نفقة، و

لا جهاد» و عدّ أشياء غير هذا «و هذا على الرجل، فلذلك جعل له سهمان و لها سهم» «1».

و حسنة مؤمن الطاق، قال: قال لي ابن أبي العوجاء: ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً و يأخذ الرجل سهمين؟! قال: فذكر بعض أصحابنا لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فقال: «لأنّ المرأة ليس عليها جهاد، و لا نفقة، و لا معقلة، و إنّما ذلك على الرجال، فلذلك جعل للمرأة سهم و للرجل سهمان» «2».

و ما كتب الرضا (عليه السّلام) إلى محمّد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله: «علّة إعطاء النساء نصف ما يعطى الرجال من الميراث لأنّ المرأة إذا تزوجت أخذت و الرجل يعطي» «3».

و رواية عبد اللَّه بن سنان: قال، قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): لأيّ علّة صار الميراث للذّكر مثل حظّ الأُنثيين؟ قال: «لما يجعل لها من الصداق» «4» إلى غير ذلك من الأخبار المتكثرة «5».

و جوابه: أنّ عمومها لو سلّم مخصّص بما مرّ، و علل الشرائع معرّفات

______________________________

(1) الفقيه 4: 253، 816، الوسائل 26: 93 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 2 ح 1.

(2) الكافي 7: 85، 3، التهذيب 9: 275، 993، المحاسن: 329، 89، الوسائل 26: 93 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 2 ح 1.

(3) الفقيه 4: 253، 814، التهذيب 9: 398، 1420، العلل: 570، 1، العيون 2: 96، الوسائل 26: 95 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 2 ح 4.

(4) الفقيه 4: 253، 815، التهذيب 9: 398، 1421، الوسائل 26: 95 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 2 ح 5.

(5) كما في الوسائل 26: 93 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص:

197

يجوز التخلّف عنها لمانع، و أصالة عدم المانع مندفعة بما مرّ.

ثمّ إن السيّد قد ذكر إلزامات على المذهب المختار، و زعم أنّه لا مخلص منها.

منها: لزوم كون نصيب البنت أزيد من نصيب الابن بل البنين، كما في رجل خلّف بنت ابن و أبناء بنت، و هو غير جائز، كما نطقت به حسنة محمد و بكير، و رواية زرارة المتقدمتان «1».

و منها: لزوم تساوي نصيب البنت نصيب الابن لو كان مكانها، فإن كلّاً منهما يرث جميع التركة.

و منها: لزوم توريث البنت و البنتين الجميع، مع أنّ لها النصف و لهما الثلثان، بظاهر القرآن.

و منها: لزوم عدم تقاسم أولاد البنت تقاسم الأولاد، إذ لا دليل عليه سوى الآية، و هي لا تشمل أولاد الأولاد عندهم.

و لا يخفى أنّ هذه التشنيعات لازمة عليه في أولاد الإخوة و الأخوات و الأعمام و العمّات، فما يجيب به عنه نجيب به، على أنّه لا تشنيع في شي ء منها:

أمّا الأوّل: فلأنّه لا استبعاد في زيادة نصيب البنت على نصيب الابن أو البنين، نعم لا يزيد نصيبها على نصيبه لو كان مكانها، كما في الأخبار، أي فيما إذا لم تكن البنت و كان الابن مكانها متقرّباً على وجه تتقرّب هي به، و ليس موضع الإلزام من هذا القبيل.

و أمّا الثاني: فلأنّه لا دليل على بطلان تساوي نصيب الابن و البنت

______________________________

(1) في ص 172 و 175.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 198

لغير الصلب.

و أمّا الثالث: فلأنّ التسميتين إنّما تثبتان بظاهر القرآن للبنت و البنتين اللتين هما من الأولاد، و قد عرفت اختصاص صدق الولد على الولد للصلب.

و أمّا الرابع: فقد سبق دفعه.

المسألة الثالثة [اقتسام أولاد الابن نصيبهم للذكر مثل حظ الأنثيين ]:

لا خلاف في أنّ أولاد الابن يقتسمون نصيبهم للذّكر مثل حظّ

الأُنثيين.

و هو المشهور في أولاد البنت أيضاً، و عليه الإجماع عن التنقيح و ظاهر الشرائع «1».

و نقل الشيخ عن بعض أصحابنا قولًا بأنّهم يقتسمون بالسويّة «2»، و اختاره القاضي «3»، و نقل في التنقيح عن بعض الفضلاء أنّه قال: لا يخلو من قوة «4».

و الحقّ هو الأوّل؛ لا لقوله تعالى يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ «5» لعدم صدق الولد.

بل للإجماع، و أخبار علّة تفضيل الرجال المتقدمة «6».

و قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه: «و جعل الأموال بعد الزوج و الزوجة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 19    199     المسألة الثالثة اقتسام أولاد الابن نصيبهم للذكر مثل حظ الأنثيين: ..... ص : 198

____________________________________________________________

(1) التنقيح 4: 164، الشرائع 4: 25.

(2) النهاية: 634.

(3) المهذب 2: 133.

(4) التنقيح 4: 163.

(5) النساء: 11.

(6) في ص: 194.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 199

و الأبوين للأقرب فالأقرب، للذّكر مثل حظّ الأُنثيين» «1».

خرج ما خرج بالدليل فيبقى الباقي.

احتجّ القاضي باقتسام المتقرّبين بالأُنثى نصيبهم بالسويّة «2»، كما يأتي.

قلنا: عمومه ممنوع، و دليله خاصّ، و لذا اعترف باقتسام أولاد الأُخت للأبوين و الأب بالتفاوت، مع الاشتراك في التقرّب بالأُنثى .

و استدلّ «3» أيضاً: بأنّ القول بأنّهم يأخذون نصيب آبائهم يستلزم بطلان اقتسامهم للذكر مثل حظّ الأُنثيين، و لكنّ الأول حقّ، فالثاني باطل، و بالإجماع المركّب يثبت تمام المطلوب؛ أمّا الاستلزام، فلأنّ القول بكون نصيبهم نصيب آبائهم فرع عدم صدق الولد حقيقة على ولد الولد، فلا تشمله الآية، فلا تكون دليلًا على وجوب الاقتسام للذكر مثل حظّ الأُنثيين.

قلنا: أوّلًا لا يلزم من عدم شمول الآية له بطلان الاقتسام المذكور، لجواز الاستناد إلى دليل آخر، كما بيّنا.

و ثانياً: أنّ كون القول بأخذه نصيب أبيه فرع عدم صدق

الولد عليه ممنوع، لجواز اجتماعه مع القول بالصدق و ارتكاب التخصيص في الآية، كما ذهب إليه جماعة «4».

و ثالثاً: أنه لو سلمنا عدم دليل آخر لا يلزم منه ثبوت القول الثاني، لاستواء القولين حينئذ في عدم الدليل، إلّا أن يتمسّك بعدم إمكان الترجيح

______________________________

(1) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 286، مستدرك الوسائل 17: 159 أبواب موجبات الإرث ب 5 ح 2.

(2) حكاه عنه في المسالك 2: 325.

(3) كما في التنقيح 4: 163.

(4) منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز 2: 449.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 200

بلا مرجح، و فيه هنا كلام.

المسألة الرابعة: ولد الولد كالولد في حجب النقصان

، فيحجب الأبوين و الزوجين عن النصيب الأعلى؛ للإجماع «1»، و خصوص رواية زرارة المتقدمة «2»، المنجبرة بالعمل، و بصفوان الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه. و لأنّه قد ثبت أنّه يرث نصيب من يتقرّب به، و لو لا هذا الحجب لنقص نصيبه منه، فالروايات المثبتة له دالة عليه أيضاً.

المسألة الخامسة: لا يرث مع ولد الولد غير الأبوين و الزوجين إذا لم يكن ولد

، بالإجماع في غير الجدّ، و فيه خلاف يأتي؛ لرواية زرارة المتقدمة، و رواية الكناسي عن الباقر (عليه السّلام)، و فيها: «و ابن ابنك أولى بك من أخيك» «3» و لمّا ثبت من أنّ له نصيب أبيه، فإنّه لو حجبه غيره أو شاركه لما كان له نصيبه.

المسألة السادسة: كل حكم ثابت لولد الولد فهو ثابت لولد ولد الولد مع فقد أبيه

و إن نزل ببطنين أو أكثر؛ للإجماع، و خصوص رواية زرارة المتقدمة، و لكون كل ولد ولد قائماً مقام أبيه في أحكام الإرث، و منها كون أبيه أيضاً قائماً مقام أبيه فهو أيضاً قائم مقام أب أبيه، و هكذا.

المسألة السابعة: أولاد الأولاد المتنازلة مترتبة في الإرث

، فكل بطن أقرب منهم يمنع الأبعد؛ للإجماع، و قضيّة الأقربيّة.

______________________________

(1) أي الإجماع المركب في حجب الأبوين، و البسيط في حجب الزوجين، بل البسيط في الأول، فلا تضر مخالفة الصدوق من عدم حجب الأبوين في دعوى الإجماع (منه (رحمه اللَّه)).

(2) في ص 187.

(3) الكافي 7: 76، 1، التهذيب 9: 268، 974، الوسائل 26: 114 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 8 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 201

البحث الخامس في الحبوة
اشاره

و هي مثلّثة، اسم في اللغة للإعطاء بلا جزاء و لا منٍّ، أو عام «1».

و اصطلاحاً قيل: هو إعطاء الابن الأكبر من ميراث أبيه أشياء مخصوصة ابتداءً. أو أعيانٌ مخصوصة يُعطاها الابن الأكبر من ميراث الأب ابتداءً «2». و احترز بالأخير عما لو أوصى له بها، أو وصلت إليه بالقسمة، فإنّ الاختصاص حينئذٍ بواسطة الوصية و القسمة.

و الأولى أن يقال: هي إعطاءُ مَن لا أكبر منه من الأبناء من حيث هو كذلك أشياء مخصوصة من تركة أبيه بأمر الشارع «3»، أو أعيان مخصوصة يُعطاها مَن لا أكبر منه من الأبناء من حيث هو كذلك بأمر الشارع ابتداءً.

ثم القول بثبوتها في الجملة مما اتفقت عليه الكلمة، و تفرّدت به طائفتنا الحقّة، إلّا أنّهم اختلفوا في بعض خصوصياتها الراجعة إما إلى كيفيتها، أو كمّيتها، أو المحبوّ، أو المحبوّ منه.

و نحن نتكلّم فيها في مسائل:

المسألة الأُولى [هل الحبوة واجبة أو مستحبة؟]:
اشاره

اختلفوا في أنّها هل هي واجبة فليس لسائر الورثة الامتناع منها، أو مستحبة فلهم ذلك؟

______________________________

(1) القاموس 4: 316.

(2) انظر رسائل الشهيد الثاني: 220.

(3) في «ق»: زيادة: ابتداء.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 202

فالشيخان و القاضي و الحلّي و ابن حمزة و ابن سعيد و المحقّق «1»، و العلّامة في غير المختلف «2»، و الشهيدان و السوراوي «3»، و جماعة اخرى «4» على الأوّل، و ادعى الحلّي عليه إجماع الأصحاب.

و ذهب السيّد و الإسكافي إلى الثاني «5»، و هو المحكيّ عن الإصباح و الغنية و الرسالة النصيريّة في الفرائض، و ظاهر الوافي، و هو صريح المختلف و الكفاية «6»، و نسب إلى الحلبي أيضاً «7»، و كلامه ليس بصريح فيه ككلام السيد في الانتصار، و ظاهر المسالك و المفاتيح التوقّف «8».

و الحق هو

الأوّل.

لنا: موثقة الفضلاء: «الرجل إذا ترك سيفاً أو سلاحاً فهو لابنه، فإن كانوا اثنين فهو لأكبرهما» «9».

______________________________

(1) حكاه عن المفيد في الإيضاح 4: 216 و انظر المقنعة: 684، الطوسي في النهاية: 633، القاضي في المهذب 2: 132، الحلي في السرائر 3: 258، ابن حمزة في الوسيلة: 387، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 509، المحقق في الشرائع 4: 25.

(2) كالتحرير 2: 164.

(3) الشهيد الأول في الدروس 2: 362، الشهيد الثاني في الروضة 8: 107، السوراوي و هو الفاضل المقداد في التنقيح 4: 168، راجع طبقات أعلام الشيعة في القرن التاسع ص 138.

(4) كالفاضل الآبي في كشف الرموز 2: 451، و صاحب الرياض 2: 349.

(5) السيد في الانتصار: 299، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 732.

(6) حكاه عن الإصباح في كشف اللثام 2: 291، الغنية (الجوامع الفقهية): 607، انظر الوافي 25: 725 729، المختلف: 733، الكفاية: 297.

(7) الكافي في الفقه: 371.

(8) المسالك 2: 325، المفاتيح 3: 329.

(9) التهذيب 9: 276، 998، الإستبصار 4: 144، 542، الوسائل 26: 98 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 203

و صحيحة ربعي: «إذا مات الرجل فسيفه و خاتمه و مصحفه و كتبه و رحله و راحلته و كسوته لأكبر ولده، فإن كان الأكبر ابنة فللأكبر من الذكور» «1».

و الأُخرى: قال: «إذا مات الرجل فللأكبر من ولده سيفه و مصحفه و خاتمه و درعه» «2».

و موثقة العقرقوفي: عن الرجل يموت، ما له من متاع بيته؟ قال: «السيف» و قال: «الميت إذا مات فإنّ لابنه السيف و الرحل و الثياب ثياب جلده» «3».

و قريب منها صحيحته «4».

و صحيحة حريز: «إذا هلك الرجل و ترك بنين فللأكبر

السيف و الدرع و الخاتم و المصحف، فإن حدث به حدث فللأكبر منهم» «5».

و مرسلة ابن أُذينة الصحيحة عن ابن أبي عمير: «الرجل إذا ترك سيفاً و سلاحاً فهو لابنه، و إن كان له بنون فهو لأكبرهم» «6».

______________________________

(1) الكافي 7: 86، 4، الفقيه 4: 251، 805، التهذيب 9: 275، 997، الإستبصار 4: 144، 541، الوسائل 26: 97 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3 ح 1.

(2) الكافي 7: 86، 3، التهذيب 9: 275، 996، الإستبصار 4: 144، 540، الوسائل 26: 97 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3 ح 2.

(3) التهذيب 9: 276، 999، الإستبصار 4: 145، 544، الوسائل 26: 99 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3 ح 7.

(4) الفقيه 4: 251، 806، الوسائل 26: 98 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3 ح 5.

(5) الكافي 7: 85، 1، التهذيب 9: 275، 994، الإستبصار 4: 144، 538، الوسائل 26: 98 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3 ح 3.

(6) الكافي 7: 85، 2، التهذيب 9: 275، 995، الإستبصار 4: 144، 539، الوسائل 26: 98 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 204

فإنّ الظاهر الشائع المتبادر من كون المال لفلان لزوم اختصاصه به.

و التوضيح: أنّه لا تصلح اللام فيها من معانيها إلّا الملكية، أو الاستحقاق، أو الاختصاص، أو القدر المشترك بينها، و هو الاختصاص أيضاً؛ و على التقادير يثبت المطلوب.

أمّا على الأوّلين، فلأنّ مقتضى الملكيّة و الاستحقاق لشي ء أن لا يجوز لغيره مزاحمته فيه، و لأنّ مقتضى الاستحباب ليس إلّا أولويّة الإعطاء و هي لا توجب الملكيّة و الاستحقاق.

و أمّا على الأخيرين، فلأنّ معنى اختصاص مال بشخص

اختصاص ملكيّته، أو جواز الانتفاع به، و لذا صرّح بعضهم برجوع الاختصاص إلى الملكيّة «1»، و لو كانت مستحبّة لما اختص شي ء منهما بأكبر الأبناء.

و لو قلنا بجواز توصيف المال بالاختصاص أيضاً من غير احتياج إلى تقدير- كما هو الظاهر و الموافق للأصل لأفاد الوجوب أيضاً، لمنافاة الاستحباب لاختصاصه، فإنّ مقتضى الاختصاص أن لا يشارك المختصّ غيره في المختصّ به.

و أمّا إرادة اختصاص استحباب التخصيص فخلاف الأصل، لا يصار إليه إلّا مع الاقتضاء، و اقتضاء الكلام له غير معلوم، و لو سلّم فيقدّر ما قام عليه قرينة أو شاع تقديره و استبق الذهن إليه، و قرينة الظاهر تدلّ على إرادة الملكيّة و الاستحقاق، و هي الشائع و المتبادر، و لذا استدلّوا لملكيّة السهام للورثة بآيات الإرث و أخباره المشتملة على مجرّد اللام، من غير استناد و اعتضاد بإجماع أو غيره، و لذا اكتفوا في الأقارير و الوصايا و الجعائل،

______________________________

(1) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 325، و صاحب الرياض 2: 350.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 205

بقولهم: لفلان كذا.

احتجّ المخالف: بالأصل.

و عموم آيات الإرث و رواياته و سائر أدلّته، خرج أولويّة الاختصاص بالإجماع فيبقى الباقي.

و عدم دلالة الاختصاص المذكور في الروايات على أكثر من الاستحباب.

و الاختلاف في الأخبار.

و الجواب: أنّ الأصل مندفع بما مرّ.

و عمومُ كثير من الآيات و الروايات ممنوع، و ما كان منها عامّاً لا دلالة فيه على وجوب إعطاء الجميع أو سهم كلّ واحد للورثة بناءً على قول المخالف، لمكان اللّام، و هو لا يقول بدلالته على الوجوب. و الحاصل: أنّ آيات الإرث و رواياته بين ما لا عموم فيه و ما لا دلالة فيها على وجوب تقسيم جميع التركة، لاشتماله على

اللّام الغير المفيد لوجوب الإعطاء عنده. و أمّا الإجماع فهو غير منعقد على الأمر العام، بل مخصوص بغير الحبوة من التركة. و لو سلّمنا عمومها و دلالتها على الوجوب لوجب التخصيص، لوجود المخصّص؛ على أنّ هذا إنّما يرد لو قلنا بالإعطاء مجّاناً و أمّا على القول باحتساب القيمة فلا منافاة بين وجوب الحبوة و عمومها، و لا حاجة إلى تخصيص.

و عدمُ دلالة الروايات على الأكثر من الاستحباب مردود بما ذكرنا؛ على أنّها لو لم تدلّ على الأكثر لما دلّت على الاستحباب أيضاً، لعدم إفادة اللّام له أصلًا، و تقديره تقدير بلا مقدّر، بل تكون مجملة.

و اختلاف الأخبار لا دلالة له على الاستحباب، مع أنّ الاختلاف الذي

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 206

قد يؤيّد به الاستحباب هو الاختلاف في السلب و الإيجاب دون المقدار.

فرعان:
أ: على القول بالاستحباب هل يكون الاستحباب ثابتاً في نفسه، أو يستحب على سائر الورثة فقط؟

ظاهر أدلّتهم الأوّل، و التخصيص خلاف الأصل.

و الحقّ هو الثاني؛ إذ الاستحباب حكم شرعيّ فلا بد له من أحد يستحبّ له، و لا أحد سوى سائر الورثة، إذ الاستحباب لغيرهم ينافي ملكيّة الورثة.

ب: على هذا القول لو امتنع باقي الورثة فهل يسقط الحباء أم لا؟

ظاهر كلماتهم يدلّ على الأوّل. و قيل: الدليل لا يساعده، لعدم دليل على السقوط، فيجوز للحاكم إعطاء الحبوة، إلّا أن يتمسك بالإجماع المركب «1».

و بعد ما ذكرنا من أنّ الاستحباب مختصّ بالورثة، فالحكم ظاهر.

المسألة الثانية: المشهور أنّها تؤخذ مجّاناً، و المحبوّ يشارك الباقي في الباقي بقدر نصيبه
اشاره

، و ذهب السيد في الانتصار و الإسكافي إلى أنّها تعطى و تحسب عليه من ميراث أبيه «2»، و اختاره في المختلف و الكفاية و شرح القواعد للهندي «3»، و ظاهر المسالك الميل إليه «4»، و نفى عن البأس المحقّق

______________________________

(1) انظر رسائل الشهيد الثاني: 244.

(2) الانتصار: 299، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 733.

(3) المختلف: 733، الكفاية: 297، كشف اللثام 2: 291.

(4) المسالك 2: 325.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 207

الأردبيلي و إن جعل الأولى بعده أحد الأمرين إمّا الاستحباب أو الاحتساب، بأن يجعل الأكبر مخيّراً بين الأخذ بالقيمة و الترك، كما أنّ ظاهر الروضة و المفاتيح و صريح شرحه: التوقّف «1».

و الحقّ هو الثاني.

لنا: أنّ الثابت من النصوص ليس إلّا مجرّد اختصاص الحبوة بالابن الأكبر، و لا شكّ أنّ الاختصاص و التملّك كما يكونان بغير عوض و مجرّدين عن احتساب القيمة كذلك يكونان مع العوض و مع احتسابهما، و يجتمعان مع كلّ من الأمرين، و لا ينافيان شيئاً منهما.

و احتساب القيمة و مراعاة العوض و إن كان أمراً مخالفاً للأصل، و لو لا دليل على ثبوته وجب عدم القول به و المصير إلى خلافه، و لكنّ الدليل عليه موجود، و هو قوله تعالى وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ «2» و قوله تعالى فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ «3» و قوله تعالى فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ «4».

حيث دلّت بعموم الموصول على أنّ لهم السدس و

الربع و الثمن من جميع ما تركه الميّت، و عدم الاحتساب يستلزم أن يكون لهم هذه من بعضه.

و الروايات المتقدّمة المصرّحة بأنّ الأبوين لا ينقصان من السدس شيئاً، و الزوجين لا ينقصان من الربع و الثمن كذلك «5». و بأنّ أربعة لا يدخل

______________________________

(1) الروضة 8: 109، المفاتيح 3: 329.

(2) النّساء: 11.

(3) النّساء: 12.

(4) النّساء: 12.

(5) في ص: 182 و 183.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 208

عليهم ضرر في الميراث: الوالدان و الزوجان «1»، و عدم الاحتساب يوجب النقص و الضرر.

و موثقة أبي بصير عن الصادق (عليه السّلام) و فيها: «و لو ترك بنات و بنين لم ينقص الأب من السدس شيئاً» قلت له: فإن ترك بنات و بنين و أُمّاً، قال: «للُام السدس، و الباقي يقسّم لهم للذكر مثل حظ الأُنثيين» «2».

و غيرها مما يضاهيها، حيث دلّت على أنّ غير السدس يقسّم للذكر مثل حظ الأُنثيين، و عدم الاحتساب يوجب زيادة نصيب بعض الذكور عن حظهما.

و بتقرير أحسن: لا ريب في أنّ الآيات و الروايات المذكورة عامة، فلا يخصص إلّا بمخصص يقيني، و لا شي ء ها هنا يصلح للتخصيص سوى أخبار الحبوة، و التخصيص بها فرع دلالتها على عدم الاحتساب يقيناً، و هي لا تدل على أكثر من الاختصاص و التملك، و هما كما يكونان مع عدم الاحتساب يكونان معه أيضاً، و لا يلزمهما عدمه، فوجود المخصص غير معلوم، فيجب إبقاء العام على عمومه.

و بتقرير ثالث: لا شك في أنّ المستفاد من نصوص الحبوة ليس سوى الاختصاص، و لا شك أيضاً في أنّ نفس الاختصاص لا دلالة لها على عدم الاحتساب، لاجتماعها معه؛ نعم إطلاقها مع كون وجوب الاحتساب مخالفاً للأصل يصلح دليلًا على

نفيه، و لكن العمل بالأصل إنما هو عند عدم الدليل على خلافه، و العمومات دليل عليه.

______________________________

(1) الوسائل 26: 76 أبواب موجبات الإرث ب 7.

(2) التهذيب 9: 274، 990، الوسائل 26: 130 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 17 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 209

فإن قيل: الثابت من العمومات استحقاق الأبوين و من شابههما نصيبهم، كالسدس مثلًا من جميع التركة مشاعاً، و منها الحبوة، فإذا علم بدليلٍ اختصاصها بواحد من الورثة يعلم عدم استحقاقهم السدس منها، فيبقى سدس غيرها، و لا دلالة على وجوب أخذ سدس الحبوة من غيرها.

قلنا: لا دلالة في قوله تعالى وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ و غيره من العمومات على الإشاعة، بل يدل على اشتراكهم في التركة بالسدس مثلًا، و الاشتراك أعم من الإشاعة و غيرها، و إنما يحكم بالإشاعة لدليل من خارج، و هو عدم المرجح. أ لا ترى أنّ قول القائل: نصف هذه الدار لزيد، يحتمل الإشاعة و عدمها، و لذا يصح الاستفسار بأنّ هل له النصف مشاعاً أو مفروزاً. ثم أخبار الحبوة دلت على ترجيح غير الحبوة، في وجوب أخذ نصيبهم منه فيأخذون منه؛ على أنّ العمومات لو دلت على الإشاعة تكون أخبار الحبوة كالمقسّم لبعض التركة.

احتج المشهور بعد الإجماع الذي ادعاه الحلي «1»:

بأنّ الثابت من النصوص اختصاص الحبوة به، و احتسابها من سهمه أمر خارج عن حقيقة الاختصاص، و لا دلالة له عليه مطلقاً، فالأصل عدم وجوبه.

و أنّ إطلاقها يدل على استحقاقه لها من غير شرط، فلو كان مشروطاً بالاحتساب لزم تأخير البيان عن وقت الخطاب و الحاجة.

و أنّ قوله «سيفي لفلان» يوجب ملكه بغير عوض، فكذا هنا، للاشتراك في المانع و المقتضي. و

أنّ الوارث يخصّ بسهمه من غير عوض

______________________________

(1) السرائر 3: 258.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 210

بآيات الإرث و رواياته، المشتركة مع هذه النصوص في وجه الدلالة.

قلنا: أما الإجماع المنقول فلا حجية فيه، سيما مع مخالفة جمع كثير.

و أما الأصل فمندفع بالعمومات المذكورة الخالية عن المعارض القطعي.

و أما تأخير البيان، فإنما يلزم لولا هذه العمومات مقدمة عليها، و معها فلا تأخير، مع أنّ ورود أخبار الحبوة في وقت الحاجة لا دليل عليه.

و أما تملك السيف بغير عوض، فلعدم المقتضي للعوض، و هنا موجود، فالاشتراك المدعى ممنوع، و كذا في تملك كل وارث سهمه.

و قد يستدل لكل من القولين بوجوه ضعيفة جدّاً.

فروع:
أ: هل المعتبر القيمة عند الموت أو الإعطاء أو الاحتساب

«1»؟

الأظهر هو الأول؛ لانتقال الحبوة إليه عنده، لتعليق اختصاصها به على الموت و قد تحقق، و الأصل عدم اشتراط أمر آخر، و لأنه وقت انتقال التركة إلى الوارث فينتقل المختص بالبعض إليه، لعدم انتقاله إلى غيره قطعاً و لو بالاشتراك؛ و المعتبر هو القيمة وقت الانتقال، إذ لا معنى لاعتبارها قبله، و هو ظاهر، و لا بعده، لأنه حينئذ ملك للمحبوّ و لا يحتسب قيمة ملك أحد عليه، و لأنه لا ينتفع أحد بزيادة قيمة ملك غيره و لا يخسر بنقصانها.

و بتقرير آخر: لو اعتبرت القيمة عند الإعطاء أو الاحتساب لكانت

______________________________

(1) أي إذا تغاير وقت الاحتساب و الإعطاء و لم يحتسب عند الإعطاء (منه (رحمه اللَّه)).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 211

الحبوة قبلهما إمّا ملكاً للمحبوّ، أو الورثة، أو غيرهما، أو باقية في حكم مال الميت، و الثلاثة الأخيرة باطلة، أما الأول: فلاستلزامه عدم اختصاص المحبوّ بها، و أما الثاني: فبالإجماع، و أمّا الثالث: فلاستلزامه اشتراط الانتقال بشرط آخر، و الأصل عدمه فتعيّن

الأول، فيلزم أن يكون العين ملكاً لأحد و مختصّة به دون قيمتها.

فإن قيل: جاز أن يكون تملّكه تملّكاً متزلزلًا.

قلنا: الملك المتزلزل أيضاً يعتبر قيمته عند حصوله.

فإن قيل: إذا نقصت القيمة عند الإعطاء أو الاحتساب، فالأصل براءة الذمة عن الزائد، فأين المخرج.

قلنا: المخرج ما ذكرنا، على أنّها لو زادت عندهما لكان الأصل براءة الذمّة عن الزائد أيضاً.

قيل: ذلك معارضة و قيمة المعوّض إنما تعتبر عند دفع العوض.

قلنا: ممنوع، بل المعتبر حين الانتقال و إن لم يدفع العوض.

قيل: الانتقال مشروط بالاحتساب على هذا القول، فلا يتحقق المشروط قبل الشرط.

قلنا: الاشتراط ممنوع، بل الاحتساب أمر لازم في الواقع، كما أنّ دفع الثمن ليس شرطاً لانتقال المبيع.

ب: لو تلفت الحبوة كلّاً أو بعضاً قبل القبض

، فإن كان من تفريط أو امتناع تسليم من غير المحبوّ فيغرم، و إلّا فالتالف من مال المحبوّ، و يحسب عليه؛ و وجهه على ما اخترناه ظاهر.

ج: لو نقص نصيبه عنها فيعطى بقدره منها على القولين

، و مع الزائد على المشهور، و أما على ما اخترناه ففي إعطاء الزائد مجّاناً، أو مع أخذ

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 212

قيمته منه، أو دفعه إلى باقي الورثة، أوجُه، أوجَهها أخيرها؛ لأنّه إذا ترك أبوين و ابناً مثلًا فعمومات الإرث تقتضي أنّ ثلثه لهما، و بعضٌ منه هو القدر الزائد من الحبوة، و نصوص الحبوة تقتضي أنّ مجموع الحبوة له و بعض منها من الثلث، و لا يمكن العمل بهما إلّا بإعطاء المجموع له و أخذ قيمة الزائد منه، و هو أمر مخالف للأصل لا دليل عليه أصلًا، فيجب إمّا تخصيص العمومات بغير هذا الموضع، أو تخصيص أخبار الحبوة بغير القدر الزائد عن النصيب، و لكن الأول يتوقّف على تيقّن شمول نصوص الحبوة للقدر الزائد، و هو غير معلوم «1»، فتعيّن الثاني.

د: لا يعتبر رضا المحبوّ و لا غيره من الورثة في الحباء و الاحتساب

؛ للأصل، و إطلاق النصوص.

ه: لو كان المحبوّ غير مكلف أو غائباً

يحبى و يحتسب، و لا ينتظر التكليف أو الحضور؛ و الوجه ظاهر. و المتولي لجميع ذلك الولي، ثم عدول المؤمنين، ثمّ الورثة.

المسألة الثالثة [هل تنحصر الحبوة بالسيف و المصحف و الخاتم و ثياب البدن؟]
اشاره

ذهب الأكثر إلى أنّ ما يُحبى به أربعة: السيف، و المصحف، و الخاتم، و ثياب بدنه، لا غير «2». و زاد الإسكافي السلاح «3»، و الصدوق الكتب و الرحل و الراحلة «4». و لم يذكر في الانتصار الثياب، و كذا

______________________________

(1) و ذلك لأنّ اختصاص الحبوة يحتمل أن يكون اختصاصاً معوضاً بنصيب الإرث و أن يكون غير معوض، و المعوض منه يتوقّف على وفاء نصيب الإرث، فمع عدم وفائه فإمّا ينتفى الاختصاص أو وجوب الاحتساب، فشي ء منها ليس يقيناً فلا يصلح للتخصيص. (منه (رحمه اللَّه)).

(2) انظر الروضة 8: 107، و المفاتيح 3: 329، و الرياض 2: 349.

(3) حكاه عنه في المختلف: 732.

(4) الفقيه 4: 251، 805.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 213

في الغنية «1» و الإصباح و الرسالة النصيريّة و أعلام المفيد. و عن الكافي تخصيص الثياب بثياب مصلّاه «2». و عن الخلاف عدم ذكر الخاتم «3».

أقول: وجوب الحباء بالأربعة ممّا لا إشكال فيه، لتصريح الأخبار المتقدمة جميعاً بالكل و إن لم يذكر بعضها في البعض، و لا يضرّ عدم ذكر بعضها في البعض، لأنّ البعض الخالي عن بعض آخر لا ينفي ذلك الآخر إلّا بمفهوم اللقب الذي ليس بحجة أصلًا، و لا يجب اشتمال كل حديث على كل حكم، كما لا يضرّ تضمّن كل من الأخبار ما لا يقول به أحد، لأنّ خروج جزء من الحديث عن الحجية لا يوهن في حجية الباقي، مع أنه ليس في الكل «4» بل و لا في الأكثر ما لا يقول به أحد. نعم يتضمّن ما

لا يقول به الأكثر، بل قد يقال: بعدم معلومية ذلك أيضاً كما يظهر وجهه ممّا يأتي.

و إنّما الإشكال فيما هو المشهور من الاقتصار عليها مع عدم الاقتصار عليها في رواية بخصوصها ليمكن أن يوجّه بانحصار المعلوم صحتها عندهم فيها، أو بغير ذلك بل الروايات بين مقتصرة على بعضها و مشتملة على غيرها، فيجب إما الاقتصار على الاولى إن لم يعلم صحة الأخيرة، أو عدم الاقتصار على الأربعة إن علمت، بل المقتصرة على البعض يشمل الغير أيضاً.

و قد يعلّل بأنها معلومة الإرادة، و أما غيرها فمشكوك فيه،

______________________________

(1) الانتصار: 299، الغنية (الجوامع الفقهية): 607.

(2) الكافي: 371.

(3) الخلاف 4: 115.

(4) بل ليست رواية من الروايات مقتصرة على بعضها فقط أيضاً، و ما اقتصر فيها على بعض الأربعة زيد فيها بعض من غيرها أيضاً كما لا يخفى . (منه (رحمه اللَّه)).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 214

و الاختصاص خلاف الأصل، فاقتصر فيه على موضع اليقين «1».

أما كون السلاح مشكوكاً فيه، فلاحتمال أن يكون ذكره تأكيداً و تفسيراً للسيف، فإنه أحد معانيه كما في القاموس «2»، على أنّه لم يذكر إلّا في المرسلة، و موثقة الفضلاء «3»، و الأولى لإرسالها لا تصلح للحجيّة، و الثانية عطفته بلفظه «أو» المفيدة للترديد، فيمكن أن يكون الترديد من الراوي.

و أمّا الرحل، فلاشتراكه بين المسكن، و ما يستصحبه الإنسان من الأثاث، و رحل البعير، و لا قرينة على التعيين، فيجب التوقّف. و يمكن أن يكون المراد به الثاني، و به الكِسوة «4»، و يكون عطفهما للتأكيد.

و أمّا الراحلة، فلعدم ذكرها في بعض نسخ الفقيه، مع ما في معناها من الإجمال.

و أمّا الكتب، فلاحتمال كونها تأكيداً للمصحف، أو كان المراد الكتب السماويّة، و تكون الحبوة

كالإرث غير مختصّة بالملة الحنيفة.

و أمّا الدرع، فلاحتمال أن يراد به القميص أو الثوب، لإطلاقه عليهما و إن كان في الرحل مجازاً، و القرينة عدم ذكر الثوب المجمع عليه فيما اشتمل عليه، بل قيل: إنه مشترك بين ما ذكر و بين درع الحديد لغة «5»، و ورد بمعنى القميص في الأخبار كثيراً.

و لا يخفى ضعف هذا التعليل و بُعده، و لو جاز فتح باب هذه

______________________________

(1) انظر رسائل الشهيد الثاني: 223.

(2) القاموس 1: 237.

(3) المتقدمتين في ص 200 و 201.

(4) أي: و المراد بالثاني الكسوة.

(5) انظر الرياض 2: 350.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 215

الاحتمالات لبطلت الاستدلالات رأساً، على أنّ بعضها مما لا يحتمله الكلام، كما لا يخفى على المتأمل.

و الأولى أن يقال: لعلّ مستندهم الإجماع.

و ما في المسالك من أنّه لا بدّ للإجماع من مستند و المستند هنا غير ظاهر «1» غير صحيح؛ فإنّ اللازم الثابت هو وجود المستند لا ظهوره لنا، لِمَ لا يجوز أن يكون هنا مستند خفي علينا؟ و عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.

و القدح في الإجماع بأنه لو ثبت هنا لكان سكوتياً و لا حجية فيه غير جيد؛ لأنّ كونه سكوتياً لنا لا يوجب كونه سكوتياً لهم أيضاً.

و يمكن أن يكون المستند لهم دليل آخر لا نعلمه. و أما نحن فيكفينا مستنداً للاقتصار اقتصار الأصحاب، و شذوذ القول بالتعدي عن الأربعة، الموجب لخروج المتضمّن للزائد عن الحجيّة في الزائد.

فروع:
أ: لو تعددت هذه الأجناس فهل يحبى بالجميع أو لا؟

كلام أكثر القدماء خال عن التعيين.

و قال الشهيد: ما كان منها بلفظ الجمع تدخل أجمع، و ما كان بلفظ الوحدة يتناول واحداً «2». و تبعه جمع من تأخر عنه «3».

و حكم في القواعد بعموم الثياب و استشكل في البواقي

«4».

______________________________

(1) المسالك 2: 326.

(2) المسالك 2: 326، و الروضة 8: 112.

(3) كالسبزواري في الكفاية: 297، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 292.

(4) القواعد 2: 171.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 216

و مال في الكفاية إلى عموم الجميع «1». و هو الأقرب.

أما عموم الثياب، فلأنّ الجمع المعرّف يفيده، بل المفرد المضاف عند عدم القرينة على التخصيص.

و أما عموم البواقي، فلظهوره من قوله: «إذا ترك سيفاً» «2»، و لأنه يصدق على كل سيف من سيوفه أنّه سيف أبيه، و كذا البواقي. و لأنّ المفرد المعرّف يفيد العموم شرعاً عند عدم العهد و إن لم يفده لغة، كما بيّنا في موضعه، و كذا المفرد المضاف. نعم من لا يقول بإفادته له شرعاً فله المنع.

احتجّ الشهيد، بأنّ الحبوة على خلاف الأصل فيقتصر فيها على موضع اليقين، و إفادة الجمع للعموم يقينية دون غيره «3». و جوابه ظاهر.

ب: العموم الذي ثبت في هذه الأجناس، هل هو ثابت في نوع خاص منها- فيحبى بجميع أفراد هذا النوع أو في جميع أنواعها؟

الحق المشهور هو الأول، فالثياب التي تحبى بأجمعها هو ثياب بدنه، و هي التي لبسها أو أعدّها للبسه و إن لم يلبسها، فتخرج الثياب المعدّة للتجارة أو إلباس الغير أو الادخار و نحوها.

للإجماع. و لأنها المتبادر من لفظ كسوته، و من ثياب جلده، و يؤكدها التخصيص بثياب الجلد بعد التعميم «4». و لأنّ المراد بثياب جلده إما الملاصقة له، أو المحيطة به و لو بالواسطة، أو الملبوسة و لو في وقت ما، أو المعدّة له، أو الصالحة له. و المعنى الحقيقي هو الأول، و لكنه غير

______________________________

(1) الكفاية: 297.

(2) راجع ص 200 و 201.

(3) رسائل الشهيد الثاني: 223.

(4) انظر: موثّقة العقرقوفي المتقدمة في ص 201.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 217

مراد بخصوصه بالإجماع، فيحمل إما على الأقرب، أو ما دلت

عليه القرينة، و الإجماع قرينة على إرادة المحيطة و الملبوسة و المعدّة، فلا يحمل على غيرها، بل هي أقرب بالنسبة إلى غيرها أيضاً. و كذا إضافة الكسوة إلى الميت و نسبتها إليه إما نسبة ملكية، أو اكتسائية، و كل محتمل، و لكن الثانية مرادة بالإجماع، فتنفى الأُولى بالأصل.

و الحلبي خصّ الثياب بثياب الصلاة «1»؛ و مستنده غير ظاهر. و الحلّي بما يلبسه و يديمه «2»؛ و كأنّ نظره إلى الإضافة، و هي لا تفيده.

و كذا السيوف و المصاحف و الخواتيم التي تحبى بأجمعها هي التي أعدّها للاستعمال، و لخاصّة نفسه، دون ما أعدّه للتجارة و نحوها؛ لشهادة ظاهر لفظ سيفه و مصحفه و خاتمه بذلك.

نعم يشكل الأمر فيها من حيث ورودها في بعض النصوص بالتعريف دون الإضافة، إلّا أن يتمسّك في تخصيصها بالإجماع، و لكن إثباته لا يخلو عن إشكال.

ج: لمّا كان الوارد في النصوص لفظ: «الكسوة و الثياب» فاللازم في تعيينها ملاحظة صدق الاسم عرفاً

، فيدخل فيها القميص و الزبُون «3» و القباء و السراويل و نحوها بلا خفاء «4»، و كذا المِمْطَر «5» و العباء و الرداء و الفراء و الثوب من اللبد، لصدق الكسوة لغة، بل عرفاً.

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 371.

(2) السرائر 3: 258.

(3) الزبون: الذي يقطع على قدر الجسد و يلبس. تاج العروس 9: 224.

(4) في «س»: بلا خلاف.

(5) الممطر: ما يلبس في المطر يُتوقّى به. الصحاح 2: 818.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 218

و أخرج في المسالك القلنسوة «1»، و الدخول أظهر و عدم الاكتفاء بها في الكفارات لدليل آخر و مثلها الجورب.

و اختلفوا في العمامة، و الظاهر الدخول، لما مرّ.

و النعل و الخف خارجان، للشكّ في صدق الاسم. و كذا ما يشدّ به الوسط من المنطقة و الحزام، إلّا أن يكون من شالات

العجم، فإنّ دخولها أقرب.

و في الشبه بالبسط الذي يلبسه العجم بالتلفف لدفع البرد و المطر تردد، و الخروج أظهر، و الوجه في الجميع يظهر مما مرّ.

و لا يدخل لباس الحرب، كالدرع و المغفر، لعدم الصدق.

د: لو كان الثوب مما يحتاج إلى القصّ و الخياطة و لم يتحقّق شي ء منهما

فلا يدخل؛ لعدم صدق الاسم لغة و عرفاً. و لو قصّه و لم يخِطه ففي الدخول نظر، و لعل الخروج أقرب، للشك في الصدق، و لو سلم الإطلاق فهو أعم من الحقيقة و المجاز.

ه: في دخول غمد السيف و بيت المصحف و حمائلهما و حليتهما

وجهان، من إطلاق الاسم على الجميع عرفاً، و صحة سلبه عنها حقيقة.

و الحق أنّ ما لا ينفكان عنه غالباً كالجلد في المصحف و القراب و القبضة و الحمائل في السيف داخل، لشهادة العرف بذلك.

و الاستدلال عليه بصدق الاسم عرفاً محل نظر؛ لصدقه عليها مجردة أيضاً، فيكون إمّا مشتركاً، أو مجازاً راجحاً في المجموع، و على التقديرين لا يتم الاستدلال. و لا فرق في الدخول بين رخيصه و غاليه، و إن أمكن

______________________________

(1) المسالك 2: 326.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 219

الأرخص منه.

و أما غير ذلك فخارج، لعدم الصدق، و فقد الدليل.

و: الخاتم يطلق على ما يوضع على الحجج، و على حلي للإصبع

، معروف، و بين المعنيين عموم من وجه، فما كان من الخواتيم جامعاً للوصفين فلا إشكال في دخوله، و كذا ما اختص بالأخير، للإطلاق حقيقة و عرفاً. و أمّا ما اختص بالأول و لا يمكن لبسه كأكثر ما يختم به العجم ففي دخوله إشكال، لعدم كونه متعارفاً عند العرب، خصوصاً في الصدر الأول، فيشك في صدق الاسم عليه في عرف هذا الزمان، و لذا صرّح الشيخان و ابن حمزة باشتراط لبسه «1»، فتأمل.

ز: فصّ الخاتم داخل فيه و إن كان غالياً

؛ لشهادة العرف بذلك، بل لعدم الصدق على الخالي منه.

و لا فرق فيه بين ما كان فصّه منقوشاً أم لا، و لا بين المأخوذ من الفضة أو الحديد أو غيرهما، إلّا الذهب، و فيه كلام يأتي، و لا بين ما يلبس في الخنصر و غيرها، في اليمين أو اليسار؛ للصدق.

و في دخول ما يلبس في الرجل أو الإبهام لأجل الرمي، أو لأجل الزينة، و يقال له بالفارسيّة: زهگير، وجهان، أوجههما العدم؛ للشك في صدق الاسم.

ح: لو كان بعض هذه الأجناس مما يحرم استعماله على الرجل

، كالثوب من الحرير، و الخاتم من الذهب، فظاهر بعضهم الدخول؛ لصدق الاسم عرفاً، و عدم الملازمة بين الحرمة و الحرمان «2». و يمكن الإخراج، بأنّ

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 684، الطوسي في النهاية: 633، ابن حمزة في الوسيلة: 387.

(2) انظر رسائل الشهيد الثاني: 228.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 220

الاسم و إن كان صادقاً، إلّا أنّ القرينة المخصصة موجودة، و هو عدم كون مثله الثوب المضاف إليه، و الخاتم المضاف إليه، و عدم معهوديّته عند الشارع، و لا يخلو عن قوة.

ط: لو كان المحبوّ منه ممن لا ينتفع بمصحفه كالامّي، أو بسيفه و خاتمه كمقطوع اليدين

، ففي إحباء تلك الأعيان و عدمه احتمالان، أظهرهما الأول، لعموم الأدلة، و صدق التسمية. و الأظهر منه ما لو كان سبب عدم الانتفاع طارئاً بعد إمكانه. و كذا الكلام فيما لو كان المحبو ممن لا ينتفع، و احتمال المنع هنا أضعف.

ي: لو خَلِق الثوب بحيث انتفى الصدق

خرج؛ للخروج عن الاسم. كما لو أحدث فيه تغييراً أخرجه عنه. و كذا لو كسر السيف و الخاتم، أو تغيّرا على وجه خرجا عن إطلاق الاسم. و لا فرق في التغيير بين كونه للإصلاح فاتفق موته قبله أو لا؛ لزوال الاسم، و تغيّر الموضوع حال الاستحقاق، و عدم مدخلية النية.

يا: لو انفصل جزء من هذه الأعيان قبل الموت

، كالفصّ من الخاتم، و الجلد من المصحف، و القبضة من السيف، و غيرها، مما لا يُخرج انفصاله الباقيَ عن صدق الاسم و كان داخلًا قبل الانفصال، فهل يدخل بعده أيضاً أم لا؟

فيها وجهان، من تنزيل المنفصل منزلة المتصل للاستصحاب، و من خروج المنفصل عن الاسم. و الأقرب الثاني، لما ذكر. و الاستصحاب إنما يكون عند عدم تغيّر الموضوع و لو لأجل عروض وصف، و قد تغيّر هنا.

يب: لو نقص عن واحد من هذه الأعيان بعضه

، فحكم بعضهم

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 221

بدخول الباقي و إن كثر الناقص «1»، كما لو كان نصف سيف أو سورة من المصحف، محتجاً باستلزام استحقاق الكل استحقاق بعضه، و لقوله (عليه السّلام): «لا يسقط الميسور» «2» «و ما لا يدرك كله» «3» و «إذا أمرتكم بشي ء» «4».

و في الكل نظر، أما الأول: فلأنّ المسلّم هو استلزام استحقاق الكل استحقاق البعض إذا كان في ضمن الكل، و أما مطلقاً فغير مسلّم.

و أما في الثاني: فلأنّ المراد منه عدم سقوط الميسور من المأمور به، و كون البعض مطلقاً منه عين النزاع. و منه يظهر ما في البواقي.

و التحقيق: أنّ الناقص إن كان مما يوجب نقصه زوال الصدق كنصف سيف أو أكثر المصحف يوجب الخروج، و إلّا فلا. و شيوع إطلاق المصحف على البعض و لو كان قليلًا ممنوع، و لو سلّم فإنّما هو في عرف خاص لا يلزم اتباعه.

يج: لا فرق في هذه الأعيان بين ما يليق [و ما لا يليق ]

منها بحاله عادة و بين ما لا يليق؛ للعموم.

يد: لو شك في الثوب بأنه معدّ للّبس أو لغيره

، أو في الخاتم و السيف و المصحف بكونها معدّة لنفسه أو للتجارة و مثلها، على القول بالتخصيص فلا يُحبى به؛ لكونه أمراً مخالفاً للأصل، فيقتصر فيه على موضع اليقين، و هو ما كان معدّاً للّبس أو لنفسه يقيناً، و هذه ليست منه.

______________________________

(1) انظر رسائل الشهيد الثاني: 227.

(2) عوالي اللآلي 4: 58، 205.

(3) عوالي اللآلي 4: 58، 207.

(4) عوالي اللآلي 4: 58، 206.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 222

المسألة الرابعة: المحبوّ هو الولد الذكر
اشاره

، فلا حبوة للأُنثى مطلقاً «1» بالإجماع؛ للأصل، و للتقييد به في أكثر النصوص، فإطلاق الولد في بعضها محمول عليه، لوجوب حمل المطلق على المقيّد، و تشهد له إحدى صحيحتي ربعي «2».

ثمّ الذكور إن تعدّدوا، فلأكبرهم و إن كانت هناك أُنثى أكبر منه، أمّا مع فقد الأكبر من الأُنثى فللإجماع، و صريح الأخبار «3»، و إطلاق الابن في بعضها مقيّده و أمّا مع وجودها، فلخصوص صحيحة ربعي «4»، و إطلاق الباقي، و الظاهر أنّه أيضاً مجمع عليه، و قد ينسب الخلاف فيه إلى الإسكافي فيحكم بسقوط الحبوة معه «5»، و لم يثبت.

و إن اتّحد فله، بالإجماع، و صريح موثقة الفضلاء، و مرسلة ابن أُذينة حيث حكم فيهما بالتفصيل القاطع للشركة، و إطلاق موثقة العقرقوفي «6».

و الاستشكال مع الاتّحاد، لأنّ أفعل التفضيل يقتضي مشاركاً في أصل الفعل، و إطلاق الابن في بعض الأخبار لا يفيد، لوجوب حمله على الأكبر مع التعدد حملًا للمطلق على المقيّد، كما في المسالك «7».

ضعيف، لأنّه إنّما يصحّ لو انحصرت الأخبار بما فيه التفضيل أو الإطلاق، على أنّ اعتبار وجود المفضّل عليه في أفعل التفضيل أكثري

______________________________

(1) أي سواء كانت منفردة أم لا، و سواء كانت من الأكبر أم لا. (منه رحمه الله).

(2)

راجع ص 201.

(3) الوسائل 26: 97 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3.

(4) المتقدّمة في ص 201.

(5) حكاه عنه الشهيد الثاني في رسائله: 234.

(6) قد تقدّمت الروايات في ص 200 و 201.

(7) المسالك 2: 326.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 223

لا كلّي.

و لو تعدّد الأكبر بأن كان هناك ذكور متساوية سنّاً، فيشتركون فيها على المشهور، و أسقطها ابن حمزة هناك «1»، و حكي عن النهاية و المهذب أيضاً «2»، و نفى بعض مشايخنا المعاصرين عنه البعد «3».

و استدلّ للمشهور: بالأصل، و بأنّ الأكبر اسم جنس يقع على القليل و الكثير.

و يرد على الأوّل: أنّ الأصل الثابت هو ثبوت الحبوة للابن الواحد أو المتعدد مع وجود الأكبر لا مطلقاً.

فإن قيل: قد صرّحت موثقة العقرقوفي بثبوتها للابن الشامل للمتنازع فيه أيضاً.

قلنا: الابن فيها و إن كان مطلقاً إلّا أنّه يقيّد بالواحد أو الأكبر مع التعدّد، لوجوب حمل المطلق على المقيّد، إلّا أن يقال: بأنّ وجوب الحمل إنّما هو فيما إذا وجد المقيّد لا مطلقاً.

و على الثاني: أنّ الأكبر و إن صدق على المتعدّد لغة، إلّا أنّه ظاهر في الواحد عرفاً، و أيضاً فرض وجود بنين متساوين في السنّ نادر جدّاً، و المطلق ينصرف إلى الفرد الشائع، و أيضاً لو تمّ ذلك، فإنّما يصحّ فيما لو كان هناك ولد أصغر منهم أيضاً. و أمّا مع الانحصار في المتساويين مثلًا فلا يصدق الأكبر عليهما.

و احتجّ لابن حمزة: بأنّه يجب الوقوف فيما خالف الأصل على

______________________________

(1) الوسيلة: 387.

(2) النهاية: 633، المهذّب 2: 132.

(3) انظر: الرياض 2: 350.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 224

موضع اليقين، و بظهور الأكبر المصرّح به في الأخبار في الواحد، و بأنّه مع التعدّد لا يصدق

استحقاق كلّ واحد ما حكم باستحقاق واحد منه كالسيف و الخاتم، لأنّ بعض الواحد ليس هو «1».

و لا يخفى أنّه لا يبعد ترجيح هذا القول، سيّما مع ما أُشير إليه من ندرة هذا الفرض، بحيث يشكّ في اندراجه تحت الإطلاقات، هذا.

ثمّ إنّه على المشهور تقسّم الحبوة بينهم كما صرّح به الشيخ «2» و غيره «3»، و الوجه ظاهر. و قد يجوّز احتمال القرعة هاهنا، و هو ضعيف.

فروع:
أ: الأكبر في التوأمين أوّلهما خروجاً

، و لو كان التفاوت يسيراً لا يعتدّ به عرفاً؛ و الوجه ظاهر.

و أمّا ما رواه في الكافي في باب العقيقة-: «أصاب رجل غلامين في بطن فهنّأه أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «أيُّهما أكبر؟» قال: الذي خرج أوّلًا، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): «الذي خرج آخراً هو أكبر، أما تعلم أنّها حملت بذلك أوّلًا و إنّ هذا دخل على ذلك فلم يمكنه أن يخرج حتّى خرج، فالذي يخرج آخراً هو أكبرهما» «4».

فهو ضعيف، للشذوذ؛ على أنّه يمكن حمله على أنّ المراد بيان كبره في نفس الأمر و إن لم تتعلق به الأحكام الشرعيّة المبتنية على الدلالات

______________________________

(1) انظر رسائل الشهيد الثاني: 238.

(2) المبسوط 4: 126.

(3) كابن سعيد في الجامع للشرائع: 509، و الشهيد الثاني في المسالك 2: 326.

(4) الكافي 6: 53، 8، الوسائل 21: 497 أبواب أحكام الأولاد ب 99 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 225

اللفظيّة، و مع ذلك يعارضه ما رواه في الفقيه عن الصادق (عليه السّلام): إنّه قال: «أكبر ما يكون الإنسان يوم يولد، و أصغر ما يكون يوم يموت» «1».

ب: لو اشتبه الأكبر

، ففي إخراج مستحقّها بالقرعة، أو تشريك كلّ من اشتبه الأمر فيه، أو سقوطها أوجه، أوجهها الأوّل، لأنّ القرعة لكلّ أمر مشكل.

ج: الحقّ اعتبار كون الولد للصلب

، كما قطع به في الإرشاد «2»، لتعليق الحكم على الابن و الولد، و شي ء منهما لا يصدق على ولد الولد كما مرّ «3»، و لوجوب الاقتصار فيما خالف الأصل على موضع اليقين.

د: هل يشترط انفصال الولد عند موت أبيه

، أو يحبى و لو كان حملًا؟

فيه وجهان، حكم بعض معاصرينا في شرحه على المفاتيح بالأوّل، و استجود ثاني الشهيدين في الرسالة الثاني مطلقاً «4»، و استوجهه فيما لو كان عند موت أبيه متّصفاً بالذكوريّة، و ظاهر المسالك التوقّف «5».

للأوّل: عدم الحكم على الحمل حين موت أبيه بكونه ذكراً، و الحكم بالحبوة معلّق عليه.

و أنّ إفرازها له إن كان في ذلك الوقت كان حكماً غير مطابق للواقع، لأنّه ليس بمعلوم الذكوريّة، و إن كان حين التولّد، فإن حكم بها قبله للورثة، لزم الاستصحاب إلى أن يثبت الناقل، و إن لم يحكم بها لهم، لزم

______________________________

(1) الفقيه 1: 124، 595.

(2) الإرشاد 2: 120.

(3) في ص 190 و 191.

(4) رسائل الشهيد الثاني: 236.

(5) المسالك 2: 326.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 226

بقاء المال بغير مالك.

و أنّ استحقاقها مخالف للأصل، فيجب الاقتصار فيه على موضع اليقين.

و يرد على الأوّل: أنّ الحكم بالحبوة ليس معلّقاً على ما حكم بذكوريّته بالفعل، بل معلّق على ما حكم له بها في نفس الأمر و لو بعد ظهور الكاشف، و لذا يحبى من لم يعلم ذكوريّته أوّلًا ثمّ علمت بالفحص و الاستعلام.

و على الثاني: النقض بسهم الحمل قبل انفصاله، فإنّه يعزل له نصيب ذكرين، مع أنّه ليس بمعلوم الذكوريّة أيضاً.

و على الثالث: أنّه إنّما يتمّ لولا دلالة على خلاف الأصل، و المخالف يدّعيها.

و للثاني: كون الحبوة إرثاً، فإنّ انتقالها ليس إلّا بالإرث، سيّما على القول بالاحتساب، و قد ثبت أنّ

الحمل يرث.

و استحقاقه نصيبَه من غير الحبوة.

و صدق كونه ذكراً في نفس الأمر و إن لم يظهر بعدُ، و من ثَمّ أجمعوا على استحقاقه بحسب ما يظهر من ذكوريّته و أُنوثيّته.

و يرد على الأوّل: أنّ اللازم من أخبار توريث الحمل هو ثبوت التوريث المطلق له لا جميع أنواعه التي منها الإحباء.

و يمكن أن يقال: إنّ الثابت مطلق التوريث و هو يشمل الحبوة.

و على الثاني: أنّه قياس لا نقول به، مع أنّ الفارق موجود، و هو أنّ استحقاقه لغيرها ليس من حيث كونه ذكراً، بل من حيث كونه ولداً، و هو معلوم في جميع الأحوال.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 227

و على الثالث: أنّ الأحكام منوطة بالظاهر دون الواقع و نفس الأمر.

و يمكن دفع ذلك: بأنّ الأحكام و إن كانت منوطة بالظاهر، و لكن لا بما كان ظاهراً بالفعل، بل بالظاهر و لو بعد تحقّق الكاشف، فتحقّق الذكوريّة في نفس الأمر و لو كان مشتبهاً علينا بالفعل يكفي في إثبات الأحكام المعلّقة عليها بعد ظهورها.

فإن قيل: فاللازم الحكم بالحبوة بعد الظهور لا قبله.

قلنا: لا يحكم بها قبله، بل يبقى مراعى حتّى ينكشف الحال.

فإن قيل: لا دليل على لزوم الإبقاء مراعى، بل يجب الحكم بها للورثة فيستصحب.

قلنا: الدليل موجود، و هو أنّ الحبوة حقّ للذّكر الظاهر ذكوريّته بالفعل، أو بعدتحقّق الكاشف، فالحكم بها للورثة مشروط بانتفاء ذكر كذلك، و الشرط غير معلوم فكذلك المشروط، فيجب إبقاؤها مراعى.

و من هذا يظهر أنّ الترجيح مع القول بعدم الاشتراط إذا كان عند موت أبيه متّصفاً بالذكوريّة. و أمّا إذا لم يكن كذلك كما إذا لم يتمّ للحمل أربعة أشهر، حيث صرّح في صحيحة زرارة المروية في كتاب العقيقة من

الكافي «1»، و رواية ابن الجهم المرويّة فيه أيضاً «2»: بأن الذكوريّة و الأُنوثيّة تحصل بعد تمام أربعة أشهر، فالحكم بذلك مشكل، لعدم صدق الوصف مطلقاً لا في الواقع و لا في الظاهر، و الصدق المتأخر لا يفيد.

ه: لو كان هناك حملان أو أكثر

، فإن تبيّن انحصار الذكر بالواحد فلا إشكال.

______________________________

(1) الكافي 6: 16، 7.

(2) الكافي 6: 13، 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 228

و إن تعدّد ففي الحكم بتساويهما مطلقاً، أو بأكبريّة الأقدم علوقاً، أو الأسبق تولّداً أوجه:

من إناطة الكبر و الصغر عرفاً بيوم التولّد و عدم مدخليّة تقدّم العلوق و تأخره فيه كما مرّ، و لم يتولّدا بعدُ حتّى يصدق الكبر و الصغر العرفيان، و الصدق المتأخر غير مجد فيتساويان.

و من أنّ كون قدم التولّد مناطاً في الكبر عرفاً إنّما هو في المتولّد و أمّا في الحمل فلا، بل يناط بتقدم العلوق في العرف.

و من أنّ الحكم بلزوم الإحباء إنّما هو بعد التولّد، و إنّما يبقى قبله مراعى، فالمناط هو الكبر الصادق حينئذ، و هو ليس إلّا بقدم التولّد.

و بالجملة المسألة محلّ الإشكال، نعم لا يبعد الحكم بأكبريّة من كان جامعاً لوصفي قدم العلوق و سبق التولّد، و لكن تحققه ثمّ العلم به ممّا لا يكاد يتحقّق.

و: لو كان الولد خنثى

فإن كان واضحاً فواضح. و إن كان مشكلًا فالظاهر حرمانه من الحبوة؛ للشكّ في حصول الموجب.

و احتمل بعضهم العمل بالقرعة «1». و هو حسن لو ثبت الانحصار في الذكر و الأُنثى، فهو في نفس الأمر أحدهما، فيستخرج بالقرعة. و في الانحصار نظر، لجواز الطبيعة الثالثة.

و احتمل ثاني الشهيدين في رسالته استحقاقه نصف الحبوة، قياساً على استحقاقه نصف النصيبين في السهم «2»، و هو ضعيف.

ثمّ لو كان معه ذكر أصغر منه ففي أحبائه أيضاً نظر؛ للشكّ في كونه

______________________________

(1) كالشهيد الثاني في رسائله: 237.

(2) رسائل الشهيد الثاني: 236.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 229

أكبر الذكور، و العمل بالقرعة محتمل.

ز: لا يشترط في المحبوّ البلوغ

، فيحبى الصغير؛ للأصل، و إطلاق النصوص، بل عمومها.

و صريح ابن حمزة كالظاهر الحلّي الاشتراط «1»؛ لكونها في مقابلة القضاء، و لا يتأتّى من الصبي.

قلنا: لا نسلّم المقابلة، و لو سلّمت ففوريّة القضاء ممنوعة.

ح: لا يشترط سداد رأيه

«2»، وفاقاً للكركي «3»، و مال إليه في الدروس «4»؛ للأصل، و إطلاق النصّ.

و ذهب الشيخ في النهاية «5» و صاحب الجامع «6» و ابن حمزة «7» و الحلّي «8» و أكثر من تأخر عنهم منهم الشهيد في اللمعة «9» إلى اشتراطه، و نسبه في الشرائع إلى قول مشهور «10»؛ لأنّ المخالف لا يعتقد ما يقابلها من وجوب القضاء، و لأنّه لا يرى استحقاقها، فيمنع منها إلزاماً له بما التزم، كما يُلزم بغيره من الأحكام الشرعيّة.

______________________________

(1) ابن حمزة في الوسيلة: 387، الحلّي في السرائر 3: 258.

(2) أي إيمانه بالمعنى الخاص و اعتقاده للحقّ. منه (رحمه اللَّه).

(3) قال في مفتاح الكرامة 8: 138: إن المحقق الثاني في تعليق الإرشاد قائل باشتراط عدم فساد الرأي.

(4) الدروس 2: 362.

(5) النهاية: 636.

(6) الجامع للشرائع: 509.

(7) الوسيلة: 387.

(8) السرائر 3: 258.

(9) اللمعة (الروضة البهية 8): 120.

(10) الشرائع 4: 25.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 230

و دفع الأوّل بمنع المقابلة أوّلًا، و منع لزوم اعتقادها ثانياً. و الثاني بأنّ وجوب الإلزام في جميع المواضع غير ثابت، و جوازه لا يمنع لأنّ الثابت من الأخبار و فتاوى الأصحاب، إلّا أنّه لا يكون من باب الشرطية، و لذا لم يشترط أحد في إبطال العول و التعصيب عدم فساد الرأي.

ط: يشترط كونه مسلماً

؛ لأنّ الحبوة ميراث، و الكافر لا يرث.

ي: لا يشترط خلوه عن السفه

، وفاقاً للكركي و الشهيد الثاني «1»، و مال إليه في الدروس «2»؛ للإطلاق، و عدم الدليل.

و جماعة على اشتراطه، منهم المقنعة و النهاية و السرائر و الجامع «3»، و تبعهم الفاضل في القواعد «4»، و جمع آخر ممّن تأخر عنه «5»، و لم نقف على مأخذه.

يا: لا يشترط عقله

لما مرّ، فيحبى و لو كان مجنوناً، و اختاره الشهيد الثاني «6».

المسألة الخامسة: المحبوّ منه هو الأب

، فلا تؤخذ الحبوة من تركة غيره وفاقاً؛ لأنّه المنصوص عليه، فيبقى غيره على الأصل السالم عن المعارض.

و لا يشترط إسلامه و لا إيمانه، لإطلاق النصّ. و احتمال الاشتراط

______________________________

(1) حكاه الشهيد الثاني عن الكركي في رسائله: 238، الشهيد الثاني في الروضة 8: 120.

(2) الدروس 2: 362.

(3) المقنعة: 684، النهاية: 634، السرائر 3: 258، الجامع: 509.

(4) القواعد 2: 171.

(5) كالشهيد في اللمعة (الروضة البهية 8): 120.

(6) المسالك 2: 326.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 231

نظراً إلى اعتقاده عدم الاستحقاق، و كونها في مقابلة القضاء، و لا قضاء عن الكافر ضعيف؛ لأنّ اعتقاده لا يؤثّر في استحقاق غيره، و لو أثر فإنّما هو في استحقاق المعتقد. و ارتباطها بالقضاء ممنوع.

المسألة السادسة: اختلفوا في أنّه هل يشترط الحباء بأن يخلّف الميت مالًا غير الحبوة أم لا؟

فذهب الشيخان و الحلّي و ابن حمزة و المحقّق و الفاضل في بعض كتبه «1» و جمع آخر «2» إلى الاشتراط، و نسبه في المسالك إلى المشهور «3»، و في شرح القواعد للهندي: اتّفقوا على ذلك «4»، و الظاهر منه اتّفاق الأصحاب، و إن احتمل بعيداً إرادة اتّفاق الذين ذكرهم في المسألة السابقة على تلك المسألة.

و ظاهر الشهيد الثاني في الرسالة «5» كصريح بعض آخر «6» العدم، و ظاهر الدروس و المسالك التوقّف «7».

و لا يخفى أنّ هذا الاختلاف إنّما يتمشّى على المشهور من القول بعدم الاحتساب. و أمّا على القول به كما اخترناه فلا شكّ في الاشتراط، بل يشترط أن لا ينقص نصيب كلّ من الورثة عمّا كان عليه قبل الحبوة.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 684، الطوسي في النهاية: 634، الحلي في السرائر 3: 258، ابن حمزة في الوسيلة: 387، المحقق في الشرائع 4: 25، الفاضل في القواعد 2: 171.

(2) كالشهيد في اللمعة (الروضة 8): 121

و صاحب الرياض 2: 350.

(3) المسالك 2: 326.

(4) كشف اللثام 2: 292.

(5) رسائل الشهيد الثاني: 248.

(6) كالفيض في مفاتيح الشرائع 3: 330.

(7) الدروس 2: 362، المسالك: 326.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 232

ثم على المشهور فالظاهر هو العدم؛ لإطلاق النصوص، و فقد المقيّد.

احتجّ المشترط: بلزوم الإضرار و الإجحاف بالورثة لولاه. و إيذان لفظ الحبوة ببقاء شي ء آخر. و وجوب الاقتصار في خلاف الأصل على المتيقن. و انصراف المطلق إلى الفرد الشائع، و الشائع تخلّف مال آخر.

قلنا: لزوم الإضرار و الإجحاف ممنوع، و لو سلّم فلا ضير فيه، لأنّ الحق إذا ثبت بالدليل لا يقدح فيه الإضرار و الإجحاف بغير المستحق، و له نظائر كثيرة «1». و لا إشعار في لفظ الحبوة، على أنّه غير وارد في النصوص. و الإطلاق ممنوع، بل الأخبار عامّة، لذكر أداة الشرط المفيدة للعموم، كقوله: «إذا ترك» و «إذا مات» و «إذا هلك» «2» و لو سلّم فوصول الشيوع إلى حدّ يجب حمل المطلق عليه ممنوع.

ثمّ على الاشتراط ففي كفاية بقاء أقلّ ما يتموّل كما هو مقتضى إطلاق كلامهم، أو اشتراط كونه كثيراً يزول به الإضرار كما يقتضيه تعليلهم، احتمالان.

و على الثاني لو تعدّد الوارث بحيث لم يندفع الإضرار بنصيب كلّ واحد و اندفع بالجملة، ففي اعتبار الجملة أو الإفراد وجهان. و على تقدير اعتبار ذلك كلّه ففي اعتبار بلوغ نصيب كلٍّ قدر الحبوة قولان.

المسألة السابعة: يشترط الحباء بخلوّ الميت عن دين مستغرق
اشاره

، فلو

______________________________

(1) كحرمان كلّهم إذا لم يخلّف الميّت شيئاً أصلًا، أو زائداً على كفنه و دينه، و كحرمان المحجوبين، و الزوجة عن الأرضين على المشهور إذا انحصرت التركة فيهما، و كما إذا أوصى بجميع التركة و أجاز الورثة ثم ندموا بعد الموت، إلى غير ذلك.

منه (رحمه اللَّه).

(2) الوسائل 26: 97 و 98 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 3 ح 1 و 3 و 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 233

استغرق دينه تركته التي منها الحبوة لا يحبى . و لم أعثر في ذلك على مخالف، و كلام الشهيد الثاني في الرسالة يشعر بوجوده «1».

و الوجه فيه أنّ الحبوة ليس إلّا اختصاص في الإرث، و انتقالها ليس بسبب إلّا التوريث، و قد تقدّم أنّ الدين مقدّم على الإرث، بل لو قيل بعدم كونها إرثا أيضاً، يمكن إثبات المطلوب بصحيحتي زرارة «2»، و أبي ولّاد «3»، و خبر السكوني المتقدّم في بحث استغراق الدين للتّركة «4»، كما لا يخفى .

فرعان:
أ: لو بذل المحبوّ قيمتها حينئذٍ، و أراد الاختصاص بها دون غيره من الورثة

، فعلى القول بعدم انتقال التركة إلى الوارث كما هو المختار ليس له ذلك مطلقاً، إلّا أن يثبت إجماع على خيار كلّ ذي نصيب في نصيبه.

و على القول بالانتقال، فعلى القول بعدم الاحتساب، له ذلك، و الوجه ظاهر. و على القول به، فلو كانت الحبوة مساوية لسهمه لولا الدين، فله ذلك أيضاً، و إلّا فلو كان استحقاق كل من الورثة منها على السواء، بأن لم يخلَّف شي ء سواها فالكلّ في ذلك سواء، و لو لم يكن كذلك فلكلٍ يكون ذلك بقدر نصيبه.

ب: لو كان الدين غير مستغرق

فالحكم على القول بالاحتساب واضح.

______________________________

(1) رسائل الشهيد الثاني: 249.

(2) التهذيب 6: 187، 391، الوسائل 18: 345 أبواب الدين و القرض ب 13 ح 1.

(3) التهذيب 6: 193، 421، الإستبصار 3: 8، 20، الوسائل 18: 415 أحكام الحجر ب 5 ح 3.

(4) في ص: 112.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 234

و أمّا على القول بعدمه فإن استغرق بعض الحبوة فيمنع المحبوّ منه قطعاً.

و أمّا في توزيع الدين على جميع التركة حينئذ و فيما لو استغرق ما عداها أو قصر عنه أيضاً و عدمه فوجهان:

الأوّل: التوزيع، و جعله في المسالك الأظهر «1»، و في الرسالة متّجهاً؛ لأنّ الدين يتعلّق بالتركة على الشياع، و الحبوة منها فيصيبها نصيبها «2».

و الثاني، و هو الذي نسبه في الرسالة إلى ظاهر الأصحاب: عدمه؛ لعموم النصوص. قال فيها: و يؤيّده إطلاق النصوص و الفتاوى باستحقاق جميع الحبوة، مع أنّ الميّت لا ينفكّ عن دين في الجملة إلّا نادراً، فلو كان لمطلق الدين أثر في النقص عليها لنبّهوا عليه فيهما، و أيضاً: فإنّ الواجب من الكفن و مؤنة التجهيز كالدين بل أقوى، لتقدّمه عليه و يتعلّق بالتركة شياعاً، فيلزم أن

لا تسلّم الحبوة لأحد، و هو مناف لإطلاق إثباتها فيهما. و ردّ العموم بالتخصيص و البواقي بأنّها مجرد استبعاد، لا يعارض ما سبق «3».

أقول

: لا ريب في أنّ تعلّق الدين إنّما هو بالشياع، و لكنّ الشياع ليس ثابتاً بالنّص، بل إنّما يحكم به لعدم المرجّح و فقد ما يوجب تخصيصه ببعض، و لكن أخبار الحبوة تخصّصه بغيرها فلا يوزّع.

فإن قيل: ما الوجه في تخصيصه بغيرها بهذه الأخبار؟

قلنا: شهادة العرف بذلك، أ لا ترى أنّه إذا قال قائل: نصف هذه الدار

______________________________

(1) المسالك 2: 326.

(2) رسائل الشهيد الثاني: 251.

(3) انظر رسائل الشهيد الثاني: 251.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 235

لزيد، يحكم له به مشاعاً، فإذا أشار إلى بيت معيّن و قال: إنّه لعمرو، يحكم بالنصف المشاع من غير هذا البيت [لزيد «1»].

فإن قيل: إنّ هذا إنّما يتمّ لو دلّت الأخبار على اختصاص المحبوّ بالحبوة من بين جميع ذوي الحقوق، لم لا يجوز أن يكون المراد اختصاصه من بين الورثة؟

قلنا: تخصيص بلا مخصّص.

فإن قيل: التبادر يخصّص.

قلنا: التبادر ممنوع.

فإن قيل: فيلزم تقدّم الحبوة على الدين و لو استغرق.

قلنا: لا يلزم لتعلّق الدين حينئذٍ بجميع التركة التي منها الحبوة، على أنّه يقع التعارض حينئذ بين وفاء الدين و إخراج الحبوة، فيقدّم الأوّل، لكون أوامر الوفاء أقوى و أكثر من روايات الحباء، مع أنّه قد نطقت الأخبار بتقديم الدين على الإرث «2»، و الحبوة إرث مخصوص.

فإن قيل: مقتضى تقديم الدين عدم اختصاص الحبوة بالمحبوّ أوّلًا فيبقى الدين مشاعاً.

قلنا: تقديمه إنّما هو عند التزاحم و التعارض أي الاستغراق كلا أو بعضاً وأمّا بدونه فيتعلقان بالتركة معاً.

ثمّ إنّه يؤيّد ما ذكرناه أوّلًا من التخصيص، أنّه لو أوصى الميّت بعين لواحد لا يوزّع

الدين عليها بل يخصّص بما عداها، فتخصيصها بشخص خَصّص تعلّق الدين بغيرها.

______________________________

(1) في النسخ: لعمرو، غيّرناه لتصحيح المتن.

(2) كما في الوسائل 19: 329 أبواب أحكام الوصايا ب 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 236

و بهذا يظهر أنّ الترجيح لما عليه ظاهر الأصحاب.

المسألة الثامنة: لو أوصى الميّت بوصايا

، فإن كانت بعين غير الحبوة لم يمنع منها؛ لبقائها سالمة من المعارض.

و إن كانت بعين منها فالأقوى الصحّة؛ لعموم الأدلّة، و لأنّ الميّت مسلّط على ماله ما دام فيه الروح، و اختصاص المحبوّ بها إنّما هو بعد الموت.

و حينئذ لو زادت عن الثلث اعتبرت إجازة الجميع على القول بالاحتساب، و على القول بعدمه لم يعتبر إلّا إجازة المحبو. و احتمال اعتبار إجازة الجميع لإطلاق النصّ و الفتوى ضعيف، لأنّ الظاهر أنّ هذا الإطلاق مقيّد بالمستحقّ.

و إن كانت بجزء من التركة مطلقٍ كمائة درهم، أو منسوبٍ كالثلث، فالظاهر أنّها حينئذٍ كالدين.

المسألة التاسعة: لو كانت بعض أعيان الحبوة أو كلّها مرهونة على دين على الميّت

، قدّم حقّ المرتهن، و روعي في استحقاق المحبوّ لها مجاناً أو مع الاحتساب افتكاكها، و لا يجب على الوارث، للأصل.

و حينئذ فللمحبوّ فكّها من ماله، و لا يرجع بما غرم إلى التركة، لتبرّعه بالأداء.

و لو افتكّها وارث غيره، فإن كان قبل حلول الأجل فالظاهر عدم استحقاقه لها، و رجوعها إلى المحبوّ، لعدم ناقل شرعيّ. و إن كان بعده، فإن نقلها المرتهن إليه فيستحقّها، و إن كان بمجرّد الافتكاك فالظاهر أيضاً عدم الاستحقاق و اختصاص المحبوّ بها.

المسألة العاشرة [هل ثبوت الحبوة للمحبو مشروط بقضاء ما فات أباه من صلاة و صيام؟]:

اشترط ابن حمزة في الوسيلة في ثبوت الحبوة

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 237

للمحبوّ قضاءه ما فات أباه من صلاة و صيام، و جعلها عوضاً عن ذلك، فإذا لم يفعل المعوّض لم يستحقّ العوض «1».

و الأكثر على عدم الاشتراط. و هو الأقوى ؛ لإطلاق النصوص، و عدم دليل على التقييد. على أنّه قد يقال بوجوب القضاء على غير الولد مع أنّه لا حبوة له، و قد يقال بوجوبه عن المرأة مع أنّه لا حبوة عنها.

المسألة الحادية عشرة: لو كان هناك مجتهدان مختلفان في مسائل الحبوة

من الوجوب و الاستحباب، أو المجّانيّة و الاحتساب، أو في ما يُحبى به من الأنواع أو أفراد الأنواع، أو نحو ذلك، و قلّد كلّ من أكبر الذكور و سائر الورثة واحداً منهما ممّن فيه الصرفة له:

فإن عمل أحدهما بمقتضى رأي مجتهده و لم يزاحمه الآخر إمّا تبرّعاً له أو جهلًا بأنّ له المزاحمة، أو لعدم اقتداره على مزاحمته، فلا شي ء على الأوّل، و يحلّ له ما أخذه تقليداً لمجتهده.

فإن نازعه و زاحمه: فإن اتفقا على اختيار مجتهد للترافع فلا كلام، و الحكم حكمه.

و إن تنازعا في ذلك: فإن كان بعد التصرّف في المتنازع فيه و أخذه فالمزاحم للمتصرّف المريد استرداده منه يكون مدّعياً، و يقدّم من اختاره للمرافعة، لأنّه يكون مدّعياً.

و إن كان قبل ذلك، كأن يكون المتنازع فيه في يد ثالث لا يؤدّيه إلّا بعد تعيّن من يجب الأداء إليه، أو مَنَعهما مانع من التصرّف قبل رفع النزاع، أو امتنع كلّ منهما من التصرّف مخافة صيرورة الآخر مدّعياً، فيقدّم مختار

______________________________

(1) الوسيلة: 387.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 238

من رجّحه الإمام في مقبولة عمر بن حنظلة «1» و ما بمعناها، من الأفقه و الأصدق و الأورع كما يأتي، لتلك

الأخبار. و إن لم يكن هناك راجح بل تساوى المجتهدان، أو لم يمكن تعيين الراجح فالظاهر حينئذ نفوذ حكم كلّ من حكمَ أوّلًا بعد مطالبة أحد المتنازعين الحكم منه، لأنّه حاكم منصوب من الإمام حكم بحكمه، فينفذ لكلّ من حكم له و على كلّ من حكم عليه.

______________________________

(1) الكافي 1: 67، 10، الفقيه 3: 5، 18، التهذيب 6: 301، 845، الوسائل 27: 106 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 239

البحث السادس في حكم الجد و الجدّة إذا اجتمعا أو أحدهما مع الأبوين و الأولاد أو أحدهم
اشاره

و فيه مسائل و خاتمة:

أمّا المسائل فثلاثة:

المسألة الاولى : لا يرث الجد و لا الجدّة مع أحد الأبوين مطلقاً

، وفاقاً لغير الصدوق حيث شرّك الجد من الأب معه، و من الامّ معها، على ما حكاه جماعة «1»، و قيل: إنّ كلامه و إن كان موهماً لذلك إلّا أنّه صرّح بعده بخلافه «2». و الإسكافي حيث شرّك الجدّين و الجدتين مع الأبوين و البنت الواحدة، و جعل الفاضل عن سهام الأبوين و البنت لهم «3».

و الظاهر كون الحكمين إجماعيين، و في التنقيح الإجماع [على خلاف الثاني «4»] و في الكافي على كون الجد بمنزلة الأخ «5».

لنا بعد الإجماع المحقق، و منع الأقرب للأبعد، و كون الأبوين و البنت أقرب-: روايتا الحسن بن صالح و أبي بصير، و صحيحة عبد اللَّه بن

______________________________

(1) كما في المفاتيح 3: 302، الرياض 2: 351.

(2) انظر كشف اللثام 2: 291.

(3) حكاه عنه في التنقيح 4: 170.

(4) بدل ما بين المعقوفين في «س» و «ح»: في الثاني، غيّرناه لتصحيح المتن. و مراده من الثاني قول الإسكافي انظر: التنقيح 4: 170.

(5) الكافي 7: 115.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 240

جعفر، المتقدمة في المسألة الاولى من البحث الأول «1».

و هذه الروايات الثلاث باجتماعها تنفي قول الصدوق بشقوقها، فالأُولى تنفي تشريكه الجد للُام معها، و الثانية تشريكه الجدّ للأب معه، و الثالثة تشريكه الجدين لهما.

و تضعيف دلالة الثانية باحتمال اختصاص الجد فيها بالجد من الام ضعيف؛ لأنّه تخصيص للعموم الحاصل من ترك الاستفصال بلا مخصص.

بل كل منها بانفراده ينفي جميع الشقوق أيضاً بضميمة الإجماع المركب.

و لا ينفي شي ء منهما قول الإسكافي، إلّا أن يقال: إن تشريكه لا يختص بالصورة المذكورة، و إنما ذكرت تمثيلًا، بل أعم منها و من سائر الصور المشتملة على زيادة الفريضة عن

سهام ذوي الفروض، أو أعم منهما و من الصورة التي لا تشتمل على رد، كاجتماع الجدودة مع الأبوين أو الأب كما هو الظاهر من استدلاله، كما يأتي، فحينئذ ينفي بعض صور ما اختاره بهذه الروايات، و يمكن حينئذ نفي البواقي أيضاً بالإجماع المركب.

و لنا أيضاً: الأخبار المستفيضة الدالة على أنّه لا يرث مع الأب أو الأُم أو الولد أحد إلّا الزوج و الزوجة، كصحيحتي محمد و زرارة المتقدمة في المسألة المذكورة «2»، و رواية العبدي المتقدمة في المسألة الاولى من البحث الثاني «3»، و غيرها.

______________________________

(1) في ص: 156.

(2) في ص: 155.

(3) في ص: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 241

و لنا أيضاً: الأخبار الواردة في بيان فريضة الأبوين مع الولد و بدونه، فإنّها ظاهرة في انقسام التركة بينهما و بينه خاصة على الأول، و بينهما خاصة على الثاني مطلقاً من دون تقييد بما إذا لم يكن هناك جد.

و قد يستدل لنا أيضاً «1»: بالأدلة الدالة على أنّ الأجداد و الجدّات في مرتبة الإخوة لا يرثون إلّا حيث يرثون، و لا ريب في أنّ الإخوة لا يرثون مع الأبوين فكذلك الأجداد.

و بالنصوص الآتية في الطعمة، الدالة على أنّ اللَّه تعالى لم يفرض للجد شيئاً، و إنما أطعمه رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) و أجازه اللَّه تعالى .

و فيهما نظر:

أما في الأُولى، فلخلو الأخبار عن كون الأجداد و الجدّات بمنزلة الإخوة مطلقاً، بل هي دالة على أنّهم بمنزلة واحد منهم في النصيب إذا اجتمعوا. نعم إن كان نظره إلى الإجماع المنقول على ذلك فله وجه عند القائلين بحجية الإجماع المنقول.

و أما في الثانية، فلأنّ عدم فرض اللَّه سبحانه إنما يفيد لو لم يعقبه إطعام الرسول

و إجازة اللَّه، و أمّا بعد إطعامه و إجازته فلا يفيد، لاحتمال كونه على سبيل الوجوب.

فإن قيل: فعل النبي إذا لم يعلم جهته يحمل على الندب على الأصحّ، فيستفاد من هذه النصوص استحباب الطعمة، فيبطل التشريك وجوباً كما هو قول المخالف.

قلنا: إذا لم يعلم جهة فعله فلا يحكم بكونه ندباً في الواقع، بل نقول

______________________________

(1) انظر: الرياض 2: 351.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 242

بكونه مستحباً لنا، لثبوت الرجحان و عدم تيقّن الزيادة، فهذا إنّما يصلح دليلًا على إثبات الرجحان لا على نفي الوجوب، كما لا يخفى .

و أمّا الأخبار الدالة على اجتماع الجدّة مع الأبوين أو أحدهما، كرواية أبي بصير الأخيرة، المتقدمة في المسألة الاولى من البحث الأول «1»، و صحيحة البصري قال: دخلت على أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و عنده أبان بن تغلب، فقلت: أصلحك اللَّه إنّ ابنتي هلكت و أُمي حيّة؟ فقال أبان: ليس لأُمّك شي ء، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): «سبحان اللَّه أعطها السدس» «2».

و رواية إسحاق بن عمّار: في أبوين و جدّة لُام قال: «للُام السدس، و للجدّة السدس، و ما بقي و هو الثلثان للأب» «3».

و مرفوعة ابن رباط: «الجدّة لها السدس، مع ابنها و ابنتها» «4».

فهي لعدم قائل بها من جهة التوريث لعدم انطباقها على مذهب عن درجة الحجية ساقطة، فلا تصلح لمعارضة ما مرّ البتة. و لو انطبق بعضها على بعض صور مذهب المخالف في المسألة فلشذوذه لا يصلح للحجيّة أيضاً، فكيف بالأخبار المعتبرة التي منها الصحاح الموافقة لعمل الأصحاب مع أنّ منها ما يوافق العامّة أيضاً.

______________________________

(1) في ص: 158.

(2) الكافي 7: 114، 15، الفقيه 4: 204، 681، التهذيب 9: 310، 1114، الإستبصار 4: 162، 613،

الوسائل 26: 138 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 6.

(3) الفقيه 4: 205، 684، التهذيب 9: 312، 1119، الإستبصار 4: 163، 617، الوسائل 26: 140 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 10.

(4) الفقيه 4: 205، 685، التهذيب 9: 312، 1120، الإستبصار 4: 163، 618، الوسائل 26: 140 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 243

مع أنّها أعمّ من أن يكون السدس من جهة الميراث، لجواز أن يكون من جهة الطعمة، أي الأرزاق المأمور به في قوله سبحانه وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ «1». و هي غير المتنازع.

بل في الأخبار ما يصرّح بأنّ السدس من باب الطعمة، كما يأتي.

و أمّا روايات الطعمة فسيأتي عدم منافاتها للمسألة، فهي بحمد اللَّه ظاهرة. هذا.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 19    243     المسألة الاولى: لا يرث الجد و لا الجدة مع أحد الأبوين مطلقا ..... ص : 239

ّ إنّي لم أقف للمخالف الأوّل على حجّة. و أمّا الروايات المتقدمة فمنها ما هو أخص من مدّعاه، و منها ما لا ينطبق على مذهبه، و مع ذلك عرفت ما فيه.

و أما الثاني فاستدل على ما نقل بمشاركة الجد و الجدة للأبوين في التسمية التي أخذوا بها الميراث الذي عيّن لهم، و هي الأُبوّة و الأُمومة. و بالروايات المتقدمة. و بأخبار الطعمة.

و الجواب عن الأوّل: بمنع مشاركتهما لهما في التسمية، فإنّ الجد لا يدخل في اسم الأب حقيقة، بدليل صحّة السلب و تبادر الغير، و كذا الجدّة بالنسبة إلى الأُم، على أنّه لو ثبتت التسمية لم تدل على مطلبه الذي هو جعل نصيب

الجد و إن تعدّد الفاضل من السهام، و لزم توريثهما في صور كثيرة لا يقول به فيها.

و عن البواقي: بما مرّ و يأتي، مع أنّها لا تطابق مذهبه في القسمة.

المسألة الثانية: لا يرث الجد و الجدة مع الأولاد

، ذكراً كان أم أُنثى،

______________________________

(1) النساء: 8.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 244

بالإجماع في غير البنت الواحدة، فإنّ فيها خلافاً للإسكافي «1»، و قد مرّ. و تدل عليه العمومات المتقدمة الخالية عن المخصص.

المسألة الثالثة: لا يرث الجد و لا الجدة مع أولاد الأولاد و إن نزلوا مطلقاً

، وفاقاً لغير الصدوق، و عن السيد في الناصريات «2» و ابن فضال الإجماع عليه «3».

و عن الصدوق تشريك الجد مع ولد الولد «4».

لنا بعد الإجماع عند التحقيق لعدم قدح مخالفة من ذكر-: رواية زرارة المتقدمة، و فيها: «فإن لم يكن له ولد و كان ولد الولد، ذكوراً كانوا أو إناثاً، فإنّهم بمنزلة الولد، و ولد البنين بمنزلة البنين، و ولد البنات بمنزلة البنات، يرثون ميراث البنات و يحجبون الأبوين و الزوج و الزوجة عن سهامهم الأكثر و إن سفلوا ببطنين و ثلاثة و أكثر، يرثون ما يرث ولد الصلب و يحجبون ما يحجب ولد الصلب» «5».

و ما تقدم من الأخبار المتضمنة لأنّ كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، المصرّحة بأنّ ولد الولد يقوم مقام الولد «6»؛ فإن قيامه مقامه كما مرّ ليس في مطلق التوريث و إلّا لم تكن فائدة للتخصيص، بل إمّا في جميع الأحكام، أو الحجب، أو قدر الميراث، و بالكلّ يثبت المطلوب.

احتجّ المخالف: بتساوي الجد و أولاد الأولاد في القرب. و بصحيحة

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 751.

(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 221.

(3) حكاه عنه في التهذيب 9: 315.

(4) الفقيه 4: 208.

(5) الكافي 7: 97، 3، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 3.

(6) الوسائل 26: 68 أبواب موجبات الإرث ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 245

سعد بن أبي خلف قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السّلام) عن بنات بنت و

جدّ، فقال: «للجد السدس، و الباقي لبنات البنت» «1».

و الجواب أمّا عن حديث التساوي: فبأنّ الثابت أنّ الأقرب يمنع الأبعد، أمّا اشتراك المتساويين في الإرث فغير ثابت، مع أنّه لو صح إنما يتبع لولا دليل على خلافه.

و أما عن الصحيحة فمع شذوذها المخرج لها عن الحجية-: بعدم صراحتها في المطلوب أوّلًا، لإمكان أن يكون المراد بالجد جد بنات البنت أي أب البنت، لا جد البنت، فيكون الميّت هي البنت، و يكون السؤال عن أب و بنات.

و بأخصّيتها عن مدّعاه ثانياً.

و بمعارضتها للروايات المتقدمة الراجحة عليها باعتضادها بالشهرة العظيمة بل الإجماعين ثالثاً.

و بدعوى ابن فضّال الإجماع على ترك العمل بها رابعاً «2».

و بإمكان الحمل على الاستحباب حتى يكون هو الطعمة المستحبة خامساً.

و بالحمل على التقية كما احتمله العلّامة المجلسي «3» و الحرّ العاملي «4» سادساً.

و الإيراد على الأول بعدم إمكان إرادة جد بنات البنت، لقوله

______________________________

(1) التهذيب 9: 314، 1128، الإستبصار 4: 164، 622، الوسائل 26: 141 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 15.

(2) حكاه عنه في التهذيب 9: 315.

(3) المجلسي الأول في روضة المتقين 11: 248.

(4) الوسائل 26: 141 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ذيل الحديث 15.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 246

«و الباقي لبنات البنت» فإنّه لو كان المراد بالجد ذلك لم يكن الباقي [لهنّ «1»] لمكان الرد، و الحمل على الباقي من الرد و الفرض خلاف الأصل و الظاهر.

مردود، بأنّ الرد على الأب مع البنات مختلف فيه أيضاً، و ظهور أدلة الرد عليه ليس بأكثر من ظهوره في منع ولد الولد للجد، بل هنا أقوى، حيث تكرّر نقل الإجماع من القدماء أيضاً «2» و تعاضد بالعمومات الكثيرة، فلو كانت

أدلّة الردّ على الأب قرينة على عدم إرادة الأب هنا، فتكون أدلة منع ولد الولد للجد أولى بالقرينة على عدم إرادة الجد، فيبقى الاحتمالان متساويين.

و أمّا الخاتمة ففي حكم الطعمة للجدّ:
اشاره

اعلم أنّ الجدّ و الجدّة و إن كانا لا يرثان مع أحد الأبوين، و لا مع الأولاد، و لا مع أولاد الأولاد، لكن يستحب إطعامهما. و الظاهر أنّ المراد بالإطعام الإعطاء من باب الإرزاق المأمور به في قوله سبحانه وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ «3».

فكيف كان يدل على استحبابه، وفاقاً لكل من لا يقول بتوريثهما.

و تدل عليه المستفيضة من الأخبار، كصحيحة جميل: «إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) أطعم الجدّة السدس» «4».

و الأُخرى: «إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) أطعم الجدّة أُمّ الأُم السدس، و ابنتها

______________________________

(1) في النسخ: له، و الصحيح ما أثبتناه.

(2) كما في الانتصار: 299.

(3) النساء: 8.

(4) الكافي 7: 114، 11، التهذيب 9: 311، 1115، الإستبصار 4: 162، 614، الوسائل 26: 137 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 247

حيّة» «1».

و الثالثة: «إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) أطعم الجدّة أُم الأب السدس و ابنها حيّ، و أطعم الجدّة أُمّ الأُم السدس و ابنتها حية» «2».

و موثقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام): «إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) أطعم الجدّة السدس، و لم يفرض اللَّه لها شيئاً» «3».

و روايته: قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول: «إنّ نبي اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) أطعم الجدّة السدس طعمة» «4».

و وجه الدلالة على الاستحباب ليس لما قيل من أنها تدل على أنّ الإعطاء على جهة الطعمة

التي هي في اللغة بمعنى الهبة، و هي غير الإرث «5»؛ لعدم ثبوت أنها معناها، و لو فرض فلا دلالة للهبة على الاستحباب و إن قلنا أنها غير الإرث.

بل لما ثبت في محله، من أنّ ما لم تظهر جهته لنا من أفعال النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) فيستحب لنا التأسي و لا يجب.

فإن قيل: إطعامه (صلّى اللَّه عليه و آله) قضية في واقعة، يحتمل أن يكون مع رضاء الأبوين أو بدونه، و عدم ظهور الجهة إنّما هو في الأول، و أما في الثاني

______________________________

(1) الكافي 7: 114، 12، الوسائل 26: 136 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 1.

(2) الفقيه 4: 204، 680، التهذيب 9: 311، 1118، الإستبصار 4: 162، 616، الوسائل 26: 139 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 9.

(3) الكافي 7: 114، 13، الفقيه 4: 205، 683، التهذيب 9: 311، 1116، الوسائل 26: 137 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 3.

(4) الكافي 7: 114، 14، التهذيب 9: 311، 1117، الإستبصار 4: 162، 615، الوسائل 26: 137 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 4.

(5) انظر الرياض 2: 352.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 248

فيكون الإطعام واجباً قطعاً، إذ لا يستحب لأحد إعطاء مال الغير بدون رضاه.

قلنا: لمّا كان ذلك الاحتمال غير معلوم أيضاً، فيكون فعله ممّا لم تُعلم جهته حينئذ أيضاً، مع أنه لا قائل بوجوب الإطعام، بل كل من قال به، فقال باستحبابه، فالإجماع قرينة على تعيينه.

و من ذلك يظهر لزوم حمل الأخبار الآمرة بالإعطاء أو الدالة على الاختصاص و الملكية الظاهرة في الوجوب كصحيحة البصري و روايتي ابن عمار و ابن رباط المتقدمة «1»

على الاستحباب أيضاً، لأنّ السدس المذكور فيها محمول على الإطعام بقرينة الموثقة و الرواية الأخيرتين، و الإطعام ليس إلّا مستحبّاً. مع أنّ القول بالسدس مطلقاً في الصور المذكورة في الروايات على جهة التوريث إمّا لا قائل به، أو شاذ لا اعتبار به، كما مرّ، فهذه الروايات أيضاً أدلة على الإطعام، فقد عرفت وجه التفصّي عنها.

ثم إنّ القدر المجمع عليه الثابت من هذه الأخبار هو استحباب الطعمة في الجملة، و قد وقع فيها مواضع خلاف كما نبيّنها في مسائل:

المسألة الأُولى : المطعم بالفتح هو الجدّ و الجدّة مطلقاً

، سواء كانا من الأب أو الأُم، وفاقاً للمشهور.

و خلافاً للحلبي حيث خصّه بالمتقرب بالأب «2»، و حكاه بعض الأجلّة عن ابن زهرة و المحقق الطوسي أيضاً «3».

و للمحكيّ عن ابن زهرة حيث خصه بأمّ الأُمّ «4».

______________________________

(1) في ص: 240.

(2) الكافي في الفقه: 378.

(3) حكاه عنهما الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 291.

(4) في «ح»: بأم الأب.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 249

و يبطل الأول: بصحيحتي جميل الأخيرتين «1»، و روايتي ابن عمار، و ابن رباط «2».

و الثاني بالصحيحة الثالثة لجميل «3»، و صحيحة البصري «4» و رواية ابن رباط.

و تمام المطلوب يثبت بعدم القول بالفصل.

مضافاً في الجدّ إلى المرسلة المروية في الكافي قال: و قد روي أنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) أطعم الجدّ و الجدّة السدس «5».

فإنّ إطعام السدس قرينة على أنّه لم يكن في صورة فقد الأبوين و الأولاد، إذ ليس نصيبه السدس حينئذ.

و تدل عليه أيضاً صحيحة سعد المتقدمة «6»، بناءً على ما حملها عليه الأكثر من إرادة جدّ البنت منها.

و قد يستدلّ لإلحاق الجدّ: بالأولوية. و بالنصوص المروية في التهذيب و بصائر الدرجات، الدالة على أنّ اللَّه تعالى لم

يذكر الجدّ و لم يفرض له فرضاً، و إنّما جعل له رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) سهماً كما في بعضها «7»، أو أطعمه سهماً كما في آخر «8»، أو أطعم من دون ذكر السهم

______________________________

(1) المتقدمتين في ص: 244.

(2) المتقدمتين في ص: 240.

(3) المتقدمة في ص: 245.

(4) المتقدمة في ص: 240.

(5) الكافي 7: 114، 10، الوسائل 26: 136 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 19 ح 5.

(6) في ص: 242.

(7) التهذيب 9: 311، 1117، بصائر الدرجات: 379، 4، الوسائل 26: 137 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 5.

(8) بصائر الدرجات: 378، 3، الوسائل 26: 142 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 16.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 250

كما في ثالث «1»، فأجاز اللَّه تعالى له ذلك.

و يمكن منع الأولوية: و يحتمل كون السهم الذي جعله النبي للجدّ كما في البعض الأول هو ما يرثه عند عدم الأبوين و الأولاد، فإنه أيضاً ممّا لم يذكره اللَّه سبحانه، دون ما يطعم استحباباً عند وجودهما.

المسألة الثانية: مقدار الطعمة هو سدس الأصل

، وفاقاً للمشهور؛ لظهوره من لفظ السدس الوارد في الأخبار، و صريح رواية إسحاق المتقدمة «2».

و قال الإسكافي: سدس نصيب المطعِم «3»؛ لأنّ السدس يحتمل الأمرين، و الأقلّ ثابت قطعاً، فينفى الزائد بالأصل.

و قال الفاضل في القواعد: أقلّ الأمرين من سدس الأصل و زيادة نصيب المطعم من السدس مع الزيادة «4».

و لا دليل عليه، و ظاهر الأخبار و صريح الرواية يدفعه، على أنه لا يمكن فرض أقليّة الزيادة مع وجودها عن سدس الأصل، فيرجع إلى المشهور، إلّا أن يكون من مذهبه استحباب الطعمة مع الولد أيضاً، و هو بعيد.

و احتج له بعض شرّاح القواعد: بأنه لو أطعمناهم

سدس الأصل مطلقاً بقي الأب أو الأُم في بعض الفروض بلا شي ء، أو بأقل من نصيبهم،

______________________________

(1) بصائر الدرجات: 381، 13، الوسائل 26: 142 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 17.

(2) في ص: 240.

(3) حكاه عنه في المسالك 2: 327.

(4) القواعد 2: 170.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 251

مع أنّ في بعض الأخبار أنّ الأُم لا تنقص من السدس أبداً «1».

و فيه: أنه لا استبعاد فيما ذكره بعد قول الشارع، سيّما مع الاستحباب. و أما بعض الأخبار الذي ذكره فإنه عام يجب تخصيصه، كما أنه يخصص مثل رواية بكير المتقدمة: «الام لا تنقص من الثلث أبداً إلّا مع الولد و الإخوة إذا كان الأب حيّاً» «2».

مع أنه لو صلح ما ذكره للاستناد لأوجب سقوط الطعمة في تلك الفروض، لا الأقل الذي ذكره؛ إذ لا دليل على إطعام الأقل، فتأمّل.

المسألة الثالثة: هل تختص الطعمة بصورة عدم الولد أم تستحب و لو كان ولد أيضاً؟

الظاهر هو الأول، كما هو ظاهر الأصحاب كما صرح به في المفاتيح «3»؛ للأصل، و عدم الدليل، فيقتصر على المتيقن.

قيل: الأخبار مطلقة.

قلنا: ممنوع، أما الأخبار الأخيرة فظاهرة. و أما أخبار إطعام النبي، فلأنّ الثابت منها هو إطعام النبي في واقعة أو وقائع خاصة، و هي غير صالحة للإطلاق أو العموم، فتكون مجملة، فيجب الأخذ بالمتيقن. و حمل الإطعام على الأمر به تجوّز لا يصار إليه إلّا بدليل.

فإن قيل: إذا كانت الواقعة مجملة فمن أين تيقن الاستحباب عند عدم الولد؟

قلنا: من الأخبار المقيدة المفصلة، كرواية إسحاق بن عمار

______________________________

(1) انظر كشف اللثام 2: 291.

(2) راجع ص: 126.

(3) المفاتيح 3: 303.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 252

المتقدمة «1»، و المرسلة المروية في الكافي، قال: أخبرني بعض أصحابنا أنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) أطعم

الجدّ السدس مع الأب، و لم يعطه مع وجود الولد «2».

و من هذا يعلم عدم استحبابها مع ولد الولد أيضاً لو قلنا بحجبه للجدّ.

المسألة الرابعة:

كما أنه لا تستحبّ للأبوين الطعمة عند وجود الولد، كذلك لا تستحب للولد و لا لولده بدونهما الطعمة، و الوجه ما مرّ.

المسألة الخامسة:

و إذا عرفت أنه لا طعمة مع الولد و لا مع ولد الولد تعرف أنّ المطعِم بالكسر هو أحد الأبوين أو كلاهما، إذ لولاهما لكان الجدّ وارثاً فلا طعمة، و هذا هو المراد من قولهم أنّ المطعم أحد الأبوين.

المسألة السادسة [أنّ كلّاً من الجدودة يطعَم مع وجود من يتقرّب به من الأبوين ]:

و إذا عرفت أن المطعِم هو الأبوان أو أحدهما فأعلم أنهم ذكروا أنّ كلّاً من الجدودة يطعَم مع وجود من يتقرّب به من الأبوين، و لا يكفي وجود من يتقرّب بالآخر، فمع الأب يطعَم أبوه و أُمّه و مع الام يطعَم أبوها و أُمّها، و لو فقد أحدهما فلا طعمة لمن يتقرّب به.

و ظاهر الكفاية و المفاتيح التردد «3».

و الظاهر هو الأوّل؛ لأنّ الروايات بين مجملة و مبيّنة بوجود المتقرّب للمطعَم- بالفتح فيؤخذ بالمبيّن و يعمل بالأصل في غيره.

المسألة السابعة: سدس الأصل الذي يطعم به الجد و الجدة

، فهل يخرج من التركة قبل القسمة، أو من نصيب من يتقرّب به المطعم؟

______________________________

(1) في ص: 240.

(2) الكافي 7: 115، ذ. ح 16، الوسائل 26: 139 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 8 و فيه: و لم يطعمه.

(3) الكفاية: 297، المفاتيح 3: 302.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 253

الظاهر هو الثاني؛ لإجمال غير ما يبيّنه بهذا النحو، و هو رواية إسحاق بن عمار المتقدمة «1».

المسألة الثامنة:

قد صرّحوا بأنه يشترط في استحباب إطعام كل من الأبوين زيادة نصيبه عن السدس؛ فلو لم يحصل لأحدهما سوى السدس كالأب في أبوين و زوج بدون الإخوة الحاجبة، و الأُم في أبوين و زوج مع الإخوة لم تستحب له الطعمة. و هو كذلك، و إن كان ظاهر المفاتيح و الكفاية التردد «2».

لنا: ما مرّ من إجمال غير المبيّن بهذا النحو، و هو رواية ابن عمار، فينفى غيره بالأصل. و يؤيده اختصاص الأخبار بحكم التبادر و الاعتبار بما إذا كان هناك للمطعم عن نصيبه زيادة.

المسألة التاسعة: هل يكفي في زيادة المطعِم بالكسر عن السدس مسمّى الزيادة، أم يشترط كونها بقدر السدس؟

ذهب جماعة منهم: المحقق في الشرائع و الفاضل في القواعد و الشهيد الثاني في المسالك إلى الأول «3».

و أُخرى، منهم: المحقق في النافع و الشهيد في اللمعة و الدروس إلى الثاني «4»، و في الروضة إنّه الأشهر «5».

و هو الأظهر؛ لوجهين أحدهما: ما مرّ من الإجمال و التفصيل في رواية ابن عمار. و ثانيهما: أنّ بعد القول بعدم الاستحباب عند وجود الولد

______________________________

(1) في ص: 240.

(2) المفاتيح 3: 302، الكفاية: 297.

(3) الشرائع 2: 25، القواعد: 170، المسالك: 327.

(4) النافع: 268، اللمعة (الروضة البهية 8): 122، الدروس 2: 367.

(5) الروضة 8: 123.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 254

لا تبقى صورة كانت الزيادة فيها أقلّ من السدس.

و من هذا يظهر أنه لا ثمرة لهذا النزاع إلّا عند من قال بالاستحباب مع وجود الولد للميت أيضاً.

المسألة العاشرة:

مقتضى الأصل الذي أصلناه من إجمال الأخبار اختصاص الاستحباب بما إذا كان للمطعِم بالكسر جدّ واحد أو جدّة واحدة، دون ما إذا كانا له معاً؛ لاختصاص المبيّن به، بل لعدم ظهور جميع الأخبار إلّا في الصورة الاولى خاصة، فيتمسك في نفي الطعمة في الثانية بالأصل.

لكنّ الإجماع المركّب كما قيل ينفي الفرق «1»، و لكون المقام مقام التسامح يمكن الاكتفاء فيه بهذا الإجماع المنقول، و لكن يقع في المفصّلة «2» حينئذٍ في التقسيم، كما يأتي.

المسألة الحادية عشرة:

لا يتوهم أنّ مقتضى الأصل المذكور اختصاص الاستحباب بصورة عدم اجتماع المتقرّبين، فلا تستحب الطعمة إذا كان جدّا و جدّة لأب و جدّ أو جدّة لأُم؛ إذ من الأخبار ما صرّح فيه بالاستحباب مع اجتماعهما، كرواية جميل المرسلة، قال: «إذا ترك الميت جدتين أُمّ أبيه و أُمّ امّه فالسدس بينهما» «3».

و ردّها بظهورها في عدم وجود الأبوين، و الانحصار في الجدّتين، فيكون مخالفاً للإجماع.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 352.

(2) في «س»: الفصلة.

(3) التهذيب 9: 313، 1125، الإستبصار 4: 163، 619، الوسائل 26: 140 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 255

مدفوع، بأنّ ذكر السدس قرينة على عدم الانحصار، فيكون وجود الأبوين محتملًا، فلم يقطع بالمخالفة.

نعم جعل السدس الواحد بينهما لو كان مخالفاً للإجماع لكان موجباً لردّ الحديث، و حينئذ فلا بدّ في تعميم الحكم بالإجماع المركب.

المسألة الثانية عشرة [حكم المتعدد لو كان من طرف واحد أو من طرفين ]:

و إذ عرفت أنّ الاستحباب ثابت في صورة التعدّد أيضاً سواء كان المتعدّد من طرف واحد أو من طرفين.

فنقول: إنّ المتعدّد إذا كان من طرف واحد، بأن يكون هناك جدّ و جدّة لُام أو لأب، فالمشهور أنّ السدس الذي يطعمه أحدهما مشترك بينهما، يقسّم بالسوية و لا زيادة.

أما عدم الزيادة، فلأنّ الاستحباب في هذه الصورة إنّما هو بالإجماع المركب، و الثابت منه ليس إلّا مجرّد الاستحباب، و لا أقلّ من السدس إجماعاً، فينفى الزائد بالأصل.

و أما التقسيم بالسوية فاستدل عليه بعدم مرجّح لأحدهما بالسدس أو زيادة. و القياس على باطل و في هذا الاستدلال نظر؛ إذيلزم من عدم المرجح ثبوت التسوية بينهما؛ لأنّ الترجيح بلا مرجّح إنّما يلزم قلنا باختصاص واحد منهما بالسدس أو الزيادة، أمّا لو قلنا بالتخيير الأوّل أو الثاني فلا يلزم الترجيح

بلا مرجّح، بل هو الحكم بين الشيئين عند عدم المرجّح لأحدهما في الشرعيّات.

و توضيح ذلك: أنّ هاهنا يتصوّر صور، إحداها: اختصاص أحدهما بالسدس. و الثانية: الاشتراك مع اختصاص أحدهما بزيادة. و الثالثة: الاشتراك مع التسوية. و الرابعة: التخيير بين الاختصاص و الاشتراك.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 256

الخامسة: التخيير في الاختصاص بين كلّ واحد منهما. السادسة: التخيير بين التسوية و التفاوت. السابعة: التخيير في الزيادة بين كلّ واحد منهما.

و المحذور الذي هو الترجيح بلا مرجّح إنّما يلزم لو قلنا بالأُولى أو الثانية، دون البواقي، فاختيار واحد منها لا وجه له.

نعم يمكن إثبات أصل الاشتراك بالإجماع. و أمّا التسوية فمحلّ تردد و إشكال.

و ما ذكرنا في إبطال التمسّك بالترجيح بلا مرجح هنا يجري في غير ذلك الموضع من أمثاله، مما تمسكوا به فيه، فليكن في ذكر منك.

و إن كان من طرفين، فظاهر الأكثر أنّ لكل من يتقرّب من طرف واحد السدس، فيستحب إطعام السدسين للأبوين.

و لا دلالة في الأخبار على ذلك، و مرسلة الجميل صريحة في خلافه، فالأخذ بمضمونها متّبع، إلّا أن يدّعى الإجماع على خلافه، و هو غير محقّق عندي.

و قول الشيخ في التهذيب: إنّ هذا الخبر غير معمول عليه «1»، فإنّما هو لأجل ما يستفاد من ظاهره، أنّ الجدّة تستحق الطعمة مع عدم وجود ولدها، كما يشعر به كلمات الشيخ «2»، لا لأجل كون السدس بينهما. و بعد ما ذكرنا من أنّ المراد ليس الانحصار فلا يكون هذا الخبر غير معمول عليه من هذه الجهة أيضاً.

و كلام صاحب المفاتيح ظاهر في الاكتفاء بالسدس «3»، و على هذا

______________________________

(1) التهذيب 9: 313.

(2) التهذيب 9: 313.

(3) الوافي 3 الجزء 13: 129.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19،

ص: 257

فيقسّم السدس بين الأربع أو الثلاث أو الاثنين سويّة.

المسألة الثالثة عشرة: هل يختصّ الجدّ و الجدّة بالقريبين أم يعمّان البعيدين أيضاً؟

صرّح الفاضل في القواعد بالأول «1». و هو الأظهر؛ للأصل، و إجمال الأخبار، و تبادر القريب من لفظ الجدّ و الجدّة، بل صحّة السلب بالنسبة إلى البعيد.

و استوجه بعض معاصرينا الثاني، تمسّكاً بإطلاق النصّ و الفتوى .

و الإطلاق ممنوع؛ لما عرفت من الإجمال، و لو سلّم فينصرف إلى أفراده الشائعة.

المسألة الرابعة عشرة [حكم إطعام الجدتين ]

روى الشيخ في الموثق، عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، عن أبيه (عليه السّلام): قال: «أطعم رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) الجدّتين السدس، ما لم يكن دون أُم الأُم أُم و لا دون أُمّ الأب أب» «2».

و يحتمل أن يكون معنى قوله: «دون أُم الأُم أُم» أي أُم أُمّ الأُم، و كذا معنى قوله: «دون أُم الأب أب» أي أب أُم الأب، فيكون المعنى : أنّه (صلّى اللَّه عليه و آله) أطعمهما حين عدم وجود الجدّ البعيد، و على هذا فلا منافاة بين هذه الرواية و بين شي ء من الأحكام المتقدمة، بل يكون مضمونها موافقاً لمرسلة الجميل.

و أن يكون معناه انتفاء أُم الميّت و أبيه.

و حينئذ فإمّا يكون معنى قوله «أطعم الجدّتين» أطعم كلّاً منهما، حتى يمكن أن يكون إطعام كلّ واحد منهما في واقعة. و يمكن أن يكون إطعام

______________________________

(1) القواعد 2: 171.

(2) التهذيب 9: 313، 1126، الإستبصار 4: 163، 620، الوسائل 26: 141 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 20 ح 14.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 258

أُم الأُم مع وجود الأب، و إطعام أُم الأب مع وجود الام. و على هذا فتكون الرواية منافية للحكم المذكور في السادسة.

أو يكون معنى قوله: «أطعم الجدّتين» أنه أطعمهما معاً حتى يكون في واقعة واحدة، و حينئذٍ فلا يمكن أن يكون ذلك في صورة عدم الولد

و لا ولد الولد، و لا شي ء من الإخوة؛ لأنّ تمام التركة حينئذ للجدّتين. فإمّا يكون مع بعض من الإخوة بحيث يكون إرث الجدّتين السدس، و لكنه خلاف الظاهر من قوله أطعم. أو مع الولد أو ولد الولد و حينئذ فتكون منافية لما ذكر في الرابعة و السادسة.

و تحتمل الرواية محامل أُخرى أيضاً، و بعد قيام تلك الاحتمالات الكثيرة فتكون مجملة غير ناهضة لإبطال شي ء من الأحكام المذكورة.

و لو أبيت عن جميع الاحتمالات المذكورة أو المتصوّرة غير أنْ يكون المراد أطعمهما معاً عند عدم أب الميّت و أُمّه، لأجل كون البواقي موجبة لارتكاب خلاف ظاهر أو أصل من تقديرٍ أو تجوّزٍ، فنقول: إنّ إطعامهما عند عدمهما يمكن أن يكون مع وجود الولد أو ولد الولد، فلا يمكن أن يخرج عن مقتضى الأصل في شي ء من الصورتين بهذه الرواية، لإمكان كون القضيّة واقعة في الصورة الأُخرى ، هذا، مع ما في هذه الرواية من كونها متروك العمل بها، كما صرّح به الشيخ في التهذيب «1».

______________________________

(1) التهذيب 9: 113.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 259

الفصل الثاني في ميراث الإخوة و الأجداد
اشاره

و يعبّر عن الإخوة بالكلالة، من الكلّ، و هو الثقل، لكونها ثقلًا على الرجل، لقيامه بمصالحهم مع عدم التولّد «1» الموجب لمزيد الإقبال و الخفّة على النفس. أو من الإكليل، و هو ما يزيّن بالجوهر شبه العصابة، لإحاطتهم بالرجل كإحاطته بالرأس.

و فيه [خمسة «2»] أبحاث:

البحث الأول: في ميراث الإخوة إذا لم يكن معهم جدّ
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى :

لا يحجب الإخوة و لا الأخوات عن الإرث أحدٌ خلقه اللَّه غير الأبوين و الأولاد و أولاد الأولاد و إن نزلوا، بالإجماع؛ للأقربية، و خصوصيات الأخبار الواردة في الموارد الجزئية، كما يأتي.

المسألة الثانية: إذا فقد الأبوان و الأولاد و أولادهم

فلا يرث مع الإخوة أو الأخوات أحد غير الجدودة و الزوجين إجماعاً؛ لما مر. و في ابن الأخ للأبوين مع الأخ للُام خلاف يأتي.

______________________________

(1) في «ح»: التوالد، و في «ق»: ولد.

(2) في «ح» و «ق» و «س»: أربعة، و الصحيح ما أثبتناه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 260

المسألة الثالثة: إذا انفرد الأخ للأب و الأُم

كان له المال كله بالقرابة؛ للإجماع، و منع الأقرب للأبعد، و أحقيّة السابق، و قول أبي جعفر (عليه السّلام) في صحيحة بكير الطويلة-: «فإنّ اللَّه قد سمّى للأخ الكل» «1».

و صحيحته الأُخرى : عن أُختين و زوج، فقال: «النصف و النصف» فقال الرجل: أصلحك اللَّه قد سمّى اللَّه لهما أكثر من هذا: لهما الثلثان، فقال: «ما تقول في أخ و زوج؟» فقال: النصف و النصف، فقال: «أ ليس قد سمّى اللَّه له المال فقال وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ» «2».

و رواية موسى بن بكر: قال، قلت لزرارة: إنّ بكيراً حدّثني عن أبي جعفر (عليه السّلام): «أنّ الإخوة للأب و الأخوات للأب و الأُم يزادون و ينقصون لأنّهنّ لا يكنّ أكثر نصيباً من الإخوة و الأخوات للأب و الأُم لو كانوا مكانهنّ، لأنّ اللَّه تعالى يقول إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ يقول: يرث جميع مالها إن لم يكن لها ولد، فأعطوا من سمّى اللَّه له النصف كملًا، و عمدوا فأعطوا الذي سمّى اللَّه له المال كله أقلّ من النصف، و المرأة لا تكون أبداً أكثر نصيباً من رجل لو كان مكانها» قال: فقال زرارة: و هذا قائم عند أصحابنا لا يختلفون فيه «3».

و الأخ و إن كان مطلقاً إلّا

أنه خرج المتقرب بالأُمّ بالكتاب و السنة كما

______________________________

(1) الكافي 7: 102، 4، الفقيه 4: 202، 677، التهذيب 9: 291، 1046، الوسائل 26: 155 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 3 ح 3.

(2) التهذيب 9: 293، 1048، الوسائل 26: 154 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 3 ح 1.

(3) الكافي 7: 104، 7، التهذيب 9: 319، 1148، الوسائل 26: 152 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 261

يأتي، و المروي في تفسير علي الآتي.

و إذا كانوا متعدّدين كان لهم المال بالسوية. أما الأول فللإجماع، و الأقربية، و الأحقية، و لأنه لما كان المال كله للواحد فالتعدّد أولى بذلك. و أما الثاني فللإجماع.

و لو كانت معه أو معهم أُخت أو أخوات من الأبوين فالمال كله للكل، للذكر مثل حظّ الأنثيين؛ للإجماع، و قوله سبحانه وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ «1».

و إطلاق الإخوة مقيّد بما ذكرنا، بالأخبار، كما يأتي، و صحيحة بكير و فيها: قال «و قال في آخر سورة النساء يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ يعني أُختاً لأُمّ و أب أو أُختاً لأب فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ .. وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فهم الذين يزادون و ينقصون» الحديث «2».

و قريبة منها صحيحة محمد «3».

و لو انفردت أُخت لأب و أُم كان لها النصف فرضاً و الباقي ردّاً.

أما الأول: فللإجماع، و قوله تعالى إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ «4».

______________________________

(1) النساء: 176.

(2)

الكافي 7: 101، 3، الفقيه 4: 202، 676، التهذيب 9: 290، 1045، الوسائل 26: 154 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 3 ح 2.

(3) الكافي 7: 103، 5، الوسائل 26: 155 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 3 ذيل الحديث 3.

(4) النساء: 176.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 262

و إطلاق الأُخت مقيّد بما ذكر بالنسبة، كما مرّ.

و أمّا الثاني: فللإجماع و منع الأقرب للأبعد، و أحقيّة السابق، و رواية سليمان بن خالد المتقدمة: «إذا كان وارث ممن له فريضة فهو أحقّ بالمال» «1».

و قول الباقر (عليه السّلام) في رواية بكير المتقدمة مكرراً «لأنّ اللَّه قد سمّى لهم».

و خصوص ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أُذينة، عن بكير، عن أبي جعفر (عليه السّلام): قال: «إذا مات الرجل و له أُخت تأخذ نصف الميراث بالآية كما تأخذ الابنة لو كانت، و النصف الباقي يردّ عليها بالرحم، إذا لم يكن للميّت وارث أقرب منها، فإن كان موضع الأُخت أخ أخذ الميراث كله بالآية، لقول اللَّه وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فإن كانتا اختين أخذتا الثلثين بالآية و الثلث الباقي بالرحم» الحديث «2».

و لو كانوا أُختين أو أخوات من الأبوين كان لهما أو لهنّ الثلثان و الباقي يردّ عليهما أو عليهنّ. أما الأول فبعد الإجماع لقوله تعالى فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ «3» و أما الثاني فلما مر.

المسألة الرابعة: إذا انفرد الأخ أو الأُخت للأُم

كان له أو لها المال، السدس بالفرض، و الباقي بالرد، بالإجماع فيهما.

______________________________

(1) التهذيب 9: 326، 1171، 26: 188 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 7، و قد تقدم صدر الحديث في ص 189.

(2) تفسير

القمي 1: 159، الوسائل 26: 153 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 2 ح 5.

(3) النساء: 176.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 263

و يدلُّ على الأول قوله تعالى وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ «1».

و يدلُّ على أنّ المراد بالأخ و الأُخت في الآية ما كان من الأُم خاصة- بعد الإجماع أخبار كثيرة، منها صحيحة محمد، و فيها: «و الذي عنى اللَّه في قوله وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ إنّما عنى بذلك الإخوة و الأخوات من الأُم خاصة» «2».

و على الثاني ما مر في الرد على الأُخت و الأُختين للأبوين.

و يدلُّ على أنّ الأخ للأُم يجمع المال كلّه مضافاً إلى ما مرّ صحيحة ابن سنان: عن رجل ترك أخاه لأُمّه لم يترك وارثاً غيره، قال: «المال له» «3».

و لو كان المتقرّب بالأُم متعدداً سواء كانوا اثنين أو أكثر، ذكوراً أو إناثاً، أو ذكوراً و إناثاً، كان المال لهما أو لهم، الثلث بالفرض، و الباقي بالردّ، بالإجماع.

و يدلّ على الأول قوله تعالى فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ «4».

و على الثاني ما سبق.

______________________________

(1) النساء: 12.

(2) الكافي 7: 103، 5، الوسائل 26: 155 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 3 ذيل الحديث 3.

(3) الكافي 7: 111، 1، الفقيه 4: 206، 688، التهذيب 9: 307، 1096، الإستبصار 4: 159، 600، الوسائل 26: 172 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 8 ح 1.

(4) النساء: 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 264

و يقتسمون

المال بالسوية، سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً، أم ذكوراً و إناثاً، بالإجماع القطعي، و نقله جمع كثير أيضاً، منهم الكليني في الكافي «1»، و صاحب مجمع البيان، قال: و لا خلاف بين الأُمة في أنّ الإخوة و الأخوات من قبل الام متساوون في الميراث «2».

و هو الحجة في ذلك، مضافاً إلى ما رواه مسمع: عن رجل مات و ترك إخوة و أخوات لُام وجداً، فقال: «الجد بمنزلة الأخ من الأب، له الثلثان، و للإخوة و الأخوات من الام الثلث، فهم فيه شركاء سواء» «3».

و قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه: «فإن ترك أُختين أو أخوين أو أخاً أو أُختاً لأُم أو أكثر من ذلك و جدّاً، فللإخوة و الأخوات من الام الثلث بينهم بالسوية، و ما بقي فللجدّ» «4».

و المرسلة المروية في المجمع، و فيها: «و متى اجتمع قرابة الأب مع قرابة الأُم مع استوائهم في الدرج كان لقرابة الأُم الثلث بينهم بالسوية، و الباقي لقرابة الأب للذكر مثل حظّ الأُنثيين» «5».

و صحيحة محمد الآتية في المسألة الحادية عشرة «6».

إلّا أنّ هذه الروايات و إن كان بعضها مختصاً بصورة وجود الجد

______________________________

(1) الكافي 7: 111.

(2) مجمع البيان 2: 17.

(3) الكافي 7: 111، 3، التهذيب 9: 307، 1098، الإستبصار 4: 159، 602، الوسائل 26: 173 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 8 ح 4.

(4) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 289، مستدرك الوسائل 17: 182 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 7 ح 3.

(5) مجمع البيان 2: 18، الوسائل 26: 65 أبواب موجبات الإرث ب 1 ح 5.

(6) انظر ص: 276.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 265

و بعضها بصورة وجود قرابة الأب إلّا أنّ بالإجماع المركب يتم

المطلوب.

و قد يستدل للتعميم بعدم مدخلية وجودهم في التسوية بين الإخوة. و قد تنفى المدخلية بأصالة عدمها.

و فيه: أنّ للتسوية علة لا محالة، فيحتمل أن تكون هي التقرب بالأُم أو وجود الجدّ أو غيرهما، و كما أنّ الأصل يجري في وجود الجد و قرابة الأب يجري في غيره أيضاً.

و تدلّ على ذلك أيضاً رواية أبي عمر العبدي، عن علي بن أبي طالب (عليه السّلام)، و فيها: «و لا تزاد الإخوة من الام على الثلث، و لا ينقصون من السدس، و هم فيه سواء الذكر و الأُنثى» الحديث «1».

و قال الفضل: هذا حديث صحيح «2».

و شهادته هذا كافية في حجيته، و لكنها مخصوصة بالثلث و السدس، و إن كان الإجماع المركب كافياً للتعدية.

و قد يستدلّ على التسوية ببطلان الترجيح بلا مرجح.

و فيه ما مرّ «3»، فإن بعد ثبوت الاشتراك يحتمل التسوية و الاختلاف و التخيير بينهما، ثمّ على الاختلاف يحتمل اختصاص واحد معيّن بالزيادة أو التخيير، و لزوم المحذور إنّما هو على القول باختصاص الواحد المعيّن دون غيره. على أنّ عموم أخبار تفضيل الرجال على النساء يرجّح تخصيص الرجال بالزيادة، فلا يلزم الترجيح بلا مرجح.

______________________________

(1) الفقيه 4: 188، 657، التهذيب 9: 249، 964، العلل: 569، ذ. ح 4، الوسائل 26: 81 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 12.

(2) حكاه عنه في الفقيه 4: 189.

(3) في ص 253.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 266

و قد يستدل عليها أيضاً باقتضاء إطلاق الشركة التسوية فيما اشترك فيه.

و لا يخفى أنّ المراد إمّا اقتضاؤه لغةً أو عرفاً أو باعتبار دليل يدل عليه. و الاقتضاء اللغوي مفقود؛ لكونه موضوعاً للقدر المشترك بين التسوية و التفاوت. و كذا العرفي؛ لاستعماله عرفاً

في المعنيين، و صحّة الاستفهام عن كيفيّة الشركة.

نعم إن أُريد الاقتضاء في عرف الشرع باعتبار أنّ التسوية هو المراد من الشركة حيث أُطلقت، لكان له وجه؛ و لكن تحقق الحقيقة الشرعية فيها غير معلوم، بل انتفاؤها معلوم، و مجرد أكثرية الاستعمال لا توجب جواز الحمل عند الإطلاق. و أمّا فهم الأصحاب من المفسرين و العلماء منها التسوية فيما نحن فيه فيمكن أن يكون باعتبار القرينة.

و أمّا الدليل على وجوب حمل الشركة المطلقة على التسوية فلم أعثر عليه، و لزوم الترجيح بلا مرجّح لا يفيدها كما مرّ.

فإن قيل: الأصل عدم اختصاص أحدهما بالزيادة.

قلنا: لو لم يختصّ لكانت الزيادة بينهما سويّة، فيلزم اختصاص كلّ منهما بنصفه، و الأصل عدمه أيضاً.

و بالجملة لا دليل على التسوية سوى الإجماع المعلوم تحقّقه قطعاً بالتتبّع و النقل، المؤيّد بالأخبار المذكورة «1»، و هو كافٍ في إثبات المطلوب.

المسألة الخامسة: حكم المتقرّب بالأب وحده حكم المتقرّب بالأبوين حال عدم المتقرّب بهما

في الإرث و التقسيم، بالإجماع،

______________________________

(1) راجع ص: 261 و 262.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 267

و العمومات الدالّة على حكم الأخ مطلقاً «1»، و عمومات تفضيل الرجال على النساء، خرج المتقرّب بالأُم وحدها بالدليل فيبقى الباقي، و خصوص صحيحتي بكير و محمّد و رواية موسى بن بكر المتقدّمة في المسألة الثالثة «2».

و يدلّ عليه أيضاً صدر الصحيحتين المتقدّمتين «3» و هو أنه قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): امرأة تركت زوجها و إخوتها لُامّها و إخوتها و أخواتها لأبيها، فقال: «للزوج النصف ثلاثة أسهم، و للإخوة من الام الثلث للذّكر و الأُنثى فيه سواء، و ما بقي فهو للإخوة و للأخوات من الأب للذّكر مثل حظّ الأُنثيين».

و على هذا فلو انفرد الأخ أو الأخت للأب حاز المال كلّه، لكنّ الأوّل جمعه بالقرابة،

و الثانية النصف بها و الباقي بالتسمية. و كذا الإخوة و الأخوات المتعدّدون، لكن فريضتهنّ الثلثان و الباقي بالقرابة، و يقتسمون بالسويّة مع التساوي في الذكورة و الأُنوثة، و بالتفاوت مع الاختلاف فيهما للذّكر مثل حظّ الأُنثيين.

المسألة السادسة: إذا اجتمعت الإخوة أو الأخوات المتفرّقون في جهة التقرّب

فيسقط المتقرّب بالأب وحده، سواء كان ذكراً أو أُنثى أو ذكراً و أُنثى ، واحداً أو متعدّداً، إذا كان معه واحد من المتقرّب بالأبوين سواء كان معهم متقرّب بالأُم أيضاً أولا، فلا يرث أصلًا لا من الفريضة و لا من القرابة.

و الدليل عليه بعد الإجماع المحقّق و المحكي في كلام جماعة،

______________________________

(1) الوسائل 26: 152 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 2.

(2) راجع ص: 258.

(3) في ص: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 268

منهم الفضل بن شاذان من قدماء الطائفة «1»، و السيد في الانتصار «2»: صحيحة يزيد الكناسي و فيها: «أخوك لأبيك و أُمّك أولى بك من أخيك لأبيك» «3».

و قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه: «فإذا ترك الرجل أخاه لأبيه و أخاه لُامّه و أخاه لأبيه و أُمّه فللأخ من الأم السدس، و ما بقي فللأخ من الامّ و الأب، و سقط الأخ من الأب، و كذلك إذا ترك ثلاث أخوات متفرّقات [فللأُخت «4»] من الام السدس، فما بقي فللأُخت من الامّ و الأب» «5».

و رواية الحسن بن عمارة: قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): «أيّما أقرب ابن عمّ لأب و أُم أو عمّ لأب؟» قال، قلت: حدّثنا أبو إسحاق السبيعي، عن الحارث الأعور، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) أنه كان يقول: «أعيان بني الأُم أقرب من بني العَلّات» قال: فاستوى جالساً [ثمّ ] قال: «جئت بها من عين صافية، إنّ عبد اللَّه

أبا رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) أخو أبي طالب لأبيه و أُمّه» «6».

و رواية الحارث عن أمير المؤمنين (عليه السّلام): قال: «أعيان بني الأُم يرثون دون بني العَلّات» «7».

______________________________

(1) انظر الكافي 7: 105.

(2) الانتصار: 301.

(3) الكافي 7: 76، 1، التهذيب 9: 268، 974، الوسائل 26: 63 أبواب موجبات الإرث ب 1 ح 2.

(4) ما بين المعقوفين أثبتناه من البحار 104: 343، 12.

(5) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 288، مستدرك الوسائل 17: 178 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 3 ح 4.

(6) التهذيب 9: 326، 1172، الإستبصار 4: 170، 644، الوسائل 26: 192 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 5 ح 2؛ و ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(7) التهذيب 9: 327، 1174، الوسائل 26: 182 أبواب الإخوة و الأجداد ب 13 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 269

و مرسلة الفقيه عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله): «أعيان بني الأُم أحقّ بالميراث من ولد العَلّات» «1».

أقول: و العَلّة كالضرّة زِنةً و معنًى، مأخوذ من العلّ، و هو شرب الإبل مرّة بعد أُخرى ، يقال لها: نَهَل محرّكة فيقال: علّ بعد نهل، و النَّهَل أن يشرب أوّلًا ثمّ يترك، حتّى يسري الماء في عروقه ثمّ يشرب، فكأنّ من تزوج بامرأة بعد اخرى نهل بالأُولى ثمّ علّ بالثانية.

قال في النهاية: و فيه «الأنبياء أولاد عَلّات» أولاد العَلّات الذين [أُمَّهاتهم «2»] مختلفة و أبوهم واحد، أراد أنّ إيمانهم واحد و شرائعهم مختلفة، و منه حديث علي (عليه السّلام): «يتوارث بنو الأعيان من الإخوة دون بني العَلّات» أي يتوارث الإخوة من الأب و الأُم و هم الأعيان، دون الإخوة للأب إذا اجتمعوا معهم، مأخوذ من عين

الشي ء و هو النفيس منه. و بنو العَلّات الإخوة لأب واحد و أُمّهاتهم شتّى. فإذا كانوا لأُمّ واحدة و آباء شتّى فهم الأخياف «3»، انتهى .

و على ما ذكره من تفسير الأعيان بالإخوة تكون الإضافة في قوله: «أعيان بني الام» بيانيّة. و أمّا ما رواه من حديث علي من قوله «بنو الأعيان من الإخوة» فهو لا يلائم ذلك؛ لأنّ فيه فسّر بني الأعيان بالإخوة؛ إلّا أن يجعل قوله: «من الإخوة» بياناً للأعيان.

و بالجملة بعد تفريعه (عليه السّلام) في رواية ابن عمار أولوية عبد اللَّه و بملاحظة تفسير اللغويين «4» يعلم أنّ المراد هو تقديم المتقرّب بالأبوين

______________________________

(1) الفقيه 4: 199، 675، الوسائل 26: 183 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 13 ح 4. و فيهما: بني العلّات.

(2) في النسخ: آبائهم، و ما أثبتناه موافق للمصدر.

(3) النهاية الأثيرية 3: 291 و 333.

(4) انظر الصحاح 5: 1773، لسان العرب 11: 470.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 270

على المتقرب بالأب، فيدلّ على المطلوب.

و ضعف أسنادها بعد انجبارها بالشهرة و شهادة الصدوق في المقنع: بأنّه خبر صحيح وارد عن الأئمّة «1» غير ضائر، و مراده من الصحة هي الصحة بطريقة القدماء.

و استدل في الشرائع على ذلك تبعاً للمفيد في مثله: بأنّ المتقرب بالأبوين اجتمع فيه السببان و بالأب يتقرب بسبب واحد، و المتقرب بالسببين أحقّ من المتقرب بسبب «2». و استدل المفيد على أحقيته بآية أُولي الأرحام «3».

و لا يخفى ما فيه: أمّا أولًا، فلعدم دليل على أحقيّة المتقرّب بالسببين، و لا دلالة للآية. و أما ثانياً، فبالانتقاض بالمتقرب بالأُم، و غير ذلك.

ثمّ لا يخفى أنّه يمكن أن يستدلّ على مانعية المتقرب بالأبوين للمتقرب بالأب وحده، بمنع الأقرب للأبعد، و

المراد من الأقرب ما صدق عليه الأقرب عرفاً، سواء كان لأجل أقلية الواسطة أو لأشدية الارتباط و الانتساب، و لا شكّ أنّ المتقرب بالأبوين أقرب عرفاً و أشد ارتباطاً، بل جهة قربه إلى الميّت أيضاً أكثر من المتقرب بأحدهما فيجب حجبه له، خرج المتقرب بالأُم وحدها بالإجماع، فيبقى الباقي.

و على هذا فتكون المسألة باقية على مقتضى الأصل الثابت المخصِّص لعمومات الإرث سالمة عن المعارض، و يمكن أن يكون نظر المحقّق

______________________________

(1) لم نعثر عليه في المقنع و هو موجود في الفقيه 4: 212.

(2) الشرائع 4: 26.

(3) المقنعة: 693.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 271

و المفيد إلى ذلك أيضاً.

المسألة السابعة: إذا اجتمعت الكلالتان كلالة الأُم و كلالة الأبوين

، فلكلالة الام السدس مع الوحدة، و الثلث مع التعدد، و الباقي لكلالة الأبوين إجماعاً إن كانت غير ذات فرض، بأن كانت ذكراً، أو ذكراً و أُنثى .

و الدليل عليه بعد الإجماع قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه المتقدم ذكره، و أنّ كلالة الأبوين بمنزلة قريبة إذا لم تكن ذات فرض دون كلالة الأُم لكونها ذات فرض؛ فإنّ الأخبار المصرّحة بأنّ كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به «1» مخصوصة بذي رحم (لم يكن) «2» له فريضة، إذ معها لا معنى للتنزيل، و قد صرّح بذلك الاختصاص في بعض تلك الأخبار أيضاً.

و على هذا فيلزم أن يكون تمام المال لكلالة الأبوين؛ لأنّه بمنزلة الأب و الأُم، و كلالة الام لا يرث معه، خرج السدس أو الثلث بالإجماع و النصّ، فيبقى الباقي.

و إن كانت كلالة [الأبوين «3»] ذات فرض فإن لم تزد التركة عن فرضها و فرض كلالة الام، كأُختين للأبوين و الإخوة و الأخوات للُام فلا إشكال.

و إن زادت التركة فيأخذ كل ذي فرض فرضه. و هل

يردّ الزائد على كلالة الأبوين خاصّة؟

أو يردّ عليهما على قدر نصيبهما، فيردّ أخماساً إذا كان أخ أو أُخت

______________________________

(1) الوسائل 26: 68 أبواب موجبات الإرث ب 2.

(2) ما بين القوسين ليس في «س».

(3) في النسخ: الأب، و الظاهر هو سهو.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 272

لأُم و أُختان فصاعداً للأبوين، أو كان إخوة أو أخوات لأُمّ و أُخت للأبوين؛ و أرباعاً إذا كان أخ أو أُخت للأُم و أُخت للأبوين؟

الأوّل هو المشهور بين الأصحاب، بل عليه عامّة المتأخرين، بل سوى الفضل و العماني كما في الكفاية «1»، و في السرائر «2» بل في كلام جماعة كما في المسالك «3» بل في كلام أكثر علمائنا كما في المختلف: الإجماع عليه «4»، و هو الحقّ.

و الثاني للفضل «5»، و العماني «6».

لنا: قول علي (عليه السّلام) في رواية العبدي التي شهد الفضل بصحتها كما مرّ: «و لا تزاد الإخوة من الام على الثلث» «7».

و قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه المتقدم «8».

و قول الصادق (عليه السّلام) في صحيحة محمّد بن مسلم و غيرها «9»، مشيراً إلى كلالة الأبوين و الأب «فهم الذي يزادون و ينقصون» الدال على الحصر.

______________________________

(1) الكفاية: 298.

(2) السرائر 3: 260.

(3) المسالك 2: 327.

(4) المختلف: 738.

(5) حكاه عنه في الكافي 7: 106.

(6) حكاه عنه في المختلف: 738.

(7) راجع ص: 263.

(8) في ص: 266.

(9) راجع ص: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 273

و يؤكد ذلك قول الكليني في باب بيان الفرائض: و الإخوة و الأخوات من الام لا يزادون على الثلث و لا ينقصون عن السدس، و الذكر و الأُنثى فيه سواء، و هذا كلّه مجمع عليه «1»، انتهى .

و قد يستدل على المطلوب: بأنّ كلالة الأبوين

يتقرب بسببين دون كلالة الأُم، فتكون وصلته أقوى، فهو أولى بالردّ «2».

و فيه نظر، إلّا أن يكون مراده أنّ التقرب بالسببين يوجب الأقربيّة عرفاً، فيمنع المتقرب بالسبب الواحد، خرج فرضه بالدليل، فيبقى الباقي تحت المنع، و له وجه.

و لم أعثر للمخالف على حجة سوى ما يتوهّم من التساوي في القرب و عدم أولوية البعض.

و فيه: أنّ عدم الأولوية ممنوع، فإنّ النّص يفيد أولوية البعض.

و يمكن أن يحتجّ له بما احتجّوا به على الردّ على البنتين و أحد الأبوين من رواية بكير المتقدّمة في مسألة ميراث أحد الأبوين و البنتين، و وجه الاستدلال و الجواب ما مرّ فيها «3».

المسألة الثامنة: إذا اجتمعت الكلالتان كلالة الأُم و كلالة الأب خاصّة

، فلكلالة الام السدس مع الوحدة، و الثلث مع التعدّد، و الباقي لكلالة الأب إجماعاً، إن كانت غير ذا فرضٍ؛ لمثل ما مرّ في كلالة الأبوين.

و إن كانت ذا فرضٍ فلا إشكال مع عدم زيادة التركة على الفرائض

______________________________

(1) الكافي 7: 74.

(2) انظر السرائر 3: 260، و المفاتيح 3: 326.

(3) راجع ص: 176 177، و لا يخفى أنه (رحمه اللَّه) لم يجب عن الاستدلال بتلك الرواية في مسألة اجتماع أحد الأبوين مع البنتين، فراجع.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 274

أيضاً، و معها فيأخذ كلّ ذي فرض فرضه. و الزائد يردّ على كلالة الأب خاصّة، وفاقاً للشيخين و الصدوق و القاضي و التقي و ابن حمزة و نجيب الدين «1» و الفاضل في بعض كتبه «2» و أكثر المتأخرين كما في المسالك و الكفاية «3»، لأعلى الكلالتين أرباعاً أو أخماساً كما اختاره الشيخ في المبسوط و الإسكافي و الفضل و العماني و ابن زهرة و الحلّي و المحقق و الكيدري و التحرير «4»، و لا يتردّد كظاهر القواعد

«5».

لنا: أنّ النقص يدخل على كلالة الأب فيلزم أن تكون الزيادة له.

أمّا دخول النقص عليها فلما يأتي.

و أمّا لزوم كون الزيادة لمن عليه النقصان فلحسنة ابن أُذينة: قال، قال زرارة: إذا أردت أن تلقي العول «6» فإنّما يدخل النقصان على الذين لهم الزيادة من الولد و الإخوة من الأب، و أمّا الزوج و الإخوة من الأُمّ فإنّهم لا ينقصون ممّا سمّي لهم شيئاً «7».

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 690، الطوسي في النهاية: 638، الصدوق في المقنع: 172، القاضي في المهذب 2: 135، 136، 138، التقي في الكافي في الفقه: 372، ابن حمزة في الوسيلة: 389، نجيب الدين في الجامع للشرائع: 513.

(2) كالمختلف: 738.

(3) المسالك 2: 327، الكفاية: 298.

(4) المبسوط 4: 73، نقله عن الإسكافي و العماني في المختلف: 738، و حكاه عن الفضل في المسالك 2: 327، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 607، الحلّي في السرائر 3: 260، المحقق في الشرائع 4: 27 و النافع: 269، و نقله عن الكيدري في الكفاية: 298، التحرير 2: 164.

(5) القواعد 2: 172.

(6) في «ق» و «س»: القول.

(7) الكافي 7: 82، 1، التهذيب 9: 250، 965، الوسائل 26: 76 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 275

وجه الدلالة: أنّها تدلّ على أنّ النقص منحصر بمن له الزيادة، فكلّ من يكون عليه النقصان يلزم أن تكون له الزيادة.

و اعترض عليه: بالنقص بالبنت مع الأبوين، فإنّ الزيادة للجميع مع أنّ النقصان ليس إلّا على البنت «1».

و أجاب في الكفاية: بأنّ الأبوين أيضاً يدخل النقص عليهما، لأنّ فريضتهما مختلفة «2».

و يرد عليه: أنّه إن أردت بدخول النقص بأن كان له فريضة أنقص من فريضة اخرى فليست

كلالة الأب كذلك، و إن أردت مطلق النقص فكلالة الام أيضاً كذلك، إذ يدخل عليهم النقص بدخول الجدّ و الجدّة للُام.

فالمراد بالنقص: اللازم عند تحقق العول كما تشعر به الحسنة أيضاً، و لا شكّ أنّ الأبوين لا يدخل عليهما هذا النقص.

و لنا أيضاً: موثقة محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السّلام): في ابن أُخت لأب و ابن أُخت لأُم قال: «لابن الأُخت للأُم السدس، و لابن الأُخت للأب الباقي» «3».

وجه الاستدلال: أنّه قد وقع التصريح في أخبار كثيرة بأنّ كلّ ذي رحم لم تكن له فريضة فهو بمنزلة قريبه، فتدلّ هذه الأخبار بعمومها أنّ ابن الأُخت للأب بمنزلة الاخت له، و قد بيّنا سابقاً و نبيّن بعد ذلك أيضاً أنّه بمنزلته في قدر الميراث، فيعلم بذلك أنّ قدر ميراث ابن الأُخت للأب هو

______________________________

(1) انظر المسالك 2: 328.

(2) الكفاية: 298.

(3) التهذيب 9: 322، 1157، الإستبصار 4: 168، 637، الوسائل 26: 162 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 5 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 276

قدر ميراث الأُخت، فيلزم من ذلك أن يكونا متساويين في الميراث، إذ لو كان لأحدهما ما ليس للآخر لم يكن هذا بمنزلته، فإذا كان لابن الأُخت للأب الذي هو بمنزلة الأُخت له الفرض و الردّ مع ابن الأُخت للأُم الذي بمنزلة الأُخت لها فيكون كذلك الأُخت له مع الأُخت لها.

و لنا أيضاً: رواية العبدي المتقدمة «1»، و الحصر المستفاد من الصحيحة و غيرها «2»، و قول أبي جعفر (عليه السّلام) في صحيحة يزيد الكناسي: «و أخوك لأبيك أولى بك من أخيك لأُمّك» «3» حيث دلّ على أولويّته منه في جميع المال، خرج المجمع عليه، فيبقى الباقي.

و المرسلة المرويّة في المجمع

و فيها: «و يصحّ اجتماع الكلالتين معاً، لتساوي قرابتهما، و إذا فضلت التركة يردّ الفاضل على كلالة الأب و الأُم، أو الأب، دون كلالة الام» «4».

احتجّ المخالف بما احتجّ به المخالف في المسألة السابقة. و الجواب الجواب.

المسألة التاسعة: إذا اجتمعت كلالة الأُم مع أحد الزوجين

، فللكلالة السدس أو الثلث، و لأحدهما النصف أو الربع، و الزائد يردّ على الكلالة دون أحدهما.

أمّا عدم الردّ على أحدهما فللإجماع، مضافاً إلى موثقة جميل عن

______________________________

(1) في ص: 265.

(2) راجع ص 261 و 262.

(3) الكافي 7: 76، 1، التهذيب 9: 268، 974، الوسائل 26: 171 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 7 ح 4.

(4) مجمع البيان 2: 18، الوسائل 26: 65 أبواب موجبات الإرث ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 277

أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): قال: «لا يكون الردّ على زوج و لا على زوجة» «1».

و أما الردّ عليها فلبطلان التعصيب.

المسألة العاشرة: إذا اجتمعت كلالة الأب أو الأبوين مع أحدهما

، فإن لم تكن الكلالة من ذوي الفروض و هذا إذا كانت الكلالة ذكراً أو ذكراً و أُنثى فلأحدهما النصيب الأعلى، و الباقي للكلالة.

أمّا الأوّل: فبالإجماع، و الآية «2»، و الأخبار «3».

و أمّا الثاني: فبالإجماع، و عموم روايات كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، و لا شكّ أنّ الباقي لأحد الأبوين بعد فريضة الزوجين.

و إن كانت من ذوي الفروض، فإن ساوى فرضها و فرض أحدهما التركة كأن يكون هناك أُخت و زوج فيأخذ كلّ فرضه.

و إن زادت التركة عن الفروض كأُخت أو أكثر و زوجة فالزائد بعد وضع الفروض للكلالة؛ لما مرّ، و للأحاديث المصرّحة بأنّ كلالة الأب و الأبوين هم الذين يزادون و ينقصون «4».

و إن نقصت التركة عنها كأُختين و زوج، فللزوج النصف نصيبه الأعلى، و الباقي للكلالة؛ للإجماع، و الأخبار الدالة على أنّهم هم الذين ينقصون، و خصوص حسنة ابن أُذينة المتقدمة «5».

و صحيحة محمد عن أبي جعفر (عليه السّلام)، و فيها: «و إنّ الزوج لا ينقص

______________________________

(1) التهذيب 9: 296، 1061، الإستبصار 4: 149،

563، الوسائل 26: 199 و 204 أبواب ميراث الأزواج ب 3 و 4 ح 8 و 10.

(2) النساء: 12.

(3) الوسائل 26: 195 أبواب ميراث الأزواج ب 1.

(4) راجع ص: 259 و 260.

(5) في ص: 272.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 278

من النصف شيئاً إذا لم يكن ولدٌ، و لا تنقص الزوجة من الربع شيئاً إذا لم يكن ولدٌ» «1».

و صحيحة محمد الآتية، و غير ذلك.

المسألة الحادية عشرة: إذا اجتمعت الكلالتان مع أحدهما

، فإن كانت كلالة الأب أو الأبوين غير ذات فرض بأن كانت ذكراً أو ذكراً و أُنثى كان الثلث أو السدس لكلالة الامّ، و النصف أو الربع لأحدهما، و الباقي لكلالة الأب أو الأبوين؛ لكونها بمنزلة أحد الأبوين، و هو يأخذ الباقي بعد إخراج الفروض، و لأنّهم يزادون و ينقصون.

و إن كانت ذات فرض، فإن نقصت التركة عن الفروض فيأخذ كلّ من كلالة الام و أحد الزوجين فريضته، و يدخل النقص على كلالة الأب أو الأبوين؛ لصحيحة محمّد المتقدم بعضها، و هي: إنّه قال، قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): امرأة تركت زوجها و إخوتها لُامّها و إخوتها و أخواتها لأبيها، فقال: «للزوج النصف ثلاثة أسهم، و للإخوة من الام الثلث الذكر و الأُنثى فيه سواء، و ما بقي فهو للإخوة و الأخوات من الأب للذكر مثل حظ الأُنثيين، لأنّ السهام لا تعول، و لا ينقص الزوج من النصف و لا الإخوة من الام من ثلثهم، لأنّ اللَّه تعالى يقول فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ و إن كانت واحدة فلها السدس، و الذي عنى اللَّه في قوله وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ

كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ إنما عنى بذلك الإخوة و الأخوات من الأُم خاصة، و قال في آخر سورة النساء:

______________________________

(1) الكافي 7: 82، 1، الوسائل 26: 195 أبواب ميراث الأزواج ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 279

يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ يعني أُختاً لأُم و أب أو أُختاً لأب فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ [فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ «1»] فهم الذين يزادون و ينقصون و كذلك أولادهم الذي يزادون و ينقصون. و لو أنّ امرأة تركت زوجها و إخوتها لُامها و أُختيها لأبيها كان للزوج النصف ثلاثة أسهم، و للإخوة من الام سهمان، و بقي سهم فهو للُاختين للأب، و إن كانت واحدة فهو لها، لأنّ الأُختين لو كانتا أخوين لأب لم يزادا على ما بقي و لو كانت واحدة أو كان مكان الواحدة أخ لم يزد على ما بقي، و لا تزاد أُنثى من الأخوات و لا من الولد على ما لو كان ذكراً لم يزد عليه» «2».

و إن زادت التركة عن الفروض فالزائد يردّ على كلالة الأب أو الأبوين دون كلالة الأُم أو أحد الزوجين؛ لما مرّ مفصلًا.

______________________________

(1) أثبتناه من الكافي.

(2) الرواية في الكافي 7: 103، 5، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) بلفظ قريب، و بنقيصة: و لا تزاد أُنثى إلى آخره، و أيضاً في الكافي 7: 101، 3 الرواية بالنص عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير

و محمد بن عيسى عن يونس جميعاً عن عمر بن أُذينة عن بكير بن أعين و في الفقيه 4: 202، 676 أورد بعضها، و أشار إلى ذلك و إلى غيره في الوسائل 26: 154، 155 أبواب ميراث الاخوة و الأجداد ب 3 ح 2، 3. و الرواية بسند آخر وردت في التهذيب 9: 292، 1047.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 280

البحث الثاني في ميراث الأجداد إذا لم يكن معهم إخوة
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى : لا يحجب الجدَّ عن الإرث أحد سوى الأبوين و الأولاد و أولاد الأولاد

؛ بالإجماع، و حديث الأقربية، و جزئيات الأخبار الواردة في مواردها، و كونه بمنزلة الأُم أو الأب.

و لا يرث معه أحد سوى الأخ و أولاده و الزوجين؛ لما مرّ.

المسألة الثانية: إذا انفرد الجد كان المال كله له

، لأب كان أو لُام، و كذا الجدة؛ للإجماع، و الأقربيّة.

و يدلُّ على الحكم في الجدة أيضاً رواية سالم بن أبي الجعد: إنّ عليّاً (عليه السّلام) أعطى الجدّة المال كلّه «1».

و في الجدّ في الجملة، صحيحة الحذاء عن أبي جعفر (عليه السّلام): قال: سئل عن ابن عم وجد، قال: «المال للجدّ» «2».

و قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه: «و من ترك عماً وجداً فالمال للجد» «3».

المسألة الثالثة: لو كان جدّاً أو جدة أو هما لُام، وجداً أو جدة أو هما لأب

______________________________

(1) الفقيه 4: 207، 703، التهذيب 9: 315، 1132، الإستبصار 4: 158، 599، الوسائل 26: 176 أبواب ميراث الأخوة و الأجداد ب 9 ح 1.

(2) الفقيه 4: 207، 700، التهذيب 9: 315، 1131، الوسائل 26: 181 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 12 ح 2.

(3) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 289، مستدرك الوسائل 17: 189 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 281

، كان لمن يتقرب منهم بالأُم الثلث و لمن يتقرب بالأب الثلثان، في الصور التسع، الحاصلة من ضرب ثلاث صور وجود المتقرب بالأُم- الجد أو الجدة أو هما في ثلاث صور وجود المتقرب [بالأب «1»].

إجماعاً في ثلاث صور منها، و هي: صور اجتماع الجدين للُام مع الجدين أو الجد أو الجدة للأب.

وفاقاً لعلي بن بابويه و النهاية و القاضي و الحلّي و ابن حمزة «2»، و عامة المتأخرين كما في المسالك «3» و غيره «4» في جميع الصور التسع، بل عن الخلاف الإجماع عليه «5».

و خلافاً للفضل و العماني في صورة اجتماع الجدتين، فجعلا للجدة للُام السدس و للجدّة للأب النصف، و ردّ الباقي عليهما بالنسبة «6».

و للصدوق في صورة اجتماع الجدّ للُام مع الجدّ للأب، فجعل السدس للجد

للأُم و الباقي للجد للأب «7».

و للتقي و ابن زهرة و الكيدري في غير الصور الإجماعية جميعاً، فجعلوا للمتقرب بالأُم السدس، و بالأب الباقي «8».

______________________________

(1) في جميع النسخ: بالأُم، و الصحيح ما أثبتناه.

(2) حكاه عن ابن بابويه في المختلف: 733، النهاية: 647، القاضي في المهذب 2: 142، 143، و جواهر الفقه: 166، الحلي في السرائر 3: 259، ابن حمزة في الوسيلة: 392.

(3) المسالك 2: 327.

(4) كما في الرياض 2: 356.

(5) الخلاف 4: 88.

(6) حكاه عن الفضل في الكافي 7: 116، حكاه عن العماني في المختلف: 733.

(7) الهداية: 84.

(8) التقي في الكافي في الفقه: 371، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 607، حكاه عن الكيدري في المختلف: 733.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 282

لنا على الحكم في صورة اجتماع الجد للأب و الجد للُام: قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه: «فإن ترك جدّاً من قبل الأب وجداً من قبل الام فللجد من قبل الام الثلث، و للجد من قبل الأب الثلثان» «1».

و في صورة اجتماع جد الأب مع جدة الأُم (و جدة الأب مع جدة الأُم) «2» موثقة محمد بن مسلم: «إذا لم يترك الميت إلّا جده أبا أبيه وجدته أُم امّه فإنّ للجدة الثلث، و للجد الباقي» قال: «و إذا ترك جده من قبل أبيه وجد أبيه و جدّته من قبل امّه و جدة امّه كان للجدة من الام الثلث و سقطت جدّة الأُم، و الباقي للجدّ من قبل الأب و سقط جدّ الأب» «3».

و في صورة اجتماع الجدود الأربعة: قول الرضا (عليه السّلام): «فإن ترك جدّين من قبل الام و جدّين من قبل الأب فللجدّ و الجدّة من قبل الام الثلث بينهما بالسوية،

و ما بقي فللجدّ و الجدّة من قبل الأب للذّكر مثل حظّ الأُنثيين» «4».

و في جميع الصور: الأخبار المصرحة بأنّ لكل قريب أو كل من ليس له فريضة نصيب من يتقرب به، كصحيحتي سليمان بن خالد و الخزاز المتقدمتين في مسألة ميراث أولاد الأولاد «5»، و مرسلة يونس عن

______________________________

(1) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 290، مستدرك الوسائل 17: 183 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 8 ح 2.

(2) الظاهر أنّ ما بين القوسين زائد، و لكنّه موجود في جميع النسخ.

(3) التهذيب 9: 313، 1124، الإستبصار 4: 165، 625، الوسائل 26: 176 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 9 ح 2.

(4) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 290، مستدرك الوسائل 17: 183 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 8 ح 2.

(5) راجع ص: 189.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 283

أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): قال: «إذا التفّت القرابات فالسابق أحقّ بميراث قريبه، فإن استوت قام كلّ واحد منهم مقام قريبه» «1».

و لا ريب أنّ الجد و الجدة من الام يتقرب بالأُم، فيكون لهما نصيبها، و هو الثلث.

لا يقال: إنّ هذه الأخبار إنّما تدلّ على أنّ لكلّ واحد من ذوي الأرحام نصيب من يتقرّب به، و يلزم منه ثبوت الثلث لكلّ واحد من الجدّ و الجدّة للُام لا الثلث لهما معاً، فلا يتمّ الاستدلال بها على ثبوت الثلث في صورة اجتماعهما، نعم يتمّ الاستدلال في صورة الانفراد.

لأنّا نقول: إنّ المراد أنّ كلّ نوع بمنزلة من يتقرّب به لا كلّ شخص، لفهم العلماء، و الإجماع على عدم إرادته، بل عدم صحّة إرادته، إذ قد يجتمع مائة من كلالة الام مع مثلهم من كلالة الأب أو أقلّ، و إعطاء

كلّ منهم نصيب من يتقرّب به محال.

ثمّ إنّه اعترض على الاستدلال بهذه الأخبار: بأنّه كما أنّ الثلث نصيبها فكذلك السدس، فترجيح الأوّل على الثاني يحتاج إلى مرجّح «2».

و أجيب بمنع كون السدس نصيبها الأصلي بل هو الثلث، و إنما السدس نصبها بالحاجب، و اللازم ثبوت النصيب الأصلي الذي هو الثلث «3».

و فيه: منع كون الثلث نصيبها الأصلي، بل لها نصيبان أصليّان أحدهما الثلث، و هو عند عدم الإخوة، و الآخر السدس، و هو عند وجودهم، و على

______________________________

(1) الكافي 7: 77، 3، التهذيب 9: 269، 978، الإستبصار 4: 170، 641، الوسائل 26: 69 أبواب موجبات الإرث ب 2 ح 3.

(2) الرياض 2: 356.

(3) الرياض 2: 356.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 284

التسليم فترجيح الأصلي يحتاج إلى دليل.

فالصواب أن يجاب: بأنّ للأُم نصيبين، أحدهما عند وجود الإخوة الحاجبة، و الآخر عند عدمهم، فليكن الجدّ أو الجدّة المتقرّب بها أيضاً كذلك؛ و لكن الإخوة الحاجبة مع الجدّ أو الجدّة مفقودة، لأنّ لحجب الإخوة شروطاً منصوصة، منها حياة الأب، حيث نصّ بأنّ حجبهم إذا كان الأب حيّاً، و الأب هاهنا ليس بحيٍّ، فالشرط مفقود، فيرث نصيبها عند عدم الإخوة الحاجبة.

فإن قيل: الجدّ أو الجدّة للأب يكون حينئذ بمنزلة الأب، فتكون الإخوة حاجبة.

قلنا: الثابت إنّما هو كون الجدّ أو الجدّة للأب بمنزلته في قدر الميراث، و أمّا في كلّ حكم حتّى في ذلك فهو ليس بمعلوم، فيكون وجود شرط الحجب مشكوكاً فيه فكذلك المشروط. و أيضاً: عموم مفهوم الشرط في قوله: «إذا كان الأب حيّاً» يقتضي عدم الحجب للأُم إذا لم يكن حيّاً، و حينئذ ليس بحيّ، و قيام الجدّ مقامه غير ثابت، فيكون لها الثلث فكذلك لمن يتقرّب

بها.

فإن قيل: كون الجدّ بمنزلة الأب في قدر الميراث كافٍ في إثبات المطلوب؛ لأنّ ميراثه مع الإخوة ما عدا السدس فكذلك الجد، و يتبعه كون السدس للمتقرّب بالام.

قلنا: ميراثه مع الإخوة الحاجبة السدس، و حجب الإخوة هنا غير معلوم، إلّا بتنزيله الجدّ الأبي منزلة الأب في هذا الحكم أيضاً.

و لم أعثر للمخالف على حجة واضحة.

نعم قد يتوهّم أنّ رواية محمد بن حمران عن زرارة: قال: أراني

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 285

أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) صحيفة الفرائض فإذا فيها: «لا ينقص الجد من السدس شيئاً» و رأيت سهم الجدّ فيها مثبتاً «1». ممّا يمكن أن يستدلّ بها على مذهب التقيّ و موافقيه.

وجه الاستدلال: أنّ المراد بالجدّ ليس الجدّ للأب، لأنّه إذا كان مع إخوة كان كأحدهم فيمكن أن ينقص من السدس كثيراً، و أُلحقت به الجدّة، لأنّ نصيب الانثى لا يكون أزيد من الذكر إذا كانت مقامه.

و هو ضعيف: أمّا أولًا، فلعدم دلالتها على مطلوبهم أصلًا، لأنّه لا ينفي الزيادة عن السدس. نعم يستفاد منه كونه نصيبه في بعض الأحيان، و هو كذلك، فإنّه إذا اجتمع مع الجدّة للأُم فلهما الثلث بالسويّة لكلّ منهما السدس، أ لا ترى الأخبار المتكثّرة الناصّة على أنّ نصيب الأبوين لا ينقص من السدس أبداً و نصيب الزوجين من الربع و الثمن كذلك، مع أنّه يزيد عليها أيضاً.

و أمّا ثانياً، فلأنّ حمل الجدّ على الأُمّي لكون الأبي كأحد الإخوة إنّما يصحّ إذا لم يكن من مذهب المستدلّ أنّ الأُمي أيضاً كأحد الإخوة من الام، مع أنّه يقول بذلك.

و قد ينتصر لهم أيضاً بالأخبار المنزِّلة للأجداد منزلة الإخوة، و الأخ الواحد من الام نصيبه السدس، فليكن كذلك الجدّ المنزَّل

منزلته، عملًا بعموم المنزلة.

و فيه أولًا: أنّ الثابت من تلك الأخبار كون الجدّ بمنزلة واحد من الإخوة إذا اجتمع معهم لا مطلقاً، و لا دلالة في شي ء منها على الإطلاق. و بذلك

______________________________

(1) التهذيب 9: 306، 1095، الإستبصار 4: 158، 597، الوسائل 26: 170 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 6 ح 21.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 286

صرّح الصدوق في الفقيه في جملة كلامه في الردّ على الفضل فيما قال به من أنّ الجدّ بمنزلة الأخ أبداً يرث حيث يرث و يسقط حيث يسقط ما لفظه: فكيف يكون الجدّ بمنزلة الأخ أبداً و كيف يرث حيث يرث و يسقط حيث يسقط؟ بل الجدّ مع الإخوة بمنزلة واحد منهم، فأمّا أن يكون أبداً بمنزلتهم يرث حيث يرث و يسقط حيث يسقط الأخ فلا «1»، انتهى .

و ثانياً: أنّا لو سلّمنا عدم التقييد، فعموم المنزلة ممنوع، لأنّ التنزيل لو أفاد العموم فإنّما يفيد لو لم يبيّن وجه كونه بمنزلته، و جميع الأخبار المنزِّلة مبيّنة لوجه المنزلة أيضاً، فلا يثبت العموم.

ثمّ إنّ الثلث الذي يحوزه المتقرّب بالأُم ينقسم بين الجدّ و الجدّة للُام حين اجتماعهما بالسويّة، و الثلثين الذين يحوزها المتقرّب بالأب ينقسم بين الجدّ و الجدّة للذّكر مثل حظّ الأُنثيين مع اجتماعهما، بالإجماع فيهما، و قال في الكفاية: و لا أعرف في الحكمين خلافاً «2».

و تدلّ عليهما المرسلة المرويّة في المجمع المتقدّمة «3» و الرضوي المتقدّم «4» المنجبران بعمل الأصحاب؛ مع كون الحكم في المتقرّب بالأب موافقاً للأصل الثابت بالأحاديث المستفيضة من الصحاح و غيرها، من تفضيل الذكر على الأُنثى ؛ مضافاً إلى الإجماع المحقّق في الحكمين.

و أمّا الاستدلال بالتسوية في المتقرّب بالأُم بأنّه مقتضى الشركة حيث

______________________________

(1) الفقيه

4: 208.

(2) الكفاية: 298.

(3) في ص: 262.

(4) في ص: 280.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 287

أُطلقت، فضعيف كما مرّ «1».

المسألة الرابعة: إذا اجتمع الجدّ و الجدّة من الأب أو من الام

كان المال لهما، و يقتسمان الأوّلان للذّكر ضعف الأُنثى ، و الثانيان سويّة، و الدليل في الكلّ يظهر ممّا مرّ.

المسألة الخامسة: إذا اجتمع أحد الزوجين مع الجدّ أو الجدّة أو هما من قبل الأُم أو من قبل الأب

، كان لأحد الزوجين نصيبه الأعلى من النصف أو الربع، و الباقي للباقي واحداً كان أو متعدّداً.

و يدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع كون الجدود بمنزلة الأب أو الأُم، و لكلّ منهما الباقي بعد نصيب أحد الزوجين.

و تدلّ عليه أيضاً في الجملة رواية أبي بصير: عن زوج و جدّ، قال: «يجعل المال بينهما نصفين» «2».

و إذا اجتمع أحدهما مع الجدّ أو الجدّة أو هما من قبل الأب، و الجدّ أو الجدّة أو هما من قبل الام، كان لأحدهما نصيبه الأعلى و للمتقرّب بالأُم الثلث واحداً كان أو متعدّداً، و الباقي للمتقرّب بالأب.

و الدليل عليه بعد الإجماع أنّ المتقرّب بالأُم بمنزلة الأُم و بالأب بمنزلة الأب، و هكذا حكمهما إذا اجتمعا مع أحد الزوجين.

______________________________

(1) راجع ص: 263 و 264.

(2) التهذيب 9: 315، 1129، الوسائل 26: 180 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 11 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 288

البحث الثالث في ميراث الإخوة و الأجداد إذا اجتمعوا
اشاره

اعلم أولًا أنّ الجدودة المجتمعة مع الكلالة إمّا يكون المتقرّب بالأُم أو الأب أو يجتمع المتقرّبان، ثمّ الكلالة إمّا تكون كلالة الأُم أو الأب أو تجتمع الكلالتان، ثمّ كلّ من الكلالات إمّا يكون واحداً أو متعدّداً، ذكراً أو أُنثى، أو ذكوراً و إناثاً، و بملاحظة هذه الأقسام تحصل صور غير محصورة تتجاوز عن المائة.

و نحن نبيّن أحكام الجميع في تسع مسائل، و نتبعها بمسألة في حكم دخول أحد الزوجين مع الجدودة و الكلالة، فتلك عشرة كاملة.

المسألة الأُولى : إذا اجتمع الجدّ أو الجدّة أو هما من قبل الام مع كلالتها

، واحدة كانت أو متعدّدة، ذكراً أم أُنثى أم ذكراً و أُنثى ، فالمال كلّه لهم بالسويّة، بمعنى أنّ الجدّ أو الجدّة بمنزلة واحد من الكلالة.

أمّا كون المال كلّه لهم فوجهه ظاهر.

و أمّا الانقسام بالسويّة فللإجماع المحقّق، و مرسلة المجمع المتقدّمة «1».

و موثقة أبي بصير: في ستّة إخوة و جدّ، قال: «للجدّ السبع» «2».

و صحيحته: رجل مات و ترك ستّة إخوة و جدّاً، قال: «هو كأحدهم» «3».

______________________________

(1) في ص: 262.

(2) الكافي 7: 110، 5، الفقيه 4: 207، 698، التهذيب 9: 304، 1084، الإستبصار 4: 156، 586، الوسائل 26: 168 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 6 ح 15.

(3) الفقيه 4: 207، 697، الوسائل 26: 165 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 6 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 289

و روايته: في رجل ترك خمسة إخوة و جدّاً، قال: «هي من ستّة، لكلّ واحد منهم سهم» «1».

و غيرها من الأخبار الواردة بهذا المضمون «2».

و تلك الأخبار بإطلاقها تُثبت حكم الجدّ مع الإخوة فقط.

و أمّا صحيحة ابن سنان: عن رجل ترك أخاه لأُمّه لم يترك وارثاً غيره، قال: «المال له» قلت: فإن كان مع الأخ للأُم جدّ، قال: «يعطى الأخ

للأُم السدس، و يعطى الجدّ الباقي» الحديث «3».

فمحمولة على الجدّ للأب، لمكان الإجماع.

المسألة الثانية: إذا اجتمع الجدّ أو الجدّة من قبلها مع كلالة الأب

، فإن كانت الكلالة ممّن يرث بالقرابة دون الفريضة كالذكر أو الذكر و الأُنثى، فالثلث للجدّ أو الجدّة أو هما بالسويّة، و الثلثان للكلالة، للذّكر ضعف الأُنثى .

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 19    289     المسألة الثانية: إذا اجتمع الجد أو الجدة من قبلها مع كلالة الأب ..... ص : 289

ّا كون الثلث للجدّ أو الجدّة، و الثلثان للكلالة، فللأصل الثابت بالمستفيضة من الأخبار من أنّ لكلّ قريب ليس له فريضة نصيب من يتقرّب به. و أمّا تقسيم الجدّ و الجدّة سويّة فلما مرّ. و أمّا تقسيم الكلالة على التفاوت فللآية «4»، و تفضيل الذكر على الأُنثى ، و الروايات المتقدّمة.

______________________________

(1) الكافي 7: 110، 6، التهذيب 9: 304، 1085، الإستبصار 4: 156، 587، الوسائل 26: 168 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 6 ح 16.

(2) كما في الوسائل 26: 164 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 6.

(3) الكافي 7: 111، 1، الفقيه 4: 206، 688، التهذيب 9: 307، 1096، الإستبصار 4: 159، 600، الوسائل 26: 172 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 8 ح 1.

(4) النساء: 176.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 290

و أمّا الأخبار الآتية الدالّة بإطلاقها على أنّ مطلق الجدّ كواحد من الإخوة للأب «1»، فمحمولة على الجدّ للأب.

و الأخبار الدالّة على أنّ مطلقه كواحد من الإخوة مطلقاً «2»، فمحمولة على أنّ الجدّ للأب كواحد من الإخوة له، و الجدّ للُام كواحد من الإخوة لها.

و الدليل على هذا الحمل هو الإجماع، فإنّه لا خلاف في أنّ الجدّ للُام ليس كالأخ للأب و بالعكس. و يؤيّده تفسير الجدّ في بعضها

بالجدّ للأب «3».

و إن كانت الكلالة ممّن له فريضة، و هو إذا كانت أُنثى، فإن كانت أكثر من واحد فللجدّ أو الجدّة أو هما نصيب من يتقرّبان به، و للكلالة فريضتها «4»، فيكون للجدّ أو الجدّة الثلث أيضاً و للكلالة الثلثان. و الدليل على إعطائه الثلث ما مرّ. و على إعطائها الثلثين كونهما فريضتها «5» بالآية.

و إن كانت واحدة فللجدّ أو الجدّة الثلث أيضاً، لأنّه نصيب من يتقرّبان به، و للكلالة النصف لأنّه فريضتها، بقي السدس فيردّ عليها، وفاقاً للنهاية و القاضي و نجيب الدين بن نما و الدروس و النكت و ظاهر الإيضاح «6». لا عليهما بنسبة سهامهما، فيردّ عليهما أخماساً كما نقل عن ابن زهرة

______________________________

(1) انظر ص: 297.

(2) انظر ص: 297.

(3) الوسائل 26: 164 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 6.

(4) في «س» و «ق»: فريضتهما.

(5) في «س»: كونهما فريضتهما.

(6) النهاية: 638، القاضي في المهذّب 2: 136، و حكاه عن نجيب الدين في الرياض 2: 357، الدروس 2: 369، الإيضاح 4: 220.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 291

و الكيدري «1». و لا يستشكل كالقواعد و التحرير في الأُخت للأب خاصّة دون الاخت للأبوين «2».

لنا: رواية بكير بن أعين: «أصل الفرائض عن ستّة أسهم لا تزيد على ذلك و لا تعول عليها، ثمّ المال بعد ذلك لأهل السهام الذين ذكروا في الكتاب» «3».

و الأُخت من أهل السهام المذكورة فيه دون الجد.

و قول أبي جعفر (عليه السّلام) في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة «4»، مشيراً إلى كلالة الأب: «فهم الذين يزادون و ينقصون» فيدلّ بمفهوم الحصر على أنّ غيرهم ممّن يجتمع معهم لا يزاد و لا ينقص مطلقاً، سواء كان الجدّ أو الجدّة للأُم

أو كلالتهما.

و الإشارة و إن كانت صالحة لكونها راجعة إلى الإخوة من الأب رجالًا و نساءً فكان الحكم مختصّاً بهم دون الأخت للأب، بل رجوعها إليهم أولى من الرجوع إلى الجميع كما بيّن في محله.

إلّا أنّ تصريح غيرها من الأخبار بحصول الزيادة و النقصان للأخوات المتقرّبات بالأب أو الأبوين قرينة على رجوعها إلى الجميع، كحسنة ابن أُذينة: قال، قال زرارة: إذا أردت أن تلقي العول فإنّما يدخل النقصان على الذين لهم الزيادة من الولد و الإخوة من الأب «5» الحديث.

______________________________

(1) ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 607، حكاه عن الكيدري في الرياض 2: 357.

(2) القواعد 2: 173، التحرير 2: 165.

(3) الكافي 7: 81، 7، الوسائل 26: 73 أبواب موجبات الإرث ب 6 ح 8.

(4) في ص: 276.

(5) الكافي 7: 82، 1، التهذيب 9: 250، 965، الوسائل 26: 76 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 292

و رواية عبد اللَّه بن عتبة «1»، عن ابن عبّاس، و فيها: «و الأخوات لها النصف و الثلثان، فإن أزالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لها إلّا ما بقي، فتلك التي أخّر» «2».

و رواية موسى بن بكر: قال، قلت لزرارة: إنّ بكيراً حدّثني عن أبي جعفر (عليه السّلام): «إنّ الإخوة للأب و الأخوات للأب و الأُم يزادون و ينقصون» إلى أن قال: فقال زرارة: و هذا قائم عند أصحابنا لا يختلفون فيه «3».

و صحيحة بكير بن أعين: قال: جاء رجل إلى أبي جعفر (عليه السّلام) يسأله عن امرأة تركت زوجها و إخوتها لُامّها و أُختها لأبيها، فقال: «للزوج النصف ثلاثة أسهم و للإخوة من الام الثلث سهمان، و للأُخت من الأب السدس سهم» «4».

و

تعضده صحيحة محمّد بن مسلم: قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن ابن أُخت لأب و ابن أُخت لأُم، قال: «لابن الأُخت من الام السدس، و لابن الأُخت من الأب الباقي» «5».

فجعل الزيادة لمن هو بمنزلة الأُخت من الأب فكذلك الأُخت نفسها.

بقي هاهنا شي ء و هو أنّه قد يتوهّم أنّ كلّاً من الزيادة و النقصان لكونه

______________________________

(1) في المصادر: عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة.

(2) الكافي 7: 79، 3، الفقيه 4: 187، 656، التهذيب 9: 248، 963، العلل: 568، 4، الوسائل 26: 78 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 6.

(3) الكافي 7: 104، 7، التهذيب 9: 319، 1148، الوسائل 26: 152 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 2 ح 2.

(4) الكافي 7: 102، 4، الفقيه 4: 202، 677، التهذيب 9: 291، 1046، الوسائل 26: 155 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 3 ح 3.

(5) التهذيب 9: 322، 1157، الإستبصار 4: 168، 637، الوسائل 26: 162 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 5 ح 11، و قد ذكرها أيضاً في ص 273 بعنوان الموثقة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 293

أمراً نسبيّاً لا بدّ له من حدّ ينتسب إليه، و لا شي ء هنا يصلح لذلك إلّا الفريضة، فيكون المعنى : فهم الذين قد يزادون من فروضهم و قد ينقصون، دون غيرهم؛ و لا بدّ من تخصيص الغير بذوي الفروض أيضاً حتّى يتصوّر في حقّهم الزيادة و النقصان فيصح نفيهما، و السلب مع انتفاء الموضوع و إن كان جائزاً إلّا أنّه مجاز. و على هذا فلا يثبت عدم الردّ على الجدّ و الجدّة بذلك، لعدم كونهما من ذوي الفروض حتى يشملهما عموم مفهوم الحصر.

و هذا توهّم فاسد؛ لأنّ

قوله (عليه السّلام): «فهم» إشارة إلى الإخوة من الأبوين أو الأب أيضاً قطعاً، مع أنّهم ليسوا من ذوي الفروض، فمعنى قوله (عليه السّلام): «هم الذين يزادون و ينقصون» أنهم هم الذين ليس لميراثهم حدّ خاصّ يقف لديه كالثلث أو السدس أو غيرهما، بل يزاد مرة على مرة و ينقص مرّة عنها، أي يحصل في ميراثه الزيادة و النقصان، فتارة يكون لهم تمام المال، و أُخرى نصفه، و أُخرى ثلثه، و أُخرى سدسه، و هكذا، بخلاف غيرهم من الذين في مرتبتهم، فإنّ لميراثهم حدّا خاصّاً، لا يزاد عليه و لا ينقص منه، فالجدّ لا بدّ أن يكون كذلك، أي يكون له حدّ خاصّ لا يزاد عليه و لا ينقص منه، و قد ثبت الثلث له في بعض الصور فيكون كذلك هاهنا أيضاً.

و مما يمكن أن يستدل به على أصل المطلوب أيضاً: قول عليّ (عليه السّلام) في صحيحة سليمان بن خالد: «إذا كان وارث ممّن له فريضة فهو أحقّ بالمال» «1».

______________________________

(1) الكافي 7: 77، 2، التهذيب 9: 269، 977، الوسائل 26: 68 أبواب موجبات الإرث ب 2 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 294

دلّت على أنّ الأُخت للأب أو الأبوين التي لها الفريضة أحقّ بجميع المال، خرج الثلث بالدليل فيبقى الباقي.

و احتجّ في الإيضاح «1» على المطلوب برواية محمد بن مسلم.

و يمكن أن يكون مراده منها الصحيحة الأُولى التي فيها قوله: «فهم الذين يزادون و ينقصون» «2».

و أن يكون مراده الأخيرة التي وردت في ميراث ابن الأُخت للأُم و ابن الاخت للأب، حيث جعل لابن الأُخت للأب الذي هو بمنزلة الأُخت النصف و الردّ، مع ابن الأُخت للأُم الذي هو المتقرّب بالأُم كالجدّ.

و في تماميتها

نظر واضح.

و احتجّ المخالف بتساويهما في درجة اولي الأرحام التي هي سبب في الردّ، و عدم أولويّة أحدهما، فيتساويان في مطلق الردّ، لكن على نسبة النصيبين.

و فيه: منع عدم الأولويّة، و لو سلّم فإيجابه للردّ عليهما ممنوع، كما مرّ نظيره «3».

و أمّا الاستشكال في الأُخت للأب خاصّة دون الأُخت للأبوين، فيمكن أن يكون لأجل تقرّب الأخيرة بسببين فيكون أكثر تقرّباً و أشدّ سبباً من الجدّ أو الجدّة للُام، فتحصل لها أولويّة بخلاف الاولى .

و فيه ما فيه.

المسألة الثالثة: إذا اجتمع الجدّ أو الجدّة أو هما من قبلها مع الكلالتين

،______________________________

(1) الإيضاح 4: 221.

(2) راجع ص: 276 و 277.

(3) راجع ص: 253.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 295

فللجدّ أو الجدّة أو هما مع كلالة الأُم الثلث للذّكر مثل الأُنثى ، و لكلالة الأب الثلثان للذّكر ضعف الأُنثى .

أمّا تقسيم أقرباء الأُم نصيبهم سويّة و أقرباء الأب بالتفاوت فلما مرّ.

و أمّا التقسيم أثلاثاً فللإجماع، و كون كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم التي يجره إليه، و قد عرفت أنّ المراد أنّ كلّ نوع من ذوي الأرحام كذلك، فنوع أقرباء الأُم يأخذون نصيبها، و نوع أقرباء الأب نصيبه.

فإن قيل: المراد من قوله: «كلّ ذي رحم» كلّ نوع لم تكن له فريضة خاصّة، و إلّا فيأخذ فريضته، و كلالة الأُمّ في مسألتنا من ذوي الفروض، فليست المسألة داخلة في عموم قوله: «كلّ ذي رحم».

قلنا: النوع في المسألة هو كلالة الأُمّ مع الجدودة من قبلها، لا الكلالة منفردة، و ليست للجميع فريضة، و كون البعض ذا فرضٍ لا يوجب كون الجميع كذلك.

فإن قيل: يلزم أن يكون نصيب المركب من ذوي الفروض و غيره مساوياً لنصيب ذي الفرض وحده.

قلنا: لا استبعاد فيه، بل قد يصير أقلّ، كما في بنت و أخ «1»؛ و سببه انتفاء الفريضة

حينئذ و كون التوريث بالقرابة، فيمكن أن يكون توريث كلالة الأُم بدون الجدودة بالفرض و معهم بالقرابة.

فإن قيل: الخروج عن الفرض بعد ثبوته إلى القرابة يحتاج إلى دليل.

قلنا: الدليل بعد الإجماع عموم قوله: «كلّ ذي رحم».

فإن قيل: هذا العموم معارض بإطلاق قوله تعالى وَ لَهُ أَخٌ أَوْ

______________________________

(1) كذا في النسخ، و الظاهر هو سهو، لأنهما ليسا في طبقة واحدة، فلا يرث الأخ مع وجود البنت.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 296

أُخْتٌ «1» و قوله فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ «2» و ليس لتقييد هذا مرجّح على تخصيص ذلك.

قلنا: الإجماع يرجّحه.

فإن قيل: روى ابن أُذينة في الحسن، عن زرارة أنه قال: «إذا أردت أن تلقي العول فإنّما يدخل النقصان على الذين لهم الزيادة من الولد و الإخوة من الأب، و أمّا الزوج و الإخوة من الأُم فإنّهم لا ينقصون ممّا سمّي لهم شيئاً» «3».

و روى محمّد بن مسلم في الصحيح، عن أبي جعفر (عليه السّلام): أنّه قال، قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): امرأة ماتت و تركت زوجها و إخوتها لُامّها و إخوتها و أخواتها لأبيها فقال: «للزوج النصف ثلاثة أسهم، و للإخوة من الام الثلث، الذكر و الأُنثى فيه سواء، و ما بقي فهو للإخوة و الأخوات من الأب، للذّكر مثل حظّ الأُنثيين، لأنّ السهام لا تعول، و لا ينقص الزوج من النصف و لا الإخوة من الامّ من ثلثهم» الحديث «4».

و جَعْل الثلث للجدودة و الكلالة للُام معاً يوجب حصول النقص على الكلالة من الثلث.

قلنا أوّلًا: إنّه خرج صورة المسألة عن عموم الحديثين بالإجماع.

و ثانياً: إنّه لا عموم في الرواية الأُولى بحيث كان شاملًا لما نحن فيه أصلًا، لأنّه قال: «إذا أردت أن

تلقي العول فلا تنقص الإخوة من الام»

______________________________

(1) النساء: 12.

(2) النساء: 12

(3) الكافي 7: 82، 1، التهذيب 9: 250، 965، الوسائل 26: 76 أبواب موجبات الإرث ب 7 ح 1.

(4) الكافي 7: 103، 5، التهذيب 9: 292، 1047، الوسائل 26: 155 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 3 ذيل الحديث 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 297

و نحن نقول به، و لا عول هاهنا. و أمّا الثانية و إن كان ظاهرها العموم إلّا أنّها مختصة بصورة العول بقرينة المقام، و يشهد لذلك قوله: «و لا ينقص الزوج من النصف» فإنّه ينقص عنه مع وجود الولد قطعاً، و المراد أنّه لا ينقص بسبب العول.

المسألة الرابعة: إذا اجتمع الجدّ أو الجدّة أو هما للأب مع كلالة الأُم

، كان الثلث للكلالة، يقتسمونه بالسويّة إن كانوا أكثر من واحدة، و السدس إن كانت واحدة، و الباقي للجدّ أو الجدّة أو هما، للذّكر ضعف الأُنثى .

و الدليل: أمّا على كون الثلث للكلالة مع التعدّد و الثلثين لقرابة الأب جدّاً كانت أو جدّة أو هما فالإجماع، و كون الثلث ما يورثه الكلالة بالفرض للآية، و الثلثين ما يورثه قرابة الأب بالقرابة لأخبار المنزلة «1».

و يدلّ على هذا التقسيم إن كانت القرابة جدّاً مضافاً إلى ما ذكر، الروايات المستفيضة، كموثقة الحلبي: «للإخوة من الام الثلث مع الجدّ، و هو شريك الإخوة من الأب» «2».

و صحيحة الحلبي: في الإخوة من الام مع الجدّ، قال: «للإخوة من الام فريضتهم الثلث مع الجدّ» «3».

______________________________

(1) إنّما خصصنا التوريث بالمنزلة بالقرابة دون الكلالة، لاختصاصه بمن لم يستحق له فريضة. (منه (رحمه اللَّه)).

(2) الفقيه 4: 205، 687، الوسائل 26: 175 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 8 ح 9.

(3) الكافي 7: 112، 7، التهذيب 9: 308، 1102، الإستبصار 4: 160،

606، الوسائل 26: 173 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 8 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 298

و مثلها روايتا الشحّام «1»، و الكناني «2».

و رواية أبي الربيع: «في كتاب عليّ صلوات اللَّه عليه: إنّ الإخوة من الام يرثون مع الجد الثلث» «3».

و صحيحة الحلبي: في الإخوة من الام مع الجدّ، قال: «للإخوة من الام مع الجدّ نصيبهم الثلث مع الجدّ» «4».

و موثقة أبي بصير: «اعطي الأخوات من الام فريضتهنّ مع الجدّ» «5».

و أمّا على كون السدس للكلالة مع الوحدة و الباقي للقرابة جدّاً كانت أو جدّة أو هما: الإجماع، و كون قرابة الأب بمنزلة الأب فيرث الجميع مع عدم الولد، خرج السدس بالآية، فيبقى الباقي.

و يدلّ على هذا التقسيم إن كانت القرابة جدّاً مضافاً إلى ما ذكر صحيحة ابن سنان المتقدّمة في المسألة الاولى «6».

المسألة الخامسة: إذا اجتمع الجدّ أو الجدّة أو هما للأب مع كلالته

كان الجدّ بمنزلة الأخ و الجدّة بمنزلة الأُخت يقتسمون المال للذّكر مثل حظّ

______________________________

(1) الكافي 7: 112، 6، التهذيب 9: 308، 1101، الإستبصار 4: 160، 605، الوسائل 26: 174 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 8 ح 7.

(2) الكافي 7: 111، 2، الفقيه 4: 206، 689، التهذيب 9: 307، 1097، الإستبصار 4: 159، 601، الوسائل 26: 172 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 8 ح 2.

(3) الفقيه 4: 206، 690، الوسائل 26: 175 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 8 ح 10.

(4) الكافي 7: 112، 5، التهذيب 9: 308، 1100، الإستبصار 4: 160، 604، الوسائل 26: 173 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 8 ح 3.

(5) الكافي 7: 111، 4، التهذيب 9: 307، 1099، الإستبصار 4: 159، 603، الوسائل 26: 174 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 8

ح 6.

(6) في ص: 287.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 299

الأُنثيين.

و الدليل على ذلك بعد الإجماع: حسنة الفضلاء: «إنّ الجدّ مع الإخوة من الأب يصير مثل واحد من الإخوة ما بلغوا» قال، قلت: رجل ترك أخاه لأبيه و أُمّه و جدّه، أو قلت: ترك جدّة و أخاه لأبيه أو أخاه لأبيه و أُمّه، قال: «المال بينهما، فإن كانا أخوين أو مائة ألف فله مثل نصيب واحد من الإخوة» قال، قلت: رجل ترك جدّه و أُخته، فقال: «للذّكر مثل حظّ الأُنثيين، و إن كانتا أُختين فالنصف للجدّ و النصف الآخر للأُختين، و إن كنّ أكثر من ذلك فعلى هذا الحساب، و إن ترك إخوة و أخوات لأب و أُم أو لأب و جدّاً فالجدّ أحد الإخوة، المال بينهم للذّكر مثل حظّ الأُنثيين» «1».

و صحيحة زرارة: عن رجل ترك أخاه لأبيه و أُمّه و جدّه، قال: «المال بينهما، و لو كانا أخوين أو مائة كان الجدّ معهم كواحد منهم، للجدّ ما يصيب واحداً من الإخوة» قال: «و إن ترك أُخته فللجدّ سهمان، و للأُخت سهم، و إن كانتا اختين فللجدّ النصف و للأُختين النصف» قال: «و إن ترك إخوة و أخوات من أب و أُمّ كان الجدّ كواحد من الإخوة، للذّكر مثل حظّ الأُنثيين» «2».

و صحيحة ابن سنان: عن رجل ترك إخوة و أخوات من أب و أُم و جدّ، قال: «الجدّ كواحد من الإخوة، المال بينهم للذّكر مثل حظّ الأُنثيين» «3».

______________________________

(1) الكافي 7: 109، 2، التهذيب 9: 303، 1081، الإستبصار 4: 155، 583، الوسائل 26: 165 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 6 ح 9.

(2) الكافي 7: 110، 8، الفقيه 4: 206، 694، التهذيب 9:

305، 1087، الإستبصار 4: 156، 589، الوسائل 26: 167 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 6 ح 13.

(3) الفقيه 4: 207، 699، الوسائل 26: 164 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 6 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 300

و صحيحة الحذاء عن أبي جعفر (عليه السّلام): في رجل مات و ترك امرأته و أُخته و جدّه، قال: «هذه من أربعة أسهم للمرأة الربع، و للأُخت سهم، و للجدّ سهمان» «1».

إلى غير ذلك من الأخبار المتكثّرة التي يطول المقام بذكرها.

و هذه الأخبار كما ترى مختصّة بالجدّ، و أمّا حكم الجدّة فعلم بالإجماع المحقّق المصرّح به في كلام جماعة «2».

المسألة السادسة: إذا اجتمع الجدّ أو الجدّة أو هما من قِبله مع الكلالتين

، فلكلالة الام فريضتها من السدس أو الثلث سويّة، و الباقي للجدّ أو الجدّة أو هما و كلالة الأب، للذّكر ضعف الأُنثى .

للإجماع، و لأنّ كلالة الأب مع الجدّ يرثون بالقرابة و لا فرض لهم مطلقاً فتكون بمنزلة الأب و هو يرث المال مع عدم الولد، فيجب أن يكون كلّ المال لمن هو بمنزلته أيضاً، خرج السدس أو الثلث بالدليل، فيبقى الباقي. و لا يمكن أن يقال بمثل ذلك في كلالة الأُم؛ لكونها ذات فرض، و المنزلة مختصّة بغير ذوي الفروض.

المسألة السابعة: لو اجتمع الجدّ أو الجدّة أو هما من قبل الأب و الأُم معاً مع كلالة الام

، كان للجدّ أو الجدّة أو هما من قبل الأب الثلثان، و له أو لهما من قبل الام و كلالتها الثلث.

للإجماع، و لانتفاء الفرض، أمّا من المتقرّب بالأب فظاهر، و أمّا من

______________________________

(1) الكافي 7: 110، 4، الفقيه 4: 205، 686، التهذيب 9: 304، 1083، الإستبصار 4: 156، 585، الوسائل 26: 166 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 6 ح 10.

(2) منهم الفاضل المقداد في كنز العرفان 2: 334، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 294.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 301

المتقرّب بالأُم فلما مرّ في المسألة الثالثة «1»، فيكون كلّ متقرّب بمنزلة قريبه.

المسألة الثامنة: إذا اجتمع النوعان من الجدّ أو الجدّة أو هما مع كلالة الأب

، فللمتقرّب بالأُم الثلث بالسويّة مع التعدّد، و للمتقرّب بالأب الثلثان بالتفاوت، إجماعاً؛ و الوجه واضح.

المسألة التاسعة: إذا اجتمع النوعان مع الكلالتين

، فللمتقرّب بالأُم الثلث، و بالأب الثلثان، بالإجماع، و الدليل ظاهر.

المسألة العاشرة: إذا اجتمع أحد الزوجين مع الجدودة و الكلالتين

فله نصيبه الأعلى، و الثلث للمتقرّب بالأُم من الجدودة و الكلالة، أو السدس إن لم يكن جدّ و لا جدّة و لم يتعدّد، و الباقي للمتقرّب بالأب، و مع عدمه فالجميع للأوّل، و مع عدمه فللثاني. و تفصيل الصور و أدلّة الكلّ بعد الإحاطة بما ذكرناه ظاهر جدّاً.

______________________________

(1) راجع ص: 292 و 293.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 302

البحث الرابع في بيان ميراث الأجداد العليا
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأُولى : الأقرب من الأجداد يمنع الأبعد

؛ للإجماع، و منع الأقرب للأبعد، و موثّقة محمّد المتقدّمة في المسألة الثالثة من البحث الثاني «1». فلو اجتمعت الأجداد العليا و الدنيا و الإخوة كان المقاسم للإخوة الأجداد الدنيا دون العليا.

المسألة الثانية [هل تقاسم الجدودة العليا الإخوة و الأخوات ]:

المصرّح به في كلماتهم أنّ الجدودة العليا مطلقاً ما لم يسلب عنه صدق النسبة عرفاً تقاسم الإخوة و الأخوات مطلقاً «2»، و نفى بعضهم عنه الخلاف ظاهراً و نسبه إلى فتوى الأصحاب «3» بل نُقل عليه الإجماع أيضاً «4».

و استدلّوا عليه بإطلاق الأخبار الدالّة على تنزيل الجدّ منزلة الإخوة و اقتسامهما التركة «5».

و قد يخدش فيه بأنّ الإطلاق ينصرف إلى الفرد الشائع، و الشائع هو الجدّ الأدنى؛ و لذا عدل بعضهم عن ذكر الإطلاق إلى العموم الثابت

______________________________

(1) راجع ص: 280.

(2) انظر المبسوط 4: 109، و الشرائع 4: 28، و الدروس 2: 371.

(3) الرياض 2: 358.

(4) انظر الخلاف 4: 90، و مفتاح الكرامة 8: 152.

(5) كما في المسالك 2: 328، و الروضة 8: 137.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 303

للمفرد المعرّف، أو بترك الاستفصال «1».

و لا يخفى أنّ عموم المفرد المعرّف أيضاً إطلاق، و عدم الاستفصال حسن لولا التبادر المدّعى، سيّما مع ما في القاموس: من أنّ الجدّ أبو الأب و أبو الام «2».

إلّا أنّ التبادر مطلقاً في حيّز المنع، و كذا الشيوع الموجب للانصراف، فالشمول أولى .

إلّا أنّه مع تسليمه يكون معارضاً بعموم ما دلّ على منع الأقرب للأبعد، و لا شك أنّ الأخ أقرب من جدّ الأب، و الجمع بينهما كما يمكن بتخصيص عموم الأقرب، كذا يمكن بتخصيص عموم الجدّ، و لا مرجّح لأحدهما. إلّا أن يرجّح تخصيص عموم الأقرب بفتوى الأصحاب، أو بمنع القرب، فتأمل.

المسألة الثالثة [حكم الأجداد الثمانية الواقعة في الدرجة الثانية إذا اجتمعوا]

اعلم أنّ للإنسان أباً و أُمّاً، و هما الواقعان في الدرجة الأُولى من درجات أُصوله؛ ثمّ لكلّ منهما أب و أُمّ و هم الواقعون في الدرجة الثانية من درجات الأُصول و الدرجة الاولى من درجات الأجداد و الجدّات،

و هم أربعة حاصلة من ضرب الاثنين في مثلهما؛ ثمّ الجدودة في الدرجة الثانية ثمانية، لأنّ لكلّ من الأربعة أباً و أُمّاً فيضرب الاثنين في أربعة يحصل ثمانية؛ و في الدرجة الثالثة ستّة عشر، و هكذا، و النصف من كلّ درجة ذكور و النصف إناث.

و قد جرت عادة الفقهاء بالبحث عن الأجداد الثمانية الواقعة في الدرجة الثانية إذا اجتمعوا، و نحن أيضاً نكتفي بهم.

______________________________

(1) الرياض 2: 358.

(2) القاموس المحيط 1: 291.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 304

و نقول: إذا اجتمعوا فلا خلاف بين الأصحاب كما اعترف به جماعة «1» في أنّ ثلثي التركة للأجداد الأربعة من قبل أب الميّت جدّي أبيه وجدتيه، و ثلثها للأربعة من قبل امّه؛ لأنّ لكلّ نوع من ذوي الأرحام نصيب من يتقرّب به.

و لا خلاف أيضاً في أنّ ثلثي الأجداد الأربعة المتقرّبين بأب الميّت ينقسم أثلاثاً، فثلثا الثلثين للجدّ و الجدّة لأب الميّت من قبل أبيه و ثلثهما للجدّ و الجدّة لأبيه من قبل امّه.

و الدليل عليه: أنّ لكلّ ذي رحم نصيب قريبه، و نصيب أب أب الميّت أي جدّه لأبيه الثلثان، فهما لمن يتقرّب به، و نصيب أُمّ أبيه الثلث، فهو لمن يتقرّب بها.

و لا خلاف أيضاً في أنّ ثلثي الثلثين الذين للجدّ و الجدّة لأبيه من قبل أبيه ينقسم بينهما أثلاثاً، فالثلثان للجدّ و الثلث للجدّة؛ و ذلك للأصل الثابت من تفضيل الرجال على النساء، و لكونهما قرابتي الأب المحض من غير توسّط أُم.

و إنّما الخلاف في ثلث الثلثين الذي هو للجدّ و الجدّة لأب الميّت من قبل امّه، و ثلث التركة الذي هو للأجداد الأربعة لُامّ الميّت.

فذهب الشيخ و أكثر الأصحاب كما في المسالك و الكفاية

«2» إلى أنّ ثلث الثلثين ينقسم بين الجدّ و الجدّة لأب الميّت من قبل امّه بالتفاوت للذّكر مثل حظّ الأُنثيين، و ثلث التركة ينقسم بين الأجداد الأربعة لُامّ الميّت بالسويّة، قالوا: و ذلك التقسيم لأجل اعتبار النسبة إلى نفس

______________________________

(1) انظر القواعد 2: 172، و المسالك 2: 328، و الرياض 2: 356.

(2) انظر: النهاية: 648، و المسالك 2: 328، و كفاية الأحكام: 298.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 305

الميّت.

و فيه: أنّ هذا الاعتبار لو تمّ يقتضي اقتسام ثلثي التركة بين الأجداد الأربعة للأب للذّكر مثل حظّ الأُنثيين دون الاقتسام أثلاثاً، فإنّه مقتضى اعتبار النسبة إلى جدّ الميّت.

و ذهب الشيخ معين الدين المصري «1» إلى أنّ ثلث الثلثين بين الجدّ و الجدّة لأب الميّت من قبل أُمّه بالسويّة، لكونهما متقرّبين إلى الميّت بواسطة الامّ التي هي جدّته لأبيه، و ثلث التركة ينقسم بين الأجداد الأربعة للُامّ أثلاثاً، فثلث الثلث لأبوي أُمّ الأُمّ بالسويّة، و ثلثاه لأبوي أبيها بالسويّة أيضاً، قالوا: و ذلك لأجل اعتبار النسبة في الجملة.

و فيه: أنّه لو تمّ لاقتضى اقتسام ثلثي الثلث بين أبوي أبيها للذّكر مثل حظّ الأُنثيين.

و قال الشيخ زين الدين محمد بن القاسم البرزهي «2»: باقتسام ثلثي التركة بين الأجداد الأربعة لأب الميّت على النحو الذي ذكره الأكثر، و اقتسام الثلث الذي للأجداد الأربعة للُامّ أثلاثاً، ثلثه لأبوي أُمّ الأُم بالسويّة، و ثلثاه لأبوي أبيها أثلاثاً.

و ظاهر الشرائع التردد «3».

ثمّ إنّهم صرّحوا بأنّه ليس هنا دليل يرجّح أحد الأقوال.

أقول: لا إشكال في تقسيم مجموع التركة بين الأجداد الثمانية أثلاثاً، بأن يكون ثلثاها للأجداد الأربعة للأب، و ثلثها للأربعة للُام؛ للإجماع،

______________________________

(1) حكاه عنه في المسالك 2: 328.

(2) حكاه عنه في المسالك

2: 328.

(3) الشرائع 4: 28.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 306

و كون كلّ ذي رحم بمنزلة من يتقرّب به.

ثمّ الثلثان اللذان هما نصيب الأربعة للأب يلزم أن ينقسم بينهم أثلاثاً، الثلثان لأبوي أب الأب، و الثلث لأبوي أُمّة؛ لما مرّ بعينه، فإنّ الأوّلين يتقرّبان بواسطة جدّ الميّت لأبيه، و الثانيين بواسطة جدّته [لأبيه «1»] و قد سبق أنّ الثلثين ينقسم بينهما أثلاثاً.

ثمّ ثلثا الثلثين ينقسم بين أبوي أب الأب للذّكر مثل حظّ الأُنثيين؛ لأنّه مقتضى الأصلين المتقدّمين: من تفضيل الرجال على النساء، و تقسيم قرابة الأب بالتفاوت. و ثلث الثلثين ينقسم بين أبوي أُمّ الأب أيضاً كذلك؛ لأوّل الأصلين.

و أمّا تقسيم قرابة الأُمّ بالسويّة فلا يفيد هنا؛ لأنّ دليله إن كان الإجماع فهو في محلّ النزاع ممنوع، و إن كان النصّ فوجود نصّ معتبر دالّ على عموم «2» ذلك غير ثابت. و لو سلّم اعتبار ما ورد في ذلك فلا يفيد أيضاً؛ لأنّ فيه لفظ قرابة الأُمّ، و المتبادر منه قرابة أُمّ الميّت، بل القواعد الأُصوليّة أيضاً لا تثبت من هذا اللفظ إلّا ذلك، كما لا يخفى على المتدبّر فيها.

و أمّا الثلث الذي هو نصيب الأربعة للُامّ يلزم أن ينقسم بينهم بالتناصف، نصف الثلث لأبوي أب الأُم و نصفه لأبوي أُمّها؛ لأنّ أب الأُم و أُمّها يقتسمان الثلث كذلك، و كلّ قريب يرث نصيب من يتقرّب به.

ثم أبوا أب الأُمّ يقتسمان نصفهما للذّكر مثل حظّ الأُنثيين؛ لما عرفت من تفضيل الرجال على النساء، و عدم الدليل على التسوية. و الإجماع على

______________________________

(1) في جميع النسخ: لُامه، و الصحيح ما أثبتناه.

(2) كلمة عموم غير موجودة في «س».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 307

تقسيم قرابة الأُم

سويّة بحيث يشمل هنا أيضاً مع وجود النزاع ممنوع، و النصّ المعتبر غير موجود.

و أبوا الام يقتسمان نصفهما سويّة إن ثبت الإجماع عليه بخصوص هذه المسألة، أو على اقتسام نصيب المتقرّب بالأُم المحضة مطلقاً بالسويّة. و لكن لم يثبت الإجماع على شي ء منهما عندي، فالعمل بمقتضى تفضيل الرجال على النساء أولى و أظهر.

و من هنا ظهر أنّ الأظهر في تقسيم الثلثين بين الأجداد الأربعة للأب هو ما ذكره الشيخ و الأكثر، و في تقسيم أصل الثلث بين الأربعة للُام هو القولان الآخران، من انقسامه بينهم أثلاثاً، و في تقسيم ثلثي الثلث بين أبوي أب الأُمّ هو ما ذكره البرزهي، و في تقسيم ثلثه بين أبوي أُمّها هو التفاوت أيضاً.

و لا ضير في خروجه عن الأقوال الثلاثة، لعدم ثبوت الإجماع المركّب. نعم لو ثبت الإجماع على التسوية في خصوص هذا الثلث للثلث لكان الأظهر هو قول البرزهي مطلقاً.

و ليعلم أنّ المسألة تصحّ عن مائة و ثمانية على قول الشيخ، و عن أربعة و خمسين على قول المصري و البرزهي، و عن سبعة و عشرين على ما ذكرنا.

ثمّ إنّ لاجتماع الأجداد الثمانية أو بعضهم مسائل أُخرى، من وجود أحد الزوجين أو الكلالتين أو أولاد الكلالة، و ليس للتعرّض لذكرها كثير فائدة، لندرة وقوعه.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 308

البحث الخامس في ميراث أولاد الكلالة
اشاره

و في مسائل:

المسألة الاولى : لا يرث أولاد الأخ مع الأخ مطلقاً

بلا خلاف يعرف، إلّا ما نقل عن الفضل بن شاذان «1»: أنّه شرّك ابن الأخ من الأبوين مع الأخ من الام، و ابن ابن الأخ منهما مع ابن الأخ منها، و نحو ذلك، فجعل السدس للمتقرّب بالأُم و الباقي للمتقرّب بالأبوين.

لنا بعد ظاهر الإجماع-: منع الأقرب للأبعد، و لا شكّ أنّ الأخ و إن كان من أُمٍّ أقرب من ابن الأخ و إن كان من الأبوين لغة و عرفاً.

و قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه: «من ترك واحداً ممّن له سهم ينظر فإن كان من بقي في درجته ممّن سفل، و هو أن يترك الرجل أخاه و ابن أخيه فالأخ أولى من ابن أخيه» «2».

و ذكر في المسالك التعليل للفضل: بأنّه جعل الإخوة أصنافاً، فاعتبر الأقرب من إخوة الام فالأقرب، و كذلك إخوة الأبوين و الأب، و لم يعتبر قرب أحد الصنفين بالنسبة إلى الآخر، كما لم يعتبر قرب الأخ بالنسبة إلى الجدّ الأعلى، لتعدّد الصنف.

و ردّ ذلك بما ذكره قبله: من أنّ المعتبر في جهات القرب و ترجيح

______________________________

(1) حكاه عنه في الفقيه 4: 200.

(2) فقه الرضا ( (عليه السّلام)): 289، مستدرك الوسائل 17: 180 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 4 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 309

الأقرب على الأبعد بأصناف الوارث، فالأولاد في المرتبة الأُولى صنف، ذكوراً كانوا أم إناثاً، فيمنع ابن البنت ابن ابن الابن، و هكذا، و الإخوة صنف واحد، سواء كانوا لأب و أُم أو لأحدهما أم متفرّقين، كما أنّ الأجداد صنف واحد كذلك، فالأقرب منهم إلى الميّت و إن كان جدّة لأُم يمنع الأبعد و إن كان جدّ الأب، قال: و هذا هو المفهوم

من تقديم الأقرب فالأقرب، مضافاً إلى النصّ الصحيح «1».

أقول: مراده بالنص النص على أنّ المراد بالأقرب ذلك، أي: هذا المعنى هو المفهوم من الأقرب، مضافاً إلى دلالة النص الصحيح عليه، و لكنّي لم أقف على ذلك النص.

و يمكن أن يكون نظره إلى الأخبار الصحيحة الدالّة على أنّ ابن الابن أو البنت أو بنت أحدهما يرث إذا لم يكن هناك ولد للصلب «2»، و الولد شامل للذّكر و الأُنثى ، فيدلّ على اعتبار الأقربيّة بالنسبة إلى ابن الابن و البنت أيضاً، حيث إنّهما صنف واحد من الوارث، مع أنّ مقتضى كلام الفضل عدم اعتبارها فيهما و جعلهما صنفين.

و يمكن أن يكون نظره أيضاً إلى صحيحة حماد بن عثمان: قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل ترك امّه و أخاه، فقال: «يا شيخ تريد على الكتاب؟» قال، قلت: نعم، قال: «كان علي (عليه السّلام) يعطي المال الأقرب فالأقرب» قال، قلت: فالأخ لا يرث شيئاً؟ قال: «قد أخبرتك أنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يعطي المال الأقرب فالأقرب» «3».

______________________________

(1) انظر المسالك 2: 328.

(2) الوسائل 26: 110 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 7.

(3) الكافي 7: 91، 2، التهذيب 9: 270، 981، الوسائل 26: 105 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 5 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 310

حيث جعل مطلق الأخ الشامل للأخ للأب أيضاً أبعد من الامّ.

و مكاتبة الصفار الصحيحة إلى أبي محمد (عليه السّلام) و هي: أنّه كتب إليه: رجل مات و ترك ابنة بنته و أخاه لأبيه و أُمّه، لمن يكون الميراث؟ فوقّع (عليه السّلام) في ذلك: «الميراث للأقرب» «1».

و لكن ليس شي ء من هذه الأخبار نصّاً، على أنّ الأخيرين إنّما يدلّان على اعتبار

الأقربيّة و الأبعدية في صنفين مختلفين.

فالأقرب كما صرّح به صاحب الكفاية: أنّ الأقرب لا يعتبر فيه صنف واحد أيضاً «2»، بل يجري في الأصناف المختلفة أيضاً كما هو مقتضى (عموم) «3» قوله: «المال للأقرب» أيضاً.

ثمّ لا يخفى أنه لو كان الأمر كما ذكره في المسالك أي كان التعليل ما ذكر، لزم على الفضل تشريك ابن الأخ من الام مع الأخ من الأبوين، مع أنّه لا يقول به كما صرّح به بعضهم «4»، فالظاهر أنّه ليس تعليلًا له.

و المحقّق «5»، و جماعة «6» نقلوا عنه التعليل بكثرة الأسباب، و ردّوه بأنّها إنّما تؤثر مع تساوي الدرجة و هي هنا متفاوتة، لأنّ الأخ أقرب درجة من ابن الأخ مطلقاً.

______________________________

(1) الفقيه 4: 196، 673، التهذيب 9: 317، 1140، الإستبصار 4: 167، 632، الوسائل 26: 114 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 8 ح 1.

(2) كفاية الأحكام: 299.

(3) ليست في «س».

(4) انظر كشف اللثام 2: 293.

(5) الشرائع 4: 29.

(6) منهم العلّامة في التحرير 2: 166، و القواعد 2: 172، الشهيد الثاني في الروضة 8: 139.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 311

و الظاهر من كلام الفضل أنّ حكمه ليس لهذا التعليل أيضاً؛ لأنّه فرّق بين الأخ للُامّ و الأخ للأب فقط، فحكم بتقدّمه على ابن الأخ للأبوين، مع أنّه مجمع للسببين.

المسألة الثانية: أولاد الإخوة و الأخوات و إن نزلوا يقومون مقام آبائهم في الإرث

، فلو خلّف الميّت أولاد أخ لأُم أو أُخت لها خاصّة، كان المال كلّه لهم بالسويّة، السدس بالفرض و الباقي بالردّ، من غير فرق بين الذكر و الأُنثى.

و إن تعدّد من تقرّبوا به من الإخوة للُامّ أو الأخوات أو الجميع، كان لكلّ فريق من الأولاد نصيب من يتقرّب به، فلو كان أولاد الإخوة للُام ثلاثة، واحد منهم ولد

أخ و الآخران ولد آخر فنصف المال لولد الأخ، السدس فرضاً و الباقي ردّاً، و النصف الآخر لولدي الأخ كذلك. و كذلك لو كان أحدهم من أُخت و الآخران من أخ. و كذلك لو كان بنت أُخت للأُم و ابنا أخ لها، فللبنت النصف و للابنين النصف.

و لو خلّف أولاد أخٍ لأب و أُمّ أو لأب مع عدمهم، كان المال كلّه لهم بالسويّة مع الاتفاق، و للذّكر ضعف الأُنثى مع الاختلاف. و إن كانوا أولاد أُخت للأبوين أو الأب، كان النصف لهم بالفرض و الباقي بالردّ مع عدم غيرهم، يقتسمونه بالسويّة مع الاتفاق، و بالاختلاف مع الاختلاف. و إن كانوا أولاد أُختين فصاعداً كذلك، كان الثلثان لهم بالفرض و الثلث بالردّ مع عدم غيرهم، يقتسمونه بالسوية أو الاختلاف.

و لو اجتمع أولاد الأُخت للأبوين أو الأب مع أولاد الأخ أو الأُخت أو الإخوة أو الأخوات للُام، فللأول النصف فرضاً و للثاني السدس مع وحدة من يتقرّبون به و الثلث مع التعدّد، و يردّ الباقي على الأول أو

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 312

عليهما على الخلاف السابق «1».

و لو اجتمعت أولاد الكلالات الثلاث سقطت أولاد من يتقرّب بالأب، و كان لأولاد من يتقرّب بالأُم السدس مع وحدة من يتقرّب به و الثلث مع التعدد، و لأولاد من يتقرّب بالأب [و الأُم «2»] الباقي مع كون من يتقرّب بهما ذكراً أو ذكراً و أُنثى، و النصف أو الثلثان بالفرض إن كان أُنثى أو إناثاً، و يردّ الباقي عليهم أو عليهما على الاختلاف المتقدّم.

و لو دخل في هذه الفروض أحد الزوجين كان له النصيب الأعلى و ينقسم الباقي كما مرّ.

و الدليل على ذلك كلّه الإجماع، و عموم الأخبار

المصرّحة بأنّ كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به.

و يدلّ على المطلوب أيضاً في الجملة موثّقة محمد: عن ابن أُخت لأب و ابن أُخت لُام، قال: «لابن الأُخت من الام السدس، و لابن الأُخت من الأب الباقي» «3».

و روايته: عن ابن أخ لأب و ابن أخ لأُم، قال: «لابن أخ من الام السدس، و ما بقي فلابن الأخ من الأب» «4».

و أمّا روايته: بنات أخ و ابن أخ، قال: «المال لابن الأخ» الحديث «5».

______________________________

(1) راجع ص: 271.

(2) أضفناه لتصحيح المتن.

(3) التهذيب 9: 322، 1157، الإستبصار 4: 168، 637، الوسائل 26: 170 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 7 ح 1.

(4) التهذيب 9: 322، 1158، الإستبصار 4: 169، 638، الوسائل 26: 171 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 7 ح 2.

(5) التهذيب 9: 323، 1159، الإستبصار 4: 169، 639، الوسائل 26: 171 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 7 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 313

فلا تصلح للمعارضة؛ لضعفها بالشذوذ، و حملها في التهذيبين تارة على التقيّة، و أُخرى على ما إذا كان بنات الأخ للأب و ابن الأخ للأبوين «1».

المسألة الثالثة: أولاد الإخوة و الأخوات يقومون مقام آبائهم عند عدمهم في مقاسمة الأجداد و الجدّات

، بلا خلاف يعرف، و نقل عليه الإجماع في الانتصار و السرائر و الغنية و كنز العرفان «2».

و تدلّ عليه أيضاً الصحيحتان المصرّحتان بأنّ بنت الأُخت بمنزلة الأُخت و ابن الأخ بمنزلة الأخ «3».

و خصوص صحيحة محمد: نشر أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) صحيفة فأول ما تلقاني فيها: «ابن أخ و جدّ، المال بينهما نصفان» فقلت: جعلت فداك إنّ القضاة عندنا لا يقضون لابن الأخ مع الجدّ بشي ء، فقال: «إنّ هذا الكتاب خط علي (عليه السّلام) و إملاء رسول اللَّه (صلّى اللَّه

عليه و آله)» «4».

و صحيحته: قال: نظرت إلى صحيفة ينظر فيها أبو جعفر (عليه السّلام)، قال: فقرأت فيها مكتوباً: «ابن أخ و جدّ، المال بينهما سواء» فقلت لأبي جعفر (عليه السّلام): إنّ مَن عندنا لا يقضون بهذا القضاء، و لا يجعلون لابن الأخ مع الجدّ شيئاً، فقال أبو جعفر (عليه السّلام): «أما إنه إملاء رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) و خط علي (عليه السّلام)» «5».

______________________________

(1) التهذيب 9: 323، الإستبصار 4: 169.

(2) الإنتصار: 302، السرائر 3: 260، الغنية (الجوامع الفقهية): 607، كنز العرفان 2: 334.

(3) لم نعثر عليهما، نعم في صحيحة الخزّاز: «بنت الأخ بمنزلة الأخ». انظر: الوسائل 26: 162 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 5 ح 9.

(4) الكافي 7: 112، 1، الوسائل 26: 159 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 5 ح 1.

(5) الكافي 7: 113، 5، التهذيب 9: 308، 1104، الوسائل 26: 160 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 5 ح 5، بتفاوت يسير.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 314

و رواية القاسم بن سليمان: «إنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يورث ابن الأخ مع الجدّ ميراث أبيه» «1».

و صحيحة محمد عن أبي جعفر (عليه السّلام): «قال: حدثني جابر عن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) و لم يكن يكذب جابر-: إنّ ابن الأخ يقاسم الجد» «2».

و مرسلة سعد بن أبي خلف الصحيحة عن السرّاد المجمع على تصحيح ما يصح عنه: في بنات أُخت و جدّ، قال: «لبنات الأُخت الثلث و ما بقي فللجدّ» فأقام بنات الأُخت مقام الأُخت و جعل الجدّ بمنزلة الأخ «3». إلى غير ذلك.

و بهذه الأخبار و إن ثبت حكم أكثر الصور، و لكن تبقى صور لا

بدّ في إثبات الحكم فيها بالتمسّك بالصحيحتين المتقدّمتين «4» و الإجماع المركب.

و قد يستدلّ أيضاً في جميع هذه الصور بعمومات كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، إلّا أن يكون وارث أقرب منه.

و في دلالتها نظر؛ لمكان الاستثناء، فإنّ الظاهر أنّ الجدّ أقرب من ابن الأخ.

ثمّ إنّهم قد صرّحوا باطّراد الحكم في الأجداد و إن علوا، و أولاد الإخوة

______________________________

(1) الكافي 7: 113، 2، التهذيب 9: 309، 1105، الوسائل 26: 160 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 5 ح 2.

(2) الكافي 7: 113، 3، التهذيب 9: 309، 1106، الوسائل 26: 160 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 5 ح 3.

(3) الكافي 7: 113، 7، الفقيه 4: 207، 702 و فيه صدر الحديث، التهذيب 9: 309، 1109، الوسائل 26: 161 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 5 ح 7.

(4) راجع ص: 311 الهامش (3).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 315

و إن نزلوا، و استدلّوا عليه بالأدلّة المتقدّمة.

و في دلالتها نظر ظاهر: أمّا الأخبار المتقدّمة فلأنّ الحكم فيها إنّما هو للجدّ و ابن الأخ و بنت الأُخت، و صدقها على الأجداد العليا و أولاد أولاد الأخ و الأُخت لغة أو عرفاً أو شرعاً غير معلوم، كما مرّ مراراً. و أمّا عمومات المنزلة فلما عرفت آنفاً. فلا بدّ في إثبات الحكم فيها من التمسّك بالإجماع البسيط أو المركّب.

نعم قد يمكن التمسّك بالعمومات المذكورة إذا كان علو الجدّ و نزول الأخ بحيث لم يكن لأحدهما أقربيّة بالنسبة إلى الآخر، و حينئذ يمكن تعميم الحكم بإجماع مركّب آخر أيضاً، و بالجملة المناط فيه كأكثر أحكام الإرث أحد الإجماعين البسيط و المركّب.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 316

الفصل الثالث في ميراث الأعمام و الأخوال
اشاره

و

نقدّم أوّلًا ذكر شطر من الأخبار الواردة في حكمهم، و هي كثيرة:

منها: صحيحة الكناسي و فيها: «و ابن أخيك من أبيك أولى بك من عمّك» قال: «و عمّك أخو أبيك من أبيه و أُمّه أولى بك من عمّك أخي أبيك من أبيه» قال: «و عمّك أخو أبيك لأبيه أولى بك من عمّك أخي أبيك لأُمّه» قال: «و ابن عمّك أخي أبيك من أبيه و أُمّه أولى بك من ابن عمّك أخي أبيك لأبيه» قال: «و ابن عمّك أخي أبيك من أبيه أولى بك من ابن عمّك أخي أبيك لأُمّه» «1».

و منها: صحيحة أبي بصير: قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن شي ء من الفرائض قال لي: «إلا أخرج لك كتاب علي (عليه السّلام)؟» فقلت: كتاب عليّ لم يدرس؟! فقال: «يا أبا محمد إنّ كتاب عليّ (عليه السّلام) لا يدرس» فأخرجه فإذا كتاب جليل، و إذا فيه: «رجل مات و ترك عمه و خاله» قال: «للعمّ الثلثان و للخال الثلث» «2».

و منها: صحيحة الخزّاز عنه (عليه السّلام): قال: «إنّ في كتاب علي (عليه السّلام) العمّة بمنزلة الأب، و الخالة بمنزلة الأُم، و بنت الأخ بمنزلة الأخ، و كلّ ذي

______________________________

(1) الكافي 7: 76، 1، التهذيب 9: 268، 974 بتفاوت يسير، الوسائل 26: 190 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 4 ح 1.

(2) الكافي 7: 119، 1، التهذيب 9: 324، 1162، الوسائل 26: 186 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 317

رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، إلّا أن يكون وارث أقرب إلى الميّت منه» «1».

و منها: صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة «2».

و منها: صحيحة محمد: عن الرجل يموت

و يترك خاله و خالته و عمه و عمته و ابنته و أُخته فقال: «كلّ هؤلاء يرثون و يحوزون، فإذا اجتمعت العمة و الخالة فللعمة الثلثان و للخالة الثلث» «3».

و مثلها مرسلة أبي المعزى «4» و صحيحة أبي بصير «5» و رواية أبي مريم «6».

و منها: رواية سلمة بن محرز، عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): قال في عمّة و عمّ قال: «للعم الثلثان، و للعمة الثلث» و قال في ابن عم و خالة قال: «المال للخالة» و قال في ابن عم و خال قال: «المال للخال» و قال في ابن عمّ و ابن خالة قال: «للذكر مثل حظّ الأُنثيين» «7».

و منها: روايتا الحسن بن عمارة و الحارث، المتقدمتان في مسألة

______________________________

(1) التهذيب 9: 325، 1170، الوسائل 26: 188 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 6.

(2) في ص: 291.

(3) الكافي 7: 120، 6، التهذيب 9: 324، 1165، الوسائل 26: 187 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 4.

(4) الكافي 7: 120، 8، التهذيب 9: 325، 1166، الوسائل 26: 188 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 5.

(5) الكافي 7: 119، 5، التهذيب 9: 324، 1164، الوسائل 26: 187 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 3.

(6) الكافي 7: 119، 4، التهذيب 9: 324، 1163، الوسائل 26: 187 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 2.

(7) التهذيب 9: 328، 1179، الإستبصار 4: 171، 645، الوسائل 26: 193 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 5 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 318

اجتماع الإخوة المتفرقين «1».

و منها: قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه: «فإن ترك خالًا و خالة و عماً و

عمة، فللخال و الخالة الثلث بينهما بالسوية، و ما بقي فللعم و العمة، للذكر مثل حظّ الأُنثيين» «2».

و أيضاً قال: «و كذلك إذا ترك عمه و ابن خاله فالعم أولى ، و كذلك خالًا و ابن عم فالخال أولى ، لأنّ ابن العم قد نزل ببطن، إلّا أن يترك عمّاً لأب و ابن عمّ لأب و أُم فإنّ الميراث لابن العمّ للأب و الأُم، لأنّ ابن العمّ جمع الكلالتين كلالة الأب و كلالة الام، فعلى هذا يكون الميراث له» «3».

و فيه أبحاث

______________________________

(1) راجع ص: 266.

(2) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 289، مستدرك الوسائل 17: 190 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 2 ح 4.

(3) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 289، مستدرك الوسائل 17: 192 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 319

البحث الأوّل في ميراث الأعمام و العمّات
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى : لا يرث العمّ مع واحد من الإخوة و أولادهم و الأجداد و آبائهم

بالإجماع. و مخالفة يونس «1» في تشريك العمّ مع ابن الأخ غير قادح فيه، مع أنّه مردود بقوله في صحيحة الكناسي: «و ابن أخيك من أبيك أولى بك من عمك» «2».

و قد يردّ أيضاً بحديث الأقربية «3». و فيه نظر.

المسألة الثانية: إذا انفرد العم

كان المال كله له، و كذا العمة. و إذا تعدد العمّ أو العمّة كان المال كله لهم بالسوية، إذا كانوا لأب أو لُام أو لهما؛ كلّ ذلك بالإجماع، و صحيحة محمد، و كون العم و العمة بمنزلة الأب.

المسألة الثالثة: لو اجتمع العم و العمة أو العمومة و العمّات من نوع واحد

كان المال لهم، يقتسمونه للذكر ضعف الأُنثى إن كانوا جميعاً من الأبوين أو الأب؛ للإجماع المحقّق، و ما مرّ من قاعدة تفضيل الرجال على النساء و رواية سلمة، و فقه الرضا (عليه السّلام).

و كذلك إذا كانوا جميعاً لُام، وفاقاً للفضل و المفيد و الصدوق و النهاية

______________________________

(1) حكاه عنه في الكافي 7: 121.

(2) الكافي 7: 76، 1، التهذيب 9: 268، 974، الوسائل 26: 182 أبواب ميراث الإخوة و الأجداد ب 13 ح 1، وص 190 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 4 ح 1.

(3) كما في الرياض 2: 359.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 320

و الشرائع و النافع و الغنية مدعياً عليه إجماع الإماميّة «1».

و خلافاً للفاضل و الشهيدين «2»، و بعض آخر «3»، فقالوا باقتسامهم بالسوية، و قال في الكفاية: لا أعرف فيه خلافاً «4».

لنا: قاعدة التفضيل، و الروايتان، و مرسلة المجمع المتقدّمة «5» المعتضدة بشهرة القدماء.

احتجّ بعض المخالفين باقتضاء شركة المتعدّدين في شي ء تسويتهم، خرج ما خرج بالدليل، فيبقى الباقي «6».

و فيه: منع الاقتضاء المذكور كما مرّ غير مرّة. و لو سلّمناه فإنّما هو إذا أُطلق لفظ الشركة دون ما إذا علم الاشتراك من غير تصريح بلفظه. و لو سلّمناه فإنّما هو إذا لم يكن هناك دليل على التفضيل، و قد ذكرناه.

و تخصيص العمّ و العمّة في الروايتين بالعمّ و العمّة للأبوين تخصيص بلا مخصص. و تقييد إطلاق الجدّ في أحاديث اجتماعه مع الإخوة بما

إذا كان للأب بدليل لا يرجّح احتمال التخصيص هنا أصلًا.

المسألة الرابعة: إذا اجتمع المتفرّقون من الأعمام أو العمّات أو منهما

فيسقط المتقرّب بالأب مع وجود المتقرّب بالأبوين؛ لخصوص

______________________________

(1) حكاه عن الفضل في الكافي 7: 120، المفيد في المقنعة: 692، الصدوق في المقنع: 175، النهاية: 653، الشرائع 4: 30، النافع: 270، الغنية (الجوامع الفقهية): 607.

(2) الفاضل في التحرير 2: 166، الشهيدان في الدروس 2: 372، و اللمعة و الروضة 8: 153.

(3) انظر الرياض 2: 359.

(4) الكفاية: 300.

(5) في ص: 262.

(6) انظر الرياض 2: 359.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 321

صحيحة الكناسي، و سائر ما تقدّم في مسألة اجتماع الإخوة المتفرّقين؛ فالمال ينقسم بين المتقرّب بالأبوين و بالأُم أو بين المتقرّب بالأب خاصّة و بالأُم مع عدم المتقرّب بالأبوين.

و المشهور: أنّ السدس للمتقرّب بالأُم إذا كان واحداً، و الثلث إذا كان أكثر، و الباقي للمتقرّب بالأبوين أو الأب.

و لم أقف على حجّة عليه سوى الشهرة، و إلحاق الأعمام بالكلالة.

و الأوّل مردود بعدم حجّيّته. و الثاني بكونه قياساً.

و ظاهر الصدوق في الفقيه و الهداية، و الفضل «1»: تسوية المتفرّقين من الأعمام و العمّات مع غير المتفرّقين في تقسيمهم للذّكر مثل حظّ الأُنثيين، و ظاهر الكفاية التردد «2».

و يدلّ على قول الفضل قاعدة التفضيل، و إطلاق الروايتين، و المرسلة «3»، فيكون هو الأقوى و إن كان الاحتياط أولى .

فإن قيل: قاعدة التفضيل التي هي الحجّة هنا إنّما تتمّ إذا اجتمع الذكر و الأُنثى، و أمّا إذا اجتمع الذكران أو الأُنثيان، كعمّ من الأب و عمّ من الام فمن اين يحكم بالتساوي.

قلنا: يتمّ المطلوب بضميمة عدم القول بالفصل.

و التمسّك بالإجماع لإثبات المشهور ضعيف، لأنّ منقوله غير حجّة، و المحقّق غير ثابت.

و هاهنا احتمال آخر أقرب بحسب الدليل: و هو أن

يكون للمتقرّب بالأُم الثلث مطلقاً، و للمتقرّب بالأب الثلثان. و ذلك لأنّ الرحم الذي يجرّ به العمّ

______________________________

(1) الفقيه 4: 212، الهداية: 85، حكاه عن الفضل في الكافي 7: 120.

(2) كفاية الأحكام: 300.

(3) راجع ص 312 و 317.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 322

أو العمّة للأُم هو أُم الأب و لها الثلث، و الذي يجرّ به العمّ أو العمة للأب أو الأبوين هو الأب و له الثلثان. و لكن انعقاد الإجماع على تركه يضعّفه و يوجب الأخذ بأحد القولين الأوليين.

المسألة الخامسة: لا يرث مع العمّ أو العمّة مطلقاً أحد من أولادهم

؛ للأصل الثابت بالإجماع و الأخبار، من منع الأقرب للأبعد، إلّا في مسألة واحدة إجماعيّة هي ابن عمّ لأب و أُم مع عمّ لأب، فابن العمّ أولى، و هي مخصّصة بالإجماع المحقّق، و نقله أيضاً في النهاية و اللمعة و المسالك و التنقيح و القواعد و الكفاية و المفاتيح «1» و غيرها «2»، بل قيل بتواتر نقل الإجماع هنا «3».

و يدلّ عليه من الأخبار روايتا ابن عمارة و الحارث و قول الرضا (عليه السّلام) «4»، و ضعف المستند في بعضها بعد تحقّق الإجماع غير ضائر.

و في الاقتصار في المسألة على موضع الإجماع، و هو فيما إذا انحصر الوارث في ابن عمّ لأب و أُمّ و عمّ لأب لا غير، أو التعدّي إلى غيره خلاف، و الخلاف في غير صورة الإجماع وقع في مواضع:

منها: ما إذا حصل التعدد للعم أو ابن العم أو لهما، فذهب الشهيدان إلى عدم تغيّر الحكم بذلك «5»، لوجود المقتضي للترجيح، و هو ابن العم مع العم. لأنّه إذا منع مع اتحاده فمع تعدده أولى، لتعدد السبب المرجح. و لأنّ سبب إرث العمّين و ما زاد هو العمومة، و ابن العمّ مانع

لهذا السبب، و مانع أحد السببين المتساويين مانع للآخر. و لأنّ ابن العمّ مفيد للعموم بسبب

______________________________

(1) النهاية: 653، اللمعة (الروضة 8): 54، المسالك 2: 329، التنقيح 4: 181، القواعد 2: 175، الكفاية: 301، المفاتيح 3: 301.

(2) كما في كشف اللثام 2: 297، الرياض 2: 360.

(3) انظر الرياض 2: 360.

(4) المتقدمة جميعاً في ص: 266 و 316.

(5) الشهيد الأوّل في الدروس 2: 336، و الشهيد الثاني في الروضة 8: 54.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 323

الإضافة.

و يرد على الأول: أنّه يمكن أن يكون المقتضي هو ابن العم بشرط الوحدة مع العمّ كذلك.

و على الثاني: أنّ السبب يمكن أن يكون مركّباً من الوحدة، فيكون التعدّد منافياً له.

و على الثالث: أنّه يمكن أن يكون ابن العمّ مانعاً لهذا السبب إذا كان (لا) «1» مع سبب آخر، و معه تضعف قوّة المانع.

و على الرابع: أنّه لا مفرد مضافاً في قول الإمام (عليه السّلام) إلّا في الرضوي الضعيف الغير الثابت انجباره في المقام.

و يمكن أن يستدلّ له بالروايتين المتقدّمتين المعتبرتين، حيث إنّ أعيان بني الام شاملة لصورة التعدد أيضاً، فمذهب الشهيدين هو الأظهر.

و منها: ما إذا تغيّرت الذكوريّة بالأُنوثيّة فيهما أو في أحدهما، كما إذا كان بدل العمّ عمّة، أو بدل ابن العمّ بنتاً، أو كان بدل العمّ عمّة و بدل الابن بنتاً، و نسب الخلاف فيما إذا تبدّل العمّ إلى الشيخ، محتجّاً باشتراك العم و العمة في السببية «2».

و فيه: أنّ الاشتراك في السببية لا يوجب الاشتراك في الممنوعية، لجواز أن يكون لأحد المسببين مدخلية فيها لم يكن للمسبب الآخر، فيتغيّر الحكم. و أولى بالتغيّر ما إذا كان التبديل في طرف المانع، و هو ظاهر. و الأخبار غير

شاملة للإناث، للتعبير فيها بالعم و الابن أو بني الأُم و بني العلّات، فقول الشيخ ساقط.

و منها: ما إذا تغيّر المورد بالهبوط، كما إذا كان بدل ابن العمّ ابن ابنه،

______________________________

(1) ليست في «س».

(2) الاستبصار 4: 170.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 324

أو بدل العمّ للأب ابنه؛ و علّل الأول بصدق الابن على ابن الابن حقيقة. و فيه: أنه ممنوع، فلا تشمله الأخبار، فلا يتعدّى إلى ذلك الموضع.

و منها: ما إذا انضمّ معهما زوج أو زوجة، و الكلام فيه كما مرّ في الموضع الأوّل.

و منها: ما إذا انضمّ معهما خال أو خالة، و اختلفوا حينئذ على أقوال أربعة.

الأول: حرمان ابن العمّ، و مقاسمة العمّ و الخال أثلاثاً، و نسب إلى عماد بن حمزة القمّي، المعروف بالطبرسي «1»، و تابعه أكثر المحقّقين كالفاضلين و الشهيدين «2» و جمهور المتأخرين.

و الثاني: حرمان العمّ خاصّة، و جعل المال للخال و ابن العمّ، و إليه ذهب القطب الراوندي و معين الدين المصري «3».

و الثالث: حرمان العم و ابن العم معاً، و اختصاص الخال بالمال، ذهب إليه سديد الدين محمود الحمصي «4».

و الرابع: حرمان العمّ و الخال، و جعل المال كلّه لابن العمّ.

و الحقّ هو الأول، أمّا حرمان ابن العمّ، فلوجود الخال الذي هو أقرب منه، و لا مانع له، كما كان للعمّ. و عدم حرمانه مع العمّ الذي هو في مرتبة الخال، إنّما كان بالإجماع، فلا يتعدّى إلى غيره.

______________________________

(1) نسبه في المختلف: 734 إلى العماد القمي المعروف بالطوسي، و في الدروس 2: 336 إلى عماد الدين بن حمزة.

(2) المحقق في الشرائع 4: 30، العلّامة في القواعد 2: 175، الشهيد في الدروس 2: 336، الشهيد الثاني في الروضة 8: 57.

(3)

حكاه عن الراوندي في المختلف: 734، و عن المصري في الدروس 2: 337.

(4) حكاه عنه في الدروس 2: 337 و الروضة 8: 57.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 325

و أما عدم حرمان العم حينئذ فلكونه بمنزلة الأب مع عدم وارث أقرب منه، و أقربية ابن العم المذكور عنه بالروايتين إنّما يفيد لو كان الأقرب وارثاً. و أمّا بدونه فلا يترتّب عليها أثر كما في الأقرب الكافر و القاتل و الرقّ.

و أمّا عدم حرمان الخال، فلعدم المانع، و حرمان من هو في مرتبته عند انفراده لا يدلّ على حرمانه.

و أمّا مقاسمة العم و الخال أثلاثاً، فلكون العمّ بمنزلة الأب، و الخال بمنزلة الأُم، و هما يقتسمان المال كذلك.

و تدلّ على الأحكام الأربعة صحيحة أبي بصير أيضاً «1». أمّا دلالتها على حرمان ابن العم، فلإطلاق الحكم بكون المال للعمّ و الخال مع اجتماعهما، سواء كان معهما ابن عمّ أو لا. و أمّا على البواقي فظاهر.

احتجّ المخالف الأول: أمّا على حرمان العم، فبوجود ابن العم.

و أما على عدم حرمان ابن العم، فبأنه لو حرم لكان بوجود الخال و هو غير صالح لذلك، لأنّ الخال لا يمنع العمّ و ابن العم أولى منه، لمنعه إيّاه فلا يمنع بالخال بطريق أولى .

و أيضاً: الخال إنّما يحجب ابن العمّ مع عدم كلّ من هو في درجته من ناحية العمومة، فأمّا مع وجود أحدهم فلا يقال إنّه محجوب به، و إنّما هو محجوب بذلك الذي من قبل العم، لأنّه يأخذ منه النصيب من الإرث، بخلاف الخال، فإنّ فرضه لا يتغيّر بوجود ابن العمّ و لا بعدمه، و الحجب إنّما يتحقّق بأخذ ما كان يستحقّه المحجوب لا ما يأخذه غيره.

و الجواب أمّا عن

دليله على حرمان العمّ: فبأنّا لا نسلّم أنّ وجود ابن العمّ مانع مطلقاً، و إنّما هو مع انفراد العمّ و مع كونه وارثاً، إذ لا دليل على

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 314.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 326

المنع مطلقاً، و ليس هنا كذلك.

و أمّا عن دليله الأوّل على عدم حرمان ابن العمّ: فبأنّ منع ابن العمّ للعمّ لا يوجب كونه أولى من العمّ مطلقاً حتّى يشمل عدم الممنوعيّة بالخال أيضاً، لا بدّ في إثباته من دليل.

و أمّا عن دليله الثاني: فبأنّ اختصاص حجب الخال لابن العمّ بعدم كلّ من هو في درجته من العمومة ممنوع، و تخصيص لعمومات منع الأقرب للأبعد بلا مخصّص.

و احتجّ الثاني: بأنّ العمّ محجوب بابن العمّ و ابن العمّ بالخال، فيختصّ الإرث به، و أيّد ذلك برواية سلمة، الدالّة على تقديم الخال على ابن العمّ «1»، فيكون مقدّماً على ما هو أضعف منه بطريق أولى .

و الجواب: أنّ محجوبيّة العمّ حينئذ بابن العمّ ممنوعة، و إنّما هي في صورة توريثه، و تقديم الخال على ابن العمّ لا يوجب تقديمه على العمّ بطريق أولى ، لأنّ أولويّته في الميراث في صورة خاصّة لا توجب أولويّته منه في جميع الأحكام.

و احتجّ الثالث: بأنّ الخال مساوٍ للعمّ في المرتبة، و ابن العمّ يمنع العمّ، و مانع أحد المتساويين من جميع الميراث مانع للآخر، و إلّا لم يكونا متساويين.

و الجواب: أنّ المسلّم إنّما تساويهما في المرتبة، و أمّا في جميع الأحكام فممنوع، فقوله: مانع أحد المتساويين مانع للآخر، إن أُريد به أحد المتساويين في جميع الأحكام فالمنع مسلّم، و لكنّ التساوي ممنوع، و إن أُريد المتساويين في المرتبة فالتساوي مسلم و المنع ممنوع.

______________________________

(1) راجع ص: 315.

مستند الشيعة

في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 327

البحث الثاني في ميراث الأخوال و الخالات
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأُولى : الخال إذا انفرد كان المال كلّه له، و كذا الخالة

؛ للإجماع، و كونه بمنزلة الام.

و لو اجتمع الخالان أو الأخوال أو الخالتان أو الخالات من نوع واحد، كما إذا كانوا لأب أو لُام أو لهما كان المال كلّه لهم؛ للإجماع، و صحيحة محمّد «1».

المسألة الثانية: لو اجتمع الخال و الخالة، أو الأخوال و الخالات

، فالمعروف من مذهب الأصحاب أنّهم يقتسمون المال بالسويّة أيضاً، و الذكر و الأُنثى فيهم سواء، و ادّعى عليه الإجماع جماعة «2». قال السيد في المسائل الناصرية: و إليه يذهب أصحابنا، و ادّعى عليه الإجماع فيها أيضاً «3».

و تدلّ عليه أيضاً مرسلة المجمع المتقدّمة «4»، و عبارة فقه الرضا (عليه السّلام) «5».

و نقل الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب: أنّهم إذا كانوا متقرّبين

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 315.

(2) منهم الطوسي في الخلاف 4: 16، و الشهيد الثاني في المسالك 2: 33، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 297، و صاحب الرياض 2: 360.

(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 222.

(4) في ص: 262.

(5) انظر ص: 316.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 328

بالأبوين أو الأب يقتسمونه للذّكر ضعف الأُنثى «1».

و هو ضعيف شاذ مردود بالإجماع و الأخبار.

المسألة الثالثة: لو اجتمع الأخوال و الخالات أو هما مع كونهم متفرّقين

، فالمعروف أنّه يسقط المتقرّب بالأب مع المتقرّب بالأبوين؛ للإجماع، و كون المتقرّب بهما أقرب عرفاً كما مرّ، فيقسّم المال بين المتقرّب بهما و المتقرّب بالام، أو بين المتقرّب بالأب و المتقرّب بالأُم.

ثمّ المعروف في كيفيّة القسمة أنّ للمتقرّب بالأُم السدس مع الوحدة ذكراً كان أو أُنثى ، و الثلث مع التعدّد، ينقسم بينهم بالسويّة، و الباقي للمتقرّب بالأبوين أو بالأب مع عدمه. و المشهور أنّهم أيضاً يقتسمونه كذلك و إن اختلفوا بالذكوريّة و الأُنوثيّة.

فهاهنا حكمان:

أحدهما: القسمة أسداساً مع وحدة المتقرّب بالأُم، و أثلاثاً مع التعدد.

و ثانيهما: قسمة الثلث و الباقي سويّة.

أمّا الأول: فلا خلاف فيه يعرف كما صرح به جماعة من الأصحاب «2»، و قال في المسالك: و هذا الحكم محلّ وفاق «3». و الظاهر أنّه كذلك، فهو الدليل عليه، و إلّا فمراعاة قاعدة التفضيل مع انضمام عدم القول بالفصل يوجب

الاقتسام للذكر ضعف الأُنثى ، و ملاحظة كون المتقرّب بالأُم بمنزلة أُم الأُم و المتقرّب بالأبوين أو الأب بمنزلة أبيها يستدعي الاقتسام على السويّة مطلقاً.

و أما الثاني: فلا إشكال في انقسام السدس أو الثلث بين المتقرّب

______________________________

(1) الخلاف 4: 17.

(2) منهم الشهيد الثاني في الروضة 8: 154، صاحب الرياض 2: 360.

(3) المسالك 2: 330.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 329

بالأُم سويّة؛ لمكان الإجماع.

و إنّما الإشكال في انقسام الباقي بين المتقرّب بالأبوين أو الأب كذلك، فإنه نقل الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب: أنّ الخؤولة للأبوين يقتسمون للذّكر ضعف الانثى «1» و حكي ذلك عن القاضي أيضاً «2»، نظراً إلى تقرّبهم بالأب في الجملة.

و ردّ بأنّ تقرّب الخؤولة بالميت بالأُم مطلقاً و لا عبرة بجهة قربها.

و اعترض عليه: بأنه متى كان الحكم كذلك و كان الاعتبار بالمتقرّب بالأُم مطلقاً فالحكم في صورة التفرّق بأنّ للمتقرّب بالأُم السدس مع الوحدة و الثلث مع الكثرة و الباقي للباقي غير صحيح، بل اللازم هو الحكم بالتساوي، لأنّه من شأن المتقرّب بالأُم «3».

و فيه: أنّ اعتبار التقرّب بالأُم إنّما يقتضي إجراء حكمه في كلّ موضع لم يدلّ دليل على خلافه، و حكمهم بالاختلاف في صورة التفرّق بسبب دليل لا ينافي الحكم بالتساوي في غير موضع الدليل، و لعل الاختلاف في صورة التفرّق إنّما هو بسبب الإجماع المذكور.

و من هنا يظهر فساد ما قيل هنا: من أنّه إن كان الاعتبار بالنظر إلى تقرّب هذا الوارث إلى الميّت فتقرّب الخؤولة مطلقاً إنّما هو بالأُم الموجب لاقتسام من يتقرّب بها بالسويّة أعمّ من أن يكون المتقرّب إليها بالأبوين أو أحدهما خاصّة، فلا وجه حينئذ لتخصيص المتقرّب إليها بالأُم بالسدس أو الثلث. و إن كان

الاعتبار بالنظر إلى تقرّب الوارث إلى الواسطة أعني الأُم-

______________________________

(1) الخلاف 4: 17.

(2) المهذب 2: 148.

(3) انظر الرياض 2: 360.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 330

فلا ينبغي النظر إلى الأُم مطلقاً «1».

فإنّ لأحد أن يقول: إنّ الاعتبار بالتقرّب إلى الميّت، و التخلّف في موضع بالإجماع لا يوجب التخلّف في غير موضعه.

إلّا أنّه بقي الكلام في وجه اقتضاء اعتبار التقرّب إلى الميّت بالأُم للتسوية مطلقاً، فإنّه لا دليل يدلّ عليه عموماً أو إطلاقاً، فإنّما هو في بعض الصور المخصوصة. و الإجماع المركّب غير ثابت. و تصوّر إطلاق مرسلة المجمع «2» غير جيّد؛ لأنّ قرابة الأُم فيها و إن كانت مطلقة إلّا أنّها مخصوصة بصورة الاجتماع مع قرابة الأب. و توهّم اقتضاء الشركة للتسوية في الأصل مردود بما مرّ «3».

فالمسألة محلّ إشكال جدّاً، كما صرّح به في الكفاية «4»، و يظهر من بعض مشايخنا أيضاً «5». بل لا يبعد ترجيح قول القاضي؛ لقاعدة تفضيل الرجال. و الاحتياط بالمصالحة حسن في كل حال.

المسألة الرابعة: لا يرث شي ء من أولاد العمومة و لا أولاد الخؤولة مع وجود خال أو خالة

؛ للإجماع، و الأقربيّة، و خصوص رواية سلمة «6»، و عبارة فقه الرضا (عليه السّلام) «7».

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 360.

(2) المتقدمة في ص: 262.

(3) راجع ص: 263.

(4) كفاية الأحكام: 301.

(5) كصاحب الرياض 2: 360.

(6) المتقدمة في ص: 315.

(7) المتقدمة في ص: 316.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 331

البحث الثالث في ميراث الأعمام و الأخوال إذا اجتمعوا

اعلم: أنه لو اجتمع عم أو عمة أو أعمام مع خال أو خالة أو أخوال، فللخال أو الخالة أو الأخوال الثلث، و للعم أو العمة أو الأعمام الثلثان، وفاقاً للمشهور «1»؛ لكون الخال أو الخالة أو الأخوال بمنزلة الأُم، و العم أو العمة أو الأعمام بمنزلة الأب، فلكلّ نوع نصيب من يتقرّب به.

و جعل الخؤولة بمنزلة الأُخت و العمومة بمنزلة الأخ كما في المسالك و الكفاية «2» لا وجه له، فإنّ نسبة الخؤولة و العمومة إلى الأُخت و الأخ كنسبتهم إلى الميّت بعينه. و لو صحّ فصحّة الاحتجاج به على المطلوب غير واضحة؛ لأنّ مطلق الأُخت ليس لها الثلث، و جعل الخال مطلقاً بمنزلة الأُخت من الأبوين محض تحكّم، إلّا أن يحمل الأُخت على أُخت الأخوال التي هي أُمّ الميّت، و الأخ على أخ الأعمام الذي هو أبوه. هذا.

و يدلُّ على الحكم أيضاً في صورة اجتماع العم و الخال صحيحة أبي بصير، و في صورة اجتماع العمة و الخالة حسنة محمد، و صحيحة أبي بصير، و مرسلة أبي المعزى، و رواية أبي مريم، و في صورة اجتماع الخال و الخالة مع العم و العمّة عبارة فقه الرضا (عليه السّلام) «3»، و بضميمة الإجماع المركّب يمكن إثبات الحكم في غير هذه الصور أيضاً.

______________________________

(1) كما في الروضة 8: 155، و المسالك 2: 330، و الرياض 2: 360.

(2) المسالك

2: 330، الكفاية: 301.

(3) انظر ص: 314 316.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 332

و ادّعى السيد في المسائل الناصرية الإجماع على الحكم في صورة اجتماع العم و الخال أيضاً «1».

و خالف في ذلك الحكم جماعة، منهم: العماني و الديلمي و المفيد و الكيدري و ابن زهرة و المصري «2»، فنزلوا الخؤولة و العمومة منزلة الكلالة، الخؤولة منزلة كلالة الأُم، و العمومة منزلة كلالة الأب، فقالوا: إنّ للخؤولة مع الوحدة السدس، و مع التعدد الثلث، و للعمومة الباقي بالقرابة مع وجود الذكر، و الثلثان بالفرض مع عدمه و ثبوت التعدد، و النصف مع عدمه، و الباقي يردّ على الجميع أو على العمومة أو العمة بناءً على الخلاف المتقدم.

و لم أعثر على حجة لهم، و القياس على الكلالة باطل. هذا.

ثم إنه على المشهور المنصور يقتسمون الأخوال ثلثهم بالسوية مع عدم التفرّق، سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً أم ذكوراً و إناثاً، و مع التفرّق يعطى المتقرّب بالأُم سدس الثلث مع الوحدة، و ثلثه بدونها، يقتسمونه سويّة، و الباقي للمتقرّب بالأبوين يقتسمونه سويّة على المشهور، و تفاضلًا على قول القاضي و بعض الأصحاب المتقدّم في البحث السابق، إلّا أنّ مرسلة المجمع «3» الشاملة لهذه المسألة تقوّي هاهنا المشهور جدّاً «4».

و الأعمام يقتسمون ثلثيهم سويّة مع عدم الاختلاف في الذكورة و الأُنوثة، و على التفاضل معه، و مع التفرّق يكون تقسيم الثلثين بينهم كتقسيم جميع المال بينهم عند عدم الخؤولة، و الوجه في الجميع واضح.

______________________________

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 223.

(2) حكاه عن العماني في المختلف: 734، الديلمي في المراسم: 223، المفيد في المقنعة: 708، و حكاه عن الكيدري و المصري في المختلف: 735، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 607.

(3)

المتقدمة في ص: 262.

(4) في «س»: خاصّة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 333

البحث الرابع في ميراث عمومة أب الميّت و خؤولته، و عمومة امّه و خؤولتها، و عمومة جدّة و خؤولته
اشاره

، و هكذا متصاعداً.

و المتعارف الاقتصار على الأول؛ لندرة تحقق الأعلى منه.

و هاهنا مسألتان:

المسألة الأُولى : إذا اجتمع الأعمام و الأخوال الثمانية

، أي: عمّ الأب و عمّته، و خاله و خالته، و عم الام و عمتها، و خالها و خالتها، فذهب الشيخ في النهاية «1»، بل هو المشهور كما في الإيضاح و المسالك «2» و غيرهما «3»: أنّ الثلث لمن يتقرّب منهم بالأُم بالسويّة، و الثلثين لمن يتقرّب منهم بالأب، ثلث الثلثين لخال الأب و خالته بينهما بالسويّة، و ثلثاهما للعمّ و العمّة بينهما للذّكر مثل حظّ الأُنثيين.

و المسألة مركبة من حكمين، أحدهما: التقسيم بين المتقرّبين أثلاثاً. و ثانيهما: تقسيم كلّ متقرّب نصيبه على النحو المذكور.

و قد صُرّح باحتمال المخالفة في كلّ منهما.

أما في الأول: فأحتمل في المسالك أن يجعل للخؤولة الأربعة الثلث يقتسمونه بالسويّة، و للأعمام الثلثين ثلثهما لعمّ الام و عمّتها بالسوية، و ثلثاهما لعمّ الأب و عمّته أثلاثاً «4».

______________________________

(1) النهاية: 657.

(2) الإيضاح 4: 230، المسالك 2: 330.

(3) كالرياض 2: 361.

(4) المسالك 2: 330.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 334

و أمّا في الثاني: فأحتمل أفضل المحقّقين نصير الملّة و الدين الطوسي في فرائضه «1» أن يعطى ثلث الثلث الذي للمتقرّب بالأُم لخالها و خالتها سوية، و ثلثاه لعمها و عمتها كذلك، و سهم الأعمام ينقسم بينهم كالمشهور.

أقول

: أما الحكم الأول، فالحقّ فيه هو المشهور؛ لمرسلة المجمع المتقدمة المنجبرة، و للعمومات الدالّة على أنّ كل نوع من ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به «2»، فاحتمال غيره ضعيف.

و أمّا الحكم الثاني، فكذلك أيضاً في ثلث المتقرّب بالأُم؛ للمرسلة المذكورة. و لولاها لاحتمل فيه ما مرّ.

و احتمل أيضاً أن ينقسم ثلث المتقرّب للُام بين الأخوال و الأعمام على التنصيف، بأن يكون

نصفه للأخوال و نصفه للأعمام. و تظهر مخالفته مع المشهور عند وحدة أحد الصنفين.

و وجه الاحتمال تقرّب عمومة الأُم بأب الام، و خؤولتها بأُمّها، و هما يقتسمان كذلك.

ثمّ نصف الثلث يحتمل أن ينقسم بينهما سويّة؛ للتقرّب بالأُم. و أن ينقسم أثلاثاً؛ لقاعدة التفضيل.

و لكن مع المرسلة المذكورة لا ينبغي الالتفات إلى الاحتمال؛ لكونها أخصّ من القاعدة المذكورة، و عدم دليل على اعتبار التقرب إلى الواسطة.

و أما ثلثا المتقرّب بالأب، فيحتمل فيه القسمة للذّكر مثل حظّ الأُنثيين مطلقاً؛ مراعاةً لقاعدة التفضيل، و نظراً إلى إطلاق المرسلة. و يحتمل القسمة أثلاثاً كما في المشهور؛ لاعتبار التقرّب بالواسطة. و لكن مع تقسيم الخال

______________________________

(1) حكاه عنه في الإيضاح 4: 230.

(2) الوسائل 26: 68 أبواب موجبات الإرث ب 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 335

و الخالة للأب ثلثهما أثلاثاً؛ للقاعدة المذكورة.

و بالجملة المسألة لخلوها عن النصّ محلّ إشكال، و مراعاة الاحتياط مهما أمكن أولى. و لو لم يمكن فلا مفرّ من الأخذ بقاعدة التفضيل المعتضدة بالمرسلة و إن خالف المشهور؛ لعدم ثبوت الإجماع في مثل المسألة.

و أمّا احتمال تقسيم المتقرّب بالأب أثلاثاً فالثلثان لأعمام الأب، و الثلث لأخواله، أخذاً بقاعدة كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، فغير سديد؛ لأنّ القدر الثابت من تلك القاعدة كون كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الجارّ إلى الميّت، و أمّا كونه بمنزلة الجارّ إلى الجارّ و هكذا فلا يعلم منه. فتأمل. هذا.

ثمّ إنّه يصير الإشكال في المسألة أشدّ، إذا كان كلّ من المتقرّبين متفرّقين، فهل الحكم حينئذ أيضاً كما ذكر أم يراعى التسديس مع وحدة المتقرّب بالأُم وحدها و التثليث مع الكثرة؟ فتأمل جدّاً.

المسألة الثانية:

عمومة الميّت و عمّاته و خؤولته و خالاته

[و أولادهم «1» و إن نزلوا أولى من عمومة أبيه و خؤولته، و عمومة امّه و خؤولتها، و أولادهم. و عمومة الأب أو الأُم و خؤولتهما و أولادهم و إن نزلوا أولى من عمومة الجد و الجدة و خؤولتهما و أولادهم و إن نزلوا. و هكذا. بالإجماع المحقق.

و احتجّوا له أيضاً بحديث الأقربية، و عموم كل ذي رحم بمنزلة

______________________________

(1) أضفناه لاقتضاء العبارة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 336

الرحم الذي يجرّ به.

و لا يخفى أنّ الاحتجاج بالأول إنما يحسن في أولويّة عمومة الميّت و خؤولته من عمومة الأب أو الأُمّ و خؤولتهما، و أولوية عمومة الأب أو الأُم و خؤولتهما عن عمومة الجد و الجدة و خؤولتهما، و هكذا. و أمّا دلالته على أولويّة أولاد عمومة الميت و خؤولته عن عمومة أبيه أو امّه أو خؤولتهما فمحلّ نظر؛ لمنع الأقربيّة مطلقاً، فإنّ كون ابن ابن العم مثلًا أقرب من عم الأب غير معلوم، بل المعلوم ظاهراً خلافه، لكون المرجع في معرفة الأقربيّة هنا العرف أو اللغة، و لا يحكم شي ء منهما على أقربية ابن ابن العم.

و كذا الاحتجاج بالثاني: فإنّه و إن دل على أنّ عمومة أب الميت و خؤولته مثلًا بمنزلة الأب، إلّا أن لتقييده بقوله: «إلّا أن يكون وارث أقرب منه» يدلّ على أنّ اعتبار المنزلة عند عدم الأقرب، فلا يعتبر المنزلة في عمومة الأب و خؤولته مع عمومة الميّت و خؤولته. و يدلّ بالمفهوم على أنّ مع الأقرب تطرح المنزلة، و يؤخذ بالأقرب، فيثبت به الحكم المذكور في اجتماع عمومة الأب مثلًا مع عمومة الميّت.

و لكنّه لا يفيد في الحكم في اجتماع عمومة الأب مع أولاد العمّ؛ لأنّ عموم المنزلة و إن

دلّ على أنّ أولاد عمومة الميّت و خؤولته بمنزلة العمومة و الخؤولة الذين هم بمنزلة الأب و الأُم، و لكنّه يدلّ أيضاً على أنّ عمومه الأب و خؤولتهما أيضاً بمنزلة أب الأب و الأُم، اللذين هما أيضاً بمنزلة الأب و الأُم، فيتساويان من هذه الجهة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 337

البحث الخامس في ميراث أولاد العمومة و الخؤولة
اشاره

اعلم: أنّه إذا فقدت العمومة و الخؤولة جميعاً فالميراث لأولادهم و إن نزلوا؛ بالإجماع، و حديث المنزلة، و صحيحة ابن سنان: قال: «اختلف أمير المؤمنين (عليه السّلام) و عثمان بن عفّان في الرجل يموت و ليس له عصبة يرثونه و له ذو قرابة لا يرثون، فقال علي (عليه السّلام): ميراثه لهم بقول اللَّه تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ 8: 75. و كان عثمان يقول: يجعل في بيت مال المسلمين» «1».

و قريب منها روايات أُخر.

ثمّ إنّ أولادهم يتقاسمون المال تقاسم آبائهم؛ لأنّ لكلّ ذي رحم نصيب من يتقرّب به.

و يدلّ على الحكم في الجملة أيضاً قوله (عليه السّلام) في رواية سلمة: في ابن عمّ و ابن خالة قال: «للذكر مثل حظّ الأُنثيين» «2».

و المراد من الذكر العمّ الذي ينزل ابن العمّ منزلته، و بالأُنثى الخالة التي ينزل ابنها منزلتها.

و على هذا فيأخذ ولد العمّ أو العمّة و إن كان أُنثى الثلثين، و ولد الخال

______________________________

(1) التهذيب 9: 327، 1175، الوسائل 26: 191 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 5 ح 1، و الآية في الأنفال: 75، الأحزاب: 6.

(2) التهذيب 9: 328، 1179، الإستبصار 4: 171، 645، الوسائل 26: 193 أبواب ميراث الأعمام و الأخوال ب 5 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 338

أو الخالة و إن كان ذكراً الثلث، و ابن

العمّة مع بنت العمّ الثلث، و يتساوى ابن الخال و ابن الخالة و بنتيهما. و يأخذ أولاد العمّ أو العمّة للأُم السدس إن كان واحداً، و الثلث إن كان أكثر، و الباقي لأولاد العمّ أو العمّة للأبوين أو الأب مع عدمهم. و كذا القول في أولاد الخؤولة المتفرّقين.

و لو اجتمعوا جميعاً فلأولاد الخال الواحد أو الخالة الواحدة للأُم سدس الثلث، و لأولاد الخالين أو الخالتين فصاعداً أو هما ثلث الثلث، و الباقي للمتقرّب منهم بالأب، و هكذا الحكم في البواقي.

و نختم الكلام في ميراث ذوي الأنساب بمسائل:

المسألة الاولى [لو اجتمع للوارث سببان أو أكثر من أسباب الإرث ]:

اعلم: أنّه قد يجتمع للوراث سببان أو أكثر من أسباب الإرث، و حينئذ فإن كان مع ذي السببين مَن هو أقرب منه فيهما لم يرث ذو السببين باعتبار شي ء من سببية، و الوجه واضح.

و إن كان معه من هو أقرب منه في أحدهما، كزوج هو ابن عمّ مع أخ، فيرث بالسبب الذي ليس معه من هو أقرب عنه، و لا يرث بالسبب الآخر، لأنّه قد ثبت أنّ الزوج مع الأخ مثلًا المال لهما على التناصف، و لم يثبت تأثير السبب الآخر في رفع هذا الحكم، و لأنّ تأثير السبب الآخر في التوريث إنّما هو إذا لم يكن معه الأخ.

و إن لم يكن معه من هو أقرب في شي ء منهما: فإمّا ليس معه من هو مساوٍ له فيهما، كعمّ هو خال أو هو ابن خال، فالمال كلّه له سواء كان أحد السببين مانعاً عن الآخر أم لا، و لا يترتّب أثر على اجتماع السببين، إذ المفروض انحصار الوارث فيه فالمال له، فإن شئت قلت: كلّه له بأحد السببين، أو بعضه بسبب و بعضه بآخر.

و إن كان معه من هو

مساوٍ له فيهما: فإمّا أن يكون أحد السببين مانعاً

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 339

عن الآخر، كأخ هو ابن عمّ مع أخ، فيرث ذو السببين النصيب الذي يقتضيه أحد سببيه، و هو السبب الأقرب دون السبب الآخر.

لا لكون السبب الآخر ممنوعاً بهذا السبب لأقربيّته؛ لأنّ منع الأقرب للأبعد إنّما هو مع تغايرهما واقعاً لا اعتباراً، إذ تحقّق الأقربيّة و الأبعديّة مع التغاير الاعتباري ممنوع، فإنّ هذا الشخص من حيث كونه أخاً إنّما يكون أقرب منه من حيث كونه ابن عمّ إذا أوجبت الحيثيّتان صيرورته شخصين متغايرين في الواقع، و أمّا مع عدم صيرورته كذلك فكيف يوجب الأقربية و الأبعدية مع عدم انفكاك شي ء من الحيثيتين عن الأُخرى . و قطع النظر عن إحداهما غير مفيد؛ لأنّه أمر غير واقعيّ، فلا يترتب عليه أمر واقعي.

و لا لكون السبب الآخر ممنوعاً بمن يساوي ذا السببين؛ لأنّ المسلّم ممنوعيّته به إذا لم يجتمع معه السبب الآخر، فإنّ ممنوعيّته به لكونه أبعد منه، و لا نسلّم أنّ ابن العم الذي هو أخ أبعد من الأخ.

بل لأنه قد ثبت أن الأخوين المجتمعين مثلًا يقتسمان جميع المال سوية، و لم يثبت زوال هذا الحكم بكون أحدهما ابن عمّ.

أو لا يكون أحد السببين مانعاً عن الآخر، كعم هو خال مع خال مثلًا، و حينئذ فيرث ذو السببين نصيب كلّ سبب، فللعمّ الذي هو خال ثلثا المال لكونه عمّاً، و سدسه لكونه أحد الخالين، و السدس الآخر للخال الآخر.

و وجهه: أنّه قد ثبت أنّ للعمّ مع الخال ثلثي المال سواء كان خالًا أم لا، و أنّ للخال الذي معه خال نصف ما للخالين، سواء كان عمّاً أم لا.

و أيضاً: كونه خالًا لو لم

يوجب تقوية تقرّبه من حيث العمّية لا يوجب ضعفه، و كونه عمّاً لو لم يقوّ تقرّبه من حيث الخالية لا يضعفه.

و أيضاً: قد ثبت أنّ كلّ نوع من ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به،

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 340

و لا شكّ أنّ العمّ الذي هو خال يجرّ بالأب فهو بمنزلته، لعدم المخصّص، و الخال الذي هو عمّ يجرّ مع الخال الآخر بالأُم فهما بمنزلتها، لعدم المخصّص. هذا.

و تدلّ عليه أيضاً في الجملة صحيحة محمد بن القاسم بن الفضيل: قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن رجل مات و ترك امرأة قرابة ليس له قرابة غيرها، قال: «يدفع المال كلّه إليها» «1».

ثم إنهم قد ذكروا هاهنا لاجتماع السببين أو الأسباب أمثلة، و نحن أيضاً نذكر ستّة منها.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 19    340     المسألة الاولى لو اجتمع للوارث سببان أو أكثر من أسباب الإرث: ..... ص : 338

وّل: اجتماع نسبين يرث بهما، كعم هو خال. و ذلك بأن يتزوج أخ الشخص من امّه بأُخته من أبيه، فهذا الشخص بالنسبة إلى ولد هذين الزوجين عمّ لأبيه و خال لُامّه.

الثاني: أنساب متعدّدة يرث بها، مثل ابن ابن عمّ لأب، هو ابن ابن خال لُامّ، هو ابن بنت عمة، هو ابن بنت خالة. و ذلك بأن يكون للشخص المذكور في المثال الأوّل أُخت لأب و أُم، و كان له أيضاً ابن، و لها بنت، فيتزوجان فيتولّد منهما ابن، فهو بالنسبة إلى الولد المذكور في المثال الأول مجمع القرابات الأربع.

الثالث: نسبان يحجب أحدهما الآخر، كأخ هو ابن عمّ. و ذلك بأن يتزوّج الرجل امرأة أخيه بعد أن ولدت منه ولداً، ثمّ أولدها الأخ

الثاني آخر، فهو أخ الولد الأول و ابن عمّه.

الرابع: سببان لا يحجب أحدهما الآخر، كزوج هو معتِق.

______________________________

(1) التهذيب 9: 295، 1057، الإستبصار 4: 151، 569، الوسائل 26: 102 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 4 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 341

الخامس: سببان يحجب أحدهما الآخر، كالإمام الذي هو معتِق.

السادس: نسب و سبب [لا «1»] يحجب أحدهما الآخر، كابن عمّ هو زوج، أو بنت عمّة هي زوجة.

و قد مرّت صور أُخرى في أوّل كتاب الميراث أيضاً.

فأيده

: اعلم أنّه من الأقرباء الذي يجتمع فيه السببان الأخ من الأبوين، و العمّ منهما، و الخال منهما، فإنّه أخ أو عمّ أو خال لأب، و أخ أو عمّ أو خال لُام، فعلى القاعدة المذكورة يلزم أنّه لو اجتمع أحدهم مع المتقرّب بالأُم وحدها ممّن هو في مرتبته أن يكون لأحدهم نصيب من يتقرّب بالأب وحده لو اجتمع مع المتقرّب بالأُم، و يشارك أيضاً المتقرّب بالأُم في نصيبه. و لكن انعقاد الإجماع على خلافه فيهم أوجب ترك ملاحظة القاعدة المذكورة فيهم.

المسألة الثانية: إذا اجتمع أحد الزوجين مع الأخوال و الأعمام

فله نصيبه الأعلى من النصف أو الربع، إجماعاً. و تدلّ عليه الأخبار الكثيرة المتقدمة بعضها، الدالة على أنّهما لا ينقصان من نصيبهما الأعلى إلّا مع الولد، كصحيحة محمد، عن أبي جعفر (عليه السّلام)، و فيها: «و إن الزوج لا ينقص من النصف شيئاً إذا لم يكن ولد، و لا تنقص الزوجة شيئاً من الربع إذا لم يكن ولد» «2».

ثمّ الباقي ينقسم بين الأخوال و الأعمام، للأخوال ثلث الأصل واحداً كان أو أكثر، ذكراً أم أُنثى، و الباقي للأعمام كذلك، فيدخل النقص عليهم.

و الدليل عليه بعد الإجماع كون الخال و الخالة بمنزلة الأُم و لها الثلث،

______________________________

(1) أضفناه لتصحيح

المتن.

(2) الكافي 7: 82، 1، الوسائل 26: 195 أبواب ميراث الأزواج ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 342

و كون العمّ و العمّة بمنزلة الأب و له الباقي بعد نصيب الام و أحد الزوجين.

ثمّ كلّاً من الفريقين أي الخؤولة و العمومة يقتسمون نصيبهم على النحو الذي سبق.

المسألة الثالثة: لو اجتمع أحدهما مع أحد الفريقين من الأعمام و الأخوال

خاصّة فله نصيبه الأعلى بالإجماع، و الباقي لأحد الفريقين. و هو إن كان واحداً فلا إشكال، و كذا إن كان متعدّداً مع اتّحاد الجهة كالأعمام من الأب خاصّة، أو من الام كذلك، أو الأخوال كذلك.

و أمّا مع اختلاف الجهة فإن كان أحد الفريقين من العمومة فقالوا: إنّ لمن يتقرّب منهم بالأُم سدس الأصل مع الوحدة، و ثلثه مع التعدّد، و الباقي للمتقرّب بالأب.

و لم أعثر فيه على مخالف، نعم كلام الفاضل في القواعد يحتمل المخالفة «1»، بأن يجعل للمتقرّب بالأُم سدس الباقي كما لا يخفى ، و ظاهر المسالك أيضاً التردّد «2» و قال في المسالك: و لم يذكروا هنا خلافاً.

و إن كان من الخؤولة فالمشهور بل الظاهر من كلام الأصحاب كما في المسالك: أنّه أيضاً كالعمومة «3»، فللمتقرّب بالأُم سدس الأصل مع الوحدة، و ثلثه مع التعدّد، و الباقي للمتقرّب بالأب.

و لكنّ الفاضل في القواعد و التحرير لم ينقل هذا القول، و اقتصر على القولين الآتيين «4». و قال في الدروس: إنّه قد يفهم من كلام الأصحاب أنّ

______________________________

(1) القواعد 2: 176.

(2) المسالك 2: 331.

(3) المسالك 2: 331.

(4) القواعد 2: 175، التحرير 2: 166.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 343

للخال للُام بعد نصيب الزوجة سدس الأصل إن اتّحد، و ثلثه إن تعدّد «1».

و ذلك كما ترى يوجب الوهن في الشهرة.

و نقل في التحرير و القواعد

و المسالك و الدروس، و غيرها «2» قولًا بأنّ للمتقرّب بالأُم سدس الباقي لا غير، فيجعل حصّة الزوج داخلة على الجميع.

و ذهب الفاضل في القواعد و التحرير و ولده فخر المحقّقين و الشهيد في الدروس إلى أنّ للمتقرّب بالأُم سدس الثلث مع الوحدة، و ثلثه مع التعدّد «3».

للمشهور: أنّ النقص لا يدخل على المتقرّب بالأُم، فيكون له نصيبه لولا أحد الزوجين.

و فيه: أنّه إن أُريد بالمتقرّب بالأُم المتقرّب بأُم الميّت، فعدم دخول النقص عليه مسلّم، و لكنّ هذه النسبة ثابتة لمطلق الخؤولة من غير اختصاص له بالخال للُام، فيتساوى الجميع. و إن أُريد به المتقرّب بأُم أُمّ الميّت حتّى يكون الخال للُام بمنزلة الجدّة للُام، و الخال للأب بمنزلة الجدّ لها، فلا دليل على عدم دخول النقص عليه، بل يدخل عليه، لأنّ الجدّ و الجدّة للُام يقتسمان المال بعد نصيب أحد الزوجين على التساوي كما مرّ.

للقول الثاني: أنّ للمتقرّب بالأُم من الخؤولة سدس نصيب الخؤولة مع الوحدة، و ثلثه مع التعدّد «4».

______________________________

(1) الدروس 2: 374.

(2) كالروضة 8: 159.

(3) القواعد 2: 175، التحرير 2: 166، فخر المحققين في الإيضاح 4: 230، الدروس 2: 373.

(4) كذا وردت العبارة في جميع النسخ، و الظاهر أنها لا تناسب دليلًا للقول الثاني، و لعلّه قد وقع خلط في النسخ. و نحن نذكر عبارة الجواهر في مقام اختيار هذا القول و الاستدلال له: .. و بذلك يظهر أنّ المتّجه في المفروض أنّ للخال من الام سدس ما بقي بعد نصيب الزوج، لأنه هو نصيب الام المنتقل إلى الخؤولة جميعهم، لا سدس الأصل. الجواهر 39: 194.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 344

و فيه: أنّ ذلك ممنوع، و لا دليل عليه، و

أخذه سدس الأصل بدون أحد الزوجين لو سلّم للإجماع، و الإجماع يحتمل أن يكون على أنّ له سدس الأصل مطلقاً، أو يكون مخصوصاً بصورة عدم وجود أحد الزوجين، على أنّ في تحقّق الإجماع فيه أيضاً كلام.

للثالث: أنّ الثلث نصيب الخؤولة، و للمتقرّب منهم بالأُم سدسه أو ثلثه.

و ضعفه ظاهر، فإنّ الثلث نصيبهم إذا اجتمعوا مع العمومة لا مطلقاً.

و إذ عرفت ضعف هذه الأدلّة فنقول: إنّ مقتضى قاعدة كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به أن ينزّل المتقرّب بالأُم بمنزلة أُم الأُم؛ لأنّها الرحم الذي يجرّ به، و المتقرّب بالأب منزلة أب الأب، و هما يقتسمان نصيبهما بالسويّة، فهاهنا أيضاً كذلك.

و أمّا قاعدة التفضيل فلا تعارض ذلك؛ لكونها أعمّ من ذلك، و لكون الأخبار الدالة على ذلك أقوى سنداً و أوضح دلالة.

فعلى هذا لا مفرّ من الأخذ بهذه القاعدة إلّا إذا ثبت الإجماع المركب، و ثبوته هنا سيما بملاحظة أنّ أكثر هذه المسائل لكونها غير عامة البلوى خالٍ عن قول من المعصوم، فباتفاق جمع من العلماء لا يحصل العلم بدخول قوله و إن كان ذلك الجمع ممن يحكم الحدس بدخول قول المعصوم فيما حكموا به باتفاقهم في المسائل العامة البلوى .

بل نقول بمثل ذلك فيما إذا كان المجامع لأحد الزوجين الأعمام المتفرقون أيضاً. و مقتضى القاعدة فيهم انقسام المال بين المتقرب بالأُم منهم و المتقرب بالأب أثلاثاً؛ لأنه كيفية القسمة بين الجد و الجدة للأب.

المسألة الرابعة:

لا ريب في أنّ حكم أولاد العمومة و الخؤولة مع أحد الزوجين كحكم آبائهم و أُمهاتهم، و الوجه و التفصيل واضح مما سبق.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 345

المقصد الثاني في ميراث ذوي الأسباب
اشاره

و الأسباب الموجبة للإرث اثنان: زوجية، و وَلاء بفتح الواو بمعنى القرب. و المراد به هنا: تقرّب أحد الشخصين بالآخر بالعتق، أو ضمان الجريرة، أو الإمامة، فأقسام الولاء ثلاثة.

و هاهنا أربعة فصول

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 347

الفصل الأول في بعض أحكام الزوجين
اشاره

و إنما قلنا بعض أحكامهما لأنه قد سبق جملة من أحكام ميراثهم، بل سبق اصولها، و قد بقيت هاهنا أحكام نذكرها في مسائل:

المسألة الأُولى : الزوجان يتوارثان ما دامت الزوجة في حبال الزوج و إن لم يدخل بها

؛ للإجماع، و صدق الزوجية، و أصالة عدم اشتراط الدخول، فيدل عليه جميع العمومات و الإطلاقات المتقدمة.

و يدلُّ عليه أيضاً الروايات الآتية الدالة على ثبوت التوارث بين الصغيرين «1»، و خصوص صحيحة محمد: في الرجل يموت و تحته امرأة لم يدخل بها قال: «لها نصف المهر، و لها الميراث كاملًا» «2».

و صحيحة عبيد بن زرارة: عن رجل تزوج امرأة و لم يدخل بها، قال: «إن هلكت أو هلك أو طلّقها فلها النصف و عليها العدة كملا، و لها الميراث» «3».

و مثلها صحيحة الحلبي «4» و رواية البجلي «5».

______________________________

(1) انظر ص: 353.

(2) الكافي 6: 118، 1، التهذيب 8: 144، 499، الإستبصار 3: 339، 1207، الوسائل 21: 326 أبواب المهور ب 58 ح 1.

(3) الكافي 6: 118، 2، التهذيب 8: 144، 500، الإستبصار 3: 339، 1208، الوسائل 21: 327 أبواب المهور ب 58 ح 3.

(4) الكافي 6: 118، 4، التهذيب 8: 144، 501، الإستبصار 3: 339، 1209، الوسائل 21: 328 أبواب المهور ب 58 ح 6.

(5) الكافي 6: 118، 3، الوسائل 21: 327 أبواب المهور ب 58 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 348

و موثقة ابن أبي يعفور: «في المرأة توفيت قبل أن يدخل بها، ما لها من المهر؟ و كيف ميراثها؟ فقال: إذا كان قد فرض لها صداقاً فلها نصف المهر، و هو يرثها، و إن لم يكن فرض لها صداقاً فلا صداق لها. و قال في رجل توفي قبل أن يدخل بامرأته، قال: إن كان قد فرض لها مهراً فلها

نصف المهر، و هي ترثه» «1».

و موثقة عبيد بن زرارة و البقباق: قالا، قلنا لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): ما تقول في رجل تزوج امرأة ثم مات عنها و قد فرض لها الصداق؟ فقال: «لها نصف الصداق، و ترثه من كل شي ء، و إن ماتت فهو كذلك» «2» إلى غير ذلك من الأخبار المتكثرة.

و يستثنى من ذلك ما إذا كان الزوج مريضاً حال التزويج و لم يبرأ من مرضه، و يأتي بيانه.

المسألة الثانية: إذا كانت الزوجة مطلّقة رجعية فيتوارثان إذا مات أحدهما في العدة

بالإجماع؛ للأخبار العديدة، كصحيحة الحلبي: قال: «إذا طلّق الرجل و هو صحيح لا رجعة له عليها، لم ترثه و لم يرثها» و قال: «هو يرث و يورث ما لم تر الدم من الحيضة الثالثة إذا كان له عليها رجعة» «3».

و صحيحة محمد بن قيس: «أيّما امرأة طُلِّقت ثم توفي عنها زوجها قبل أن تنقضي عدتها و لم تحرم عليه فإنها ترثه ثم تعتد عدّة المتوفى عنها

______________________________

(1) الكافي 6: 119، 6، التهذيب 8: 147، 510، الإستبصار 3: 341، 1220، الوسائل 21: 328 أبواب المهور ب 58 ح 8.

(2) الكافي 6: 119، 7، التهذيب 8: 147، 511، الإستبصار 3: 342، 1221، الوسائل 21: 329 أبواب المهور ب 58 ح 9.

(3) الكافي 7: 134، 3، التهذيب 9: 383، 1369، الوسائل 26: 223 أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 349

زوجها، و إن توفيت و هي في عدتها و لم تحرم عليه فإنه يرثها» «1».

و موثقته و هي قريبة منها أيضاً «2».

و موثقة زرارة: عن الرجل يطلّق المرأة، قال: «ترثه و يرثها ما دام له عليها رجعة» «3».

و موثقة محمد: عن رجل طلّق امرأته تطليقة على طهر، ثم توفي عنها و

هي في عدتها، قال: «ترثه و تعتد عدة المتوفى عنها زوجها، و إن كانت قبل انقضاء العدة منه ورثها و ورثته، و إن قتل أو قتلت و هي في عدتها ورث كل واحد منهما من دية صاحبه» «4». إلى غير ذلك.

و لا تعارض ذلك صحيحة الحلبي: عن الرجل يحضره الموت فيطلّق امرأته، هل يجوز طلاقه؟ قال: «نعم، و إن مات ورثته، و إن ماتت لم يرثها» «5».

لإطلاقها فيجب تقييدها بالطلاق البائن. و لا ينافيه الحكم بإرث الزوجة؛ لما يأتي من أنّ الزوج إذا كان مريضاً و طلّق بائناً ترثه الزوجة،

______________________________

(1) الكافي 6: 121، 6، التهذيب 8: 79، 269، الإستبصار 3: 305، 1087، الوسائل 22: 250 أبواب العدد ب 36 ح 3، 4.

(2) التهذيب 9: 381، 1362، الإستبصار 3: 343، 1225، الوسائل 26: 224 أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 8.

(3) الكافي 7: 134، 2، التهذيب 9: 383، 1368، الإستبصار 3: 308، 1095، الوسائل 26: 223 أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 4.

(4) التهذيب 8: 81، 276، الوسائل 26: 224 أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 5. و لا يخفى أنّ فقرة: «و إن قتل ..» إلى آخر الرواية مذكورة في ذيل موثقة أُخرى لمحمد. راجع: التهذيب 9: 381، 1363، الإستبصار 4: 194، 730، الوسائل 26: 225 أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 9.

(5) الكافي 6: 123، 11، الفقيه 3: 354، 1695، التهذيب 8: 79، 268، الوسائل 22: 151 أبواب أقسام الطلاق و أحكامه ب 22 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 350

على أنه لولا ذلك أيضاً لم يضر، لوجوب الحكم بشذوذها، لمعارضتها للأخبار الصحاح المستفيضة المعاضدة بالإجماع.

و أما إذا كانت بائنة كغير المدخول

بها و اليائسة و المطلقة ثالثة و المختلعة و المباراة فلا توارث بينهما إجماعاً؛ لمنطوق الصحيحة الأُولى ، و مفهوم الموثقة الثانية، و صحيحة زرارة: «إذا طلّق الرجل امرأته توارثا ما كانت في العدة، فإذا طلّقها التطليقة الثالثة فليس له عليها رجعة، و لا ميراث بينهما» «1».

و حسنة عبد الأعلى مولى آل سام، و في آخرها: و قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يطلّق امرأته طلاقاً لا يملك فيه الرجعة، قال: «قد بانت منه بتطليقها، و لا ميراث بينهما في العدة» «2».

و صحيحة يزيد الكناسي: «لا ترث المختلعة و المخيرة و المباراة و المستأمرة في طلاقها، هؤلاء لا يرثن من أزواجهن شيئاً في عدتهن، لأن العصمة قد انقطعت فيما بينهن و بين أزواجهن من ساعتهن، فلا رجعة لأزواجهن، و لا ميراث بينهم» «3» و غير ذلك من الأخبار.

و أما إطلاق التطليقة في الموثقة الأخيرة و غيرها من الأخبار فمقيدة بالرجعية، لوجود المقيد.

و أما موثقة يحيى الأزرق: «المطلقة ثلاثاً ترث و تورث ما دامت في عدتها» «4».

______________________________

(1) الفقيه 4: 228، 723، الوسائل 26: 225 أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 10.

(2) التهذيب 9: 384، 1372، الوسائل 26: 224 أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 7.

(3) التهذيب 9: 384، 1371، الوسائل 26: 224 أبواب ميراث الأزواج ب 13 ح 6.

(4) التهذيب 8: 94، 320، الإستبصار 3: 290، 1026، الوسائل 22: 156 أبواب أقسام الطّلاق و أحكامه ب 22 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 351

فحملها في التهذيبين على ما إذا وقعت الثلاث في مجلس واحد فتحسب بواحدة يملك معها الرجعة «1».

و هو حسن، حيث اشتهر التطليق بهذا النحو بين العامة. و مع قطع النظر

عنه فلا تعارض ما تقدم، لأصحيته و أكثريته و اعتضاده بالإجماع.

ثم إنّه استثني من عدم الإرث مع الطلاق البائن ما لو كان المطلّق مريضاً، فإنها ترثه إلى سنة و لا يرثها هو، و يأتي تحقيقه.

المسألة الثالثة: إذا كنّ الزوجات أكثر من واحدة فلا يزيد لهنّ من الربع عند عدم الولد، و الثمن معه

، بل هنّ مشتركات في الربع أو الثمن يقتسمونه بالسوية بالإجماع، و الأخبار.

منها صحيحة علي بن مهزيار الآتية في المسألة الحادية عشرة «2».

و منها الرواية الآتية في المسألة الرابعة «3».

و منها رواية أبي عمر العبدي عن أمير المؤمنين (عليه السّلام)، و فيها: «و لا تزاد المرأة على الربع و لا تنقص من الثمن و إن كنّ أربعاً أو دون ذلك، فهنّ فيه سواء» «4».

و هذه الرواية مما شهد الفضل بأن هذا حديث صحيح على موافقة الكتاب «5».

و قد يتأمل في دلالته من حيث إمكان إرجاع الضمير المجرور في

______________________________

(1) التهذيب 8: 94، الاستبصار 3: 291.

(2) انظر ص: 397.

(3) انظر ص: 350 و 351.

(4) الفقيه 4: 188، 657، التهذيب 9: 249، 964، الوسائل 26: 196 أبواب ميراث الأزواج ب 2 ح 1؛ و في الفقيه و التهذيب: أبو عمرو العبدي.

(5) الفقيه 4: 189.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 352

قوله: «فيه» إلى الحكم، دون الربع أو الثمن، و إرادة كل واحد منهن من قوله «فهن».

و لا يخفى ما فيه، فإنه موقوف على تقدير كل واحد، و هو خلاف الأصل.

و قد يعلل أيضاً بأنه لو أُعطيت كل زوجة ذلك لاستغرق نصيبهن التركة على بعض الوجوه أو مع نصيب بعض الورثة كالأبوين، فيلزم حرمان غيرهن أجمع، أو بعضهم، و هو خلاف الإجماع، بل الأخبار الكثيرة، منها ما دلّت على أنّ الأُم لا تنقص من السدس شيئاً.

المسألة الرابعة: إذا كان لرجل أربع نسوة فطلّق إحداهن بائنة و تزوج بالأُخرى

، أو رجعية و تزوج بعد العدة، ثم مات و اشتبهت المطلّقة، كان للأخيرة ربع الربع أو ربع الثمن و يقسم الباقي بين الأربعة بالسوية، وفاقاً لغير الحلّي، و هو قال: إنّ بعد وضع نصيب الأخيرة يقرع بين الأربع، فمن أخرجتها القرعة بالطلاق

مُنعت من الإرث، و حكم بالنصيب للباقيات بالسوية «1».

لنا: رواية أبي بصير: «عن رجل تزوج أربع نسوة في عقد واحد أو قال: في مجلس واحد و مهورهنّ مختلفة، قال: «جائز له و لهنّ» قال: أ رأيت إن هو خرج إلى بعض البلدان فطلّق واحدة من الأربع و أشهد على طلاقها قوماً من أهل تلك البلاد، و هم لا يعرفون المرأة، ثم تزوج امرأة من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عدّة تلك المطلقة، ثم مات بعد ما دخل بها،

______________________________

(1) نُسب الخلاف إلى الحلّي في كشف الرموز 2: 464، و التنقيح 4: 193، و الدروس 2: 361، و الروضة 8: 178. و لكن لم نعثر عليه في السرائر، بل الظاهر أنه موافق للأصحاب كما ذكره في مفتاح الكرامة 8: 185، و أُنظر السرائر 3: 301.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 353

كيف يقسّم ميراثه؟ قال: «إن كان له ولد فإنّ للمرأة التي تزوجها أخيراً من أهل تلك البلاد ربع ثمن ما ترك، و إن عرفت التي طلّقت من الأربع بعينها و نسبها فلا شي ء لها من الميراث، و ليس عليها العدة، قال: و يقتسمن الثلاث نسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك، و عليهنّ العدة، و إن لم تُعرف التي طلّقت من الأربع اقتسمن الأربع نسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك بينهنّ جميعاً، و عليهنّ جميعاً العدّة» «1».

و هذه الرواية مع صحتها على ما وصفها به الأكثر و إن كان فيه كلام لاحتمال اشتراك أبي بصير الراوي عن أبي جعفر (عليه السّلام) بين الثقة و غير الثقة كما حققناه في موضعه معتضدة باشتهار الرواية بين العلماء و عملهم بمضمونها استناداً إليها، بل بظاهر الإجماع.

احتجّ الحلي بأنّ القرعة لكل

أمر مشتبه، إما مطلقاً، أو في الظاهر مع كونه معيَّناً عند اللَّه، و الأمر هنا كذلك، لأنّ المطلّقة غير وارثة في نفس الأمر.

و بأنّ الحكم بتوريث الجميع يستلزم توريث من يعلم عدم إرثه، للعلم بأنّ إحدى الأربع غير وارثة.

و الجواب عن الأول: بأنّ الاشتباه إنما كان لو لم يكن الدليل، قوله: المطلّقة غير وارثة، قلنا: المطلّقة المعيّنة دون المشتبهة.

و عن الثاني: بأنّ العلم بأنّ إحدى الأربع غير وارثة ممنوع، بل كان ذلك لو لم تكن مشتبهة، نعم هذا حسن على أصله حيث لا يعمل بالآحاد. هذا.

ثم إنّه هل يتعدى الحكم إلى غير المنصوص أيضاً كما لو كان للمطلِّق

______________________________

(1) الكافي 7: 131، 1، التهذيب 8: 93، 319، الوسائل 26: 217 أبواب ميراث الأزواج ب 9 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 354

دون أربع زوجات، أو لم يتزوج أُخرى، أو تزوج بأكثر من واحدة، أو طلّق أكثر من واحدة، أو حصل الاشتباه في جملة الخمس، أو الأكثر، أو اشتبهت المطلّقة في أقل من الأربع: أو فسخ نكاح واحدة لعيب أو غيره.

فيه وجهان: أحدهما: انسحاب الحكم السابق في جميع هذه الفروع، و الثاني: القرعة.

قوّى الأخير في المسالك، ثم قال: و الصلح خير «1».

و قال في الإيضاح: و الأقوى عندي الصلح أو القرعة «2».

و توقف فيه جمع منهم الفاضل «3» و الشهيد «4».

و هو في موقعه؛ لأنّ استصحاب الحكم السابق لكل منهما يقتضي الأول، و لا يضرهُ العلم بعدم زوجية الجميع كما في استصحاب الطهارة في كل من الأوان الأربع المشتبهة. و قولهم (عليهم السّلام): القرعة لكل أمر مشتبه، يثبت الثاني. و يمكن منع الاشتباه لمكان الاستصحاب.

و منه يظهر رجحان الأول، إلّا أنّ الاستصحاب إنما يجري فيما

إذا لم تزد الزوجات التي يقسم المال بينهنّ عن الأربع، و إلّا فالحكم الجاري حينئذ غير الحكم السابق، لنقص النصيب، فالرجوع إلى القرعة حينئذ أولى. و الأولى منها، بل منهما: الصلح.

و قد يستدل للأول أيضاً بأنّ جميع هذه الفروع مشاركة للمنصوص في المقتضي، و هو اشتباه المطلّقة بغيرها و تساوي الكل في الاستحقاق،

______________________________

(1) المسالك 2: 332.

(2) الإيضاح 4: 240.

(3) القواعد 2: 178.

(4) الدروس 2: 361.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 355

فلا ترجيح بينها. و أنه لا خصوصية ظاهرة في قلّة المشتبه و كثرته، فالنص على عين لا يفيد التخصيص بالحكم، بل للتنبيه على مأخذ الحكم و إلحاق كل ما حصل فيه الاشتباه به.

و فيهما: أنّ مآلهما إلى قياس لا نقول به.

المسألة الخامسة: إذا زوّج الصبيةَ وليّها لبالغٍ، أو الصبي وليّه لبالغةٍ، أو الصبي و الصبية وليّاهما

، ورث كل منهما الآخر لو مات، بلا خلاف ظاهر.

و يدلُّ على الجميع عمومات ميراث الزوج و الزوجة. و على الأخير خصوص صحيحة محمد، عن أبي جعفر (عليه السّلام): في الصبي يتزوج الصبية، يتوارثان؟ قال: «إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم» «1».

و مثلها رواية عبيد بن زرارة «2».

و أما صحيحتا الحلبي «3» و الحذاء «4» الدالتان على ثبوت الخيار للصغيرين اللذين زوجاهما ولياهما، و نفيِ التوارث بينهما إن ماتا قبل البلوغ و عزلِ نصيب الحي إن مات أحدهما إلى أن يبلغ و يحلف.

فمتروكتان معارضتان بأقوى منهما من الأخبار النافية للخيار حينئذ «5».

فإن قيل: بطلان الخيار لا يوجب بطلان نفي التوارث، فإنّ فساد جزء من الحديث لا يوجب فساد الجزء الآخر.

______________________________

(1) التهذيب 7: 388، 1556، الوسائل 20: 292 أبواب عقد النكاح ب 12 ح 1.

(2) الكافي 7: 132، 3، الفقيه 4: 227، 720، الوسائل 22: 80 أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه ب 33 ح

2.

(3) الفقيه 4: 227، 722، الوسائل 26: 220 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 4.

(4) الكافي 7: 131، 1، التهذيب 7: 388، 1555، الوسائل 26: 219 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 1.

(5) انظر الوسائل 20: 276 أبواب عقد النكاح ب 6 ح 3 و 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 356

قلنا: نعم إذا لم يحتمل ترتب الحكم المستفاد من الجزء الثاني على الحكم المستفاد من الأول، فإن علم ذلك أو احتمل يخرج الثاني أيضاً عن الحجيّة.

فإن قيل: الأصل عدم الترتب.

قلنا: ممنوع كما بينا في موضعه، فإنّ الحكم معلول لعلة، و هي كما يمكن أن تكون غير ذلك الجزء وحده يمكن أن تكون مع ذلك الجزء أو مجرد ذلك الجزء. مع أنّ الترتب فيما نحن فيه معلوم؛ لتعليل نفي ميراث الزوج في الصحيحة بثبوت الخيار لهما.

على أنّهما لا تعارضان الأُوليين؛ لموافقة الأُوليين لعموم الكتاب، بل معاضدتهما لظاهر الإجماع و عموم الروايات.

هذا كله إذا سلّمنا أنّ المراد بالولي في صحيحة الحذاء هو الأب أو الجد، و أمّا إذا قلنا بكونه غيره كما هو الظاهر كما يأتي فالأمر أسهل.

هذا إذا كان التزويج من كفو و بمهر المثل. و لو تخلّف أحدهما أو كلاهما فإن قلنا بصحة العقد و عدم الخيار فكذلك أيضاً بلا إشكال، و كذا إن قلنا في صورة تخلّف مهر المثل بالخيار بين المسمى و الرجوع إلى مهر المثل.

و إن قلنا بالبطلان فلا توارث بلا إشكال أيضاً.

و إن قلنا بالخيار في العقد فجعله في المسالك كالأول أيضاً؛ لصدق الزوجية «1».

و لا ينافيه ثبوت الخيار، كما لا ينافي ثبوته في الملكية، سيما إذا لم يكن الخيار ثابتاً إلّا بعد زمان. و عدم التوارث في العقد

الفضولي لو ماتا

______________________________

(1) المسالك 2: 332.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 357

قبل البلوغ لا يوجب عدمه هنا، لقيام الفارق، فإنّ المقتضي التام للزوجية هاهنا متحقق و الفسخ رافع له، بخلاف الفضولي فإنّه لا يتم المقتضي إلّا بعد الإجازة، و لذا يحتاج انتفاء الزوجية هاهنا إلى أمر هو الفسخ، و يحتاج ثبوتها في الفضولي إلى أمر هو الإجازة.

و هو كان حسناً لولا التعليل الآتي في صحيحة الحذاء لنفي التوارث بالخيار، و لكنه ينفي التوريث عن ذي الخيار لا عن الجانبين، فهو الأقوى، كما هو الحكم لو قلنا بكونه حينئذ كالفضولي، فإنّه لا ينتفي التوارث من الجانبين، بل ينظر إلى من له الخيار و الميت، فيحكم بما يقتضيه.

و لو زوجهما غير الولي فضولًا و لم يكن لهما ولي يجيز العقد أو يردّه، فلو مات أحدهما أو كلاهما قبل البلوغ بطل العقد، و لا ميراث لشي ء منهما. و لو بلغ أحدهما و أجاز العقد ثم مات قبل بلوغ الآخر عزل للآخر نصيبه، فإن مات أو ردّ بعد البلوغ لم يرث، و إن أجاز حلف على عدم سببية الرغبة في الميراث أو المهر للإجازة و ورث.

و تدل على الحكم صحيحة الحذاء: عن غلام و جارية زوجهما وليّان لهما و هما غير مدركين، فقال: «النكاح جائز و أيهما أدرك كان له الخيار، و إن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما و لا مهر، إلّا أن يكونا قد أدركا و رضيا» قلت: فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال: «يجوز ذلك عليه إن هو رضي» قلت: فإن كان الرجل الذي أُدرك قبل الجارية و رضي بالنكاح ثم مات قبل أن تدرك الجارية. أ ترثه؟ قال: «نعم، يعزل ميراثها منه حتى

تدرك، فتحلف باللَّه ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالتزويج، ثم يدفع إليها الميراث و نصف المهر» قلت: فإن ماتت الجارية و لم تكن أدركت، أ يرثها الزوج المدرك؟ قال: «لا، لأنّ لها الخيار إذا أدركت» قلت

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 358

فإن كان أبوها هو الذي زوجها قبل أن تدرك؟ قال: «يجوز عليها تزويج الأب، و يجوز على الغلام، و المهر على الأب للجارية» «1».

وجه الاستدلال أنّ المراد بالوليين غير الأب و الجد من الوصي لأحدهما أو الحاكم أو مطلق الأقارب كما ورد كثيراً في الأخبار بقرينة قوله في آخر الحديث «فإن كان أبوها». و أيضاً: لم تثبت الحقيقة الشرعية و لا العرفية العامة في الولي، و إنما يحمل على الأب و الجد بمعونة القرائن، و لا قرينة هنا، بل القرينة موجودة على خلافه.

و دلالتها على عدم التوارث إن ماتا معاً قبل البلوغ: بقوله «و إن ماتا ..».

و على عدمه إن مات أحدهما: بقوله «إلّا أن يكونا ..» و بقوله «فإن ماتت الجارية».

و على الحلف و التوريث مع موت أحدهما بعد الإجازة و حياة الآخر إلى البلوغ: بقوله «فإن كان الرجل.».

ثم إنّ هذه و إن كانت مخصوصة بما إذا مات الرجل بعد البلوغ و الرضا، إلّا أنّ الأصحاب حملوها عليه أيضاً للاشتراك في العلة، و الأصل يقتضي انتفاء الحلف و التوريث، إلّا أنّ الظاهر عدم الخلاف فيه، فتأمل.

و هل يثبت الحكم لو كان تزوّج بالغ بغير بالغة فضولًا أو زوّجه وليه بها ثم مات؟

فيه وجهان، لعدم خصوصية ظاهرة لوقوع العقد من الطرفين فضولًا، و رواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): قال في الرجل يزوّج ابنه

______________________________

(1) الكافي 7: 131،

1، التهذيب 7: 388، 1555، الوسائل 26: 219 أبواب ميراث الأزواج ب 11 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 359

يتيمة في حجره و ابنه مدرك و اليتيمة غير مدركة قال: «نكاحه جائز على ابنه، و إن مات عزل ميراثها منه حتى تدرك، فإذا أدركت حلفت باللَّه ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالنكاح، ثم يدفع إليها الميراث و نصف المهر» قال: «و إن ماتت هي قبل أن تدرك و قبل أن يموت الزوج لم يرثها الزوج، لأنّ لها الخيار عليه إذا أدركت، و لا خيار له عليها» «1».

ثم إنّه فيما إذا وقع العقد فضولياً من الجانبين أو من أحدهما و قلنا باتحاد الحكم لو مات المجيز بعد الإجازة و قبل الحلف، فالظاهر انتفاء الإرث، لكونه موقوفاً على اليمين و لم يتحقق، فيعمل بمقتضى الأصل، و كذا لو نكل. و لو جنّ يعزل نصيبه إلى أن يُفيق فيحلف أو يموت أو حصل اليأس من إفاقته فيردّ إلى سائر الورثة.

و هل يكون حكم المجنونين حكم الصغيرين؟

قيل: الظاهر نعم. و هو غير متجه، لأنه لا يثبت إلّا بالقياس، و هو باطل.

و هل ينسحب الحكم إلى البالغين إذا زوجهما الفضولي؟

الأقرب: لا، و الوجه ظاهر.

المسألة السادسة [هل تحرم الزوجة عن شي ء من ميراث الزوج في الجملة؟]:

اعلم أنه انعقد الإجماع من علمائنا إلّا الإسكافي «2» على حرمان الزوجة عن شي ء من ميراث الزوج في الجملة، و عن نكت الإرشاد و شرح الشرائع للصيمري ادعاء الإجماع عليه «3»، و عن

______________________________

(1) الفقيه 4: 227، 721، الوسائل 21: 330 أبواب المهور ب 58 ح 14.

(2) حكاه عنه في المختلف: 736.

(3) حكاه عنهما في الرياض 2: 364.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 360

الانتصار و السرائر و المسالك و ظاهر الغنية «1»

و غيرها «2» أنه من متفردات الإمامية، و لكن وقع الخلاف في ذلك في بعض المواضع.

و نحن نذكر أولًا الأخبار الواردة في هذا المقام، ثم نتبعه بتفصيل المراد.

و نقول: الأخبار في هذا المضمار كثيرة جدّاً:

الأول: رواية محمد: «النساء لا يرثن من الأرض و لا من العقار شيئاً» «3».

و الثاني: صحيحة زرارة: «إنّ المرأة لا ترث مما ترك زوجها من القرى و الدور و السلاح و الدواب شيئاً، و ترث من المال و الفرش و الثياب و متاع البيت مما ترك، و يقوّم النقض و الأبواب و الجذوع و القصب و تعطى حقها منه» «4».

و الثالث: موثقته و هي مثل الصحيحة إلّا أنّه قال: «الرقيق» بدل «الفرش» و لم يذكر الأبواب «5».

الرابع: رواية طربال و هي مثل الموثقة، إلّا أنّه قال «و يقوّم نقض الأجذاع و القصب و الأبواب» «6».

______________________________

(1) الانتصار: 301، السرائر 3: 258، المسالك 2: 334، الغنية (الجوامع الفقهية): 607.

(2) انظر: كشف اللثام 2: 301، و الرياض 2: 364.

(3) الكافي 7: 127، 1، التهذيب 9: 298، 1066، الإستبصار 4: 152، 572، الوسائل 26: 207 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 4.

(4) الكافي 7: 127، 2، التهذيب 9: 298، 1065، الإستبصار 4: 151، 571، الوسائل 26: 205 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 1.

(5) التهذيب 9: 299، 1072، الإستبصار 4: 153، 578، الوسائل 26: 210 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 12.

(6) الفقيه 4: 252، 811، الوسائل 26: 210 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 361

الخامس: صحيحة الفضلاء الخمسة: «المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض، إلّا أن يقوّم الطوب و الخشب قيمة فتعطى

ربعها أو ثمنها إن كان له ولد من قيمة الطوب و الجذوع و الخشب» «1».

السادس: حسنة زرارة و محمد: «لا ترث النساء من عقار الأرض شيئاً» «2».

السابع: رواية عبد الملك بن أعين: «ليس للنساء من الدور و العقار شي ء» «3».

الثامن: رواية يزيد الصائغ: عن النساء، هل يرثن الأرض؟ فقال: «لا، و لكن يرثن قيمة البناء» قال، قلت: فإنّ الناس لا يرضون أبداً، فقال: «إذا ولينا و لم يرض الناس ضربناهم بالسوط، فإن لم يستقيموا ضربناهم بالسيف» «4».

التاسع: روايته أيضاً: «إنّ النساء لا يرثن من رباع الأرض شيئاً، و لكن لهنّ قيمة الطوب و الخشب» الحديث «5».

العاشر: صحيحة مؤمن الطاق: «لا يرثن النساء من العقار شيئاً، و لهنّ قيمة البناء و الشجر و النخل» يعني بالبناء: الدور، و إنما عنى من النساء

______________________________

(1) الكافي 7: 128، 3، التهذيب 9: 297، 1064، الإستبصار 4: 151، 570، الوسائل 26: 207 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 5؛ و كلمة: «له ولد» غير موجودة في التهذيب و الاستبصار.

(2) الكافي 7: 128، 4، الوسائل 26: 208 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 6.

(3) الكافي 7: 129، 9، التهذيب 9: 299، 1070، الإستبصار 4: 152، 576، الوسائل 26: 209 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 10.

(4) الكافي 7: 129، 8، الوسائل 26: 208 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 8.

(5) الكافي 7: 129، 10، التهذيب 9: 299، 1069، الإستبصار 4: 152، 575، الوسائل 26: 210 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 11.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 362

الزوجة «1».

الحادي عشر: رواية ميسر بياع الزطي: عن النساء ما لهنّ من الميراث؟ قال: «لهنّ قيمة الطوب و البناء و الخشب و القصب، فأما

الأرض و العقارات فلا ميراث لهنّ فيه» قال، قلت: فالثياب؟ قال: «الثياب لهنّ نصيبهن» «2».

الثاني عشر: رواية محمد: «ترث المرأة الطوب، و لا ترث من الرباع شيئاً» «3» الحديث.

الثالث عشر: صحيحة زرارة أو محمد: «لا ترث النساء من عقار الدور شيئاً، و لكن يقوّم البناء و الطوب و تعطى ثمنها أو ربعها» «4» الحديث.

الرابع عشر: حسنة حماد بن عثمان: «إنّما جعل للمرأة قيمة الخشب و الطوب لئلّا يتزوّجن فيدخل عليهم» «5».

الخامس عشر: رواية محمد و زرارة: «إنّ النساء لا يرثن من الدور و لا من الضياع شيئا، إلا أن يكون أحدث بناءً فيرثن ذلك البناء» «6».

______________________________

(1) الفقيه 4: 252، 809، الوسائل 26: 211 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 16.

(2) الكافي 7: 130، 11، الفقيه 4: 251، 807، التهذيب 9: 299، 1071، الإستبصار 4: 152، 577، الوسائل 26: 206 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 3.

(3) الكافي 7: 128، 5، قرب الإسناد: 56، 182، الوسائل 26: 206 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 2.

(4) في نسخة من الكافي 7: 129، 6، و في الوسائل 26: 208 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 7: زرارة و محمّد.

(5) الكافي 7: 129، 7، الفقيه 4: 252، 810، التهذيب 9: 298، 1068، الإستبصار 4: 152، 574، الوسائل 26: 209 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 9.

(6) التهذيب 9: 300، 1073، الإستبصار 4: 153، 579، الوسائل 26: 210 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 13.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 363

السادس عشر: ما كتب الرضا (عليه السّلام) إلى محمد بن سنان: «علة المرأة أنّها لا ترث من العقار شيئاً إلّا قيمة الطوب و النقض، لأنّ العقار لا يمكن تغييره

و قلبه» الحديث «1».

السابع عشر: رواية موسى بن بكر: قال: قلت لزرارة: إنّ بكيراً حدّثني عن أبي جعفر (عليه السّلام): «أنّ النساء لا ترث امرأة مما ترك زوجها من تربة دار و لا أرض، إلّا أن يقوّم البناء و الجذوع و الخشب فتعطى نصيبها من قيمة البناء، و أما التربة فلا تعطى شيئاً من الأرض و لا تربة دار» قال زرارة: هذا مما لا شك فيه «2».

الثامن عشر: ما رواه الصفار في بصائر الدرجات بإسناده عن عبد الملك: قال: دعا أبو جعفر بكتاب علي (عليه السّلام)، فجاء به جعفر مثل فخذ الرجل مطويّاً، فإذا فيه: «أنّ النساء ليس لهنّ من عقار الرجل إذا توفي عنهنّ شي ء» فقال أبو جعفر (عليه السّلام): «هذا و اللَّه خط علي (عليه السّلام) بيده و إملاء رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله)» «3».

التاسع عشر: ما رواه الصدوق في الصحيح، عن ابن أُذينة: في النساء إذا كان لهنّ ولد أُعطين من الرباع «4».

العشرون: صحيحة البقباق و ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)

______________________________

(1) الفقيه 4: 251، 808، التهذيب 9: 300، 1074، الاستبصار 4: 153، 579، العلل: 572، 2، عيون أخبار الرضا « (عليه السّلام)»: 96، الوسائل 26: 210 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 14.

(2) التهذيب 9: 301، 1077، الإستبصار 4: 153، 580، الوسائل 26: 211 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 15.

(3) بصائر الدرجات: 165، 14، الوسائل 26: 212 أبواب ميراث الأزواج ب 6 ح 17.

(4) الفقيه 4: 252، 813، الوسائل 26: 213 أبواب ميراث الأزواج ب 7 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 364

قال: سألته عن الرجل، هل يرث من دار امرأته أو أرضها

من التربة شيئاً؟ أو يكون في ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك شيئاً؟ فقال: «يرثها و ترثه كل شي ء ترك و تركت» «1».

الحادي و العشرون: موثقة [عبيد بن ] زرارة و البقباق المتقدمة في المسألة الاولى «2».

و لنعقب ذلك ببيان معنى بعض الألفاظ المذكورة في تلك الأخبار، من العقار و الضياع و غيرها.

فنقول: أما العقار فقال في الصحاح: العقار بالفتح-: الأرض و الضياع و النخل، و منه قولهم ما له دار و لا عقار «3».

و قال في القاموس: العقار: الضيعة، كالعُقري بالضم إلى أن قال و النخل «4».

و قال في النهاية لابن الأثير: العقار بالفتح-: الضيعة و النخل و الأرض «5».

و قال في المصباح المنير: العقار مثل سلام: كل ملك ثابت له أصل، كالدار و النخلة «6».

و قال في مجمع البحرين: و في الحديث ذكر العقار كسلام، و هو: كل

______________________________

(1) الفقيه 4: 252، 812، التهذيب 9: 300، 1075، الإستبصار 4: 154، 581، الوسائل 26: 212 أبواب ميراث الأزواج ب 7 ح 1.

(2) راجع ص: 346.

(3) الصحاح 2: 754.

(4) القاموس 2: 97.

(5) النهاية 3: 274.

(6) المصباح المنير: 421.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 365

ملك ثابت له أصل، كالدار و الأرض و النخلة و الضياع «1».

و قال في المسالك: و الشجر من جملة العقار «2».

و قال الهروي: العقار: الأصل.

و هذه العبارات كما ترى متطابقة في الدلالة على كون العقار حقيقة في مطلق الأرض و الضيعة من غير تخصيص له بالدار.

و يؤيده عطفه على الدار في الرواية السابعة. و كذا يؤيده ما وقع في بعض كتب الأحاديث من أنهم يعنونون باب ما يذكرون فيه الترغيب في شري الأرض المُغِلَّة و الماء و كراهة بيعها بباب: شري العقارات

و بيعها «3». و كذا رواية هشام بن أحمر، عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) قال: «ثمن العقار ممحوق إلّا أن يجعل في عقار مثله» «4» فإنه شامل لجميع الأراضي.

و كذا يؤيده، بل يثبته تفسير الجميع الضيعة بالعقار، قال في الصحاح: الضيعة: العقار «5». و في القاموس و المجمع: الضيعة: العقار و الأرض المُغلّة «6». و الضيعة هي الأراضي المغلّة قطعاً كما يظهر من تتبع الأخبار و كلام اللغويين، بل العرف.

و بالجملة لا شك في صدق العقار على الأراضي المُغلّة و الدار حقيقة، فما يفهم من كلام المحقق في النافع من اختصاصه بالدار «7» لا وجه له.

______________________________

(1) مجمع البحرين 3: 410.

(2) المسالك 2: 333.

(3) انظر الكافي 5: 91.

(4) الكافي 5: 92، 6، الوسائل 17: 71 أبواب مقدمات التجارة ب 24 ح 7.

(5) الصحاح 3: 1252.

(6) القاموس 3: 60، مجمع البحرين 4: 367.

(7) النافع: 272.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 366

ثم هو إما حقيقة في الضيعة أو مطلق الأرض مجاز في غيره من النخلة و مثلها، أو مشترك معنوي بينها، أي موضوع لكل غير منقول كما هو الظاهر من المصباح و المجمع، أو مشترك لفظي. و أصالة عدم الاشتراك و أولوية المجاز منه يؤيد أحد الأولين، بل تفسيرهم الضياع بالعقار يثبت الأول، مع أن القرينة على إرادة الأراضي في أكثر الأحاديث موجودة.

و من هنا ظهر أنه لا مفرّ من حمل العقار في الأخبار إما على مطلق الأرض الشامل للضيعة، أو على الضيعة.

ثم النقض بكسر النون: المنقوض من البناء. و الطوب بالضم: الآجر. و الرباع جمع الرَّبع، و هو المنزل و دار الإقامة. و في القاموس: الربع الدار بعينها. و فسّره بالمحلة و المنزل أيضاً. و الجذع

بالكسر: ساق النخلة.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه كما سبق قد وقع الاتفاق من أصحابنا سوى الإسكافي على حرمان الزوجة من شي ء في الجملة، و نقل الاتفاق على ذلك متكرر. قال الشهيد في النكت: أهل البيت أجمعوا على حرمانها من شي ء ما، و لا يخالف في هذا علماؤنا الإمامية إلّا ابن الجنيد.

و قال في المسالك: و قد وقع الاتفاق بين علمائنا إلّا ابن الجنيد على حرمان الزوجة في الجملة من شي ء من أعيان التركة «1». انتهى .

و قد وقع الخلاف هنا في موضعين، الأول: فيما تحرم منه الزوجة، و الثاني: في الزوجة التي تحرم.

أما الموضع الأول

، فقد اختلفوا فيه على أقوال:

الأول

: حرمانها من نفس الأرض مطلقاً، سواء كانت بياضاً أم

______________________________

(1) المسالك 2: 333.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 367

مشغولة بزرع أو شجر أو بناء أو غيرها، عيناً و قيمةً. و حرمانها من عين الآلات، كالأبواب و الشبّاك و الآجر و اللبن و من عين الأبنية دون قيمتها، فتعطى نصيبها من قيمتها. نسب ذلك إلى الشيخ و القاضي و ابن حمزة و الحلبي «1». و اختاره المحقق في الشرائع، و الفاضل في المختلف و الإرشاد، و الشهيد في اللمعة و الدروس «2». و قواه في المسالك و المفاتيح «3». و ادّعى عليه الشهرة جماعة في كتبهم كالتحرير و القواعد و الإيضاح و نكت الإرشاد، و شرح الشرائع للصيمري، و شرح الإرشاد للأردبيلي، و المسالك و المفاتيح و الكفاية «4». و عن الخلاف الإجماع عليه «5». و ظاهر هذا القول عدم حرمانها من الأشجار عيناً، لعدم صدق الأرض عليها.

و الثاني

: حرمانها من جميع ما ذكر و زيادة أعيان الأشجار، فتعطى قيمتها، كالآلات و الأبنية، جعله في القواعد و

الإيضاح «6» و غيرهما «7» هو المشهور، و اختاره في الإيضاح و نسبه إلى والده أيضاً، و نُسب إلى أكثر المتأخرين «8»، بل لم ينقلوا الأول، كما لم ينقل بعضهم الثاني. و اتحاد

______________________________

(1) الشيخ في النهاية: 642، القاضي في المهذّب 2: 140، ابن حمزة في الوسيلة: 391، الحلبي في الكافي: 374.

(2) الشرائع 4: 34، المختلف: 736، الإرشاد 2: 125، اللمعة (الروضة 8): 172، الدروس: 259.

(3) المسالك 2: 334، المفاتيح 3: 329.

(4) التحرير 2: 168، القواعد 2: 178، الإيضاح 4: 240، المسالك 2: 333، المفاتيح 3: 329، الكفاية: 302.

(5) الخلاف 4: 116.

(6) القواعد 2: 178، الإيضاح 4: 240.

(7) كالمسالك 2: 333.

(8) انظر الروضة 8: 173، و الكفاية: 302، و الرياض 2: 365.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 368

القولين بعيد «1»، و الظاهر: تغايرهما، و اشتهار الأول عند القدماء، و الثاني عند المتأخرين.

و الثالث

: حرمانها من أراضي الرباع، و هي الدور و المساكن خاصة، دون أراضي المزارع و القرى و البساتين، و تعطى قيمة الآلات و الأبنية من الدور و المساكن، و لا تعطى عينها. اختاره المحقق في النافع «2»، و نسب إلى المفيد و الحلي و صاحب كشف الرموز «3»، و مال إليه في المختلف بعض الميل «4»، و قال في الكفاية: إنه بعد قول السيد لا يخلو عن قوة «5».

و الرابع

: حرمانها من عين الرباع خاصة، لا من قيمتها. و هو قول السيد المرتضى «6»، و جعله في الكفاية أقوى «7»، و استحسنه في المختلف و إن استقر رأيه أخيراً على الأول «8».

و الخامس

: قول الإسكافي، و هو عدم حرمانها من شي ء أصلًا «9».

و الحق عندي هو الثاني، و هو مركب من أُمور، أحدها:

حرمانها من عين أراضي الرباع. و الثاني: حرمانها من عين أراضي الزرع و البستان و القرى و الدكاكين و الخانات و الطواحين و الحمامات و غيرها. و الثالث: حرمانها من قيمة الأراضي مطلقاً أيضاً. و الرابع من عين الأشجار.

______________________________

(1) في «ق»: ضعيف.

(2) النافع: 272.

(3) المفيد في المقنعة: 687، الحلي في السرائر 3: 258، كشف الرموز 2: 463.

(4) المختلف: 736.

(5) الكفاية: 304.

(6) الانتصار: 301.

(7) الكفاية: 304.

(8) المختلف: 736.

(9) حكاه عنه في المختلف: 736.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 369

و الخامس: حرمانها من عين الآلات و الأبنية. و السادس: عدم حرمانها من قيمة الأشجار و الآلات و الأبنية.

أما الأول: فالدليل عليه بعد الإجماع المحقق و المنقول في الانتصار و السرائر «1» و غيرهما «2»: غير الثلاثة الأخيرة من الإجبار المتقدمة بأجمعها. و دلالة غير السادس و الثالث عشر و الرابع عشر ظاهرة.

و أما دلالة السادس فلأنّ العقار فيه لا يصلح من معانيه إلّا الأصل، فيكون المعنى : إنّ النساء لا يرثن من أصل الأرض شيئاً، فيشمل أراضي الرباع أيضاً. و يمكن أن تكون إضافة العقار إلى الأرض بيانية (و دلالته أيضاً واضحة) «3».

و أما الثالث عشر فلأنّ المراد بالعقار فيه الأرض، لعدم صلاحية غيره من معانيه. و يؤيده قوله: «و لكن يقوّم البناء ..».

و أما الرابع عشر فلجريان العلة فيما نحن فيه.

و أما الحكم الثاني: أي حرمانها من عين سائر الأراضي مطلقاً، سواء كان أرض زرع أو بستان أو طاحونة أو دكان أو عين أو قناة، و بالجملة كل ما يصدق عليه الأرض، فيدل على الجميع غير التاسع و الثاني عشر و الثالث عشر و الرابع عشر و الثلاثة الأخيرة.

أما دلالة غير الثاني و الثالث و الرابع

فظاهرة، و أما دلالتها فبضميمة الإجماع المركب، حيث تدل على عدم إرثها من القرى و لا قائل بالفصل.

و عدم صحة سند بعضها مع كون الباقي صحيحاً أو موثقاً أو حسناً

______________________________

(1) الانتصار: 301، السرائر 3: 258.

(2) انظر الكفاية: 303.

(3) ما بين القوسين ليس في «ح».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 370

و اعتضاد الجميع بعمل الأكثر و الشهرة المحكية متواتراً و الإجماع المنقول غير ضائر، مع أن صحة السند عندنا غير معتبرة بعد وجود الخبر في أصل معتبر.

و أما الحكم الثالث: أي حرمانها من قيمة مطلق الأراضي، فالدليل عليه بعد ظاهر الإجماع وجوه:

منها: الأصل، فإنّ توريثها من القيمة أمر مخالف للأصل، فلا يصار إليه إلّا بدليل، و هو مفقود.

فإن قيل: على وتيرة ما سبق منّا في الحبوة أنّ الدليل عليه موجود، و هو العمومات الدالة على أنّ لها الربع أو الثمن من جميع ما ترك، فإنها عامة، فلا تخصص إلّا بمخصص، و لا شي ء يصلح للتخصيص سوى هذه الأخبار، و هي لا تدل إلّا على عدم التوريث من الأراضي، و هو كما يكون مع عدم التوريث من القيمة يكون معه أيضاً، فوجود المخصص غير معلوم، فيجب إبقاء العام على عمومه.

قلنا: أولًا إنّ الفرق بين هذا و ما سبق واضح، فإنّ فيما سبق كان هناك حكمان: اختصاص الحبوة بالأكبر، و اختصاص الربع من التركة بالزوجة، و ليس بينهما منافاة، بخلاف ما نحن فيه، فإنّ الحكمين و هما: التوريث من جميع التركة، و عدم التوريث من الأراضي متنافيان متعارضان.

و ثانياً: إنّ معنى عمومات الربع أو الثمن أنّ لها ذلك من عين جميع ما ترك، لا من قيمته، و لذا لو أراد سائر الورثة بذل القيمة لم تجبر المرأة

على قبولها. و على هذا فعدم التوريث من عين الأراضي أيضاً يوجب تخصيص تلك العمومات قطعاً، و يبقى بذل القيمة بلا دليل.

و ثالثاً: إنه إما يصدق على توريث القيمة أنه ورث عن الأراضي أو

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 371

لا، فإن صدق فيجب نفيه بتلك الأخبار، و إلّا فلا يفيد لإبقاء العمومات على عمومها، لتخصيصها بغير الأراضي حيث إنّها لا تورث عنها.

و منها: أنّ قوله (عليه السّلام) في كثير من الأحاديث: «لا ترث شيئاً» نكرة في سياق النفي، فيفيد العموم، أي لا ترث عيناً و لا قيمة.

و منها: أنّه (عليه السّلام) قد ذكر التفصيل في كثير منها كصحيحة الفضلاء و صحيحتي زرارة و مؤمن الطاق و غيرها فقال: «لا ترث من العقار و الأرض، و ترث من الثياب و الفرش، و يقوّم الطوب و الخشب و الشجر» و هذا ظاهر في أنه لا يقوّم العقار و الأرض، فإن التفصيل قاطع للشركة.

و منها: أنّ المتبادر مِن «لا يرث من فلان» أنه لا حق له فيه، لا عيناً و لا قيمة.

و قد يستدل أيضاً بعدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

و هو لا يخلو عن نظر؛ لأنّ كون الوقت وقت الحاجة غير معلوم.

و أما الحكم الرابع: أي الحرمان من عين الأشجار، فيستدل عليه بصدق العقار عليها و شموله لها.

و الأولى الاستدلال لها بقوله في صحيحة مؤمن الطاق: «و لهنّ قيمة الشجر و البناء و النخل» فإنّ كون قيمتها لها صريح في حرمانها عن العين.

بل يدل عليه ما في طائفة من الأخبار الأُخر من التصريح بالحرمان عن أعيان الجذوع.

و يدلُّ عليه أيضاً العلة المذكورة في بعضها بقوله: «لئلّا يتزوجن» و قوله: «لا يمكن قلبه و تغييره» و

يؤيده لفظ «القرى» في بعضها أيضاً.

و أما الحكم الخامس: فمأخذه واضح كالسادس.

ثم إنه قد يضعّف دلالة بعض هذه الأخبار على بعض هذه الأحكام

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 372

باحتمالات ضعيفة و تأويلات سخيفة لا تقبلها العقول و الأوهام، و فتح بابها موجب لسدّ باب شريعة الملك العلام.

كما يضعف دلالة صحيحة الفضلاء «1» على الحرمان من مطلق الأرض، باحتمال كون الترديد بين قوله: «تربة دار أو أرض» من الراوي، فلا يلزم شمول الحكم لجميع الأراضي.

أو احتمال أن يكون الألف زائداً سهواً، و يكون المراد بالأرض أرض الدار أيضاً، و يكون ذكره تعميماً بعد التخصيص، أو عطفاً تفسيرياً.

و احتمال كون قوله: «لا ترث» لإنشاء المرجوحية دون الإخبار عن حكم الشريعة.

و إرجاع الضمير في ربعها و ثمنها إلى المرأة و جعل «إن كان» «2» بمعنى «إن وفى» و كون المراد أنه تعطى المرأة ربعها أو ثمنها من جميع المتروكات من قيمة الطوب و الخشب إن وفت القيمة بأحد الأمرين، محتجاً بعدم إمكان إرجاع المستتر فيه إلى أحد الأمرين و لا إلى الثمن.

و أنت خبير بفساد هذه الاحتمالات.

أما الأولان: فلأنّ المصير إلى السهو أو الترديد بدون دليل خلاف الأصل و الظاهر، سيما إذا رواه خمسة من الفضلاء، فلا وجه للمصير إليه، مع أنّ في أكثر النسخ التي عندنا «و أرض» بدون الترديد، و كيف كان فالأرض عطف على تربة الدار، فيكون تعميماً بعد تخصيص، و يكون الاستثناء منقطعاً إذا كانت التربة هي نفس أرض الدار، و لا يضر كونه خلاف

______________________________

(1) المتقدمة في ص: 359.

(2) هذا بناءً على عدم وجود كلمة «له ولد» في الصحيحة، كما في التهذيب و الاستبصار.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 373

الأصل بعد دلالة

القرينة عليه، و يكون متصلًا إذا جعلت كناية عن مجموع الدار.

و أما الثالث: فظاهر.

و أما الرابع: فلأنه لا يلزم إرجاع المستتر إلى أحد الأمرين أو الثمن، بل هو راجع إلى الطوب و غيره، يعني: إن وجد الطوب و الخشب فيقوّمان و يعطى ربع المرأة أو ثمنها من الطوب و الخشب، أو ربع قيمتها أو ثمنها، و لا يعطى من عينها. و هذا ظاهر. مع أنه يلزم على ما ذكره لزوم إعطاء ربعها أو ثمنها من جميع المتروكات من قيمة الطوب و الخشب، مع أنه لم يقل به أحد، بل مخالف لآيات الإرث و رواياته، حيث تدل على أنّ لها ربع عين ما ترث منه. هذا مع أنّ عبارة الحديث على النسخ التي عندنا هكذا: «فتعطى ربعها أو ثمنها إن كان له ولد» حتى يكون شرطاً لإعطاء الثمن، فيرتفع الإشكال رأساً.

و كما يضعف دلالة الثاني و الثالث و الرابع باشتمالها على ما لم يقل به أحد من الأصحاب، من حرمانها من السلاح و الدواب.

و فيه: أنّ ترك بعض الحديث لدليل لا يخرج الباقي عن الحجية، كما بيّنا في موضعه، بل لا يوجب نقصاً فيه في مقام التعارض أيضاً، مع أنه لا معارض لها سوى العمومات التي فيها أيضاً نقص من جهة تيقن تخصيصها.

مع أنّ عدم قول أحد بالحرمان من السلاح و الدواب ممنوع، فإنه قد جعلهما بعضهم من الحبوة «1»، فيحتمل أن يكون حرمانها من هذه الجهة.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 364.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 374

و احتمل بعضهم أيضا كون السلاح أو الدابة موصى بها أو موقوفة أو نحو ذلك. و هذا و إن كان بعيدا إلّا أنه ليس بأبعد مما ذكره المضعف من

الاحتمالات لتوجيهها.

حجة القول الأول: عدم التعرض للأشجار في أكثر الأحاديث، و استضعاف الرواية المتضمنة لها «1».

و جوابه إن قلنا بشمول العقار لها ظاهر، و كذا إن لم نقل به.

و استضعاف الرواية لا وجه له، فإنّه رواها الصدوق عن الحسن بن محبوب عن مؤمن الطاق، و مكانهما من الجلالة أظهر من أن يخفى ، و طريق الصدوق إلى الحسن صحيح كما صرح به في الخلاصة «2»، و يظهر من مشيخته أيضاً، حيث قال: إنّ ما كان فيه عن الحسن بن محبوب فقد رويته عن محمد بن موسى المتوكل عن سعد بن عبد اللَّه و عبد اللَّه بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب «3». و كلهم عدول ثقاة كما يظهر من تتبع أحوالهم، فوصف بعضهم الرواية بالحسن لإبراهيم بن هاشم لا وجه له، على أنه أيضاً لا يقدح في الحجية (بل في الصحة أيضاً على الأصح) «4».

حجة المفيد و من تابعه: عموم الآيات و الروايات الدالة على إرثها، خرج منه ما اتفقت عليه الأخبار، و هو أرض الرباع و المساكن عيناً و قيمة و الأنهار عيناً لا قيمة، فيبقى الباقي.

______________________________

(1) أي رواية مؤمن الطاق المتقدمة في ص: 360.

(2) الخلاصة: 278.

(3) مشيخة الفقيه (الفقيه 4): 49.

(4) ما بين القوسين ليس في «ق».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 375

و أيضاً: يقتصر فيما خالف الأصل على موضع الوفاق.

و أيضاً: وقع الاقتصار في كثير من الأخبار على الرباع و الدور خاصة، فلو كان حكم غيرها كحكمها أيضاً لم يقتصر عليها.

و الجواب عن الأول: أنه إن لم نقل بجواز تخصيص الكتاب بالآحاد فلا فرق فيه بين ما اتفقت عليه الأخبار و ما ورد في بعضها

بعد كون ذلك البعض حجة. و إن قلنا به فالخبر الواحد يخصصه و إن لم يكن متكثراً. و بالجملة لا تأثير لكثرة الأخبار و عدمها بعد اشتراك الجميع في كونه خبراً واحدا.

و عن الثاني: أنّ الواجب هو الاقتصار فيما خالف الأصل على موضع الدليل دون الوفاق، و الدليل على تخصيص غير الرباع أيضاً موجود.

و عن الثالث: أنه لا يلزم بيان كل حكم في كل رواية.

قيل: صدق العقار على غير الرباع غير مسلم كما هو ظاهر المحقق في النافع «1»، و لا دليل على تخصيص غير الدار من عمومات إرث الزوجة- سيما الرواية العشرين الصحيحة صحيحة البقباق و ابن أبي يعفور «2» سوى صحيحة الفضلاء «3» و بعض الروايات الضعيفة، و غير الصحيحة لا حجية فيه، و هي و إن كانت حجة إلّا أنّ من رجالها إبراهيم بن هاشم و في عدالته كلام مشهور، و لذا عُدّت رواياته عند الأكثر من الحسان فتكون هذه حسنة، فصحيحة البقباق مقدمة عليها عند التعارض، للأعدلية، و موافقة الكتاب.

و ترجيح الحسنة بالشهرة ممنوع؛ لتساويهما في الاشتهار بين أرباب

______________________________

(1) النافع: 272.

(2) المتقدمة في ص: 362.

(3) المتقدّمة في ص: 359.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 376

الحديث. و اشتهار المضمون غير كاف للترجيح، على أنه أيضاً مختص بغير ذات الولد، لعدم اشتهار الحرمان في ذات الولد، فيجب ترجيح الصحيحة.

نعم خرجت الدار لدلالة الأخبار الصحيحة عليه.

و لا يمكن أن يقال: إنّ تعارض الحسنة و الصحيحة من باب تعارض العام و الخاص، فيقدم الخاص قطعاً، و هو الحسنة؛ لأنّ تقديم الخاص لكونه قرينة على إرادة غيره من العام، و هذا لا يتمشى في الصحيحة، حيث إنّ السؤال وقع عن دار المرأة و أرضها، فلا

معنى لإرادة غيرها في الجواب، فيكون من باب تعارض المتساويين.

و الجواب بعد ما ذكرنا في تحقيق معنى العقار واضح. ثم لو سلّم اختصاص العقار بالدار نقول: يدل على حكم غير الدار بعض الأخبار الصحيحة و الموثقة أيضاً كالثاني و الثالث «1»، و اختصاصهما بالقرى غير ضائر، لعدم القول بالفصل.

و لو لم يكن إلّا حسنة الفضلاء أيضاً لكفى ؛ لكونها صحيحة على الأصح. و لو سلّم كونها من الحسان أيضاً يكفي؛ لمنع كون الأعدلية من المرجحات، كما بيناه في موضعه. و موافقة الكتاب معارضة بمخالفة العامة، فإنّها للحسنة، فلا يكون ترجيح من هذه الجهة.

مع أنّ ملاحظة التراجيح إنما هي في التعارض بالتساوي أو العموم من وجه، و أما الخاص المطلق فيقدم على العام بعد كونه حجة مطلقاً. و الحسنة خاصة بالنسبة إلى الصحيحة؛ لمنع إيجاب السؤال عن شي ء

______________________________

(1) راجع ص: 358 و 359.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 377

خاص اختصاص الجواب العام فيه، بل و لا نصوصية فيه أيضاً. على أنّ وقوع السؤال عن مطلق الأرض غير معلوم، حتى تكون الصحيحة نصاً فيه، لاحتمال إرجاع الضمير في أرضها في الصحيحة إلى الدار دون المرأة، فيكون المراد من الدار مجموع الأرض و البناء و الآلات، و من الأرض نفس التربة.

حجة السيد: مراعاة الجمع بين عموم آيات الإرث و أخباره، و ما اجتمع عليه الأصحاب و دلّ عليه الروايات من الحرمان.

و الجواب عنه: أنّ الجمع إنما يصح لو كان له شاهد معتبر. و اعتبار القيمة لا دليل عليه، بل لا يوجب الجمع كما عرفت، لأنك قد عرفت أنّ معنى آيات الإرث أنّ لها الربع من الأعيان، فإعطاء قيمة البعض لم يوجب إبقاءها على عمومها.

فإن قلت: التوريث من العين

يلزم التوريث من القيمة، فإنّ كل ما كان عينه لشخص فقيمته له أيضاً، فالعمومات تدل على أنّ لها الربع من العين، و القيمة، و روايات الحرمان تدل على المنع منهما، فتخص الروايات بالعين، تقليلًا للتخصيص.

قلنا: لو سلمنا ذلك فإنّما يكون توريثها من القيمة لأجل ترتبها على العين، فإذا منع من الأصل منع من الفرع أيضاً، لا أن يكون هناك شيئان ترث منهما حتى جاز تخصيص أحدهما و إبقاء الآخر.

و أيضاً: الجمع إنما يصح لو لم يكن دليل على خلافه، و قد عرفت أنّ التفصيل المذكور في كثير من الأخبار دليل على عدم إعطاء قيمة الأراضي.

فإن قيل: هذا لا يرد على السيد حيث لا يقول بحجية الآحاد، و نظره في المنع و الحرمان إلى الإجماع، فيصح له أن يقول: إنه ثبت توريثها الربع

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 378

من جميع ما ترك، و خرج عين بعضها بالإجماع، فتبقى القيمة.

قلنا: أولًا إنّ كون تلك الأخبار أخبار آحاد ممنوع، بل هي كما قيل متواترة معنىً «1». و لو سلم فالقرينة على صحتها من فتاوي الأصحاب موجودة، فهي من الآحاد المحفوفة بالقرائن، و مثلها عنده حجّة، و لعمومات الكتاب مخصص.

و ثانياً: إنّا لا نسلّم اختصاص الإجماع بالحرمان من العين خاصة، بل هو شامل للعين و القيمة كما صرح به في المسالك «2»، و يظهر لمن تتبع فتاوي الأصحاب.

و ثالثاً: إنّ هذا إنما يفيد لو كان التوريث من القيمة أمراً وراء التوريث من العين، و قد عرفت أنّه ليس كذلك، بل هو مترتب عليه، فلم يثبت هنا أمران وقع الإجماع على خلافه في أحدهما فيبقى الآخر، بل يذهب أحدهما بذهاب الآخر أيضاً. و إعطاء القيمة الذي يقول به السيد

أمر آخر غير ما كان ثابتاً أولًا، فإنّ هذا حكم وضعي مترتب على الموت بجعل الشارع غير متحقق قبل الموت، و الأول حكم مترتب على مالكية العين سواء كانت بالتوريث أو غيره ثابت قبل موت المورث أيضاً، فلا يحصل بذلك جمع بين الآيات و الإجماع، بل يزيد أمر آخر مخالف للأصل.

حجة ابن الجنيد: عموم الآيات و الأخيرتان من الروايات «3» مضافاً إلى سائر العمومات.

و الجواب أنّ العام يخص مع وجود المخصص، و هو موجود، من

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 365.

(2) المسالك 2: 333.

(3) راجع ص: 362.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 379

الإجماع و الأخبار الغير العديدة. و لو قيل بكون الأخيرتين ظاهرتين في الإرث من الأراضي غير قابلتين للتخصيص منعناه كما مر. و لو سلمناه فنقول بتحقق التعارض حينئذ بينهما و بين روايات الحرمان، و لا شك أنها راجحة مقدمة عليهما، لاعتضادها بالإجماع و مخالفتها للعامة.

و أما الموضع الثاني

: أي من يُحرَم من الزوجات فقد اختلفوا فيه على قولين:

أحدهما: الفرق بين ذات الولد من الزوج و غيرها، فخصّ الحرمان بغير ذات الولد، ذهب إليه المحقق في الشرائع «1»، و الفاضل «2»، و نفى عنه البأس في المسالك «3»، و نسب إلى المشهور بين المتأخرين «4».

و ثانيهما: التعميم، أي حرمان الزوجة مطلقاً من غير فرق بين ذات الولد و غيرها، ذهب إليه الكليني و المفيد و السيد و الشيخ في الاستبصار و الحلبي و الحلي و المحقق في النافع و ابن زهرة «5»، و جعله في المسالك قوياً متيناً «6»، و اختاره جماعة من المتأخرين «7»، و في الخلاف و السرائر الإجماع عليه «8».

______________________________

(1) الشرائع 4: 34.

(2) القواعد 2: 178.

(3) المسالك 2: 334.

(4) كما في المفاتيح

3: 329، و الرياض 2: 364.

(5) الكليني في الكافي 7: 127، المفيد في المقنعة: 687، السيد في الانتصار: 301، الاستبصار 4: 154، الحلبي في الكافي: 374، الحلي في السرائر 3: 259، النافع: 272، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 607.

(6) المسالك 2: 334.

(7) كالسبزواري في الكفاية: 303، و صاحب الرياض 2: 365.

(8) الخلاف 4: 116، السرائر 3: 259.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 380

و هو الحق؛ لإطلاق جميع الروايات، بل عموم كثير منها باعتبار الإتيان بصيغة الجمع و ترك الاستفصال. و لعموم التعليل و وجه الحكمة. و أظهر منها دلالة الخامس و الثالث عشر «1»، حيث ذكر فيهما الربع أو الثمن، فإنّ استحقاق الثمن قد يكون من جهة كون الزوج ذا ولد من هذه الزوجة فقط.

احتجّوا بأنّ في هذا التفصيل تقليلًا للتخصيص في الآية، و بالتاسع عشر من الأخبار «2»، و بالجمع بين روايات الحرمان و الأخيرتين «3».

و الجواب: أما عن الأول: فبأنّ بعد وجود المخصص و لزوم التخصيص به لا وجه لتقليله. و عموم المخصص أو إطلاقه بالنظر إلى أفراد الخاص غير ضائر، لأنه بالنظر إلى أصل العمومات خاص، فيقدم عليها. على أنّ هذا لا يوجب تقليلًا في التخصيص، لأنّه موجب لتخصيصين: أحدهما في عمومات إرثها، و ثانيهما في روايات حرمانها.

و أما عن الثاني: فبأنّ الخبر مقطوع غير مسند إلى إمام بتصريح أو إضمار أو نحو ذلك، بل الظاهر أنّه كلام ابن أُذينة و فتواه، و ليس شأنه شأن سائر المرسلات و المقطوعات و المضمرات التي يقال فيها إنّ الظاهر أنّ نقل مثلها إنما هو عن الإمام أو يجبر ضعفه بالشهرة و نحوها.

و أما عن الثالث: فبأنّ الجمع لا دليل عليه، و مجرد

الجمع لا يصير دليلًا. على أنّ الجمع بغير ذلك من حمل الأخيرتين على التقية واضح، و الشاهد عليه موجود. و بالجملة الظاهر انّ المسألة لا خفاء فيها.

______________________________

(1) راجع ص: 359 و 360.

(2) المتقدم في ص: 362.

(3) راجع ص: 362.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 381

و هاهنا فروع ينبغي الإشارة إليها:

أ

: لا فرق في الدور التي تمنع الزوجة من أرضها و ترث من قيمة بناها و آلاتها بين ما كان يسكنه الزوج أو يؤجره أو لا يسكنه أحد؛ للعموم أو الإطلاق، و لعدم القول بالفصل.

ب

: لا فرق في الأرض بين أرض الدار و الزرع و الدكاكين و الحمامات و الخانات و القرى و الطواحين و المساكن البائرة و مغارس الأشجار، و غيرها مما يصدق عليه اسم الأرض أو العقار، كما مر؛ لصدق الاسم.

ج

: يدخل في الآلات الآجر سواء كان الحائط أو الأرض، و الأخشاب المستدخلة في البناء، و الميازيب، و اللبن، و الأبواب، و الشبابيك المعمولة من الخشب أو الجص أو الحديد. و كذا يدخل فيها الحيطان المعمولة من الطين، و كذا الطين الواقع بين اللبن، أي يقوّم مجموع الجدار و السقف، لصدق البناء و الطوب و الخشب، و بالجملة المعتبر المدخلية في البناء.

و هل يدخل فيها مثل المَرايا المنصوبة؟

الظاهر لا؛ لعدم صدق البناء عليها، و صدق الآلات لو سلم لا يفيد، لخلو الأخبار عن ذكر الآلات. نعم لو بني بيت من الزجاجة فالظاهر دخوله فيها.

و في دخول المَرايا المستدخلة في الشبابيك إشكال. و لا يبعد ترجيح العدم؛ لعدم صدق الاسم عرفاً.

و كذا الإشكال في دخول الجذوع المنصوبة لحمل الكروم عليها، فإنّ الظاهر من الجذوع في الأخبار جذوع البناء لا مطلقاً. و عدم الدخول أظهر،

إلّا أن يدخل أمثال ذلك بدليل آخر، و هو نفي الضرر عن سائر الوراث، و له وجه.

و في الذهب و الفضة المحلولين على الجدران تردد. و الأظهر

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 382

التقويم؛ لعدم إمكان تفكيكهما إلّا بإبطال المحل.

و في دخول الظروف المثبتة في الحمامات و الدكاكين اللازمة لها كالظرف الذي يحمى فيها الماء في الحمام تأمل. و عدم الدخول أظهر، إلّا أن يدخل بنفي الضرر أو بصدق أبنية الحمام مثلًا عليه.

و الظاهر عدم دخول حجر الطاحونة؛ لعدم صدق الاسم. و الظاهر عدم دخول السلّم المثبت و مثله.

و أما الحياض المعمولة من قطعة واحدة من الحجر ففيها إشكال. و الدخول أظهر؛ لظهور دخولها في البناء.

و أما الآلات المعدة للبناء قبل إثباتها من الحجر و الآجر و اللبن و الجذوع و أمثالها فلا تدخل فيها، و وجهه ظاهر. و أما ما كان من هذه الآلات مثبتة ثم انتقضت فمقتضى الأصل عدم الدخول، و لكن التصريح في الأخبار بدخول النقض يدخلها.

و الاحتياط في كثير من هذه مطلوب.

د

: يدخل في الأشجار الكبير منها و الصغير، و الكروم منها. و أما الزرع الذي لم يحصد و الثمر الذي لم يجن و العلف و البذر المزروع فلا تدخل فيها، و الزوجة ترث من أعيانها؛ للأصل، و عدم صدق الاسم.

و على هذا فإذا كان الثمر غير منضوج و الزرع غير بالغ حد الحصاد فهل يجب على الورثة إبقاؤهما إلى أوانهما مجاناً، أم لا بل لهم أمرها بأخذ حقها أو الإبقاء مع أخذ أُجرة الأرض و الشجر؟

اختار في المسالك الأول «1».

______________________________

(1) المسالك 2: 334.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 383

و الظاهر هو الثاني؛ لأنّ الأرض و الشجر صارا ملكين للورثة،

و الناس مسلطون على أموالهم. و لا ينافيه نفي الضرر إذ لا يحصل بذلك ضرر عليها، لأنّ ما لها من الثمر و الزرع إنما هو على هذا النحو، و حينئذ فلو فَصلت مدةٌ بين موت المورث و التقسيم و كانت الثمار أو الزروع كائنة على محالّها فيكون للورثة مطالبة أُجرة المثل.

ه

: تُحرم الزوجة من أراضي الأنهار و القنوات و الآبار؛ لصدق الاسم. و أما مياهها فما خرجت بعد الموت فلا ترث منها؛ لتبعيتها للأرض و عدم كونها من متروكات الميت. و ما خرجت قبله و بقيت فيها فترث من عينها؛ لعدم دخولها في شي ء مما تحرم من عينها و قيمتها أو من عينها.

و

: لو كان للزوج بيت فوقاني و كان تحته من غيره فالظاهر توريثها من قيمة جميع البيت: حيطانه و سقفه و أرضه؛ لكونه بناءً محضاً. و لو خرب البيت الفوقاني و بقي هواؤه فالظاهر توريثها من عين الهواء؛ لعدم صدق الأرض و البناء؛ و عدم توريثها من الهواء إذا كان هواء دار لكونه تابعاً للأرض، و لا أرض هنا.

ز

: لو استأجر الزوج داراً أو أرضاً و مات قبل تمام المدة و قلنا بعدم بطلان الإجارة فالزوجة شريكة مع سائر الورثة في الانتفاع؛ لأنّ المخلف من الزوج ليس نفس الأرض حينئذ بل الانتفاع بها، فلا دليل على حرمانها.

ح

: هل تقوّم الأبنية و الطوابيق و أمثالها حال كونها مجتمعة باقية على هيئاتها البنائية؟ أم يُقدّر انفكاكها فيقوّم الآجر منفرداً و الجص منفرداً و اللبن كذلك؟

الظاهر هو الأول كما صرح به بعضهم «1»، بل هو الظاهر من كلام الأصحاب في بيان كيفية التقويم. و الحاصل أنّ البناء يقوّم على حاله.

______________________________

(1) كالسبزواري في الكفاية: 303.

مستند الشيعة في

أحكام الشريعة، ج 19، ص: 384

و الدليل عليه تصريح كثير من الأخبار كالثامن و العاشر و الحادي عشر و الثالث عشر و الخامس عشر و السابع عشر بأنّ لهنّ قيمة البناء «1»، و البناء هو الهيئة الاجتماعية الكائنة في الأرض.

و الظاهر أنّ الشجر أيضاً كذلك كما صرح به في المسالك و الكفاية «2»، فيقوّم حال كونه قائماً في الأرض؛ لأنّ الشجرية إنما هي حينئذ. و على هذا لو فرض أنّ الأرض لم يكن لها بدون الشجر قيمة لم ينقص عن قيمة الشجر شي ء.

ط

: هل يقوّم البناء و الشجر الكائنان في الأرض حال كونهما كذلك مع ملاحظة اجرة الأرض؟ أو يقوّمان كذلك بدون ملاحظتها بل يقوّم مستحق البقاء في الأرض مجاناً إلى أن يفنى ؟

صرح جمع بالثاني، و هو ظاهر المسالك «3»، و استحسنه في الكفاية «4». و هو الأظهر؛ لإطلاق الأخبار، و لأنّه الظاهر المتبادر من قيمة البناء و الشجر، بل لأنّ الأول يوجب نقصاً في القيمة، فلا يكون ما يعطى ربع قيمة البناء و الشجرة.

ي

: الطريق في كيفية التقويم أن تقوّم أرض فارغة ثم يفرض اشتغالها بما يريد تقويمه من الشجر أو البناء، فتقوّم ثانياً و تعطى المرأة الربع أو الثمن من قيمة ما عدا الأرض من ذلك، أو تقوّم الأرض التي فيها الشجر أو البناء على تقدير فراغها ثم يقوّم المجموع و تطرح القيمة الأُولى

______________________________

(1) راجع ص: 359 361.

(2) المسالك 2: 334، الكفاية: 303.

(3) المسالك 2: 334.

(4) الكفاية: 304.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 385

عن الثانية و تعطى الربع أو الثمن من الباقي.

يا

: هل إعطاء الورثة القيمة على سبيل الرخصة، أم لا بل يجب عليهم إعطاؤها؟ و تظهر الفائدة فيما لو امتنعت الزوجة إلّا

من أخذ القيمة و أراد الوارث إعطاء العين.

ذهب الشهيد الثاني في المسالك و الروضة و الصيمري و المحقق الثاني إلى الثاني «1». و استقرب في الكفاية الأول، و اختاره جمع من المتأخرين «2».

و الحق هو الثاني؛ لأنه المستفاد من اللام الظاهرة في الاختصاص و التمليك سيما في المواريث المذكورة في قوله «لهنّ» كما في التاسع و العاشر و الحادي عشر، أو في قوله «للمرأة» كما في الرابع عشر. و لأنه مقتضى كون القيمة إرثاً لها كما في الثامن و الخامس عشر و السادس عشر. و لأنه المفهوم من الحصر بالاستثناء في قوله «إلا أن يقوّم أو إلّا قيمة فلان» كما في الخامس و السادس عشر و السابع [عشر «3»]. و لأنه مدلول الجعل المصرح به في الرابع عشر. بل هو الظاهر من قوله «و يقوّم» أو «لكن يقوّم» كما في باقي الأخبار، و لو منع ظهوره فيكون محتملًا للأمرين مجملًا فيجب حمله على المبيّن.

احتجوا: بأنّ العلة المذكورة في الأخبار لذلك إنما هو عدم تضرر الورثة، فإذا رضي الوارث بالضرر أو كان ضرره في القيمة فلا يستفاد حكمه من الأخبار.

______________________________

(1) المسالك 2: 334، الروضة 8: 173، و حكاه عن الصيمري و المحقق الثاني في الرياض 2: 365.

(2) الكفاية: 304، و استقربه أيضاً صاحب الرياض 2: 365.

(3) أضفناه لتصحيح المتن.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 386

و بأنّ ورود أخبار الحرمان في مقام توهّم تعيّن العين فلا يفيد سوى إباحة القيمة، و سبيلها سبيل الأوامر الواردة مورد توهّم الحظر.

و بأنّ ذلك يوجب بقاء عمومات إرثها على عمومها بالنسبة إلى الأبنية و الآلات و الأشجار من دون ارتكاب تخصيص فيها، بل تكون الرخصة في التقويم حكماً آخر غير

منافٍ للأول، ثابتاً بالأخبار، و ذلك كرخصة مالك النصاب في الغلّات في شراء قدر الزكاة منها و إعطاء القيمة، فإنه لا ينافي تعلق حق الفقراء بالعين و لا يوجب التخصيص فيما يدل عليه. و الحاصل أنه تكون العين مختصة بها، و لكن جوّز الشارع الابتياع القهري و إعطاء القيمة.

و الجواب أما عن الأول: فبانّ أكثر الأخبار الصحيحة خالية عن ذكر التعليل، مع أنّ التعليل كما يصلح علة للرخصة يصلح علة للوجوب أيضاً، و تخلُّف العلة في النادر بأن لا يستضرّ الورثة غير ضائر، لأنّ الحكم على الغالب.

و عن الثاني: بأنه ممنوع، بل نقول: ورود الأخبار في مقام بيان الحكم، بل الظاهر ورودها في مقام توهّم الحرمان عن القيمة أيضاً.

و عن الثالث: أنا لو سلّمنا أن الرخصة لا توجب التخصيص في العمومات المذكورة و لكنها توجب خلاف أصل آخر هو الابتياع القهري، إذ بدونه لا معنى لعدم ارتكاب التخصيص في العمومات، على أنا لو قلنا بوجوب الابتياع القهري لا ينتفي التخصيص على المختار أيضا. هذا كله مع أنّ ارتكاب التخصيص في العمومات مما لا مفر منه أيضاً باعتبار قوله في الأحاديث المتكثرة «لا يرثن من العقار» الصادق على الأبنية. فتأمل.

يب

: لو لم يملك الوارث شيئاً سوى الأرض و الأبنية المخلّفة يجب

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 387

عليه إعطاء قيمة الأبنية أو مثلها من نفسها أو نفس الأراضي، أو يبيعها بغير الزوجة و يأخذ الثمن و يعطيها إياها، و الوجه واضح. و أخذ البناء أو الأرض حينئذ لا ينافي عدم توريثها؛ لعدم كون الأخذ حينئذ من باب التوريث.

يج

: لو تلف البناء أو الشجر بعد الموت قبل التقسيم و التقويم فهل يسقط من قيمته حق الزوجة أو

لا؟

الظاهر هو الثاني؛ لأنّ بمجرد الموت انتقلت العين إلى الوارث و استحقت الزوجة القيمة، و تلف ملك أحد لا يوجب سقوط حق الآخر، مع أنّ الأصل بقاؤه. و هكذا لو غصبه غاصب.

يد

: الظاهر من الأخبار تعلّق القيمة بذمة الورثة دون التركة، بمعنى انّه يجب عليهم إعطاء القيمة من أينما أرادوا و شاؤوا. و يدلُّ عليه أيضاً عدم تسلط الزوجة على المطالبة من أموال خاصة من التركة أو غيرها. و أيضاً: مدلول الأخبار وجوب إعطاء القيمة، و لا وجوب إلّا يتعلّق بمكلف، و ليس هناك أحد يتعلق به إلّا الورثة إجماعاً، و الأصل عدم وجوب الإعطاء من مال معيّن، فيجب عليهم أصل الإعطاء، و هو المطلوب.

يه

: يظهر من هذين الفرعين أنه لو لم يخلف الميت سوى أشجار أو أبنية بأن تكون أراضيها موقوفة أو ملكاً للغير و تلفت تلك الأشجار و الأبنية بعد موته و لو بساعة أو غصبت، كان للزوجة مطالبة حقها من القيمة من الورثة لو كانوا موسرين، و بعد الإيسار إن كانوا معسرين، و هو كذلك.

يو

: لو قلنا بالفرق بين ذات الولد و غيرها و اجتمعتا فظاهر كلام جماعة بل صريحه: أنّ ذات الولد ترث كمال الثمن من الأراضي و الأبنية و الأشجار، و تعطى الاخرى نصف ثُمن قيمة الأبنية و الأشجار، و يجب الإعطاء على ذات الولد دون غيرها من الورثة.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 388

و فيه تأمل، و الظاهر أنّ ثُمن غير الأراضي و الأبنية و الأشجار لهما معاً، و كمال الثمن من الأراضي و الأبنية و الأشجار لذات الولد، و كمال الثمن من قيمة الأبنية و الأشجار لغير ذات الولد، و القيمة على الورثة الذين منهم ذات الولد.

و

ما استدلوا به على أنّ لذات الولد كمال الثمن يدل مثله على أنّ لغيرها كمال القيمة فلا وجه للفرق. و الحاصل أنه ثبت بآيات إرث الزوجة و رواياته أنّ لها الثمن (من غير العقار مع الولد) «1» و لها ثمن قيمة الأبنية و الأشجار مطلقاً أو إذا لم تكن ذات ولد، و مقتضاها ثبوته لكل واحدة حين التعدد، و لكن دلّ الإجماع و الروايات المتقدمة على أنّ الزوجات المتعددة شركاء في الثمن، و ثبوت الإجماع و دلالة الروايات فيما نحن فيه ممنوع، فيكون على أصل المقتضي، فلا تكون فيه شركة، بل يكون لذات الولد ثمن أعيان الأبنية و الأشجار، و لغير ذات الولد ثمن قيمتها.

و أما وجه أنّ القيمة على جميع الورثة دون ذات الولد خاصة: فعدم الدليل على الاختصاص، و تبادر تعلق القيمة على من يجوّز المقوَّم و الجائز له هو جميع الورثة دون ذات الولد خاصة و إنما هي تجوّز نصيبها فقط. بل من هذا يظهر وجهٌ لأنها على غير ذات الولد من سائر الورثة. فتأمل.

المسألة السابعة [شرط ثبوت توارث الزوجين ]:
اشاره

قد عرفت أن ثبوت التوارث بين الزوجين غير مشروط بالدخول.

و قد استثني من ذلك صورة واحدة، و هي ما لو تزوجها مريضاً و لم يدخل بها فمات في مرضه، فالحق المعروف من مذهب الأصحاب

______________________________

(1) ما بين القوسين ليس في «ق».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 389

- كما في الكفاية «1» أنها لا ترثه. و ظاهر السرائر كصريح التذكرة دعوى الإجماع عليه «2»، و في المسالك: جزم الأكثر بالحكم من غير أن يذكروا فيه خلافاً و إشكالًا «3». و قيل: بل لا يكاد يتحقّق فيه خلاف «4». و نسبه في الشرائع إلى الرواية و في الدروس إلى

المشهور «5». و هما مشعران بالتردد، و لكنهما صرحا بالنفي في النافع و اللمعة المتأخرَين على الأولين «6» فهو رجوع و جزم منهما بالحكم. نعم ظاهر الفرائض النصيرية التردد. و عن شرح الإيجاز استظهار إمكان أن يراد بالدخول أن تدخل عليه لتخدمه و تضاجعه و تمرّضه و إن لم يطأها «7».

لنا بعد ظاهر الإجماع: صحيحة الحناط: عن رجل تزوج في مرضه، فقال: «إذا دخل بها فمات في مرضه ورثته، و إن لم يدخل بها لم ترثه، و نكاحه باطل» «8».

و صحيحة زرارة: «ليس للمريض أن يطلّق، و له أن يتزوج، فإن هو تزوج و دخل بها فهو جائز، و إن لم يدخل بها حتى مات في مرضه فنكاحه باطل، و لا مهر لها، و لا ميراث» «9».

______________________________

(1) الكفاية: 304.

(2) السرائر 3: 283، التذكرة 2: 518.

(3) المسالك 2: 334.

(4) انظر الرياض 2: 366.

(5) الشرائع 4: 35، الدروس 2: 358.

(6) النافع: 272، اللمعة (الروضة البهيّة 8): 172.

(7) حكاه عنه في كشف اللثام 2: 300.

(8) الفقيه 4: 228، 724، الوسائل 26: 231 أبواب ميراث الأزواج ب 18 ح 1.

(9) الكافي 6: 123، 12، التهذيب 8: 77، 261، الإستبصار 3: 304، 1080، الوسائل 26: 232 أبواب ميراث الأزواج ب 18 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 390

و موثقة عبيد بن زرارة بابن بكير المجمع على تصحيح ما يصح عنه: عن المريض أ له أن يطلّق امرأته في تلك الحال؟ قال: «لا، و لكن له أن يتزوج إن شاء، فإن دخل بها ورثته، و إن لم يدخل بها فنكاحه باطل» «1».

و ظاهرٌ أنّ المراد ببطلان العقد في تلك الأخبار طريان المزيل عليه، فيكون في حكم المتزلزل المشروط لزومه

بالدخول أو البرء، بل في حكم اللازم الطارئ عليه الفسخ، لا البطلان و عدم صحة العقد حقيقة، كما حكي عن شرح الإيجاز «2»؛ لتصريح صدرَي الأخيرتين بالجواز، مضافاً إلى روايات عديدة اخرى دالة على جواز نكاح المريض «3»، و لأنه لولا الصحة لزم عدم جواز وطئه لها في المرض بل بعد البرء أيضاً بذلك العقد، مع أنه خلاف المجمع عليه، المصرح به في تلك الأخبار «4» و غيرها.

و حينئذ فلا ينافي ذلك موثقة محمد: عن الرجل يحضره الموت فيبعث إلى جاره فيزوجه ابنته على ألف درهم، أ يجوز نكاحه؟ قال: «نعم» «5».

على أنه يمكن إرجاع البارز في يزوجه إلى الجار.

ثم لكون هذه الأخبار صحيحة خاصة معمولًا بها بل معتضدةً بالإجماعين فيجب تقديمها على عمومات إرث الزوجة من الكتاب و السنة،

______________________________

(1) الكافي 6: 121، 1، الوسائل 26: 232 أبواب ميراث الأزواج ب 18 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 19    390     المسألة السابعة شرط ثبوت توارث الزوجين: ..... ص : 388

(2) حكاه عنه في كشف اللثام 2: 300.

(3) انظر الوسائل 20: 505 أبواب ما يحرم بالمصاهرة و غيرها ب 43، و الوسائل 22: 149 أبواب أقسام الطلاق و أحكامه ب 21.

(4) الوسائل 26: 231 أبواب ميراث الأزواج ب 18.

(5) التهذيب 7: 481، 1933، الإستبصار 3: 192، 695، الوسائل 20: 505 أبواب ما يحرم بالمصاهرة و غيرها ب 43 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 391

فلا وجه لقول صاحب الكفاية بعد ذكر أنّ هذه الأخبار معارضة بعموم الأخبار الكثيرة: فللتأمل طريق إلى الحكم المذكور.

و أما عمومات جواز نكاح المريض فلا ينافي تلك الأخبار مطلقاً، و قد عرفت وجهه.

و أما ما تقدم من

شرح الإيجاز فهو ضعيف غايته، و لا تحتمله الأخبار بالمرة، و هو لم يفرَّق بين" دخل بها" و" دخلت به"، و المصرح به في الأخبار الأول.

فروع:
أ: لو برئ من هذا المرض و مات بمرض آخر قبل الدخول

، ففي عدم توريثها إشكال، من حيث مخالفته للأصل و الاستصحاب و العمومات، و من إطلاق الموثقة.

و الظاهر المصرَّح به في كلام جماعة «1» بل لم أعثر على مصرِّح بخلافه هو التوريث؛ لأنّ المتبادر من الموثقة أيضاً هو الموت في هذا المرض. و أيضاً قوله فيها: «و إن لم يدخل بها فنكاحه باطل» محتاج إلى تقدير قطعاً، لعدم البطلان بمجرد عدم الدخول و إن كان حياً، لجواز الدخول كلما كان حياً. و المقدّر إما هو الموت مطلقاً أو الموت في هذا المرض، و الأول و إن كان أقل تقديراً و لكن في التقدير يتبع القرينة، و التقييد في الصحيحين قرينة ظاهرة على أنّ المقدّر هو المقيَّد دون المطلق.

______________________________

(1) منهم العلامة في القواعد 2: 178، و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 300، و صاحب الرياض 2: 366.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 392

ب: لو مات في هذا المرض و لكن لا بسببه بل بمرض آخر أو سبب غير المرض

كغرق أو حرق أو الهدم عليه، ففي توريثها و عدمه احتمالان، من إطلاق الأخبار و كون لفظة «في» حقيقة في الظرفية فيصدق الموت في المرض و إن كان بسبب آخر، و من مخالفة الحكم للأصل و تبادر إرادة السببية هنا، و لكل وجه، و المسألة محل إشكال.

ج: هل يشترط أن يكون المرض مهلكاً عادةً أم لا؟

فيه وجهان، و قد مرّ تفصيله في كتاب الوصايا، و كذا بيان ما لو حصل مرض آخر و اشتركا في الهلاك، أو انجرّ هذا المرض إلى مرض آخر و مات بالأخير، أو زاد هذا المرض و مات بالازدياد، أو مات و حصل الشك في برية قبل الموت من المرض الأول و سائر ما يتعلق بالمقام.

د: لا يلحق بالعقد الرجعة في مرض الموت

و إن وقع الطلاق في المرض إذا كان قد برئ منه؛ للأصل، و بطلان القياس.

ه: لو ماتت هي في مرضه قبل الدخول

فاستشكل في المسالك و الكفاية «1»، و ظاهر القواعد و الإيضاح التردد «2». و الحق أنه يرثها؛ للأصل و الاستصحاب و العمومات.

قيل: العقد متزلزل «3»، و لزومه بحيث يترتب جملة الأحكام عليه موقوف على الدخول أو البرء.

قلنا: التزلزل ممنوع، بل هو عقد لازم ينفسخ، فلا ينفسخ إلّا بما نصّ عليه الشارع، فإنّ الأصل في عقد النكاح الصحيح اللزوم، و الأصل في

______________________________

(1) المسالك 2: 335، الكفاية: 304.

(2) القواعد 2: 178، الإيضاح 4: 240.

(3) انظر الرياض 2: 366.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 393

العقد الصحيح اللازم ترتب جميع آثاره عليه. و لو سلم التزلزل فإنما هو باعتبار موت الزوج في مرضه قبل الزوجة لا مطلقاً، و هو منفي فيما نحن فيه، بل تحققه مستحيل، لتحقق موت الزوجة أولًا، فيلزم. و فائدته ترتب الآثار اللاحقة بعد الموت عليه.

المسألة الثامنة [عدم إرث المطلقة بالطلاق البائن إلا إذا كان الزوج حين الطلاق مريضا؟]:

قد عرفت أن المطلقة بالطلاق البائن لا ترث الزوج، و قد استثني من ذلك صورة واحدة، و هي ما إذا كان الزوج حين الطلاق مريضاً، فإنها ترثه إلى سنة و لا يرثها. و الأصل في ذلك الإجماع و الروايات المستفيضة. و قد تقدم الكلام في هذه المسألة في كتاب الطلاق في مسألة طلاق المريض.

المسألة التاسعة: في ثبوت التوارث بين الزوج و المتمتع بها

أقوال أربعة:

أحدها: التوارث مطلقا، حتى لو شرط سقوطه بطل الشرط.

و ثانيها: عدم التوارث مطلقا، اشترط، أو لم يشترط، أو شرط العدم.

و ثالثها: أنهما يتوارثان ما لم يشترط العدم.

و رابعها: أنّ أصل العقد لا يقتضي التوارث مطلقاً بل مع اشتراطه، فإذا اشترط ثبت تبعاً للشرط.

و قد تقدم تفصيل المسألة في كتاب النكاح في أحكام عقد التمتع.

المسألة العاشرة: إذا ماتت الزوجة عن زوج و لم يكن هناك مناسب و لا مسابب

كان المال كله له، نصفه بالفرض و نصفه بالرد، و لا أعرف في ذلك خلافاً، و نقل عليه الإجماع الشيخان في الإعلام «1»، و الإيجاز و الاستبصار

______________________________

(1) الأعلام (مصنفات الشيخ المفيد 9): 55.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 394

و المبسوط «1»، و السيدان في الغنية و الانتصار، و الحلي و الفاضل في السرائر و المختلف، و الشهيد الثاني في المسالك «2»، و في المهذب نفي الخلاف عنه.

و يدلُّ عليه مضافاً إلى الإجماع الأخبار المستفيضة من الصحاح و غيرها، كصحيحة محمد بن قيس: في امرأة توفّيت و لم يعلم لها أحد و لها زوج قال: «الميراث كله لزوجها» «3».

و صحيحة أبي بصير: قال: كنت عند أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فدعا بالجامعة فنظرنا فيها، فإذا فيها: «امرأة هلكت و تركت زوجها لا وارث لها غيره له المال كله» «4».

و موثقته: قال: قرأ عليّ أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) فرائض علي (عليه السّلام)، فإذا فيها: «الزوج يحوز المال إذا لم يكن غيره» «5».

و صحيحته الأُخرى : رجل مات و ترك امرأته، قال: «المال لها» قال: قلت: امرأة ماتت و تركت زوجها، قال: «المال له» «6».

و روايته: قال: قرأ عليّ أبو جعفر (عليه السّلام) في الفرائض: «امرأة توفيت و تركت زوجها، قال: المال للزوج، و رجل توفّي و ترك امرأة قال: للمرأة

______________________________

(1) الإيجاز

(الرسائل العشر): 271، الاستبصار 4: 149، المبسوط 4: 74.

(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 608، الانتصار: 300، السرائر 3: 284، المختلف: 737، المسالك 2: 317.

(3) الكافي 7: 125، 1، التهذيب 9: 294، 1051، الإستبصار 4: 149، 559، الوسائل 26: 197 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 1.

(4) الكافي 7: 125، 2، التهذيب 9: 294، 1053، الإستبصار 4: 149، 561، الوسائل 26: 197 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 3.

(5) التهذيب 9: 294، 1052، الإستبصار 4: 149، 560، الوسائل 26: 197 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 2.

(6) التهذيب 9: 295، 1056، الإستبصار 4: 150، 568، الوسائل 26: 204 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 395

الربع و ما بقي فللإمام» «1».

و الأُخرى: عن امرأة ماتت و تركت زوجها لا وارث لها غيره. قال «إذا لم يكن غيره فله المال، و المرأة لها الربع و ما بقي فللإمام» «2».

و الثالثة: في امرأة توفّيت و تركت زوجها، قال: «المال للزوج» يعني إذا لم يكن لها وارث غيره «3».

و الرابعة: عن المرأة تموت و لا تترك وارثاً غير زوجها، قال: «الميراث كله له» «4».

و الخامسة: امرأة هلكت و تركت زوجها، قال: «المال كله للزوج» «5».

و موثقة مثنى: امرأة تركت زوجها، قال: «المال كله له إذا لم يكن له وارث غيره» «6».

و الطعن في الأربعة الأُولى باشتراك محمد بن قيس و أبي بصير ضعيف؛ إذ لا اعتبار بأمثال ذلك بعد وجود الخبر في الأُصول المعتبرة عندنا، مع أنهما ليسا بضعيفين أيضاً:

أما الأول، فلأنه روى عنه عاصم، و كلما كان هو الراوي عن محمد بن قيس هو أبو عبد اللَّه البجلي الثقة.

و أما الثاني، فلأنّ اشتراك

أبي بصير بين الثقة و غيره إنما هو في غير

______________________________

(1) الكافي 7: 126، 2، الوسائل 26: 202 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 3.

(2) الفقيه 4: 191، 666، التهذيب 9: 294، 1055، الإستبصار 4: 149، 564، الوسائل 26: 198 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 5.

(3) الكافي 7: 125، 3، الوسائل 26: 199 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 12.

(4) الكافي 7: 126، 6، التهذيب 9: 294، 1054، الإستبصار 4: 149، 562، الوسائل 26: 198 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 4.

(5) الكافي 7: 126، 7، الوسائل 26: 200 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 14.

(6) التهذيب 9: 294، 1050، الإستبصار 4: 148، 558، الوسائل 26: 198 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 7.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 396

ما كان راوياً عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) كما بينا في موضعه.

و قد ينسب إلى ظاهر الديلمي عدم الرد عليه، بل هو للإمام «1». و ظاهر الإيضاح القول به من غيره أيضاً «2».

و يحتج له بظاهر الآية الدالة على أنّ له النصف مع عدم الولد الشامل لوجود وارث آخر و عدمه. و بأصالة عدم الرد، فإنّ الأصل فيه آية اولي الأرحام، و الرحم منتفية عن الزوج من حيث هو زوج. و بموثقة جميل عن الصادق (عليه السّلام): قال: «لا يكون رد على زوج و لا على زوجة» «3».

و الجواب: أنّ العمل بالأصل و الإطلاق و العموم عند عدم الرافع و المقيد و المخصص، و هي هنا موجودة، فبها يدفع الأصل، و يقيد إطلاق ظاهر الآية بوجود وارث آخر، و يخصص عموم الموثقة به، مع أنها لا تقاوم الأخبار المتقدمة (لوجوه عديدة) «4» على أنّ

حملها على التقية ممكن، لموافقتها لمذاهب العامّة كما صرح به في الانتصار «5».

المسألة الحادية عشرة: إذا مات عن زوجة كذلك

ففيه أقوال:

عدم الرد عليها مطلقاً، بل لها الربع خاصة و الباقي للإمام. ذهب إليه السيد و الشيخ في الإيجاز، و الصدوقان في الرسالة و المقنع، و الديلمي و الحلبي و القاضي و الحلي و المحقق و الفاضل في المختلف و ولده «6»،

______________________________

(1) المراسم: 222.

(2) الإيضاح 4: 237.

(3) التهذيب 9: 296، 1061، الإستبصار 4: 149، 563، الوسائل 26: 199 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 8.

(4) ما بين القوسين ليس في «ق».

(5) الانتصار: 301.

(6) السيد في الانتصار: 301، الإيجاز (الرسائل العشر): 271، الصدوق في المقنع: 170، حكاه عن والده في المختلف: 737، الديلمي في المراسم: 222، الحلبي في الكافي: 374، القاضي في المهذب 2: 141، الحلي في السرائر 3: 242، المحقق في النافع: 271، المختلف: 737، ولد الفاضل في الإيضاح 4: 238.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 397

و معظم الطبقة الثالثة «1»، و دعوى الشهرة عليه متكررة «2». و ظاهر الانتصار و السرائر دعوى الإجماع عليه «3».

و الرد عليها كذلك. نسب إلى ظاهر المفيد، حيث قال: إذا لم يوجد مع الأزواج قريب و لا سبب للميت رد باقي التركة على الأزواج «4».

و هو غير ظاهر فيما نسب إليه؛ لاحتمال أن يريد بالأزواج الرجال. و تأكيد هذا الاحتمال بأن اللفظ المشترك لا يجوز استعماله في جميع معانيه حقيقة، بل مجازاً، و الأصل عدمه كما في التنقيح «5» باطل كما لا يخفى .

و التفصيل بالرد عليها حال الغيبة دون الحضور. اختاره في الفقيه و الجامع و التحرير و اللمعة «6»، و في النهاية: إنه قريب من الصواب «7». و نسب إلى ظاهر التهذيب أيضاً «8»،

و ليس كذلك.

و ظاهر القواعد و الإرشاد و الدروس التردد «9». و استشكل في الكفاية. و إن رجح الأول أخيراً «10».

______________________________

(1) كالسبزواري في الكفاية: 304، و الفيض في المفاتيح 3: 304.

(2) كما في الروضة 8: 86، و المفاتيح 3: 304، و الرياض 2: 363.

(3) الانتصار: 301، السرائر 3: 242.

(4) المقنعة: 691.

(5) التنقيح 4: 189.

(6) الفقيه 4: 192، الجامع: 502، التحرير 2: 168، اللمعة (الروضة البهية 8): 82.

(7) النهاية: 642.

(8) انظر الرياض 2: 363، و هو في التهذيب 9: 295.

(9) القواعد 2: 178، الإرشاد 2: 125، الدروس 2: 376، و قال في ص 334: و في الزوج و الزوجة خلاف أقربه الردّ على الزوج دون الزوجة سواء كان في غيبة الإمام و حضوره إذا لم يكن وارث سواهما.

(10) الكفاية: 305.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 398

و الحق هو الأول؛ للأصل. و المستفيضة من الأخبار المعتضدة بالشهرة العظيمة و الإجماعات المنقولة، و برواية العبدي التي شهد الفضل بصحتها المتضمنة لقوله (عليه السّلام): «و لا تزاد المرأة على الربع، و لا تنقص من الثمن» «1».

فمن تلك الأخبار: رواية موسى بن بكر عن زرارة الطويلة و فيها: «و لا يردّ على المرأة شي ء» «2».

و قول الصادق (عليه السّلام) في موثقة جميل المتقدمة «3»: «لا يكون ردّ على زوج و لا على زوجة».

و روايتا أبي بصير الأُوليان المتقدمتان «4».

و روايته الأُخرى : في رجل توفي و ترك امرأته، قال: «للمرأة الربع، و ما بقي فللإمام» «5».

و رواية محمد بن مروان: في رجل مات و ترك امرأته، قال: الربع، و ما بقي فللإمام» «6».

و رواية محمّد بن نعيم الصحاف قال: «مات محمد بن أبي عمير بياع السابري، و أوصى إليّ، و

ترك امرأة له لم يترك وارثاً غيرها، فكتبت إلى العبد الصالح (عليه السّلام)، فكتب إليّ: «أعط المرأة الربع، و احمل الباقي إلينا» «7».

______________________________

(1) الفقيه 4: 188، 657، التهذيب 9: 249، 964، الوسائل 26: 204 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 11.

(2) الكافي 7: 97، 3، الوسائل 26: 132 أبواب ميراث الأبوين و الأولاد ب 18 ح 3.

(3) في ص: 394.

(4) في ص: 392 و 393.

(5) الكافي 7: 126، 3، الوسائل 26: 202 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 4.

(6) التهذيب 9: 296، 1060، الإستبصار 4: 150، 567، الوسائل 26: 203 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 7.

(7) الكافي 7: 126، 1، التهذيب 9: 295، 1058، الإستبصار 4: 150، 565، الوسائل 26: 202 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 399

و قول الرضا (عليه السّلام) في فقهه: «فإذا ترك الرجل امرأته فللمرأة الربع، و ما بقي فللقرابة إن كان له قرابة، و إن لم يكن أحد حصل ما بقي لإمام المسلمين» «1».

و توهم الاختصاص بحال الحضور في غير الأُوليين، لوقوع السؤال في أكثرها بلفظ الماضي، باطل جدّاً؛ لأنها ظاهرة في السؤال عن الوقائع الفرضية، و يراد القواعد الكلية، مع أنّ الجواب فيها عام، و خصوص السؤال لو كان لا يدل على خصوص الجواب. مع أنّ رواية أبي بصير المتقدمة أولًا «2» لحكايتها الحكم المذكور عن صحيفة الفرائض التي تضمنت الأحكام على سبيل القاعدة الكلية كلية قطعاً، بل عبارة فقه الرضا (عليه السّلام) صريحة فيه، حيث أتى بأداة الشرط المفيدة للعموم.

و قد يستدل أيضاً بصحيحة على بن مهزيار: قال: كتب محمد بن حمزة العلوي إلى أبي جعفر الثاني (عليه السّلام): مولى

لك أوصى إليّ بمائة درهم و كنت أسمعه يقول: كل شي ء هو لي فهو لمولاي، فمات و تركها و لم يأمر فيها بشي ء و له امرأتان، أما واحدة فلا أعرف لها موضعاً الساعة، و الأُخرى بقم، ما الذي تأمر في هذه المائة درهم؟ فكتب إليّ: «أنظر أن تدفع [من «3»] هذه الدراهم إلى زوجتَي الرجل، و حقهما من ذلك الثمن إن كان له ولد، و إن لم يكن له ولد فالربع، و تصدّق بالباقي على من تعرف أنّ له إليه حاجة» «4».

______________________________

(1) فقه الرضا « (عليه السّلام)»: 287، مستدرك الوسائل 17: 194 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 1.

(2) في ص: 392.

(3) أضفناه من الكافي.

(4) الكافي 7: 126، 4، التهذيب 9: 296، 1059، الإستبصار 4: 150، 566، الوسائل 26: 201 أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 400

و ردّ: بأنّ الظاهر من إقراره أنّ المائة له (عليه السّلام) فيحكم فيه بما يشاء، و أمره بإعطاء الزوجتين لا يدل على أنه إرث.

و فيه: أنّ ظاهر قوله: «و حقهما» مع ضميمة التفصيل الذي هو مقتضى الإرث أنّ الإعطاء على سبيل الإرث و الاستحقاق. و عدم الأخذ بإقراره يمكن أن يكون لأجل عدم ثبوته عنده، أو لعلمه بأنه ليس من ماله.

نعم، يرد أنّ الكلام إنما هو فيما إذا لم يكن عدا الإمام وارث سوى الزوجة. و صريح الصحيحة أنّ الإمام كان مولى للميت، فهي خارجة عن محل النزاع.

للثاني: صحيحة أبي بصير الثانية المتقدمة «1»، و رواها في الفقيه بطريق موثق، عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) بأدنى تغيير و فيها: في امرأة ماتت و تركت زوجها، قال: «المال كله له» قلت: فالرجل

يموت و يترك امرأته؟ قال: «المال لها» «2».

و فيها مع كونها أعم مطلقاً ممّا مر لإطلاق الامرأة بالنسبة إلى ذات القرابة و غيرها، و المال بالنسبة إلى الربع و غيره، و احتمال كون اللام في المال للمعهود، و ربما يستأنس له بترك لفظ كله مع ذكره في جانب الزوج، و معارضتها مع الأخبار المتقدمة الراجحة عليها بموافقة الأصل و الكتاب و عمل الأصحاب-: أنها شاذة جدّاً كما في المسالك و عن الانتصار و السرائر «3»، فلا حجية فيها أصلا.

و للثالث: الجمع بين الأخبار، بحمل الصحيحة على حال الغيبة،

______________________________

(1) في ص: 393.

(2) الفقيه 4: 192، 667، الوسائل 26: 203، أبواب ميراث الأزواج ب 4 ح 6.

(3) المسالك 2: 317، الانتصار: 301، السرائر 3: 243.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 401

و السابقة على حال الحضور.

و قد يؤيد ذلك بما مر من التعبير في أكثر أخبار عدم الرد بلفظ الماضي الدال على الوقوع حال السؤال الذي هو حال الحضور.

و فيه: أنّ كل جمع ليس مما يمكن القول به، بل لا بد فيه من شاهد (شرعي) «1» و هو هنا مفقود. و الإتيان بلفظ الماضي مشترك، مع أنه لا ماضي في رواية موسى و موثقة جميل، بل الرضوي أيضاً.

و لذا قال الحلي: ما قرّبه شيخنا أبعد مما بين المشرق و المغرب «2». و هو كذلك، سيما مع إمكان الجمع بنوع آخر له شاهد كما فعله الشيخ «3» بحمل الصحيحة على كون المرأة ذات قرابة، مستشهداً بصحيحة الفضيل: في رجل مات و ترك امرأة قرابة ليس له قرابة غيرها، قال: «يدفع المال كله إليها» «4».

مع أنّ السؤال في الصحيحة إنما وقع عن الباقر (عليه السّلام) «5»، فكيف يترك الجواب

عما يحتاج إليه عاجلًا و يجيب على حالة غيبة الإمام المتأخرة عن الجواب بأزيد من مائة و خمسين سنة من دون إشعار بالاختصاص.

______________________________

(1) ما بين القوسين ليست في «ق».

(2) السرائر 3: 243.

(3) التهذيب 9: 295، الاستبصار 4: 150.

(4) التهذيب 9: 295، 1057، الإستبصار 4: 151، 569، الوسائل 26: 205 أبواب ميراث الأزواج ب 5 ح 1.

(5) إنّ السؤال وقع عن الصادق (عليه السّلام). راجع المصادر المتقدّمة في ص 2765 الهامش (8).

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 402

الفصل الثاني في ولاء العتق
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الأُولى : ولاء العتق من أسباب الإرث في الجملة

، بإجماع الأُمة، و السنة المستفيضة، بل كما قيل «1»: المتواترة من طرق العامة و الخاصة.

منها: رواية السكوني: «الولاء لحمة كلحمة النسب، لا تباع و لا توهب» «2».

و صحيحتا الحلبي و محمد «3» و العيص «4» و فيهما: «الولاء لمن أعتق».

و موثقة العيص، و فيها: «فإنّ الولاء لمن أعتق» «5».

و صحيحة هشام: «إذا والى الرجل الرجل فله ميراثه و عليه معقلته» «6» و المعقلة دية جناية الخطإ.

و صحيحة الكناني: في امرأة أعتقت رجلًا، لمن ولاؤه و لمن ميراثه؟

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 366.

(2) الفقيه 3: 78، 281، التهذيب 8: 255، 926، الوسائل 23: 75 أبواب العتق ب 42 ح 2.

(3) الكافي 6: 197، 1، التهذيب 8: 249، 905، المقنع: 156، الوسائل 23: 61 أبواب العتق ب 35 ح 1.

(4) الكافي 6: 198، 4، التهذيب 8: 250، 907، الوسائل 23: 64 أبواب العتق ب 37 ح 1.

(5) لم نعثر على هذه الموثقة للعيص، نعم هي منقولة عن زرارة. انظر الوسائل 23: 62 أبواب العتق ب 35 ح 2.

(6) الكافي 7: 171، 3، التهذيب 9: 396، 1413، الوسائل 26: 244 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 1 ح 4.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 403

قال: «للذي أعتقه، إلّا أن يكون له وارث غيرها» «1». و نحوها صحيحة الحلبي «2».

إلى غير ذلك مما يأتي جملة منها في طي المسائل الآتية.

و الاستدلال بالخمسة الأُوَل و إن كان موقوفاً على ثبوت ترتب الإرث على الولاء مطلقاً أو تضمّن الولاء مطلقاً للتوريث، و في الاولى على عموم التشبيه أيضاً، و كلاهما غير معلومين بحقيقةٍ لغوية أو شرعية، إلّا أنّ إطباق الأصحاب على الاستدلال بها و فهمهم ذلك

منها يكفي قرينةً لإرادة ذلك المعنى ، مضافاً إلى احتجاج عمر بن يزيد في صحيحته بقول النبي (صلّى اللَّه عليه و آله): «الولاء لمن أعتق» «3» على التوريث، و تقرير الإمام له. بل ربما يستفاد ذلك من موثقة العيص المذكورة أيضاً، تدل عليه صحيحته.

المسألة الثانية: يختص التوريث بولاء العتق بالمعتِق بكسر التاء

المعبَّر عنه بالمُنعم و المولى ، دون المعتَق بالفتح المعبَّر عنه بالمنعَم له و العتيق، و يستعمل فيه المولى أيضاً. بمعنى أنه لا توارث بذلك السبب بين الجانبين كما كان في النسب، بل يختص بأحد الجانبين، و هو المنعم فيرث المنعَم له، دون العكس، على الحق المشهور، كما صرح به جماعة «4»، بل عن الخلاف و التنقيح الإجماع عليه «5». و جعل في المسالك

______________________________

(1) الكافي 7: 170، 5، التهذيب 8: 250، 908، الوسائل 26: 241 أبواب ميراث ولاء العتق ب 3 ح 1.

(2) التهذيب 8: 253، 920، الوسائل 23: 62 أبواب العتق ب 35 ح 3.

(3) الكافي 7: 170، 1، الفقيه 3: 74، 261، التهذيب 8: 224، 807، الوسائل 26: 243 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 1 ح 1.

(4) منهم العلّامة في المختلف: 754 و الشهيد الثاني في المسالك 2: 336، و السبزواري في الكفاية: 306، و الفيض في المفاتيح 3: 306.

(5) الخلاف 4: 84، التنقيح 4: 194.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 404

خلافه شاذاً «1».

خلافاً للمحكي عن الإسكافي و الصدوق في الفقيه، فقالا بالتوارث من الجانبين «2».

لنا بعد أصالة عدم توريث العتيق، لأنه أمر شرعي محتاج إلى الدليل، و لا دليل له، لاختصاص النصوص المثبتة لذلك الإرث بإرث المولى الحصر المستفاد منقولة في المستفيضة من الصحاح و غيرها: «الولاء لمن أعتق» و «إنما الولاء لمن أعتق» «3» و التعليل

المصرّح به في رواية ثابت بن دينار، عن السجاد (عليه السّلام) في حديث الحقوق قال: «و أما حق مولاك الذي أنعمت عليه فأن تعلم أنّ اللَّه جعل عتقك له وسيلة له، و حجاباً لك من النار، و أن ثوابك في العاجل ميراثه إذا لم يكن له رحم، مكافأة لما أنفقت من مالك، و في الآجل الجنة» «4».

و لعل مستند المخالف كما قيل «5» رواية السكوني المتقدمة.

و فيه: ما أُشير إليه من أنّ المشابهة لا تستلزم اتحاد حكم المتشابهين في جميع الامور.

نعم لو دار الولاء بينهما توارثا لوجود السبب، و مثّل بعضهم له بما لو اشترى العتيق أب المولى فأعتقه «6». و في انطباقه على الممثَّل له نظر، فإنّ

______________________________

(1) المسالك 2: 335.

(2) حكاه عن الإسكافي في المفاتيح 3: 306، الفقيه 4: 224.

(3) انظر الوسائل 23: 61، 64 أبواب العتق ب 35 و 37.

(4) الفقيه 2: 376، 1626، الأمالي: 301، 1، الخصال: 564، 1، مكارم الأخلاق 2: 299، 2654، تحف العقول: 255، الوسائل 15: 172 أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ب 3 ح 1.

(5) كما في المسالك 2: 336 و المفاتيح 3: 306.

(6) انظر المسالك 2: 336.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 405

العتيق يرث أب مولاه دون نفسه. و مثاله المطابق ما لو أسلم كافر أصلي فاشترى عبداً و أعتقه، ثم ارتد و لحق بدار الكفر فسُبي و اشتراه عتيقه و أعتقه.

المسألة الثالثة: يشترط إرث المولى عن عتيقه بشروط ثلاثة:
الشرط الأول: أن يكون العتق تبرعاً

، فلا ولاء على من أعتقه لأمر واجب، ككفارة، أو نذر، أو شبهه، أو انعتق لمثلة، أو تنكيل، أو عمى ، أو إقعاد، أو نحوها، أو لولد لها عن المولى، أو لقرابة موجبة للعتق، بلا خلاف فيه يعلم، كما في المسالك، و عن السرائر

نفي الخلاف فيه «1»، و عن الانتصار و الغنية الإجماع عليه «2».

و استدل له بالأصل؛ لظهور مثل قوله: «لمن أعتق» و سائر أخبار الباب المتضمنة للفظ الإعتاق في مباشرة العتق.

و هو حسن لإخراج الانعتاق القهري، دون العتق لوجوبه.

و يدلُّ على اشتراط التبرّع و عدم حصول الولاء بالواجب منه صحيحة ابن رئاب: عن السائبة فقال: «انظروا في القرآن فما كان فيه فتحرير رقبة فتلك السائبة التي لا ولاء لأحد عليها إلّا اللَّه، فما كان ولاؤه للَّه فهو لرسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) و ما كان ولاؤه لرسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله)، فإنّ ولاءه للإمام، و جنايته على الإمام، و ميراثه له» «3».

و مثلها رواية عمار بن أبي الأحوص «4».

______________________________

(1) السرائر 3: 262 264.

(2) الانتصار: 168، الغنية (الجوامع الفقهية): 607.

(3) الكافي 7: 171، 2، الوسائل 26: 248 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 3 ح 6.

(4) التهذيب 9: 395، 1410، الإستبصار 4: 199، 748، الوسائل 26: 248 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 3 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 406

و صحيحة العجلي: عن رجل كان عليه عتق رقبة، فمات من قبل أن يعتق رقبة، فانطلق ابنه فابتاع رجلًا من كسبه فأعتقه من أبيه، و أنّ المعتَق أصاب بعد ذلك مالًا ثم مات و تركه، لمن يكون ميراثه؟ قال، فقال: «إن كانت الرقبة التي كانت على أبيه في ظهار أو شكر واجب عليه فإنّ المعتَق سائبة لا سبيل لأحد عليه. و إن كان توالى قبل أن يموت إلى أحد من المسلمين فضمن جنايته و حدثه كان مولاه و وارثه إن لم يكن له وارث قريب يرثه» قال: «و إن

لم يكن توالى إلى أحد من المسلمين حتى مات فإنّ ميراثه للإمام، إمام المسلمين إن لم يكن له قريب يرثه من المسلمين. و إن كانت الرقبة على أبيه تطوعاً و قد كان أبوه أمره أن يعتق عنه نسمة فإنّ ولاء المعتق هو ميراث لجميع ولد الميت من الرجال» قال: «و يكون الذي اشتراه و أعتقه بأمر أبيه كواحد من الورثة إذا لم يكن للمعتَق قرابة من المسلمين أحرار يرثونه»، قال: «و إن كان ابنه الذي اشترى الرقبة و أعتقها عن أبيه من ماله بعد موت أبيه تطوعا منه من غير أن يكون أبوه أمره بذلك فإنّ ولاءه و ميراثه للذي اشتراه من ماله فأعتقه عن أبيه إذا لم يكن للمعتَق وارث من قرابته» «1».

و قد يستدل أيضا لذلك الحكم بالأخبار المتضمنة لأنّ السائبة لا ولاء لأحد أو لمولاه عليه «2».

و هو إنما يتم لو كان معنى السائبة من أُعتق في واجب، أي مقابل المعتَق تطوعاً. و أما إذا كان معناها من لا ولاء لأحد عليها و لو بشرط أو

______________________________

(1) الكافي 7: 171، 7، الفقيه 3: 81، 293، التهذيب 8: 254، 925، الوسائل 23: 71 أبواب العتق ب 40 ح 2.

(2) كما في الوسائل 23: 77 أبواب العتق ب 43.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 407

تبرؤ أو غيرهما فلا، إذ يكون الاستدلال حينئذ مصادرة المطلوب.

و يدلُّ على اشتراط الإعتاق و عدم حصوله بالانعتاق مضافاً إلى الأصل المتقدم ذكره صحيحة أبي بصير: فيمن نكل بمملوكه: «أنه حر و لا سبيل له عليه سائبة، فيتولى إلى من أحب، فإذا ضمن جريرته فهو يرثه» «1».

خلافاً في الأول للمحكي عن الشيخ، فأثبت الولاء في منذور العتق أيضاً «2»، و

له أيضاً في فصل الكفارات من المبسوط، فأثبته للمعتَق في الكفارات «3»، مع أنه وافق المشهور في مواضع أُخر منه «4».

و لعلّه لعموم «الولاء لمن أعتق» و خصوص صحيحة أبي بصير: عن الرجل يعتق الرجل في كفارة يمين أو ظهار، لمن يكون الولاء؟ قال: «للذي يعتق» «5».

و العموم مخصوص بما مر. و الخصوص معارض له، مرجوح عنه بالشذوذ الموجب للاطّراح، و بمخالفة الأصل، و موافقة العامة كما يستفاد من الانتصار، حيث نسب خلافها إلى الفقهاء الأربعة «6»، مع أنه لا يخلو عن جهات عموم أيضاً.

______________________________

(1) الكافي 7: 172، 9، التهذيب 9: 395، 1411، الوسائل 26: 245 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 1 ح 6.

(2) لم نعثر عليه.

(3) المبسوط 6: 71، 209، 210.

(4) المبسوط 4: 108 و 6: 217.

(5) الفقيه 3: 79، 283، التهذيب 8: 256، 931، الإستبصار 4: 26، 86، الوسائل 23: 78 أبواب العتق ب 43 ح 5.

(6) الانتصار: 168.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 408

و في الثاني للمحكي عن المبسوط و ابن حمزة في أُم الولد، فأثبتا الولاء لورثة مولاها بعد انعتاقها من نصيب ولدها، و فيمن أُعتق بالقرابة، فأوجبا الولاء لمن ملك أحد أقربائه و انعتق عليه، سواء ملكه باختيار أو اضطرار «1».

و استدل الشيخ للأول بالإجماع «2»، و احتجّا للثاني «3» بموثقة سماعة: في رجل يملك ذا رحمه، هل يصلح له أن يبيعه أو يستعبده؟ قال: «لا يصلح أن يبيعه و لا يتخذه عبداً، و هو مولاه و أخوه في الدين، و أيهما مات ورثه صاحبه، إلّا أن يكون وارث أقرب إليه منه» «4».

و الإجماع مردود بالمنع و المعارضة مع الأكثر، و الموثقة بعدم الدلالة، لأنّ الظاهر أنّ

المراد بالإرث فيه الإرث الحاصل بالقرابة دون الولاء، و إلّا لم يحكم بالتوارث.

فرع

: لو حصل الشك في العتيق أنه سائبة أو مولى عليه و لم يكن طريق إلى ثبوت أحد الطرفين يُعمل فيه بالأصل و الاستصحاب، و يُقدّم الاستصحاب المزيل لو تعارض الاستصحابان.

فلو شك في أنه تبرعي أو في أمر واجب مع عدم العلم بوجوب عتق على المنعم فالأصل عدم الوجوب، و لو علم وجوبه و لم يعلم أنه أعتق لذلك الوجوب أم تبرع، فالأصل عدم ملاحظة الوجوب في قصد العتق، فإنّه أمر زائد على أصله، و الأصل عدمه.

______________________________

(1) المبسوط 6: 71، الوسيلة: 344.

(2) المبسوط 6: 71.

(3) انظر المختلف: 633 و الإيضاح 3: 523.

(4) الفقيه 3: 80، 287، الوسائل 23: 29 أبواب العتق ب 13 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 409

و لو شك في أنه لمثلةٍ أو تنكيلٍ مع صدوره من المولى، و شك في تقديم العتق عليه أم حصوله به، فالأصل عدم تحقق عتق قبله.

و لو كان العتيق أعمى أو مقعداً، و شك في حصوله حال رقيته حتى يكون سائبة أو بعد عتقه تبرعاً حتى يكون مولى عليه، فالأصل عدم تحقق عتق سابق، و هكذا.

الشرط الثاني: أن لا يتبرّأ المنعم من ضمان جريرته و جنايته

، فلو تبرأ منه و شرط سقوط الضمان انتفى الولاء و الميراث، بالإجماع كما ذكره جماعة «1»؛ للمستفيضة من الأخبار، كصحيحة ابن سنان: «من أعتق رجلًا سائبة ليس عليه من جريرته شي ء، و ليس له من ميراثه شي ء، و ليشهد على ذلك» «2».

و قريبة منها الأُخرى «3».

و الثالثة: في من أعتق عبداً سائبة «أنه لا ولاء لمواليه عليه، فإن شاء توالى إلى رجل من المسلمين فليشهد أنه ضمن جريرته و كل حدث يلزمه، فإذا فعل ذلك

فهو يرثه، و إن لم يفعل ذلك كان ميراثه يردّ على إمام المسلمين» «4».

______________________________

(1) منهم العلّامة في التحرير 2: 169 و ولده في الإيضاح 3: 523 و الكاشاني في المفاتيح 3: 310 و الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 195.

(2) التهذيب 8: 256، 928، الإستبصار 4: 26، 83، الوسائل 23: 78 أبواب العتق ب 43 ح 4.

(3) الكافي 7: 152، 8، الفقيه 4: 247، 799، التهذيب 9: 352، 1264، الوسائل 26: 248 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 3 ح 7.

(4) التهذيب 9: 394، 1407، الوسائل 26: 250 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 3 ح 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 410

و الرابعة و فيها: «إذا أعتق المملوك سائبة أنه لا ولاء عليه لأحد إن كره ذلك، و لا يرثه إلّا من أحب أن يرثه، فإن أحب أن يرثه ولي نعمته أو غيره فليشهد رجلين بضمان ما ينوبه لكل جريرة جرها أو حدث، فإن لم يفعل السيد ذلك و لا يتوالى إلى أحد فإنّ ميراثه يردّ إلى إمام المسلمين» «1».

و موثقة أبي بصير: «السائبة ليس لأحد عليها سبيل، فإن والى أحداً فميراثه له و جريرته عليه» «2».

و أما صيرورة العبد سائبة بالتبرّي المذكور فتدل عليه حسنة أبي الربيع: عن السائبة، فقال: «هو الرجل يعتق غلامه، ثم يقول له: اذهب حيث شئت ليس لي من ميراثك شي ء، و لا عليّ من جريرتك شي ء، و ليشهد على ذلك شاهدين» «3».

و مقتضى الحسنة توقف صيرورته سائبة على ذكر عدم الميراث و عدم ضمان الجريرة معاً، و المذكور في كلام الأصحاب هو الأخير فقط.

و هل يشترط كون التبرّي حال الإعتاق أو يكفي وقوعه بعده؟

ظاهر الأكثر

و صريح جماعة: الأول «4»، اقتصاراً في تخصيص عموم «الولاء لمن أعتق» على مورد اليقين.

و تشعر عبارة التحرير و الدروس بوجود قول بالثاني «5»، و يستأنس له

______________________________

(1) التهذيب 8: 257، 933، الإستبصار 4: 27، 88، الوسائل 23: 78 أبواب العتق ب 43 ح 3.

(2) التهذيب 9: 394، 1408، الإستبصار 4: 199، 749، الوسائل 26: 249 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 3 ح 10.

(3) الكافي 7: 171، 6، الفقيه 3: 80، 289، التهذيب 8: 256، 929، الإستبصار 4: 26، 84، الوسائل 23: 64 أبواب العتق ب 36 ح 2.

(4) كما في المسالك 2: 335، و الكفاية: 305، و الرياض 2: 366.

(5) التحرير 2: 168، الدروس 2: 214.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 411

بإطلاق التبرّي في الحسنة، سيما مع عطفه على «يعتق» بلفظة «ثم» في الكافي و الفقيه.

و يمكن أن يقال: إنّ مقتضى إطلاقها لو سلم أنّ مطلق السائبة يتحقق بذلك، و مجرد ذلك لا يفيد، إلّا إذا نفى الإرث عن السائبة مطلقاً، و أكثر الأخبار المتقدمة على الحسنة النافية للإرث إنما تدل على نفي الإرث عمن اعتق سائبة، و المتبادر منه أن يجعل سائبة حال الإعتاق، بل لا يتحقق العتق سائبة إلّا أن يجعل كذلك حال الإعتاق كما لا يخفى . و مقتضى عموم مفهوم الشرط فيها أنه لو لم يجعل كذلك بل أُعتق غير سائبة يورث منه. و به يقيد إطلاق موثقة أبي بصير أيضاً.

و هل يشترط الإشهاد في التبرّي في سقوط الولاء؟

فيه قولان. و الأكثر على العدم «1»؛ للأصل.

و الشيخ و الصدوق و الإسكافي على الاشتراط «2»؛ للأمر به في الروايات المتقدمة.

و فيه: أنه لا دلالة للأمر على الاشتراط أصلًا، فإنّ هذا

الأمر ليس للوجوب الشرعي قطعاً لانتفائه، فهو إما للإرشاد أو للوجوب الشرطي، فكما يمكن أن يكون لإرشاد طريقة السقوط أو اشتراط حصول السقوط يمكن أن يكون لإرشاد طريقة الثبوت عند الحاكم أو اشتراط ثبوته عنده بذلك.

الشرط الثالث: أن لا يكون للعتيق وارث مناسب

، فلو كان له وارث بنسب قريب أو بعيد، ذو فرض أو غيره، لم يرث المنعِم، بالإجماع و المتواترة معنى من الأخبار. و ما يخالفه منها محمول على التقية، فإنّ

______________________________

(1) كما في الشرائع 4: 36، و التحرير 2: 168، و المسالك 2: 335.

(2) الشيخ في النهاية: 669، الصدوق في المقنع: 156، حكاه عن الإسكافي في الرياض 2: 367.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 412

العامة في ذلك مخالفة كما يظهر من الأخبار المستفيضة.

و لو كان للعتيق زوج أو زوجة فله نصيبه الأعلى بالإجماع؛ للعمومات. و الباقي للمنعم مطلقاً على المشهور، بل لا يعلم فيه مخالف سوى الحلبي في الزوج، فردّ عليه الباقي، و منع المنعم عن الإرث معه خاصة «1».

و ردّ عليه بعموم «الولاء لمن أعتق» «2» و عمومات توريث المنعم «3».

و لا يخفى أنها معارضة بعمومات إرث الزوج كصحيحة أبي بصير: امرأة ماتت و تركت زوجها، قال: «المال له» «4» و روايته: امرأة هلكت و تركت زوجها، قال: «المال كله للزوج» «5» و غير ذلك.

فإن قيل: هي مقيدة بما إذا لم يكن وارث غيره بالمتكثرة من الأخبار.

قلنا: كذلك عمومات الولاء، فإنها أيضاً مقيدة بذلك كما مر في صحيحتي الكناني و الحلبي «6».

و يمكن أن يقال: إنّ الوارث المانع للمنعم مقيد في صحيحة العجلي المتقدمة «7» بالقرابة، و بها يقيد سائر المطلقات، و ليس كذلك في طرف الزوج.

إلّا أن يقول أحد: إنّ اختصاص القرابة بالنسبية غير معلومة، فإنّ

______________________________

(1) الكافي

في الفقه: 374.

(2) الوسائل 23: 61 أبواب العتق ب 35.

(3) انظر الوسائل 26: 241 أبواب ميراث ولاء العتق ب 3.

(4) الكافي 7: 125، 5، التهذيب 9: 295، 1056، الإستبصار 4: 150، 568، الوسائل 26: 198 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 6.

(5) الكافي 7: 126، 7، الوسائل 26: 200 أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 14.

(6) المتقدمتين في ص: 401 و 402.

(7) في ص: 404.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 413

الزوج أيضاً من الأقرباء عرفاً، أو يقول بأنّ المتبادر و الشائع من الوارث المنفي في طرف الزوج أيضاً هو غير المنعِم من الأقرباء.

و بالجملة لولا شذوذ قول الحلبي الظاهر في الإجماع على خلافه لكانت المسألة محل الكلام و الإبرام.

المسألة الرابعة: إذا اجتمعت الشرائط ورث المنعِم المنعَم له

، و اختص بتمام تركته أو الباقي عن نصيب أحد الزوجين إن كان واحداً، و اشتركوا في المال إن كانوا أكثر، يقتسمونه بينهم بالسوية مطلقاً، ذكوراً كانوا أو إناثاً أو مختلفين بلا خلاف؛ لأنّ السبب في الإرث هو الإعتاق فيتبع الحصة، و لا ينظر إلى الذكورة و الأُنوثة.

و تدل على الحكم موثقة الساباطي: في مكاتبة بين شريكين يعتق أحدهما نصيبه، كيف يصنع الخادم؟ قال: «يخدم الباقي يوماً، و تخدم نفسها يوماً» قلت: فإن ماتت و تركت مالًا؟ قال: «المال بينهما نصفان، بين الذي أعتق، و بين الذي أمسك» «1».

المسألة الخامسة: إذا فُقد المنعم لعتيق ففي تعيين وارثه أقوال:

الأول

: أنه يرثه أولاده مطلقاً، من غير فرق بين الذكر و الأُنثى، رجلًا كان المنعم أو امرأة. حُكي عن الصدوق، و استحسنه في الشرائع، و نسبه في اللمعة إلى الشهرة، و أعجبه في الروضة «2».

و الثاني

: أنه يرثه وارث المال مطلقاً، نُقل عن العماني، و جعله مشهوراً متعالما «3».

______________________________

(1) الكافي 7: 172، 1، الفقيه 3: 74، 260، التهذيب 8: 275، 1003، المقنع: 160، الوسائل 23: 163 أبواب المكاتبة ب 19 ح 4.

(2) حكاه عن الصدوق في المختلف: 632، الشرائع 4: 36، اللمعة (الروضة 8): 183، الروضة 8: 186.

(3) نقله عنه في المختلف: 632.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 414

و الثالث

: أنه يرثه أولاده الذكور دون الإناث، رجلًا كان المنعم أو امرأة، فإن لم يكن له ذكور فترثه عصبته، أي عاقلته الذين عليهم دية الجنايات خطأً. نُسب إلى المفيد «1».

و الرابع

: أنه إن كان المنعم رجلًا يرث الولاء أولاده مطلقاً، ذكوراً كانوا أم إناثاً، بل يرثه جميع ذوي أنسابه على وتيرة النسب، سوى المتقربين بالأُم. و إن كان امرأة يرثه عصبتها دون أولاده مطلقاً. اختاره الشيخ

في الخلاف مدعياً عليه إجماع الفرقة «2»، و حكي ذلك عن السرائر و الدروس أيضاً «3»، و استقربه في الكفاية «4»، و مال إليه بعض مشايخنا المعاصرين «5». إلّا أنّ بعضهم لم يذكروا سائر ذوي الأنساب بعد الأولاد «6»، فيمكن أن يكونوا موافقين [للشيخ «7»] فيه أيضاً، و أن يكونوا مقتصرين على الأولاد فيكون قولًا آخر.

و الخامس

: أنّ المنعم إن كان رجلًا كان الولاء لأولاده الذكور خاصة، و مع فقدهم فلعصبته، و إن كان امرأة فلعصبتها. و هو المحكي عن الشيخ في النهاية و الإيجاز و القاضي و ابن حمزة و النافع و المختلف و المسالك «8»،

______________________________

(1) المقنعة: 694.

(2) الخلاف 4: 79 81.

(3) السرائر 3: 23، 24، الدروس 2: 215، 216.

(4) الكفاية: 305.

(5) كصاحب الرياض 2: 367.

(6) كالشهيد في الدروس 2: 215.

(7) في النسخ: للمفيد، و الظاهر هو سهو.

(8) النهاية: 547، الإيجاز (الرسائل العشر): 277، القاضي في المهذّب 2: 154، ابن حمزة في الوسيلة: 397، 398، النافع: 272، المختلف: 632، المسالك 2: 335.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 415

و جماعة من المتأخرين «1»، و عن التحرير و شرح الشرائع للصيمري ادعاء الشهرة عليه «2».

أقول

: لا ينبغي الريب في اختصاص العصبة بالولاء إذا كان المنعم امرأة كما في القولين الأخيرين و هو المشهور؛ للروايات المعتبرة، كصحيحة محمد بن قيس: «قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) على امرأة أعتقت رجلًا و اشترطت ولاءه و لها ابن، فألحق ولاءه بعصبتها الذين يعقلون عنه دون ولدها» «3».

و صحيحة يعقوب: عن امرأة أعتقت مملوكاً ثم ماتت، قال: «يرجع الولاء إلى بني أبيها» «4».

و صحيحة أبي ولّاد: عن رجل أعتق جارية صغيرة لم تدرك، و كانت امّه قبل أن تموت سألته

أن يعتق عنها رقبة من مالها، فاشتراها فأعتقها بعد ما ماتت أنه لمن يكون ولاء العتق؟ قال، فقال: «ولاؤها لأقرباء امه من قبل أبيها» إلى أن قال: «و لا يكون الذي أعتقها عن امه من ولائها شي ء» «5».

و هذه الأخبار صحيحة خالية عما يصلح للمعارضة، موافقة للشهرة العظيمة، بل في الاستبصار و عن الخلاف أنه لا خلاف فيه بين الطائفة «6»،

______________________________

(1) كالفيض في المفاتيح 3: 307.

(2) التحرير 2: 169.

(3) التهذيب 8: 253، 921، الإستبصار 4: 25، 80، الوسائل 23: 70 أبواب العتق ب 39 ح 1.

(4) التهذيب 8: 254، 922، الإستبصار 4: 25، 81، الوسائل 23: 70 أبواب العتق ب 39 ح 2.

(5) التهذيب 8: 254، 924، الإستبصار 4: 25، 82، الوسائل 23: 70 أبواب العتق ب 39 ح 3.

(6) الاستبصار 4: 173، حكاه عن الخلاف في الرياض 2: 367. و انظر الخلاف 4: 81.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 416

و عن السرائر الإجماع عليه «1»، فالإشكال فيها منفي بالمرة.

و أما إذا كان المنعم رجلًا فاختلفت فيه الروايات؛ فاستدل من خصّ الولاء بالذكور على اختصاصه بالذكور من أولاده دون الإناث بصحيحة العجلي المتقدمة في الشرط الأول من المسألة الثالثة «2».

و بمكاتبة محمد بن عمر: عن رجل مات و كان مولىً لرجل و قد مات مولاه قبله، و للمولى ابن و بنات، فسألته عن ميراث المولى، فقال: «هو للرجال دون النساء» «3».

و صحيحة محمد بن قيس: «في رجل حرّر رجلًا فاشترط ولاءه، فتوفي الذي أعتق و ليس له ولد إلّا النساء، ثم توفي المولى و ترك مالا، و له عصبة، فاحتق في ميراثه بنات مولاه و العصبة، فقضى بميراثه للعصبة الذين يعقلون عنه إذا أحدث

حدثاً يكون فيه عقل» «4».

و احتج من جعل الذكور و الإناث شركاء فيه بموثقة البجلي: «مات مولى لحمزة بن عبد المطلب فدفع رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) ميراثه إلى بنت حمزة» «5».

و رجّحها على الصحاح المتقدمة بموافقتها لعموم «الولاء لحمة» و مخالفتها للعامة، كما صرح به شيخ الطائفة و الحسن بن محمد بن سماعة

______________________________

(1) السرائر 3: 24.

(2) راجع ص: 404.

(3) التهذيب 9: 397، 1419، الوسائل 26: 239 أبواب ميراث ولاء العتق ب 1 ح 18.

(4) التهذيب 8: 254، 923، الإستبصار 4: 24، 77، الوسائل 23: 71 أبواب العتق ب 40 ح 1.

(5) الكافي 7: 170، 6، التهذيب 9: 331، 1191، الإستبصار 4: 172، 652، الوسائل 23: 236 أبواب ميراث ولاء العتق ب 1 ح 10.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 417

الذي هو أحد رواة الموثقة «1».

و بقول علي بن الحسن بن فضال: إنّ تخصيص الرجال خلاف ما عليه أصحابنا «2».

و ضعفِ أدلة الاختصاص: أما الصحيحة فلأنّ الاستدلال بها إنما يتم لو كان قوله: «من الرجال» قيداً للولد، مع أنه يحتمل أن يكون قيداً للميت. و أما المكاتبة فلكونها ضعيفة. و أما الصحيحة الأخيرة فلأن العصبة المذكورة فيها يحتمل أن تكون للعتيق لا للمنعم، كما هو المدعى ، بل هو الظاهر؛ و الاحتقاق إنما وقع بين بنات المنعم و عصبة العبد، فتخرج عما نحن فيه.

أقول

: كان ذلك حسناً لو كانت الموثقة في المطلوب صريحة. و لكن صراحتها ممنوعة، لكونها قضية في واقعة، فيمكن أن يكون دفع رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) لأنّ مع فقد الذكور كان الولاء أو الميراث للرسول (صلّى اللَّه عليه و آله) فأعطاها من حقه، أو للعصبة و دفعه

الرسول بإذنهم؛ و أصالة عدم الإذن معارضة بأصالة عدم توريث بنت حمزة. أو يكون ذلك قبل نزول الفرائض كما احتمله في الفقيه و التهذيب في حديث آخر من أحاديث بنت حمزة «3».

و عموم الولاء لحمة ممنوع، بل الظاهر من قوله: «لا تباع و لا توهب» في آخر الرواية «4» أنّ المشابهة في عدم قبول البيع و الهبة.

و على هذا فيكون الحكم بتوريث النساء خالياً عن الدليل.

______________________________

(1) صرّح بذلك شيخ الطائفة، و نقله عن الحسن بن محمد بن سماعة في الاستبصار 4: 173.

(2) حكاه عنه في التهذيب 9: 398.

(3) الفقيه 4: 223، 711، التهذيب 9: 331، 1192.

(4) أي رواية السكوني، المتقدّمة في ص 401.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 418

و لا يضر عدم دلالة الصحيحتين بعد دلالة المكاتبة، لأنّها أيضاً حجة، سيما مع اعتضادها بالشهرتين، المحققة و المحكية «1». مع أنّ ما ذكروه احتمالًا في الصحيحة الاولى خلاف الظاهر، سيما على ما في بعض النسخ حيث إنّ فيه بدل قوله: «فإنّ ولاء المعتق هو ميراث لجميع ولد الميت من الرجال» إلى آخره «كان ولاء المعتق ميراثاً لجميع ولد الميت من الرجال».

و ظهر من ذلك أنّ الترجيح للقول الخامس من الاختصاص بالأولاد الذكور إذا كان المنعم رجلًا، و بالعصبة إذا كان امرأة.

إلّا أنّ ما ذكره أرباب ذلك القول من اختصاص عصبة الرجل إذا فقد الذكور فلم يذكروا دليلًا له سوى صحيحة محمد بن قيس الأخيرة «2»، و قد عرفت حالها، و لذا لم يحكم به جماعة، منهم صاحب الكفاية، فشرّك الأخوات مع الإخوة بعد فقد الولد، بل المتقرب بالأُم أيضاً «3».

نعم لو قلنا باختصاص الرجال بالإرث بالولاء مطلقاً دون النساء حتى الام- كما قاله الإسكافي «4»

و له قوة يظهر دليل اختصاص العصبة مع فقد الولد كما سنذكره.

المسألة السادسة: الحق عدم توريث النساء بالولاء مطلقاً حتى الام

، وفاقاً لابن الجنيد؛ لصريح المكاتبة «5»، و قيل: لظاهر صحيحة العجلي «6».

______________________________

(1) راجع ص: 413.

(2) المتقدّمة في ص: 415.

(3) الكفاية: 306.

(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 631.

(5) و هي مكاتبة محمد بن عمر المتقدمة في ص: 415.

(6) انظر الرياض 2: 367، و قد تقدمت الصحيحة في ص: 404.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 419

و توهم عدم حجيتها لشذوذ هذا القول غير جيد؛ إذ ليست المسألة مما ثبت فيها شذوذ قول أو إجماع مركب، بل غاية ما يمكن ادعاؤه نوع اشتهار و معروفية. مع أنّ ظاهر من جعل الولاء للولد الذكور ثم العصبة و لم يتعرض للُام كما في النافع «1» عدم توريث غير الولد و العصبة.

و الاستدلال على توريث النساء بحديث اللحمة، مردود بما مر من عدم ثبوت عموم المشابهة بل ظهورها في عدم البيع و الهبة.

نعم قال العماني: و روى عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) و الأئمة من ولده أنهم قالوا: «تقسّم الدية على من أحرز الميراث، و من أحرز الميراث أحرز الولاء» و هذا مشهور متعالم. انتهى «2».

و هذا حديث مرسل شامل للنساء أيضاً، و لكنه عام بالنسبة إلى ما ذكرنا، فيجب تخصيصه به.

و منه يظهر وجه آخر للجواب عن حديث اللحمة. و كذا يظهر الجواب عن عمومات إرث النساء من الام و الأخوات مما يمكن تعميمه للمورد أيضاً إن وجد.

و من ذلك يظهر دليل الاختصاص بالعصبة بعد فقد الولد؛ إذ لا يبقى حينئذ غير العصبة، لأنّ كل من يتقرب بالأُم يمنع، لأنّ كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، و لأنّ لكل قريب نصيب من يتقرب به،

و كل أُنثى من المتقرب بالأب أيضاً كذلك، لعدم توريث النساء بالولاء، فلم يبق إلا العصبة.

المسألة السابعة: لا يرث بالولاء زوج و لا زوجة

، أما الأول: فلما عرفت من أنّ ولاء المرأة مخصوص بعصبتها، و أما الثاني: فلما مر من

______________________________

(1) النافع: 272.

(2) حكاه عنه في المختلف: 631.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 420

اختصاص الولاء بالرجال.

و المشهور كما قيل أنّ الأبوين يرثان بالولاء «1»، و قد عرفت أنّ الحق عدم توريث الام. و أما الأب فيرث على الأقوى ؛ لمرسلة العماني المتقدمة المنجبرة بقوله: و هو مشهور، و لعموم «الرجال» في المكاتبة «2» و بعض عمومات إرث الأب على ما قيل، الخالية جميعاً عن المعارض، سوى ما ذكره في الكفاية «3» في صورة وجود الولد الذكور من صحيحة العجلي المتقدمة «4»، المتضمنة لقوله «فإنّ ولاء المعتق هو ميراث لجميع ولد الميت» و نفى البعد عن العمل بها.

و في دلالتها على التخصيص نظر؛ لأنّ كونه ميراثاً لهم لا يناقض إرث غيرهم أيضاً، و لا يدل على أنّ وارثه منحصر فيهم إلّا بمفهوم اللقب.

و يظهر مما ذكر أنه يشارك الولد أيضاً فيه كما هو المشهور.

و لم يتعرض جماعة لكيفية التقسيم، نعم صرّح طائفة منهم شارح المفاتيح- بأنّ له السدس مع الولد. و لم أعثر على وجه له إلّا حديث اللحمة، و قد عرفت أنّ دلالته غير تامة. و لم أظفر في عمومات إرث الأب مع الولد ما يشمل هذا المورد أيضاً.

و مقتضى ما ذكره بعضهم من أنّ الأصل في الشركة التساوي كونها كذلك هنا أيضاً، و هو أيضاً ضعيف كما مر «5»، فإن ثبت إجماع (مركب) «6» على التسديس فهو، و إلّا فالمسألة مشكلة جدّاً.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 368.

(2) المتقدمة في ص: 415.

(3) الكفاية: 306.

(4)

في ص: 404.

(5) راجع ص: 263.

(6) ما بين القوسين ليس في «ق».

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 421

المسألة الثامنة: قالوا: يقوم أولاد لأولاد مقام الأولاد

، و لكن إذا عدم آباؤهم. و كذا قالوا بترتب من يرث الولاء من الجد و العصبات كترتبهم في الإرث بالنسب، و استدل عليه بحديث اللحمة، و مر عدم دلالته.

و استدل في الكفاية «1» للحكم الأول بصحيحة العجلي، و لعله مبني على صدق الولد على ولد الولد، و فيه منع قد مر بيانه «2».

و الأولى الاستدلال للحكمين بمرسلة العماني «3»، أما الأول فظاهر، و أما الثاني فلأنّ المتأخر في الإرث النسبي لا يحرز الميراث مع وجود المتقدم، فكذلك الولاء.

و يمكن الاستدلال أيضاً بإطلاق صحيحة الكناسي المبيّنة لمن هو أولى بالميت، حيث قال: «ابنك أولى بك من ابن ابنك، و ابن ابنك أولى بك من أخيك» الحديث «4».

و ظاهر جماعة «5» كصريح شرح المفاتيح أنّ التقسيم في هذه المراتب أيضاً كتقسيم الإرث النسبي. و فيه الإشكال المتقدم ذكره.

المسألة التاسعة: هل يورث الولاء كما يورث به، أم لا؟

المشهور الثاني؛ لأنّه ليس مالًا يقبل النقل، و لذا ورد في الأخبار أنه لا يصح بيعه و لا هبته و لا شرطه في بيع، فكذا ما يشبهه.

و فيه: أنه لا يلزم من عدم صحة ما ذكر عدم توريثه، كما في حق

______________________________

(1) الكفاية: 306.

(2) راجع ص: 191.

(3) المتقدمة في ص: 418.

(4) الكافي 7: 76، 1، التهذيب 9: 268، 974، الوسائل 26: 63 أبواب موجبات الإرث ب 1 ح 2.

(5) كالطوسي في الخلاف 4: 79 81، و الشهيد في اللمعة (الروضة البهية 8): 183، 187.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 422

الشفعة و الخيار.

و ظاهر النافع و الشرائع و الكفاية «1»، و بعض مشايخنا المعاصرين «2»، و المحكي عن الخلاف «3»، بل عن جماعة «4»: الأول.

و هو الأقرب؛ لظاهر الأخبار المستفيضة، كصحيحة العجلي و الصحاح الثلاث الواردة في اختصاص العصبة

بولاء المرأة. و مرسلة العماني، المتقدمة جميعاً «5».

و تظهر الفائدة فيما لو مات المنعم قبل العتيق و خلّف وارثاً غير الوارث بعد موت العتيق، كما لو مات المنعم عن ولدين، ثم مات أحدهما عن أولاد، ثم العتيق، فعلى المشهور يختص الإرث بالولد الباقي، و على الأقرب يشاركه أولاد الولد الميت.

المسألة العاشرة [المنعم و ورثته يرثون من أولاد عتيقه مع فقد النسب ]:

كما يرث المنعم و ورثته من عتيقه مع فقد النسب، كذلك يرثون من أولاد عتيقه مع فقد النسب، بلا خلاف فيه يعرف، بل مطلقاً كما قيل «6»؛ للصحاح المستفيضة، منها صحيحة العيص: عن رجل اشترى عبداً له أولاد من امرأة حرة فأعتقه، قال: «ولاء ولده لمن أعتقه» «7». و غيرها من الأخبار.

______________________________

(1) النافع: 272، الشرائع 4: 36، الكفاية: 305.

(2) كما في الدرة النجفية: 200 و الرياض 2: 368.

(3) حكاه عنه في كفاية الأحكام: 305.

(4) حكاه عنهم في الرياض 2: 368.

(5) راجع ص: 404 و 414 و 418.

(6) انظر الرياض 2: 367.

(7) الكافي 7: 170، 4، الفقيه 3: 79، 285، التهذيب 8: 250، 910، الإستبصار 4: 21، 66، الوسائل 23: 66 أبواب العتق ب 38 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 423

و على هذا فلو مات رجل و لم يكن له وارث نسبي فميراثه لمن أعتقه، و إن لم يكن عتيقاً فلمن أعتق أباه قبل، و إن لم يكن أبوه عتيقاً فلمن أعتق جده، و هكذا.

و حكم منعم الجد غير معلوم من النص، فإن ثبت إجماع و إلّا ففيه كلام.

و لا ينافي ما مر ما في بعض الصحاح من نفي لفظ المولى عمن أُعتق أبوه؛ لأنا نسلّم أنه ليس مولى حقيقياً، و إنما يجري عليه حكم الولاء بالنص.

و لو مات رجل لم يكن عتيقاً

و كان أبوه عتيقاً لرجل و أُمه لآخر فالمشهور أنّ وارثه هو المنعم على أبيه و من أعتقه، لا من أعتق أُمة؛ لصحيحة محمد بن قيس: «قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في مكاتب اشترط عليه ولاؤه إذا أُعتق، فنكح وليدة لرجل آخر، فولدت له ولدا، فحرر ولده، ثم توفي المكاتب، فورثه ولده، فاختلفوا في ولده من يرثه؛ فألحق ولده بموالي أبيه» «1».

المسألة الحادية عشرة [لو فقد المنعم و قرابته الوارثون للولاء]

المشهور بين الأصحاب، بل كما قيل من غير خلاف يعرف بينهم «2»: أنه إذا فقد المنعم و قرابته الوارثون للولاء يرثه منعم المنعم لو كان، فإن عُدم فقرابة منعم المنعم على تفصيل قرابة المنعم، فإن فقد الجميع فمنعم أب المنعم، ثم منعم هذا المنعم، هكذا كالأول.

و لم أعثر على نص فيه، بل قيل: و لا نص فيه «3»، و كأنهم استنبطوه من حديث اللحمة، و قد عرفت ما فيه.

______________________________

(1) الفقيه 3: 77، 275، الوسائل 23: 159 أبواب المكاتبة ب 16 ح 2.

(2) انظر الرياض 2: 369.

(3) كما في الرياض 2: 369.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 424

الفصل الثالث في ولاء تضمن الجريرة أي: الجناية

فإنّ من توالى غيره بأن يضمن جنايات ذلك الغير و يثبت له ولاؤه يثبت له ميراثه.

قال في الكفاية: و هذا عقد كانت الجاهلية يتوارثون به دون الأقارب، فأقرهم اللَّه في صدر الإسلام، ثم نسخ بالإسلام و الهجرة، فإذا كان للمسلم ولد لم يهاجر ورثه المهاجرون دون ولده، ثم نسخ بالتوارث بالرحم و القرابة، و عند الشافعي أنّ الإرث لضمان الجريرة منسوخ مطلقاً، و عندنا أنه باق على بعض الوجوه «1»، انتهى .

و ظاهره دعوى الإجماع على الإرث به في الجملة، و قد ادعى الإجماع عليه كثير من الأصحاب، منهم ابن زهرة و الشهيد الثاني «2»، بل هو إجماع محقق، فهو الدليل عليه، مضافاً إلى الأخبار المستفيضة من الصحاح و غيرها.

و قد يستدل على جوازه و مشروعيته بل لزومه بآية أَوْفُوا بِالْعُقُودِ. و فيه نظر. و لذا ذهب الشيخ و ابن حمزة «3» و بعض آخر «4» إلى أنه عقد جائز إلّا أن يعقل عنه.

______________________________

(1) الكفاية: 306.

(2) ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 608، الشهيد الثاني في المسالك 2:

338.

(3) الشيخ في الخلاف 4: 120، ابن حمزة في الوسيلة: 398.

(4) كالعلامة في المختلف: 740.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 425

و يختص الإرث به بالضامن دون المضمون له، بل يورث عنه، إلّا أن يتحقق الضمان من الجانبين فيتوارثان.

و لا يتعدى الإرث بهذا الولاء من الضامن إلى أقاربه و ورثته على الحق المشهور، بل المدعى عليه الإجماع «1».

خلافاً للمحكي عن المقنعة، فسوّى بينه و بين ولاء العتق في جميع الأحكام «2». و هو شاذ ضعيف.

و لا يصح ضمان الجريرة إلّا عن سائبة، أو عمن كان حراً في الأصل، و لكن لا وارث له مطلقاً و لو معتقاً. فهذا الإرث متأخر عن الإرث بالنسب و العتق بلا خلاف يعرف، بل بالإجماع كما قيل «3»، فلا يرث الضامن إلا مع فقد كل مناسب وارث و منعم كذلك. و يرث معه الزوج و الزوجة نصيبهما الأعلى. و هو مقدم على ولاء الإمامة، فإذا فقد ذلك أيضاً يرث الإمام عليه الصلاة و السلام.

______________________________

(1) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 608.

(2) المقنعة: 694.

(3) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 608.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 426

الفصل الرابع في ولاء الإمامة
اشاره

و فيه مسائل:

المسألة الاولى [لو مات و ليس له وارث نسبي و لا سببي ]:

اعلم أنّ من مات و ليس له وارث نسبي خال عن موانع الإرث من قتل أو كفر مع إسلام الميت و نحوهما، و لا سببي يحاز به الإرث من الزوج و المنعم و ضامن الجريرة، فالإمام وارثه، و ميراثه له، حاضراً كان الإمام أو غائباً، على الحق المشهور، بل المدّعى عليه الإجماع في كتب الأصحاب مستفيضاً، كالخلاف و الغنية و السرائر و المنتهى و المسالك و المفاتيح «1» و غيرها «2»، بل بالإجماع المحقق، لشذوذ ما يخالف ذلك، كما يظهر وجهه.

للنصوص المستفيضة المعتبرة، كصحيحتي ابن رئاب و العجلي المتقدمتين في الشرط الأول من المسألة الثالثة من الفصل الثاني «3».

و رواية عمار بن أبي الأحوص المتقدمة فيها أيضاً «4».

و صحيحتي ابن سنان المتقدمتين في الشرط الثاني منها «5».

و صحيحة أبي بصير المتقدمة في بحث ميراث الكافر و فيها: «و إن

______________________________

(1) الخلاف 4: 22، الغنية (الجوامع الفقهية): 608، السرائر 3: 228، المنتهى 1: 553، المسالك 2: 338، المفاتيح 3: 311.

(2) انظر كشف اللثام 2: 302.

(3) راجع ص: 404.

(4) راجع ص: 404.

(5) راجع ص: 408.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 427

لم يُسلم من قرابته أحد فميراثه للإمام» «1».

و الصحاح الثلاث لمحمد، و الحلبي، و محمد الحلبي: الاولى : «من مات و ليس له وارث من قبيل قرابته، و لا مولى عتاقه قد ضمن جريرته فماله من الأنفال» «2».

و الثانية: «و من مات و ليس له موالي فما له من الأنفال» «3».

و الثالثة: «من مات و ليس له مولى فما له من الأنفال» «4».

و بمعناها رواية أبان بن تغلب «5».

خلافاً للصدوق في الفقيه «6»، ففرق بين حال الحضور و الغيبة، فجعله في الأول للإمام، و في

الثاني لأهل بلد الميت، جمعاً بين ما مر و بين أخبار أُخر، كمرسلة داود: «مات رجل على عهد أمير المؤمنين (عليه السّلام) لم يكن له وارث، فدفع أمير المؤمنين (عليه السّلام) ميراثه إلى همشهريجه» «7».

______________________________

(1) الكافي 7: 144، 2، الفقيه 4: 244، 787، التهذيب 9: 369، 1316، الوسائل 26: 20 أبواب موانع الإرث ب 3 ح 1.

(2) الكافي 7: 169، 2، الفقيه 4: 242، 773، التهذيب 9: 387، 1381، الوسائل 26: 246 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 3 ح 1.

(3) الكافي 7: 168، 1، الوسائل 26: 247 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 3 ح 4.

(4) الكافي 7: 169، 4، التهذيب 9: 386، 1379، الاستبصار 4: 195، 732، تفسير العياشي 2: 48، 14، الوسائل 26: 247 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 3 ح 3.

(5) التهذيب 9: 386، 1380، الاستبصار 4: 195، 733، تفسير العياشي 2: 48، 12، الوسائل 26: 249 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 3 ح 8.

(6) الفقيه 4: 242.

(7) الكافي 7: 169، 1، التهذيب 9: 387، 1383، الإستبصار 4: 196، 736، الوسائل 26: 252 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 4 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 428

و مرفوعة السري: في الرجل يموت و يترك مالًا ليس له وارث قال، فقال أمير المؤمنين (عليه السّلام): «أعط همشاريجه» «1».

و رواية السندي: «كان علي (عليه السّلام) يقول في الرجل يموت و يترك مالًا و ليس له أحد: أعط الميراث همشاريجه» «2».

و يضعف بأنه جمع لا شاهد عليه أصلًا، بل هو كما قاله الصدوق في حق جمع ذكره غيره: هو أبعد ما بين المشرق و المغرب،

فإنّ فعل أمير المؤمنين (عليه السّلام) في عهده الشريف كما في المرسلة الأُولى كيف يحتمل الحمل على حال الغيبة؟! و كذا حكمه بالإعطاء كما في الأخيرتين، مضافاً إلى أنه لا دلالة لفعله و أمره (عليه السّلام) على أنه مالهم، فإنّ له (عليه السّلام) أن يفعل أو يأمر في ماله ما شاء، و لذا حملها الشيخ في الاستبصار على ذلك «3».

و لو قطع النظر عن جميع ذلك فلا تصلح هذه الأخبار لمعارضة ما مر؛ لشذوذها كما ذكره الشيخ في التهذيبين «4»، و أشهرية أخبارنا رواية، فإنّ هذه الأخبار الأخيرة تنتهيان إلى روايتين، لأنّ راوي الأخيرتين هو خلّاد السندي، بل تحتمل رواية واحدة، لجواز كون المرسل عنه في الأُولى أيضا خلّاد. و الأخبار الأُولى كثيرة صحاح.

و مع ذلك كله نسبة الحكم في هذه الأخبار الثلاثة إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام) يشعر بنوع تقية في الحكم.

______________________________

(1) التهذيب 9: 387، 1382، الإستبصار 4: 196، 735، الوسائل 26: 252 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 4 ح 2.

(2) الكافي 7: 169، 2، الوسائل 26: 252 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 4 ح 1.

(3) الاستبصار 4: 196.

(4) الاستبصار 4: 196، التهذيب 9: 387.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 429

و قد حكى بعض المحدثين عن بعض النسخ همشيريجه بالياء بعد الشين، فالمراد به نحو الأخ الرضاعي، فيخرج عن محل البحث، و يكون ما لم يقل به أحد، و إن ورد مثله في بعض الأخبار أيضاً.

فضعف هذا القول ظاهر جدّاً.

و للمحكي عن ظاهر الشيخ في الاستبصار و الإسكافي، فقالا: إنه لبيت مال المسلمين، لا للإمام «1»، لصحيحة أبي بصير: عن المملوك يعتق سائبة، قال: «يتولى من شاء، و على

من يتولى جريرته و له ميراثه» قلنا: فإن سكت حتى يموت و لم يوال أحداً؟ قال: «يجعل ماله في بيت المسلمين» «2».

و نحوها صحيحة سليمان بن خالد إلّا أنّ فيها: «و يجعل ميراثه لبيت مال المسلمين» «3».

و رواية ابن عمار، و فيها: «فإن سكت حتى يموت أُخذ ميراثه و يجعل في بيت مال المسلمين» «4».

و صحيحة اخرى لسليمان: في رجل مسلم قتل و له أب نصراني، لمن تكون ديته؟ قال: «تؤخذ و تجعل في بيت مال المسلمين» «5».

______________________________

(1) الاستبصار 4: 196، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 749.

(2) الكافي 7: 171، 4، التهذيب 8: 255، 927، الوسائل 23: 73 أبواب العتق ب 41 ح 1.

(3) الكافي 7: 172، 8، الوسائل 23: 73 أبواب العتق ب 41 ح 1.

(4) التهذيب 9: 394، 1406، الوسائل 26: 249 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 3 ح 9.

(5) الفقيه 4: 243، 775، التهذيب 9: 390، 1392، الوسائل 26: 253 أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ب 4 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 430

و فيه: أنّه يمكن أن يكون المراد ببيت مال المسلمين بيت الإمام (عليه السّلام) لأنه لما كان ولي المسلمين فبيته بيت مال المسلمين أو بيت مالهم بيته.

انظر إلى كلام الشيخ في التهذيبين يقول بعد نقل صحيحة أبي بصير المتضمنة لأنّ ميراث السائبة التي لم يوال أحداً لمولاه: هذا الخبر غير معمول به، لأنّ الأخبار كلها وردت في أنه متى لم يوال السائبة أحداً كان ميراثه لبيت مال المسلمين «1».

و يقول بعد نقل روايتي الهمشهريج: هاتان الروايتان مرسلتان شاذتان لا تعارض ما قدمناه من الأخبار المسندة، مع أنه ليس فيهما ما ينافي ما تقدم لأنّ

الذي تضمنتاه حكاية فعل، و لعله (عليه السّلام) فعل لبعض الاستصلاح، لأنه إذا كان المال له خاصة على ما قدمناه جاز له أن يعمل به ما شاء، و يعطي من شاء «2»، انتهى .

فإنه جعل المال له خاصة مع جعله أولًا لبيت مال المسلمين، فيظهر منه اتحادهما.

و أظهر منه كلامه في الخلاف، قال: ميراث من لا وارث له لا ينقل إلى بيت المال، و هو للإمام خاصة، و عند جميع الفقهاء ينقل إلى بيت المال و يكون للمسلمين «3»، انتهى .

و لو سُلِّم إرادة بيت مال المسلمين في تلك الأخبار أيضاً فلا تقاوم ما مر من أخبارنا، لوجوه كثيرة، معظمها موافقتها للعامة و مخالفة أخبارنا لهم.

______________________________

(1) الاستبصار 4: 200، التهذيب 9: 395.

(2) الاستبصار 4: 196، التهذيب 9: 387.

(3) الخلاف 4: 22.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 431

و للمحكي عن المقنعة، فإنّ فيها: من مات و خلّف تركة في يد إنسان لا يعرف له وارثاً جعلها في الفقراء و المساكين «1».

و لم أعثر على دليل إلّا ما نذكره من أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) كان يفعل ذلك، و لكن يظهر منه كما هو الظاهر أيضاً أنه ليس مخالفاً للمشهور، بل غرضه أنه يجعل كذلك في زمان الغيبة، لأنّه من مال الإمام (عليه السّلام)، كما يقول بمثله كثير من القائلين بأنه مال الإمام (عليه السّلام) «2».

و يدلُّ عليه قوله في ذلك الكتاب قبل ذلك: فإن مات إنسان لا يعرف له قرابة من العصبة و لا الموالي و لا ذوي الأرحام كان ميراثه لإمام المسلمين خاصة يضعه فيهم حيث يرى ، و كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يعطي تركة من لا وارث له من قريب و لا نسيب و لا

مولى فقراء أهل بلده و ضعفاء جيرانه و خلطائه، تبرعاً عليهم بما يستحقه من ذلك، و استصلاحاً للرعية، حسب ما كان يراه في الحال من صواب الرأي، لأنه من الأنفال، انتهى «3».

المسألة الثانية [حكم ميراث من لا وارث له في زمن غيبة الإمام ع ]

و إذ عرفت أنّ ميراث من لا وارث له للإمام، فمع حضوره يحمل إليه يَصنع به ما يشاء.

و أما مع غيبته فقيل: يحفظ له بالوصاية أو الدفن إلى زمان ظهوره. و عن ظاهر الخلاف الإجماع عليه «4».

و عن الصدوق كما مر لزوم الدفع إلى أهل بلد الميت مطلقاً، فقيراً كان أو غنياً «5».

______________________________

(1) المقنعة: 706.

(2) انظر النهاية: 671، و الشرائع 4: 40، و القواعد 2: 180.

(3) المقنعة: 705.

(4) الخلاف 4: 23.

(5) الفقيه 4: 242.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 432

و عن اللمعة و بحث الأنفال من الدروس صرفه في فقراء أهل بلده «1».

و ربما يقال بكونه حلالًا للشيعة مطلقاً «2».

و ذهب الأكثر كما صرح به بعض من تأخر إلى أنه يصرف في الفقراء و المساكين من شيعته «3». و هو المحكي عن المفيد و الديلمي و ابن زهرة و الحلي و القاضي و الكيدري و الشرائع و النافع و التحرير و الإرشاد و الدروس و المسالك «4» و غيرها.

و هو الأقوى؛ لما أُشير إليه في كتاب الخمس من الإذن الحاصل من شاهد الحال من جهة استغناء الإمام و احتياج مواليه و شيعته الذين هم من عياله حقيقة، فيعلم بذلك قطعاً رضاء الإمام بصرف ماله إليهم و رفع ذلتهم و احتياجهم، سيما مع ما ورد منهم من تحليل الأنفال لهم، و الأمر في بعض الأخبار بصرف ما يختص بهم من الأموال المجهول مالكها المسئول عنها عند حضورهم في الصدقة و نحوها، و ما

ورد من الأمر بصلة الشيعة و إدخال السرور عليهم و رفع حاجتهم. و نعلم قطعاً أنه لو كان حاضراً مستغنياً لفعل ذلك، و أنه لا يرضى بالحفظ المورث للتلف غالباً.

و من هذا يظهر ما في ما قيل بعد الحكم بجواز الصرف إلى الفقراء، من أنّ الاحتياط في الحفظ «5»، فإنه غير موافق للاحتياط جزماً.

______________________________

(1) اللمعة (الروضة 8): 190، الدروس 1: 264.

(2) كما في الذخيرة: 492.

(3) انظر الرياض 2: 370.

(4) المفيد في المقنعة: 706، الديلمي في المراسم: 141 و 224، الحلي في السرائر 1: 498، القاضي في المهذب 2: 154، الشرائع 4: 40، النافع: 273، التحرير 2: 171، الإرشاد 2: 126، الدروس 2: 377، المسالك 2: 339، و حكاه عنهم في الرياض 2: 370.

(5) انظر الروضة 8: 191.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 433

و هل يتعين الصرف إلى الهاشميين أم لا؟

ظاهر الأصحاب الثاني. و هو كذلك؛ لعدم دليل على الأول أصلا.

و مال بعض سادة مشايخنا المعاصرين طاب ثراه إلى تخصيص السادات؛ لما ورد من أنهم عياله يجب عليه جبر نفقتهم من حصته في الخمس، و لآية اولي الأرحام «1».

و لا يخفى أنّ المستفاد من أخبارهم و أفعالهم أن شيعتهم كلهم عيالهم. و تعين وجوب جبر نفقة السادات بخصوصهم عن حصة الخمس غير معلوم، و آية اولي الأرحام في الإرث، و لم سلم العموم فالمراد الرحم العرفي، و بعد طول الدهور بهذا القدر لا يبقى رحم عرفاً. و لو قيل بالبقاء لجرى في جميع بني آدم و حواء، و لم يختص أيضاً بالهاشمي من الأب.

ثم إنه يجب أن يكون المتولي للصرف النائب العام؛ لأنه أعرف بوجوه المصالح، بل لا شاهد حال لتصرف غيره مع وجوده، هذا.

و

لو صرفه أحد في أهل الشرف من الفقراء الذين لا يرضون بسؤال و إظهار حال، سيما الأرامل و اليتامى و العجزة، ثم منهم بأهل بلد الميت، ثم منهم بالهاشميين لكان غاية الاحتياط.

المسألة الثالثة [مشاركة الزوجة للإمام ع في الإرث ]:

قد عرفت أنّ إرث الإمام إنما هو مع فقد كل وارث نسبي و سببي حتى الزوج، و أما الزوجة فهي لا تمنع الإمام على الأقوى كما مر، بل تشاركه و لها نصيبها الأعلى.

المسألة الرابعة: لو أوصى من لا وارث له بالثلث [أو بالزائد عليه ]

فلا كلام في نفوذه و وجوب العمل به.

______________________________

(1) انظر الرياض 2: 370.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 434

و لو أوصى بالزائد عليه فمقتضى إطلاق أخبار رد الزائد إلى الثلث الرد هنا أيضاً.

و يظهر من بعضهم نفوذ الجميع «1»؛ و لعله لرواية السكوني: عن الرجل يموت و لا وارث له و لا عصبة، قال: «يوصي بماله حيث شاء في المسلمين و المساكين و ابن السبيل» «2».

و في دلالتها نظر؛ لاحتمال أن يكون لفظة «ما» موصولة و اللام في «له» مفتوحة، و يكون إشارة إلى الثلث. و أيضاً المأذون فيه الوصية في المسلمين و المساكين و ابن السبيل، فلا يعم غيرها من المصارف. و أيضاً يحتمل أن يكون ذلك إجازة له (عليه السّلام) في حقه لمن يموت في عهده، لا حكماً شرعياً.

و إشباع الكلام في هذه المسألة يطلب من كتاب الوصية.

______________________________

(1) كما في الفقيه 4: 150.

(2) الفقيه 4: 150، 521، التهذيب 9: 188، 754، الإستبصار 4: 121، 460، الوسائل 19: 282 في أحكام الوصايا ب 12 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 435

المقصد الثالث في بعض الأحكام المتفرقة المتعلقة بهذا الباب
اشاره

و فيه مسائل

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 437

المسألة الأُولى : ولد الزنا لا يرث من والده الزاني، و لا من أقرباء والده، و لا يورثون منه

مستند الشيعة في أحكام الشريعة    ج 19    437     المسألة الأولى: ولد الزنا لا يرث من والده الزاني، و لا من أقرباء والده، و لا يورثون منه ..... ص : 437

بلا خلاف فيه يعرف، بل إجماعاً محققاً و محكياً عن المختلف و الإيضاح و المسالك و شرح الشرائع للصيمري «1»؛ له، و لصحيحة الحلبي: أيما رجل وقع على وليدة قوم حراماً، ثم اشتراها و ادعى ولدها فإنه لا يورث منه شي ء، فإنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) قال: «الولد للفراش، و للعاهر الحجر، و لا يورث ولد الزنا إلّا رجل يدعي ابن وليدته» «2».

و روى قريب منها بطرق أُخر أيضاً صحيحة و موثقة و غيرهما «3».

و رواية محمد بن الحسن الأشعري: عن رجل فجر بامرأة فحبلت، ثم إنه تزوجها بعد الحمل فجاءت بولد و هو أشبه خلق اللَّه به، فكتب بخطّه و خاتمه: «الولد لِغَيّةٍ «4»، لا يورث» «5».

و صحيحة ابن سنان: في ولد الزنا قلت: فإنّه مات و له مال، من يرثه؟ قال: «الإمام» «6».

و هذه الأخبار كما ترى نافية للإرث منه، و لعل مستند نفي التوارث

______________________________

(1) المختلف: 745، الإيضاح 4: 247، المسالك 2: 340.

(2) الكافي 7: 163، 1، التهذيب 9: 346، 1242، الإستبصار 4: 185، 693، الوسائل 26: 274 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 1.

(3) انظر الوسائل 26: 275 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 4.

(4) يقال: فلانٌ لِغَيَّةٍ، و هو نقيض قولك: لِرَشْدَةٍ. الصحاح 6: 2451.

(5) الكافي 7: 163، 2، الفقيه 4: 231، 738، التهذيب 9: 343، 1233، الإستبصار 4: 182، 685، الوسائل 26: 274 أبواب

ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 2.

(6) الفقيه 4: 231، 739، التهذيب 9: 343، 1234، الإستبصار 4: 183، 686، الوسائل 26: 275 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 3.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 438

من الجانبين الإجماع. و ربّما يقال: بل الأصل أيضاً، فإنّه يقتضي عدم التوارث، خرج النسب الصحيح، و يبقى غيره. و فيه نظر سيظهر وجهه.

و المشهور عدم التوارث بينه و بين امّه و قرابتها أيضاً، و نقل الشهرة عليه مستفيضة «1»، بل جعل جماعة كالشيخ في الاستبصار و المحقّق في الشرائع و شيخنا الشهيد الثاني في شرحه و الفاضل في القواعد «2» الرواية المخالفة له شاذّة أو مطروحة؛ للإطلاق و العموم المتقدمَين في الأخبار المذكورة.

خلافاً للمحكيّ عن الصدوق في المقنع، و الإسكافي، و الحلبي، و يونس بن عبد الرحمن على احتمال قوي، فقالوا: إنّه ترثه امّه و أقاربها، و يرثهم «3». و نسبه في الخلاف إلى قوم من أصحابنا «4»، و قال أبو الصلاح؛ يختلف فيه أصحابنا «5»، و ظاهر بعض متأخري المتأخرين «6».

لعمومات إرث الوالدين و الولد عن الولد و الوالدين، و كذا سائر الأقارب.

و رواية إسحاق بن عمار: «ولد الزنا و ابن الملاعنة ترثه امّه و إخوته لأمّه أو عصبتها» «7».

و مرسلة الفقيه: «إنّ دية ولد الزنا ثمانمائة درهم، و ميراثه كميراث ابن

______________________________

(1) كما في المسالك 2: 340، و الرياض 2: 372.

(2) الاستبصار 4: 183، الشرائع 4: 44، المسالك 2: 340، القواعد 2: 181.

(3) المقنع: 178، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 745، و الحلبي في الكافي في الفقه: 377. حكاه عن يونس في الكافي 7: 164.

(4) الخلاف 4: 104.

(5) لم نعثر عليه في الكافي في الفقه.

(6) كالفاضل الهندي

في كشف اللثام 2: 303.

(7) التهذيب 9: 345، 1239، الإستبصار 4: 184، 690، الوسائل 26: 278 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 9.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 439

الملاعنة» «1».

و رواية يونس على احتمال آخر: «ميراث ولد الزنا لقراباته من قبل امّه نحو ميراث ابن الملاعنة» «2».

و ردّت تارة بضعف السند، و أُخرى بالشذوذ، و ثالثة باحتمال الوهم في الاولى فزاد ولد الزنا اشتباهاً، و احتمال عدم كونه رواية بل يكون رأياً في الأخيرة، و احتمال عدم كون الأُمّ زانية في الجميع، بل ربّما يقال بأنّ صدق الام على الزانية غير معلوم، فلا يعلم شمول تلك الأخبار لمحلّ النزاع.

و الأوّل عندي مردود: بعدم اعتبار السند، بعد وجود الحديث في الاصول المعتبرة.

و الثاني: بمنع الشذوذ مع مخالفة جماعة من أجلّة القدماء.

و الثالث: بكون الاحتمال الأوّل ممّا لا يُصغى إليه في مقام الاستدلال، و الثاني غير مضرّ بعد وجود خبرين آخرين، و الثالث و إن كان محتملًا و لكنّ التخصيص به تخصيص بلا مخصّص، و نفي صدق الام على الزانية ما يكذبه العرف و اللغة، بل الاستعمالات الشرعيّة.

و يؤيّد الحكم أيضاً رواية داود بن فرقد: «أتى رجل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) فقال: يا رسول اللَّه، انّي خرجت و امرأتي حائض فرجعت و هي حبلى ، فقال له رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله): مَن تتّهم؟ قال: أتّهم رجلين، قال:

______________________________

(1) الفقيه 4: 232، 740، الوسائل 26: 278 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 10.

(2) الكافي 7: 164، 4، التهذيب 9: 344، 1238، الإستبصار 4: 183، 689، الوسائل 26: 276 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19،

ص: 440

ائت بهما، فجاء بهما، فقال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله): إن يك ابن هذا فسيخرج قَطَطاً «1» كذا و كذا، فخرج كما قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله)، فجعل معقلته على قوم امّه و ميراثه لهم، و لو أن إنساناً قال له: يا بن الزانية لجلد الحد» «2».

و قد يضعّف تلك الأخبار بمرجوحيّتها بالنسبة إلى المتقدمة بموافقة العامّة كما في السرائر، و الغنية «3».

و فيه: أنّ الرجوع إلى التراجيح عند المعارضة بالعموم من وجه أو التساوي، دون ما إذا كان بالعموم و الخصوص المطلقين كما في المسألة.

و المسألة عندي مشكلة و إن كان قول الصدوق لا يخلو من قرب و قوّة.

هذا بالنسبة إلى الأبوين و من يتقرب بهما، و أما بالنسبة إلى الولد و إن نزل فالتوارث متحقّق بلا خلاف؛ لتحقّق النسبة الشرعيّة، فتشمله العمومات بلا معارض. و كذا الزوج و الزوجة، و المنِعم و المنعَم له، و ضامن الجريرة؛ لعمومات الأدلّة. و لو عدم الجميع فميراثه للإمام، كالزائد عن نصيب الزوجة.

المسألة الثانية: ولد الشبهة يرث و يورث منه

بلا خلاف فيه، كما صرّح به في المفاتيح، و شرحه أيضاً «4»؛ لصدق النسبة، فتشمله عمومات الإرث طرّاً بلا معارض أصلًا.

و لو كان شبهة من أحد الأبوين زنا من الآخر يرث و يورث من جانب

______________________________

(1) جَعْدٌ قَطَطٌ أي: شديد الجُعودة. و قد قَطِطَ شَعْره. الصحاح 3: 1154.

(2) الكافي 5: 490، 1، التهذيب 8: 182، 636، الوسائل 21: 497، أبواب أحكام الأولاد ب 100 ح 2.

(3) السرائر 3: 276، الغنية (الجوامع الفقهية): 608.

(4) المفاتيح 3: 314.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 441

الشبهة، و لا يضرّ انكشاف الشبهة في صحّة الانتساب، لأنّ الاشتباه أيضاً أحد الأسباب المحلّلة حال الاشتباه،

المثبتة للنسب شرعاً، فالنسب صحيح شرعاً، و إن ظهر فساد سببه، فالنسب صحيح و إن كان سببه فاسداً في نفس الأمر، لاعتبار الشارع تلك النسبة. و أمّا النسب الفاسد بنفسه فهو أن يظهر عدم النسبة، و مثل ذلك لا يوجب توارثاً.

و أمّا ما قاله في القواعد: من أنّ الأسباب الفاسدة تنفي التوارث إجماعاً، و الأنساب الفاسدة لا تنفيه «1»، فمراده من النسب الفاسد: النسبة الحاصلة شرعاً بالسبب الفاسد واقعاً، كنسبة ولد الشبهة، و المراد بالسبب الفاسد: مثل ما لو تزوّج أحد امّه الرضاعيّة جهلًا ثم انكشف الحال، فلا ترث الزوجة بالزوجية، و لكن ترث ولدها بالولدية.

المسألة الثالثة [حكم الخنثى ]:

الخنثى إمّا واضح أو مشكل. و الأول من يمكن استعلام حاله أنه ذكر أو أُنثى، أمّا بعلامات ظاهرة، كاللحية، و الجماع، و الحيض، و الثدي، و الحبل، أو نحوها، أو بما ورد الامتياز به في الشرع.

و الثاني من لم يمكن. و يظهر من السيد في الانتصار: أنّ من يحتاج في التميز إلى ما به الامتياز الشرعيّ فهو أيضاً مشكل «2». و الأمر في ذلك هيّن.

ثم الأول فحكمه ظاهر؛ لأنه يرث إرث من يلحق به من الذكر أو الأُنثى . و إنما المهم بيان كيفية الاستعلام و التشخيص إن لم يتشخّص من العلامات الظاهرة.

و طريقه: أن يعتبر ببوله، فإن بال من فرج الرجال فيلحق بهم، و له مالهم، و إن بال من فرج النساء فهي امرأة، و لها ما لهنّ، بلا خلاف فيه.

______________________________

(1) القواعد 2: 190.

(2) الانتصار: 306.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 442

و لا يتوهّم من عدم تعرض العماني لأصل البول، حيث قال: لو لم يظهر من العلامات يورث من المبال، فإن سلسل البول على فخذه فهو امرأة، و

إن زرق كما يزرق الرجل فهو رجل «1»، أنه لم يعتبر أصل البول؛ لأنه ذكر أوّلًا أنه إذا علم بالعلامات كالحيض، و الاحتلام، و اللحية، و ما أشبه ذلك، فلا إشكال. و من البيّن أنّ اختصاص البول من العلامات الظاهرة، فهو داخل فيما أشبه ذلك. فالمسألة إجماعيّة.

فيدلّ عليها الإجماع، و المستفيضة من الأخبار، كصحيحة داود بن فرقد: عن مولود ولد، و له قبل و ذكر، كيف يورث؟ قال (عليه السّلام): «إن كان يبول من ذكره فله ميراث الذكر، و إن كان يبول من القبل فله ميراث الأُنثى » «2».

و مرسلة ابن بكير: في مولود له ما للذكر و ما للأُنثى ، قال: «يورث من الموضع الذي يبول، إن بال من الذكر ورث ميراث الذكر، و إن بال من موضع الانثى ورث ميراث الأُنثى » «3».

و رواية طلحة بن زيد: «كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يورّث الخنثى من حيث يبول» «4».

و نحوها المروي في العيون «5».

و قول أبي الحسن الثالث (عليه السّلام) في رواية موسى بن محمد: «أمّا قول

______________________________

(1) حكاه عن العماني في المختلف: 745.

(2) الكافي 7: 156، 1، التهذيب 9: 353، 1267، الوسائل 26: 283 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 1 ح 1.

(3) الكافي 7: 157، 4، الوسائل 26: 284 أبواب ميراث الخنثى ب 1 ح 3.

(4) الكافي 7: 156، 2، التهذيب 9: 353، 1268، الوسائل 26: 283 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 1 ح 2.

(5) عيون اخبار الرضا 2: 74، 350، الوسائل 26: 284 أبواب ميراث الخنثى ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 443

عليّ (عليه السّلام) في رواية موسى بن محمد: «أمّا قول عليّ (عليه السّلام) في الخنثى : إنه

يورث من المبال، فهو كما قال» «1».

و المروي عن إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب الغارات، و فيه: «فانظروا إلى سبيل البول، فإن خرج من ذكره فله ميراث الرجل، و إن خرج من غير ذلك فورثوه مع النساء» «2». إلى غير ذلك، ممّا يأتي.

و إن لم يتشخص من ذلك، بأن يبول من الفرجين، اعتبر ابتداء بوله و سبقه، فمن أيّهما سبق يلحق بأهله؛ وفاقاً للأكثر، منهم: المفيد في الإعلام و شرحه، و الحلّي، و الشيخ في النهاية و الخلاف و المبسوط، و الإسكافي، و علي بن بابويه، و القاضي في المهذّب و الكامل، و ابن حمزة، و المحقّق و الفاضل «3»، و سائر من تأخر عنهما «4»، بل في الإعلام و السرائر و المسالك و شرح الإرشاد للأردبيلي و عن التحرير و الإيضاح و شرح الشرائع للصيمري «5» و غيرهم «6»: الإجماع عليه.

______________________________

(1) الكافي 7: 158، 1، التهذيب 9: 355، 1272، تحف العقول: 480، الوسائل 26: 290 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 3 ح 1.

(2) الغارات 1: 193، الوسائل 26: 284 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 1 ح 6. و فيه «مسيل البول» بدل «سبيل البول».

(3) الأعلام (مصنفات الشيخ المفيد 9): 62، و فيه: .. نظر إلى الأغلب منهما بالكثرة فورث عليه، الحلي في السرائر 3: 277، النهاية: 677، الخلاف 4: 106، المبسوط 4: 114، حكاه عن الإسكافي و علي بن بابويه في المختلف: 745، المهذّب 2: 171، و حكاه عن الكامل في المختلف: 746؛ ابن حمزة في الوسيلة: 401، المحقق في الشرائع 4: 44، الفاضل في القواعد 2: 181.

(4) كما في الدروس 2: 378، و التنقيح 4: 209، و المهذّب

البارع 4: 424، و كشف اللثام 2: 303، و الرياض 2: 375.

(5) السرائر 3: 277، المسالك 2: 340، التحرير 2: 174، الإيضاح 4: 249.

(6) كما في الانتصار: 307، و المهذّب البارع 4: 424.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 444

لصحيحة هشام: المولود يولد، له ما للرجال و له ما للنساء، قال: «يورث من حيث سبق بوله، فإن خرج سواء فمن حيث ينبعث، فإن كان سواء ورث ميراث الرجال و النساء» «1».

و الأُخرى: «قضى عليّ (عليه السّلام) في الخنثى له ما للرجال و له ما للنساء، قال: يورّث من حيث يبول، فإن خرج منهما جميعا فمن حيث سبق» الحديث «2».

و رواية إسحاق بن عمار: «الخنثى يورّث من حيث يبول، فإن بال منهما جميعاً فمن أيّهما سبق البول ورث منه، فإن مات و لم يبل فنصف عقل المرأة و نصف عقل الرجل» «3».

و مرسلة الكافي: «في المولود، له ما للرجال و له ما للنساء يبول منهما جميعاً، قال: «من أيّهما سبق» قيل: فإن خرج منهما جميعاً؟ قال: «فمن أيّهما استدرّ» قيل: فإن استدرّا جميعاً؟ قال: «فمن أبعدهما» «4».

خلافاً لظاهر العماني و الصدوق و السيّد و المفيد في المقنعة و الديلمي، فلم يذكروا السبق أصلًا، بل اعتبر الأول ما مرّ من تسلسل البول و زرقه «5»، و الثاني لم يعتبر بعد أصل البول شيئاً «6»، و الثالث رجع بعده إلى

______________________________

(1) الكافي 7: 157، 3، الوسائل 26: 285 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 2 ح 1.

(2) التهذيب 9: 354، 1269، الوسائل 26: 286 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 2 ذيل الحديث 1.

(3) الفقيه 4: 237، 759، التهذيب 9: 354، 1270، الوسائل 26: 286 أبواب ميراث

الخنثى و ما أشبهه ب 2 ح 2.

(4) الكافي 7: 157، 5، الوسائل 26: 284 أبواب ميراث الخنثى ب 1 ح 4.

(5) حكاه عن العماني في المختلف: 745.

(6) الصدوق في المقنع: 177.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 445

الأغلب و الأكثر دون شي ء آخر «1»، و الأخيران اعتبرا القطع أخيراً دون غيره «2». هذا ما يستفاد من عباراتهم المنقولة في المختلف «3».

و منهم من نسب إلى الأخير اعتبار الغلبة و الكثرة أيضاً «4». و منهم من نسب إلى الصدوقين و الإسكافي عدم اعتبار شي ء من ذلك، و إلى المهذّب و الإصباح و محتمل المبسوط و النهاية اعتبار القطع أخيراً بعد التساوي في أصل البول «5».

و كيف كان فلا وجه لشي ء ممّا ذكر، بعد دلالة الأخبار الصريحة الصحيحة و المنجبرة على اعتبار السبق بعد الأصل، و عدمِ دليل على اعتبار الغلبة و الكثرة، و لا على القطع أخيراً. و توجيه الغلبة و الكثرة بأنّ السبق ملازم لهما، في حيّز المنع، فإنّه غير معلوم.

و لو لم يتشخّص من ذلك بأن يدرّ منهما دفعة واحدة، فذهب جماعة كالشيخ في الخلاف و المبسوط و النهاية، و القاضي و ابن حمزة و الحلّي و ابن زهرة و المحقّق في الشرائع و الفاضل و الشهيدين «6»، و غيرهما من المتأخرين على ما قيل «7»، بل الديلمي و لكن من غير اعتبار السبق «8» أنّه

______________________________

(1) السيد في الانتصار: 306.

(2) المقنعة: 698، الديلمي في المراسم: 225.

(3) المختلف: 745.

(4) انظر الرياض 2: 375.

(5) انظر كشف اللثام 2: 302.

(6) الخلاف 4: 106، المبسوط 4: 114، النهاية: 677، القاضي في المهذّب 2: 171، ابن حمزة في الوسيلة: 402، الحلي في السرائر 3: 277، ابن زهرة في

الغنية (الجوامع الفقهية): 608، الشرائع 4: 44، الفاضل في القواعد 2: 181، الشهيد في الدروس 2: 378، الشهيد الثاني في الروضة 8: 192.

(7) انظر الرياض 2: 376.

(8) المراسم: 225.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 446

يورّث على ما ينقطع عنه أخيراً، و عن الحلّي نفي الخلاف فيه «1».

و استدّل له بقوله: «من حيث ينبعث» في صحيحة هشام، و قوله: «يستدرّ» و قوله: «فمن أبعدهما» في مرسلة الكافي المتقدمتين.

و لا أرى له وجهاً، فإنّ الظاهر من الانبعاث و الاستدرار: الاقتضاء و الدغدغة. و إن منع إرادة ذلك لكونه أمراً خفيّاً لا يظهر لغير صاحبه الذي لا يقبل قوله هنا لجلبه النفع لنفسه فيحصل الإجمال في المراد.

و من الأبعد «2»: الأبعد من المبال كما ورد في بعض أخبار أُخر واردة فيمن ليس له ما للرجال و النساء بلفظ التنحّي «3».

و القول بأنّ المنقطع أخيراً يكون أشدّ انبعاثاً و دراً، في حيّز المنع.

و لذا تردّد في النافع في اعتبار القطع «4»، و لم يعتبره جماعة، إما مع اعتبار السبق كالإسكافي و والد الصدوق، أو بدون اعتباره أيضاً كالعماني و الصدوق و السيّد. و هو الأقوى ؛ لعدم دليل على اعتباره أصلًا. فيصير حينئذ من الثاني، أي الخنثى المشكل.

و اختلفوا في حكمه على أقوال:

الأوّل: الرجوع إلى القرعة. ذهب إليه الشيخ في الخلاف مدّعياً عليه إجماع الفرقة «5»، و مال إليه بعض الأجلّة «6». و لو مات و لم يستعلم حاله نفى القرعة حينئذ الشبهة.

______________________________

(1) السرائر 3: 277.

(2) عطف على الانبعاث، أي: و الظاهر من الأبعد ..

(3) كما في الوسائل 26: 294 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 4 ح 5.

(4) النافع: 275.

(5) الخلاف 4: 106.

(6) كالفاضل الهندي في كشف

اللثام 2: 303.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 447

و الثاني: أنّه تُعدّ أضلاعه، فإن اختلف أحد الجانبين فذكر، و إن تساويا عدداً فانثى . و هو مختار المفيد في الإعلام و السيّد في الانتصار، و الحلّي في السرائر، و الإسكافي «1»، و ادّعى الأوّلان الإجماع عليه، و الثالث نسبه إلى الأكثر من المحصلين، بل اعتضد له بالإجماع و الخبر المتفق عليه.

و الثالث: أنّه يعطى نصف ميراث رجل و نصف ميراث امرأة. و هو مذهب الصدوقين، و المفيد في المقنعة، و الشيخ في النهاية و الإيجاز و المبسوط، و الديلمي و القاضي و ابني زهرة و حمزة «2»، و أكثر المتأخرين «3»، بل عامّتهم، و نسبه في النافع و القواعد و التنقيح و الدروس و الروضة و شرح الشرائع للصيمري «4» و غيرها «5» إلى الأشهر.

و نقل بعض مشايخنا المعاصرين عن بعض معاصريه التفصيل، باختيار الثاني إذا علم عدد أضلاعه قبل موته، و الثالث إذا لم يعلم ذلك «6».

دليل الأوّل: ما ورد عنهم (عليه السّلام): «إنّ القرعة لكل أمر مشتبه» «7»

______________________________

(1) الأعلام (مصنفات الشيخ المفيد 9): 62، الانتصار: 306، السرائر 3: 279 282، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 193.

(2) الصدوق في المقنع: 177، حكاه عن والده في المختلف: 745، المقنعة: 698، النهاية: 677، الإيجاز (الرسائل العشر): 275، المبسوط 4: 114، الديلمي في المراسم: 225، القاضي في جواهر الفقه: 163، و المهذّب 2: 171، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 608، ابن حمزة في الوسيلة: 402.

(3) منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 505، و العلّامة في المختلف: 746، و الشهيد في الدروس 2: 379.

(4) النافع: 275، القواعد 2: 181، التنقيح 4: 212، الدروس 2: 379، الروضة

8: 194.

(5) كالإيضاح 4: 249.

(6) انظر الرياض 2: 376.

(7) الوسائل 27: 249 أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ب 12.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 448

و تعضده المستفيضة الآمرة بالقرعة في توريث من ليس له فرج الرجال و لا النساء «1».

و للثاني: صحيحة محمد بن قيس «2» و رواية ميسرة بن شريح «3» الطويلتان، المتضمّنتان لعدّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) الأضلاع، و الإلحاق بالرجل بعد الاختلاف، و إن اختلفت الروايتان في عدد الأضلاع، و يوافق الأُولى أيضاً رواية المفيد في إرشاده «4»، و لكن اتّفق الجميع في اعتبار أصل الاختلاف، و روى اعتبار ذلك الشيخ في الخلاف و العماني «5»، و ادّعى الحلّي الخبر المتّفق عليه فيه «6».

و قد يستدل له أيضاً برواية السكوني: «فتعدّ أضلاعه، فإن كانت ناقصة عن أضلاع النساء بضلع ورث ميراث الرجال، لأنّ الرجل تنقص أضلاعه عن ضلع المرأة بضلع» «7».

و حجّة الثالث: صحيحتا هشام، و رواية إسحاق المتقدّمة «8»، و المروي في قرب الإسناد للحميري: «إنّ علياً (عليه السّلام) قضى في الخنثى الذي له ذكر و فرج: أنه يرث من حيث يبول، فإن بال منهما جميعاً فمن أيّهما سبق، فإن لم يبل من واحد حتّى يموت فنصف ميراث المرأة و نصف ميراث الرجل» «9».

______________________________

(1) الوسائل 26: 291 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 4.

(2) الفقيه 4: 238، 762، الوسائل 26: 288 أبواب ميراث الخنثى ب 2 ح 5.

(3) التهذيب 9: 354، 1271، الوسائل 26: 286 أبواب ميراث الخنثى ب 2 ح 3.

(4) إرشاد المفيد 1: 213، الوسائل 26: 288 أبواب ميراث الخنثى ب 2 ح 5.

(5) الخلاف 4: 106، حكاه عن العماني في المختلف: 745.

(6) السرائر 3: 280.

(7)

الفقيه 4: 238، 760، الوسائل 26: 287، أبواب ميراث الخنثى ب 2 ح 4.

(8) راجع ص: 444.

(9) قرب الإسناد: 144، 517، الوسائل 26: 289 أبواب ميراث الخنثى ب 2 ح 6.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 449

أقول

: دليل الأوّل إنّما يتمّ لو لم يتمّ دليل الأخيرين، و بقيت الواقعة على الشبهة، فاللازم التكلّم فيهما.

فنقول: أمّا دليل الثاني، فغاية ما يقال عليه: هو ضعف السند، و لا يخفى ضعفه، فإنّ بعد وجود الرواية في الأُصول المعتبرة و تكون فيها الصحيحة، و مع ذلك كانت بدعوى الإجماع المتعدّدة و شهادة الاتّفاق على الرواية منجبرة، فأيّ ضرر في ضعف سند بعض أخبار المسألة؟! و أمّا قول العماني: من أنّه لم يصحّ عندي خبر عدّ الأضلاع «1»، فهو غير موهن له، لأنّه لم ينف الصحّة، و إنّما نفى ثبوتها عنده، مع أنّه لا وهن بنفيه الصحّة أيضاً.

و قد يقال عليه أيضاً: باختلاف العدد الوارد في الأخبار، ففي بعضها أنّ بعد العدّ كان عدد الأيمن اثنى عشر و الأيسر أحد عشر، و في بعضها أنّ الأيمن كان تسعة و الأيسر ثمانية.

و فيه: أنّه لا يضرّ بعد الاتّفاق على اعتبار أصل الاختلاف، مع أنّه يمكن أن يكونا في واقعتين و اختلف أضلاع الشخصين.

و لا يضرّ أيضاً دلالة أكثر الروايات على أنّ المعتبر اختلاف أعداد ضلعي الرجل، و دلالة رواية السكوني على أنّ المعتبر نقصان عدد أضلاع الرجل عن أضلاع المرأة بضلع؛ لأنّ الأمرين متلازمان، إذ بعد تساوي أعداد ضلعي المرأة يكون أعدادها زوجاً، فبعد نقص واحد منها يكون الباقي فرداً، فإذا قسّم العدد الفرد على ضلعي الرجل يختلف عدديهما.

و لا يضرّ أيضاً ما قيل: من أنّ الموافق للحسّ و التشريح

تساوي

______________________________

(1) حكاه عنه في المختلف: 745.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 450

أضلاع الرجال و النساء عدداً «1»؛ لأنّه يمكن أن تكون العلّة المذكورة في الأخبار من خلقة حواء من ضلع آدم، موجبة لحصول الاختلاف و لو في الأكثر أو في الجملة دون الكليّة، و لأجل ذلك قرّر الشارع بناء حكم الخنثى على ذلك.

و أمّا دليل الثالث: فهو و إن كان متضمّناً للصحيح، إلّا أنّ دلالته على هذا القول غير واضحة؛ لأنّ الصحيحين دلّا على أنّ له ميراث الرجال و النساء و هو غير المطلوب. و تأويله إليه لامتناع ما دلّا عليه لعدم قول به يصحّ إذا كان الامتناع معيّناً لإرادة ذلك، و ليس كذلك، لجواز إرادة معنى آخر لا نعلمه، و التعبير بذلك لجهة لا نعلمها، فإنّ الإجمال في الأخبار ليس بعزيز، و طرح الأخبار لمثل ذلك ليس بجديد.

و كذا رواية إسحاق، لأنّ إرادة الإرث من العقل ليست بدلالة لُغَويّة أو عرفيّة أو شرعيّة ثابتة، و لو سلّم فغاية ما تدلّ عليه إنّما هو بعد الموت، و كذا رواية الحميري. و يدلان بالمفهوم على انتفاء ذلك الحكم لو بال قبل الموت مطلقاً.

و بالجملة الروايات المعتبرة غير صريحة، و الصريحة منها ضعيفة، و لو قيل بانجبارها بالشهرة فبما بعد الموت مخصوصة، و دعوى الإجماع المركّب في أمثال تلك المسألة لا تخلو عن مجازفة.

ثمّ لو قطع النظر عن جميع ذلك، فلا أرى وجهاً مقبولًا لترجيح هذه الأخبار على أخبار عدّ الأضلاع، فالمسألة كموضوعها مشكلة، و إن كان القول الثاني أقرب، فعليه العمل. و اللَّه أعلم.

______________________________

(1) انظر كشف اللثام 2: 303.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 451

المسألة الرابعة: من له رأسان أو بدنان على حقو واحد

يوقظ أحدهما أو يصاح به، فإن انتبه أحدهما خاصّة

فهو اثنان فله ميراثان، و إلّا فواحد بلا خلاف فيه كما قيل «1»؛ لرواية حريز المجبرة «2».

و لو تولّد كذلك حيّاً ثمّ مات قبل الاستعلام و انتقل ميراثه إلى امه فيحصل الإشكال؛ و العمل بأصالة عدم تولّد الاثنين و عدم انتقال إرث الاثنين إلى الامّ ممكن.

المسألة الخامسة: من ليس له فرج الرجال و لا النساء

يورث بالقرعة؛ لدلالة المعتبرة المستفيضة المعتضدة بعمل جلّ الطائفة عليه «3»؛ و لو قيل بالاعتبار أوّلًا بتنحي البول و عدمه، فالأوّل ذكر و الثاني أُنثى كما في مرسلة ابن بكير «4» و مع التساوي يرجع إلى القرعة أمكن.

المسألة السادسة: تبرّؤ الوالد عن جريرة ولده و ميراثه لا يؤثّر

على الأظهر الأشهر. و الخبران الدالان على تأثيره «5» مع عدم صراحة أحدهما شاذان، كما صرّح به الشيخ في الحائريات و الحلي و الشهيدان و المحقق «6»،

______________________________

(1) انظر كشف اللثام 2: 308 و الرياض 2: 378.

(2) الكافي 7: 159، 1، الفقيه 4: 240، 764، التهذيب 9: 358، 1278، الوسائل 26: 295 أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ب 5 ح 1.

(3) انظر المقنعة: 698، و المقنع: 177، و المبسوط 4: 114.

(4) الكافي 7: 157، 4، التهذيب 9: 357، 1277، الإستبصار 4: 187، 702، الوسائل 26: 294 أبواب ميراث الخنثى ب 4 ح 5.

(5) الفقيه 4: 229، 731، التهذيب 9: 348، 1252 1253، الاستبصار 4: 185، 696 و 697، الوسائل 26: 272 و 273 أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 7 ح 2 و 3.

(6) حكاه عن الحائريات في السرائر 3: 286، الحلي في السرائر 3: 286، الشهيدان في اللمعة و الروضة 8: 213، المحقق في الشرائع 4: 44، و النافع: 274.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 452

و ادّعى بعضهم إجماع أصحابنا بل المسلمين كافّة على خلافه «1».

المسألة السابعة [لو يعلم بحياة الوارث بعد المورث ]

قالوا: يشترط في إرث شخص عن آخر، العلم بحياة الوارث بعد المورّث و لو بطرفة عين، فلو لم يعلم ذلك فله صور خمس: لأنّ عدم العلم بذلك إمّا لأجل العلم باقتران موتهما، أو لأجل عدم العلم بالاقتران أو تقدّم أحدهما فيشتبه المعيّة و التقدّم، أو لأجل عدم العلم بالمتقدّم مع العلم بعدم المعيّة و الاقتران، ثمّ كلّ من الأخيرين على قسمين، أحدهما: أن لا يتعيّن زمان موت أحدهما أيضاً، و ثانيهما: أن يتعيّن ذلك، و كان الشك لأجل عدم العلم بزمان موت الآخر.

و الظاهر عدم الإشكال في القسمين

الأخيرين، و هما اللذان يعلم فيهما زمان موت أحدهما، فيعمل في الآخر بأصالة تأخر الحادث، و لعلّه لا خلاف فيه أيضاً، إلّا ما مرّ في مسألة ميراث المفقود عن التحرير و ردّه «2».

و كذا لا إشكال في الأوّل؛ لأنّ بعد العلم بالمعيّة يعلم عدم حياة الوارث بعده، التي هي شرط الإرث، و لا خلاف فيه، بل هو إجماعيّ محقّقاً و محكياً «3»، فهو الدليل عليه.

مضافاً إلى ما مرّ من ثبوت اشتراط التوريث الذي هو مخالف للأصل بتحقق حياة الوارث بعد المورّث.

و إلى رواية القداح: «ماتت أُمّ كلثوم بنت علي (عليه السّلام) و ابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة لا يدري أيّهما هلك قبل، فلم يورث أحدهما عن الآخر، و صلّى عليهما جميعاً» «4».

______________________________

(1) كما في السرائر 3: 286، و التنقيح 4: 209.

(2) راجع ص: 103.

(3) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 608، و الرياض 2: 378.

(4) التهذيب 9: 362، 1295، الوسائل 26: 314 أبواب ميراث الغرقى ب 5 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 453

و إلى مفهوم العلة في رواية قابوس، عن أبيه عن علي (عليه السّلام): أنّه قضى في رجل و امرأة ماتا جميعاً في الطاعون، ماتا على فراش واحد و يد الرجل و رجله على المرأة، فجعل الميراث للرجل، و قال: «إنّه مات بعدها» «1».

و كذلك الصورة الثانية، بلا خلاف يعرف فيها أيضاً، و نسبه بعضهم إلى تصريح الأصحاب. و في المسالك «2» و شرح المفاتيح الإجماع عليه.

و تدلّ عليه بعد ظاهر الإجماع رواية القداح، المنجبر ضعفها لو كان بما مرّ.

و يدلّ عليه أيضاً أنّ إرث شخص عن آخر موقوف بالعلم بوارثيّة الأوّل للثاني، لا مجرّد وجود المنتسب الواقعي

و إن لم يعلمه أحد، فإنّ المراد بإرثه عنه حلّية تصرّف الوارث في ماله تصرفاً ملكيّاً، و وجوب اجتناب الأبعد منه عنه و حرمته عليه، و وجوب إعطاء مَن المال بيده إليه، و حكم الحاكم به، و نحو ذلك، فإنّه إذا كان ولد لشخص لا يعلم أحد ولديّته، كما إذا تمتّع بامرأة و ولد له ولد و لم يعلم به الوالد و لم يعرف الولد والده، أو الحق بوالد آخر بوجه شرعيّ، لا تترتّب آثار التوريث في ماله له، و لا يحرم على الأبعد منه أخذ مال المورّث إرثاً، و لا على سائر من يساوي أخذ حصّته.

و بالجملة: المراد بالتوريث ترتّب آثاره الظاهرية، و لا شك أنه موقوف على العلم بوجود الوارث و وارثيّته، فشرط التوريث ليس مجرّد

______________________________

(1) الكافي 7: 138، 6 و فيه: مرفوعاً، التهذيب 9: 361، 1289، الوسائل 26: 314 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 5 ح 3.

(2) المسالك 2: 343.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 454

الوجود و الانتساب الواقعيّ، لأنه تكليف بما لا يطاق و إغراء بالجهل، بل هو العلم بهما و لو بدليل شرعيّ، كاستصحاب بلا معارض و نحوه.

و على هذا فنقول: إنّ شرط توريث أحد المشتبهين عن الآخر العلم ببقاء حياته بعد الآخر. و هو منتف فكذلك المشروط.

و ممّا ذكرنا يندفع ما ذكره صاحب الكفاية بعد الاستدلال للمشروط بأنّ الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط بقوله: و لقائلٍ أن يقول: ثبوت الإرث له- أي لغير هذا المشكوك فيه ممّن هو أبعد منه مشروط بعدم وجود الأقرب عند موت المورّث، و ثبوت الجميع له مشروط بعدم مشارك له في مرتبته عند موت المورّث، فالشكّ في الشرط يقتضي

الشكّ في المشروط «1».

فإنّا نقول: إنّ ثبوت الإرث للغير أو المساوي مشروط بعدم العلم بوجود الأقرب أو المساوي عند موت المورّث، و هو حاصل؛ كما أنّ الحكم بثبوت الإرث لهذا المشكوك فيه مشروط بالعلم بوجوده، و هو غير حاصل.

و ممّا ذكر يظهر الحكم في الصورة الثالثة أيضاً، و هي ما إذا علم عدم المعيّة، و لكن لم يعلم المتقدّم موته منهما عن المتأخر، فلا يورث أحدهما عن الآخر أيضاً؛ لما ذكر أخيراً، بل لرواية القداح أيضاً «2»، فإنّ ظاهر قوله: «لا يدري أيّهما هلك قبل» أنّ التشكيك في المتقدّم و المتأخّر دون التقدّم و عدمه، بل هو الظاهر من القرينة الحاليّة أيضاً، لندور فرض المعيّة الحقيقيّة البتّة.

______________________________

(1) الكفاية: 307.

(2) المتقدّمة في ص: 452.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 455

و الظاهر أنّه لا خلاف في ذلك أيضاً، و إن وقع التعبير في كلام كثير بمثل قولهم: و لو اشتبه التقدّم «1»، الظاهر في أنّ الشك في التقدّم و المعيّة، و لكن مرادهم ما يشمل الشكّ في المتقدّم و المتأخّر أيضاً كما في كلام بعض آخر «2».

ثمّ إنّ هذا هو الأصل و القاعدة، و قد يستثنى منه بعض الصور كما يأتي.

المسألة الثامنة [إرث الغرقى و المهدوم عليهم بعضهم بعضا مع اشتباه المتقدم و المتأخر]
اشاره

استثني من القاعدة المذكورة: الغرقى ، و المهدوم عليهم، فإنّه يرث بعض المغرقين بعضاً، و بعض المهدومين بعضاً مع اشتباه المتقدّم و المتأخّر، بالإجماع المحقق، و المحكي مستفيضاً «3»، و قال العماني: يرث الغرقى و الهدمى عند آل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) «4».

و دليل الاستثناء: الإجماع، و النصوص المتكثّرة، منها صحيحة البجلي: عن القوم يغرقون في السفينة، أو يقع عليهم البيت فيموتون و لا يعلم أيّهم قبل صاحبه، فقال: «يورّث بعضهم عن بعض»

«5».

و نحوها الأُخرى «6».

و الثالثة: عن بيت وقع على قوم مجتمعين فلا يدري أيّهم مات قبل، قال، فقال: «يورّث بعضهم من بعض» قلت: فإنّ أبا حنيفة أدخل فيها شيئاً، قال: «و ما أدخل؟» قلت: رجلين أخوين أحدهما مولاي و الآخر مولى لرجل، لأحدهما مائة ألف درهم و الآخر ليس له شي ء، ركبا في

______________________________

(1) انظر الشرائع 4: 49، و القواعد 2: 191، و المفاتيح 3: 319.

(2) انظر المسالك 2: 343، و الكفاية: 308.

(3) كما في المسالك 2: 343، و الرياض 2: 378.

(4) حكاه عنه في المختلف: 750.

(5) الكافي 7: 136، 1، الفقيه 4: 225، 713، الوسائل 26: 307 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 1 ح 1.

(6) الكافي 7: 136، 1، الفقيه 4: 225، 713، الوسائل 26: 307 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 1 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 456

السفينة فغرقا فلم يدر أيّهما مات أوّلًا، كان المال لورثة الذي ليس له شي ء، و لم يكن لورثة الذي له المال شي ء. قال، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): «لقد سمعها و هو هكذا» قلت: و لو أنّ مملوكين أعتقت أنا أحدهما و أعتقت أنت الآخر، لأحدهما مائة ألف و الآخر ليس له شي ء فقال: «مثله» «1».

و الرابعة: رجل و امرأة سقط عليهما البيت فماتا، قال: «يورث الرجل من المرأة و المرأة من الرجل» قال، قلت: فإنّ أبا حنيفة قد أدخل عليهم في هذا شيئاً، قال: «فأيّ شي ء أدخل عليهم؟» قلت: رجلين أخوين أعجميين ليس لهما وارث إلّا مواليهما، أحدهما له مائة ألف درهم معروفة، و الآخر ليس له شي ء، ركبا سفينة فغرقا، فأخرجت المائة ألف، كيف يصنع بها؟ قال: «تدفع

إلى موالي الذي ليس له شي ء» فقال: «ما أدخل فيها، صَدَق، هو هكذا» ثمّ قال: «يدفع المال إلى موالي الذي ليس له شي ء، و لم يكن للآخر مال يرثه موالي الآخر، فلا شي ء لورثته» «2».

و صحيحة محمد: في الرجل يسقط عليه و على امرأته بيت، قال: «تورث المرأة من الرجل، و يورث الرجل من المرأة» معناه يورث بعضهم من بعض من صلب أموالهم، لا يورثون ممّا يورث بعضهم بعضاً شيئاً «3».

و الأُخرى: عن رجل سقط عليه و على امرأته بيت، فقال: «تورث

______________________________

(1) الكافي 7: 137، 2، التهذيب 9: 360، 1286، الوسائل 26: 309 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 2 ح 1.

(2) الكافي 7: 137، 3، التهذيب 9: 360، 1287، الوسائل 26: 309 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 2 ح 2.

(3) الكافي 7: 137، 5، التهذيب 9: 361، 1288، الوسائل 26: 310 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 3 ح 1.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 457

المرأة من الرجل، ثمّ يورث الرجل من المرأة» «1».

و مثلها موثقة البقباق «2»، و رواية عبيد بن زرارة أيضاً، أو صحيحته «3».

و صحيحة محمد بن قيس: «قضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل و امرأة انهدم عليهما بيت فماتا، و لا يدري أيّهما مات قبل صاحبه، فقال: يرث كلّ واحد منهما زوجه كما فرض اللَّه لورثتهما» «4».

و رواية البصري: عن القوم يغرقون أو يقع عليهم البيت، قال: «يورث بعضهم من بعض» «5».

و قريبة منها موثّقة البقباق «6».

و مرسلة أبان: عن قوم سقط عليهم سقف، كيف مواريثهم؟ فقال: «يورث بعضهم من بعض» «7».

و مرسلة حمران: في قوم غرقوا، جميعاً أهل البيت قال: «يورث

______________________________

(1) التهذيب 9:

359، 1282، الوسائل 26: 315 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 6 ح 2.

(2) الفقيه 4: 225، 714، الوسائل 26: 315 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 6 ح 3.

(3) التهذيب 9: 359، 1281، الوسائل 26: 315 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 6 ح 2.

(4) الفقيه 4: 225، 715، التهذيب 9: 359، 1283، الوسائل 26: 308 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 1 ح 2.

(5) التهذيب 9: 360، 1284، الوسائل 26: 308 أبواب ميراث القربى و المهدوم عليهم ب 1 ح 3.

(6) الفقيه 4: 225، 714، التهذيب 9: 360، 1285، الوسائل 26: 308 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 1 ح 4.

(7) التهذيب 9: 362، 1293، الوسائل 26: 308 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 1 ح 5.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 458

هؤلاء من هؤلاء، و هؤلاء من هؤلاء، لا يورث هؤلاء ممّا ورثوا من هؤلاء شيئاً، و لا يورث هؤلاء ممّا ورثوا من هؤلاء شيئاً» «1».

ثمّ إنّه يشترط الحكم بتوريث بعضهم من بعض بشروط أربعة:

الأوّل: أن يشتبه الحال في تقدّم موت أحدهما على الآخر و تأخّره عنه؛ فلو علم اقترانه فلا إرث، و لو علم المتقدّم ورثه المتأخر من غير عكس، إجماعاً؛ له، و لاختصاص أكثر النصوص المتقدّمة بما كان كذلك، و ظهور البواقي فيه أيضاً، لأنّ بعد الغرق أو الهدم يشتبه الحال غالباً، و يخصّص بالإجماع لو لم يكتف فيه بالظهور المذكور.

و الثاني: أن يكون لجميع المهلكين أو لواحد منهم مال؛ لأنّ التوريث فرع تحقّق المال، و لو كان المال لواحد يرثه من لا مال له، ثمّ ينتقل إلى وارثه الحيّ.

و الثالث: أن يتحقّق

سبب الإرث بينهم، إمّا مقدّماً على جميع من سواهم، أو يكون شريكاً؛ فلو انتفى السبب كما لو لم يكن استحقاق إرث بالكلّية، أمّا لعدم النسب و السبب، أو لوجود مانع من كفر أو رقّ، أو وجود وارث حيّ لكلّ منهم أو لأحدهم حاجب للميّت الآخر، لم يثبت الحكم بالنسبة إلى ذي المانع؛ فلو غرق أخوان و لكلّ منهما ولد فلا توارث بينهما، بل كلّ منهما يحوز ميراثه ولده؛ بلا خلاف فيه أيضاً، و ذلك أيضاً إجماعيّ، و وجهه أيضاً ظاهر، و تدلّ عليه أيضاً عمومات منع الأقرب، و الحجب، و عمومات موانع الإرث.

و الرابع: أن تكون الموارثة ثابتة من الطرفين، فلو ثبت من أحدهما

______________________________

(1) التهذيب 9: 362، 1294، الوسائل 26: 311 أبواب ميراث الغرقى و المهدوم عليهم ب 3 ح 2.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 459

سقط هذا الحكم، كأخوين غرقا و لأحدهما ولد دون الآخر، فلا يرثه الأخ الآخر و لا يرث هو الآخر؛ و ادّعي على ذلك الإجماع أيضاً «1».

إلّا أنه نقل المحقق الطوسي في الفرائض النصيرية أنه قال قوم: بل يورث من الطرف الممكن «2». و مال إليه المحقّق الأردبيلي «3» و صاحب الكفاية أيضاً «4».

و هو غير جيّد، بل الأقوى هو المشهور؛ لأنّ الحكم ثابت على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على اليقين المنصوص من التوارث.

و قال في الكفاية: عموم قول الصادق (عليه السّلام): «يورث بعضهم من بعض» في أخبار متعدّدة يقتضي ثبوت الإرث هنا من جانب واحد انتهى «5».

و فيه: أنّ مقتضى إطلاق قوله (عليه السّلام) أنه يرث كلّ بعض من كلّ بعض- كما في آية اولي الأرحام و لمّا لم يمكن ذلك في المفروض فلا بدّ من ارتكاب أحد

التخصيصين: إمّا البعض بالبعض الوارث الخالي عن المانع، أو المهلكين بالمتوارثين، كما هو مورد كثير من الروايات؛ و إذ لا مرجّح فيدخل الإجمال، و لا يتحقّق للخروج عن القاعدة و الأصل هنا دليل. بل المرجّح في الجملة للأخير ثابت، و هو التصريح بالتوارث من الجانبين في مرسلة حمران المتقدّمة «6»، مع إطلاق المهلكين.

______________________________

(1) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 608.

(2) حكاه عنه في كشف اللثام 2: 312.

(3) حكاه عنه في الرياض 2: 378.

(4) الكفاية: 308.

(5) الكفاية: 308.

(6) في ص: 457.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 460

ثمّ كيفيّة التوريث إذا اجتمعت الشرائط: أنّه يرث كلّ منهما عن الآخر تلاد ماله دون طارقه، أي قديمه دون جديده، و بعبارة اخرى : من صلب تركته لا ممّا ورث عمّن مات معه، على الأشهر الأظهر، بل عليه عامّة من تأخر، و عن ظاهر الغنية الإجماع عليه «1».

لصحيحتي البجلي الثالثة و الرابعة، المصرّحتين بعدم شي ء لورثة الذي له مال، و لمرسلة حمران المتقدّمة المنجبرة ضعفها لو كان بعمل الأكثر و الإجماع المنقول، و المعاضدة بالتفسير المذكور في صحيحة محمّد الاولى «2».

و قد يستدلّ بوجوه أُخر عقليّة قابلة للخدش أيضاً.

خلافاً للمفيد و الديلمي، فورثا كلّاً من الكلّ حتّى ممّا ورث من الآخر «3».

لإطلاق الإرث في الأخبار المتقدّمة.

و لأنّه لولاه انتفت الفائدة فيما ورد في الأخبار كما يأتي من وجوب تقديم الأضعف نصيباً.

و لأنّ بعد فرض موت الأوّل و إعطاء ماله للثاني يصير ما اعطي مالًا للثاني أيضاً، فيرثه بعد فرض موته وارثه الذي هو الأوّل.

و يضعّف الأوّل: بمنع وجود إطلاق يشمل محلّ البحث، و لو سلّمنا يجب تقييده بما مرّ.

و الثاني: بمنع وجوب تقديم الأضعف كما يأتي، و لو سلّم فبمنع

______________________________

(1) الغنية

(الجوامع الفقهية): 608.

(2) راجع ص: 455 457.

(3) المفيد في المقنعة: 699، الديلمي في المراسم: 225.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 461

انحصار الفائدة فيما ذكر، لإمكان كونه تعبّداً محضاً، و للشرع علل خفيّة لا تكاد تصلها عقولنا القاصرة.

و الثالث: بما مرّ، من لزوم التخصيص بما مرّ، مع أنّ هذا التوريث على خلاف الأصل، فلا يمكن حمله على سائر المواريث و الحكم عليه بمقتضى أدلّة الباقي، بل يجب الاقتصار على المتيقّن.

فرعان:

أ

: لا يخفى أنّ توريث كلّ من الغرقى أو الهدمى عن الآخر إنّما هو بقدر نصيبه المقدّر شرعاً، كما صرّح به في صحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة «1». فالأب و الابن إذا لم يكن لهما وارث آخر يرث كلّ منهما جميع تركة الآخر، و لو كانت معهما للأب زوجة مغرقة هي أُمّ الابن، يرث كلّ من الأب و الأُم من الابن نصيبه، و يرث الابن من كلّ منهما نصيبه، و ترث الام من الزوج نصيبها. و هكذا لو كان معهما وارث مشارك حيّ يرث هو نصيبه من مورّثه.

ثمّ بعد تقسيم تركة الغرقى أو الهدمى بعضهم مع بعض و اختصاص كلّ بميراثه، يعطى ميراثه لسائر ورثته الأحياء لو فرض عدم من مات معه غرقاً أو هدماً من الوارث، النسبيّة أو السببيّة، أو الولائيّة الخاصّة أو العامّة.

ب

: قال في المقنع و المقنعة و النهاية و المبسوط و المراسم و الوسيلة و السرائر و الجامع و اللمعة: بأنّه يجب تقديم الأضعف في الإرث «2»، أي

______________________________

(1) في ص: 457.

(2) المقنع: 178، المقنعة: 699، النهاية: 674، المبسوط 4: 118، المراسم: 225، الوسيلة: 401، السرائر 3: 300، الجامع: 520، اللمعة (الروضة البهيّة 8): 219.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 462

أقلّ

نصيباً على الأكثر نصيباً؛ لمكان لفظة ثمّ في قوله: «ثمّ يورث الرجل» في صحيحة محمّد الثانية، و موثّقة البقباق، و رواية عبيد «1».

و يضعّف: بعدم دلالته على الوجوب، لمكان الجملة الخبريّة. و عدم معلوميّة علّية الأضعفيّة للتقديم فيه. و دعوى الإجماع في أمثال المقام شطط من الكلام.

فالأقوى الاستحباب حذراً عن مخالفة هؤلاء الأجلّة، وفاقاً للشيخ في الإيجاز و الغنية و الإصباح و الحلبي و الشرائع و التحرير و المختلف و الإرشاد و الدروس و الكفاية «2».

و لا ثمرة للمسألة بعد ما ذكر من اختصاص التوريث بأصل التركة.

المسألة التاسعة: هل يختصّ هذا الحكم بالغرقى و الهدمى؟
اشاره

أو يثبت في غيرهما من الأموات المشتبهين بغير ما ذكر من الأسباب الخارجية كالقتل و الحرق، سوى الأموات حتف أنفهم، فإنّهم لا يتوارثون إجماعاً، كما صرّح به جماعة «3».

فذهب المفيد «4»، بل المعظم كما في المسالك و عن الروضة «5»، و نسبه في الكفاية إلى الأصحاب «6» إلى الاختصاص.

______________________________

(1) المتقدمة جميعاً في ص: 457.

(2) الإيجاز (الرسائل العشر): 276، الغنية (الجوامع الفقهية): 608، الحلبي في الكافي في الفقه: 376، الشرائع 4: 50، التحرير 2: 175، المختلف: 750، الدروس 2: 353، الكفاية: 308.

(3) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 343، و السبزواري في الكفاية: 308، و صاحب الرياض 2: 387.

(4) المقنعة: 699.

(5) المسالك 2: 343، الروضة 8: 213.

(6) الكفاية: 308.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 463

و هو الأصحّ، اقتصاراً فيما يخالف الأصل على موضع النصّ، و لما روي من أنّ قتلى اليمامة و قتلى صفّين لم يرث بعضهم من بعض، بل ورثوا الأحياء «1» و ضعفه منجبر بعمل الأكثر.

و اختار الحلبي و ابن حمزة و الفاضل في القواعد: التعميم «2»، و قوّاه في المختلف أخيراً و إن استقرب الأوّل

أوّلًا «3»، و هو محتمل المبسوط و النهاية «4».

لأنّ الظاهر أنّ العلّة في التوارث الاشتباه، و هو حاصل في الجميع، و الاعتبار بجعل العلّة منقّحة قطعيّة لا مستنبطة ظنيّة، حتّى يكون من القياس الباطل عند الفرقة الناجية.

و يؤيّده فهم الراوي في صحيحتي البجلي الثالثة و الرابعة من حكمه (عليه السّلام) في المهدوم عليهم ثبوته في الغرقى ، و اعتراضه على أبي حنيفة في حكمه في الغرقى بما حكم «5».

و فيه أولًا: بالمعارضة، فيمكن أن يقال: إنّ الظاهر أنّ العلّة في نفي التوارث في رواية القداح المتقدّمة في المسألة السابعة «6»، بل الإجماع في موت حتف الأنف: الاشتباه، و الاعتبار بجعلها قطعيّة؛ و بعد فتح باب احتمال مدخليّة السبب الداخلي في نفي التوارث و الخارجي في إثباته،

______________________________

(1) انظر إيضاح الفوائد 4: 277.

(2) الحلبي في الكافي في الفقه: 376، ابن حمزة في الوسيلة: 400، القواعد 2: 191.

(3) المختلف: 750.

(4) المبسوط 4: 118، النهاية: 674.

(5) راجع ص: 455 و 456.

(6) في ص: 2799.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج 19، ص: 464

يبطل حكم الاعتبار بالمرّة، لأنّه لا تُفهم خصوصية قيد أصلًا، و إذا احتمل مدخليّة بعض أنواع الأسباب يسري الاحتمال إلى مدخليّة الغرق و الهدم أيضاً.

و ثانياً: بمنع فهم العلة قطعاً، غايته الظن الموجب للقياس المحرم. و أمّا فهم الراوي في الصحيحين فلا نسلّم أنه فَهَم الاتّحاد من فهم العلة، بل يجوز أن يكون اتّحاد حكم الهدمى و الغرقى معلوماً عندهم من الخارج كما في هذا الزمان، مع أنه لا يدل على فهمه الاتحاد أيضاً، بل يمكن أن يكون غرضه أنّ أبا حنيفة زاد في مسألة التوارث شيئاً آخر لا في مسألة المهدوم. فتأمل.

تتميم:

اعلم أنّه قد جرت عادة الفقهاء بذكر

حساب الفرائض، و بيان كيفيّة التقسيم على طريقة أهل الحساب، و بيان المناسخات، و كيفية التقسيم فيها في كتاب الفرائض.

و لمّا كان ذلك أمراً مضبوطاً غير محتاج إلى نقض و إبرام و استدلال و ترجيح، و كان فيما ذكر في كتاب واحد كفاية للباقين بالرجوع إليه، و مع ذلك لم يتوقف التقسيم غالباً على معرفة جميع قواعدها، رأينا ترك ذكرها، و الاشتغال بالأهم منه أولى ، و بمحافظة الوقت أحرى .

و الحمد للَّه و الصلاة و السلام على رسول اللَّه و آله أئمة الهدى

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.